You are on page 1of 7

‫الشهيد الزهراوي وكلمة الحق‬

‫بقلم سها جلل جودت‬

‫‪http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=17561‬‬

‫تمهيد‬

‫حكم العثمانيون الوطن العربي أربعة قرون وهم من أصل تركي‬


‫يقطنون في تركيا التي تقع في الشمال من بلد الشام وخاصة‬
‫سورية‪ ،‬وكانت آنذاك دولة قوية استطاعت أن تدخل البلد العربية‬
‫بحجة الدين السلمي لنها دولة مسلمة‪ .‬وهم أي التراك دافعوا عن‬
‫الدين السلمي وعملوا على انتشاره وزرع تعاليمه في بلدان أوروبا‬
‫الشرقية الشاسعة‪ ،‬وكان من مظاهر الطابع الديني عند التراك‬
‫تطبيقهم للشريعة السلمية في أحكامهم ‪ ،‬وتشييدهم للعديد من‬
‫المساجد الكبرى وحفاظهم على التقاليد السلمية ‪ ،‬وكانت البنية‬
‫العامة لمدنهم بشكل عام هي بنية إسلمية‪.‬‬

‫والعجيب كما يقول الدكتور الباحث محمد حامد الشريف‪ " :‬أنك ل ترى‬
‫في الشرق العربي منذ أيام إبراهيم باشا المصري حتى أواخر القرن‬
‫التاسع عشر حركة جدية للنفصال عن السلطة العثمانية‪ ،‬ورغم أن‬
‫مصر أسبق البلدان العربية إلى إنشاء وحدة ذاتية ‪ ،‬وهي أول مكان‬
‫ُبعثت فيه الروح الستقللية‪ ".‬ولما حدثت الفتنة العثمانية عام‬
‫‪1909‬والتي أدت إلى خلع السلطان عبد الحميد من قبل مناوئيه‬
‫الدستوريين في ‪17‬نيسان عام ‪،1909‬ستعم الفرحة‪ ،‬ولن درس‬
‫التاريخ كان عن شهداء السادس من أيار‪.‬‬

‫"جدي ‪ ،‬حدثني عن السفاح ؟"‬

‫وبلغت الكهولة أشدها في عيني الرجل وأخاديد وجهه ‪ ،‬لكنها لم تؤثر‬


‫على ذاكرته التي ما تزال تختزن الذكرى المقيتة المؤلمة عن إعدام‬
‫هذا السفاح اللئيم لهؤلء الشرفاء الخلصاء‪.‬‬

‫‪ -‬جمال باشا حكم بلد الشام بعد توليه الحكم ‪ ،‬وبلد الشام غنية‬
‫بطبيعتها الخلبة الساحرة وبمعادنها الثمينة ‪ ،‬وبمياهها العذبة النقية‬
‫إضافة إلى وجود ينابيع معدنية كبريتية ‪.‬‬
‫وبعد أن سطع نجم جمال باشا وهو خال من الجمال النساني في‬
‫الستانة وصفه الشاعر اللبناني نعمان نصر قائل ً‪:‬‬
‫ما جمال غير نذل ظالم وشقي ترك العصر شقيا‬
‫لقد ارتكب جمال باشا مجازر فظيعة ضد شعب بلد الشام ‪ ،‬استحق أن‬
‫يخلده التاريخ تحت اسم " السفاح " ‪ ،‬وتذكر المصادر أن جمال باشا‬
‫كان خاليا ً من كل مزايا الرجال حيث غلبت عليه العسكرية القاسية من‬
‫تصلف وتعسف وعنجهية ودهاء للقضاء على كل من يقف في‬
‫طريقه ‪.‬‬

