You are on page 1of 37

‫‪-1-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬

‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫الدارة الجهوية للتربية والتكوين‬


‫ببنزرت‬
‫المركز الجهوي للتربية والتكوين‬
‫‪-2-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫العلم بين الحقيقة والنمذجة‪:‬‬

‫المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬


‫* في راهنية المسألة‪:‬‬
‫يبككدو أن ّككه "لككم يعككد بالمكككان أن نفك ّككر بعككد إنشككتاين مثلمككا كن ّككا نفك ّككر‬
‫ورات التي شهدها انطلقككا‬ ‫ل التط ّ‬‫قبله"‪..‬فلقد انتهى المر بالعلم في ظ ّ‬
‫من بداية القرن العشرين‪ ،‬بالضافة إلككى ظهككور مبككاحث علميككة جديككدة‬
‫)اللسنية‪ ،‬علوم التربيككة‪ ،‬علككوم الّتصككال‪ ،‬المعلوماتيككة‪ ،‬السككيبارنيطيقا(‬
‫إلى النثناء على ذاته ومراجعة جملة أسسه ومبككادئه ومعتقككداته‪ ،‬حيككث‬
‫لككم يعككد بإمكككان منظومككة المفككاهيم السككائدة اسككتيعاب مككا تطرحككه‬
‫ورات العلمية من إشكككاليات‪ .‬وقككد كككان لككذلك الثككر المباشككر فككي‬ ‫التط ّ‬
‫طرح عديد القضايا ذات الصبغة البسككتيمولوجية والفلسككفية والمّتصككلة‬
‫بطبيعة المعرفة العلمية‪.‬‬
‫ولعل أهم ما أفضت إليه هذه المراجعة ظهور مصطلح النمذجججة الككتي‬
‫تعبر عن وصف لمسار اشتغال العلم وكيفية بناءه أو إنتاجه‪،‬‬
‫لذلك يبدو ضروريا أن نولي مسألة النمذجة وإنشاء النماذج ما تستحقه‬
‫من عناية قككد تسككمح لنككا ببيككان كيككف؟ ولمككاذا؟ ومككن أجككل مككن؟ تبنككى‬
‫وتتصور وترسم أو تكتب النماذج العلمية ؟ كمككا يعككد مككن الضككروري أن‬
‫نتبين مشروعية النماذج التي تبنى وتطبق للتفكير فككي الواقككع بمككا فيككه‬
‫من ظواهر وسلوكيات‪.‬‬
‫فإذا سّلمنا مع بول فاليري بأننا "ل نفكر إل على أسككاس النمككاذج" ]‬
‫‪ ،[ nous ne raisonnons que sur des modèles‬وجب أن نفهم كيف تبنى‬
‫النماذج‪ ،‬وأي منزلة إبستيمولوجية للنمذجككة فككي الثقافككة العلميككة‪ ،‬وأي‬
‫قيمة فلسفية للنمذجة؟ أو ما الذي تقتضيه من مهام فككي علقككة برجككل‬
‫المنطق والبستيمولوجي والفيلسوف؟ ولعككل الصككعوبة الككتي تعترضككنا‬
‫في هذا المقام تكمن في أن اهتمام الثقافة العلمية بالنموذج معاصككر‪،‬‬
‫ففي مستوى البحث العلمي يبدو النموذج بمككا هككو وسككيلة أو أداة إنتككاج‬
‫وعرض المعرفة مفهوما حدثا‪ ،‬كما يبدو مفهوم النمذجة مستحدثا بحيث‬
‫ل نعثر في المعاجم المتداولة على تعريف للنموذج وفكق مكا يفهكم فكي‬
‫معالجة الظواهر التي تعتبر مركبة‪ ،‬بل لعل حضكور فككرة النمكوذج فكي‬
‫التقليد الفكري وتعدد مجال فهمه واسككتخدامه مككا يؤكككد هككذه الصككعوبة‬
‫نظككرا لمكككان الخلككط بيككن دللككة النمككوذج علميككا ودللتككه فككي التقليككد‬
‫النظككري‪ ،‬لكككن هككذه الصككعوبة ل ينبغككي أن تحككول دوننككا والتفكيككر فككي‬
‫المسألة إذ غدا النموذج كما النمذجة الكلمة المفتاح على ما يبككدو فككي‬
‫لغة العلم والعلماء والمهتميككن بالشككأن العلمككي‪ ،‬وهككو مككا يؤكككد راهنيككة‬
‫مسألة النمذجة وما يضككفي مشككروعية علككى تناولهككا بغايككة بيككان منزلككة‬
‫‪-3-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫النموذج والنمذجة في الفكر العلمي المعاصر مككن جهككة إبسككتيمولوجية‬


‫وفلسفية‪.‬‬

‫* في علقة النمذجة بالبرنامج‪:‬‬


‫يتنزل تناول مسألة النمذجة في البرنامككج ضككمن تككوجه عككام اتخككذ مككن‬
‫الكككوني مطلبككا‪ ،‬وإذا كككان العلككم بمككا هككو خطككاب عقلنككي تفسككيري ل‬
‫يتعارض مع هككذا المطلككب اعتبككارا إلككى مككا تتسككم بككه مبككادئه ومنطقككه‬
‫ن‬
‫ونتائجه من طابع كوني‪ ،‬استنادا إلككى كونيككة العقككل العلمككي ذاتككه‪ ،‬فككإ ّ‬
‫ن النمذجة هي السمة المميزة‬ ‫مقاربة العلم من جهة النمذجة والقول بأ ّ‬
‫للخطاب العلمي اليوم ما يثير بعض الصعوبات في بيككان صككلة النمذجككة‬
‫بككالكوني‪ ،‬فهككل يتوافككق مطلككب الكككوني والكلككي مككع معالجككة مسككألة‬
‫النمذجة ضمن برنامج اتخذ من الكوني مطلبا ؟‬
‫قد تكون علقة النمذجة بالكلي إشكالية وتثير كثيرا من الجككدل‪ ،‬ولكككن‬
‫يبدو مع ذلك وفي قراءة أولى أو أولية أن مسألة النمذجة في تناغم مع‬
‫روح البرنامج ومطلبه‪:‬‬
‫* إذ تعد النمذجة‪ ،‬مسار كل علم مهما كان قطاعه المعرفي‪ ،‬فالنمذجة‬
‫ل تخص علما من العلككوم أو قطاعككا معينككا مككن قطاعككات المعرفككة بككل‬
‫تشمل كل العلوم دون استثناء‪ :‬العلوم الصلبة أو مكا تسكمى بالصكحيحة‬
‫أو العلوم اللينة أو العلوم التي لم تبلغ مستوى العلككوم الصككلبة‪ ، ،‬ومككن‬
‫ن المسار كلي‪.‬‬ ‫هذه الجهة تبدو النمذجة كلية بما أ ّ‬
‫* ترتبط النمذجة ببنية كلية تضم التركيككبي والككدللي والتككداولي أي أن‬
‫النمذجة بنية كلية تستجيب لكككل انتظاراتنككا مككن العلككم‪ ،‬إذ تفضككي إلككى‬
‫تجاوز القول بأن "العلم ل يفكر" مادام ل يهتم فقط بالجابة عن سؤال‬
‫كيف؟ وإنما أيضا عن سؤال لماذا؟ أو من أجككل مككاذا؟‪ ،‬اعتبككارا للطككابع‬
‫التليولوجي للعلم‪ .‬فالنمذجة تهتككم بككالنظر كمككا بالفعككل وكككأن النمذجككة‬
‫تستعيد العلم بما هككو حكمككة نظريككة وعمليككة‪ ،‬أي حكمككة دافعهككا الكلككي‬
‫ومطلبها الكلي‪.‬‬
‫ن من بيككن مككبررات التجككاء العلككم إلككى النمذجككة بمككا هككي مسككار أو‬‫*إ ّ‬
‫تمشي أن العلم يهتم بالتفكير في المركب ‪ ،‬فكالوعي بالطكابع المرككب‬
‫للظواهر والحداث والسلوكيات‪ ،‬هكو مكا أفضكى إلكى القكول بالنمذجكة‪،‬‬
‫وهككو مككا يعنككي أيضككا أن النمذجككة تسككمح بككالربط بيككن الختصاصككات‬
‫‪-4-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫المختلفة وتمكن مككن النظككر فيهككا علككى ضككوء تقاطعهككا تجككاوزا للطككابع‬
‫التجزيئي أو الذري وبالتالي التفكير في الكلي وطلبه‪.‬‬
‫* تعد النمذجة تأكيدا على الطابع المفتككوح للعقلنيككة العلميككة‪ ،‬طالمككا ل‬
‫معنى لنموذج مكتمل‪ ،‬وهو ما يؤكد نسبية النمككاذج‪ ،‬دون أن تفهككم هككذه‬
‫النسبية على معنى التشريع لنزعة ريبية في العلككم‪ ،‬وإنمككا تحمككل علككى‬
‫معنى تأكيد طموح العلم نحو فتح أفككق البحككث علككى مككا اسككتغلق علككى‬
‫العقل العلمي زمن سيادة البراديغم الميكانيكي أو التوجه الوضككعي‪ ،‬أي‬
‫طمككوح العلككم فككي طلككب الكلككي‪ ،‬فضككل علككى أن النمذجككة هككي تجككاوز‬
‫للمعطى والكتفاء بالظاهر نحو المنشأ والمبنككي والمبتكككر وكككأن العلككم‬
‫يهتم بالبحث عما هو غيككر موجككود وإيجككاده‪ ،‬وإنتككاج معرفككة كليككة سككواء‬
‫تعلككق المككر بالعككالم الميكروسكككوبي أو الماكروسكككوبي‪ ،‬الطككبيعي أو‬
‫النساني‪ ،‬المتناهي في الصغر أو المتناهي فككي الكككبر أو المتنككاهي فككي‬
‫التعقيكد أو الككتركيب‪ ،‬وهكو مكا يمكككن أن يكبرز علقكة النمذجكة بمطلكب‬
‫الكلي‪،‬وما يسمح لنا بالتأكيد على علقة التناغم بيككن النمذجككة ومطلككب‬
‫الكلي‪.‬‬

‫فهل أن هذه العلقة من البداهة ما يجعلنا نطمئن إليهككا ونتعامككل معهككا‬


‫باحتفالية فكرية؟ أم أن الجانب الخفكي للنمذجكة يمككن أن يكشكف لنكا‬
‫عن مسافة بين النمذجة والكلي حتى ل نقول مفارقة النمذجة ومطلككب‬
‫الكلي‪.‬‬
‫ن النظر إلى النمذجة في وجهها الثاني حتى ل نقول وجهها الخفي قككد‬ ‫إ ّ‬
‫ما يشرع تظننا حول علقة النمذجة بالكلي‪:‬‬ ‫يكشف ع ّ‬
‫دم بما هي نتاج تخّلي العلم المعاصر عن‬ ‫* إذا ما سلمنا بأن النمذجة تق ّ‬
‫صورة العقل العلمي كما رسمه "لبلص"‪ ،‬وانهيار اليقيككن العلمككي نتككاج‬
‫ما عرف بأزمة السس فككي الرياضككيات وأزمككة الحتميككة فككي الفيزيككاء‪،‬‬
‫فإن ذلك قد ل يعنككي سككوى أن النمذجككة هككي علمككة تفك ّككك الكل ّككي‪ ،‬إذ‬
‫دعي طلكب الكّليكة؟‬ ‫ليس بإمكان العلم أن يككون نتكاج النمذجكة وأن يك ّ‬
‫دعاء يمكككن أن يتككم بالسككتناد إلككى منجككزات العلككم ذاتككه‪،‬‬
‫ونقض هذا ال ّ‬
‫انطلقا من النصف الثاني من القككرن التاسككع عشككر‪ ،‬الككتي انتهككت إلككى‬
‫القككرار بمحدوديككة النمككوذج الهندسككي القليككدي والنمككوذج الفيزيككائي‬
‫ل الظكواهر الكونيككة واسككتبدال‬ ‫النيوتني وعدم إمكانية سككحبهما علككى كك ّ‬
‫ل الظككواهر ببعضككها ارتباطككا‬ ‫ور اللي البسيط للكون حيث ترتبط ك ّ‬ ‫التص ّ‬
‫ور أكثر تعقيدا )اللمتنككاهي فككي الكككبر واللمتنككاهي فككي‬ ‫طيا بتص ّ‬‫سببيا خ ّ‬
‫‪-5-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫الصغر واللمتناهي في التعقيككد ‪ .1(L'infiniment complexe‬وقككد ترت ّككب‬


‫عككن ذلككك تجككاوز العتقككاد فككي إمكانيككة بنككاء نسككق واحككد مككن المبككادئ‬
‫ول مككن عقلنيككة منغلقككة دغمائيككة‬ ‫والقوانين الشاملة لكّلية الواقع‪ ،‬بالتح ّ‬
‫دعي الكّلية إلى عقلنية قطاعية منفتحة والتخّلي عككن فكككرة النمككوذج‬ ‫ت ّ‬
‫ل المجالت )النزعككة‬ ‫الواحد )النموذج الفيزيائي الرياضي( الصالح في ك ّ‬
‫الوضعية(‪.‬‬
‫* والنمذجة من ناحية أخرى هي تمثيل اختزالي للواقككع مرتبككط بسككياق‬
‫ما‪ ،‬والنموذج يقترن أساسا بالفعل أو يراهن على التحكم والفعككل أكككثر‬
‫ن النموذج هو إنتككاج أو‬ ‫من مراهنته على الحقيقة والتفسير‪ ،‬فضل على أ ّ‬
‫بناء يرتبط بمواضككعة بيككن مجموعككة علميككة أو تقنيككة حككتى ل نقكول أنككه‬
‫يرتبط بمن يقوم بالنمذجة أو بالفككاعلين فككي إنتككاج النمكاذج‪ ،‬إذ لككم نعكد‬
‫نتحدث عن العالم بوصفه ملحظا موضوعيا بل بوصفه ملحظا مبتكككرا‪،‬‬
‫كما لم نعد نتحدث عن العلم بوصفه يحيل على الزوج معرفككة‪/‬موضككوع‬
‫بل يحيل على الزوج معرفة‪/‬مشروع‪ ،‬وهو ما يككثير الشكككال فككي علقككة‬
‫النمذجة بمبادئ العلم إذ ل يمكن القول بأن هذه المبادئ كليككة بككل هككي‬
‫جهوية ل في علقة بالقطاع المعرفي فحسب وإنما في علقة بالسككياق‬
‫الجتماعي والقتصادي والحضاري الذي يحكم إنتاج النماذج‪ ،‬علوة على‬
‫ما قد يفيده السياق من تورط العلمي في اليديولوجي‪ ،‬ويمكننا القككول‬
‫في هذا السياق أن التفكيككر فككي مسككارات النمذجككة يفككرض علينككا مككن‬
‫زاويككة النظككر البسككتيمولوجية البحككث عككن البعككاد الجديككدة للعقلنيككة‬
‫العلمية بما هي عقلنية حسابية ل تهتم بحساب البعاد والتعبير عنها في‬
‫لغة رياضية كمية فحسب‪ ،‬وإنما بحساب المصالح والغايات أو الهداف‪.‬‬
‫ولعل البحث عن أصل النمذجة الذي ل نعثر عليه في الفلسفة أو الفككن‬
‫وإنما يعد وليد التطورات التقنية الهائلككة مككا يؤكككد هككذا القككول‪ .‬فككالثورة‬
‫العلمية وما أفرزته من نشأة اختصاصات مثل علككم التحكككم أو القككرار‬
‫أو‬

