Professional Documents
Culture Documents
* إختلف أهل العلم في حكم أخذ الجر على تعليم القرآن فمنعه :
المام أحمد و أبو حنيفة و الضحاك بن قيس و الزهري و إسحاق و بن الجوزي و
من الدلة التي
إحتجوا بها هذه الية ) و ل تشتروا بآياتي ثمنا ً −
قليل ً ( قال القرطبي و الجواب عن الية أن المراد بها بنو إسرائيل اهـ قلت شرع من
قبلنا شرع لنا مالم يرد ما يخالفه بل ورد موافقته قرآنا ً و سنة فمنع التكسب بآيات الله
َ َ ل ما أ َ َ
ما أَنا و َ
ر َ
ج ٍ
نأ ْم ْ عل َي ْ ِ
ه ِ م َسأل ُك ُ ْ
ْ تعالى يشمل بنو إسرائيل و غيرهم قال تعالى ) ُ
ق ْ َ
ن ( ) ص , ( 86 :و ما من نبي إل و قال لقومه مثل ذلك فهذا من دين في َمت َك َل ّ ِ
ن ال ْ ُ
م َ
ِ
النبياء جميعا ,
و لن السنة وردت بذم التكسب بآيات الله تعالى فعن −
عبدالرحمن بن شبل النصاري أن معاوية قال له إذا أتيت فسطاطي فقم فأخبر الناس ما
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ) إقرؤوا القرآن ول تغلوا فيه ول تجفوا عنه ول تأكلوا به ول
تستأثروا به ( رواه أحمد والطبراني في الكبير والوسط قال الهيثمي ورجاله ثقات و
قال الحافظ وسنده قوي ,و من خالف ذلك المذهب أقر الحديث من ناحية السند و لكن
تكلم فيه من ناحية الستدلل قال بن عبد البر في التمهيد و الحديث يحتمل التأويل لنه
يحتمل أن يكون علمه لله و أخذ عليه أجرا ً اهـ أي كره النبي صلى الله عليه و آله و سلم
أن يضيع أجره و قد إحتسبه ,و هذا ليس بصحيح لن الظاهر أن النهي مطلق ,و إذا تم
التعامل بقتضى هذا الجواب مع الحاديث الثابته عن رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم فهو سبيل لترك العمل بالثابت في دين الله تعالى و هو مرفوض و مثل هذا التأويل
و غيره و صرف النص عن ظاهره يحتاج إلى دليل و إل فالصل العمل بالظاهر مالم يرد
من الكتاب و السنة ما يصرفه عن الظاهر .
و عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله صلى الله −
ً
قال له حين جعله إماما على الطائف ) واتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا ( رواه ً
أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و صححه اللباني ,
و أخرج بن عدي في الكامل عن حماد بن زيد عن −
يحيى البكاء قال ) سمعت رجل قال لبن عمر إني أحبك في الله فقال له بن
عمر وأنا أبغضك في الله قال سبحان الله أنا أحبك في الله وأنت تبغضني
في الله قال نعم فإنك تأخذ على أذانك أجرا ( قال بن عدي ويحيى البكاء ليس
بذاك المعروف ول له كثير رواية انتهى و قال المخافون و الستدلل بهذا الحديث فاسد
اهـ و لكن إذا ثبتت الكراهة فالستجعال على تعليم القرآن كذلك أيضا لن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد أمر التبليغ عن الله ولو آية من كتاب الله فقد أخرج البخاري
من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم بلغوا عني ولو آية
وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ,و
الذن عبادة و تلوة القرآن عبادة و القرآن أشرف لنه كلم الله تعالى فتحريم الجر على
تلوته أولى ,
و عن عمران بن حصين أنه قال سمعت رسول الله −
صلى الله عليه وسلم يقول ) من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجئ أقوام
يقرؤون القرآن يسألون به الناس ( رواه الترمذي و قال حديث حسن ,و في
الحديث الدللة على كراهية التكسب بقراءة القرآن ,و هذه ثلثة نصوص صحيحة من
كلم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ,
أما الثار فقد روى بن أبي شيبة في مصنفه قال حدثنا −
وكيع عن سفيان عن الشيباني عن يسير بن عمرو قال أراد سعد أن يلحق من قرأ القرآن
على ألفين فكتب إليه عمر تعطي على كتاب الله أجرا ! فنقول لمن يقول بجواز
أخذ الجر على كتاب لله تعالى فإن كان أخذ الجر على كتاب الله تعالى جائز فلماذا قال
خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك ,و قال عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا
ابن عيينة عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن عبد الرحمن قال أربع ل يؤخذ
عليهن رزق القضاء والذان والمقاسم قال وأراه ذكر القرآن ,و قال بن حزم
روينا عن وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله عن القاسم بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال أربع ل يؤخذ عليهن أجر الذان وقراءة
القرآن والمقاسم والقضاء ,و قال سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله عن
سعيد بن اياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ) يكرهون بيع المصاحف وتعليم الغلمان بالجر ويعظمون ذلك ( و
قال سنده صحيح .و رواه بن حبان قال أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا عبدة بن عبد
الرحيم المروزي قال حدثنا المقرىء قال حدثنا حيوة بن شريح قال حدثني بشير بن أبي
عمرو الخولني أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا
الصلة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرؤون القرآن
ل يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلثة مؤمن ومنافق وفاجر ( قال بشير فقلت
للوليد ما هؤلء الثلثة قال المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن
به ( رواه بن حبان و الحاكم و قال حديث صحيح و لم يخرجاه و روى الصبهاني في
الحلية أن الحسن خرج من عند ابن هبيرة ) هو عمر بن هبيرة وله أمير المؤمنين
يزيد بن عبد الملك على العراق ( وكان والي فإذا هو بالقراء على الباب
فقال ) ما يجلسكم هاهنا ؟ تريدون الدخول على هؤلء الخبثاء! أما والله ما
مجالستهم بمجالسة البرار ,تفرقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم ,
قد لقحتم نعالكم ,وشمرتم ثيابكم ,وجززتم شعوركم ,فضحتم القراء
فضحكم الله ,أما والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم لكنكم
رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيما عندكم أبعد الله من أبعد ( .