‫تظاهر في البداية بمناصرة العرب والوقوف إلى جانبهم ‪ ،‬وهذه ميزة‬


‫الحاكم الوصولي الذي ل يهمه غير مصلحته الشخصية‪ ،‬وحين استقر‬
‫في ذهن هؤلء أن القضية هي قضية عطف على قضاياهم‬
‫الستقللية ساعدوه في القدوم وفي استلم زمام المور وتمكين‬
‫حكمه ‪،‬ولم يدر بخلدهم ما انطوى عليه من لؤم وبطش حيث كان‬
‫يراقبهم ويطلع على أسرار تنظيماتهم تمهيدا ً للتنكيل بهم‪ ،‬من زج‬
‫في السجون‪ ،‬أو تعليق في المشانق ‪.‬‬

‫ففي يوم السادس من أيار من عامين متواليين ‪ 1915-1916‬قام‬


‫بإعدام ‪ 32‬رجل ً من خيرة أدباء ومفكري بلد الشام من بينهم عبد‬
‫الحميد الزهراوي ‪ ،‬وقد تم إعدامه مع القافلة الولى‪ ،‬لنهم كشفوا‬
‫النقاب عن دمامة أفعاله في حكمه الجائر المستبد بعد أن زين لهم‬
‫بالوهم والخداع عن الحرية وحرية الرأي ‪.‬‬
‫وقد انتهت حياة هذا السفاح على يد فدائي عظيم اسمه " أسطفان‬
‫زاغبيكيان " من بلدة " تفليس" اللبنانية‪ ،‬أقدم على قتله انتقاما ً لهل‬
‫قريته الذين دبر لهم جمال باشا مكيدة بشعة عام ‪ ،1921‬ثم أعدمهم‬
‫جميعا ً ‪.‬‬

‫وعليك أن تعلم أن عائلة الزهراوي تنتسب إلى المام الحسين بن‬


‫علي وبالتالي إلى السيدة فاطمة الزهراء ‪ ،‬ولد في مدينة حمص‬
‫بسورية سنة ‪1272‬هجرية و ‪ 1855‬ميلدية ‪ ،‬وهي تبعد عن دمشق‬
‫حوالي مئة وثمانين كيلو مترا ً ‪ ،‬في الطريق إلى حماة وحلب ‪ ،‬وتذكر‬
‫أن حلب هي مسقط رأس عبد الرحمن الكواكبي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم أذكر ‪.‬‬

‫كانت المدارس في ذلك الوقت تسمى بالمكتب ‪ ،‬أرسله والده إلى‬


‫المكتب وعمره حينذاك ستة أعوام ‪ ،‬بدأ في تعلم القراءة والحساب‬
‫واللغة التركية على يد الشيخ مصطفى الترك ‪ ،‬ثم نقله بعد ذلك والده‬
‫إلى المكتب الرشدي أو المدرسة الرشدية‪.‬‬

‫وهناك من يشير أنه انتقل إلى مدرسة المعارف ‪ ،‬كان طالبا ً متفوقا ً‬
‫فاق أقرانه وتقدم رفاقه وأترابه في الدرس والتحصيل ‪ ،‬وفي هذا‬
‫لبد من أن يكون موضع إعجاب على ترويه وحسن خلقه وثبات‬
‫حفيظته ‪ ،‬فقرر أن يواصل تعليمه على يد الستاذة المبرزين في‬
‫أيامه فدرس اللغة العربية على يد بعض شيوخها الفاضل ‪ ،‬والفقه‬
‫الحنفي على أستاذه حسن الخوجة ‪ ،‬والتفسير والعقائد على محدث‬
‫زمانه الشيخ عبد الستار التاسي ومنه أخذ الجازة بقراءة الحديث‬
‫النبوي الشريف وروايته ‪ ،‬وقرأ الصول والكلم المعقول على الشيخ‬
‫د لطالب العلم والمعرفة من أن يجهد نفسه‬ ‫عبد الباقي الفغاني‪،‬ول ب ّ‬
‫في القراءة والدرس والبحث لهذا قرر أن يسافر إلى الستانة عاصمة‬
‫السلطنة العثمانية حين اشتد عوده سنة ‪1890‬بحجة السياحة ‪ ،‬وحين‬
‫لم تعجبه الحياة هناك انتقل منها إلى القاهرة عاصمة مصر ‪ ،‬نزل في‬
‫دار نقيب الشراف توفيق البكري ‪ ،‬والتقى بخيرة الدباء ورجال العلم‬
‫والسياسة واشترك معهم في المطارحات الفكرية والدبية ‪.‬‬

