Professional Documents
Culture Documents
* إلى الرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها ،فرحة بفضل ال عليها ورضوانه ..
* إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ،وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها. .
* إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الجيال عبر التاريخ الى طريق ربها . .
* إلى الشهداء الذيفن قتلوا ففي سفبيل ال وففى سفبيل السفلم فضحوا وفدوا فكانوا ففي الرض الوفياء ،وففى
الخرة الخالدين الفائزين .
* إلى الذين قال لهم الناس ( :إن الناس قد جمعوا لكم وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل ) .
* إلى الذين عذبوا في سبيل ال تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا. .
* لكل هؤلء وللمسلمين في مشارق الرض ومغاربها أقدم هذا الكتاب .
وأسفالك اللهفم أن تتقبله وتنففع بفه . .ربنفا اغففر لنفا ذنوبنفا وإسفرافنا ففي أمرنفا وثبتفت أقدامنفا وانصفرنا على القوم
الكافرين ) .
1
مقدمة
والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من
حياتفي " وترددت كثيراً .غيفر أن الكثرة ممفن أثفق ففي إيمانهفم بالقضيفة السفلمية وهفم مفن أبنائي
وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك اليام ،رأوا أنه من حق السلم علينا أن
نسجل تلك الحقبة من اليام التي عاشت فيها الدعوة السلمية محاربة من قوى اللحاد والباطل في
الشرق والغرب ،التففي قامففت لتقتففل كلمففة الحففق ورافعففي لوائهففا وكففل دعاتهففا الفاهميففن الفاقهيففن
المصفارحين بشجاعفة وصفدق بأن كتاب ال وسفنة رسفوله معطلن ولبفد مفن قيام الكتاب والسفنة .
ولبفد مفن عودة المفة السفلمية بكفل مقوماتهفا إلى أرض السفلم لتحقفق الصفورة العمليفة العملقفة
بعودة مجتمفع التوحيفد والعلم والمعرففة والصفلة الحقيقيفة بال سفبحانه وتعالى ،فتنطوي مجتمعات
الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق ال ..طريق الحق ،
فيعملوا على تطهيفر الرض مفن تأليفه البشفر ،وعبادة طواغيفت الرض بإتباع تشريعاتهفم وتعطيفل
شريعفة ال ،وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقفي الذي كانفت بفه المفة ففي عصفر النبوة وصفحبه
المباركين رضوان ال عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس .
ل صففلح لمففة ول لهذا العالم إل بالدعوة إلي السففلم .إن غياهففب السففجون ومقاصففل التعذيففب
وشراسفة حملة السفياط لم تزد المخلصفين مفن أبناء الدعوة وبناة فكرهفا إل قوة وثباتًا وصفبراً على
دفع الباطل ونحن نترصد منابته .
كذلك كان عهفد الذيفن سفلكوا طريفق الحفق قبلنفا فاعتقدوه .فليفس بالسفياط يضيفع الطريفق ! ! ولكفن
الحجة بالحجة والرأي بالرأي ،والكلمة تجابهها الكلمة .
سفهل أن تضفع القوة الباطشفة العمياء السفياط ففي أيدي المجانيفن ،ولكفن الصفعب هفو أن تصفرف
المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الرض ،عن طريق غوايتهم وجهلهم
فتهديهم إلى طريق مستقيم .
والطريق إلى الحق واحد وهو طريق ال وأنبيائه ورسله وورثتهم .
أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة .وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة
الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله ( .وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم
عن سبيله ) النعام . 153 :
وليفس أمام البشريفة اليوم للخلص مفن ذلك الضلل وهؤلء الطغاة مفن البشفر إل أن ينتهجوا منهفج
الحق ،ومنهج ال ،المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة .
وإنففي لرى بوادر النصففر وإرهاصففاته -إن شاء ال -بقيام المففة وعودة المجتمففع الذي سففيعلو
بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلدنا اليوم من تيارات اللحاد ،نعم إني لحسها قريبة وأرى
أعلمها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية .
إنفي لكاد أشاهفد أعلم اللتزام بمفا كلففت بفه خيفر أمفة أخرجفت للناس . .وأعلم اللتزام بشهادة أن
ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله .
2
نعفم إننفا ل نسفتعجل الزمفن .فالسفنون ،عشراتهفا ومئاتهفا ،ليسفت بذات قيمفة ففي عمفر الدعوات
والمم .ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ،مؤمنون بسلمة الخطى ووضوح الرؤية .
إننا على يقين أننا على حق .وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء .المهم أل نتقاعس ول
نتخاذل ول نتقهقففر عففن عقيدتنففا :عقيدة التوحيففد ،عقيدة العمففل ،عقيدة البيان ،بيان الحففق للناس
جميعا ،بيان عقيدتنا لكل البشر.
وإيمانفا منفا بأن فترة سفجننا وتعذيبنفا هفي مفن حفق التاريفخ ،ومفن حفق الذيفن على الطريفق أن يعوهفا
ويدرسفوها حتفى يبقوا على طريفق الجهاد ،ول تتحول قضيتهفم إلى سففسطة كلميفة ،وحديفث ترف
وقصففة تاريففخ ،إيمانففا بهذا كله نزلت على رأى المخلصففين مففن أبنائي وإخوانففي ،واسففتعنت بال
سفبحانه وتعالى ففي جمفع مفا احتوتفه ذاكرتفي ممفا كان .وان كان مفن الصفعب أن يسفتعاد بوصففه
ونمطه ..
ويكففى دللة عليفه أن أشيفر إلى أن حاملي السفياط وخفبراء التعذيفب بألوانفه وأشكاله ،قفد سفموه :
جهنففم ! ! إن جهنففم هذه كانففت بوتقففة لصففهر معادن الرجال فنقتهففا ،وانجلت مهزلة التعذيففب عففن
رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت " :يا أيها الناس :السلم ليس انتماء بل التزام واتباع "
.
وأرجفو ال أن يعيننفي على اسفتعادة الصفورة أو بعضهفا ،وأن تكون للمخلصفين مشعفل حفق ونور
وهدايففة .فلنشففق لخطانففا صففراطا مسففتقيما ،وإنففي لعيدهففا وأصففر عليهففا " :إنهففا رسففالة الرسففل
والنفبياء ،هيمنفت عليهفا وأكملتهفا رسفالة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ،فبشريعتفه أتفم الحفق تكاليففه
لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف . 129 :
إن الذيفن تجشموا وعورة الطريفق وعرفوا بمشيئة ال مقاصفد الكتاب والسفنة ،لن يحيدوا عفن الحفق
والخير والدعوة إليه حتى تقوم المة وتستقر البشرية تحت أعلم كتاب ال وسنة رسوله .
وإننفا لعلى الطريفق مثابرون محتسفبون مفا نلقفى غفد ال . .و( إن ال اشترى مفن المؤمنيفن أنفسفهم
وأموالهفم بان لهفم الجنفة يقاتلون ففي سفبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليفه حقفا ففي التوراة والنجيفل
والقرآن ) التوبة .
فإلى أرواح الشهداء الذيفن سبقونا :تحيفة حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريفق .إلى كل مفن كان
في قلبه مثقال ذرة من خير . .لعل ال أن ينفع به ويهدي . .وما تشاءون إل أن يشاء ال .
الباب الول
ففي مسفاء يوم مفن أيام الشتاء ،وففى أوائل شهفر ففبراير عام 1964م كنفت عائدة إلى بيتفي ،حيفن
انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى ،كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة ،كانت
اللم الشديدة توقظنفي منهفا .ولم أتفبين مفن كفل مفا حدث حولي إل صفوت إنسفان ينادى اسفمى ففي
فزع ،وغبفت عفن الوعفي ،وحيفن تنبهفت وجدت نفسفي ففي مسفتشفى هليوبوليفس وبجانفبي زوجفي
3
وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملئي في الدعوة وزميلتي .كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما
تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد ل . .الحمد ل ،
وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إل أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي ،ولم أتنبه إل بدخول
إحدى الحكيمات بالمسففتشفى مففع ممرضيففن وممرضتيففن لحملي إلى حجرة الشعففة .وتذكرت مففا
حدث وسمعت زوجي يقول :الحمد ل سلمها ال ،احمدي ال يا حاجة .وسألت عن سائق عربتي
فعلمت أنه –بحمد ال – بخير ،وأنه يعالج في المستشفى ،وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في
المفخ .وحملت إلى غرففة الشعفة ،ولمفا تفبين وجود كسفر ففي عظمفة الفخفذ ،وضفع سفاقي ففي قففص
حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية .ونقلت إلى مستشفى مظهر عاشور ليجريها لي جراح العظام
الدكتور محمففد عبففد ال ،واسففتغرق إجراء العمليففة -تعاد بعففد التحضيففر والتخديففر -ثلث سففاعات
ونصف الساعة . .عشت بعدها فترة ،ونذر الخطر تحيط بي .ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما
يقال ومففا ينقففل ،ممففا يوضففح أن الحادث كان مدبرا مففن مخابرات جمال عبففد الناصففر لغتيالي،
وتواترت الخبار تؤكففد ذلك .وكان لفيففف مففن الشباب المسففلم يزورنففي يوميففا للطمئنان ،وعلى
رأسهم الخ الشهيد عبد الفتاح عبده إسماعيل .فلما بلغتني تلك الخبار ،طلبت منه أن يقلل الشباب
من زيارتي .وكان رده أنه قد حاول هذا فعل ،ولكنهم رفضوا وأصروا على زيارتي . .وفى أحد
اليام التالية دخل السكرتير الداري لجماعة السيدات المسلمات وبيده ملف أوراق ،يعرضها على
بصففتي رئيسفة الجماعفة ،وكان ففي الغرففة زوجفي والسفيدة حرم السفتاذ الهضيفبي المرشفد العام
للخوان المسفلمين ،ورأيفت زوجفي يسفرع إلى السفكرتير قبفل أن تتاح له فرصفة تقديفم الملف لي
فيأخذه منفه ويخرج معفه مفن الحجرة ،وهفو يحدثفه حديثفا فهمفت منفه أنفه نهاه مرة قبفل ذلك عفن تقديفم
هذه الوراق لي ،ودهشت لذلك وسألت زوجي عن السبب فتعلل بأنني محتاجة إلى موافقة الدكتور
عبد ال المشرف على علجي .وذهب زوجي إلى الدكتور الذي ما لبث أن جاء ليكشف على ساقي
وليحرم على القيام بأي عمفل ،ليؤكفد لي أنفه منفع دخول الوراق أو وصفول الخبار عفن الجمعيفة
إلى .ولمفا احتججفت بأن المفر بسفيط لن يتعدى التوقيعات أصفر على موقففه .ومضفت أيام رجوت
الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ،وازددت يقينا بان هناك
شيئا ما ،يتعمد الجميع إخفاءه عنى :
زوجفي والسفكرتير والزائرون ،بفل حتفى سفكرتيرة مجلس إدارة جماعفة السفيدات المسفلمات التفي
كانت تزورني دائما ،وكنت أحس من إجابتها المقتضبة على أسئلتي عن الجماعة بأنها تخفى عنى
شيئا .وجاءتني السكرتيرة في أمسية استجمعت فيها شجاعتها لتنقل إلى ما أخفوه عنى .كان المر
خطيرا على مفا بدا مفن موقفف زوجفي ! بشجاعتفي والمشجفع على الصفبر والحتمال وقوة الرادة .
وأخذت الوراق السفيدة فإذا هفي قرار "بحفل المركفز العام لجماعفة السفيدات المسفلمات " ،وأخذت
السفكرتيرة تتحدث إلى قائلة " :طبعفا يفا حاجفة المفر شديفد بالنسفبة إليفك " .قلت "الحمفد ل ،ولكفن
ليفس مفن حفق الحكومفة أن تحفل الجماعفة ،إنهفا جماعفه إسفلمية" أجابتنفي " :ل أحفد يقدر أن يقول
للحكومة هذا ،لقد بذلنا مجهود كبيرا جدا ،ولكن عبد الناصر مصر على حل الجماعة ،هو يكرهك
شخصيا حاجة زينب ! !
ل يطيق أن يسمع اسمك على لسان أي إنسان .عندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة!
قلت " :الحمفد ل الذي جعله يخافنفي ويبغضنفي ،وأنفا أبغضفه لوجفه ال ولن يزيدنفا طغيانفه ،نحفن
معاشفر المجاهديفن ،إل إصفرارا على أن نرضفي ضمائرنفا ونعيفش لدعوتنفا ،إنهفا دعوة التوحيفد
وسننتصر بإذن ال ،وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها"" .ليس لعبد الناصر الحق في أن
يحل جماعة السيدات المسلمات .
4
إن ال تبارك وتعالى هفو الذي يعقفد للمسفلمين راياتهفم ،والذي يعقده ال ل البشفر" .قالت والدموع
ففي عينيهفا " :يفا حاجفة . .المسفألة خطيرة ،ونرجفو ال أن ل تنتهفي بحفل الجماعفة ،ربمفا كانفت
كلماتك هذه تسجل ،أو أنها قد سجلت فعل ربما كان هنا جهاز تسجيل " .واستمرت تسر إلى " :يا
حاجة :أنا أطلب منك شيئا صغيرا وهو التوقيع على هذه الورقة ،فإذا وقعتها سيلغى قرار الحل " .
فسألتها أن تطلعني على الورقة فإذا هي استمارة انتساب للتحاد الشتراكي ،فقلت لها " :ل وال ،
شلت يدي إذا وقعت يوما على ما يدينني أمام ال بأنني اعترفت بحكم الطاغوت جمال عبد الناصر
الذي قتل عبد القادر عوده وزملءه .إن الذين غمسوا أيديهم في دم الموحدين خصوم ل وللمؤمنين
.الشرف لنا أن يحل المركز العام للسيدات المسلمات " .قبلت رأسي وهى تبكى وتقول - :أتثقين
بأننفي ابنتفك ؟ قلت :نعفم . .قالت :فاتركفي هذا الموضوع . .قلت :سفنترك المفر ،ولن أوقفع هذه
الورقة .إن فيها ولء للطاغية ،وهذا أمر مستحيل إتيانه ،وال يفعل ما يختاره لعباده .ومرت أيام
المستشفى وتقرر خروجي مع استمرار العلج .
وفى البيت كانت السيدة السكرتيرة تزورني يوميا وأخبرتني بان قرار الحل أوقف .ودهشت لذلك
وسألت كيف ذلك فقالت " :ل أدرى .ربما يكون فتح باب للتصال بك " .وأخذ السكرتير الداري
يحضففر لي مففا يحتاج للطلع والتوقيففع ،وأخذت أزاول نشاطففي فففي تسففيير أعمال المركففز العام
للسفيدات المسفلمات مفن بيتفي .ولكنفى عدت إلى المسفتشفى مرة أخرى لجراء عمليفة جراحيفة لرففع
المسامير من الفخذ ،وكان قد أفرج عن الشهيد المام سيد قطب وزارنفي في المستشفى وجمع من
الخوان .وذات يوم فوجئت بخطاب مرسل! عن طريق البريد ببطاقة كتبت فيها هذه البيانات :
"ا لتحاد الشتراكي العربي" حرية -اشتراكية -وحدة
السم والشهرة :زينب الغزالي الجبيلي ،وشهرتها :زينب الغزالي .
الوظيفة أو المهنة :رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات .
وحدة :البساتين -الماطة .قسم :مصر الجديدة .محافظة :القاهرة.
جاءتني هذه البطاقة بالبريد ومعها ما يثبت سداد اشتراكي عن عام 1964فضحكت ضحكة مريرة
بمفا صفار إليفه حال "مصفر" وتذكرت كيفف كنفا نعيفش ففي حريفة لعنوهفا بعفد انقلبهفم العسفكري .
وبعفففد اسفففتكمال العلج بالمسفففتشفى عدت إلى المنزل وأخذت دعوات التحاد الشتراكفففي تتوالى
بالبريففد لحضور اجتماعات التحاد الشتراكففي ،ولكننففي قررت أن أتخففذ موقفففا سففلبيا ،وبعففد أيام
صفرح الدكتور بالخروج ومزاولة نشاطفي تدريجيا ففي المركفز العام للسفيدات المسلمات ،وكنت ل
أزال أسففتعين بالعكاز فففي المشففي .وفففى صففبيحة أحففد اليام ،وبينمففا أنففا بالمركففز العام للسففيدات
المسفففلمات ،دق جرس الهاتففف ،وطلب منفففى السفففكرتير أن أرد على مففن يطلبنفففي مفففن التحاد
الشتراكي ،أمسكت بالسماعة قائلة لمحدثي " :السلم عليكم " ورد السلم من الجهة الخرى ،ثم
قلت " :نعم ،ماذا تريد؟" فسألني إن كنت أنا زينب الغزالي ،ولما أجبت باليجاب قال " :نحن هنا
التحاد الشتراكففي ،إن شاء ال أعضاء مجلس إدارة السففيدات المسففلمات وحضرتففك على رأسففهم
تشرففي وتنوري ،تأخذون علم السفيدات المسفلمات وتذهبون لسفتقبال عبفد الناصفر ففي المطار" .
فأجبتفه " :إن شاء ال ،يفعفل ال مفا يشاء ويختار" .قال " :عشمنفا كده ،مجلس الدارة وعدد كفبير
من أعضاء الجمعية العمومية ،وإذا أمرت أرسلنا لك عربة تكون تحت تصرفكم " .قلت " :شكرا"
.وانتهت المكالمة .
5
وبعد يومين أو ثلثة جاءت مكالمة أخرى من التحاد الشتراكي ،كانت سيدة تسأل عن سبب عدم
حضورنفففا لسفففتقبال الرئيفففس ففففي المطار .قلت " :إن أعضاء مجلس إدارة السفففيدات المسفففلمات
والجمعيففة العموميففة ملتزمات بالسففلوك السففلمي ،ول يسففتطعن يففا ابنتففي الحضور فففي مثففل هذه
السفتقبالت المزدحمفة" .قالت " :إزاى الكلم ده يفا سفت زينفب ؟ يبدو إنفك مفش عاوزة تتعاونفي
معنا ،هل بلغت العضوات وهن رفضن ؟" .قلت " :مادمت أنا غير مقتنعة بهذا العمل لنه يخالف
تعاليفم السفلم فكيفف أبلغهفن ؟" .قالت " :إنتفي غيفر متعاونفة معنفا" .قلت :نحفن مرتبطات بتعاليفم
القران والسفنة ،عهدنفا مفع ال ،وتعاوننفا على البر والتقوى كمفا أمرنفا ال ،والهاتفف ل يصفلح لمثفل
هذه المناقشفة . ،قالت " :تفضلي ،سفننتظرك ففي مركفز التحاد الشتراكفي بميدان عابديفن لنتفاهفم ا.
قلت :أنفا مريضفة ،حركتفي قليلة بسفبب علج رجلي ،فإذا شئت تفضلي وشرفينفا ففي المركفز العام
للسفففيدات المسفففلمات .قالت :وأنفففت نازلة مفففن البيفففت مري علينفففا ،ألسفففت عضوة ففففي التحاد
الشتراكفي؟ ! .قلت " :أنا عضوة في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ،والسلم عليك يا
ابنتفى ورحمفة ال .،وأنهيفت المكالمفة ولم أذهفب إليهفا .وبعفد أسفبوع مفن هذه المكالمات التليفونيفة
عرض على سكرتير الجماعة خطاب مسجل يحمل تاريخ 1964 /9 /1 5بقرار وزاري رقم 32
1بتاريخ 1964 /9 /6م .والقرار ينهى إلينا حل المركز العام للسيدات المسلمات مره أخرى ! !
