Professional Documents
Culture Documents
التوحيد .
كتاب
التوحيد
و
ه َ
ه إل ُ م ل إ ِل َ َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ} ذَل ِك ُ ُ
عَلى
و َه َ
و ُ
دوهُ َ عب ُ ُ
فا ْ ء َ ي ٍ
ش ْ ل َ ق كُ ّ خال ِ ُ
َ
ل كي ٌو ِ ء َ ي ٍش ْ ل َ كُ ّ
2 * كتاب
التوحيد .
الكتاب الول
إثبات وجود الله عز وجل و بيان
عورات بعض المذاهب اللحادية
باب قول الله جل ذكره )أم خلقوا من
غير شيء أم هم الخالقون .أم خلقوا
السمـوات والرض بل ل يوقنـون.أم
عندهـم خزائن ربك أم هم
المسيطرون(
"فأين تذهبون" :
قال العلمة السعدي –رحمه الله -في تفسيره "و قد تقرر في العقل مع
الشرع أن وجود الخلق ل يخلو من أحد ثلثة أمور :إما أنهم خلقوا من غير
شئ أي ل خالق خلقهم بل وجدوا من غير ايجاد و ل موجد و هذا عين
المحال ,أم هم الخالقون لنفسهم و هذا أيضا ً محال فإنه ل يتصور أن
يوجدوا أنفسهم ,فإذا بطل هذان المران و بان استحالتهما تعين الثالث أن
الله الذي خلقهم و إذا تعين ذلك علم أن الله تعالى هو المعبود وحده الذي
تنبغي العبادة و ل تصلح إل له تعالى" اهـ .
ن
ذي َ وال ّ ِ
فصل في أحلم الذين كفروا و بيان أنها سراب" َ
حّتى إ ِ َ
ذا ماءً َ ن َ ه الظّ ْ
مآ ُ سب ُ ُ
ح َ
ة يَ ْ
ع ٍقي َب بِ ِسَرا ٍم كَ َ ه ْمال ُ ُع َفُروا أ َ ْ كَ َ
والل ّ ُ
ه ه َساب َ ُ
ح َ و ّ
فاهُ ِ ف َعن ْدَهُ َ
ه ِجدَ الل ّ َو َ شي ًْئا َ
و َ جدْهُ َ م يَ ِ جاءَهُ ل َ ْ َ
ب " 39النور : سا ِ ح َ ْ
ع ال ِ ري ُس ِ َ
و قد سعت ملل اللحاد التي تدين بإنكار الله عز وجل سعيا ً حثيثا ً
ليثبتوا خالق غير الله من صنع عقولهم ل حول له و ل قوة و هم ل
ن ُأولئ ِ َ
ك َ زي َ
ج ِمَعا ِ
ن ِفي آَيات َِنا ُ
سعَوْ َ
ن يَ ْ يعلمون قول الله عز وجلَ" :وال ّ ِ
ذي َ
ن " 38سبأ ,قال بن جرير الطبري "والذين ضُرو َ
ح َ
م ْ
ب ُ ِفي ال ْعَ َ
ذا ِ
عملوا في حججنا فصدوا عن اتباع رسولنا والقرار بكتابنا الذي
3 * كتاب
التوحيد .
ما
ن وَ َ ن إ ِّل الظ ّ ّ ن ي َت ّب ُِعو َالتي كانوا يطفونها على كلمهم و كذبوا " إ ِ ْ
دى "23النجم ,و قال تعالى: م ال ْهُ َ
ن َرب ّهِ ُ
م ْ
م ِ جاَءهُ ْقد ْ َ س وَل َ َ
ف ُ وى اْل َن ْ ُ ت َهْ َ
َ
هن الل ّ َ شي ًْئا إ ِ ّ
حقّ َ ن ال ْ َ م َ ن َل ي ُغِْني ِ ن الظ ّ ّ م إ ِّل ظ َّنا إ ِ ّما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ " وَ َ
ن "36يونس ,فما ُبنيت أصول فلسفتهم إل على فعَُلو َ ما ي َ ْ م بِ َ
ع َِلي ٌ
الظن ,فتكلموا في الغيب بالظن بغير هدىً و ل كتاب مبين ,بالرغم
من أنهم لم يشهدوا الغيب فكيف يتكلمون فيه!!! ؟
خل ْ َ
ق ض وََل َ َْ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َخل ْقَ ال ّم َ ما أ َ ْ
شهَد ْت ُهُ ْ و قد قال الله تعالىَ " :
دا "51الكهف ,و من أصولهم ض ًن عَ ُ ضّلي َ م ِ خذ َ ا ل ْ ُ
مت ّ ِ ما ك ُن ْ ُ
ت ُ م وَ َ
سه ِ ْف ِأ َن ْ ُ
عن ْد َك ُ ْ
م ل ِل هَ ْالجهل و الجهل ل يصلح أن يكون دليل ,قال تعالى " :قُ ْ
م إ ِّل ت َ ْ خرجوه ل َنا إن تتبعون إّل الظ ّن وإ َ
ن "148 صو َ خُر ُ ن أن ْت ُ ّْ َِ ْ عل ْم ٍ فَت ُ ْ ِ ُ ُ َ ِ ْ َ ّ ِ ُ َ ِ ن ِم ْ ِ
النعام ,
يقول الشيخ ياسر برهامي –حفظه الله" -فهم يقولون بقدم العالم ,
أي إن العالم الموجود أصل ً فاض منه سلسلة من الوجود :أولها
العقل الكلي ثم النفس الكلي ,و العقل الكلي فاض منه عشر عقول
و بعد سلسلة من الفيوض فاض ) الهيولي ( المادة و هي عند اليونان
القدماء أربعة ) الماء و الهواء و التراب و النار (" 4اهـ
شرح منة الرحمن في نصيحة الخوان – لفضيلة الشيخ ياسر برهامي 4
6 * كتاب
التوحيد .
أو ً
ل :أما قولهم صدور العالم عن واحد و الواحد يصدر عنه
واحد:
وعن ذلك الواحد عقل ونفس وفلك ،فيقال إن كان الصادر عنه واحدا ً
من كل وجه ،فل يصدر عن هذا الواحد ،إل واحد أيضًا ،فيلزم أن يكون
كل ما في العالم إنما هو واحد عن واحد ،وهو مكابرة ،وإن كان
الصادر الول كثرة ما بوجه من الوجوه ،فقد صدر عن الول ما فيه
كثرة ليس واحدا ً من كل وجه ،فقد صدر عن الواحد ما ليس بواحد" 5
.
أزل ً وأبدا ً فهذا في الحقيقة تعطيل لخلقه وفعله ،فإن كون الفاعل
مقارنا ً لمفعوله أزل ً وأبدا ً مخالف لصريح المعقول , " 9.ويقول" _ :
وهؤلء الفلسفة يتضمن قولهم في الحقيقة أنه لم يخلق ،فإن ما
يثبتونه من الخلق إنما يتضمن التعطيل ،فإنه على قولهم لم يزل
الفلك مقارنا ً له أزل ً وأبدًا ،فامتنع حينئذ أن يكون مفعول ً له ،فإن
الفاعل لبد أن يتقدم على فعله" 10.
دث بعلة ل إرادة لها و أما بعده عن هدفه فهم أرادوا إثبات وجود المح َ
دث من غير شئ لمتناع كونه مفعول ً لعل ٍ
ة و ل قوة فأثبتوا وجود المح َ
لزمة له منذ الزل لنه يتصادم مع العقل .
قال القاضي عياض" :وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم ،أو
بقائه ،أو شك في ذلك على مذهب بعض الفلسفة والدهرية" .11
وقال النووى " :قال المتولي :من اعتقد قدم العالم ،أو حدوث
الصانع ..كان كافرًا , " 12.ويقول ابن حجر الهيتمي _ :13ومنها القول
الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد ،أو عناد ،أو استهزاء ،فمن ذلك
اعتقاد قدم العالم ،أو حدوث الصانع. "14.
يستعاذ بالله منه ،وأمر بالنتهاء عنه ،وأن يقول القائل) :آمنت بالله( ،كما
في الصحيحين عن أبي هريرة ،قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم :يأتي
الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له من
خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته .وفي رواية :ل يزال الناس
يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟" قال فبينما أنا
في المسجد إذ جاءني ناس من العراب فقالوا يا أبا هريرة هذا الله خلق
الخلق فمن خلق الله؟ قال فأخذ حصى بكفه فرماهم به ثم قال قوموا
صدق خليلي وفي الصحيح أيضا عن أنس بن مالك عن رسول الله قال:
قال الله :إن أمتك ل يزالون يسألون ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا هذا الله
خلق الخلق فمن خلق الله؟ انتهى المقصود من كلم الشيخ رحمه الله.
َ
ة
م َقات ُِلوا أئ ِ ّ ف َ فصل في قوله تعالىَ " :
َ
ن12هو َ م ي َن ْت َ ُ
ه ْعل ّ ُ
م لَ َ ن لَ ُ
ه ْ م َل أي ْ َ
ما َ ه ْ
ر إ ِن ّ ُ ال ْك ُ ْ
ف ِ
" التوبة:
دراسة قرآنية لطبيعة اليهود:
أول ً صفاتهم القلبية:
-1التمرد و عدم شكر النعمة:
ة
م َل ن ِعْ َ ن ي ُب َد ّ ْ
م ْ ن آي َةٍ ب َي ّن َةٍ وَ َم ْم ِم آت َي َْناهُ ْ ل كَ ْ سَراِئي َ ل ب َِني إ ِ ْ س ْ و قال تعالى ) َ
ب ( ) : 211البقرة ( و كم هنا قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ن الل ّ َه فَإ ِ ّ جاَءت ْ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َم ْ الل ّهِ ِ
للتكثير ,
- 2اليمان ببعض الكتاب و الكفر ببعض :
َ
ماض فَ َ ن ب ِب َعْ ٍ فُرو َ ب وَت َك ْ ُ ض ال ْك َِتا ِن ب ِب َعْ ِمُنو َ و لذلك قال الله تعالى لهم ) أفَت ُؤ ْ ِ
ن إ َِلىدو َ مةِ ي َُر ّ قَيا َم ال ْ ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َخْزيٌ ِفي ال ْ َ م إ ِّل ِ من ْك ُ ْ
ك ِ ل ذ َل ِ َفعَ ُن يَ ْم ْجَزاُء َ َ
ن ( ) : 85البقرة ( روى بن جرير ملو َ ُ ما ت َعْ َ ل عَ ّ ه ب َِغافِ ٍ ّ
ما الل ُ ب وَ َ ذا ِ ْ
شد ّ العَ َ أَ َ
الطبري عن بن عن ابن عباس في تفسير هذه الية قال ) أنبهم الله من
فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء
أسراهم فكانوا فريقين طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج ,والنضير
وقريظة حلفاء الوس فكانوا إذا كانت بين الوس والخزرج حرب خرجت
بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الوس يظاهر كل منهم
حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون
منها ما عليهم وما لهم والوس والخزرج أهل الشرك يعبدون الوثان ل
يعرفون جنة ول نارا ول بعثا ول قيامة ول كتابا ول حراما ول حلل فإذا
10 * كتاب
التوحيد .
وضعت الحرب أوزارها إفتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة وأخذا به
بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الوس
وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ويطلبون ما أصابوا
من الدماء وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرا لهل الشرك عليهم
يقول الله تعالى ذكره حين أنبأهم بذلك أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون
ببعض أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه وفي حكم التوراة أن ل يقتل ول
يخرج من ذلك ول يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الوثان من دونه ابتغاء
عرض من عرض الدنيا ( .
- 3إخفاء حقائق المور :
ق
ري ٌ م ن َب َذ َ فَ ِ
معَهُ ْ ما َ صد ّقٌ ل ِ َ م َ عن ْد ِ الل ّهِ ُ
ن ِ م ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءهُ ْ
ما َ قال تعالى ) وَل َ ّ
َ من ال ّذي ُ
ن (101قال مو َ م َل ي َعْل َ ُ م ك َأن ّهُ ْ ب الل ّهِ وََراَء ظ ُُهورِه ِ ْ ب ك َِتا َ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ِ َ ِ َ
قتادة في قوله "كأنهم ل يعلمون" قال :إن القوم كانوا يعلمون ولكنهم نبذوا
ن ُأوُتوا ذي َ ميَثاقَ ال ّ ِ ه ِ خذ َ الل ّ ُ علمهم وكتموه وجحدوا به .و قال تعالى ) وَإ ِذ ْ أ َ َ
مًنا قَِليًل
شت ََرْوا ب ِهِ ث َ َ م َوا ْ ذوه ُ وََراءَ ظ ُُهورِه ِ ْ ه فَن َب َ ُ س وََل ت َك ْت ُ ُ
مون َ ُ ه ِللّنا ِ ب ل َت ُب َي ّن ُن ّ ُ
ال ْك َِتا َ
ن ( ) : 187آل عمران ( شت َُرو َ ما ي َ ْ س َفَب ِئ ْ َ
هودا أ َو نصارى ت ِل ْ َ َ
م
مان ِي ّهُ ْ كأ َ ن ُ ً ْ َ َ َ كا َ ن َ م ْ ة إ ِّل َ ل ال ْ َ
جن ّ َ خ َ ن ي َد ْ ُ قال تعالى )وََقاُلوا ل َ ْ
م هانك ُم إن ك ُنتم صادقين ( ) البقرة ( 111:و قال تعالى ) َ َ قُ ْ
ها أن ْت ُ ْ هاُتوا ب ُْر َ َ ْ ِ ْ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ ل َ
م َوالل ّ ُ
ه عل ْ ٌ م ب ِهِ ِ س ل َك ُ ْما ل َي ْ َ ن ِفي َ جو َ حا ّ م تُ َ م فَل ِ َ عل ْ ٌ م ب ِهِ ِ ما ل َك ُ ْ م ِفي َ جت ُ ْ ج ْ حا َ هَؤ َُلِء َ
يعل َم وأ َنتم َل تعل َمون ( ) آل عمران ( 66 :و قال تعالى ) وم َ
ل ال ْك َِتا ِ
ب ن أهْ ِ َ ِ ْ ْ
َْ ُ َ َْ ُ َ ُْ ْ
ْ
ماك إ ِل َ ّ َ
ديَنارٍ ل ي ُؤ َد ّهِ إ ِلي ْ َ َ ه بِ ِ من ْ ُ ن ت َأ َ ن إِ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ ك وَ ِ َ
قن ْطارٍ ي ُؤ َد ّهِ إ ِلي ْ َ َ ه بِ ِ من ْ ُ ن ت َأ َ ن إِ ْ م ْ َ
َ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ
ن ع َلى قولو َ ل وَي َ ُ سِبي ٌ ن َ مّيي َ س ع َلي َْنا ِفي ال ّ م َقالوا لي ْ َ ما ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ ت ع َلي ْهِ َقائ ِ ً م َ دُ ْ
ن ( ) البقرة . ( 75 : مو َ م ي َعْل َ ُ ب وَهُ ْ الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ
- 3نقض العهد مع الله والخيانة:
َ َ
ن( مُنو َ م َل ي ُؤ ْ ِ ل أك ْث َُرهُ ْ م بَ ْ من ْهُ ْ ريقٌ ِ دا ن َب َذ َ َه ُ فَ ِ دوا ع َهْ ً عاهَ ُ ما َ قال تعالى )أوَك ُل ّ َ
ذوا خ ُ طوَر ُ م ال ّ م وََرفَعَْنا فَوْقَك ُ ُ ميَثاقَك ُ ْ خذ َْنا ِ ) البقرة ( 100:و قال تعالى )وَإ ِذ ْ أ َ
ْ ُ ُ
ج َ
ل م العِ ْ شرُِبوا ِفي قُلوب ِهِ ُ صي َْنا وَأ ْ معَْنا وَع َ َ س ِ مُعوا َقاُلوا َ س َ قوّةٍ َوا ْ م بِ ُ ما آت َي َْناك ُ ْ َ
ُ ُ ُ ْ ُ
ن ( ) :93البقررة ( مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن كن ْت ُ ْ م إِ ْ مان ُك ْ م ب ِهِ ِإي َ مُرك ْ ما ي َأ ُ س َ ل ب ِئ ْ َ م قُ ْ فرِه ِ ْ ب ِك ْ
- 4ثم بعد ذلك يزكون أنفسهم !
شاُء وَلَ ن يَ َ م ْكي َ ه ي َُز ّ ّ
ل الل ُ م بَ ِ سه ُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ كو َ ن ي َُز ّ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ
َ
قال تعالى ) أل َ ْ
ن فَِتيًل ( 49قال الحسن وقتادة نزلت هذه الية وهي قوله "ألم تر مو َ ي ُظ ْل َ ُ
إلى الذين يزكون أنفسهم" في اليهود والنصارى حين قالوا :نحن أبناء الله
وأحباؤه وفي قولهم "لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى "
الفقر ،فأنزل الله تعالى ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( اهـ .فهم
َ
م ل َهُ ْ
م بخلوا بإظهار ما عندهم من الحق و أمروا الناس أن يبخلوا بأموالهم )أ ْ
قيًرا ( 53 س نَ ِ ن الّنا َ ذا َل ي ُؤ ُْتو َ ك فَإ ِ ً مل ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ب ِ صي ٌ نَ ِ
– 4أكل السحت:
ك َفاحك ُم بينهم أوَ ُ بأ ّ َ ْ
ْ ْ ََُْ ْ ْ جاُءو َ ن َ ت فَإ ِ ْ ح ِ س ْ ن ِلل ّ كالو َ ن ل ِلك َذ ِ ِ عو َ ما ُ س ّ قال تعالىَ " :
َ
م
م ب َي ْن َهُ ْ حك ُ ْ ت َفا ْ م َ حك َ ْ ن َ شي ًْئا وَإ ِ ْ ك َ ضّرو َ ن يَ ُ م فَل َ ْ ض ع َن ْهُ ْ ن ت ُعْرِ ْ م وَإ ِ ْ ض ع َن ْهُ ْ أع ْرِ ْ
ن "42المائدة ,قال بن منظور –رحمه الله- طي َ س ِ ق ِ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ ط إِ ّ س ِ ق ْ ِبال ْ ِ
ث من خب ْ َ ذكر؛ وقـيل هو ما َ ل حرام قبـيح ال ّ في لسان العرب" :السحت ك ّ
كر ك ََثمن الكلب والـخمر ح الذ ّ ْ م عنه العاُر وَقبـي ُ حُرم فل َزِ َ مكاسب و َ الـ َ
ت الرج ُ
ل َ سحات؛ وِإذا وَقع الرج ُ َ
ح َ س َ ل فـيها قـيل قد أ ْ والـخنزير والـجمعُ أ ْ
َ َ
ة أي ي ُذ ْه ُِبها"اهـ .و ت البرك َ ح ُ س َ سُبه لنه ي َ ْ ل كَ ْ ح ّ م الذي ل ي َ ِ ت الـحرا ُ ح ُ س ْ ال ّ
ب ن ال ْك َِتا َ ن ي َك ْت ُُبو َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ من اعظم السحت ثمن التضليل ,قال تعالى )فَوَي ْ ٌ
َ
ما م ّ م ِ ل ل َهُ ْ مًنا قَِليًل فَوَي ْ ٌ شت َُروا ب ِهِ ث َ َ عن ْد ِ الل ّهِ ل ِي َ ْ ن ِ م ْ ذا ِ ن هَ َ قوُلو َ م يَ ُ م ثُ ّ ديهِ ْ ب ِأي ْ ِ
َ
ن ( و مسلك علماء السوء في شراء سُبو َ ما ي َك ْ ِ م ّ م ِ ل ل َهُ ْ م وَوَي ْ ٌ ديهِ ْ ت أي ْ ِ ك َت َب َ ْ
الثمن القليل بآيات الله تعالى يكون على نحوين الول إما بكتمان الحق
ن ال ْك َِتا ِ
ب م َ ه ِ ل الل ّ ُ ما أ َن َْز َ ن َ مو َ ن ي َك ْت ُ ُ ذي َ ن ال ّ ِ لنكاره كما قال تعالى ) إ ِ ّ
هّ ّ َ ّ ُ ُ ْ مًنا قَِليًل ُأول َئ ِ َ
م الل ُ مه ُ ُ م إ ِل الّناَر وَل ي ُك َل ُ ن ِفي ب ُطون ِهِ ْ ما ي َأك ُلو َ ك َ ن ب ِهِ ث َ َ شت َُرو َ وَي َ ْ
َ
م ) البقرة , ( 174و الثاني إظهار ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ م وَل َهُ ْ كيهِ ْ مةِ وََل ي َُز ّ قَيا َ م ال ْ ِ ي َوْ َ
َ
ب م ِبال ْك َِتا ِ سن َت َهُ ْ ن أل ْ ِ وو َ قا ي َل ْ ُ ري ً م ل َفَ ِ من ْهُ ْ ن ِ حقا ً ليراد به باطل و قال تعالى )وَإ ِ ّ
و
ما هُ َ عن ْد ِ الل ّهِ وَ َ ن ِ م ْ ن هُوَ ِ قوُلو َ ب وَي َ ُ ن ال ْك َِتا ِ م َ ما هُوَ ِ ب وَ َ ن ال ْك َِتا ِ م َ سُبوه ُ ِ ح َ ل ِت َ ْ
ن ( ) آل عمران . ( 78و مو َ م ي َعْل َ ُ ب وَهُ ْ ن ع ََلى الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ قوُلو َ عن ْد ِ الل ّهِ وَي َ ُ ن ِ م ْ ِ
مثال ذلك من يكتم حكم الله تعالى في المسألة و يظهر حكم باطل ليوهم
الناس بأن الله تعالى قد شرعه و يستدل عليه بنصوص من الشريعة ل
يعلم تأويلها الجهال فيقول الحكم من عند الله "و ما هو من عند الله و
يقولون على الله الكذب و هم يعلمون" .
- 5اتباعهم السحر :
ُ َ
ت جب ْ ِ ن ِبال ْ ِ مُنو َ ب ي ُؤ ْ ِ ن ال ْك َِتا ِ م َ صيًبا ِ ن أوُتوا ن َ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ قال تعالى )أل َ ْ
سِبيًل ( َ
مُنوا َ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ دى ِ فُروا هَؤ َُلِء أهْ َ ن كَ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ قوُلو َ ت وَي َ ُ غو ِ طا ُ َوال ّ
) النساء ( 51 :و هذه اليات المخاطب بها اليهود ,و السحر كفر و حد
مل ْ ِ
ك ن ع ََلى ُ طي ُ شَيا ِ ما ت َت ُْلو ال ّ الساحر ضربة بالسيف ,و قال تعالى )َوات ّب َُعوا َ
ما حَر وَ َ س ْ س ال ّ ن الّنا َ مو َ ن ك َفَُروا ي ُعَل ّ ُ طي َ شَيا ِ ن ال ّ ن وَل َك ِ ّ ما ُ سل َي ْ َ فَر ُ ما ك َ َ ن وَ َ ما َ سل َي ْ َ ُ
قولَ َ ّ َ ْ َ أ ُن ْزِ َ
حّتى ي َ ُ حد ٍ َ نأ َ م ْ ن ِ ما ِ ما ي ُعَل َ ت وَ َ ماُرو َ ت وَ َ هاُرو َ ل َ ن ب َِباب ِ َ ملك َي ْ ِ ل ع َلى ال َ
ماجه ِ و َ َ مْرِء وََزوْ ِ ن ال ْ َ ن ب ِهِ ب َي ْ َ ما ي ُفَّرُقو َ ما َ من ْهُ َ ن ِ مو َ فْر فَي َت َعَل ّ ُ ة فََل ت َك ْ ُ ن فِت ْن َ ٌ ح ُ ما ن َ ْ إ ِن ّ َ
م وَل َ َ م وََل ي َن ْ َ َ
قد ْ فعُهُ ْ ضّرهُ ْ ما ي َ ُ ن َ مو َ ن الل ّهِ وَي َت َعَل ّ ُ حد ٍ إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ نأ َ م ْ ن ب ِهِ ِ ضاّري َ م بِ َ هُ ْ
َ
مسه ُ ْ ف َ شَرْوا ب ِهِ أن ْ ُ ما َ س َ ق وَل َب ِئ ْ َ خَل ٍ ن َ م ْ خَرةِ ِ ه ِفي اْل ِ ما ل َ ُ شت ََراه ُ َ نا ْ م ِ موا ل َ َ ع َل ِ ُ
ن ( ) البقرة . ( 102 : مو َ كاُنوا ي َعْل َ ُ ل َوْ َ
13 * كتاب
التوحيد .
عمدة هذا الباب موسوعة الديان الميسرة - /ط ،2.مزيدة - .بيروت ،لبنان :دار النفائس للطباعة 16
14 * كتاب
التوحيد .
17أما المنظمات العالمية فمهمتها استغلل المواقف العالمية تجاه الهداف الماسونية و إن زعموا
أنهم يصنعون المواقف فالحقيقة أن اليهود أهل الجبن و المكر الخبيث يستغلون المواقف لصالحهم و
يبذلون جهدهم لتوجيهها نحو أهدافهم و حسب و من هذه المنظمات منظمة "بلوتوا" و أفرادها من
أصحاب المليارات من اليهود وظيفتها التحكم في اقتصاد العالم ,و "منظمة أنور شست" و مهمتها
محاربة الدول الدول التي تعادي الماسونية و إثارت الحروب ,و من منظماتها أيضا ً "تيروي إيرست"
و مهمتها القيام باغتيالت عالمية تكون نتيجتها في غالب الحوال حدوث حروب عالمية ,منظمة
"الماسونية الماركسية" و مهمتها تنظيم الضرابات العمالية في جميع أنحاء العالم ,و تحريض على
الثورات الداخلية و استغللها لصالح الهداف الماسونية و كانت السبب وراء الثورة و البريطانية و
البلشفية ,
18و تجمعها سياسة واحدة و هي السياسة الماسونية الخبيثة و هي أن أعضائها من الدرجة الولى –
الجدد -ل يرون إل الحفلت والرحلت ومظاهر الخاء النساني ،ومهمة هؤلء أن يضمنوا السلمة
وإبعاد الشبهات عن الجمعية من جانب ،وأن يخدع بهم آخرون فينضموا لهذه المؤسسات من جانب
لخاء
آخر بالضافة إلى أنها تتستر وراء شعارات براقه تتصدرها كأهداف لها مثل تحقيق المساواة وا ِ
والروح النسانية والتعاون العالمي ،وهذه الروح و إن كانت خداعة تنفي عنها الشبهات فلها هدف
آخر خبيث و هو إذابة الفوارق بين المم ،وتفتيت جميع أنواع الولءات ،حتى يصبح الناس أفرادا ً
ضائعين تائهين ،ول تبقى قوة متماسكة إل اليهود الذين يريدون السيطرة على العالم .تتظاهر بالعمل
لنساني من أجل تحسين الصلت بين مختلف الطوائف وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل ا ِ
الجتماعية والثقافية وتحقق أهدافها عن طريق الحفلت الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو
إلى التقارب بين الديان وإلغاء الخلفات الدينية .و من ثم فهذا هو الوجه الذي يظهر للعضاء ول
تظهر الهداف اليهودية الحقيقية بل يظهرون في أنديتهم رفاهية العضاء و الحفلت و الرحلت
الفاخرة ,و لذلك فهذه الندية تحصل على شعبية كبيرة ,و من هذه الندية الروتاري و هو من
أشهرها و أوسعها انتشارا ً و يغلب على أنشطته الحفلت و الرحلت و الندوات ,و كذلك نادي الليونز
,وبناي بريث إل أن هذه الجمعية عضويتها مقصورة على أبناء اليهود و يغلب على أنشطتها الجانب
الخيري و مساعدة الضعفاء والعجزة وذوي العاهات وتقديم الدعم للمستشفيات الخيرية .افتتاح
بيوت الشباب في جميع أنحاء العالم و الدفاع عن حقوق النسان و مساعدة ضحايا الكوارث
الطبيعية .و منها جمعية الريفورينج و ينتسب إليها الصحافيون و الكتاب و الطلبة الجامعيون ,جمعية
شهود يهوه و ينحصر نشاطها في استمالة الشباب إليها بكل الطرق المادية و عن طريق استخدام
الفتيات وقد يستعملون فقرات من النجيل أو آيات قرآنية في خطابهم مع الشباب ,و من أنديتهم
أنرويل و هو خاص بالنساء ,
19أيضا ً و من هذه المذاهب اللحادية التي دعموها ماديا ً و فكرياً:
المهاريشية:
ً ً
و هي نحلة هندوسية اتخذت ثوبا عصريا وهي تدعو إلى طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي بغية
تحصيل السعادة الروحية عن طريق اليوجا أي السترخاء ،وإطلق عنان الفكر في صمت حتى يجد
حل ً لجميع مشكلته ،وليحقق بذلك السعادة المنشودة .و من ضروريات مذهبها أن أفرادها يكفرون
بالغيب فهم يلحدون عن أي دين ول يعرفون إل )المهاريشي( آلها ً وسيدا ً للعالم ،و هم كعادة
المنظمات الماسونية الخبيثة يظهرون للناس أهداف براقة لتكون ستارا ً يخفون بها تلك الحقيقة ,و
يدعون أن حركتهم تسمى )علم الذكاء الخلق( و يدعون التحلل من كل القيود يطلقون العنان
15 * كتاب
التوحيد .
لشبابهم وشاباتهم لممارسة كل أنواع الميول الجنسية الشاذة وقد وجد بينهم ما يسمى بالبانكرز وما
يسمى بالجنس الثالث .يحثون شبابهم على استخدام المخدرات ,و قد نشرت رابطة العالم
لسلم والمسلمين مؤكدة ارتباطه لسلمي في مكة بيانا ً أوضحت فيه خطر هذا المذهب على ا ِ ا ِ
بالدوائر الماسونية والصهيونية.
"الروحية الحديثة":
و هي مذهب إلحادي حديث تدعمه الماسونية بهدف القضاء على عقيدة البعث و من الدلة الواضحة
على اتصالها بالماسونية تشجيع نواي الروتاري لهذه الظاهرة ,و يدعي أصحاب هذا المذهب الخبيث
الذي يقوم على الكذب و التكهن استحضار أرواح الموتى بأساليب علمية و التقاط صور لهذه الرواح
في الشعة تحت الحمراء و كذبوا في ذلك فهو في الواقع ل يخرج عن كونه شعوذة وخداعا ً وتأثيرا ً
دعون أن الرواح التي تخاطبهم تعيش في هناء وسعادة رغم أنها مغناطيسيا ً على الحاضرين ,و ي ّ
كافرة ليهدموا بذلك عقيدة البعث والجزاء .و هذه الظاهرة لها نفوذ قوي وخاصة في أمريكا وأوروبا
وهناك كثير من الصحف والمجلت التي تتكلم باسمها .وفي أمريكا يوجد المركز العالمي للبحوث
لسلمي بسرعة عجيبه وخاصة في الروحية ،و للسف هذه الظاهرة تسربت إلى العالم العربي وا ِ
مصر حيث توجد لها عدة جمعيات وهناك عدة مجلت وصحف أخرى تروج لها مثل :مجلة صباح
الخير ،آخر ساعة ،المصور ،المقتطف وصحيفة الهرام فضل ً عن مجلة )عالم الروح( الخاصة بها.
"يهود الدونمة"
و هم جماعة من اليهود يظهرون يدعون السلم ويبطنون الكفر و الكيد للمسلمين و قد أسسها
سباتاي زيفي .إل ان دعوته اليهودية استفحلت وراجت و تبتنها الماسونية لتضمها ضمن منظماتها
اليهودية الهدامه ,و هؤلء المدعون للسلم ل يصومون ول يصلون ول يغتسلون من الجنابة ،وقد
يظهرون بعض الشعائر السلمية في بعض المناسبات كالعياد مثل ً إيهاما ً وخداعًا .و في الواقع فهم
يسعون لنشر اللحاد يهاجمون حجاب المرأة ويدعون إلى السفور والتحلل والتعليم المختلط و هذه
الفرقة أسهمت في إلغاء الخلفة العباسية عن طريق انقلب جماعة التحاد والترقي ول يزالون إلى
لعلم لنها هي وسائل السيطرة لسلم ،لهم براعة في مجالت القتصاد والثقافة وا ِ الن يكيدون ل ِ
لعلم ِ ا على السيطرة وسائل يملكون و تركيا. في الن توجد العظمى غالبيتهم المجتمعات. على
ً
والقتصاد ،ولهم مناصب حساسة جدا في الحكومة.
"البهائية"
نسبة إلى بهاء الله لقب مؤسسها و هي تعمل لخدمة الماسونية وللبهائية تجمع كبير وسط القاهرة،
ولهم مساجدهم التي يصلون فيها ،وأزياؤهم التي يرتدونها وتميزهم عن باقي أفراد الشعب المصري.
16 * كتاب
التوحيد .
جريمة كبرى يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة !! ,أما العلمانية
فمحاربتها للدين ظاهرة في كل أمة ظهروا عليها و يكفي ما فعلوه بعلماء
المسلمين في تركيا من العدام و البادة ,و صدق الله عز وجل إذ يقول" :
َ
م ضون َك ُ ْ
م ب ِأفْ َ
واه ِهِ ْ ة ي ُْر ُ م إ ِّل وََل ذ ِ ّ
م ً م َل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْن ي َظ ْهَُروا ع َل َي ْك ُ ْف وَإ ِ ْك َي ْ َ
َ ْ
ن " 8التوبة ,و مثل هذه الحركات كمثل بيوت قو َ س ُم َفا ِ م وَأك ْث َُرهُ ْوَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ
العنكبوت ضعيفة ول عجب من استمرارها فالغثاء أضعف .
ل :الشيوعية المنهارة: أو ً
شعارها :نؤمن بثلثة :ماركس ولينين وستالين ،ونكفر بثلثة :الله ،الدين،
الملكية الخاصة ،عليهم من الله ما يستحقون .و تجسد هذا المذهب في
الثورة البلشفية على يد اليهود الماسون ماركس الناني متقلب المزاج و
لينين دكتاتورها المرعب الذي اشتهر بالبطش بجبروت و ستالين الذي تبعه
في ذلك ,إلأن دولتهم سرعان ما زالت لجتماع أسباب زوال المم فيها
بوضوح و هي الكفر و الظلم .
ثانيًا :العلمانية المخادعة:
و هي أعظم خطرا لكونها كالحرباء ,فبعد أن أظهر علماء المسلمين
سوءتها طفقت تخصف عليها ما تواري به سوءتها و تتزيا بعدم إنكار الدين و
عدم محاربته بل لربما أظهروا رعاية له تحت اسماء براقة كالديمقراطية و
من ثم يلتبس على المسلمين أمرها,
أما حقيتها:
فهي "فصل الدين" عن الدولة فالله تعالى ليس له في نظر الديمقراطية
سوى المساجد ،والكنائس والمعابد .وما سوى ذلك من جوانب الحياة
السياسية والقتصادية ،والجتماعية وغيرها فهي ليست من خصوصياته
وإنما هي من خصوصيات الشعب وحده ,قال تعالى ) :ويقولون نؤمن
ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون
حقا ً وأعتدنا للكافرين عذابا ً أليما ( .وإن زعم بلسانه ـ ألف مرة ـ أنه من
المسلمين المؤمنين.
الديمقراطية خدعة العصر:
أول ً تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب:
وليس الله وهذا مناقض لصول الدين والتوحيد ،يدل على ذلك قوله
تعالى ) :إن الحكم إل لله أمر أن ل تعبدوا إل إياه ( .و قال تعالى :
) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون الله ( فهم أرباب من دون الله
لما ّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم وسن القوانين من دون
الله تعالى .
ثانيا ً تقوم على مبدأ الختيار والتصويت في كل شيء حتى
الوامر الشرعية:
17 * كتاب
التوحيد .
ثالثا ً تقوم على مبدأ اعتبار قرار الكثرية مهما كان نوع هذه
الكثرية و سواء وافقت الحق أم ل:
ولو اجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح !..بينما الحق المطلق في نظر
السلم هو الحق المسطور في الكتاب والسنة فالحكم لله وحده ،وليس
للبشر أو الكثرية قال تعالى ):وإن تطع أكثر من في الرض يضلوك عن
سبيل الله إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون ( .وفي الحديث فقد
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ":إن من النبياء من لم
يصدقه من أمته إل رجل واحد " .فأين موقع هذا النبي ومعه الرجل الواحد
في ميزان أكثرية الديمقراطية ..؟! قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
لعمرو بن ميمون :جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة ،والجماعة
ما وافق الحق وإن كنت وحدك .وقال ابن القيم في أعلم الموقعين :اعلم
أن الجماع والحجة والسواد العظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده
،وإن خالفه أهل الرض.
رابعا ً تعني أن الذي يختاره الشعب هو الذي يحكم البلد والعباد:
ولو كان المختار كافرا ً زنديقا ً مرتدا ً عن دين الله .وهذا مناقض لقوله تعالى
):ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل ً ( .وهو كذلك مناقض
لجماع المة على أن الكافر لتجوز له ولية على المسلمين ول على بلدهم
.
خامسا ً تعني رد أي نزاع أو اختلف بين الحاكم والمحكوم إلى
الشعب وليس إلى الله والرسول:
وهذا مناقض لقوله تعالى ) :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله (
بينما الديمقراطية تقول :فحكمه إلى الشعب ،وليس غير الشعب ! ..
وقال تعالى ) :فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الخر ( ,
سادسا ً تعني مبدأ حرية العتقاد والتدين ولو أراد أن يرتد من
اليمان إلى الكفر:
معيب عليه أما حكم السلم فهو على نقيض ذلك ، واللحاد فل راد له ول ُ
وهويتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم ":من بدل دينه فاقتلوه " وليس
فاتركوه ,وقوله صلى الله عليه وسلم " :أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا ل إله إل الله ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة " ..وقوله صلى الله
18 * كتاب
التوحيد .
عليه وسلم ":بعثت بين يدي الساعة بالسيف ،حتى ُيعبد الله تعالى وحده
ل شريك له " ..
سابعا ً تقوم على مبدأ حرية الحزاب السياسية وغير السياسية:
أي ّا ً كانت عقيدتهات وأفكارها ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وهذا
يعني القرار طواعية بالكفر والشرك ،والرتداد والفساد . .وهو مناقض
لما يجب القيام به نحو الكفر والمنكر من تغيير وإنكار ،كما قال تعالى :
َ َ
ف
معُْرو ِ مُروا ِبال ْ َ كاة َ وَأ َ وا الّز َ صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ ض أَقا ُ م ِفي الْر ِ مك ّّناهُ ْ ن َ ن إِ ْذي َ ) ال ّ ِ
ن
م ْفُروا ِ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِموِر( وقوله تعالى ):ل ُعِ َ ة ال ُ عاقِب َ ُ من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َن ال ْ ُوا ع َ ِ وَن َهَ ْ
كاُنواوا وَ َ ص ْ ما ع َ َ ك بِ َم ذ َل ِ َ مْري َ َ ن َ سى اب ْ ِ عي َ داوُد َ وَ ِ ن َسا ِل ع ََلى ل ِ َ سَراِئي َ ب َِني إ ِ ْ
ن( فعَُلو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ س َ من ْك َرٍ فَعَُلوه ُ ل َب ِئ ْ َ ن ُ ن عَ ْ كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ ن)َ (78 دو َ ي َعْت َ ُ
ثامنا تعني مبدأ الحرية الشخصية للفرد فاللمرء أن يفعل ما ً
يشاء من الفواحش والمنكرات:
وفي هذا إقرار للمنكرات وتعطيل للحدود كما أن فيه إشاعة الفاحشة . .
قال الله تعالى ):الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول
تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ( وقال
حبو َ
ب
ذا ٌم عَ َ مُنوا ل َُهـ ْ ن َءا َ ذي َة ِفي ال ّ ِ ش ُ ح َفا ِ شيعَ ال ْ َ ن تَ ِ نأ ْ ن يُ ِ ّ َ ذي َن ال ّ ِ تعالى ):إ ّ
ن ( وقال رسول الله صلى َ َ َ ّ َ
مو َ م ل ت َعْل ُ م وَأن ْت ُ ْ ه ي َعْل ُ خَرةِ َوالل ُ م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ أِلي ٌ
الله عليه وسلم " :والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن
المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله
قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم"
تاسعا ً تقوم على نظرية أن المالك الحقيقي للمال هو النسان:
وبالتالي فله أن يكتسب المال بالطرق التي يشاء ،كما ينفق ماله بالطرق
التي يشاء ويهوى ،وإن كانت هذه الطرق محرمة ومحظورة في دين الله ،
وهذا مايسمونه بالنظام الرأسمالي الحر وهذا بخلف ما عليه السلم الذي
يقرر أن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وتعالى ،وأن النسان
مستخلف عليه ،وهو مسؤول عنه أمام الله تعالى :كيف اكتسبه ،وفيما
أنفقه ..فالنسان في السلم كما ليس له أن يكسب ماله بالحرام والطرق
غير المشروعة ،كالربا ،والرشوة ،والسحت والمتاجرة فيما هو حرام
وغير ذلك ،كذلك ل يجوز له أن ينفق ماله في الحرام والطرق الغير
مشروعة . .قال الله تعالى ):قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء
وتنزع الملك ممن تشاء (. 20
لشيخ /عبد المنعم مصطفى – هذه هي الديمقراطية فهل أنتم منتهون 20
19 * كتاب
التوحيد .
عليه تحليل لما حرم الله ول تحريم لما أحل الله ,ول مخالفة لشرع الله.
والخرى :ظنت أنه مادام أن الحاكم يجوز له أن يصدر التنظيمات الدارية ,
إذا فكل نظام اجتهد فيه الحاكم وقصد به خدمة المجتمع فهو نظام سائغ ما
دام الحاكم يعلن السلم ,حتى ولو اشتملت هذه القوانين والنظم على ما
يخالف شرع الله من باب أنها من الضرورات ونحو ذلك من المبررات .
وكل من الطائفتين أخطأت الفهم في هذه المسألة ,والحق التفريق بين
نظام مخالف لشرع الله وبين تنظيم إداري ل يترتب عليه أي مخالفة لحكم
الله فالول ل يجوز ,والثاني ل مانع منه .وممن نبه إلى ذلك الشيخ
الشنقيطي -رحمه الله – حيث قال بعد كلمه في مسألة التشريع من دون
الله والحكم بغير ما أنزل الله " :تنبيه اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام
الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والرض ,وبين
النظام الذي ليقتضي ذلك .وإيضاح ذلك :أن النظام قسمان :إداري
وشرعي .أما الداري الذي يراد به ضبط المور وإتقانها على وجه غير
مخالف للشرع فهذا ل مانع منه ,ول مخالف فيه من الصحابة فمن بعدهم ,
وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم ككتبه أسماء الجند في ديوان لجل الضبط ,ومعرفة
من غاب ومن حضر ,وكا شترائه دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجنا في
مكة المكرمة مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجنا هو ول أبو بكر
رضي الله عنه .فمثل هذه المر الدارية التي تفعل لتقان المور مما ل
يخالف الشرع ل بأس به كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة العمال
على وجه ل يخالف الشرع فهذا النوع من النظمة الوضعية ل بأس به ول
يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .وأما النظام الشرعي
المخالف لتتشريع خالق السموات والرض فتحكيمه كفر بخالق السموات
والرض كدعوى أن تفضيل الذكر على النثى في الميراث ليس بإنصاف
وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن
الطلق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية ل يسوغ
فعلها بالنسان ونحو ذلك فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع
وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السموات
والرض وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلئق كلها وهو
21
أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا "
22نقد نظرية دارون \ محاضرة \ الشيخ محمد إسماعيل المقدم –حفظه الله. -
23بتصرف من الدلة المادية على وجود الله -للشعراوي-
24يعمل في جامعة كاليفورنيا متخصص في الكمياء الحيوية و مساعد رئيس قسم أبحاث الخلق في
أمريكا و له كتاب في نقض هذه النظرية إسمه "نظرية التطور" و له كتاب آخر "الحفريات تقول ل"
– محاضرة الشيخ محمد إسماعيل نقد نظرية داروين
21 * كتاب
التوحيد .
المباشرة" ثم يقول "دعونا نلقي نظرة على الشواهد التي يقدمها سجل
المتحجرات في الواقع العملي ,إن أقدم الحفريات وجدت في الطبقات
الحجرية في العهد "الكامبري" و هذه المتحجرات كان عددها يبلغ بليين
الحفريات كان كلها من أشكال الحياة المتطورة و المعقدة و ل يوجد أي
شاهد على التطور التدريجي لهذه الحياة المعقدة من الشكال البسيطة و
البدائية ,و حسب إدعاء التطورين فإن هذه الحيوانات إحتاجت إلى ألف و
خمسمأة مليون عام من التطور لتصل لهذه المرتبة" و يقول أيضا ً " إن
المليين من الحيوانات البحرية ظهرت هكذا فجأة و من دون أي علمة
علمة على تطورها ,و لم يعثر حتى الن أي متحجرة تعود إلى ما قبل
العهد الكامبري , ",يقول أيضا ً "و في سجل المتحجرات هناك غياب
ملحوظ و بنسبة كبير ة و في كل مكان للشكال النتقالية المفترضة
"الحلقات المفقودة" هناك مئات اللف من الحلقات المفقودة بين
اللفقريات و بين الفقريات ,و حسب إفتراض التطوريين فإن السماك قد
احتاجت إلى مائة مليون عام لكي تطور من اللفقريات ,و ل يوجد أي دليل
على الطلق يرينا أن هذا حدث فعل ً ,يذكر التطوريون أيضا ً أن السماك
إحتاجة خمسماءة مليون عام حتى تتطور إلى البرمائيات فمثل ً ل نجد أية
متحجرة تمتلك جزءا ً من الزعانف و جزء من القدام ,و تنطبق هذه
الحقيقة على جميع النواع الرئيسية للنبات و الحيوان فكل الفئات و
الصناف الحقيقية الراقية من الحياء كاللفقريات المتطورة و السماك و
البرمائيات و البرمائيات الطائرة و الزواحف و الطيور و الخفافيش و
الطيور و الثديات و النسان كل هذه النواع ظهرت فجأة !
يقول بروفيسور "كورنر" من جامعة كمبري يقول" :إنني مازلت أعتقد أن
سجل الحفريات النباتية تثبت أن الخلق حدث فجأة و لم يحدث أي نوع من
التطور ,و من المؤكد أن عمليات في الماضي فعل ً للزم دوام إستمرارها
حتى اليوم ,و يزعمون أنه نتيجة حصول قحط شامل في الرض فتعذر
الحصول على الوراق الخضراء إل نم قمم الشجار لذا فإن الزرافات ذات
القمم القصير ماتت و انقرضت و بقت الزرافات ذوات العناق الطويلة و
مع ذلك لم يثبت في أي سجل أن زرافة من الزرافات ذوات العناق
القصيرة وجدت الصل ً أو أنها عاشت على هذه الرض على الطلق !! "
أيضا ً هذه النظرية و قد رفضها "آغاسيز" في إنجلترا ،و "أوين" في أمريكا:
"إن الفكار الداروينية مجرد خرافة علمية وأنها سوف تنسى بسرعة".25
ونقدها كذلك العالم الفلكي هرشل ومعظم أساتذة الجامعات في القرن
الماضي.
ه إلى ج َ
اضطرب أصحاب الداروينية الحديثة أمام النقد العلمي الذي وُ ّ
النظرية ،ولم يستطيعوا أمام ضعف نظريتهم إل أن يخرجوا بأفكار جديدة
تدعيما ً لها وتدليل ً على تعصبهم الشديد حيالها ،فأجروا سلسلة من التبديلت
منها" :إستبدال قانون الرتقاء الطبيعي بقانون التحولت المفاجئة أو
الطفرات ،وخرجوا بفكرة المصادفة" ُ .أرغموا على العتراف بأن هناك
أصول ً عدة تفرعت عنها كل النواع وليس أصل ً واحدا ً كما كان سائدا ً في
لنسان بيولوجيا ً رغم التشابه الظاهري ُ
لقرار بتفرد ا ِ
العتقاد .أجبروا على ا ِ
بينه وبين القرد ،وهي النقطة التي سقط منها داروين ومعاصروه .
