You are on page 1of 341

‫إشارات العجاز ف مظان الياز‬

‫تأليف‬

‫بديع الزمان سعيد النّورسي‬

‫تقيق‬

‫إحسان قاسم الصالي‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪5 :‬‬

‫بِسْم ال الرّحن الرّحيم‬


‫‪1‬‬
‫القدمة‬

‫الدكتور مسن عبدالميد‬

‫استاذ التفسي والفكر السلمي‬

‫جامعة بغداد‬

‫المـدل رب العـاليـن‪ ،‬والصـلة والسلم على من اُنزل عليه القرآن الكيم ممد بن‬
‫عبدال خات النبياء والرسل‪ ،‬وعلى آله واصحابه والتابعي لم باحسان ال يوم الدين‪.‬‬

‫اما بعد‪:‬‬

‫فيكاد يمع النصفون من العلماء والدارسي الطلعي على تطور اوضاع السلمي ف العصور‬
‫الخية‪ ،‬ان الستاذ الليل بديع الزمان سعيد النورسى‪ ،‬كان شخصية اسلمية كبية‪ ،‬صادق‬
‫اليان‪ ،‬عظيم الخلص‪ ،‬عزيز النفس‪ ،‬عارفا بقائق التوحيد‪ ،‬نابغة من نوابغ الزمان‪ ،‬غزير العلم‪،‬‬
‫نافذ الفكر‪ ،‬داعية ثبتا ال ال تعال على بصية‪ ،‬حل هوم السلمي منذ شبابه‪ ،‬وقضى حياته ف‬
‫الهاد الدائب ف سبيل توضيح عقيدة السلم وبيان علل احكامه‪ ،‬ودحض الفكار النحرفة‬
‫والفلسفات الاحدة الناقضة له والتخطيط العملي لجل انقاذ السلمي من الغزو الفكري‬
‫الارف الذي تعرضوا له منذ اوائل القرن الرابع عشر الجري‪ ،‬بل قبله‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ثبتنا مقدمة الدكتور مسن عبد الميد الت قدّمها مشكورا للطبعة الول الطبوعة ف العراق‬
‫سنة ‪1409‬هـ ‪1989 -‬م ‪ -‬الحقق‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪6 :‬‬

‫ولقد لقى‪ ،‬رحه ال تعال ف سبيل ذلك مالقى‪ ،‬ما ليس جزاؤه ال عند ال تعال البصي بعباده‬
‫الصالي واوليائه الصادقي وعلمائه الجاهدين‪ ،‬الذين صدقوا العهد مع ال تعال‪ ،‬ول يشوا فيه‬
‫سبحانه لومة لئم‪.‬‬

‫وهذا الكتاب الذي بي يديك ‪ -‬قارئي العزيز ‪ -‬جليل القدر‪ ،‬رصي السبك‪ ،‬قوي الجة‪ ،‬يثل‬
‫اجلى تثيل القدرة السَرَيانية الفائقة للستاذ النورسى‪ ،‬وراء العان الدقيقة ف كتاباته كلها‪ ،‬لسيما‬
‫العلمية الختصة منها‪ .‬ولقد كانت تلك موهبة عبقرية‪ ،‬وهبه ال تعال اياه‪ ،‬لينظر ف كتاب ال‬
‫تعال من خللا ببصية نافذة‪ ،‬ومعرفة كلمية وبلغية عميقة‪ ،‬وذوق ذات رفيع‪ ،‬ومنهج عقلي‬
‫سديد‪ ،‬يلتمس الكشف عن القيقة‪ ،‬ويبغي ايصال النسان ال اقتناع كامل بكون هذا القرآن‬
‫معجزا‪ ،‬بيث يد العقلء والفصحاء ف انفسهم ضرورة اليان والعتراف بانه الكتاب الق‬
‫الذي نزل من عند علم الغيوب على رسوله الكرم ممد بن عبدال عليه افضل الصلة وازكى‬
‫التسليم‪ ،‬كي يضع النسانية على طريق دعوة الق‪ ،‬وينور بصيتا بنور اليان‪ ،‬وادراك اليقي‬
‫للوصول ال العبودية الالصة لرب العالي‪.‬‬

‫لقد استطاع الستاذ النورسى ان يصقل موهبته الفذة بدراسة العلوم السلمية والفلسفات القدية‬
‫والعلوم النسانية والصرفة العاصرة‪ ،‬زيادة على اطلعه الواسع على الدب والبلغة العربية ف‬
‫كتب امثال الاحظ والزمشري والسكاكي لسيما كتب النحوي البلغي الكبي المام عبد‬
‫القاهر الرجان حيث آمن بنظريته الشهورة ف النظم واعجب با ايا اعجاب ف هذا الكتاب‪.‬‬

‫ول تكن نظرية النظم جديدة اخترعها الرجان من غي مقدمات‪ ،‬وانا لفت النظر اليها الاحظ‬
‫ف كتابه نظم القرآن والواسطي ف كتابه اعجاز القرآن ف نظمه والباقلن ف كتابه اعجاز القرآن‬
‫غي ان الرجان شرحها شرحا نويا بيانيا وافيا مترابطا وصاغ منها نظرية متكاملة تقوم على‬
‫اساس عدم الفصل بي اللفظ ومعناه وبي الشكل والضمون وقرر ان البلغة ف النظم لف الكلمة‬
‫الفردة ول ف مرد العان‪ ،‬دون تصوير اللفاظ لا‪ .‬وبناء على ذلك فانه يعرّف النظم بانه‪ :‬تعليق‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪7 :‬‬

‫الكلمة بعضها على بعض ‪ ،‬وجعل بعضها بسبب من بعض‪ ،‬اي تضع كلمك الوضع الذي‬
‫يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه واصوله وتعرف مناهجه فل تزيغ عنها‪.‬‬

‫وكأن بالستاذ النورسى درس نظرية النظم هذه دراسة متقنة ث ظهر له ان الفسرين الذين سبقوه‬
‫كالزمشري والرازي واب السعود ل ياولوا تطبيقها من حيث هي منظومة متكاملة تشمل ترتيب‬
‫السور واليات واللفاظ سورة بعد سورة وآية بعد آية ولفظا بعد لفظ‪ ،‬بتفاصيلها الكاملة فاراد‬
‫ان يقتدي بؤلء الفسرين العظام فيؤلف تفسيا يطبق فيه نظرية النظم تطبيقا تفصيليا شاملً من‬
‫حيث البان والعان ومن حيث العارف اللغوية والعقلية والذوقية‪ ،‬الكلية منها والزئية‪ ،‬والت‬
‫اعتمد عليها ف الكشف عن تفاصيل النظومة القرآنية الت با يظهر العجاز‪ ،‬وتتكشف دقائق‬
‫خصائص السلوب القرآن الت خالفت خصائص التعبي العرب البليغ قبله‪ ،‬والت حيت البلغاء‬
‫واخرست الفصحاء‪ ،‬ليحق عليهم التحدي العجز ال يوم القيامة‪.‬‬

‫ول تتوجه جهود النورسى ال بيان نظرية النظم‪ ،‬مقدمة لثبات اعجاز القرآن البلغي فحسب‪،‬‬
‫بل اتهت كذلك ال التغلغل ف معان اليات‪ ،‬حيث اراد بناءها تفصيلً على الرتكزات العقلية‬
‫للوصول ال اظهار العقائد السلمية وارتباطها بقائق الوجود‪.‬‬

‫ومن الواضح جدا لن تأمل ف الكتاب وترتيبه‪ ،‬انه كان يريد ان يؤلف تفسيا كاملً ف هذا‬
‫التاه‪ .‬ولو قدر للستاذ ‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ان ينهي عمله العظيم هذا كاملً‪ ،‬اذن لقدّم تفسيا‬
‫بلغيا وعقليا كاملً شاملً‪ ،‬كان جديرا بان يأخذ منه عمره كله حيث كان من الحقق ان‬
‫يوي حينئذ عشرات الجلدات الضخام ‪ ،‬لو انه مشى ف ضوء منهجه هذا الذي نقرأه ف هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫ولكن ال سبحانه وتعال قدّر له الفضل من ذلك اذ وفقه لعمل اجلّ من ذلك واعظم‪ .‬عمل‬
‫استطاع فيه ان يضع مسلمي بلده ف ظروف عصره ف مواجهة القرآن الكري‪ ،‬دون اشغالم‬
‫بقضايا بلغته واعجازه اللغوي والت ل تكن مشكلة عصره‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪8 :‬‬

‫من خلل التحقيق ف جزئيات دقيقة ل يقوى على فهمها ال الواص جدا‪ .‬وكان من الؤكد‬
‫حينئذ ان يبقى المهور العظم من السلمي ف عصره بعزل عن الستفادة من مواهبه الفذة‬
‫وحاسه اليان النقطع النظي‪ ،‬وكذلك بعزل عن الصراع الفكري الضاري الرهيب غي‬
‫التكافئ مع الغزو الفكري الادي الاحد‪ ،‬الذي بدأ يتسلل رويدا رويدا ال الياة السلمية حت‬
‫تصدر السياسة والقتصاد والجتماع والثقافة والفن والعلم ف كثي من بلد السلم‪.‬‬

‫من اجل ذلك‪ ،‬وقف النورسى عند هذا الجلد من التفسي‪ ،‬ودفعته ظروف عصره وبلده ال اتون‬
‫الصراع‪ ،‬ولكن ف قالب جديد مثل بـسعيد الديد ستُه الدوء‪ ،‬والتدرج‪ ،‬والبناء‪ ،‬والنفوذ‬
‫الحكم ال عقول السلمي وقلوبم دون صراخ عاطفي او تريج مدمر‪ ،‬او صدامات فوقية‪ ،‬ل‬
‫يكن الوضع السلمي يومئذ مهيئا لا ويقوى فيها على مابة العداء القوياء ف الداخل‬
‫والارج‪.‬‬

‫لقد كان اسلوب رسائل النور ف وضوحه الاسم‪ ،‬وهدوئه العلمي الباهر‪ ،‬وبيانه الذوقي الرفيع‪،‬‬
‫وحججه العقلية الدامغة هو البديل العصري الذكي لسلوب اثبات اعجاز القرآن اللغوي والبيان‬
‫والعقلي من خلل نظرية النظم‪ ،‬لن ما اثاره العداء ل يكن يتصل بالطعن ف بلغة القرآن او‬
‫مناقشة ما يتعلق باعجازه او بتناسب سوره وآيه وكلماته‪ .‬وانا كان يركز على شن هجوم عام‬
‫شامل على اصول اليان‪ ،‬وحكمة التشريعات‪ ،‬وماولة تفكيك النظام الخلقي الذي جاء به‬
‫القرآن الكري‪.‬‬

‫لقد وعى الستاذ النورسى التغييات الائلة الت احدثها الصراع الديد فتوجّه اليها بقائق القرآن‬
‫الت قدمها من خلل اصول النطق العقلي الفطري وعلوم ومعارف عصره‪.‬‬

‫انه استطاع ان يثبت من خلل جزء كامل من هذا الكتاب اعجاز القرآن الكري وبرهن للدارسي‬
‫وطلب القيقة‪ ،‬انه من السهل ان يستمر ف ضوء منهجه العلمي والعقلي والذوقي الرفيع ال‬
‫النهاية‪ ،‬اذن فليكن هذا كافيا‪ ،‬وليتوجه بكليته وبقية‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪9 :‬‬

‫حياته العامرة ال القضية الساس‪ ،‬وهي انقاذ ايان السلمي ف عصر الصراع العلمي الرهيب‪،‬‬
‫فأنتج ف هذا الجال ايا انتاج من خلل عشرات الكتب والرسائل الت وجهها ال النشئ الديد‪،‬‬
‫للاق الزية العقيدية والفكرية باعداء السلم من اللحدة وارباب التغريب‪.‬‬

‫على انن اظلم هذا الكتاب اذا ادعيت انه خل من منهج مواجهة الصراع الديد‪ ،‬بل ازعم هنا ‪-‬‬
‫على قدر ما ل من علم بافكار النورسى من خلل قراءتى لبعض رسائله ف عهده الديد ‪ -‬انه‬
‫مامن فكرة شرحها او بسطها او مثّل عليها ال تد لا بذورا موجزة او مفصلة ف هذا الكتاب‬
‫العلمي الرصي الذي بي يديك‪ ،‬لسيما ف عرض اصول العقائد السلمية باسلوب عصري‬
‫علمي‪ .‬غي انه اته ف كتابه هذا ال ماطبة خاصة تلمذته من خلل دمج الصطلحات الكلمية‬
‫القدية ببدايات منهجه الديد الذي استقر عليه فيما بعد ف رسائل النور‪.‬‬

‫ولعل هذا هو سر تسمية رسائل النور بانا تفسي حقيقي للقرآن الكري‪ ،‬والق ان تفسي القرآن‬
‫وماطبة السلمي بآياته ل يبارح قط فكر النورسى ال آخر لظة من لظات حياته الافلة بالحن‬
‫والحزان‪ ،‬والعلم والدعوة ال التمسك بكتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ان نشر هذا الكتاب بثوبه الديد هذا سيضع نوذجا تليليا بلغيا رائعا امام الهتمي بالدراسات‬
‫العجازية والبلغية والنقدية العاصرة‪ .‬لسيما ف الوساط العلمية‪ .‬وسيجد الهتمون بدراسات‬
‫العقائد السلمية من وجهة النطق العقلن زادهم فيه من خلل الباحث العقلية والعلمية العميقة‬
‫الت قدمها الستاذ تعليقا على اليات الت حللها من اوائل سورة البقرة‪.‬‬

‫لقد احسن الستاذ الفاضل احسان قاسم الصالي بتحقيقه هذا الكتاب من جديد‪ ،‬حيث اغناه‬
‫بتدقيقاته الفيدة وشروحه القيمة ف الواشي‪ ،‬وهذا فضل يكمل به افضاله السابقة على قراء‬
‫العربية حي قضى سنوات عدة ف ترجة مموعة متنوعة من رسائل النور الت دبها يراع المام‬
‫المتحن سعيد النورسى حجة السلم بق ف حياة تركيا الديثة‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪10 :‬‬

‫فجزى ال الستاذ النورسى خي الزاء ونفع السلمي بعلمه وحججه الدامغة وكلماته النورانية‬
‫الصادقة ف خدمة كتاب ال تعال وسنة رسوله الكرم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وف ختام هذه الكلمات ادعو ال تعال ان يوفق الحقق الكري ال تقدي ترجة كاملة لرسائل‬
‫‪1‬‬
‫النور ال قراء العربية الجيدة‪.‬‬

‫وآخر دعوانا ان المد ل رب العالي‪.‬‬

‫د‪ .‬مسن عبدالميد‬

‫كلية التربية ‪ -‬جامعة بغداد‬

‫‪ 2‬شعبان ‪1407‬هـ‬

‫_____________________‬

‫لقد استجاب الول الكري هذا الدعاء وامثاله من الدعوات الالصة لخوة كرام بررة فوفقنا‬ ‫‪1‬‬

‫لترجة كاملة لكليات رسائل النور وطبعها ونشرها‪ ،‬فالمدل اولً وآخرا ‪ -‬الحقق‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪11 :‬‬

‫بِسْمِ ال الرّحْمنِ الرّحيمِ‬

‫‪1‬‬
‫هذا التحقيق‬

‫المدل والصلة والسلم على رسول ال ومن واله‪ ،‬وبعد؛‬

‫ففي ايام قاحلة وشهور عجاف اكرمن ال العلي القدير بقراءة هذا التفسي الليل قراءة ل ارجو‬
‫من ورائها سوى شرح للصدر‪ ،‬وتغذية للروح وتنضي للذهن‪.‬‬

‫كررت قراءته مرات ومرات‪ ،‬فاطفأ ‪ -‬باذن ال ‪ -‬ظمأ القلب بعذبٍ برود‪ ..‬ولكن‪..‬‬

‫ولكن لست انه باجة ال تنسيق جديد وتقيق سديد ليسهل تناوله ول يتعذر فهمه لكل من‬
‫يريد ان يستفيد‪.‬‬

‫وشاء القدر اللي ان يأتين اخ كري بنسخة مطوطة منه واخر بطبعته الول‪ ،‬وقد كنت احتفظ‬
‫بترجته التركية وبطبعته الثانية والخية‪ ..‬فاستجمعت العناصر الول للتحقيق‪ .‬فايفاءا لشكره‬
‫تعال على ما أنعم عل ّي واعدادا لنسخة جيدة من هذا التفسي الليل همت ان اقوم بتحقيقه‪،‬‬
‫ولكن‪..‬‬

‫ولكن قصوري‪ ،‬وقلة خبت‪ ،‬وضخامة الوضوع‪ ،‬وجلل القام‪ ،‬وخشية الزلل‪ ..‬كانت تكّفن‬
‫عن القيام بالتحقيق‪ ..‬بيد ان النظر ال ما عند ال‪ ،‬وفضله العميم‪ ،‬والثقة به‪ ،‬وحسن القصد اليه‬
‫ف خدمة كتابه العزيز‪ ..‬كانت تدفعن ال العمل‪ ..‬فتخليت عن الحجام ولزمت القدام متوكلً‬
‫على العلي العلم‪ ،‬وسرت بطوات متئدة‪ ،‬كالت‪:‬‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬ابقيت هذه القدمة للتحقيق على ما هي عليه ف الطبعة الول الطبوعة ف العراق سنة‬
‫‪1409‬هـ ‪1993 -‬م‪ .‬الّ ما استوجب من حذف واضافة ليوافق هذه الطبعة‪ -.‬الحقق‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪12 :‬‬

‫ي وهي‪:‬‬
‫اولً‪ :‬قابلت بي النسخ الت توفرت لد ّ‬

‫أ ‪ -‬نسخة بط (الل عبدالجيد النورسي) ‪1‬مصححة من قبل الؤلف نفسه‪ .‬فأعتبتا الساس ف‬
‫التحقيق ‪.2‬‬

‫ب ‪ -‬الطبعة الول من الكتاب‪ ،‬الطبوع سنة ‪ 1334‬ف مطبعة (اوقاف اسلمية) باستانبول‬
‫ومصححة من قبل الؤلف وعليها بعض الوامش بط يده‪ .‬وقد رمزت اليها بـ(ط ‪.)1‬‬

‫ج ‪ -‬مطوط بط السيد (طاهر بن ممد الشوشي)‪ 3‬انتهى منه سنة ‪1373‬هـ‪ ،‬وضم فيه‬
‫تعليقات واستدراكات جيدة على النسّاخ‪ ،‬مع وضع لعناوين صغية لهم الوضوعات ف‬
‫الصفحة‪ ،‬وقد رمزت اليه بـ(ش)‪ .‬فكل اضافة او تعليق مذيل بـ(ش) هو منه‪.‬‬

‫د ‪ -‬الترجة التركية له‪ ،‬والت قام با (الل عبد الجيد النورسى) ونَش َرتْها (دار سوزلر ف‬
‫استانبول) سنة (‪ .)1976‬وقد رمزت اليها بـ(ت)‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تقيق قام به الشيخ صدرالدين البدليسي‪ ،‬حيث وضع بعض الوامش وصحح اخطاء‬
‫مطبعية‪ ،‬فرمزت اليها بـ(ب)‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬وهو شقيق الستاذ النورسى‪ ،‬كان مدرسا للغة العربية‪ ،‬ث مفتيا ‪ ،‬ث مدرسا للعلوم السلمية‬
‫ف العهد العال ف قونيا‪ ،‬ترجم كثيا من رسائل النور ال العربية‪ ،‬وترجم اشارات العجاز‬
‫والثنوى العرب النوري من العربية ال التركية‪ .‬توف سنة ‪ 1967‬عن ثلث وثاني سنة من‬
‫العمر‪ .‬تغمده ال برحته الواسعة‪.‬‬

‫هذه النسخة مع مموعتي كامتلتي من كليات رسائل النور الستنسخة باليد والصححة من قبل‬ ‫‪2‬‬

‫الؤلف قد بعثها الؤلف سنة ‪1951‬م ال مدينة "أورفة " داخل صندوقي‪ ،‬وهي مفوظة الن‬
‫لدى الدكتور عبدالقادر بادللي‪ ،‬الذي تتلمذ على الستاذ النورسي وزاره مرات كثية‪ ،‬وسعى ف‬
‫نشر الرسائل وما زال وترجم "الثنوي العرب النوري " ورسائل اخرى ال اللغة التركية‪ ،‬وله‬
‫مصنفات عدة منها‪ :‬حياة الستاذ النورسي (‪3‬ملدات) ومصادر اليات والحاديث الشريفة‬
‫الواردة ف رسائل النور‪ ،‬وغيها‪ .‬مع مقالت كثية‪ .‬وهو الذي يسّر لنا الطلع على النسخة‬
‫الصلية لـ "إشارات العجاز " فجزاه ال خيا على عمله النبيل‪.‬‬

‫وهو من قرية "شوش " التابعة لقضاء "عقرة " ف شال العراق‪ .‬قرأ العلوم السلمية وتضلّع با‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫نذر خطه الميل لرسائل النور‪ ،‬ولسيما لشارات العجاز‪ ،‬حيث كتب منها اربع نسخ علوة‬
‫على ما استنسخه من الرسائل الترجة ف وقته حت كان يستنسخ بعضها ف ضوء القمر‪ .‬من‬
‫تأليفاته "رياض النور " ف سية الرسول العظم صلى ال عليه وسلم ف ثلثة عشر ألف بيت‬
‫باللغة الكردية‪ .‬توف سنة ‪ 1962‬عن اربع واربعي سنة من العمر‪ .‬أسكنه ال فسيح جناته‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪13 :‬‬

‫و ‪ -‬الطبعة الخية الطبوعة ف مؤسسة الدمات الجتماعية ف بيوت سنة ‪)1974( 1394‬‬
‫وقد لحظت فيها‪:‬‬

‫‪ -1‬ترجة السيد عاصم السين لقدمة الكتاب الت كتبها الستاذ النورسى بالتركية‪ ،‬اقتصرت‬
‫على قس ٍم منها‪ ،‬فاجريتُ فيها تغييات طفيفة لتفي براد الؤلف‪ ،‬ث اتتمت ترجة بقية القدمة‪.‬‬

‫‪ -2‬كلمة ثناء او (تقريظ) للشيخ صدرالدين البدليسي‪ ،‬وهي كلمة قيمة لبيان ظروف تأليف‬
‫التفسي‪ ،‬ومقارنته مع تفاسي اخرى مشهورة‪ ،‬فأبقيتها كما هي‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك ف ختام الكتاب ثلث عشرة شهادة من شهادات الفلسفة وعلماء اوربا حول أحقية‬
‫القرآن‪ ،‬اهلتُها لركاكة ترجتها اولً ولعدم عثوري على اصولا كي اترجها مددا‪ ،‬ووضعت‬
‫بد ًل منها ما قدّمه الستاذ الدكتور عمادالدين خليل مشكورا فصلً من كتابه القيم قالوا عن‬
‫السلم وهو الفصل الول الاص بالقرآن الكري‪ ،‬فألقناه كاملً بالكتاب‪ ،‬فجزاه ال خيا على‬
‫عمله الليل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وبعد القابلة او ف اثنائها صححت الخطاء الطبعية والملئية‪ ،‬مع تشكيل وضبط الكثي‬
‫من الكلمات‪ ،‬ث عزوت اليات الكرية ال سورها‪ .‬وخرّجت الحاديث الشريفة الواردة فيه من‬
‫الكتب العتمدة التوفرة لديّ‪ ،‬وبساعدة الخ الكري فلح عبد الرحن‪ .‬وتركنا قسما من‬
‫الحاديث كما هو‪ ،‬لعل ال يهئ لنا من الصادر الديثية ما نتمكن من تريه‪ ،‬او يرشدنا اليه‬
‫علماؤنا الفاضل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬راجعت امهات القواميس كالحيط والصباح ومتار الصحاح وغيها لتفسي بعض ما‬
‫استغلق عليّ من كلمات‪..‬‬

‫رابعا‪ :‬استخرجت المثال الواردة فيه‪ ،‬وقابلتها مع اصولا ف ممع المثال للميدان‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪14 :‬‬

‫خامسا‪ :‬وضحت بعض ما أُبم عليّ من العبارات‪ ،‬استنادا ال الترجة التركية‪ ،‬حيث جاءت فيها‬
‫تلك العبارات اكثر وضوحا‪ .‬وادرجتها ف الامش مع تذييلها بـ(ت) ورقم الصفحة‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬استشكلت عليّ امور نوية ومسائل لغوية‪ .‬اضطرتن ال مراجعة امهات الكتب اللغوية‬
‫كالغن والشون وغيها‪ ،‬حت اطمأن القلب وحصلت القناعة التامة بان ما اقره الستاذ‬
‫النورسى هو الصواب‪ ،‬او فيه جواز‪ ،‬وان ما الفته وتعلمته من قواعد النحو ما هو ال النر اليسي‬
‫من بر ميط عظيم بل ما هو ال الوجه الشائع من بي وجوه كثية‪.‬‬
‫وبعد الفراغ من العمل بتوفيق ال سبحانه وتعال‪ ،‬وضعت كل ماقمت به بي يدي اخي الستاذ‬
‫الدكتور مسن عبد الميد ليدلن على عثرات ويبصرن على ثغرات العمل؛ اذ هو الذي صا َحبَ‬
‫الرازي سني‪ ،‬ولزم اللوسى سني اخرى‪ ،‬و َخبَر اصول التفسي وضوابطه درسا وتدريسا لسني‬
‫طويلة‪ ،‬ومازال‪ ،‬فكلل جهدي جزاه ال خيا بقدمة وافية شافية‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فلقد بذلت ما بوسعى ف تقيق الكتاب‪ ،‬ولست زاعما ان اوفيت حقه‪ ،‬ولكن حسب انن‬
‫حاولت‪ ،‬وبذلت ما استطعت ابتغاء ان يكون من العمل الصال عندال‪ ،‬ورجاء ان تنال دعوة‬
‫خالصة من ينتفع به‪.‬‬

‫وال نسأل ان يوفقنا ال حُسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل‪.‬‬

‫وصلّ اللّهم على سيدنا ممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫احسان قاسم الصالي‬

‫ليلة النصف من شعبان سنة ‪1407‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪16 :‬‬

‫اشــارات العـجــاز‬

‫فــــي‬

‫مـظــان اليـجــــاز‬

‫تأليف‬

‫بديع الزمان سعيد النورسي‬

‫تقيق‬

‫احسان قاسم الصالي‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪17 :‬‬

‫بسْمِ ال الرّحْمــنِ الرّحِيمْ‬

‫مقدمة الترجة التركية‬

‫تنبيه‬

‫لقد ت تأليف تفسي اشارات العجاز ف السنة الول من الرب العالية الول على جبهة القتال‬
‫بدون مصدر او مرجع‪ .‬وقد اقتضت ظروف الرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن ُيكْتب هذا‬
‫التفسي ف غاية الياز والختصار لسباب عديدة ‪.‬‬

‫وقد بقيت الفاتة والنصف الول من التفسي على نو اشد اجال واختصارا‪:‬‬

‫أولً‪ :‬لن ذلك الزمان ل يكن يسمح باليضاح‪ ،‬نظرا ال ان (سعيدا القدي) كان يعبّر بعبارات‬
‫موجزة وقصية عن مرامه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬كان (سعيد) يضع درجة افهام طلبته الذكياء جدا موضع العتبار‪ .‬ول يكن يفكر ف فهم‬
‫الخرين ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬لا كان يبيّن أدق وأرفع ما ف نظم القرآن من الياز العجز‪ ،‬جاءت العبارات قصية‬
‫ورفيعة‪.‬‬

‫بيد انن أجَلت النظر فيه الن بعي (سعيد الديد)‪ .‬فوجدت ان هذا التفسي با يتويه من‬
‫تدقيقات‪ ،‬يعدّ بق تفة رائعة من تف (سعيد القدي) بالرغم من اخطائه وذنوبه‪.‬‬

‫ولا كان ( اي سعيد القدي ) يتوثب لنيل مرتبة الشهادة اثناء الكتابة‪ ،‬فيكتب مايعنّ له بنية‬
‫خالصة‪ ،‬ويطبق قواني البلغة ودساتي علوم العربية‪ ،‬ل استطع ان اقدح‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪18 :‬‬

‫ف اي موضع منه‪ ،‬اذ ربا يعل الباري عز وجل هذا الؤلّف كفارة لذنوبه ويبعث رجالً‬
‫يستطيعون فهم هذا التفسي حق الفهم‪.‬‬

‫ولول موانع الرب العالية‪ ،‬فقد كانت النيّة تتجه ال ان يكون هذا الزء وقفا على توضيح‬
‫العجاز النظمي من وجوه اعجاز القرآن ‪ ،‬وان تكون الجزاء الباقية كل واحد منها وقفا على‬
‫سائر اوجه العجاز‪.‬‬

‫ولو ضمت الجزاء الباقية حقائ َق التفسي التفرقة ف الرسائل لصبح تفسيا بديعا جامعا للقرآن‬
‫العجز البيان ‪.‬‬

‫ولعل ال يبعث هيئة سعيدة من النورين تعل من هذا الزء ومن الكلمات و الكتوبات الست‬
‫والستي‪ ،‬بل الائة والثلثي من اجزاء رسائل النور مصدرا‪ ،‬وتكتب ف ضوئه تفسيا من هذا‬
‫القبيل‪)*(.‬‬

‫سعيد النورسي‬

‫(*) ان هذا التفسي القيم بي دفتيه نكاتٍ ‪ 1‬بلغية دقيقة‪ ،‬قد ليفهمها كثي من القراء‪،‬‬
‫وليعيون لا اهتمامهم‪ ،‬ولسيما ما جاء ضمن اليتي اللتي تصفان حال الكفار واليات الثنت‬
‫عشرة الاصة بالنافقي‪.‬‬

‫ان ذكر نكات دقيقة ف تلك اليات والقتصار على بيان دقائق دللت الفاظها وبدائع اشاراتا‬
‫باهتمام بالغ‪ ،‬من دون تفصيل لاهية الكفر‪ ،‬مع تطرق يسي ال الشبهات الت يلتزمها النافقون ‪-‬‬
‫خلفا لا جرى ف سائر اليات من تقيق وتفصيل ‪ -‬اقول ان سبب ذلك كله نلخصه ف نكات‬
‫ثلث‪:‬‬

‫النكتة الول‪:‬‬
‫س سعيد القدي ‪ -‬بفيض من القرآن الكري ‪ -‬انه سيظهر ف هذا الزمان التأخركفار ل‬‫لقد اح ّ‬
‫يهتدون بكتاب ومنافقون من الديان السابقة‪ ،‬كما ظهروا ف بداية السلم‪ ،‬فاكتفى ببيان‬
‫النكات الدقيقة لتلك اليات من دون ان يوض ف حقيقة‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬النكتة‪ :‬هى مسألة لطيفة اُخرجت بدقة نظر وإمعان فكر‪ ،‬وسيت السألة الدقيقة نكتة لتأثي‬
‫الواطر ف استنباطها ‪" -‬التعريفات للجرجان"‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪19 :‬‬

‫مسلكهم وبيان نقاط ارتكازهم‪ ،‬بل تركها مملة دون تفصيل‪ ،‬لئل يعكّر صفو اذهان القراء‬
‫الكرام‪ .‬ومن العلوم ان نج رسائل النور هو‪ :‬عدم ترك أث ٍر سئٍ مهما كان ف ذهن القارئ‪ ،‬اذ‬
‫تيب اجوبة قاطعة على الشبهات الت يثيها اعداء السلم من دون ان تذكر الشبهة نفسها ‪-‬‬
‫بلف سائر العلماء ‪ -‬فتسد بذا دخول اية شبهة كانت ف ذهن القارئ‪ .‬فانتهج سعيد القدي ف‬
‫تفسيه هذا مسلك رسائل النور‪ ،‬فأول اهتمامه بالانب البلغي لتلك اليات وبيان الفاظها‬
‫واشاراتا لئل يكدّر الذهان ويعكر صفوها‪.‬‬

‫النكتة الثانية‪:‬‬

‫لا كانت قراءة كل حرف من القرآن الكري فيها عشر حسنات أو مائة حسنة أو ألفا من ثرات‬
‫الخرة أو الوفا منها‪ ،‬فل يعدّ اذن ايضاح سعيد القدي لنكات دقيقة تص كلمات القرآن الكري‬
‫س سعيد‬
‫اسرافا ف الكلم‪ ،‬اذ رغم دقة الهداب وصغر بؤبؤ العي فإن لما اهية عظمى‪ .‬فلقد اح ّ‬
‫القدي ف النكات البلغية مثل هذه الهية‪ ،‬لذا ل تثنه شراسة العارك وهول الرب ف البهة‬
‫المامية عن املء ادق النكات القرآنية على تلميذه ‪.‬‬
‫النكتة الثالثة‪:‬‬

‫ان الترجة التركية لذا التفسي ل توف بلغته الفائقة حق الوفاء‪ ،‬بل جاءت متصرة ف مواضع‬
‫عدة‪ .‬وسنلحق با ‪ -‬باذن ال ‪ -‬التفسي العرب رفعا لذا النقص ما ل يكن من مانع‪ .‬فيجى بذل‬
‫الستطاع ليكون طبعه مطابقا للصل مافظا على توافقاته الرائعة الت ل تسها ارادة انسان‪،‬‬
‫وذلك لئل تضيع علمات قبوله‪.‬‬

‫سعيد النورسي‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪20 :‬‬

‫افادة الرام‬

‫اقول‪ :‬لا كان القرآنُ جامعا لشتات العلوم وخطبةً لعامة الطبقات ف كل العصار‪ ،‬ل يتحصّل‬
‫له تفسي لئق من فهم الفرد الذي قلما يلُص من التعصب لسلكه ومشربه؛ اذ فهمُه يصّه ليس‬
‫له دعوة الغي اليه إلّ ان يُعدّيه ‪ 1‬قبول المهور‪ .‬واستنباطُه ‪ -‬ل بالتشهي ‪ -‬له العمل لنفسه فقط‪،‬‬
‫ول يكون حج ًة على الغي إلّ ان يصدّقه نوعُ اجاع‪.‬‬

‫فكما لبد لتنظيم الحكام واطرادها ورفع الفوضى ‪ -‬الناشئة من حرية الفكر مع اهال الجاع‬
‫‪ -‬من وجود هيئة عالية من العلماء الحققي الذين ‪ -‬بظهريتهم لمنية العموم واعتماد المهور‬
‫‪ -‬يتقلدون كفالة ضمنية للمة‪ ،‬فيصيون مظهر سرّ حجّيةِ الجاع الذي لتصي نتيجةُ الجتهاد‬
‫شرعا ودستورا ا ّل بتصديقه وسكّته ‪2‬؛ كذلك لبد لكشف معان القرآن وجع الحاسن التفرقة‬
‫ف التفاسي وتثبيت حقائقه ‪ -‬التجلية بكشف الفن ‪ 3‬وتخيض الزمان ‪ -‬من انتهاض هيئة عالية‬
‫من العلماء التخصصي‪ ،‬الختلفي ف وجوه الختصاص‪ ،‬ولم مع دقةِ نظر ُوسْعةُ ‪ 4‬فك ٍر لتفسيه‪.‬‬

‫نتيجة الرام ‪:‬‬


‫انه لبد ان يكون مفسر القرآن ذا دهاء عال واجتهاد نافذ وولية كاملة‪ .‬وماهو الن إ ّل‬
‫الشخص العنوي التولد من امتزاج الرواح وتساندها وتلحق الفكار وتعاونا وتظافر القلوب‬
‫واخلصها وصميميتها‪ ،‬من بي تلك اليئة‪ .‬فبسر للكل حك ٌم ليس لك ٍل كثيا مايُرى آثارُ‬
‫ت منها افرادُها‪.‬‬
‫الجتهاد وخاص ُة الولية‪ ،‬ونورُه وضياؤها ‪ ،5‬من جاعة خََل ْ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عدّى الشئ‪ :‬اجازه وأنفذه‪.‬‬

‫سكة‪ :‬شارة الدولة الوضوعة على مسكوكاتا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫العلم الديث‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وُسعة واتساع وسعة بعن الطاقة والقدرة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫نور الجتهاد وضياء الولية‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪21 :‬‬

‫ث ان بينما كنت منتظرا ومتوجها لذا القصد بتظاهر هيئة كذلك ‪ -‬وقد كان هذا غاية خيال‬
‫من زمان مديد ‪ -‬اذ سنح لقلب من قبيل الس قبل الوقوع تقرّب زلزلة عظيمة ‪ ،1‬فشرعتُ ‪ -‬مع‬
‫عجزي وقصوري والغلق ف كلمي ‪ -‬ف تقييد ما سنح ل من اشارات اعجاز القرآن ف نظمه‬
‫ت والّ فالعُهدة عليّ‪.‬‬
‫وبيان بعض حقائقه‪ ،‬ول يتيسر ل مراجعة التفاسي‪ .‬فان وافقها فبِها وِنعْمَ ْ‬

‫فوقعتْ هذه الطامة الكبى‪ ..‬ففي اثناء اداء فريضة الهاد كلما انتهزتُ فرصة ف خط الرب‬
‫قيدتُ مالح ل ف الودية والبال بعبارات متفاوتة باختلف الالت‪ .‬فمع احتياجها ال‬
‫التصحيح والصلح ليرضى قلب بتغييها وتبديلها؛ اذ ظهرتْ ف حالة من خلوص النية ل توجد‬
‫الن‪ ،‬فاعرضها لنظار اهل الكمال ل لنه تفسي للتنيل‪ ،‬بل ليصي ‪ -‬لو ظفر بالقبول ‪ -‬نوعَ‬
‫مأخذٍ ‪ 2‬لبعض وجوه التفسي‪ .‬وقد ساقن شوقي ال ماهو فوق طوقي‪ ،‬فان استحسنوه شجعون‬
‫على الدوام‪.‬‬

‫ومن ال التوفيق‪.‬‬

‫سعيد النورسي‬

‫_____________________‬

‫لقد اخبنا مرارا ف اثناء الدرس وقوع زلزلة عظيمة (بعن الرب العمومية فوقعت كما‬ ‫‪1‬‬

‫اخبنا)‪.‬‬

‫حزة ‪ .‬ممد شفيق ‪ .‬ممد مهرى‪( .‬هؤلء من تلميذ الؤلف)‪.‬‬

‫الصدر والرجع‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪22 :‬‬

‫لعة من تعريف القرآن‬

‫فان قلت‪ :‬القرآن ما هو؟‬

‫قيل لك‪ :‬هو الترج ُة الزلية لذه الكائنات‪ ،‬والترجا ُن البدي للسنتها التاليات لليات التكوينية‪،‬‬
‫ومفسّ ُر كتاب العالَم‪ ..‬وكذا هو كشافٌ لخفيات كنوز الساء الستترة ف صحائف السموات‬
‫ح لقائق الشؤون الضْمَرة ف سطور الادثات‪ ..‬وكذا هو لسان الغيب‬ ‫والرض‪ ..‬وكذا هو مفتا ٌ‬
‫ف عال الشهادة‪..‬وكذا هو خزينةٌ للمخاطبات الزلية السبحانية واللتفاتات البدية الرحانية‪..‬‬
‫وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشسٌ لذا العال العنوي السلمي‪ ..‬وكذا هو خريطةٌ للعال‬
‫الُخروي‪ ..‬وكذا هو القولُ الشارح والتفس ُي الواضح والبهان القاطع والترجان الساطع لذات‬
‫ال وصفاته واسائه وشؤونه‪ ..‬وكذا هو مربّ للعال النسان‪ ،‬وكالاء وكالضياء للنسانية‬
‫الكبى الت هي السلمية‪ ..‬وكذا هو الكمة القيقية لنوع البشر‪ ،‬وهو الرشد الهدي ال ما‬
‫خُِل َق البشرُ له‪ ..‬وكذا هو للنسان‪ :‬كما انه كتابُ شريعةٍ كذلك هو كتاب حكمةٍ‪ ،‬وكما انه‬
‫كتابُ دعاء وعبودية كذلك هو كتابُ ام ٍر ودعوة‪ ،‬وكما انه كتابُ ذكرٍ كذلك هو كتابُ فِكر‪،‬‬
‫ب كثيةٌ ف مقابلة جيع حاجات النسان العنوية‪ ،‬كذلك هو‬ ‫وكما انه كتابٌ واحد لكن فيه كت ٌ‬
‫كمنل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل ‪ .‬حت انه قد أبرز لشْرَب كلّ واحدٍ من اهل الشارب‬
‫الختلفة‪ ،‬ولسلك كلّ واحدٍ من اهل السالك التباينة من الولياء والصديقي ومن العرفاء‬
‫والحققي رسال ًة لئقةً لذاق ذلك الشرب وتنويره‪ ،‬ولساق ذلك السلك وتصويره حت كأنه‬
‫مموعة الرسائل‪.‬‬

‫سعيد النورسي‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪23 :‬‬

‫بسْمِ ال الرّحْمَن الرّ ِحيْم‬

‫(اَلرّحْمنُ * عَلّ َم اَْلقُرْآنَ * خََل َق الِنْسَانَ * عَلّمَ ُه اْلبَيَانَ )‬

‫فنحمده مصلي على نبيه ممد الذي ارسله رحة للعالي وجعل معجزته الكبى الامعة برموزها‬
‫واشاراتا لقائق الكائنات باقية على مر الدهور ال يوم الدين وعلى آله عامة واصحابه كافة‪.‬‬

‫أما بعد؛ فاعلم!‬

‫اولً‪ :‬ان مقصدنا من هذه الشارات تفسي جلة من رموز نظْمِ القرآن؛ لن العجاز يتجلى من‬
‫نظمه‪ .‬وما العجاز الزاهر ا ّل نقشُ النظم‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬ان القاصد الساسية من القرآن وعناصره الصلية اربعة‪ :‬التوحيد والنبوة والشر والعدالة؛‬
‫لنه‪:‬‬

‫لا كان بنو آدم كركبٍ وقافلةٍ متسلسلةٍ راحلةٍ من أودية الاضي وبلده‪ ،‬سافرةٍ ف صحراء‬
‫الوجود والياة‪ ،‬ذاهبةٍ ال شواهق الستقبال‪ ،‬متوجهةٍ ال جنّاته‪ ،‬فتهتز بم الناسبات وتتوجه‬
‫ل منهم بـ "يا بن آدم!‬
‫ت حكومةُ الِلقة فَ ّن الكم ِة مستنطقا وسائ ً‬
‫اليهم الكائنات‪ .‬كأنه اَرسَل ْ‬
‫مِن أين؟ ال أين؟ ماتصنعون؟ مَنْ سلطانكم؟ مَنْ خطيبكم؟"‬

‫فبينما الحاورة‪ ،‬اذ قام من بي بن آدم ‪ -‬كأمثاله الماثل من الرسل اول العزائم ‪ -‬سيّ ُد نوعِ‬
‫البشر ممّد الاشي صلى ال عليه وسلم وقال بلسان القرآن‪:‬‬

‫"ايها الكمة ! نن معاشر الوجودات نئ بارزين من ظلمات العدم بقدرة سلطان الزل‪ ،‬ال‬
‫ضياء الوجود‪ ..‬ونن معاشر بن آدم ُب ِعثْنا بصفة الأمورية متازين من بي اخواننا الوجودات بمل‬
‫المانة‪ ..‬ونن على جناح السفر من طريق الشر‬

‫___________‬

‫‪ -1‬اى‪ :‬ايها الفن السمى بالكمة‪ .‬والفن يطلق على كل علم‪ ،‬والكمة‪ :‬علم يبحث عن‬
‫حقائق الشياء على ما هى عليه ف الوجود بقدر الطاقة البشرية‪ ،‬فهى علم نظرى غي آل‬
‫(التعريفات)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪24 :‬‬

‫ال السعادة البدية‪ ،‬ونشتغل الن بتدارك تلك السعادة وتنمية الستعدادات الت هى رأسُ مالِنا‪..‬‬
‫وانا سيّدُهم وخطيبهم‪ .‬فها دونكم منشوري! وهو كلم ذلك السلطان الزل تتلل عليه س ّكةُ‬
‫ب الصواب ليس ال القرآنُ‪ ،‬ذلك الكتاب‪..‬‬
‫العجاز‪ .‬والجيب عن هذه السئلة الوا َ‬
‫كان ‪ 1‬هذه الربعة عناصره الساسية‪.‬‬

‫فكما تتراءى هذه القاصد الربعة ف كله‪ ،‬كذلك قد تتجلى ف سور ٍة سورة‪ ،‬بل قد يُلْمَح با ف‬
‫كلمٍ كلم‪ ،‬بل قد يُ ْرمَز اليها ف كلمةٍ كلمة؛ لن كل جزء فجزء كالرآة لكلٍ فك ٍل متصاعدا‪،‬‬
‫كما ان الكل يتراءى ف جزءٍ فجزءٍ متسلسل‪.‬‬

‫خصُ كالكلي ذي الزئيات؟‪.‬‬


‫ولذه النكتة ‪ -‬اعن اشتراك الزء مع الكل ‪ -‬يُعرّف القرآنُ الش ّ‬

‫ان قلت‪ :‬ارن هذه القاصد الربعة ف "بسم ال" وف "المد ل"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لا اُنزل (بسم ال) لتعليم العباد كان "قُلْ" مقدّرا فيه‪ .‬وهو ا ُلمّ ف تقدير القوال القرآنية‬
‫‪ .2‬فعلى هذا يكون ف "قل" اشارة ال الرسالة‪ ..‬وف (بسم ال) رمز ال اللوهية‪ ..‬وف تقدي الباء‬
‫تلويحٌ ال التوحيد ‪ ..3‬وف (الرحن) تلميحٌ ال نظام العدالة والحسان‪ ..‬وف (الرحيم) اياء ال‬
‫الشر‪.‬‬

‫وكذلك ف (المد ل) اشارةٌ ال اللوهية‪ ..‬وف لم الختصاص رمزٌ ال التوحيد‪ ..‬وف (رب‬
‫العالي) اياء ال العدالة والنبوة ايضا؛ لن بالرسل تربي ُة نوع البشر‪ ..‬وف (مالك يوم الدين)‬
‫تصريح بالشر‪.‬‬

‫حت ان صَدَف (ِانّا َاعْطَْينَاكَ اْل َكوْثَرَ )‪ 4‬يتضمن هذه الواهر‪ .‬هذا مثال فانسج على منواله‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬جواب لا ‪( ..‬الؤلف)‪.‬‬

‫اى‪ :‬يا ممد! قل هذا الكلم وعلّمه الناس (ت‪)13 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫حيث يفيد الصر‪( .‬ت‪)13 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫وهى من اقصر السور القرآنية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪25 :‬‬

‫(بِسْمِ ال) كالشمس يضئ َنفْسَه كغيِه‪ ،‬فاستغن‪ .‬حت ان باءه متعلقة بالفعل الفهوم من معناها‬
‫‪ -‬اي‪ :‬استعي به‪ ،‬او الفهوم عرفا‪ ،‬أي‪ :‬أتَيمّن به‪ ،‬أو با يستلزمه "قل" القدّر من "أقرأ" ‪ -‬الؤخّر‬
‫للخلص والتوحيد ‪.1‬‬

‫اما "السم" فاعلم! ان ل اساء ذاتية‪ ،‬واساء فعلية متنوعة كالغفار والرزاق والحيي والميت‬
‫وأمثالا‪ .‬وتن ّوعُها وتكثّرها بسبب تعدد نسبة القدرة الزلية ال انواع الكائنات ‪ .2‬فكأن (بسم‬
‫ال) استنالٌ لتأثي وتعلق القدرة ليكون ذلك التعلقُ روحا مُمدّا لكسب العبد‪.‬‬

‫(ال) لفظة اللل نسخةٌ جامعة لميع الصفات الكمالية لدللتها التزاما عليه؛ بسر استلزام ذاته‬
‫تعال لصفاته بلف سائر الَعلم‪ ،‬لعدم الستلزام‪.‬‬

‫(الرّحْمنِ الرّحِيمِ)‬

‫وجه النظم‪ :‬ان لفظ اللل كما يتجلى منه اللل بسلسلته‪ ،‬كذلك يتراءى المال بسلسلته من‬
‫(الرحن الرحيم)‪ .‬اذ اللل والمال اصلن تسلسل منهما ‪ -‬بتجليهما ف كل عال ‪ -‬فروعٌ‪:‬‬
‫كالمر والنهي‪ ،‬والثواب والعذاب‪ ،‬والترغيب والترهيب‪ ،‬والتسبيح والتحميد‪ ،‬والوف والرجاء‬
‫ال آخره‪. .‬‬

‫وايضا كما ان لفظ اللل اشارة ال الصفات العينية والتنيهية؛ كذلك "الرحيم" اياء ال‬
‫ي ولغيٌ؛ اذ "الرحن"‬ ‫الصفات الغيية الفعلية؛ و"الرحن" رمز ال الصفات السبع الت هي ل ع ٌ‬
‫بعن الرزاق‪ ،‬وهو عبارة عن اعطاء البقاء ‪ .‬والبقاءُ تكررُ الوجود‪ .‬والوجود يستلزم صفة مُ َميّزة‬
‫خصّصَة وصفة ُمؤَثّرَة‪ ،‬وهي العلم والرادة والقدرة‪ .‬والبقاء الذي هو ثرة اعطاء الرزق‬ ‫وصفة ُم َ‬
‫يقتضي عُرفا ثبوت البصر والسمع والكلم؛ اذ لبد للرزاق من البصر ليى حاجة الرزوق إن ل‬
‫يَطلب‪ ،‬ومن السمع ليستمع كلمه إن طلب‪ ،‬ومن الكلم ليتكلم مع الواسطة إن كانت ‪ .‬وهذه‬
‫الست تستلزم السابعة الت هي الياة‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ان الفعال الذكورة التعلقة بالباء‪ ،‬تقدّر مؤخرا للحصر ليتضمن الخلص والتوحيد (ت‪:‬‬
‫‪)14‬‬

‫اى بسبب علقة القدرة الزلية وتعلّقها بانواع الكائنات وافرادها (ت‪)14 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪26 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬تذييل "الرحن" الدال على الِنعَمِ العظيمة بـ "الرحيم" الدال على النعم الدقيقة يكون‬
‫صنعة التدلّي‪ .‬والبلغة ف صنعة الترقّي من الدن ال العلى؟‬

‫قلت‪ :‬تذييلٌ للتتميم كالهداب للعي واللجام للفرس‪ ..‬وايضا لا توقفت العظيمةُ على الدقيقة‪،‬‬
‫كانت الدقيقة ارقى كالفتاح للقفل واللسان للروح‪ ..‬وايضا لا كان هذا القام مقام التنبيه على‬
‫مواقع الِنعَمِ كان الخفى أجدر بالتنبيه‪ ،‬فيكون صنع ُة التدلّي ف مقام المتنا ِن والتعدا ِد صنعةَ‬
‫الترقّي ف مقام التنبيه‪.‬‬

‫ان قلت‪" :‬الرحن" و"الرحيم" كامثالما ببادئها مالٌ ف حقه تعال كرّقةِ القلب‪ .‬وان اُريد منها‬
‫النهايات ‪ 1‬فما حكمة الجاز؟‬

‫قلت‪ :‬هي حكمة التشابات ‪2‬؛ وهي التنلت اللية ال عقول البشر؛ لتأنيس الذهان وتفهيمها‪،‬‬
‫كمن تكلم مع صبّ با يألفه ويأنس به‪ .‬فان المهور من الناس يتنون معلوماتم عن مسوساتم‬
‫ول ينظرون ال القائق الحضة ال ف مرآة متخيلتم ومن جانب مألوفاتم‪ ..‬وايضا القصود من‬
‫الكلم‪ :‬افادةُ العن‪ ،‬وهي لتتم ال بالتأثي ف القلب والس‪ ،‬وهو ليصل ال بإلباس القيقة‬
‫اسلوبَ مألوف الخاطب وبه يستعد القلب للقبول‪.‬‬

‫(الَمْدُ)‬

‫وجه النظم مع ما قبله‪ :‬ان "الرحن" و"الرحيم" لا دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب المد‪ .‬ث ان‬
‫(المد ل) قد كُرّرَت ف أربع ُسوَرٍ من القرآن ‪ ،3‬كل واحدة منها ناظرة ال نعمة من النعم‬
‫‪4‬‬
‫الساسية الت هي‪ :‬النشأة الول‪ ،‬والبقاء فيها؛ والنشأة الُخرى‪ ،‬والبقاء بعدها‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى‪ :‬إن قصد النعام الذي هو نتيجة ولزم لعن حقيقتهما (ت‪)16 :‬‬

‫الت مال استعمال معناها القيقي بقه تعال‪ ،‬كاليد (ت‪)16 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهى‪ :‬النعام‪ ،‬الكهف‪ ،‬سبأ‪ ،‬فاطر‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫قال ابو اسحق السفراين رحه ال‪ :‬ف سورة "النعام " كل قواعد التوحيد‪ .‬ولا كانت نعمه‬ ‫‪4‬‬

‫تعال ما تفوت الصر إلّ انا ترجع اجالً ال اياد وابقاء ف النشأة الول‪ ،‬واياد وابقاء ف‬
‫النشأة الخرة‪ .‬وقد اشي ف "الفاتة " "الكهف " ال البقاء الول‪ ،‬وف "سبأ " ال الياد الثان‪،‬‬
‫وف "فاطر " ال البقاء الثان‪ ،‬فلهذا ابتدأت هذه السور المس بالتحميد (حاشية شهاب على‬
‫سورة النعام ج ‪ 4‬ص ‪()2‬ب)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪27 :‬‬


‫ث وجه نظمه ف هذا القام‪ ،‬أي جعله فاتةَ فاتةِ القرآن هو‪ :‬انه كتصوّر العلة الغائية ‪ 1‬القَدّم ف‬
‫الذهن؛ لن المدَ صورةٌ اجالية للعبادة الت هي نتيجةٌ للخِلقة‪ ،‬والعرفةِ الت هي حكم ٌة وغايةٌ‬
‫للكائنات‪ .‬فكأن ذكره تصورٌ للعلة الغائية‪ ..‬وقد قال عز وجل (وماخلقتُ ال ّن والِنس الّ‬
‫‪2‬‬
‫ليعبدون)‬

‫ث ان الشهور من معان المد اظهار الصفات الكمالية‪.‬‬

‫وتقيقه‪ :‬ان ال سبحانه خلق النسان وجعله نسخة جامعة للكائنات‪ ،‬وفهرستة ‪ 3‬لكتاب العالَم‬
‫الشتمل على ثانية عشر الف عالَم‪ ،‬وأودع ف جوهره انوذجا من كل عالَم تلى فيه اسمٌ من‬
‫ف النسانُ كل مااُنعِمَ عليه ال ماخُِلقَ لجله ايفاءً للشكر العرف ‪ -‬الداخل‬‫اسائه تعال‪ .‬فاذا صر َ‬
‫ج مشكاةً لعالَمِهِ‬
‫تت المد ‪ -‬وامتثالً للشريعة الت هي جلء لصدأ الطبيعة‪ ،‬يصيُ كلّ انوذ ٍ‬
‫ومرآةً له وللصفة التجلية فيه والسم التظاهر منه‪ .‬فيكون النسان بروحه وجسمه خلص َة عالَيْ‬
‫الغيب والشهادة‪ ،‬ويتجلى فيه ما تلى فيهما‪.‬‬

‫فبالمد يصي النسان مظهرا للصفات الكمالية اللية‪ .‬يدل على هذا قول مي الدين العرب ‪ 4‬ف‬
‫ت الْخَ ْلقَ ِلَيعْرِفُون) ‪ 5‬أي ‪ :‬فخلقت اللق ليكون مرآةً‬
‫خًلقْ ُ‬
‫خ ِفيّا فَ َ‬
‫بيان حديث ( ُكنْتُ َكنْزَا مَ ْ‬
‫أشاهِدُ فيها جال‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى يكون العلوم لجلها‪.‬‬

‫سورة الذاريات‪. 56 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫فهرس وفهرست كلمة معربة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫مي الدين بن عرب‪ 638 - 560 :‬هـ ‪ 1240 - 1165/‬م‬ ‫‪4‬‬


‫هو ممد بن علي بن ممد ابن عرب‪ ،‬ابو بكر الاتي الطائي الندلسي‪ ،‬العروف بحي الدين بن‬
‫عرب‪ ،‬اللقب بالشيخ الكب‪ :‬فيلسوف‪ ،‬من أئمة التكلمي ف كل علم‪ .‬ولد ف مرسيه‬
‫(بالندلس) وانتقل ال اشبيلية‪ .‬وقام برحلة فزار الشام وبلد الروم والعراق والجاز‪ .‬وانكر عليه‬
‫اهل الديار الصرية «شطحات» صدرت عنه‪ ،‬فعمل بعضهم على إراقة دمه‪ .‬وحبس‪ ،‬فسعى ف‬
‫خلصه علي بن فتح البجائي فنجا‪ .‬واستقر ف دمشق‪ ،‬فتوف فيها له نو اربعمائة كتاب ورسالة‪،‬‬
‫منها (الفتوحات الكية) ف التصوف وعلم النفس و(فصوص الكم)‪.‬‬

‫العلم ‪ 6/281‬فوات الوفيات ‪ 2/241‬ميزان العتدال ‪ 3/108‬جامع كرامات الولياء‬


‫‪ 1/118‬شذرات الذهب ‪.5/190‬‬

‫ل يعرف له سند صحيح ول ضعيف‪ ،‬الّ ان علي القارئ قال‪ :‬ولكن معناه صحيح‪ ،‬مستفاد من‬ ‫‪5‬‬

‫قوله تعال(وما خلقت الن والنس إ ّل ليعبدون) اى ليعرفون‪ ،‬كما فسره ابن عباس رضى ال‬
‫عنهما (باختصار عن كشف الفاء ‪.)2/132‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪28 :‬‬

‫(ل) أي المد متص ومستحق للذات ‪ 1‬القدس الشخص الذي يُلحَظ بفهوم "الواجب‬
‫الوجود" ‪ 2‬اذ قد يلحظ الشخص بأمر عام‪ .‬وهذه اللم متعلقة بعن نفسها‪،‬كأنا تشربت معن‬
‫متعلقها ‪ .3‬وف اللم اشارة ال الخلص والتوحيد‪.‬‬

‫(رَبّ) أي الذي يربّي العال بميع اجزائه‪ ،‬الت كلٌ منها كالعال عالَم؛ وذرّاتهُ كنجومه متفرّقةٌ‬
‫متحرّكة بالنتظام‪.‬‬

‫واعلم! ان ال عز وجل عيّن لكل شئ نقطةَ كمالٍ وأودع فيه ميلً اليها‪ ،‬كأنه أمَرَه أمرا معنويا‬
‫ان يتحرك به اليها‪ ،‬وف سفره يتاج ال ما يُمدّه ودفع ما يَعوقهُ‪ ،‬وذلك بتربيته عز وجل‪ .‬لو‬
‫تأملت ف الكائنات لرأيتها كبن آدم طوائف وقبائل يشتغل كلٌ منفردا ومتمعا بوظيفته الت‬
‫عّينَها له صاِنعُه ساعيا مُجدّا مطيعا لقانون خالقه‪ .‬فما اعجب النسان كيف يشذّ!‬
‫(الْعَالَ ِميَ) الياء والنون إما‪ :‬علمة للعراب فقط كـ "عشرين وثلثي"‪ ..‬أو للجمعية؛ لن‬
‫اجزاء العال عَوال‪ ..‬أو العالُ ليس منحصرا ف النظومة الشمسية‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫س وَاْلقَمَرُ‬
‫ك تَجرِي النّجُو ُم بِهِ وَالشّ ْم ُ‬
‫الَحَمْدُ ل كَمْ ل مِنْ فَلَ ٍ‬

‫وآثرَ جعَ العقلء مثل ( َرَأْيُتهُمْ لِي سَا ِجدِينَ) ‪ 4‬اشارةً ال ان نظ َر البلغة يصوّر كل جزء من‬
‫أجزاء العال بصورةِ حيّ عاق ٍل متكلّم بلسان الال‪ .‬اذ العالَم اس ُم مايُعَل ُم به الصان ُع ويشهدُ عليه‬
‫ويشي اليه‪ .‬فالتربية والعلمُ يُومِيان ‪ -‬كالسجود ‪ -‬ال انا كالعقلء‪.‬‬

‫(الْرّحْمن الْرّحِيمِ)‬

‫وجه النظم‪ :‬انما اشارتان ال أسا َس ْي التربية؛ اذ "الرحن" لكونه بعن الرزاق يلئم جلب النافع؛‬
‫و"الرحيم" لكونه بعن الغفار يناسب دفع الضار وها الساسان للتربية‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬جعل كلمة "الذات" اسا للحقيقة فزال التأنيث‪.‬‬

‫الذى يكون وجوده من ذاته ول يتاج ال شئ اصلً‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫بعد حذف متعلقها (ت‪)17 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة يوسف‪.4 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪29 :‬‬

‫(مَالِكِ َيوْمِ الدّينِ) اي يوم الشر والزاء‪.‬‬

‫وجه النظم‪ :‬انه كالنتيجة لسابقه؛ اذ الرحة من أدلة القيامة والسعادة البدية؛ لن الرحة انا‬
‫تكون رحةً‪ ،‬والنعمة نعمةً إذا جاءت القيامة وحصلت السعادة البدية‪ .‬وإلّ فالعقلُ الذي هو من‬
‫اعظم الِنعَم يكون مصيبةً على النسان‪ ،‬والحبة والشفقة اللتان ها من ألطف انواع الرحة‬
‫تتحولن ألا شديدا بلحظة الفراق البدي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫إن قلت‪ :‬ان ال تعال مالكٌ لكل شئ دائما فما وجه الختصاص؟‬

‫ضعَها ال تعال ف عال الكون والفساد لظهار‬ ‫قلت‪ :‬للشارة ال ان السباب الظاهرية الت و َ‬
‫عظمته ‪ -‬أي لئل يُرى ف ظاهر نظر العقل مباشرةُ يد القدرة بالمور السيسة ف جهة مُلْك‬
‫الشياء ‪ -‬ترتفع ف ذلك اليوم وتتجلّى ملكوتيةُ كل شئ صافي ًة شفّافةً‪ ،‬بيث يَرى ويَعرف كلُ‬
‫شئ سيّدَه وصانِعَه بل واسطة‪ .‬وف التعبي بلفظ "اليوم" إشارة ال امارة حدسية من امارات‬
‫الشر بناء على التناسب البيّن بي اليوم والسنة‪ ،‬وعمر البشر ودوران الدنيا‪ .‬كالكائن بي َامْيال‬
‫ل أتّ َدوْرَه يدس ف نفسه‬‫الساعة العادّة للثوان والدقائق والساعات واليام‪ .‬فكما ان مَن يرى مي ً‬
‫ان من شأن الخر أيضا ان يتم دوره وإن كان بهلة؛ كذلك ان من يرى القيامة النوعية الكررة‬
‫ف أمثال اليوم والسنة يتحدس بتولد ربيع السعادة البدية ف صبح يوم الشر للنسان الذي‬
‫شخصُه كنوعٍ‪.‬‬

‫والراد من (الدّين) إمّا الزاء‪ ،‬أي يوم جزاء العمال اليية والشرية‪ ،‬أو القائق الدينية‪ ،‬أي يوم‬
‫طلوعها وظهورها وغلبة دائرة العتقاد على دائرة السباب؛ لن ال عز وجل أودع بشيئته ف‬
‫الكائنات نظاما يربط السباب بالسببات وألأ النسان بطبيعته ووهه وخياله ال ان يراعي ذلك‬
‫النظام ويرتبط به‪ .‬وكذا وجّه كل شئ اليه وَتنَزّه عن تأثي السباب ف مُلكه‪ .‬وكلّف النسان‬
‫اعتقادا وايانا بان يراعي تلك الدائرة بوجدانه وروحه ويرتبط با‪ .‬ففي الدنيا دائرة السباب غالبة‬
‫على دائرة العتقاد؛ وف الُخرى تتجلى حقائق العقائد غالبة على دائرة السباب‪.‬‬

‫واعلم! ان لكلٍ من هاتي الدائرتي مقاما معينا وأحكاما مصوصة‪ ،‬فلبد ان يُعطى كلّ حقّه‪.‬‬
‫فمن نظر ف مقام دائرة السباب بطبيعته ووهه وخياله ومقاييس‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ف مالك يوم الدين (ت‪)19 :‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪30 :‬‬

‫السباب‪ ،‬ال دائرة العتقاد اضطر ال العتزال‪ .‬ومن نظر ف مقام العتقاد ومقاييسه بروحه‬
‫ووجدانه ال دائرة السباب أنتج له توكل َتْنبَلِيا ‪ 1‬وتردا ف مقابلة الشيئة النظامة‪.‬‬

‫(اِيّا َك َنعْبُدُ) ف "الكاف" نكتتان‪:‬‬

‫احداها‪ :‬تضمن الطاب بسر اللتفات ‪ 2‬للوصاف الكمالية الذكورة‪ ،‬اذ ذكرها شيئا شيئا‬
‫لهُ شوقا ويهزه للتوجه ال الوصوف‪ .‬فـ"اياك" أي‪ :‬يامن هو موصوف‬‫يرّك الذهن ويُعدّه وي ُ‬
‫بذه الصفات‪.‬‬

‫والخرى‪ :‬ان الطاب يشي ال وجوب ملحظة العان ف مذهب البلغة ليكون القروء كالُنْزَل‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فينجر طبعا وذوقا ال الطاب‪ .‬فـ "ايّاك" يتضمن المتثال بـ(ُأعْبُدْ َربّكَ َكَأنّكَ تَرَاهُ)‪.‬‬

‫والتكلم مع الغي ف (نعبد) لوجوه ثلثة‪:‬‬

‫أي نعبد نن معاشر أعضاء وذرّات هذا العال الصغي ‪ -‬وهو أنا ‪ -‬بالشكر العرف الذي هو‬
‫إطاعة ك ٍل لا أُمر به‪ ..‬ونن معاشر الوحّدين نعبدك باطاعة شريعتك‪ ..‬ونن معاشر الكائنات‬
‫نعبد شريعتك الكبى الفطرية ‪ 4‬ونسجد بالية والحبة تت عرش عظمتك وقدرتك‪.‬‬

‫وجه النظم‪ :‬ان "نعبد" بيان وتفسي لـ "المد" ونتيجة ولزم لـ (مالك يوم الدين)‪.‬‬

‫واعلم! ان تقدي "اياك" للخلص الذي هو روح العبادة‪ .‬وان ف خطاب الكاف رمزا ال علة‬
‫العبادة لن من اتصف بتلك الوصاف الداعية ال الطاب استحق العبادة‪.‬‬

‫( َواِيّاكَ نَسَْتعِيُ) هذه كـ (ايّاك نعبد) باعتبار الماعات الثلث‪:‬‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬التنبل والتنبال‪ :‬البليد الكسلن‪ .‬ج تنابلة‪ .‬والقصود هنا مذهب البية‪.‬‬

‫اللتفات‪ :‬هو العدول عن الغيبة ال الطاب او التكلم‪ ،‬او على العكس (التعريفات)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اصل الديث رواه البخارى ومسلم‪ ،‬وفيه‪ :‬ما الحسان؟ قال‪ :‬ان تعبد ال كأنك تراه فإن ل‬ ‫‪3‬‬

‫تكن تراه فانه يراك (متفق عليه) ورواية الطبان‪ :‬اُعبدال كأنك تراه‪ .‬وهو حديث صحيح‬
‫(صحيح الامع الصغي ‪)1049‬‬

‫اى ننقاد ونضع ونطيع‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪31 :‬‬

‫اي نن معاشر العضاء ومعاشر الوحّدين ومعاشر الكائنات نطلب منك التوفيق والعانة على‬
‫كل الاجات والقاصد الت أهها عبادتك‪.‬‬

‫كرّ َر "اياك" لتزييد لذة الطاب والضور‪ ..‬ولن مقام العيان أعلى وأجلّ من مقام البهان‪..‬‬
‫ولن الضور أدعَى ال الصدق وبأن ليكذب‪ ..‬ولستقلل كلّ من القصدين‪.‬‬

‫واعلم! ان نظم "نستعي" مع "نعبد"‪:‬‬

‫كنظم الجرة مع الدمة‪ ،‬لن العبادة حق ال على العبد‪ ،‬والعانة إحسانُه تعال لعبده‪ .‬وف حصر‬
‫"اياك" إشارة ال ان بذه النسبة الشريفة الت هي العبادة والدمة له تعال يترفّ ُع العبد عن التذلل‬
‫للسباب والوسائط‪ ،‬بل تصي الوسائطُ خادمةً له وهو ليعرف ال واحدا‪ ،‬فيتجلى ُحكْمُ دائرة‬
‫العتقاد والوجدان كما مر‪ .‬ومن ل يكن خادما له تعال بق يصي خادما للسباب ومتذللً‬
‫للوسائط‪ .‬لكن يلزم على العبد وهو ف دائرة السباب ان ليهمل السباب بالرة لئل يكون‬
‫متمردا ف مقابلة النظام الودع بكمته ومشيئته تعال‪ ،‬لن التوكل ف تلك الدائرة عطالة كما مر‪.‬‬

‫وكنظم القدّمة مع القصود لن العانة والتوفيق مقدمة العبادة‪.‬‬


‫(اِهْ ِدنَا)‬

‫وجه النظم‪ :‬انه جواب العبد عن سؤاله تعال كأنه يسأل‪ :‬أيّ مقاصدك أعلَقُ بقلبك؟ فيقول‬
‫العبد‪ :‬اهدنا‪.‬‬

‫واعلم! ان "اهدنا" بسبب تعدد مراتب معانيه ‪ -‬بناء على تنوّع مفعوله ال الادين والستهدين‬
‫والستزيدين وغيهم ‪ -‬كأنه مشتق من الصادر الربعة لفعل الداية‪ .‬فاهدنا باعتبار معشر "ثبّتنا"‪،‬‬
‫وبالنظر ال جاعة "زدنا"‪ ،‬وبالقياس ال طائفة "وفّقنا" وال فرقة "اَعْطنا"‪ ..‬وأيضا ان ال تعال‬
‫بكم (أعْطَى كُ ّل َشيْء خَ ْلقَ ُه ثُ ّم هَدَى) ‪ 1‬هدانا بإعطاء الواس الظاهرة والباطنة‪ ،‬ث هدانا بنصب‬
‫الدلئل الفاقية والنفسية‪ ،‬ث هدانا بارسال الرسل وانزال الكتب‪ ،‬ث هدانا أعظم الداية بكشف‬
‫الجاب عن الق فظهر الق حقا والباطل باطل‪.‬‬

‫ل وَارْزُ ْقنَا ا ْجِتنَابَهُ‪.‬‬


‫الّلهُ ّم اَ ِرنَا الْحَقّ َحقّا وَارْزُ ْقنَا ِاّتبَاعَ ُه َواَ ِرنَا الْبَاطِ َل بَا ِط ً‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة طه‪.50 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪32 :‬‬

‫سَتقِيمَ)‬
‫ط الْمُ ْ‬
‫(الصّرَا َ‬

‫اعلم! أن الصراط الستقيم هو العدل الذي هو ملخص الكمة والعفة والشجاعة اللت هي‬
‫أوساطٌ للمراتب الثلث للقوى الثلث‪.‬‬

‫توضيحه‪:‬‬
‫ان ال عز وجل لا اسكن الروحَ ف البدن التحوّل الحتاج العروض للمهالك أودع لدامتها فيه‬
‫ى ثلثا‪.‬‬
‫قو ً‬

‫إحداها‪ :‬القوة الشهوية البهيمية الاذبة للمنافع‪.‬‬

‫سبُعية الدافعة للمضرات والخرّبات‪.‬‬


‫وثانيتها‪ :‬القوة الغضبية ال َ‬

‫وثالثتها‪ :‬القوة العقلية اللكية الميزة بي النفع والضر‪.‬‬

‫لكنه تعال ‪ -‬بكمته القتضية لتَكمّل البشر بسر السابقة ‪ -‬ل يدّد بالفطرة تلك القوى كما‬
‫حدد قوى سائر اليوانات‪ ،‬وإن حدّدَها بالشريعة؛ لنا تنهي عن الفراط والتفريط وتأمر‬
‫بالوسط‪ ،‬يصدع عن هذا (فَا ْسَتقِمْ كَما ُأمِرْتَ) ‪ .1‬وبعدم التحديد الفطري يصل مراتب ثلث‪:‬‬
‫مرتبة النقصان وهي التفريط‪ ،‬والزيادة وهي الفراط ‪ ،‬والوسط وهي العدل‪.‬‬

‫فتفريط القوة العقلية الغباوة والبلدة‪ ،‬وافراطها الربزة ‪ 2‬الادعة والتدقيق ف سفاسف المور‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫حكْ َمةَ َفقَ ْد اُوتِيَ َخيْرا َكثِيا)‬
‫ووسطها الكمة‪َ ( .‬ومَنْ ُيؤْتَ الْ ِ‬

‫اعلم! انه كما تنوع اصل هذه القوة ال تلك الراتب‪ ،‬كذلك كل فرع من فروعها يتنوع ال هذه‬
‫ب أهل السنة وسطُ الب والعتزال ‪ ،4‬وف العتقاد‪:‬‬‫الثلث‪ .‬مثل‪ :‬ف مسألة خَلق الفعال‪ :‬مذه ُ‬
‫ب التوحيد وسط التعطيل والتشبيه‪ ..‬وعلى هذه القياسُ‪.‬‬
‫مذه ُ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة هود‪112 :‬‬

‫الُربُز (بالضم)‪ :‬الب البيث‪ ،‬والصدر‪ :‬الربزة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة‪269 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫البية‪ :‬افراط حيث يرم النسان من العمل‪ .‬والعتزلة تفريط حيث ينح التأثي للنسان‪ .‬اما‬ ‫‪4‬‬

‫اهل السنة فهو الوسط‪ ،‬حيث ينح بداية تلك الفعال ال الرادة الزئية وناياتا ال الرادة الكلية‬
‫(ت‪)24 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪33 :‬‬

‫وتفريط القوة الشهوية المودة وعدم الشتياق ال شئ‪ ،‬وافراطها الفجور بأن يشتهي ما صادف‬
‫حَلّ أو َح ُرمَ‪ ،‬ووسطها العفةُ بأن يرغب ف اللل ويهرب عن الرام‪ .‬وقس على الصل كل‬
‫فرع من فروعاته من الكل والشرب واللبس وأمثالا‪.‬‬

‫وتفريط القوة الغضبية البانة أي الوف ما ليُخاف منه والتوهم‪ ،‬وافراطها التهوّر الذي هو والدُ‬
‫‪1‬‬
‫الستبداد والتحكم والظلم‪ ،‬ووسطها الشجاعة أي بذل الروح بعشق وشوق لماية ناموس‬
‫السلمية واعلء كلمة التوحيد‪ .‬وقس عليها فروعها‪..‬‬

‫فالطراف الستة ظل ٌم والوساط الثلثة هي العدل الذي هو الصراط الستقيم‪ ،‬اي العملُ بـ‬
‫(فَا ْستَقِمْ كَما ُامِرْتَ) ‪ 2‬ومَن م ّر على هذا الصراط ير على الصراط المتد على النار‪.‬‬

‫ت عََلْيهِمْ)‬
‫ط الّذِي َن َاْنعَمْ َ‬
‫(صِرَا َ‬

‫اعلم! ان نظم درر القرآن ليس بيط واحد بل النظم ‪ -‬ف كث ٍي ‪ -‬نقوش تصل من نسج خطوطِ‬
‫ب متفاوتة قُربا وبُعدا‪ ،‬ظهورا وخفاء‪ .‬لن أساس العجاز بعد الياز هذا النقش‪ .‬مثل‪:‬‬
‫نس ٍ‬
‫صراط الذين انعمت عليهم يناسب‪:‬‬

‫(المد ل) لن النعمة قرينة المد‪..‬‬

‫و(رب العالي) لن كمال التربية بترادف الِنعَم‪..‬‬


‫و(الرحن الرحيم) لن النعم عليهم ‪ -‬اعن النبياء والشهداء والصالي ‪ -‬رحةٌ للعالي ومثال‬
‫ظاهر للرحة‪..‬‬

‫و(مالك يوم الدين) لن الدين هو النعمة الكاملة‪..‬‬

‫و(نعبد) لنم الئمة ‪..3‬‬

‫و(نستعي) لنم الوفقون‪..‬‬

‫و(اهدنا) لنم السوة بسر (َفِبهُداهُ ُم ا ْقتَ ِدهْ) ‪..4‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬الناموس‪ :‬ما يميه الرجل من اسه وصيته وشرفه‪ .‬وف (التعريفات)‪ :‬هو الشرع الذى شرعه‬
‫ال‪.‬‬

‫سورة هود‪112 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫لنم الئمة ف العبادة (ت‪)25 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النعام‪90 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪34 :‬‬

‫و(الصراط الستقيم) لظهور انصار الطريق الستقيم ف مسلكهم‪ .‬هذا مثال لك فقس عليه‪. .‬‬

‫وف لفظ "الصراط" إشارة ال ان طريقهم مسلوكة مدودة الطراف مَن سلكها ليرج عنها‪.‬‬

‫ب العي‬
‫ص َ‬
‫وف لفظ "الذين" ‪ -‬بناء على انه موصول‪ ،‬ومن شأن الوصول ان يكون معهودا نَ ْ‬
‫للسامع ‪ -‬اشارة ال علو شأنم وتللؤهم ف ظلمات البشر‪ ،‬كأنم معهودون نصب العي لكل‬
‫سامع وإن ل يتحرّ ول يطلب‪ ..‬وف جعيته رمز ال إمكان القتداء بم وحقانية مسلكهم بسر‬
‫التواتر اذ (يَدُ ال مَ َع الْجَمَا َعةِ) ‪..1‬‬

‫وف صيغة "انعمت" اشارة ال وسيلة طلب النعمة‪ ..‬وف نسبتها شافع له كأنه يقول‪ :‬ياالي! من‬
‫ت بفضلك‪ ،‬فأْنعِ ْم عل ّي وان ل استحق‪..‬‬
‫شأنك النعامُ وقد أنع ْم َ‬

‫وف "عليهم" اشارة ال شدة اعباء الرسالة وحل التكليف‪ ،‬واياء ال انم كالبال العالية‬
‫تتلقىاعباء الرسالة وحل التكليف‪ ،‬واياء ال انم كالبال العالية تتلقى شدائد الطر لفاضة‬
‫ك مَ َع الّذِي َن اَْنعَ َم ال عََلْيهِ ْم مِنَ‬
‫الصحارى‪ .‬وما أجل ف (الذين انعمت عليهم) يفسره (فَاُولئِ َ‬
‫حيَ) ‪ 2‬اذ القرآن يفسر بعضه بعضا‪.‬‬ ‫شهَدَاء والصّالِ ِ‬
‫ي وَال ّ‬
‫الّنبِييّ َن والصّدّيقِ َ‬

‫ان قلت‪ :‬مسالك النبياء متفاوتة وعباداتم متلفة؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان التبعية ف اصول العقائد والحكام؛ لنا مستمرة ثابتة دون الفروعات الت من شأنا‬
‫التغي بتبدل الزمان‪ .‬فكما ان الفصول الربعة ومراتب عمر النسان تؤثر ف تفاوت الدوية‬
‫والتلبّس‪ ،‬فكم من دواء ف وقت يكون داء ف آخر؛ كذلك مراتب عمر نوع البشر تؤثر ف‬
‫اختلف فروعات الحكام الت هي دواء الرواح وغذاء القلوب‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬رواه الطبان والترمذي وحسّنه بلفظ‪" :‬يد ال على الماعة" (كشف الفاء ‪)2/391‬‬
‫وصححه مقق الامع الصغي (‪ )7921‬وعزاه للحاكم والبيهقى ف الساء عن ابن عمر رضى‬
‫ال عنهما وابن عاصم عن اسامة بن شريك‪.‬‬

‫سورة النساء‪69 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪35 :‬‬


‫ب عََلْيهِمَْ)‪.‬‬
‫(غَيْرِ الْ َمغْضُو ِ‬

‫وجه النظم‪ :‬اعلم! ان هذا القام لكونه مقام الوف والتخلية يناسب القامات السابقة؛ فينظر بنظر‬
‫الية والدهشة ال مقام توصيف الربوبية باللل والمال‪ ،‬وبنظر اللتجاء ال مقام العبودية ف‬
‫"نعبد"‪ ،‬وبنظر العجز ال مقام التوكل ف "نستعي"‪ ،‬وبنظر التسلي ال رفيقه الدائمي أعن مقام‬
‫س الية ث ميلُ الفرار ث التوكلُ‬
‫الرجاء والتحلية‪ ،‬اذ اوّل ما يتولد ف قلب من يرى أمرا هائل ِح ّ‬
‫عند العجز ث التسلي بعد ذلك المر‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬ان ال عز وجل حكيم غن فما الكمة ف خلق الشر والقبح والضللة ف العال؟‬

‫قيل لك‪ :‬اعلم! ان الكمال والي والسن ف الكائنات هي القصودة بالذات وهي الكليات؛ وان‬
‫الشر والقبح والنقصان جزئيات بالنسبة اليها قليلة تبعية مغمورة ف اللقة‪ ،‬خلقها خالقها منتشرة‬
‫بي السن والكمال‪ ،‬ل لذاتا‪ ،‬بل لتكون مقدمة‪ ،‬وواحدا قياسيا‪ ،‬لظهور ‪ -‬بل لوجود ‪-‬‬
‫القائق النسبية للخي والكمال‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬فما قيمة القائق النسبية حت اُستُحسن لجلها الشرّ الزئي؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان القائق النسبية هي الروابط بي الكائنات‪ ..‬وهي الطوط النسوج منها نظامها‪..‬‬
‫وهي الشعة النعكس منها وجود واحد لنواعها‪ .‬وان القائق النسبية أزي ُد بألوفٍ من القائق‬
‫القيقية؛ اذ الصفات القيقية لذاتٍ لو كانت سبعة كانت القائق النسبية سبعمائة‪ .‬فالشر القليل‬
‫ستَحْسَن لجل الي الكثي؛ لن ف ترك الي الكثي ‪ -‬لن فيه شرا قليلً ‪ -‬شرا‬ ‫ُيغَْتفَر بل يُ ْ‬
‫كثيا‪ .‬وف نظر الكمة اذا قابل الشر القليل شرا كثيا صار الشر القليل حسنا بالغي‪ ،‬كما تقرر‬
‫ف الصول ف الزكاة والهاد‪.‬‬

‫وما اشتهر من‪" :‬ان الشياء انا ُتعْرَف باضدادها" معناه‪ :‬ان وجود الضد سبب لظهور ووجود‬
‫القائق النسبية للشئ‪ .‬مثل‪ :‬لو ل يوجد القبح ول يتخلل بي السن لا تظاهر وجود السن‬
‫براتبه الغي ‪ 1‬التناهية‪.‬‬
‫_____________________‬

‫يقول البغدادى‪" :‬ل تدخل اللف واللم على (غي)؛ لن القصود من ادخال (أل) على النكرة‬ ‫‪1‬‬

‫تصيصها بشئ معي‪ .‬فإذا قيل (الغي) اشتملت هذه اللفظة على ما ل يصى‪ ،‬ول تتعرف‬
‫بـ(أل) كما انا ل تتعرف بالضافة‪ ،‬فلم يكن لدخال (أل) عليها من فائدة "‪.‬‬

‫وجاء ف الصباح الني‪ ،‬ف مادة (غي) مانصه‪" :‬يكون وصفا للنكرة‪ ،‬تقول‪ :‬جاءن رجل غيك‪،‬‬
‫وقوله تعال‪( :‬غي الغضوب عليهم) انا وصف با العرفة‪ ،‬لنا اشبهت العرفة باضافتها ال‬
‫العرفة‪ ،‬فعوملت معاملتها‪ .‬ومن هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها اللف واللم؛ لنا لّا شابت‬
‫العرفة‪ ،‬باضافتها ال العرفة‪ ،‬جاز ان يدخلها ما يعاقب الضافة‪ ،‬وهو اللف واللم‪...‬‬

‫وارتضى مؤتر الجمع اللغوى‪ ،‬النعقد بالقاهرة ف دورته الامسة والثلثي‪ ،‬ف شهر شباط‬
‫(فباير) ‪ 1969‬الرأى القائل‪" :‬ان كلمة غي الواقعة بي متضادين تكتسب التعريف من الضاف‬
‫اليه العرفة‪ ،‬ويصح ف هذه الصورة‪ ،‬الت تقع فيها بي متضادين‪ ،‬وليست مضافة‪ ،‬ان تقترن‬
‫بـ(أل)‪ ،‬فتستفيد التعريف "‪( .‬باختصار عن معجم الخطاء الشائعة لحمد العدنان)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪36 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬ما وجه تفاوت هذه الكلمات الثلث‪ :‬فعلً‪ ،‬واسم مفعولٍ‪ ،‬واسمَ فاعلٍ‪ ،‬ف‪" :‬انعمت"‬
‫و "الغضوب" و "الضالي"؟‬

‫وأيضا ما وجه التفاوت ف ذكر‪ :‬صفة الفرقة الثالثة‪ ،‬وعاقبة الصفة ف الفرقة الثانية‪ ،‬وعنوان صفة‬
‫الفرقة الول باعتبار الآل؟‬

‫ل ماضيا للشارة ال ان‬‫قيل لك‪ :‬اختار عنوان النعمة؛ لن النعمة لذةٌ تيل النفس اليها‪ ..‬وفع ً‬
‫الكري الطلق شأنه ان ليسترد مايعطى‪ ..‬وأيضا رمز ال وسيلة الطلوب بإظهار عادة النعم‪ ،‬كأنه‬
‫ت فأْنعِم عليّ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬لن من شأنك النعام وقد أنعَمْ َ‬
‫أما (غي الغضوب) فالراد منه‪ :‬الذين تاوزوا بتجاوز القوة الغضبية فظلموا‪ ،‬وفسقوا بترك‬
‫الحكام كتمرد اليهود‪ .‬ولا كان ف نفس الفسق والظلم لذة منحوسة وعزة خبيثة ل تتنفر منه‬
‫النفس ذَكَرَ القرآ ُن عاقبته الت ُتَنفّر ك ّل نفسٍ وهي نزول غضبه تعال‪ ..‬واختار السم الذي من‬
‫شأنه الستمرار اشارة ال ان العصيان والشر انا يكون سة اذا ل ينقطع بالتوبة والعفو‪.‬‬

‫أمّا (ول الضّالي) فالراد منه‪ :‬الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والوى على العقل‬
‫والوجدان ووقعوا ف النفاق بالعتقاد الباطل كسفسطة النصارى‪ .‬اختار القرآن نفسَ صفتهم لن‬
‫نفسَ الضللة أَلَمٌ‪ ،‬ينفر النفس ويتنب منه الروح وإن ل ي َر النتيجة‪ ..‬وإسا لن الضللة انا تكون‬
‫‪1‬‬
‫ضللة اذا ل تنقطع‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬إذ انقطاعها اشارة ال دخولا ضمن العفو (ت‪)29 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪37 :‬‬

‫واعلم! ان كل الل ف الضللة وكل اللذة ف اليان‪.‬‬

‫فإن شئت تأمل ف حال شخص‪ ،‬بينما اخر َجتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وأل َقتْهُ ف الدنيا ‪-‬‬
‫تلك الصحراء الائلة ‪ -‬اذ يفتح عينيه مستعطفا‪ ،‬فيى البليات والعلل كالعداء تتهاجم عليه‪،‬‬
‫فينظر مسترحا ال العناصر والطبائع فياها غليظة القلب بل رحة قد كشرت عليه السنان؛‬
‫فيفع رأسه ‪ -‬مستمدا ‪ -‬ال الجرام العلوية فياها مهيبة ومدهشة تدده كأنا مرامي ‪ 1‬نارية من‬
‫أفواه هائلة تر حواليه؛ فيتحي ويفض رأسه متسترا ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ صيحاتِ‬
‫حاجاته وأني فاقاته‪ ،‬فيتوحش‪ ،‬فينظر ال وجدانه ملتجأً؛ فيى فيه الوفا من آمال متهيج ٍة متدةٍ‬
‫لتُشبعها الدنيا‪.‬‬

‫فبال عليك كيف حال هذا الشخص ان ل يعتقد بالبدأ والعاد والصانع والشر؟ أتظن جهنم‬
‫أش ّد عليه من حاله وأحرقَ لروحه؟ فإن له حالة تركبت من الوف واليبة والعجز والرعشة‬
‫والقلق والوحشة واليتم واليأس؛ لنه اذا راجع قدرته يراها عاجزة ضعيفة؛ واذا توجه ال تسكي‬
‫حاجاته يراها لتسكت؛ واذا صاح واستغاث ليُسْمَع ول يُغاث فيظن كل شئ عدوا‪ ،‬ويتخيل‬
‫كل شئ غريبا فل يستأنس بشئ؛ ول ينظر ال دوران الجرام الّ بنظر الوف والدهشة‬
‫والتوحش الزعجة للوجدان‪.‬‬

‫ث تأمل ف حال ذلك الشخص اذا كان على الصراط الستقيم واستضاء وجدانهُ وروحُه بنور‬
‫اليان‪ ،‬كيف ترى انه اذا وضع قدمه ف الدنيا وفتح عينيه فرأى تاجم العاديات الارجية يرى‬
‫اذا "نقطة استناد" يستند اليها ف مقابلة تلك العاديات‪ ،‬وهي معرفة الصانع فيستريح‪ .‬ث اذا فتش‬
‫عن استعداداته وآماله المتدة ال البد يرى "نقطة استمداد" يستمد منها آماله وتتشرب منها ماء‬
‫الياة وهي معرفة السعادة البدية‪ .‬واذ يرفع رأسه وينظر ف الكائنات يستأنس بكل شئ وتتن‬
‫عيناه من كل زهرة اُنسية وتبّبا‪ ،‬ويرى ف حركات الجرام حكمةَ خالقها ويتنّه بسيها وينظر‬
‫نظر العبة والتفكر‪ .‬كأن الشمس تناديه‪ :‬أيها الخ! لتتوحش من فمرحبا بقدومك! نن كلنا‬
‫خادمان لذاتٍ واحد‪ ،‬مطيعان لمره‪ .‬والقمر والنجوم والبحر وأخواتا يناجيه ك ٌل منها بلسانه‬
‫ل وسهلً‪ ،‬أما تعرفنا ؟ كلنا مشغولون‬
‫الاص وترمز اليه‪ :‬بأه ً‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬قنابل وقذائف‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪38 :‬‬

‫بدمة مالكك فل تضجر ول تتوحش ول تف من تديد البليا بنعراتا‪ ،‬فان لام كلٍ بيد‬
‫خالقك‪.‬‬

‫فذلك الشخص ف الالة الول يس ف أعماق وجدانه ألا شديدا فيضطر للتخلص منه وتوينه‬
‫وابطال حسه بالتسلي‪ ،‬بالتغافل‪ ،‬بالشتغال بسفاسف المور‪ ،‬ليخادع وجدانه وينام روحُه؛ وال‬
‫احس بألٍ عميق يرق أعماق وجدانه‪ .‬فبنسبة الُبعْدِ عن الطريق الق يتظاهر تأثي ذلك الل‪.‬‬
‫وأما ف الالة الثانية فهو يس ف قعر روحه لذ ًة عالية وسعادة عاجلة كلما أيقظ قلبه وحرّك‬
‫وجدانه وأحسّ روحه استزاد سعادة واستبشر بفتح أبواب جنات روحانية له‪.‬‬

‫ستَقِيمِ‪.‬‬
‫ط الْمُ ْ‬
‫اَلّلهُ ّم ِبحُ ْر َمةِ ه ِذهِ السّو َر ِة اِ ْجعَ ْلنَا مِ ْن اَهْ ِل الصّرَا ِ‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪39 :‬‬

‫بسْمِ ال الرّحْمَن الرّحِيم‬


‫‪1‬‬
‫السورة الول من ال ّزهْرَا َويْنِ‬

‫ان قلت‪ :‬ان ف القرآ ن الوجز العجز أشياء مكررة تكرارا كثيا ف الظاهر كالبسملة و"فبأي‬
‫آلء" ال‪ ..‬و"ويل يومئذ" ال‪ ..‬وقصة موسى وأمثالا‪ ،‬مع ان التكرار يُ ِم ّل ويناف البلغة‪.‬‬

‫قيل لك‪" :‬مَا كُ ّل مَا َيتَلْ ُل يُحْ ِرقُ" فان التكرار قد يُ ِملّ‪ ،‬ل مطلقا‪ .‬بل قد يُستحسن وقد يُسأم‪.‬‬
‫فكمَا أن ف غذاء النسان ماهو قُوت كلما تكرر حل وكان آنس‪ ،‬وما هو تفكّه ان تكرر مُلّ‬
‫وان تدد اُستُلِذّ‪ ،‬كذلك ف الكلم ما هو حقيقة وقوت وقوّة للفكار وغذاء للرواح كلما‬
‫استعيد اُستحسن واستؤنس بألوفه كضياء الشمس‪ .‬وفيه ماهو من قبيل الزينة والتفكه‪ ،‬لذتُه ف‬
‫تدّد صورتِه وتلوّن لباسه‪.‬‬

‫ت وقوّة للقلوب ليُمَ ّل على التكرار بل‬


‫اذا عرفت هذا فاعلم! انه كما ان القرآن بجموعه قو ٌ‬
‫يُستحلى على الكثار منه‪ ،‬كذلك ف القرآن ماهو روح لذلك القوت كلما تكرر تلل ‪ 2‬وفارت‬
‫س الساس والعقدة الياتية والنور‬ ‫اشعة الق والقيقة من اطرافه‪ ،‬وف ذلك البعض ماهو أ ّ‬
‫التجسد بسدٍ سرمدي كـ (بسْمِ ال الرّحْمَن الرّ ِحيْم)‪ .‬فيا هذا شاور مذاقك ان كنت ذا‬
‫مذاق!‪..‬‬
‫هذا بناء على تسليم التكرار‪ ،‬والّ فيجوز ان تكون قصة موسى مثل مذكورة ف كل مقامٍ لوج ٍه‬
‫مناسب من الوجوه الشتملة هي عليها‪ .‬فان قصة موسى أجدى من تفاريق العصا ‪ 3‬أخذَها القرآن‬
‫بيده البيضاء فضةً فصاغتها ذهبا‪ ،‬فخرت سحر ُة البيان ساجدين لبلغته‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عن اب أمامة الباهلى رضى ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬اقرأوا‬
‫القرآن‪ ،‬فانه يأتى يوم القيامة شفيعا لصحابه‪ ،‬اقرأوا الزهراوين‪ :‬البقرة وسورة آل عمران‪...‬ال‬
‫الديث‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫كالسك ما كررته يتضوع (ت‪)31 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫انك خي من تفاريق العصا‪ ،‬مثل يضرب فيمن نفعه أعمّ من نفع غيه (ممع المثال للميدان)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪40 :‬‬

‫وكذا ف "البسملة" جهات‪ :‬من الستعانة والتبك والوضوعية بل الغايتية والفهرستية للنقط‬
‫الساسية ف القرآن‪.‬‬

‫وأيضا فيها مقامات‪ :‬كمقام التوحيد ومقام التنيه ومقام الثناء ومقام اللل والمال ومقام‬
‫الحسان وغيها‪.‬‬

‫وايضا فيها احكام ضمنية‪ :‬كالشارة ال التوحيد والنبوة والشر والعدل اعن القاصد الربعة‬
‫الشهورة‪ ،‬مع ان ف اكثر السور يكون القصود بالذات واحدا منها‪ ،‬والباقي استطراديا‪ .‬فِلمَ‬
‫ليوز ان يكون لهة او حُك ٍم او مقام منها مناسبة مصوصة لروح السورة وتكون موضوعا‬
‫للمقام بل فهرستة اجالية باعتبار تلك الهات والقامات؟‬
‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪41 :‬‬

‫ال ‪1‬‬

‫اعلم! ان ههنا مباحث اربعة‪:‬‬

‫البحث الول‪:‬‬

‫ان العجاز قد تنفّس من اُفق (ال) لن العجاز نور يتجلى من امتزاج لعات لطائف البلغة‪ .‬وف‬
‫هذا البحث لطائف كل منها وإن دقّ لكن الكل فجرٌ صادق‪.‬‬

‫منها‪ :‬ان (ال) مع سائر اخواتا ف أوائل السور تنصّف كل الروف الجائية الت هي عناصر كل‬
‫الكلمات‪ .‬فتأمل!‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النصف الأخوذ اكثر استعمالً من التروك‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان القرآن كرر من الأخوذ ماهو َايْسَرُ على اللسنة كاللف واللم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ومنها‪ :‬انه ذكر القطّعات ف رأس تسع وعشرين سورة عدة الروف الجائية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النصف الأخوذ ينصّف كل ازواج أجناس طبائع الروف من الهموسة والجهورة‬
‫والشديدة والرخوة والستعلية والنخفضة والنفتحة وغيها‪ ،‬واما الوتار فمن الثقيل القليل‬
‫‪2‬‬
‫كالقلقلة؛ ومن الفيف الكثي كالذلّقة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النصف الأخوذ من طبائعها ألطفُ سجيةً‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان القرآن اختار طريقا ف القطعات من بي اربعة وخسمائة احتمال‪ ،‬ل يكن تنصيف‬
‫طبائع الروف ال بتلك الطريق‪ ،‬لن التقسيمات الكثية متداخلة ومشتبكة ومتفاوتة‪ .‬ففي‬
‫تنصيف ك ٍل غرابة عجيبة‪.‬‬
‫فمن ل يت نور العجاز من مزج تلك اللمعات فل يلوم ّن الّ ذوقه‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عدة حروف الجاء تسع وعشرون مع اللف الساكنه‪.‬‬

‫فذكر من (الهموسة) وهي ما يضعف العتماد على مرجه‪ ،‬ويمعها (ستشحثك خصفه)‬ ‫‪2‬‬

‫نصفها وهي الاء والاء والصاد والسي والكاف‪ .‬ومن البواقي (الجهورة) نصفها يمعه (لن‬
‫يقطع أمر) ومن (الشديدة) الثمانية الجموعة ف (اجدت طبقك) اربعة يمعها‪ .‬ومن البواقي‬
‫(الرخوة) عشرة يمعها (حس على نصره) ومن الطبقة الت هي الصاد والضاد والطاء والظاء‬
‫نصفها‪ .‬ومن البواقي (النفتحة) نصفها‪ .‬ومن (القلقلة) وهي حروف تضطرب عند خروجها‬
‫ويمعها (قد طبج) نصفها القل لقلتها‪ .‬ومن (اللينتي) الياء لنا أقل ثقلً‪ ،‬ومن (الستعلية) وهي‬
‫الت يتصعد الصوت با ف النك العلى وهي سبعة‪ :‬القاف والصاد والطاء والاء والغي والضاد‬
‫والظاء نصفها القل‪ ،‬ومن البواقي (النخفضة) نصفها‪( ...‬تفسي البيضاوي)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪42 :‬‬

‫البحث الثان‪:‬‬

‫اعلم ان (الــم) كقرع العصا يوقظ السامعَ ويه ّز عِطفه بأنه ‪ -‬بغرابته ‪ -‬طليعةُ غريبٍ‬
‫وعجيبٍ‪.‬‬

‫وف هذا البحث ايضا لطائف‪:‬‬

‫منها‪ :‬ان التهجي وتقطيع الروف ف السم اشارة ال جنس ما يتولد منه السمى‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التقطيع اشارة ال ان السمى واحد اعتباريّ ل مركب مزجي‪.‬‬


‫ومنها‪ :‬ان التهجي بالتقطيع تلميح ال إراءة مادة الصنعة؛ كإلقاء القلم والقرطاس لن يعارضك ف‬
‫الكتابة‪ .‬كأن القرآن يقول‪" :‬أيها العاندون الدّعون! انكم امراء الكلم‪ ،‬هذه الادة الت بي‬
‫أيديكم هي الت أصنع فيها ما أصنع"‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التقطيع الرمز ال الهال عن العن يشي ال قطع حجتهم بـ "إنّا لنعرف القائق‬
‫والقصص والحكام حت نقابلك"‪ .‬فكأن القرآن يقول‪" :‬ل أطلب منكم إ ّل نظم البلغة فجيئوا‬
‫به مفتريات"‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التعبي عن الروف باسائها من رسوم أهل القراءة والكتابة ‪ ،1‬ومن يسمعون منه‬
‫الكلم ا ّميّ مع ميطه‪ ،‬فنظرا ال السجية ‪ -‬مع ان اول ما يتلقاهم خلف النتظر ‪ -‬يرمز إل‪" :‬ان‬
‫هذا الكلم ليتولد منه بل يُلقى اليه"‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التهجي أساس القراءة ومبدؤها ‪ 2‬فيومئ ال أن القرآن مؤسس لطريق خاص ومعلم‬
‫لمّيي‪.‬‬

‫ق البعض ‪ -‬فهو دخيل ف صنعة البلغة‬


‫ومن ل ير نقشا عاليا من انتساج هذه اليوط ‪ -‬وإن د ّ‬
‫فليقلّد فتاوى أهلها‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬كالتعبي عن الروف (أ ‪ ،‬ل) بألف لم‪ ،‬فهذا التعبي باساء الروف هو من اصول اهل القراءة‬
‫والكتابة (ت‪)34 :‬‬

‫اى ان التهجى يص البتدئي بالقراءة (ت‪)34 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪43 :‬‬


‫البحث الثالث‪:‬‬

‫ان (الــم) إشارة إل ناية الياز‪ ،‬الذي هو ثان أساسَي العجاز‪.‬‬

‫وفيه لطائف‪:‬‬

‫منها‪ :‬ان (الــم) يرمز ويشي ويومئ ويَُلوّح ويلَمّح بالقياس التمثيلي التسلسل ال‪" :‬ان هذا‬
‫كلم ال الزل نزل به جبيل على ممد عليهما الصلة والسلم"‪ .‬لنه كما ان الحكام الفصلة‬
‫ف مموع القرآن قد ترتسم ف سورة طويلة إجال؛ وقد تتمثل سورة طويلة ف قصية إشارة؛‬
‫وقد تندرج سورة قصية ف آية رمزا؛ وقد تندمج آية ف كلم واحد تلويا؛ وقد يتداخل كلم‬
‫ف كلمة تلميحا‪ ،‬وقد تتراءى تلك الكلمة الامعة ف حروف مقطعة‪ ،‬كـ "سي لم ميم"‪..‬‬
‫كالقرآن ف البقرة‪ ،‬والبقرة ف الفاتة‪ ،‬والفاتة ف "بسْمِ ال الرّحْمَن الرّ ِحيْم" و "بسْمِ ال الرّ ْحمَن‬
‫الرّ ِحيْم" ف البسملة النحوتة ‪1‬؛ كذلك يوز ذلك ف (الــم) أيضا‪.‬‬

‫فبالستناد ال هذا القياس التمثيلي التسلسل‪ ،‬وباشارة (ذلك الكتاب) يتجلى من (الــم)‪" :‬هذا‬
‫كلم ال الزل نزل به جبيل على ممد عليهما الصلة والسلم"‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الروف القطعة كالشفرة اللية أبرقها ال رسوله الذي عنده مفتاحها‪ .‬ول يتطاول يدُ‬
‫فكر البشر اليه بعد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ومنها‪ :‬ان (الــم) اشارة ال شدة ذكاوة النَل عليه رمزا ال ان الرمز له كالتصريح‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التقطيع اشارة ال ان قيمة الروف ليست ف معانيها فقط بل بينها مناسبات فطرية‬
‫شفَها علم أسرار الروف‪.‬‬‫كمناسبة العداد‪ ،‬ك َ‬

‫ومنها‪ :‬ان (الــم) خاصة‪ ،‬اشارة بالتقطيع ال الخارج الثلثة من اللق والوسط والشفة‪،‬‬
‫وترمز تلك الشارة ال إجبار الذهن للدقة‪ ،‬وشق حجاب الُلفة؛ ليلجأ ال مطالعة عجائب ألوان‬
‫نقش خلقة الروف‪.‬‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬القصود‪ :‬النحت اللغوى‪.‬‬

‫اى لكمال ذكائه يفهم ماهو رمز واياء وامر خفى‪ ،‬كالصريح (ت‪)35 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪44 :‬‬

‫فيا من صبغ يده بصنعة البلغة! ركّب قطعاتِ هذه اللطائف وانظرها واحدة‪ ،‬واستمع‪ ،‬لتقرأ‬
‫لمُ ال"‪.‬‬
‫عليك‪" :‬هذا َك َ‬

‫البحث الرابع‪:‬‬

‫ان (الــم) مع أخواتا لا برزت بتلك الصورة كانت كأنا تنادى‪" :‬نن الئمة؛ ل نقلد أحدا‬
‫وما اتبعنا إماما‪ ،‬وأُسلوبنا بديع‪ ،‬وطرزنا غريب"‪.‬‬