‫التواصككل أو الككذكاء الرامككز أو الهندسككة وغيرهككا وعككدم قككدرة هككذه‬


‫الختصاصات على أن تكتسب صفة العلومية وفق البراديغم الكلسيكي‬
‫وحاجتها إلى اكتساب منزلة علمية‪ ،‬ما دفعها للبحث عن طككرق ومناهككج‬
‫لتعين بها وجودها وتكتسب بها صفة وحق النتماء إلككى الحقككل العلمككي‪،‬‬
‫هو ما شرع وأنتج مفهوم النموذج والنمذجة‪ .‬فهل يمكننا أن نتجاوز مثل‬
‫هذه القراءة التي تختزل النمذجة إما باعتبارهككا السككمة المميككزة للعلككم‬
‫ومتوافقة مع مطلككب الكلككي أو باعتبارهككا مككا يمثككل إعلن التحكككم فككي‬
‫العلم ومعاييره خدمة لغايات إيديولوجية وما يتولد عنه من إقككرار بهككوة‬
‫‪1‬‬
‫‪-6-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫تفصل النمذجة عن الكلي أو الكوني أو لعلها تعبر عن كككوني المككوت أو‬


‫كوني الهيمنة بدل أن ترتبط بكوني الحياة؟‪.‬‬

‫*الشكالت النظرية التي تثيرها مسألة النمذجة‪:‬‬


‫ن النمذجة كما النموذج مصطلحات حديثة في مقاربة العلم وهو مككا‬ ‫‪ -‬إ ّ‬
‫يجعلها مسألة ملتبسة تحتاج الكثير من النظر والدقة المفهومية خاصككة‬
‫فككي علقتهككا بجملككة مككن المفككاهيم المجككاورة علككى غككرار الككبراديغم أو‬
‫النموذج الرشادي‪ ،‬أو مفهوم المثل العلى العلمككي‪ ،‬أو مفهككوم المثككال‬
‫الفلطوني‪...‬فما المقصود بالنمذجة وأي دللة للنمككوذج وأي منزلككة لككه‬
‫في الفكر العلمي؟ هل يعد مجرد انعكاس لواقع معطككى أم أن ّككه إنشككاء‬
‫‪-7-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫لواقع ل يتحقق إل بالقطع مع المعطى؟ هل تمثل النمذجة مجرد مسككار‬


‫أو منهج أو طريقة يتبعها العلماء في بحثهم ليكون بذلك وسيطا نفككوض‬
‫له وظيفة المعرفة أم أّنه مجرد إجككراء لتجسككيد المعرفككة فككي صككور أو‬
‫ن النمذجككة ل تعككد‬ ‫رسككوم أو بيانككات فيزيائيككة كككانت أو مجككردة ؟ أم أ ّ‬
‫طريقة علمية وإّنما طريقة تستعمل العلككم؟ وإذا سككلمنا بككأن النمذجككة‬
‫هي السمة المميزة للعلم اليوم فأي علقة لهككا بالمنهككج التجريككبي فككي‬
‫دللته الوضعية من ناحية وبالبككاراديغم الوضككعي أو الخككبري أو الككواقعي‬
‫من ناحية أخرى؟ هل يمكن النظر إلى النمذجة بما هي امتداد للعقلنية‬
‫الكلسككيكية أم بمككا هككي إعلن عككن براديغككم جديككد مغككاير فككي مبككادئه‬
‫ومعككاييره ونتككائجه؟ وإذا أخككذنا بعيككن العتبككار بنيككة النمذجككة أو أبعادهككا‬
‫التركيبيككة والدلليككة والبراغماتيككة‪ ،‬فكيككف نفهككم العلقككة بيككن الجككانب‬
‫التركيبي الذي يحيل علككى الطككابع الصككوري للنمككوذج والجككانب الككدللي‬
‫الذي يحيل على علقة النموذج بالواقع والتجربة والتوقع والتفسير؟ هل‬
‫أن الواقع هو مككا يمثككل أسككاس إنتككاج البنيككة التركيبيككة للنمككوذج ليكككون‬
‫ن البعد التركيككبي يتشكككل صككوريا ثككم‬ ‫الحدس هو منطلق هذا البناء أم أ ّ‬
‫يجد مجال انطباقه فككي الواقككع؟ وأي دور ومعنككى للتجربككة حيككن يتعلككق‬
‫المر بالبعد الدللي؟ هل تحافظ التجربككة علككى دللتهككا الكلسككيكية بمككا‬
‫هي ملحظة مجهزة ومجال إثبات النظرية أم بما هي تجربككة افتراضككية‬
‫أو اصطناع يتم بوسكاطة الحسكاب الرقمكي ]الحاسكوب[ ؟ وأي علقكة‬
‫بين النموذج والنظرية؟ هل يعد النموذج مجرد تجسيد للنظريككة العلميككة‬
‫أم أن النموذج يتمككاهى مككع النظريككة؟ أم أن النمككوذج نظريككة ذات بعككد‬
‫عملي؟ أم ينبغي النظر إلككى هككذه العلقككة جككدليا بحيككث ل ينتككج العككالم‬
‫ن النموذج من شككأنه أن يعككدل‬ ‫نموذجه إل وفق تصور نظري ما قبلي وأ ّ‬
‫النظرية أو يدفعها إلى مراجعة مبادئها ومسلماتها ومفاهيمهككا؟ ثككم هككل‬
‫ن علقة الككذات بالموضككوع‬ ‫من معنى للموضوعية في النمذجة والحال أ ّ‬
‫لكم تعككد "محايككدة" علكى معنكى الموضكوعية النطولوجيكة‪ ،‬فكي مقابكل‬
‫الحديث عن علقة تفاعليككة بيككن الملحككظ وموضككوعه‪ ،‬هككي مككن جنككس‬
‫العلقة الفينومونولوجية حيث ل يدعي المنمذج أنه يصف الواقع كما هو‬
‫وإنما يصف الواقع كما يتمثله؟ وكيف نفهككم علقككة النمككوذج فككي جككانبه‬
‫التركيبي والدللي بالجانب البراغماتي؟ هل يفيد هذا الجانب بكأن العلكم‬
‫قطع مع القطع مع الغائية؟ هل انتهى إلككى إعلن علقتككه بالغائيككة علككى‬
‫وجه المل ليجعل زيجته بها شرعية حتى وإن لم تكن مشككروعة‪ ،‬ليقطككع‬
‫بذلك مع علقة سرية ارتبككط بهككا بالغائيككة إذ علككى ح كد ّ عبككارة جاكوب‬
‫كانت علقة العلم بالغائية شبيهة بعلقة رجل بككامرأة يريككدها ويعاشككرها‬
‫دون أن يريد لعشرته معهككا أن تظهككر للعيككان‪ .‬وأي دافككع لعككودة الككروح‬
‫لمثل هذه العلقة؟ أو لصالح من؟ هل أن مثل هذا التحككول يهككدف إلككى‬
‫‪-8-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫تحقيق ضرب من المصالحة بين الواقع العلمي والواقع النساني تجاوزا‬


‫للطابع الجاف والمجرد للعلم أم أّنه‬

‫إعلن عن علقة عضوية بيككن العلككم ورأس المككال تجعككل مككن النجاعككة‬
‫بدل الحقيقة ومن التحكم بدل التفسير القيمة السمى للعلم؟ أل يمكن‬
‫وفق هككذا القككول أن نشكككك فككي الطككابع العلمككي للنمذجككة؟ أل يمكككن‬
‫القول بأن النمذجة ليست مجال اشككتغال العلمككاء وإّنمككا مجككال اهتمككام‬
‫المهندسككين ومكككاتب الدراسككات والخككبراء ورؤسككاء المككوال حت ّككى إن‬
‫اعترفنا باعتماد العلمكاء علكى النمكاذج لتوضكيح نظريكاتهم؟ وبالتكالي أل‬
‫ينبغي النظر إلى النمذجة ل من جهة أنهككا مسككار علمككي حتمككه التطككور‬
‫العلمي وطبيعة الظواهر المركبككة وإنمككا مككن جهككة أنهككا تككدعي العلميككة‬
‫لتخفي طابعها اليديولوجي وتضفي مشروعية على أفعالها؟‬
‫ن عنككوان المسككألة كمككا ورد فككي البرنامككج ] العلككم بيككن الحقيقككة‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫والنمذجككة [ يككثير لبسككا يغككذي مثككل هككذا الجككدل‪ ،‬فككالعلم بيككن الحقيقككة‬
‫ن المر يتعّلق بمقاربة العلككم‬ ‫والنمذجة قد يوحي من خلل كلمة "بين" أ ّ‬
‫ن العلككم انككزاح عككن مطلككب‬ ‫من جهة الحقيقة أو من جهة النمذجة‪ ،‬وكككأ ّ‬
‫الحقيقة نحو النمذجة‪ ،‬أو لكأننا مدعوون إلى النتصار إلى مقاربة العلككم‬
‫من جهة الحقيقة أو من جهة النمذجة‪ ،‬وما تثيره فينا مثل هذه المقاربككة‬
‫جة في صورة للعلككم عاشككرتنا طككويل والمتعّلقككة بصككلته‬ ‫الختزالية من ر ّ‬
‫العضوية بالحقيقة إذ ل معنى للعلم مادام ل ينتج حقائق موضوعية كليككة‬
‫صارمة ودقيقة ومادام ل معنى للعلم ما لم يكن خطابا متمّيزا عن غيره‬
‫من أنظمة الخطاب بكونه عقلنية تفسيرية‪ ،‬فهل ينبغي أن نفهككم الككبين‬
‫على معنى البين بين ل على معنى إقصائي اختزالي بحيككث يفيكد عنككدها‬
‫عنككوان المسككألة بككأن الحقيقككة تغيككرت دللتهككا وسككبل بلوغهككا مقارنككة‬
‫بالبراديغم الكلسيكي‪ ،‬انزاحت عن معيار المطابقة إلى معيار الصلحية‬
‫والفعالية وأن النمذجة هي الطريق الملكي الذي ينبغي إتباعه من أجككل‬
‫إنتاج الحقيقة‪ ،‬أو أنه ل معنى للحقيقة ما لم تكن نتاج النمذجة؟‬
‫* في علقة برهانات تدريس النمذجة‪:‬‬
‫أخيرا يبدو الختيار على تدريس النمذجة لتلميذ الباكلوريككا حككامل لكككثير‬
‫من الرهانات‪:‬‬
‫رهانات نظرية أو إبستيمولوجية‪:‬‬
‫ك الكشف عن منزلة النمككوذج والنمذجككة فككي البنككاء العلمككي وبالتككالي‬
‫الوعي بآليات إنتاج العلم للمعرفة‪.‬‬
‫كك الكشكف عكن علقكة العلكم بكالواقع وإبكراز معنكى القكول أن الواقكع‬
‫العلمي واقع منشأ وليس واقعا معطى‪.‬‬
‫ك تجاوز النظر إلى الواقع بأنه بسيط والوعي بطابعه المركككب‪ ،‬وتجككاوز‬
‫النظككر إلككى العلككم بمككا هككو اكتشككاف للنظككام الكككامن خلككف الفوضككى‬
‫‪-9-‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫الظاهرة والوعي بأن العلم هو الذي ينتج نظامه ويحكم تنظيككم الشككياء‬
‫والوقائع‪.‬‬
‫ك التأكيد على الطابع المركب للبناء العلمككي مككن جهككة بعككده التركيككبي‬
‫والدللي والتداولي‪.‬‬
‫ك تبين علقة النموذج والنمذجة بالنظرية‪ ،‬والوعي بمنزلة الحقيقككة فككي‬
‫العلم‪.‬‬
‫رهانات عملية أو إيتيقية‪:‬‬
‫ك الكشف عن الطابع التوتولوجي للعلككم والككوعي بمنزلككة الغايككات فككي‬
‫المعرفة العلمية‪.‬‬
‫ك بيان طبيعة العلقكة بيكن العلككم والتقنيككة وسككبل توظيفهكا فككي علقككة‬
‫بالواقع النساني ‪.‬‬
‫ك بيان ما يلف الحديث عن النمذجة من لبس وتظنن من جهككة علقتهككا‬
‫بما هو إيديولوجي‪.‬‬

‫محاذير بيداغوجية‪:‬‬
‫ول هذه المحاذير‪ :‬ترتبط مقاربة العلم في علقته بالنمذجة بكككثير‬ ‫جأ ّ‬
‫من التقنيات أو المعارف التقنية والمثلة الدقيقة التي قد ل يفقه سرها‬
‫إل ذوي الختصاص‪ ،‬وهو ما يعسر إدراجها ضمن مجال إبستيمولوجي أو‬
‫قراءة ابستيمولوجية موجهة إلى تلميذ‪ ،‬عسككر يتعمككق حيككن نفكككر فككي‬
‫النقل التعليمككي الككذي تككوجبه تعليميككة الفلسككفة مككن جهككة التمييككز بيككن‬
‫المعرفة العالمة والمعرفة الواجب تدرسيها‪ ،‬ولعل وعينا بهذه الصككعوبة‬
‫هو الذي قادنا إلى التفكير في النمذجة مككن جهككة إبسككتيمولوجية ل مككن‬
‫ن المر ل يتعلككق بتحويككل درس‬ ‫جهة تقنية‪ ،‬وهو ما يدعوني إلى التنبيه أ ّ‬
‫الفلسكفة إلكى درس فككي الرياضكيات أو فككي الفيزيككاء وإنمكا درس مكن‬
‫طبيعة إبستيمولوجية‪ ،‬دون أن يعني ذلك عدم التفكير في نموذج علمي‬
‫فيزيائي أو اقتصادي يمكن أن يقدم كمثال توضيحي للمسألة‪.‬‬
‫ج ثانيها‪ :‬يبدو الختيار على تدريس النمذجة لتلميذ الباكلوريككا حككامل‬
‫ول الككدرس إلككى محاكمككة للعلككم بككدل‬ ‫لمزلق خطير‪ ،‬والمتمثل فككي تح ك ّ‬
‫الوعي بآليات إنتاجه وقيمته‪ ،‬فرهان تدريس النمذجككة قككد يبككدو ملتبسككا‬
‫على غرار رهان تدريس مسالة الفلسفة والعلم في البرنامج القككديم إذ‬
‫تتنزل مسألة النمذجة ضمن فلسككفة مككا بعككد الحداثككة‪ ،‬وهككو مككا يجعلهككا‬
‫مسألة ملتبسة في مجتمع مثل مجتمعنككا لزالككت تسككيطر فيككه الخرافككة‬
‫على الذهان‪ ،‬حتى ل أقول أنه لم يرتق بعد إلى الحداثة‪ ،‬لككذلك تحككدثت‬
‫عن مزلق وجب أن نعي بمخاطره‪ ،‬مزلق قد ينتهي بنا إلكى النظكر إلكى‬
‫العلم على أنه مجرد تمثل ل يختلف نوعيا عن بقية التمثلت دينية كانت‬
‫ن "العلم يظل علما‬ ‫أو ميتافيزيقية‪ ،‬فما ينبغي التأكيد عليه في تقديري أ ّ‬
‫ن المهمككة النقديككة لفلسككفة المعرفككة تهككدف ل إلككى‬ ‫رغم كل شككيء" وأ ّ‬
‫‪- 10 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫تشريع اليأس من العلككم وإّنمككا تحريككره مكن عنككف اليككديولوجي أو مكن‬


‫عنف كوني الهيمنة‪.‬‬
‫ج ثالثها‪:‬‬
‫دم سفر البرامج المسألة مفصلة بحيث ميز في درس أبعككاد النمذجككة‬ ‫ق ّ‬
‫بين البعد التركيبي والدللي والتداولي‪ ،‬وهو تقسيم من طبيعككة منهجيككة‬
‫وإجرائية بالساس‪ ،‬إذ ل نعثر في الدبيككات الخاصككة بالنمذجككة كمككا فككي‬
‫النصوص السند المقترحة في الكتاب المدرسي مثل هذا الفصككل‪ ،‬ذلككك‬
‫أن هذه البعاد متداخلة ومترابطة فيما بينها‪ ،‬إذ ل يمكن استحضار البعكد‬
‫التركيبي دون إحالة على البعد الدللي والتككداولي‪ ،‬لككذلك يتطلككب المككر‬
‫بيداغوجيا النظر إلى هذه البعاد في ترابطها من ناحية مع الككتركيز فككي‬
‫مستوى إستراتيجية الدرس على مفهوم مركزي في مقابل النظككر إلككى‬
‫ن تخيككر السككند يكككون‬
‫بقية المفاهيم على أّنها تتنزل في مقام ثان‪ ،‬أي أ ّ‬
‫مقترنا بتخير الهدف )البعد التركيبي مثل( والتركيز في مستوى معالجككة‬
‫السند ومتابعة حركة الفكار فيه على هذا الهدف‪.‬‬