لن الله عز وجل أراد لها البقاء لوقت معلوم ,فمثل ً فيروس "النفلونزا"
يتشكل من آن لخر بأشكال مختلفة لتصنع مقاومته و القضاء عليه ,
الحشرات مع توالي الجيال تكتسب مناعة ضد المبيدات الكيماوية ,لوحظ
في النسان نفسه كثرة النجاب في فترة الحروب ,كما لوحظ أن أي
سيدة تواظب على تناول حبوب منع الحمل لفترة طويلة ثم تسهو عن
تناولها تكون النتيجة في معظم الحيان إنجاب توأم لتعويض النقص في
الذرية الذي حدث اثناء المتناع عن الحمل ! ,كذلك عند استئصال أحد
كليتي النسان يلحظ أن الكلية الخرى يزداد حجمها و تؤدي عمل
الكليتين ! الله وحده هو الذي زود هذه الكائنات بهذه القدرة العجيبة على
التوازن "و أنبتنا فيها من كل شئ موزون" حتى ل تنقرض و تتعرض للفناء
لن المطلوب أن النسان يعيش حتى ينقضي أجله فيهيئ له كل عوامل
الحياة و يحميه من عوامل الفناء و النقراض .ل يمكن أن يكون ذلك
القانون الذي يسود جميع الكائنات الحية من صنع مصادفة عمياء إذ أن
المصادفة ل يمكن أن تتخذ شكل قانون عام تخضع له جميع الكائنات
أل يدل ذلك على التوحيد:
يقول العلماء الماديين أن نظام الذرة هو نفسه نظام المجرة ! الذرة ل
نراها لتناهيها في الصغر و المجرة ل نراها لتناهيها في الكبر أفل يدل ذلك
على التوحيد !!! ؟ .أل يدل ذلك على أن خالق هاذين النظامين واحد
سبحانه و تعالى "بلى و هو الخلق العليم إنما أمره إذا أراد شئ أن يقول له
كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ و إليه ترجعون"27
"وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه و بالوالدين إحسانا" :
و ل شك أن من أعظم العقوق مسبة الوالدين و وصفه بأنه قرد –معاذ الله-
فى صط َ َ
ها ْن الل ّ َ
كيف يروج هذا العفن على مسلم ؟ ,و الله تعالى يقول " :إ ِ ّ
ن" إن الذي لم يجرؤ عليه ن ع ََلى ال َْعال َ ِ
مي َ مَرا َ
ع ْ م َوآ َ
ل ِ هي َ حا َوآ َ
ل إ ِب َْرا ِ م وَُنو ً
آد َ َ
إبليس اللعين -عدو البشر -قد جرؤ عليه أبناء آدم فيال فرحة عدو الله "هذه
بضاعتنا ردت إلينا" و لكنها حسرة و ندامة عليه و على أتباعه المجرمين في
الخرة ,إنها جناية بكل معاني الكلمة و نكران للجميل و عقوق للوالدان –
نسأل الله السلمة و العافية -إنها جناية عظيمة على والدنا آدم عليه الصلة
و السلم أول نبي الذي كرمه الله و شرفه ,أن يزعم البعض أنه صلى الله
عليه و سلم كان غير ناضج العقل –معاذ الله -و يدعون لنفسهم العقل و
الذكاء !؟ عليهم من الله ما يستحقونه و الحق على خلف ما يقولون تماما ً
فل يزال الخلق في تناقص إلى قيام الساعة .لقد بوب المام البخاري رحمه
ب سماه خلق آدم عليه السلم و الله في كتابه الجامع "صحيح البخاري" با ً
ذريته عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إن
أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على
المحاضرة الثانية لفضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم "نقد نظرية دارون" 27
24 * كتاب
التوحيد .
الكتاب الثاني
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان – فصل في النوع الول من الفتن ,فتن الشبهات 28
25 * كتاب
التوحيد .
المثال الثاني:
26 * كتاب
التوحيد .
ن أ َقْ َ
طاِر م ْ ف ُ
ذوا ِ ن ت َن ْ ُ شر ال ْجن واْلنس إن استط َعت َ
مأ ِْ ّ َ ِْ ِ ِ ِ ْ َ ْ ُ ْ معْ َ َ قوله تعالىَ " :يا َ
ن "33الرحمن .قال بن َ ْ ّ ف ُ َ ض َفان ْ ُ
ف ُ َْ
سلطا ٍ ن إ ِل ب ِ ُ
ذو َ ذوا ل ت َن ْ ُ ت َوالْر ِ ماَوا ِ
س َ
ال ّ
جرير الطبري رحمه الله" :اختلف أهل التأويل فيها فقال الضحاك بن
مزاحم إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والرض فتعجزوا ربكم
حتى ل يقدر عليكم فجوزوا ذلك فإنكم ل تجوزونه إل بسلطان من ربكم
وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة ,وقال آخرون بل معنى ذلك أن تنفذوا
من أقطار السموات والرض الحاصلون هاربين من الموت فإن الموت
مدرككم ول ينفعكم هربكم منه ,و عن بن عباس رضي الله عنه بل معنى
ذلك إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والرض فاعلموا ,و عنه أيضا ً
أي ل تخرجون من سلطاني .وأما القطار فهي جمع قطر وهي الطراف
فعن سفيان إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والرض قال من
أطرافها"29اهـ
فإذا أثبت العلم التجريبي كروية الرض فقال قائل إن هذه الية تدل على
ذلك منذ أكثر من ألف و أربعمأة عام لن التعبير بالقطار يثبت كروية
الرض وكروية السموات ،لن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على
المحيط مارا ّ بمركز الدائرة ،والقطار ل تكون إل للدوائر وهذا بالتالى يثبت
الكروية.
لقلنا أن ذلك فيه نظر بل استدلل باطل لنتفائه للشرطين
أول ً لن ذلك القول لم يقل به أحد من السلف
ثانيا ً لن ألفاظ الية ل تحتمله فهذا القطر اصطلح هندسى لم تعرفه العرب
فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية ل الخط المذكور ،والنفاذ من
القطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ ل من الخطوط التى يتصورها
المهندسون.
مسألة :في بيان مصطلح إعجاز القرآن:
هذا المصطلح عبارة عن مركب إضافي ،معناه يتحدد بعد معرفة معنى
طرفه الول و الثاني ,يقول ابن منظور" :العجز نقيض الحزم والعجز:
الضعف و عدم القدرة" و في حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم" :اللهم إني أعوذبك من الهم والحزن ،والعجز والكسل" و قال ابن
حجر رحمه الله تعالى" :إن الهم ما يتصوره العقل من المكروه في الحال،
والحزن لما وقع في الماضي ،والعجز ضد القتدار ،والكسل ضد النشاط" .
فالعجز عدم القدرة و الكسل عدم النشاط والنهوض للمر .فالعجاز :هو
جعل من يقع عليه أمر التحدي بالشيء عاجزا ً عن التيان به ،قال
الليث:أعجزني فلن إذا عجزت عن طلبه وإدراكه). (30
و بإضافة هذا المعنى للقرآن ،يتكون مصطلح) :إعجاز القرآن( و يكون
المراد منه إثبات القرآن عجز الخلق عن التيان بما تحداهم به ،وهو أن
29تفسير الطبري ج 27 :ص138 :
()30لسان العرب :مادة )عجز(
27 * كتاب
التوحيد .
يأتوا بمثله أو بشيء من مثله ،والمفعول محذوف للدللة على عموم من
تحداهم القرآن ،وهم النس والجن ،وكذلك ما تعلق به الفعل محذوف
للعلم به ،وهو القرآن أو بعضه كما ثبت في كثير من آيات التحدي.
من تحداهم ويكتمل بيان المراد بهذا المصطلح إذا عرفنا أن إعجاز القرآن َ
عن التيان بمثله أو بشيء من مثله ليس أمرا ً مقصودا ً لذاته ،ولكن
المقصود هو إظهار وإثبات أن هذا الكتاب وحي من عند الله تعالى،
ومقتضى ذلك إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
مسألة :في بيان مصطلح "العجاز العلمي":
القرآن الكريم أشرف كتاب و أعظم معجزة عرفتها البشرية من لدن آدم
إلى قيام الساعة لنسبته إلى الله تعالى فهو كلم الله ,و إعجازه الغوي ل
يخفى على أحد –أي إعجاز للعالمين أن يأتوا بحديث يضاهيه في اللغة -قال
ْ
مث ْل ِ ِ
ه ن ِم ْ سوَرةٍ ِ ما ن َّزل َْنا ع ََلى ع َب ْد َِنا فَأُتوا ب ِ ُ م ّب ِ م ِفي َري ْ ٍ ن ك ُن ْت ُ ْ
تعالى " :وَإ ِ ْ
فعَُلوا وَل َ ْ
ن م تَ ْن لَ ْ ن 23فَإ ِ ْ صاد ِِقي َم َ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ن ك ُن ْت ُ ْ دو ِ ن ُ
م ْم ِ داَءك ُ ْشهَ َ عوا ُ َواد ْ ُ
ن"24 ْ
ت ل ِل َ ُ ْ ّ
قوا الّناَر الِتي وَُقود ُ َ فعَُلوا َفات ّ ُ
ري َكافِ ِ عد ّ ْ جاَرة ُ أ ِح َس َوال ِها الّنا ُ تَ ْ
البقرة.
و من إعجازه أيضا ً أنباء الغيب و منه وصف اليات الكونية فل طاقة لبشر
أن يدرك بعض حقائقها بقدرته المجردة ,فإن أخبر عنها بشر كان ذلك
معجزة لنه خرق للعادة ,و تسمى "معجزة كونية" نسبة إلى محل العجاز,
و مصدرها إعجاز كوني فيقال "العجاز الكوني" ,و إطلق مصطلح العجاز
العلمي على إعجاز القرآن الكريم للخلق المتعلق باليات الكونية فيه نظر و
إل فالعجاز اللغوي إعجاز علمي و كل العجاز الغيبي إعجاز علمي فإن
محل العجاز هو العلم الغيبي .و لذلك فالولى إطلق مصطلح العجاز
الكوني على ما دلت عليه اليات من أخبار كونية معجزة.
القاعدة الولى في المنهج الصحيح لتفسير القرآن:
التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله
عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه .و قد أوضح شيخ
السلم -رحمه الله -منهج أهل السنة و الجماعة في التفسير فقال" :أن
يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل فى مكان فانه قد فسر فى موضع آخر وما
اختصر من مكان فقد بسط فى موضع آخر فان أعياك ذلك فعليك بالسنة
فانها شارحة للقرآن وموضحة له و اذا لم نجد التفسير فى القرآن ول فى
السنة رجعنا فى ذلك الى أقوال الصحابة ,و اذا لم تجد التفسير فى القرآن
ول فى السنة ول وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الئمة فى ذلك الى
أقوال التابعين"31
و يقول الشيخ اللباني –رحمه الله" :-و إن لم نجد بيانا ً في السنة للكتاب،
نزلنا درجة إلى الصحاب ،وأولهم ابن مسعود ،وثانيهم ابن عباس ،ثم من
بعدهم أي صحابي ثبت عنه تفسيرآية ،ولم يكن هناك خلف بين الصحابة،
نتلقى حين ذلك التفسير بالرضى والتسليم والقبول ،وإن لم يوجد وجب
علينا أن نأخذ عن التابعين الذين عنوا بتلقي التفسير من أصحاب الرسول
عليه الصلة والسلم ،كسعيد بن جبير ،وطاووس ،ونحوهم ممن اشتهروا
بتلقي تفسير القرآن عن بعض أصحاب الرسول عليه السلم ،وبخاصة ابن
عباس كما ذكرنا"32
و يعول في التفسير على علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول
الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ و
التفسيره يكون بعضه من قبيل بسط اللفاظ الوجيزة وكشف معانيها
وبعضه من قبيل ترجيح بعض الحتمالت على بعض ولهذا ل يستغنى عن
قانون عام يعول في تفسيره عليه ويرجع في تفسيره إليه من معرفة
مفردات ألفاظه ومركباتها وسياقه وظاهره وباطنه وغير ذلك مما ل يدخل
تحت الوهم ويدق عنه الفهم.
مسألة :و يحرم التفريق بين الكتاب و السنة في العمل:
يقول الشيخ اللباني –رحمه الله -في كتابه كيف يجب أن نفسر القرآن "
الشريعة كلها قامت على ضم السنة إلى القرآن ،ولذلك جاء عن المام
الشافعي رحمه الله أنه قال " :السنة كلها هو مما أفهمه الله تبارك وتعالى
نبيه عليه الصلة والسلم " .يعني المام الشافعي أن السنة الصحيحة
ينطوي القرآن عليها ،وأن الله عز وجل ألهم نبيه عليه الصلة والسلم ببيان
ما كان المسلمون بحاجة إلى بيانه ،من اليات الكريمة .وهذا مثال واحد
وفيه كفاية إن شاء الله .فالقاعدة في تفسير القرآن إنما هي بالرجوع إلى
القرآن والسنة ،ول ينبغي أن نقول :بالرجوع إلى القرآن ثم السنة؟ لن هذا
فيه تصريح بأنها في المرتبة الثانية .نعم .السنة من حيث ورودها هي
بالمنزلة الثانية بالنسبة للقرآن الذي جاءنا متواترًا ،ولكن من حيث العمل
السنة كالقرآن ،ل يجوز أن نفرق بين كلم الله وكلم رسوله صلى الله عليه
وسلم ،والتفريق الذي يلحظه بعض العلماء المتخصصين في علم الحديث
هذا تفريق يتعلق بعلم الرواية ،أما ما يتعلق بعلم الدراية والفقه والفهم
للكتاب ،فل فرق بين كتاب الله وبين حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم "
مسألة :والعلة من الرجوع لقول التابعين:
أنهم يبلغون عن الصحابة بورع شديد يقول شيخ السلم رحمه الله " :وقال
الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ل يتكلم ال فى
المعلوم من القرآن وقال ابن شوذب حدثنى يزيد بن أبى يزيد قال كنا
نسأل سعيد بن المسيب عن الحلل والحرام وكان اعلم الناس فاذا سألناه
عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع ,و روى ابن جرير عن
كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم /للشيخ اللباني رحمه الله 32
29 * كتاب
التوحيد .
عبيدالله بن عمر قال لقد أدركت فقهاء المدينة وأنهم ليعظمون القول فى
التفسير منهم سالم بن عبدالله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب
ونافع وقال أيضا ً عن هشام بن عروة قال ما سمعت أبى تأول آية من كتاب
الله قط ,حدثنا هشيم عن مغيرة عن ابراهيم قال كان اصحابنا يتقون
التفسير ويهابونه ,وقال ابو عبيد حدثنا هشيم أنبأنا عمر بن أبى زائدة عن
الشعبى عن مسروق قال اتقوا التفسير فانما هو الرواية عن الله ,فهذه
الثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن
الكلم فى التفسير بما ل علم لهم به فاما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة
وشرعا فل حرج عليه ولهذا روى عن هؤلء وغيرهم أقوال فى التفسير ول
منافاة لنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه وهذا هو الواجب على
كل أحد"33
مسألة :في فضل علم السلف على الخلف:
إن العلم ل يعرف بكثرة مقال فانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر
وعمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت كيف كانوا ،كلمهم أقل من
كلم ابن عباس ،وهم أعلم منه ،وكذلك كلم التابعين أكثر من كلم
الصحابة ،والصحابة أعلم منهم ،وكذلك تابعوا التابعين كلمهم أكثر من كلم
التابعين ،والتابعون أعلم منهم .فليس العلم بكثرة الرواية ول بكثرة المقال،
ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل،
ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.
و لذلك فكان كلم السلف موجود بأوجز لفظ ،وأخصر عبارة ،ول يوجد في
كلم من بعدهم من باطل إل وفي كلمهم ما يبين بطلنه لمن فهمه وتأمله،
فمن لم يأخذ العلم من كلمهم فاته ذلك الخير كله قال الوزاعي ':العلم ما
جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما كان غير ذلك فليس بعلم' .
أما الدخول في كلم المتكلمين ،أو الفلسفة ،فشر محض ،وقل من دخل
في شيء من ذلك إل وتلطخ ببعض أوضارهم ،والعلم النافع ضبط نصوص
الكتاب والسنة ،وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة،
والتابعين ،وتابعيهم
ما ،وكفى بالغترار بالَله
قال ابن مسعود وغيره ':كفى بخشية الَله عل ً
ه فهو عالم ،ومن عصاه فهو جهًل' .وقال بعض السلف' :من خشي الل َ َ
جاهل' .فالعلم النافع ما عرف بين العبد وربه ودل عليه حتى عرف ربه
ووحده وأنس به واستحى من قربه .وعبده كأنه يراه .ولهذا قالت طائفة
من الصحابة ':إن أول علم يرفع من الناس الخشوع' .وقال الحسن ':العلم
علمان ،فعلم على اللسان فذلك حجة الَله على ابن آدم ،وعلم في القلب
فذلك العلم النافع .إن من علمات أهل العلم النافع أنهم :ل يرون لنفسهم
حال ً ول مقامًا ،ويكرهون بقلوبهم التزكية والمدح ،ول يتكبرون على أحد،
بتصرف يسير من رسالة':فضل علم السلف على الخلف' للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله 34
31 * كتاب
التوحيد .
لقاء شبكة التفسير والدراسات القرآنية مع الستاذ الدكتور زغلول النجار 35
فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق \ البيان المأمول في علم الصول ص - 174دار اليمان . 36
شبه المخالفين:
الولى ) أن اختلف المة على قولين دليل تسويغ الجتهاد والقول الثالث
حادث عن الجتهاد فكان جائزا (
و الجواب عنها أن ذلك يدل على تسويغ الجتهاد منهم أو من غيرهم –في
هذه المسألة -الول مسلم والثاني ممنوع
الثانية ) أنهم قالوا أجمعنا على أن الصحابة لو انقرض عصرهم وكانوا قد
استدلوا في مسألة من المسائل بدليلين فإنه يجوز للتابعي الستدلل بدليل
ثالث فكذلك القول الثالث ( و الجواب عنها من وجهين:
الول أن الستدلل بدليل ثالث يؤكد ما صارت إليه المة من الحكم ول
الثاني أن اتفاقهم على دليل يبطله بخلف القول الثالث على ما حققناه
واحد ل يمنع من دليل آخر ومع ذلك فإن اتفاقهم على حكم واحد مانع من
إبداع حكم آخر مخالف له فافترقا
الثالثة )أن الصحابة اختلفوا في مسألة زوج وأبوين وزوجة وأبوين فقال ابن
عباس للم ثلث الصل بعد فرض الزوج والزوجة وقال الباقون للم ثلث
الباقي بعد فرض الزوج والزوجة وقد أحدث التابعون قول ثالثا فقال ابن
سيرين بقول ابن عباس في زوج وأبوين دون الزوجة والبوين وقال تابعي
آخر بالعكس(
و الجواب أن هذه المسألة من قبيل ما ل يرفع ما اتفق عليه الفريقان بل
إن ابن سيرين قائل في كل صورة بمذهب ذي مذهب ,وبتقدير أن يكون
رافعا لما اتفق عليه الفريقان فل يخلو إما أن يكون لم يستقر قول جميع
الصحابة على القولين بل قول البعض أو قد استقر عليهما قول جميع
الصحابة فإن كان الول فليس فيه مخالفة الجماع بل مخالفة البعض وإن
كان الثاني فإما أن يكون قد خالفهم في وقت اتفاقهم على القولين أو بعد
ذلك فإن كان الول فهو من أهل الجماع وقد خالفهم حالة اتفاقهم على
القولين فل يكون بذلك خارقا للجماع وإن قدر إحداث قوله بعد ذلك فهو
غير مقبول وعدم نقل النكار ل يدل على عدمه في نفسه.
و ختاما ً ننقل قول ً نفيثا ً لشيخ السلم بن تيمية رحمه الله تعالى " و فى
الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم الى ما يخالف
ذلك كان مخطئا فى ذلك بل مبتدعا وان كان مجتهدا مغفورا له خطؤه
فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب ونحن نعلم أن القرآن
قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه كما
أنهم أعلم بالحق الذى بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فمن
خالف قولهم وفسر القرآن بخلف تفسيرهم فقد أخطأ فى الدليل
والمدلول جميعا ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها اما عقلية
واما سمعية كما هو مبسوط فى موضعه "40
محاضرة مشهورة بعنوان مناهج المفسيرين للشيخ صالح آل الشيخ .المصدر www.alsalafia.com/ 41
34 * كتاب
التوحيد .
ق الل ّ ِ
ه خل ْ ُ ذا َ ه َ باب في بيان قول الله تعالى ) َ
ّ َ فأ َ
لِ َ ب ه
ِ ِ ن دوُ ن
ْ م
ِ ن
َ ذيِ ل ا ق
َ ل خ
َ َ
ذا ماَ نيِ رو َ ُ
ن ( 11لقمان . مِبي ٍ ل ُ ضَل ٍ في َ ن ِمو َظال ِ ُ ال ّ
ت وا ِ ما َ س َ ق ال ّ خل َ َ ذي َ ه ال ّ ِ مدُ ل ِل ّ ِ ح ْ فصل في قول الله جل ذكره "ال ْ َ
دُلو َ م ال ّ ِ َ
ن" ع ِ م يَ ْ ه ْ فُروا ب َِرب ّ ِ ن كَ َ ذي َ والّنوَر ث ُ ّ ت َ ما ِ ل الظّل ُ َ ع َ ج َ و َض َ واْلْر َ َ
فلله الحمد على كمال صفاته و أفعاله ,و من عظم قدرته و كمالها أن خلق
السماوات و الرض و لذلك فهو تعالى أحق بالنابة إليه و أن يفرد بالعبادة,
و ترك آية لتدل على عظم قدرته آية الليل و النهار لتذكر الناس بعظم
خالقهم إذ أن البشر من شيمتهم النسيان ,فلله الحمد على خلق السماوات
و الرض التي تدل على عظم الله تعالى ,و لله الحمد على جعل آية الليل و
النهار التي تذكر الخلق بعظم خلق الله تعالى ,و لذلك فيعكف الموفقون
في هاذين الوقتين كما شرع الله تعالى ,على ذكر الله تعالى فيسبحونه عن
كل نقص و عجز و يحمدونه على كماله الذي يتجلى في هاذين الوقتين
الشريفين.
و أخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب
اليمان عن أبي الضحى قال :لما نزلت "وإلهكم إله واحد" عجب
المشركون وقالوا :إن محمدا ً يقول" :وإلهكم إله واحد" فليأتنا بآية إن كان
َْ
ف الل ّي ْ ِ
ل خت َِل ِ ض َوا ْ ت َوالْر َ ِ ماَوا ِ س َ ق ال ّ خل ِ
ن ِفي َ ْ من الصادقين ،فأنزل الله "إ ِ ّ
ن
م َ ه ِ ل الل ّ ُ ما أن َْز َ س وَ َ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ حرِ ب ِ َ ري ِفي ال ْب َ ْ ج ِ ك ال ِّتي ت َ ْ فل ْ ِ َوالن َّهارِ َوال ْ ُ
َ َ
ف
ري ِ ص ِ داب ّةٍ وَت َ ْ ل َ ن كُ ّ م ْ ث ِفيَها ِ موْت َِها وَب َ ّ ض ب َعْد َ َ حَيا ب ِهِ اْلْر َ ماٍء فَأ ْ ن َ م ْ ماِء ِ س َ ال ّ
ن" البقرة قلو َ ُ قوْم ٍ ي َعْ ِ ت لِ َ ض لَيا ٍ َ َ ْ ْ
ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ خرِ ب َي ْ َ س ّ م َ ب ال ُ حا ِ س َح َوال ّ الّرَيا ِ
, 164قال الشوكاني في –رحمه الله -في فتح القدير" :إن هذه اليات من
أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له ،وضاق ذهنه عن تصور
حقيقته .وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه ،وإنما جمع
السموات لنها أجناس مختلفة ،كل سماء من جنس غير جنس الخرى،
ووحد الرض لنها كلها من جنس واحد وهو التراب".
ئ له آية ..تدل على أنه الوحد ,إن التأمل في عظم خلق الله و في كل ش ٍ
تعالى باب عظيم إلى توحيد الله تعالى و اليمان بأسمائه الحسنى و صفاته
َْ
ل َوالن َّهاِر ف الل ّي ْ ِ خت َِل ِ ض َوا ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َق ال ّ خل ِ
ن ِفي َ ْ العلى قال تعالى )إ ِ ّ
َ ّ ّ َ َلَيا ٍ ُ
م
جُنوب ِهِ ْ دا وَع َلى ُ ما وَقُُعو ً ه قَِيا ً ن الل َ ن ي َذ ْك ُُرو َ ذي َ ب190ال ِ ت ِلوِلي اْلل َْبا ِ
َْ
كحان َ َ سب ْ َ ذا َباط ًِل ُ ت هَ َ ق َ خل َ ْ
ما َ ض َرب َّنا َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ق ال ّ خل ِ
ن ِفي َ ْ فك ُّرو َ وَي َت َ َ
ب الّنارِ ( 191آل عمران ,قال بن كثير –رحمه الله -في تفسيره: ذا َ قَنا ع َ َ فَ ِ
"قال لقمان الحكيم :إن طول الوحدة ألهم للفكرة وطول الفكرة دليل على
35 * كتاب
التوحيد .
طرق باب الجنة .وقال الحسن عن عامر بن عبد قيس قال :سمعت غير
واحد ول اثنين ول ثلثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون :إن
ضياء اليمان أو نور اليمان التفكر .وقال بشر بن الحارث الحافي :لو تفكر
الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه. "42
خل ْ ُ
ق فصل في عظم خلق السماء و دقته قال تعالى" :ل َ َ
س َل َ َ ْ َ
ول َك ِ ّ
ن أك ْث ََر الّنا ِ س َ
ق الّنا ِ
ن َ ْ
خل ِ ض أك ْب َُر ِ
م ْ والْر ِ ت َ
وا ِما َ
س َ ال ّ
ن "57غافر: مو َ عل َ ُ
يَ ْ
ً
و ذكر الدكتور زغلول النجار شيئا من الكشوف الكونية الحديثة فقال" :أن
نصف قطر الشمس يقدر بنحو سبعمائة ألف كيلو متر ويزيد حجم الشمس
علي مليون مرة قدر حجم الرض ,وتجري المجموعة الشمسية حول مركز
مجرة اللبانة مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون) مليون مليون(
نجم كشمسنا ,علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة
ضوئية ,ويقدر سمكه بعشر ذلك ,و تتجمع كل مجموعة من المجرات
لتكون ما يعرف باسم الحشود المجرية التي تضم أنواع من المجرات
المختلفة في الشكل و الحجم ,و منها المجموعة المحلية التي فيها مجرتنا
و تضم أكثر من عشرين مجرة و هناك حشود مجرية أكبر مثل حشد
مجرات برج العذراء والذي يضم مئات المجرات من مختلف النواع ,و هناك
أنواع من الحشود المجرية التي تحتوي على أعداد اكبر من المجرات و
الذي قد يصل إلى عشرة آلف مجرة ,و تتجمع هذه الحشود المجرية في
تجمعات تعرف باسم الحشود المجرية العظمى و منها الحشد المجري
المحلي العظم الذي يحتوي على المجموعة المجرية المحلية التي بها
مجرتنا ,و يضم هذا الحشد المجري المحلي العظيم قرابة المائة من
الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين
الضوئية ,ويبلغ سمكه عشر ذلك وهي نفس نسبة سمك مجرتنا) درب
اللبانة( إلى طول قطرها ,و أن الجزء الذي أدركوه من الكون به نحو مائتي
ألف مليون مجرة من أمثال مجرتنا ,و أن قطر هذا الجزء المدرك من
الكون أكثر من عشرين ألف مليون) أي عشرين بليونا( من السنين الضوئية
.وهذا الجزء المدرك من الكون مستمر في التساع منذ لحظة الخلق
الولي للكون وإلي أن يشاء الله ,وذلك بمعدلت فائقة تكاد تقترب أحيانا
من سرعة الضوء) المقدرة بنحو ثلثمائة ألف كيلو متر في الثانية( ,و
يعتقدون أن هذا الجزء المدرك من الكون أقل من عشرة في المائة فقط
من الجزء المحسوس من السماء الدنيا اهـ" .
و هذه الخبار مما يستأنس به في بيان عظم الخلق و دقته و إنما عظم
الخلق من عظم الخالق كمال قدرته ,فسبحان الذي بني السماء علي نمط
واحد بهذا النتظام الدقيق ,و هذه النجوم المنظمة في حشود مجرية دقيقة
زين َةٍ
ماَء الد ّن َْيا ب ِ ِ
س َ
إنما هي فقط في السماء الدنيا قال تعالى "إ ِّنا َزي ّّنا ال ّ
ب" ,فسبحان الذي خلق السماوات السبع ,و عن العباس بن عبد واك ِ ِال ْك َ َ
المطلب رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم " :هل تدرون كم بين السماء والرض ؟ .قلنا :الله ورسوله أعلم .
قال :بينهما مسيرة خمسمائة سنة ،ومن كل سماء إلى سماء مسيرة
خمسمائة سنة ،وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة ،وبين السماء
السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعله كما بين السماء والرض ،والله
تعالى فوق ذلك ،وليس يخفي عليه شيء من أعمال بني آدم " , 43و قوله
صلى الله عليه و آله و سلم "مسيرة خمسمائة سنة" غير معلوم الكيفية
بمعنى ان نوع السير ل نعلمه ,فنحن في عصر تفجر المعرفة ل ندرك من
السماء الدنيا إل عشرها و ما بين كل سماء و سماء مثل تلك المسافة التي
بين اللرض و السماء التي ل ندركها فسبحان الذي خلق السماء الدنيا ثم
سبحان الذي خلق السماوات السبع و عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله:
"أي ما أنزل عليك أعظم" قال" :آية الكرسي" ثم قال" :يا أبا ذر ما
السموات السبع مع الكرسي إل كحلقة ملقاة في أرض فلة وفضل
العرش على الكرسي كفضل الفلة على الحلقة. "44
وا فصل في عظم خلق النمل و دقته قال تعالى " :حّتى إ َ َ
ذا أت َ ْ ِ َ
م لَ َ
ُ
ساك ِن َك ْ م َ خُلوا َل ادْ ُ م ُها الن ّ ْ ة َيا أي ّ َمل َ ٌ قال َ ْ
ت نَ ْ ل َم ِ واِدي الن ّ ْ عَلى َ َ
ن "18النمل : عُرو َ ش ُ م َل ي َ ْ ه ْ
و ُ
جُنودُهُ َ و ُن َما ُسل َي ْ َ
م ُمن ّك ُ ْ
حط ِ َ يَ ْ
قال القرطبي –رحمه الله" : -ل إختلف عند العلماء أن الحيوانات كلها لها
أفهام وعقول وقد قال الشافعي الحمام أعقل الطير قال ابن عطية والنمل
حيوان فطن قوي شمام جدا يدخر ويتخذ القرى ويشق الحب بقطعتين لئل
ينبت ويشق الكزبرة بأربعة قطع لنها تنبت إذا قسمت شقين ويأكل في
عامه نصف ما جمع ويستبقي . "45و مما يدل على عظم خلق النمل ما
ذكره الدكتور زغلول النجار حيث قال" :إن النمل بحق مخلوقات منظمة
ذات قدرات خارقة ،تعمل ضمن خطة عمل واضحة من خلل البرنامج
الفطري الذي أودعه الله تعالى في دماغه .إن النمل يعيش ضمن
مستعمرات يقوم ببنائها وقد يتجاور عدد كبيرة من المستعمرات مكونا ً
مدينة أو واديا ً للنمل كما سماها القرآن الكريم ففي جبال بنسلفانيا إحدى
الوليات المريكية قد وجد مدينة للنمل بني معظمها تحت الرض وتشغل
مساحتها ثلثين فدانا ً حفرت فيها منازل النمل تتخللها الشوارع والمعابر
43المام أحمد في " المسند " ) ، (1/206وأبو دواد :كتاب السنة /باب في الجهمية ،والترمذي :
كتاب تفسير القرآن /سورة الحاقة ،وقال " :حسن غريب " ،وابن ماجة المقدمة /باب فيما
أنكرت الجهمية ،وابن أبي عاصم في " السنة " ) ، (577وابن خزيمة في " التوحيد " ) ، (144
والحاكم ) (2/288وصححه.
44قال القرطبي أخرجه ألجري وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده والبيهقي وذكر أنه صحيح ,و
قال اللباني صحيح لغيره ,الصحيحة 109
45تفسير القرطبي ج 13 :ص176 :
37 * كتاب
التوحيد .
للجيش فعندما تواجه مستعمرة النمل خطر ما نتيجة عدوان خارجي يتصدى
لهذا الهجوم نوع خاص من النمل تدعى الفراد المحاربة وتتميز عن غيرها
أنها أثقل من النملت الخرى ب) (300ضعفًا ،تقوم بالهجوم على كل شيء
غريب في أطراف المملكة".
عطى ك ّ
ل َ
فسبحان الذي خلق كل شئ ثم هداه قال تعالى" :رّبنا الذي أ ْ
خْلقه ثم هدى "50طه ,و ذكر الشنقيطي -رحمه الله -في أضواء شيء َ
البيان أقوال العلماء في الية ثم قال" :ول مانع من شمول الية الكريمة
ك أن الله أعطى الخلئق كل شيء لجميع القوال المذكورة .لنه ل ش ّ
يحتاجون إليه في الدنيا ،ثم هداهم إلى طريق النتفاع به .ول ش ّ
ك أنه
أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له ،وأعطى كل ذكر وأنثى
الشكل المناسب له من جنسه في المناكحة واللفة والجتماع .وأعطى كل
عضو شكله الملئم للمنفعة المنوطة به فسبحانه جل وعل؟ ما أعظم شأنه
وأكمل قدرته".
فصل في قول الله تعالى ) فليأتوا بحديث مثله ( الطور:
مث ْل ِ ِ
ه سوَرٍ ّ شرِ ُقال شيخ السلم بن تيمية رحمه الله) :قال تعالى" :فَأ ُْتوا ْ ب ِعَ ْ
ن "13هود ،ثم صاد ِِقي َ م َ ن الل ّهِ ِإن ُ
كنت ُ ْ دو ِ ست َط َعُْتم ّ
من ُ نا ْ عوا ْ َ
م ِ ت َواد ْ ُ
فت ََرَيا ٍ
م ْ
ُ
تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله ،فعجزوا عن ذا وذاك ،ثم تحداهم أن يأتوا
بسورة مثله فعجزوا؛ فإن الخلئق ل يمكنهم أن يأتوا بمثله ول بسورة مثله،
وإذا كان الخلق كلهم عاجزين عن التيان بسورة مثله ـ ومحمد صلى الله
عليه و آله و سلم منهم ـ علم أنه منزل من الله ،نزله بعلمه ،لم ينزله بعلم
مخلوق ،فما فيه من الخبر ،فهو خبر عن علم الله "قُ ْ َ
ذي ي َعْل َ ُ
م ه ال ّ ِل أنَزل َ ُ
ض" لن فيه من السرار التى ل يعلمها إل الله ما َْ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َسّر ِفي ال ّ ال ّ
يدل على أن الله أنزله ،فذكره ذلك يستدل به تارة على أنه حق منزل من
الله ،لكن تضمن من الخبار عن أسرار السموات والرض والدنيا والولين
والخرين وسر الغيب ما ل يعلمه إل الله .فمن هنا نستدل بعلمنا بصدق
أخباره أنه من الله . (46
هاَر والن ّ َ ل َعل َْنا الل ّي ْ َ ج َو َفصل و من الخبار المعجزة قوله تعالىَ ) :
ضل ً ف ْ غوا َ صَرةً ل ِت َب ْت َ ُ مب ْ ِ
ر ُها ِ
ة الن ّ َعل َْنا آي َ َ
ج َ
و َ
ل َة الل ّي ْ ِ
وَنا آي َ َ ح ْم َ
ف َ ن َ آي َت َي ْ ِ
ه ْ
صلَنا ُ ف ّء َ ي ٍ ش ْ ل َ وك ُ ّ ب َسا َ ح َ ْ
وال ِ ن َ سِني َ عدَدَ ال ّ موا َ َ
عل ُ ول ِت َ ْم َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ ِ
ل( )السراء:(12: صي ً ف ِ تَ ْ
قال المفسرون آية الليل هي القمر و آية النهار هي الشمس .قال ابن
عباس :عن قوله تعالى :فمحونا آية الليل " لقد كان القمر يضيء
كالشمس فطمسنا ضوءه " .و هذه الحقيقة التي نعمها منذ ألف و أربعمائة
مجموع الفتاوى -الجزء الرابع عشر – فصل " لكن الله يشهد بما أنزل إليك .......... 46
39 * كتاب
التوحيد .
و منها قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم " :إن
شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها:
عن أنس بن مالك" :أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا
فصحوا ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن السلم وساقوا ذود
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم
في الحرة حتى ماتوا , "50قال النووي في شرحه على صحيح مسلم" :
فاجتووها أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم قالوا وهو مشتق من
الجوى وهو داء في الجوف" اهـ ,يقول بن القيم -رحمه الله تعالى" : -و
هذا الداء الذي أصابهم و هو الستسقاء ل يكون إل مع آفة في الكبد خاصة
أو مع مشاركة وأكثرها عن السدد فيها ولبن اللقاح العربية نافع من السدد
لما فيه من التفتيح والمنافع المذكورة قال الرازي لبن اللقاح يشفي أوجاع
الكبد وفساد المزاج و بنحوه قال أهل الطب كالسرائيلي و صاحب
القانون , "51و لذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم" :إن
شئتم أن تخرجوا إلى ابل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا
فصحوا" لقد أكد أهل الطب حديثا ً بعد إجراء العديد من البحوث و التجارب
العلمية نجاح أبوال البل و ألبانها لعلج أمراض الستسقاء و أورام الكبد
بإذن الله تعالى ,و ممن أكد ذلك الدكتور أحمد عبد الله أحمداني , 52و
الدكتور محمد أوهاج محمد , 53فمن أخبر رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم أن هذا الداء الذي بالجوف يشفى بإذن الله تعالى بتناول ألبان و أبوال
البل ؟ .
50متفق عليه
51الطب النبوي -فصل في هدية في داء الستسقاء وعلجه -بتصرف
52عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية ,ذكرت أبحاثه –الوطن –جدة –أمجاد
محمود رضا
53مهندس تكنولوجيا الكيمياء التطبيقية بجامعة الجزيرة السودان
42 * كتاب
التوحيد .
الكتاب الثالث
بيان فقر العباد إلى الله العلي
العظيم و أنه ل مفر من الله إل
إليه
س نا
ّ ال ها ي باب في قول الله جل ذكره )يا أ َ
ُ َ ّ َ
َ
د
مي ُ ح ِي ال ْ َغن ِ ّ و ال ْ َه َه ُ والل ّ ُه َ قَراءُ إ َِلى الل ّ ِ
ف َ م ال ْ ُ أن ْت ُ ُ
ْ شأ ْ يذْهبك ُم ويأ ْ
ما و ََ 16 د
ٍ دي ِ ج
َ قٍ ل خ
َ ِ ب تِ ن يَ َ ُ ِ ْ ْ َ َ 15إ ِ ْ
زيز (17فاطر ع ِ ه بِ َ عَلى الل ّ ِك َ ذَل ِ َ
تمهيد:
الحمد لله على كماله في صفاته و أسمائه و أفعاله ,الحي القيوم القائم
بنفسه و بأمره يقوم كل شئ ,فل حاجة له في الخلق و كلهم في حاجةٍ إليه
فهو الصمد الذي تصمد الخلئق إليه ,فسبحانه سبحانه ما أعظم شأنه ,و
لما كانت سورة النعام سورة التوحيد التي تقيم الحجج على الكافرين و
المعاندين ,متضمنه لكثير من اليات الدالة على كمال غنى الله و عظمته و
كمال فقر الخلق إلى الله تعالى فل يسعني إل ذكر آيات منها و بيان ما فيها
من عظمة الله تعالى.
َ
ع َ
ل ج َ و َ ض َ واْلْر َ ت َ وا ِ ما َس َ ق ال ّ خل َ َ
ذي َ ه ال ّ ِ مدُ ل ِل ّ ِ ح ْ قال تعالى "ال ْ َ
ذي و ال ّ ِ ه َ نُ 1 دُلو َ ع ِ م يَ ْه ِْ فُروا ب َِرب ّ ن كَ َذي َ م ال ّ ِ والّنوَر ث ُ ّ ت َ ما ِ الظّل ُ َ
َ ضى أ َجًل َ خل َ َ
مم أن ْت ُ ْ عن ْدَهُ ث ُ ّمى ِ س ّ م َل ُ ج ٌ وأ َ َ َ ق َ م َ ن ثُ ّ ٍ طي
ن ِ م ْ
م ِ قك ُ ْ َ
َ
سّرك ُ ْ
م م ِ عل َ ُ
ض يَ ْفي الْر ِ
ْ و ِ ت َ وا ِ ما َس َ في ال ّ ه ِ و الل ّ ُ ه َو ُ
نَ 2 مت َُرو َ تَ ْ
43 * كتاب
التوحيد .
ْ
مه ْ ت َرب ّ ِ ن آَيا ِ م ْ ة ِ ن آي َ ٍ م ْ م ِ ه ْ ما ت َأِتي ِ و َ نَ 3 سُبو َ ما ت َك ْ ِ م َ عل َ ُ وي َ ْ م َ هَرك ُ ْ ج ْ و َ َ
ف
و َ س ْ ف َ م َ ه ْ جاءَ ُ ما َ قل ّ َ ح ّ ْ
قدْ ك َذُّبوا ِبال َ ف َ نَ 4 ضي َ ر ِ ع ِ م ْ ها ُ عن ْ َ كاُنوا َ إ ِل َ ّ
َ َ َ ي َأ ِْتي
نم ْ هل َك َْنا ِ مأ ْ وا ك َ ْ م ي ََر ْ ن 5أل َ ْ زُئو َ ِ ه
ست َ ْ ه يَ ْ كاُنوا ب ِ ِ ما َ م أن َْباءُ َ ه ْ ِ
سل َْنا في اْل َرض ما ل َم ن ُمك ّن ل َك ُم َ مك ّّنا ُ ن َ َ
وأْر َ ْ َ ْ َ ْ ْ ِ َ م ِ ه ْ ن َ قْر ٍ م ْ م ِ ه ْ ِ قب ْل ِ
َ
مه ْ حت ِ ِ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ هاَر ت َ ْ عل َْنا اْلن ْ َ ج َ و َ مدَْراًرا َ م ِ ه ْ ِ عل َي ْ ماءَ َ س َ ال ّ
م َ ْ وأن ْ َ َ هل َك َْنا ُ فأ َ ْ َ
ن "6يحمد الله ري َ خ ِ قْرًنا آ َ ه ْ د ِ ع ِ ن بَ ْ م ْ شأَنا ِ م َ ه ْ م ب ِذُُنوب ِ ِ ه ْ
نفسه على كماله و عظمته و يدل على ذلك مما يظهر أمام الخلق ,خلق
السماوات و الرض و هذا من عظيم خلقه لكم ,الذي تحتاجون إليه أعظم
ب تحت الرض و كيف بحاجته إلى مجرد الحاجة فكيف بمن حبس في سردا ٍ
النظر إلى السماء؟ و كيف به إذا أخرج إلى الهواء الطلق؟ دع هذا و هذا و
كيف بمن ركب البحر؟ بل كيف حاله عند أول قدم ٍ يضعها على الرض بعد
نزوله من الفلك؟ و ل شك أن حاجات الخلق إلى السماء أو الرض ل
تحصى و الخلق كل الخلق يعلمون عظم السماء و الرض و شدة حاجتهم
إليها و لذلك فمن نعم الله الظاهرة أن خلق لكم السموات و الرض
العظيمتين؟ فكيف عظمة الخالق و كماله؟ و أين شكركم إياه؟ و آية منه
أن جعل الظلمات و النور التي تذكر بعظيم خلقه و من عظم قدرته أن
الرض هي الرض و اختلف اليل و النهار عليها يقلبها من الكآبة إلى النضرة
و من الحر إلى البرد ,فيال عظمة الله تعالى و فقر الخلق إليه ,و من
العجيب أن يجحد البعض حق الله تعالى في العبادة و يعدل به إلى غيره
من المعبودات الباطلة و الله تعالى هو الذي خلقه كما خلق حاجته و كل
ذلك بكماله و حكمته و حدد مدة َ إقامته ,و هو في علوه بقدرته يحيط بكل
حالته فيال فقر العبد و صغارته ,و ما أبعده بتكذيبه و كفره عن الُهدى و
حقيقته ,و ل يضر الله ذلك شيئا ً بل هو القادر على أن يأخذه بذنبه و
خطيئته ,فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم.
ل ل ِل ّ ِ
ه ق ْ ض ُ َ ت َ ْ ق ْ و قال الله تعالى " ُ
والْر ِ وا ِ ما َ س َ في ال ّ ما ِ ن َ م ْ ل لِ َ
ه
في ِ ب ِ ة َل َري ْ َ م ِ قَيا َ وم ِ ال ْ ِ م إ َِلى ي َ ْ عن ّك ُ ْ م َ ج َ ة ل َي َ ْ م َ ح َ ه الّر ْ س ِ ف ِ عَلى ن َ ْ ب َ ك َت َ َ
َ
في ن ِ سك َ َ ما َ ه َ ول َ ُ ن َ 12 مُنو َ ؤ ِ م َل ي ُ ْ ه ْ ف ُ م َ ه ْ س ُ ف َ سُروا أن ْ ُ خ ِ ن َ ذي َ ال ّ ِ
ول ِّيا خذُ َ ه أ َت ّ ِ غي َْر الل ّ ِ ل أَ َ ق ْ م ُ 13 عِلي ُ ع ال ْ َ مي ُ س ِ و ال ّ ه َ و ُ ر َ ِ ها والن ّ َ ل َ الل ّي ْ ِ
ُ ْ َ
ت مْر ُ ل إ ِّني أ ِ ق ْ م ُ ع ُ وَل ي ُطْ َ م َ ع ُ و ي ُطْ ِ ه َ و ُ ض َ والْر ِ ت َ وا ِ ما َ س َ ر ال ّ طِ ِ فا َ
َ َ َ َ
ل إ ِّني ق ْ ن ُ 14 كي َ ر ِ ش ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كون َ ّ وَل ت َ ُ م َ سل َ َ نأ ْ م ْ ل َ و َ نأ ّ كو َ نأ ُ أ ْ
ه عن ْ ُ ف َ صَر ْ ن يُ ْ م ْ ظيم ٍ َ 15 ع ِ وم ٍ َ ب يَ ْ ذا َ ع َ ت َرّبي َ صي ْ ُ ع َ ن َ ف إِ ْ خا ُ أَ َ
ضّر ه بِ ُ ك الل ّ ُ س َ س ْ م َ ن يَ ْ وإ ِ ْ ن َ 16 مِبي ُ وُز ال ْ ُ ف ْ ك ال ْ َ وذَل ِ َ ه َ م ُ ح َ قدْ َر ِ ف َ ذ َ مئ ِ ٍ و َ يَ ْ
ء
ي ٍ ش ْ ل َ عَلى ك ُ ّ و َ ه َ ف ُ ر َ خي ْ ٍ ك بِ َ س َ س ْ م َ ن يَ ْ وإ ِ ْ و َ ه َ ه إ ِّل ُ ف لَ ُ ش َ كا ِ فَل َ َ
خِبيُر "18و من م ال ْ َ كي ُ ح ِ و ال ْ َ ه َ و ُ ه َ عَباِد ِ وق َ ِ ف ْ هُر َ قا ِ و ال ْ َ ه َ و ُ ديٌر َ 17 ق ِ َ
ملك عظيم فقر الخلق إلى الله تعالى أنهم مملوكون لله تعالى فله كمال ال ِ
م ل ثُ ّ مَتاع ٌ قَِلي ٌ ن ك َفَُروا ِفي ال ْب َِلد ِ َ ذي َ ب ال ّ ِ قل ّ ُ ك تَ َ ملك ,و اعلم انه "َل ي َغُّرن ّ َ و ال ُ
44 * كتاب
التوحيد .
