Professional Documents
Culture Documents
تأليف
تقيق
جامعة بغداد
المـدل رب العـاليـن ،والصـلة والسلم على من اُنزل عليه القرآن الكيم ممد بن
عبدال خات النبياء والرسل ،وعلى آله واصحابه والتابعي لم باحسان ال يوم الدين.
اما بعد:
فيكاد يمع النصفون من العلماء والدارسي الطلعي على تطور اوضاع السلمي ف العصور
الخية ،ان الستاذ الليل بديع الزمان سعيد النورسى ،كان شخصية اسلمية كبية ،صادق
اليان ،عظيم الخلص ،عزيز النفس ،عارفا بقائق التوحيد ،نابغة من نوابغ الزمان ،غزير العلم،
نافذ الفكر ،داعية ثبتا ال ال تعال على بصية ،حل هوم السلمي منذ شبابه ،وقضى حياته ف
الهاد الدائب ف سبيل توضيح عقيدة السلم وبيان علل احكامه ،ودحض الفكار النحرفة
والفلسفات الاحدة الناقضة له والتخطيط العملي لجل انقاذ السلمي من الغزو الفكري
الارف الذي تعرضوا له منذ اوائل القرن الرابع عشر الجري ،بل قبله.
_____________________
1ثبتنا مقدمة الدكتور مسن عبد الميد الت قدّمها مشكورا للطبعة الول الطبوعة ف العراق
سنة 1409هـ 1989 -م -الحقق.
إشارات العجاز -ص6 :
ولقد لقى ،رحه ال تعال ف سبيل ذلك مالقى ،ما ليس جزاؤه ال عند ال تعال البصي بعباده
الصالي واوليائه الصادقي وعلمائه الجاهدين ،الذين صدقوا العهد مع ال تعال ،ول يشوا فيه
سبحانه لومة لئم.
وهذا الكتاب الذي بي يديك -قارئي العزيز -جليل القدر ،رصي السبك ،قوي الجة ،يثل
اجلى تثيل القدرة السَرَيانية الفائقة للستاذ النورسى ،وراء العان الدقيقة ف كتاباته كلها ،لسيما
العلمية الختصة منها .ولقد كانت تلك موهبة عبقرية ،وهبه ال تعال اياه ،لينظر ف كتاب ال
تعال من خللا ببصية نافذة ،ومعرفة كلمية وبلغية عميقة ،وذوق ذات رفيع ،ومنهج عقلي
سديد ،يلتمس الكشف عن القيقة ،ويبغي ايصال النسان ال اقتناع كامل بكون هذا القرآن
معجزا ،بيث يد العقلء والفصحاء ف انفسهم ضرورة اليان والعتراف بانه الكتاب الق
الذي نزل من عند علم الغيوب على رسوله الكرم ممد بن عبدال عليه افضل الصلة وازكى
التسليم ،كي يضع النسانية على طريق دعوة الق ،وينور بصيتا بنور اليان ،وادراك اليقي
للوصول ال العبودية الالصة لرب العالي.
لقد استطاع الستاذ النورسى ان يصقل موهبته الفذة بدراسة العلوم السلمية والفلسفات القدية
والعلوم النسانية والصرفة العاصرة ،زيادة على اطلعه الواسع على الدب والبلغة العربية ف
كتب امثال الاحظ والزمشري والسكاكي لسيما كتب النحوي البلغي الكبي المام عبد
القاهر الرجان حيث آمن بنظريته الشهورة ف النظم واعجب با ايا اعجاب ف هذا الكتاب.
ول تكن نظرية النظم جديدة اخترعها الرجان من غي مقدمات ،وانا لفت النظر اليها الاحظ
ف كتابه نظم القرآن والواسطي ف كتابه اعجاز القرآن ف نظمه والباقلن ف كتابه اعجاز القرآن
غي ان الرجان شرحها شرحا نويا بيانيا وافيا مترابطا وصاغ منها نظرية متكاملة تقوم على
اساس عدم الفصل بي اللفظ ومعناه وبي الشكل والضمون وقرر ان البلغة ف النظم لف الكلمة
الفردة ول ف مرد العان ،دون تصوير اللفاظ لا .وبناء على ذلك فانه يعرّف النظم بانه :تعليق
إشارات العجاز -ص7 :
الكلمة بعضها على بعض ،وجعل بعضها بسبب من بعض ،اي تضع كلمك الوضع الذي
يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه واصوله وتعرف مناهجه فل تزيغ عنها.
وكأن بالستاذ النورسى درس نظرية النظم هذه دراسة متقنة ث ظهر له ان الفسرين الذين سبقوه
كالزمشري والرازي واب السعود ل ياولوا تطبيقها من حيث هي منظومة متكاملة تشمل ترتيب
السور واليات واللفاظ سورة بعد سورة وآية بعد آية ولفظا بعد لفظ ،بتفاصيلها الكاملة فاراد
ان يقتدي بؤلء الفسرين العظام فيؤلف تفسيا يطبق فيه نظرية النظم تطبيقا تفصيليا شاملً من
حيث البان والعان ومن حيث العارف اللغوية والعقلية والذوقية ،الكلية منها والزئية ،والت
اعتمد عليها ف الكشف عن تفاصيل النظومة القرآنية الت با يظهر العجاز ،وتتكشف دقائق
خصائص السلوب القرآن الت خالفت خصائص التعبي العرب البليغ قبله ،والت حيت البلغاء
واخرست الفصحاء ،ليحق عليهم التحدي العجز ال يوم القيامة.
ول تتوجه جهود النورسى ال بيان نظرية النظم ،مقدمة لثبات اعجاز القرآن البلغي فحسب،
بل اتهت كذلك ال التغلغل ف معان اليات ،حيث اراد بناءها تفصيلً على الرتكزات العقلية
للوصول ال اظهار العقائد السلمية وارتباطها بقائق الوجود.
ومن الواضح جدا لن تأمل ف الكتاب وترتيبه ،انه كان يريد ان يؤلف تفسيا كاملً ف هذا
التاه .ولو قدر للستاذ -رحه ال تعال -ان ينهي عمله العظيم هذا كاملً ،اذن لقدّم تفسيا
بلغيا وعقليا كاملً شاملً ،كان جديرا بان يأخذ منه عمره كله حيث كان من الحقق ان
يوي حينئذ عشرات الجلدات الضخام ،لو انه مشى ف ضوء منهجه هذا الذي نقرأه ف هذا
الكتاب.
ولكن ال سبحانه وتعال قدّر له الفضل من ذلك اذ وفقه لعمل اجلّ من ذلك واعظم .عمل
استطاع فيه ان يضع مسلمي بلده ف ظروف عصره ف مواجهة القرآن الكري ،دون اشغالم
بقضايا بلغته واعجازه اللغوي والت ل تكن مشكلة عصره
إشارات العجاز -ص8 :
من خلل التحقيق ف جزئيات دقيقة ل يقوى على فهمها ال الواص جدا .وكان من الؤكد
حينئذ ان يبقى المهور العظم من السلمي ف عصره بعزل عن الستفادة من مواهبه الفذة
وحاسه اليان النقطع النظي ،وكذلك بعزل عن الصراع الفكري الضاري الرهيب غي
التكافئ مع الغزو الفكري الادي الاحد ،الذي بدأ يتسلل رويدا رويدا ال الياة السلمية حت
تصدر السياسة والقتصاد والجتماع والثقافة والفن والعلم ف كثي من بلد السلم.
من اجل ذلك ،وقف النورسى عند هذا الجلد من التفسي ،ودفعته ظروف عصره وبلده ال اتون
الصراع ،ولكن ف قالب جديد مثل بـسعيد الديد ستُه الدوء ،والتدرج ،والبناء ،والنفوذ
الحكم ال عقول السلمي وقلوبم دون صراخ عاطفي او تريج مدمر ،او صدامات فوقية ،ل
يكن الوضع السلمي يومئذ مهيئا لا ويقوى فيها على مابة العداء القوياء ف الداخل
والارج.
لقد كان اسلوب رسائل النور ف وضوحه الاسم ،وهدوئه العلمي الباهر ،وبيانه الذوقي الرفيع،
وحججه العقلية الدامغة هو البديل العصري الذكي لسلوب اثبات اعجاز القرآن اللغوي والبيان
والعقلي من خلل نظرية النظم ،لن ما اثاره العداء ل يكن يتصل بالطعن ف بلغة القرآن او
مناقشة ما يتعلق باعجازه او بتناسب سوره وآيه وكلماته .وانا كان يركز على شن هجوم عام
شامل على اصول اليان ،وحكمة التشريعات ،وماولة تفكيك النظام الخلقي الذي جاء به
القرآن الكري.
لقد وعى الستاذ النورسى التغييات الائلة الت احدثها الصراع الديد فتوجّه اليها بقائق القرآن
الت قدمها من خلل اصول النطق العقلي الفطري وعلوم ومعارف عصره.
انه استطاع ان يثبت من خلل جزء كامل من هذا الكتاب اعجاز القرآن الكري وبرهن للدارسي
وطلب القيقة ،انه من السهل ان يستمر ف ضوء منهجه العلمي والعقلي والذوقي الرفيع ال
النهاية ،اذن فليكن هذا كافيا ،وليتوجه بكليته وبقية
إشارات العجاز -ص9 :
حياته العامرة ال القضية الساس ،وهي انقاذ ايان السلمي ف عصر الصراع العلمي الرهيب،
فأنتج ف هذا الجال ايا انتاج من خلل عشرات الكتب والرسائل الت وجهها ال النشئ الديد،
للاق الزية العقيدية والفكرية باعداء السلم من اللحدة وارباب التغريب.
على انن اظلم هذا الكتاب اذا ادعيت انه خل من منهج مواجهة الصراع الديد ،بل ازعم هنا -
على قدر ما ل من علم بافكار النورسى من خلل قراءتى لبعض رسائله ف عهده الديد -انه
مامن فكرة شرحها او بسطها او مثّل عليها ال تد لا بذورا موجزة او مفصلة ف هذا الكتاب
العلمي الرصي الذي بي يديك ،لسيما ف عرض اصول العقائد السلمية باسلوب عصري
علمي .غي انه اته ف كتابه هذا ال ماطبة خاصة تلمذته من خلل دمج الصطلحات الكلمية
القدية ببدايات منهجه الديد الذي استقر عليه فيما بعد ف رسائل النور.
ولعل هذا هو سر تسمية رسائل النور بانا تفسي حقيقي للقرآن الكري ،والق ان تفسي القرآن
وماطبة السلمي بآياته ل يبارح قط فكر النورسى ال آخر لظة من لظات حياته الافلة بالحن
والحزان ،والعلم والدعوة ال التمسك بكتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم.
ان نشر هذا الكتاب بثوبه الديد هذا سيضع نوذجا تليليا بلغيا رائعا امام الهتمي بالدراسات
العجازية والبلغية والنقدية العاصرة .لسيما ف الوساط العلمية .وسيجد الهتمون بدراسات
العقائد السلمية من وجهة النطق العقلن زادهم فيه من خلل الباحث العقلية والعلمية العميقة
الت قدمها الستاذ تعليقا على اليات الت حللها من اوائل سورة البقرة.
لقد احسن الستاذ الفاضل احسان قاسم الصالي بتحقيقه هذا الكتاب من جديد ،حيث اغناه
بتدقيقاته الفيدة وشروحه القيمة ف الواشي ،وهذا فضل يكمل به افضاله السابقة على قراء
العربية حي قضى سنوات عدة ف ترجة مموعة متنوعة من رسائل النور الت دبها يراع المام
المتحن سعيد النورسى حجة السلم بق ف حياة تركيا الديثة.
إشارات العجاز -ص10 :
فجزى ال الستاذ النورسى خي الزاء ونفع السلمي بعلمه وحججه الدامغة وكلماته النورانية
الصادقة ف خدمة كتاب ال تعال وسنة رسوله الكرم صلى ال عليه وسلم.
وف ختام هذه الكلمات ادعو ال تعال ان يوفق الحقق الكري ال تقدي ترجة كاملة لرسائل
1
النور ال قراء العربية الجيدة.
2شعبان 1407هـ
_____________________
لقد استجاب الول الكري هذا الدعاء وامثاله من الدعوات الالصة لخوة كرام بررة فوفقنا 1
لترجة كاملة لكليات رسائل النور وطبعها ونشرها ،فالمدل اولً وآخرا -الحقق.
إشارات العجاز -ص11 :
1
هذا التحقيق
ففي ايام قاحلة وشهور عجاف اكرمن ال العلي القدير بقراءة هذا التفسي الليل قراءة ل ارجو
من ورائها سوى شرح للصدر ،وتغذية للروح وتنضي للذهن.
كررت قراءته مرات ومرات ،فاطفأ -باذن ال -ظمأ القلب بعذبٍ برود ..ولكن..
ولكن لست انه باجة ال تنسيق جديد وتقيق سديد ليسهل تناوله ول يتعذر فهمه لكل من
يريد ان يستفيد.
وشاء القدر اللي ان يأتين اخ كري بنسخة مطوطة منه واخر بطبعته الول ،وقد كنت احتفظ
بترجته التركية وبطبعته الثانية والخية ..فاستجمعت العناصر الول للتحقيق .فايفاءا لشكره
تعال على ما أنعم عل ّي واعدادا لنسخة جيدة من هذا التفسي الليل همت ان اقوم بتحقيقه،
ولكن..
ولكن قصوري ،وقلة خبت ،وضخامة الوضوع ،وجلل القام ،وخشية الزلل ..كانت تكّفن
عن القيام بالتحقيق ..بيد ان النظر ال ما عند ال ،وفضله العميم ،والثقة به ،وحسن القصد اليه
ف خدمة كتابه العزيز ..كانت تدفعن ال العمل ..فتخليت عن الحجام ولزمت القدام متوكلً
على العلي العلم ،وسرت بطوات متئدة ،كالت:
_____________________
1ابقيت هذه القدمة للتحقيق على ما هي عليه ف الطبعة الول الطبوعة ف العراق سنة
1409هـ 1993 -م .الّ ما استوجب من حذف واضافة ليوافق هذه الطبعة -.الحقق.
ي وهي:
اولً :قابلت بي النسخ الت توفرت لد ّ
أ -نسخة بط (الل عبدالجيد النورسي) 1مصححة من قبل الؤلف نفسه .فأعتبتا الساس ف
التحقيق .2
ب -الطبعة الول من الكتاب ،الطبوع سنة 1334ف مطبعة (اوقاف اسلمية) باستانبول
ومصححة من قبل الؤلف وعليها بعض الوامش بط يده .وقد رمزت اليها بـ(ط .)1
ج -مطوط بط السيد (طاهر بن ممد الشوشي) 3انتهى منه سنة 1373هـ ،وضم فيه
تعليقات واستدراكات جيدة على النسّاخ ،مع وضع لعناوين صغية لهم الوضوعات ف
الصفحة ،وقد رمزت اليه بـ(ش) .فكل اضافة او تعليق مذيل بـ(ش) هو منه.
د -الترجة التركية له ،والت قام با (الل عبد الجيد النورسى) ونَش َرتْها (دار سوزلر ف
استانبول) سنة ( .)1976وقد رمزت اليها بـ(ت).
هـ -تقيق قام به الشيخ صدرالدين البدليسي ،حيث وضع بعض الوامش وصحح اخطاء
مطبعية ،فرمزت اليها بـ(ب).
_____________________
1وهو شقيق الستاذ النورسى ،كان مدرسا للغة العربية ،ث مفتيا ،ث مدرسا للعلوم السلمية
ف العهد العال ف قونيا ،ترجم كثيا من رسائل النور ال العربية ،وترجم اشارات العجاز
والثنوى العرب النوري من العربية ال التركية .توف سنة 1967عن ثلث وثاني سنة من
العمر .تغمده ال برحته الواسعة.
هذه النسخة مع مموعتي كامتلتي من كليات رسائل النور الستنسخة باليد والصححة من قبل 2
الؤلف قد بعثها الؤلف سنة 1951م ال مدينة "أورفة " داخل صندوقي ،وهي مفوظة الن
لدى الدكتور عبدالقادر بادللي ،الذي تتلمذ على الستاذ النورسي وزاره مرات كثية ،وسعى ف
نشر الرسائل وما زال وترجم "الثنوي العرب النوري " ورسائل اخرى ال اللغة التركية ،وله
مصنفات عدة منها :حياة الستاذ النورسي (3ملدات) ومصادر اليات والحاديث الشريفة
الواردة ف رسائل النور ،وغيها .مع مقالت كثية .وهو الذي يسّر لنا الطلع على النسخة
الصلية لـ "إشارات العجاز " فجزاه ال خيا على عمله النبيل.
وهو من قرية "شوش " التابعة لقضاء "عقرة " ف شال العراق .قرأ العلوم السلمية وتضلّع با. 3
نذر خطه الميل لرسائل النور ،ولسيما لشارات العجاز ،حيث كتب منها اربع نسخ علوة
على ما استنسخه من الرسائل الترجة ف وقته حت كان يستنسخ بعضها ف ضوء القمر .من
تأليفاته "رياض النور " ف سية الرسول العظم صلى ال عليه وسلم ف ثلثة عشر ألف بيت
باللغة الكردية .توف سنة 1962عن اربع واربعي سنة من العمر .أسكنه ال فسيح جناته.
و -الطبعة الخية الطبوعة ف مؤسسة الدمات الجتماعية ف بيوت سنة )1974( 1394
وقد لحظت فيها:
-1ترجة السيد عاصم السين لقدمة الكتاب الت كتبها الستاذ النورسى بالتركية ،اقتصرت
على قس ٍم منها ،فاجريتُ فيها تغييات طفيفة لتفي براد الؤلف ،ث اتتمت ترجة بقية القدمة.
-2كلمة ثناء او (تقريظ) للشيخ صدرالدين البدليسي ،وهي كلمة قيمة لبيان ظروف تأليف
التفسي ،ومقارنته مع تفاسي اخرى مشهورة ،فأبقيتها كما هي.
-3هناك ف ختام الكتاب ثلث عشرة شهادة من شهادات الفلسفة وعلماء اوربا حول أحقية
القرآن ،اهلتُها لركاكة ترجتها اولً ولعدم عثوري على اصولا كي اترجها مددا ،ووضعت
بد ًل منها ما قدّمه الستاذ الدكتور عمادالدين خليل مشكورا فصلً من كتابه القيم قالوا عن
السلم وهو الفصل الول الاص بالقرآن الكري ،فألقناه كاملً بالكتاب ،فجزاه ال خيا على
عمله الليل.
ثانيا :وبعد القابلة او ف اثنائها صححت الخطاء الطبعية والملئية ،مع تشكيل وضبط الكثي
من الكلمات ،ث عزوت اليات الكرية ال سورها .وخرّجت الحاديث الشريفة الواردة فيه من
الكتب العتمدة التوفرة لديّ ،وبساعدة الخ الكري فلح عبد الرحن .وتركنا قسما من
الحاديث كما هو ،لعل ال يهئ لنا من الصادر الديثية ما نتمكن من تريه ،او يرشدنا اليه
علماؤنا الفاضل.
ثالثا :راجعت امهات القواميس كالحيط والصباح ومتار الصحاح وغيها لتفسي بعض ما
استغلق عليّ من كلمات..
رابعا :استخرجت المثال الواردة فيه ،وقابلتها مع اصولا ف ممع المثال للميدان.
خامسا :وضحت بعض ما أُبم عليّ من العبارات ،استنادا ال الترجة التركية ،حيث جاءت فيها
تلك العبارات اكثر وضوحا .وادرجتها ف الامش مع تذييلها بـ(ت) ورقم الصفحة.
سادسا :استشكلت عليّ امور نوية ومسائل لغوية .اضطرتن ال مراجعة امهات الكتب اللغوية
كالغن والشون وغيها ،حت اطمأن القلب وحصلت القناعة التامة بان ما اقره الستاذ
النورسى هو الصواب ،او فيه جواز ،وان ما الفته وتعلمته من قواعد النحو ما هو ال النر اليسي
من بر ميط عظيم بل ما هو ال الوجه الشائع من بي وجوه كثية.
وبعد الفراغ من العمل بتوفيق ال سبحانه وتعال ،وضعت كل ماقمت به بي يدي اخي الستاذ
الدكتور مسن عبد الميد ليدلن على عثرات ويبصرن على ثغرات العمل؛ اذ هو الذي صا َحبَ
الرازي سني ،ولزم اللوسى سني اخرى ،و َخبَر اصول التفسي وضوابطه درسا وتدريسا لسني
طويلة ،ومازال ،فكلل جهدي جزاه ال خيا بقدمة وافية شافية.
وبعد:
فلقد بذلت ما بوسعى ف تقيق الكتاب ،ولست زاعما ان اوفيت حقه ،ولكن حسب انن
حاولت ،وبذلت ما استطعت ابتغاء ان يكون من العمل الصال عندال ،ورجاء ان تنال دعوة
خالصة من ينتفع به.
وال نسأل ان يوفقنا ال حُسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل.
اشــارات العـجــاز
فــــي
مـظــان اليـجــــاز
تأليف
تقيق
تنبيه
لقد ت تأليف تفسي اشارات العجاز ف السنة الول من الرب العالية الول على جبهة القتال
بدون مصدر او مرجع .وقد اقتضت ظروف الرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن ُيكْتب هذا
التفسي ف غاية الياز والختصار لسباب عديدة .
وقد بقيت الفاتة والنصف الول من التفسي على نو اشد اجال واختصارا:
أولً :لن ذلك الزمان ل يكن يسمح باليضاح ،نظرا ال ان (سعيدا القدي) كان يعبّر بعبارات
موجزة وقصية عن مرامه.
ثانيا :كان (سعيد) يضع درجة افهام طلبته الذكياء جدا موضع العتبار .ول يكن يفكر ف فهم
الخرين .
ثالثا :لا كان يبيّن أدق وأرفع ما ف نظم القرآن من الياز العجز ،جاءت العبارات قصية
ورفيعة.
بيد انن أجَلت النظر فيه الن بعي (سعيد الديد) .فوجدت ان هذا التفسي با يتويه من
تدقيقات ،يعدّ بق تفة رائعة من تف (سعيد القدي) بالرغم من اخطائه وذنوبه.
ولا كان ( اي سعيد القدي ) يتوثب لنيل مرتبة الشهادة اثناء الكتابة ،فيكتب مايعنّ له بنية
خالصة ،ويطبق قواني البلغة ودساتي علوم العربية ،ل استطع ان اقدح
إشارات العجاز -ص18 :
ف اي موضع منه ،اذ ربا يعل الباري عز وجل هذا الؤلّف كفارة لذنوبه ويبعث رجالً
يستطيعون فهم هذا التفسي حق الفهم.
ولول موانع الرب العالية ،فقد كانت النيّة تتجه ال ان يكون هذا الزء وقفا على توضيح
العجاز النظمي من وجوه اعجاز القرآن ،وان تكون الجزاء الباقية كل واحد منها وقفا على
سائر اوجه العجاز.
ولو ضمت الجزاء الباقية حقائ َق التفسي التفرقة ف الرسائل لصبح تفسيا بديعا جامعا للقرآن
العجز البيان .
ولعل ال يبعث هيئة سعيدة من النورين تعل من هذا الزء ومن الكلمات و الكتوبات الست
والستي ،بل الائة والثلثي من اجزاء رسائل النور مصدرا ،وتكتب ف ضوئه تفسيا من هذا
القبيل)*(.
سعيد النورسي
(*) ان هذا التفسي القيم بي دفتيه نكاتٍ 1بلغية دقيقة ،قد ليفهمها كثي من القراء،
وليعيون لا اهتمامهم ،ولسيما ما جاء ضمن اليتي اللتي تصفان حال الكفار واليات الثنت
عشرة الاصة بالنافقي.
ان ذكر نكات دقيقة ف تلك اليات والقتصار على بيان دقائق دللت الفاظها وبدائع اشاراتا
باهتمام بالغ ،من دون تفصيل لاهية الكفر ،مع تطرق يسي ال الشبهات الت يلتزمها النافقون -
خلفا لا جرى ف سائر اليات من تقيق وتفصيل -اقول ان سبب ذلك كله نلخصه ف نكات
ثلث:
النكتة الول:
س سعيد القدي -بفيض من القرآن الكري -انه سيظهر ف هذا الزمان التأخركفار للقد اح ّ
يهتدون بكتاب ومنافقون من الديان السابقة ،كما ظهروا ف بداية السلم ،فاكتفى ببيان
النكات الدقيقة لتلك اليات من دون ان يوض ف حقيقة
_____________________
1النكتة :هى مسألة لطيفة اُخرجت بدقة نظر وإمعان فكر ،وسيت السألة الدقيقة نكتة لتأثي
الواطر ف استنباطها " -التعريفات للجرجان".
مسلكهم وبيان نقاط ارتكازهم ،بل تركها مملة دون تفصيل ،لئل يعكّر صفو اذهان القراء
الكرام .ومن العلوم ان نج رسائل النور هو :عدم ترك أث ٍر سئٍ مهما كان ف ذهن القارئ ،اذ
تيب اجوبة قاطعة على الشبهات الت يثيها اعداء السلم من دون ان تذكر الشبهة نفسها -
بلف سائر العلماء -فتسد بذا دخول اية شبهة كانت ف ذهن القارئ .فانتهج سعيد القدي ف
تفسيه هذا مسلك رسائل النور ،فأول اهتمامه بالانب البلغي لتلك اليات وبيان الفاظها
واشاراتا لئل يكدّر الذهان ويعكر صفوها.
النكتة الثانية:
لا كانت قراءة كل حرف من القرآن الكري فيها عشر حسنات أو مائة حسنة أو ألفا من ثرات
الخرة أو الوفا منها ،فل يعدّ اذن ايضاح سعيد القدي لنكات دقيقة تص كلمات القرآن الكري
س سعيد
اسرافا ف الكلم ،اذ رغم دقة الهداب وصغر بؤبؤ العي فإن لما اهية عظمى .فلقد اح ّ
القدي ف النكات البلغية مثل هذه الهية ،لذا ل تثنه شراسة العارك وهول الرب ف البهة
المامية عن املء ادق النكات القرآنية على تلميذه .
النكتة الثالثة:
ان الترجة التركية لذا التفسي ل توف بلغته الفائقة حق الوفاء ،بل جاءت متصرة ف مواضع
عدة .وسنلحق با -باذن ال -التفسي العرب رفعا لذا النقص ما ل يكن من مانع .فيجى بذل
الستطاع ليكون طبعه مطابقا للصل مافظا على توافقاته الرائعة الت ل تسها ارادة انسان،
وذلك لئل تضيع علمات قبوله.
سعيد النورسي
افادة الرام
اقول :لا كان القرآنُ جامعا لشتات العلوم وخطبةً لعامة الطبقات ف كل العصار ،ل يتحصّل
له تفسي لئق من فهم الفرد الذي قلما يلُص من التعصب لسلكه ومشربه؛ اذ فهمُه يصّه ليس
له دعوة الغي اليه إلّ ان يُعدّيه 1قبول المهور .واستنباطُه -ل بالتشهي -له العمل لنفسه فقط،
ول يكون حج ًة على الغي إلّ ان يصدّقه نوعُ اجاع.
فكما لبد لتنظيم الحكام واطرادها ورفع الفوضى -الناشئة من حرية الفكر مع اهال الجاع
-من وجود هيئة عالية من العلماء الحققي الذين -بظهريتهم لمنية العموم واعتماد المهور
-يتقلدون كفالة ضمنية للمة ،فيصيون مظهر سرّ حجّيةِ الجاع الذي لتصي نتيجةُ الجتهاد
شرعا ودستورا ا ّل بتصديقه وسكّته 2؛ كذلك لبد لكشف معان القرآن وجع الحاسن التفرقة
ف التفاسي وتثبيت حقائقه -التجلية بكشف الفن 3وتخيض الزمان -من انتهاض هيئة عالية
من العلماء التخصصي ،الختلفي ف وجوه الختصاص ،ولم مع دقةِ نظر ُوسْعةُ 4فك ٍر لتفسيه.
_____________________
ث ان بينما كنت منتظرا ومتوجها لذا القصد بتظاهر هيئة كذلك -وقد كان هذا غاية خيال
من زمان مديد -اذ سنح لقلب من قبيل الس قبل الوقوع تقرّب زلزلة عظيمة ،1فشرعتُ -مع
عجزي وقصوري والغلق ف كلمي -ف تقييد ما سنح ل من اشارات اعجاز القرآن ف نظمه
ت والّ فالعُهدة عليّ.
وبيان بعض حقائقه ،ول يتيسر ل مراجعة التفاسي .فان وافقها فبِها وِنعْمَ ْ
فوقعتْ هذه الطامة الكبى ..ففي اثناء اداء فريضة الهاد كلما انتهزتُ فرصة ف خط الرب
قيدتُ مالح ل ف الودية والبال بعبارات متفاوتة باختلف الالت .فمع احتياجها ال
التصحيح والصلح ليرضى قلب بتغييها وتبديلها؛ اذ ظهرتْ ف حالة من خلوص النية ل توجد
الن ،فاعرضها لنظار اهل الكمال ل لنه تفسي للتنيل ،بل ليصي -لو ظفر بالقبول -نوعَ
مأخذٍ 2لبعض وجوه التفسي .وقد ساقن شوقي ال ماهو فوق طوقي ،فان استحسنوه شجعون
على الدوام.
ومن ال التوفيق.
سعيد النورسي
_____________________
لقد اخبنا مرارا ف اثناء الدرس وقوع زلزلة عظيمة (بعن الرب العمومية فوقعت كما 1
اخبنا).
قيل لك :هو الترج ُة الزلية لذه الكائنات ،والترجا ُن البدي للسنتها التاليات لليات التكوينية،
ومفسّ ُر كتاب العالَم ..وكذا هو كشافٌ لخفيات كنوز الساء الستترة ف صحائف السموات
ح لقائق الشؤون الضْمَرة ف سطور الادثات ..وكذا هو لسان الغيب والرض ..وكذا هو مفتا ٌ
ف عال الشهادة..وكذا هو خزينةٌ للمخاطبات الزلية السبحانية واللتفاتات البدية الرحانية..
وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشسٌ لذا العال العنوي السلمي ..وكذا هو خريطةٌ للعال
الُخروي ..وكذا هو القولُ الشارح والتفس ُي الواضح والبهان القاطع والترجان الساطع لذات
ال وصفاته واسائه وشؤونه ..وكذا هو مربّ للعال النسان ،وكالاء وكالضياء للنسانية
الكبى الت هي السلمية ..وكذا هو الكمة القيقية لنوع البشر ،وهو الرشد الهدي ال ما
خُِل َق البشرُ له ..وكذا هو للنسان :كما انه كتابُ شريعةٍ كذلك هو كتاب حكمةٍ ،وكما انه
كتابُ دعاء وعبودية كذلك هو كتابُ ام ٍر ودعوة ،وكما انه كتابُ ذكرٍ كذلك هو كتابُ فِكر،
ب كثيةٌ ف مقابلة جيع حاجات النسان العنوية ،كذلك هو وكما انه كتابٌ واحد لكن فيه كت ٌ
كمنل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل .حت انه قد أبرز لشْرَب كلّ واحدٍ من اهل الشارب
الختلفة ،ولسلك كلّ واحدٍ من اهل السالك التباينة من الولياء والصديقي ومن العرفاء
والحققي رسال ًة لئقةً لذاق ذلك الشرب وتنويره ،ولساق ذلك السلك وتصويره حت كأنه
مموعة الرسائل.
سعيد النورسي
فنحمده مصلي على نبيه ممد الذي ارسله رحة للعالي وجعل معجزته الكبى الامعة برموزها
واشاراتا لقائق الكائنات باقية على مر الدهور ال يوم الدين وعلى آله عامة واصحابه كافة.
اولً :ان مقصدنا من هذه الشارات تفسي جلة من رموز نظْمِ القرآن؛ لن العجاز يتجلى من
نظمه .وما العجاز الزاهر ا ّل نقشُ النظم.
وثانيا :ان القاصد الساسية من القرآن وعناصره الصلية اربعة :التوحيد والنبوة والشر والعدالة؛
لنه:
لا كان بنو آدم كركبٍ وقافلةٍ متسلسلةٍ راحلةٍ من أودية الاضي وبلده ،سافرةٍ ف صحراء
الوجود والياة ،ذاهبةٍ ال شواهق الستقبال ،متوجهةٍ ال جنّاته ،فتهتز بم الناسبات وتتوجه
ل منهم بـ "يا بن آدم!
ت حكومةُ الِلقة فَ ّن الكم ِة مستنطقا وسائ ً
اليهم الكائنات .كأنه اَرسَل ْ
مِن أين؟ ال أين؟ ماتصنعون؟ مَنْ سلطانكم؟ مَنْ خطيبكم؟"
فبينما الحاورة ،اذ قام من بي بن آدم -كأمثاله الماثل من الرسل اول العزائم -سيّ ُد نوعِ
البشر ممّد الاشي صلى ال عليه وسلم وقال بلسان القرآن:
"ايها الكمة ! نن معاشر الوجودات نئ بارزين من ظلمات العدم بقدرة سلطان الزل ،ال
ضياء الوجود ..ونن معاشر بن آدم ُب ِعثْنا بصفة الأمورية متازين من بي اخواننا الوجودات بمل
المانة ..ونن على جناح السفر من طريق الشر
___________
-1اى :ايها الفن السمى بالكمة .والفن يطلق على كل علم ،والكمة :علم يبحث عن
حقائق الشياء على ما هى عليه ف الوجود بقدر الطاقة البشرية ،فهى علم نظرى غي آل
(التعريفات).
ال السعادة البدية ،ونشتغل الن بتدارك تلك السعادة وتنمية الستعدادات الت هى رأسُ مالِنا..
وانا سيّدُهم وخطيبهم .فها دونكم منشوري! وهو كلم ذلك السلطان الزل تتلل عليه س ّكةُ
ب الصواب ليس ال القرآنُ ،ذلك الكتاب..
العجاز .والجيب عن هذه السئلة الوا َ
كان 1هذه الربعة عناصره الساسية.
فكما تتراءى هذه القاصد الربعة ف كله ،كذلك قد تتجلى ف سور ٍة سورة ،بل قد يُلْمَح با ف
كلمٍ كلم ،بل قد يُ ْرمَز اليها ف كلمةٍ كلمة؛ لن كل جزء فجزء كالرآة لكلٍ فك ٍل متصاعدا،
كما ان الكل يتراءى ف جزءٍ فجزءٍ متسلسل.
ان قلت :ارن هذه القاصد الربعة ف "بسم ال" وف "المد ل".
قلت :لا اُنزل (بسم ال) لتعليم العباد كان "قُلْ" مقدّرا فيه .وهو ا ُلمّ ف تقدير القوال القرآنية
.2فعلى هذا يكون ف "قل" اشارة ال الرسالة ..وف (بسم ال) رمز ال اللوهية ..وف تقدي الباء
تلويحٌ ال التوحيد ..3وف (الرحن) تلميحٌ ال نظام العدالة والحسان ..وف (الرحيم) اياء ال
الشر.
وكذلك ف (المد ل) اشارةٌ ال اللوهية ..وف لم الختصاص رمزٌ ال التوحيد ..وف (رب
العالي) اياء ال العدالة والنبوة ايضا؛ لن بالرسل تربي ُة نوع البشر ..وف (مالك يوم الدين)
تصريح بالشر.
حت ان صَدَف (ِانّا َاعْطَْينَاكَ اْل َكوْثَرَ ) 4يتضمن هذه الواهر .هذا مثال فانسج على منواله.
_____________________
1جواب لا ( ..الؤلف).
اى :يا ممد! قل هذا الكلم وعلّمه الناس (ت)13 : 2
(بِسْمِ ال) كالشمس يضئ َنفْسَه كغيِه ،فاستغن .حت ان باءه متعلقة بالفعل الفهوم من معناها
-اي :استعي به ،او الفهوم عرفا ،أي :أتَيمّن به ،أو با يستلزمه "قل" القدّر من "أقرأ" -الؤخّر
للخلص والتوحيد .1
اما "السم" فاعلم! ان ل اساء ذاتية ،واساء فعلية متنوعة كالغفار والرزاق والحيي والميت
وأمثالا .وتن ّوعُها وتكثّرها بسبب تعدد نسبة القدرة الزلية ال انواع الكائنات .2فكأن (بسم
ال) استنالٌ لتأثي وتعلق القدرة ليكون ذلك التعلقُ روحا مُمدّا لكسب العبد.
(ال) لفظة اللل نسخةٌ جامعة لميع الصفات الكمالية لدللتها التزاما عليه؛ بسر استلزام ذاته
تعال لصفاته بلف سائر الَعلم ،لعدم الستلزام.
(الرّحْمنِ الرّحِيمِ)
وجه النظم :ان لفظ اللل كما يتجلى منه اللل بسلسلته ،كذلك يتراءى المال بسلسلته من
(الرحن الرحيم) .اذ اللل والمال اصلن تسلسل منهما -بتجليهما ف كل عال -فروعٌ:
كالمر والنهي ،والثواب والعذاب ،والترغيب والترهيب ،والتسبيح والتحميد ،والوف والرجاء
ال آخره. .
وايضا كما ان لفظ اللل اشارة ال الصفات العينية والتنيهية؛ كذلك "الرحيم" اياء ال
ي ولغيٌ؛ اذ "الرحن" الصفات الغيية الفعلية؛ و"الرحن" رمز ال الصفات السبع الت هي ل ع ٌ
بعن الرزاق ،وهو عبارة عن اعطاء البقاء .والبقاءُ تكررُ الوجود .والوجود يستلزم صفة مُ َميّزة
خصّصَة وصفة ُمؤَثّرَة ،وهي العلم والرادة والقدرة .والبقاء الذي هو ثرة اعطاء الرزق وصفة ُم َ
يقتضي عُرفا ثبوت البصر والسمع والكلم؛ اذ لبد للرزاق من البصر ليى حاجة الرزوق إن ل
يَطلب ،ومن السمع ليستمع كلمه إن طلب ،ومن الكلم ليتكلم مع الواسطة إن كانت .وهذه
الست تستلزم السابعة الت هي الياة.
_____________________
1ان الفعال الذكورة التعلقة بالباء ،تقدّر مؤخرا للحصر ليتضمن الخلص والتوحيد (ت:
)14
اى بسبب علقة القدرة الزلية وتعلّقها بانواع الكائنات وافرادها (ت)14 : 2
ان قلت :تذييل "الرحن" الدال على الِنعَمِ العظيمة بـ "الرحيم" الدال على النعم الدقيقة يكون
صنعة التدلّي .والبلغة ف صنعة الترقّي من الدن ال العلى؟
قلت :تذييلٌ للتتميم كالهداب للعي واللجام للفرس ..وايضا لا توقفت العظيمةُ على الدقيقة،
كانت الدقيقة ارقى كالفتاح للقفل واللسان للروح ..وايضا لا كان هذا القام مقام التنبيه على
مواقع الِنعَمِ كان الخفى أجدر بالتنبيه ،فيكون صنع ُة التدلّي ف مقام المتنا ِن والتعدا ِد صنعةَ
الترقّي ف مقام التنبيه.
ان قلت" :الرحن" و"الرحيم" كامثالما ببادئها مالٌ ف حقه تعال كرّقةِ القلب .وان اُريد منها
النهايات 1فما حكمة الجاز؟
قلت :هي حكمة التشابات 2؛ وهي التنلت اللية ال عقول البشر؛ لتأنيس الذهان وتفهيمها،
كمن تكلم مع صبّ با يألفه ويأنس به .فان المهور من الناس يتنون معلوماتم عن مسوساتم
ول ينظرون ال القائق الحضة ال ف مرآة متخيلتم ومن جانب مألوفاتم ..وايضا القصود من
الكلم :افادةُ العن ،وهي لتتم ال بالتأثي ف القلب والس ،وهو ليصل ال بإلباس القيقة
اسلوبَ مألوف الخاطب وبه يستعد القلب للقبول.
(الَمْدُ)
وجه النظم مع ما قبله :ان "الرحن" و"الرحيم" لا دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب المد .ث ان
(المد ل) قد كُرّرَت ف أربع ُسوَرٍ من القرآن ،3كل واحدة منها ناظرة ال نعمة من النعم
4
الساسية الت هي :النشأة الول ،والبقاء فيها؛ والنشأة الُخرى ،والبقاء بعدها.
_____________________
1اى :إن قصد النعام الذي هو نتيجة ولزم لعن حقيقتهما (ت)16 :
الت مال استعمال معناها القيقي بقه تعال ،كاليد (ت)16 : 2
قال ابو اسحق السفراين رحه ال :ف سورة "النعام " كل قواعد التوحيد .ولا كانت نعمه 4
تعال ما تفوت الصر إلّ انا ترجع اجالً ال اياد وابقاء ف النشأة الول ،واياد وابقاء ف
النشأة الخرة .وقد اشي ف "الفاتة " "الكهف " ال البقاء الول ،وف "سبأ " ال الياد الثان،
وف "فاطر " ال البقاء الثان ،فلهذا ابتدأت هذه السور المس بالتحميد (حاشية شهاب على
سورة النعام ج 4ص ()2ب)
وتقيقه :ان ال سبحانه خلق النسان وجعله نسخة جامعة للكائنات ،وفهرستة 3لكتاب العالَم
الشتمل على ثانية عشر الف عالَم ،وأودع ف جوهره انوذجا من كل عالَم تلى فيه اسمٌ من
ف النسانُ كل مااُنعِمَ عليه ال ماخُِلقَ لجله ايفاءً للشكر العرف -الداخلاسائه تعال .فاذا صر َ
ج مشكاةً لعالَمِهِ
تت المد -وامتثالً للشريعة الت هي جلء لصدأ الطبيعة ،يصيُ كلّ انوذ ٍ
ومرآةً له وللصفة التجلية فيه والسم التظاهر منه .فيكون النسان بروحه وجسمه خلص َة عالَيْ
الغيب والشهادة ،ويتجلى فيه ما تلى فيهما.
فبالمد يصي النسان مظهرا للصفات الكمالية اللية .يدل على هذا قول مي الدين العرب 4ف
ت الْخَ ْلقَ ِلَيعْرِفُون) 5أي :فخلقت اللق ليكون مرآةً
خًلقْ ُ
خ ِفيّا فَ َ
بيان حديث ( ُكنْتُ َكنْزَا مَ ْ
أشاهِدُ فيها جال.
_____________________
ل يعرف له سند صحيح ول ضعيف ،الّ ان علي القارئ قال :ولكن معناه صحيح ،مستفاد من 5
قوله تعال(وما خلقت الن والنس إ ّل ليعبدون) اى ليعرفون ،كما فسره ابن عباس رضى ال
عنهما (باختصار عن كشف الفاء .)2/132
(ل) أي المد متص ومستحق للذات 1القدس الشخص الذي يُلحَظ بفهوم "الواجب
الوجود" 2اذ قد يلحظ الشخص بأمر عام .وهذه اللم متعلقة بعن نفسها،كأنا تشربت معن
متعلقها .3وف اللم اشارة ال الخلص والتوحيد.
(رَبّ) أي الذي يربّي العال بميع اجزائه ،الت كلٌ منها كالعال عالَم؛ وذرّاتهُ كنجومه متفرّقةٌ
متحرّكة بالنتظام.
واعلم! ان ال عز وجل عيّن لكل شئ نقطةَ كمالٍ وأودع فيه ميلً اليها ،كأنه أمَرَه أمرا معنويا
ان يتحرك به اليها ،وف سفره يتاج ال ما يُمدّه ودفع ما يَعوقهُ ،وذلك بتربيته عز وجل .لو
تأملت ف الكائنات لرأيتها كبن آدم طوائف وقبائل يشتغل كلٌ منفردا ومتمعا بوظيفته الت
عّينَها له صاِنعُه ساعيا مُجدّا مطيعا لقانون خالقه .فما اعجب النسان كيف يشذّ!
(الْعَالَ ِميَ) الياء والنون إما :علمة للعراب فقط كـ "عشرين وثلثي" ..أو للجمعية؛ لن
اجزاء العال عَوال ..أو العالُ ليس منحصرا ف النظومة الشمسية .قال الشاعر:
س وَاْلقَمَرُ
ك تَجرِي النّجُو ُم بِهِ وَالشّ ْم ُ
الَحَمْدُ ل كَمْ ل مِنْ فَلَ ٍ
وآثرَ جعَ العقلء مثل ( َرَأْيُتهُمْ لِي سَا ِجدِينَ) 4اشارةً ال ان نظ َر البلغة يصوّر كل جزء من
أجزاء العال بصورةِ حيّ عاق ٍل متكلّم بلسان الال .اذ العالَم اس ُم مايُعَل ُم به الصان ُع ويشهدُ عليه
ويشي اليه .فالتربية والعلمُ يُومِيان -كالسجود -ال انا كالعقلء.
(الْرّحْمن الْرّحِيمِ)
وجه النظم :انما اشارتان ال أسا َس ْي التربية؛ اذ "الرحن" لكونه بعن الرزاق يلئم جلب النافع؛
و"الرحيم" لكونه بعن الغفار يناسب دفع الضار وها الساسان للتربية.
_____________________
وجه النظم :انه كالنتيجة لسابقه؛ اذ الرحة من أدلة القيامة والسعادة البدية؛ لن الرحة انا
تكون رحةً ،والنعمة نعمةً إذا جاءت القيامة وحصلت السعادة البدية .وإلّ فالعقلُ الذي هو من
اعظم الِنعَم يكون مصيبةً على النسان ،والحبة والشفقة اللتان ها من ألطف انواع الرحة
تتحولن ألا شديدا بلحظة الفراق البدي.
1
إن قلت :ان ال تعال مالكٌ لكل شئ دائما فما وجه الختصاص؟
ضعَها ال تعال ف عال الكون والفساد لظهار قلت :للشارة ال ان السباب الظاهرية الت و َ
عظمته -أي لئل يُرى ف ظاهر نظر العقل مباشرةُ يد القدرة بالمور السيسة ف جهة مُلْك
الشياء -ترتفع ف ذلك اليوم وتتجلّى ملكوتيةُ كل شئ صافي ًة شفّافةً ،بيث يَرى ويَعرف كلُ
شئ سيّدَه وصانِعَه بل واسطة .وف التعبي بلفظ "اليوم" إشارة ال امارة حدسية من امارات
الشر بناء على التناسب البيّن بي اليوم والسنة ،وعمر البشر ودوران الدنيا .كالكائن بي َامْيال
ل أتّ َدوْرَه يدس ف نفسهالساعة العادّة للثوان والدقائق والساعات واليام .فكما ان مَن يرى مي ً
ان من شأن الخر أيضا ان يتم دوره وإن كان بهلة؛ كذلك ان من يرى القيامة النوعية الكررة
ف أمثال اليوم والسنة يتحدس بتولد ربيع السعادة البدية ف صبح يوم الشر للنسان الذي
شخصُه كنوعٍ.
والراد من (الدّين) إمّا الزاء ،أي يوم جزاء العمال اليية والشرية ،أو القائق الدينية ،أي يوم
طلوعها وظهورها وغلبة دائرة العتقاد على دائرة السباب؛ لن ال عز وجل أودع بشيئته ف
الكائنات نظاما يربط السباب بالسببات وألأ النسان بطبيعته ووهه وخياله ال ان يراعي ذلك
النظام ويرتبط به .وكذا وجّه كل شئ اليه وَتنَزّه عن تأثي السباب ف مُلكه .وكلّف النسان
اعتقادا وايانا بان يراعي تلك الدائرة بوجدانه وروحه ويرتبط با .ففي الدنيا دائرة السباب غالبة
على دائرة العتقاد؛ وف الُخرى تتجلى حقائق العقائد غالبة على دائرة السباب.
واعلم! ان لكلٍ من هاتي الدائرتي مقاما معينا وأحكاما مصوصة ،فلبد ان يُعطى كلّ حقّه.
فمن نظر ف مقام دائرة السباب بطبيعته ووهه وخياله ومقاييس
_____________________
السباب ،ال دائرة العتقاد اضطر ال العتزال .ومن نظر ف مقام العتقاد ومقاييسه بروحه
ووجدانه ال دائرة السباب أنتج له توكل َتْنبَلِيا 1وتردا ف مقابلة الشيئة النظامة.
احداها :تضمن الطاب بسر اللتفات 2للوصاف الكمالية الذكورة ،اذ ذكرها شيئا شيئا
لهُ شوقا ويهزه للتوجه ال الوصوف .فـ"اياك" أي :يامن هو موصوفيرّك الذهن ويُعدّه وي ُ
بذه الصفات.
والخرى :ان الطاب يشي ال وجوب ملحظة العان ف مذهب البلغة ليكون القروء كالُنْزَل،
3
فينجر طبعا وذوقا ال الطاب .فـ "ايّاك" يتضمن المتثال بـ(ُأعْبُدْ َربّكَ َكَأنّكَ تَرَاهُ).
أي نعبد نن معاشر أعضاء وذرّات هذا العال الصغي -وهو أنا -بالشكر العرف الذي هو
إطاعة ك ٍل لا أُمر به ..ونن معاشر الوحّدين نعبدك باطاعة شريعتك ..ونن معاشر الكائنات
نعبد شريعتك الكبى الفطرية 4ونسجد بالية والحبة تت عرش عظمتك وقدرتك.
وجه النظم :ان "نعبد" بيان وتفسي لـ "المد" ونتيجة ولزم لـ (مالك يوم الدين).
واعلم! ان تقدي "اياك" للخلص الذي هو روح العبادة .وان ف خطاب الكاف رمزا ال علة
العبادة لن من اتصف بتلك الوصاف الداعية ال الطاب استحق العبادة.
_____________________
1التنبل والتنبال :البليد الكسلن .ج تنابلة .والقصود هنا مذهب البية.
اللتفات :هو العدول عن الغيبة ال الطاب او التكلم ،او على العكس (التعريفات). 2
اصل الديث رواه البخارى ومسلم ،وفيه :ما الحسان؟ قال :ان تعبد ال كأنك تراه فإن ل 3
تكن تراه فانه يراك (متفق عليه) ورواية الطبان :اُعبدال كأنك تراه .وهو حديث صحيح
(صحيح الامع الصغي )1049
اي نن معاشر العضاء ومعاشر الوحّدين ومعاشر الكائنات نطلب منك التوفيق والعانة على
كل الاجات والقاصد الت أهها عبادتك.
كرّ َر "اياك" لتزييد لذة الطاب والضور ..ولن مقام العيان أعلى وأجلّ من مقام البهان..
ولن الضور أدعَى ال الصدق وبأن ليكذب ..ولستقلل كلّ من القصدين.
كنظم الجرة مع الدمة ،لن العبادة حق ال على العبد ،والعانة إحسانُه تعال لعبده .وف حصر
"اياك" إشارة ال ان بذه النسبة الشريفة الت هي العبادة والدمة له تعال يترفّ ُع العبد عن التذلل
للسباب والوسائط ،بل تصي الوسائطُ خادمةً له وهو ليعرف ال واحدا ،فيتجلى ُحكْمُ دائرة
العتقاد والوجدان كما مر .ومن ل يكن خادما له تعال بق يصي خادما للسباب ومتذللً
للوسائط .لكن يلزم على العبد وهو ف دائرة السباب ان ليهمل السباب بالرة لئل يكون
متمردا ف مقابلة النظام الودع بكمته ومشيئته تعال ،لن التوكل ف تلك الدائرة عطالة كما مر.
وجه النظم :انه جواب العبد عن سؤاله تعال كأنه يسأل :أيّ مقاصدك أعلَقُ بقلبك؟ فيقول
العبد :اهدنا.
واعلم! ان "اهدنا" بسبب تعدد مراتب معانيه -بناء على تنوّع مفعوله ال الادين والستهدين
والستزيدين وغيهم -كأنه مشتق من الصادر الربعة لفعل الداية .فاهدنا باعتبار معشر "ثبّتنا"،
وبالنظر ال جاعة "زدنا" ،وبالقياس ال طائفة "وفّقنا" وال فرقة "اَعْطنا" ..وأيضا ان ال تعال
بكم (أعْطَى كُ ّل َشيْء خَ ْلقَ ُه ثُ ّم هَدَى) 1هدانا بإعطاء الواس الظاهرة والباطنة ،ث هدانا بنصب
الدلئل الفاقية والنفسية ،ث هدانا بارسال الرسل وانزال الكتب ،ث هدانا أعظم الداية بكشف
الجاب عن الق فظهر الق حقا والباطل باطل.
_____________________
سَتقِيمَ)
ط الْمُ ْ
(الصّرَا َ
اعلم! أن الصراط الستقيم هو العدل الذي هو ملخص الكمة والعفة والشجاعة اللت هي
أوساطٌ للمراتب الثلث للقوى الثلث.
توضيحه:
ان ال عز وجل لا اسكن الروحَ ف البدن التحوّل الحتاج العروض للمهالك أودع لدامتها فيه
ى ثلثا.
قو ً
لكنه تعال -بكمته القتضية لتَكمّل البشر بسر السابقة -ل يدّد بالفطرة تلك القوى كما
حدد قوى سائر اليوانات ،وإن حدّدَها بالشريعة؛ لنا تنهي عن الفراط والتفريط وتأمر
بالوسط ،يصدع عن هذا (فَا ْسَتقِمْ كَما ُأمِرْتَ) .1وبعدم التحديد الفطري يصل مراتب ثلث:
مرتبة النقصان وهي التفريط ،والزيادة وهي الفراط ،والوسط وهي العدل.
فتفريط القوة العقلية الغباوة والبلدة ،وافراطها الربزة 2الادعة والتدقيق ف سفاسف المور،
3
حكْ َمةَ َفقَ ْد اُوتِيَ َخيْرا َكثِيا)
ووسطها الكمةَ ( .ومَنْ ُيؤْتَ الْ ِ
اعلم! انه كما تنوع اصل هذه القوة ال تلك الراتب ،كذلك كل فرع من فروعها يتنوع ال هذه
ب أهل السنة وسطُ الب والعتزال ،4وف العتقاد:الثلث .مثل :ف مسألة خَلق الفعال :مذه ُ
ب التوحيد وسط التعطيل والتشبيه ..وعلى هذه القياسُ.
مذه ُ
_____________________
اهل السنة فهو الوسط ،حيث ينح بداية تلك الفعال ال الرادة الزئية وناياتا ال الرادة الكلية
(ت)24 :
وتفريط القوة الشهوية المودة وعدم الشتياق ال شئ ،وافراطها الفجور بأن يشتهي ما صادف
حَلّ أو َح ُرمَ ،ووسطها العفةُ بأن يرغب ف اللل ويهرب عن الرام .وقس على الصل كل
فرع من فروعاته من الكل والشرب واللبس وأمثالا.
وتفريط القوة الغضبية البانة أي الوف ما ليُخاف منه والتوهم ،وافراطها التهوّر الذي هو والدُ
1
الستبداد والتحكم والظلم ،ووسطها الشجاعة أي بذل الروح بعشق وشوق لماية ناموس
السلمية واعلء كلمة التوحيد .وقس عليها فروعها..
فالطراف الستة ظل ٌم والوساط الثلثة هي العدل الذي هو الصراط الستقيم ،اي العملُ بـ
(فَا ْستَقِمْ كَما ُامِرْتَ) 2ومَن م ّر على هذا الصراط ير على الصراط المتد على النار.
ت عََلْيهِمْ)
ط الّذِي َن َاْنعَمْ َ
(صِرَا َ
اعلم! ان نظم درر القرآن ليس بيط واحد بل النظم -ف كث ٍي -نقوش تصل من نسج خطوطِ
ب متفاوتة قُربا وبُعدا ،ظهورا وخفاء .لن أساس العجاز بعد الياز هذا النقش .مثل:
نس ٍ
صراط الذين انعمت عليهم يناسب:
_____________________
1الناموس :ما يميه الرجل من اسه وصيته وشرفه .وف (التعريفات) :هو الشرع الذى شرعه
ال.
و(الصراط الستقيم) لظهور انصار الطريق الستقيم ف مسلكهم .هذا مثال لك فقس عليه. .
وف لفظ "الصراط" إشارة ال ان طريقهم مسلوكة مدودة الطراف مَن سلكها ليرج عنها.
ب العي
ص َ
وف لفظ "الذين" -بناء على انه موصول ،ومن شأن الوصول ان يكون معهودا نَ ْ
للسامع -اشارة ال علو شأنم وتللؤهم ف ظلمات البشر ،كأنم معهودون نصب العي لكل
سامع وإن ل يتحرّ ول يطلب ..وف جعيته رمز ال إمكان القتداء بم وحقانية مسلكهم بسر
التواتر اذ (يَدُ ال مَ َع الْجَمَا َعةِ) ..1
وف صيغة "انعمت" اشارة ال وسيلة طلب النعمة ..وف نسبتها شافع له كأنه يقول :ياالي! من
ت بفضلك ،فأْنعِ ْم عل ّي وان ل استحق..
شأنك النعامُ وقد أنع ْم َ
وف "عليهم" اشارة ال شدة اعباء الرسالة وحل التكليف ،واياء ال انم كالبال العالية
تتلقىاعباء الرسالة وحل التكليف ،واياء ال انم كالبال العالية تتلقى شدائد الطر لفاضة
ك مَ َع الّذِي َن اَْنعَ َم ال عََلْيهِ ْم مِنَ
الصحارى .وما أجل ف (الذين انعمت عليهم) يفسره (فَاُولئِ َ
حيَ) 2اذ القرآن يفسر بعضه بعضا. شهَدَاء والصّالِ ِ
ي وَال ّ
الّنبِييّ َن والصّدّيقِ َ
قيل لك :ان التبعية ف اصول العقائد والحكام؛ لنا مستمرة ثابتة دون الفروعات الت من شأنا
التغي بتبدل الزمان .فكما ان الفصول الربعة ومراتب عمر النسان تؤثر ف تفاوت الدوية
والتلبّس ،فكم من دواء ف وقت يكون داء ف آخر؛ كذلك مراتب عمر نوع البشر تؤثر ف
اختلف فروعات الحكام الت هي دواء الرواح وغذاء القلوب.
_____________________
1رواه الطبان والترمذي وحسّنه بلفظ" :يد ال على الماعة" (كشف الفاء )2/391
وصححه مقق الامع الصغي ( )7921وعزاه للحاكم والبيهقى ف الساء عن ابن عمر رضى
ال عنهما وابن عاصم عن اسامة بن شريك.
وجه النظم :اعلم! ان هذا القام لكونه مقام الوف والتخلية يناسب القامات السابقة؛ فينظر بنظر
الية والدهشة ال مقام توصيف الربوبية باللل والمال ،وبنظر اللتجاء ال مقام العبودية ف
"نعبد" ،وبنظر العجز ال مقام التوكل ف "نستعي" ،وبنظر التسلي ال رفيقه الدائمي أعن مقام
س الية ث ميلُ الفرار ث التوكلُ
الرجاء والتحلية ،اذ اوّل ما يتولد ف قلب من يرى أمرا هائل ِح ّ
عند العجز ث التسلي بعد ذلك المر.
ان قلت :ان ال عز وجل حكيم غن فما الكمة ف خلق الشر والقبح والضللة ف العال؟
قيل لك :اعلم! ان الكمال والي والسن ف الكائنات هي القصودة بالذات وهي الكليات؛ وان
الشر والقبح والنقصان جزئيات بالنسبة اليها قليلة تبعية مغمورة ف اللقة ،خلقها خالقها منتشرة
بي السن والكمال ،ل لذاتا ،بل لتكون مقدمة ،وواحدا قياسيا ،لظهور -بل لوجود -
القائق النسبية للخي والكمال.
ان قلت :فما قيمة القائق النسبية حت اُستُحسن لجلها الشرّ الزئي؟
قيل لك :ان القائق النسبية هي الروابط بي الكائنات ..وهي الطوط النسوج منها نظامها..
وهي الشعة النعكس منها وجود واحد لنواعها .وان القائق النسبية أزي ُد بألوفٍ من القائق
القيقية؛ اذ الصفات القيقية لذاتٍ لو كانت سبعة كانت القائق النسبية سبعمائة .فالشر القليل
ستَحْسَن لجل الي الكثي؛ لن ف ترك الي الكثي -لن فيه شرا قليلً -شرا ُيغَْتفَر بل يُ ْ
كثيا .وف نظر الكمة اذا قابل الشر القليل شرا كثيا صار الشر القليل حسنا بالغي ،كما تقرر
ف الصول ف الزكاة والهاد.
وما اشتهر من" :ان الشياء انا ُتعْرَف باضدادها" معناه :ان وجود الضد سبب لظهور ووجود
القائق النسبية للشئ .مثل :لو ل يوجد القبح ول يتخلل بي السن لا تظاهر وجود السن
براتبه الغي 1التناهية.
_____________________
يقول البغدادى" :ل تدخل اللف واللم على (غي)؛ لن القصود من ادخال (أل) على النكرة 1
تصيصها بشئ معي .فإذا قيل (الغي) اشتملت هذه اللفظة على ما ل يصى ،ول تتعرف
بـ(أل) كما انا ل تتعرف بالضافة ،فلم يكن لدخال (أل) عليها من فائدة ".
وجاء ف الصباح الني ،ف مادة (غي) مانصه" :يكون وصفا للنكرة ،تقول :جاءن رجل غيك،
وقوله تعال( :غي الغضوب عليهم) انا وصف با العرفة ،لنا اشبهت العرفة باضافتها ال
العرفة ،فعوملت معاملتها .ومن هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها اللف واللم؛ لنا لّا شابت
العرفة ،باضافتها ال العرفة ،جاز ان يدخلها ما يعاقب الضافة ،وهو اللف واللم...
وارتضى مؤتر الجمع اللغوى ،النعقد بالقاهرة ف دورته الامسة والثلثي ،ف شهر شباط
(فباير) 1969الرأى القائل" :ان كلمة غي الواقعة بي متضادين تكتسب التعريف من الضاف
اليه العرفة ،ويصح ف هذه الصورة ،الت تقع فيها بي متضادين ،وليست مضافة ،ان تقترن
بـ(أل) ،فتستفيد التعريف "( .باختصار عن معجم الخطاء الشائعة لحمد العدنان).
ان قلت :ما وجه تفاوت هذه الكلمات الثلث :فعلً ،واسم مفعولٍ ،واسمَ فاعلٍ ،ف" :انعمت"
و "الغضوب" و "الضالي"؟
وأيضا ما وجه التفاوت ف ذكر :صفة الفرقة الثالثة ،وعاقبة الصفة ف الفرقة الثانية ،وعنوان صفة
الفرقة الول باعتبار الآل؟
ل ماضيا للشارة ال انقيل لك :اختار عنوان النعمة؛ لن النعمة لذةٌ تيل النفس اليها ..وفع ً
الكري الطلق شأنه ان ليسترد مايعطى ..وأيضا رمز ال وسيلة الطلوب بإظهار عادة النعم ،كأنه
ت فأْنعِم عليّ.
يقول :لن من شأنك النعام وقد أنعَمْ َ
أما (غي الغضوب) فالراد منه :الذين تاوزوا بتجاوز القوة الغضبية فظلموا ،وفسقوا بترك
الحكام كتمرد اليهود .ولا كان ف نفس الفسق والظلم لذة منحوسة وعزة خبيثة ل تتنفر منه
النفس ذَكَرَ القرآ ُن عاقبته الت ُتَنفّر ك ّل نفسٍ وهي نزول غضبه تعال ..واختار السم الذي من
شأنه الستمرار اشارة ال ان العصيان والشر انا يكون سة اذا ل ينقطع بالتوبة والعفو.
أمّا (ول الضّالي) فالراد منه :الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والوى على العقل
والوجدان ووقعوا ف النفاق بالعتقاد الباطل كسفسطة النصارى .اختار القرآن نفسَ صفتهم لن
نفسَ الضللة أَلَمٌ ،ينفر النفس ويتنب منه الروح وإن ل ي َر النتيجة ..وإسا لن الضللة انا تكون
1
ضللة اذا ل تنقطع.
_____________________
فإن شئت تأمل ف حال شخص ،بينما اخر َجتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وأل َقتْهُ ف الدنيا -
تلك الصحراء الائلة -اذ يفتح عينيه مستعطفا ،فيى البليات والعلل كالعداء تتهاجم عليه،
فينظر مسترحا ال العناصر والطبائع فياها غليظة القلب بل رحة قد كشرت عليه السنان؛
فيفع رأسه -مستمدا -ال الجرام العلوية فياها مهيبة ومدهشة تدده كأنا مرامي 1نارية من
أفواه هائلة تر حواليه؛ فيتحي ويفض رأسه متسترا ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ صيحاتِ
حاجاته وأني فاقاته ،فيتوحش ،فينظر ال وجدانه ملتجأً؛ فيى فيه الوفا من آمال متهيج ٍة متدةٍ
لتُشبعها الدنيا.
فبال عليك كيف حال هذا الشخص ان ل يعتقد بالبدأ والعاد والصانع والشر؟ أتظن جهنم
أش ّد عليه من حاله وأحرقَ لروحه؟ فإن له حالة تركبت من الوف واليبة والعجز والرعشة
والقلق والوحشة واليتم واليأس؛ لنه اذا راجع قدرته يراها عاجزة ضعيفة؛ واذا توجه ال تسكي
حاجاته يراها لتسكت؛ واذا صاح واستغاث ليُسْمَع ول يُغاث فيظن كل شئ عدوا ،ويتخيل
كل شئ غريبا فل يستأنس بشئ؛ ول ينظر ال دوران الجرام الّ بنظر الوف والدهشة
والتوحش الزعجة للوجدان.
ث تأمل ف حال ذلك الشخص اذا كان على الصراط الستقيم واستضاء وجدانهُ وروحُه بنور
اليان ،كيف ترى انه اذا وضع قدمه ف الدنيا وفتح عينيه فرأى تاجم العاديات الارجية يرى
اذا "نقطة استناد" يستند اليها ف مقابلة تلك العاديات ،وهي معرفة الصانع فيستريح .ث اذا فتش
عن استعداداته وآماله المتدة ال البد يرى "نقطة استمداد" يستمد منها آماله وتتشرب منها ماء
الياة وهي معرفة السعادة البدية .واذ يرفع رأسه وينظر ف الكائنات يستأنس بكل شئ وتتن
عيناه من كل زهرة اُنسية وتبّبا ،ويرى ف حركات الجرام حكمةَ خالقها ويتنّه بسيها وينظر
نظر العبة والتفكر .كأن الشمس تناديه :أيها الخ! لتتوحش من فمرحبا بقدومك! نن كلنا
خادمان لذاتٍ واحد ،مطيعان لمره .والقمر والنجوم والبحر وأخواتا يناجيه ك ٌل منها بلسانه
ل وسهلً ،أما تعرفنا ؟ كلنا مشغولون
الاص وترمز اليه :بأه ً
_____________________
1قنابل وقذائف.
بدمة مالكك فل تضجر ول تتوحش ول تف من تديد البليا بنعراتا ،فان لام كلٍ بيد
خالقك.
فذلك الشخص ف الالة الول يس ف أعماق وجدانه ألا شديدا فيضطر للتخلص منه وتوينه
وابطال حسه بالتسلي ،بالتغافل ،بالشتغال بسفاسف المور ،ليخادع وجدانه وينام روحُه؛ وال
احس بألٍ عميق يرق أعماق وجدانه .فبنسبة الُبعْدِ عن الطريق الق يتظاهر تأثي ذلك الل.
وأما ف الالة الثانية فهو يس ف قعر روحه لذ ًة عالية وسعادة عاجلة كلما أيقظ قلبه وحرّك
وجدانه وأحسّ روحه استزاد سعادة واستبشر بفتح أبواب جنات روحانية له.
ستَقِيمِ.
ط الْمُ ْ
اَلّلهُ ّم ِبحُ ْر َمةِ ه ِذهِ السّو َر ِة اِ ْجعَ ْلنَا مِ ْن اَهْ ِل الصّرَا ِ
***
ان قلت :ان ف القرآ ن الوجز العجز أشياء مكررة تكرارا كثيا ف الظاهر كالبسملة و"فبأي
آلء" ال ..و"ويل يومئذ" ال ..وقصة موسى وأمثالا ،مع ان التكرار يُ ِم ّل ويناف البلغة.
قيل لك" :مَا كُ ّل مَا َيتَلْ ُل يُحْ ِرقُ" فان التكرار قد يُ ِملّ ،ل مطلقا .بل قد يُستحسن وقد يُسأم.
فكمَا أن ف غذاء النسان ماهو قُوت كلما تكرر حل وكان آنس ،وما هو تفكّه ان تكرر مُلّ
وان تدد اُستُلِذّ ،كذلك ف الكلم ما هو حقيقة وقوت وقوّة للفكار وغذاء للرواح كلما
استعيد اُستحسن واستؤنس بألوفه كضياء الشمس .وفيه ماهو من قبيل الزينة والتفكه ،لذتُه ف
تدّد صورتِه وتلوّن لباسه.
_____________________
1عن اب أمامة الباهلى رضى ال عنه ،قال :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :اقرأوا
القرآن ،فانه يأتى يوم القيامة شفيعا لصحابه ،اقرأوا الزهراوين :البقرة وسورة آل عمران...ال
الديث .رواه مسلم.
انك خي من تفاريق العصا ،مثل يضرب فيمن نفعه أعمّ من نفع غيه (ممع المثال للميدان). 3
وكذا ف "البسملة" جهات :من الستعانة والتبك والوضوعية بل الغايتية والفهرستية للنقط
الساسية ف القرآن.
وأيضا فيها مقامات :كمقام التوحيد ومقام التنيه ومقام الثناء ومقام اللل والمال ومقام
الحسان وغيها.
وايضا فيها احكام ضمنية :كالشارة ال التوحيد والنبوة والشر والعدل اعن القاصد الربعة
الشهورة ،مع ان ف اكثر السور يكون القصود بالذات واحدا منها ،والباقي استطراديا .فِلمَ
ليوز ان يكون لهة او حُك ٍم او مقام منها مناسبة مصوصة لروح السورة وتكون موضوعا
للمقام بل فهرستة اجالية باعتبار تلك الهات والقامات؟
***
ال 1
البحث الول:
ان العجاز قد تنفّس من اُفق (ال) لن العجاز نور يتجلى من امتزاج لعات لطائف البلغة .وف
هذا البحث لطائف كل منها وإن دقّ لكن الكل فجرٌ صادق.
منها :ان (ال) مع سائر اخواتا ف أوائل السور تنصّف كل الروف الجائية الت هي عناصر كل
الكلمات .فتأمل!.
ومنها :ان القرآن كرر من الأخوذ ماهو َايْسَرُ على اللسنة كاللف واللم.
1
ومنها :انه ذكر القطّعات ف رأس تسع وعشرين سورة عدة الروف الجائية.
ومنها :ان النصف الأخوذ ينصّف كل ازواج أجناس طبائع الروف من الهموسة والجهورة
والشديدة والرخوة والستعلية والنخفضة والنفتحة وغيها ،واما الوتار فمن الثقيل القليل
2
كالقلقلة؛ ومن الفيف الكثي كالذلّقة.
ومنها :ان القرآن اختار طريقا ف القطعات من بي اربعة وخسمائة احتمال ،ل يكن تنصيف
طبائع الروف ال بتلك الطريق ،لن التقسيمات الكثية متداخلة ومشتبكة ومتفاوتة .ففي
تنصيف ك ٍل غرابة عجيبة.
فمن ل يت نور العجاز من مزج تلك اللمعات فل يلوم ّن الّ ذوقه.
_____________________
فذكر من (الهموسة) وهي ما يضعف العتماد على مرجه ،ويمعها (ستشحثك خصفه) 2
نصفها وهي الاء والاء والصاد والسي والكاف .ومن البواقي (الجهورة) نصفها يمعه (لن
يقطع أمر) ومن (الشديدة) الثمانية الجموعة ف (اجدت طبقك) اربعة يمعها .ومن البواقي
(الرخوة) عشرة يمعها (حس على نصره) ومن الطبقة الت هي الصاد والضاد والطاء والظاء
نصفها .ومن البواقي (النفتحة) نصفها .ومن (القلقلة) وهي حروف تضطرب عند خروجها
ويمعها (قد طبج) نصفها القل لقلتها .ومن (اللينتي) الياء لنا أقل ثقلً ،ومن (الستعلية) وهي
الت يتصعد الصوت با ف النك العلى وهي سبعة :القاف والصاد والطاء والاء والغي والضاد
والظاء نصفها القل ،ومن البواقي (النخفضة) نصفها( ...تفسي البيضاوي).
البحث الثان:
اعلم ان (الــم) كقرع العصا يوقظ السامعَ ويه ّز عِطفه بأنه -بغرابته -طليعةُ غريبٍ
وعجيبٍ.
منها :ان التهجي وتقطيع الروف ف السم اشارة ال جنس ما يتولد منه السمى.
ومنها :ان التقطيع الرمز ال الهال عن العن يشي ال قطع حجتهم بـ "إنّا لنعرف القائق
والقصص والحكام حت نقابلك" .فكأن القرآن يقول" :ل أطلب منكم إ ّل نظم البلغة فجيئوا
به مفتريات".
ومنها :ان التعبي عن الروف باسائها من رسوم أهل القراءة والكتابة ،1ومن يسمعون منه
الكلم ا ّميّ مع ميطه ،فنظرا ال السجية -مع ان اول ما يتلقاهم خلف النتظر -يرمز إل" :ان
هذا الكلم ليتولد منه بل يُلقى اليه".
ومنها :ان التهجي أساس القراءة ومبدؤها 2فيومئ ال أن القرآن مؤسس لطريق خاص ومعلم
لمّيي.
_____________________
1كالتعبي عن الروف (أ ،ل) بألف لم ،فهذا التعبي باساء الروف هو من اصول اهل القراءة
والكتابة (ت)34 :
وفيه لطائف:
منها :ان (الــم) يرمز ويشي ويومئ ويَُلوّح ويلَمّح بالقياس التمثيلي التسلسل ال" :ان هذا
كلم ال الزل نزل به جبيل على ممد عليهما الصلة والسلم" .لنه كما ان الحكام الفصلة
ف مموع القرآن قد ترتسم ف سورة طويلة إجال؛ وقد تتمثل سورة طويلة ف قصية إشارة؛
وقد تندرج سورة قصية ف آية رمزا؛ وقد تندمج آية ف كلم واحد تلويا؛ وقد يتداخل كلم
ف كلمة تلميحا ،وقد تتراءى تلك الكلمة الامعة ف حروف مقطعة ،كـ "سي لم ميم"..
كالقرآن ف البقرة ،والبقرة ف الفاتة ،والفاتة ف "بسْمِ ال الرّحْمَن الرّ ِحيْم" و "بسْمِ ال الرّ ْحمَن
الرّ ِحيْم" ف البسملة النحوتة 1؛ كذلك يوز ذلك ف (الــم) أيضا.
فبالستناد ال هذا القياس التمثيلي التسلسل ،وباشارة (ذلك الكتاب) يتجلى من (الــم)" :هذا
كلم ال الزل نزل به جبيل على ممد عليهما الصلة والسلم".
ومنها :ان الروف القطعة كالشفرة اللية أبرقها ال رسوله الذي عنده مفتاحها .ول يتطاول يدُ
فكر البشر اليه بعد.
2
ومنها :ان (الــم) اشارة ال شدة ذكاوة النَل عليه رمزا ال ان الرمز له كالتصريح.
ومنها :ان التقطيع اشارة ال ان قيمة الروف ليست ف معانيها فقط بل بينها مناسبات فطرية
شفَها علم أسرار الروف.كمناسبة العداد ،ك َ
ومنها :ان (الــم) خاصة ،اشارة بالتقطيع ال الخارج الثلثة من اللق والوسط والشفة،
وترمز تلك الشارة ال إجبار الذهن للدقة ،وشق حجاب الُلفة؛ ليلجأ ال مطالعة عجائب ألوان
نقش خلقة الروف.
_____________________
اى لكمال ذكائه يفهم ماهو رمز واياء وامر خفى ،كالصريح (ت)35 : 2
فيا من صبغ يده بصنعة البلغة! ركّب قطعاتِ هذه اللطائف وانظرها واحدة ،واستمع ،لتقرأ
لمُ ال".
عليك" :هذا َك َ
البحث الرابع:
ان (الــم) مع أخواتا لا برزت بتلك الصورة كانت كأنا تنادى" :نن الئمة؛ ل نقلد أحدا
وما اتبعنا إماما ،وأُسلوبنا بديع ،وطرزنا غريب".
وفيه لطائف:
منها :ان من ديدن الطباء والفصحاء التأسي بثال والنسج على منوال والتمشي ف طريق
مسلوكة ،مع انا ل يطمثهن قبله إنس ول جان.
ومنها :ان القرآن بفواته ومقاطعه بقي بعدُ كما كان قبلُ ،ل ياثل ول يقلّد مع تآخذ أسباب
التقليد والتأسّي من شوق الودّاء وتدي العداء .ان شئت شاهدا فهذه مليي من الكتب
العربية! هل ترى واحدا منها يوازيه ،أو يقع قريبا منه؟ كل! بل الاهل العاميّ أيضا اذا قاسها
معه وقابله با ناداه نظره بـ "أن هذا ليس ف مرتبتها" .فإما هو تت الكل وهو مال بالضرورة،
وإما هو فوق الكل وهو الطلوب ،فهو نصيبه من درْك العجاز.