‫وفيه لطائف‪:‬‬

‫منها‪ :‬ان من ديدن الطباء والفصحاء التأسي بثال والنسج على منوال والتمشي ف طريق‬
‫مسلوكة‪ ،‬مع انا ل يطمثهن قبله إنس ول جان‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان القرآن بفواته ومقاطعه بقي بعدُ كما كان قبلُ‪ ،‬ل ياثل ول يقلّد مع تآخذ أسباب‬
‫التقليد والتأسّي من شوق الودّاء وتدي العداء‪ .‬ان شئت شاهدا فهذه مليي من الكتب‬
‫العربية! هل ترى واحدا منها يوازيه‪ ،‬أو يقع قريبا منه؟ كل! بل الاهل العاميّ أيضا اذا قاسها‬
‫معه وقابله با ناداه نظره بـ "أن هذا ليس ف مرتبتها"‪ .‬فإما هو تت الكل وهو مال بالضرورة‪،‬‬
‫وإما هو فوق الكل وهو الطلوب‪ ،‬فهو نصيبه من درْك العجاز‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان من شأن صنعة البشر انا تظهر اول ماتظهر خشنة ناقصة من وجوه‪ ،‬يابسة من‬
‫الطلوة‪ ،‬ث تتكمل وتلو‪ .‬مع ان اسلوب القرآن لا ظهر ظهر بطلوة و طراوة وشبابية‪ ،‬وتدّى‬
‫مع الفكار العمرين ‪ -‬بتلحق الفكار وسرقة البعض عن البعض ‪ -‬وغلبهم فأعلن بالغلبة‪" :‬انه‬
‫من صُنع خالق القوى والقدر"‪.‬‬

‫فيا من استنشق نسيم البلغة! أفل يتن نلُ ذهنك عن ازهار تلك الباحث الربعة َشهْدَ‪َ" :‬ا ْشهَدُ‬
‫لمُ ال"؟‬
‫اَ ّن هذَا َك َ‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪45 :‬‬

‫ك الْ ِكتَابُ ل َرْيبَ فِي ِه هُدًى لِ ْل ُمّتقِيَ ‪2‬‬


‫ذلِ َ‬

‫مـقـدمـة‬

‫اعلم! ان من اساس البلغة الذي به يبق حسن الكلم تاوب اليئات وتداعي القيود وتآخذها‬
‫على القصد الصلي‪ ،‬وامداد كلّ بقدْرِ الطاقة للمقصد‪ ،‬الذي هو كمجمع الودية او الوض‬
‫التشرب من الوانب‪ ،‬بأن تكون مصداقا وتثالً لا قيل‪:‬‬

‫جمَال يُشِيُ‬
‫سنُكَ وَاحِدٌ وَكُ ّل اِلَى ذَاكَ الْ َ‬
‫عِبَارَاُتنَا َشتّى َوحُ ْ‬

‫ح ٌة مِ ْن عَذَابِ َربّكَ) ‪ 1‬السوقة للتهويل الستفاد من التقليل‬


‫سْتهُ ْم َنفْ َ‬
‫مثل‪ :‬تأمّل ف آية (وََلئِ ْن مَ ّ‬
‫بسر انعكاس الضد من الضد‪ .‬أفل ترى التشكيك ف "إن" كيف يد التقليل‪ ،‬والسّ بدل الصابة‬
‫ف "مسّت" كيف يشي ال القلة والتروّح فقط‪ ،‬والرتّية والتحقي ف جوهرِ وصيغ ِة وتنوينِ "نفحةٌ"‬
‫كيف تلوّح بالقلة‪ ،‬والبعضية ف "مِن" كيف تومئ إليها‪ ،‬وتبديل النكال بالـ "عذاب" كيف يرمز‬
‫اليها‪ ،‬والشفقة الستفادة من الـ "ربّ" كيف تشي اليها‪ ،‬وقس؟!‪ ..‬فكلٌ يد القصد بهته‬
‫الاصة‪ .‬وقس على هذه الية أخواتا‪ .‬وبالاصة (الــم _ ذلك الكتاب لريب فيه هدى‬
‫للمتقي) لن هذه الية ذُكرت لدح القرآن واثبات الكمال له‪.‬‬
‫ولقد تاوب وتآخذ على هذا القصد‪ :‬القَسَم بـ "الــم" على وجه‪ ،‬واشارة "ذلك"‬
‫ومسوسيته وبُعديته‪ ،‬واللف واللم ف "الكتاب"‪ ،‬وتوجيه اثباته بـ "لريب فيه"‪ .‬فكلٌ كما يد‬
‫القصد ويلقي إليه حصته يرمز ويشفّ من تته عن ما يستند اليه من الدليل وإن دقّ‪.‬‬

‫فان شئت تأمل ف القَسَم بـ (الــم) إذ إنه كما يؤكد‪ ،‬كذلك يشعر بالتعظيم الوجّه للنظر‬
‫الوجب لنكشاف ماتته من اللطائف الذكورة ليبهن على الدعوى الرموز اليها‪.‬‬

‫_____________________‬

‫سورة النبياء‪46 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪46 :‬‬

‫وانظر الشارة ف (ذلك) الختصة بالرجوع ال الذات مع الصفات لتعلم انا كما تفيد التعظيم ‪-‬‬
‫لنا اما اشارة ال الشار اليه بـ "الــم" او البشّر به ف التوراة والنيل ‪ -‬كذلك تلوّح‬
‫بدليلها؛ اذ ما أعظم ما أقسم به! وما أكمل ما بشّر به التوراة والنيل!‪ ..‬ث أمعن النظر ف‬
‫الشارة السية ال المر العقول لترى انا كما تفيد التعظيم والهية؛ كذلك تشي ال ان القرآن‬
‫جبِر ليالِ ك ٍل على الشتغال به‪.‬‬
‫كالغناطيس النجذب اليه الذهانُ‪ ،‬والتزاحم عليه النظارُ ال ْ‬
‫فتظاهر بدرجة ‪ -‬تراه العيون من خلفها اذا راجعت اليال ‪ -‬يرمز بلسان الال ال وثوقه بصدقه‬
‫وتبّيه عن الضعف واليلة الداعيي ال التستر‪ ..‬ث تفكّر ف البُعدية الستفادة من "ذلك"؛ اذ انا‬
‫كما تفيد علوّ الرتبة الفيد لكماله؛ كذلك تومئ ال دليله بأنه بعيد عن ما سلك عليه أمثاله‪ .‬فإما‬
‫تت ك ٍل وهو باطل بالتفاق‪ ،‬فهو فوق الكل‪.‬‬
‫ث تدبر ف "ال" (الكتاب)؛ لنا كما تفيد الصر العرف الفيد للكمال؛ تفتح باب الوازنة وتلمّح‬
‫با ال ان القرآن كما جع ماسن الكتب قد زاد عليها فهو أكملها‪..‬‬

‫ث قف على التعبي بـ "الكتاب" كيف يلوّح بأن الكتاب ليكون من مصنوع المّيّ الذي ليس‬
‫من أهل القراءة والكتابة‪.‬‬

‫أما (لريب فيه) ففيه وجهان‪:‬‬

‫إرجاع الضمي إل الكم‪ ،‬أو إل الكتاب‪:‬‬

‫فعلى الول ‪-‬كما عليه الفتاح ‪ - 1‬يكون بعن يقينا‪ ،‬وبل شك‪ ،‬فيكون جهة وتقيقا لثبات‬
‫كماله‪.‬‬

‫وعلى الثان ‪ -‬كما عليه الكشاف ‪ - 2‬يكون تأكيدا لثبوت كماله‪.‬‬

‫وعلى الكل يناجي من تت "لريب" بـ (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من‬
‫مثله) ويرمز ال دليله الاص‪..‬‬

‫_____________________‬

‫‪( 1‬مفتاح العلوم) للعلمة سراج الدين اب يعقوب يوسف بن اب بكربن ممد بن علي السكاكى‬
‫التوف سنة ‪626‬هـ‪ .‬ويع ّد كتابه هذا اوسع ما كتب ف البيان ف زمانه‪ ،‬وله شروح كثية‪.‬‬

‫(الكشاف عن حقائق التنيل) للمام العلمة اب القاسم جارال ممود بن عمر الزمشري‬ ‫‪2‬‬

‫الوارزمي التوف سنة ‪538‬هـ‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪47 :‬‬


‫والستغراق ف "ل" بسبب اعدام الريوب الوجودة ينشد‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫صحِيحا وَاَفتُهُ مِ َن اْل َفهْمِ السّقِيمِ‬
‫وَكَ ْم مِ ْن عَاِئبٍ َقوْلً َ‬

‫ويشي ال ان الحل ليس بقابلٍ لتولّد الشكوك؛ اذ أقام على الثغور امارات تتنادى من الوانب‬
‫وتطرد الريوب التهاجة عليه‪.‬‬

‫وف ظرفية (فيه) والتعبي بـ "ف" بدل أخواتا اشارة ال انفاذ النظر ف الباطن‪ .‬وال ان حقائقه‬
‫تطرد وتطيّر الوهامَ التوضعة على سطحه بالنظر الظاهر‪.‬‬

‫فيا من آنس قيمة التركيب من جانب التحليل‪ ،‬وأدرك فرق الكلّ عن كلٍ! انظر نظرة واحدة ال‬
‫تلك القيود واليئات لترى كيف يلقي ك ٌل حصته ال القصد الشترك مع دليله الاص‪ ،‬وكيف‬
‫يفور نو ُر البلغة من الوانب‪.‬‬

‫اعلم! انه ل يربط بي جل "الــم‪ ..‬ذلك الكتاب‪ ..‬لريب فيه‪ ..‬هدى للمتقي" بلقات‬
‫العطف لشدة التصال والتعانق بينها‪ ،‬وأخذِ كلٍ بجز سابقتها وذيل لحقتها‪ .‬فان كل واحدة‬
‫كما انا دليلٌ لك ٍل بهة؛ كذلك نتيجة لكلِ واحدة بهة اخرى‪ .‬ولقد انتقش العجاز على هذه‬
‫الية بنسج اثن عشر من خطوط الناسبات التشابكة التداخلة‪..‬‬

‫ان شئت التفصيل تأمل ف هذا‪:‬‬

‫(الــم) فانا تومئ بالآل ال‪" :‬هذا متحدّى به‪ ،‬ومن يبز ال اليدان؟" ث تلوح بأنه معجز‪..‬‬

‫وتفكر ف (ذلك الكتاب) فانا تصرح بأنه ازداد على أخوته وط ّم عليها‪ .‬ث تلمح بأنه مستثن‬
‫متاز لياثل‪..‬‬

‫ث تدبر ف (لريب فيه) فانا كما تُفصح عن انه ليس مل للشك تعلن بأنه منوّر بنور اليقي‪..‬‬

‫ث انظر ف (هدى للمتقي) اذ انا كما تدى اليك انه يُري الطريق الستقيم؛ تفيدك انه قد تسم‬
‫من نور الداية‪.‬‬
‫فكل منها باعتبار العن الول برهان لرفقائها وباعتبار العن الثان نتيجة لكل منها‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬للمتنب ف ديوانه ‪4/246‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪48 :‬‬

‫ونذكر على وجه الثال ثلثا من الروابط الثنت عشرة لتقيس عليها البواقي‪:‬‬

‫فـ (الـم) أي‪ :‬هذا يتحدّى كل معارض‪ ،‬فهو أكمل الكتب‪ ،‬فهو يقين؛ اذ كمال الكتاب‬
‫باليقي‪ ،‬فهو مسّم الداية للبشر‪..‬‬

‫ث (ذلك الكتاب) اي‪ :‬هو ازداد على أمثاله فهو معجز ‪ -‬او ‪ -‬اي‪ :‬هو متاز ومستثن؛ إذ لشك‬
‫فيه؛ اذ إنه يُري السبيل السويّ للمتقي‪..‬‬

‫ث (هدى للمتقي) اي‪ :‬يرشد ال الطريق الستقيم‪ ،‬فهو يقين‪ ،‬فهو متاز‪ ،‬فهو معجز‪ ..‬وعليك‬
‫باستنباط البواقي‪.‬‬

‫أما (هدى للمتقي) فاعلم! ان منبع حسن هذا الكلم من أربع نقط‪:‬‬

‫الول‪ :‬حذف البتدأ‪ ،‬اذ فيه اشارة ال ان حكم التاد مسلّم‪ .‬كأن ذات البتدأ ف نفس الب‪.‬‬
‫حت كأنه لتغاير بينهما ف الذهن أيضا‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬تبديل اسم الفاعل بالصدر‪ ،‬اذ فيه رمز ال ان نور الداية تسّمَ فصار نفس جوهر‬
‫‪1‬‬
‫القرآن؛ كما يتجسم لونُ المرة فيصي ق ْرمِزا‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬تنكي (هدى) اذ فيه إياء ال ناية دقة هداية القرآن حت لُيكْتنه ُكنْهها‪ ،‬وال غاية‬
‫وسعتها حت ليُحاط با علما‪ .‬اذ النكورية إما بالدقة والفاء‪ ،‬وإما بالوسعة الفائتة عن الحاطة‪.‬‬
‫ومن هنا قد يكون التنكي للتحقي وقد يكون للتعظيم‪.‬‬

‫والرابعة‪ :‬الياز ف (للمتقي) بدل "الناس الذين يصيون متقي به" أوجز بالجاز الول اشارة ال‬
‫ثرة الداية وتأثيها‪ ،‬ورمزا ال البهان "الِّنيّ" ‪ 2‬على وجود الداية‪ .‬فان السامع ف عصر يستدل‬
‫بسابقه كما يستدل به لحقه‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬كيف تتولد البلغة الارجة عن طوق البشر بسبب هذه النقط القليلة العدودة؟‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬قرمز‪ :‬بالكسر‪ ،‬صبغ ارمن يكون من عصارة دود‪.‬‬

‫‪ 2‬البهان النّ واللّمي‪ :‬اصطلحان يرد شرحهما‪ ،‬فالنّي ‪ -‬بتشديد النون ‪ -‬مصدر صناعي‬
‫مأخوذ من "ان " الشبهة بالفعل الت تدل على الثبوت والوجود‪ .‬اما اللمّي‪ ،‬فهو مصدر صناعي‬
‫مأخوذ من كلمة "ِلمَ " للعلية‪ .‬وف (التعريفات)‪ :‬الستدلل من العلة ال العلوم برهان لّي ومن‬
‫العلوم ال العلّة برهان إنّي‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪49 :‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان ف التعاون والجتماع سرا عجيبا‪ .‬لنه اذا اجتمع حس ُن ثلثة اشياء صار كخمسة‪،‬‬
‫وخسة كعشرة‪ ،‬وعشرة كأربعي بسر النعكاس‪ .‬اذ ف كل شئ نوع من النعكاس ودرجة من‬
‫التمثيل‪ .‬كما اذا جعت بي مرآتي تتراءى فيهما مرايا كثية‪ ،‬أو نوّرتَهما بالصباح يزداد ضياء‬
‫كل بانعكاس الشعة؛ فكذلك اجتماع النكت والنقط‪ .‬ومن هذا السر والكمة ترى كل‬
‫صاحب كمال وصاحب جال يرى من نفسه ميلً فطريا ال ان ينضم ال مثيله ويأخذ بيد نظيه‬
‫ليزداد حسنا ال حسنه‪ .‬حت ان الجر مع حَجَريته اذا خرج من يد العقّد البان ف السقف‬
‫الحدب ييل ويُخضع رأسَه ليماسّ رأس أخيه ليتماسكا عن السقوط‪ .‬فالنسان الذي ليدرك سر‬
‫التعاون لو أجد من الجر؛ اذ من الجر من يتقوس لعاونة اخيه!‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬من شأن الداية والبلغة البيان والوضوح وحفظ الذهان عن التشتت‪ ،‬فما بال‬
‫الفسرين ف امثال هذه الية اختلفوا اختلفا مشتتا‪ ،‬واظهروا احتمالت متلفة‪ ،‬وبينوا وجوه‬
‫تراكيب متباينة‪ ،‬وكيف يعرف الق من بينها؟‬

‫قيل لك‪ :‬قد يكون الكل حقا بالنسبة ال سامعٍ فسامعٍ؛ اذ القرآن ما نزل لهل عصرٍ فقط بل‬
‫لهل جيع العصار‪ ،‬ول لطبقة فقط بل لميع طبقات النسان‪ ،‬ول لصنف فقط بل لميع‬
‫أصناف البشر‪ .‬ولك ٍل فيه حصة ونصيب من الفهم‪ .‬والال أن فهم نوع البشر يتلف درجة‬
‫درجة‪ ..‬وذوقَه يتفاوت جهة جهة‪ ..‬وميلَه يتشتت جانبا جانبا‪ ..‬واستحسانه يتفرق وجهاً‬
‫وجها‪ ..‬ولذته تتنوع نوعا نوعا‪ ..‬وطبيعته تتباين قسما قسما‪ .‬فكم من أشياء يستحسنها نظرُ‬
‫طائفة دون طائفة‪ ،‬وتستلذها طبقة ول تتنل اليها طبقة‪ .‬وقس!‪..‬‬

‫فلجل هذا السر والكمة أ ْكثَ َر القرآنُ من حذف الاص للتعميم ليقدّر ك ٌل مقتضى ذوقه‬
‫واستحسانه‪ .‬ولقد نظم القرآن جُمَله ووضعها ف مكان ينفتح من جهاته وجوه متملة لراعاة‬
‫الفهام الختلفة ليأخذ كلُ فهمٍ حصته‪ .‬وقس!‪ ..‬فإذا يوز أن يكون الوجوه بتمامها مرادة بشرط‬
‫أن ل تردها علوم العربية‪ ،‬وبشرط ان تستحسنها البلغة‪ ،‬وبشرط ان يقبلها علم أصول مقاصد‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫فظهر من هذه النكتة ان من وجوه اعجاز القرآن نظمه وسبكه ف اسلوب ينطبق على افهام عصر‬
‫فعصر‪ ..‬وطبقة فطبقة‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪50 :‬‬


‫الّذِي َن ُي ْؤمِنُونَ بِاْل ِغْيبِ وُيقِيمُو َن الصّلو َة ومِمّا رَزَ ْقنَاهُ ْم ُيْن ِفقُونَ ‪3‬‬

‫(اَلّذِينَ ُيؤْ ِمنُو َن بِاْلغَْيبِ)‬

‫اعلم! أن وجه نظم الحصل مع الحصل انصباب مدح القرآن ال مدح الؤمني وانسجامه به؛ اذ‬
‫انه نتيجة له‪ ،‬وبرهان إنّيّ عليه‪ ،‬وثرة هدايته‪ ،‬وشاهد عليه‪ .‬وبسبب تضمن التشويق اشارة ال‬
‫جهة حصة هذه الية من الداية‪ ،‬وال انا مثال لا‪.‬‬

‫اما وجه "الذين" مع "التقي" فتشييع التخلية بالتحلية الت هي رفيقتها أبدا؛ اذ التزيي بعد التنيه‪،‬‬
‫أل ترى ان التقوى هي التخلي عن السيئات وقد ذكرها القرآن براتبها الثلث‪ ،‬وهي‪ :‬ترك‬
‫الشرك‪ ،‬ث ترك العاصي‪ ،‬ث ترك ماسوى ال‪ .‬والتحلية فعل السنات‪ :‬إما بالقلب او القالب او‬
‫الال‪ .‬فشمس العمال القلبية "اليان"‪ ،‬والفهرستة الامعة للعمال القالبية "الصلة" الت هي‬
‫عماد الدين‪ ،‬وقطب العمال الالية "الزكاة" اذ هي قنطرة السلم‪.‬‬

‫اعلم! ان (الذين يؤمنون بالغيب) مع انه اذا نظرت ال مقتضى الال اياز‪ ،‬ال انه اذا وازنت بينه‬
‫وبي مرادفه وهو "الؤمنون" تظنه إطنابا؛ فأبدل "ال" بـ"الذين" الذي من شأنه الشارة ال‬
‫الذات بالصلة فقط ‪ ،1‬كأنه لصفة له ال هي للتشويق على اليان‪ ،‬والتعظيم له؛ والرمز ال ان‬
‫اليان هو النار على الذات قد تضاءلت تته سائر الصفات‪ ..‬وأبدل "مؤمنون" بـ "يؤمنون"‬
‫لتصوير وإظهارِ تلك الالة الستحسنة ف نظر اليال‪ ،‬وللشارة ال تدده بالستمرار وتلّيه‬
‫بترادف الدلئل الفاقية والنفسية‪ ،‬فكلما ازدادت ظهورا ازدادوا إيانا‪.‬‬

‫(بالغيب) أي بالقلب‪ ،‬اي بالخلص بل نفاق‪ .‬ومع الغائبية‪ ..‬وبالغائب‪ ..‬وبعال الغيب‪..‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬لن "الذين" من الساء البهمة‪ ،‬لذا فان صلته هى الت تيّزه وتعينه (ت‪)43 :‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪51 :‬‬

‫واعلم! ان اليان هو النور الاصل بالتصديق بميع ما جاء به النب عليه السلم تفصيل ف‬
‫ضروريات الدين واجال ف غيها‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬ليقتدر على التعبي عن حقائق اليان من العوام من الائة ال واحد؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان عدم التعبي ليس عَلَما على عدم الوجود‪ .‬فكما ان اللسان كثيا ما يتقاصر عن ان‬
‫يترجم عن دقائق ماف تصورات العقل؛ كذلك قد ليتراءى بل يتغامض عن العقل سرائر ماف‬
‫الوجدان‪ ،‬فكيف يترجم عن كل مافيه؟ أل ترى ذكاء السكاكي ‪ 1‬ذلك المام الداهي قد تقاصر‬
‫عن اجتناء دقائق ماأبرزته سجية امرئ القيس ‪ ،2‬او بدويّ آخر؟ فبناء على ذلك‪ ،‬الستدلل على‬
‫وجود اليان ف العامي يثبت بالستفسار والستيضاح منه‪ .‬بأن تستفسر من العاميّ بالسؤال‬
‫الردّد بي النفي والثبات هكذا‪ :‬أيها العامي! أيكن ف عقلك أن يكون الصانع الذي كان العال‬
‫بهاته الست ف قبضة تصرفه أن يتمكّن ‪ 3‬ف جهة من جهاته أو ل؟ فإن قال‪ :‬ل‪ .‬فنفي الهة‬
‫ثابتٌ ف وجدانه‪ ،‬وذلك كافٍ‪ .‬وقس على هذا‪..‬‬

‫ث ان اليان ‪ -‬كما فسّره السعد ‪ - 4‬نور يقذفه ال تعال ف قلب من يشاء من عباده‪ ،‬أي بعد‬
‫صرف الزء الختياري‪ .‬فاليان نور لوجدان البشر وشعاع من شس الزل يضئ دفعةً ملكوتيةَ‬
‫الوجدان بتمامها‪ .‬فينشر اُنسية له مع كل الكائنات‪ ..‬ويؤسس مناسبة بي الوجدان وبي كل‬
‫شئ‪ ..‬ويلقي ف القلب قوة معنوية يقتدر با النسان ان يصارع جيع الوادث والصيبات‪..‬‬
‫ويعطيه ُوسْعةً‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ابو يعقوب يوسف بن اب بكر (ت ‪626‬هـ‪1228 /‬م) من اعلم البلغة‪ ،‬مؤلف كتاب‬
‫«الفتاح» الذي يعد أوسع ما كتب ف البيان ف زمانه وله شروح كثية‪ .‬وضع علوم البلغة ف‬
‫قالبها العلمي‪ .‬مولده ووفاته بوارزم ‪.‬‬
‫(‪545 - 497‬م) هو امرؤ القيس بن حُجر بن الارث الكندي‪ ،‬اشهر شعراء العرب على‬ ‫‪2‬‬

‫الطلق‪ ،‬يان الصل‪ ،‬مولده بنجد ووفاته ف انقرة‪ ،‬وقد جُمع بعض ما ينسب اليه من الشعر ف‬
‫ديوان صغي‪( .‬العلم ‪.)2/12‬‬

‫يتحيز ف مكان‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫هــو مسـعـود بــن عمر بن عـبـد ال‪ ،‬ولد بتفـتـازان براسان فـي ‪( 712‬أو‬ ‫‪4‬‬

‫‪727‬هــ) وتـوف ف سـمرقـنـد ‪793‬هــ‪ ..‬إمام ف العربية والنطق والفقه‪ ،،‬سعى‬


‫لحياء العلوم السلمية بعد كسوفها بغزو الغول فألف كثيا من امهات الكتب‪ .‬حت انه يعد‬
‫الد الفاصل بي العلماء التأخرين والتقدمي‪ .‬من كتبه (تذيب النطق) و(شرح القاصد) و‬
‫(شرح العقائد النسفية) و (الطول)‪ ..‬وكتابه (التلويح ف كشف حقائق التنقيح) ف الصول شرح‬
‫فيه كتاب (التوضيح ف حل غوامض التنقيخ) للعلمة عبيد ال ابن مسعود الحبوب (ت‬
‫‪747‬هـ)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪52 :‬‬

‫يقتدر با ان يبتلع الاضي والستقبل‪ .‬وكما ان اليان شعاع من شس الزل ‪1‬؛ كذلك لعة من‬
‫السعادة البدية أي الشر‪ .‬فينمو بضياء تلك اللمعة بذور كل المال‪ ،‬ونواة كل الستعدادات‬
‫الودعة ف الوجدان‪ ،‬فتنبت متدة ال البد‪ ،‬فتنقلب نواة الستعداد كشجرة طوب‪.‬‬

‫( َويُقِيمُونَ الصّلوةَ)‬

‫اعلم! ان وجه النظم أظهر من الشمس ف رابعة النهار‪ .‬وان ف تصيص "الصلة" من بي‬
‫حسنات القالب إشارة ال أنا فهرستة كل السنات وانوذجها ومَعْكسها‪ .‬كالفاتة للقرآن‪،‬‬
‫والنسان للعال‪ .‬لشتمالا على نوع صو ٍم وحج وزكاة وغيها‪ ،‬ولشتمالا على انواع عبادات‬
‫الخلوقات‪ ،‬الفطرية والختيارية من اللئكة الراكعي الساجدين القائمي‪ ،‬ومن الجر الساجد‪،‬‬
‫والشجر القائم‪ ،‬واليوان الراكع‪..‬‬
‫ث انه أقام "يقيمون" مقام "القيمي" لحضار تلك الركة الياتية الواسعة والنتباه الروحان‬
‫اللي ف العال السلمي ال نظر السامع‪ .‬ووضع تلك الوضعية الستحسنة والالة النتظمة من‬
‫نواحي نوع البشر نصب عي اليال‪ ،‬ليهيج ويوقظ ميلن السامع للتأسّي؛ إذ من تأمل ف تأثي‬
‫النداء باللة العروفة ‪ 2‬ف نفرات العسكر النتشرين الغمورين بي الناس وتريك النداء لم دفعة‪،‬‬
‫والقاء انتباه فيهم‪ ،‬وافراغهم ف وضع مستحسن‪ ،‬وجعهم تت نظام مستملح يرى ف نفسه‬
‫اشتياقا لن ينساب اليهم‪ .‬فهكذا الذان الحمّدي بي النسان ف صحراء العال (ول ا َلثَلُ‬
‫العْلَى)‪..‬‬

‫وإنا ل يقتصر ف مسافة الياز على "يصلّون" بل اتها بـ (يقيمون الصلة) للشارة ال اهية‬
‫مراعاة معان "القامة" ف الصلة من تعديل الركان‪ ،‬والداومة‪ ،‬والحافظة‪ ،‬والد‪ ،‬وترويها ف‬
‫سوق العال‪ .‬تأمل!‬

‫ث ان الصلة نسبة عالية‪ ،‬ومناسبة غالية‪ ،‬وخدمة نزيهة بي العبد وسلطان الزل‪ ،‬فمن شأن تلك‬
‫النسبة ان يعشقها كل روح‪ ..‬وأركانا متضمنة للسرار الت شرحها‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬تعبي مألوف بق ال جلّ جلله النور لكل شئ ف الدب التركى والفارسى بلف الدب‬
‫العرب‪.‬‬

‫البوق العسكرى‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪53 :‬‬

‫أمثال "الفتوحات الكية"‪ ،‬فمن شأن تلك السرار أن يبها كل وجدان‪ ..‬وانا دعوة صانع الزل‬
‫ال سرادق حضوره خس دعوات ف اليوم والليلة لناجاته الت هي ف حكم العراج‪ .‬فمن شأنا‬
‫ان يشتاقها كل قلب‪ ..‬وفيها ادامة تصور عظمة الصانع ف القلوب وتوجيه العقول اليها لتأسيس‬
‫اطاعة قانون العدالة اللية‪ ،‬وامتثال النظام الربان‪ .‬والنسان يتاج ال تلك الدامة من حيث هو‬
‫إنسان لنه مدنّ بالطبع‪ ..‬فيا ويلَ من تركها! وياخسارة من تكاسل فيها! وياجهالة من ل يعرف‬
‫س مَن ل يستحسنها‪.‬‬
‫قيمتها! فسحقا وبعدا وافّا وتفّا ‪ 1‬لنف ِ‬

‫( َومِمّا رَزَ ْقنَاهُ ْم ُيْنفِقُونَ)‪.‬‬

‫وجه النظم‪ :‬انه كما ان الصلة عماد الدين وبا قوامه؛ كذلك الزكاة قنطرة السلم وبا التعاون‬
‫بي أهله‪.‬‬

‫ث ان من شروط ان تقع الصدقة موقعها اللئق‪:‬‬

‫ان ليسرف التصدق فيقعد ملوما‪ ..‬وان ليأخذ من هذا ويعطي لذاك؛ بل من مال نفسه‪ ..‬وان‬
‫لي ّن فيستكثر‪ ..‬وان لياف من الفقر‪ ..‬وان ليقتصر على الال‪ ،‬بل بالعلم والفكر والفعل‬
‫أيضا‪ ..‬وان ليصرف الخذ ف السفاهة‪ ،‬بل ف النفقة والاجة الضرورية‪.‬‬

‫فلِحسان هذه النكت‪ ،‬واحساس هذه الشروط تصدّق القرآن على الفهام بإيثار (وما رزقناهم‬
‫ينفقون) على "يتصدقون" او "يزكّون" وغيها؛ إذ أشار بـ "من" التبعيض ال رد السراف‪..‬‬
‫وبتقدي (ما) ال كونه من مال نفسه‪ ..‬وبـ"رزقنا" ال قطع النة‪ .‬أي‪ :‬ان ال هو العطي وانت‬
‫ف مِنْ ذِي اْلعَ ْرشِ اِ ْقلَلً) ‪ ..2‬وبالطلق ال تعميم‬
‫واسطة‪ ..‬وبالسناد ال "نا" ال‪َ ( :‬لتَخَ ْ‬
‫التصدق للعلم والفكر‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬الف والتف‪ :‬وسخ الذن والظفار‪ ،‬ث استعمل عند كل شئ يُضجر منه (الزاهر للنباري)‪.‬‬

‫اصل الديث‪ :‬عن عبد ال بن مسعود رضى ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬دخل النب صلى ال عليه وسلم على‬ ‫‪2‬‬

‫بلل وعنده صُبة من تر‪ ،‬فقال‪" :‬ما هذا يا بلل؟ " قال‪ :‬اُعدّ ذلك لضيافك‪ .‬قال‪" :‬أما تشى‬
‫ان يكون لك دُخان ف نار جهنم؟! انفق بلل! ول تشَ من ذي العرش اقللً "‪.‬‬
‫قال النذري ف الترغيب والترهيب‪ :‬رواه البزار باسناد حسن والطبان ف الكبي وذكر فيه زيادة‪.‬‬
‫والديث اورده اليثمي ف الجمع وقال‪ :‬اسناده حسن‪ ،‬وحسّنه الافظ ابن حجر‪ .‬والديث‬
‫صحيح بطرقه (صحيح الامع الصغي رقم ‪ 1508‬وصحيح الترغيب برقم ‪ ،912‬والشكاة برقم‬
‫‪ )1885‬ومع هذا ضعفه العراقي رحه ال تعال‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪54 :‬‬

‫وغيها‪ .‬وبادة (ينفقون) ال شرط صرف الخذ ف النفقة والاجات الضرورية‪.‬‬

‫لمِ) ‪ 1‬أي‪ :‬الزكاة جسر يغيث السلمُ أخاه السلم‬‫ث ان ف الديث الصحيح (الزّكاةُ َقنْ َط َرةُ ا ِل ْس َ‬
‫بالعبور عليها؛ اذ هي الواسطة للتعاون الأمور به‪ ،‬بل هي الصراط ف نظام اليئة الجتماعية لنوع‬
‫البشر‪ ،‬وهي الرابطة لريان مادة الياة بينهم‪ ،‬بل هي الترياق للسموم الواقعة ف ترقيات البشر‪.‬‬

‫نعم! ف "وجوب الزكاة" و"حرمة الربا" حكمة عظيمة‪ ،‬ومصلحة عالية‪ ،‬ورحة واسعة؛ اذ لو‬
‫س أساس‬ ‫أمعنت النظر ف صحيفة العال نظرا تارييا وتأملت ف مساوي جعية البشر لرأيت ا ّ‬
‫جيع اختللتا وفسادها‪ ،‬ومنبع كل الخلق الرذيلة ف اليئة الجتماعية كلمتي فقط‪:‬‬

‫ت غيِي من الُوعِ"‪.‬‬
‫ت فل عل ّي اَن يو َ‬
‫إحداها‪" :‬اِ ْن َشبِ ْع ُ‬

‫سبْ اَْنتَ لكُ َل َانَا‪ .‬واْت َعبْ انتَ لَستري َح َانَا"‪.‬‬


‫والثـانيـــة‪" :‬اِكْتَ ِ‬

‫فالكلمة الول الغدارة النَهِمَة الشنعاء هي الت زلزلت العال النسانّ فاشرف على الراب‪.‬‬
‫والقاطعُ لعرق تلك الكلمة ليس الّ "الزكاة"‪.‬‬

‫والكلمة الثانية الظالة الريصة الشوهاء هي الت هارت بترقّيات البشر فأوشك أن تنهار با ف نار‬
‫الَرْج والَرْج‪ .‬والستأصِ ُل والدواء لتلك الكلمة ليس إلّ "حرمة الربا"‪ .‬فتأمل!‪..‬‬
‫اعلم! ان شرط انتظام اليئة الجتماعية ان ل تتجاف طبقات النسان‪ ،‬وان لتتباعد طبقةُ الواص‬
‫عن طبقة العوام‪ ،‬والغنياء عن الفقراء بدرجة ينقطع خيط الصلة بينهم‪ .‬مع ان باهال وجوب‬
‫الزكاة وحرمة الربا انفرجت السافة بي الطبقات‪ ،‬وتباعدت طبقات الواص عن العوام بدرجة ل‬
‫صلة بينهما‪ ،‬ول يفور من الطبقة‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اورده اليثمي ف الجمع (‪ )3/62‬وقال‪ :‬رواه الطبان ف الكبي والوسط ورجاله موثقون إلّ‬
‫بقية مدلس وهو ثقة‪ ،‬واورده النذري ف الترغيب والترهيب (‪ )1/517‬وقال‪ :‬رواه الطبان‪...‬‬
‫وفيه ابن ليعة‪ ،‬والبيهقي وفيه بقية بن الوليد‪ .‬والديث ضعفه مقق الامع الصغي برقم ‪3191‬‬
‫ف ضعيف الامع الصغي‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪55 :‬‬

‫السفلى ال العليا إلّ صدى الختلل‪ ،‬وصياح السد‪ ،‬وأني القد والنفرة بدل عن الحترام و‬
‫الطاعة والتحبب‪ ،‬ول يفيض من العليا على السفلى بدل الرحة والحسان والتلطيف إلّ نار‬
‫الظلم والتحكم‪ ،‬ورعد التحقي‪ .‬فأسفا!‪ ..‬لجل هذا قد صارت "مزيةُ الواص" الت هي سبب‬
‫التواضع والترحم سببا للتكبّر والغرور‪ .‬وصار "عج ُز الفقراء" و"فق ُر العوام" اللذان ها سببا الرحة‬
‫عليهم والحسان اليهم سببا لسارتم وسفالتهم‪ ..‬وانشئت شاهدا فعليك بفسادِ ورذالةِ حالة‬
‫العال الدنّ‪ ،‬فلك فيه شواهد كثية‪ .‬ول ملجأ للمصالة بي الطبقات والتقريب بينها الّ جعل‬
‫الزكاة ‪ -‬الت هي ركن من اركان السلمية ‪ -‬دستورا عاليا واسعا ف تدوير اليئة الجتماعية‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪56 :‬‬


‫ك َوبِالخِ َر ِة هُ ْم يُوِقنُونَ ‪4‬‬
‫ك وَما ُأنْزِ َل مِنْ َقبْلِ َ‬
‫وَالّذِي َن ُي ْؤمِنُونَ بِما ُأنْ ِز َل اِلَيْ َ‬

‫اعلم! ان القرآن أرسل النظم ‪ -‬أي ل يعيّن بوضع امارةٍ وجها من وجوه التراكيب ف كثي من‬
‫أمثال هذه الية‪ ،‬لسرٍ لطيف‪ ،‬هو منشأ الياز الذي هو منشأ العجاز‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫ان البلغة هي مطابقة مقتضى الال‪ .‬والال‪ :‬ان الخاطبي بالقرآن على طبقات متفاوتة‪ ،‬وف‬
‫اعصار متلفة‪ .‬فلمراعاة هذه الطبقات‪ ،‬ولجاورة هذه العصار‪ ،‬ليستفيد ماطب كل نوعٍ ماقُدّرَ‬
‫له من حصته‪ ،‬حذف القرآنُ ف كثيٍ للتعميم والتوزيع‪ ،‬واطلق ف كثيٍ للتشميل والتقسيم‪،‬‬
‫وارسل النظم ف كثي لتكثي الوجوه‪ ،‬وتضمي الحتمالت الستحسنة ف نظر البلغة والقبولة‬
‫عند العلم العرب ليفيض على كلِ ذهنٍ بقدار ذوقه‪ .‬فتأمل!‪..‬‬

‫ث ان وجه نظم هذه الية بسابقتها‪ :‬التخصيص بعد التعميم‪ .‬ليعلن على رؤوس الشهاد شر َ‬
‫ف‬
‫مَنْ آمن من اهل الكتاب‪ ،‬وليدّ يد استغناء اهله ف أفواههم‪ ،‬وليأخذ يد امثال "عبد ال بن سلم"‬
‫‪ ،1‬ويشوّق غيه لن يأت به‪ ..‬وأيضا التنصيص على قسْمَي التقي ‪ 2‬للتصريح بشمول هداية‬
‫القرآن لكافة المم‪ ،‬والتلويح لعموم رسالة ممد عليه السلم لقاطبة اللل‪ ..‬وايضا التفصيل بعد‬
‫الجال لشرح اركان اليان الندمة ف صَدَف يؤمنون بالغيب اذ دل على الكتب والقيامة‬
‫صراحة‪ ،‬وعلى الرسل واللئكة ضمنا‪.‬‬

‫ث ان القرآن ل يوجز هنا بنحو (والؤمني بالقرآن) لترصيع هذا العن بلطائف وتزيي ذيوله‬
‫بنكت‪ ،‬فآثر (والذين يؤمنون با أُنزل اليك)‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬صحاب‪ ،‬أسلم عند قدوم النب صلى ال عليه وسلم الدينة‪ ،‬وكان اسه (الصي) فسماه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عبدال‪ .‬شهد مع عمر رضى ال عنه فتح بيت القدس والابية‪ ،‬وأقام‬
‫بالدينة ال ان توف سنة ‪43‬هـ‪( .‬الصابة ‪ ،4725‬الستيعاب ‪.)2/382‬‬

‫الذكورين ف هذه الية والت سبقتها (ت‪)50 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪57 :‬‬

‫اذ ف "الذين" رمز ال ان وصف اليان هو مناط الكم وان الذات مع سائر الصفات تابعة له‬
‫‪1‬‬
‫ومغمورة تته‪.‬‬

‫وف (يؤمنون) بدل "الؤمني" الدال على الثبوت ف زمان‪ ،‬تلويح ال تدد اليان بتواتر النول‬
‫وتكرر الظهور مستمرا‪.‬‬

‫وف "ما" البام‪ ،‬إياء ال ان اليان ممل قد يكفي‪ ،‬وال تشميل اليان للوحي الظاهر والباطن‬
‫وهو الديث‪.‬‬

‫وف (انُزل) باعتبار مادته اشارة ال ان اليان بالقرآن هو اليان بنوله من عند ال‪ .‬كما ان‬
‫اليان بال هو اليان بوجوده‪ ،‬وباليوم الخر هو اليان بجيئه‪ .‬وبالنظر ال صيغته الاضوية ‪-‬‬
‫مع انه ل يتم النول اذ ذاك ‪ -‬اشارة ال تققه النلة بنلة الواقع مع ان مضارعية "يؤمنون" تتلف‬
‫ماف ماضويته ‪ .2‬بل لجل هذا التنيل ترى ف اساليب التنيل كثيا ما يبتلع الزمان الاضي‬
‫ي الاضي‪ ،‬اذ فيه بلغة لطيفة‪ .‬لن من سع الاضي فيما ل يض‬ ‫الستقبل ويتزيا الضارع بز ّ‬
‫بالنسبة اليه اهتز ذهنه‪ ،‬وتيقظ انه ليس وحده‪ ،‬وتذكر ان خلفه غيه من الصفوف بسافات‪ .‬حت‬
‫كأن العصار مدارج والجيال صفوف قاعدون خلفها‪ .‬وتنبّه ان الطاب والنداء الوجه اليه‬
‫بدرجة من الشدة والعلوّ يسمعه كل الجيال‪ .‬وهو خطبة الية انصت لا كلّ الصفوف ف كل‬
‫العصار‪ .‬فالاضي حقيقة ف الكثي ‪ -‬ف أكثر الزمان ‪ -‬ومازٌ ف القليل ‪ -‬ف أقلها ‪ - 3‬ومراعاة‬
‫الكثر أوف لق البلغة‪.‬‬

‫وف (اليك) بدل "عليك" رمز ال ان الرسالة وظيفة كُلّف با النب عليه السلم وتمّلها بزئه‬
‫الختياري‪ ..‬وإياء ال علّوه بدمة جبائيل بالتقدي اليه؛ اذ ف "على" ش ّم اضطرار وعلوّ واسطة‬
‫النول‪ ..‬وف خطاب "اليك" بدل "ال نو ممد" تلويح ال ان ممدا عليه السلم ماهو إلّ‬
‫ماطب والكلم كلم ال‪ ..‬وايضا معن الطاب تأكيد وتصوير لعن النول الذي هو الوحي‬
‫الذي هو القرآن‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬حت كأن ل صفة لم ميزة الّ اليان (ت‪)52 :‬‬

‫اى ماضوية "اُنزل "‪ .‬بعن ان الذى ل يتم نزوله‪ ،‬ان ل يكن داخلً ضمن شولية "اُنزل " فهو‬ ‫‪2‬‬

‫ضمن شولية "يؤمنون " (ت‪)52 :‬‬

‫فالاضى حقيقة ثابتة لدى كثي من الناس ف اغلب الزمان‪ ،‬بينما يكون مازا لدى القليلي ف‬ ‫‪3‬‬

‫اقل الزمان‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪58 :‬‬

‫الذي هو خطاب ال معه الذي هو الاصة النافذة ف الكل‪ .‬فكشف هذا الزء الجاب عن‬
‫حصته من تلك الاصة‪ .‬فظهر ان هذا الكلم بالنظر ال اشتماله على هذه اللطائف الذكورة ف‬
‫ناية الياز‪.‬‬

‫(وما اُنزل من قبْلِك)‬

‫اعلم! ان امثال هذه التوصيفات تتضمن تشويقا‪ ،‬يتضمن أحكاما انشائية‪ .‬كآمنوا كذا وكذا ول‬
‫تفرقوا‪.‬‬

‫ث ان ف هذا النظم والربط اربع لطائف‪:‬‬

‫إحداها‪:‬‬

‫عطف الدلول على الدليل‪ .‬اي‪" :‬ياأيها الناس اذا آمنتم بالقرآن فآمنوا بالكتب السابقة ايضا‪ ،‬اذ‬
‫القرآن مصدّق لا وشاهد عليها" بدليل ( ُمصَدّقا لِمَا َبيْ َن يَ َديْهِ) ‪.1‬‬
‫والثانية‪:‬‬

‫عطف الدليل على الدلول‪ ،‬أي‪" :‬ياأهل الكتاب اذا آمنتم بالنبياء السابقي والكتب السالفة لزم‬
‫عليكم ان تؤمنوا بالقرآن وبحمد عليه السلم‪ ،‬لنم قد بشّروا به‪ ،‬ولن مدار صدقهم‪ ،‬ونزولا‬
‫ومناط نبوتم يوجد بقيقته وبروحه ف القرآن بوجه اكمل وف ممد عليه السلم بالوجه الظهر‪.‬‬
‫فيكون القرآن كلم ال بالقياس ا َلوَْلوِي‪ ،‬وممّد عليه الصلة والسلم رسوله بالطريق الول"‪.‬‬

‫والثالثة‪:‬‬

‫ان فيه اشارة ال ان مآل القرآن ‪ -‬اعن السلمية الناشئة ف زمان السعادة ‪ -‬كشجرة أصلها‬
‫ثابت ف أعماق الاضي‪ ،‬منتشرة العروق متشربة عن منابع حياتا وقوتا‪ ،‬وفرعها ف ساء‬
‫الستقبال ناشرة أغصانا مثمرة‪ .‬أي اخذت السلمية بقرن الاضي والستقبال‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪.97 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪59 :‬‬

‫والرابعة‪:‬‬

‫ان فيه اشارةً ال تشويق اهل الكتاب على اليان وتأنيسهم‪ ،‬والتسهيل عليهم‪ .‬كأنه يقول‪:‬‬
‫"ليشقنّ عليكم الدخول ف هذا السلك‪ ،‬اذ لترجون عن قشركم بالرة بل انا تكملون‬
‫معتقداتكم‪ ،‬وتبنون على ماهو مؤسس لديكم" اذ القرآن معدّل ومكمّل ف الصول والعقائد‪،‬‬
‫وجامع لميع ماسن الكتب السابقة واصول الشرائع السالفة‪ .‬إل انه مؤسّس ف التفرعات الت‬
‫تتحول بتأثي تغي الزمان والكان؛ فكما تتحول الدوية واللبسة ف الفصول الربعة‪ ،‬وطرز التربية‬
‫والتعليم ف طبقات عمر الشخص؛ كذلك تقتضي الكمة والصلحة تبدل الحكام الفرعية ف‬
‫مراتب عمر نوع البشر‪ .‬فكم من حكم فرعي كان مصلحة ف زمان‪ ،‬ودواء ف وقت طفولية‬
‫النوع‪ ،‬ليبقى مصلحة ف آخر‪ ،‬ودواء عند شبابية النوع‪ .‬ولذا السر نَسخَ القرآن بعض الفروع‪.‬‬
‫اي بيّن انقضاء اوقات تلك الفروع ودخول وقت آخر‪.‬‬

‫وف (من قبلك) لطائف‪:‬‬

‫اعلم! انه ما من كلمة ف التنيل يأب عنها مكانا‪ ،‬أو ل يرض با‪ ،‬أو كان غيُها أول به‪ .‬بل‬
‫مامن كلمة من التنيل إل وهي كدرّ مرصّعٍ مرصوص متماسك بروابط الناسبات؛ فان شئت‬
‫مثال تأمل ف‪( :‬من قبلك) كيف ترى اللطائف التطايرة من جوانب هذه الية توضّعت على هذه‬
‫الكلمة الفذة‪.‬‬

‫فان (من قبلك) تشربتْ وتلونت ‪ -‬فتُرشّح وتُرمز بمس لطائف ‪ -‬الناسبات النعكسة من‬
‫القاصد المسة الندمة ف مسألة النبوة السوقة لا هذه الية‪.‬‬

‫اما القاصد الندمة فهي‪ :‬ان ممدا عليه السلم نب‪ ،‬وانه اكمل النبياء‪ ،‬وانه خات النبياء‪ ،‬وانه‬
‫مرسل لكافة القوام‪ ،‬وان شريعته ناسخة لميع الشرائع‪ ،‬وجامعة لحاسنها‪.‬‬

‫اما وجه انعكاس القصد الول ف تلك الكلمة‪ ،‬فهو‪:‬‬

‫ان "من قبلك" انا يقال اذا اتد السلك وكان الطريق واحدا‪ .‬فكأن هذه الكلمة تترشح‪ :‬بأن‬
‫الجج على نبوة مَن قبله وصدق كتبهم‪ ،‬حجةٌ بجموعها بتنقيح الناط ‪ 1‬وتقيق الناط بالقياس‬
‫الول على نبوة ممد عليه السلم ونزول كتابه‪ .‬فكأن جيع معجزاتم معجزة فذة على صدق‬
‫ممد عليه السلم‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اصطلح اصول ف مباحث العلة‪ :‬فتنقيح الناط‪ :‬تذيب العلة ما علق با من الوصاف الت ل‬
‫مدخل لا ف العلية‪ .‬اما تقيق الناط‪ :‬فهو الجتهاد ف تقيق العلة الثابتة بالنص او بالجاع او‬
‫بأي مسلك آخر‪ ،‬ف واقعة غي الت ورد فيها النص‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪60 :‬‬

‫واما وجه انعكاس القصد الثان‪ ،‬وهو الكملية فيها‪ ،‬فهو‪:‬‬

‫ان "من قبلك" بناء على ملحظة عادة "ان السلطان يرج ف اخريات الناس"‪ ..‬وعلى قاعدة‬
‫التكمل ف نوع البشر القتضية لكملية الرب الثان عن الرب الول‪ ..‬وعلى اغلبية مهارة وزيادة‬
‫اللف على السلف‪ ،‬تلوح بان ممدا عليه السلم سلطان النبياء‪ ،‬اكمل من كلهم‪ .‬كما ان‬
‫القرآن أجع وأجل ‪ 1‬من كتبهم‪.‬‬

‫واما وجه تشربا من القصد الثالث وهو الاتية فهو‪:‬‬

‫ان "من قبلك" بسر قاعدة "ان الواحد اذا تكثّر تسلْسَلَ ليسكن‪ ،‬وان الكثي اذا ات ّد استقرّ‬
‫لينقطع" وباشام الفهوم الخالف تلمح بانه عليه السلم خات النبياء‪.‬‬

‫واما وجه انصباغها من القصد الرابع وهو عموم الدعوة فهو‪:‬‬

‫ان "من قبلك" الفيدة "انك َخَلفُهم وك ٌل منهم سلفك" بسر قاعدة "ان اللف يأخذ تام وظيفة‬
‫السلف ويقوم مقامه" تشي بأنه اذا كان كل منهم سلفك فانت نائب الكل‪ ،‬ورسول جيع المم‪.‬‬
‫نعم ليكون إلّ كذلك!‪ ..‬اذ الفطرة حاكمة له‪ ،‬والكمة قاضية به؛ لنه كانت امم العال‬
‫النسان قبل زمان السعادة ف غاية التباعد والختلف مادة ومعن‪ ،‬واستعدادا وتربيةً؛ ماكفت‬
‫لم التربية الواحدة وما شلت الدعوة الفردة‪ .‬ث لا انتبه العال النسان بزمان السعادة بعده‪،‬‬
‫وتايل ال التاد بداولة الفكار‪ ،‬ومبادلة الطبائع‪ ،‬واختلط القوام‪ ،‬وتري البعض عن حال‬
‫البعض حت تخض الزمان بكثرة طرق الخابرة والناقلة؛ فصارت الكرة كمملكة وهي كولية‬
‫وهي كبلدة‪ ،‬واتصل الرحم بي اهل الدنيا؛ َكفَت الدعوة الواحدة والنبوة الفريدة للكافة‪.‬‬

‫واما وجه إشامها بالقصد الامس فهو‪:‬‬


‫ان "من قبلك" الومية من "من" ال "ال"‪ ،‬ومن "ال" ال الغناء ‪ .2‬اي "انتهت الرسالة بقدومك‬
‫اذ َاغَْنتْ شريعتُك" ترمز بأن شريعته عليه السلم ناسخة بالنتهاء وجامعة بالغناء‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬واشل (ش)‪.‬‬

‫اى‪ :‬ان "من " يفيد معن البتداء‪ ،‬والبتداء لبد له من انتهاء ‪ -‬اى "ال " ‪ -‬والنتهاء يدل على‬ ‫‪2‬‬

‫عدم الاجة او الغناء (ت‪)56 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪61 :‬‬

‫واعلم! ان المارة لنظر البلغة على تشرب هذه الكلمة لؤلء اللطائف هي‪:‬‬

‫ان هذه القاصد المسة كالنار الارية تت هذه اليات‪ ،‬حت يفور هذا بكماله ف آية‪ ..‬وينبع‬
‫ذاك بتمامه ف أُخرى‪ ..‬ويتجلى ذلك بشَرَاشيه ‪ 1‬ف آخرة‪ .‬فأدن ترشّحٍ على السطح يومي‬
‫بتماس عروق الكلمة با‪ .‬وايضا تتسنبل هذه العان ف آيات مسوقة لا‪.‬‬

‫( َوبِالخِ َر ِة هُ ْم يُوقِنُونَ)‬

‫اعلم! ان مآل هذه الية هوالقصد الرابع من القاصد الربعة الشهورة وهو "مسألة الشر"‪ .‬ث انا‬
‫قد استفدنا من نظم القرآن عشرة براهي عليها‪ ،‬ذكرناها ف كتاب آخر ‪ 2‬فناسب تلخيصها هنا‪.‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫ان الشر حق؛ لن ف الكائنات نظاما اكمل قصديا‪ ..‬وان ف اللقة حكمة تامة‪ ..‬وان ل عبثية‬
‫ف العال‪ ..‬وان ل اسراف ف الفطرة‪ ..‬والزكي لؤلء الشواهد الستقراء التام بميع الفنون الت‬
‫كل منها شاهدُ صدق على نظام نوع موضوعه‪ ..‬وايضا ان ف كثي من النواع مثل اليوم والسنة‬
‫وغيها قيامة مكررة نوعية‪ ..‬وايضا جوهر استعداد البشر يرمز ال الشر‪ ..‬وايضا عدم تناهي‬
‫آمال البشر وميوله يشي اليه‪ ..‬وايضا رحة الصانع الكيم تلوح به‪ ..‬وايضا لسان الرسول‬
‫الصادق عليه السلم يصرّح به‪ ..‬وأيضا بيان القرآن العجز ف أمثال (وَقَدْ َخَل َقكُمْ اَ ْطوَارا) ‪َ ( 3‬ومَا‬
‫لمٍ ِل ْلعَبِيدِ) ‪ 4‬يشهد له‪ .‬تلك عشرة كاملة‪ ،‬مفاتيح للسعادة البدية وأبواب لتلك النة‪.‬‬ ‫ك بِ َظ ّ‬
‫َربّ َ‬

‫اما بيان البهان الول‪ :‬فهو انه لو ل تنجر الكائنات ال السعادة البدية لصار ذلك النظام الذي‬
‫اتقن فيه صانعُه اتقانا َحيّ َر فيه العقول صورةً ضعيفة خادعة‪ ،‬وجيع العنويات والروابط والنسب‬
‫ف النظام هباء منثورا‪ .‬فليس نظام ذلك النظام الّ اتصاله بالسعادة‪ ،‬اي ان النكت والعنويات ف‬
‫ذلك النظام انا تتسنبل ف عال الخرة‪ .‬والّ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬بشراشيه‪ :‬بأجعه‪.‬‬

‫هذه الباهي مذكورة ف رسالة "لسيما" من الثنوى العرب النورى ومفصلة ف الكلمة التاسعة‬ ‫‪2‬‬

‫والعشرين وموضحة بنور تليات الساء السن ف الكلمة العاشرة (الشر)‪.‬‬

‫سورة نوح‪.14 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة فصلت‪.46 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪62 :‬‬

‫لنطفأ جيع العنويات‪ ،‬وتقطّع مموع الروابط‪ ،‬وتزّق كل النسب‪ ،‬ويتفتت هذا النظام؛ مع ان‬
‫القوة الندمة ف النظام تنادي باعلى صوتا‪ :‬ان ليس من شأنا النقضاض والنلل‪.‬‬
‫وأما البهان الثان‪ :‬فهو ان تثال العناية الزلية الذي هو الكمة التامة‪ ،‬الت هي رعاية الصال‬
‫لكَم ف كل نوع‪ ،‬بل ف كل جزئي ‪ -‬بشهادة كل الفنون ‪ -‬يبشر بقدوم السعادة البدية‪.‬‬ ‫وا ِ‬
‫والّ لَزِم انكار هذه الكم والفوائد الت اجبتنا البداهةُ على القرار با؛ اذ حينئذ تكون الفائدة ل‬
‫فائدة‪ ..‬والكمة غي حكمة‪ ..‬والصلحة عدم مصلحة‪ .‬وإن هذا الّ سفسطة‪.‬‬

‫واما البهان الثالث الفسر للثان‪ :‬فهو ان الفن يشهد ايضا ان الصانع اختار ف كل شئ الطريق‬
‫القصر‪ ،‬والهة القرب‪ ،‬والصورة الخف والحسن‪ .‬فيدل على ان لعبثية‪ .‬فيدل على انه جدّي‬
‫حقيقي‪ .‬وماهو ال بجئ السعادة البدية‪ .‬والّ لتنل هذا الوجود منلة العدم الصرف‪ .‬وتول كل‬
‫شئ عبثا مضا‪ ..‬سبحانك ماخَل ْقتَ هذا َعبَثا‪.‬‬

‫أما البهان الرابع الوضح للثالث‪ :‬فهو ان ل اسراف ف الفطرة بشهادة الفنون‪ .‬فان تقاصر ِذ ْهنُك‬
‫عن ادراك ِحكَم النسان الكب وهو "العال" فأمعن النظر ف العال الصغر وهو "النسان"‪ .‬فان‬
‫فن منافع العضاء قد شرح واثبت‪ :‬ان ف جسد النسان تقريبا ستمائة عظم ك ّل لنفعة‪ ..‬وستة‬
‫آلف عصب هي مارٍ للدم كلّ لفائدة‪ ..‬ومائة واربعة وعشرين ألف مسامة وكوّة للحجيات‬
‫الت تعمل ف كل منها خس قوى من الاذبة والدافعة والمسكة والصوّرة والولّدة كل منها‬
‫لصلحة‪ .‬واذا كان العالَ ُم الصغر كذا فكيف يكون النسان الكب انقصَ منه؟ واذا كان السد‬
‫الذي ل اهية له بالنسبة ال لبّه بتلك الدرجة من عدم السراف فكيف يُتصور اهال جوهر‬
‫الروح؟ واسرافٌ كل آثاره من العنويات والمال والفكار؟ اذ لول السعادة البدية لتقلصت كل‬
‫العنويات وصارت اسرافا‪ .‬فبال عليك أيكن ف العقل ان يكون لك جوهرة قيمتها الدنيا‪ ،‬فتهتم‬
‫بصدَفها وغلفها حت لتلي ان يصل الغبار اليه‪ ،‬ث تأخذ الوهرة فتكسّرها شذرا مذرا ‪ 1‬وتحو‬
‫آثارها؟ كل ث كل!‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬شذرا مذرا‪ :‬اى ذهبوا ف كل وجه‪ ،‬فالراد البالغة ف الكسر والتجزئة (ش)‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪63 :‬‬

‫ماتتم بالغلف إلّ لجل مافيه‪ ..‬وايضا اذا افهمتك قو ُة البنية ف شخص وصحة أعضائه‬
‫واستعداده‪ ،‬استمرار بقائه وتكمله؛ أفل تفهّمك القيق ُة الثابتة الارية ف روح الكائنات‪ ،‬والقوةُ‬
‫الكاملة الومية بالستمرار ف النتظام‪ ،‬والكمال النجر ال التكمل ف النظام‪ :‬مئ السعادة البدية‬
‫من باب الشر السمان؟ اذ هي الخلصة للنتظام عن الختلل‪ ،‬والواسطة للتكمل وانكشاف‬
‫تلك القوة الؤبدة‪.‬‬

‫واما البهان الامس والدس الرمز ال القصد‪ :‬فهو ان وجود نوع قيامات مكررة نوعية ف كثي‬
‫من النواع يشي ال القيامة العظمى وان شئت تثُلَ الرمزِ ف مثال‪ ،‬فانظر ف ساعتك السبوعية‪،‬‬
‫فكما ان فيها دواليب متلفة دوارة متحركة مركة للبر وا َلمْيال العادّة واحدة منها للثوان‪ .‬وهي‬
‫مقدمة ومبة لركة ابرة الدقائق‪ .‬وهي مُعدّة ومُعلنة لركة ميل الساعات‪ .‬وهي مصلة ومؤذنة‬
‫لركة البرة الت تعد ايام السبوع‪ .‬فاتام دورة السابقة يشي بأن اختها اللحقة تتم دورها؛‬
‫كذلك ان ل تعال ساعةً كبى دواليبُها الفلكُ تعدّ أميالا اليام والسني وعمر البشر وبقاء‬
‫الدنيا‪ ،‬نظي الثوان والدقائق والساعات واليام ف ساعتك‪ .‬فمجئ الصبح بعد كل ليلة‪ ،‬والربيع‬
‫بعد كل شتاء ‪ -‬بناء على حركة تلك الساعة ‪ -‬يشي اشارة خفية ويرمز رمزا دقيقا بتولد صبح‬
‫ربيع الشر من تلك الساعة الكبى‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬القيامة النوعية لتشر الشخاص باعيانم فكيف ترمز بالقيامة الكبى لعود الشخاص‬
‫هناك باعيانم؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان شخص النسان كنوع غيه‪ ،‬اذ نور الفكر اعطى لمال البشر وروحه ُوسْعة‬
‫وانبساطا بدرجة و ِسعَت الزمنة الثلثة‪ ،‬لو ابتلع الاضي والستقبل مع الال ل تتلء آماله؛ لن‬
‫نور الفكر صيّر ماهيته علوية‪ ،‬وقيمته عمومية‪ ،‬ونظره كليا‪ ،‬وكماله غي مصور‪ ،‬ولذته دائمية‪،‬‬
‫وأله مستمرا‪ .‬اما فرد النوع الخر فماهيته جزئية‪ ،‬وقيمته شخصية‪ ،‬ونظره مدود‪ ،‬وكماله‬
‫مصور‪ ،‬ولذته آنية‪ ،‬وأله دفعيّ‪ ،‬فوجود نوع قيامة ف النواع‪ ،‬كيف ليشي بالقيامة الشخصية‬
‫العمومية للنسان؟‬
‫واما البهان السادس اللوّح‪ :‬فهو عدم تناهي استعدادات البشر‪ .‬نعم ان تصورات البشر وافكاره‬
‫الت لتتناهى ‪ ،‬التولدة من آماله الغي التناهية ‪ ،‬الاصلة من‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪64 :‬‬

‫ميوله الغي الضبوطة‪ ،‬الناشئة من قابلياته الغي الحدودة‪ ،‬الستترة ف استعداداته الغي الحصورة‪،‬‬
‫الزروعة ف جوهر روحه الذي كرمه ال تعال؛ كل منها يشي ف ماوراء الشر السمان باصبع‬
‫الشهادة ال السعادة البدية وتد نظرها اليه‪ .‬فتأمل!‬

‫وأما البهان السابع البشر‪ :‬فهو ان رحة الرحن الرحيم تبشر بقدوم اعظم الرحة اعن السعادة‬
‫البدية؛ اذ با تصي الرحة رحة‪ ،‬والنعمة نعمة‪ .‬وبا تلص الكائنات من النياحات الرتفعة من‬
‫ح الِنعَم أعن السعادة‬
‫الأت العموم ّي التولد من الفراق البدي الصيّر للنعم نقما‪ .‬اذ لو ل يئ رو ُ‬
‫البدية‪ ،‬لتحول جيع النعم نقما؛ وللزم الكابرة ف انكار الرحة الثابتة بشهادة عموم الكائنات‬
‫بالبداهة وبالضرورة‪..‬‬

‫فيا ايها البيب الشفيق ‪ 1‬العاشق! انظر ال ألطف آثار رحة ال أعن الحبة والشفقة والعشق؛ ث‬
‫راجع وجدانك لكن بعد فرض تعقب الفراق البدي والجران الليزال عليها‪ ،‬كيف ترى‬
‫الوجدان يستغيث‪ ..‬واليال يصرخ‪ ..‬والروح يضجر من انقلب تلك الحبة والشفقة ‪ -‬اللتي‬
‫ها أحسن وألطف انواع الرحة والنعمة ‪ -‬اعظم مصيبة عليك واشد بلء فيك؟ أفيمكن ف العقل‬
‫ل على الحبة والشفقة؟‬‫ان تساعد تلك الرحة الضرورية لجوم الفراق البدي والجران الليزا ّ‬
‫ق البدي على الجران الليزلّ‪ ،‬والجران الليزالّ‬‫ل! بل من شأن تلك الرحة ان تسلّط الفرا َ‬
‫على الفراق البدي والعدم عليهما‪.‬‬

‫واما البهان الثامن الصرّح‪ :‬فهو لسان ممد عليه السلم الصادق الصدوق‪ ،‬ولقد فتح كلمه‬
‫أبواب السعادة البدية‪ ،‬على ان إجاع النبياء من آدمهم ال خاتهم عليهم السلم على هذه‬
‫القيقة حجة حقيقية قطعية على هذا الدعى‪ .‬ولمر مّا اتفقوا‪.‬‬
‫واما البهان التاسع‪ :‬فهو اخبار القرآن العجز؛ اذ التنيل الصدق اعجازه بسبعة اوجه ‪ 2‬ف ثلثة‬
‫عشر عصرا دعواه عي برهانا‪ .‬فاخباره كشاف للحشر السمان ومفتاح له‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬البيب من طلب الؤلف‪.‬‬

‫تفصيل هذه الوجه ف الكلمة الامسة والعشرين (العجزات القرآنية)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪65 :‬‬

‫واما البهان العاشر‪ ،‬الشتمل على ألوف من الباهي الت تضمنها كثي من اليات مثل (وَقَدْ‬
‫لمٍ ِل ْلعَبيد) الشي ال "دليل عدلّ"‬
‫ك بِ َظ ّ‬
‫خََل َقكُ ْم أطْوارا) الشي ال "قياس تثيلي"‪ .‬و( َومَا َربّ َ‬
‫وغيها‪ .‬فلقد فتح القرآن ف أكثر اليات ُكوّاتٍ ‪ 1‬ناظرة ال الشر‪.‬‬

‫اما القياس التمثيلي الشار اليه بالية الول‪:‬‬

‫فانظر ف وجود النسان فانه ينتقل من طور ال طور‪ ..‬من النطفة ال العلقة‪ ..‬ومنها ال الضغة‪..‬‬
‫ومنها ال العظم واللحم‪ ..‬ومنه ال اللق الديد‪ .‬ولكلّ من تلك الطوار قواني مصوصة‪،‬‬
‫ونظامات معيّنة‪ ،‬وحركات مطّردة يشفّ ك ّل منها عن قص ٍد وارادةٍ واختيارٍ‪ ..‬ث تأمل ف بقائه‬
‫فإن هذا الوجود يدد لباسه ف كل سنة‪ ،‬ومن شأنالتحلل والتركب‪ .‬اي انقضاض الجيات‬
‫وتعميها ببدل ما يتحلل من الادة اللطيفة الوزعة على نسبة مناسبة العضاء الت يضرها صانعُها‬
‫بقانون مصوص‪ .‬ث تأمل ف أطوار تلك الادة اللطيفة الاملة لرزاق الجزاء‪ .‬كيف تنتشر ف‬
‫اقطار البدن انتشارا تي فيه العقول‪ .‬وكيف تنقسم بقانون التقسيم العي على مقدار حاجات‬
‫العضاء؛ بعد ان تلخصت تلك الادة بنظام ثابت‪ ،‬ودستور معي‪ ،‬وحركة عجيبة من اربع‬
‫مصفاتات‪ ،‬وانطبخت ف اربعة مطابخ بعد اربعة انقلبات عجيبة؛ الأخوذة تلك الادة من القوت‬
‫الحصل من الواليد النتشرة ف عال العناصر بدستور منتظم؛ ونظام مصوص‪ ،‬وقانون معي‪ .‬وكل‬
‫من القواني والنظامات ف تلك الطوار يشف عن سائقٍ وقصدٍ وحكمةٍ‪ .‬كيف ل‪ ،‬ولو تأملت‬
‫من قافلة تلك الادة اللطيفة ف ذرة مثل‪ ،‬مستترة ف عنصر الواء تصي بالخرة جزءا من سواد‬
‫عي "البيب"؛ لعلمت ان تلك الذرة وهي ف الواء معيّنة كأنا موظفة مأمورة بالذهاب ال‬
‫ن تيقنت ان ليست حركتها "اتفاقية عمياء"‬
‫مكانا الذي عيُنّ لا؛ اذ لو نظرت إليها بنظر ف ّ‬
‫"بتصادف اعمى"‪ ،‬بل تلك الذرة ما دخلت ف مرتبة ال تبعت نظاماتا الخصوصة‪ ،‬وماتدرجت‬
‫ال طور ال عملت بقوانينه العينة‪ ،‬وما سافرت ال طبقة ال وهي تساق بركة عجيبة منتظمة‪.‬‬
‫فتمر على تلك الطوار حت تصل ال موضعها‪ .‬مع انا لتنحرف قطعا مقدار ذرة عن هدف‬
‫مقصدها‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬الكوة‪ :‬الرق ف الائط‪ .‬ج‪ :‬كواء وكوى وكوات‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪66 :‬‬

‫والاصل‪ :‬ان من تأمل ف النشأة الول ل يبق له تردد ف النشأة الخرى‪ ،‬ولقد قال النب عليه‬
‫الصلة والسلم (عجبا لن يرى النشأة الول كيف ينكر النشأة الخرى)‪.‬‬

‫نعم! كما ان جعَ نفراتِ عسكرِ فرقةٍ أُ ِذنَ لم بالستراحة والنتشار اذا دعوا باللة العروفة ‪-‬‬
‫فيتسللون عن كل طرف ومكمن‪ ،‬فيجتمعون متحدين تت لوائهم ‪ -‬يكون أسهل وأسهل من‬
‫جلبهم أول المر ال النتظام تت السلح؛ كذلك ان جعَ الذرات الت حصلت بينها الؤانسة‬
‫ت بصُور اسرافيل فينساب الكل من كل فج عميق‬ ‫والناسبة بالمتزاج ف وجودٍ واحدٍ اذا نودي ْ‬
‫ملبّية لمر خالقها يكون أسهل وأمكن ف العقل من انشائها وتركيبها أول الرة‪.‬‬
‫أما بالنسبة ال القدرة فأعظم الشياء كأصغرها‪ .‬ث الظاهر ان العاد يعاد باجزائه الصلية‬
‫ص الظفار والشعار ونوها‬ ‫والفضولية معا‪ .‬كما يشي اليه كب أجسام اهل الشر ‪ 1‬وكراهة ق ّ‬
‫‪3‬‬
‫جنُب‪ ،‬وسنّية دفنها ‪ .2‬والتحقيق‪ :‬ان عجب ال َذنَب يكفي ان يكون بذرا وماد ًة لتشكله‪.‬‬
‫لل ُ‬

‫وأما الدليل الذي لوح به (وما ربك بظلم للعبيد)‪:‬‬

‫فاعلم! أنّا كثيا ما نرى الظال الفاجر الغدّار ف غاية التنعم‪ ،‬ويرّ عمُره ف غاية الطيب والراحة‪.‬‬
‫ث نرى الظلوم الفقي التدين السن اللق ينقضي عمره ف غاية الزحة ‪ 4‬والذلة والظلومية‪ ،‬ث‬
‫يئ الوتُ فيساوي بينهما‪ .‬وهذه الساواة بل ناية تُري ظلما‪ .‬والعدالة والكمة الليتان اللتان‬
‫شهدت عليهما الكائناتُ منّهتان عن الظلم؛ فلبد من ممعٍ آخر ليى الول جزاءه والثان ثوابه‬
‫فيتجلى العدالة اللية‪ .‬وقس على هاتي اليتي نظائرها‪ .‬هذا‪..‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عن اب هريرة رضى ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ضرس الكافر ‪ -‬أو ناب‬
‫الكافر ‪ -‬مثل أحد وغلظ جلده مسية ثلث‪ .‬رواه مسلم (‪.)4/2189‬‬

‫ادفنوا ماءكم واشعاركم واظفاركم‪ ،‬لتلعب با السحرة» مسند الفردوس ‪ .1/102‬وانظر‬ ‫‪2‬‬

‫الفتح الكبي ‪ .2/375‬كن العمال ‪ .17245‬جع الوامع رقم ‪.885‬‬

‫عن اب هريرة رضى ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬كل ابن آدم يأكله‬ ‫‪3‬‬

‫التراب الّ عجب الذنب‪ ،‬منه خُلق ومنه يركّب‪ .‬رواه مسلم وابو داود وابن ماجه‪ .‬والعجب‪:‬‬
‫اصل الذنب‪.‬‬

‫التعب والشقة والضيق‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪67 :‬‬


‫أما وجه النظم ف اجزاء (وبالخرة هم يوقنون)‬

‫فاعلم! ان مناط النكت‪" :‬الواو"‪ ،‬ث تقدي "بالخرة" ث اللف واللم فيها‪ ،‬ث التعبي بذا العنوان‪،‬‬
‫ث ذكر "هم"‪ ،‬ث ذكر "يوقنون" بدل "يؤمنون"‪.‬‬

‫واما "الواو" ففيها التخصيص بعد التعميم‪ ،‬للتنصيص على هذا الركن من اليان‪ ،‬اذ هو أحد‬
‫القطبي اللذين تدور عليهما الكتب السماوية‪.‬‬

‫واما تقدي (بالخرة) ففيه حصر‪ ،‬وف الصر تعريض بأن أهل الكتاب بناء على قولم (لن تسّنا‬
‫النا ُر اِ ّل أيّاما َمعْدُودةً) ‪ 1‬ونفيهم اللذائذ السمانية‪ ،‬آخرتم آخرة مازية اسية‪ ،‬ماهي بقيقة‬
‫الخرة‪.‬‬

‫واما اللف واللم فللعهد‪ .‬اي اشارة ال العهود بالدوران على ألسنة كل الكتب السماوية‪ ..‬وف‬
‫العهد لحٌ ال انا حق واشارة ال القيقة العهودة الاضرة بي اهداب العقول بسبب الدلئل‬
‫الفطرية الذكورة‪ ..‬وف العهد حينئذ رمز ال انا حقيقة‪ ..‬واما التعبي بعنوان "الخرة" الناعتة‬
‫للنشأة فلتوجيه الذهن ال النشأة الول‪ ،‬لينتقل ال امكان النشأة الخرى‪.‬‬

‫واما (هم) ففيه حصر وف الصر تعريض بأن إيان من ل يؤمن بحمد عليه الصلة والسلم من‬
‫أهل الكتاب ليس بيقي‪ ،‬بل انا يظنونه يقينا‪.‬‬

‫وأما ذكر (يوقنون) بدل "يؤمنون" مع ان اليان هو التصديق مع اليقي‪ ،‬فليضع الصبع على‬
‫مناط الغرض قصدا لطارة الشكوك؛ اذ القيامة مشر الريوب‪ ..‬وايضا بالتنصيص ينسد طرق‬
‫التعلل بـ "انا مؤمنون فليؤمن من ل يؤمن"‪.‬‬

‫***‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪.80 :‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪68 :‬‬

‫ى مِنْ َرّبهِ ْم َواُولئِكَ هُم ا ُلفْلِحُونَ ‪5‬‬


‫اُولئِكَ عَلَى هُد ً‬

‫(اُولئِك عَلَى هُدىً مِنْ َرّبهِمْ)‬

‫اعلم! ان الظان الت تتلمع فيها النكت‪ :‬هي نظمها مع سابقتها‪ ،‬ث الحسوسية ف "اولئك"‪ ،‬ث‬
‫الُبعْدية فيها‪ ،‬ث العلو ف "على"‪ ،‬ث التنكي ف "هدى"‪ ،‬ث لفظ "من"‪ ،‬ث التربية ف "ربم"‪.‬‬

‫اما النظم‪ ،‬فاعلم! ان هذه ‪ 1‬مرتبطة بسابقتها بطوط مناسبات‪ .‬منها الستيناف أي ‪ 2‬جواب‬
‫لثلثة اسئلة مقدرة‪:‬‬

‫منها‪ :‬السؤال عن الثال‪،‬كأن السامع بعدما سع ان القرآن من شأنه الداية لشخاص من شأنم ‪-‬‬
‫بسبب الداية ‪ -‬التصاف بأوصافٍ‪ ،‬أحبّ أن يراهم وهم بالفعل تلبسوا بتلك الوصاف متكئي‬
‫على ارائك الداية‪ .‬فأجاب مُريئا للسامع بقوله (اولئك على هدى من ربم)‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬السؤال عن العلة ‪ ،‬كأن السائل يقول‪ :‬ما بال هؤلء استحقوا الداية واختصوا با؟‬
‫فأجاب‪ :‬بأن هؤلء الذين امتزجت واجتمعت فيهم تلك الوصاف ‪ -‬إن تأملت ‪ -‬لديرون بنور‬
‫الداية‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬التفصيل السابق أجلى للعلة من الجال ف "اولئك"؟‬

‫قيل لك‪ :‬قد يكون الجال اوضح من التفصيل لسيما اذا كان الطلوب متولدا من الجموع؛ اذ‬
‫بسبب جزئية ذهن السامع‪ ،‬والتدرج ف اجزاء التفصيل‪ ،‬وتداخل النسيان بينها‪ ،‬وتلي العلة من‬
‫مزج الجزاء قد ليُتفطن لتولد العلة‪ .‬فالجال ف "اولئك" لجل المتزاج أجلى للعلية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬السؤال عن نتيجة الداية وثرتا‪ ،‬والنعمة واللذة فيها‪ .‬كأن السامع يقول‪ :‬ما اللذة‬
‫والنعمة؟ فاجاب بأن فيها سعادة الدارين‪ .‬أي ان نتيجة الداية نفسها‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬ان هذه الية (ش)‪.‬‬

‫اى انا جواب‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪69 :‬‬

‫وثرتا عينها‪ ،‬اذ هي بذاتا نعمة عظمى ولذة وجدانية‪ ،‬بل جنة الروح؛ كما ان الضللة جهنمها‪.‬‬
‫ث بعد ذلك تثمر الفلح ف الخرة‪.‬‬

‫واما الحسوسية ف (اولئك) فاشارة ال ان ذكر الوصاف الكثية سبب للتجسم ف الذهن‪،‬‬
‫والضور ف العقل‪ ،‬والحسوسية للخيال‪ .‬فمن العهد ‪ 1‬الذِكري ينفتح باب ال العهد الارجي‪،‬‬
‫ومن العهد الارجي ينتقل ال امتيازهم‪ ،‬وينظر ال تللئهم ف نوع البشر كأنه من رفع رأسه‬
‫وفتح عينيه ل يتراءى له ال هؤلء‪.‬‬

‫واما البُعدية ف (اولئك) مع قُربيتهم ف الملة فللشارة ال تعال رتبتهم؛ اذ الناظر ال البعداء ل‬
‫يرى ال اطولم قامة‪ ،‬مع ان حقيقة البعد الزمان والكان اقضى لق البلغة؛ اذ هذه الية كما ان‬
‫عصر السعادة لسان ذاكر لا وهي تنل‪ ،‬كذلك ك ّل من العصار الستقبالية كأنه لسان ذاكر‬
‫لا‪ ،‬وهي شابة طرية كأنا اذ ذاك نزلت ل انا نزلت ث حكيت‪.‬فاوائل الصفوف الشار اليهم بـ‬
‫"اولئك" يتراؤن من ُبعْدٍ‪ .‬ولجل الرؤية مع بُعدهم يُعلم عظمتهم وعلوّ رتبتهم‪.‬‬

‫واما لفظ (على) فاعلم! ان سر الناسبة بي الشياء صيّر اكثر المور كالرايا الت تتراءى ف‬
‫أنفسها؛ هذه ف تلك وتلك ف هذه‪ .‬فكما ان قطعة زجاجة تريك صحراء واسعة؛ كذلك كثيا‬
‫ماتذكّرك كلمةٌ فذة خيال طويل‪ ،‬وتثل نصب عينيك هيئة كلمة حكاية عجيبة‪ .‬ويول بذهنك‬
‫كلم ف عال الثال الثال‪ .‬كما ان لفظ "بارَزَ" يفتح لك معركة الرب‪ ،‬ولفظ "ثرة" ف الية‬
‫يفتح لك باب النة وقس! فعلى هذا لفظ "على" للذهن كال ُكوّة ال اسلوب تثيلي هو ان هداية‬
‫القرآن بُراقٌ إلي أهداه للمؤمني ليسلكوا‪ ،‬وهم عليه ف الطريق الستقيم سائرين ال عرش‬
‫الكمالت‪.‬‬

‫واما التنكي ف (هدى) فيشي ال انه غي (هدى للمتقي) اذ النكّر الكرر غي الول ف الغلب‬
‫‪ .2‬فذاك مصدر وهذا حاصل بالصدر‪ ..‬وهو صفة مسوسة قارة ‪ 3‬كثمرة الول‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬حيث ذكرت اوصافهم فاصبحت معهودة (ت‪)65 :‬‬

‫حيث ان النكرة اذا كررت بصورة معرفة‪ ،‬فتلك العرفة هى عي تلك النكرة‪ ،‬اما اذا ذكرت‬ ‫‪2‬‬

‫النكرة نكرة فل تكون عي النكرة ف الغلب (ت‪)67 :‬‬

‫قارة ‪ :‬ثابتة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪70 :‬‬


‫‪1‬‬
‫واما لفظ (من) فيشي ال ان اللق والتوفيق ف اهتدائهم ‪ -‬الكسوب لم ‪ -‬من ال‪.‬‬

‫واما لفظ الـ "رب" فيشي ال ان الداية من شأن الربوبية فكما يربيهم بالرزق يغذيهم بالداية‪.‬‬

‫ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُونَ)‬
‫( َوأُولئِ َ‬

‫اعلم! ان مظان تري النكت هي‪ :‬عطف "الواو"‪ ،‬ث تكرار "اولئك"‪ ،‬ث "ضمي الفصل"‪ ،‬ث‬
‫اللف واللم‪ ،‬ث إطلق "مفلحون" وعدم تعيي وجه الفلح‪.‬‬
‫اما العطف فمبن على الناسبة؛ اذ كما ان (اولئك) الول اشارة ال ثرة الداية من السعادة‬
‫العاجلة؛ فهذه اشارة ال ثرتا من السعادة الجلة‪ .‬ث انه مع ان كلً منهما ثرة لكل ما مر‪ ،‬ال ان‬
‫الَول أَن (اولئك) الول يرتبط عِرْقُه بـ(الذين) الول‪ ،‬الظاهر انم الؤمنون من الميي‪ ،‬ويأخذ‬
‫قوته من اركان السلمية‪ ،‬وينظر ال ماقبل (وبالخرة هم يوقنون)‪ .‬و (اولئك) الثان ينظر برمز‬
‫خفي ال (الذين) الثان‪ ،‬الظاهر انم مؤمنو اهل الكتاب‪ .‬ويكون مأخذه اركان اليان واليقي‬
‫بالخرة‪ .‬فتأمل!‬

‫واما تكرار (اولئك) فاشارة ال استقلل كل من هاتي الثمرتي ف العلة الغائية للهداية والسببية‬
‫لتميزهم ومدحهم‪ ،‬ال ان الول ان يكون (اولئك) الثان اشارة ال الول مع حكمه كما تقول‪:‬‬
‫ذلك عال وذلك مكرّم‪.‬‬

‫واما ضمي الفصل فمع انه تأكيد الصر الذي فيه تعريض بأهل الكتاب الذين ل يؤمنوا بالن ّ‬
‫ب‬
‫عليه السلم‪ ،‬فيه نكتة لطيفة وهي‪ :‬ان توسط (هم) بي البتدأ والب من شأنه أن يول البتدأ‬
‫ض ويُحال الباقية على اليال؛ لن (هم) ينَبّه‬
‫للخب الواحد موضوعا لحكام كثية يُذكَر البع ُ‬
‫اليال على عدم التحديد ويشوّقه على تري الحكام الناسبة‪ .‬فكما انك تضع زيدا بي عين‬
‫السامع فتأخذ تغزل منه الحكام قائل‪ :‬هو عال‪ ،‬هو عامل‪ ،‬هو كذا وكذا‪ .‬ث تقول قس! كذلك‬
‫لا قال (اولئك) ث جاء (هم) هيّج اليال لن يتن ويبتن بواسطة الضمي أحكاما مناسبة‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اذ الهتداء‪ ،‬اى سلوك طريق الصواب‪ ،‬هو ضمن اختيارهم وداخل كسبهم‪ ،‬مع ان الداية الت‬
‫هى صفة ثابتة‪ ،‬فهى من ال تعال (ت‪)67 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪71 :‬‬


‫لصفاتم‪،‬كـ‪ :‬اولئك هم على هدى‪ ..‬هم مفلحون‪ ..‬هم فائزون من النار‪ ..‬هم فائزون بالنة‪..‬‬
‫هم ظافرون برؤية جال ال تعال ال آخره‪.‬‬

‫وأما اللف واللم فلتصوير القيقة‪.‬كأنه يقول‪ :‬ان أحببت أن ترى حقيقة الفلحي‪ ،‬فانظر ف‬
‫مرآة (اولئك) لتمثل لك‪ ..‬أو لتمييز ذواتم‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬الذين سعت أنم من أهل الفلح ان‬
‫أردت ان تعرفهم فعليك بـ (اولئك) فهم هم‪ ..‬او لظهور الكم وبداهته نظي "والده العبد" اذ‬
‫كون والده عبدا معلوم ظاهر‪..‬‬

‫وأما إطلق "مفلحون" فللتعميم؛ اذ ماطب القرآن على طبقات مطالبهم متلفة‪ .‬فبعضهم يطلب‬
‫الفوز من النار‪ ..‬وبعض إنا يقصد الفوز بالنة‪ ..‬وبعض انا يتحرى الرضاء اللي‪ ..‬وبعض‬
‫مايب ال رؤية جاله‪ ..‬وهلم جرّا‪ ..‬فاطلق هنا لتعم مائدة احسانه فيجتن ك ّل مشتهاه‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪72 :‬‬

‫ِانّ الّذِينَ َكفَرُوا َسوَا ٌء عََلْيهِمْ َءَانْذَ ْرَتهُ ْم َامْ لَ ْم ُتنْذِ ْرهُ ْم لُي ْؤ ِمنُونَ ‪6‬‬

‫وجه النظم‪:‬‬

‫اعلم! ان للذات الحديّ ف عال صفاته الزلية تّلَييْن جللّ وجالّ‪ .‬فبتجليهما ف عال صفات‬
‫الفعال يتظاهر اللطف والقهر والسن واليبة‪ .‬ث بالنعطاف ف عال الفعال يتولد التحلية‬
‫والتخلية والتزيي والتنيه‪ .‬ث بالنطباع ف العال الُخروي من عال الثار يتجلى اللطف جنة‬
‫ونورا‪ ،‬والقهر جهنم ونارا‪ .‬ث بالنعكاس ف عال الذكر ينقسم الذكر ال المد والتسبيح‪ .‬ث‬
‫بتمثلهما ف عال الكلم يتنوع الكلم ال المر والنهي‪ .‬ث بالرتسام ف عال الرشاد يقسمانه ال‬
‫الترغيب والترهيب والتبشي والنذار‪ .‬ث بتجليهما على الوجدان يتولد الرجاء والوف‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫ث ان من شأن الرشاد ادامة الوازنة بي الرجاء والوف‪ ،‬ليدعو الرجاء ال ان يسعى بصرف‬
‫القوى‪ ،‬والوف ال ان ليتجاوز بالسترسال فل ييأس من الرحة فيقعد ملوما‪ ،‬ول يأمن العذاب‬
‫فيتعسف ول يبال‪ .‬فلهذه الكمة التسلسلة مارغّب القرآن إلّ وقد رهّب‪ ،‬وما مدح البرار ال‬
‫وقرنه بذ ّم الفجار‪.‬‬

‫‪ p‬ان قلت‪ :‬فلِمَ ل يعطف هنا كما عطف ف (ِانّ البْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ _ وَِا ّن الْفُجّارَ َلفِي َجحِيمٍ) ‪.1‬؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان حسن العطف ينظر ال حسن الناسبة‪ ،‬وحسن الناسبة يتلف باختلف الغرض‬
‫السوق له الكلم‪ .‬ولا اختلف الغرض هنا وهنالك‪ ،‬ل يستحسن العطف هنا؛ اذ مدحُ الؤمني‬
‫منجر ومقدمة لدح القرآن‪ ،‬ونتيجة له‪ ،‬وسيق له‪ .‬وأما ذم الكافرين فللترهيب ليتصل بدح‬
‫القرآن‪.‬‬

‫ث انظر ال اللطائف الندمة ف نظم اجزاء هذه الية!‬

‫فأول‪ :‬استأنس بـ (إنّ) و(الذين) فانما أ ْج َو ُل وأ ْسيَرُ ما يصادفك ف منازل التنيل‪ .‬ولمر مّا‬
‫أكثر القرآنُ من ذكرها؛ اذ معهما من جوهر البلغة نكتتان عامتان غي ماتتص كل موقع‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النفطار‪13،14 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪73 :‬‬

‫أما (إنّ) فان من شأنا ان تثقب السطح نافذة ال القيقة‪ ،‬وتوصل الكم اليها؛ كأنا عرق‬
‫الدعوى اتصلت بالق‪ .‬مثل‪ :‬ان هذا كذا‪ ..‬أي الك ُم وهذه الدعوى ليست خيالية ول مبتدعة‬
‫ول اعتبارية ول مستحدثة؛ بل هي من القائق الارية الثابتة‪ .‬وما يقال من أن "إنّ" للتحقيق‬
‫فعنوان لذه القيقة والاصية‪ .‬والنكتة الصوصية هنا هي أن "إنّ" الذي شأنه رد الشك والنكار‬
‫مع عدمهما ف الخاطب للشارة ال شدة حرص النب عليه السلم على ايانم‪.‬‬
‫واما (الذين) فاعلم! ان "الذي" من شأنه الشارة ال القيقة الديدة الت أحس با العقل قبل‬
‫العي‪ ،‬وأخذت ف النعقاد ول تشتد‪ ،‬بل تتولد من امتزاج أشياء وتآخذ أسباب مع نوع غرابة‪.‬‬
‫ولذا ترى من بي وسائط الشارة والتصوير ف النقلب الجدد للحقائق لفظ "الذي" أسيَ على‬
‫ع ونقضت‬ ‫اللسنة وأكثر دورانا‪ .‬فلما ان تلى مؤسس القائق وهو القرآن‪ ،‬اضمحل أنوا ٌ‬
‫فصولُها وتشكلت انواع اُخر وتولدت حقائق اخرى‪ .‬اما ترى زمان الاهلية كيف تشكلت‬
‫النواع على الروابط اللّية وتولدت القائق الجتماعية على العصبيات القومية؟ فلما ان جاء‬
‫القرآن قطع تلك الروابط وخرب تلك القائق فأسس بد َل عنها انواعا‪ ،‬فصولا الروابط الدينية‪.‬‬
‫فتأمل!‪ ..‬فلما أشرق القرآن على نوع البشر تزاهر بضيائه واثر بنوره قلوب فتحصلت حقيقة‬
‫نورانية هي فصل نوع الؤمني‪ .‬ث لبث بعض النفوس تعفنت ف مقابلة الضياء تلك النفوسُ‬
‫فتولدت حقيقة سّية هي خاصة نوع مَن كفر ‪..1‬‬
‫‪2‬‬
‫وايضا بي "الذين" و"الذين" تناسب‪.‬‬

‫اعلم! ان الوصول كاللف واللم يستعمل ف خسة معان اشهرها العهد‪ .‬فـ"الذين" هنا اشارة‬
‫ال صناديد الكفر امثال اب جهل واب لب وأُمية بن خلف وقد ماتوا على الكفر‪ .‬فعلى هذا ف‬
‫ت يتولد منها نوعٌ من العجاز من النواع الربعة‬
‫الية إخبار عن الغيب‪ .‬وامثال هذا لعا ٌ‬
‫للعجاز العنوي‪.‬‬

‫واما لفظ (كفروا) فاعلم! ان الكفر ظلمة تصل من انكار شئ ما عُِلمَ ضرورةً مئ الرسول عليه‬
‫السلم به‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬فلجل الشارة ال هذه القيقة الكفرية‪ ،‬ذكر "الذين"(ت‪)72 :‬‬

‫ل منهما يدلن على حقيقة مضادة للخرى (ت‪)72 :‬‬


‫لن ك ً‬ ‫‪2‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪74 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬ان القرآن من الضروريات وقد اُختلف ف معانيه؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان ف كل كلم من القرآن ثلث قضايا‪:‬‬

‫احداها‪" :‬هذا كلم ال"‪.‬‬

‫والثانية‪" :‬معناه الراد حق"؛ وانكار كلّ من هاتي كفر‪.‬‬

‫حكَما أو مفسرا فاليان به واجب بعد الطلع‪ ،‬والنكار‬ ‫والثالثة‪" :‬معناه الراد هذا"؛ فان كان مُ ْ‬
‫كفر‪ .‬وان كان ظاهرا‪ ،‬او نصا يتمل معن آخر‪ ،‬فالنكار بناء على التأويل ‪ -‬دون التشهّي ‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫ليس بكفر ‪ .1‬ومثل الية الديث التواتر؛ ال ان ف انكار القضية الول من الديث تأمل‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬الكفر جهل وف التنيل (َيعْرِفُونَهُ كَمَا َيعْرِفُونَ َاْبنَاءهُمْ) ‪ 3‬فما التوفيق؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان الكفر قسمان‪:‬‬

‫جهل ّي ينكِر لنه ل يعلم‪ .‬والثان جحودي تردي يعرف لكن ليقبل‪ ،‬يتيقّن لكن ليعتقد‪ ،‬يصدّق‬
‫لكن ليـذعن وجدانُه‪ .‬فتأمل!‪..‬‬

‫ان قلت‪ :‬هل ف قلب الشيطان معرفة؟‬

‫قيل لك‪ :‬ل‪ ،‬اذ بكم صنعته الفطرية يشتغل قلبُه دائما بالضلل ويتصور عقلُه دائما الكفر‬
‫للتلقي فل ينقطع هذا الشغل‪ ،‬ول يزول ذلك التصور عن عقله حت تتمكن فيه العرفة‪.‬‬

‫شوْقَة" ‪ - 4‬كفرا؟‬
‫‪ p‬ان قلت‪ :‬الكفر صفة القلب فكيف كان شدّ ال ُزنّار ‪ -‬وقد قيس عليه "ال ّ‬

‫قيل لك‪ :‬ان الشريعة تعتب بالمارات على المور الفية حت اقامت السباب الظاهرية ‪ 5‬مقام‬
‫ض نوعه عن اتام الركوع‪ ،‬وإلباس‬
‫العلل‪ .‬ففي شد ال ُزنّار الانع بع ُ‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬واختلف الفسرين ليس الّ ف هذا القسم (ت‪)73 :‬‬

‫اى ثبوت صحته وتواتره (ت‪)73 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة‪146 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫القبعة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫الت هى ليست عللً (ت‪)74 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪75 :‬‬

‫شوْقَة" الانعة عن تام السجود علمة الستغناء عن العبودية‪ ،‬والتشبه بالكفرة الومِئ باستحسان‬‫"ال َ‬
‫مسلكهم وملّيتهم‪ .‬فما دام ل يُقطَع بانتفاء المر الفي يُحكَم بالمر الظاهر‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬اذا ل يُج ِد النذار فِل َم التكليف؟‬


‫‪1‬‬
‫قيل لك‪ :‬للزام الجة عليهم‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬الخبار عن تردهم يستلزم امتناع ايانم فيكون التكليف بالحال؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان الخبار وكذا العلم والرادة ل تتعلق بكفرهم مستقل مقطوعا عن السبب‪ ،‬بل انا‬
‫تتعلق بكفرهم باختيارهم‪ .‬كما يأتيك تفصيله‪ .‬ومن هنا يقال‪" :‬الوجوب بالختيار ل يناف‬
‫الختيار"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ان قلت‪ :‬ايانم بعدم ايانم ‪ 2‬مال عقليّ يشبه "الذر الصم الكلميّ"‪.‬؟‬

‫قيل لك‪ :‬انم ليسوا مكلفي بالتفصيل حت يلزم الحال‪.‬‬


‫ث ف ايراد (كفروا) فعلً ماضيا‪ ،‬اشارة ال انم اختاروا الكفر بعد تبي الق فلذا ليفيد النذار‪.‬‬

‫واما (سواء) فمجاز عن‪" :‬انذارك كعدم النذار ف عدم الفائدة او ف صحة الوقوع" اي‬
‫لموجب للنذار ول لعدمه‪.‬‬

‫واما (عليهم) ففيه اياء ال انم اخلدوا ال الرض فل يرفعون رؤوسهم ول يصغون ال كلم‬
‫آمرهم‪ ..‬وفيه أيضا رمز ال انه ليس سواء عليك‪ ،‬لن لك الي ف التبليغ؛ اذ (مَا عَلَى ال ّرسُولِ إلّ‬
‫البَلغُ) ‪.4‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اذ يكنهم ان يقولوا ل نبلّغ بالتكليف ول علم لنا به‪ ،‬ويكون هذا مدار ناتم من الزاء (ت‪:‬‬
‫‪)74‬‬

‫كما ف "ليؤمنون" وامثالا من اليات (ت‪)74 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫مغلطة الذر الصم هى هذه‪ :‬قيل ان اجتماع النقيضي واقع‪ ،‬لنه لو قال قائل كل كلمي ف‬ ‫‪3‬‬

‫هذه الساعة كاذب والال انه ل يقل ف تلك الساعة غي هذا الكلم‪ ،‬فل يلو من ان يكون هذا‬
‫الكلم‪ ،‬صادقا أوكاذبا‪ .‬وعلى التقديرين يلزم اجتماع النقيضي‪ .‬اما اذا كان صادقا فيلزم كذب‬
‫كلمه ف تلك الساعة‪ ،‬وهذا الكلم ما تكلم به ف تلك الساعة ول يتكلم بغيه؛ فيلزم كذب‬
‫كلمه‪ .‬والتقدير انه صادق فيلزم اجتماع النقيضي وان كان كاذبا يلزم ايضا اجتماع النقيضي‬
‫لنه يلزم ان يكون بعض افراد كلمه صادقا ف تلك الساعة لكن ما وجد عنه ف تلك الساعة‬
‫سوى هذا الكلم فيلزم صدقه‪ ،‬والفروض كذبه فيلزم اجتماع النقيضي‪ .‬وهذه الغلطة مشهورة‬
‫تي جيع العلماء ف حلّها‪(.‬ب)‬

‫سورة الائدة‪.99 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪76 :‬‬

‫واما ( َءاَنذرتم ام ل تنذرهم) فالمزة وَامْ هنا ف حكم "سواء حرف"‪ ،‬تأكيد لسواء الول‪ .‬أو‬
‫تأسيس نظرا ال اقتسامهما العنيي الذكورين للمساواة‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬فِل َم عبّر عن الساواة بصورة الستفهام؟‬

‫قيل لك‪ :‬اذا اردت ان تنبه الخاطب على عدم الفائدة ف فعل نفسه بوجه لطيف مقنع لبد ان‬
‫تستفهم ليتوجه ذهنُه ال فعله فينتقل منه ال النتيجة فيطمئن‪ ..‬ث العلقة بي الستفهام والساواة‬
‫تضمنه لا؛ اذ السائل يتساوى ف علمه الوجود والعدم‪ ..‬وايضا كثيا مايكون الواب هذه‬
‫الساواة الضمنية‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬لِ َم عبّر عن النذار ف "أنذرتم" بصورة الاضي؟‬

‫قيل لك‪ :‬لينادي "يا ممد قد ج ّرْبتَ" فقس!‬

‫ان قلت‪ :‬لِمَ ذكر (ام ل تنذرهم) مع ان عدم فائدة عدم النذار ظاهر؟‬

‫قيل لك‪ :‬كما قد ينتج النذار اصرارا‪ ،‬كذلك قد يدي السكوت انصاف الخاطب‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬لِمَ انذر بالترهيب فقط مع انه بشي نذير؟‬

‫قيل لك‪ :‬اذ الترهيب هو الناسب للكفر‪ ،‬ولن دفع الضار أول من جلب النافع وأشد تأثيا‪،‬‬
‫ولن الترهيب هنا يهز عِطف اليال ويوقظه لن يتلقى ويتن بعد قوله (ليؤمنون) "أبشّرتم ام‬
‫ل تبشرهم"‪.‬‬

‫ث اعلم! كما ان لكل حكمٍ معن حرفيا ومقصدا خفيا؛ كذلك لذا الكلم معان طيارة ومقصد‬
‫سيق له هو تفيف الزحة‪ ،‬وتوين الشدة عن النب عليه السلم‪ ،‬وتسليته بتأسّيه بالرسل السالفي‪.‬‬
‫ض مِ َن اْلكَافِرينَ‬
‫اذ خوطب اكثرهم بثل هذا الطاب‪ ،‬حت قال نوح بعده (ل تَ َذ ْر عَلَى الَ ْر ِ‬
‫َديّارا) ‪ ..1‬ث لن آيات القرآن كالرايا التناظرة‪ ،‬وقصص النبياء كالالة للقمر تنظر ال حال النب‬
‫عليه السلم؛ كان كأن هذا الكلم يقول‪ :‬هذا قانون فطريّ اليّ يب النقياد له‪.‬‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة نوح‪26 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪77 :‬‬

‫واعلم بعد هذا التحليل!‬

‫ان مموع هذه الية ال (ولم عذاب عظيم) سيقت‪ :‬مشيةً بعقودها ال تقبيح الكفر وترذيله‪،‬‬
‫والتنفي منه والنهي الضمن عنه‪ ،‬وتذليل أهله‪ ،‬والتسجيل عليهم‪ ،‬والترهيب عنه‪ ،‬وتديدهم‪..‬‬
‫منادية ‪ 1‬بكلماتا بأن ف الكفر مصائب عظيمة‪ ،‬وفوات ِنعَم جسيمة‪ ،‬وتولد آلم شديدة‪ ،‬وزوال‬
‫لذائذ عالية‪ ..‬مصرحةً بملها بأن الكفر أخبث الشياء وأضرها‪.‬‬

‫اذ أشار بلفظ (كفروا) بدل "ل يؤمنوا" ال انم بعدم اليان وقعوا ف ظلمة الكفر الذي هو‬
‫مصيبة تفسد جوهر الروح وايضا هو معدن اللم‪.‬‬

‫وبلفظ (ليؤمنون) بدل "ليتركون الكفر" ال انم مع تلك السارة سقط من ايديهم اليان‬
‫الذي هو منبع جيع السعادات‪.‬‬

‫وبلفظ (ختم ال على قلوبم) ال ان القلب والوجدان ‪ -‬الذي حياته وفرحه وسروره وكمالته‬
‫بتجلي القائق اللية بنور اليان ‪ -‬بعدما كفروا صار كالبناء الوحش الغي العمور الشحون‬
‫بالضرات والشرات‪ ،‬فاُ ْقفِل وُا ْمهِر ‪ 2‬على بابه ليُجتَنب‪ ،‬وتُرك مفوضا للعقارب والفاعي‪.‬‬

‫وبلفظ (وعلى سعهم) ال فوات نعمة عظيمة سعية بسبب الكفر؛ اذ السمع من شأنه ‪ -‬اذا استقر‬
‫خلف صماخه نورُ اليان واستند اليه ‪ -‬الحتساس بنداء كل العال وفهم اذكارها‪ ،‬وسع صياح‬
‫الكائنات وتفهم تسبيحاتا‪ ..‬حت ان السمعَ ليسمعُ من ترنات هبوب الريح‪ ،‬ومن نعرات رعد‬
‫الغيم‪ ،‬ومن نغمات امواج البحر‪ ،‬ومن صرخات دقدقة الجر‪ ،‬ومن هزجات نزول الطر‪ ،‬ومن‬
‫سجعات غناء الطي كلما ربانيا‪ ،‬ويفهم تسبيحا علويا‪ ،‬كأن الكائنات موسيقية عظيمة له‪ ،‬تيّج‬
‫ف قلبه حزنا علويا وعشقا روحانيا فيحزن بتذكر الحباب والنيس فيكون الزن لذة؛ ل بعدم‬
‫الحباب فيكون غما‪ ..‬واذا اظلم ذلك السمع بالكفر صار اصم من تلك الصوات اللذيذة‪،‬‬
‫وليسمع من الكائنات إل نياحات الأت ونعيات الوت‪ ،‬فل يلقي‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬بالنصب‪ ،‬عطف على قوله‪ :‬مشيةً‪ .‬وكذا مصرحة‪.‬‬

‫اى ختم على بابه‪ .‬والهر‪ -‬بالضم ‪ -‬هو التم الذى يطبع ويوقع به‪ .‬والكلمة اعجمية استعملها‬ ‫‪2‬‬