ل . .ل . .للطاغية
وعقففد مجلس إدارة السففيدات المسففلمات اجتماعففا عاجل فففي 9جمادى 1384هف ف الموافففق /9 /15
، 1964وهفو نففس اليوم الذي وصفل فيفه قرار الحفل ،وقرر المجلس رففض قرار الحفل وتسفليم
الجماعفة وأموالهفا وممتلكاتهفا لجماعفة أخرى كانفت قد انفصفلت عنفا بإيعاز مفن المباحفث العامفة قبفل
انقلب عبففد الناصففر ! ،تحولت هذه الفئة المنشقففة بعففد النقلب إلى جنففد لعبففد الناصففر ،كمففا قرر
المجلس دعوة الجمعيفة العموميفة لجلسفة طارئة اسفتثنائية ففي مدة ل تتجاور 24سفاعة ،واجتمعفت
الجمعية العمومية ،وقررت رفض قرار الحل وعرض المر على القضاء .ووكلنا الدكتور عبد ال
رشوان المحامففى ليمثلنففا فففي القضيففة ،وأرسففلت الجماعففة خطابات مسففجلة وبرقيات إلى رئاسففة
الجمهوريفة ووزارة الداخليفة والشئون الجتماعيفة والنائب العام وصفورا منهفا للصفحف ،نخطرهفا
برففض قرار الحفل ،وبان المركفز العام للسفيدات المسفلمات تأسفس 1 3 57هفف – 1 936م لنشفر
الدعوة السلمية والعودة بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ،وليس لوزارة الشئون أو الداخلية
وليفة علينفا ،والوليفة ل وحده ،ولمفن يقيفم دينفه ،ويحكفم بشرعفه .وعنفد ذلك تعجفل عبفد الناصفر
قرار الحل والدماج كما سبق أن أصدر من قبل – وللنتقام الشخصي من زينب الغزالي؟ لتعطيل
دعوة ال ولوجفه الشيطان -أمرا عسفكريا بوقفف صفدور مجلة (السفيدات المسفلمات ) لجفل غيفر
مسفمى ،وكنفت صفاحبة امتيازهفا ورئيسفة تحريرهفا .واقتحفم زبانيفة الطاغوت دار المركفز العام
لجماعفة السفيدات المسفلمات واسفتولوا على محتوياتفه ،وشردوا مائة وعشريفن فتاة وطفلة يتيمات
كانفت جماعفة السفيدات المسفلمات تؤويهفن وتكففل جميفع احتياجاتهفن مفن إيواء وتعليفم ،بكفل مراحله
من الروضة إلى الجامعة .وأحب أن أسجل هنا بكل فخر أن زبانية الطاغوت لم يجدوا سيدة واحدة
ففي انتظارهفم مفن أعضاء المركفز العام للسفيدات المسفلمات ،سفواء مفن مجلس الدارة أو الجمعيفة
العمومية أو هيئة الواعظات ،وكانوا قد طلبوا منى الحضور لتسليمهم الدار فرفضت ،وكذلك كان
موقف جميع عضوات الدار فاستلموا من السكرتير الداري ،وهو موظف وليس له هذا الحق . .
ويشرفني أن أسجل هنا بعض العبارات التي سجلتها الجمعية العمومية جلستها ،وأرسلتها ترد بها
على قرار الحففل إلى رئيففس الجمهوريففة والنائب العام ووزيففر الداخليففة والصففحف " :إن جماعففة
6
السيدات المسلمات أسست 1 3 57هف – 1 936م لنشر دعوة ال والعمل على إيجاد المة المسلمة
التي تعيد للسلم عزته ودولته ،وكانت ل وستظل ل ،وليس لي حاكم علماني حق الولية على
المسفلمين " " .فجماعفة السفيدات المسفلمات ،رسفالتها الدعوة إلى السفلم وتجنيفد الرجال والنسفاء
شبابا وشيبا لعتقاد رسالته وإقامة دولته الحاكمة بما أنزل ال " .
ونحن –السيدات المسلمات – نرفض قرار الحل ،وليس لرئيس الجمهورية –وهو ينادى صراحة
بعلمانيفة الدولة -حفق الولء علينفا ،ول لوزارة الشئون الجتماعيفة كذلك .وليسفت الدعوة أموالً أو
حطامفا تصفادره حكومفة العلمانييفن المحاربيفن ل ولرسفوله وللمفة المسفلمة " .فلتصفادر الحكومفة
الموال والحطام ولكنهفا ل تسفتطيع أن تصفادر عقيدتنفا .إن رسفالتنا رسفالة دعوة ودعاة ،إننفا نقفف
تحفت مظلة ل إله إل ال وحده ،وهذا العتقاد بأنفه ل إله إل ال يلزمنفا بالعمفل المسفتمر المتواصفل
غيفر المنقطفع ،حفق تقوم دولة السفلم بأمفة السفلم الواعيفة لدينهفا الحاكمفة بشرعفه ،المجاهدة ففي
سبيل نشره " .
أخذت سففيدات الجماعففة يتوافدن إلى بيتففي بعففد ذلك متسففائلت :ماذا نفعففل ؟ ؟ كان هذا الموقففف
الشامخ من السيدات المسلمات سنة 1964في قمة عناد السلطة الناصرية ،في الوقت الذي كان فيه
الكثيرون يقفون موقفف التقيفة ويقرون الطاغوت على فعله بفل يصفدرون الفتاوى المؤيدة لفعاله . .
ويصبغون عليه صبغة ترفعه إلى مكان اللوهية! وما كانت التقية كذلك يوما ما في السلم لضياع
العقيدة والتمويه على المسلمين ،ولقد رأينا بعض المجلت السلمية تتسابق في إرضاء الطاغوت
.حتففى مجلة الزهففر نفسففه العزيزة علينففا معزتففه ،تخلط بعففض سففطورها بنبضات هامدة لكتاب
منافقيفن يتسفابقون ففي إرضاء الباطفل وأهله . .وأخذت الفتاوى تتوالى ففي تجريفح المجاهديفن الذيفن
أخذوا بالعزيمة ولم يأخذوا بالضلل ،الذي سماه من أخذ به رخصة ،جرحوا المجاهدين الذين انعم
ال عليهفم بالتزام السفلم ل بالنتماء إليفه ،واللتزام هفو السفلم ،أمفا النتماء بغيفر التزام فشيفء
آخر .وقد أبت جماعة السيدات المسلمات أن تأخذ بما سموه رخصة ،أو أن تكتفي بالنتماء ،فرفعت
لواء الحفق وقالت كلمفة الصفدق ففي وقفت تخلى فيفه كثيفر مفن الناس عفن الحفق والصفدق خوففا على
مناصفبهم وضياع دنياهفم ،ولم تقفف موقفف المتفرج كمفا فعفل كثيفر مفن الناس ،ولكنهفا قالت رأيهفا
بصراحة -في الوضاع التي كانت سائدة يومئذ -ل تبتغى إل وجه ال وان غضب الناس جميعا .
وكانت عضوات الجماعة ل يصبرن على عدم لقائي فأخذن يتوافدن على بيتي يواسينني في المر.
فقد كانت جماعة السيدات المسلمات حياتي ووجودي ،عاهدت ال يوم تأسيسها أن ل أعيش لغيره
سففبحانه .وأخذت أعداد السففيدات المسففلمات الكففبيرة المتوافدة على دارى يعاهدن ال مففن جديففد أل
يعشفن إل لكلمفة الحفق وتبليغهفا ،واتفقفن معفي على عقفد اجتماعات بمنازلهفن تتولى الواعظات فيهفا
إرشاد السيدات إلى مبادئ السلم ،ولكن حكومة الطاغية التي كانت تتعقب الدعاة إلى ال في كل
مكان بهذه الجتماعات ,أرسلت إلى السيدات اللئى يتم الوعظ في منازلهن وقامت بتهديدهن وأخذ
التعهد أل يعقدن اجتماعا للوعظ في بيوتهن واقتصر النشاط بعد ذلك على النشاط الفردي .
المساومة ثم المخادعة
أخففذ رجال المباحففث والمخابرات الناصففرية يطلبون مقابلتففي ويعرضون عروضففا لعادة المركففز
العام للسففيدات المسففلمات .وكانففت هذه العروض تكلفنففي أن أشترى الدنيففا بالخرة .وعلى سففبيل
7
المثال عرضوا على إعادة إصففدار مجلة السففيدات المسففلمات باسففمي كرئيسففة للتحريففر وصففاحبة
المتياز مقابل 300جنيه شهريا ،على أن ل يكون لي شأن بما يكتب في المجلة .وكان جوابي :
مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية عبد الناصر فأنا
لم أعتد إل أن أكون مسئولة مسئولية فعلية .كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة
قدرهففا عشرون ألف جنيففه سففنويا ،على أن يكون مففن مؤسففسات التحاد الشتراكففي . .وكانففت
إجابتففي :إن شاء ال ،لن يكون عملنففا إل للسففلم .إن الذيففن يتكسففبون بالسففلم ل يسففتطيعون
خدمتفه ،وكان هذا الرد يغضبهفم .ولكنهفم يحاولون إغرائي المرة بعفد المرة .وكنفت أتعجفب مفن
الطريقفة ومفن إصفرارهم على هذه المحاولت الفاشلة ،ولكننفي اكتشففت بعفد ذلك وعرففت لماذا هفم
حريصون على مخادعتي .
خفافيش الليل
فففي إحدى المسفيات ،وأنفا ففي منزلي ،اسفتأذن ثلثفة رجال لمقابلتفي ، ،وبعفد دخولهفم إلى حجرة
الصفالون ذهبفت إليهفم فوجدتهفم يلبسفون (غتراً) عربيفة ،ولمفا سفلمت عليهفم قدموا لي أنفسفهم على
أنهم من سوريا ،قادمون من السعودية للفسحة في القاهرة لمدة عشرة أيام وأنهم قابلوا في السعودية
السفتاذ سفعيد رمضان والشيفخ مصفطفى العالم وكامفل الشريفف ومحمفد العشماوي وفتحفي الخولي
(هؤلء مفن الخوان الذيفن فروا مفن الطاغوت وظلمفه ) ،وهفم يسفلمون على الخوان ففي مصفر
ويريدون أن يطمئنوا عليهفففم وعلى تنظيمهفففم ،وقفففد أمرونفففا بالنضمام إلى هذا التنظيفففم ونحفففن
مسفتعدون لتنفيفذ الوامفر والبقاء ففي مصفر لمعاونفة التنظيفم .ثفم أخذوا يتحدثون عفن الخوان وعفن
عبفد الناصفر وكيفف أنفه يضطهفد الخوان المسفلمين ثفم تكلموا عفن أحداث سفنة 1954وعفن حفل
جماعة الخوان المسلمين واستشهاد عبد القادر عودة وزملئه ،وكيف أنهم مستعدون للخذ بالثأر
وقتفل عبفد الناصفر ،وأن هذا هفو رأى كامفل الشريفف والعشماوي ورمضان والخولي والعالم .ولمفا
كنفت أسفمع لهفم فقفط ،طلبوا منفى الجابفة ،فقلت " :أنفا أسفمع إلى أشياء جديدة على ومصفطلحات ل
أدرى عنها شيئا" .قالوا" :سنرجع لك يا أخت زينب مرة أخرى لنعرف رأى المرشد ورأى التنظيم
في هذا . " . . .فأجبتهم باقتضاب " :أولً :أنا ل أعرف شيئا يسمى التنظيم في الخوان .وأسمع
أن الخوان كجماعة قد حلت كما تقول الحكومة.
ثانيا :أنا ل أحدث المرشد في مثل هذه المور ،فصداقتي به وصلتي :إخوة !سلمية ومحبة عائلية
.ثالثا :إن قتل عبد الناصر شيء غير وارد عند المسلمين كما أتصور ،وأنا أنصحكم بالعودة إلى
بلدكفم والشتغال بتربيفة أنفسفكم إسفلميا" .وبعفد أن كانوا يسفتمعون إلي وهفم وقوف جلسفوا وقال
أحدهم " :الظاهر الخت زينب غير مقتنعة .من الذي خرب بلد المسلمين غير عبد الناصر؟" .
قلت :ليس من رسالة الخوان المسلمين قتل عبد الناصر وسألتهم أن يعطوني أسماءهم فأعطوني
أسفماء تلعثموا كثيرا وهفم ينطقوا بهفا ،وكانفت :عبفد الشاففي عبفد الحفق ،عبفد الجليفل عيسفى ،عبفد
الرحمن خليل .ضحكت لمصادفة وجود كلمة "عبد في السماء الثلثة ،وكان واحد فقط هو الذي
ذكفر أسفماء الثلثفة .وقلت لهفم :خيفر لكفم أن ترجعوا إلى بلدكفم قبفل أن تمسفك بكفم مخابرات عبفد
الناصر إن كنتم ل تعرفونها ،وليس لكم بها صلة فعل وأنا أعتقد ذلك وأجاب أحدهم :على كل حال
لك الحق في أن تشكى يا حاجة فينا ،ستريننا مرة أخرى وستعرفين من نحن .وانصرفوا .وزارني
الخ عبد الفتاح إسماعيل فذكرت له قصة الزوار السوريين( المزعومين ) . . .
الباب الثاني
وكانت بيعة
لم تكفن صفلتي بجماعفة الخوان المسفلمين حديثفة كمفا توهمهفا العابثون إذ كانفت تعود بتاريخهفا إلى
سنة 1357هف 1937م .في ذلك اليوم البعيد المبارك من 1358هف تقريباً وبعد ما يقرب من ستة
أشهفر على تأسفيس جماعفة السفيدات المسفلمات كان أول لقاء لي مفع المام الشهيفد حسفن البنفا .كان
10
ذلك عقفب محاضرة ألقيتهفا على الخوات المسفلمات ففي دار الخوان المسفلمين وكانفت يومئذ ففي
العتبة .
كان المام المرشفد ففي سفبيله لتكويفن قسفم للخوات المسفلمات ،وبعفد مقدمفة عفن ضرورة وحدة
صففوف المسفلمين واتفاق كلمتهفم دعانفي إلى رئاسفة قسفم الخوات المسفلمات .وكان هذا يعنفى دمفج
الوليففد الجديففد الذي أعتففز بففه " جماعففة السففيدات المسففلمات " واعتباره جزء مففن حركففة الخوان
المسلمين ،ولم أعد بأكثر من مناقشة المر مع الجمعية العمومية للسيدات المسلمات ،التي رفضت
القتراح وإن حبذت وجود تعاون وثيق بين الهيئتين .
وتكررت اللقاءات مفع تمسفك كفل منفا برأيفه وتأسفست الخوات المسفلمات ولم يغيفر ذلك مفن علقتنفا
السفلمية شيئاً .وحاولت ففي أخفر لقاء لنفا ففي دار السفيدات المسفلمات أن أخففف مفن غضبفه بعهفد
آخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات الخوان المسلمين على أن تظل باسمها
واسفففتقللها بمفففا يعود على الدعوة بفائدة أكفففبر .على أن هذا أيضًا لم يرضفففه عفففن الندماج بديلً
ودارت الحداث بسرعة ووقعت حوادث سنة 1948وصدر قرار حل الخوان ومصادرة أملكهم
وإغلق شعبهففا ،والزج باللف فففي المعتقلت وقامففت الخوات المسففلمات بنشاط يشكرن عليففه
وكانفت إحداهفن السفيدة تحيفة الجفبيلي زوجفة أخفي وابنفة عمفى ومنهفا عرففت الكثيفر مفن التفاصفيل ،
ولول مرة وجدت نفسي مشتاقة إلى مراجعة كل آراء الستاذ البنا وإصراره على الندماج الكلي .
وففي صفبيحة اليوم التالي لحفل جماعفة الخوان كنفت بمكتفبي ففي دار السفيدات المسفلمات وففي نففس
الحجرة التففي كان بهففا آخففر اجتماع لي بالمرشففد المام ،ووجدت نفسففي أجلس إلي مكتففبي وأضففع
رأسي بين يدي وأبكي بكاءً شديداً ،فقد أحسست أن حسن البنا كان على حق فهو المام الذي يجب
أن يبايففع مففن المسففلمين جميعًا على الجهاد لعودة المسففلمين إلي مقعففد مسففئوليتهم ،وإلي وجودهففم
الحقيقفففي الذي يجفففب أن يكونوا فيفففه ،وهففو مكان الذروة ففففي العالم يقودونفففه إلي حيففث أراد ال
ويحكمونفه بمفا أنزل ال .وأحسفست أن حسفن البنفا كان أقوى منفي وأكثفر صفراحة ففي نشفر الحقيقفة
وإعلنهفا .وإن هذه الشجاعفة والجرأة هفي الرداء الذي يجفب أن يرتديفه كفل مسفلم .وقفد ارتداه البنفا
ودعا إليه .ثم وجدت نفسي أهتف بالسكرتير ليوصلني بالخ عبد الحفيظ الصيفي الذي كلفته بنقل
رسالة شفوية للمام البنا يذكره فيها بعهدي في آخر لقاء لنا … وحين عاد بتحيته ودعائه استدعيت
أخفي محمد الغزالي الجفبيلي وكلفتفه بإيصفال وريقفة صغيرة بواسفطته أو بواسطة زوجته إلي المام
المرشفد وكان ففي الوريقفة " :سفيدي المام حسفن البنفا … زينفب الغزالي الجفبيلي تتقدم إليفك اليوم
وهفي أمفة عاريفة مفن كفل شفي إل عبوديتهفا ل وتعبيفد نفسفها لخدمفة دعوة ال ،وأنفت اليوم النسفان
الوحيفد الذي يسفتطيع أن يفبيع هذه المفة بالثمفن الذي يرضيفه لدعوة ال تعالى .ففي انتظار أوامرك
وتعليماتك سيدي المام … " .
وعاد شقيقفففي ليحدد لي لقاءً سفففريعاً ففففي دار الشبان المسفففلمين ،كان المفروض أن يحدث وكأنفففه
مصففادفة .ولم أكففن أعدم مففبرراً لتواجدي هناك ،فقففد كنففت ذاهبففة إلي صففالة دار الشبان للقاء
محاضرة ،والتقيت بالستاذ البنا فقلت له ونحن نصعد الدرج " :اللهم إني أبايعك على العمل لقيام
دولة السلم وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي ،والسيدات المسلمات بشهرتها " فقال " :وأنا قبلت
البيعة وتظل السيدات المسلمات على ما هي عليه " .وافترقنا على أن يكون اتصالنا بواسطة منزل
أخففي وكانففت أول رسففالة مففن المام الشهيففد تكليفاً بالوسففاطة بيففن النحاس والخوان ،وكان رفعففة
مصفطفى باشفا النحاس خارج الحكفم حينذاك وحدد النحاس المرحوم أميفن خليفل للقيام بإزالة سفوء
التفاهفم ورضفى بفه المام الشهيفد وكنفت حلقفة التصفال .وففي ليلة مفن ليالي ففبراير سفنة 1949
11
جاءني أمين خليل ليقول لي " يجب اتخاذ إجراءات ليسافر البنا من القاهرة فالمجرمون يأتمرون به
ليقتلوه .ولم أجفد وسفيلة للتصفال بفه مباشرة فقفد اعتقفل أخفي ،فحاولت التصفال بالمام الشهيفد
شخصفياً ،وأنفا ففي طريقفي للتصفال بلغنفي خفبر الغتيال ونقله إلى المسفتشفى ثفم تواترت الخبار
بسفرعة بسفوء حالتفه وذهفب شهيدًا إلى ربفه مفع النفبيين والصفديقين والشهداء والصفالحين وحسفن
أولئك رفيقًا .وكان ألمي كبيراً وكانت نقمتي على المجرمين مرة لم أحاول كتمها .
وجاءت حكومفة اتحاد الحزاب وأصفدرت أمراً بحفل جماعفة السفيدات المسفلمات واعترضفت أمام
القضاء الذي حكففم لنففا فففي عهففد حكومففة حسففين سففري باشففا سففنة 1950بالعودة للنشاط .وكان
المحامي في هذه القضية الستاذ عبد الفتاح حسن "باشا" وجاءت حكومة الوفد وعاد الخوان إلي
نشاطهفم وهفم على بيعتهفم للمام المرشفد حسفن الهضيفبي ،وأحببفت ففي اليوم الول لفتتاح المركفز
العام للخوان المسلمين أن أعلن ولئي للدعوة بطريق غير مباشر إلي أن يقضي ال في المر بما
يريففد ،فتففبرعت بأغلى شففئ كنففت أعتفز بفه ففي أثاث منزلي وهفو طاقففم صفالون أرابيسففك مطعففم
بالصدف ليؤثث به مكتب المرشد العام .
وسفارت المور هادئة مطمئنفة ،وزارنفي الشهيفد عبفد القادر عودة وشكرنفي على التفبرع وقال " :
يسعدنا إذا أصبحت زينب الغزالي الجبيلي من الخوان المسلمين ".قلت " :أرجو أن أكونها بإذن
ال " .فقال " :قفد كانفت والحمفد ل " .وصفارت المور ففي هدوء ومودة بينفي وبيفن كثيرة مفن
أعضاء الجماعة حتى حكومة النقلب العسكري بقيادة اللواء محمد نجيب الذي كان قد زارني قبل
النقلب بأيام بصفحبة الميفر عبفد ال الفيصفل وليفس سفراج الديفن والشيفخ الباقوري وشقيقفي علي
الغزالي بمناسففبة وجود الميففر عبففد ال الفيصففل فففي مصففر ،وقففد تعاطففف الخوان مففع النقلب
وكذلك السيدات المسلمات لفترة أحسست بعدها أن المور ل تسير كما كنا نأمل وأنها ليست الثورة
المنتظرة تتويجاً لجهود سفبقت على أيدي العامليفن لنقاذ هذا البلد … وأخذت أنقفل رأيفي لمفن ألقاه
مفن الخوان .وحيفن عرضفت منا مناصب وزاريفة على بعض الخوان ،وضحت رأيفي في مجلة
السيدات المسلمات ،فما كان لحد من الخوان أن يقسم يمين ولء لحكومة ل تحكم بما أنزل ال ..
