Professional Documents
Culture Documents
يرجع ظهور المذهب التقليدي إلى التطور الذي عرفته الحياة القتصادية في دول
أوربا الغربية ،و بالذات في إنجلترا ،و إلى التطور الفكري الذي صاحب هذا التطور.
الوقائع التاريخية:
شهدت نهاية القرن السابع عشرا بداية انحسار تنظيم الدولة للحياة القتصادية .كما
شهدت تفكك نظام الطوائف الصناعية و تقلص الشركات التجارية الكبرى .و قد سار
انكماش تدخل الدولة في الحياة القتصادية جنبا إلى جنب مع اختفاء الحتكار و نمو
المنافسة.و كان نمو النتاج الصناعي السبب الذي ولد كل من هذين التجاهين ،كما
عمل بدوريهما على دعمه بقوة .و كانت التغيرات المترتبة على ما يعرف بالثورة
الصناعية من روعة الطابع بحيث ترتب عليها تطور النتاج الصناعي تطورا مبهرا
ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر.
لقد ترتب على الثورة الصناعية تحول كيفيا في فنون النتاج ،و في طرق تنظيمه،
أدى إلى أن يصبح النشاط الصناعي هو النشاط السائد في القتصادات الوربية و
بصفة خاصة في إنجلترا .ففي مجال فنون النتاج ،يتمثل التحول الكيفي في النتقال
من الصناعة اليدوية إلى الصناعة اللية .أما في مجال طرق تنظيم النتاج فيتمثل
التحول في النتقال إلى نظام المصنع القائم على التقسيم الفني للعمل .و أصبحت هذه
المصانع الجديدة مركزا مغريا للستثمارات ،فجذبت الكثير من رؤوس الموال،
إليها ،على نحو أدى إلى تركز رأس المال في يد أرباب الصناعة ،وإلى سيادة النشاط
الصناعي .و من هنا سميت هذه المرحلة في التاريخ القتصادي باسم الرأس مالية
الصناعية.
و قد شهدت هذه المرحلة تغير طبيعة النظام نفسه ،ففي ظل الرأسمالية التجارية،
كانت التجارة هي مركز النشاط الساسي في النظام القتصادي ،و كانت الصناعة
قائمة لخدمة التجارة ،أما في الرأسمالية الصناعية ،فقد أصبحت الصناعة تحتل
المركز الرئيسي ،لنها أصبحت هي التي تحكم النشاط القتصادي .و تحولت التجارة
لخدمة الصناعة عن طريق تزويدها بالمواد الولية و تصريف منتجاتها النهائية .و قد
ترتب على ذلك تغيير مركز الهمية الجتماعي ،إذ أصبح رجل الصناعة هو
الشخصية الرئيسية في النظام كله بعد أن كانت هذه الهمية للتاجر.
وبالنتقال إلى الرأسمالية الصناعية في القرن الثامن عشر ،تلقى عملية خلق طبقة
العمال الجراء دفعة جديدة .فمع نمو تعقيد العملية الصناعية ،زاد مقدار رأس المال
اللزم للمشروع الصناعي بما يفوق مقدرة الحرفيين و صبياتهم على شراء
التسهيلت النتاجية الجديدة ،المر الذي يعني أنهم لم يعد أمامهم سوى العمل كعمال
أجراء لدى أرباب الصناعة الكبار .ول تكون لهم إل قدرتهم على العمل تباع كسلعة
في السوق .وقد شهدت الزراعة تطورا مشابها ،فقد ترتب على تقدم فنون النتاج في
الزراعة ،وعلى بلوغ حركة التسييج ذروتها في تلك الفترة ،تركز الملكية العقارية و
نضوج روابط النتاج الرأسمالية في الزراعة ،نضوجا تمثل في قيام طبقة من
المزارعين الرأسماليين بزراعة مزارعهم المسيجة باستخدام العمل الجير.
وتشهد هذه المرحلة ظهور مشكلة البطالة و نموها .فقد ترتب على تقدم فنون النتاج
و استخدام المصانع اللية أن حلت اللت محل العمل ،فنشأت بذلك مشكلة البطالة
لدى عدد كبير جدا من العمال .وإلى جانب هذا النوع من البطالة ،ظهر نوع آخر من
البطالة ليس راجعا مباشرة إلى إحلل اللت من وفرة في النتاج الذي يصعب
تصريفه .فوجود جزء من النتاج دون تصريف كان يدفع صاحبي المشروعات إلى
تخفيض الطاقة النتاجية لمشروعاتهم أو تعطيلها بين الحين و الحين .مع ما يترتب
على ذلك من طرد العمال ووقوعهم في براثن البطالة .وهكذا أصبح العمال مهددين
دائما بخطر البطالة.