‫تفننا‪ .‬وله من السن مقام(ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪78 :‬‬

‫ف القلب ال غم اليتمة ‪ -‬اي عدم الحباب ‪ -‬ووحشة الغربة ‪ -‬اي عدم الالك والتعهد ‪ -‬فبناء‬
‫على هذا السر أحل الشرع بعض الصوات وهو ماهيّج عشقا علويا وحزنا عاشقيا‪ ،‬وحرّم‬
‫بعضها وهو ما انتج اشتهاء نفسيا وحزنا يتميا‪ ،‬ومال ُي ِركَ الشرع ف َميّزْه بتأثيه ف روحك‬
‫ووجدانك‪.‬‬

‫وبكلمة (وَعلى ابصارهم غشاوة) ال زوال نعمة جسيمة بسبب الكفر؛ اذ البصر من شأنه اذا‬
‫استضاء نوره واتصل بنور اليان الساكن خلف شُبيكته مدا ومركا له كان كل الكائنات كجنة‬
‫مزينة بالزهر والور‪ ،‬ويصي نور العي نل تطي عليها فتجتن من تلك الزاهي عصارة العبة‬
‫والفكرة والنسية والستيناس والتحبب والتهنئة‪ ،‬فتأخذ حيلتها فتتخذ ف الوجدان شهد‬
‫الكمالت‪ ..‬واذا أظلم ‪ -‬العياذ بال ‪ -‬ذلك البصرُ بالكفر طمس‪ ،‬وصارت الدنيا ف نظره سجنا‪،‬‬
‫وتسترت عنه القائق وتوحشت عليه الكائنات وتلقى ال قلبه آلما تيط بوجدانه من الرأس ال‬
‫القدم‪..‬‬
‫وبلفظ (ولم عذاب عظيم) ال ثرة شجرة زقوم الكفر ف العال الخروي من عذاب جهنم ومن‬
‫نكال الغضب اللي‪ .‬هذا‪.‬‬

‫واما "ليؤمنون" فتأكيد لـ "سواء" ينص على جهة الساواة‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪79 :‬‬

‫َختَ َم ال عَلَى ُقلُوِبهِ ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم َوعَلَى اَْبصَا ِرهِ ْم غِشَا َوةٌ‬

‫ب عَظِيمٌ ‪7‬‬
‫وََلهُ ْم عَذا ٌ‬

‫مـقدمـة‬

‫اعلم! انه لزمنا ان نقف هنا حت نستمع لا يتكلم به التكلمون؛ اذ تت هذه الية حرب عظيمة‬
‫بي اهل العتزال واهل الب واهل السنة والماعة‪ .‬ومثل هذه الرب تستوقف النُظّار‪ .‬فناسب‬
‫ان نذكر اساسات لتستفيد منها‪:‬‬

‫ان مذهب اهل السنة والماعة هو الصراط الستقيم‪ ،‬وماعداه إما افراط او تفريط‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫منها‪ :‬انه قد تقق "اَنْ ل ُم َؤثّرَ فِي اْل َكوْ ِن اِلّ ال" فإذا ل تفويض‪.‬‬

‫ومنها‪" :‬ان ال حكيم" فل يكون الثواب والعقاب عبثي فحينئذ ل اضطرار‪ .‬فكما ان التوحيد‬
‫يدفع ف صدر العتزال؛ كذلك التنيه يضرب على فم الب‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان لكل شئ جهتي‪ :‬جهة مُلكية هي قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة تتوارد عليها‬
‫الشكال كظهر الرآة‪ .‬وجهة ملكوتية تنظر ال الالق‪ .‬وتلك شفافة ف كل شئ كوجه الرآة‪.‬‬
‫فخل ُق القبيح ليس قبيحا؛ اذ اللق من جهة اللكوتية حسن‪ ،‬ولن خلقه لتكميل الحاسن فيحسن‬
‫بالغي‪ .‬فل تصغ ال سفسطة العتزال!‬
‫ومنها‪ :‬ان الاصل بالصدر ‪ 2‬أمر قارٌ ملوق جامد ل يشتق منه الصفات ‪ .3‬واما الصدر‬
‫ي يشتق منه الصفات‪ .‬فل يكون خالق القتل قاتل‪ ..‬فَ َذرْ اه َل العتزالِ ف‬
‫فمكسوب نسبّ اعتبار ّ‬
‫خوضهم يَ ْل َعبُون!‪..‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الفعل الظاهريّ ف الغلب نتيجة لفعال متسلسلة منتهية ال ميلن النفس الذي يسمّى‬
‫"بالزء الختياري"‪ .‬فتدور النازعات على هذا الساس‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬كما يقول اهل العتزال من ان العبد خالق لفعاله (ت‪)79 :‬‬

‫كالل والوت الاصلي بالضرب والقتل (ت‪)79 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫اى ليشتق من الامد اسم الفاعل كما هو معلوم ف علم الصرف (ت‪)80 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪80 :‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الرادة الكلية اللية ناظرة بعادته تعال ال الرادة الزئية للعبد‪ ،‬فل اضطرار‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان العلم تابع للمعلوم‪ ،‬فل يتبعه العلوم حت يدور‪ .‬فل يُتعلل ف العمل باحالة مقاييسه‬
‫على القدر‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان خلق الاصل بالصدر متوقف على كسب الصدر بريان عادة ال تعال باشتراطه به‪.‬‬
‫والنواة ف كسب الصدر والعقدة الياتية فيه هي اليلن‪ ،‬فبحلّه تنحل عقدة السألة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الترجح بل مرجح مال دون الترجيح بل مرجح فل تُعلّلُ أفعالُه تعال بالغراض؛ بل‬
‫اختياره تعال هو الرجح‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ان المر الوجود لبد له من مؤثر وإل لزم الترجح بل مرجح وهو مال كما مر‪ .‬واما‬
‫المر العتباري ‪ 1‬فتخصصه بل مصص ل يلزم منه الحال‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الوجود يب ان يب ث يوجد ‪ .2‬واما المر العتباري فالترجح بل انتهاء ال حد‬
‫الوجوب كاف فل يلزم مكن بل مؤثر‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان العلم بوجود شئ ليستلزم العلم باهيته‪ ،‬وعدم العلم بالاهية ليستلزم العدم‪ .‬فعدم‬
‫التعبي عن كُنهِ الختيار ليناف قطعية وجوده‪.‬‬

‫واذا تفطنت لذه الساسات فاستمع لا يُتلى عليك‪:‬‬

‫فنحن معاشر اهل السنة والماعة نقول‪ :‬يا اهل العتزال! ان العبد ليس خالقا للحاصل بالصدر‬
‫كالاصل من الصدر ‪ ،3‬بل هو مصدر الصدر فقط ‪4‬؛ اذ "ل مؤثر ف الكون ال ال"‪ ،‬والتوحيد‬
‫هكذا يقتضي‪ .‬ث نقول‪ :‬يا اهل الب! ليس العبد مضطرا بل له جزء اختياري لن ال حكيم‪.‬‬
‫وهكذا يقتضي التنيه‪.‬‬

‫فان قلتم‪ :‬كلما يُشرّح الزء الختياري بالتحليل ليظهر منه ال الب‪.‬‬

‫قيل لكم‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬هو الذى ل وجود له الّ ف عقل العتب مادام معتبا (التعريفات)‪.‬‬

‫اى ل يأتى ال الوجود شئ مال يكن وجوده واجبا‪ .‬فعند تعلق الرادتي الزئية والكلية ف شئ‬ ‫‪2‬‬

‫يكون وجود الشئ واجبا‪ ،‬فيوجد حالً (ت‪)80 :‬‬

‫اى ليس خالقا للثر الاصل بالصدر‪ ،‬وهو الذى يطلق عليه الكسب (ت‪)81 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫فليس بيد العبد الّ الكسب (ت‪)81 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪81 :‬‬

‫اولً‪ :‬ان الوجدان والفطرة يشهدان ان بي المر الختياري والضطراري امرا خفيا فارقا‪ ،‬وجودُه‬
‫قطعي‪ .‬فل علينا ان لنعبّر عنه‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬نقول ان اليلن ان كان امرا موجودا ‪-‬كما عليه الشاعرة ‪ -‬فالتصرف فيه امر اعتباري‬
‫بيد العبد ‪1‬؛ وان كان اليلن امرا اعتباريا ‪-‬كما عليه الاتريدية ‪ -‬فذلك المر العتباري ثبوته‬
‫وتصصه ليستلزم العلة التامة الوجبة ‪ 2‬فيجوز التخلف ‪ .3‬فتأمل!‬

‫والاصل‪ :‬ان الاصل بالصدر موقوف عادة على ‪ 4‬الصدر الذي اساسه اليلن الذي هو ‪ -‬او‬
‫التصرف فيه ‪ -‬ليس موجودا حت يلزم ‪ 5‬من تصصه مرة هذا ومرة ذاك مكن بل مؤثر‪ ،‬او‬
‫ترجح بل مرجح‪ ..‬ولمعدوما ايضا حت ليصلح ان يكون شرطا للق الاصل بالصدر او سببا‬
‫للثواب والعقاب‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ان قلت‪ :‬العلم الزل والرادة الزلية ينحيان على الختيار بالقلع؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان العلم بفعلٍ باختيارٍ ليناف الختيار ‪ ..7‬وايضا ان العلم الزل ميط كالسماء ل مبدأ‬
‫للسلسلة كرأس زمان الاضي حت تسند اليه السببات متغافل عن السباب موها خروجها‪..‬‬
‫وايضا ان العلم تابع للمعلوم‪ ،‬أي على أي كيفية يكون العلوم‪ ،‬كذلك ييط به العلم‪ ،‬فل يستند‬
‫مقاييس العلوم ال اساسات القدر‪ ..‬وايضا ان الرادة لتتعلق بالسبب فقط مرة وبالسبب مرة‬
‫اخرى حت لتبقى فائدة ف الختيار والسبب؛ بل تتعلق تعلقا واحدا بالسبب وبسببه‪ .‬وعلى هذا‬
‫السر لو قتل شخص شخصا بالبندقة مثل‪ ،‬ث فرضنا عدم السبب والرمي هل يوت ذلك الشخص‬
‫ف ذلك الن ام ل؟ فاهل الب يقولون‪ :‬لو ل يُقتل لات ايضا لتعدد التعلق والنقطاع بي السبب‬
‫والسبب‪ ..‬واهل العتزال يقولون‪ :‬ل يت‪ ،‬لواز تلف‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى تويل ذلك اليلن من فعل ال آخر (ت‪)81 :‬‬

‫بيث ل تبقى الاجة ال الرادة الكلية (ت‪ )81 :‬والعلة التامة‪ :‬هى جلة ما يتوقف عليه وجود‬ ‫‪2‬‬

‫الشئ (التعريفات)‪.‬‬

‫اذ كثيا ل يقع الفعل بوقوع اليلن (ت‪)81 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫على عادة ال الارية (ت‪)81 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫فيحتاج ال مؤثر (ت‪)81 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫اى يزيلن الختيار ويقضيان عليه‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫لن الؤثر هو القدرة وليس العلم الذى هو تابع للمعلوم (ت‪)82 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪82 :‬‬

‫الراد عن الرادة عندهم‪ ..‬واما اهل السنة والماعة فيقولون‪ :‬نتوقف ونسكت؛ اذ فرض عدم‬
‫السبب يستلزم فرض عدم تعلق الرادة والعلم بالسبب ايضا‪ ،‬اذ التعلق واحد‪ .‬فهذا الفرض‬
‫الحال جاز ان يستلزم مال‪ .‬فتأمل!‬

‫***‬

‫مـقـدمـة اخـرى‬

‫اعلم! ان الطبيعيي يقولون‪ :‬ان للسباب تأثيا حقيقيا‪ . .‬والجوس يقولون‪ :‬ان للشر خالقا‬
‫آخر‪ ..‬والعتزلة يدّعون‪ :‬ان اليوان خالق لفعاله الختيارية‪ .‬وأساس هذه الثلثة مبنية على وهمٍ‬
‫باطلٍ‪ ،‬وخطأ مض‪ ،‬وتاوز عن الد وقياس مع الفارق‪ ،‬خدعهم وشبطهم ‪1‬؛ اذ ذهبوا ظنا منهم‬
‫ال التنيه فوقعوا ف َشرَك الشِرك‪ .‬وان شئت التفصيل فاستمع لسائل تطرد ذلك الوهم‪:‬‬

‫منها‪ :‬انه كما ان استماع النسان وتكلمه وملحظته وتفكره جزئية تتعلق بشئ فشئ على سبيل‬
‫التعاقب؛ كذلك هتُه جزئية لتشتغل بالشياء إل على سبيل التناوب‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان قيمة النسان بنسبة ماهيته‪ ..‬وماهيته بدرجة هته‪ ..‬وهته بقدار اهية القصد الذي‬
‫يشتغل به‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النسان ال اي شئ توجّه يفن فيه وينحبس عليه‪ .‬ومن هذه النقطة ترى الناس ‪ -‬ف‬
‫عرفهم ‪ -‬ليسندون شيئا خسيسا وأمرا جزئيا ال شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل ال الوسائل ظناً‬
‫منهم ان الشتغال بالمر السيس ليناسب وقاره‪ ،‬وهو ليتنل له ول يسع المر القي هته‬
‫العظيمة‪ ،‬ول يوازن المر الفيف مع هته العظيمة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان من شأن النسان ‪ -‬اذا تفكر ف شئ لحاكمة احواله ‪ -‬ان يتحرى مقاييسه وروابطه‬
‫واساساته‪ ،‬أولً ف نفسه‪ ،‬ث ف ابناء جنسه‪ ..‬وان ل يد ففي جوانبه من المكنات‪ .‬حت ان‬
‫واجب الوجود الذي ليشبه المكنات بوجه من الوجوه اذا تفكر فيه النسان تلجؤه القوة الواهة‬
‫لن يعل هذا الوهم السئ الذكور دستورا‪ ،‬والقياس الادع منظارا له‪ .‬مع ان الصانع جل جلله‬
‫لينظر اليه من هذه النقطة؛ اذ ل انصار لقدرته‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬لقد وردت هذه الكلمة مصروفة ف عدة مواضع من الكتاب‪ ،‬ولعلها‪( :‬شطّ) بعن‪ :‬أفرط‬
‫وتباعد عن الق‪ ،‬او (شيّط) من شاط اى‪ :‬هلك‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪83 :‬‬


‫ومنها‪ :‬ان قدرته وعلمه وارادته جل جلله كضياء الشمس ‪ -‬ول الْ َمثَ ُل العْلى ‪ -‬شاملة لكل‬
‫شئ‪ ،‬وعامة لكل امر‪ .‬فل تقع ف النصار ولتئ ف الوازنة‪ .‬فكما تتعلق باعظم الشياء‬
‫كالعرش؛ تتعلق باصغرها كالوهر الفرد‪ ..‬وكما خلق الشمس والقمر؛ كذلك خلق عينَي‬
‫البغوث والبعوضة‪ ..‬وكما اودع نظاما عاليا ف الكائنات؛ كذلك اوقع نظاما دقيقا ف امعاء‬
‫اليوانات (الردبينية) ‪ ..1‬وكما ربط الجرام العلوية والنجوم العلّقة بقانونه السمى بالاذب‬
‫العمومي؛ كذلك نظّم الواهر الفردة بنظي ذلك القانون كأنه مثال مصغر لا‪ .‬اذ بتداخل العجز‬
‫تتفاوت مراتب القدرة‪ .‬فمن امتنع عليه العجزُ تتساوى ف قدرته الشياء‪ ،‬اذ العجز ضد القدرة‬
‫الذاتية‪ .‬فتأمل!‬

‫ومنها‪ :‬ان اول ماتتعلق به القدرة ملكوتية الشياء وهي شفّافة حسنة ف الكل كما مر‪ .‬فكما انه‬
‫جل جلله جعل وجه الشمس ملىً ووجه القمر مستضيئا؛ كذلك صي ملكوتية الليل والغيم‬
‫حسنة منية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان مقياس عظمته تعال وميزان كمالته وواسطة ماكمة اوصافه ليسعها ذهنُ البشر‪ ،‬ول‬
‫يكن له ال بوجه ‪ ،2‬بل انا هو با يتحصل من جيع مصنوعاته‪ ..‬وبا يتجلى من مموع آثاره‪..‬‬
‫وبا يتلخص من كل افعاله‪ .‬نعم الذرة تكون مرآةً ول تكون مقياسا‪.‬‬

‫واذا تفطنت لذه السائل فاعلم! ان الواجب تعال ليقاس على المكنات‪ ،‬اذ الفرق من الثرى ال‬
‫الثريا‪ .‬أل ترى اهل الطبيعة والعتزال والجوس ‪ -‬بناء على تسلط القوة الواهة بذا القياس على‬
‫عقولم ‪ -‬كيف التجأوا ال اسناد التأثي القيقي ال السباب‪ ،‬وخلق الفعال للحيوان‪ ،‬وخلق‬
‫الشر لغيه تعال؟ يظنون ويتوهون ان ال تعال بعظمته وكبيائه وتنّهه كيف يتنل لذه المور‬
‫السيسة والشياء القبيحة؟ فسحقا لم! كيف صيوا العقل اسيا لذا الوهم الواهي هـذا؟‪..‬‬
‫ياهذا ! هذا الوهم قد يتسلط على الؤمن ايضا من جهة الوسوسة فتجنّب!‪.‬‬

‫***‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬اي الجهرية الت ل يكن رؤيتها بالعي الجردة‪.‬‬

‫اى ليكن للنسان ان يستوعب اوصافه الليلة الّ با يتحصل له من مشاهدة مصنوعاته‬ ‫‪2‬‬

‫سبحانه وتعال‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪84 :‬‬

‫اما تليل كلمات هذه الية ونظمها‪:‬‬

‫فاعلم! ان ربط (ختم) بـ "ليؤمنون" وتعقيبه به نظي ترتب العقاب على العمل‪ .‬كأنه يقول لا‬
‫افسدوا الزء الختياري ول يؤمنوا عوقبوا بتم القلب وسدّه‪ .‬ث لفظ "التم" يشي ال استعارة‬
‫ب َمثَ ٍل يصوّر ضللتهم؛ اذ العن فيه منع نفوذ الق‬
‫مركبة تومئ ال اسلوب تثيلي يرمز ال ضر ِ‬
‫ال القلب‪ .‬فالتعبي بالتم يصور القلب بيتا بناه ال تعال ليكون خزينة الواهر‪ ،‬ث بسوء الختيار‬
‫فسد وتعفن وصار ما فيه سوما فاُغلق واُمهر ليُجتنب‪.‬‬

‫واما (ال) فاعلم! ان فيه التفاتا من التكلم ال الغيبة‪ .‬ومع نكتة اللتفات ففي مناسبة لفظ "ال"‬
‫مع متعلق "ليؤمنون" ف النية‪ ،‬أعن لفظ "بال"‪ ،‬اشارة ال لطافة‪ ،‬هي انه لا جاء نور معرفة ال‬
‫اليهم فلم يفتحوا باب قلبهم له تول عنه مغضبا واغلق الباب عليهم‪.‬‬

‫واما (على) فاعلم! ان فيه ‪ -‬بناء على كون التم متعديا بنفسه ‪ -‬اشارة ال تضمي ختم‬
‫"وسم"‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬جعل ال التم وسا وعلمةً على القلب يتوسه اللئكة‪ ..‬وف "على" أيضا‬
‫اياء ال ان السدود الباب العلوي من القلب ل الباب السفلي الناظر ال الدنيا‪.‬‬

‫واما (قلوبم) قدّمه على السمع والبصر لنه هو مل اليان‪ ..‬ولن اول دلئل الصانع يتجلى من‬
‫مشاورة القلب مع نفسه‪ ،‬ومراجعة الوجدان ال فطرته‪ ،‬لنه اذا راجع نفسه يس بعجز شديد‬
‫يلجؤه ال نقطة استناد‪ ،‬ويرى احتياجا شديدا لتنمية آماله فيضطر ال نقطة استمداد‪ ،‬ول استناد‬
‫ول استمداد ال باليان‪ ..‬ث ان الراد بالقلب اللطيفة الربانية الت مظهر حسيّاتا الوجدان‪،‬‬
‫ومعكس افكارها الدماغ‪ ،‬ل السم الصنوبري‪ .‬فاذا ف التعبي بالقلب رمز ال ان اللطيفة الربانية‬
‫لعنويات النسان كالسم الصنوبري لسده‪ .‬فكما ان ذلك السم ماكينة حياتية تنشر ماء الياة‬
‫لقطار البدن‪ ،‬واذا انسد وسكن جد السد؛ كذلك تلك اللطيفة تنشر نور الياة القيقية لقطار‬
‫اليئة الجسمة من معنوياته واحواله وآماله‪ .‬واذا زال نور اليان ‪ -‬العياذ بال ‪ -‬صارت ماهيته‬
‫الت يصارع با الكائنات كشبحٍ لحراك به واظلم عليه‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪85 :‬‬

‫واما وعلى (سعهم) كرر "على" للشارة ال استقلل ك ٍل بنوع من الدلئل‪ .‬فالقلب بالدلئل‬
‫العقلية والوجدانية‪ .‬والسمع بالدلئل النقلية والارجية‪ ،‬وللرمز ال ان ختم السمع ليس من جنس‬
‫ختم القلب‪ ..‬ث ان ف افراد السمع مع جع جانبيه ايازا ورموزا ال ان السمع مصدر‪ ،‬لعدم‬
‫الفن له‪ ..‬وال ان الُسمِع فرد‪ ..‬وان السموع للكل فرد‪ ..‬وانه يسمع فردا فردا‪ ..‬ولشتراك‬
‫الكل كأن اساعهم بالتصال صارت فردا‪ ..‬ولتاد الماعة وتشخصها يتخيل لا سع فرد‪..‬‬
‫وال اغناء سع الفرد عن استماع الكل فحق السمع ف البلغة الفراد‪ ..‬لكن القلوب والبصار‬
‫متلفة متعلقاتما‪ ،‬ومتباينة طرقهما‪ ،‬ومتفاوتة دلئلهما‪ ،‬ومعلمهما على انواع‪ ،‬وملقّنهما على‬
‫اقسام‪ .‬فلهذا توسط الفرد بي المعي‪ .‬وعقّب القلب بالسمع لن السمع ابٌ للكاته‪ ،‬واقرب‬
‫اليه‪ ،‬ونظيه ف تساوي الهات الست عنده‪.‬‬

‫واما (وعلى ابصارهم غشاوة) فاعلم! ان ف تغيي السلوب باختيار الملة السية اشارة ال ان‬
‫جنانَ البصر الت يتن منها دلئله ثابتة دائمة بلف حدائق السمع والقلب؛ فانا متجددة‪ ..‬وف‬
‫اسناد التم ال ال تعال دون الغشاوة اشارة ال ان التم جزاء كسبهم‪ ،‬والغشاوة مكسوبة لم‪،‬‬
‫ورمز ال ان ف مبدأ السمع والقلب اختيارا‪ ،‬وف مبدأ البصر اضطرارا ومل الختيار غشاوة‬
‫التعامي‪ .‬وف عنوان الغشاوة اشارة ال ان للعي جهة واحدة‪ .‬وتنكيها للتنكي‪ ،‬أي التعامي‬
‫حجاب غي معروف حت ُيتَحفظ منه‪ ..‬قدّم (على ابصارهم) ليوجه العيون ال عيونم اذ العي‬
‫مرآة سرائر القلب‪.‬‬
‫وأما (ولم عذاب عظيم) فاعلم! انه كما اشار بالكلمات السابقة ال حنظلت تلك الشجرة‬
‫اللعونة الكفرية ف الدنيا؛ كذلك اشار بذه ال حنظلة جانبها المتد ال الخرة وهي زقّوم‬
‫جهنّم‪..‬‬

‫ث ان سجية السلوب تقتضي (وعليهم عقاب شديد)‪ .‬ففي ابدال "على" باللم و"العقاب"‬
‫ع تكم توبيخيّ تعريضيّ؛‬ ‫بالعذاب و"الشديد" بالعظيم‪ ،‬مع ان كل منها يليق بالنعمة رمز ال نو ِ‬
‫حّي ُة بَيْنهمْ ضَرْبٌ‬
‫كأنه ينعي بم‪ :‬ما منفعتهم‪ ،‬ول لذتم‪ ،‬ول نعمتهم العظيمة ال العقاب؛ نظي (تَ ِ‬
‫‪1‬‬
‫وَجِيعُ)‪ .‬و(َفبَشّ ْرهُ ْم ِبعَذابٍ اَلِيمٍ)‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة آل عمران‪.21 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪86 :‬‬

‫اذ اللم لعاقبة العمل وفائدته‪ .‬فكأنه يتلو عليهم"خذوا اجرة عملكم"‪.‬‬

‫وف لفظ "العذاب" رمز خفي ال ان يذكرهم استعذابم واستلذاذهم بالعاصي ف الدنيا فكأنه‬
‫يقرأ عليهم "ذوقوا مرارة حلوتكم"‪.‬‬

‫وف لفظ الـ "عظيم" اشارة خفية ال تذكيهم حال صاحب النعمة العظيمة ف النة فكأنه‬
‫يلقنهم‪ :‬انظروا ال ماضيعتم على انفسكم من النعمة العظيمة‪ ،‬وكيف وقعتم ف الل الليم‪ .‬ث ان‬
‫"عظيم" تأكيد لتنوين "عذاب"‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬ان معصية الكفر كانت ف زمان قليل والزاء أبديّ غي متناه فكيف ينطبق هذا الزاء‬
‫على العدالة اللية؟ وإ ْن سُلّم‪ ،‬فكيف يوافق الكمة الزلية؟ وان سُلّم‪ ،‬فكيف تساعده الرحة‬
‫الربانية؟‬
‫قيل لك‪ :‬مع تسليم عدم تناهي الزاء‪ ،‬ان الكفر ف زمان متنا ٍه جناية غي متناهية بست جهات‪:‬‬

‫منها‪ :‬ان من مات على الكفر لو بقي أبدا لكان كافرا أبدا لفساد جوهر روحه‪ ،‬فهذا القلب‬
‫الفاسد استعد لناية غي متناهية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الكفر وان كان ف زمان متناه لكنه جناية على غي التناهي‪ ،‬وتكذيب لغي التناهي‬
‫أعن عموم الكائنات الت تشهد على الوحدانية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الكفر كفرانٌ لنعمٍ غي متناهية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الكفر جناية ف مقابلة الغي التناهي وهو الذات والصفات اللية‪.‬‬

‫سعُن اَرْضِي وَل سَمائي) ‪ - 1‬وان كان ف الظاهر‬


‫ومنها‪ :‬ان وجدان البشر ‪ -‬بسر حديث ( َل يَ َ‬
‫واللك مصورا ومتناهيا لكن ملكوتيته بالقيقة نشرت ومدت عروقها ال البد‪ .‬فهو من هذه‬
‫الهة كغي التناهي وبالكفر تلوث واضمحل‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬الديث (ما وسعن سائي ول ارضي ولكن وسعن قلب عبدي الؤمن)‪ .‬ذكره ف الحياء بلفظ‬
‫مقارب‪ .‬قال العراقي ف تريه‪ :‬ل ار له أصلً (كشف الفاء للعجلون ‪ 2/195‬باختصار)‪.‬‬
‫وقال السيوطي ف الدرر النتثرة‪ :‬قلت اخرج المام احد ف الزهد عن وهب بن منبه‪ :‬ان ال فتح‬
‫السموات لزقيل حت نظر ال العرش فقال حزقيل‪ :‬سبحانك ما اعظمك يارب! فقال ال‪ :‬ان‬
‫السموات والرض ضعفن ان يسعنن ووسعن قلب الؤمن الوادع اللي» اهـ ‪ .‬قال ابن حجر‬
‫اليتمي ف الفتاوى الديثية‪ :‬وذكرُ جاعةٍ له من الصوفية ل يريدون حقيقة ظاهره من التاد‬
‫واللول لن كلً منهما كفر‪ ،‬وصالو الصوفية اعرف الناس بال وما يب له وما يستحيل عليه‪،‬‬
‫وانا يريدون بذلك ان قلب الؤمن يسع اليان بال ومبته ومعرفته‪ .‬ا هـ ‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪87 :‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الضد وان كان معاندا لضده لكنه ماثل له ف أكثر الحكام‪ .‬فكما ان اليان يثمر‬
‫اللذائذ البدية‪ ،‬كذلك من شأن الكفر ان يتولد منه اللم البدية‪.‬‬

‫فمن مزج هذه الهات الست يستنتج ان الزاء الغي التناهي انا هو ف مقابلة الناية الغي التناهية‬
‫وما هو إلّ عي العدالة‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬طابق العدالة ‪ 1‬لكن اين الكمة الغنية عن وجود الشرور النتجة للعذاب؟‬

‫قيل لك‪ :‬كما قد سعت مرة أخرى انه ليُترك الي الكثي لتخلل الشر القليل لنه شر كثي‪ .‬اذ لا‬
‫اقتضت الكمة اللية تظاهر ثبوت القائق النسبية الت هي أزيد بدرجات من القائق القيقية ‪-‬‬
‫ول يكن هذا التظاهر ال بوجود الشر؛ ول يكن توقيف الشر على حدّه ومنع طغيانه ال‬
‫بالترهيب؛ ول يكن تأثي الترهيب حقيقة ف الوجدان ال بتصديق الترهيب وتقيقه بوجود عذاب‬
‫خارجي؛ اذ الوجدان ل يتأثر حق التأثر ‪-‬كالعقل والوهم ‪ -‬بالترهيب ال بعد ان يتحدس‬
‫بالقيقة الارجية البدية بتفاريق المارات ‪ -‬فمن عي الكمة بعد التخويف من النار ف الدنيا‬
‫وجود النار ف الخرة‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬قد وافق الكمة فما جهة الرحة فيه؟‬

‫قلت‪ :‬ل يتصور ف حقهم إلّ العدم أو الوجود ف العذاب‪ ،‬والوجود ‪ -‬ولو ف جهنم ‪ -‬مرحةٌ‬
‫وخ ٌي بالنسبة ال العدم إن تأملت ف وجدانك؛ اذ العدم شر مض‪ ،‬حت ان العدم مرجع كل‬
‫الصائب والعاصي ان تفكرت ف تليلها‪ .‬واما الوجود فخي مض فليكن ف جهنم‪ ..‬وكذا ان‬
‫من شأن فطرة الروح ‪ -‬اذا علم ان العذاب جزاء مزيل لنايته وعصيانه ‪ -‬ان يرضى به لتخفيف‬
‫حل خجالة الناية ويقول‪ :‬هو حق‪ ،‬وانا مستحق‪ .‬بل حبا للعدالة قد يلتذ معن! وكم من‬
‫صاحب ناموس ف الدنيا يشتاق ال اجراء الد على نفسه ليزول عنه حجاب خجالة الناية‪.‬‬
‫وكذا ان الدخول وان كان ال خلود دائم وجهنم بيتهم أبدا‪ ،‬لكن بعد مرور جزاء العمل دون‬
‫الستحقاق يصل لم نوع اُلفة وتطبّع مع تفيفات كثية مكافأةً لعمالم اليية‪ .‬اشارت اليها‬
‫الحاديث‪ .‬فهذا مرحة لم مع عدم لياقتهم‪.‬‬
‫***‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى ان الزاء البدى للكافر طابق العدالة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪88 :‬‬

‫َومِ َن النّاسِ مَنْ يَقُو ُل ا َمنّا بِال َوبِالَْي ْومِ ال ِخ ِر وَما هُمْ بِمُؤمِنِيَ ‪8‬‬

‫وجه النظم‪:‬‬

‫انه كما يُعطف الفرد على الفرد للشتراك ف الكم‪ ،‬والملة على الملة للتاد ف القصد؛‬
‫كذلك قد تُعطف القصة على القصة للتناسب ف الغرض‪ .‬ومن الخي عطف قصة النافقي على‬
‫الكافرين‪ .‬أي عطف ملخص اثنت عشرة آية على مآل آيتي؛ اذ لا افتتح التنيل بثناء ذلك‬
‫الكتاب فاستتبع ثرات ثنائه من مدح الؤمني‪ ،‬فاستردف ذم اضدادهم بسر "انا تعرف الشياء‬
‫ب تعقيب النافقي تكميل للقسام‪.‬‬ ‫باضدادها" ولتتم حكمة الرشاد‪ ،‬ناسَ َ‬

‫ان قلت‪ :‬لِ َم أوجز ف حق الكافرين كفرا مضا بآيتي واطنب ف النفاق باثنت عشرة آية؟‬

‫قيل لك‪ :‬لنكات؛‬

‫منها‪ :‬ان العدوّ اذا ل ُيعْرَف كان اضرّ‪ .‬واذا كان منسا كان أخبث‪ .‬واذا كان كذابا كان أشد‬
‫فسادا‪ .‬واذا كان داخليا كان أعظم ضررا؛ اذ الداخلي يفتت الصلبة ويشتّت القوة بلف‬
‫الارجي فانه يتسبب لتشدد الصلبة العصبية‪ .‬فأسفا! ان جناية النفاق على السلم عظيمة جدا‪.‬‬
‫وما هذه الشوشية ‪ 1‬ا ّل منه‪ .‬ولذا أكثر القرآن من التشنيع عليهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ان النافق لختلطه بالؤمني يستأنس شيئا فشيئا‪ ،‬ويألف باليان قليل قليل‪ ،‬ويستعد لن‬
‫يتنفر عن حال نفسه بسبب تقبيح أعماله وتشنيع حركاته؛ فتتقطر كلمة التوحيد من لسانه ال‬
‫قلبه‪.‬‬

‫ت اُخَر كالستهزاء والداع والتدليس واليلة والكذب‬


‫ومنها‪ :‬ان النافق يزيد على الكفر جنايا ٍ‬
‫والرياء‪.‬‬

‫_____________________‬

‫شوّش المر‪ :‬خلطه‪ ،‬صيّره مضطربا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪89 :‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النافق ف الغلب يكون من أهل الكتاب ومن أهل الربزة الوهية فيكون حيّال‬
‫دسّاسا ذا ذكاء شيطانّ‪ ،‬فالطناب ف حقه أعرق ف البلغة‪.‬‬

‫أما تليل كلمات هذه الية‪ ،‬فاعلم! ان (مِن الناس) خب مقدم لـ (مَن) على وجه‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬كون النافق انسانا بديهيّ‪....‬؟‬

‫قيل لك‪ :‬اذا كان الكم بديهيا يكون الغرض واحدا من لوازمه وهنا هو التعجيب‪ .‬كأنه يقول‬
‫كون النافق الرذيل انسانا عجيب؛ اذ النسان مكرّم‪ ،‬ليس من شأنه ان يتنل ال هذه الدركة من‬
‫السة‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬فَِلمَ قدّم؟‬

‫قيل لك‪ :‬من شأن انشاء التعجب الصدارة وليتمركز النظر على صفة البتدأ الت هي مناط الغرض‬
‫وإل لنتظر ومرّ ال الب‪.‬‬
‫ث ان عنوان (الناس) يترشح منه لطائف‪:‬‬

‫منها‪ :‬انه ل يفضحهم بالتعيي‪ ،‬بل سترهم تت عنوان "الناس" إيا ًء ال ان سترهم وعدم كشف‬
‫الجاب عن وجوههم القبيحة أنسب بسياسة النبّ عليه السلم؛ اذ لو فضحهم بالتشخيص‬
‫لتوسوس الؤمنون؛ اذ لُيؤْمَن من دسائس النفس‪ .‬والوسوسة تنجر ال الوف والوف ال الرياء‬
‫والرياء ال النفاق‪ ..‬ولنه لو شنّعهم بالتعيي لقيل ان النب علي ِه السلم متردد ليثق باتباعه‪ ..‬ولن‬
‫بعضا من الفساد لو بقي تت الجاب لنطفأ شيئا فشيئا واجتهد صاحبُه ف اخفائه ولو رُفع‬
‫ستَحِ فَا ْفعَ ْل مَا ِشئْتَ" ‪ - 1‬لَيقول فليكن ما كان‪ ،‬ويأخذ ف‬
‫الجاب ‪ -‬فبناءً على ما قيل "اِذا ْل ت ْ‬
‫النشر ول يبال‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان التعبي بـ (الناس) يشي ال انه مع قطع النظر عن سائر الصفات النافية للنفاق فأعمّ‬
‫الصفات أعن‪ :‬النسانية أيضا منافية له؛ اذ النسان مكرم ليس من شأنه هذه الرَذالة‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬هذا الثل اصله حديث نبوى رواه البخارى عن اب مسعود عقبة بن عمرو النصارى رضى ال‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ان ما ادرك الناسُ من كلم النبوة الول‪ :‬اذا ل‬
‫تستح فاصنع ما شئت)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪90 :‬‬

‫ومنها‪ :‬انه رمز ال ان النفاق ل يتص بطائفة ول طبقة بل يوجد ف نوع النسان أية طائفة‬
‫كانت‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬انه يَُلوّح بان النفاق ي ّل بيثية كل من كان انسانا فلبد ان يتحرك غضب الكل عليه‪،‬‬
‫ويتوجه الكل ال تديده‪ ،‬لئل ينتشر ذلك السمّ؛ كما ي ّل بناموس طائفة ويهيّج غضبهم شناعةُ‬
‫فرد منهم‪.‬‬

‫وأما (مَن يقول آمنا)‬

‫فان قلت‪ِ :‬لمَ افرد "يقول" وجع "آمنا" مع ان الرجع واحد؟‬

‫قيل لك‪ :‬فيه اشارة ال لطافة ظريفة هي‪:‬‬

‫اظهار ان التكلم مع الغي متكلم وحده فـ "يقول"‪ :‬للتلفظ وحده و"آمنا" لنه مع الغي ف‬
‫الكم‪ ..‬ث ان هذا حكاية عن دعواهم ففي صورة الكاية اشارة ال رد الحكيّ بوجهي‪ ،‬كما‬
‫ان ف الحكيّ اشارة ال قوته بهتي؛ اذ "يقول" يرمز بادته ال ان قولم ليس عن اعتقاد وفعل‪،‬‬
‫بل يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم‪ ..‬وبصيغته يومئ ال ان سبب استمرار مدافعتهم وادعائهم‬
‫مراآة الناس لمرك وجدان‪ ..‬وف الدعوى اياء منهم بصيغة الاضي ال‪" :‬إنّا معاشر أهل الكتاب‬
‫قد آمنا قبل فكيف لنؤمن الن"‪ ..‬وف لفظ "نا" رمز منهم ال‪" :‬انّا جاعة متحزبون لسنا كفرد‬
‫يَكذِب أو يُكذّب"‪.‬‬

‫وأما (بال وباليوم الخر) فاعلم! ان للتنيل ان يأخذ الحكيّ بعينه‪ ،‬أو يتصرف فيه بأخذ مآله‪ ،‬أو‬
‫تلخيص عبارته‪ :‬فعلى الول ذكروا الول والخر من أركان اليان اظهارا للقوي‪ ،‬ولا هو أقرب‬
‫لن يُقبَل منهم‪ ،‬وأشاروا ال سلسلة الركان بتكرار الباء مع القرب‪ .‬وعلى الثان بأن يكون‬
‫كلمه تعال؛ ففي ذكر القطبي فقط اشارة ال ان أقوى ما يدّعونه أيضا ليس بايان؛ اذ ليس‬
‫ايانم بما على وجههما‪ .‬وكرر الباء للتفاوت؛ اذ اليان بال ايان بوجوده ووحدته‪ ،‬وباليوم‬
‫الخر بقيته وميئه كما مرّ‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪91 :‬‬

‫واما (وما هم بؤمني)‬


‫فان قلت‪ِ :‬لمَ ل يقل "وما امنوا" الشبه بـ "آمنا"؟‬

‫قيل لك‪ :‬لئل يُتوهم التناقض صورة ‪ ،1‬ولئل يرجع التكذيب ال نفس "آمنا" الظاهر انشائيته‬
‫الانعة من التكذيب‪ .‬بل ليجع النفي والتكذيب ال الملة الضمنية الستفادة من "آمنا"‪ ،‬وهي‬
‫"فنحن مؤمنون"‪ ..‬وأيضا ليدل باسية الملة على دوام نفي اليان عنهم‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬لِمَ ل يدل على نفي الدوام مع ان "ما" مقدم؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان النفي معن الرف الكثيف‪ ،‬والدوام معن اليئة الفيفة‪ ،‬فالنفي أغمس وأقرب ال‬
‫الكم‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬ما نكتة ‪ 2‬الباء على خب ما؟‬

‫قيل لك‪ :‬ليدل على انم ليسوا ذواتا أهلً لليان وإن آمنوا صورة‪ ،‬اذ فرقٌ بي "ما زيد سخيا"‬
‫و"ما زيد بسخي"؛ اذ الول‪ :‬لوائية الذات‪ ،‬معناه‪ :‬زيد ليسخو بالفعل وان كان أهل ومن نوع‬
‫الكرماء‪ .‬وأما الثان‪ :‬فمعناه زيد ليس بذاتٍ قابل للسماحة وليس من نوع السخياء وإن أحسن‬
‫بالفعل‪.‬‬

‫***‬

‫_____________________‬

‫اي بي "آمنا" الت جاءت ف الية‪ ،‬وبي "وما آمنوا" الذكورة ف السؤال‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫نكتة ف غاية الدقة (الؤلف)‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪92 :‬‬

‫سهُمْ‬
‫يُخا ِدعُونَ ال وَالّذِينَ آ َمنُوا َومَا َيخْ َدعُو َن اِلّ َاْنفُ َ‬

‫شعُرُونَ ‪ 9‬ف ُقلُوِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَا َدهُمُ ال َمرَضًا وََلهُ ْم عَذَابٌ اَلِيمٌ‬
‫َومَا يَ ْ‬

‫بِمَا كانُوا َيكْ ِذبُونَ ‪10‬‬

‫اعلم! ان وجه النظم‪ :‬اشارات جلها‪ :‬ال التوبيخ على النفاق‪ ..‬ث تشنيعه‪ ..‬ث تقبيحهم‪ ..‬ث‬
‫التهديد عليه‪ ..‬ث ترهيبهم‪ ..‬ث التعجب منهم‪ ..‬ث بيان مقصدهم من قولم الذكور‪ ...‬ث بيان‬
‫علة قولم‪ ..‬ث بيان أول النايات الربع الناشئة من النفاق وهي الداع‪ ،‬والفساد‪ ،‬وتسفيه‬
‫الؤمني‪ ،‬والستهزاء بم‪ ..‬ث تثيل جناياتم وحيلهم باسلوب استعارة تثيلية هكذا‪ :‬بان صوّر‬
‫معاملتهم مع احكام ال تعال ومع النب عليه السلم والؤمني ‪ -‬باظهارهم اليان لغراض دنيوية‬
‫مع تبطّن الكفر‪ ،‬ومعاملة ال والنب والؤمني معهم باجراء أحكام الؤمني عليهم استدراجا‪ ،‬مع‬
‫انم أخبث الكفرة عند ال ‪ -‬بصورة خداع شخصي‪ ،‬أو الصياد مع الصيد الذي يس الصياد‬
‫‪1‬‬
‫بالروج عن القاصعاء ث يفر من النافقاء‪.‬‬

‫أما نظم جل الناية الول من (يادعون) ال (با كانوا يكذبون) فانظر ال ما تضمنت من‬
‫النتائج التسلسلة الترتبة ف المل السبع‪ ،‬وهي‪ :‬تميقهم بطلب الحال‪ ..‬ث تسفيههم باضرار‬
‫أنفسهم بنية النفعة‪ ..‬ث تهيلهم بعدم التمييز بي الضر والنفع‪ ..‬ث ترذيلهم ببث الطينة ومرض‬
‫معدن الصحة وموت منبع الياة‪ ..‬ث تذليلهم بتزييد الرض ف طلب الشفاء‪ ..‬ث تديدهم بأل‬
‫مض يولد ألا صرفا‪ ..‬ث تشهيهم بي الناس بأقبح العلمات أعن الكذب‪.‬‬

‫وأما اتساقُ وانتظام تلك المل السبع وانصباب الكم فيما بينها فهو‪ :‬أنك كما اذا اردت زجر‬
‫واحد عن شئ ونصحه تقول له اولً‪ :‬ياهذا! ان كان لك عقل فهذا مال‪ ..‬ث‪ :‬ان كنت تب‬
‫نفسك فهذا يضرها‪ ..‬ث‪ :‬ان كان لك حسّ فلِمَ لتيز بي الضر والنفع؟‪ .‬ث‪ :‬إن ل يكن لك‬
‫اختيار فل اقل من ان تعرف فساد سجيتك‪،‬‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬كلها من جحرة اليبوع‪ ،‬يظهر الول ويفى الثانية (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪93 :‬‬

‫وفيها مرض يرّف القيقة‪ ،‬ويريك اللو مرا‪ ..‬ث‪ :‬ان تطلب الشفاء فهذا يزيد مرضك‬
‫وليشفي‪ ،‬مثلك كمثل من ابتلى بداء السهر فاجتهد ف النوم فانتج له قلقا طيّر نعاسه أيضا‪ ،‬أو‬
‫كمن أصيب قلبه بداء "الرق" ‪ 1‬فاغتمّ لوجود الصيبة حت صي الصيبة مصيبتي‪ ..‬ث‪ :‬ان تتحرّ‬
‫اللذة فهذا فيه أل شديد ينتج ألا أشد ليس كأمثاله الت فيها لذة مزخرفة‪ ..‬ث‪ :‬ان ل تنتبه ول‬
‫تنجر ل يبقى ال ان يوس َم على خرطومك بوسم قبيح‪ ،‬وتُعلَن بي الناس لنع سراية فسادك ال‬
‫الناس؛ كذلك ان ال تعال قال لزجر النافقي (يادعون ال) بدل "يادعون النبّ" لتحميقهم‪،‬‬
‫أي‪ :‬كيف يادعون النبّ عليه السلم والنبّ مبلّغ عن ال تعال‪ ،‬فحيلتهم راجعة ال ال‪،‬‬
‫والحتيال مع ال تعال مال‪ ،‬وطلب الحال حق‪ .‬ومثل هذا المق ما يُتعجب منه‪ ..‬ث اتبعه‬
‫(وما يدعون ال انفسهم) لتسفيههم‪ ،‬أي‪ :‬ليس ف فعلكم نفع بل فيه ضرر‪ ،‬وضرره يعود على‬
‫أنفسكم‪ ،‬فكأنكم تادعون أنفسكم‪ ..‬ث عقّبه (وما يشعرون) لتجهيلهم أي‪ :‬ايّها الهلء! قد‬
‫صرت أض ّل من اليوان‪ ،‬كالحجار الامدة لتسون بالفرق بي الضر والنفع‪ ..‬ث اردفه (ف‬
‫قلوبم مرض) لترذيلهم بانفساد الوهر‪ ،‬أي‪ :‬ان ل يكن لكم اختيار فل أقل من أن تعرفوا الرض‬
‫مرضاً‪ ،‬وان سجيتكم فسدت‪ .‬وان النفاق والسد مرض ف الروح من شأنه تريف القيقة‬
‫وتغييها حت تظنون اللو مرا والرّ حلوا والسوداء بيضاء والبيض أسود فل تتبعوه‪ ..‬ث زاد‬
‫(فزادهم ال مرضا) لتذليلهم‪ ،‬أي‪ :‬إن كنتم تطلبون بذا الدواء والتشفي من غيظكم وحسدكم‬
‫فهذا داء ل يزيدكم ال مرضا على مرض‪ .‬فأنتم كمن كَسرَ احدٌ يدَه فأراد النتقام فض َربَه بتلك‬
‫اليد الكسورة فازداد كسرا على كسر‪ ..‬ث قال (ولم عذاب أليم) لتهديدهم‪ ،‬أي‪ :‬ان تتحروا‬
‫اللذة فما نفاقكم هذا ال فيه أل شديد عاجل ينتج ألا أشد آجل‪ ،‬ليس كسائر العاصي الت فيها‬
‫نوع من اللذة السفلية العاجلة‪ ..‬ث أته بقول (با كانوا يكذبون) لتوسيمهم بأشنع الوسم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫شهّروا بي الناس بالكذب الانع للعتماد لئل يتعدى‬
‫ان ل تنتبهوا ول تنتهوا ل يبق ال ان تُ َ‬
‫مرضكم‪.‬‬

‫_____________________‬

‫الرق‪ :‬كلمة اعجمية تعن الهتمام واللهفة والمل وحب التطلع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪94 :‬‬

‫أما وجه النظم بي أجزاء كل جلة‪:‬‬

‫ففي الُول‪ :‬أعن جلة (يادعون ال والذين آمنوا) هو‪:‬‬

‫ان ف التعبي عن عملهم بالداع مع الضارعية‪ ،‬لسيما من باب الشاركة‪ ،‬خصوصا مع اقامة‬
‫ب واقامة "الذين آمنوا" مقام "الؤمني" تنصيصا وتصريا بحالية غرضهم من‬ ‫لفظة "ال" مقام الن ّ‬
‫حيلتهم‪ ،‬وجعل الحالية نصب العي بصورة تتنفر عنها النفوس وترتعد‪ ،‬اذ فيما ف الداع من‬
‫الستعارة التمثيلية ما يوقظ النفرة‪ ..‬وفيما ف الضارعية من التصوير مع الستمرار ما يَشْ َمئِ ّز منه‬
‫القلب‪ ..‬وفيما ف الشاركة من الشاكلة نظِي (وجَزَاؤا سّيَئةٍ َسّيَئةٌ ِمثُْلهَا) ‪ 1‬ما ينتج عدم انتاج‬
‫حيلتهم؛ اذ ف باب الشاركة فعل الفاعل سبب لفعل الفعول‪ ،‬وهنا فعل الفعول صار سببا لعقم‬
‫خداع الفاعل وعدم تأثيه‪ ،‬بل جعل الداع صورة واهية كانعكاس القصد فيما اذا استهزيتَ‬
‫بأحدٍ لهله‪ ،‬مع أنه مستبطنٌ علما ومستخفٍ استهزاءً بك‪ ..‬وفيما ف التصريح بلفظة "ال" من‬
‫التنصيص على مالية الغرض ‪ -‬اذ خداع النب عليه السلم ينجر اليه تعال ‪ -‬ما يشيط العقلَ عن‬
‫اليلةِ‪ ..‬وما ف "الذين آمنوا" من جعل الصلة مدارا‪ ،‬اشارة ال ان النافقي يتحببون اليهم بصفة‬
‫اليان ويهيّجون عرق ايانم للتحبب والتداخل فيهم‪ ..‬وفيه اياء أيضا ال ان جاعة الؤمني‬
‫النورين عقولم بنور اليان ل تتستر عنهم اليلة فينتج أيضا عقم حيلتهم‪..‬‬
‫وف الثانية‪ :‬أعن جلة (وما يدعون ال أنفسهم) هو‪:‬‬

‫ان ف هذا الصر اشارة ال كمال سفاهتهم بعكس العمل ف معاملتهم كمن رمى حجرا ال‬
‫جدار فانثن لكسر رأسه؛ اذ رشوا النبال لضرر الؤمني فاُصيبت أنفسهم فكأنم يادعون بالذات‬
‫ذواتم‪ ..‬وف تبديل "يضرون" بـ (يدعون) اشارة ال ناية سفاهتهم‪ ،‬اذ يوجد ف أهل العقل‬
‫من يضر نفسه قصدا ول يوجد من يادع نفسه عمدا ال ان يكون حارا ف صورة انسان‪ .‬وف‬
‫ن وغرض نفس ّي انتج‬
‫عنوان "انفسهم" رمز خفي ال أن نفاقهم وحيلتهم لا كان لظّ نفسا ّ‬
‫نقيض مطلوبم لنفسهم‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة الشورى‪40 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪95 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬هذا الصر يومئ ال ان خداعهم ما ضر السلم والسلمي مع ان السلم ما رأى من‬
‫شئ ضررا مثل ما رأى من أنواع النفاق وشعباته النتشرة كالسّم ف عناصر العال السلميّ؟‬

‫قيل لك‪ :‬وما تراه من الضرر التعدي والسمّ الساري انا هو من طبيعتهم التفسدة وفطرتم‬
‫التفسخة ووجدانم التعفن نظي سراية الرض؛ وليس نتيجة حيلتهم وخداعهم باختيارهم اذ‬
‫يريدون خداع ال والنب وجاعة الؤمني‪ ،‬وال عال بكل شئ والنب عليه السلم يوحى اليه‪،‬‬
‫وجاعة الؤمني لتستطيع اليلة ان تتستر عنهم مدة مديدة فهم لينخدعون‪ .‬فثبت انم ل‬
‫يدعون ال أنفسهم فقط‪.‬‬

‫وف الثالثة‪ :‬أعن جلة (وما يشعرون) أي ل يسون‪ ،‬هو‪:‬‬


‫ان ف هذه الفذلكة تهيل أيّ تهيل لم‪ ،‬لنا تشعر بأنم إن كانوا عقلء فهذا ليس من شأن‬
‫العقل‪ ،‬وإن كانوا حيوانات يتحركون بيل نفسانّ فشأنم ان يسوا ويشعروا بثل هذا الضرر‬
‫الحسوس‪ .‬فثبت انم صاروا مثل جادات ل اختيار لا‪.‬‬

‫وف الرابعة‪ :‬أعن جلة (ف قلوبم مرض) هو‪:‬‬

‫ان سوقها يفيد انم لا ل يعملوا بقتضى الحاكمة العقلية والشعور السيّ ظهر أن ف روحهم‬
‫مرضا فل أقل من ان يعرفوا انه مرض ليجتنبوا عن القضايا وليكموا عليها؛ اذ من شأن الرض‬
‫تغيي القيقة وتشويه الزين وتلية الرّ كما مر‪ ..‬وف لفظ (ف) رمز ال ان حسدهم وحقدهم‬
‫مرض ف ملكوت القلب وهي اللطيفة الت مر ذكرها‪ ..‬وف عنوان "القلب" اشارة ال انه كما ان‬
‫جسم القلب اذا مرض اختل جيع أفعال البدن؛ كذلك اذا مرض معن القلب بالداع والنفاق‬
‫انرف كل أفعال الروح عن منهج الستقامة اذ هو منبع الياة ومَا ِكَنتُها‪ ..‬وف تقدي (ف قلوبم)‬
‫على (مرض) اياء ال الصر بهتي‪ ،‬ومن الياء اشارة بطريق التعريض ال ان اليان نور‪ ،‬شأنه‬
‫أن يعطي لميع أفعال النسان وآثاره صحة واستقامة‪ ..‬وأيضا ف اياء الصر رمز ال ان الفساد‬
‫ف الساس فل يدي تعمي الفروعات‪ ..‬وف لفظ "الرض" رمز ال قطع عذرهم وإلقامهم الجر‬
‫بان الفطرة مهيأة للحقيقة‪ .‬وما الفساد والراب الّ مرض عارض‪ ..‬وف تنوين التنكي اشارة ال‬
‫انه ف مكمن عميق ل يرى حت يداوى‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪96 :‬‬

‫وف الامسة‪ :‬أعن جلة (فزادهم ال مرضا) هو‪:‬‬

‫انم حينما ل يعرفوا انه مرض حت يتجنبوا منه بل طلبوه مستحسني له زادهم ال تعال؛ اذ "مَن‬
‫طلب وَجَد"‪ ..‬وف "الفاء" الت هي للتعقيب السبب ‪ -‬مع ان وجود الرض ليس سببا لزيادته ‪-‬‬
‫رمزٌ ال انم لا ل يشخصوا الرض فلم يتحروا وسائل الشفاء بل توسلوا بأسباب الزيادة كمن‬
‫يضارب خصما غالبا بيده العليلةصاروا كأنم طلبوا الزيادة فزادهم ال مرضا بقلبِ أملهم يأسا‬
‫مزعجا‪ ،‬بسبب ظفر الؤمني‪ ،‬وقلب خصومتهم حقدا مرقا للقلب بسبب غلبة الؤمني‪ ،‬فتولد‬
‫من مرضَي اليأس والقد داء الوف وعلة الضعف ومرض الذلة فاستولت على القلب‪.‬‬

‫ث ان ال تعال ل يقل "فزاد ال مرضهم" بل جعل الفعول تييزا للشارة ال ان الرض الباطنّ‬
‫القلبّ سرى ال الظاهر أيضا وتعدى ال جيع الفعال‪ ،‬فكأن هذا الداء البيث استول على‬
‫وجودهم فكأن وجودهم نفس الداء فزيادة جراحات الرض ونفطاته ‪ 1‬زيادة لنفس ذواتم؛ اذ‬
‫"ِاشَْتعَ َل الَْبْيتُ نارا" يفيد ان النار سرت ال تام البيت حت كأن تام اْلَبيْت نار تلتهب بلف‬
‫"ِاشَْتعَلتَ نَا ُر الَْبْيتِ" فانه يصدق بتلهب النار من أيّ جانب كان‪.‬‬

‫وف السادسة‪ :‬أعن جلة (ولم عذاب اليم) هو‪:‬‬

‫ان "اللم" الت هي للنفع‪ ،‬اشارة ال انه لو كان لم منفعة لكانت البتة ألا معذبا دنيويا‪ ،‬أو عذابا‬
‫اخرويا مؤلا‪ ،‬وكونه منفعة من الحال‪ ،‬فمحال لم النفعة‪ ..‬وف وصف العذاب بالليم أي التأل‪،‬‬
‫مع ان الليم هو الشخص رمز ال ان العذاب استول على وجودهم وأحاط بذواتم ونفذ ف‬
‫بواطنهم بيث تولوا بنفس العذاب‪ ،‬وصار العذاب عي ذواتم‪ ،‬كانقلب الفحم جرة نار بنفوذ‬
‫ل تتولد من الياة‬‫النار ‪ .2‬فاذا نظر اليال ال صورة العذاب واستمع من جوانبه أنينا وتألا وعوي ً‬
‫التجددة تت العذاب يتخيل ان العذاب هو الذي يئ ّن ويتأل‪ .‬فما أشد التهديد لن تأمل!‪. .‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬نفطاته‪ :‬بثراته‪.‬‬

‫بنفوذ النار فيها (ش)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪97 :‬‬

‫وف السابعة‪ :‬أعن جلة (با كانوا يكذبون) هو‪:‬‬


‫ان ف تعليق العذاب من بي جناياتم الذكورة بالكذب فقط اشارة ال شدة شناعة الكذب‬
‫وقبحه وساجته‪ .‬وهذه الشارة شاهد صدق على شدة تأثي سمّ الكذب؛ اذ الكذب أساس‬
‫الكفر‪ ،‬بل الكفر كذب ورأس الكذب‪ ،‬وهو الُول من علمات النفاق‪ .‬وما الكذب ال افتراء‬
‫على القدرة اللـهية‪ ،‬وضد للحكمة الربانية‪ ..‬وهو الذي خرّب الخلق العالية‪ ..‬وهو الذي‬
‫صيّر التشبثات العظيمة كالشبحات النتنة‪ ..‬وبه انتشر السمّ ف السلم‪ ..‬وبه اختلت احوال نوع‬
‫البشر‪ ..‬وهو الذي قيّد العال النسان عن كمالته‪ ،‬واوقفه عن ترقياته‪ ..‬وبه وقع أمثال مسيلمة‬
‫الكذاب ف أسفل سافلي السة‪ ..‬وهو المل الثقيل على ظهر النسان فيعوقه عن مقصوده‪..‬‬
‫وهو الب للرياء والم للتصنع‪ ..‬فلهذه السباب اُختص بالتلعي والتهديد والنعي النازل من فوق‬
‫العرش‪..‬‬

‫فيا أيّها الناس! لسيما ايّها السلمون! ان هذه الية تدعوكم ال الدّقة!‬

‫فان قلتم‪ :‬ان الكذب للمصلحة عفو؟‬

‫قيل لكم‪ :‬اذا كانت الصلحة ضروريةً قطعية‪ ،‬مع انه عذر باطل؛ اذ تقرر ف اصول الشريعة‪ :‬ان‬
‫المر الغي الضبوط (أي الذي ليتحصل بسبب كونه قابل لسوء الستعمال) ل يصي علة ومدارا‬
‫للحكم‪ ،‬كما ان الشقة لعدم انضباطها ما صارت علة للقصر‪ ،‬بل العلةُ السفر‪ .‬ولئن سلّمنا فغلبة‬
‫الضرر على منفعة شئ تفت بنَسخه وتكون الصلحةُ ف عدمه‪ .‬وما ترى من الَرْج والَرج ف حال‬
‫العال شاهد على غلبة ضرر عذر الصلحة‪ .‬ال ان التعريض والكناية ليسا من الكذب‪ .‬فالسبيل‬
‫َمثْنَى‪ :‬إما السكوت؛ اذ "ليلزم من لزومِ صدقِ كلّ قولٍ قولُ كلّ صدق"‪ .‬وإما الصدق؛ اذ‬
‫الصدق هو أساس السلمية‪ ،‬وهو خاصة اليان‪ ،‬بل اليان صدق ورأسه‪ ..‬وهو الرابط لكل‬
‫الكمالت‪ ..‬وهو الياة للخلق العالية‪ ..‬وهو العرق الرابط للشياء بالقيقة‪ ..‬وهو تلّي الق‬
‫ف اللسان‪ ..‬وهو مور ترقي النسان‪ ..‬وهو نظام العال السلمي‪ ..‬وهو الذي يُسرع بنوع البشر‬
‫ف طريق الترقي ‪ -‬كالبق ‪ -‬ال كعبة الكمالت‪ ..‬وهو الذي يصيّر اخد الناس وافقره أعزّ من‬
‫ب عليه الصلة والسلم على جيع الناس‪ ..‬وبه ارتفع " َسيّدنا‬‫السلطي‪ ..‬وبه تفوّق أصحابُ الن ّ‬
‫ممد الاشيّ" عليه الصلة والسلم ال أعلى عليي مراتب البشر‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪98 :‬‬

‫َواِذَا قِيلَ َلهُ ْم ل ُتفْسِدُوا فِي الرْض قالُوا انّمَا نَحْنُ مُصِْلحُونَ ‪11‬‬

‫شعُرُون ‪12‬‬
‫أَل ِانّهُ ْم هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلــكِ ْن ل يَ ْ‬

‫اعلم! ان وجه نظم هذه الية با قبلها هو‪:‬‬

‫ان ال تعال لا ذكر الُول من النايات الناشئة عن نفاقهم وهي ظلمهم أنفسهم وتاوزهم على‬
‫حقوق ال تعال بنتائجها التسلسلة الذكورة‪ ،‬عقّبها بثانية النايات؛ وهي تاوزهم على حقوق‬
‫العباد وايقاعهم الفساد بينهم مع تفرعاتا‪..‬‬

‫ث ان (اذا قيل) كما انه مربوط باعتبار القصة بـ "يقول" ف "ومن الناس من يقول" وباعتبار الآل‬
‫بـ "يادعون"؛ كذلك يرتبط باعتبار نفسه بـ "يكذبون"‪ .‬وتغي السلوب من الِملية ال‬
‫الشرطية امارة ورمز خفي ال مقدّر بينهما كأنه يقول‪" :‬لم عذاب اليم با كانوا يكذبون؛ إذ إذا‬
‫كذبوا فتنوا‪ ،‬واذا فتنوا أفسدوا‪ ،‬واذا نوصحوا ل يقبلوا‪ ،‬واذا قيل لم لتفسدوا ال"‪.‬‬

‫وأما وجه النظم بي المل الصرية والضمنية ف هذه الية‪ :‬فهو عي النظم والربط ف ما أمثّل‬
‫لك وهو‪:‬‬

‫انك اذا رأيت أحدا يسلك ف طريق تنجر ال هلكه‪ ،‬فاو ًل تنصحه قائل له‪ :‬مذهبك هذا ينهار‬
‫بك ف البوار فتجنّب‪ .‬وان ل ينته بنُهاه تعود عليه بالزجر والنهي والنعي وتؤيد نيَك وتديَه ف‬
‫ذهنه إما بتخويفه بنفرة العموم‪ ،‬واما بترقيق قلبه بالشفقة النسية كما سيأتيك بيانما‪ .‬فان كان‬
‫ذلك الشخص متعنتا لوجا مصرا ألدّ راكبا مت الهل الركّب فهو ليسكت بل يدافع عن‬
‫نفسه‪ ،‬كما هو شأن كل مفسد يرى فساده صلحا؛ اذ النسانية ل تلى ان يرتكب الفساد من‬
‫حيث هو فساد‪ ..‬ث يستدل ويدعي بأن طريقي هذا حق‪ ،‬ومعلوم انه كذلك؛ فل حق لك ف‬
‫النصيحة فل احتياج ال نصيحتك‪ ..‬بل انت متاج ال التعلم‪ ..‬فما السبيل السويّ إ ّل سبيلنا‪ ،‬فل‬
‫تعرض بوجود طريق أصوب‪ ..‬وان كان ذلك الشخص اللجوج ذا‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪99 :‬‬

‫الوجهي يكون كلمه ذا اللساني؛ يداري الناصح للزامه بوجه‪ ،‬ويتحفظ على مسلكه بآخر‬
‫فيقول‪ :‬أنا مصلح أي ظاهرا كما تطلب وباطنا كما اعتقد‪ ..‬ث من شأنه تأييد وتأكيد دعواه بأن‬
‫الصلح من صفت الستمرة‪ ،‬ل ان كنت صالا الن بعد فسادي قبل‪ ..‬ث اذا كان ذلك الشخص‬
‫متمردا ًومتنمرا ‪ 1‬ومصرا ف نشر مذهبه‪ ،‬وترويج مسلكه‪ ،‬وتزييف ناصحه وتعريض أهل الق‬
‫بذه الدرجة‪ ،‬ظهر انه ليدي له دواء‪ ،‬ول يبق إل آخر الدواء‪ ،‬أعن‪ :‬العالة لعدم السراية وما‬
‫هذه العالة ال تنبيه الناس واعلمهم بانه مفسد ل صلح فيه؛ اذ ل يستعمل عقله ول يستخدم‬
‫شعوره حت يس بذا الشئ الظاهر الحسوس‪.‬‬

‫فاذا تفهمت اللقات السردة ف هذا الثال تفطنت ما بي المل النصوصة والرموزة اليها بالقيود‬
‫ف واذا قيل لم ال آخره‪ .‬فان فيما بينها نظما فطريا باياز يمرّ ‪ 2‬من تته العجاز‪.‬‬

‫واما نظم هيئات كل جلة جلة‪:‬‬

‫فاعلم! ان جلة (واذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض) القطعية ف (اذا) اشارة ال لزوم النهي عن‬
‫النكر ووجوبه‪..‬‬

‫وبناء الفعول ف (قيل) رمز ال ان النهي فرض كفاية على العموم‪..‬‬

‫وف لم (لم) اياء ال ان النهي لبد ان يكون على وجه النصيحة دون التحكم‪ ،‬والنصيحة على‬
‫وجه اللطف دون التقريع‪..‬‬

‫و (لتفسدوا) فذلكة وخلصة لصورة قياس استثنائي ‪ 3‬أي ل تفعلوا هكذا‪ ،‬وا ّل نشأ منه الَرْج‬
‫والَرْج‪ ،‬فينقطع خيط الطاعة‪ ،‬فيتشوش نظام العدالة‪ ،‬فتنح ّل رابطة التفاق‪ ،‬فيتولد منه الفساد‪،‬‬
‫فل تفعلوا لئل تفسدوا‪..‬‬

‫ولفظ (ف الرض) تأييد وتأكيد للنهي وادامة للزجر‪ ،‬اذ نى الناصح موقت لبد من ادامته ف‬
‫ذهن النصوح بتوكيل وجدانه ليزجره دائما من تته‪ .‬وهو اما‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬اي غضبا‪ ،‬غي ان ظاهر السياق والذاق متنمردا‪ ،‬اي كائنا كالنمرود (ش)‪.‬‬

‫يش ّع ويضئ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ما يكون عي النتيجة او نقيضها مذكورا فيه بالفعل (التعريفات)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪100 :‬‬

‫بتحريك عرق الشفقة النسية‪ ،‬واما بتهييج عرق التنفر من نفرة العموم‪ ..‬و(ف الرض) هو الذي‬
‫يوقظ العرقي وينعشهما؛ اذ لفظ (ف الرض) يناجيهم بان فسادكم هذا يسري ال نوع البشر‬
‫فأيّ حقد وغيظ لكم على جيع الناس الذين فيهم العصومون والفقراء والذين لتعرفونم‪ ،‬أفل‬
‫تتوجعون لم ولَ لتترحون بم؟ هب ان ليست لكم تلك الشفقة النسية فل أقل من أن‬
‫تلحظوا ان حركتكم هذه تلب عليكم معن نفرة العموم‪.‬‬

‫‪ p‬فان قلت‪ :‬أيّ غرض لم بالعموم وكيف ينجر فسادهم ال الكل؟‬

‫قيل لك‪ :‬كما ان من نظر برآة البصر السوداء رأى كل شئ اسود قبيحا‪ .‬كذلك من احتجبت‬
‫بصيتُه بالنفاق وفسد قلبُه بالكفر رأى كل شئ قبيحا مبغوضا‪ ،‬يصل ف قلبه عناد وحقد مع‬
‫كل البشر بل كل الكائنات‪ ..‬ث كما ان انكسار سنّ من جرخ ‪ 1‬من دولب من ساعة يتأثر به‬
‫الكل كليا أو جزئيا؛ كذلك بنفاق الشخص يتأثر نظام هيئة البشر الت انتظمت بالعدالة‬
‫والسلمية والطاعة‪ .‬فأسفا قد تظاهرت سومهم التسلسلة حت انتجت هذه السفالة‪.‬‬

‫وأما جلة (قالوا انا نن مصلحون) ففي "قالوا" بدل "ليقبلون النصيحة" الظاهر من السياق‬
‫اشارة ال انم يدّعون ويدعون ال مسلكهم‪.‬‬

‫وف (انا) خاصيتان‪:‬‬


‫الول‪ :‬ان مدخوله لبد ان يكون معلوما حقيقة أو ادعاء‪ .‬ففيها رمز ال تزييف الناصح واظهار‬
‫ثباتم على جهلهم الركب‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬الصر ففيها اشارة ال ان صلحهم ليشوبه فساد فليسوا كغيهم؛ ففي الشارة رمز ال‬
‫التعريض بالؤمني‪.‬‬

‫وف اسية (مصلحون) بدل "نصلح" اشارة ال ان الصلح صفتنا الثابتة الستمرة فحالنا هذه عي‬
‫الصلح بالستصحاب‪ ..‬ث انم ينافقون ف هذا الكلم أيضا اذ يتبطنون خلف مايظهرون‬
‫فباطنا يدعون فسادهم صلحا وظاهرا يراؤن أن عملهم لصلح الؤمني ومنفعتهم‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬جرخ يقرب من معن دولب‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪101 :‬‬

‫وأما جلة (أل انم هم الفسدون ولكن ليشعرون) فاعلم! انم لا ادرجوا ف معاطف الملة‬
‫السابقة معان‪ :‬من ترويج مسلكهم ودعوى ثبوت الصلح لم‪ ،‬وان الصلح صفتهم الستمرة‪..‬‬
‫وانم منحصرون عليه‪ ..‬وان الفساد ليشوب صلحهم‪ ..‬وان هذا الكم ظاهر معلوم‪ ..‬ومن‬
‫تعريضهم بالؤمني ومنتجهيلهم للناصح؛ أجابم القرآن الكري بذه الملة التضمنة لحكامٍ من‬
‫اثبات الفساد لم‪ ،‬وانم متحدون مع حقيقة الفسدين‪ ..‬وان الفساد منحصر عليهم‪ ..‬وان هذا‬
‫الكم حقيقة ثابتة‪ ..‬ومن تنبيه الناس على شناعتهم‪ ..‬ومن تهيلهم بنفي الس عنهم كأنم‬
‫جادات‪ .‬وان شئت فانظر‪:‬‬

‫ال (أل) الت للتنبيه كيف تزيّف بتنبيهها ترويَهم الناشئ من دعواهم الترشح من "قالوا"‪..‬‬
‫وال "إنّ" الت للتحقيق كيف ترد دعواهم العلومية بـ "انا"‪ ،‬كأن "إنّ" تقول حالم ف القيقة‬
‫والباطن فساد‪ ،‬فل يديهم الصلح ظاهرا‪.‬‬

‫وال الصر ف "هم" كيف يقابل تعريضهم الضمنّ ف "انا" و"نن" وال تعريف "الفسدون" ‪-‬‬
‫الذي معناه حقيقة الفسدين ترى ف ذاتم فهم هي ‪ -‬كيف يدافع حصرهم الستفاد من "انا"‬
‫أيضا‪.‬‬

‫وال ولكن (ليشعرون) كيف يدافع تزييفهم الناصح وانم ليسوا مستحقي للنصيحة بدعوى‬
‫العلومية‪ .‬فتأمل!‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪102 :‬‬

‫َواِذَا قِيلَ َلهُمْ آ ِمنُوا كَما آمَ َن النّاسُ قالُوا َأُنؤْمِنُ كَما آمَنَ السّفَهاءُ‬

‫سفَها ُء وَلكِ ْن لَيعْلَمُونَ ‪13‬‬


‫أَل ِانّهُ ْم هُمُ ال ّ‬

‫اعلم! ان وجه نظم هذا النوع بالنوع الول‪:‬‬

‫من حيث انما نصيحة وارشاد؛ عطف المر بالعروف والتحلية والترغيب‪ ،‬على النهي عن النكر‬
‫والتخلية والترهيب‪..‬‬

‫ومن حيث انما من الناية؛ عطف تسفيههم للمؤمني وغرورهم على افسادهم‪ ،‬كما ربط‬
‫افسادهم بفسادهم اللت كل منها غصن من شجرة زقّوم النفاق‪.‬‬

‫واما وجه النظم بي جل هذه الية‪:‬‬

‫فاعلم! انه لا قيل‪( :‬واذا قيل لم آمنوا كما آمن الناس) وأشي بيئاتا ال وجوب النصيحة على‬
‫سبيل الكفاية بايان خالص اتباعا للجمهور الذين هم الناس الكُمّل ليأمرهم الوجدان دائما بذا‬
‫المر‪ ،‬حكى وقال‪( :‬قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) اشارة ال تردهم وغرورهم ودعواهم انم‬
‫على الق كما هو شأن كل مبطل يرى باطله حقا ويعلم جهله علما؛ اذ بالنفاق تفسّد قلبُهم‪،‬‬
‫وبالفساد نشأ غرو ٌر وميلُ افساد‪ ،‬وبكم التفسّد تردوا‪ ،‬وبكم الفساد يقول بعضهم لبعض‬
‫متناجيا بالضلل‪ ،‬وبكم الغرور يرون شدة الديانة وكمال اليان القتضيي للستغناء والقناعة‬
‫سفالة وسفاهة وفقرا‪ .‬ث بكم النفاق ينافقون ف كلمهم هذا أيضا؛ اذ ظاهره‪ :‬كيف نكون‬
‫كالسفهاء ولسنا ماني ونن أخيار كما تطلبون؟ وباطنه كيف نكون كالؤمني الذين أكثرهم‬
‫فقراء وهم ف نظرنا سفهاء تزبوا من َاوْباش ‪ 1‬القوام؟ وعليك التطبيق بي دقائق الزئي من‬
‫الشرطية‪ .‬ث القمهم الجر بقوله‪( :‬أل انم هم السفهاء)؛ اذ من كان متمردا بذه الدرجة‬
‫وجاهل بهله فحقهم العلن بي اللق وتشهيهم بانصار السفاهة وانه من القائق الثابتة‪ ،‬وان‬
‫تسفيههم لسفاهة أنفسهم‪ ..‬ث قال‪( :‬ولكن ليعلمون) اشارة ال انم جاهلون بهلهم‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سفلة الناس واخلطهم‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪103 :‬‬

‫فيكون جهل مركبا فل يديهم النصيحة‪ ،‬فلبد ان يعرض عنهم صفحا؛ اذ ل يفهم النصيحة ال‬
‫من يعلم جهلَه‪.‬‬

‫وأما وجه النظم ف هيئات كل جلة جلة‪:‬‬

‫ففي جلة (واذا قيل لم آمنوا كما آمن الناس) لفظ (اذا) بزميته رمز ال لزوم الرشاد بالمر‬
‫بالعروف‪ ..‬وبناء الفعول ف (قيل) اياء ال ان وجوب النصيحة على سبيل الكفاية كما مر‪..‬‬

‫ولفظ (آمنوا) بدل "اخلصوا ف ايانكم" اشارة ال ان اليان بل إخلص ليس بايان‪..‬‬
‫ولفظ (كما آمن) تلويح بالسوة السنة وحسن الثال ليخلصوا على منواله‪..‬‬

‫وف لفظ (الناس) نكتتان‪ :‬وها السبب ف جعل الوجدان آمرا بالعروف دائما؛ اذ (كما آمن‬
‫السفهاء) يترشح بـ "فاتبعوا جهور الناس اذ مالفة المهور خطأ من شأن القلب ان ل يقدم‬
‫عليه"‪ ،‬وأيضا يلوح بانم هم الناس فقط كأن من عداهم ليسوا بانسان ال صورة‪ ،‬إما بترقى‬
‫هؤلء ف الكمالت وانصار حقيقة النسانية عليهم وإما بتدن اولئك عن مرتبة النسانية‪.‬‬

‫اما جلة (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) الت مآلا‪ :‬ل نقبل النصيحة كيف نكون كهؤلء‬
‫الذلّء؛ اذ هم ف نظرنا سفهاء ول نقاس نن معاشر أهل الاه عليهم‪ ..‬ففي لفظ (قالوا) رمز ال‬
‫تبئة النفس وترويج السلك والستغناء عن النصيحة والغرور والدعوى‪ ..‬وف لفظ (أنؤمن)‬
‫بالستفهام النكاريّ اشارة ال شدة تردهم ف جهلهم الركب‪ ،‬كأنم بصورة الستفهام‬
‫يقولون‪ :‬ايها الناصح راجع وجدانك هل ترى انصافك يقبل ردّنا‪.‬؟ ث ان ف متعلق "قالوا"‬
‫وجوها ثلثة مترتبة؛ أي‪ :‬قالوا لنفسهم‪ ،‬ث لبناء جنسهم‪ ،‬ث لرشدهم‪ ،‬كما هو شأن كل‬
‫متنصح اذا نصحه الناصح‪ ،‬فاول المر يشاور مع نفسه‪ ،‬ث ياور مع ابناء جنسه‪ ،‬ث يراجعك‬
‫بنتيجة ماكمتهم‪ .‬فعلى هذا لا قيل لم ما قيل راجعوا قلوبم التفسدة ووجدانم التفسخ‬
‫فاشارت عليهم بالنكار‪ ،‬فقالوا مترجي عما ف ضميهم‪ ،‬ث راجعوا بنظر الفساد ال اخوانم‪،‬‬
‫فاشاروا عليهم أيضا بالنكار فأخذوا بنجواهم‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪104 :‬‬

‫وماورتم‪ ،‬ث رجعوا بطريق العتذار والسفسطة ال الناصح فشاغبوا وقالوا‪" :‬بيننا فرق لنقاس‬
‫عليهم إذ هم فقراء مضطرون مبورون فشدتم ف الديانة وتصوّفهم بالضطرار‪ .‬اما نن فأهل‬
‫عزة وجاه" فبحكم الغرور ييلون الناصح على انصافه‪ .‬وبكم الداع واليلة يتكلمون بكلم‬
‫ذي لساني‪ ،‬أي ايها الرشد! لتظننا سفهاء ولنكون كالسفهاء ف نظركم‪ ،‬بل نفعل كما يفعل‬
‫الؤمنون اللص‪ .‬مع ان مرادهم باطنا‪ :‬لنكون كهؤلء الؤمني الفقراء؛ اذ ل اعتداد بم ف‬
‫نظرنا‪ .‬ففي هذا اللفظ رمز خفيّ ال فسادهم وافسادهم وغرورهم ونفاقهم‪..‬‬
‫(كما آمن السفهاء) أي الذين تظنونم الناس الكاملي هم ف نظرنا اذلء فقراء مبورون مع‬
‫كثرتم‪ ،‬ك ٌل منهم سفي ُه قوم‪ .‬ففي دعواهم الفرق ف القياس اشارة ال ان السلمية كهف‬
‫الساكي وملجأ الفقراء وحامية الق وحافظة القيقة ومانعة الغرور وقامعة التكبّر‪ ،‬وما مقياس‬
‫الكمال والجد ا ّل هي‪ ..‬وأيضا ف الفرق اشارة ال ان سبب النفاق ف الغلب هو الغرض‬
‫ك اِلّ الّذيِ َن هُ ْم اَرَاذُِلنَا بَادِيَ ال ّرأْيِ) ‪ .1‬وأيضا‬
‫ك اتَّبعَ َ‬
‫والغرور والتكب كما يفسره‪( :‬وما نَريــ َ‬
‫ف الفرق اشارة خفية ال ان السلمية لتصي وسيلة التحكم والتغلب ف أيدي أهل الدنيا والاه؛‬
‫بل انا هي واسطة لِحقاق الق ف أيادي أهل الفقر والضرورة خلف سائر الديان‪ .‬ويشهد‬
‫على هذه القيقة التأريخُ‪.‬‬

‫أما جلة (أل انم هم السفهاء) فاعلم! ان القرآن الكري انا أكثر من التشديد والتشنيع على‬
‫النفاق لجل ان أكثر بليات العال السلمي من أنواع النفاق‪ ..‬ث ان لفظ (أل) للتنبيه وتشهي‬
‫سفاهتهم على رؤوس الشهاد‪ ،‬ولستشهاد فكر العموم على سفاهتهم‪ .‬وأصل معن (أل) أل‬
‫تعلمون انم سفهاء؟ أي‪ :‬فاعلموا‪ ..‬ث ان "انّ" مرآة القيقة ووسيلة اليها كأنه يقول‪ :‬راجعوا‬
‫القيقة لتعلموا ان سفسطتهم الظاهرية ل أصل لا‪ .‬ث لفظ "هم" للحصر لرد تبئة أنفسهم‪ ،‬ودفع‬
‫تسفيههم للمؤمني الذي اشاروا اليه بـ (كما آمن السفهاء) أي ان السفيه مَن ترك الخرة‬
‫بالغرور والغرض واللذة الفانية دون من أشترى الباقي بترك الوسات ‪ 2‬الفانية‪ .‬ث ان‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة هود‪.27 :‬‬

‫الوس‪ :‬طرف من النون وخفة العقل والقصود هنا الغراض النفسية وامانيها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪105 :‬‬


‫اللف واللم ف "السفهاء" لتعريف الكم أي معلوم انم سفهاء‪ .‬وللكمال أي كمال السفاهة‬
‫فيهم‪.‬‬

‫أما (ولكن ليعلمون) ففيه اشارات ثلث‪:‬‬

‫احداها‪:‬‬

‫ان تييز الق عن الباطل وتفريق مسلك الؤمني عن مسلكهم متاج ال نظر وعلم‪ ،‬بلف‬
‫افسادهم وفتنتهم‪ ،‬فانه ظاهر يس به مَن له أدن شعور‪ .‬ولذا ذيّل الية الول بـ (ولكن ل‬
‫يشعرون)‪.‬‬

‫والثانية‪:‬‬

‫ان (ليعلمون) وأمثالا من فواصل اليات من (ليعقلون) و(ليتفكرون) و(ليتذكرون) وغيها‬


‫تشي ال ان السلمية مؤسسة على العقل والكمة والعلم‪ .‬فمن شأنا ان يقبلها كل عقل سليم‬
‫ل كسائر الديان البنية على التقليد والتعصب‪ .‬ففي هذه الشارة بشارة كما ذكرت ف موضع‬
‫آخر‪.‬‬

‫والثالثة‪:‬‬

‫العراض عنهم وعدم الهتمام بم‪ ،‬اذ النصيحة ل تديهم‪ ،‬اذ ليعلمون جهلَهم حت يتحرّوا‬
‫زوالَه‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪106 :‬‬

‫واِذَا َلقُوا الّذِينَ آ َمنُوا قالُوا ا َمنّا َواِذَا خََلوْا اِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُوا ِانّا مَعكُمْ‬

‫ئ ِبهِ ْم َويَمُ ّدهُمْ فِي ُطغْياِنهِ ْم َيعْ َمهُون ‪15‬‬


‫سَتهْزِ ُ‬
‫ستَهْ ِز ُؤنَ ‪ 14‬اَل يَ ْ‬
‫اِنّمَا ْن ُن مُ ْ‬
‫اعلم! ان وجه نظم مآل هذه الية بآل سابقتها‪ :‬عطف الناية الرابعة‪ ،‬أعن الستهزاء‬
‫والستخفاف على النايات السابقة من التسفيه والفساد والفساد‪.‬‬

‫وان وجه النظم بي جلها هو انه‪ :‬كما ان لليان الذي هو نقطة استنا ٍد عن اللم ونقطة‬
‫استمداد للمال ثلث خواص حقيقية‪:‬‬

‫إحداها‪ :‬عزة النفس الناشئة من "نقطة الستناد"‪ ،‬ومن شأن عزة النفس عدم التنّل للتذلّل‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬الشفقة الت من شأنا عدم التذليل والتحقي‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬احترام القائق ومعرفة قيمتها‪ ،‬لن صاحب غال القيمة ذو حقيقة‪ ،‬وعنده الوهر‬
‫الفريد‪ ،‬وعدم الستخفاف بالقيقة لنه أيضا رزين؛ كذلك لضد اليان‪ ،‬أعن النفاق اضدادُ‬
‫خواصِه الثلث‪ ،‬فخواص النفاق الناشئة منه‪ :‬ذلة النفس‪ ،‬وميل الِفساد‪ ،‬والغرور بتحقي الغي‪.‬‬

‫اذا عرفت هذا‪ ،‬فاعلم! ان النفاق يولّد ذلةَ النفس وهي تنتج التذللَ‪ ،‬وهو الريا َء وهو الداهنةَ وهي‬
‫الكذبَ‪ .‬فأشار اليه بقوله‪ :‬واذا لقوا الذين امنوا قالوا آمنا‪..‬‬

‫ح أي عدم الصاحب والامي والالك‬‫ث لا كان النفاق مفسدا للقلب وفساده ينتج ُيتْمَ الرو ِ‬
‫فيتولد الوف وهو يلجؤه ال التستر‪ ،‬اشار اليه بلفظ واذا خلوا‪..‬‬

‫ث لا كان النفاق قاطعا للرحم وقطعُه يزيل الشفقة‪ ،‬وزوالا ينتج الفسادَ وهو الفتنةَ وهي اليانةَ‬
‫ف وهو يضطره ال اللتجاء ال ظهي ومستند‪ ،‬أشار اليه بلفظ ال (شياطينهم)‪..‬‬ ‫وهي الضع َ‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪107 :‬‬

‫ث لا كان النفاق جهل تردديا انتج تذبذب الطبيعة وهو عدم الثبات وهو عدم السلك وهو عدم‬
‫المنية بم وهو يبهم على تديد عهدهم‪ ،‬أشار ال هذه السلسلة بلفظ (قالوا إنّا معكم)‪..‬‬

‫ث لا احتاجوا ال العتذار استخفّوا بالقيقة لفتهم‪ ،‬ورخّصوا غال القيمة لعدم قيمتهم‪ ،‬وأهانوا‬
‫بالعال لون نفسهم وضعفها الذي ينشأ منه الغرور فقال‪( :‬قالوا انا نن مستهزؤن)‪..‬‬
‫ث بينما كان السامع منتظرا من انصباب الكلم مقابل َة الؤمني لم رأى ان ال قابلهم بدلً عن‬
‫الؤمني اشارة ال تشريفهم‪ ،‬ورمزا ال ان استهزاءهم ف مقابلة جزاء ال تعال كالعدم‪ ،‬واياءً ال‬
‫حقهم وزجرهم وردهم؛ اذ كيف يُسَتهْزأُ بن كان ال حاميه؟ فقال تعال‪( :‬ال يستهزئُ بم) أي‬
‫يعاقبهم على استهزائهم أشد جزاء بصورة استخفاف وتكمٍ بم ف الدنيا والخرة مع الستمرار‬
‫التجدديّ‪ ..‬وجلة (ويدهم ف طغيانم يعمهون) كشف وتفصيل وتصوير لزاء استهزائهم بطرز‬
‫الستهزاء‪.‬‬

‫أما وجه نظم هيئات كل جلة جلة‪:‬‬

‫فاعلم! ان جلة (اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) الت سيقت ف مداهنتهم؛ قطعية (اذا) فيها اياءٌ ال‬
‫الزم والتعمد والقصد‪ ،‬أي عزموا بعمد وقصد ملقاتم‪ ..‬ولفظ (لقوا) اياء ال انم تعمدوا‬
‫مصادفتهم ف الطرق بي ظهران الناس‪ ..‬ولفظ (الذين امنوا) بدل "الؤمني" اشارة ال مباشرتم‬
‫معهم وتاسهم بم‪ ،‬وال ان ارتباطهم معهم بصفة اليان‪ ،‬وال ان مدار النظر بي أوصاف‬
‫الؤمني صفة اليان فقط‪ ..‬ولفظ (قالوا) تلويح ال انم يقولون بأفواههم ماليس ف قلوبم‪ ،‬وان‬
‫قولم للتصنع والرياء والداهنة ودفع التهمة والرص على جلب منافع الؤمني والطلع على‬
‫أسرارهم‪ ..‬ولفظ (آمنا) بل تأكيد مع اقتضاء القام اياه‪ ،‬وبايراده جلة فعلية‪ ،‬اشارة ال ان ليس‬
‫ف قلوبم مشوق وعشق مرك ليتشددوا ويتجلدوا ف كلمهم‪ ..‬وأيضا ان ف ترك التأكيد اياء‬
‫ال تشددهم ف دفع التهمة عنهم‪ ،‬كأنم يقولون‪ :‬انكاركم ليس ف موقعه بل ف منلة العدم‪ ،‬اذ‬
‫لسنا أهلً‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪108 :‬‬

‫للتهمة‪ ..‬وأيضا فيه رمز ال ان التأكيد ليروج عنهم‪ ..‬وأيضا فيه لح ال ان هذا الجاب الرقيق‬
‫الضعيف على الكذب اذا شدد تزق‪ ..‬وأيضا ف فعليته اشارة ال انه ليكن لم ان يدعوا الثبات‬
‫والدوام‪ ،‬وانا غرضهم من هذا التصنع الشتراك ف منافع الؤمني والطلع على اسرارهم بادعاء‬
‫حدوث اليان‪.‬‬
‫وأما جلة (واذا خلوا ال شياطينهم قالوا انا معكم) فـ "الواو" الامعة ف (واذا) اياء ال ان هذا‬
‫الكلم سيق لبيان ان لمسلك لم‪ ،‬ولبيان تذبذبم الفصل باتي الشرطيتي‪ ..‬والزمية ف (اذا)‬
‫رمز ال انم بكم الفساد والفساد يرون اللتجاء وظيفةً ضرورية‪ ..‬ولفظ (خلوا) اشارة ال انم‬
‫بكم اليانة يتخوفون‪ ،‬وبكم الوف يتسترون‪ ..‬ولفظ (ال) بدل "مع" الناسب لِـ"خلوا"‬
‫اشارة ال انم بكم العجز والضعف يلتجئون‪ ،‬وبكم الفتنة والفساد يوصلون اسرار الؤمني ال‬
‫الكافرين‪ ..‬ولفظ "الشياطي" اشارة ال ان رؤساءهم كالشياطي متسترون موسوسون‪ ،‬وال انم‬
‫كالشياطي يضرون‪ ،‬وال انم على مذهب الشياطي ليتصورون الّ الشر‪.‬‬

‫وأما جلة (قالوا إنّا معكم) السوقة لتبئة ذمتهم وتديد عهدهم وثباتم ف مسلكهم‪ ،‬فاعلم! انه‬
‫أكد مع غي النِكر هنا‪ ،‬وترك التأكيد مع النِكر هناك ‪ 1‬اشارةً ودللةً على عدم الشوق الحرك ف‬
‫قلب التكلم هناك ووجوده هنا‪ .‬أما اسية هذا وفعلية ذاك‪ ،‬فلن القصود اثبات الثبوت والدوام ف‬
‫ذا‪ ،‬والدوث ف ذلك‪.‬‬

‫أما (انا نن مستهزؤن) فاعلم! انه ل يعطف‪ ،‬اذ الوصل انا هو بالتوسط بي كمال التصال‬
‫وكمال النقطاع‪ .‬مع ان هذه الملة بد ٌل بهة وتأكيد بهة وها من كمال التصال‪ ،‬وجوابُ‬
‫سؤالٍ مقدّر بهة أخرى‪ ،‬وهو من كمال النقطاع لبية الواب وانشائية السؤال ف الغلب‪..‬‬
‫أما وجه التأكيد ويقرب منه البدل فهو‪ :‬ان مآلا اهانة الق وأهله فيكون تعظيما للباطل وأهله‬
‫وهو مآل (إنّا معكم)‪ ..‬وأما وجه الوابية للسؤال القدر فكأن شياطينهم يقولون لم‪" :‬ان كنتم‬
‫معنا وف مسلكنا فما بالكم توافقون الؤمني؟ فإما انتم ف مذهبهم او لمذهب لكم" فاعتذَروا‬
‫ميبي بـ (إنا نن مستهزؤن) فصرحوا بانم ليسوا من السلم ف شئ‪ ،‬وأشاروا‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى ف الية‪( :‬قالوا آمنا) بل تأكيد‪.‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪109 :‬‬

‫بصر (انا) ال انم ليسوا مذبذبي بل مذهب معلوم‪ ،‬وباسية (مستهزؤن) ال ان الستهزاء شأنم‬
‫وصفتهم‪ .‬ففعلهم هذا ليس بالد‪.‬‬

‫وأما جلة (ال يستهزئ بم) فاعلم! انا ل توصل بسوابقها بل فصلت فصل؛ لنا لو عطفت‬
‫فإما على (نا نن مستهزؤن) وهو يقتضي ان تكون هذه أيضا تأكيدا لـ (انا معكم)‪ ..‬وإما‬
‫على (قالوا) وهو يقتضي ان تكون هذه أيضا مقول لم‪ ..‬وإما على (قالوا) وهو يقتضي ان تكون‬
‫هذه أيضا مقيدة بوقت اللوة مع ان استهزاء ال بالدوام‪ ..‬وإما على (اذا خلوا) وهو يقتضي ان‬
‫تكون هذه من تتمة صفة تذبذبم‪ ..‬وإما على (اذا لقوا) وهو يستلزم ان يكون الغرض منهما‬
‫واحداً‪ .‬مع ان الول لبيان العمل‪ ،‬والثان للجزاء‪ ،‬واللوازم باطلة‪ ،‬فالوصل ليصح‪ .‬فلم يبق ال ان‬
‫تكون مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر‪ .‬ث ان ف هذا الستيناف اياءً ورمزا ال ان شناعتهم وخباثتهم‬
‫بلغت درجة تب روح كل سامعٍ وراءٍ ان يسأل بـ"كيف جزاء مَن هذا عمله؟"‪.‬‬

‫ث ان الفتتاح بلفظة (ال) مع ان ذهن السامع كان منتظرا لتلقي مقابلة الؤمني معهم‪ ،‬اشارة ال‬
‫تشريف الؤمني وترحه عليهم‪ ،‬اذ قد قابل بدل عنهم‪ ..‬وأيضا رمز ال زجرهم؛ اذ ليُستهزأ بن‬
‫استناده بعلّم الغيوب‪ ..‬وأيضا اياء بالقتطاع وعدم النظر ال تقرر استهزائهم ال ان استهزاءهم‬
‫كالعدم بالنظر ال جزائه‪ ..‬ث ان التعبي عن نكايات ال تعال معهم بالستهزاء ‪ -‬الذي ليليق‬
‫بشأنه تعال ‪ -‬للمشاكلة ف الصحبة‪ ،‬وللرمز ال ان النكاية جزاء للستهزاء ونتيجة ولزمة له‪ ،‬مع‬
‫أن الراد لزم الستهزاء‪ ،‬أعن التحقي‪ ..‬وأيضا اياء ال ان استهزاءهم الذي ل يفيد بل يضر عي‬
‫استهزاء ال تعال معهم؛ كمن يظن انه يستهزئ بك مع انك تراه كالجنون تريد ان يتكلم ولو‬
‫بشتمك لتضحك منه‪ ،‬فاستهزاؤه بعض استهزائك‪.‬‬

‫ث ف (يستهزئ) مضارعا مع ان السابق (مستهزؤن) اسم فاعل اشارة ال ان نكايات ال تعال‬


‫وتقياته تتجدد عليهم ليحسوا بالل ويتأثروا به؛ اذ ما استمر على نسق يق ّل تأثيه بل قد يعدم‪.‬‬
‫ولذا قيل شرط الحساس الختلف‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪110 :‬‬

‫أما (ويدهم ف طغيانم يعمهون) أي توسلوا بأسباب الضللة وطلبوها فأعطاهم ال تعال‪ ..‬ففي‬
‫لفظ "يد" رمز ال رد العتزال‪ ،‬وف تضمّن "يد" للستمداد اياء ال ردّ الب‪ ،‬أي اختاروا بسوء‬
‫اختيارهم واستمدوا‪ ،‬فأمدّهم ال تعال وأرخى عنانم‪ ..‬وف اضافة الطغيان ال "هم" أي ان لم‬
‫فيه اختيارا رمز ال رد عذرهم بالجبورية‪ ..‬وف الطغيان اشارة ال ان ضررهم متعد استغرق‬
‫الحاسن كالسيل وهدم أساس الكمالت فلم يبق ا ّل غثاء أحوى‪ .‬و( يعمهون) أي‪ :‬يتحيون‬
‫ويترددون‪ .‬وفيه اشارة ال انه لمسلك لم وليس لم مقصود معي‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪111 :‬‬

‫ت تِجا َرُتهُمْ‬
‫ح ْ‬
‫ضلََلةَ بِاْلهُدَى فَما َربِ َ‬
‫ك الّذِينَ ا ْشتَ َروُا ال ّ‬
‫اُولَئِ َ‬

‫وَما كانُوا ُم ْهتَدِينَ ‪16‬‬

‫اعلم! ان وجه نظمها بسابقتها هو‪:‬‬

‫ان هذه الية فذلكة واجال للتفاصيل السابقة‪ ،‬وتصوير لا بصورة عالية مؤثرة‪ .‬وتصيص اسلوب‬
‫التجارة للتمثيل‪ ،‬لجل ان الخاطبي ف الصف الول قد ذاقوا حلو التجارة ومرّها برحلت الصيف‬
‫والشتاء‪.‬‬

‫ووجه الناسبة هو أن نوع البشر اُرسل ال الدنيا ل للتوطن فيها‪ ،‬بل ليتّجروا ف رأس مالم من‬
‫الستعدادات والقابليات ليزرعوا ث يتصرفوا ف غلّتا‪.‬‬

‫ث ان وجه النظم بي جل هذه الية هو‪:‬‬


‫انا ترتبت ترتبا فطريّا سلسا على نسق اسلوب التمثيل وهو هذا‪ :‬ان تاجرا مغبونا مذولً أعطي‬
‫له رأسُ مالٍ غالٍ فاشترى به السموم وما يضره‪ ،‬فتصرف فيه‪ ،‬فلم يربح ول يفد؛ بل ألقاه ف‬
‫خسارة على خسارة‪ ،‬فأضاع رأس ماله‪ ،‬ث أضل الطريق؛ بيث ل يستطيع ان يرجع‪.‬‬

‫أما نظم هيئات جلة جلة‪:‬‬

‫فلفظ (اولئك) موضوع لحضار الحسوس البعيد‪ :‬أما الحضار فإشارة ال أن من شأن كل‬
‫سامع اذا سع تلك النايات الذكورة ان يصل شيئا فشيئا ف قلبه نفرة وغيظ يتشدد تدريا‬
‫بيث يريد ان يراهم ليتشفّى الغيظ منهم‪ ،‬ويقابلهم بالنفرة والتحقي‪ ..‬وأما الحسوسية فرمز ال‬
‫أن التصاف بذه الوصاف العجيبة يسّمهم ف الذهن حت صاروا مسوسي نصب اليال‪ .‬ومن‬
‫الحسوسية رمز ال علة الكم بسر إنرار العصية ال العصية‪ ..‬وأما البُعدية فاشارة ال شدة‬
‫بُعدهم عن الطريق الق‪ ،‬ذهبوا ال حيث ليرجعون‪ ،‬فالذهاب ف أيديهم دون الياب‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪112 :‬‬

‫ث وطَفِ َق ان يصي أساسا‬


‫ولفظ (الذين) إشارة ال ان هذا نوع من التجارة عجيب خبيث تدّ َ‬
‫ومسلكا ير عليه ناس؛ اذ قد مر ان الوصول اشارة ال القائق الديدة الت اخذت ف النعقاد‪.‬‬

‫ولفظ (اشتروا) اشارة ال رد اعتذارهم بـ "ان فطرتنا هكذا"‪ .‬فكأن القرآن الكري يقول لم‪:‬‬
‫ل!‪ .‬ولقد أعطاكم ال أنفاسَ العمر رأسَ مالٍ‪ ،‬وأودع ف روحكم استعداد الكمال‪ ،‬وغرس ف‬
‫وجدانكم نواة القيقة وهي الداية الفطرية لتشتروا السعادة فاشتريتم بدلا ‪ -‬بل بتركها ‪ -‬اللذائذ‬
‫العاجلة والنافع الدنيوية فاخترت بسوء اختياركم مسلك الضللة على منهج الداية‪ ،‬فافسدت‬
‫الداية الفطرية‪ ،‬وضيعتم رأس مالكم‪.‬‬

‫ولفظ (الضللة بالدى) فيه اشارة ال انم خسروا خسارة على خسارة‪ .‬اذ كما خسروا‬
‫بالضللة؛ كذلك خسروا بترك النعمة العظيمة الت هي الداية‪.‬‬
‫أما جلة (فما ربت تارتم) فاعلم! ان ف تصيص نفي الربح ‪ -‬مع انم كما قد خسروا فقد‬
‫أضاعوا رأس الال أيضا ‪ -‬اشارة ال من شأن العاقل ان ليقدم على تارة لربح فيها‪ ،‬فضلً عما‬
‫فيها خسارة واضاعة رأس الال‪ ..‬ث ف اسناد الفعل ال التجارة مع ان الصل "فما ربوا ف‬
‫تارتم" اشارة ال ان تارتم هذه بميع أجزائها وكل أحوالا وقاطبة وسائطها ل فائدة فيها ل‬
‫جزئيا ول كليا؛ ل كبعض التجارات الت ليكون ف مصلها وفذلكتها ربح‪ ،‬ولكن ف أجزائها‬
‫فوائد‪ ،‬ولوسائط خدمتها استفادات‪ ..‬أما هذه فشرّ مض وضرر بت‪ .‬ونظي هذا السناد "نامَ‬
‫َليْلُهُ"بدل "نام ف الليل"؛ اذ الول يفيد ان ليله أيضا ساكن وساكت كالنائم ل يرّك ليلته شئ‬
‫ول يوّجه طارق‪.‬‬

‫وأما جلة (وما كانوا مهتدين) أي كما خسروا وأضاعوا الال؛ كذلك قد اضلوا الطريق‪ ،‬فترشيح‬
‫وتزيي كسابقتها لسلوب "اشتروا"‪ ..‬وأيضا فيها رمز خفيّ ال "هدى للمتقي" ف رأس‬
‫السورة‪ .‬كأنه يقول‪ :‬اعطى القرآن الكري الداية فما قبل هؤلء‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪113 :‬‬

‫ت مَا َحوْلَهُ‬
‫َمثَُلهُمْ كَ َمثَ ِل الّذِي اسَْتوْقَ َد نَارا َفلَمّا اَضَاءَ ْ‬

‫ت لُيْبصِروُن ‪ 17‬صُ ّم ُبكْ ٌم عُ ْميٌ‬


‫َذ َهبَ ال بِنُو ِرهِ ْم َوتَرَ َكهُمْ فِي ظُلُما ٍ‬

‫جعَلُونَ اَصَاِب َعهُمْ فِي اذَاِنهِمْ‬


‫ق يَ ْ‬
‫ت وَ َرعْ ٌد َوبَ ْر ٌ‬
‫ب مِنَ السّماءِ فِيهِ ظُلُما ٌ‬
‫َفهُ ْم ل َيرْ ِجعُونَ ‪َ 18‬اوْ َكصَّي ٍ‬
‫ط بِالْكَافِرِينَ ‪19‬‬ ‫صوَاعِقِ حَ َذ َر الْمَوتِ وَال مُحِي ٌ‬‫مِ َن ال ّ‬

‫شوْا فِيهِ َواِذَا اَظَْل َم عََلْيهِمْ‬


‫ف َاْبصَا َرهُمْ كُلّما اَضَاءَ َلهُ ْم مَ َ‬
‫ق يَخْطَ ُ‬
‫َيكَا ُد اْلبَ ْر ُ‬