‫سوف أعرض هذه المداخلة بدءا بتحديكد دللكة النمكوذج والنمذجكة فكي‬
‫الفكر العلمي‪ ،‬ثم أنتقل إلى مقاربة النمككوذج مككن جهككة بنيتككه أول ومككن‬
‫جهة وظائفه لعالج إثر ذلك المقاربة البسككتيمولوجية للنمذجككة متوقفككا‬
‫عند علقة النموذج بالواقع وبالنظرية وبالتفسير والتجريب والموضوعية‬
‫والحقيقة ثم أعرض السس البستيمولوجية للنمذجة وأنتهي إلى النظر‬
‫في بيان الحدود التي يمكككن أن نقكف عنككدها مككن زاويككة إبسككتيمولوجية‬
‫وفلسفية‪.‬‬
‫‪- I‬دللة النموذج والنمذجة‪:‬‬
‫يعّرف النموذج حسب فاليزار" بما هجو كجل تمثجل لنسجق واقعجي‬
‫سواء كان ذهنيا أو ماديا‪ ،‬يتم التعبير عنه بلغة أدبيججة أو فججي‬
‫شكل رسوم بيانية أو رموز رياضججية" كمككا يعّرفككه دوران بقككوله"‬
‫يشمل معنى النموذج فججي دللتججه الكججثر اتسججاعا كججل تمثججل‬
‫لنسق واقعي مهما كان شكل هذا التمثل"‪ .‬والنمذجة وفق هككذا‬
‫التحديد هي التمشي المنهجي الذي يفضي إلككى إنتككاج النمككوذج والككذي‬
‫يعني التمثل لككائن مكا يوجككد فكي الواقكع ولكيفيككة اشكتغاله ‪ ،‬وتفكترض‬
‫‪- 11 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ل كائن هو بمثابة منظومة تشككتغل علككى نحككو مككا‪ ،‬ليكككون‬ ‫نك ّ‬‫النمذجة أ ّ‬
‫النموذج منزل ضمن حقل الفكر النسككقي وهككو مككا يعككبر عنككه فاليزار‬
‫بقوله " ل ينفصل مفهوم النسق فججي الحقيقججة عججن مفهججوم‬
‫وري لنسججق واقعججي‪ .‬وكججل‬ ‫النموذج منظورا إليججه كنسججق تصج ّ‬
‫نسججق واقعججي ل يعججّرف إل بججالعودة إلججى نمججاذج تصججورية‬
‫)التصورات الذهنيججة أو التصججورات الصججورية( وعلججى العكججس‬
‫من ذلك فإن كل نموذج يمكججن اعتبججاره نسججقا خصوصججيا أيججا‬
‫كججانت طججبيعته فيزيائيججة )‪ (maquette‬أو مجججردة)‪ensemble de‬‬
‫‪" ( signes‬‬
‫يجد النموذج أصوله في التقنية‪ ،‬و يفيككد الرسككم الهندسككي أو الموضككوع‬
‫المختزل في مثال مصغر أو في شكل تبسيطي والككذي ينتككج المشككروع‬
‫)الموضوع( ويعبر عنه ‪ ،‬إذ يمكن أن يخص بعمليات حسابية أو اختبارات‬
‫فيزيائية ل يمكن تطبيقها على الموضوع ذاته‪ ،‬لذلك اتخذ النموذج طابعا‬
‫منهجيككا‪ ،‬إذ يشككير إلككى كككل الصككور أو النتاجككات الككتي تخككدم أهككداف‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫ن الوقوف على الدللة الجديككدة للنمككوذج تقتضككي تمييككزه عككن دللت‬ ‫إ ّ‬
‫تبدو مجاورة ولكنها مغايرة‪:‬‬
‫النموذج والبراديغم‪:‬‬ ‫•‬
‫يفيد البراديغم بحسب توماس كوهن معنكى تمثكل العككالم وطريقكة فككي‬
‫النظر إلى الشياء أو نموذجا إرشاديا متناسككقا فككي رؤيكة العكالم يسكتند‬
‫على جملة قيم ومبادئ ومعايير وقواعد تتبناهككا مجموعككة علميككة معينككة‬
‫وتتواضع بشأنها أو تتفق عليها لقكراءة الواقكع أو للحكككم علكى الحكداث‬
‫في فترة زمنية معينة وهككو مككا يجعككل الككبراديغم قريبككا فككي دللتككه مككن‬
‫منظومة الفكار أو البنية المفهوميكة الكتي تعتمكدها جماعكة علميكة فكي‬
‫البحككث والنظككر والحكككم‪ ،‬وعلككى هككذا السككاس يختلككف النمككوذج عككن‬
‫البراديغم اختلفا يمكن توضككيحه علككى أسككاس أن النمككوذج أو النمذجككة‬
‫إنما يتحككرك داخككل براديغككم معيككن إذ ترتبككط النمذجككة بكبراديغم الكككون‬
‫المبني فككي مقابككل براديغككم الكككون المنحككوت أو براديغككم النشككاء فككي‬
‫ن‬
‫مقابل براديغم الكتشاف‪ ،‬وهو ما يعني أ ّ‬

‫النمذجة ل تعكس امتككدادا للعقلنيككة الكلسككيكية وإنمككا تعككبر عككن ثككورة‬


‫علمية التي يفترض قيامهككا انقلبككا علككى بككاراديغم سككائد والنتقككال إلككى‬
‫براديغم جديد‪.‬‬

‫النموذج والمثل الفلطونية‪:‬‬ ‫•‬


‫‪- 12 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ل ينبغي أن يفهم النمككوذج فككي معنككى المثككال الفلطككوني حيككث يمثككل‬


‫النموذج الصورة المثالية التي تتحدد على ضككوئها الموجككودات وتنتظككم‪،‬‬
‫بل على العكس إذ أن النمكوذج العلمككي التقنككي يقلككب صكورة النمككوذج‬
‫الفلطوني بما أنه تمثل عرفاني أو عقلني لجسام واقعية متعينة‪.‬‬
‫النموذج والمثل العلى العلمي‪:‬‬ ‫•‬
‫كما ل ينبغي أن يفهم النموذج على معنى المثككل العلككى العلمككي الككذي‬
‫تتخذه بقية العلوم نموذجا تحاكيه وتنحككو نحككوه علككى غككرار النظككر إلككى‬
‫الفيزياء النيوتنية بما هي نموذج لبقية العلوم فككي المقاربككة الوضككعية أو‬
‫النظر إلى الرياضيات بما هي نمككوذج ينبغككي محاكككاته واعتبككاره نمككوذج‬
‫لكل خطاب يطلب استيفاء شروط العلومية‪ ،‬إذ ل وجود لنموذج النماذج‬
‫ول معنككى لنمككوذج مكتمككل حيككث تكككون خصككائص النمككوذج مطابقككة أو‬
‫ملئمة لخصائص النسق‪.‬‬
‫النموذج والصور الحسية‪:‬‬ ‫•‬
‫قد يفهم النموذج على معنى الصورة الحسية أو الرسككم الككذي يخككاطب‬
‫العيون "فالصورة الحسية للقوانين المجردة للعقججل العلمججي‬
‫ل يمكن المساك بها دون اللجوء إلى النموذج" على حد عبارة‬
‫بيار دوهايم كما يمكن أن يحيل على معنى الصل في علقة بنمككوذج‬
‫الفنان أو النسخة المثاليككة القائمككة علككى محاكككاة الطبيعككة أو التصككميم‬
‫الهندسي أو التقني أو الفني أو المعماري أو تمثال النسككان أو الحيككوان‬
‫بما هو نموذج يرسمه طلب الفنككون للتككدرب أو هككو المخطككط بالنسككبة‬
‫للمهنككدس القككائم علككى المماثلككة اليقونيككة أو المشككابهة الرمزيككة أو‬
‫النموذج المصغر أو الصورة المصغرة‪ ،‬هذه المعاني ل تعبر عككن حقيقككة‬
‫النمككوذج فككي العلككم وإن كككانت تكشككف عككن تجربتنككا المعرفيككة الثريككة‬
‫ومتعددة الوجوه في النظر إلى النماذج‪ ،‬أوالتقاليد القائمة في استخدام‬
‫النمككاذج‪ ،‬ذلككك أن النمككوذج وفككق هككذه المعككاني قككد يفيككد التمييككز بيككن‬
‫النظرية المجردة والنموذج الواقعي أو الميكانيكي ) وهو ما نفهمكه مكن‬
‫خلل قول دوهايم خاصة( أو يحيل على معنى محاكككاة معطككى متعيككن‬
‫)كما هو الحال حين ننظر إلى الفن بما هككو محاكككاة للطبيعككة( أو يحيككل‬
‫علككى معنككى المجككاز ) ‪ ( la métaphore‬الككذي يعككد تعككبيرا عككن محتككوى‬
‫واقعككي‪ ،‬فالنموذج علميا ل نسججتوفيه حقججه مججا لججم نأخججذ فججي‬
‫الحسبان إمكان أن يكون النموذج مجردا يفيد بنية مفهوميججة‬
‫أو بنيججة مججن القيججم والعلقججات والخصججائص مثججل برنامججج‬
‫الحاسوب من ناحية‪ ،‬وما لم ننظر إليه في بعده المركججب‪ :‬إذ‬
‫ليس النموذج انعكاسا لواقججع‪ ،‬ليجس لججه واقجع بججل هججو ليجس‬
‫سوى وظيفته‪ :‬نموذج ل‪ ،‬إنه يحيل دوما على شيء مغاير له‬
‫أو هججو بمثابججة المرجججع لشججيء ووظيفتججه إنمججا هججي وظيفججة‬
‫‪- 13 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫تفويضجججية]‪" [ Délégation‬إنجججه وسجججيط نفجججوض لجججه وظيفجججة‬


‫المعرفة"]سوزان بشلر[‪.‬‬

‫ينبغججي أن يفهججم إذن مججن كلمججة نمججوذج وحججدة معرفيججة أو‬


‫إدراكية مستقلة تعّبر عن نفسها في شكل علقججات صججورية‬
‫بين مقادير‪.‬وانطلقا من مجموع الفرضيات يسججمح النمججوذج‬
‫من استخلص أو اشتقاق جملة مججن النتججائج أو السججتتباعات‬
‫فججي صججورة نسججقية )البعججد التركيججبي(‪ .‬أمججا مججن الناحيججة‬
‫التجريبية فيكون للنموذج منزلة ابسججتيمولوجية هجينججة‪ ،‬إذ ل‬
‫يمكن النظر إليه بما هو نتاج نظري خالص‪ ،‬ول أيضا بوصججفه‬
‫حصجججججيلة ملحظجججججات‪ .‬إن ّجججججه ينشجججججئ أيضجججججا حقل مجججججن‬
‫المفججاهيم)موضججوعا مفهوميججا( مرنججا قججابل لمسججار متججدرج‬
‫ن‬
‫للتعججديل )البعججد الججدللي (‪ .‬ومججن الزاويججة الجرائيججة فججإ ّ‬
‫للنموذج منزلة عملية أو تطبيقية أصيلة بما أّنه يضم عناصججر‬
‫وصفية وأخرى معياريججة‪ ،‬تسججمح لججه أن يكججون فججاعل وناجعججا‬
‫وقججادرا علججى تحقيججق الغايججات الججتي حكمججت إنتججاجه ) البعججد‬
‫التداولي (‪.‬‬
‫إذا اعتبرنا أن النمذجة هي بمثابة مسار إجرائي للمعرفة‪ ،‬وأن النمككوذج‬
‫هو وسيط نفوض لككه وظيفككة المعرفككة‪ ،‬فإننككا نكككون إزاء دللككة جديككدة‬
‫للنموذج بما هو تمثيل للمعرفككة‪ ،‬وهككو مككا يقتضككي منككا أن نبلككور معنككى‬
‫النمذجة بما هي مسار يسمح بإنتككاج النمككاذج بضككبط خطواتهككا‪ ،‬فكيككف‬
‫ننمذج؟ ‪.‬‬
‫يمكن تعريف النمذجة العلميككة بما هججي قججدرة علججى إنتجاج نمجاذج‬
‫قوامها وعي الفكر العلمي بطبيعة نشاطه العرفاني بما هو‬
‫دد‪.‬كمككا تفيككد جملككة‬‫صانع نماذج مرتبطة بسججياق اجتمججاعي مح ج ّ‬
‫المراحل التي يمر بها الباحث لبنككاء نمككوذج مككا انطلقككا مككن المنظومككة‬
‫الملحظة والتي يمكن اختزالها في ‪:‬‬
‫ك رسم الحدود الدقيقة للنسق المزمع نمذجته‪.‬‬
‫ك التعرف بدقة على عناصر النسق وتصنيفها بحسب خصائصها‪.‬‬
‫ككك اختيككار لغككة مككا لتمثككل هككذه العناصككر وكيفيككة تفاعلهككا)لغككة أدبيككة‪،‬‬
‫إيكونوغرافية أو منطقية‪ /‬رياضية(‪.‬‬
‫ك اختبار النموذج بتشغيله افتراضيا لتعديله عند القتضاء‪.‬‬
‫ك ضبط الهداف الككتي يرجككى تحقيقهككا مككن إنشككاء النمككوذج فككي علقككة‬
‫بسياق ما‪.‬‬
‫‪- 14 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫مككا تعميككم هككذا النمككوذج علككى أكككثر مككن‬


‫ك يمكككن للبككاحث فككي الخيككر إ ّ‬
‫منظومة أو أن يبني منظومة أكثر تجريككدا بواسككطة السككتقراء وهككو مككا‬
‫ن النمذجة مشروع مفتوح‪.‬‬ ‫يعني أ ّ‬

‫‪.‬‬
‫‪II-‬النمذجة بين البنية والوظائف‬
‫‪1/‬النمذجة من جهة البنية‪ :‬أبعاد النمذجة‬
‫قبل الشروع في مباشرة النمذجججة نظريججا مججن جهججة البنيججة‪،‬‬
‫سأنطلق من مثال إجرائي‪ ،‬والمتمثل في نموذج الججذرة كمججا‬
‫بناه بوهر) ‪:(1913‬‬
‫ملحظججة‪ ] :‬يمثججل نمججوذج نيلججز بججوهر للججذرة تجججاوزا لنمججوذج‬
‫روذرفورد‪:‬‬
‫ن الجزء الهم من كتلججة الججذرة مركججز‬ ‫بحسب هذا النموذج فإ ّ‬
‫في جزء صغير ذي شحنة إيجابية هو النواة‪ ،‬والكهارب تججدور‬
‫من حولها فججي مججدارات تقججرب أو تبعججد عججن النججواة بحسججب‬
‫طاقتهججا‪ ،‬مثلمججا تججدور الكججواكب حججول الشججمس )نمججوذج‬
‫كوكبي([‬

‫المسلمات النظرية لنموذج بوهر‪:‬‬


‫‪ .1‬الذرة تتكون أساسا من الفراغ‪.‬‬
‫‪ .2‬للذرة نواة تحتوي)فقط( على بروتونات ذات شحنة‬
‫موجبة‪.‬‬
‫‪ .3‬الكهارب تتحرك على مدارات محددة نسميها مستوى‬
‫طاقة‪Niveau d'énergie .‬‬
‫‪ .4‬عندما يمتص الكهرب الطاقة ينتقل من الحالة‬
‫الساسية)المدار الصلي(إلى الحالة المثارة)المدار الثاني(‪.‬‬
‫‪- 15 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ن فارق الطاقججة‬ ‫‪.5‬عند انتقال الكهرب من مدار إلى آخر‪ ،‬فإ ّ‬


