You are on page 1of 17

‫التخطيط‬

‫تعريف التخطيط وتحديد مفهومه‪:‬‬

‫اختلف تعريف التخطيط باختلف المدارس القتصادية‬


‫والنظمة السياسية‪ .‬وقد حصر معظم مفكري المدرسة‬
‫البرجوازية مفهوم التخطيط بعده عملية فنية مستقلة عن‬
‫طبيعة النظام السياسي‪ ،‬كما رأوا أن يكون تدخل الدولة‬
‫بصورة غير مباشرة‪ ،‬أي أن يكون تدخل ً توجيهيا ً لنشاط القطاع‬
‫الخاص ولصالحه‪.‬‬

‫أما المفهوم العام للتخطيط فهو القيام بعمليات وإجراءات‬


‫منطقية لمواجهة موضوع مستقبلي‪ ،‬أو تحقيق أهداف‬
‫وغة وحسب المكانات المتاحة‪.‬‬
‫مستقبلية وفق أولويات مس ّ‬
‫ويناقش »جان تنبرغن« مفهوم التخطيط‪ ،‬فيرى أن التخطيط‬
‫يصبح مرغوبا ً به كلما كانت آثاره مرغوبا ً بها‪ ،‬وستزيد هذه‬
‫الثار‪:‬‬

‫‪1‬ـ كلما زادت الحاجة إلى التنبؤ‪2 ،‬ـ وكلما زادت الحاجة‬
‫إلى التزام أهداف ما‪3 .‬ـ وكلما زادت الحاجة إلى تنسيق‬
‫العمل‪.‬‬

‫وتتوقف الحاجة إلى كل من العناصر الثلثة على نوع‬


‫البنيان القتصادي للدولة‪ ،‬وعلى ظروفها بشكل عام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أما القتصادي السوفييتي »سميرنوف« فيعرف التخطيط‬
‫القتصادي‪ :‬بأنه العمل الطوعي للجماهير في قيادتها للحياة‬
‫القتصادية والجتماعية‪ .‬أما مضمون التخطيط فيتمثل في‬
‫إقامة التوازن المنطقي السليم في توزيع الموارد البشرية‬
‫والمادية والمالية بين مختلف فروع القتصاد الوطني‬
‫وقطاعاته‪ ،‬وذلك من أجل إقرار مهمات اقتصادية واجتماعية‬
‫معينة‪ ،‬في ظروف ليكون فيها للسوق والمنافسة أثر‬
‫أساسي وحاسم في تطور النتاج وفي توزيعه واستهلكه‪.‬‬
‫وهكذا فإن المدرسة الشتراكية عكس المدرسة البرجوازية‪،‬‬
‫تؤكد الرتباط المتين بين التخطيط القتصادي وطبيعة النظام‬
‫القتصادي والسياسي‪ .‬والخلصة فإن مهمة التخطيط تتركز‬
‫بالساس على إقرار مهمات اقتصادية واجتماعية يرغب‬
‫المجتمع في الوصول إليها والعمل على تنفيذها‪.‬‬

‫المنظور التاريخي‬

‫جرت أولى محاولت التخطيط القتصادي في التحاد‬


‫السوفييتي منذ عام ‪ 1920‬وكان هدفها البعيد هو إنجاز عملية‬
‫التصنيع لقتصاد زراعي بالدرجة الولى في إطار نظام‬
‫أوامري صارم بقيادة القتصاد الوطني‪.‬‬

‫وقد كان لنجاح الممارسة التخطيطية في التحاد‬


‫السوفييتي أكبر الثر في اعتبار التخطيط أداة وأسلوبا ً للتغلب‬
‫على الصعوبات القتصادية من قبل العديد من الدول غير‬