ْ
ملك الله د" فل يظن الظان أن تقلب الكافر في ِ مَها ُ س ال ْ ِ م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ َ
تعالى بقدرته ,ل بل بأمر من الله تعالى و حكمته إلى أن يجمع الله تعالى
الولين و الخرين إلى يوم ل ريب فيه ,فمن فقر الخلق إلى الله تعالى أنهم
مملوكون لله تعالى و وجودهم على هذه الرض و تحت هذه السماء بأمر
من الله تعالى إلى يوم ل يملكه و ل يعلمه إل الله تعالى ,و إذا كان العبد قد
أعطي ظاهرا ً من الملك أو الحكم في هذه الحياة الدنيا فتنة له فعدل أو
ظلم ,فليس لحد ذلك في الخرة بل عذاب ذلك اليوم العظيم بأمر الله
وحده من يصرفه عنه فقد فاز فوزا ً مبينًا ,و ليس ملك الله تعالى للعذاب أو
النعيم في الخرة فقط بل في الدنيا و الخرة و في كل حال و إن قدر
ب لذلك في الدنيا فالله تعالى هو الذي يكشف الضر و بكماله و حكمته أسبا ً
هو الذي يمس العبد بالخير و إن قدر لذلك أسبابا في الدنيا فكل ذلك ً
بقدرته ,و لذلك فالله تعالى هو القاهر فوق عباده فأمر الخلق كله في الدنيا
و الخرة ل يكون إل بإذن الله تعالى قال شيخ المفسرين في قوله تعالى
وهو القاهر فوق عباده" :القاهر المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم وإنما
قال فوق عباده لنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر
شيئا أن يكون مستعليا عليه فمعنى الكلم إذا والله الغالب عباده المذللهم
العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه
وهو الحكيم يقول والله الحكيم في علوه على عباده وقهره إياهم بقدرته
وفي سائر تدبيره الخبير بمصالح الشياء ومضارها الذي ل يخفى عليه
عواقب المور وبواديها ول يقع في تدبيره خلل ول يدخل حكمه دخل"
قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُر ّ
د ف َ ر َ عَلى الّنا ِ فوا َ ق ُ و ِ و ت ََرى إ ِذْ ُ ول َ ْ و قال تعالى " َ
ما م َ ه ْ دا ل َ ُ ل بَ َ ن 27ب َ ْ مِني َ ؤ ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ون َ ُ ت َرب َّنا َ ب ِبآَيا ِ وَل ن ُك َذّ َ َ
مه ْ وإ ِن ّ ُ ه َ عن ْ ُ هوا َ ما ن ُ ُ دوا ل ِ َ عا ُ َ
دوا ل َ و ُر ّ ول ْ َ ل َ قب ْ ُ ن َ م ْ ن ِ فو َ خ ُ كاُنوا ي ُ ْ َ
نعوِثي َ مب ْ ُ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ و َ حَيات َُنا الدّن َْيا َ ي إ ِّل َ َ ه
ن ِ قاُلوا إ ِ ْ و َ ن َ 28 كاِذُبو َ لَ َ
قاُلوا قا َ َ
ق َ ح ّ ذا ِبال ْ َ ه َ س َ ل أل َي ْ َ م َ ه ْ على َرب ّ ِ
فوا َ َ ق ُ و ِ و ت ََرى إ ِذْ ُ ول َ ْ َ 29
سَر خ ِ قدْ َ نَ 30 فُرو َ م ت َك ْ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ب بِ َ ذا َ ع َ ْ
قوا ال َ ذو ُ ف ُ ل َ قا َ وَرب َّنا َ ب ََلى َ
قاُلوا َيا ة َ غت َ ً ة بَ ْ ع ُ سا َ م ال ّ ه ُ جاءَت ْ ُ ذا َ حّتى إ ِ َ ه َ ء الل ّ ِ قا ِ ن ك َذُّبوا ب ِل ِ َ ذي َ ال ّ ِ
عَلى َ
م َ ه ْ وَزاَر ُ نأ ْ مُلو َ ح ِ م يَ ْ ه ْ و ُ ها َ في َ فّرطَْنا ِ ما َ عَلى َ سَرت ََنا َ ح ْ َ
ن "31و هذا من المواقف الخروية للعبد َ َ ُ
زُرو َ ما ي َ ِ ساءَ َ م أل َ ه ْ ر ِ هو ِ ظ ُ
الذي اغتر بما أوتي في هذه الحياة الدنيا و جحد فقره إلى الله تعالى ,هذه
المواقف تفضحه و تظهر و كمال فقره عجزه لله تعالى ,و تؤكد كمال عزة
الله تعالى و قهره على عباده ,و إنما كان تقلبهم في البلد بأمر من الله
غافًِل ع َ ّ
ما ه َ ن الل ّ َ سب َ ّح َ تعالى فتنة لهم و لغيرهم و لذلك قال تعالى "وََل ت َ ْ
َ
قن ِِعي م ْ ن ُ مهْط ِِعي َ صاُر ُ ص ِفيهِ اْلب ْ َ خ ُ ش َ م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ خُرهُ ْ ما ي ُؤ َ ّ ن إ ِن ّ َ مو َ ظال ِ ُل ال ّ م ُ ي َعْ َ
َ
واٌء" م هَ َ م وَأفْئ ِد َت ُهُ ْ م ط َْرفُهُ ْ م َل ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْهِ ْ سه ِ ْ ُرُءو ِ
45 * كتاب
التوحيد .
ن" فإن أقررتم بأن محياكم و مماتكم ليس لكم فيه من المر شئ و مُلو َ ت َعْ َ
أن الله وحده هو الذي يحي و يميت ,فاعلموا أن ليس محياكم و مماتكم
بأمر الله تعالى فقط ,بل يقظتكم و منامكم فالله عز وجل وحده هو الذي
ضى ك ال ِّتي قَ َ س ُ م ِ مَها فَي ُ ْ مَنا ِ ت ِفي َ م ْ م تَ ُموْت َِها َوال ِّتي ل َ ْ ن َ حي َ س ِ ف َ "ي َت َوَّفى اْل َن ْ ُ
َ ل اْل ُ ْ
قوْم ٍت لِ َك َلَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ مى إ ِ ّ س ّ م َ ل ُ ج ٍ خَرى إ َِلى أ َ س ُ ت وَي ُْر ِ مو ْ َ ع َل َي َْها ال ْ َ
ن" فاعلموا أن نواصيكم بيد الله تعالى و أمركم كله بيده محياكم و فك ُّرو َ ي َت َ َ
قاه ُِر فَوْ َ
ق مماتكم و في حال يقظتكم و منامكم و لذلك فالله تعالى "ال ْ َ
م َل َ
سل َُنا وَهُ ْ ه ُر ُ ت ت َوَفّت ْ ُ مو ْ ُم ال ْ َ حد َك ُ ُجاَء أ َ ذا َ حّتى إ ِ َ
ة َ فظ َ ً ح َم َ ل ع َل َي ْك ُ ْ س ُ عَباد ِهِ وَي ُْر ِ ِ
َ َ
سَرعُ م وَهُوَ أ ْ حك ْ ُه ال ْ ُ حقّ أَل ل َ ُ م ال ْ َ موَْلهُ ُ دوا إ َِلى الل ّهِ َ م ُر ّ ن 61ث ُ ّ طو َ فّر ُ يُ َ
ن" فأين للمشركين ,العدول عن من هذا وصفه ونعته ,إلى عبادة سِبي َ حا ِ ال ْ َ
من ليس له من المر شيء ,ول عنده مثقال ذرة من النفع ,ول له قدرة
وإرادة؟! أما والله لو علموا حلم الله عليهم ,وعفوه ورحمته بهم ,وهم
يبارزونه بالشرك والكفران ,ويتجرأون على عظمته بالفك والبهتان ,وهو
يعافيهم ويرزقهم لتجذبت ,دواعيهم إلى معرفته ,وذهلت عقولهم في حبه.
ولمقتوا أنفسهم أشد المقت ,حيث انقادوا لداعي الشيطان ,الموجب
للخزي والخسران ,ولكنهم قوم ل يعقلون.
ن م َ ي ِ ح ّ ج ال ْ َ ر ُ خ ِ وى ي ُ ْ والن ّ َ ب َ ح ّ ق ال ْ َ فال ِ ُ ه َ ن الل ّ َ و قال تعالى" :إ ِ ّ
َ
ن 95 كو َ ف ُ ؤ َ فأّنى ت ُ ْ ه َ م الل ّ ُ ي ذَل ِك ُ ُ ح ّ ن ال ْ َ م َ ت ِ مي ّ ِ ج ال ْ َ ر ُ خ ِ م ْ و ُ ت َ مي ّ ِ ال ْ َ
ك سَباًنا ذَل ِ َ ح ْ مَر ُ ق َ وال ْ َ س َ م َ ش ْ وال ّ سك ًَنا َ ل َ ل الل ّي ْ َ ع َ ج َ و َ ح َ صَبا ِ ق اْل ِ ْ فال ِ ُ َ
ها دوا ب ِ َ هت َ ُ م ل ِت َ ْ جو َ م الن ّ ُ ل ل َك ُ ُ ع َ ج َ ذي َ و ال ّ ِ ه َ و ُ عِليم ِ َ 96 ز ال ْ َ زي ِ ع ِ ديُر ال ْ َ ق ِ تَ ْ
و
ه َ و ُ ن َ 97 مو َ عل َ ُ وم ٍ ي َ ْ ق ْ ت لِ َ صل َْنا اْلَيا ِ ف ّ قدْ َ ر َ ح ِ وال ْب َ ْ ت ال ْب َّر َ ما ِ في ظُل ُ َ ِ
صل َْنا َ َ
ف ّ قدْ َ ع َ ودَ ٌ ست َ ْ م ْ و ُ قّر َ ست َ َ م ْ ف ُ ة َ حدَ ٍ وا ِ س َ ف ٍ ن نَ ْ م ْ م ِ شأك ُ ْ ذي أن ْ َ ال ّ ِ
َ
ماءً ء َ ما ِ س َ ن ال ّ م َ ل ِ ذي أن َْز َ و ال ّ ِ ه َ و ُ ن َ 98 هو َ ق ُ ف َ وم ٍ ي َ ْ ق ْ ت لِ َ اْلَيا ِ
حّبا ه َ من ْ ُ ج ِ ر ُ ِ خ
ضًرا ن ُ ْ خ ِ ه َ من ْ ُ جَنا ِ خَر ْ فأ َ ْ ء َ ي ٍ ْ ش ل َ ت كُ ّ ه ن ََبا َ جَنا ب ِ ِ خَر ْ فأ َ ْ َ
ب َ ن طَل ْ ِ
عَنا ٍ نأ ْ م ْ ت ِ جّنا ٍ و َ ة َ دان ِي َ ٌ ن َ وا ٌ قن ْ َ ها ِ ع َ م ْ ل ِ خ ِ ن الن ّ ْ م َ و ِ مت ََراك ًِبا َ ُ
ذا ه إِ َ ر ِ م ِ ه ان ْظُروا إ ِلى ث َ َ َ ُ شاب ِ ٍ مت َ َ غي َْر ُ و َ ها َ شت َب ِ ً م ْ ن ُ ما َ والّر ّ ن َ والّزي ُْتو َ َ
وم ٍ ي ُ ْ َ َ ُ َ
ن"99و كما أن الله مُنو َ ؤ ِ ت ل ِق ْ م لَيا ٍ في ذَل ِك ْ ن ِ ه إِ ّ ع ِ وي َن ْ ِ مَر َ أث ْ َ
تعالى له كمال الحاطه بخلقه فله تعالى كمال القدرة على إيجاد الخلق و
وى" التي ب َوالن ّ َ ح ّ نشأتهم و خلق حاجتهم فله كمال الغنى فالله "َفال ِقُ ال ْ َ
ينتفع بها الخلق و يفتقرون إليها إل أن يرزقهم الله إياها ,و له القدرة
جخرِ ُ م ْ ت وَ ُ مي ّ ِ ن ال ْ َ م َ ي ِ ح ّ ج ال ْ َ خرِ ُ المطلقة في الخلق و لذلك قال تعالى " ي ُ ْ
ي" فإذا كانت قدرة الله تعالى على مثل ذلك النحو له كمال ح ّ ن ال ْ َ م َ ت ِ مي ّ ِ ال ْ َ
جاَرة ً أ َْو ح َ كوُنوا ِ ل ُ القدرة على الخلق كما قال تعالى في موضع آخر " قُ ْ
ذي ل ال ّ ِ ن ي ُِعيد َُنا قُ ِ م ْ ن َ قوُلو َ سي َ ُ م فَ َ دورِك ُ ْ ص ُ ما ي َك ْب ُُر ِفي ُ م ّ قا ِ خل ْ ً دا 50أ َوْ َ دي ً ح ِ َ
َ مَتى هُوَ قُ ْ ُ ن إ ِلي ْ َ َ َ ُ َ
ن
سى أ ْ ل عَ َ ن َ قولو َ م وَي َ ُ سه ُ ْ ك ُرُءو َ ضو َ سي ُن ْغِ ُ مّرةٍ فَ َ ل َ م أوّ َ فَطَرك ْ
ريًبا "51مع عجز الخلق كل الخلق عن أي خلق كما قال تعالى "َيا ن قَ ِ كو َ يَ ُ
47 * كتاب
التوحيد .
َ
ن الل ّهِ ل َ ْ
ن دو ِ ن ُ م ْ ن ِ عو َ ن ت َد ْ ُ ذي َ ن ال ّ ِ ه إِ ّ مُعوا ل َ ُ ست َ ِ ل َفا ْ مث َ ٌ ب َ ضرِ َ س ُ أي َّها الّنا ُ
ف
ضعُ َ ه َ من ْ ُ ذوه ُ ِ ق ُ ست َن ْ ِ شي ًْئا َل ي َ ْ ب َ م الذ َّبا ُ سل ُب ْهُ ُ ن يَ ْ ه وَإ ِ ْ مُعوا ل َ ُ جت َ َ قوا ذ َُباًبا وَل َوِ ا ْ خل ُ ُ يَ ْ
ب" فإذا كانت قدرة الله تعالى على مثل هذا النحو مع مط ُْلو ُ ب َوال ْ َ طال ِ ُ ال ّ
القرار بعجز العالمين على أن يخلقوا ذبابا ً و لو اجتمعوا له فهل يعدل به
خل ُقُ أ َفََل ن َل ي َ ْ م ْ خل ُقُ ك َ َ ن يَ ْ م ْ
َ
تعالى إلى غيره من المعبودات الباطلة؟ " أفَ َ
ن كو َ مل ِ ُ ن الل ّهِ َل ي َ ْ دو ِ ن ُ م ْ م ِ مت ُ ْ ن َزع َ ْ ذي َ عوا ال ّ ِ ل اد ْ ُ ن" و قال تعالى )قُ ِ ت َذ َك ُّرو َ
َْ
ما ل َ ُ
ه ك وَ َ شْر ٍ ن ِ م ْ ما ِ م ِفيهِ َ ما ل َهُ ْ ض وَ َ ت وَل ِفي الْر ِ
ماَوا ِ َ س َ ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ قا َ مث ْ َ ِ
ن ظِهيرٍ ( 22سبأ ,و هل يكفر بالرحمن و هو الخالق القادر على َ م ْ م ِ من ْهُ ْ ِ
كل شئ؟ .
َ َ
ةم آي َ ٌ ه ْ جاءَت ْ ُ ن َ م ل َئ ِ ْ ه ْ ِ مان ِ هدَ أي ْ َ ج ْ ه َ موا ِبالل ّ ِ س ُ ق َ "أ ْ و قال تعالىَ :
َ ّ ْ ل َي ُ ْ
تجاءَ ْ ذا َ ها إ ِ َ م أن ّ َ عُرك ُ ْ ش ِ ما ي ُ ْ و َ ه َ عن ْدَ الل ِ ت ِ ما الَيا ُ ل إ ِن ّ َ ق ْ ها ُ ن بِ َ من ُ ّ ؤ ِ
فئ ِدت َهم َ َ
ه
مُنوا ب ِ ِ ؤ ِ م يُ ْ ما ل َ ْ م كَ َ ه ْ صاَر ُ وأب ْ َ بأ ْ َ ُ ْ َ قل ّ ُ ون ُ َ ن َ 109 مُنو َ ؤ ِ َل ي ُ ْ
و أ َن َّنا ن َّزل َْنا ول َ ْ ن َ 110 هو َ م ُ ع َ م يَ ْ ه ْ غَيان ِ ِ في طُ ْ م ِ ه ْ ون َذَُر ُ ة َ مّر ٍ ل َ و َ أ ّ
َ
ما قب ًُل َ ء ُ ي ٍ ش ْ ل َ م كُ ّ ه ْ علي ْ ِ
شْرَنا َ َ ح َ و َ وَتى َ م ْ م ال ْ َ ه ُ م ُ وك َل ّ َ ة َ مَلئ ِك َ َ م ال ْ َ ه ُ ِ إ ِل َي ْ
ن "111فلله هُلو َ ج َ م يَ ْ ه ْ ن أ َك ْث ََر ُ ول َك ِ ّ ه َ شاءَ الل ّ ُ ن يَ َ َ
مُنوا إ ِّل أ ْ ؤ ِ كاُنوا ل ِي ُ ْ َ
كمال العزة و لله كمال القهر على عباده في الدنيا و الخرة و هذا ظاهٌر
جلي ,إل أن بعض القوم كفروا بكمال قدرة الله تعالى و كمال قهره عليهم
و منهم من ظن أن الهداية بيديه و أنه لو شاء اهتدى و لو لم يشأ لم يهتدي
فالمر إليه و ليس إلى الله تعالى و يحدد البعض أنه لو جائتهم آية ليؤمنن
َ َ
ن ب َِها" و هذا خطأ في من ُ ّ ة ل َي ُؤ ْ ِ م آي َ ٌ جاَءت ْهُ ْ ن َ م ل َئ ِ ْ مان ِهِ ْ جهْد َ أي ْ َ موا ِبالل ّهِ َ س ُ بها " وَأقْ َ
الفهم و سوء ظن بالله لنهم ينفون بذلك كمال قهر الله فوق عباده و انه
ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن و زعموا أنه ما شائوا كان و ما لم يشاؤوا
ذام أ َن َّها إ ِ َ شعُِرك ُ ْ ما ي ُ ْ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ ت ِ ما اْلَيا ُ ل إ ِن ّ َ لم يكن و لذلك قال تعالى" :قُ ْ
ن" لن الله عز وجل هو القاهر فوقهم فليس ملك الله تعالى مُنو َ ت َل ي ُؤ ْ ِ جاَء ْ َ
للمور الحسية و حسب كالسماوات و الرض و البدان و نحو ذلك ل بل
يتعدى ذلك بكثير فالله مالك كل شئ ,يملك أفئدتكم و يقلبها كيف يشاء و
ة
مّر ٍ ل َ مُنوا ب ِهِ أ َوّ َ م ي ُؤ ْ ِ ما ل َ ْ م كَ َ صاَرهُ ْ
َ
م وَأب ْ َ ب أفْئ ِد َت َهُ ْ
َ
قل ّ ُ لذلك قال تعالى " وَن ُ َ
َ
موَْتى م ال ْ َ مه ُ ُ ة وَك َل ّ َ مَلئ ِك َ َ م ال ْ َ ن وَل َوْ أن َّنا ن َّزل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ مُهو َ م ي َعْ َ م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ وَن َذ َُرهُ ْ
َ َ
ن أك ْث ََرهُ ْ
م ه وَل َك ِ ّ شاَء الل ّ ُ ن يَ َ مُنوا إ ِّل أ ْ كاُنوا ل ِي ُؤ ْ ِ ما َ يٍء قُب ًُل َ ش ْ ل َ م كُ ّ شْرَنا ع َل َي ْهِ ْ ح َ وَ َ
ن" فالهداية إليه ل إليهم بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو جهَُلو َ يَ ْ
الفعال لما يريد "ل يسأل عما يفعل وهم يسألون" لعلمه وحكمته وسلطانه
وقهره وغلبته و لذلك فإن شئتم الهداية حقا ً فاطلبوها من الله بصدق ,إل
أن الكافرين أبو إل العند على الباطل فكانوا كفارا ً معاندين على كفرهم و
جحدهم لقهر الله عليهم و أنه ما شا الله كان و ما لم يشأ لم يكن ,فكتب
الله عليهم غبنا ً عظيما ً ما كانوا ليأخذوا به لو أن المر كله إليهم كما زعموا
و أقسموا على ذلك فمن عظيم غبنهم أنهم قبلوا اللشئ و هي الدنيا في
48 * كتاب
التوحيد .
جت َن َُبوا نا ْ ذي َ وال ّ ِ باب في قول الله جل ذكره " َ
ها َ غوت أ َ
م
ه ُ ه لَ ُ وأَناُبوا إ َِلى الل ّ ِ َ َ دوُ ُ ب ع ْ َ ي ن
ْ طا ُ َ ال ّ
نعو َ م ُ ست َ ِ ن يَ ْ ذي َ عَباِدي 17ال ّ ِ شْر ِ فب َ ّ شَرى َ ال ْب ُ ْ
م
ه ُ دا ُ ه َ ن َ ذي َ ك ال ّ ِ ه ُأول َئ ِ َ سن َ ُ ح َنأ ْ
َ
عو َ في َت ّب ِ ُ ل َو َق ْال ْ َ
ب "18الزمر باَ ْ لهم ُأوُلو اْل َ ُ َ
ك ِ ئ َ ل أوالل ّه و ُ
ِ ْ ُ َ
قرأت كتيب "كنت قبوريًا" للستاء عبد المنعم الجداوي فألفيته كتابا ً سلس
السلوب مرح العبارة جيد الفكرة قد أوضح فيه من المعاني الضيق و
الظلمة التي يعيش فيها قلب من أشرك مع الله شيئا ,و النور و السعة
التي يخرج إليها القلب إذا ما نبذ ذلك الشرك و أهله و قد جمعت نقول ً من
49 * كتاب
التوحيد .
كتيبه المبارك ركزت فيه على هاذين المرين" :يقول لقد كنت من كبار
ظمي القبور ،فل أكاد أزور مدينة بها أي قبر أو ضريح لشيخ عظيم إل مع ّ
وأهرع فورا ً للطواف به ...سواء كنت أعرف كراماته أو ل أعرفها ..أحيانا ً
أخترع لهم كرامات ...أو أتصورها ..أو أتخيلها ..فإذا نجح ابني هذا العام ..
شفيت كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور ..وإذا ُ
زوجتي ،كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الـذي ذبحته للشيخ
العظيم فلن ولي الله ! , "..و بعد أن أشرقت عليه شمس التوحيد و نورها
الذي يقوم على قطع العلئق عن غير الله تعالى و منه شرك الضرحة و
بعد ان قرأ كتاب "شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني
عشر الهجري" سطع نور التوحيد في قلبه الذي ظل خافتا ً كثيرا يقول:
"ومضيت أقرأ ومع كل صفحة أشعر أنني أخلع من جدار الوهم في أعمـاقي
حجرا ً ضخما ً ..وحينما بلغت منتصف الكتاب كانت فجوة ً كبيرة ً داخلي قد
انفتحت ،وتسلل منها ومعها نور اليقين , " ..إن تعلق القلوب بغير الله
تعالى في جلب النفع و دفع الضر مصيبة فهو يعني تعلقها بعباد الله في
جلب النفع و دفع الضر و العتماد على عجزهم و ضعفهم و فقرهم و
العيش في عالم الخرافات و الخزعبلت يقول حاكيا ً عن ابنة خالته" :و
ت من الصعيد ،ومعها هذا الخروف البكر الرشيق الذي روت لي أنها قدم ْ
انفقت في تربيته ثلثة أعوام هي عمر ابنها؛ لنها نذرت للسيد البدوي إذا
عاش ابنها ..أن تذبح على أعتابه )) خروفا ً (( ،وبعد غد يبدأ العام الثالث
موعد النذر ! ," ..و الرجل بدوره خالفهم لذلك و عجب لشركهم و فرحهم
به فلما صح قلبه صحت بصيرته فرأى ذلك الفعل منكر من أعظم
المنكرات و أن ذلك من عبادة العباد و أنه حبس للقلب في مقبرة ضيقة و
مظلمة و أنه ينبغي عليهم ان يخرجوا منها فورا ً إلى جنة التوحيد الواسعة
التي يشرف عليها نور الله تعالى نور الوحي فإن هذه الجنة من لم يدخلها
لم يدخل جنة الخرة ,و لذلك فأنكره عليهم و نهاهم عن الذهاب إلى
دجل ، البدوي و عن الشرك عنده ,و أظهر مقته و عداءه لمحترفي ال ّ
دسون الموال عاما ً بعد وحراس المقابر ،وسدنة الضرحة ،والذين ُيك ّ
عام ..من بيع البركات ،وتوزيع الحسنات على طلب المقاعد في الجنة ..
فالمقاعد محدودة والوقت قد أزف !..ول حول ول قوة إل بالله العلي
العظيم " !..إل أن ابنة خالته و زوجها أصروا على تقديم القربان للبدوي و
نأوا عن عن نور العقيدة و ركون إلى ظلمة الخزعبلت و قد أدى ذلك بهم
إلى أضرار بالغة عادوا بجزء من الذبيحة التماسا ً للبركة إل أنه فسد لطول
المسافة و أصيب كل من اكل منه بنزلة معوية لم أثرت كثيرا ً على الطفل
و لم يذهبوا للطبيب و انتظروا بركات البدوي فمات الطفل ,أصيبت المرأة
بصدمة عصبية فقدت وعيها ..أصابتها لوثة ذهب أهلها يطوفون بها على
بعض الضرحة والكنائس ,و لما طلب الزوج ان يذهبوا بها إلى الطبيب
50 * كتاب
التوحيد .
رفضوا فطلقت ,اضطر أهل المرأة أخيرا ً أن يعالجوها عند طبيب فتحسنت
حالتها كثيرا ً بفضل الله تعالى فقد أخذوا بالسباب ,أنار الله تعالى قلب
زوجها الذي طلقها بالتوحيد يقول الستاذ عبد المنعم عنه " :أصبح إنسانا ً
جديدا ً ...فالعبارات التي كانت تجري على لسانه ..من القسام تارة
بالمصحف ،وتارة بالنبياء ،وتارة ببعض المشايخ قد اختفت نهائيا ً ..وعاد
يمارس حياته بأسلوبه الرجل الذي ل يعبد غير الله ،ول يخشى إل الله ،ول
يرجو سوى الله , " ..طلبوا منه أن يعيد المرأة فإن ذلك سيحسن حالتها
بإذن الله تعالى ,فوافق و اشترط عليهم أن يتخلى أبويها عما يحملون من
معتقداتهم شركية و خزعبلت ففعل و رد المرأة و أشرقت القلوب بنور
ربها نور التوحيد إفراد الله تعالى و حده بكل العبادة التي شرع و نبذ
الشرك و أهله ,إن القلوب إذا ما أشرقت بنور ربها علمت أن ما كانت فيه
إنما هو الضيق و الظلمة و أنه من ظلم صاحبها بها "إن الشرك لظلم
عظيم" ,يقول الستاذ عبد المنعم ختاما ً بعد أن أنجاه الله تعالى من
ظلمة دعاء غير الله " :وليس هناك من سبيل لخروجنا من هذا المأزق
الجتماعي ،والحضاري سوى تنقية العقيدة مما ألصق بها وعلق بها من
الشوائب التي ليست من الدين في شيء !..فحينما يصبح )) التوحيد ((
أسلوب حياة ،وثقافة ،وعقيدة ...سوف تختفي من أفقنا وإلى البد ..هذه
الغيوم ..غيوم الخرافات ،والدجل ،والشعوذة ،والكهانة التي ل تقوى .
} ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين { "اهـ .
النفسي فصرت أبحث عما يملؤه فسهرت وشربت الخمرة ...لكن هذا لم
ينفعني بل زادني فراغا .انتقلت إلى مدينة أخرى شعرت فيها بشيء من
الستقرار ،فقد كان عملي جيدا .قررت البحث عما يوفر لي الستقرار
النفسي ففكرت في الذهاب إلى المكتبة لشراء موسوعة الديان .أرسلت
إلى أحد المراكز السلمية أطلب كتبا تشرح لي السلم .وصلتني الكتب ،
وقرأتها خلل ثلثة أيام ،وفي اليوم الرابع أسلمت .يوم إسلمي هو يوم
ميلدي الحقيقي .الحمد لله على نعمة السلم. "54
الكتاب الرابع
بعض المسائل و الصول في
ضبط باب التوحيد
54ميلنا " مسلمة بريطانية ,نشرت قصتها مجلة " الدعوة " السعودية -العدد 1500في زاوية هكذا
أسلمت
52 * كتاب
التوحيد .
َ
من قَب ْل ِ َ
ك سل َْنا ِ
ما أْر َ
فيه الكتب ،وبذلك أرسل المرسلين ،فقال عز وجل" :وَ َ
َ َ
ن "52النبياء ،والتصديق دو ِ ه ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ أَنا َفاع ْب ُ ُ حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ
ل إ ِل ّ ُنو ِسو ٍ
من ّر ُ
ِ
((10
بذلك قول باللسان ،وتصديق بالجنان ،وعمل بالركان " .وعرف القاضي
أبو يعلى -رحمه الله -اليمان فقال " :وأما حد اليمان في الشرع فهو
جميع الطاعات الباطنة والظاهرة ،والباطنة أعمال القلب ،وهو تصديق
القلب ،والظاهرة هي أفعال البدن الواجبات والمندوبات , " ((12وقال قوام
السنة إسماعيل الصبهاني _ رحمه الله _ " :اليمان في الشرع عبارة عن
جميع الطاعات الظاهرة والباطنة " ((1وعلى كل فأقوال السلف في مثل
هذا المعنى كثيرة جدًا ،يصعب حصرها في هذا المبحث القصير.((2
حرص السلف على بيان كون اليمان قول و عمل :
سلف :اليمان قول وعمل أراد ن من قال من ال ّ قال شيخ السلم بن تيمية إ ّ
نقول القلب والّلسان وعمل القلب والجوارح ،ومن أراد العتقاد رأى أ ّ
ظاهر أو خاف ذلك فزاد العتقاد لفظ القول ل ُيفهم منه إل ّ القول ال ّ
بالقلب ،ومن قال :قول وعمل ونية؛ قال :القول يتناول العتقاد وقول
ما العمل؛ فقد ل ُيفهم منه الن ّّية ) الخرص من أعمال القلب ( الّلسان ،وأ ّ
ن ذلك سّنة ) النقياد من أعمال القلوب ( ؛ فل ّ فزاد ذلك ،ومن زاد اتباع ال ّ
ل قول وعمل، سّنة ،وأولئك لم يريدوا ك ّ كّله ل يكون محبوبا ً لله إل ّ باّتباع ال ّ
إّنما أرادوا ما كان مشروعا ً من القوال والعمال ،ولكن كان مقصودهم
الّرد ّ على المرجئة الذين جعلوه قول ً فقط؛ فقالوا :بل هو قول وعمل.
سروا مرادهم كما سئل سهل بن عبدالله والذين جعلوه أربعة أقسام ف ّ
ن اليمان إذا الّتستريّ عن اليمان :ما هو؟ فقال :قول وعمل ونّية وسّنة؛ ل ّ
كان قول ً بل عمل فهو كفر ،وإذا كان قول ً وعمل ً بل نّية فهو نفاق ،وإذا كان
قول ً وعمل ً ونّية بل سّنة فهو بدعة(*.
فصل حول الركن الول في اليمان ) القرار باللسان ( و بيان
لزوم النطق بالشهادة لثبوت الحكم السلم:
اليمان بقلبه ،ولم ينطق به بلسانه دون تقية ،فهو كافر عند الله تعالى،
وعند المسلمين .((2وقال ابن تيمية " :من لم يصدق بلسانه مع القدرة ،ل
يسمى في لغة القوم مؤمنًا ،كما اتفق على ذلك سلف المة من الصحابة
والتابعين لهم بإحسان . " ((2 .فها هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه و
آله و سلم يعلنها صراحة أن دين محمد ٍ صلى الله عليه و آله و سلم هو
الدين الحق حيث يقول ,ولقد علمت أن دين محمد *** من خير أديان
البرية دينا ,و لول الملمة أو حذار مسبةٍ *** لرأيتني سمحا ً بذاك مبينا .
فهو مصدق بأنه الدين الحق و مصدق بالله تعالى إل أنه لم ينطق بالسانه و
لم يشهد شهادة التوحيد فمات كافرا ً لنه لم يقل الكلمة التى طلب منه
رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقولها و هى كلمة التوحيد فقال النبي
صلى الله عليه و سلم " :لستغفرن لك ما لم أنه عنك" .فأنزل الله عز
وجل )ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي
قربى . ( 59فلم يثبت له حكم السلم و كان يؤمن بقلبه أن دين السلم هو
الحق .
الرد على من ادعى عدم كفاية الشهادتين للحكم بالسلم
ابتداءً :
قال العلمة النووي ) واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين
على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ول يخلد فى النار ل يكون
ال من اعتقد بقلبه دين السلم اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ونطق
بالشهادتين فان اقتصر على أحداهما لم يكن من أهل القبلة أصل ال اذا
عجز عن النطق لخلل فى لسانه أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية أو
لغير ذلك فانه يكون مؤمنا أما اذا أتى بالشهادتين فل يشترط الوقوف أن
يقول وأنا برىء من كل دين خالف السلم ال اذا كان من الكفار الذين
يعتقدون اختصاص رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى العرب فانه
ل يحكم باسلمه ال بأن يتبرأ من ذلك ,ومن أصحابنا أصحاب الشافعى
رحمه الله من شرط أن يتبرأ مطلقا وليس بشىء أما اذا اقتصر على قوله
ل اله ال الله ولم يقل محمد رسول الله فالمشهور من مذهبنا ومذاهب
العلماء أنه ليكون مسلما ومن أصحابنا من قال يكون مسلما ويطالب
بالشهادة الخرى فان أبى جعل مرتدا ويحتج لهذا القول بقوله صلى الله
عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل اله ال الله فاذا قالوا ذلك
عصموا منى دماءهم وأموالهم وهذا محمول عند الجماهير على قول
* قال شيخ السلم بن تيمية ...والكفر :عدم اليمان باتفاق المسلمين ،سواء اعتقد نقيضه وتكلم به
أو لم يعتقد شيئا ً ولم يتكلم ،ول فرق في ذلك بين مذهب أهل السنة والجماعة الذين يجعلون اليمان
*
قول ً وعمل ً بالباطن والظاهر وقول من يجعله نفس اعتقاد القلب؛ كقول الجهمية وأكثر الشعرية
))مجموع الفتاوى(( ).(88 - 85 / 20
) (2المحلى 1/50وانظر كتابه "الدرة" ص . 326
) (2مجموع الفتاوى . 7/337
59التوبة113 :
57 * كتاب
التوحيد .
البخاري برقم – 4339و النسائي برقم – 8569و أحمد . 151 , 150 \2 65
58 * كتاب
التوحيد .
ما تقرر في دين الله تعالى و انعقد اجماع أهل العلم عليه فقد ابتغى غير
سبيل المؤمنين و قد ضل سواء السبيل .
من شهد الشهادتين و هو متلبس بكفر فأقام عليه عالم
الحجة :
66
قال الحافظ في الفتح قال البغوي" :الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا ل يقر
بالوحدانية فإذا قال ل إله إل الله حكم بإسلمه ثم يجبر على قبول جميع
أحكام السلم ويبرأ من كل دين خالف دين السلم وأما من كان مقرا
بالوحدانية منكرا ً للنبوة فإنه ل يحكم بإسلمه حتى يقول محمد رسول الله
فان كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فل بد أن يقول إلى
جميع الخلق ,فان كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن
يرجع عما اعتقده" اهـ كلم البغوي رحمه الله .ثم قال الحافظ و مقتضى
"يجبر" "أي قول البغوي" أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد وبه
صرح القفال اهـ . 67فعن أبي مالك عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول" :من قال ل إله إل الله وكفر بما يعبد من دون الله
حرم ماله ودمه وحسابه على الله , "68فإن من تلبس بكفر بعد شهادته
الشهادتين يبين له و تقام عليه الحجة فإن تاب و إل صار مرتدا ,قال المام
الصاوي ((2في شرح الصغير"الردة كفر مسلم بصريح من القول ،أو قول
يقتضي الكفر ،أو فعل يتضمن الكفر , "((3و قال الشربيني ((4في مغنى
المحتاج "الردة هي قطع السلم بنية ،أو قول ،أو فعل سواء قاله استهزاًء،
أو عنادًا ،أو اعتقادا ً ," ((5فإن ارتد فيستتاب فإن تاب و إل قتل ,فإن تاب
فيلزمه شهادة أن ل إله إل الله و أن محمدا ً رسول الله و الرجوع عن الكفر
الذي كان سببا ً في ردته ,و ل يجب أن يطلب منه أكثر من ذلك أما من يقل
ل يحكم لمن شهد الشهادتين حتى يمتحن في أمور معينة من الشريعة
يبتدعها ما أنزل الله بتحديدها من سلطان فهذه من البلهة و من سفه
بعض المبتدعة في زماننا.
66أي يعتقد أن هناك آلة و آلهة مضادة ,واحد للخير و واحد للشر و واحد لليل و واحد للنهار و هكذا .
67فتح الباري ج 12 :ص280 :
68مسلم – 23و أحمد 394 \6
) (2هو أحمد بن محمد الصاوي ،الخلوتي المالكي ،ولد بمصر سنة 1175هـ ،توفي بالمدينة 1241هـ،
وله مصنفات .
) ،145 ،6/144 (3وانظر حاشية الدسوقي ،4/301وبلغة السالك ،2/416وفتح العلي المالك
. 2/281
) (4هو محمد بن أحمد الشربيني الشافعي ،فقيه ،مفسر ،نحوي له مصنفات كثيرة،
) ،4/133 (5وانظر نهاية المحتاج للرملي ،7/413وروضة الطالبين للنووي 10/64
59 * كتاب
التوحيد .
بينا أنه من شهد شهادة السلم ثم اكتسب قول ً أو فعل ً يوجب الكفر أن
استتابته تلزمها إقراره بالرجوع عن الكفر الذي فعله بالضافة إلى
الشهادتين ,و هذا الكفر إما أن ُيحتمل جهل فاعله بكونه كفرا ً و إما أن
يكون ظاهرا ً كمن ينكر المعلوم من الدين بالضرورة عند أمثاله ,فمثله ل
يحتاج إلى بينه فهو مرتد من ساعته ,و أما إن كان ذلك الكفر يحتمل العذر
بالجهل فل يكفر حتى تقام عليه الحجة ,فإن لم تقام عليه الحجة عذر
بالجهل و العذر بالجهل ثابت بالكتاب و السنة و إجماع المة ,و في التنزيل:
ل ع َل َي َْها وََل ت َزُِر َوازَِرةٌ
ض ّ ل فَإ ِن ّ َ
ما ي َ ِ ض ّ
ن َم ْ
سه ِ و َ َ
ف ِدي ل ِن َ ْ دى فَإ ِن ّ َ
ما ي َهْت َ ِ ن اهْت َ َم ِ
" َ
سوًل "15السراء ,و قال تعالى ُ
ث َر ُ
حّتى ن َب ْعَ َ
ن َ معَذ ِّبي َ ما ك ُّنا ُ خَرى وَ َ وِْزَر أ ْ
أيضًا" :كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا
نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إل في ضلل كبير" و قوله
تعالى" :وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها
وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم
لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" وقال
تعالى "وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو
لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من
نصير" ,و من السنة حديث أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى حنين و نحن حدثاء عهد بكفر و للمشركين سدرة
يعكفون عندها و ينوطون بها أسلحتهم ,يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة
فقلنا " :يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال النبي
صلى الله عليه وسلم " :الله أكبر إنها السنن قلتم و الذي نفسي بيده كما
قالت بنو إسرائيل لموسى ) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة * قال إنكم قوم
تجهلون ( لتركبن سنة من كان قبلكم" 69و قول رسول الله صلى الله عليه
و آله و سلم ) قلتم و الذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى "
اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " ( دليل على أنهم قالوا قول كفر ,و طلب
الكفر و العزم عليه في المستقبل من الكفر إل أن القوم لم يكفروا لنهم
كانوا حدثاء عهد بكفر فعذروا بالجهل فلم يكفروا و لكن بين لهم رسول
الله صلى الله عليه و آله و سلم أن هذا القول كفر لن طلب البركة من
غير الله كفر و أقام عليهم الحجة فتابوا من ساعتهم عن هذا الطلب و
غضب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لقولهم و غلظ عليهم لبيان
عظم ما قالوا .
أما الجماع فقد ذكر النووي في شرح مسلم نقل ً عن الخطابي ) و كل من
أنكر شيئا مما أجمعت المة عليه من أمور الدين اذا كان علمه منتشرا
كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والغتسال من الجنابة وتحريم الزنا
والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الحكام ال أن يكون رجل حديث
سنن الترمذي ج 4 :ص 475 :برقم – 2180أحمد – 5\218صححه اللباني ) و اللفظ لحمد ( 69
60 * كتاب
التوحيد .
عهد بالسلم ول يعرف حدوده فإنه اذا أنكر شيئا منها جهل به لم يكفر
وكان سبيله سبيل أولئك القوم فى بقاء اسم الدين عليه فأما ما كان
الجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها
وخالتها وأن القاتل عمدا ل يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من
الحكام فإن من أنكرها ل يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها فى
العامة 70اهـ ( و قال بن قدامه في المغني ) ول خلف بين أهل العلم في
كفر من تركها جاحدا لوجوبها إذا كان ممن ل يجهل مثله ذلك فإن كان
ممن ل يعرف الوجوب كحديث السلم والناشئ بغير دار السلم أو بادية
بعيدة عن المصار وأهل العلم لم يحكم بكفره وعرف ذلك وتثبت له أدلة
وجوبها فإن جحدها بعد ذلك كفر وأما إذا كان الجاحد لها ناشئا في المصار
بين أهل العلم فإنه يكفر بمجرد جحدها 71اهـ (
فمن تلبس بكفر بعد السلم مع احتمال جهله بكونه كفرا ً يعذر بالجهل في
التكفير حتى تقام عليه الحجة و ل يكفر و إن ظل على هذا العمل مدى
الحياة حتى تقام عليه الحجة و إن كان حريصا ً على طلب العلم فإنه يعذر
في استحقاق العقوبة أما إن كان مقصرا ً في طلب العلم فإنه ل يعذر في
استحقاقه للعقوبة لتقصيره في طلب العلم الشرعي و عدم رجوعه
للعلماء .و اعلم أن المعول عليه هو الجهل بالحكم أما الجهل بالعاقبة فغير
خوض ونل ْعب قُ ْ َ َ
ل أِبالل ّ ِ
ه ُ ََ َ ُ ما ك ُّنا ن َ ُ قول ُ ّ
ن إ ِن ّ َ م ل َي َ ُ
سأل ْت َهُ ْ ن َ معتبر قال تعالى " :وَل َئ ِ ْ
ف
ن ن َعْ ُ مان ِك ُ ْ
م إِ ْ م ب َعْد َ ِإي َ
فْرت ُ ْنَ 65ل ت َعْت َذ ُِروا قَد ْ ك َ َ ست َهْزُِئو َ م تَ ْ سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ َوآَيات ِهِ وََر ُ
م َ َ َ ن َ
ن "66التوبة. مي َجرِ ِ م ْ كاُنوا ُ ة ب ِأن ّهُ ْف ً ب طائ ِ َ م ن ُعَذ ّ ْ من ْك ُ ْ
فة ٍ ِ
طائ ِ َ عَ ْ
فصل في الركن الثاني في اليمان و هو قول القلب:
قول القلب أي ماذا يقول القلب هل يصدق أم ل ,و قولنا من اليمان قول
القلب أي تصديقه بالوحيين الكتاب و السنة إجمال ً و كل ما يصل إليه منهما
تفصيل ً و أركانهما اليمان بالله و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخر و
القدر خيره و شره ,هذا هو إعتقاد القلب المسلم ,و قول القلب الذي هو
التصديق إنما هو درجات فإذا قوى التصديق صار يقينا ً و من التصديق علم
اليقين و منه عين اليقين و هو أعلى درجات التصديق و هو المشاهد بالعين
أما حق اليقين فهو المدرك بالحواس الخرى .فمجرد التصديق متفاوت في
المسألة الواحدة و هو متفاوت في قلب المؤمن بين النصوص بقدر ثبوتها و
بين الحكام بقدر الدلة عليها وتقبل المة لها,
الرد على من أخرج قول القلب من مسمى اليمان:
و هو أبعد القوال عن اللغة و الشرع ,و إل فاليمان هو تصديق القلب
ة على أن اعتقاد القلب من اليمان و بالغيب ,و أجمع علماء السلم قاطب ً
قد أسلفنا ذكر إجماعهم على ذلك ,إل أن بن كرام خالف في ذلك فقال
بعدم دخول اعتقاد القلب في مسمى اليمان و إن كان خلفه مع أهل
شرح النووي على صحيح مسلم ج 1 :ص205 : 70
السنة و الجماعة خلفا ً لفظيا ً إل أن خطأه فادح و خطير لنه باب فتنة
فالذي حدث بعد ذلك أن تابعه قوم على هذا العتقاد الفاسد و غلوا فيه بأن
قالوا هو مؤمن ليس مخلدا ً في النار ,فما اليمان عندهم إذًا؟ اليمان
عندهم مجرد معرفة بالله ,قال شيخ السلم بن تيمية -رحمه الله تعالى-
فى بيان أقسام المرجئة" :و منهم من يقول هو مجرد قول اللسان ،وهذا
ل يعرف لحد قبل الكرامية اه ،72و قال أيضًا" :وقول إبن كرام فيه مخالفة
فى السم دون الحكم فإنه وإن سمى المنافقين مؤمنين يقول إنهم
مخلدون فى النار فيخالف الجماعة فى السم دون الحكم وأتباع جهم
يخالفون فى السم والحكم جميعا اهـ ."73و ل شك في بطلن قولهم ففيه
من الخذلن ما الله به عليم فهو باطل في نفسه من حيث اللغة و مخالف
لجماع المسلمين قال أبو ثور " ليس بين أهل العلم خلف في رجل قال
أشهد أن الله عز وجل واحد ،وأن ما جاءت به الرسل حق ،وأقر بجميع
الشرائع ،ثم قال :ما عقد قلبي على شيء من هذا ول أصدق به ،أنه ليس
بمسلم ،حتى يكون مصدقا ً بقلبه ،مقرا ً بلسانه " ((5.و عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال" :أشهد أن ل إله
إل الله وأني رسول الله ل يلقى الله بهما شاك فيهما إل دخل الجنة "74و
قال تعالى" :إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا".