ومن يفعل منهم ذلك يجب فصلهم من الخوان وواجب الخوان أن يحددوا موقفهم بعد أن اتضحت
نوايا الحكومة .
وزارني الشهيد عبد القادر عودة طالبًا مني تأجيل الكتابة في هذا الموضوع ،وأمسكت عددين ،ثم
عدت إلى الكتابفة إلى أن زارنفي الشهيفد عبفد القادر عودة للمرة الثانيفة حاملً ففي هذه المرة أمراً مفن
المرشففد العام بعدم الكتابففة فففي هذا الموضوع ،وتذكرت بيعتففي للبنففا -رحمففه ال -واعتقدت أن
الولء قائم بهفا للهضيفبي ،وامتثلت للمفر .ومنفذ ذلك الوقفت والبيعفة تحكفم تصفرفاتي حتفى مفا يبدو
منهفا خاصفًا كرحلة مؤتمفر السفلم ففي فيينفا التفي لم أقفم بهفا إل بعفد أن حصفلت على لذن المام
المرشد الهضيبي …
وسقط القناع
ومرت اليام وجاءت أحداث 1954ونكباتهفا ومخفا زيهفا التفي أسفقطت القناع عفن وجفه جمال عبفد
الناصفر لتظهفر عدائه للسفلم ومحاربتفه له ففي شخوص دعاتفه وقيادات نهضتفه ،وصفدرت أحكام
العدام البشعفة على قمفم القيادات السفلمية :الشهيفد المسفتشار عبفد القدر عودة ،صفاحب الفضيلة
العالم الزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام 1951عشرة آلف جنيه لمن
12
يأتففي بففه حياً أو ميتاً :الشيففخ محمففد فرغلي الذي أُهدي للسففتعمار ميتاً دون أن تخسففر الخزينففة
البريطانية مبلغ المكافأة ،وباقي الشهداء الكرام .حتى المجاهد الكبير المام حسن الهضيبي حكموا
عليففه بالعدام ،ولم ينفففذ ،فقففد أصففيب فجأة بذبحففة شديدة بالقلب نقففل على أثرهففا للمنزل وقرر
الطباء أنه لن يعيش إل ساعات ،وهنا ظهر عبد الناصر فأصدر عنه عفواً ،متوقعًا أن يقرأ نعيه
ففي الصفحف صفباح اليوم التالي .ولكفن قدرة ال أحبطفت كيده ،وعاش المام .فلكفل أجفل كتاب ،
نعفففم عاش ،ليؤدي بعفففد ذلك خدمات للمسفففلمين ويقود الدعوة السفففلمية ففففي أحلك أيام شهدتهفففا
الدعوة ،وقد أظهر قوة الصلبة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلدين وجعلهم
يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ،ولكنه ظل متمسكاً بالحق
سفائراً على طريفق أصفحاب الدعوات إلى أن شهفد هفو نهايفة عبفد الناصفر وزبانيتفه وهفو صفامد ،
راففع أعلم الحفق والتوحيفد الذي أعتقده ،متلبفس بكفل حبات وجوده ،وأخفذ بالعزيمفة ولم يتسفرب
إلى نفسه ضعف أو وهن في دين ال ورفض أن يأخذ بالرخص فيقيم في بيته وينكر بقلبه كما يفتي
ويأخفذ بذلك بعفض العلماء .بفل أنفي لذكفر له هذا الموقفف الكريفم الشجاع حينمفا أراد بعفض مفن
طالت عليهفففم المدة واعتراهفففم بعفففض الضعفففف أن يأخذوا بالرخصفففة ويكتبوا للطاغيفففة مؤيديفففن
وملتمسين العفو منه ،وسألوا المام حسن الهضيبي أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة " :
أنفا ل أكره أحفد على الخفذ بالعزيمفة والوقوف معنفا ،ولكنفى أقول لكفم :إن الدعوات لم تقفم يوماً
بالذيفن يأخذون بالرخفص " .قال ذلك وهفو الشيفخ الكفبير ذو الثمانيفن عاماً ،وظفل بسفجن مزرعفة
طره إلى آخفر الفواج التفي أفرج عنهفا بعفد موت عبفد الناصفر … ولنفا عودة أخرى إلى تفاصفيل
أحداث . 1965
وفي عام 1955رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة السلمية بغير دعوة من أحد فقد كانت صرخات
اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب ودموع النساء اللتي ترملن وأزواجهن خلف قضبان السجون .
والباء والمهات مفن الشيوخ الذيفن فقدوا فلذات أكبادهفم .كانفت هذه الصفرخات والدموع تنففذ إلى
أعماقفي .ووجدت نفسفي وكأنفي مفن المسفئولين عفن ضياع الجياع وجراح المعذبيفن .وأخذت أقدم
القليل .
ولكفن أعداد الجياع تزداد يومًا بعفد يوم .وأعداد العرايفا كذلك .وأخبار الشهداء الذيفن يقضفى عليهفم
تحفت سفياط الفجرة المارقيفن القسفاة الجاحديفن .والمدارس والجامعات تتطلب مصفاريف وأدوات
وملبففس .وأصففحاب المنازل يطالبون بإيجار منازلهففم .وزادت المشكلة تعقيداً وثقففل الحمففل على
حامله .واتسع الخرق على الراقع وبخاصة بعد عام ونصف .وبالتحديد في منتصف 1956حينما
خرج بعض أعداد من المعتقلين الذين لم يحكم عليهم .كان البعض منهم في اشد الحاجة لمن يزوده
بالمال والطعام والملبفس والمأوى .كفل هذا والمسفلمون ففي هذا البلد الطيفب ففي مصفر التفي نكبفت
بمففن قاد النقلب ليففس فيهففم مففن يعففي واجبففه .بففل على العكففس مففن ذلك وجدنففا كثيراً مففن علماء
وشيوخ الدين يتبرءون من المجاهدين …
كان الجميففع مففن المتفرجيففن على مففا يحدث .حتففى الذيففن يبكون للمأسففاة ويتألمون كانوا يكتمون
آلمهفم ويخفون دموعهفم خشيفة أن يتهمهفم الطاغيفة بأنهفم مسفلمون .ولمفا اشتفد بفي اللم على مفا
وصلت إليه المور .ولم أجد لنفسي مخرجاً .ذهبت لزيارة أستاذي الجليل صاحب الفضيلة الشيخ
13
محمفد الودن .وهفو مفن القلة القليلة التقيفة النقيفة مفن رجال الزهفر .وكنفت أسفتشيره ففي كفل مفا
يعرض لي مفن أمور الدعوة وعلوم السفلم .وكان يعتقفد معفي أن عدم اندماج السفيدات المسفلمات
ربما يخدم الخوان في فترة مقبلة .وقد كان يعلم ببيعتي للبنا ويباركها ويؤيدها كما كان يعلم ولئي
للدعوة بعد استشهاد البنا وقبله .وجلست إليه أحدثه عن مأساة السر .كان يستمع إليّ في ألم شديد
.وأنهيت حديثي بعرض ما فكرت في عمله في حدود إمكانياتي .وكنت أرى أنه ل يكفي أن نتألم
وجراح الجوع وجراح السففياط وجراح العرايففا وتشرد النسففاء والطفال يجرى بقسففوة وشدة فففي
دوائر حياة الدعاة والملبيففن والمجاهديفن لتكون كلمففة ال هفي العليفا .وأرى أنفي أسفتطيع كرئيسفة
للسيدات المسلمات أن أقدم العون إن شاء ال لسر الخوان بما يمكني ال فيه .فقبل فضيلته رأسي
ل لي :ل تترددي في أي عون .وال هو المبارك للخطى .وعدت لوضح له موقفي وهو يبكي قائ ً
في الجماعة والثقة المطلقة في شخصي من السيدات المسلمات أعضاء الجماعة فقال لي فضيلته :
قد أصبح فرضاً حتميًا عليك أن ل تبخلي بجهد في هذا الطريق وما تقومين به اجعليه بينك وبين ال
تبارك وتعالى ثففم أضاف :إن المنقففذ الوحيففد بأمففر ال للسفففلم هففم هؤلء المعذبون " الخوان
المسلمون " ل أمل لنا إل في ال ثم في إخلصهم وما يبذلون في سبيل الدعوة .اعملي يا زينب كل
ل مفا أسفتطيع .وبذلت جهدي ففي أن أقدم شيئًا ولم يشعفر أحفد أنفي مفا تسفتطيعين عمله .وعملت فع ً
أفعفل شيئاً .فقفد كان فرد أو فردان همفا اللذان أُسفلمهما مفا أسفتطيع على أنهفا أشياء مرسفلة لي وأنفا
مكلفة بنقلها إليهم فقط .
ثفم علمفت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكفبيرة حرم السفتاذ الهضيفبي تبذل هفي أيضاً مجهودًا كفبيراً
مع بعض الفضليات الكريمات من الخوات المسلمات مثل :المجاهدة آمال العشماوي حرم الستاذ
منيفر الدلة وكانفت هفي بنفسفها على رأس الخوات المسفلمات .ومثفل خالدة حسفن الهضيفبي وأمينفة
قطب وحميدة قطب وفتحية بكر والمجاهدة أمينة الجوهري وعلية الهضيبي وتحية سليمان الجبيلي
.واتسعت اتصالتي رويدًا رويداً فاتصلت بخالدة الهضيبي في سرية شديدة ثم بحميدة قطب وأمينة
قطب .وكل ذلك من أجل المعذبين والطفال واليتامى .
كان أول لقاء لي به في عام 1957وفي موسم الحج .كنت في ميناء السويس على رأس بعثة الحج
لجماعة السيدات المسلمات ،وكان معي في المودعين شقيقي محمد الغزالي الجبيلي فوجدته مقبلً
عليّف ففي صفحبة إنسفان يكسفو وجهفه نور ومهابفة يغفض بصفره ،قدمفه لي أخفي قائلً :الخ عبفد
الفتاح إسفماعيل ،كان مفن أحفب شباب الخوان إلى المام الشهيفد حسفن البنفا ،كان فضيلة المرشفد
يحبه ويؤثره وله فيه ثقة مطلقة ،وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتى تعرفيه ،وحياني
الخ وهفو يقول سفأكون إنشاء ال معكفم ففي الباخرة ،فرحبفت بفه وانصفرف ،وصفعدنا إلى الباخرة
وتحركت بعيداً عن الشاطئ وانشغلت بمطالب البعثة ،بعثة حج السيدات المسلمات .وعندما ذهبت
إلى حجرتففي بعففد تناول الغداء ،سففمعت طرقات على الباب ،أذنففت بالدخول فتكرر الطرق ثانيففة
ولكفن الطارق كان يذهفب بعيداً عفن فتحفة الباب ،ولمفا سفمع صفوتي يأذن بالدخول للمرة الثالثفة .
دخفل فوجدتفه الخ الذي قدمفه لي شقيقفي على رصفيف الميناء ..قال ففي إخبات وهفو يطرق إلى
الرض بعفد أن ألقفى عليّف السفلم ..أنفا أعلم بحمفد ال أن بينفك وبيفن المام الشهيفد حسفن البنفا بيعفة
بعفد طول خلف ،ولمفا سفألته عفن مصفدر معلوماتفه أجاب :المام الشهيفد نفسفه طيفب ال ثراه ..
فسألته عما يريد ،أجاب :أن نلتقي في مكة لوجه ال نتحدث فيما كان البنا يريده منك إن شاء ال .
14
كانت كلمات سهلة العبارات طيبة النوايا لينة ،لكنها مع بساطتها قوية صادقة ثقيلة التكاليف تحمل
ل للتفكيففر .قلت إنشاء ال فففي دار بعثففة السففيدات المسففلمات بمكففة أو
معنففى المففر ول تترك مجا ً
بجدة ،ولمفا سفأل عفن العناويفن حدثتفه عفن أخويفن ففي جدة قال إنفه يعرفهمفا وهمفا الشيفخ العشماوي
ومصطفى العالم وكلهما يستطيع أن يرشده إلى مكان إقامتي بمكة وجدة .حياني الخ وانصرف .
وففي ليلة مفن ليالي ذي الحجفة كنفت على موعفد بعفد صفلة العشاء مفع فضيلة المرحوم الشيفخ المام
محمفد بفن إبراهيفم المفتفي الكفبر للملكفة العربيفة السفعودية حينذاك ..وكنفا نبحفث معاً مذكرة قدمتهفا
لجللة الملك أشرح له فيهفا ضرورة تعليفم البنات ففي المملكفة ،وأطلب منفه السفراع ففي تنفيفذ هذا
المشروع ،مبينة مصلحة المملكة في ذلك ،وحولت المذكرة على فضيلة المفتي الذي طلب مقابلتي
.وقضيفت سفاعتين أبحفث المشروع معفه .وعنفد انصفرافي مفن مجلسفه ،أخذت طريقفي إلى باب
السلم وكان في نيتي أن أطوف حين أوقفني صوت يناديني باسمي محييا بتحية السلم ،والتفت
فإذا به عبد الفتاح إسماعيل وسألني عن وجهتي ولما عرف أنها الطواف ثم دار البعثة صحبني إلى
المسجد وطفنا بالبيت معًا وبعد صلة سنة الطواف جلسنا تجاه الملتزم وأخذ يتحدث فيما يريد .
سفألني عفن رأيفي ففي قرار حفل الخوان .أجبفت أنفه قرار باطفل شرعاً .قال :هذا المفر الذي أريفد
بحثفه معفك ..ولمفا سفألته أن يزورنفي ففي دار البعثفة اسفتبعدها كمكان لمثفل هذه المور خوفًا مفن
أجهزة التجسفس الناصفرية ،واتفقنفا على أن نجتمفع ففي مكتفب عمارة الحرم المكفي ..ففي مكتفب
معالي الرجل الصالح الشيخ صالح القزاز ،واجتمعنا هناك ولكنه أسر إليّ أن الفضل أن نلتقي في
الحرم وانصفرف هفو على أن نلتقفي خلف مقام إبراهيفم .وبعفد ركعتفي الطواف جلسفنا خلف مبنفى
زمزم بالقرب مففن مقام إبراهيففم ،وأخففذ يتحدث عففن بطلن قرار حففل جماعففة الخوان المسففلمين
ووجوب تنظيفم صففوف الجماعفة وإعادة نشاطهفا ،واتفقنفا على أن نتصفل بعفد العودة مفن الرض
المقدسة بالمام حسن الهضيبي المرشد العام لنستأذنه في العمل .وقال عندما هممنا بالنصراف :
يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع ال على أن نجاهد في سبيله ،ل نتقاعس حتى نجمع صفوف الخوان
ونفاصفل بيننفا وبيفن الذيفن ل يرغبون ففي العمفل أيفا كان وضعهفم ومقامهفم ،وبايعنفا ال على الجهاد
والموت في سبيل دعوته .وعدت إلي مصر …
الذن بالعمل
ومع أوائل 1958كانت لقاءاتي قد تعددت بعبد الفتاح إسماعيل في منزلي وفي دار المركز العام
للسيدات المسلمات .كنا نبحث في أمور المسلمين محاوليفن بكل جهدنا أن نفعل شيئًا للسلم يعيد
لهذه المفة مجدهفا وعقيدتهفا ،مبتدئيفن بسفيرة الرسفول عليفه الصفلة والسفلم والسفلف الصفالح ومفن
بعدهم ،جاعلين منهجنا مستمداً من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم .
وكانفت خطفة العمفل تسفتهدف تجميفع كفل مفن يريفد العمفل للسفلم لينضفم إلينفا ..كان ذلك كله مجرد
بحوث ووضفع خطفط حتفى نعرف طريقنفا ،فلمفا أردنفا أن نبدأ العمفل كان لبفد مفن اسفتئذان السفتاذ
الهضيبي باعتباره مرشداً عاماً لجماعة الخوان ،لن دراساتنا الفقهية حول قرار الحل انتهت إلى
أنه باطل لن عبد الناصر ليس له ولء ول تجب له طاعة على المسلمين حيث أنه يحارب السلم
ول يحكم بكتاب ال تعالى ..والتقيت بالستاذ الهضيبي لستأذنه في العمل باسمي وباسم عبد الفتاح
إسفماعيل ،وأذن لنفا ففي العمفل بعفد لقاءات عديدة شرحفت له فيهفا الغايفة وتفاصفيل الدراسفات التفي
قمففت بهففا وعبففد الفتاح .وكان أول قرار لبدء العمففل هففو أن يقوم الخ عبففد الفتاح عبده إسففماعيل
15
بعملية استكشاف على امتداد مصر كلها .على مستوى المحافظة والمركز والقرية ،والمقصود من
هذا أن نتففبين مففن يرغففب فففي العمففل مففن المسففلمين ومففن يصففلح للعمففل معنففا ،مبتدئيففن بالخوان
المسلمين لجعلهم هم النواة الولى لهذا التجمع ..
وبدأ الخ عبد الفتاح إسماعيل جولته بادئاً بالذين خرجوا من السجون من الخوان والذين لم يدخلوا
لتختبر معادنهم وهل أثرت المحنة في عزيمتهم ،وهل دخول من دخل السجن جعلهم يبتعدون عما
يعرضهففم للسففجن مرة أخرى أم أنهففم ل يزالون على ولئهففم للدعوة مسففتعدين للتضحيففة بكففل غال
ورخيص في سبيل ال ونصرة دينه . .
كانفت عمليفة اسفتكشاف لبفد منهفا حتفى نبدأ العمفل على أرض صفلبة ،وحتفى نعرف مفن يصفلح
ل ،وكنفا ندرس معاً التقاريفر التفي يقدمهفا عبفد الفتاح إسفماعيل عفن كفل منطقفة ،وكنفت أزور فع ً
المرشفد العام وأبلغفه مجمفل مفا اتفقنفا عليفه ومفا وصفلنا إليفه ..وكنفا إذا عرضنفا عليفه صفورًا مفن
الصففعوبات التففي نلقيهففا ،قال :اسففتمروا فففي سففيركم ول تلتفتوا إلى الوراء ،ل تغتروا بعناويففن
الرجال وشهرتهفم .أنتفم تبنون بناء جديدًا مفن أسفاسه .وكان تارة يقفر مفا يعرض عليفه وتارة يعطفي
بعفض التوجيهات .ومفن هذه التوجيهات أنفه أوصفانا بأن نضمفك إلى مراجفع بحوثنفا " المحلي لبفن
حزم " .
وفي سنة 1959انتهت بحوثنا إلى وضع برنامج للتربية السلمية ،وأشهد ال على أنه لم يكن في
برنامجنفا غير تربيفة الفرد المسلم الذي يعرف واجبه تجاه ربفه وتكويفن المجتمفع المسفلم الذي سيجد
نفسفه بالضرورة مفاصفلً للمجتمفع الجاهلي .ولمفا كانفت جماعفة الخوان المسفلمين معطلً نشاطهفا
بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة 1954كان ضروريًا أن يكون النشاط سرياً .
وقفة مع زوجي
لم يكن عملي في هذا النشاط يعطلني عن تأدية رسالتي في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات
ول يجعلنفي أقصفر ففي واجفبي السفري ،غيفر أن زوجفي الفاضفل المرحوم محمفد سفالم سفالم لحفظ
تردد الخ عبد الفتاح إسماعيل وبعض لبنات طاهرة زكيه من الشباب المسلم على منزلنا .فسألني
زوجفي :هل هناك نشاط للخفوان المسلمين ؟ أجبت :نعم . .فسألني عن مدى النشاط ونوعيته .
.قلت :إعادة تنظيفم جماعفة الخوان ..ولمفا أخفذ يبحفث المفر معفي قلت له :هفل تذكفر يفا زوجفي
العزيز عندما اتفقنا على الزواج ..
ماذا قلت لك ؟ قال :نعم اشترطت شروطاً ،ولكني أخاف عليك اليوم من تعرضك للجبابرة .