‫الزهراوي كان أديبا ً ؟‬

‫م يا بني إن حياة كل مهتم بحياة البلد من إصلح ومحاربة للفساد‬ ‫‪ -‬اعل ْ‬


‫ومقاتلة للظلم تعني وجود حس مرهف‪ ،‬وهذا الحساس يولد بدوره‬
‫الشعور بالمسؤولية ‪ ،‬والزهراوي هو واحد من أولئك الذين يملكون‬
‫هذا الشعور ‪ ،‬ولنه درس الحجة في الحديث النبوي الشريف كما درس‬
‫اللغة العربية لغة القرآن الكريم فقد امتلك القيمة الفكرية والدبية ‪،‬‬
‫وبما أن هدفه كان الصلح المعقود على الهدف السليم من أجل‬
‫إيصاله إلى عموم الناس وخاصتهم فقد تزود بثقافة دينية شاملة ‪،‬‬
‫وتزيا بزي رجال الدين ‪ ،‬وقد زوده عقله وعلمه بدرجة عالية من الثقة‬
‫بالنفس وبقدرة على التحليل والنقد والمواجهة ‪ .‬كما أن عقله وعلمه‬
‫جعله مرجعا ً ومحل ثقة عند شخصيات دينية كبيرة مثل جمال الدين‬
‫القاسمي ورشيد رضا ‪ .‬ولعل هذه الميزات كلها ‪ ،‬قد جعلته مسلما ً‬
‫ملتزما ً بدينه ‪ ،‬ورائدا ً ناقدا ً مجددا ً لم يعرف له مثيل في زمانه‪ ،‬وكان‬
‫من أبرز صفاته أنه كان مسلما ً مؤمنًا‪ ،‬ل يتطرق إليه الشك في‬
‫ل‪ ،‬ويرى في‬ ‫عقيدته‪ ،‬فهو مثال المؤمن بالله الذي يعتبر القرآن منز ً‬
‫ل‪ ،‬ولذلك فهو ل يقبل في القرآن مناقشة ‪ ،‬وهو يرى أن‬ ‫محمد رسو ً‬
‫المسلم من سلم الناس من يده ولسانه ‪ ،‬ومن عمل لدينه عمل‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ومن عمل لدنياه عمل الكادح المقبل على الحياة‪ ،‬ولهذا‬
‫فقد رفض الصوفية ‪ ،‬وكان يرى أن النحطاط ناتج عن الخلل في‬
‫العلقة بين الفرد والجماعة ‪ ،‬وإن سعادة الفرد من سعادة الجماعة ‪،‬‬
‫وبهذا فهو ليس مسلما ً تقليديا ً ‪ ،‬إيمانه دليل علمه ‪ ،‬وكان ضد‬
‫التعصب‪ ،‬وهو ل يرى في هجوم الدول الستعمارية على العرب‬
‫والمسلمين هجوم دين على دين ‪ ،‬وإنما هجوم قوة على ضعف‪.‬‬