فصل في الركن الثالث في اليمان عمل القلب و الرد على من
أخرجه من اليمان :
العمال القلبية كلها من أركان اليمان أي لبد من و جود أصلها و إذا زال
أصلها زال اليمان كأن يزول أصل المحبة لله من القلب أو يزول أصل
الخوف من القلب أو أصل التباع كأن يجحد اتباع الرسول صلى الله عليه و
آله و سلم قال شيخ السلم بن تيمية " :وفي الجملة فلبد في اليمان
الذي في القلب من تصديق بالله ورسوله ،وحب الله ورسوله ،وإل فمجرد
التصديق مع البغض لله ورسوله ،ومعاداة الله ورسوله ليس إيمانا ً باتفاق
المسلمين " ((5.و قال بن القيم في كتاب الصلة " وإذا زال عمل القلب مع
اعتقاد الصدق ،فأهل السنة مجمعون على زوال اليمان ،وأنه ل ينفع
التصديق مع انتفاء عمل القلب " ((1.و يقول أيضا ً رحمه الله _ رحمه الله _
" كل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه ،وذلك عمل بل
هو أصل العمل ،وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل اليمان،
حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون العمال ،وهذا من أقبح الغلط وأعظمه،
فإن كثيرا ً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ،غير
)) * 72مجموع الفتاوى(( ).(88 - 85 / 20
73كتاب مجموع الفتاوى ،الجزء ،7صفحة 550
) (5شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللكائي ،4/849والشفا 2/542
74مسلم – 27و أحمد – 11\3بن حبان - 6530
) (5مجموع الفتاوى 7/537
) (1كتاب الصلة لبن القيم ،ص 54
62 * كتاب
التوحيد .
شاكين فيه ،غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء
به والرضا وإرادته ،والموالة والمعاداة عليه ،فل تهمل هذا الموضوع فإنه
مهم جدًا ،به تعرف حقيقة اليمان . " ((2 .أسلفنا بالذكر بيان شذوذ الجهمية
في باب العقائد و أنهم خرجوا قول اللسان و عمل الجوارح و كذلك عمل
القلب من مسمى اليمان ,قال شيخ السلم بن تيمية رحمه الله تعالى" :و
عامة فرق المة تدخل ما هو من أعمال القلوب -في اليمان -حتى عامة
فرق المرجئة تقول بذلك وأما المعتزلة والخوارج وأهل السنة وأصحاب
الحديث فقولهم فى ذلك معروف وانما نازع فى ذلك من اتبع جهم بن
صفوان من المرجئة وهذا القول شاذ "75و قال أيضًا" :و ليس مجرد
التصديق بالباطن هو اليمان عند عامة المسلمين إل من شذ من أتباع جهم
والصالحي وفى قولهم من السفسطة العقلية والمخالفة فى الحكام الدينية
أعظم مما فى قول إبن كرام إل من شذ من أتباع إبن كرام وكذلك تصديق
القلب الذي ليس معه حب لله ول تعظيم بل فيه بغض وعداوة لله ورسله
ليس إيمانا بإتفاق المسلمين اه"76
فصل في عمل الجوارح و أنها من اليمان و ليست من أركانه :
إن أعمال الجوارح كالصلة و الصيام و الحج و غيرها من اليمان و ليست
ركنا ً فيه بمعنى أنه إذا مسلم من فعل أحدها مع إقراره بذنبه و وجوبها لم
يزل عنه أصل اليمان ,و بعضها شرط لبلوغ اليمان الكمال الواجب و
بعضها شرط لبلوغ اليمان درجة الكمال المستحب .و أعمال الجوارح منها
عمل اللسان هو ما ل يؤدى إل به كتلوة القرآن وسائر الذكار من التسبيح
والتهليل والتكبير والدعاء والستغفار وغير ذلك ,و منه قول معاذ بن جبل
رضي الله عنه لحد إخوانه" :اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله
تعالى ويحمدانه "77فسمى ذكر الله تعالى و حمده و هو العمل باللسان
إيمانا .و عمل بقية الجوارح هو ما ل يؤدى إل بها كالقيام والركوع والسجود
والمشي في مرضاة الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحج
والجهاد في سبيل الله و هذه العمال أيضا ً من جملة اليمان و يزداد و
ينقص بها اليمان ،وأما الدليل فقوله صلى الله عليه وسلم اليمان بضع
وسبعون شعبة فأعله شهادة أن ل إله إل الله وأدناه إماطة الذى عن
الطريق ,و شهادة أن ل إله إل الله قول باللسان ,و أما إماطة الذى من
عمل الجوارح ,و عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبد
القيس " - :آمركم باليمان بالله وحده ،أتدرون ما اليمان بالله وحده؟
قالوا :الله ورسوله أعلم ،قال :شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول
الله ،وإقام الصلة وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وأن تؤدوا الخمس من
) (2مختصر الصواعق المرسلة ،2/420وانظر قريبا ً من ذلك في زاد المعاد . 3/638
75كتاب مجموع الفتاوى ،الجزء ،7صفحة 550
76كتاب مجموع الفتاوى ،الجزء ،7صفحة 550
77فتح الباري ج 1 :ص48 :
63 * كتاب
التوحيد .
المغنم . "((1وقد ذكر الحافظ ابن منده ((2رحمه الله قول النبي صلى الله
عليه وسلم " :من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه،
فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اليمان "((3وذلك في مقام الستدلل
به على أن اليمان قول باللسان ،واعتقاد بالقلب ،وعمل بالركان ،وأنه يزيد
وينقص .((4ففى ذلك الحديث عظيم القدر بيان أن المر بالمعروف و النهى
عن المنكر سواء أكان بالقلب أو اللسان أو بالجوارح هو من اليمان ,و
قال تعالى ) و ما كان الله ليضيع إيمانكم ( و أجمعوا على أن المقصود
بإيمانكم أي صلتكم كما ثبت في البخاري و نقل الجماع القرطبي رحمه
الله تعالى ,فسمى الله تبارك و تعالى الصلة إيمان .فإن قال قائل ما
رواه أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل أي
العمل أفضل قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل
الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور" فيه دليل على أن الجهاد والحج أعمال
ليست من اليمان لما تقتضيه " ثم " .المغايرة والترتيب ,فالجواب أن
اليمان يطلق على العمال البدنية كما سبق قال تعالى" :و ما كان الله
ليضيع إيمانكم" أى صلتكم ,و يطلق على القول كما في قوله صلى الله
عليه و آله و سلم "اليمان بضع و سبعون شعبة أعلها شهادة أن ل إله إل
كحُزن ْ َ سو ُ َ
ل ل يَ ْ الله" ,و يطلق على التصديق بالقلب قال تعالىَ" :يا أي َّها الّر ُ
َ
ن
م ْ م وَل َ ْ
م ت ُؤ ْ ِ واه ِهِ ْ ن َقاُلوا آ َ
مّنا ب ِأفْ َ ن ال ّ ِ
ذي َ م َ ن ِفي ال ْك ُ ْ
فرِ ِ عو َ
سارِ ُ
ن يُ َ
ذي َ ال ّ ِ
م "78الية المائدة ,و يطلق أيضا ً على عمل القلب كما في حديث أبي قُُلوب ُهُ ْ
هريرة رضي الله عنه المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم قال" :و الحياء شعبة من اليمان" و الحياء من أعمال القلوب .فما
كان من اليمان يطلق عليه لفظ اليمان أما معنى اليمان على سبيل
الجمال فهو فهو القول و العمل قول القلب و اللسان و عمل القلب و
الجوارح ,و المراد باليمان فى هذا الحديث ليس اليمان بمفهومه الشامل
القول و العمل و العتقاد و لكن المراد به التصديق .
الرد على من أخرج العمل من مسمى اليمان :
أخرجت فرق المرجئة الربعة العمل من مسمى اليمان عمل الجوارح و
شذت الجهمية فأخرجت أيضا ً عمل القلب كما بينا ,و المرجئة أربع فرق
فمرجئة الفقهاء هم الذين أخرجوا عمل الجوارح فقط من مسمى اليمان
) (1أخرجه البخاري ،ك اليمان ،باب أداء الخمس من اليمان ) ،(1/129ح ) ،( 53ومسلم ،ك اليمان
باب المر باليمان بالله ) (1/46ح ). ( 17
) (2هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن منده ،إمام حافظ محدث ،ولد سنة 310ه ورحل كثيرا ً في
طلب العلم ،وله عدة مصنفات ،توفي سنة 395ه .انظر :طبقات الحنابلة ،2/167وسير أعلم
النبلء 17/28
) (3أخرجه مسلم ،ك اليمان ،باب كون النهي عن المنكر من اليمان ) (1/69ح ) ،( 49وأحمد )3/10
(
انظر كتابه " اليمان " ،2/341ت :د " على بن محمد الفقيهي . )(4
على خلف باقي الفرق المرجئة فأكثر الشاعرة أخرجوا عمل الجوارح و
القرار باللسان من مسمى اليمان و الجهمية قبحهم الله أخرجوا النطق
باللسان و عمل القلب و عمل الجوارح من مسمى اليمان و قالوا إنما هو
التصديق !!! و خلفهم لفظي و حكمي ,و الكرامية أخرجوا عمل الجوارح و
تصديق القلب و خلفهم فيه لفظي و حكمي خلفا ً لبن كرام ,و على ك ٍ
ل
فأهل الرجاء أخرجوا عمل الجوارح من مسمى اليمان ,و هم بذلك خالفوا
الكتاب و السنة و إجماع المة فقد ورى اللكائي فى كتاب السنة بسنده
عن البخاري قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالمصار فما رأيت
أحدا ً منهم يختلف فى أن اليمان قول و عمل و يزيد و ينقص. 79
ف لفظيا بينهم وبين و إخراجهم لعمل الجوارح من مسمى اليمان ليس خل ً
أهل السنة و الجماعة بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة
يعلمها من تدبر كلم أهل السنة وكلم المرجئة و لهذا قال بعضهم " :من
حصل له حقيقة التصديق ،فسواء أتى بالطاعات ،أو ارتكب المعاصي،
فتصديقه باق على حاله ،ول تغير فيه أصل ً " ((5فهم يقولون ما دام مصدقا ً
بقلبه فهو مؤمن كامل اليمان ،أما العمال فأمرها هّين ،فالذي ل يصلي ول
يصوم ول يحج ول يزكي ول يعمل شيئا ً من أعمال الطاعة ،يقولون :هو
مؤمن بمجرد ما في قلبه ! وهذا من أعظم الضلل .فالرد عليهم أن
التصديق وحده ليس كافيا ً لثبوت اليمان بل و ل السلم كما سبق فالذنوب
تضر على كل حال ،منها ما يزيل اليمان بالكلية كالكفر ،ومنها ما ل يزيله
بالكلية بل ينقصه وصاحبها معرض للوعيد المرتب عليها.
الرد على من جعل العمل ركنا ً من أركان اليمان :
تساهل المرجئة حيث قالوا ل يضر مــع اليمــان ذنــب و قــابله غلــو الخــوارج
الذين يرون كفر فاعــل الكــبيرة ,و ضــلت المعتزلــة حينمــا قــالت إن فاعــل
الكبيرة بمنزلة بين المنزلــتين ,والوســط مــذهب أهــل الســنة والجماعــة أن
فاعل المعصية ناقص اليمان بقـدر المعصـية ليـس كـافرا ً بمجـرد معصـيته,
قال شيخ السلم بن تيمية –رحمه اللـه -يعـرف الخـوارج" :و الخـوارج لهـم
أسماء ،يقال لهم "الحرورية" لنهم خرجوا بمكان يقــال لــه حــروراء ،ويقــال
لهم "أهل النهروان" لن عليا ً قاتلهم هناك ،ومن أصــنافهم "الباضــية" أتبــاع
عبدالله بن أباض ،و "الزارقة" أتباع نافع بن الزرق ،و "النجــدات" أصــحاب
نجدة الحروري .وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من
الذنوب ،واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك؛ فكانوا كما نعتهم النبي صلى اللــه
عليه و آله و سلم" :يقتلون أهــل الســلم ويـدعون أهـل الوثــان" ،وكفــروا
علي بن أبي طالب وعثمان بن عفــان ومــن والهمــا ،وقتلــوا علــي بــن أبــي
طالب مستحلين لقتله ،قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي منهم ،وكان هــو
79باختصار من فتح البارى , 47 – 46 /1اليمان ,و أنظر العذر بالجهل للشيخ أحمد فريد ص 21
) (5شرح العقائد النسفية ص _ 123لسعد الدين التفتازاني .
65 * كتاب
التوحيد .
هل الفاسق يوصف بأنه مؤمن لوجود أصل اليمان عنده ؟ :
قال شيخ السلم بن تيميــة –رحمــه اللــه ) -ول يســلبون "أي أهــل الســنة و
مّلي ((3اسم اليمان بالكلية ،ول يخلدونه في النــار ،كمــا الجماعة" الفاسق ال ِ
تقول المعتزلة ،بل الفاسق يدخل في اسم اليمــان فــي مثــل قــوله تعــالى:
ة{ . ((4وقد ل يدخل في اسم اليمان المطلــق كمــا فــي مؤ ْ ِ
من َ ٍ ريُر َرقَب َةٍ ُ ح ِ}فَت َ ْ
ت ت قُل ُــوب ُهُ ْ
م وإذا ت ُل ِي َـ ْ جل َـ ْ ن إذا ذ ُك ِـَر اللـ ُ
ه وَ ِ ن ال ّـ ِ
ذي َ مُنو َ مؤ ِ
ما ال ُ قوله تعالى} :إ ِن ّ َ
ً ((1
م ِإيمانا{ ،وقوله صلى الله عليه و آله و سلم ) :ل يزني ه َزاد َت ْهُ ْ
م آيات ُ ُع َِليه ْ
) (1رواه البخاري رقم ،3017و برقم 6922؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
)] (1صحيح[ .رواه أبو داود في )الديات ،باب المام يأمر بالعفو في الدم( ،والنسائي رقم (4019؛.
ورواه النسائي ). (4017
* ))مجموع الفتاوى(( ).(482 - 481 / 7
) (3حديث صحيح .رواه الترمذي برقم ، 2598ورواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه
بنحوه.
** ))مجموع الفتاوى(( ).(474 / 12
) (3الذي على ملة السلم.
) (4النساء.92 :
) (1النفال.2 :
66 * كتاب
التوحيد .
الزاني حين يزني وهو مؤمن،ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ،ول
يشرب الخمر حين يشـربها وهـو مـؤمن ،ول ينتهـب نهبـة ذات شـرف يرفـع
الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مــؤمن ( .((2ويقولــون :هــو مــؤمن
ناقص اليمان ،أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته؛ فل يعطــى الســم المطلــق،
ول يسلب مطلق السم(*.
"يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من
كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا
فيلقون في نهر الحيا أو الحياة شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة في جانب
السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية . "85و قوله صلى الله عليه و سلم:
"مثقال حبة من خردل" أى ل أقل منها والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من
العمال على أصل التوحيد ,لقوله في الرواية الخرى" :أخرجوا من قال ل
إله إل الله وعمل من الخير ما يزن ذرة" .
التحقيق في قول بعض المتكلمين نفس التصديق ل يزيد ول
ينقص واليمان الشرعى يزيد وينقص :
قال المام النووي -رحمه الله": -و كون اليمان يزيد وينقص وهذا مذهب
السلف والمحدثين وجماعة من المتكلمين وأنكر أكثر المتكلمين زيادته
ونقصانه وقالوا متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا قال المحققون من
أصحابنا المتكلمين نفس التصديق ل يزيد ول ينقص واليمان الشرعى يزيد
وينقص بزيادة ثمراته وهي العمال ونقصانها قالوا وفى هذا توفيق بين
ظواهر النصوص التى جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه فى
اللغة وما عليه المتكلمون وهذا الذى قاله هؤلء وان كان ظاهرا حسنا
فالظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الدلة
ولهذا يكون ايمان الصديقين أقوى من ايمان غيرهم بحيث ل تعتريهم الشبه
ول يتزلزل ايمانهم بعارض بل ل تزال قلوبهم منسرخة نيرة وان اختلفت
عليهما الحوال وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك
فهذا مما ل يمكن انكاره ول يتشكك عاقل فى أن نفس تصديق أبى بكر
الصديق رضى الله عنه ل يساويه تصديق آحاد الناس ولهذا قال البخارى فى
صحيحه قال ابن أبى مليكة أدركت ثلثين من أصحاب النبى صلى الله عليه
وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول انه على ايمان
جبريل وميكائيل والله أعلم"86
الستثناء في اليمان :
إن أراد أصل اليمان :
الذي هو بمعنى السلم والذي يكون بدونه كافرا فل يصح الستثناء حينئذ
لنه يكون في هذه الحالة متضمنا لمعنى الشك في أصل الدين وهو محرم
بل يجب على المسلم أن يجزم بإيمانه بهذا العتبار ويقول :أنا مؤمن دون
استثناء .
وأما إن أراد كمال اليمان :
والمرتبة العالية التي هي فوق مرتبة السلم فعليه أن يستثني ويقول إن
شاء الله لن في عدم الستثناء تزكية منعت الشريعة منها كما في قوله
تعالى " :فل تزكوا أنفسكم" وقالت المرجئة والمعتزلة :ل يجوز الستثناء
صحيح البخاري ج 1 :ص16 :برقم 22 85
و سمي بذلك لتعلقه بالمعرفة و الخبار و يسمى توحيد السماء و الصفات 88
69 * كتاب
التوحيد .
قيل و قال أو تتبع الشاذ و النادر من القوال ,بل إن تعلم العلم بمثل هذه
النوايا من أخطر ما يكون و هو مما جنى به علم الكلم على المسلمين أن
تصبح قضية العقيدة مجرد كلم يقال و مجرد مسائل تعرف و تحفظ و ردود
و شبهات أو تصبح المسائل المتفرعة هي الغاية ,فهذه جناية كبيرة في فهم
السلم و فهم المسلم لدينه .و إل فتعلم العلم ليس لمجرد معرفة
المسائل أو لمعرفة الردود على المخالفين و حسب و لكن الهدف هو
التزكية 89على بصيرة ,وكما أن العبادات البدنية كالصلة و الصوم و الزكاة
و الحج و غيرها من لها أحكاما ً بمقتضاها يعلم المؤمن ما يجب عليه و ما
يحرم و ما يستحب له و ما يكره ,وكذلك العبادات القولية كالدعاء و الذكر
و قراءة القرآن ,و العمال القلبيه كالحب و الخوف و الرجاء و الصبر و
التوكل و التوبة و غيرها ,فكذلك في العبادات العتقادية فهناك ما يجب و ما
يحرم و ما يبدع به المخالف و ما يكفر به ,و في هذا الباب نتعرض لشئ
منها لتكون التزكية و العبادة على بصيرة من أمر الله تعالى و لتتحق
المتابعة التي هي شرط في صحة العمل.
َ ن ي ُل ْ ِ
ه
مائ ِ ِ
س َ
في أ ْ
ن ِ
دو َ
ح ُ ذي َوذَُروا ال ّ ِ و قال تعالىَ ) :
ن(:مُلو َ ع َ ما َ
كاُنوا ي َ ْ ن َ
و َ
جَز ْ
سي ُ ْ
َ
خرج الشيخان في صحيحيهما:
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم قال" :كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في
الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" إن هذا الحديث عمدة
في هذا الباب لشموله للمنهج الرباني منهج رسول الله صلى الله عليه و
آله و سلم و أتباعه في باب السماء و الصفات و الذي اشتهر باسم منهج
أهل السنة و الجماعة في باب السماء و الصفات فإن التسبيح تنزيه لله
ي عن الله تعالى لكل ما نفاه عن نفسه تعالى عن كل نقص و عيب و نف ٍ
العظيمة و هو مقتضى هاء الضمير ,أما الحمد فهو ثناء على الله تعالى بكل
ما اتصف به من أسماء الكمال و نعوت الكمال و الجلل و هي السماء
الحسنى و الصفات العلى فيحمد على كماله الذي أثبته لنفسه و هو
مقتضى هاء الضمير في قوله صلى الله عليه و آله و سلم "و بحمده" أي
الذي أخبرنا به و هي تدل أيضا ً على اختصاصه و حده بهما "ليس كمثله
شئ" فله الحمد ,
و قد فصل ذلك المعنى شيخ السلم بن تيمية رحمه الله:
بعبارة موجزة فقال "نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه و ما
وصفه به نبيه صلى الله عليه و سلم من غير تعطيل و ل تحريف و من غير
تكييف و ل تمثيل"
بتصرف من شرح المنة للشيخ ياسر برهامي حفظه الله. 89
70 * كتاب
التوحيد .
قال الشيخ ياسر برهامي –حفظه الله" -و قوله "نؤمن" أي نتعبد لله
بمقتضى ذلك فاليمان قول و عمل ,و قوله "وصف" هي أشمل من كلمة
اثبت لنها تشمل الثبات و النفي فنحن نثبت ما أثبته الله لنفسه و ننفي ما
نفاه الله عن نفسه ,فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه؛ فهو معطل ،و من
صرف السماء و الصفات عن ظاهرها فهو محرف ,ومن أثبتها مع التشبيه
صار مشبها ً و الله تعالى يقول ) و ل يحيطون به علما ً ( 90فالمشبه صار
مشابها ً للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ،ومن أثبتها بل تعطيل و ل
تشبيه و ل تمثيل صار من الموحدين"اهـ .و فهم السلف هذا ليات الصفات
عبروا عنه بقولهم "أمروها كما جائت" أي أمروها كما جائت دالة على
معانيها الئقة بجلل الله تعالى أي ل تعطلوا معانيها ,مع القرار بجهل
الكيف أي عدم التشبيه أو التمثيل .و من هذه الناحية كانت متشابهة أي
مجهولة الكيفية ,أما من قال إن آيات الصفات متشابهة بمعنى أنه يجهل
معناها فتكون بمنزلة الكلم العجمي فل شك في بطلن هذا القول .
مسألة :و النفي المحض ل يدل على مدح و ل كمال:
و لذلك فاعلم أن النفي الذي يقصد به الصفات السلبية نفي كمال ,فالنفي
إما نفي كمال أو نفي محض أو نفي عجز ,قال شيخ السلم بن تيمية رحمه
الله " :و ينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح و ل كمال إل إذا تضمن
إثباتا و إل فمجرد النفي ليس فيه مدح و ل كمال لن النفي المحض عدم
محض ,و العدم المحض ليس بشئ فهو كما قيل ليس بشئ فضل ً عن أن
ل .و لن النفي المحض يوصف به المعدوم و الممتنع و يكون مدحا ً أو كما ً
المعدوم و الممتنع ل يوصف بمدح و ل كمال اهـ "91و من هنا كانت الصفات
السلبية في حق الله تعالى كمال ً لنها تتضمن إثباتًا ,و مثال ذلك قوله
تعالى" :ل تأخذه سنة و ل نوم"
فنفي السنة يتضمن إثبات كمال الحياة و القيومية ,و قوله تعالى" :و ما
مسنا من لغوب" يتضمن إثبات كمال القوة و القدرة فالنفي هنا متضمن
لثبات صفات الكمال.
أما النفي الذي يثبت عجزا ً فمثاله قول القائل ,لكن قومي و إن كانوا ذوي
عدد * ليسوا من الشر في شئ و إن هانا ,فقوله "ليسوا من الشر في
شئ" نفي و لكنه ليس نفي كمال لنه ل يثبت كمال بل يثبت عجزهم.
أما النفي المحض الذي هو عدم محض و الذي ل يتضمن إثبات كمال فمثاله
ل يظلم الجدار فالجدار ل يقبل الظلم أص ً
ل.
أول ً فصل في قواعد توحيد السماء و
الصفات عند أهل السنة و الجماعة:
أول ً قواعد في السماء الحسنى:
90طه 110
91مجموع الفتاوى 53 \ 3
71 * كتاب
التوحيد .
من المعاصرين الشيخ العلمة محمد المين الشنقيطي رحمه الله حيث
قال" :و أوضح دليل على منعه في القرآن إجماع القائلين بالمجاز على أن
كل مجاز يجوز نفيه و يكون نافيه صادقا ً في نفس المر فتقول من يقول
رأيت أسدا ً يرمي ليس هو بأسد و إنما هو رجل شجاع فيلزم على القول
بأن في القرآن مجازا ً أن في القرآن ما يجوز نفيه و ل شك أنه ل يجوز نفي
شئ من القرآن .ثم قال و هذا اللزوم القيني الواقع بين القول بالمجاز في
القرآن و بين جواز نفي بعض الصفات قد شوهدت في الخارج صحته ,و انه
كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال و الجلل الثابته لله في القرآن
العظيم "93فعلى هذا المعنى يرد مصطلح المجاز ,إل أنه قد نقل عن شيخ
يول السلم أن مصطلح المجاز إن قام عليه الدليل و لم يؤدي إلى نف ٍ
تعطيل فل بأس به ,فقد ذكر جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل نق ً
ل
عن شيخ السلم بن تيمية القول بالمجاز في إحدى مراحل عمره حيث قال
شيخ السلم بن تيمية رحمه الله " :نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله و
بالتأويل الجاري على نهج السبيل ,و لم يوجد في شئ من كلمنا و كلم أحد
منا أنا ل نقول بالمجاز و التأويل و الله عند لسان كل قائل و لكن ننكر من
ذلك ما خالف الحق و الصواب و ما فتح به الباب إلىهدم السنة و الكتاب و
اللحاق بمحرفة أهل الكتاب .و المنصوص عن المام أحمد و جمهوره أن
القرآن مشتمل على المجاز و لم يعرف عن غيرهمن الئمة غيره نص في
هذه المسألة و قد ذهب طائفة من العلماء من أصحابه و غيرهم ,كأبي بكر
بن أبي داود و أبي الحسن الخرزي و أبي الفضل التميمي و ابن حامد و
غيرهم إلى إنكار ان يكون في القرآن مجاز .و غنما دعاهم إلى ذلك ما رأوه
من تحريف المحرفين للقرآن بدعوى المجاز فقابلوا الضلل بحسم المواد و
خيار المور التوسط و القتصاد اهـ . "94و ختاما ً فمن أطلقه من العلماء
قصد ما وافق الدليل ,و من رأى أن مؤداه إلى النفي و التعطيل أبطل ذلك
المعنى منه و منعه سدا ً للذرية ,و لذلك فالمختار منعه لن الغالب أن
إطلقه يفضي إلى استعماله في هذا المعنى.
ل عليه: مسألة :و السم هو المسمى أي دا ٌ
قال تعالى "ولله السماء الحسنى" قال ابن العربي رحمه الله و في ذلك
دليل على أن السم هو المسمى لنه لو كان غيره لوجب أن تكون السماء
لغير الله تعالى .و قال شيخ السلم بن تيمية رحمه الله تعالى" :و السم
نفسه يسبح ويذكر ويراد بذلك المسمى .والسم نفسه ل يفعل شيًئا ،ل
إكراما ول غيره؛ ولهذا ليس في القرآن إضافة شيء من الفعال والنعم إلى
م َرب ّ َ
ك" ، ك اْل َع َْلى "1العلى " .ت ََباَر َ
ك اس ُ م َرب ّ َ
س َ
حا ْ
سب ّ ِ
السم .ولكن يقالَ " :
ونحو ذلك .فإن اسم الله مبارك تنال معه البركة .والعبد يسبح اسم ربه
منع المجاز في المنزل للتعبد و العجاز ص 8 93
م َرب ّ َ
ك س َحا ْ سب ّ ِ
العلى فيقول) :سبحان ربي العلى( .ولما نزل قولهَ " :
اْل َع َْلى" ،قال) :اجعلوها في سجودكم( ،فقالوا) :سبحان ربي العلى(.
فكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ل يقول) :سبحان اسم ربي
العلى( .لكن قوله) :سبحان ربي العلى( ،هو تسبيح لسمه يراد به تسبيح
عوا ْه أ َوِ اد ْ ُعوا ْ الل ّ َ المسمى ،ل يراد به تسبيح مجرد السم ،كقوله" :قُ ِ
ل اد ْ ُ
َ الرحمـ َ
سَنى "11السراء .فالداعى يقول: ماء ال ْ ُ
ح ْ س َ عوا ْ فَل َ ُ
ه ال ْ ما ت َد ْ ُن أّيا ّ
ّ ْ َ َ
ما{ ،أى السمين َ
]يا الله[] ،يا رحمن[ ،ومراده المسمى .وقوله} :أّيا ّ
تدعوا ،ودعاء السم هو دعاء مسماه .وهذا هو الذي أراده من قال من أهل
السنة:إن السم هو المسمى .أرادوا به أن السم إذا دعي وذكر يراد به
المسمى.فإذا قال المصلى]:الله أكبر[ ،فقد ذكر اسم ربه،ومراده المسمى.
لم يريدوا به أن نفس اللفظ هو الذات الموجودة في الخارج.فإن فساد هذا
ل يخفي على من تصوره،ولو كان كذلك كان من قال] :ناًرا[ ،احترق
لسانه 95اهـ" .
فالقسم الثاني و الثالث من أسماء الله تعالى يجوز التسمي بها إن قصد بها
مجرد العلمية و إن لم تشتمل شئ من الصفات فإن تضمنت للصفة فتمنع
ة لجناب التوحيد حماي ً
فعن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم ،فقال له النبي صلى الله عليه و
آله وسلم " :إن الله هو الحكم ،وإليه الحكم " .فقال :إن قومي إذا
اختلفوا في شيء ،أتوني ،فحكمت بينهم ،فرضي كل الفريقين .فقال:
"ما أحسن هذا ! فما لك من الولد ؟ " .قلت شريح ،ومسلم ،وعبد الله .
قال " :فمن أكبرهم ؟ " .قلت :شريح .قال " .فأنت أبو شريح " .رواه
أبو داود وغيره
يقول الشيخ محمد صالح بن العثيمين رحمه الله في القول المفيد:
"وقوله ) :إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني( هذا بيان لسبب تسمية
بأبي الحكم .فهذا السم الذي جعل كنية لهذا الرجل لوحظ فيه معنى
الصفة وهي الحكم ،فصار بذلك مطابقا ً لسم الله ،وليس لمجرد العلمية
المحضة ،بل للعلمية المتضمنة للمعنى ،وبهذا يكون مشاركا ً لله سبحانه
وتعالى في ذلك ،ولهذا كناه النبي صلى الله عليه و آله وسلم بما ينبغي أن
يكنى به .
و التسمي بأسماء الله تعالى إن لم يقصد معناها جائز إل إذا سمي بما ل
يصح إل لله ،مثل :الله ،الرحمن ،رب العالمين ،وما أشبهه ،فهذه ل
تطلق إل على الله مهما كان ،وأما ما ل يختص بالله ،فإنه يسمى به غير
الله إذا لم يلحظ معنى الصفة ،بل كان المقصود مجرد العلمية فقط ،لنه
(
ل يكون مطابقا ً لسم الله ،ولذلك كان في الصحابة من اسمه " الحكم "
(1ولم يغيره النبي صلى الله عليه و آله وسلم لنه لم يقصد إل العلمية ،
وفي الصحابة من اسمه " حكيم " ((2وأقره النبي صلى الله عليه و آله
وسلم فالذي يحترم من أسمائه تعالى ما يختص به ،أو ما يقصد به ملحظة
الصفة اهـ" .
فإن قال قائل يجوز التسمي بشيء من أسماء الله تعالى و أن تكون
متضمنه للصفة بما يتوافق مع المخلوق فأسماء الله تعالى متضمنة
للصفات العلى التي ل تليق إل لله تعالى ,و إذا أطلق السم على العبد و
كان متصفا ً بهذه الصفه فهي على ما يناسب لعبد بدليل قوله تعالى " :وََقا َ
ل
َ
زيُز" فاسم الملك ,و العزيز ك ائ ُْتوِني" و قوله تعالىَ " :قاُلوا َيا أي َّها ال ْعَ ِ ال ْ َ
مل ِ ُ
من اسماء الله تعالى ,و قد بين الله تعالى أنه قد يسمى العبد بالسم مع
حصوله على قدر مما يتضمنه من الصفة على ما يليق بالعبد .فالجواب أن
ذلك ليس من باب التسمية بل من باب الخبار فليس هو إسمه الملك أو
العزيز بل صفته أنه ملك أو أنه عزيز ,كما يقال الرئيس أو الوزير فليس
إسمه كذلك بل ذلك إخباٌر عنه و إنما إسمه خلف ذلك,
انظر " الصابة " لبن حجر ) (1/342 )(1
ثم قال ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما
خص هذا العدد إشارة الى أن السماء ل تؤخذ قياسا .ثم قال و خالفت في
ذلك المعتزلة والكرامية حيث قالت إذا دل العقل على ان معنى اللفظ
ثابت في حق الله جاز إطلقه على الله .
واحتج الغزالي بالتفاق على انه ل يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلى الله
عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ول سمى به نفسه وكذا كل كبير من
الخلق قال فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى"
و قال الخازن" :100ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنه يجوز أن
يقال :يا جواد ول يجوز أن يقال :يا سخى ويجوز أن يقال :يا عليم ول
يجوز أن يقال :يا عاقل ،ويجوز أن يقال :يا حكيم ول يجوز أن يقال يا
طبيب"
قال تعالى" :ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤول ً "36السراء .وقوله" :قل إنما حرم ربي الفواحش
ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم
ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما ل تعلمون "33العراف .
و روى المام مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول" :ل نحصي
ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" والتسمية من الثناء فدل على أن
العقل ل مجال له في باب السماء إل التصديق والوقوف عند النصوص 0
قال السفاريني
لكنها في الحق توقيفيه ****لنا بذا أدله وفيه
مسألة :و ل يصح فيها الشتقاق:
و قال بن القيم رحمه الله" :و قد أخطأ بن العربي رحمه الله عندما اشتق
الله تعالى من كل فعل اسم" ,قال القرطبي رحمه الله" :أدخل القاضي أبو
بكر بن العربي عدة من السماء في أسمائه سبحانه مثل متم نوره وخير
الوارثين وخير الماكرين ورابع ثلثة وسادس خمسة والطيب والمعلم
وأمثال ذلك".
ثم قال بن حجر رحمه الله" :واتفقوا على انه ل يجوز ان يطلق عليه اسم
ول صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا فل يقال ماهد ول زارع ول فالق ول
نحو ذلك وان ثبت في قوله فنعم الماهدون أم نحن الزارعون فالق الحب
والنوى ونحوها ول يقال له ماكر ول بناء و إن ورد )ومكر الله( )والسماء
بنيناها( اهـ". 101
فالرادة من صفات الله عز وجل و ل يصح أن يقال أن أسماء الله تعالى
المريد ,و كذلك فالحب و الكره و الغضب من أفعال الله تعالى و ل يصح أن
يقال أن من أسماء الله تعالى الكاره أو الغاضب ,و ذلك لعدة أسباب منها:
100تفسير الخازن )(2/276
101انتى بتصرف من فتح الباري ج 11 :ص220 :
77 * كتاب
التوحيد .
(1أن هذه الصفات و الفعال إنما سيقت في كتاب الله تعالى في
سياق المدح و الكمال و لذلك ل تطلق بغير ما وردت في كتاب الله
تعالى ,كما قال تعالى" :ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين"
(2ثانيا ً أن بعض الصفات منقسمة إلى كمال ونقص و لذلك لم
تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد ،
والفعال ،والصانع ؛ فإن هذه اللفاظ ل تدخل من أسمائه ولهذا غلط
من سماه بالصانع عند الطلق بل هو الفعال لما يريد فإن الرادة
والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله
فعل ً وخبرا ً .
مسألة :فل يدخل فيها القياس:
قال الخطابي رحمه الله" :فل يلحق بها نظائرها في ظاهر وضع اللغة
ومتعارف الكلم فالجواد :ل يجوز أن يقاس عليه :السخي وإن كانا
متقاربين في ظاهر الكلم وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد
بالجواد ثم أن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين يقال :أرض
سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة وكذلك ل يقاس عليه السمح لما
يدخل السماحة من معنى اللين والسهولة وأما الجود فإنما هو سعة العطاء
من قولك :جاد السحاب إذا أمطر فأغزر ،ومطر جود و فرس جواد ٌ إذا :
بذل ما في وسعه من الجري 0
وقد جاء في السماء " القوي " ول يقاس عليه الجلد وإن كانا يتقاربان في
نعوت الدميين لن باب التجلد يدخله التكلف والجتهاد ،ول يقاس على "
القادر " المطيق ول المستطيع لن الطاقة والستطاعة إنما تطلقان على
معنى قوة البنية ،وتركيب الخلقة ،ول يقاس على " الرحيم " الرقيق وإن
كانت الرحمة في نعوت الدميين نوعا ً من رقة القلب وضعفه عن احتمال
القسوة 0
وفي صفات الله سبحانه " :الحليم " و " الصبور " فل يجوز أن يقاس عليها
الوقور والرزين 0
وفي أسمائه " العليم " ومن صفته العلم ،فل يجوز قياسه عليه أن يسمى
" عارفا ً " لما تقتضيه المعرفة من تقديم السباب التي بها يتوصل إلى علم
الشيء وكذلك ل يوصف بالعاقل وهذا الباب يجب أن يراعى ول يغفل فإن
عائدته عظيمة والجهل به ضار 102اهـ"
مسألة :و هل يقال ذات الله:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" :103أما الذات فالذات كلمة اختلف فيها
علماء اللغة هل هي فصيحة من العربية أو هي مولدة وليست بعربية ؟
وأكثر المحققين على أنها مولدة وليست من العربية في شيء وإنما هي
من مصطلح أهل الكلم .جعلوها بدل ً عن كلمة النفس فيقول مثل ً جاء زيد
شأن الدعاء ص 111 102
نفسه أو جاء زيد ذاته يجعلونها بدل ً عنها ولكنها ليست من كلم العرب
العرباء كما قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله لن اصلها في اللغة ل
تستعمل بمعنى النفس وهي في اللغة العربية تستعمل استعمالت متعددة
منها -:
(1أن تكون بمعنى صاحبة كما لو قلت تزوجت امرأة ذات علم أي
صاحبة علم ويقابلها في المذكر ذو علم لو قلت اتصل بي رجل ذو
علم أي صاحب علم 0
(2تستعمل بمعنى التي عند طيه ،طى أصحاب الشمال ،جبل
طى ،يجعلون الذات بمعنى التي كما يجعلون ذو بمعنى الذي وعليه
قول الشاعر :
فإن الماء ماء أبي وجدي **** وبئري ذو حفرت وذو طويت أي بئري الذي
حفرت والذي طويت ويقال جاءت ذات أرضعت ولدها أي التي أرضعت
ولدها 0
(3تأتي بمعنى جهة ومن ذلك قوله تعالى } ونقلبهم ذات اليمن
وذات الشمال { أي جهة اليمين وجهة الشمال ويمكن أن يحمل عليها
قول خبيب رضي الله عنه وذلك في ذات الله وقول إبراهيم عليه
الصلة والسلم أو قول النبي صلى الله عليه وسلم في إبراهيم كذب
ثلث كذبات في ذات الله أي في جهته والمراد في سبيله وطاعته
فتكون بمعنى الجهة 0
(4ان تكون زائدة للتوكيد توكيد التنكير مثل قدمنا مكة ذات يوم
فوجدنا المسجد خفيفا ً قوله ذات يوم هذه زائدة لتوكيد التنكير فلو
قلنا قدمنا مكة يوما ً فوجدنا المسجد خفيفا ً استقام الكلم وهذا يوجد
كثيرا ً في الحديث خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ذات
ليلة وما أشبه ذلك 0
هذه أربعة معان للذات في اللغة العربية أما ذات بمعنى نفس الشيء
وحقيقة فهذه اختلف فيها علماء اللغة العربية فمنهم من أنكر استعمالها في
هذا المعنى ومنهم من أجازها وظاهر صنيع البخاري رحمه الله جواز
استعمالها بمعنى النفس.
فإذا قال قائل ما العلقة بين هذا الستعمال وبين المعنى الصلي في اللغة
العربية ؟ قلنا المعنى الصلي في اللغة العربية أن تأتي بمعنى صاحبة فهم
يقولون ذات علم أي صاحبة علم
والله تعالى ذو علم فأصلها مضارع لكن حذف المضاف ثم بقيت نكرة
فعرفت بأل ولهذا منع بعض العلماء أن تقول ذات بالنسبة لله " وهو قول
ابن برهان كما نقله المحبي في قصد السبيل" ،لماذا ؟ لن التاء للتأنيث
ول يجوز استعمال الكلمة المؤنثة بالتاء ولو للمبالغة ولهذا ل يجوز أن تقول
إن الله علمة ويجوز أن تقول إن هذا الرجل علمة أما الله فتقول علم
79 * كتاب
التوحيد .
الغيوب فأنت إذا أتيت بذات تريد الرب عز وجل فإن هذا يعني تأنيث ما
يضاف إلى الله وهذا ل يجوز لكن هذا خلف استعمال جمهور علماء
المحققين 0
ة و تسعين اسم: القاعدة الثالثة :أنها ليست منحصرةٌ في التسع ِ
بل لله تعالى أسماءا ً أخرى منها ما استأثر به في علم الغيب عنده .قال
النووي رحمه الله" :واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر
لسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له هذه التسعة والتسعين
وانما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة
فالمراد الخبار عن دخول الجنة باحصائها ل الخبار بحصر السماء ولهذا جاء
في حديث بن مسعود الذي أخرجه احمد وصححه بن حبان أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال" :ما أصاب أحدا قط هم ول حزن فقال اللهم
إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في
قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك
أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن
ربيع قلبي ونور صدري وجلء حزني وذهاب همي إل أذهب الله همه وحزنه
وأبدله مكانه فرحا "104اهـ .
و ما رواه المام مسلم في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول" :ل
نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" و الشاهد قوله صلى الله
عليه و آله و سلم "ل نحصي ثناًء عليك" قال شيخ السلم ابن تيمية:
"فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم ل يحصى ثناء عليه ،ولو أحصى أسمائه
لحصى صفاته كلها ،فكان يحصى الثناء عليه ،لن صفاته إنما يعبر عنها
بأسمائه "105
و ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة أنه قال" :ثم يفتح على من
محامده وحسن الثناء عليه شيئا ً لم يفتحه على أحد من قبلي" .قال ابن
القيم رحمه الله" :وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته "106
مسألة :و ما في الكتاب و السنة من السماء أكثر من تسعة و
تسعين:
قال شيخ السلم بن تيمية رحمه الله" :وهذا القائل الذي حصر أسماء الله
في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن ،وإذا لم يقم على
تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال هي التي يجوز الدعاء بها دون
104شرح النووي على صحيح مسلم ج 17 :ص , 5 :والحديث قال فيه الذهبي ورجال أحمد وأبي
يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان .و صححه أحمد شاكر في تعليقه
على المسند ) (5/266واللباني في السلسلة رقم ) ، (199والرناؤوط في تخريج زاد المعاد )
، (4/198وهو ظاهر كلم ابن القيم في شفاء العليل ص 0 473
105درء التعارض ) (3/332
106بدائع الفوائد ) (1/166
80 * كتاب
التوحيد .
غيرها ،لنه ل سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور فكل اسم يجهل حاله
يمكن أن يكون من المأمور ،ويمكن أن يكون من المحظور ،وإن قيل :ل
تدعوا إل باسم له ذكر في الكتاب والسنة ،قيل :هذا أكثر من تسعة
وتسعين 0"107
وقال ابن الوزير" :وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي
بالضرورة والنص أما الضرورة فإن في كتاب الله أكثر من ذلك "108
مسألة :و المقصود بالحصاء "الحاطه بها لفظا ً و فهما ً و
التعبد لله تعالى بمقتضاها":
روى المامان البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :إن لله تسعة وتسعين مائة إل
واحدا من أحصاها دخل الجنة"
وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السلم" :اختلف العلماء في الحصاء
فقال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وقال الخطابي أن يعدها
حتى يستوفيها بمعنى أن ل يقتصر على بعضها فيدعو الله بها كلها .
وثانيها المراد بالحصاء الطاقة بمعنى العمل بمقتضاها فإذا قال الرزاق
وثق بالرزق وكذا سائر السماء .
ثالثها المراد به الحاطة بمعانيها و العمل بها فإذا قال الحكيم سلم لجميع
أوامره على مقتضى الحكمة واختاره أبو الوفاء ابن عقيل .وقال ابن بطال
طريق العمل بها أن ما كان يسوغ القتداء به فيها كالرحيم والكريم فيمرن
العبد نفسه على أن يصح له التصاف بها وما كان يختص به نفسه كالجبار
والعظيم فعلى العبد القرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها وما
كان فيه معنى الوعد يقف فيه عند الطمع والرغبة وما كان فيه معنى
الوعيد يقف منه عند الخشية والرهبة ويؤيد هذا أن حفظها لفظا من دون
عمل واتصاف كحفظ القرآن من دون عمل ل ينفع كما جاء في ذم الخوارج
أنهم يقرؤن القرآن ل يجاوز حناجرهم"109
و قد جمع بين هذه المعاني الشيخ بن العثيمين رحمه الله فقال" :ليس
معنى أحصاها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك:
أول ً -:الحاطة بها لفظا ً
ثانيا ً -:فهمها معنى
ثالثا ً -:التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان :
الوجه الول :أن تدعو الله بها لقوله تعالى } فادعوه بها { بأن تجعلها
وسيلة إلى مطلوبك ،فتختار السم المناسب لمطلوبك ،فعند سؤال
المغفرة تقول :يا غفور اغفر لي ،وليس من المناسب أن تقول :يا شديد
العقاب اغفر لي بل هذا يشبه الستهزاء بل تقول :أجرني من عقابك 0
107الفتاوى ) (22/482
108إيثار الحق على الخلق ص 158
109سبل السلم ج 4 :ص110 :
81 * كتاب
التوحيد .
الوجه الثاني :أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه السماء ،فمقتضى
الرحيم الرحمة ،فاعمل العمل الصالح الذي يكون جليا ً لرحمة الله ،هذا
هو معنى أحصاها ،فإذا كان كذلك فهو جدير لن يكون ثمنا ً لدخول الجنة
"110اهـ .
مسألة :و تعيين التسعة و تسعين اسما ليس مرفوعًا:
ورود في بعض الثار المرفوعة حصر التسعة و تسعين اسما الصحيح أنها
مدرجه قال بن حجر رحمه الله" :و قد تقرر رجحان ان سرد السماء ليس
مرفوعا" .و قال "ليست العلة عند الشيخين ) البخاري ومسلم ( تفرد
111
الوليد فقط بل الختلف فيه والضطراب وتدليسه واحتمال الدراج " .و
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله" :تعيينها ليس من كلم النبي صلى
الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه "112
مسألة :وبعض السماء أفضل من بعض:
قال الحافظ رحمه الله" :أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن
الشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلني
فقالوا ل يجوز تفضيل بعض السماء على بعض ونسب ذلك بعضهم لمالك
لكراهيته ان تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئل يظن ان بعض
القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الفضل
وحملوا ما ورد من ذلك على ان المراد بالعظم العظيم وان أسماء الله
كلها عظيمة. " 113
و قال شيخ السلم بن تيميه رحمه الله" :والنصوص والثار في تفضيل كلم
الله ـ بل وتفضيل بعض صفاته ـ على بعض متعددة .وقول القائل :صفات
الله كلها فاضلة في غاية التمام والكمال ليس فيها نقص كلم صحيح ،لكن
صا
توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض؛ كان المفضول معيًبا منقو ً
خطأ منه ،فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض؛ ولهذا
يقال :دعا الله باسمه العظم ،وتدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض
وبعض أفعاله أفضل من بعض ،ففي الثار ذكر اسمه العظيم واسمه
العظم ،واسمه الكبير والكبر ،وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) :إن الله كتب في كتاب ،فهو موضوع
عنده فوق العرش :إن رحمتى تغلب غضبي( ،وفي رواية) :سبقت رحمتي
غضبي( ،فوصف رحمته بأنها تغلب وتسبق غضبه ،وهذا يدل على فضل
رحمته على غضبه من جهة سبقها وغلبتها .وقد ثبت في صحيح مسلم ،عن
عائشة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول في سجوده) :اللهم
إني أعوذ برضاك من سخطك ،وبمعافاتك من عقوبتك ،وأعوذ بك منك(.