وقد تميزت هذه الفترة ،كما قدمنا ،بزوال الحتكار ونمو المنافسة فقد كانت الصناعة
مكونة من عدد ضخم من المشروعات الصغيرة التي ينافس بعضها بعضا والتي
يستحيل على أي منها أن تؤثر في السوق بمفردها .كذلك كان يصعب أو يستحيل
إقامة احتكار أو اتفاقات احتكارية بين هذه المشروعات نظرا لضخامة عددها.
ولقد صاحب التطور في النشاط القتصادي تطور في النواحي الفكرية المختلفة،
والذي تميز في ناحيتين كان لهما أكبر الثر على تطور الفكر القتصادي ،و ظهور
المذهب الكلسيكي .أما الناحية الولى فتتعلق بفلسفة العلوم ،إذ انتشرت فكرة القانون
العلمي وامتدت من مجال الظواهر الطبيعية إلى من مجال الظواهر الجتماعية و
منها الظواهر القتصادية .و في ضوء ذلك ،حاولت المدرسة التقليدية بحث المشكلت
القتصادية بغرض كشف و تحديد القوانين التي تخضع لها .أما الناحية الثانية فتتعلق
بالتأكيد على أهمية الفرد و بعلة الوحدة الساسية التي ترتبط بها كل القيم و الحكام.
و قد أكدت أهمية الفرد في الناحية السياسية كتابات لوك وروسو ،كذلك أكدت كتابات
مدرسة النفعيين في انجلترا ارتباط مصالح الجماعة بالمصلحة الفردية.
على هذا النحو يمثل النصف الثاني من القرن الثامن عشر فترة التحويل
الجتماعي الجذري ،و نضوج أشكال جديدة للنتاج ،و ظهور أشكال جديدة من
العلقات الجتماعية و من الحكومات ومن الفكار .أشكال كانت كلها بطيئة و مترددة
في صراعها ضد القديم ،ثم ما لبث أن تطورت وتغلبت عليه بسرعة مذهلة .إنه
التغير الكمي البطئ الذي ما يفتأ أن ينعكس عند مرحلة معينة من تراكمه في تطور
كيفي سريع.
خلل هذه العملية يبدأ أعلم القتصاد في الوجود بتحديد معالم موضوعه ،الذي يشهد
تناسقا داخليا و بلورة منهجه.
ليس من السهل تعيين الحدود الزمنية للمذهب الكلسيكي .إل أنه المكان أن نجعله
يبدأ مع كتاب آدم سميث "بحث في طبيعة وأسباب ثروة المم" الذي نشر عام
،١٧٧٦شريطة أل نغفل العمل التمهيدي الذي قام به الرواد الوائل و أهمهم :سير
وليم بيتي ) )١٦٨٧-١٦٢٣في إنجلترا ،و الطبيعيون في فرنسا .وقد كان بناء مذهب
الكلسيك ،إلى حد كبير ،من عمل رجلين اثنين :آدم سميث ) )١٧٩٠-١٧٢٣و دافيد
ريكاردو ) .)١٨٢٣-١٧٧٢فعلى أساس من آراء الطبيعيين حاول أن يرسما صورة
كاملة للعملية القتصادية .ولعب الطبيعيون دور المتحدث بلسان الزراعة في ثورتها
ضد المتياز التجارية ،كان آدم سميث و أتباعه المدافعين عن طبقة رجال الصناعة
الناشئة و عن المستعمرات التي كانت موضع الستغلل .أسهم في إرسال بعض
مبادئ المدرسة الكلسيكية القس توماس مالتس) ،(١٨٣٤-١٧٦٦الذي أخذت منه
المدرسة نظريتها عن السكان .وروج لتعاليم المدرسة في إنجلترا جون ستيوارت مل
)١٨٠٦ـ ،(١٨٧٣وفي فرنسا جان باتست ساي ) ،(١٨٣٢-١٧٦٧كما سيطرت
أفكار هذه المدرسة على تعليم القتصاد في جامعات إنجلترا و فرنسا حتى أوائل
القرن العشرين.
ونظرا لتعدد الكتاب الذين تكونت منهم المدرسة الكلسيكية وتعرض بعضهم
لمشكلت لم يتعرض لها الخرون ،فإنه يصعب وضع مبادئ عامة لتخليص أفكارهم.