‫وفي هذا ل بد من أحدثك عن إشارة ظافر القاسمي في كتابه عن‬


‫أبيه جمال الدين القاسمي حيث أشار في ذكرياته إلى هذه الحادثة‬
‫في سنة ‪ ،1813‬أنه لما أوقف السيد عبد الحميد أفندي الزهراوي‬
‫)وكلمة أفندي لقب كان منتشرا ً أيام الحكم العثماني ( ووقع الرجاف‬
‫بإخواننا تلك الليالي الهائلة‪ ،‬طرقني ليل ً مختار المحلة والبوليس ‪،‬‬
‫وأنذراني بدفع رسالة السيد المطبوعة ‪ ،‬فأخرجتها وسلمتها لهم ‪،‬‬
‫وبقيت والله ل أدري ماذا يتم علي ‪ ،‬لسيما والعهد في الولى ليس‬
‫ببعيد ‪ ،‬والتقول على ما يجري على السيد شديد ولم يهدأ لنا بال إلى‬
‫أن أفرج عن السيد حفظه الله ‪ ،‬وكان هذا بسبب رسالته عن الطلق‬
‫والتي لم يعثر لها على أثر‪.‬‬

‫ثقافة الزهراوي‬

‫بدأ الزهراوي تجربته الثقافية في حمص مسقط رأسه‪ ،‬فأصدر‬


‫صحيفة )المنير( ‪ ،‬كان يطبعها بنفسه ويوزعها مجانا ً باليد أو من خلل‬
‫البريد‪ ،‬وكان ينشر في كل عدد منها مقالت في المامة‬
‫وشروطها‪،‬منتقدا ً أعمال الحكومة التركية الجائرة ‪ ،‬منبها لها على‬
‫ً‬
‫سوء العاقبة!‬

‫لكن السلطات العثمانية انتبهت إلى أمر الصحيفة فأصدرت أمرا ً‬


‫بمنعها‪ ،‬فقرر أن يعمل في التجارة فسافر مرة أخرى إلى الستانة‬
‫عام ‪ ،1895‬ففتح مخزنا ً يدعى ) سلطان أوطه لر ( فلم تلئم طبيعة‬
‫تفكيره وتحصيله العلمي هذا العمل‪ ،‬فانصرف عنه إلى القراءة في‬
‫المكتبات ‪ ،‬فاتصل به طاهر بك صاحب جريدة ) معلومات( وطلب منه‬
‫أن يحرر القسم الخاص باللغة العربية‪ ،‬فوافق وأخذ يعمل بجد ونشاط‬
‫وهو ينشر المقالت الصلحية التي لم يكن يجرؤ أحد في البلد‬
‫العثمانية على نشر مثلها ‪ ،‬خاصة وأن المراقبة كانت شديدة على‬
‫الصحف في ذلك الحين ‪ .‬في هذه الثناء كانت دولة مصر تغلي وتفور‬
‫من محاربة البريطانيين إلى تأييد العثمانيين‪،‬مما جعل شغله الشاغل‬
‫العمل من أجل الصلح وتجديد الفكر السلمي وخلل زيارته للستانة‬
‫ومصر كتب أبرز كتاباته وكانت ‪ " :‬ثلث رسائل في الفقه والتصوف" ‪،‬‬
‫" المسائل الشرعية في الخلفة" ورسالة سماها " نظام الحب‬
‫والبغض" وقد اعتبرها رسالة في علم النفس وفلسفة الخلق‪.‬‬

‫الزهراوي الرجل المختار‬

‫‪ -‬حين وطد الزهراوي علقاته مع جماعة الشيخ محمد رشيد رضا ‪ ،‬كان‬
‫الشيخ رشيد مطالبا ً بالذهاب إلى المغرب لن الشيخ المام محمد‬
‫عبده لم يستطع الذهاب فقرر إرساله لمساعدة بعض الوزراء في‬
‫إقناع مولي )عبد العزيز( بإدخال الصلحات في المغرب‪ ،‬ولما كان‬
‫المطلوب رجل ً صالحا ً جامعا ً بين العلوم الشرعية ومعرفة السياسة‬
‫والدارة فقد تم اختيار الزهراوي ‪.‬‬
‫لكن الزهراوي لم يسافر ‪ ،‬وفي سنة ‪ 1908‬انتخب نائبا ً عن حماة في‬
‫مجلس المبعوثان " كما كان يسمى" ‪ ،‬وهو يشبه مجلس النواب ‪ ،‬أو‬
‫البرلمان‪ ،‬وكان عمره حينذاك سبعة وثلثين عاما ً‪.‬‬