‫بين المدارين يتم امتصاصججه أو إصججداره فججي شججكل موجججات‬
‫كهرومغناطيسية تحدد قيمجة ترددهجا بمقجدار فجارق الطاقجة‬
‫بين المدارين مقسوما على ثابت بلنك )يرمججز لثججابت بلنججك‬
‫برمز ‪ H‬ويساوي ‪(6.626.10‬‬

‫‪ .6‬عندنا يعود اللكترون إلى حالته الصلية يخسر من‬


‫الطاقة ما يوازي كمية الطاقة الموجودة بين مستويات‬
‫الطاقة)ل يمكن للكهرب أن يبقى بين مدارين(‪.‬‬
‫المستوى التجريبي أو الستكشافي‬
‫يتعلق النموذج بذرات الهيدروجين‪.‬‬
‫تحليل ذرات الهيدروجين المثارة في مهبط إشعاعات‪.‬‬
‫ملحظة الطيف الضججوئي عنججد تسججخين المججادة‪ /‬ملحظججة أن‬
‫ذرات الهيدروجين تصججدر ضججوءا فججي شججكل أشججرطة ضججوئية‬
‫يسميها أطياف الضوء‪.‬‬
‫مادام لكل طيف مقجدار معيجن مجن الطاقجة يخصجه‪ ،‬اسجتنتج‬
‫بوهر‪:‬‬
‫ن كل طيف من هذه الطياف يتناسب مع طبقججة يمكججن‬ ‫‪ /1‬أ ّ‬
‫للكهرب أن يستقر عليها‪.‬‬
‫‪/2‬عندما تسلط على الكهرب حزمة من الطاقة مججن الخججارج‪،‬‬
‫يمر الكهرب من مستوى طاقججة إلججى مسججتوى أرفججع بقفججزة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ /3‬عندما يعججود اللكججترون إلججى مججداره الصججلي فججإنه يخسججر‬
‫نفس مقدار الطاقة التي يتلقاها في شكل إشعاع ضوئي‬

‫ن المتحكم في بقاء هذه الكهارب على هذه المدارات‬ ‫‪ /4‬أ ّ‬


‫هي الطاقة التي تمتلكها بحيث تغادر تلك المدارات أو تظل‬
‫عليها بحسب الطاقة التي تمتصها أو تصدرها‪.‬‬

‫مستوى الفعالية‪:‬‬
‫* تجاوز قصور نظرية روذرفورد‪:‬‬
‫عدم توازن الذرة ) يفترض روذرفورد أن الججذرة تتكججون فججي‬
‫القسم الكبر من الفججراغ وتتمركججز مججادة الججذرة فججي النججواة‬
‫والتي تجعل الكهرب ينحرف بشكل متواصججل ويضججمحل فججي‬
‫الشعة فوق البنفسجية‪ ،‬وهي أشعة لم يتججم ملحظتهججا مججن‬
‫‪- 16 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ن القول بانحراف الكهججرب عجدّ نقيصججة ل‬ ‫ناحية‪ ،‬فضل على أ ّ‬


‫يمكن للفيزياء تجاوزها إل ّ بتجاوز مسلمات النموذج ذاته(‪.‬‬
‫* فهم ظاهرة الطيف الضوئي عند تسخين المادة‬
‫* تطججور فيزيججاء الججذرة واعتمادهججا فججي مجججال التحكججم فججي‬
‫الطاقة‬
‫* هذا النموذج ل يصلح إل بالنسبة للججذرات الججتي لهججا كهججرب‬
‫واحد مثل الهيدروجين‬
‫* تحديججد طبيعججة الضججوء سججيقود إلججى تشججكيل نمججوذج جديججد‬
‫)شرودنجر ‪(1925‬‬

‫ما يمكن تسجيله في علقة بهذا المثال‪:‬‬


‫المسجججججّلمات النظريجججججة تحيجججججل علجججججى البعجججججد‬ ‫•‬
‫التركيجججبي)أوليجججات‪ ،‬قواعجججد برهانيجججة‪ ،‬علقجججة بيجججن‬
‫عناصججر]الشججعة‪ ،‬الكهججارب‪،‬المججدارات‪ ،‬الطاقججة‪،‬الطيججف‬
‫الضوئي[ ثوابت‪(...‬‬
‫المسججتوى التجريججبي أو الستكشججافي يحيججل علججى‬ ‫•‬
‫المستوى الجدللي )علقججة النمججوذج بالنسجق‪ /‬الصجلحية‬
‫النظرية‪ /‬الصلحية التجريبة‪(/‬‬
‫مستوى الفعاليججة يحيججل علججى المسججتوى التججداولي‬ ‫•‬
‫البراغماتي)تجاوز قصور النظرية‪،‬فهم ظججاهرة الطيججف‬
‫الضوئي‪ ،‬التحكم في الطاقة(‪.‬‬
‫‪- 17 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫كر إل ّ وفق النماذج"‪ ،‬إّنما يفهم فكي‬ ‫ن تأكيد بول فاليري على "أّننا ل نف ّ‬ ‫إ ّ‬
‫إطار حضور النموذج في كاّفة مجالت النتاج الفكري‪ ،‬فمككا الككذي يمي ّككز‬
‫مككا‬
‫النمذجة العلميككة بمككا هككي إنتككاج للنمككاذج؟ يمكككن تعريككف النمككوذج إ ّ‬
‫دد‬‫مكا مكن جهكة البنيكة فيتحك ّ‬ ‫بالنظر في بنيتكه أو بكالنظر فكي وظكائفه‪ .‬أ ّ‬
‫النمكوذج وفككق ثلثكة أبعككاد هكي البعكد التركيكبي والبعكد الكدللي والبعكد‬
‫التداولي‪ .‬وترابط هذه البعككاد فككي بنككاء النمككوذج العلمككي بمث ّككل تجككاوزا‬
‫لضيق الفق الوضعي الذي يفرض الترييض شرطا لعلميككة العلكوم‪ ،‬فكي‬
‫حين يمسي الترييض وفق المقاربة النسقية التي تقككوم عليهككا النمذجككة‬
‫ن النمذجكة‬ ‫العلمية مجكّرد بعكد دون أن يككون شكرطا أساسكيا باعتبكار أ ّ‬
‫حسب لوموانيو ‪ Le Moigne‬ل تختزل في الصورنة‪ .‬ففيككم تتمث ّككل هككذه‬
‫البعاد؟‬
‫أ‪.‬البعد التركيبي‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ل نمكوذج حسكب فكاليزار فكي لغكة صكورية إلكى حكد ّ مكا‪.‬‬ ‫يصاغ ك ّ‬
‫ل لغككة صككورية مككن مجموعككة عناصككر أّوليككة أو رمككوز ومككن‬ ‫ون ك ك ّ‬‫وتتك ك ّ‬
‫ظمة لهذه الرموز في علقككات قابلككة لتأويككل دللككي‪.‬‬ ‫مجموعة قواعد من ّ‬
‫دد النسككق الصككوري بمككا هككو لغككة صككورية تقككوم علككى‬ ‫وبشكل أدقّ يتحك ّ‬
‫مجموعة أكسيومات )مصادرات( ومجموعة قواعد استنباطية هي ما به‬
‫مككا أكسككيوميا أو شككبه‬ ‫دد المبرهنككات‪ .‬ويكككون النسككق الصككوري إ ّ‬ ‫تتحكك ّ‬
‫ن النسق الكسيومي هو النسق الصوري الككذي تكككون‬ ‫أكسيومي‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ل أّوليككاته ومصككادراته وقواعككده بّينككة الوضككوح‪ ،‬مثككال ذلككك الميكانيكككا‬ ‫ك ّ‬
‫الكوانطية‪ .‬تبعا لذلك ترتبككط مسككتويات صككورنة النمككوذج بنوعيككة الّلغككة‬
‫مككا أن تكككون أدبيككة أو رمزيككة أو رياضككية منطقيككة‪.‬‬ ‫المسككتعملة الككتي إ ّ‬
‫وبحسب الّلغة المعتمدة يكون النموذج رمزيا‪ ،‬كيفيككا‪ ،‬معياريككا‪ ،‬أو رقميككا‬
‫ون البعككد التركيككبي للنمككوذج مككن ثككوابت )‪(constants‬‬ ‫ميككا‪ .‬كمككا يتك ك ّ‬‫ك ّ‬
‫ومتغّيرات )‪ ( variables‬وثابتات )‪ ( paramétres‬وعلقات )‪( relations‬‬
‫]علقة حد ّ أو علقة إحصائية أو علقة سببية أو علقة اشتراط أو علقة‬
‫تبعية‪ .[...‬وعلى مستوى خاصياته التركيبية‪ ،‬يقتضككي النمككوذج أن يكككون‬
‫من قضايا‬ ‫ما )أن ل يتض ّ‬ ‫من مبرهنات متناقضة(‪ ،‬تا ّ‬ ‫متماسكا )أن ل يتض ّ‬
‫من مصككادرات تحتككاج‬ ‫ل تقبل البرهنة أو الدحض(‪ ،‬مستقل ّ )أن ل يتض ك ّ‬
‫شككيا برهانيككا‬ ‫من تم ّ‬‫أن نستنبطها من مصادرات أخرى(‪ ،‬قطعيا )أن يتض ّ‬
‫يسمح بالحكم على قضّية ما بالصواب أو الخطأ(‪ ،‬مشبعا )أن ل يحتككاج‬
‫إلى استخدام أكسيومات إضافية من خارج النسق(‪ .‬ويقوم النموذج في‬
‫بعده التركيبي على مبدإ الثبات داخل تغّير الحداثيات والوحدات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- 18 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ب‪.‬البعد الدللي‬
‫ول في علقة بالنسق الككذي يمّثلككه‬ ‫دد البعد الدللي للنموذج‪ ،‬أ ّ‬ ‫يتح ّ‬
‫وفق علقة تفاعلية تأخذ بعين العتبار المسافة التي تصل بينهما بهككدف‬
‫جعل النموذج أكثر فأكثر ملئمة‪.‬‬
‫دد في علقة بككالملحظ الككذي‬ ‫ثانيا في علقة بمجال صلحيته التي تتح ّ‬
‫يقّر بصلحية النموذج وفي علقة بفئة النساق الككتي يكككون صككالحا فككي‬
‫إطارها وفي علقة بمجال صلحيته زمانيا ومكانيا‪.‬‬
‫ل نموذج في بعض وجوهه‪ ،‬يمكن أن يعككد ّ‬ ‫ثالثا في علقته بالواقع‪" ،‬فك ّ‬
‫وسيطا بين حقل نظري يمّثل تأويل له وحقل تجريبي يمّثل تأليفككا لككه" ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫دد طبيعة النموذج بحسب نوعيككة العلقككة الككتي لككه بككالمرجع الككذي‬ ‫وتتح ّ‬
‫يحيل عليه والذي يعّبر عن بنيته وكيفية اشككتغاله‪ ،‬فيكككون النمككوذج تبعككا‬
‫ما شامل أو جزئيا أو مغلقا أو مفتوحا‪.‬‬ ‫لذلك إ ّ‬
‫وأخيرا في علقة بخاصياته الدللية التي يضبطها فاليزار في الصلحية‬
‫النظريككة والصككلحية التجريبيككة والككثراء والقابليككة للككدحض والمرونككة‬
‫والبساطة‪.‬‬
‫ج‪ .‬البعد التداولي‬
‫يمكن تبّين هذا البعد على المستويات التالية‪:‬‬
‫ول من جهة أهداف النموذج بما هو تمثيل لكيفية اشككتغال نسككق‬ ‫أ ّ‬
‫كم فيه‪.‬‬‫ما بغرض معرفته والتح ّ‬
‫ثانيا من جهة العلقة بين منتجي النماذج ومستعمليها والفككاعلين‬
‫ن المعرفككة الككتي تقككود النمككوذج هككي معرفككة‬ ‫في النسق علككى اعتبككار أ ّ‬
‫ن الحقيقة ذاتهككا ل تعككدو أن تكككون سككوى الفعككل‬ ‫جهة نحو الفعل و"أ ّ‬ ‫مو ّ‬
‫عينه"‪.‬‬
‫ثالثا من جهة تأثير النموذج في الفرد أو المجموعة على مستوى‬
‫ورات والفعال وتأثيره في الواقع وما يمكن أن يحتملككه‬ ‫التمّثلت و التص ّ‬
‫النموذج ذاته من تعديلت وفق ما تسمح به القيم الجتماعية والوسككائل‬
‫التقنية المتاحة‪.‬‬
‫رابعا من جهة معاييره التداولية‪ ،‬حيث يشترط فككي النمككوذج أن‬
‫يكون ذي أداء ثابت وايجابي‪ ،‬بسيطا‪ ،‬مرنا‪ ،‬وقابل للتوظيف‪.‬‬
‫مثال من علم القتصاد‬
‫البعد التركيبي‬
‫دراسة العلقة بين الستهلك ‪ C‬والدخل ‪R‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- 19 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫معامككل )‬ ‫تصكاغ العلقكة علككى النحككو التكالي‪ C=aR+b :‬حيكث تككون ‪ُ a‬‬
‫‪ (Coefficient‬ايجكككابي وأصكككغر مكككن واحكككد وحيكككث تككككون ‪ b‬ثابتكككة )‬
‫‪(Constante‬‬
‫دد السككتهلك ‪ ،C‬أمكككن تبعككا‬ ‫وفق هذه الصيغة الدخل ‪ R‬هككو الككذي يحك ّ‬
‫دد الدخل؟ )مثال الجر‪(...‬‬ ‫لذلك التساؤل ما الذي يح ّ‬
‫دم إجابة عن هذا السككؤال فككذلك لعتبككار الجككر أو‬ ‫إذا كان النموذج ل يق ّ‬
‫وشة‬‫الوظيفة‪ ...‬متغّيرات خارجية أو عوامل مش ّ‬
‫البعد الدللي‪:‬‬
‫دد تبعا لما إذا كّنا نعني بالدخل ‪R‬وبالستهلك ‪ C‬دخكل الفكرد أم‬ ‫وهو يتح ّ‬
‫دخل المجموعة‪.‬‬
‫إذا تعّلق المر بدخل الفرد نكون إزاء نموذج ميكرواقتصككادي وإذا تعل ّككق‬
‫المر بدخل المجموعة نكون إزاء نموذج ماكرواقتصادي‪.‬‬
‫البعد التداولي‬
‫دد ذلك في ضوء كيفية استعمالنا للنموذج بما هكو نمكوذج وصكفي أو‬ ‫يتح ّ‬
‫معياري‪.‬‬