‫ب بِسَ ْم ِعهِ ْم َواَْبصَا ِرهِ ْم اِنّ ال‬


‫قَامُوا وََلوْ شَاءَ ال َل َذهَ َ‬

‫عَلى كُلّ شيْءٍ قَديرٌ ‪20‬‬


‫إعلم! ان أساس اعجاز القرآن الكري ف بلغة نظمه‪ .‬وبلغة النظم على قسمي‪:‬‬

‫قسم كاللية وقسم كاللّة‪:‬‬

‫فالول‪ :‬كالللئ النثورة والزينة النشورة والنقش الرصع‪ .‬ومعدنه الذي يتحصل منه هو توخّي‬
‫العان النحوية الرفية فيما بي الكلم‪ ،‬كإذابة الذهب بي أحجار فضة‪ .‬وثرات هذا النوع هي‬
‫اللطائف الت تعهد بيانا فن العان‪..‬‬

‫والقسم الثان‪ :‬هو كلباس عال وحلة فاخرة قدّت من اسلوب على مقدار قامات العان‪ ،‬وخيطت‬
‫من قطعات خيطا منتظما فيلبس على قامة العن أو القصة أو الغرض دفعة‪ .‬وصناع هذا القسم‬
‫والتكفل به فن البيان‪ ..‬ومن أهم مسائل هذا القسم التمثيل‪ .‬ولقد أكثر القرآن الكري من‬
‫التمثيلت ال ان بلغت اللف؛ لن ف التمثيل سرا لطيفا وحكمة عالية؛ اذ به يصي الوهم مغلوبا‬
‫للعقل‪ ،‬واليال مبورا للنقياد للفكر‪ ،‬وبه يتحول الغائب حاضرا‪ ،‬والعقول مسوسا‪ ،‬والعن‬
‫مسما‪ ،‬وبه يعل التفرق مموعا‪ ،‬والختلط متزجا‪ ،‬والختلف متحدا‪ ،‬والنقطع متصل‪ ،‬والعزل‬
‫مسلّحا‪ .‬وان شئت التفصيل فاستمع معي لا يترن به صاحب دلئل العجاز ف أسرار بلغته ‪1‬؛‬
‫حيث قال‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اسرار البلغة لعبد القاهر الرجان (التوف ‪471‬هـ)‪ .‬طبع عدة طبعات منها ف مطبعة‬
‫الستقامة سنة ‪ 1948‬بصر وكتب حواشيه الستاذ احد مصطفى الراغي‪ ،‬والفصل الذكور هو‬
‫ف ص ‪ 128‬من الطبعة الذكورة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪114 :‬‬

‫فصل ف مواقع التمثيل وتأثيه‬


‫اعلم! ان ما اتفق العقلء عليه‪ :‬ان التمثيل اذا جاء ف أعقاب العان أو برزت هي باختصار ف‬
‫معرضه‪ ،‬ونقلت عن صورها الصلية ال صورته‪،‬كساها ابةً‪ ،‬وكسبها منقبةً‪ ،‬ورفع من أقدارها‪،‬‬
‫وشب من نارها‪ ،‬وضاعف قواها ف تريك النفوس لا‪ ،‬ودعا القلوب اليها‪ ،‬واستثار لا من‬
‫أقاصي الفئدة صبابة وكلفا‪ ،‬وقسر الطباع على أن تعطيها مبة وشغفا‪.‬‬

‫فان كان مدحا كان أبى وأفخمَ‪ ،‬وأنبلَ ف النفوس وأعظمَ‪ ،‬وأهزّ للعِطْف‪ ،‬وأسرعَ لللف‪،‬‬
‫وأجلبَ للفرح‪ ،‬وأغلبَ على المتدح‪ ،‬وأو َجبَ شفاعة للمادح‪ ،‬واقضى له بغ ّر الواهب والنائح‪،‬‬
‫وأس َي على اللسن واذكرَ‪ ،‬وأول بان تعلقه القلوب وأجدرَ‪.‬‬

‫وإن كان ذماًْ كان مَسّه أوجعَ‪ ،‬ومِيسمه ألذَع‪ ،‬ووقعه أشدّ‪ ،‬وحدّه احدّ‪.‬‬

‫وإن كان حجاجا كان برهانه انورَ‪ ،‬وسلطانه اقهرَ‪ ،‬وبيانه ابَر‪.‬‬

‫وإن كان افتخارا كان شأوه ابعدَ‪ ،‬وشرفه اجدّ‪ ،‬ولسانه ألدّ‪.‬‬

‫وإن كان اعتذارا كان ال القلوب اقربَ‪ ،‬وللقلوب أخلبَ‪ ،‬وللسخائم اسلّ‪ ،‬ولغرب الغضب‬
‫افلّ‪ ،‬وف ُعقَد العقود انفثَ‪ ،‬وعلى حسن الرجوع أبعثَ‪ .‬وإن كان وعظا كان أشفى للصدر‪،‬‬
‫وادعى ال الفكر‪ ،‬وأبلغ ف التنبيه والزجر‪ ،‬وأجدر بأن يَجْلي الغياية (‪ ، )1‬ويبصر الغاية‪ ،‬ويبئ‬
‫العليل‪ ،‬ويشفي الغليل‪ ...‬وهكذا الكم اذا استقريت فنون القول وضروبه‪ ،‬وتتبعت أبوابه‬
‫وشعوبه‪( .‬انتهى)‪..‬‬

‫ث ان ف اليات التية دلئل اعجاز واسرار بلغة فذكرناها هنا لناسبتها لسائل القدمة التية‪.‬‬

‫فمثال التمثيل ف مقام الدح ما ذكره القرآن الكري ف وصف الصحابة من‪:‬‬

‫(‪ )1‬الغياية‪ :‬ضوء شعاع الشمس‪ ،‬قعر البئر‪ ،‬وكل ما أظل النسان كالسحابة والغبة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪115 :‬‬

‫جبُ الزّرّاعَ)(‪)1‬‬
‫ج شَ ْطئَهُ فَا َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِ ِه ُيعْ ِ‬
‫ع اَ ْخرَ َ‬
‫( َومَثَل ُهمْ فِي ا ْلنْجِيلِ كَزَ ْر ٍ‬
‫وقس نظائره‪..‬‬
‫وف مقام الذم‪:‬‬

‫(فَ َمثَلُهُ كَ َمثَ ِل اْلكَ ْلبِ ان تَحْمِل عَلَيه يَ ْل َهثْ أو تَتْركْه يَ ْل َهثْ)(‪ )2‬و ( َمثَل الذين حُمّلوا التورية ث ل‬
‫حمِلُ أسفارا)(‪ )3‬و (ِانّا َجعَ ْلنَا ف اَ ْعنَاِقهِ ْم اَ ْغلَلً َفهِ َي اِلَى الْذْقَانِ َفهُمْ‬
‫يملوها كَ َمثَ ِل الِما ِر يَ ْ‬
‫ُمقْمَحُونَ)(‪ )4‬وقس‪.‬‬

‫وف مقام الحتجاج والستدلل‪:‬‬

‫( َمثَلهم كمثل الذي استَوقَدَ نارا) و (او َكصَّيبٍ مِن السماءِ فيه ظُلُماتٌ ال آخره و و َمثَلُ الذين‬
‫كفروا كَمَثلِ الذي َيْنعِق با ل يسمع الّ دعا ًء ونداءً)(‪ )5‬و (مثل الذين اتذوا مِن دون ال اولياءَ‬
‫ت بيتا)(‪ )6‬و (أنزل من السماء ماءً فسالتْ أوديةٌ بقَدَرها فاحتملَ السيلُ‬ ‫كمث ِل العنكبوتِ اتذ ْ‬
‫زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاءَ حليةٍ أو متاع َزبَ ٌد ِمثْلُه)(‪ )7‬و (ضَرَبَ ال مثلً رجلً‬
‫ل سَلَما ِلرَجُ ٍل هل يستويان مثل)(‪ )8‬وقس عليه‪.‬‬ ‫فيه شركا ُء ُمتَشاكِسون ور ُج ً‬

‫ونظي مثال الفتخار ‪ -‬وان ل يسمّ افتخارا ‪ -‬بيان عظمته تعال وكمالته اللية قوله تعال‪:‬‬
‫ت ِبيَمِينِهِ سبحانه‬
‫ضتُه يومَ القيامةِ والسمواتُ مطويّا ٌ‬
‫(وما َقدَرُوا ال حَقّ َقدْرِه والرضُ جَميعا َقْب َ‬
‫وتعال عما يشركون)(‪ )9‬وقس عليه‪.‬‬

‫ومثال التمثيل ف مقام العتذار ليوجد ال حكايات أهل العذار الباطلة للحتجاج عليهم‬
‫كقوله‪:‬‬

‫(وقالوا قُلُوبُنا ف اكنّة ما تدعونا اليه وف اذانِنا وَقْ ٌر ومِ ْن بَيننا وبينك حِجَابٌ)(‪ )10‬وقس‪...‬‬

‫ومن الشعر‪:‬‬

‫ص مَذبُوحا مِ َن الْلَمِ‬
‫سبُوا اَنّ رَ ْقصِي بْيَنكُ ْم طَرَبٌ فَال ّطيْ ُر يَرُْق ُ‬
‫لتَحْ َ‬

‫(‪ )1‬سورة الفتح‪.29 :‬‬

‫(‪ )2‬سورة العراف‪.176 :‬‬


‫(‪ )3‬سورة المعة‪.5 :‬‬

‫(‪ )4‬سورة يس‪.8 :‬‬

‫(‪ )5‬سورة البقرة‪.171 :‬‬

‫(‪ )6‬سورة العنكبوت‪.41 :‬‬

‫(‪ )7‬سورة الرعد‪.17 :‬‬

‫(‪ )8‬سورة الزمر‪.29 :‬‬

‫(‪ )9‬سورة الزمر‪.67 :‬‬

‫(‪ )10‬سورة فصلت‪.5 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪116 :‬‬

‫ومثاله من الوعظ ف وصف نعيم الدنيا ما ذكره القرآن الكري من‪:‬‬

‫جبَ الكفار نَبَاتُه ث يَهيجُ فتريــه ُمصْفرّا ث يكون حُطاما)(‪ )1‬و (أَلَم تَرَ ان‬ ‫ث أعْ َ‬‫(كمثل َغيْ ٍ‬
‫ج بهِ زَرْعا مُختلفا ألوانُه)(‪ )2‬و (ِانّا‬ ‫ال انزَل مِن السماءِ ماءً فَسَلكه ينابيعَ ف الرضِ ث يُخرِ ُ‬
‫ض والبا ِل فَأَبيْنَ أ ْن يَحْ ِم ْلنَها وأشفقنَ مِنها وحَ َملَها الِنسانُ‬
‫ت والر ِ‬ ‫عَرَضْنا المانةَ على السموا ِ‬
‫شَيةِ‬
‫إِنه كا َن ظَلُوما َجهُولً)(‪ )3‬و (لو أنزلْنا هذا القرآنَ على َجبَلٍ لرأيتَهُ خاشِعا ُمتَصَدّعا مِن خَ ْ‬
‫ك المثا ُل َنضْ ِربُها للناسِ َلعَّلهُم َيَتفَكّرونَ)(‪ )4‬و (فَمَاَلهُ ْم عَن التَذْكِ ِر ِة ُمعْرِضِيَ _ كَأنُم‬ ‫ال وتِل َ‬
‫سوَرة)(‪ )5‬و (مثل الذين يُنفِقونَ أَمواَلهُمْ ف سبيل ال كَمَثلِ حَبةٍ‬ ‫ت مِن قَ ْ‬
‫حَ ُم ٌر مُسَتنْفِرةٌ _ َفرّ ْ‬
‫ت َسبْ َع سنابلَ ف ك ّل ُسنْبلة مائةُ َحبّة)( ‪ )6‬و (كمثل َجنّة بِ َربْوة اَصابا وابل)(‪.. )7‬‬ ‫اَْنَبتَ ْ‬

‫وف احباط العمل الصال باليذاء والرياء‪:‬‬


‫(َأيَوَدّ أَحَدُكُم أن تكون له جن ٌة مِن نَخي ٍل وَأعْنابٍ تري من تتها النارُ له فيها مِن ك ّل الثّمَراتِ‬
‫ضعَفاء فأصابَها إعصارٌ فيه نارٌ فا ْحتَرََقتْ)(‪ )8‬و(مثلُ الذينَ َكفَروا بِ َرّبهِمْ‬
‫وأَصابَه الكِبَرُ وله ذُريةٌ ُ‬
‫ف ليَقدِرو َن مِما كَسَبوا عَلى شيءٍ ذلك هو‬ ‫ت به الريحُ ف يومٍ عاص ٍ‬ ‫اعمالُهم َكرَما ٍد اشتد ْ‬
‫الضل ُل البعيدُ)(‪. )9‬‬

‫ومثاله من طبقات الكلم ف مقام الوصف‪:‬‬

‫(ثّ استوى ال السما ِء وهي دخانٌ فقا َل لا وللرض ائتيا طَوْعا أو كرها قَالتا َأَتيْنا طائِعي)(‪)10‬‬
‫ض ابلَعي ماءَك ويا سا ُء اقلعي وغيضَ الاء وُقضِيَ المر واستوتْ على الُوديّ وقيلَ‬ ‫و (قي َل يا أر ُ‬
‫ضرَبَ ال َمَثلً كلم ًة طَّيَبةً كَشَجَر ٍة َطيَّبةٍ اصلُها ثابتٌ‬
‫بُعدا للقومِ الظالِمي)(‪ )11‬و (اَلَ ْم تَرَ كيفَ َ‬
‫ي بإِذنِ َربّها)(‪ )12‬و (ومثلُ كلم ٍة خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ‬ ‫وفرعُها ف السماء _ تُؤت أُكُلَها كلّ حِ ٍ‬
‫ض مَالَها مِن قَرارٍ)(‪.. )13‬‬
‫ت مِن فوقِ الر ِ‬‫اجتُّث ْ‬

‫(‪ )1‬سورة الديد‪.20 :‬‬

‫(‪ )2‬سورة الزمر‪.21 :‬‬

‫(‪ )3‬سورة الحزاب‪.72 :‬‬

‫(‪ )4‬سورة الشر‪.21 :‬‬

‫(‪ )5‬سورة الدثر‪.51 ،50 ،49 :‬‬

‫(‪ )6‬سورة البقرة‪.261 :‬‬

‫(‪ )7‬سورة البقرة‪.265 :‬‬

‫(‪ )8‬سورة البقرة‪.266 :‬‬

‫(‪ )9‬سورة ابراهيم‪.18 :‬‬

‫(‪ )10‬سورة فصلت‪.11 :‬‬


‫(‪ )11‬سورة هود‪.44 :‬‬

‫(‪ )12‬سورة ابراهيم‪.25 ،24 :‬‬

‫(‪ )13‬سورة ابراهيم‪.26 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪117 :‬‬

‫ومن الشعر‪:‬‬

‫والليل تري الدراري ف مرته كالروض تطفو على نر ازاهيه(‪)1‬‬

‫ب متنوعة‪ .‬ك ٌل منها‬


‫ت ومراتبَ وصورا وأسالي َ‬
‫اعلم! ان ف كل آية من هذه اليات التمثيلية طبقا ٍ‬
‫‪ -‬ف ك ٍل منها ‪ -‬كفيل وضامن لطائفة من القائق‪ .‬وكما انك اذا أخذت قوارير من فضة‬
‫وزيّنتها بذوب الذهب‪ ،‬ث نقشتها بواهرَ‪ ،‬ث صيّرتا ذوات نور(‪ )2‬بإدراج "الكتريق"(‪ )3‬ترى‬
‫فيها طبقات حسن وانواعَ زينة؛ كذلك ف كل من تلك اليات من القصد الصليّ ال السلوب‬
‫التمثيليّ قد شرعت اشارات ومُدّت رموز ال مقامات كأن أصل القصد تدحرج على الراتب‬
‫وأخذ من كلٍ لونا وحصة حت صارت تلك الكلمات من جوامع الكلمات بل من جع الوامع‪.‬‬

‫فصـل ومقدمــة‬

‫اعلم! ان التكلم كما يفيد العن ث ُي ْقنِع العقل بواسطة الدليل؛ كذلك يلقي ال الوجدان حسّيا ٍ‬
‫ت‬
‫بواسطة صور التمثيل فيحرك ف القلب اليل أو النفرة ويهيئُه للقبول‪ .‬فالكلم البليغ ما استفاد منه‬
‫العقل والوجدان معا‪ ،‬فكما يتداخل ال العقل يتقطر ال الوجدان أيضا‪ .‬والتكفل لذين الوجهي‬
‫التمثيلُ؛ اذ هو يتضمن قياسا وينعكس به ف مرآة المثل القانون الندمج ف المثل به‪ .‬فكأنه‬
‫دعوى مدلّل‪ .‬كما تقول ف رئيس يكابد البليا لراحة رعيته‪( :‬البل العال يتحمّل مشاقّ الثلج‬
‫والبَرَد‪ ،‬وتضرّ من تته الودية)‪.‬‬
‫ث ان أساس التمثيل هو التشبيه‪ .‬ومن شأن التشبيه تريك حسّ النفرة أو الرغبة أو اليلن أو‬
‫الكراهية أو الية أو اليبة؛ فقد يكون للتعظيم أو التحقي أو الترغيب أو التنفي أو التشويه أو‬
‫التزيي أو التلطيف ال آخره‪ ...‬فبصورة السلوب يوقَظ الوجدان وينبّه السّ بيلٍ أو نفرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬قائله ابن النبيه الصرى ف مدح اليوبيي توف سنة ‪619‬هـ‪.‬‬

‫(‪ )2‬ذوات انوار (ش)‪.‬‬

‫(‪ )3‬الكهرباء‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪118 :‬‬

‫ث ان ما يوّج ال التمثيل عمق العن ودقته ليتظاهر بالتمثيل‪ ،‬أو تفرّق القصد وانتشاره ليتبط‬
‫به‪ .‬ومن الوّل متشابات القرآن الكري؛ اذ هي عند أهل التحقيق نوع من التمثيلت العالية‬
‫وأساليب لقائق مضة ومعقولت صرفة؛ ولن العوام ليتلقون القائق ف الغلب ا ّل بصورة‬
‫متخيلة‪ ،‬ول يفهمون العقولت الصرفة ا ّل بأساليب تثيلية ل يكن ب ّد من التشابات كـ‬
‫(ِاسْتوى عَلَى اْلعَ ْرشِ)(‪ )1‬لتأنيس اذهانم ومراعاة أفهامهم‪.‬‬

‫س اَساس البلغة مقدّمة لبيان اعجاز القرآن‬


‫ث ان استخرجت ‪ -‬فيما مضى من الزمان ‪ -‬من ا ّ‬
‫الكري ثنت عشرة مسألة‪ .‬كل منها خيط لقائق(‪ . )2‬ولا ذكرت هذه اليات التمثيلية هنا ‪-‬‬
‫دفع ًة ‪ -‬ناسب تلخيص تلك السائل فنقول وبال التوفيق‪:‬‬

‫السألة الول‪:‬‬

‫ان منشأ نقوش البلغة انا هو نظم العان دون نظم اللفظ كما جرى عليه اللفظيون التصلفون‪،‬‬
‫وصار حب اللفظ فيهم مرضا مزمنا ال ان رد عليهم عبد القاهر الرجان(‪ )3‬ف دلئل العجاز‬
‫واسرار البلغة‪ ،‬وحصر على الناظرة معهم أكثر من مائة صحيفة‪.‬‬
‫ونظ ُم العان‪ :‬عبارة عن توخي العان النحوية فيما بي الكلمات‪ .‬اي اذابة العان الرفية بي‬
‫الكلم لتحصيل النقوش الغريبة‪ .‬وان أمعنت النظر لرأيت ان الجرى الطبيعيّ للفكار والسيات‬
‫انا هو نظم العان‪ .‬ونظم العان هو الذي يشيّد بقواني النطق‪ ..‬وأسلوب النطق هو الذي‬
‫يتسلسل به الفكر ال القائق‪ ..‬والفكر الواصل ال القائق هو الذي ينفذ ف دقائق الاهيات‬
‫ونسبها‪ ..‬ونسب الاهيات هي الروابط للنظام الكمل‪ ..‬والنظام الكمل هو الصَدَف للحُسن‬
‫الجرد الذي هو منبع كل حسن‪ ..‬والسن الجرد هو الروضة لزاهي البلغة الت تسمى لطائف‬
‫ومزايا‪ ..‬وتلك النة الزهرة هي الت يول ويتنّه فيها البلبل السمّاة بالبلغاء وعشاق الفطرة‪..‬‬
‫واولئك البلبل نغماتم اللوة اللطيفة انا تتولد من تقطيع الصدى الروحان النتشر من أنابيب‬
‫نظم العان‪.‬‬

‫(‪ )1‬سورة العراف‪.54 :‬‬

‫(‪ )2‬القصود القالة الثانية من كتاب (ماكمات "عقلية") ‪ -‬الصيقل السلمي‪.‬‬

‫(‪( )3‬ت ‪471‬هـ ‪1078 /‬م) اِمام ف اللغة والبلغة‪ ،‬له مصنفات منها‪ :‬كتاب الغن (‪30‬‬
‫ملد) القتصد (‪ 3‬ملدات) اعجاز القرآن‪ ،‬الفتاح‪ ،‬دلئل العجاز‪ ،‬اسرار البلغة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪119 :‬‬

‫والاصل‪ :‬ان الكائنات ف غاية البلغة قد أنشأها وأنشدها صانعُها فصيحةً بليغة‪ ،‬فكل صورة‬
‫وكل نوع منها ‪ -‬بالنظام الندمج فيه ‪ -‬معجزة من معجزات القدرة‪ .‬فالكلم اذا حذا حذو‬
‫الواقع‪ ،‬وطابق نظمُه نظامَه حاز الزالة بذافيها‪ .‬والّ فإن توجّه ال نظم اللفظ وقعَ ف التصنع‬
‫والرياء كأنه يقع ف أرض يابسة وسراب خادع‪.‬‬

‫والسرّ ف النراف عن طبيعة البلغة انه‪:‬‬

‫لا انذب واستعرب العجم باذبة سلطنة العرب صارت صنعة اللفظ عندهم اهمّ‪ ،‬وفسد‬
‫ي الت هي أساس بلغة القرآن الكري‪ ،‬وتلون معكس أساليب‬
‫بالختلط َملَكة الكلم ا ُلضَر ّ‬
‫القرآن الكري؛ وانا معدنا من حسّيات قوم " ُمضَر" ومزاجهم‪ .‬فاستهوى حب اللفظ كثي من‬
‫التأخرين‪.‬‬

‫تذييل‪ :‬تزيي اللفظ انا يكون زينة اذا اقتضته طبيع ُة العان‪ .‬وشعشعة صورة العن انا تكون‬
‫حشمةً له اذا أَذِن به الآل‪ .‬وتنوير السلوب انا يكون جزالة اذا ساعده استعدادُ القصود‪ .‬ولطافة‬
‫التشبيه انا تكون بلغة اذا تأسّست على مناسبة القصود وارتضى به الطلوب‪ .‬وعظم ُة اليال‬
‫وجولنُه انا تكون من البلغة اذا ل تؤل القيقةَ ول تثقل عليها ويكون اليال مثال للحقيقة‬
‫متسنبل عليها‪ .‬وان شئت المثلة الامعة لتلك الشرائط فعليك بتلك اليات التمثيلية الذكورة‪.‬‬

‫السألة الثانية‪:‬‬

‫ان السحر البيان اذا تلى ف الكلم صيّر العراض جواه َر والعانَ أجساما والمادات ذواتِ‬
‫أرواح والنباتاتِ عقلءَ‪ ،‬فيوقِع بينها ماورة قد تنجرّ ال الخاصمة‪ ،‬وقد تُوصل ال الطايبة فترقص‬
‫المادات ف نظر اليال‪ .‬وان شئت مثال فادخل ف هذا البيت‪.‬‬

‫خَتصِ ُم المَا ُل وَاْليَأْسُ ف صَدْرِي(‪)1‬‬


‫حتِ مَ ْطلِهِ َفتَ ْ‬
‫ُينَاجِين الِ ْخلَفُ مِنْ تَ ْ‬

‫او استمع معاشقة الرض مع الطر ف‪:‬‬

‫(‪)1‬لبن العتز (دلئل العجاز ص ‪ )61‬وف ديوان ابن العتز‪ :‬تاذبن الطراف بالوصل‬
‫والقلى‪ ...‬ص ‪.226‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪120 :‬‬

‫ف مَا َءهُ َرشْفَ الرُضاب (‪)1‬‬


‫تَشَكّى الْ ْرضُ َغْيبَتَ ُه اِلَيْ ِه َوتَ ْرشُ ُ‬

‫فهذه الصورة انا تسنبلت على تصوّت الرض اليابسة بنول الطر بعد تأخر‪ .‬ولبد ف كل خيال‬
‫من نواة من القيقة نظي هذا الثال‪ ،‬ولبد ف زجاجة كل ماز من سراج القيقة‪ ،‬وا ّل كانت‬
‫بلغته اليالية خرافة بل عرق ل تفيد الّ حية‪.‬‬
‫السألة الثالثة‪:‬‬

‫اعلم! ان كمال الكلم وجاله وحُلته البيانية باسلوبه‪ .‬واسلوبه صورة القائق وقالب العان التخذ‬
‫من قطعات الستعارة التمثيلية‪ .‬وكأن تلك القطعات "سيِمُوطُوغْرَاف" (‪ )2‬خيالّ؛ كإراءة لفظ‬
‫"الثمرة" جنتها وحديقتها‪ .‬ولفظ "بارز" معركة الرب‪ .‬ث ان التمثيلت مؤسسة على سرّ‬
‫الناسبات بي الشياء‪ ،‬والنعكاسات ف نظام الكائنات‪ ،‬واخطار امور امورا؛ كإخطار رؤية‬
‫اللل ف الثريا ف ذهن ابناء النخلة غصنَها البيض بالقدم التقوس بتدل العنقود (‪ .)3‬وف التنيل‬
‫(حَت عادَ كالعُرجُون القدي ) (‪.)4‬‬

‫ث ان فائدة اسلوب التمثيل كما ف اليات الذكورة هي‪ :‬ان التكلم بواسطة الستعارة التمثيلية‬
‫يُظهر العروق العميقة‪ ،‬ويوصل العان التفرقة‪ .‬واذا وضع بيد السامع طرفا امكنَ له ان ي ّر الباقي‬
‫ال نفسه‪ ،‬وينتقل اليه بواسطة التصال‪ ،‬فبؤية بعضٍ يتدرج شيئا فشيئا ‪ -‬ولو مع ظلمة ‪ -‬ال‬
‫تامه‪ .‬فمن سِع من الوهريّ ما قال ف وصف الكلم البليغ‪" :‬الكلم البليغ ما ثقبته الفكرةُ"‪..‬‬
‫ومن المّار ما قال فيه‪" :‬ما طُبخ ف مراجل العلم"‪ ..‬ومن المّال ما قال فيه‪" :‬ما اخذتَ بطامه‬
‫ختَهُ ف َمبْرك العن" ينتقل ال تام القصد بلحظة الصنعة‪.‬‬
‫واَنَ ْ‬

‫ن الساكنة ف زوايا‬
‫ث ان الكمة ف تشكل السلوب هي‪ :‬ان التكلم بارادته ينادي ويوقظ العا َ‬
‫القلب كأنا حفاة عراة‪ .‬فيخرجون ويدخلون اليال‪ ،‬فيلبسون ما‬

‫(‪ )1‬للمتنب ف ديوانه ‪.1/263‬‬

‫(‪ )2‬الكتابة التحركة‪ ،‬اصلها‪ :‬سينماطوغراف ث اختصرت ال سينما‪.‬‬

‫(‪ )3‬لعل الستاذ يقصد قول قيس بن خطيم‪:‬‬

‫وقد لح ف الصبح الثريا لن رأى كعنقود ملحيّه حي نوّرا‬

‫او قول ابن العتز‪:‬‬

‫وارى الثريا ف السماء كأنا قدم تبدت من ثياب حداد‬


‫(‪ )4‬سورة يس‪.39 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪121 :‬‬

‫يدون من الصور الاضرة بسبب الصنعة أو التوغل أو اللفة أو الحتياج‪ ،‬ول أقل من لفّ منديلٍ‬
‫من تلك الصنعة برأسه‪ ،‬أو النصباغ بلون مّا‪ .‬وما تده ف ديباجة الكتب من براعة الستهلل‬
‫من اظهر امثلة هذه السألة‪.‬‬

‫ث ان اسلوب الكلم قد يكون باعتبار خيال الخاطَب كما ف أساليب القرآن الكري فل تنسَ‪ .‬ث‬
‫ان مراتب السلوب متفاوتة فبعضها ارقّ من النسيم اذا سرى يرمز اليه بيئات الكلم‪ .‬وبعضها‬
‫اخفى من دسائس الرب ليشمه الّ ذو دهاء ف الرب؛ كاستشمام الزمشري(‪ )1‬من (مَنْ‬
‫يُحْيي اْلعِظَا َم َوهِيَ َرمِيمٌ)(‪ )2‬اسلوب "مَن يبز ال اليدان"‪ .‬وان شئت فتأمل ف اليات الذكورة‬
‫تر فيها مصداق هذه السائل بألطف وجه‪ .‬وان شئت زُ ِر المامَ البوصييّ(‪ )3‬وانظر كيف كتب‬
‫"رَ َجَتتَهُ"(‪ )4‬باسلوب الكيم ف قوله‪:‬‬

‫ت مِ َن الْمَحَا ِر ِم وَالْ ِزمْ حِ ْمَي َة النّدَم‬


‫وَا ْستَفْرغِ ال ّدمْ َع مِ ْن َعيْنٍ قَ ِد ا ْمتَلَ ْ‬

‫ورمز ال السلوب بلفظ المية‪ .‬او استمع هدهد سليمان كيف أومأ ال هندسته(‪ )5‬بقوله‪( :‬الّ‬
‫خبْءَ ف السّموَاتِ والرضِ)(‪. )6‬‬
‫خرِج الْ َ‬
‫يَسْجُدُوا ل الّذِي يُ ْ‬

‫السألة الرابعة‪:‬‬

‫اعلم! ان الكلم انا يكون ذا قوّة وقدرة اذا كان اجزاؤه مصداقا لا قيل‪:‬‬

‫جمَا ِل يُشي‬
‫ك وَاحِ ٌد وَكُ ّل اِلَى ذَاكَ الْ َ‬
‫سنُ َ‬
‫ِعبَاراتُنا شَت وَح ْ‬

‫(‪ )1‬هو ابو القاسم ممود بن عمر بن ممد الزمشرى جار ال‪ .‬ولد بزمشر سنة ‪467‬هـ‪،‬‬
‫توف بعد رجوعه من مكة الكرمة سنة ‪538‬هـ‪ .‬إمام عصره ف اللغة والتفسي‪ ،‬له "الكشاف‬
‫عن حقائق التنيل " و "الفائق ف غريب الديث " و "الفصل ف النحو " و "اساس البلغة "‬
‫وغيها‪.‬‬

‫(‪ )2‬سورة يس‪.78 :‬‬

‫(‪698 - 608( )3‬هـ) ممد بن سعيد بن حاد بن عبدال البوصيي الصري‪ .‬شاعر‪ ،‬حسن‬
‫الديباجة‪ ،‬مليح العان‪ ،‬له ديوان شعر مطبوع‪ ،‬واشهر شعره البدة الشهورة بـ "بردة الديح‬
‫" (كشف الظنون ‪ 1/288‬العلم ‪.)6/139‬‬

‫(‪ )4‬وصفة طبية‪.‬‬

‫(‪ )5‬ومعرفته الاء تت الرض (الكشاف)‪.‬‬

‫(‪ )6‬سورة النمل‪.25 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪122 :‬‬

‫بان تتجاوب قيودات الكلم ونظمه وهيئته‪ ،‬ويأخذ كلٌ بيد الخر ويظاهره‪ ،‬ويد ك ٌل بقَدَرِه‬
‫ض الكليّ مع ثراته الصوصية‪ .‬كأن الغرض الشترك حوض يتشرب من جوانبه الرطبة‪،‬‬ ‫الغر َ‬
‫فيتولد من هذه الجاوبة العاونةَ‪ ،‬ومنها النتظام‪ ،‬ومنه التناسب‪ ،‬ومنه السن والمال الذات‪.‬‬
‫وهذا السر من البلغة يتلل من مموع القرآن ل سيما ف (الـم _ ذلك الكتاب لريب فيه‬
‫هدى للمتقي) كما سعتَه مع التنظي بقوله‪( :‬ولئن مسّتهم نفحةٌ من عذاب ربك)(‪. )1‬‬

‫السألة الامسة‪:‬‬

‫اعلم! ان غناء الكلم وثروته ووسعته هو انه كما أن أصل الكلم يفيد أصل القصد؛ كذلك‬
‫كيفياته وهيئاته ومستتبعاته تشي وترمز وتلوحال لوازم الغرض وتوابعه وفروعه‪ ،‬فكأنا تتراءى‬
‫طبقة بعد طبقة ومقاما خلف مقام‪ .‬وان شئت مثال تأمل ف (واذا قيل لم لتفسدوا ف الرض)‬
‫ال آخره‪ .‬و(واذا لقوا الذين آمنوا) ال آخره‪ ،‬على الوجه الفسّر سابقا‪.‬‬
‫السألة السادسة‪:‬‬

‫اعلم! ان العان الجتناة من خريطة الكلم الأخوذة النقوشة "بفُو ُطغْراف" التلفظ على أنواع‬
‫س به وليُرى‪ ..‬وبعضها كالبخار يُرى ول ُيؤْخذ‪..‬‬ ‫متلفة ومراتب متفاوتة‪ .‬فبعضها كالواء يُح ّ‬
‫وبعضها كالاء يُؤخذ ولينضبط‪ ..‬وبعضها كالسبيكة ينضبط وليتعي‪ ..‬وبعضها كالدّ ّر النتظم‬
‫والذهب الضروب يتشخص‪ ،‬ث بتأثي الغرض والقام قد يتصلب الوائي‪ .‬وقد تعتور على العن‬
‫الواحد الالت الثلث‪ .‬أل ترى انه اذا أثر أمر خارجي ف وجدانك يتهيج قلبُك؟ فيثي السيات‬
‫فيتطاير معا ٍن هوائية فيتولد ميولٌ‪ ،‬ث يتحصل بعضها‪ ،‬ث يتشكل من ذلك البعض قسم‪ ،‬ث ينعقد‬
‫من ذلك القسم بعض‪ .‬ففي كل من هذه الطبقات يتوضع وينعقد البعض‪ ،‬ويبقى البعض الخر‬
‫معلّقا كمعلقية بعض الصوت عند تشكل الروف‪ ،‬والتب عند انعقاد البوب‪ .‬فمن شأن البليغ‬
‫ان يفيد بصريح الكلم ما تعلق به الغرضُ واقتضاه القام‪ ،‬وطلبه الخاطب‪ .‬ث ييل الطبقات الُخر‬
‫‪ -‬بقدار نسبة درجة القرب من الغرض ‪ -‬على دللة القيود‪ ،‬واشارة الفحوى‪ ،‬ورمز الكيفيات‪،‬‬
‫وتلويح مستتبعات‬

‫(‪ )1‬سورة النبياء‪.46 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪123 :‬‬

‫التراكيب‪ ،‬وتلميح الساليب‪ ،‬وإياء أطوار التكلم‪ .‬ث ان من تلك العان العلقة معان حرفية‬
‫هوائية ليس لا ألفاظ مصوصة‪ ،‬ول لا وطن معي بل كالسيّاح السيّار؛ قد يستتر ف كلمة وقد‬
‫ض ْعتُها ُانْثى)(‪)1‬‬
‫يتشربه كلم وقد يتداخل ف قصة‪ ،‬فان عصرتَ تقطّر‪ .‬كالتحسر ف (ِانِي وَ َ‬
‫شبَابَ‪ ..‬ال)‪ .‬والشتياق والتمدح والطاب والشارة والتأل والتحي‬ ‫والتأسف ف (َلْيتَ ال ّ‬
‫والتعجب والتفاخر وغي ذلك‪ .‬ث ان شرط حسن العاشرة بي تلك العان التزاحة تقسيم العناية‬
‫والهتمام على نسبة خدمتها للغرض الساسيّ‪ .‬وان شئت مثالً لذه السألة فمن رأس السورة ال‬
‫هنا مثال بيّن على الوجه الشروح سابقا‪.‬‬

‫السألة السابعة‪:‬‬
‫اعلم! ان اليال الندمج ف اسلوب لبد ان يتسنبل على نواة حقيقة‪ ،‬ويكون كالرآة ف ان‬
‫ي والعلل الندرجة ف سلسلة الارجيات‪.‬‬ ‫ينعكس به ‪ -‬ف العنويات ‪ -‬القوان ُ‬

‫وفلسفة النحو الت هي الناسبات الذكورة ف كتبه أيضا من هذا القبيل؛ كما يقال‪ :‬الرفع للفاعل‬
‫لن القوي يأخذ القوي‪ .‬وقس عليه‪..‬‬

‫السألة الثامنة‪:‬‬

‫اعلم! ان سيبويه(‪ )2‬نصّ على ان الروف الت تعدد معانيها كـ "من" و "ال" و"الباء" وغيها‪،‬‬
‫أصل العن فيها واحد ليزول؛ لكن باعتبار القام والغرض قد يتشرب معن معلقا‪ ،‬ويذبه ال‬
‫جوفه‪ ،‬فيصي العن الصلي صورة واسلوبا لسافره‪ .‬وكذلك ان العارف بفقه اللغة اذا تأمل عَرف‬
‫ان اللفظ الشترك ف الغلب معناه واحد‪ ،‬ث بالناسبات وقع تشبيهات‪ ..‬ث منها مازات‪ ..‬ث منها‬
‫حقائق عرفية‪ ..‬ث يتعدد‪ .‬حت ان اسم "العي" الت معناه الواحد البصر أو النهل‪ ،‬يطلق على‬
‫الشمس أيضا(‪ )3‬بالرمز ال ان العال العلويّ ينظر ال العال السفليّ با‪ ،‬او ان ماء الياة الذي هو‬
‫الضياء يسيل من ذلك النبع ف البل البيض الشرف وقس!‪..‬‬

‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪.36 :‬‬

‫(‪ )2‬هو عمر بن عثمان‪ ،‬امام ناة البصرة‪ ،‬ولد بالبيضاء من مدن شياز نشأ بالبصرة ودرس‬
‫النحو على الليل الفراهيدى‪ ،‬ورد بغداد فناظر امام ناة الكوفة الكسائى فحكم بانتصاره عليه‪،‬‬
‫فأسف وعاد ال موطنه‪ ،‬وألف كتابه الذى يعدّ اصل النحو‪ ،‬توف سنة ‪796‬هـ‪.‬‬

‫(‪ )3‬والعي‪ :‬عي الشمس‪ ،‬وعي الشمس‪ :‬شعاعها الذى ل تثبت عليه العي‪ .‬وقيل‪ :‬العي‬
‫الشمس نفسها‪ ،‬يقال‪ :‬طلعت العي‪ ،‬وغابت العي‪( .‬لسان العرب لبن منظور)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪124 :‬‬

‫السألة التاسعة‪:‬‬
‫اعلم! ان أعلى مراتب البلغة الذي يُعجِز الراد َة الزئية والفكر الشخص ّي والتصور البسيط‪ :‬هو‬
‫ان يافظ ويراعي وينظر التكلم دفعةً نسب قيود الكلم وروابط الكلمات وموازنة المل الت‬
‫يُظهِر كلٌ مع الخر نقشا متسلسلً ال النقش العظم‪ .‬حت كأن التكلم استخدم عقول ال عقله‬
‫كالبان لقصر يضع الحجار التلونة بوضعية تصل با نقوشٌ غريبة من مناظرة وموازاة الكل مع‬
‫الكل كـ"العي"(‪ )1‬ف الط الشترك بي "اللفاء الراشدين"‪ .‬ومن اظهر مسائل هذه السألة‬
‫قوله تعال‪( :‬الـم _ ذلك الكتاب لريب فيه هدى للمتقي) على ما سعت سابقا‪..‬‬

‫وأيضا من أسباب عل ّو الكلم أن يكون كشجرة النسب يتسلسل متناسل ال القاصد الت تتدل‬
‫على القام والغرض‪ ..‬وأيضا من أسباب رفعة طبقة الكلم أن يكون مستعدا لستنباط كثي من‬
‫الفروع والوجوه كقصة موسى على نبينا وعليه السلم‪.‬‬

‫السألة العاشرة‪:‬‬

‫اعلم! ان سلسة الكلم النتجة للطافته و ُحلْوه هو ان تكون العان والسيات الندمة فيه متزجة‬
‫تتحد أو متلفة تنتظم؛ لئل تتشرب الوانب قوّة الفادة والغرض‪ ،‬بل يذب الرك ُز القوّةَ من‬
‫الطراف‪ ..‬وأيضا من السلسة ان يتعي القصد‪ ..‬وأيضا منه ان يتظاهر ملتقى الغراض‪.‬‬

‫السألة الادية عشرة‪:‬‬

‫اعلم! ان سلمة الكلم الت هي سبب صحته وقوّته هي‪ :‬ان يكون الكلم بيث يشي ال البادئ‬
‫والدلئل‪ ،‬ويرمز ال اللوازم والتوابع‪ ،‬وبقيود الوضوع والحمول وكيفياتما يومئ ال رد الوهام‬
‫ودفع الشبهات؛ كأن كل قيد جواب لسؤال مقدّر‪ .‬وان شئت مثال فعليك بفاتة الكتاب‪.‬‬

‫(‪ )1‬من العلوم ان اساء اللفاء الراشدين الربعة تبدأ برف "العي" وقد استلهم بعض الطاطي‬
‫نقشا بديعا استعمل فيه حرف "العي" مشتركا بي اسائهم‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪125 :‬‬

‫السألة الثانية عشرة‪:‬‬


‫اعلم! ان الساليب على ثلثة أنواع‪:‬‬

‫أحدها‪:‬‬

‫السلوب الجرد‪ ،‬الذي لونه واحد‪ ،‬وخاصته الختصار والسليقية والسلمة والستقامة فهو أملس‬
‫سوي‪ ،‬ومل استعماله العاملت والحاورات والعلوم اللية‪ .‬وان شئت مثال سلسا منه فعليك‬
‫بكتب السيّد الرجان‪.‬‬

‫والثان‪:‬‬

‫السلوب الزين‪ ،‬وخاصته التزيي والتنوير‪ ،‬وتييج القلب بالتشويق أو التنفي‪ .‬والقام الناسب له‬
‫الطابيات كالدح والذم وغيها والقناعيات ونظائرها‪ .‬واذا ترّيت الثال الزيّن فادخل ف‬
‫دلئل العجاز واسرار البلغة ترَ فيهما جنانا مزينة‪.‬‬

‫والثالث‪:‬‬

‫السلوب العال‪ ،‬وخاصته الشدة والقوّة واليبة والعلوية الروحانية‪ .‬ومقامه الناسب الليات‬
‫والصول والكمة‪ .‬وإن شئت مثل بينا وتثالً معجِزا فعليك بـ "القرآن" فان فيه ما ل عي‬
‫رأت ول خطر على قلب بليغ‪..‬‬

‫(انتهى الفصل بتلخيص)‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪126 :‬‬

‫ث اعلم! ان مدار النظر ف آيتنا هذه‪ ،‬وهي (مثلهم كمثل الذي استوقد) ال‪:..‬‬

‫أوّلً‪ :‬نظمها بسابقها‪ ..‬وثانيا‪ :‬النظم بي جلها‪ ..‬وثالثا‪ :‬نظم كيفية جلة جلة؛ فمع استحضار‬
‫مامضى‪:‬‬
‫اعلم! ان القرآن الكري لا صرّح بقيقة حال النافقي ونص على جنايتهم عقّبها بالتمثيل لثلث‬
‫نكت‪-:‬‬

‫إحداها‪ :‬تأنيس اليال الذي هو أطوع للمتخيلت من العقولت‪ ،‬وتأمي اطاعة الوهم الذي شأنه‬
‫التشكيكات ومعارضة العقل وانقياده باظهار الوحشي بصورة الأنوس‪ ،‬وتصوير الغائب بصورة‬
‫الشاهد‪.‬‬

‫س والفكر بتمثيل العقول بالحسوس‪.‬‬


‫والثانية‪ :‬تييج الوجدان وتريك نفرته ليتفق ال ُ‬

‫والثالثة‪ :‬ربط العان التفرقة واراءة رابطة حقيقية بينها بواسطة التمثيل‪ ..‬وأيضا الوضع نصب عي‬
‫اليال ليجتن بالنظر الدقائقَ الت أهلها اللسان‪.‬‬

‫واعلم! ان مآل جل هذه الية كما يناسب مآل مموع قصة النافقي؛ كذلك يناسب آي ًة آيةً‬
‫منها‪ .‬أل ترى ان مآل القصة انم آمنوا صورةً للمنافع الدنيوية‪ ..‬ث تبطنوا الكفر‪ ..‬ث تيوا‬
‫وترددوا‪ ..‬ث ل يتحرّوا الق‪ ..‬ث ل يستطيعوا الرجوع فيعرفوا‪ .‬وما أنسب هذا بال من أوقدوا‬
‫لم نارا أو مصباحا‪ ..‬ث ل يافظوا عليها‪ ..‬ث انطفأتْ‪ ..‬ث اُظلموا‪ ..‬ث ليتراءى لم شئ حت‬
‫يكون كل شئ معدوما ف حقهم!‪ .‬فلسكون الليل كأنم صمّ‪ ،‬ولتعامي الليل وانطفاء أنواره‬
‫كأنم عُميٌ‪ ،‬ولعدم وجود الخاطَب والغيث ليستغيثون كأنم بُكم‪ ،‬ولعدم استطاعة الرجوع‬
‫كأنم أشباح جامدة ل أرواح لا‪.‬‬

‫ث ان ف الشبّه به نقطا أساسية تناظر النقط الساسية ف الشبه‪ .‬مثل‪ :‬الظلمة تنظر ال الكفر‪،‬‬
‫والية ال التذبذب‪ ،‬والنار ال الفتنة‪ .‬وقس!‪..‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪127 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬ان ف التمثيل نورا فأين نور النافق حت يتم تطبيق التمثيل؟‪.‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان ل يكن ف الشخص نور ففي ميطه يكن له الستنارة‪ ..‬وان ل‪ ،‬ففي قومه يكن‬
‫الستضاءة‪ ..‬وان ل‪ ،‬ففي نوعه يكن له الستفادة‪ ..‬وان ل‪ ،‬ففي فطرته كان يكن له الستفاضة‬
‫كما مر‪ ..‬وان ل تقنع‪ ،‬ففي لسانه بالنظر ال نظر غيه أو بالنظر ال نفسه لترتب النافع‬
‫الدنيوية‪ ..‬وان ل‪ ،‬فباعتبار البعض من الذين آمنوا ث ارتدوا‪ ..‬وان ل‪ ،‬فيجوز ان يكون النور‬
‫اشارة ال ما استفادوا كما ان النار اشارة ال الفتنة‪ ..‬وان ل ترض بذا أيضا‪ ،‬فبتنيل امكان‬
‫الداية منلة وجودها كما أشار اليه اشتروا الضللة بالدى فانه هو الار النب للتمثيل‪.‬‬

‫أما وجه النظم بي المل‪ :‬فاعلم! ان نظم جلة (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) مناسبتُها‬
‫للموقع‪.‬‬

‫ف الول من ماطب القرآن‬ ‫نعم‪ ،‬حال هذا الستوقد على هذه الصورة تطابق مقتضى حال الص ّ‬
‫الكري وهم ساكنو جزيرة العرب؛ اذ ما منهم ال وقد عرف هذه الالة بالذات أو بالتسامع‬
‫ويس (‪ )1‬بدرجة تأثيها ومشوشيتها؛ اذ بسبب ظلم الشمس يلتجئون ال ظلمة الليل فيسيون‬
‫فيها‪ .‬وكثيا مايغمى عليهم السماء فيصادفون حزن الطرق وقد ينجر بم الطريق ال الورطة‪..‬‬
‫وأيضا قد يولون ف معاطف الكهوف الشحونة بالؤذيات فيضلون الطريق فيحتاجون ليقاد‬
‫النار أو اشتعال الصباح ليبصروا رفقاءهم حت يستأنسوا ويروا أهبتهم وأشياءهم كي يافظوا‬
‫عليها‪ ،‬ويعرفوا طريقهم ليذهبوا فيها ويتراءى لم الضواري والهالك ليجتنبوا‪ .‬فبينما هم استضاؤا‬
‫بنورهم اذ اختطفتهم آفة ساوية‪ ..‬وبينما هم ف ذروة كمال الرجاء وآن الظفر بالطلوب اذ‬
‫سقطوا ف حضيض اليأس الطلق‪ .‬فنص على هذا الال بقوله‪:‬‬

‫(فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم)‪ .‬اعلم! ان هذه "الفاء" تشي ال انم أوقدوا النار‬
‫ليستضيؤا فاضاءت فاطمأنوا بالستضاءة فتعقبهم اليبة وسقطوا ف أيديهم‪ .‬وما أشد تأثي العدم‬
‫عليهم ف آن انتظار الصول!‪ .‬ث ان هذه الشرطية تستلزم استلزام الضاءة لذهاب النور‪ .‬وخفاء‬
‫هذا الستلزام يشي ال تقدير ما يظهر‬

‫(‪ )1‬وأحسّ (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪128 :‬‬


‫به اللزوم هكذا‪ :‬فلما اضاءت استضاؤا با فاشتغلوا‪ ..‬فلم يافظوا‪ ..‬فلم يهتموا با‪ ،‬ول يعرفوا‬
‫قدر النعمة فيها‪ ..‬فلم يدوها‪ ..‬فلم يديوها؛ فانطفأت‪ .‬لنه لا كانت الغفلة عن الوسيلة‬
‫للشتغال بالنتيجة ‪ -‬بسر (ِانّ ا ْلِنْسَانَ َليَ ْطغَى _ اَن رَآهُ اِ ْسَتغْنَى)(‪ - )1‬سببا لعدم الدامة‬
‫الستلزم للنطفاء كان كأن نفسَ الضاءة سبب لذهاب النور‪.‬‬

‫أما جلة (وتركهم ف ظلمات) فبعدما أشار ال خسرانم بذهاب النعم بزوال النور عقبه بذلنم‬
‫بنول النقم بالسقوط ف الظلمات‪.‬‬

‫أما جلة (ل يبصرون) فاعلم! ان النسان اذا اظلم عليه وأضل السبيل فقد يسكن ويتسلى برؤية‬
‫رفقائه ومرافقه‪ ،‬واذا ل يبصرها كان السكون مصيبة عليه كالركة بل أوحش‪.‬‬

‫أما (ص ٌم بكمٌ عميٌ فهم ل يرجعون) فاعلم! ان النسان اذا وقع ف مثل هذا البلء قد يتسلى‬
‫ويأمل ويرجو النجاة من جهات أربع مترتبة‪:‬‬

‫فأولً‪ :‬يرجو أن يسمع تناجي اللق من القرى أو أبناء السبيل؛ إن يستمِ ْد يَمدّوه‪ .‬ولا كانت‬
‫الليلة ساكنة بكما َء استوى هو والصم‪ ،‬فقال‪" :‬صُم" لقطع هذا الرجاء‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬يأمل انه إن نادى أو استغاث يُحتمل أن يسمع أح ٌد فيغيثه‪ ،‬ولا كانت الليلة صماء كان‬
‫ذو اللسان والبكم سواء فقال‪" :‬بُكم" للقامهم الجر بقطع هذا الرجاء أيضا‪.‬‬

‫وثالثا‪ :‬يأمل اللص برؤية علمة أو نار او نيّرٍ تشي له ال هدف القصد‪ .‬ولا كانت الليلة طامية‬
‫رمداء عبوسة عمياء كان ذو البصر والعمى واحدا فقال‪" :‬عُميٌ" لِطفاء هذا المل أيضا‪.‬‬

‫ورابعا‪ :‬ليبقى له ا ّل ان يهد ف الرجوع‪ ،‬ولا أحاط به الظلمة كان كمن دخل ف وحْ ٍل‬
‫باختياره وامتنع عليه الروج‪ .‬نعم‪ ،‬كم من أم ٍر تذهب اليه باختيار ث يُسلَب عنك الختيار ف‬
‫الرجوع عنه تلّيه انت ول يليك هو‪ ،‬فقال تعال‪ :‬فهم‬

‫(‪ )1‬سورة العلق‪6،7 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪129 :‬‬


‫(ل يرجعون) لسد هذا الباب عليهم وقطع آخر البل الذي يتمسكون به‪ ،‬فسقطوا ف ظلمات‬
‫اليأس والتوحش والسكونة والوف‪.‬‬

‫أما الهة الثالثة‪ ،‬أعن ‪:‬‬

‫ي استوقد نارا) كيف تتطاير شرارات النكت‬


‫نظم قيودات جلة جلة‪ ،‬فانظر ال (مثلهم كمثل الذ ِ‬
‫من قيوداتا‪.‬‬

‫أما لفظ "الثل" فاشارة ال غرابة حال النافقي وان قصتهم اعجوبة؛ اذ ا َلثَل هو الذي يول على‬
‫اللسنة ويتناقله الناس لتضمنه لغرابة؛ اذ أخصّ صفاته الغرابة‪ .‬ث لندماج قاعدة أساسية ف‬
‫المثال يقال لا‪" :‬حكمة العوام" و "فلسفة العموم"‪ .‬فالراد بالثل هنا صفتهم الغريبة وقصتهم‬
‫العجيبة وحالم الشنيعة‪ .‬ففي التعبي بالَثَل مازا اشارة ال الغرابة‪ ،‬وف الشارة رمز ال ان من‬
‫شأن صفتهم أن تدور على لسان النفرة والتلعي كضرب الثل‪.‬‬

‫وأما "الكاف"‪:‬‬

‫فإن قلت‪ :‬إن حُذف كان تشبيها بليغا فهو أبلغ؟‬

‫قيل لك‪ :‬البلغ ف هذا القام ذكره‪ ،‬اذ التصريح به يوقظ الذهن بان ينظر ال الثال تبعيا فينتقل‬
‫عن كل نقطة مهمة منه ال نظيها من الشبه‪ .‬وال فقد يتوغل فيه قصدا فتفوت منه دقائق‬
‫التطبيق‪.‬‬

‫وأما "ا َلثَل" الثان فاشارة ال ان حال الستوقد بغرابته ووجوده ف حس العموم كان ف حكم‬
‫ضرب الثل‪.‬‬

‫وأما "الذي"‪:‬‬

‫فان قلت‪ :‬كيف افردَ مع انم جاعة؟‬


‫قيل لك‪ :‬اذا تساوى الزء والكل والفرد والماعة ول يؤثر الشتراك ف صفة الفرد زيادة‬
‫ونقصانا جاز الوجهان مثل (كمثل المار) ففي افراده اشارة ال استقلل كل فرد ف تثل‬
‫الدهشة وتصوير شناعتهم‪ ،‬أوكان "الذي" "الذين" فاختُصر‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪130 :‬‬

‫وأما (استوقد) فسينُه اشارة ال التكلف والتحري‪ .‬وف افراده مع جع الضمي ف "نورهم" رمز‬
‫لطيف ال أن فردا يوق ُد لماعةٍ‪ .‬ولقد ألطف ف الفراد إيقادا والمع استنارة‪.‬‬

‫وأما (نارا) بدل "الصباح" أو غيه فاشارة ال الشقة ف نور التكليف‪ ،‬ورمز ال انم يوقدون‬
‫تت النور الظاهري نا َر فتنة‪ .‬وأما تنكيه فاياء ال شدة احتياجهم حت انم يرضون بأية نار‬
‫كانت‪.‬‬

‫ث اَجِلِ النظرَ فيما حول جلة (فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم) لترى كيف تضئ‬
‫قيوداتُها على ظلمات الدهشة الت هي الغرض الساسي‪ .‬ولقد سعت ف السألة الرابعة ان قوة‬
‫الكلم بتجاوب القيود‪:‬‬

‫أما "الفاء" فإياء ال ان هجوم اليأس الطلق تعقب كمال الرجاء‪.‬‬

‫وأما (لا) فلتضمنه قياسا استثنائيا مستقيما مع دللته على تقق القدم ينتج تقق التال وقطع‬
‫التسلي‪.‬‬

‫وأما (أضاءت) فاشارة ال ان اليقاد للستنارة ل للصطلء‪ .‬وفيه رمز ال شدة الدهشة اذ ما‬
‫أفاد لم الضاءة إل رؤية الهالك والعلم بوجودها‪ .‬ولولها لمكن مغالطة النفس وتسكينها‪.‬‬

‫وأما (ما حوله) فاشارة ال احاطة الدهشة من الهات الربع‪ ،‬وال لزوم التحفظ بالضاءة عن‬
‫هجوم الضرر عن الهات الست‪.‬‬
‫وأما (ذهب) فلنه جزاء الشرط‪ ،‬ل بد ان يكون لزما‪ .‬ولفاء اللزوم ‪ -‬كما مر ‪ -‬يرمز ال انم‬
‫ل يتعهدوها ول يعرفوا َقدْ َر النعمة فيها فبنفس الضاءة اُخذوا عن أنفسهم وأنساهم البطر والفرح‬
‫تعهّدها فأخذها ال عنهم‪..‬‬

‫وأما اسناد "ذهب" ال (ال) فاشارة ال قطع رجاءين‪ :‬رجاء التعمي ورجاء الرحة؛ لنه يشي ال‬
‫ان الفة ساوية لتقبل التعمي‪ ،‬ويرمز ال انه جزا ٌء لقصور الرء‪ ،‬ولذا يأخذه ال تعال‪ .‬فينقطع‬
‫التمسك به عند انقطاع السباب وهو أمل الرحة‪ ،‬اذ ليستعان من الق على ابطال الق‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪131 :‬‬

‫وأما "الباء" فاشارة ال اليأس عن العَود؛ اذ ل راد لا أخذه ال للفرق البيّن بي ذهب به أي‬
‫استصحبه‪ ،‬وبي اذهبه أي ارسله‪ ،‬وذهب أي انطلق؛ لمكان العود ف الخِرَين دون الول‪.‬‬

‫وأما "النور" ففيه اياء لطيف ال تذكر حالم على الصراط‪.‬‬

‫وأما الضافة ف (هم) الفيدة للختصاص فاشارة ال شدة تأثرهم؛ اذ مَن انطفأت نارُه فقط مع‬
‫ان نار الناس تلتهب أشد تألا‪.‬‬

‫ول د ّر التنيل ما ألطفه ف فنون البلغة! أل تر كيف توجهت هيئاتا ال الغرض الكليّ‪ ،‬أعن‬
‫الدهشة مع اليأس‪ ،‬كالوض ف ملتقى الودية؟‪.‬‬

‫ث امعن النظر ف (وتركهم ف ظلمات ليبصرون)‪:‬‬

‫أما "الواو" فاشارة ال انم جعوا بي السارتي؛ سُلبوا ضيا ًء وأُلبسوا ظلمةً‪.‬‬

‫أما "َترَك" بدل "أبقى" أو غيه فاشارة ال انم صاروا كجسد بل روح وقشر بل لبّ‪ .‬فمن‬
‫شأنم ان يُتركوا سدى ويُلقوا ظهريا‪.‬‬

‫وأما (ف) فرمز ال انه انعدم ف نظرهم كل شئ ول يبق الّ عنوان العدم وهو الظلمة فصارت‬
‫ظرفا وقبا لم‪.‬‬
‫وأما جع (ظلمات) فاياء ال ان سَواد الليل وظلمة السحاب أولَدتا ف روحهم ظلمة اليأس‬
‫والوف‪ ،‬وف مكانم ظلمة التوحش والدهشة‪ ،‬وف زمانم ظلمة السكون والسكوت‪ ،‬فأحاطت‬
‫بم ظلمات متنوعة‪ ..‬وأما تنكيها فاياء ال انا مهولة لم ل يسبق لم اُلفْة بثلها فتكون أشد‬
‫وقعا‪.‬‬

‫وأما (ليبصرون) فتنصيص على اساس الصائب‪ ،‬اذ مَن ل ير كان ارأى للبليا‪ ،‬وبفقد البصر‬
‫يبصر أخفى الصائب‪ .‬وأما الضارعية فلتصوير وتثيل حالم نصب عي اليال ليى السامع‬
‫دهشتهم فيتحسس بوجدانه أيضا‪.‬‬

‫وأما ترك الفعول فللتعميم‪ ،‬أي ليرون منافعهم ليحافظوها‪ ،‬ول يبصرون الهالك كي يتنبوا‬
‫عنها‪ .‬ول يتراءى الرفقاء ليستأنسوا بم‪ ،‬فكأن كل واحد فرد برأسه‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪132 :‬‬

‫ث انظر ال جل (صم بكم عمي فهم ليرجعون) لتسمع ما تتناجى به؛ اذ هذه الربعة ح ّد‬
‫مشترك بي المثل والمثل به‪ ،‬وبرزخ بينهما ومتوجهة اليهما؛ تتكلم عن حال الطرفي‪ .‬ومرآة‬
‫لما تريك شأنما‪ .‬ونتيجة لما تسمعك قصتهما‪.‬‬

‫أما الهة الناظرة ال المثل به‪:‬‬

‫فاعلم! ان من سقط ف مثل هذه الصيبة يبقى له رجاء النجاة باستماع نوى منجٍ‪ ،‬فاستلزمت‬
‫ابكمية الليلة اصميته‪ ..‬ث اساع مغيث فاقتضت اصمية الليل ابكميته‪ ..‬ث الدى برؤية نار أو نيّر‬
‫فانتج تعامي الليل عميه‪ ..‬ث العود ال بدءٍ فانسد عليه الباب كمن سقط ف وحل كلما ترك‬
‫انغمس‪..‬‬

‫وأما الهة الناظرة ال المثل‪:‬‬

‫فاعلم! انم لا وقعوا ف ظلمات الكفر والنفاق امكن لم النجاة عن تلك الظلمات بطرق أربعة‬
‫مترتبة‪:‬‬
‫فاوّلً‪:‬‬

‫كان عليهم ان يرفعوا رؤسهم ويستمعوا ال الق ويصغوا ال ارشاد القرآن‪ ،‬لكن لا صارت‬
‫غلغلة (‪ )1‬الوى مانعة لن يلُص صدى القرآن ال صماخهم‪ ،‬وأخذ التهوس بآذانم جارا لم‬
‫عن تلك الطريق‪ ،‬نعى عليهم القرآن بقوله‪( :‬صم) اشارة ال انسداد هذا الباب ورمزا ال ان‬
‫آذانم كأنا قطعت وبقيت ثقبات مشوهة أو قطعات متدلية ف جوانب رؤسهم‪.‬‬

‫وثانيا‪:‬‬

‫لبد لم ان يفضوا رؤسهم ويشاوروا وجدانم فيسألوا عن الق والصراط‪ ،‬لكن لا اخذ العناد‬
‫على يد لسانم وجره القد من خلف ال الوف‪ ،‬ألقمهم القرآن الجر بقوله‪( :‬بكم) اشارةً ال‬
‫انسداد هذا الباب أيضا ف وجوههم ورمزا ال انم بالسكوت عن القرار بالق كانوا كمن قلع‬
‫لسانه فبقي الفم ككهف خل عن ساكنه مشوها للوجه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ف الشئ‪ :‬دخل فيه على تعب وشدة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪133 :‬‬

‫وثالثا‪:‬‬

‫لزمهم ان يُرسلوا انظار العبة لتجتن لم الدلئل الفاقية‪ ،‬لكن وضعَ التغافلُ يدَه على عيونم ور ّد‬
‫‪ -‬وطرد ‪ -‬التعامي النظار ال أجفانم‪ .‬فقال القرآن‪( :‬عميٌ) اشارة ال انم عمهوا (‪ )1‬عن هذا‬
‫الطريق أيضا‪ .‬ورمزَ بذف أداة التشبيه ال ان عيونم الت هي أنوار الرأس كأنا قلعت فبقيت‬
‫نُقرات مشوّهة ف جباههم‪.‬‬

‫ورابعا‪:‬‬

‫لبد من ان يعرفوا قبح حالم القبيح ليتنفروا فيندموا فيتوبوا فيجعوا‪ .‬لكن لا زيّنت لم أنفسُهم‬
‫‪ -‬لجل فساد الفطرة بالصرار وغلبة الوى والشيطان ‪ -‬تلك القبائحَ‪ ،‬قال القرآن‪( :‬فهم‬
‫ليرجعون) اشارة ال انسداد آخر الطرق عنهم‪ ،‬ورمزا ال انم وقعوا باختيارهم فيما ل اختيار‬
‫لم ف الروج كالضطرب ف بر الرمل‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬تيوا ف طريقهم او امرهم‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪134 :‬‬

‫جعَلُونَ اَصَاِب َعهُمْ‬


‫ق يَ ْ‬
‫ت وَ َرعْ ٌد َوبَ ْر ٌ‬
‫َاوْ َكصَيّب مِنَ السّماءِ فِيهِ ظُُلمَا ٌ‬

‫ف َابْصَا َرهُ ْم‬


‫خطَ ُ‬‫ق يَ ْ‬ ‫ط بِالْكَاِفرِين َ ‪ 19‬يَكا ُد الْبَ ْر ُ‬‫ت وَال مُحِي ٌ‬ ‫صوَاعِقِ حَذَرَ ا َلوْ ِ‬ ‫فِي اذاِنهِ ْم مِ َن ال ّ‬
‫ب بِسَ ْم ِعهِ ْم َوَابْصَا ِرهِ ْم ِانّ ال‬‫شوْا فِي ِه َواِذَا اَظْلَ َم عََلْيهِمْ قَامُوا وََلوْ شَاءَ ال َل َذهَ َ‬
‫كُلّما اَضاءَ َلهُ ْم مَ َ‬
‫عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‪20‬‬

‫اعلم! ان مدار النظر ف هذه الية ايضا من ثلثة وجوه‪ ،‬نظمها بسابقتها‪ ،‬والنظم بي جلها‪ ،‬ث‬
‫النظر بي هيئات جلة جلة‪ .‬مثلها ف الرتباط كمثل المْيال العادّة للساعات والدقائق والثوان‪.‬‬

‫أما وجه النظم بينها وبي سابقتها فهو‪ :‬انه كرر التمثيل واطنب ف التصوير اشارةً ال احتياج‬
‫تصوير حال النافقي ف دهشتهم وحيتم ال نوعي منه‪ ،‬إذ‪:‬‬

‫خلصة التمثيل الول هي‪:‬‬

‫ان النافق يرى نفسَه ف صحراء الوجود منفردةً عن الصحاب مطرودةً عن جعية الكائنات‬
‫خارجةً عن حكم شس القيقة‪ .‬يصي كلُ شئ ف نظره معدوما ويرى الخلوقات اجنبية كلها‪،‬‬
‫ساكنة وساكتة استول عليها الوحشة والمود‪ .‬وأين هذا من حال الؤمن الذي يرى بنور اليان‬
‫كل الوجودات احبّاءه ويستأنس بكل الكائنات؟‪.‬‬
‫وخلصة التمثيل الثان هي‪:‬‬

‫ان النافق يظن ان العالَم بأجزائه ينعي عليه بصائبه ويهدده ببلياه ويصيح عليه بادثاته وييط به‬
‫بنوازله كأن النواع اتفقوا على عداوته فانقلب النافع ضارا‪ .‬وما هذه الالة ال لعدم نقطت‬
‫الستمداد والستناد كما مر‪ .‬واين هذا من حال الؤمن الذي يسمع باليان تسبيحات الكائنات‬
‫وتبشياتا؟‪..‬‬

‫وأيضا تكرار التمثيل اياء ال انقسام النافقي ال الطبقة السفلية العامية الناسبة للتمثيل الول وال‬
‫الطبقة التكبة الغرورة الوافقة للتمثيل الثان‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪135 :‬‬

‫وأما مناسبة هذا التمثيل لقامه بالنظر ال السامع فهي‪ :‬ان الصف الول من ماطب القرآن ابناء‬
‫الفياف يفترشون الصحارى ويتخيّمون بفسطاط السماء‪ .‬وما منهم ال وقد رأى بنفسه أو سع من‬
‫س العموم؛ بيث تؤثّر فيه كضرب الثل‪.‬‬
‫أبناء جنسه مثل هذه الادثة حت استأنس با ح ّ‬

‫وأما مناسبته للتمثيل الول فأظهر من ان يفى‪ ،‬اذ هو كالتكملة والتتمة له مع التاد ف كثي من‬
‫النقط‪.‬‬

‫وأما مناسبة التمثيل للممثل له فبخمسة وجوه‪:‬‬

‫منها‪ :‬وقوعهما كليهما ف شدة الية بانسداد كل طرق النجاة عليهم‪ ،‬وبان ضلت جي ُع أسباب‬
‫اللص عنهم‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬وقوعهما ف شدة الوف حت يتخيل كل من الشبه والشبه به‪ ،‬ان الوجودات اتفقت‬
‫على عداوته ول يأمن من بقائه ف كل دقيقة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬وقوعهما ف شدة الدهشة النتجة لختبال العقل حت ان كلً منهما يتبلّه‪ .‬كمثل من يرى‬
‫برق السيوف فيتحفظ بغمض بصره أو يسمع تقتقة البنادق فيتجنب عن الرح بسد سعه‪ .‬أو‬
‫كمثل من ل يب غروب الشمس فيمسك دولب ساعته لئل يدور جرخ الفلك الدوّار‪ ،‬فما‬
‫ض البصار‪ .‬ومن‬ ‫أخبلهم!‪ ..‬اذ الصاعق ُة ل تنثن بسد الساع‪ ،‬والبقُ الحرق ليترحم عليهم بغ ّ‬
‫هنا يُرى ان ل يبق لم مسك‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان الشمس والطر والضياء والاء كما إنا منابع حياة الزاهي وتربية النباتات‪ ،‬وسبب‬
‫تعفن اليتات ونت القاذورات؛ كذلك ان الرحة والنعمة اذا ل تصادفا موقعَهما النتظر لما‬
‫والعارف بقيمتهما‪ ،‬تنقلبان زحة ونقمة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬انه كما يوجد التناسب بي الآلي الذي هو الصل ف انعقاد الستعارة التمثيلية بل نظر‬
‫ال تطبيق الجزاء؛ كذلك يوجد مناسبات هنا بي أجزائهما؛ اذ الصيّب حياة النباتات كما ان‬
‫السلمية حياة الرواح‪ ،‬والبق والرعد يشيان ال الوعد والوعيد‪ ،‬والظلمات تريك شبهات‬
‫الكفر وشكوك النفاق‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪136 :‬‬

‫وأما وجه النظم بي المل‪:‬‬

‫فاعلم! ان التنيل لا قال (أو كصيب من السماء) مشيا ال انم كالذين اضطروا ال السفر ف‬
‫ب تصيب مرماها بصَوبا وقد‬‫صحراء موحشة ف ليلة مظلمة تت مطر شديد‪،‬كأن قطراتِه مصائ ُ‬
‫ملت الوّ بكثرتا؛ استيقظ ذهن السامع منتظرا لبيان السبب ف ان صار الصيّبُ الذي هو ف‬
‫الصل رحة مرغوبة مصيبةً هائلة فقال مصورا لدهشته‪( :‬فيه ظلمات) مشيا ال ان الطر كما‬
‫هو ظرف لظلمة السحاب ولكثافته؛ كذلك لجل عمومه وكثرته واحاطته كأنه ظرف للّيلة‬
‫ا ُلَتفَِتتَة قطراتٍ مسودةً بي قطراته‪ ..‬ث ما من سامع يسمع (فيه ظلمات) ال وينتظر لبيان‪ .‬كأن‬
‫التكلم سع صدى الرعد من ذهن السامع فقال‪( :‬ورعد) مشيا ال تويل الال وتشديدها بان‬
‫السماء أمية الوجودات عزمت على اهلكهم‪ ،‬وتصيح عليهم برعدها؛ اذ الصاب الدهوش‬
‫يتخيل من الكائنات التعاونة على اضراره حركة مزعجة تت سكونا‪ ،‬ونطقا مهيبا تت‬
‫سكوتا‪ .‬فاذا سع الرعد توهّم انا تتكلم با يهدده وتصيح عليه؛ اذ بالوف يسب كل صيحة‬
‫عليه‪ ..‬ث ان السامع ليسمع الرعد ا ّل ويستهل فيبق ف ذهنه رفيقه الدائميّ‪ ،‬ولذلك قال‪:‬‬
‫(وبرق) مشيا بالتنكي ال انه غريب عجيب‪ .‬نعم! هو ف نفسه عجيب؛ اذ بتولده يوت عالٌ من‬
‫الظلمات فتطوى وتلقى ال العدم‪ ،‬وبوته فجأة يي ويشر عال من الظلمات‪ .‬كأنه نار حينما‬
‫تنطفئ تورث ملء الدنيا دخانا‪ .‬ومن شأن الصاب با ان يعن النظر ول ير بنظر سطحي بناء‬
‫على اللفة والناسبة حت يتكشف عن دقائق صنع القدرة‪ ..‬ث بعد هذا التصوير كأن ذهن السامع‬
‫يتحرك سائل‪ :‬كيف يعملون؟ وبِ َم يتشبثون؟ فقال‪( :‬يعلون أصابعهم ف اذانم من الصواعق‬
‫حذر الوت) مشيا ال ان لمناص ول ملجأ ول منجى لم حت انم كالغريق يتمسكون با‬
‫ليُتَمَسك به‪ .‬فمن التدهش يستعملون الصابع موضع النامل كأن الدهشة تضرب على أيديهم‬
‫فيدخلون الصابع من الوجع ف الذان ومن التبله انم يسدون الذان لئل تصيبهم الصواعق‪ ..‬ث‬
‫بعد هذا يتحرى ذه ُن السامع سائل‪ :‬أعمّت الصيبة أم خصّت فيُرجى؟ فقال‪( :‬وال ميط‬
‫بالكافرين) مشيا ال ان هذه الصيبة جزاءٌ لكفرانم النعمة‪ .‬يؤاخذهم ال تعال به لشذوذهم عن‬
‫القانون اللي الودع ف المهور‪ .‬ث لا سع شدة الرعد يدّث نفسه بـ "أل يفيدهم البق بأراءة‬
‫الطريق"؟ فقال‪:‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪137 :‬‬

‫(يكاد البق يطف أبصارهم) مشيا ال انه كما ان الرعد يعاديهم فل يستطيعون السمع؛ كذلك‬
‫البق ياصمهم باضاءته فيظلم أبصارهم‪ ..‬ث بعد ساع تاوب الكائنات على عداوتم ينادي‬
‫ذهن السامع بـ "فما مصي حالم وما يفعلون؟ وبه يشتغلون؟" فقال‪( :‬كلما أضاء لم مشوا فيه‬
‫واذا اظلم عليهم قاموا) مشيا ال انم مشوشون مترددون متحيون مترقبون لدن فرصة ولدن‬
‫رؤية للطريق‪ .‬فكلما تراءت لم يتحركون لكن كحركة الذبوح لضطراب أرواحهم‪ ،‬ويتخطون‬
‫خطى يسية مع علمهم بان لفائدة‪ ،‬وكلما غشيتهم الظلمة فجأة ينجمدون ف مقامهم‪ ..‬ث‬
‫يستعد ذهنُ السامع للستفسار بـ "لِمَ ليوتون أو يعمون أو يصمون بالرّة فيخلصون عن‬
‫الضطراب؟" فقال‪( :‬ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم) أي ليسوا مستحقي للخلص من‬
‫الضطراب ولذا لتتعلق الشيئة باماتتهم ولو تعلقت لتعلقت بذهاب سعهم وبصرهم‪ .‬ولكن بقاء‬
‫السمع لستماع العقاب ووجود البصر لرؤية العذاب أجدر بن شذ ونشز عن قانونه تعال‪..‬‬
‫ث ان هذه القصة لا احتوت على نقاط يتلوح من معاطفها استطرادا‪ :‬العظمة والقدرة اللية‬
‫وتصرفه تعال ف الكائنات‪ ،‬ول سيما يتذكر السامع تبعا ف تلفيفها عجائب الرعد والبق‬
‫والسحاب‪ ،‬كان من حق السامع التيقظ وجدانُه ان يعلن ويقول‪ :‬سبحانه ما أعظم قدر َة مَنْ هذه‬
‫الكائنات تلّي هيبته وهذه الصيبات تلّي غضبه‪ .‬فقال‪( :‬ان ال على كل شيء قدير)‪.‬‬

‫وأما نظم هيئات جلة جلة‪:‬‬

‫فاعلم! ان "أو" ف (او كصيب) اشارة ال انقسام حال المثل ال قسمي‪ ،‬ورمز ال تقيق الناسبة‬
‫بي التمثيلي وبينهما وبي المثل له واياء ال مسلّمية الشابة‪ ..‬وأيضا متضمن لـ "بل" الترقية؛‬
‫اذ التمثيل الثان اش ّد َهوْلً‪ .‬وان "كصيب" لعدم مطابقته للمثل يقتضي تقدير لزم‪ ،‬والسكوت‬
‫عن اظهار القدر للياز‪ ،‬والياز ف اللفظ لطناب العن باحالته على خيال السامع بالستمداد‬
‫من القام‪ .‬فبعدم الطابقة كأنه يقول‪ :‬أو كالذين سافروا ف صحراء خالية وليلة مظلمة فاصابتهم‬
‫مصائب بصيب‪ .‬وان العدول عن لفظ الطر الأنوس الألوف ال الصيب رمز ال أن قطرات ذلك‬
‫الطر كمصائب ترمى اليهم بقصد فتصيبهم مع فقد الساتر عليهم‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪138 :‬‬

‫وان ذكر (من السماء )مع بداهة ان الطر ل يئ الّ من جهتها اياء بالتخصيص ال التعميم‬
‫ض ول طائر يطي بناحيه)(‪ )1‬أي‬ ‫وبالتقييد ال الطلق نظي التقييد ف (ومَا مِنْ داّبةٍ ف الر ِ‬
‫مطبق آخذ بآفاق السماء‪ .‬وما استدل بعض الفسرين بلفظ من السماء هنا وف آية (وُينَزّلُ من‬
‫السماءِ من جبا ٍل فيها مِن بَ َردٍ)(‪ )2‬على نزول الطر من جرم السماء حت تيل "بعض" وجود بر‬
‫تت السماء‪ ،‬فنظ ُر البلغة ليرى عليه سكةَ القيقة‪ .‬بل العن‪ :‬من جهة السماء‪ .‬والتقييد لا‬
‫عرفت‪ .‬وقد قيل السماء ما علك‪ ،‬فالسحاب كالواء ساء‪.‬‬

‫وتقيق القام‪ :‬هو انك ان نظرت ال القدرة تتساوى الهاتُ أي يكن النول من أية جهة‬
‫كانت‪ .‬وان نظرت ال الكمة اللية الؤسّسة للنظام الحسن ف الشياء الستلزِم لحافظة الوازنة‬
‫العمومية الرجّحة لقرب الوسائل فالطر انا هو من تكاثف البخار الائي النتشر ف كرة الواء الت‬
‫احد أجزائها العشرة ذلك البخار الائيّ النتشر ف أعماقها‪.‬‬

‫وتوضيحه‪ :‬ان ذراته اذا امرتا الرادة اللية‪ ،‬يتمثل كلٌ‪ ،‬ويتسللن من الطراف ومن كل فج‬
‫ت تأخذها بأيديهم‬‫ف بعضٍ فتصي قطرا ٍ‬‫عميق‪ .‬فيتحزّبن سحابا هامرا‪ .‬ث بارادة آمرها يشت ّد تكاث ُ‬
‫اللئكةُ الذين هم مثلو القواني ومعكس النظامات لئل يزاحم ويصادم بعضٌ بعضا فيضعونا على‬
‫الرض‪ .‬ولجل مافظة الوازنة ف الوّ لبد من بد ِل ما يتحلل بالتقطر‪ ،‬فيُبخّر البحر والرض‬
‫فيمل منازلا‪ .‬وأما تيل بعضٍ وجود بر ساويّ فمَحْمله انه تصور الجاز حقيقةً؛ اذ لراءة‬
‫خضرة الوّ لون البحر‪ ،‬ولحتواء الو على ماء أكثر من البحر الحيط ما استبعد تشبيهه بالبحر‪.‬‬

‫أما (وينّل من السماء من جبال فيها من برد) فاعلم! ان المود على الظاهر مع التوقد ف‬
‫ضةٍ)(‪ )3‬استعارة بديعة؛ كذلك‬
‫استعارتا جود بارد وخود ظاهر‪ .‬اذ كما تضمن (َقوَارِي َر مِنْ ِف ّ‬
‫يتوي (مِنْ ِجبَا ٍل فيها مِ ْن َبرَدٍ) على استعارة بديعة عجيبة مستملحة‪ .‬فكما ان ظروف النة ل‬
‫تكن من الزجاجة ولمن الفضة بل ف شفافية الزجاج وبياض الفضة ومن حيث ان الزجاجة‬
‫لتكون من الفضة لتخالف‬

‫(‪ )1‬سورة النعام‪.38 :‬‬

‫(‪ )2‬سورة النور‪.43 :‬‬

‫(‪ )3‬سورة النسان‪.16 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪139 :‬‬

‫النوعي اشار ال الستعارة بالضافة بذكر "مِن"‪ ،‬كذلك (من جبال فيها من برد) متضمنة‬
‫لستعارتي مؤسستي على خيال شعريّ بالنظر ال السامع‪ .‬وذلك اليال مبن على ملحظة‬
‫ي وتشكل العال السفليّ‪ .‬وتلك اللحظة مبنية على تصور‬‫الشابة والماثلة بي تثل العال العلو ّ‬
‫السابقة والرقابة بي الرض والوّ ف لبس الصور من يد القدرة كأن الرض لا برزت ببالا‬
‫اللبسة للبيض من حلل الثلج والبَرَد ف الشتاء‪ ،‬والتعممة با ف الربيع‪ .‬ث تزينت ف الصيف‬
‫ببساتينها التلونة فأظهرت ف نظر الكمة بانقلباتا معجزة القدرة اللية‪ ،‬قابلَها جوّ السماء‬
‫ماكيا لا مسابقا معها لظهار معجزة العظمة اللية فبز متبقعا ومتقمصا بالسحاب التقطع‬
‫جبال وأطوادا وأودية‪ ،‬والتلون بألوان متلفة مصورة لبساتي الرض‪ ،‬ملوحا ذلك الو بأجلى‬
‫دلئل العظمة وأجلها‪ .‬فبناء على هذه الرؤية والشابة والتوهم اليالّ استحسن اسلوب العرب‬
‫تشبيه السحاب لسيما الصيف ّي بالبال والسفن والبساتي والودية وقافلة البل كما تسمع من‬
‫العرب ف خطبهم‪ .‬فيخيل ال نظر البلغة ان قطعات السحاب الصيفي سيارة وسبّاحة ف الو‪،‬‬
‫كأن الرعد راعيها وحاديها كلما ه ّز عصا بَرقه على رؤسهم ف البحر الحيط الوائي اهتزت تلك‬
‫القطعات وارتت‪ ،‬وتراءت جبال صادفت الشر‪ ،‬أو سفنا يلعب با يد العاصفة‪ ،‬أو بساتي‬
‫ترججها من تتها الزلزلة‪ ،‬أو قافلة شردت من هجوم قطاع الطريق‪ .‬ومع ذلك يسيون ويرون‬
‫بأمر خالقهم حت كأن كل ذرة من ذرات ذلك البخار تكمّنتْ ف مكانا اوّل ساكتة ساكنة‬
‫منتظرة لمر خالقها‪ .‬ولا ناداها الرعدُ ‪ -‬كاللة العروفة ف العسكر ‪ -‬بـ" َحيّ على الجتماع‬
‫والتاد!" تسارعوا من منازلم مهطعي ال داعيهم فيحشرون سحابا‪ .‬ث بعد ايفاء الوظيفة‬
‫وأمرهم بالستراحة يطي كل ال وكره‪ ..‬فبناء على هذه الناسبة اليالية‪ ،‬وعلى الجاورة بي‬
‫السحاب والبال ‪ -‬إذ البل لذب الرطوبة يتظاهر ويتشكل السحاب عليه بقداره ويلبس لباسه‬
‫‪ -‬وعلى تلون السحاب بنظي بياض الثلج والبد وتكيفه برطوبتهما وبرودتما‪ ،‬وعلى وجود‬
‫الخوة بينهما ومبادلة الصورة واللباس لما ف كثي من مواضع القرآن ومصافحتهما ف منازل‬
‫التنيل كمحاورتما ومعانقتهما ف كثي من سطور صحيفة الرض من كتاب‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪140 :‬‬

‫العال فترى السحاب متوضعا على البل ويصي البل كأنه مرسى لسفن السحاب ترسى عليه‪،‬‬
‫أو ملس تتشاور عليه‪ ،‬أو وكر تطي اليه ‪ -‬استحق بكم الجاورة ف نظر البلغة ان يتبادل‬
‫ويستعيا لوازمهما فيعبّر عن السحاب بالبل ‪ -‬مع تناسي التشبيه‪ .‬فاذا قد عرفت ما سعت من‬
‫الناسبات فـ (يُنّل من السماء) أيْ من جهة السماء‪" .‬من جبال" أي من سحاب كالبال‪" .‬من‬
‫برد" أي ف لونه ورطوبته وبرودته‪.‬‬
‫فيا هذا! ما أجبك مع وجود هذا التأويل الذي تقبله البلغة على اعتقاد نزول الطر بدقيقتي من‬
‫مسافة خس مائة سنة الخالف لكمة ال الذي اتقن كل شئ صنعا‪.‬‬

‫أما هيئات جلة‪( :‬فيه ظلمات) السوقة للتهويل؛ فتقدي (فيه) اشارة ال ان خيال الصاب الدهوش‬
‫والسامع الستحضر خياله لتلك الال يتوهم ان ظلمات الليال الكثية افرغت بتمامها ف تلك‬
‫الليلة‪ .‬وأما الظرفية مع ان الصيب مظروف فرمز ال ان التدهش بتلك الصيبة يظن فضاء العال‬
‫حوضا قد ملئ من الطر‪ ،‬فما الليل ال مظروف مفتت بي أجزائه‪.‬‬

‫وأما جع "الظلمات" فاياء ال تنوعها من ظلمة سواد السحاب وكثافته وانطباقه‪ ،‬ومن تقارب‬
‫دفعات الطر وتكاثف قطره‪ ،‬ومن تضاعف ظلمة الليل‪ .‬وأما تنكي (ظلمات) فللستنكار‪ ،‬ولهل‬
‫الخاطب فهو تأكيد (ظلمات)‪.‬‬

‫وأما جلة (ورعد وبرق) فاعلم! ان القصد تصوير حيتم ودهشتهم‪ ،‬وان الصاب التحي يمع‬
‫تام دقته ونظره ال أدن حادث‪ .‬فلمعان النظر يتفطنون لا ف الرعد والبق من النقلبات‬
‫العجيبة والتحول الغريب‪ .‬اذ بينما يرى الصابون ظلمة استولت على الكائنات وابتلعت‬
‫الوجودات ‪ -‬نظي العدم ‪ -‬فتنقلب حيتُهم بالغ ّم اليتم ّي والسكوت اليتّ؛ اذ يرون اظهر دلئل‬
‫الوجود‪ ،‬وهو تكلم العلويات‪ ،‬ث ظهورها بكشف الجاب فينقلب نظرهم ال نظر الدهوش‬
‫التحي الائف؛ اذ كما انم اذا رأوا ظلمات غي مصورة ف فضاء غي متناه‪ ،‬ل ضعفَ فيه بانبٍ‬
‫يُبقي لم أملً‪ ،‬ينظرون نظر اليأس؛ كذلك اذا فاجأهم بغتة انعدام الظلمات بان افرغت من‬
‫الفضاء‪ ،‬وملئ بدلا نورا ينقلب يأسهُم الطلق ال رجاء‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪141 :‬‬

‫اعلم! ان الرعد والبق آيتان ظاهرتان من جهة العال الغيبّ ف أيدي اللئكة الوكلي على عال‬
‫السحاب لتنظيم قوانينه‪ .‬ث ان الكمة اللية ربطت السباب بالسّببَات فاذا تشكل السحاب من‬
‫بار الاء النتشر ف الواء؛ صار قسم حاملً "لللكتريك" النفي وقسم حاملً "لللكتريك"‬
‫الثبت؛ فحينما يتقاربان يتصادمان دفعة فيتولد البق‪ .‬ث بالجوم والنقلع دفعة وامتلء موضعه‬
‫بآخر لعدم اللو‪ ،‬يهتز وتتموج الطبقات فيتولد صدى الرعد‪ .‬ول تري هذه الالت ال تت‬
‫نظام وقانون يتمثلهما مَلَك الرعد والبق‪ .‬وأما ظرفية الصيّب لما مع ان الظرف هو السحاب‬
‫فلن الدهوش والسامع التدهش بدهشته يرى الصيب ميطا بكل شئ لحاطته بنفسه‪ .‬وأما إفراد‬
‫الرعد والبق مع جع الظلمات‪ ،‬فاشارة ال ان منشأ الدهشة تيل الصاب تكلمَ السماء وتديدَها‬
‫بالرعاد‪ ،‬وكشفَ الجاب بالبراق‪ ،‬وها معن مصدريّ للكلم واليد البيضاء‪ .‬وأيضا كل منهما‬
‫نوع واحد وان تعددت أفراده‪.‬‬

‫وأما تنوين (رعدٌ وبرقٌ) فبدل من الصفة‪ ،‬أي‪ :‬رعد قاصف وبرق خاطف‪ ،‬ودالة على عدم اللفة‬
‫بما بسبب التفطن بالدقة لا فيهما من العجائب‪ ..‬وأيضا فيها اياء ال انم ليعرفون ذلك الرعد‬
‫والبق لسد السمع وغض البصر‪.‬‬

‫وأما هيئات جلة (يعلون أصابعهم ف اذانم من الصواعق حذر الوت)‬

‫فاعلم! انا جواب لسؤال مقدر واستيناف حسن؛ اذ السامع لا توجه ال هذه القصة السية‬
‫التمثيلية حصل له ميلن شديد لكشف حال الصيبة‪ .‬ث بعد ان كمّل التصوير التصوي َر وقضى منه‬
‫الوطر انثن مرى اليلن ال كشف حال الصاب‪ .‬فكأنه يقول السائل‪ :‬كيف حال الصاب حينئذ‬
‫وب يتشبث للنجاة؟ فأجاب القرآن بقوله‪( :‬يعلون اصابعهم)‪ ..‬ال‪ .‬أي لمناص لم‪ ،‬انا هم‬
‫كالغرقى يتمسكون بغي متمسك فييدون التحفظ من مانيق(‪ )1‬السماويي بسد الساع‪.‬‬
‫وكونه سببا مالٌ‪ ،‬فل سبب‪.‬‬

‫وأما لفظ (يعلون) بدل "يدخلون" فاياء ال انم تروا السباب فما صادفوا ال ماسببيته بعلهم‬
‫وظنهم فقط‪ ..‬وصورة الضارع الستحضرة للحال فرمز‬

‫(‪)1‬جع منجنيق‪ :‬آلة حربية ترمى" با القذائف‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪142 :‬‬


‫ال ان السامع ف مثل هذا القام الهيج للحية يضر بياله زمان الواقعة ومكان الادثة‪ .‬ث ف‬
‫الضارع استمرار تددي‪ .‬وف استمراره اياء ال تواتر تقتقة السحاب‪.‬‬

‫وأما (أصابعهم) بدل "أناملهم" فاشارة ال شدة الية باستعمال الصابع موضع النامل‪.‬‬

‫وأما ف (اذانم) فاياء ال شدة الوف من صدى الرعد حت ييل اليهم انه لو دخل الرعد ف‬
‫شبكة الذان لطيّر الرواح من أبواب الفواه‪ .‬وفيه رمز لطيف ال انم لا ل يفتحوا آذانم لنداء‬
‫الق والنصيحة عوقبوا من تلك الهة بنعرات الرعد‪ ،‬فسدوا هنا ما سدوا هناك‪ ،‬كمن اخرج‬
‫كلما شنيعا مِن ِفي ِه ُيضْرَب على فمه فيدخُل يي الندامة ف فيه ويضع يسار الجالة على عينه‪.‬‬

‫وأما (من الصواعق) فاشارة ال اتاد الرعد والبق على اضراره؛ اذ الصاعقة صوت شديد معه‬
‫نار مرقة تصرع من صادف‪.‬‬

‫وأما (حذر الوت) فاشارة ال ان البلء جذّ (‪ )1‬اللحم ال العظم‪ ،‬وجاز الحوال ال الياة‪ ،‬فما‬
‫يعنيهم الّ غم الوت وحفظ الياة‪.‬‬

‫وأما هيئات جلة (وال ميط بالكافرين)‬

‫فاعلم! ان "الواو" تقتضي الناسبة‪ ،‬وما الناسبة ال بي هذه وبي التابع لآل السابقة‪ .‬فكأن هذه‬
‫"الواو" تقرأ عليهم‪" :‬هم قوم فروا من العمارة ونفروا من الضارة وعصوا قانون كون الليل سباتا‬
‫ول يطيعوا نصيحة الناصح فظنوا النجاة بالروج ال الصحراء فخابوا وأحاط بم بلء ال"‪.‬‬

‫وأما لفظ (ال) فرمز ال قطع آخر رجائهم؛ اذ الصاب انا يلتجئ ويتسلى اولً وآخرا ال رحة‬
‫ال‪ ،‬فحي استحقوا غضب ال تعال انطفأ ذلك الرجاء‪.‬‬

‫وأما لفظ (ميط) فاياء ال ان هذه الصائب الحيطة آثار غضبه تعال‪ ،‬فكما ان السماء والسحاب‬
‫والصيّب والليل تجُم عليهم من الهات الست؛ كذلك غضبه تعال وبلياته ميطة بم‪ ..‬وأيضا‬
‫علمه تعال وقدرته ميطان بكل الكائنات‪ ،‬وأمره‬

‫(‪ )1‬جذّه وجزّّه‪ :‬قطعه‪ .‬جذّه وجزّّه‪ :‬قطعه‪.‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪143 :‬‬

‫شامل لكل الذرات‪ .‬فكأن (ميط) يتلو عليهم‪ :‬لتنفذون من أقطار السموات والرض‪( ،‬فأينما‬
‫تولوا فثمّ وجه ال )‪)1(.‬‬

‫وأما تعلق "الباء" فرمز ال انم وقعوا فيما هربوا عنه فصاروا هدفا للسهام‪.‬‬

‫وأما التعبي بالكافرين فاشارة ال اراءة تثال المثل ‪ -‬أعن النافقي ‪ -‬ف مرآة التمثيل‪ ،‬لئل يتوغل‬
‫فيه ذهن السامع فينسى القصد‪ ..‬ورمز ال ان الشابة وصلت ال درجة‪ ،‬وتضايق السافة بينهما‬
‫ال حدّ يتراءيان معا‪ ،‬فتمتزج القيقة باليال‪ ..‬وأيضا اياء ال ظلمة قلوبم اذ وجدانم أيضا‬
‫يعذبم لقصورهم وجنايتهم؛ اذ من رأى جزاء جنايته ليستريح وجدانه‪.‬‬

‫وأما هيئات جلة‪( :‬يكاد البق يطف أبصارهم) فاستينافها يشي ال ان السامع يقول‪ :‬أل‬
‫ل عن الفائدة‪.‬‬
‫ب بأنم يافون من الضرر فض ً‬‫ينتفعون بالبق الخفف لبلء الظلمة عنهم؟ فأُجي َ‬

‫وأما (يكاد)(‪ )2‬فيشي باعتبار خاصته الشهورة ال وجود سبب زوال البصر لكن ل يزل لوجود‬
‫مانع‪.‬‬

‫وأما (يطف) باعتبار استعماله كاختطفته الغُول والعُقاب ففيه بلغة لطيفة تبق للذهن وتشي ال‬
‫ان البق يسابق شعاع العي من قبل ان يصل ال الشياء ليأخذ صورها ي ّر هو عليه فيقطعه‬
‫ويضرب على جفنه فيذهب بنوره‪ .‬كأن نور العي لا خرج من بيته مسرعا لجتناء صور الشياء‬
‫يسارع البق الذي هو شعاع عي الليل‪ ،‬فيأخذ من يد شعاع العي صورته قبل ايصاله ال‬
‫الخزن‪ ،‬أي يتلس البق صورته من يده‪.‬‬

‫وأما (أبصارهم) فرمز ‪ -‬بناء على كونا مرآة للقلوب ‪ -‬ال عمل بصائر النافقي التعامية عن‬
‫الباهي القاطعة القرآنية‪.‬‬

‫وأما هيئات جلة (كلما أضاء لم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا) فاستينافها يشي ال ان السامع‬
‫حينما رأى اختلف الصيبة وتغيها سأل عن شأنم ف الالتي فأجيب بذلك‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪.115 :‬‬

‫(‪)2‬كاد من افعال القاربة وضعت لقاربة الب من الوجود لعروض سببه‪ ،‬لكنه ل يوجد إما لفقد‬
‫شرط او لعروض مانع (ب)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪144 :‬‬

‫وأما (كلما) ف الضاءة و "اذا" ف الظلم فاشارة ال شدة حرصهم على الضياء ينتهزون ادن‬
‫الضياء فرصة‪ .‬وأيضا "كلما" متضمن لقياس مستقيم استثنائي‪.‬‬

‫وأما (اضاء لم) بلم الَجْلية والنفع فرمز ال ان الصاب الدهوش يستغرق ف حاجة نفسه حت‬
‫يظن الضياء الذي تنشره يد القدرة ف العال للف حِكمٍ كلية أنه الراد به خاصة‪ ،‬ويد القدرة انا‬
‫ارسلته لجله‪.‬‬

‫واما (مشوا) مع اقتضاء الفرصة السي السريع فاشارة ال ان الصيبة اقعدتم فما سيهم السريع الّ‬
‫مشي وحركة على مهل‪.‬‬

‫واما (فيه) فاشارة ال ان مسافة حركتهم الضياءُ الذي هو لون الزمان فكأنه يدد لم الكان‪.‬‬

‫واما (واذا) فـ "الواو" رمز ال تديد الصيبة لتشديد التأثي‪ .‬واما الهال والزئية ف "اذا" عكس‬
‫"كلما" فاشارة ال شدة نفرتم وتعاميهم‪ ،‬فتأخذهم وهم منغمسون ف آن الفرصة‪.‬‬

‫وأما (اظلم) بالسناد ال البق فاشارة ال ان الظلمة بعد الضياء اشد‪ .‬واياء ال ان خيال الصاب‬
‫لا رأى البق طرد الظلمة ث ذهب وامتل موضعه بالظلمات يتخيل انه انطفأ واورث دخانا‪.‬‬

‫وأما (عليهم) اللوّح بالضرر فاشارة ال ان الظلم ليس تصادفيا بل جزاء لعملهم‪ .‬ورمز ال ان‬
‫الدهوش يتخيل الظلمةَ الالئة للفضاء كأنا تقصد ‪ -‬من بي الشياء ‪ -‬ذلك النسان الصغي‬
‫الذليل وتعله خاصة هدفَ هجومها وإضرارها‪.‬‬

‫واما (قاموا) بدل "سكنوا" فاشارة ال انم بالصيبة وشدة التشبث تقوّسوا كالراكعي كما هو‬
‫شأن الجدّين ف العمل‪.‬‬
‫وأما هيئات جلة (ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم) فالـ "واو" بسر الربط تلوّح ال ان‬
‫يد القدرة تتصرف تت حجاب السباب‪ ،‬وان نظر الكمة يراقب من فوق جيع العلل‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪145 :‬‬

‫وأما (لو) فمتضمنة لقياس استثنائ ّي غي مستقيم‪ .‬أي عدم الشيئة علة لعدم ذهابما؛ كما ان عدم‬
‫الذهاب دليل على العلم بعدم الشيئة بذهابما‪ .‬وأيضا رمز ال ان السبب بلغ النهاية‪.‬‬

‫وأما (شاء) فاشارة ال ان الرابط بي السبب والسبّب انا هي الشيئة والرادة اللية‪ .‬فالتأثي‬
‫للقدرة‪ ،‬وما السباب إل حجاب العزة والعظمة لئل تباشر يد القدرة بالمور السيسة ف ظاهر‬
‫نظر العقل‪.‬‬

‫وأما التصريح بلفظة (ال) فاشارة ال زجر الناس عن الِبتلء بالسباب والنغماس فيها‪ .‬وأيضا‬
‫لدعوة الذهان ال رؤية يد القدرة خلف كل السباب‪ ..‬وأما حذف مفعول "شاء" وان كان‬
‫واجبا بالقاعدة الطردة فيجوز بقرينة اخواته ان يكون اياء ال عدم تأثر الشيئة والرادة اللية‬
‫بأحوال الكائنات وعدم تأثي الشياء ف الصفات اللية كما تتأثر ارادة البشر بسن الشياء‬
‫وقبحها وعظمتها وصغرها‪.‬‬

‫واما (لذهب) فاشارة ال ان السباب ليست مسلطة ومستولية على السببات حت اذا رُفعت‬
‫بقيت السببات ف جوف العدم تلعب با يد التصادف وتشتّتها بالتفاق‪ ،‬بل يد القدرة حاضرة‬
‫خلف السباب‪ .‬اذا أخرجت الشياءَ تأخذها ي ُد الكمة اللية بقانون الوازنة والنتظام‪ ،‬ترسلها‬
‫ال مواقع اُخر ولتملها‪ .‬كما ان الرارة اذا خرّبت بُنية الاء‪ ،‬فبالنظام الندمج ف الواء يذهب‬
‫البخار ف مرى معي ويسوقه صانعه ال موقع معي‪ ..‬وكذا ف "ذهب" رمز ال ان الواس‬
‫المس الظاهرة ليست متولدة عن الطبيعة ول لزمة لتجاويف السمع والبصر‪ ،‬بل انا هي هداياه‬
‫تعال وعطاياه‪ .‬وما التجاويف والسباب الّ شرائط عادية‪.‬‬

‫وأما التعدية بالباء بدل المزة فاياء ال ان يد القدرة ل تطلق الشياء عن حبل السباب‪ ،‬غَاربُها‬
‫على عنقها (‪ )1‬بل تضع ازمّتها بيد نظام‪.‬‬
‫واما افراد "السمع" مع جع "البصر" فاشارة ال افراد السموع وتعدد البصر‪ ،‬اذ الف رجل‬
‫يسمعون شيئا واحدا مع تالف البصرات‪.‬‬

‫ك على غاربك ِ‪ .‬والغارب‪ :‬اعلى السنام‪ .‬وهذا كناية عن الطلق‪ ،‬اى‪ :‬اذهب‬
‫(‪ )1‬اصل الثل‪ :‬حبل ِ‬
‫حيث شئتِ (ممع المثال)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪146 :‬‬

‫وأما هيئات جلة (ان ال على كل شيء قدير) فاعلم! انا فذلكة لتحقيق الدهشة ف التمثيل‬
‫والمثل له تشي ال انه كما ل تمل دقائق أحوال الصابي التمثلة لزئيات أحوال النافقي؛‬
‫كذلك يُرى ف كل ذرة تصرف القدرة اللية‪.‬‬

‫واما (ان) فمع اشارتا ال ان هذا الكم من القائق الراسخة‪ ،‬رمز ال عظمة السألة ووسعتها‬
‫ودقتها‪ ،‬وعجز البشر وضعفه وقصوره عنها الولّدة للوهام النتجة للتردّد ف اليقينيات‪.‬‬

‫واما التصريح بلفظة (ال) فاياء ال دليل الكم‪ ،‬اذ القدرة التامة الشاملة لزمة لللوهية‪.‬‬

‫وأما (على) فاياء ال ان القدرة الخرجة للشياء من العدم ل تتركها سُدىً هَملً‪ ،‬بل ترقب‬
‫عليها الكمة وتربيها‪.‬‬

‫وأما (كل) فاشارة ال ان آثار السباب‪ ،‬والاصل بالصدر من الفعال الختيارية أيضا بقدرته‬
‫تعال‪.‬‬

‫وأما لفظ (شيء) بعن مشئ أي ما تعلقت به الشيئة‪ ،‬فاشارة ال ان الوجودات بعد وجودها‬
‫لتستغن عن الصانع بل تفتقر ف كل آن لبقائها ‪ -‬الذي هو تكرر الوجود ‪ -‬ال تأثي الصانع‪.‬‬

‫وأما لفظ (قدير) بدل "قادر" فرمز ال ان القدرة ليست على مقدار القدورات فقط‪ ،‬وانا ذاتية ل‬
‫تغي فيها‪ ،‬ولزمة لتقبل الزيادة والنقصان لعدم امكان تلل ضدها حت تترتب شدة ونقصانا‪..‬‬
‫وتلويح ال ان القدرة كالنس وكميزان الصرف‪ ،‬أعن‪َ( :‬فعَلَ) لميع الوصاف الفعلية من‬
‫الرزاق والغفار والحيي والميت وغيها‪ .‬تفكر فيما سعت حق التفكر!‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪147 :‬‬

‫س اعْبُدُوا َرّبكُ ُم الّذِي خََل َقكُ ْم َواَلّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ‬