ومنها :ان من شأن صنعة البشر انا تظهر اول ماتظهر خشنة ناقصة من وجوه ،يابسة من
الطلوة ،ث تتكمل وتلو .مع ان اسلوب القرآن لا ظهر ظهر بطلوة و طراوة وشبابية ،وتدّى
مع الفكار العمرين -بتلحق الفكار وسرقة البعض عن البعض -وغلبهم فأعلن بالغلبة" :انه
من صُنع خالق القوى والقدر".
فيا من استنشق نسيم البلغة! أفل يتن نلُ ذهنك عن ازهار تلك الباحث الربعة َشهْدََ" :ا ْشهَدُ
لمُ ال"؟
اَ ّن هذَا َك َ
***
مـقـدمـة
اعلم! ان من اساس البلغة الذي به يبق حسن الكلم تاوب اليئات وتداعي القيود وتآخذها
على القصد الصلي ،وامداد كلّ بقدْرِ الطاقة للمقصد ،الذي هو كمجمع الودية او الوض
التشرب من الوانب ،بأن تكون مصداقا وتثالً لا قيل:
جمَال يُشِيُ
سنُكَ وَاحِدٌ وَكُ ّل اِلَى ذَاكَ الْ َ
عِبَارَاُتنَا َشتّى َوحُ ْ
فان شئت تأمل ف القَسَم بـ (الــم) إذ إنه كما يؤكد ،كذلك يشعر بالتعظيم الوجّه للنظر
الوجب لنكشاف ماتته من اللطائف الذكورة ليبهن على الدعوى الرموز اليها.
_____________________
وانظر الشارة ف (ذلك) الختصة بالرجوع ال الذات مع الصفات لتعلم انا كما تفيد التعظيم -
لنا اما اشارة ال الشار اليه بـ "الــم" او البشّر به ف التوراة والنيل -كذلك تلوّح
بدليلها؛ اذ ما أعظم ما أقسم به! وما أكمل ما بشّر به التوراة والنيل! ..ث أمعن النظر ف
الشارة السية ال المر العقول لترى انا كما تفيد التعظيم والهية؛ كذلك تشي ال ان القرآن
جبِر ليالِ ك ٍل على الشتغال به.
كالغناطيس النجذب اليه الذهانُ ،والتزاحم عليه النظارُ ال ْ
فتظاهر بدرجة -تراه العيون من خلفها اذا راجعت اليال -يرمز بلسان الال ال وثوقه بصدقه
وتبّيه عن الضعف واليلة الداعيي ال التستر ..ث تفكّر ف البُعدية الستفادة من "ذلك"؛ اذ انا
كما تفيد علوّ الرتبة الفيد لكماله؛ كذلك تومئ ال دليله بأنه بعيد عن ما سلك عليه أمثاله .فإما
تت ك ٍل وهو باطل بالتفاق ،فهو فوق الكل.
ث تدبر ف "ال" (الكتاب)؛ لنا كما تفيد الصر العرف الفيد للكمال؛ تفتح باب الوازنة وتلمّح
با ال ان القرآن كما جع ماسن الكتب قد زاد عليها فهو أكملها..
ث قف على التعبي بـ "الكتاب" كيف يلوّح بأن الكتاب ليكون من مصنوع المّيّ الذي ليس
من أهل القراءة والكتابة.
فعلى الول -كما عليه الفتاح - 1يكون بعن يقينا ،وبل شك ،فيكون جهة وتقيقا لثبات
كماله.
وعلى الكل يناجي من تت "لريب" بـ (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من
مثله) ويرمز ال دليله الاص..
_____________________
( 1مفتاح العلوم) للعلمة سراج الدين اب يعقوب يوسف بن اب بكربن ممد بن علي السكاكى
التوف سنة 626هـ .ويع ّد كتابه هذا اوسع ما كتب ف البيان ف زمانه ،وله شروح كثية.
(الكشاف عن حقائق التنيل) للمام العلمة اب القاسم جارال ممود بن عمر الزمشري 2
ويشي ال ان الحل ليس بقابلٍ لتولّد الشكوك؛ اذ أقام على الثغور امارات تتنادى من الوانب
وتطرد الريوب التهاجة عليه.
وف ظرفية (فيه) والتعبي بـ "ف" بدل أخواتا اشارة ال انفاذ النظر ف الباطن .وال ان حقائقه
تطرد وتطيّر الوهامَ التوضعة على سطحه بالنظر الظاهر.
فيا من آنس قيمة التركيب من جانب التحليل ،وأدرك فرق الكلّ عن كلٍ! انظر نظرة واحدة ال
تلك القيود واليئات لترى كيف يلقي ك ٌل حصته ال القصد الشترك مع دليله الاص ،وكيف
يفور نو ُر البلغة من الوانب.
اعلم! انه ل يربط بي جل "الــم ..ذلك الكتاب ..لريب فيه ..هدى للمتقي" بلقات
العطف لشدة التصال والتعانق بينها ،وأخذِ كلٍ بجز سابقتها وذيل لحقتها .فان كل واحدة
كما انا دليلٌ لك ٍل بهة؛ كذلك نتيجة لكلِ واحدة بهة اخرى .ولقد انتقش العجاز على هذه
الية بنسج اثن عشر من خطوط الناسبات التشابكة التداخلة..
(الــم) فانا تومئ بالآل ال" :هذا متحدّى به ،ومن يبز ال اليدان؟" ث تلوح بأنه معجز..
وتفكر ف (ذلك الكتاب) فانا تصرح بأنه ازداد على أخوته وط ّم عليها .ث تلمح بأنه مستثن
متاز لياثل..
ث تدبر ف (لريب فيه) فانا كما تُفصح عن انه ليس مل للشك تعلن بأنه منوّر بنور اليقي..
ث انظر ف (هدى للمتقي) اذ انا كما تدى اليك انه يُري الطريق الستقيم؛ تفيدك انه قد تسم
من نور الداية.
فكل منها باعتبار العن الول برهان لرفقائها وباعتبار العن الثان نتيجة لكل منها.
_____________________
ونذكر على وجه الثال ثلثا من الروابط الثنت عشرة لتقيس عليها البواقي:
فـ (الـم) أي :هذا يتحدّى كل معارض ،فهو أكمل الكتب ،فهو يقين؛ اذ كمال الكتاب
باليقي ،فهو مسّم الداية للبشر..
ث (ذلك الكتاب) اي :هو ازداد على أمثاله فهو معجز -او -اي :هو متاز ومستثن؛ إذ لشك
فيه؛ اذ إنه يُري السبيل السويّ للمتقي..
ث (هدى للمتقي) اي :يرشد ال الطريق الستقيم ،فهو يقين ،فهو متاز ،فهو معجز ..وعليك
باستنباط البواقي.
أما (هدى للمتقي) فاعلم! ان منبع حسن هذا الكلم من أربع نقط:
الول :حذف البتدأ ،اذ فيه اشارة ال ان حكم التاد مسلّم .كأن ذات البتدأ ف نفس الب.
حت كأنه لتغاير بينهما ف الذهن أيضا.
والثانية :تبديل اسم الفاعل بالصدر ،اذ فيه رمز ال ان نور الداية تسّمَ فصار نفس جوهر
1
القرآن؛ كما يتجسم لونُ المرة فيصي ق ْرمِزا.
والثالثة :تنكي (هدى) اذ فيه إياء ال ناية دقة هداية القرآن حت لُيكْتنه ُكنْهها ،وال غاية
وسعتها حت ليُحاط با علما .اذ النكورية إما بالدقة والفاء ،وإما بالوسعة الفائتة عن الحاطة.
ومن هنا قد يكون التنكي للتحقي وقد يكون للتعظيم.
والرابعة :الياز ف (للمتقي) بدل "الناس الذين يصيون متقي به" أوجز بالجاز الول اشارة ال
ثرة الداية وتأثيها ،ورمزا ال البهان "الِّنيّ" 2على وجود الداية .فان السامع ف عصر يستدل
بسابقه كما يستدل به لحقه.
ان قلت :كيف تتولد البلغة الارجة عن طوق البشر بسبب هذه النقط القليلة العدودة؟
_____________________
2البهان النّ واللّمي :اصطلحان يرد شرحهما ،فالنّي -بتشديد النون -مصدر صناعي
مأخوذ من "ان " الشبهة بالفعل الت تدل على الثبوت والوجود .اما اللمّي ،فهو مصدر صناعي
مأخوذ من كلمة "ِلمَ " للعلية .وف (التعريفات) :الستدلل من العلة ال العلوم برهان لّي ومن
العلوم ال العلّة برهان إنّي.
قيل لك :ان ف التعاون والجتماع سرا عجيبا .لنه اذا اجتمع حس ُن ثلثة اشياء صار كخمسة،
وخسة كعشرة ،وعشرة كأربعي بسر النعكاس .اذ ف كل شئ نوع من النعكاس ودرجة من
التمثيل .كما اذا جعت بي مرآتي تتراءى فيهما مرايا كثية ،أو نوّرتَهما بالصباح يزداد ضياء
كل بانعكاس الشعة؛ فكذلك اجتماع النكت والنقط .ومن هذا السر والكمة ترى كل
صاحب كمال وصاحب جال يرى من نفسه ميلً فطريا ال ان ينضم ال مثيله ويأخذ بيد نظيه
ليزداد حسنا ال حسنه .حت ان الجر مع حَجَريته اذا خرج من يد العقّد البان ف السقف
الحدب ييل ويُخضع رأسَه ليماسّ رأس أخيه ليتماسكا عن السقوط .فالنسان الذي ليدرك سر
التعاون لو أجد من الجر؛ اذ من الجر من يتقوس لعاونة اخيه!.
ان قلت :من شأن الداية والبلغة البيان والوضوح وحفظ الذهان عن التشتت ،فما بال
الفسرين ف امثال هذه الية اختلفوا اختلفا مشتتا ،واظهروا احتمالت متلفة ،وبينوا وجوه
تراكيب متباينة ،وكيف يعرف الق من بينها؟
قيل لك :قد يكون الكل حقا بالنسبة ال سامعٍ فسامعٍ؛ اذ القرآن ما نزل لهل عصرٍ فقط بل
لهل جيع العصار ،ول لطبقة فقط بل لميع طبقات النسان ،ول لصنف فقط بل لميع
أصناف البشر .ولك ٍل فيه حصة ونصيب من الفهم .والال أن فهم نوع البشر يتلف درجة
درجة ..وذوقَه يتفاوت جهة جهة ..وميلَه يتشتت جانبا جانبا ..واستحسانه يتفرق وجهاً
وجها ..ولذته تتنوع نوعا نوعا ..وطبيعته تتباين قسما قسما .فكم من أشياء يستحسنها نظرُ
طائفة دون طائفة ،وتستلذها طبقة ول تتنل اليها طبقة .وقس!..
فلجل هذا السر والكمة أ ْكثَ َر القرآنُ من حذف الاص للتعميم ليقدّر ك ٌل مقتضى ذوقه
واستحسانه .ولقد نظم القرآن جُمَله ووضعها ف مكان ينفتح من جهاته وجوه متملة لراعاة
الفهام الختلفة ليأخذ كلُ فهمٍ حصته .وقس! ..فإذا يوز أن يكون الوجوه بتمامها مرادة بشرط
أن ل تردها علوم العربية ،وبشرط ان تستحسنها البلغة ،وبشرط ان يقبلها علم أصول مقاصد
الشريعة.
فظهر من هذه النكتة ان من وجوه اعجاز القرآن نظمه وسبكه ف اسلوب ينطبق على افهام عصر
فعصر ..وطبقة فطبقة.
***
اعلم! أن وجه نظم الحصل مع الحصل انصباب مدح القرآن ال مدح الؤمني وانسجامه به؛ اذ
انه نتيجة له ،وبرهان إنّيّ عليه ،وثرة هدايته ،وشاهد عليه .وبسبب تضمن التشويق اشارة ال
جهة حصة هذه الية من الداية ،وال انا مثال لا.
اما وجه "الذين" مع "التقي" فتشييع التخلية بالتحلية الت هي رفيقتها أبدا؛ اذ التزيي بعد التنيه،
أل ترى ان التقوى هي التخلي عن السيئات وقد ذكرها القرآن براتبها الثلث ،وهي :ترك
الشرك ،ث ترك العاصي ،ث ترك ماسوى ال .والتحلية فعل السنات :إما بالقلب او القالب او
الال .فشمس العمال القلبية "اليان" ،والفهرستة الامعة للعمال القالبية "الصلة" الت هي
عماد الدين ،وقطب العمال الالية "الزكاة" اذ هي قنطرة السلم.
اعلم! ان (الذين يؤمنون بالغيب) مع انه اذا نظرت ال مقتضى الال اياز ،ال انه اذا وازنت بينه
وبي مرادفه وهو "الؤمنون" تظنه إطنابا؛ فأبدل "ال" بـ"الذين" الذي من شأنه الشارة ال
الذات بالصلة فقط ،1كأنه لصفة له ال هي للتشويق على اليان ،والتعظيم له؛ والرمز ال ان
اليان هو النار على الذات قد تضاءلت تته سائر الصفات ..وأبدل "مؤمنون" بـ "يؤمنون"
لتصوير وإظهارِ تلك الالة الستحسنة ف نظر اليال ،وللشارة ال تدده بالستمرار وتلّيه
بترادف الدلئل الفاقية والنفسية ،فكلما ازدادت ظهورا ازدادوا إيانا.
(بالغيب) أي بالقلب ،اي بالخلص بل نفاق .ومع الغائبية ..وبالغائب ..وبعال الغيب..
_____________________
1لن "الذين" من الساء البهمة ،لذا فان صلته هى الت تيّزه وتعينه (ت)43 :
إشارات العجاز -ص51 :
واعلم! ان اليان هو النور الاصل بالتصديق بميع ما جاء به النب عليه السلم تفصيل ف
ضروريات الدين واجال ف غيها.
ان قلت :ليقتدر على التعبي عن حقائق اليان من العوام من الائة ال واحد؟
قيل لك :ان عدم التعبي ليس عَلَما على عدم الوجود .فكما ان اللسان كثيا ما يتقاصر عن ان
يترجم عن دقائق ماف تصورات العقل؛ كذلك قد ليتراءى بل يتغامض عن العقل سرائر ماف
الوجدان ،فكيف يترجم عن كل مافيه؟ أل ترى ذكاء السكاكي 1ذلك المام الداهي قد تقاصر
عن اجتناء دقائق ماأبرزته سجية امرئ القيس ،2او بدويّ آخر؟ فبناء على ذلك ،الستدلل على
وجود اليان ف العامي يثبت بالستفسار والستيضاح منه .بأن تستفسر من العاميّ بالسؤال
الردّد بي النفي والثبات هكذا :أيها العامي! أيكن ف عقلك أن يكون الصانع الذي كان العال
بهاته الست ف قبضة تصرفه أن يتمكّن 3ف جهة من جهاته أو ل؟ فإن قال :ل .فنفي الهة
ثابتٌ ف وجدانه ،وذلك كافٍ .وقس على هذا..
ث ان اليان -كما فسّره السعد - 4نور يقذفه ال تعال ف قلب من يشاء من عباده ،أي بعد
صرف الزء الختياري .فاليان نور لوجدان البشر وشعاع من شس الزل يضئ دفعةً ملكوتيةَ
الوجدان بتمامها .فينشر اُنسية له مع كل الكائنات ..ويؤسس مناسبة بي الوجدان وبي كل
شئ ..ويلقي ف القلب قوة معنوية يقتدر با النسان ان يصارع جيع الوادث والصيبات..
ويعطيه ُوسْعةً
_____________________
1ابو يعقوب يوسف بن اب بكر (ت 626هـ1228 /م) من اعلم البلغة ،مؤلف كتاب
«الفتاح» الذي يعد أوسع ما كتب ف البيان ف زمانه وله شروح كثية .وضع علوم البلغة ف
قالبها العلمي .مولده ووفاته بوارزم .
(545 - 497م) هو امرؤ القيس بن حُجر بن الارث الكندي ،اشهر شعراء العرب على 2
الطلق ،يان الصل ،مولده بنجد ووفاته ف انقرة ،وقد جُمع بعض ما ينسب اليه من الشعر ف
ديوان صغي( .العلم .)2/12
هــو مسـعـود بــن عمر بن عـبـد ال ،ولد بتفـتـازان براسان فـي ( 712أو 4
يقتدر با ان يبتلع الاضي والستقبل .وكما ان اليان شعاع من شس الزل 1؛ كذلك لعة من
السعادة البدية أي الشر .فينمو بضياء تلك اللمعة بذور كل المال ،ونواة كل الستعدادات
الودعة ف الوجدان ،فتنبت متدة ال البد ،فتنقلب نواة الستعداد كشجرة طوب.
( َويُقِيمُونَ الصّلوةَ)
اعلم! ان وجه النظم أظهر من الشمس ف رابعة النهار .وان ف تصيص "الصلة" من بي
حسنات القالب إشارة ال أنا فهرستة كل السنات وانوذجها ومَعْكسها .كالفاتة للقرآن،
والنسان للعال .لشتمالا على نوع صو ٍم وحج وزكاة وغيها ،ولشتمالا على انواع عبادات
الخلوقات ،الفطرية والختيارية من اللئكة الراكعي الساجدين القائمي ،ومن الجر الساجد،
والشجر القائم ،واليوان الراكع..
ث انه أقام "يقيمون" مقام "القيمي" لحضار تلك الركة الياتية الواسعة والنتباه الروحان
اللي ف العال السلمي ال نظر السامع .ووضع تلك الوضعية الستحسنة والالة النتظمة من
نواحي نوع البشر نصب عي اليال ،ليهيج ويوقظ ميلن السامع للتأسّي؛ إذ من تأمل ف تأثي
النداء باللة العروفة 2ف نفرات العسكر النتشرين الغمورين بي الناس وتريك النداء لم دفعة،
والقاء انتباه فيهم ،وافراغهم ف وضع مستحسن ،وجعهم تت نظام مستملح يرى ف نفسه
اشتياقا لن ينساب اليهم .فهكذا الذان الحمّدي بي النسان ف صحراء العال (ول ا َلثَلُ
العْلَى)..
وإنا ل يقتصر ف مسافة الياز على "يصلّون" بل اتها بـ (يقيمون الصلة) للشارة ال اهية
مراعاة معان "القامة" ف الصلة من تعديل الركان ،والداومة ،والحافظة ،والد ،وترويها ف
سوق العال .تأمل!
ث ان الصلة نسبة عالية ،ومناسبة غالية ،وخدمة نزيهة بي العبد وسلطان الزل ،فمن شأن تلك
النسبة ان يعشقها كل روح ..وأركانا متضمنة للسرار الت شرحها
_____________________
1تعبي مألوف بق ال جلّ جلله النور لكل شئ ف الدب التركى والفارسى بلف الدب
العرب.
أمثال "الفتوحات الكية" ،فمن شأن تلك السرار أن يبها كل وجدان ..وانا دعوة صانع الزل
ال سرادق حضوره خس دعوات ف اليوم والليلة لناجاته الت هي ف حكم العراج .فمن شأنا
ان يشتاقها كل قلب ..وفيها ادامة تصور عظمة الصانع ف القلوب وتوجيه العقول اليها لتأسيس
اطاعة قانون العدالة اللية ،وامتثال النظام الربان .والنسان يتاج ال تلك الدامة من حيث هو
إنسان لنه مدنّ بالطبع ..فيا ويلَ من تركها! وياخسارة من تكاسل فيها! وياجهالة من ل يعرف
س مَن ل يستحسنها.
قيمتها! فسحقا وبعدا وافّا وتفّا 1لنف ِ
وجه النظم :انه كما ان الصلة عماد الدين وبا قوامه؛ كذلك الزكاة قنطرة السلم وبا التعاون
بي أهله.
ان ليسرف التصدق فيقعد ملوما ..وان ليأخذ من هذا ويعطي لذاك؛ بل من مال نفسه ..وان
لي ّن فيستكثر ..وان لياف من الفقر ..وان ليقتصر على الال ،بل بالعلم والفكر والفعل
أيضا ..وان ليصرف الخذ ف السفاهة ،بل ف النفقة والاجة الضرورية.
فلِحسان هذه النكت ،واحساس هذه الشروط تصدّق القرآن على الفهام بإيثار (وما رزقناهم
ينفقون) على "يتصدقون" او "يزكّون" وغيها؛ إذ أشار بـ "من" التبعيض ال رد السراف..
وبتقدي (ما) ال كونه من مال نفسه ..وبـ"رزقنا" ال قطع النة .أي :ان ال هو العطي وانت
ف مِنْ ذِي اْلعَ ْرشِ اِ ْقلَلً) ..2وبالطلق ال تعميم
واسطة ..وبالسناد ال "نا" الَ ( :لتَخَ ْ
التصدق للعلم والفكر
_____________________
1الف والتف :وسخ الذن والظفار ،ث استعمل عند كل شئ يُضجر منه (الزاهر للنباري).
اصل الديث :عن عبد ال بن مسعود رضى ال عنه ،قال :دخل النب صلى ال عليه وسلم على 2
بلل وعنده صُبة من تر ،فقال" :ما هذا يا بلل؟ " قال :اُعدّ ذلك لضيافك .قال" :أما تشى
ان يكون لك دُخان ف نار جهنم؟! انفق بلل! ول تشَ من ذي العرش اقللً ".
قال النذري ف الترغيب والترهيب :رواه البزار باسناد حسن والطبان ف الكبي وذكر فيه زيادة.
والديث اورده اليثمي ف الجمع وقال :اسناده حسن ،وحسّنه الافظ ابن حجر .والديث
صحيح بطرقه (صحيح الامع الصغي رقم 1508وصحيح الترغيب برقم ،912والشكاة برقم
)1885ومع هذا ضعفه العراقي رحه ال تعال.
لمِ) 1أي :الزكاة جسر يغيث السلمُ أخاه السلمث ان ف الديث الصحيح (الزّكاةُ َقنْ َط َرةُ ا ِل ْس َ
بالعبور عليها؛ اذ هي الواسطة للتعاون الأمور به ،بل هي الصراط ف نظام اليئة الجتماعية لنوع
البشر ،وهي الرابطة لريان مادة الياة بينهم ،بل هي الترياق للسموم الواقعة ف ترقيات البشر.
نعم! ف "وجوب الزكاة" و"حرمة الربا" حكمة عظيمة ،ومصلحة عالية ،ورحة واسعة؛ اذ لو
س أساس أمعنت النظر ف صحيفة العال نظرا تارييا وتأملت ف مساوي جعية البشر لرأيت ا ّ
جيع اختللتا وفسادها ،ومنبع كل الخلق الرذيلة ف اليئة الجتماعية كلمتي فقط:
ت غيِي من الُوعِ".
ت فل عل ّي اَن يو َ
إحداها" :اِ ْن َشبِ ْع ُ
فالكلمة الول الغدارة النَهِمَة الشنعاء هي الت زلزلت العال النسانّ فاشرف على الراب.
والقاطعُ لعرق تلك الكلمة ليس الّ "الزكاة".
والكلمة الثانية الظالة الريصة الشوهاء هي الت هارت بترقّيات البشر فأوشك أن تنهار با ف نار
الَرْج والَرْج .والستأصِ ُل والدواء لتلك الكلمة ليس إلّ "حرمة الربا" .فتأمل!..
اعلم! ان شرط انتظام اليئة الجتماعية ان ل تتجاف طبقات النسان ،وان لتتباعد طبقةُ الواص
عن طبقة العوام ،والغنياء عن الفقراء بدرجة ينقطع خيط الصلة بينهم .مع ان باهال وجوب
الزكاة وحرمة الربا انفرجت السافة بي الطبقات ،وتباعدت طبقات الواص عن العوام بدرجة ل
صلة بينهما ،ول يفور من الطبقة
_____________________
1اورده اليثمي ف الجمع ( )3/62وقال :رواه الطبان ف الكبي والوسط ورجاله موثقون إلّ
بقية مدلس وهو ثقة ،واورده النذري ف الترغيب والترهيب ( )1/517وقال :رواه الطبان...
وفيه ابن ليعة ،والبيهقي وفيه بقية بن الوليد .والديث ضعفه مقق الامع الصغي برقم 3191
ف ضعيف الامع الصغي.
السفلى ال العليا إلّ صدى الختلل ،وصياح السد ،وأني القد والنفرة بدل عن الحترام و
الطاعة والتحبب ،ول يفيض من العليا على السفلى بدل الرحة والحسان والتلطيف إلّ نار
الظلم والتحكم ،ورعد التحقي .فأسفا! ..لجل هذا قد صارت "مزيةُ الواص" الت هي سبب
التواضع والترحم سببا للتكبّر والغرور .وصار "عج ُز الفقراء" و"فق ُر العوام" اللذان ها سببا الرحة
عليهم والحسان اليهم سببا لسارتم وسفالتهم ..وانشئت شاهدا فعليك بفسادِ ورذالةِ حالة
العال الدنّ ،فلك فيه شواهد كثية .ول ملجأ للمصالة بي الطبقات والتقريب بينها الّ جعل
الزكاة -الت هي ركن من اركان السلمية -دستورا عاليا واسعا ف تدوير اليئة الجتماعية.
***
اعلم! ان القرآن أرسل النظم -أي ل يعيّن بوضع امارةٍ وجها من وجوه التراكيب ف كثي من
أمثال هذه الية ،لسرٍ لطيف ،هو منشأ الياز الذي هو منشأ العجاز ،وهو:
ان البلغة هي مطابقة مقتضى الال .والال :ان الخاطبي بالقرآن على طبقات متفاوتة ،وف
اعصار متلفة .فلمراعاة هذه الطبقات ،ولجاورة هذه العصار ،ليستفيد ماطب كل نوعٍ ماقُدّرَ
له من حصته ،حذف القرآنُ ف كثيٍ للتعميم والتوزيع ،واطلق ف كثيٍ للتشميل والتقسيم،
وارسل النظم ف كثي لتكثي الوجوه ،وتضمي الحتمالت الستحسنة ف نظر البلغة والقبولة
عند العلم العرب ليفيض على كلِ ذهنٍ بقدار ذوقه .فتأمل!..
ث ان وجه نظم هذه الية بسابقتها :التخصيص بعد التعميم .ليعلن على رؤوس الشهاد شر َ
ف
مَنْ آمن من اهل الكتاب ،وليدّ يد استغناء اهله ف أفواههم ،وليأخذ يد امثال "عبد ال بن سلم"
،1ويشوّق غيه لن يأت به ..وأيضا التنصيص على قسْمَي التقي 2للتصريح بشمول هداية
القرآن لكافة المم ،والتلويح لعموم رسالة ممد عليه السلم لقاطبة اللل ..وايضا التفصيل بعد
الجال لشرح اركان اليان الندمة ف صَدَف يؤمنون بالغيب اذ دل على الكتب والقيامة
صراحة ،وعلى الرسل واللئكة ضمنا.
ث ان القرآن ل يوجز هنا بنحو (والؤمني بالقرآن) لترصيع هذا العن بلطائف وتزيي ذيوله
بنكت ،فآثر (والذين يؤمنون با أُنزل اليك).
_____________________
1صحاب ،أسلم عند قدوم النب صلى ال عليه وسلم الدينة ،وكان اسه (الصي) فسماه رسول
ال صلى ال عليه وسلم عبدال .شهد مع عمر رضى ال عنه فتح بيت القدس والابية ،وأقام
بالدينة ال ان توف سنة 43هـ( .الصابة ،4725الستيعاب .)2/382
اذ ف "الذين" رمز ال ان وصف اليان هو مناط الكم وان الذات مع سائر الصفات تابعة له
1
ومغمورة تته.
وف (يؤمنون) بدل "الؤمني" الدال على الثبوت ف زمان ،تلويح ال تدد اليان بتواتر النول
وتكرر الظهور مستمرا.
وف "ما" البام ،إياء ال ان اليان ممل قد يكفي ،وال تشميل اليان للوحي الظاهر والباطن
وهو الديث.
وف (انُزل) باعتبار مادته اشارة ال ان اليان بالقرآن هو اليان بنوله من عند ال .كما ان
اليان بال هو اليان بوجوده ،وباليوم الخر هو اليان بجيئه .وبالنظر ال صيغته الاضوية -
مع انه ل يتم النول اذ ذاك -اشارة ال تققه النلة بنلة الواقع مع ان مضارعية "يؤمنون" تتلف
ماف ماضويته .2بل لجل هذا التنيل ترى ف اساليب التنيل كثيا ما يبتلع الزمان الاضي
ي الاضي ،اذ فيه بلغة لطيفة .لن من سع الاضي فيما ل يض الستقبل ويتزيا الضارع بز ّ
بالنسبة اليه اهتز ذهنه ،وتيقظ انه ليس وحده ،وتذكر ان خلفه غيه من الصفوف بسافات .حت
كأن العصار مدارج والجيال صفوف قاعدون خلفها .وتنبّه ان الطاب والنداء الوجه اليه
بدرجة من الشدة والعلوّ يسمعه كل الجيال .وهو خطبة الية انصت لا كلّ الصفوف ف كل
العصار .فالاضي حقيقة ف الكثي -ف أكثر الزمان -ومازٌ ف القليل -ف أقلها - 3ومراعاة
الكثر أوف لق البلغة.
وف (اليك) بدل "عليك" رمز ال ان الرسالة وظيفة كُلّف با النب عليه السلم وتمّلها بزئه
الختياري ..وإياء ال علّوه بدمة جبائيل بالتقدي اليه؛ اذ ف "على" ش ّم اضطرار وعلوّ واسطة
النول ..وف خطاب "اليك" بدل "ال نو ممد" تلويح ال ان ممدا عليه السلم ماهو إلّ
ماطب والكلم كلم ال ..وايضا معن الطاب تأكيد وتصوير لعن النول الذي هو الوحي
الذي هو القرآن
_____________________
اى ماضوية "اُنزل " .بعن ان الذى ل يتم نزوله ،ان ل يكن داخلً ضمن شولية "اُنزل " فهو 2
فالاضى حقيقة ثابتة لدى كثي من الناس ف اغلب الزمان ،بينما يكون مازا لدى القليلي ف 3
اقل الزمان.
الذي هو خطاب ال معه الذي هو الاصة النافذة ف الكل .فكشف هذا الزء الجاب عن
حصته من تلك الاصة .فظهر ان هذا الكلم بالنظر ال اشتماله على هذه اللطائف الذكورة ف
ناية الياز.
اعلم! ان امثال هذه التوصيفات تتضمن تشويقا ،يتضمن أحكاما انشائية .كآمنوا كذا وكذا ول
تفرقوا.
إحداها:
عطف الدلول على الدليل .اي" :ياأيها الناس اذا آمنتم بالقرآن فآمنوا بالكتب السابقة ايضا ،اذ
القرآن مصدّق لا وشاهد عليها" بدليل ( ُمصَدّقا لِمَا َبيْ َن يَ َديْهِ) .1
والثانية:
عطف الدليل على الدلول ،أي" :ياأهل الكتاب اذا آمنتم بالنبياء السابقي والكتب السالفة لزم
عليكم ان تؤمنوا بالقرآن وبحمد عليه السلم ،لنم قد بشّروا به ،ولن مدار صدقهم ،ونزولا
ومناط نبوتم يوجد بقيقته وبروحه ف القرآن بوجه اكمل وف ممد عليه السلم بالوجه الظهر.
فيكون القرآن كلم ال بالقياس ا َلوَْلوِي ،وممّد عليه الصلة والسلم رسوله بالطريق الول".
والثالثة:
ان فيه اشارة ال ان مآل القرآن -اعن السلمية الناشئة ف زمان السعادة -كشجرة أصلها
ثابت ف أعماق الاضي ،منتشرة العروق متشربة عن منابع حياتا وقوتا ،وفرعها ف ساء
الستقبال ناشرة أغصانا مثمرة .أي اخذت السلمية بقرن الاضي والستقبال.
_____________________
والرابعة:
ان فيه اشارةً ال تشويق اهل الكتاب على اليان وتأنيسهم ،والتسهيل عليهم .كأنه يقول:
"ليشقنّ عليكم الدخول ف هذا السلك ،اذ لترجون عن قشركم بالرة بل انا تكملون
معتقداتكم ،وتبنون على ماهو مؤسس لديكم" اذ القرآن معدّل ومكمّل ف الصول والعقائد،
وجامع لميع ماسن الكتب السابقة واصول الشرائع السالفة .إل انه مؤسّس ف التفرعات الت
تتحول بتأثي تغي الزمان والكان؛ فكما تتحول الدوية واللبسة ف الفصول الربعة ،وطرز التربية
والتعليم ف طبقات عمر الشخص؛ كذلك تقتضي الكمة والصلحة تبدل الحكام الفرعية ف
مراتب عمر نوع البشر .فكم من حكم فرعي كان مصلحة ف زمان ،ودواء ف وقت طفولية
النوع ،ليبقى مصلحة ف آخر ،ودواء عند شبابية النوع .ولذا السر نَسخَ القرآن بعض الفروع.
اي بيّن انقضاء اوقات تلك الفروع ودخول وقت آخر.
اعلم! انه ما من كلمة ف التنيل يأب عنها مكانا ،أو ل يرض با ،أو كان غيُها أول به .بل
مامن كلمة من التنيل إل وهي كدرّ مرصّعٍ مرصوص متماسك بروابط الناسبات؛ فان شئت
مثال تأمل ف( :من قبلك) كيف ترى اللطائف التطايرة من جوانب هذه الية توضّعت على هذه
الكلمة الفذة.
فان (من قبلك) تشربتْ وتلونت -فتُرشّح وتُرمز بمس لطائف -الناسبات النعكسة من
القاصد المسة الندمة ف مسألة النبوة السوقة لا هذه الية.
اما القاصد الندمة فهي :ان ممدا عليه السلم نب ،وانه اكمل النبياء ،وانه خات النبياء ،وانه
مرسل لكافة القوام ،وان شريعته ناسخة لميع الشرائع ،وجامعة لحاسنها.
ان "من قبلك" انا يقال اذا اتد السلك وكان الطريق واحدا .فكأن هذه الكلمة تترشح :بأن
الجج على نبوة مَن قبله وصدق كتبهم ،حجةٌ بجموعها بتنقيح الناط 1وتقيق الناط بالقياس
الول على نبوة ممد عليه السلم ونزول كتابه .فكأن جيع معجزاتم معجزة فذة على صدق
ممد عليه السلم.
_____________________
1اصطلح اصول ف مباحث العلة :فتنقيح الناط :تذيب العلة ما علق با من الوصاف الت ل
مدخل لا ف العلية .اما تقيق الناط :فهو الجتهاد ف تقيق العلة الثابتة بالنص او بالجاع او
بأي مسلك آخر ،ف واقعة غي الت ورد فيها النص.
إشارات العجاز -ص60 :
ان "من قبلك" بناء على ملحظة عادة "ان السلطان يرج ف اخريات الناس" ..وعلى قاعدة
التكمل ف نوع البشر القتضية لكملية الرب الثان عن الرب الول ..وعلى اغلبية مهارة وزيادة
اللف على السلف ،تلوح بان ممدا عليه السلم سلطان النبياء ،اكمل من كلهم .كما ان
القرآن أجع وأجل 1من كتبهم.
ان "من قبلك" بسر قاعدة "ان الواحد اذا تكثّر تسلْسَلَ ليسكن ،وان الكثي اذا ات ّد استقرّ
لينقطع" وباشام الفهوم الخالف تلمح بانه عليه السلم خات النبياء.
ان "من قبلك" الفيدة "انك َخَلفُهم وك ٌل منهم سلفك" بسر قاعدة "ان اللف يأخذ تام وظيفة
السلف ويقوم مقامه" تشي بأنه اذا كان كل منهم سلفك فانت نائب الكل ،ورسول جيع المم.
نعم ليكون إلّ كذلك! ..اذ الفطرة حاكمة له ،والكمة قاضية به؛ لنه كانت امم العال
النسان قبل زمان السعادة ف غاية التباعد والختلف مادة ومعن ،واستعدادا وتربيةً؛ ماكفت
لم التربية الواحدة وما شلت الدعوة الفردة .ث لا انتبه العال النسان بزمان السعادة بعده،
وتايل ال التاد بداولة الفكار ،ومبادلة الطبائع ،واختلط القوام ،وتري البعض عن حال
البعض حت تخض الزمان بكثرة طرق الخابرة والناقلة؛ فصارت الكرة كمملكة وهي كولية
وهي كبلدة ،واتصل الرحم بي اهل الدنيا؛ َكفَت الدعوة الواحدة والنبوة الفريدة للكافة.
_____________________
1واشل (ش).
اى :ان "من " يفيد معن البتداء ،والبتداء لبد له من انتهاء -اى "ال " -والنتهاء يدل على 2
واعلم! ان المارة لنظر البلغة على تشرب هذه الكلمة لؤلء اللطائف هي:
ان هذه القاصد المسة كالنار الارية تت هذه اليات ،حت يفور هذا بكماله ف آية ..وينبع
ذاك بتمامه ف أُخرى ..ويتجلى ذلك بشَرَاشيه 1ف آخرة .فأدن ترشّحٍ على السطح يومي
بتماس عروق الكلمة با .وايضا تتسنبل هذه العان ف آيات مسوقة لا.
( َوبِالخِ َر ِة هُ ْم يُوقِنُونَ)
اعلم! ان مآل هذه الية هوالقصد الرابع من القاصد الربعة الشهورة وهو "مسألة الشر" .ث انا
قد استفدنا من نظم القرآن عشرة براهي عليها ،ذكرناها ف كتاب آخر 2فناسب تلخيصها هنا.
وهي:
ان الشر حق؛ لن ف الكائنات نظاما اكمل قصديا ..وان ف اللقة حكمة تامة ..وان ل عبثية
ف العال ..وان ل اسراف ف الفطرة ..والزكي لؤلء الشواهد الستقراء التام بميع الفنون الت
كل منها شاهدُ صدق على نظام نوع موضوعه ..وايضا ان ف كثي من النواع مثل اليوم والسنة
وغيها قيامة مكررة نوعية ..وايضا جوهر استعداد البشر يرمز ال الشر ..وايضا عدم تناهي
آمال البشر وميوله يشي اليه ..وايضا رحة الصانع الكيم تلوح به ..وايضا لسان الرسول
الصادق عليه السلم يصرّح به ..وأيضا بيان القرآن العجز ف أمثال (وَقَدْ َخَل َقكُمْ اَ ْطوَارا) َ ( 3ومَا
لمٍ ِل ْلعَبِيدِ) 4يشهد له .تلك عشرة كاملة ،مفاتيح للسعادة البدية وأبواب لتلك النة. ك بِ َظ ّ
َربّ َ
اما بيان البهان الول :فهو انه لو ل تنجر الكائنات ال السعادة البدية لصار ذلك النظام الذي
اتقن فيه صانعُه اتقانا َحيّ َر فيه العقول صورةً ضعيفة خادعة ،وجيع العنويات والروابط والنسب
ف النظام هباء منثورا .فليس نظام ذلك النظام الّ اتصاله بالسعادة ،اي ان النكت والعنويات ف
ذلك النظام انا تتسنبل ف عال الخرة .والّ
_____________________
1بشراشيه :بأجعه.
هذه الباهي مذكورة ف رسالة "لسيما" من الثنوى العرب النورى ومفصلة ف الكلمة التاسعة 2
لنطفأ جيع العنويات ،وتقطّع مموع الروابط ،وتزّق كل النسب ،ويتفتت هذا النظام؛ مع ان
القوة الندمة ف النظام تنادي باعلى صوتا :ان ليس من شأنا النقضاض والنلل.
وأما البهان الثان :فهو ان تثال العناية الزلية الذي هو الكمة التامة ،الت هي رعاية الصال
لكَم ف كل نوع ،بل ف كل جزئي -بشهادة كل الفنون -يبشر بقدوم السعادة البدية. وا ِ
والّ لَزِم انكار هذه الكم والفوائد الت اجبتنا البداهةُ على القرار با؛ اذ حينئذ تكون الفائدة ل
فائدة ..والكمة غي حكمة ..والصلحة عدم مصلحة .وإن هذا الّ سفسطة.
واما البهان الثالث الفسر للثان :فهو ان الفن يشهد ايضا ان الصانع اختار ف كل شئ الطريق
القصر ،والهة القرب ،والصورة الخف والحسن .فيدل على ان لعبثية .فيدل على انه جدّي
حقيقي .وماهو ال بجئ السعادة البدية .والّ لتنل هذا الوجود منلة العدم الصرف .وتول كل
شئ عبثا مضا ..سبحانك ماخَل ْقتَ هذا َعبَثا.
أما البهان الرابع الوضح للثالث :فهو ان ل اسراف ف الفطرة بشهادة الفنون .فان تقاصر ِذ ْهنُك
عن ادراك ِحكَم النسان الكب وهو "العال" فأمعن النظر ف العال الصغر وهو "النسان" .فان
فن منافع العضاء قد شرح واثبت :ان ف جسد النسان تقريبا ستمائة عظم ك ّل لنفعة ..وستة
آلف عصب هي مارٍ للدم كلّ لفائدة ..ومائة واربعة وعشرين ألف مسامة وكوّة للحجيات
الت تعمل ف كل منها خس قوى من الاذبة والدافعة والمسكة والصوّرة والولّدة كل منها
لصلحة .واذا كان العالَ ُم الصغر كذا فكيف يكون النسان الكب انقصَ منه؟ واذا كان السد
الذي ل اهية له بالنسبة ال لبّه بتلك الدرجة من عدم السراف فكيف يُتصور اهال جوهر
الروح؟ واسرافٌ كل آثاره من العنويات والمال والفكار؟ اذ لول السعادة البدية لتقلصت كل
العنويات وصارت اسرافا .فبال عليك أيكن ف العقل ان يكون لك جوهرة قيمتها الدنيا ،فتهتم
بصدَفها وغلفها حت لتلي ان يصل الغبار اليه ،ث تأخذ الوهرة فتكسّرها شذرا مذرا 1وتحو
آثارها؟ كل ث كل!
_____________________
1شذرا مذرا :اى ذهبوا ف كل وجه ،فالراد البالغة ف الكسر والتجزئة (ش).
إشارات العجاز -ص63 :
ماتتم بالغلف إلّ لجل مافيه ..وايضا اذا افهمتك قو ُة البنية ف شخص وصحة أعضائه
واستعداده ،استمرار بقائه وتكمله؛ أفل تفهّمك القيق ُة الثابتة الارية ف روح الكائنات ،والقوةُ
الكاملة الومية بالستمرار ف النتظام ،والكمال النجر ال التكمل ف النظام :مئ السعادة البدية
من باب الشر السمان؟ اذ هي الخلصة للنتظام عن الختلل ،والواسطة للتكمل وانكشاف
تلك القوة الؤبدة.
واما البهان الامس والدس الرمز ال القصد :فهو ان وجود نوع قيامات مكررة نوعية ف كثي
من النواع يشي ال القيامة العظمى وان شئت تثُلَ الرمزِ ف مثال ،فانظر ف ساعتك السبوعية،
فكما ان فيها دواليب متلفة دوارة متحركة مركة للبر وا َلمْيال العادّة واحدة منها للثوان .وهي
مقدمة ومبة لركة ابرة الدقائق .وهي مُعدّة ومُعلنة لركة ميل الساعات .وهي مصلة ومؤذنة
لركة البرة الت تعد ايام السبوع .فاتام دورة السابقة يشي بأن اختها اللحقة تتم دورها؛
كذلك ان ل تعال ساعةً كبى دواليبُها الفلكُ تعدّ أميالا اليام والسني وعمر البشر وبقاء
الدنيا ،نظي الثوان والدقائق والساعات واليام ف ساعتك .فمجئ الصبح بعد كل ليلة ،والربيع
بعد كل شتاء -بناء على حركة تلك الساعة -يشي اشارة خفية ويرمز رمزا دقيقا بتولد صبح
ربيع الشر من تلك الساعة الكبى.
ان قلت :القيامة النوعية لتشر الشخاص باعيانم فكيف ترمز بالقيامة الكبى لعود الشخاص
هناك باعيانم؟
قيل لك :ان شخص النسان كنوع غيه ،اذ نور الفكر اعطى لمال البشر وروحه ُوسْعة
وانبساطا بدرجة و ِسعَت الزمنة الثلثة ،لو ابتلع الاضي والستقبل مع الال ل تتلء آماله؛ لن
نور الفكر صيّر ماهيته علوية ،وقيمته عمومية ،ونظره كليا ،وكماله غي مصور ،ولذته دائمية،
وأله مستمرا .اما فرد النوع الخر فماهيته جزئية ،وقيمته شخصية ،ونظره مدود ،وكماله
مصور ،ولذته آنية ،وأله دفعيّ ،فوجود نوع قيامة ف النواع ،كيف ليشي بالقيامة الشخصية
العمومية للنسان؟
واما البهان السادس اللوّح :فهو عدم تناهي استعدادات البشر .نعم ان تصورات البشر وافكاره
الت لتتناهى ،التولدة من آماله الغي التناهية ،الاصلة من
ميوله الغي الضبوطة ،الناشئة من قابلياته الغي الحدودة ،الستترة ف استعداداته الغي الحصورة،
الزروعة ف جوهر روحه الذي كرمه ال تعال؛ كل منها يشي ف ماوراء الشر السمان باصبع
الشهادة ال السعادة البدية وتد نظرها اليه .فتأمل!
وأما البهان السابع البشر :فهو ان رحة الرحن الرحيم تبشر بقدوم اعظم الرحة اعن السعادة
البدية؛ اذ با تصي الرحة رحة ،والنعمة نعمة .وبا تلص الكائنات من النياحات الرتفعة من
ح الِنعَم أعن السعادة
الأت العموم ّي التولد من الفراق البدي الصيّر للنعم نقما .اذ لو ل يئ رو ُ
البدية ،لتحول جيع النعم نقما؛ وللزم الكابرة ف انكار الرحة الثابتة بشهادة عموم الكائنات
بالبداهة وبالضرورة..
فيا ايها البيب الشفيق 1العاشق! انظر ال ألطف آثار رحة ال أعن الحبة والشفقة والعشق؛ ث
راجع وجدانك لكن بعد فرض تعقب الفراق البدي والجران الليزال عليها ،كيف ترى
الوجدان يستغيث ..واليال يصرخ ..والروح يضجر من انقلب تلك الحبة والشفقة -اللتي
ها أحسن وألطف انواع الرحة والنعمة -اعظم مصيبة عليك واشد بلء فيك؟ أفيمكن ف العقل
ل على الحبة والشفقة؟ان تساعد تلك الرحة الضرورية لجوم الفراق البدي والجران الليزا ّ
ق البدي على الجران الليزلّ ،والجران الليزالّل! بل من شأن تلك الرحة ان تسلّط الفرا َ
على الفراق البدي والعدم عليهما.
واما البهان الثامن الصرّح :فهو لسان ممد عليه السلم الصادق الصدوق ،ولقد فتح كلمه
أبواب السعادة البدية ،على ان إجاع النبياء من آدمهم ال خاتهم عليهم السلم على هذه
القيقة حجة حقيقية قطعية على هذا الدعى .ولمر مّا اتفقوا.
واما البهان التاسع :فهو اخبار القرآن العجز؛ اذ التنيل الصدق اعجازه بسبعة اوجه 2ف ثلثة
عشر عصرا دعواه عي برهانا .فاخباره كشاف للحشر السمان ومفتاح له.
_____________________
واما البهان العاشر ،الشتمل على ألوف من الباهي الت تضمنها كثي من اليات مثل (وَقَدْ
لمٍ ِل ْلعَبيد) الشي ال "دليل عدلّ"
ك بِ َظ ّ
خََل َقكُ ْم أطْوارا) الشي ال "قياس تثيلي" .و( َومَا َربّ َ
وغيها .فلقد فتح القرآن ف أكثر اليات ُكوّاتٍ 1ناظرة ال الشر.
فانظر ف وجود النسان فانه ينتقل من طور ال طور ..من النطفة ال العلقة ..ومنها ال الضغة..
ومنها ال العظم واللحم ..ومنه ال اللق الديد .ولكلّ من تلك الطوار قواني مصوصة،
ونظامات معيّنة ،وحركات مطّردة يشفّ ك ّل منها عن قص ٍد وارادةٍ واختيارٍ ..ث تأمل ف بقائه
فإن هذا الوجود يدد لباسه ف كل سنة ،ومن شأنالتحلل والتركب .اي انقضاض الجيات
وتعميها ببدل ما يتحلل من الادة اللطيفة الوزعة على نسبة مناسبة العضاء الت يضرها صانعُها
بقانون مصوص .ث تأمل ف أطوار تلك الادة اللطيفة الاملة لرزاق الجزاء .كيف تنتشر ف
اقطار البدن انتشارا تي فيه العقول .وكيف تنقسم بقانون التقسيم العي على مقدار حاجات
العضاء؛ بعد ان تلخصت تلك الادة بنظام ثابت ،ودستور معي ،وحركة عجيبة من اربع
مصفاتات ،وانطبخت ف اربعة مطابخ بعد اربعة انقلبات عجيبة؛ الأخوذة تلك الادة من القوت
الحصل من الواليد النتشرة ف عال العناصر بدستور منتظم؛ ونظام مصوص ،وقانون معي .وكل
من القواني والنظامات ف تلك الطوار يشف عن سائقٍ وقصدٍ وحكمةٍ .كيف ل ،ولو تأملت
من قافلة تلك الادة اللطيفة ف ذرة مثل ،مستترة ف عنصر الواء تصي بالخرة جزءا من سواد
عي "البيب"؛ لعلمت ان تلك الذرة وهي ف الواء معيّنة كأنا موظفة مأمورة بالذهاب ال
ن تيقنت ان ليست حركتها "اتفاقية عمياء"
مكانا الذي عيُنّ لا؛ اذ لو نظرت إليها بنظر ف ّ
"بتصادف اعمى" ،بل تلك الذرة ما دخلت ف مرتبة ال تبعت نظاماتا الخصوصة ،وماتدرجت
ال طور ال عملت بقوانينه العينة ،وما سافرت ال طبقة ال وهي تساق بركة عجيبة منتظمة.
فتمر على تلك الطوار حت تصل ال موضعها .مع انا لتنحرف قطعا مقدار ذرة عن هدف
مقصدها.
_____________________
والاصل :ان من تأمل ف النشأة الول ل يبق له تردد ف النشأة الخرى ،ولقد قال النب عليه
الصلة والسلم (عجبا لن يرى النشأة الول كيف ينكر النشأة الخرى).
نعم! كما ان جعَ نفراتِ عسكرِ فرقةٍ أُ ِذنَ لم بالستراحة والنتشار اذا دعوا باللة العروفة -
فيتسللون عن كل طرف ومكمن ،فيجتمعون متحدين تت لوائهم -يكون أسهل وأسهل من
جلبهم أول المر ال النتظام تت السلح؛ كذلك ان جعَ الذرات الت حصلت بينها الؤانسة
ت بصُور اسرافيل فينساب الكل من كل فج عميق والناسبة بالمتزاج ف وجودٍ واحدٍ اذا نودي ْ
ملبّية لمر خالقها يكون أسهل وأمكن ف العقل من انشائها وتركيبها أول الرة.
أما بالنسبة ال القدرة فأعظم الشياء كأصغرها .ث الظاهر ان العاد يعاد باجزائه الصلية
ص الظفار والشعار ونوها والفضولية معا .كما يشي اليه كب أجسام اهل الشر 1وكراهة ق ّ
3
جنُب ،وسنّية دفنها .2والتحقيق :ان عجب ال َذنَب يكفي ان يكون بذرا وماد ًة لتشكله.
لل ُ
فاعلم! أنّا كثيا ما نرى الظال الفاجر الغدّار ف غاية التنعم ،ويرّ عمُره ف غاية الطيب والراحة.
ث نرى الظلوم الفقي التدين السن اللق ينقضي عمره ف غاية الزحة 4والذلة والظلومية ،ث
يئ الوتُ فيساوي بينهما .وهذه الساواة بل ناية تُري ظلما .والعدالة والكمة الليتان اللتان
شهدت عليهما الكائناتُ منّهتان عن الظلم؛ فلبد من ممعٍ آخر ليى الول جزاءه والثان ثوابه
فيتجلى العدالة اللية .وقس على هاتي اليتي نظائرها .هذا..
_____________________
1عن اب هريرة رضى ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ضرس الكافر -أو ناب
الكافر -مثل أحد وغلظ جلده مسية ثلث .رواه مسلم (.)4/2189
ادفنوا ماءكم واشعاركم واظفاركم ،لتلعب با السحرة» مسند الفردوس .1/102وانظر 2
عن اب هريرة رضى ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :كل ابن آدم يأكله 3
التراب الّ عجب الذنب ،منه خُلق ومنه يركّب .رواه مسلم وابو داود وابن ماجه .والعجب:
اصل الذنب.
فاعلم! ان مناط النكت" :الواو" ،ث تقدي "بالخرة" ث اللف واللم فيها ،ث التعبي بذا العنوان،
ث ذكر "هم" ،ث ذكر "يوقنون" بدل "يؤمنون".
واما "الواو" ففيها التخصيص بعد التعميم ،للتنصيص على هذا الركن من اليان ،اذ هو أحد
القطبي اللذين تدور عليهما الكتب السماوية.
واما تقدي (بالخرة) ففيه حصر ،وف الصر تعريض بأن أهل الكتاب بناء على قولم (لن تسّنا
النا ُر اِ ّل أيّاما َمعْدُودةً) 1ونفيهم اللذائذ السمانية ،آخرتم آخرة مازية اسية ،ماهي بقيقة
الخرة.
واما اللف واللم فللعهد .اي اشارة ال العهود بالدوران على ألسنة كل الكتب السماوية ..وف
العهد لحٌ ال انا حق واشارة ال القيقة العهودة الاضرة بي اهداب العقول بسبب الدلئل
الفطرية الذكورة ..وف العهد حينئذ رمز ال انا حقيقة ..واما التعبي بعنوان "الخرة" الناعتة
للنشأة فلتوجيه الذهن ال النشأة الول ،لينتقل ال امكان النشأة الخرى.
واما (هم) ففيه حصر وف الصر تعريض بأن إيان من ل يؤمن بحمد عليه الصلة والسلم من
أهل الكتاب ليس بيقي ،بل انا يظنونه يقينا.
وأما ذكر (يوقنون) بدل "يؤمنون" مع ان اليان هو التصديق مع اليقي ،فليضع الصبع على
مناط الغرض قصدا لطارة الشكوك؛ اذ القيامة مشر الريوب ..وايضا بالتنصيص ينسد طرق
التعلل بـ "انا مؤمنون فليؤمن من ل يؤمن".
***
_____________________
اعلم! ان الظان الت تتلمع فيها النكت :هي نظمها مع سابقتها ،ث الحسوسية ف "اولئك" ،ث
الُبعْدية فيها ،ث العلو ف "على" ،ث التنكي ف "هدى" ،ث لفظ "من" ،ث التربية ف "ربم".
اما النظم ،فاعلم! ان هذه 1مرتبطة بسابقتها بطوط مناسبات .منها الستيناف أي 2جواب
لثلثة اسئلة مقدرة:
منها :السؤال عن الثال،كأن السامع بعدما سع ان القرآن من شأنه الداية لشخاص من شأنم -
بسبب الداية -التصاف بأوصافٍ ،أحبّ أن يراهم وهم بالفعل تلبسوا بتلك الوصاف متكئي
على ارائك الداية .فأجاب مُريئا للسامع بقوله (اولئك على هدى من ربم).
ومنها :السؤال عن العلة ،كأن السائل يقول :ما بال هؤلء استحقوا الداية واختصوا با؟
فأجاب :بأن هؤلء الذين امتزجت واجتمعت فيهم تلك الوصاف -إن تأملت -لديرون بنور
الداية.
قيل لك :قد يكون الجال اوضح من التفصيل لسيما اذا كان الطلوب متولدا من الجموع؛ اذ
بسبب جزئية ذهن السامع ،والتدرج ف اجزاء التفصيل ،وتداخل النسيان بينها ،وتلي العلة من
مزج الجزاء قد ليُتفطن لتولد العلة .فالجال ف "اولئك" لجل المتزاج أجلى للعلية.
ومنها :السؤال عن نتيجة الداية وثرتا ،والنعمة واللذة فيها .كأن السامع يقول :ما اللذة
والنعمة؟ فاجاب بأن فيها سعادة الدارين .أي ان نتيجة الداية نفسها
_____________________
وثرتا عينها ،اذ هي بذاتا نعمة عظمى ولذة وجدانية ،بل جنة الروح؛ كما ان الضللة جهنمها.
ث بعد ذلك تثمر الفلح ف الخرة.
واما الحسوسية ف (اولئك) فاشارة ال ان ذكر الوصاف الكثية سبب للتجسم ف الذهن،
والضور ف العقل ،والحسوسية للخيال .فمن العهد 1الذِكري ينفتح باب ال العهد الارجي،
ومن العهد الارجي ينتقل ال امتيازهم ،وينظر ال تللئهم ف نوع البشر كأنه من رفع رأسه
وفتح عينيه ل يتراءى له ال هؤلء.
واما البُعدية ف (اولئك) مع قُربيتهم ف الملة فللشارة ال تعال رتبتهم؛ اذ الناظر ال البعداء ل
يرى ال اطولم قامة ،مع ان حقيقة البعد الزمان والكان اقضى لق البلغة؛ اذ هذه الية كما ان
عصر السعادة لسان ذاكر لا وهي تنل ،كذلك ك ّل من العصار الستقبالية كأنه لسان ذاكر
لا ،وهي شابة طرية كأنا اذ ذاك نزلت ل انا نزلت ث حكيت.فاوائل الصفوف الشار اليهم بـ
"اولئك" يتراؤن من ُبعْدٍ .ولجل الرؤية مع بُعدهم يُعلم عظمتهم وعلوّ رتبتهم.
واما لفظ (على) فاعلم! ان سر الناسبة بي الشياء صيّر اكثر المور كالرايا الت تتراءى ف
أنفسها؛ هذه ف تلك وتلك ف هذه .فكما ان قطعة زجاجة تريك صحراء واسعة؛ كذلك كثيا
ماتذكّرك كلمةٌ فذة خيال طويل ،وتثل نصب عينيك هيئة كلمة حكاية عجيبة .ويول بذهنك
كلم ف عال الثال الثال .كما ان لفظ "بارَزَ" يفتح لك معركة الرب ،ولفظ "ثرة" ف الية
يفتح لك باب النة وقس! فعلى هذا لفظ "على" للذهن كال ُكوّة ال اسلوب تثيلي هو ان هداية
القرآن بُراقٌ إلي أهداه للمؤمني ليسلكوا ،وهم عليه ف الطريق الستقيم سائرين ال عرش
الكمالت.
واما التنكي ف (هدى) فيشي ال انه غي (هدى للمتقي) اذ النكّر الكرر غي الول ف الغلب
.2فذاك مصدر وهذا حاصل بالصدر ..وهو صفة مسوسة قارة 3كثمرة الول.
_____________________
حيث ان النكرة اذا كررت بصورة معرفة ،فتلك العرفة هى عي تلك النكرة ،اما اذا ذكرت 2
واما لفظ الـ "رب" فيشي ال ان الداية من شأن الربوبية فكما يربيهم بالرزق يغذيهم بالداية.
ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُونَ)
( َوأُولئِ َ
اعلم! ان مظان تري النكت هي :عطف "الواو" ،ث تكرار "اولئك" ،ث "ضمي الفصل" ،ث
اللف واللم ،ث إطلق "مفلحون" وعدم تعيي وجه الفلح.
اما العطف فمبن على الناسبة؛ اذ كما ان (اولئك) الول اشارة ال ثرة الداية من السعادة
العاجلة؛ فهذه اشارة ال ثرتا من السعادة الجلة .ث انه مع ان كلً منهما ثرة لكل ما مر ،ال ان
الَول أَن (اولئك) الول يرتبط عِرْقُه بـ(الذين) الول ،الظاهر انم الؤمنون من الميي ،ويأخذ
قوته من اركان السلمية ،وينظر ال ماقبل (وبالخرة هم يوقنون) .و (اولئك) الثان ينظر برمز
خفي ال (الذين) الثان ،الظاهر انم مؤمنو اهل الكتاب .ويكون مأخذه اركان اليان واليقي
بالخرة .فتأمل!
واما تكرار (اولئك) فاشارة ال استقلل كل من هاتي الثمرتي ف العلة الغائية للهداية والسببية
لتميزهم ومدحهم ،ال ان الول ان يكون (اولئك) الثان اشارة ال الول مع حكمه كما تقول:
ذلك عال وذلك مكرّم.
واما ضمي الفصل فمع انه تأكيد الصر الذي فيه تعريض بأهل الكتاب الذين ل يؤمنوا بالن ّ
ب
عليه السلم ،فيه نكتة لطيفة وهي :ان توسط (هم) بي البتدأ والب من شأنه أن يول البتدأ
ض ويُحال الباقية على اليال؛ لن (هم) ينَبّه
للخب الواحد موضوعا لحكام كثية يُذكَر البع ُ
اليال على عدم التحديد ويشوّقه على تري الحكام الناسبة .فكما انك تضع زيدا بي عين
السامع فتأخذ تغزل منه الحكام قائل :هو عال ،هو عامل ،هو كذا وكذا .ث تقول قس! كذلك
لا قال (اولئك) ث جاء (هم) هيّج اليال لن يتن ويبتن بواسطة الضمي أحكاما مناسبة
_____________________
1اذ الهتداء ،اى سلوك طريق الصواب ،هو ضمن اختيارهم وداخل كسبهم ،مع ان الداية الت
هى صفة ثابتة ،فهى من ال تعال (ت)67 :
وأما اللف واللم فلتصوير القيقة.كأنه يقول :ان أحببت أن ترى حقيقة الفلحي ،فانظر ف
مرآة (اولئك) لتمثل لك ..أو لتمييز ذواتم ،كأنه يقول :الذين سعت أنم من أهل الفلح ان
أردت ان تعرفهم فعليك بـ (اولئك) فهم هم ..او لظهور الكم وبداهته نظي "والده العبد" اذ
كون والده عبدا معلوم ظاهر..
وأما إطلق "مفلحون" فللتعميم؛ اذ ماطب القرآن على طبقات مطالبهم متلفة .فبعضهم يطلب
الفوز من النار ..وبعض إنا يقصد الفوز بالنة ..وبعض انا يتحرى الرضاء اللي ..وبعض
مايب ال رؤية جاله ..وهلم جرّا ..فاطلق هنا لتعم مائدة احسانه فيجتن ك ّل مشتهاه.
***
ِانّ الّذِينَ َكفَرُوا َسوَا ٌء عََلْيهِمْ َءَانْذَ ْرَتهُ ْم َامْ لَ ْم ُتنْذِ ْرهُ ْم لُي ْؤ ِمنُونَ 6
وجه النظم:
اعلم! ان للذات الحديّ ف عال صفاته الزلية تّلَييْن جللّ وجالّ .فبتجليهما ف عال صفات
الفعال يتظاهر اللطف والقهر والسن واليبة .ث بالنعطاف ف عال الفعال يتولد التحلية
والتخلية والتزيي والتنيه .ث بالنطباع ف العال الُخروي من عال الثار يتجلى اللطف جنة
ونورا ،والقهر جهنم ونارا .ث بالنعكاس ف عال الذكر ينقسم الذكر ال المد والتسبيح .ث
بتمثلهما ف عال الكلم يتنوع الكلم ال المر والنهي .ث بالرتسام ف عال الرشاد يقسمانه ال
الترغيب والترهيب والتبشي والنذار .ث بتجليهما على الوجدان يتولد الرجاء والوف ..وهكذا.
ث ان من شأن الرشاد ادامة الوازنة بي الرجاء والوف ،ليدعو الرجاء ال ان يسعى بصرف
القوى ،والوف ال ان ليتجاوز بالسترسال فل ييأس من الرحة فيقعد ملوما ،ول يأمن العذاب
فيتعسف ول يبال .فلهذه الكمة التسلسلة مارغّب القرآن إلّ وقد رهّب ،وما مدح البرار ال
وقرنه بذ ّم الفجار.
pان قلت :فلِمَ ل يعطف هنا كما عطف ف (ِانّ البْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ _ وَِا ّن الْفُجّارَ َلفِي َجحِيمٍ) .1؟
قيل لك :ان حسن العطف ينظر ال حسن الناسبة ،وحسن الناسبة يتلف باختلف الغرض
السوق له الكلم .ولا اختلف الغرض هنا وهنالك ،ل يستحسن العطف هنا؛ اذ مدحُ الؤمني
منجر ومقدمة لدح القرآن ،ونتيجة له ،وسيق له .وأما ذم الكافرين فللترهيب ليتصل بدح
القرآن.
فأول :استأنس بـ (إنّ) و(الذين) فانما أ ْج َو ُل وأ ْسيَرُ ما يصادفك ف منازل التنيل .ولمر مّا
أكثر القرآنُ من ذكرها؛ اذ معهما من جوهر البلغة نكتتان عامتان غي ماتتص كل موقع.
_____________________
أما (إنّ) فان من شأنا ان تثقب السطح نافذة ال القيقة ،وتوصل الكم اليها؛ كأنا عرق
الدعوى اتصلت بالق .مثل :ان هذا كذا ..أي الك ُم وهذه الدعوى ليست خيالية ول مبتدعة
ول اعتبارية ول مستحدثة؛ بل هي من القائق الارية الثابتة .وما يقال من أن "إنّ" للتحقيق
فعنوان لذه القيقة والاصية .والنكتة الصوصية هنا هي أن "إنّ" الذي شأنه رد الشك والنكار
مع عدمهما ف الخاطب للشارة ال شدة حرص النب عليه السلم على ايانم.
واما (الذين) فاعلم! ان "الذي" من شأنه الشارة ال القيقة الديدة الت أحس با العقل قبل
العي ،وأخذت ف النعقاد ول تشتد ،بل تتولد من امتزاج أشياء وتآخذ أسباب مع نوع غرابة.
ولذا ترى من بي وسائط الشارة والتصوير ف النقلب الجدد للحقائق لفظ "الذي" أسيَ على
ع ونقضت اللسنة وأكثر دورانا .فلما ان تلى مؤسس القائق وهو القرآن ،اضمحل أنوا ٌ
فصولُها وتشكلت انواع اُخر وتولدت حقائق اخرى .اما ترى زمان الاهلية كيف تشكلت
النواع على الروابط اللّية وتولدت القائق الجتماعية على العصبيات القومية؟ فلما ان جاء
القرآن قطع تلك الروابط وخرب تلك القائق فأسس بد َل عنها انواعا ،فصولا الروابط الدينية.
فتأمل! ..فلما أشرق القرآن على نوع البشر تزاهر بضيائه واثر بنوره قلوب فتحصلت حقيقة
نورانية هي فصل نوع الؤمني .ث لبث بعض النفوس تعفنت ف مقابلة الضياء تلك النفوسُ
فتولدت حقيقة سّية هي خاصة نوع مَن كفر ..1
2
وايضا بي "الذين" و"الذين" تناسب.
اعلم! ان الوصول كاللف واللم يستعمل ف خسة معان اشهرها العهد .فـ"الذين" هنا اشارة
ال صناديد الكفر امثال اب جهل واب لب وأُمية بن خلف وقد ماتوا على الكفر .فعلى هذا ف
ت يتولد منها نوعٌ من العجاز من النواع الربعة
الية إخبار عن الغيب .وامثال هذا لعا ٌ
للعجاز العنوي.
واما لفظ (كفروا) فاعلم! ان الكفر ظلمة تصل من انكار شئ ما عُِلمَ ضرورةً مئ الرسول عليه
السلم به.
_____________________
حكَما أو مفسرا فاليان به واجب بعد الطلع ،والنكار والثالثة" :معناه الراد هذا"؛ فان كان مُ ْ
كفر .وان كان ظاهرا ،او نصا يتمل معن آخر ،فالنكار بناء على التأويل -دون التشهّي -
2
ليس بكفر .1ومثل الية الديث التواتر؛ ال ان ف انكار القضية الول من الديث تأمل.
ان قلت :الكفر جهل وف التنيل (َيعْرِفُونَهُ كَمَا َيعْرِفُونَ َاْبنَاءهُمْ) 3فما التوفيق؟
جهل ّي ينكِر لنه ل يعلم .والثان جحودي تردي يعرف لكن ليقبل ،يتيقّن لكن ليعتقد ،يصدّق
لكن ليـذعن وجدانُه .فتأمل!..
قيل لك :ل ،اذ بكم صنعته الفطرية يشتغل قلبُه دائما بالضلل ويتصور عقلُه دائما الكفر
للتلقي فل ينقطع هذا الشغل ،ول يزول ذلك التصور عن عقله حت تتمكن فيه العرفة.
شوْقَة" - 4كفرا؟
pان قلت :الكفر صفة القلب فكيف كان شدّ ال ُزنّار -وقد قيس عليه "ال ّ
قيل لك :ان الشريعة تعتب بالمارات على المور الفية حت اقامت السباب الظاهرية 5مقام
ض نوعه عن اتام الركوع ،وإلباس
العلل .ففي شد ال ُزنّار الانع بع ُ
_____________________
القبعة. 4
شوْقَة" الانعة عن تام السجود علمة الستغناء عن العبودية ،والتشبه بالكفرة الومِئ باستحسان"ال َ
مسلكهم وملّيتهم .فما دام ل يُقطَع بانتفاء المر الفي يُحكَم بالمر الظاهر.
ان قلت :الخبار عن تردهم يستلزم امتناع ايانم فيكون التكليف بالحال؟
قيل لك :ان الخبار وكذا العلم والرادة ل تتعلق بكفرهم مستقل مقطوعا عن السبب ،بل انا
تتعلق بكفرهم باختيارهم .كما يأتيك تفصيله .ومن هنا يقال" :الوجوب بالختيار ل يناف
الختيار".
3
ان قلت :ايانم بعدم ايانم 2مال عقليّ يشبه "الذر الصم الكلميّ".؟
واما (سواء) فمجاز عن" :انذارك كعدم النذار ف عدم الفائدة او ف صحة الوقوع" اي
لموجب للنذار ول لعدمه.
واما (عليهم) ففيه اياء ال انم اخلدوا ال الرض فل يرفعون رؤوسهم ول يصغون ال كلم
آمرهم ..وفيه أيضا رمز ال انه ليس سواء عليك ،لن لك الي ف التبليغ؛ اذ (مَا عَلَى ال ّرسُولِ إلّ
البَلغُ) .4
_____________________
1اذ يكنهم ان يقولوا ل نبلّغ بالتكليف ول علم لنا به ،ويكون هذا مدار ناتم من الزاء (ت:
)74
مغلطة الذر الصم هى هذه :قيل ان اجتماع النقيضي واقع ،لنه لو قال قائل كل كلمي ف 3
هذه الساعة كاذب والال انه ل يقل ف تلك الساعة غي هذا الكلم ،فل يلو من ان يكون هذا
الكلم ،صادقا أوكاذبا .وعلى التقديرين يلزم اجتماع النقيضي .اما اذا كان صادقا فيلزم كذب
كلمه ف تلك الساعة ،وهذا الكلم ما تكلم به ف تلك الساعة ول يتكلم بغيه؛ فيلزم كذب
كلمه .والتقدير انه صادق فيلزم اجتماع النقيضي وان كان كاذبا يلزم ايضا اجتماع النقيضي
لنه يلزم ان يكون بعض افراد كلمه صادقا ف تلك الساعة لكن ما وجد عنه ف تلك الساعة
سوى هذا الكلم فيلزم صدقه ،والفروض كذبه فيلزم اجتماع النقيضي .وهذه الغلطة مشهورة
تي جيع العلماء ف حلّها(.ب)
واما ( َءاَنذرتم ام ل تنذرهم) فالمزة وَامْ هنا ف حكم "سواء حرف" ،تأكيد لسواء الول .أو
تأسيس نظرا ال اقتسامهما العنيي الذكورين للمساواة.
قيل لك :اذا اردت ان تنبه الخاطب على عدم الفائدة ف فعل نفسه بوجه لطيف مقنع لبد ان
تستفهم ليتوجه ذهنُه ال فعله فينتقل منه ال النتيجة فيطمئن ..ث العلقة بي الستفهام والساواة
تضمنه لا؛ اذ السائل يتساوى ف علمه الوجود والعدم ..وايضا كثيا مايكون الواب هذه
الساواة الضمنية.
ان قلت :لِمَ ذكر (ام ل تنذرهم) مع ان عدم فائدة عدم النذار ظاهر؟
قيل لك :كما قد ينتج النذار اصرارا ،كذلك قد يدي السكوت انصاف الخاطب.
قيل لك :اذ الترهيب هو الناسب للكفر ،ولن دفع الضار أول من جلب النافع وأشد تأثيا،
ولن الترهيب هنا يهز عِطف اليال ويوقظه لن يتلقى ويتن بعد قوله (ليؤمنون) "أبشّرتم ام
ل تبشرهم".
ث اعلم! كما ان لكل حكمٍ معن حرفيا ومقصدا خفيا؛ كذلك لذا الكلم معان طيارة ومقصد
سيق له هو تفيف الزحة ،وتوين الشدة عن النب عليه السلم ،وتسليته بتأسّيه بالرسل السالفي.
ض مِ َن اْلكَافِرينَ
اذ خوطب اكثرهم بثل هذا الطاب ،حت قال نوح بعده (ل تَ َذ ْر عَلَى الَ ْر ِ
َديّارا) ..1ث لن آيات القرآن كالرايا التناظرة ،وقصص النبياء كالالة للقمر تنظر ال حال النب
عليه السلم؛ كان كأن هذا الكلم يقول :هذا قانون فطريّ اليّ يب النقياد له.
_____________________
ان مموع هذه الية ال (ولم عذاب عظيم) سيقت :مشيةً بعقودها ال تقبيح الكفر وترذيله،
والتنفي منه والنهي الضمن عنه ،وتذليل أهله ،والتسجيل عليهم ،والترهيب عنه ،وتديدهم..
منادية 1بكلماتا بأن ف الكفر مصائب عظيمة ،وفوات ِنعَم جسيمة ،وتولد آلم شديدة ،وزوال
لذائذ عالية ..مصرحةً بملها بأن الكفر أخبث الشياء وأضرها.
اذ أشار بلفظ (كفروا) بدل "ل يؤمنوا" ال انم بعدم اليان وقعوا ف ظلمة الكفر الذي هو
مصيبة تفسد جوهر الروح وايضا هو معدن اللم.
وبلفظ (ليؤمنون) بدل "ليتركون الكفر" ال انم مع تلك السارة سقط من ايديهم اليان
الذي هو منبع جيع السعادات.
وبلفظ (ختم ال على قلوبم) ال ان القلب والوجدان -الذي حياته وفرحه وسروره وكمالته
بتجلي القائق اللية بنور اليان -بعدما كفروا صار كالبناء الوحش الغي العمور الشحون
بالضرات والشرات ،فاُ ْقفِل وُا ْمهِر 2على بابه ليُجتَنب ،وتُرك مفوضا للعقارب والفاعي.
وبلفظ (وعلى سعهم) ال فوات نعمة عظيمة سعية بسبب الكفر؛ اذ السمع من شأنه -اذا استقر
خلف صماخه نورُ اليان واستند اليه -الحتساس بنداء كل العال وفهم اذكارها ،وسع صياح
الكائنات وتفهم تسبيحاتا ..حت ان السمعَ ليسمعُ من ترنات هبوب الريح ،ومن نعرات رعد
الغيم ،ومن نغمات امواج البحر ،ومن صرخات دقدقة الجر ،ومن هزجات نزول الطر ،ومن
سجعات غناء الطي كلما ربانيا ،ويفهم تسبيحا علويا ،كأن الكائنات موسيقية عظيمة له ،تيّج
ف قلبه حزنا علويا وعشقا روحانيا فيحزن بتذكر الحباب والنيس فيكون الزن لذة؛ ل بعدم
الحباب فيكون غما ..واذا اظلم ذلك السمع بالكفر صار اصم من تلك الصوات اللذيذة،
وليسمع من الكائنات إل نياحات الأت ونعيات الوت ،فل يلقي
_____________________
اى ختم على بابه .والهر -بالضم -هو التم الذى يطبع ويوقع به .والكلمة اعجمية استعملها 2
ف القلب ال غم اليتمة -اي عدم الحباب -ووحشة الغربة -اي عدم الالك والتعهد -فبناء
على هذا السر أحل الشرع بعض الصوات وهو ماهيّج عشقا علويا وحزنا عاشقيا ،وحرّم
بعضها وهو ما انتج اشتهاء نفسيا وحزنا يتميا ،ومال ُي ِركَ الشرع ف َميّزْه بتأثيه ف روحك
ووجدانك.
وبكلمة (وَعلى ابصارهم غشاوة) ال زوال نعمة جسيمة بسبب الكفر؛ اذ البصر من شأنه اذا
استضاء نوره واتصل بنور اليان الساكن خلف شُبيكته مدا ومركا له كان كل الكائنات كجنة
مزينة بالزهر والور ،ويصي نور العي نل تطي عليها فتجتن من تلك الزاهي عصارة العبة
والفكرة والنسية والستيناس والتحبب والتهنئة ،فتأخذ حيلتها فتتخذ ف الوجدان شهد
الكمالت ..واذا أظلم -العياذ بال -ذلك البصرُ بالكفر طمس ،وصارت الدنيا ف نظره سجنا،
وتسترت عنه القائق وتوحشت عليه الكائنات وتلقى ال قلبه آلما تيط بوجدانه من الرأس ال
القدم..
وبلفظ (ولم عذاب عظيم) ال ثرة شجرة زقوم الكفر ف العال الخروي من عذاب جهنم ومن
نكال الغضب اللي .هذا.