ثم صمت وأطرق برأسه فقلت له :أنا أذكر جيداً ما قلت لك :لقد قلت لك يومها :إن هناك شيئاً في
حياتي يجب عليك أن تعلمه أنت لنك ستصبح زوجي ،ومادمت قد وافقت على الزواج فيجب أن
أطلعفك عليفه على ألّ تسفألني عنفه بعفد ذلك ،وشروطفي بخصفوص هذا المفر ل أتنازل عنهفا . .أنفا
رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ..وهذا حق ،ولكن الناس في أغلبهم يعتقدون أني
أدين بمبادئ الوفد السياسية ،وهذا غير صحيح ..المر الذي أومن به وأعتقده هو رسالة الخوان
المسفلمين ..ما يربطنفي بمصفطفى النحاس هو الصداقة الشخصية ،لكني على بيعفة مع حسفن البنا
على الموت في سبيل ال ،غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني ،
ولكنففي أعتقففد أنففي سفأخطو هذه الخطوة يومًا مففا بففل وأحلم بهففا وأرجوهففا ،ويومهففا إذا تعارضففت
مصفلحتك الشخصفية وعملك القتصفادي مفع عملي السفلمي ووجدت أن حياتفي الزوجيفة سفتكون
عقبففة فففي طريففق الدعوة وقيام دولة السففلم فسففنكون على مفرق طريففق ،ويومهففا أطرقففت إلى
16
الرض ثفم رفعفت رأسفك والدموع محبوسفة ففي عينيفك لتقول :أنفا أسفألك لتقول :أنفا أسفألك ماذا
يرضيك من المطالب المادية فل تسألين ول تطلبين أي شئ من مهر أو مطالب زواج ،وتشترطين
عليّ أل أمنعك عن طريق ال ..
أنا ل أعلم أن لك صلة بالستاذ البنا ،والذي أعلمه أنك اختلفت معه بشأن انضمام جماعة السيدات
المسلمات إلي الخوان المسلمين .
قلت :الحمد ل ،اتفقنفا أثناء محنة الخوان سنة 1948قبفل استشهاد البنفا ،وكنت قررت أن ألغي
أمففر الزواج مففن حياتففي ،وأنقطففع للدعوة انقطاعاً كليًا ..وأنففا ل أسففتطيع أن أطلب منففك اليوم أن
تشاركنففي هذا الجهاد ،ولكففن مففن حقففي أن اشترط عليففك أل تمنعنففي جهادي فففي سففبيل ال ،ويوم
تضعني المسئولية في صفوف المجاهدين فل تسألني ماذا أفعل ولتكن الثقة بيننا تامة ،بين رجل
يريد الزواج من امرأة وهبت نفسها للجهاد في سبيل ال وقيام الدولة السلمية وهي في سن الثامنة
عشرة ،وإذا تعارض صالح الزواج والدعوة إلى ال ،فسينتهي الزواج وتبقى الدعوة في كل كياني
..
ثم توقفت عن الكلم برهة ونظرت إليه قائلة :هل تذكرت ؟ قال :نعم .قلت :اليوم أطلب منك أن
ل منه سبحانهتفي بوعدك ..ل تسألني بمن ألتقي .وأدعو ال أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا فض ً
إذا تقبل عملي . .أنا أعلم أن من حقك أن تأمرني ومن واجبي أن أطيعك ولكن ال أكبر في نفوسنا
مفن أنفسفنا ،ودعوتفه أغلى علينفا مفن ذواتنفا .ونحفن ففي مرحلة خطيرة مفن مراحفل الدعوة . .قال :
سفامحيني ،أعملي على بركفة ال .يفا ليتنفي أعيفش وأرى غايفة الخوان قفد تحققفت ،وقامفت دولة
السلم ..يا ليتني كنت في شبابي فأعمل معكم ….
وكثفر العمفل ،والنشاط وتدففق الشباب على بيتفي ليلً و نهار ،وكان الزوج المؤمفن يسفمع طرقات
الباب ففي جوف الليفل فيقوم مفن نومفه ويفتفح للطارقيفن ويدخلهفم إلي حجرة المكتفب ،ويذهفب إلي
حجرة السيدة التي تدير أعمال البيت فيوقظها ويطلب منها أن تعد للزائرين بعض الطعام والشاي ،
ثفم يأتفي إليّف فيوقظنفي ففي إشفاق وهفو يقول :بعفض أولدك ففي المكتفب وعليهفم علمات جهفد أو
سففر ،وأرتدي ملبسفي وأذهفب إليهفم ويأخفذ هفو طريقفه إلى مكان نومفه وهفو يقول لي :إذا صفليتم
الفجر جماعة فأيقظيني لصلي معكم إن كان ذلك ل يضر ،فأجيب إنشاء ال .
فإن صفلينا الفجفر أيقظتفه ليصفلي معنفا ثفم ينصفرف ،وهفو يحيفي الموجوديفن تحيفة أبويفة مملوءة
بالشفقة والحب والحنان .
في عام 1962التقيت بشقيقات المام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد سيد قطب بالتفاق مع الخ عبد
الفتاح إسفماعيل وبإذن مفن السفتاذ حسفن الهضيفبي ،المرشفد العام للخوان المسفلمين ،للتصفال
بالمام سيد قطب في السجن لخذ رأيه في بعض بحوثنا والسترشاد بتوجيهاته .طلبت من حميدة
قطففب أن تبلغ الخ سففيد قطففب تحياتنففا ورغبففة الجماعففة المجتمعففة لدراسففة منهففج إسففلمي فففي
السفترشاد بآرائه ..وأعطيتهفا قائمفة بالمراجفع التفي ندرسفها وكان فيهفا تفسفير ابفن كثيفر ،والمحلي
لبفن حزم ،والم للشافعفي وكتفب ففي التوحيفد لبفن عبفد الوهاب وففي ظلل القرآن لسفيد قطفب ،
وبعففد فترة رجعففت إلي حميدة وأوصففت بدراسففة مقدمففة سفورة النعام ..الطبعفة الثانيفة وأعطتنففي
17
ملزمة من كتاب قالت :إن سيد يعده للطبع واسمه معالم في الطريق ..وكان سيد قطب قد ألفه في
السجن وقالت لي شقيقته ،إذا فرغتم من قراءة هذه الصفحات سآتيكم بغيرها .
وعلمفت أن المرشفد اطلع على ملزم هذا الكتاب وصفرح للشهيفد سفيد قطفب بطبعفه ..وحيفن سفألته
قال لي :على بركة ال ..إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد ،ربنا يحفظه ،لقد قرأته وأعدت
قراءتففه وأعدت قراءتففه ،إن سففيد قطففب هففو المففل المرتجففى للدعوة الن ،إن شاء ال وأعطانففي
المرشفد ملزم الكتاب فقرأتهفا فقفد كانفت عنده لخفذ الذن بطبعهفا وقفد حبسفت نفسفي ففي حجرة بيفت
المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق " .
وأخذنا نعيد الدراسة والبحث من جديد في صورة نشرات قصيرة توزع على الشباب ليدرسوها ثم
تدرس بتوسففع فففي حلقات ،وكانففت الفكار متفقففة والغايات غيففر مختلفففة فانسففجمت الدراسففة مففع
الوصفايا والصففحات التفي كانفت تأتينفا مفن المام الشهيفد سفيد قطفب رحمفه ال وهفو داخفل السفجن ،
وكانفففت ليالي طيبفففة وأياماً خالدة ولحظات قدس مفففع ال ،يجتمفففع عشرة أو خمسفففة مفففن الشباب
ويقرءون عشفر آيات تراجفع أحكامهفا وأوامفر السفلوك فيهفا وكفل غاياتهفا ومقاصفدها ففي حياة العبفد
المسفلم .وبعفد تفهمهفا واسفتيعابها يتقرر النتقال إلي عشفر آيات أخرى إقتداء بأصفحاب النفبي صفلى
ال عليه وسلم .
ومرت أيام حلوة طيبفة ونعمفة مفن ال تحتوينفا ونحفن ندرس وندرس ونربفي أنفسفنا ونهيفئ للدعوة
رجالهفا بشباب اقتنفع بضرورة العداد لقيام دعوة الحفق العادل ..وقرر وجوب حتميفة إعداد أجيال
في شخوص هذا الشباب الذي نرجوه أساتذة في التوجيه والعداد للجيال المقبلة .
قررنا فيما قررنا ف بتعليمات من المام سيد قطب وبإذن الهضيبي ف أن تستمر مدة التربية والتكوين
والعداد والغرس لعقيدة التوحيفد ففي النفوس .والقناعفة بأنفه ل إسفلم إل بعودة الشريعفة السفلمية
وبالحكفم بكتاب ال وسفنة رسفوله لتصفبح شريعفة القرآن مهيمنفة على كفل حياة المسفلمين ،قررنفا أن
يستغرق برنامجنا التربوي ثلثة عشر عامًا ،عمر الدعوة في مكة ،على أن قاعدة المة السلمية
الن هففم الخوان الملتزمون بشريعففة ال وأحكامففه فنحففن ملزمون بإقامففة كففل الوامففر والنواهففي
الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا السلمية ..والطاعة واجبة علينا لمامنا المبايع ،على
أن إقامفة الحدود مؤجلة فف مفع اعتقادها والذود عنها فف حتى تقوم الدولة ..وكنفا على قناعفة كذلك بأن
الرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوفر فيها صفات المة السلمية الملتزمة التزاماً كاملً ..
كمفا كان المفر ففي عهفد النبوة والخلفات الراشدة ،ولذلك وجفب الجهاد على الجماعفة المسفلمة التفي
حكففم ال والتمكيففن لدينففه فففي الرض حتففى يعود جميففع المسففلمين للسففلم فيقوم الديففن القيففم ،ل
شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة .
ودرسفنا كذلك وضفع العالم السفلمي كله بحثاً عفن أمثلة لمفا كان قائمًا مفن قبفل بخلففة الراشديفن
والتفي نريدهفا نحفن ففي جماعفة ال الن ،فقررنفا بعفد دراسفة واسفعة للواقفع القائم المؤلم ،أن ليفس
هناك دولة واحدة ينطبفق عليهفا ذلك ،واسفتثنينا المملكفة العربيفة السفعودية مفع تحفظات وملحظات
يجب أن تستدركها المملكة وتصححها ،وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة السلم ليست قائمة ،
وإن كانفت الدولة ترففع الشعارات بأنهفا تقيفم شريعفة ال ! … .وكان فيمفا قررناه بعفد تلك الدراسفة
الواسففعة ،أنففه بعففد مضففي ثلثففة عشففر عامًا مففن التربيففة السففلمية للشباب والشيوخ والنسففاء
والفتيات ،نقوم بمسح شامل في الدولة فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة السلمية المعتقدين
بأن السفلم ديفن ودولة ،والمقتنعيفن بقيام الحكفم السفلمي قفد بلغ %75مفن أفراد المفة رجالً
ونسفاءً ،نادينفا بقيام الدولة السفلمية ،وطالبنفا الدولة بقيام حكفم إسفلمي ،فإذا وجدنفا الحصفاد 25
18
%جددنا التربية والدراسة لمدة ثلثة عشر عامًا أخرى وهلم جرا ،حتى نجد أن المة فد نضجت
لتقبل الحكم بالسلم .
وما علينا أن تنتهي أجيال وتأتي أجيال ،المهم أن العداد مستمر ،المهم أن نظل نعمل حتى تنتهي
آجالنفا ثفم نسفلم الرايفة مرفوعفة " بل إله إل ال ،محمفد رسفول ال " إلى البناء الكرام الذيفن يأتون
مفن بعدنفا .وكنفا على اتصفال بالسفتاذ محمفد قطفب ،بإذن مفن المرشفد العام ،كان يزورنفا ففي بيتفي
بمفص الجديدة ليوضفح للشباب مفا غمفض عليهفم فهمفه وكان الشباب يسفتوضحونه ويسفألونه أسفئلة
كثيرة يجيب عليها .
الباب الثالث
19
المؤامرة
وخرج الستاذ الشهيد سيد قطب من السجن ،وسبق خروجه بشهور عملية محاولة اغتيالي التي لم
تنجح ،والتي تحدثنا عنها في أول هذه المذكرات ،وانتقلت إلينا أخبار بان إخراج الشهيد سيد قطب
مففن السففجن تخطيففط مففن المخابرات ليسففهل اغتياله ،وأن فففي خطففة الغتيالت القضاء على عبففد
الفتاح عبده إسفماعيل . .وعشنفا متوكليفن على ال نعمفل وخلف ظهورنفا مفا يدبر الفجار ،غيفر أننفا
أخذنفا ندرس مفا وصفلنا مفن أخبار عفن رعفب الفجار الحاكميفن ،فقفد أصفبحوا يتوهمون أن هناك
حركة فكرية يقودها سيد قطب من داخل السجن ،وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من الخوان
المسفلمين ،على رأسفها الشهيفد عبفد الفتاح إسفماعيل وزينفب الغزالي الجفبيلي خارج السفجن . .وقفد
تأكدت لدينا الخبار بان المخابرات المريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد
قدموا تقاريفر مشفوعفة بتعليمات لعبفد الناصفر بأخفذ المفر منتهفى الجفد للقضاء على هذه الحركفة
السلمية ،ول فسينتهي كل ما فعله عبد الناصر في المنطقة من تحويل عن الفكر السلمي وبث
اليأس في النفوس من إمكان أي إصلح أو بعث عن طريق السلم . .
وخلصفة المخاوف :أن هذه الحركفة السفلمية سفتقضي على كفل فكفر مغايفر للسفلم .هذا مفا
وصفلنا إجمال عمفا تحويفه تقاريفر المخابرات المريكيفة والروسفية لعبفد الناصفر ،ومفن ناحيفة أخرى
فان عبد الناصر اعتبر أن البعث السلمي بمثابة قضاء تام على حكمه الدكتاتوري الغاشم . .وفى
أوائل أغسفطس 1965وصفلتني أخبار عفن إعداد قائمفة مفن المطلوب اعتقالهفم مفن رعيفل رسفالة
التربيفة الجديدة والفكفر الذي أقام مفن الشباب جواهفر نورانيفة تتحرك بالسفلم .كمفا كان يتحرك بفه
رجال من الصدر الول في فجر الرسالة إلى دار ابن أبى الرقم ،ويتصدر القائمة الستاذ الشهيد
سففيد قطففب ،زينففب الغزالي الجففبيلي ،عبففد الفتاح عبده إسففماعيل ،محمففد يوسففف هواش .وفففى
الخامس من أغسطس وصلتني أخبار اعتقال الشهيد سيد قطب .كنت مجتمعة مع بعض الخوات
حين جاءتني مكالمة هاتفية قيل لي فيها :إن منزل سيد قطب قد فتش وبحث فيه عنه .وكان شقيقة
السفتاذ محمفد قفد اعتقفل ففي مرسفى مطروح قبفل أيام ،فطلبفت زوجفي ففي رأس البر ورجوتفه أن
يطمئننى على سيد قطب وجاءت مكالمة زوجي بعد ساعة تؤكد اعتقاله .
وقررنفففا تأجيفففل الجتماع بالخوات حتفففى نرى ماذا بعفففد العتقالت ،وكان اعتقال سفففيد قطفففب
كالصفاعقة بالنسفبة لجميفع الشباب ،فضل عنفا نحفن ،فقفد كان الهضيفبي قفد أوكفل كفل المسفئوليات
لسفيد قطفب ،وكانفت اتصفالتنا كلهفا بفه حسفب أمفر الهضيفبي ،وكان علينفا بعفد اعتقاله أن نرجفع إلى
المرشد العام ،نستأذنه فيمن يتولى المسئولية بدل من سيد .كنت أنا وعبد الفتاح ،نفكر فيما حدث
قبففل أن يحدث بخمسففة أيام ،فلمففا حدث ،زارنففي عبففد الفتاح وكلفنففي بالسفففر لرؤيففة المرشففد فففي
السفكندرية وقدم لي أحفد أبنائنفا مفن الشباب على أنفه سفيكون حلقفة التصفال بيننفا إذا اعتقفل هفو . .
ولكن بعد ساعات أرسل إلى يطلب منى أن ألزم بيتي ،وألغى سفري للسكندرية -غير أنى كنت قد
اتصفلت بالمرشد ،وجاءت السفيدة حرمفه من السكندرية -ورتب المر على أن نكون على اتصال
دائم بالهضيبي ،هذه المرة قدم لي أخا كريما ليكون حلقة التصال بيننا . .مرسى مصطفى مرسى .
واتصلت بالمرشد العام وأخبرته بواقع المر ،وأقرنا على ما اتفقنا عليه وتأثر تأثرا عميقا لخبار
العتقالت وبخاصفة اعتقال سفيد قطفب .وأخذت الخبار تتوالى بالقبفض على العشرات والمئات ،
وارتففع إلى اللف ،وقفد أقسفم لي شمفس بدران بعفد اعتقالي برأس عبفد الناصفر اعتقلوا مائة ألف
مفن الخوان ففي عشريفن يومفا ،ملئوا بهفم السفجن الحربفي وسفجن القلعفة وسفجن أبفي زعبفل وسفجن
الفيوم والسفكندرية وطنطفا وسفجوناً أخرى .وففى يوم الخميفس 19أغسفطس ،علمفت أن سفيدة
20
فاضلة تناهفز الخامسفة والثمانيفن تدعفى أم أحمفد مفن شفبرا قفد قبضوا عليهفا ،وهفى مفن المناصفرين
للدعوة من يومها الول ،وسارت في الطريق مع المام الشهيد حسن البنا خطوة خطوة ،وكان لها
جهفد كفبير مبارك ففي مسفاعدة السفر التفي فقدت العائل بالسفجن والمعتقلت الناصفرية . .وكانفت
على اتصفال دائم بنفا . .كان خفبر اعتقالهفا مفزعفا ومؤثرا بالنسفبة لي ،ولكنفى قلت لبفن أختهفا بعفد
دقائق صفمت أغرقتنفي باللم " :إنفه شيفء جميفل . .مفا دام ففي الرض التفي ضاعفت معالمهفا امرأة
مؤمنة تعتقل في سبيل ال ،وفى سبيل دولة القران ،وهي في الخامسة والثمانين ،فمرحى مرحى
يا جنود ال " ! . .
وأرسلت لبنتي في السلم غادة عمار وقلت لها " :اليوم اعتقلت مجاهدة جليلة فاضلة تدعى الست
أم أحمد ،وتقطن بناحية شبرا ولدى أموال لحساب أسر المسجونين وشؤون الدعوة فها هي إليك يا
غادة ،فإذا اعتقلت فسفلميها للمرشفد أو لل قطفب ،وسفلمتها مظروففا فيفه أموال الجماعفة التفي كانفت
أمانففة عندي ،وهففى اشتراكات مففن الخوان المسففلمين .وعلمففت بعففد ذلك وأنففا فففي السففجن أن هذا
المبلغ أودعتفه غادة عنفد ابنتفي ففي السفلم فاطمفة عيسفى وعندمفا قبفض عليهفا الطغاة اسفتولوا على
هذا المال الذي كان ثمففن الطعام وأجففر المسففاكن ومصففاريف التعليففم والعلج لبناء المسففجونين
وأسفرهم ،تلك السفر التفي ل ذنفب لهفا ول جريمفة ،ومفا قررت دولة النقلب العسفكري لتفبيدهم إل
لنهفم مفن القاعدة الخالدة على التاريفخ لتجديفد أمفر المفة السفلمية .علمفت بذلك عندمفا جيفء بغادة
عمار وعليفة الهضيفبي إلى زنزانتفي ففي السفجن الحربفي فقلت " :حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ،الدنيفا
ساعة ،أما الخرة فهي دارنا والحساب هناك " .ومرت ساعات رهيبة تحمل لي أخبار اعتقالت
جديدة ،ومرة أخرى جاءنفي رسفول طلب منفى أن أسفافر إلى السفكندرية لمقابلة المرشفد .كان ذلك
في مساء الخميس 19أغسطس ،وبينما كنت أستعد للسفر جاء آخر وطلب منى تأجيل السفر لحين
صدور أوامر أخرى .
وجاء دوري
وففى فجفر الجمعفة 20أغسفطس 1965اقتحفم رجال الطاغوت منزلي ،ولمفا طلبفت منهفم إذنفا
بالتفتيش ،قالوا :إذن ! أي إذن يا مجانين ؟ نحن في عهد عبد الناصر ،نفعل ما نشاء معكم يا كلب
!..
وأخذوا يقهقهون في صورة هستيرية وهم يقولون :الخوان المسلمون مجانين ،قال إيه ،يريدون
إذن تفتيش في حكم عبد الناصر! ودخلوا البيت وأتلفوا ما فيه بالتمزيق تارة وبالتكسير تارة أخرى
حتفى لم يتركوا شيئا سليما .وكنفت أنظفر إليهفم باحتقار وهم يمزقون فراش المنزل .وأخيرا قبضوا
على ابن أخي الطالب في كلية المعلمين محمد محمد الغزالي ،وكان يقيم معي كابني وقالوا لي :ل
تغادري البيففت .قلت :أفهففم مففن ذلك أن إقامتففي محددة .قالوا :إلى حيففن صففدور أوامففر أخرى،
واعلمي أن البيت تحت الحراسة فإذا تحركت فسيقبض عليك .وظننت أن المر سيقف عند تحديد
القامفة ،وجاء لزيارتفي شقيقتفي وأولدهفا وزوجهفا ،وكنفت أعفد حقيبتفي اسفتعدادا للقبفض على .