‫‪2‬‬
‫الشيوعية وخاصة الصعوبات التي كانت سائدة عقب أزمة‬
‫الثلثينات وفي فترة مابين الحربين العالميتين الولى والثانية‪،‬‬
‫ولم يأت عقد الخمسينات من القرن الماضي إل وكانت جميع‬
‫الدول تأخذ بمقولة أن تسهم الدولة إسهاما ً بارزا ً في الشأن‬
‫القتصادي وأن تمارس بعضها شكل ً من أشكال البرمجة‬
‫والتخطيط وتوجيه النشاط القتصادي لتحقيق أهداف‬
‫اقتصادية واجتماعية مرغوبة‪ .‬وتواصل هذا التجاه في الستينات‬
‫والسبعينات مع اختلف طرائق التخطيط والتوجيه باختلف‬
‫النظم القتصادية والسياسية‪.‬‬

‫ففي مجموعة البلدان الشتراكية جرى تبني أسلوب‬


‫التخطيط المركزي والتخطيط التفصيلي لجميع فروع النتاج‬
‫المادي والخدمي في إطار الملكية العامة لوسائل النتاج‬
‫والدارة المركزية للموارد الوطنية‪ ،‬وكان المر يتطلب اتخاذ‬
‫قرارات مركزية وتفصيلية بما يجب إنتاجه وبمستوى السعار‬
‫والجور ومستوى الستثمار والتجارة الخارجية والداخلية‬
‫وبالنسبة لجميع المتغيرات القتصادية‪ .‬وكان التبرير النظري‬
‫لذلك أن قوى السوق ل تقيم‪ ،‬بل ول يمكنها أن تقيم اعتبارا ً‬
‫للقيم والمبادئ الجتماعية‪ .‬وهي تخضع أساسا ً لمصلحة‬
‫أصحاب النزوات وتؤمن مصالحهم بالدرجة الولى‪ ،‬إضافة إلى‬
‫أن قوى السوق هذه عاجزة عن إمكانية تحقيق التشغيل‬
‫الكامل لعناصر النتاج واستخدامها بكفاءة وفعالية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وحقيقة المر أنه لم يأت عقد السبعينات من القرن‬
‫العشرين إل وكانت جميع الدول العربية والنامية تمارس شكل ً‬
‫من أشكال البرمجة والتخطيط ولديها وزارات أو إدارات‬
‫للتخطيط‪.‬‬

‫وبانهيار التحاد السوفييتي ومجموعة البلدان الشتراكية‬


‫الوربية انتهت الممارسة التخطيطية لهذه البلدان‪ ،‬وحلت‬
‫محلها إجراءات للتحول بسرعة إلى آلية السوق ومحاولت‬
‫لبعاد الدولة عن التدخل في الحياة القتصادية‪.‬‬

‫وفي مواجهة هذه التبدلت على الساحة الدولية وتنامي‬


‫التجاهات الليبرالية الجديدة شرعت الدول الشتراكية‬
‫الخرى بمحاولة إعادة هيكلة اقتصادها على نحو تستطيع معه‬
‫جذب رؤوس الموال الجنبية مع المحافظة على أثر الدولة في‬
‫إدارة القتصاد الوطني وتوجيه أنشطته‪.‬‬

‫مستويات التخطيط‬

‫وهي التخطيط الشامل‪ ،‬والجزئي والقطاعي‪ ،‬والقليمي‪.‬‬

‫ـ التخطيط الشامل‪ :‬ويشمل كل النشطة القتصادية للبلد‪،‬‬


‫ويتطلب تحديدا ً دقيقا ً للهداف المطلوب تحقيقها في جميع‬
‫مراحل عملية إعادة النتاح الموسع‪ .‬ويرتبط نجاح هذا التخطيط‬
‫بمدى تضمنه أهداف المجتمع وطموحاته وبمدى توفر أركانه‬