‫يَا اَّيهَا النّا ُ‬

‫ج بِهِ مِنَ‬
‫َتّتقُونَ ‪ 21‬الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَ ْرضَ ِفرَاشا وَالسّمَا َء ِبنَاءً َوَانْزَ َل مِنَ السّما ِء مَاءً فََاخْ َر َ‬
‫ج َعلُوا ِل اَنْدَادا َوَاْنتُمْ َتعَْلمُونَ ‪22‬‬ ‫الثّمَرَاتِ رِزْقا َلكُمْ فَل تَ ْ‬

‫مقدمـــــــة‬

‫اعلم! ان العبادة هي الت ترسّخ العقائد وتُصيّرها حال ومَلَكة؛ اذ المور الوجدانية والعقلية إن ل‬
‫تنمّها وتربّها العبادة ‪ -‬الت هي امتثال الوامر واجتناب النواهي ‪ -‬تكن آثارُها وتأثياتا ضعيفة‪.‬‬
‫وحال السلم ‪ 1‬الاضرة شاهدة‪.‬‬

‫واعلم أيضا! ان العبادة سبب لسعادة الدارين‪ ..‬وسبب لتنظيم العاش والعاد‪ ..‬وسبب للكمال‬
‫الشخص ّي والنوعيّ‪ ..‬وهي النسبة الشريفة العالية بي العبد وخالقه‪.‬‬

‫أما وجه سببيتها لسعادة الدنيا الت هي مزرعة الخرة فمن وجوه‪:‬‬

‫منها‪ :‬ان النسان خُلق متازا ومستثن من جيع اليوانات بزاج لطيف عجيب‪ ،‬انتج ذلك الزاج‬
‫فيه مي َل النتخاب وميلَ الحسن ومي َل الزينة‪ ،‬وميَلنا فطريا ال ان يعيش ويي بعيشة وكمال‬
‫لئقي بالنسانية‪ ..‬ث لجل تلك اليول احتاج النسان ف تصيل حاجاته ف مأكله وملبسه‬
‫ومسكنه ال تلطيفها واتقانا بصنائع جة ل يقتدر هو بانفراده على كلها‪ .‬ولذا احتاج ال‬
‫المتزاج مع أبناء جنسه ليتشاركوا‪ ،‬فيتعاونوا‪ ،‬ث يتبادلوا ثرات سعيهم‪ .‬لكن لا ل يدد الصانعُ‬
‫الكيم قوى البشر الشهوية والغضبية والعقلية بدّ فطريّ لتأمي ترقّيهم ب َز ْمبَ َركِ ‪ 2‬الزء الختياريّ‬
‫‪ -‬ل كاليوانات الت حُددت قواها ‪ -‬حصل انماك وتاوز‪ ..‬ث لنماك القوى وتاوزها ‪-‬‬
‫بسر عدم التحديد ‪ -‬تتاج الماعة ال العدالة ف تبادل ثرات السعي‪ ..‬ث لن عقل كل احد‬
‫ليكفي ف درك العدالة احتاج النوع ال عقل كلي للعدالة يستفيد منه عقل العموم‪ .‬وما ذلك‬
‫العقل الّ قانون كليّ‪ ،‬وما هو إلّ‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬العال السلمي (ت‪)92 :‬‬

‫النابض‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪148 :‬‬

‫الشريعة‪ ..‬ث لحافظة تأثي تلك الشريعة وجريانا لبد من مقننّ وصاحب ومبلّغ ومرجع‪ ،‬وما هو‬
‫ب عليه السلم‪ ..‬ث ان النبّ لدامة حاكميته ف الظواهر والبواطن وف العقول والطبائع‬ ‫الّ الن ّ‬
‫يتاج ال امتياز وتفوق ماد ًة ومعن‪ ،‬سيةً وصورة‪َ ،‬خلْقا وخُلُقا‪ .‬ويتاج أيضا ال دليل على قوة‬
‫الناسبة بينه وبي مالك اللك صاحب العال‪ ،‬وما الدليل ال العجزات‪ ..‬ث لتأسيس اطاعة الوامر‬
‫وتأمي اجتناب النواهي يتاج ال ادامة تصور عظمة الصانع وصاحب اللك ف الذهان وما هو‬
‫ال تلي العقائد‪ ..‬ث لدامة التصور ورسوخ العقائد يتاج ال مذكّر مكرر وعمل متجدد‪ ،‬وما‬
‫الذكّر الكرر ال العبادة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان العبادة لتوجيه الفكار ال الصانع الكيم‪ .‬والتوجه لتأسيس النقياد‪ .‬والنقياد للِيصال‬
‫ال النتظام الكمل والرتباط به‪ .‬واتباع النظام لتحقيق سر الكمة‪ .‬والكمة يشهد عليها اتقان‬
‫الصنع ف الكائنات‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النسان كالشجر الذي علق على ذروته كثي من خطوط اللة البقية‪ ،‬قد التفّت على‬
‫رأسه رؤوس نظامات اللقة‪ ،‬وامتدت مشرعة اليه قواني الفطرة‪ ،‬وانعكست متمركزة فيه اشعة‬
‫النواميس اللية ف الكائنات‪ .‬فلبد للبشر ان يتممها ويربطها وينتسب اليها ويتشبث باذيالا‬
‫ليسري بالريان العمومي حت ل يُزلق وليُطرد ول يُلقى عن ظهر هذه الدواليب التحركة ف‬
‫الطبقات‪ .‬وما هي ال بالعبادة الت هي امتثال الوامر واجتناب النواهي‪.‬‬

‫ب كثية ال مراتب عديدة ف‬ ‫ومنها‪ :‬ان بامتثال الوامر واجتناب النواهي يصل للنسان نس ٌ‬
‫اليئة الجتماعية‪ ،‬فيصي الشخص كنوعٍ؛ اذ كثي من الوامرلسيما الت لا تاس بالشعائر‬
‫والصال العمومية كاليط الذي نيط به حيثيات ونظُم فيه حقوق‪ ،‬لوله لتمزقت وتطايرت‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ان النسان السلم له مناسبات ثابتة وارتباط قوي مع كل السلمي‪ .‬وها سببان لخوة‬
‫راسخة ومبة حقيقية بسبب العقائد اليانية واللكات السلمية‪ .‬أما سبب ظهور تلك العقائد‬
‫وتأثيها وصيورتا مَلَكة راسخة فانا هي العبادة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪149 :‬‬

‫وأما جهة الكمال النفسيّ فاعلم!‬

‫ان النسان مع صغر جرمه وضعفه وعجزه وكونه حيوانا من اليوانات ينطوي على روح غال‬
‫ويتوي على استعداد كامل‪ ،‬ويتبطن ميول لحصر لا ويشتمل على آمال ل ناية لا‪ ،‬ويوز‬
‫افكارا غي مصورة ويتضمن قوى غي مدودة مع ان فطرته عجيبة كأنه فهرستة للنواع‬
‫والعوال‪ .‬فالعبادة هي السبب لنبساط روحه وجلء قيمته‪ ..‬وأيضا هي العلة لنكشاف استعداده‬
‫ونوّه ليناسب السعادة البدية‪ ..‬وكذا هي الذريعة لتهذيب ميوله ونزاهتها‪ ..‬وهي الوسيلة لتحقيق‬
‫آماله وجعلها مثمرة ريانة‪ ..‬وكذلك هي الواسطة لتنظيم أفكاره وربطها‪ ..‬وأيضا هي السبب‬
‫صيْقل ل َريْن الطبيعة على أعضائه الادية والعنوية الت كل منها‬
‫لتحديد قواه وإلامها‪ ..‬وأيضا هي ال َ‬
‫كأنه منفذ ال عال مصوص ونوع اذا شف‪ ..‬وأيضا هي الوصل للبشر ال شرفه اللئق وكماله‬
‫القدر‪ ،‬اذا كانت بالوجدان والعقل والقلب والقالب‪ ..‬وكذلك هي النسبة اللطيفة العالية‪،‬‬
‫والناسبة الشريفة الغالية بي العبد والعبود‪ .‬وتلك النسبة هي ناية مراتب كمال البشر‪.‬‬
‫ث ان الخلص ف العبادة هو‪ :‬ان تفعل لنه أُمر با‪ ،‬وان اشتمل كل أمر على ِحكَم‪ ،‬كل منها‬
‫يكون علة للمتثال‪ ،‬ال ان الخلص يقتضي ان تكون العل ُة هي المر‪ ،‬فان كانت الكمةُ علةً‬
‫فالعبادة باطلة‪ ،‬وان بقيت مرجّحة فجائزة‪.‬‬

‫***‬

‫ث ان الخاطبي لا سعوا (يا ايها الناس اعبدوا) استفسروا بلسان الال‪ :‬ما الكمة؟ ولِمَ؟ وما‬
‫الجبورية؟ وليّ شئ؟‬

‫أما الكمة فقد سعت ف القدمة‪ .‬وأما العلة فأجاب القرآن الكري باثبات الصانع وتوحيده بقوله‪:‬‬
‫(ربكم الذي خلقكم)‪ ..‬ال‪ .‬واثبات النبوّة بقوله‪( :‬وان كنتم ف ريب ما نزلنا)‪ ..‬ال‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪150 :‬‬

‫مقدمة ف نكات هذه الية‪:‬‬

‫اعلم! ان البهان إما "لِمّي" وهو الستدلل بالؤثر على الثر‪ .‬وإما "ِانّيّ" وهو الستدلل بالثر‬
‫على الؤثر‪ ،‬وهذا أسلم ‪ .1‬وهو إما "إمكانّ بالستدلل" بتساوي الطرفي على الرجّح‪ ،‬واما‬
‫"حدوثيّ بالستدلل" بالتحوّل والتبدّل على الُوجِد‪ ..‬وكل منها اما باعتبار ذوات الشياء أو‬
‫باعتبار صفاتا‪ ..‬وكل منها إما باعطاء الوجود أو بادامة البقاء‪ ..‬وكل منها إما "دليل اختراعيّ"‬
‫أو "دليل عنايتّ"‪ .‬وهذه الية اشارة ال هذه النواع‪ ،‬فاللخص منها هنا‪ ،‬وقد فصلناه ف كتاب‬
‫آخر‪.‬‬

‫أما دليل العناية على اثبات الصانع الذي تلوّح به هذه الية‪ ،‬هو‪" :‬النظام الندمج ف الكائنات"؛ اذ‬
‫النظام خيط نيط به الصال والكم‪ .‬فجميع اليات القرآنية الت تعد منافع الشياء وتذكر‬
‫ِحكَمها انا هي نسّاجةٌ لذا الدليل‪ ،‬ومظاهر لتجلّي هذا البهان؛ اذ النظام الرعي به الصال‬
‫والكم كما يثبت وجود نظّام‪ ،‬كذلك يدل على قصد الصانع وحكمته وينفي من البي وهمَ‬
‫التصادف العمى والتفاقية العمياء‪.‬‬
‫ياهذا! ان ل يط نظرك بذا النظام العال الزيّن بفصوص الكَم‪ ،‬ولتقتدر على الستقراء التام؛‬
‫فانظر بواسيس الفنون ‪ -‬الت هي الواس لنوعك ‪ -‬الاصلة من تلحق الفكار ‪ -‬الذي هو ف‬
‫حُكم فكر النوع ‪ -‬لترى نظاما يبهر العقول‪ ،‬وتعلم ان كلّ فن من فنون الكائنات كشّاف بكلية‬
‫قواعده عن اتساق وانتظام ليعقل أكمل منهما؛ اذ كل نوع من الكائنات اما تشكّل فيه فن أو‬
‫يقبل ان يتشكل‪ .‬والفن عبارة عن قواعد كلية‪ .‬وكلية القاعدة تدل على حسن النظام؛ اذ ما‬
‫لنظام له لتري فيه الكلية‪ .‬أل ترى ان قولنا "كل عال فهو ذو عمامة بيضاء" انا يصدق كلية‪،‬‬
‫اذا كان ف ذلك النوع انتظام‪ .‬فانتج أن كل فن من الفنون الكونية بسبب كلية قواعده ينتج‬
‫بالستقراء التام نظاما كامل شامل‪ ،‬وان كل فن برهان نيّر يشي ال الصال والثمرات التدلية‬
‫كالعناقيد ف حلقات سلسل الوجودات‪ ،‬ويلوّح ال الِكَم والفوائد الستترة ف معاطف‬
‫انقلبات الحوال‪ .‬فترفع الفنونُ اعلمَ الشهادة على قصد الصانع وحكمته‪،‬كأن كل فن نم‬
‫ثاقب ف طرد شياطي الوهام‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬كدللة النار على الدخان ودللة الدخان على النار‪ ،‬وهذا اسلم من الشبهات (ت‪)96 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪151 :‬‬

‫وان شئت فعليك بذا الثال مع قطع النظر عن العموم وهو‪:‬‬

‫ان اليوان الكروسكوبّ الذي ل يُرى بالعي بل واسطة‪ ،‬اشتملت صورته الصغية على ماكينة‬
‫دقيقة بديعة إلية‪ .‬فبالضرورة والبداهة ان تلك الاكينة المكنة ف ذاتا وصفاتا ما وجدت بنفسها‬
‫بل علة لمكان ذاتا وصفاتا وأحوالا‪ .‬والمكن متساوي الطرفي ككفت اليزان‪ ،‬ولو وجد‬
‫الترجح لكان ف العدم‪ .‬فباتفاق العقلء لبد لا من علة مرجّحة‪ ..‬ومن الحال ان تكون العلة‬
‫أسبابا طبيعية؛ اذ ما فيها من النظام الدقيق يقتضي ناية علم وكمال شعور ليكن تصورها ف‬
‫تلك السباب‪ ،‬الت يادعون أنفسهم با‪ .‬مع انا أسباب بسيطة قليلة جامدة ل يتعي ماريها‪ ،‬ول‬
‫يتحدد ماركها مع ترددها بي ألوف من المكانات الت ل اولوية لبعضها‪ .‬فكيف تري ف‬
‫مرى معي‪ ،‬وتتحرك على مرك مدود‪ ،‬وكيف يترجح بعض وجوه المكانات حت يتولد هذه‬
‫الاكينة العجيبة النتظمة الت حيت العقول ف دقائق حكَمها‪ ،‬بل انا تقنع نفسُك وتطمئن بتولدها‬
‫منها ان اعطيت لكل ذرّة شعور "افلطون" ‪ 1‬وحكمة "جالينوس" ‪ 2‬واعتقدتَ بي تلك الذرات‬
‫مابرة عمومية‪ .‬وما هذه الّ سفسطة يجل منها السوفسطائيّ‪ .‬مع أن أس السباب الادية وجود‬
‫القوة الاذبة والقوة الدافعة معا ف جزء ليتجزأ والوهر الفرد‪ ،‬وان هذا كاجتماع الضدين‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬قانون الاذبة والدافعة وأمثالما اساء لقواني عادات ال تعال وشريعته الفطرية السماة‬
‫بالطبيعة‪ .‬فهذه القواني مقبولة بشرط ان لتنتقل من القاعدية ال الطبيعية‪ ،‬وان لترج من‬
‫الذهنية ال الارجية‪ ،‬وان لتتحول من العتبارية ال القيقية‪ ،‬وان ل تترقى من اللتية ال‬
‫الؤثرية‪.‬‬

‫فاذا تفهمت ما ف هذا الثال ورأيت عظمته مع صغره ووسعته مع ضيقه؛ فارفع رأسك وانظر ف‬
‫الكائنات تر وضوح دليل العناية وظهوره بقدار درجة وسعة‬

‫_____________________‬

‫‪ 347 - 427 1‬ق‪.‬م) من مشاهي فلسفة اليونان‪ ،‬تلميذ سقراط ومعلم ارسطو‪ .‬من مؤلفاته‬
‫(المهورية) و(الحاورات)‪.‬‬

‫(‪200 - 130‬م) طبيب وكاتب يونان‪ ،‬ولد ف برجامون وعمل جراحا لدرسة الصارعي با‬ ‫‪2‬‬

‫بعد ان ات دراسته ف بلد اليونان وآسيا الصغرى والسكندرية ث اقام بروما حيث ذاع صيته‬
‫وينسب اليه خسمائة مؤلف اغلبها ف الطب والفلسفة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪152 :‬‬


‫الكائنات‪ .‬فكل اليات القرآنية العادّة لنِعم الشياء والذكّرة لفوائدها مظاهرُ لذا الدليل‪ .‬فكلما‬
‫أمر القرآن الكري بالتفكر فانا أشار ماطبا للعموم ال طريق هذا الستدلل (فَارجِعِ الَْبصَ َر هَلْ‬
‫تَرى مِنْ فُطُورٍ) ‪ 1‬ث ان الذي يومئ ال هذا الدليل من هذه الية قوله تعال ‪( :‬الذي َجعَلَ َلكُمْ‬
‫ج بِ ِه مِ َن الثّ َمرَاتِ رِزْقا َلكُمْ)‪.‬‬
‫ال ْرضَ ِفرَاشا وَالسّمَا َء ِبنَاءً َوَانْزَ َل مِنَ السّمَا ِء مَاءً فََاخْ َر َ‬

‫وأما الدليل الختراعيّ الشار اليه بقوله تعال‪( :‬اَلّذي َخَلقَكُ ْم وَالّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ) فهو‪:‬‬

‫ان ال تعال اعطى لكل فرد ولكل نوع وجودا خاصا هو منشأ آثاره الخصوصة‪ ،‬ومنبع كمالته‬
‫اللئقة؛ اذ لنوع يتسلسل ال الزل لِمكانه‪ ،‬ولبطلن التسلسل‪ ،‬ولن هذا التغي ف العال يثبت‬
‫حدوث بعض بالشاهدة‪ ،‬وبعض آخر بالضرورة العقلية‪ .‬ث انه قد ثبت بعلم اليوانات والنباتات‬
‫تكثّر النواع ال أزيد من مائت الف نوع ولكل نوع آدم وأب عال‪ .‬فبسر الدوث والمكان‬
‫يثبت بالضرورة صدور تلك الوادم والباء للنواع عن يد القدرة اللية بل واسطة‪ .‬ول يُتوهم‬
‫فيها ما يتوهم ف السلسلة‪ .‬وتوهم انشقاق النواع بعضها عن بعض باطل‪ ،‬لن النوع التوسط ل‬
‫يتسلسل بالتناسل ف الكثر فل يكون رأس سلسلة‪ .‬فاذا كان البدأ والصل هكذا‪ ،‬فأجزاء‬
‫السلسلة كذلك بالطريق الول‪.‬‬

‫نعم كيف يُتصور ان تكون السباب الطبيعية البسيطة الامدة الت لشعور لا ول اختيار قابلة‬
‫لِياد تلك السلسل الت تيت الفهام فيها‪ ،‬ولختراع أفرادها الت كل منها صنعة عجيبة من‬
‫معجزات القدرة‪ .‬فكل الفراد مع سلسلها تشهد بلسان حدوثها وامكانا شهادة قاطعة على‬
‫وجوب وجود خالقها جل جلله‪.‬‬

‫"ان قلت‪ :‬فمع هذه الشهادة القاطعة كيف يعتقد النسان بأمثال ضللت ازلية الادة وحركتها؟‪.‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان النظر التبعيّ قد يُري الحا َل مكنا‪ ،‬كالستهلّ الذي رأى الشعرة البيضاء من اهدابه‬
‫هلل العيد؛ لن النسان بسبب جوهره العال وماهيته الكرمة انا يدور خلف الق والقيقة‪.‬‬
‫وانا يقع الباطل والضلل ف يده بل اختيار ولدعوة ول ترّ‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬سورة اللك‪.3 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪153 :‬‬

‫لكَم‪،‬‬
‫بل بنظره السطحيّ التبع ّي فيقبله اضطرارا؛ لنه لا تغافل عن النظام الذي هو خيط ا ِ‬
‫وتعامى عن ضدية الركة والادة للزلية احتمل عند نظره التبعي اسناد هذا النقش البديع والصنعة‬
‫العجيبة ال التصادف العمى والتفاق العور‪ .‬كما قال "السريّ" ‪ 1‬ف مَنْ دخل قصرا مزينا‬
‫مشتملً على آثار الدنية‪ ،‬من انه حينما ليرى صاحبه فيعتقد عدمه يضطر لِسناد زينته وأساساته‬
‫ال التفاق والتصادف وناموس النتخاب الطبيعيّ‪.‬‬

‫وأيضا لا تعامى وتغافل عن شهادة كل الكم والفوائد ف نظام العال على اختيار تام وعلم شامل‬
‫وقدرة كاملة احتمل ف نظره التبعي اثبات تأثي حقيقي لذه السباب الامدة‪.‬‬

‫فيا هذا! مع قطع النظر عن دقائق صنعته جل جلله تأمل ف اظهر الثار الت تسمى "طبيعة" وهو‬
‫الرتسام ‪ -‬بشرط ان تزق حجاب اللفة ‪ -‬كيف تقنع نفسك ويقبل عقلك ان خاصية وجه‬
‫الرآة علة مؤثرة مناسبة لكشط وجه السماء وجلب صورة ارتفاعها ونقشها بنجومها ف‬
‫زجيجتها؟‪ .‬وكيف يقنع عقلك بأن المر الوهيّ ف القيقة السمّى بالاذب العموميّ علة مؤثرة‬
‫كخيط النجنيق لِمساك الرض والنجوم وتريكها وتدويرها بانتظام مكم؟‬

‫الاصل‪ :‬ان النسان اذا نظر نظرا سطحيا تبعيّا ال المر الباطل الحال ول ير العلة القيقية‬
‫احتمل صحته عنده‪ .‬ال انه اذا نظر اليه قصدا وبالذات وتراه مشتريا له ليكن ان يقبل شيئا من‬
‫تلك السائل الت يطنطنون با ف الكميات‪ ،‬ا ّل ان يتبلّه بفرض عقل الكماء وحكمة السياسيّي‬
‫ف الذرّات‪.‬‬

‫" ان قلت‪ :‬فما الطبيعة والنواميس وال ُقوَى الت يدمدمون با ويسلّون أنفسهم با؟‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬هو حسي بن ممد بن مصطفى السر (‪1327 - 1261‬هـ)(‪1909 - 1845‬م) عال‬


‫بالفقه والدب‪ ،‬من بيت علم ف طرابلس الشام‪ .‬له نظم كثي‪ .‬دخل الزهر سنة ‪1279‬هـ‬
‫واستمر ال سنة ‪1284‬هـ‪ ،‬وعاد ال طرابلس فكان رجلها ف عصره‪ ،‬علما ووجاهة‪ ،‬وتوف‬
‫فيها‪ .‬كتبه (الرسالة الميدية ف حقيقة الديانة السلمية) و(الصون الميدية) ف العقائد‬
‫السلمية‪ .‬و«سية مهذّب الدين» و «رياض طرابلس» وهى مموعة دراسات ادبية واجتماعية‬
‫ف عشرة اجزاء‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪154 :‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان الطبيعة مِسْطر ‪ 1‬لمصدر‪ ..‬ومطبعة ل طابع‪ ..‬وقواني لقوة‪ .‬بل انا هي شريعة‬
‫فطرية إلية أوقعت نظاما بي أفعال أعضاء جسد عال الشهادة‪.‬كما ان الشريعة مصّلُ وخلصةُ‬
‫قواعد الفعال الختيارية‪ ،‬ونظام الدولة مموع الدساتي السياسية‪ .‬فكما ان الشريعة والنظام‬
‫خصُ عادة ال الارية ف اللقة‪ .‬وأما‬ ‫أمران معقولن اعتباريان؛ كذلك الطبيعة أمر اعتباريّ مل ّ‬
‫توهم وجودها الارج ّي فكتوهم الوحشي الذي يرى فرقة العسكر يتحركون بانتظام‪ ،‬وجودَ أمر‬
‫خارجيّ ربط بينهم‪ .‬فمن كان وجدانه وحشيا يتخيل الطبيعة بسبب الستمرار موجودا خارجيا‬
‫مؤثرا‪.‬‬

‫الاصل‪ :‬ان الطبيعة صنعة ال تعال وشريعته الفطرية‪ .‬واما نواميسها فمسائلها‪ .‬وأما قواها‬
‫فأحكام تلك السائل‪.‬‬

‫أما دليل التوحيد الذي أشار اليه (اعبدوا) على تفسي ابن عباس أي وحّدوا‪ ،‬فاعلم! ان القرآن‬
‫العجز البيان ما ترك من دلئل التوحيد شيئا‪ .‬وما تضمنته آية (لو كان فيهما آلة ال ال لفسدتا)‬
‫‪ 2‬من برهان التمانع دليل كاف ومنار نيّر على ان الستقلل خاصة ذاتية ولزم ضروري‬
‫لللوهية‪ ،‬ث ف هذه الية رمز ال دليل لطيف على التوحيد وهو‪ :‬ان تعاونَ الرض والسماء‬
‫ومناسبتهما ف توليد الثمرات ‪ -‬لُت َعيّش نوع البشر وجنس اليوان ‪ -‬ومشابةَ آثار العال وتعانقَ‬
‫ض لسؤال‬‫ض بتكميل بعض انتظام بعض‪ ،‬وتاوبَ الوانب وتلبيةَ بع ٍ‬ ‫ض يد بع ٍ‬
‫أطرافه وأخذ بع ٍ‬
‫حاجة بعض‪ ،‬ونظ َر الكل ال نقطة واحدة‪ ،‬وحركةَ الكل بالنتظام على مور نظام واحد؛ تلوّح‬
‫بل تصرّح بان صانع هذه الاكينة الواحدة واحد وتتلو على كلٍ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫وَفِي كُ ّل َشيْءٍ لَ ُه آَي ٌة تَدُ ّل عَلى َانّهُ وَاحِدٌ‬

‫ث اعلم! ان الصانع كما انه واجب الوجود وواحد؛ كذلك انه متصف بميع الوصاف‬
‫الكمالية؛ لن ما ف الصنوع من فيض الكمال انا هو مقتبس من ظل تلي كمال صانعه‪.‬‬
‫فبالضرورة يوجد ف الصانع جل جلله من المال والكمال والسن ما هو أعلى بدرجات غي‬
‫متناهية من عموم ما ف عموم الكائنات من السن والكمال‬

‫_____________________‬

‫مِسطَر‪ :‬ما يُسطر به الكتّاب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النبياء‪.22 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫لب العتاهية ف ديوانه وينسب ال المام علي كرم ال وجهه‪ .‬ونسبه إبن كثي ف مقدمة تفسيه‬ ‫‪3‬‬

‫ال إبن العتز‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪155 :‬‬

‫والمال؛ اذ الحسان فرعٌ لثروة الحسِن ودليل عليها‪ ،‬والياد لوجود الوجِد‪ ،‬والياب‬
‫لوجوب الوجب‪ ،‬والتحسي لسن الحسّن الناسب له‪..‬‬

‫وكذلك ان الصانع منّه عن جيع النقائص‪ ،‬لن النواقص انا تنشأ عن عدم استعداد ماهيات‬
‫الاديات وهو تعال مرد عن الاديات‪..‬‬
‫ف نشأت من إمكان ماهيات الكائنات وهو سبحانه‬ ‫وكذلك انه تعال مقدس عن لوازم وأوصا ٍ‬
‫واجب الوجود ليس كمثله شئ جل جلله‪ .‬ولقد أشار ال هاتي القيقتي بقوله‪( :‬فل تعلوا ل‬
‫أندادا)‪.‬‬

‫أما الدليل المكانّ الشار اليه بقوله تعال‪( :‬وَال الْ َغِنيّ َوَاْنتُمُ ال ُفقَرَاءُ) ‪ 1‬فاعلم! ان كل واحدة من‬
‫ذَرات الكائنات باعتبار ذاتا‪ ،‬وباعتبار فردٍ فردٍ من صفاتا‪ ،‬وباعتبار واحدٍ واحدٍ من أحوالا‪،‬‬
‫وباعتبار جهةٍ جهةٍ من وجوهها؛ بينما تراها تتردد بي المكانات الغي التناهية ف الذات‬
‫والصفات والحوال والوجود‪ ،‬اذا انتعشت وقامت وسلكت طريقا معينا منها ولبست صفة‬
‫مصوصة‪ ،‬وتكيفت بالة منتظمة‪ ،‬وركبت على قانون مسدّد‪ ،‬وتوجهت ال مقصد معيّن‪،‬‬
‫فأنتجت حكمةً ومصلح ًة ل تصلن الّ بذلك الطرز العي‪ ..‬أفل تنادي بلسانا الخصوص‪،‬‬
‫وتصرّح بقصد صانعها وحكمته؟ فكما ان كل ذرة بنفسها دليل على النفراد؛ كذلك تتزايد‬
‫دللتها باعتبار كونا جزءا من مركبات متداخلة متصاعدة؛ اذ لا ف كل مركب مقام‪ ..‬وف كل‬
‫مقام لا نسبة‪ ..‬وف كل نسبة لا وظيفة‪ ..‬وف كل وظيفة تثمر مصال‪ ..‬وف كل مرتبة تتلو‬
‫بلسانا دلئل وجوب وجود صانعها‪ ..‬مثلها كمثل جنديّ ف "طاقمه وطابوره وفرقته ال"‪.‬‬

‫***‬

‫ولنشرع ف نظم هذه الية باعتبار نظم مموعها با قبلها‪ ،‬ث نظم جلها بعض مع بعض‪ ،‬ث نظم‬
‫هيئات كل جلة جلة‪.‬‬

‫أما نظم الجموع با قبله‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة ممد‪.38 :‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪156 :‬‬

‫فاعلم! ان القرآن لا بيّن أقسام البشر وأنواع الكلّفي من الؤمني التّقي والكافرين العاندين‬
‫والنافقي الذبذبي توجه اليهم كافة ماطبا بقوله‪( :‬يا أيها الناس اعبدوا) عقّبه ورتّبه على سابقه‬
‫ترتيب البناء على الندسة‪ ،‬والمر والنهي بالعمل على قانون العلم‪ ،‬والقضاء على القدر‪ ،‬والنشاء‬
‫والياد على القصة والكاية؛ اذ لا ذكر مباحث الفرق الثلث‪ ،‬وذكر خاصة ك ٍل وعاقبة كلّ‬
‫تيأ الوضع وانتبه السامع فالتفت ماطبا بذلك الطاب‪ ..‬ث ان ف هذا اللتفات ‪ -‬أعن ذكرهم‬
‫أولً بالغيبة ث الطاب معهم هنا ‪ -‬نكتة عمومية ف اسلوب البيان وهي‪ :‬انه اذا ذكر ماسن‬
‫شخص أو مساويه شيئا فشيئا يتزايد بكم اليقاظ والتهييج ميلن استحسان أو ميل نفرة‪.‬‬
‫ويتقوى ذلك اليل شيئا فشيئا ال أن يب صاحبه على الشافهة مع ذلك الشخص‪ ،‬وبالنظر ال‬
‫القام يقتضي ميولت السامعي لوصافه ان يضر التكلم ذلك الشخص ويره ال حضورهم‬
‫فيتوجه اليه بالطاب‪..‬‬

‫وفيه نكتة خصوصية هنا‪ :‬وهي تفيف أعباء التكليف بلذة الطاب‪ ..‬وفيه أيضا اشارة ال ان ل‬
‫واسطة ف العبادة بي العبد وخالقه‪.‬‬

‫وأما نظم المل فـ (يا أيها الناس اعبدوا) خطاب لكل انسان من الفرق الثلث ف الزمنة‬
‫الثلثة من كل طبقات الفرق‪ .‬أي‪ :‬ايها الؤمنون الكاملون اعبدوا على صفة الثبات والدوام‪..‬‬
‫وأيها التوسطون اعبدوا على كيفية الزدياد‪ ..‬وأيها الكافرون افعلوا العبادة مع شرطها من اليان‬
‫والتوحيد‪ ..‬وايها النافقون اعبدوا على كيفية الخلص‪ .‬فالعبادة هنا كالشترك العنوي فتأمل!‪.‬‬

‫(ربكم) أي‪ :‬اعبدوه لنه رب يربيكم فلبد ان تكونوا عبادا تعبدونه‪.‬‬

‫تذييل‪ :‬ف (ربكم) رمز دقيق ال دليل امكان الذوات‪ .‬وف (جعل لكم الرض فراشا) ال دليل‬
‫امكان الصفات‪ .‬وف (الذي خلقكم والذين من قبلكم) ال دليل حدوث الذوات والصفات‪.‬‬
‫والذي ينصّ على دليل امكان الذوات قوله تعـال ‪L‬وال الغنّ وانتم الفقراء) وايضا ال ربك‬
‫النتهى ‪ 1‬وأيضا (فانم عدوّ ل إلّ رب العالي) ‪ 2‬وكذلك (قل ال ث َذرْهم ف‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النجم‪.42 :‬‬

‫سورة الشعراء‪.77 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪157 :‬‬

‫خوضهم يلعبون) ‪ 1‬وأيضا (ففروا ال ال) ‪ 2‬وكذلك (اَلَ بذكر ال تطمئ ّن القلوب) ‪ 3‬وقس‬
‫فتأمل‪.!.‬‬

‫وأما جلة (الذي خلقكم) فاعلم! ان ال تعال لا أمر بالعبادة وهي تقتضي ثلثة أشياء‪:‬‬

‫وجود العبود‪ ،‬ووحدته‪ ،‬واستحقاقه للعبادة‪..‬‬

‫أجاب عن هذه السئلة القدرة بالشارة ال دلئلها الثلثة‪:‬‬

‫فدلئل الوجود قسمان‪ :‬آفاقي وأنفسي‪ .‬والنفسي نوعان‪ :‬نفسي وأصول‪ .‬فاشار ال النفسي‬
‫القرب الوضح بقوله‪( :‬الذي خلقكم) وال الصول بقوله‪ :‬والذين من قبلكم‪.‬‬

‫وأما نظم (لعلكم تتقون) فاعلم! ان القرآن الكري لا علق العبادة على خلقهم وآبائهم اقتضى‬
‫ترتيب العبادة على خلق البشر نقطتي‪:‬‬

‫إحداها‪ :‬ان تكون خلقتهم باستعداد العبادة‪ ،‬وجبليتهم على قابلية التقوى؛ حت من يرى ذلك‬
‫الستعداد يأمل ويرجو منهم العبادة كمن يرى الخالب يأمل الفتراس‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬ان يكون القصد من خلقتهم ووظيفتهم الت هم مأمورون با وكمالم الذي يتوجهون‬
‫اليه هو التقوى الذي هو كمال العبادة‪.‬‬

‫(ولعلكم تتقون) أي القصد من خلقكم وكمالكم والذي هيئ له استعدادكم انا هو التقوى‪.‬‬

‫وأما جلة (جعل لكم الرض فراشا) فاشارة ال أقرب الدلئل الفاقية على وجوده تعال‪. .‬‬
‫وأيضا فيها رمز ال رد التأثي القيقي للسباب الذي هو منشأ لنوع شرك‪ .‬أي تهيد الرض‬
‫بعله تعال ل بالطبيعة‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النعام‪.91 :‬‬

‫سورة الذاريات‪.50 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الرعد‪.28 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪158 :‬‬

‫وأما (والسماء بناء) فإشارة ‪ -‬بذكر السماء الت هي لصيق الرض ‪ -‬ال أعلى الدلئل الفاقية‬
‫البسيطة‪.‬‬

‫ث اشار بقوله (وأنزل من السماء) ال وجه دللة الركبات والواليد على وجود صانعها‪.‬‬

‫ث ان كل من المل السابقة كما تدل على اثبات الوجود؛ كذلك الجموع يلوّح بالوحدة‪.‬‬
‫وصورة الترتيب الشي ال النظام اللوح بالنعم مع دللة (رزقا لكم) تثبت استحقاقه تعال للعبادة‪،‬‬
‫لن شكْ َر الُْنعِم واجبٌ‪ .‬وف (رزقا لكم) اشارة ال انه كما ان الرض والواليد تدم لك لبد ان‬
‫تدم لن سخرها لك‪.‬‬
‫وأما نظم (فل تعلوا ل اندادا) فاعلم! انه قد امتدت من نظمها خطوط ال (يا ايها الناس اعبدوا‬
‫ربكم) وال (الذي خلقكم) وال (الذي جعل لكم) وال (وانزل)‪ .‬أي‪ :‬اذا عبدت ربكم فل‬
‫تشركوا له لنه هو الرب‪ ،‬ولنه هو الالق لكم ولنوعكم فل يعل بعضكم بعضا أربابا من دون‬
‫ال‪ ،‬ولنه هو الذي خلق الرض وفرشهاومهدها لكم‪ ،‬ولنه هو الذي خلق السماء وجعلها‬
‫سقفا لبنائكم فل تعتقدوا تأثيا حقيقيا للسباب الطبيعية الت هي منشأ الوثنية‪ ،‬ولنه هو الذي‬
‫أرسل الاء ال الرض لرزقكم ومعيشتكم‪ ،‬ول نعمة ال منه فل شكر ول عبادة الّ له‪.‬‬

‫وأما نظم كيفيات وهيئات جلة جلة‪ ،‬فاعلم! ان كلمة (يا أيها) ف جلة "يا ايها الناس اعبدوا"‬
‫قد أكثر التنيل من ذكرها لنكت دقيقة ولطائف رقيقة‪ ،‬اذ هذا الطاب مؤكد بوجوه ثلثة‪:‬‬

‫با ف "يا" من اليقاظ‪ ،‬وما ف "اَيّ" من التوسم‪ ،‬وما ف "ها" من التنبيه‪.‬‬

‫فالطاب هنا رمز ال فوائد ثلث‪ :‬مقابلة مشقة التكليف بلـذة الطاب‪ ..‬وان ترقى النسان‬
‫من حضيض الغيبة ال مقام الضور انا هو بواسطة العبادة ‪ ..1‬وأيضا اشارة ال ان الخاطب‬
‫مكلف بهات ثلث‪ :‬باعتبار قلبه بالتسليم والنقياد‪ ،‬ومن جهة عقله باليان والتوحيد‪ ،‬وبالنظر‬
‫ال قالبه بالعمل والعبادة‪..‬‬

‫وأيضا اياء ال ان الخاطبي ثلث فرق ‪ ..2‬وأيضا تلويح ال الطبقات الثلث من الواص‬
‫والتوسطي والعوام‪..‬‬

‫_____________________‬

‫وان ل واسطة ف العبادة بي العبد وخالقه (ش)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الؤمنون والكفار والنافقون (ت‪)108 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪159 :‬‬

‫وأيضا تلميح ال الطرز الألوف والنسق الأنوس وهو ان الرء اول ينادي أحدا فيوقفه‪ .‬ث يتوسه‬
‫‪1‬‬
‫فيوجهه‪ .‬ث ياطبه فيخدمه‪.‬‬

‫فبناء على هذه النكت تكون التأكيدات ف الطاب مؤسسة من تلك الهات‪.‬‬

‫أما النداء ف "يا" فلن النادى هو الناس الشتمل على الطبقات الختلفة من الغافلي والغائبي‬
‫والساكني والاهلي والشغولي والعرضي والحبي والطالبي والكاملي يكون هذا النداء للتنبيه‪،‬‬
‫وكذا للِحضار‪ ،‬وكذا للتحريك‪ ،‬وكذا للتعريف‪ ،‬وكذا للتفريغ‪ ،‬وكذا للتوجيه‪ ،‬وكذا للتهييج‪،‬‬
‫وكذا للتشويق‪ ،‬وكذا للزدياد‪ ،‬وكذا ل ّز العطف‪..‬‬

‫وأما البُعد ف "يا" مع ان القام مقام القرب‪ ،‬فاشارة ال جللة وعظمة امانة التكليف‪ ..‬وأيضا اياء‬
‫ال بُعد درجة العبودية عن مرتبة اللوهية‪ ..‬وأيضا رمز ال بُعد اعصار الكلفي عن م ّل وزمانِ‬
‫ظهور الطاب‪ .‬وأيضا تلويح ال شدة غفلة البشر‪.‬‬

‫وأما "أيّ" الوضوع للتوسم من العموم فرمز ال ان الطاب لعموم الكائنات‪ .‬فيخصص من بينها‬
‫النسان بتحمل المانة على طريق فرض الكفاية‪ .‬فاذا قصور النسان تاوزٌ لق مموع‬
‫‪2‬‬
‫الكائنات‪ ..‬ث ف "أي" جزالة الجال ث التفصيل‪.‬‬

‫وأما "ها" فمع كونه عوضا عن الضاف اليه‪ ،‬اشارة ال تنبيه من حضر بـ "يا"‪.‬‬

‫وأما (الناس) فاشارة ‪ -‬بكم تلميح الوصفية الصلية ‪ -‬ال العتاب‪ ،‬أي "ايها الناس كيف تنسون‬
‫اليثاق الزل"؟ وأيضا ال العذر أي "ايها الناس لبد ان يكون قصوركم عن السهو والنسيان ل‬
‫بالعمد والد"!‪.‬‬

‫أما (اعبدوا) فبحكم جوابيته للنداء العام مناداه للطبقات الذكورة يدل على الطاعة‪ ،‬ويشي ال‬
‫الخلص‪ ،‬ويرمز ال الدوام‪ ،‬ويلوح ال التوحيد‪ .‬أي اطيعوا‪ ..‬واخلصوا‪ ..‬واثبتوا‪ ..‬وازدادوا‪..‬‬
‫ووحدوا‪.‬‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬فيستخدمه (ب)‬

‫لن ف كلمة «ايّ» إجال وإبام حيث ذكرت غي مضافة‪ ،‬الّ ان كلمة «الناس» تزيل ذلك‬ ‫‪2‬‬

‫البام وتفصّل ذلك الجال (ت‪)109 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪160 :‬‬

‫وأما (ربكم) فإشارة إل ان العبادة كما ينبغي ان يرغّب فيها لنا نسبة شريفة ومناسبة عالية؛‬
‫كذلك لبد ان تطلب لنا شكر وخدمة لن هو يربيكم وتتاجون اليه‪.‬‬

‫أما هيئات (الذي خلقكم والذين من قبلكم)‬

‫فاعلم! ان (الذي) الذي جهة معلوميته الصلة ‪ 1‬يشي ال ان معرفة ال تعال انا تكون بأفعاله‬
‫وآثاره ل بكنهه‪.‬‬

‫وان "خَلَق" المتاز عن الياد والنشاء بكونه على وجه مقدر مستو‪ ،‬اشارة ال ان استعداد البشر‬
‫مسدّد للتكليف‪ ..‬وأيضا رمز ال ان العبادة وظيفة‪ ،‬لنا نتيجة اللقة واجرتا‪ .‬فما الثواب الّ من‬
‫مض فضل ال تعال‪.‬‬

‫وان (الذين) بنا ًء على ابامه اياء ال ان الذين سبقوكم انقرضوا فماتوا فذهبوا‪ ..‬فلم يبق منهم‬
‫جهة العلومية ال كونم ملوقي قبلكم‪ ..‬فأنتم على شفا جرف القب‪ ..‬فاعتبوا‪ ..‬فل تغتروا‬
‫بالدنيا‪ ..‬فتشبثوا بأذيال العبادة الت هي وسيلة السعادة البدية‪.‬‬
‫أما كيفيات (لعلكم تتقون) فاعلم! ان "لعل" للرجاء ففي الرغوب يقال اطماع وف الكروه‬
‫اشفاق‪ .‬فالرجاء ف حق التكلم هنا حقيقةً مالٌ‪ .‬فهو اما باعتباره لكن مازا‪ ،‬واما باعتبار‬
‫الخاطب‪ ،‬واما باعتبار الشاهدين والسامعي‪:‬‬

‫أما باعتبار التكلم فاستعارة تثيلية كما ان من جهز أحدا بأسباب خدمةٍ يرجو منه عرفا تلك‬
‫الدمة؛ كذلك ان ال جهز البشر باستعداد الكمال وقابلية التكليف وواسطة الختيار‪ .‬ففي‬
‫الستعارة اشارة ال ان حكمة خلق البشر هي التقوى‪ ..‬وكذا رمز ال ان نتيجة العبادة مرتبة‬
‫التقوى‪ ..‬وكذلك اياء ال ان التقوى أكب الراتب‪ ..‬وأيضا تلميح ال طرز اسلوب اللوك‬
‫بالطماع والرمز ف موضع الوعد القطعيّ‪.‬‬

‫وأما باعتبار الخاطب فكأنه يقول‪ :‬اعبدوا حال كونكم راجي للتقوى ومتوسطي بي الرجاء‬
‫والوف‪ .‬وف هذا العتبار اشارة ال انه لبد ان ليعتمد النسان على‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬فاذا قيل مثلً ‪" :‬الذى جاءك" فجهته العلومة لديك هى الجئ اليك‪ .‬اما سائر جهاته فمجهولة‬
‫(ت‪)110 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪161 :‬‬

‫عبادته‪ ..‬وكذا اياء ال انه لبد ان ليكتفي با هو فيه بل لزم ان يكون مصداقا لـ"عليك‬
‫بالركة غي السكون" فينظر ف كل مرتبة ال ما فوقها‪.‬‬

‫واما باعتبار الشاهدين والسامعي فكأن من شاهد البشر مهزا ومسلحا باستعدادات يأمل ويرجو‬
‫منه العبادة‪ ،‬كمن يرى مالب حيوان وأنيابه يأمل منه الفتراس‪ ..‬وكذلك اشارة ال ان العبادة‬
‫مقتضى الفطرة‪.‬‬
‫اما لفظ (تتقون) فاشارة ‪ -‬بكم ترتبه على عبادة الطبقات الذكورة ‪ -‬ال مراتب التقوى وهي‪:‬‬
‫التقوى عن الشرك‪ .‬ث التقوى عن الكبائر‪ .‬ث التقوى بفظ القلب عما سواه تعال‪ ..‬وكذا‬
‫التقوى بالتجنب عن العقاب‪ ..‬وايضا التقوى بالتحرز عن الغضب‪ ..‬وكذا رمز ال ان العبادة‬
‫بالخلص تكون عبادة‪ ..‬وايضا اياء ال ان العبادة مقصودة بالذات ل وسيلة مضة‪ ..‬وكذلك‬
‫رمز ال ان العبادة لبد ان لتكون لجل الثواب والعقاب‪.‬‬

‫اما هيئات آية (الذي جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء) فاعلم! انا اشارة ال التهييج على‬
‫العبادة ببيان عظمة قدرة الصانع‪ ،‬وال التشويق عليها بالمتنان‪ .‬كأنه يقول‪ :‬ايها النسان! ان‬
‫الذي سخر لك الرض والسماء يستحق ان تعبده‪ ..‬وكذا اياء ال فضيلة البشر وعل ّو قيمته‬
‫ومكرميته عند ال‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬ان الذي اكرمكم بأن هيّأ الجرام العلوية والسفلية بعظمتها‬
‫لستفادتكم‪ ،‬لبد أن تظهروا لياقتكم للكرامة بعبادته‪ ..‬وكذا تلميح ال رد التصادف والتفاق‬
‫ص مصّص‬ ‫وتأثي الطبيعة‪ .‬أي ان كل ما ترون بصفاتا انا هي بعلِ جاعل وقصدِ قاصد وتصي ِ‬
‫ونظمِ نظّام جلّت حكمته‪ ..‬وكذا تلويح ال رد مذهب اهل الطبيعة ومذهب الصابئي الولد‬
‫لذهب الوثنيي‪ ..‬وايضا تنبيه ال ان صفات الجسام بإمكانا تدل على الصانع؛ اذ الجسام‬
‫متساوية ذراتُها ف قابلية الحوال والكيفيات العمومية فكل صفة مكنة مترددة بي احتمالت‬
‫كثية فكل جسم باعتبار كل صفة وكيفية يتاج ال قصد وحكمة وتصيصِ مصّص‪.‬‬

‫اما تقدي (لكم) فاشارة ال ان تفريش الرض لجل النسان‪ ،‬ل ان الفترش والستفيد هو‬
‫النسان فقط‪ ،‬حت يكون الزائد عبثا‪ ،‬فتأمل!‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪162 :‬‬

‫واما (فراشا) فاشارة ال نكتة البلغة الت هي نقطة الغرابة وهي قيد "مع اقتضاء طبعها النغماس‬
‫ف الاء"‪ ..‬واياء ال ان التفريش بالعل خلف الطبيعة؛ اذ مقتضى طبيعة الكرة استيلء الاء عليها‬
‫واحاطته با‪ ،‬فالصانع بكمته ومرحته اظهر قسما منها وفرشه ووضع عليه مائدة ِنعَمه‪ ..‬وكذا‬
‫تنبيه ‪ -‬بقاعدة "اذا ثبت الشئ ثبت بلوازمه" ‪ -‬ال ان الرض كأرض البيت مبسوطة‪ ،‬فانواع‬
‫النباتات واليوانات فيها كأساسات البيت انا وضعت بقصد وحكمة‪ ..‬وكذا اياء ال ان الرض‬
‫توسطت بقصد وحكمة بي الائع الذي ليتمسك عليه القدام‪ ،‬وبي الصلب الشديد الذي‬
‫ليقبل الستفادة والزراعة فيكون عبثا‪ ،‬ولو كان ذهبا‪ .‬فبالتوسط اشارة ال انه بتخصيصِ وجعلِ‬
‫وقصدِ حكيم‪.‬‬

‫اما (والسماء بناءً) فاشارة ال انه تعال لا جعل لكم السماء سقفا وبناء صارت نومها قناديل‬
‫لكم فل يتوهم التصادف ف تفريق تلك القناديل وانتشارها كما يتوهم التصادف ف وضعية‬
‫الواهر الت ترمى على الرض منتثرة‪.‬‬

‫اعلم! ان ف هذه الية اشارة ورمزا واياء ال سرّ عجيب دقيق غال وهو‪:‬‬

‫‪ p‬ان قلت‪ :‬ان النسان ذرة بالنسبة ال أرضه‪ ،‬وأرضه ذرة بالنسبة ال الكائنات‪ .‬وكذا فرده ذرة‬
‫‪ 1‬ال نوعه ونوعه ذرة بالنسبة ال شركائه ف الستفادة ف هذا البيت العال‪ .‬وكذا جهة استفادة‬
‫البشر بالنسبة ال فوائد وغايات هذا البيت ذرة‪ ،‬والغايات الت تس با العقول ذرة بالنسبة ال‬
‫فوائده ف الكمة الزلية والعلم اللي فكيف جعل العال ملوقا لجل البشر واستفادته علة‬
‫غائية؟‪.‬‬

‫قيل لك‪ :‬نعم! ولكن مع كل ما مرّ لجل وُسعة روح النسان وتبسط عقله وانبساط استعداده‬
‫وكثرة وانتشار استفادته من الكائنات‪ ..‬وايضا لجل عدم الزاحة والتجزي والدافعة ف جهة‬
‫الستفادة كنسبة الكلي ال جزئياته ‪ -‬اذ الكلي بتمامه موجود ف كل من جزئياته لمزاحة ول‬
‫تزء ‪ -‬جعل القرآن الكري جهة استفادة البشر الت هي غاية فذة من الوف الوف غايات السماء‬
‫والرض ف منلة العلة الغائية كأنا هي العلة بالنظر ال النسان‪ .‬اي ان النسان يستفيد من‬
‫الرض عرص ًة لبيته والسماء سقفا له والنجوم قناديل والنباتات ذخائر‪ ،‬فح ّق لكل فرد ان يقول‪:‬‬
‫شسي وسائي وأرضي‪ .‬فتأمل وعقلك معك!‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ذرة بالنسبة ال نوعه (ش)‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪163 :‬‬

‫اما كيفيات (وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم) فاعلم! ان نسبة انزل ال‬
‫الضمي اشارة ال ان القطرات انا تُنَل بيزان قصد وتُرسل بكمة‪ ،‬حت ان كل قطرة مفوفة‬
‫بنظام مصوص بأمارة عدم مصادمتها لخواتا ف تلك السافة البعيدة مع تلعب الواء با‪ .‬فيؤذن‬
‫ان ليست غواربا على اعناقها ‪ ،1‬بل زمام كل ف يد ملَك مثّل لنظام ومعكس له‪.‬‬

‫أما (من السماء) فاشارة باقامة الظاهر مقام الضمي ال ان الغرض من هذه السماء جهتها ل‬
‫‪2‬‬
‫جِرمها الخصوص‪.‬‬

‫اما (ماء) مع ان النل ثلج وبَرَد ومطر‪ ،‬فاشارة ال النشأ القريب للستفادة (وجعلنا من الاء كل‬
‫شئ حي) ‪ .3‬أما تنكيه فاشارة ال انه ماء عجيب شأنه‪ ،‬غريب نظامه‪ ،‬مهول لكم امتزاجاته‬
‫الكميوية‪.‬‬

‫أما فاء (فاخرج) الوضوعة للتعقيب بل مهلة مع الهلة بي نزول الاء وخروج الثمر فتلويح ال‬
‫فـ"اهتزت الرض وربت واخضرت وانبتت من كل زوج بيج فاخرج"‪ .‬أما نسبة "اخرج" ال‬
‫الضمي فاشارة ال ان خروج الثمار ليس بتولد وتركب فقط‪ ،‬بل الصانع الكيم ينشؤها ويرتبها‬
‫بصفات وخواص لتوجد ف مادتا‪.‬‬

‫أما (به) فبسبب تشرب العن القيقي ‪ -‬وهو اللصاق ‪ -‬للسببية رمز ال لطافة طراوة الثمار‪،‬‬
‫فيعلو اليها الاء ‪ -‬خلف طبيعته ‪ -‬بوساطة "الثار الشعرية" فيمل أقداح الثمرات ملصقا با‪.‬‬

‫أما (من الثمرات) فلعدم خلوها من معن البتداء عند (سيبويه) يشي ال مفعول يتنوع بتعي فهم‬
‫السامع‪ ،‬أي ان من الثمرات أنواعا كما تشتهون‪.‬‬

‫أما تنوين (رزقا) فاشارة ال انه رزق مهول لكم أسباب حصوله فيجئ من حيث ل يتسب‪.‬‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬الصحيح‪" :‬حبلها على غاربا"‪ ..‬راجع الكتب الفقهية ف بث كنايات الطلق والعاجم اللغوية‬
‫ف مادة "غرب" (ب)‬

‫لن القام مقام الضمي‪ ،‬فاذا عدل عنه ال الظاهر يكون الراد به غي الول‪( ...‬ب)‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النبياء‪.30 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪164 :‬‬

‫أما (لكم) فاشارة ال تأكيد معن المتنان‪ ..‬وأيضا اياء ال ان الرزق لجلكم فل بأس من‬
‫استفادة غيكم منه تبعا‪ ..‬وكذا رمز ال انه تعال كما خصكم بالنعم فخصوه بالشكر‪.‬‬

‫أما نظم هيآت (فل تعلوا ل اندادا) فالفاء‪ ،‬ينظر ال الفقرات الربعة‪ :‬أي لنه هو العبود فل‬
‫تشركوا‪،‬ولنه هو القادر الطلق والرض والسماء ف قبضته فل تعتقدوا له شريكا‪ ،‬ولنه النعم‬
‫فل تشركوا ف شكره‪ ،‬ولنه هو خالقكم فل تتخيلوا له شريكا‪.‬‬

‫أما (تعلوا) بدل تعتقدوا فاشارة ال معن (ان هي ال اساء سيتموها) ‪ 1‬أي اساء ل معن لا‬
‫تتخيلون لا وجودا بعلكم‪.‬‬

‫أما تقدي (ل) فمع الهتمام بعله نصب العي اياء ال ان منشأ النهي كون الشريك ل‪.‬‬

‫اما (اندادا) فلفظ الند بعن‪ :‬الثل‪ ،‬ومثله تعال يكون عي ضده‪ ،‬وبينهما تضاد‪ ،‬ففيه اياء لطيف‬
‫ال ان الند بيّن البطلن بنفسه‪ ..‬أما المع فاشارة ال ناية جهالة الشركي واياء ال التهكم بم‪،‬‬
‫أي كيف تعلون ل الذي ل شبيه له بوجه ما‪ ،‬جاعة من أمثال واضداد؟‪ .‬وكذا رمز ال رد كل‬
‫أنواع الشرك أي ل شريك له ف ذاته ول ف صفاته ول ف افعاله‪ ..‬وتلويح ال رد طبقات‬
‫الشركي من الوثنيي والصابئي وأهل التثليث وأهل الطبيعة العتقدين بالتأثي القيقي للسباب‪.‬‬

‫تذييل‪ :‬منشأ الوثنية والصنام إما تأليه النجوم أو تيل اللول أو توهم السمية‪.‬‬
‫أما (وانتم تعلمون) فمع اخواتا من الفواصل اشارة ال ان منشأ السلمية هو العلم وأساسها‬
‫العقل‪ ،‬فمن شأنه ان يقبل القيقة ويرد سفسطة الوهام‪ .‬ث انه أطنب باياز ترك الفعول‪ ،‬أي‬
‫وانتم تعلمون‪ :‬ان لمعبود حقيقيا ول خالق ول قادر مطلقا ول منعم ال هو‪ ..‬وكذا وانتم‬
‫تعلمون ان اللة والصنام ليست بشئ‪ ،‬ل تقتدر على شئ وانا ملوقة معولة تتخيلونا‪ ،‬فتدبر!‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النجم‪.23 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪165 :‬‬

‫وَإنْ ُكْنتُمْ فِي َرْيبٍ مِمّا َنزّْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا َف ْأتُوا بِسُو َر ٍة مِ ْن ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا ُشهَداءَكُ ْم مِنْ دُونِ ال اِنْ‬
‫ُكنْتُمْ صَادِقِيَ ‪ 23‬فَاِن لَ ْم َت ْفعَلُوا وَلَ ْن َت ْفعَلُوا فَاّتقُوا النّا َر الّت وَقُو ُدهَا النّاسُ والِجَا َر ُة ُاعِدّتْ‬
‫لِلْكافِرِينَ ‪24‬‬

‫مقدمـة ف تقيق النبوة‬

‫اعلم! انه كما اثبتت الية السابقة اوّل القاصد الساسية القرآنية وهو التوحيد؛ كذلك تثبت هذه‬
‫ن القاصد الربعة وهو اثبات نبوّة ممّد عليه الصلة والسلم بأكمل معجزاته الذي هو‬ ‫الية ثا َ‬
‫التحدّي باعجاز القرآن الكري‪ .‬ولقد فصلنا دلئل نبوّته ف كتاب آخر فلنلخص بعضها هنا ف‬
‫ست ‪ 1‬مسائل‪:‬‬

‫السألة الول‪:‬‬

‫اعلم! ان الستقراء التام ف أحوال النبياء مع النتظام الطّرد السمى بالقياس الفيّ ينتج ان مدار‬
‫نبوّة النبياء وأساسها وكيفية معاملتم مع امهم ‪ -‬بشرط تريد السألة عن خصوصيات تأثي‬
‫الزمان والكان ‪ -‬يوجد بأكمل وجه ف ممّد عليه الصلة والسلم الذي هو استاذ البشر ف سنّ‬
‫ي انه أيضا رسول ال‪ .‬فجميع النبياء بألسنة‬
‫كمال البشر‪ ،‬فينتج بالطريق ا َلوْل وبالقياس ا َلوْلَو ّ‬
‫معجزاتم كأنم شاهدون على صدق ممّد عليه السلم الذي هو البهان النيّر على وجود الصانع‬
‫ووحدته فتأمل‪...‬‬

‫السألة الثانية‪:‬‬

‫اعلم! ان كل حال من احواله وكل حركة من حركاته عليه السلم ‪ -‬وان ل يكن خارقا ‪-‬‬
‫يَلوّح بالبدأ على صدقه وبالنتهى على حقانيته‪ .‬أل ترى انه عليه السلم كيف كان حاله ف أمثال‬
‫واقعة الغار الت انقطع ‪ -‬بسب العادة ‪ -‬أمل اللص‪،‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬ف سبع مسائل (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪166 :‬‬

‫ح َزنْ اِن ال َمعَنَا) ‪ .!1‬فكما ان ابتداءه بالركة ‪-‬‬


‫يقول بكمال الوثوق والطمئنان والدية (لتَ ْ‬
‫بل مبالة لعارض وبل خوف وتردد مع كمال الطمئنان ‪ -‬يدل على تسكه بالصدق؛ كذلك‬
‫تأسيسه بانتهاء حركاته ‪ -‬لقواعد هي الساس لسعادة الدارين ‪ -‬واصابته للحق واتصاله بالقيقة‬
‫دليل على حقانيته‪ ،‬فهذا فردا فردا‪ .‬وأما اذا نظرت ال مموع حركاته واحواله يتجلى لعينك‬
‫برهانُ نبوّته كالبق اللمع‪ .‬فتبصّر!‪..‬‬

‫السألة الثالثة‪:‬‬

‫اعلم! ان الزمان الاضي والال ‪ -‬أي عصر السعادة ‪ -‬والستقبال اتفقت على تصديق نبوّته كما‬
‫ان ذاته دليل على نبوّته‪ .‬ولنطالع هذه الصحف الربع‪:‬‬
‫فأولً‪ :‬نتبك بطالعة ذاته عليه السلم‪ .‬ولبد أوّلً من تصوّر أربع نكت‪:‬‬

‫إحداها‪ :‬انه "ليس الكحلُ كالتكحّل" أي ليصل الصنع ُي والتصنعيُ ‪ -‬ولو كانا على أكمل‬
‫ت هيئةِ حرك ِة الصنعي تومئ‬
‫ي ول يقوم مقامه‪ ،‬بل فلتاتُ غلطا ِ‬
‫الوجوه ‪ -‬مرتبة الطبيع ّي والفطر ّ‬
‫بزخرفيته‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬ان الخلق العالية انا تتصل بأرض القيقة بالدية‪ ،‬وان ادامة حياتا وانتظام مموعها‬
‫انا هي بالصدق‪ .‬ولو ارتفع الصدق من بينها صارت كهشيم تذروه الرياح‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬هي انه كما يوجد اليل والذب ف المور التناسبة‪ ،‬كذلك يوجد الدفع والتنافر ف‬
‫المور التضادة‪.‬‬

‫والرابعة‪ :‬هي "ان للكلّ حكما ليس لكلٍ" كقوّة البل مع ضعف خيوطه‪..‬‬

‫واذا تفطنت لذه النكت فاعلم! ان آثار ممّد عليه الصلة والسلم وسيه وتاريخ حياته تشهد ‪-‬‬
‫مع تسليم أعدائه ‪ -‬بانه لعلى خلق عظيم‪ ،‬وبانه قد اجتمع فيه الصائل العالية كافة‪ .‬ومن شأن‬
‫امتزاج تلك الخلق توليد عزة للنفس وحيثية وشرف ووقار لتساعد التنل للسفاسف‪ .‬فكما‬
‫ان علوّ اللئكة ليساعد لختلط الشياطي بينهم؛ كذلك تلك الخلق العالية بمعها ل تساعد‬
‫أصل لتداخل اليلة‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة التوبة‪.40 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪167 :‬‬


‫والكذب بينها‪ .‬أل ترى ان الشخص الشتهر بالشجاعة فقط ل يتنل للكذب الّ بعسر؟ فكيف‬
‫بالجموع؟ فثبت ان ذاته عليه السلم كالشمس دليل لنفسه‪..‬‬

‫وأيضا اذا تأملت ف حاله عليه السلم من الربع ال اربعي ‪ -‬مع ان من شأن الشبابية وتوقد‬
‫الرارة الغريزية ان تظهر ما يفى وتلقي ال الظاهر ما استتر ف الطبيعة من اليل ‪ -‬تراه عليه‬
‫السلم قد تدرج ف سنينه وعاشر بكمال استقامة وناية متانة وغاية عفة واطراد وانتظام‪ .‬ما اومأ‬
‫حالٌ من أحواله ال حيلة‪ ،‬لسيما ف مقابلة العاندين الذكياء‪ .‬وبينما تراه عليه السلم كذلك اذ‬
‫تنظر اليه وهو على رأس اربعي سنة ‪ -‬الذي من شأنه جعل الالت مَلَكة والعادات طبيعة ثابتة‬
‫ل تالف ‪ -‬قد تكشّف عليه السلم عن شخص خارق قد اوقع ف العال انقلبا عظيما عجيبا‪.‬‬
‫فما هو الّ من ال‪.‬‬

‫السألة الرابعة‪:‬‬

‫اعلم! ان صحيفة الاضي الشتملة على َقصَص النبياء الذكورة على لسانه عليه السلم ف القرآن‬
‫الكري برهان على نبوّته بلحظة أربع نكت‪.‬‬

‫إحداها‪ :‬إن من يأخذ أساسات ف ٍن ويعرف العقد الياتية فيه ويسن استعمالا ف مواضعها ث يبن‬
‫مدّعاه عليها؛ يدل ذلك على مهارته وحذاقته ف ذلك الفن‪.‬‬

‫النكتة الثانية‪ :‬هي انك ان كنت عارفا بطبيعة البشر ل ترى أحدا يتجاسر وبل تردد وبل مبالة‬
‫بسهولة على مالفةٍ وكذبٍ ولو صغيا‪ ..‬ف قوم ولو قليلي‪ ..‬ف دعوى ولو حقية‪ ..‬بيثية ولو‬
‫ضعيفة‪ .‬فكيف بن له حيثية ف غاية العظمة‪ ..‬وف دعوى ف غاية الللة‪ ..‬ف قوم ف غاية‬
‫الكثرة‪ ..‬ف مقابلة عناد ف غاية الشدة مع انه اميّ ل يقرأ‪ ..‬يبحث عن أمور ل يستقل فيها العقل‬
‫ويظهرها بكمال الدية‪ ،‬ويعلنها على رؤوس الشهاد‪ .‬أفل يدل هذا على صدقه وانه ليس منه بل‬
‫من ال؟‬

‫الثالثة‪ :‬هي ان كثيا من العلوم التعارفة عند الدَنيي ‪ -‬بِتعليم العادات والحوال وتلقي‬
‫الوقوعات والفعال ‪ -‬مهولة نظريةٌ عند البدويي‪ .‬فبناء علىه لبد لن ياكم ويتحرى حال‬
‫البدويي ‪ -‬ل سيما ف القرون الالية ‪ -‬ان يفرض نفسه ف تلك البادية‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪168 :‬‬

‫الرابعة‪ :‬هي انه لو ناظر اميّ علماء فن ‪ -‬ولو فن الصرف ‪ -‬ث بيّن رأيه ف مسائله مصدّقا ف‬
‫مظان التفاق‪ ،‬ومصحّحا ف مطارح الختلف؛ افل يدلك ذلك على تفوقه‪ ،‬وأن علمه وهب؟‪.‬‬

‫ب عليه السلم مع اميّته قصّ علينا بلسان القرآن‬


‫اذا عرفت هذه النكت‪ :‬فاعلم! ان ممّدا العر ّ‬
‫صصَ الولي والنبياء قص َة مَنْ حضر وشاهد‪ ،‬وبيّن أحوالم وشرح أسرارهم على‬ ‫الكري ق َ‬
‫رؤوس العال ف دعوى عظيمة تلب اليها دقة الذكياء‪ .‬وقد قص بل مبالة‪ ،‬وأخذ العقد الياتية‬
‫فيها واساساتا مقَدّمة لدّعاه‪ ،‬مصدّقا فيما اتفقت عليه الكتب السالفة‪ ،‬ومصحّحا فيما اختلفت‬
‫فيه‪ .‬كأنه بالروح الوّال العكس للوحي اللي طيّ الزمانَ والكانَ‪ ،‬فتداخل ف اعماق الاضي‬
‫فبيّن كأنه مشاهد‪ .‬فثبت ان حاله هذه دليل نبّوته وإحدى معجزاته‪ .‬فمجموع دلئل نبوّة النبياء‬
‫ف حكم دليل معنوي له‪ ،‬وجيع معجزات النبياء ف حكم معجزة معنوية له‪.‬‬

‫السألة الامسة‪:‬‬

‫ف بيان صحيفة عصر السعادة ل سيما مسألة جزيرة العرب‪ .‬فها هنا أيضا أربع نكت‪:‬‬

‫احداها‪ :‬انك اذا تأملت ف العال ترى انه قد يتعسر ويستشكل رفع عادة ولو حقية ف قوم ولو‬
‫قليلي‪ .‬أو خصلة ولو ضعيفة‪ ..‬ف طائفة ولو ذليلي‪ ..‬على ملِك ولو عظيما‪ ..‬بمّة ولو شديدة‪.‬‬
‫ف زمان مديد بزحة كثية ‪ .1‬فكيف انت بن ل يكن حاكما‪ ،‬تشبث ف زمان قليل بمة جزئية‬
‫ت وَرَفَعَ أخلقا قد استقرت بتمام الرسوخ واستؤنس با ناية‬
‫‪ -‬بالنسبة ال الفعول ‪ -‬وَقَلَعَ عادا ٍ‬
‫استيناس واستمرت غاية استمرار‪ ،‬فغرس فجأة بدلا عادات وأخلقا تكملت دفعة عن قلوب قوم‬
‫ف غاية الكثرة ولألوفاتم ف ناية التعصب‪ .‬أفل تراه خارقا للعادات؟‪..‬‬

‫النكتة الثانية‪ :‬هي ان الدولة شخص معنويّ‪ .‬تشكّلُها تدرييّ كنمو الطفل‪ ،‬وغلَبتُها للدولة العتيقة‬
‫‪ -‬الت صارت أحكامُها كالطبيعة الثابتة للتها ‪ -‬متمهلة‪ .‬أفل‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬ف زمان ولو مديد بزحة ولوكثية (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪169 :‬‬

‫يكون حينئذ من الارق لعاد ِة تشكّل الدول تشكيلُ ممّد عليه السلم لكومةٍ عظيمةٍ دفعةً‪،‬‬
‫مهيئة لنهاية الترقي‪ ،‬متضمنة للساسات العالية البدية مع غلبتها للدول العظيمة دفعة مع ابقاء‬
‫حاكميته ل على الظاهر فقط‪ ،‬بل ظاهرا وباطنا ومادةً ومعنً‪.‬‬

‫النكتة الثالثة‪ :‬هي انه يكن بالقهر والب تكم ظاهريّ‪ ،‬وتسلط سطحيّ‪ .‬لكن الغلبة على‬
‫الفكار‪ ،‬والتأثي بالقاء حلوته ف الرواح‪ ،‬والتسلط على الطبائع مع مافظة حاكميته على‬
‫الوجدان دائما ل يكون الّ من خوارق العادات‪ ..‬وليس الّ الاصة المتازة للنبّوة‪.‬‬

‫النكتة الرابعة‪ :‬هي ان تدوير أفكار العموم وارشادها بيل الترهيب والترغيب والوف والتكليف‬
‫انا يكون تأثيها جزئيا سطحيا موقتا يسدّ طريق الحاكمة العقلية ف زمان‪ .‬أما من نفذ ف‬
‫أعماق القلوب بارشاده‪ ،‬وهيج دقائق السيات‪ ،‬وكشف اكمام الستعدادات‪ ،‬وأيقظ الخلق‪،‬‬
‫وأظهر الصائل الستورة‪ ،‬وجعل جوهر انسانيتهم فوارا‪ ،‬وأبرز قيمة ناطقيتهم؛ فانا هو مقتبس‬
‫من شعاع القيقة ومن الوارق للعادة‪ .‬بينما ترى شخصا ف قساوة قلبه يقب بنته حي ًة ول يتأل‬
‫ول يتأثر اذ تراه بعد يوم ‪ -‬وقد اسلم ‪ -‬يترحّم على نو النمل‪ ،‬ويتأل بأل حيوان‪ .‬فبال عليك‬
‫أينطبق هذا النقلب السي على قانون؟‪.‬‬

‫فاذا عرفت هذه النكت تأمل ف نقطة أخرى وهي‪:‬‬

‫ان تاريخ العال يشهد ان الداهيَ الفريدَ انا هو الذي اقتدر على انعاش استعداد عموميّ‪ ،‬وايقاظ‬
‫س عموميّ؛ اذ مَن ل يوقظ هكذا حسّا نائما يكون سعيُه‬ ‫خصلة عمومية‪ ،‬والتسبب لنكشاف ح ّ‬
‫هباء موقتا ولو كان جليل ف نفسه‪ ..‬وأيضا ان التاريخ يرينا ان أعظم الناس هو الوفّق ليقاظ‬
‫واحد أو اثني أو ثلث من هذه السّيات العمومية‪ :‬كحس المية اللّية‪ ،‬وحس الخوة‪ ،‬وحس‬
‫الحبة‪ ،‬وحس الرية ال‪ .‬أفل يكون اذا ايقاظ الوف من السّيات ‪ -‬الستورة العالية‪ ،‬وجعلها‬
‫فوّارة منكشفة ف قوم بَدَوييّن منتشرين ف جزيرة العرب تلك الصحراء الوسيعة ‪ -‬من‬
‫الوارق؟‪ ..‬نعم ‪ !.1‬هو من ضياء شس القيقة‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬لعله بلى" (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪170 :‬‬

‫فيا هذا! من ل يُدخل ف عقله هذه النقطة نُ ْدخِل جزير َة العرب ف عينه‪ .‬فهذه جزيرة بعد ثلثة‬
‫عشر عصرا وبعد ترقي البشر ف مدارج التمدن!‪ ..‬فانتخِب ايها العاند من أكمل الفلسفة مائة‪،‬‬
‫فليسعوا مائة سنة فان فعلوا جزءا من مائة جزء ما فعله ممّد العرب عليه الصلة والسلم بالنسبة‬
‫ال زمانه ‪ ...1‬فان ل تفعل ‪ -‬ولن تفعل ‪ -‬فاتّق عاقبة العناد! نعم‪ ،‬هذه الالة خارقة للعادة وان‬
‫هي الّ معجزة من معجزاته عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫واعلم أيضا‪ :‬ان من اراد التوفيق يلزم عليه ان يكون له مصافاة مع عادات ال‪ ،‬ومعارَفَة مع قواني‬
‫ب إسكات‪..‬‬ ‫الفطرة‪ ،‬ومناسبة مع روابط اليئة الجتماعية‪ .‬والّ‪ ،‬أجابته الفطرة بعدم الوفّقية جوا َ‬

‫وأيضا مَن ترك بسلك ف اليئة الجتماعية يلزمه ان ل يالف حركة الريان العموميّ‪ .‬والّ‪،‬‬
‫طيّره ذلك الدولب عن ظهره فيسقط ف يده‪ .‬فاذا من ساعده التوفيق ف ذلك الريان كمحمّد‬
‫عليه السلم يثبت انه متمسك بالق‪.‬‬

‫فاذا تفهمت هذا‪ ،‬تأمل ف حقائق الشريعة مع تلك الصادمات العظيمة والنقلبات العجيبة‪ ،‬وف‬
‫هذه العصار الديدة تَرَها قد حافظت على موازنة قواني الفطرة وروابط الجتماعيات اللت‬
‫بدقتها ل تتراءى للعقول مع كمال الناسبة والصافاة معها‪ .‬فكلما امتد الزمان تظاهر التصال‬
‫ي لنوع البشر وانا حق‪ ،‬لذا‬ ‫بينها‪ .‬ويتظاهر من هذه الالة؛ ان السلمية هي الدين الفطر ّ‬
‫لينقطع ان رقّ‪ .‬أل ترى ان الترياق الشاف للسموم القاتلة ف اليئة الجتماعية انا هو أمثال‬
‫"حرمة الربا ووجوب الزكاة" اللتي ها مسألتان ف ألوف مسائل تلك الشريعة‪.‬‬

‫فاذا عرفت هذه النكت الربع مع هذه النقط الثلث‪ ،‬اعلم! ان ممدا الاش ّي عليه الصلة‬
‫والسلم مع انه ا ّميّ ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬ومع عدم قوته الظاهرية وعدم حاكميته له أو لسلفه‪،‬‬
‫وعدم ميل تكم وسلطنة‪ ،‬قد تشبث بقلبه بوثوق واطمئنان ف موقع ف غاية الطر وف مقام‬
‫مهم‪ ،‬بأمر عظيم فغلب على الفكار‪ ،‬وتبب ال الرواح‪ ،‬وتسلط على الطبائع‪ ،‬وقلع من أعماق‬
‫قلوبم العادات والخلق الوحشية الألوفة الراسخة الستمرة الكثية‪ .‬ث غرس ف موضعها ف غاية‬
‫الِحكام والقوة ‪-‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬وجواب إن مذوف‪ ،‬اى فاطلب ماتشاء (ش)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪171 :‬‬

‫كأنا اختلطت بلحمهم ودمهم ‪ -‬أخلقا عالية وعادات حسنة‪ ،‬وقد بدل قساوة قلوب قوم‬
‫خامدين ف زوايا الوحشة بسيات رقيقة وأظهر جوهر انسانيتهم‪ .‬ث أخرجهم من زاوية الوحشة‬
‫وَرقي بم ال اوج الَدَنية وصيّرهم معلّمي عالَمهم‪ ،‬وأسّس لم دولةً ابتلعت الدول كعصا موسى‬
‫فلما ظهرت صارت كالشعلة الوّالة والنور النّوار فاحرقت روابط الظلم والفساد‪ ،‬وجعل سرير‬
‫تلك الدولة الدفعية ف زمان قليل الشرقَ والغربَ‪ .‬أفل تدل هذه الالة على ان مسلكه حقيقة‬
‫وانه صادق ف دعواه؟‬

‫السألة السادسة‪:‬‬
‫ف صحيفة الستقبل لسيما "مسألة الشريعة"‪ .‬ولبد من ملحظة أربع نكت ف هذه السألة‪:‬‬

‫احداها‪ :‬ان شخصا ولو خارقا انا يتخصص ويصي صاحب ملَكة ف أربعة فنون او خسة فقط‪.‬‬

‫النكتة الثانية‪ :‬إن كلما واحدا قد يتفاوت بصدوره عن متكلمي‪ ،‬فكما يدل على سطحية أحد‬
‫وجهله‪ ..‬يدل على ماهرية الخر وحذاقته مع ان الكلم هو الكلم؛ اذ احدها لا نظر ال البدأ‬
‫والنتهى‪ ،‬ولحظ السياق والسباق‪ ،‬واستحضر مناسبته مع أخواته‪ ،‬ورأى موضعا مناسبا فأحسن‬
‫الستعمال فيه‪ ،‬وترى أرضا منبتة فزرعه فيها؛ ظهر منه انه خارق وصاحب ملكة فيما هذا‬
‫الكلم منه‪ .‬وكل فذلكات القرآن الكري من الفنون وملتقطاته انا هي من هذا القبيل‪.‬‬

‫النكتة الثالثة‪ :‬هي ان كثيا من المور العادية الن ‪ -‬بسبب تكمل البادئ والوسائط حت يلعب‬
‫با الصبيان ‪ -‬لو كانت قبل هذا بعصرين لعدّت من الوارق‪ .‬فما يافظ شبابيته وطراوته وغرابته‬
‫على هذه العصار الديدة يكون البتة من خوارق العادات والعادات الارقة‪.‬‬

‫النكتة الرابعة‪ :‬هي ان الرشاد انا يكون نافعا اذا كان على درجة استعداد أفكار المهور الكثر‪.‬‬
‫والمهور ‪ -‬باعتبار العظم ‪ -‬عوام‪ .‬والعوام ل يقتدرون على رؤية القيقة عريانةً ول يستأنسون‬
‫با ال بلباس خيالم الألوف‪ .‬فلهذه النكتة صوّر القرآنُ‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪172 :‬‬

‫الكري تلك القائق بتشابات وتشبيهات واستعارات وحفظ المهور الذين ل يتكملوا عن‬
‫الوقوع ف ورطة الغلطة‪ .‬فأْبهَ َم وأهَلَ ف السائل الت يعتقد المهورُ ‪ -‬بالس الظاهريّ ‪-‬‬
‫خلف الواقع ضروريا‪ ،‬لكن مع ذلك أومأ ال القيقة بنصب امارات‪.‬‬

‫فاذا تفطنت لذه النكت‪ ،‬اعلم! ان الديانة والشريعة السلمية الؤسسة على البهان العقليّ‬
‫ملخصة من علوم وفنون تضمنت العقد الياتية ف جيع العلوم الساسية‪ :‬من فن تذيب الروح‪،‬‬
‫وعلم رياضة القلب‪ ،‬وعلم تربية الوجدان‪ ،‬وفنّ تدبي السد‪ ،‬وعلم تدوير النل‪ ،‬وفن سياسة‬
‫الدنية‪ ،‬وعلم نظامات العال‪ ،‬وفن القوق‪ ،‬وعلم العاملت‪ ،‬وفن الداب الجتماعية‪ ،‬وكذا‬
‫وكذا وكذا‪ ...‬ال‪ .‬مع ان الشريعة فسّرت وأوضحت ف مواقع اللزوم ومظان الحتياج‪ ،‬وفيما ل‬
‫يلزم او ل يستعد له الذها ُن او ل يساعد له الزمانُ اجلتْ بفذلكة ووضعت أساسا احالت‬
‫الستنباط منه وتفريعه ونشو نائه على مشورة العقول‪ .‬والال ان كل هذه الفنون بل ثلثها بعد‬
‫ثلثة عشر عصرا ‪ -‬مع انبساط تلحق الفكار وتوسع نتائجها‪ ،‬وكذا ف الواقع التمدنة‪ ،‬وكذا‬
‫ف الذكياء ‪ -‬ليوجد ف شخص‪ .‬فمن زيّن وجدانه بالنصاف يصدق بان حقيقة هذه الشريعة‬
‫خارجة عن طاقة البشر دائما لسيما ف ذلك الزمان‪ ،‬ويصدّق بآل (ل تفعلوا ولن تفعلوا)‪.‬‬

‫"والفضل ما شهدت به العداء"‪ :‬فهذا "قارلئيل" ‪ 1‬فيلسوف امريكا نقل عن الديب الشهي‬
‫اللان وهو "كوته" ‪ 2‬اذ قال بعد ما أمعن النظر ف حقائق القرآن الكري عجبا أيكن تكمّل العال‬
‫الدن ف دائرة السلمية؟ فأجاب بنفسه‪ :‬نعم! بل‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬توماس كارليل (‪ )1881 - 1795‬كاتب ومؤرخ وفيلسوف انكليزي‪ ،‬اراد والده البنّاء ان‬
‫يكون إبنه قسيسا إ ّل ان كثرة شكوكه حول الدين حالت دون ذلك‪ ،‬م ّر بعاناة نفسية دامت‬
‫زهاء سبع سنوات‪ ،‬انتهى به الطاف بالستقرار على مسائل اليان‪ .‬ألقى سلسلة من الحاضرات‪،‬‬
‫تناول ف احداها عظمة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأثن عليه وبيّن انه النب الق ودحض‬
‫افتراءات كثية‪ .‬جع تلك الحاضرات ف كتابه الشهور «البطال»‪ .‬اوصى بتوزيع ثرواته ال‬
‫الطلب الفقراء‪ ،‬وايداع مكتبته ف جامعة هارفرد المريكية‪ .‬ترك آثارا عميقة ف ثقافة النكليز‬
‫ونظرتم ال العال(باختصارمن ‪ YENI LUGAT‬عن دائرة العارف التركية)‪.‬‬

‫جوهان فولف جانج فون (‪ )1832 - 1749‬كاتب وشاعر وروائى وناقد ألان‪ .‬ولد ف‬ ‫‪2‬‬

‫اسرة ثرية وتعلم اللتينية واليونانية واليطالية والنكليزية والعبية وحصل الفرنسية عام ‪ ،1‬ث‬
‫انتقل ال مدينة ليبزنج لتعلم القوق ث انصرف ال التأليف ث تول مناصب قضائية وادارية ووضع‬
‫خلل ذلك مسرحيات وكتبا تناول فيها تأملته ف الياة‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪173 :‬‬

‫الحققون الن مستفيدون بهة من تلك الدائرة‪ .‬ث قال الناقل‪ :‬لا طلعت حقائق القرآن الكري‬
‫صارت كالنار الوّالة وابتعلت سائر الديان‪ ،‬فحُقّ له؛ اذ ليصل شئ من سفسطيات النصارى‬
‫وخرافات اليهود‪ .‬فصدّق ذلك الفيلسوف مآل (فأتوا بسورة من مثله‪ ..‬فان ل تفعلوا ولن تفعلوا‬
‫فاتقوا النار)‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬ان القرآن الكري وكذا مفسّره ‪ -‬أعن الديث ‪ -‬انا اخذ من كل فن فذلكة‪ ،‬واحاطةَ‬
‫ت كثية مكنة لشخص‪.‬‬ ‫فذلكا ٍ‬

‫قيل لك‪ :‬ان الفذلكة بسن الصابة ف موقعها الناسب‪ ،‬واستعمالا ف أرض منبتة مع أمور‬
‫مرموزة غي مسموعة ‪ -‬قد اشرنا اليها ف النكتة الثانية ‪ -‬تشفّ كالزجاجة عن ملكة تامة ف‬
‫ذلك الفن واطلع تام ف ذلك العلم فتكون الفذلكة ف حكم العلم ول يكن لشخص أمثال‬
‫هذه‪.‬‬

‫اعلم! ان نتيجة هذه الحاكمات هي ان تستحضر اوّل ما سيأت من القواعد وهي‪:‬‬

‫ان شخصا ليتخصص ف فنون كثية‪ ..‬وان كلما واحدا يتفاوت من شخصي‪ ،‬يكون بالنظر‬
‫ال واحد ذهبا وال الخر فحما‪ ..‬وان الفنون نتيجة تلحق الفكار وتتكمل برور الزمان‪ ..‬وان‬
‫كثيا من النظريات ف الاضي صارت بديهية الن‪ ..‬وان قياس الاضي على هذا الزمان قياس‬
‫مثبط مع الفارق‪ ..‬وان أهل الصحراء لتستر بساطتهم وصفوتم اليل والدسائس الت تتفي‬
‫تت حجاب الدنية‪ ..‬وان كثيا من العلوم انا يتحصل بتلقي العادات والوقوعات وبتدريس‬
‫الحوال لطبيعة البشر باعداد الزمان والحيط‪ ..‬وان نور نظر البشر لينفذ ف الستقبل ول يرى‬
‫الكيفيات الخصوصة‪ ..‬وانه كما ان لياة البشر عمرا طبيعيا ينقطع؛ كذلك لقانونه عمر طبيعيّ‬
‫ينتهي البتة‪ ..‬وان للمحيط الزمان والكان تأثيا عظيما ف أحوال النفوس‪ ..‬وان كثيا من‬
‫الوارق الاضية تصي عادية بتكمل البادئ‪ ..‬وان الذكاء ولو كان خارقا ل يقتدر على اياد فنٍ‬
‫وتكميله دفعةً بل كالصبّ يتدرج‪.‬‬
‫واذا استحضرت هذه السائل وجعلتها نصب عينيك فتجرّد وتع ّر من اليالت الزمانية والوهام‬
‫الحيطية‪ ،‬ث غُصْ من ساحل هذا العصر ف بر الزمان‪ ،‬مارا تته ال ان ترج من جزيرة عصر‬
‫السعادة ناظرا على جزيرة العرب!‪ ..‬ث ارفع رأسك والبس‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪174 :‬‬

‫ما خاط لك ذلك الزمان من الفكار‪ ،‬ث انظر ف تلك الصحراء الوسيعة!‪ .‬فأول ما يتجلى لعينك‪:‬‬
‫انك ترى انسانا وحيدا ل معي له ول سلطنة يبارز الدنيا برأسه‪ ..‬ويهجم على العموم‪ ..‬وحل‬
‫على كاهله حقيقة اجلّ من كرة الرض‪ ..‬وأخذ بيده شريعة هي كافلة لسعادة الناس كافة‪..‬‬
‫وتلك الشريعة كأنا زبدة وخلصة من جيع العلوم اللية والفنون القيقية‪ ..‬وتلك الشريعة ذات‬
‫حياة ل كاللباس بل كاللد‪ ،‬تتوسع بنم ّو استعداد البشر وتثمر سعادة الدارين‪ ،‬وتنظم أحوال‬
‫ت قوانينُها من اين ال اين؟ لقالت بلسان اعجازها‪:‬‬
‫نوع النسان كأهل ملس واحد‪ .‬فإن سُئل ْ‬
‫نئ من الكلم الزلّ ونرافق فكر البشر ال البد‪ ،‬فبعد قطع هذه الدنيا نفارق صورةً من جهة‬
‫التكليف ولكن نرافق دائما بعنوياتنا واسرارنا فنغذي روحهم ونصي دليلهم‪ ..‬فيا هذا أفل يتلو‬
‫عليك ما شاهدت الم َر التعجيزيّ ف (فأتوا بسورة من مثله‪ ..‬فان ل تفعلوا ولن تفعلوا)‪..‬ال‪.‬‬

‫ث اعلم ان آية (وان كنتم ف ريب ما نزلنا)‪...‬ال‪ :‬تشي ال ان ناسا ‪ -‬بسبب الغفلة عن مقصود‬
‫الشارع ف ارشاد المهور وجهلهم بلزوم كون الرشاد بنسبة استعداد الفكار ‪ -‬وقعوا ف‬
‫شكوك وريوب منبعها ثلثة امور‪:‬‬

‫احدها‪ :‬انم يقولون‪ :‬وجود التشابات والشكلت ف القرآن الكري منافٍ لعجازه الؤسس‬
‫على البلغة البنية على ظهور البيان ووضوحِ الفادة‪.‬‬

‫والثان‪ :‬انم يقولون‪ :‬ان القرآن الكري اطلق وأبمَ ف حقائق الِلقة وفنون الكائنات مع انه مناف‬
‫لسلك التعليم والرشاد‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬انم يقولون‪ :‬ان بعض ظواهر القرآن الكري اميل ال خلف الدليل العقلي فيحتمل‬
‫خلف الواقع وهو مالف لصدقه‪.‬‬
‫الواب ‪ -‬وبال التوفيق ‪ -‬ايها الشككون اعلموا!‪ .‬ان ما تتصورونه سببا للنقص انا هو شواهد‬
‫صدق على سر اعجاز القرآن الكري‪.‬‬

‫أما الواب عن الريب الول وهو وجود التشابات والشكلت‪:‬‬

‫فاعلم! ان ارشاد القرآن الكري لكافة الناس‪ ،‬والمهور الكثر منهم عوام‪ ،‬والقل تابع للكثر ف‬
‫نظر الرشاد‪ .‬والطاب التوجه نو العوام يستفيد منه الواص‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪175 :‬‬

‫ويأخذون حصتهم منه‪ ..‬ولو عكس لبقي العوام مرومي‪ ،‬مع ان جهور العوام ل يردون اذهانم‬
‫عن الألوفات والتخيلت‪ ،‬فل يقتدرون على درك القائق الجردة والعقولت الصرفة الّ بنظار‬
‫متخيلتم وتصويرها بصورة مألوفاتم‪ .‬لكن بشرط ان ليقف نظرُهم على نفس الصورة حت‬
‫يلزم الحال والسمية او الهة بل ير نظرهم ال القائق‪.‬‬

‫مثل‪ :‬ان المهور انا يتصورون حقيقة التصرف اللي ف الكائنات بصورة تصرف السلطان‬
‫الذي استوى على سرير سلطنته‪ .‬ولذا اختار الكناية ف (الرحن على العرش استوى) ‪ 1‬واذا‬
‫كانت حسيات المهور ف هذا الركز فالذي يقتضيه منه ُج البلغة ويستلزمه طريقُ الرشاد‬
‫رعايةَ افهامهم واحترامَ حسياتم‪ ،‬وماشاة عقولم ومراعاة أفكارهم‪ .‬كمن يتكلم مع صب فهو‬
‫يتصب ف كلمه ليفهمه ويستأنس به‪ .‬فالساليب القرآنية ف أمثال هذه النازل الرعي فيها‬
‫المهور تسمى بـ"التنلت الِلية ال عقول البشر"‪ ،‬فهذا التنل لتأنيس اذهانم‪ .‬فلهذا وضع‬
‫صو َر التشابات منظارا على نظر المهور‪ .‬أل ترى كيف أكثر البلغاء من الستعارات لتصور‬
‫العان الدقيقة‪ ،‬أو لتصوير العان التفرقة! فما هذه التشابات ال من أقسام الستعارات الغامضة‪،‬‬
‫اذ انا صور للحقائق الغامضة‪.‬‬

‫أما كون العبارة مُشكلً؛ فإما لدقة العن وعمقه‪ ،‬واياز السلوب وعلويته‪ ،‬فمشكلت القرآن‬
‫الكري من هذا القبيل‪ ..‬وإما لِغلق اللفظ وتعقيد العبارة الناف للبلغة‪ ،‬فالقرآن الكري مبأ منه‪.‬‬
‫فيا أيها الرتاب! أفل يكون من عي البلغة تقريب مثل هذه القائق العميقة البعيدة عن أفكار‬
‫المهور ال أفهام العوام بطريق سهل؟ اذ البلغة مطابقة مقتضى الال فتأمل‪..‬‬

‫أما الواب عن الريب الثان‪ ،‬وهو ابام القرآن ف بث تشكل اللقة على ما شرحته الفنون‬
‫الديدة‪:‬‬

‫ب منه ف النسان ميلُ الترقي‪ ،‬وميل الترقي‬


‫فاعلم! ان ف شجرة العال مي َل الستكمال‪ ،‬وتشعّ َ‬
‫كالنواة يصل نشوّه وناءه بواسطة التجارب الكثية‪ ،‬ويتشكل ويتوسع بواسطة تلحق نتائج‬
‫الفكار؛ فيثمر فنونا مترتبة بيث ل ينعقد التأخر الّ بعد‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة طه‪5 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪176 :‬‬

‫تشكل التقدم‪ ،‬ول يكون التقدم مقدمة للمؤخر ال بعد صيورته كالعلوم التعارفة‪ .‬فبناء على‬
‫هذا السر لو أراد أحد تعليم ف ٍن أو تفهيم علمٍ ‪ -‬وهو انا تولد بتجارب كثية ‪ -‬ودعا الناس اليه‬
‫قبل هذا بعشرة أعصر ل يفيد الّ تشويش اذهان المهور‪ ،‬ووقوع الناس ف السفسطة والغلطة‪.‬‬

‫مثل‪ :‬لو قال القرآن الكري" ايها الناس انظروا ال سكون الشمس ‪ 1‬وحركة الرض واجتماع‬
‫مليون حيوان ف قطرة‪ ،‬لتتصوروا عظمة الصانع" َلوْقع المهو َر إما ف التكذيب واما ف الغالطة‬
‫ي ‪ -‬أو غلط الس ‪ -‬يرى سطحية الرض‬ ‫مع أنفسهم والكابرة معها بسبب ان حسهم الظاهر ّ‬
‫ودوران الشمس من البديهيات الشاهَدة‪ .‬والال ان تشويش الذهان ‪ -‬ل سيما ف مقدار عشرة‬
‫أعصر لتشهّي بعض أهل زماننا ‪ -‬منافٍ لنهاج الرشاد وروح البلغة‪.‬‬
‫يا هذا! ل تظنن قياس أمثالا على النظريات الستقبلة من أحوال الخرة ‪ ..2‬اذ الس الظاهري لا‬
‫ل يتعلق بهة منها بقيت ف درجة المكان فيمكن العتقاد والطمئنان با فحقها الصريح‬
‫التصريح با‪ .‬لكن ما نن فيه لا خرج من درجة المكان والحتمال ف نظرهم ‪ -‬بكم غلط‬
‫الس ‪ -‬ال درجة البداهة عندهم فحقه ف نظر البلغة البام والطلق احتراما لسياتم وحفظا‬
‫لذهانم من التشويش‪ .‬ولكن مع ذلك اشار القرآن الكري ورمز ولوّح ال القيقة‪ ،‬وفتح الباب‬
‫للفكار ودعاها للدخول بنصب امارات وقرائن‪ .‬فيا هذا ! ان كنت من النصفي اذا تأملت ف‬
‫دستور "كلّم الناس على قدر عقولم" ورأيت ان أفكار المهور لعدم اعداد الزمان والحيط ل‬
‫تتحمل ولتضم التكليف بثل هذه المور ‪ -‬الت انا تتولد بنتائج تلحق الفكار ‪ -‬لعرفت ان ما‬
‫اختاره القرآن الكري من البام والطلق من مض البلغة ومن دلئل اعجازه‪.‬‬

‫اما الواب عن الريب الثالث‪ ،‬وهو امالة بعض ظواهر اليات ال مناف الدلئل العقلية وما كشفه‬
‫الفن‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬قد سنح ل ف الرض بي النوم واليقظة ف والشمس ترى لستقر لا اى ف مستقرها‪ ،‬لستقرار‬
‫منظومتها‪ ،‬اى جريانا لتوليد جاذبتها النظامة للمنظومة الشمسية‪ ،‬ولو سكنت لتناثرت (هذه‬
‫الاشية النومية دقيقة لطيفة) ‪ -‬الؤلف‪.‬‬

‫اى ل تظنن ان امور الخرة واحوالا الت هى مهولة لنا كتلك النظريات الت يكشف عنها‬ ‫‪2‬‬

‫الستقبل (ت‪)133 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪177 :‬‬

‫فاعلم! ان القصد الصليّ ف القرآن الكري ارشا ُد المهور ال أربعة اساسات هي‪ :‬اثبات الصانع‬
‫الواحد‪ ،‬والنبوّة‪ ،‬والشر‪ ،‬والعدالة‪ ..‬فذك ُر الكائنات ف القرآن الكري انا هو تبعيّ واستطراديّ‬
‫للستدلل؛ اذ ما نزل القرآن لدرس الغرافيا والقوزموغرافيا ‪ ،1‬بل انا ذك َر الكائنات للستدلل‬
‫بالصنعة الِلية والنظام البديع على النظّام القيقي جل جلله‪ .‬والال ان اثر الصنعة والعمد‬
‫والنظام يتراءى ف كل شئ‪ .‬وكيف كان التشكل فل علينا؛ اذ ل يتعلق بالقصد الصلي‪ ،‬فحينئذ‬
‫ما دام انه يبحث عنها للستدلل‪ ،‬وما دام انه يب كونه معلوما قبل الدعى‪ ،‬وما دام انه‬
‫س معتقداتم السية‪ ،‬وماشاة‬ ‫يستحسن وضوح الدليل‪ ..‬كيف ل يقتضي الرشا ُد والبلغةُ تأني َ‬
‫معلوماتم الدبية بامالة بعض ظواهر النصوص‪ ،‬اليها‪ ،‬ل ليدل عليها بل من قبيل الكنايات او‬
‫مستتبعات التراكيب مع وضع قرائن وامارات تشي ال القيقة لهل التحقيق‪.‬‬

‫مثل‪ :‬لو قال القرآن الكري ف مقام الستدلل‪":‬ايها الناس! تفكّروا ف سكون الشمس مع‬
‫حركتها الصورية‪ ،‬وحركة الرض اليومية والسنوية مع سكونا ظاهرا‪ ،‬وتأملوا ف غرائب الاذب‬
‫العموميّ بي النجوم‪ ،‬وانظروا ال عجائب اللكتريك وال المتزاجات الغي التناهية بي العناصر‬
‫السبعي‪ ،‬وال اجتماع الوف الوف حيوانات ف قطرة ماء لِتعلموا ان ال على كل شئ قدير!‪"..‬‬
‫ض واشكلَ بدرجات من الدعى‪ .‬وإنْ هذا ا ّل مناف لقاعدة الستدلل‪.‬‬ ‫لكان الدليل اخفى واغم َ‬
‫ث لنا من قبيل الكنايات ل يكون معانيها مدار صدق وكذب‪ .‬أل ترى ان لفظ "قال" ألفه يفيد‬
‫خفة سواء كان أصله واوا أو قافا أو كافا‪.‬‬

‫الاصل‪ :‬ان القرآن الكري لنه نزل لميع النسان ف جيع العصار يكون هذه النقط الثلث‬
‫دلئل اعجازه‪ .‬والذي علّم القرآنَ العجِ َز انّ نظر البشي النذير وبصيته النقّادَة ادقّ وأجلّ وأجلى‬
‫وأنفذ من ان يلتبس او يشتبه عليه القيقة باليال‪ ،‬وان مسلكه القّ أغن وأعلى وأنزه وأرفع من‬
‫ان يدلّس أو يغالط على الناس!‪.‬‬

‫_____________________‬

‫علم الفلك‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪178 :‬‬

‫السألة السابعة‪:‬‬

‫اعلم! ان كتب السي والتاريخ قد ذكرت كثيا من معجزاته الحسوسة‪ ،‬والوارق الظاهرة‬
‫الشهورة عند المهور‪ ،‬وقد فسرها الحققون‪ .‬فلن تعليم العلوم ضائع‪ ،‬اَ َحلْنا التفصي َل على‬
‫كتبهم فلنجمل بذكر النواع‪:‬‬

‫فاعلم! ان الوارق الظاهرة وان كان كل فرد منها آحاديا غي متواتر لكن النس وكثيا من‬
‫النواع متواتر بالعن‪ .‬ث ان انواعها ثلثة‪:‬‬

‫الول‪ :‬الرهاصات التنوعة كانطفاء نار الجوس‪ ،‬ويبوسة بر ساوة‪ ،‬وانشقاق ايوان كسرى‪،‬‬
‫ب عليه الصلة والسلم‬
‫وبشارات الواتف‪ .‬حت كأنه يتخيل للنسان ان العصر الذي ولد فيه الن ّ‬
‫صار حسّاسا ذا كرامةٍ فبشّر بقدومه بالسّ قبل الوقوع‪.‬‬

‫النوع الثان‪ :‬الخبارات الغيبية الكثية من فتح كنوز كسرى وقيصر‪ ،‬وغلبة الروم‪ ،‬وفتح مكة‪،‬‬
‫وأمثالا‪ .‬كأن روحه الجرّد الطيّار مزّق قيد الزمان العيّن والكان الشخّص‪ ،‬فجال ف جوانب‬
‫الستقبل فقال لنا كما شاهد‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬الوارق السيّة الت أظهرها وقت التحدّي والدعوى‪ .‬كتكلم الجر‪ ،‬وحركة‬
‫الشجر وشق القمر‪ ،‬وخروج الاء‪ .‬وقد قال الزمشري‪ :‬بلغ هذا النوع إل الف‪ .‬وأصناف من هذا‬
‫النوع متواترة بالعن حت ان (وانْشَقّ اْلقَمَرُ) ل يتصرف ف معناه من أنكر القرآن الكري أيضا‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪179 :‬‬

‫فإن قلت‪ :‬مثل انشقاق القمر لبد أن يشتهر ف العال ويتعارف‪.‬‬


‫قيل لك‪ :‬فلختلف الطالع‪ ،‬ووجود السحاب‪ ،‬وعدم الترصد للسماء كما ف هذا الزمان‪،‬‬
‫ولكونه ف وقت الغفلة‪ ،‬ولوجوده ف الليل‪ ،‬ولكون النشقاق آنيا‪ ..‬ليلزم ان يراه كل الناس أو‬
‫أكثرهم‪ .‬على انه قد ثبت ف الروايات انه قد رآه كثي من القوافل الذين كان مطلعهم ذلك‬
‫الطلع‪.‬‬

‫ث أن رئيس هذه العجزات هو القرآن البي البهن اعجازه بهات سبع أُشي اليها ف هذه الية‪.‬‬

‫واذ تفهمت هذه السائل فاستمع لا يتلى عليك من نظم الىة بوجوهها الثلثة؛ من نظم‬
‫الجموع با قبله‪ ،‬ونظم المل بعضها مع بعض‪ ،‬ونظم هيئات وقيود جلة جلة‪.‬‬

‫أما النظم الول فمن وجهي‪:‬‬

‫| الول‪ :‬انه لا قال (يا ايها الناس) لثبات التوحيد ‪ -‬على تفسي ابن عباس ‪ -‬اثبت بذه نبّوة‬
‫ممد عليه الصلة والسلم الذي هو من اظهر دلئل التوحيد‪ .‬ث ان اثبات النبوّة بالعجزات‪.‬‬
‫وأعظم العجزات هو القرآن‪ .‬وادقّ وجوه اعجاز القرآن ما ف بلغة نظمه‪ .‬ث انه اتفق السلم‬
‫على ان القرآن معجِز‪ ..‬الّ ان الحققي اختلفوا ف طرق العجاز‪ ،‬لكن لتزاحم بي تلك الطرق‪،‬‬
‫بل كلٌ اختار جهةً من جهاته‪ .‬فعند بعض اعجازه‪ :‬اخباره بالغيوب‪ ..‬وعند بعض‪ :‬جعه للحقائق‬
‫والعلوم‪ ..‬وعند بعض‪ :‬سلمته من التخالف والتناقض‪ ..‬وعند بعض‪ :‬غرابة اسلوبه وبديعيته ف‬
‫مقاطع ومبادئ اليات والسور‪ ..‬وعند بعض‪ :‬ظهوره من امّي ل يقرأ ول يكتب‪ ..‬وعند بعض‪:‬‬
‫بلوغ بلغة نظمه ال درجة خارجة عن طوق البشر‪ .‬وكذا وكذا‪ ..‬ال‪.‬‬

‫ث اعلم! ان معرفة هذا النوع من العجاز تفصيل انا تصل بطالعة أمثال هذا التفسي‪ ،‬واجالً‬
‫ُيعْرف بثلث طرق‪( .‬كما حققها عبد القاهر الرجان شيخ البلغة والزمشري والسكاكي‬
‫والاحظ ‪).1‬‬