ورجوت زوج شقيقتفي مغادرة المنزل حتفى ل يقبضوا عليفه إن عادوا ووجدوه كمفا فعلوا مفع ابفن
أخفي .ولكنفه أصفر على البقاء رغفم محاولتفي المتكررة ففي إفهامفه أن الوقفت ليفس وقفت مجاملة أو
نحوه .وبينمفا كنفا نتناول الغداء اقتحفم المنزل زبانيفة الطاغوت وأتوا على البقيفة الباقيفة واسفتولوا
على مفا ففي الخزانفة .واسفتولوا على مفا يزيفد على نصفف مكتبتفي ،ولم تفلح محاولتفي ففي إنقاذ
بعفض المؤلفات القديمفة ففي التفسفير والحديفث والفقفه والتاريفخ ممفا يعود تاريفخ طبعفه إلى أكثفر مفن
مائة عام ،كمفا لم تفلح محاولتي في الحتفاظ بمجموعات ثلث من مجلة السفيدات المسلمات التي
21
أوقففت بأمفر عسفكري سفنة ، 1958فقفد صفادروا كفل مفا أرادوا وللخزانفة وقتهفا قصفة عجيبفة .فقفد
كانت الخزانة لزوجي إل أن بها أشياء تخصني أيضا .فلما طلبوا المفتاح قلت لهم :إنه مع زوجي
وهفو مسفافر ففي مصفيفه ،فإذا بهفم يهتفون برجفل منهفم يأمرونفه بفتفح الخزانفة ،وتقدم هذا الرجفل
وفتح الخزانة بآلت ومفاتيح كانت معه ،كأي لص متمرس ! ! ولما طلبت منهم إيصال بما أخذوه
قالوا في سخرية " :أنت مجنونة .أنت فاكرة نفسك شاطرة ،إخرسي بلش دوشة" .وقبضوا على
وأدخلوني عربة وجدت فيها ابن أخي الذي قبضوا عليه في الفجر ،وشابا من شباب الدعوة ،سألت
ابن أخي :إيه يا محمد؟ فلم يجبني ففهمت أن التعليمات إليه أن ل يتكلم ،وكانوا قد أتوا به ليرشدهم
إلى المنزل لن هؤلء كانوا غير زوار الفجر . .وأخذت العربة تنهب بنا الطريق حتى وصلت إلى
السجن الحربي ،عرفت ذلك من اللوحة الموجودة على بوابته ،واقتحمت السيارة البوابة المرعبة ،
وبعدمفا ابتلعفت البوابفة السفيارة ومفن فيهفا .أنزلت منهفا واتجفه بفي وغفد غليفظ إلى حجرة اسفتجوبني
فيهفا وغفد آخفر ،وأدخلت منهفا إلى حجرة أخرى .ووقففت أمام رجفل ضخفم الجثفة مظلم الوجفه قبيفح
اللفظ ،فسأل الذي يمسك ذراعي عنى فأجابني بسباب غلف فيه أسمي ،ومع ذلك التفت هو إلى في
غلظفة وسفألني مفن أنفت ! .قلت " :زينفب الغزالي الجفبيلي" .فانطلق يسفب ويلعفن بمفا ل يعقفل ول
يتصفور .وصفرخ الذي يمسفك بذراعفي قائل " :دا رئيفس النيابفة يفا بنفت الففف . . .ردى على سفعادته
" ،وكان الخر قد صمت
قلت :لقد اعتقلوني أنا وكتبي وكل ما في الخزانة ،فأرجو حصر هذه الشياء وتسجيلها فمن حقي
أن تعاد إلى .أجاب رئيس النيابة المزعوم الذي وضح فيما بعد أنه شمس بدران ،أجاب في فجور
وجاهليفة متغطرسفة" :يفا بنفت الفففف . . .نحفن سفنقتلك بعفد سفاعة ،كتفب إيفه ؟ وخزنفة إيفه ؟ ومصفاغ
إيفه ؟ أنفت سفتعدمين بعفد قليفل ،كتفب إيفه وحاجات إيفه اللي بتسفألي عليهفا يفا بنفت الفففف ، . . .إحنفا
سندفنك كما دفنا عشرات منكم يا كلب هنا في السجن الحربي" لم أستطع أن أجيب ،لن الكلمات
كانففت بذيئة اللفاظ سففافلة ،والسففباب والشتائم منحطففة إلى الحففد الذي ل يسففتطيع فيففه النسففان أن
يسمعها فضل عن أن يجيب عنها.
وقال هذا المتغطرس للذي يمسفففك ذراعفففي :خذهفففا . . .قال :إلى أيفففن ؟ أجاب ؟ هفففم عارفون .
وجذبنفي الفاجفر ففي وحشيفة وهفو يقول :يفا بنفت الفف . . .وعنفد الباب نادى صفاحب الجثفة الغليظفة
المظلمة على الشيطان الممسك بذراعي فالتفت إليه ،فكأني أرى ظلمة من دخان غليظ أسود تغرقه
،قلت فففي سففرى :أعوذ بال مففن الشيطان الرجيففم ،ثففم تضرعففت إلى ال قائلة :اللهففم أنزل على
سكينتك وثبت قدمي في دوائر أهل الحق ،واربط على قلبي بذكرك وارزقني الرضا بما يرضيك .
وقال الممسفك بذراعفي للشيطان :نعفم يفا معالي الباشفا .قال له :تروح رقفم 24وبعفد ذلك تأتونفي .
وانصرف بي الشيطان الشقي الممسك بذراعي وأدخلني حجرة ،فرأيت رجلين يجلسان إلى مكتب
ففي يفد أحدهمفا مفكرة كنفت أعرفهفا ،وهفى خاصفة بالخ الشهيفد عبفد الفتاح إسفماعيل ،كان يخرجهفا
ففي حلقات القران ونحفن نتدارس ويدون بهفا بعفض ملحظاتفه ،فعرففت أنفه اعتقفل وبعفض الخوان
إذ كان عنده اجتماع بهفم ففي ذلك الوقفت ،وأحدث ذلك رعدة ففي نفسفي خشيفت أن يلحظهفا بعفض
الشياطيففن ،وكان أذان العصففر يخترق سففمعي ،وترك الشيطان رقبتففي ولكففن ظللت فففي مكانففي
فصفليت إلى ال ،ومفا أن انتهيفت مفن الصفلة حتفى انكفب الشيطان على ففي وحشيفة ،قيفل له :اذهفب
بها إلى . 24
خرج بفي الشيطان وهفو ممسفك بذراعفي ،وسفار معنفا اثنان مفن الشياطيفن سفود الوجوه ممسفكان
22
بالكرابيفج ،سفاروا بفي ففي أنحاء متعددة مفن السفجن الحربفي . .ورأيفت الخوان المسفلمين معلقيفن
على العواد والسفياط تلهفب أجسفادهم العاريفة ،وبعضهفم سفلطت عليفه الكلب الضالة لتمزق جسفده
بعد السياط .وبعضهم يقف ووجهه إلى الحائط في انتظار دوره من التعذيب والتنكيل .كنت أعرف
عددا كفبيرا مفن هؤلء الشباب المؤمنيفن التقياء النقياء ،أبنائي وأحبائي ففي ال ،أصفحاب مجالس
التفسفير والحديفث والحياة النديفة الذكيفة ففي دارى ،ففي دارهفم ،ففي دار ابفن أبفى الرقفم ،ففي هدأة
السفحر ،ففي أنوار الفجفر .عرففت منهفم الكثيفر ،رأيفت العجفب ،هذه النماط البشريفة الفريدة ففي
إنسانيتها ،المترفعة بإسلمها ،الموصولة بالسماء المرموقة بعين القدرة المنزهة المتمتعة بحضرة
ال سفبحانه وتعالى ،شباب السفلم ،شيوخ السفلم ،هذا مصفلوب على خشبفة ،هذا منكففئ على
وجهففه للحائط ،والسففياط تنزل عليففه تأكففل مففن ظهره ،هذا ينزف مففن جففبينه الذي لم ينحففن إل ل
والنور يغمففر وجهففه المنسففاب مففن رأسففه المرتفففع المعتففز بال ،وذاك ظهره للحائط ،كففل الوجوه
يجرى فيهففا نور التوحيففد . .ولكففن نزيففف الدم مففن الوجوه والظهور شيففء مخيففف .وصففرخ شاب
مصفلوب على خشبفة :أماه ! ثبتفك ال ! قلت :والنور قفد غطفى المكان فلمفع لون الدم فيفه :أبنائي ،
إنها بيعة ،صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة .
ورففع الشيطان يده وهفو يهوى بهفا على صفدغي وأذنفي ،فأخذت عينفي تدور وأذنفي كذلك كأن ماسفا
كهربيفا قفد مسفها ،وانكشفف النور عفن أجسفام ممزقفة وأشلء متناثرة تمل المكان ،فقلت :ففي سفبيل
ال وسفففففففففففففففمعت صفففففففففففففففوتا كأنفففففففففففففففه يأتفففففففففففففففي مفففففففففففففففن الجنفففففففففففففففة :
اللهفم ثبفت القدام ،اللهفم احفظهفم مفن الفجرة .لولك ربفى مفا اهتدينفا ،ول تصفدقنا ول صفلينا . .
فثبففت القدام إن لقينففا .وارتفعففت أصففوات السففياط وتزاحمففت ،ولكففن صففوت اليمان أقوى
وأوضفح ،وكانفت برهفة ،وخرج صفوت آخفر كأنفه مقبفل مفن السفماء يقول " :ل إله إل ال وحده ل
شريك له " .وقلت ثانية " :صبرا يا أبنائي إنها بيعة ،صبرا إن موعدكم الجنة" .وأخذت يد الفاجر
ظهري بضربة موجعة أليمة ساخنة ،فقلت " :ال أكبر ول الحمد ،اللهم صبرا ورضا ،اللهم شكرا
وحمدا على مففا أنعمففت بففه علينففا مففن السففلم واليمان والجهاد فففي سففبيلك " .وفتففح باب لحجرة
مظلمة فدخلتها ثم أغلقوا بابها .
ابتلعتني الحجرة فقلت :باسم ال السلم عليكم .وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية! إنها للتعذيب
! الحجرة مليئة بالكلب ! ل أدرى كفم ! ! أغمضفت عينفي ووضعفت يدي على صفدري مفن شدة
الفزع ،وسفمعت باب الحجرة يغلق بالسفلسل والقفال وتعلقفت الكلب بكفل جسفمي ،رأسفي ويدي،
صفدري وظهري ،كفل موضع في جسمي ،أحسست أن أنياب الكلب تغوص فتحفت عيني من شدة
الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى ووضعت يدي تحت إبطي وأخذت أتلو أسماء ال الحسنى
مبتدئة ب "يفا ال ،يفا ال " وأخذت أنتقفل مفن اسفم إلى اسفم ،فالكلب تتسفلق جسفدي كله ،أحفس
أنيابهفا ففي فروة رأسفي ،ففي كتففي ،ففي ظهري ،أحسفها ففي صفدري ،ففي كفل جسفدي ،أخذت أنادى
ربى هاتفة" :اللهم اشغلني بك عمن سواك ،اشغلني بك أنت يا إلهي يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد،
خذنففي مففن عالم الصففورة ،اشغلنففي عففن هذه الغيار كلهففا ،اشغلنففي بففك ،أوقفنففي فففي حضرتففك ،
إصفبغني بسفكينتك ،ألبسفني أرديفة محبتفك ،ارزقنفي الشهادة فيفك والحفب فيفك والرضفا بفك والمودة
لك وثبفت القدام يفا ال ،أقدام الموحديفن " .كفل هذا كنفت أقوله بسفري ،فالكلب ناشبفة أنيابهفا ففي
جسففدي .مرت سففاعات ثففم فتففح الباب وأخرجففت مففن الحجرة .كنففت أتصففور أن ثيابففي البيضاء
مغموسة في الدماء ،كذلك كنت أحس وأتصور أن الكلب قد فعلت .لكن يا لدهشتي ،الثياب كأن لم
23
يكن بها شيء ،كأن نابا واحدا لم ينشب في جسدي .سبحانك يا رب ،،إنه معي ،يا ال هل أستحق
فضلك وكرمك ،يا ال يا إلهي لك الحمد .كل هذا أقوله أيضا في سرى ،فالشيطان ممسك بذراعي
يسألني :كيف لم تمزقك الكلب ؟ والسوط في يده وخلفي شيطان ثان بيده سوط أيضا .كان الشفق
الحمفر يكسفو السفماء ينبفئ بأن الشمفس قفد غربفت ،وأننفا أوشكنفا على العشاء إذن فقفد تركفت مفع
الكلب اكثففر مففن ثلث سففاعات .لك الحمففد يففا إلهففي على كففل حال .اخترقوا بففي طريقففا توهمتففه
طويل ،فتح باب :ابتلعتني الساحة المخيفة خلفه .ثم ابتلعني ممر طويل مخيف على جانبيه أبواب
مغلقفة .أحفد البواب منفرج بعفض الشيفء يطفل منفه وجفه منيفر ،خرج منفه بعفض النور فبدد بعفض
ظلم الممر ،عرفت فيما بعد أنه باب الزنزانة رقم 2التي تسبق زنزانتي رقم 3ويسكنها الضابط
الكففبير محمففد رشاد مهنففا الذي كان يومففا وصففيا على عرش مصففر الذي توهففم الفجرة أن الخوان
سينصبونه رئيسا للجمهورية فاعتقلوه .وفتح باب الزنزانة رقم . . 3فابتلعتني .
وفتفح باب الزنزانفة ( ) 3فابتلعتنفي واختطفتنفي ظلمتهفا وأغلق الباب خلففي ففي اللحظفة التفي أشعفل
فيها مصباح معلق في سقف الزنزانة ،كان الضوء مخيفا مرعبا لشدته ل تستطيع أن تفتح عينك فيه
.فعرففففففففففففففففففففففففت للتفففففففففففففففففففففففو أنفففففففففففففففففففففففه للتعذيفففففففففففففففففففففففب أو الرهاق .
وبعفد فترة طرقفت الباب ،وجاء مارد أسفود ففي غلظتفه سفألني عمفا أريفد ،فاسفتأذنت ففي الذهاب إلى
دورة المياه للوضوء ،فأجاب فففففففي وحشيففففففة ممنوع طرق الباب -ممنوع دورة المياه -ممنوع
الوضوء -ممنوع الشرب .إذا طرقففت الباب سففأجلدك خمسففين جلدة ،وفرقففع بالسففوط فففي الهواء
ليريني أنه على استعداد لتنفيذ تهديده .لم يكن في الزنزانة شيء ،وكنت قد تعبت من الوقفة الطويلة
بيفن الكلب ففي "الحجرة "24فخلعفت معطففي وفرشتفه على أرضهفا وتيممفت وصفليت المغرب
والعشاء ،وجلسففت القرفصففاء ،ولكففن سففاقي المكسففورة لم ترحنففي فوضعففت حذائي تحففت رأسففي
وتمددت على إسففلت الحجرة .لكفن الطغاة لم يمهلونفي .كان بأعلى الزنزانفة نافذة تطفل على فناء
السفجن ،جاءوا بصفليب مفن الخشفب على ارتفاع النافذة ثفم جاءوا بشباب مفن المؤمنيفن يصفلبونهم
الواحفد تلو الخر على هذا الصفليب ،ويأخذون في جلد المصفلوب بالسياط ،والشاب يذكر اسفم ال
ويسفتنجد بفه ،وبعفد نصفف سفاعة مفن الجلد المسفتمر المتواصفل يقولون لهذا الشاب الذي قفد يكون
مهندسففا أو مسففتشارا أو طبيبففا" :يففا ابففن الكلب متففى جئت هنففا؟" .فيقول " :اليوم أو البارحففة" ،
فيعودون إلى السفؤال " :متى ذهبت إلى منزل زينب الغزالي آخر مرة؟" .فإن قال ل أذكفر ،عادوا
إلى الجلد وطلبوا منففه أن يسففب زينففب الغزالي بأبشففع مففا يتصففور النسففان مففن اللفاظ الفاحشففة ؟
الكلمات البذيئة ،؟طبعففا يرفففض هذا الشاب المؤمففن ويعودون لجلده مرة أخرى ،وربمففا قال أحففد
الشباب :إننففا ل نرى فيهففا إل الصففدق والفضيلة فيزيدونففه ضربففا وجلدا حتففى يفقففد الوعففي ،فيأتوا
بآخفر طالبيفن منفه نففس الشيفء ظنفا منهفم أن ذلك يضعفف مفن عزيمتفي .وهكذا ،شاب يعقفب أخاه ،
وقلبففي يتمزق على هذا الشباب المؤمففن .أخذت أناجففى ال وأتضرع إليففه طويل .سففألت ال أن
يجعلني فداء لهذا الشباب فأتلقى التعذيب بدل منهم ،فقد تصورت أن هذا أهون على ،فأخذت أدعو
ال أن يجعلنفي مكانهفم أو يصفرف عنفى وعنهفم هذا الجلد .تمنيفت أن يقولوا مفا يريده هؤلء الفجرة
عففن زينففب الغزالي حتففى ترفففع عنهففم السففياط ،ولكنهففم لم يقولوا ،والسففياط تتضاعففف وتتعالى
صيحاتهم واللم يمزقني .وأنا أناجي ربى فأقول "اللهم اشغلني بك عنهم واشغلهم بك عنى .اللهم
ألهمهم الخير الذي يرضيك ،اللهم احجب عنى أصوات تعذيبهم ،اللهم إنك تعلم ما في نفسي ول
24
أعلم ما في نفسك ،إنك أنت علم الغيوب ،تعلم خائنة العين وما تخفى الصدور ،فرحمتك اللهم
بعبادك " .
الرؤيا
ول أدرى كيف أخذني النوم وأنا أذكر ال ،وكان في هذا النوم خير وفضل وعطاء ،كان فيه رؤيا
مباركة هي إحدى رؤاي الربع لحضرة النبي عليه الصلة والسلم في محنتي :
"رأيفت بحمفد ال صفحراء متراميفة وإبلً عليهفا هوادج كأنهفا صفنعت مفن النور ،وففى كفل هودج
أربعة من الرجال كأنهم أيضا وجوه نورانية ،رأيتني خلف هذا السيل من البل في هذه الصحراء
المترامية التي ل يحدها البصر ،أقف خلف رجل عظيم مهيب وهو يأخذ بخطام امتد في أعناق هذا
السفيل الجارف مفن البفل التفي ل يحصفى عددهفا .أخذت أردد ففي سفرى :أتكون حضرة محمفد
صلى ال عليه وسلم .فإذا به يجيبني " :أنت يا زينب على قدم محمد عبد ال ورسوله " .سألت :
"أنا يا سيدي يا رسول ال على قدم محمد عبد ال ورسوله ؟" .
قال عليه الصلة والسلم " :أنتم يا زينب على الحق ،أنتم يا زينب على الحق ،أنتم يا زينب على
قدم محمد عبد ال ورسوله " .وقمت من النوم وكأنني ملكت الوجود بهذه الرؤيا ،وأدهشني – بعد
ما نسيت ما أنا فيه وأين أنا – أنى ل أجد ألم السياط ول الصلبان القريبة من النافذة ،فقد نقلت إلى
مكان بعيد وأصبحت الصوات تأتيني عن بعد .
ثانففي مففا أدهشنففي أن اسففمي فففي شهادة الميلد زينففب غزالي واسففم الشهرة المعروف لدى الناس
"زينفب الغزالي" والرسفول عليفه الصفلة والسفلم ينادينفي بأسفمى ففي شهادة الميلد وفعل نقلتنفي
الرؤيا عن الزمان والمكان فتيممت ،وأخذت أصلى ركعات شكرا ل على هذا العطاء .وفى إحدى
سجداتي وجدتني أقول " :ربى بم أشكرك ؟ إني ل أجد ما أشكرك به إل أن أجدد بيعتي لك .اللهم
إنفي أبايعفك على الشهادة ففي سفبيلك .اللهفم أنفا أبايعفك على أل يعذب أحفد بسفببي .اللهفم ثبتنفي على
الحق الذي يرضيك وأوقفني في دائرة الحق الذي يرضيك ! " وانتهيت من صلتي ،وأخذت أكرر
مفا دعوت بفه ففي سفجودي وكأننفي أعيفش ففي عالم غيفر الذي أنفا فيفه وأحسفست براحفة وسفكينة
واطمئنان قلب . .
وسفمعت ضجفة شديدة ففي الخارج وأصفوات عربات كثيرة تتزاحفم إلى الداخفل وأخرى خارجفة مفن
الجحيفم ،عرففت فيمفا بعفد أن هذا الوقفت انتهاء ورديفة مفن الزبانيفة وبدء ورديفه أخرى للتعذيفب . .