و لكن رغم تلك الختلفات الجزئية التي يجب أل تهملها أي دراسة تفصيلية للفكر
الكلسيكي و لراء كل كاتب على حده يمكن تلخيص الخطوط العامة لهذا الفكر فيما
يلي:
عرفت نظرية النتاج تطور هاما على يد المذهب التقليدي فالنتاج يتمثل في خلق
المنافع أو زيادتها ،ويختلف بذلك مفهوم النتاج عما كان سائدا لدى التجاريين
والطبيعيين ،وعناصر النتاج هي العمل ورأس المال والطبيعة ،ولكن العمل هو
العنصر الرئيسي الذي يحتل المكان الساسي بين تلك العناصر ،وقد اهتموا بناحيتين
من النواحي الفنية للنتاج ،وهما ظاهرة تقسيم العمل ،وقانون الغلة للمتناقصة.
وفيما يتعلق بظاهرة تقسيم العمل ،يرجع الفضل إلى آدم سميث في دراستها ،فقد ذهب
إلى تقسيم عملية إنتاج سلعة من السلع إلى عدة عمليات جزئية ،ويقوم منها شخص أو
أشخاص يتخصصون فيها ،يؤدي إلى زيادة النتاج وتحسين نوعه ،ذلك أن التخصص
على هذا النوع أدعى إلى إتقان العامل للعملية التي يقوم بها ،وإلى استخدام اللت .كما
ذهب إلى أن بلوغ درجة عالية من التخصص ،وتقسيم العمل ،يتوقف على مدى اتساع
السوق ،فكلما كانت السوق واسعة وتحتاج لكميات من كبيرة من المنتجات أمكن تطبيق
تقسيم العمل الفني ،على خلف أفلطون وابن خلدون اللذين قاما بدراسة مظهر
مختلف لتقسيم العمل هو تقسيم العمل المهني أو الحرفي.
أما قانون الغلة المتناقصة ،فقد جعل له الكتاب الكلسيكي أهمية خاصة في تحليلهم،
فعلى أساسه تقوم نظرية ريكاردو في الريع ،ونظرية مالتس في السكان .ومقتضى هذا
القانون أنه إذا زادت كمية عناصر النتاج )العمل ورأس المال مثل( وبقيت كمية
العناصر الخرى ثابتة )الرض مثل( فإن الكمية التي يتزايد بها النتاج تأخذ بالتزايد،
ثم تأخذ بعد حد معين في التناقص .بعبارة أخرى ،في مرحلة أولى يزداد الناتج الكلي
بنسبة أكبر من نسبة الزيادة في عناصر النتاج المتغيرة )مرحلة تزايد الغلة( .وقد كان
الكلسيكيون يعتقدون في انطباق هذا القانون على الزراعة وحدها ،في حين أثبت
البحث الحديث أنه قانون عام ينطبق على كافة فروع النتاج متى توافرت شروطه.
يقوم كل البناء النظري للمدرسة الكلسيكية أو التقليدية على نظريتهم في القيمة .ولقد
فرق الكتاب الكلسيكي بين قيمة الستعمال أي المنفعة التي تعود على شخص من
استهلكه لسلعة ما ،وقيمة المبادلة أي النسبة التي تجري على أساسها مبادلة سلعة
بسلعة أخرى في السوق ،وتتحدد قيمة المبادلة لية سلعة على أساس العمل الذي
تحتويه ،أي على أساس عدد ساعات العمل التي بذلت في إنتاجها ،وليس المقصود
بالعمل هنا العمل المباشر فقط ،أي ما يبذل من مجهود إنساني أثناء صنع السلع ،بل إن
رأس المال والمواد الولية تمثل عمل إنسانيا مخزونا أو محبوسا في رأس المال أو في
المادة الولية ،فالعمل إذن هو مصدر القيمة ومقياسها في نفس الوقت .وقد عرفت هذه
النظرية بنظرية "العمل في القيمة" ،أو "قيمة العمل".
وعلى أساس القيمة يتحدد الثمن .وبصرف النظر عن الخلف القائم بين فكر آدم سميث
وريكاردو فيما يتعلق بهذه المسألة ،يفرق الكلسيكيون بين الثمن الطبيعي وثمن
السوق ،فالول يحدد على أساس نفقة النتاج ويكون مساويا لها ،أما الثاني فتحدده
تقلبات العرض والطلب ،على هذا النحو يتحدد الثمن الطبيعي أو الحقيقي بمكونات نفقة
النتاج دونما زيادة أو نقص .أما ثمن السوق فهو وإن كان يحدد ابتداء من نفقة النتاج
أو الثمن الطبيعي ،إل أنه يأخذ في اعتباره تقلبات العرض والطلب ،أي يتذبذب حول
الثمن الطبيعي بالزيادة أو النقص في إطار هذه التقلبات.