‫_____________________‬
‫‪868 - 775( 1‬م) عمر بن بر‪ ،‬كاتب ولد ومات بالبصرة‪ ،‬كان من اسرة فقية مات ابوه‬
‫وهو صغي فاضطر ال احتراف بيع البز والسمك ال جانب مواصلة التعليم ف الكتاب والسجد‬
‫واللقات والطلع على كل ما تقع عليه يداه‪ .‬ألف اكثر من (‪ )350‬كتابا اشهر كتبه "‬
‫اليوان" و "البيان والتبيي" و" البخلء"‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪180 :‬‬

‫الطريق الول‪ :‬هو ان قوم العرب كانوا بدويي امّيي ولم ميط عجيب يناسبهم‪ ..‬وقد انتبهوا‬
‫بالنقلبات العظيمة ف العال‪ ..‬وكان ديوانم الشعر وعلمهم البلغة‪ ،‬ومفاخرتم بالفصاحة ف‬
‫أمثال سوق عكاظ‪ ..‬وكانوا أذكى القوام‪ ..‬وكانوا أحوج الناس لولن الذهن اذا‪ ..‬ولقد كان‬
‫لذهانم فصل الربيع‪ ،‬فطلع عليهم القرآن الكري بشمة بلغته فمحا وبر تاثيل بلغتهم وهي‬
‫"العلقات السبعة" الكتوبة بذوب الذهب على جدار الكعبة‪ .‬مع ان اولئك الفصحاء البلغاء ‪-‬‬
‫الذين هم أمراء البلغة وحكام الفصاحة ‪ -‬ما عارضوا القرآن وما حاروا ببنت شفة‪ ،‬مع شدة‬
‫ب عليه السلم لم‪ ،‬ولومه لم‪ ،‬وتقريعه اياهم‪ ،‬وتسفيهه لحلمهم‪ ،‬وتريكه لعصابم‬ ‫تدّي الن ّ‬
‫ف زمان طويل‪ ،‬وترذيله لم مع ان من بلغائهم من يكّ بيافوخه ‪ 1‬كتف السماء‪ ،‬ومنهم من‬
‫يناطح السّما َكيْن ‪ 2‬بكبه فلول انم ارادوا وجربوا أنفسهم فأحسوا بالعجز‪ ،‬لا سكتوا عن‬
‫العارضة البتة؛ فعجزهم دليل اعجاز القرآن‪.‬‬

‫والطريق الثان‪ :‬هو ان اهل العلم والتدقيق واهل التنقيد الذين يعرفون خواص الكلم ومزاياه‬
‫ولطائفه تأملوا ف القرآن سورةً سورةً‪ ،‬وعشرا عشرا‪ ،‬وآيةً آيةً‪ ،‬وكلمةً كلمةً؛ فشهدوا بانه‬
‫جامع لزايا ولطائف وحقائق لتتمع ف كلم بشر‪ .‬فهؤلء الشهداء الوف الوف‪ .‬والذي يدل‬
‫على صدق شهادتم هو ان القرآن أوقع ف العال النسان توّلً عظيما‪ ،‬واسس ديانة واسعة‪،‬‬
‫وادام على وجه الزمان ما اشتمل عليه من العلوم‪ .‬فكلما شاب الزما ُن شبّ‪ ،‬وكلما تكرر حل‪.‬‬
‫فاذا (ان هو ال وحي يوحى) ‪.3‬‬
‫والطريق الثالث‪ 4 :‬كما حققه الاحظ‪ :‬هو ان الفصحاء والبلغاء مع شدة احتياجهم ال إبطال‬
‫دعوى النبّ عليه السلم‪ ،‬ومع شدة حقدهم وعنادهم له تركوا العارضة بالروف الطريقَ السلمَ‬
‫ب الطو ِل الشكوكة العاقبة‬
‫والقربَ والسهلَ‪ ،‬والتجأوا ال القارعة بالسيوف الطري ِق الصع ِ‬
‫الكثية الخاطر؛ وهم بدرجة من الذكاء‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اليافوخ‪ :‬الوضع الذى يتحرك من رأس الطفل‪ ،‬والقصود هنا‪ :‬من عل قدره وتكبّر من البلغاء‪.‬‬

‫السماكان‪ :‬نمان نيّران‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النجم‪4 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫هذه الطريق حجة قاطعة ‪ -‬الؤلف‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪181 :‬‬

‫السياسي‪ ،‬ل يكن ان يفى عليهم التفاوت بي هذين الطريقي‪ .‬فمن ترك الطريق الول لو امكن‬
‫‪ -‬مع انه أشد إبطال لدعواه ‪ -‬واختار طريقا أوقع مالَه وروحَه ف الهالك فهو إما سفيه‪ ،‬وهو‬
‫بعيد من ساسوا العال بعد ان اهتدوا‪ ..‬وإما انه أحس من نفسه العجز عن السلوك ف الطريق‬
‫الول فاضطر للطريق الثان‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬يكن ان تكون العارضة مكنة؟‬

‫س لتحريك أعصابم لا‪ .‬ولو طمعوا لفعلوا لشدة احتياجهم‪.‬‬‫قيل لك‪ :‬لو امكنتْ لطمع فيها نا ٌ‬
‫ولو عارضوا لتظاهرت للرغبة وكثرة السباب للظهور‪ .‬ولو تظاهرت لوجد من يلتزمها ويدافع‬
‫عنها ويقول‪ :‬انه قد عورض ل سيما ف ذلك الزمان‪ .‬ولو كان لا ملتزمون ومدافعون ولو‬
‫بالتعصب لشتهرت لنا مسألة مهمة‪ .‬ولو اشتهرت لنقلتها التواريخ كما نقلت هذيانات‬
‫مسيلمة بقوله‪( :‬الفيل ما الفيل وماادراك ما الفيل صاحب َذنَب قصي وخُرْطوم طويل)‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬مسيلمة كان من الفصحاء فكيف صار كلمه مَسْخرة وأضحوكة بي الناس؟‬

‫قيل لك‪ :‬لنه قوبل با فاقه بدرجات كثية‪ .‬أل ترى ان شخصا ولو كان حسنا اذا قوبل بيوسف‬
‫عليه السلم لصار قبيحا ولو كان مليحا‪ .‬فثبت ان العارضة ليكن؛ فالقرآن معجز‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬للمرتابي كثي من العتراضات والشكوك على تراكيب القرآن وكلماته مثل (إن‬
‫هذان) ‪ 1‬و (الصابئون) ‪ 2‬و (الذي استوقد نارا) وامثالا من العتراضات النحوية؟‬

‫قيل لك‪ :‬عليك باتة مفتاح السكاكي فانه ألقمهم الجر بـ"أفل يتفطنون ان من كرر كلمه‬
‫ف زمان مديد مع انه فصيح بالتفاق كيف ليس بالغلطات الت تظهر لنظر هؤلء المقاء"؟‪.‬‬

‫_____________________‬

‫سورة طه‪63 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الائدة‪69 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪182 :‬‬

‫أما الوجه الثان‪:‬‬

‫لنظم الية فاعلم! ان الية السابقة لا امرت بالعبادة استفسر ذهنُ السامع بـ "على أية كيفية‬
‫نعبد"؟ فكأنه أجاب‪ :‬كما علمكم القرآن! فعاد سائل‪ :‬كيف نعرف انه كلم ال تعال؟ فأجاب‬
‫بقوله‪( :‬وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا‪ )..‬ال‪.‬‬
‫أما نظم المل بعضها مع بعض فهو‪:‬‬

‫ان جلة (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا) قد وقعت ف موقعها الناسب؛ اذ لا أمر القرآن‬
‫بالعبادة كأنه سُئل‪ :‬كيف نعرف انه امر ال حت يب المتثال؟ فقيل له‪ :‬ان ارتبتَ فجرّب‬
‫نفسك لتتيقن انه امر ال‪..‬‬

‫ومن وجوه النظم ايضا ان القرآن لا اثن على نفسه بملة (ذلك الكتاب لريب فيه هدى‬
‫للمتقي) ث استتبع مدحه مدح الؤمني‪ ،‬ث استطرد مدح الؤمني ذم الكافرين والنافقي‪ ،‬ث‬
‫استعقب المر بالعبادة والتوحيد‪ ..‬عاد القرآن ال الول بالنظر ال (لريب فيه) أي‪ :‬أما القرآن‬
‫فليس قابل للشك والريب؛ فما ريوبكم الّ من مرض قلوبكم وسقامة طبعكم‪ .‬كما‪:‬‬

‫ضوْءُ الشّ ْمسِ مِنْ َرمَ ٍد َوُينْفَ ُر َطعْ ُم اْلاءِ مِنْ َسقَمٍ‬
‫قَ ْد ُيْنكَرُ َ‬

‫وأما نظم (فأتوا بسورة من مثله) فاعلم! ان هذه جزاء الشرط‪ ،‬وجزاء الشرط يلزم ان يكون‬
‫لزما لفعل الشرط‪ .‬ولا كان المر تعجيزيا استلزم تقدير "تشبثوا"‪ .‬ولا كان المر انشاء والنشاء‬
‫ليصي لزما‪ ،‬يلزم اَن يكون لزم المر جزاء‪ .‬وهو الوجوب الذي هو من أصول معان المر‪ ،‬ث‬
‫وجوب التشبث أيضا ليظهر لزومه للريب فاقتضى تقدير جل مطوية تت اياز الية‪ .‬فالتقدير‬
‫"ان كنتم ف ريب انه كلم ال يب عليكم ان تتعلموا اعجازه‪ ،‬فان العجز ليكون كلم البشر‬
‫وممّد عليه السلم بشر‪ ،‬وان أردت ظهور اعجازه فجرّبوا أنفسكم ليظهر عجزكم‪ ،‬فيجب‬
‫عليكم التشبث باتيان سورة من مثله"‪.‬‬

‫فللّه در التنيل ما أوجزَه وما أعجزه!‪.‬‬

‫وأما نظم (وادعوا شهداءَكم من دون ال) فبثلثة اوجه‪:‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪183 :‬‬

‫أحدها‪ :‬انم يقولون عجزنا ل يدل على عجز البشر‪ ..‬فافحمهم بقوله‪( :‬وادعوا شهداءكم) أي‬
‫كباءكم ورؤساءكم‪.‬‬
‫والثان‪ :‬انم يزعمون‪ :‬انّا لو عارضنا فمن يلتزمنا ويدافع عنا؟ فألقمهم الجر بانه ما من مسلك‬
‫الّ وله متعصبون ولو عارضتم لظهر لكم شهداء يذبّون عنكم‪.‬‬

‫ب عليه السلم ال تعال صدّقه ال و َشهِد له بوضع‬


‫والثالث‪ :‬ان القرآن كأنه يقول‪ :‬لا استشهد الن ّ‬
‫سكة العجاز على دعواه‪ .‬فان كان ف آلتكم وشهدائكم فائدة لكم فادعوهم‪ .‬وما هذا ال ناية‬
‫التهكم بم‪.‬‬

‫وأما نظم (فان ل تفعلوا) فظاهر‪ ،‬اذ التقدير "فان جربتم فانظروا فان ل تقدروا ظهر عجزكم ول‬
‫تفعلوا"‪.‬‬

‫وأما نظم (ولن تفعلوا) فكأنه لا قال ل تفعلوا‪ ..‬قيل من جانبهم‪ :‬عدم فعلنا فيما مضى ليدل‬
‫على عجز البشر فيما سيأت‪ .‬فقال‪ :‬ولن تفعلوا‪ ،‬فرمز ال العجاز بثلثة اوجه‪.‬‬

‫احدها‪ :‬الخبار بالغيب وكان كما اخب‪ .‬أل ترى ان الليي من الكتب العربية مع التمايل ال‬
‫تقليد اسلوب التنيل وكثرة العاندين لو فتشتها؛ ل يوافقه شئ منها‪ .‬كأن نوعه منحصر ف‬
‫شخصه‪ .‬فأما هو تت الكل وهو باطل بالتفاق‪ .‬فما هو ال فوق الكل‪.‬‬

‫والوجه الثان‪ :‬ان القطع والزم بعدم فعلهم مع التقريع عليهم وتريك أعصابم ف هذا القام‬
‫الشكل وف هذه الدعوى العظيمة علمة صادقة على انه واثق امي مطمئن باله ومقاله‪.‬‬

‫والوجه الثالث‪ :‬ان القرآن كأنه يقول‪ :‬اذا كنتم امراء الفصاحة وأشد الناس احتياجا اليها ول‬
‫تقتدروا ل يقتدر عليه البشر‪ .‬وكذا فيه اشارة ال ان نتيجة القرآن الت هي السلمية كما ل‬
‫يقتدر على نظيها الزمان الاضي؛ كذا يعجز عن مثلها الزمان الستقبل‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪184 :‬‬

‫وأما نظم (فاتقوا النار الت وقودها الناس والجارة) فاعلم! ان تعقيب "ان ل تفعلوا" بـ"فاتقوا"‬
‫يقتضي ف ذوق البلغة تقديرا هكذا‪ :‬ان ل تفعلوا ولن‪ ..‬ظهر انه معجز‪ ،‬فهو كلم ال‪ ،‬فوجب‬
‫عليكم اليان به وامتثال أوامره‪ ...‬ومن الوامر يا ايها الناس اعبدوا لتتقوا النار فاتقوا النار‪.‬‬
‫فاوجز فاعجز‪.‬‬

‫وأما نظم (الت وقودها الناس والجارة) فاعلم! ان القصد من (فاتقوا) هو الترهيب‪ ،‬ومعن‬
‫الترهيب انا يؤكد بالتهويل والتشديد فهوّله بـ(وقودها الناس) اذ النار الت حطبها كان انسانا‬
‫أخوف وأدهش‪ ..‬ث شدده بعطف الجارة؛ اذ ما ترق الجرَ أشد تأثيا‪ ..‬ث أشار ال الزجر‬
‫عن عبادة الصنام‪ :‬أي لو ل تتمثلوا أمر ال‪ ،‬وعبدت أحجارا لدخلتم نارا تأكل ال ُعبّاد‬
‫ومعبوداتم‪.‬‬

‫وأما نظم (اعدت للكافرين) فهو انا توضيح وتقرير لزوم جزاء الشرط لفعله‪ :‬أي هذه الصيبة‬
‫ليست كالطوفان وسائر الصائب الت لتصيب الظالي خاصة بل تعم البرار والخيار؛ فانا هذه‬
‫تتص بالاني يرّها الكف ُر لسبيل للنجاة ال امتثال القرآن‪.‬‬

‫ث اعلم! ان (اُعدّت) اشارة ال ان جهنم ملوقة موجودة الن ل كما زعمت العتزلة‪ ..‬ث ان ما‬
‫يدلك ويفيد حدسا لك على أبدية جهنم انك اذا تفكرت ف العال بنظر الكمة ترى النار ملوقة‬
‫عظيمة مستولية غالبة‪ ،‬كأنا عنصر أساس ف العلويات والسفليات‪ .‬وتفهمت وجود رأس عظيم‬
‫وثرة عجيبة تدلت ال البد‪ .‬أل ترى ان من رأى عرقا متدا تفطن لوجود بطيخ مثل ف رأسه؛‬
‫وكذلك من رأى اللقة النارية تفطن لِنتهائها ال حنظلة جهنم‪ .‬وكذا من رأى النعم والحاسن‬
‫واللذائذ يدس بأن مصبها وملصها وروضها النة‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬اذا كانت جهنم موجودة الن فاين موضعها؟‬

‫قيل لك‪ :‬نن معاشر أهل السنة والماعة نعتقد وجودها الن لكن ل نعيّن موضعها‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬ان ظواهر الحاديث تدل على انا تت الرض‪ .‬وف حديث‪ :‬ان نارها أشد وأحرّ من‬
‫نار الدنيا بائت دفعة‪ .‬وان الشمس أيضا تدخل ف جهنم؟‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪185 :‬‬


‫قيل لك‪ :‬ان تت الرض عبارة عن مركزها‪ ،‬اذ تت الكرة مركزها‪ .‬وقد ثبت ف نظريات‬
‫الكمة ان ف مركزها نارا بالغة ف الشدة ال مقدار مائت الف درجة‪ .‬اذ كلما تفر الرض ثلثة‬
‫وثلثي ذراعا بذراع التجار تتزايد تقريبا درجة حرارة‪ .‬فإل الركز تصي تقريبا مائت الف درجة‪.‬‬
‫فهذا النظريّ مطابق لآل الديث الذي يقول انا أشد من نار الدنيا بائت درجة‪ .‬وأيضا ف‬
‫الديث ان قسما من تلك النار زمهرير ترق ببودتا ‪ .1‬وهذا الديث مطابق لذا النظري؛ اذ‬
‫النار الركزية مشتملة على الراتب النارية كلها ال السطح‪ .‬وقد تقرر ف الكمة الطبيعية ان للنار‬
‫مرتبة تذب دفعةً حرارة ماورها فتحرقه بالبودة وتصي الاء جَمَدا‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬ما ف جوف الرض ومظروفها صغي فكيف تسع جهنم الت تسع السموات والرض؟‬

‫قيل لك‪ :‬نعم باعتبار الِلك والطويتية وان كانت مظروفة للرض لكن بالنظر ال العال الُخروي‬
‫بالغة ف العظمة ال درجة تسع الُوفا من أمثال هذه الرض‪ .‬بل ان عال الشهادة كحجاب مانعٍ‬
‫لرتباط تلك النار بسائر أغصانا‪ .‬فما ف جوف الرض الّ مركزها وسرّها أو قلب عفريتها‪.‬‬
‫س والقمرَ‬ ‫ت أغصانُها الشم َ‬
‫وأيضا ل تستلزم التحتية اتصالا بالرض‪ ،‬اذ شجر ُة اللقةِ اثر ْ‬
‫ي الغصان اين كان‪ .‬فمُلك ال‬ ‫والنجومَ وأرضَنا وأرضيَ أخرى‪ .‬فما تت الثمرة يشمل ما ب َ‬
‫ث (اِنّ َج َهنّ َم مَ ْط ِوّيةٌ)‬
‫تعال واسع‪ ،‬وشجرة اللقة منتشرة فأينَ سافرتْ جهن ُم ل تُرَدّ‪ .‬وف حدي ٍ‬
‫فيمكن ان تكون بيضة لرضنا الطيارة مت يتزق حجاب اللك ينفتق تلك البيضة وتتظاهر هي‬
‫كاشرةً أسنانَها له ِل العصيان‪ .‬ويتمل ان ماشبط ‪ 2‬أهل العتزال وأوقعهم ف الغلط بعدم‬
‫وجودها الن انا هو هذه الطويتية‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عن اب هريرة رضى ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬اشتكت النار ال ربا‪،‬‬
‫فقالت‪" :‬يا رب! أكل بعضي بعضا‪ ،‬فجعل لا نفسي‪ .‬نفسٌ ف الشتاء ونفس ف الصيف‪ .‬فشدّة‬
‫ما تدون من البد من زمهريرها‪ ،‬وشدة ما تدون من الر من سومها " رواه البخارى ‪ -‬كتاب‬
‫اليان‪ ،‬ابن ماجه ‪ 4319‬والترمذي ‪ 2592‬وعن اب هريرة رضى ال عنه ان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪" :‬هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم " رواه احد ‪( 24/164‬الفتح‬
‫الربان) واورده اليثمى ف الجمع ‪ 1/387‬وقال‪ :‬رواه احد ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫الظهر‪ :‬شيط‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪186 :‬‬

‫ت وقيودِ جلة جلة‪:‬‬


‫وأما نظم هيئا ِ‬

‫فاعلم! ان جلة (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا) الواو فيها بناء على الناسبة بي التعاطفي‬
‫تومئ ال‪ :‬تقدير "كما علّمكم القرآن"‪ ..‬وايراد (ِانْ) الترددية ف موضع "اذا" الت هي للقطع مع‬
‫ان ريبهم مزوم به اشارة ال انه لجل ظهور أسباب زوال الريب شأنه ان يكون مشكوك‬
‫الوجود بل من الحال يفرض فرضا‪ .‬ث ان الشك ف (إنْ) بالنظر ال السلوب ل بالقياس ال‬
‫التكلم تعال‪ ..‬وايراد (كنتم ف ريب) بدل ارتبتم مع انه اقصر اشارة ال ان منشأ الريب طبعهم‬
‫الريض وكونم‪ .‬وظرفية الريب لم مع انه مظروف لقلبهم اياء ال ان ظلمة الريب انتشرت من‬
‫ي نوع من‬
‫القلب فاستولت على القالب‪ ،‬فاظلم عليه الطرق‪ ..‬وتنكي (ريب) للتعميم أي‪ :‬أ ّ‬
‫أنواع الريب ترتابونه فالواب واحد وهو‪ :‬ان هذا معجز وحق‪ .‬فتخطئتكم بالنظر السطحيّ خطأ‬
‫فل يلزم لكل ريب جواب خاص‪ .‬أل ترى ان من رأى رأس عي وذاقه عذبا فراتا ل يتاج ال‬
‫ذوق كل جدول وفرع قد تشعب منه‪ ..‬و"من" ف (ما نزلنا) اياء ال تقدير لفظ "ف شئ ما"‬
‫ولفظ (نزلنا) اشارة ال ان منشأ شبهتهم هو صفة النول‪ .‬فالواب القاطع اثبات النول فقط‪.‬‬
‫وايثار (نزّلنا) الدال على النول تدريا على "انزلنا" الدال عليه دفعة اشارة ال ان ما يتحججون‬
‫به قولم‪ :‬لول انزل عليه دفعة‪ .‬بل على مقتضى الواقعات تدريا نوبة نوبة نما نما سورة‬
‫سورة‪ ..‬وايثار العبد على "النب" و "ممد" اشارة ال تعظيم النب‪ ،‬واياء ال علو وصف العبادة‪،‬‬
‫ب عليه السلم أعبد الناس وأكثرهم تلوة‬ ‫وتأكيد لمر "اعبدوا" ورمز ال دفع أوهامٍ بان الن ّ‬
‫للقرآن الكري‪ .‬فتفكر!‪.‬‬
‫وان جلة (فأتوا بسورة من مثله) المر ف (فأتوا) للتعجيز‪ ،‬وفيه التحدّي والتقريع والدعوة ال‬
‫العارضة والتجربة ليظهر عجزهم‪ ..‬ولفظ (بسورة) اشارة ال ناية افحام‪ ،‬وشدة تبكيت‪ ،‬وغاية‬
‫إلزام؛ إذ‪:‬‬

‫أول طبقات التحدّي هو‪:‬‬

‫ان يقال‪ :‬فأتوا بثل تام القرآن بقائقه وعلومه واخباراته الغيبية مع نظمه العال من شخص امّي !‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪187 :‬‬

‫وثانيتها‪ :‬ان يقال‪:‬‬

‫ان ل تفعلوا كذا فأتوا با مفتريات لكن بنظم بليغ مثله‪.‬‬

‫وثالثتها‪ :‬ان يقال‪:‬‬

‫ان ل تفعلوا هكذا ايضا فأتوا بقدار عشر سور‪.‬‬

‫ورابعتها‪:‬‬

‫انه ان ل تقتدروا عليه أيضا فل أقلّ من أن تأتوا بقدر سورة طويلة‪.‬‬

‫وخامستها‪:‬‬

‫انه ان ل يتسي لكم هذا أيضا فأتوا بقدار سورة مطلقا ولو أقصر كـ انا اعطيناك من شخص‬
‫اميّ مثله‪.‬‬

‫وسادستها‪:‬‬

‫انه ان ل يكنكم الِتيان من ام ّي فأتوا من عال ماهر وكاتب حاذق‪.‬‬

‫وسابعتها‪:‬‬
‫انه ان تعسر عليكم هذا أيضا فليعاون بعضكم بعضا على التيان‪.‬‬

‫وثامنتها‪:‬‬

‫انه ان ل تفعلوا فاستعينوا بكافة الِنس والن واستمدوا من مموع نتائج تلحق افكارهم من آدم‬
‫ال قيام الساعة‪ ،‬ونتائج افكارهم هي مابي ايديكم من هؤلء الكتب على السلوب العرب مع‬
‫ل عن أهل التحقيق لو تصفحها مَنْ له ادن مسكة ولو جاهل‬ ‫شوق التقليد وعناد العارضة؛ ففض ً‬
‫لقال‪ :‬ليس فيها مثله‪ ،‬فإما هو تت الكل وهو باطل بالتفاق واما فوق الكل وهو الطلوب كما‬
‫مر آنفا‪ .‬نعم‪ ،‬ل يعارض ف ثلثة عشر عصرا هكذا مرّ الزمان‪ ،‬وهكذا ي ّر ال يوم القيامة‪.‬‬

‫وتاسعتها‪:‬‬

‫ان يقال ل تتحججوا بان ليس لنا شهداء وانتم ل تشهدون لنا‪ .‬أل فادعوا شهداءَكم والتعصبي‬
‫لكم فلياجعوا وجدانم هل يتجاسرون على تصديق دعواكم العارضة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪188 :‬‬

‫واذا تفهمت هذه الطبقات فانظر ال القرآن كيف أعجز بان أوجز فأشار ال هذه الراتب‪،‬‬
‫فألقمهم الجر وأرخى لم العنان‪ .‬ث اعلم ان عجز البشر عن معارضة أقصر سورة ِاِنيّتُ ُه بديهية‪.‬‬
‫واما ِليّتُهُ فقيل هي‪ :‬ان ال تعال صرف القوى عن العارضة‪ .‬والذهب الصح ف اللّ ِميّة ما عليه‬
‫عبدالقاهر الرجان والزمشري والسكاكي‪ .‬وهو ‪ :‬ان قدرة البشر ل تصل ال درجة نظمه‬
‫العال‪ .‬ث ان السكاكي اختار ان العجاز ذوقي ليعب عنه وليشرح بل يذاق ذوقا‪ .‬وأما صاحب‬
‫دلئل العجاز فاختار انه يكن التعبي عنه‪ .‬ونن على مذهبه ف هذا البيان‪.‬‬

‫وايثار (سورة) على نم أو طائفة أو نوبة اشارة ال الزامهم ف منشأ شبهتهم وهي‪ :‬لول انزل‬
‫عليه دفعة واحدة؟ أي فهاتوا انتم ولو بنوبة فذة‪ ..‬وأيضا اياء ال تضمن تسوير التنيل سورة‬
‫سورة لفوائد جة بيّنها الزمشري‪ ،‬وال تضمن هذا السلوب الغريب للطائف‪ ..‬ولفظ (من مثله)‬
‫فيه معنيان أي بثل النَل‪ ،‬أو من مثل النل عليه‪ .‬اعلم! ان حق العبارة على الول "مثل سورة‬
‫منه" لكن عدل ال (من مثله) للياء ال ملحظة الحتمال الثان‪ ،‬أي انا تكون معارضتكم مبطلة‬
‫لدعواه لو جاءت من مثله ف عدم التعلم‪ ..‬وكذا اشارة ال ان العارضة انا تبطل العجاز لو كان‬
‫العارض به من مموع مثل‪ ..‬وكذا رمز ال توجيه الذهان ال امثال القرآن ف النول من الكتب‬
‫السماوية ليوازن ذهن السامع بينها فيتفطن لعلوه‪.‬‬

‫وان جلة (وادعوا شهداءكم من دون ال) ايثار "ادعوا" فيها على "استعينوا" او "استمدوا" اياء‬
‫ال ان من يلبيهم ويذبّ عنهم ليفقدهم بل حاضر ل يتاجون ال ال ندائه‪ ..‬ولفظ "شهداء"‬
‫جامع لثلثة معان‪ :‬اي كباءكم ف الفصاحة‪ ..‬ومن يشهد لكم‪ ..‬وآلتكم‪ .‬فنظرا ال الول إلزام‬
‫لم‪ ،‬يقطع تججهم بان عدم قدرتنا ليدل على عدم قدرة كبائنا‪ .‬ونظرا إل الثان افحام لم‪،‬‬
‫يقطع تعللهم بأن ليس لنا شهداء بانه ل مسلك الّ له ذابون وشهداء‪ .‬ونظرا ال الثالث تبكيت‬
‫لم وتكم بم بان اللة الت ترجون منها النفع ودفع الضر كيف لتعينكم ف هذا المر الذي‬
‫يهمّكم؟‪ ..‬واضافة "شهداء" ال "كم" الفيدة للختصاص تقوي عضد العن الول‪ :‬بان الكباء‬
‫حاضرون معكم‪ ،‬وبينكم اختصاص لو اقتدروا لعاونوكم البتة‪ .‬وتصل جناح العن الثان بانا نقبل‬
‫شهادة من يلتزمكم ويتعصب لكم فانم أيضا ل‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪189 :‬‬

‫يتجاسرون على الشهادة على بديهيّ البطلن‪ .‬وتأخذ بساعد العن الثالث مع التقريع بأن اللة‬
‫الت اتذتوها معبودات كيف لتدكم‪ ..‬ولفظ (من دون ال) نظرا ال الول اشارة ال التعميم‬
‫أي كل فصيح ف الدنيا ما خل ال تعال‪ .‬وكذا ال ان اعجازه ليس الّ لنه من ال‪ ..‬ونظرا ال‬
‫الثان اشارة ال عجزهم ومبهوتيتهم بقولم‪" :‬ال شاهد‪ ،‬ال عليم انا نقتدر"‪ .‬لن ديدن العاجز‬
‫الحجوج اللف بال والستشهاد به على ما ل يقتدر على الستدلل عليه‪ ..‬ونظرا ال الثالث‬
‫ب عليه الصلة والسلم ليست ال مقابلة الشرك بالتوحيد‬‫اشارة ال ان معارضتهم مع الن ّ‬
‫والمادات بالق الرض والسموات‪.‬‬
‫وان جلة (ان كنتم صادقي) اشارة ال قولم‪ :‬لو شئنا لقلنا مثل هذا‪ ..‬وكذا تعريض بانكم لستم‬
‫من أهل الصدق ال ان يفرض فرضا‪ ،‬بل من أهل السفسطة‪ ،‬ما وقعتم ف الريب من طريق طلب‬
‫الق بل طلبتم فوقعتم فيه‪ ..‬ث ان جزاء هذا الشرط مصل ما قبله أي فافعلوا‪.‬‬

‫أما جلة (فان ل تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) ال آخره‪ .‬فاعلم! ان (ان كنتم صادقي) احتجاج‬
‫القرآن عليهم بقياس استثنائي استثن نقيض التال لنتاج نقيض القدم‪.‬‬

‫تلخيصه‪ :‬ان كنتم صادقي تفعلوا العارضة وتأتوا بسور ٍة لكن ما تفعلون ولن تفعلوا‪ ،‬فانتج فلم‬
‫ب عليه السلم صادقا فالقرآن معجز‪ ،‬فوجب عليكم‬ ‫تكونوا صادقي فكان خصمكم وهو الن ّ‬
‫اليان به لتتقوا من العذاب‪ ...‬انظر كيف اوجز التنيل فاعجز‪ .‬ث انه ذكر موضع استثناء نقيض‬
‫التال وهو "لكن ماتفعلون" لفظ (ان ل تفعلوا) مشيا بتشكيك "ان" ال ماراة ظنهم‪ ،‬وبالشرطية‬
‫ال استلزام نقيض التال لنقيض القدم‪ .‬ث ذكر موضع النتيجة وهي نقيض القدم أعن فلم تكونوا‬
‫صادقي علة لزم لزم لزمها وهي قوله (فاتقوا النار) لتهويل الترهيب والتهديد ‪.1‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬قد استعمل النطق هنا استعمالً حسنا ‪ -‬الؤلف‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪190 :‬‬

‫أما (ان ل تفعلوا) الاضي بالنظر إل "ل" والستقبل بالقياس إل "ان" فلتوجيه الذهن إل ماضيهم‬
‫كأنه يقول لم‪" :‬أنظروا إل خطبكم الزيّنة ومعلقاتكم الذهّبة أتساويه أو تدانيه أو تقع قريبا‬
‫منه؟"‪.‬‬

‫وإيثار (تفعلوا) على "تأتوا" لنكتتي‪:‬‬

‫احداها‪ :‬الياء ال ان منشأ العجاز عجزُهم ومنشأ العجز الفعل ل الثر‪.‬‬


‫والثانية‪ :‬الياز‪ ،‬اذ "فعل" كما انه ف الصرف ميزان الفعال وجنسها؛ كذلك ف الساليب‬
‫مصدر العمال وملخص القصص كأنه ضمي المل كناية عنها‪.‬‬

‫أما (ولن تفعلوا) فاعلم! ان التأكيد والتأبيد ف (لن) اياء ال القطعية وهي اشارة ال ان القائل‬
‫مطمئن جدّي‪ ،‬لريب له ف الكم‪ .‬وهذا رمز ال ان ل حيلة‪ ..‬أما (فاتقوا) بدل "تنبوا" فللياء‬
‫ال ما ناب عنه الزاء من آمنوا واتقوا الشرك الذي هو سبب دخول النار‪ ..‬أما تعريف (النار)‬
‫فللعهد أي النار الت عهدت واستقرت ف أذهان البشر بالتسامع عن النبياء من آدم ال الن‪..‬‬
‫وأما توصيفها بـ(الت) الوصولة مع ان من شأنا ان تكون معلومة اوّلً‪ ،‬فلجل نزول (نارا‬
‫وقودها الناس والجارة) ‪ 1‬قبل هذه الية فالخاطبون قد سعوا تلك‪ ،‬فالوصولية ف موقعها‪ ..‬وأما‬
‫وقودها الناس والجارة فالغرض كما مر آنفا الترهيب‪ ،‬والترهيب يؤكد بالتهويل والتشديد‬
‫فهوّل بلفظ "الناس" كما قرع به‪ ،‬وشدد "بالجارة" كما وبخ با‪ .‬أي ماترجون منه النفع‬
‫والنجاة وهو الصنام يصي آلة لتعذيبكم‪.‬‬

‫واما جلة (اعدت للكافرين) فاعلم! ان الوضع موضع "اعدت لكم" لكن القرآن يذكر الفذلكة‬
‫والقاعدة الكلية ف الغلب ف آخر اليات ليشي ال كبى دليل الكم؛ اذ اصل الكلم‪" :‬اعدت‬
‫لكم ان كفرت لنا اعدّت للكافرين"‪ .‬فلهذا اقيم الظهر مقام الضمر‪ ..‬وأما ماضية (اعدّت)‬
‫فاشارة كما مر ال وجود جهنم الن‪.‬‬

‫_____________________‬

‫سورة التحري‪6 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪191 :‬‬

‫حِتهَا‬
‫ت َانّ َلهُمْ َجنّاتٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬
‫َوبَشّر الّذِينَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحا ِ‬
‫الْنهَارُ كُلّما رُزِقُوا ِمْنهَا مِ ْن ثَ َم َرةٍ رِزْقا قَالُوا هَذاَ الّذِي ُرزِقْنا مِنْ َقبْلُ وَُاتُوا بِ ِه ُمتَشابِها وََلهُمْ فِيها‬
‫ج مُ َطهّ َرٌة َوهُمْ فِيها خالِدُونَ ‪25‬‬ ‫اَ ْزوَا ٌ‬

‫فاعلم! ان نظم هذه الية كأخواتا بثلثة وجوه‪ :‬نظم الجموع با قبله‪ ،‬والمل بعضها مع بعض‪،‬‬
‫واليئات‪.‬‬

‫أما الول‪ :‬فاعلم! ان لآلا ارتباطات متفاوتة مع اليات السابقة‪ ،‬وخطوطا متدة بالختلف ال‬
‫المل السالفة‪ .‬أل ترى ان القرآن الكري لا أثن ف رأس السورة على نفسه وعلى الؤمني‬
‫باليان والعمل الصال كيف أشار بذه الية ال نتيجة اليان وثرة العمل الصال‪ ..‬وكذا لا ذم‬
‫الكفار وشنع على النافقي وبي طريقهم النجر ال الشقاوة البدية لوّح بذه الية ال نور‬
‫السعادة البدية‪ ،‬فأراهم ليزيدوا حسرة على حسرة بفوات هذه النعمة العظمى‪ ..‬ث لا كلف بـ‬
‫(يا ايها الناس اعبدوا) ‪ -‬مع ان ف التكليف مشقة وكلفة وترك اللذائذ العاجلة ‪ -‬فتح لم ابواب‬
‫الجلة؛ فاراهم بذه الية تطمينا لنفوسهم وتأمينا لم‪ ..‬ث لا اثبت التوحيد ‪ -‬الذي هو أول‬
‫اركان اليان الذي هو أساس التكليف ‪ -‬صرح ف هذه الية بثمرة التوحيد وعنوان الرحة‬
‫وديباجة الرضاء بإراءة النة والسعادة البدية‪ ..‬ث لا أثبت النبوّة ‪ -‬ثانية أركان اليان ‪-‬‬
‫بالعجاز بقوله (وان كنتم ف ريب)‪..‬ال‪ ،‬أشار بذه مع الطوي قبلها ال وظيفة النبوّة ومكلفية‬
‫ب وهي‪ :‬الِنذار والتبشي بلسان القرآن‪ ..‬ث لا اوعد وأرهب وانذر ف سابقتها القريبة وعد‬ ‫الن ّ‬
‫ورغب وبشّر بذه الية بسر ان التضاد مناسبة‪ ..‬وأيضا ان الذي يُطيع ‪ 1‬النفسَ‪ ،‬ويدي الطاعة‬
‫س الشوق معا بمع الترغيب‬ ‫ويصيّر الوجدان مطيعا لكم العقل؛ تييجُ حسّ الوف وح ّ‬
‫والترهيب؛ اذ حكم العقل وامره موقّت فلبد من وجود مرك آمر دائميّ ف الوجدان‪ ..‬وكذا لا‬
‫أشار بالسابقة ال احد شقي الخرة كمل بذه الية الشق الخر وهو منبع السعادة البدية‪..‬‬
‫وكذا لا لوح هناك بالنار ال جهنم صرح هنا بالنة‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬يطيع يطوع أي يعلها مطيعة ‪ -‬الؤلف‪.‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪192 :‬‬

‫ث اعلم! ان النة وجهنم ثرتان تدلّتا ال البد من شجرة اللقة‪ ،‬ونتيجتان لسلسلة الكائنات‪،‬‬
‫ومزنان لنصباب الكائنات‪ ،‬وحوضان للكائنات الارية ال البد‪ .‬نعم! تتمخض الكائنات‬
‫وتتلط بركة عنيفة فتتظاهر النة وجهنم فتمتلئان‪.‬‬

‫وايضاحه‪ :‬هو ان ال جل جلله لا اراد ان يبدع عالا للبتلء والمتحان لكم كثية تدقّ عن‬
‫لكَم؛ مزج الشر بالي وادرج الضر ف النفع‪ ،‬وادمج‬ ‫العقول‪ ،‬واراد تغيي ذلك العال وتوّله ِ‬
‫القبح ف السن؛ فوصلها بهنم وأمدها با‪ .‬وساق الحاسن والكمالت تتجلى ف النة‪ .‬وأيضا‬
‫لا اراد تربة البشر ومسابقتهم‪ ،‬وأراد وجود اختلفات وتغيات فيهم ف دار البتلء خلط‬
‫الشرار بالبرار‪ .‬ث لا انقضى وقت التجربة وتعلقت الرادة بأبديتهم جعل الشرار مظهر خطاب‬
‫‪2‬‬
‫(وَا ْمتَازُوا اْلَي ْومَ َاّيهَا الْ ُمجْ ِرمُونَ) ‪ .1‬وصي البرار مظهر تلطيفِ وتشريف (فَادْ ُخلُوهَا خَالِدينَ)‬
‫ولا امتاز النوعان تصفّت الكائنات فانسلّت مادة الضر والشر عن عنصر النفع والي والكمال‬
‫فاختارت جانبا‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬انه لو امعن النظر ف الكائنات صودف فيها عنصران أساسان وعرقان متدان اذا تصل‬
‫وتأبدا صارا جنة وجهنم‪.‬‬

‫مـقـدمـــــة‬

‫هذه الية مع ما قبلها اشارة ال القيامة والشر‪ ،‬فمدار النظر ف هذه السألة أربع نقط‪:‬‬

‫إحداها ‪ :‬إمكان خراب العال وموته‪..‬‬

‫والثانية ‪ :‬وقوعه‪..‬‬

‫والثالثة ‪ :‬التعمي والِحياء‪..‬‬

‫والرابعة‪ :‬وقوعه‪..‬‬
‫أما امكان موت الكائنات‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة يس‪.59 :‬‬

‫سورة الزمر‪.73 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪193 :‬‬

‫فاعلم! ان الشئ الداخل تت قانون التكامل ففيه نشوء وناء‪ ..‬فله عمر طبيعيّ‪ ..‬فله أجَ ٌل‬
‫فطريّ؛ ليلص من حكم الوت؛ بدليل استقراء أكثر أفراد النواع‪ .‬فكما ان النسان عال صغي‬
‫ل خلص له من الرابية؛ كذلك العال انسان كبي لمناص له من الوت البتة‪ .‬وكما ان الشجر‬
‫نسخة من الكائنات يعقبها التخريب والنلل؛ كذلك سلسلة الكائنات من شجرة اللقة‬
‫ض عاصف ٌة او مرض خارجيّ بالرادة الزلية قبل‬ ‫لمناص لا من يد التخريب للتعمي‪ .‬ولئن ل يَعر ْ‬
‫العمر الفطريّ‪ ،‬ول يرّبا صانُعها قبلَه َليَجئُ بالضرورة وعلى كل حال حت بالساب الفنّي يومٌ‬
‫ت _ واذا النجوم انكدرت) ‪ .1‬و (اذا السماء انشقت) ‪ .2‬فيتظاهر‬ ‫يتحقق فيه (اِذا الشّ ْمسُ ُكوّرَ ْ‬
‫ف الفضاء سكرات النسان الكبي برخرة ‪ 3‬عجيبة وصوت هائل‪.‬‬

‫أما وقوعه‪:‬‬

‫فباجاع كل الديان السماوية‪ ،‬وبشهادة كل فطرة سليمة‪ ،‬وباشارة تغيّر وتبدّ ِل وتوّ ِل الكائنات‪.‬‬
‫وان شئت ان تتصور سكرات العال وخرخرته فاعلم! ان الكائنات قد ارتبطت بنظام علويّ‬
‫دقيق‪ ،‬واستمسكت بروابط عجيبة فاذا صار جسم من الجرام العلوية مظهر خطاب "كُن" او‬
‫"اُخْرُج عَ ْن مِحْوركَ" ترى العال يشرع ف السكرات‪ ،‬وترى النجوم تتصادم‪ ،‬وتتلطم الجرام‬
‫فترعد وتصيح ف الفضاء الغي التناهي‪ ،‬ويضرب بعض وجه بعض‪ ،‬وترمي بشرر كأرضنا هذه بل‬
‫ت صوتُها مصّلُ مليي مَرامي مدافع رصاصتُها الصغرى أكب من‬ ‫أكب‪ .‬فكيف انت برخرة مو ٍ‬
‫الرض؟‪ ..‬فبهذا الوت تتمخض الِلقة وتتميز الكائنات فتمتاز جهنم بعشيتا ومادتا‪ ،‬وتتجلى‬
‫النة جامعة لطائفتها مستمدة من عناصرها‪.‬‬

‫‪ p‬فان قلت‪ :‬لِ َم كانت الكائنات مغيّرة موقّتة ترب ث تصي يوم القيامة مؤبدة مكمة ثابتة؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان الكمة والعناية الزليتي لا اقتضتا التجربة والبتلء‪ ،‬والنشوء والنماء ف‬
‫الستعدادات‪ ،‬وظهور القابليات‪ ،‬وظهورالقائق النسبية الت تصي ف الخرة‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة التكوير‪.2 - 1 :‬‬

‫سورة النشقاق‪.1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫خرخرة‪ :‬صوت النائم‪ ،‬استعمله للمحتضر (ش)‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪194 :‬‬

‫حقائق حقيقية‪ ،‬ووجود مراتب نسبية‪ ،‬وحكم كثية لتدركها العقول؛ جعل الصانع جل جلله‬
‫الطبائعَ متلطةً‪ ،‬والضارّ مزوجة بالنافع‪ ،‬والشرور متداخلة بي الي‪ ،‬والقابح متمعة مع‬
‫الحاسن‪ ،‬فخمّرت يدُ القدرة الضداد تميا فصيت الكائنات تابعة لقانون التبدل والتغي‬
‫والتحول والتكامل‪ .‬فلما انسد ميدان المتحان وانقضى وقت البتلء وجاء وقت الصاد؛ أراد‬
‫الصانع جل جلله بعنايته تصفية الضداد الختلطة للتأبيد‪ ،‬وتييز أسباب التغي‪ ،‬وتفريق مواد‬
‫الختلف؛ فتحصل جهنم بسم مكم مظهرا لطاب (وامتازوا) وتلى النة بسم مؤبد مشيد‬
‫مع أساساتا‪ ..‬بسر ان الناسبة شرط النتظام‪ ،‬والنظام سبب الدوام‪ .‬ث انه تعال اعطى بقدرته‬
‫الكاملة لساكن هاتي الدارين البديتي وجودا مشيدا لسبيل للنلل والتغي اليه‪ ،‬على ان التغي‬
‫هنا النجر ال النقراض انا هو بتفاوت النسبة بي التركيب وما يتحلل‪ .‬وأما هناك فلستقرار‬
‫النسبة يوز التغي بل انرار ال النلل‪.‬‬

‫وأما النقطة الثالثة والرابعة‪ :‬أعن امكان التعمي والشر ووقوعه‪:‬‬

‫فاعلم! ان التوحيد والنبّوة لا ل يصح اثباتما بالدليل النقليّ فقط للزوم الدور ‪ 1‬أشار القرآن ال‬
‫الدلئل العقلية عليهما‪ .‬أما الشر فيجوز اثباته بالعقل والنقل‪:‬‬

‫أما العقليّ فراجع ال ما بيّنا بقدر الطاقة ف تفسي (وبالخرة هم يوقنون) حاصله‪ :‬ان النظام‬
‫والرحة والنعمة انا تكون نظاما ورحة ونعمة ان جاء الشر‪..‬‬

‫واما النقليّ فقول كل النسان مع حكم القرآن العجز بوقوعه‪ .‬وأما النقليّ مع الرمز للعقليّ‬
‫فراجع هذا الوضع من تفسي فخر الدين الرازي ‪ 2‬فانه عدّد اليات الثبتة للحشر‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬انه ما من متأمل ف نظائ ِر وأشباهِ وأمثالِ الشر ف كثي من النواع ا ّل ويتحدس من‬
‫تفاريق المارات ال وجود الشر السمان والسعادة البدية‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬حيث ان صحة الدلئل النقلية ‪ -‬القرآن والديث ‪ -‬مرتبطة بصحة النبوة وصدقها‪ ،‬فإذا ما‬
‫اثبتت النبوة ايضا بالدلئل النقلية‪ ،‬يلزم الحال وهو الدور والتسلسل‪ ،‬لذا أشار القرآن‪ ...‬ال‬
‫(ت‪)63 :‬‬

‫(‪1209 - 1149‬م) متكلم وفيلسوف ومفسر القرآن‪ ،‬لقب بشيخ السلم وانقطع ف اواخر‬ ‫‪2‬‬

‫ايامه للوعظ وتلوة القرآن منصرفا عن الجادلت الكلمية‪ ،‬له مصنفات كثية اهها «مفاتيح‬
‫الغيب» تفسي للقرآن الكري و«لباب الشارات» و«شرح ديوان سقط الزند» لب العلء العري‪.‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪195 :‬‬

‫أما نظم جلها بعض مع بعض‪ ،‬فاعلم! ان السلك الذي نُظم فيه جواهر جل هذه الية وسلسلتها‬
‫هي ‪ :‬ان السعادة البدية قسمان‪:‬‬

‫الول اْلَول‪ :‬رضاء ال تعال وتلطيفه وتلّيه وقربيته‪.‬‬

‫والثان‪ :‬السعادة السمانية وهي بالسكن والأكل والنكح ومتممها ومكملها جيعا هو الدوام‬
‫واللود‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ث ان أقسام الول مستغنية عن التفصيل أو غي قابلة‪.‬‬

‫وأما أقسام الثان‪ :‬فالسكن‪ ،‬ألطفه ما يري الاء بي نباتاته‪ .‬أل ترى ان ملهم الشعر ومفيض‬
‫العشق ف القلوب انا هو خشخشة ‪ 2‬الاء وخريره وكشكشة ‪ 3‬النار وصفيها تت القصور‬
‫وبي البساتي‪..‬‬

‫والأكل الرزق ولنه تفكه يكون كمال لذته فيما حصل به الُلفة والنسية‪ ،‬ولنه تفكه يكون‬
‫كمال لذته ف التجدد من جهة؛ اذ بكم الألوفية يُعرف درجة عل ّو النعمة وتفوقها على نظيها‪.‬‬
‫وكذا من مكملت اللذة ان يُعرف انه جزاء عمله‪ ..‬ومنها ان يكون منبعه ومزنه حاضرا نصب‬
‫العي لتحصل لذة الطمئنان‪..‬‬

‫وأما النكح‪ ،‬فاعلم! ان من اشدّ حاجات النسان وجود قلب مقابل لقلبه لداولة الحبة ومبادلة‬
‫العشق والؤانسة والتشارك ف اللذة‪ ،‬بل التعاون ف أمثال الية والتفكر‪ .‬أل ترى ان من رأى ما‬
‫يتحي فيه أو يتفكر ف أمر عجيب يدعو ولو ذهنا من يعينه ف تمل الية‪ .‬ث انّ ألطف القلوب‬
‫وأشفقها واحرّها قلب القسم الثان‪ .‬ث ان متمم المتزاج الروحيّ ومكمّل الستيناس القلبّ‪،‬‬
‫ي كون القسم الثان مبأة ومطهرة من الخلق السيئة والعوارض‬ ‫ومصفى الختلط الصور ّ‬
‫النفرة‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ان الكل لبقاء الشخص؛ اذ به يصل تعمي ما يتحلل‪ ،‬وان النكاح لبقاء النوع مع ان‬
‫الشخاص ف الخرة مؤبّدون ل يقع فيهم التحويل والنلل وكذا لتناسل ف الخرة؟‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬غي قابلة للتفصيل‪.‬‬

‫صوت السلح او اللى عند اصطكاكه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫صوت جلد الية حي الرور‪ ،‬استعمله الؤلف لصوت مرور الاء كالية (ش)‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪196 :‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان فوائد الكل والنكاح ليست منحصرة ف البقاء والتناسل بل فيهما لذة عظيمة ف هذا‬
‫العال الليّ‪ .‬وكيف ليكون فيهما ف عال السعادة واللذة لذات عالية منهة؟‬

‫فان قلت‪ :‬ان اللذة هنا دفع الل؟‬

‫ي على هذا العال قياس‬


‫قيل لك‪ :‬ان دفع الل سبب من أسباب اللذة‪ ..‬وأيضا قياس العال البد ّ‬
‫مع الفارق‪ ،‬بل ان النسبة بي حديقة "خُورْخُورْ" ‪ 1‬هذه وتلك النة العالية هي النسبة بي لذائذ‬
‫الخرة ونظائرها ف هذا العال‪ .‬فكما تفوق تلك النة على الديقة بدرجات غي مصورة؛‬
‫كذلك هذه‪ ..‬وال هذا التفاوت العظيم اشار ابن عباس رضي ال تعال عنهما بقوله‪" :‬ليس ف‬
‫النة ال اساءها" ‪ 2‬أي ثرات الدنيا‪.‬‬

‫أما اللود ودوام اللذة‪ ،‬فاعلم! ان اللذة انا تكون لذة حقيقية ِان ل ينغّصها الزوالُ؛ اذ كما ان‬
‫دفعَ الل لذةٌ أو سببٌ لا‪ ،‬كذلك زوال اللذة أل بل تصوّرُ زوالِ اللذةِ ألٌ أيضا‪ .‬حت ان مموع‬
‫اشعار العشاق الجازيي انا هي اني ونياح من هذا الل‪ .‬وان ديوان كل عاشق غي حقيقي انا‬
‫هو بكاء وعويل من هذا الل الناشئ من تصور زوال الحبوب‪ ..‬نعم‪ ،‬ان كثيا من اللذائذ الوقّتة‬
‫جيْ ِن عن هذا‬
‫اذا زالت اثرت آلما مستمرة كلما تذكرها ‪ 3‬يفور مِن فيه‪" :‬ايواه!" واأسفا! التر َ‬
‫الل الروحانّ‪ .‬وان كثيا من اللم اذا انقضت اولدت لذّات مستمرة كلما تذكرها الشخص‬
‫وهو قد نا يتكلم بـ"المد ل" اللوّح لنعمة معنوية‪.‬‬

‫أجل! ان النسان ملوق للبد فانا تصل له اللذة القيقية ف المور البدية كالعرفة اللية‬
‫والحبة والكمال والعلم وأمثالا‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬ان اللذة والنعمة انا تكونان لذة ونعمة ان كانتا خالدتي‪.‬‬

‫واذا رأيت هذا السلك فانظم فيه جل الية‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬حديقة خورخور‪ :‬مكان يقع تت قلعة مدينة «وان» وفيها مدرسة الؤلف‪.‬‬

‫(ليس ف الدنيا ماف النة ال الساء) او الفاظ مقاربة والعن واحد‪ ،‬انظر تفسي ابن كثي‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1/63‬تفسي القرطب ‪ ،1/240‬الطبى ‪ 1/135‬فتاوى ابن تيمية ‪ ،3/28‬الطالب العالية‬


‫لبن حجر برقم ‪ ،4692‬فتح القدير للشوكان ‪.1/55‬‬

‫تذكرها النسان‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪197 :‬‬

‫أما جلة (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالات) فاعلم! انه تعال لا كلف الناس‪ ،‬وأثبت النبوّة‪،‬‬
‫وكلف النبّ بالتبليغ أمره بالتبشي تأمينا لمتثال التكليف الذي فيه مشقة وترك للّذائذ الدنيوية‪.‬‬
‫فكما انه مأمور بالنذار؛ كذلك مأمور بالتبشي برضاء ال تعال وتلطيفه وقربيته وبالسعادة‬
‫البدية‪.‬‬
‫وأما جلة (ان لم جنات تري) فاعلم! كما مر ان اوّل حاجات النسان الضرورية ‪ -‬لنه جسم‬
‫‪ -‬الكان والسكن؛ وان أحسن الكان هو الشتمل على النباتات والشجار‪ ،‬وان الطفه هو الذي‬
‫يتسلل بي خضراواته الاء‪ ،‬وان اكمله هو الذي تري بي أشجاره وتت قصوره النار بكثرة‪.‬‬
‫فلهذا قال (تري من تتها النار)‪ ..‬ث ان اشد الاجات كما سعت آنفا بعد الكان واكمل‬
‫اللذائذ السمانية هو الكل والشرب اللذين يشي اليهما النة والنهر‪ ..‬ث ان اكمل الرزق هو ان‬
‫يكون مألوفا ومأنوسا ليعرف درجة تفوقه على نظيه‪ ..‬وألذّ الفاكهة ان تكون متجددة‪ ..‬وان‬
‫اصفى اللذة هو أن يكون القتطَف معلوما وقريبا‪ ..‬وان ألذّها ان يعرف انا ثرة عمله‪ .‬فلهذا‬
‫قال‪( :‬كلما رزقوا منها من ثرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي ف الدنيا أو قبل هذا‬
‫الن‪.‬‬

‫وأما (وأتوا به متشابا) فاعلم! ان ف الديث‪ :‬ان صورتا واحدة والطعم متلف ‪ .1‬فتشي الية‬
‫ال لذة التجدد ف الفاكهة‪ ..‬وان كمال اللذة ان يكون الشخص مدوما يؤتى اليه‪ .‬وأما جلة‬
‫(ولم فيها أزواج مطهرة) فاعلم! كما رأيت ف السلك ان النسان متاج لرفيقة وقرينة يسكن‬
‫اليها وينظر بعينها وتنظر بعينه ويستفيد من الحبة الت هي ألطف لعات الرحة‪ .‬أل ترى ان‬
‫النسية التامة هنا بن؟ وأما جلة (وهم فيها خالدون) فاعلم! ان النسان اذا صادف نعمة او‬
‫اصاب لذة فأول ما يتبادر لذهنه‪ :‬أتدوم أم تَُنغّص بزوال؟ فلهذا أشار ال تكميل النعمة بلود‬
‫النة ودوامهم وازواجهم فيها ودوام اللذائذ واستمرار الستفادة بقوله‪( :‬وهم فيها خالدون)‪.‬‬

‫_____________________‬

‫اخرجه ابن جرير عن يي بن كثي (ب)‬ ‫‪1‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪198 :‬‬


‫أما نظم هيئات جلة جلة‪:‬‬

‫فجملة (وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالات) الواو فيها ‪ -‬بسر الناسبة بي التعاطفي ‪ -‬اشارة‬
‫ال "انذر" الذي يتقطر من أنف السابقة‪ ..‬وأما "بشّر" فرمز ال ان النة بفضله تعال ل واجب‬
‫عليه‪ ..‬وكذا ال ان لبد ان ل يكون العمل لجل النة‪ ..‬وأما صورة المر ف "بشّر" فاياء ال‬
‫"بلّغ مبشرا" فانه مكلّف بالتبليغ‪..‬‬

‫واما (الذين آمنوا) بدل "الؤمني" القصر فتلويح ال "الذين" الذي مرّ ف رأس السورة ليكون‬
‫تفصيله هناك مبيّنا لا اجل هنا‪ ..‬واما ايراد "آمنوا وعملوا" على صيغة الاضي هنا‪ ،‬مع ايراد‬
‫"يؤمنون" و "ينفقون" هناك بصيغة الضارع فللشارة ال ان مقام الدح والتشويق على الدمة‬
‫شأنه الضارع‪ .‬وأما مقام الكافأة والزاء فالناسب الاضي‪ ،‬اذ الجرة بعد الدمة‪..‬‬

‫وأما واو (وعملوا) فاشارة بسر الغايرة ال ان العمل ليس داخل ف اليان كما قالت العتزلة‪.‬‬
‫وال ان اليان بغي عمل ل يكفي‪ .‬ولفظ العمل رمز ال ان ما يبشر به كالجرة‪..‬‬

‫أما (الصالات) فمبهمة ومملة‪ .‬قال "شيخ ممد عبده الصريّ" ‪ 1‬الطلق هنا حوالة على‬
‫الشتهار وتعارف الصالات بي الناس‪ .‬أقول‪ :‬وكذا اطلقت اعتمادا على رأس السورة‪.‬‬

‫وأما جلة (ان لم جنات تري من تتها النار) فاعلم! ان هيئاتا ‪ -‬من تقيق "انّ" وتصيص‬
‫"اللم" وتقدي "لم" وجع "النة" وتنكيها وذكر الريان وذكر "من" مع "تت" وتصيص‬
‫"نر" ‪ 2‬وتعريفه ‪ -‬تتعاون وتتجاوب على امداد الغرض الساسيّ الذي هو السرور ولذة الكافأة‬
‫كالرض النشفة الرطبة ترشح بوانبها الوض الركزيّ‪ .‬لن (انّ) اشارة ال ان البشارة با هو ف‬
‫هذه‬

‫_____________________‬

‫‪1905 - 1849( 1‬م) ممد عبده بن حسن خيال من آل التركمان‪ ،‬مفت الديار الصرية‪.‬‬
‫ولد ف شنرا (من قرى الغربية بصر)‪ ،‬وتعلم بالامع الحدى بطنطه ث بالزهر وعمل ف التعليم‪،‬‬
‫وكتب ف الصحف‪ .‬اصدر مع جال الدين الفغان جريدة "العروة الوثقى " ف باريس ث عاد ال‬
‫بيوت‪ ،‬فاشتغل بالتدريس والتأليف‪ ،‬دفن ف القاهرة‪ ،‬له "تفسي القرآن الكري " ل يتمه‪ ،‬و‬
‫"رسالة التوحيد " و "شرح نج البلغة "‪( ..‬العلم ‪)6/252‬‬

‫وجعه وتعريفه (ش)‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪199 :‬‬

‫الدرجة من العظمة يتردد فيها العقل فتحتاج ال التأكيد‪ ..‬وأيضا من شأن مقام السرور طرد‬
‫الوهام؛ اذ طَرَيان ادن وهم يكسر اليال ويطي السرور‪ ..‬وكذا اياء ال ان هذا ليس وعدا‬
‫صرفا بل حقيقة من القائق‪ .‬ولم (لم) اشارة ال الختصاص والتملك والستحقاق الفضليّ‬
‫ك مسكينا‪ ..‬وتقدي (لم) اشارة ال‬ ‫لتكميل اللذة وزيادة السرور‪ .‬والّ فكثيا ما يضيف مَلِ ٌ‬
‫اختصاصهم بي الناس بالنة‪ ،‬اذ ملحظة حال أهل النار سبب لظهور قيمة لذة النة‪ ..‬وجع‬
‫(جنّات) اشارة ال تعدد النان وتنوع مراتبها على نسبة تنوع مراتب العمال‪ ..‬وكذا رمز ال‬
‫ان كل جزء من النة جنة‪ ..‬وكذا اياء ال ان ما يصيب حصة كل ‪ -‬لوسعته ‪ -‬كأنه كالنة‬
‫بتمامها ل كأنه يساق بماعتهم ال موضع‪ ..‬وتنكي (جنّات) يتلو على ذهن السامع‪" :‬فيها ما ل‬
‫عي رأت‪ ،‬ول اذن سعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر" ‪ .1‬وكذا ييل على أذهان السامعي حت‬
‫يتصورها كلٌ على الطرز الذي يستحسنه‪ ..‬وكذا كأن التنوين بدل (وفِيهَا مَا تَشَْتهِيهِ ا َلْن ُفسُ)‪.2‬‬
‫وأما (تري) فاعلم! ان أحسن الرياض ما فيها ماء‪ .‬ث أحسنها ما يسيل ماؤها‪ .‬ث أحسنها ما‬
‫استمر السيلن‪ .‬فبلفظ (تري) أشار ال تصوير دوام الريان‪ ..‬واما (من تتها) فاعلم! ان أحسن‬
‫الاء الاري ف الضراوات ان ينبع صافيا من تلك الروضة‪ ،‬وير ُمتَخَرْخِرا تت قصورها‪ ،‬ويسيل‬
‫منتشرا بي أشجارها فاشار بـ (من تتها) ال هذه الثلثة‪ ..‬وأما (النار) فاعلم! ان أحسن الاء‬
‫الاري ف النان ان يكون كثيا‪ .‬ث أحسنه ان تتلحق المثال من جداوله‪ .‬فان بتناظر المثال‬
‫يتزايد السن على قيمة الجزاء‪ .‬ث أحسنه ان يكون الاء عذبا فراتا لذيذا كما قال (ماءٍ غَيْر‬
‫آسِنٍ) ‪ 3‬فبلفظ "نر" وجعه وتعريفه أشار ال هذه‪.‬‬
‫أما جلة (كلما رزقوا منها من ثرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) فاعلم! ان هيئاتا تتضمن‬
‫كثية من المل الضمنية‪ .‬فاستينافها جواب لسؤال مقدر‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬عن اب هريرة رضى ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬قال ال عز وجل‪:‬‬
‫اعددتُ لعبادى الصالي ما لعي رأت ول أُذن سعت ول خطر على قلب بشر‪ ،‬واقرأوا ان‬
‫شئتم فل تعلم نفس ما اخفي لم من قرة اعي (السجدة‪ .)17 :‬رواه البخارى ومسلم برقم‬
‫‪ 2824‬ول يذكر الية‪ ،‬والترمذي ‪( 3195‬تقيق احد شاكر) وزاد نسبته ف صحيح الامع‬
‫الصغي ‪ 4183‬لحد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬

‫سورة الزخرف‪.71 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة ممد‪.15 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪200 :‬‬

‫وذلك السؤال مزوج من ثانية اسئلة متسلسلة؛ اذ لا بشروا بسكن هكذا عال يتبادر لذهن‬
‫السامع‪ :‬أفيه رزق أم ل ؟ واذا كان فيه رزق فمن اين يئ ويصل ؟ واذا حصل من تلك النة‬
‫فمن أي شئ منها ؟ واذا كان من ثرتا فهل هي تشبه ثار الدنيا ؟ واذا شابتها فهل يشبه بعضها‬
‫بعضا ؟ واذا تشابت فهل تتلف طعومها ؟ واذا اختلفت وقد قطعت فهل تنقص ام يتلء‬
‫موضعها؟ واذا تبدلت بأخرى فهل يدوم الكل منها؟ واذا دام فما حال الكلي أفل يستبشرون؟‬
‫واذا استبشروا فماذا يقولون؟ واذ تفطنت لذه السئلة فانظر كيف أجاب القرآن الكري عن هذه‬
‫السئلة التسلسلة بيئات هذه الملة‪..‬‬
‫أما لفظ كلما فاشارة ال الدوام والتحقيق‪ ..‬وماضوية رزقوا اشارة ال تقيق الوقوع‪ ..‬وكذا اياء‬
‫ال‬

‫أما لفظ (كلما) فاشارة ال الدوام والتحقيق‪ ..‬وماضوية (رزقوا) اشارة ال تقيق الوقوع‪ ..‬وكذا‬
‫اياء ال اخطار نظيه من رزق الدنيا ال ذهنهم‪ ..‬وايراده على بناء الفعول اشارة ال عدم الشقة‬
‫وانم مدومون يؤتى اليهم‪ ..‬وايثار (منها من ثرة) على "من ثراتا" للتنصيص على جوابي عن‬
‫سؤالي من السئلة الذكورة‪ .‬وتنكي (ثرة) الفيد للتعميم اشارة ال انه أية ثرة كانت فهي‬
‫رزق‪ ..‬وتنكي (رزقا) اشارة ال انه ليس من الرزق الذي تعلمونه لدفع الوع‪ ..‬ولفظ (قالوا) أي‬
‫يتقاولون بعضهم لبعض اياء ال الستبشار والستغراب اللزمي للحكم‪.‬‬

‫أما جلة (هذا الذي رزقنا من قبل) فاعلم! ان هذا الطلق يتضمن أربعة معان‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬ان هذا ما رزقنا من العمل الصال ف الدنيا فبشدة الرتباط بي العمل والزاء كأن العمل‬
‫تسم ف الخرة ثوابا‪ .‬ومن هنا الستبشار‪.‬‬

‫والثان‪ :‬ان هذا ما رزقنا من الطعمة ف الدنيا مع هذا التفاوت العظيم بي طعميهما‪ .‬ومن هنا‬
‫الستغراب‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬ان هذا مثل ما أكلنا قبل هذا الن مع اتاد الصورة واختلف العن لمع ل ّذتَي اللفة‬
‫والتجدد‪ .‬ومن هنا البتهاج‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬ان هذه الت على أغصان الشجرة هي الت أكلناها اذ ينبت بدلا دفعة فكأنا اياها‪ .‬ومن‬
‫هنا يعرف انا ل تنقص‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪201 :‬‬

‫وأما جلة (وأتوا به متشابا) فاعلم! انا فذلكة وتذييل واعتراضية لتصديق الكم السابق وتعليله‪..‬‬
‫وبناء الفعول ف (اُتوا) اشارة ال ان لم َخ َدمَة‪ ..‬وف متشابا ما عرفت من الشارة ال جع‬
‫اللذتي‪:‬‬
‫وأما جلة (ولم فيها أزواج مطهرة) فاعلم! ان الواو بسر الناسبة العطفية اشارة ال انم كما‬
‫يتاجون ال السكن لجسامهم يفتقرون ال السكن لرواحهم‪( ..‬ولم) اشارة ال الختصاص‬
‫والتملك‪ ،‬ورمز ال التخصيص والصر‪ ،‬واياء ال ان لم غي النساء الدنيوية حورا عينا خلقن‬
‫لجلهم‪ ..‬و(فيها) اشارة ال ان تلك الزواج لئقة بتلك النة فعلى نسبة علوّ درجاتا يفوق‬
‫حسنهن‪ ..‬وكذا فيها اياء خفي ال أن النة تزينت وتبجت بن ‪ ..1‬و(مطهرة) اشارة ال أن‬
‫مطهّرا طهرهن‪ ،‬فما ظنك بن طهّرهُن ونزههن يد القدرة؟‪ ..‬وكذا اياء بالتعدية ان نساء الدنيا‬
‫يطهرن ويصفي فيصرن حسانا كالور العي التطهرات ف أنفسهن‪.‬‬

‫وأما جلة (وهم فيها خالدون) فاشارة ال انم‪ ،‬وكذا أزواجهم‪ ،‬وكذا لذائذ النة‪ ،‬وكذا النة‬
‫كافةً؛ أبدية‪.‬‬
‫***‬

‫_____________________‬

‫اين تليل لفظ "ازواج "؟ لعله سقط من ايدى النسّاخ‪ .‬أفيمكن ان أقول ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫وعنوان "ازواج " اشارة ال انن على حسن اللق وطيب الطبيعة الذى هو رأس اللفة واساس‬
‫الزدواج‪ ..‬وايضا فيه رمز لطيف ال انن على وفق قاماتم‪ .‬وجع "أزواج " اياء ال ان لكلٍ‬
‫ازواجا كثية ‪ -‬كما بينه الديث ‪ -‬ل واحدة او اثنتي‪ .‬وتنكيها اشارة ال انن لسنهن‬
‫وطهرهن حريّات باسم الزواج‪ .‬وكذا احالة على ذوق السامع واشتهائه نظي ما مرّ ف "جنات‬
‫"‪ .‬وكذا كأن التنوين بدل عُربا اترابا (ش)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪202 :‬‬

‫ضةً فَما َفوْقَها‬


‫ب َمَثلً ما َبعُو َ‬
‫ستَحْيي َانْ َيضْرِ َ‬
‫ل ل يَ ْ‬
‫اِنّ ا َ‬
‫فََامّا الّذِينَ آ َمنُوا َفَيعْلَمُونَ َانّ ُه الْحَ ّق مِنْ َربّه ْم َوَامّا الّذِينَ َكفَرُوا َفَيقُولُونَ‬

‫ل يُضِ ّل بِهِ َكثِيا َوَيهْدِي بِهِ َكثِيا َومَا ُيضِ ّل بِهِ اِ ّل اْلفَاسِقِيَ‬
‫ماذَا اَرَادَ ال بِهذَا َمَث ً‬

‫‪ 26‬الّذِي َن يَْن ُقضُو َن َعهْدَ ال مِ ْن َبعْ ِد مِيثاقِ ِه َوَيقْ َطعُو َن ما اَمَرَ ال بِهِ َانْ يُوصَلَ َوُيفْسِدُونَ فِي‬
‫ض اُولئِك هُ ُم الْخاسِرُونَ ‪27‬‬ ‫الْ ْر ِ‬

‫اعلم! ان ف هذه الية أيضا الوجوه الثلثة النظمية وان مآل الجموع ينظر ال سوابقه وال‬
‫لواحقه وال مموع القرآن الكري‪.‬‬

‫وأما نظمها بالنظر الىلواحقها فاعلم! ان القرآن لا مثّل بالذباب والعنكبوت وبث عن النمل‬
‫والنحل انتهز الفرصةَ ‪ -‬للعتراض‪ -‬اليهو ُد واَه ُل النفاق والشركِ فتحمقوا وقالوا‪ :‬أيتنل ال تعال‬
‫مع عظمته ال البحث عن هذه المور السيسة الت يستحي من بثها أهل الكمال؟ فضرب‬
‫القرآن بذه الية ضربا على أفواههم‪.‬‬

‫وأما نظمها بالقياس ال سوابقها‪ ،‬فاعلم! أن القرآن لا أثبت النبوّة بالعجاز والعجاز بالتحدّي‬
‫والتحدّي بسكوتم‪ ..‬وكذلك أثبت ف رأس السورة ان القرآن مشتمل على صفات عالية ومزايا‬
‫كاملة ل تتمع ف كلم؛ سكتوا ف نقطة التحدي حت ل ينبض لم عرق عصبية لكن اعترضوا‬
‫وغالطوا ف نقطة كماله وقالوا ان التمثيل ف امثال (كمثل الذي استوقد نارا) و (كصّيب من‬
‫السماء) من المور العادية سبب لنالة درجة الكلم فيشبه الحاورة العادية بي الناس؛ فالقرآن‬
‫ألقمهم حجرا وأفحمهم بذه الية‪.‬‬

‫وايضاحه‪ :‬ان لم شبهات واهية منشؤها أوهام متسلسلة مبناها مغالطات‪:‬‬

‫احداها‪ :‬القياس مع الفارق ومنشؤه انم ينظرون ال كل شئ برآة مألوفهم‪ .‬فحينما يرون‬
‫النسان ذهنه جزئي وفكره جزئي ولسانه جزئي وسعه جزئي؛ ل يتعلق‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪203 :‬‬


‫ك ٌل بأمرين معا بالذات‪ ،‬ويعرفون أن مقياس المة موضوع الشغلة والهتمام‪ ،‬ويرون ان القيمة‬
‫والعظمة بنسبة المة حت انم ل يسندون أمرا حقيا نزيلً ال شخص عال جليل؛ ظنا منهم انه‬
‫ليتنل للشتغال بثله وليسع ذلك المر القي هته العظيمة‪ ،‬ينظرون بذا النظر الشط ال‬
‫الواجب تعال ويقولون‪ :‬كيف يتنل بعظمته وجلله للتكلم مع البشر بثل ماورة النسان‬
‫وللبحث عن هذه المور الزئية لسيما هذه الشياء الحقّرة؟ أفل يعقل هؤلء السفهاء ان ارادة‬
‫ال تعال وعلمه وقدرته كلية عمومية شاملة ميطة وليس مقياس عظمته تعال الّ مموع آثاره‪،‬‬
‫وما ميزان تليه الّ كافة كلماته الت لو كان البحر مدادا لا مانفدت‪ .‬مثلً (ول الثل العلى) اذا‬
‫القت الشمس ‪ -‬بعد فرض كونا متارة عاقلة ‪ -‬ضياءها على ذرّة ملوّثة‪ ،‬أيُقال لا كيف تنلت‬
‫بعظمتها للشتغال والهتمام بثل هذه الذرة؟‬

‫نعم! ان ال تعال كما خلق العال واتقنه صنعا واهتم به؛ كذلك خلق الوه َر الفر َد وأتقن صنعه‪.‬‬
‫ففي نظر القدرة الواهر الفردة كالنجوم السيارة‪ ،‬لن قدرته تعال وعلمه وارادته وكلمه لزمة‬
‫للذات‪ ،‬وذاتية‪ ،‬فليست متجددة ول قابلة للزيادة والنقصان ول متغية حت يتداخل فيها الراتب؛‬
‫اذ العجز ضدٌ لا ل يكن تداخله بينها‪ .‬فل فرق بي الذرة والشمس‪ .‬اذ المك ُن بتساوي طرفَيه‬
‫كاليزان ذي الكفتي‪ ،‬ل فرق ف صرف القوة الت ترفع كفة وتضع أخرى بي ان يكون ف‬
‫الكفتي شسان أو ذرتان‪ ،‬وهكذا نسبة القدورات بالنسبة ال القدرة الذاتية اللزمة‪ .‬وأما بالنسبة‬
‫ال قوة المكنات العارضة التغية التداخل بينها العجز فل موازنة‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬ان الذرات والمور السيسة لا كانت ملوقة له تعال كانت معلومة له بالضرورة‪ ،‬فل‬
‫‪1‬‬
‫مُشاحّة بالبداهة أن يبحث عنها‪ .‬وعلى هذا السر قال (أل يعلم من خلق وهو اللطيف البي)‬
‫فكيف ل يبحث عنها ول يتكلم با مَ ْن عَلِم وهو العزيز الكيم‪.‬‬

‫وثانية الغالطات‪ :‬هي انم يزعمون انم يرون ف اسلوب القرآن خلف التكلم تثال انسان‪ ،‬بدليل‬
‫البحث عن هذه الشياء القية والمور العادية كأسلوب ماورة البشر‪ .‬أفل يتذكر هؤلء‬
‫التجاهلون ان الكلم كما ينظر ال متكلمه بهة؛ كذلك‬

‫_____________________‬
‫‪ 1‬سورة اللك‪.14 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪204 :‬‬

‫ينظر ال الخاطب به بهات‪ ،‬على ما تقتضيه البلغة للتطبيق على مقتضى حال الخاطب‪ .‬فلما‬
‫كان الخاطب بشرا وكان البحث عن أحواله والقصد تفهيمه‪ ،‬لبس القرآن اسلوبَ البشر‬
‫المزوج بسيّاته السمى بـ"التنّلت اللية ال عقول البشر" للتأنيس‪ ..‬أل تراك اذا حاورت مع‬
‫ب تتصبّى له؟‬
‫صّ‬

‫فان قلت‪ :‬ان حقارة الشياء وخساستها تناف عظمة القدرة ونزاهة الكلم؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان القارة والساسة والقبح وأمثالا انا هي بالنظر ال مُلك الشياء وجهتها الناظرة‬
‫الينا وبالنظر ال نظرنا السطحيّ‪ .‬وقد وُضعت السباب الظاهرية للتوسط ف هذه الهة لتنيه‬
‫العظمة‪ .‬وأما بالنظر ال ملكوتية الشياء فكلها شفّافة عالية‪ .‬وهذه الهة هي مل تعلق القدرة‪،‬‬
‫ليرج من التعلق شئ؛ فكما اقتضت العظمة وضع السباب ف الظاهر كذلك تستلزم الوحدة‬
‫والعزة شول القدرة لك ٍل واحاطة الكلم به؛ على ان القرآن الكتوب على ذرّة بالواهر الفردة‬
‫ليس بأقل جزالةً من القرآن الكتوب على صحيفة السماء بداد النجوم‪ ،‬وان خلقة الذباب ليست‬
‫بأدن صنعا من خلقة الفيل‪ .‬فالكلم كالقدرة‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬ال أيّ شئ تعود القارة الظاهرية ف هذه التمثيلت؟‬

‫قيل لك‪ :‬انا تعود ال المثّل له دون المثّل‪ ،‬فكلما كانت مطابقته للممثّل له أحسن‪ ،‬كانت‬
‫درجة الكلم أعلى ونظام البلغة أرفع‪ .‬أل ترى ان السلطان اذا أعطى راعيه ما يليق به من اللباس‬
‫وألقى ال الكلب ما يشتهيه من العظم‪ ..‬ال‪ .‬ليقال انه فعل بدعة‪ ،‬بل يقال انه أحسن بوضع كل‬
‫شئ ف موضعه‪ .‬فاذا كلما كان المثل حقيا كان مثاله حقيا‪ ،‬وان كان عظيما فعظيما‪ .‬ولا‬
‫كانت الصنام أدن المور سلط ال الذباب على رؤوسها‪ .‬ولا كانت عبادتا أهون الشياء جعل‬
‫ال تعال نسج العنكبوت عنوانا‪.‬‬
‫وثالثة الغالطات‪ :‬انم يقولون ما الاجة ال امثال هذه التمثيلت الومئة ال العجز عن اظهار‬
‫القيقة؟‪.‬‬

‫الواب‪ :‬لا كان القصد من انزال التنيل ارشاد المهور‪ ،‬والمهور عوام‪ ،‬والعوام ليرون‬
‫القائق الحضة والجردات الصرفة عراة عن متخيلتم ـ ألبس ال تعال بلطفه واحسانه القائق‬
‫لباس مألوفاتم لتحسن الُفتهم كما عرفت ف س ّر التشابات‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪205 :‬‬

‫أما نظم المل بعض مع بعض‪ ،‬فاعلم! أن (ان ال ل يستحيي ان يضرب مثل ما بعوضة فما‬
‫فوقها) ر ّد وطرد لعتراضات متسلسلة‪ .‬كأنم يقولون أية حكمة ف مكالة ال تعال مع البشر ‪،‬‬
‫وعتابه عليهم‪ ،‬والتشكّي منهم؛ فانا علمة ان للنسان أيضا تصرفا آخر ف العال؛ لسيما‬
‫كالحاورة الارية بي الناس فانا علمة انه كلم البشر‪ ..‬ولسيما يتراءى من خلف الكلم تثال‬
‫انسان‪ ..‬ولسيما بتصويرات وتثيلت فانا علمة العجز عن اظهار القيقة‪ ..‬ولسيما اذا كانت‬
‫التمثيلت عادية فانا علمة انصار ذهن التكلم ‪ ..‬ول سيما بأمور حقية فانا علمة خفة‬
‫التكلم‪ ..‬ولسيما اذا كانت ما ل اضطرار اليه وكان تركه أول‪ ..‬ولسيما اذا كان بعض تلك‬
‫المور ما يستحي أهلُ العزّة عن البحث عنه‪ ..‬ولسيما اذا كان الباحث ذا العظمة واللل‪..‬‬
‫فأجاب القرآن هدما لذه السلسلة من البدأ ال النتهى بضربة واحدة فقال (ان ال ليستحيي‪)...‬‬
‫ال؛ لن جهة اللكوتية ل تناف العظمة واللل فل يتركها ول يهملها؛ اذ اللوهية تقتضي‬
‫كذلك‪ .‬فاذا يثّل بالمور الحقّرة للمعان الحقّرة؛ اذ حكمته مع سر البلغة هكذا تقتضي‪ ..‬فاذا‬
‫يذكر التمثيلت العادية بناء على انا الوافقة للتربية والرشاد‪ . .‬فاذا يصوّر القائق بتمثيلت ‪-‬‬
‫بناء على ما تقتضيه العناية مع التنلت اللية ‪ ..‬فاذا يتار اسلوب ماورة البشر بعض مع بعض‬
‫بناء على ما تقتضيه الربوبية مع التربية‪ ..‬فاذا يتكلم مع الناس بناءً على ماتقتضيه الكمة مع‬
‫النظام‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬ان ال تعال لا أودع ف النسان جزءا اختياريا وجعله مصدرا لعال الفعال‪ ،‬أرسل‬
‫كلمه لينظم ذلك العال‪.‬‬
‫وان نظم جلة (فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الق من ربم) هو‪ :‬انه لا ذكر ف الول الدعى‪،‬‬
‫أشار بذه ال طريق دليله‪ .‬وكذا رمز وأومأ ال وجه دفع الوهام‪ ،‬أي من نظر بنور اليان ومن‬
‫جانب ال تعال ومن جهة قدرته جاعل حكمته وعنايته وربوبيته نصب العي‪ ،‬علم انه حق‬
‫وبلغة‪ .‬واما من نظر من جانب حضيض نفسه‪ ،‬ومن جهة المكنات‪ ،‬فل جرم ستهوي به‬
‫الوهام‪ ..‬ومثلهما كمثل شخصي صعدا منحدرا رأيا جداول ماء‪ .‬أما أحدها فيصعد ويرى‬
‫رأس العي ويذوق فيعلم ان الاء كله عذب؛ فكلما يصادف قطعة ماء من تفرعات الداول‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪206 :‬‬

‫يتفطن ‪ -‬ولو بامارة ضعيفة ‪ -‬انه عذب‪ ،‬فل تقدر الوهام ولو قوية على تغليطه‪ .‬وأما الخر‬
‫فيتسفل وينظر من جانب التفرعات ول يرى منبع العي فيحتاج لعرفة عذوبة كل قطعة ماء ال‬
‫دليل قطعي‪ .‬فأدن وه ٍم يُورطه ف الشبهة‪ .‬أو كمثال شخصي بينهما مرآة ينظر أحدها ال الوجه‬
‫الشفّاف‪ ،‬والخر ال الوجه اللوّن‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬انه لبد ف النظر ال صنعه تعال ان ينظر اليه من جانبه تعال مع ملحظة عنايته‬
‫وربوبيته وليس هذا النظر ال بنور اليان ولتكون الوهام حينئذ ‪ -‬ولو قوية ‪ -‬إل أوهن من‬
‫بيت العنكبوت‪ .‬ولو نظر اليه من جهة المكنات بنظر الشتري وبفكره الزئي لقويت ف عينه‬
‫ح بعوضةٍ رؤية العي لبل الوديّ‪.‬‬
‫الوهامُ الضعيفة فيتستر عنه القيقةُ كما ينع جنا ُ‬

‫وان نظم جلة‪( :‬وأما الذين كفروا‪ )..‬ال هو‪ :‬انه لا ارى طريق فهم حكمة اسلوب التمثيلت ‪-‬‬
‫وهي النظر بنور اليان من جانب الواجب الوجود ‪ -‬بيّن هنا الطريق القابل الذي هو منشأ‬
‫الوهام والتعللت بأن ينظر من طرف نفسه بظلمة الكفر الت تصور كل شئ مظلما مع مرض‬
‫ف َوهْم‪ .‬ث يضل طريق الق ث يتردد ث يستفهم ث ينكر‪ .‬فالقرآن‬ ‫القلب الذي يثقل به اخ ّ‬
‫بالياز والكناية أورد ‪ -‬اشارةً ال استفهامهم النكاري ‪ -‬قوله‪( :‬ماذا أراد ال بذا مثل) بدل‬
‫"ليعلمون" مع انه الطابق للسابق ظاهرا‪.‬‬
‫وان نظم جلة‪( :‬يضل به كثيا ويهدي به كثيا) هو‪ :‬انا جواب عن صورة استفهامهم فلغاية‬
‫الياز نزلت الغاية والعاقبةُ منلة العلة الغائية كأنم يسألون ويقولون‪ :‬لي شئ كان هكذا؟ ولِمَ‬
‫ل يكن اعجازه بديهيا؟ ولِمَ ل يكن كونه كلم ال ضروريا؟ ولِمَ صار معرض الوهام بسبب‬
‫هذه المثال؟ فأجاب القرآن بقوله‪( :‬يضل به كثيا ويهدي به كثيا) أي‪ :‬لجل ان من تفكر فيه‬
‫بنور اليان ازداد نورا‪ .‬ومن تفكر بظلمة الكفر والتنقيد ازداد ظلمة‪ ..‬وهذا لجل انه نظريّ‬
‫ليس بديهيا‪ ..‬وهذا لجل تفريق الرواح الصافية العلوية عن الرواح الكدرة السفلية‪ ..‬وهذا‬
‫لجل تييز الستعدادات العالية بالنشوء والنماء عن الستعدادات البيثة‪ ..‬وهذا لجل تييز‬
‫الفطرة الصحيحة بالتكمل والجاهدة والجتهاد عن الفطرة التفسخة الفاسدة‪ ..‬وهذا لجل ان‬
‫أمتحان البشر يستلزمه‪ ..‬وهذا لجل ان البتلء يقتضيه‪..‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪207 :‬‬

‫وهذا لجل ان سر التكليف لتكميل البشر وسعادته يستلزمه‪ .‬فأوجز التنيل ف الواب‪.‬‬

‫ان قلت‪ :‬قد قلت ان التكليف لتأمي سعادة البشر مع انه يكون سببا لوقوع الكثر ف الشقاوة‪،‬‬
‫ولوله لا صار التفاوت بذه الدرجة؟‪.‬‬

‫ي بكسبه تشكيل عال الفعال الختيارية؛ كذلك‬ ‫قيل لك‪ :‬ان ال تعال كما كلّف الزء الختيار ّ‬
‫جعل التكليف سبب اسقاء وانبات البذور الغي الحصورة الودوعة ف روح البشر‪ .‬ولوله لبقيت‬
‫البوبات يابسة‪ .‬واذا تأملت ف أحوال النوع بنظر نافذ رأيت كل ترقيات الروح العنوية‪ ،‬وكل‬
‫تكملت الوجدان اللية‪ ،‬وتكملت العقل‪ ،‬وترقيات الفكر الثمرة بدرجة تي فيها العقول انا‬
‫وجدت كافة بالتكليف‪ ..‬وانا استيقظت ببعثة النبياء‪ ..‬وانا تلقحت بالشرائع‪ ..‬وانا ألمت من‬
‫الديان‪ .‬ولولها لبقي النسان حيوانا ولنعدمت هذه الكمالت الوجدانية وتلك الحاسن‬
‫الخلقية‪ .‬أما القسم القليل فقبلوا التكليف اختيارا ففازوا بالسعادة الشخصية وصاروا سببا‬
‫للسعادة النوعية‪ .‬وأما القسم الكثي كمي ًة فهم وان كفروا بقلوبم وفيما هم فيه متارون لكن لا‬
‫ل يكن كل حال كل كافر كافرا وكل صفته كافرة يابسة كانوا بسبب ايقاظ البعثة للحسّيات‬
‫الوجدانية‪ ،‬وتنبيه النبوة للسجايا الخلقية‪ ،‬وبتسامع الشرائع ‪ ،‬وتعارف آثارها بيث قد قبلوا‬
‫أنواعا من التكليف اضطرارا‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬سعادة القليل مع شقاوة الكثي كيف تكون مظهرا لسعادة النوع حت تكون الشريعة‬
‫رحة‪ ،‬مع ان سعادة النوع انا تكون بالكل او الكثر؟‬

‫قيل لك‪ :‬اذا كان لك مائة بيضة ووضعتها تت طي‪ ،‬فافرخت عشرين وأفسدت ثاني؛ أفل‬
‫تقول قد تكمل هذا النوع؟ اذ حياة عشرين تساوي ألوف بيضةٍ‪ .‬أو كان لك مائة نواة تر‬
‫فأسقيتها بالاء فصار عشرون منها نلت باسقات وتفسخ ثانون‪ ،‬أفل تقول‪ :‬الاء سعادة لذا‬
‫النوع؟ او كان لك معدن فسلطت عليه النار فأصفت خُمسه ذهبا وصيت الباقي فحما ورمادا‪،‬‬
‫افل تكون النار سبب كماله وسعادته؟ وقس على هذا!‪ ..‬فاذا نشوء السيات العالية ونوّ‬
‫الخلق انا هو بالجاهدة‪ ،‬وتكمل الشياء انا هو بقابلة الضداد ومزاحتها‪ .‬ألترى ان حكومة‬
‫اذا جاهدت ينمو فيها السارة واذا تركت انطفأت‪ ..‬تأمل!‪..‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪208 :‬‬

‫وان نظم جلة (وما يضل به الّ الفاسقي) هو‪ :‬انه لا ابم ف (يضل به كثياَ) انتبه ذهن السامع‬
‫وخاف فاستفسر قائلً‪ :‬من هم الضالون؟ وما السبب؟ وكيف تئ الظلمة من نور القرآن؟‪..‬‬
‫فأجاب‪ :‬بأنم الفاسقون‪ ،‬وان الضلل جزاء لفسقهم‪ ،‬وبالفسق ينقلب النور ف حق الفاسق نارا‬
‫والضياء ظلمة‪ .‬أل ترى ان ضياء الشمس يعفن ما استقذرت مادته‪ .‬وان وجه التوصيف بقوله‬
‫(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض)‬
‫هو انه شرحٌ وكشف للفسق اذ الفسق عدول عن الق وتاوز عن الد وخروج من القشر‬
‫الصي‪ .‬وان الفسق انا هو بالفراط أو التفريط ف القوى الثلث الت هي القوّة العقلية والغضبية‬
‫والشهوية‪ ..‬وان الفراط والتفريط سببان للعصيان ف مقابلة الدلئل الت كالعهود اللية ف‬
‫الفطرة‪ ..‬وكذا وسيلتان لرض الياة النفسية وأشي ال هذا بالصفة الول‪ ..‬وكذلك مرّكان‬
‫للعصيان ف مقابلة الياة الجتماعية وتزيق الروابط والقواني الجتماعية وأشي ال هذا بالصفة‬
‫الثانية‪ ..‬وأيضا ها سببان للفساد والختلل النجر ال فساد نظام الرض وأشي ال هذا بالصفة‬
‫الثالثة‪ .‬نعم! ان الفاسق بتجاوز القوة العقلية عن حد العتدال يكسر رابطة العقائد ويزق القشر‬
‫الصي اي الياة البدية‪ ..‬وبتجاوز القوة الغضبية يزق قشر الياة الجتماعية‪ ..‬وبتجاوز القوة‬
‫البهيمية واتباع الوى يزيل عن قلبه الشفقة النسية فيفسد ويورط الناس فيما تورط فيه فيكون‬
‫سببا لضرر النوع وفساد نظام الرض‪.‬‬

‫وان نظم جلة (أولئك هم الاسرون) هو‪ :‬انه لا ذكر جنايات الفاسق ورهب با أكد التهديد‬
‫بنتيجتها وجزائها ليؤثر الترهيب‪ .‬فقال‪ :‬هم الذين خسروا ببيع الخرة بالدنيا واستبدال الدى‬
‫‪1‬‬
‫بالوى‪..‬‬

‫ولنشرع ف نظم هيئات جلة جلة‪ ،‬فاعلم! ان اليات وجلها وهيئاتا كأميال الساعة الت تع ّد‬
‫الثوان والدقائ َق والساعاتِ‪ ،‬فكلما يثبت هذا شيئا يؤيده ذاك بدرجته ويده ذلك بنسبته‪ ،‬وكذا‬
‫اذا اراد هذا شيئا عاونه ذاك وساعده الخر بيث يُخطر الال ما قيل‪:‬‬

‫سنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌ ال ذَاكَ الْجَما ِل يُشِيُ‬


‫عِبَارَاتُنا َشتّى َوحُ ْ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬لعله‪ :‬استبدال الوى بالدى‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪209 :‬‬

‫ولذا السر قد بلغت سلسة القرآن وعلوّ طبقته ودقة نقشه ال مرتبة العجاز‪.‬‬

‫أما هيئات جلة (ان ال ليستحيي أن يضرب مثل ما بعوضة فما فوقها) فاعلم! ان (ان) للتحقيق‬
‫ور ّد التردد والنكار فهي اشارة ال الترددات التسلسلة الذكورة‪ ..‬وان لفظة "ال" لتنبيه الذهن‬
‫على الطأ ف القياس الذكور‪ ..‬وان ايثار (ليستحيي) على "ليترك" مع ان الياء ‪ -‬وهو انقباض‬
‫النفس ‪ -‬مال ف حقه تعال ونفى الحال ل فائدة فيه‪ ،‬اشارة ال ان السباب من الكمة‬
‫والبلغة وغيها تقتضي حسن التمثيل فل علة للترك ال الياء‪ ،‬والياء عليه تعال مال فل سبب‬
‫للترك أصل فألزمهم أشدّ إلزام وألطفه‪ ..‬وكذا رمز بشاكلة الصحبة ال كلمتهم المقاء من‬
‫قولم‪" :‬أما يستحي ربّ ممد من التمثيل بذه الحقّرات"‪ ..‬وان ايثار (ان يضرب) على "من‬
‫الثل القي" مع انه النسب‪ ،‬اشارة ال اسلوب لطيف وهو‪ :‬ان التمثيل كضرب الات للتصديق‬
‫والثبات‪ ،‬أو كضرب السكة للقيمة والعتبار‪ .‬وف الشارة رمز ال حسن التمثيل طردا للوهام‪،‬‬
‫وكذا اشارة ال ان التمثيل منهاج مشهور مستحسن‪ ،‬لن ضروب المثال من القواعد العروفة‪..‬‬
‫وان ايثار (ان يضرب) على "ضرب" مع انه الوجز للياء ال أن منشأ العتراض ليس إلّ‬
‫الساسة‪ .‬لن (ان يضرب) لعدم استقلله كأنه لطيف يُمرّ القص َد ال الفعول‪ ..‬وأما "ضرب"‬
‫فلستقلله كأنه كثيف يستوقف القصد‪ ..‬وان (مثل) اياء ال خاصية التمثيل من تصوير العقول‬
‫بالحسوس‪ ،‬والوهوم بالحقق‪ ،‬والغائب بالشاهد‪ .‬ومنه اياء ال رد الوهم‪ ..‬وتنكي (مثل) رمز‬
‫ال ان مدار النظر هو ذات التمثيل‪ ،‬وأما الصفات فمحمولة على طبيعة القام وحال المثّل له‪..‬‬
‫وان التعميم ف (ما) اشارة ال تعميم القاعدة لئل يتص الواب با اعترضوا به فالمثّل له أية‬
‫صورة أقتضى استحسنتها البلغة‪ .‬وان تصيص (بعوضة) اشارة ال كثرة استعمال البلغاء للتمثيل‬
‫با كقولم "أضعف من البعوضة" ‪ 1‬و"أشد عنادا من البعوضة" و "كلفتن مخ البعوضة" و "أعزّ‬
‫من مخ البعوضة" ‪ 2‬و "قالت البعوضة للنخلة استمسكي انا أطي" و "الدنيا ل توزن عندال جناج‬
‫بعوضة" وقس‪ ..‬وف الشارة رمز ال ضعف وههم‪ ..‬وان العن بـ (ما فوقها) مادونا ف الصغر‬
‫وما‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬جهرة المثال للعسكرى ‪.3./2‬‬

‫جهرة المثال للعسكرى ‪.2/33‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪210 :‬‬


‫فوقها ف قيمة البلغة أو ف الصغر أيضا فالتعبي بـ (مافوقها) اشارة ال ان الصغي اغرب بلغة‬
‫وأعجب خلقة‪.‬‬

‫واعلم! ان اليئات كخيوط الرير باجتماعها يظهر النقش السن‪.‬‬

‫وأما هيئات جلة (فأما الذين آمنوا فيعلمون انه الق من ربم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد‬
‫ال بذا مثل) فاعلم! ان الفاء للتفريع‪ ،‬والتفريع اشارة ال دليل ضمن ينتج هذه الملة ذات‬
‫الشقي‪ :‬أي ليترك التمثيل لن البلغة تقتضيه؛ فمن انصف يعرف انه بليغ وحق وكلم ال‬
‫تعال‪ .‬ومن نظر بالعناد ليعلم الكمة فيتردد‪ ..‬فيسأل‪ ..‬فينكر‪ ..‬فيستحقر‪ .‬فانتج‪ :‬ان الؤمن ‪-‬‬
‫لنه منصف ‪ -‬يصدق انه كلم ال‪ ،‬والكافر ‪ -‬لنه معاند ‪ -‬يقول ما الفائدة فيه؟ وان "اما"‬
‫فلنا شرطية لزومية ف الوضع اشارة ال ان الب لزم للمبتدأ وضروريّ له‪ ،‬يعن من شأن البتدأ‬
‫هذا الب‪ ..‬وان ايراد (الذين آمنوا) بدل "الؤمني" اشارة ال التنصيص على ان اليان هو سبب‬
‫العلم بقيته وان العلم بقيته ايان ‪ ..1‬وان (انه الق) بدل "انه البليغ" النسب بالقام اشارة ال‬
‫آخر نتيجة اعتراضهم اذ غرضهم نفى كونه كلم ال‪ ..‬وان حصر "انه الق" اشارة ال ان هذا‬
‫هو الستحسن الذي ل يستقبح بلف ما يزعمون اذ السلمة من العيب لتثبت الكمال‪ ..‬وان‬
‫(من ربم) اشارة ال ان هدف غرضهم انكار النول‪ ..‬وان "اما" ف "واما الذين كفروا" للتأكيد‬
‫والتحقيق والتفصيل‪ ..‬وان ايراد (الذين كفروا) بدل "الكافرين" الوجز اياء كما مر ال ان‬
‫انكارهم يئ من الكفر ويذهب ال الكفر‪ ..‬وان ايثار (فيقولون) على "فل يعلمون" مع انه‬
‫الظاهر كما مر فلختيار طريق الكناية للياز أي‪ :‬من كفر ليعرف القيقة فينجر ال التردد‪..‬‬
‫فينجر ال النكار‪ ..‬فينجر ال الستحقار بصورة الستفهام‪ ..‬وأيضا ف "يقولون" رمز ال أنم‬
‫كما كانوا ضالّي‪ ،‬كذلك كانوا مضلي بأقوالم‪.‬‬

‫_____________________‬

‫الظاهر‪ :‬ان ههنا حذفا من نسيان النساخ ‪ -‬كما انه نسي تليل ماذا اراد ال بذا مثلً برمته ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫مع السف ‪ -‬يُعلم من عدم ارتباط الكلم‪ ،‬ومن فقد كلمة "فيعلمون " ومن عديله "الذين كفروا‬
‫" مع الحالة هناك على ما هنا‪ .‬فاقول بدلً عن الؤلف على نسق ما يأت‪ ،‬فان حلّ مله فبها والّ‬
‫فعليّ‪:‬‬

‫ان ايراد الذين آمنوا بدل "الؤمني " الوجز اياء ال ان انصافهم يئ من اليان‪ ،‬ويذهب ال‬
‫اليان‪ ..‬وان ايثار "فيعلمون " على "فيقولون " النسب با يأت اشارة ال التنصيص على ان‬
‫اليان هو سبب العلم بقيقته‪ ،‬وان العلم بقيقيته ايان (ش)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪211 :‬‬

‫وأما هيئات جلة (يضل به كثيا ويهدي به كثياَ) فاعلم! ان الترتيب يقتضي تقدي الثانية لكن لا‬
‫كان الغرض ردّ اعتراض التردّد الستفهِم الستنكِر الستقبح كان (يضل) أهمّ‪ .‬أما العدول عن‬
‫"الضللة والداية" الناسبتي للسؤال ال صورة الفعل الضارع فاشارة ال ان كفرهم يتكاثف‬
‫ظلمة على ظلمة بنسبة تزايد النول تددا؛ كما ان الؤمن يتزايد ايانه بدرجات النول نورا على‬
‫نور‪ ..‬وكذا ف الفعل ‪ -‬بناء على كونه جوابا ‪ -‬رمز ال بيان حال الفريقي وبيان السبب‪ .‬وأما‬
‫(كثيا) ففي الُول كمية وعددا‪ ،‬وف الثانية قيمة وكيفية‪ .‬نعم! ان كرام الناس كثيون وان قلّوا‪.‬‬
‫فالتعبي بالكثي ف الثانية رمز ال سرّ كون القرآن رحة للبشر ‪ .1‬تأمل‪..‬‬

‫وأما جلة (وما يضل به ا ّل الفاسقي) فاعلم! انه لا ذكر الكثي ف الول دفع الوسوسة والوف‬
‫والتردد وتمة النقص ف القرآن ببيان‪ :‬ان الضالي من هم؟ وان منشأ الضللة فسقهم‪ ،‬وان سببها‬
‫كسبهم‪ ،‬وان القصور منهم ل من القرآن‪ ،‬وان خلق الضللة جزاء لفعلهم‪..‬‬

‫ث اعلم! ان كل واحدة من هذه المل كما انا كشّافة لسابقتها؛ كذلك مفسّرة بلحقتها كأنا‬
‫دليل للسابقة نتيجة للحقة‪.‬‬

‫وايضاحه‪ :‬ان فيها سلسلتي‪.‬‬

‫إحداها هكذا‪ :‬انه ليستحي‪ ..‬لنه ليترك‪ ..‬لنه بليغ‪ ...‬لنه حق‪ ..‬لنه كلم ال‪ ..‬لن الؤمن‬
‫يعلمه‪.‬‬
‫والثانية هكذا‪ :‬انه ليستحي كما يقول النكر‪ ..‬لنم يقولون يلزم تركه‪ ..‬لنم ليعلمون‬
‫حكمته‪ ..‬لنم يقولون ما الفائدة فيه‪ ..‬لنم ينكرونه‪ ..‬لنم يستحقرونه‪ ..‬لنم يقعون ف‬
‫الضللة بسماعه‪ ..‬لنم يضلهم القرآن‪ ..‬لنم هم الذين فسقوا وخرجوا عن قشرهم‪ ..‬لنم‬
‫نقضوا عهد ال‪ ..‬لنم مزقوا ما اتصل بأمر التكوين والتشريع‪ ..‬لنم يفسدون النظام الليّ ف‬
‫الرض‪ .‬فاذا هم الاسرون ف الدنيا باضطراب الوجدان وبقلق القلب وبتوحش الروح‪ ،‬وف‬
‫ي وبغضب ال‪ ،‬فتأمل ف سلسة السلسلتي!‪)2(..‬‬ ‫الخرة بالعذاب البد ّ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اِذ من لطف القرآن وشول رحته للناس اظهار فضائل الهتدين القليلي كثيةً‪ ،‬وبيان ان صاحب‬
‫فضلية وهداية اول" من الفٍ من الحرومي منها‪ ،‬لذا فالكرام كثيون وان قلّوا (ت‪)196 :‬‬

‫(‪ )2‬جزاك ال خيا كثيا لقد أحسنت ف فهم السلسلتب وتفهيمهما( بط الؤلف على نسخة‬
‫مطبوعة)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪212 :‬‬