110الفتاوى ص 55
111فتح الباري ص ) (215جـ ) (11ط السلفية
112الفتاوى ص ) (382جـ )(6
113فتح الباري ج 11 :ص224 :
82 * كتاب
التوحيد .
عليم وتحققوا بما عملوه من حكمته التي بهرت عقولهم إن لله في كل ما
خلق وأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه
وأنه تعالى هو الغنى الحميد العليم الحكيم فمصدر خلقه وأمره وثوابه
وعقابه غناه وحمده وعلمه وحكمته ليس مصدره مشيئة مجردة وقدرة
خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقا ً
وأمرا ً وأنه سبحانه ل يسأل عما يفعل لكمال حكمته" 117اهـ .
اقتران الواسع بالعليم :
قال تعالى" :مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت
سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع
عليم "261البقرة .فالله تعالى واسع العطاء واسع الغنى واسع الفضل
ومع ذلك فل يظن أن سعـة عطائـه تقتضي حصولها لكل منفـق فإنه عليـم
بمـن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ،ومن ل يستحقها ول هو أهل
لها ،فإن كرمه وفضله ل يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته
ورحمته ويمنعه من ليس من أهله بحكمته وعلمه 0
اقتران الغني بالحليم :
قال تعالى" :قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني
حليم "263البقرة .فالله تعالى غني عن كل شئ بما في ذلك تلك
الصدقات التي تنفق فهو تعالى غني عنها وهذا كمال لله تعالى ,و من كمال
غناه أنه تعالى يرزق الخلئق أجمعين و خزائنه ملئ فله كمال الغنى و مع
غناه تعالى فهو الحليم إذ ل يعاجل المنان بالعقوبة فكيف يؤذي أحدكم بمنه
وأذاه مع قلة ما يعطي 0
مسألة :و تنقسم السماء من حيث اقترانها بغيرها إلى
قسمين:
الول منها ما يطلق عليه مفردا ً ومقترنا ً بغيره من السماء:
وهو غالب السماء .فالقدير ،والسميع والبصير ،والعزيز ،والحكيم ،وهذا
يسوغ أن يدعا به مفردا ً ومقترنا ً بغيره فتقول :يا عزيز يا حليم ،يا غفور يا
رحيم ،وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك
الفراد والجمع .
ً
ومنها ما ل يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله من السماء:
كالمانع ،والضار ،والمنتقم ،فل يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون
بالمعطي ،والنافع ،والعفوّ ،المعز المذل ،لن الكمال في اقتران كل
اسم من هذه بما يقابله لنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية ،وتدبير الخلق ،
والتصرف فيهم عطاًء ،ومنعا ً ،ونفعا ً ،وضرا ً ،وعفوا ً ،وانتقاما ً .وأما أن
يثني عليه بمجرد المنع ،والنتقام ،والضرار ،فل يسوغ .فهذه السماء
المزدوجة تجري السماء منها مجرى السم الواحد الذي يمتنع فصل بعض
حروفه عن بعض فهي وإن تعددت جارية مجرى السم الواحد ولذلك لم
ل ،يا ضاّر ، مذ ُ تجئ مفردة ولم تطلق عليه إل مقترنة فاعلمه )فلو قلت( يا ُ
يا مانعُ ،وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا ً عليه ول حامدا ً له حتى تذكر مقابلها .
القاعدة الرابعة :واتفاق السماء ل يوجب تماثل المسميات:
مى صفاته مى الله نفسه بأسماء وس ّ قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " :س ّ
بأسماء فكانت تلك السماء مختصة به إذا أضيفت إليه ل يشركه فيها غيره ،
مى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك وس ّ
السماء إذا قطعت عن الضافة والتخصيص ،ولم يلزم من اتفاق السمين
تماثل مسماها واتحاده عند الطلق والتجريد عن الضافة والتخصيص ،ل
اتفاقهما ،ول تماثل المسمى عند الضافة والتخصيص ،فضل ً عن أن يتحد
ي القيوم مى الله نفسه حّيا ،فقال :الله ل إله إل هو الح ّ مسماهما فقد س ّ
ي من الميت ويخرج الميت من مى بعض عباده حّيا ،فقال :يخرج الح ّ وس ّ
ي وليس هذا الحي مثل هذا الحي ،لن قوله الحي اسم الله مختص الح ّ
به ،وقولـــه ويخرج الحي من الميت اسم للحي المخلوق مختص به ،
مى جردا ً عن التخصيص ،ولكن ليس للمطلق مس ّ وإنما يتفقان إذا اطلقا و ُ
موجود في الخارج ،ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا ً بين
المسميين ،وعند الختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ،
مى بعض مى الله نفسه عليما ً حليما ً ،وس ّ والمخلوق عن الخالق .وكذلك س ّ
عباده عليما ً ،فقال :وبشروه بغلم عليم يعني إسماعيل ،وليس العليم
مى نفسه سميعا ً بصيرا ً ،فقال :إن الله كالعليم ،ول الحليم كالحليم .وس ّ
يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
مى بعض بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا ً بصيرا ً وس ّ
خلقه سميعا ً بصيرا ً فقال :إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه
فجعلناه سميعا ً بصيرا ً وليس السميع كالسميع ،ول البصير كالبصير .
مى بعض عباده س وس ّقدو ُمى نفسه بالملك ،فقال :الملك ال ّ وس ّ
بالملك ،فقال :وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ً وقال الملك
مى نفسه بالمؤمن :فقال :المؤمن ائتوني به وليس الملك كالملك .وس ّ
مى بعض عباده بالمؤمن ،فقال :أفمن كان مؤمنا ً كمن كان ن وس ّ
المهيم ُ
مى نفسه بالعزيز ،فقال : فاسقا ً ل يستوون وليس المؤمن كالمؤمن .وس ّ
مى بعض عباده بالعزيز ،فقال :قالت امرأة العزيز الجبار المتكبُر وس ّ
مى بعض مى نفسه الجبار المتكبر ،وس ّ العزيز وليس العزيز كالعزيز .وس ّ
خلقه بالجبار المكتبر ،فقال :كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبارٍ
وليس الجبار كالجبار ،وليس المتكبر كالمتكبر "اهـ.
استوى ؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى عله الرحضاء ) العرق ( ثم قال " :
الستواء غير مجهول والكيف غير معقول واليمان به واجب والسؤال عنه
بدعة "118
و إمرار نصوص الصفات على ظاهرها دالة على معانيها الئقة بجلل الله
تعالى و كماله هو مذهب السلف قال ابن عبدالبر رحمه الله " :أهل السنة
مجمعون على القرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة واليمان بها
وحملها على الحقيقة ل على المجاز إل أنهم ل يكيفون شيئا ً من ذلك ول
يحدون فيه صفة محصورة .وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها
والخوارج فكلهم ينكرها ول يحمل شيئا ً منها على الحقيقة ويزعمون أن من
أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون
بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله "119
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل" :ل يجوز رد هذه الخبار
ول التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات الله ل تشبه
صفات سائر الموصوفين بها من الخلق ول يعتقد التشبيـه فيها"
مسألة :و السبيل إلى معرفة ظاهر النصوص عدة أمور منها:
السياق ,أو بالعكس وتقول :ما عند ك إل زيد وما زيد إل عندك (1
فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الولى مع اتحاد الكلمات لكن
اختلف التركيب فتغير المعنى به
(2وما يضاف إليه الكلم فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في
سياق ومعنى آخر في سياق وتقول :صنعت هذا بيدي فل تكون اليد
كاليد في قوله تعالى } :لما خلقت بيدي { ] ص [75:لن اليد في
المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له وفي الية أضيفت إلى
الخالق فتكون لئقة به فل أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن
يد الخالق كيد المخلوق
(3وتركيب الكلم يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه فلفظ
) القرية ( مثل ً يراد به القوم تارة ومساكن القوم تارة أخرى .فمن
الول قوله تعالى } :وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة
أو معذبوها عذابا ً شديدا ً { ] السراء [58 :ومن الثاني قوله تعالى
عن الملئكة ضيف إبراهيم } :إنا مهلكوا أهل هذه القرية {
] العنكبوت . [31:
118أخرج هذا الثر :الللكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " ) (2/398والبيهقي في "
السماء والصفات " ) (151-2/150من طريقين مع اختلف يسير بينهما في اللفاظ وفي كتاب
العتقاد )ص , (56والدرامي في " الرد على الجهمية " ص 33وأبو اسماعيل الصابوني في "
عقيدة السلف " ص ، 19-17من ثلثة طرق وابن عبدالبر في " التمهيد " ) (7/151وأبو نعيم في "
الحلية " ) (326-6/352والذهبي في " العلو" ص ، 104-103المختصر ص ، 141وحكم عليه
بالصحة ،وقال :إن هذا ثابت عن المام مالك وجود اسناده المام ابن حجر في " الفتح " )
(13/407فقال :وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبدالله بن وهب ……فذكره
119ذكره ابن عبد البر في التمهيد في )(7/145
87 * كتاب
التوحيد .
اليسير الذي يأخذ النسان مع إدراكه و ذلك لكمال حياته وقيوميته ,و كذلك
مث ْل ِ ِ
ه س كَ ِ من صفاته عز وجل السلبية عدم الشبيه أو النظير قال تعالى" :ل َي ْ َ
صيُر "11الشورى ,و من صفاته السلبية أيضا ً عدم ميعُ ال ْب َ ِ س ِىٌء وَهُوَ ال ّ ش ْ َ
َ
شْيئا ً أن ذآ أَراد َ َ َ مُره ُ إ ِ َ َ
مآ أ ْ العجز و ذلك لكمال علمه وقدرته قال تعالى" :إ ِن ّ َ
قَناخل َْ قد ْ َ َ
ن "82يس .و منها عدم التعب قال تعالى" :وَل َ كو ُ كن فَي َ ُ ه ُ ل لَ ُ قو َ يَ ُ
َ َ
من ل ُّغو ٍ ت َوال ْْر َ
.
ب "38ق سَنا ِ م ّ ما َ ست ّةِ أّيام ٍ وَ َ ما ِفى ِ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ مـوَ ِ س َ ال ّ
و إثبات هذه الصفات السلبية و ما تقتضيه من نفي النقص و العجز عن الله
تعالى المراد منه إثبات ضدها على الوجه الكمل وذلك لن ما نفاه الله
تعالى عن نفسه المراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده ل لمجرد نفيه
فكما أسلفنا أن النفي إما نفي محض أو نفي عجز او نفي كمال ,فالنفي هنا
نفي كمال و عظمة و مثال ذلك :قوله تعالى " :وتوكل على الحي الذي ل
يموت "58الفرقان .فنفى الموت عنه يتضمن كمال حياته 0و قوله تعالى:
"ول يظلم ربك أحدا ً "49الكهف .نفى الظلم عنه يتضمن كمال عدله 0و
قوله تعالى" :وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ول في الرض
"44فاطر .فنفى العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته ولهذا قال بعده:
"إنه كان عليما ً قديرا ً "44فاطر .لن العجز سببه إما الجهل بأسباب اليجاد
وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه
شيء في السموات ول في الرض .
القاعدة :و تنقسم الصفات الثبوتية من حيث تعلقها بالذات:
إلى صفات ذات ِّية:
وهـي التي لم يزل الله ول يزال متصفا ً بها و التي ل تتعلق بالمشيئة؛ كالعلم
،والقدرة ،والحياة ،والسمع ،والبصر ،والوجه ،واليدين .ففي صفة
و
شَهـد َةِ هُ َ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِعال ِ ُ ه إ ِل ّ هُوَ َ ذى ل َ إ َِلـ َ ه ال ّ ِالعلم قال تعالى" :هُوَ الل ّ ُ
جآَءما َ م "22الحشر .و في صفة الكلم قال تعالى" :وَل َ ّ حي ُ ن الّر ِ مـ ُ ح َ الّر ْ
ه "134العراف .و من صفاته عز وجل الذاتية ه َرب ّ ُ م ُ قـت َِنا وَك َل ّ َ مي َ سى ل ِ ِ مو َ ُ
حي َِنا "37هود ,وقال النبي َ ْ
فل َ ْ
ك ب ِأع ْي ُن َِنا وَوَ ْ صن َِع ال ُ
صفة العينين قال تعالىَ" :وا ْ
سَبحات وجهه ما صلى الله عليه وسّلم )حجابه النور لو كشفه لحرقت َ
انتهى إليه بصره من خلقه ( .وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان،
ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسّلم في الدجال ) إنه أعور وإن ربكم
داهُ ليس بأعور ( .و من صفاته عز وجل اليدين قال تعالى" :ب َ ْ
ل يَ َ
ه
ج ُ قى وَ ْ شآُء "64المائدة .و الوجه قال تعالى" :وَي َب ْ َ ف يَ َ فقُ ك َي ْ َ ن ُين ِ سوط ََتا ِ مب ْ ُ َ
ل َوال ِك َْرام ِ "27الرحمن . جلـ ِْ ْ
ذو ال َ ك ُ َرب ّ َ
ثانيا ً صفات فعلّية:
و هي الصفات التي لم يزل الله متصفا ً بها قبل كل شئ إل أنها تتعلق
بمشيئته تعالى إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها فمن ناحية التصاف بها
فهي ذاتية فالله تعالى لم يزل متصفا ً قبل كل شيء أما من ناحية الفعل
90 * كتاب
التوحيد .
فهي فعلية لنها تتعلق بالرادة و المشيئة؛ كالمجيء ،والن ُّزول و الغضب و
َ
كجآَء َرب ّ َ ض د َك ّا ً د َك ّا ً * وَ َ ت ال ْْر ُ ذا د ُك ّ ِ الفرح و الضحك .قال تعالى" :ك َل ّ إ ِ َ
فا ً "21الفجر .و في صفة الحب فالله تعالى يحب أولياءه ص ّفا ً َ ص ّ ك َ مل َ ُ َوال ْ َ
ْ
ه"54 حّبون َ ُ م وَي ُ ِ حب ّهُ ْقوْم ٍ ي ُ ِه بِ َ ف ي َأِتى الل ّ ُ سوْ َ كما أخبر بذلك قال تعالى" :فَ َ
ن ِبالل ّ ِ
ه ظآّني َ المائدة .و كذلك من الصفات الفعلية الغضب قال تعالى " :ال ّ
م "6افتح . ه ع َل َي ْهِ ْ ب الل ّ ُ ض َ سوِْء وَغ َ ِ دآئ َِرة ُ ال ّ م َ سوِْء ع َل َي ْهِ ْ ن ال ّ ظَ ّ
القاعدة الثالثة :صفات الله تعالى توقيفية:
قال بن حجر رحمه الله" :وقال أبو الحسن القابسي أسماء الله وصفاته ل
تعلم ال بالتوقيف من الكتاب أو السنة أو الجماع ول يدخل فيها القياس
122
ولم يقع في الكتاب ذكر عدد معين وثبت في السنة انها تسعة وتسعون
مسألة :و تشتق الصفة من السم و الفعل على خلف السماء
فل اشتقاق فيها:
فيشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم ،صفات الرحمة والقدرة
والعظمة .و يشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب
ونحوها من تلك الفعال.
لكن ل نشتق من صفات الرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي
والماكر ,و كذلك ل ُيشتق من أفعال الله تعالى السماء؛ فل نشتق من كونه
يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب ،
مسألة :و تتفق مع السماء في أنه ل يقاس عليه:
فل يقـاس السخاُء على الجود ،ول الجـل َد ُ على القوة ،ول الستطاعـ ُ
ة
مسألة :و مما تتفق فيه السماء و الصفات أنه يحلف و يستعاذ
بها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أعوذ برضاك من سخطك ،
وبمعافاتك من عقوبتـك . "123و روى البخاري و مسلم من حديث أنس بن
مالك رضي الله عنه أن رجل قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه:
"قال أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على
وجهه يوم القيامة قال قتادة بلى وعزة ربنا"
مسألة :و مما تختلف فيه الصفات أنه ل يتعبد و ل يدعى بها:
ل ,و ُيدعى فيتعبد بأسماء الله تعالى فيقال عبدالكريم ،وعبد الرحـمن مث ً
ه تعالى بأسمائه فيقال مثل ً يا رحيم .و ل يتعبد و ل يدعى بصفات الله الل ُ
تعالى ,لنها ل تدل على الذات و العبادة ل تكون إل لله وحده قال تعالى:
هّ
معَ الل ِ ن ي َد ْع ُ َ م ْن "2الية الزمر ,و قال تعالى" :وَ َ دي َ ه ال ّ صا ل َ ُ خل ِ ً م ْ ه ُ "َفاع ْب ُد ِ الل ّ َ
ن"117 كافُِرو َ ح ال ْ َفل ِ ُه َل ي ُ ْ عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ ه ِ ساب ُ ُح َما ِ ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ ن لَ ُها َ خَر َل ب ُْر َ إ ِل ًَها آ َ
المؤمنون .و لذلك فل يقال عبد الكرم ،وعبد الرحمـة لن الصفة ل تدل
على الذات و التعبد إنما يكون لله وحده .و ل تدعى الصفة فل يقال :يا
رحمة الله أو يا كرم الله و ذلك لن الصفة ليست هي الموصوف و الدعاء
ن ِبي شرِ ُ
كو َ دون َِني ل ي ُ ْ
عبادة و العبادة ل تصرف إل لله قال تعالى" :ي َعْب ُ ُ
شــي ًْئا "55النور . 124أما إن كان السم فقط معبدا ً لغير الله عبد الرحمة و
عبد النبي و ل يقصد صاحبه عبادة غير الله تعالى فقد حكى بن حزم رحمه
الله تعالى إجماع العلماء على تحريمه لما فيه من الغلو و التعدي على حق
الله تعالى.
القاعدة الرابعة :القول في بعض الصفات كالقول في البعض
الخر:
فمن أقر بصفات الله ؛ كالسمع ،والبصر ،والرادة ،يلزمه أن يقر بمحبة
الله ،ورضاه ،وغضبه ،وكراهيته.
يقول شيخ السلم ابن تيمية " :ومن فرق بين صفة وصفة ،مع تساويهما
في أسباب الحقيقة والمجاز ؛ كان متناقضا ً في قولـه ،متهافتا ً في مذهـبه ،
مشابها ً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض"
القول في الصفات جميعها من باب واحد :
أول ً :ان يعلم طالب العلم أن جميع الصفات من باب واحد إذ ل فرق بينها
البتة لن الموصوف بها واحد وهو جل وعل ل يشبه الخلق في شيء من
صفاتهم البتة فكما انكم أثبتم له سمعا ً وبصرا ً لئقين بجلله ل يشبهان شيئا ً
من أسماع الحوادث وأبصارهم فكذلك يلزم ان تجروا هذا بعينه في صفة
الستواء والنزول والمجيء إلى غير ذلك من صفات الجلل والكمال التي
أثنى الله بها على نفسه 0
واعلموا أن رب السموات والرض يستحيل عقل ً أن يصف نفسه بما يلزمه
محذور ويلزمه محال أو يؤدي إلى نقص كل ذلك مستحيل عقل ً فان الله ل
يصف نفسه إل بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع
علئق اوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين ،على حد قوله }ليس
125
كمثله شيء وهو السميع البصير{ ]الشورى [11:
القاعدة الخامسة :القول في الصفات كالقول في الذات:
القول في الصفات كالقول في الذات :
الثاني :أن تعلموا ان الصفات والذات من باب واحد ،فكما أننا نثبت ذات
الله جل وعل اثبات وجود وايمان ل اثبات كيفية مكيفة محددة فكذلك نثبت
لهذه الذات الكريمة المقدسة صفات اثبات وايمان ووجود ل اثبات كيفية
وتحديد .
القاعدة السادسة :باب الصفات أوسع من باب السماء:
124
))) (2مجموع الفتاوى(( ) (229 ، 6/143و ) ،(35/273وانظـر )) :شرح السنة(( للبغوي ) ، (187-1/185وَفّرق بعضهم بين الحلف بالصفة الفعلّية والصفة الذات ِّية ،
لن أسماء الله تعالى كلها حسنى من كل وجه و ل تحتمل نقصا ً في وجه
من الوجوه ,أما الصفات فهي صفات الكمال المتفرعة على أفعال الكمال
لله تعالى و أفعال الله تعالى ل حصر لها.
ثانيا ً فصل في أنواع اللحاد في توحيد
السماء و الصفات:
أول ً إلحاد المشركين :
مسألة :و منه اشتقاق السماء للمعبودات الباطلة:
ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى" :يلحدون في أسمائه" أنه
قال" :يشركون" .وعنه" :سموا اللت من الله ،والعزي من العزيز" .
فمن اللحاد أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماًء للصنام ،و هو شرك
لنه جعل مسميات هذه السماء مشاركة لله عز وجل .
مسألة :و يحرم التسمي بالسماء الخاصة بالله تعالى:
و من الصفات الخاصة بالله تعالى العظمة و الكبرياء و التصوير.
على: مسألة :و منه إدعاء الشرك في شئ من الصفات ال ُ
فمن يدعي لنفسه علم الغيب المطلق الذي ل يعلمه إل الله كفر لنه
َ
دا" . ب َفل ي ُظ ْهُِر ع ََلى غ َي ْب ِهِ أ َ
ح ً م ال ْغَي ْ ِ
عال ِ ُ
تكذيب لقوله تعالى قال تعالىَ " :
ثانيا ً إلحاد المشبه:
و التشبيه هو اعتقـاد أن اللـه تعـالى يشـبه أحـدا ً مـن خلقـه فـي أسـمائه أو
صفاته أو أفعاله و هو باطل لقوله تعالى" :ليس كمثلــه شــئ و هــو الســميع
البصير " ,و الفرق بين التشبيه و التمثيــل أن التشــبيه أعــم مــن التمثيــل و
كلهما باطل في حق الله تعالى فالله تعالى ليس لــه مثيــل و ل شــبيه .أمــا
الكيف فصفات الله تعالى لها كيفية و لكن ل نعرفها فهــي مجهولــة بالنســبة
لنا .
فمن اللحاد أن يقال إن تردد الخالق كتردد المخلوقين:
فذلك القول كفر بالله تعالى لن اللـه تعـالى يقـول ) ليـس كمثلـه شـئ ( و
ذلك في ذاته و أسمائه و صفاته و أفعاله ,وقــد روى المــام البخــاري رحمــه
الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صــلى اللــه عليــه و
ددت عــن شــيء أنــا آله و سلم قال فيما يروي عن رّبه عّز وجـ ّ
ل ) :ومــا تــر ّ
ددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ،يكره الموت وأكــره مســاءته ( فاعله تر ّ
ً
وهناك من نفى صفة التردد عن الله عز وجل بدعوى التنزيه غافل عن هــذه
الصفة في السياق التي ذكرت فيه تدل على نعت من نعوت الكمال لله عز
وجل و التي ل يشابهه فيها أحد ٌ من المخلوقين و ذلك لمران الول أن تــردد
المخلوقين إما يكون لعدم علمه بعاقبة المــور و هــذا ممتنــع فــي حــق اللــه
تعالى لكمال علمه و الثاني أن يكون تردده لما في الفعــل مــن المصــلحة و
المفسدة و هذا أيضا ً ممتنع في حق الله تعالى لن كل الخلق ل يســتطيعون
أن يضروا الله بشيئ أو ينفعـوه بشـئ فـالله وحـده هـو الضـار النـافع .أمـا
حقيقة تردد الله عز وجل أن المر مرادا ً من وجه مكروهـا ً مــن وجــه آخــر و
إن كان لبد من ترجيح أحد المرين ,فالله تعالى مريد لموت العبد لما سبق
93 * كتاب
التوحيد .
هذا المتاع معي لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة
وهو فوق عرشه حقيقة "128ا 0هـ
ثالثا ً :هذه المعية تقتضي الحاطة بالخلق علما ً وقدرة وسمعا ً
وبصرا ً وسلطانا ً وتدبيرا ً :
وغير ذلك من معاني ربوبيته إن كانت المعية عامة لم تخص بشخص أو
وصف كقوله تعالى } :وهو معكم أينما كنتم { ] الحديد [4 :وقوله } :ما
يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من
ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا { ] المجادلة . [7 :
فإن خصت بشخص أو وصف اقتضت مع ذلك النصر والتأييد والتوفيق
والتسديد .
مثال المخصوصة بشخص :قوله تعالى لموسى وهارون } :إنني معكما
أسمع وأرى { ] طه [46 :وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم } :إذ
يقول لصاحبه ل تحزن إن الله معنا { ]التوبة . [40 :
ومثال المخصوصة بوصف :قوله تعالى } :واصبروا إن الله مع الصابرين {
] النفال [46 :وأمثالها في القرآن كثيرة.
رابعا ً -:هذه المعية ل تقتضي أن يكون الله تعالى مختلطا ً
بالخلق أو حال ً في أمكنتهم :
ول تدل على ذلك بوجه من الوجوه لن هذا المعنى باطل مستحيل على
الله عز وجل ول يمكن أن يكون معنى كلم الله ورسوله شيئا ً مستحيل ً
باطل ً .
129
قال شيخ السلم ابن تيمية " :وليس معنى قوله } :وهو معكم {
] الحديد [4 :أنه مختلط بالخلق فإن هذا ل توجبه اللغة بل القمر آية من
آيات الله تعالى من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء وهو مع
المسافر وغير المسافر أينما كان " ا 0هـ
ولم يذهب إلى هذا المعنى الباطل إل الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم
الذين قالوا :إن الله بذاته في كل مكان :تعالى الله عن قولهم علوا ً كبيرا ً
وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا ً .
وقد أنكر قولهم هذا من أدركه من السلف والئمة لما يلزم عليه من
اللوازم الباطلة المتضمنة لوصفه بالنقائص و إنكار علوه على خلقه .وكيف
يمكن أن يقول قائل عن الله تعالى بذاته في كل مكان أو أنه مختلط
بالخلق وهو سبحانه قد } وسع كرسيه السموات والرض { ] البقرة :
} [255والرض جميعا ً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه{
]الزمر [67 :
الفتوى الحموية ص) (87من المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لبن قاسم 128
تحتمله اللغة القول بأن المراد "باليد" في قوله تعالى "بل يـداه
مبسوطتـان" السماوات والرض فهو تأويل كفري لنه ل يصح في اللغة
العربية ،ول هو مقتضى الحقيقة الشرعية .
أما إن قال :المراد باليد النعمة أو القوة فل يكفر ،لن اليد في اللغة تطلق
بمعنى النعمة قال الشاعر :
وكم لظلم الليل عندك من يد **** تحدث أن المانوية تكذب
من " يد " أي :من نعمة ،لن المانوية يقولون :إن الظلمة ل تحدث
الخير ،وإنما تحدث الشر 0و كون هذا التحريف المعنوي له مسوغ من
اللغة منع من كونه كفرا إل أنه تأويل بدعي مذموم لمخالفته للحقيقة
الشرعية.
و زعم النفاة أنهم بهذا التأويل ينزهون الله تعالى:
ة هو الذي عما ل يليق به من الصفات و كذبوا في ذلك لن المنزه حقيق ً
ينفي عن الله تعالى صفات النقص والعيب ،وينزه كلمه من أن يكون تعمية
ل ،فإذا قال :بأن الله ليس له سمع ،ول بصر ،ول علم ،ول قدرة و لم وتضلي ً
ينزه الله بل وصفه بأعيب العيوب و وصف كلمه بالتعمية والتضليل ،لن
الله يكرر ذلك في كلمه ويثبته ،فإذا أثبته في كلمه و هو خال منه كان في
غاية التعمية و التضليل و القدح في كلم الله عز وجل .
و من الفرق المعطلة:
ما ذكره الشيخ ياسر برهامي حفظه الله في شرح المنة حيث قال" :و من
الفرق المعطلة ) الباطنية ( و هم أسوأ الفرق وأضلهم ،و ) الفلسفة ( و )
الجهمية الوائل ( و ) المعتزلة ( و هم أخذوا ذلك عن الجهمية و لكن
ساغوه بعبارات أخف ,و ) الشاعرة ( و ) الحلولية ( و هم الذين يقولون
إن وجود الله في كل مكان ,فيعتقدون أن الله في كل مكان ..و العياذ
بالله ,...و ) التحادية ( و هم أشد كفرا ً من الحلولية فهم ل يثبتون لله ذاتا ً
أصل ً و هم أئمة الصوفية كابن عربي و بن الفارض و بن سبعين و هو
يقولون "إن الديان كلها واحدة أما المظاهر مختلفة لكن الحقيقة واحدة" .
و الفرق الخارجة من الملة في المعطلة هم ] .التحادية ,و الحلولية و
الباطنية و الفلسفة و الجهمية الوائل المنافين لصريح الكتاب و السنة [ ,
* أما المعتزلة :فأقوالهم أقوال كفرية ,و لكن ل يكفر المعين حتى تقام
عليه الحجة "لوجود الشبهة" * .و أما الشاعرة :فهم أهل بدع و ضلل ,و
إقرارهم بالصفات المشهورة المعلومة من الدين بالضرورة منع من
تكفيرهم ,و إن كان إنكارهم لبعض الصفات ليس على سبيل النكار و إنما
هو على سبيل التأويل ,و لكنه تاويل فاسد اهـ.
نفي الجهمية المعطلة لصفة العلم:
و قد أورد أبو الحسن الشعري رحمه الله تعالى ردا ً عليهم و هذه بعض
عباراته" :وزعمت الجهمية أن الله تعالى ل علم له ،و نفت الصفات عن
98 * كتاب
التوحيد .
الله تعالى ,ولم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك فأتت بمعناه ،وقالت إن الله
عالم ،قادر ،حي ،سميع ،بصير من طريق التسمية من غير أن يثبتوا له
حقيقة العلم ،والقدرة ،والسمع ،والبصر .و يقال لهم إذا كان الله تعالى
عالما ً بل علم ,فأثبتوا أنه قائل ل قول له ،فإن أثبتوا قول الله تعالى قيل
لهم :فإذا كان القائل ل يكون قائل ً إل بقول ،فكيف أنكرتم أن ل يكون
العالم عالما إل بعلم .ويقال لهم :من أين علمتم أن الله عالم ؟ فإن قالوا:
بقوله تعالى) :إنه بكل شيء عليم( من الية قيل لهم :وكذلك فقولوا :إن
لله علما بقوله) :أنزله بعلمه( وبقوله) :وما تحمل من أنثى ول تضع إل
بعلمه( .ويقال لهم :قد عّلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم الشرائع
والحكام ،والحلل والحرام ،ول يجوز أن يعلمه ما ل يعلمه ،فكذلك ل يجوز
أن يعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم مال علم الله به .تعالى الله عن
قول الجهمية علوا كبيرا .وكيف يجوز أن يكون للخلق علم بذلك ،وليس
للخالق عز وجل علم به؟ ! وهذا يوجب أن للخلق مزية في العلم وفضل
على الخلق .تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .ويقال لهم :هل يجوز أن
تنسق الصنائع الحكمية ممن ليس بعالم ؟ فإن قالوا :ذلك محال ،ول يجوز
في وجود الصنائع التي تجري على ترتيب ونظام إل من عالم قادر حي .
قيل لهم :وكذلك ل يجوز وجود الصنائع الحكمية التي تجري على ترتيب
ونظام إل من ذي علم وقدرة وحياة"
الرد على من نفى صفة العلو:
يقول أبو الحسن الشعري رحمه الله في البانة" :وقد قال قائلون من
المعتزلة والجهمية والحرورية :إن معنى قول الله تعالى) :الرحمن على
العرش استوى( أنه استولى وملك وقهر ،وأن الله تعالى في كل مكان،
وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه ،كما قال أهل الحق،
وذهبوا في الستواء إلى القدرة .ولو كان هذا كما ذكروه كان ل فرق بين
العرش والرض السابعة؛ لن الله تعالى قادر على كل شيء والرض لله
سبحانه قادر عليها ،وعلى الحشوش ،وعلى كل ما في العالم ،فلو كان الله
مستويا على العرش بمعنى الستيلء ،وهو تعالى مستو على الشياء كلها
لكان مستويا على العرش ،وعلى الرض ،وعلى السماء ،وعلى الحشوش،
والقدار؛ لنه قادر على الشياء مستول عليها ،وإذا كان قادرا على الشياء
كلها لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله تعالى مستو على
الحشوش والخلية ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،لم يجز أن يكون
الستواء على العرش الستيلء الذي هو عام في الشياء كلها ،ووجب أن
يكون معنى الستواء يختص بالعرش دون الشياء كلها .وزعمت المعتزلة
والحرورية والجهمية أن الله تعالى في كل مكان ،فلزمهم أنه في بطن
مريم وفي الحشوش والخلية ،وهذا خلف الدين .تعالى الله عن قولهم
علوا كبيرا .و دليل آخر قوله تعالى" :يخافون ربهم من فوقهم" ,وقوله
99 * كتاب
التوحيد .
تعالى" :تعرج الملئكة والروح إليه" ،فكل ذلك يدل على أنه تعالى في
السماء مستو على عرشه ،والسماء بإجماع الناس ليست الرض ،فدل على
أنه تعالى منفرد بوحدانيته ،مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول
والتحاد .وقال تعالى لعيسى ابن مريم عليه السلم" :إني متوفيك ورافعك
ي" ،وقال تعالى" :وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه" وأجمعت المة على إل ّ
أن الله سبحانه رفع عيسى صلى الله عليه وسلم إلى السماء ،كل ذلك
يدل على أنه تعالى ليس في خلقه ،ول خلقه فيه ،وأنه مستو على عرشه
سبحانه ،بل كيف ول استقرار ،تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون
علوا كبيرا ،فلم يثبتوا له في وصفهم حقيقة ،ول أوجبوا له بذكرهم إياه
وحدانية؛ إذ كل كلمهم يؤول إلى التعطيل ،وجميع أوصافهم تدل على
النفي ،يريدون بذلك التنزيه ،ونفي التشبيه على زعمهم ،فنعوذ بالله من
تنزيه يوجب النفي والتعطيل .و روى المام مسلم عن معاوية بن الحكم
السلمي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جارية عنده أفل
أعتقها قال ائتني بها فأتيته بها فقال" :لها أين الله قالت في السماء قال
من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة" اهـ .131
إلى الله بالقلب أحيانا ً يكون قلبه ذاكرا ً لله عز وجل فيشعر أنه قريب من
الله عز وجل وأحيانا ً يكون غافل ً فالمعنى إذا تقرب النسان إلى ربه بالقلب
ومن المعلوم ان العبادات تكون سببا ً لتقرب القلب إلى الله عز وجل كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
" ولهذا وأنت ساجد بأنك قريب من الله وأن الله في السماء فيكون على
هذا القول يكون هذا من باب ضرب المثل وليس على الحقيقة وهذا القول
أحسن من الول لنه يشمل بدللة المطابقة جميع العبادات والول يختص
بالعبادات ذات السعى والمشى " .
و من إلحاد النفاة إنتقاصهم من قدر الكمال لصفات الله تعالى
و أفعاله:
كالنتقاص من كمال الصفات الفعلية كصفة السمع و الحاطة:
فقد خرج الشيخان من حديث بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال:
"اجتمع عند البيت ثلثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي قليل فقه
قلوبهم كثير شحم بطونهم فقال أحدهم أترون الله يسمع ما نقول وقال
الخر يسمع إن جهرنا ول يسمع إن أخفينا وقال الخر إن كان يسمع إذا
جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا فأنزل الله عز وجل وما كنتم تستترون أن يشهد
عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم"
و منه نفي كمال حكمة أمره الله عز وجل:
كنفي كمال حكمة الله تعالى في حكمه بين العباد أو مساواته بغيره من
َ
ماُء
س َ الحكام الوضعية فهو إلحاد مكفر يجب تجنبه قال تعالى" :وَل ِل ّهِ اْل ْ
َ ن ي ُل ْ ِ
ما َ
كاُنوا ن َجَزوْ َ سي ُ ْ
مائ ِهِ َ
س َ
ن ِفي أ ْ
دو َ
ح ُ عوه ُ ب َِها وَذ َُروا ال ّ ِ
ذي َ سَنى َفاد ْ ُ
ح ْال ْ ُ
ن "180العراف . مُلو َ
ي َعْ َ
الجزاء مع عظم البلء وإن الله إذا أحب قوما ابتلهم فمن رضى فله
الرضا ومن سخط فله السخط" و اعتقاد أهل الجاهلية في كمال أفعال
الله تعالى إعتقادد ٌ مهلك قال تعالى" :وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إل الدهر "24الجاثية .فقد كانت العرب كلما أصابهم شدة
أو بلء سبوا الدهر وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز
وجل و كأنهم سبوا أفعاله تعالى عما يقول المشركون علوا ً كبيرا .و لذلك
ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قال ) ل تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ( 133أي ل تسبوا
فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لنه هو
فاعلها ومنزلها ,و ينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر "
وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير .
و أعظم منه نفي إبليس لكمال حكمة الله تعالى في أمره:
ن "76ص .و طي ٍ
ن ِ
م ْ
ه ِ خل َ ْ
قت َ ُ ن َنارٍ وَ َ
م ْ خل َ ْ
قت َِني ِ ه َ
من ْ ُ ل أ ََنا َ
خي ٌْر ِ إذ قال " َقا َ
الصل فيه الكبر
رابعا ً إلحاد المفترين:
فمن اللحاد في أسمائه تسميته تعالى بما لم يرد في الكتاب أو السنة
الصحيحة كقوله الفلسفة في الله :إنه علة فاعلة في هذا الكون تفعل ،
وهذا الكون معلول لها ،وليس هناك إله .وبعضهم يسميه العقل الفعال ،
فالذي يدير هذا الكون هو العقل الفعال ،وكذلك النصاري يسمون الله أبا ً
وهذا إلحاد .
و من الفتراء على أفعال الله تعالى القول بأن الله تعالى خلق
الخلق عبثا ً تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرا:
ن 115فَت ََعاَلى َ قال تعالى " :أ َفَحسبت َ
جُعو َ م إ ِل َي َْنا َل ت ُْر َم ع َب ًَثا وَأن ّك ُ ْ قَناك ُ ْ خل َ ْ ما َ م أن ّ َ َ ِ ُْ ْ
ريم ِ "116المؤمنون .و قال ش ال ْك َ ِ ب العَْر ِ
ه إ ِّل هُوَ َر ّ ْ حقّ َل إ ِل َ َ ك ال ْ َ ه ال ْ َ
مل ِ ُ الل ّ ُ
ما إ ِّل خل َ ْ ما َل ِ َ
قَناهُ َ ما َ نَ 38 عِبي َ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ت َواْلْر َ ماَوا ِ س َ قَنا ال ّ خل َ ْ ما َ تعالى" وَ َ
َ
ن "39الدخان .فمن آمن بربوبية الله تعالى و مو َ م َل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََرهُ ْ حقّ وَل َك ِ ّ ِبال ْ َ
ماحَيا وَ َ ت وَن َ ْ مو ُ حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ ي إ ِّل َ ن هِ َ كفر باليوم الخر و بالبعث و قال "إ ِ ْ
ن "37المؤمنون .فقد إفترى على الله تعالى و ادعى أنه تعالى مب ُْعوِثي َ ن بِ َح ُ نَ ْ
خلق السماوات و الرض عبثا تعالى الله عما يقول المشركون علوا ً كبيرا و
إنما خلقوا لغاية عظيمة جدا ً يحبها الله تعالى و يرضاها و هي عبادته وحده
ن "56و قال دو ِس إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ ن َواْل ِن ْ َ ج ّ ت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْ ما َ ل شريك له قال تعالى" :وَ َ
جت َن ُِبوا ال ّ َ قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ
تغو َ طا ُ ه َوا ْ دوا الل ّ َ ن ا ُع ْب ُ ُ سوًل أ ِ مةٍ َر ُ لأ ّ تعالى" :وَل َ َ ْ َ َ َ ِ
َْ ضَلل َ ُ
ت ع َل َي ْهِ ال ّ
ض
سيُروا ِفي الْر ِ ة فَ ِ ق ْ ح ّ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْه وَ ِ دى الل ّ ُ ن هَ َ م ْ م َ من ْهُ ْفَ ِ
ن "36النحل . مك َذ ِّبي َ ة ال ْ ُ عاقِب َ ُ ن َ كا َف َ َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ
ولئن استعادني لعيذنه " أي أن الله تعالى يسدد هذا الولى للعمال
الصالحة التي تتم عن طريق السمع والبصر و اليد و الرجل و ذلك عن
طريق توفيقه إلى كمال الخلص و المتابعة ,و يعينه عليها و هذا التفسير
مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته متعين بسياقه وليس فيه تأويل ول
صرف للكلم عن ظاهره ولله الحمد والمنة .
و ادعى بعض الزنادقة أن الله تعالى يكون سمع الولى وبصره ويده ورجله,
فهم بذلك يقولون باتحاد الخالق و المخلوق تعالى الله عما يقولون علوا ً
كبيرا ,و هذا اللحاد من باب الفتراء على صفات الله تعالى و الرد على
هذه القوال من وجهين :
الول :أن في الحديث إثبات عبدا ً ومعبودًا ,ومتقربا ً ومتقربا ً إليه ,ومحبا ً
ومحبوبا ً وسائل ومسؤول ً ومعطيا ً ومعطى ومستعيذا ً ومستعاذا ً به ومعيذا ً
ومعاذا ً فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الخر
وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفا ً في الخر أو جزءا ً من أجزائه .
الوجه الثاني :أن سمع الولى وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في
مخلوق ,حادث بعد أن لم يكن ول يمكن لي عاقل أن يفهم أن الخالق الول
الذي ليس قبله شيء يكون سمعا ً وبصرا ً ويدا ً ورجل ً لمخلوق
أثر توحيد السماء و الصفات في نفس المؤمن:
ل تأخذه سنة ول نوم:
وصف الله نفسه في أعظم آية من القرآن كما جاء في حديث الصحيحين
أنه ل تأخذه سنة ول نوم فقال سبحانه }الله ل إله إل هو الحي القيوم ل
تأخذه سنة ول نوم{ ول شك أن نفي الله عن نفسه للنوم وللقل منه وهو
السنة دليل على قيوميته وكمال حياته ،وعدم تطرق النقص والغفلة إليه و
ذلك لكمال قيومية الله سبحانه وتعالى ،وكمال حياته وعدم تطرق الخلل
والنسيان والغفلة لذاته ،واليمان بذلك له أثره ول شك في قلب المؤمن
الذي ما أن يشهد لله بذلك حتى يعظم شأنه الله ،ويعلم أنه مطلع على
خفياته ،سميع له في أي ساعة دعاه من ليل أو نهار ،وأنه ل يغيب عنه
سبحانه عمل عامل من خير وشر.
صفة الحب والمحبة:
س لهذا الرب وتقّرب إليه بما يزيد حبه ووده هذه الصفة تورث العبد استئنا ً
ي بالنوافل حتى أحبه" وسعى إلى أن يكون له "ول يزال العبد يتقرب إل ّ
ب فلنا ً فأحّبه ،فُيحّبه جبريل ،ثم ُ
ممن يقول الله فيهم " :يا جبريل إني أح ّ
ل السماء ثم يوضع ب فلنا ً فأحبوه ،فُيحّبه أه ُ ينادي في السماء :إن الله يح ّ
له القبول في الرض" و يكون ذلك باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم "قُ ْ
ل
ه" حب ِب ْك ُ ْ
م الل ُ ن الل ّ َ
ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ حّبو َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م تُ ِ إِ ْ
يد الله:
104 * كتاب
التوحيد .
ومن الصفات التي جحدتها قلوب النفاة ،وأنكرها الزنادقة قديمًا ،وصف الله
نفسه سبحانه بأن له يدين وهذا ما قد مدح الله به نفسه في آيات كثيرة
من كتابه وقد مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فمن
اليات قوله تعالى} :تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير{
وقوله تعالى} :وما قدروا الله حق قدره والرض جميعا ً قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون{ وقوله تعالى
مادحا ً نفسه مبينا ً فضله وتفضله على بني آدم إذ خلقه بيديه قال تعالى
لبليس }ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي{ وكذلك لما اتهم اليهود الله
سبحانه وتعالى بأنه بخيل وأنه ل ينفق فقالوا }يد الله مغلولة{ رد الله
ل} :بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء{. سبحانه وتعالى عليهم قائ ً
وقد جاءت الحاديث الكثيرة التي تمدح الله بهذه الصفة وتبين كثرة عطاء
الله وقدرته وعظمته من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال :قال صلى الله عليه
وسلم] :قال الله عز وجل :أنفق أنفق عليك[ ،وقال صلى الله عليه وسلم:
]يد الله ملى ل تغيضها نفقة ،سحاء الليل والنهار[ وقال صلى الله عليه
وسلم] :أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والرض فإنها لم تغض ما في
يده وكان عرشه على الماء ،وبيده الميزان يخفض ويرفع[ )متفق عليه(.
وكل هذا بيان لعظيم عطاء الله وسعة فضله وأن يده الكريمة جل وعل
دائمة العطاء والنفاق ،ويشبه هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا:
]ما تصدق أحد بصدقة من طيب ،ول يقبل الله إل الطيب إل أخذها الرحمن
بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل
كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله[ )مسلم( .وفي هذا الحديث إثبات الكف،
وبيان عظيم فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه وأنه يتقبل من العباد
صدقاتهم وينميها لهم ويحاسبهم على النماء وينميها ول شك أن هذا له
تأثيره في قلب المؤمن من محبة الله ورضوانه.
وفي مجال قوة الله سبحانه وتعالى وجبروته وبطشه يقول صلى الله عليه
وسلم] :إن الله يقبض يوم القيامة الرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول:
أنا الملك[ )رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما( ،وفي رواية أخرى
]فيجعلهما في كفة ثم يرمي بهما كما يرمي الغلم بالكرة[ .وفي هذا بيان
لعظمة الله وكمال قدرته وأن السموات والرض يوم القيامة تكون بيمينه.
ول شك أن أثر اليمان بهذه الصفة في قلب المؤمن عظيم لنها تورث
القلب المهابة لله والخوف منه وتعظيم أمره وشأنه ،وأنه الملك الذي قهر
الملوك ،وأنه ل مفر من قبضته ،ول ملجأ منه إل إليه.
فص ٌ
ل في توحيد الربوبية:
105 * كتاب
التوحيد .