***
َختَ َم ال عَلَى ُقلُوِبهِ ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم َوعَلَى اَْبصَا ِرهِ ْم غِشَا َوةٌ
ب عَظِيمٌ 7
وََلهُ ْم عَذا ٌ
مـقدمـة
اعلم! انه لزمنا ان نقف هنا حت نستمع لا يتكلم به التكلمون؛ اذ تت هذه الية حرب عظيمة
بي اهل العتزال واهل الب واهل السنة والماعة .ومثل هذه الرب تستوقف النُظّار .فناسب
ان نذكر اساسات لتستفيد منها:
ان مذهب اهل السنة والماعة هو الصراط الستقيم ،وماعداه إما افراط او تفريط.
1
منها :انه قد تقق "اَنْ ل ُم َؤثّرَ فِي اْل َكوْ ِن اِلّ ال" فإذا ل تفويض.
ومنها" :ان ال حكيم" فل يكون الثواب والعقاب عبثي فحينئذ ل اضطرار .فكما ان التوحيد
يدفع ف صدر العتزال؛ كذلك التنيه يضرب على فم الب.
ومنها :ان لكل شئ جهتي :جهة مُلكية هي قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة تتوارد عليها
الشكال كظهر الرآة .وجهة ملكوتية تنظر ال الالق .وتلك شفافة ف كل شئ كوجه الرآة.
فخل ُق القبيح ليس قبيحا؛ اذ اللق من جهة اللكوتية حسن ،ولن خلقه لتكميل الحاسن فيحسن
بالغي .فل تصغ ال سفسطة العتزال!
ومنها :ان الاصل بالصدر 2أمر قارٌ ملوق جامد ل يشتق منه الصفات .3واما الصدر
ي يشتق منه الصفات .فل يكون خالق القتل قاتل ..فَ َذرْ اه َل العتزالِ ف
فمكسوب نسبّ اعتبار ّ
خوضهم يَ ْل َعبُون!..
ومنها :ان الفعل الظاهريّ ف الغلب نتيجة لفعال متسلسلة منتهية ال ميلن النفس الذي يسمّى
"بالزء الختياري" .فتدور النازعات على هذا الساس.
_____________________
اى ليشتق من الامد اسم الفاعل كما هو معلوم ف علم الصرف (ت)80 : 3
ومنها :ان الرادة الكلية اللية ناظرة بعادته تعال ال الرادة الزئية للعبد ،فل اضطرار.
ومنها :ان العلم تابع للمعلوم ،فل يتبعه العلوم حت يدور .فل يُتعلل ف العمل باحالة مقاييسه
على القدر.
ومنها :ان خلق الاصل بالصدر متوقف على كسب الصدر بريان عادة ال تعال باشتراطه به.
والنواة ف كسب الصدر والعقدة الياتية فيه هي اليلن ،فبحلّه تنحل عقدة السألة.
ومنها :ان الترجح بل مرجح مال دون الترجيح بل مرجح فل تُعلّلُ أفعالُه تعال بالغراض؛ بل
اختياره تعال هو الرجح.
ومنها :ان المر الوجود لبد له من مؤثر وإل لزم الترجح بل مرجح وهو مال كما مر .واما
المر العتباري 1فتخصصه بل مصص ل يلزم منه الحال.
ومنها :ان الوجود يب ان يب ث يوجد .2واما المر العتباري فالترجح بل انتهاء ال حد
الوجوب كاف فل يلزم مكن بل مؤثر.
ومنها :ان العلم بوجود شئ ليستلزم العلم باهيته ،وعدم العلم بالاهية ليستلزم العدم .فعدم
التعبي عن كُنهِ الختيار ليناف قطعية وجوده.
فنحن معاشر اهل السنة والماعة نقول :يا اهل العتزال! ان العبد ليس خالقا للحاصل بالصدر
كالاصل من الصدر ،3بل هو مصدر الصدر فقط 4؛ اذ "ل مؤثر ف الكون ال ال" ،والتوحيد
هكذا يقتضي .ث نقول :يا اهل الب! ليس العبد مضطرا بل له جزء اختياري لن ال حكيم.
وهكذا يقتضي التنيه.
فان قلتم :كلما يُشرّح الزء الختياري بالتحليل ليظهر منه ال الب.
قيل لكم:
_____________________
اى ل يأتى ال الوجود شئ مال يكن وجوده واجبا .فعند تعلق الرادتي الزئية والكلية ف شئ 2
اى ليس خالقا للثر الاصل بالصدر ،وهو الذى يطلق عليه الكسب (ت)81 : 3
اولً :ان الوجدان والفطرة يشهدان ان بي المر الختياري والضطراري امرا خفيا فارقا ،وجودُه
قطعي .فل علينا ان لنعبّر عنه.
وثانيا :نقول ان اليلن ان كان امرا موجودا -كما عليه الشاعرة -فالتصرف فيه امر اعتباري
بيد العبد 1؛ وان كان اليلن امرا اعتباريا -كما عليه الاتريدية -فذلك المر العتباري ثبوته
وتصصه ليستلزم العلة التامة الوجبة 2فيجوز التخلف .3فتأمل!
والاصل :ان الاصل بالصدر موقوف عادة على 4الصدر الذي اساسه اليلن الذي هو -او
التصرف فيه -ليس موجودا حت يلزم 5من تصصه مرة هذا ومرة ذاك مكن بل مؤثر ،او
ترجح بل مرجح ..ولمعدوما ايضا حت ليصلح ان يكون شرطا للق الاصل بالصدر او سببا
للثواب والعقاب.
6
ان قلت :العلم الزل والرادة الزلية ينحيان على الختيار بالقلع؟
قيل لك :ان العلم بفعلٍ باختيارٍ ليناف الختيار ..7وايضا ان العلم الزل ميط كالسماء ل مبدأ
للسلسلة كرأس زمان الاضي حت تسند اليه السببات متغافل عن السباب موها خروجها..
وايضا ان العلم تابع للمعلوم ،أي على أي كيفية يكون العلوم ،كذلك ييط به العلم ،فل يستند
مقاييس العلوم ال اساسات القدر ..وايضا ان الرادة لتتعلق بالسبب فقط مرة وبالسبب مرة
اخرى حت لتبقى فائدة ف الختيار والسبب؛ بل تتعلق تعلقا واحدا بالسبب وبسببه .وعلى هذا
السر لو قتل شخص شخصا بالبندقة مثل ،ث فرضنا عدم السبب والرمي هل يوت ذلك الشخص
ف ذلك الن ام ل؟ فاهل الب يقولون :لو ل يُقتل لات ايضا لتعدد التعلق والنقطاع بي السبب
والسبب ..واهل العتزال يقولون :ل يت ،لواز تلف
_____________________
بيث ل تبقى الاجة ال الرادة الكلية (ت )81 :والعلة التامة :هى جلة ما يتوقف عليه وجود 2
الشئ (التعريفات).
لن الؤثر هو القدرة وليس العلم الذى هو تابع للمعلوم (ت)82 : 7
الراد عن الرادة عندهم ..واما اهل السنة والماعة فيقولون :نتوقف ونسكت؛ اذ فرض عدم
السبب يستلزم فرض عدم تعلق الرادة والعلم بالسبب ايضا ،اذ التعلق واحد .فهذا الفرض
الحال جاز ان يستلزم مال .فتأمل!
***
مـقـدمـة اخـرى
اعلم! ان الطبيعيي يقولون :ان للسباب تأثيا حقيقيا . .والجوس يقولون :ان للشر خالقا
آخر ..والعتزلة يدّعون :ان اليوان خالق لفعاله الختيارية .وأساس هذه الثلثة مبنية على وهمٍ
باطلٍ ،وخطأ مض ،وتاوز عن الد وقياس مع الفارق ،خدعهم وشبطهم 1؛ اذ ذهبوا ظنا منهم
ال التنيه فوقعوا ف َشرَك الشِرك .وان شئت التفصيل فاستمع لسائل تطرد ذلك الوهم:
منها :انه كما ان استماع النسان وتكلمه وملحظته وتفكره جزئية تتعلق بشئ فشئ على سبيل
التعاقب؛ كذلك هتُه جزئية لتشتغل بالشياء إل على سبيل التناوب.
ومنها :ان قيمة النسان بنسبة ماهيته ..وماهيته بدرجة هته ..وهته بقدار اهية القصد الذي
يشتغل به.
ومنها :ان النسان ال اي شئ توجّه يفن فيه وينحبس عليه .ومن هذه النقطة ترى الناس -ف
عرفهم -ليسندون شيئا خسيسا وأمرا جزئيا ال شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل ال الوسائل ظناً
منهم ان الشتغال بالمر السيس ليناسب وقاره ،وهو ليتنل له ول يسع المر القي هته
العظيمة ،ول يوازن المر الفيف مع هته العظيمة.
ومنها :ان من شأن النسان -اذا تفكر ف شئ لحاكمة احواله -ان يتحرى مقاييسه وروابطه
واساساته ،أولً ف نفسه ،ث ف ابناء جنسه ..وان ل يد ففي جوانبه من المكنات .حت ان
واجب الوجود الذي ليشبه المكنات بوجه من الوجوه اذا تفكر فيه النسان تلجؤه القوة الواهة
لن يعل هذا الوهم السئ الذكور دستورا ،والقياس الادع منظارا له .مع ان الصانع جل جلله
لينظر اليه من هذه النقطة؛ اذ ل انصار لقدرته.
_____________________
1لقد وردت هذه الكلمة مصروفة ف عدة مواضع من الكتاب ،ولعلها( :شطّ) بعن :أفرط
وتباعد عن الق ،او (شيّط) من شاط اى :هلك.
ومنها :ان اول ماتتعلق به القدرة ملكوتية الشياء وهي شفّافة حسنة ف الكل كما مر .فكما انه
جل جلله جعل وجه الشمس ملىً ووجه القمر مستضيئا؛ كذلك صي ملكوتية الليل والغيم
حسنة منية.
ومنها :ان مقياس عظمته تعال وميزان كمالته وواسطة ماكمة اوصافه ليسعها ذهنُ البشر ،ول
يكن له ال بوجه ،2بل انا هو با يتحصل من جيع مصنوعاته ..وبا يتجلى من مموع آثاره..
وبا يتلخص من كل افعاله .نعم الذرة تكون مرآةً ول تكون مقياسا.
واذا تفطنت لذه السائل فاعلم! ان الواجب تعال ليقاس على المكنات ،اذ الفرق من الثرى ال
الثريا .أل ترى اهل الطبيعة والعتزال والجوس -بناء على تسلط القوة الواهة بذا القياس على
عقولم -كيف التجأوا ال اسناد التأثي القيقي ال السباب ،وخلق الفعال للحيوان ،وخلق
الشر لغيه تعال؟ يظنون ويتوهون ان ال تعال بعظمته وكبيائه وتنّهه كيف يتنل لذه المور
السيسة والشياء القبيحة؟ فسحقا لم! كيف صيوا العقل اسيا لذا الوهم الواهي هـذا؟..
ياهذا ! هذا الوهم قد يتسلط على الؤمن ايضا من جهة الوسوسة فتجنّب!.
***
_____________________
1اي الجهرية الت ل يكن رؤيتها بالعي الجردة.
اى ليكن للنسان ان يستوعب اوصافه الليلة الّ با يتحصل له من مشاهدة مصنوعاته 2
سبحانه وتعال.
فاعلم! ان ربط (ختم) بـ "ليؤمنون" وتعقيبه به نظي ترتب العقاب على العمل .كأنه يقول لا
افسدوا الزء الختياري ول يؤمنوا عوقبوا بتم القلب وسدّه .ث لفظ "التم" يشي ال استعارة
ب َمثَ ٍل يصوّر ضللتهم؛ اذ العن فيه منع نفوذ الق
مركبة تومئ ال اسلوب تثيلي يرمز ال ضر ِ
ال القلب .فالتعبي بالتم يصور القلب بيتا بناه ال تعال ليكون خزينة الواهر ،ث بسوء الختيار
فسد وتعفن وصار ما فيه سوما فاُغلق واُمهر ليُجتنب.
واما (ال) فاعلم! ان فيه التفاتا من التكلم ال الغيبة .ومع نكتة اللتفات ففي مناسبة لفظ "ال"
مع متعلق "ليؤمنون" ف النية ،أعن لفظ "بال" ،اشارة ال لطافة ،هي انه لا جاء نور معرفة ال
اليهم فلم يفتحوا باب قلبهم له تول عنه مغضبا واغلق الباب عليهم.
واما (على) فاعلم! ان فيه -بناء على كون التم متعديا بنفسه -اشارة ال تضمي ختم
"وسم" ،كأنه يقول :جعل ال التم وسا وعلمةً على القلب يتوسه اللئكة ..وف "على" أيضا
اياء ال ان السدود الباب العلوي من القلب ل الباب السفلي الناظر ال الدنيا.
واما (قلوبم) قدّمه على السمع والبصر لنه هو مل اليان ..ولن اول دلئل الصانع يتجلى من
مشاورة القلب مع نفسه ،ومراجعة الوجدان ال فطرته ،لنه اذا راجع نفسه يس بعجز شديد
يلجؤه ال نقطة استناد ،ويرى احتياجا شديدا لتنمية آماله فيضطر ال نقطة استمداد ،ول استناد
ول استمداد ال باليان ..ث ان الراد بالقلب اللطيفة الربانية الت مظهر حسيّاتا الوجدان،
ومعكس افكارها الدماغ ،ل السم الصنوبري .فاذا ف التعبي بالقلب رمز ال ان اللطيفة الربانية
لعنويات النسان كالسم الصنوبري لسده .فكما ان ذلك السم ماكينة حياتية تنشر ماء الياة
لقطار البدن ،واذا انسد وسكن جد السد؛ كذلك تلك اللطيفة تنشر نور الياة القيقية لقطار
اليئة الجسمة من معنوياته واحواله وآماله .واذا زال نور اليان -العياذ بال -صارت ماهيته
الت يصارع با الكائنات كشبحٍ لحراك به واظلم عليه.
واما وعلى (سعهم) كرر "على" للشارة ال استقلل ك ٍل بنوع من الدلئل .فالقلب بالدلئل
العقلية والوجدانية .والسمع بالدلئل النقلية والارجية ،وللرمز ال ان ختم السمع ليس من جنس
ختم القلب ..ث ان ف افراد السمع مع جع جانبيه ايازا ورموزا ال ان السمع مصدر ،لعدم
الفن له ..وال ان الُسمِع فرد ..وان السموع للكل فرد ..وانه يسمع فردا فردا ..ولشتراك
الكل كأن اساعهم بالتصال صارت فردا ..ولتاد الماعة وتشخصها يتخيل لا سع فرد..
وال اغناء سع الفرد عن استماع الكل فحق السمع ف البلغة الفراد ..لكن القلوب والبصار
متلفة متعلقاتما ،ومتباينة طرقهما ،ومتفاوتة دلئلهما ،ومعلمهما على انواع ،وملقّنهما على
اقسام .فلهذا توسط الفرد بي المعي .وعقّب القلب بالسمع لن السمع ابٌ للكاته ،واقرب
اليه ،ونظيه ف تساوي الهات الست عنده.
واما (وعلى ابصارهم غشاوة) فاعلم! ان ف تغيي السلوب باختيار الملة السية اشارة ال ان
جنانَ البصر الت يتن منها دلئله ثابتة دائمة بلف حدائق السمع والقلب؛ فانا متجددة ..وف
اسناد التم ال ال تعال دون الغشاوة اشارة ال ان التم جزاء كسبهم ،والغشاوة مكسوبة لم،
ورمز ال ان ف مبدأ السمع والقلب اختيارا ،وف مبدأ البصر اضطرارا ومل الختيار غشاوة
التعامي .وف عنوان الغشاوة اشارة ال ان للعي جهة واحدة .وتنكيها للتنكي ،أي التعامي
حجاب غي معروف حت ُيتَحفظ منه ..قدّم (على ابصارهم) ليوجه العيون ال عيونم اذ العي
مرآة سرائر القلب.
وأما (ولم عذاب عظيم) فاعلم! انه كما اشار بالكلمات السابقة ال حنظلت تلك الشجرة
اللعونة الكفرية ف الدنيا؛ كذلك اشار بذه ال حنظلة جانبها المتد ال الخرة وهي زقّوم
جهنّم..
ث ان سجية السلوب تقتضي (وعليهم عقاب شديد) .ففي ابدال "على" باللم و"العقاب"
ع تكم توبيخيّ تعريضيّ؛ بالعذاب و"الشديد" بالعظيم ،مع ان كل منها يليق بالنعمة رمز ال نو ِ
حّي ُة بَيْنهمْ ضَرْبٌ
كأنه ينعي بم :ما منفعتهم ،ول لذتم ،ول نعمتهم العظيمة ال العقاب؛ نظي (تَ ِ
1
وَجِيعُ) .و(َفبَشّ ْرهُ ْم ِبعَذابٍ اَلِيمٍ)
_____________________
اذ اللم لعاقبة العمل وفائدته .فكأنه يتلو عليهم"خذوا اجرة عملكم".
وف لفظ "العذاب" رمز خفي ال ان يذكرهم استعذابم واستلذاذهم بالعاصي ف الدنيا فكأنه
يقرأ عليهم "ذوقوا مرارة حلوتكم".
وف لفظ الـ "عظيم" اشارة خفية ال تذكيهم حال صاحب النعمة العظيمة ف النة فكأنه
يلقنهم :انظروا ال ماضيعتم على انفسكم من النعمة العظيمة ،وكيف وقعتم ف الل الليم .ث ان
"عظيم" تأكيد لتنوين "عذاب".
ان قلت :ان معصية الكفر كانت ف زمان قليل والزاء أبديّ غي متناه فكيف ينطبق هذا الزاء
على العدالة اللية؟ وإ ْن سُلّم ،فكيف يوافق الكمة الزلية؟ وان سُلّم ،فكيف تساعده الرحة
الربانية؟
قيل لك :مع تسليم عدم تناهي الزاء ،ان الكفر ف زمان متنا ٍه جناية غي متناهية بست جهات:
منها :ان من مات على الكفر لو بقي أبدا لكان كافرا أبدا لفساد جوهر روحه ،فهذا القلب
الفاسد استعد لناية غي متناهية.
ومنها :ان الكفر وان كان ف زمان متناه لكنه جناية على غي التناهي ،وتكذيب لغي التناهي
أعن عموم الكائنات الت تشهد على الوحدانية.
ومنها :ان الكفر جناية ف مقابلة الغي التناهي وهو الذات والصفات اللية.
_____________________
1الديث (ما وسعن سائي ول ارضي ولكن وسعن قلب عبدي الؤمن) .ذكره ف الحياء بلفظ
مقارب .قال العراقي ف تريه :ل ار له أصلً (كشف الفاء للعجلون 2/195باختصار).
وقال السيوطي ف الدرر النتثرة :قلت اخرج المام احد ف الزهد عن وهب بن منبه :ان ال فتح
السموات لزقيل حت نظر ال العرش فقال حزقيل :سبحانك ما اعظمك يارب! فقال ال :ان
السموات والرض ضعفن ان يسعنن ووسعن قلب الؤمن الوادع اللي» اهـ .قال ابن حجر
اليتمي ف الفتاوى الديثية :وذكرُ جاعةٍ له من الصوفية ل يريدون حقيقة ظاهره من التاد
واللول لن كلً منهما كفر ،وصالو الصوفية اعرف الناس بال وما يب له وما يستحيل عليه،
وانا يريدون بذلك ان قلب الؤمن يسع اليان بال ومبته ومعرفته .ا هـ .
إشارات العجاز -ص87 :
ومنها :ان الضد وان كان معاندا لضده لكنه ماثل له ف أكثر الحكام .فكما ان اليان يثمر
اللذائذ البدية ،كذلك من شأن الكفر ان يتولد منه اللم البدية.
فمن مزج هذه الهات الست يستنتج ان الزاء الغي التناهي انا هو ف مقابلة الناية الغي التناهية
وما هو إلّ عي العدالة.
ان قلت :طابق العدالة 1لكن اين الكمة الغنية عن وجود الشرور النتجة للعذاب؟
قيل لك :كما قد سعت مرة أخرى انه ليُترك الي الكثي لتخلل الشر القليل لنه شر كثي .اذ لا
اقتضت الكمة اللية تظاهر ثبوت القائق النسبية الت هي أزيد بدرجات من القائق القيقية -
ول يكن هذا التظاهر ال بوجود الشر؛ ول يكن توقيف الشر على حدّه ومنع طغيانه ال
بالترهيب؛ ول يكن تأثي الترهيب حقيقة ف الوجدان ال بتصديق الترهيب وتقيقه بوجود عذاب
خارجي؛ اذ الوجدان ل يتأثر حق التأثر -كالعقل والوهم -بالترهيب ال بعد ان يتحدس
بالقيقة الارجية البدية بتفاريق المارات -فمن عي الكمة بعد التخويف من النار ف الدنيا
وجود النار ف الخرة.
قلت :ل يتصور ف حقهم إلّ العدم أو الوجود ف العذاب ،والوجود -ولو ف جهنم -مرحةٌ
وخ ٌي بالنسبة ال العدم إن تأملت ف وجدانك؛ اذ العدم شر مض ،حت ان العدم مرجع كل
الصائب والعاصي ان تفكرت ف تليلها .واما الوجود فخي مض فليكن ف جهنم ..وكذا ان
من شأن فطرة الروح -اذا علم ان العذاب جزاء مزيل لنايته وعصيانه -ان يرضى به لتخفيف
حل خجالة الناية ويقول :هو حق ،وانا مستحق .بل حبا للعدالة قد يلتذ معن! وكم من
صاحب ناموس ف الدنيا يشتاق ال اجراء الد على نفسه ليزول عنه حجاب خجالة الناية.
وكذا ان الدخول وان كان ال خلود دائم وجهنم بيتهم أبدا ،لكن بعد مرور جزاء العمل دون
الستحقاق يصل لم نوع اُلفة وتطبّع مع تفيفات كثية مكافأةً لعمالم اليية .اشارت اليها
الحاديث .فهذا مرحة لم مع عدم لياقتهم.
***
_____________________
َومِ َن النّاسِ مَنْ يَقُو ُل ا َمنّا بِال َوبِالَْي ْومِ ال ِخ ِر وَما هُمْ بِمُؤمِنِيَ 8
وجه النظم:
انه كما يُعطف الفرد على الفرد للشتراك ف الكم ،والملة على الملة للتاد ف القصد؛
كذلك قد تُعطف القصة على القصة للتناسب ف الغرض .ومن الخي عطف قصة النافقي على
الكافرين .أي عطف ملخص اثنت عشرة آية على مآل آيتي؛ اذ لا افتتح التنيل بثناء ذلك
الكتاب فاستتبع ثرات ثنائه من مدح الؤمني ،فاستردف ذم اضدادهم بسر "انا تعرف الشياء
ب تعقيب النافقي تكميل للقسام. باضدادها" ولتتم حكمة الرشاد ،ناسَ َ
ان قلت :لِ َم أوجز ف حق الكافرين كفرا مضا بآيتي واطنب ف النفاق باثنت عشرة آية؟
منها :ان العدوّ اذا ل ُيعْرَف كان اضرّ .واذا كان منسا كان أخبث .واذا كان كذابا كان أشد
فسادا .واذا كان داخليا كان أعظم ضررا؛ اذ الداخلي يفتت الصلبة ويشتّت القوة بلف
الارجي فانه يتسبب لتشدد الصلبة العصبية .فأسفا! ان جناية النفاق على السلم عظيمة جدا.
وما هذه الشوشية 1ا ّل منه .ولذا أكثر القرآن من التشنيع عليهم.
ومنها :ان النافق لختلطه بالؤمني يستأنس شيئا فشيئا ،ويألف باليان قليل قليل ،ويستعد لن
يتنفر عن حال نفسه بسبب تقبيح أعماله وتشنيع حركاته؛ فتتقطر كلمة التوحيد من لسانه ال
قلبه.
_____________________
ومنها :ان النافق ف الغلب يكون من أهل الكتاب ومن أهل الربزة الوهية فيكون حيّال
دسّاسا ذا ذكاء شيطانّ ،فالطناب ف حقه أعرق ف البلغة.
أما تليل كلمات هذه الية ،فاعلم! ان (مِن الناس) خب مقدم لـ (مَن) على وجه.
قيل لك :اذا كان الكم بديهيا يكون الغرض واحدا من لوازمه وهنا هو التعجيب .كأنه يقول
كون النافق الرذيل انسانا عجيب؛ اذ النسان مكرّم ،ليس من شأنه ان يتنل ال هذه الدركة من
السة.
قيل لك :من شأن انشاء التعجب الصدارة وليتمركز النظر على صفة البتدأ الت هي مناط الغرض
وإل لنتظر ومرّ ال الب.
ث ان عنوان (الناس) يترشح منه لطائف:
منها :انه ل يفضحهم بالتعيي ،بل سترهم تت عنوان "الناس" إيا ًء ال ان سترهم وعدم كشف
الجاب عن وجوههم القبيحة أنسب بسياسة النبّ عليه السلم؛ اذ لو فضحهم بالتشخيص
لتوسوس الؤمنون؛ اذ لُيؤْمَن من دسائس النفس .والوسوسة تنجر ال الوف والوف ال الرياء
والرياء ال النفاق ..ولنه لو شنّعهم بالتعيي لقيل ان النب علي ِه السلم متردد ليثق باتباعه ..ولن
بعضا من الفساد لو بقي تت الجاب لنطفأ شيئا فشيئا واجتهد صاحبُه ف اخفائه ولو رُفع
ستَحِ فَا ْفعَ ْل مَا ِشئْتَ" - 1لَيقول فليكن ما كان ،ويأخذ ف
الجاب -فبناءً على ما قيل "اِذا ْل ت ْ
النشر ول يبال.
ومنها :ان التعبي بـ (الناس) يشي ال انه مع قطع النظر عن سائر الصفات النافية للنفاق فأعمّ
الصفات أعن :النسانية أيضا منافية له؛ اذ النسان مكرم ليس من شأنه هذه الرَذالة.
_____________________
1هذا الثل اصله حديث نبوى رواه البخارى عن اب مسعود عقبة بن عمرو النصارى رضى ال
عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ان ما ادرك الناسُ من كلم النبوة الول :اذا ل
تستح فاصنع ما شئت).
ومنها :انه رمز ال ان النفاق ل يتص بطائفة ول طبقة بل يوجد ف نوع النسان أية طائفة
كانت.
ومنها :انه يَُلوّح بان النفاق ي ّل بيثية كل من كان انسانا فلبد ان يتحرك غضب الكل عليه،
ويتوجه الكل ال تديده ،لئل ينتشر ذلك السمّ؛ كما ي ّل بناموس طائفة ويهيّج غضبهم شناعةُ
فرد منهم.
اظهار ان التكلم مع الغي متكلم وحده فـ "يقول" :للتلفظ وحده و"آمنا" لنه مع الغي ف
الكم ..ث ان هذا حكاية عن دعواهم ففي صورة الكاية اشارة ال رد الحكيّ بوجهي ،كما
ان ف الحكيّ اشارة ال قوته بهتي؛ اذ "يقول" يرمز بادته ال ان قولم ليس عن اعتقاد وفعل،
بل يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم ..وبصيغته يومئ ال ان سبب استمرار مدافعتهم وادعائهم
مراآة الناس لمرك وجدان ..وف الدعوى اياء منهم بصيغة الاضي ال" :إنّا معاشر أهل الكتاب
قد آمنا قبل فكيف لنؤمن الن" ..وف لفظ "نا" رمز منهم ال" :انّا جاعة متحزبون لسنا كفرد
يَكذِب أو يُكذّب".
وأما (بال وباليوم الخر) فاعلم! ان للتنيل ان يأخذ الحكيّ بعينه ،أو يتصرف فيه بأخذ مآله ،أو
تلخيص عبارته :فعلى الول ذكروا الول والخر من أركان اليان اظهارا للقوي ،ولا هو أقرب
لن يُقبَل منهم ،وأشاروا ال سلسلة الركان بتكرار الباء مع القرب .وعلى الثان بأن يكون
كلمه تعال؛ ففي ذكر القطبي فقط اشارة ال ان أقوى ما يدّعونه أيضا ليس بايان؛ اذ ليس
ايانم بما على وجههما .وكرر الباء للتفاوت؛ اذ اليان بال ايان بوجوده ووحدته ،وباليوم
الخر بقيته وميئه كما مرّ.
قيل لك :لئل يُتوهم التناقض صورة ،1ولئل يرجع التكذيب ال نفس "آمنا" الظاهر انشائيته
الانعة من التكذيب .بل ليجع النفي والتكذيب ال الملة الضمنية الستفادة من "آمنا" ،وهي
"فنحن مؤمنون" ..وأيضا ليدل باسية الملة على دوام نفي اليان عنهم.
قيل لك :ان النفي معن الرف الكثيف ،والدوام معن اليئة الفيفة ،فالنفي أغمس وأقرب ال
الكم.
قيل لك :ليدل على انم ليسوا ذواتا أهلً لليان وإن آمنوا صورة ،اذ فرقٌ بي "ما زيد سخيا"
و"ما زيد بسخي"؛ اذ الول :لوائية الذات ،معناه :زيد ليسخو بالفعل وان كان أهل ومن نوع
الكرماء .وأما الثان :فمعناه زيد ليس بذاتٍ قابل للسماحة وليس من نوع السخياء وإن أحسن
بالفعل.
***
_____________________
اي بي "آمنا" الت جاءت ف الية ،وبي "وما آمنوا" الذكورة ف السؤال. 1
سهُمْ
يُخا ِدعُونَ ال وَالّذِينَ آ َمنُوا َومَا َيخْ َدعُو َن اِلّ َاْنفُ َ
شعُرُونَ 9ف ُقلُوِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَا َدهُمُ ال َمرَضًا وََلهُ ْم عَذَابٌ اَلِيمٌ
َومَا يَ ْ
اعلم! ان وجه النظم :اشارات جلها :ال التوبيخ على النفاق ..ث تشنيعه ..ث تقبيحهم ..ث
التهديد عليه ..ث ترهيبهم ..ث التعجب منهم ..ث بيان مقصدهم من قولم الذكور ...ث بيان
علة قولم ..ث بيان أول النايات الربع الناشئة من النفاق وهي الداع ،والفساد ،وتسفيه
الؤمني ،والستهزاء بم ..ث تثيل جناياتم وحيلهم باسلوب استعارة تثيلية هكذا :بان صوّر
معاملتهم مع احكام ال تعال ومع النب عليه السلم والؤمني -باظهارهم اليان لغراض دنيوية
مع تبطّن الكفر ،ومعاملة ال والنب والؤمني معهم باجراء أحكام الؤمني عليهم استدراجا ،مع
انم أخبث الكفرة عند ال -بصورة خداع شخصي ،أو الصياد مع الصيد الذي يس الصياد
1
بالروج عن القاصعاء ث يفر من النافقاء.
أما نظم جل الناية الول من (يادعون) ال (با كانوا يكذبون) فانظر ال ما تضمنت من
النتائج التسلسلة الترتبة ف المل السبع ،وهي :تميقهم بطلب الحال ..ث تسفيههم باضرار
أنفسهم بنية النفعة ..ث تهيلهم بعدم التمييز بي الضر والنفع ..ث ترذيلهم ببث الطينة ومرض
معدن الصحة وموت منبع الياة ..ث تذليلهم بتزييد الرض ف طلب الشفاء ..ث تديدهم بأل
مض يولد ألا صرفا ..ث تشهيهم بي الناس بأقبح العلمات أعن الكذب.
وأما اتساقُ وانتظام تلك المل السبع وانصباب الكم فيما بينها فهو :أنك كما اذا اردت زجر
واحد عن شئ ونصحه تقول له اولً :ياهذا! ان كان لك عقل فهذا مال ..ث :ان كنت تب
نفسك فهذا يضرها ..ث :ان كان لك حسّ فلِمَ لتيز بي الضر والنفع؟ .ث :إن ل يكن لك
اختيار فل اقل من ان تعرف فساد سجيتك،
_____________________
وفيها مرض يرّف القيقة ،ويريك اللو مرا ..ث :ان تطلب الشفاء فهذا يزيد مرضك
وليشفي ،مثلك كمثل من ابتلى بداء السهر فاجتهد ف النوم فانتج له قلقا طيّر نعاسه أيضا ،أو
كمن أصيب قلبه بداء "الرق" 1فاغتمّ لوجود الصيبة حت صي الصيبة مصيبتي ..ث :ان تتحرّ
اللذة فهذا فيه أل شديد ينتج ألا أشد ليس كأمثاله الت فيها لذة مزخرفة ..ث :ان ل تنتبه ول
تنجر ل يبقى ال ان يوس َم على خرطومك بوسم قبيح ،وتُعلَن بي الناس لنع سراية فسادك ال
الناس؛ كذلك ان ال تعال قال لزجر النافقي (يادعون ال) بدل "يادعون النبّ" لتحميقهم،
أي :كيف يادعون النبّ عليه السلم والنبّ مبلّغ عن ال تعال ،فحيلتهم راجعة ال ال،
والحتيال مع ال تعال مال ،وطلب الحال حق .ومثل هذا المق ما يُتعجب منه ..ث اتبعه
(وما يدعون ال انفسهم) لتسفيههم ،أي :ليس ف فعلكم نفع بل فيه ضرر ،وضرره يعود على
أنفسكم ،فكأنكم تادعون أنفسكم ..ث عقّبه (وما يشعرون) لتجهيلهم أي :ايّها الهلء! قد
صرت أض ّل من اليوان ،كالحجار الامدة لتسون بالفرق بي الضر والنفع ..ث اردفه (ف
قلوبم مرض) لترذيلهم بانفساد الوهر ،أي :ان ل يكن لكم اختيار فل أقل من أن تعرفوا الرض
مرضاً ،وان سجيتكم فسدت .وان النفاق والسد مرض ف الروح من شأنه تريف القيقة
وتغييها حت تظنون اللو مرا والرّ حلوا والسوداء بيضاء والبيض أسود فل تتبعوه ..ث زاد
(فزادهم ال مرضا) لتذليلهم ،أي :إن كنتم تطلبون بذا الدواء والتشفي من غيظكم وحسدكم
فهذا داء ل يزيدكم ال مرضا على مرض .فأنتم كمن كَسرَ احدٌ يدَه فأراد النتقام فض َربَه بتلك
اليد الكسورة فازداد كسرا على كسر ..ث قال (ولم عذاب أليم) لتهديدهم ،أي :ان تتحروا
اللذة فما نفاقكم هذا ال فيه أل شديد عاجل ينتج ألا أشد آجل ،ليس كسائر العاصي الت فيها
نوع من اللذة السفلية العاجلة ..ث أته بقول (با كانوا يكذبون) لتوسيمهم بأشنع الوسم ،أي:
شهّروا بي الناس بالكذب الانع للعتماد لئل يتعدى
ان ل تنتبهوا ول تنتهوا ل يبق ال ان تُ َ
مرضكم.
_____________________
الرق :كلمة اعجمية تعن الهتمام واللهفة والمل وحب التطلع. 1
ان ف التعبي عن عملهم بالداع مع الضارعية ،لسيما من باب الشاركة ،خصوصا مع اقامة
ب واقامة "الذين آمنوا" مقام "الؤمني" تنصيصا وتصريا بحالية غرضهم من لفظة "ال" مقام الن ّ
حيلتهم ،وجعل الحالية نصب العي بصورة تتنفر عنها النفوس وترتعد ،اذ فيما ف الداع من
الستعارة التمثيلية ما يوقظ النفرة ..وفيما ف الضارعية من التصوير مع الستمرار ما يَشْ َمئِ ّز منه
القلب ..وفيما ف الشاركة من الشاكلة نظِي (وجَزَاؤا سّيَئةٍ َسّيَئةٌ ِمثُْلهَا) 1ما ينتج عدم انتاج
حيلتهم؛ اذ ف باب الشاركة فعل الفاعل سبب لفعل الفعول ،وهنا فعل الفعول صار سببا لعقم
خداع الفاعل وعدم تأثيه ،بل جعل الداع صورة واهية كانعكاس القصد فيما اذا استهزيتَ
بأحدٍ لهله ،مع أنه مستبطنٌ علما ومستخفٍ استهزاءً بك ..وفيما ف التصريح بلفظة "ال" من
التنصيص على مالية الغرض -اذ خداع النب عليه السلم ينجر اليه تعال -ما يشيط العقلَ عن
اليلةِ ..وما ف "الذين آمنوا" من جعل الصلة مدارا ،اشارة ال ان النافقي يتحببون اليهم بصفة
اليان ويهيّجون عرق ايانم للتحبب والتداخل فيهم ..وفيه اياء أيضا ال ان جاعة الؤمني
النورين عقولم بنور اليان ل تتستر عنهم اليلة فينتج أيضا عقم حيلتهم..
وف الثانية :أعن جلة (وما يدعون ال أنفسهم) هو:
ان ف هذا الصر اشارة ال كمال سفاهتهم بعكس العمل ف معاملتهم كمن رمى حجرا ال
جدار فانثن لكسر رأسه؛ اذ رشوا النبال لضرر الؤمني فاُصيبت أنفسهم فكأنم يادعون بالذات
ذواتم ..وف تبديل "يضرون" بـ (يدعون) اشارة ال ناية سفاهتهم ،اذ يوجد ف أهل العقل
من يضر نفسه قصدا ول يوجد من يادع نفسه عمدا ال ان يكون حارا ف صورة انسان .وف
ن وغرض نفس ّي انتج
عنوان "انفسهم" رمز خفي ال أن نفاقهم وحيلتهم لا كان لظّ نفسا ّ
نقيض مطلوبم لنفسهم.
_____________________
ان قلت :هذا الصر يومئ ال ان خداعهم ما ضر السلم والسلمي مع ان السلم ما رأى من
شئ ضررا مثل ما رأى من أنواع النفاق وشعباته النتشرة كالسّم ف عناصر العال السلميّ؟
قيل لك :وما تراه من الضرر التعدي والسمّ الساري انا هو من طبيعتهم التفسدة وفطرتم
التفسخة ووجدانم التعفن نظي سراية الرض؛ وليس نتيجة حيلتهم وخداعهم باختيارهم اذ
يريدون خداع ال والنب وجاعة الؤمني ،وال عال بكل شئ والنب عليه السلم يوحى اليه،
وجاعة الؤمني لتستطيع اليلة ان تتستر عنهم مدة مديدة فهم لينخدعون .فثبت انم ل
يدعون ال أنفسهم فقط.
ان سوقها يفيد انم لا ل يعملوا بقتضى الحاكمة العقلية والشعور السيّ ظهر أن ف روحهم
مرضا فل أقل من ان يعرفوا انه مرض ليجتنبوا عن القضايا وليكموا عليها؛ اذ من شأن الرض
تغيي القيقة وتشويه الزين وتلية الرّ كما مر ..وف لفظ (ف) رمز ال ان حسدهم وحقدهم
مرض ف ملكوت القلب وهي اللطيفة الت مر ذكرها ..وف عنوان "القلب" اشارة ال انه كما ان
جسم القلب اذا مرض اختل جيع أفعال البدن؛ كذلك اذا مرض معن القلب بالداع والنفاق
انرف كل أفعال الروح عن منهج الستقامة اذ هو منبع الياة ومَا ِكَنتُها ..وف تقدي (ف قلوبم)
على (مرض) اياء ال الصر بهتي ،ومن الياء اشارة بطريق التعريض ال ان اليان نور ،شأنه
أن يعطي لميع أفعال النسان وآثاره صحة واستقامة ..وأيضا ف اياء الصر رمز ال ان الفساد
ف الساس فل يدي تعمي الفروعات ..وف لفظ "الرض" رمز ال قطع عذرهم وإلقامهم الجر
بان الفطرة مهيأة للحقيقة .وما الفساد والراب الّ مرض عارض ..وف تنوين التنكي اشارة ال
انه ف مكمن عميق ل يرى حت يداوى.
انم حينما ل يعرفوا انه مرض حت يتجنبوا منه بل طلبوه مستحسني له زادهم ال تعال؛ اذ "مَن
طلب وَجَد" ..وف "الفاء" الت هي للتعقيب السبب -مع ان وجود الرض ليس سببا لزيادته -
رمزٌ ال انم لا ل يشخصوا الرض فلم يتحروا وسائل الشفاء بل توسلوا بأسباب الزيادة كمن
يضارب خصما غالبا بيده العليلةصاروا كأنم طلبوا الزيادة فزادهم ال مرضا بقلبِ أملهم يأسا
مزعجا ،بسبب ظفر الؤمني ،وقلب خصومتهم حقدا مرقا للقلب بسبب غلبة الؤمني ،فتولد
من مرضَي اليأس والقد داء الوف وعلة الضعف ومرض الذلة فاستولت على القلب.
ث ان ال تعال ل يقل "فزاد ال مرضهم" بل جعل الفعول تييزا للشارة ال ان الرض الباطنّ
القلبّ سرى ال الظاهر أيضا وتعدى ال جيع الفعال ،فكأن هذا الداء البيث استول على
وجودهم فكأن وجودهم نفس الداء فزيادة جراحات الرض ونفطاته 1زيادة لنفس ذواتم؛ اذ
"ِاشَْتعَ َل الَْبْيتُ نارا" يفيد ان النار سرت ال تام البيت حت كأن تام اْلَبيْت نار تلتهب بلف
"ِاشَْتعَلتَ نَا ُر الَْبْيتِ" فانه يصدق بتلهب النار من أيّ جانب كان.
ان "اللم" الت هي للنفع ،اشارة ال انه لو كان لم منفعة لكانت البتة ألا معذبا دنيويا ،أو عذابا
اخرويا مؤلا ،وكونه منفعة من الحال ،فمحال لم النفعة ..وف وصف العذاب بالليم أي التأل،
مع ان الليم هو الشخص رمز ال ان العذاب استول على وجودهم وأحاط بذواتم ونفذ ف
بواطنهم بيث تولوا بنفس العذاب ،وصار العذاب عي ذواتم ،كانقلب الفحم جرة نار بنفوذ
ل تتولد من الياةالنار .2فاذا نظر اليال ال صورة العذاب واستمع من جوانبه أنينا وتألا وعوي ً
التجددة تت العذاب يتخيل ان العذاب هو الذي يئ ّن ويتأل .فما أشد التهديد لن تأمل!. .
_____________________
1نفطاته :بثراته.
فيا أيّها الناس! لسيما ايّها السلمون! ان هذه الية تدعوكم ال الدّقة!
قيل لكم :اذا كانت الصلحة ضروريةً قطعية ،مع انه عذر باطل؛ اذ تقرر ف اصول الشريعة :ان
المر الغي الضبوط (أي الذي ليتحصل بسبب كونه قابل لسوء الستعمال) ل يصي علة ومدارا
للحكم ،كما ان الشقة لعدم انضباطها ما صارت علة للقصر ،بل العلةُ السفر .ولئن سلّمنا فغلبة
الضرر على منفعة شئ تفت بنَسخه وتكون الصلحةُ ف عدمه .وما ترى من الَرْج والَرج ف حال
العال شاهد على غلبة ضرر عذر الصلحة .ال ان التعريض والكناية ليسا من الكذب .فالسبيل
َمثْنَى :إما السكوت؛ اذ "ليلزم من لزومِ صدقِ كلّ قولٍ قولُ كلّ صدق" .وإما الصدق؛ اذ
الصدق هو أساس السلمية ،وهو خاصة اليان ،بل اليان صدق ورأسه ..وهو الرابط لكل
الكمالت ..وهو الياة للخلق العالية ..وهو العرق الرابط للشياء بالقيقة ..وهو تلّي الق
ف اللسان ..وهو مور ترقي النسان ..وهو نظام العال السلمي ..وهو الذي يُسرع بنوع البشر
ف طريق الترقي -كالبق -ال كعبة الكمالت ..وهو الذي يصيّر اخد الناس وافقره أعزّ من
ب عليه الصلة والسلم على جيع الناس ..وبه ارتفع " َسيّدناالسلطي ..وبه تفوّق أصحابُ الن ّ
ممد الاشيّ" عليه الصلة والسلم ال أعلى عليي مراتب البشر.
إشارات العجاز -ص98 :
َواِذَا قِيلَ َلهُ ْم ل ُتفْسِدُوا فِي الرْض قالُوا انّمَا نَحْنُ مُصِْلحُونَ 11
شعُرُون 12
أَل ِانّهُ ْم هُ ُم الْ ُمفْسِدُو َن وَلــكِ ْن ل يَ ْ
ان ال تعال لا ذكر الُول من النايات الناشئة عن نفاقهم وهي ظلمهم أنفسهم وتاوزهم على
حقوق ال تعال بنتائجها التسلسلة الذكورة ،عقّبها بثانية النايات؛ وهي تاوزهم على حقوق
العباد وايقاعهم الفساد بينهم مع تفرعاتا..
ث ان (اذا قيل) كما انه مربوط باعتبار القصة بـ "يقول" ف "ومن الناس من يقول" وباعتبار الآل
بـ "يادعون"؛ كذلك يرتبط باعتبار نفسه بـ "يكذبون" .وتغي السلوب من الِملية ال
الشرطية امارة ورمز خفي ال مقدّر بينهما كأنه يقول" :لم عذاب اليم با كانوا يكذبون؛ إذ إذا
كذبوا فتنوا ،واذا فتنوا أفسدوا ،واذا نوصحوا ل يقبلوا ،واذا قيل لم لتفسدوا ال".
وأما وجه النظم بي المل الصرية والضمنية ف هذه الية :فهو عي النظم والربط ف ما أمثّل
لك وهو:
انك اذا رأيت أحدا يسلك ف طريق تنجر ال هلكه ،فاو ًل تنصحه قائل له :مذهبك هذا ينهار
بك ف البوار فتجنّب .وان ل ينته بنُهاه تعود عليه بالزجر والنهي والنعي وتؤيد نيَك وتديَه ف
ذهنه إما بتخويفه بنفرة العموم ،واما بترقيق قلبه بالشفقة النسية كما سيأتيك بيانما .فان كان
ذلك الشخص متعنتا لوجا مصرا ألدّ راكبا مت الهل الركّب فهو ليسكت بل يدافع عن
نفسه ،كما هو شأن كل مفسد يرى فساده صلحا؛ اذ النسانية ل تلى ان يرتكب الفساد من
حيث هو فساد ..ث يستدل ويدعي بأن طريقي هذا حق ،ومعلوم انه كذلك؛ فل حق لك ف
النصيحة فل احتياج ال نصيحتك ..بل انت متاج ال التعلم ..فما السبيل السويّ إ ّل سبيلنا ،فل
تعرض بوجود طريق أصوب ..وان كان ذلك الشخص اللجوج ذا
إشارات العجاز -ص99 :
الوجهي يكون كلمه ذا اللساني؛ يداري الناصح للزامه بوجه ،ويتحفظ على مسلكه بآخر
فيقول :أنا مصلح أي ظاهرا كما تطلب وباطنا كما اعتقد ..ث من شأنه تأييد وتأكيد دعواه بأن
الصلح من صفت الستمرة ،ل ان كنت صالا الن بعد فسادي قبل ..ث اذا كان ذلك الشخص
متمردا ًومتنمرا 1ومصرا ف نشر مذهبه ،وترويج مسلكه ،وتزييف ناصحه وتعريض أهل الق
بذه الدرجة ،ظهر انه ليدي له دواء ،ول يبق إل آخر الدواء ،أعن :العالة لعدم السراية وما
هذه العالة ال تنبيه الناس واعلمهم بانه مفسد ل صلح فيه؛ اذ ل يستعمل عقله ول يستخدم
شعوره حت يس بذا الشئ الظاهر الحسوس.
فاذا تفهمت اللقات السردة ف هذا الثال تفطنت ما بي المل النصوصة والرموزة اليها بالقيود
ف واذا قيل لم ال آخره .فان فيما بينها نظما فطريا باياز يمرّ 2من تته العجاز.
فاعلم! ان جلة (واذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض) القطعية ف (اذا) اشارة ال لزوم النهي عن
النكر ووجوبه..
وف لم (لم) اياء ال ان النهي لبد ان يكون على وجه النصيحة دون التحكم ،والنصيحة على
وجه اللطف دون التقريع..
و (لتفسدوا) فذلكة وخلصة لصورة قياس استثنائي 3أي ل تفعلوا هكذا ،وا ّل نشأ منه الَرْج
والَرْج ،فينقطع خيط الطاعة ،فيتشوش نظام العدالة ،فتنح ّل رابطة التفاق ،فيتولد منه الفساد،
فل تفعلوا لئل تفسدوا..
ولفظ (ف الرض) تأييد وتأكيد للنهي وادامة للزجر ،اذ نى الناصح موقت لبد من ادامته ف
ذهن النصوح بتوكيل وجدانه ليزجره دائما من تته .وهو اما
_____________________
1اي غضبا ،غي ان ظاهر السياق والذاق متنمردا ،اي كائنا كالنمرود (ش).
بتحريك عرق الشفقة النسية ،واما بتهييج عرق التنفر من نفرة العموم ..و(ف الرض) هو الذي
يوقظ العرقي وينعشهما؛ اذ لفظ (ف الرض) يناجيهم بان فسادكم هذا يسري ال نوع البشر
فأيّ حقد وغيظ لكم على جيع الناس الذين فيهم العصومون والفقراء والذين لتعرفونم ،أفل
تتوجعون لم ولَ لتترحون بم؟ هب ان ليست لكم تلك الشفقة النسية فل أقل من أن
تلحظوا ان حركتكم هذه تلب عليكم معن نفرة العموم.
قيل لك :كما ان من نظر برآة البصر السوداء رأى كل شئ اسود قبيحا .كذلك من احتجبت
بصيتُه بالنفاق وفسد قلبُه بالكفر رأى كل شئ قبيحا مبغوضا ،يصل ف قلبه عناد وحقد مع
كل البشر بل كل الكائنات ..ث كما ان انكسار سنّ من جرخ 1من دولب من ساعة يتأثر به
الكل كليا أو جزئيا؛ كذلك بنفاق الشخص يتأثر نظام هيئة البشر الت انتظمت بالعدالة
والسلمية والطاعة .فأسفا قد تظاهرت سومهم التسلسلة حت انتجت هذه السفالة.
وأما جلة (قالوا انا نن مصلحون) ففي "قالوا" بدل "ليقبلون النصيحة" الظاهر من السياق
اشارة ال انم يدّعون ويدعون ال مسلكهم.
والثانية :الصر ففيها اشارة ال ان صلحهم ليشوبه فساد فليسوا كغيهم؛ ففي الشارة رمز ال
التعريض بالؤمني.
وف اسية (مصلحون) بدل "نصلح" اشارة ال ان الصلح صفتنا الثابتة الستمرة فحالنا هذه عي
الصلح بالستصحاب ..ث انم ينافقون ف هذا الكلم أيضا اذ يتبطنون خلف مايظهرون
فباطنا يدعون فسادهم صلحا وظاهرا يراؤن أن عملهم لصلح الؤمني ومنفعتهم.
_____________________
وأما جلة (أل انم هم الفسدون ولكن ليشعرون) فاعلم! انم لا ادرجوا ف معاطف الملة
السابقة معان :من ترويج مسلكهم ودعوى ثبوت الصلح لم ،وان الصلح صفتهم الستمرة..
وانم منحصرون عليه ..وان الفساد ليشوب صلحهم ..وان هذا الكم ظاهر معلوم ..ومن
تعريضهم بالؤمني ومنتجهيلهم للناصح؛ أجابم القرآن الكري بذه الملة التضمنة لحكامٍ من
اثبات الفساد لم ،وانم متحدون مع حقيقة الفسدين ..وان الفساد منحصر عليهم ..وان هذا
الكم حقيقة ثابتة ..ومن تنبيه الناس على شناعتهم ..ومن تهيلهم بنفي الس عنهم كأنم
جادات .وان شئت فانظر:
ال (أل) الت للتنبيه كيف تزيّف بتنبيهها ترويَهم الناشئ من دعواهم الترشح من "قالوا"..
وال "إنّ" الت للتحقيق كيف ترد دعواهم العلومية بـ "انا" ،كأن "إنّ" تقول حالم ف القيقة
والباطن فساد ،فل يديهم الصلح ظاهرا.
وال الصر ف "هم" كيف يقابل تعريضهم الضمنّ ف "انا" و"نن" وال تعريف "الفسدون" -
الذي معناه حقيقة الفسدين ترى ف ذاتم فهم هي -كيف يدافع حصرهم الستفاد من "انا"
أيضا.
وال ولكن (ليشعرون) كيف يدافع تزييفهم الناصح وانم ليسوا مستحقي للنصيحة بدعوى
العلومية .فتأمل!
***
َواِذَا قِيلَ َلهُمْ آ ِمنُوا كَما آمَ َن النّاسُ قالُوا َأُنؤْمِنُ كَما آمَنَ السّفَهاءُ
من حيث انما نصيحة وارشاد؛ عطف المر بالعروف والتحلية والترغيب ،على النهي عن النكر
والتخلية والترهيب..
ومن حيث انما من الناية؛ عطف تسفيههم للمؤمني وغرورهم على افسادهم ،كما ربط
افسادهم بفسادهم اللت كل منها غصن من شجرة زقّوم النفاق.
فاعلم! انه لا قيل( :واذا قيل لم آمنوا كما آمن الناس) وأشي بيئاتا ال وجوب النصيحة على
سبيل الكفاية بايان خالص اتباعا للجمهور الذين هم الناس الكُمّل ليأمرهم الوجدان دائما بذا
المر ،حكى وقال( :قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) اشارة ال تردهم وغرورهم ودعواهم انم
على الق كما هو شأن كل مبطل يرى باطله حقا ويعلم جهله علما؛ اذ بالنفاق تفسّد قلبُهم،
وبالفساد نشأ غرو ٌر وميلُ افساد ،وبكم التفسّد تردوا ،وبكم الفساد يقول بعضهم لبعض
متناجيا بالضلل ،وبكم الغرور يرون شدة الديانة وكمال اليان القتضيي للستغناء والقناعة
سفالة وسفاهة وفقرا .ث بكم النفاق ينافقون ف كلمهم هذا أيضا؛ اذ ظاهره :كيف نكون
كالسفهاء ولسنا ماني ونن أخيار كما تطلبون؟ وباطنه كيف نكون كالؤمني الذين أكثرهم
فقراء وهم ف نظرنا سفهاء تزبوا من َاوْباش 1القوام؟ وعليك التطبيق بي دقائق الزئي من
الشرطية .ث القمهم الجر بقوله( :أل انم هم السفهاء)؛ اذ من كان متمردا بذه الدرجة
وجاهل بهله فحقهم العلن بي اللق وتشهيهم بانصار السفاهة وانه من القائق الثابتة ،وان
تسفيههم لسفاهة أنفسهم ..ث قال( :ولكن ليعلمون) اشارة ال انم جاهلون بهلهم
_____________________
فيكون جهل مركبا فل يديهم النصيحة ،فلبد ان يعرض عنهم صفحا؛ اذ ل يفهم النصيحة ال
من يعلم جهلَه.
ففي جلة (واذا قيل لم آمنوا كما آمن الناس) لفظ (اذا) بزميته رمز ال لزوم الرشاد بالمر
بالعروف ..وبناء الفعول ف (قيل) اياء ال ان وجوب النصيحة على سبيل الكفاية كما مر..
ولفظ (آمنوا) بدل "اخلصوا ف ايانكم" اشارة ال ان اليان بل إخلص ليس بايان..
ولفظ (كما آمن) تلويح بالسوة السنة وحسن الثال ليخلصوا على منواله..
وف لفظ (الناس) نكتتان :وها السبب ف جعل الوجدان آمرا بالعروف دائما؛ اذ (كما آمن
السفهاء) يترشح بـ "فاتبعوا جهور الناس اذ مالفة المهور خطأ من شأن القلب ان ل يقدم
عليه" ،وأيضا يلوح بانم هم الناس فقط كأن من عداهم ليسوا بانسان ال صورة ،إما بترقى
هؤلء ف الكمالت وانصار حقيقة النسانية عليهم وإما بتدن اولئك عن مرتبة النسانية.
اما جلة (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) الت مآلا :ل نقبل النصيحة كيف نكون كهؤلء
الذلّء؛ اذ هم ف نظرنا سفهاء ول نقاس نن معاشر أهل الاه عليهم ..ففي لفظ (قالوا) رمز ال
تبئة النفس وترويج السلك والستغناء عن النصيحة والغرور والدعوى ..وف لفظ (أنؤمن)
بالستفهام النكاريّ اشارة ال شدة تردهم ف جهلهم الركب ،كأنم بصورة الستفهام
يقولون :ايها الناصح راجع وجدانك هل ترى انصافك يقبل ردّنا.؟ ث ان ف متعلق "قالوا"
وجوها ثلثة مترتبة؛ أي :قالوا لنفسهم ،ث لبناء جنسهم ،ث لرشدهم ،كما هو شأن كل
متنصح اذا نصحه الناصح ،فاول المر يشاور مع نفسه ،ث ياور مع ابناء جنسه ،ث يراجعك
بنتيجة ماكمتهم .فعلى هذا لا قيل لم ما قيل راجعوا قلوبم التفسدة ووجدانم التفسخ
فاشارت عليهم بالنكار ،فقالوا مترجي عما ف ضميهم ،ث راجعوا بنظر الفساد ال اخوانم،
فاشاروا عليهم أيضا بالنكار فأخذوا بنجواهم
وماورتم ،ث رجعوا بطريق العتذار والسفسطة ال الناصح فشاغبوا وقالوا" :بيننا فرق لنقاس
عليهم إذ هم فقراء مضطرون مبورون فشدتم ف الديانة وتصوّفهم بالضطرار .اما نن فأهل
عزة وجاه" فبحكم الغرور ييلون الناصح على انصافه .وبكم الداع واليلة يتكلمون بكلم
ذي لساني ،أي ايها الرشد! لتظننا سفهاء ولنكون كالسفهاء ف نظركم ،بل نفعل كما يفعل
الؤمنون اللص .مع ان مرادهم باطنا :لنكون كهؤلء الؤمني الفقراء؛ اذ ل اعتداد بم ف
نظرنا .ففي هذا اللفظ رمز خفيّ ال فسادهم وافسادهم وغرورهم ونفاقهم..
(كما آمن السفهاء) أي الذين تظنونم الناس الكاملي هم ف نظرنا اذلء فقراء مبورون مع
كثرتم ،ك ٌل منهم سفي ُه قوم .ففي دعواهم الفرق ف القياس اشارة ال ان السلمية كهف
الساكي وملجأ الفقراء وحامية الق وحافظة القيقة ومانعة الغرور وقامعة التكبّر ،وما مقياس
الكمال والجد ا ّل هي ..وأيضا ف الفرق اشارة ال ان سبب النفاق ف الغلب هو الغرض
ك اِلّ الّذيِ َن هُ ْم اَرَاذُِلنَا بَادِيَ ال ّرأْيِ) .1وأيضا
ك اتَّبعَ َ
والغرور والتكب كما يفسره( :وما نَريــ َ
ف الفرق اشارة خفية ال ان السلمية لتصي وسيلة التحكم والتغلب ف أيدي أهل الدنيا والاه؛
بل انا هي واسطة لِحقاق الق ف أيادي أهل الفقر والضرورة خلف سائر الديان .ويشهد
على هذه القيقة التأريخُ.
أما جلة (أل انم هم السفهاء) فاعلم! ان القرآن الكري انا أكثر من التشديد والتشنيع على
النفاق لجل ان أكثر بليات العال السلمي من أنواع النفاق ..ث ان لفظ (أل) للتنبيه وتشهي
سفاهتهم على رؤوس الشهاد ،ولستشهاد فكر العموم على سفاهتهم .وأصل معن (أل) أل
تعلمون انم سفهاء؟ أي :فاعلموا ..ث ان "انّ" مرآة القيقة ووسيلة اليها كأنه يقول :راجعوا
القيقة لتعلموا ان سفسطتهم الظاهرية ل أصل لا .ث لفظ "هم" للحصر لرد تبئة أنفسهم ،ودفع
تسفيههم للمؤمني الذي اشاروا اليه بـ (كما آمن السفهاء) أي ان السفيه مَن ترك الخرة
بالغرور والغرض واللذة الفانية دون من أشترى الباقي بترك الوسات 2الفانية .ث ان
_____________________
الوس :طرف من النون وخفة العقل والقصود هنا الغراض النفسية وامانيها. 2
احداها:
ان تييز الق عن الباطل وتفريق مسلك الؤمني عن مسلكهم متاج ال نظر وعلم ،بلف
افسادهم وفتنتهم ،فانه ظاهر يس به مَن له أدن شعور .ولذا ذيّل الية الول بـ (ولكن ل
يشعرون).
والثانية:
والثالثة:
العراض عنهم وعدم الهتمام بم ،اذ النصيحة ل تديهم ،اذ ليعلمون جهلَهم حت يتحرّوا
زوالَه.
***
واِذَا َلقُوا الّذِينَ آ َمنُوا قالُوا ا َمنّا َواِذَا خََلوْا اِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُوا ِانّا مَعكُمْ
وان وجه النظم بي جلها هو انه :كما ان لليان الذي هو نقطة استنا ٍد عن اللم ونقطة
استمداد للمال ثلث خواص حقيقية:
إحداها :عزة النفس الناشئة من "نقطة الستناد" ،ومن شأن عزة النفس عدم التنّل للتذلّل.
والثالثة :احترام القائق ومعرفة قيمتها ،لن صاحب غال القيمة ذو حقيقة ،وعنده الوهر
الفريد ،وعدم الستخفاف بالقيقة لنه أيضا رزين؛ كذلك لضد اليان ،أعن النفاق اضدادُ
خواصِه الثلث ،فخواص النفاق الناشئة منه :ذلة النفس ،وميل الِفساد ،والغرور بتحقي الغي.
اذا عرفت هذا ،فاعلم! ان النفاق يولّد ذلةَ النفس وهي تنتج التذللَ ،وهو الريا َء وهو الداهنةَ وهي
الكذبَ .فأشار اليه بقوله :واذا لقوا الذين امنوا قالوا آمنا..
ح أي عدم الصاحب والامي والالكث لا كان النفاق مفسدا للقلب وفساده ينتج ُيتْمَ الرو ِ
فيتولد الوف وهو يلجؤه ال التستر ،اشار اليه بلفظ واذا خلوا..
ث لا كان النفاق قاطعا للرحم وقطعُه يزيل الشفقة ،وزوالا ينتج الفسادَ وهو الفتنةَ وهي اليانةَ
ف وهو يضطره ال اللتجاء ال ظهي ومستند ،أشار اليه بلفظ ال (شياطينهم).. وهي الضع َ
ث لا كان النفاق جهل تردديا انتج تذبذب الطبيعة وهو عدم الثبات وهو عدم السلك وهو عدم
المنية بم وهو يبهم على تديد عهدهم ،أشار ال هذه السلسلة بلفظ (قالوا إنّا معكم)..
ث لا احتاجوا ال العتذار استخفّوا بالقيقة لفتهم ،ورخّصوا غال القيمة لعدم قيمتهم ،وأهانوا
بالعال لون نفسهم وضعفها الذي ينشأ منه الغرور فقال( :قالوا انا نن مستهزؤن)..
ث بينما كان السامع منتظرا من انصباب الكلم مقابل َة الؤمني لم رأى ان ال قابلهم بدلً عن
الؤمني اشارة ال تشريفهم ،ورمزا ال ان استهزاءهم ف مقابلة جزاء ال تعال كالعدم ،واياءً ال
حقهم وزجرهم وردهم؛ اذ كيف يُسَتهْزأُ بن كان ال حاميه؟ فقال تعال( :ال يستهزئُ بم) أي
يعاقبهم على استهزائهم أشد جزاء بصورة استخفاف وتكمٍ بم ف الدنيا والخرة مع الستمرار
التجدديّ ..وجلة (ويدهم ف طغيانم يعمهون) كشف وتفصيل وتصوير لزاء استهزائهم بطرز
الستهزاء.
فاعلم! ان جلة (اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) الت سيقت ف مداهنتهم؛ قطعية (اذا) فيها اياءٌ ال
الزم والتعمد والقصد ،أي عزموا بعمد وقصد ملقاتم ..ولفظ (لقوا) اياء ال انم تعمدوا
مصادفتهم ف الطرق بي ظهران الناس ..ولفظ (الذين امنوا) بدل "الؤمني" اشارة ال مباشرتم
معهم وتاسهم بم ،وال ان ارتباطهم معهم بصفة اليان ،وال ان مدار النظر بي أوصاف
الؤمني صفة اليان فقط ..ولفظ (قالوا) تلويح ال انم يقولون بأفواههم ماليس ف قلوبم ،وان
قولم للتصنع والرياء والداهنة ودفع التهمة والرص على جلب منافع الؤمني والطلع على
أسرارهم ..ولفظ (آمنا) بل تأكيد مع اقتضاء القام اياه ،وبايراده جلة فعلية ،اشارة ال ان ليس
ف قلوبم مشوق وعشق مرك ليتشددوا ويتجلدوا ف كلمهم ..وأيضا ان ف ترك التأكيد اياء
ال تشددهم ف دفع التهمة عنهم ،كأنم يقولون :انكاركم ليس ف موقعه بل ف منلة العدم ،اذ
لسنا أهلً
للتهمة ..وأيضا فيه رمز ال ان التأكيد ليروج عنهم ..وأيضا فيه لح ال ان هذا الجاب الرقيق
الضعيف على الكذب اذا شدد تزق ..وأيضا ف فعليته اشارة ال انه ليكن لم ان يدعوا الثبات
والدوام ،وانا غرضهم من هذا التصنع الشتراك ف منافع الؤمني والطلع على اسرارهم بادعاء
حدوث اليان.
وأما جلة (واذا خلوا ال شياطينهم قالوا انا معكم) فـ "الواو" الامعة ف (واذا) اياء ال ان هذا
الكلم سيق لبيان ان لمسلك لم ،ولبيان تذبذبم الفصل باتي الشرطيتي ..والزمية ف (اذا)
رمز ال انم بكم الفساد والفساد يرون اللتجاء وظيفةً ضرورية ..ولفظ (خلوا) اشارة ال انم
بكم اليانة يتخوفون ،وبكم الوف يتسترون ..ولفظ (ال) بدل "مع" الناسب لِـ"خلوا"
اشارة ال انم بكم العجز والضعف يلتجئون ،وبكم الفتنة والفساد يوصلون اسرار الؤمني ال
الكافرين ..ولفظ "الشياطي" اشارة ال ان رؤساءهم كالشياطي متسترون موسوسون ،وال انم
كالشياطي يضرون ،وال انم على مذهب الشياطي ليتصورون الّ الشر.
وأما جلة (قالوا إنّا معكم) السوقة لتبئة ذمتهم وتديد عهدهم وثباتم ف مسلكهم ،فاعلم! انه
أكد مع غي النِكر هنا ،وترك التأكيد مع النِكر هناك 1اشارةً ودللةً على عدم الشوق الحرك ف
قلب التكلم هناك ووجوده هنا .أما اسية هذا وفعلية ذاك ،فلن القصود اثبات الثبوت والدوام ف
ذا ،والدوث ف ذلك.
أما (انا نن مستهزؤن) فاعلم! انه ل يعطف ،اذ الوصل انا هو بالتوسط بي كمال التصال
وكمال النقطاع .مع ان هذه الملة بد ٌل بهة وتأكيد بهة وها من كمال التصال ،وجوابُ
سؤالٍ مقدّر بهة أخرى ،وهو من كمال النقطاع لبية الواب وانشائية السؤال ف الغلب..
أما وجه التأكيد ويقرب منه البدل فهو :ان مآلا اهانة الق وأهله فيكون تعظيما للباطل وأهله
وهو مآل (إنّا معكم) ..وأما وجه الوابية للسؤال القدر فكأن شياطينهم يقولون لم" :ان كنتم
معنا وف مسلكنا فما بالكم توافقون الؤمني؟ فإما انتم ف مذهبهم او لمذهب لكم" فاعتذَروا
ميبي بـ (إنا نن مستهزؤن) فصرحوا بانم ليسوا من السلم ف شئ ،وأشاروا
_____________________
بصر (انا) ال انم ليسوا مذبذبي بل مذهب معلوم ،وباسية (مستهزؤن) ال ان الستهزاء شأنم
وصفتهم .ففعلهم هذا ليس بالد.
وأما جلة (ال يستهزئ بم) فاعلم! انا ل توصل بسوابقها بل فصلت فصل؛ لنا لو عطفت
فإما على (نا نن مستهزؤن) وهو يقتضي ان تكون هذه أيضا تأكيدا لـ (انا معكم) ..وإما
على (قالوا) وهو يقتضي ان تكون هذه أيضا مقول لم ..وإما على (قالوا) وهو يقتضي ان تكون
هذه أيضا مقيدة بوقت اللوة مع ان استهزاء ال بالدوام ..وإما على (اذا خلوا) وهو يقتضي ان
تكون هذه من تتمة صفة تذبذبم ..وإما على (اذا لقوا) وهو يستلزم ان يكون الغرض منهما
واحداً .مع ان الول لبيان العمل ،والثان للجزاء ،واللوازم باطلة ،فالوصل ليصح .فلم يبق ال ان
تكون مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر .ث ان ف هذا الستيناف اياءً ورمزا ال ان شناعتهم وخباثتهم
بلغت درجة تب روح كل سامعٍ وراءٍ ان يسأل بـ"كيف جزاء مَن هذا عمله؟".
ث ان الفتتاح بلفظة (ال) مع ان ذهن السامع كان منتظرا لتلقي مقابلة الؤمني معهم ،اشارة ال
تشريف الؤمني وترحه عليهم ،اذ قد قابل بدل عنهم ..وأيضا رمز ال زجرهم؛ اذ ليُستهزأ بن
استناده بعلّم الغيوب ..وأيضا اياء بالقتطاع وعدم النظر ال تقرر استهزائهم ال ان استهزاءهم
كالعدم بالنظر ال جزائه ..ث ان التعبي عن نكايات ال تعال معهم بالستهزاء -الذي ليليق
بشأنه تعال -للمشاكلة ف الصحبة ،وللرمز ال ان النكاية جزاء للستهزاء ونتيجة ولزمة له ،مع
أن الراد لزم الستهزاء ،أعن التحقي ..وأيضا اياء ال ان استهزاءهم الذي ل يفيد بل يضر عي
استهزاء ال تعال معهم؛ كمن يظن انه يستهزئ بك مع انك تراه كالجنون تريد ان يتكلم ولو
بشتمك لتضحك منه ،فاستهزاؤه بعض استهزائك.
أما (ويدهم ف طغيانم يعمهون) أي توسلوا بأسباب الضللة وطلبوها فأعطاهم ال تعال ..ففي
لفظ "يد" رمز ال رد العتزال ،وف تضمّن "يد" للستمداد اياء ال ردّ الب ،أي اختاروا بسوء
اختيارهم واستمدوا ،فأمدّهم ال تعال وأرخى عنانم ..وف اضافة الطغيان ال "هم" أي ان لم
فيه اختيارا رمز ال رد عذرهم بالجبورية ..وف الطغيان اشارة ال ان ضررهم متعد استغرق
الحاسن كالسيل وهدم أساس الكمالت فلم يبق ا ّل غثاء أحوى .و( يعمهون) أي :يتحيون
ويترددون .وفيه اشارة ال انه لمسلك لم وليس لم مقصود معي.
***
ت تِجا َرُتهُمْ
ح ْ
ضلََلةَ بِاْلهُدَى فَما َربِ َ
ك الّذِينَ ا ْشتَ َروُا ال ّ
اُولَئِ َ
ان هذه الية فذلكة واجال للتفاصيل السابقة ،وتصوير لا بصورة عالية مؤثرة .وتصيص اسلوب
التجارة للتمثيل ،لجل ان الخاطبي ف الصف الول قد ذاقوا حلو التجارة ومرّها برحلت الصيف
والشتاء.
ووجه الناسبة هو أن نوع البشر اُرسل ال الدنيا ل للتوطن فيها ،بل ليتّجروا ف رأس مالم من
الستعدادات والقابليات ليزرعوا ث يتصرفوا ف غلّتا.
فلفظ (اولئك) موضوع لحضار الحسوس البعيد :أما الحضار فإشارة ال أن من شأن كل
سامع اذا سع تلك النايات الذكورة ان يصل شيئا فشيئا ف قلبه نفرة وغيظ يتشدد تدريا
بيث يريد ان يراهم ليتشفّى الغيظ منهم ،ويقابلهم بالنفرة والتحقي ..وأما الحسوسية فرمز ال
أن التصاف بذه الوصاف العجيبة يسّمهم ف الذهن حت صاروا مسوسي نصب اليال .ومن
الحسوسية رمز ال علة الكم بسر إنرار العصية ال العصية ..وأما البُعدية فاشارة ال شدة
بُعدهم عن الطريق الق ،ذهبوا ال حيث ليرجعون ،فالذهاب ف أيديهم دون الياب.
ولفظ (اشتروا) اشارة ال رد اعتذارهم بـ "ان فطرتنا هكذا" .فكأن القرآن الكري يقول لم:
ل! .ولقد أعطاكم ال أنفاسَ العمر رأسَ مالٍ ،وأودع ف روحكم استعداد الكمال ،وغرس ف
وجدانكم نواة القيقة وهي الداية الفطرية لتشتروا السعادة فاشتريتم بدلا -بل بتركها -اللذائذ
العاجلة والنافع الدنيوية فاخترت بسوء اختياركم مسلك الضللة على منهج الداية ،فافسدت
الداية الفطرية ،وضيعتم رأس مالكم.
ولفظ (الضللة بالدى) فيه اشارة ال انم خسروا خسارة على خسارة .اذ كما خسروا
بالضللة؛ كذلك خسروا بترك النعمة العظيمة الت هي الداية.
أما جلة (فما ربت تارتم) فاعلم! ان ف تصيص نفي الربح -مع انم كما قد خسروا فقد
أضاعوا رأس الال أيضا -اشارة ال من شأن العاقل ان ليقدم على تارة لربح فيها ،فضلً عما
فيها خسارة واضاعة رأس الال ..ث ف اسناد الفعل ال التجارة مع ان الصل "فما ربوا ف
تارتم" اشارة ال ان تارتم هذه بميع أجزائها وكل أحوالا وقاطبة وسائطها ل فائدة فيها ل
جزئيا ول كليا؛ ل كبعض التجارات الت ليكون ف مصلها وفذلكتها ربح ،ولكن ف أجزائها
فوائد ،ولوسائط خدمتها استفادات ..أما هذه فشرّ مض وضرر بت .ونظي هذا السناد "نامَ
َليْلُهُ"بدل "نام ف الليل"؛ اذ الول يفيد ان ليله أيضا ساكن وساكت كالنائم ل يرّك ليلته شئ
ول يوّجه طارق.
وأما جلة (وما كانوا مهتدين) أي كما خسروا وأضاعوا الال؛ كذلك قد اضلوا الطريق ،فترشيح
وتزيي كسابقتها لسلوب "اشتروا" ..وأيضا فيها رمز خفيّ ال "هدى للمتقي" ف رأس
السورة .كأنه يقول :اعطى القرآن الكري الداية فما قبل هؤلء.
***
ت مَا َحوْلَهُ
َمثَُلهُمْ كَ َمثَ ِل الّذِي اسَْتوْقَ َد نَارا َفلَمّا اَضَاءَ ْ
فالول :كالللئ النثورة والزينة النشورة والنقش الرصع .ومعدنه الذي يتحصل منه هو توخّي
العان النحوية الرفية فيما بي الكلم ،كإذابة الذهب بي أحجار فضة .وثرات هذا النوع هي
اللطائف الت تعهد بيانا فن العان..
والقسم الثان :هو كلباس عال وحلة فاخرة قدّت من اسلوب على مقدار قامات العان ،وخيطت
من قطعات خيطا منتظما فيلبس على قامة العن أو القصة أو الغرض دفعة .وصناع هذا القسم
والتكفل به فن البيان ..ومن أهم مسائل هذا القسم التمثيل .ولقد أكثر القرآن الكري من
التمثيلت ال ان بلغت اللف؛ لن ف التمثيل سرا لطيفا وحكمة عالية؛ اذ به يصي الوهم مغلوبا
للعقل ،واليال مبورا للنقياد للفكر ،وبه يتحول الغائب حاضرا ،والعقول مسوسا ،والعن
مسما ،وبه يعل التفرق مموعا ،والختلط متزجا ،والختلف متحدا ،والنقطع متصل ،والعزل
مسلّحا .وان شئت التفصيل فاستمع معي لا يترن به صاحب دلئل العجاز ف أسرار بلغته 1؛
حيث قال:
_____________________
1اسرار البلغة لعبد القاهر الرجان (التوف 471هـ) .طبع عدة طبعات منها ف مطبعة
الستقامة سنة 1948بصر وكتب حواشيه الستاذ احد مصطفى الراغي ،والفصل الذكور هو
ف ص 128من الطبعة الذكورة.
فان كان مدحا كان أبى وأفخمَ ،وأنبلَ ف النفوس وأعظمَ ،وأهزّ للعِطْف ،وأسرعَ لللف،
وأجلبَ للفرح ،وأغلبَ على المتدح ،وأو َجبَ شفاعة للمادح ،واقضى له بغ ّر الواهب والنائح،
وأس َي على اللسن واذكرَ ،وأول بان تعلقه القلوب وأجدرَ.
وإن كان ذماًْ كان مَسّه أوجعَ ،ومِيسمه ألذَع ،ووقعه أشدّ ،وحدّه احدّ.
وإن كان حجاجا كان برهانه انورَ ،وسلطانه اقهرَ ،وبيانه ابَر.