‫‪4‬‬
‫الساسية المتمثلة بالواقعية والشمولية وبالمرونة‬
‫والستمرارية‪.‬‬

‫ـ التخطيط القطاعي‪ :‬ويمثل إحدى صور التخطيط الجزئي‪،‬‬


‫ويهتم بتحقيق الشمول في جانب من جوانب النشاط‬
‫القتصادي فيغطي الجوانب المختلفة لقطاع معين متضمنا ً‬
‫تخطيط عمليات النتاج والعمالة ورأس المال والنتاجية‬
‫وتنظيم القطاع والخدمات اللزمة له ومشكلته التسويقية‬
‫والتمويلية‪ ،‬ويهتم أيضا ً بالمشروعات اللزمة لتوسيع القطاع‬
‫في المستقبل‪.‬‬

‫ـ التخطيط الجزئي‪ :‬ويتركز على بعض العمليات‬


‫والمشروعات الرئيسية أو أحد القطاعات القتصادية المختارة‪.‬‬
‫إن رقابة الدولة على الستخدام‪ ،‬أو تخطيط القطاع الحكومي‬
‫هي أمثلة من هذا النوع‪.‬‬

‫ـ التخطيط القليمي‪ :‬هو التخطيط المطبق على مستوى‬


‫القليم‪ ،‬والقليم هنا يمثل منطقة اقتصادية للبلد تتميز من‬
‫غيرها من المناطق بطبيعة بنيتها القتصادية وبمستوى تطور‬
‫قواها المنتجة وبخصائص مواردها وثرواتها‪ .‬ومع هذا التباين فإن‬
‫كل إقليم يشكل جزءا ً من كامل القتصاد‪ .‬ويفيد التطبيق‬
‫الصحيح للتخطيط القليمي في الستثمار الفضل لموارد‬
‫القليم كما يسهم في تقليص التفاوت بين القاليم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫التخطيط وفق المعيار الزمني‬

‫ويلحظ فيه التخطيط الطويل والمتوسط والقصير الجل‪:‬‬

‫ـ التخطيط الطويل الجل‪ :‬وهو التخطيط الذي يغطي آفاقا ً‬


‫زمنية طويلة بين عشر سنوات وعشرين سنة‪ ،‬ويتضمن‬
‫استراتيجية التنمية البعيدة المدى التي تهتم بإحداث التبدلت‬
‫والتحولت النوعية العميقة في البنية القتصادية والجتماعية‬
‫للبلد‪.‬‬

‫ـ التخطيط متوسط الجل‪ :‬وتراوح مدته من خمس إلى‬


‫سبع سنوات‪ ،‬وتنحصر مهمته في تكييف استراتيجية التنمية‬
‫بعيدة المدى مع الظروف المتغيرة‪ ،‬وفي تجزئة أهداف‬
‫التخطيط الطويل الجل الرئيسية إلى أهداف خمسية وسنوية‬
‫محددة‪.‬‬

‫ـ التخطيط القصير الجل‪ :‬ويتضمن الخطة الجارية التي‬


‫تنحصر مدتها بعام واحد‪ُ .‬تجّزأ في إطاره أهداف الخطط‬
‫المتوسطة إلى مؤشرات تفصيلية للوحدات النتاجية‪ ،‬وتبعا ً‬
‫لذلك فإن الخطط الجارية تمثل أداة لدخال التعديلت اللزمة‬
‫في المكونات السنوية للخطط متوسطة الجل‪.‬‬

‫التخطيط التأشيري‬

‫‪6‬‬
‫ويعرف على أنه وضع خطة اقتصادية يبين فيها دور كل من‬
‫القطاعات الجتماعية في تحقيق الهداف التي يصبو إليها‬
‫المجتمع بتحضير عمل القطاع الخاص اعتمادا ً على استخدام‬
‫أدوات السياسة القتصادية كالحوافز والسعار والضرائب‬
‫وسياسات القراض والعفاءات بما يؤدي إلى التأثير في حركة‬
‫النشاط القتصادي في البلد وفقا ً للهداف المرغوب في‬
‫تحقيقها في المستقبل‪.‬‬

‫التخطيط في الدول الشتراكية‬

‫ابتدأ التخطيط الشتراكي بعد انتصار الثورة البلشفية في‬


‫روسية عام ‪ ،1917‬وتطورت هذه التجربة التخطيطية في إطار‬
‫سعي التحاد السوفييتي لتحقيق التصنيع‪.‬‬