اهتم الكتاب الكلسيكيون بالكشف عن القوانين التي تحكم توزيع الناتج الكلي بين
عناصر النتاج المختلفة ،واعتبر ريكاردو التوزيع على النحو السابق المشكلة
الرئيسية التي يجب أن يهتم بها علم القتصاد ،ويرجع الفضل لريكاردو في بيان كيفية
تحيد الريع ،كما يرجع لساي في بيان عوامل الربح والفائدة.
الربع: .i
وهو ما يحصل عليه ملك الراضي الزراعية نظير السماح لغيرهم باستخدامها،
والريع ل ينشأ لو لم تكن الرض محدودة ومملوكة ملكية خاصة ،فهو إذن ثمن يدفع
للملك نظير احتكارهم ملكية الراضي ،ونتيجة لندرة عنصر الرض وتفاوت
خصوبتها.
أما عن كيفية تحديد الريع فقد بين ريكاردو أن ذلك يتوقف على درجة التفاوت في
خصوبة الراضي وعلى مدى بعدها عن أماكن الستهلك وهي التي تحدد الطلب على
هذه المنتجات .وقد بين ريكاردو أن النسان في بداية التطور ،يملك مساحات كبيرة من
الراضي ،فيبدأ بزراعة الرض الكثر خصوبة ،وفي هذه المرحلة ل يكون هناك ريع
للرض لنها تكون وفيرة وتكون أجزاء منها غير مستغلة بعد ،ولكن نظرا لتزايد
السكان المستمر )نظرية مالتس( يلتجئ الفراد لزراعة أراضي جديدة وهي أقل
خصوبة من الراضي الولى ،ولما كان ثمن المواد الغذائية كثمن أي سلع أخرى ،إنما
يتحدد على أساس أعلى نفقة أنفقت للحصول على الكميات اللزمة لسد حاجات الطلب،
فإن هذا الثمن يتحدد على أساس النفقة التي أنفقت في الرض القل خصوبة .وتبعا
لذلك يستفيد ملك الراضي الخصبة الولى ،لن الثمن يكون مرتفعا عن نفقة النتاج
بالنسبة لهم ،ويحصلون على هذا الفرق ،وهو الريع ،فالريع إذن هو الفرق بين الثمن
الذي يتحدد في السوق ونفقة النتاج والذي يحصل عليه ملك الراضي الكثر
خصوبة .وقد بين ريكاردو ،بمناسبة نظريته في الريع أن هناك قانونا يحكم النتاج
وهو قانون الغلة المتناقصة ،إل أنه قصر نطاق عمله على النتاج الزراعي.
الجر: .ii
يعتقد الكتاب الكلسيكيون على أثر كتابات ريكاردو ،أن العمل سلعة كبقية السلع ،وأن
ثمن العمل وهو الجر يتحدد على أساس كمية المواد الغذائية الضرورية لحفظ حياة
العامل ،ول يمكن أن يرتفع الجر لمدة طويلة عن ذلك ،إذ لو ارتفع الجر عن
المستوى اللزم لمعيشة العامل المعيشة الضرورية ،تتحسن حالة العمال ويقبلون على
الزواج ،فيزيد النسل ،ويزيد عدد العمال ،مما يترتب عليه انخفاض الجر حتى
يتساوى مع نفقة المعيشة الضرورية ،كذلك لو انخفض الجر عن الحد السابق ،تسوء
حالة العمال وينقص زواجهم وتناسلهم ،كما ينقص عددهم نتيجة للمراض ،مما يترتب
عليه نقص عرضهم ،وارتفاع أجورهم إلى المستوى اللزم للحفاظ على مستوى
معيشتهم الضرورية.
وقد أطلق على القانون السابق للجور بقانون الجور الحديدي نظرا لنها تعتبر
محصورة داخل نطاق من حديد.
ول شك أن ريكاردو قد نبه الذهان عن طريق نظريته في الريع والجور إلى
ضرورة الصلحات الجتماعية ،فإذا كانت أجور العمال تتجه نحو الحد الدنى بينما
ريع ملك الراضي الزراعية يميل إلى الرتفاع نتيجة لزراعة الراضي القل
خصوبة ،فإنما يدل ذلك على أن المستفيدين من التقدم القتصادي هم أقل الناس
مساهمة فيه .و لقد كانت لهذه الراء آثارها في تكوين آراء ماركس.