وإن كان افتخارا كان شأوه ابعدَ ،وشرفه اجدّ ،ولسانه ألدّ.
وإن كان اعتذارا كان ال القلوب اقربَ ،وللقلوب أخلبَ ،وللسخائم اسلّ ،ولغرب الغضب
افلّ ،وف ُعقَد العقود انفثَ ،وعلى حسن الرجوع أبعثَ .وإن كان وعظا كان أشفى للصدر،
وادعى ال الفكر ،وأبلغ ف التنبيه والزجر ،وأجدر بأن يَجْلي الغياية ( ، )1ويبصر الغاية ،ويبئ
العليل ،ويشفي الغليل ...وهكذا الكم اذا استقريت فنون القول وضروبه ،وتتبعت أبوابه
وشعوبه( .انتهى)..
ث ان ف اليات التية دلئل اعجاز واسرار بلغة فذكرناها هنا لناسبتها لسائل القدمة التية.
فمثال التمثيل ف مقام الدح ما ذكره القرآن الكري ف وصف الصحابة من:
( )1الغياية :ضوء شعاع الشمس ،قعر البئر ،وكل ما أظل النسان كالسحابة والغبة.
جبُ الزّرّاعَ)()1
ج شَ ْطئَهُ فَا َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِ ِه ُيعْ ِ
ع اَ ْخرَ َ
( َومَثَل ُهمْ فِي ا ْلنْجِيلِ كَزَ ْر ٍ
وقس نظائره..
وف مقام الذم:
(فَ َمثَلُهُ كَ َمثَ ِل اْلكَ ْلبِ ان تَحْمِل عَلَيه يَ ْل َهثْ أو تَتْركْه يَ ْل َهثْ)( )2و ( َمثَل الذين حُمّلوا التورية ث ل
حمِلُ أسفارا)( )3و (ِانّا َجعَ ْلنَا ف اَ ْعنَاِقهِ ْم اَ ْغلَلً َفهِ َي اِلَى الْذْقَانِ َفهُمْ
يملوها كَ َمثَ ِل الِما ِر يَ ْ
ُمقْمَحُونَ)( )4وقس.
( َمثَلهم كمثل الذي استَوقَدَ نارا) و (او َكصَّيبٍ مِن السماءِ فيه ظُلُماتٌ ال آخره و و َمثَلُ الذين
كفروا كَمَثلِ الذي َيْنعِق با ل يسمع الّ دعا ًء ونداءً)( )5و (مثل الذين اتذوا مِن دون ال اولياءَ
ت بيتا)( )6و (أنزل من السماء ماءً فسالتْ أوديةٌ بقَدَرها فاحتملَ السيلُ كمث ِل العنكبوتِ اتذ ْ
زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاءَ حليةٍ أو متاع َزبَ ٌد ِمثْلُه)( )7و (ضَرَبَ ال مثلً رجلً
ل سَلَما ِلرَجُ ٍل هل يستويان مثل)( )8وقس عليه. فيه شركا ُء ُمتَشاكِسون ور ُج ً
ونظي مثال الفتخار -وان ل يسمّ افتخارا -بيان عظمته تعال وكمالته اللية قوله تعال:
ت ِبيَمِينِهِ سبحانه
ضتُه يومَ القيامةِ والسمواتُ مطويّا ٌ
(وما َقدَرُوا ال حَقّ َقدْرِه والرضُ جَميعا َقْب َ
وتعال عما يشركون)( )9وقس عليه.
ومثال التمثيل ف مقام العتذار ليوجد ال حكايات أهل العذار الباطلة للحتجاج عليهم
كقوله:
(وقالوا قُلُوبُنا ف اكنّة ما تدعونا اليه وف اذانِنا وَقْ ٌر ومِ ْن بَيننا وبينك حِجَابٌ)( )10وقس...
ومن الشعر:
ص مَذبُوحا مِ َن الْلَمِ
سبُوا اَنّ رَ ْقصِي بْيَنكُ ْم طَرَبٌ فَال ّطيْ ُر يَرُْق ُ
لتَحْ َ
جبَ الكفار نَبَاتُه ث يَهيجُ فتريــه ُمصْفرّا ث يكون حُطاما)( )1و (أَلَم تَرَ ان ث أعْ َ(كمثل َغيْ ٍ
ج بهِ زَرْعا مُختلفا ألوانُه)( )2و (ِانّا ال انزَل مِن السماءِ ماءً فَسَلكه ينابيعَ ف الرضِ ث يُخرِ ُ
ض والبا ِل فَأَبيْنَ أ ْن يَحْ ِم ْلنَها وأشفقنَ مِنها وحَ َملَها الِنسانُ
ت والر ِ عَرَضْنا المانةَ على السموا ِ
شَيةِ
إِنه كا َن ظَلُوما َجهُولً)( )3و (لو أنزلْنا هذا القرآنَ على َجبَلٍ لرأيتَهُ خاشِعا ُمتَصَدّعا مِن خَ ْ
ك المثا ُل َنضْ ِربُها للناسِ َلعَّلهُم َيَتفَكّرونَ)( )4و (فَمَاَلهُ ْم عَن التَذْكِ ِر ِة ُمعْرِضِيَ _ كَأنُم ال وتِل َ
سوَرة)( )5و (مثل الذين يُنفِقونَ أَمواَلهُمْ ف سبيل ال كَمَثلِ حَبةٍ ت مِن قَ ْ
حَ ُم ٌر مُسَتنْفِرةٌ _ َفرّ ْ
ت َسبْ َع سنابلَ ف ك ّل ُسنْبلة مائةُ َحبّة)( )6و (كمثل َجنّة بِ َربْوة اَصابا وابل)(.. )7 اَْنَبتَ ْ
(ثّ استوى ال السما ِء وهي دخانٌ فقا َل لا وللرض ائتيا طَوْعا أو كرها قَالتا َأَتيْنا طائِعي)()10
ض ابلَعي ماءَك ويا سا ُء اقلعي وغيضَ الاء وُقضِيَ المر واستوتْ على الُوديّ وقيلَ و (قي َل يا أر ُ
ضرَبَ ال َمَثلً كلم ًة طَّيَبةً كَشَجَر ٍة َطيَّبةٍ اصلُها ثابتٌ
بُعدا للقومِ الظالِمي)( )11و (اَلَ ْم تَرَ كيفَ َ
ي بإِذنِ َربّها)( )12و (ومثلُ كلم ٍة خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ وفرعُها ف السماء _ تُؤت أُكُلَها كلّ حِ ٍ
ض مَالَها مِن قَرارٍ)(.. )13
ت مِن فوقِ الر ِاجتُّث ْ
ومن الشعر:
فصـل ومقدمــة
اعلم! ان التكلم كما يفيد العن ث ُي ْقنِع العقل بواسطة الدليل؛ كذلك يلقي ال الوجدان حسّيا ٍ
ت
بواسطة صور التمثيل فيحرك ف القلب اليل أو النفرة ويهيئُه للقبول .فالكلم البليغ ما استفاد منه
العقل والوجدان معا ،فكما يتداخل ال العقل يتقطر ال الوجدان أيضا .والتكفل لذين الوجهي
التمثيلُ؛ اذ هو يتضمن قياسا وينعكس به ف مرآة المثل القانون الندمج ف المثل به .فكأنه
دعوى مدلّل .كما تقول ف رئيس يكابد البليا لراحة رعيته( :البل العال يتحمّل مشاقّ الثلج
والبَرَد ،وتضرّ من تته الودية).
ث ان أساس التمثيل هو التشبيه .ومن شأن التشبيه تريك حسّ النفرة أو الرغبة أو اليلن أو
الكراهية أو الية أو اليبة؛ فقد يكون للتعظيم أو التحقي أو الترغيب أو التنفي أو التشويه أو
التزيي أو التلطيف ال آخره ...فبصورة السلوب يوقَظ الوجدان وينبّه السّ بيلٍ أو نفرة.
( )1قائله ابن النبيه الصرى ف مدح اليوبيي توف سنة 619هـ.
( )3الكهرباء.
ث ان ما يوّج ال التمثيل عمق العن ودقته ليتظاهر بالتمثيل ،أو تفرّق القصد وانتشاره ليتبط
به .ومن الوّل متشابات القرآن الكري؛ اذ هي عند أهل التحقيق نوع من التمثيلت العالية
وأساليب لقائق مضة ومعقولت صرفة؛ ولن العوام ليتلقون القائق ف الغلب ا ّل بصورة
متخيلة ،ول يفهمون العقولت الصرفة ا ّل بأساليب تثيلية ل يكن ب ّد من التشابات كـ
(ِاسْتوى عَلَى اْلعَ ْرشِ)( )1لتأنيس اذهانم ومراعاة أفهامهم.
السألة الول:
ان منشأ نقوش البلغة انا هو نظم العان دون نظم اللفظ كما جرى عليه اللفظيون التصلفون،
وصار حب اللفظ فيهم مرضا مزمنا ال ان رد عليهم عبد القاهر الرجان( )3ف دلئل العجاز
واسرار البلغة ،وحصر على الناظرة معهم أكثر من مائة صحيفة.
ونظ ُم العان :عبارة عن توخي العان النحوية فيما بي الكلمات .اي اذابة العان الرفية بي
الكلم لتحصيل النقوش الغريبة .وان أمعنت النظر لرأيت ان الجرى الطبيعيّ للفكار والسيات
انا هو نظم العان .ونظم العان هو الذي يشيّد بقواني النطق ..وأسلوب النطق هو الذي
يتسلسل به الفكر ال القائق ..والفكر الواصل ال القائق هو الذي ينفذ ف دقائق الاهيات
ونسبها ..ونسب الاهيات هي الروابط للنظام الكمل ..والنظام الكمل هو الصَدَف للحُسن
الجرد الذي هو منبع كل حسن ..والسن الجرد هو الروضة لزاهي البلغة الت تسمى لطائف
ومزايا ..وتلك النة الزهرة هي الت يول ويتنّه فيها البلبل السمّاة بالبلغاء وعشاق الفطرة..
واولئك البلبل نغماتم اللوة اللطيفة انا تتولد من تقطيع الصدى الروحان النتشر من أنابيب
نظم العان.
(( )3ت 471هـ 1078 /م) اِمام ف اللغة والبلغة ،له مصنفات منها :كتاب الغن (30
ملد) القتصد ( 3ملدات) اعجاز القرآن ،الفتاح ،دلئل العجاز ،اسرار البلغة.
والاصل :ان الكائنات ف غاية البلغة قد أنشأها وأنشدها صانعُها فصيحةً بليغة ،فكل صورة
وكل نوع منها -بالنظام الندمج فيه -معجزة من معجزات القدرة .فالكلم اذا حذا حذو
الواقع ،وطابق نظمُه نظامَه حاز الزالة بذافيها .والّ فإن توجّه ال نظم اللفظ وقعَ ف التصنع
والرياء كأنه يقع ف أرض يابسة وسراب خادع.
لا انذب واستعرب العجم باذبة سلطنة العرب صارت صنعة اللفظ عندهم اهمّ ،وفسد
ي الت هي أساس بلغة القرآن الكري ،وتلون معكس أساليب
بالختلط َملَكة الكلم ا ُلضَر ّ
القرآن الكري؛ وانا معدنا من حسّيات قوم " ُمضَر" ومزاجهم .فاستهوى حب اللفظ كثي من
التأخرين.
تذييل :تزيي اللفظ انا يكون زينة اذا اقتضته طبيع ُة العان .وشعشعة صورة العن انا تكون
حشمةً له اذا أَذِن به الآل .وتنوير السلوب انا يكون جزالة اذا ساعده استعدادُ القصود .ولطافة
التشبيه انا تكون بلغة اذا تأسّست على مناسبة القصود وارتضى به الطلوب .وعظم ُة اليال
وجولنُه انا تكون من البلغة اذا ل تؤل القيقةَ ول تثقل عليها ويكون اليال مثال للحقيقة
متسنبل عليها .وان شئت المثلة الامعة لتلك الشرائط فعليك بتلك اليات التمثيلية الذكورة.
السألة الثانية:
ان السحر البيان اذا تلى ف الكلم صيّر العراض جواه َر والعانَ أجساما والمادات ذواتِ
أرواح والنباتاتِ عقلءَ ،فيوقِع بينها ماورة قد تنجرّ ال الخاصمة ،وقد تُوصل ال الطايبة فترقص
المادات ف نظر اليال .وان شئت مثال فادخل ف هذا البيت.
()1لبن العتز (دلئل العجاز ص )61وف ديوان ابن العتز :تاذبن الطراف بالوصل
والقلى ...ص .226
فهذه الصورة انا تسنبلت على تصوّت الرض اليابسة بنول الطر بعد تأخر .ولبد ف كل خيال
من نواة من القيقة نظي هذا الثال ،ولبد ف زجاجة كل ماز من سراج القيقة ،وا ّل كانت
بلغته اليالية خرافة بل عرق ل تفيد الّ حية.
السألة الثالثة:
اعلم! ان كمال الكلم وجاله وحُلته البيانية باسلوبه .واسلوبه صورة القائق وقالب العان التخذ
من قطعات الستعارة التمثيلية .وكأن تلك القطعات "سيِمُوطُوغْرَاف" ( )2خيالّ؛ كإراءة لفظ
"الثمرة" جنتها وحديقتها .ولفظ "بارز" معركة الرب .ث ان التمثيلت مؤسسة على سرّ
الناسبات بي الشياء ،والنعكاسات ف نظام الكائنات ،واخطار امور امورا؛ كإخطار رؤية
اللل ف الثريا ف ذهن ابناء النخلة غصنَها البيض بالقدم التقوس بتدل العنقود ( .)3وف التنيل
(حَت عادَ كالعُرجُون القدي ) (.)4
ث ان فائدة اسلوب التمثيل كما ف اليات الذكورة هي :ان التكلم بواسطة الستعارة التمثيلية
يُظهر العروق العميقة ،ويوصل العان التفرقة .واذا وضع بيد السامع طرفا امكنَ له ان ي ّر الباقي
ال نفسه ،وينتقل اليه بواسطة التصال ،فبؤية بعضٍ يتدرج شيئا فشيئا -ولو مع ظلمة -ال
تامه .فمن سِع من الوهريّ ما قال ف وصف الكلم البليغ" :الكلم البليغ ما ثقبته الفكرةُ"..
ومن المّار ما قال فيه" :ما طُبخ ف مراجل العلم" ..ومن المّال ما قال فيه" :ما اخذتَ بطامه
ختَهُ ف َمبْرك العن" ينتقل ال تام القصد بلحظة الصنعة.
واَنَ ْ
ن الساكنة ف زوايا
ث ان الكمة ف تشكل السلوب هي :ان التكلم بارادته ينادي ويوقظ العا َ
القلب كأنا حفاة عراة .فيخرجون ويدخلون اليال ،فيلبسون ما
يدون من الصور الاضرة بسبب الصنعة أو التوغل أو اللفة أو الحتياج ،ول أقل من لفّ منديلٍ
من تلك الصنعة برأسه ،أو النصباغ بلون مّا .وما تده ف ديباجة الكتب من براعة الستهلل
من اظهر امثلة هذه السألة.
ث ان اسلوب الكلم قد يكون باعتبار خيال الخاطَب كما ف أساليب القرآن الكري فل تنسَ .ث
ان مراتب السلوب متفاوتة فبعضها ارقّ من النسيم اذا سرى يرمز اليه بيئات الكلم .وبعضها
اخفى من دسائس الرب ليشمه الّ ذو دهاء ف الرب؛ كاستشمام الزمشري( )1من (مَنْ
يُحْيي اْلعِظَا َم َوهِيَ َرمِيمٌ)( )2اسلوب "مَن يبز ال اليدان" .وان شئت فتأمل ف اليات الذكورة
تر فيها مصداق هذه السائل بألطف وجه .وان شئت زُ ِر المامَ البوصييّ( )3وانظر كيف كتب
"رَ َجَتتَهُ"( )4باسلوب الكيم ف قوله:
ورمز ال السلوب بلفظ المية .او استمع هدهد سليمان كيف أومأ ال هندسته( )5بقوله( :الّ
خبْءَ ف السّموَاتِ والرضِ)(. )6
خرِج الْ َ
يَسْجُدُوا ل الّذِي يُ ْ
السألة الرابعة:
اعلم! ان الكلم انا يكون ذا قوّة وقدرة اذا كان اجزاؤه مصداقا لا قيل:
جمَا ِل يُشي
ك وَاحِ ٌد وَكُ ّل اِلَى ذَاكَ الْ َ
سنُ َ
ِعبَاراتُنا شَت وَح ْ
( )1هو ابو القاسم ممود بن عمر بن ممد الزمشرى جار ال .ولد بزمشر سنة 467هـ،
توف بعد رجوعه من مكة الكرمة سنة 538هـ .إمام عصره ف اللغة والتفسي ،له "الكشاف
عن حقائق التنيل " و "الفائق ف غريب الديث " و "الفصل ف النحو " و "اساس البلغة "
وغيها.
(698 - 608( )3هـ) ممد بن سعيد بن حاد بن عبدال البوصيي الصري .شاعر ،حسن
الديباجة ،مليح العان ،له ديوان شعر مطبوع ،واشهر شعره البدة الشهورة بـ "بردة الديح
" (كشف الظنون 1/288العلم .)6/139
بان تتجاوب قيودات الكلم ونظمه وهيئته ،ويأخذ كلٌ بيد الخر ويظاهره ،ويد ك ٌل بقَدَرِه
ض الكليّ مع ثراته الصوصية .كأن الغرض الشترك حوض يتشرب من جوانبه الرطبة، الغر َ
فيتولد من هذه الجاوبة العاونةَ ،ومنها النتظام ،ومنه التناسب ،ومنه السن والمال الذات.
وهذا السر من البلغة يتلل من مموع القرآن ل سيما ف (الـم _ ذلك الكتاب لريب فيه
هدى للمتقي) كما سعتَه مع التنظي بقوله( :ولئن مسّتهم نفحةٌ من عذاب ربك)(. )1
السألة الامسة:
اعلم! ان غناء الكلم وثروته ووسعته هو انه كما أن أصل الكلم يفيد أصل القصد؛ كذلك
كيفياته وهيئاته ومستتبعاته تشي وترمز وتلوحال لوازم الغرض وتوابعه وفروعه ،فكأنا تتراءى
طبقة بعد طبقة ومقاما خلف مقام .وان شئت مثال تأمل ف (واذا قيل لم لتفسدوا ف الرض)
ال آخره .و(واذا لقوا الذين آمنوا) ال آخره ،على الوجه الفسّر سابقا.
السألة السادسة:
اعلم! ان العان الجتناة من خريطة الكلم الأخوذة النقوشة "بفُو ُطغْراف" التلفظ على أنواع
س به وليُرى ..وبعضها كالبخار يُرى ول ُيؤْخذ.. متلفة ومراتب متفاوتة .فبعضها كالواء يُح ّ
وبعضها كالاء يُؤخذ ولينضبط ..وبعضها كالسبيكة ينضبط وليتعي ..وبعضها كالدّ ّر النتظم
والذهب الضروب يتشخص ،ث بتأثي الغرض والقام قد يتصلب الوائي .وقد تعتور على العن
الواحد الالت الثلث .أل ترى انه اذا أثر أمر خارجي ف وجدانك يتهيج قلبُك؟ فيثي السيات
فيتطاير معا ٍن هوائية فيتولد ميولٌ ،ث يتحصل بعضها ،ث يتشكل من ذلك البعض قسم ،ث ينعقد
من ذلك القسم بعض .ففي كل من هذه الطبقات يتوضع وينعقد البعض ،ويبقى البعض الخر
معلّقا كمعلقية بعض الصوت عند تشكل الروف ،والتب عند انعقاد البوب .فمن شأن البليغ
ان يفيد بصريح الكلم ما تعلق به الغرضُ واقتضاه القام ،وطلبه الخاطب .ث ييل الطبقات الُخر
-بقدار نسبة درجة القرب من الغرض -على دللة القيود ،واشارة الفحوى ،ورمز الكيفيات،
وتلويح مستتبعات
التراكيب ،وتلميح الساليب ،وإياء أطوار التكلم .ث ان من تلك العان العلقة معان حرفية
هوائية ليس لا ألفاظ مصوصة ،ول لا وطن معي بل كالسيّاح السيّار؛ قد يستتر ف كلمة وقد
ض ْعتُها ُانْثى)()1
يتشربه كلم وقد يتداخل ف قصة ،فان عصرتَ تقطّر .كالتحسر ف (ِانِي وَ َ
شبَابَ ..ال) .والشتياق والتمدح والطاب والشارة والتأل والتحي والتأسف ف (َلْيتَ ال ّ
والتعجب والتفاخر وغي ذلك .ث ان شرط حسن العاشرة بي تلك العان التزاحة تقسيم العناية
والهتمام على نسبة خدمتها للغرض الساسيّ .وان شئت مثالً لذه السألة فمن رأس السورة ال
هنا مثال بيّن على الوجه الشروح سابقا.
السألة السابعة:
اعلم! ان اليال الندمج ف اسلوب لبد ان يتسنبل على نواة حقيقة ،ويكون كالرآة ف ان
ي والعلل الندرجة ف سلسلة الارجيات. ينعكس به -ف العنويات -القوان ُ
وفلسفة النحو الت هي الناسبات الذكورة ف كتبه أيضا من هذا القبيل؛ كما يقال :الرفع للفاعل
لن القوي يأخذ القوي .وقس عليه..
السألة الثامنة:
اعلم! ان سيبويه( )2نصّ على ان الروف الت تعدد معانيها كـ "من" و "ال" و"الباء" وغيها،
أصل العن فيها واحد ليزول؛ لكن باعتبار القام والغرض قد يتشرب معن معلقا ،ويذبه ال
جوفه ،فيصي العن الصلي صورة واسلوبا لسافره .وكذلك ان العارف بفقه اللغة اذا تأمل عَرف
ان اللفظ الشترك ف الغلب معناه واحد ،ث بالناسبات وقع تشبيهات ..ث منها مازات ..ث منها
حقائق عرفية ..ث يتعدد .حت ان اسم "العي" الت معناه الواحد البصر أو النهل ،يطلق على
الشمس أيضا( )3بالرمز ال ان العال العلويّ ينظر ال العال السفليّ با ،او ان ماء الياة الذي هو
الضياء يسيل من ذلك النبع ف البل البيض الشرف وقس!..
( )2هو عمر بن عثمان ،امام ناة البصرة ،ولد بالبيضاء من مدن شياز نشأ بالبصرة ودرس
النحو على الليل الفراهيدى ،ورد بغداد فناظر امام ناة الكوفة الكسائى فحكم بانتصاره عليه،
فأسف وعاد ال موطنه ،وألف كتابه الذى يعدّ اصل النحو ،توف سنة 796هـ.
( )3والعي :عي الشمس ،وعي الشمس :شعاعها الذى ل تثبت عليه العي .وقيل :العي
الشمس نفسها ،يقال :طلعت العي ،وغابت العي( .لسان العرب لبن منظور).
السألة التاسعة:
اعلم! ان أعلى مراتب البلغة الذي يُعجِز الراد َة الزئية والفكر الشخص ّي والتصور البسيط :هو
ان يافظ ويراعي وينظر التكلم دفعةً نسب قيود الكلم وروابط الكلمات وموازنة المل الت
يُظهِر كلٌ مع الخر نقشا متسلسلً ال النقش العظم .حت كأن التكلم استخدم عقول ال عقله
كالبان لقصر يضع الحجار التلونة بوضعية تصل با نقوشٌ غريبة من مناظرة وموازاة الكل مع
الكل كـ"العي"( )1ف الط الشترك بي "اللفاء الراشدين" .ومن اظهر مسائل هذه السألة
قوله تعال( :الـم _ ذلك الكتاب لريب فيه هدى للمتقي) على ما سعت سابقا..
وأيضا من أسباب عل ّو الكلم أن يكون كشجرة النسب يتسلسل متناسل ال القاصد الت تتدل
على القام والغرض ..وأيضا من أسباب رفعة طبقة الكلم أن يكون مستعدا لستنباط كثي من
الفروع والوجوه كقصة موسى على نبينا وعليه السلم.
السألة العاشرة:
اعلم! ان سلسة الكلم النتجة للطافته و ُحلْوه هو ان تكون العان والسيات الندمة فيه متزجة
تتحد أو متلفة تنتظم؛ لئل تتشرب الوانب قوّة الفادة والغرض ،بل يذب الرك ُز القوّةَ من
الطراف ..وأيضا من السلسة ان يتعي القصد ..وأيضا منه ان يتظاهر ملتقى الغراض.
اعلم! ان سلمة الكلم الت هي سبب صحته وقوّته هي :ان يكون الكلم بيث يشي ال البادئ
والدلئل ،ويرمز ال اللوازم والتوابع ،وبقيود الوضوع والحمول وكيفياتما يومئ ال رد الوهام
ودفع الشبهات؛ كأن كل قيد جواب لسؤال مقدّر .وان شئت مثال فعليك بفاتة الكتاب.
( )1من العلوم ان اساء اللفاء الراشدين الربعة تبدأ برف "العي" وقد استلهم بعض الطاطي
نقشا بديعا استعمل فيه حرف "العي" مشتركا بي اسائهم.
أحدها:
السلوب الجرد ،الذي لونه واحد ،وخاصته الختصار والسليقية والسلمة والستقامة فهو أملس
سوي ،ومل استعماله العاملت والحاورات والعلوم اللية .وان شئت مثال سلسا منه فعليك
بكتب السيّد الرجان.
والثان:
السلوب الزين ،وخاصته التزيي والتنوير ،وتييج القلب بالتشويق أو التنفي .والقام الناسب له
الطابيات كالدح والذم وغيها والقناعيات ونظائرها .واذا ترّيت الثال الزيّن فادخل ف
دلئل العجاز واسرار البلغة ترَ فيهما جنانا مزينة.
والثالث:
السلوب العال ،وخاصته الشدة والقوّة واليبة والعلوية الروحانية .ومقامه الناسب الليات
والصول والكمة .وإن شئت مثل بينا وتثالً معجِزا فعليك بـ "القرآن" فان فيه ما ل عي
رأت ول خطر على قلب بليغ..
***
ث اعلم! ان مدار النظر ف آيتنا هذه ،وهي (مثلهم كمثل الذي استوقد) ال:..
أوّلً :نظمها بسابقها ..وثانيا :النظم بي جلها ..وثالثا :نظم كيفية جلة جلة؛ فمع استحضار
مامضى:
اعلم! ان القرآن الكري لا صرّح بقيقة حال النافقي ونص على جنايتهم عقّبها بالتمثيل لثلث
نكت-:
إحداها :تأنيس اليال الذي هو أطوع للمتخيلت من العقولت ،وتأمي اطاعة الوهم الذي شأنه
التشكيكات ومعارضة العقل وانقياده باظهار الوحشي بصورة الأنوس ،وتصوير الغائب بصورة
الشاهد.
والثالثة :ربط العان التفرقة واراءة رابطة حقيقية بينها بواسطة التمثيل ..وأيضا الوضع نصب عي
اليال ليجتن بالنظر الدقائقَ الت أهلها اللسان.
واعلم! ان مآل جل هذه الية كما يناسب مآل مموع قصة النافقي؛ كذلك يناسب آي ًة آيةً
منها .أل ترى ان مآل القصة انم آمنوا صورةً للمنافع الدنيوية ..ث تبطنوا الكفر ..ث تيوا
وترددوا ..ث ل يتحرّوا الق ..ث ل يستطيعوا الرجوع فيعرفوا .وما أنسب هذا بال من أوقدوا
لم نارا أو مصباحا ..ث ل يافظوا عليها ..ث انطفأتْ ..ث اُظلموا ..ث ليتراءى لم شئ حت
يكون كل شئ معدوما ف حقهم! .فلسكون الليل كأنم صمّ ،ولتعامي الليل وانطفاء أنواره
كأنم عُميٌ ،ولعدم وجود الخاطَب والغيث ليستغيثون كأنم بُكم ،ولعدم استطاعة الرجوع
كأنم أشباح جامدة ل أرواح لا.
ث ان ف الشبّه به نقطا أساسية تناظر النقط الساسية ف الشبه .مثل :الظلمة تنظر ال الكفر،
والية ال التذبذب ،والنار ال الفتنة .وقس!..
ان قلت :ان ف التمثيل نورا فأين نور النافق حت يتم تطبيق التمثيل؟.
قيل لك :ان ل يكن ف الشخص نور ففي ميطه يكن له الستنارة ..وان ل ،ففي قومه يكن
الستضاءة ..وان ل ،ففي نوعه يكن له الستفادة ..وان ل ،ففي فطرته كان يكن له الستفاضة
كما مر ..وان ل تقنع ،ففي لسانه بالنظر ال نظر غيه أو بالنظر ال نفسه لترتب النافع
الدنيوية ..وان ل ،فباعتبار البعض من الذين آمنوا ث ارتدوا ..وان ل ،فيجوز ان يكون النور
اشارة ال ما استفادوا كما ان النار اشارة ال الفتنة ..وان ل ترض بذا أيضا ،فبتنيل امكان
الداية منلة وجودها كما أشار اليه اشتروا الضللة بالدى فانه هو الار النب للتمثيل.
أما وجه النظم بي المل :فاعلم! ان نظم جلة (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) مناسبتُها
للموقع.
ف الول من ماطب القرآن نعم ،حال هذا الستوقد على هذه الصورة تطابق مقتضى حال الص ّ
الكري وهم ساكنو جزيرة العرب؛ اذ ما منهم ال وقد عرف هذه الالة بالذات أو بالتسامع
ويس ( )1بدرجة تأثيها ومشوشيتها؛ اذ بسبب ظلم الشمس يلتجئون ال ظلمة الليل فيسيون
فيها .وكثيا مايغمى عليهم السماء فيصادفون حزن الطرق وقد ينجر بم الطريق ال الورطة..
وأيضا قد يولون ف معاطف الكهوف الشحونة بالؤذيات فيضلون الطريق فيحتاجون ليقاد
النار أو اشتعال الصباح ليبصروا رفقاءهم حت يستأنسوا ويروا أهبتهم وأشياءهم كي يافظوا
عليها ،ويعرفوا طريقهم ليذهبوا فيها ويتراءى لم الضواري والهالك ليجتنبوا .فبينما هم استضاؤا
بنورهم اذ اختطفتهم آفة ساوية ..وبينما هم ف ذروة كمال الرجاء وآن الظفر بالطلوب اذ
سقطوا ف حضيض اليأس الطلق .فنص على هذا الال بقوله:
(فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم) .اعلم! ان هذه "الفاء" تشي ال انم أوقدوا النار
ليستضيؤا فاضاءت فاطمأنوا بالستضاءة فتعقبهم اليبة وسقطوا ف أيديهم .وما أشد تأثي العدم
عليهم ف آن انتظار الصول! .ث ان هذه الشرطية تستلزم استلزام الضاءة لذهاب النور .وخفاء
هذا الستلزام يشي ال تقدير ما يظهر
أما جلة (وتركهم ف ظلمات) فبعدما أشار ال خسرانم بذهاب النعم بزوال النور عقبه بذلنم
بنول النقم بالسقوط ف الظلمات.
أما جلة (ل يبصرون) فاعلم! ان النسان اذا اظلم عليه وأضل السبيل فقد يسكن ويتسلى برؤية
رفقائه ومرافقه ،واذا ل يبصرها كان السكون مصيبة عليه كالركة بل أوحش.
أما (ص ٌم بكمٌ عميٌ فهم ل يرجعون) فاعلم! ان النسان اذا وقع ف مثل هذا البلء قد يتسلى
ويأمل ويرجو النجاة من جهات أربع مترتبة:
فأولً :يرجو أن يسمع تناجي اللق من القرى أو أبناء السبيل؛ إن يستمِ ْد يَمدّوه .ولا كانت
الليلة ساكنة بكما َء استوى هو والصم ،فقال" :صُم" لقطع هذا الرجاء.
وثانيا :يأمل انه إن نادى أو استغاث يُحتمل أن يسمع أح ٌد فيغيثه ،ولا كانت الليلة صماء كان
ذو اللسان والبكم سواء فقال" :بُكم" للقامهم الجر بقطع هذا الرجاء أيضا.
وثالثا :يأمل اللص برؤية علمة أو نار او نيّرٍ تشي له ال هدف القصد .ولا كانت الليلة طامية
رمداء عبوسة عمياء كان ذو البصر والعمى واحدا فقال" :عُميٌ" لِطفاء هذا المل أيضا.
ورابعا :ليبقى له ا ّل ان يهد ف الرجوع ،ولا أحاط به الظلمة كان كمن دخل ف وحْ ٍل
باختياره وامتنع عليه الروج .نعم ،كم من أم ٍر تذهب اليه باختيار ث يُسلَب عنك الختيار ف
الرجوع عنه تلّيه انت ول يليك هو ،فقال تعال :فهم
أما لفظ "الثل" فاشارة ال غرابة حال النافقي وان قصتهم اعجوبة؛ اذ ا َلثَل هو الذي يول على
اللسنة ويتناقله الناس لتضمنه لغرابة؛ اذ أخصّ صفاته الغرابة .ث لندماج قاعدة أساسية ف
المثال يقال لا" :حكمة العوام" و "فلسفة العموم" .فالراد بالثل هنا صفتهم الغريبة وقصتهم
العجيبة وحالم الشنيعة .ففي التعبي بالَثَل مازا اشارة ال الغرابة ،وف الشارة رمز ال ان من
شأن صفتهم أن تدور على لسان النفرة والتلعي كضرب الثل.
وأما "الكاف":
قيل لك :البلغ ف هذا القام ذكره ،اذ التصريح به يوقظ الذهن بان ينظر ال الثال تبعيا فينتقل
عن كل نقطة مهمة منه ال نظيها من الشبه .وال فقد يتوغل فيه قصدا فتفوت منه دقائق
التطبيق.
وأما "ا َلثَل" الثان فاشارة ال ان حال الستوقد بغرابته ووجوده ف حس العموم كان ف حكم
ضرب الثل.
وأما "الذي":
وأما (استوقد) فسينُه اشارة ال التكلف والتحري .وف افراده مع جع الضمي ف "نورهم" رمز
لطيف ال أن فردا يوق ُد لماعةٍ .ولقد ألطف ف الفراد إيقادا والمع استنارة.
وأما (نارا) بدل "الصباح" أو غيه فاشارة ال الشقة ف نور التكليف ،ورمز ال انم يوقدون
تت النور الظاهري نا َر فتنة .وأما تنكيه فاياء ال شدة احتياجهم حت انم يرضون بأية نار
كانت.
ث اَجِلِ النظرَ فيما حول جلة (فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم) لترى كيف تضئ
قيوداتُها على ظلمات الدهشة الت هي الغرض الساسي .ولقد سعت ف السألة الرابعة ان قوة
الكلم بتجاوب القيود:
وأما (لا) فلتضمنه قياسا استثنائيا مستقيما مع دللته على تقق القدم ينتج تقق التال وقطع
التسلي.
وأما (أضاءت) فاشارة ال ان اليقاد للستنارة ل للصطلء .وفيه رمز ال شدة الدهشة اذ ما
أفاد لم الضاءة إل رؤية الهالك والعلم بوجودها .ولولها لمكن مغالطة النفس وتسكينها.
وأما (ما حوله) فاشارة ال احاطة الدهشة من الهات الربع ،وال لزوم التحفظ بالضاءة عن
هجوم الضرر عن الهات الست.
وأما (ذهب) فلنه جزاء الشرط ،ل بد ان يكون لزما .ولفاء اللزوم -كما مر -يرمز ال انم
ل يتعهدوها ول يعرفوا َقدْ َر النعمة فيها فبنفس الضاءة اُخذوا عن أنفسهم وأنساهم البطر والفرح
تعهّدها فأخذها ال عنهم..
وأما اسناد "ذهب" ال (ال) فاشارة ال قطع رجاءين :رجاء التعمي ورجاء الرحة؛ لنه يشي ال
ان الفة ساوية لتقبل التعمي ،ويرمز ال انه جزا ٌء لقصور الرء ،ولذا يأخذه ال تعال .فينقطع
التمسك به عند انقطاع السباب وهو أمل الرحة ،اذ ليستعان من الق على ابطال الق.
وأما "الباء" فاشارة ال اليأس عن العَود؛ اذ ل راد لا أخذه ال للفرق البيّن بي ذهب به أي
استصحبه ،وبي اذهبه أي ارسله ،وذهب أي انطلق؛ لمكان العود ف الخِرَين دون الول.
وأما الضافة ف (هم) الفيدة للختصاص فاشارة ال شدة تأثرهم؛ اذ مَن انطفأت نارُه فقط مع
ان نار الناس تلتهب أشد تألا.
ول د ّر التنيل ما ألطفه ف فنون البلغة! أل تر كيف توجهت هيئاتا ال الغرض الكليّ ،أعن
الدهشة مع اليأس ،كالوض ف ملتقى الودية؟.
أما "الواو" فاشارة ال انم جعوا بي السارتي؛ سُلبوا ضيا ًء وأُلبسوا ظلمةً.
أما "َترَك" بدل "أبقى" أو غيه فاشارة ال انم صاروا كجسد بل روح وقشر بل لبّ .فمن
شأنم ان يُتركوا سدى ويُلقوا ظهريا.
وأما (ف) فرمز ال انه انعدم ف نظرهم كل شئ ول يبق الّ عنوان العدم وهو الظلمة فصارت
ظرفا وقبا لم.
وأما جع (ظلمات) فاياء ال ان سَواد الليل وظلمة السحاب أولَدتا ف روحهم ظلمة اليأس
والوف ،وف مكانم ظلمة التوحش والدهشة ،وف زمانم ظلمة السكون والسكوت ،فأحاطت
بم ظلمات متنوعة ..وأما تنكيها فاياء ال انا مهولة لم ل يسبق لم اُلفْة بثلها فتكون أشد
وقعا.
وأما (ليبصرون) فتنصيص على اساس الصائب ،اذ مَن ل ير كان ارأى للبليا ،وبفقد البصر
يبصر أخفى الصائب .وأما الضارعية فلتصوير وتثيل حالم نصب عي اليال ليى السامع
دهشتهم فيتحسس بوجدانه أيضا.
وأما ترك الفعول فللتعميم ،أي ليرون منافعهم ليحافظوها ،ول يبصرون الهالك كي يتنبوا
عنها .ول يتراءى الرفقاء ليستأنسوا بم ،فكأن كل واحد فرد برأسه.
ث انظر ال جل (صم بكم عمي فهم ليرجعون) لتسمع ما تتناجى به؛ اذ هذه الربعة ح ّد
مشترك بي المثل والمثل به ،وبرزخ بينهما ومتوجهة اليهما؛ تتكلم عن حال الطرفي .ومرآة
لما تريك شأنما .ونتيجة لما تسمعك قصتهما.
فاعلم! ان من سقط ف مثل هذه الصيبة يبقى له رجاء النجاة باستماع نوى منجٍ ،فاستلزمت
ابكمية الليلة اصميته ..ث اساع مغيث فاقتضت اصمية الليل ابكميته ..ث الدى برؤية نار أو نيّر
فانتج تعامي الليل عميه ..ث العود ال بدءٍ فانسد عليه الباب كمن سقط ف وحل كلما ترك
انغمس..
فاعلم! انم لا وقعوا ف ظلمات الكفر والنفاق امكن لم النجاة عن تلك الظلمات بطرق أربعة
مترتبة:
فاوّلً:
كان عليهم ان يرفعوا رؤسهم ويستمعوا ال الق ويصغوا ال ارشاد القرآن ،لكن لا صارت
غلغلة ( )1الوى مانعة لن يلُص صدى القرآن ال صماخهم ،وأخذ التهوس بآذانم جارا لم
عن تلك الطريق ،نعى عليهم القرآن بقوله( :صم) اشارة ال انسداد هذا الباب ورمزا ال ان
آذانم كأنا قطعت وبقيت ثقبات مشوهة أو قطعات متدلية ف جوانب رؤسهم.
وثانيا:
لبد لم ان يفضوا رؤسهم ويشاوروا وجدانم فيسألوا عن الق والصراط ،لكن لا اخذ العناد
على يد لسانم وجره القد من خلف ال الوف ،ألقمهم القرآن الجر بقوله( :بكم) اشارةً ال
انسداد هذا الباب أيضا ف وجوههم ورمزا ال انم بالسكوت عن القرار بالق كانوا كمن قلع
لسانه فبقي الفم ككهف خل عن ساكنه مشوها للوجه.
وثالثا:
لزمهم ان يُرسلوا انظار العبة لتجتن لم الدلئل الفاقية ،لكن وضعَ التغافلُ يدَه على عيونم ور ّد
-وطرد -التعامي النظار ال أجفانم .فقال القرآن( :عميٌ) اشارة ال انم عمهوا ( )1عن هذا
الطريق أيضا .ورمزَ بذف أداة التشبيه ال ان عيونم الت هي أنوار الرأس كأنا قلعت فبقيت
نُقرات مشوّهة ف جباههم.
ورابعا:
لبد من ان يعرفوا قبح حالم القبيح ليتنفروا فيندموا فيتوبوا فيجعوا .لكن لا زيّنت لم أنفسُهم
-لجل فساد الفطرة بالصرار وغلبة الوى والشيطان -تلك القبائحَ ،قال القرآن( :فهم
ليرجعون) اشارة ال انسداد آخر الطرق عنهم ،ورمزا ال انم وقعوا باختيارهم فيما ل اختيار
لم ف الروج كالضطرب ف بر الرمل.
***
اعلم! ان مدار النظر ف هذه الية ايضا من ثلثة وجوه ،نظمها بسابقتها ،والنظم بي جلها ،ث
النظر بي هيئات جلة جلة .مثلها ف الرتباط كمثل المْيال العادّة للساعات والدقائق والثوان.
أما وجه النظم بينها وبي سابقتها فهو :انه كرر التمثيل واطنب ف التصوير اشارةً ال احتياج
تصوير حال النافقي ف دهشتهم وحيتم ال نوعي منه ،إذ:
ان النافق يرى نفسَه ف صحراء الوجود منفردةً عن الصحاب مطرودةً عن جعية الكائنات
خارجةً عن حكم شس القيقة .يصي كلُ شئ ف نظره معدوما ويرى الخلوقات اجنبية كلها،
ساكنة وساكتة استول عليها الوحشة والمود .وأين هذا من حال الؤمن الذي يرى بنور اليان
كل الوجودات احبّاءه ويستأنس بكل الكائنات؟.
وخلصة التمثيل الثان هي:
ان النافق يظن ان العالَم بأجزائه ينعي عليه بصائبه ويهدده ببلياه ويصيح عليه بادثاته وييط به
بنوازله كأن النواع اتفقوا على عداوته فانقلب النافع ضارا .وما هذه الالة ال لعدم نقطت
الستمداد والستناد كما مر .واين هذا من حال الؤمن الذي يسمع باليان تسبيحات الكائنات
وتبشياتا؟..
وأيضا تكرار التمثيل اياء ال انقسام النافقي ال الطبقة السفلية العامية الناسبة للتمثيل الول وال
الطبقة التكبة الغرورة الوافقة للتمثيل الثان.
وأما مناسبة هذا التمثيل لقامه بالنظر ال السامع فهي :ان الصف الول من ماطب القرآن ابناء
الفياف يفترشون الصحارى ويتخيّمون بفسطاط السماء .وما منهم ال وقد رأى بنفسه أو سع من
س العموم؛ بيث تؤثّر فيه كضرب الثل.
أبناء جنسه مثل هذه الادثة حت استأنس با ح ّ
وأما مناسبته للتمثيل الول فأظهر من ان يفى ،اذ هو كالتكملة والتتمة له مع التاد ف كثي من
النقط.
منها :وقوعهما كليهما ف شدة الية بانسداد كل طرق النجاة عليهم ،وبان ضلت جي ُع أسباب
اللص عنهم.
ومنها :وقوعهما ف شدة الوف حت يتخيل كل من الشبه والشبه به ،ان الوجودات اتفقت
على عداوته ول يأمن من بقائه ف كل دقيقة.
ومنها :وقوعهما ف شدة الدهشة النتجة لختبال العقل حت ان كلً منهما يتبلّه .كمثل من يرى
برق السيوف فيتحفظ بغمض بصره أو يسمع تقتقة البنادق فيتجنب عن الرح بسد سعه .أو
كمثل من ل يب غروب الشمس فيمسك دولب ساعته لئل يدور جرخ الفلك الدوّار ،فما
ض البصار .ومن أخبلهم! ..اذ الصاعق ُة ل تنثن بسد الساع ،والبقُ الحرق ليترحم عليهم بغ ّ
هنا يُرى ان ل يبق لم مسك.
ومنها :ان الشمس والطر والضياء والاء كما إنا منابع حياة الزاهي وتربية النباتات ،وسبب
تعفن اليتات ونت القاذورات؛ كذلك ان الرحة والنعمة اذا ل تصادفا موقعَهما النتظر لما
والعارف بقيمتهما ،تنقلبان زحة ونقمة.
ومنها :انه كما يوجد التناسب بي الآلي الذي هو الصل ف انعقاد الستعارة التمثيلية بل نظر
ال تطبيق الجزاء؛ كذلك يوجد مناسبات هنا بي أجزائهما؛ اذ الصيّب حياة النباتات كما ان
السلمية حياة الرواح ،والبق والرعد يشيان ال الوعد والوعيد ،والظلمات تريك شبهات
الكفر وشكوك النفاق.
فاعلم! ان التنيل لا قال (أو كصيب من السماء) مشيا ال انم كالذين اضطروا ال السفر ف
ب تصيب مرماها بصَوبا وقدصحراء موحشة ف ليلة مظلمة تت مطر شديد،كأن قطراتِه مصائ ُ
ملت الوّ بكثرتا؛ استيقظ ذهن السامع منتظرا لبيان السبب ف ان صار الصيّبُ الذي هو ف
الصل رحة مرغوبة مصيبةً هائلة فقال مصورا لدهشته( :فيه ظلمات) مشيا ال ان الطر كما
هو ظرف لظلمة السحاب ولكثافته؛ كذلك لجل عمومه وكثرته واحاطته كأنه ظرف للّيلة
ا ُلَتفَِتتَة قطراتٍ مسودةً بي قطراته ..ث ما من سامع يسمع (فيه ظلمات) ال وينتظر لبيان .كأن
التكلم سع صدى الرعد من ذهن السامع فقال( :ورعد) مشيا ال تويل الال وتشديدها بان
السماء أمية الوجودات عزمت على اهلكهم ،وتصيح عليهم برعدها؛ اذ الصاب الدهوش
يتخيل من الكائنات التعاونة على اضراره حركة مزعجة تت سكونا ،ونطقا مهيبا تت
سكوتا .فاذا سع الرعد توهّم انا تتكلم با يهدده وتصيح عليه؛ اذ بالوف يسب كل صيحة
عليه ..ث ان السامع ليسمع الرعد ا ّل ويستهل فيبق ف ذهنه رفيقه الدائميّ ،ولذلك قال:
(وبرق) مشيا بالتنكي ال انه غريب عجيب .نعم! هو ف نفسه عجيب؛ اذ بتولده يوت عالٌ من
الظلمات فتطوى وتلقى ال العدم ،وبوته فجأة يي ويشر عال من الظلمات .كأنه نار حينما
تنطفئ تورث ملء الدنيا دخانا .ومن شأن الصاب با ان يعن النظر ول ير بنظر سطحي بناء
على اللفة والناسبة حت يتكشف عن دقائق صنع القدرة ..ث بعد هذا التصوير كأن ذهن السامع
يتحرك سائل :كيف يعملون؟ وبِ َم يتشبثون؟ فقال( :يعلون أصابعهم ف اذانم من الصواعق
حذر الوت) مشيا ال ان لمناص ول ملجأ ول منجى لم حت انم كالغريق يتمسكون با
ليُتَمَسك به .فمن التدهش يستعملون الصابع موضع النامل كأن الدهشة تضرب على أيديهم
فيدخلون الصابع من الوجع ف الذان ومن التبله انم يسدون الذان لئل تصيبهم الصواعق ..ث
بعد هذا يتحرى ذه ُن السامع سائل :أعمّت الصيبة أم خصّت فيُرجى؟ فقال( :وال ميط
بالكافرين) مشيا ال ان هذه الصيبة جزاءٌ لكفرانم النعمة .يؤاخذهم ال تعال به لشذوذهم عن
القانون اللي الودع ف المهور .ث لا سع شدة الرعد يدّث نفسه بـ "أل يفيدهم البق بأراءة
الطريق"؟ فقال:
(يكاد البق يطف أبصارهم) مشيا ال انه كما ان الرعد يعاديهم فل يستطيعون السمع؛ كذلك
البق ياصمهم باضاءته فيظلم أبصارهم ..ث بعد ساع تاوب الكائنات على عداوتم ينادي
ذهن السامع بـ "فما مصي حالم وما يفعلون؟ وبه يشتغلون؟" فقال( :كلما أضاء لم مشوا فيه
واذا اظلم عليهم قاموا) مشيا ال انم مشوشون مترددون متحيون مترقبون لدن فرصة ولدن
رؤية للطريق .فكلما تراءت لم يتحركون لكن كحركة الذبوح لضطراب أرواحهم ،ويتخطون
خطى يسية مع علمهم بان لفائدة ،وكلما غشيتهم الظلمة فجأة ينجمدون ف مقامهم ..ث
يستعد ذهنُ السامع للستفسار بـ "لِمَ ليوتون أو يعمون أو يصمون بالرّة فيخلصون عن
الضطراب؟" فقال( :ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم) أي ليسوا مستحقي للخلص من
الضطراب ولذا لتتعلق الشيئة باماتتهم ولو تعلقت لتعلقت بذهاب سعهم وبصرهم .ولكن بقاء
السمع لستماع العقاب ووجود البصر لرؤية العذاب أجدر بن شذ ونشز عن قانونه تعال..
ث ان هذه القصة لا احتوت على نقاط يتلوح من معاطفها استطرادا :العظمة والقدرة اللية
وتصرفه تعال ف الكائنات ،ول سيما يتذكر السامع تبعا ف تلفيفها عجائب الرعد والبق
والسحاب ،كان من حق السامع التيقظ وجدانُه ان يعلن ويقول :سبحانه ما أعظم قدر َة مَنْ هذه
الكائنات تلّي هيبته وهذه الصيبات تلّي غضبه .فقال( :ان ال على كل شيء قدير).
فاعلم! ان "أو" ف (او كصيب) اشارة ال انقسام حال المثل ال قسمي ،ورمز ال تقيق الناسبة
بي التمثيلي وبينهما وبي المثل له واياء ال مسلّمية الشابة ..وأيضا متضمن لـ "بل" الترقية؛
اذ التمثيل الثان اش ّد َهوْلً .وان "كصيب" لعدم مطابقته للمثل يقتضي تقدير لزم ،والسكوت
عن اظهار القدر للياز ،والياز ف اللفظ لطناب العن باحالته على خيال السامع بالستمداد
من القام .فبعدم الطابقة كأنه يقول :أو كالذين سافروا ف صحراء خالية وليلة مظلمة فاصابتهم
مصائب بصيب .وان العدول عن لفظ الطر الأنوس الألوف ال الصيب رمز ال أن قطرات ذلك
الطر كمصائب ترمى اليهم بقصد فتصيبهم مع فقد الساتر عليهم.
وان ذكر (من السماء )مع بداهة ان الطر ل يئ الّ من جهتها اياء بالتخصيص ال التعميم
ض ول طائر يطي بناحيه)( )1أي وبالتقييد ال الطلق نظي التقييد ف (ومَا مِنْ داّبةٍ ف الر ِ
مطبق آخذ بآفاق السماء .وما استدل بعض الفسرين بلفظ من السماء هنا وف آية (وُينَزّلُ من
السماءِ من جبا ٍل فيها مِن بَ َردٍ)( )2على نزول الطر من جرم السماء حت تيل "بعض" وجود بر
تت السماء ،فنظ ُر البلغة ليرى عليه سكةَ القيقة .بل العن :من جهة السماء .والتقييد لا
عرفت .وقد قيل السماء ما علك ،فالسحاب كالواء ساء.
وتقيق القام :هو انك ان نظرت ال القدرة تتساوى الهاتُ أي يكن النول من أية جهة
كانت .وان نظرت ال الكمة اللية الؤسّسة للنظام الحسن ف الشياء الستلزِم لحافظة الوازنة
العمومية الرجّحة لقرب الوسائل فالطر انا هو من تكاثف البخار الائي النتشر ف كرة الواء الت
احد أجزائها العشرة ذلك البخار الائيّ النتشر ف أعماقها.
وتوضيحه :ان ذراته اذا امرتا الرادة اللية ،يتمثل كلٌ ،ويتسللن من الطراف ومن كل فج
ت تأخذها بأيديهمف بعضٍ فتصي قطرا ٍعميق .فيتحزّبن سحابا هامرا .ث بارادة آمرها يشت ّد تكاث ُ
اللئكةُ الذين هم مثلو القواني ومعكس النظامات لئل يزاحم ويصادم بعضٌ بعضا فيضعونا على
الرض .ولجل مافظة الوازنة ف الوّ لبد من بد ِل ما يتحلل بالتقطر ،فيُبخّر البحر والرض
فيمل منازلا .وأما تيل بعضٍ وجود بر ساويّ فمَحْمله انه تصور الجاز حقيقةً؛ اذ لراءة
خضرة الوّ لون البحر ،ولحتواء الو على ماء أكثر من البحر الحيط ما استبعد تشبيهه بالبحر.
أما (وينّل من السماء من جبال فيها من برد) فاعلم! ان المود على الظاهر مع التوقد ف
ضةٍ)( )3استعارة بديعة؛ كذلك
استعارتا جود بارد وخود ظاهر .اذ كما تضمن (َقوَارِي َر مِنْ ِف ّ
يتوي (مِنْ ِجبَا ٍل فيها مِ ْن َبرَدٍ) على استعارة بديعة عجيبة مستملحة .فكما ان ظروف النة ل
تكن من الزجاجة ولمن الفضة بل ف شفافية الزجاج وبياض الفضة ومن حيث ان الزجاجة
لتكون من الفضة لتخالف
النوعي اشار ال الستعارة بالضافة بذكر "مِن" ،كذلك (من جبال فيها من برد) متضمنة
لستعارتي مؤسستي على خيال شعريّ بالنظر ال السامع .وذلك اليال مبن على ملحظة
ي وتشكل العال السفليّ .وتلك اللحظة مبنية على تصورالشابة والماثلة بي تثل العال العلو ّ
السابقة والرقابة بي الرض والوّ ف لبس الصور من يد القدرة كأن الرض لا برزت ببالا
اللبسة للبيض من حلل الثلج والبَرَد ف الشتاء ،والتعممة با ف الربيع .ث تزينت ف الصيف
ببساتينها التلونة فأظهرت ف نظر الكمة بانقلباتا معجزة القدرة اللية ،قابلَها جوّ السماء
ماكيا لا مسابقا معها لظهار معجزة العظمة اللية فبز متبقعا ومتقمصا بالسحاب التقطع
جبال وأطوادا وأودية ،والتلون بألوان متلفة مصورة لبساتي الرض ،ملوحا ذلك الو بأجلى
دلئل العظمة وأجلها .فبناء على هذه الرؤية والشابة والتوهم اليالّ استحسن اسلوب العرب
تشبيه السحاب لسيما الصيف ّي بالبال والسفن والبساتي والودية وقافلة البل كما تسمع من
العرب ف خطبهم .فيخيل ال نظر البلغة ان قطعات السحاب الصيفي سيارة وسبّاحة ف الو،
كأن الرعد راعيها وحاديها كلما ه ّز عصا بَرقه على رؤسهم ف البحر الحيط الوائي اهتزت تلك
القطعات وارتت ،وتراءت جبال صادفت الشر ،أو سفنا يلعب با يد العاصفة ،أو بساتي
ترججها من تتها الزلزلة ،أو قافلة شردت من هجوم قطاع الطريق .ومع ذلك يسيون ويرون
بأمر خالقهم حت كأن كل ذرة من ذرات ذلك البخار تكمّنتْ ف مكانا اوّل ساكتة ساكنة
منتظرة لمر خالقها .ولا ناداها الرعدُ -كاللة العروفة ف العسكر -بـ" َحيّ على الجتماع
والتاد!" تسارعوا من منازلم مهطعي ال داعيهم فيحشرون سحابا .ث بعد ايفاء الوظيفة
وأمرهم بالستراحة يطي كل ال وكره ..فبناء على هذه الناسبة اليالية ،وعلى الجاورة بي
السحاب والبال -إذ البل لذب الرطوبة يتظاهر ويتشكل السحاب عليه بقداره ويلبس لباسه
-وعلى تلون السحاب بنظي بياض الثلج والبد وتكيفه برطوبتهما وبرودتما ،وعلى وجود
الخوة بينهما ومبادلة الصورة واللباس لما ف كثي من مواضع القرآن ومصافحتهما ف منازل
التنيل كمحاورتما ومعانقتهما ف كثي من سطور صحيفة الرض من كتاب
العال فترى السحاب متوضعا على البل ويصي البل كأنه مرسى لسفن السحاب ترسى عليه،
أو ملس تتشاور عليه ،أو وكر تطي اليه -استحق بكم الجاورة ف نظر البلغة ان يتبادل
ويستعيا لوازمهما فيعبّر عن السحاب بالبل -مع تناسي التشبيه .فاذا قد عرفت ما سعت من
الناسبات فـ (يُنّل من السماء) أيْ من جهة السماء" .من جبال" أي من سحاب كالبال" .من
برد" أي ف لونه ورطوبته وبرودته.
فيا هذا! ما أجبك مع وجود هذا التأويل الذي تقبله البلغة على اعتقاد نزول الطر بدقيقتي من
مسافة خس مائة سنة الخالف لكمة ال الذي اتقن كل شئ صنعا.
أما هيئات جلة( :فيه ظلمات) السوقة للتهويل؛ فتقدي (فيه) اشارة ال ان خيال الصاب الدهوش
والسامع الستحضر خياله لتلك الال يتوهم ان ظلمات الليال الكثية افرغت بتمامها ف تلك
الليلة .وأما الظرفية مع ان الصيب مظروف فرمز ال ان التدهش بتلك الصيبة يظن فضاء العال
حوضا قد ملئ من الطر ،فما الليل ال مظروف مفتت بي أجزائه.
وأما جع "الظلمات" فاياء ال تنوعها من ظلمة سواد السحاب وكثافته وانطباقه ،ومن تقارب
دفعات الطر وتكاثف قطره ،ومن تضاعف ظلمة الليل .وأما تنكي (ظلمات) فللستنكار ،ولهل
الخاطب فهو تأكيد (ظلمات).
وأما جلة (ورعد وبرق) فاعلم! ان القصد تصوير حيتم ودهشتهم ،وان الصاب التحي يمع
تام دقته ونظره ال أدن حادث .فلمعان النظر يتفطنون لا ف الرعد والبق من النقلبات
العجيبة والتحول الغريب .اذ بينما يرى الصابون ظلمة استولت على الكائنات وابتلعت
الوجودات -نظي العدم -فتنقلب حيتُهم بالغ ّم اليتم ّي والسكوت اليتّ؛ اذ يرون اظهر دلئل
الوجود ،وهو تكلم العلويات ،ث ظهورها بكشف الجاب فينقلب نظرهم ال نظر الدهوش
التحي الائف؛ اذ كما انم اذا رأوا ظلمات غي مصورة ف فضاء غي متناه ،ل ضعفَ فيه بانبٍ
يُبقي لم أملً ،ينظرون نظر اليأس؛ كذلك اذا فاجأهم بغتة انعدام الظلمات بان افرغت من
الفضاء ،وملئ بدلا نورا ينقلب يأسهُم الطلق ال رجاء.
اعلم! ان الرعد والبق آيتان ظاهرتان من جهة العال الغيبّ ف أيدي اللئكة الوكلي على عال
السحاب لتنظيم قوانينه .ث ان الكمة اللية ربطت السباب بالسّببَات فاذا تشكل السحاب من
بار الاء النتشر ف الواء؛ صار قسم حاملً "لللكتريك" النفي وقسم حاملً "لللكتريك"
الثبت؛ فحينما يتقاربان يتصادمان دفعة فيتولد البق .ث بالجوم والنقلع دفعة وامتلء موضعه
بآخر لعدم اللو ،يهتز وتتموج الطبقات فيتولد صدى الرعد .ول تري هذه الالت ال تت
نظام وقانون يتمثلهما مَلَك الرعد والبق .وأما ظرفية الصيّب لما مع ان الظرف هو السحاب
فلن الدهوش والسامع التدهش بدهشته يرى الصيب ميطا بكل شئ لحاطته بنفسه .وأما إفراد
الرعد والبق مع جع الظلمات ،فاشارة ال ان منشأ الدهشة تيل الصاب تكلمَ السماء وتديدَها
بالرعاد ،وكشفَ الجاب بالبراق ،وها معن مصدريّ للكلم واليد البيضاء .وأيضا كل منهما
نوع واحد وان تعددت أفراده.
وأما تنوين (رعدٌ وبرقٌ) فبدل من الصفة ،أي :رعد قاصف وبرق خاطف ،ودالة على عدم اللفة
بما بسبب التفطن بالدقة لا فيهما من العجائب ..وأيضا فيها اياء ال انم ليعرفون ذلك الرعد
والبق لسد السمع وغض البصر.
فاعلم! انا جواب لسؤال مقدر واستيناف حسن؛ اذ السامع لا توجه ال هذه القصة السية
التمثيلية حصل له ميلن شديد لكشف حال الصيبة .ث بعد ان كمّل التصوير التصوي َر وقضى منه
الوطر انثن مرى اليلن ال كشف حال الصاب .فكأنه يقول السائل :كيف حال الصاب حينئذ
وب يتشبث للنجاة؟ فأجاب القرآن بقوله( :يعلون اصابعهم) ..ال .أي لمناص لم ،انا هم
كالغرقى يتمسكون بغي متمسك فييدون التحفظ من مانيق( )1السماويي بسد الساع.
وكونه سببا مالٌ ،فل سبب.
وأما لفظ (يعلون) بدل "يدخلون" فاياء ال انم تروا السباب فما صادفوا ال ماسببيته بعلهم
وظنهم فقط ..وصورة الضارع الستحضرة للحال فرمز
وأما (أصابعهم) بدل "أناملهم" فاشارة ال شدة الية باستعمال الصابع موضع النامل.
وأما ف (اذانم) فاياء ال شدة الوف من صدى الرعد حت ييل اليهم انه لو دخل الرعد ف
شبكة الذان لطيّر الرواح من أبواب الفواه .وفيه رمز لطيف ال انم لا ل يفتحوا آذانم لنداء
الق والنصيحة عوقبوا من تلك الهة بنعرات الرعد ،فسدوا هنا ما سدوا هناك ،كمن اخرج
كلما شنيعا مِن ِفي ِه ُيضْرَب على فمه فيدخُل يي الندامة ف فيه ويضع يسار الجالة على عينه.
وأما (من الصواعق) فاشارة ال اتاد الرعد والبق على اضراره؛ اذ الصاعقة صوت شديد معه
نار مرقة تصرع من صادف.
وأما (حذر الوت) فاشارة ال ان البلء جذّ ( )1اللحم ال العظم ،وجاز الحوال ال الياة ،فما
يعنيهم الّ غم الوت وحفظ الياة.
فاعلم! ان "الواو" تقتضي الناسبة ،وما الناسبة ال بي هذه وبي التابع لآل السابقة .فكأن هذه
"الواو" تقرأ عليهم" :هم قوم فروا من العمارة ونفروا من الضارة وعصوا قانون كون الليل سباتا
ول يطيعوا نصيحة الناصح فظنوا النجاة بالروج ال الصحراء فخابوا وأحاط بم بلء ال".
وأما لفظ (ال) فرمز ال قطع آخر رجائهم؛ اذ الصاب انا يلتجئ ويتسلى اولً وآخرا ال رحة
ال ،فحي استحقوا غضب ال تعال انطفأ ذلك الرجاء.
وأما لفظ (ميط) فاياء ال ان هذه الصائب الحيطة آثار غضبه تعال ،فكما ان السماء والسحاب
والصيّب والليل تجُم عليهم من الهات الست؛ كذلك غضبه تعال وبلياته ميطة بم ..وأيضا
علمه تعال وقدرته ميطان بكل الكائنات ،وأمره
شامل لكل الذرات .فكأن (ميط) يتلو عليهم :لتنفذون من أقطار السموات والرض( ،فأينما
تولوا فثمّ وجه ال ))1(.
وأما تعلق "الباء" فرمز ال انم وقعوا فيما هربوا عنه فصاروا هدفا للسهام.
وأما التعبي بالكافرين فاشارة ال اراءة تثال المثل -أعن النافقي -ف مرآة التمثيل ،لئل يتوغل
فيه ذهن السامع فينسى القصد ..ورمز ال ان الشابة وصلت ال درجة ،وتضايق السافة بينهما
ال حدّ يتراءيان معا ،فتمتزج القيقة باليال ..وأيضا اياء ال ظلمة قلوبم اذ وجدانم أيضا
يعذبم لقصورهم وجنايتهم؛ اذ من رأى جزاء جنايته ليستريح وجدانه.
وأما هيئات جلة( :يكاد البق يطف أبصارهم) فاستينافها يشي ال ان السامع يقول :أل
ل عن الفائدة.
ب بأنم يافون من الضرر فض ًينتفعون بالبق الخفف لبلء الظلمة عنهم؟ فأُجي َ
وأما (يكاد)( )2فيشي باعتبار خاصته الشهورة ال وجود سبب زوال البصر لكن ل يزل لوجود
مانع.
وأما (يطف) باعتبار استعماله كاختطفته الغُول والعُقاب ففيه بلغة لطيفة تبق للذهن وتشي ال
ان البق يسابق شعاع العي من قبل ان يصل ال الشياء ليأخذ صورها ي ّر هو عليه فيقطعه
ويضرب على جفنه فيذهب بنوره .كأن نور العي لا خرج من بيته مسرعا لجتناء صور الشياء
يسارع البق الذي هو شعاع عي الليل ،فيأخذ من يد شعاع العي صورته قبل ايصاله ال
الخزن ،أي يتلس البق صورته من يده.
وأما (أبصارهم) فرمز -بناء على كونا مرآة للقلوب -ال عمل بصائر النافقي التعامية عن
الباهي القاطعة القرآنية.
وأما هيئات جلة (كلما أضاء لم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا) فاستينافها يشي ال ان السامع
حينما رأى اختلف الصيبة وتغيها سأل عن شأنم ف الالتي فأجيب بذلك.
( )1سورة البقرة.115 :
()2كاد من افعال القاربة وضعت لقاربة الب من الوجود لعروض سببه ،لكنه ل يوجد إما لفقد
شرط او لعروض مانع (ب).
وأما (كلما) ف الضاءة و "اذا" ف الظلم فاشارة ال شدة حرصهم على الضياء ينتهزون ادن
الضياء فرصة .وأيضا "كلما" متضمن لقياس مستقيم استثنائي.
وأما (اضاء لم) بلم الَجْلية والنفع فرمز ال ان الصاب الدهوش يستغرق ف حاجة نفسه حت
يظن الضياء الذي تنشره يد القدرة ف العال للف حِكمٍ كلية أنه الراد به خاصة ،ويد القدرة انا
ارسلته لجله.
واما (مشوا) مع اقتضاء الفرصة السي السريع فاشارة ال ان الصيبة اقعدتم فما سيهم السريع الّ
مشي وحركة على مهل.
واما (فيه) فاشارة ال ان مسافة حركتهم الضياءُ الذي هو لون الزمان فكأنه يدد لم الكان.
واما (واذا) فـ "الواو" رمز ال تديد الصيبة لتشديد التأثي .واما الهال والزئية ف "اذا" عكس
"كلما" فاشارة ال شدة نفرتم وتعاميهم ،فتأخذهم وهم منغمسون ف آن الفرصة.
وأما (اظلم) بالسناد ال البق فاشارة ال ان الظلمة بعد الضياء اشد .واياء ال ان خيال الصاب
لا رأى البق طرد الظلمة ث ذهب وامتل موضعه بالظلمات يتخيل انه انطفأ واورث دخانا.
وأما (عليهم) اللوّح بالضرر فاشارة ال ان الظلم ليس تصادفيا بل جزاء لعملهم .ورمز ال ان
الدهوش يتخيل الظلمةَ الالئة للفضاء كأنا تقصد -من بي الشياء -ذلك النسان الصغي
الذليل وتعله خاصة هدفَ هجومها وإضرارها.
واما (قاموا) بدل "سكنوا" فاشارة ال انم بالصيبة وشدة التشبث تقوّسوا كالراكعي كما هو
شأن الجدّين ف العمل.
وأما هيئات جلة (ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم) فالـ "واو" بسر الربط تلوّح ال ان
يد القدرة تتصرف تت حجاب السباب ،وان نظر الكمة يراقب من فوق جيع العلل.
وأما (لو) فمتضمنة لقياس استثنائ ّي غي مستقيم .أي عدم الشيئة علة لعدم ذهابما؛ كما ان عدم
الذهاب دليل على العلم بعدم الشيئة بذهابما .وأيضا رمز ال ان السبب بلغ النهاية.
وأما (شاء) فاشارة ال ان الرابط بي السبب والسبّب انا هي الشيئة والرادة اللية .فالتأثي
للقدرة ،وما السباب إل حجاب العزة والعظمة لئل تباشر يد القدرة بالمور السيسة ف ظاهر
نظر العقل.
وأما التصريح بلفظة (ال) فاشارة ال زجر الناس عن الِبتلء بالسباب والنغماس فيها .وأيضا
لدعوة الذهان ال رؤية يد القدرة خلف كل السباب ..وأما حذف مفعول "شاء" وان كان
واجبا بالقاعدة الطردة فيجوز بقرينة اخواته ان يكون اياء ال عدم تأثر الشيئة والرادة اللية
بأحوال الكائنات وعدم تأثي الشياء ف الصفات اللية كما تتأثر ارادة البشر بسن الشياء
وقبحها وعظمتها وصغرها.
واما (لذهب) فاشارة ال ان السباب ليست مسلطة ومستولية على السببات حت اذا رُفعت
بقيت السببات ف جوف العدم تلعب با يد التصادف وتشتّتها بالتفاق ،بل يد القدرة حاضرة
خلف السباب .اذا أخرجت الشياءَ تأخذها ي ُد الكمة اللية بقانون الوازنة والنتظام ،ترسلها
ال مواقع اُخر ولتملها .كما ان الرارة اذا خرّبت بُنية الاء ،فبالنظام الندمج ف الواء يذهب
البخار ف مرى معي ويسوقه صانعه ال موقع معي ..وكذا ف "ذهب" رمز ال ان الواس
المس الظاهرة ليست متولدة عن الطبيعة ول لزمة لتجاويف السمع والبصر ،بل انا هي هداياه
تعال وعطاياه .وما التجاويف والسباب الّ شرائط عادية.
وأما التعدية بالباء بدل المزة فاياء ال ان يد القدرة ل تطلق الشياء عن حبل السباب ،غَاربُها
على عنقها ( )1بل تضع ازمّتها بيد نظام.
واما افراد "السمع" مع جع "البصر" فاشارة ال افراد السموع وتعدد البصر ،اذ الف رجل
يسمعون شيئا واحدا مع تالف البصرات.
ك على غاربك ِ .والغارب :اعلى السنام .وهذا كناية عن الطلق ،اى :اذهب
( )1اصل الثل :حبل ِ
حيث شئتِ (ممع المثال).
وأما هيئات جلة (ان ال على كل شيء قدير) فاعلم! انا فذلكة لتحقيق الدهشة ف التمثيل
والمثل له تشي ال انه كما ل تمل دقائق أحوال الصابي التمثلة لزئيات أحوال النافقي؛
كذلك يُرى ف كل ذرة تصرف القدرة اللية.
واما (ان) فمع اشارتا ال ان هذا الكم من القائق الراسخة ،رمز ال عظمة السألة ووسعتها
ودقتها ،وعجز البشر وضعفه وقصوره عنها الولّدة للوهام النتجة للتردّد ف اليقينيات.
واما التصريح بلفظة (ال) فاياء ال دليل الكم ،اذ القدرة التامة الشاملة لزمة لللوهية.
وأما (على) فاياء ال ان القدرة الخرجة للشياء من العدم ل تتركها سُدىً هَملً ،بل ترقب
عليها الكمة وتربيها.
وأما (كل) فاشارة ال ان آثار السباب ،والاصل بالصدر من الفعال الختيارية أيضا بقدرته
تعال.
وأما لفظ (شيء) بعن مشئ أي ما تعلقت به الشيئة ،فاشارة ال ان الوجودات بعد وجودها
لتستغن عن الصانع بل تفتقر ف كل آن لبقائها -الذي هو تكرر الوجود -ال تأثي الصانع.
وأما لفظ (قدير) بدل "قادر" فرمز ال ان القدرة ليست على مقدار القدورات فقط ،وانا ذاتية ل
تغي فيها ،ولزمة لتقبل الزيادة والنقصان لعدم امكان تلل ضدها حت تترتب شدة ونقصانا..
وتلويح ال ان القدرة كالنس وكميزان الصرف ،أعنَ( :فعَلَ) لميع الوصاف الفعلية من
الرزاق والغفار والحيي والميت وغيها .تفكر فيما سعت حق التفكر!.
إشارات العجاز -ص147 :
ج بِهِ مِنَ
َتّتقُونَ 21الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَ ْرضَ ِفرَاشا وَالسّمَا َء ِبنَاءً َوَانْزَ َل مِنَ السّما ِء مَاءً فََاخْ َر َ
ج َعلُوا ِل اَنْدَادا َوَاْنتُمْ َتعَْلمُونَ 22 الثّمَرَاتِ رِزْقا َلكُمْ فَل تَ ْ
مقدمـــــــة
اعلم! ان العبادة هي الت ترسّخ العقائد وتُصيّرها حال ومَلَكة؛ اذ المور الوجدانية والعقلية إن ل
تنمّها وتربّها العبادة -الت هي امتثال الوامر واجتناب النواهي -تكن آثارُها وتأثياتا ضعيفة.
وحال السلم 1الاضرة شاهدة.
واعلم أيضا! ان العبادة سبب لسعادة الدارين ..وسبب لتنظيم العاش والعاد ..وسبب للكمال
الشخص ّي والنوعيّ ..وهي النسبة الشريفة العالية بي العبد وخالقه.
أما وجه سببيتها لسعادة الدنيا الت هي مزرعة الخرة فمن وجوه:
منها :ان النسان خُلق متازا ومستثن من جيع اليوانات بزاج لطيف عجيب ،انتج ذلك الزاج
فيه مي َل النتخاب وميلَ الحسن ومي َل الزينة ،وميَلنا فطريا ال ان يعيش ويي بعيشة وكمال
لئقي بالنسانية ..ث لجل تلك اليول احتاج النسان ف تصيل حاجاته ف مأكله وملبسه
ومسكنه ال تلطيفها واتقانا بصنائع جة ل يقتدر هو بانفراده على كلها .ولذا احتاج ال
المتزاج مع أبناء جنسه ليتشاركوا ،فيتعاونوا ،ث يتبادلوا ثرات سعيهم .لكن لا ل يدد الصانعُ
الكيم قوى البشر الشهوية والغضبية والعقلية بدّ فطريّ لتأمي ترقّيهم ب َز ْمبَ َركِ 2الزء الختياريّ
-ل كاليوانات الت حُددت قواها -حصل انماك وتاوز ..ث لنماك القوى وتاوزها -
بسر عدم التحديد -تتاج الماعة ال العدالة ف تبادل ثرات السعي ..ث لن عقل كل احد
ليكفي ف درك العدالة احتاج النوع ال عقل كلي للعدالة يستفيد منه عقل العموم .وما ذلك
العقل الّ قانون كليّ ،وما هو إلّ
_____________________
النابض. 2
الشريعة ..ث لحافظة تأثي تلك الشريعة وجريانا لبد من مقننّ وصاحب ومبلّغ ومرجع ،وما هو
ب عليه السلم ..ث ان النبّ لدامة حاكميته ف الظواهر والبواطن وف العقول والطبائع الّ الن ّ
يتاج ال امتياز وتفوق ماد ًة ومعن ،سيةً وصورةَ ،خلْقا وخُلُقا .ويتاج أيضا ال دليل على قوة
الناسبة بينه وبي مالك اللك صاحب العال ،وما الدليل ال العجزات ..ث لتأسيس اطاعة الوامر
وتأمي اجتناب النواهي يتاج ال ادامة تصور عظمة الصانع وصاحب اللك ف الذهان وما هو
ال تلي العقائد ..ث لدامة التصور ورسوخ العقائد يتاج ال مذكّر مكرر وعمل متجدد ،وما
الذكّر الكرر ال العبادة.
ومنها :ان العبادة لتوجيه الفكار ال الصانع الكيم .والتوجه لتأسيس النقياد .والنقياد للِيصال
ال النتظام الكمل والرتباط به .واتباع النظام لتحقيق سر الكمة .والكمة يشهد عليها اتقان
الصنع ف الكائنات.
ومنها :ان النسان كالشجر الذي علق على ذروته كثي من خطوط اللة البقية ،قد التفّت على
رأسه رؤوس نظامات اللقة ،وامتدت مشرعة اليه قواني الفطرة ،وانعكست متمركزة فيه اشعة
النواميس اللية ف الكائنات .فلبد للبشر ان يتممها ويربطها وينتسب اليها ويتشبث باذيالا
ليسري بالريان العمومي حت ل يُزلق وليُطرد ول يُلقى عن ظهر هذه الدواليب التحركة ف
الطبقات .وما هي ال بالعبادة الت هي امتثال الوامر واجتناب النواهي.