‫اعتمد التحاد السوفييتي في المراحل الولى للتخطيط‬


‫على نظام التخطيط المركزي والسلوب الوامري لتوجيه‬
‫النشاط القتصادي‪ .‬وقد واجهت هذه السياسة الخفاق‬
‫التام في ظل الحرب الهلية‪ .‬مما اضطر لينين إلى اعتماد‬
‫السياسة القتصادية الجديدة ‪ NEP‬التي شجعت عمل‬
‫المنشآت الخاصة الصغيرة‪ .‬وبعد إحداث هيئة تخطيط الدولة‬
‫)غوسبلن( الجهاز المسؤول عن إعداد الخطط ومتابعة‬
‫تغييرها‪ ،‬كان بالمكان الشروع باعتماد الخطط الخمسية ابتداءً‬
‫من الخطة الخمسية الولى ‪ 1932-1928‬التي أعطت الولوية‬
‫لقامة الصناعة الثقيلة وتطويرها وخصصت لذلك الجزء الكبر‬

‫‪7‬‬
‫من الستثمارات‪ .‬ظل هذا النهج المدعوم بالسلوب الوامري‬
‫ن‬
‫دد الصفة الغالبة للخطط الخمسية اللحقة‪ ،‬والذي مك ّ‬
‫المتش ّ‬
‫السلطة السياسية من فرض رقابتها الشديدة على تعبئة‬
‫الموارد واستخدامها ووضع الولويات التخطيطية موضع التنفيذ‬
‫ولسيما ما يتعلق منها بتطوير فروع الصناعة الثقيلة على‬
‫حساب إنتاج السلع الستهلكية‪.‬‬

‫تركزت مهمات الغوسبلن )هيئة تخطيط الدولة( على‬


‫ترجمة الهداف المقّرة سياسيا ً إلى مجموعة مترابطة من‬
‫الهداف التخطيطية‪ ،‬مما استلزم وجوب تأمين التوافق الدائم‬
‫بين النتاج والستهلك‪ ،‬بين انتاج البضائع الرأسمالية والسلع‬
‫الستهلكية‪ ،‬وأولي قطاع التجارة الخارجية اهتماما ً خاصا ً‬
‫لتأمين احتياجات البلد من البضائع والسلع اللزمة بوساطة‬
‫الستيراد‪ .‬وقد استلزم ذلك إعداد مجموعات كبيرة من‬
‫الموازين السلعية والمادية لتأمين التوازن لجميع السلع‬
‫ب ذلك أيضا ً إجراء المراجعة المتواصلة لكل‬
‫الرئيسية‪ .‬كما تطل ّ‬
‫مراحل الخطة وأجزائها لتحقيق التوازن العام والخاص بصورة‬
‫دائمة‪ .‬مثل هذه المهمة كانت معقدة للغاية في ظل المركزية‬
‫الشديدة وما تقتضيه من ضرورة متابعة أعداد هائلة من‬
‫التعليمات والتوجيهات التي تحدد عمل آلف المشروعات فيما‬
‫يتعلق بالنتاج والتوزيع والنقل وغير ذلك‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حدثت بعض محاولت إصلح النظام التخطيطي اعتبارا ً من‬
‫أواسط الخمسينات لصالح إعطاء دور أكبر للهيئات المحلية‬
‫والمناطق والجمهوريات‪ .‬كما جرت محاولت أخرى في نهاية‬
‫الستينات لتطوير النظام التخطيطي وإيجاد الخيار والحل‬
‫الفضل بين مجموعة من البدائل باستخدام الحاسبات‬
‫اللكترونية المطورة وتقانات البرمجة‪ ،‬كما جرى البحث عن‬
‫معايير جديدة تستهدف تقليص المركزية الشديدة المترشحة‬
‫منذ عهد ستالين‪ ،‬والستفادة من عامل الربح وجعل السعار‬
‫تعكس إلى حد ما العرض والطلب والتكلفة البديلة إل أن كل‬
‫ذلك لم يبدل بصورة محسوسة من طبيعة النظام التخطيطي‪،‬‬
‫وتل ذلك رفض القيادة السوفييتية خلل المؤتمر الرابع‬
‫والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي إحداث تغييرات‬
‫أساسية في نظام التخطيط المركزي‪.‬‬