وسمعت المؤذن يؤذن لصلة الفجر فرددت الذان ثم تيممت وصليت . .
أمضيفت على هذه الحال سفتة أيام على التوالي مفن مسفاء الجمعفة 20أغسفطس إلى الخميفس 26
أغسفطس ل يفتفح باب الزنزانفة فل أكفل ول شرب ول دورة مياه ول صفلة بالخارج ،غيفر تلصفص
هذا الشيطان الذي يضففع عينففه على فتحففة باب الزنزانففة الصففغيرة بيففن الحيففن والحيففن .ولك أن
تتصور أيها القارئ العزيز كيف تستطيع أن تعيش هكذا ،وإذا استطعت أن تعيش بل طعام ول ماء
كيف يستغني النسان عن قضاء حاجته الضرورية؟ كيف يعيش النسان بغير أن يذهب إلى دورة
المياه ولو مرة واحدة ففي اليوم ؟ .ول تنفس أننفا كنفا ففي شهفر أغسفطس ! فهفل تجيفز اليهوديفة أو
الوثنيفة ذلك ! فمفا بالك بالذيفن يدعون أنهفم مسفلمون . .وهفل يفعفل ذلك أي كائن ينتمفي للجنفس ا
لبشرى ؟ !
يا ال ! لكم جنى الطغاة المستبدون على كرامة النسان ،وتحللوا من كل دين وخلق ،ولكن اليقين
بال واعتقاد الحفق ،وأن يرى النسفان ربفه ويعايفش أمره كفل ذلك قفد يصفنع شيئا كفبيرا فوق طاقفة
البشفر .فل تدهفش أيهفا القارئ :لننفي اسفتطعت أن أعيفش هذه اليام بغيفر ماء ،أو طعام ،أو قضاء
25
ضرورة ،أو صفلة بإنسفان .اللهفم إل هذه الطرقات مفن الشيطان السفود الذي ربمفا فتفح الباب يسفأل
في غلظة ووحشية :يا بنت الفف . .أنت لسة عايشة؟!.. .
نعم أيها القارئ لقد عشت هذه اليام بأمرين . .
الول :هفو فضفل ال علينفا باليمان بفه .إنفه السفلم الذي يمنفح صفاحبه قوة يغالب بهفا الصفعاب
والمشقات أيفا كانفت هذه الصفعاب .إنفه فضفل ال .فاليمان يعطفى قوة وطاقفة احتمال هائلة ،تعلو
قوة الطواغيت الفجرة الذين ظنوا أنهم فعل يحكمون .والحق أن المؤمن يعيش متصل بال سبحانه
.مستغنيا عن الصورة والغيار .
والمفر الثانفي :هفو تلك الرؤيفا المباركفة التفي كانفت بمثابفة تخفيفف وزاد ودفعفة حياة مفن ال تعالى،
عشفت بهفا مشغولة بفه عفن الغيار المحيطفة بفي ،وجعلتنفي أحتمفل ففي رضفا وسفكينة جحيفم هؤلء
الطواغيت . .وفى صبيحة اليوم السابع فتح باب الزنزانة ودخل الشيطان السود وبيده ربع رغيف
ملوث بقذارة من فضلت النسان وقطعة من الجبن الصفر كذلك .ورمى بهما إلى الرض وقال
يفا بنفت الفف . .ده أكلك مفا دمفت عايشفة .لم أمفس الخبفز ول الجبفن وأخذت الماء وأغمضفت عينفي
لشدة قذارة إنائه وسددت أنفى ،ورفعت الماء إلى فمي وأنا أقول " :بسم ال الذي ل يضر مع اسمه
شيفء ففي الرض ول ففي السفماء وهفو السفميع العليفم " " .اللهفم اجعله غذا ًء وريفا ،وجهادا وعلمفا،
ومعرففة وصفبرا ورضفا" .وشربفت مفن الكوز وأغلقفت الزنزانفة .ومكثفت على حالي إلى مفا قبفل
غروب الشمس .حين فتحت الزنزانة ودخل الشيطان السود .وقال وهو يضرب بالسوط الذي في
يده – على الحائط وعلى أرض الزنزانة :قومي يابنت الف ..روحي المراحيض ..وعندما خرجت
كدت أن أسقط على الرض لشدة إعيائي فأمسك بذراعي ومشى بي حتى أدخلني المرحاض ،ولما
أردت اغلق باب المرحاض قال :ممنوع اغلقففه ،فخرجففت مففن المرحاض وقلت له :أرجعنففي
إلى الزنزانة ل أريد شيئاً .قال في وحشية والجاهلية تغطي عليه وعلى المكان .أدخلي يا بنت الف .
.أمال إحنفا حانحرسفكم إزاي يفا أولد . . . .أريفد مفن القارئ أن يتصفور معفي هذا الموقفف ؟! أي
جاهلية وأي إلحاد يبيح ذلك ؟ .عدت إلى الزنزانة وأنا أتمنى الموت إن كان الموت خيرا لي .حتى
ل أضطففر مففر ة أخرى إلى الذهاب إلى دورة المياه مففع هذا الشيطان ،أغلقففت الزنزانففة فتيممففت
وصفليت المغرب .ومفا أن انتهيفت حتفى فتفح باب الزنزانفة ودخفل الوحفش الذي أدخلنفي مفن قبفل
حجرة الكلب ويدعفى صففوت الروبفي ،ومعفه شخصفان .ثفم قال أتفضفل يفا دكتور .تولى أحدهفم
الكشف على وأنا على إسفلت الزنزانة .قال واحد من الواقفين للذي يكشف على :إيه يا شعراوي؟
أجاب :ل شيففء قلبهففا سففليم .ذلك القلب الذي أصففيب بجلطففة مففن التعذيففب .وخرجوا وأغلقففت
الزنزانة .وبعد دقائق فتحت الزنزانة وأخذوني إلى حوش مرعب مظلم مخيف وتركوني ساعتين
تقريبففا .وجهففي للحائط بعففد أن أمرونففي بعدم التحرك .وقالوا لي وهففم يغلقون على باب الحوش :
أجلك انتهفى النهاردة ! يفا بنفت الففف . .أخذت أفكفر فعل فيمفا يقولون وأطلب مفن ال السفكينة والمفن
وأن ألقاه على السفلم ،وأخذت أتلو فاتحفة الكتاب وسفورة البقرة وأنفا أحفس وكآنفي أقرأهفا للمرة
الولى .واصلت بالتلوة حتى أيقظتني من استغراقي صفعة من يد غليظة قاسية وصعق الكهرباء،
وأخففذ هذا الوحففش يضربنففي بقسففوة بالسففوط على جسففدي حيثمففا وقففع ،ثففم أعطانففي ثلث ورقات
بيضاء وقال :والظلمفة تتسفاقط مفن وجهفه كأنمفا ففي عينيفه شيطان :إكتفبى هذه الوراق ! ودخفل
ثلثة رجال يأمرونه أن يعيد ضربي ويعلقون " :حتى ل تنسى أن تكتبي ما نريد يا بنت الفف .. . .
" ثفم أمروه بعفد فترة بإيقاف الضرب وأمسفك بفي أحدهفم ففي غلظفة ورمفى بفي إلى الحائط .عرففت
فيما بعد أنه حمزة البسيوني .وتلقفني آخر ،ويدعى سعد خليل فأخذ يهزني هزا عنيفا حتى أسقطني
على الرض وأمر العسكري أن يركلني بقدمه .ثم جاءوا بمقعد أجلسوني عليه وأعطوني الوراق
وأنا ل أستطيع أن أمسكها لشدة ما بي ،وقاومت وأمسكتها واللم يعتصرني .وصاح بي أحد هؤلء
26
القزام :اكتبي أسماء كل من تعرفين في السعودية .في السودان .في لبنان ،في الردن .في أي
مكان ففي العالم .اكتفبي كفل معارففك على وجفه الرض ،إذا لم تكتفبي فسفنضربك بالرصفاص ففي
هذا المكان الذي تقفيفن فيفه .اكتفبي كفل معارففك مفن الخوان المسفلمين وكفل شفئ عفن صفلتك بهفم .
وقدموا لي قلمفا ثفم أغلقوا الباب وخرجوا .وجلسفت إلى الوراق وكتبفت فيهفا :إن لي ففي كثيفر مفن
البلد أصفدقاء عرفونفي عفن طريفق الدعوة السفلمية .فحركتنفا ففي الرض هفي ل سفبحانه ،وال
يسوق إلينا من يختار وجهته وطريقه .الطريق الذي سلكه من قبلنا أصحاب محمد صلى ال عليه
وسلم والسلف الصالح . . .
إن غايتنفا أن ننشفر دعوة ال وندعفو للحكفم بشرعفه .أننفي باسفم ال أدعوكفم أن تتخلوا عفن جاهليتكفم
وتجددوا إسلمكم .وتنطقوا بالشهادتين وتسلموا ل وجوهكم ،وتتوبوا إلى ال من هذه الظلمة التي
رانت على قلوبكم فأغلقتها في وجه كل خير ،لعل ال يخرجكم من ظلمة الجاهلية إلى نور السلم
.وبلغوا ذلك لرئيفس جمهوريتكفم لعله يتوب ويسفتغفر ويعود للسفلم ،ويخلع عفن نفسفه أطمار
الجاهليفة .فان أبفى فانتفم مسفئولون عفن أنفسفكم وعفن الطريفق الذي اخترتموه .وأشهفد أن ل إله إل
ال واشهفد أن محمدا عبفد ل ورسفوله .اللهفم اشهفد أنفى قفد بلغفت دعوتفك ،فان تابوا فتفب عليهفم .
اللهفم وتفب علينفا فانفك أنفت العزيفز الحكيفم .وثبفت أقدامنفا على الطريفق وامنحنفا الشهادة ففي سفبيلك
عطاء منك وفضل . .
كتبفت ذلك مسفتعينة بال واثقفة أنفى أديفت رسفالة ال .وعدت إلى تلوتفي ،وجاء المدعفو صففوت
الروبفي فاخفذ الوراق وتركنفي ففي هذا المكان المرعفب بعفد أن أطففأ النور .ولم تمفض فترة حتفى
فتفح باب الحوش وأوقدت الكهرباء ودخفل أربعفة جنود ومعهفم صففوت يصفيح بكفل مفا ففي قاموسفه
البشع من ألفاظ السباب والشتائم .يا بنت الفف . .و . .و . .إحنا بنهزر؟ إيه الكلم الفارغ اللي أنت
كاتباه ده ؟ .
ثفم صفاح قائل :انتباه ! ! حمزة باشفا البسفيوني ،مديفر عام السفجون الحربيفة .ودخفل مديفر عام
السفجون الحربيفة تسفبقه كلمات يقذف بهفا ،ل تسفاويها ففي سففالتها أي كلمفة أو لفظفة سفمعتها مفن
قبفل ،على قذارة مفا سفمعت .أخذت أنظفر إليفه باحتقار شديفد وازدراء .وكانفت ففي أيديهفم أوراق
قالوا كذبا إنها الوراق التي كتبتها ومزقها أحدهم وهم يعيدون ما قاله صفوت من أنهم ل يهزلون
وأنهفم يسفتنكرون الكلم الفارغ الذي كتبتفه .وقال البسفيوني :خذوهفا .دي مفا فيفش فايدة فيهفا .ثفم
خرج ،إل أنه لم يلبث أن عاد صفوت ومعه جند طرحوني أرضا بقسوة ووحشية ول أدري كيف
وضعوا يدي ورجلي في قيد وعلقوني على خشبة كما يعلق الجزار ذبيحته وجلدت وحشيا من أناس
تمرنوا وتمرسفوا ففي الجريمفة .كنفت أردد اسفم ال تعالى حتفى أغمفى على .أفقفت فوجدت نفسفي
على نقالة مثل نقالة المستشفيات .كنت عاجزة عن الحركة والكلم .غير أنى كنت أحس بما يقع .
وذهبوا بفي إلى الزنزانفة .ولمفا أفقفت مفن إغمائي وجدت نفسفي مصفابة بنزيفف شديفد .طرقفت الباب
أستغيث بأن يسعفوني بشيء أجفف به الدماء المتدفقة .وطلبت الطبيب فجاء الجواب سبابا ولعنات .
وعدت إلى ربى أساله -وهو الذي بيده كل شئ -أن يرفع عنى ما بي .وتذكرت حديث رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( :اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين ال حجاب ا ودعوت ال أن يوقف الدم
.واسفتجاب ال دعائي كرمفا وفضل .غيفر أنفى ظللت أقاسفي مفن آلم شديدة بجسفدي كله .ناهيفك
عفن قدمفي كان بهمفا نارا موقدة .ولجأت إلى ذكفر ال والصفلة له ،أروض نفسفي بالنصفراف إليفه
على احتمال مفا بفي .ومرت ليال قاسفية وأنفا على هذه الحال :آلم مبرحفة ول طفبيب ول علج إل
هذا الشيطان السفود الذي يفتفح الباب مرة كفل يوم ليرمفى بقطعفة مفن الخبفز وأخرى مفن الجبفن .
وكمففففا يضففففع هذا الشيففففء يأخذه فقففففد كنففففت ل أطيففففق رائحففففة مففففا يقدمونففففه مففففن طعام .
27
ولكن ال ألف بينهم . .
وفى يوم أحسست بمن يجذبني إلى باب الزنزانة .كان صوت أقدام أحسست أن قلبي ينجذب إليها .
وأمسففكت بباب الزنزانففة ووضعففت عينففي عالي الثقففب الذي يراقبوننففي منففه بيففن الحيففن والحيففن .
ورأيت صاحب هذه الخطى .كان المام حسن الهضيبي المرشد العام .وأدركت أنهم قبضوا عليه
.ووضعفت فمفي على الثقفب وقرأت قوله تعالى ( :ول تهنوا ول تحزنوا وأنتفم العلون إن كنتفم
مؤمنين ،إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) آل عمران . 140 - 139 :وصرت أترقب
هذه الخطففى الغاليففة .وكان ال يرزقنففي رؤيتففه كففل يوم .فكنفت أقفف وأردد اليفة ويجيفب بإيماءة
خفيفة ل يلحظها الشيطان الذي يرافقه .كان هذا اللقاء يؤنسني كثيرا ويشغلني عن جل آلمي .وهذا
أمفر ل يحفس بجلله غيفر المؤمنيفن المتآخيفن ففي ال .فالسفلم يربفط بيفن قيادتفه وجنده برباط يعلو
بالنفوس حتى تؤثر مرضاة ال على نفسها .وعشت يغمرني الطمئنان بذلك .
لم يطفل بفي الطمئنان .فذات مسفاء فتحفت الزنزانفة وفاجأنفي الشيطان صففوت بالسفوط يضرب بفه
كفل شيفء ويضرب بفه الحائط .ثفم أخذنفي بوحشيفة مفن ذراعفي وأخرجنفي مفن الزنزانفة إلى حوش
السجن .فإلى مكتب يواجه السجن رقم ( ،)2وأجلسني على مقعد تجاه مكتب وتركني وخرج ،وما
لبث أن جاء شيطان آخر سألني عما إذا كنت زينب الغزالي ولما أجبت باليجاب خرج كما دخل .
وبعففد فترة دخففل ثلثففة جنود كأنهففم خارجون لتوهففم مففن جهنففم .طول أجسففامهم مرعففب وعرض
أجسفامهم كذلك .وجوههفم تعكفس غلظفة قلوبهفم .وبعدهفم بقليفل دخفل رجفل فسفألهم عمفا إذا كانوا قفد
عرفونفي ورأونفي ،وأجابوا بنففس واحفد باليجاب ،وقالوا بأن موعفد موتفى قفد حفل .ثفم خرجوا
ليعودوا بالخ فاروق المنشاوي فيجلدوه بعفد أن قيدوه وصفلبوه على عود مفن الخشفب .وبيفن الجلدة
والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها .ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه
جلدا ،وأنففا أتمزق ممففا أرى وأسففمع حتففى طرحوه أرضففا واعتقدت أنففه يحتضففر .ولكففن إرادة ال
شاءت له أن يعيفش وبحاكفم ليحكفم عليفه بالشغال الشاقفة المؤبدة .يدعفو ففي السفجن للسفلم وللحفق
الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من عبد الناصر لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز
بالشهادة .ولم يكتففف الثمون بجلد الخ فاروق ،بففل أتوا بأخ آخففر علقوه على أعوادهففم وأعادوا
عليفه مفا سفألوا فاروق عنفه ورففض الخ كمفا رففض أخوه مفن قبفل .واشتفد العذاب وتعفب الشاب
وظنوا أنه يموت .فأنزلوه أرضا ورفعوه على نقالة وانصرفوا به ل يدرى أحد إلى أين . . .ويبدو
أنهفم اعتقدوا أن مفا رأيفت ومفا سفمعت . .سفيدفعني إلى بعفض مفا يريدون فأرسفلوا لي رجل يتصفنع
أنه من أهل النصيحة والخير .حياني وقدم لي نفسه على أنه عمر عيسى وكيل النيابة (وعرفت فيما
بعفد أنفه أحفد شياطينهفم ) .ثفم بدأ نصفيحته قائل :أنفا يفا حاجفة زينفب أريفد أن أتفاهفم معفك لنقذك مفن
بيففن أنياب وبراثففن هذه البلوي .كيففف ترميففن بنفسففك فففي هذا "القرف " وأنففت زينففب الغزالي .
المحترمة المصونة .شوفي الخوان المسلمين ،كلهم بمن فيهم الهضيبي اعترفوا بكل شيء.
وقالوا عنفك كلمفا يحكفم عليفك بالعدام .حموا أنفسفهم ورموك أنفت .أنفا رأيفي يفا حاجفة أن تدركفي
نفسفففك قبفففل فوات الوان وتقولي الحقيقفففة وتقولي لنفففا :ماذا كان هؤلء ينوون فعله ،وتوضحفففي
موقفك وأنا متأكد إن موقفك سليم .
28
وصففمت ولم أجبففه .قال " :جاوبففي يففا سففت زينففب فففي هدوء ورويففة .نحففن نريففد أن نصففل إلى
الحقيقة" .فأجبت :أعتقد أن الخوان المسلمين وأنا معهم ومنهم لم نفعل شيئا يغضب البشر السوي
المدرك للحقيقة .ماذا فعلنا؟ كنا نعلم الناس السلم فهل في هذا جريمة؟.
وصففمت فقال " :لكففن أقوالهففم تثبففت أنهففم كانوا يتآمرون على حاجات كثيففر منهففا قتففل جمال عبففد
الناصر وتخريب البلد ،وأنك أنت اللي كنت تحرضينه على ذلك .وأنا وكيل نيابة ليس لي مصلحة
إل الوصول للحقيقة .فما رأيك بعد هذا؟" .
قلت :ليفس مفن أهداف الخوان المسفلمين قتفل عبفد الناصفر أو غيره أو تخريفب البلد ،الذي خرب
البلد فعل هفو جمال عبفد الناصفر .إن غايتنفا اكفبر مفن ذلك .إنهفا الحقيقفة الكفبرى قضيفة التوحيفد ففي
الرض ،توحيد ال ،عبادة ال وحده ،إقامة القرآن والسنة .إنها قضية ( إن الحكم إل ل ) النعام
57 :وعندما نحقق غايتنا إن شاء ال ستهدم هياكلهم وتنتهي أسطورتهم .إن أهدافنا الصلح ل
التخريب .البناء ل الهدم " .فابتسم ابتسامة باهتة وقال " :يعنى فعل أنتم تتآمرون على عبد الناصر
وحكمفه .هذا ثابفت مفن أقوالك يفا سفت زينفب " .قلت " :السفلم ل يعرف لغفة التآمفر ،ولكفن يجابفه
الباطففل بالحففق ويوضففح للناس الطريقيففن :طريففق ال تعالى وطريففق الشيطان " .الذيففن يسففلكون
طريفق الشيطان مرضفى بؤسفاء نقدم لهفم الدواء ففي إشفاق وعطفف والدواء ففي أيدينفا :دعوة ال ،
دين ال ،شريعة ال ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل خسارا
) السفراء . 182 :وانقلب وجفه الشيطان الذي كان يدعفى أنفه وكيفل النيابفة ،والحفق أنفه كان سفعد
عبففد الكريففم .وخرج وهففو يقول :أنففا أردت أن أخدمففك .ولكففن يظهففر أنففك مازلت مخدوعففة بمففا
صوره لك الخوان المسلمون . .وجاء صفوت الروبي فأوقفني ووضع وجهي إلى الحائط وتركني
ساعات أتمزق بما أسمع من تعذيب الخوان ،وجلدهم واحدا بعد الخر ،يحضرني من أسمائهم :
مرسفى مصفطفى .فاروق الصفاوي .طاهفر عبفد العزيفز سفالم .وعاد كيفل النيابفة المزعوم ومعفه
حمزة البسيوني وصفوت الروبي .وقال حمزة :لماذا ل تريدين أن تتفاهمي مع وكيل النيابة؟ نحن
نريد أن نخلصك من الورطة التي أنت فيها .أنا أعرف زوجك .هو رجل طيب وأنت حا توديه في
داهيفة! ! حسفن الهضيفبي قال كفل حاجفة .والخوان قالوا كفل حاجفة .وأنفت لم ل تخلصفين نفسفك
مثلهفم ؟ .قلت :صفحيح ! الخوان قالوا كفل حاجفة ولذا تجلدونهفم وتصفلبونهم على الخشفب .أنفا ل
اكذب على الخوان ول على نفسي . .نحن مسلمون ونعمل للسلم وهذا هو عملنا !!