لم يتميز الكلسيك الوائل بين المنظم الذي يشرف على المشروع ويتحمل مخاطره،
والرأسمالي الذي يقرض نقوده .ثم جاء جان باتست ساي وميز بينهما بوضوح ،فالربح
هو دخل المنظم ،والفائدة دخل صاحب رأس المال.
وقد تأثر الكلسيك في تحليلهم للفائدة بنظرية القيمة .فالفائدة هي ثمن الدخار ،ومن ثم
أخر ،تتحدد بتلقي عرض الدخار والطلب عليه .فإذا زاد عرض الدخار عن طلبه
انخفض سعر الفائدة ،وان زاد طلبه عن عرضه ارتفع سعر الفائدة .وتؤثر تغيرات
سعر الفائدة بدورها في عرض وطلب الدخار كما تؤثر تغيرات ثمن أية سلعة في
عرضها وطلبها.
أما فيما يتعلق بالرباح ،فقد أظهر ريكاردو أن المنافسة تميل إلى فرض معدل
متجانس للرباح ،وذالك عن طريق اجتناب رأس المال إلى مجالت تغل معدل يزيد
عن المتوسط ،وإبعاده عن المجالت التي تقل فيها الرباح عن المتوسط .واعتقد
الكلسيك أن معدلت الرباح تميل إلى الهبوط مع التقدم القتصادي .فازدياد تجميع
رأس المال وتراكمه ،يصحبه ازدياد المنافسة بين الرأسماليين ،وهذا يعمل على خفض
الرباح.
اعتقد الكلسيك أن حجم التشغيل ،أي تشغيل العمال ،لبد أن يتحدد عند مستوى
التشغيل الشامل بمعنى أن كل العمال الموجودين في القتصاد الوطني والراغبين في
العمل لبد أن يعملوا ،وأن كل بطاقة بين العمال ليمكن أن تكون إل ظاهرة عارضة
ول بد أن تزول .وحجتهم في ذالك أنه إذا وجد ،لي سبب من السباب ،قدر من
البطالة فان معنى ذلك زيادة عرض العمال عن الطلب عليهم ،فيترتب على ذلك
انخفاض أجورهم ،مما يدفع المنظمين إلى تشغيل العمال المتعطلين .وإذا لم يقض على
كل البطالة تحت تأثير النخفاض الول للجر ،فان بقاء قدر من العمال في حالة
البطالة يؤدي إلى انخفاض الجر مرة أخرى ،ويستمر النخفاض حتى يستوعب كل
المتعطلين في العمل.
وتستند هذه النظرية في التشغيل إلى قانون السواق ،أو قانون ساى ويقوم هذا القانون
على فكرة أساسية مؤداها أنه من المستحيل في ظل قواعد المنافسة في النظام
الرأسمالي حدوت كساد وبطالة لفترة ممتدة من الزمن يكون مظهرها زيادة العرض
الكلي للمنتجات عن الطلب الكلي عليها .والسبب في هذه الستحالة هو أن كل عرض
يخلق طلبا مساويا له في قيمته .فما من أحد ينتج إل بقصد الستهلك أو البيع ،وهو ل
يبيع إل بنية شراء سلع أخرى .فهو حين ينتج يصبح بالضرورة أما مستهلكا لسلعه هو،
أو مشتريا ومستهلكا لسلع الخرين .معنى هذا أن كل من أحضر سلعة إلى السوق قد
فعل هذا من أجل أن يتمكن في النهاية من الحصول على سلعة أخرى يريدها بدل منها.
مؤدى هذا أن المنتجات تتبادل في مقابل المنتجات ،وأن الطلب الكلي سيتساوى مع
العرض الكلي ،فما يجري إنتاجه بصفة عامة يجري أيضا استهلكه بصفة عامة.
وهكذا تنتهي النظرية الكلسيكية في العمالة أو التشغيل إلى أن الطلب الكلى على
المنتجات إنما يتساوى دائما مع عرضها الكلى .وأن هذا التساوي يتحقق تلقائيا عند
مستوى النتاج الذي يكفل العمالة الكاملة في القتصاد القومي .وبالتالي يكون من
المستحيل وقوع كساد وبطالة لفترة ممتدة من الزمن.