‫وكان التخطيط في الدول الشتراكية الخرى تقليدا ً‬


‫للنموذج السوفييتي بصورة عامة عدا بعض الحالت‪ .‬ففي‬
‫بولونية جرى حديث عن ضرورة إجراء إصلحات جذرية‪ ،‬وإقامة‬
‫نوع من السوق الشتراكية المرنة نسبيا ً واستمرار الملكية‬
‫الخاصة في الزراعة الشكل السائد للملكية‪ .‬وفي‬
‫تشيكوسلوفاكية جرت حملة للصلح وتقليص المركزية‬
‫ومحاولة إقامة أشكال لسوق اشتراكية مشابهة للسوق‬
‫اليوغسلفية‪ ،‬ولكنها أحبطت بعد التدخل السوفييتي عام‬
‫‪ .1968‬وفي يوغسلفية طور الشيوعيون اليوغسلفيون‬

‫‪9‬‬
‫مفهومهم الخاص للتخطيط الشتراكي‪ ،‬وتحولت المشروعات‬
‫الحكومية لتدار من مجالس العمال التي صارت مسؤولة عن‬
‫إقرار البرامج النتاجية الخاصة وتحديد مستويات السعار‪ ،‬ومع‬
‫ذلك كان للجهزة المركزية أثر مهم في التأثير ومراقبة‬
‫النشاط القتصادي من خلل تنظيم عرض النقد والودائع‬
‫المصرفية واستخدام النظام الضريبي‪.‬‬

‫وخلصة القول إنه مع النتقادات الشديدة والعديدة للنموذج‬


‫السوفييتي في التخطيط المركزي اللزامي‪ ،‬استطاع هذا‬
‫النموذج تحقيق معدلت مرتفعة للنمو القتصادي في الخطط‬
‫الخمسية الولى مقارنة مع الدول الرأسمالية‪ ،‬وتجنب حالت‬
‫التضخم النقدي التي كانت تفتك باقتصادات الرأسمالية‬
‫والنتائج السلبية للزمات القتصادية الدورية‪ ،‬ومنها الزمة‬
‫الكبيرة ‪ .1932-1929‬كما كان هذا النظام أكثر قدرة على‬
‫تخطيط الستثمار لصالح الصناعات الساسية وفروع‬
‫الصناعة الثقيلة على معاناته من حالت التمادي في‬
‫الستثمار لتحقيق أهداف التصنيع السوفييتي الثقيل‪.‬‬

‫من جهة أخرى يرى بعضهم أن هذا النظام قد عجز في‬


‫كثير من الحيان عن مواكبة الصلحات الحديثة وتطوير التقانة‬
‫المعاصرة إل أنه لقي قابلية لدى العديد من البلدان النامية‬
‫التي تناضل لتطوير مجتمعاتها‪.‬‬

‫التخطيط في النظام الرأسمالي‬

‫‪10‬‬
‫وجدت غالبية الدول الرأسمالية نفسها إبان أزمة‬
‫الثلثينات من القرن الماضي مرغمة على التدخل في الشأن‬
‫القتصادي وإعطاء أهمية خاصة لحماية المنتجين المحليين في‬
‫وجه المنافسة الخارجية والسماح بإقامة الكارتيلت وضرورة‬
‫مبادرة الدولة للقيام بالنفاق لغراض اقتصادية وعسكرية‪.‬‬