كان يقف خلفهم أربعة من زبانيتها يضربون بسياطهم الرض التي كانوا يجلدون عليها الخوان .
نظرت إلى وكيل النيابة المزعوم وقلت :وهذه السياط يا وكيل النيابة؟ هل هي من مواد القانون في
كليفة الحقوق ؟ وضربنفي حمزة البسفيوني على وجهفي وهفو يقول :هفو أنفت يفا بنفت الففف . . . . .حفا
تجننينفا! أنفا اقدر أدفنفك زي مفا بفا دففن عشرة كفل يوم منكفم ! فنظرت ثانيفة لوكيفل النيابفة المزعوم
وقلت له :لماذا ل تكتب هذا الكلم في محضرك ؟ إذا كان معك محضر ! !
فنظر إلى حمزة البسيوني وقال :خلص تصرفوا أنتم ،أنا كنت أريد أن أخدمها لكن هي ل تريد.
وكانففت هذه الكلمففة بمثابففة أمففر لصفففوت وزبانيتففه الذيففن يضربون الرض والحائط بالسففياط ،
وتحولت السفياط إلى جسفدي فأغمضفت عينفي خوففا مفن أن يصفيبها السفوط ،وظلت السفياط نازلة
على جسدي بوحشية ،وأنا أشكو إلى ال وكنت كلما اشتد اللم رفعت صوتي قائلة :يا رب ! يا ال
! وتركوني بعد أن ألصق صفوت جسدي بالحائط ورفع يدي إلى أعلى وأنا أردد يا لطيف ! يا ال .
أنزل بفي عونفك ! ألبسفني سفكينتك ! ! بعفد سفاعات جاء صففوت ومعفه شيطان أسفود يدعفى سفامبو .
ضربونففي على وجهففي عدة ضربات وأخذونففي إلى الزنزانففة وأغلقوهففا .بعففد دقائق مففن إغلق
الزنزانففة سففمعت آذان الفجففر فصففليت ودعوت ال " :إن لم يكففن بففك غضففب على فل أبالي ولكففن
29
عافيتك هي أوسع لي .أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والخرة
أن ينزل بي غضبك أو يحل على سخطك ،لك العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك "!!
تركوني في الزنزانة ثلثة أيام ،أخذوني بعدها لنفس المكتب حيث كان يجلس رجل أبيض طويل
القامة . .
قال :اجلسي يا ست زينب ،نحن عرفنا أن الجماعة هنا أتعبوك .أنا أعرفك بنفسي :أنا من مكتب
السيد رئيس الجمهورية ،ونريد أن نتفاهم معك يا ست زينب !! البلد كلها تحبك ونحن أيضا نحبك .
لكن أنت متباعدة عنا ومخاصمانا ول تريدين أن تتفاهمي معنا .لكن وال لو تتفاهمي معنا يا ست
زينفب سفنخرجك اليوم مفن السفجن الحربفي ،كلنفا نقول :هذا الوضفع ليفس لك أنفت .أنفا ل أعدك أن
تخرجي من السجن فقط .بل أعدك أيضا أن تكوني وزيرة للشئون الجتماعية بدل حكمت أبو زيد
. . .قلت له :هل جلدتم حكمت أبو زيد قبل أن تصبح وزيرة وأطلقتم عليها ا لكلب ؟ .قال :ما
هذا الكلم ؟ هوده حصل ؟ .نحن متألمون لمجرد وجودك هنا .
قلت :وماذا تريدون منففى؟ .قال :الخوان المسففلمون لبسففوك كففل التهمففة .والهضيففبي لبففخ فففي
الموضوع وعبد الفتاح إسماعيل قال كل حاجة ،وسيد قطب قال كل حاجة .لكن نحن أحسسنا أنهم
يحاولون تخليص أنفسهم وتحميلك أنت المسئولية كلها .ولذا جئت النهاردة بنفسي بأمر من الرئيس
عبفد الناصفر حتفى نتفاهفم وتخرجفي معنفا .وسفأوصلك إلى بيتفك بعربيتفي ،وأحفب أعرففك أن مفن
أقوال الخوان أصفبح معروففا ومعلومفا لدينفا أنهفم كانوا يريدون السفتيلء على الحكفم ،وإنفك أنفت
التي رسمت الخطة للستيلء على السلطة وقتل عبد الناصر وأربعة وزراء معه .ونحن نريد فقط
توضيفح موقففك ودور سفيد قطفب والهضيفبي ففي الموضوع .ومفن هفم الوزراء الربعفة المطلوب
قتلهفم :تفضلي تكلمفي! واشرحفي لنفا الموقفف بالتفصفيل .قلت :أول الخوان المسفلمون لم يدبروا
خطفة للسفتيلء على الحكفم ول لقتفل عبفد الناصفر والوزراء الربعفة المزعوميفن ول لقتفل واحفد .
الموضوع هفو دراسفة للسفلم ولمعرففة أسفباب تأخفر المسفلمين والحالة التفي وصفلوا إليهفا . .عنفد
ذلك قاطعني قائل :يا ست زينب أنا قلت لك :هم قالوا كل حاجة .قلت :جائز جدا.
وقطعا قالوا ما أراده الجلدون منهم .فترخصوا لنفسهم وقالوا شيئا لم يحدث . . .
القضيفة كلهفا أننفا كنفا ندرس السفلم ونعمفل على أن نربفى له جيل يعيفه ويفهمفه .فإن كانفت هذه
جريمفة فأمرنفا ل " .فأقسفم بال العظيفم أنفه يريفد خدمتفي وأنفه حضفر خصفيصا لخدمتفي .قلت له :
شكرا أنفا لم أفكفر يومفا أن أكون موظففة حتفى ول وزيرة ،أنفا قضيفت عمري ففي خدمفة السفلم
وموضوع وزارة الشئون ل يعنينفي ففي قليفل أو كثيفر لنفي ل أصفلح للوظيففة ،فعملي كله التطوع
لخدمفة السفلم .وقام الرجفل وتركنفي ففي الحجرة بعفد أن قال :أنفت حرة ،نحفن عرضنفا خدماتنفا
وأنت ترفضين . . .
وبعد خروجه بساعة دخل الحجرة رياض ومعه صفوت وكان رياض قد هددني أكثر من مرة بأنه
سفيقتلني إذا لم أقفل له مفا يريفد ،وتكررت عمليفة الضرب السفابقة التفي لم يمفر عليهفا اكثفر مفن ثلثفة
أيام وبعد الضرب المؤلم أعادوني إلى الزنزانة .كان ذلك أيضا مع طلوع الفجر . .
30
فففي عصففر اليوم التالي سففمعت أصففوات أعرفهففا وأحبهففا ،قمففت بصففعوبة إلى الباب ونظرت مففن
الفتحة الضيقة ،فرأيت الشيطان حمزة البسيوني وتابعه صفوت يسدان على الفتحة ،إل أنى سمعت
أصفواتا أعرفهفا ،ومفا لبفث الشيطان وتابعفه أن تحركفا فرأيفت بعفض الوجوه الغاليفة :عليفة حسفن
الهضيبي ،وغادة عمار .وجلست حتى ل يراني أحد من الطغاة وأنا أنظر من فتحة الباب ،غير أن
اللم أخذ بي فغطى كل مشاعري وأحاسيسي ،وأخذت أدعو ال سبحانه وتعالى وأسأله أن يدفع عن
بناتفي وأخوانفي شرور الطغاة .كنفت مسفتغرقة أفكفر :عليفة حامفل ففي شهورهفا الخيرة ؟ كيفف
اعتقلهفففا الطغاة؟ وغادة؟ ماذا فعلوا برضيعتهفففا الصفففغيرة؟ كيفففف تركتهفففا؟ إنهفففا لقسفففوة وفجور
ووحشيفة ! ! يفا للبشفر مفن حكامهفم عندمفا يرتدون أرديفة الجاهليفة ،فتغطفى كفل مشاعرهفم وتضيفع
ضمائرهم فيصبحون جلدين لرعاياهم ! ويلك يا عبد الناصر! أيها الطاغوت كم خدعت قومك ! !
وينفتفح الباب ويرمفى الشيطان السفود ببطانيفة ووسفادة ،وكان قفد مفر علي ثمانيفة عشفر يومفا وأنفا
أفترش السفلت ،وأعود بعد لحظات ووسادتي يرمى بهما على الرض وأنا في دهشة مما يحدث
.ولم تلبث دهشتي أن زالت حين فتح الباب ثانيه ليدخل صفوت وحمزة البسيوني مصطحبين علية
الهضيفبي وغادة عمار يدخلنهمفا ويخرجان ويغلق باب الزنزانفة .وتقبفل على عليفة تأخذنفي بيفن
ذراعيهفا تقبلنفي وأنفا منصفرفة عفن نفسفي والدنيفا وتتسفاءل ففي ألم :أنفت الحاجفة؟ والتففت إلى غادة
فأرى عينيهفا ممتلئتيفن بالدموع تغرقان وجههفا .وأسفأل عليفة ففي ألم . .ألم تعرفينفي ؟ فتجيفب :ل . .
ل . .يا حاجة لقد تغيرت كثيرا نقص وزنك إلى حد مخيف ،وأصبح وجهك كأنه وجه شقيقك سعد
الدين .قلت :هذا أمر طبيعي ،أنت ل تعرفين الهول الذي أعيش فيه .وفوق ذلك فأنا ل أتناول من
الطعام إل ملعقفة مفن السفلطة ففي اليوم والليلة يرمفى بهفا الجندي وهفو مرعوب يخشفى أن يضبفط
متلبسفا بجريمتفه .وتحاول أن ترتفب المكان بمفا أصفبح فيفه مفن بطاطيفن ووسفادات .وتجفد وتسفألني
عن مصحف ،مسكينة علية لقد حسبت أننا نتعامل مع "آدميين " بل نسيت علية أننا هنا مع أعداء
المصحف ؟ " أأنتظر منهم أن يسمحوا لي به وتعرض على غادة مصحفا صغيرا كان معها وكذلك
تفعففل عليففة .ونجلس ولمففا مددت رجلي المكسففورة التماسففا للراحففة ظهرت آثار التعذيففب وضرب
السففياط ،وتسفألني عليفة عمفا ترى فاتلوا عليهفا اليففة الكريمففة عففن أصففحاب الخدود ( النار ذات
الوقود إذ هفم عليهفا قعود وهفم على مفا يفعلون بالمؤمنيفن شهود ومفا نقموا منهفم إل أن يؤمنوا بال
العزيز الحميد ) ،وتبكي غادة في صمت وتتساءل علية في عجب :أيمكن أن يحدث هذا مع النساء
،علية طيبة القلب لم تستطع أن تصل بخيالها إلى المدى الذي يمكن أن يبلغه حكم عبد الناصر من
عداوة ل ثم للدعاة .
وأرادت عليففة أن تغيففر الموضوع وأن تخرج بففي خارج السففوار ،ونقلت لي نبففأ وفاة مصففطفى
النحاس باشفا .وخنقتنفي عبارات الوفاء وأنفا أدعفو ربفي " اللهفم إنفك غنفي عفن عقابفه وهفو فقيفر إلى
رحمتك ،اللهم فارحمه " وعرفت منها أنه مات بعد دخولي السجن بيومين أو ثلثة .وحدثتني عن
جنازته ،وعن اللوف المؤلفة التي التي كانت تسد جميع الطرقات ،عن المظاهرات ،عن خطف
النعفش حتفى مسفجد الحسفين ،عفن الهتافات بأل زعيفم بعفد النحاس ،عفن بعفض شعارات الخوان
وسففط مسففيرة الجنازة ،عففن محاولة أجهزة الدولة الوقوف أمام هذا الطوفان ،عففن تعليففق العلم
الخارجي على ما حدث ..وكان حديثًا طويلً مطمئناً صريحًا .لقد انتهزت جماهير الشعب فرصة
وفاة النحاس لتبدي رأيها صريحاً واعتقادها سليماً فهتفت معلنة مدوية تشق بهتافها سماء مصر " :
ل زعيفم بعدك يفا نحاس " .فكأنهفا بتلك الصفرخات المدويفة تعفبر عفن حرمان مكبوت ففي النفوس
31
والقلوب والمشاعفر .والوجدان فكأنهفا تقول " :أيتهفا الزعامات الباطلة أسفقطي " " أيتهفا القنعفة
الزائففة انكشفف الغطاء ووضفح خداعفك وغشفك " " أيهفا المنقفذ أغرقفك السفراب والوهفم " " يفا
حفبيب المليينأمرت الفجار فزيفوهفا فصفدقتهم ومفا أنفت إل وليفد إعلم مأجور وكاتفب مأمور " "
أيتها الخشب المسندة ستحرقك النار ..نار الحق فتصبحوا رمادًا تذروه الرياح يا سرابًا وأهل الحق
ظمأى " .
وسفألت عليفة وماذا بعفد ذلك ؟ قالت يتهامفس الناس على اعتقال عشريفن ألفًا مفن المشيعيفن .نعفم لقفد
كانففت جنازة النحاس أذان حففق واعلن صففدق عففن سففريرة مصففر والمشاعففر الحبيسففة فففي نفوس
أبنائهفا والحريفة المكبوتفة .وشدنفي الحديفث إلى ذكريات كثيرة عفن مصفطفى النحاس ،ذلك الرجفل
الذي لم يحقفد يومًا على أعدائه ،وكان ل يعفز عليفه أن يعترف بالخطفأ إذا أخطفأ ،لقفد كان زعيماً
وطنياً .وسفألت محدثتفي هفل اعتقفل أخفي " سفيف الغزالي " الوفدي فلم تؤكفد عليفة ولم تنفف ،وسفاد
الصمت فظنت بي خوفًا على أخي فربتت على كتفي قائلة :يا حاجة كل شئ عنده بمقدار .لم يكن
بي خوف ولكن كان انشغالي بهذه الصورة الرائعة للجنازة .فقد كانت صورة التشييع كما نقلتها لي
عليففة تعطففي إشارة صففريحة وقويففة إلى أن نبففض هذه المففة لم يتوقففف رغففم كففل إيحاءات أجهزة
العلم التي خدعت الناس وبخاصة خارج مصر فظنوا الطاغوت إنسانًا أو كما علقت عليه علية ف
ظنوه المنقفذ -مفا حدث كان يعنفي أنفه فف بإذن ال فف سفيأتي اليوم الذي تكشفف فيفه الحقائق ليعلم الناس
حقيقة حكامهم وما يبيعون وما يشترون ،يبيعون شعوبهم وضمائرهم ويشترون مقاعد للحكم مقابل
سحق السلم والمسلمين ،إنه لتخطيط رهيب ! وانصرفت إلى غادة أسألها عن زوجها وأولدها
ووالديهفا .ومفن بيفن دموعهفا عرففت أن الزوج هرب لجئا إلى السفودان ،وأن الم مريضفة تائهفة
بيفن سفمية المريضفة وهالة الرضيعفة .وأنهفا مفا كانفت لتهتفم بشيفء لول الطفلتيفن .هدأتهفا ودعوت
للجميع ثم سألتها عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد
عروسففته والمأذون ،وقبضوا على عروسففته وهففى فففي ملبففس الزفاف وعلى أختففه منففى وأخيففه
الدكتور .وهزنفي نبفأ القبفض على الفتيات وتسفاءلت :إذن كان القصفد هفو القبفض على كفل مفن له
اتصال بالخوان .وتدخلت علية لتقول :بل على كل من يرى مؤديا للصلة .وبدأت غادة تحدثني
عن العتقالت والوحشية في تفتيش المنازل ليل ونهارا ولم أكن بحاجة إلى هذا الحديث فقد حدث
هذا معففي واكثففر .قلت :أعتقففد أن التتار حيففن حاربوا السففلم لم يفعلوا مففا فعله عبففد الناصففر
وزبانيته ،ول الرومان حين كانوا في مصر قبل الفتح السلمي .لقد أنسانا الحكم الناصري فجور
المجرميفن ففي التاريفخ النسفاني كله .إنفه مارد أصفم عفن سفماع الحفق أعمفى عفن رؤيفة النور .فل
عجفب أن يجلد النسفاء ويسفجنهن ويقتفل الرجال وييتفم الطفال ويرمفل النسفاء ! ! والحديفث بمرارتفه
ومفا فيفه مفن شجون وأسفى كان الواقفع يحكفى ذلك كله .والتفتفت إلى تحدق بفي وتغوص بعينيهفا ففي
قدمي المنتفختين وساقي المتورمة وقالت :أظن أن دورنا في التعذيب قد جاء يا حاجة ،ربنا يعيننا
ويصبرنا .وسآتيك بفوطة من حقيبتي أغطى بها رجليك ،أليس معك حقيبة ملبس يا حاجة؟
ظللت :ثمانيفة عشفر يومفا وأنفا ففي هذه الملبفس الملوثفة بدماء النزيفف كمفا تريفن يفا ابنتفي .وأخذت
غادة تبكفى وهفى تنظفر إلى ملبسفي المجمدة بالدم والصفديد فوق جسفمي .واقترحفت على أن تغيفر
ملبسي بما معها هي ولما رفعت الملبس الممزقة عن جسدي فوجئنا بآثار السياط تمزقه وكانت
صفيحة اسفتنكار وألم ،فهذا ممفا ل يمكفن أن يحدث مفع النسفاء ففي نظرهمفا . .وحاولت أن أخففف
عنهما ما رأتا فحمدت ال على أن كان هذا في سبيله سبحانه وتعالى ،ل في سبيل أي دعوة دنيوية
أو إلحاديفة ،حمدتفه على أن أكرمنفا بالسفلم وحمدتفه على أن شرفنفا بمظلة :أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له وأن محمدا عبد ل ورسوله ".
32
وحاولت علية بدورها أن تخفف عنى ،فنقلت لي أحاديثهم عنى حديث أختها السيدة خالدة الهضيبي
عفن أن السفجن لن يضيرهفا بشرط أن يدعوهفا فيفه معفي ففي زنزانفة واحدة .لقفد هزنفي هذا الحديفث
كثيرا .ولكن لو رأت خالدة جسفمي لغيرت رأيها وطلبفت من ال أن يعافيهفا . .ودعوته سبحانه أن
يعفى جميع الخوات وجميع المسلمين والمسلمات من جور وظلم أهل الباطل .
الطعام عبادة
وفتفح باب الزنزانفة فجأة فانقطفع مفا بيننفا مفن حديفث ودخفل الشيطان السفود وبيده ثلثفة أرغففة مفن
الخبفز و" قروانفة" صففيح بهفا فاصفوليا مسفلوقة .أخذتهفا منفه عليفة .وأغلق الباب .كنفت ل أطيفق
رائحفة هذا الطعام .وكانفت عليفة حامل ويبدو عليهفا الجهاد .وكأنهفا أحسفت بمفا ففي نفسفي فقربفت
الطعام منفى وهفى تقول :الكفل حلو يفا حاجفة! وناولتنفي رغيففا ،وناولت غادة رغيففا آخفر وابتدأت
تأكفل وتبعتهفا غادة .قالت عليفة :يجفب أن أكفل مفن أجفل الضيفف الذي هنفا ! ! وأشارت إلى حملهفا
ولمفا رأتنفي متوقففة توقففت وكذلك فعلت غادة .قالت عليفة :نحفن نأكفل ونقول مفع كفل لقمفة بسفم ال
الرحمفن الرحيفم .ولم أسفتطع أن أبتلع الطعام .فقالت عليفة :يفا حاجفة أنفا معتقدة أنفك أصفبحت ففي
نصفف وزنفك طبعفا مفن عدم الكفل ،وقفد أصفبح الكفل ففي هذا الوقفت عبادة .فالجلدون سفيسعدهم
أن تموت زينفب الغزالي .والمتناع عفن الكفل حرام .حاولت دون جدوى أن أناقشهفا بأنفي آكفل مفا
يمسك على الحياة ،وإرادة ال قد أعطتني الصبر عن الطعام والقدرة على الكتفاء بملعقة سلطة .