ب كثية ال مراتب عديدة ف ومنها :ان بامتثال الوامر واجتناب النواهي يصل للنسان نس ٌ
اليئة الجتماعية ،فيصي الشخص كنوعٍ؛ اذ كثي من الوامرلسيما الت لا تاس بالشعائر
والصال العمومية كاليط الذي نيط به حيثيات ونظُم فيه حقوق ،لوله لتمزقت وتطايرت.
ومنها :ان النسان السلم له مناسبات ثابتة وارتباط قوي مع كل السلمي .وها سببان لخوة
راسخة ومبة حقيقية بسبب العقائد اليانية واللكات السلمية .أما سبب ظهور تلك العقائد
وتأثيها وصيورتا مَلَكة راسخة فانا هي العبادة.
ان النسان مع صغر جرمه وضعفه وعجزه وكونه حيوانا من اليوانات ينطوي على روح غال
ويتوي على استعداد كامل ،ويتبطن ميول لحصر لا ويشتمل على آمال ل ناية لا ،ويوز
افكارا غي مصورة ويتضمن قوى غي مدودة مع ان فطرته عجيبة كأنه فهرستة للنواع
والعوال .فالعبادة هي السبب لنبساط روحه وجلء قيمته ..وأيضا هي العلة لنكشاف استعداده
ونوّه ليناسب السعادة البدية ..وكذا هي الذريعة لتهذيب ميوله ونزاهتها ..وهي الوسيلة لتحقيق
آماله وجعلها مثمرة ريانة ..وكذلك هي الواسطة لتنظيم أفكاره وربطها ..وأيضا هي السبب
صيْقل ل َريْن الطبيعة على أعضائه الادية والعنوية الت كل منها
لتحديد قواه وإلامها ..وأيضا هي ال َ
كأنه منفذ ال عال مصوص ونوع اذا شف ..وأيضا هي الوصل للبشر ال شرفه اللئق وكماله
القدر ،اذا كانت بالوجدان والعقل والقلب والقالب ..وكذلك هي النسبة اللطيفة العالية،
والناسبة الشريفة الغالية بي العبد والعبود .وتلك النسبة هي ناية مراتب كمال البشر.
ث ان الخلص ف العبادة هو :ان تفعل لنه أُمر با ،وان اشتمل كل أمر على ِحكَم ،كل منها
يكون علة للمتثال ،ال ان الخلص يقتضي ان تكون العل ُة هي المر ،فان كانت الكمةُ علةً
فالعبادة باطلة ،وان بقيت مرجّحة فجائزة.
***
ث ان الخاطبي لا سعوا (يا ايها الناس اعبدوا) استفسروا بلسان الال :ما الكمة؟ ولِمَ؟ وما
الجبورية؟ وليّ شئ؟
أما الكمة فقد سعت ف القدمة .وأما العلة فأجاب القرآن الكري باثبات الصانع وتوحيده بقوله:
(ربكم الذي خلقكم) ..ال .واثبات النبوّة بقوله( :وان كنتم ف ريب ما نزلنا) ..ال.
اعلم! ان البهان إما "لِمّي" وهو الستدلل بالؤثر على الثر .وإما "ِانّيّ" وهو الستدلل بالثر
على الؤثر ،وهذا أسلم .1وهو إما "إمكانّ بالستدلل" بتساوي الطرفي على الرجّح ،واما
"حدوثيّ بالستدلل" بالتحوّل والتبدّل على الُوجِد ..وكل منها اما باعتبار ذوات الشياء أو
باعتبار صفاتا ..وكل منها إما باعطاء الوجود أو بادامة البقاء ..وكل منها إما "دليل اختراعيّ"
أو "دليل عنايتّ" .وهذه الية اشارة ال هذه النواع ،فاللخص منها هنا ،وقد فصلناه ف كتاب
آخر.
أما دليل العناية على اثبات الصانع الذي تلوّح به هذه الية ،هو" :النظام الندمج ف الكائنات"؛ اذ
النظام خيط نيط به الصال والكم .فجميع اليات القرآنية الت تعد منافع الشياء وتذكر
ِحكَمها انا هي نسّاجةٌ لذا الدليل ،ومظاهر لتجلّي هذا البهان؛ اذ النظام الرعي به الصال
والكم كما يثبت وجود نظّام ،كذلك يدل على قصد الصانع وحكمته وينفي من البي وهمَ
التصادف العمى والتفاقية العمياء.
ياهذا! ان ل يط نظرك بذا النظام العال الزيّن بفصوص الكَم ،ولتقتدر على الستقراء التام؛
فانظر بواسيس الفنون -الت هي الواس لنوعك -الاصلة من تلحق الفكار -الذي هو ف
حُكم فكر النوع -لترى نظاما يبهر العقول ،وتعلم ان كلّ فن من فنون الكائنات كشّاف بكلية
قواعده عن اتساق وانتظام ليعقل أكمل منهما؛ اذ كل نوع من الكائنات اما تشكّل فيه فن أو
يقبل ان يتشكل .والفن عبارة عن قواعد كلية .وكلية القاعدة تدل على حسن النظام؛ اذ ما
لنظام له لتري فيه الكلية .أل ترى ان قولنا "كل عال فهو ذو عمامة بيضاء" انا يصدق كلية،
اذا كان ف ذلك النوع انتظام .فانتج أن كل فن من الفنون الكونية بسبب كلية قواعده ينتج
بالستقراء التام نظاما كامل شامل ،وان كل فن برهان نيّر يشي ال الصال والثمرات التدلية
كالعناقيد ف حلقات سلسل الوجودات ،ويلوّح ال الِكَم والفوائد الستترة ف معاطف
انقلبات الحوال .فترفع الفنونُ اعلمَ الشهادة على قصد الصانع وحكمته،كأن كل فن نم
ثاقب ف طرد شياطي الوهام.
_____________________
1كدللة النار على الدخان ودللة الدخان على النار ،وهذا اسلم من الشبهات (ت)96 :
ان اليوان الكروسكوبّ الذي ل يُرى بالعي بل واسطة ،اشتملت صورته الصغية على ماكينة
دقيقة بديعة إلية .فبالضرورة والبداهة ان تلك الاكينة المكنة ف ذاتا وصفاتا ما وجدت بنفسها
بل علة لمكان ذاتا وصفاتا وأحوالا .والمكن متساوي الطرفي ككفت اليزان ،ولو وجد
الترجح لكان ف العدم .فباتفاق العقلء لبد لا من علة مرجّحة ..ومن الحال ان تكون العلة
أسبابا طبيعية؛ اذ ما فيها من النظام الدقيق يقتضي ناية علم وكمال شعور ليكن تصورها ف
تلك السباب ،الت يادعون أنفسهم با .مع انا أسباب بسيطة قليلة جامدة ل يتعي ماريها ،ول
يتحدد ماركها مع ترددها بي ألوف من المكانات الت ل اولوية لبعضها .فكيف تري ف
مرى معي ،وتتحرك على مرك مدود ،وكيف يترجح بعض وجوه المكانات حت يتولد هذه
الاكينة العجيبة النتظمة الت حيت العقول ف دقائق حكَمها ،بل انا تقنع نفسُك وتطمئن بتولدها
منها ان اعطيت لكل ذرّة شعور "افلطون" 1وحكمة "جالينوس" 2واعتقدتَ بي تلك الذرات
مابرة عمومية .وما هذه الّ سفسطة يجل منها السوفسطائيّ .مع أن أس السباب الادية وجود
القوة الاذبة والقوة الدافعة معا ف جزء ليتجزأ والوهر الفرد ،وان هذا كاجتماع الضدين.
نعم ،قانون الاذبة والدافعة وأمثالما اساء لقواني عادات ال تعال وشريعته الفطرية السماة
بالطبيعة .فهذه القواني مقبولة بشرط ان لتنتقل من القاعدية ال الطبيعية ،وان لترج من
الذهنية ال الارجية ،وان لتتحول من العتبارية ال القيقية ،وان ل تترقى من اللتية ال
الؤثرية.
فاذا تفهمت ما ف هذا الثال ورأيت عظمته مع صغره ووسعته مع ضيقه؛ فارفع رأسك وانظر ف
الكائنات تر وضوح دليل العناية وظهوره بقدار درجة وسعة
_____________________
347 - 427 1ق.م) من مشاهي فلسفة اليونان ،تلميذ سقراط ومعلم ارسطو .من مؤلفاته
(المهورية) و(الحاورات).
(200 - 130م) طبيب وكاتب يونان ،ولد ف برجامون وعمل جراحا لدرسة الصارعي با 2
بعد ان ات دراسته ف بلد اليونان وآسيا الصغرى والسكندرية ث اقام بروما حيث ذاع صيته
وينسب اليه خسمائة مؤلف اغلبها ف الطب والفلسفة.
وأما الدليل الختراعيّ الشار اليه بقوله تعال( :اَلّذي َخَلقَكُ ْم وَالّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ) فهو:
ان ال تعال اعطى لكل فرد ولكل نوع وجودا خاصا هو منشأ آثاره الخصوصة ،ومنبع كمالته
اللئقة؛ اذ لنوع يتسلسل ال الزل لِمكانه ،ولبطلن التسلسل ،ولن هذا التغي ف العال يثبت
حدوث بعض بالشاهدة ،وبعض آخر بالضرورة العقلية .ث انه قد ثبت بعلم اليوانات والنباتات
تكثّر النواع ال أزيد من مائت الف نوع ولكل نوع آدم وأب عال .فبسر الدوث والمكان
يثبت بالضرورة صدور تلك الوادم والباء للنواع عن يد القدرة اللية بل واسطة .ول يُتوهم
فيها ما يتوهم ف السلسلة .وتوهم انشقاق النواع بعضها عن بعض باطل ،لن النوع التوسط ل
يتسلسل بالتناسل ف الكثر فل يكون رأس سلسلة .فاذا كان البدأ والصل هكذا ،فأجزاء
السلسلة كذلك بالطريق الول.
نعم كيف يُتصور ان تكون السباب الطبيعية البسيطة الامدة الت لشعور لا ول اختيار قابلة
لِياد تلك السلسل الت تيت الفهام فيها ،ولختراع أفرادها الت كل منها صنعة عجيبة من
معجزات القدرة .فكل الفراد مع سلسلها تشهد بلسان حدوثها وامكانا شهادة قاطعة على
وجوب وجود خالقها جل جلله.
"ان قلت :فمع هذه الشهادة القاطعة كيف يعتقد النسان بأمثال ضللت ازلية الادة وحركتها؟.
قيل لك :ان النظر التبعيّ قد يُري الحا َل مكنا ،كالستهلّ الذي رأى الشعرة البيضاء من اهدابه
هلل العيد؛ لن النسان بسبب جوهره العال وماهيته الكرمة انا يدور خلف الق والقيقة.
وانا يقع الباطل والضلل ف يده بل اختيار ولدعوة ول ترّ
_____________________
1سورة اللك.3 :
لكَم،
بل بنظره السطحيّ التبع ّي فيقبله اضطرارا؛ لنه لا تغافل عن النظام الذي هو خيط ا ِ
وتعامى عن ضدية الركة والادة للزلية احتمل عند نظره التبعي اسناد هذا النقش البديع والصنعة
العجيبة ال التصادف العمى والتفاق العور .كما قال "السريّ" 1ف مَنْ دخل قصرا مزينا
مشتملً على آثار الدنية ،من انه حينما ليرى صاحبه فيعتقد عدمه يضطر لِسناد زينته وأساساته
ال التفاق والتصادف وناموس النتخاب الطبيعيّ.
وأيضا لا تعامى وتغافل عن شهادة كل الكم والفوائد ف نظام العال على اختيار تام وعلم شامل
وقدرة كاملة احتمل ف نظره التبعي اثبات تأثي حقيقي لذه السباب الامدة.
فيا هذا! مع قطع النظر عن دقائق صنعته جل جلله تأمل ف اظهر الثار الت تسمى "طبيعة" وهو
الرتسام -بشرط ان تزق حجاب اللفة -كيف تقنع نفسك ويقبل عقلك ان خاصية وجه
الرآة علة مؤثرة مناسبة لكشط وجه السماء وجلب صورة ارتفاعها ونقشها بنجومها ف
زجيجتها؟ .وكيف يقنع عقلك بأن المر الوهيّ ف القيقة السمّى بالاذب العموميّ علة مؤثرة
كخيط النجنيق لِمساك الرض والنجوم وتريكها وتدويرها بانتظام مكم؟
الاصل :ان النسان اذا نظر نظرا سطحيا تبعيّا ال المر الباطل الحال ول ير العلة القيقية
احتمل صحته عنده .ال انه اذا نظر اليه قصدا وبالذات وتراه مشتريا له ليكن ان يقبل شيئا من
تلك السائل الت يطنطنون با ف الكميات ،ا ّل ان يتبلّه بفرض عقل الكماء وحكمة السياسيّي
ف الذرّات.
" ان قلت :فما الطبيعة والنواميس وال ُقوَى الت يدمدمون با ويسلّون أنفسهم با؟
_____________________
قيل لك :ان الطبيعة مِسْطر 1لمصدر ..ومطبعة ل طابع ..وقواني لقوة .بل انا هي شريعة
فطرية إلية أوقعت نظاما بي أفعال أعضاء جسد عال الشهادة.كما ان الشريعة مصّلُ وخلصةُ
قواعد الفعال الختيارية ،ونظام الدولة مموع الدساتي السياسية .فكما ان الشريعة والنظام
خصُ عادة ال الارية ف اللقة .وأما أمران معقولن اعتباريان؛ كذلك الطبيعة أمر اعتباريّ مل ّ
توهم وجودها الارج ّي فكتوهم الوحشي الذي يرى فرقة العسكر يتحركون بانتظام ،وجودَ أمر
خارجيّ ربط بينهم .فمن كان وجدانه وحشيا يتخيل الطبيعة بسبب الستمرار موجودا خارجيا
مؤثرا.
الاصل :ان الطبيعة صنعة ال تعال وشريعته الفطرية .واما نواميسها فمسائلها .وأما قواها
فأحكام تلك السائل.
أما دليل التوحيد الذي أشار اليه (اعبدوا) على تفسي ابن عباس أي وحّدوا ،فاعلم! ان القرآن
العجز البيان ما ترك من دلئل التوحيد شيئا .وما تضمنته آية (لو كان فيهما آلة ال ال لفسدتا)
2من برهان التمانع دليل كاف ومنار نيّر على ان الستقلل خاصة ذاتية ولزم ضروري
لللوهية ،ث ف هذه الية رمز ال دليل لطيف على التوحيد وهو :ان تعاونَ الرض والسماء
ومناسبتهما ف توليد الثمرات -لُت َعيّش نوع البشر وجنس اليوان -ومشابةَ آثار العال وتعانقَ
ض لسؤالض بتكميل بعض انتظام بعض ،وتاوبَ الوانب وتلبيةَ بع ٍ ض يد بع ٍ
أطرافه وأخذ بع ٍ
حاجة بعض ،ونظ َر الكل ال نقطة واحدة ،وحركةَ الكل بالنتظام على مور نظام واحد؛ تلوّح
بل تصرّح بان صانع هذه الاكينة الواحدة واحد وتتلو على كلٍ:
3
وَفِي كُ ّل َشيْءٍ لَ ُه آَي ٌة تَدُ ّل عَلى َانّهُ وَاحِدٌ
ث اعلم! ان الصانع كما انه واجب الوجود وواحد؛ كذلك انه متصف بميع الوصاف
الكمالية؛ لن ما ف الصنوع من فيض الكمال انا هو مقتبس من ظل تلي كمال صانعه.
فبالضرورة يوجد ف الصانع جل جلله من المال والكمال والسن ما هو أعلى بدرجات غي
متناهية من عموم ما ف عموم الكائنات من السن والكمال
_____________________
لب العتاهية ف ديوانه وينسب ال المام علي كرم ال وجهه .ونسبه إبن كثي ف مقدمة تفسيه 3
والمال؛ اذ الحسان فرعٌ لثروة الحسِن ودليل عليها ،والياد لوجود الوجِد ،والياب
لوجوب الوجب ،والتحسي لسن الحسّن الناسب له..
وكذلك ان الصانع منّه عن جيع النقائص ،لن النواقص انا تنشأ عن عدم استعداد ماهيات
الاديات وهو تعال مرد عن الاديات..
ف نشأت من إمكان ماهيات الكائنات وهو سبحانه وكذلك انه تعال مقدس عن لوازم وأوصا ٍ
واجب الوجود ليس كمثله شئ جل جلله .ولقد أشار ال هاتي القيقتي بقوله( :فل تعلوا ل
أندادا).
أما الدليل المكانّ الشار اليه بقوله تعال( :وَال الْ َغِنيّ َوَاْنتُمُ ال ُفقَرَاءُ) 1فاعلم! ان كل واحدة من
ذَرات الكائنات باعتبار ذاتا ،وباعتبار فردٍ فردٍ من صفاتا ،وباعتبار واحدٍ واحدٍ من أحوالا،
وباعتبار جهةٍ جهةٍ من وجوهها؛ بينما تراها تتردد بي المكانات الغي التناهية ف الذات
والصفات والحوال والوجود ،اذا انتعشت وقامت وسلكت طريقا معينا منها ولبست صفة
مصوصة ،وتكيفت بالة منتظمة ،وركبت على قانون مسدّد ،وتوجهت ال مقصد معيّن،
فأنتجت حكمةً ومصلح ًة ل تصلن الّ بذلك الطرز العي ..أفل تنادي بلسانا الخصوص،
وتصرّح بقصد صانعها وحكمته؟ فكما ان كل ذرة بنفسها دليل على النفراد؛ كذلك تتزايد
دللتها باعتبار كونا جزءا من مركبات متداخلة متصاعدة؛ اذ لا ف كل مركب مقام ..وف كل
مقام لا نسبة ..وف كل نسبة لا وظيفة ..وف كل وظيفة تثمر مصال ..وف كل مرتبة تتلو
بلسانا دلئل وجوب وجود صانعها ..مثلها كمثل جنديّ ف "طاقمه وطابوره وفرقته ال".
***
ولنشرع ف نظم هذه الية باعتبار نظم مموعها با قبلها ،ث نظم جلها بعض مع بعض ،ث نظم
هيئات كل جلة جلة.
_____________________
فاعلم! ان القرآن لا بيّن أقسام البشر وأنواع الكلّفي من الؤمني التّقي والكافرين العاندين
والنافقي الذبذبي توجه اليهم كافة ماطبا بقوله( :يا أيها الناس اعبدوا) عقّبه ورتّبه على سابقه
ترتيب البناء على الندسة ،والمر والنهي بالعمل على قانون العلم ،والقضاء على القدر ،والنشاء
والياد على القصة والكاية؛ اذ لا ذكر مباحث الفرق الثلث ،وذكر خاصة ك ٍل وعاقبة كلّ
تيأ الوضع وانتبه السامع فالتفت ماطبا بذلك الطاب ..ث ان ف هذا اللتفات -أعن ذكرهم
أولً بالغيبة ث الطاب معهم هنا -نكتة عمومية ف اسلوب البيان وهي :انه اذا ذكر ماسن
شخص أو مساويه شيئا فشيئا يتزايد بكم اليقاظ والتهييج ميلن استحسان أو ميل نفرة.
ويتقوى ذلك اليل شيئا فشيئا ال أن يب صاحبه على الشافهة مع ذلك الشخص ،وبالنظر ال
القام يقتضي ميولت السامعي لوصافه ان يضر التكلم ذلك الشخص ويره ال حضورهم
فيتوجه اليه بالطاب..
وفيه نكتة خصوصية هنا :وهي تفيف أعباء التكليف بلذة الطاب ..وفيه أيضا اشارة ال ان ل
واسطة ف العبادة بي العبد وخالقه.
وأما نظم المل فـ (يا أيها الناس اعبدوا) خطاب لكل انسان من الفرق الثلث ف الزمنة
الثلثة من كل طبقات الفرق .أي :ايها الؤمنون الكاملون اعبدوا على صفة الثبات والدوام..
وأيها التوسطون اعبدوا على كيفية الزدياد ..وأيها الكافرون افعلوا العبادة مع شرطها من اليان
والتوحيد ..وايها النافقون اعبدوا على كيفية الخلص .فالعبادة هنا كالشترك العنوي فتأمل!.
تذييل :ف (ربكم) رمز دقيق ال دليل امكان الذوات .وف (جعل لكم الرض فراشا) ال دليل
امكان الصفات .وف (الذي خلقكم والذين من قبلكم) ال دليل حدوث الذوات والصفات.
والذي ينصّ على دليل امكان الذوات قوله تعـال Lوال الغنّ وانتم الفقراء) وايضا ال ربك
النتهى 1وأيضا (فانم عدوّ ل إلّ رب العالي) 2وكذلك (قل ال ث َذرْهم ف
_____________________
خوضهم يلعبون) 1وأيضا (ففروا ال ال) 2وكذلك (اَلَ بذكر ال تطمئ ّن القلوب) 3وقس
فتأمل.!.
وأما جلة (الذي خلقكم) فاعلم! ان ال تعال لا أمر بالعبادة وهي تقتضي ثلثة أشياء:
فدلئل الوجود قسمان :آفاقي وأنفسي .والنفسي نوعان :نفسي وأصول .فاشار ال النفسي
القرب الوضح بقوله( :الذي خلقكم) وال الصول بقوله :والذين من قبلكم.
وأما نظم (لعلكم تتقون) فاعلم! ان القرآن الكري لا علق العبادة على خلقهم وآبائهم اقتضى
ترتيب العبادة على خلق البشر نقطتي:
إحداها :ان تكون خلقتهم باستعداد العبادة ،وجبليتهم على قابلية التقوى؛ حت من يرى ذلك
الستعداد يأمل ويرجو منهم العبادة كمن يرى الخالب يأمل الفتراس.
والثانية :ان يكون القصد من خلقتهم ووظيفتهم الت هم مأمورون با وكمالم الذي يتوجهون
اليه هو التقوى الذي هو كمال العبادة.
(ولعلكم تتقون) أي القصد من خلقكم وكمالكم والذي هيئ له استعدادكم انا هو التقوى.
وأما جلة (جعل لكم الرض فراشا) فاشارة ال أقرب الدلئل الفاقية على وجوده تعال. .
وأيضا فيها رمز ال رد التأثي القيقي للسباب الذي هو منشأ لنوع شرك .أي تهيد الرض
بعله تعال ل بالطبيعة.
_____________________
وأما (والسماء بناء) فإشارة -بذكر السماء الت هي لصيق الرض -ال أعلى الدلئل الفاقية
البسيطة.
ث اشار بقوله (وأنزل من السماء) ال وجه دللة الركبات والواليد على وجود صانعها.
ث ان كل من المل السابقة كما تدل على اثبات الوجود؛ كذلك الجموع يلوّح بالوحدة.
وصورة الترتيب الشي ال النظام اللوح بالنعم مع دللة (رزقا لكم) تثبت استحقاقه تعال للعبادة،
لن شكْ َر الُْنعِم واجبٌ .وف (رزقا لكم) اشارة ال انه كما ان الرض والواليد تدم لك لبد ان
تدم لن سخرها لك.
وأما نظم (فل تعلوا ل اندادا) فاعلم! انه قد امتدت من نظمها خطوط ال (يا ايها الناس اعبدوا
ربكم) وال (الذي خلقكم) وال (الذي جعل لكم) وال (وانزل) .أي :اذا عبدت ربكم فل
تشركوا له لنه هو الرب ،ولنه هو الالق لكم ولنوعكم فل يعل بعضكم بعضا أربابا من دون
ال ،ولنه هو الذي خلق الرض وفرشهاومهدها لكم ،ولنه هو الذي خلق السماء وجعلها
سقفا لبنائكم فل تعتقدوا تأثيا حقيقيا للسباب الطبيعية الت هي منشأ الوثنية ،ولنه هو الذي
أرسل الاء ال الرض لرزقكم ومعيشتكم ،ول نعمة ال منه فل شكر ول عبادة الّ له.
وأما نظم كيفيات وهيئات جلة جلة ،فاعلم! ان كلمة (يا أيها) ف جلة "يا ايها الناس اعبدوا"
قد أكثر التنيل من ذكرها لنكت دقيقة ولطائف رقيقة ،اذ هذا الطاب مؤكد بوجوه ثلثة:
فالطاب هنا رمز ال فوائد ثلث :مقابلة مشقة التكليف بلـذة الطاب ..وان ترقى النسان
من حضيض الغيبة ال مقام الضور انا هو بواسطة العبادة ..1وأيضا اشارة ال ان الخاطب
مكلف بهات ثلث :باعتبار قلبه بالتسليم والنقياد ،ومن جهة عقله باليان والتوحيد ،وبالنظر
ال قالبه بالعمل والعبادة..
وأيضا اياء ال ان الخاطبي ثلث فرق ..2وأيضا تلويح ال الطبقات الثلث من الواص
والتوسطي والعوام..
_____________________
وأيضا تلميح ال الطرز الألوف والنسق الأنوس وهو ان الرء اول ينادي أحدا فيوقفه .ث يتوسه
1
فيوجهه .ث ياطبه فيخدمه.
فبناء على هذه النكت تكون التأكيدات ف الطاب مؤسسة من تلك الهات.
أما النداء ف "يا" فلن النادى هو الناس الشتمل على الطبقات الختلفة من الغافلي والغائبي
والساكني والاهلي والشغولي والعرضي والحبي والطالبي والكاملي يكون هذا النداء للتنبيه،
وكذا للِحضار ،وكذا للتحريك ،وكذا للتعريف ،وكذا للتفريغ ،وكذا للتوجيه ،وكذا للتهييج،
وكذا للتشويق ،وكذا للزدياد ،وكذا ل ّز العطف..
وأما البُعد ف "يا" مع ان القام مقام القرب ،فاشارة ال جللة وعظمة امانة التكليف ..وأيضا اياء
ال بُعد درجة العبودية عن مرتبة اللوهية ..وأيضا رمز ال بُعد اعصار الكلفي عن م ّل وزمانِ
ظهور الطاب .وأيضا تلويح ال شدة غفلة البشر.
وأما "أيّ" الوضوع للتوسم من العموم فرمز ال ان الطاب لعموم الكائنات .فيخصص من بينها
النسان بتحمل المانة على طريق فرض الكفاية .فاذا قصور النسان تاوزٌ لق مموع
2
الكائنات ..ث ف "أي" جزالة الجال ث التفصيل.
وأما "ها" فمع كونه عوضا عن الضاف اليه ،اشارة ال تنبيه من حضر بـ "يا".
وأما (الناس) فاشارة -بكم تلميح الوصفية الصلية -ال العتاب ،أي "ايها الناس كيف تنسون
اليثاق الزل"؟ وأيضا ال العذر أي "ايها الناس لبد ان يكون قصوركم عن السهو والنسيان ل
بالعمد والد"!.
أما (اعبدوا) فبحكم جوابيته للنداء العام مناداه للطبقات الذكورة يدل على الطاعة ،ويشي ال
الخلص ،ويرمز ال الدوام ،ويلوح ال التوحيد .أي اطيعوا ..واخلصوا ..واثبتوا ..وازدادوا..
ووحدوا.
_____________________
1فيستخدمه (ب)
لن ف كلمة «ايّ» إجال وإبام حيث ذكرت غي مضافة ،الّ ان كلمة «الناس» تزيل ذلك 2
وأما (ربكم) فإشارة إل ان العبادة كما ينبغي ان يرغّب فيها لنا نسبة شريفة ومناسبة عالية؛
كذلك لبد ان تطلب لنا شكر وخدمة لن هو يربيكم وتتاجون اليه.
فاعلم! ان (الذي) الذي جهة معلوميته الصلة 1يشي ال ان معرفة ال تعال انا تكون بأفعاله
وآثاره ل بكنهه.
وان "خَلَق" المتاز عن الياد والنشاء بكونه على وجه مقدر مستو ،اشارة ال ان استعداد البشر
مسدّد للتكليف ..وأيضا رمز ال ان العبادة وظيفة ،لنا نتيجة اللقة واجرتا .فما الثواب الّ من
مض فضل ال تعال.
وان (الذين) بنا ًء على ابامه اياء ال ان الذين سبقوكم انقرضوا فماتوا فذهبوا ..فلم يبق منهم
جهة العلومية ال كونم ملوقي قبلكم ..فأنتم على شفا جرف القب ..فاعتبوا ..فل تغتروا
بالدنيا ..فتشبثوا بأذيال العبادة الت هي وسيلة السعادة البدية.
أما كيفيات (لعلكم تتقون) فاعلم! ان "لعل" للرجاء ففي الرغوب يقال اطماع وف الكروه
اشفاق .فالرجاء ف حق التكلم هنا حقيقةً مالٌ .فهو اما باعتباره لكن مازا ،واما باعتبار
الخاطب ،واما باعتبار الشاهدين والسامعي:
أما باعتبار التكلم فاستعارة تثيلية كما ان من جهز أحدا بأسباب خدمةٍ يرجو منه عرفا تلك
الدمة؛ كذلك ان ال جهز البشر باستعداد الكمال وقابلية التكليف وواسطة الختيار .ففي
الستعارة اشارة ال ان حكمة خلق البشر هي التقوى ..وكذا رمز ال ان نتيجة العبادة مرتبة
التقوى ..وكذلك اياء ال ان التقوى أكب الراتب ..وأيضا تلميح ال طرز اسلوب اللوك
بالطماع والرمز ف موضع الوعد القطعيّ.
وأما باعتبار الخاطب فكأنه يقول :اعبدوا حال كونكم راجي للتقوى ومتوسطي بي الرجاء
والوف .وف هذا العتبار اشارة ال انه لبد ان ليعتمد النسان على
_____________________
1فاذا قيل مثلً " :الذى جاءك" فجهته العلومة لديك هى الجئ اليك .اما سائر جهاته فمجهولة
(ت)110 :
عبادته ..وكذا اياء ال انه لبد ان ليكتفي با هو فيه بل لزم ان يكون مصداقا لـ"عليك
بالركة غي السكون" فينظر ف كل مرتبة ال ما فوقها.
واما باعتبار الشاهدين والسامعي فكأن من شاهد البشر مهزا ومسلحا باستعدادات يأمل ويرجو
منه العبادة ،كمن يرى مالب حيوان وأنيابه يأمل منه الفتراس ..وكذلك اشارة ال ان العبادة
مقتضى الفطرة.
اما لفظ (تتقون) فاشارة -بكم ترتبه على عبادة الطبقات الذكورة -ال مراتب التقوى وهي:
التقوى عن الشرك .ث التقوى عن الكبائر .ث التقوى بفظ القلب عما سواه تعال ..وكذا
التقوى بالتجنب عن العقاب ..وايضا التقوى بالتحرز عن الغضب ..وكذا رمز ال ان العبادة
بالخلص تكون عبادة ..وايضا اياء ال ان العبادة مقصودة بالذات ل وسيلة مضة ..وكذلك
رمز ال ان العبادة لبد ان لتكون لجل الثواب والعقاب.
اما هيئات آية (الذي جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء) فاعلم! انا اشارة ال التهييج على
العبادة ببيان عظمة قدرة الصانع ،وال التشويق عليها بالمتنان .كأنه يقول :ايها النسان! ان
الذي سخر لك الرض والسماء يستحق ان تعبده ..وكذا اياء ال فضيلة البشر وعل ّو قيمته
ومكرميته عند ال ،كأنه يقول :ان الذي اكرمكم بأن هيّأ الجرام العلوية والسفلية بعظمتها
لستفادتكم ،لبد أن تظهروا لياقتكم للكرامة بعبادته ..وكذا تلميح ال رد التصادف والتفاق
ص مصّص وتأثي الطبيعة .أي ان كل ما ترون بصفاتا انا هي بعلِ جاعل وقصدِ قاصد وتصي ِ
ونظمِ نظّام جلّت حكمته ..وكذا تلويح ال رد مذهب اهل الطبيعة ومذهب الصابئي الولد
لذهب الوثنيي ..وايضا تنبيه ال ان صفات الجسام بإمكانا تدل على الصانع؛ اذ الجسام
متساوية ذراتُها ف قابلية الحوال والكيفيات العمومية فكل صفة مكنة مترددة بي احتمالت
كثية فكل جسم باعتبار كل صفة وكيفية يتاج ال قصد وحكمة وتصيصِ مصّص.
اما تقدي (لكم) فاشارة ال ان تفريش الرض لجل النسان ،ل ان الفترش والستفيد هو
النسان فقط ،حت يكون الزائد عبثا ،فتأمل!.
واما (فراشا) فاشارة ال نكتة البلغة الت هي نقطة الغرابة وهي قيد "مع اقتضاء طبعها النغماس
ف الاء" ..واياء ال ان التفريش بالعل خلف الطبيعة؛ اذ مقتضى طبيعة الكرة استيلء الاء عليها
واحاطته با ،فالصانع بكمته ومرحته اظهر قسما منها وفرشه ووضع عليه مائدة ِنعَمه ..وكذا
تنبيه -بقاعدة "اذا ثبت الشئ ثبت بلوازمه" -ال ان الرض كأرض البيت مبسوطة ،فانواع
النباتات واليوانات فيها كأساسات البيت انا وضعت بقصد وحكمة ..وكذا اياء ال ان الرض
توسطت بقصد وحكمة بي الائع الذي ليتمسك عليه القدام ،وبي الصلب الشديد الذي
ليقبل الستفادة والزراعة فيكون عبثا ،ولو كان ذهبا .فبالتوسط اشارة ال انه بتخصيصِ وجعلِ
وقصدِ حكيم.
اما (والسماء بناءً) فاشارة ال انه تعال لا جعل لكم السماء سقفا وبناء صارت نومها قناديل
لكم فل يتوهم التصادف ف تفريق تلك القناديل وانتشارها كما يتوهم التصادف ف وضعية
الواهر الت ترمى على الرض منتثرة.
اعلم! ان ف هذه الية اشارة ورمزا واياء ال سرّ عجيب دقيق غال وهو:
pان قلت :ان النسان ذرة بالنسبة ال أرضه ،وأرضه ذرة بالنسبة ال الكائنات .وكذا فرده ذرة
1ال نوعه ونوعه ذرة بالنسبة ال شركائه ف الستفادة ف هذا البيت العال .وكذا جهة استفادة
البشر بالنسبة ال فوائد وغايات هذا البيت ذرة ،والغايات الت تس با العقول ذرة بالنسبة ال
فوائده ف الكمة الزلية والعلم اللي فكيف جعل العال ملوقا لجل البشر واستفادته علة
غائية؟.
قيل لك :نعم! ولكن مع كل ما مرّ لجل وُسعة روح النسان وتبسط عقله وانبساط استعداده
وكثرة وانتشار استفادته من الكائنات ..وايضا لجل عدم الزاحة والتجزي والدافعة ف جهة
الستفادة كنسبة الكلي ال جزئياته -اذ الكلي بتمامه موجود ف كل من جزئياته لمزاحة ول
تزء -جعل القرآن الكري جهة استفادة البشر الت هي غاية فذة من الوف الوف غايات السماء
والرض ف منلة العلة الغائية كأنا هي العلة بالنظر ال النسان .اي ان النسان يستفيد من
الرض عرص ًة لبيته والسماء سقفا له والنجوم قناديل والنباتات ذخائر ،فح ّق لكل فرد ان يقول:
شسي وسائي وأرضي .فتأمل وعقلك معك!
_____________________
اما كيفيات (وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم) فاعلم! ان نسبة انزل ال
الضمي اشارة ال ان القطرات انا تُنَل بيزان قصد وتُرسل بكمة ،حت ان كل قطرة مفوفة
بنظام مصوص بأمارة عدم مصادمتها لخواتا ف تلك السافة البعيدة مع تلعب الواء با .فيؤذن
ان ليست غواربا على اعناقها ،1بل زمام كل ف يد ملَك مثّل لنظام ومعكس له.
أما (من السماء) فاشارة باقامة الظاهر مقام الضمي ال ان الغرض من هذه السماء جهتها ل
2
جِرمها الخصوص.
اما (ماء) مع ان النل ثلج وبَرَد ومطر ،فاشارة ال النشأ القريب للستفادة (وجعلنا من الاء كل
شئ حي) .3أما تنكيه فاشارة ال انه ماء عجيب شأنه ،غريب نظامه ،مهول لكم امتزاجاته
الكميوية.
أما فاء (فاخرج) الوضوعة للتعقيب بل مهلة مع الهلة بي نزول الاء وخروج الثمر فتلويح ال
فـ"اهتزت الرض وربت واخضرت وانبتت من كل زوج بيج فاخرج" .أما نسبة "اخرج" ال
الضمي فاشارة ال ان خروج الثمار ليس بتولد وتركب فقط ،بل الصانع الكيم ينشؤها ويرتبها
بصفات وخواص لتوجد ف مادتا.
أما (به) فبسبب تشرب العن القيقي -وهو اللصاق -للسببية رمز ال لطافة طراوة الثمار،
فيعلو اليها الاء -خلف طبيعته -بوساطة "الثار الشعرية" فيمل أقداح الثمرات ملصقا با.
أما (من الثمرات) فلعدم خلوها من معن البتداء عند (سيبويه) يشي ال مفعول يتنوع بتعي فهم
السامع ،أي ان من الثمرات أنواعا كما تشتهون.
أما تنوين (رزقا) فاشارة ال انه رزق مهول لكم أسباب حصوله فيجئ من حيث ل يتسب.
_____________________
1الصحيح" :حبلها على غاربا" ..راجع الكتب الفقهية ف بث كنايات الطلق والعاجم اللغوية
ف مادة "غرب" (ب)
لن القام مقام الضمي ،فاذا عدل عنه ال الظاهر يكون الراد به غي الول( ...ب) 2
أما (لكم) فاشارة ال تأكيد معن المتنان ..وأيضا اياء ال ان الرزق لجلكم فل بأس من
استفادة غيكم منه تبعا ..وكذا رمز ال انه تعال كما خصكم بالنعم فخصوه بالشكر.
أما نظم هيآت (فل تعلوا ل اندادا) فالفاء ،ينظر ال الفقرات الربعة :أي لنه هو العبود فل
تشركوا،ولنه هو القادر الطلق والرض والسماء ف قبضته فل تعتقدوا له شريكا ،ولنه النعم
فل تشركوا ف شكره ،ولنه هو خالقكم فل تتخيلوا له شريكا.
أما (تعلوا) بدل تعتقدوا فاشارة ال معن (ان هي ال اساء سيتموها) 1أي اساء ل معن لا
تتخيلون لا وجودا بعلكم.
أما تقدي (ل) فمع الهتمام بعله نصب العي اياء ال ان منشأ النهي كون الشريك ل.
اما (اندادا) فلفظ الند بعن :الثل ،ومثله تعال يكون عي ضده ،وبينهما تضاد ،ففيه اياء لطيف
ال ان الند بيّن البطلن بنفسه ..أما المع فاشارة ال ناية جهالة الشركي واياء ال التهكم بم،
أي كيف تعلون ل الذي ل شبيه له بوجه ما ،جاعة من أمثال واضداد؟ .وكذا رمز ال رد كل
أنواع الشرك أي ل شريك له ف ذاته ول ف صفاته ول ف افعاله ..وتلويح ال رد طبقات
الشركي من الوثنيي والصابئي وأهل التثليث وأهل الطبيعة العتقدين بالتأثي القيقي للسباب.
تذييل :منشأ الوثنية والصنام إما تأليه النجوم أو تيل اللول أو توهم السمية.
أما (وانتم تعلمون) فمع اخواتا من الفواصل اشارة ال ان منشأ السلمية هو العلم وأساسها
العقل ،فمن شأنه ان يقبل القيقة ويرد سفسطة الوهام .ث انه أطنب باياز ترك الفعول ،أي
وانتم تعلمون :ان لمعبود حقيقيا ول خالق ول قادر مطلقا ول منعم ال هو ..وكذا وانتم
تعلمون ان اللة والصنام ليست بشئ ،ل تقتدر على شئ وانا ملوقة معولة تتخيلونا ،فتدبر!.
_____________________
وَإنْ ُكْنتُمْ فِي َرْيبٍ مِمّا َنزّْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا َف ْأتُوا بِسُو َر ٍة مِ ْن ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا ُشهَداءَكُ ْم مِنْ دُونِ ال اِنْ
ُكنْتُمْ صَادِقِيَ 23فَاِن لَ ْم َت ْفعَلُوا وَلَ ْن َت ْفعَلُوا فَاّتقُوا النّا َر الّت وَقُو ُدهَا النّاسُ والِجَا َر ُة ُاعِدّتْ
لِلْكافِرِينَ 24
اعلم! انه كما اثبتت الية السابقة اوّل القاصد الساسية القرآنية وهو التوحيد؛ كذلك تثبت هذه
ن القاصد الربعة وهو اثبات نبوّة ممّد عليه الصلة والسلم بأكمل معجزاته الذي هو الية ثا َ
التحدّي باعجاز القرآن الكري .ولقد فصلنا دلئل نبوّته ف كتاب آخر فلنلخص بعضها هنا ف
ست 1مسائل:
السألة الول:
اعلم! ان الستقراء التام ف أحوال النبياء مع النتظام الطّرد السمى بالقياس الفيّ ينتج ان مدار
نبوّة النبياء وأساسها وكيفية معاملتم مع امهم -بشرط تريد السألة عن خصوصيات تأثي
الزمان والكان -يوجد بأكمل وجه ف ممّد عليه الصلة والسلم الذي هو استاذ البشر ف سنّ
ي انه أيضا رسول ال .فجميع النبياء بألسنة
كمال البشر ،فينتج بالطريق ا َلوْل وبالقياس ا َلوْلَو ّ
معجزاتم كأنم شاهدون على صدق ممّد عليه السلم الذي هو البهان النيّر على وجود الصانع
ووحدته فتأمل...
السألة الثانية:
اعلم! ان كل حال من احواله وكل حركة من حركاته عليه السلم -وان ل يكن خارقا -
يَلوّح بالبدأ على صدقه وبالنتهى على حقانيته .أل ترى انه عليه السلم كيف كان حاله ف أمثال
واقعة الغار الت انقطع -بسب العادة -أمل اللص،
_____________________
السألة الثالثة:
اعلم! ان الزمان الاضي والال -أي عصر السعادة -والستقبال اتفقت على تصديق نبوّته كما
ان ذاته دليل على نبوّته .ولنطالع هذه الصحف الربع:
فأولً :نتبك بطالعة ذاته عليه السلم .ولبد أوّلً من تصوّر أربع نكت:
إحداها :انه "ليس الكحلُ كالتكحّل" أي ليصل الصنع ُي والتصنعيُ -ولو كانا على أكمل
ت هيئةِ حرك ِة الصنعي تومئ
ي ول يقوم مقامه ،بل فلتاتُ غلطا ِ
الوجوه -مرتبة الطبيع ّي والفطر ّ
بزخرفيته.
والثانية :ان الخلق العالية انا تتصل بأرض القيقة بالدية ،وان ادامة حياتا وانتظام مموعها
انا هي بالصدق .ولو ارتفع الصدق من بينها صارت كهشيم تذروه الرياح.
والثالثة :هي انه كما يوجد اليل والذب ف المور التناسبة ،كذلك يوجد الدفع والتنافر ف
المور التضادة.
والرابعة :هي "ان للكلّ حكما ليس لكلٍ" كقوّة البل مع ضعف خيوطه..
واذا تفطنت لذه النكت فاعلم! ان آثار ممّد عليه الصلة والسلم وسيه وتاريخ حياته تشهد -
مع تسليم أعدائه -بانه لعلى خلق عظيم ،وبانه قد اجتمع فيه الصائل العالية كافة .ومن شأن
امتزاج تلك الخلق توليد عزة للنفس وحيثية وشرف ووقار لتساعد التنل للسفاسف .فكما
ان علوّ اللئكة ليساعد لختلط الشياطي بينهم؛ كذلك تلك الخلق العالية بمعها ل تساعد
أصل لتداخل اليلة
_____________________
وأيضا اذا تأملت ف حاله عليه السلم من الربع ال اربعي -مع ان من شأن الشبابية وتوقد
الرارة الغريزية ان تظهر ما يفى وتلقي ال الظاهر ما استتر ف الطبيعة من اليل -تراه عليه
السلم قد تدرج ف سنينه وعاشر بكمال استقامة وناية متانة وغاية عفة واطراد وانتظام .ما اومأ
حالٌ من أحواله ال حيلة ،لسيما ف مقابلة العاندين الذكياء .وبينما تراه عليه السلم كذلك اذ
تنظر اليه وهو على رأس اربعي سنة -الذي من شأنه جعل الالت مَلَكة والعادات طبيعة ثابتة
ل تالف -قد تكشّف عليه السلم عن شخص خارق قد اوقع ف العال انقلبا عظيما عجيبا.
فما هو الّ من ال.
السألة الرابعة:
اعلم! ان صحيفة الاضي الشتملة على َقصَص النبياء الذكورة على لسانه عليه السلم ف القرآن
الكري برهان على نبوّته بلحظة أربع نكت.
إحداها :إن من يأخذ أساسات ف ٍن ويعرف العقد الياتية فيه ويسن استعمالا ف مواضعها ث يبن
مدّعاه عليها؛ يدل ذلك على مهارته وحذاقته ف ذلك الفن.
النكتة الثانية :هي انك ان كنت عارفا بطبيعة البشر ل ترى أحدا يتجاسر وبل تردد وبل مبالة
بسهولة على مالفةٍ وكذبٍ ولو صغيا ..ف قوم ولو قليلي ..ف دعوى ولو حقية ..بيثية ولو
ضعيفة .فكيف بن له حيثية ف غاية العظمة ..وف دعوى ف غاية الللة ..ف قوم ف غاية
الكثرة ..ف مقابلة عناد ف غاية الشدة مع انه اميّ ل يقرأ ..يبحث عن أمور ل يستقل فيها العقل
ويظهرها بكمال الدية ،ويعلنها على رؤوس الشهاد .أفل يدل هذا على صدقه وانه ليس منه بل
من ال؟
الثالثة :هي ان كثيا من العلوم التعارفة عند الدَنيي -بِتعليم العادات والحوال وتلقي
الوقوعات والفعال -مهولة نظريةٌ عند البدويي .فبناء علىه لبد لن ياكم ويتحرى حال
البدويي -ل سيما ف القرون الالية -ان يفرض نفسه ف تلك البادية.
إشارات العجاز -ص168 :
الرابعة :هي انه لو ناظر اميّ علماء فن -ولو فن الصرف -ث بيّن رأيه ف مسائله مصدّقا ف
مظان التفاق ،ومصحّحا ف مطارح الختلف؛ افل يدلك ذلك على تفوقه ،وأن علمه وهب؟.
السألة الامسة:
ف بيان صحيفة عصر السعادة ل سيما مسألة جزيرة العرب .فها هنا أيضا أربع نكت:
احداها :انك اذا تأملت ف العال ترى انه قد يتعسر ويستشكل رفع عادة ولو حقية ف قوم ولو
قليلي .أو خصلة ولو ضعيفة ..ف طائفة ولو ذليلي ..على ملِك ولو عظيما ..بمّة ولو شديدة.
ف زمان مديد بزحة كثية .1فكيف انت بن ل يكن حاكما ،تشبث ف زمان قليل بمة جزئية
ت وَرَفَعَ أخلقا قد استقرت بتمام الرسوخ واستؤنس با ناية
-بالنسبة ال الفعول -وَقَلَعَ عادا ٍ
استيناس واستمرت غاية استمرار ،فغرس فجأة بدلا عادات وأخلقا تكملت دفعة عن قلوب قوم
ف غاية الكثرة ولألوفاتم ف ناية التعصب .أفل تراه خارقا للعادات؟..
النكتة الثانية :هي ان الدولة شخص معنويّ .تشكّلُها تدرييّ كنمو الطفل ،وغلَبتُها للدولة العتيقة
-الت صارت أحكامُها كالطبيعة الثابتة للتها -متمهلة .أفل
_____________________
يكون حينئذ من الارق لعاد ِة تشكّل الدول تشكيلُ ممّد عليه السلم لكومةٍ عظيمةٍ دفعةً،
مهيئة لنهاية الترقي ،متضمنة للساسات العالية البدية مع غلبتها للدول العظيمة دفعة مع ابقاء
حاكميته ل على الظاهر فقط ،بل ظاهرا وباطنا ومادةً ومعنً.
النكتة الثالثة :هي انه يكن بالقهر والب تكم ظاهريّ ،وتسلط سطحيّ .لكن الغلبة على
الفكار ،والتأثي بالقاء حلوته ف الرواح ،والتسلط على الطبائع مع مافظة حاكميته على
الوجدان دائما ل يكون الّ من خوارق العادات ..وليس الّ الاصة المتازة للنبّوة.
النكتة الرابعة :هي ان تدوير أفكار العموم وارشادها بيل الترهيب والترغيب والوف والتكليف
انا يكون تأثيها جزئيا سطحيا موقتا يسدّ طريق الحاكمة العقلية ف زمان .أما من نفذ ف
أعماق القلوب بارشاده ،وهيج دقائق السيات ،وكشف اكمام الستعدادات ،وأيقظ الخلق،
وأظهر الصائل الستورة ،وجعل جوهر انسانيتهم فوارا ،وأبرز قيمة ناطقيتهم؛ فانا هو مقتبس
من شعاع القيقة ومن الوارق للعادة .بينما ترى شخصا ف قساوة قلبه يقب بنته حي ًة ول يتأل
ول يتأثر اذ تراه بعد يوم -وقد اسلم -يترحّم على نو النمل ،ويتأل بأل حيوان .فبال عليك
أينطبق هذا النقلب السي على قانون؟.
ان تاريخ العال يشهد ان الداهيَ الفريدَ انا هو الذي اقتدر على انعاش استعداد عموميّ ،وايقاظ
س عموميّ؛ اذ مَن ل يوقظ هكذا حسّا نائما يكون سعيُه خصلة عمومية ،والتسبب لنكشاف ح ّ
هباء موقتا ولو كان جليل ف نفسه ..وأيضا ان التاريخ يرينا ان أعظم الناس هو الوفّق ليقاظ
واحد أو اثني أو ثلث من هذه السّيات العمومية :كحس المية اللّية ،وحس الخوة ،وحس
الحبة ،وحس الرية ال .أفل يكون اذا ايقاظ الوف من السّيات -الستورة العالية ،وجعلها
فوّارة منكشفة ف قوم بَدَوييّن منتشرين ف جزيرة العرب تلك الصحراء الوسيعة -من
الوارق؟ ..نعم !.1هو من ضياء شس القيقة.
_____________________
فيا هذا! من ل يُدخل ف عقله هذه النقطة نُ ْدخِل جزير َة العرب ف عينه .فهذه جزيرة بعد ثلثة
عشر عصرا وبعد ترقي البشر ف مدارج التمدن! ..فانتخِب ايها العاند من أكمل الفلسفة مائة،
فليسعوا مائة سنة فان فعلوا جزءا من مائة جزء ما فعله ممّد العرب عليه الصلة والسلم بالنسبة
ال زمانه ...1فان ل تفعل -ولن تفعل -فاتّق عاقبة العناد! نعم ،هذه الالة خارقة للعادة وان
هي الّ معجزة من معجزاته عليه الصلة والسلم.
واعلم أيضا :ان من اراد التوفيق يلزم عليه ان يكون له مصافاة مع عادات ال ،ومعارَفَة مع قواني
ب إسكات.. الفطرة ،ومناسبة مع روابط اليئة الجتماعية .والّ ،أجابته الفطرة بعدم الوفّقية جوا َ
وأيضا مَن ترك بسلك ف اليئة الجتماعية يلزمه ان ل يالف حركة الريان العموميّ .والّ،
طيّره ذلك الدولب عن ظهره فيسقط ف يده .فاذا من ساعده التوفيق ف ذلك الريان كمحمّد
عليه السلم يثبت انه متمسك بالق.
فاذا تفهمت هذا ،تأمل ف حقائق الشريعة مع تلك الصادمات العظيمة والنقلبات العجيبة ،وف
هذه العصار الديدة تَرَها قد حافظت على موازنة قواني الفطرة وروابط الجتماعيات اللت
بدقتها ل تتراءى للعقول مع كمال الناسبة والصافاة معها .فكلما امتد الزمان تظاهر التصال
ي لنوع البشر وانا حق ،لذا بينها .ويتظاهر من هذه الالة؛ ان السلمية هي الدين الفطر ّ
لينقطع ان رقّ .أل ترى ان الترياق الشاف للسموم القاتلة ف اليئة الجتماعية انا هو أمثال
"حرمة الربا ووجوب الزكاة" اللتي ها مسألتان ف ألوف مسائل تلك الشريعة.
فاذا عرفت هذه النكت الربع مع هذه النقط الثلث ،اعلم! ان ممدا الاش ّي عليه الصلة
والسلم مع انه ا ّميّ ل يقرأ ول يكتب ،ومع عدم قوته الظاهرية وعدم حاكميته له أو لسلفه،
وعدم ميل تكم وسلطنة ،قد تشبث بقلبه بوثوق واطمئنان ف موقع ف غاية الطر وف مقام
مهم ،بأمر عظيم فغلب على الفكار ،وتبب ال الرواح ،وتسلط على الطبائع ،وقلع من أعماق
قلوبم العادات والخلق الوحشية الألوفة الراسخة الستمرة الكثية .ث غرس ف موضعها ف غاية
الِحكام والقوة -
_____________________
كأنا اختلطت بلحمهم ودمهم -أخلقا عالية وعادات حسنة ،وقد بدل قساوة قلوب قوم
خامدين ف زوايا الوحشة بسيات رقيقة وأظهر جوهر انسانيتهم .ث أخرجهم من زاوية الوحشة
وَرقي بم ال اوج الَدَنية وصيّرهم معلّمي عالَمهم ،وأسّس لم دولةً ابتلعت الدول كعصا موسى
فلما ظهرت صارت كالشعلة الوّالة والنور النّوار فاحرقت روابط الظلم والفساد ،وجعل سرير
تلك الدولة الدفعية ف زمان قليل الشرقَ والغربَ .أفل تدل هذه الالة على ان مسلكه حقيقة
وانه صادق ف دعواه؟
السألة السادسة:
ف صحيفة الستقبل لسيما "مسألة الشريعة" .ولبد من ملحظة أربع نكت ف هذه السألة:
احداها :ان شخصا ولو خارقا انا يتخصص ويصي صاحب ملَكة ف أربعة فنون او خسة فقط.
النكتة الثانية :إن كلما واحدا قد يتفاوت بصدوره عن متكلمي ،فكما يدل على سطحية أحد
وجهله ..يدل على ماهرية الخر وحذاقته مع ان الكلم هو الكلم؛ اذ احدها لا نظر ال البدأ
والنتهى ،ولحظ السياق والسباق ،واستحضر مناسبته مع أخواته ،ورأى موضعا مناسبا فأحسن
الستعمال فيه ،وترى أرضا منبتة فزرعه فيها؛ ظهر منه انه خارق وصاحب ملكة فيما هذا
الكلم منه .وكل فذلكات القرآن الكري من الفنون وملتقطاته انا هي من هذا القبيل.
النكتة الثالثة :هي ان كثيا من المور العادية الن -بسبب تكمل البادئ والوسائط حت يلعب
با الصبيان -لو كانت قبل هذا بعصرين لعدّت من الوارق .فما يافظ شبابيته وطراوته وغرابته
على هذه العصار الديدة يكون البتة من خوارق العادات والعادات الارقة.
النكتة الرابعة :هي ان الرشاد انا يكون نافعا اذا كان على درجة استعداد أفكار المهور الكثر.
والمهور -باعتبار العظم -عوام .والعوام ل يقتدرون على رؤية القيقة عريانةً ول يستأنسون
با ال بلباس خيالم الألوف .فلهذه النكتة صوّر القرآنُ
الكري تلك القائق بتشابات وتشبيهات واستعارات وحفظ المهور الذين ل يتكملوا عن
الوقوع ف ورطة الغلطة .فأْبهَ َم وأهَلَ ف السائل الت يعتقد المهورُ -بالس الظاهريّ -
خلف الواقع ضروريا ،لكن مع ذلك أومأ ال القيقة بنصب امارات.
فاذا تفطنت لذه النكت ،اعلم! ان الديانة والشريعة السلمية الؤسسة على البهان العقليّ
ملخصة من علوم وفنون تضمنت العقد الياتية ف جيع العلوم الساسية :من فن تذيب الروح،
وعلم رياضة القلب ،وعلم تربية الوجدان ،وفنّ تدبي السد ،وعلم تدوير النل ،وفن سياسة
الدنية ،وعلم نظامات العال ،وفن القوق ،وعلم العاملت ،وفن الداب الجتماعية ،وكذا
وكذا وكذا ...ال .مع ان الشريعة فسّرت وأوضحت ف مواقع اللزوم ومظان الحتياج ،وفيما ل
يلزم او ل يستعد له الذها ُن او ل يساعد له الزمانُ اجلتْ بفذلكة ووضعت أساسا احالت
الستنباط منه وتفريعه ونشو نائه على مشورة العقول .والال ان كل هذه الفنون بل ثلثها بعد
ثلثة عشر عصرا -مع انبساط تلحق الفكار وتوسع نتائجها ،وكذا ف الواقع التمدنة ،وكذا
ف الذكياء -ليوجد ف شخص .فمن زيّن وجدانه بالنصاف يصدق بان حقيقة هذه الشريعة
خارجة عن طاقة البشر دائما لسيما ف ذلك الزمان ،ويصدّق بآل (ل تفعلوا ولن تفعلوا).
"والفضل ما شهدت به العداء" :فهذا "قارلئيل" 1فيلسوف امريكا نقل عن الديب الشهي
اللان وهو "كوته" 2اذ قال بعد ما أمعن النظر ف حقائق القرآن الكري عجبا أيكن تكمّل العال
الدن ف دائرة السلمية؟ فأجاب بنفسه :نعم! بل
_____________________
1توماس كارليل ( )1881 - 1795كاتب ومؤرخ وفيلسوف انكليزي ،اراد والده البنّاء ان
يكون إبنه قسيسا إ ّل ان كثرة شكوكه حول الدين حالت دون ذلك ،م ّر بعاناة نفسية دامت
زهاء سبع سنوات ،انتهى به الطاف بالستقرار على مسائل اليان .ألقى سلسلة من الحاضرات،
تناول ف احداها عظمة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وأثن عليه وبيّن انه النب الق ودحض
افتراءات كثية .جع تلك الحاضرات ف كتابه الشهور «البطال» .اوصى بتوزيع ثرواته ال
الطلب الفقراء ،وايداع مكتبته ف جامعة هارفرد المريكية .ترك آثارا عميقة ف ثقافة النكليز
ونظرتم ال العال(باختصارمن YENI LUGATعن دائرة العارف التركية).
جوهان فولف جانج فون ( )1832 - 1749كاتب وشاعر وروائى وناقد ألان .ولد ف 2
اسرة ثرية وتعلم اللتينية واليونانية واليطالية والنكليزية والعبية وحصل الفرنسية عام ،1ث
انتقل ال مدينة ليبزنج لتعلم القوق ث انصرف ال التأليف ث تول مناصب قضائية وادارية ووضع
خلل ذلك مسرحيات وكتبا تناول فيها تأملته ف الياة.
إشارات العجاز -ص173 :
الحققون الن مستفيدون بهة من تلك الدائرة .ث قال الناقل :لا طلعت حقائق القرآن الكري
صارت كالنار الوّالة وابتعلت سائر الديان ،فحُقّ له؛ اذ ليصل شئ من سفسطيات النصارى
وخرافات اليهود .فصدّق ذلك الفيلسوف مآل (فأتوا بسورة من مثله ..فان ل تفعلوا ولن تفعلوا
فاتقوا النار).
فان قلت :ان القرآن الكري وكذا مفسّره -أعن الديث -انا اخذ من كل فن فذلكة ،واحاطةَ
ت كثية مكنة لشخص. فذلكا ٍ
قيل لك :ان الفذلكة بسن الصابة ف موقعها الناسب ،واستعمالا ف أرض منبتة مع أمور
مرموزة غي مسموعة -قد اشرنا اليها ف النكتة الثانية -تشفّ كالزجاجة عن ملكة تامة ف
ذلك الفن واطلع تام ف ذلك العلم فتكون الفذلكة ف حكم العلم ول يكن لشخص أمثال
هذه.
ان شخصا ليتخصص ف فنون كثية ..وان كلما واحدا يتفاوت من شخصي ،يكون بالنظر
ال واحد ذهبا وال الخر فحما ..وان الفنون نتيجة تلحق الفكار وتتكمل برور الزمان ..وان
كثيا من النظريات ف الاضي صارت بديهية الن ..وان قياس الاضي على هذا الزمان قياس
مثبط مع الفارق ..وان أهل الصحراء لتستر بساطتهم وصفوتم اليل والدسائس الت تتفي
تت حجاب الدنية ..وان كثيا من العلوم انا يتحصل بتلقي العادات والوقوعات وبتدريس
الحوال لطبيعة البشر باعداد الزمان والحيط ..وان نور نظر البشر لينفذ ف الستقبل ول يرى
الكيفيات الخصوصة ..وانه كما ان لياة البشر عمرا طبيعيا ينقطع؛ كذلك لقانونه عمر طبيعيّ
ينتهي البتة ..وان للمحيط الزمان والكان تأثيا عظيما ف أحوال النفوس ..وان كثيا من
الوارق الاضية تصي عادية بتكمل البادئ ..وان الذكاء ولو كان خارقا ل يقتدر على اياد فنٍ
وتكميله دفعةً بل كالصبّ يتدرج.
واذا استحضرت هذه السائل وجعلتها نصب عينيك فتجرّد وتع ّر من اليالت الزمانية والوهام
الحيطية ،ث غُصْ من ساحل هذا العصر ف بر الزمان ،مارا تته ال ان ترج من جزيرة عصر
السعادة ناظرا على جزيرة العرب! ..ث ارفع رأسك والبس
ما خاط لك ذلك الزمان من الفكار ،ث انظر ف تلك الصحراء الوسيعة! .فأول ما يتجلى لعينك:
انك ترى انسانا وحيدا ل معي له ول سلطنة يبارز الدنيا برأسه ..ويهجم على العموم ..وحل
على كاهله حقيقة اجلّ من كرة الرض ..وأخذ بيده شريعة هي كافلة لسعادة الناس كافة..
وتلك الشريعة كأنا زبدة وخلصة من جيع العلوم اللية والفنون القيقية ..وتلك الشريعة ذات
حياة ل كاللباس بل كاللد ،تتوسع بنم ّو استعداد البشر وتثمر سعادة الدارين ،وتنظم أحوال
ت قوانينُها من اين ال اين؟ لقالت بلسان اعجازها:
نوع النسان كأهل ملس واحد .فإن سُئل ْ
نئ من الكلم الزلّ ونرافق فكر البشر ال البد ،فبعد قطع هذه الدنيا نفارق صورةً من جهة
التكليف ولكن نرافق دائما بعنوياتنا واسرارنا فنغذي روحهم ونصي دليلهم ..فيا هذا أفل يتلو
عليك ما شاهدت الم َر التعجيزيّ ف (فأتوا بسورة من مثله ..فان ل تفعلوا ولن تفعلوا)..ال.
ث اعلم ان آية (وان كنتم ف ريب ما نزلنا)...ال :تشي ال ان ناسا -بسبب الغفلة عن مقصود
الشارع ف ارشاد المهور وجهلهم بلزوم كون الرشاد بنسبة استعداد الفكار -وقعوا ف
شكوك وريوب منبعها ثلثة امور:
احدها :انم يقولون :وجود التشابات والشكلت ف القرآن الكري منافٍ لعجازه الؤسس
على البلغة البنية على ظهور البيان ووضوحِ الفادة.
والثان :انم يقولون :ان القرآن الكري اطلق وأبمَ ف حقائق الِلقة وفنون الكائنات مع انه مناف
لسلك التعليم والرشاد.
والثالث :انم يقولون :ان بعض ظواهر القرآن الكري اميل ال خلف الدليل العقلي فيحتمل
خلف الواقع وهو مالف لصدقه.
الواب -وبال التوفيق -ايها الشككون اعلموا! .ان ما تتصورونه سببا للنقص انا هو شواهد
صدق على سر اعجاز القرآن الكري.
فاعلم! ان ارشاد القرآن الكري لكافة الناس ،والمهور الكثر منهم عوام ،والقل تابع للكثر ف
نظر الرشاد .والطاب التوجه نو العوام يستفيد منه الواص
ويأخذون حصتهم منه ..ولو عكس لبقي العوام مرومي ،مع ان جهور العوام ل يردون اذهانم
عن الألوفات والتخيلت ،فل يقتدرون على درك القائق الجردة والعقولت الصرفة الّ بنظار
متخيلتم وتصويرها بصورة مألوفاتم .لكن بشرط ان ليقف نظرُهم على نفس الصورة حت
يلزم الحال والسمية او الهة بل ير نظرهم ال القائق.
مثل :ان المهور انا يتصورون حقيقة التصرف اللي ف الكائنات بصورة تصرف السلطان
الذي استوى على سرير سلطنته .ولذا اختار الكناية ف (الرحن على العرش استوى) 1واذا
كانت حسيات المهور ف هذا الركز فالذي يقتضيه منه ُج البلغة ويستلزمه طريقُ الرشاد
رعايةَ افهامهم واحترامَ حسياتم ،وماشاة عقولم ومراعاة أفكارهم .كمن يتكلم مع صب فهو
يتصب ف كلمه ليفهمه ويستأنس به .فالساليب القرآنية ف أمثال هذه النازل الرعي فيها
المهور تسمى بـ"التنلت الِلية ال عقول البشر" ،فهذا التنل لتأنيس اذهانم .فلهذا وضع
صو َر التشابات منظارا على نظر المهور .أل ترى كيف أكثر البلغاء من الستعارات لتصور
العان الدقيقة ،أو لتصوير العان التفرقة! فما هذه التشابات ال من أقسام الستعارات الغامضة،
اذ انا صور للحقائق الغامضة.
أما كون العبارة مُشكلً؛ فإما لدقة العن وعمقه ،واياز السلوب وعلويته ،فمشكلت القرآن
الكري من هذا القبيل ..وإما لِغلق اللفظ وتعقيد العبارة الناف للبلغة ،فالقرآن الكري مبأ منه.
فيا أيها الرتاب! أفل يكون من عي البلغة تقريب مثل هذه القائق العميقة البعيدة عن أفكار
المهور ال أفهام العوام بطريق سهل؟ اذ البلغة مطابقة مقتضى الال فتأمل..
أما الواب عن الريب الثان ،وهو ابام القرآن ف بث تشكل اللقة على ما شرحته الفنون
الديدة:
_____________________
تشكل التقدم ،ول يكون التقدم مقدمة للمؤخر ال بعد صيورته كالعلوم التعارفة .فبناء على
هذا السر لو أراد أحد تعليم ف ٍن أو تفهيم علمٍ -وهو انا تولد بتجارب كثية -ودعا الناس اليه
قبل هذا بعشرة أعصر ل يفيد الّ تشويش اذهان المهور ،ووقوع الناس ف السفسطة والغلطة.
مثل :لو قال القرآن الكري" ايها الناس انظروا ال سكون الشمس 1وحركة الرض واجتماع
مليون حيوان ف قطرة ،لتتصوروا عظمة الصانع" َلوْقع المهو َر إما ف التكذيب واما ف الغالطة
ي -أو غلط الس -يرى سطحية الرض مع أنفسهم والكابرة معها بسبب ان حسهم الظاهر ّ
ودوران الشمس من البديهيات الشاهَدة .والال ان تشويش الذهان -ل سيما ف مقدار عشرة
أعصر لتشهّي بعض أهل زماننا -منافٍ لنهاج الرشاد وروح البلغة.
يا هذا! ل تظنن قياس أمثالا على النظريات الستقبلة من أحوال الخرة ..2اذ الس الظاهري لا
ل يتعلق بهة منها بقيت ف درجة المكان فيمكن العتقاد والطمئنان با فحقها الصريح
التصريح با .لكن ما نن فيه لا خرج من درجة المكان والحتمال ف نظرهم -بكم غلط
الس -ال درجة البداهة عندهم فحقه ف نظر البلغة البام والطلق احتراما لسياتم وحفظا
لذهانم من التشويش .ولكن مع ذلك اشار القرآن الكري ورمز ولوّح ال القيقة ،وفتح الباب
للفكار ودعاها للدخول بنصب امارات وقرائن .فيا هذا ! ان كنت من النصفي اذا تأملت ف
دستور "كلّم الناس على قدر عقولم" ورأيت ان أفكار المهور لعدم اعداد الزمان والحيط ل
تتحمل ولتضم التكليف بثل هذه المور -الت انا تتولد بنتائج تلحق الفكار -لعرفت ان ما
اختاره القرآن الكري من البام والطلق من مض البلغة ومن دلئل اعجازه.
اما الواب عن الريب الثالث ،وهو امالة بعض ظواهر اليات ال مناف الدلئل العقلية وما كشفه
الفن:
_____________________
1قد سنح ل ف الرض بي النوم واليقظة ف والشمس ترى لستقر لا اى ف مستقرها ،لستقرار
منظومتها ،اى جريانا لتوليد جاذبتها النظامة للمنظومة الشمسية ،ولو سكنت لتناثرت (هذه
الاشية النومية دقيقة لطيفة) -الؤلف.
اى ل تظنن ان امور الخرة واحوالا الت هى مهولة لنا كتلك النظريات الت يكشف عنها 2
فاعلم! ان القصد الصليّ ف القرآن الكري ارشا ُد المهور ال أربعة اساسات هي :اثبات الصانع
الواحد ،والنبوّة ،والشر ،والعدالة ..فذك ُر الكائنات ف القرآن الكري انا هو تبعيّ واستطراديّ
للستدلل؛ اذ ما نزل القرآن لدرس الغرافيا والقوزموغرافيا ،1بل انا ذك َر الكائنات للستدلل
بالصنعة الِلية والنظام البديع على النظّام القيقي جل جلله .والال ان اثر الصنعة والعمد
والنظام يتراءى ف كل شئ .وكيف كان التشكل فل علينا؛ اذ ل يتعلق بالقصد الصلي ،فحينئذ
ما دام انه يبحث عنها للستدلل ،وما دام انه يب كونه معلوما قبل الدعى ،وما دام انه
س معتقداتم السية ،وماشاة يستحسن وضوح الدليل ..كيف ل يقتضي الرشا ُد والبلغةُ تأني َ
معلوماتم الدبية بامالة بعض ظواهر النصوص ،اليها ،ل ليدل عليها بل من قبيل الكنايات او
مستتبعات التراكيب مع وضع قرائن وامارات تشي ال القيقة لهل التحقيق.
مثل :لو قال القرآن الكري ف مقام الستدلل":ايها الناس! تفكّروا ف سكون الشمس مع
حركتها الصورية ،وحركة الرض اليومية والسنوية مع سكونا ظاهرا ،وتأملوا ف غرائب الاذب
العموميّ بي النجوم ،وانظروا ال عجائب اللكتريك وال المتزاجات الغي التناهية بي العناصر
السبعي ،وال اجتماع الوف الوف حيوانات ف قطرة ماء لِتعلموا ان ال على كل شئ قدير!"..
ض واشكلَ بدرجات من الدعى .وإنْ هذا ا ّل مناف لقاعدة الستدلل. لكان الدليل اخفى واغم َ
ث لنا من قبيل الكنايات ل يكون معانيها مدار صدق وكذب .أل ترى ان لفظ "قال" ألفه يفيد
خفة سواء كان أصله واوا أو قافا أو كافا.
الاصل :ان القرآن الكري لنه نزل لميع النسان ف جيع العصار يكون هذه النقط الثلث
دلئل اعجازه .والذي علّم القرآنَ العجِ َز انّ نظر البشي النذير وبصيته النقّادَة ادقّ وأجلّ وأجلى
وأنفذ من ان يلتبس او يشتبه عليه القيقة باليال ،وان مسلكه القّ أغن وأعلى وأنزه وأرفع من
ان يدلّس أو يغالط على الناس!.
_____________________
السألة السابعة:
اعلم! ان كتب السي والتاريخ قد ذكرت كثيا من معجزاته الحسوسة ،والوارق الظاهرة
الشهورة عند المهور ،وقد فسرها الحققون .فلن تعليم العلوم ضائع ،اَ َحلْنا التفصي َل على
كتبهم فلنجمل بذكر النواع:
فاعلم! ان الوارق الظاهرة وان كان كل فرد منها آحاديا غي متواتر لكن النس وكثيا من
النواع متواتر بالعن .ث ان انواعها ثلثة:
الول :الرهاصات التنوعة كانطفاء نار الجوس ،ويبوسة بر ساوة ،وانشقاق ايوان كسرى،
ب عليه الصلة والسلم
وبشارات الواتف .حت كأنه يتخيل للنسان ان العصر الذي ولد فيه الن ّ
صار حسّاسا ذا كرامةٍ فبشّر بقدومه بالسّ قبل الوقوع.
النوع الثان :الخبارات الغيبية الكثية من فتح كنوز كسرى وقيصر ،وغلبة الروم ،وفتح مكة،
وأمثالا .كأن روحه الجرّد الطيّار مزّق قيد الزمان العيّن والكان الشخّص ،فجال ف جوانب
الستقبل فقال لنا كما شاهد.
النوع الثالث :الوارق السيّة الت أظهرها وقت التحدّي والدعوى .كتكلم الجر ،وحركة
الشجر وشق القمر ،وخروج الاء .وقد قال الزمشري :بلغ هذا النوع إل الف .وأصناف من هذا
النوع متواترة بالعن حت ان (وانْشَقّ اْلقَمَرُ) ل يتصرف ف معناه من أنكر القرآن الكري أيضا.
ث أن رئيس هذه العجزات هو القرآن البي البهن اعجازه بهات سبع أُشي اليها ف هذه الية.
واذ تفهمت هذه السائل فاستمع لا يتلى عليك من نظم الىة بوجوهها الثلثة؛ من نظم
الجموع با قبله ،ونظم المل بعضها مع بعض ،ونظم هيئات وقيود جلة جلة.
| الول :انه لا قال (يا ايها الناس) لثبات التوحيد -على تفسي ابن عباس -اثبت بذه نبّوة
ممد عليه الصلة والسلم الذي هو من اظهر دلئل التوحيد .ث ان اثبات النبوّة بالعجزات.
وأعظم العجزات هو القرآن .وادقّ وجوه اعجاز القرآن ما ف بلغة نظمه .ث انه اتفق السلم
على ان القرآن معجِز ..الّ ان الحققي اختلفوا ف طرق العجاز ،لكن لتزاحم بي تلك الطرق،
بل كلٌ اختار جهةً من جهاته .فعند بعض اعجازه :اخباره بالغيوب ..وعند بعض :جعه للحقائق
والعلوم ..وعند بعض :سلمته من التخالف والتناقض ..وعند بعض :غرابة اسلوبه وبديعيته ف
مقاطع ومبادئ اليات والسور ..وعند بعض :ظهوره من امّي ل يقرأ ول يكتب ..وعند بعض:
بلوغ بلغة نظمه ال درجة خارجة عن طوق البشر .وكذا وكذا ..ال.
ث اعلم! ان معرفة هذا النوع من العجاز تفصيل انا تصل بطالعة أمثال هذا التفسي ،واجالً
ُيعْرف بثلث طرق( .كما حققها عبد القاهر الرجان شيخ البلغة والزمشري والسكاكي
والاحظ ).1
_____________________
868 - 775( 1م) عمر بن بر ،كاتب ولد ومات بالبصرة ،كان من اسرة فقية مات ابوه
وهو صغي فاضطر ال احتراف بيع البز والسمك ال جانب مواصلة التعليم ف الكتاب والسجد
واللقات والطلع على كل ما تقع عليه يداه .ألف اكثر من ( )350كتابا اشهر كتبه "
اليوان" و "البيان والتبيي" و" البخلء".
الطريق الول :هو ان قوم العرب كانوا بدويي امّيي ولم ميط عجيب يناسبهم ..وقد انتبهوا
بالنقلبات العظيمة ف العال ..وكان ديوانم الشعر وعلمهم البلغة ،ومفاخرتم بالفصاحة ف
أمثال سوق عكاظ ..وكانوا أذكى القوام ..وكانوا أحوج الناس لولن الذهن اذا ..ولقد كان
لذهانم فصل الربيع ،فطلع عليهم القرآن الكري بشمة بلغته فمحا وبر تاثيل بلغتهم وهي
"العلقات السبعة" الكتوبة بذوب الذهب على جدار الكعبة .مع ان اولئك الفصحاء البلغاء -
الذين هم أمراء البلغة وحكام الفصاحة -ما عارضوا القرآن وما حاروا ببنت شفة ،مع شدة
ب عليه السلم لم ،ولومه لم ،وتقريعه اياهم ،وتسفيهه لحلمهم ،وتريكه لعصابم تدّي الن ّ
ف زمان طويل ،وترذيله لم مع ان من بلغائهم من يكّ بيافوخه 1كتف السماء ،ومنهم من
يناطح السّما َكيْن 2بكبه فلول انم ارادوا وجربوا أنفسهم فأحسوا بالعجز ،لا سكتوا عن
العارضة البتة؛ فعجزهم دليل اعجاز القرآن.