و قيل استدل القائلون بعد جواز أخذ الجر على تعليم القرآن بأربع أحاديث أخرى و لكن لم يصح
منها شئ أفاده بن عبد البر في التمهيد فبطل الستدلل بها و منها :
حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و آله و −
سلم قال معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين و هذا
الحديث رواه سعيد بن طريف عن عكرمة عن بن عباس و سعيد بن طريف متروك ,
أما الثاني :فحديث أبي هريرة قال قلت يا رسول الله −
ما تقول في المعلمين قال درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلمهم رياء ,و هذا الحديث
رواه علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة وأبو جرهم
مجهول ل يعرف ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم وإنما رواه عن أبي
المهزم وهو متروك الحديث أيضا وهو حديث ل أصل له ,
أما الثالث :فحديث المغيرة بن زياد عن عبادة بن −
نسي عن السود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت أنه علم رجل من أهل الصفة فأهدى له
قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن سرك أن يطوقك الله طوقا
من نار فاقبله ,وروي من حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم مثله
,و المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي معروف بحمل العلم وثقه وكيع و يحيى بن معين
و ضعفه أحمد و قال حدث بأحاديث مناكير و قال بن عبد البر له مناكر هذا منها ,
و روي من حديث أبي ابن كعب أيضا ً و هو الرابع أنه −
ً
قال ) علمت رجل ً القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم
فقال إن أخذتها أخذت قوسا ً من نار فرددتها ( رواه بن ماجه و البيهقي و الروياني في
مسنده قال البيهقي و بن عبد البر وهو منقطع أي بين عطية الكلعي و أبي بن كعب
وقال المزي أرسل عن أبي وكأنه تبع في ذلك البيهقي ,و قال الحافظ لمن قال
بالنقطاع أن أبو مسهر قد قال أن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف
ل يلحق أبيا ؟ و أعله بن القطان و بن الجوزي بالجهل بحال عبد الرحمان بن سلم الراوي
عن عطية و قال الزيلعي في نصب الرواية أن البيهقي ضعفه ,و كما ذكرنا هذه الحاديث
ل تقوم على ساق فل يصح الستدلل بها ,إل قصة القوس فقيل لها طرق آخرى صحيحة
فليرجع إلى أهل العلم فيها .
* أما من أجاز أخذ الجر على تعليم القرآن و العلم الشرعي فمالك و الشافعي و
بن حزم و البيهقي و عطاء وابن سيرين وأبي قلبة والحكم و استدلوا على ذلك
بما رواه البخاري في صحيحه عن بن عباس ) أن نفرا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء
فقال من راق إن في الماء رجل لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة
الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على
كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله (.