نظر الكلسيك إلى النقود على أنها مجرد وسيط في المبادلة وأداة لقياس القيم ،ولكنهم
لم يعطوا أهمية لوظيفتها كمخزن للقيم وأداة لحفظ المدخرات .ولما كانت النقود مجرد
وسيط للمبادلة' فلم يتصوروا أنها يمكن أن تحدت أي أثر ضار بالقتصاد ،فهي أداة
تسهل سيره وتسير مبادلته .إن استخدام النقود وان غير من مظهر الشياء فانه ل
يغير أبدا من جوهرها ول من جوهر عمل النظام القتصادي .لقد أقم الكلسيك تحليلهم
كما لو كنا في اقتصاد عيني ل نقود فيه ،ثم اعتبروا النتائج التي توصلوا إليها في هذا
القتصاد العيني معبرة عما يحدث في اقتصاد توجد فيه النقود .فالنقود عندهم محايدة،
أو هي مجرد حجاب يغطي الواقع لكنه ل يلغيه أو يغير منه.
وفي تفسيرهم لتقلبات المستوى العام للثمان )قيمة النقود( ،أعتمد الكلسيك على
النظرية الكمية في النقود .ومقتضى هذه النظرية ،كما قدمنا من قبل ،أن كمية النقود
وحدها هي التي تؤدي إلى حدوت تقلبات مستوى الثمان في المدة القصيرة ،فيرتفع
هذا المستوى عند زيادة كمية النقود ،وينخفض عند تقصانها .وكل زيادة في كمية
النقود لبد أن تؤدى حتما إلى ارتفاع مستوى الثمان ،وكل نقص في هذه الكمية لبد
أن يؤدى إلى انخفاضه.
هاجم الكلسيك ما كان ينادى به التجاريون من تدخل الدولة في تنظيم شئون التجارة
الخارجية فإذا كانت المنافسة وحرية التجارة والتخصص أمورا مرغوبا فيها داخل
الشعب الواحد ،فيجب أن تكون مرغوبا فيها بالقدر ذاته بين الشعوب .إن إتباع سياسة
تجارية حرة على المستوى الدولي يؤدي بكل بلد إلى أن يتخصص في إنتاج السلع التي
يتمتع فيها بأكبر ميزة نسبية في مواجهة البلد الخرى .ويفيد ذلك التخصص كل بلد
على حده ،كما يفيد العالم في مجموعه ،لنه يؤدى إلى حصول كل بلد والعالم في
مجموعه على كمية من المنتجات أكبر مما لو لم يحدث التخصص ومما لو حاول كل
بلد إنتاج كل السلع على إقليمه الوطني .إن تخصص كل بلد في إنتاج السلع التي يمكن
أن ينتجها بنفقة نسبية أقل يزيد من الرفاهية القتصادية للشعوب ،إذ ما من شعب
يكسب من إنتاج شئ يستطيع أن يشتريه بثمن أرخص من مكان أخر.
هذا التخصص الدولي القائم على أساس اختلف النفقات كان من مصلحة انجلترا لنها
كانت في ذلك الوقت أكثر بلدان أوربا تقدما في مجال الصناعة ،على حين كانت
الزراعة هي النشاط المسيطر في البلدان الخرى .ومقتضى النظرية أن تبقى هذه
البلدان بلدانا زراعية تصرف فيها انجلترا منتجاتها وتستورد منها المواد الولية.
أهتم الكلسيك بظاهرة تجميع رأس المال أو تراكم رأس المال باعتباره المحرك
الساسي للتطور القتصادي .وبما أن الربح هو مصدر التراكم ،لزمت دراسة ما
يحدث للنصيب النسبي للربح من الدخل القومي خلل عملية التطور .في تحديد هذا
النصيب النسبي تلعب الجور الدور النشط نظرا لما بينها وبين الربح من تناقض.
فزيادة تراكم رأس المال تنعكس في زيادة الطلب على القوة العاملة ،وهو ما قد يؤدى
إلى ارتفاع الجور النقدية في الجل القصير .هذا الرتفاع في الجور النقدية يعبر عن
نفسه في زيادة الطلب على سلع الجور ،أي السلع التي تستهلكها الطبقة العاملة
وخاصة المواد الغذائية ،يترتب على ذلك ارتفاع أثمان هذه المواد ،فيثير هذا الرتفاع
ضرورة استغلل أراض أقل خصوبة أو أبعد عن السوق .فيزيد ريع الرض .على
هذا النحو يؤدى ارتفاع الجور وزيادة الريع إلى انخفاض للنصيب النسبي للربح في
الدخل القومي .ويؤدي انحدار معدل الربح إلى النكماش المستمر في تراكم رأس
المال .ومن ثم ل يكون هناك توسع في النشاط القتصادي .المر الذي ينتهي بالقتصاد
القومي ،إلى الحالة الساكنة.