‫الحياة التي عركت عبد الحميد الزهراوي كان ل بد لها من أن تعطيه‬


‫ولو بعض حقه ‪ ،‬فقد سافر وعاش في الستانة والقاهرة ودمشق‬
‫وسجن ونفي وواجه اضطهاد السلطة وتعنت المحافظين ‪ ،‬كل هذا‬
‫جعل منه رجل ً عالما ً عارفا ً مجربا ً ‪ ،‬وقادرا ً على القيام بدور النائب ‪،‬‬
‫وكان همه‪ :‬توحيد القوى للدفاع عن الدستور ومقاومة محاولت‬
‫السلطان عبد الحميد الثاني ‪ ،‬والقوى الرجعية وكان الزهراوي قد‬
‫ذهب إلى المجلس رغم معرفته بوجود العصيان ‪ ،‬وظل في المجلس‬
‫محاصرا ً مع رفاقه ‪ ،‬يتصلون ويطالبون بوقف الهجوم على المجلس ‪،‬‬
‫ثم خرج بشكل طبيعي وسط الحصار وإطلق النار ثابت الخطوات ‪،‬‬
‫رافع الرأس ‪.‬‬

‫كان الزهراوي يريد أن يستبدل سلطة عبد الحميد ‪ ،‬وحزب التحاد‬


‫والترقي بالحزب الحر المعتدل ‪ ،‬ورغم أنه لم يكن يهتم بالبروز وهذه‬
‫واحدة من سماته الخاصة النبيلة فلقد اعتبر أن الكفاءة ل تنحصر في‬
‫الفصاحة والخطابة والقوة المنطقية بل تقوم على الستقامة‬
‫والحرص على المصالح العمومية واللمام بأحوال البلد ‪ ،‬كما أنه كان‬
‫يؤكد على ضرورة وجود الشجاعة وقوة العقل وحسن التروي ‪،‬‬
‫والطلع على العلوم وأحوال الدنيا‪.‬‬

‫هذه الصفات التي تضافرت كلها في شخص الزهراوي جعلت‬


‫المؤيدين له يميلون إلى انتخابه لمجلس المبعوثان‪ ،‬وفي هذا كتبت‬
‫صحيفة حمص‪ ":‬وبهذه المناسبة نثني على همة ووطنية الحمصيين‬
‫الذين يسعون باستئناف انتخاب العلمة عبد الحميد أفندي الزهراوي ‪،‬‬
‫الذي أظهر في مدة نيابته ولسيما في المدة الخيرة ما يصلح معه أن‬
‫تعلق عليه المال بإصلح الحال وتحسين المآل"‪.‬‬

‫المساومة‬

‫لنه رجل مخلص وصادق ونزيه فقد ساومه التحاديون على أن يكون‬
‫منهم فرفض‪ ،‬وكانوا قد حلوا المجلس‪ .‬لنهم كانوا يريدون تعديل‬
‫المادة بجعل حل المجلس بيد رئيس الوزراء ‪ ،‬ولما كان الزهراوي ضد‬
‫التعديل ورفض المساومة بالنتساب إلى حزب التحاد والترقي ‪ ،‬قرر‬
‫التحاديون إسقاطه في النتخابات‪ ،‬رغم شبه الجماع عليه‪.‬‬