‫أتت الدفعات الولى للتخطيط من اليسار السياسي‪،‬‬


‫واستندت إلى اعتبارات واقعية وأحيانا ً سياسية‪ ،‬وكان اللجوء‬
‫للتخطيط يتبع غالبا ً حدوث أزمة اقتصادية كحال فرنسة بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية وضرورة إعادة إعمار القتصاد الوطني‬
‫وتحديثه‪ ،‬وحالة بريطانية لمعالجة أزمة ميزان المدفوعات‬
‫عام ‪ .1961‬وبصورة عامة فقد انبثق التخطيط في الدول‬
‫الرأسمالية عن حالت عدم الرضا عن الداء القتصادي وبروز‬
‫عقبات جدية أعاقت مواصلة التجاه الصاعد للنمو القتصادي‬
‫الذي حدث إبان فترة إعادة العمار‪ ،‬وعليه فقد ركزت الخطط‬
‫القتصادية لهذه الدول على رفع معدلت النمو إلى ‪ ٪5-4‬سنويا ً‬
‫وزيادة النفاق على السلع والخدمات والستهلك العام‬
‫والخاص وزيادة الستثمار النتاجي والجتماعي إلى جانب‬
‫رفع وتيرة التصدير‪ .‬كما اهتمت الخطط بتحقيق التوازن‬
‫الجمالي بين الطلب الكلي والعرض الكلي للسلع والخدمات‬
‫وتحقيق فائض نسبي في ميزان المدفوعات وزيادة‬
‫الستهلك الفردي والجماعي من الخدمات الصحية‬
‫والتعليمية والثقافية‪ ،‬وهذا إلى جانب الهتمام بتصحيح حالت‬

‫‪11‬‬
‫عدم التوازن في مجالت التنمية القليمية‪ ،‬إذ برز ذلك في‬
‫خطط كل من بريطانية وفرنسة وهولندة وإيطالية وبرامجها‪.‬‬

‫مستجدات التخطيط في الدول الرأسمالية‬

‫استندت المحاولت الولى للتخطيط إلى إقامة التوازنات‬


‫القتصادية والمالية بتحديد حجوم الموارد القتصادية المتوقع‬
‫أن تكون متاحة ومقارنتها بالكميات التي ستحتاج إليها الخطة‪.‬‬
‫وأهم هذه التوازنات تركزت على العرض والطلب من السلع‬
‫والخدمات والتوازن بالنسبة للدخار وقوة العمل ومسألة‬
‫القطع الجنبي‪ .‬وما من شك أن اعتماد مثل هذا النهج في‬
‫التخطيط على أهميته يلقي الكثير من الصعوبات بسبب الوجه‬
‫العديدة واللمتناهية للعلقات بين القطاعات المختلفة‪ ،‬وخاصة‬
‫أن أي تعديلت لمجموعة من الموازين يستوجب إجراء تعديلته‬
‫في مجموعات الموازين الخرى‪ .‬إضافة إلى أن هذا السلوب‬
‫من التخطيط قد يقلل الهتمام بجانب آخر أكثر ارتباطا ً بعملية‬
‫صنع القرار القتصادي‪ ،‬وهو الحاجة إلى الختيار بين بدائل‬
‫العمل المختلفة‪ ،‬ولكل منها خصوصياته‪.‬‬

‫أما السلوب الخر الذي حل محل أسلوب الموازين بدرجة‬


‫أو بأخرى فقد اعتمد على النموذج الرياضي ودراسات تحليل‬
‫التكلفة ـ المنفعة ‪ .cost-benefit analysis‬هذا النموذج الذي‬
‫يتكون من سلسلة من المعادلت الرياضية التي توصف عمل‬
‫القتصاد الوطني وهيكليته‪ ،‬يمكن من التعاطي مع مجموعات‬

‫‪12‬‬
‫مختلفة من الهداف بطريقة إدخال قيم هذه الهداف في‬
‫الحاسوب‪.‬‬

‫إن تحليل نموذج التكلفة ـ المنفعة المعرف أحيانا ً بنظام‬


‫تخطيط الموازنة وبرمجتها يمثل جهدا ً إيجابيا ً لتطوير‬
‫النفاقات الحكومية باعتبارها غير حساسة لمسألة السعر‬
‫والربحية‪.‬‬