‫‪ /2‬النمذجة من جهة الوظائف‪ :‬وظائف النموذج‬


‫يمكن أن نقارب النموذج من جهته وظككائفه والككتي يمكككن اختزالهككا فككي‬
‫ست وظائف يمكككن أن نجككد لهككا حضككورا فككي كككل نمككوذج‪ ،‬الوظيفة‬
‫الولى والثانية من طبيعة تركيبية وتتعلككق باللغككة الككتي يعككبر بهككا‬
‫النموذج والتي تؤمن إمكانات الفهم والتفسير بالنسبة لمبتكككر النمككوذج‬
‫والثالثججة والرابعججة مججن طبيعججة دلليججة وترسككم علقككاته بالعككالم‬
‫الواقعي على قاعدة أواليات المثلككة والجمككع أي أن ابتكككار نمككوذج يعككد‬
‫ما‬‫بمثابة المثال المصغر للواقع دون أن يكون انعكاسا مباشرا للواقع‪ ،‬أ ّ‬
‫الوظيفتان الخيرتان فهي من طبيعة براغماتيككة أو تداوليككة وتتصككل‬
‫بالدمككاج الجتمككاعي للنمككوذج الخاضككع إلككى مسككار سككياقي وتعميككم‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫سوف نعرض كل وظيفة من الوظائف المعلنة بككالتركيز علككى مفهومهككا‬
‫النككواتي والسككهامات المتعلقككة بفعككل النمذجككة والخصككائص المطابقككة‬
‫المنتظرة من النموذج‪.‬‬
‫أ‪.‬الوظيفة الرمزية ‪:‬‬
‫يفهم النموذج أساسا بما هو دعامككة لمفهمككة الظككواهر فككي لغككة دقيقككة‬
‫وصارمة‪ .‬إذ يعرف النموذج بنيويا بما هو مجموعة مككن العلقككات )غالبككا‬
‫ما تكون احتماليككة( بيكن عناصككر‪ .‬هكذه العناصككر ليسكت مجككردة بشكككل‬
‫خالص وتحيل على نسق مادي واقعككي أو افتراضككي‪ .‬لككذلك يسككمح كككل‬
‫نمككوذج بضككرب مككن الككترميز أو التمثيككل الرمككزي لنسككق سككواء كككان‬
‫محينا‪/‬راهنا أو خياليا أو افتراضكيا‪ ،‬ليككون بكذلك قكابل للفهكم أو التأويكل‬
‫‪- 20 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫بلغة‪ ،‬متوافقة مع عناصره ومحككددة لخصائصككه وللعلقككات القائمككة بيكن‬


‫هذه الخصائص داخل النموذج‪.‬‬
‫ن القيمة المنتظرة للنموذج في مستوى الوظيفة الرمزية‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫إنما تتحدد بقدرته التعبيرية‪ ،‬أي قججدرته علججى تحقيججق ضججرب‬
‫من التوافق بين طابعه الصوري وتأويله‪.‬‬
‫ب‪ .‬الوظيفة القياسية‪:‬‬
‫يبدو النموذج أيضا بمثابة وسيلة للتفسير أو الفهككم وصككورنة الظككواهر‪،‬‬
‫ول في صورة مجموعة من الفرضيات تلخص خصائص‬ ‫دم أ ّ‬
‫فالنموذج يق ّ‬
‫النسق الذي تم تمثيله‪ ،‬ويسمح ثانيا وبشكل خاص من اسكتنباط جملكة‬
‫السككتنتاجات المتولككدة عنهككا‪.‬فكككل نمككوذج إنمككا يشككتغل وكككأنه محككرك‬
‫استدللي يسمح بترميز نتائج مجموع الفرضيات‪ .‬ليكون النموذج أساسا‬
‫للفهم أو التفسير الذي يأخذ بعين العتبار بعككض الظككواهر انطلقككا مككن‬
‫مبادئ عميقة ولكنه أيضككا يمكككن أن يسككتحيل مجككرد لعبككة صككورية بيككن‬
‫فرضيات واستنتاجات تتعلق بعالم افتراضي‪.‬‬
‫يكون لفرضيات النموذج مزية القوانين البينة والتي تسمح بالمعالجككة أو‬
‫التحكم اليسير في الظواهر‪ .‬فهذه الفرضيات تملك القدرة علككى حصككر‬
‫الظواهر وإحصاءها بشكل شامل رغم ما تملكه مككن قابليككة للمراجعككة‪،‬‬
‫كما أّنها تبنى بطريقة تكون فيها كككل فرضككية مسككتقلة وهككو مككا يسككمح‬
‫باستبدالها بفرضية أخرى خاصة في النماذج التي تقدم في صورة نسق‬
‫من المصادرات‪ .‬وتستنبط النتائج بطريقة صارمة من الفرضككيات سككواء‬
‫بطريقة تحليلية‬

‫)البرهنككة الرياضككية( أو عككن طريككق الصككطناع الرقمككي)الحسككاب عككن‬


‫طريق الناظم اللي(‪ ،‬إذ يمكن بلوغها عن طريق مسار اسككتدللي قككادر‬
‫على تناول علقات عديدة ومركبة‪.‬‬
‫من جهة الوظيفة القياسية‪ ،‬فإن القيمة الساسية للنمججوذج‬
‫تكمججن فججي صججلبته‪ ،‬أي فججي قججدرته علججى ربججط الفرضججيات‬
‫بالنتائج‪.‬‬
‫ج‪ .‬الوظيفة التجريبية‪:‬‬
‫دم النموذج بما هو إطككار قككوي لمواجهككة أفكككار أو تصككورات نظريككة‬ ‫يق ّ‬
‫بمعطيات خبرية اصككطناعية‪ .‬فككالنموذج ليككس مجككرد وسككيط غككائم بيككن‬
‫نظريات خالصة غالبا ما تكون صارمة وبين أحككداث نمطيككة ومحليككة‪ ،‬إذ‬
‫يمكنه البحث عككن معادلككة خبريككة أكككثر دقككة مككع المعطيككات الموجككودة‬
‫)العفوية أو المثارة( المتعلقة بنسق واقعي‪ .‬كل نموذج تبعا لذلك ييسككر‬
‫صلحية صارمة لمعطياته النظرية فككي علقككة بمعطيككات خبريككة ليكككون‬
‫عندئذ موضوع مسار للنمذجة ل يفضي إلى نمذجة نسككق مككا إل حسككب‬
‫بعض السمات ووفق بعض الحدود‪.‬‬
‫‪- 21 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫إن المقاربة السقاطية الككتي تعنككى ببيككان صككلحية نمككوذج موجككود عككبر‬
‫مواجهته بالمعطيات تبدو ناجعة جدا‪.‬فمن جهة يسمح النموذج بيسر من‬
‫إبراز الستتباعات القابلة للختبار‪ ،‬والككتي تعككبر عككن نفسككها فككي شكككل‬
‫علقة بسيطة بين عناصر قابلة للملحظة‪ ،‬ومن جهة أخككرى مككن اختبككار‬
‫صلحيتها على أرضية المعطيات التجريبيككة المتككوفرة‪ .‬وتكككون المقاربككة‬
‫الستقرائية التي تهتم بإبراز الملحظات من البنى الممكنة للنموذج‪،‬جككد‬
‫صلبة‪ .‬فمن جهة تسمح الوسائل الحصائية من بيان عدد غير قليككل مككن‬
‫المعطيات الخام المحددة بضوابط خبرية مكونة بككذلك أحككداثا أو وقككائع‬
‫نمطية‪ ،‬ومن جهة أخرى كككثيرة هككي الطككرائق الككتي تسككمح مككن إنشككاء‬
‫نماذج تفسيرية انطلقا من وقككائع عككبر ضككبط منظومككات مككن الثابتككات‬
‫للعلقات‪.‬‬
‫من وجهججة نظججر الوظيفججة الخبريججة‪ ،‬فججإن القيمججة الساسججية‬
‫للنمججوذج إنمججا تكججون فججي مصججداقيته‪ ،‬أي فججي قججدرته علججى‬
‫التعبير عن البنية الدنيا للظاهرة‪.‬‬
‫ويمكن الملحظة بأن الفروق بين النموذج والواقع تبدو كثيرة وأكثر‬
‫حدة في العلوم الجتماعية مقارنة بعلوم الطبيعة‪ ،‬ففي علككوم الطبيعككة‬
‫يمكننا أن نفكر من جهة الظاهرة الساسية والعراض‪ ،‬في حين أن كل‬
‫العوامل في العلوم الجتماعية تبككدو لهككا نفككس القيمككة ومككؤثرة سككواء‬
‫كانت أساسية أو عرضية‪ .‬علوة على أن الفوارق بين النمككوذج والواقككع‬
‫في علوم الطبيعة يمكن النظر فيها ومقارنتها وحتى قياسها بكأكثر يسكر‬
‫منهككا فكي العلكوم الجتماعيككة‪ ،‬فالتفكاعلت الميكانيكيككة تخضكع لقكوانين‬
‫معروفة وإن بشكل تقريبي فككي حيككن يككون تحديككد الكلفككة القتصككادية‬
‫للبحث عن المعادن أو للمعاملت التجارية أكثر عسرا‪.‬‬
‫د‪ .‬الوظيفة الستكشافية أو الستشرافية‪:‬‬
‫يقككدم النمككوذج أيضككا بمككا هككو وسككيط معرفككي زمككن ثبككات المعرفككة‬
‫واسككتقرارها أو زمككن تطورهككا ومككا قككد تشككهده مككن تحككولت‪.‬إذ تسككمح‬
‫النماذج مككن تثككبيت المعرفككة القائمككة فككي اختصككاص معيككن فككي شكككل‬
‫وحدات بسيطة ومستقلة ومتمفصلة فيما بينها‪،‬ولكنها تلعب خاصككة دور‬
‫السككاس الككذي يضككمن تطككور المعرفككة فككي الختصككاص‪ ،‬بفعككل دوافككع‬
‫خارجية أو معطيات داخلية‪ .‬وبحكم وحدة لغة المعرفككة ووحككدة مبادئهككا‬
‫تمثل النماذج وسيلة أساسية لبلورة المعرفة‪ .‬وعلى هذا الساس تخضع‬
‫النماذج إلى ضرب من التراكم والذي يفضي إلى إثراءها عبر‬

‫الزمن عن طريق عمليات إعادة القراءة أو إعادة التأويل المتعاقب‪ ،‬إذ‬


‫ل وجود لنموذج مكتمل‪.‬‬
‫‪- 22 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫من جهة تزامنية تيسر النمذجككة عمليككة مقارنككة المعككارف‪ ،‬ومككن جهككة‬
‫تطورية أو تعاقبية فإن النمذجككة تيسككر تطككور المعككارف‪ .‬ويكككون تطككور‬
‫النماذج قائما على ثلثة أصككناف مككن العمليككات الصككورية‪ ،‬مقترنككة فككي‬
‫الغككالب بمتابعككة تأويليككة دلليككة‪ ،‬إذ يمكككن لنمككوذج أن يتسككع مجككال‬
‫تطبيقه)توسيع( أو يتخذ صورة تحليلية مخصوصة )تقليككص(أو أن يتلقككى‬
‫أساسا أعمق)تجذير(‪.‬‬
‫مججن جهججة الوظيفججة الستكشججافية فججإن القيمججة الساسججية‬
‫للنموذج إنما تكمججن فججي سججعته أو خصججوبته أي قججدرته علججى‬
‫إحداث أو توليد نماذج متنوعة )كما سنتبينه من خلل نمججوذج‬
‫الذرة لحقا(‪.‬‬
‫ه‪ .‬الوظيفة التطبيقية أو العملية‪:‬‬
‫يعد النموذج أداة فاعلة للتوقكع والبرمجكة فكي خدمكة التحككم والقكرار‪.‬‬
‫لتحقيق ذلك يتوجب أن يترجم النموذج في شكل تجريبي وهككو مككا مككن‬
‫شأنه أن يحقككق القككدرة علككى التحكككم والفعككل فككي الوضككع الككذي يككراد‬
‫السيطرة عليه‪ ،‬وهو ما يقتضي ارتبككاط النمككوذج بشكككل أولككي بوسككائل‬
‫فعل بغاية تغيير الوضع وبمبادئ أو قواعد تسمح بككالحكم عليككه‪ .‬يخضككع‬
‫كل نموذج بشكل قصدي إلككى مسكار أو سككيرورة ملئمكة مككع المحيككط‬
‫وبعض المشاكل الككتي يثيرهككا‪ ،‬ليخضككع بككذلك إلككى سككيرورة توافككق مككع‬
‫السككياق وهككو مككا يفضككي إلككى التحككري بشككأن وضككعيات معلومككة أو‬
‫استكشاف وضعيات لم تختبر بعد أو حتى وضعيات قصككوى ل يمكككن أن‬
‫نطالها‪ ،‬ويمكن للنموذج أن يلعككب دورا "سككحريا" حيككن يضككطلع بمهمككة‬
‫القرينة أو الثبات بغاية تعليل بعض التوقعات أو التعليمات أو الوصككفات‬
‫المقررة‪ .‬وتكون التوقعات المحددة بواسطة النموذج واضككحة ومحككددة‬
‫لهككدافها‪ ،‬إذ يمكككن النمككوذج مككن ضككبط كككل الحتمككالت أو المكانككات‬
‫المستقبلية‪.‬‬
‫إن مسار التوافق مع السياق إنما يهدف إلى استخلص القيمة التقريبية‬
‫للنموذج في اتجاه استخدامه لتحقيق أهداف محددة يتم ضبطها مسككبقا‬
‫والتوافق بشأنها‪ ،‬هذه التحديدات التقريبية تحمل علججى وسججائل‬
‫الفعل وعلى بنية النموذج ذاته وعلى المعججايير الججتي تسججمح‬
‫بالحكم على النتائج التي تم تحقيقهجا‪ ،‬بحسككب طبيعككة النمككوذج‬
‫)حدثي أو ضد ك حدثي (‪ :‬إذا كان النموذج حدثيا أو متوافقا مع الحككدث ]‬
‫‪ [pro factuel‬فإنه يسمح باستكشاف أشياء موجككودة بككالقوة أو كامنككة‬
‫) قابلة للتحقق في سياق جديككد أو مغككاير( أو افتراضككية)قابلككة للتحقككق‬
‫في سياق أقصى بالتخلص من بعض الضككوابط أو الضككغوطات(‪ .‬أمككا إذا‬
‫كان النموذج ضد‪ -‬حدثي أو غيككر متوافككق مككع الحككدث ]‪[ contrefactuel‬‬
‫فإنه يعالج إمكانات الظاهرة أكثر من واقعها بحيث يقدم إجابة أو حلككول‬
‫نظرية لمشكل أو قضية نظرية‪.‬‬
‫‪- 23 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫مججن جهججة وظيفتججه التطبيقيججة تكججون الخاصججية الساسججية‬


‫للنمججوذج فججي إجرائيتججه أي قججدرته علججى معالجججة المشججكل‬
‫المزمع توضيحه بضرب من النفعية‪.‬‬

‫وفي هذا الطار تكون غايات النماذج في علككوم الطبيعككة أكككثر وضككوحا‬
‫منها في علوم الجتماع‪ ،‬ففي علوم الطبيعة يوجككد محككدد‪ /‬مقككرر واحككد‬
‫يستند إلى النموذج ليحقق هدفا واضحا‪ ،‬أما في علوم الجتمككاع فنكككون‬
‫إزاء عككدد كككبير مككن أصككحاب القككرار يتبعككون نمككاذج متعككددة ومختلفككة‬
‫ويهدفون إلى تحقيق غايات مختلفة حتى ل نقول متعارضة‪.‬‬
‫و‪.‬الوظيفة الخطابية‬
‫يفهم النموذج أخيرا بمكا هكو صكورة حكدث يسكمح بإنتكاج خطكاب وجيكز‬
‫وبنقل أمين للمعرفة‪،‬إذ يعتبر النموذج وسيلة بيداغوجية ناجعككة بالنسككبة‬
‫للمختصين كمككا بالنسككبة لطلبككة اختصككاص مككا‪.‬ولكنككه يعككد أيضككا وسككيلة‬
‫تواصل ناجعة مع غير المختصين سككواء تعلككق المككر بوسككائل العلم أو‬
‫بوسط اجتمكاعي أو مهنكي‪ ،‬إذ يعكد موضكوع رسكالة تكؤمن بكث الفككار‬
‫وإذاعة المعرفة‪ ،‬ويسمح النموذج بتحقيككق تواصككل نككاجع‪،‬وبككذلك تسككهم‬
‫النماذج في تحقيق ضرب من تراتبية اجتماعية للمعرفة‪.‬‬
‫من جهة وظيفته الخطابية‪ ،‬تكون الخاصية المميزة للنمججوذج‬
‫في نفاذه أي قدرته على أن يكون مقبول بوصفه معرفججة ل‬
‫تقبل الشك‪.‬‬
‫‪- 24 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫‪- III‬إبستيمولوجيا النمذجة‪:‬السس والقيمة‬