والطريق الثان :هو ان اهل العلم والتدقيق واهل التنقيد الذين يعرفون خواص الكلم ومزاياه
ولطائفه تأملوا ف القرآن سورةً سورةً ،وعشرا عشرا ،وآيةً آيةً ،وكلمةً كلمةً؛ فشهدوا بانه
جامع لزايا ولطائف وحقائق لتتمع ف كلم بشر .فهؤلء الشهداء الوف الوف .والذي يدل
على صدق شهادتم هو ان القرآن أوقع ف العال النسان توّلً عظيما ،واسس ديانة واسعة،
وادام على وجه الزمان ما اشتمل عليه من العلوم .فكلما شاب الزما ُن شبّ ،وكلما تكرر حل.
فاذا (ان هو ال وحي يوحى) .3
والطريق الثالث 4 :كما حققه الاحظ :هو ان الفصحاء والبلغاء مع شدة احتياجهم ال إبطال
دعوى النبّ عليه السلم ،ومع شدة حقدهم وعنادهم له تركوا العارضة بالروف الطريقَ السلمَ
ب الطو ِل الشكوكة العاقبة
والقربَ والسهلَ ،والتجأوا ال القارعة بالسيوف الطري ِق الصع ِ
الكثية الخاطر؛ وهم بدرجة من الذكاء
_____________________
1اليافوخ :الوضع الذى يتحرك من رأس الطفل ،والقصود هنا :من عل قدره وتكبّر من البلغاء.
السياسي ،ل يكن ان يفى عليهم التفاوت بي هذين الطريقي .فمن ترك الطريق الول لو امكن
-مع انه أشد إبطال لدعواه -واختار طريقا أوقع مالَه وروحَه ف الهالك فهو إما سفيه ،وهو
بعيد من ساسوا العال بعد ان اهتدوا ..وإما انه أحس من نفسه العجز عن السلوك ف الطريق
الول فاضطر للطريق الثان.
س لتحريك أعصابم لا .ولو طمعوا لفعلوا لشدة احتياجهم.قيل لك :لو امكنتْ لطمع فيها نا ٌ
ولو عارضوا لتظاهرت للرغبة وكثرة السباب للظهور .ولو تظاهرت لوجد من يلتزمها ويدافع
عنها ويقول :انه قد عورض ل سيما ف ذلك الزمان .ولو كان لا ملتزمون ومدافعون ولو
بالتعصب لشتهرت لنا مسألة مهمة .ولو اشتهرت لنقلتها التواريخ كما نقلت هذيانات
مسيلمة بقوله( :الفيل ما الفيل وماادراك ما الفيل صاحب َذنَب قصي وخُرْطوم طويل).
فان قلت :مسيلمة كان من الفصحاء فكيف صار كلمه مَسْخرة وأضحوكة بي الناس؟
قيل لك :لنه قوبل با فاقه بدرجات كثية .أل ترى ان شخصا ولو كان حسنا اذا قوبل بيوسف
عليه السلم لصار قبيحا ولو كان مليحا .فثبت ان العارضة ليكن؛ فالقرآن معجز.
فان قلت :للمرتابي كثي من العتراضات والشكوك على تراكيب القرآن وكلماته مثل (إن
هذان) 1و (الصابئون) 2و (الذي استوقد نارا) وامثالا من العتراضات النحوية؟
قيل لك :عليك باتة مفتاح السكاكي فانه ألقمهم الجر بـ"أفل يتفطنون ان من كرر كلمه
ف زمان مديد مع انه فصيح بالتفاق كيف ليس بالغلطات الت تظهر لنظر هؤلء المقاء"؟.
_____________________
لنظم الية فاعلم! ان الية السابقة لا امرت بالعبادة استفسر ذهنُ السامع بـ "على أية كيفية
نعبد"؟ فكأنه أجاب :كما علمكم القرآن! فعاد سائل :كيف نعرف انه كلم ال تعال؟ فأجاب
بقوله( :وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا )..ال.
أما نظم المل بعضها مع بعض فهو:
ان جلة (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا) قد وقعت ف موقعها الناسب؛ اذ لا أمر القرآن
بالعبادة كأنه سُئل :كيف نعرف انه امر ال حت يب المتثال؟ فقيل له :ان ارتبتَ فجرّب
نفسك لتتيقن انه امر ال..
ومن وجوه النظم ايضا ان القرآن لا اثن على نفسه بملة (ذلك الكتاب لريب فيه هدى
للمتقي) ث استتبع مدحه مدح الؤمني ،ث استطرد مدح الؤمني ذم الكافرين والنافقي ،ث
استعقب المر بالعبادة والتوحيد ..عاد القرآن ال الول بالنظر ال (لريب فيه) أي :أما القرآن
فليس قابل للشك والريب؛ فما ريوبكم الّ من مرض قلوبكم وسقامة طبعكم .كما:
ضوْءُ الشّ ْمسِ مِنْ َرمَ ٍد َوُينْفَ ُر َطعْ ُم اْلاءِ مِنْ َسقَمٍ
قَ ْد ُيْنكَرُ َ
وأما نظم (فأتوا بسورة من مثله) فاعلم! ان هذه جزاء الشرط ،وجزاء الشرط يلزم ان يكون
لزما لفعل الشرط .ولا كان المر تعجيزيا استلزم تقدير "تشبثوا" .ولا كان المر انشاء والنشاء
ليصي لزما ،يلزم اَن يكون لزم المر جزاء .وهو الوجوب الذي هو من أصول معان المر ،ث
وجوب التشبث أيضا ليظهر لزومه للريب فاقتضى تقدير جل مطوية تت اياز الية .فالتقدير
"ان كنتم ف ريب انه كلم ال يب عليكم ان تتعلموا اعجازه ،فان العجز ليكون كلم البشر
وممّد عليه السلم بشر ،وان أردت ظهور اعجازه فجرّبوا أنفسكم ليظهر عجزكم ،فيجب
عليكم التشبث باتيان سورة من مثله".
أحدها :انم يقولون عجزنا ل يدل على عجز البشر ..فافحمهم بقوله( :وادعوا شهداءكم) أي
كباءكم ورؤساءكم.
والثان :انم يزعمون :انّا لو عارضنا فمن يلتزمنا ويدافع عنا؟ فألقمهم الجر بانه ما من مسلك
الّ وله متعصبون ولو عارضتم لظهر لكم شهداء يذبّون عنكم.
وأما نظم (فان ل تفعلوا) فظاهر ،اذ التقدير "فان جربتم فانظروا فان ل تقدروا ظهر عجزكم ول
تفعلوا".
وأما نظم (ولن تفعلوا) فكأنه لا قال ل تفعلوا ..قيل من جانبهم :عدم فعلنا فيما مضى ليدل
على عجز البشر فيما سيأت .فقال :ولن تفعلوا ،فرمز ال العجاز بثلثة اوجه.
احدها :الخبار بالغيب وكان كما اخب .أل ترى ان الليي من الكتب العربية مع التمايل ال
تقليد اسلوب التنيل وكثرة العاندين لو فتشتها؛ ل يوافقه شئ منها .كأن نوعه منحصر ف
شخصه .فأما هو تت الكل وهو باطل بالتفاق .فما هو ال فوق الكل.
والوجه الثان :ان القطع والزم بعدم فعلهم مع التقريع عليهم وتريك أعصابم ف هذا القام
الشكل وف هذه الدعوى العظيمة علمة صادقة على انه واثق امي مطمئن باله ومقاله.
والوجه الثالث :ان القرآن كأنه يقول :اذا كنتم امراء الفصاحة وأشد الناس احتياجا اليها ول
تقتدروا ل يقتدر عليه البشر .وكذا فيه اشارة ال ان نتيجة القرآن الت هي السلمية كما ل
يقتدر على نظيها الزمان الاضي؛ كذا يعجز عن مثلها الزمان الستقبل.
وأما نظم (فاتقوا النار الت وقودها الناس والجارة) فاعلم! ان تعقيب "ان ل تفعلوا" بـ"فاتقوا"
يقتضي ف ذوق البلغة تقديرا هكذا :ان ل تفعلوا ولن ..ظهر انه معجز ،فهو كلم ال ،فوجب
عليكم اليان به وامتثال أوامره ...ومن الوامر يا ايها الناس اعبدوا لتتقوا النار فاتقوا النار.
فاوجز فاعجز.
وأما نظم (الت وقودها الناس والجارة) فاعلم! ان القصد من (فاتقوا) هو الترهيب ،ومعن
الترهيب انا يؤكد بالتهويل والتشديد فهوّله بـ(وقودها الناس) اذ النار الت حطبها كان انسانا
أخوف وأدهش ..ث شدده بعطف الجارة؛ اذ ما ترق الجرَ أشد تأثيا ..ث أشار ال الزجر
عن عبادة الصنام :أي لو ل تتمثلوا أمر ال ،وعبدت أحجارا لدخلتم نارا تأكل ال ُعبّاد
ومعبوداتم.
وأما نظم (اعدت للكافرين) فهو انا توضيح وتقرير لزوم جزاء الشرط لفعله :أي هذه الصيبة
ليست كالطوفان وسائر الصائب الت لتصيب الظالي خاصة بل تعم البرار والخيار؛ فانا هذه
تتص بالاني يرّها الكف ُر لسبيل للنجاة ال امتثال القرآن.
ث اعلم! ان (اُعدّت) اشارة ال ان جهنم ملوقة موجودة الن ل كما زعمت العتزلة ..ث ان ما
يدلك ويفيد حدسا لك على أبدية جهنم انك اذا تفكرت ف العال بنظر الكمة ترى النار ملوقة
عظيمة مستولية غالبة ،كأنا عنصر أساس ف العلويات والسفليات .وتفهمت وجود رأس عظيم
وثرة عجيبة تدلت ال البد .أل ترى ان من رأى عرقا متدا تفطن لوجود بطيخ مثل ف رأسه؛
وكذلك من رأى اللقة النارية تفطن لِنتهائها ال حنظلة جهنم .وكذا من رأى النعم والحاسن
واللذائذ يدس بأن مصبها وملصها وروضها النة.
قيل لك :نن معاشر أهل السنة والماعة نعتقد وجودها الن لكن ل نعيّن موضعها.
فان قلت :ان ظواهر الحاديث تدل على انا تت الرض .وف حديث :ان نارها أشد وأحرّ من
نار الدنيا بائت دفعة .وان الشمس أيضا تدخل ف جهنم؟
فان قلت :ما ف جوف الرض ومظروفها صغي فكيف تسع جهنم الت تسع السموات والرض؟
قيل لك :نعم باعتبار الِلك والطويتية وان كانت مظروفة للرض لكن بالنظر ال العال الُخروي
بالغة ف العظمة ال درجة تسع الُوفا من أمثال هذه الرض .بل ان عال الشهادة كحجاب مانعٍ
لرتباط تلك النار بسائر أغصانا .فما ف جوف الرض الّ مركزها وسرّها أو قلب عفريتها.
س والقمرَ ت أغصانُها الشم َ
وأيضا ل تستلزم التحتية اتصالا بالرض ،اذ شجر ُة اللقةِ اثر ْ
ي الغصان اين كان .فمُلك ال والنجومَ وأرضَنا وأرضيَ أخرى .فما تت الثمرة يشمل ما ب َ
ث (اِنّ َج َهنّ َم مَ ْط ِوّيةٌ)
تعال واسع ،وشجرة اللقة منتشرة فأينَ سافرتْ جهن ُم ل تُرَدّ .وف حدي ٍ
فيمكن ان تكون بيضة لرضنا الطيارة مت يتزق حجاب اللك ينفتق تلك البيضة وتتظاهر هي
كاشرةً أسنانَها له ِل العصيان .ويتمل ان ماشبط 2أهل العتزال وأوقعهم ف الغلط بعدم
وجودها الن انا هو هذه الطويتية.
_____________________
1عن اب هريرة رضى ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :اشتكت النار ال ربا،
فقالت" :يا رب! أكل بعضي بعضا ،فجعل لا نفسي .نفسٌ ف الشتاء ونفس ف الصيف .فشدّة
ما تدون من البد من زمهريرها ،وشدة ما تدون من الر من سومها " رواه البخارى -كتاب
اليان ،ابن ماجه 4319والترمذي 2592وعن اب هريرة رضى ال عنه ان رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال" :هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم " رواه احد ( 24/164الفتح
الربان) واورده اليثمى ف الجمع 1/387وقال :رواه احد ورجاله رجال الصحيح.
فاعلم! ان جلة (وان كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا) الواو فيها بناء على الناسبة بي التعاطفي
تومئ ال :تقدير "كما علّمكم القرآن" ..وايراد (ِانْ) الترددية ف موضع "اذا" الت هي للقطع مع
ان ريبهم مزوم به اشارة ال انه لجل ظهور أسباب زوال الريب شأنه ان يكون مشكوك
الوجود بل من الحال يفرض فرضا .ث ان الشك ف (إنْ) بالنظر ال السلوب ل بالقياس ال
التكلم تعال ..وايراد (كنتم ف ريب) بدل ارتبتم مع انه اقصر اشارة ال ان منشأ الريب طبعهم
الريض وكونم .وظرفية الريب لم مع انه مظروف لقلبهم اياء ال ان ظلمة الريب انتشرت من
ي نوع من
القلب فاستولت على القالب ،فاظلم عليه الطرق ..وتنكي (ريب) للتعميم أي :أ ّ
أنواع الريب ترتابونه فالواب واحد وهو :ان هذا معجز وحق .فتخطئتكم بالنظر السطحيّ خطأ
فل يلزم لكل ريب جواب خاص .أل ترى ان من رأى رأس عي وذاقه عذبا فراتا ل يتاج ال
ذوق كل جدول وفرع قد تشعب منه ..و"من" ف (ما نزلنا) اياء ال تقدير لفظ "ف شئ ما"
ولفظ (نزلنا) اشارة ال ان منشأ شبهتهم هو صفة النول .فالواب القاطع اثبات النول فقط.
وايثار (نزّلنا) الدال على النول تدريا على "انزلنا" الدال عليه دفعة اشارة ال ان ما يتحججون
به قولم :لول انزل عليه دفعة .بل على مقتضى الواقعات تدريا نوبة نوبة نما نما سورة
سورة ..وايثار العبد على "النب" و "ممد" اشارة ال تعظيم النب ،واياء ال علو وصف العبادة،
ب عليه السلم أعبد الناس وأكثرهم تلوة وتأكيد لمر "اعبدوا" ورمز ال دفع أوهامٍ بان الن ّ
للقرآن الكري .فتفكر!.
وان جلة (فأتوا بسورة من مثله) المر ف (فأتوا) للتعجيز ،وفيه التحدّي والتقريع والدعوة ال
العارضة والتجربة ليظهر عجزهم ..ولفظ (بسورة) اشارة ال ناية افحام ،وشدة تبكيت ،وغاية
إلزام؛ إذ:
ان يقال :فأتوا بثل تام القرآن بقائقه وعلومه واخباراته الغيبية مع نظمه العال من شخص امّي !
ورابعتها:
وخامستها:
انه ان ل يتسي لكم هذا أيضا فأتوا بقدار سورة مطلقا ولو أقصر كـ انا اعطيناك من شخص
اميّ مثله.
وسادستها:
وسابعتها:
انه ان تعسر عليكم هذا أيضا فليعاون بعضكم بعضا على التيان.
وثامنتها:
انه ان ل تفعلوا فاستعينوا بكافة الِنس والن واستمدوا من مموع نتائج تلحق افكارهم من آدم
ال قيام الساعة ،ونتائج افكارهم هي مابي ايديكم من هؤلء الكتب على السلوب العرب مع
ل عن أهل التحقيق لو تصفحها مَنْ له ادن مسكة ولو جاهل شوق التقليد وعناد العارضة؛ ففض ً
لقال :ليس فيها مثله ،فإما هو تت الكل وهو باطل بالتفاق واما فوق الكل وهو الطلوب كما
مر آنفا .نعم ،ل يعارض ف ثلثة عشر عصرا هكذا مرّ الزمان ،وهكذا ي ّر ال يوم القيامة.
وتاسعتها:
ان يقال ل تتحججوا بان ليس لنا شهداء وانتم ل تشهدون لنا .أل فادعوا شهداءَكم والتعصبي
لكم فلياجعوا وجدانم هل يتجاسرون على تصديق دعواكم العارضة.
واذا تفهمت هذه الطبقات فانظر ال القرآن كيف أعجز بان أوجز فأشار ال هذه الراتب،
فألقمهم الجر وأرخى لم العنان .ث اعلم ان عجز البشر عن معارضة أقصر سورة ِاِنيّتُ ُه بديهية.
واما ِليّتُهُ فقيل هي :ان ال تعال صرف القوى عن العارضة .والذهب الصح ف اللّ ِميّة ما عليه
عبدالقاهر الرجان والزمشري والسكاكي .وهو :ان قدرة البشر ل تصل ال درجة نظمه
العال .ث ان السكاكي اختار ان العجاز ذوقي ليعب عنه وليشرح بل يذاق ذوقا .وأما صاحب
دلئل العجاز فاختار انه يكن التعبي عنه .ونن على مذهبه ف هذا البيان.
وايثار (سورة) على نم أو طائفة أو نوبة اشارة ال الزامهم ف منشأ شبهتهم وهي :لول انزل
عليه دفعة واحدة؟ أي فهاتوا انتم ولو بنوبة فذة ..وأيضا اياء ال تضمن تسوير التنيل سورة
سورة لفوائد جة بيّنها الزمشري ،وال تضمن هذا السلوب الغريب للطائف ..ولفظ (من مثله)
فيه معنيان أي بثل النَل ،أو من مثل النل عليه .اعلم! ان حق العبارة على الول "مثل سورة
منه" لكن عدل ال (من مثله) للياء ال ملحظة الحتمال الثان ،أي انا تكون معارضتكم مبطلة
لدعواه لو جاءت من مثله ف عدم التعلم ..وكذا اشارة ال ان العارضة انا تبطل العجاز لو كان
العارض به من مموع مثل ..وكذا رمز ال توجيه الذهان ال امثال القرآن ف النول من الكتب
السماوية ليوازن ذهن السامع بينها فيتفطن لعلوه.
وان جلة (وادعوا شهداءكم من دون ال) ايثار "ادعوا" فيها على "استعينوا" او "استمدوا" اياء
ال ان من يلبيهم ويذبّ عنهم ليفقدهم بل حاضر ل يتاجون ال ال ندائه ..ولفظ "شهداء"
جامع لثلثة معان :اي كباءكم ف الفصاحة ..ومن يشهد لكم ..وآلتكم .فنظرا ال الول إلزام
لم ،يقطع تججهم بان عدم قدرتنا ليدل على عدم قدرة كبائنا .ونظرا إل الثان افحام لم،
يقطع تعللهم بأن ليس لنا شهداء بانه ل مسلك الّ له ذابون وشهداء .ونظرا ال الثالث تبكيت
لم وتكم بم بان اللة الت ترجون منها النفع ودفع الضر كيف لتعينكم ف هذا المر الذي
يهمّكم؟ ..واضافة "شهداء" ال "كم" الفيدة للختصاص تقوي عضد العن الول :بان الكباء
حاضرون معكم ،وبينكم اختصاص لو اقتدروا لعاونوكم البتة .وتصل جناح العن الثان بانا نقبل
شهادة من يلتزمكم ويتعصب لكم فانم أيضا ل
يتجاسرون على الشهادة على بديهيّ البطلن .وتأخذ بساعد العن الثالث مع التقريع بأن اللة
الت اتذتوها معبودات كيف لتدكم ..ولفظ (من دون ال) نظرا ال الول اشارة ال التعميم
أي كل فصيح ف الدنيا ما خل ال تعال .وكذا ال ان اعجازه ليس الّ لنه من ال ..ونظرا ال
الثان اشارة ال عجزهم ومبهوتيتهم بقولم" :ال شاهد ،ال عليم انا نقتدر" .لن ديدن العاجز
الحجوج اللف بال والستشهاد به على ما ل يقتدر على الستدلل عليه ..ونظرا ال الثالث
ب عليه الصلة والسلم ليست ال مقابلة الشرك بالتوحيداشارة ال ان معارضتهم مع الن ّ
والمادات بالق الرض والسموات.
وان جلة (ان كنتم صادقي) اشارة ال قولم :لو شئنا لقلنا مثل هذا ..وكذا تعريض بانكم لستم
من أهل الصدق ال ان يفرض فرضا ،بل من أهل السفسطة ،ما وقعتم ف الريب من طريق طلب
الق بل طلبتم فوقعتم فيه ..ث ان جزاء هذا الشرط مصل ما قبله أي فافعلوا.
أما جلة (فان ل تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) ال آخره .فاعلم! ان (ان كنتم صادقي) احتجاج
القرآن عليهم بقياس استثنائي استثن نقيض التال لنتاج نقيض القدم.
تلخيصه :ان كنتم صادقي تفعلوا العارضة وتأتوا بسور ٍة لكن ما تفعلون ولن تفعلوا ،فانتج فلم
ب عليه السلم صادقا فالقرآن معجز ،فوجب عليكم تكونوا صادقي فكان خصمكم وهو الن ّ
اليان به لتتقوا من العذاب ...انظر كيف اوجز التنيل فاعجز .ث انه ذكر موضع استثناء نقيض
التال وهو "لكن ماتفعلون" لفظ (ان ل تفعلوا) مشيا بتشكيك "ان" ال ماراة ظنهم ،وبالشرطية
ال استلزام نقيض التال لنقيض القدم .ث ذكر موضع النتيجة وهي نقيض القدم أعن فلم تكونوا
صادقي علة لزم لزم لزمها وهي قوله (فاتقوا النار) لتهويل الترهيب والتهديد .1
_____________________
أما (ان ل تفعلوا) الاضي بالنظر إل "ل" والستقبل بالقياس إل "ان" فلتوجيه الذهن إل ماضيهم
كأنه يقول لم" :أنظروا إل خطبكم الزيّنة ومعلقاتكم الذهّبة أتساويه أو تدانيه أو تقع قريبا
منه؟".
أما (ولن تفعلوا) فاعلم! ان التأكيد والتأبيد ف (لن) اياء ال القطعية وهي اشارة ال ان القائل
مطمئن جدّي ،لريب له ف الكم .وهذا رمز ال ان ل حيلة ..أما (فاتقوا) بدل "تنبوا" فللياء
ال ما ناب عنه الزاء من آمنوا واتقوا الشرك الذي هو سبب دخول النار ..أما تعريف (النار)
فللعهد أي النار الت عهدت واستقرت ف أذهان البشر بالتسامع عن النبياء من آدم ال الن..
وأما توصيفها بـ(الت) الوصولة مع ان من شأنا ان تكون معلومة اوّلً ،فلجل نزول (نارا
وقودها الناس والجارة) 1قبل هذه الية فالخاطبون قد سعوا تلك ،فالوصولية ف موقعها ..وأما
وقودها الناس والجارة فالغرض كما مر آنفا الترهيب ،والترهيب يؤكد بالتهويل والتشديد
فهوّل بلفظ "الناس" كما قرع به ،وشدد "بالجارة" كما وبخ با .أي ماترجون منه النفع
والنجاة وهو الصنام يصي آلة لتعذيبكم.
واما جلة (اعدت للكافرين) فاعلم! ان الوضع موضع "اعدت لكم" لكن القرآن يذكر الفذلكة
والقاعدة الكلية ف الغلب ف آخر اليات ليشي ال كبى دليل الكم؛ اذ اصل الكلم" :اعدت
لكم ان كفرت لنا اعدّت للكافرين" .فلهذا اقيم الظهر مقام الضمر ..وأما ماضية (اعدّت)
فاشارة كما مر ال وجود جهنم الن.
_____________________
حِتهَا
ت َانّ َلهُمْ َجنّاتٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ
َوبَشّر الّذِينَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحا ِ
الْنهَارُ كُلّما رُزِقُوا ِمْنهَا مِ ْن ثَ َم َرةٍ رِزْقا قَالُوا هَذاَ الّذِي ُرزِقْنا مِنْ َقبْلُ وَُاتُوا بِ ِه ُمتَشابِها وََلهُمْ فِيها
ج مُ َطهّ َرٌة َوهُمْ فِيها خالِدُونَ 25 اَ ْزوَا ٌ
فاعلم! ان نظم هذه الية كأخواتا بثلثة وجوه :نظم الجموع با قبله ،والمل بعضها مع بعض،
واليئات.
أما الول :فاعلم! ان لآلا ارتباطات متفاوتة مع اليات السابقة ،وخطوطا متدة بالختلف ال
المل السالفة .أل ترى ان القرآن الكري لا أثن ف رأس السورة على نفسه وعلى الؤمني
باليان والعمل الصال كيف أشار بذه الية ال نتيجة اليان وثرة العمل الصال ..وكذا لا ذم
الكفار وشنع على النافقي وبي طريقهم النجر ال الشقاوة البدية لوّح بذه الية ال نور
السعادة البدية ،فأراهم ليزيدوا حسرة على حسرة بفوات هذه النعمة العظمى ..ث لا كلف بـ
(يا ايها الناس اعبدوا) -مع ان ف التكليف مشقة وكلفة وترك اللذائذ العاجلة -فتح لم ابواب
الجلة؛ فاراهم بذه الية تطمينا لنفوسهم وتأمينا لم ..ث لا اثبت التوحيد -الذي هو أول
اركان اليان الذي هو أساس التكليف -صرح ف هذه الية بثمرة التوحيد وعنوان الرحة
وديباجة الرضاء بإراءة النة والسعادة البدية ..ث لا أثبت النبوّة -ثانية أركان اليان -
بالعجاز بقوله (وان كنتم ف ريب)..ال ،أشار بذه مع الطوي قبلها ال وظيفة النبوّة ومكلفية
ب وهي :الِنذار والتبشي بلسان القرآن ..ث لا اوعد وأرهب وانذر ف سابقتها القريبة وعد الن ّ
ورغب وبشّر بذه الية بسر ان التضاد مناسبة ..وأيضا ان الذي يُطيع 1النفسَ ،ويدي الطاعة
س الشوق معا بمع الترغيب ويصيّر الوجدان مطيعا لكم العقل؛ تييجُ حسّ الوف وح ّ
والترهيب؛ اذ حكم العقل وامره موقّت فلبد من وجود مرك آمر دائميّ ف الوجدان ..وكذا لا
أشار بالسابقة ال احد شقي الخرة كمل بذه الية الشق الخر وهو منبع السعادة البدية..
وكذا لا لوح هناك بالنار ال جهنم صرح هنا بالنة.
_____________________
ث اعلم! ان النة وجهنم ثرتان تدلّتا ال البد من شجرة اللقة ،ونتيجتان لسلسلة الكائنات،
ومزنان لنصباب الكائنات ،وحوضان للكائنات الارية ال البد .نعم! تتمخض الكائنات
وتتلط بركة عنيفة فتتظاهر النة وجهنم فتمتلئان.
وايضاحه :هو ان ال جل جلله لا اراد ان يبدع عالا للبتلء والمتحان لكم كثية تدقّ عن
لكَم؛ مزج الشر بالي وادرج الضر ف النفع ،وادمج العقول ،واراد تغيي ذلك العال وتوّله ِ
القبح ف السن؛ فوصلها بهنم وأمدها با .وساق الحاسن والكمالت تتجلى ف النة .وأيضا
لا اراد تربة البشر ومسابقتهم ،وأراد وجود اختلفات وتغيات فيهم ف دار البتلء خلط
الشرار بالبرار .ث لا انقضى وقت التجربة وتعلقت الرادة بأبديتهم جعل الشرار مظهر خطاب
2
(وَا ْمتَازُوا اْلَي ْومَ َاّيهَا الْ ُمجْ ِرمُونَ) .1وصي البرار مظهر تلطيفِ وتشريف (فَادْ ُخلُوهَا خَالِدينَ)
ولا امتاز النوعان تصفّت الكائنات فانسلّت مادة الضر والشر عن عنصر النفع والي والكمال
فاختارت جانبا.
والاصل :انه لو امعن النظر ف الكائنات صودف فيها عنصران أساسان وعرقان متدان اذا تصل
وتأبدا صارا جنة وجهنم.
مـقـدمـــــة
هذه الية مع ما قبلها اشارة ال القيامة والشر ،فمدار النظر ف هذه السألة أربع نقط:
والثانية :وقوعه..
والرابعة :وقوعه..
أما امكان موت الكائنات:
_____________________
فاعلم! ان الشئ الداخل تت قانون التكامل ففيه نشوء وناء ..فله عمر طبيعيّ ..فله أجَ ٌل
فطريّ؛ ليلص من حكم الوت؛ بدليل استقراء أكثر أفراد النواع .فكما ان النسان عال صغي
ل خلص له من الرابية؛ كذلك العال انسان كبي لمناص له من الوت البتة .وكما ان الشجر
نسخة من الكائنات يعقبها التخريب والنلل؛ كذلك سلسلة الكائنات من شجرة اللقة
ض عاصف ٌة او مرض خارجيّ بالرادة الزلية قبل لمناص لا من يد التخريب للتعمي .ولئن ل يَعر ْ
العمر الفطريّ ،ول يرّبا صانُعها قبلَه َليَجئُ بالضرورة وعلى كل حال حت بالساب الفنّي يومٌ
ت _ واذا النجوم انكدرت) .1و (اذا السماء انشقت) .2فيتظاهر يتحقق فيه (اِذا الشّ ْمسُ ُكوّرَ ْ
ف الفضاء سكرات النسان الكبي برخرة 3عجيبة وصوت هائل.
أما وقوعه:
فباجاع كل الديان السماوية ،وبشهادة كل فطرة سليمة ،وباشارة تغيّر وتبدّ ِل وتوّ ِل الكائنات.
وان شئت ان تتصور سكرات العال وخرخرته فاعلم! ان الكائنات قد ارتبطت بنظام علويّ
دقيق ،واستمسكت بروابط عجيبة فاذا صار جسم من الجرام العلوية مظهر خطاب "كُن" او
"اُخْرُج عَ ْن مِحْوركَ" ترى العال يشرع ف السكرات ،وترى النجوم تتصادم ،وتتلطم الجرام
فترعد وتصيح ف الفضاء الغي التناهي ،ويضرب بعض وجه بعض ،وترمي بشرر كأرضنا هذه بل
ت صوتُها مصّلُ مليي مَرامي مدافع رصاصتُها الصغرى أكب من أكب .فكيف انت برخرة مو ٍ
الرض؟ ..فبهذا الوت تتمخض الِلقة وتتميز الكائنات فتمتاز جهنم بعشيتا ومادتا ،وتتجلى
النة جامعة لطائفتها مستمدة من عناصرها.
pفان قلت :لِ َم كانت الكائنات مغيّرة موقّتة ترب ث تصي يوم القيامة مؤبدة مكمة ثابتة؟
قيل لك :ان الكمة والعناية الزليتي لا اقتضتا التجربة والبتلء ،والنشوء والنماء ف
الستعدادات ،وظهور القابليات ،وظهورالقائق النسبية الت تصي ف الخرة
_____________________
حقائق حقيقية ،ووجود مراتب نسبية ،وحكم كثية لتدركها العقول؛ جعل الصانع جل جلله
الطبائعَ متلطةً ،والضارّ مزوجة بالنافع ،والشرور متداخلة بي الي ،والقابح متمعة مع
الحاسن ،فخمّرت يدُ القدرة الضداد تميا فصيت الكائنات تابعة لقانون التبدل والتغي
والتحول والتكامل .فلما انسد ميدان المتحان وانقضى وقت البتلء وجاء وقت الصاد؛ أراد
الصانع جل جلله بعنايته تصفية الضداد الختلطة للتأبيد ،وتييز أسباب التغي ،وتفريق مواد
الختلف؛ فتحصل جهنم بسم مكم مظهرا لطاب (وامتازوا) وتلى النة بسم مؤبد مشيد
مع أساساتا ..بسر ان الناسبة شرط النتظام ،والنظام سبب الدوام .ث انه تعال اعطى بقدرته
الكاملة لساكن هاتي الدارين البديتي وجودا مشيدا لسبيل للنلل والتغي اليه ،على ان التغي
هنا النجر ال النقراض انا هو بتفاوت النسبة بي التركيب وما يتحلل .وأما هناك فلستقرار
النسبة يوز التغي بل انرار ال النلل.
فاعلم! ان التوحيد والنبّوة لا ل يصح اثباتما بالدليل النقليّ فقط للزوم الدور 1أشار القرآن ال
الدلئل العقلية عليهما .أما الشر فيجوز اثباته بالعقل والنقل:
أما العقليّ فراجع ال ما بيّنا بقدر الطاقة ف تفسي (وبالخرة هم يوقنون) حاصله :ان النظام
والرحة والنعمة انا تكون نظاما ورحة ونعمة ان جاء الشر..
واما النقليّ فقول كل النسان مع حكم القرآن العجز بوقوعه .وأما النقليّ مع الرمز للعقليّ
فراجع هذا الوضع من تفسي فخر الدين الرازي 2فانه عدّد اليات الثبتة للحشر.
والاصل :انه ما من متأمل ف نظائ ِر وأشباهِ وأمثالِ الشر ف كثي من النواع ا ّل ويتحدس من
تفاريق المارات ال وجود الشر السمان والسعادة البدية.
_____________________
1حيث ان صحة الدلئل النقلية -القرآن والديث -مرتبطة بصحة النبوة وصدقها ،فإذا ما
اثبتت النبوة ايضا بالدلئل النقلية ،يلزم الحال وهو الدور والتسلسل ،لذا أشار القرآن ...ال
(ت)63 :
(1209 - 1149م) متكلم وفيلسوف ومفسر القرآن ،لقب بشيخ السلم وانقطع ف اواخر 2
ايامه للوعظ وتلوة القرآن منصرفا عن الجادلت الكلمية ،له مصنفات كثية اهها «مفاتيح
الغيب» تفسي للقرآن الكري و«لباب الشارات» و«شرح ديوان سقط الزند» لب العلء العري.
إشارات العجاز -ص195 :
أما نظم جلها بعض مع بعض ،فاعلم! ان السلك الذي نُظم فيه جواهر جل هذه الية وسلسلتها
هي :ان السعادة البدية قسمان:
والثان :السعادة السمانية وهي بالسكن والأكل والنكح ومتممها ومكملها جيعا هو الدوام
واللود.
1
ث ان أقسام الول مستغنية عن التفصيل أو غي قابلة.
وأما أقسام الثان :فالسكن ،ألطفه ما يري الاء بي نباتاته .أل ترى ان ملهم الشعر ومفيض
العشق ف القلوب انا هو خشخشة 2الاء وخريره وكشكشة 3النار وصفيها تت القصور
وبي البساتي..
والأكل الرزق ولنه تفكه يكون كمال لذته فيما حصل به الُلفة والنسية ،ولنه تفكه يكون
كمال لذته ف التجدد من جهة؛ اذ بكم الألوفية يُعرف درجة عل ّو النعمة وتفوقها على نظيها.
وكذا من مكملت اللذة ان يُعرف انه جزاء عمله ..ومنها ان يكون منبعه ومزنه حاضرا نصب
العي لتحصل لذة الطمئنان..
وأما النكح ،فاعلم! ان من اشدّ حاجات النسان وجود قلب مقابل لقلبه لداولة الحبة ومبادلة
العشق والؤانسة والتشارك ف اللذة ،بل التعاون ف أمثال الية والتفكر .أل ترى ان من رأى ما
يتحي فيه أو يتفكر ف أمر عجيب يدعو ولو ذهنا من يعينه ف تمل الية .ث انّ ألطف القلوب
وأشفقها واحرّها قلب القسم الثان .ث ان متمم المتزاج الروحيّ ومكمّل الستيناس القلبّ،
ي كون القسم الثان مبأة ومطهرة من الخلق السيئة والعوارض ومصفى الختلط الصور ّ
النفرة.
فإن قلت :ان الكل لبقاء الشخص؛ اذ به يصل تعمي ما يتحلل ،وان النكاح لبقاء النوع مع ان
الشخاص ف الخرة مؤبّدون ل يقع فيهم التحويل والنلل وكذا لتناسل ف الخرة؟
_____________________
صوت جلد الية حي الرور ،استعمله الؤلف لصوت مرور الاء كالية (ش) 3
قيل لك :ان فوائد الكل والنكاح ليست منحصرة ف البقاء والتناسل بل فيهما لذة عظيمة ف هذا
العال الليّ .وكيف ليكون فيهما ف عال السعادة واللذة لذات عالية منهة؟
أما اللود ودوام اللذة ،فاعلم! ان اللذة انا تكون لذة حقيقية ِان ل ينغّصها الزوالُ؛ اذ كما ان
دفعَ الل لذةٌ أو سببٌ لا ،كذلك زوال اللذة أل بل تصوّرُ زوالِ اللذةِ ألٌ أيضا .حت ان مموع
اشعار العشاق الجازيي انا هي اني ونياح من هذا الل .وان ديوان كل عاشق غي حقيقي انا
هو بكاء وعويل من هذا الل الناشئ من تصور زوال الحبوب ..نعم ،ان كثيا من اللذائذ الوقّتة
جيْ ِن عن هذا
اذا زالت اثرت آلما مستمرة كلما تذكرها 3يفور مِن فيه" :ايواه!" واأسفا! التر َ
الل الروحانّ .وان كثيا من اللم اذا انقضت اولدت لذّات مستمرة كلما تذكرها الشخص
وهو قد نا يتكلم بـ"المد ل" اللوّح لنعمة معنوية.
أجل! ان النسان ملوق للبد فانا تصل له اللذة القيقية ف المور البدية كالعرفة اللية
والحبة والكمال والعلم وأمثالا.
والاصل :ان اللذة والنعمة انا تكونان لذة ونعمة ان كانتا خالدتي.
_____________________
1حديقة خورخور :مكان يقع تت قلعة مدينة «وان» وفيها مدرسة الؤلف.
(ليس ف الدنيا ماف النة ال الساء) او الفاظ مقاربة والعن واحد ،انظر تفسي ابن كثي 2
أما جلة (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالات) فاعلم! انه تعال لا كلف الناس ،وأثبت النبوّة،
وكلف النبّ بالتبليغ أمره بالتبشي تأمينا لمتثال التكليف الذي فيه مشقة وترك للّذائذ الدنيوية.
فكما انه مأمور بالنذار؛ كذلك مأمور بالتبشي برضاء ال تعال وتلطيفه وقربيته وبالسعادة
البدية.
وأما جلة (ان لم جنات تري) فاعلم! كما مر ان اوّل حاجات النسان الضرورية -لنه جسم
-الكان والسكن؛ وان أحسن الكان هو الشتمل على النباتات والشجار ،وان الطفه هو الذي
يتسلل بي خضراواته الاء ،وان اكمله هو الذي تري بي أشجاره وتت قصوره النار بكثرة.
فلهذا قال (تري من تتها النار) ..ث ان اشد الاجات كما سعت آنفا بعد الكان واكمل
اللذائذ السمانية هو الكل والشرب اللذين يشي اليهما النة والنهر ..ث ان اكمل الرزق هو ان
يكون مألوفا ومأنوسا ليعرف درجة تفوقه على نظيه ..وألذّ الفاكهة ان تكون متجددة ..وان
اصفى اللذة هو أن يكون القتطَف معلوما وقريبا ..وان ألذّها ان يعرف انا ثرة عمله .فلهذا
قال( :كلما رزقوا منها من ثرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي ف الدنيا أو قبل هذا
الن.
وأما (وأتوا به متشابا) فاعلم! ان ف الديث :ان صورتا واحدة والطعم متلف .1فتشي الية
ال لذة التجدد ف الفاكهة ..وان كمال اللذة ان يكون الشخص مدوما يؤتى اليه .وأما جلة
(ولم فيها أزواج مطهرة) فاعلم! كما رأيت ف السلك ان النسان متاج لرفيقة وقرينة يسكن
اليها وينظر بعينها وتنظر بعينه ويستفيد من الحبة الت هي ألطف لعات الرحة .أل ترى ان
النسية التامة هنا بن؟ وأما جلة (وهم فيها خالدون) فاعلم! ان النسان اذا صادف نعمة او
اصاب لذة فأول ما يتبادر لذهنه :أتدوم أم تَُنغّص بزوال؟ فلهذا أشار ال تكميل النعمة بلود
النة ودوامهم وازواجهم فيها ودوام اللذائذ واستمرار الستفادة بقوله( :وهم فيها خالدون).
_____________________
فجملة (وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالات) الواو فيها -بسر الناسبة بي التعاطفي -اشارة
ال "انذر" الذي يتقطر من أنف السابقة ..وأما "بشّر" فرمز ال ان النة بفضله تعال ل واجب
عليه ..وكذا ال ان لبد ان ل يكون العمل لجل النة ..وأما صورة المر ف "بشّر" فاياء ال
"بلّغ مبشرا" فانه مكلّف بالتبليغ..
واما (الذين آمنوا) بدل "الؤمني" القصر فتلويح ال "الذين" الذي مرّ ف رأس السورة ليكون
تفصيله هناك مبيّنا لا اجل هنا ..واما ايراد "آمنوا وعملوا" على صيغة الاضي هنا ،مع ايراد
"يؤمنون" و "ينفقون" هناك بصيغة الضارع فللشارة ال ان مقام الدح والتشويق على الدمة
شأنه الضارع .وأما مقام الكافأة والزاء فالناسب الاضي ،اذ الجرة بعد الدمة..
وأما واو (وعملوا) فاشارة بسر الغايرة ال ان العمل ليس داخل ف اليان كما قالت العتزلة.
وال ان اليان بغي عمل ل يكفي .ولفظ العمل رمز ال ان ما يبشر به كالجرة..
أما (الصالات) فمبهمة ومملة .قال "شيخ ممد عبده الصريّ" 1الطلق هنا حوالة على
الشتهار وتعارف الصالات بي الناس .أقول :وكذا اطلقت اعتمادا على رأس السورة.
وأما جلة (ان لم جنات تري من تتها النار) فاعلم! ان هيئاتا -من تقيق "انّ" وتصيص
"اللم" وتقدي "لم" وجع "النة" وتنكيها وذكر الريان وذكر "من" مع "تت" وتصيص
"نر" 2وتعريفه -تتعاون وتتجاوب على امداد الغرض الساسيّ الذي هو السرور ولذة الكافأة
كالرض النشفة الرطبة ترشح بوانبها الوض الركزيّ .لن (انّ) اشارة ال ان البشارة با هو ف
هذه
_____________________
1905 - 1849( 1م) ممد عبده بن حسن خيال من آل التركمان ،مفت الديار الصرية.
ولد ف شنرا (من قرى الغربية بصر) ،وتعلم بالامع الحدى بطنطه ث بالزهر وعمل ف التعليم،
وكتب ف الصحف .اصدر مع جال الدين الفغان جريدة "العروة الوثقى " ف باريس ث عاد ال
بيوت ،فاشتغل بالتدريس والتأليف ،دفن ف القاهرة ،له "تفسي القرآن الكري " ل يتمه ،و
"رسالة التوحيد " و "شرح نج البلغة "( ..العلم )6/252
الدرجة من العظمة يتردد فيها العقل فتحتاج ال التأكيد ..وأيضا من شأن مقام السرور طرد
الوهام؛ اذ طَرَيان ادن وهم يكسر اليال ويطي السرور ..وكذا اياء ال ان هذا ليس وعدا
صرفا بل حقيقة من القائق .ولم (لم) اشارة ال الختصاص والتملك والستحقاق الفضليّ
ك مسكينا ..وتقدي (لم) اشارة ال لتكميل اللذة وزيادة السرور .والّ فكثيا ما يضيف مَلِ ٌ
اختصاصهم بي الناس بالنة ،اذ ملحظة حال أهل النار سبب لظهور قيمة لذة النة ..وجع
(جنّات) اشارة ال تعدد النان وتنوع مراتبها على نسبة تنوع مراتب العمال ..وكذا رمز ال
ان كل جزء من النة جنة ..وكذا اياء ال ان ما يصيب حصة كل -لوسعته -كأنه كالنة
بتمامها ل كأنه يساق بماعتهم ال موضع ..وتنكي (جنّات) يتلو على ذهن السامع" :فيها ما ل
عي رأت ،ول اذن سعت ،ول خطر على قلب بشر" .1وكذا ييل على أذهان السامعي حت
يتصورها كلٌ على الطرز الذي يستحسنه ..وكذا كأن التنوين بدل (وفِيهَا مَا تَشَْتهِيهِ ا َلْن ُفسُ).2
وأما (تري) فاعلم! ان أحسن الرياض ما فيها ماء .ث أحسنها ما يسيل ماؤها .ث أحسنها ما
استمر السيلن .فبلفظ (تري) أشار ال تصوير دوام الريان ..واما (من تتها) فاعلم! ان أحسن
الاء الاري ف الضراوات ان ينبع صافيا من تلك الروضة ،وير ُمتَخَرْخِرا تت قصورها ،ويسيل
منتشرا بي أشجارها فاشار بـ (من تتها) ال هذه الثلثة ..وأما (النار) فاعلم! ان أحسن الاء
الاري ف النان ان يكون كثيا .ث أحسنه ان تتلحق المثال من جداوله .فان بتناظر المثال
يتزايد السن على قيمة الجزاء .ث أحسنه ان يكون الاء عذبا فراتا لذيذا كما قال (ماءٍ غَيْر
آسِنٍ) 3فبلفظ "نر" وجعه وتعريفه أشار ال هذه.
أما جلة (كلما رزقوا منها من ثرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) فاعلم! ان هيئاتا تتضمن
كثية من المل الضمنية .فاستينافها جواب لسؤال مقدر.
_____________________
1عن اب هريرة رضى ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :قال ال عز وجل:
اعددتُ لعبادى الصالي ما لعي رأت ول أُذن سعت ول خطر على قلب بشر ،واقرأوا ان
شئتم فل تعلم نفس ما اخفي لم من قرة اعي (السجدة .)17 :رواه البخارى ومسلم برقم
2824ول يذكر الية ،والترمذي ( 3195تقيق احد شاكر) وزاد نسبته ف صحيح الامع
الصغي 4183لحد والنسائي وابن ماجه.
وذلك السؤال مزوج من ثانية اسئلة متسلسلة؛ اذ لا بشروا بسكن هكذا عال يتبادر لذهن
السامع :أفيه رزق أم ل ؟ واذا كان فيه رزق فمن اين يئ ويصل ؟ واذا حصل من تلك النة
فمن أي شئ منها ؟ واذا كان من ثرتا فهل هي تشبه ثار الدنيا ؟ واذا شابتها فهل يشبه بعضها
بعضا ؟ واذا تشابت فهل تتلف طعومها ؟ واذا اختلفت وقد قطعت فهل تنقص ام يتلء
موضعها؟ واذا تبدلت بأخرى فهل يدوم الكل منها؟ واذا دام فما حال الكلي أفل يستبشرون؟
واذا استبشروا فماذا يقولون؟ واذ تفطنت لذه السئلة فانظر كيف أجاب القرآن الكري عن هذه
السئلة التسلسلة بيئات هذه الملة..
أما لفظ كلما فاشارة ال الدوام والتحقيق ..وماضوية رزقوا اشارة ال تقيق الوقوع ..وكذا اياء
ال
أما لفظ (كلما) فاشارة ال الدوام والتحقيق ..وماضوية (رزقوا) اشارة ال تقيق الوقوع ..وكذا
اياء ال اخطار نظيه من رزق الدنيا ال ذهنهم ..وايراده على بناء الفعول اشارة ال عدم الشقة
وانم مدومون يؤتى اليهم ..وايثار (منها من ثرة) على "من ثراتا" للتنصيص على جوابي عن
سؤالي من السئلة الذكورة .وتنكي (ثرة) الفيد للتعميم اشارة ال انه أية ثرة كانت فهي
رزق ..وتنكي (رزقا) اشارة ال انه ليس من الرزق الذي تعلمونه لدفع الوع ..ولفظ (قالوا) أي
يتقاولون بعضهم لبعض اياء ال الستبشار والستغراب اللزمي للحكم.
أما جلة (هذا الذي رزقنا من قبل) فاعلم! ان هذا الطلق يتضمن أربعة معان:
أحدها :ان هذا ما رزقنا من العمل الصال ف الدنيا فبشدة الرتباط بي العمل والزاء كأن العمل
تسم ف الخرة ثوابا .ومن هنا الستبشار.
والثان :ان هذا ما رزقنا من الطعمة ف الدنيا مع هذا التفاوت العظيم بي طعميهما .ومن هنا
الستغراب.
والثالث :ان هذا مثل ما أكلنا قبل هذا الن مع اتاد الصورة واختلف العن لمع ل ّذتَي اللفة
والتجدد .ومن هنا البتهاج.
والرابع :ان هذه الت على أغصان الشجرة هي الت أكلناها اذ ينبت بدلا دفعة فكأنا اياها .ومن
هنا يعرف انا ل تنقص.
وأما جلة (وأتوا به متشابا) فاعلم! انا فذلكة وتذييل واعتراضية لتصديق الكم السابق وتعليله..
وبناء الفعول ف (اُتوا) اشارة ال ان لم َخ َدمَة ..وف متشابا ما عرفت من الشارة ال جع
اللذتي:
وأما جلة (ولم فيها أزواج مطهرة) فاعلم! ان الواو بسر الناسبة العطفية اشارة ال انم كما
يتاجون ال السكن لجسامهم يفتقرون ال السكن لرواحهم( ..ولم) اشارة ال الختصاص
والتملك ،ورمز ال التخصيص والصر ،واياء ال ان لم غي النساء الدنيوية حورا عينا خلقن
لجلهم ..و(فيها) اشارة ال ان تلك الزواج لئقة بتلك النة فعلى نسبة علوّ درجاتا يفوق
حسنهن ..وكذا فيها اياء خفي ال أن النة تزينت وتبجت بن ..1و(مطهرة) اشارة ال أن
مطهّرا طهرهن ،فما ظنك بن طهّرهُن ونزههن يد القدرة؟ ..وكذا اياء بالتعدية ان نساء الدنيا
يطهرن ويصفي فيصرن حسانا كالور العي التطهرات ف أنفسهن.
وأما جلة (وهم فيها خالدون) فاشارة ال انم ،وكذا أزواجهم ،وكذا لذائذ النة ،وكذا النة
كافةً؛ أبدية.
***
_____________________
اين تليل لفظ "ازواج "؟ لعله سقط من ايدى النسّاخ .أفيمكن ان أقول : 1
وعنوان "ازواج " اشارة ال انن على حسن اللق وطيب الطبيعة الذى هو رأس اللفة واساس
الزدواج ..وايضا فيه رمز لطيف ال انن على وفق قاماتم .وجع "أزواج " اياء ال ان لكلٍ
ازواجا كثية -كما بينه الديث -ل واحدة او اثنتي .وتنكيها اشارة ال انن لسنهن
وطهرهن حريّات باسم الزواج .وكذا احالة على ذوق السامع واشتهائه نظي ما مرّ ف "جنات
" .وكذا كأن التنوين بدل عُربا اترابا (ش).
ل يُضِ ّل بِهِ َكثِيا َوَيهْدِي بِهِ َكثِيا َومَا ُيضِ ّل بِهِ اِ ّل اْلفَاسِقِيَ
ماذَا اَرَادَ ال بِهذَا َمَث ً
26الّذِي َن يَْن ُقضُو َن َعهْدَ ال مِ ْن َبعْ ِد مِيثاقِ ِه َوَيقْ َطعُو َن ما اَمَرَ ال بِهِ َانْ يُوصَلَ َوُيفْسِدُونَ فِي
ض اُولئِك هُ ُم الْخاسِرُونَ 27 الْ ْر ِ
اعلم! ان ف هذه الية أيضا الوجوه الثلثة النظمية وان مآل الجموع ينظر ال سوابقه وال
لواحقه وال مموع القرآن الكري.
وأما نظمها بالنظر الىلواحقها فاعلم! ان القرآن لا مثّل بالذباب والعنكبوت وبث عن النمل
والنحل انتهز الفرصةَ -للعتراض -اليهو ُد واَه ُل النفاق والشركِ فتحمقوا وقالوا :أيتنل ال تعال
مع عظمته ال البحث عن هذه المور السيسة الت يستحي من بثها أهل الكمال؟ فضرب
القرآن بذه الية ضربا على أفواههم.
وأما نظمها بالقياس ال سوابقها ،فاعلم! أن القرآن لا أثبت النبوّة بالعجاز والعجاز بالتحدّي
والتحدّي بسكوتم ..وكذلك أثبت ف رأس السورة ان القرآن مشتمل على صفات عالية ومزايا
كاملة ل تتمع ف كلم؛ سكتوا ف نقطة التحدي حت ل ينبض لم عرق عصبية لكن اعترضوا
وغالطوا ف نقطة كماله وقالوا ان التمثيل ف امثال (كمثل الذي استوقد نارا) و (كصّيب من
السماء) من المور العادية سبب لنالة درجة الكلم فيشبه الحاورة العادية بي الناس؛ فالقرآن
ألقمهم حجرا وأفحمهم بذه الية.
احداها :القياس مع الفارق ومنشؤه انم ينظرون ال كل شئ برآة مألوفهم .فحينما يرون
النسان ذهنه جزئي وفكره جزئي ولسانه جزئي وسعه جزئي؛ ل يتعلق
نعم! ان ال تعال كما خلق العال واتقنه صنعا واهتم به؛ كذلك خلق الوه َر الفر َد وأتقن صنعه.
ففي نظر القدرة الواهر الفردة كالنجوم السيارة ،لن قدرته تعال وعلمه وارادته وكلمه لزمة
للذات ،وذاتية ،فليست متجددة ول قابلة للزيادة والنقصان ول متغية حت يتداخل فيها الراتب؛
اذ العجز ضدٌ لا ل يكن تداخله بينها .فل فرق بي الذرة والشمس .اذ المك ُن بتساوي طرفَيه
كاليزان ذي الكفتي ،ل فرق ف صرف القوة الت ترفع كفة وتضع أخرى بي ان يكون ف
الكفتي شسان أو ذرتان ،وهكذا نسبة القدورات بالنسبة ال القدرة الذاتية اللزمة .وأما بالنسبة
ال قوة المكنات العارضة التغية التداخل بينها العجز فل موازنة.
والاصل :ان الذرات والمور السيسة لا كانت ملوقة له تعال كانت معلومة له بالضرورة ،فل
1
مُشاحّة بالبداهة أن يبحث عنها .وعلى هذا السر قال (أل يعلم من خلق وهو اللطيف البي)
فكيف ل يبحث عنها ول يتكلم با مَ ْن عَلِم وهو العزيز الكيم.
وثانية الغالطات :هي انم يزعمون انم يرون ف اسلوب القرآن خلف التكلم تثال انسان ،بدليل
البحث عن هذه الشياء القية والمور العادية كأسلوب ماورة البشر .أفل يتذكر هؤلء
التجاهلون ان الكلم كما ينظر ال متكلمه بهة؛ كذلك
_____________________
1سورة اللك.14 :
ينظر ال الخاطب به بهات ،على ما تقتضيه البلغة للتطبيق على مقتضى حال الخاطب .فلما
كان الخاطب بشرا وكان البحث عن أحواله والقصد تفهيمه ،لبس القرآن اسلوبَ البشر
المزوج بسيّاته السمى بـ"التنّلت اللية ال عقول البشر" للتأنيس ..أل تراك اذا حاورت مع
ب تتصبّى له؟
صّ
فان قلت :ان حقارة الشياء وخساستها تناف عظمة القدرة ونزاهة الكلم؟
قيل لك :ان القارة والساسة والقبح وأمثالا انا هي بالنظر ال مُلك الشياء وجهتها الناظرة
الينا وبالنظر ال نظرنا السطحيّ .وقد وُضعت السباب الظاهرية للتوسط ف هذه الهة لتنيه
العظمة .وأما بالنظر ال ملكوتية الشياء فكلها شفّافة عالية .وهذه الهة هي مل تعلق القدرة،
ليرج من التعلق شئ؛ فكما اقتضت العظمة وضع السباب ف الظاهر كذلك تستلزم الوحدة
والعزة شول القدرة لك ٍل واحاطة الكلم به؛ على ان القرآن الكتوب على ذرّة بالواهر الفردة
ليس بأقل جزالةً من القرآن الكتوب على صحيفة السماء بداد النجوم ،وان خلقة الذباب ليست
بأدن صنعا من خلقة الفيل .فالكلم كالقدرة.
قيل لك :انا تعود ال المثّل له دون المثّل ،فكلما كانت مطابقته للممثّل له أحسن ،كانت
درجة الكلم أعلى ونظام البلغة أرفع .أل ترى ان السلطان اذا أعطى راعيه ما يليق به من اللباس
وألقى ال الكلب ما يشتهيه من العظم ..ال .ليقال انه فعل بدعة ،بل يقال انه أحسن بوضع كل
شئ ف موضعه .فاذا كلما كان المثل حقيا كان مثاله حقيا ،وان كان عظيما فعظيما .ولا
كانت الصنام أدن المور سلط ال الذباب على رؤوسها .ولا كانت عبادتا أهون الشياء جعل
ال تعال نسج العنكبوت عنوانا.
وثالثة الغالطات :انم يقولون ما الاجة ال امثال هذه التمثيلت الومئة ال العجز عن اظهار
القيقة؟.
الواب :لا كان القصد من انزال التنيل ارشاد المهور ،والمهور عوام ،والعوام ليرون
القائق الحضة والجردات الصرفة عراة عن متخيلتم ـ ألبس ال تعال بلطفه واحسانه القائق
لباس مألوفاتم لتحسن الُفتهم كما عرفت ف س ّر التشابات.
أما نظم المل بعض مع بعض ،فاعلم! أن (ان ال ل يستحيي ان يضرب مثل ما بعوضة فما
فوقها) ر ّد وطرد لعتراضات متسلسلة .كأنم يقولون أية حكمة ف مكالة ال تعال مع البشر ،
وعتابه عليهم ،والتشكّي منهم؛ فانا علمة ان للنسان أيضا تصرفا آخر ف العال؛ لسيما
كالحاورة الارية بي الناس فانا علمة انه كلم البشر ..ولسيما يتراءى من خلف الكلم تثال
انسان ..ولسيما بتصويرات وتثيلت فانا علمة العجز عن اظهار القيقة ..ولسيما اذا كانت
التمثيلت عادية فانا علمة انصار ذهن التكلم ..ول سيما بأمور حقية فانا علمة خفة
التكلم ..ولسيما اذا كانت ما ل اضطرار اليه وكان تركه أول ..ولسيما اذا كان بعض تلك
المور ما يستحي أهلُ العزّة عن البحث عنه ..ولسيما اذا كان الباحث ذا العظمة واللل..
فأجاب القرآن هدما لذه السلسلة من البدأ ال النتهى بضربة واحدة فقال (ان ال ليستحيي)...
ال؛ لن جهة اللكوتية ل تناف العظمة واللل فل يتركها ول يهملها؛ اذ اللوهية تقتضي
كذلك .فاذا يثّل بالمور الحقّرة للمعان الحقّرة؛ اذ حكمته مع سر البلغة هكذا تقتضي ..فاذا
يذكر التمثيلت العادية بناء على انا الوافقة للتربية والرشاد . .فاذا يصوّر القائق بتمثيلت -
بناء على ما تقتضيه العناية مع التنلت اللية ..فاذا يتار اسلوب ماورة البشر بعض مع بعض
بناء على ما تقتضيه الربوبية مع التربية ..فاذا يتكلم مع الناس بناءً على ماتقتضيه الكمة مع
النظام.
والاصل :ان ال تعال لا أودع ف النسان جزءا اختياريا وجعله مصدرا لعال الفعال ،أرسل
كلمه لينظم ذلك العال.
وان نظم جلة (فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الق من ربم) هو :انه لا ذكر ف الول الدعى،
أشار بذه ال طريق دليله .وكذا رمز وأومأ ال وجه دفع الوهام ،أي من نظر بنور اليان ومن
جانب ال تعال ومن جهة قدرته جاعل حكمته وعنايته وربوبيته نصب العي ،علم انه حق
وبلغة .واما من نظر من جانب حضيض نفسه ،ومن جهة المكنات ،فل جرم ستهوي به
الوهام ..ومثلهما كمثل شخصي صعدا منحدرا رأيا جداول ماء .أما أحدها فيصعد ويرى
رأس العي ويذوق فيعلم ان الاء كله عذب؛ فكلما يصادف قطعة ماء من تفرعات الداول
يتفطن -ولو بامارة ضعيفة -انه عذب ،فل تقدر الوهام ولو قوية على تغليطه .وأما الخر
فيتسفل وينظر من جانب التفرعات ول يرى منبع العي فيحتاج لعرفة عذوبة كل قطعة ماء ال
دليل قطعي .فأدن وه ٍم يُورطه ف الشبهة .أو كمثال شخصي بينهما مرآة ينظر أحدها ال الوجه
الشفّاف ،والخر ال الوجه اللوّن.
والاصل :انه لبد ف النظر ال صنعه تعال ان ينظر اليه من جانبه تعال مع ملحظة عنايته
وربوبيته وليس هذا النظر ال بنور اليان ولتكون الوهام حينئذ -ولو قوية -إل أوهن من
بيت العنكبوت .ولو نظر اليه من جهة المكنات بنظر الشتري وبفكره الزئي لقويت ف عينه
ح بعوضةٍ رؤية العي لبل الوديّ.
الوهامُ الضعيفة فيتستر عنه القيقةُ كما ينع جنا ُ
وان نظم جلة( :وأما الذين كفروا )..ال هو :انه لا ارى طريق فهم حكمة اسلوب التمثيلت -
وهي النظر بنور اليان من جانب الواجب الوجود -بيّن هنا الطريق القابل الذي هو منشأ
الوهام والتعللت بأن ينظر من طرف نفسه بظلمة الكفر الت تصور كل شئ مظلما مع مرض
ف َوهْم .ث يضل طريق الق ث يتردد ث يستفهم ث ينكر .فالقرآن القلب الذي يثقل به اخ ّ
بالياز والكناية أورد -اشارةً ال استفهامهم النكاري -قوله( :ماذا أراد ال بذا مثل) بدل
"ليعلمون" مع انه الطابق للسابق ظاهرا.
وان نظم جلة( :يضل به كثيا ويهدي به كثيا) هو :انا جواب عن صورة استفهامهم فلغاية
الياز نزلت الغاية والعاقبةُ منلة العلة الغائية كأنم يسألون ويقولون :لي شئ كان هكذا؟ ولِمَ
ل يكن اعجازه بديهيا؟ ولِمَ ل يكن كونه كلم ال ضروريا؟ ولِمَ صار معرض الوهام بسبب
هذه المثال؟ فأجاب القرآن بقوله( :يضل به كثيا ويهدي به كثيا) أي :لجل ان من تفكر فيه
بنور اليان ازداد نورا .ومن تفكر بظلمة الكفر والتنقيد ازداد ظلمة ..وهذا لجل انه نظريّ
ليس بديهيا ..وهذا لجل تفريق الرواح الصافية العلوية عن الرواح الكدرة السفلية ..وهذا
لجل تييز الستعدادات العالية بالنشوء والنماء عن الستعدادات البيثة ..وهذا لجل تييز
الفطرة الصحيحة بالتكمل والجاهدة والجتهاد عن الفطرة التفسخة الفاسدة ..وهذا لجل ان
أمتحان البشر يستلزمه ..وهذا لجل ان البتلء يقتضيه..
وهذا لجل ان سر التكليف لتكميل البشر وسعادته يستلزمه .فأوجز التنيل ف الواب.
ان قلت :قد قلت ان التكليف لتأمي سعادة البشر مع انه يكون سببا لوقوع الكثر ف الشقاوة،
ولوله لا صار التفاوت بذه الدرجة؟.
ي بكسبه تشكيل عال الفعال الختيارية؛ كذلك قيل لك :ان ال تعال كما كلّف الزء الختيار ّ
جعل التكليف سبب اسقاء وانبات البذور الغي الحصورة الودوعة ف روح البشر .ولوله لبقيت
البوبات يابسة .واذا تأملت ف أحوال النوع بنظر نافذ رأيت كل ترقيات الروح العنوية ،وكل
تكملت الوجدان اللية ،وتكملت العقل ،وترقيات الفكر الثمرة بدرجة تي فيها العقول انا
وجدت كافة بالتكليف ..وانا استيقظت ببعثة النبياء ..وانا تلقحت بالشرائع ..وانا ألمت من
الديان .ولولها لبقي النسان حيوانا ولنعدمت هذه الكمالت الوجدانية وتلك الحاسن
الخلقية .أما القسم القليل فقبلوا التكليف اختيارا ففازوا بالسعادة الشخصية وصاروا سببا
للسعادة النوعية .وأما القسم الكثي كمي ًة فهم وان كفروا بقلوبم وفيما هم فيه متارون لكن لا
ل يكن كل حال كل كافر كافرا وكل صفته كافرة يابسة كانوا بسبب ايقاظ البعثة للحسّيات
الوجدانية ،وتنبيه النبوة للسجايا الخلقية ،وبتسامع الشرائع ،وتعارف آثارها بيث قد قبلوا
أنواعا من التكليف اضطرارا.
فان قلت :سعادة القليل مع شقاوة الكثي كيف تكون مظهرا لسعادة النوع حت تكون الشريعة
رحة ،مع ان سعادة النوع انا تكون بالكل او الكثر؟
قيل لك :اذا كان لك مائة بيضة ووضعتها تت طي ،فافرخت عشرين وأفسدت ثاني؛ أفل
تقول قد تكمل هذا النوع؟ اذ حياة عشرين تساوي ألوف بيضةٍ .أو كان لك مائة نواة تر
فأسقيتها بالاء فصار عشرون منها نلت باسقات وتفسخ ثانون ،أفل تقول :الاء سعادة لذا
النوع؟ او كان لك معدن فسلطت عليه النار فأصفت خُمسه ذهبا وصيت الباقي فحما ورمادا،
افل تكون النار سبب كماله وسعادته؟ وقس على هذا! ..فاذا نشوء السيات العالية ونوّ
الخلق انا هو بالجاهدة ،وتكمل الشياء انا هو بقابلة الضداد ومزاحتها .ألترى ان حكومة
اذا جاهدت ينمو فيها السارة واذا تركت انطفأت ..تأمل!..
وان نظم جلة (وما يضل به الّ الفاسقي) هو :انه لا ابم ف (يضل به كثياَ) انتبه ذهن السامع
وخاف فاستفسر قائلً :من هم الضالون؟ وما السبب؟ وكيف تئ الظلمة من نور القرآن؟..
فأجاب :بأنم الفاسقون ،وان الضلل جزاء لفسقهم ،وبالفسق ينقلب النور ف حق الفاسق نارا
والضياء ظلمة .أل ترى ان ضياء الشمس يعفن ما استقذرت مادته .وان وجه التوصيف بقوله
(الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض)
هو انه شرحٌ وكشف للفسق اذ الفسق عدول عن الق وتاوز عن الد وخروج من القشر
الصي .وان الفسق انا هو بالفراط أو التفريط ف القوى الثلث الت هي القوّة العقلية والغضبية
والشهوية ..وان الفراط والتفريط سببان للعصيان ف مقابلة الدلئل الت كالعهود اللية ف
الفطرة ..وكذا وسيلتان لرض الياة النفسية وأشي ال هذا بالصفة الول ..وكذلك مرّكان
للعصيان ف مقابلة الياة الجتماعية وتزيق الروابط والقواني الجتماعية وأشي ال هذا بالصفة
الثانية ..وأيضا ها سببان للفساد والختلل النجر ال فساد نظام الرض وأشي ال هذا بالصفة
الثالثة .نعم! ان الفاسق بتجاوز القوة العقلية عن حد العتدال يكسر رابطة العقائد ويزق القشر
الصي اي الياة البدية ..وبتجاوز القوة الغضبية يزق قشر الياة الجتماعية ..وبتجاوز القوة
البهيمية واتباع الوى يزيل عن قلبه الشفقة النسية فيفسد ويورط الناس فيما تورط فيه فيكون
سببا لضرر النوع وفساد نظام الرض.
وان نظم جلة (أولئك هم الاسرون) هو :انه لا ذكر جنايات الفاسق ورهب با أكد التهديد
بنتيجتها وجزائها ليؤثر الترهيب .فقال :هم الذين خسروا ببيع الخرة بالدنيا واستبدال الدى
1
بالوى..
ولنشرع ف نظم هيئات جلة جلة ،فاعلم! ان اليات وجلها وهيئاتا كأميال الساعة الت تع ّد
الثوان والدقائ َق والساعاتِ ،فكلما يثبت هذا شيئا يؤيده ذاك بدرجته ويده ذلك بنسبته ،وكذا
اذا اراد هذا شيئا عاونه ذاك وساعده الخر بيث يُخطر الال ما قيل:
_____________________
ولذا السر قد بلغت سلسة القرآن وعلوّ طبقته ودقة نقشه ال مرتبة العجاز.
أما هيئات جلة (ان ال ليستحيي أن يضرب مثل ما بعوضة فما فوقها) فاعلم! ان (ان) للتحقيق
ور ّد التردد والنكار فهي اشارة ال الترددات التسلسلة الذكورة ..وان لفظة "ال" لتنبيه الذهن
على الطأ ف القياس الذكور ..وان ايثار (ليستحيي) على "ليترك" مع ان الياء -وهو انقباض
النفس -مال ف حقه تعال ونفى الحال ل فائدة فيه ،اشارة ال ان السباب من الكمة
والبلغة وغيها تقتضي حسن التمثيل فل علة للترك ال الياء ،والياء عليه تعال مال فل سبب
للترك أصل فألزمهم أشدّ إلزام وألطفه ..وكذا رمز بشاكلة الصحبة ال كلمتهم المقاء من
قولم" :أما يستحي ربّ ممد من التمثيل بذه الحقّرات" ..وان ايثار (ان يضرب) على "من
الثل القي" مع انه النسب ،اشارة ال اسلوب لطيف وهو :ان التمثيل كضرب الات للتصديق
والثبات ،أو كضرب السكة للقيمة والعتبار .وف الشارة رمز ال حسن التمثيل طردا للوهام،
وكذا اشارة ال ان التمثيل منهاج مشهور مستحسن ،لن ضروب المثال من القواعد العروفة..
وان ايثار (ان يضرب) على "ضرب" مع انه الوجز للياء ال أن منشأ العتراض ليس إلّ
الساسة .لن (ان يضرب) لعدم استقلله كأنه لطيف يُمرّ القص َد ال الفعول ..وأما "ضرب"
فلستقلله كأنه كثيف يستوقف القصد ..وان (مثل) اياء ال خاصية التمثيل من تصوير العقول
بالحسوس ،والوهوم بالحقق ،والغائب بالشاهد .ومنه اياء ال رد الوهم ..وتنكي (مثل) رمز
ال ان مدار النظر هو ذات التمثيل ،وأما الصفات فمحمولة على طبيعة القام وحال المثّل له..
وان التعميم ف (ما) اشارة ال تعميم القاعدة لئل يتص الواب با اعترضوا به فالمثّل له أية
صورة أقتضى استحسنتها البلغة .وان تصيص (بعوضة) اشارة ال كثرة استعمال البلغاء للتمثيل
با كقولم "أضعف من البعوضة" 1و"أشد عنادا من البعوضة" و "كلفتن مخ البعوضة" و "أعزّ
من مخ البعوضة" 2و "قالت البعوضة للنخلة استمسكي انا أطي" و "الدنيا ل توزن عندال جناج
بعوضة" وقس ..وف الشارة رمز ال ضعف وههم ..وان العن بـ (ما فوقها) مادونا ف الصغر
وما
_____________________
وأما هيئات جلة (فأما الذين آمنوا فيعلمون انه الق من ربم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد
ال بذا مثل) فاعلم! ان الفاء للتفريع ،والتفريع اشارة ال دليل ضمن ينتج هذه الملة ذات
الشقي :أي ليترك التمثيل لن البلغة تقتضيه؛ فمن انصف يعرف انه بليغ وحق وكلم ال
تعال .ومن نظر بالعناد ليعلم الكمة فيتردد ..فيسأل ..فينكر ..فيستحقر .فانتج :ان الؤمن -
لنه منصف -يصدق انه كلم ال ،والكافر -لنه معاند -يقول ما الفائدة فيه؟ وان "اما"
فلنا شرطية لزومية ف الوضع اشارة ال ان الب لزم للمبتدأ وضروريّ له ،يعن من شأن البتدأ
هذا الب ..وان ايراد (الذين آمنوا) بدل "الؤمني" اشارة ال التنصيص على ان اليان هو سبب
العلم بقيته وان العلم بقيته ايان ..1وان (انه الق) بدل "انه البليغ" النسب بالقام اشارة ال
آخر نتيجة اعتراضهم اذ غرضهم نفى كونه كلم ال ..وان حصر "انه الق" اشارة ال ان هذا
هو الستحسن الذي ل يستقبح بلف ما يزعمون اذ السلمة من العيب لتثبت الكمال ..وان
(من ربم) اشارة ال ان هدف غرضهم انكار النول ..وان "اما" ف "واما الذين كفروا" للتأكيد
والتحقيق والتفصيل ..وان ايراد (الذين كفروا) بدل "الكافرين" الوجز اياء كما مر ال ان
انكارهم يئ من الكفر ويذهب ال الكفر ..وان ايثار (فيقولون) على "فل يعلمون" مع انه
الظاهر كما مر فلختيار طريق الكناية للياز أي :من كفر ليعرف القيقة فينجر ال التردد..
فينجر ال النكار ..فينجر ال الستحقار بصورة الستفهام ..وأيضا ف "يقولون" رمز ال أنم
كما كانوا ضالّي ،كذلك كانوا مضلي بأقوالم.
_____________________
الظاهر :ان ههنا حذفا من نسيان النساخ -كما انه نسي تليل ماذا اراد ال بذا مثلً برمته - 1
مع السف -يُعلم من عدم ارتباط الكلم ،ومن فقد كلمة "فيعلمون " ومن عديله "الذين كفروا
" مع الحالة هناك على ما هنا .فاقول بدلً عن الؤلف على نسق ما يأت ،فان حلّ مله فبها والّ
فعليّ:
ان ايراد الذين آمنوا بدل "الؤمني " الوجز اياء ال ان انصافهم يئ من اليان ،ويذهب ال
اليان ..وان ايثار "فيعلمون " على "فيقولون " النسب با يأت اشارة ال التنصيص على ان
اليان هو سبب العلم بقيقته ،وان العلم بقيقيته ايان (ش).
وأما هيئات جلة (يضل به كثيا ويهدي به كثياَ) فاعلم! ان الترتيب يقتضي تقدي الثانية لكن لا
كان الغرض ردّ اعتراض التردّد الستفهِم الستنكِر الستقبح كان (يضل) أهمّ .أما العدول عن
"الضللة والداية" الناسبتي للسؤال ال صورة الفعل الضارع فاشارة ال ان كفرهم يتكاثف
ظلمة على ظلمة بنسبة تزايد النول تددا؛ كما ان الؤمن يتزايد ايانه بدرجات النول نورا على
نور ..وكذا ف الفعل -بناء على كونه جوابا -رمز ال بيان حال الفريقي وبيان السبب .وأما
(كثيا) ففي الُول كمية وعددا ،وف الثانية قيمة وكيفية .نعم! ان كرام الناس كثيون وان قلّوا.
فالتعبي بالكثي ف الثانية رمز ال سرّ كون القرآن رحة للبشر .1تأمل..
وأما جلة (وما يضل به ا ّل الفاسقي) فاعلم! انه لا ذكر الكثي ف الول دفع الوسوسة والوف
والتردد وتمة النقص ف القرآن ببيان :ان الضالي من هم؟ وان منشأ الضللة فسقهم ،وان سببها
كسبهم ،وان القصور منهم ل من القرآن ،وان خلق الضللة جزاء لفعلهم..
ث اعلم! ان كل واحدة من هذه المل كما انا كشّافة لسابقتها؛ كذلك مفسّرة بلحقتها كأنا
دليل للسابقة نتيجة للحقة.
إحداها هكذا :انه ليستحي ..لنه ليترك ..لنه بليغ ...لنه حق ..لنه كلم ال ..لن الؤمن
يعلمه.
والثانية هكذا :انه ليستحي كما يقول النكر ..لنم يقولون يلزم تركه ..لنم ليعلمون
حكمته ..لنم يقولون ما الفائدة فيه ..لنم ينكرونه ..لنم يستحقرونه ..لنم يقعون ف
الضللة بسماعه ..لنم يضلهم القرآن ..لنم هم الذين فسقوا وخرجوا عن قشرهم ..لنم
نقضوا عهد ال ..لنم مزقوا ما اتصل بأمر التكوين والتشريع ..لنم يفسدون النظام الليّ ف
الرض .فاذا هم الاسرون ف الدنيا باضطراب الوجدان وبقلق القلب وبتوحش الروح ،وف
ي وبغضب ال ،فتأمل ف سلسة السلسلتي!)2(.. الخرة بالعذاب البد ّ
_____________________
1اِذ من لطف القرآن وشول رحته للناس اظهار فضائل الهتدين القليلي كثيةً ،وبيان ان صاحب
فضلية وهداية اول" من الفٍ من الحرومي منها ،لذا فالكرام كثيون وان قلّوا (ت)196 :
( )2جزاك ال خيا كثيا لقد أحسنت ف فهم السلسلتب وتفهيمهما( بط الؤلف على نسخة
مطبوعة)
وأما هيئات جلة (الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به ان يوصل
ويفسدون ف الرض) فاعلم! ان توصيف الفاسقي الشككي ف اعجازه ونظمه بذه الوصاف
ف هذا القام ،انا هو لناسبة لطيفة عالية .كأن القرآن يقول :ليس ببعيد من الفساق -الذين ل
يروا اعجاز القدرة ف نظام الكائنات الت هي القرآن الكب -ان يترددوا ويهلوا اعجاز نظم
القرآن؛ اذ كما يرون نظام الكائنات تصادفيا ،والتحولت الثمرة عبثا اتفاقية فتستر عنهم -
لفساد روحهم ِ -حكَمَه؛ كذلك بفطرتم السقيمة وتوسهم الفاسد رأوا النظم العجز مشوشا
ومقدماته عقيمة وثراته مرّة.