فمن أسمائه أنه "الرب" و السم دال ً على الصفة تضمنًا ,و صفة الرب
متضمنة لعدة صفات أخرى ,و من توحيد الله عز وجل إثبات السم له
وحده أنه "رب العالمين" و اعتقاد إنفراده بالصفة وحده أن ربوبية العالمين
لله وحده ,و ل يكمل إيمان عبد بتوحيد الربوبية حتى يعلم تفاصيل
التفاصيل في معناها حتى يؤمن بكل مسألة ,أما معنى صفة الربوبية فتعني
إعتقاد إنفراد الله تبارك و تعالى بالخلق و الملك و المر ,فهذه محاور ثلثة
هي أساس توحيد الربوبية ,فالخلق خلقه و الملك ملكه و المر أمره تبارك
و تعالى ,
أنهم يفعلون ذلك أنهم شركاء مع الله ..كقول المشركين فتعالى الله عن
ذلك علوا كبيرا .و كقول عباد القبور مثل ً أن الله قال الملك الملكي و
صرفت فيه البدوي !! و العياذ بالله ! ,أو يزعمون أن للكون أقطابا ً أربعة
كل ً يأخذ ربعا ً يدبره و العياذ بالله و بناء على هذا سألون النفع و الضر و
قضاء الحاجات فلبد أن يكون عندهم إعتقاد في ملكهم شيئا ً إما على
سبيل الوساطة أو الشفاعة أو أن الله فوض لهم ذلك ,و مثل هذا العتقاد
ل ينفع معه عمل و هو حتى لو لم يفعل شيئا ً من هذه العمال بأن أحدا ً غير
الله يدبر المر دون إذن الله و أمره يجعل صاحبه مشركا ً بالله عز وجل
138اهـ"
هل النسان يتملك :
ما َ َ ّ
م أوْ َ جه ِ ْ
قال الشيخ بن العثيمين –رحمه الله ) -قال تعالى) :إ ِل ع َلى أْزَوا ِ
ن ( 139فهو ملك محدود ل يشمل إل شيئا ً َ
مُلو ِ
مي َ م غ َي ُْر َ
م فَإ ِن ّهُ ْ
مان ُهُ ْ
ت أي ْ َ مل َك َ ْ
َ
يسيرا من هذه المخلوقات؛ فالنسان يملك ما تحت يده ،ول يملك ما تحت ً
يد غيره ،وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالنسان ل يملك ما عنده
تمام الملك ،ولهذا ل يتصرف فيه إل على حسب ما أذن له فيه شرعًا،
ل :لو أراد أن يحرق ماله ،أو يعذب حيوانه؛ قلنا ل يجوز أما الله سبحانه فمث ً
فهو يملك ذلك كله ملكا ً عاما ً شامل ً 140اهـ ( .
ثالثا ً إنفراد الله تبارك و تعالى بالمر و النهي و التشريع و
السيادة :
قال تعالى ) أل له الخلق و المر تبارك الله رب العالمين ( ) العراف :
( 54قال المام الطبري رحمه الله )ومن زعم أن الله جعل للعباد من
المر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله أل له الخلق والمر
تبارك الله رب العالمين اه ( و قال المام بن كثير في البداية و النهاية
) فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم النبياء و
تحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة ,كفر فكيف بمن تحاكم إلى
الياسق و قدمه عليه ,من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين 141اه ( فكما
يعتقد المسلم أن الله منفرد بالخلق فكذلك يعتقد أنه منفرد بالمر الكوني
قال تعالى "إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له كن فيكون" و الشرعي قال
تعالى "و ما أمروا إل ليعبدوا الله مخلصين له الدين" " ,اعبدوا ربكم الذي
خلقكم"
من حكم بغير ما أنزل الله في مسألة واحدة :
قال الشيخ علء الدين الخازن في تفسيره ) واختلف العلماء فيمن نزلت
هذه اليات الثلث وهي قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
شرح المنة 138
مجموع فتاوي و رسائل فضيلة الشيخ بن العثيمين – المجلد الول -التوحيد 140
الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون فقال جماعة من المفسرين إن اليات
الثلث نزلت في الكفار الذين جحدوا حجكم الله من اليهود لن المسلم
وإن ارتكب كبيرا ) أي حكم بغير ما أنزل الله في مسألة لرشوة مثل ً ( ل
يقال إنه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك واختيار الزجاج ) ,و
كل المسلمين على أنه من ترك الحكم بغير ما أنزل الله كليا ً كافر ( حيث
قالوا و أنه من زعم أن حكما من أحكام الله تعالى التي أتت بها النبياء
باطل فهو كافر ) ,و القول الثاني فيمن لم يحكم بما أنزل الله في مسألة
أنه كافر ( قول ابن مسعود والحسن والنخعي أن هذه اليات الثلث عامة
في اليهود وفي هذه المة فكل من ارتشى وبدل الحكم بغير حكم الله فقد
كفر وظلم وفسق وإليه ذهب السدي لنه ظاهر الخطاب ,وقيل هذا فيمن
علم نص حكم الله ثم رده عيانا عمدا وحكم بغيره وأما من خفي عليه
النص أو أخطأ في التأويل فل يدخل في هذا الوعيد والله أعلم انتهى
كلمه( 142
و أما إخلص الطلب فهو أن يرجو بعمله رضاء الله عز وجل و الدار الخره,
و إن دخلت على هذه النية نية أخرى أن تكون مشروعة.
ن
م ْ و َ فصل في الشرك الذي ينقض القصد و قول الله تعالى ) َ
ه َله إ ِن ّ ُ
عن ْدَ َرب ّ ِ
ه ِ
ساب ُ ُ
ح َ
ما ِ ه َ
فإ ِن ّ َ ن لَ ُ
ه بِ ِ خَر َل ب ُْر َ
ها َ ه إ ِل َ ً
ها آ َ ع الل ّ ِ م َ
ع َي َدْ ُ
ن ( 117المؤمنون: فُرو َ كا ِ ْ
ح ال َ يُ ْ
فل ِ ُ
أول ً من الشرك في القصد عبادة النداد:
يقصده بعبادة ظنا ً منه أن هذا الند يشرك الله تعالى في شئ من أفعاله أو
أسماءه الحسنى أو صفاته العلى ,فهذا الشرك العملي سببه شرك اعتقادي
وكلهما شرك في القصد إذ أن الله وحده هو المستحق لن يقصد بهذا
العتقاد و هذا النوع من الشرك ل يغفر و هو من أعظم نواقض التوحيد
التي تستوجب الخلود في النار قال الله تعالى " :إن الله ل يغفر أن يشرك
به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" و خرج البخاري من حديث بن مسعود
رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال" :من مات وهو
يدعو من دون الله ندًا ،دخل النار" .ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال "من لقي الله ل يشرك به شيئا ً دخل الجنة ،ومن لقيه
يشرك به شيئا ً دخل النار" .وقال تعالى " :إنه من يشرك بالله فقد حرم
الله عليه الجنه ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" فالشرك في القصد
شرك أكبر مخرج من الملة يحرم على صاحبه دخول الجنة و يستوجب
الخلود في النار ,أما الشرك الصغر فكبيرة و ليس كفرا ً مخرج من الملة
فهو ليس شرك في القصد و إنما هو كذب على الشرع و كذب على القدر
و له صورتان الولى كل ما أطلق الشرع عليه لفظ الشرك و دلت النصوص
على أنه ليس بكفر و الثانية هي كل ذريعة للشرك الكبر .أما الشرك
الكبر و هو الشرك في القصد فتتعدد صوره و منها.
المسألة الولى :كمن يسجد لقبر أو يدعو صاحبه:
اعتقادا ً منه أن لصاحب القبر القدرة على الشفاء أو كشف الضر و نحو ذلك
فذلك كفر اعتقاد و كفر عمل مخرج من الملة فالله تعالى وحده هو الذي
ضّر فََل ه بِ ُك الل ّ ُ س َ س ْ م َ ن يَ ْ ب قال تعالى" :وَإ ِ ْ يكشف الضر و قد يهئ له أسبا ً
ديٌر "17النعام . يٍء قَ ِ ش ْ ل َ خي ْرٍ فَهُوَ ع ََلى ك ُ ّ ك بِ َ س َ س ْ م َ ن يَ ْ ه إ ِّل هُوَ وَإ ِ ْ ف لَ ُ ش َ كا ِ َ
معَ الل ّهِ إ ِل ًَها ن ي َد ْع ُ َ م ْ فصرف العبادة لغير الله تعالى كفر أكبر قال تعالى" :وَ َ
ن"117 كافُِرو َ ح ال ْ َ فل ِ ُه َل ي ُ ْ عن ْد َ َرب ّهِ إ ِن ّ ُ ه ِ ساب ُ ُ ح َ ما ِ ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َن لَ ُها َ خَر َل ب ُْر َ آ َ
ن َل َ
م ْ ن الل ّهِ َ دو ِ ن ُ م ْعو ِ ن ي َد ْ ُ م ْ م ّ ل ِ ض ّ نأ َ م ْ المؤمنون .و قال تعالى " :وَ َ
س
شَر الّنا ُ ح ِ ذا ُ ن 5وَإ ِ َ غافُِلو َ م َ عائ ِهِ ْ ن دُ َ م عَ ْ مةِ وَهُ ْ ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ
قَيا َ ب لَ ُ جي ُ ست َ ِيَ ْ
َ
تن " 6الحقاف و قال تعالى" :وَب ُّرَز ِ ري َكافِ ِ م َ كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ داًء وَ َم أع ْ َ كاُنوا ل َهُ ْ َ
ن الل ّهِ هَ ْ ل ل َه َ
ل دو ِ ن ُ م ْ ن ِ 81 دو َ م ت َعْب ُ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ م أي ْ َ ن 80وَِقي َ ُ ْ م ل ِل َْغاِوي َ حي ُ ج ِال ْ َ
109 * كتاب
التوحيد .
ينصرونك ُ َ
س
جُنود ُ إ ِب ِْلي َ ن 83وَ ُ م َوال َْغاُوو َ ن 82فَك ُب ْك ُِبوا ِفيَها هُ ْ صُرو َ م أوْ ي َن ْت َ ِ َْ ُ ُ َ ْ
َ ّ ُ َ
ن 86 مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ في َ ن ك ُّنا ل ِ ن َ 85تاللهِ إ ِ ْ مو َ ص ُ خت َ ِ م ِفيَها ي َ ْ ن َ 84قالوا وَهُ ْ مُعو َ ج َ أ ْ
َ
ن
م ْ ما ل ََنا ِ ن 88فَ َ مو َ جرِ ُ م ْ ضل َّنا ِإل ال ْ ُ ما أ َ ن 87وَ َ مي َ ب ال َْعال َ ِ م ب َِر ّ ويك ُ ْ س ّ إ ِذ ْ ن ُ َ
َ
ن"91 مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ن ل ََنا ك َّرة ً فَن َ ُ ميم ٍ 90فَل َوْ أ ّ ح ِ ق َ دي ٍ ص ِ ن َ 89ول َ شافِِعي َ َ
الشعراء .
المسألة الثانية :من يؤمن بقدرة الساحر على التأثير في الكون
بسحره:
عوا ل اد ْ ُ و إل فالله تعالى هو الملك المدبر الحاكم للكون كله قال تعالى " :قُ ِ
ت وََل ِفي ماَوا ِ س َ ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ قا َمث ْ َن ِ كو َ مل ِ ُن الل ّهِ َل ي َ ْ دو ِ ن ُ م ْ م ِ مت ُ ْن َزع َ ْ ذي َ ال ّ ِ
َْ
ر "22سبأ .و ما ن ظ َِهي ٍ م ْ م ِ من ْهُ ْه ِ ما ل َ ُ ك وَ َ شْر ٍ ن ِ م ْ ما ِ م ِفيهِ َ ما ل َهُ ْ ض وَ َ الْر ِ
فْر" ,و ة فََل ت َك ْ ُ ن فِت ْن َ ٌ ح ُ ما ن َ ْ الساحر و ل سحره إل فتنه لكل مفتون " :إ ِن ّ َ
السحر المتعلم من الشياطين كله كفر نص عليه الشيخ حافظ حكمي في
شت ََراهُ نا ْ م ِ موا ل َ َ قد ْ ع َل ِ ُ معارج القبول 143وصاحبه كافر إجماعا ً قال تعالى" :وَل َ َ
ن مو َ كاُنوا ي َعْل َ ُ م ل َوْ َ سه ُ ْ ف َ شَرْوا ب ِهِ أ َن ْ ُ ما َ س َ ق وَل َب ِئ ْ َ خَل ٍ ن َ م ْ خَرةِ ِ ه ِفي اْل ِ ما ل َ ُ َ
"102الية البقرة .واختلفوا فيمن كان سحره بأدوية و تدخين فلم يكفره
أصحاب أحمد و ل الشافعي إل أن يستحله ,و الساحر الكافر يقتل إجماعا ً
واختلفوا في قتل ساحر أهل الكتاب لقصة لبيد بن العصم.
المسألة الثالثة :من يصدق الكاهن في ادعائه لعلم الغيب:
فمن الشرك في القصد تصديق من ادعى علم الغيب المطلق من كاهن أو
بم ال ْغَي ْ ِ عال ِ ُ منجم أو نحو ذلك .لن ذلك العلم ل يعلمه إل الله قال تعالىَ " :
َ
دا "26الجن .و قال تعالى" :قل ل يعلم من في ح ً َفل ي ُظ ْهُِر ع ََلى غ َي ْب ِهِ أ َ
السماوات والرض الغيب إل الله "65النمل .فاعتقاد أن أحدا ً من الخلق
يعلم ذلك الغيب المطلق اعتقاد ٌ كفري و تصديقه أيضا كفٌر أكبر فعن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :من أتى
كاهنا ً فصدقه بما يقول فقد كفر بما نزل على محمد" رواه البزار و صححه
اللباني .أما إن صدقه في شئ من الغيب النسبي فكفٌر دون كفر و هو
ذريعة للشرك الكبر
المسألة الرابعة :و من الشرك طاعة العلماء والمراء في
تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم:
فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه و آله و
ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
ن الل ّ ِ
ه دو ِ ن ُ م ْ م أْرَباًبا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ سلم يقرأ هذه الية " :ات ّ َ
ُ
ماه عَ ّ حان َ ُ سب ْ َ ه إ ِّل هُوَ ُ دا َل إ ِل َ َ ح ً دوا إ ِل ًَها َوا ِ مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ ما أ ِ م وَ َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ َوال ْ َ
ن "31التوبة .فقلت له :إنا لسنا نعبدهم .قال " :أليس يحرمون كو َ شرِ ُ يُ ْ
ما أحل الله فتحرمونه ،ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ " .فقلت :بلي .
قال " :فتلك عبادتهم " .رواه أحمد والترمذي وحسنه و حسنه اللباني.
َْ َ
ه وَت ََعاَلى ع َ ّ
ما حان َ ُ
سب ْ َ
ض ُ ماَوا ِ َ
ت وَل ِفي الْر ِ س َ ما َل ي َعْل َ ُ
م ِفي ال ّ ن الل ّ َ
ه بِ َ أت ُن َب ُّئو َ
ن "18يونس . شرِ ُ
كو َ يُ ْ
حَياةَ ريدُ ال ْ َ ن يُ ِكا َ ن َ م ْفصل في شرك الرجاء و قول الله تعالى ) َ
ن* سو َ خ ُ ها َل ي ُب ْ َ في َم ِ ه ْ و ُ ها َ في َ م ِ ه ْ مال َ ُ ع َ م أَ ْ ه ْ و ّ َ
ف إ ِلي ْ ِ ها ن ُ َ زين َت َ َ و ِ الدّن َْيا َ
هافي َ عوا ِ صن َ ُما َ َ
حب ِط َ و َ ة إ ِل الّناُر َ ّ خَر ِ في ال ِ ْ م ِ ه ْ سل ُ َ ن لي ْ َ َ ذي َ ّ
ك ال ِ ُأول َئ ِ َ
ن:( 145 مُلو َ ع َ كاُنوا ي َ ْ ما َ ل َ وَباطِ ٌ َ
هم أهل النفاق و الرياء الذين أظهروا بعض الشعائر لمصالح دنيوية فالدنيا
وحدها هي التي تشغلهم أما الخرة فل حاجة لهم فيها ,و هذه الطائفة على
نحوين أما الكافر منهم فل يرجوا بعمله الدنيا من الله لنه كافر به و العياذ
بالله و هؤلء هم المنافقون المخلدون في النار ,و مثال ما صنعوا زعمهم
السلم ليعصموا الدم و المال.
و أما الصنف الخر فهم ُأناس من أهل القبلة تمذهبوا بمذهبهم فعملوا
أعمال ً من شأنها أن يرجى بها وجه الله تعالى و الدار و الخرة و رجوا بها
مصالح دنيوية فقط إما من الله و إما من عباد الله ,و أهل هذه الطائفة
على نحوين إما بعبادته مرائي أو مقتصٌر على حطام فاني
و لذلك ففي هذا الفصل ثلث مسائل
الولى من يعبد الله تعالى بما شرع من العبادات حتى يجازيه
الله بما وعد من ثواب الدنيا فقط:
فإخلصه باطل لفساد طلبه لعدم مشروعيته ,و إل فالمشروع طلب
مرضات الله تعالى و الدار الخرة و رغب الله تعالى في ذلك العمل بمزيد
م ذ ُّري ّ ً
ة فه ِ ْخل ْ ِن َم ْ كوا ِ ن ل َوْ ت ََر ُذي َش ال ّ ِخ َ من الجر الدنيوي كقوله تعالى" :وَل ْي َ ْ
دا "9النساء .فالمشروع دي ًس ِقوُلوا قَوًْل َ ه وَل ْي َ ُ قوا الل ّ َ م فَل ْي َت ّ ُ خاُفوا ع َل َي ْهِ ْ ضَعاًفا َ ِ
أن يتقي العبد ربه تبارك و تعالى ابتغاء مرضاته و الدار الخرة و يباح له أن
يبتغي بعمله هذا من الله تعالى أن يحفظ ذريته أي تكون هذه النية
المشروعة تابعه للصل ,أما جعلها هي الصل و طرح الصل كمن يتقي الله
لحفظ ذريته فقط فرجاؤه باطل لبطلن طلبه لعدم مشروعيته قال تعالى:
مال َ صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ ما َ ط َ حب ِ َ
خَرةِ إ ِّل الّناُر وَ َ م ِفي اْل ِ س ل َهُ ْ ن ل َي ْ َ ذي َ ك ال ّ ِ "ُأول َئ ِ َ
ن". مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ َ
الثانية أن يطلب بعبادته رؤية الناس فقط:
كطلب التزين فى قلوب الخلق و طلب مدحهم كقولهم عالم فمثل هذه
النوايا محرمة على كل حال فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من طلب العلم ليباهي به العلماء ،ويمارى به السفهاء ،أو ليصرف وجوه
الناس إليه فهو في النار "146أو ليقال شجاع أو محسن أو الهروب من ذمهم
145هود 16
146أخرجه ابن ماجة ) (253في المقدمة ،باب النتفاع بالعلم والعمل به ،وصححه الشيخ اللباني
في صحيح الجامع ).(6158
112 * كتاب
التوحيد .
أو طلب تعظيمهم لنفسه أو خدمتهم إياه و قضاء حوائجه أو طلب أموالهم
أو غير ذلك كإرضاء غرور نفسه و إعجابه بها نعوذ بالله من كل ذلك فهذه
نوايا محرمة طلب محرم محبط للخلص و للعبادة كلها,
روى المام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال" :قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن
الشرك من عمل عمل أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" قال بن رجب
الحنبلي ل خلف بين السلف في أن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان
باطل ,و لذلك لبد من مجاهدة النفس على ترك الرياء و خصوصا ً أن
النفس تميل إليه ولذلك قيل :تخليص النيات على العمال أشد عليهم من
جميع العمال و لذلك أيضا ً قال سفيان الثوري ما عالجت شيئا ً أشد عل ّ
ي
من نيتي و قيل لسهل التستري رحمه الله أي شيء أشد على النفس قال
الخلص إذ ليس لها فيه نصيب .و قال بعضهم إخلص ساعة نجاة البد و
قال بعضهم لنفسه :اخلصي تتخلصي .و قال :طوبى لمن صحت له
خطوة لم يرد بها إل وجه الله .كان سفيان الثوري يقول :قالت لي والدتي:
يا ُبني ل تتعلم العلم إل إذا نويت العمل به ،وإل فهو وبال عليك يوم القيامة
.
و قال بن القيم -رحمه الله" : -ل يجتمع الخلص فى القلب و محبة المدح
و الثناء و الطمع فيما عند الناس إل كما يجتمع الماء و النار و الضب و
الحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الخلص فأقبل على الطمع أول ً فاذبحه
بسكين اليأس ,و أقبل على المدح و الثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا
فى الخرة فإذا إستقام لك ذبح الطمع و الزهد فى الثناء و المدح سهل
عليك الخلص .و الصل في النفس أنها تميل إلى الرياء و لذلك فالخلص
ل يأتي إل بالمجاهده فالنفس تحب الظهور والمدح والرياسة ،وتميل إلى
البطالة والكسل ،وزينت لها الشهوات"
مسألة :وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء:
فإن كان خاطرا و دفعه فل حرج بغير خلف أما إن استرسل معه فهل
يحبط عمله أم يحبط ذلك الجزء فقط الذي طرأ عليه الرياء ويجازى على
أصل نيته في ذلك اختلف بين العلماء من السلف قد حكاه المام أحمد
وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله ل يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الولي
وهو مروي عن الحسن البصري وغيره وذكر ابن جرير أن هذا الختلف إنما
هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلة والصيام والحج فأما ما ل ارتباط
فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء
الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية وكذلك. 147
و الثالثة أن يطلب بعمله أجر الدنيا فقط:
و الفرق بينها و بين الولى أنه يطلبه من الخلق أما الولى فيطلبه من الله,
كمن يصلي لينال المال أو يهاجر لجل امرأة و نحو ذلك و هذه النويا منها ما
قد يكون مباحا ً و لذلك فل حرج أن تطرأ على العباده إن كانت تابعة للنية
الصل و هي أن يكون العمل ابتغاء مرضاة الله تعالى و في صحيح مسلم
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال" :إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا شيئا تم
لهم أجرهم" فالمغنم نية أباحها الشرع فل حرج منها إن كانت تابعة للنية
الصل و هي أن يطلب بالعمل مرضات الله تعالى.
َ في ك ُ ّ ُ
سوًل أ ِ
ن ة َر ُ م ٍ لأ ّ عث َْنا ِ
قدْ ب َ َ ول َ َفصل في قول الله جل ذكره ) َ
ت ( 36الية .النحل: غو َ طا ُ جت َن ُِبوا ال ّ وا ْ ه َ دوا الل ّ َعب ُ ُ اُ ْ
أي اعبدوا الله وحده و انبذوا الشرك و أهله و هذه هي حقيقة شهادة أن ل
إله إل الله ,و هو اليمان بقتضاها أنه ل معبود بحق إل الله و الكفر بما يعبد
من دون الله تعالى,
و لفظ الجللة "الله" مشتق من مادة ) إله ( و التي لها ثلث معاني في
ل و محبة وتعظيما ً ,و المعنى اللغة الول الذي تألهه العباد أي تعبده تذل ً
الثاني أي الذي تميل إليه القلوب محبة و اشتياقا ً و تذلل ً و إنابة و خضوعا ً و
و تعظيما ً و إكراما و خوفا ً و رجاًء و توكل ,فالقلوب فطرت على محبة الله
فا فِط َْرة َ الل ّهِ ال ِّتي جه َ َ َ
حِني ً
ن َ ِ دي
ك ِلل ّ م وَ ْ تعالى و الميل إليه قال تعالى ) فَأقِ ْ
س َل قيم ول َك َ
ن أك ْث ََر الّنا ِ ن ال ْ َ ّ ُ َ ِ ّدي ُك ال ّ ق الل ّهِ ذ َل ِ َ ل لِ َ ْ
خل ِ س ع َل َي َْها َل ت َب ْ ِ
دي َ فَط ََر الّنا َ
ن ( فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه ل إله غيره مو َ ي َعْل َ ُ
وقوله تعالى ) ل تبديل لخلق الله ( أي ل تبدلوا خلق الله فإنه من بدل هذه
الفطرة بأن يغفل عن ربه فستلحقه التعاسه و الشقاء أما من كفر ربه
فستلحقه أعظم التعاسه و أعظم الشقاء قال تعالى ) و من أعرض عن
ذكري فإن له معيشة ضنكى و نحشره يوم القيامة أعمى ( ,و المعنى
الثالث أي الذي تحار فيه العقول قال الله تعالى ) ل يحيطون به علما ( طه,
فل يجوز التكييف في صفات الله تعالى و ل في أسمائه و ل في أفعاله بل
الواجب أن يقال كما قال الراسخون في العلم ) آمنا به كل من عند ربنا (
آل عمران ,فصفات الله تعالى و أفعاله لها كيفية ل نعلمها تليق بعظمته و
ل يشبهه شئ من مخلوقاته ,كما قال الله تعالى ) ليس كمثله شئ و هو
السميع البصير ( الشورى ,
ت": غو َ طا ُجت َن ُِبوا ال ّ وا ْ " َ
و الكفر بالطاغوت هو نفي اللوهية عمن سوى الله تبارك قال بن القيم و
الطاغوت هو كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع ,أي
كل من صرف له شئ من اللوهية فهو الطاغوت فالشيطان راس
الطواغيت ,و الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت ,لنه يدعو إلى ما يراه هو
غير ما انزل الله ,و الرهبان و الحبار طاغوت ,و الساحر طاغوت ,و
114 * كتاب
التوحيد .
الكاهن طاغوت لنه يدعي معرفة الغيب ,فمن استخبره عن الغيب فقد
عبده من دون الله .قال تعالى ) :فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى ( ) البقرة ( 256
الموالة المكفرة:
و قال تعالى) :يأيها الذين ءامنوا ل تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم
أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله ل يهدى القوم الظالمين(
.148و قال تعالى) :ترى كثيرا ً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم
أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون( .149و قال تعالى:
)ولو كانوا يؤمنون بالله و النبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء و لكن كثيرا ً
منهم فاسقون( .150و قال تعالى) :إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما
تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم و أملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين
كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض المر و الله يعلم إسرارهم * فكيف
إذا توفتهم الملئكة يضربون وجوههم و أدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما
أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم( .و قال تعالى) :ل تجد قوما ً
يؤمنون بالله و اليوم الخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم
أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم( 151الية .فأخبر تعالى :أنك ل تجد من
يؤمن بالله و اليوم الخر ،يوادون من حاد الله ورسوله ،ولو كان أقرب
قريب .و أن هذا مناف لليمان مضاد له ،ل يجتمع هو و اليمان إل كما
يجتمع الماء و النار؛ وقد قال تعالى في موضع آخر ) :يأيها الذين ءامنوا ل
تتخذوا ءاباءكم و إخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان ومن يتولهم
منكم فأولئك هم الظالمون( 152ففي هاتين اليتين ،البيان الواضح :أنه ل
عذر لحد في الموافقة على الكفر ،خوفا ً على الموال و الباء ،و البناء و
الزواج و العشائر ،ونحو ذلك مما يتعذر به كثير من الناس .إذا كان لم
يرخص لحد في موادتهم ،واتخاذهم أولياء بأنفسهم :خوفا ً منهم و إيثارا ً
لمرضاتهم .فكيف بمن اتخذ الكفار الباعد أولياء و أصحابًا ،و أظهر لهم
الموافقة على دينهم ،خوفا ً على بعض هذه المور و محبة لها ؟! ومن
العجب استحسانهم لذلك ،و استحللهم له ،فجمعوا مع الردة استحلل
المحرم .و قال تعالى) :يأيها الذين ءامنوا ل تتخذوا عدوى و عدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة( إلى قوله) :ومن يفعله منكم فقد ضل سواء
السبيل(. 153
الموال المحرمة:
كانت ل َك ُ ُ
ة
سن َ ٌ ح َ سوَة ٌ َ مأ ْ ْ و هي موالت الطواغيت و أهلها ,قال تعالى ) :قَد ْ َ َ ْ
ن
م ْ ن ِ دو َ ما ت َعْب ُ ُ م ّم وَ ِ من ْك ُ ْ
م إ ِّنا ب َُرآُء ِ مه ِ ْقوْ ِ ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ معَ ُ ن َ ذي َ م َوال ّ ِ هي َِفي إ ِب َْرا ِ
َ
مُنوا ِبالل ّ ِ
ه حّتى ت ُؤ ْ ِ دا َ ضاُء أب َ ً داوَة ُ َوال ْب َغْ َ م ال ْعَ َ دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ م وَب َ َ فْرَنا ب ِك ُ ْ ن الل ّهِ ك َ َ دو ُِ
َ َ َ
يٍءش ْ ن َ م ْ ن الل ّهِ ِ م َ ك ِ ك لَ َ مل ِ ُ
ما أ ْ ك وَ َ ن لَ َ فَر ّ ست َغْ ِ م ِلِبيهِ َل ْ هي َ ل إ ِب َْرا ِ حد َه ُ إ ِّل قَوْ َ وَ ْ
صيُر ( 4الممتحنة .و قال الله تعالى: ْ َ
ك أن َب َْنا وَإ ِلي ْ ََ َ ْ
ك ت َوَك ّلَنا وَإ ِلي ْ َ َ
َرب َّنا ع َلي ْ َ
م ِ ك ال َ
"ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم * قل إن هدى الله هو
الهدى ولئن اتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم ما لك من الله من
ولى ول نصير" وفي الية الخرى" :إنك إذا لمن الظالمين" و قال تعالى" :ل
يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس
من الله في شيء إل أن تتقوا منهم تقاة" وهو أن يكون النسان مقهورا ً
معهم ،ل يقدر على عداوتهم.فيظهر لهم المعاشرة ،والقلب مطمئن
بالبغضاء والعداوة ،وانتظار زوال المانع .فإذا زال ،رجع إلى العداوة
والبغضاء .و قال تعالى" :يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم
على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين" .فأخبر تعالى :أن المؤمنين إن أطاعوا
الكفار ،فلبد أن يردوهم على أعقابهم عن السلم؛ فإنهم ل يقنعون منهم
بدون الكفر .وأخبر :أنهم إن فعلوا ذلك ،صاروا من الخاسرين في الدنيا
والخرة .ولم يرخص في موافقتهم وطاعتهم خوفا ً منهم .و قال تعالى) :ول
تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و مالكم من دون الله من أولياء ثم
ل تنصرون(.
الكتاب الخامس
و أناب القلب إلى الله موحدا
عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :الدين النصيحة قلنا
لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم "154قال بن رجب
رحمه الله قال محمد بن نصر "قال بعض أهل العلم جماع تفسير النصيحة
هي عناية القلب للمنصوح له "155إن ترك العمل بهذا الحديث هو مكمن
الداء الذي أصاب المة ,ذلك الداء العضال الذي تفشى في جسد المة
فوقعت صريعة بين أيدي اللئام ,إن ذلك الداء هو انشغال المسلمون
بالحياة الدنيا فالذي يهتمون به المال أو السلطة أو الجاه ,الذي يهتمون به
الشهوات و تحصيل اللذات ,الذي يهتم به الرجال تحصيل القرش اليتيم أو
جلسة المقهى أو متابعة مبارات تافهة ,و أعجب من ذلك إنشغال الشباب
بمتابعة الفيلم أو الغنية أو الموضة أو تسريحة الشعر الجديدة !! ,فأغلب
اهتمامات المسلمون الن اهتمامات جاهلية و ما أمر المسلمون بذلك بل
أمروا بالنصيحة لله و لكتابه و لرسوله و لئمة المسلمين و عامتهم ,و قد
أمروا أيضا ً بطرح الجاهلية كلها فقد خرج المام مسلم رحمه الله من
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله
و سلم خطب الناس في حجة الوداع فقال" :أل كل شيء من أمر الجاهلية
تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا
دم بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا
الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه
موضوع كله" ...فهل من عودة لمعاني حجة الوداع وطرح المور الجاهلية
و الهتمامات الجاهلية و النشغال بأمر الله تعالى وحده ؟ ,و لعل سبب
ج عن الجهل ,و ذلك الخلل هو هذه الفجوة العظيمة خلل في الفهم نات ٌ
الذي يؤدي إلى ظهور الجوبة العجيبة سواء أكانت أجوبة قوليه أو فعليه
على كثير من السئلة البديهية فإذا ما سئل مسلم لماذا خلقنا قد يقال
لتعمير الرض بالبنية و الصناعات الحديثة و استغلل ثرواتها و توظيفها أو
يقال للعمل و الكسب أو لتربية الولد و نحو ذلك من الجوبة العجيبة و
العجب من ذلك أن تقترب الجوبة القولية من الصحة أما الفعليه فهي
على نحو من الولى ,كل ذلك و الجواب واضح بين في كتاب الله تعالى" :
َ ُ ُ
نما أِريد ُ أ ْق وَ َ ن رِْز ٍ م ْم ِمن ْهُ ْما أِريد ُ ِ نَ 56 دو ِ س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ
ن َواْل ِن ْ َ ج ّت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْما َ وَ َ
ن " 58الذاريات .و قوله مِتي ُ ْ
قوّةِ ال َ ْ
ذو ال ُ ه هُوَ الّرّزاقُ ُ ّ
ن الل َ ن 57إ ِ ّ مو ِ ْ
ي ُطعِ ُ
نَ 162ل مي َ ب ال َْعال َ ِماِتي ل ِل ّهِ َر ّ م َ حَيايَ وَ َ م ْ كي وَ َ س ِ صَلِتي وَن ُ ُ ن َ ل إِ ّ تعالى " :قُ ْ
َ َ ُ
ن "163النعام .و إل فعبادة الله مي َ سل ِ ِ
م ْ ل ال ْ ُ ت وَأَنا أوّ ُ مْر ُ كأ ِ ك لَ ُ
ه وَب ِذ َل ِ َ ري َ ش ِ َ
تعالى وحدها هي وظيفة العمر التي يجب أن تنشغل بها الهتمامات و تفنى
فيها العمار فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
و آله و سلم قال ) إن الله يقول يا ابن آدم :تفرغ لعبادتي أمل صدرك غنى
وأسد فقرك ،وإل تفعل ملت يديك شغل ،ولم أسد فقرك ( 156و خرج بن
ماجه رحمه الله من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :من كانت الدنيا همه فرق الله
عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له ومن
كانت الخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي
راغمة" فإن قال قائل وهل معنى ذلك ان نترك العمل؟ قلنا ليس في تلك
النصوص ما يوحي بذلك ..بل إن ترك العمل و التفريط في الخذ بالسباب
و اللتجاء إلى التواكل و التكاسل و تضييع الحقوق و نحو ذلك فهم خاطئ
ف لمقاصد الشريعة العليا ,ثم ما شأنك أنت أيها الجسد؟ من وجه إليك منا ٍ
ه لخر ..أل و هو القلب ,قل لقلبك يا الحديث؟ إن حديثنا و خطابنا هذا موج ٌ
أيها القلب لماذا تحيا؟ هل تحيا من أجل الدنيا؟ أم تحيا من أجل إعلء كلمة
الله تعالى؟ أم لماذا تحيا ؟ سل قلبك ..ما هي اهتماماتك و أهدافك ...من
أعظم حبا ً عندك أهلك ..أم عملك ..أم أصحابك و وطنك ...أم الله
ورسوله صلى الله عله و آله و سلم ؟ من ستقدم أمره و تبذل من
اجله؟ ....إنتبهوا عباد الله ..فها نحن قد وضعنا أيدينا فوق موضع الداء,
الداء هاهنا ,في القلب ,داء المة كلها هاهنا ,في القلب ..هذا هو موضع
الداء ..و لكن ما هو الداء ..هذا هو موضع الداء لكن ما هو الداء؟ هذا
م أيضا؟ ...إنه يمكننا معرفة ذلك الداء إذا ما سألنا القلب ما هو سؤال مه ٌ
أعظم أهتماماتك ,ما هو الحب الشياء إليك ,ما هو العظم عندك ما هو
الحب ,و ل أقول هل نهتم بأمر الله تعالى هل نحب الله تعالى ...ل لن
ئ إلى قلوبنا .. أقول ذلك! بل أقول ما هو أعظم اهتماماتنا ما هو أحب ش ٍ
ئإن مجرد هبوط أمر الله تعالى عن كونه أعظم اهتماماتنا و أحب ش ٍ
إلينا ..كاف و أقولها بكل ثقة لن تخَر المة في الوحل ...فما بالكم إذا
كان غالب انشغالت القلب أمور جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان ..مع
ضعف اعتناء القلب بأمر الله تعالى ,ما بالكم بذلك ..إنه هو حيرة وضلل
و داء عضال سببه كما أسلفنا داء آخر أل وهو ضعف الفهم للجوانب
العقائدية الولية و هو مترتب على خلل آخر أل وهو عدم النشغال بقضايا
التوحيد و عدم النشغال بقضايا التوحيد إما معصية و إما بدعة و إل فطلب
العلوم الواجبة كقضايا التوحيد ونحوها فريضة على كل مسلم ومسلمة ,و ل
شك أن التفريط في ذلك الواجب يؤدي إلى تلك المصيبة العظيمة أل وهي
ضعف القلب ....إن مادة حياة القلب ذلك العلم ..لن العلم الشرعي من
خصائصه أنه يعطي القلب بصيرة و قوة ..فهو غذائه و طاقته ,فإذا أبصر
القلب علم أن أعظم الهتمامات هو إعلء كلمة الله إبتغاء مرضاة الله
تعالى و علم أن أحب الشياء هو أمر الله تعالى و أمر رسوله صلى الله
عليه و آله و سلم ,فإذا قوي قلب المة مع نصحه لله تعالى و لرسوله صلى
الله عليه و آله و سلم و لئمة المسلمين و عامتهم أوشك أن يوهب النصر
من عند الله تعالى ...
إن قلب المسلم يجب أن تكون قضيته و اهتماماته أمر الله تعالى لن الدين
النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم ,ذلك لمن رضي
بالسلم دينا ً لن المسلم تختلف حياته عن من هم دونه فهي طلبا ً للعلم
ة له بعمل صالح ,إن من فوائد اعتناء القلب لمر الله القوي النافع و متابع ً
العزيز ,أن يقوى القلب ببركة من الله تعالى و أن يوهب عزة و توفيقا
"قل إن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين ل يعلمون" ..أل
واعلم أخي المسلم أنه إذا ما قوي القلب قوي البدن لنه الملك الذي إذا ما
صلح صلح الجسد كله ,فإذا ما قوي قلب المة قوي جسدها ,و على
العكس من ذلك فالغفلة عن النصيحة لله تعالى أضرارها عظيمة في الدنيا
قبل الخرة فإنه بعدم انشغال القلب لمر الله تعالى يضعف و يضعف معه
صاحبه فيضعف المجتمع كله حتى يصير غثاًء كغثاء السيل فعن ثوبان رضي
الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :توشك المم أن
تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل أو من قلة نحن
يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من
صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا
رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت" رواه مسلم و أبو
داود .بل أنتم يؤمئذ كثير ألف مليون مسلم ..ولكنكم غثاء ...فقاقيع ليس
لها قيمة ..إنها الحقيقة ..إنه الواقع المر ..
عباد الله هذا هو الداء و هذا هو الدواء داؤنا هو أننا لربما اهتممنا بأمر ا الله
تعالى و أمر رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و لكن ليس هو الهم عندنا
...دائنا أننا جميعا ً نقر بمحبة الله تعالى و محبة رسوله صلى الله عليه و آله
و سلم و لكنها ليستا أحب شئ لقلوبنا ...و كأني أسمع بك يا من تهمس
في نفسك أن قلبك على خلف ذلك ..إنتبه عبد الله و احذر الكبر فإنه بطر
الحق أي رده ..إحذر إغواء الشيطان فكفانا غفلة ..إحذر خطواته واعلم أنه
يأتيك من هاهنا وهذه إحدى خطواته ..واعلم عبد الله أن من مصائبه على
العبد القائم على الذنب أنه يرضيه عن نفسه ببعض ما فيه من طاعة..
فاحذره ثم انظر إلى قلبك نظرة الباحث عن الحق واسأله بصدق ما هو
ئ إليك؟ هل إعلء كلمة الله تعالى هو أعظم اهتماماتك ما هو أحب ش ٍ
ئ إليك هو الله و رسوله صلى الله عليه و آله أعظم اهتمامتك هل أحب ش ٍ
و سلم؟ ل ..أنت يا من تحافظ على الصلة و تظنن أنك جمعت أبواب
الخير كلها ..نعم انت ..أنت الذي إليك كلمي ..و أقولها لك بكل حزن ..
فالله يعلم كم أتمنى أن أكون مخطئا ً باتهامي هذا ..و لكنه الواقع المر ..
الواقع الذي نلمسه جميعا ً ..ل داعي للمكابرة كفانا غفلة و حيدة ً عن
119 * كتاب
التوحيد .
الصراط الحق ..فإن الظاهر يدل على الباطن و إن الباطن لبد و أن يعلو
الظاهر
لبد من زيادة اعتناء القلب لمر الله تعالى و امر رسوله صلى الله عليه و
آله و سلم حتى يكونا أحب إليه مما سواهما ,فهذه هي البداية و هذه هي
النهاية ,هذه هي حياة المسلم التي تختلف عن حياة من هم دونه ,فحياته
لكي يتعلم القلب أمر الله تعالى ,حياته لمتابعة ذلك العلم بعمل صالح
يبتغي به مرضاة الله تعالى ,حياته دعوة إلى سبيل الله تعالى على بصيرة
من أمره ,فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :الدين
النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم"
ن"3 ن ال ْ َ
كاذ ِِبي َ م ّصد َُقوا وَل َي َعْل َ َن َذي َه ال ّ ِن الل ّ ُ
م ّم فَل َي َعْل َ َن قَب ْل ِهِ ْ م ْن ِ قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ
ذي َ وَل َ َ
العنكبوت ,فإذا كان ذلك الممر الدنيوي على مثل هذا النحو عسير و مليئ
بالبتلءات و الشواك فلبد من أخذ الزاد و الحذر
َ
ن" إن الذين صاد ِِقي َ معَ ال ّ ه وَ ُ
كوُنوا َ قوا الل ّ َمُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ قال تعالى "َيا أي َّها ال ّ ِ
أقروا باليمان منهم الصادق و منهم الكاذب و منهم من هو بين الصدق و
الكذب ,و قد أسلفنا أنه لبد من البتلءات و الفتن لتمحيص الصف و الله
تعالى يأمر عباده أن يكونوا من الصادقين في الدنيا ليكونوا معهم في
الخرة
و يدلهم تعالى على السبيل المؤدي إلى الصدق و هو تقوى الله و لذلك قال
ه" لن التقوى هي السبيل المؤدي إلى قوا الل ّ َ
تعالى في نفس الية" :ات ّ ُ
الصدق ,و لذلك وجب السير في ذلك الطريق طريق التقوى و اللتزام بها و
الصبر عليه و لهذا قد يجمع بين الصبر و الصدق كما في قوله تعالى:
ن" آل عمران .و من ثبت صدقه في هذه الدنيا جعله صاد ِِقي َ
ن َوال ّ
ري َ
صاب ِ ِ
"ال ّ
الله مع الصادقين في الجنة أفاده بن جرير الطبري رحمه الله و التقوى هي
َ َ
حذ َُروا "92 سو َ
ل َوا ْ طيُعوا الّر ُ طيُعوا الل ّ َ
ه وَأ ِ الطاعة بحذر قال تعالى " :وَأ ِ
المائدة ,و سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه ُأبيا ً عن التقوى فقال" :هل
أخذت طريقا ذا شوك ؟" ,قال" :نعم" ,قال" :فما عملت فيه ؟" ,قال:
"تشمرت وحذرت" ,قال" :فذاك التقوى" , 157و سئل رجل ً أبا هريرة –
رضي الله عنه -ما التقوى ) فقال أخذت طريقا ذا شوك قال نعم قال
فكيف صنعت ,قال :إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ,
قال :ذاك التقوى ( , 158وأخذ هذا المعنى أبن المعتز فنظمه .خل الذنوب
صغيرها وكبيرها ذاك التقى * وأصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
,ل تحقون صغيرة * إن الجبال من الحصى ,و قال طلق بن حبيب صف لنا
التقوى قال التقوى عمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله
والتقوى ترك معصية الله مخافة عقاب الله على نور من الله. 159
و تقوى الله في السر و العلن وجهان لعملة واحدة ل انفصام بينهما ,فالذي
يظهر طاعة الله علنا ً و ل يحسنها سرا ً أو العكس فله حظ و نصيب من
الكذب ,و إنما كمال الصدق في الصبر على الطاعة سرا ً و علنا ً في
المنشط و المكر في العسر و اليسر,
و لن المؤمنون متفاوتون في صدقهم لتفاوتهم في تقوى الله عز وجل,
تنوعت البتلءات و الكل مبتلى و ممتحن ,ليتبين مدى صدقه ,فإذا نجى
رواه بن أبي شيبة -و رواه أيضا ً البيهقي في الزهد الكبير 159
121 * كتاب
التوحيد .
َ
مُنوا نآ َ العبد من امتحان ,امتحن إمتحان أشد كقول الله تعالىَ " :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
شيٍء من الصيد تنال ُ َ
خافُ ُ
ه ن يَ َم ْ م الل ّ ُ
ه َ م ل ِي َعْل َ َ
حك ُ ْ ما ُم وَرِ َ ديك ُ ْ ه أي ْ ِ
ّ ْ ِ ََ ُ ه بِ َ ْ ِ َ م الل ّ ُ ل َي َب ْل ُوَن ّك ُ ُ
م "94المائدة .ليعلم الله علما ً َ
ب أِلي ٌ ذا ٌه عَ َك فَل َ ُ دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ ن اع ْت َ َم ِب فَ َ ِبال ْغَي ْ ِ
يحاسبهم عليه من يخافه بالغيب و يثبت على طاعته سرا ً كما ثبت عليها
علنا ً ,و مثل هذا النوع من البتلءات الغيبية متفاوته في شدتها فمنها من
هو أشد من الخر و منها ما ل يصبر عليه إل المخلصون كقول الله تعالى:
ن "24يوسف , صي َ خل َ ِ م ْ عَباد َِنا ال ْ ُن ِ م ْه ِ شاَء إ ِن ّ ُح َف ْسوَء َوال ْ َ ه ال ّ ف ع َن ْ ُ صرِ َ ك ل ِن َ ْ "ك َذ َل ِ َ
وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " :الصلة
في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلة فإذا صلها في فلة فأتم ركوعها
وسجودها بلغت خمسين صلة "160قال الشوكاني في النيل" :و في مثل
هذا الموطن تنقطع الوساوس التي تقود إلى الرياء فإيقاع الصلة فيها شأن
أهل الخلص ومن ههنا كانت صلة الرجل في البيت المظلم الذي ل يراه
فيه أحد إل الله عز وجل أفضل النوافل على الطلق وليس ذلك إل
لنقطاع حبائل الرياء الشيطانية التي يقتنص بها كثيرا من المتعبدين"اهـ .
ابتلءات تلو أخرى من التكليف حتى الممات فمن ثبت في كل فتنة فقد
صدق الله تعالى كالمهاجرين الولين و النصار الذين قال الله تعالى فيهم:
ه
حب َ ُ
ضى ن َ ْ ن قَ َ م ْ م َ ه ع َل َي ْهِ فَ ِ
من ْهُ ْ دوا الل ّ َ عاهَ ُ ما َ صد َُقوا َ ل َ جا ٌ ن رِ َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُم َ " ِ
م وَي ُعَذ ّ َ
ب صد ْقِهِ ْ ن بِ ِ صاد ِِقي َه ال ّ جزِيَ الل ّ ُ ديًل 23ل ِي َ ْ ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ م ْ م َ من ْهُ ْوَ ِ
َ
ما . "24أما من حي ًفوًرا َر ِ ن غَ ُ ه َ
كا َ ن الل ّ َ م إِ ّ ب ع َل َي ْهِ ْ شاَء أوْ ي َُتو َ ن َ ن إِ ْ قي َ مَنافِ ِ ال ْ ُ
يظن أن بتوفيق الله تعالى له إلى قدر معين من اللتزام أنه بذلك قد نجى,
أو أنه يؤدي الفرائض و قد آن الوقت للراحة ,أو أنه سيثبت ولبد على ذلك
القدر من الطاعة ,فكل هذه حسابات خاطئة فهذه الدنيا دار ابتلءات
متعاقبة حتى الموت تستدعي حيطة و طاعة لله تعالى على حذر و إل
فأولى علمات الزلل الغفلة.