‫وبعد العديد من التطورات التي حصلت أثار التحاديون قضية التعديل‬


‫ليصار لهم حل المجلس متى أرادوا‪ ،‬ولما لم ينجحوا حلوا المجلس ‪،‬‬
‫فقاد هذا المر إلى توقف صحيفة الحضارة أواخر سنة ‪ ، 1912‬هذا‬
‫المر جعله يطور شبكة علقاته مع المنفيين العثمانيين في القاهرة‬
‫وباريس حتى ترأس المؤتمر العربي الول في باريس سنة ‪1913‬‬
‫الذي كان بداية نهضة عربية قومية ‪ ،‬وكلمته التي قالها تدل على‬
‫جرأته ورجاحة عقله ومنها قوله‪ ":‬إن العرب كانوا قد ألفوا الترك‬
‫وهؤلء قد ألفوا العرب وامتزج الفريقان امتزاجا ً عظيما ً ‪ ،‬لكن كما‬
‫مزجت بينهم السياسة فرقت بينهم السياسة‪ ،‬هذه الرابطة قد‬
‫أصبحت مهددة بالسياسة أكثر مما كانت مهددة من قبل "‪.‬‬

‫موقف العثمانيين؟‬

‫ليس من عادة السلطنة العثمانية السكوت على أي أمر أو كلم يصدر‬


‫عن جهة معينة ‪ ،‬فذلك لنه يخالف مصالحها الشخصية قبل العامة‪،‬‬
‫فالزهراوي حين كتب في الفقه والتصوف ونشرها في صحيفة المنار‬
‫‪ ،‬كما كتب أيضا ً في النحو والمنطق والطلق أثارت كتاباته السلطات ‪،‬‬
‫وعندما كان في القاهرة تفاعل مع الحركة الثقافية والسياسية‬
‫وأصبح أكثر قدرة على التعمق في ميادين الثقافة والسياسة وأنه في‬
‫العام الذي وصل فيه الزهراوي مصر مات عبد الرحمن الكواكبي‪،‬‬
‫فشددوا الرقابة عليه ‪ ،‬ورغم نفيه لم يمتنع عن مواصلة العتراض‬
‫على نظام الحكم العثماني ‪ ،‬وهذا ما أدى به أخيرا ً إلى حبل المشنقة ‪.‬‬

‫لم يكن وحده ‪ ،‬كان مع عشرات المناضلين الشرفاء الخلص للوطن‬


‫من بينهم المير عمر الجزائري وهو حفيد المير عبد القادر الجزائري‬
‫الذي قدمت بلده مليون شهيد حتى نالت استقللها من الحتلل‬
‫الفرنسي‪.‬‬

‫الكلمة الحرة‬
‫لقد قال كلمته الحرة‪ ":‬إن العناية ترعى وطننا الحبيب ‪ ،‬إننا سوف‬
‫نصل إلى الحصول إلى استقللنا كامل ً بعد أن ننتقم من العداء‬
‫الخونة" ‪ ،‬وبعدها أسلم رأسه إلى حبل المشنقة بكل فخر واعتزاز‪.‬‬

‫العيد الوطني‬

‫حين أعلن جمال باشا السفاح سنة ‪ 1916‬عن إعدام هؤلء الرجال كان‬
‫يوم السادس من أيار يوما ً وطنيا ً جعله العرب عيدا ً للشهداء‪ ،‬وفي‬
‫الشهداء قال الشاعر اللبناني رشيد الخوري ) القروي (‪:‬‬

‫خير المطالع تسليم على الشهدا أزكى الصلة على أرواحهم أبدا‬
‫فلتنحني الهام إجلل ً وتكرمة لكل حر عن الوطان مات فدى‬
‫وخير ما نختم به سيرة هذا الرجل البطل قوله تعالى ‪ *:‬ول تحسبن‬
‫الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً بل أحياء عند ربهم يرزقون * صدق‬
‫الله العظيم‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫المراجع‪ :‬مدخل إلى قراءة ‪ :‬عبد الحميد الزهراوي‬
‫حياته ‪ ،‬مؤلفاته ‪ ،‬أفكاره ‪ /‬منشورات وزارة الثقافة – ناجي علوش‪.‬‬

You might also like