‫يتنككزل الحككديث عككن النمككوذج والنمذجككة ضككمن الفكككر النظككامي )‬
‫‪ (systémique‬أو النسقي‪ ،‬ول يهتم النسق العام بطبيعة النموذج موضوع‬
‫الدراسة سواء كانت فيزيائية أو بيولوجيككة أو اجتماعيككة‪ ،‬وإنمججا يعمججل‬
‫على استخراج ما يعد ثابتا أو خاصججية مشججتركة بيججن النمججاذج‬
‫من جهة البنية أو من جهة الوظيفة‪.‬‬
‫إن التساؤل عن الساس البستيمولوجي للنمذجككة‪ ،‬يفيككد التسككاؤل مككن‬
‫ناحية عن الدوافع التي ولدت فكرة النمذجة بمككا هككي السككمة المميككزة‬
‫للبحث العلمي من ناحية وعن طبيعة المعرفة العلمية منظورا إليها بمككا‬
‫هي إفراز للنمذجة‪.‬‬
‫* يبدو كما ذكرنا آنفا‪ ،‬أن أزمة السس في الرياضيات وأزمككة الحتميككة‬
‫في الفيزياء‪ ،‬وما تولد عنها مكن أزمكة اليقيكن العلمكي وتهكاوي الصكورة‬
‫التي ترسخت عن العلم بما هو خطاب تفسيري كلككي ومطلككق وتأرجككح‬
‫العلككم بيككن الضككرورة والمواضككعة وتأرجككح الحقيقككة بيككن المطابقككة‬
‫والصلحية والحديث عن أزمة المنهج التجريبي وتحديدا التراجع عن دور‬
‫ن ظهخخور علخخوم أخخخرى‬ ‫التجربة ومنزلتها بما هي معيار اليقين العلمي‪.،‬كما أ ّ‬
‫أنتجتها التطورات التقنية والتكنولوجية الهائلة وخاصة على إثر الثورة العلمية‪ :‬علم التحكم‬
‫– القرار‪ -‬التواصل – الذكاء الرامز‪ -‬التكنولوجيا التقنية – الهندسة – التربيخخة – البيخخداغوجيا‪-‬‬
‫التنظيم الخ‪ ...‬هذه العلوم مثلت امتدادا لسلسلة الليقين الذي أفرزته الميكانيكخخا المعاصخخرة فخخي‬
‫دراستها لظواهرها‪ ،‬والليقيخخن هنخخا ليخخس ل يقينخخا فخخي مسخختوى النتخخائج فحسخخب بخخل أيضخخا فخخي‬
‫مستوى النتماء أو التحدد كعلم‪ ،‬فصفة العلم لم تعد تصح على هذه العلوم الجديخخدة‪ .‬عوامككل‬
‫حتمت ضرورة مراجعة تصورنا للعلككم وللمعرفككة العلميككة لتكككون بككذلك‬
‫النمذجككة الحككل لتجككاوز الشككك الككذي أصككبح يحيككط بككالعلم وبالمعرفككة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫إن النظر إلى النمذجة بما هي تجاوز للتمشي المنهجي في العقلنيككة‬
‫الكلسيكية يعني فيمككا يعنيككه تغيككر نظرتنككا للمعرفككة العلميككة ذاتهككا فككي‬
‫علقة بالواقع أساسا‪ ،‬إذ تفترض النمذجة تجاوزا للعلقككة التقليديككة بيككن‬
‫‪- 25 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫العلم والواقع‪ ،‬وإقامة علقة جديدة ل يمكككن أن تفهككم إل علككى أسككاس‬


‫تحديد منزلة المعرفة ‪ :‬هكل هكي معطكاة ‪ ،‬موجكودة بشككل سكابق عكن‬
‫تدخلتنا النظرية‪،‬‬

‫هل هي تفسير موضوعي للوقائع التي نتصورها علككى أسككاس علقككات‬


‫قائمة بين أسباب نكتشفها] براديغم الكككون المنحككوت‪ /‬المصككنوع الككذي‬
‫صاغه نيوتن وسيطر على نظرية المعرفة طيلة قرنيككن مككن الزمككن[ أم‬
‫أن المعرفة هي بناء نظككري ‪ ،‬تمثيككل كشككفي أو قصككدي للسككلوكيات أو‬
‫للعلقككات الككتي نتصككورها بحسككب غايككات أو أهككداف نبتكرهككا] براديغككم‬
‫الكون المبني الذي بدأ أرخميككدس فككي نحتككه وتواصككل مككع دي فينشككي‬
‫وبول فاليري وغاستون بشلر وجان بياجي وسيمون وإدغار موران[‬
‫هكككككذان النموذجكككككان الرشكككككاديان)البراديغمكككككان(‪ ،‬الول براديغكككككم‬
‫الكتشاف)كشف واقع( والثاني براديغم النشككاء)بنككاء تمثلت عقلنيككة(‪،‬‬
‫يحيلن على ضربين مكن المعرفكة‪ :‬معكرف‪/‬موضكوع والكتي تقكوم علكى‬
‫الوصف والتفسير باستخدام لغة الرموز الرياضككية‪ .‬أمككا الضككرب الثككاني‬
‫من‬

‫المعرفة فيتعلق بالزوج معرفة‪ /‬مشروع‪ :‬ولعل رمز النحلككة والمهنككدس‬


‫الذي أشار إليه كارل مكاركس إنمكا يقككترح تصكورا للنمككوذج كك التمككثيلي‬
‫لمعرفة ترتبط ببراديغم المعرفة‪/‬المشككروع‪ ،‬فنمككوذج الخليككة يبنككى فككي‬
‫ذهن المنمذج قبل أن تكون الخلية معروفة‪ ،‬أو قبككل أن تكككون إن شككئنا‬
‫موضوع معرفة‪ ،‬هذا المثال يقدم لنا صورة المعرفة العلمية المنشأة أو‬
‫المبنية والتي تفترض أن الواقع العلمي ليس معطى مادمنا ل ننشككئ إل‬
‫ما ليس موجودا‪ ،‬فالبراديغم القائم على منطككق الكتشككاف يرفككض كككل‬
‫ما البتكار والتصور فيعنككي البحككث عمككا ليككس‬ ‫محاولة للنشاء أو البناء‪،‬أ ّ‬
‫موجودا وإيجاده‪ ،‬والبحث وإيجاد ما ل يوجد ل يحيل على براديغم معرفة‬
‫موضوع ما وإنما بناء معرفة لمشروع ما‪.‬‬
‫النموذج والنظرية‬ ‫•‬
‫قد يفهم من النمذجة‪ ،‬أن النموذج هكو مجكرد حلقكة فكي مسكار‬
‫النمذجة‪،‬أو هو مجكرد تجسكيد لمشكروع نظكري أو تطكبيق لنظريكة ممكا‬
‫يوحي بأن النموذج تمثيل حسككي أو شكككلي لنظريككة تككم إنتاجهككا سككابقا‪،‬‬
‫مثل هذا الفهم يبدو تبسيطيا وسطحيا وفككق ابسككتيمولوجيا النمذجككة‪ ،‬إذ‬
‫ن النموذج سواء كججان إيقونيججا رمزيججا أو صججوريا‪ ،‬أو تصججميما‬ ‫أ ّ‬
‫هندسيا يفهم على أنه نبع معرفة وليس نتاج المعرفة فهججو‬
‫ل يصف أو يعرض معرفة‪/‬موضججوع وكججأنه مجججرد مثججال‪ ،‬فهججو‬
‫يقدم معرفة‪/‬مشروع بصورة ماقبلية والججتي ل توجججد بشججكل‬
‫ن النموذج يوجد معرفتجه الخاصجة‪،‬إذ تنتجج‬ ‫مستقل أو لنقل أ ّ‬
‫‪- 26 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫المعرفة‪/‬المشروع وتتمثججل بواسججطة تصججور النمججوذج وليججس‬


‫بالتحليل‪ .‬وعلى هذا الساس فإن طريقة بنككاء النمكوذج ل تتبككع منهجككا‬
‫تحليليا )تحليل فاستنتاج( وطرق بيان صلحية نموذج ل تكون مككن نمككط‬
‫الفرضككي السككتنتاجي التجريككبي‪،‬إذ يتبككع فككي بنككاء النمككوذج طريقككة ]‬
‫‪ [projective/systémique‬البرمجة والتي تفيد القصد ج التصور وطكككرق‬
‫إثبات المشروعية تكون أكسيومية أو شبه أكسيومية استقرائية تداوليككة‬
‫أو براغماتية‪ ،‬إذ على المنمذج أن يحدد مشككروعه )مصككادراته‪ ،‬نظريتككه‬
‫ن المعرفككة الككتي يمثلهككا هككي تجسككد‬ ‫في المعرفككة( وأن يتوافككق علككى أ ّ‬
‫وفعل معرفيين أو عرفانيين‪ ،‬وهو ما يؤكد أن النموذج ليس مجرد‬
‫تمثيل حسي لنظرية بل ينبغججي النظججر إليججه بمججا هججو نظريججة‬
‫تبنى عقليا وتتميز ببنية مركبججة مججادامت تضججم فججي آن بعججدا‬
‫تركيبيا وبعدا دلليا وآخججر تججداوليا‪ ،‬والحقيقككة أن علقككة النمككوذج‬
‫بالنظرية هي علقة ملتبسككة مككن خلل العككودة إلككى مواقككف المهتميككن‬
‫بالنمذجة والقائمين بها‪ ،‬فإذا كان لوموانيو في كتابه النشائية‬
‫أو البنائية يشدد على ضرورة النظر إلى النموذج بما هو نظرية‪ ،‬بما أنخخه‬
‫تصور أو تمثل مثالي للواقع وليس مجرد تبسيط أو رسم اختزالي يجسد النظرية‪ ،‬ذلك أن بناء‬
‫النموذج يحتاج‬
‫إلى تصور ما قبلي عقلني يحدد السس النظرية‪ ،‬وإلى تحديد ضرب من التأويل يصل هخخذه‬
‫السس بواقع جهوي افتراضي ‪ ،‬وإلخى ضخبط جملخة الهخداف الختي تحكخم بشخكل قبلخي إنتخاج‬
‫النمخخوذج بمخخا هخخو مشخخروع‪ ،‬فخخإن مولللود في مقككاله المككدرج ضككمن الموسككوعة‬
‫الفلسفية يؤكد أن النموذج هو نتاج نظرية وحامل لنظرية والعلقككة بيككن‬
‫ن النظريككة هككي الككتي تحككدد‬ ‫النموذج والنظرية هي علقة جدلية طالما أ ّ‬
‫إنتاج النماذج في نفس الوقت الذي يؤثر النموذج بحكم التجككارب حككتى‬
‫وإن كانت افتراضية فككي النظريككة ممككا يفيككد أن النمذجككة تؤكككد الطككابع‬
‫المفتككوح للنظريككة والطككابع المككرن للنمككوذج‪ ،‬لمزيككد فهككم العلقككة بيككن‬
‫النمككوذج والنظريككة‪ ،‬يجككدر بنككا استحضككار شكككل العلقككة بيككن النمذجككة‬
‫والتجريب وبيان دللة التجربة ومنزلتها في عملية النمذجة ذاتها‪.‬‬
‫النمذجة والتجريب‪:‬‬ ‫•‬
‫" بتوسط النموذج ترتبط النظرية بالتجربة" على حد عبارة لدريار فكي‬
‫كتككابه رهانككات العقلنيككة‪ ،‬إذ يمكككن أن تقككترح التجربككة تعككديلت علككى‬
‫النظريككة ‪ /‬النمككوذج كمككا يمكككن أن تككؤول النتككائج التجريبيككة فككي حككدود‬
‫النظرية وبذلك يعد ّ النموذج وسكيلة أو وسكيطا ل ينبغكي أن يتكم الخلكط‬
‫ن التجربككة ل‬ ‫ن الخريطككة ليسككت الرض"‪ ،‬كمككا أ ّ‬ ‫بينه وبين الواقع‪ ،‬إذ "أ ّ‬
‫ينبغي أن تفهم على معنى خككبري أو بمككا هككي منطلككق البحككث ومنتهككاه‬
‫على غرار التجريب في البراديغم الوضككعي‪ ،‬فالتجربككة يمكككن أن تكككون‬
‫ن‬
‫عفوية أو مثارة‪ ،‬ويمكن أن تكون مخبرية أو افتراضية‪ ،‬ومن المؤكككد أ ّ‬
‫معيككار صككلحية نمككوذج مككا ل يتحككدد بككالواقع المعطككى وإنمككا بالتناسككق‬
‫‪- 27 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫والنسجام داخل بنية النموذج النظرية من ناحية وبفعالية النمككوذج مككن‬


‫جهة براغماتية أو تداولية من جهة أخرى‪ ،‬إذ تفترض عدم قابلية النموذج‬
‫ن‬
‫للتحقككق واقعيككا عجككز الواقككع المباشككر علككى اسككتيفاء النظريككة‪ ،‬أو أ ّ‬
‫النموذج يتسم بعقلنية أكبر مما يكون عليه الواقع المعطى‪ ،‬فضل علككى‬
‫أن بعض التجارب تبدو مستحيلة بالنظر إلى الكلفة الباهضككة للتجككارب‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد أيضا أن معيككار صككلحية النمككوذج إنمككا تتحككدد بضككرب مككن‬
‫المواضعة أو التفاق بين المجموعككة العلميككة‪ ،‬وحككتى "إن كان البنججاء‬
‫مستمدا في جانب منه من المعلومات المسبقة عن خصائص‬
‫المواضيع فإن النموذج يعيد تشججكيلها انطلقججا مججن مقججولت‬
‫خاصة"‪.‬وفق قول لدريار‬
‫العلقة مع الواقع تقوم على الفرضية ل بمعناها الكلسيكي الخخذي جعخخل منهخخا إمكانيخخة للتحقخخق‬
‫ن النموذج ل يخضع للفصل الكلسيكي بين النظر‬ ‫عيانيا أو تجريبيا‪ ،‬وإنما هي افتراض أي أ ّ‬
‫والنظريخخخة بخخخل يقيخخخم تشخخخابكا ]‪ [imbrication‬بيخخخن النظخخخر والفكخخخر فيكخخخون أداة النظخخخر‬
‫‪la visibilité‬وأداة التعقل ‪ l’ intelligibilité‬لهذا الواقع الفتراضخخي ‪ .virtuel‬فخخالمفهوم‬
‫الساسي الذي تقوم عليه عملية النمذجة هو مفهخوم التعقليخة الخذي يمكخن مخن نمذجخخة النسخاق‬
‫المعقدة وحل مشاكل الواقع‪.‬‬
‫النمذجة والتفسير أو الفهم‪:‬‬ ‫•‬
‫ترتبط النمذجككة بككالملحظ المبتكككر ]‪ ،[ OBSERVATEUR CONCEPTEUR‬ويؤكككد‬
‫لوموانيججججو أن المعرفكككككة المبنيكككككة أو المنمذجكككككة ذات طبيعججججة‬
‫فينومينولوجية‪ ،‬والتي بموجبها ل يمكن أن نفصل‬
‫مككا الفرضككية الثانيككة‬ ‫بين الذات العارفة والظككاهرة موضككوع المعرفككة‪ ،‬أ ّ‬
‫فمككن طبيعككة تيلولوجيككة)تككدرس التيلولوجيككا نظككام الغايككات أو نسككق‬
‫الهداف( تتصل بالهدف الذي يحّرك الذات العارفككة لمعرفككة ظككاهرة أو‬
‫موضوع ما‪ .‬تنظر هذه المقاربة البسككتمولوجية إلككى المعرفككة بمككا هككي‬
‫"معرفة فاعلة " على حد عبارة لوموانيو ‪ ،‬بحيككث ل ينبغككي البحككث عككن‬
‫التفسير وإنما عن تمثلت يمكن لنا إبداعها‪.‬‬
‫يفيد الفهم النجاز ] أنا أفهم يعني أنا أنجز أو أجسككد[ علككى حككد عبككارة‬
‫لدريججار‪ .‬فعككوض أن نفككرض علككى النمككوذج مهمككة تفسككير الكككون‬
‫)ميكانيكي أو سببي أو ديناميكي أو طاقي( ‪ ،‬يمكننا أن نبني وأن نشككرع‬
‫النظر إلى العمل العلمي ]النمذجة[ بما هو نماذج للفهككم )رونككي تككوم(‬
‫أو بما هو وسائط للعقلنة )سككوزان بشككلر(‪ ،‬أو بمككا هككو تمثلت إجرائيككة‬
‫يمكنها أن تلعب دور الفعل‪ " ،‬لككم أعتقككد أبككدا فككي التفسككير" علككى حككد‬
‫عبارة بول فاليري والذي يضيف‬