َ
خوُنوا وت َ ُ
ل َ سو َ والّر ُ ه َ خوُنوا الل ّ َ مُنوا َل ت َ ُ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ فصل )َيا أي ّ َ
أ َماَنات ِك ُم َ
ن (27النفال مو َ عل َ ُم تَ ْ وأن ْت ُ ْ ْ َ َ
قال المام بن كثير رحمه الله" :والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللزمة
والمتعدية و عن عروة بن الزبير أي ل تظهروا له من الحق ما يرضى به
منكم ثم تخالفوه في السر إلى غيره فإن ذلك هلك لماناتكم وخيانة
لنفسكم " اهـ .و مثال ذلك من يظهر اللتزام لسبب أو لخر و مع ذلك فهو
يستجيب للفنتة في كل مرة و يركن إليها فيجعل العلن لظهار الطاعة لله
و السر لطاعة الشيطان و الهوى فيال حسرتهم يوم يقول الله تعالى" :هَ َ
ذا
ن ِفيَها
دي َ حت َِها اْل َن َْهاُر َ
خال ِ ِ ن تَ ْ
م ْ
ري ِ
ج ِ
ت تَ ْ
جّنا ٌ م ل َهُ ْ
م َ صد ْقُهُ ْ
ن ِ
صاد ِِقي َ
فعُ ال ّ
م ي َن ْ َ
ي َوْ ُ
160رواه أبو داود و ابن ماجة ,قال المنذري في إسناده هلل بن ميمون وقال أبو حاتم الرازي ليس
بقوي يكتب حديثه وقد وثقه ابن معين كما قال ابن رسلن
122 * كتاب
التوحيد .
َ
م "119المائدة .إن ذلك ظي ُ فوُْز ال ْعَ ِ ك ال ْ َ ه ذ َل ِ َ ضوا ع َن ْ ُ م وََر ُ ه ع َن ْهُ ْ ي الل ّ ُ ض َ دا َر ِ أب َ ً
المرض الخبيث و هو النفاق شره عظيم جدا ً على العبد في الدنيا قبل
الخرة أما في الدنيا فمن اعظم خطره أنه ورم خبيث سرطان متفشي
فإن لم يتب منه و يستأصله في الحال زاد في قلبه و تضخم لركون صاحبه
ضا وَل َهُ ْ
م مَر ً ه َ م الل ّ ُ ض فََزاد َهُ ُ مَر ٌ م َ إليه و أخذه لسباب زيادتهِ " :في قُُلوب ِهِ ْ
َ
ن "10البقرة .و ذلك المرض هو النفاق .فهم كاُنوا ي َك ْذ ُِبو َ ما َ م بِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ عَ َ
أخذوا بأسباب زيادة السرطان و هي المعصية سرا ً بدل ً من أن يستأصلوه
فإذا ظهروا للعلن كذبوا و زعموا الطاعة في السر و العلن و هذه هي
أسباب زيادة المرض التي أخذا بها و ركنوا إليها بدل ً من أن يستأصلوها
فره عن فكانت النتيجة أن تفشى ذلك المرض حتى إذا عل القلب و غطاه ك َ َ
النور في الدنيا ,و لذلك يعاقب صاحبه في الخرة على نحو فعله بقلبه في
الدنيا جزاًء لجريمته البشعة تجاه قلبه ,فيحرم من النور في الخرة مع أنه
يكون في أمس الحاجة إليه ,فها هو الن فوق الصراط و ل طاقة لحد
المرور من فوقه إل بنور من الله تعالى فالصراط أدق من الشعر و أحد من
السيف و حوله كلليب السعدان تخطف إلى النار من أبطأ به عمله و هو
في أشد الحاجة لن يبصر الطريق و ليفر من هول ذلك الموقف و لكن..
نقو َ مَنافِ ُ ل ال ْ ُ قو ُ م يَ ُ يطفأ ما كان معه من نور ...ماذا سيفعل ؟!!! "ي َوْ َ
جُعوا وََراَءك ُ ْ
م ل اْر ِ م ِقي َ ن ُنورِك ُ ْ م ْ س ِ قت َب ِ ْ مُنوا ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ نآ َ ذي َ ت ل ِل ّ ِ قا ُ مَنافِ َ َوال ْ ُ
ن
م ْ ظاه ُِره ُ ِ ة وَ َ م ُ ح َ ه ِفيهِ الّر ْ ب َباط ِن ُ ُ ه َبا ٌ سورٍ ل َ ُ م بِ ُ ب ب َي ْن َهُ ْ ضرِ َ سوا ُنوًرا فَ ُ م ُ َفال ْت َ ِ
ب "13الحديد ,فيهوي المنافقون إلى جهنم بل رجعة خالدين فيها ذا ُ قِب َل ِهِ ال ْعَ َ
أبدا ً بل موت ,ل يهوون إل سطح جهنم بل إلى القاع "إن المنافقين في
الدرك السفل من النار و لن تجد لهم نصيرا" و بعد استقرارهم في جهنم و
العياذ بالله يحرمون من الضوء أيضا ً جزاًء لجريمتهم البشعة بقلوبهم في
الدنيا فقد علموا من أين النور و السعة و مع ذلك حبسوا قلوبهم في ضيق
الدنيا و ظلمة النفاق و لذلك يحبسون في قعر جهنم في توابيت من نار...
مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً َ
ة نآ َ ذي َ نسأل الله السلمة و العافية َ " .يا أي َّها ال ّ ِ
نصوحا ع َسى ربك ُ َ
حت َِها ن تَ ْ م ْ ري ِ ِ ج
ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل َك ُ ْ م وَي ُد ْ ِ سي َّئات ِك ُ ْ م َ فَر ع َن ْك ُ ْ ن ي ُك َ ّ مأ ْ َ ّ ْ َ َ ُ ً
َ َ
مديهِ ْ ن أي ْ ِ سَعى ب َي ْ َ م يَ ْ ه ُنوُرهُ ْ معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ ي َوال ّ ِ ه الن ّب ِ ّ زي الل ّ ُ ِ م َل ي ُ ْ
خ اْلن َْهاُر ي َوْ َ
ك ع ََلى ك ُ ّ فْر ل ََنا إ ِن ّ َ َ َ
ديٌر"8 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ م ل ََنا ُنوَرَنا َواغ ْ ِ م ْ ن َرب َّنا أت ْ ِ قوُلو َ م يَ ُ مان ِهِ ْ وَب ِأي ْ َ
التحريم
و لذلك تعددت نصوص الكتاب و السنة التي تسفر عن حقارة الدنيا ,قال
مًل * وَإ ِّنا ة ل َها ل ِنبل ُوهُم أ َيه َ ما ع ََلى اْل َْر
ن عَ َ س ُ ح َ مأ ْ ض ِزين َ ً َ َ ْ َ ْ ّ ُ ْ ِ جعَل َْنا َ تعالى ) إ ِّنا َ
ما ع َل َي َْها َ عُلو َ لَ َ
161
جُرًزا ( أي وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى دا ُ صِعي ً ن َ جا ِ
الخراب والدمار ,و عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مر بالسوق فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال" :أيكم
يحب أن هذا له بدرهم فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟" قال:
"أتحبون أنه لكم" قالوا" :والله لو كان حيا كان عيبا فيه لنه أسك فكيف
وهو ميت" فقال" :فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم . "162و عن
سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :لو كانت الدنيا
تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء . "163و عن
البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) لزوال الدنيا
أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق . ( 164و عن أبى هريرة رضي
الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الدنيا ملعونة
وملعون ما فيها ال ذكر الله وما واله او عالم او متعلم , ( 165و قال تعالى
َ َ
ل
وا ِ م َ كاث ٌُر ِفي اْل ْ م وَت َ َ خٌر ب َي ْن َك ُ ْ فا ُة وَت َ َ ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ حَياة ُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ ما ال ْ َ موا أن ّ َ )اع ْل َ ُ
ب ال ْك ُ ّ َ َ
ن
كو ُ م يَ ُ فّرا ث ُ ّ ص َم ْ ج فَت ََراه ُ ُ م ي َِهي ُ ه ثُ ّ فاَر ن ََبات ُ ُ ج َث أع ْ َ ل غ َي ْ ٍ مث َ ِ َواْلوَْلد ِ ك َ َ
حَياة ُ الد ّن َْيا ما ال ْ َ ن وَ َ وا ٌ ض َ ن الل ّهِ وَرِ ْ م َ فَرة ٌ ِ مغْ ِ ديد ٌ وَ َ ش ِ ب َ ذا ٌ خَرةِ ع َ َ ما وَِفي اْل ِ طا ً ح َ ُ
166
مَتاع ُ الغُُروِر ( . ْ إ ِل َ ّ
و هي على حقارتها فإنها ل تصفو لحد:
و الحمد لله على ذلك لنها لو كانت غير ذلك لركن إليها كثير من العابدون ,
و ما من عبد يحب الدنيا إل فتن و ضل على قدر حبه لها ,فمن إكتمل حبه
مان ِهِ إ ِّل ن ب َعْد ِ ِإي َ م ْ فَر ِبالل ّهِ ِ ن كَ َ م ْ لها إكتمل ضلله بسببها قال الله تعالى ) َ
َ ْ م ُ
بض ٌ م غَ َ صد ًْرا فَعَلي ْهِ ْ فرِ َ ح ِبالك ُ ْ شَر َ ن َ م ْ ن َ ن وَل َك ِ َ ْ ما ِ لي َ ن ِبا ْ ِ مئ ِ ّ مط ْ َ ه ُ ن أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ َ ْ
ة
خَر ِ ْ َ
حَياة َ الد ّن َْيا ع َلى ال ِ ْ
حّبوا ال َ ست َ َ ما ْ َ
م * ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ُ ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ م عَ َ َ
ن اللهِ وَلهُ ْ ّ م َ ِ
م ال ْ َ دي ال ْ َ َ
ن ( ,من أجل ذلك حذرنا رسول الله 167
ري َ كافِ ِ قو ْ َ ه َل ي َهْ ِ ن الل ّ َ وَأ ّ
صلى الله عليه و آله و سلم منها فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال" :إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها
فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل
161الكهف 8
162صحيح مسلم ج 4 :ص 2272 :برقم - 2957و أبو داود برقم - 184و أسك أي صغير الذنين .
163سنن الترمذي ج 4 :ص 13 560 :باب ما في في هوان الدنيا على الله عز وجل برقم – 2320
و صححه
164سنن ابن ماجه ج 2 :ص 874 :برقم – 2619صححه اللباني في صحيح بن ماجه ,
165حسنه اللباني ,الزهد لبن حنبل ج 1 :ص 62 :برقم - 126و رواه الترمذي ج – 9ص – 198
وابن ماجه برقم - 4112
166الحديد 20
167النحل 106
124 * كتاب
التوحيد .
كانت في النساء" . 168و كونها ل تصفو لحد ظاهر لكل من تدبر أحوال
الناس من حوله قال بن القيم –رحمه الله -مخاطبا ً أهل المصائب ) :وليعلم
ة ؟ ثم ليعطف محن ً ة ،فهل يرى إل ِ من ً أنه فى كل واد ٍ بنو سعد ،ولينظر ي َ ْ
ى، َ
سرة ً ،فهل يرى إل حسرة ً ؟ ،وأنه لو فّتش العالم لم ير فيهم إل مبتل ً يَ ْ
م نوم أو كظ ّ
ل ن شروَر الدنيا أحل ُ إما بفوات محبوب ،أو حصول مكروه ،وأ ّ
ت دهرا ً ،وإن ت يوما ً ،ساء ْ سّر ْ ت كثيرا ً ،وإن َ ت قليل ً ،أبك ْ ل ،إن أضحك ْ زائ ٍ
ت قليل ً ،منعت طويل ً ،وما ملت دارا ً خيرة ً إل ملتها ع َْبرة ،ول سّرته مّتع ْ َ
م شرور" .قال ابن مسعود رضى الله عنه : ت له يو َ بيوم ِ سرور إل خبأ ْ
مِلىَء َترحًا" . ت فرحا ً إل ُ مِلىَء بي ٌ "لكل فرحةٍ ت َْرحة ،وما ُ
فصل فيمن قدم الدنيا بدنائتها على ما أوجبه الله تعالى و قول
َ
ةحَيا ِ ع ال ْ َ مَتا ُ ما َ ف َ ة َ خَر ِ ن اْل ِ م َ ة الدّن َْيا ِ حَيا ِ م ِبال ْ َ ضيت ُ ْ الله تعالى " :أَر ِ
ل:"169 قِلي ٌ ة إ ِّل َ خَر ِ في اْل ِ الدّن َْيا ِ
ن
قو َ ن ي َت ّ ُ ذي َ خي ٌْر ل ِل ّ ِخَرة ُ َ داُر اْل ِ ب وَل َهْوٌ وََلل ّ حَياة ُ الد ّن َْيا إ ِّل ل َعِ ٌ ما ال ْ َ قال تعالى )وَ َ
َ
ن ( 170قال العلمة السعدي في تفسير هذه الية" :فحقيقة الحياة قُلو َ أفََل ت َعْ ِ
الدنيا أنها لعب ولهو لعب في البدان ولهو في القلوب فالقلوب لها والهة
والنفوس لها عاشقة والهموم فيها متعلقة والشتغال بها كلعب الصبيان.
ن " في ذاتها وصفاتها ,وبقائها ودوامها. قو َ ن ي َت ّ ُ ذي َ خي ٌْر ل ِل ّ ِ وأما الخرة ,فإنها " َ
وفيها ما تشتهيه النفس ,وتلذ العين ,من نعيم القلوب والرواح ,وكثرة
السرور والفراح .ولكنها ليست لكل أحد ,وإنما هي للمتقين ,الذين يفعلون
َ
ن " أي :أفل يكون لكم قُلو َ أوامر الله ,ويتركون نواهيه وزواجره " .أفََل ت َعْ ِ
حَياةُ ما هَذ ِهِ ال ْ َ عقول ,بها تدركون ,أي الدارين أحق باليثار .و قال تعالى )وَ َ
كاُنوا ي َعْل َ ُ ن ل َوْ َ ي ال ْ َ خَرة َ ل َهِ َ داَر اْل ِ الد ّن َْيا إ ِّل ل َهْوٌ وَل َعِ ٌ
171
ن ( .و مو َ وا ُ حي َ َ ن ال ّ ب وَإ ِ ّ
َ
حَياةِ الد ّن َْيا م َزهَْرة َ ال ْ َ من ْهُ ْ جا ِ مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَوا ً ما َ ك إ َِلى َ ن ع َي ْن َي ْ َ مد ّ ّ قال تعالى )وََل ت َ ُ
ع
م َ ك َ س َ ف َ صب ِْر ن َ ْ
قى ( و قال تعالى )َوا ْ
172
خي ٌْر وَأ َب ْ َ ك َ م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ فت ِن َهُ ْ ل ِن َ ْ
ريد ُ مَ ت ُ ِ ك ع َن ْهُ ْ ه وََل ت َعْد ُ ع َي َْنا َ جه َ ُ ن وَ ْ دو َ ري ُ ي يُ ِ ش ّ داةِ َوال ْعَ ِ م ِبال ْغَ َ ن َرب ّهُ ْ عو َن ي َد ْ ُ ذي َ ال ّ ِ
َ
مُرهُ نأ ْ كا َ واه ُ وَ َ ن ذ ِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ ه عَ ْ فل َْنا قَل ْب َ ُ ن أغ ْ َ م ْ حَياةِ الد ّن َْيا وََل ت ُط ِعْ َ ة ال ْ َ ِزين َ َ
ً 173
ة
ريد ُ ِزين َ َ فُُرطا ( قال العلمة السعدي رحمه الله " :في قوله تعالى " ت ُ ِ
حَياةِ الد ّن َْيا " فإن هذا ضار غير نافع ,وقاطع عن المصالح الدينية .فإن ذلك ال ْ َ
يوجب تعلق القلب بالدنيا ,فتصير الفكار والهواجس فيها وتزول من القلب,
168صحيح مسلم ج 4 :ص 2098 :برقم – 2742النسائي في السنن الكبرى ج 5 :ص 400 :برقم
. 9269مسند أحمد ج 3 :ص 22 :برقم . 11185و في صحيح ابن حبان ج 8 :ص 15 :برقم
.3221و في سنن البيهقي الكبرى ج 7 :ص 91 :برقم .13301سنن ابن ماجه ج 2 :ص1325 :
برقم , 4000مسند الشهاب ج 2 :ص 181 :برقم . 1141
169التوبة 38
170النعام 32
171العنكبوت 64
172طه 131
173الكهف 28
125 * كتاب
التوحيد .
الرغبة في الخرة ,فإن زينة الدنيا ,تروق للناظر ,وتسحر القلب ,فيغفل
القلب عن ذكر الله ,ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته ,وينفرط
أمره ,فيخسر الخسارة البدية ,والندامة السرمدية"
ُ
د
عن ْ َ ما ِ و َ ها َ زين َت ُ َ و ِ ة الدّن َْيا َ حَيا ِ ع ال ْ َ مَتا ُ ف َ ء َ ي ٍْ شن َ م ْ م ِ ما أوِتيت ُ ْ و َ فصل ) َ
َ ُ َ َ َ
و
ه َ ف ُ سًنا َ ح َ دا َ ع ً و ْ عدَْناهُ َ و َ ن َ م ْ ف َن*أ َ قلو َ ع ِ فل ت َ ْ قى أ َ وأب ْ َ خي ٌْر َ ه َ الل ّ ِ
ن
م َ ة ِ م ِ قَيا َ م ال ْ ِ و َ و يَ ْ ه َ م ُ ة الدّن َْيا ث ُ ّ حَيا ِع ال ْ َ مَتا َ عَناهُ َ مت ّ ْ ن َ م ْ ه كَ َ قي ِ َل ِ
ن:( 174 ري َ ض ِ ح َ م ْ ال ْ ُ
الزهد هو خروج قدر الدنيا من القلب فيؤثر أمر الخرة على أمر الدنيا فإن
آثره على مباح فذلك زهد مستحب و إن آثره على محرم فذلك زهد واجب,
و أمر الدنيا هو ما عمل في الدنيا لجلها أما ما أريد به الخرة فليس منها ,
و تقديم الخرة في المر كله له فوائد عظيمة على العبد في الدنيا و منها
راحة النفس و طمأنينة القلب و في الخرة الثواب السرمدي قال تعالى:
ك ثَ َ
واًبا عن ْد َ َرب ّ َ خي ٌْر ِ ت َ حا ُ صال ِ َ ت ال ّ حَياةِ الد ّن َْيا َوال َْباقَِيا ُ ة ال ْ َ ن ِزين َ ُ ل َوال ْب َُنو َ ما ُ "ال ْ َ
َ
تمًل" قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى )َوال َْباقَِيا ُ خي ٌْر أ َ وَ َ
ت ( هي العمال الصالحة كلها واختاره ابن جرير رحمه الله .قال حا ُ صال ِ َ ال ّ
قتادة والسدي :زهرة الحياة الدنيا يعني زينة الحياة الدنيا وقال قتادة
لنفتنهم فيه لنبتليهم .و قال تعالى )َيا أ َي ّها الن ّبي قُ ْ َ
ن
ن ت ُرِد ْ َ ن ك ُن ْت ُ ّ ك إِ ْ ج َ ل ِلْزَوا ِ ِ ّ َ
ُ ً ُ ُ ال ْحياة َ الدنيا وزينتها فَتعال َي ُ
ن
ن كن ْت ُ ّ ميل * وَإ ِ ْ ج ِ حا َ سَرا ً ن َ حك ّ سّر ْ ن وَأ َ مت ّعْك ُ ّ نأ َ ََ ْ َ َّْ َ ِ َََ َ َ
َ َ
جًرا نأ ْ من ْك ُ ّ ت ِ سَنا ِ ح ِ م ْ ه أع َد ّ ل ِل ْ ُ ن الل ّ َ خَرة َ فَإ ِ ّ داَر اْل ِ ه َوال ّ سول َ ُ ه وََر ُ ن الل ّ َ ت ُرِد ْ َ
175
ما (. ظي ً عَ ِ
فصل كيف كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يؤثر
الخرة في المر كله ,و عن عبد الله بن عمر أنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إنما مثلي ومثل الدنيا
كمثل الراكب في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح
وتركها:"176
ُ
جو الل ّ َ
ه ن ي َْر ُ كا َ ن َ م ْ ة لِ َ سن َ ٌ ح َ سوَة ٌ َ ل الل ّهِ أ ْ سو ِ م ِفي َر ُ ن ل َك ُ ْ كا َ قد ْ َ قال تعالى " :ل َ َ
ه ك َِثيًرا "21الحزاب ,إن حياة النبي محمد صلى الله خَر وَذ َك ََر الل ّ َ م اْل ِ َوال ْي َوْ َ
عليه وسلم هي الترجمة العملية لكمال الدين ,و إن حاله صلى الله عليه و
آله و سلم مع الدنيا هو كمال الزهد ,خروج قدرها من القلب و عدم
الحرص عليها مع النتفاع بها لمر الخرة ,و نقيض الزهد هو العمل من
أجل الدنيا ,و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه
و آله و سلم قال ) إن الله يقول يا ابن آدم :تفرغ لعبادتي أمل صدرك غنى
174القصص 61
175الحزاب 29
176صححه اللباني في الصحيحه برقم - 439و رواه ابن أبي شيبة و الترمذي و أبي يعلى و أحمد و
الشهاب و رواه الصيداوي في عجم الشيوخ .
126 * كتاب
التوحيد .
وأسد فقرك ،وإل تفعل ملت يديك شغل ،ولم أسد فقرك ( 177و خرج بن
ماجه رحمه الله من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :من كانت الدنيا همه فرق الله
عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إل ما كتب له ومن
كانت الخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي
راغمة" .
فصل قبس من سبيل السلف الصالح في الزهد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في
عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما
اشتريت منك الرض ولم أبتع منك الذهب فقال الذي شرى الرض إنما
بعتك الرض وما فيها قال فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما
ولد فقال أحدهما لي غلم وقال الخر لي جارية قال أنكحوا الغلم الجارية
وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدقا" , 178روى بن المبارك أن ابن عمر باع
حمارا فقيل له لو أمسكته فقال لقد كان لنا موافقا ولكنه اذهب بشعبة من
قلبي فكرهت ان اشغل قلبي بشيء . 179و قال القرطبي قال مالك بن
دينار لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والخرة من خزف يبقى لكان الواجب
أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى قال فكيف والخرة من ذهب يبقى
والدنيا من خزف يفنى. 180
و إذا كان الزهد هو ترك فضول المباح فيما ليس له فائدة في الخرة ,فإن
الورع هو ترك المور المتشابهة التي يخشى أن يكون منها مضرة في
الخرة ,و لذلك قيل الورع هو ترك ما تهوى لما تخشى و روى بن ماجه عن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قتعا تكن أشكر الناس وأحب
للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما
وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب "182و عن أبي السوداء عن
الضحاك قال لقد رأيتنا وما نتعلم إل الورع 183و عن حذيفة رضي الله عنه
أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :فضل العلم خير من فضل
العبادة وخير دينكم الورع . "184و عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت" :إن
الناس قد ضيعوا أعظم دينهم الورع , "185و عن عبادة -رضي الله عنه -أنه
قال" :انكم لتعملون اعمال هي ادق في اعينكم من الشعر إن كنا لنعدها
186
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات او من الكبائر "
.
فصل و التورع يكون في المور المتشابهة بين الحل و حرمة:
عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الحلل بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس
فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في
الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه أل وإن لكل ملك
حمى أل وإن حمى الله محارمه أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح
الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب. "187
فصل قبس من سبيل السلف الصالح في الورع:
قال البراء" :أدركت عشرين و مأة من النصار من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه و سلم ُيسأل أحدهم عن المسألة و ما منهم من رجل إل ود
أن أخاه كفاه" و في روايه "فيرده هذا إلى هذا و هذا إلى هذا حتى يرجع
إلى الول" و عن سحنون أنه قال" :أجرأ الناس على الفتيا أقلهم
علما" , 188و كان بن سيرين ل يقول برأيه ال شيئا سمعه .189و قال
182مصباح الزجاجة على سنن بن ماجة ج 4 :ص - 239 :هذا إسناد حسن وأبو رجاء اسمه محرز بن
عبد الله ,و هذا الحدث رواه الترمذي في الجامع بغير هذا اللفظ
183مصنف ابن أبي شيبة ج 7 :ص 131 :برقم 34949
184المستدرك على الصحيحين ج 1 :ص 171 :برقم – 317قال اللباني صحيح لغيره .
185مصنف ابن أبي شيبة ج 7 :ص 131 :برقم 34742
186الورع لبن حنبل ج 1 :ص15 :
187صحيح مسلم ج 3 :ص 20 ) , 1219 :باب أخذ الحلل وترك الشبهات ( برقم 1599
188قال الذهبي في سير أعلم النبلء " :عن ابن عجلن الندلسي قال ما بورك لحد بعد النبي صلى
الله عليه وسلم في أصحابه ما بورك لسحنون في أصحابه فإنهم كانوا في كل بلد أئمة وروي عن
سحنون قال من لم يعمل بعلمه لم ينفعه علمه " ,
189سنن الدارمي ج 1 :ص 59 :برقم 104
128 * كتاب
التوحيد .
العمش ما سمعت إبراهيم يقول برأيه في شيء قط . 190و تنزه يزيد بن
زريع عن خمسائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه وكان أبوه يلي العمال
للسلطين وكان يزيد يعمل الخوص ويتقوت منه إلى أن مات رحمه
الله. 191
البقرة 192
129 * كتاب
التوحيد .
نسيت باسمك
ذكر المال و الولد
فلو سفكت دمي في التراب لنكت ََبت
به حروفك لم
تنقص و لم تزد
و من علمات محبته تعالى كثرة ذكره جل و عل ,فمن المتفق عليه بين
الناس أنه من أحب شيئا ً أكثر من ذكره ,و إذا اشتد حبه له ذكره و إن كان
وبيض على خطر و لذلك قال عنترة :ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني
الهند تقطر من دمي ,فإذا أكثر العبد من ذكر ربه بقلبه و لسانه كان ذلك
دليل على محبته إياه ,و من ثمرات ذكر القلب أيضا ً أنه يثير الحياء ،ويبعث
على المخافة ،ويدعو إلى المراقبة ،وي ََزع ُ عن التقصير في الطاعات،
والتهاون في المعاصي والسيئات ،والملئكة تكتب الذكر القلبي بإطلع الله
لهم خلفا ً لمن قال انهم ل يكتبون لنه ل يطلع عليه غير الله تعالى .و
الذكار الموظفة تجمع بين هاتين العلمتين الدالتين على محبة العبد لربه
فبها يحصل التباع مع كثرت ذكر الله تعالى.
و من علمات محبته تعالى محبة كلمه و الحرص على تلوته و تعلمه ,و
لذلك يثاب أهل القرآن بمحبته تعالى و الفوز بالدرجات الُعلى فعن عائشة
سّلم" :بعث رجل ً على ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ سول الل ّهِ َ ه ع َْنها أن َر ُ ي الل ّ ُض ََر ِ
سرية فكان يقرأ لصحابه في صلتهم فيختم بـ قل هو الّله أحد فلما رجعوا
سّلم فقال سلوه لي شيء يصنع ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ سول الل ّهِ َ ذكروا ذلك لَر ُ
سول ذلك؟ فسألوه فقال :لنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها .فقال َر ُ
سّلم أخبروه أن الّله تعالى يحبه ,"193وعن عائشة ه ع َل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ الل ّهِ َ
سّلم" :الذي يقرأ ه ع ََليهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ سول الل ّهِ َ عنها قالت قال َر ُ ه َ ي الل ّ ُض ََر ِ
القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ،والذي يقرأ القرآن ويتتعتع
ه .وعن عبد الّله بن عمرو بن فقٌ ع ََلي ِ مت ّ َفيه وهو عليه شاق له أجران" ُ
سلم قال" :يقال لصاحب ّ ه ع َليهِ وَ ََ ّ
صلى الل ُ ّ ه عن النبي َ عن ُ
ه َ ي الل ّ ُ ض َالعاص َر ِ
القرآن اقرأ وارتق ،ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية
ن صحيح. س ٌح َ ث َ دي ٌ ح ِل َمذ ِيّ وََقا َ داوُد َ الّتر ِ
تقرؤها" َرَواه ُ أُبو َ
و من علمات محبته تعالى محبة المساجد فهي بيوت الله تعالى و من
المعلوم أن من أحب أحدا ً أحب كل شيئ يذكره به حتى قال المجنون ,أمر
و ما حب الديار على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار و ذار الجدار
شغفن قلبي و لكن حب من سكن الديار ,و المساجد هي أحب البقاع إلى
الله و بها يكثر ذكر الله و هي تذكر الله و لذلك كان حبها و تعلق القلب بها
من علمات محبة الله تعالى و أسباب رحمته فقد روي المامان البخاري و
المسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال" :سبعة يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله
المام العادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلن
تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب
وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم
يمينه ما تنفق شماله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"
سئل الجنيد عن المحبة فقال أن تحب ما يحب الله في عباده وتكره ما و ُ
194
يكره الله في عباده ,و قال إبراهيم بن أحمد الخواص ل تطمع في لين
القلب مع فضول الكلم ول تطمع في حب الله مع حب المال والشرف ول
195
تطمع في النس بالله مع النس بالمخلوقين
محبة الله تعالى للعبد:
و جزاء التقرب إلى الله تعالى باتباعه الظفر بمحبته و وليته تعالى فعن
سّلم إن
ه ع َل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ّ ُ
سول الل ّهِ َ
ه قال ،قال َر ُ ي الل ّ ُ
ه ع َن ْ ُ ض َ
أبي هريرة َر ِ
الّله تعالى قال" :من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب ،وما يتقرب إلى
عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ،وما يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي
يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها ،وإن سألني أعطيته،
ولئن استعاذني لعيذنه"196
النازعات 198
133 * كتاب
التوحيد .
َ َ
ص َ
ل ن ُيو َ ه ب ِهِ أ ْ مَر الل ّ ُ ما أ َ ن َ صُلو َ ن يَ ِ ذي َ وجل في وصف المؤمنين َ ) :وال ّ ِ
م
ن َرب ّهُ ْ شو ْ َ خ َ ن يَ ْ ذي َ ب ( وقال ) :ال ّ ِ سا ِ ح َ سوَء ال ْ ِ ن ُ خاُفو َ م وَي َ َ ن َرب ّهُ ْ شو ْ َ خ َ وَي َ ْ
ن
شو ْ َخ َ ن يَ ْ ذي َ ما ت ُن ْذ ُِر ال ّ ِ وقال ) :إ ِن ّ َ ن( قو َ ش فِ ُ م ْ ساع َةِ ُ ن ال ّ م ْ م ِ ب وَهُ ْ ِبال ْغَي ْ ِ
َ
سهِ وَإ َِلى الل ّ ِ
ه ف ِ كى ل ِن َ ْ ما ي َت ََز ّ كى فَإ ِن ّ َ ن ت ََز ّ م ْ صَلة َ وَ َ موا ال ّ ب وَأَقا ُ م ِبالغَي ْ ِ َرب ّهُ ْ
َ َ ْ ّ
جٌر ك َِبيٌر (0 فَرة ٌ وَأ ْ مغْ ِ م َ ب لهُ ْ م ِبالغَي ْ ِ ن َرب ّهُ ْ شو ْ َ خ َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ِ صيُر ( وقال ) :إ ِ ّ م ِ ال ْ َ
قال تعالى ) لهم من فوقهم ظلل من النار و من تحتهم ظلل ذلك يخوف
ن
طا ُ شي ْ َ م ال ّ ما ذ َل ِك ُ ُ الله به عباده ياعباد فاتقون ( الزمر ,و قال تعالى ) إ ِن ّ َ
ن ( آل عمران ,قال مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن إِ ْ خاُفو ِ م وَ َ خاُفوهُ ْ ف أ َوْل َِياَءه ُ فََل ت َ َ خو ّ ُ يُ َ
رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أما و إنى أتقاكم لله و أخشاكم له (
متفق عليه ,و قد علق الله تعالى التمكين للمؤمنين بتحيق الخوف منه
َ
مي قا ِ م َف َ خا َ ن َ م ْ ك لِ َ م ذ َل ِ َ ن ب َعْد ِه ِ ْ م ْ ض ِ م اْلْر َ سك ِن َن ّك ُ ُ تعالى و قال تعال )وَل َن ُ ْ
عيدِ( 199 ف وَ ِ خا َ وَ َ
و خوف العبادة هو الخوف الذي يصحبه تعظيم و ذلة ,و هو ثلثة أنواع
هى :الرهبة و الخشية و الوجل ,
(1أما الرهبة كقوله تعالى ) و إياي فارهبون ( و الرهبة هى خوف
مع هرب و فرار من الله إليه ) ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين
(
(2و الخشية خوف مقرون بمعرفة قال تعالى ) إنما يخشى الله
من عباده العلماء ( فاطر .
و الوجل هو إرتجاف و إنصداع القلب لذكر من من يخاف (3
سلطانه أو عقوبته قالى تعالى ) إن الذين هم من خشية ربهم
مشفقون .والذين هم بآيات ربهم يؤمنون .والذين هم بربهم ل
يشركون .والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون
.أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ( .
فصل و الخوف من الله شرط من شروط صحة اليمان:
و كذلك كل العمال القلبية فهي من شروط صحة اليمان و صحة ل إله إل
َ
نوارِِثي َ خي ُْر ال ْ َ ت َ دا وَأن ْ َ ب َل ت َذ َْرِني فَْر ً ه َر ّ دى َرب ّ ُ الله قال تعالى" :وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َنا َ
َ
ن ِفي عو َ سارِ ُ كاُنوا ي ُ َ م َ ه إ ِن ّهُ ْ ج ُ ه َزوْ َ حَنا ل َ ُ صل َ ْ حَيى وَأ ْ ه يَ ْ ه وَوَهَب َْنا ل َ ُ جب َْنا ل َ ُست َ ََ 89فا ْ
ن "90النبياء ,الخوف من شِعي َ خا ِ كاُنوا ل ََنا َ عون ََنا َرغ ًَبا وََرهًَبا وَ َ ت وَي َد ْ ُ خي َْرا ِ ال ْ َ
الله عمل من أعمال القلب التى ل يقبل الله عمل إل بها فثبوت أصله
شرط واجب لستمرارية الحكم بالسلم لمن نطق بالشهادتين فمن نطق
بهما و زعم أنه ل يعبد الله خوفا ً منه و لم يرجع عن قوله بعد أن أقيمت
عليه الحجه فهو كافر قال صاحب الفضل و من هنا تعلم ضلل من زعم من
الصوفية أنه ليعبد الله خوفا ً من ناره و ل طمعا ً فى جنته و لذا قال بعض
السلف ) من عبد الله بالحب و حده فهو زنديق ,و من عبد الله بالخوف و
حده فهو حرورى و من عبد الله بالرجاء و حده فهو مرجئ ,و من عبد الله
بالحب و الخوف و الرجاء فهو المؤمن الموحد ( اهـ .و نصوص الشريعة
كثيرة فى ذلك .
فصل و الخوف كعبادة ل تصرف إل لله وحده:
إن الخوف الذي يصحبه تعظيم و ذلة ل يصرف إل لله لنه خوف عباده و قد
ن
م َ نآ َ م ْ جد َ الل ّهِ َ سا ِ م َ مُر َ ما ي َعْ ُ أمر بإخلص العبادة لله وحده قال تعالى " :إ ِن ّ َ
ُ
سى أول َئ ِ َ َ
ك ه فَعَ َ ش إ ِّل الل ّ َ خ َ م يَ ْ كاة َ وَل َ ْ صَلة َ َوآَتى الّز َ م ال ّ خرِ وَأَقا َ ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ
َ
ن "18التوبة ,و لذلك فمن التوحيد إفراد الله تعالى دي َ مهْت َ ِ ن ال ْ ُ م َ كوُنوا ِ ن يَ ُ أ ْ
بخوف العبادة و يعد صرفه لغير الله تعالى شرك أكبر مخرج من الملة ,و
مثال ذلك من يخشى صاحب القبر أن يوقع به مكروه.
فصل في الخوف الجبلي و قول النبى صلى الله عليه و سلم:
"الهم إنا نجعلك فى نحورهم و نعوذ بك من شرورهم":200
أما الخوف الجبلي الذي تهمدت أسبابه كمن يخاف من عدو فإن وقوعه فى
القلب ابتداًء ل ينافى اليمان و لكنه سرعان ما يذهب بالتوكل ,كخوف نبي
ة َقاُلوا َ َ َ
ف ً خي َ م ِ من ْهُ ْ س ِ ج َ م وَأوْ َ ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ ص ُ م َل ت َ ِ ما َرأى أي ْد ِي َهُ ْ الله إبراهيم ) فَل َ ّ
ُ
ط ( هود ,فسرعان ما ذهب عنه الخوف ,و سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ ُلو ٍ ف إ ِّنا أْر ِ خ ْ َل ت َ َ
َ
سَعى دين َةِ ي َ ْ م ِ صى ال ْ َ ن أقْ َ م ْ ل ِ ج ٌ جاَء َر ُ كخوف نبي الله موسى قال تعالى ) وَ َ
ْ
نحي َ ص ِ ن الّنا ِ م َ ك ِ ج إ ِّني ل َ َ خُر ْ ك َفا ْ قت ُُلو َ
ك ل ِي َ ْن بِ َ مُرو َ مَل َ ي َأت َ ِن ال ْ َ سى إ ِ ّ مو َ ل َيا ُ َقا َ
ن (21 مي َ ظال ِ ِ قوْم ال ّ م َ ْ ب َقا َ فا ي َت ََرقّ ُ 20فَ َ
ن ال َ ِ جِني ِ ب نَ ّ ل َر ّ خائ ِ ًمن َْها َ ج ِ خَر َ
العراف ثم زال عنه عندما ذهب إلى مدين ,ثم خاف خوف آخر قال تعالى
َ خا ُ َ
س ْ
ل ساِني فَأْر ِ صد ِْري وََل ي َن ْط َل ِقُ ل ِ َ ضيقُ َ ن * وَي َ ِ ن ي ُك َذ ُّبو ِ فأ ْ ب إ ِّني أ َ َ ل َر ّ )َقا َ
و َ
ن ( الشعراء , 13:و قال أيضا ً في القصص )وَأ ِ إ َِلى َ
ن هُ َ هاُرو ُ خي َ
َ
هاُرو َ
َ َ َ
ن ( 34ثم ن ي ُك َذ ُّبو ِ فأ ْ خا ُ صد ّقُِني إ ِّني أ َ ي رِد ًْءا ي ُ َ معِ َ ه َ سل ْ ُ ساًنا فَأْر ِ مّني ل ِ َ ح ِ ص ُ أفْ َ
سرعان ما زال ذلك الخوف الذي تمهدت أسبابه ,فإنه يذهب بالتوكل على
الله تعالى قال تعالى ) فل تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين (آل عمران .
و الخوف إذا أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم بغير إكراه فهو مذموم
محرم ,و الجبن من الخلق الرذيلة التى تعوذ منها رسول الله صلى الله
عليه و سلم ) الهم إنى أعوذ بك من العجز و الكسل و الجبن و البخل (
متفق عليه ,
ق ْ
ل باب الرجاء و قول الله جل ذكرهُ " :
م َل ُ عَلى أ َ ُ عبادي ال ّذين أ َ
ه ِْ سِ ف ْ ن َ فوا ر
َ سْ ِ َ َيا ِ َ ِ َ
فُر غ ِه يَ ْ ن الل ّ َ ه إِ ّة الل ّ ِ
م ِح َن َر ْم ْطوا ِقن َ ُ
تَ ْ
ورواه بن حبان و الحاكم و أبو داود و النسائي ,و صححه اللباني . 200
135 * كتاب
التوحيد .
م"53
حي ُ
فوُر الّر ِ و ال ْ َ
غ ُ ه َ
ه ُ
عا إ ِن ّ ُ
مي ً
ج ِ الذُّنو َ
ب َ
الزمر
قيل هذه الية هي أرجى آية في كتاب الله تعالى و قيل غيرها و في ذلك
خلف معروف و هو مما يستأنس به و ليس فيه سنة و ل إجماع,
و الرجاء هو:
إرتياح القلب لنتظار ما هو محبوب عنده و إذا كانت السباب غير موجودة
فاسمه الغرور و الحمق عليه أصدق ,لن الدين ليس بالتحلي ول بالتمني
ولكن ما وقر في القلوب وصدقته العمال فليست النجاة بمجرد التمني بل
العبرة بطاعة الله سبحانه,
أما الرجاء بل عمل أو تسويفه ,فهذا من تزيين الشيطان كما قال
"ولمنينهم" أي أزين لهم ترك التوبة وأعدهم الماني وآمرهم بالتسويف
والتأخير
و من خطورة الماني أنها كانت سببا ً في هلك قوما ً من المنافقين كما قال
م ِبالل ّهِ ال ْغَُرو َُر( أي غرتكم َ َ
مُر الل ّهِ وَغ َّرك ُ ْ
جاَء أ ْ
حّتى َي َ م اْل َ
مان ِ ّ تعالى )وَغ َّرت ْك ُ ُ
الدنيا فما زلتم على المعاصي حتى جاءكم الموت ,وغركم بالله الغرور أي
الشيطان ,قال قتادة :كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها
حتى قذفهم الله في النار 201اهـ .
و من الماني قول القائل لن مت لدخلن الجنة مع الداخلين و هو في الدنيا
لم يعمل بعمل الصالحين فيالها من خيبة و ياله من مسكين يقول الحسن
البصري رحمه الله إن قوما ما ألهتهم الماني حتى خرجوا من الدنيا و ما
لهم حسنة ويقول أحدهم إني أحسن الظن بربي وكذب ولو أحسن الظن
لحسن العمل وتل قول الله تعالى "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
فأصبحتم من الخاسرين. "202
و لما تمنت قريش و أهل الكتاب النجاة فقالت قريش لن نبعث ولن نعذب
وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى أنزل
الله تعالى" :ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب" أي ليس المر بأمانيكم يا
معشر أولياء الشيطان وحزبه التي يمنيكموها وليكم عدوا لله من إنقاذكم
ممن أرادكم بسوء ونصرتكم عليه وإظفاركم به ول أماني أهل الكتاب الذين
قالوا اغترارا بالله وبحلمه عنهم لن تمسنا النار إل أياما معدودة ولن يدخل
الجنة إل من كان هودا أو نصارى فإن الله مجازي كل عامل منكم جزاء
عمله من يعمل منكم سوء أو من غيركم يجز به ول يجد له من دون الله
وليا ول نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك
203
يدخلون الجنة
و الرجاء شأنه شأن سائر العمال القلبية منه ما هو عبادة و
منه ما هو طبيعي:
أما الرجاء الذي هو عباده فهو الرجاء من الله و منه ما هو ركن في اليمان
كرجاء الله و اليوم الخر أي رجاء رحمة الله و جنته فبانتفائه ينتفي أصل
حَياةِ الد ّن َْيا ضوا ِبال ْ َ قاَءَنا وََر ُ ن لِ َ جو َ ن ل ي َْر ُ ذي َن ال ّ ِ اليمان قال تعالى" :إ ِ ّ
ْ َ ُ ُ واط ْ َ
كاُنوا ما َ م الّناُر ب ِ َ مأَواهُ ُ ك َ ن 7أولئ ِ َ غافِلو َ ن آَيات َِنا َ م عَ ْ ن هُ ْ ذي َ مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ َ َ
سوْءِ َ ُ ّ ْ َ َ َ ْ
مطَر ال ّ ت َ مط َِر ْ قْري َةِ الِتي أ ْ وا ع َلى ال َ قد ْ أت َ ْ ن "8و قال تعالى" :وَ ل َ سُبو َ ي َك ِ
َ
ن نُ ُ ل َ كوُنوا ي ََروْن ََها ب َ ْ م يَ ُأفَل َ ْ
204
شوًرا " 40أي معادا يوم القيامة, جو َ كاُنوا ل ي َْر ُ
ذاًبا "28النبأ, ساًبا 27وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا ك ِ ّ ح َ ن ِ جو َ كاُنوا ل ي َْر ُ م َ و قال تعالى" :إ ِن ّهُ ْ
فنفى الله عز وجل عنهم أصل اليمان و ذلك لنتفاء أصل رجائهم للقاء الله
تعالى و رحمته ,وأهل اليمان يرجون لقاء الله و رحمة و يرون أن ذلك
أعظم النعيم و غاية و ل يسمى ذلك رجاء حتى يتبعوه بالعمل كما أسلفنا و
شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ َ
هم إ ِل َ ٌما إ ِل َهُك ُ ْ ي أن ّ َ ِ ّ ْ ُ َ ما أَنا ب َ َ ٌ ِ ل إ ِن ّ َ إل صار أماني قال تعالى" :قُ ْ
ه
ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّ ِ شرِ ْ حا َول ي ُ ْ صال ِ ً مًل َ ل عَ َ م ْ قاَء َرب ّهِ فَل ْي َعْ َ جو ل ِ َ ن ي َْر ُ ن َ
كا َ م ْ حد ٌ ف َ َ َوا ِ
دا" فمن كان يرجو فليعمل ثم أكد العمل بالمصدر عمل ً فإن لم يعمل َ
ح ً أ َ
قد ْ ن ,و العمل الصالح إخلص و متابعة قال تعالى" :ل َ َ ج بل متم ٍ فليس برا ٍ
ُ
خَر وَذ َك ََر م ال ِ ه َوال ْي َوْ َ جو الل ّ َ ن ي َْر ُكا َ ن َ م ْ ة لِ َ سن َ ٌ ح َ سوَة ٌ َ ل الل ّهِ أ ْ سو ِ م ِفي َر ُ ن ل َك ُ ْ كا َ َ
ه ك َِثيًرا "21الحزاب ,و لذلك فالتباع دليل على صدق الرجاء. الل ّ َ
203و هو قول مجاهد و رجحه ابو جعفر حيث قال" وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لن المسلمين لم
يجر لمانيهم ذكر فيما مضى من الي قبل قوله ليس بأمانيكم وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان
المفروض وذلك في قوله ولمنينهم ولمرنهم فليبتكن آذان النعام وقوله يعدهم ويمنيهم فإلحاق
معنى قوله ليس بأمانيكم بما قد جري ذكره قبل أحق وأولى من ادعاء تأويل فيه ل دللة عليه من
ظاهر التنزيل ول أثر عن الرسول ول أجماع من أهل التأويل"
الفرقان 204
137 * كتاب
التوحيد .
ضّره بِ ُ ك الل ّ ُ س َ س ْ م َن يَ ْ كرجاء جلب النفع أو دفع الضر لنه بيد الله وحده " :وَإ ِ ْ
ديٌر" , يٍء قَ ِ ش ْ ل َ خي ْرٍ فَهُوَ ع ََلى ك ُ ّ ك بِ َ س َ س ْ م َ ه إ ِّل هُوَ وَإ ِ ْ
ن يَ ْ ف لَ ُش َ كا ِفََل َ
-و من ذلك النفع المرجو الهداية قال رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم" :إنه من يهده الله فل مضل له و من يضلل فل هادي له"و لذلك
فالمؤمن يستهدي ربه "إهدنا الصراط المستقيم"
ة إ ِن ّ َ
ك م ً ح َ ك َر ْ ن ل َد ُن ْ َ م ْب ل ََنا ِ -طلب الثبات "َرب َّنا َل ت ُزِغ ْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ
ب", ت ال ْوَ ّ َ
ها ُ أن ْ َ
ق
خال ِ ٍ ن َ م ْ ل ِ م هَ ْ ة الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ س اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
م َ ُ -الرزق قال تعالىَ " :يا أ َي َّها الّنا
ن" و لذلك كو َ ه إ ِّل هُوَ فَأ َّنى ت ُؤ ْفَ ُ ض َل إ ِل َ َ
َْ
غ َي ُْر الل ّهِ ي َْرُزقُك ُ ْ
ماِء َوالْر ِ س َ
ن ال ّ م َم ِ
شاُء ن يَ َ م ْ ط الّرْزقَ ل ِ َ س ُ ن َرّبي ي َب ْ ُ ل إِ ّ فبسط الرزق ل يرجى إل من الله " :قُ ْ
قدر ول َك َ
ن"36سبأ, مو َ س َل ي َعْل َ ُن أك ْث ََر الّنا ِ وَي َ ْ ِ ُ َ ِ ّ
ز
زي ِ عن ْد ِ الل ّهِ ال ْعَ ِ ن ِ م ْصُر إ ِّل ِما الن ّ ْ -و النصر على العداء قال تعالى "وَ َ
صْرَنا ع ََلى كيم ِ "126آل عمران ,فيرجون النصر من الله وحده "َفان ْ ُ ح ِال ْ َ
ن"ري َ كافِ ِقوْم ِ ال ْ َ ال ْ َ
و لذلك فل خاب و ل خسر من علق حاجته بالله تعالى لن الخير كله بيديه
و الشر ليس إليه.