‫وأما هيئات جلة (الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به ان يوصل‬
‫ويفسدون ف الرض) فاعلم! ان توصيف الفاسقي الشككي ف اعجازه ونظمه بذه الوصاف‬
‫ف هذا القام‪ ،‬انا هو لناسبة لطيفة عالية‪ .‬كأن القرآن يقول‪ :‬ليس ببعيد من الفساق ‪ -‬الذين ل‬
‫يروا اعجاز القدرة ف نظام الكائنات الت هي القرآن الكب ‪ -‬ان يترددوا ويهلوا اعجاز نظم‬
‫القرآن؛ اذ كما يرون نظام الكائنات تصادفيا‪ ،‬والتحولت الثمرة عبثا اتفاقية فتستر عنهم ‪-‬‬
‫لفساد روحهم ‪ِ -‬حكَمَه؛ كذلك بفطرتم السقيمة وتوسهم الفاسد رأوا النظم العجز مشوشا‬
‫ومقدماته عقيمة وثراته مرّة‪.‬‬
‫اما جلة (ينقضون عهد ال) فلن النقض لغةً تفريق خيوط البل وتزيقها اشارة ال اسلوب‬
‫عال‪،‬كأن عهده تعال حبل نوران فتل بالكمة والعناية والشيئة فامتد من الزل ال ان اتصل‬
‫بالبد‪ .‬فتجلى ف الكائنات بصورة النظام العمومي وأرسلت تلك السلسلة سلسلها ال النواع‬
‫جبُها ‪ 1‬ال نوع البشر فاورثت واثرت ف روح البشر بذور استعدادات وقابليات تسقى‬ ‫وامتدّ َأعْ ُ‬
‫وتتزاهر بالزء الختياريّ العدّل بالمر التشريعيّ‪ ،‬أي الدلئل النقلية‪ .‬فوفاء العهد صرف‬
‫الستعدادات فيما وضعت له؛ ونقض العهد خلفه وتفريقه‪ ،‬كاليان ببعض النبياء وتكذيب‬
‫بعض‪ ..‬وقبول بعض الحكام ورد بعض‪ ..‬واستحسان بعض اليات واستنكار بعض ‪ ..‬فانه يل‬
‫بالنظام والنظم والنتظام‪.‬‬

‫وأما جلة (ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل) فاعلم! ان هذا المر عام للمر التشريعيّ والمر‬
‫التكوينّ الندمج ف القواني الفطرية والعادات اللية‪ .‬فالقطع لا أمر بوصله شرعا كقطع صلة‬
‫الرحم وقطع قلوب الؤمني بعض عن بعض‪ .‬وعلى هذا القياس!‪ ..‬وتكوينا كقطع العمل عن‬
‫العلم‪ ..‬وقطع العلم عن الذكاء ‪ ..‬وقطع الذكاء عن الستعداد‪ .‬وقطع معرفة ال عن العقل‪..‬‬
‫وقطع السعي عن القوة‪ ..‬وقطع الهاد عن السارة وهكذا!‪ ..‬اذ إعطاء القوة أمر معنوي تكوين‬
‫بالسعي‪ ،‬وإعطاء الذكاء أمر معنوي بالعلم‪ ..‬ال آخره‪...‬‬

‫وأما جلة (ويفسدون ف الرض) فاعلم! ان من فسد وتورط ف الوحل يطلب أن يكون له رفقاء‬
‫متورطون ليتخفف عنه دهشة الال بسر "اذا عمّت البلية‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬جع عجب وهو الدنب‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪213 :‬‬


‫ت وتتساقط السيات العالية‪،‬‬
‫طابت" وكذا اذا وقع ف قلب أحد اختللٌ‪ ،‬ترب ف قلبه الكمال ُ‬
‫فيتولد فيه ميل التخريب فينتج له لذة ف التخريب فيتحرى لذته ف الفساد والختلل‪.‬‬

‫‪ p‬فان قلت‪ :‬كيف يؤثر فساد فاسق ف عموم الرض الشار اليه بلفظ ف الرض؟‬

‫قيل لك‪ :‬الذي فيه نظام ففيه موازنة ‪ ،‬حت ان النظام مبن على الوازنة فتداخل شئ حقي بي‬
‫دواليب ماكينة تتأثر به‪ ،‬وان ل يُحس‪ .‬واليزان الذي ف كفتيه جبلن يتأثر بوضع جوزة على‬
‫كفة‪..‬‬

‫وأما جلة (اولئك هم الاسرون) فاعلم! ان حق العبارة "هم خاسرون ف عدم الداية به " فلفظ‬
‫ق لنكت‪:‬‬‫ف والطل ُ‬‫"اولئك" ولفظ "هم" والتعري ُ‬

‫أما (اولئك) فلن وضعه لِحضار مسوسٍ‪ ،‬فالِحضار الستفاد منه اشارة ال ان السامع اذا سع‬
‫حالم البيثة من شأنه ان يصل له حدّة عليهم ونفرة منهم‪ .‬فلتطمي نفرته وتشفّي حدّته يطلب‬
‫أن يستحضروا إل خياله ليشاهدهم وقت اتصافهم بالعاقبة الوخيمة‪ . .‬والحسوسية اشارة ال أن‬
‫أوصافهم الرذيلة تكثرت بدرجة تسمهم مسوسي نصب نظر النفرة‪ .‬فمن الِشارة اياء إل علة‬
‫الكم بالسارة‪ . .‬والبعدية إشارة إل أنم قد بعدوا عن طريق الق بدرجة ليرجعون فيستحقون‬
‫الذم والتشنيع بلف من كان ف معرض الندامة ومسافة الرجوع‪ ..‬و(هم) اشارة ال ان السارة‬
‫منحصرة عليهم حت ان خسارات الؤمني لبعض اللذائذ الدنيوية ليست خسارة‪ .‬وكذا خسارات‬
‫أهل الدنيا ف تاراتم ليست خسارة بالنسبة إل خساراتم‪ ..‬واللف واللم اشارة ال تصوير‬
‫القيقة أي من أراد أن يرى حقيقة الاسرين فلينظر اليهم‪ . .‬وكذا اياء ال أن مسلكهم مض‬
‫خسارة ل كالسارات الخر الت فيها وجوه من النفع لكن الضر أكثر‪ .‬فالتعريف اما للكمال أو‬
‫ب ال عموم أنواع‬‫للبداهة أو لتصوير القيقة‪ ..‬واطلق السارة اشارة باعانة القام الطا ّ‬
‫السارات‪ .‬أي خسروا ف وفاء العهد بالنقض‪ ،‬وف صلة الرحم بالقطيعة‪ ،‬وف الصلح بالِفساد‪،‬‬
‫وف اليان بالكفر‪ ،‬وبالشقاوة خسروا السعادة البدية‪..‬‬

‫***‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪214 :‬‬

‫حيِيكُمْ‬
‫ف َتكْفُرُو َن بِال وَ ُكْنتُ ْم اَ ْموَاتا فََاحْياكُمْ ثُ ّم يُمِيُتكُ ْم ثُ ّم يُ ْ‬
‫َكيْ َ‬

‫ثُ ّم اِلَيْ ِه تُ ْر َجعُونَ ‪28‬‬

‫اعلم ان لذه الية أيضا الوجوه الثلثة النظمية‪:‬‬

‫أما نظم مآلا بسابقها‪ ،‬فاعلم! ان ال تعال لا دعا الناس إل عبادته والعتقاد به‪ ،‬وذكر أصول‬
‫العقائد والحكام مشيا إل دلئلها إجالً؛ عاد ف هذه الية مع لواحقها الثلث إل سرد الدلئل‬
‫عليها بتعداد النعم التضمنة للدلئل‪ .‬ث إن أعظم النعم "الياة" الشار اليها بذه الية‪ ،‬ث "البقاء"‬
‫أي كمال الياة بتنظيم السموات والرض الشار اليه بالية الثانية‪ ،‬ث تفضيل البشر وتكريه على‬
‫الكائنات بالية الثالثة‪ ،‬ث تعليمه العلم بالرابعة‪ ..‬فهذه النعم نظرا ال "صورة النعمة" دليل العناية‬
‫والغاية‪ ،‬وكذا دليل العبادة؛ اذ شكر النعم واجب وكفران النعم حرام ف العقول‪ .‬ونظرا ال‬
‫"القيقة" دليل اختراعيّ على وجود البدأ والعاد‪ ..‬وكذا ان هذه الية كما تنظر ال سابقتها‬
‫ي التعجبّ إل‬ ‫كذلك تنظر إل السبق من بث الكافرين والنافقي فأشار بذا الستفهام النكار ّ‬
‫تقريعهم وتشنيعهم وتديدهم وترهيبهم‪.‬‬

‫وأما نظم المل‪ ،‬فاعلم! ان هنا إلتفاتا من الغيبة ال الطاب؛ اذ حكى عنهم اوّ ًل ث خاطبهم‪،‬‬
‫لنكتة معلومة ف البلغة وهي‪:‬‬

‫انه اذا ذكر مساوئ شخص شيئا فشيئا تزيد الدّة عليه‪ ،‬ال ان يلجئ التكلم ‪ -‬لو كان انسانا‬
‫‪ -‬ال الشافهة والخاطبة معه‪ ..‬وكذا اذا ذكرت ماسن أحد درجة درجة يتقوى ميل الكالة معه‬
‫ال أن يلجئ إل التوجه اليه والطاب معه‪ .‬فلنول القرآن على أسلوب العرب التفت فقال‪:‬‬
‫(كيف تكفرون) ماطبا لم‪.‬‬

‫ث اعلم! انه لا كان القصد هنا سرد الباهي على الصول السابقة من اليان والعبادة‪ ،‬ورد‬
‫الكفر ومنع كفران النعمة‪ .‬ث ان أوضح الدلئل هو الدليل الستفاد من سلسلة أحوال البشر‪ ،‬وان‬
‫أكمل النعم هي النعم التدلّية ف أنابيب تلك السلسلة‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪215 :‬‬

‫والندمة ف عقدها؛ قال‪( :‬وكنتم أمواتا فأحياكم ث ييتكم ث يييكم ث اليه ترجعون) اشارة ال‬
‫تلك السلسلة العجيبة الترتبة ذات العقد المس الت تدلت من أنابيبها عناقيد النعم‪ .‬فلنمهّد خس‬
‫مسائل للّ تلك العقد‪.‬‬

‫السألة الول‪ :‬ف (وكنتم أمواتا)‪.‬‬

‫اعلم! ان النسان باعتبار جسده بينما كان ذرّاتٍ جامد ًة منتشرةً ف العال‪ ،‬اذ تراها دخلت‬
‫بقانون مصوص ونظام معيّن تت انتظام‪ ..‬ث بينما تراها متسترة ساكتة ف عال العناصر اذ تراها‬
‫انتقلت متسلّلة بدستور معّي وانتظام يومئ إل قصد وحكمة ال عال الواليد‪ ..‬ث بينما تراها‬
‫متفرقة ساكنة ف ذلك العال اذ تراها تزبت بطرز عجيب وصارت نطفة‪ ..‬ث بانقلبات متسلسلة‬
‫ل بالنسبة ال‬‫علقة فمضغة‪ ..‬فلحما وعظاما وهلم جرا‪ ..‬فكلّ من هذه الطوار وان كان مك ّم ً‬
‫‪1‬‬
‫سابقه ال انه ميّت وموات‪.‬‬

‫‪ p‬فان قلت‪ :‬الوت عدم الياة وزوالا ول حياة فيها حت تزول؟‬

‫قيل لك‪ :‬اختار الجاز لعداد الذهن لقبول العقدة الثالثة والرابعة‪.‬‬

‫السألة الثانية‪ :‬ف (فأحياكم)‪.‬‬

‫اعلم! ان أعجبَ معجزات القدرة وادقّها الياةُ‪ ..‬وكذا هي أعظم كل النعم وأظهر كل الباهي‬
‫على البدأ والعاد‪.‬‬

‫أما وجه أدقيتها وغموضها فهو‪:‬‬

‫ان ادن أنواع الياة حياة النبات‪ ،‬وان أوّل درجاتا تنبه العقدة الياتية ف البة‪ .‬وهذا التنبه مع‬
‫شدة ظهوره وعمومه واللفة به من زمان آدم ال الن قد بقي مستورا عن نظر حكمة البشر‪.‬‬

‫وأما وجه كونا أعظم النعم فهو‪:‬‬


‫ان السم الذي لحياة فيه ليس له مناسبة إ ّل مع مكانه الشخص وما به يتلط فيكون يتيما‬
‫منفردا ولو كان جبل‪ .‬لكن اذا رأيت جسما ولو صغيا كالنحل مثل وقع‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬بالنسبة ال لحقه‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪216 :‬‬

‫ت مع عموم الكائنات وتارة مع النواع حت يقّ له أن يقول‪:‬‬ ‫فيه الياة حصل له دفع ًة مناسبا ٌ‬
‫"مكان الكائنات وهي كملكي"‪ .‬اذ اذا انتقل إل الياة اليوانية تراه يول بواسه ويتصرّف با‬
‫ف أطراف الكائنات فيحصل بينه وبي أنواعها اختصاص ومبادلة ومبة‪ ..‬ول سيما اذا ترفع إل‬
‫طبقة النسانية تراه بنور العقل يول ف عوال‪ .‬فكما يتصرّف ف العال السمان يول ف العال‬
‫الروحان‪ ،‬ويطوف ف العال الثال‪ .‬وكما يسافر هو ال تلك العوال؛ كذلك تسافر هي اليه‬
‫بالتمثل ف مرآة روحه حت يستحق أن يقول‪" :‬ان العال ملوق لجلي بفضل ال تعال"‪ ..‬فتتنوع‬
‫حياته وتنبسط ال الياة الادية والعنوية والسمانية والروحانية الت يشتمل كل منها على‬
‫طبقات‪ .‬فحق أن يقال‪ :‬كما ان الضياء سبب لظهور اللوان والجسام؛ كذا ان الياة كشافة‬
‫لكافة الوجودات وسبب لظهورها‪ ،‬وان الياة هي الت تصيّر ذرّة كعال‪ .‬وان الياة هي الوسيلة‬
‫لِحسان مموع العال لذي حياة برأسه مع عدم الزاحة والنقسام إلّ ف أقل قليل بي البشر‪.‬‬

‫وأما وجه كونا أظهر الدلئل على الصانع وكذا على الشر‪:‬‬

‫فاعلم! ان انتقال بعض ذرات جامدة وانقلبا دفعة ال هيئة ووضعية تالف الوضعية الول ‪ -‬بل‬
‫ي برهان‪ .‬حت ان الياة لكونا أشرف القائق وأنزهها‪ ،‬ل خسّة‬‫توسط سبب معقول ‪ -‬برهان أ ّ‬
‫فيها بوجهٍ ول َريْن عليها‪ ،‬ل ف جهة اللك ول ف جهة اللكوت‪ ،‬فكل وجهيها لطيفان‪ ،‬حت ان‬
‫حياة أخس حيوان جزئي أيضا عالية‪ .‬ولذا السر(‪ )1‬ل يتوسط بينها وبي يد القدرة سبب‬
‫ظاهريّ؛ اذ مباشرتا ل تناف عزة القدرة‪ ،‬مع ان وضع السباب الظاهرية ‪ -‬كما مر ‪ -‬لحافظة‬
‫عزة القدرة ف مباشرة المور السيسة ف ظاهر النظر‪.‬‬

‫وأما وجه كونا أظهر الدلئل على البدأ والعاد فقد سعت آنفا‪ ،‬فلنلخص لك وهو‪:‬‬

‫ان من نظر ف هذه الياة وتدرج بنظره ال الطوار الترتبة إل أبسط صور السم يرى أجزاء‬
‫منتثرة ف عال الذرات‪ .‬ث يبصرها قد تلبس ف عال العناصر صورا أخرى‪ .‬ث يصادفها ف عال‬
‫الواليد ف وضعية أخرى‪ ..‬ث يلقيها ف نطفة ث ف‬

‫(‪ )1‬تدقيق حسن ( بط الؤلف على نسخة مطبوعة)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪217 :‬‬

‫علقة ث ف مضغة‪ .‬ث يراها دفعة بانقلب عجيب قد لبست صورة ويرى ف هذه النقلبات‬
‫حركات منتظمة على دساتي معينة يتراءى منها‪ :‬ان كل ذرة كانت معينة ف أول الطوار كأنا‬
‫موظفة للذهاب إل الوضع الناسب من جسد الي‪ ،‬فيتفطن الذهن انا بقصد تُساق وبكمة‬
‫تُرسل‪ ،‬وكانت الياة الثانية ف نظره أهون وأسهل وأمكن بدرجات فيقنع با قلبه بالطريق‬
‫الَول‪ .‬فهذه الملة كالدليل للحقتها والكل معا برهان على النكار الستفاد من "كيف"‪.‬‬

‫السألة الثالثة‪ :‬ف (ث ييتكم)‪.‬‬

‫اعلم! ان آية (خلق الوت والياة) ‪ 1‬تدل على ان الوت ليس إعداما وعدما صرفا‪ ،‬بل تصرف‪،‬‬
‫وتبديل موضع‪ ،‬واطلق للروح من الحبس‪ .‬وكذا ان ما وجد ف نوع البشر ال الن من امارات‬
‫غي معدودة‪ ،‬ونَجَمَ من اشارات غي مدودة؛ القت ال الذهان قناعة وحدسا بأن الِنسان بعد‬
‫الوت يبقى بهة‪ ،‬وان الباقي منه هو الروح‪ .‬فوجود هذه الاصة الذاتية ف فرد يكون دليل على‬
‫وجودها ف تام النوع للذاتية‪ .‬ومن هنا تكون الوجبة الشخصية مستلزمة للموجبة الكلية‪ ،‬فحينئذ‬
‫يكون الوت معجزة القدرة كالياة‪ .‬ل انه عد ٌم علتُه عد ُم شرائط الياة‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬كيف يكون الوت نعمة حت نُظّم ف سلك الِنعَم؟‬


‫قيل لك‪ :‬أما‪:‬‬

‫أوّل‪ :‬فلنه مقدمة للسعادة البدية‪ ،‬ولقدمة الشئ حكم الشئ حُسنا وقبحا؛ اذ مايتوقف عليه‬
‫الواجب واجب وما ينجر إل الرام حرام‪..‬‬

‫وثانيا‪ :‬فلن الوت عند أهل التحقيق من التصوّفي ناة للشخص بروجه عن نظي الحبس‬
‫الشحون باليوانات الضرّة ال صحراء واسعة‪..‬‬

‫و ثالثا‪ :‬فلنه باعتبار نوع البشر نعمة عظمى؛ اذ لولها لوقع النوع ف سفالت مدهشة‪..‬‬

‫ورابعا‪ :‬فلنه باعتبار بعض الشخاص نعمة مطلوبة اذ بسبب العجز والضعف ل يتحمل تكاليف‬
‫الياة وضغط البليات وعدم شفقة العناصر‪ ،‬فالوت باب فوزه‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة اللك‪.2 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪218 :‬‬

‫السألة الرابعة‪ :‬ف (ث يييكم)‪.‬‬

‫اعلم! ان باشارة آية (َامَّتنَا اثَْنَتيْنِ َواَ ْحَيْيتَنَا اثَْنَتيْنِ) ‪ 1‬وكذا برمز تعقيب هذه بـ ث اليه ترجعون مع‬
‫النظر إل اياز القرآن‪ ،‬اياء ال حياة القبكما تدل على حياة الشر‪.‬‬

‫‪ p‬فإن قلت‪ :‬اذا اُحرق انسان واُعطي رماده للهواء كيف يتصور فيه الياة القبية؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان البنية ليست شرطا للحياة عند أهل السنة والماعة فيمكن تعلق الروح ببعض‬
‫الذرات‪.‬‬
‫‪ p‬فإن قلت‪ :‬كيف يتصور عذاب القب مع انه لو وضعت بيضة على صدر جنازة بأيام ل يس‬
‫فيها أدن حركة فكيف الياة والعذاب؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان العال الثالّ قد بُرهن عليه ف موقعه‪ ،‬حت ان وجوده قطعي عند الحققي الليي‪.‬‬
‫وخاصةُ ذلك العال توي ُل العان أجساما والعراضُ جواه َر والتغيات ثابتةً‪ .‬والعيون الناظرة من‬
‫عال الشهادة اليه‪ ،‬الرؤيا الصادقة والكشف الصادق والجسام الشفافة فانا تلوّح بوجوده‪ .‬ث ان‬
‫عال البزخ اثبتُ حقيقةً من عال الثال الذي هو تثاله‪ .‬وظل هذا العال عال الرؤيا‪ ،‬وظل هذا‬
‫عال اليال‪ ،‬ونظي هذا الجسام الشفافة كالرآة‪ .‬فاذ تفهمت هذا فانظر ف عال الرؤيا وتأمل ف‬
‫شخص نام عندك وهو ساكن وساكت مع انه ف عاله يقاتل ويضارب فيصي مروحا أو تلدغه‬
‫الية فيتأل‪ .‬ولو أمكن لك أن تدخل ف رؤياه وتقول له‪ :‬يا هذا! ل تعجز ول تغضب فإن هذا‬
‫ليس حقيقة وحلفتَ له ألف يي لا يصدقك‪ .‬ويقول لك‪ :‬هذا ألي يوجعن وهذا جرحي! أما‬
‫‪2‬‬
‫ترى هذا وبيده السيف‪ ،‬واما ترى الية تجم عليّ؛ اذ تسم معن وجع الكتف أو نزلة الرأس‬
‫ف صورة سيف جارح‪ ،‬اذ النتيجة واحدة‪ .‬أو تصوّر معن اليانة الوجعة لقلبه ف لباس الية اذ‬
‫الل واحد‪ .‬فيا هذا! اذ ترى ذاك ف ظل عال الثال أفل تصدقه ف عال البزخ الذي هو أثبت‬
‫حقيقة بدرجات وأبعد منا؟ أما (يييكم) بالنظر ال الياة الخروية‪ .‬فاعلم! ان تلك‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة غافر‪.11 :‬‬

‫مرض الزكام‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪219 :‬‬

‫الياة نتيجة لكل العال‪ .‬ولولها ل تكن القيقة ثابتة ولنقلبت القائقُ ‪ -‬كالنعمة ‪ -‬نقمةً‪.‬‬
‫وقس!‪ ..‬ولقد لصنا دلئلها ف تفسي (وبالخرة هم يوقنون)‪..‬‬
‫السألة الامسة‪ :‬ف (ث اليه ترجعون) آخر العقد من تلك السلسلة‪.‬‬

‫حكَم دقيقة ووضع أسبابا‬


‫اعلم! ان الالق جلّت قدرته مزج الضداد ف عال الكون والفساد لِ ِ‬
‫ظاهرية ووسائط اظهارا لعزته فترتبت سلسلة العلل والعلولت‪ .‬ث لا تصفّت الكائنات وتيزت‬
‫وتزبت ف الشر ارتفعت السباب واُسقطت الوسائط فارتفع الجاب وكُشف الغطاء فيى‬
‫ك ّل صانعَه ويعرف مالكه القيقي‪.‬‬

‫تذييل للصة نظم المل‪ :‬اعلم! انه تعال لا أنكر كفرهم الواقع بطريق الستفهام الستخبار ّ‬
‫ي‬
‫ف "كيف" ودعا الناس ال التعجب منه؛ برهن عليه با بعد الواو الالية أي باراءة أربعة انقلبات‬
‫عظيمة كلها وكل منها شاهد على وجوب اليان‪ .‬ث ان كل انقلب منها مشتمل على أطوار‬
‫ومراتب‪ ،‬ومقدمة ومُعدّة للنقلب الذي يليه فمن الطور الول من النقلب الول إل الطور‬
‫الخر من النقلب الخر يتجدد أصلُ جسد الي دائما فيلقى قشرا ويلبس الكمل ث يلعه‬
‫ويلبس صورة أعلى ث يلقيها أيضا فيلبس صورة أحسن وهلم جرا!‪ ..‬فهو دائما ف استبدال‬
‫صورة بأخرى كاملة إل أن يصل إل أعلى العال فيستقر بتقرر السعادة البدية‪ ،‬وكلها بنظام‬
‫معيّن وقانون منتظم‪ .‬فأشار إل أول النقلبات بقوله (وكنتم أمواتا) وهذا مشتمل على أطوار‬
‫آخر الطوار ينتج مآل (فأحياكم) الدال على النقلب الثان الذي هو أعجب حقائق العال‬
‫الشتمل على أطوار آخرها تنتهي بانقلب (ث ييتكم) الشتمل أيضا على أطواره البزخي الت‬
‫تتم بانقلب (ث يييكم) الشتمل على أطواره القبية ث الشرية الختومة بقوله (ث اليه ترجعون)‪.‬‬
‫فمن أمعن ف هذه النقلبات كيف يتجاسر على النكار؟‬

‫ولنشرع ف نظم هيئات جلة جلة‪:‬‬

‫أما الملة الول أعن (كيف تكفرون بال وكنتم أمواتا) فالستفهام فيها لتوجيه ذهنهم ال‬
‫قباحتهم ليوا بأنفسهم فينصفوا فيقرّوا‪ .‬و(كيف) اشارة ال الستدلل على عدم الكفر بانكار‬
‫الال اللزم‪ .‬والطاب ف (تكفرون) اياء كما‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪220 :‬‬


‫مر ال شدة الغضب ول يقل "لتؤمنون" اشارة ال شدّة تردهم اذ يتركون اليان الذي عليه‬
‫الدلئل ويقبلون الكفر الذي على بطلنه الباهي‪ .‬و واو الالية ف (وكنتم) تشي إل مقدر‪ ،‬اذ‬
‫الملتان ماضيتان‪ .‬والُخريان مستقبلتان كلها ليوافق قاعدة مقارنة الال لعامل ذي الال‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فاذا التقدير "والال انكم تعلمون"‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬انم وان علموا بالوت والياة الُول لكنهم ليعلمون انما من ال‪ ،‬وكذلك ليقرون‬
‫بالياة الثانية وليصدقون بالرجوع اليه تعال؟‬

‫قيل لك‪ :‬من البلغة تنيل الاهل منلة العال عند ظهور دلئل ازالة الهل‪ .‬فلما كان التفكر ف‬
‫أطوار الوت الول والياة الُول ملجأ ال القرار بالصانع وكان العلم با مقنعا للذهن بوقوع‬
‫الياة الثانية؛ كانوا كأنم عالون بذه السلسلة‪ .‬والطاب ف (كنتم) اشارة ال ان لم ف عال‬
‫الذرات أيضا وجودا وتعينا‪ .‬ل ان الذرات كيفما اتفقت صارت أجسادَهم العينة بالتصادف‪.‬‬
‫وإيثار (أمواتا) على جاد ‪ 2‬أو ذرات اياء ال مآل (َل ْم يَكُ ْن َشيْئا َمذْكُورا) ‪.3‬‬

‫وأما جلة (فأحياكم)‪:‬‬

‫فان قلت‪ :‬الفاء للتعقيب والتصال مع تلل تلك الطوار وتوسط مسافة طويلة ال الياة؟‬

‫قيل لك ‪ :‬الفاء للشارة إل منشأ دليل الصانع وهو ان انقلبا من المادية ال اليوانية دفعةً من‬
‫غي توسط سبب معقول يُلجئ الذهن ال القرار بالصانع‪ .‬وكذا ان الطوار ف حالة الوات‬
‫ناقصة غي ثابتة شأنا التعقيب‪ .‬وإيثار (أحياكم) على "صرت أحياء" للتصريح‪ ،‬أي صرت أحياء‬
‫وليكن ذلك بغي قدرة الصانع‪ .‬فانتج ان ال تعال هو الذي أحيا‪.‬‬

‫وأما جلة (ث ييتكم) بدل "توتون" فإشارة كما مر ال أن الوت تصرف عظيم للقدرة بقياس‬
‫القدر‪ .‬أل ترى ان من استوف عمره الطبيع ّي ث انتهى إل‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬انكم تعلمون انكم كنتم امواتا (ش)‪.‬‬


‫على جادات (ش)‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النسان‪.1 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪221 :‬‬

‫الجل اقلّ قليل‪ .‬فيتيقظ الذهن ال ان الوت ليس نتيجة طبيعية‪ .‬فالوت انلل السد ل فناء‬
‫الروح بل اطلقه‪.‬‬

‫وأما جلة (ث يييكم) فـ "ث" اشارة ال توسط عال البزخ ذي العجائب‪.‬‬

‫وأما جلة (ث اليه ترجعون) فـ "ث" اشارة ال توسط الغطاء العظيم‪ .‬و"ترجعون" اشارة ال‬
‫كشف الغطاء وطرد السباب واسقاط الوسائط‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬الرجوع ال ال تعال يقتضي ان يكون الجئ منه اوّل‪ ،‬ومن هنا توه َم بعضٌ التصالَ‬
‫واشتبه بعض أهل التصوف‪.‬‬

‫قيل لك‪ :‬ان ف الدنيا وجودا وبقاء وكذا ف الخرة وجود وبقاء‪ .‬فالوجود ف الدنيا يصدر من يد‬
‫القدرة بل واسطة وأما البقاء الحفوف بالتحليل والتركيب والتصرف والتحول ف عال الكون‬
‫والفساد فيتداخل بينه العلل وتتوسط السباب للحكمة الذكورة سابقا‪ .‬وأما ف الخرة فالوجود‬
‫وكذا البقاء بلوازمه وتركيباته يظهر بالذات من يد القدرة ويعرف ك ّل شئ مالكَه القيقي‪ .‬فاذا‬
‫تأملت ف هذا علمت معن الرجوع‪.‬‬
‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪222 :‬‬


‫ت وهُوَ‬
‫سوّيــهُ ّن َسبْ َع سَموَا ٍ‬
‫ُه َو الّذِي خََلقَ َلكُمْ ما فِي ال ْرضِ جَمِيعا ثُ ّم ا ْستَوى اِلَى السّماءِ فَ َ‬
‫ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ ‪29‬‬
‫‪1‬‬
‫اعلم! ان لذه الية ايضا الوجوه الثلثة العظيمة‪:‬‬

‫أما نظم الجموع بالسابق فهو‪ :‬ان ف الية الول انكار الكفر والكفران بالدلئل النفسية وهي‬
‫أطوار البشر‪ ،‬وف هذه الية اشارة ال الدلئل الفاقية‪ ..‬وكذا ف الول اشارة ال نعمة الوجود‬
‫والياة‪ ،‬وف هذه الية ال نعمة البقاء‪ ..‬وكذا ف تلك دليل على الصانع ومقدمة للحشر‪ ،‬وف‬
‫هذه اشارة ال تقيق العاد وازالة الشبه كأنم يقولون‪ :‬اين للنسان هذه القيمة؟ وكيف له تلك‬
‫الهية؟ وما موقعه عند ال حت يقيم القيامة لجله؟ فقال القرآن باشارات هذه الية‪ :‬ان للنسان‬
‫قيمة عالية بدليل ان السموات والرض مسخرة لستفادته‪ ،‬وكذا ان له أهية عظيمة بدليل ان ال‬
‫ل يلق النسان للخلق بل خلق اللق له‪ ،‬وان له عند خالقه لوقعا بدليل ان ال تعال ل يوجد‬
‫العال لذاته بل اوجده للبشر وأوجد البشر لعبادته‪ .‬فانتج ان النسان مستثن ومتاز ل كاليوانات‬
‫فيليق أن يكون مظهرا لوهرةِ (ث اليه ترجعون)‪.‬‬

‫وأما نظم جلة جلة‪ ،‬فاعلم! ان لفظ "جيعا" ف الملة الول ولفظ "ث" ف الثانية ولفظ "سبع"‬
‫ف الثالثة تقتضي تقيقا‪ .‬فلنتكلم عليها ف ثلث مسائل‪:‬‬

‫السألة الول‪:‬‬

‫ان قلت‪ :‬ان هذه الية تدل على أن جيع ما ف الرض لستفادة البشر فكيف يتصور استفادة‬
‫(زيد) مثل من كل جزء من أجزاء الرض؟ و(حبيب وعلي) ‪ 2‬كيف يستفيدان من حجر ف قعر‬
‫جبل ف وسط جزيرة ف البحر الحيط الكبي؟ وكيف يكون مال (زيد) لستفادة عمرو؟ مع ان‬
‫الية باشارات أخواتا تشي أن لكل فر ٍد المي َع ل التوزيع‪ .‬وكذا كيف تكون الشمس والقمر‬
‫وغيها مع‬

‫_____________________‬
‫‪( 1‬ش)‪.‬‬

‫ها من طلبة الستاذ الؤلف ف مدرسة خورخور‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪223 :‬‬

‫تلك العظمة لزيد وعمرو والعلة الغائية فيها الفائدة الزئية لما؟ وكيف تكون الضرات لستفادة‬
‫البشر مع انه ل مازفة ف القرآن ولتليق البالغة ببلغته القيقية؟‬

‫قيل لك‪ :‬تأمل ف ست نقاط يتطاير عنك الوهام‪:‬‬

‫الول‪ :‬ان خاصية الياة كما مر تصيّر الزء كل والزئي كليا والنفرد جاعة والقيد مطلقا‬
‫والفرد عالا‪ ،‬فيصي النواع كقوم ذي حياة والدنيا بيته ويكون له مناسبة مع كل شئ‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬ان ف العال كما علمت نظاما ثابتا واتساقا مكما ودساتي عالية وقواني أساسية مستمرة‬
‫فيكون العال كساعة أو ماكينة منتظمة‪ .‬فكما ان كل دولب منها بل كل سنّ من كل دولب‬
‫بل كل جزء من كل سنّ له دخلٌ ولو جزئيا ف نظام الاكينة‪ ،‬وكذا له تأثي ف فائدة الاكينة‬
‫ونتيجتها بواسطة نظامها؟ كذلك لوجوده دخل ف فائدة أهل الياة الذين سيّدهم ورئيسهم‬
‫البشر‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬انه ‪ -‬كما قرع سعك فيما مضى ‪ -‬ل مزاحة ف وجوه الستفادة‪ ،‬فكما ان الشمس‬
‫بتمامها لزيد وان ضياءها روضة وميدان لنظره؛ كذلك بتمامها مُلك لعمرو وجنة له‪ .‬فزيد مثل‬
‫لو كان ف العال وحده كيف تكون استفادته؛ كذلك اذا كان مع كل الناس ل ينقص منها شئ‬
‫‪1‬‬
‫ال فيما يعود ال الغارين‪.‬‬

‫والرابعة‪ :‬ان الكائنات ليس لا وجه رقيق فقط‪ ،‬بل فيها وجوه عمومية متلفة طبقا على طبق‪،‬‬
‫ولفوائدها جهات كثية عمومية متداخلة‪ ،‬وطرق الستفادة متعددة متنوعة‪ .‬مثلً‪ :‬اذا كان لك‬
‫روضة تستفيد منها بهة ويستفيد الناس بهة أخرى‪ ،‬كالستلذاذ بالقوة الباصرة‪ .‬ولجرم ان‬
‫استفادة النسان تصل بواسه المس الظاهرة وبواسه الباطنة وبسمه وبروحه وكذا بعقله‬
‫وقلبه وكذا ف دنياه وف آخرته وكذا من جهة العبة وقس عليها‪ ..‬فل مانع من استفادته بوجه‬
‫من هذه الوجوه من كل ما ف الرض بل العال‪.‬‬

‫والامسة‪ :‬انه‪:‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬النكان العلى والسفل‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪224 :‬‬

‫ان قلت‪ :‬هذه اليات مع آيات اُخر تشي ال ان هذه الدنيا العظيمة ملوقة لجل البشر وجعل‬
‫استفادته علة غائية لا‪ .‬والال ان زحل الكب من الرض ليست فائدتا بالنسبة ال البشر ا ّل نوع‬
‫زينة وضياء ضعيف فكيف يكون علة غائية؟‬

‫قيل لك‪ :‬ان الستفيد يفن ف جهة استفادته وينحصر ذهنُه ف طريقها وينسى ما عداها وينظر ال‬
‫كل شئ لنفسه ويصر العلة الغائية على ما يتعلق به‪ .‬فاذا ل مازفة ف الكلم الوجّه ال ذلك‬
‫الشخص ف مقام المتنان بأن يقال‪ :‬ان زحل الذي أبدعه خالقه للوفِ ِحكَمٍ‪ ،‬وف كل حكمة‬
‫ألوفُ جهاتٍ‪ ،‬وف كل جهة ألوفُ مستفيدٍ العلة الغائية ف إبداعه جهة استفادة ذلك الشخص‪.‬‬

‫والسادسة‪ - :‬وقد نبهت عليه ‪ -‬ان النسان وان كان صغيا فهو كبي‪ ،‬فنفعه الزئيّ كل ّي فل‬
‫عبثية‪.‬‬

‫السألة الثانية‪ :‬ف (ث)‪:‬‬


‫اعلم! ان هذه الية تدل على أن خلق الرض قبل السماء‪ ،‬وان آية (والرضَ َبعْدَ ذلِكَ‬
‫دَحيــهَا) ‪ 1‬تدل على ان خلق السماء قبل الرض‪ ،‬وان آية (كَاَنتَا َرتْقا َف َفَتقْناهُمَا) ‪ 2‬تدل على‬
‫انما خلقتا معا وانشقتا من مادة‪..‬‬

‫واعلم ثانيا‪ :‬ان نقليات الشرع تدل على ان ال تعال خلق اوّل جوهرةً ‪ -‬أي مادة ‪ -‬ث تلى‬
‫عليها فجعل قسما منها بارا وقسما مائعا‪ .‬ث تكاثف الائع بتجلّيه فأزبد‪ .‬ث خلق الرض أوسبع‬
‫كرات من الرضي من ذلك الزبد فحصل لكل أرض منها ساء من الواء النسيميّ‪ .‬ث بسط الادة‬
‫البخارية فسوّى منها سوات زرع فيها النجوم فانعقدت السموات مشتملة على نويات النجوم‪.‬‬
‫وان فرضيات الكمة الديدة ونظرياتا تكم بأن النظومة الشمسية أي مع سائها الت تسبح فيها‬
‫ي ث تصلب بالتبد منه‬‫كانت جوهرا بسيطا ث انقلب إل نوع بار ث تصل من البخار مائع نار ّ‬
‫قسم ث ترامى ذلك الائع الناري بالتحرك شرارات وقطعات انفصلت فتكاثفت فصارت سيّارات‬
‫منها أرضنا هذه‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النازعات‪.30 :‬‬

‫سورة النبياء‪.30 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪225 :‬‬

‫فإذا سعت هذا يوز لك التطبيق بي هذين السلكي لنه يكن أن يكون آية (كانتا رتقا‬
‫ففتقناها) اشارة ال ان الرض مع النظومة الشمسية كانت كعجي عجنته يد القدرة من جوهر‬
‫بسيط أعن "مادّة ا َلثِي" الت هي كالاء السيّال بالنسبة ال الوجودات فتنفذ جارية بينها‪ .‬وآية‬
‫(وَكا َن عَ ْرشُ ُه عَلَى الْماءِ) ‪ 1‬اشارة ال هذه الادة الت هي كالاء‪ .‬و"الثي" بعد خلقه‪ ،‬هو الركز‬
‫لوّل تلّي الصانع بالياد‪ ،‬اي فخلق "الثي" ث صيّره جواهرَ فردةً ث جعل البعض كثيفا‪ ،‬ث‬
‫خلق من الكثيف سبع كرات مسكونة منها ارضنا‪ .‬ث ان الرض بالنظر ال كثافتها وتصلبها قبل‬
‫الكل وتعجيلها ف لبس القشر وصيورتا من زمان مديد منشأ الياة مع بقاء كثي من الجرام‬
‫السماوية ال الن مائعة نارية تكون خلقتها وتشكلها من هذه الهة قبل خلق السموات‪ .‬ولا‬
‫كان تكمل منافعها ودحوها ‪ -‬أي بسطها وتهيدها لتعيّش نوع البشر ‪ -‬بعد تسوية السموات‬
‫وتنظيمها تكون السموات اسبقَ من هذه الهة مع الجتماع ف البدأ‪ .‬فاليات الثلث تنظر ال‬
‫النقاط الثلث‪.‬‬

‫الواب الثان‪ :‬ان القصد من القرآن الكري ليس درس تاريخ اللقة‪ ،‬بل نزل لتدريس معرفة‬
‫الصانع‪ .‬ففيه مقامان‪ :‬ففي مقام بيان النعمة واللطف والرحة وظهور الدليل تكون الرض اقدمَ‪،‬‬
‫وف مقام دلئل العظمة والعزة والقدرة تكون السموات اسبق‪ ..‬ث ان "ث" كما تكون للتراخي‬
‫‪2‬‬
‫الذاتّ تئ للتراخي الرتب فـ (ث استوى) أي ث اعلموا وتفكروا انه استوى‪.‬‬

‫السألة الثالثة‪ :‬ف (سبع)‪:‬‬

‫ت تسعة‪ ،‬وتصورها أهلُها بصورة عجيبة‪ ،‬واستول‬‫اعلم! ان الكمة العتيقة قائلة بأن السموا ِ‬
‫فكرُهم على نوع البشر ف اعصار‪ .‬حت اضطر كثي من الفسرين ال إمالة ظواهر اليات ال‬
‫مذهبهم‪ .‬وأما الكمة الديدة فقائلة بأن النجوم معلّقة ف الفضاء واللو كأنا منكِرة لوجود‬
‫السماء‪ .‬فكما أفرطت إحداها فرّطت الخرى‪.‬وأما الشّريعة فحاكمة بأن الصانع جل جلله خلق‬
‫سبع سوات وجعل النجوم فيها‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة هود‪.7 :‬‬

‫اى للتراخى التفكرى‪ ،‬بعن‪ :‬ان خلق السموات مع انه أسبق إلّ ان التفكر فيه يأتى بالرتبة‬ ‫‪2‬‬

‫الثانية‪ .‬ومع ان خلق الرض بعد السموات الّ ان التفكر فيه اسبق‪ ،‬اي يلزم التفكر ف خلق‬
‫الرض قبل السموات (ت‪.)216 :‬‬
‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪226 :‬‬

‫كالسّماك تسبح‪ .‬والديث يدل على ان "السماء موج مكفوف" ‪ 1‬وتقيق هذا الذهب الق ف‬
‫ست مقدمات‪.‬‬

‫الول‪ :‬انه قد ثبت فنّا وحكمة ان الفضاء الوسيع ملوء من الثي‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬ان رابطة قواني الجرام العلوية وناشر قوى أمثال الضياء والرارة وناقلها مادة موجودة‬
‫ف الفضاء مالئة له‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬ان مادة الثي مع بقائها اثيا لا كسائر الواد تشكلت متلفة وتنوعات متغايرة كتشكل‬
‫البخار والاء والمد‪.‬‬

‫والرابعة‪ :‬انه لو أمعن النظر ف الجرام العلوية يُرى ف طبقاتا تالف‪ .‬أل ترى ان نر السماء‬
‫ي نومٍ أخذت ف النعقاد‪.‬‬‫السمى بـ " َك ْهكَشان" ‪ 2‬الرئيّ ف صورة لطخة سحابية انا هو ملي َ‬
‫فصورةُ الثي الت تنعقد تلك النجوم فيها تالف طبقة الثوابت البتة‪ ،‬وهي أيضا تالف طبقات‬
‫النظومة الشمسية بالدس الصادق وهكذا ال سبع منظومات‪.‬‬

‫والامسة‪ :‬انه قد ثبت حدسا واستقراء انه اذا وقع التشكيل والتنظيم والتسوية ف مادة تتولد منها‬
‫طبقات متلفة كالعدن يتولد منه الرماد والفحم واللاس‪ ..‬وكالنار تتميز جرا ولبا ودخانا‪،‬‬
‫وكمزج مولّد الاء مع مولّد الموضة ‪ 3‬يتشكل منه ماء وجد وبار‪.‬‬

‫والسادسة‪ :‬ان هذه المارات تدل على تعدد السموات‪ .‬والشارع الصادق قال هي سبعة‪ ،‬فهي‬
‫سبعة على ان السبع والسبعي والسبع مائة ف أساليب العرب لعن الكثرة‪.‬‬

‫والاصل‪ :‬ان الصانع جل جلله خلق من "مادة الثي" سبع سوات فسوّاها ونظّمها بنظام عجيب‬
‫دقيق وزرع فيها النجوم وخالف بي طبقاتا‪.‬‬
‫_____________________‬

‫‪ 1‬جزء من حديث اخرجه المام احد ف مسنده (‪ )2/370‬والترمذي برقم (‪ )3298‬وف تفة‬
‫الحوذي برقم (‪ )3352‬وقال‪ :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وعزاه صاحب التحفة لحد‬
‫وابن اب حات والبزار وف ممع الزوائد (‪ )132 /8‬جزء من حديث رواه الطبان ف الوسط‪،‬‬
‫وفيه ابو جعفر الرازي‪ ،‬وثّقه ابو حات وغيه وضعّفه النسائي وغيه‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪ ،‬وانظر‬
‫فيه كذلك (‪ )7/121‬وتفسي ابن كثي ‪ -‬سورة الديد‪.‬‬

‫درب التبانة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اليدروجي والوكسجي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪227 :‬‬

‫اعلم! انك اذا تفكرت ف ُوسْعة خطابات القرآن الكري ومعانيه ومراعاته لفهام عامة الطبقات‬
‫من أدن العوام ال أخص الواص ترى أمرا عجيبا‪ .‬مثلً‪ :‬من الناس من يفهم من (سبع سوات)‬
‫طبقات الواء النسيمية‪ ..‬ومنهم من يفهم منه الكرات النسيمية الحيطة بأرضنا هذه وأخواتا‬
‫ذوات ذوي الياة‪ ..‬ومنهم من يفهم منه السيّارات السبع الرئية للجمهور‪ ..‬ومنهم من يفهم منه‬
‫طبقات سبعة اثيية ف النظومة الشمسية‪ ..‬ومنهم من يفهم منه سبع منظومات شوسية أولها‬
‫منظومة شسنا هذه‪ ..‬ومنهم من يفهم منه انقسام الثي ف التشكل ال طبقات سبعة كما مر‬
‫آنفا‪ ..‬ومنهم من يرى جيع ما يُرى ما ُزيّن بصابيح الشموس والنجوم الثوابت ساء واحدة‪ .‬هي‬
‫السماء الدنيا وفوقها ست سوات اُخر لترى‪ ..‬ومنهم من ليرى انصار سبع سوات ف عال‬
‫الشهادة فقط بل يتصورها ف طبقات اللقة ف العوال الدنيوية والٌخروية والغيبية‪ ..‬فكل‬
‫يستفيض بقدر استعداده من فيض القرآن ويأخذ حصته من مائدته فيشتمل على كل هذه‬
‫الفاهيم‪.‬‬

‫واعلم! ان الملة الول‪ :‬أعن (هو الذي خلق لكم ما ف الرض جيعا) نظمها بمسة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬ان الية الول اشارة ال نعمة الياة والوجود‪ ،‬وهذه تشي ال نعمة البقاء وأسبابه‪.‬‬

‫والثان‪ :‬انه لا اثبتت الول للبشر أعلى الراتب أعن الرجوع اليه تعال تنبه ذهن السامع للسؤال‬
‫بـ "اين لذا النسان الذليل استعداد لذه الرتبة العالية إلّ ان يكون بفضله تعال وجذبه؟"‪ .‬فكأن‬
‫هذه الملة تقول ميبة عن ذلك السؤال ان للِنسان عند خالقه الذي سخر له جيع الدنيا لوقعا‬
‫عظيما‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬انه لا أشارت الول ال وجود الشر والقيامة للبشر ذهب السامع ال سؤال‪ :‬ما أهية‬
‫البشر حت تقوم القيامة لجله ويرب العال لسعادته؟ فكأن هذه الملة تيبه بـ "ان من ُهيّئَ‬
‫جيع ما ف الرض لستفادته وسُخّر له النواع له أهية عظيمة تشي ال انه هو النتيجة للخلقة"‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪228 :‬‬

‫والرابع‪ :‬ان الول اشارت بـ (اليه ترجعون) ال رفع الوسائط وانصار الرجعية فيه تعال‪.‬‬
‫والال ان للبشر ف الدنيا مراجع كثية‪ ،‬فهذه الملة تقول أيضا ان السباب والوسائط تشفّ‬
‫لكَم فانه‬
‫ب ِ‬‫عن يد القدرة‪ ،‬وان الرجع القيقي ف الدنيا انا هو ال تعال وانا توسطت السبا ُ‬
‫تعال هو الذي خلق للِنسان كل ما يتاج اليه‪.‬‬

‫والامس‪ :‬ان الول لا اشارت ال السعادة البدية أشارت هذه ال سابقةِ فضلٍ يستلزم تلك‬
‫السعادة ذلك الفضلُ أي من اُحسن اليه جيع ما ف الرض لقيقٌ بأن يعطى له السعادة البدية‪.‬‬

‫وجلة (ث استوى ال السماء) نظمها بأربعة أوجه‪.‬‬

‫الول‪ :‬ان السماء رفيقة الرض ل يَتصو ُر الرضَ أحدٌ إلّ ويطر ف ذهنه السماء‪.‬‬

‫والثان‪ :‬ان تنظيم السماء هو الكمّل لوجه استفادة البشر ما ف الرض‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬ان الملة الُول اشارت ال دلئل الحسان والفضل وهذه تشي ال دلئل العظمة‬
‫والقدرة‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬ان هذه الملة تشي ال ان فائدة البشر ل تنحصر على الرض بل السماء أيضا مسخرة‬
‫لستفادته‪.‬‬

‫ونظم جلة‪( :‬فسوّيهن سبع سوات) بثلثة أوجه‪.‬‬

‫الول‪ :‬ان ربطها بالُول كربط "فيكون" مع "كن"‪.‬‬

‫والثان‪ :‬انه كربط تعلق القدرة بتعلق الرادة‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬انه كربط النتيجة بالقدمة‪.‬‬

‫ونظم جلة (وهو بكل شيء عليم) بوجهي‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬انا دليل لِمّي على التنظيم السابق كما ان التنظيم السابق دليل ِانّ ّي عليها؛ اذ التساق‬
‫والنتظام يدلن على وجود العلم الكامل كما ان العلم يفيد النتظام‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪229 :‬‬

‫والخر‪ :‬ان الملة الول تدل على القدرة الكاملة وهذه على العلم الشامل‪.‬‬

‫أما نظم هيئآت جلة جلة‪ :‬ففي الملة الول الستيناف وتعريف الزئي وتعريف الب ولم‬
‫"لكم" وتقدي "لكم" ولفظ "ف" ولفظ "جيعا"‪:‬‬

‫أما الستيناف فإشارة إل أسئلة مقدرة وأجوبة قد نبهت عليها ف الوجه المسة لنظم الملة‬
‫الول‪ ..‬وأما تعريف الزئي ‪ 1‬فاشارة ال التوحيد والصر الذي هو دليل على الصر ف تقدي‬
‫"اليه" ف (ث اليه ترجعون)‪ ..‬وأما تعريف الب فاشارة ال ظهور الكم ‪ ..2‬وأما لم النفع ف‬
‫(لكم) فاشارة ال أن الصل ف الشياء الباحة وانا تعرض الرمة للعصمة‪ :‬كمال الغي‪ .‬أو‬
‫للحرمة‪ :‬كلحم الدميّ‪ .‬أو للضرر‪ :‬كالسم‪ .‬أو للستقذار‪ :‬كبلغم الغي‪ .‬أو للنجاسة‪ :‬كاليتة‪..‬‬
‫وكذا رمز ال وجود النفع ف كل شئ‪ ،‬وان للبشر ولو بهة من الهات استفادة ولو بنوع من‬
‫النواع ولو ف أحقر الشياء ول أقل من نظر العبة‪ ،‬وكذا اياء ال انه كم من خزائن للرحة‬
‫مكنوزة ف جوف الرض تنتظر أبناء الستقبل‪ ..‬وأما تقدي (ولكم) فاشارة ال أن جهة استفادة‬
‫البشر أقدم الغايات وأولها وأولا‪ ..‬وأما (ما) الفيدة للعموم فللحث على ترّي النفع ف كل‬
‫شئ‪ ..‬وأما (ف الرض) بدل "على الرض" مثل‪ ،‬فاشارة ال وجود أكثر النافع ف بطن الرض‪،‬‬
‫وكذا تشجيع على ترّي ما ف جوفها‪ ..‬ويدل تدرج البشر ف الستفادة من معادن الرض‬
‫وموادها على انه يكن أن يكون ف ضمنها مواد وعناصر تفف عن كاهل أبناء الستقبال ضغطَ‬
‫تكاليف الياة من الغذاء وغيه‪ ..‬واما (جيعا) فلرد الوهام ف عبثية بعض الشياء‪.‬‬

‫وأما ( ث) ف الملة الثانية فاشارة ال سلسلة من أفعاله تعال وشؤونه بعد خلق الرض إل تنظيم‬
‫السماء‪ ..‬وكذا رمز ال تراخي رتبة التنظيم ف نفع البشر عن خلقة الرض‪ ..‬وكذا اياء ال‬
‫تأخره عنها‪ .‬واما (استوى) ففيه اياز‪ ،‬أي‪ :‬أراد أن يسوّي‪ ..‬وكذا فيه ماز أي كمن يسدد‬
‫قصده ال شئ ل ينثن ينةً ويسرةً‪ .‬و(ال السماء) أي ال مادتا وجهتها‪ .‬واما فاء (فسويــهن)‬
‫فبالنظر ال جهة‬

‫_____________________‬

‫‪" 1‬هو "‪ :‬مبتدأ‪ ،‬و "الذى " مع صلته‪ :‬خب (ت‪)221 :‬‬

‫حيث ان اصل الب نكرة‪ ،‬الّ ان ميئه معرف ًة اشارة ال ظهور الكم‪ ،‬وهو‪ :‬ان ال خالق‬ ‫‪2‬‬

‫الرض با فيها‪ .‬وهو امر معلوم ظاهر (ت‪.)221 :‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪230 :‬‬

‫التفريع نظي ترتب "فيكون" على "كن"‪ ،‬وتعلق القدرة على تعلق الرادة والقضاء على القدر‪.‬‬
‫واما بالقياس ال جهة التعقيب فاياء ال تقدير "ونوّعها ونظّمها ودبّر المر بينها فسوّيهن" ال‪.‬‬
‫ل ما يناسب استعداده ويساوي‬ ‫واما "سوّى" أي خلقها منتظمة مستوية متساوية ف أن أعطى ك ّ‬
‫قابليته‪ .‬واما "هن" فاياء ال تنوع مواد السموات‪ .‬وأما (سبع) فيتضمن الكثرة والناسبة مع‬
‫الصفات السبع ومع الدوار السبعة ف تشكلت الرض‪ .‬و(سوات) أي اللت هن رياض لزاهي‬
‫الدراري وبار لسِماك السّيارات ومزرعة لبّات النجوم‪.‬‬

‫أما جلة (وهو بكل شيء عليم) فواو العطف القتضية للمناسبة اشارة ال "وهو على كل شئ‬
‫قدير فهو الالق لذه الجرام العظيمة‪ ،‬وهو بكل شئ عليم فهو النظّام التقن للصنعة فيها"‪ .‬وباء‬
‫اللصاق اشارة ال عدم انفكاك العلم عن العلوم‪ .‬واما "كل" فهو العام الذي ل يص منه البعض‪.‬‬
‫ص منه البعض" والّ لكانت هذه القاعدة بيث اذا‬ ‫وقد خص قاعدة "وما من عام الّ وقد ُخ ّ‬
‫صدقت كذّبت نفسها نظي "الذر الصم الكلميّ" ولفظ "شيء" يعم الشائيّ والشيءَ وما ليس‬
‫بذا ول بذاك كالمتنع‪ .‬و "عليم" أي ذات ثبت له لزما منه العلم‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪231 :‬‬

‫جعَلُ‬
‫وَاذْ قَالَ َربّكَ لِ ْلمَلِئ َكةِ ِانّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِيفَةً قالُوا اَتَ ْ‬

‫حمْ ِد َك َونُقَدّسُ لَكَ‬


‫سبّ ُح بِ َ‬
‫سفِكُ ال ّدمَا َء َونَحْ ُن نُ َ‬
‫فِيها مَ ْن ُيفْسِدُ فِيها َويَ ْ‬

‫قَا َل ِانّي َاعْلَ ُم ما لَتعْلَمُونَ ‪30‬‬

‫مـقـدمــــة‬

‫اعلم! ان التصديق بوجود اللئكة أحد أركان اليان‪ .‬ولنا هنا مقامات‪..‬‬

‫القام الول‪:‬‬

‫ان من نظر ال الرض وقد امتُلئت بذوي الرواح مع حقارتا‪ ،‬وتأمل ف انتظام العال واتقانه‪،‬‬
‫تدس بوجود سكان ف هذه البوج العالية‪ .‬فَ َمثَ ُل مَنْ ل يصدّق بوجود اللئكة كَ َمثَل رجل‬
‫ذهب ال بلدة عظيمة وصادف دارا صغية عتيقة ملوّثة بالزخرفات مشحونة بالناس‪ .‬ورأى‬
‫عرصاتا ملوءة من ذوي الرواح ولياتم شرائط مصوصة كالنباتات والسّماك‪ .‬ث رأى اُلوفا من‬
‫القصور العالية الديدة قد تلّلت بينها ميادين النهة فيعتقد خلوها عن السكان لعدم جريان‬
‫شرائط حياة هذه الدار ف تلك القصور‪ .‬ومثل العتقد بوجودهم كَ َمثَل مَنْ اذا رأى هذا البيت‬
‫الصغي وقد امتل من ذوي الرواح ورأى انتظام البلدة‪ ،‬جزم بأن لتلك القصور الزيّنة أيضا‬
‫سكانا يناسبونا وتوافقهم ولم شرائط حياة مصوصة فعدم مشاهدتم ‪ -‬لبعدهم وترفعهم ‪ -‬ل‬
‫يدل على عدمهم‪ .‬فامتلء الرض من ذوي الياة ينتج بالطريق الْول وبالقياس الْولَويّ الؤسس‬
‫على القياس الفيّ البن على النتظام الطرد ‪ -‬امتلء هذه الفضاء الوسيعة ببوجها ونومها‬
‫وساواتا من ذوي الرواح الذي يدعوهم الشرع باللئكة النطوية على أجناس متلفة فتأمل!‪..‬‬

‫القام الثان‪:‬‬

‫اعلم ‪ -‬كما مر ‪ -‬ان الياة هي الكشافة للموجودات بل هي النتيجة لا‪ ،‬فاذا كيف تلو هذه‬
‫الفضاء الوسيعة من ساكنيها وتلك السموات من عامريها‪ .‬ولقد‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪232 :‬‬

‫أجع العقلء إجاعا معنويا ‪ -‬وان اختلفوا ف طرق التعبي ‪ -‬على وجود معن اللئكة وحقيقتهم‪،‬‬
‫حت ان الشّائيي عبّروا عنهم بالاهيات الجرّدة الروحانية للنواع‪ ،‬والِشْراِقيّي عبّروا عنها‬
‫بالعقول وأرباب النواع‪ ،‬وأهل الديان بلَك البال وملَك البحار وملك المطار مثل‪ .‬حت ان‬
‫الاديي الذين عقولم ف عيونم ل يتيسر لم انكار معن اللئكة بل نظروا اليهم ف القوات‬
‫السارية ف نواميس الفطرة‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬أفل يكفي لرتباط الكائنات وحيويتها هذه النواميس وتلك القواني الارية ف اللقة؟‬

‫قيل لك‪ :‬ما تلك النواميس الارية والقواني السارية ال أمور اعتبارية بل وهية ل يتعي لا وجود‬
‫ول يتشخص لا هُويّة ال بمثّلتا ومعاكسها ومَ ْن هو آخذ برأس خيوطها وان هي إلّ اللئكة‪..‬‬
‫وأيضا قد اتفق الكماء والعقل والنقل على عدم انصار الوجود ف عال الشهادة الظاهر الامد‬
‫الغي الوافق لتشكل الرواح‪ .‬فعال الغيب الشتمل على عوال ‪ -‬الوافق للرواح كالاء للسِماك ‪-‬‬
‫مشحون با ‪ ،1‬مظه ٌر لياة عال الشهادة‪ ..‬فاذا شهدت لك هذه المور الربعة على وجود معن‬
‫اللئكة فأحسن صور وجودهم الت ترضى با العقول السليمة ماهو إلّ ماشرحه الشرع من انّهم‬
‫عباد مكرمون ل يالفون مايؤمرون‪ ،‬وكذا انم أجسام لطيفة نورانية ينقسمون إل أنواع متلفة‪.‬‬

‫القام الثالث‪:‬‬

‫اعلم ان مسألة اللئكة من السائل الت يتحقق الكل بثبوت جزء واحد‪ ،‬ويُعلم النوع برؤية أحد‬
‫الشخاص‪ ،‬اذ من أنكر أنكر الكلّ‪ .‬ث كما انه مال عندك ‪ -‬ايقظك ال ‪ -‬أن يمع أهل كل‬
‫الديان ف كل الَعصار من آدم ال الن على وجود اللئكة وثبوت الحاورة معهم وثبوت‬
‫مشاهدتم والرواية عنهم كمباحثة الناس طائفة عن طائفة‪ ،‬بدون رؤية فرد بل أفراد منهم وبدون‬
‫ضرورة وجود شخص بل أشخاص منهم‪ ،‬وبدون الحساس بالضرورة بوجودهم؛ كذلك مال‬
‫أن يقوم َوهْم كذلك ف عقائد البشر ويستمر هكذا ويبقى ف النقلبات بدون حقيقة يتسنبل‬
‫عليها وبدون مبادئ ضرورية مولّدة لذلك العتقاد العموميّ‪ .‬فإذا ليس سند هذا‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى باللئكة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪233 :‬‬

‫الجاع الّ حدس تولّد من تفاريق امارات حصلت من واقعات مشاهدات نشأت من مبادئ‬
‫ضرورية‪ .‬وليس سبب هذا العتقاد العمومي ال مبادئ ضرورية تولدت من رؤيتهم ومشاهدتم‬
‫ف كرّات تفيد قوة التواتر العنوي‪ .‬والّ رفع المن من يقينيات معلومات البشر‪ .‬فاذا تقق وجود‬
‫واحد من الروحانية ف زمان مّا تقق وجود هذا النوع‪ .‬واذا تقق هذا النوع‪ ،‬كان كما ذكره‬
‫الشرع وبيّنه القرآن الكري‪.‬‬

‫ث ان نظم مآل هذه الية بسابقها من أربعة وجوه‪:‬‬


‫الول‪ :‬انه لا كانت هذه اليات ف تعداد النعم العظام‪ ،‬واشارت الول إل أعظمها ‪ -‬من كون‬
‫البشر نتيجة للخلقة وكون جيع ما ف الرض مسخرا له يتصرف فيها على ما يشاء ‪ -‬اشارت‬
‫هذه ال ان البشر خليفة الرض وحاكمها‪.‬‬

‫والثان‪ :‬ان هذه الية بيان وتفصيل وايضاح وتقيق وبرهان وتأكيد لا ف الية الول من أن أزمة‬
‫سلسل ما ف الرض ف يد البشر‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬ان تلك لا بيّنت بناء السكني من الرض والسماء اشارت هذه ال ساكنيهما من البشر‬
‫واللَك‪ ،‬وانا رمزت ال سلسلة اللقة‪ ،‬وأومأت هذه ال سلسلة ذوي الرواح‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬انا لا صرحت بأن البشر هو القصود من اللقة وان له عند خالقه لوقعا عظيما‪ ،‬اختلج‬
‫ف ذهن السامع انه كيف يكون للبشر هذه القيمة مع كثرة شروره وفساده؟ وهل تستلزم الكمة‬
‫وجوده للعبادة والتقديس له تعال؟ فأشارت هذه ال ان تلك الشرور والفاسد تُغتفر ف جنب‬
‫السرّ الُودع فيه‪ ،‬وان ال غن عن عبادته اذ له تعال من اللئكة السبّحي والقدّسي ما ل يصر‬
‫بل لكمة ف علم علّم الغيوب‪.‬‬

‫وأما نظم المل بعضها مع بعض فهو‪:‬‬

‫ان الية تنصبّ بناء على اقتضاء "اذ" رديفا لا‪ ،‬وعطفه على (وهو بكل شيء عليم) ‪ -‬إل تقدير‬
‫‪ 1‬إذ خلق ما خلق منتظما متقنا هكذا واذ قال ربك للملئكة ال‪ ،‬وانه تعال لا خاطب مع اللئكة‬
‫‪ -‬ليستفسروا س ّر الكمة ولتعليم‬

‫_____________________‬

‫وذلك لعدم وجود علقة بي اليتي (ت‪)228 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪234 :‬‬

‫طريق الشاورة قائل (ان جاعل ف الرض خليفة) ‪ -‬توجه ذهن السامع بس ّر القاولة ال ما‬
‫"قالوا"؟ وبس ّر الستفسار عن حكمته مع التعجب ال (أتعل فيها)؟ وبسر استخلفهم عن الن‬
‫الفسدين مع توديع القوة الغضبية والشهوية فيهم أيضا ال (من يفسد فيها) بتجاوز القوة الثانية‬
‫(ويسفك الدماء) بتجاوز القوة الول‪ .‬ث بعد تام السؤال والستفسار والتعجب ينتظر ذهن‬
‫السامع لوابه تعال‪ .‬فقال‪( :‬قال ان اعلم مال تعلمون) أي فالشياء ليست منحصرة ف‬
‫معلوماتكم‪ .‬فعدم علمكم ليس امارة على العدم‪ ،‬وان حكيم‪ ،‬ل فيهم حكمة يغتفر ف جنبها‬
‫فسادهم وسفكهم‪.‬‬

‫أما نظم هيئات جلة جلة‪ ،‬فاعلم! ان الواو ف (واذ قال ربك للملئكة ان جاعل ف الرض‬
‫خليفة) وكذا ف (واذ قال ربك للملئكة ان خالق بشرا من صلصال) ‪ 1‬ف آية أخرى بسر الناسبة‬
‫العطفية اشارة ال "اذ واذ" كما مر‪ .‬وكذا ‪ -‬بسر ان الوحي يتضمن "ذَكّرهُ ْم بِذَلِكَ" اشارة ال‬
‫"واذكر لم اذ" ال‪..‬‬

‫وان (اذ) الفيد للزمان الاضي لتسيي الذهان ف الزمنة التسلسلة الاضوية ورفع وجلب واحضار‬
‫لا ال ذلك الزمان لتنظره فتجتن ما وقع فيه‪ ..‬وان (ربك) اشارة ال الجة على اللئكة أي‬
‫ربّاك وكمّلك وجعلك مرشدا للبشر لزالة فسادهم أي "انت السنة الكبى الت ترجحت‬
‫وغطت على تلك الفاسد"‪ ..‬وان (للملئكة) اشارة ف هذه القاولة الكائنة على صورة الشاورة‬
‫ال ان لسكان السموات أعن اللئكة مزيد ارتباط وعلقة وزيادة مناسبة مع سكان الرض أعن‬
‫البشر‪ .‬فان من اولئك موُكلي و َحفَظة و َكتَبَة على هؤلء فحقّهم الهتمام بشأنم‪ .‬وان "ان" بناء‬
‫على كونا لرد التردد الستفاد من "أتعل" اشارة ال عظمة السألة وأهيتها‪ .‬وان ياء التكلم‬
‫وحده هنا مع "نا" للمتكلم مع الغي ف "قلنا" ف اليات التية اشارة ال ان ل واسطة ف اياده‬
‫وخلقه كما توجد ف خطابه وكلمه‪ .‬وما يدل على هذه النكت آية (انا انزلنا اليك الكتاب‬
‫بالق لتحكم بي الناس با اريك ال) ‪ 2‬فقال "انزلنا" بنون العظمة لوجود الواسطة ف الوحي‬
‫وقال "أريك ال"‬
‫_____________________‬

‫سورة الجر‪28 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء‪105 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪235 :‬‬

‫مفردا لعدم الواسطة ف إلام العن‪ .‬وان ايثار (جاعل) على "خالق" اشارة ال ان مدار الشبهة‬
‫والستفسار العل(‪. )1‬والتخصيص لعمارة الرض ل اللق والياد‪ ،‬لن الوجود خي مض‬
‫ت ل يُسأل عنه‪ .‬وان ايثار "ف" ف (ف الرض) على "على" مع ان البشر على‬ ‫واللق فعله الذا ّ‬
‫الرض ليلو من الياء ال ان البشر كالروح النفوخ ف جسد الرض‪ ،‬فمت خرج البشر خربت‬
‫الرضُ وماتت‪ .‬وان (خليفة) اشارة ال انه قد وجد قبل تَهئ الرض لشرائط حياة النسان‬
‫ق مُدْرِك ساعدت شرائطَ حياته الدوا ُر الوّليةُ للرض وهذا هو الوفق لقضية الكمة‪.‬‬ ‫ملو ٌ‬
‫والشهور ان ذلك الخلوق الُدْرِك كان نوعا من الن فأفسدوا فاستُخلفوا بالِنسان‪.‬‬

‫اما هيئات جلة (قالوا أتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فاعلم! ان استيناف (قالوا)‬
‫اشارة ال ان توجيه خطابه تعال ال اللئكة يلجئ السامع ال السؤال بـ "كيف يتلقّون جيانم‬
‫ت وأيرضون بم قرناء وما رأيهم فيهم؟" فقال‪" :‬قالوا"‪ .‬وان وجه كونه جزاء لـ "اذ"‬‫ت بي َ‬
‫بي َ‬
‫هو‪ :‬ان حكم ال تعال بعل البشر خليفة ف الرض ‪ -‬الت وكّل عليها اللئكة ‪ -‬مع انه ل مشي‬
‫له تعال ول وزير يستلزم اظهار كيفية تلقيهم لم‪ .‬وان صورة القول اشارة ال اسلوب القاولة‬
‫على صورة الشاورة لتعليم الناس مع تنهه تعال عنها‪ .‬وان استفهام (أتعل) فلتحقق العل‬
‫باخباره تعال تتنع حقيقتُه فيتولد منه التعجب الناشئ عن خفاء السبب فيتولد منه الستفسار ‪-‬‬
‫أي ما حكمة العل؟ فاستفهم عن السبب بدل عن السبب وليس للِنكار لعصمتهم ‪ .2‬وان‬
‫العل رمز ال ان شؤون البشر ونسبه العتبارية ووضعياته ليست من لوازم الطبيعة ول من‬
‫ضروريات الفطرة بل كل منها بعل الاعل‪ .‬وان (فيها) مع "فيها" مع قصر السافة فللتنصيص‬
‫والياء ال معن‪ :‬ما حكمة جعل البشر روحا منفوخا ف جسد الرض لياتا مع وجود الفساد‬
‫والماتة من حيث الحياء؟‪ .‬وان التعبي بـ (مَنْ) اشارة ال انه ل يعنيهم شخصية البشر وانا‬
‫يثقل عليهم عصيان ملوق ل تعال‪ .‬وان ايراد (يفسد) بدل "يعصي" اشارة ال ان العصيان ينجر‬
‫ال فساد نظام العال‪ .‬وان صورة الضارع اشارة ال ان‬

‫_____________________‬

‫(‪ )1‬اي جعل البشر وتصيصه لعمارة الرض (ت‪)230 :‬‬

‫( ‪)2‬ان القصد من استفهام اللئكة ليس اعتراضا على العل‪ ،‬اذ تقق باخباره تعال‪ ،‬ولنم ل‬
‫يعصون ال ما امرهم‪ ،‬وانا هو استفسار عن حكمة العل‪ ،‬وذلك لفاء السبب عنهم (ت‪:‬‬
‫‪.)232‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪236 :‬‬

‫الستنكر تدد العصيان واستمراره‪ .‬وقد علموا ذلك اما باعلمه تعال أو بطالعة اللوح أو بعرفة‬
‫فطرتم من عدم تديد القوى الودعة فيهم‪ .‬فبتجاوز الشهوية يصل الفساد وبتعدي الغضبية ينشأ‬
‫السفك والظلم‪ .‬و(فيها) أي مع أنا كانت مسجدا اُسس على التقوى‪ .‬وان موقع "الواو" المع‬
‫بي الرذيلتي بناسبة انرار الفساد ال سفك الدم‪ .‬وان ايثار (يسفك) على "يقتل" لن السفك‬
‫هو القتل بظلم‪ .‬ومن القتل ما هو جهاد ف سبيل ال وكذا قتل الفرد لسلمة الماعة كقتل‬
‫الذئب لسلمة الغنم‪ .‬واما الدماء فتأكيد لا ف السفك من الدم لتشديد شناعة القتل‪.‬‬

‫وأما هيئات (ونن نسبح بمدك ونقدس لك) فواو الال اشارة ال استشعارهم العتراض عليهم‬
‫بـ "اما يكفيكم حكمة عبادة البشر وتقديسه له تعال؟" (ونن) أي معاشر اللئكة العصومي‬
‫من العاصي‪ ..‬واسية الملة اشارة ال ان التسبيح كالسجية لم واللزم لفطرتم وهم له‪ .‬أما‬
‫(نسبح بمدك) فكلمة جامعة أي نعلنك ف الكائنات بأنواع العبادات‪ ..‬ونعتقد تنهك عما ل‬
‫يليق بنابك بتوصيفك بأوصاف اللل وما هو ال من نعمك الحمود عليها‪ .‬ونقول "سبحان ال‬
‫وبمده"‪ .‬ونمدك ونصفك بأوصاف اللل والمال‪ .‬ونقدس لك أي نقدسك‪ ،‬أو نطهر أنفسنا‬
‫وأفعالنا من الذنوب وقلوبنا من اللتفات ال غيك‪ .‬فالواو للجمع بي الفضيلتي أي امتثال الوامر‬
‫واجتناب النواهي‪ ،‬فيكون حذاء الواو الول‪.‬‬

‫واما هيئات (قال ان اعلم ما لتعلمون) فاستينافها اشارة ال السؤال بـ "ماذا قال ال تعال ميبا‬
‫ي السبب مزيل لتعجبهم‪ ،‬وما الكمة ف ترجيح البشر عليهم؟" فقال‬ ‫لستفسارهم‪ ،‬وكيف ب ّ‬
‫"قال" مشيا إل جواب اجال ث فصل بعض التفصيل بالية التالية‪ .‬و" ان" ف (ان اعلم)‬
‫للتحقيق ورد التردد والشبهة وهو انا يكون ف حكم نظري ليس بسلّم مع بداهة ومسلّمية علم‬
‫ال تعال با ل يعلم اللق وحاشاهم عن التردد ف هذا‪ .‬فحينئذ يكون "ان" منارا على سلسلة‬
‫جل لصها القرآن الكري وأجلها وأوجزها بطريق بيانّ مسلوك‪ .‬أي‪ :‬ان ف البشر مصالَ وخيا‬
‫كثيا تغمر ف جنبها معاصيه الت هي شر قليل‪ ،‬فالكمة تناف ترك ذلك لذا‪ .‬وان ف البشر لسرا‬
‫اهّله للخلفة غفلت عنه اللئكة وقد علمه خالقه‪..‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪237 :‬‬

‫وان فيه حكمة رجحته عليهم ليعلمونا ويعلمها من خلق‪ .‬وأيضا قد يتوجه معن "ان" ال الكم‬
‫الضمن الستفاد من واحد من قيود مدخولا أي ل تعلمون بالتحقيق‪ ..‬وأيضا (اعلم ما ل‬
‫تعلمون) من قبيل ذكر اللزم وارادة اللزوم أي يوجد ما ل تعلمون‪ ،‬اذ علمه تعال لزم لكل‬
‫شئ فنفى العلم دليل على عدم العلوم كما قال تعال (با ل يعلم) أي ل يكن وليوجد‪ ،‬ووجود‬
‫العلم دليل على وجود العلوم‪ ..‬ث انه قد ذكر ف تقيق هذا الواب الجال ان ال عليم حكيم‪.‬‬
‫لتلو أفعاله تعال عن حكم ومصال‪ ،‬فالوجودات ليست مصورة ف معلومات اللق فعدم العلم‬
‫ل يدل على العدم‪ ،‬وان ال تعال لا خلق الي الحض أعن اللئكة‪ ،‬والشر الحض أعن‬
‫الشياطي‪ ،‬وما لخي عليه ول شر أعن البهائم‪ ،‬اقتضت حكمة الفيّاض الطلق وجود القسم‬
‫الرابع الامع بي الي والشر‪ .‬إن انقادت القوة الشهوية والغضبية للقوة العقلية فاق البشر على‬
‫اللئكة بسبب الجاهدة‪ ،‬وان انعكست القضية صار انزلَ من البهائم لعدم العذر‪.‬‬

‫***‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪238 :‬‬

‫ضهُ ْم عَلَى الْمَلِئ َكةِ فَقا َل اَْنِب ُؤنِي‬


‫َوعَلّمَ ا َد َم ا ْلسْماءَ كُلّها ثُ ّم عَرَ َ‬

‫ِبَأسْما ِء َهؤُل ِء ِانْ ُكْنتُمْ صَادِقيَ ‪ 31‬قالُوا ُسبْحانَكَ ل عِ ْلمَ لَنا اِلّ‬

‫حكِيمُ ‪ 32‬قَا َل يا ا َدمُ َاْنِبئْهُ ْم بَِاسْماِئهِمْ‬


‫ك َانْتَ الْعَلِي ُم الْ َ‬
‫مَا عَلّ ْمتَنا ِانّ َ‬

‫فَلَمّا اَْنبََاهُ ْم بَِاسْماِئهِمْ قَا َل اَلَ ْم اَقُلْ َلكُ ْم اِنّي اَعْلَمُ غَْيبَ السّموَاتِ‬

‫وَالْ ْرضِ وََاعْلَ ُم مَا َتبْدُونَ وَما ُكْنتُ ْم تَ ْكتُمُونَ ‪33‬‬

‫مـقـدمـــة‬

‫اعلم! ان هذه معجزة آدم تدّيت با اللئكة بل معجزة نوع البشر ف دعوى اللفة‪ .‬ان ف‬
‫صصَ لعبا‪ .‬ث ان نظرا ال ان (ول رطب وليابس ال ف كتاب مبي) ‪ 1‬ومستندا ال ان‬ ‫الق َ‬
‫‪2‬‬
‫التنيل كما يفيدك بدللته ونصوصه؛ كذلك يعلّمك باشارته ورموزه‪ ،‬لفهمُ من اشارات‬
‫استاذية اعجاز القرآن الكري ف َقصَص النبياء ومعجزاتم التشوي َق والتشجيعَ للبشر على التوسل‬
‫للوصول إل أشباهها‪ .‬كأن القرآن بتلك القصص يضع اصبعه على الطوط الساسية ونظائر‬
‫نتايج نايات مساعي البشر للترقي ف الستقبال الذي يُبن على مؤسسات الاضي الذي هو مرآة‬
‫الستقبل‪ .‬وكأن القرآن يسح ظهر البشر بيد التشويق والتشجيع قائل له‪ :‬اسع واجتهد ف‬
‫الوسائل الت توصلك ال بعض تلك الوارق! أفل ترى ان الساعة والسفينة أول ما أهدتما للبشر‬
‫يد العجزة‪ .‬وان شئت فانظر ال (وعلّم آدم الساء كلها) وال (ولقد اتينا داو َد منّا فضل يا جبالُ‬
‫أوّب معه والطي وألنّا له الديد) ‪ 3‬وال (ولسليمن الريح غُدوّها شهر ورواحها شهر وأسَلْنا له‬
‫عَيَ‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة النعام‪59 :‬‬

‫فان كنت ف ريب فيما استخرجه من لطائف نظم التنيل‪ ،‬فاقول‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫قد استشرنا ابن الفارض تفاؤلً فأجاب بـ‪:‬‬

‫كأن الكرام الكاتبي تنّلوا على قلبه وحيا با ف صحيفة (حبيب)‬

‫سورة سبأ‪10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪239 :‬‬

‫ت منه اثنتا عشرة عينا) ‪ 2‬وال‬


‫ج َر فانفجر ْ‬
‫القطر) ‪" 1‬أي النحاس" وال (اضرب بعصاكَ ال َ‬
‫(وتبئُ الكم َه والبرصَ بإذن) ‪ .! 3‬ث تأمل فيما مّضه تلحق أفكار البشر واستنبطه من ألوف‬
‫فنونٍ ناطقٍ‪ .‬كل منها ‪ -‬بواص وصفات وأساء ‪ -‬نوع من أنواع الكائنات حت صار البشر‬
‫مظهر (وعلّم آدم الساء كلها) ث فيما استخرجه فكر البشر من عجائب الصنعة من السكّة‬
‫الديدية واللة البقية وغيها بواسطة تليي الديد وإذابة النحاس حت صار مظهر (وألنّا له‬
‫الديدَ) الذي هو امّ صنائعه‪ ،‬وفيما أفرخه أذهان البشر من الطيّارات الت تسي ف يوم شهرا حت‬
‫كاد ان يصي مظهر (غُدُوها شهرٌ ورَواحُها شهر)‪ ،‬وفيما ترقى اليه سعى البشر من اختراع‬
‫اللت والعصي الت تضرب ف الرض الرملة اليابسة فتفور منها عي نضّاخة وتصي الرملة روضة‬
‫حت أوشك ان يصي مظهر (اضرب بعصاك الجر)‪ ،‬وفيما انتجه تارب البشر من خوارق الطب‬
‫الت طفق ان تبئ الكمه والبرص والزمن باذن ال‪ ..‬تر مناسبة تامة تصح لك أن تقول تلك‬
‫مقائسها‪ ،‬وذكرها يشي اليها ويشجع عليها‪..‬‬

‫وكذا انظر ال قوله تعال (يا نارُ كون بردا وسلما) ‪ 4‬وال (لول ان رَا برهانَ ربه) ‪ 5‬أي صورة‬
‫يعقوب عاضا على اصبعه ف رواية‪ ،‬وال (ان لَجِد ريحَ يوسف) ‪ 6‬وال (ياجبا ُل أوّب معه) وال‬
‫(عُلّمنا منطق الطي) ‪ 7‬وال (أنا اتيك به قبل ان يرتدّ اليك طرفُك) ‪ 8‬وأمثالا‪ ،‬ث تأمل فيما كشفه‬
‫البشر من مرتبة النار الت لترق ومن الوسائط الت تنع الِحراق‪ ،‬وفيما اخترعه من الوسائل الت‬
‫تلب الصور والصوات من مسافات بعيدة وتضرها اليك قبل ان يرتد اليك طرفك‪ ،‬وفيما‬
‫أبدعه فكر البشر من اللت الناطقة با تتكلم‪ ،‬وف استخدامه لنواع الطيور والمامات وقس‬
‫عليها‪ ،‬لترى بي هذين القسمي ملءمة يق با ان يقال ف هذه رموز ال تلك‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬سورة سبأ‪12 :‬‬

‫سورة البقرة‪60 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الائدة‪110 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النبياء‪69 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة يوسف‪24 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة يوسف‪94 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة النمل‪16 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫سورة النمل‪40 :‬‬ ‫‪8‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪240 :‬‬

‫وكذا تأمل ف خاصية العجزة الكبى الت هي خاصية الناطقية الت هي خاصية النسانية وهي‬
‫الدب والبلغة‪ ،‬ث تدبر ف ان أعلى ما يربّي روح البشر وألطف ما يصفّي وجدانه وأحسن ما‬
‫يزيّن فكره وأبسط ما يوسِع قلبه انا هو نوع من الدبيات‪ .‬ولمر مّا ترى هذا النوع أبسط‬
‫الفنون وأوسعها مال وأنفذها وأشدها تأثيا وألصقها بقلوب البشر حت كأنه سلطانا‪ .‬فتأمل!‪..‬‬

‫ث ان لذه الية أيضا الوجوه الثلثة النظمية‪:‬‬

‫أما نظم مآلا بسابقتها فمن وجوه أربعة‪:‬‬

‫الول‪ :‬ان التنيل لا ذكر ف الية الول ف بيان حكمة خلقة النسان ما هو اوّل الجوبة‬
‫وأولها وأعمها للكل وأيسرها وأسهلها اقناعا وأجلها اجال وأوجزها‪ ،‬بيّن بذه الية جوابا‬
‫تفصيليا يطمئن به العوام والواص‪.‬‬

‫والثان‪ :‬انه لا صرح ف تلك بسألة اللفة للبشر برهن بذه على تلك الدعوى بعجزة ذلك‬
‫النوع ف مقابلة اللئكة‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬انه لا أشار بتلك ال ترجح البشر على اللَك رمز بذه ال لِميّة الرجحان‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬انه لا لوّح با ال مظهرية هذا النوع للخلفة الكبى ف الرض لح بذه احتجاجا عليها‬
‫ال ان النسان هو النسخة الامعة والظهر التّ لكل التجليات لتنوع استعداداته وتكثر طرف‬
‫استفاداته وعلمه فيحيط بالكائنات بواسه المس الظاهرة والباطنة ل سيما بوجدانه الذي ل قعر‬
‫له‪ .‬أفل تراه يعلم أمثال حلوة العسل بوجهي بل بوجوه خلف اللَك فتأمل!‬

‫ي ف غاية السلسة‪ :‬فالول‪ :‬تقيق لضمون (ان أعلم ما‬ ‫أما نظم المل بعضها مع بعض ففطر ّ‬
‫ل تعلمون) وتفصيل لا أجل فيها وتفسي لا أبم‪ ..‬وكذا ان خلفة ال تعال ف أرضه لجراء‬
‫أحكامه وتطبيق قوانينه تتوقف على علم تام‪ ..‬وكذا ان انصباب الكلم ف الية الول ينجر ال‬
‫"فخلقه وسوّاه ونفخ فيه من روحه وربّاه ث علّم الساء وأعده للخلفة"‪ .‬ث لا اصطفاه على‬
‫اللئكة وميّزه بعلم الساء ف مسألة الرجحان واستحقاق اللفة اقتضى مقام التحدّي عرض‬
‫الشياء‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪241 :‬‬

‫عليهم وطلب العارضة منهم‪ .‬ث لا أحسوا بالعجز من أنفسهم اقرّوا بكمته تعال واطمأنوا‪.‬‬
‫ولذا قال‪( :‬ث عرضهم على اللئكة فقال انبؤن بأساء هؤلء ان كنتم صادقي)‪" .‬قالوا" أي‬
‫متبئي ما دسّه ف استفسارهم اناني ُة ابليس (سبحانك ل علم لنا ال ما علمتنا انك انت العليم‬
‫الكيم) ‪ 1‬ث لا ظهر عجزهم لعدم جامعية استعدادهم اقتضى القام بيان اقتدار آدم حت يتم‬
‫التحدّي فقال‪( :‬يا آدم أنبئهم باسائهم) ث لا امتثل وظهر سر الكمة فيه اقتضى القام استحضار‬
‫الواب الجال السابق وجعله كالنتيجة لذا التفصيل فقال‪( :‬أل أقل لكم ان أعلم غيب‬
‫ف وتسّ صورة القاولة‬ ‫السموات والرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) واعلم! انه قد تش ّ‬
‫عن تولّد انانية ابليس فيما بي اللئكة وتشعر بتداخل اعتراض طائفة بي استفسارهم‪.‬‬

‫أما نظم هيئات جلة جلة‪ :‬فجملة (وعلم آدم الساء كلها) أي صوّره بفطرة تضمنت مبادئ‬
‫أنواع الكمالت‪ ،‬وخلقه باستعداد زرع فيه أنواع العال‪ ،‬وجهزه بالواس العشر وبوجدان تتمثل‬
‫فيه الوجودات‪ ،‬واعدّه بذه الثلث لتعلّم حقائق الشياء بأنواعها‪ ،‬ث علّمه الساء كلها‪ .‬الواو‬
‫فيها اشارة ال المل الطوية تت إيازه كما مر‪ .‬و(علم) فيه اشارة ال تنويه العلم ورفعة درجته‬
‫وانه هو الحور للخلفة‪ ..‬وكذا رمز ال أن الساء توقيفية‪ .‬ويؤيده وجود الناسبة الرجحة‬
‫للوضع ‪ -‬ف الغلب ‪ -‬بي الساء والسميات‪ ..‬وكذا اياء ال ان العجزة فعل ال بل واسطة‬
‫خلفا للفلسفة الذين يقولون ان الوارق أفعال للرواح الارقة‪ .‬و(آدم) أي الشخص الرضي‬
‫الذي أراد ال تعال خلفته وساه آدم فالتصريح بالعلم لتنويهه وتشهيه واحضاره بصورته‪..‬‬
‫و(الساء) سات الشياء من الصفات والواص والساء‪ ،‬أو اللغات‬

‫_____________________‬
‫لقد جاءت ال لسان ‪ -‬دون اختيارٍ من‪ -‬هذه الية الكرية ف ختام معظم "الكلمات " و‬ ‫‪1‬‬

‫"الكتوبات " من رسائل النور‪ ،‬والن فقط ادركت ان تفسيي هذا قد اُختتم ايضا بذه الية‬
‫الكرية‪ .‬فجميع "الكلمات " اذا ما هي الّ تفسي حقيقي لذه الية الكرية‪ ،‬وجدول رقراق‬
‫ينساب من برها ث يصب فيه ف خاتة الطاف‪ .‬حت لكأن كل " كلمة " من "الكلمات " تنبع‬
‫من هذه الية الكرية‪ .‬فانا اذا ل استكمل منذ ذلك الوق تفسي هذه الية كي اشرع ف الزء‬
‫الثان من التفسي‪.‬‬

‫سعيد النورسي (ت‪)244:‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪242 :‬‬

‫الت اقتسمها بنو آدم‪ .‬وفيه اياء بدليل (عرضهم) ال ان السم عي السمى ‪ 1‬كما عليه أهل السنة‬
‫و (كلها) تنصيص على منشأ التميز ومدار العجاز‪ ..‬وجلة (ث عرضهم على اللئكة فقال انبؤن‬
‫بأساء هؤلء ان كنتم صادقي) فـ (ث) اشارة بسر التراخي واقتضاء القام ال "وقال هو أكرم‬
‫منكم وأحق باللفة"‪ .‬واما (عرضهم) أي اظهر أنواع الشياء مبسوطة للبيع لنظارهم كعرض‬
‫التاع على الشتري وعرض الصفوف على المي ففيه اشارة ال ان الوجودات مال لل ُمدْرِك‬
‫يشتريها بالعلم‪ ،‬ويأخذها بالسم‪ ،‬ويتملكها بتمثل الصورة‪ .‬وأما "هم" الدال على الذكور العقلء‬
‫فسر ما فيه من التغليبي والجاز ما يرمز اليه لفظ العرض ‪ .2‬اذ يتخيل من ارساله صور طوائف‬
‫الوجودات مارة صفا صفا على النظار ‪ -‬كونا قبائل من العقلء ييئون اليهم‪ .‬واما (على)‬
‫فاياء ال ان ما يعرض عليهم هي الصور الرتسمة ف اللوح العلى‪.‬‬

‫_____________________‬

‫‪ 1‬اى اذا اريد بالسم ذات الشئ(ب)‬


‫حيث هناك تغليب الذكور على الناث‪ ،‬وتغليب العقلء على غيهم‪ .‬اما الجاز فهو ف رجوع‬ ‫‪2‬‬

‫«هم» ال انواع المادات (ت‪.)243:‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪243 :‬‬

‫باسه سبحانه‬

‫كــلمـــة‬

‫لستة من طلب النور‬

‫لقد درسنا على استاذنا الفاضل قسما من تفسيه الوسوم "اشارات العجاز" الذي ألّفه قبل‬
‫اربعي سنة اثناء الرب العالية الول‪ ،‬حينما كان يؤدي فريضة الهاد ف الط المامي لساحة‬
‫القتال واحيانا كان على صهوة جواده‪.‬‬

‫ونن مع قصر فهمنا بدقائق اللغة العربية واسرار البلغة‪ ،‬فقد ادركنا عندما قرأنا هدا التفسي على‬
‫يد استاذنا الفاضل انه تفسي بديع وخارق للعادة‪ ،‬فرأينا من النسب ان نذكر النقاط الربع التية‬
‫حول بيان هذا التفسي للعجاز النظمي فحسب من وجوه العجاز للقرآن الكري‪:‬‬

‫النقطة الول‪:‬‬

‫ان معان القرآن الكري معان شاملة كلية وعامة ل تقتصر على طائفة معينه او على معن جزئي‪،‬‬
‫بل يقدم اطيب الغذية طرا وألذها طعما ال الوف الطبقات التباينة من الن والنس‪ ،‬فيوف‬
‫حاجة افكارهم ويشبع عقولم ويغذى قلوبم وينمي ارواحهم‪ ،‬كل با يليق به؛ وذلك لنه وحي‬
‫ساوي وخطاب صمدان ياطب ال سبحانه جيع طبقات البشر الصطفي خلف العصار‪،‬‬
‫فيجيب عن اسئلة واستفسارات جيع الطوائف ويلب حاجاتم كلها؛ فل غرو انه كلم رب‬
‫العالي‪ ،‬صادر من ارفع مراتب الربوبية الطلقة‪.‬‬

‫النقطة الثانية‪:‬‬

‫ان الفاظ القرآن الكري الت هي بثابة الصداف لنفائس للئ العان الكلية الشاملة‪ ،‬والت نزلت‬
‫من صفة الكلم الزل وخاطبت جيع العصار وجيع البشرية‪ ،‬ل ريب انا كلية جامعة‪ .‬وقد‬
‫لسنا ف هذا التفسي قسما من العجاز ‪ -‬القطعي الثبوت ‪ -‬ف كل حرف من حروف ذلك‬
‫الكتاب الكيم والت يثمركل‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪244 :‬‬

‫منها عشر حسنات او مائة او الفا او الوفا بل ف الوقات الباركة ‪ -‬كليلة القدر ‪ -‬ثلثي الف‬
‫ثر من ثرات النة‪.‬‬

‫النقطة الثالثة‪:‬‬

‫ان السن والمال اللذين يلمعان ف مموع الشئ‪ ،‬ل يتحريان ف كل جزء من اجزائه‪ ،‬ول يع ّد‬
‫نقصا ما ل يشاهد ذلك المال ف الزء‪ .‬ومع هذا فان العجاز النظمى الذي نراه ف جيع سور‬
‫القرآن الكري وف آياته نراه بنمط آخر عندما ندقق ونلل هيئات وكيفيات كلماته وجله ‪ .‬وهذا‬
‫التفسي الؤلف بالعربية يبي منبعا من النابع السبعة لعجاز الكتاب الكيم‪ ،‬ال وهو الزالة‬
‫الارقة ف الفاظه مبينا ادق فروعه واخفى اسراره‪ .‬فل شك انه ل يعد اسرافا ‪ -‬بل هو حقيقة ‪-‬‬
‫اهتمام "اشارات العجاز" بكل حرف من حروف القرآن العظيم الت يثمر كل منها عشرا من‬
‫السنات بل يرتقى الثواب ثلثي الفا ف بعض الوقات‪.‬‬

‫النقطة الرابعة‪:‬‬

‫ان معان القرآن الكيم لا جامعية واسعة وكلية شاملة وذلك لصدوره من الكلم الزل وخطابه‬
‫جيع الطبقات البشرية ف جيع العصار لذا ل تنحصر تلك العان على مسألة واحدة كما هي ف‬
‫النسان بل هي كالعي الباصرة تنظر ال اوسع الدى‪ .‬فيضم الكلم الزل ضمن نظره الحيط‬
‫جيع الزمان وجيع البشرية بطوائفها كافة‪.‬‬

‫فبناء على ما اسلفناه نقول‪ :‬ان جيع الوجوه الت اوردها الفسرون ف كتبهم الت تفوق العد وما‬
‫استنبطوه من العان الشتمل عليها الكتاب الكري صراحة او اشارة او رمزا او ايا ًء او تلويا او‬
‫تلميحا مرادة ومقصودة بالذات من الكتاب الكري‪ ،‬شريطة ان ل تردها العلوم العربية وان‬
‫تستحسنها البلغة وان يقبلها علم اصول مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫طاهري‪ ،‬زبي‪ ،‬صونغور‪ ،‬ضياء‪ ،‬جيلن‪ ،‬بايرام‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪245 :‬‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫وبه ثقت‬

‫كـلـمــة ثـنــــــاء‬

‫المد ل رب العالي والصلة والسلم على سيد اللق ممد وعلى آله وصحبه اجعي‪.‬‬

‫وبعد فقد كان رائدنا العظيم الستاذ الناضل العلمة "بديع الزمان النورسي" منذ ان تفتحت امام‬
‫عينيه آفاق شاسعة من دنيا العلم والعرفان وخاض عباب الكتاب العزيز يتطلع دائما (كما كتبه‬
‫الستاذ ف افادة الرام) ال انتهاض لنة مؤلفة من كبار العلماء التخصصي‪ ،‬كل ف ناحية من‬
‫نواحي العلم‪ ،‬تقوم تلك اللجنة بدراسات طويلة ف شت نواحي الكتاب الكري حت يتحصل‬
‫ويتولد من مهوداتم الكثية ودراساتم الطويلة تفسيٌ جامع للقرآن البي‪ ،‬يستجيب لاجات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬واستمر لديه ذلك التطلع والترقب ال بداية زمن الرب العالية الول‪.‬‬

‫س الستاذ من تقق ذلك‬‫فلما انفلقت قنبلة الرب بي شعبنا التركي وبي الشعب الروسي أي َ‬
‫المل بعض الياس فاضطر ان يكتب ما يلوح له من اشارات اعجاز القرآن‪ .‬فأخذ يقيد ويصنف‬
‫ويرتب ما يسنح له ف شرح آي الذكر الكيم‪ .‬فجاء منه هذا القسم من التفسي‪ ،‬وهو رغم انه‬
‫وليد فكرٍ واحد ال انه فريد ف بابه ل ينسج للن على منواله اي تفسي لنه يستجلي ويكشف‬
‫العجاز الكنون ف نظم الكتاب الجيد بطريقة عجيبة مترعة ل نرها ول نصادفها فيما عثرنا‬
‫عليه من مشهور التفاسي التداولة كتفسي "اب السعود" و"الفخر الرازي" و"البيضاوي" وتفسي‬
‫الستاذ الرحوم "الشيح طنطاوي جوهري" الذي افاض واسهب فيه وبي كثيا من العلوم‬
‫الختلفة الت تشي اليها اليات الكونية‪.‬‬

‫وان كنت ف ريب ما نقول فردّد الطرف اول ف تليله النوط بآية (ومن الناس من يقول امنا بال‬
‫وباليوم الخر وما هم بؤمني) او النوط بآية (ختم ال على قلوبم وعلى سعهم وعلى أبصارهم‬
‫غشاوة) ال او بآية (وما رزقناهم ينفقون)‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪246 :‬‬

‫او بأي آية اخرى من اليات الشروحة ف ذلك التفسي وبعد ذلك طالع ف عي هاتيك اليات‬
‫السالفة الذكر سائر التفاسي‪ ،‬ث ليتكلم ضميُك الر الطلق من قيد التعصب‪.‬‬

‫خلصة القول‪ :‬ان ف عباراته عذوبة وحلوة وطلوة بديعة وتدقيقا خارقا جدا ف تليل آي‬
‫الوحي النّل‪ .‬انه بي جهة مناسبة اليات بعضها ببعض‪ ،‬وتناسب المل وتناسقها‪ ،‬وكيفية‬
‫تاوب هيآت المل وحروفها حول العن لراد معتمدا ف ذلك على أدق قواعد علم البلغة‬
‫وعلى اصول النحو والصرف وقواني النطق ودسابي علم اصول الدين وسائر ما له علقة بذلك‬
‫من متلف العلوم‪ .‬حت انه ليبحث عن اخفى مناسبات البلغة الذي ل يكشف عادة بالجهر‬
‫العنوي الركز ف الدماغ البشري‪.‬‬

‫واعجب من الكل انه وجد ذلك التدقيق البالغ والبحث العميق حينما كان ينصب ويتقاطر على‬
‫الـؤلف من جهاته الربع شابيب رصاص بنادق اليوش السوفيتية‪ ،‬فكان الستاذ يناضل ويطلق‬
‫بندقيته ف صدور العداء من جهة ويضع ف مصنع دماغه قنبلة اعجاز القرآن الذرية ليحطم با‬
‫بنيان الكفر والضلل من جهة اخرى فيا سبحان ال من ذكاء الي خارق‪ ،‬مهز ببطولة عجيبة‬
‫وثبات قلب زائد‪ .‬ان ذلك الوقت العصيب والوقف الرهيب ل يُدهش الؤلف ول يُذهِل فكره‬
‫الثاقب عن الولن ف مناحي اعجاز القرآن البي‪ .‬وها نن تلمذة رسائل النور يسرنا ان نضع‬
‫هذا الكتاب بي يدي النسانيي من البشر ليدرس دراسة مردة عن الغراض بعيدة عن الهواء‬
‫والتعصب الذميم‪ .‬ان ف ذلك لذكرى لن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد‪ .‬وال أسأل ان‬
‫ينفع به الناس ويهديهم سواء السبيل‪.‬‬

‫الشيخ صدر الدين يوكسل البدليسي‬

‫‪1378‬هـ‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪247 :‬‬

‫قالوا عن القرآن‬

‫الستاذ الدكتور عماد الدين خليل‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪249 :‬‬


‫‪1‬‬
‫خليل احد‬

‫‪1‬‬
‫"يرتبط هذا النب صلى ال عليه وسلم باعجاز أبد الدهر با يبنا به السيح (عليه السلم) ف قوله‬
‫عنه‪( :‬ويبكم بامور آتية)‪ ،‬هذا العجاز هو القرآن الكري معجزة الرسول الباقية ما بقى الزمان‪.‬‬
‫فالقرآن الكري يسبق العلم الديث ف كل مناحيه‪ :‬من طب‪ ،‬وفلك‪ ،‬وجغرافيا‪ ،‬وجيولوجيا‪،‬‬
‫وقانون‪ ،‬واجتماع‪ ،‬وتاريخ‪ ..‬ففي ايامنا هذه استطاع العلم ان يرى ما سبق اليه القرآن بالبيان‬
‫‪2‬‬
‫والتعريف‪"...‬‬

‫‪2‬‬
‫"اعتقد يقينا ان لو كنت انسانا وجوديا‪ ...‬ل يؤمن برسالة من الرسالت السماوية وجاءن نفر‬
‫من الناس وحدثن با سبق به القرآن العلم الديث ‪ -‬ف كل مناحيه ‪ -‬لمنت برب العزة‬
‫‪3‬‬
‫والبوت‪ ،‬خالق السماوات والرض ولن اشرك به احدا‪"...‬‬

‫‪3‬‬
‫"ف هذا الظلم الدامس ‪ -‬ايها السيحي ‪ -‬ينل القرآن الكري على رسول ال ليكشف لك عن‬
‫‪4‬‬
‫ال عز وجل‪"...‬‬

‫_____________________‬

‫ابراهيم خليل احد}‪: brahim Khalil Ahmad‬‬ ‫‪1‬‬

‫قس مبشر من مواليد السكندرية عام ‪ ،1919‬يمل شهادات عالية ف علم اللهوت من كلية‬
‫اللهوت الصرية‪ ،‬ومن جامعة برنستون المريكية‪ .‬عمل استاذا بكلية اللهوت باسيوط‪ .‬كما‬
‫ارسل عام ‪ 1954‬ال اسوان سكرتيا عاما للرسالية اللانية السويسرية‪ .‬وكانت مهمته‬
‫القيقية التنصي والعمل ضد السلم‪ .‬لكن تعمقه ف دراسة السلم قاده ال اليان بذا الدين‬
‫واشهر اسلمه رسيا عام ‪.1959‬‬

‫كتب العديد من الؤلفات‪ ،‬ابرزها ولريب (ممد ف التوراة والنيل والقرآن)‪( ،‬الستشرقون‬
‫والبشرون ف العال العرب والسلمي)‪ ،‬و(تاريخ بن إسرائيل)‪.‬‬

‫ممد ف التوراة والنيل والقرآن‪ ،‬ص ‪.48 - 47‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪4‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪250 :‬‬

‫‪4‬‬
‫‪1‬‬
‫"للمسلم ان يعتزّ بقرآنه‪ ،‬فهو كالاء فيه حياة لكل من نل منه"‬

‫‪2‬‬
‫ارنولد‬

‫‪1‬‬
‫"‪[..‬اننا] ند حت من بي السيحيي مثل الفار ‪[ "A"va‬السبان] الذى عُرف بتعصبه على‬
‫السلم‪ ،‬يقرر ان القرآن قد صيغ ف مثل هذا السلوب البليغ الميل‪ ،‬حت أن السيحيي ل‬
‫‪3‬‬
‫يسعهم ال قراءته والعجاب به‪"..‬‬

‫‪4‬‬
‫ايرفنج‬

‫‪1‬‬
‫"كانت التوراة ف يوم ما هي مرشد النسان واساس سلوكه‪ .‬حت اذا ظهر السيح (عليه السلم)‬
‫اتبع السيحيون تعاليم النيل‪ ،‬ث ح ّل القرآن مكانما‪ ،‬فقد كان القرآن اكثر شو ًل وتفصيلً من‬
‫الكتابي السابقي‪ ،‬كما صحح القرآن ما قد ادخل على هذين الكتابي من تغيي وتبديل‪ .‬حوى‬
‫‪5‬‬
‫القرآن كل شئ‪ ،‬وحوى جيع القواني‪ ،‬إذ انه خات الكتب السماوية‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Sir Thomas Arnold‬‬ ‫سي توماس ارنولد (‪)1930 - 1864‬‬ ‫‪2‬‬