‫إن التخطيط والبرمجة الرأسمالية يتركان هامشا ً كبيرا ً‬


‫للمبادرة الخاصة للمستهلكين والمنتجين ول يقيدان من إمكانية‬
‫اعتماد أدوات السياسة القتصادية والمالية مما يوفر‬
‫للخطة مساحة واسعة من المرونة والحركية‪.‬‬

‫التخطيط في دول العالم الثالث‬

‫ما إن حصلت الدول النامية على استقللها السياسي حتى‬


‫شرعت في إدخال أسلوب التخطيط القتصادي‪ ،‬واعتمدت‬
‫غالبيتها على نظام الخطط الخمسية التي كانت محاولت‬
‫لتطوير عملية التنمية من خلل ثلثة مداخل‪:‬‬

‫‪1‬ـ العمل على زيادة الحجم الكلي للستثمار‪.‬‬

‫‪2‬ـ توجيه بعض الستثمارات لزالة الختناقات في نطاق‬


‫النتاج بالنسبة للقطاعات القتصادية الرئيسية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪3‬ـ العمل على تأمين مستوى جيد للتنسيق والتوافق بين‬
‫الجزاء المختلفة للخطة‪.‬‬

‫وكانت هذه الدول النامية الفتية تبدأ عملها التخطيطي‬


‫ببرامج وخطط مبسطة تتضمن قائمة بمشروعات مطروحة‬
‫من الدارات الحكومية المختلفة من دون مراعاة لشروط‬
‫التكامل فيما بينها‪ .‬ومع ذلك فقد كان بالمكان لهذا المستوى‬
‫من التخطيط أن يحقق كثير من الفوائد‪ ،‬ويقلص من الختناقات‬
‫ممت بصورة صحيحة وأكثر‬
‫ص ّ‬
‫فيما لو انُتقيت المشروعات و ُ‬
‫ملءمة‪ ،‬وكانت المشكلة الدائمة في أن إدراج هذه‬
‫المشروعات كان يتم في كثير من الحيان من دون دراسة‬
‫وافية ومن دون تقويم موضوعي لتكاليفها ومنافعها‪ ،‬إلى جانب‬
‫أن ضعف التنسيق فيما بينها يزيد من نسبة الهدر ويقلص من‬
‫دور الولويات‪.‬‬

‫وفي تنفيذ هذه البرامج الستثمارية جرى العتماد على‬


‫دور الموازنة السنوية في التخطيط‪ ،‬وحاولت بعض الدول‬
‫النتقال بالتخطيط إلى مرحلة التخطيط الشامل الذي يضم‬
‫نشاط القطاعين العام والخاص‪ ،‬ويجمع بين النشاط‬
‫القتصادي الكلي ومستوى المكونات التفصيلية للمتغيرات‬
‫الجمالية‪ ،‬كما يمثل نوعا ً من عدم الثقة في دور آلية السوق‬
‫لتحقيق التنمية‪ ،‬ويعبر عن رغبة الدولة في تحقيق الستقلل‬
‫القتصادي والسيطرة على النشاط الستثماري والتجارة‬

‫‪14‬‬
‫الخارجية إضافة إلى قيامها بعملية الدفعة القوية التي تستطيع‬
‫من خللها إقامة مجموعة من المشروعات المتكاملة اقتصاديا ً‬
‫وتقنيًا‪.‬‬

‫التخطيط القتصادي في سورية‬

‫تعد سورية في البلدان النامية التي بدأت مبكرة بمحاولة‬


‫برمجة عملية التطور فيها‪ ،‬وتزايد أثر الدولة في الشأن‬
‫القتصادي وخاصة في مجالت الخدمات الصحية والتعليمية‬
‫وتطور الجهاز الداري والحكومي‪.‬‬