اما جلة (ينقضون عهد ال) فلن النقض لغةً تفريق خيوط البل وتزيقها اشارة ال اسلوب
عال،كأن عهده تعال حبل نوران فتل بالكمة والعناية والشيئة فامتد من الزل ال ان اتصل
بالبد .فتجلى ف الكائنات بصورة النظام العمومي وأرسلت تلك السلسلة سلسلها ال النواع
جبُها 1ال نوع البشر فاورثت واثرت ف روح البشر بذور استعدادات وقابليات تسقى وامتدّ َأعْ ُ
وتتزاهر بالزء الختياريّ العدّل بالمر التشريعيّ ،أي الدلئل النقلية .فوفاء العهد صرف
الستعدادات فيما وضعت له؛ ونقض العهد خلفه وتفريقه ،كاليان ببعض النبياء وتكذيب
بعض ..وقبول بعض الحكام ورد بعض ..واستحسان بعض اليات واستنكار بعض ..فانه يل
بالنظام والنظم والنتظام.
وأما جلة (ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل) فاعلم! ان هذا المر عام للمر التشريعيّ والمر
التكوينّ الندمج ف القواني الفطرية والعادات اللية .فالقطع لا أمر بوصله شرعا كقطع صلة
الرحم وقطع قلوب الؤمني بعض عن بعض .وعلى هذا القياس! ..وتكوينا كقطع العمل عن
العلم ..وقطع العلم عن الذكاء ..وقطع الذكاء عن الستعداد .وقطع معرفة ال عن العقل..
وقطع السعي عن القوة ..وقطع الهاد عن السارة وهكذا! ..اذ إعطاء القوة أمر معنوي تكوين
بالسعي ،وإعطاء الذكاء أمر معنوي بالعلم ..ال آخره...
وأما جلة (ويفسدون ف الرض) فاعلم! ان من فسد وتورط ف الوحل يطلب أن يكون له رفقاء
متورطون ليتخفف عنه دهشة الال بسر "اذا عمّت البلية
_____________________
pفان قلت :كيف يؤثر فساد فاسق ف عموم الرض الشار اليه بلفظ ف الرض؟
قيل لك :الذي فيه نظام ففيه موازنة ،حت ان النظام مبن على الوازنة فتداخل شئ حقي بي
دواليب ماكينة تتأثر به ،وان ل يُحس .واليزان الذي ف كفتيه جبلن يتأثر بوضع جوزة على
كفة..
وأما جلة (اولئك هم الاسرون) فاعلم! ان حق العبارة "هم خاسرون ف عدم الداية به " فلفظ
ق لنكت:ف والطل ُ"اولئك" ولفظ "هم" والتعري ُ
أما (اولئك) فلن وضعه لِحضار مسوسٍ ،فالِحضار الستفاد منه اشارة ال ان السامع اذا سع
حالم البيثة من شأنه ان يصل له حدّة عليهم ونفرة منهم .فلتطمي نفرته وتشفّي حدّته يطلب
أن يستحضروا إل خياله ليشاهدهم وقت اتصافهم بالعاقبة الوخيمة . .والحسوسية اشارة ال أن
أوصافهم الرذيلة تكثرت بدرجة تسمهم مسوسي نصب نظر النفرة .فمن الِشارة اياء إل علة
الكم بالسارة . .والبعدية إشارة إل أنم قد بعدوا عن طريق الق بدرجة ليرجعون فيستحقون
الذم والتشنيع بلف من كان ف معرض الندامة ومسافة الرجوع ..و(هم) اشارة ال ان السارة
منحصرة عليهم حت ان خسارات الؤمني لبعض اللذائذ الدنيوية ليست خسارة .وكذا خسارات
أهل الدنيا ف تاراتم ليست خسارة بالنسبة إل خساراتم ..واللف واللم اشارة ال تصوير
القيقة أي من أراد أن يرى حقيقة الاسرين فلينظر اليهم . .وكذا اياء ال أن مسلكهم مض
خسارة ل كالسارات الخر الت فيها وجوه من النفع لكن الضر أكثر .فالتعريف اما للكمال أو
ب ال عموم أنواعللبداهة أو لتصوير القيقة ..واطلق السارة اشارة باعانة القام الطا ّ
السارات .أي خسروا ف وفاء العهد بالنقض ،وف صلة الرحم بالقطيعة ،وف الصلح بالِفساد،
وف اليان بالكفر ،وبالشقاوة خسروا السعادة البدية..
***
إشارات العجاز -ص214 :
حيِيكُمْ
ف َتكْفُرُو َن بِال وَ ُكْنتُ ْم اَ ْموَاتا فََاحْياكُمْ ثُ ّم يُمِيُتكُ ْم ثُ ّم يُ ْ
َكيْ َ
أما نظم مآلا بسابقها ،فاعلم! ان ال تعال لا دعا الناس إل عبادته والعتقاد به ،وذكر أصول
العقائد والحكام مشيا إل دلئلها إجالً؛ عاد ف هذه الية مع لواحقها الثلث إل سرد الدلئل
عليها بتعداد النعم التضمنة للدلئل .ث إن أعظم النعم "الياة" الشار اليها بذه الية ،ث "البقاء"
أي كمال الياة بتنظيم السموات والرض الشار اليه بالية الثانية ،ث تفضيل البشر وتكريه على
الكائنات بالية الثالثة ،ث تعليمه العلم بالرابعة ..فهذه النعم نظرا ال "صورة النعمة" دليل العناية
والغاية ،وكذا دليل العبادة؛ اذ شكر النعم واجب وكفران النعم حرام ف العقول .ونظرا ال
"القيقة" دليل اختراعيّ على وجود البدأ والعاد ..وكذا ان هذه الية كما تنظر ال سابقتها
ي التعجبّ إل كذلك تنظر إل السبق من بث الكافرين والنافقي فأشار بذا الستفهام النكار ّ
تقريعهم وتشنيعهم وتديدهم وترهيبهم.
وأما نظم المل ،فاعلم! ان هنا إلتفاتا من الغيبة ال الطاب؛ اذ حكى عنهم اوّ ًل ث خاطبهم،
لنكتة معلومة ف البلغة وهي:
انه اذا ذكر مساوئ شخص شيئا فشيئا تزيد الدّة عليه ،ال ان يلجئ التكلم -لو كان انسانا
-ال الشافهة والخاطبة معه ..وكذا اذا ذكرت ماسن أحد درجة درجة يتقوى ميل الكالة معه
ال أن يلجئ إل التوجه اليه والطاب معه .فلنول القرآن على أسلوب العرب التفت فقال:
(كيف تكفرون) ماطبا لم.
ث اعلم! انه لا كان القصد هنا سرد الباهي على الصول السابقة من اليان والعبادة ،ورد
الكفر ومنع كفران النعمة .ث ان أوضح الدلئل هو الدليل الستفاد من سلسلة أحوال البشر ،وان
أكمل النعم هي النعم التدلّية ف أنابيب تلك السلسلة
إشارات العجاز -ص215 :
والندمة ف عقدها؛ قال( :وكنتم أمواتا فأحياكم ث ييتكم ث يييكم ث اليه ترجعون) اشارة ال
تلك السلسلة العجيبة الترتبة ذات العقد المس الت تدلت من أنابيبها عناقيد النعم .فلنمهّد خس
مسائل للّ تلك العقد.
اعلم! ان النسان باعتبار جسده بينما كان ذرّاتٍ جامد ًة منتشرةً ف العال ،اذ تراها دخلت
بقانون مصوص ونظام معيّن تت انتظام ..ث بينما تراها متسترة ساكتة ف عال العناصر اذ تراها
انتقلت متسلّلة بدستور معّي وانتظام يومئ إل قصد وحكمة ال عال الواليد ..ث بينما تراها
متفرقة ساكنة ف ذلك العال اذ تراها تزبت بطرز عجيب وصارت نطفة ..ث بانقلبات متسلسلة
ل بالنسبة العلقة فمضغة ..فلحما وعظاما وهلم جرا ..فكلّ من هذه الطوار وان كان مك ّم ً
1
سابقه ال انه ميّت وموات.
قيل لك :اختار الجاز لعداد الذهن لقبول العقدة الثالثة والرابعة.
اعلم! ان أعجبَ معجزات القدرة وادقّها الياةُ ..وكذا هي أعظم كل النعم وأظهر كل الباهي
على البدأ والعاد.
ان ادن أنواع الياة حياة النبات ،وان أوّل درجاتا تنبه العقدة الياتية ف البة .وهذا التنبه مع
شدة ظهوره وعمومه واللفة به من زمان آدم ال الن قد بقي مستورا عن نظر حكمة البشر.
_____________________
1بالنسبة ال لحقه.
ت مع عموم الكائنات وتارة مع النواع حت يقّ له أن يقول: فيه الياة حصل له دفع ًة مناسبا ٌ
"مكان الكائنات وهي كملكي" .اذ اذا انتقل إل الياة اليوانية تراه يول بواسه ويتصرّف با
ف أطراف الكائنات فيحصل بينه وبي أنواعها اختصاص ومبادلة ومبة ..ول سيما اذا ترفع إل
طبقة النسانية تراه بنور العقل يول ف عوال .فكما يتصرّف ف العال السمان يول ف العال
الروحان ،ويطوف ف العال الثال .وكما يسافر هو ال تلك العوال؛ كذلك تسافر هي اليه
بالتمثل ف مرآة روحه حت يستحق أن يقول" :ان العال ملوق لجلي بفضل ال تعال" ..فتتنوع
حياته وتنبسط ال الياة الادية والعنوية والسمانية والروحانية الت يشتمل كل منها على
طبقات .فحق أن يقال :كما ان الضياء سبب لظهور اللوان والجسام؛ كذا ان الياة كشافة
لكافة الوجودات وسبب لظهورها ،وان الياة هي الت تصيّر ذرّة كعال .وان الياة هي الوسيلة
لِحسان مموع العال لذي حياة برأسه مع عدم الزاحة والنقسام إلّ ف أقل قليل بي البشر.
وأما وجه كونا أظهر الدلئل على الصانع وكذا على الشر:
فاعلم! ان انتقال بعض ذرات جامدة وانقلبا دفعة ال هيئة ووضعية تالف الوضعية الول -بل
ي برهان .حت ان الياة لكونا أشرف القائق وأنزهها ،ل خسّةتوسط سبب معقول -برهان أ ّ
فيها بوجهٍ ول َريْن عليها ،ل ف جهة اللك ول ف جهة اللكوت ،فكل وجهيها لطيفان ،حت ان
حياة أخس حيوان جزئي أيضا عالية .ولذا السر( )1ل يتوسط بينها وبي يد القدرة سبب
ظاهريّ؛ اذ مباشرتا ل تناف عزة القدرة ،مع ان وضع السباب الظاهرية -كما مر -لحافظة
عزة القدرة ف مباشرة المور السيسة ف ظاهر النظر.
وأما وجه كونا أظهر الدلئل على البدأ والعاد فقد سعت آنفا ،فلنلخص لك وهو:
ان من نظر ف هذه الياة وتدرج بنظره ال الطوار الترتبة إل أبسط صور السم يرى أجزاء
منتثرة ف عال الذرات .ث يبصرها قد تلبس ف عال العناصر صورا أخرى .ث يصادفها ف عال
الواليد ف وضعية أخرى ..ث يلقيها ف نطفة ث ف
علقة ث ف مضغة .ث يراها دفعة بانقلب عجيب قد لبست صورة ويرى ف هذه النقلبات
حركات منتظمة على دساتي معينة يتراءى منها :ان كل ذرة كانت معينة ف أول الطوار كأنا
موظفة للذهاب إل الوضع الناسب من جسد الي ،فيتفطن الذهن انا بقصد تُساق وبكمة
تُرسل ،وكانت الياة الثانية ف نظره أهون وأسهل وأمكن بدرجات فيقنع با قلبه بالطريق
الَول .فهذه الملة كالدليل للحقتها والكل معا برهان على النكار الستفاد من "كيف".
اعلم! ان آية (خلق الوت والياة) 1تدل على ان الوت ليس إعداما وعدما صرفا ،بل تصرف،
وتبديل موضع ،واطلق للروح من الحبس .وكذا ان ما وجد ف نوع البشر ال الن من امارات
غي معدودة ،ونَجَمَ من اشارات غي مدودة؛ القت ال الذهان قناعة وحدسا بأن الِنسان بعد
الوت يبقى بهة ،وان الباقي منه هو الروح .فوجود هذه الاصة الذاتية ف فرد يكون دليل على
وجودها ف تام النوع للذاتية .ومن هنا تكون الوجبة الشخصية مستلزمة للموجبة الكلية ،فحينئذ
يكون الوت معجزة القدرة كالياة .ل انه عد ٌم علتُه عد ُم شرائط الياة.
أوّل :فلنه مقدمة للسعادة البدية ،ولقدمة الشئ حكم الشئ حُسنا وقبحا؛ اذ مايتوقف عليه
الواجب واجب وما ينجر إل الرام حرام..
وثانيا :فلن الوت عند أهل التحقيق من التصوّفي ناة للشخص بروجه عن نظي الحبس
الشحون باليوانات الضرّة ال صحراء واسعة..
و ثالثا :فلنه باعتبار نوع البشر نعمة عظمى؛ اذ لولها لوقع النوع ف سفالت مدهشة..
ورابعا :فلنه باعتبار بعض الشخاص نعمة مطلوبة اذ بسبب العجز والضعف ل يتحمل تكاليف
الياة وضغط البليات وعدم شفقة العناصر ،فالوت باب فوزه.
_____________________
اعلم! ان باشارة آية (َامَّتنَا اثَْنَتيْنِ َواَ ْحَيْيتَنَا اثَْنَتيْنِ) 1وكذا برمز تعقيب هذه بـ ث اليه ترجعون مع
النظر إل اياز القرآن ،اياء ال حياة القبكما تدل على حياة الشر.
pفإن قلت :اذا اُحرق انسان واُعطي رماده للهواء كيف يتصور فيه الياة القبية؟
قيل لك :ان البنية ليست شرطا للحياة عند أهل السنة والماعة فيمكن تعلق الروح ببعض
الذرات.
pفإن قلت :كيف يتصور عذاب القب مع انه لو وضعت بيضة على صدر جنازة بأيام ل يس
فيها أدن حركة فكيف الياة والعذاب؟
قيل لك :ان العال الثالّ قد بُرهن عليه ف موقعه ،حت ان وجوده قطعي عند الحققي الليي.
وخاصةُ ذلك العال توي ُل العان أجساما والعراضُ جواه َر والتغيات ثابتةً .والعيون الناظرة من
عال الشهادة اليه ،الرؤيا الصادقة والكشف الصادق والجسام الشفافة فانا تلوّح بوجوده .ث ان
عال البزخ اثبتُ حقيقةً من عال الثال الذي هو تثاله .وظل هذا العال عال الرؤيا ،وظل هذا
عال اليال ،ونظي هذا الجسام الشفافة كالرآة .فاذ تفهمت هذا فانظر ف عال الرؤيا وتأمل ف
شخص نام عندك وهو ساكن وساكت مع انه ف عاله يقاتل ويضارب فيصي مروحا أو تلدغه
الية فيتأل .ولو أمكن لك أن تدخل ف رؤياه وتقول له :يا هذا! ل تعجز ول تغضب فإن هذا
ليس حقيقة وحلفتَ له ألف يي لا يصدقك .ويقول لك :هذا ألي يوجعن وهذا جرحي! أما
2
ترى هذا وبيده السيف ،واما ترى الية تجم عليّ؛ اذ تسم معن وجع الكتف أو نزلة الرأس
ف صورة سيف جارح ،اذ النتيجة واحدة .أو تصوّر معن اليانة الوجعة لقلبه ف لباس الية اذ
الل واحد .فيا هذا! اذ ترى ذاك ف ظل عال الثال أفل تصدقه ف عال البزخ الذي هو أثبت
حقيقة بدرجات وأبعد منا؟ أما (يييكم) بالنظر ال الياة الخروية .فاعلم! ان تلك
_____________________
الياة نتيجة لكل العال .ولولها ل تكن القيقة ثابتة ولنقلبت القائقُ -كالنعمة -نقمةً.
وقس! ..ولقد لصنا دلئلها ف تفسي (وبالخرة هم يوقنون)..
السألة الامسة :ف (ث اليه ترجعون) آخر العقد من تلك السلسلة.
تذييل للصة نظم المل :اعلم! انه تعال لا أنكر كفرهم الواقع بطريق الستفهام الستخبار ّ
ي
ف "كيف" ودعا الناس ال التعجب منه؛ برهن عليه با بعد الواو الالية أي باراءة أربعة انقلبات
عظيمة كلها وكل منها شاهد على وجوب اليان .ث ان كل انقلب منها مشتمل على أطوار
ومراتب ،ومقدمة ومُعدّة للنقلب الذي يليه فمن الطور الول من النقلب الول إل الطور
الخر من النقلب الخر يتجدد أصلُ جسد الي دائما فيلقى قشرا ويلبس الكمل ث يلعه
ويلبس صورة أعلى ث يلقيها أيضا فيلبس صورة أحسن وهلم جرا! ..فهو دائما ف استبدال
صورة بأخرى كاملة إل أن يصل إل أعلى العال فيستقر بتقرر السعادة البدية ،وكلها بنظام
معيّن وقانون منتظم .فأشار إل أول النقلبات بقوله (وكنتم أمواتا) وهذا مشتمل على أطوار
آخر الطوار ينتج مآل (فأحياكم) الدال على النقلب الثان الذي هو أعجب حقائق العال
الشتمل على أطوار آخرها تنتهي بانقلب (ث ييتكم) الشتمل أيضا على أطواره البزخي الت
تتم بانقلب (ث يييكم) الشتمل على أطواره القبية ث الشرية الختومة بقوله (ث اليه ترجعون).
فمن أمعن ف هذه النقلبات كيف يتجاسر على النكار؟
أما الملة الول أعن (كيف تكفرون بال وكنتم أمواتا) فالستفهام فيها لتوجيه ذهنهم ال
قباحتهم ليوا بأنفسهم فينصفوا فيقرّوا .و(كيف) اشارة ال الستدلل على عدم الكفر بانكار
الال اللزم .والطاب ف (تكفرون) اياء كما
فإن قلت :انم وان علموا بالوت والياة الُول لكنهم ليعلمون انما من ال ،وكذلك ليقرون
بالياة الثانية وليصدقون بالرجوع اليه تعال؟
قيل لك :من البلغة تنيل الاهل منلة العال عند ظهور دلئل ازالة الهل .فلما كان التفكر ف
أطوار الوت الول والياة الُول ملجأ ال القرار بالصانع وكان العلم با مقنعا للذهن بوقوع
الياة الثانية؛ كانوا كأنم عالون بذه السلسلة .والطاب ف (كنتم) اشارة ال ان لم ف عال
الذرات أيضا وجودا وتعينا .ل ان الذرات كيفما اتفقت صارت أجسادَهم العينة بالتصادف.
وإيثار (أمواتا) على جاد 2أو ذرات اياء ال مآل (َل ْم يَكُ ْن َشيْئا َمذْكُورا) .3
فان قلت :الفاء للتعقيب والتصال مع تلل تلك الطوار وتوسط مسافة طويلة ال الياة؟
قيل لك :الفاء للشارة إل منشأ دليل الصانع وهو ان انقلبا من المادية ال اليوانية دفعةً من
غي توسط سبب معقول يُلجئ الذهن ال القرار بالصانع .وكذا ان الطوار ف حالة الوات
ناقصة غي ثابتة شأنا التعقيب .وإيثار (أحياكم) على "صرت أحياء" للتصريح ،أي صرت أحياء
وليكن ذلك بغي قدرة الصانع .فانتج ان ال تعال هو الذي أحيا.
وأما جلة (ث ييتكم) بدل "توتون" فإشارة كما مر ال أن الوت تصرف عظيم للقدرة بقياس
القدر .أل ترى ان من استوف عمره الطبيع ّي ث انتهى إل
_____________________
الجل اقلّ قليل .فيتيقظ الذهن ال ان الوت ليس نتيجة طبيعية .فالوت انلل السد ل فناء
الروح بل اطلقه.
وأما جلة (ث اليه ترجعون) فـ "ث" اشارة ال توسط الغطاء العظيم .و"ترجعون" اشارة ال
كشف الغطاء وطرد السباب واسقاط الوسائط.
فإن قلت :الرجوع ال ال تعال يقتضي ان يكون الجئ منه اوّل ،ومن هنا توه َم بعضٌ التصالَ
واشتبه بعض أهل التصوف.
قيل لك :ان ف الدنيا وجودا وبقاء وكذا ف الخرة وجود وبقاء .فالوجود ف الدنيا يصدر من يد
القدرة بل واسطة وأما البقاء الحفوف بالتحليل والتركيب والتصرف والتحول ف عال الكون
والفساد فيتداخل بينه العلل وتتوسط السباب للحكمة الذكورة سابقا .وأما ف الخرة فالوجود
وكذا البقاء بلوازمه وتركيباته يظهر بالذات من يد القدرة ويعرف ك ّل شئ مالكَه القيقي .فاذا
تأملت ف هذا علمت معن الرجوع.
***
أما نظم الجموع بالسابق فهو :ان ف الية الول انكار الكفر والكفران بالدلئل النفسية وهي
أطوار البشر ،وف هذه الية اشارة ال الدلئل الفاقية ..وكذا ف الول اشارة ال نعمة الوجود
والياة ،وف هذه الية ال نعمة البقاء ..وكذا ف تلك دليل على الصانع ومقدمة للحشر ،وف
هذه اشارة ال تقيق العاد وازالة الشبه كأنم يقولون :اين للنسان هذه القيمة؟ وكيف له تلك
الهية؟ وما موقعه عند ال حت يقيم القيامة لجله؟ فقال القرآن باشارات هذه الية :ان للنسان
قيمة عالية بدليل ان السموات والرض مسخرة لستفادته ،وكذا ان له أهية عظيمة بدليل ان ال
ل يلق النسان للخلق بل خلق اللق له ،وان له عند خالقه لوقعا بدليل ان ال تعال ل يوجد
العال لذاته بل اوجده للبشر وأوجد البشر لعبادته .فانتج ان النسان مستثن ومتاز ل كاليوانات
فيليق أن يكون مظهرا لوهرةِ (ث اليه ترجعون).
وأما نظم جلة جلة ،فاعلم! ان لفظ "جيعا" ف الملة الول ولفظ "ث" ف الثانية ولفظ "سبع"
ف الثالثة تقتضي تقيقا .فلنتكلم عليها ف ثلث مسائل:
السألة الول:
ان قلت :ان هذه الية تدل على أن جيع ما ف الرض لستفادة البشر فكيف يتصور استفادة
(زيد) مثل من كل جزء من أجزاء الرض؟ و(حبيب وعلي) 2كيف يستفيدان من حجر ف قعر
جبل ف وسط جزيرة ف البحر الحيط الكبي؟ وكيف يكون مال (زيد) لستفادة عمرو؟ مع ان
الية باشارات أخواتا تشي أن لكل فر ٍد المي َع ل التوزيع .وكذا كيف تكون الشمس والقمر
وغيها مع
_____________________
( 1ش).
تلك العظمة لزيد وعمرو والعلة الغائية فيها الفائدة الزئية لما؟ وكيف تكون الضرات لستفادة
البشر مع انه ل مازفة ف القرآن ولتليق البالغة ببلغته القيقية؟
الول :ان خاصية الياة كما مر تصيّر الزء كل والزئي كليا والنفرد جاعة والقيد مطلقا
والفرد عالا ،فيصي النواع كقوم ذي حياة والدنيا بيته ويكون له مناسبة مع كل شئ.
والثانية :ان ف العال كما علمت نظاما ثابتا واتساقا مكما ودساتي عالية وقواني أساسية مستمرة
فيكون العال كساعة أو ماكينة منتظمة .فكما ان كل دولب منها بل كل سنّ من كل دولب
بل كل جزء من كل سنّ له دخلٌ ولو جزئيا ف نظام الاكينة ،وكذا له تأثي ف فائدة الاكينة
ونتيجتها بواسطة نظامها؟ كذلك لوجوده دخل ف فائدة أهل الياة الذين سيّدهم ورئيسهم
البشر.
والثالثة :انه -كما قرع سعك فيما مضى -ل مزاحة ف وجوه الستفادة ،فكما ان الشمس
بتمامها لزيد وان ضياءها روضة وميدان لنظره؛ كذلك بتمامها مُلك لعمرو وجنة له .فزيد مثل
لو كان ف العال وحده كيف تكون استفادته؛ كذلك اذا كان مع كل الناس ل ينقص منها شئ
1
ال فيما يعود ال الغارين.
والرابعة :ان الكائنات ليس لا وجه رقيق فقط ،بل فيها وجوه عمومية متلفة طبقا على طبق،
ولفوائدها جهات كثية عمومية متداخلة ،وطرق الستفادة متعددة متنوعة .مثلً :اذا كان لك
روضة تستفيد منها بهة ويستفيد الناس بهة أخرى ،كالستلذاذ بالقوة الباصرة .ولجرم ان
استفادة النسان تصل بواسه المس الظاهرة وبواسه الباطنة وبسمه وبروحه وكذا بعقله
وقلبه وكذا ف دنياه وف آخرته وكذا من جهة العبة وقس عليها ..فل مانع من استفادته بوجه
من هذه الوجوه من كل ما ف الرض بل العال.
والامسة :انه:
_____________________
ان قلت :هذه اليات مع آيات اُخر تشي ال ان هذه الدنيا العظيمة ملوقة لجل البشر وجعل
استفادته علة غائية لا .والال ان زحل الكب من الرض ليست فائدتا بالنسبة ال البشر ا ّل نوع
زينة وضياء ضعيف فكيف يكون علة غائية؟
قيل لك :ان الستفيد يفن ف جهة استفادته وينحصر ذهنُه ف طريقها وينسى ما عداها وينظر ال
كل شئ لنفسه ويصر العلة الغائية على ما يتعلق به .فاذا ل مازفة ف الكلم الوجّه ال ذلك
الشخص ف مقام المتنان بأن يقال :ان زحل الذي أبدعه خالقه للوفِ ِحكَمٍ ،وف كل حكمة
ألوفُ جهاتٍ ،وف كل جهة ألوفُ مستفيدٍ العلة الغائية ف إبداعه جهة استفادة ذلك الشخص.
والسادسة - :وقد نبهت عليه -ان النسان وان كان صغيا فهو كبي ،فنفعه الزئيّ كل ّي فل
عبثية.
واعلم ثانيا :ان نقليات الشرع تدل على ان ال تعال خلق اوّل جوهرةً -أي مادة -ث تلى
عليها فجعل قسما منها بارا وقسما مائعا .ث تكاثف الائع بتجلّيه فأزبد .ث خلق الرض أوسبع
كرات من الرضي من ذلك الزبد فحصل لكل أرض منها ساء من الواء النسيميّ .ث بسط الادة
البخارية فسوّى منها سوات زرع فيها النجوم فانعقدت السموات مشتملة على نويات النجوم.
وان فرضيات الكمة الديدة ونظرياتا تكم بأن النظومة الشمسية أي مع سائها الت تسبح فيها
ي ث تصلب بالتبد منهكانت جوهرا بسيطا ث انقلب إل نوع بار ث تصل من البخار مائع نار ّ
قسم ث ترامى ذلك الائع الناري بالتحرك شرارات وقطعات انفصلت فتكاثفت فصارت سيّارات
منها أرضنا هذه.
_____________________
فإذا سعت هذا يوز لك التطبيق بي هذين السلكي لنه يكن أن يكون آية (كانتا رتقا
ففتقناها) اشارة ال ان الرض مع النظومة الشمسية كانت كعجي عجنته يد القدرة من جوهر
بسيط أعن "مادّة ا َلثِي" الت هي كالاء السيّال بالنسبة ال الوجودات فتنفذ جارية بينها .وآية
(وَكا َن عَ ْرشُ ُه عَلَى الْماءِ) 1اشارة ال هذه الادة الت هي كالاء .و"الثي" بعد خلقه ،هو الركز
لوّل تلّي الصانع بالياد ،اي فخلق "الثي" ث صيّره جواهرَ فردةً ث جعل البعض كثيفا ،ث
خلق من الكثيف سبع كرات مسكونة منها ارضنا .ث ان الرض بالنظر ال كثافتها وتصلبها قبل
الكل وتعجيلها ف لبس القشر وصيورتا من زمان مديد منشأ الياة مع بقاء كثي من الجرام
السماوية ال الن مائعة نارية تكون خلقتها وتشكلها من هذه الهة قبل خلق السموات .ولا
كان تكمل منافعها ودحوها -أي بسطها وتهيدها لتعيّش نوع البشر -بعد تسوية السموات
وتنظيمها تكون السموات اسبقَ من هذه الهة مع الجتماع ف البدأ .فاليات الثلث تنظر ال
النقاط الثلث.
الواب الثان :ان القصد من القرآن الكري ليس درس تاريخ اللقة ،بل نزل لتدريس معرفة
الصانع .ففيه مقامان :ففي مقام بيان النعمة واللطف والرحة وظهور الدليل تكون الرض اقدمَ،
وف مقام دلئل العظمة والعزة والقدرة تكون السموات اسبق ..ث ان "ث" كما تكون للتراخي
2
الذاتّ تئ للتراخي الرتب فـ (ث استوى) أي ث اعلموا وتفكروا انه استوى.
ت تسعة ،وتصورها أهلُها بصورة عجيبة ،واستولاعلم! ان الكمة العتيقة قائلة بأن السموا ِ
فكرُهم على نوع البشر ف اعصار .حت اضطر كثي من الفسرين ال إمالة ظواهر اليات ال
مذهبهم .وأما الكمة الديدة فقائلة بأن النجوم معلّقة ف الفضاء واللو كأنا منكِرة لوجود
السماء .فكما أفرطت إحداها فرّطت الخرى.وأما الشّريعة فحاكمة بأن الصانع جل جلله خلق
سبع سوات وجعل النجوم فيها
_____________________
اى للتراخى التفكرى ،بعن :ان خلق السموات مع انه أسبق إلّ ان التفكر فيه يأتى بالرتبة 2
الثانية .ومع ان خلق الرض بعد السموات الّ ان التفكر فيه اسبق ،اي يلزم التفكر ف خلق
الرض قبل السموات (ت.)216 :
إشارات العجاز -ص226 :
كالسّماك تسبح .والديث يدل على ان "السماء موج مكفوف" 1وتقيق هذا الذهب الق ف
ست مقدمات.
والثانية :ان رابطة قواني الجرام العلوية وناشر قوى أمثال الضياء والرارة وناقلها مادة موجودة
ف الفضاء مالئة له.
والثالثة :ان مادة الثي مع بقائها اثيا لا كسائر الواد تشكلت متلفة وتنوعات متغايرة كتشكل
البخار والاء والمد.
والرابعة :انه لو أمعن النظر ف الجرام العلوية يُرى ف طبقاتا تالف .أل ترى ان نر السماء
ي نومٍ أخذت ف النعقاد.السمى بـ " َك ْهكَشان" 2الرئيّ ف صورة لطخة سحابية انا هو ملي َ
فصورةُ الثي الت تنعقد تلك النجوم فيها تالف طبقة الثوابت البتة ،وهي أيضا تالف طبقات
النظومة الشمسية بالدس الصادق وهكذا ال سبع منظومات.
والامسة :انه قد ثبت حدسا واستقراء انه اذا وقع التشكيل والتنظيم والتسوية ف مادة تتولد منها
طبقات متلفة كالعدن يتولد منه الرماد والفحم واللاس ..وكالنار تتميز جرا ولبا ودخانا،
وكمزج مولّد الاء مع مولّد الموضة 3يتشكل منه ماء وجد وبار.
والسادسة :ان هذه المارات تدل على تعدد السموات .والشارع الصادق قال هي سبعة ،فهي
سبعة على ان السبع والسبعي والسبع مائة ف أساليب العرب لعن الكثرة.
والاصل :ان الصانع جل جلله خلق من "مادة الثي" سبع سوات فسوّاها ونظّمها بنظام عجيب
دقيق وزرع فيها النجوم وخالف بي طبقاتا.
_____________________
1جزء من حديث اخرجه المام احد ف مسنده ( )2/370والترمذي برقم ( )3298وف تفة
الحوذي برقم ( )3352وقال :هذا حديث غريب من هذا الوجه .وعزاه صاحب التحفة لحد
وابن اب حات والبزار وف ممع الزوائد ( )132 /8جزء من حديث رواه الطبان ف الوسط،
وفيه ابو جعفر الرازي ،وثّقه ابو حات وغيه وضعّفه النسائي وغيه ،وبقية رجاله ثقات ،وانظر
فيه كذلك ( )7/121وتفسي ابن كثي -سورة الديد.
اعلم! انك اذا تفكرت ف ُوسْعة خطابات القرآن الكري ومعانيه ومراعاته لفهام عامة الطبقات
من أدن العوام ال أخص الواص ترى أمرا عجيبا .مثلً :من الناس من يفهم من (سبع سوات)
طبقات الواء النسيمية ..ومنهم من يفهم منه الكرات النسيمية الحيطة بأرضنا هذه وأخواتا
ذوات ذوي الياة ..ومنهم من يفهم منه السيّارات السبع الرئية للجمهور ..ومنهم من يفهم منه
طبقات سبعة اثيية ف النظومة الشمسية ..ومنهم من يفهم منه سبع منظومات شوسية أولها
منظومة شسنا هذه ..ومنهم من يفهم منه انقسام الثي ف التشكل ال طبقات سبعة كما مر
آنفا ..ومنهم من يرى جيع ما يُرى ما ُزيّن بصابيح الشموس والنجوم الثوابت ساء واحدة .هي
السماء الدنيا وفوقها ست سوات اُخر لترى ..ومنهم من ليرى انصار سبع سوات ف عال
الشهادة فقط بل يتصورها ف طبقات اللقة ف العوال الدنيوية والٌخروية والغيبية ..فكل
يستفيض بقدر استعداده من فيض القرآن ويأخذ حصته من مائدته فيشتمل على كل هذه
الفاهيم.
واعلم! ان الملة الول :أعن (هو الذي خلق لكم ما ف الرض جيعا) نظمها بمسة أوجه:
الول :ان الية الول اشارة ال نعمة الياة والوجود ،وهذه تشي ال نعمة البقاء وأسبابه.
والثان :انه لا اثبتت الول للبشر أعلى الراتب أعن الرجوع اليه تعال تنبه ذهن السامع للسؤال
بـ "اين لذا النسان الذليل استعداد لذه الرتبة العالية إلّ ان يكون بفضله تعال وجذبه؟" .فكأن
هذه الملة تقول ميبة عن ذلك السؤال ان للِنسان عند خالقه الذي سخر له جيع الدنيا لوقعا
عظيما.
والثالث :انه لا أشارت الول ال وجود الشر والقيامة للبشر ذهب السامع ال سؤال :ما أهية
البشر حت تقوم القيامة لجله ويرب العال لسعادته؟ فكأن هذه الملة تيبه بـ "ان من ُهيّئَ
جيع ما ف الرض لستفادته وسُخّر له النواع له أهية عظيمة تشي ال انه هو النتيجة للخلقة".
والرابع :ان الول اشارت بـ (اليه ترجعون) ال رفع الوسائط وانصار الرجعية فيه تعال.
والال ان للبشر ف الدنيا مراجع كثية ،فهذه الملة تقول أيضا ان السباب والوسائط تشفّ
لكَم فانه
ب ِعن يد القدرة ،وان الرجع القيقي ف الدنيا انا هو ال تعال وانا توسطت السبا ُ
تعال هو الذي خلق للِنسان كل ما يتاج اليه.
والامس :ان الول لا اشارت ال السعادة البدية أشارت هذه ال سابقةِ فضلٍ يستلزم تلك
السعادة ذلك الفضلُ أي من اُحسن اليه جيع ما ف الرض لقيقٌ بأن يعطى له السعادة البدية.
الول :ان السماء رفيقة الرض ل يَتصو ُر الرضَ أحدٌ إلّ ويطر ف ذهنه السماء.
والثالث :ان الملة الُول اشارت ال دلئل الحسان والفضل وهذه تشي ال دلئل العظمة
والقدرة.
والرابع :ان هذه الملة تشي ال ان فائدة البشر ل تنحصر على الرض بل السماء أيضا مسخرة
لستفادته.
أحدها :انا دليل لِمّي على التنظيم السابق كما ان التنظيم السابق دليل ِانّ ّي عليها؛ اذ التساق
والنتظام يدلن على وجود العلم الكامل كما ان العلم يفيد النتظام.
والخر :ان الملة الول تدل على القدرة الكاملة وهذه على العلم الشامل.
أما نظم هيئآت جلة جلة :ففي الملة الول الستيناف وتعريف الزئي وتعريف الب ولم
"لكم" وتقدي "لكم" ولفظ "ف" ولفظ "جيعا":
أما الستيناف فإشارة إل أسئلة مقدرة وأجوبة قد نبهت عليها ف الوجه المسة لنظم الملة
الول ..وأما تعريف الزئي 1فاشارة ال التوحيد والصر الذي هو دليل على الصر ف تقدي
"اليه" ف (ث اليه ترجعون) ..وأما تعريف الب فاشارة ال ظهور الكم ..2وأما لم النفع ف
(لكم) فاشارة ال أن الصل ف الشياء الباحة وانا تعرض الرمة للعصمة :كمال الغي .أو
للحرمة :كلحم الدميّ .أو للضرر :كالسم .أو للستقذار :كبلغم الغي .أو للنجاسة :كاليتة..
وكذا رمز ال وجود النفع ف كل شئ ،وان للبشر ولو بهة من الهات استفادة ولو بنوع من
النواع ولو ف أحقر الشياء ول أقل من نظر العبة ،وكذا اياء ال انه كم من خزائن للرحة
مكنوزة ف جوف الرض تنتظر أبناء الستقبل ..وأما تقدي (ولكم) فاشارة ال أن جهة استفادة
البشر أقدم الغايات وأولها وأولا ..وأما (ما) الفيدة للعموم فللحث على ترّي النفع ف كل
شئ ..وأما (ف الرض) بدل "على الرض" مثل ،فاشارة ال وجود أكثر النافع ف بطن الرض،
وكذا تشجيع على ترّي ما ف جوفها ..ويدل تدرج البشر ف الستفادة من معادن الرض
وموادها على انه يكن أن يكون ف ضمنها مواد وعناصر تفف عن كاهل أبناء الستقبال ضغطَ
تكاليف الياة من الغذاء وغيه ..واما (جيعا) فلرد الوهام ف عبثية بعض الشياء.
وأما ( ث) ف الملة الثانية فاشارة ال سلسلة من أفعاله تعال وشؤونه بعد خلق الرض إل تنظيم
السماء ..وكذا رمز ال تراخي رتبة التنظيم ف نفع البشر عن خلقة الرض ..وكذا اياء ال
تأخره عنها .واما (استوى) ففيه اياز ،أي :أراد أن يسوّي ..وكذا فيه ماز أي كمن يسدد
قصده ال شئ ل ينثن ينةً ويسرةً .و(ال السماء) أي ال مادتا وجهتها .واما فاء (فسويــهن)
فبالنظر ال جهة
_____________________
" 1هو " :مبتدأ ،و "الذى " مع صلته :خب (ت)221 :
حيث ان اصل الب نكرة ،الّ ان ميئه معرف ًة اشارة ال ظهور الكم ،وهو :ان ال خالق 2
التفريع نظي ترتب "فيكون" على "كن" ،وتعلق القدرة على تعلق الرادة والقضاء على القدر.
واما بالقياس ال جهة التعقيب فاياء ال تقدير "ونوّعها ونظّمها ودبّر المر بينها فسوّيهن" ال.
ل ما يناسب استعداده ويساوي واما "سوّى" أي خلقها منتظمة مستوية متساوية ف أن أعطى ك ّ
قابليته .واما "هن" فاياء ال تنوع مواد السموات .وأما (سبع) فيتضمن الكثرة والناسبة مع
الصفات السبع ومع الدوار السبعة ف تشكلت الرض .و(سوات) أي اللت هن رياض لزاهي
الدراري وبار لسِماك السّيارات ومزرعة لبّات النجوم.
أما جلة (وهو بكل شيء عليم) فواو العطف القتضية للمناسبة اشارة ال "وهو على كل شئ
قدير فهو الالق لذه الجرام العظيمة ،وهو بكل شئ عليم فهو النظّام التقن للصنعة فيها" .وباء
اللصاق اشارة ال عدم انفكاك العلم عن العلوم .واما "كل" فهو العام الذي ل يص منه البعض.
ص منه البعض" والّ لكانت هذه القاعدة بيث اذا وقد خص قاعدة "وما من عام الّ وقد ُخ ّ
صدقت كذّبت نفسها نظي "الذر الصم الكلميّ" ولفظ "شيء" يعم الشائيّ والشيءَ وما ليس
بذا ول بذاك كالمتنع .و "عليم" أي ذات ثبت له لزما منه العلم.
***
جعَلُ
وَاذْ قَالَ َربّكَ لِ ْلمَلِئ َكةِ ِانّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِيفَةً قالُوا اَتَ ْ
مـقـدمــــة
اعلم! ان التصديق بوجود اللئكة أحد أركان اليان .ولنا هنا مقامات..
القام الول:
ان من نظر ال الرض وقد امتُلئت بذوي الرواح مع حقارتا ،وتأمل ف انتظام العال واتقانه،
تدس بوجود سكان ف هذه البوج العالية .فَ َمثَ ُل مَنْ ل يصدّق بوجود اللئكة كَ َمثَل رجل
ذهب ال بلدة عظيمة وصادف دارا صغية عتيقة ملوّثة بالزخرفات مشحونة بالناس .ورأى
عرصاتا ملوءة من ذوي الرواح ولياتم شرائط مصوصة كالنباتات والسّماك .ث رأى اُلوفا من
القصور العالية الديدة قد تلّلت بينها ميادين النهة فيعتقد خلوها عن السكان لعدم جريان
شرائط حياة هذه الدار ف تلك القصور .ومثل العتقد بوجودهم كَ َمثَل مَنْ اذا رأى هذا البيت
الصغي وقد امتل من ذوي الرواح ورأى انتظام البلدة ،جزم بأن لتلك القصور الزيّنة أيضا
سكانا يناسبونا وتوافقهم ولم شرائط حياة مصوصة فعدم مشاهدتم -لبعدهم وترفعهم -ل
يدل على عدمهم .فامتلء الرض من ذوي الياة ينتج بالطريق الْول وبالقياس الْولَويّ الؤسس
على القياس الفيّ البن على النتظام الطرد -امتلء هذه الفضاء الوسيعة ببوجها ونومها
وساواتا من ذوي الرواح الذي يدعوهم الشرع باللئكة النطوية على أجناس متلفة فتأمل!..
القام الثان:
اعلم -كما مر -ان الياة هي الكشافة للموجودات بل هي النتيجة لا ،فاذا كيف تلو هذه
الفضاء الوسيعة من ساكنيها وتلك السموات من عامريها .ولقد
أجع العقلء إجاعا معنويا -وان اختلفوا ف طرق التعبي -على وجود معن اللئكة وحقيقتهم،
حت ان الشّائيي عبّروا عنهم بالاهيات الجرّدة الروحانية للنواع ،والِشْراِقيّي عبّروا عنها
بالعقول وأرباب النواع ،وأهل الديان بلَك البال وملَك البحار وملك المطار مثل .حت ان
الاديي الذين عقولم ف عيونم ل يتيسر لم انكار معن اللئكة بل نظروا اليهم ف القوات
السارية ف نواميس الفطرة.
فان قلت :أفل يكفي لرتباط الكائنات وحيويتها هذه النواميس وتلك القواني الارية ف اللقة؟
قيل لك :ما تلك النواميس الارية والقواني السارية ال أمور اعتبارية بل وهية ل يتعي لا وجود
ول يتشخص لا هُويّة ال بمثّلتا ومعاكسها ومَ ْن هو آخذ برأس خيوطها وان هي إلّ اللئكة..
وأيضا قد اتفق الكماء والعقل والنقل على عدم انصار الوجود ف عال الشهادة الظاهر الامد
الغي الوافق لتشكل الرواح .فعال الغيب الشتمل على عوال -الوافق للرواح كالاء للسِماك -
مشحون با ،1مظه ٌر لياة عال الشهادة ..فاذا شهدت لك هذه المور الربعة على وجود معن
اللئكة فأحسن صور وجودهم الت ترضى با العقول السليمة ماهو إلّ ماشرحه الشرع من انّهم
عباد مكرمون ل يالفون مايؤمرون ،وكذا انم أجسام لطيفة نورانية ينقسمون إل أنواع متلفة.
القام الثالث:
اعلم ان مسألة اللئكة من السائل الت يتحقق الكل بثبوت جزء واحد ،ويُعلم النوع برؤية أحد
الشخاص ،اذ من أنكر أنكر الكلّ .ث كما انه مال عندك -ايقظك ال -أن يمع أهل كل
الديان ف كل الَعصار من آدم ال الن على وجود اللئكة وثبوت الحاورة معهم وثبوت
مشاهدتم والرواية عنهم كمباحثة الناس طائفة عن طائفة ،بدون رؤية فرد بل أفراد منهم وبدون
ضرورة وجود شخص بل أشخاص منهم ،وبدون الحساس بالضرورة بوجودهم؛ كذلك مال
أن يقوم َوهْم كذلك ف عقائد البشر ويستمر هكذا ويبقى ف النقلبات بدون حقيقة يتسنبل
عليها وبدون مبادئ ضرورية مولّدة لذلك العتقاد العموميّ .فإذا ليس سند هذا
_____________________
1اى باللئكة.
الجاع الّ حدس تولّد من تفاريق امارات حصلت من واقعات مشاهدات نشأت من مبادئ
ضرورية .وليس سبب هذا العتقاد العمومي ال مبادئ ضرورية تولدت من رؤيتهم ومشاهدتم
ف كرّات تفيد قوة التواتر العنوي .والّ رفع المن من يقينيات معلومات البشر .فاذا تقق وجود
واحد من الروحانية ف زمان مّا تقق وجود هذا النوع .واذا تقق هذا النوع ،كان كما ذكره
الشرع وبيّنه القرآن الكري.
والثان :ان هذه الية بيان وتفصيل وايضاح وتقيق وبرهان وتأكيد لا ف الية الول من أن أزمة
سلسل ما ف الرض ف يد البشر.
والثالث :ان تلك لا بيّنت بناء السكني من الرض والسماء اشارت هذه ال ساكنيهما من البشر
واللَك ،وانا رمزت ال سلسلة اللقة ،وأومأت هذه ال سلسلة ذوي الرواح.
والرابع :انا لا صرحت بأن البشر هو القصود من اللقة وان له عند خالقه لوقعا عظيما ،اختلج
ف ذهن السامع انه كيف يكون للبشر هذه القيمة مع كثرة شروره وفساده؟ وهل تستلزم الكمة
وجوده للعبادة والتقديس له تعال؟ فأشارت هذه ال ان تلك الشرور والفاسد تُغتفر ف جنب
السرّ الُودع فيه ،وان ال غن عن عبادته اذ له تعال من اللئكة السبّحي والقدّسي ما ل يصر
بل لكمة ف علم علّم الغيوب.
ان الية تنصبّ بناء على اقتضاء "اذ" رديفا لا ،وعطفه على (وهو بكل شيء عليم) -إل تقدير
1إذ خلق ما خلق منتظما متقنا هكذا واذ قال ربك للملئكة ال ،وانه تعال لا خاطب مع اللئكة
-ليستفسروا س ّر الكمة ولتعليم
_____________________
طريق الشاورة قائل (ان جاعل ف الرض خليفة) -توجه ذهن السامع بس ّر القاولة ال ما
"قالوا"؟ وبس ّر الستفسار عن حكمته مع التعجب ال (أتعل فيها)؟ وبسر استخلفهم عن الن
الفسدين مع توديع القوة الغضبية والشهوية فيهم أيضا ال (من يفسد فيها) بتجاوز القوة الثانية
(ويسفك الدماء) بتجاوز القوة الول .ث بعد تام السؤال والستفسار والتعجب ينتظر ذهن
السامع لوابه تعال .فقال( :قال ان اعلم مال تعلمون) أي فالشياء ليست منحصرة ف
معلوماتكم .فعدم علمكم ليس امارة على العدم ،وان حكيم ،ل فيهم حكمة يغتفر ف جنبها
فسادهم وسفكهم.
أما نظم هيئات جلة جلة ،فاعلم! ان الواو ف (واذ قال ربك للملئكة ان جاعل ف الرض
خليفة) وكذا ف (واذ قال ربك للملئكة ان خالق بشرا من صلصال) 1ف آية أخرى بسر الناسبة
العطفية اشارة ال "اذ واذ" كما مر .وكذا -بسر ان الوحي يتضمن "ذَكّرهُ ْم بِذَلِكَ" اشارة ال
"واذكر لم اذ" ال..
وان (اذ) الفيد للزمان الاضي لتسيي الذهان ف الزمنة التسلسلة الاضوية ورفع وجلب واحضار
لا ال ذلك الزمان لتنظره فتجتن ما وقع فيه ..وان (ربك) اشارة ال الجة على اللئكة أي
ربّاك وكمّلك وجعلك مرشدا للبشر لزالة فسادهم أي "انت السنة الكبى الت ترجحت
وغطت على تلك الفاسد" ..وان (للملئكة) اشارة ف هذه القاولة الكائنة على صورة الشاورة
ال ان لسكان السموات أعن اللئكة مزيد ارتباط وعلقة وزيادة مناسبة مع سكان الرض أعن
البشر .فان من اولئك موُكلي و َحفَظة و َكتَبَة على هؤلء فحقّهم الهتمام بشأنم .وان "ان" بناء
على كونا لرد التردد الستفاد من "أتعل" اشارة ال عظمة السألة وأهيتها .وان ياء التكلم
وحده هنا مع "نا" للمتكلم مع الغي ف "قلنا" ف اليات التية اشارة ال ان ل واسطة ف اياده
وخلقه كما توجد ف خطابه وكلمه .وما يدل على هذه النكت آية (انا انزلنا اليك الكتاب
بالق لتحكم بي الناس با اريك ال) 2فقال "انزلنا" بنون العظمة لوجود الواسطة ف الوحي
وقال "أريك ال"
_____________________
مفردا لعدم الواسطة ف إلام العن .وان ايثار (جاعل) على "خالق" اشارة ال ان مدار الشبهة
والستفسار العل(. )1والتخصيص لعمارة الرض ل اللق والياد ،لن الوجود خي مض
ت ل يُسأل عنه .وان ايثار "ف" ف (ف الرض) على "على" مع ان البشر على واللق فعله الذا ّ
الرض ليلو من الياء ال ان البشر كالروح النفوخ ف جسد الرض ،فمت خرج البشر خربت
الرضُ وماتت .وان (خليفة) اشارة ال انه قد وجد قبل تَهئ الرض لشرائط حياة النسان
ق مُدْرِك ساعدت شرائطَ حياته الدوا ُر الوّليةُ للرض وهذا هو الوفق لقضية الكمة. ملو ٌ
والشهور ان ذلك الخلوق الُدْرِك كان نوعا من الن فأفسدوا فاستُخلفوا بالِنسان.
اما هيئات جلة (قالوا أتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فاعلم! ان استيناف (قالوا)
اشارة ال ان توجيه خطابه تعال ال اللئكة يلجئ السامع ال السؤال بـ "كيف يتلقّون جيانم
ت وأيرضون بم قرناء وما رأيهم فيهم؟" فقال" :قالوا" .وان وجه كونه جزاء لـ "اذ"ت بي َ
بي َ
هو :ان حكم ال تعال بعل البشر خليفة ف الرض -الت وكّل عليها اللئكة -مع انه ل مشي
له تعال ول وزير يستلزم اظهار كيفية تلقيهم لم .وان صورة القول اشارة ال اسلوب القاولة
على صورة الشاورة لتعليم الناس مع تنهه تعال عنها .وان استفهام (أتعل) فلتحقق العل
باخباره تعال تتنع حقيقتُه فيتولد منه التعجب الناشئ عن خفاء السبب فيتولد منه الستفسار -
أي ما حكمة العل؟ فاستفهم عن السبب بدل عن السبب وليس للِنكار لعصمتهم .2وان
العل رمز ال ان شؤون البشر ونسبه العتبارية ووضعياته ليست من لوازم الطبيعة ول من
ضروريات الفطرة بل كل منها بعل الاعل .وان (فيها) مع "فيها" مع قصر السافة فللتنصيص
والياء ال معن :ما حكمة جعل البشر روحا منفوخا ف جسد الرض لياتا مع وجود الفساد
والماتة من حيث الحياء؟ .وان التعبي بـ (مَنْ) اشارة ال انه ل يعنيهم شخصية البشر وانا
يثقل عليهم عصيان ملوق ل تعال .وان ايراد (يفسد) بدل "يعصي" اشارة ال ان العصيان ينجر
ال فساد نظام العال .وان صورة الضارع اشارة ال ان
_____________________
( )2ان القصد من استفهام اللئكة ليس اعتراضا على العل ،اذ تقق باخباره تعال ،ولنم ل
يعصون ال ما امرهم ،وانا هو استفسار عن حكمة العل ،وذلك لفاء السبب عنهم (ت:
.)232
الستنكر تدد العصيان واستمراره .وقد علموا ذلك اما باعلمه تعال أو بطالعة اللوح أو بعرفة
فطرتم من عدم تديد القوى الودعة فيهم .فبتجاوز الشهوية يصل الفساد وبتعدي الغضبية ينشأ
السفك والظلم .و(فيها) أي مع أنا كانت مسجدا اُسس على التقوى .وان موقع "الواو" المع
بي الرذيلتي بناسبة انرار الفساد ال سفك الدم .وان ايثار (يسفك) على "يقتل" لن السفك
هو القتل بظلم .ومن القتل ما هو جهاد ف سبيل ال وكذا قتل الفرد لسلمة الماعة كقتل
الذئب لسلمة الغنم .واما الدماء فتأكيد لا ف السفك من الدم لتشديد شناعة القتل.
وأما هيئات (ونن نسبح بمدك ونقدس لك) فواو الال اشارة ال استشعارهم العتراض عليهم
بـ "اما يكفيكم حكمة عبادة البشر وتقديسه له تعال؟" (ونن) أي معاشر اللئكة العصومي
من العاصي ..واسية الملة اشارة ال ان التسبيح كالسجية لم واللزم لفطرتم وهم له .أما
(نسبح بمدك) فكلمة جامعة أي نعلنك ف الكائنات بأنواع العبادات ..ونعتقد تنهك عما ل
يليق بنابك بتوصيفك بأوصاف اللل وما هو ال من نعمك الحمود عليها .ونقول "سبحان ال
وبمده" .ونمدك ونصفك بأوصاف اللل والمال .ونقدس لك أي نقدسك ،أو نطهر أنفسنا
وأفعالنا من الذنوب وقلوبنا من اللتفات ال غيك .فالواو للجمع بي الفضيلتي أي امتثال الوامر
واجتناب النواهي ،فيكون حذاء الواو الول.
واما هيئات (قال ان اعلم ما لتعلمون) فاستينافها اشارة ال السؤال بـ "ماذا قال ال تعال ميبا
ي السبب مزيل لتعجبهم ،وما الكمة ف ترجيح البشر عليهم؟" فقال لستفسارهم ،وكيف ب ّ
"قال" مشيا إل جواب اجال ث فصل بعض التفصيل بالية التالية .و" ان" ف (ان اعلم)
للتحقيق ورد التردد والشبهة وهو انا يكون ف حكم نظري ليس بسلّم مع بداهة ومسلّمية علم
ال تعال با ل يعلم اللق وحاشاهم عن التردد ف هذا .فحينئذ يكون "ان" منارا على سلسلة
جل لصها القرآن الكري وأجلها وأوجزها بطريق بيانّ مسلوك .أي :ان ف البشر مصالَ وخيا
كثيا تغمر ف جنبها معاصيه الت هي شر قليل ،فالكمة تناف ترك ذلك لذا .وان ف البشر لسرا
اهّله للخلفة غفلت عنه اللئكة وقد علمه خالقه..
وان فيه حكمة رجحته عليهم ليعلمونا ويعلمها من خلق .وأيضا قد يتوجه معن "ان" ال الكم
الضمن الستفاد من واحد من قيود مدخولا أي ل تعلمون بالتحقيق ..وأيضا (اعلم ما ل
تعلمون) من قبيل ذكر اللزم وارادة اللزوم أي يوجد ما ل تعلمون ،اذ علمه تعال لزم لكل
شئ فنفى العلم دليل على عدم العلوم كما قال تعال (با ل يعلم) أي ل يكن وليوجد ،ووجود
العلم دليل على وجود العلوم ..ث انه قد ذكر ف تقيق هذا الواب الجال ان ال عليم حكيم.
لتلو أفعاله تعال عن حكم ومصال ،فالوجودات ليست مصورة ف معلومات اللق فعدم العلم
ل يدل على العدم ،وان ال تعال لا خلق الي الحض أعن اللئكة ،والشر الحض أعن
الشياطي ،وما لخي عليه ول شر أعن البهائم ،اقتضت حكمة الفيّاض الطلق وجود القسم
الرابع الامع بي الي والشر .إن انقادت القوة الشهوية والغضبية للقوة العقلية فاق البشر على
اللئكة بسبب الجاهدة ،وان انعكست القضية صار انزلَ من البهائم لعدم العذر.
***
ِبَأسْما ِء َهؤُل ِء ِانْ ُكْنتُمْ صَادِقيَ 31قالُوا ُسبْحانَكَ ل عِ ْلمَ لَنا اِلّ
فَلَمّا اَْنبََاهُ ْم بَِاسْماِئهِمْ قَا َل اَلَ ْم اَقُلْ َلكُ ْم اِنّي اَعْلَمُ غَْيبَ السّموَاتِ
مـقـدمـــة
اعلم! ان هذه معجزة آدم تدّيت با اللئكة بل معجزة نوع البشر ف دعوى اللفة .ان ف
صصَ لعبا .ث ان نظرا ال ان (ول رطب وليابس ال ف كتاب مبي) 1ومستندا ال ان الق َ
2
التنيل كما يفيدك بدللته ونصوصه؛ كذلك يعلّمك باشارته ورموزه ،لفهمُ من اشارات
استاذية اعجاز القرآن الكري ف َقصَص النبياء ومعجزاتم التشوي َق والتشجيعَ للبشر على التوسل
للوصول إل أشباهها .كأن القرآن بتلك القصص يضع اصبعه على الطوط الساسية ونظائر
نتايج نايات مساعي البشر للترقي ف الستقبال الذي يُبن على مؤسسات الاضي الذي هو مرآة
الستقبل .وكأن القرآن يسح ظهر البشر بيد التشويق والتشجيع قائل له :اسع واجتهد ف
الوسائل الت توصلك ال بعض تلك الوارق! أفل ترى ان الساعة والسفينة أول ما أهدتما للبشر
يد العجزة .وان شئت فانظر ال (وعلّم آدم الساء كلها) وال (ولقد اتينا داو َد منّا فضل يا جبالُ
أوّب معه والطي وألنّا له الديد) 3وال (ولسليمن الريح غُدوّها شهر ورواحها شهر وأسَلْنا له
عَيَ
_____________________
فان كنت ف ريب فيما استخرجه من لطائف نظم التنيل ،فاقول: 2
وكذا انظر ال قوله تعال (يا نارُ كون بردا وسلما) 4وال (لول ان رَا برهانَ ربه) 5أي صورة
يعقوب عاضا على اصبعه ف رواية ،وال (ان لَجِد ريحَ يوسف) 6وال (ياجبا ُل أوّب معه) وال
(عُلّمنا منطق الطي) 7وال (أنا اتيك به قبل ان يرتدّ اليك طرفُك) 8وأمثالا ،ث تأمل فيما كشفه
البشر من مرتبة النار الت لترق ومن الوسائط الت تنع الِحراق ،وفيما اخترعه من الوسائل الت
تلب الصور والصوات من مسافات بعيدة وتضرها اليك قبل ان يرتد اليك طرفك ،وفيما
أبدعه فكر البشر من اللت الناطقة با تتكلم ،وف استخدامه لنواع الطيور والمامات وقس
عليها ،لترى بي هذين القسمي ملءمة يق با ان يقال ف هذه رموز ال تلك.
_____________________
وكذا تأمل ف خاصية العجزة الكبى الت هي خاصية الناطقية الت هي خاصية النسانية وهي
الدب والبلغة ،ث تدبر ف ان أعلى ما يربّي روح البشر وألطف ما يصفّي وجدانه وأحسن ما
يزيّن فكره وأبسط ما يوسِع قلبه انا هو نوع من الدبيات .ولمر مّا ترى هذا النوع أبسط
الفنون وأوسعها مال وأنفذها وأشدها تأثيا وألصقها بقلوب البشر حت كأنه سلطانا .فتأمل!..
الول :ان التنيل لا ذكر ف الية الول ف بيان حكمة خلقة النسان ما هو اوّل الجوبة
وأولها وأعمها للكل وأيسرها وأسهلها اقناعا وأجلها اجال وأوجزها ،بيّن بذه الية جوابا
تفصيليا يطمئن به العوام والواص.
والثان :انه لا صرح ف تلك بسألة اللفة للبشر برهن بذه على تلك الدعوى بعجزة ذلك
النوع ف مقابلة اللئكة.
والثالث :انه لا أشار بتلك ال ترجح البشر على اللَك رمز بذه ال لِميّة الرجحان.
والرابع :انه لا لوّح با ال مظهرية هذا النوع للخلفة الكبى ف الرض لح بذه احتجاجا عليها
ال ان النسان هو النسخة الامعة والظهر التّ لكل التجليات لتنوع استعداداته وتكثر طرف
استفاداته وعلمه فيحيط بالكائنات بواسه المس الظاهرة والباطنة ل سيما بوجدانه الذي ل قعر
له .أفل تراه يعلم أمثال حلوة العسل بوجهي بل بوجوه خلف اللَك فتأمل!
ي ف غاية السلسة :فالول :تقيق لضمون (ان أعلم ما أما نظم المل بعضها مع بعض ففطر ّ
ل تعلمون) وتفصيل لا أجل فيها وتفسي لا أبم ..وكذا ان خلفة ال تعال ف أرضه لجراء
أحكامه وتطبيق قوانينه تتوقف على علم تام ..وكذا ان انصباب الكلم ف الية الول ينجر ال
"فخلقه وسوّاه ونفخ فيه من روحه وربّاه ث علّم الساء وأعده للخلفة" .ث لا اصطفاه على
اللئكة وميّزه بعلم الساء ف مسألة الرجحان واستحقاق اللفة اقتضى مقام التحدّي عرض
الشياء
عليهم وطلب العارضة منهم .ث لا أحسوا بالعجز من أنفسهم اقرّوا بكمته تعال واطمأنوا.
ولذا قال( :ث عرضهم على اللئكة فقال انبؤن بأساء هؤلء ان كنتم صادقي)" .قالوا" أي
متبئي ما دسّه ف استفسارهم اناني ُة ابليس (سبحانك ل علم لنا ال ما علمتنا انك انت العليم
الكيم) 1ث لا ظهر عجزهم لعدم جامعية استعدادهم اقتضى القام بيان اقتدار آدم حت يتم
التحدّي فقال( :يا آدم أنبئهم باسائهم) ث لا امتثل وظهر سر الكمة فيه اقتضى القام استحضار
الواب الجال السابق وجعله كالنتيجة لذا التفصيل فقال( :أل أقل لكم ان أعلم غيب
ف وتسّ صورة القاولة السموات والرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) واعلم! انه قد تش ّ
عن تولّد انانية ابليس فيما بي اللئكة وتشعر بتداخل اعتراض طائفة بي استفسارهم.
أما نظم هيئات جلة جلة :فجملة (وعلم آدم الساء كلها) أي صوّره بفطرة تضمنت مبادئ
أنواع الكمالت ،وخلقه باستعداد زرع فيه أنواع العال ،وجهزه بالواس العشر وبوجدان تتمثل
فيه الوجودات ،واعدّه بذه الثلث لتعلّم حقائق الشياء بأنواعها ،ث علّمه الساء كلها .الواو
فيها اشارة ال المل الطوية تت إيازه كما مر .و(علم) فيه اشارة ال تنويه العلم ورفعة درجته
وانه هو الحور للخلفة ..وكذا رمز ال أن الساء توقيفية .ويؤيده وجود الناسبة الرجحة
للوضع -ف الغلب -بي الساء والسميات ..وكذا اياء ال ان العجزة فعل ال بل واسطة
خلفا للفلسفة الذين يقولون ان الوارق أفعال للرواح الارقة .و(آدم) أي الشخص الرضي
الذي أراد ال تعال خلفته وساه آدم فالتصريح بالعلم لتنويهه وتشهيه واحضاره بصورته..
و(الساء) سات الشياء من الصفات والواص والساء ،أو اللغات
_____________________
لقد جاءت ال لسان -دون اختيارٍ من -هذه الية الكرية ف ختام معظم "الكلمات " و 1
"الكتوبات " من رسائل النور ،والن فقط ادركت ان تفسيي هذا قد اُختتم ايضا بذه الية
الكرية .فجميع "الكلمات " اذا ما هي الّ تفسي حقيقي لذه الية الكرية ،وجدول رقراق
ينساب من برها ث يصب فيه ف خاتة الطاف .حت لكأن كل " كلمة " من "الكلمات " تنبع
من هذه الية الكرية .فانا اذا ل استكمل منذ ذلك الوق تفسي هذه الية كي اشرع ف الزء
الثان من التفسي.
الت اقتسمها بنو آدم .وفيه اياء بدليل (عرضهم) ال ان السم عي السمى 1كما عليه أهل السنة
و (كلها) تنصيص على منشأ التميز ومدار العجاز ..وجلة (ث عرضهم على اللئكة فقال انبؤن
بأساء هؤلء ان كنتم صادقي) فـ (ث) اشارة بسر التراخي واقتضاء القام ال "وقال هو أكرم
منكم وأحق باللفة" .واما (عرضهم) أي اظهر أنواع الشياء مبسوطة للبيع لنظارهم كعرض
التاع على الشتري وعرض الصفوف على المي ففيه اشارة ال ان الوجودات مال لل ُمدْرِك
يشتريها بالعلم ،ويأخذها بالسم ،ويتملكها بتمثل الصورة .وأما "هم" الدال على الذكور العقلء
فسر ما فيه من التغليبي والجاز ما يرمز اليه لفظ العرض .2اذ يتخيل من ارساله صور طوائف
الوجودات مارة صفا صفا على النظار -كونا قبائل من العقلء ييئون اليهم .واما (على)
فاياء ال ان ما يعرض عليهم هي الصور الرتسمة ف اللوح العلى.
_____________________
باسه سبحانه
كــلمـــة
لقد درسنا على استاذنا الفاضل قسما من تفسيه الوسوم "اشارات العجاز" الذي ألّفه قبل
اربعي سنة اثناء الرب العالية الول ،حينما كان يؤدي فريضة الهاد ف الط المامي لساحة
القتال واحيانا كان على صهوة جواده.
ونن مع قصر فهمنا بدقائق اللغة العربية واسرار البلغة ،فقد ادركنا عندما قرأنا هدا التفسي على
يد استاذنا الفاضل انه تفسي بديع وخارق للعادة ،فرأينا من النسب ان نذكر النقاط الربع التية
حول بيان هذا التفسي للعجاز النظمي فحسب من وجوه العجاز للقرآن الكري:
النقطة الول:
ان معان القرآن الكري معان شاملة كلية وعامة ل تقتصر على طائفة معينه او على معن جزئي،
بل يقدم اطيب الغذية طرا وألذها طعما ال الوف الطبقات التباينة من الن والنس ،فيوف
حاجة افكارهم ويشبع عقولم ويغذى قلوبم وينمي ارواحهم ،كل با يليق به؛ وذلك لنه وحي
ساوي وخطاب صمدان ياطب ال سبحانه جيع طبقات البشر الصطفي خلف العصار،
فيجيب عن اسئلة واستفسارات جيع الطوائف ويلب حاجاتم كلها؛ فل غرو انه كلم رب
العالي ،صادر من ارفع مراتب الربوبية الطلقة.
النقطة الثانية:
ان الفاظ القرآن الكري الت هي بثابة الصداف لنفائس للئ العان الكلية الشاملة ،والت نزلت
من صفة الكلم الزل وخاطبت جيع العصار وجيع البشرية ،ل ريب انا كلية جامعة .وقد
لسنا ف هذا التفسي قسما من العجاز -القطعي الثبوت -ف كل حرف من حروف ذلك
الكتاب الكيم والت يثمركل
منها عشر حسنات او مائة او الفا او الوفا بل ف الوقات الباركة -كليلة القدر -ثلثي الف
ثر من ثرات النة.
النقطة الثالثة:
ان السن والمال اللذين يلمعان ف مموع الشئ ،ل يتحريان ف كل جزء من اجزائه ،ول يع ّد
نقصا ما ل يشاهد ذلك المال ف الزء .ومع هذا فان العجاز النظمى الذي نراه ف جيع سور
القرآن الكري وف آياته نراه بنمط آخر عندما ندقق ونلل هيئات وكيفيات كلماته وجله .وهذا
التفسي الؤلف بالعربية يبي منبعا من النابع السبعة لعجاز الكتاب الكيم ،ال وهو الزالة
الارقة ف الفاظه مبينا ادق فروعه واخفى اسراره .فل شك انه ل يعد اسرافا -بل هو حقيقة -
اهتمام "اشارات العجاز" بكل حرف من حروف القرآن العظيم الت يثمر كل منها عشرا من
السنات بل يرتقى الثواب ثلثي الفا ف بعض الوقات.
النقطة الرابعة:
ان معان القرآن الكيم لا جامعية واسعة وكلية شاملة وذلك لصدوره من الكلم الزل وخطابه
جيع الطبقات البشرية ف جيع العصار لذا ل تنحصر تلك العان على مسألة واحدة كما هي ف
النسان بل هي كالعي الباصرة تنظر ال اوسع الدى .فيضم الكلم الزل ضمن نظره الحيط
جيع الزمان وجيع البشرية بطوائفها كافة.
فبناء على ما اسلفناه نقول :ان جيع الوجوه الت اوردها الفسرون ف كتبهم الت تفوق العد وما
استنبطوه من العان الشتمل عليها الكتاب الكري صراحة او اشارة او رمزا او ايا ًء او تلويا او
تلميحا مرادة ومقصودة بالذات من الكتاب الكري ،شريطة ان ل تردها العلوم العربية وان
تستحسنها البلغة وان يقبلها علم اصول مقاصد الشريعة.
وبه ثقت
كـلـمــة ثـنــــــاء
المد ل رب العالي والصلة والسلم على سيد اللق ممد وعلى آله وصحبه اجعي.
وبعد فقد كان رائدنا العظيم الستاذ الناضل العلمة "بديع الزمان النورسي" منذ ان تفتحت امام
عينيه آفاق شاسعة من دنيا العلم والعرفان وخاض عباب الكتاب العزيز يتطلع دائما (كما كتبه
الستاذ ف افادة الرام) ال انتهاض لنة مؤلفة من كبار العلماء التخصصي ،كل ف ناحية من
نواحي العلم ،تقوم تلك اللجنة بدراسات طويلة ف شت نواحي الكتاب الكري حت يتحصل
ويتولد من مهوداتم الكثية ودراساتم الطويلة تفسيٌ جامع للقرآن البي ،يستجيب لاجات
القرن العشرين ،واستمر لديه ذلك التطلع والترقب ال بداية زمن الرب العالية الول.
س الستاذ من تقق ذلكفلما انفلقت قنبلة الرب بي شعبنا التركي وبي الشعب الروسي أي َ
المل بعض الياس فاضطر ان يكتب ما يلوح له من اشارات اعجاز القرآن .فأخذ يقيد ويصنف
ويرتب ما يسنح له ف شرح آي الذكر الكيم .فجاء منه هذا القسم من التفسي ،وهو رغم انه
وليد فكرٍ واحد ال انه فريد ف بابه ل ينسج للن على منواله اي تفسي لنه يستجلي ويكشف
العجاز الكنون ف نظم الكتاب الجيد بطريقة عجيبة مترعة ل نرها ول نصادفها فيما عثرنا
عليه من مشهور التفاسي التداولة كتفسي "اب السعود" و"الفخر الرازي" و"البيضاوي" وتفسي
الستاذ الرحوم "الشيح طنطاوي جوهري" الذي افاض واسهب فيه وبي كثيا من العلوم
الختلفة الت تشي اليها اليات الكونية.
وان كنت ف ريب ما نقول فردّد الطرف اول ف تليله النوط بآية (ومن الناس من يقول امنا بال
وباليوم الخر وما هم بؤمني) او النوط بآية (ختم ال على قلوبم وعلى سعهم وعلى أبصارهم
غشاوة) ال او بآية (وما رزقناهم ينفقون)
او بأي آية اخرى من اليات الشروحة ف ذلك التفسي وبعد ذلك طالع ف عي هاتيك اليات
السالفة الذكر سائر التفاسي ،ث ليتكلم ضميُك الر الطلق من قيد التعصب.
خلصة القول :ان ف عباراته عذوبة وحلوة وطلوة بديعة وتدقيقا خارقا جدا ف تليل آي
الوحي النّل .انه بي جهة مناسبة اليات بعضها ببعض ،وتناسب المل وتناسقها ،وكيفية
تاوب هيآت المل وحروفها حول العن لراد معتمدا ف ذلك على أدق قواعد علم البلغة
وعلى اصول النحو والصرف وقواني النطق ودسابي علم اصول الدين وسائر ما له علقة بذلك
من متلف العلوم .حت انه ليبحث عن اخفى مناسبات البلغة الذي ل يكشف عادة بالجهر
العنوي الركز ف الدماغ البشري.
واعجب من الكل انه وجد ذلك التدقيق البالغ والبحث العميق حينما كان ينصب ويتقاطر على
الـؤلف من جهاته الربع شابيب رصاص بنادق اليوش السوفيتية ،فكان الستاذ يناضل ويطلق
بندقيته ف صدور العداء من جهة ويضع ف مصنع دماغه قنبلة اعجاز القرآن الذرية ليحطم با
بنيان الكفر والضلل من جهة اخرى فيا سبحان ال من ذكاء الي خارق ،مهز ببطولة عجيبة
وثبات قلب زائد .ان ذلك الوقت العصيب والوقف الرهيب ل يُدهش الؤلف ول يُذهِل فكره
الثاقب عن الولن ف مناحي اعجاز القرآن البي .وها نن تلمذة رسائل النور يسرنا ان نضع
هذا الكتاب بي يدي النسانيي من البشر ليدرس دراسة مردة عن الغراض بعيدة عن الهواء
والتعصب الذميم .ان ف ذلك لذكرى لن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد .وال أسأل ان
ينفع به الناس ويهديهم سواء السبيل.
1378هـ
قالوا عن القرآن
1
"يرتبط هذا النب صلى ال عليه وسلم باعجاز أبد الدهر با يبنا به السيح (عليه السلم) ف قوله
عنه( :ويبكم بامور آتية) ،هذا العجاز هو القرآن الكري معجزة الرسول الباقية ما بقى الزمان.
فالقرآن الكري يسبق العلم الديث ف كل مناحيه :من طب ،وفلك ،وجغرافيا ،وجيولوجيا،
وقانون ،واجتماع ،وتاريخ ..ففي ايامنا هذه استطاع العلم ان يرى ما سبق اليه القرآن بالبيان
2
والتعريف"...
2
"اعتقد يقينا ان لو كنت انسانا وجوديا ...ل يؤمن برسالة من الرسالت السماوية وجاءن نفر
من الناس وحدثن با سبق به القرآن العلم الديث -ف كل مناحيه -لمنت برب العزة
3
والبوت ،خالق السماوات والرض ولن اشرك به احدا"...
3
"ف هذا الظلم الدامس -ايها السيحي -ينل القرآن الكري على رسول ال ليكشف لك عن
4
ال عز وجل"...
_____________________
قس مبشر من مواليد السكندرية عام ،1919يمل شهادات عالية ف علم اللهوت من كلية
اللهوت الصرية ،ومن جامعة برنستون المريكية .عمل استاذا بكلية اللهوت باسيوط .كما
ارسل عام 1954ال اسوان سكرتيا عاما للرسالية اللانية السويسرية .وكانت مهمته
القيقية التنصي والعمل ضد السلم .لكن تعمقه ف دراسة السلم قاده ال اليان بذا الدين
واشهر اسلمه رسيا عام .1959
كتب العديد من الؤلفات ،ابرزها ولريب (ممد ف التوراة والنيل والقرآن)( ،الستشرقون
والبشرون ف العال العرب والسلمي) ،و(تاريخ بن إسرائيل).
4
1
"للمسلم ان يعتزّ بقرآنه ،فهو كالاء فيه حياة لكل من نل منه"
2
ارنولد
1
"[..اننا] ند حت من بي السيحيي مثل الفار [ "A"vaالسبان] الذى عُرف بتعصبه على
السلم ،يقرر ان القرآن قد صيغ ف مثل هذا السلوب البليغ الميل ،حت أن السيحيي ل
3
يسعهم ال قراءته والعجاب به"..