‫"ولكنني اعتقدت في ضرورة البحث عن تمثلت علككى أساسككها يمكننككا‬


‫أن نفعل‪ ،‬كما لو كنا نشتغل على خريطة‪ ،‬أو كما يشتغل المهندس على‬
‫رسم منجز‪ ...‬والذي يمكن من الفعل"‪.‬‬
‫‪- 28 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫النمذجة والحقيقة‪:‬‬ ‫•‬


‫تقترح ابستيمولوجيا النمذجة معرفة بوصفها تمثل‪ ،‬أو نموذجا يسمح لنككا‬
‫ن الحقيقككي‬ ‫دمه لنا بشأن ظاهرة ما الفعل فيها طالما " أ ّ‬ ‫الفهم الذي يق ّ‬
‫ن الحقككائق ليسككت أشككياء تكتشككف وإنمككا‬ ‫هو الفعل ذاته " أو طالمككا " أ ّ‬
‫أفعال نقوم بها‪ ،‬إنها أبنية وليست كنوزا"‪.‬‬
‫ن هذه المقاربة قككد تتهككم بالنسككبية‬ ‫على غرار فلسفة ما بعد الحداثة‪ ،‬فإ ّ‬
‫العدمية‪ ،‬وقد تفهم على معنى تأكيد النزعة الريبية في العلم والمعرفككة‬
‫العلمية وقد تربك صورة العلم التي عاشرتنا طككويل‪ ،‬وهككو مككا يسككتبعده‬
‫دعاة النمذجة والمدافعين عن مشروعيتها‪ ،‬إذ يعتبرون أن ّككه إذا لككم يكككن‬
‫بالمكان تأسيس اليقين الككذي يسككمح لنككا بإنتككاج معرفككة حقيقيككة‪ ،‬فككإنه‬
‫بالمكان فككي نظرهككم إنتككاج معرفككة علككى صككورة السككنفونية أو اللحككن‬
‫الموسيقي الطويل المركب‪،‬فل يمكننا وفق هذه المقاربة الحككديث عككن‬
‫المعرفة وكأنها بناء معماري تكون قاعدته صككخرة ثابتككة عليهككا تتأسككس‬
‫المعرفة الحقيقية ولكن يمكننككا أن نقيككم مبككاحث متعككددة تككترابط فيمككا‬
‫بينهككا وتنتككج معرفككة مختلفككة فككي دللتهككا عككن التصككور الكلسككيكي‬
‫للمعرفة‪.‬وهككو مككا يشككرع لحلككول المعنككى بككدل الحقيقككة أو النظككر إلككى‬
‫الحقيقة بما هي إمكان‪ ،‬أو حكم عرفاني مفتوح ومككرن وأن معيككار هككذا‬
‫الحكم هو النسجام الداخلي والفعاليككة‪ ،‬وهككو مككا يتأكككد مككن خلل قككول‬
‫بياجي" ل نعرف موضوعا إل بالفعل فيه وتحويله"‬
‫وعلى هذا الساس تنظر إبستيمولوجيا النمذجة إلى الواقع الموضككوعي‬
‫ما الواقع الذي‬ ‫دا يستحيل بلوغه‪ ،‬أ ّ‬ ‫انطولوجيا‪ ،‬الواقع في ذاته‪ ،‬بوصفه ح ّ‬
‫قلككه فهككو عبككارة عككن تمّثككل‪ ،‬بحيككث تحككل البينذاتيككة محكك ّ‬
‫ل‬ ‫نريككد تع ّ‬
‫الموضوعية‪،‬المعنى محل الحقيقة‪ ،‬والفهم محل التفسير وبهككذا المعنككى‬
‫تقترح النمذجة تجاوز النقكائض الكلسكيكية بيكن المثاليكة والخبريكة بيكن‬
‫الذات والموضوع‪،‬بين النظري والتطبيقي‪ ،‬بالسككعي إلككى إنتككاج معككارف‬
‫مجدية أو قابلة للتجسيد وتراهن على العلوم التطبيقية أو المطبقة‪.‬‬
‫تفترض إبستيمولوجيا النمذجة إذن تصككورا مغككايرا للمعرفككة وشككروطها‬
‫ن مثل هذه‬ ‫ومعاييرها عما كانت عليه في المقاربة الوضعية‪ ،‬إذ ل شك أ ّ‬
‫المقاربة تتعارض مع البستيمولوجيا‬

‫الوضعيةك الواقعّية والفرضّية النطولوجّية التي تقوم عليهككا والككتي تق كّر‬


‫بككأن للواقككع وجككودا موضككوعيا مسككتقل ومككع الفرضككية الككتي تقككر بمبككدأ‬
‫الحتمّية أي وجككود علقككات موضككوعية ضككرورية وثابتككة تحكككم الظككواهر‬
‫ن نظام الطبيعة الذي ينتجه العلككم ليككس إل ّ النظككام المعطككى الككذي‬ ‫وكأ ّ‬
‫نكتشفه بواسطة المنهج العلمي‪.‬‬

‫النموذج‬ ‫المنهج‬ ‫نظرية المعرفة‬


‫‪- 29 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫نموذج التفسير‬ ‫عن طريق التحليل‬ ‫براديغم معرفة‬


‫) الفرضي الستنتاجي‬ ‫موضوع‬
‫التجريبي(‬
‫نموذج التأويل والفهم‬ ‫عن طريق‬ ‫براديغم معرفة‬
‫نموذج التمثل‬ ‫التصور)الكسيوماتيك‬ ‫مشروع‬
‫الجرائي‬ ‫ي الستقرائي‬
‫البراغماتي(‬

‫الساس البستيمولوجي للنمذجة‬ ‫•‬


‫تتنزل النمذجة ضمن مقاربة إبستيمولوجية بنائية‪ ،‬فماذا نعني بالبنائية؟‬
‫صكية البنائّيكة و‬ ‫ككد الخا ّ‬ ‫تمّثل البستمولوجيا البنائّية تّيارا إبستيمولوجّيا يؤ ّ‬
‫المبنّية للمعرفككة‪ ،‬وبالتككالي للواقككع‪ .‬ويككرد ّ هككذا التيككار تاريخي ّككا إلككى جككان‬
‫بياجي‪ ،‬الذي يعد أّول من اسككتخدم مصككطلح البنائيككة وعرضككها بوصككفها‬
‫مقاربة إبسككتيمولوجية منككذ سككنة ‪ 1967‬فككي مقككال بعنككوان " المنطككق‬
‫والمعرفة العلمية" لذلك عد ّ أب البنائية والمحدث لقطيعككة مككع الفكككار‬
‫الكككتي تعتكككبر أن المعرفكككة العلميكككة تكتسكككب عكككن طريكككق الكشكككف‬
‫والكتشاف‪،‬إذ تعّرف البستمولوجيا مع بياجي بما هككي " دراسككة إنشككاء‬
‫المعارف الصحيحة أو المشروعة" كما نجد للبنائية حضككورا مككع بشككلر‬
‫ن المشاكل العلمّيككة‬ ‫ل منشأ" طالما أ ّ‬ ‫ن" ل شيء معطى‪ ،‬الك ّ‬ ‫الذي أكد أ ّ‬
‫ل تطرح بذاتها‪ ،‬إذ تكون المعرفة العلمي ّككة بالنسككبة للككروح العلمككي فككي‬
‫تقديره إجابة عن سؤال أو مشكل وبالتالي ففي ظككل غيككاب السككئلة ل‬
‫ن الكدرب تنتجكه‬ ‫مجال لمكان قيكام معرفكة علمّيكة‪ ،‬وكأّننكا بكه يعتكبر "أ ّ‬
‫الخطوات"‪.‬‬
‫ل ما يعرف اليوم "بالعلوم الصطناعّية" على غرار علككم التحكككم أو‬ ‫ولع ّ‬
‫السيبرنيتيقا‪ ،‬وعلوم التنظيم والقرار‪ ،‬والتي ل تجككد لنفسكها موقعككا فككي‬
‫البستمولوجيا الكلسيكية التي ترى في العلم نتاجككا للتجربككة‪ ،‬مككا يؤكككد‬
‫ن مبككدأ اللتعي ّككن الككذي أنتجتككه فيزيككاء‬ ‫قيمة البستمولوجيا البنائية‪ ،‬كما أ ّ‬
‫عم هذه المقاربة‪.‬‬ ‫الكوانتا ما يد ّ‬
‫القيمة البستمولوجية للنمذجة‬ ‫•‬
‫ل‬‫تقككوم النمذجكة علككى رؤيككة نسككقية للحككداث والظككواهر والنظككم‪ ،‬فكك ّ‬
‫الظواهر سواًء كانت طبيعية أو إنسانية نظككام مككن العلقككات والقككوانين‬
‫شككي‬ ‫التي يمكن تمثلها ودراستها‪ ،‬فتكككون النمذجككة وفككق ذلككك هككذا التم ّ‬
‫الذهني الممّيز للعلم والمتمّثل في تحديد المفاهيم التي تمثل الظككاهرة‬
‫ن‬
‫والعلقات التي تربط بينها والقوانين التي تحكمها‪ .‬فككإذا مككا أقررنككا بككأ ّ‬
‫ن الظككواهر العلميككة‬ ‫العلككم "ل ينشككأ إل ّ بنشككأة موضككوعه ومنهجككه"‪ ،‬وأ ّ‬
‫دة المعرفة وموضوع المعرفككة‬ ‫ظواهر منشأة‪ ،‬والتمييز تبعا لذلك بين ما ّ‬
‫كر إل ّ من خلل ما ينتجه من نماذج‪.‬‬ ‫ن العلم ل يف ّ‬ ‫أمكن القول بأ ّ‬
‫‪- 30 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫صة حينما يتعّلق المككر‬


‫مية النماذج في العلم بصفة خا ّ‬ ‫وتنكشف أه ّ‬
‫بدراسة ظواهر لمتناهية في التعقيد يكاد يستحيل التعامل معها بشكككل‬
‫ما يقتضي مقاربتها من خلل ما يبنيه الذهن من نمككاذج تكككون‬ ‫مباشر‪ ،‬م ّ‬
‫ورا لها‪ .‬فالنموذج العلمي بهككذا المعنككى هككو إحلل "اللمككرئي‬ ‫تمثيل وتص ّ‬
‫قككد"‪ ،‬وهككو مكا يكشكف عككن دوره العرفككاني‬‫ل المككرئي المع ّ‬ ‫البسيط محك ّ‬
‫والجرائي في ذات الوقت؛ "ففي غياب نموذج ذي دّقة متناهية يمسككي‬
‫دقككة وتكككون النتككائج المسككتنبطة مككن النمككوذج‬
‫الفكككر ذاتككه فاقككدا لل ّ‬
‫ملتبسة"‪.4‬‬

‫وتتأكد القيمة البسككتيمولوجية للنمذجككة حيككن نتككبين أّنهككا ل تخككتزل فككي‬


‫مجّرد إنتاج النماذج بما هي واسككطة بيككن النظريككة والواقككع أو بمككا هككي‬
‫تمثيل فيزيائي أو رمزي للظواهر بهدف التبسيط والتوضيح‪ ،‬أو بما هككي‬
‫أدوات استكشافية‪ ،‬وهو ما يتجّلى بصفة واضحة في النتاج العلمي منككذ‬
‫دة فككي اعتمككاد النمذجككة فككي مقاربككة‬ ‫بداية القرن العشرين‪ .‬فوجه الج ك ّ‬
‫التفكير العلمي المعاصر تتحدد وفق البعاد التالية‪:‬‬
‫سد في إنتاج النمججاذج‪.‬‬ ‫ش ذهني ممّيز للعلم يتج ّ‬ ‫أ‪.‬بما هي تم ّ‬
‫)البعد النظري‪ -‬العرفاني(‬
‫ن "الفكججر‬ ‫ب‪ .‬بما هي بناء للعالم من خلل بناء الفكر‪ ،‬ذلججك أ ّ‬
‫في تنظيمه للعالم يعيد تنظيججم ذاتججه" كمججا يشججير إلججى ذلججك‬
‫وري‪ -‬البنائي(‬ ‫بياجي‪).‬البعد التص ّ‬
‫ج‪ .‬بما هي استعمال للنماذج‪).‬البعججد العملججي‪ -‬التججداولي(‪ ،‬أو‬
‫بما هي معرفججة ذات منحججى عملججي‪ ،‬فل وجججود لنمججوذج فججي‬
‫ل نموذج هو نموذج لشيء ما وبغاية ما وفي سججياق‬ ‫ذاته‪ ،‬وك ّ‬
‫دد يجب أخذه بعين العتبار‪).‬البعد الغائي‪ -‬البراغماتي(‬ ‫مح ّ‬
‫د‪.‬بما هي تفكير في طبيعججة التفكيججر العلمججي ومسججاءلة لججه؛‬
‫ي‬
‫ش استشججرافي ونقججد ّ‬ ‫حيث "تجد النمذجة دعامتها فججي تمج ّ‬
‫للمعرفة"‪) .5‬البعد الميتاعرفاني‪ -‬النقدي(‬
‫ويتجلى وجه الجدة أيضا في التحديد المغاير لمفهوم النمككوذج وذلككك‬
‫بتجاوز النظرة النطولوجيككة والوضككعية الككتي تخككتزله فككي تصككوير واقككع‬
‫معطى في صورة تصميم أو تجسككيم مص كّغر )تمثيككل تنككاظري(‪ ،‬أو فككي‬
‫صورة رياضية )تمثيل رقمي(‪ ،‬نحو نظرة بنائية‪.‬‬
‫ور البنائي للنموذج‪:‬‬‫يقوم التص ّ‬

‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- 31 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫م في بنككاء النمككوذج ليككس التحليككل )النمذجككة‬‫ن اله ّ‬


‫ول‪ ،‬على اعتبار أ ّ‬‫أ ّ‬
‫ور )النمذجككة‬
‫التحليلية استنادا إلى قواعككد المنهككج الككديكارتي( بككل التصك ّ‬
‫النسقية استنادا إلى المنهج البنائي‪ :‬المعرفة بناء(‪.‬‬

‫ور الوضعي الذي يعّرف النموذج من جهة أّنككه تمثيككل‬ ‫ثانيا‪ ،‬تجاوز التص ّ‬
‫مة اختزال النمذجككة فككي الصككورنة‪ ،‬إلككى‬ ‫لظاهرة في لغة رياضية ومن ث ّ‬
‫كب ينظر إلى النموذج في لغككاته المختلفككة حيككث‬ ‫ور بنائي نسقي مر ّ‬ ‫تص ّ‬
‫يمكن للنموذج أن يعتمد لغة طبيعية أو رمزية تجسككيمية ‪ Iconique‬إلككى‬
‫جانب الّلغة المنطقية الرياضية‪ ،‬كما يمكككن للنمككوذج الواحككد أن يحتككوي‬
‫لغات مختلفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ ،‬تجككاوز المقاربككة الموضككوعية التحليليككة الككتي تقككوم علككى عككزل‬
‫النموذج وتجزئة الواقع‪،‬إلككى مقاربككة نسككقية إدماجيككة تقككوم علككى ربككط‬
‫النموذج بالنسق وبالفاعلين فيه‪.‬‬
‫رابعا‪ ،‬تجاوز الحياد الموضوعي المزعوم للنموذج اللي‪.‬‬
‫دد الوجه‪ ،‬من‬ ‫ن حضور النموذج في العلم متع ّ‬ ‫وهو ما يعني أ ّ‬
‫جهة النظرية الججتي يعب ّججر عنهججا والمرجججع الججذي يحيججل عليججه‪،‬‬
‫والغاية التي يصبو لها‪.‬‬