ونتيجة للفلسفة القتصادية السابقة التي أمن بها الكتاب الكلسيك ،كان من الطبيعي
المناداة بسياسة الحرية القتصادية على النطاق الوطني والنطاق الدولي .ويرجع
الفضل لسميث في بيان أهمية إتباع سياسة الحرية القتصادية لنها وحدها الكفيلة
بتحقيق مصلحة الجماعة .ولكنه على العكس من الطبيعيين لم ينادي بمبدأ الحرية
المطلقة ،بل أشار إلى الوظائف التي تقوم بها الدولة ،وهي تتعلق بوظائف المن
الداخلي والدفاع ضد الخطار الخارجية ،وكذالك القيام بكافة العمال التي ل يقوي أو
ل يرغب الفراد في القيام بها نظرا لضخامة ما تتطلبه من استثمارات ،أو لقلة
أرباحها.
يرجع الفضل للنظرية التقليدية في دفع الفكر القتصادي دفعة قوية عاش بها كعلم له
كيانه وسط العلوم الخرى ،ولقد أسهم كثير من الكتاب اللحقين عن طريق نقدهم
لبعض جوانب فكر النظرية التقليدي في إثراء هذه النظرية ،مما أدى إلى تطورها
ونشأة ما يسمى بالمذهب التقليدي الجديد .ويمكن إجمال النتقادات التي استهدفت
المدرسة الكلسيكية فيما يلي:
أعتقد الكلسيك في وجود قوانين عامة مطلقة تنطبق على القتصاد في كل المكنة
والزمنة بل تميز .واتبعت المدرسة في تحليلها طريقة الستنتاج التجريدية دون
الهتمام بدراسة التاريخ وتغير خصائص المجتمعات في المراحل التاريخية المختلفة
لتطورها .لقد جعلت المدرسة الخواص المميزة للمجتمع في عهدها صالحة لجميع
العصور ولكافة المجتمعات ،متجاهلة أن مراحل التطور القتصادي للمم تخضع
لقوانين خاصة بها ومتعلقة بها وحدها ،ومختلفة عن القوانين التي تخضع لها المراحل
الخرى.
لقد بدأ بهذا النقد كتاب المدرسة التاريخية اللمانية الذين لفتوا النظر إلى نسبية القوانين
القتصادية ،بمعنى أنها ليست مطلقة في الزمان والمكان كما كان يعتقد الكلسيك.
فالقوانين القتصادية تتغير تبعا لتغير المجتمعات ،وتبعا لتغير المراحل التي يمر بها
كل مجتمع .ومن ثم ل يمكن العتماد في البحث على الطريقة الستنتاجية التي طبقها
الكلسيك دون الهتمام بدراسة التاريخ القتصادي للمم.
(2من حيث التحليل القتصادي:
أول :تقوم نظرية الكلسيك في القيمة على أساس أن العمل هو المصدر الوحيد للقيمة.
وقد انتقدت هذه النظرية على أساس أن العمل ليس هو عنصر النتاج الوحيد ،فهناك
الطبيعة ورأس المال .وأنه ل يمكن رد هذه العناصر الخرى إلى عنصر العمل أو
قياسها به .كذلك أهملت النظرية الجانب الشخصي الذي يتدخل في تحديد الشياء،
ونعني به المنفعة التي يحصل عليها الشخاص من السلع والتي تتدخل وتؤثر على
تقديرهم لها.
ثانيا :انتقدت نظرية الكلسيك في التوزيع ،ويتجه الفكر القتصادي الحديث إلى الخذ
بالنظرية الحدية في التوزيع والتي من مقتضاها أن ما يحصل عليه كل عنصر من
عناصر النتاج إنما يتحدد على أساس النتاجية الحدية لهذا العنصر ،وذلك على
التفصيل الذي سوف نعرض له فيما بعد عند دراستنا للمدرسة الحدية.
ثالثا :انتقدت نظرية الكلسيك في النقود نتيجة إهمالهم لوظيفتها كمخزن للقيم والتركيز
فقط على وظيفتها كوسيط للمبادلة ومقياس للقيم ،كما انتقدت لهمالهم النقود في تحليل
الظواهر القتصادية ،وفي اعتبارها مجرد ستار ل يؤثر على هذه الظواهر .لقد أثبت
الفكر الحديث أن وظيفة النقود كمخزن للقيم ل تقل أهمية عن وظيفتها كوسيط للمبادلة،
وأنها في أدائها لوظيفة مخزن القيم تؤدي إلى تأثيرات هامة ،فقد بين كينز أن ميل
الفراد إلى الحتفاظ بالنقود دون إنفاقها قد يزيد ،فيقل النفاق النقدي ،ويقل الطلب
الكلي تبعا لذلك ،وهو يؤدي بدوره إلى قيام المنتجين بتخفيض النتاج وطرد عدد من
العاملين لديهم ،فتنشأ عن ذلك البطالة.