‫في نهاية الخمسينات أحدثت وزارة التخطيط‪ ،‬وكانت‬


‫مهمتها تنمية القتصاد الوطني وتحديد اتجاهات التنمية‪ ،‬وبعد‬
‫ثورة الثامن من آذار وحدوث التحولت القتصادية والسياسية‬
‫البارزة في البلد ُأحدث المجلس العلى للتخطيط‪ ،‬والمجالس‬
‫الفرعية المتخصصة في الزراعة والصحة والتعليم والدواء‪ .‬مما‬
‫أعطى النظام التخطيطي ملمح جديدة‪ ،‬فأعيدت صياغة الخطة‬
‫الخمسية الولى‪ ،‬وتتابع إعداد الخطط الخمسية وتنفيذها بما‬
‫يتفق وتبدل الظروف والحوال‪.‬‬

‫فالخطط الخمسية الثلثة الولى لم تشهد عمليا ً تغييرات‬


‫جوهرية في أسلوب إعداد الخطة وطريقتها مع التوسع الكبير‬
‫في حجم الستثمار‪ ،‬وركزت الخطتان الثالثة والرابعة على‬
‫تطوير القطاع الصناعي‪ ،‬أما الخطة الخامسة فقد جرى‬

‫‪15‬‬
‫إعدادها ضمن تصورات بعيدة المدى حتى عام اللفين‪،‬‬
‫وتضمنت إلى جانب البرنامج الستثماري خطة للقوى العاملة‬
‫وخطة للتنمية المحلية‪ .‬وكانت جميع الخطط حتى الخطة‬
‫الخمسية الخامسة تصدر بقانون يلزم الجهات التنفيذية أهداف‬
‫الخطة‪ ،‬أما الخطط اللحقة بعد عام ‪ 1985‬فقد توقف إصدارها‬
‫بقانون وصار النشاط القتصادي للدولة يتم في إطار‬
‫الموازنة السنوية مع الستمرار في إعداد مشروعات الخطط‬
‫الخمسية‪ ،‬ويمكن بيان أهم سمات التجربة التخطيطية للقطر‬
‫كما يأتي‪:‬‬

‫‪1‬ـ تمثل الخطط الخمسية برامج استثمارية بالدرجة الولى‬


‫تتضمن مجموعة من المشروعات الموزعة على القطاعات‬
‫المختلفة دون مراعاة وافية لمبدأ التكامل الفقي والعمودي‬
‫بين هذه المشروعات‪.‬‬

‫‪2‬ـ يغلب على التخطيط في سورية الطابع المركزي من‬


‫حيث أن القرارات التنموية مشدودة بصورة عامة نحو العلى‪،‬‬
‫دون أن يتحول إلى عمل جماهيري شامل‪.‬‬

‫‪3‬ـ تركزت الخطط الخمسية الولى على دور القطاع العام‬


‫بصورة رئيسية مع إغفال نسبي لدور القطاع الخاص‪ ،‬ولوحظ‬
‫الميل لزيادة دور هذا القطاع منذ النصف الثاني لعقد‬
‫الثمانينات من القرن الماضي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪4‬ـ عدم انطلق البرامج الستثمارية من خطط إنمائية‬
‫بعيدة المدى تتوضع فيها استراتيجية للتنمية واضحة المعالم‬
‫والبعاد‪ ،‬قد أضعف من الترابط بين الخطط الخمسية للبلد‬
‫وبينها وبين الخطط السنوية وجعل من المهمات الساسية لكل‬
‫خطة معالجة انحرافات الخطة السابقة‪.‬‬

‫‪5‬ـ كان لفتقار وجود دراسات علمية وافية لواقع توزيع‬


‫الدخل بين الستهلك والتراكم وغياب التخطيط القليمي؛‬
‫أثره الواضح في إعاقة تطبيق مبدأ الشمولية في التخطيط‪.‬‬

‫عصام خوري‬
‫?‪http://www.arab-ency.com/index.php‬‬
‫=‪module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=8067&vid‬‬

‫‪17‬‬

You might also like