‫‪La modélisation analytique‬‬ ‫‪La modélisation systématique‬‬


‫– ‪Objet – élément – ensemble‬‬ ‫‪Projet ou processus- unite active-‬‬
‫– ‪analyse – disjonction – structure‬‬ ‫‪systeme-‬‬ ‫‪conception-‬‬
‫– ‪optimisation – contrôle‬‬ ‫‪conjonction-‬‬ ‫‪articulation‬‬ ‫–‬
‫‪efficacité – application – évidence‬‬ ‫‪organisation-‬‬ ‫‪adequation-‬‬
‫‪– explication causale.‬‬ ‫‪intelligence-effictivite-‬‬
‫‪projection-pertinence-‬‬
‫‪comprehension-teleologique‬‬
‫‪- 32 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫الحدود البستمولوجية للنمذجة‬ ‫•‬


‫أ‪.‬في علقة بالحقيقة‪:‬‬
‫ن مقاربة العلم بتعريككف النمذجككة العلميككة بمككا هككي قككدرة علككى إنتككاج‬ ‫إ ّ‬
‫نماذج قوامها وعي الفكر العلمي بطبيعة نشاطه العرفاني بما هو صانع‬
‫دد‪ ،‬تعنكي التخّلكي عكن النظكر إلكى‬ ‫نماذج مرتبطة بسياق اجتمكاعي محك ّ‬
‫العلم بمككا هككو إنتككاج لحقككائق كّليككة وموضككوعية تف ّ‬
‫سككر الواقككع كمككا هككو‬
‫واعتباره على خلف ذلك اخججتراع نمججاذج لوضججعيات أو أحججداث أو‬
‫ظواهر مرتبطة بسياقات واختيارات‪ ،‬بمككا يعنككي تجككاوز براديغككم‬
‫المعرفكككة النظريكككة المحكككض إلكككى براديغكككم المعرفكككة ذات المنحكككى‬
‫ن تحّرر العلم من النزعة الواقعية قد منحه‬ ‫العملي‪.‬تكمن المفارقة في أ ّ‬
‫قدرة أكبر على معالجة الواقككع والتحك ّككم فيككه‪ ،‬بواسككطة مككا ينتجككه مككن‬
‫نماذج‪ ،‬تسمح له بفهم الظواهر عبر تمثيلها والفعل فيها‪.‬‬
‫ن العالم ل يتعامل مككع وقككائع موضككوعية ومعطككاة بككل هككو‬ ‫وإذا أقررنا بأ ّ‬
‫الذي يبني موضوعاته ذهنيا‪ ،‬وإذا مككا كككان فككي تعككامله مككع واقككع شككديد‬
‫وره‬‫التعقيد‪ ،‬ملزما بالتفكير بواسطة النماذج التي بفضلها يختبر مككا يتصك ّ‬
‫من فرضيات‪ ،‬فل معنى للقول عندها بخصوص نموذج مججا بججأّنه‬
‫صحيح أو خاطئ‪ ،‬ففي الحتكككام إلككى الصككلحية والملئمككة مككا يعنككي‬
‫‪- 33 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫ن المر يتعّلق بتغّير فككي المعككايير‬ ‫التخّلي عن مطلب الحقيقة‪ ،‬أو لنقل أ ّ‬
‫ل الصككواب والخطككأ‪.‬‬ ‫بإحلل اليسر والملئمككة والصككلحية أو عككدمها محك ّ‬
‫أليس في اعتبار الصككلحية معيككارا للنمككوذج والملئمككة معيككارا للنظريككة‬
‫ن اسككتبدال الحقيقككة بالصككلحية‬ ‫وفقا للرؤية المواضككعاتية فككي العلككم‪ ،‬إ ّ‬
‫ور الكلسيكي والوضعي للعلم فككي‬ ‫ور يفترض تجاوز التص ّ‬ ‫يستند إلى تص ّ‬
‫مككا‬
‫علقتككه بالحقيقككة وبككالواقع " إن ّككه بالتأكيككد )النمككوذج( تمثيككل ملئم؛ أ ّ‬
‫ن السؤال المناسب الذي يجب طرحه ليس معرفككة‬ ‫بخصوص حقيقته فإ ّ‬
‫ما إذا كان النموذج حقيقيا أم ل‪ ،‬بل ما إذا كان يحتمل أن يكون صحيحا‬
‫أو خاطئا‪ ،‬لكّنه في الغالب ليس كذلك"‪.6‬‬

‫ب‪ .‬في علقة بالواقع‪:‬‬


‫يبدو أن العلم المنمذج ل يهتم بالواقع‪ ،‬ول يسككعى لنتككاج معرفككة بشككأن‬
‫الواقككع فككي كليتككه‪ ،‬إذ أن الفرضككية الفينومنولوجيككة للنمذجككة تفيككد أن‬
‫الملحظ المبتكر أو منتج النماذج ل يعكس إل‬
‫واقعه‪ ،‬أي رؤيتككه للواقككع‪ ،‬وكككأن النمككوذج إنمككا يبنككي واقعككه‪ ،‬وفككق هككذا‬
‫التحديد ل تكون النمذجكة إل إختزاليككة‪ ،‬وإذا مكا استحضككرنا علقكة إنتككاج‬
‫النماذج بالسياق من ناحية وبالبعد التيلولوجي‬
‫من ناحية أخرى تأكد لنا هذا البعد الختزالي‪.‬‬

‫في علقة بالنظرية‪:‬‬


‫ن النموذج تمثل وتمثيل عكن طريكق أشككال فكي أوسكع معانيهكا‪ ،‬فهكو‬ ‫إ ّ‬
‫بذلك يحقق تصورا أو رؤية نظرية‪ ،‬ولكن النموذج ليس له مع ذلك دللة‬
‫النظرية العلمية‪ ،‬فدللته التطبيقية أي اعتبككاره نظريججة موجهججة نحججو‬
‫الفعل والنجاز والتحكم أساسككا‪ ،‬ما يبعججده عججن معنججى النظريججة‪،‬‬
‫فالطابع الغائي للنمذجة يسككمح بتحقيككق ضككرب مككن التككأليف‪ ،‬أو بإنتككاج‬
‫ن النمككوذج يظهككر عالمككا بسككيطا‬ ‫نظككرة منسككقة ]‪ [ stylisée‬للواقككع ‪ .‬إ ّ‬
‫مشابها أو مماثل للوضعية "موضوع الدراسة " ويضككفي عليككه المعنككى‬
‫ن التظنن على صلة النمذجة بالنظريككة‬ ‫بفضل هذه المماثلة‪ .‬والحقيقة أ ّ‬
‫يتعمككق حيككن نستحضككر العلككوم الجديككدة علككى غككرار علككوم العلميككة‬
‫والهندسة‪ ،‬فتطور العلمية أنتج فيمككا أنتجككه أنشككطة جديككدة جكد ّ هامككة‬
‫‪6‬‬
‫‪- 34 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫إقتصاديا واجتماعيا تستعمل في سياقات مختلفة والتي تسمى نمذجككة‪،‬‬


‫وتنتج هذه النشطة تمثلت كمية مشابهة في ظككروف إنتاجهككا ظككروف‬
‫بلورة المعرفة العلمية‪ ،‬ولكنها تستخدم في سياقات مختلفة مككن أجككل‬
‫اتخاذ القرار في شركة أو مصلحة من مصالح المؤسسكات‪ ،‬أو بمكا هككي‬
‫وسككيط للتواصككل بشككأن مواضككيع معينككة اقتصككادية كككانت أو مدنيككة أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬وإذا كان العلم بحسب نيكول بولو " قد يتخذ مككن النمككوذج‬
‫وسيطا لتوضيح بنككاءاته النظريككة‪ ،‬فككإن المهنككدس ل يملككك فككي الغككالب‬
‫نظرية مرجعية تكون إطارا لفعله أو نشاطه"‪.‬‬
‫سواء تعلقت النمذجة بإعداد ملف من أجل اتخاذ قرار جمعككي أو تعلككق‬
‫المككر بتمثككل " منجككز" عككن طريككق العلميككة بغايككة إنتككاج مككا ] ‪une‬‬
‫ن كل نمذجة " إّنمككا تنخككرط ضككمن سككياق اجتمككاعي‬ ‫‪ ،[ production‬فإ ّ‬
‫وهو ما يضفي عليها طابع النجاعة ولكن أيضا طابع الككدنس" علككى ح كد ّ‬
‫عبارة نيكول بولو‪.‬‬
‫في علقة بالعلم‪:‬‬
‫ليست النمذجة وفق قراءة بولو طريقة علمية وإّنما طريقككة تسككتعمل‬
‫العلم‪ ،‬وخاصة علم العلمية الذي يستخدم وسيطا وأساس النتقال من‬
‫حقل العلم إلى مجال المجتمع‪ ،‬وغمككوض النمذجككة يكمككن فككي تقككديمها‬
‫في صورة علم مطهر في حيككن أنهككا منغرسككة فككي رهانككات مخصوصككة‬
‫وتابعة لجهات غير علمية حّتى وإن بدت النمذجة متماسكككة فككي بنيتهككا‪،‬‬
‫وصارمة في لغتها‪ ،‬إذ مثلما يمكن أن نغالط باستعمال اللغككة الطبيعيككة‪،‬‬
‫يمكن أن نغالط باستعمال النماذج " وليس للرياضككيات بهككذا الخصككوص‬
‫أية فضيلة تطهيرية‪ ،‬على خلف ذلككك تكككون الرياضككيات الصككحيحة فككي‬
‫ظاهرها‪ ،‬لياقة وأدبا يمكن أن يخفي الغايات القك ّ‬
‫ل نبل"‪ .‬وهككو مككا يؤكككد‬
‫ن النمذجككة ل تعككبر عككن السككمة المميككزة للعلككم وإّنمككا "عككن الصككورة‬
‫أ ّ‬
‫البورجوازية للعلم" على حد ّ عبارة آلن باديو‪ ،‬صككورة يعلككن فيهككا العلككم‬
‫على وجه المل علقته العضوية برأس المككال بعككد أن كككان يتخفككى وراء‬
‫الموضوعية والحياد‪.‬‬
‫إن النظككر إلككى العلككم بمككا هككو نمذجككة يكشككف بككذلك عككن افتقككاده‬
‫الستقللية‪ ،‬ولكأننا أمام عقلنية "تبرر السيطرة والهيمنككة والضككطهاد"‬
‫استعارة لقول مكاركوز‪ ،‬لتسككتحيل العقلنيكة لعقلنيككة‪ ،‬والتعقكل جنونككا‪،‬‬
‫والذكاء غباء‪ ،‬مادام العلم يتحول باسم هذه المقاربة إلى خطاب يعالج‬
‫مشاكل جزئية وينتج تمثلت في مكككاتب الخككبراء أو مكككاتب الدراسككات‬
‫ورجال العمال والمؤسسات العابرة للقارات والمؤسسات العسكككرية‪،‬‬
‫بغاية الفعل والتحكم دون قراءة للعواقب‪ ،‬أو المخككاطر الككتي يمكككن أن‬
‫تنجر عن هوس المصلحة والمنفعة والجدوى‬
‫‪- 35 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫والنجاعة‪ ،‬والمثلكة عديكدة فكي هكذا التجكاه سكواء تعلكق المكر بثقكب‬
‫الوزون‪ ،‬أو بالسككلحة الغبيككة أقصككد مككا تسككمى بالذكيككة‪ ،‬أو الزراعككات‬
‫المحولة جينيا ‪.‬‬
‫قككد ل يتعلككق المككر برفككض النمذجككة فككي ذاتهككا‪ ،‬وإنمككا رفككض مبادئهككا‬
‫والغايات التي تحكم إنتاجها‪ ،‬وهو ما يستدعي التفكير في نمذجة بديلككة‪،‬‬
‫مل رجال العلككم والفلسككفة ورجككال السياسككة والمجموعككات‬ ‫وهو ما يح ّ‬
‫اليتيقية مسؤولية إنقاذ العلم من جنكون الهيمنكة‪ ،‬أو مكن كّلكي المكوت‪،‬‬
‫ن السككؤال الككذي يطككرح فككي خاتمككة هككذه المداخلككة‪ :‬هككل يمكككن‬ ‫غيككر أ ّ‬
‫لليتيقي أن يضطلع بمثل هذه المهمة؟ أل ينبغككي التفكيككر فككي براديغككم‬
‫جديد يحقق مصالحة العلم مع ذاته ومع إنسانية النسان ؟‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪Bernard Waliser,Systémes et modèles,ed seuil ,1977‬‬
‫‪PascalNouvel,Enquête sur le concept de modèle, ed PUf‬‬
‫‪Jean Ladrière, Les enjeux de la rationalité,aubier‬‬
‫‪Jean-louis Le Moigne ,Le constructivisme,ed l’harmattan‬‬
‫‪Duran,La systémique,1979‬‬
‫‪Alain Badiou, Le concept de modèle‬‬
‫‪.Nicolas Bouleau, la modélisation et les sciences de l’ingénieur‬‬
‫‪- 36 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫العلم بين الحقيقة والنمذجة‬


‫وضعية استكشافية‬ ‫مدخل إشكالي‬
‫‪ /1‬دللة النمذجة‪:‬‬
‫ص ‪)221‬كتجججاب‬ ‫مولجججود‬ ‫فجججي أصجججل النمجججاذج‬
‫العلوم(‬
‫أو‬
‫باسكال نوفال ص ‪235‬‬ ‫النموذج تبسيط‬
‫أو‬
‫ص ‪237‬‬ ‫فرودونتال‬ ‫كيف ينشأ النموذج؟‬
‫‪ /2‬أبعاد النمذجة‪:‬‬
‫أ – البعد التركيبي‬
‫النمذجة والنساق الرمزية هربرت سيمون ص ‪227‬‬
‫أو‬
‫ص ‪229‬‬ ‫ج‪ .‬بياجيه‬ ‫النموذج والبنية‬
‫أو‬
‫ج‪ .‬لدريججار ص ‪) 261‬كتججاب‬ ‫النمججوذج بمججا هججو نسججق‬
‫الداب(‬
‫النموذج‬
‫ب – البعد الدللي‬
‫تنودجي ص ‪223‬‬ ‫النمذجة واستكشاف الظواهر‬
‫أو‬
‫لوموانيو ص ‪23‬‬ ‫النمذجة للفهم‬
‫ج‪ -‬البعد التداولي‬
‫فرويندتال ص ‪244‬‬ ‫النمذجة إجراء منهجي‬
‫أو‬
‫رونيه توم ص ‪240‬‬ ‫شروط صلحية النماذج‬
‫أو‬
‫جججون لدريججار ص‬ ‫النشاط العلمي والنشججاط التقنججي‬
‫‪242‬‬
‫‪ /3‬حدود النمذجة‬
‫‪ -1‬الحد البسيمولوجي‬
‫نيكججول بولججو ص‬ ‫الصججلحيات النسججبية للنمججاذج‬
‫‪)266‬كتاب الداب(‬
‫أو‬
‫ليوتججار ص ‪278‬‬ ‫الحقيقججة والمشججروعية فججي العلججم‬
‫)كتاب الداب(‬
‫ب‪-‬الحد الفلسفي‬
‫‪- 37 -‬‬ ‫‪08-01-23‬‬ ‫حلقة تكوينية حول المنزلة البستمولوجية للنمذجة‬
‫إعداد‪ :‬أحمد الملولي‬

‫آلن بجججججاديو ص‬ ‫النمجججججوذج واليجججججديولوجيا‬


‫‪)289‬كتاب الداب(‬

You might also like