و قالوا و هذا نص يحسم الخلف و هو عام في الرقى بالقرآن و أو تعليم القرآن ,و هذا خطأ
فقد قال بن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث الخلف وقد أجاب أصحابنا عنهما بثلثة
أجوبة أحدها :
أن القوم كانوا كفارا فجاز أخذ أموالهم −
و الثاني أن حق الضيف لزم ولم يضيفوهم −
و الثالث أن الرقية ليست بقربة محضة فجاز −
أخذ الجرة عليها اهـ و الحديث السابق فيه جواز اخذ الجرة على الرقية
بالقرآن ول نزاع فيه لنها ليست بعبادة وانما النزاع في تعليمه ,
و يحتمل أن يكون المقصود من قول رسول −
الله صلى الله عليه و آله و سلم ) أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله (
أي أحق أجر أخذتموه على الرقية الرقية التي تضمنت لكلم الله تعالى
فهي خير من الرقية التي لم تتضمن لكلم الله ,و أخذ الجر على الرقى ل
خلف فيه بين المسلمين و مشهور لنه من دروب العلج ,
و استدلوا أيضا ً بحديث ابن عباس أنه قال قال رسول •
الله صلى الله عليه وسلم ) المعلمون خير الناس كلما خلق الذكر جدوده
عظموهم ول تستأجروهم فتحرجوهم فإن المعلم إذا قال للصبي قل
بسم الله الرحمن الرحيم وقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب
الله براءة للصبي وبراءة لوالديه وبراءة للمعلم من النار ( قال بن
الجوزي في التحقيق وهذا الحديث ل يجوز الحتجاج به لنه من عمل أحمد بن عبد
الله الهروي وهو الجويباري وكان كذابا يضع الحديث أجمع أهل النقل على ذلك .
و قالوا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرزق كل •
واحد منهم خمسة عشر درهما كل شهر ,قيل و ذلك ليس فيه وجه تعارض مع
القول بعد جواز أخذ الجر على تعليم القرآن لنه يجوز للمعلم إذا كان فقيرا ً أن
يأخذ كفايته من بيت المال لنه قضى وقته في خدمة المسلمين فلم يستطع
التكسب و لن عمر بن الخطاب هو الذي قال لسعد أتعطي على كتاب الله
أجرا ! فل يستوعب أن يعطي المعلمين الدراهم من باب الجر ,أما إن كان
المعلم عنده ما يكفيه فل يصح أن يأخذ مال لما سبق و أيضا ً إن كان ينسب إلى
تقصير في التكسب لن من نسب إلى التقصير و لم يحترف فإنه لم يقم بحق
القوامة التي فرضها الله عليه و أودعها في الرجال أما كتاب الله تعالى و تعليم
العلم النافع فليس مجال ً للتكسب بل هو دين لبد أن يسعى في تعلمه و تعليمه كل
المسلمين بجانب حرفهم أما جعله حرفة كسائر الحرف فمرفوض .
) ختاما ً ( :
و أخذ الجر على تعليم كتاب الله تعالى ليس من سبيل المؤمنين قال تعالى
و إ ِّل ِذك َْرى عل َي َ ل َل أ َ َ ) ُأول َئ ِ َ
ه َ
ن ُ جًرا إ ِ ْهأ ْ م َ ْ ِ سأل ُك ُ ْ
ْ ه ُ
ق ْ د ِ ما ْ
قت َ ِ ه ُ
دا ُ
ه َ ه َ
فب ِ ُ دى الل ّ ُ ه َن َ ذي َك ال ّ ِ
عل َي َ قوم َل أ َ َ
جًراهأ ْ م َ ْ ِ سأل ُك ُ ْْ قال تعالى عن هود )َيا َ ْ ِ ن ( ) : 90النعام ( .و مي َ عال َ ِل ِل ْ َ
َ َ
جاءَو َن ( ) هود ( 51 :و قال تعالى ) َ قُلو َ ع ِفَل ت َ ْفطََرِني أ َ ذي َ عَلى ال ّ ِ ي إ ِّل َ ر َ ج ِ نأ ْ إِ ْ
ن لَ ْ َ َ
عى قا َ ج ٌ ْ ْ َ
م ْ
عوا َ ن 20ات ّب ِ ُ سِلي َ مْر َعوا ال ُ وم ِ ات ّب ِ ُل َيا ق ْ س َ ل يَ ْ ة َر ُ دين َ ِ
م ِصى ال َ ن أق َ م ْ ِ
ن ) ( 21يس ( و لم يرد أن أصحاب رسول الله صلى يسأ َل ُك ُ َ
دو َ
هت َ ُ
م ْ
م ُ
ه ْ
و ُ
جًرا َ
مأ ْْ َ ْ
ً
الله عليه و آله و سلم كانوا يأخذون أجرا من بعضهم البعض على تعليم كتاب الله
تعالى بل روي أنه إذا جاء الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و
قد أسلم دفعه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مع أحد إخوانه ليعلمه
القرآن ,و لم يرد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانوا
يأخذون أجرا ً على تعليم كتاب الله تعالى من التابعين بعد وفاة رسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم بل كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يرحبون
بوصية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يكرمونهم فعن أبي نضرة عن
أبي سعيد الخدري أنه قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بكم ,رواه الحاكم و قال هذا حديث
صحيح ثابت ,و قد روى الدارمي أبو محمد في مسنده عن الضحاك بن موسى
قال مر سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياما فقال هل
بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له أبو حازم
فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له يا أبا حازم ماهذا الجفاء قال أبو حازم يا أمير
المؤمنين و أي جفاء رأيت مني قال أتاني وجوه المدينة ولم تأتني قال يا أمير
المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم ول أنا رأيتك
قال فألتفت إلى محمد أبن شهاب الزهري فقال أصاب الشيخ وأخطأت قال
سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال لنكم خربتم الخرة وعمرتم الدنيا
فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب قال أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم
غدا على الله تعالى قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء
فكالبق يقدم على موله فبكى سليمان وقال ليت شعري ما لنا عند الله قال
أعرض عملك على كتاب الله قال و في أي مكان أجده قال إن البرار لفي نعيم
وإن الفجار لفي جحيم قال سليمان فأين رحمة الله يا أبا حازم قال أبو حازم
رحمة الله قريب من المحسنين قال سليمان يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم قال
أولو المروءة والنهي قال له سليمان فأي العمال أفضل قال أبو حازم أداء
الفرائض مع أجتناب المحارم قال سليمان فأي الدعاء أسمع قال دعاء المحسن
إليه للمحسن فقال أي الصدقة أفضل قال للسائل البائس وجهد المقل ليس
فيها من ول أذى قال فأي القول أعدل قال قول الحق عند من تخافه أو ترجوه
قال فأي المؤمنين أكيس قال رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها قال فأي
المؤمنين أحمق قال رجل أنحط في هوى أخيه وهو السهو فباع آخرته بدنيا غيره
قال له سليمان أصبت فما تقول فيما نحن فيه قال يا أمير المؤمنين أو تعفيني
قال له سليمان ل ولكن نصيحة تلقيها الى قال يا أمير المؤمنين إن آباءك قهورا
الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة مشورة من المسلمين ول رضاهم حتى
قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد أرتحلوا عنها فلو شعرت ماقالوه وما قيل لهم
فقال له رجل من جلسائه بئس ما قلت يا أبا حازم قال أبو حازم كذبت إن الله
أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ول يكتمونه قال له سليمان فكيف لنا أن نصلح
قال تدعون الصلف وتمسكون بالمروة وتقسمون بالسوية قال له سليمان هل
لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك قال أعوذ بالله قال له سليمان
ولم ذاك قال أخشى أن أركن اليكم شيئا قليل فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف
الممات قال له سليمان أرفع إلينا حوائجك قال تنجيني من النار وتدخلني الجنة
قال له سليمان ليس ذاك إلي قال له أبو حازم فما لي إليك حاجة غيرها قال
فأدع لي قال أبو حازم اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والخرة
وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى قال له سليمان قط قال أبو
حازم قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن
أرمي عن قوس ليس لها وتر قال له سليمان أوصيني قال سأوصيك وأوجز عظم
ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك فلما خرج من عنده بعث
اليه بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير قال فردها عليه
وكتب اليه يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزل أو ردي عليك
بدل وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي إن موسى بن عمران لما ورد ماء
مدين وجد عليه رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان فسألهما فقالتا
لنسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل
فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير والحاصل من ذلك أنه كان جائعا
خائفا ل يأمن فسأل ربه ولم يسأل الناس فلم يفطن الرعاء وفطنت الجاريتان
فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله فقال أبوهما وهو شعيب عليه
السلم هذا رجل جائع فقال لحداهما أذهبي فأدعيه فلما أتته عظمته وغطت
وجهها وقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجرما سقيت لنا فشق على موسى حين
ذكرت أجر ما سقيت لنا ولم يجد بدا من أن يتبعها لنه كان بين الجبال جائعا
مستوحشا فلما تبعها هبت الريح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له
عجيزتها وكانت ذات عجز وجعل موسى يعرض مرة ويغض مرة أخرى فلما عيل
صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي وأريني السمت بقولك فلما دخل على
شعيب إذ هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب أجلس يا شاب فتعش فقال له موسى
عليه السلم أعوذ بالله فقال له شعيب لم أما أنت جائع قال بلى ولكني أخاف أن
يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت ل نبيع شيئا من ديننا بملء
الرض ذهبا فقال له شعيب ل يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقرئ الضيف
ونطعم الطعام فأكل موسى والحاصل فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما
حدثت فالميتة والدم ولحم الخنزير في حال الضطرار أحل من هذه وإن كان
الحق في بيت المال فلي فيها نظراء فإن ساويت بيننا وإل فليس فيها حاجة ,
قال القرطبي هكذا يكون القتداء بالكتاب والنبياء أنظروا إلى هذا المام
الفاضل والحبر العالم كيف لم يأخذ على عمله عوضا ول بدل ول على نصيحته
صفدا بل بين الحق وصدع ولم يلحقه في ذلك خوف ول فزع قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ل يمنعن أحدكم هيبة أحد أن يقول أو يقوم بالحق حيث
كان وفي التنزيل ) يجاهدون في سبيل الله ول يخافون لومة لئم ( اهـ .