‫من كبار الستشرقي البيطانيي‪ .‬صاحب فكرة كتاب (تراث السلم) الذى اسهم فيه عدد من‬
‫مشاهي البحث والستشراق الغرب‪ .‬وقد اشرف ارنولد على تنسيقه واخراجه‪ ،‬تعلم ف كمبدج‬
‫وقضى عدة سنوات ف الند استاذا للفلسفة ف كلية عليكرة السلمية‪ .‬وهو اول من جلس على‬
‫كرسى الستاذية ف قسم الدراسات العربية ف مدرسة اللغات الشرقية بلندن‪ .‬وصفه الستشرق‬
‫البيطان العروف (جب) بانه »عال دقيق فيما يكتب‪ ،‬وانه اقام طويلً ف الند وتعرف ال‬
‫مسلميها‪ ،‬وانه متعاطف مع السلم‪ ،‬وكل هذه امور ترفع اقواله فوق مستوى الشهادات«‬

‫(دراسات ف حضارة السلم ص ‪ )244‬ذاع صيته بكتابيه‪( :‬الدعوة ال السلم) الذى ترجم‬
‫ال اكثر من لغة‪ ،‬و(اللفة)‪ .‬كما انه نشر عدة كتب قيمة عن الفن السلمي‪.‬‬

‫الدعوة ال السلم (بث ف تاريخ نشر العقيدة السلمية)‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫‪3‬‬

‫واشنجتون ايرفنج ‪ : W. Irving‬مستشرق امريكى‪ ،‬اول اهتماما كبيا لتاريخ السلمي ف‬ ‫‪4‬‬

‫الندلس‪ .‬من آثاره‪( :‬سية النب العرب) مذيلة باتة لقواعد السلم ومصادرها الدينية (‬
‫‪ ،)1849‬و(فتح غرناطة) (‪ ،)1859‬غيها‪.‬‬

‫حياة ممد‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪251 :‬‬

‫‪2‬‬
‫‪1‬‬
‫"يدعو القرآن ال الرحة والصفاء وال مذاهب اخلقية سامية"‬

‫‪2‬‬
‫بروز‬
‫‪1‬‬
‫"انه ليس هناك شئ‪ ،‬لدين ف تزايد سيطرة النسان على القوى الطبيعية‪ ،‬هناك آية ف القرآن‬
‫يكن ان يستنتج منها انه لعل من اهداف خلق الجموعة الشمسية لفت نظر النسان لكي يدرس‬
‫علم الفلك ويستخدمه ف حياته‪( :‬هو الذي خلق الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا‬
‫عدد السني والساب) ‪ .3‬وكثيا ما يشي القرآن ال اخضاع الطبيعة للنسان باعتباره إحدى‬
‫اليات الت تبعث على الشكر واليان‪( :‬وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون لتستووا على‬
‫ظهوره ث تذكروا نعمة ربكم وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرني) ‪ .4‬ويذكر‬
‫القرآن ‪ -‬ل تسخي اليوان واستخدامه فحسب ‪ -‬ولكن يذكر السفن ايضا‪ ..‬فاذا كان المل‬
‫‪5‬‬
‫والسفينة من نعم ال العظيمة‪ ،‬أفل يصدق هذا اكثر على سكة الديد والسيارة والطائرة؟"‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان اعظم نتائج العلم يكن ان تستخدم ف اغراض هدمية او بنائية‪ .‬وربا كان هذا هو القصود‬
‫با ورد ف القرآن خاصا باستخدام الديد‪( :‬وانزلنا الديد‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬ميلر بروز ‪ : Mllar Burrows‬رئيس قسم لغات الشرق الدن وآدابه واستاذ الفقه الدين‬ ‫‪2‬‬

‫النيلى ف جامعة (بيل) وعمل استاذا بامعة براون‪ ،‬واستاذا زائرا بالامعة المريكية ف بيوت‪،‬‬
‫ومديرا للمدرسة المريكية للبحوث الشرقية بالقدس‪ ،‬ومن مؤلفاته‪Founders of Great :‬‬

‫‪.religions, 1931‬‬
‫‪.What Means these Stones, 1941‬‬

‫‪.Palestines is our Busness, 1941‬‬

‫سورة يونس‪ ،‬الية‪.5 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫سورة الزخرف‪ ،‬الية‪.13 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الثقافة السلمية‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪252 :‬‬

‫فيه بأس شديد ومنافع للناس) ‪ .1‬واظهر مثال من هذا الن بالضرورة هو استخدام النشاط الذرى‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الذى نشطت بوثه ‪ -‬لضرورة حربية‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫بلشي‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ان الفضل بعد ال يعود ال الليفة عثمان بن عفان (رضى ال عنه) لسهامه قبل سنة‬
‫‪655‬هـ ف ابعاد الخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن‪ ،‬واليه وحده يدين السلمون‬
‫‪4‬‬
‫بفضل تثبيت نص كتابم النل‪ ،‬على مدى الجيال القادمة"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫" لجرم ف انه اذا كان ثة شئ تعجز الترجة عن ادائه فانا هو العجاز البيان واللفظي والرس‬
‫اليقاعي ف اليات النلة ف ذلك العهد‪ ..‬ان خصوم ممد (عليه الصلة والسلم) قد اخطأوا‬
‫عندما ل يشاءوا ان يروا ف هذا إلّ اغان سحرية وتعويذية‪ ،‬وبالرغم من اننا على علم ‪-‬‬
‫استقرائيا فقط ‪ -‬بتنبؤات الكهان‪ ،‬فمن الائز لنا العتقاد مع ذلك بطل هذا الكم وتافته‪ ،‬فان‬
‫لليات الت اعاد الرسول (عليه الصلة والسلم) ذكرها ف هذه السور اندفاعا وألَقا وجللةً‬
‫تلّف وراءها بعيدا اقوال فصحاء البشر كما يكن استحضارها من خلل النصوص الوضوعة الت‬
‫‪5‬‬
‫وصلتنا"‪.‬‬
‫_____________________‬

‫سورة الديد‪ ،‬الية‪.25 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الثقافة السلمية‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪2‬‬

‫بلشي ‪ : r.l.Blachere‬ولد بالقرب من باريس‪ ،‬وتلقى دروسه الثانوية ف الدار البيضاء‪ ،‬وترج‬ ‫‪3‬‬

‫بالعربية ف كلية الداب بالزائر (‪ ،)1922‬وعي استاذا لا ف معهد مولي يوسف بالرباط‪ ،‬ث‬
‫انتدب مديرا لعهد الدراسات الغربية العليا بالرباط (‪ ،)1935 - 1924‬واستدعنه مدرسة‬
‫اللغات الشرقية بباريس استاذا لكرسى الدب العرب (‪ ،)1951 - 1935‬ونال الدكتوراه (‬
‫‪ ،)1936‬وعي استاذا ماضرا ف السوربون (‪ ،)1938‬ومشرفا على ملة (العرفة)‪ ،‬الت ظهرت‬
‫ف باريس باللغتي العربية والفرنسية‪ ،‬من آثاره‪ :‬دراسات عديدة عن تاريخ الدب العرب ف اشهر‬
‫الجلت الستشراقية‪ ،‬وكتاب (تاريخ الدب العرب) (باريس ‪ ،)1952‬وترجة جديدة للقرآن‬
‫الكري ف ثلثة اجزاء (باريس ‪ ،)1952 - 1947‬وغيها‪.‬‬

‫تاريخ الدب العرب ‪.2/22‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه‪.2/31 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪253 :‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬ان القرآن ليس معجزة بحتواه وتعليمه فقط‪ ،‬انه ايضا ويكنه ان يكون قبل اى شئ آخر تفة‬
‫ادبية رائعة تسمو على جيع ما اقرّته النسانية وبّلته من التحف‪ ..‬ان الليفة القبل عمر بن‬
‫الطاب (رضى ال عنه) العارض الفظ ف البداية للدين الديد‪ ،‬قد غدا من اشد التحمسي‬
‫لنصرة الدين عقب ساعه لقطع من القرآن‪ .‬وسنورد الديث فيما بعد عن مقدار الفتتان الشفهي‬
‫‪1‬‬
‫بالنص القرآن بعد ان رتّله الؤمنون"‬

‫‪4‬‬
‫"‪ ..‬العجاز هو العجزة الصدقة لدعوة ممد صلى ال عليه وسلم الذي ل يرتفع ف احاديثه‬
‫‪2‬‬
‫الدنيوية ال مستوى اللل القرآن ‪"..‬‬

‫‪5‬‬
‫"‪ ..‬ف جيع الجالت الت اطللنا عليها من علم قواعد اللغة والعجمية وعلم البيان‪ ،‬اثارت الواقعة‬
‫القرآنية وغذت نشاطات علمية هي اقرب ال حالة حضارية منها ال التطلبات الت فرضها‬
‫إخراج الشريعة السلمية‪ .‬وهناك مالت اخرى تدخل فيها (الواقعة القرآنية) كعامل اساسى‪..‬‬
‫ول تكون فاعليتها هنا فاعلية عنصر منبه فقط‪ ،‬بل فاعلية عنصر مبدع تتوطد قوته بنوعيته‬
‫‪3‬‬
‫الذاتية‪"..‬‬

‫‪4‬‬
‫بوازار‬

‫‪1‬‬
‫"لبدّ عند تعريف النصّ القدسى ف السلم من ذكر عنصرين‪ ،‬الول انه كتاب منل ازل غي‬
‫ملوق‪ ،‬والثان انه (قرآن) اي كلم حي ف قلب الماعة‪ ..‬وهو‬

‫_____________________‬

‫القرآن الكري‪ ،‬ص ‪.103 - 102‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.105 - 104‬‬ ‫‪3‬‬


‫مارسيل بوازار‪ :‬مفكر‪ ،‬وقانون فرنسى معاصر‪ ،‬اول اهتماما كبيا لسألة العلقات الدولية‬ ‫‪4‬‬

‫وحقوق النسان وكتب عددا من الباث للمؤترات والدوريات العنية باتي السألتي‪ .‬يعتب‬
‫كتابه (انسانية السلم)‪ ،‬الذى انبثق عن الهتمام نفسه‪ ،‬علقة مضيئة ف مال الدراسات الغربية‬
‫للسلم‪ ،‬با تيز به من موضوعية‪ ،‬وعمق‪ ،‬وحرص على اعتماد الراجع الت ل يأسرها التحيز‬
‫والوى‪ .‬فضلً عن الكتابات السلمية نفسها‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪254 :‬‬

‫بي ال والنسانية (الوسيط) الذى يعل اي تنظيم كهنوتى غي ذي جدوى‪ ،‬لنه مرضيّ به‬
‫مرجعا اصليا‪ ،‬وينبوع إلام اساسي‪ ..‬ومازال حت ايامنا هذه نوذجا رفيعا للدب العرب تستحيل‬
‫ماكاته‪ .‬انه ل يثل النموذج الحتذى للعمل الدب المثل وحسب‪ ،‬بل يثل كذلك مصدر‬
‫الدب العرب والسلمي الذي ابدعه‪ ،‬لن الدين أوحى به هو ف اساس عدد كبي من الناهج‬
‫‪1‬‬
‫الفكرية الت سوف يشتهر با الكتاب‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"لقد اثبت التنيل برفضه الفصل بي الروحي والزمن انه دين ونظام اجتماعي‪ ..‬ومن البديهي ان‬
‫‪2‬‬
‫التنيل والسبيل الذي ظن امكان استخدامه فيه قد طبعا الجتمع بعمق‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬ان القرآن ل يقدّر قط لصلح اخلق عرب الاهلية‪ ،‬انه على العكس يمل الشريعة الالدة‬
‫‪3‬‬
‫والكاملة والطابقة للحقائق البشرية‪ ،‬والاجات الجتماعية ف كل الزمنة"‬

‫‪4‬‬
‫"‪ ..‬يلق الروح القرآن مناخ عيش ينتهي به المر ال مناغمة التعبيات الذهنية والساواة بي‬
‫العقليات والنظم الجتماعية بأكثر ما تفترض التصريفات السياسية والطوابع اليديولوجية الت‬
‫تسند ال الدول‪ .‬ول يكفي قط ما يتردد عن درجة تأثي القرآن الكبى ف (الذهنية السلمية)‬
‫العاصرة‪ ،‬فهو ما يزال مصدر اللام الفردى والماعي الرئيسى‪ ،‬كما انه ملجأ السلمي وملذهم‬
‫‪4‬‬
‫الخي"‬

‫_____________________‬

‫انسانية السلم‪ ،‬ص ‪.53 - 52‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.207 - 206‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.343‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪255 :‬‬

‫‪5‬‬
‫‪1‬‬
‫"‪[ ..‬ان] الدوات الت يوفرها التنيل القرآن قادرة ول ريب على بناء متمع حديث‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫بوتر‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬عندما اكملت القرآن الكري غمرن شعور بان هذا الق الذي يشتمل على الجابات الشافية‬
‫حول مسائل اللق وغيها‪ .‬وانه يقدم لنا الحداث بطريقة منطقية ندها متناقضة مع بعضها ف‬
‫غيه من الكتب الدينية‪ .‬اما القرآن فيتحدث عنها ف نسق رائع واسلوب قاطع ل يدع مالً‬
‫‪3‬‬
‫للشك بان هذه هى القيقة وان هذا الكلم هو من عند ال ل مالة"‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان الضمون اللي للقرآن الكري هو السئول عن النهوض بالنسان وهدايته ال معرفة اللق‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫هذه العرفة الت تنطبق على كل عصر‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬كيف استطاع ممد صلى ال عليه وسلم الرجل المي الذي نشأ ف بيئة جاهلية ان يعرف‬
‫معجزات الكون الت وصفها القرآن الكري‪ ،‬والت ل يزال العلم الديث حت يومنا هذا يسعى‬
‫‪5‬‬
‫لكتشافها؟ لبدّ إذن ان يكون هذا الكلم هو كلم ال عزّ وجلّ"‬

‫_____________________‬

‫نفسه ‪ ،‬ص ‪.345‬‬ ‫‪1‬‬

‫ديبورا بوتر ‪ : D. Potter‬ولدت عام ‪ ،1954‬بدينة ترافيز‪ ،‬ف ولية متشيغان المريكية‪،‬‬‫‪2‬‬

‫وترجت من فرع الصحافة بامعة متشيغان‪ ،‬اعتنقت السلم عام ‪ ،1980‬بعد زواجها من احد‬
‫الدعاة السلميي العاملي ف امريكا‪ ،‬بعد اقتناع عميق بانه ليس ثة من دين غي السلم يكن ان‬
‫يستجيب لطالب النسان ذكرا كان ام انثى‪.‬‬

‫رجال ونساء اسلموا ‪.8/100‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه ‪.8/113‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه ‪.8/109‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪256 :‬‬


‫‪1‬‬
‫بوكاي‬

‫‪1‬‬
‫"لقد قمت اولً بدراسة القرآن الكري‪ ،‬وذلك دون اي فكر مسبق وبوضوعية تامة باحثا عن‬
‫درجة اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الديث‪ .‬وكيف اعرف‪ ،‬قبل هذه الدراسة‪ ،‬وعن طريق‬
‫الترجات‪ ،‬ان القرآن يذكر انواعا كثية من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفت كانت وجيزة‪.‬‬
‫وبفضل الدراسة الواعية للنصّ العرب استطعت ان احقق قائمة ادركت بعد النتهاء منها ان‬
‫القرآن ل يتوى على اية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم ف العصر الديث‪ .‬وبنفس‬
‫الوضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القدي والناجيل‪ .‬اما بالنسبة للعهد القدي فلم تكن‬
‫هناك حاجة للذهاب ال ابعد من الكتاب الول‪ ،‬اي سفر التكوين‪ ،‬فقد وجدت مقولت ل‬
‫يكن التوفيق بينها وبي اكثر معطيات العلم رسوخا ف عصرنا‪ .‬واما بالنسبة للناجيل‪ ...‬فاننا‬
‫ند نص انيل مت يناقض بشكل جلي انيل لوقا " وان هذا الخي يقدم لنا صراحة امرا ل يتفق‬
‫‪2‬‬
‫مع العارف الديثة الاصة بقدم النسان على الرض‪".‬‬

‫‪2‬‬
‫"لقد اثارت الوانب العلمية الت يتص با القرآن دهشت العميقة ف البداية‪ .‬فلم اكن اعتقد قط‬
‫بامكان اكتشاف عدد كبي ال هذا الدّ من الدعاوى الاصة بوضوعات شديدة التنوع‬
‫ومطابقته تاما للمعارف العلمية الديثة‪ ،‬ذلك ف نص كتب منذ اكثر من ثلثة عشر قرنا‪ .‬ف‬
‫البداية ل يكن ل اي ايان بالسلم‪ .‬وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل‬
‫‪3‬‬
‫حكم مسبق وبوضوعية تامة‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫د‪ .‬موريس بوكاي ‪ : Maurice Bucaille‬الطبيب والعال الفرنسي العروف‪ .‬كان كتابه (القرآن‬ ‫‪1‬‬

‫الكري والتوراة والنيل والعلم) من اكثر الؤلفات الت عالت موضوعا كهذا‪ ،‬اصالة واستيعابا‬
‫وعمقا‪ .‬ويبدو ان عمله ف هذا الكتاب القيم منحه قناعات مطلقة بصدق كتاب ال‪ ،‬وبالتال‬
‫صدق الدين الذي جاء به‪ .‬دعي اكثر من مرة لضور ملتقى الفكر السلمي الذي ينعقد ف‬
‫الزائر صيف كل عام‪ ،‬وهناك اتيح له ان يطلع اكثر على السلم فكرا وحياةً‪.‬‬

‫القرآن الكري والتوراة والنيل والعلم‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.144‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪257 :‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬تناولت القرآن منتبها بشكل خاص ال الوصف الذي يعطيه عن حشد كبي من الظاهرات‬
‫الطبيعية‪ .‬لقد اذهلتن دقة بعض التفاصيل الاصة بذه الظاهرات وهي تفاصيل ل يكن ان تدرك‬
‫ال ف النص الصلي‪ .‬اذهلتن مطابقتها للمفاهيم الت نلكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والت‬
‫‪1‬‬
‫ل يكن مكنا لي انسان ف عصر ممد صلى ال عليه وسلم ان يكون عنها ادن فكرة‪"..‬‬

‫‪4‬‬
‫"‪ ..‬كيف يكن لنسان ‪ -‬كان ف بداية امره اميّا ‪ .. -‬ان يصرح بقائق ذات طابع علمي ل‬
‫يكن ف مقدور اي انسان ف ذلك العصر ان يكونا‪ ،‬وذلك دون ان يكشف تصريه عن اقل‬
‫‪2‬‬
‫خطأ من هذه الوجهة؟"‬

‫‪3‬‬
‫بيكارد‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ابتعت نسخة من ترجة سافاري الفرنسية لعان القرآن وهي أغلى ما املك‪ .‬فلقيت من‬
‫مطالعتها اعظم متعة وابتهجت با كثيا حت غدوت وكأن شعاع القيقة الالد قد اشرق علي‬
‫‪4‬‬
‫بنوره البارك"‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.145‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪W. B. Beckard‬‬ ‫وليم بيشل بشي بيكارد‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫إنكليزي‪ ،‬ترج من كانتر بوري‪ .‬مؤلف وكاتب مشهور‪ .‬ومن بي مؤلفاته الدبية بالنكليزية‬
‫(مغامرات القاسم) و (عال جديد)‪ .‬شارك ف الرب العالية الول وأسر‪ .‬عمل فترة من الوقت‬
‫ف اوغندا‪ .‬اعلن اسلمه عام ‪1922‬م‪.‬‬

‫رجال ونساء اسلموا ‪.2/86‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪258 :‬‬


‫‪1‬‬
‫حت‬

‫‪1‬‬
‫"ان السلوب القرآن متلف عن غيه‪ ،‬ث انه ل يقبل القارنة باسلوب آخر‪ ،‬ول يكن ان يقلّد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وهذا ف اساسه‪ ،‬هو إعجاز القرآن‪ ..‬فمن جيع العجزات كان القرآن العجزة الكبى"‬
‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان إعجاز القرآن ل يل دون ان يكون اثره ظاهرا على الدب العرب‪ .‬اما اذا نن نظرنا ال‬
‫النسخة الت نقلت ف عهد اللك جيمس من التوراة والنيل وجدنا ان الثر الذي تركته على‬
‫اللغة النكيزية ضئيل‪ ،‬بالضافة ال الثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية‪ .‬ان القرآن هو الذي‬
‫‪3‬‬
‫حفظ اللغة العربية وصانا من ان تتمزق لجمات"‬

‫‪4‬‬
‫حنا‬

‫‪1‬‬
‫ل عن كونه كتاب دين وتشريع‪ ،‬فهو ايضا كتاب لغة عربية‬ ‫"انه لبدّ من القرار بان القرآن‪ ،‬فض ً‬
‫فصحى‪ .‬وللغة القرآن الفضل الكبي ف ازدهار اللغة‪ ،‬ولطالا يعود‬

‫_____________________‬

‫د‪ .‬فيليب حت‪ P. Hitti :‬ولد عام ‪1886‬م‪ ،‬لبنان الصل‪ ،‬امريكي النسية‪ ،‬ترج من الامعة‬ ‫‪1‬‬

‫المريكية ف بيوت (‪1908‬م)‪ ،‬ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (‪1915‬م)‪ ،‬وعي معيدا‬
‫ف قسمها الشرقي (‪ ،)1919 - 1915‬واستاذا لتاريخ العرب ف الامعة المريكية ببيوت (‬
‫‪ ،)1925 - 1919‬واستاذا مساعدا للداب السامية ف جامعة برنستون (‪- 1926‬‬
‫‪1929‬م)‪ ،‬واستاذا ث استاذ كرسى ث رئيسا لقسم اللغات والداب الشرقية (‪- 1929‬‬
‫‪1954‬م)‪ ،‬حي احيل على التقاعد‪ ،‬انتخب عضوا ف جعيات ومامع عديدة‪.‬‬

‫من آثاره‪( :‬اصول الدولة السلمية)(‪1916‬م)‪( ،‬تاريخ العرب)(‪1927‬م)‪( ،‬تاريخ سوريا ولبنان‬
‫وفلسطي)(‪1951‬م)‪( ،‬لبنان ف التاريخ)(‪1961‬م)‪ ،‬وغيها‪.‬‬

‫السلم منهج حياة‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.288 - 287‬‬ ‫‪3‬‬


‫الدكتور جوج حنّا ‪ )G. Hanna(John‬مسيحي من لبنان‪ ،‬ينطلق ف تفكيه من رؤية مادية‬ ‫‪4‬‬

‫طبيعية صرفة‪ ،‬كما هو واضح ف كتابه العروف (قصة النسان)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪259 :‬‬

‫اليه ائمة اللغة‪ ،‬ف بلغة الكلمة وبيانا‪ ،‬سواء كان هؤلء الئمة مسلمي ام مسيحيي‪ .‬واذا كان‬
‫السلمون يعتبون ان صوابية لغة القرآن هي نتيجة متومة لكون القرآن منلً ول تتمل التخطئة‪،‬‬
‫فالسيحيون يعترفون ايضا بذه الصوابية‪ ،‬بقطع النظر عن كونه من ًل او موضوعا‪ ،‬ويرجعون اليه‬
‫‪1‬‬
‫للستشهاد بلغته الصحيحة‪ ،‬كلما استعصى عليهم امر من امور اللغة"‬

‫‪2‬‬
‫داود‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬تناولت نسخة من ترجة معان القرآن الكري باللغة النيليزية‪ ،‬لن عرفت ان هذ هو الكتاب‬
‫القدس عند السلمي‪ ،‬فشرعت ف قراءته وتدبر معانيه‪ ،‬لقد استقطب جل اهتمامي‪ ،‬وكم كانت‬
‫دهشت عظيمة حي وجدت الجابة القنعة عن سؤال الحي‪[ :‬الدف من اللق] ف الصفحات‬
‫الول من القرآن الكري‪ ..‬لقد قرأت اليات (‪ )39 - 30‬من سورة البقرة‪ ..‬وهي آيات توضح‬
‫القيقة بلء لكل دارس منصف‪ ،‬ان هذه اليات تبنا بكل وضوح وجلء وبطريقة مقنعة عن‬
‫‪3‬‬
‫قصة اللق‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان دراست للقرآن الكري وضحت امام ناظري العديد من الشكالت الفكرية‪ ،‬وصححت‬
‫‪4‬‬
‫الكثي من التناقضات الت طالعتها ف الكتب السماوية السابقة"‬
‫_____________________‬

‫قصة النسان‪ ،‬ص ‪.80 - 79‬‬ ‫‪1‬‬

‫عامر علي داود ‪ : A.Ali David‬ينحدر من اسرة هندية برهية‪ ،‬تنصرت على ايدى البشرين‬ ‫‪2‬‬

‫الذين قدموا مع طلئع الستعمار‪ ،‬كان كثي القراءة للكتب الدينية‪ ،‬ولا اتيح له ان يطلع على‬
‫القرآن الكري كان الواب هو انتماؤه للسلم‪.‬‬

‫رجال ونساء اسلموا‪.118 - 7/116 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪.7/118 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪260 :‬‬


‫‪1‬‬
‫درمنغم‬

‫‪1‬‬
‫"للمسيح [عليه السلم] ف القرآن مقام عالٍ‪ ،‬فولدته ل تكن عادية كولدة بقية الناس‪ ،‬وهو‬
‫رسول ال الذي خاطب ال جهرا عن مقاصده وحدث عن ذلك اول شخص كلمه‪ ،‬وهو كلمة‬
‫ال الناطقة من غي اقتصار على الوحي وحده‪ ..‬والقرآن يقصد النصرانية الصحيحة حينما يقول‪:‬‬
‫ان عيسى (عليه السلم) كلمة ال‪ ،‬او روح ال‪ ،‬ألقاها ال مري وانه من البشر‪ ..‬وهو يذ ّم مذهب‬
‫القائلي بالوهية السيح (عليه السلم) ومذهب تقدي البز ال مري عبادةً ث اكله وما ال ذلك من‬
‫مذاهب اللاد النصرانية‪ ،‬ل النصرانية الصحيحة‪ ،‬ول يسع النصران ال ان يرضى بهاجة القرآن‬
‫‪2‬‬
‫للثالوث الؤلف من ال وعيسى ومري"‬

‫‪2‬‬
‫"سيكون القرآن حافزا للجهاد يردده الؤمنون كما يردد غيهم اناشيد الرب‪ ،‬مرضا على‬
‫القتال جامعا لشؤونه‪ ،‬مركا لفاتري المم‪ ،‬فاضحا للمخلّفي مزيا للمنافقي‪ ،‬واعدا الشهداء‬
‫‪3‬‬
‫بنات عدن"‬

‫‪3‬‬
‫"كان ممد صلى ال عليه وسلم يعد نفسه وسيلة لتبليغ الوحي‪ ،‬وكان مبلغ حرصه ان يكون‬
‫امينا مصغيا او سجلً صادقا او حاكيا معصوما لا يسمعه من كلم الظل الساطع والصوت‬
‫الصامت للكلم القدي على شكل دنيوي‪ ،‬لكلم ال الذي هو امّ الكتاب‪ ،‬للكلم الذي تفظه‬
‫ملئكة كرام ف السماء السابعة‪ .‬ول بد لكل نب من دليل على رسالته‪ ،‬ولبد له من معجزة‬
‫يتحدى با‪ ..‬والقرآن هو معجزة ممد صلى ال عليه وسلم الوحيدة‪ ،‬فاسلوبه العجز وقوة اباثه‬
‫ل تزال‪ ..‬ال يومنا يثيان ساكن من يتلونه‪ ،‬ولو ل يكونوا‬

‫_____________________‬

‫إميل درمنغم ‪ : E.Dremenghem‬مستشرق فرنسى‪ ،‬عمل مديرا لكتبة الزائر‪ ،‬من آثاره‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫(حياة ممد) (باريس ‪ )1929‬وهو من ادق ما صنّفه مستشرق عن النب صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫و(ممد والسنة السلمية) (باريس ‪ ،)1955‬ونشر عددا من الباث ف الجلت الشهية مثل‪:‬‬
‫(الجلة الفريقية)‪ ،‬و(حوليات معهد الدراسات الشرقية)‪ ،‬و(نشرة الدراسات العربية)‪ ...‬ال‪.‬‬

‫حياة ممد‪ ،‬ص ‪.132 - 131‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.195‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪261 :‬‬


‫من التقياء العابدين‪ ،‬وكان ممد صلى ال عليه وسلم يتحدى النس والن بان يأتوا بثله‪ ،‬وكان‬
‫هذا التحدى اقوم دليل لحمد على صدق رسالته‪ ..‬ول ريب ان ف كل آية منه‪ ،‬ولو اشارت ال‬
‫ادق حادثة ف حياته الاصة‪ ،‬تأتيه با يهزّ الروح بأسرها من العجزة العقلية‪ ،‬ول ريب ف ان‬
‫‪1‬‬
‫هنالك ما يب ان يبحث به عن سرّ نفوذه وعظيم ناحه"‬

‫‪4‬‬
‫"كان لحمد صلى ال عليه وسلم بالوحي آلم كبية‪ ..‬وحالت مؤثرة كره ان يطلع الناس‬
‫عليها‪ ،‬ولحظ ابو بكر (رضي ال عنه) ذات يوم‪ ،‬والزن ملء قلبه‪ ،‬بدء الشيب ف لية النب‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال له النب‪( :‬شيّبتن هود واخواتا ‪ :‬الواقعة والاقة والقارعة)‪ .‬وكان النب‬
‫صلى ال عليه وسلم يشعر بعد الوحي بثقل ف رأسه فيطبه بالراهم‪ ،‬وكان يدثر حي الوحي‬
‫‪2‬‬
‫فيسمع له غطيط واني‪ .‬وكان اذا نزل الوحي عليه يتحدر جبينه عرقا ف البد"‬

‫‪5‬‬
‫"كان ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو البعيد من إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي اليه‬
‫‪3‬‬
‫احيانا على غي جدوى‪ ،‬فيأل من ذلك‪ ،‬ويود لو يأتيه اللك متواترا"‬

‫‪4‬‬
‫دي كاستري‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ان العقل يار كيف يتأت ان تصدر تلك اليات عن رجل امي وقد اعترف الشرق قاطبة بانا‬
‫آيات يعجز فكر بن النسان عن التيان بثلها لفظا ومعن‪ .‬آيات لا سعها عقبة ابن ربيعة حار ف‬
‫جاها‪ ،‬وكفى رفيع عبارتا لقناع عمر بن الطاب‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.280 - 279‬‬ ‫‪1‬‬


‫نفسه‪ ،‬ص ‪.283‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪3‬‬

‫الكونت هنري دي كاستري (‪ : Cte.H.de Castries )1927 - 1850‬مقدم ف اليش‬ ‫‪4‬‬

‫الفرنسي‪ ،‬قضى ف الشمال الفريقي ردحا من الزمن‪ .‬من آثاره‪( :‬مصادر غي منشورة عن تاريخ‬
‫الغرب)(‪( ،)1905‬الشراف السعديون)(‪( ،)1921‬رحلة هولندي ال الغرب)(‪،)1926‬‬
‫وغيها‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪262 :‬‬

‫(رضى ال عنه) فآمن برب قائلها‪ ،‬وفاضت عي ناش ّي البشة بالدموع لا تلى عليه جعفر بن اب‬
‫طالب سورة زكريا وما جاء ف ولدة يي وصاح القسس ان هذا الكلم واردٌ من موارد كلم‬
‫عيسى (عليه السلم)‪ ..‬لكن نن معشر الغربيي ل يسعنا ان نفقه معان القرآن كما هي لخالفته‬
‫لفكارنا ومغايرته لا ربيت عليه المم عندنا‪ ،‬غي انه ل ينبغي ان يكون ذلك سببا ف معارضة‬
‫تأثيه ف عقول العرب‪ ،‬ولقد اصاب (جان جاك روسو) حيث يقول‪( :‬من الناس من يتعلم قليلً‬
‫من العربية ث يقرأ القران ويضحك منه ولو انه سع ممدا صلى ال عليه وسلم يليه على الناس‬
‫بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته الشبع القنع الذي يطرب الذان ويؤثر ف القلوب‪ ..‬لرّ‬
‫ساجدا على الرض وناداه‪ :‬ايها النب رسول ال خذ بيدنا ال مواقف الشرف والفخار او مواقع‬
‫التهلكة والخطار فنحن من اجلك نو ّد الوت او النتصار)‪ ..‬وكيف يعقل ان النب صلى ال عليه‬
‫وسلم الّف هذا الكتاب باللغة الفصحى مع انا ف الزمان الوسطى كاللغة اللتينية ما كان يعقلها‬
‫ال القوم العالون‪ ..‬ولو ل يكن ف القرآن غي باء معانيه وجال مبانيه لكفى بذلك ان يستول‬
‫‪1‬‬
‫على الفكار ويأخذ بجامع القلوب‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"اتى ممد صلى ال عليه وسلم بالقرآن دليلً على صدق رسالته‪ ،‬وهو ل يزال ال يومنا هذا سرّا‬
‫من السرار الت تعذر فك طلسها ولن يسب غور هذا السر الكنون الّ من يصدق بانه منل من‬
‫‪2‬‬
‫ال ‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬قد نرى تشابا بي القرآن والتوراة ف بعض الواضع‪ ،‬ال ان سببه ميسور العرفة‪ ..‬اذا ل حظنا‬
‫‪3‬‬
‫ان القرآن جاء ليتممها‪ ،‬كما ان النب صلى ال عليه وسلم خات النبياء والرسلي"‬

‫_____________________‬

‫السلم ‪ :‬خواطر وسوانح‪ ،‬ص ‪.20 - 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.23 - 22‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪263 :‬‬


‫‪1‬‬
‫دينيه‬

‫‪1‬‬
‫"لقد حقق القرآن معجزة ل تستطيع اعظم الجامع العلمية ان تقوم با‪ ،‬ذلك انه مكّن للغة العربية‬
‫ف الرض بيث لو عاد احد اصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الينا اليوم لكان ميسورا له‬
‫ان يتفاهم تام التفاهم مع التعلمي من اهل اللغة العربية‪ ،‬بل لا وجد صعوبة تذكر للتخاطب مع‬
‫الشعوب الناطقة بالضاد‪ .‬وذلك عكس ما يده مثلً احد معاصري (رابيليه) من اهل القرن‬
‫الامس عشر الذي هو اقرب الينا من عصر القرآن‪ ،‬من الصعوبة ف ماطبة العدد الكب من‬
‫‪2‬‬
‫فرنسيّى اليوم"‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬احسّ الشركون‪ ،‬ف دخيلة نفوسهم‪ ،‬ان قد غزا قلوبم ذلك الكلم العجيب الصادر من‬
‫اعماق قلب الرسول اللهم صلى ال عليه وسلم وكلهم كثيا ما كانوا على وشك الضوع لتلك‬
‫اللفاظ الخاذة الت ألمها ايان ساوي‪ ،‬ول ينعهم عن السلم ال قوة حبهم لعراض الدنيا‪"..‬‬
‫‪3‬‬

‫‪3‬‬
‫"ان معجزة النبياء الذين سبقوا ممدا كانت ف الواقع معجزات وقتية وبالتال معرضة للنسيان‬
‫السريع‪ .‬بينما نستطيع ان نسمي معجزة اليات القرآنية‪( :‬العجزة الالدة) وذلك ان تأثيها دائم‬
‫ومفعولا مستمر‪ ،‬ومن اليسي على الؤمن ف كل زمان وف كل مكان ان يرى هذه العجزة بجرد‬
‫تلوة ف كتاب ال‪ ،‬وف هذه العجزة ند التعليل الشاف للنتشار الائل الذي احرزه السلم‪،‬‬
‫ذلك النتشار‬

‫_____________________‬

‫ايتي دينيه (‪ :Et.Dinet )1929 - 1861‬تعلم ف فرنسا‪ ،‬وقصد الزائر‪ ،‬فكان يقضي ف‬ ‫‪1‬‬

‫بلدة بو سعادة نصف السنة من كل عام‪ ،‬واشهر اسلمه وتسمى بناصر الدين (‪ ،)1927‬وحج‬
‫ال بيت ال الرام (‪.)1928‬‬

‫من آثاره‪ :‬صنف بعاونة سليمان بن ابراهيم (ممد ف السي النبوية)‪ ،‬وله بالفرنسية (حياة‬
‫العرب)‪ ،‬و(حياة الصحراء)‪ ،‬و(اشعة خاصة بنور السلم)‪ ،‬و(الشرق ف نظر الغرب)‪ ،‬و(الج ال‬
‫بيت ال الرام)‪.‬‬

‫اشعة خاصة بنور السلم‪.35 ،‬‬ ‫‪2‬‬


‫ممد رسول ال‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪264 :‬‬

‫الذي ل يدرك سببه الوروبيون لنم يهلون القرآن‪ ،‬او لنم ل يعرفونه ال من خلل ترجات‬
‫‪1‬‬
‫ل تنبض بالياة فضلً عن انا غي دقيقة"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫"ان كان سحر اسلوب القرآن وجال معانيه‪ ،‬يدث مثل هذا التأثي ف [نفوس علماء] ل يتون‬
‫ال العرب ول ال السلمي بصلة‪ ،‬فماذا ترى ان يكون من قوة الماسة الت تستهوى عرب‬
‫الجاز وهم الذين نزلت اليات بلغتهم الميلة؟… لقد كانوا ل يسمعون القرآن ال وتتملك‬
‫نفوسهم انفعالت هائلة مباغتة‪ ،‬فيظلون ف مكانم وكأنم قد سّروا فيه‪ .‬أهذه اليات الارقة‬
‫تأت من ممد صلى ال عليه وسلم ذلك المي الذي ل ينل حظا من العرفة؟‪ ..‬كل ان هذا‬
‫القرآن لستحيل ان يصدر عن ممد‪ ،‬وانه ل مناص من العتراف بان ال العلي القدير هو الذي‬
‫‪2‬‬
‫املى تلك اليات البينات‪"..‬‬

‫‪5‬‬
‫"ل عجب ان نرى النب المي يتحدى الشعراء‪ ،‬ويعترف لم بق نعتهم له بالكذب‪ ،‬إن أتوا‬
‫‪3‬‬
‫بعشر سور من مثله‪ ،‬فقد آمن بعجزهم عن ذلك"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ديورانت‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ظل [القرآن] اربعة عشر قرنا من الزمان مفوظا ف ذاكرة [السلمي] يستثي خيالم‪ ،‬ويشكل‬
‫اخلقهم‪ ،‬ويشحذ قرائح مئات الليي من الرجال‪ .‬والقرآن يبعث ف النفوس اسهل العقائد‪،‬‬
‫واقلها غموضا‪ ،‬وابعدها عن التقيد بالراسم والطقوس‪،‬‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.121 - 119‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪3‬‬

‫ول ديورانت ‪ : W.Durant‬مؤلف امريكي معاصر‪ ،‬يعد كتابه (قصة الضارة) ذو الثلثي ملدا‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫واحدا من اشهر الكتب الت تؤرخ للحضارة البشرية عب مساراتا العقدة التشابكة‪ ،‬عكف على‬
‫تأليفه السني الطوال‪ ،‬واصدر جزأه الول عام ‪ ،1935‬ث تلته بقية الجزاء‪.‬‬

‫ومن كتبه العروفة كذلك (قصة الفلسفة)‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪265 :‬‬

‫واكثرها تررا من الوثنية والكهنوتية‪ .‬وقد كان له اكب الفضل ف رفع مستوى السلمي‬
‫الخلقي والثقاف‪ ،‬وهو الذي اقام فيهم قواعد النظام الجتماعي والوحدة الجتماعية‪ ،‬وحرضهم‬
‫على اتباع القواعد الصحية‪ ،‬وحرر عقولم من كثي من الرافات والوهام‪ ،‬ومن الظلم والقسوة‪،‬‬
‫وحسّن احوال الرقاء‪ ،‬وبعث ف نفوس الذلء الكرامة والعزة‪ ،‬واوجد بي السلمي‪ ..‬درجة من‬
‫العتدال والبعد عن الشهوات ل يوجد لا نظي ف اية بقعة من بقاع العال يسكنها الرجل‬
‫‪1‬‬
‫البيض‪"..‬‬
‫‪2‬‬
‫روزنثال‬

‫‪1‬‬
‫"من الدوافع العملية لدراسة التاريخ توفر الادة التاريية ف القرآن ما دفع مفسريه ال البحث عن‬
‫معلومات تاريية لتفسي ما جاء فيه‪ .‬وقد اصبح الهتمام بالادة التاريية‪ ،‬على مر الزمن‪ ،‬احد‬
‫فروع العرفة الت تت بالرتباط بالقرآن‪ .‬واذا كان الرسول صلى ال عليه وسلم قد سع بعض‬
‫الخبار والعلومات التاريية‪ ،‬فان هذا ل يبر الفتراض بانه قد قرأ الصادر التاريية كالتوراة ف‬
‫ترجاتا العربية‪ .‬لقد وردت ف القرآن معلومات تاريية تتلف عما يدعي اليهود وجوده ف‬
‫التوراة‪ .‬وقد ذكر الرسول صلى ال عليه وسلم ان اليهود والنصارى حرفوا التوراة‪ ،‬وتسك‬
‫السلمون با جاء ف القرآن‪ ..‬لقد اشار القرآن ال كثي من الحداث الت احاطت بالرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ..‬وكان لذلك اهية ف التاريخ السلمي لن الحداث الت اشارت اليها اليات‬
‫‪3‬‬
‫صارت لا اهية تاريية كبى للمسلمي‪ ،‬واستثارت البحوث التاريية‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫قصة الضارة‪ ،‬ص ‪.69 - 13/68‬‬ ‫‪1‬‬

‫فرانز روزنثال ‪ : F.rsenthal‬من اساتذة جامعة ييل‪ .‬من آثاره‪ :‬العديد من الدراسات والباث‬ ‫‪2‬‬

‫ف الجلت الشهية مثل (الثقافة السلمية)‪( ،‬الشرقيات)‪( ،‬صحيفة المعية المريكية‬


‫الشرقية)‪.‬كما الف عددا من الكتب من اشهرها‪( :‬مناهج العلماء السلمي ف البحث العلمي)‪،‬‬
‫(وعلم التاريخ عند السلمي)‪.‬‬

‫علم التاريخ عند السلمي‪ ،‬ص ‪.42 - 41‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪266 :‬‬


‫‪1‬‬
‫ريسلر‬

‫‪1‬‬
‫"‪..‬لا كانت روعة القرآن ف اسلوبه فقد [انزل] ليقرأ ويتلى بصوت عال‪ .‬ول تستطيع اية ترجة‬
‫ان تعب عن فروقه الدقيقة الشبعة بالساسية الشرقية‪ .‬ويب ان تقرأه ف لغته الت كتب با‬
‫لتتمكن من تذوق جله وقوته وسو صياغته‪ .‬ويلق نثره الوسيقى والسجوع سحرا مؤثرا ف‬
‫النفس حيث تزخر الفكار قوة وتتوهج الصور نضارة‪ ،‬فل يستطيع احد ان ينكر ان سلطانه‬
‫السحري وسوه الروحي يسهمان ف إشعارنا بان ممدا صلى ال عليه وسلم كان ملهما بلل‬
‫‪2‬‬
‫ال وعظمته"‬

‫‪2‬‬
‫ل اول كتاب يتخذ‬ ‫"كان ف القرآن فوق انه كتاب دين خلصة جيع العارف‪ ..‬وظل زمنا طوي ً‬
‫للقراءة ال الوقت الذي شكل فيه وحدة كتاب العرفة والتربية‪ .‬ول يزال حت اليوم النص الذي‬
‫تقوم عليه اسس التعليم ف الامعات السلمية‪ .‬ول تستطيع الترجات ان تنقل ثروته اللغوية (اذ‬
‫يذبل جال اللغة ف الترجات كأنا زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يب ان يقرأ القرآن ف‬
‫‪3‬‬
‫نصه الصلي"‬

‫‪3‬‬
‫" ان القرآن يد اللول لميع القضايا‪ ،‬ويربط ما بي القانون الدين والقانون الخلقي‪ ،‬ويسعى‬
‫ال خلق النظام‪ ،‬والوحدة الجتماعية‪ ،‬وال تفيف البؤس والقسوة والرافات‪ .‬انه يسعى ال‬
‫الخذ بيد الستضعفي‪ ،‬ويوصي بالب‪ ،‬ويأمر بالرحة‪ ..‬وف مادة التشريع وضع قواعد لدق‬
‫التفاصيل للتعاون اليومي‪ ،‬ونظم العقود والواريث‪ ،‬وف ميدان السرة حدد سلوك كل فرد تاه‬
‫‪4‬‬
‫معاملة الطفال والرقاء واليوانات والصحة واللبس‪ ،‬ال‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫جاك‪ .‬س‪ .‬ريسلر ‪ : J.S.restler‬باحث فرنسي معاصر‪ ،‬واستاذ بالعهد السلمي بباريس‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الضارة العربية‪ ،‬ص ‪.31 - 30‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪267 :‬‬

‫‪4‬‬
‫"‪ ..‬حقا‪ ،‬لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على انا البدأ الساسي لياة السلم ول يتعرض ما‬
‫‪1‬‬
‫جاء ف القرآن من نظر واخلق ونظام لية تغييات ول لتبديلت بعيدة الغور"‬

‫‪5‬‬
‫"يظل القرآن طيلة القرون الول للهجرة من جهة البدأ مصدر اللام لكل العقلية السلمية فهو‬
‫‪2‬‬
‫يضم بي اطرافه الفكار والحاسيس الضرورية والكافية لتزويد اعظم الداسات ف الفكر"‬
‫‪3‬‬
‫سارتون‬

‫‪1‬‬
‫"[ان] لغة القرآن على اعتبار انا اللغة الت اختارها ال جل وعل للوحي كانت‪ ،‬بذا التحديد‪،‬‬
‫كاملة‪ ...‬وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية ال مقام الثل العلى ف التعبي عن القاصد‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪[ ..‬وجعل منها] وسيلة دولية للتعبي عن اسى مقتضيات الياة"‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪1‬‬


‫نفسه‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪2‬‬

‫جورج سارتون (‪ : G.Sarton )1956 - 1884‬ولد ف بلجيكا‪ ،‬وحصل على الدكتواه ف‬ ‫‪3‬‬

‫العلوم الطبيعية والرياضية (‪ ،)1911‬فلما نشبت الرب رحل ال انكلترا‪ ،‬ث تول عنها ال‬
‫الوليات التحدة‪ ،‬وتنّس بنسيّتها فعي ماضرا ف تاريخ العلم بامعة واشنطن (‪ ،)1916‬ث ف‬
‫جامعة هارفارد (‪ .)1949 - 1917‬وقد انكب على دراسة اللغة العربية ف الامعة المريكية‬
‫ببيوت (‪ )1932 - 1931‬والقى فيها وف كلية القاصد السلمية ماضرات متعة لتبيان فضل‬
‫العرب على التفكي النسان‪ ،‬زار عددا من البلدان العربية‪ ،‬وترس بالعديد من اللغات‪ ،‬ومنح‬
‫عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوا ف عشرة مامع علمية وف عديد من المعيات العالية‪،‬‬
‫واشرف على عدد من الجلت العلمية‪.‬‬

‫من آثاره‪ :‬خلف اكثر من خسمائة بث‪ ،‬وخي تصانيفه واجعها‪( :‬الدخل ال تاريخ العلم) ف‬
‫خسة ملدات (‪.)1947 ،1931 ،1927‬‬

‫الثقافة الغربية ف رعاية الشرق الوسط‪ ،‬ص ‪.38 - 37‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪268 :‬‬


‫‪1‬‬
‫ستشيجفسكا‬

‫‪1‬‬
‫"ان القرآن الكري مع انه انزل على رجل عرب امي نشأ ف امة امية‪ ،‬فقد جاء بقواني ل يكن ان‬
‫يتعلمها النسان الّ ف ارقى الامعات‪ ،‬كما ند ف القرآن حقائق علمية ل يعرفها العال ال بعد‬
‫‪2‬‬
‫قرون طويلة"‬

‫‪3‬‬
‫ستيفن‬
‫‪1‬‬
‫"ف تلك الفترة من حيات بدا ل وكأنن فعلت كل شئ وحققت لنفسي النجاح والشهرة والال‬
‫والنساء‪ ..‬كل شئ‪ ،‬ولكن كنت مثل القرد اقفز من شجرة ال اخرى ول اكن قانعا ابدا‪ .‬ولكن‬
‫كانت قراءة القرآن بثابة توكيد لكل شئ بداخلي كنت اراه حقا‪ ،‬وكان الوضع مثل مواجهة‬
‫‪4‬‬
‫شخصيت القيقية"‬

‫‪2‬‬
‫"القرآن الكري يقرر الكثي عن الزواج‪ ،‬وعن العلقة بي الرجل والرأة‪ ،‬وعن اي موضوع آخر‬
‫‪5‬‬
‫تقريبا"‬

‫_____________________‬

‫يوجينا غيانة ستشيجفسكا ‪ : Bozena-Gajane stryzewska‬باحثة بولونية معاصرة‪ ،‬درست‬ ‫‪1‬‬

‫السلم ف الزهر على يد اساتذة ومشرفي اخصائيي زهاء خس سنوات (‪،)1965 - 1961‬‬
‫تكنت خللا من اللغة العربية كذلك‪ ،‬وكانت قد انت دراساتا العليا ف كلية القوق‪ ،‬وف‬
‫معهد اللغات الشرقية ف بولونيا‪.‬‬

‫تاريخ الدولة السلمية وتشريعها‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪2‬‬

‫كات ستيفن ‪ : C.Stephens‬الغن البيطان ‪ -‬نساوي الصل ‪ -‬الشهور‪ ،‬بيع من اسطواناته‬ ‫‪3‬‬

‫ما يقدر بالليون ف الستينات واوائل السبعينات‪ ،‬اعتنق السلم عام ‪ 1976‬بعد ان تعرف على‬
‫القرآن الكري بواسطة شقيقه‪ .‬يقضي الن معظم وقته ف السجد ويلعب دورا فعالً ف شئون‬
‫الالية السلمية ف لندن‪.‬‬

‫رجال ونساء اسلموا‪.10/103 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه‪.10/103 .‬‬ ‫‪5‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪269 :‬‬
‫‪1‬‬
‫سلهب‬

‫‪1‬‬
‫"ان الية الت استطيب ذكرها هي الت تنبع ساحا اذ تقول‪( :‬ول تادلوا اهل الكتاب ال بالت هي‬
‫احسن ‪ -‬ال الذين ظلموا منهم ‪ -‬وقولوا آمنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والنا والكم واحد‬
‫ونن له مسلمون) ‪ 2‬ذلك ما يقوله السلمون للمسيحيي وما يؤمنون به لنه كلم ال اليهم‪ .‬انا‬
‫لعبارات يدر بنا جيعا‪ ،‬مسيحيي ومسلمي‪ ،‬ان نرددها كل يوم‪ ،‬فهي حجارة الساس ف بناءٍ‬
‫نريده ان يتعال حت السماء‪ ،‬لنه البناء الذي فيه نلتقي والذي فيه نلقى ال ‪ :‬فحيث تكون الحبة‬
‫يكون ال‪ ،‬والواقع ان القرآن يذكر صراحة ان الكتب النلة واحدة‪ ،‬وان اصلها عند ال‪ ،‬وهذا‬
‫‪3‬‬
‫الصل يدعى حينا (ام الكتاب) وحينا آخر (اللوح الحفوظ) او (المام البي)‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان ممدا صلى ال عليه وسلم كان اميا ل يقرأ ول يكتب‪ .‬فاذا بذا المي يهدي النسانية‬
‫ابلغ اثر مكتوب حلمت به النسانية منذ كانت النسانية ذاك كان القرآن الكري‪ ،‬الكتاب الذي‬
‫‪4‬‬
‫انزله ال على رسوله هدى للمتقي‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬السلم ليس باجة ال قلمنا‪ ،‬مهما بلغ قلمنا من البلغة‪ .‬ولكن قلمنا باجة ال السلم‪ ،‬ال‬
‫‪5‬‬
‫ما ينطوي عليه من ثروة روحية واخلقية‪ ،‬ال قرانه الرائع الذي بوسعنا ان نتعلم منه الكثي"‬

‫_____________________‬

‫نصري سلهب ‪ : N.Salhab‬مسيحي من لبنان‪ ،‬يتميز بنظرته الوضوعية وتريه للحقيقة الجردة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بي السلم والسيحية ف لبنان‪ - ،‬كما‬
‫يزعم ‪ -‬إنْ على مستوى الفكر او على مستوى الواقع وعب الستينات كتب العديد من الفصول‬
‫والقى العديد من الحاضرات ف الناسبات السلمية والسيحية على السواء‪ ،‬متوخيأ الدف‬
‫نفسه‪.‬‬

‫من مؤلفاته‪( :‬لقاء السيحية والسلم) (‪ ،)1970‬و(ف خطى ممد)(‪.)1970‬‬

‫سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.46 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫لقاء السيحية والسلم‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪270 :‬‬

‫"ل يقدر لي سفر‪ ،‬قبل الطباعة‪ ،‬ايا كان نوعه واهيته‪ ،‬ان يظى با حظى به القرآن من عناية‬
‫واهتمام‪ ،‬وان يتوفّر له ما توفّر للقرآن من وسائل حفظته من الضياع والتحريف‪ ،‬وصانته عما‬
‫‪1‬‬
‫يكن ان يشوب السفار عادة من شوائب"‬

‫‪5‬‬
‫"تلك اللغة الت ارادها ال قمة اللغات‪ ،‬كان القرآن قمتها‪ ،‬فهو قمة القمم‪ ،‬ذلك بانه كلم ال‪"..‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫سوسه‬

‫‪1‬‬
‫"يرجع ميلي ال السلم‪ ..‬حينما شرعت ف مطالعة القرآن الكري للمرة الول‪ ..‬فولعت به ولعا‬
‫‪4‬‬
‫شديدا‪ ..‬وكنت اطرب لتلوة اياته‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬الواقع ان توير وتبديل مصاحف اليهود امر اجع عليه العلماء ف عصرنا الال نتيجة الدرس‬
‫والتنقيب وقد جاء ذلك تأييدا علميا للقوال الربانية الت اوحيت قبل نيف وثلثة عشر قرنا على‬
‫لسان النب العرب الكري صلى ال عليه وسلم‪ .‬اما الفرقان الجيد‪ ..‬فقد حافظ السلمون عليه‬
‫برص شديد وامانة صادقة فهو حقا الكتاب القدس الفريد الذي اجع الكل على سلمته‬
‫وطهارته من التلعب والتحوير‪ ،‬وما على‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.337‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.342‬‬ ‫‪2‬‬

‫الدكتور احد نسيم سوسه ‪ : Dr. A. N. Sousa‬باحث مهندس من العراق‪ ،‬وعضو ف الجمع‬ ‫‪3‬‬

‫العلمي العراقي‪ ،‬وواحد من ابرز الختصي بتاريخ الري ف العراق‪ ،‬كان يهوديا فاعتنق السلم‬
‫متأثرا بالقرآن الكري‪ ،‬وتوف قبل سنوات قلئل‪.‬‬

‫ترك الكثي من الدراسات ف متلف الجالت وخاصة ف تاريخ الريّ‪ ،‬وفنّد ف عدد منها‬
‫ادعاءات الصهيونية العالية من الناحية التاريية‪ ،‬ومن مؤلفاته الشهية‪ ( :‬مفصل العرب واليهود ف‬
‫التاريخ)‪ ،‬و(ف طريقي ال السلم) الذي تدث فيه عن سية حياته‪.‬‬

‫ف طريقي ال السلم‪.1/51 ،‬‬ ‫‪4‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪271 :‬‬

‫القارئ ال ان يطالع ما كتبه الستشرقون ف هذا الباب‪ ..‬الذين وصفوا كيفية جعه وتدوينه‪،‬‬
‫وهؤلء اجانب غرباء كثيا ما يصوّبون اسهمهم الناقدة السامة نو السلم‪ .‬والواقع ان الدلئل‬
‫التاريية واضحة بأجلى وضوح ما ل يترك اي شك ف ان الفرقان الكري ل يطرأ عليه اي تريف‬
‫او توير وقد جاء كلم ال بكامله على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم دون ان يتغي فيه حرف‬
‫‪1‬‬
‫واحد"‬

‫‪3‬‬
‫"ورد ف القرآن انه جاء مهيمنا على ما بي يديه من الكتاب‪ ،‬ويستدل من ذلك ان التعاليم اللية‬
‫القدسة الصلية قد ضمن القرآن الحافظة عليها با اوضحه من القيقة باظهار الصحيح والدخيل‬
‫ف الكتب الرائجة ف زمان نزوله‪ ،‬وعليه فيكون بذا البيان واليضاح قد جاء خي مهيمن على‬
‫‪2‬‬
‫كتب ال القيقية وخي حافظ اياها من التلعب"‬

‫‪4‬‬
‫"الواقع انه يتعذر على الرء الذي ل يتقن اللغة العربية ول يضطلع بأدابا ان يدرك مكانة هذا‬
‫الفرقان اللي وسوه وما يتضمنه من العجزات البهرة‪ ،‬ولاكان القرآن الكري قد تناول كل انواع‬
‫التفكي والتشريع فقد يكون من العسي على انسان واحد ان يكم ف هذه الواضيع كلها‪ ،‬وهل‬
‫من مناص للمرء من النذاب ال معجزة القرآن بعد تعنه ف اميّة نب السلم ووقوفه على اسرار‬
‫حياة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ..‬فقد جعل ال تعال معجزة القرآن وامية ممد صلى ال عليه‬
‫‪3‬‬
‫وسلم برهانا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له‪"..‬‬

‫‪5‬‬
‫"ان معجزة القرآن الكري هي اكثر بروزا ف عصرنا الال‪ ،‬عصر النور والعلم‪ ،‬ما كانت عليه ف‬
‫‪4‬‬
‫الزمنة الت سادها الهل والمول‪"..‬‬

‫_____________________‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.1/86‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.1/87‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪.183 - 1/182 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪.1/185 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪272 :‬‬


‫‪1‬‬
‫سيديو‬

‫‪1‬‬
‫"ل تد ف القرآن آية إل توحي بحبة شديدة ل‪ ..‬وفيه حث كبي على الفضيلة خل تلك‬
‫القواعد الاصة بالسلوك اللقي‪ ..‬وفيه دعوة كبية ال تبادل العواطف وحسن القاصد والصفح‬
‫عن الشتائم‪ ،‬وفيه مقت للعجب والغضب‪ ،‬وفيه إشارة ال ان الذنب قد يكون بالفكر والنظر‪،‬‬
‫وفيه حض على اليفاء بالعهود حت مع الكافرين‪ ،‬وتريض على خفض الناح والتواضع‪ ،‬وعلى‬
‫استغفار الناس لن يسيئون إليهم‪ ،‬ل لعنهم ويكفى جيع تلك القوال الامعة الملوءة حكمة‬
‫‪2‬‬
‫ورشدا لثبات صفاء قواعد الخلق ف القرآن‪ ..‬إنه أبصر ك ّل شئ‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬صلح القرآن ليكون نوذجا للسلوب وقواعد النحو‪ ..‬فاوجب ذلك نشوء علم اللغة‪ ،‬فظهور‬
‫علم البيان الذي درس فيه تركيب الكلم ومقتضى الال والبديع واوجه البلغة‪ ،‬واضحى لصناعة‬
‫قراءة القرآن وتفسيه اكثر من مئة فرع‪ ،‬فادى هذا ال مال حصر له من التأليف ف كل منها‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫واغتنت اللغة العربية بتعابي جديدة كثية بعيدة من الفساد بخالطة اللغات الخرى‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫"ما يدر ذكره ان يكون القرآن‪ ،‬بي متلف اللغات الت يتكلم با متلف الشعوب السلمية ف‬
‫آسيا حت الند‪ ،‬وف افريقية حت السودان‪ ،‬كتابا يفهمه الميع‪ ،‬وان يربط القرآن هذه الشعوب‬
‫‪4‬‬
‫التباينة الطبائع برابط اللغة والشاعر‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫) لويس سيديو (‪ : l. Sedillot )1876 - 1808‬مستشرق فرنسى عكف على نشر مؤلفات‬ ‫‪1‬‬

‫ابيه جان جاك سيديو الذي توف عام ‪ 1832‬قبل ان تتاح له فرصة إخراج كافة اعماله ف تاريخ‬
‫العلوم السلمية‪ .‬وقد عي لويس امينا لدرسة اللغات الشرقية (‪ )1831‬وصنف كتابا بعنوان‬
‫(خلصة تاريخ العرب) فضلً عن (تاريخ العرب العام)‪ ،‬وكتب العديد من الباث والدراسات‬
‫ف الجلت العروفة‪.‬‬

‫تاريخ العرب العام‪ ،‬ص ‪.117 ،100 ،99 - 98 ،89‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.458‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.458‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪273 :‬‬


‫‪1‬‬
‫سيويا‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬القرآن وحي من ال‪ ،‬ل يدانيه اسلوب البشر‪ ،‬وهو ف الوقت عينه‪ ،‬ثورة عقيدية‪ ،‬هذه الثورة‬
‫العقيدية ل تعترف ‪ -‬ل بالبابا ول اى ممع لعلماء الكهنوت والقساوسة‪ ،‬حيث ل يشعر السلم‬
‫يوما بالشية واللع من قيام مبدأ التحكيم العقلي الفلسفي‪ .‬فاذا قارنا السلم باليهودية والسيحية‬
‫ند بعض الطوط الميزة والت ل تبدو مطابقة تاما خاصة مع السيحية‪ ..‬فالنظام السيحي‬
‫اليهودي يالف السلم حيث ل يوجد فراغ بي الالق واللق البشري‪ ،‬هذا الفراغ لدى اليهود‬
‫والسيحيي ملئ بالواسطة‪ ..‬ول شئ من هذا يتفق مع السلم‪ .‬فمحمد صلى ال عليه وسلم مع‬
‫كونه مبعوثا ورسولً من لدن ال ل يتظاهر بانكار دعوات كل من موسى وعيسى‪ ،‬كل مهوده‬
‫انصر ف تنقيتهما على ما جاء ف القرآن‪ ،‬الذي وضع ف العام الول مهاجة مبدأ الثلثية منبها‬
‫ال ان عيسى ليس سوى رجل ابن مري وليس بابن ال والقول بان ال له ولد‪ ،‬هذا شرك كبي‬
‫تنشق له السماء وتنفتح له الرض وتنسحق له البال‪ .‬اما روح القدس فما هو ال بثابة ملك مثل‬
‫جبيل دوره هو ان ينقل ال عيسى وممد صلى ال عليه وسلم الدعوة القدسة‪ ،‬اما مري فهى‬
‫‪2‬‬
‫مري العذراء وليست بام ال‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫شاد‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬عندما آمنت بالتوحيد بدأت ابث عن الجج والباهي الت تثبت ان القرآن هو كتاب ال‬
‫تعال وانه آخر الكتب السماوية وخاتها‪ ،‬وإنن احد ال إذ مكنن من‬

‫_____________________‬

‫هنري سيويا ‪ : H. Serouya‬مستشرق فرنسي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫من آثاره‪( :‬موسى بن ميمون‪ :‬ترجته واثاره وفلسفته) (‪( ،)1921‬الصوفية والسيحية‬
‫واليهودية)‪( ،‬فلسفة الفكر السلمي)‪.‬‬

‫فلسفة الفكر السلمي‪ ،‬ص ‪.33 - 32‬‬ ‫‪2‬‬

‫بشي احد شاد ‪ : Basheer A. Shad‬ولد عام ‪ ،1928‬لسرة نصرانية هندية بقرية ديان جالو‬ ‫‪3‬‬

‫الندية‪ ،‬كان ابوه ماتياس مبشرا نصرانيا ولذا حرص على تنشئة ابنه على ذات الطريق‪ ،‬ف عام‬
‫‪ 1947‬اكمل دراسته وبدأ يعمل مبشرا ف لهور‪ ،‬لكنه مثل كثيين غيه ما لبث ان فقد قناعاته‬
‫‪ -‬كليّة ‪ -‬بالنصرانية وانتهى به المر بعد عشرين سنة من البحث والعاناة ال اعلن اسلمه‪،‬‬
‫(حزيران عام ‪.)1968‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪274 :‬‬

‫حل هذه السألة‪ .‬فالقرآن الكري هو الكتاب الوحيد الذي يعترف بكافة الكتب السماوية‬
‫الخرى‪ ،‬بينما ند انا جيعا يرفض بعضها بعضا‪ ..‬وهذه ف القيقة هي إحدى خصائص‬
‫‪1‬‬
‫وميزات القرآن الكري‪ ،‬آخر الكتب السماوية وخاتها"‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان القرآن الكري هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يفظه عن ظهر قلب الوف مؤلفة من‬
‫البشر ف متلف بقاع الرض‪ ،‬بينما ند ان الكتب القدسة الخرى مفوظة بالط الطبوع فقط‪.‬‬
‫ومن هنا لو حدث لسبب او لخر ان اختفت الكتب الطبوعة يظل القرآن هو كتاب ال الوحيد‬
‫الحفوظ ف الصدور‪ .‬وهكذا يق له ان يتباهى بانه ظل ف مأمن من التحريف ل ينقص منه‬
‫حرف واحد ول يزد فيه حرف واحد منذ ان نزل به الوحي على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فليست هناك اية تناقضات ول اخطاء من اي نوع ف القرآن الكري‪ ،‬هذا ف الوقت الذي‬
‫تعان فيه الكتب السماوية الخرى ف نسختها الالية من الكثي من التغيي والتبديل‪ .‬وهذا سبب‬
‫‪2‬‬
‫آخر جعلن اؤمن بالسلم"‬

‫‪3‬‬
‫فاغليي‬

‫‪1‬‬
‫"ان معجزة السلم العظمى هي القرآن الذي تنقل الينا الرواية الراسخة غي النقطعة‪ ،‬من خلله‪،‬‬
‫انباء تتصف بيقي مطلق‪ .‬انه كتاب ل سبيل ال ماكاته‪ .‬ان كلً من تعبياته شامل جامع‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهو ذو حجم مناسب‪ ،‬ليس بالطويل اكثر ما ينبغي‪ ،‬وليس بالقصي اكثر ما ينبغي‪ .‬اما‬
‫اسلوبه فاصيل فريد‪ .‬وليس ثة ايا نط لذا السلوب ف الدب العرب تدر الينا من العصور الت‬
‫سبقته‪ .‬والثر الذي يدثه ف‬

‫_____________________‬

‫رجال ونساء اسلموا‪.20 - 7/19 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.7/20‬‬ ‫‪2‬‬

‫لورا فيشيا فاغليي ‪ : l.Veccica Vaglier‬باحثة إيطالية معاصرة انصرفت ال التاريخ السلمي‬ ‫‪3‬‬

‫قديا وحديثا‪ ،‬وال فقه العربية وادابا‪ .‬من آثارها‪( :‬قواعد العربية) ف جزئي (‪- 1937‬‬
‫‪ ،)1941‬و(السلم) (‪ ،)1946‬و(دفاع عن السلم)(‪ ،)1952‬والعديد من الدراسات ف‬
‫الجلت الستشراقية العروفة‪.‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪275 :‬‬

‫النفس البشرية انا يتم من غي ايا عون عرضى او اضاف من خلل سوه السليقيّ‪ .‬ان آياته كلها‬
‫على مستوى واحد من البلغة‪ ،‬حت عندما تعال موضوعات لبدّ ان تؤثر ف نفسها وجرسها‬
‫كموضوع الوصايا والنواهي وما اليها‪ .‬انه يكرر قصص النبياء (عليهم السلم) واوصاف بدء‬
‫العال ونايته‪ ،‬وصفات ال وتفسيها‪ ،‬ولكن يكررها على نو مثي ال درجة ل تضعف من اثرها‪.‬‬
‫وهو ينتقل من موضوع ال موضوع من غي ان يفقد قوته‪ .‬اننا نقع هنا على العمق والعذوبة معا‬
‫‪ -‬وها صفتان ل تتمعان عادة ‪ -‬حيث تد كل صورة بلغية تطبيقا كاملً فكيف يكن ان‬
‫يكون هذا الكتاب العجز من عمل ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو العرب الميّ الذي ل ينظم‬
‫‪1‬‬
‫طوال حياته غي بيتي او ثلثة ابيات ل ين ّم اي منها عن ادن موهبة شعرية؟"‬
‫‪2‬‬
‫"ل يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن اللي ف هذه القيقة‪ :‬وهي ان نصّه ظل صافيا غي‬
‫مرف طوال القرون الت تراخت ما بي تنيله ويوم الناس هذا‪ ،‬وان نصه سوف يظل على حاله‬
‫‪2‬‬
‫تلك من الصفاء وعدم التحريف‪ ،‬باذن ال‪ ،‬مادام الكون"‬

‫‪3‬‬
‫"ان هذا الكتاب‪ ،‬الذي يتلى كل يوم ف طول العال السلمي وعرضه‪ ،‬ل يوقع ف نفس الؤمن‬
‫ايا حسّ باللل‪ .‬على العكس‪ ،‬انه من طريق التلوة الكرورة يبب نفسه ال الؤمني اكثر فاكثر‬
‫يوما بعد يوم‪ .‬انه يوقع ف نفس من يتلوه او يصغى اليه حسّا عميقا من الهابة والشية‪ .‬ان ف‬
‫امكان الرء ان يستظهره ف غي عسر‪ ،‬حت اننا لنجد اليوم‪ ،‬على الرغم من انسار موجة اليان‪،‬‬
‫آلفا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب وف مصر وحدها عدد من الفاظ اكثر من‬
‫‪3‬‬
‫عدد القادرين على تلوة الناجيل ف اوروبا كلها"‬

‫_____________________‬

‫دفاع عن السلم‪ ،‬ص ‪57 - 56‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪59 - 58‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪59‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪276 :‬‬

‫‪4‬‬
‫"ان انتشار السلم السريع ل يتم ل عن طريق القوة ول بهود البشرين الوصولة‪ .‬ان الذي ادى‬
‫ال ذلك النتشار كون الكتاب الذي قدمه السلمون للشعوب الغلوبة مع تييها بي قبوله‬
‫ورفضه‪ ،‬كتاب ال‪ ،‬كلمة الق‪ ،‬اعظم معجزة كان ف ميسور ممد صلى ال عليه وسلم ان‬
‫‪1‬‬
‫يقدمها ال الترددين ف هذه الرض"‬

‫‪5‬‬
‫"فيما يتصل بلق الكون فان القرآن على الرغم من اشارته ال الالة الصلية وال اصل العال‪ ..‬ل‬
‫يقيم ايا حدّ مهما يكن ف وجه قوى العقل البشري‪ ،‬ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذي‬
‫‪2‬‬
‫تريد‪"..‬‬

‫‪3‬‬
‫فايس‬

‫‪1‬‬
‫‪4‬‬
‫"هكذا‪ ،‬بإلاح ال وعي النسان وعقله ومعرفته بدأ تنيل القرآن‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"اصبحت السا (زوجت)‪ ،‬شأن انا‪ ،‬اكثر تأثرا مع الوقت بذلك اللتئام الباطن بي تعاليم‬
‫(القرآن) الخلقية وتوجيهاته العملية‪ .‬ان ل بقتضى القرآن‪ ،‬ل يطلب خضوعا اعمى من جانب‬
‫النسان بل خاطب عقله‪ :‬انه ل يقف بعيدا عن مصي النسان بل انه (اقرب اليك من حبل‬
‫‪5‬‬
‫الوريد) انه ل يرسم اي خط فاصل بي اليان والسلوك الجتماعي"‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪59‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪60‬‬ ‫‪2‬‬

‫ليوبولد فايس (ممد اسد) ‪ : l. Weiss‬مفكر‪ ،‬وصحفي نساوي‪ ،‬اشهر إسلمه‪ ،‬وتسمى بحمد‬ ‫‪3‬‬

‫اسد وحكى ف كتابه القيم (الطريق ال مكة) تفاصيل رحلته ال السلم‪ .‬وقد انشأ بعاونة وليم‬
‫بكتول‪ ،‬الذي اسلم هو الخر‪ ،‬ملة (الثقافة السلمية)‪ ،‬ف حيدر آباد‪ ،‬الدكن (‪ )1927‬وكتب‬
‫فيها دراسات وفية معظمها ف تصحيح اخطاء الستشرقي عن السلم‪.‬‬

‫من آثاره‪ :‬ترجم صحيح البخاري بتعليق وفهرس‪ ،‬والف (اصول الفقه السلمي)‪ ،‬و(الطريق ال‬
‫مكة)‪ ،‬و(منهاج السلم ف الكم)‪ ،‬و(السلم على مفترق الطرق)‪.‬‬

‫الطريق ال مكة‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.318‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪277 :‬‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬لقد عرفت الن‪ ،‬بصورة ل تقبل الدل‪ ،‬ان الكتاب الذي كنت مسكا به ف يدي كان‬
‫كتابا موحى به من ال‪ .‬فبالرغم من انه وضع بي يدي النسان منذ اكثر من ثلثة عشر قرنا فانه‬
‫توقع بوضوح شيئا ل يكن بالمكان ان يصبح حقيقة ال ف عصرنا هذا العقد‪ ،‬الل‪ .‬لقد عرف‬
‫الناس التكاثر ف جيع العصور والزمنة ولكن هذا التكاثر ل ينته قط من قبل ال ان يكون مرد‬
‫اشتياق ال امتلك الشياء وال ان يصبح ملهاة حجبت رؤية ايا شئ آخر‪ ..‬اليوم اكثر من امس‬
‫وغدا اكثر من اليوم‪ ..‬لقد عرفت ان هذا ‪ 1‬ل يكن مرد حكمة انسانية من انسان عاش ف‬
‫الاضي البعيد ف جزيرة العرب النائية فمهما كان هذا النسان على مثل هذا القدر من الكمة‬
‫فانه ل يكن يستطيع وحده ان يتنبأ بالعذاب الذي يتميز به هذا القرن العشرون‪ .‬لقد كان ينطق‬
‫‪2‬‬
‫ل‪ ،‬من القرآن‪ ،‬صوت اعظم من صوت ممد"‬

‫‪3‬‬
‫فيشر‬

‫‪1‬‬
‫"ان القرآن كلم ال يشد فؤاد السلم‪ ،‬وتزداد روعته حي يتلى عليه بصوت مسموع‪ ،‬ولكنه ل‬
‫يفهم هذه الروعة كما ل يفهمها زملؤه الذين سبقوه ال العتراف ببلغة القرآن‪ ،‬اعتمادا على‬
‫‪4‬‬
‫اثره البليغ ف قلوب قرّائه وسامعيه‪ ،‬ث يقفون عند تقرير هذه البلغة بشهادة السماع"‬

‫_____________________‬

‫يشي ال سورة التكاثر الت اخبت باعجاز عن ازمة القرن العشرين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.329 - 328‬‬ ‫‪2‬‬

‫الدكتور سيدن فيشر ‪ : Sydney Fisher‬استاذ التاريخ ف جامعة اوهايو المريكية‪ ،‬وصاحب‬ ‫‪3‬‬

‫الدراسات التعددة ف شئون البلد الشرقية الت يدين الكثرون من ابنائها بالسلم‪ .‬مؤلف كتاب‬
‫(الشرق الوسط ف العصر السلمي) والذي يناقش فيه العوامل الفعالة الت يرجع اليها تطور‬
‫الشعوب والوادث ف هذه البلد واولا السلم‪.‬‬

‫الشرق الوسط ف العصر السلمي‪ ،‬عن العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪278 :‬‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬ان القرآن كتاب تربية وتثقيف‪ ،‬وليس كل ما فيه كلما عن الفرائض والشعائر‪ ،‬وان الفضائل‬
‫الت يث عليها السلمي من اجل الفضائل وارجحها ف موازين الخلق‪ ،‬وتتجلى هداية الكتاب‬
‫‪1‬‬
‫ف نواهيه كما تتجلى ف اوامره‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫جب‬
‫‪1‬‬
‫"اذا رأى احد ان الاح القرآن على فعل الي غي كثي اثبتنا له بالجة القاطعة خطأه وسقنا اليه‬
‫ذلك التعريف الشامل للب ف تلك الية العظيمة (ليس الب ان تولوا وجوهكم قبل الشرق‬
‫والغرب‪ ،‬ولكن الب من آمن بال واليوم الخر واللئكة والكتاب والنبيي‪ ،‬وآتى الال على حبه‬
‫ذوي القرب واليتامى والساكي وابن السبيل والسائلي وف الرقاب‪ ،‬واقام الصلة وأتى الزكاة‪،‬‬
‫والوفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين ف البأساء والضراء وحي البأس‪ ،‬اولئك الذين صدقوا‬
‫واولئك هم التقون) ‪ 3‬فالب اذن تاج اليان الق‪ ،‬حي يدرك الؤمن اخيا ان ال شاهد ابدا‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ويستجيب لشهوده ف كل افكاره واعماله"‬

‫‪2‬‬
‫"هذه‪ ،‬إذن‪ ،‬هي الرسالة الت بلغها القرآن ال اليل الول من السلمي وظل يبلغها ال جيع‬
‫الجيال منذ عهدئذ‪ .‬فالقرآن سجل لتجربة حية مباشرة ف ميدان‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪1‬‬

‫سي هاملتون الكساندر روسكي جب (‪: Prof.SilHamirton A. l. Gibb)1967 - 1895‬‬ ‫‪2‬‬

‫يعد امام الستشرقي النكليز العاصرين‪ ،‬استاذ اللغة العربية ف جامعة لندن سنة ‪ ،1930‬واستاذ‬
‫ف جامعة اكسفورد منذ سنة ‪ ،1937‬وعضو مؤسس ف الجمع العلمي الصري‪ ،‬تفرغ للدب‬
‫العرب وحاضر بدرسة الشرقيات بلندن‪.‬‬

‫من آثاره‪( :‬دراسات ف الدب العصرية)(‪( ،)1926‬الفتوحات السلمية ف آسيا الوسطى‬


‫وعلقتها ببلد الصي)‪( ،‬رحلت ابن بطوطة)‪( ،‬اتاهات السلم العاصرة)‪ ،‬وهو احد مرري‬
‫دائرة العارف السلمية‪.‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.177 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫دراسات ف حضارة السلم‪ ،‬ص ‪.254‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪279 :‬‬

‫اللوهية‪ ،‬تربة ذات طرفي‪ :‬واحد مطلق وآخر متصل بشؤون الياة العامة‪ ،‬ودعوة للمخلوق‬
‫كي ينظم حياته ليتمكن من الخذ بنصيب ف تلك التجربة‪ .‬وحي يتبع السلم اوامر القرآن‬
‫ويسعى ليستكنه روح تعاليمه‪ ،‬ل بفكره فحسب بل بقلبه وروحه ايضا‪ ،‬فانه ياول ان يستملك‬
‫شيئا من الرؤى الدسية ومن التجربة الت كانت للرسول البيب‪ .‬ويعظم ف عينيه مغزى كل آية‬
‫فيه‪ ،‬ليانه بانه كلم ال‪ .‬ولو ل يكن هذا اليان شعبة من عقيدته لا تناقصت قيمته لديه من‬
‫‪1‬‬
‫حيث هو منبع حي لللام والستبصار الدين"‬

‫‪3‬‬
‫"مهما يكن امر استمداد السلم من الديان الت سبقته فذلك ل يغي هذه القيقة ايضا وهي‪ :‬ان‬
‫‪2‬‬
‫الواقف الدينية الت عب عنها القرآن ونقلها ال الناس تشمل بناء دينيا جديدا متميزا"‬

‫‪4‬‬
‫"‪ ..‬على الرغم ما قام به العلماء التأخرون من تطوير لعلم كلم اسلمي منهجي‪ ،‬يبقى صحيحا‬
‫ما ذكرناه سابقا وهو‪ :‬ان جهور الماعة السلمية كان يتألف من شعوب احدثت لديها مارسة‬
‫حقائق الدين مارسة حدسية اثرا اقوى واسرع من كل اثر خلفه اي قدر من الدل العقلي او من‬
‫‪3‬‬
‫حذاقته وبراعته"‬

‫‪5‬‬
‫" إننا نطئ خطأً فاحشا إذا اقتصرنا على النظر ال هذه العقيدة نظرتنا لذهب لهوت اتقن‬
‫بشكل وراثى من جيل ال جيل منذ الف وثلثائة سنة‪ .‬انا على العكس من ذلك يقي وايان‬
‫حي يتجدد ويتأكد باستمرار ف قلوب السلمي وارواحهم وافكارهم‪ ،‬ولدى العرب بشكل‬
‫ص القدس‪ .‬لقد عارض الذهب السن التمسك بشكل عام ترجة القرآن‬ ‫خاص‪ ،‬حي يدرس الن ّ‬
‫ال اللغات السلمية الخرى على الرغم من ان النص العرب يظهر ف بعض الحيان مقترنا‬
‫بترجة تركية‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪.254 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.255 - 254‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.255‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪280 :‬‬

‫او فارسية او اوردية وغيها من اللغات‪ .‬ان هذا الوقف يستند على ماكمة شرعية متماسكة‬
‫تصوغ حججها ال حد ما بشكل عقلن مستندة ف ذلك على اعتبارات بعيدة عن هذا الشكل‬
‫العقلن‪ .‬والواقع ان القرآن ل يكن ترجته بشكل اساسي كما هي الال بالنسبة للشعر الرفيع‪،‬‬
‫اذ ليس بالمكان التعبي عن مكنون القرآن باللغة العادية‪ ،‬ول يكن ان يعب عن صوره وامثاله لن‬
‫كل عطف او ماز او براعة لغوية يب ان تدرس طويلً قبل ان ينبثق العن للقارئ‪ .‬والقرآن‬
‫كذلك له حلوة وطلوة ونظم بديع مرتب ل يكن تديده لنا تعد بسحرها افكار الشخص‬
‫الذي يصغي ال القرآن لتلقي تعاليمه‪ .‬ول شك ان تأويل كلمات القرآن ال لغة اخرى ل يكن‬
‫‪1‬‬
‫الّ ان يشوهها ويول الذهب النقيّ ال فخار‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫كوبولد‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬وذكرتُ ايضا ما جاء ف القرآن عن خلق العال وكيف ان ال سبحانه وتعال قد خلق من‬
‫كل نوع زوجي‪ ،‬وكيف ان العلم الديث قد ذهب يؤيد هذه النظرية بعد بوث مستطيلة‬
‫‪3‬‬
‫ودراسات امتدت اجيا ًل عديدة"‬

‫‪2‬‬
‫"ان اثر القرآن ف كل هذا التقدم (الضارى السلمي) ل ينكر‪ ،‬فالقرآن هو الذي دفع العرب‬
‫ال فتح العال‪ ،‬ومكنهم من انشاء امباطورية فاقت امباطورية السكندر الكبي‪ ،‬والمباطورية‬
‫‪4‬‬
‫الرومانية سعة وقوة وعمرانا وحضارة‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫التاهات الديثة ف السلم‪ ،‬ص ‪.31 - 30‬‬ ‫‪1‬‬

‫اللدي ايفلي كوبولد ‪ :ady E. Cobold‬نبيلة انكليزية‪ ،‬اعتنقت السلم وزارت الجاز‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وحجت ال بيت ال‪ ،‬وكتبت مذكراتا عن رحلتها تلك ف كتاب لا بعنوان‪( :‬الج ال‬
‫مكة)(لندن ‪ )1934‬والذي ترجم ال العربية بعنوان‪( :‬البحث عن ال)‪.‬‬

‫البحث عن ال‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪281 :‬‬

‫‪3‬‬
‫"الواقع ان جل القرآن‪ ،‬وبديع اسلوبه امرّ ل يستطيع له القلم وصفا ول تعريفا‪ ،‬ومن القرر ان‬
‫تذهب الترجة بماله وروعته وما ينعم به من موسيقى لفظية لست تدها ف غيه من الكتب‪.‬‬
‫ولعل ما كتبه الستشرق جوهونسن بذا الشأن يعب كل التعبي عن رأي مثقفي الفرنة وكبار‬
‫مفكريهم قال‪( :‬اذا ل يكن شعرا‪ ،‬وهو امرّ مشكوك به‪ ،‬ومن الصعب ان يقول الرء بانه من‬
‫الشعر او غيه‪ ،‬فانه ف الواقع اعظم من الشعر‪ ،‬وهو ال ذلك ليس تاريا ول وصفا‪ ،‬ث هو ليس‬
‫موعظة كموعظة البل ول هو يشابه كتاب البوذيي ف شئ‪ ،‬قليل او كثي‪ ،‬ول خطبا فلسفية‬
‫كمحاورات افلطون‪ ،‬ولكنه صوت النبوة يرج من القلوب السامية‪ ،‬وان كان عاليا ف جلته‪،‬‬
‫بعيد العن ف متلف سوره وآياته‪ ،‬حت انه يردد ف كل الصقاع‪ ،‬ويرتل ف كل بلد تشرق عليه‬
‫‪1‬‬
‫الشمس"‬

‫‪4‬‬
‫"اشار الدكتور ماردريل الستشرق الفرنسي الذي كلفته الكومة الفرنسية بترجة بعض سور‬
‫القرآن‪ ،‬ال ما للقرآن الكري من مزايا ليست توجد ف كتاب غيه وسواه فقال‪( :‬اما اسلوب‬
‫القرآن فانه اسلوب الالق عز وجل وعل‪ ،‬ذلك ان السلوب الذي ينطوي عليه كنه الكائن الذي‬
‫صدر عنه هذا السلوب ل يكون ال اليا‪ .‬والق والواقع ان اكثر الكتاب ارتيابا وشكا قد‬
‫خضعوا لتأثي سلطانه وسحره‪ ،‬وان سلطانه على مليي السلمي النتشرين على سطح العمور‬
‫لبالغ الدّ الذي جعل اجانب البشرين يعترفون بالجاع بعدم امكان اثبات حادثة واحدة مققة‬
‫ارتد فيها احد السلمي عن دينه ال الن‪ .‬ذلك ان هذا السلوب‪ ..‬الذي يفيض جزالة ف اتساق‬
‫منسق متجانس‪ .‬كان لفعله الثر العميق ف نفس كل سامع يفقه اللغة العربية‪ ،‬لذلك كان من‬
‫الهد الضائع الذي ل يثمر ان ياول الرء (نقل) تأثي هذا النثر البديع الذي ل يسمع بثله بلغة‬
‫‪2‬‬
‫اخرى‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.112 - 111‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.113 - 112‬‬ ‫‪2‬‬


‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪282 :‬‬

‫‪5‬‬
‫"الواقع ان للقرآن اسلوبا عجيبا يالف ما كانت تنهجه العرب من نظم ونثر‪ ،‬فحُس ُن تأليفه‪،‬‬
‫والتئامُ كلماته‪ ،‬ووجوه إيازه‪ ،‬وجودة مقاطعه‪ ،‬وحسن تدليله‪ ،‬وانسجام قصصه‪ ،‬وبديع امثاله‪،‬‬
‫كل هذا وغيه جعله ف اعلى درجات البلغة‪ ،‬وجعل لسلوبه من القوة ما يل القلب روعة‪ ،‬ل‬
‫يل قارئه ول يلق بترديده‪ ..‬قد امتاز بسهولة ألفاظه حت ق ّل ان تد فيها غريبا‪ ،‬وهي مع‬
‫سهولتها جزلة عذبة‪ ،‬والفاظه بعضها مع بعض متشاكله منسجمة ل تسّ فيها لفظا نابيا عن‬
‫‪1‬‬
‫اخيه‪ ،‬فاذا اضفت ال ذلك سّو معانيه ادركت بلغته واعجازه"‬

‫‪2‬‬
‫كويليام‬

‫‪1‬‬
‫"من الوجه العلمي‪ ،‬بصرف النظر عن انه كتاب موحى به‪ ،‬فالقرآن ابلغ كتاب ف الشرق‪( ..‬وهو‬
‫‪3‬‬
‫حافل بالجازات السامية ملئ بالستعارات الباهرة)‪"..‬‬

‫‪2‬‬
‫"احكام القرآن ليست مقتصرة على الفرائض الدبية والدينية‪ ..‬انه القانون العام للعال السلمي‪،‬‬
‫وهو قانون شامل للقواني الدنية والتجارية والربية والقضائية والزائية‪ .‬ث هو قانون دين يدار‬
‫على موره كل امر من المور الدينية ال امور الياة الدنيوية‪ ،‬ومن حفظ النفس ال صحة‬
‫البدان‪ ،‬ومن حقوق الرعية ال حقوق كل فرد‪ ،‬ومن منفعة النسان الذاتية ال منفعة اليئة‬
‫الجتماعية‪ ،‬ومن الفضيلة ال الطيئة‪ ،‬ومن القصاص ف هذه الدنيا ال القصاص ف الخرة‪..‬‬
‫وعلى ذلك فالقران يتلف ماديا عن الكتب السيحية القدسة الت ليس فيها شئ من الصول‬
‫الدينية بل هي ف الغالب مركبة من قصص وخرافات واختباط عظيم ف المور التعبدية‪ ..‬وهي‬
‫‪4‬‬
‫غي معقولة وعدية التأثي"‬
‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد ال كويليام ‪ : Kwerem‬مفكر انكليزي‪ ،‬ولد سنة ‪ ،1856‬واسلم سنة ‪ ،1887‬وتلقب‬ ‫‪2‬‬

‫باسم‪( :‬الشيخ عبد ال كويليام)‪ .‬من آثاره‪( :‬العقيدة السلمية)(‪ ،)1889‬و(احسن الجوبة)‪.‬‬

‫العقيدة السلمية‪ ،‬ص ‪.120 - 119‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.123 - 122‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪283 :‬‬

‫‪3‬‬
‫"لقد عثرت ف (دائرة العارف العامة) ‪ : Popural Encycropedia‬على نبذة نصها كما يأت (ان‬
‫لغة القرآن معتبة بانا من افصح ما جاء ف اللغة العربية فان ما فيه من ماسن النشاء وجال‬
‫الباعة جعله باقيا بل تقليد ودون مثيل‪ .‬اما احكامه العقلية فانا نقية زكية اذا تأملها النسان‬
‫‪1‬‬
‫بعي البصية لعاش عيشة هنية)‪"..‬‬

‫‪4‬‬
‫"هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة فمن اجال طرف اعتباره فيه وامعن النظر ف بدائع اساليبه‬
‫وما فيها من العجاز رآه وقد مر عليه من الزمان الف وثلثائة وعشرون سنة كانه مقول ف هذا‬
‫العصر اذ هو مع سهولته بليغ متنع ومع إياز مفيد للمرام بالتمام‪ .‬وكما انه كان يرى مطابقا‬
‫للكلم ف زمن ظهوره لجة واسلوبا كذلك يرى موافقا لسلوب الكلم ف كل زمن ولجة‪،‬‬
‫وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلغته وظهرت للعقول مزاياه‪ .‬وبالملة فان فصاحته وبلغته‬
‫قد اعجزت مصاقع البلغاء وحيت فصحاء الولي والخرين‪ .‬واذا اعطفنا النظر ال ما فيه من‬
‫الحكام وما اشتمل عليه من الكم الليلة نده جامعا لميع ما يتاجه البشر ف حياته وكماله‬
‫وتذيب اخلقه‪ ..‬وكذا نراه ناهيا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الفعال‬
‫ومساوئ الخلق‪ ..‬وكم فيه ما عدا ذلك ايضا ما يتعلق بسياسة الدن وعمارة اللك‪ ،‬وما‬
‫يضمن للرعية المن والدعة من الحكام الليلة الت ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة‬
‫‪2‬‬
‫فضلً عن القول‪"..‬‬

‫‪5‬‬
‫"ان من ضمن ماسن القرآن العديدة امرين واضحي جدا احدها علمة الشوع والوقار الت‬
‫تشاهد دائما على السلمي عندما يتكلمون عن الول ويشيون اليه‪ ..‬والثان خلوّه من القصص‬
‫والرافات وذكر العيوب والسيآت وال آخره‪ ،‬والمر الذي يؤسف عليه كثيا لوقوعه بكثرة‬
‫‪3‬‬
‫فيما يسميه السيحيون (العهد القدي)‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.140 - 139‬‬ ‫‪1‬‬

‫احسن الجوبة‪ ،‬ص ‪.26 - 23‬‬ ‫‪2‬‬

‫العقيدة السلمية‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪284 :‬‬


‫‪1‬‬
‫لندو‬

‫‪1‬‬
‫"بسبب من ان مهمة ترجة القرآن بكامل طاقته اليقاعية‪ ،‬ال لغة اخرى‪ ،‬تتطلب عناية رجل‬
‫يمع الشاعرية ال العلم‪ ،‬فاننا ل نعرف حت وقت قريب ترجة جيدة استطاعت ان تتلقف شيئا‬
‫من روح الوحي الحمدي‪ .‬والواقع ان كثيا من الترجي الوائل ل يعجزوا عن الحتفاظ بمال‬
‫الصل فحسب‪ ،‬بل كانوا ال ذلك مفعمي بالقد على السلم ال درجة جعلت ترجاتم تنوء‬
‫بالتحامل والغرض ولكن حت افضل ترجة مكنة للقرآن ف شكل مكتوب ل تستطيع ان تتفظ‬
‫بايقاع السور الوسيقي السر‪ ،‬على الوجه الذي يرتلها به السلم‪ .‬وليس يستطيع الغرب ان يدرك‬
‫‪2‬‬
‫شيئا من روعة كلمات القرآن وقوّتا ال عندما يسمع مقاطع منه مرتلة بلغته الصلية"‬

‫‪2‬‬
‫"‪ ..‬كلف كاتب الوحي‪ ،‬زيد بن ثابت‪ ،‬جع اليات القرآنية ف شـكل كتاب وكان ابو بكر‬
‫(رضي ال عنه) قد اشرف على هذه الهمة‪ .‬وف ما بعد‪ ،‬إثر جهد مستأنف بذل بامر من الليفة‬
‫عثمان (رضي ال عنه) اتذ القرآن شكله التشريعي النهائى الذي وصل الينا سليما ل يطرأ عليه‬
‫‪3‬‬
‫أي تريف"‬

‫‪3‬‬
‫"‪ ..‬ان بي آيات قصار السور ترابطا باهرا له تأثيه الوجدان برغم انه ليس ثة ايا وزن نظامي‪.‬‬
‫وف الق ان ساع السور تتلى ف الصل العرب‪ ،‬كثيا ما يلف‬

‫_____________________‬

‫روم لندو ‪ : .randaul .‬نّات وناقد فن انكليزي‪ ،‬زار زعماء الدين ف الشرق الدن (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)1937‬وحاضر ف عدد من جامعات الوليات التحدة (‪ ،)1957 - 1952‬استاذ‬


‫الدراسات السلمية وشال افريقيا ف الجمع المريكي للدراسات السيوية ف سان فرنسيسكو‬
‫(‪.)1953‬‬

‫من آثاره‪( :‬ال ومغامرت (‪( ،)1935‬بث عن الغد)(‪( ،)1938‬سلم الرسل)(‪( ،)1939‬دعوة‬
‫ال الغرب)(‪( ،)1950‬سلطان الغرب)(‪( ،)1951‬فرنسا والعرب)(‪( ،)1953‬الفن العرب)(‬
‫‪ )1955‬وغيها‪.‬‬

‫السلم والعرب‪ ،‬ص ‪.37 - 36‬‬ ‫‪2‬‬


‫نفسه‪ ،‬ص ‪.296‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪285 :‬‬

‫ف نفس الرء تأثيا بليغا‪ .‬لقد اريد بالقرآن‪ ..‬ان يتلى ف صوت جهي‪ .‬ويتعي على الرء ان‬
‫يسمعه مرتلً لكي يكم عليه حكما عادلً ويقدره حق قدره‪ ..‬وبوصفه كلمة ال القيقية‪ ،‬كان‬
‫‪1‬‬
‫معجزا ل سبيل ال ماكاته‪ ،‬ول يكن ثة‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬ايا شئ من مثله"‬

‫‪2‬‬
‫لوبون‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ان اصول الخلق ف القرآن عالية علوّ ما جاء ف كتب الديانات الخرى جيعها‪ ،‬وان‬
‫اخلق المم الت دانت له تولت بتحول الزمان والعروق مثل تول المم الاضعة لدين عيسى‬
‫(عليه السلم)‪ ..‬ان اهم نتيجة يكن استنباطها هي تأثي القرآن العظيم ف المم الت اذعنت‬
‫لحكامه‪ ،‬فالديانات الت لا ما للسلم من السلطان على النفوس قليلة جدا‪ ،‬وقد ل تد دينا‬
‫اتفق له ما اتفق للسلم من الثر الدائم‪ ،‬والقرآن هو قطب الياة ف الشرق وهو ما نرى اثره ف‬
‫‪3‬‬
‫ق شؤون الياة"‬‫اد ّ‬

‫‪2‬‬
‫"ان هذا الكتاب (القرآن) تشريع دين وسياسي واجتماعي‪ ،‬واحكامه نافذة منذ عشرة قرون ‪"..‬‬
‫‪4‬‬

‫_____________________‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.297 - 296‬‬ ‫‪1‬‬

‫كوستاف لوبون ‪ : Dr. G. lebon‬ولد عام ‪181‬م‪ ،‬وهو طبيب‪ ،‬ومؤرخ فرنسي‪ ،‬عن بالضارة‬ ‫‪2‬‬

‫الشرقية‪ .‬من آثاره‪( :‬حضارة العرب) (باريس ‪( ،)1884‬الضارة الصرية)‪ ،‬و(حضارة العرب ف‬
‫الندلس)‬

‫حضارة العرب‪ ،‬ص ‪.432 - 431‬‬ ‫‪3‬‬

‫النتائج الول للحرب (عن‪ :‬ممد كرد علي ‪ :‬السلم والضارة العربية‪.)1/74 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪286 :‬‬


‫‪1‬‬
‫ليختنستادتر‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬ان السلم العصري يعتقد ان كتابه النل يسمح له‪ ،‬بل يوجب عليه‪ ،‬ان يعال مشكلت‬
‫عصره با يوافق الدين ول يضيع الصلحة او يصد عن العرفة كما انتهت اليها علوم زمنه‪ ..‬وان‬
‫مزية القرآن ‪ -‬ف عقيدة السلم ‪ -‬انه متمم للكتب السماوية ويوافقها ف اصول اليان‪ ،‬ولكنه‬
‫يتلف عنها ف صفته العامة فل يرتبط برسالة مدودة تضي مع مضي عهدها ول بأمة خاصة‬
‫‪2‬‬
‫يلئمها ول يلئم سواها ‪ .‬وكل ما يراد به الدوام‪ ،‬ينبغي ان يوافق كل جيل ويصلح لكل اوان"‬

‫‪2‬‬
‫"انه من الضروري لدراك عمل القرآن من حيث هو كتاب دين وكتاب اجتماعي ان تدرك‬
‫صدق السلم حي يؤكد ان القرآن يكن ان يظل اساسا لدراك الكم العقدة الت تعال‬
‫مشكلت الجتمع الديث‪ .‬فان النب صلى ال عليه وسلم يرى ان القرآن هو حلقة التصال بي‬
‫الله ف كماله اللي وبي خليقته الت يتجلى فيها بفيوضه الربانية وآيتها الكبى النسان‪ .‬وان‬
‫واجب النسان ان يعمل بشيئة ال للتنسيق بي العال اللي وبي عال اللق والشهادة‪ ،‬وخي ما‬
‫يدرك به هذا الطلب ان تتوله جاعة انسانية تتحرى اعمق الوامر اللية والزمها وهي اوامر‬
‫العدل للجميع والرحة بالضعيف والرفق والحسان‪ ،‬وتلك هي الوسائل الت يضعها ال ف يد‬
‫‪3‬‬
‫النسان لتحقيق ناته‪ ،‬فهو ث مسئول عن اعماله ومسئول كذلك عن مصيه ‪".‬‬

‫_____________________‬

‫الدكتورة إلس ليختنستادتر ‪ : Ilse lictenstadter‬سيدة الانية‪ ،‬درست العلوم العربية والسلمية‬
‫‪1‬‬

‫ف جامعة فرانكفورت‪ ،‬ث ف جامعة لندن‪ ،‬واقامت زهاء ثلثي سنة بي بلد الشرقي الدن‬
‫والوسط‪ ،‬وعنيت عناية خاصة بدعوات الجتهاد والتجديد والقابلة بي الذاهب‪ .‬من مؤلفاتا‬
‫(السلم والعصر الديث)‪.‬‬

‫السلم والعصر الديث‪ ،‬عن العقاد‪ :‬ما يقال عن السلم‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪3‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪287 :‬‬


‫‪1‬‬
‫مونتاي‬

‫‪1‬‬
‫"انن ل اشك لظة ف رسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬واعتقد انه خات النبياء والرسلي‪ ،‬وانه‬
‫بعث للناس كافة‪ ،‬وان رسالته جاءت لتم الوحي الذي نزل ف التوراة والنيل‪ .‬واحسن دليل‬
‫على ذلك هو القرآن العجزة‪ .‬فانا ارفض خواطر بسكال العال الوروب الاقد على السلم‬
‫والسلمي إلّ خاطرة واحدة وهي قوله‪ :‬ليس القرآن من تأليف ممد صلى ال عليه وسلم كما‬
‫‪2‬‬
‫ان النيل ليس من تأليف متّي"‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫"ان مثل الفكر العرب السلمي البعد عن التأثي القرآن كمثل رجل افرغ من دمه"‬
‫‪4‬‬
‫هون‬

‫‪1‬‬
‫"‪ ..‬لن استطيع مهما حاولت‪ ،‬ان اصف الثر الذي تركه القرآن ف قلب‪ ،‬فلم اكد انتهي من قراءة‬
‫السورة الثالثة من القرآن حت وجدتن ساجدة لالق هذا الكون‪ ،‬فكانت هذه اول صلة ل ف‬
‫‪5‬‬
‫السلم‪"..‬‬

‫_____________________‬

‫فنساي مونتاي‪ :‬النصور بال الشافعي ‪ : F. Montague‬فرنسي‪ ،‬رجل بث وترحال‪ ،‬اختص‬ ‫‪1‬‬

‫بدراسة القضايا السلمية والعربية‪ ،‬عن كثب‪ ،‬قضى سنوات عديدة ف الغرب والشرق وافريقيا‬
‫واسيا‪ ،‬ونشر عشرات الباث والكتب عن السلم والضارة لسلمية‪ ،‬وانتهى المر به ال‬
‫اعلن اسلمه ف صيف عام ‪.1977‬‬

‫) رجال ونساء اسلموا‪.5/45 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.51 - 5/50‬‬ ‫‪3‬‬

‫عائشة برجت هون ‪ : Ayesha Bridget Honey‬نشأت ف اسرة انكليزية مسيحية‪ ،‬وشغفت‬ ‫‪4‬‬

‫بالفلسفة‪ ،‬ث سافرت ال كندا لكمال دراستها‪ ،‬وهناك ف الامعة اتيح لا ان تتعرف على‬
‫السلم‪ ،‬وان تنتهى اليه‪ ،‬وقد عملت مدرسة ف مدرسة عليا ف نيجييا‪.‬‬

‫رجال ونساء اسلموا ‪.60 - 1/59‬‬ ‫‪5‬‬

‫إشارات العجاز ‪ -‬ص‪288 :‬‬


‫‪1‬‬
‫وات‬

‫‪1‬‬
‫"يعتب القرآن قلقل العصر نتيجة اسباب دينية بالرغم من السباب القتصادية والجتماعية‬
‫والخلقية وانه ل يكن تقويها ال باستخدام الوسائل الدينية مثل كل شئ‪ .‬وانه لن الرأة الشك‬
‫ف حكمة القرآن نظرا لنجاح ممد صلى ال عليه وسلم ف تبليغ الرسالة الت امره ال بتبليغها‪"..‬‬
‫‪2‬‬

‫‪2‬‬
‫"يب علينا ف رأيي‪ ،‬مهما كان موقفنا الدين‪ ،‬ان نعتب رسالة القرآن انبثاقا خلقا ف الوضع‬
‫الكي‪ .‬ول شك انه كانت توجد مشاكل تتطلب اللّ‪ ،‬وأزمات حاول البعض تفيفها‪ ،‬ولكن‬
‫كان يستحيل النتقال من هذه الشاكل وتلك الزمات ال رسالة القرآن بواسطة التفكي‬
‫النطقي‪ ..‬ول شك ان رسالة القرآن تل مشاكل اجتماعية واخلقية وفكرية‪ ،‬ولكن ل تلّها‬
‫جيعا دفعة واحدة وليس بصورة بديهية‪ ،‬ولربا قال مؤرخ دنيوى ان ممدا وقع صدفة على‬
‫افكار كانت بثابة الفتاح لل الشاكل الساسية ف زمانه وليس هذا مكنا‪ .‬ول يكن‬
‫‪3‬‬
‫للمحاولت التجريبية ول للفكر النافذ ان يفسّر لنا كما يب رسالة القرآن"‬

‫_____________________‬

‫مونتجومري وات ‪ : Montgomery Watt‬عميد قسم الدراسات العربية ف جامعة ادنبا سابقا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫من آثاره‪( :‬عوامل انتشار السلم)‪( ،‬ممد ف مكة) ‪( ،‬ممد ف الدينة) (السلم والماعة‬
‫الوحدة)‪ ،‬وهو دراسة فلسفية اجتماعية لردّ اصل الوحدة العربية ال السلم(‪.)1961‬‬

‫ممد ف مكة‪ ،‬ص ‪.135‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪136-135‬‬

You might also like