كذلك بين الفكر الحديث الخطاء التي تنطوي عليها نظريتهم في قيمة النقود التي من
مقتضاها أن كل زيادة في كمية النقود تؤدي إلى ارتفاع مستوى الثمان ،وكل انخفاض
في كميتها يؤدي إلى هبوط هذا المستوى.
فالنظرية تقوم على فروض خاطئة ،من أكثرها خطأ افتراض ثبات حجم النتاج
والسلع المعروضة ،فكمية النتاج والسلع المعروضة تتغير من فترة إلى أخرى.
كذلك انتقدت نظرية التخصص والتجارة الدوليين عند الكلسيك بأنها ل تدخل النقود
والثمان النقدية في بحثها ،وبأنها ل تهتم بالتطور والتغير اللذين يحدثان لقتصاديات
البلد المختلفة.
رابعا :لعل من أهم وأخطر ما وجه للكلسيك من نقد يتعلق بنظريتهم في التشغيل .فقد
بين كينز أن انخفاض الجر الذي رأى فيه الكلسيك العامل الذي يقضي على البطالة،
بدل من أن يؤدي إلى القضاء على البطالة ،قد يؤدي إلى زيادتها .فانخفاض الجر
يترتب عليه انخفاض دخل العمال ،ومن ثم انخفاض طلبهم على السلع مما يدفع
المنتجين إلى إنقاص النتاج ،وطرد جزء من العمال فتزيد البطالة.
خامسا :انتقدت نظرية مالتس في السكان على أساس أن حقائق التطور القتصادي قد
أثبتت عدم صدق تنبؤاته ،فقد طرأت على السكان تغيرات تمثلت في تقدم أساليب منع
وتنظيم النجاب على نحو حال دون نمو السكان إلى الحد الذي توقعه مالتس ،ولكن
الهم من التغيرات في جانب السكان ،كانت التغيرات التي مست الغذاء ،فقد زاد فتح
مناطق جديدة بالعالم ،وزاد تقدم الساليب العلمية المستخدمة في الزراعة ،وكل
المرين جعل في المكان البقاء على عدد أكبر من السكان في مستوى عال من
العيش.
إن قانون تناقص الغلة الذي أقام عليه مالتس نظريته في السكان يقوم على فروض ل
تتفق مع الواقع ،ذلك أنه يفترض ثبات حالة الفن النتاجي فهو ل ينطبق إل في
الحالت النادرة جدا التي ل تتغير فيها التكنولوجيا ،ومن ثم فقد ثبت بوضوح بطلن
هذا القانون ،كمبدأ ديناميكي.
أول :أدت الحرية القتصادية إلى تكوين احتكارات ضخمة ،قضت على المشروعات
المتنافسة ،واستأثرت بالسوق ،وحددت الثمان عند مستويات مرتفعة استغلت بها
المستهلكين وأرهقتهم لصالح المحتكرين.
ثانيا :أثبت التطور القتصادي أن النظام الرأسمالي يتطور من خلل الزمات ،وبذلك
فإن الحرية القتصادية لم تمنع من وجود أزمات الفراط في النتاج التي نفى كل من
ساي وريكاردو إمكانية حدوثها على أساس أن كل عرض يخلق الطلب عليه ،وأزمات
الوفرة في النتاج أو زيادة المعروض من السلع على المطلوب منها قد ينشأ بفعل عدة
عوامل قدمها السويسري سيسموندي ) (١٨٤٢-١٧٧٣من ذلك مثل أن استخدام
اللت قد يؤدي إلى انتشار البطالة وتنافس العمال فيما بينهم للحصول على عمل
فتنخفض أجورهم جميعا ،مما يقلل من مدخولهم ،وينقص من قدرتهم على الطلب في
الوقت الذي يزيد فيه النتاج زيادة كبيرة بسبب استخدام اللت .مؤدي ذلك حدوث
فجوة كبيرة بين العرض الكلي والطلب الكلي ،فيبقى جزء كبير من المنتجات دون
تصريف.
ثالثا :انتقدت سياسة الحرية القتصادية على أساس أنها تؤدي إلى سوء توزيع الدخل
والثروة ،مما يتجافى مع العدالة الجتماعية.