أما رجاء من الخلق:
ما يقدرون عليه من العانة على أنهم أسباب فذلك جائز مادام أنه تابع
للرجاء من الله و اعتقاد أن جلب النفع و دفع الضر بيد الله ,و يضعف إذا
قوي الرجاء بالله و يقوى إذا ضعف الرجاء بالله ,و الواجب أل يتعلق قلب
العبد بالسباب كثيرا ً و إنما يتعلق بالله و يكون رجاءه اعظم بالله ,و اعلم
أن هذا هو الكمل في هذا الباب ,و علمته استغاء العبد عن الناس لنه
يكفيه الستغناء بالله فمن استغنى بالله كفاه ,كما رواه الطبراني في
الوسط من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال جاء
جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد عش ما شئت فإنك
ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم
أن شرف المؤمن صلته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس قال الذهبي
إسناده حسن,
و عن بن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما
فقال" :يا غلم إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده
تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن المة لو
اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك ولو
اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك
رفعت القلم وجفت الصحف" رواه الترمذي و قال هذا حديث حسن
صحيح,
138 * كتاب
التوحيد .
و قوله صلى الله عليه و آله و سلم " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت
فاستعن بالله" فيه حث على أن يرجو العبد حاجته كلها من الله وحده و إذا
كان هذا هو الكمل إل أن سؤال الخلق أو الستعانة بهم فيما يقدرون عليه
أمر مباح ل بأس به إل أن الشرف و الكمل أن تتعلق القلوب برب القلوب
كما ذكرنا لعله يصير من السبعين ألف الذين هم أول من يدخلون الجنة مع
رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بل حساب و ل عذاب فقد روى
المام مسلم في صحيحه من حديث بن عباس رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم ذكر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب
ثم قال" :هم الذين ل يسترقون و ل يكتوون ول يتطيرون وعلى ربهم
يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت
منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها
عكاشة" فهؤلء السبعين ألف قلوبهم معلقة بالله تعالى يرجون أمرهم كله
من الله تعالى وحده ويعتمدون عليه في جلب النفع و دفع الضر ,و ليس
معنى ذلك تفريطهم في الخذ بالسباب التي شرعها الله تعالى لعباده و
في هذا الحديث دليل على حرصهم على الخذ بالسباب إذ أن عكاشة
رضي الله عنه و أرضاه سأل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و
استعان به على بلوغ تلك المنزلة ولكن لن قلبه معلق بالله تعالى في جلب
النفع و دفع الضر و بلوغ تلك المنزلة كان من السبعين ألف الذين يدخلون
الجنة بل حساب و ل عذاب.
و أقوى الرجاء بالله رجاء العارفين بالله:
لن من عرف الله عز وجل و علم أسمائه و صفاته و أفعاله قوي رجاؤه
بالله تعالى و لبد و مما يقوي الرجاء بالله تعالى ما رواه المام مسلم من
حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن
الله تبارك وتعالى أنه قال" :يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرما فل تظالموا يا عبادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدونى
أهدكم يا عبادي كلكم جائع إل من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم يا عبادي
كلكم عار إل من كسوته فاستكسونى أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل
والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم يا عبادي إنكم لن
تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك
في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على
أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل
إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا أدخل
البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه" أشرف حديث
139 * كتاب
التوحيد .
لهل الشام كما قال المام أحمد رحمه الله تعالى تدبر قوله تعالى "يا
عبادي" وكم فيها من الرحمة و اللطف و تدبر ياء الضمير فيها و كيف نسب
العباد إليه تعالى إنتساب خلق و رحمه ,ثم يذكر الله تعالى ما انفرد به من
الصفات العلى كالهداية و الرزق و المغفرة و العزة و الغنى و شدة فقر
العباد إليها و الله عز وجل ل يمنعها منهم بل يدعوهم بلطفه و رحمته
لمجرد طلب ذلك منه تعالى فيعطيهم ما يسألون,
لسِبي ِ في َ دوا ِ ه ُ جا َ و َجُروا َ ها َن َ ذي َ وال ّ ِمُنوا َ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ قال تعالى" :إ ِ ّ
م "218البقرة: حي ٌفوٌر َر ِغ ُه َ والل ّ ُ َ ة الل ّ ِ
ه م َح َ ن َر ْ جو َ ك ي َْر ُ ه ُأول َئ ِ َالل ّ ِ
إن هذه الية العظيمة عمدة في هذا الباب تحكمه و تضبط مسائله فهنيأ ً
للمسمين بها نورا ً و رحمه من الله رب العالمين الذي أنعم على عباده
بإنزال كتابه العظيم ثم أتم النعمة فالحمد لله رب العالمين,
"إن الذين آمنو":
أي الذين آمنوا بالله تعالى و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخر و القدر
خيره و شره ,هذه هي أركان اليمان كما بينها رسول الله صلى الله عليه و
آله و سلم في حديث جبريل الذي هو فهرس السلم ,فمن بلغته جملة
ن منها عذر بالجهل فآمن بها جملة كان عنده أصل اليمان فإن لم يبلغه رك ٌ
حتى يبلغه و العذر بالجهل كما أسلفنا ثابت بالكتاب و السنة و الجماع ,فإن
علم ذلك الركن فأبى اليمان به انتفى عنه أصل اليمان ,و اعلم أن كل
ركن من أركان اليمان له كمال واجب في قلب العبد يأثم بالتفريط فيه ,و
هو ما أوجب الله تعالى عليه تعلمه و اليمان به و العمل بمقتضاه و ذلك
لكل ركن من أركان اليمان ,و له كمال مستحب و هو حظ العلماء ,و لن
ن من الركان حتى كمال اليمان فرع على العلم فل يكمل إيمان عبد برك ٍ
يعلم تفاصيل ما أنزل الله تعالى من العلم بهذا الركن فيؤمن به و يعمل
شى الل ّ َ
ه خ َما ي َ ْبمقتضاه و لذلك كان أخشى العباد من الله هم العلماء "إ ِن ّ َ
فوٌر" و أخشى العلماء أعلمهم و هو خاتم زيٌز غ َ ُه عَ ِ ن الل ّ َ ماُء إ ِ ّعَباد ِهِ ال ْعُل َ َ
ن ِ م ْ ِ
النبيين و المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم كما
روى المام أحمد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول
الله صلى الله عليه و آله و سلم قال" :والله إني لعلمكم بالله عز وجل و
أخشاكم له"
و اليمان بالله تعالى هو اليقيتن باستوائه فوق عرشه متصف بأسماءه
الحسنى و صفاته العلى و اليقين بحقه تعالى على عباده و هو أن يعبدوه و
ل يشركوا به شيئًا ,فيؤمنوا بذلك غيبا ً و ما آمن عبد ٌ أفضل من إيمان بغيب
و قوة اليمان تسمى يقينا ً و صح عن رسول الله صلى الله عليه و آله و
140 * كتاب
التوحيد .
سلم أنه خير ما أعطي العبد ,205لن العبد إذا أيقن بالله تعالى انبعثت
الجوارح كلها للقاء الله بالعمال الصالحه حتى قال سفيان الثوري لو أن
206
اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا إلى الجنة وهربا من النار .
أي ازداد رجاؤه في مغفرة ربه و رحمته فيزداد عمله ,لن العمل و الرجاء
ئ واحد ل انفصال بينهما إن انتفى العمل انتفى الرجاء و أصبح تمني ,و ش ٌ
لذلك قال تعالى" :فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل ً صالحا ً و ل يشرك
بعبادة ربه احدا" أي فمن كان يرجو ثواب ربه فعليه بالعمل الصالح و هو
إخلص النية لله تعالى و متابعة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و
ُ
ن
كا َن َم ْ
ة لِ َ
سن َ ٌ
ح َ
سوَة ٌ َ ل الل ّهِ أ ْ سو ِ م ِفي َر ُ ن ل َك ُ ْكا َقد ْ َ التأسي به قال تعالى " :ل َ َ
ه ك َِثيًرا" فيوجب على نفسه ما أوجبه الله خَر وَذ َك ََر الل ّ َم اْل ِ
ه َوال ْي َوْ َ
جو الل ّ َي َْر ُ
تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و يحرم على نفسه
ما حرمه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فإن
فعل ذلك كان راجيا ً لرحمة ربه ,و لما كانت الهجرة من أعظم العمال
الدالة على صدق الرجاء و أشدها على النفس قال تعالى
"و الذين هاجروا":
أوذي المهاجرون الولون أعظم الذى من قبل المشركين و إنما كانت
ذوا" ثم امتثلوا لمر ما ك ُذ ُّبوا وَُأو ُ صب َُروا ع ََلى َ تهمتهم أنهم قالوا ربنا الله "فَ َ
الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و آله و سلم بترك أوطانهم و
أهلهم و أولدهم و الهجرة إلى المدينة و كان رسول الله صلى الله عليه و
آله و سلم قد رأى دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها كما وقع في
الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال" :رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب
وهلي 207إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب" و ذلك حينما رأى
الصفة المختصة بالمدينة كما ثبت عند البخاري من حديث أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها انها قالت" :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
209
قد أريت دار هجرتكم رأيت سبخة 208ذات نخل بين لبتين وهما الحرتان
فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة" ,و صدق
َ
ه" فكانت ت الل ّ ِما ِل ل ِك َل ِ َ صُرَنا وََل ُ
مب َد ّ َ م نَ ْ حّتى أَتاهُ ْ الله تعالى إذ يقولَ " :
الهجرة هي أول طريق ذلك النصر الذي وعد الله تعالى عباده المؤمنون إذ
أن الهجرة كانت تمثل أول تأسيس لدولة السلم و كانت واجبة بالجماع
في حق من ل يستطيع إقامة دينه كما نقله بن كثير و الشوكاني في النيل و
207ظني
208أي أرض بها سباخ كناية عن الزراعة و أنها بلد ريفية
209و هذا مدرج في الحديث و الحرة ارض حجارتها سود
141 * كتاب
التوحيد .
غيرهم من أهل العلم قال تعالى" :إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي
أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن
أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من
أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها وقد روى النسائي من طريق
بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا" :ل يقبل الله من مشرك
عمل بعد ما أسلم أو يفارق المشركين" قال الحافظ "وهذا محمول على
من لم يأمن على دينه" انتهى,
و كانت مكة دار كفر و كانت الهجرة واجبة منها إلى المدينة فلما فتحها الله
تعالى و دخل الناس في دين الله أفواجا سقط فرض الهجرة إلى المدينة
وبقي فرض الجهاد والنية كما ثبت في الصحيحين من حديث بن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح" :ل هجرة
بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" أي ل هجرة من مكة إلى
المدينة لنه ل هجرة من دار أسلم أهلها كما ورد في البخاري من حديث أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الهجرة فقالت" :ل هجرة
اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن فأما اليوم
فقد أظهر الله السلم والمؤمن يعبد ربه حيث شاء",
أما الهجرة من دار الكفر إلى دار السلم فهي باقية إلى قيام الساعة فعن
جنادة بن أبي امية ان رجال من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بعضهم الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا ناسا يقولون ان الهجرة
قد انقطعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الهجرة ل تنقطع ما
كان الجهاد" رواه أحمد و قال الذهبي رجاله رجال الصحيح ,و روى أيضا ً من
حديث ابن السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :ل تنقطع
الهجرة مادام العدو يقاتل ,فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله
بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الهجرة
خصلتان إحداهما تهجر السيئات والخرى تهاجر إلى الله ورسوله ولتنقطع
ما تقبلت التوبة ولتزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا
طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل" قا الحافظ بن كثير
رحمه الله هذا الحديث حسن السناد
و كان المسلمون قلة في المدينة و كانوا في حاجة إلى الجتماع لتكثير
سوادهم كما قال تعالى" :ياعبادى الذين ءامنوا إن أرضى واسعة فإيي
فاعبدون" .العنكبوت آية ,56فلما امتنع بعض من اسلم عن الهجرة نهى
الله تعالى أهل المدينة من وليتهم لنهم قطعوا وليتهم ,بانفصالهم عنهم
وقت شدة الحاجة إلى الرجال فلم لم يهاجروا كما قال تعالى" :والذين
آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى يهاجروا وإن
استنصروكم في الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله
142 * كتاب
التوحيد .
بما تعملون بصير" قال بن جرير رحمه الله من وليتهم يعني من نصرتهم
وميراثهم ,و تعني أيضا ً أنه ليس لهم في المغانم نصيب و ل في خمسها إل
ما حضروا فيه القتال كما روى المام مسلم في صحيحه من حديث سليمان
بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميرا
على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين
خيرا ثم قال أغزو باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزو ول
تغلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين
فادعهم إلى ثلث خصال أو خلل فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف
عنهم ثم ادعهم إلى السلم فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم
ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا
ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا
منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي
يجري على المؤمنين ول يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إل أن يجاهدوا
مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم
وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم"
فله فى كل وقت هجرتان :هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية
لقبال عليه وصدق لنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاِء وا ِ والتوكل وا ِ
اللجإ ِ والفتقار فى كل نفس ِإليه ،وهجرة ِإلى رسوله فى حركاته وسكناته
ب اللهالظاهرة والباطنة ،بحيث تكون موافقة لشرعه الذى هو تفصيل محا ّ
ومرضاته ،ول يقبل الله من َأحد دينا ً سواه ،وكل عمل سواه فعيش النفس
وحظها ل زاد المعاد ،وقال شيخ الطريقة وِإمام الطائفة الجنيد بن محمد
دس الله روحه :الطرق كلها مسدودة إل طريق من اقتفى آثار النبى صلى ق ّ
ن َ َ ج ّ
م ْ
جلِلى لوْ أُتوِنى ِ عّزِتى وَ َ ل يقول)) :وَ ِ الله عليه وسلم ،فِإن الله ع َّز و َ
ك((. خل ْ َ
ف َ خُلوا َ حّتى َيد ُ ت ل َهُ ْ
م َ ب ،ل َ َ
ما فََتح ُ ن كُ ّ
ل َبا ٍ م ْ
حوا ِفت َ ُ
ست َ ْ
قَ ،وا ْ ل طَ ِ
ري ٍ كُ ّ
وقال بعض العارفين :كل عمل بل متابعة فهو عيش النفس.
ولما كانت السعادة دائرة -نفيا ً وِإثباتًا -مع ما جاَء به كان جديرا بمن نصح
ً
نفسه َأن يجعل لحظات عمره وقفا ً على معرفته وِإرادته مقصورة على
محابه ،وهذا َأعلى همة شمر إليها السابقون وتنافس فيها المتنافسون ،فل
جرم ضمّنا هذا الكتاب قواعد من سلوك الهجرة المحمدية،
المشروعية و قد شرع الله:
و الجهاد:
و الركن الثاني الخلص:
في سبيل الله:
ألئك يرجون فغيرهم ل يرجون بل يتمنون:
و هم مجرد يرجون :إل أن يتغمدهم الله برحمته
143 * كتاب
التوحيد .
َ
ن"
مي َ
ح ِ
خي ُْر الّرا ِ
ت َ
مَنا وَأن ْ َ فْر ل ََنا َواْر َ
ح ْ مّنا َفاغ ْ ِ
"َرب َّنا آ َ
و
ه َ
ه ِإل ُه ل إ ِل َ َ باب قول الله تعالى ) الل ّ ُ
ن( 211
مُنو َ م ْ
ؤ ِ ل ال ْ ُ فل ْي َت َ َ
وك ّ ِ عَلى الل ّ ِ
ه َ و َ
َ
ل للقلب ينشأ عن معرفته بالله واليمان بتفرده بالخلق والتدبير هو حا ٌ
والضر والنفع والعطاء والمنع ،وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ؛
ة به ويقينا ً بكفايته لما ة به وثق ً فيوجب له اعتمادا ً عليه وتفويضا ً إليه وطمأنين ً
توكل عليه فيه , 212و لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم
من حديث انس ضي الله عنه انه كان يقول" :يا حي يا قيوم برحمتك
ً 213
أستغيث أصلح لي شأني كله و ل تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا " ,
إن الذي يدفع العبد إلى أن يصرف قلبه عن العتماد على الله أمران الول
الجهل بمقام الله من ربوبية و ألوهية و أسماء و صفات ,و الثاني إعتماده
على الخلق لبروزهم عنده و ضعف إيمانه بالله ,فإما أنه يعتمد على نفسه
للعجابه بها و إحساسه بذكائه أو بقدرته و اغتراره بها فيظن أنه قد إستغنى
عن موله و هو واهم ) كل إن النسان ليطغى * أن رءاه استغنى (214و
ض وَ ل َك ِ ْ
ن ه الّرْزقَ ل ِعَِباد ِهِ ل َب َغَ ْ
وا ِفي الْر ِ ط الل ّ ُ
س َ لذلك قال تعالى ) وَ ل َوْ ب َ َ
صيٌر , ( 215و إما أنه يعتمد بقلبه على خِبيٌر ب َ ِ ه ب ِعَِباد ِهِ َ ما ي َ َ
شاُء إ ِن ّ ُ قد َرٍ َ ي ُن َّز ُ
ل بِ َ
الخلق في قضاء الحاجات و لذلك كان من كمال التوكل أل يعلق قلبه
بالخلق حتى في حاجته الضرورية فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
و سلم أنه قال في السبعين الف" :هم الذين ل يسترقون و ل يكتوون و ل
يتطيرون و على ربهم يتوكلون . "((1ل يسترقون أي ل يطلبون الرقية من
الخلق لشفاء داء نزل بهم و ل يكتوون أي ل يطلبون كي الجرح و ل
يتطيرون أي ل يتشائمون بالطيرة بل على ربهم يتوكلون في قضاء
حوائجهم و جلب النفع دفع الضر فهم ل يركنون للخلق و ل يعتمدون عليهم
في قضاء الحاجات بل القلوب معلقة بالله ,أما إذا قدم أحد الخلق بغير
211التغابن 13
212و قال ابن عباس رحمه الله التوكل هو الثقة بالله و صدق التوكل أن تثق في الله و فيما عند الله
فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك و قال بن رجب الحنبلي رحمه الله هو صدق اعتماد القلب
على الله عز وجل في استجلب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والخرة كلها .و قال ابن حجر
رحمه الله و قيل هو قطع النظر عن السباب بعد تهيئة السباب .و قال شيخ السلم عبدالله بن
محمد بن عبدالوهاب رحمه الله هو إسناد العبد أمره إلى الله وحده لشريك له في جميع أموره
الدينية و الدنيوية .
213صححه المنذري و حسنه بن حجر و اللباني
214العلق 7
215الشورى 27
) (1البخاري ، :ومسلم :كتاب اليمان /باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير
حساب.
145 * كتاب
التوحيد .
طلب الرقية أو الكي فقبلها فهو داخل في نفس المعنى فهو لم يطلبها و
هذا الحال هو الكمل المستحب لتحصيل ذلك القدر من التوكل أما إذا طلب
لولى و الله تعالى أعلى العبد الرقية و نحوها فل بأس بها و لكنه لم يحقق ا َ
و أعلم .
فصل من التوكل الخذ بالسباب قال تعالى ) و الذين آمنوا و
عملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون:( 216
قيام الجوارح بالسباب واعتماد القلب على مسبب السباب سبحانه
وتعالى :هذا مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق فالخذ بالسباب واجب
مع عدم العتماد عليها ،و يكون التوكل بالقلب على الخالق مع اتباع
بن َبا ٍم ْ خُلوا ِي ل ت َد ْ ُ
ل َيا ب َن ِ ّ السباب في ظاهر الحال فقط .قال تعالى )وََقا َ
ُ خُلوا م َ
ن
يٍء إ ِ ِش ْ ن َ ن الل ّهِ ِ
م ْ م َ م ِ ما أغ ِْني ع َن ْك ُ ْ فّرقَةٍ وَ َ مت َ َ
ب ُ وا ٍ ن أب ْ َ ِ ْ حد ٍ َواد ْ َُوا ِ
ن . ( 68و في جانب 217
مت َوَك ُّلو َل ال ْ ُ
ت وَع َل َي ْهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ م ِإل ل ِل ّهِ ع َل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ حك ْ ُال ْ ُ
الرزق قال تعالى ) هو الذي جعل لكم الرض ذلول ً فامشوا في مناكبها
وكلوا من رزقه و إليه النشور ( و قال تعالى ) و هزي إليك بجذع النخلة( 218
و روى المام البخاري في صحيحه عن المقدام رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال أنه قال" :ما أكل أحد طعاما قط خيرا من
أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلم كان يأكل من عمل
يده "219و عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ثم
بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده ل شريك له وجعل
رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف آمري ومن
تشبه بقوم فهو منهم ( 220و الشاهد قوله صلى الله عليه و سلم و جعل
رزقي تحت ظل رمحي فقرن الرزق مقرونا ً بالسبب .و كان النبياء يفعلون
أسبابا ً يحصل بها الرزق .و كان المهاجرون في مجموعهم أهل تجارة وكان
النصار أهل زرع .و قال عن ايوب قال ) كان ابو قلبة يحثنا على السوق (
و قال أيضا ً أنبانا عبد الوهاب السقفي قال خرج علينا ايوب فقال ) يا
معشر الشباب احترفوا ل تحتاجون ان تاتوا ابواب هؤلء وذكر من يكره( 221
.و قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ( و قوله تعالى ) و أعدوا
لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم (
ة ل َبوس ل َك ُم ل ِتحصنك ُم من بأ ْسك ُم فَه ْ َ
م
ل أن ْت ُ ْ ْ ُ ْ ِ َ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ ٍ صن ْعَ َ ُ مَناه ُ َ و قال تعالى )وَع َل ّ ْ
216البقرة 82
217يوسف
218مريم 25
219صحيح .صحيح البخاري ج 2 :ص 730 :برقم . 1966
220مسند أحمد ج 2 :ص 92 :برقم . 5667و مسند عبد بن حميد ج 1 :ص 267 :برقم , 848و
قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني و أحمد و فيه عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان وثقه
ابن المديني وابو حاتم وغيرهما وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات .
221الورع لبن حنبل ج 1 :ص 21 :باب ترك الكبر ولزوم العمل
146 * كتاب
التوحيد .
ن , .( 222و روى المام البخاري عن بن عباس رضي الله عنهما قال َ
شاك ُِرو َ
)كان أهل اليمن يحجون ول يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا
مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . ( 223و
هذا الموقف أي العراض عن السباب حكم عليه العلماء بأنه قدح في
الشرع و نقص في العقل و هو قول الجبرية فأنكروا مشيئة النسان و تأثير
السباب و قالوا إن العبد يتحرك بدون اختياره .و هم غلوا كما أن القدرية
جفوا فنفوا مشيئة الله تعالى و أثبتوا مشيئة السباب و قالوا أن النسان هو
الذي يخلق السباب و الفعال بغير علم سابق لله و هذا عين الكفر فكل ً
من الموقفين فاسد باطل مخالف للكتاب و السنة و الجماع .و إل فالله
تعالى أثبت مشيئة للعبد و مشية له تعالى و ل تكون مشية العبد إل بعلم
الله تعالى و قدرته سبحانه فالله تعالى يقول ) و ما تشاءون إل أن يشاء
الله إن الله كان عليما ً حكيما ً ( 224فأثبت الله سبحانه له مشيئة و للعبد
مشيئة وجعل مشيئة العبد تحت مشيئته سبحانه ) لمن شاء منكم أن
يستقيم ( 225شاء أي باختياره و في هذا رد على الجبرية النفاة لمشيئة العبد
.و قوله تعالى ) إل أن يشاء الله ( 226و هو رد على القدرية 227في أن
مشيئة الله تعالى قبل مشيئة العبد ,و أما السباب فالله تعالى هو الذي
ن "96الصافات . مُلو َ
ما ت َعْ َ
م وَ َ خل َ َ
قك ُ ْ يخلقها قال تعالىَ " :والل ّ ُ
ه َ
فصل في العلقة بين اليمان بالله تعالى و التوكل و
قول الله تعالى" :و على الله فاليتوكل المؤمنون":
التصديق قول القلب و التوكل من عمل القلب ,و القلب إذا كان قوله قويا ً
في التصديق بالله كان عمله قويا ً في عبادة الله و لذلك قال تعالى" :و
على الله فاليتوكل المؤمنون" فإنه إذا قوي اليقين في القلب بتوحيد الله
تعالى فإن ذلك أدعى إلى التوكل على الله تعالى ,لنه الرب الله الخالق
المالك الرازق المدبر الذي بيده المر فإذا قويت هذه المعاني في القلب ,
قوي عمل القلب و هو التوكل .ولهذا نجد في كثير من اليات ربط التوكل
بالربوبية قال تعالى ) إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إل هو
آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ( فكان التوكل أشبه بنتيجة لبد
منها لمقدمة قالها نبي الله هود و هي قوله تعالى ) و ربكم ( إثباتا ً لربوبية
الله تعالى لهم و أنه الرب الخالق الرازق المدبر ثم قوله تعالى )ما من دابة
إل هو آخذ بناصيتها ( إثباتا ً لتفرد الله تعالى بالتدبير و القدرة و السلطان
على كل دابة .وكذلك كل من كان بالله تعالى وصفاته أعلم كان توكله
222النبياء 80
223صحيح .صحيح البخاري ج 2 :ص 554 :باب قول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
. 1451
224النسان 30
225التكوير 28
226النسان 30
227اعتقاد أهل السنة ج 1 :ص – 154 :الللكائي – في الحديث لشعيب بن حرب
147 * كتاب
التوحيد .
أكمل قال تعالى )و توكل على الحي الذي ل يموت ( أي أن العبد إذا علم
أسماء الله تعالى و صفاته و منها أنه تعالى الحي الذي ل يموت يسهل عليه
التوكل .
النار رجع عن الحرمات ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات ومن ارتقب
الموت سارع إلى الخيرات."230
سى مو َ ل ُ قا َ الصبر على تحمل المانه باب التمكين قال تعالى ) َ
ض ل ِل ّ ِ َ
شاءُ ن يَ َ م ْ ها َ رث ُ َ ه ُيو ِ ن اْلْر َ صب ُِروا إ ِ ّ وا ْ ه َ عيُنوا ِبالل ّ ِ ست َ ِ ها ْ م ِ و ِ ق ْ لِ َ
ة ل ِل ْ ُ وال ْ َ
231
( ن قي َ مت ّ ِ قب َ ُ عا ِ ه َ عَباِد ِ ن ِ م ْ ِ
َ َ
كاُنوا ِبآَيات َِنا صب َُروا وَ َ ما َ مرَِنا ل َ ّ ن ب ِأ ْ دو َ ة ي َهْ ُ م ً م أئ ِ ّ من ْهُ ْ جعَل َْنا ِ قال تعالى ) وَ َ
َ
جُنود ِهِ َقالوا َرب َّنا أفْرِغْ ُ ُ َ 232
ت وَ ُ جالو َ ما ب ََرُزوا ل ِ َ ن ( .و قال تعالى ) وَل ّ ُيوقُِنو َ
قوْم ِ ال ْ َ صْرَنا ع ََلى ال ْ َ َ
ت أقْ َ صب ًْرا وَث َب ّ ْ ع َل َي َْنا َ
233
ن ن ( قال تعالى ) إ ِ ْ ري َ كافِ ِ مَنا َوان ْ ُ دا َ
قوا ل صب ُِروا وَت َت ّ ُ ن تَ ْ حوا ب َِها وَإ ِ ْ ة ي َفَْر ُ سي ّئ َ ٌ م َ صب ْك ُ ْ ن تُ ِ م وَإ ِ ْ سؤ ْهُ ْ ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ م َ سك ُ ْ س ْ م َ تَ ْ
َ ٌ 234 ُ ّ
حيط ( قال تعالى ) وَأوَْرث َْنا م ِ ن ُ ملو َ ما ي َعْ َ ه بِ َ ن الل َ شي ًْئا إ ِ ّ م َ م ك َي ْد ُهُ ْ ضّرك ُ ْ يَ ُ
مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ض وَ َ شارِقَ الْر ِ م َ ن َ فو َ ضعَ ُ ست َ ْ كاُنوا ي ُ ْ ن َ ذي َ م ال ّ ِ قو ْ َ ال ْ َ
صن َعُن يَ ْ كا َ ما َ مْرَنا َ صب َُروا وَد َ ّ ما َ ل بِ َ سَراِئي َ سَنى ع ََلى ب َِني إ ِ ْ ح ْ ك ال ْ ُ ة َرب ّ َ م ُ ت ك َل ِ َ م ْ وَت َ ّ
صب ُِروا ن تَ ْ َ
ن ( ,و قال تعالى ) ب َلى إ ِ ْ 235
شو َ كاُنوا ي َعْرِ ُ ما َ ه وَ َ م ُ ن وَقَوْ ُ فِْرع َوْ ُ
ْ
مَلئ ِك َ ِ
ة ن ال ْ َ م َ ف ِ سةِ آَل ٍ م َ خ ْ م بِ َ م َرب ّك ُ ْ مد ِد ْك ُ ْ ذا ي ُ ْ م هَ َ ن فَوْرِه ِ ْ م ْ م ِ قوا وَي َأُتوك ُ ْ وَت َت ّ ُ
236
ن (. مي َ سوّ ِ م َ ُ
ما م بِ َ و َم الي َ ْْ ه ُ جَزي ْت ُ ُ جزاء الصبر في الخرة قال تعالى ) إ ِّني َ
ن:( 237 م ال ْ َ َ
فائ ُِزو َ ه ُ م ُ ه ْ صب َُروا أن ّ ُ َ
ظيم ٍ( 238 َ ِ ع ظّ ح
َ ذو ُ إل ِ ها َ قا ّ َ ل ي
َ َ ُ ما و روا ب ص
ِ َ َ َُ ن ذي ّ ل ا إل ِ هاَ قا ّ َ ل ي
َ َ ُ ما و ) تعالى قال و
داِر ( 239و قال تعالى قَبى ال ّ م عُ ْ م فَن ِعْ َ صب َْرت ُ ْ ما َ م بِ َ م ع َل َي ْك ُ ْ سل ٌ قال تعالى ) َ
َ ُ
جٌر ك َِبيٌر ( و قال ك ل َهُ ْ ت أول َئ ِ َ مُلوا ال ّ ) ِإل ال ّ ِ
240
فَرة ٌ وَأ ْ مغْ ِ م َ حا ِ صال ِ َ صب َُروا وَع َ ِ ن َ ذي َ
ما ( 241و سل ً ة وَ َ حي ّ ً ن ِفيَها ت َ ِ قو ْ َ صب َُروا وَي ُل َ ّ ما َ ة بِ َ ن ال ْغُْرفَ َ جَزوْ َ ك يُ ْ تعالى ) ُأول َئ ِ َ
ريًرا. ( 242 ح ِ ة وَ َ جن ّ ً صب َُروا َ ما َ م بِ َ جَزاهُ ْ قال تعالى ) وَ َ
و سمي رمضان شهر الصبر لنه جمع الثلثة أنواع :
وأفضل أنواع الصبر الصيام فإنه يجمع الصبر على النواع الثلثة لنه صبر
على طاعة الله عز وجل وصبر عن معاصي الله لن العبد يترك شهواته لله
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال
ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للسلم ومن به
علينا قال آلله ما أجلسكم إل ذاك قالوا والله ما أجلسنا إل ذاك قال أما إني
لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي
248
بكم الملئكة
َ
ة
وب َ ًه تَ ْ مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّ ِ نآ َ
ذي َها ال ّ ِباب )َيا أي ّ َ
م ُ ك ت َ
ئا ي س مُ ك ن ع ر ّ
ف َ ك ي ن عسى ربك ُم أ َ
ْ ِ ّ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ّ ْ حا َ َ صو ً
نَ ُ
َ
ها اْلن ْ َ
هاُر ( حت ِ َ
ن تَ ْ
م ْ
ري ِ
ج ِ
ت تَ ْ
جّنا ٍ خل َك ُ ْ
م َ وي ُدْ ِ
َ
الية ,التحريم
فصل و طول المد باب الماني فإذا دخلت دخل معها التسويف
ف َ ُ
طا َ
ل ل َ قب ْ ُ ن َ م ْ ب ِ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ذي َ كال ّ ِكوُنوا َ وَل ي َ ُ قال تعالى" َ
َ
ن": قو َ س ُ فا ِ م َ ه ْمن ْ ُوك َِثيٌر ِ َ م ه ْ قُلوب ُ ُ ت ُ س ْ ق َ ف َمدُ َ م اْل َ ه ُِ عل َي ْ
َ
ْ َ
مُنوا
نآ َ ذي َن ل ِل ّ ِ م ي َأ ِفطول المد اول طريق قسوة القلوب .قال تعالى" :أل َ ْ
ن ُأوُتوا ذي َ كال ّ ِكوُنوا َ حقّ وََل ي َ ُ ن ال ْ َم َ
ل ِ ما ن ََز َ م ل ِذ ِك ْرِ الل ّهِ وَ َ شعَ قُُلوب ُهُ ْ خ َن تَ ْ أ ْ
َ
َ
ن
قو َ س ُم َفا ِ من ْهُ ْ م وَك َِثيٌر ِ ت قُُلوب ُهُ ْ س ْق َ مد ُ ف َ َ م اْل َ ل ع َل َي ْهِ ُطا َ ل فَ َ ن قَب ْ ُ م ْ
ب ِ ال ْك َِتا َ
"16الحديد ,قال القرطبي رحمه الله" :قال محمد بن كعب كانت الصحابة
بمكة مجدبين فلما أصابوا الريف والنعمة بالمدينة ففتروا عما كانوا و قيل
لما أصابوها كثر فيهم المزاح و الضحك فقست قلوبهم فوعظهم الله
فأفاقوا بهذه الية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله قال بن
مسعود بين إسلمنا و بين أن عاتبنا الله بهذه الية أربع سنوات اهـ"
قلت بمجرد أن أصاب الصحابة الفاضل المزاح و الضحك أنزل الله تعالى:
حقّ وََل َ ْ َ
ن ال ْ َ م َ ل ِ ما ن ََز َ م ل ِذ ِك ْرِ الل ّهِ وَ َ شعَ قُُلوب ُهُ ْ خ َن تَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َن ل ِل ّ ِ م ي َأ ِ"أل َ ْ
َ كال ّذي ُ
ت قُُلوب ُهُ ْ
م س ْ ق َ م اْل َ
مد ُ ف َ َ ل ع َل َي ْهِ ُ طا َ ل فَ َ ن قَب ْ ُ م ْ ب ِ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ كوُنوا َ ِ َ يَ ُ
ن" فكيف بمن حياته البحث عن المزاح و الضحك ,و قو َ م َفا ِ
س ُ من ْهُ ْ وَك َِثيٌر ِ
ن على التوبة و إذ مت التسويف للتوبة و للعمل الصالح كأن بقى زما ٌ
سيغفر الله لي و لم يأخذ بأسباب المغفرة و لم يقلع عن الذنب .و كأن
يقول لن مت لدخلن الجنة مع الداخلين و هو في الدنيا لم يعمل بعمل
الصالحين قال الحسن البصري إن قوما ما ألهتهم الماني حتى خرجوا من
الدنيا و ما لهم حسنة ويقول أحدهم إني أحسن الظن بربي وكذب ولو
أحسن الظن لحسن العمل وتل قول الله تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم
بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين. 249
فصل وخطورة الماني أنها تلهي العبد عن التوبة حتى يدركه
َ َ
غّرك ُ ْ
م و َ ه َ مُر الل ّ ِ جاءَ أ ْ حّتى َ ي َ مان ِ ّ م اْل َ غّرت ْك ُ ُو َ الموت قال تعالى " َ
غُرو َُر" الية: ه ال ْ َ ِبالل ّ ِ
روى المام البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال" :خط النبي
صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال هذا المل وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ
جاءه الخط القرب" و قال تعالى" :وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور" فمن
آثر الماني الدنيوية على ما عند الله فقد أصابه الغرر ,و قال تعالى" :ذرهم
يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون" وقال علي بن أبي طالب
ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا
من أبناء الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ول حساب وغدا
حساب ول عمل . 250و روى البخاري عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله
عنهما أنه قال :أخذ رسول الله بمنكبي فقال " :كن في الدنيا كأنك غريب
أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول " :إذا أمسيت فل تنتظر الصباح ،وإذا
أصبحت فل تنتظر المساء ،وخذ من صحتك لمرضك ،ومن حياتك لموتك" .
ل وقت للغفلة فالدنيا لحظات أو دقائق معدودة:
إن من أعظم أسباب الغفلة الركون إلى الدنيا ,و إنما يكون ذلك بطول
َ
قوا ْ ٱلل ّ َ
ه مُنوا ْ ٱت ّ ُ ن ءا َ ذي َ المد فما أطال عبد ٌ المل إل أساء العملٰ " ،يأي َّها ٱل ّ ِ
ن"18 مُلو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ ه َ ن ٱ لل ّ َ ه إِ ّ قوا ْ ٱلل ّ َ ت ل ِغَد ٍ وَٱت ّ ُ م ْما قَد ّ َ س ّ ف ٌ وَل َْتنظ ُْر ن َ ْ
الحشر .و قال تعالى" :كم لبثتم في الرض عدد سنين * قالوا لبسنا يوم أو
بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إل قليل لو أنكم كنتم تعلمون" و
هم هم الذين مكثوا السنين ,فل وقت للغفلة فكم من مستقِبل يوما ً ل
ل لغد ٍ ل يدركه فعليه أن يعلم أن موعده ل يخلفه م ٍيستكمله ،وكم من مؤ َ ّ
249تفسير القرطبي ج 15 :ص353 :
250ذكره المام البخاري تعليقا ً
153 * كتاب
التوحيد .
مجمع الزوائد ج 1 :ص 52 :و رواه أحمد وإسناده جيد وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان 251
154 * كتاب
التوحيد .
السيارة مؤثر.
وصلنا المستشفى ..أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل ..الكثيرون تأثروا
من الحادثة موته وذرفت دموعهم ..أحدهـم بعدما سمع قصة الرجل ذهب
وقبل جبينه ..الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى ُيصلى عليه
ليتمكنوا من الصلة عليه.اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل
المتوفى ..كان المتحدث أخوه ..قال عنه ..إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته
الوحيدة قي القرية ..كان يتفقد الرامل واليتام ..والمساكين ..كانت تلك
القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والشرطة الدينية ..وكان يذهب
وسيارته مملوءة بالرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين..وحتى حلوى
الطفال ل ينساها ليفرحهم بها..وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر
له طول الطريق..إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته..
وسماع الشرطة والمحاضرات الدينية ..وإنني أحتسب عند الله كل خطوة
أخطوها ..من الغد غص المسجد بالمصلين ..صليت عليه مع جموع
المسلمين الكثيرة ..وبعد أن انتهينا من الصلة حملناه إلـى المقبرة ..
أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة ..استقبل أول أيام الخرة ..وكأنني
252
استقبلت أول أيام الدنيا
توبة شاب ..معاكس:
حدثت هذه القصة في أسواق العويس بالرياض .يقول أحد الصالحين :
كنت أمشي في سيارتي بجانب السوق فإذا شاب يعاكس فتاة ,يقول
فترددت هل أنصحه أم ل ؟ ثم عزمت على أن أنصحه ,فلما نزلت من
السيارة هربت الفتاة والشاب خـاف توقعوا أني من الهيئة ,فسلمت على
خ أحببت لك الشاب وقلت :أنا لست من الهيئة ول من الشرطة وإنما أ ٌ
الخير فأحببت أن أنصحك .ثم جلسنا وبدأت أذكره بالله حتى ذرفت عيناه
ثم تفرقنا وأخذت تلفونه وأخذ تلفوني وبعد أسبوعين كنت أفتش في جيبي
وجدت رقم الشاب فقلت :أتصل به وكان وقت الصباح فأتصلت به قلت :
السلم عليكم فلن هل عرفتني ,قال وكيف ل أعرف الصوت الذي سمعت
به كلمات الهداية وأبصرت النور وطريق الحق .فضربنا موعد اللقاء بعد
در الله أن يأتيني ضيوف ,فتأخرت على صاحبي حوالي الساعة العصر ,وق ّ
ً
ثم ترددت هل أذهب له أو ل .فقلت أفي بوعدي ولو متأخرا ,وعندما
طرقت الباب فتح لي والده .فقلت السلم عليكم قال وعليكم السلم ,
قلت فلن موجود ,فأخذ ينظر إلي ,قلت فلن موجود وهو ينظر إلي
باستغراب قال يا ولدي هذا تراب قبره قد دفناه قبل قليل .قلت يا والد قد
كلمني الصباح ,قال صلى الظهر ثم جلس في المسجد يقرأ القرآن وعاد
إلى البيت ونام القيلولة فلما أردنا إيقاظه للغداء فإذا روحه قد فاضت إلى
الله .يقول الب :ولقد كان أبني من الذين يجاهرون بالمعصية لكنه قبل
أسبوعين تغيرت حاله وأصبح هو الذي يوقظنا لصلة الفجر بعد أن كان
ن الله عليه
يرفض القيام للصلة ويجاهرنا بالمعصية في عقر دارنا ,ثم م ّ
بالهداية .
ثم قال الرجل :متى عرفت ولدي يا بني ؟
قلت :منذ أسبوعين .فقال :أنت الذي نصحته ؟ قلت :نعم
253
قال :دعني أقّبل رأسا ً أنقذ أبني من النار
إنه الرحيل :..
بدت أختي شاحبة الوجه نحيلة الجسم ..لكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم ..
تبحث عنها تجدها في مصلها راكعة ساجد رافعة يديها إلى السماء ..هكذا
في الصباح وفي المساء وفـي جوف الليل ل تفتر ول تمل ..
كنت أحرص على قراءة المجلت الفنية والكتب ذات الطابع القصصي ..
عرف به.. عرفت به ..ومـن أكثر من شيء ُ أشاهد الفيديو بكثرة لدرجة أني ُ
ل أؤدي واجباتي كاملة ,ولست منضبطة في صلواتي ..
بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلما ً منوعة لمدة ثلث ساعات
متواصلة ..ها هو ذا الذان يرتفع من المسجد المجاور ..عدت إلى فراشي
تناديني من مصلها ..قلت نعم ماذا تريدين يا نورة ؟ قالت لي بنبرة حادة :
ل تنامي قبل أن تصلي الفجر ..أوه ..بقي ساعة على صلة الفجر وما
سمعته كان الذن الول بنبرتها الحنونة ــ هكذا هي حتى قبل أن يصيبها
المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش ــ نادتني :تعالي يا هناء إلــى
جانبي ..ل أستطيع إطلقا ً رد ّ طلبها ..تشعر بصفائها وصدقها نعم ماذا
تريدين ؟ أجلسي ..ها قد جلست ماذا تريدين ؟
بصوت عذب }كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة {.
سكتت برهة ..ثم سألتني :ألم تؤمني بالموت ؟ ..بلى مؤمنة ألم تؤمني
بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟
بلى ..لكن الله غفور رحيم ..والعمر طويل ..يا أختي أل تخافين من
الموت وبغتته ؟
ك وتوفيت في حادث سيارة ..وفلنة وفلنة ..الموت انظري هندا ً أصغر من ِ
ل يعرف العمر وليس مقياسا ً له ..
أجبتها بصوت خائف حيث مصلها المظلم ..إنني أخاف من الظلم
ك وافقتي على السفر وأخفتيني من الموت ..كيف أنام الن؟ كنت أظن أن ِ
معنا هذه الجازة .فجأة ..تحشرج صوتها وأهتز قلبي ..لعلي هذه السنة
تأسافر سفرا ً بعيدًا.إلى مكان آخر..ربما يا هناء العمار بيد الله ..وانفجر ُ
بالبكاء ..تفكرت في مرضها الخبيث وأن الطباء أخبروا أبي سرا ً أن المرض
ربما لن يمهلها طويل ً ..ولكن من أخبرها بذلك ..أم أنها تتوقع هذا
الشيء ؟ ما لك بما تفكرين ؟ جاءني صوتها القوي هذه المرة ..هل
تعتقدين أني أقول هذا لني مريضة ؟ كل ..ربما أكون أطول عمرا ً من
الصحاء ..وأنت إلى متى ستعيشين ؟ ربما عشرين سنة ..ربما أربعين ..
ثم ماذا ؟ لمعت يدها في الظلم وهزتها بقوة..ل فرق بيننا ,كلنا سنرحل
توسنغادر هذه الدنيا إما إلى الجنة أو إلى النار ..تصبحين على خير هرول ُ
مسرعة وصوتها يطرق أذني هداك الله ..ل تنسي الصلة ..وفي الثامنة
صباحا ً أسمع طرقا ً على الباب ..هذا ليس موعد استيقاظي ..بكاء ..
وأصوات ..ماذا جرى ؟ لقد تردت حالة نورة وذهب بها أبي إلى
المستشفى ..
ي البقاء هذه إنا لله وإنا إليه راجعون ..ل سفر هذه السنة ,مكتوب عل ّ
السنة في بيتنا ..
بعد انتظار طويل ..بعد الواحدة ظهرا ً هاتفنا أبي من المستشفى ..
تستطيعون زيارتها الن ..هيا بسرعة..
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير ..ركبنا في
السيارة ..أمي بجواري تدعو لها ..إنها بنت صالحة ومطيعة ..لم أرها تضّيع
وقتا ً أبدا ً ..دخلنا من الباب الخارجي للمستشفى وصعدنا درجات السلم
بسرعة .قالت الممرضة :إنها في غرفة العناية المركزة وسآخذكم إليها ,
إنها بنت طّيبة وطمأنت أمي إنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها ..
ممنوع الدخول لكثر من شخص واحد .هذه غرفة العناية المركزة .
وسط زحام الطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني
ي وأمي واقفة بجوارها ,بعد دقيقتين خرجت أمي التي أختي نورة تنظر إل ّ
لم تستطع إخفاء دمعتها .
دث معها كثيرا ً .كيف سمحوا لي بالدخول والسلم عليها بشرط أن ل أتح ّ
ت بخير البارحة ..ماذا جرى لك ؟ أجابتني بعد أن حالك يا نورة ؟ لقد كن ِ
ت جالسة على حافة ضغطت على يدي :وأن الن والحمد لله بخير كن ُ
ك ..قالت :كل السرير ولمست ساقها فأبعدته عني قلت آسفة إذا ضايقت ِ
ولكني تفكرت في قول الله
تعالى } :والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق {
عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن ما قريب أول أيام الخرة ..
سفري بعيد وزادي قليل .
سقطت دمعة من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت ..
ي أكثرلم أنتبه أين أنا ..استمرت عيناي في البكاء ..أصبح أبي خائفا ً عل ّ
من نورة ..لم يتعودوا هذا البكاء والنطواء في غرفتي ..
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ..ساد صمت طويل في بيتنا ..دخلت
علّيه ابنة خالتي ..ابنة عمتي
157 * كتاب
التوحيد .