4
ايرفنج
1
"كانت التوراة ف يوم ما هي مرشد النسان واساس سلوكه .حت اذا ظهر السيح (عليه السلم)
اتبع السيحيون تعاليم النيل ،ث ح ّل القرآن مكانما ،فقد كان القرآن اكثر شو ًل وتفصيلً من
الكتابي السابقي ،كما صحح القرآن ما قد ادخل على هذين الكتابي من تغيي وتبديل .حوى
5
القرآن كل شئ ،وحوى جيع القواني ،إذ انه خات الكتب السماوية"..
_____________________
(دراسات ف حضارة السلم ص )244ذاع صيته بكتابيه( :الدعوة ال السلم) الذى ترجم
ال اكثر من لغة ،و(اللفة) .كما انه نشر عدة كتب قيمة عن الفن السلمي.
الدعوة ال السلم (بث ف تاريخ نشر العقيدة السلمية) ،ص .162 3
واشنجتون ايرفنج : W. Irvingمستشرق امريكى ،اول اهتماما كبيا لتاريخ السلمي ف 4
الندلس .من آثاره( :سية النب العرب) مذيلة باتة لقواعد السلم ومصادرها الدينية (
،)1849و(فتح غرناطة) ( ،)1859غيها.
2
1
"يدعو القرآن ال الرحة والصفاء وال مذاهب اخلقية سامية"
2
بروز
1
"انه ليس هناك شئ ،لدين ف تزايد سيطرة النسان على القوى الطبيعية ،هناك آية ف القرآن
يكن ان يستنتج منها انه لعل من اهداف خلق الجموعة الشمسية لفت نظر النسان لكي يدرس
علم الفلك ويستخدمه ف حياته( :هو الذي خلق الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا
عدد السني والساب) .3وكثيا ما يشي القرآن ال اخضاع الطبيعة للنسان باعتباره إحدى
اليات الت تبعث على الشكر واليان( :وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون لتستووا على
ظهوره ث تذكروا نعمة ربكم وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرني) .4ويذكر
القرآن -ل تسخي اليوان واستخدامه فحسب -ولكن يذكر السفن ايضا ..فاذا كان المل
5
والسفينة من نعم ال العظيمة ،أفل يصدق هذا اكثر على سكة الديد والسيارة والطائرة؟"
2
" ..ان اعظم نتائج العلم يكن ان تستخدم ف اغراض هدمية او بنائية .وربا كان هذا هو القصود
با ورد ف القرآن خاصا باستخدام الديد( :وانزلنا الديد
_____________________
د .ميلر بروز : Mllar Burrowsرئيس قسم لغات الشرق الدن وآدابه واستاذ الفقه الدين 2
النيلى ف جامعة (بيل) وعمل استاذا بامعة براون ،واستاذا زائرا بالامعة المريكية ف بيوت،
ومديرا للمدرسة المريكية للبحوث الشرقية بالقدس ،ومن مؤلفاتهFounders of Great :
.religions, 1931
.What Means these Stones, 1941
فيه بأس شديد ومنافع للناس) .1واظهر مثال من هذا الن بالضرورة هو استخدام النشاط الذرى
2
-الذى نشطت بوثه -لضرورة حربية"..
3
بلشي
1
" ..ان الفضل بعد ال يعود ال الليفة عثمان بن عفان (رضى ال عنه) لسهامه قبل سنة
655هـ ف ابعاد الخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن ،واليه وحده يدين السلمون
4
بفضل تثبيت نص كتابم النل ،على مدى الجيال القادمة".
2
" لجرم ف انه اذا كان ثة شئ تعجز الترجة عن ادائه فانا هو العجاز البيان واللفظي والرس
اليقاعي ف اليات النلة ف ذلك العهد ..ان خصوم ممد (عليه الصلة والسلم) قد اخطأوا
عندما ل يشاءوا ان يروا ف هذا إلّ اغان سحرية وتعويذية ،وبالرغم من اننا على علم -
استقرائيا فقط -بتنبؤات الكهان ،فمن الائز لنا العتقاد مع ذلك بطل هذا الكم وتافته ،فان
لليات الت اعاد الرسول (عليه الصلة والسلم) ذكرها ف هذه السور اندفاعا وألَقا وجللةً
تلّف وراءها بعيدا اقوال فصحاء البشر كما يكن استحضارها من خلل النصوص الوضوعة الت
5
وصلتنا".
_____________________
بلشي : r.l.Blachereولد بالقرب من باريس ،وتلقى دروسه الثانوية ف الدار البيضاء ،وترج 3
بالعربية ف كلية الداب بالزائر ( ،)1922وعي استاذا لا ف معهد مولي يوسف بالرباط ،ث
انتدب مديرا لعهد الدراسات الغربية العليا بالرباط ( ،)1935 - 1924واستدعنه مدرسة
اللغات الشرقية بباريس استاذا لكرسى الدب العرب ( ،)1951 - 1935ونال الدكتوراه (
،)1936وعي استاذا ماضرا ف السوربون ( ،)1938ومشرفا على ملة (العرفة) ،الت ظهرت
ف باريس باللغتي العربية والفرنسية ،من آثاره :دراسات عديدة عن تاريخ الدب العرب ف اشهر
الجلت الستشراقية ،وكتاب (تاريخ الدب العرب) (باريس ،)1952وترجة جديدة للقرآن
الكري ف ثلثة اجزاء (باريس ،)1952 - 1947وغيها.
3
" ..ان القرآن ليس معجزة بحتواه وتعليمه فقط ،انه ايضا ويكنه ان يكون قبل اى شئ آخر تفة
ادبية رائعة تسمو على جيع ما اقرّته النسانية وبّلته من التحف ..ان الليفة القبل عمر بن
الطاب (رضى ال عنه) العارض الفظ ف البداية للدين الديد ،قد غدا من اشد التحمسي
لنصرة الدين عقب ساعه لقطع من القرآن .وسنورد الديث فيما بعد عن مقدار الفتتان الشفهي
1
بالنص القرآن بعد ان رتّله الؤمنون"
4
" ..العجاز هو العجزة الصدقة لدعوة ممد صلى ال عليه وسلم الذي ل يرتفع ف احاديثه
2
الدنيوية ال مستوى اللل القرآن "..
5
" ..ف جيع الجالت الت اطللنا عليها من علم قواعد اللغة والعجمية وعلم البيان ،اثارت الواقعة
القرآنية وغذت نشاطات علمية هي اقرب ال حالة حضارية منها ال التطلبات الت فرضها
إخراج الشريعة السلمية .وهناك مالت اخرى تدخل فيها (الواقعة القرآنية) كعامل اساسى..
ول تكون فاعليتها هنا فاعلية عنصر منبه فقط ،بل فاعلية عنصر مبدع تتوطد قوته بنوعيته
3
الذاتية"..
4
بوازار
1
"لبدّ عند تعريف النصّ القدسى ف السلم من ذكر عنصرين ،الول انه كتاب منل ازل غي
ملوق ،والثان انه (قرآن) اي كلم حي ف قلب الماعة ..وهو
_____________________
وحقوق النسان وكتب عددا من الباث للمؤترات والدوريات العنية باتي السألتي .يعتب
كتابه (انسانية السلم) ،الذى انبثق عن الهتمام نفسه ،علقة مضيئة ف مال الدراسات الغربية
للسلم ،با تيز به من موضوعية ،وعمق ،وحرص على اعتماد الراجع الت ل يأسرها التحيز
والوى .فضلً عن الكتابات السلمية نفسها.
بي ال والنسانية (الوسيط) الذى يعل اي تنظيم كهنوتى غي ذي جدوى ،لنه مرضيّ به
مرجعا اصليا ،وينبوع إلام اساسي ..ومازال حت ايامنا هذه نوذجا رفيعا للدب العرب تستحيل
ماكاته .انه ل يثل النموذج الحتذى للعمل الدب المثل وحسب ،بل يثل كذلك مصدر
الدب العرب والسلمي الذي ابدعه ،لن الدين أوحى به هو ف اساس عدد كبي من الناهج
1
الفكرية الت سوف يشتهر با الكتاب"..
2
"لقد اثبت التنيل برفضه الفصل بي الروحي والزمن انه دين ونظام اجتماعي ..ومن البديهي ان
2
التنيل والسبيل الذي ظن امكان استخدامه فيه قد طبعا الجتمع بعمق"..
3
" ..ان القرآن ل يقدّر قط لصلح اخلق عرب الاهلية ،انه على العكس يمل الشريعة الالدة
3
والكاملة والطابقة للحقائق البشرية ،والاجات الجتماعية ف كل الزمنة"
4
" ..يلق الروح القرآن مناخ عيش ينتهي به المر ال مناغمة التعبيات الذهنية والساواة بي
العقليات والنظم الجتماعية بأكثر ما تفترض التصريفات السياسية والطوابع اليديولوجية الت
تسند ال الدول .ول يكفي قط ما يتردد عن درجة تأثي القرآن الكبى ف (الذهنية السلمية)
العاصرة ،فهو ما يزال مصدر اللام الفردى والماعي الرئيسى ،كما انه ملجأ السلمي وملذهم
4
الخي"
_____________________
5
1
"[ ..ان] الدوات الت يوفرها التنيل القرآن قادرة ول ريب على بناء متمع حديث"..
2
بوتر
1
" ..عندما اكملت القرآن الكري غمرن شعور بان هذا الق الذي يشتمل على الجابات الشافية
حول مسائل اللق وغيها .وانه يقدم لنا الحداث بطريقة منطقية ندها متناقضة مع بعضها ف
غيه من الكتب الدينية .اما القرآن فيتحدث عنها ف نسق رائع واسلوب قاطع ل يدع مالً
3
للشك بان هذه هى القيقة وان هذا الكلم هو من عند ال ل مالة"
2
" ..ان الضمون اللي للقرآن الكري هو السئول عن النهوض بالنسان وهدايته ال معرفة اللق،
4
هذه العرفة الت تنطبق على كل عصر"..
3
" ..كيف استطاع ممد صلى ال عليه وسلم الرجل المي الذي نشأ ف بيئة جاهلية ان يعرف
معجزات الكون الت وصفها القرآن الكري ،والت ل يزال العلم الديث حت يومنا هذا يسعى
5
لكتشافها؟ لبدّ إذن ان يكون هذا الكلم هو كلم ال عزّ وجلّ"
_____________________
ديبورا بوتر : D. Potterولدت عام ،1954بدينة ترافيز ،ف ولية متشيغان المريكية،2
وترجت من فرع الصحافة بامعة متشيغان ،اعتنقت السلم عام ،1980بعد زواجها من احد
الدعاة السلميي العاملي ف امريكا ،بعد اقتناع عميق بانه ليس ثة من دين غي السلم يكن ان
يستجيب لطالب النسان ذكرا كان ام انثى.
1
"لقد قمت اولً بدراسة القرآن الكري ،وذلك دون اي فكر مسبق وبوضوعية تامة باحثا عن
درجة اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الديث .وكيف اعرف ،قبل هذه الدراسة ،وعن طريق
الترجات ،ان القرآن يذكر انواعا كثية من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفت كانت وجيزة.
وبفضل الدراسة الواعية للنصّ العرب استطعت ان احقق قائمة ادركت بعد النتهاء منها ان
القرآن ل يتوى على اية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم ف العصر الديث .وبنفس
الوضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القدي والناجيل .اما بالنسبة للعهد القدي فلم تكن
هناك حاجة للذهاب ال ابعد من الكتاب الول ،اي سفر التكوين ،فقد وجدت مقولت ل
يكن التوفيق بينها وبي اكثر معطيات العلم رسوخا ف عصرنا .واما بالنسبة للناجيل ...فاننا
ند نص انيل مت يناقض بشكل جلي انيل لوقا " وان هذا الخي يقدم لنا صراحة امرا ل يتفق
2
مع العارف الديثة الاصة بقدم النسان على الرض".
2
"لقد اثارت الوانب العلمية الت يتص با القرآن دهشت العميقة ف البداية .فلم اكن اعتقد قط
بامكان اكتشاف عدد كبي ال هذا الدّ من الدعاوى الاصة بوضوعات شديدة التنوع
ومطابقته تاما للمعارف العلمية الديثة ،ذلك ف نص كتب منذ اكثر من ثلثة عشر قرنا .ف
البداية ل يكن ل اي ايان بالسلم .وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل
3
حكم مسبق وبوضوعية تامة"..
_____________________
د .موريس بوكاي : Maurice Bucailleالطبيب والعال الفرنسي العروف .كان كتابه (القرآن 1
الكري والتوراة والنيل والعلم) من اكثر الؤلفات الت عالت موضوعا كهذا ،اصالة واستيعابا
وعمقا .ويبدو ان عمله ف هذا الكتاب القيم منحه قناعات مطلقة بصدق كتاب ال ،وبالتال
صدق الدين الذي جاء به .دعي اكثر من مرة لضور ملتقى الفكر السلمي الذي ينعقد ف
الزائر صيف كل عام ،وهناك اتيح له ان يطلع اكثر على السلم فكرا وحياةً.
3
" ..تناولت القرآن منتبها بشكل خاص ال الوصف الذي يعطيه عن حشد كبي من الظاهرات
الطبيعية .لقد اذهلتن دقة بعض التفاصيل الاصة بذه الظاهرات وهي تفاصيل ل يكن ان تدرك
ال ف النص الصلي .اذهلتن مطابقتها للمفاهيم الت نلكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والت
1
ل يكن مكنا لي انسان ف عصر ممد صلى ال عليه وسلم ان يكون عنها ادن فكرة"..
4
" ..كيف يكن لنسان -كان ف بداية امره اميّا .. -ان يصرح بقائق ذات طابع علمي ل
يكن ف مقدور اي انسان ف ذلك العصر ان يكونا ،وذلك دون ان يكشف تصريه عن اقل
2
خطأ من هذه الوجهة؟"
3
بيكارد
1
" ..ابتعت نسخة من ترجة سافاري الفرنسية لعان القرآن وهي أغلى ما املك .فلقيت من
مطالعتها اعظم متعة وابتهجت با كثيا حت غدوت وكأن شعاع القيقة الالد قد اشرق علي
4
بنوره البارك"
_____________________
إنكليزي ،ترج من كانتر بوري .مؤلف وكاتب مشهور .ومن بي مؤلفاته الدبية بالنكليزية
(مغامرات القاسم) و (عال جديد) .شارك ف الرب العالية الول وأسر .عمل فترة من الوقت
ف اوغندا .اعلن اسلمه عام 1922م.
1
"ان السلوب القرآن متلف عن غيه ،ث انه ل يقبل القارنة باسلوب آخر ،ول يكن ان يقلّد.
2
وهذا ف اساسه ،هو إعجاز القرآن ..فمن جيع العجزات كان القرآن العجزة الكبى"
2
" ..ان إعجاز القرآن ل يل دون ان يكون اثره ظاهرا على الدب العرب .اما اذا نن نظرنا ال
النسخة الت نقلت ف عهد اللك جيمس من التوراة والنيل وجدنا ان الثر الذي تركته على
اللغة النكيزية ضئيل ،بالضافة ال الثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية .ان القرآن هو الذي
3
حفظ اللغة العربية وصانا من ان تتمزق لجمات"
4
حنا
1
ل عن كونه كتاب دين وتشريع ،فهو ايضا كتاب لغة عربية "انه لبدّ من القرار بان القرآن ،فض ً
فصحى .وللغة القرآن الفضل الكبي ف ازدهار اللغة ،ولطالا يعود
_____________________
د .فيليب حت P. Hitti :ولد عام 1886م ،لبنان الصل ،امريكي النسية ،ترج من الامعة 1
المريكية ف بيوت (1908م) ،ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (1915م) ،وعي معيدا
ف قسمها الشرقي ( ،)1919 - 1915واستاذا لتاريخ العرب ف الامعة المريكية ببيوت (
،)1925 - 1919واستاذا مساعدا للداب السامية ف جامعة برنستون (- 1926
1929م) ،واستاذا ث استاذ كرسى ث رئيسا لقسم اللغات والداب الشرقية (- 1929
1954م) ،حي احيل على التقاعد ،انتخب عضوا ف جعيات ومامع عديدة.
من آثاره( :اصول الدولة السلمية)(1916م)( ،تاريخ العرب)(1927م)( ،تاريخ سوريا ولبنان
وفلسطي)(1951م)( ،لبنان ف التاريخ)(1961م) ،وغيها.
اليه ائمة اللغة ،ف بلغة الكلمة وبيانا ،سواء كان هؤلء الئمة مسلمي ام مسيحيي .واذا كان
السلمون يعتبون ان صوابية لغة القرآن هي نتيجة متومة لكون القرآن منلً ول تتمل التخطئة،
فالسيحيون يعترفون ايضا بذه الصوابية ،بقطع النظر عن كونه من ًل او موضوعا ،ويرجعون اليه
1
للستشهاد بلغته الصحيحة ،كلما استعصى عليهم امر من امور اللغة"
2
داود
1
" ..تناولت نسخة من ترجة معان القرآن الكري باللغة النيليزية ،لن عرفت ان هذ هو الكتاب
القدس عند السلمي ،فشرعت ف قراءته وتدبر معانيه ،لقد استقطب جل اهتمامي ،وكم كانت
دهشت عظيمة حي وجدت الجابة القنعة عن سؤال الحي[ :الدف من اللق] ف الصفحات
الول من القرآن الكري ..لقد قرأت اليات ( )39 - 30من سورة البقرة ..وهي آيات توضح
القيقة بلء لكل دارس منصف ،ان هذه اليات تبنا بكل وضوح وجلء وبطريقة مقنعة عن
3
قصة اللق"..
2
" ..ان دراست للقرآن الكري وضحت امام ناظري العديد من الشكالت الفكرية ،وصححت
4
الكثي من التناقضات الت طالعتها ف الكتب السماوية السابقة"
_____________________
عامر علي داود : A.Ali Davidينحدر من اسرة هندية برهية ،تنصرت على ايدى البشرين 2
الذين قدموا مع طلئع الستعمار ،كان كثي القراءة للكتب الدينية ،ولا اتيح له ان يطلع على
القرآن الكري كان الواب هو انتماؤه للسلم.
1
"للمسيح [عليه السلم] ف القرآن مقام عالٍ ،فولدته ل تكن عادية كولدة بقية الناس ،وهو
رسول ال الذي خاطب ال جهرا عن مقاصده وحدث عن ذلك اول شخص كلمه ،وهو كلمة
ال الناطقة من غي اقتصار على الوحي وحده ..والقرآن يقصد النصرانية الصحيحة حينما يقول:
ان عيسى (عليه السلم) كلمة ال ،او روح ال ،ألقاها ال مري وانه من البشر ..وهو يذ ّم مذهب
القائلي بالوهية السيح (عليه السلم) ومذهب تقدي البز ال مري عبادةً ث اكله وما ال ذلك من
مذاهب اللاد النصرانية ،ل النصرانية الصحيحة ،ول يسع النصران ال ان يرضى بهاجة القرآن
2
للثالوث الؤلف من ال وعيسى ومري"
2
"سيكون القرآن حافزا للجهاد يردده الؤمنون كما يردد غيهم اناشيد الرب ،مرضا على
القتال جامعا لشؤونه ،مركا لفاتري المم ،فاضحا للمخلّفي مزيا للمنافقي ،واعدا الشهداء
3
بنات عدن"
3
"كان ممد صلى ال عليه وسلم يعد نفسه وسيلة لتبليغ الوحي ،وكان مبلغ حرصه ان يكون
امينا مصغيا او سجلً صادقا او حاكيا معصوما لا يسمعه من كلم الظل الساطع والصوت
الصامت للكلم القدي على شكل دنيوي ،لكلم ال الذي هو امّ الكتاب ،للكلم الذي تفظه
ملئكة كرام ف السماء السابعة .ول بد لكل نب من دليل على رسالته ،ولبد له من معجزة
يتحدى با ..والقرآن هو معجزة ممد صلى ال عليه وسلم الوحيدة ،فاسلوبه العجز وقوة اباثه
ل تزال ..ال يومنا يثيان ساكن من يتلونه ،ولو ل يكونوا
_____________________
إميل درمنغم : E.Dremenghemمستشرق فرنسى ،عمل مديرا لكتبة الزائر ،من آثاره: 1
(حياة ممد) (باريس )1929وهو من ادق ما صنّفه مستشرق عن النب صلى ال عليه وسلم،
و(ممد والسنة السلمية) (باريس ،)1955ونشر عددا من الباث ف الجلت الشهية مثل:
(الجلة الفريقية) ،و(حوليات معهد الدراسات الشرقية) ،و(نشرة الدراسات العربية) ...ال.
4
"كان لحمد صلى ال عليه وسلم بالوحي آلم كبية ..وحالت مؤثرة كره ان يطلع الناس
عليها ،ولحظ ابو بكر (رضي ال عنه) ذات يوم ،والزن ملء قلبه ،بدء الشيب ف لية النب
صلى ال عليه وسلم فقال له النب( :شيّبتن هود واخواتا :الواقعة والاقة والقارعة) .وكان النب
صلى ال عليه وسلم يشعر بعد الوحي بثقل ف رأسه فيطبه بالراهم ،وكان يدثر حي الوحي
2
فيسمع له غطيط واني .وكان اذا نزل الوحي عليه يتحدر جبينه عرقا ف البد"
5
"كان ممد صلى ال عليه وسلم ،وهو البعيد من إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي اليه
3
احيانا على غي جدوى ،فيأل من ذلك ،ويود لو يأتيه اللك متواترا"
4
دي كاستري
1
" ..ان العقل يار كيف يتأت ان تصدر تلك اليات عن رجل امي وقد اعترف الشرق قاطبة بانا
آيات يعجز فكر بن النسان عن التيان بثلها لفظا ومعن .آيات لا سعها عقبة ابن ربيعة حار ف
جاها ،وكفى رفيع عبارتا لقناع عمر بن الطاب
_____________________
الفرنسي ،قضى ف الشمال الفريقي ردحا من الزمن .من آثاره( :مصادر غي منشورة عن تاريخ
الغرب)(( ،)1905الشراف السعديون)(( ،)1921رحلة هولندي ال الغرب)(،)1926
وغيها.
(رضى ال عنه) فآمن برب قائلها ،وفاضت عي ناش ّي البشة بالدموع لا تلى عليه جعفر بن اب
طالب سورة زكريا وما جاء ف ولدة يي وصاح القسس ان هذا الكلم واردٌ من موارد كلم
عيسى (عليه السلم) ..لكن نن معشر الغربيي ل يسعنا ان نفقه معان القرآن كما هي لخالفته
لفكارنا ومغايرته لا ربيت عليه المم عندنا ،غي انه ل ينبغي ان يكون ذلك سببا ف معارضة
تأثيه ف عقول العرب ،ولقد اصاب (جان جاك روسو) حيث يقول( :من الناس من يتعلم قليلً
من العربية ث يقرأ القران ويضحك منه ولو انه سع ممدا صلى ال عليه وسلم يليه على الناس
بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته الشبع القنع الذي يطرب الذان ويؤثر ف القلوب ..لرّ
ساجدا على الرض وناداه :ايها النب رسول ال خذ بيدنا ال مواقف الشرف والفخار او مواقع
التهلكة والخطار فنحن من اجلك نو ّد الوت او النتصار) ..وكيف يعقل ان النب صلى ال عليه
وسلم الّف هذا الكتاب باللغة الفصحى مع انا ف الزمان الوسطى كاللغة اللتينية ما كان يعقلها
ال القوم العالون ..ولو ل يكن ف القرآن غي باء معانيه وجال مبانيه لكفى بذلك ان يستول
1
على الفكار ويأخذ بجامع القلوب"..
2
"اتى ممد صلى ال عليه وسلم بالقرآن دليلً على صدق رسالته ،وهو ل يزال ال يومنا هذا سرّا
من السرار الت تعذر فك طلسها ولن يسب غور هذا السر الكنون الّ من يصدق بانه منل من
2
ال "..
3
" ..قد نرى تشابا بي القرآن والتوراة ف بعض الواضع ،ال ان سببه ميسور العرفة ..اذا ل حظنا
3
ان القرآن جاء ليتممها ،كما ان النب صلى ال عليه وسلم خات النبياء والرسلي"
_____________________
1
"لقد حقق القرآن معجزة ل تستطيع اعظم الجامع العلمية ان تقوم با ،ذلك انه مكّن للغة العربية
ف الرض بيث لو عاد احد اصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الينا اليوم لكان ميسورا له
ان يتفاهم تام التفاهم مع التعلمي من اهل اللغة العربية ،بل لا وجد صعوبة تذكر للتخاطب مع
الشعوب الناطقة بالضاد .وذلك عكس ما يده مثلً احد معاصري (رابيليه) من اهل القرن
الامس عشر الذي هو اقرب الينا من عصر القرآن ،من الصعوبة ف ماطبة العدد الكب من
2
فرنسيّى اليوم"
2
" ..احسّ الشركون ،ف دخيلة نفوسهم ،ان قد غزا قلوبم ذلك الكلم العجيب الصادر من
اعماق قلب الرسول اللهم صلى ال عليه وسلم وكلهم كثيا ما كانوا على وشك الضوع لتلك
اللفاظ الخاذة الت ألمها ايان ساوي ،ول ينعهم عن السلم ال قوة حبهم لعراض الدنيا"..
3
3
"ان معجزة النبياء الذين سبقوا ممدا كانت ف الواقع معجزات وقتية وبالتال معرضة للنسيان
السريع .بينما نستطيع ان نسمي معجزة اليات القرآنية( :العجزة الالدة) وذلك ان تأثيها دائم
ومفعولا مستمر ،ومن اليسي على الؤمن ف كل زمان وف كل مكان ان يرى هذه العجزة بجرد
تلوة ف كتاب ال ،وف هذه العجزة ند التعليل الشاف للنتشار الائل الذي احرزه السلم،
ذلك النتشار
_____________________
ايتي دينيه ( :Et.Dinet )1929 - 1861تعلم ف فرنسا ،وقصد الزائر ،فكان يقضي ف 1
بلدة بو سعادة نصف السنة من كل عام ،واشهر اسلمه وتسمى بناصر الدين ( ،)1927وحج
ال بيت ال الرام (.)1928
من آثاره :صنف بعاونة سليمان بن ابراهيم (ممد ف السي النبوية) ،وله بالفرنسية (حياة
العرب) ،و(حياة الصحراء) ،و(اشعة خاصة بنور السلم) ،و(الشرق ف نظر الغرب) ،و(الج ال
بيت ال الرام).
الذي ل يدرك سببه الوروبيون لنم يهلون القرآن ،او لنم ل يعرفونه ال من خلل ترجات
1
ل تنبض بالياة فضلً عن انا غي دقيقة".
4
"ان كان سحر اسلوب القرآن وجال معانيه ،يدث مثل هذا التأثي ف [نفوس علماء] ل يتون
ال العرب ول ال السلمي بصلة ،فماذا ترى ان يكون من قوة الماسة الت تستهوى عرب
الجاز وهم الذين نزلت اليات بلغتهم الميلة؟… لقد كانوا ل يسمعون القرآن ال وتتملك
نفوسهم انفعالت هائلة مباغتة ،فيظلون ف مكانم وكأنم قد سّروا فيه .أهذه اليات الارقة
تأت من ممد صلى ال عليه وسلم ذلك المي الذي ل ينل حظا من العرفة؟ ..كل ان هذا
القرآن لستحيل ان يصدر عن ممد ،وانه ل مناص من العتراف بان ال العلي القدير هو الذي
2
املى تلك اليات البينات"..
5
"ل عجب ان نرى النب المي يتحدى الشعراء ،ويعترف لم بق نعتهم له بالكذب ،إن أتوا
3
بعشر سور من مثله ،فقد آمن بعجزهم عن ذلك".
4
ديورانت
1
" ..ظل [القرآن] اربعة عشر قرنا من الزمان مفوظا ف ذاكرة [السلمي] يستثي خيالم ،ويشكل
اخلقهم ،ويشحذ قرائح مئات الليي من الرجال .والقرآن يبعث ف النفوس اسهل العقائد،
واقلها غموضا ،وابعدها عن التقيد بالراسم والطقوس،
_____________________
ول ديورانت : W.Durantمؤلف امريكي معاصر ،يعد كتابه (قصة الضارة) ذو الثلثي ملدا، 4
واحدا من اشهر الكتب الت تؤرخ للحضارة البشرية عب مساراتا العقدة التشابكة ،عكف على
تأليفه السني الطوال ،واصدر جزأه الول عام ،1935ث تلته بقية الجزاء.
واكثرها تررا من الوثنية والكهنوتية .وقد كان له اكب الفضل ف رفع مستوى السلمي
الخلقي والثقاف ،وهو الذي اقام فيهم قواعد النظام الجتماعي والوحدة الجتماعية ،وحرضهم
على اتباع القواعد الصحية ،وحرر عقولم من كثي من الرافات والوهام ،ومن الظلم والقسوة،
وحسّن احوال الرقاء ،وبعث ف نفوس الذلء الكرامة والعزة ،واوجد بي السلمي ..درجة من
العتدال والبعد عن الشهوات ل يوجد لا نظي ف اية بقعة من بقاع العال يسكنها الرجل
1
البيض"..
2
روزنثال
1
"من الدوافع العملية لدراسة التاريخ توفر الادة التاريية ف القرآن ما دفع مفسريه ال البحث عن
معلومات تاريية لتفسي ما جاء فيه .وقد اصبح الهتمام بالادة التاريية ،على مر الزمن ،احد
فروع العرفة الت تت بالرتباط بالقرآن .واذا كان الرسول صلى ال عليه وسلم قد سع بعض
الخبار والعلومات التاريية ،فان هذا ل يبر الفتراض بانه قد قرأ الصادر التاريية كالتوراة ف
ترجاتا العربية .لقد وردت ف القرآن معلومات تاريية تتلف عما يدعي اليهود وجوده ف
التوراة .وقد ذكر الرسول صلى ال عليه وسلم ان اليهود والنصارى حرفوا التوراة ،وتسك
السلمون با جاء ف القرآن ..لقد اشار القرآن ال كثي من الحداث الت احاطت بالرسول صلى
ال عليه وسلم ..وكان لذلك اهية ف التاريخ السلمي لن الحداث الت اشارت اليها اليات
3
صارت لا اهية تاريية كبى للمسلمي ،واستثارت البحوث التاريية"..
_____________________
فرانز روزنثال : F.rsenthalمن اساتذة جامعة ييل .من آثاره :العديد من الدراسات والباث 2
1
"..لا كانت روعة القرآن ف اسلوبه فقد [انزل] ليقرأ ويتلى بصوت عال .ول تستطيع اية ترجة
ان تعب عن فروقه الدقيقة الشبعة بالساسية الشرقية .ويب ان تقرأه ف لغته الت كتب با
لتتمكن من تذوق جله وقوته وسو صياغته .ويلق نثره الوسيقى والسجوع سحرا مؤثرا ف
النفس حيث تزخر الفكار قوة وتتوهج الصور نضارة ،فل يستطيع احد ان ينكر ان سلطانه
السحري وسوه الروحي يسهمان ف إشعارنا بان ممدا صلى ال عليه وسلم كان ملهما بلل
2
ال وعظمته"
2
ل اول كتاب يتخذ "كان ف القرآن فوق انه كتاب دين خلصة جيع العارف ..وظل زمنا طوي ً
للقراءة ال الوقت الذي شكل فيه وحدة كتاب العرفة والتربية .ول يزال حت اليوم النص الذي
تقوم عليه اسس التعليم ف الامعات السلمية .ول تستطيع الترجات ان تنقل ثروته اللغوية (اذ
يذبل جال اللغة ف الترجات كأنا زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يب ان يقرأ القرآن ف
3
نصه الصلي"
3
" ان القرآن يد اللول لميع القضايا ،ويربط ما بي القانون الدين والقانون الخلقي ،ويسعى
ال خلق النظام ،والوحدة الجتماعية ،وال تفيف البؤس والقسوة والرافات .انه يسعى ال
الخذ بيد الستضعفي ،ويوصي بالب ،ويأمر بالرحة ..وف مادة التشريع وضع قواعد لدق
التفاصيل للتعاون اليومي ،ونظم العقود والواريث ،وف ميدان السرة حدد سلوك كل فرد تاه
4
معاملة الطفال والرقاء واليوانات والصحة واللبس ،ال"..
_____________________
جاك .س .ريسلر : J.S.restlerباحث فرنسي معاصر ،واستاذ بالعهد السلمي بباريس. 1
الضارة العربية ،ص .31 - 30 2
4
" ..حقا ،لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على انا البدأ الساسي لياة السلم ول يتعرض ما
1
جاء ف القرآن من نظر واخلق ونظام لية تغييات ول لتبديلت بعيدة الغور"
5
"يظل القرآن طيلة القرون الول للهجرة من جهة البدأ مصدر اللام لكل العقلية السلمية فهو
2
يضم بي اطرافه الفكار والحاسيس الضرورية والكافية لتزويد اعظم الداسات ف الفكر"
3
سارتون
1
"[ان] لغة القرآن على اعتبار انا اللغة الت اختارها ال جل وعل للوحي كانت ،بذا التحديد،
كاملة ...وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية ال مقام الثل العلى ف التعبي عن القاصد،
4
[ ..وجعل منها] وسيلة دولية للتعبي عن اسى مقتضيات الياة"
_____________________
جورج سارتون ( : G.Sarton )1956 - 1884ولد ف بلجيكا ،وحصل على الدكتواه ف 3
العلوم الطبيعية والرياضية ( ،)1911فلما نشبت الرب رحل ال انكلترا ،ث تول عنها ال
الوليات التحدة ،وتنّس بنسيّتها فعي ماضرا ف تاريخ العلم بامعة واشنطن ( ،)1916ث ف
جامعة هارفارد ( .)1949 - 1917وقد انكب على دراسة اللغة العربية ف الامعة المريكية
ببيوت ( )1932 - 1931والقى فيها وف كلية القاصد السلمية ماضرات متعة لتبيان فضل
العرب على التفكي النسان ،زار عددا من البلدان العربية ،وترس بالعديد من اللغات ،ومنح
عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوا ف عشرة مامع علمية وف عديد من المعيات العالية،
واشرف على عدد من الجلت العلمية.
من آثاره :خلف اكثر من خسمائة بث ،وخي تصانيفه واجعها( :الدخل ال تاريخ العلم) ف
خسة ملدات (.)1947 ،1931 ،1927
1
"ان القرآن الكري مع انه انزل على رجل عرب امي نشأ ف امة امية ،فقد جاء بقواني ل يكن ان
يتعلمها النسان الّ ف ارقى الامعات ،كما ند ف القرآن حقائق علمية ل يعرفها العال ال بعد
2
قرون طويلة"
3
ستيفن
1
"ف تلك الفترة من حيات بدا ل وكأنن فعلت كل شئ وحققت لنفسي النجاح والشهرة والال
والنساء ..كل شئ ،ولكن كنت مثل القرد اقفز من شجرة ال اخرى ول اكن قانعا ابدا .ولكن
كانت قراءة القرآن بثابة توكيد لكل شئ بداخلي كنت اراه حقا ،وكان الوضع مثل مواجهة
4
شخصيت القيقية"
2
"القرآن الكري يقرر الكثي عن الزواج ،وعن العلقة بي الرجل والرأة ،وعن اي موضوع آخر
5
تقريبا"
_____________________
السلم ف الزهر على يد اساتذة ومشرفي اخصائيي زهاء خس سنوات (،)1965 - 1961
تكنت خللا من اللغة العربية كذلك ،وكانت قد انت دراساتا العليا ف كلية القوق ،وف
معهد اللغات الشرقية ف بولونيا.
كات ستيفن : C.Stephensالغن البيطان -نساوي الصل -الشهور ،بيع من اسطواناته 3
ما يقدر بالليون ف الستينات واوائل السبعينات ،اعتنق السلم عام 1976بعد ان تعرف على
القرآن الكري بواسطة شقيقه .يقضي الن معظم وقته ف السجد ويلعب دورا فعالً ف شئون
الالية السلمية ف لندن.
1
"ان الية الت استطيب ذكرها هي الت تنبع ساحا اذ تقول( :ول تادلوا اهل الكتاب ال بالت هي
احسن -ال الذين ظلموا منهم -وقولوا آمنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والنا والكم واحد
ونن له مسلمون) 2ذلك ما يقوله السلمون للمسيحيي وما يؤمنون به لنه كلم ال اليهم .انا
لعبارات يدر بنا جيعا ،مسيحيي ومسلمي ،ان نرددها كل يوم ،فهي حجارة الساس ف بناءٍ
نريده ان يتعال حت السماء ،لنه البناء الذي فيه نلتقي والذي فيه نلقى ال :فحيث تكون الحبة
يكون ال ،والواقع ان القرآن يذكر صراحة ان الكتب النلة واحدة ،وان اصلها عند ال ،وهذا
3
الصل يدعى حينا (ام الكتاب) وحينا آخر (اللوح الحفوظ) او (المام البي)"..
2
" ..ان ممدا صلى ال عليه وسلم كان اميا ل يقرأ ول يكتب .فاذا بذا المي يهدي النسانية
ابلغ اثر مكتوب حلمت به النسانية منذ كانت النسانية ذاك كان القرآن الكري ،الكتاب الذي
4
انزله ال على رسوله هدى للمتقي"..
3
" ..السلم ليس باجة ال قلمنا ،مهما بلغ قلمنا من البلغة .ولكن قلمنا باجة ال السلم ،ال
5
ما ينطوي عليه من ثروة روحية واخلقية ،ال قرانه الرائع الذي بوسعنا ان نتعلم منه الكثي"
_____________________
نصري سلهب : N.Salhabمسيحي من لبنان ،يتميز بنظرته الوضوعية وتريه للحقيقة الجردة، 1
كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بي السلم والسيحية ف لبنان - ،كما
يزعم -إنْ على مستوى الفكر او على مستوى الواقع وعب الستينات كتب العديد من الفصول
والقى العديد من الحاضرات ف الناسبات السلمية والسيحية على السواء ،متوخيأ الدف
نفسه.
"ل يقدر لي سفر ،قبل الطباعة ،ايا كان نوعه واهيته ،ان يظى با حظى به القرآن من عناية
واهتمام ،وان يتوفّر له ما توفّر للقرآن من وسائل حفظته من الضياع والتحريف ،وصانته عما
1
يكن ان يشوب السفار عادة من شوائب"
5
"تلك اللغة الت ارادها ال قمة اللغات ،كان القرآن قمتها ،فهو قمة القمم ،ذلك بانه كلم ال"..
2
3
سوسه
1
"يرجع ميلي ال السلم ..حينما شرعت ف مطالعة القرآن الكري للمرة الول ..فولعت به ولعا
4
شديدا ..وكنت اطرب لتلوة اياته"..
2
" ..الواقع ان توير وتبديل مصاحف اليهود امر اجع عليه العلماء ف عصرنا الال نتيجة الدرس
والتنقيب وقد جاء ذلك تأييدا علميا للقوال الربانية الت اوحيت قبل نيف وثلثة عشر قرنا على
لسان النب العرب الكري صلى ال عليه وسلم .اما الفرقان الجيد ..فقد حافظ السلمون عليه
برص شديد وامانة صادقة فهو حقا الكتاب القدس الفريد الذي اجع الكل على سلمته
وطهارته من التلعب والتحوير ،وما على
_____________________
الدكتور احد نسيم سوسه : Dr. A. N. Sousaباحث مهندس من العراق ،وعضو ف الجمع 3
العلمي العراقي ،وواحد من ابرز الختصي بتاريخ الري ف العراق ،كان يهوديا فاعتنق السلم
متأثرا بالقرآن الكري ،وتوف قبل سنوات قلئل.
ترك الكثي من الدراسات ف متلف الجالت وخاصة ف تاريخ الريّ ،وفنّد ف عدد منها
ادعاءات الصهيونية العالية من الناحية التاريية ،ومن مؤلفاته الشهية ( :مفصل العرب واليهود ف
التاريخ) ،و(ف طريقي ال السلم) الذي تدث فيه عن سية حياته.
القارئ ال ان يطالع ما كتبه الستشرقون ف هذا الباب ..الذين وصفوا كيفية جعه وتدوينه،
وهؤلء اجانب غرباء كثيا ما يصوّبون اسهمهم الناقدة السامة نو السلم .والواقع ان الدلئل
التاريية واضحة بأجلى وضوح ما ل يترك اي شك ف ان الفرقان الكري ل يطرأ عليه اي تريف
او توير وقد جاء كلم ال بكامله على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم دون ان يتغي فيه حرف
1
واحد"
3
"ورد ف القرآن انه جاء مهيمنا على ما بي يديه من الكتاب ،ويستدل من ذلك ان التعاليم اللية
القدسة الصلية قد ضمن القرآن الحافظة عليها با اوضحه من القيقة باظهار الصحيح والدخيل
ف الكتب الرائجة ف زمان نزوله ،وعليه فيكون بذا البيان واليضاح قد جاء خي مهيمن على
2
كتب ال القيقية وخي حافظ اياها من التلعب"
4
"الواقع انه يتعذر على الرء الذي ل يتقن اللغة العربية ول يضطلع بأدابا ان يدرك مكانة هذا
الفرقان اللي وسوه وما يتضمنه من العجزات البهرة ،ولاكان القرآن الكري قد تناول كل انواع
التفكي والتشريع فقد يكون من العسي على انسان واحد ان يكم ف هذه الواضيع كلها ،وهل
من مناص للمرء من النذاب ال معجزة القرآن بعد تعنه ف اميّة نب السلم ووقوفه على اسرار
حياة الرسول صلى ال عليه وسلم ..فقد جعل ال تعال معجزة القرآن وامية ممد صلى ال عليه
3
وسلم برهانا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له"..
5
"ان معجزة القرآن الكري هي اكثر بروزا ف عصرنا الال ،عصر النور والعلم ،ما كانت عليه ف
4
الزمنة الت سادها الهل والمول"..
_____________________
نفسه ،ص .1/86 1
1
"ل تد ف القرآن آية إل توحي بحبة شديدة ل ..وفيه حث كبي على الفضيلة خل تلك
القواعد الاصة بالسلوك اللقي ..وفيه دعوة كبية ال تبادل العواطف وحسن القاصد والصفح
عن الشتائم ،وفيه مقت للعجب والغضب ،وفيه إشارة ال ان الذنب قد يكون بالفكر والنظر،
وفيه حض على اليفاء بالعهود حت مع الكافرين ،وتريض على خفض الناح والتواضع ،وعلى
استغفار الناس لن يسيئون إليهم ،ل لعنهم ويكفى جيع تلك القوال الامعة الملوءة حكمة
2
ورشدا لثبات صفاء قواعد الخلق ف القرآن ..إنه أبصر ك ّل شئ"..
2
" ..صلح القرآن ليكون نوذجا للسلوب وقواعد النحو ..فاوجب ذلك نشوء علم اللغة ،فظهور
علم البيان الذي درس فيه تركيب الكلم ومقتضى الال والبديع واوجه البلغة ،واضحى لصناعة
قراءة القرآن وتفسيه اكثر من مئة فرع ،فادى هذا ال مال حصر له من التأليف ف كل منها،
3
واغتنت اللغة العربية بتعابي جديدة كثية بعيدة من الفساد بخالطة اللغات الخرى"..
3
"ما يدر ذكره ان يكون القرآن ،بي متلف اللغات الت يتكلم با متلف الشعوب السلمية ف
آسيا حت الند ،وف افريقية حت السودان ،كتابا يفهمه الميع ،وان يربط القرآن هذه الشعوب
4
التباينة الطبائع برابط اللغة والشاعر"..
_____________________
) لويس سيديو ( : l. Sedillot )1876 - 1808مستشرق فرنسى عكف على نشر مؤلفات 1
ابيه جان جاك سيديو الذي توف عام 1832قبل ان تتاح له فرصة إخراج كافة اعماله ف تاريخ
العلوم السلمية .وقد عي لويس امينا لدرسة اللغات الشرقية ( )1831وصنف كتابا بعنوان
(خلصة تاريخ العرب) فضلً عن (تاريخ العرب العام) ،وكتب العديد من الباث والدراسات
ف الجلت العروفة.
1
" ..القرآن وحي من ال ،ل يدانيه اسلوب البشر ،وهو ف الوقت عينه ،ثورة عقيدية ،هذه الثورة
العقيدية ل تعترف -ل بالبابا ول اى ممع لعلماء الكهنوت والقساوسة ،حيث ل يشعر السلم
يوما بالشية واللع من قيام مبدأ التحكيم العقلي الفلسفي .فاذا قارنا السلم باليهودية والسيحية
ند بعض الطوط الميزة والت ل تبدو مطابقة تاما خاصة مع السيحية ..فالنظام السيحي
اليهودي يالف السلم حيث ل يوجد فراغ بي الالق واللق البشري ،هذا الفراغ لدى اليهود
والسيحيي ملئ بالواسطة ..ول شئ من هذا يتفق مع السلم .فمحمد صلى ال عليه وسلم مع
كونه مبعوثا ورسولً من لدن ال ل يتظاهر بانكار دعوات كل من موسى وعيسى ،كل مهوده
انصر ف تنقيتهما على ما جاء ف القرآن ،الذي وضع ف العام الول مهاجة مبدأ الثلثية منبها
ال ان عيسى ليس سوى رجل ابن مري وليس بابن ال والقول بان ال له ولد ،هذا شرك كبي
تنشق له السماء وتنفتح له الرض وتنسحق له البال .اما روح القدس فما هو ال بثابة ملك مثل
جبيل دوره هو ان ينقل ال عيسى وممد صلى ال عليه وسلم الدعوة القدسة ،اما مري فهى
2
مري العذراء وليست بام ال"..
3
شاد
1
" ..عندما آمنت بالتوحيد بدأت ابث عن الجج والباهي الت تثبت ان القرآن هو كتاب ال
تعال وانه آخر الكتب السماوية وخاتها ،وإنن احد ال إذ مكنن من
_____________________
من آثاره( :موسى بن ميمون :ترجته واثاره وفلسفته) (( ،)1921الصوفية والسيحية
واليهودية)( ،فلسفة الفكر السلمي).
بشي احد شاد : Basheer A. Shadولد عام ،1928لسرة نصرانية هندية بقرية ديان جالو 3
الندية ،كان ابوه ماتياس مبشرا نصرانيا ولذا حرص على تنشئة ابنه على ذات الطريق ،ف عام
1947اكمل دراسته وبدأ يعمل مبشرا ف لهور ،لكنه مثل كثيين غيه ما لبث ان فقد قناعاته
-كليّة -بالنصرانية وانتهى به المر بعد عشرين سنة من البحث والعاناة ال اعلن اسلمه،
(حزيران عام .)1968
حل هذه السألة .فالقرآن الكري هو الكتاب الوحيد الذي يعترف بكافة الكتب السماوية
الخرى ،بينما ند انا جيعا يرفض بعضها بعضا ..وهذه ف القيقة هي إحدى خصائص
1
وميزات القرآن الكري ،آخر الكتب السماوية وخاتها"
2
" ..ان القرآن الكري هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يفظه عن ظهر قلب الوف مؤلفة من
البشر ف متلف بقاع الرض ،بينما ند ان الكتب القدسة الخرى مفوظة بالط الطبوع فقط.
ومن هنا لو حدث لسبب او لخر ان اختفت الكتب الطبوعة يظل القرآن هو كتاب ال الوحيد
الحفوظ ف الصدور .وهكذا يق له ان يتباهى بانه ظل ف مأمن من التحريف ل ينقص منه
حرف واحد ول يزد فيه حرف واحد منذ ان نزل به الوحي على رسول ال صلى ال عليه
وسلم .فليست هناك اية تناقضات ول اخطاء من اي نوع ف القرآن الكري ،هذا ف الوقت الذي
تعان فيه الكتب السماوية الخرى ف نسختها الالية من الكثي من التغيي والتبديل .وهذا سبب
2
آخر جعلن اؤمن بالسلم"
3
فاغليي
1
"ان معجزة السلم العظمى هي القرآن الذي تنقل الينا الرواية الراسخة غي النقطعة ،من خلله،
انباء تتصف بيقي مطلق .انه كتاب ل سبيل ال ماكاته .ان كلً من تعبياته شامل جامع ،ومع
ذلك فهو ذو حجم مناسب ،ليس بالطويل اكثر ما ينبغي ،وليس بالقصي اكثر ما ينبغي .اما
اسلوبه فاصيل فريد .وليس ثة ايا نط لذا السلوب ف الدب العرب تدر الينا من العصور الت
سبقته .والثر الذي يدثه ف
_____________________
لورا فيشيا فاغليي : l.Veccica Vaglierباحثة إيطالية معاصرة انصرفت ال التاريخ السلمي 3
قديا وحديثا ،وال فقه العربية وادابا .من آثارها( :قواعد العربية) ف جزئي (- 1937
،)1941و(السلم) ( ،)1946و(دفاع عن السلم)( ،)1952والعديد من الدراسات ف
الجلت الستشراقية العروفة.
النفس البشرية انا يتم من غي ايا عون عرضى او اضاف من خلل سوه السليقيّ .ان آياته كلها
على مستوى واحد من البلغة ،حت عندما تعال موضوعات لبدّ ان تؤثر ف نفسها وجرسها
كموضوع الوصايا والنواهي وما اليها .انه يكرر قصص النبياء (عليهم السلم) واوصاف بدء
العال ونايته ،وصفات ال وتفسيها ،ولكن يكررها على نو مثي ال درجة ل تضعف من اثرها.
وهو ينتقل من موضوع ال موضوع من غي ان يفقد قوته .اننا نقع هنا على العمق والعذوبة معا
-وها صفتان ل تتمعان عادة -حيث تد كل صورة بلغية تطبيقا كاملً فكيف يكن ان
يكون هذا الكتاب العجز من عمل ممد صلى ال عليه وسلم ،وهو العرب الميّ الذي ل ينظم
1
طوال حياته غي بيتي او ثلثة ابيات ل ين ّم اي منها عن ادن موهبة شعرية؟"
2
"ل يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن اللي ف هذه القيقة :وهي ان نصّه ظل صافيا غي
مرف طوال القرون الت تراخت ما بي تنيله ويوم الناس هذا ،وان نصه سوف يظل على حاله
2
تلك من الصفاء وعدم التحريف ،باذن ال ،مادام الكون"
3
"ان هذا الكتاب ،الذي يتلى كل يوم ف طول العال السلمي وعرضه ،ل يوقع ف نفس الؤمن
ايا حسّ باللل .على العكس ،انه من طريق التلوة الكرورة يبب نفسه ال الؤمني اكثر فاكثر
يوما بعد يوم .انه يوقع ف نفس من يتلوه او يصغى اليه حسّا عميقا من الهابة والشية .ان ف
امكان الرء ان يستظهره ف غي عسر ،حت اننا لنجد اليوم ،على الرغم من انسار موجة اليان،
آلفا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب وف مصر وحدها عدد من الفاظ اكثر من
3
عدد القادرين على تلوة الناجيل ف اوروبا كلها"
_____________________
4
"ان انتشار السلم السريع ل يتم ل عن طريق القوة ول بهود البشرين الوصولة .ان الذي ادى
ال ذلك النتشار كون الكتاب الذي قدمه السلمون للشعوب الغلوبة مع تييها بي قبوله
ورفضه ،كتاب ال ،كلمة الق ،اعظم معجزة كان ف ميسور ممد صلى ال عليه وسلم ان
1
يقدمها ال الترددين ف هذه الرض"
5
"فيما يتصل بلق الكون فان القرآن على الرغم من اشارته ال الالة الصلية وال اصل العال ..ل
يقيم ايا حدّ مهما يكن ف وجه قوى العقل البشري ،ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذي
2
تريد"..
3
فايس
1
4
"هكذا ،بإلاح ال وعي النسان وعقله ومعرفته بدأ تنيل القرآن"..
2
"اصبحت السا (زوجت) ،شأن انا ،اكثر تأثرا مع الوقت بذلك اللتئام الباطن بي تعاليم
(القرآن) الخلقية وتوجيهاته العملية .ان ل بقتضى القرآن ،ل يطلب خضوعا اعمى من جانب
النسان بل خاطب عقله :انه ل يقف بعيدا عن مصي النسان بل انه (اقرب اليك من حبل
5
الوريد) انه ل يرسم اي خط فاصل بي اليان والسلوك الجتماعي"
_____________________
ليوبولد فايس (ممد اسد) : l. Weissمفكر ،وصحفي نساوي ،اشهر إسلمه ،وتسمى بحمد 3
اسد وحكى ف كتابه القيم (الطريق ال مكة) تفاصيل رحلته ال السلم .وقد انشأ بعاونة وليم
بكتول ،الذي اسلم هو الخر ،ملة (الثقافة السلمية) ،ف حيدر آباد ،الدكن ( )1927وكتب
فيها دراسات وفية معظمها ف تصحيح اخطاء الستشرقي عن السلم.
من آثاره :ترجم صحيح البخاري بتعليق وفهرس ،والف (اصول الفقه السلمي) ،و(الطريق ال
مكة) ،و(منهاج السلم ف الكم) ،و(السلم على مفترق الطرق).
3
" ..لقد عرفت الن ،بصورة ل تقبل الدل ،ان الكتاب الذي كنت مسكا به ف يدي كان
كتابا موحى به من ال .فبالرغم من انه وضع بي يدي النسان منذ اكثر من ثلثة عشر قرنا فانه
توقع بوضوح شيئا ل يكن بالمكان ان يصبح حقيقة ال ف عصرنا هذا العقد ،الل .لقد عرف
الناس التكاثر ف جيع العصور والزمنة ولكن هذا التكاثر ل ينته قط من قبل ال ان يكون مرد
اشتياق ال امتلك الشياء وال ان يصبح ملهاة حجبت رؤية ايا شئ آخر ..اليوم اكثر من امس
وغدا اكثر من اليوم ..لقد عرفت ان هذا 1ل يكن مرد حكمة انسانية من انسان عاش ف
الاضي البعيد ف جزيرة العرب النائية فمهما كان هذا النسان على مثل هذا القدر من الكمة
فانه ل يكن يستطيع وحده ان يتنبأ بالعذاب الذي يتميز به هذا القرن العشرون .لقد كان ينطق
2
ل ،من القرآن ،صوت اعظم من صوت ممد"
3
فيشر
1
"ان القرآن كلم ال يشد فؤاد السلم ،وتزداد روعته حي يتلى عليه بصوت مسموع ،ولكنه ل
يفهم هذه الروعة كما ل يفهمها زملؤه الذين سبقوه ال العتراف ببلغة القرآن ،اعتمادا على
4
اثره البليغ ف قلوب قرّائه وسامعيه ،ث يقفون عند تقرير هذه البلغة بشهادة السماع"
_____________________
يشي ال سورة التكاثر الت اخبت باعجاز عن ازمة القرن العشرين. 1
الدكتور سيدن فيشر : Sydney Fisherاستاذ التاريخ ف جامعة اوهايو المريكية ،وصاحب 3
الدراسات التعددة ف شئون البلد الشرقية الت يدين الكثرون من ابنائها بالسلم .مؤلف كتاب
(الشرق الوسط ف العصر السلمي) والذي يناقش فيه العوامل الفعالة الت يرجع اليها تطور
الشعوب والوادث ف هذه البلد واولا السلم.
الشرق الوسط ف العصر السلمي ،عن العقاد :ما يقال عن السلم ،ص .54 4
2
" ..ان القرآن كتاب تربية وتثقيف ،وليس كل ما فيه كلما عن الفرائض والشعائر ،وان الفضائل
الت يث عليها السلمي من اجل الفضائل وارجحها ف موازين الخلق ،وتتجلى هداية الكتاب
1
ف نواهيه كما تتجلى ف اوامره"..
2
جب
1
"اذا رأى احد ان الاح القرآن على فعل الي غي كثي اثبتنا له بالجة القاطعة خطأه وسقنا اليه
ذلك التعريف الشامل للب ف تلك الية العظيمة (ليس الب ان تولوا وجوهكم قبل الشرق
والغرب ،ولكن الب من آمن بال واليوم الخر واللئكة والكتاب والنبيي ،وآتى الال على حبه
ذوي القرب واليتامى والساكي وابن السبيل والسائلي وف الرقاب ،واقام الصلة وأتى الزكاة،
والوفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين ف البأساء والضراء وحي البأس ،اولئك الذين صدقوا
واولئك هم التقون) 3فالب اذن تاج اليان الق ،حي يدرك الؤمن اخيا ان ال شاهد ابدا،
4
ويستجيب لشهوده ف كل افكاره واعماله"
2
"هذه ،إذن ،هي الرسالة الت بلغها القرآن ال اليل الول من السلمي وظل يبلغها ال جيع
الجيال منذ عهدئذ .فالقرآن سجل لتجربة حية مباشرة ف ميدان
_____________________
يعد امام الستشرقي النكليز العاصرين ،استاذ اللغة العربية ف جامعة لندن سنة ،1930واستاذ
ف جامعة اكسفورد منذ سنة ،1937وعضو مؤسس ف الجمع العلمي الصري ،تفرغ للدب
العرب وحاضر بدرسة الشرقيات بلندن.
اللوهية ،تربة ذات طرفي :واحد مطلق وآخر متصل بشؤون الياة العامة ،ودعوة للمخلوق
كي ينظم حياته ليتمكن من الخذ بنصيب ف تلك التجربة .وحي يتبع السلم اوامر القرآن
ويسعى ليستكنه روح تعاليمه ،ل بفكره فحسب بل بقلبه وروحه ايضا ،فانه ياول ان يستملك
شيئا من الرؤى الدسية ومن التجربة الت كانت للرسول البيب .ويعظم ف عينيه مغزى كل آية
فيه ،ليانه بانه كلم ال .ولو ل يكن هذا اليان شعبة من عقيدته لا تناقصت قيمته لديه من
1
حيث هو منبع حي لللام والستبصار الدين"
3
"مهما يكن امر استمداد السلم من الديان الت سبقته فذلك ل يغي هذه القيقة ايضا وهي :ان
2
الواقف الدينية الت عب عنها القرآن ونقلها ال الناس تشمل بناء دينيا جديدا متميزا"
4
" ..على الرغم ما قام به العلماء التأخرون من تطوير لعلم كلم اسلمي منهجي ،يبقى صحيحا
ما ذكرناه سابقا وهو :ان جهور الماعة السلمية كان يتألف من شعوب احدثت لديها مارسة
حقائق الدين مارسة حدسية اثرا اقوى واسرع من كل اثر خلفه اي قدر من الدل العقلي او من
3
حذاقته وبراعته"
5
" إننا نطئ خطأً فاحشا إذا اقتصرنا على النظر ال هذه العقيدة نظرتنا لذهب لهوت اتقن
بشكل وراثى من جيل ال جيل منذ الف وثلثائة سنة .انا على العكس من ذلك يقي وايان
حي يتجدد ويتأكد باستمرار ف قلوب السلمي وارواحهم وافكارهم ،ولدى العرب بشكل
ص القدس .لقد عارض الذهب السن التمسك بشكل عام ترجة القرآن خاص ،حي يدرس الن ّ
ال اللغات السلمية الخرى على الرغم من ان النص العرب يظهر ف بعض الحيان مقترنا
بترجة تركية
_____________________
او فارسية او اوردية وغيها من اللغات .ان هذا الوقف يستند على ماكمة شرعية متماسكة
تصوغ حججها ال حد ما بشكل عقلن مستندة ف ذلك على اعتبارات بعيدة عن هذا الشكل
العقلن .والواقع ان القرآن ل يكن ترجته بشكل اساسي كما هي الال بالنسبة للشعر الرفيع،
اذ ليس بالمكان التعبي عن مكنون القرآن باللغة العادية ،ول يكن ان يعب عن صوره وامثاله لن
كل عطف او ماز او براعة لغوية يب ان تدرس طويلً قبل ان ينبثق العن للقارئ .والقرآن
كذلك له حلوة وطلوة ونظم بديع مرتب ل يكن تديده لنا تعد بسحرها افكار الشخص
الذي يصغي ال القرآن لتلقي تعاليمه .ول شك ان تأويل كلمات القرآن ال لغة اخرى ل يكن
1
الّ ان يشوهها ويول الذهب النقيّ ال فخار"..
2
كوبولد
1
" ..وذكرتُ ايضا ما جاء ف القرآن عن خلق العال وكيف ان ال سبحانه وتعال قد خلق من
كل نوع زوجي ،وكيف ان العلم الديث قد ذهب يؤيد هذه النظرية بعد بوث مستطيلة
3
ودراسات امتدت اجيا ًل عديدة"
2
"ان اثر القرآن ف كل هذا التقدم (الضارى السلمي) ل ينكر ،فالقرآن هو الذي دفع العرب
ال فتح العال ،ومكنهم من انشاء امباطورية فاقت امباطورية السكندر الكبي ،والمباطورية
4
الرومانية سعة وقوة وعمرانا وحضارة"..
_____________________
اللدي ايفلي كوبولد :ady E. Coboldنبيلة انكليزية ،اعتنقت السلم وزارت الجاز، 2
وحجت ال بيت ال ،وكتبت مذكراتا عن رحلتها تلك ف كتاب لا بعنوان( :الج ال
مكة)(لندن )1934والذي ترجم ال العربية بعنوان( :البحث عن ال).
3
"الواقع ان جل القرآن ،وبديع اسلوبه امرّ ل يستطيع له القلم وصفا ول تعريفا ،ومن القرر ان
تذهب الترجة بماله وروعته وما ينعم به من موسيقى لفظية لست تدها ف غيه من الكتب.
ولعل ما كتبه الستشرق جوهونسن بذا الشأن يعب كل التعبي عن رأي مثقفي الفرنة وكبار
مفكريهم قال( :اذا ل يكن شعرا ،وهو امرّ مشكوك به ،ومن الصعب ان يقول الرء بانه من
الشعر او غيه ،فانه ف الواقع اعظم من الشعر ،وهو ال ذلك ليس تاريا ول وصفا ،ث هو ليس
موعظة كموعظة البل ول هو يشابه كتاب البوذيي ف شئ ،قليل او كثي ،ول خطبا فلسفية
كمحاورات افلطون ،ولكنه صوت النبوة يرج من القلوب السامية ،وان كان عاليا ف جلته،
بعيد العن ف متلف سوره وآياته ،حت انه يردد ف كل الصقاع ،ويرتل ف كل بلد تشرق عليه
1
الشمس"
4
"اشار الدكتور ماردريل الستشرق الفرنسي الذي كلفته الكومة الفرنسية بترجة بعض سور
القرآن ،ال ما للقرآن الكري من مزايا ليست توجد ف كتاب غيه وسواه فقال( :اما اسلوب
القرآن فانه اسلوب الالق عز وجل وعل ،ذلك ان السلوب الذي ينطوي عليه كنه الكائن الذي
صدر عنه هذا السلوب ل يكون ال اليا .والق والواقع ان اكثر الكتاب ارتيابا وشكا قد
خضعوا لتأثي سلطانه وسحره ،وان سلطانه على مليي السلمي النتشرين على سطح العمور
لبالغ الدّ الذي جعل اجانب البشرين يعترفون بالجاع بعدم امكان اثبات حادثة واحدة مققة
ارتد فيها احد السلمي عن دينه ال الن .ذلك ان هذا السلوب ..الذي يفيض جزالة ف اتساق
منسق متجانس .كان لفعله الثر العميق ف نفس كل سامع يفقه اللغة العربية ،لذلك كان من
الهد الضائع الذي ل يثمر ان ياول الرء (نقل) تأثي هذا النثر البديع الذي ل يسمع بثله بلغة
2
اخرى"..
_____________________
5
"الواقع ان للقرآن اسلوبا عجيبا يالف ما كانت تنهجه العرب من نظم ونثر ،فحُس ُن تأليفه،
والتئامُ كلماته ،ووجوه إيازه ،وجودة مقاطعه ،وحسن تدليله ،وانسجام قصصه ،وبديع امثاله،
كل هذا وغيه جعله ف اعلى درجات البلغة ،وجعل لسلوبه من القوة ما يل القلب روعة ،ل
يل قارئه ول يلق بترديده ..قد امتاز بسهولة ألفاظه حت ق ّل ان تد فيها غريبا ،وهي مع
سهولتها جزلة عذبة ،والفاظه بعضها مع بعض متشاكله منسجمة ل تسّ فيها لفظا نابيا عن
1
اخيه ،فاذا اضفت ال ذلك سّو معانيه ادركت بلغته واعجازه"
2
كويليام
1
"من الوجه العلمي ،بصرف النظر عن انه كتاب موحى به ،فالقرآن ابلغ كتاب ف الشرق( ..وهو
3
حافل بالجازات السامية ملئ بالستعارات الباهرة)"..
2
"احكام القرآن ليست مقتصرة على الفرائض الدبية والدينية ..انه القانون العام للعال السلمي،
وهو قانون شامل للقواني الدنية والتجارية والربية والقضائية والزائية .ث هو قانون دين يدار
على موره كل امر من المور الدينية ال امور الياة الدنيوية ،ومن حفظ النفس ال صحة
البدان ،ومن حقوق الرعية ال حقوق كل فرد ،ومن منفعة النسان الذاتية ال منفعة اليئة
الجتماعية ،ومن الفضيلة ال الطيئة ،ومن القصاص ف هذه الدنيا ال القصاص ف الخرة..
وعلى ذلك فالقران يتلف ماديا عن الكتب السيحية القدسة الت ليس فيها شئ من الصول
الدينية بل هي ف الغالب مركبة من قصص وخرافات واختباط عظيم ف المور التعبدية ..وهي
4
غي معقولة وعدية التأثي"
_____________________
عبد ال كويليام : Kweremمفكر انكليزي ،ولد سنة ،1856واسلم سنة ،1887وتلقب 2
باسم( :الشيخ عبد ال كويليام) .من آثاره( :العقيدة السلمية)( ،)1889و(احسن الجوبة).
3
"لقد عثرت ف (دائرة العارف العامة) : Popural Encycropediaعلى نبذة نصها كما يأت (ان
لغة القرآن معتبة بانا من افصح ما جاء ف اللغة العربية فان ما فيه من ماسن النشاء وجال
الباعة جعله باقيا بل تقليد ودون مثيل .اما احكامه العقلية فانا نقية زكية اذا تأملها النسان
1
بعي البصية لعاش عيشة هنية)"..
4
"هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة فمن اجال طرف اعتباره فيه وامعن النظر ف بدائع اساليبه
وما فيها من العجاز رآه وقد مر عليه من الزمان الف وثلثائة وعشرون سنة كانه مقول ف هذا
العصر اذ هو مع سهولته بليغ متنع ومع إياز مفيد للمرام بالتمام .وكما انه كان يرى مطابقا
للكلم ف زمن ظهوره لجة واسلوبا كذلك يرى موافقا لسلوب الكلم ف كل زمن ولجة،
وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلغته وظهرت للعقول مزاياه .وبالملة فان فصاحته وبلغته
قد اعجزت مصاقع البلغاء وحيت فصحاء الولي والخرين .واذا اعطفنا النظر ال ما فيه من
الحكام وما اشتمل عليه من الكم الليلة نده جامعا لميع ما يتاجه البشر ف حياته وكماله
وتذيب اخلقه ..وكذا نراه ناهيا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الفعال
ومساوئ الخلق ..وكم فيه ما عدا ذلك ايضا ما يتعلق بسياسة الدن وعمارة اللك ،وما
يضمن للرعية المن والدعة من الحكام الليلة الت ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة
2
فضلً عن القول"..
5
"ان من ضمن ماسن القرآن العديدة امرين واضحي جدا احدها علمة الشوع والوقار الت
تشاهد دائما على السلمي عندما يتكلمون عن الول ويشيون اليه ..والثان خلوّه من القصص
والرافات وذكر العيوب والسيآت وال آخره ،والمر الذي يؤسف عليه كثيا لوقوعه بكثرة
3
فيما يسميه السيحيون (العهد القدي)"..
_____________________
1
"بسبب من ان مهمة ترجة القرآن بكامل طاقته اليقاعية ،ال لغة اخرى ،تتطلب عناية رجل
يمع الشاعرية ال العلم ،فاننا ل نعرف حت وقت قريب ترجة جيدة استطاعت ان تتلقف شيئا
من روح الوحي الحمدي .والواقع ان كثيا من الترجي الوائل ل يعجزوا عن الحتفاظ بمال
الصل فحسب ،بل كانوا ال ذلك مفعمي بالقد على السلم ال درجة جعلت ترجاتم تنوء
بالتحامل والغرض ولكن حت افضل ترجة مكنة للقرآن ف شكل مكتوب ل تستطيع ان تتفظ
بايقاع السور الوسيقي السر ،على الوجه الذي يرتلها به السلم .وليس يستطيع الغرب ان يدرك
2
شيئا من روعة كلمات القرآن وقوّتا ال عندما يسمع مقاطع منه مرتلة بلغته الصلية"
2
" ..كلف كاتب الوحي ،زيد بن ثابت ،جع اليات القرآنية ف شـكل كتاب وكان ابو بكر
(رضي ال عنه) قد اشرف على هذه الهمة .وف ما بعد ،إثر جهد مستأنف بذل بامر من الليفة
عثمان (رضي ال عنه) اتذ القرآن شكله التشريعي النهائى الذي وصل الينا سليما ل يطرأ عليه
3
أي تريف"
3
" ..ان بي آيات قصار السور ترابطا باهرا له تأثيه الوجدان برغم انه ليس ثة ايا وزن نظامي.
وف الق ان ساع السور تتلى ف الصل العرب ،كثيا ما يلف
_____________________
روم لندو : .randaul .نّات وناقد فن انكليزي ،زار زعماء الدين ف الشرق الدن ( 1
من آثاره( :ال ومغامرت (( ،)1935بث عن الغد)(( ،)1938سلم الرسل)(( ،)1939دعوة
ال الغرب)(( ،)1950سلطان الغرب)(( ،)1951فرنسا والعرب)(( ،)1953الفن العرب)(
)1955وغيها.
ف نفس الرء تأثيا بليغا .لقد اريد بالقرآن ..ان يتلى ف صوت جهي .ويتعي على الرء ان
يسمعه مرتلً لكي يكم عليه حكما عادلً ويقدره حق قدره ..وبوصفه كلمة ال القيقية ،كان
1
معجزا ل سبيل ال ماكاته ،ول يكن ثة ،بكل بساطة ،ايا شئ من مثله"
2
لوبون
1
" ..ان اصول الخلق ف القرآن عالية علوّ ما جاء ف كتب الديانات الخرى جيعها ،وان
اخلق المم الت دانت له تولت بتحول الزمان والعروق مثل تول المم الاضعة لدين عيسى
(عليه السلم) ..ان اهم نتيجة يكن استنباطها هي تأثي القرآن العظيم ف المم الت اذعنت
لحكامه ،فالديانات الت لا ما للسلم من السلطان على النفوس قليلة جدا ،وقد ل تد دينا
اتفق له ما اتفق للسلم من الثر الدائم ،والقرآن هو قطب الياة ف الشرق وهو ما نرى اثره ف
3
ق شؤون الياة"اد ّ
2
"ان هذا الكتاب (القرآن) تشريع دين وسياسي واجتماعي ،واحكامه نافذة منذ عشرة قرون "..
4
_____________________
نفسه ،ص .297 - 296 1
كوستاف لوبون : Dr. G. lebonولد عام 181م ،وهو طبيب ،ومؤرخ فرنسي ،عن بالضارة 2
الشرقية .من آثاره( :حضارة العرب) (باريس ( ،)1884الضارة الصرية) ،و(حضارة العرب ف
الندلس)
النتائج الول للحرب (عن :ممد كرد علي :السلم والضارة العربية.)1/74 ، 4
1
" ..ان السلم العصري يعتقد ان كتابه النل يسمح له ،بل يوجب عليه ،ان يعال مشكلت
عصره با يوافق الدين ول يضيع الصلحة او يصد عن العرفة كما انتهت اليها علوم زمنه ..وان
مزية القرآن -ف عقيدة السلم -انه متمم للكتب السماوية ويوافقها ف اصول اليان ،ولكنه
يتلف عنها ف صفته العامة فل يرتبط برسالة مدودة تضي مع مضي عهدها ول بأمة خاصة
2
يلئمها ول يلئم سواها .وكل ما يراد به الدوام ،ينبغي ان يوافق كل جيل ويصلح لكل اوان"
2
"انه من الضروري لدراك عمل القرآن من حيث هو كتاب دين وكتاب اجتماعي ان تدرك
صدق السلم حي يؤكد ان القرآن يكن ان يظل اساسا لدراك الكم العقدة الت تعال
مشكلت الجتمع الديث .فان النب صلى ال عليه وسلم يرى ان القرآن هو حلقة التصال بي
الله ف كماله اللي وبي خليقته الت يتجلى فيها بفيوضه الربانية وآيتها الكبى النسان .وان
واجب النسان ان يعمل بشيئة ال للتنسيق بي العال اللي وبي عال اللق والشهادة ،وخي ما
يدرك به هذا الطلب ان تتوله جاعة انسانية تتحرى اعمق الوامر اللية والزمها وهي اوامر
العدل للجميع والرحة بالضعيف والرفق والحسان ،وتلك هي الوسائل الت يضعها ال ف يد
3
النسان لتحقيق ناته ،فهو ث مسئول عن اعماله ومسئول كذلك عن مصيه ".
_____________________
الدكتورة إلس ليختنستادتر : Ilse lictenstadterسيدة الانية ،درست العلوم العربية والسلمية
1
ف جامعة فرانكفورت ،ث ف جامعة لندن ،واقامت زهاء ثلثي سنة بي بلد الشرقي الدن
والوسط ،وعنيت عناية خاصة بدعوات الجتهاد والتجديد والقابلة بي الذاهب .من مؤلفاتا
(السلم والعصر الديث).
السلم والعصر الديث ،عن العقاد :ما يقال عن السلم ،ص .19 2
1
"انن ل اشك لظة ف رسالة ممد صلى ال عليه وسلم .واعتقد انه خات النبياء والرسلي ،وانه
بعث للناس كافة ،وان رسالته جاءت لتم الوحي الذي نزل ف التوراة والنيل .واحسن دليل
على ذلك هو القرآن العجزة .فانا ارفض خواطر بسكال العال الوروب الاقد على السلم
والسلمي إلّ خاطرة واحدة وهي قوله :ليس القرآن من تأليف ممد صلى ال عليه وسلم كما
2
ان النيل ليس من تأليف متّي"
2
3
"ان مثل الفكر العرب السلمي البعد عن التأثي القرآن كمثل رجل افرغ من دمه"
4
هون
1
" ..لن استطيع مهما حاولت ،ان اصف الثر الذي تركه القرآن ف قلب ،فلم اكد انتهي من قراءة
السورة الثالثة من القرآن حت وجدتن ساجدة لالق هذا الكون ،فكانت هذه اول صلة ل ف
5
السلم"..
_____________________
فنساي مونتاي :النصور بال الشافعي : F. Montagueفرنسي ،رجل بث وترحال ،اختص 1
بدراسة القضايا السلمية والعربية ،عن كثب ،قضى سنوات عديدة ف الغرب والشرق وافريقيا
واسيا ،ونشر عشرات الباث والكتب عن السلم والضارة لسلمية ،وانتهى المر به ال
اعلن اسلمه ف صيف عام .1977
عائشة برجت هون : Ayesha Bridget Honeyنشأت ف اسرة انكليزية مسيحية ،وشغفت 4
بالفلسفة ،ث سافرت ال كندا لكمال دراستها ،وهناك ف الامعة اتيح لا ان تتعرف على
السلم ،وان تنتهى اليه ،وقد عملت مدرسة ف مدرسة عليا ف نيجييا.
1
"يعتب القرآن قلقل العصر نتيجة اسباب دينية بالرغم من السباب القتصادية والجتماعية
والخلقية وانه ل يكن تقويها ال باستخدام الوسائل الدينية مثل كل شئ .وانه لن الرأة الشك
ف حكمة القرآن نظرا لنجاح ممد صلى ال عليه وسلم ف تبليغ الرسالة الت امره ال بتبليغها"..
2
2
"يب علينا ف رأيي ،مهما كان موقفنا الدين ،ان نعتب رسالة القرآن انبثاقا خلقا ف الوضع
الكي .ول شك انه كانت توجد مشاكل تتطلب اللّ ،وأزمات حاول البعض تفيفها ،ولكن
كان يستحيل النتقال من هذه الشاكل وتلك الزمات ال رسالة القرآن بواسطة التفكي
النطقي ..ول شك ان رسالة القرآن تل مشاكل اجتماعية واخلقية وفكرية ،ولكن ل تلّها
جيعا دفعة واحدة وليس بصورة بديهية ،ولربا قال مؤرخ دنيوى ان ممدا وقع صدفة على
افكار كانت بثابة الفتاح لل الشاكل الساسية ف زمانه وليس هذا مكنا .ول يكن
3
للمحاولت التجريبية ول للفكر النافذ ان يفسّر لنا كما يب رسالة القرآن"
_____________________
مونتجومري وات : Montgomery Wattعميد قسم الدراسات العربية ف جامعة ادنبا سابقا. 1
من آثاره( :عوامل انتشار السلم)( ،ممد ف مكة) ( ،ممد ف الدينة) (السلم والماعة
الوحدة) ،وهو دراسة فلسفية اجتماعية لردّ اصل الوحدة العربية ال السلم(.)1961