ومازالت بي تلح حتى أكلت .ويعلم ال أنه كان عذاباً ل طعامًا .وفى صبيحة اليوم الثاني لحضور
عليفة وغادة ،اسفتطعت أن أشركهمفا معفي ففي لقائي اليومفي بالمرشفد العام عفن طريفق ثقفب الباب ،
وحدثتهمفا عمفا بعثفه ففي نفسفي مفن طمأنينفة وراحفة .واسفتطاعت عليفة أن ترى أباهفا ففي ذهابفه إلى
دورة المياه وإيابفه وكذلك غادة .وجلسفنا باقفي النهار تحكفى لنفا فيفه غادة كيفف قبضوا عليهفا وكيفف
التقفت بحميدة قطفب بعفد القبفض على ،وأبلغتنفي أنهفم قبضوا على آل قطفب جميعفا .ومرت سفاعات
اليوم ثقيلة بطيئة تقطع وحشتها ركعات الصلة الجماعية .
وعند صلة العشاء فتح باب الزنزانة ودخل الشرير صفوت الروبي ومعه جندي آخر وأخذاني إلى
المكتفب الذي سفبق أن دخلتفه مرتيفن مفن قبفل ذلك .وجدت رجل يجلس على المكتفب ،ألقيفت عليفه
السفلم فلم يرد .وأخذت نظراتفه الوحشيفة تتفرسفني وهفو يقول :أنفت زينفب الغزالي؟ قلت :نعفم .
أشار إلى مقعفد أمامفه لجلس عليفه ثفم قال :إذن أنفت زينفب الغزالي ! ! لماذا أسفأت إلى نفسفك إلى
هذا الحفد؟ أكفل هذا لجفل الخوان المسفلمين ؟ كفل واحفد منهفم يحاول تخليفص نفسفه .وهفم جميعفا
يرمونففك أنففت فففي البئر وحدك .أنففت صففعبانة علينففا .أنففا ألفيففت على نفسففي أن أنتشلك مففن البئر.
وسأتفاهم معك على بعض المور .تذهبين بعدها إلى البيت .ليس هذا فقط .أنا أقول لك باسم جمال
عبد الناصر :إن تم التفاهم وعقلت فسيصدر الرئيس قرارا بإعادة المركز العام للسيدات المسلمات
وسيرجع لك مجلتك ،وسيعطيك إعانة للمجلة ألفي جنيه شهريا وسيصرف لك مبلغا كبيرا للجمعية
ويعيدها أحسن مما كانت .إن تفاهمت معي سأرسل في إحضار ملبسك وبعد ساعة سنقابل جمال
عبفد ا لنفا صفر . .أنفت صفعبانة علينفا والخوان الذيفن أوقعوك ففي داهيفة .ربنفا يسفامحهم .الريفس
قلبه كبير ! . .كان يتكلم وأنا صامتة ل أجيب . .فقال :ما تردى يا ست زينب ؟ وال الريس ناوي
يقيفل حكمفت أبفو زيفد ويجيبفك مكانهفا .نحفن نريفد أن تتعاونفي معنفا .افتحفي قلبفك وقولي كفل شفئ
33
وسفففتعرفين أننفففي أخوك وأحفففب لك الخيفففر .وناس طيبون كثيرون ففففي الخارج أيضفففا يحبونفففك
ويتوسفففطون مففن أجلك .وقففد قلبوا الدنيففا لجلك .قلت :أنففا ل أريفففد أن كون وزيرة ،ولم يجفففل
بخاطري هذا المفر ففي يوم مفن اليام ،أمفا جماعفة السفيدات والمجلة كذلك . .فقفد فوضفت أمري
فيهمفا ل ،وليفس مفن الضروري للمسفلمين أن يعملوا تحفت رايفة مجلة أو جماعفة فهفم يعملون تحفت
رايفة ل إله إل ال .قال :إذن فلم كنتفم ترتبون لعادة الخوان المسفلمين ؟ يفا سفت زينفب ؟ قلت :
نحفن مختلفون ففي فهفم كفل شفئ .أنفا مثل أعتقفد أن جماعفة السفيدات التفي أسفستها لم تحفل .وعبفد
الناصفر يتوهفم أنفه حلهفا باسفتيلئه على أموالهفا ودورهفا وممتلكاتهفا .فالمسفلمون تعقفد راياتهفم بيفد
ال ،وما يعقده ال ل يحله البشر .وجماعة الخوان مثل جماعة السيدات المسلمات لم تحل أيضا .
ودعوة ال ماضيفة ففي طريقهفا وكلمفة الحفق قائمفة .وسفيفنى عبفد الناصفر ودولتفه وتبقفى كلمفة ال .
وعندمفا تنقضفي آجالنفا ونلقفى ال ،سفيعلم الذيفن ظلموا أي منقلب ينقلبون ! .ن ديفن ال قائم ،ول
تزال طائفففة مففن أمففة السففلم قائمففة على الحففق مدافعففة عففن ديففن ال ،مجاهدة فففي سففبيل ال ،ل
يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر ال وهم على ذلك .وأدعو ال تبارك وتعالى أن نكون من الذين
يأمرون بالمعروف وينهون عففن المنكففر ،مففبينين للمففة طريقهففا إلى ال تعالى . .هؤلء المرون
بالمعروف والناهون عن المنكر خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم المجددون لمر السلم
.
إن تأسفيس جماعفة الخوان المسفلمين لم يكفن خبفط عشواء مفن حسفن البنفا ولكنفه كان تنفيذا لمفر
أراده ال لتجديفد هذا الديفن بإقامفة دولتفه وتنفيفذ شريعتفه ولذا فليفس مفن حفق جمال عبفد الناصفر حفل
جماعفة الخوان .قلت هذا وسفكت .فقال لي :وال إنفك خطيبفة فعل .لكنفى لم آتفك لخفذ منفك درسفا
في الخوان ولتجتذبيني لكون واحدا منهم .أنا آتيك لصل معك إلى حل ينقذك من المصيبة التي
أوقعفت نفسفك فيهفا . .لقفد رمفى الخوان كلهفم المسفئولية عليفك . .عبفد الفتاح إسفماعيل يقول :إنفك
أنت التي جندتيه . .الهضيبي خلص نفسه ورمى المسئولية عليك فقال :أنت أسست التنظيم .سيد
قطفب تخلص وشبكفك أنفت . .أنفت إمفا طيبفة جدا أو مجنونفة . .عبفد الناصفر يريفد أن يخلصفك ممفا
أنت فيه ،عبد الناصر (اللي البلد في خنصره ) يريد أن يسامحك عما مضى ويفتح صفحة جديدة .
هففو عارف انففك خطيبففة ،لك تأثيففر على الناس والناس تحبففك وجماهيرك كثيرة . .أنففت يففا زينففب
خسارة وأنت ورقة رابحة . .أهناك أحد يريد عبد الناصر أن يقربه ويرفض ؟ أنت مجنونة صحيح
! ل مؤاخذة .أنا أقول هذا لني أريد مصلحتك وأنت طول عمرك تربين اليتامى وتعملين الخير.
اعقلي يفا حاجفة وشوففي مصفلحتك واسفمعي كلمفي . . .قلت :أل يكفيفك مفا قلت ؟ قال :أمفر بسفيط
جدا سترين الخير بعده :أن تذكري لي جميع أسماء الخوان الذين كانوا يحضرون إليك في المنزل
،والطريقة التي كانوا سيقتلون بها عبد الناصر ،ومتى أخذتم المر من الهضيبي بقتل الريس .كما
نريفد أن نعرف موقفف سفيد قطفب ،وكيفف أعدت الخطفة ومفا هفي تفاصفيلها ،وأنفا أحلف لك برأس
عبد الناصر أنك ستخرجين هذه الليلة من السجن ولتتسلمي وزارة الشئون الجتماعية .دى فرصة
ل تضيعيها ،أنا حلفت لك بشرفي وشرف الريس .اعقلي وفكري جيدا في مصلحتك ،كل الخوان
الن ل يفكرون إل في أنفسهم . .وهنا دخل الحجرة رجل غليظ الجثة ل تقع عيني عليه إل ورأيت
شيطانفا ففي وجهفه .قال :يفا سفيادة العقيفد لقفد أحضرنفا كفل التسفجيلت التفي كنفا نضعهفا ففي منزلهفا
بالزيتون ومصر الجديدة .إذا أمرت نحضرها حتى تسمعها لها.
قال محدثفي :اذهفب أنفت الن يفا رياض ! ثفم عاد يكلمنفي قال :شوففي يفا زينفب ،أنفا عارف أن
زوجفك رجفل طيفب وأريفد أن أخدمفك مفن أجلك وأجله .واخوتفك منهفم أصفدقاء لي أعزاء على .أنفا
أريفد أن أخدمفك والرئيفس حريفص على أن تتفاهمفي معنفا وهفو يريفد خدمتفك ،وأنفا أعدك بشرففي
وشرف الرئيفس عبفد الناصفر أن أحرق الشرطفة أمامفك إذا تفاهمنفا ،نحفن نريفد أن نخلصفك مفن
34
الورطفة التفي أوقعفك فيهفا الخوان ،وال العظيفم نحفن مسفلمون أحسفن منهفم .مفا هفو السفلم ؟
السلم أن ل يضر النسان أخاه ! !
قلت وكلى سخرية :والذي تشهده هنا ،أليس إضرارا بأخيك وبالناس جميعا .قال في بلهة :نحن
طيبون جدا والنبي بس تفاهمي معنا وستدركين طيبتنا ..
قلت :أدعفو ال أن يتوب عليكفم وتكونوا مسفلمين .وهنفا أخرج ورقفا مفن درج مكتبفه وأمسفك بالقلم
وقال :يفا سفت زينفب قولي مفن الذي كان يأتفي عندك ؟ .قلت :ل أتذكفر لنفي ل أحففظ السفماء ول
أسفأل أحدا عفن اسفمه .قال :طيفب ! نترك هذا الموضوع لنعود إليفه بعفد قليفل .نتكلم ففي موضوع
حسن الهضيبي وسيد قطب .
قلت :أي موضوع هذا؟ قال :موضوع قتل عبد الناصر والستيلء على الحكم ! قلت :يا أستاذ !
القضيفة اكفبر مفن قتفل عبفد الناصفر والسفتيلء على الحكفم .قتفل عبفد الناصفر أمفر تاففه ل يشغفل
المسلمين ،القضية قضية السلم ،السلم غير قائم ونحن نعمل لقيام السلم ونعمل على تربية
نشء للسلم .وإذا كان عبد الناصر يحارب السلم في أشخاص المسلمين وينكر الحكم بشريعة
السفلم مدعيفا أن هذا رجعيفة وتعصفب وتأخفر فأمفر ل يشغلنفا .قال :أنفت مجنونفة ! هذا الكلم
خطير .أل تعلمين أنك لو قتلت هنا الن ودفنت ما علم بك أحد .الظاهر أنك تستحقين ما أنت فيه .
لو تركتك الن فستقتلين بعد ساعة .
قلت :يفعفل ال مفا يشاء ويختار .ولم أكفد أقول هذا حتفى انقلب كالوحفش الذي أخذه الصفرع ،وأخفذ
يهذي فففي هسففتيريا بالسففب واللعففن والشتففم .ثففم نادى أحففد الجنود وأعطاه إشارة جاء على إثرهففا
رياض إبراهيفم .قال له :ودي التسفجيلت للمحكمفة .هذه مجنونفة .اعرف شغلك معهفا وهات لهفا
سفعد وانصفرف ذلك الذي كان يسفاومني .وحضفر العسفكري سفعد وهفو يقول نعفم يفا باشفا .قال له :
سفويها يفا سفعد .وسفأله سفعد :كفم جلدة يفا باشفا؟ قال :خمسفمانة جلدة .وأنفا راجفع بعفد قليفل .وأخفذ
سعد يضربني بالسوط على يدي ورجلي وظهري وكل مكان في جسدي .ثم يتركني واقفة ووجهي
للحائط ويغيفب مقدار سفاعة يعود بعدهفا لضربفي بالسفوط مرة أخرى .ثفم جاءوا بجماعفة مفن شباب
الخوان وأخذوا يجلدونهففم ويلقنونهففم ألفاظففا قبيحففة وسففبابا مشينففة ليوجهوهففا لي .وكان الشبان
يرفضون ذلك فيزيدونهم جلدا .
وكان منهم الطيار ضياء الطوبجي الذي قبض عليه يوم زفافه .
بعد جلد شباب الخوان وجلدي أخذوني إلى حوش السجن الذي فيه زنزانتي .وأوقفني المدعو سعد
ووجهفي للحائط مفا يقرب مفن سفاعة .كان البرد قارسفا وآلم الركفل والسفياط شديدة .وجاء حمزة
البسيوني ،كنت قد بدأت أحفظ بعض السماء .وكان معه رياض الذي قال :يا بنت اعقلي وفكري
في مصلحتك .نحن ل نريد إل نفعك .انصحها يا حمزة باشا !
حاتعقلى وتعترففي كمفا اعترف كل الرجال أم ل ؟! قلت :ليفس لدى ما أعترف به .الخيفر الذي كنا
نجتمع من أجله هو بعث عقيدة التوحيد في نفوس الشباب .التفت حمزة لصفوت وكان يقف خلفه .
فقال صففوت :أوامرك يفا باشفا .قال حمزة :هات لي كرسفيا ولهفا كرسفيا .زوجهفا صفاحبي .ولذا
سأتعب نفسي معها.
جاء الكرسففي فأمرنففي بالجلوس ليعرف كيففف يكلمنففي موضحففا أنففه يفعففل ذلك مففن أجففل زوجففي .
حاولت أن أجلس فلم أسفتطع .كانفت السفياط قفد أخذت مفن جسفدي ممفا أعجزنفي عفن الجلوس .أعاد
حمزة المفر بالجلوس فقلت :كلمنفي وأنفا واقففة .فقال لي :أنفت التفي فعلت هذا ففي نفسفك وحقرت
35
نفسففك بهذا الشكففل .لقففد أصففبح شكلك قبيحففا ،وأصففبحت رجلك مثففل رجلي الرجففل الوحففش .إن
زوجك سيغتم حين يراك بهذا الشكل .لقد أصبح سنك ستين سنة .وزوجك صاحبي وصعبان عل يّ
انظري إلى يديك ،كأنهما يدا عمال البناء .
قال صفوت :إنت بتقول يا باشا :سنها ستون سنة ،دي شكلها كما لو كان سنها مائة وعشرين سنة.
وشكلها أصبح قبيحا ،زوجها يسبها ويلعنها وستصلها ورقة الطلق في البريد وأخذ يقهقه .
قال حمزة :أنت صعبانة على ،أنا أريد أن أخدمك .ظللت صامتة ل أتكلم ،بل أنظر نظرات فيها
احتقار له وازدراء لمفا يقول ،ول أدري أكان يحفس بهذه النظرات أم أنفه كان غبيفا؟ كنفت أراه غبيفا
جبانفا . .كالحشرة الملوثفة .كان يظفن أنفه يخيفنفي ،ولكنفى كنفت أحفس أنفه يفرق منفى رعبفا .هكذا
كنفت أحفس عندمفا كان يهذي بتهديداتفه .صفرخ كالوغفد يأمفر صففوت أن يضفع وجهفي للحائط ،
وأسرعت أنا بنفسي أنفذ المر وأرفع يدي إلى أعلى ،وما لبث السوط في يد صفوت أن بدأ يهوى
على ظهري في وحشية ،ثم استدعى عسكريا اسمه سعيد أوقفه بجانبي وبيده سوط يضرب به في
الرض .وجاء آخر بصفيحة زيت مغلي وضعوا فيها عددا من السياط .
وانصرف حمزة البسيوني وصفوت .وتركوا هذا الشقي سعيد يغمس تلك السياط في الزيت المغلي
ويأمرنفي أن أنظفر .ثفم دخفل الحوش اكثفر مفن عشرة عسفاكر أخفذ كفل واحفد منهفم سفوطا أخذوا
يضربون بهفا ففي الرض ويقولون :يفا بنفت الفففف . .بنسفن لك الكرابيفج .وأنفا ل التففت إليهفم .كنفت
مشغولة عنهفم بذكفر ال .كنفت أتلو قول ال تعالى ( الذيفن قال لهفم الناس إن الناس قفد جمعوا لكفم
فاخشوهفم فزادهفم إيمانفا وقالوا حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ،فانقلبوا بنعمفة مفن ال وفضفل لم يمسفسهم
سفوء) ودخفل السففاح الروبفي بعفد فترة وقال :اخرجوا يفا أولد .انتظرونفي .أجلنفا قتلهفا الليلة . .
وجذبني من ذراعي وأخذني إلى الزنزانة .
فتفح الباب وابتلعتنفي الزنزانفة .كانفت عليفة وغادة نائمتيفن فجلسفتا وأزعجهمفا الدم الذي ينزف مفن
قدمي .سألتني علية عما فعلوه في رجلي ،قلت :الحمد ل وطلبت منهما العودة إلى النوم وأنا أردد
حديفث الرسفول عليفه السفلم " :بسفم ال ،أعوذ بعزة ال وقدرتفه مفن شفر مفا أجفد وأحاذر" .ومرت
ليلتان وآلم الجلد تأخفذ منفى كفل مأخفذ ،وأنفا أكتفم آلمفي داخفل نفسفي إشفاقفا منفى على عليفة وغادة،
وكانتفا تحرصفان كفل الحرص على أل تسفألني عمفا حدث ففي تلك الليلة ول عفن سفبب اسفتدعائي ،
لقفد اكتفتفا بمفا رأتفا مفن آثار التعذيفب على جسفدي وبمنظري عنفد العودة .وففى صفبيحة يوم سفألتني
غادة عمفا حدث فأسفكتتها عليفة وشعرت أنفا بأن ففي سفؤال غادة نذيرا بفصفل جديفد فانقبضفت نفسفي
وانقضى اليوم .
وبعفد صفلة العشاء فتفح باب الزنزانفة وسفدته جثفة صففوت المظلمفة الذي نادى بوحشيفة :يفا بنفت يفا
زينفب قففي؟ وسفحبني مفن يدي وهفو يقول تعالى اختفل توازنفي وكدت أسفقط على الرض مفن شدة
العياء! . .وفى الطريق قابله رجل قال له :خليل بك ينتظرك يا صفوت ! قال وهو يسب ويلعن .
.أنفا آخفذ له البلوى دي سفأل الخفر هفي دي زينفب الغزالي؟ فأجاب صففوت :نعفم هفي دي .زينفب
الغزالي . .وأخذ يسب ويلعن وأدخلني حجرة بها مكتب عليه رجل كأن وجهه الليل المظلم المخيف
.انتففض الرجفل واقففا كأن جنفا مسفه وقال لصففوت :روح انتفه هات الرجفل .وتركنفي واقففة وأخفذ
36
يذرع الحجرة ذهابا وإيابا كالملدوغ .عاد صفوت ومعه رجل دخل وجلس على المكتب .أخذ يقول
:مفن أنفت يفا بنفت ؟ قلت :زينفب الغزالي الجفبيلي! قال :ولم أنفت هنفا ؟ قلت :ل أعلم .قال :لزم
تعرفي .أنت هنا لنك والهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل دبرتم لقتل جمال عبد الناصر.
قلت :لم يحدث هذا! قال :اعتدلي في كلمك ! . .الليلة قتل ل جلد ككل مرة .أتعرفين من أنا؟ أنا
وحففش السففجن الحربففي . .أنففت فاهمففة .قلت . .ليففس هنففا إل الوحوش والكلب . .لم أر أحدا مففن
الدمييفن منفذ دخلت السفجن إل هؤلء المظلوميفن مفن الخوان حملة المانفة وزعماء الحفق .فقام
وركلني برجله ودفعني بكلتا يديه فأوقعني ،ثم أخذ يرفصنى برجليه ،ثم أوقفني وكان الضرب قد
أتعبنفي فاسفتندت إلى الحائط .فنظفر إلى وقال :ل نريفد هذه الفلسففة اعتدلي وتكلمفي! . .وضربنفي
بكلتا يديه على وجهي . .وأخذني صفوت بيديه . .وأجلسني على مقعد وخرج وأغلق باب الحجرة
. .وبعد فترة دخل رجل وقال " :إيه يا زينب ماذا تفعلين بنفسك . .أنت تشتمين الناس وتسخرين
بهفم . .الريفس قلبفه كفبير ويريفد أن يخدمفك .نحفن نريدك شاهدا ففي القضيفة فقفط وسفنخرجك مفن
الجريمة التي ألبسها إياك الخوان المسلمون " .قلت " :ليس هناك جريمة لدى الخوان المسلمين .
.الجريمفة أنكفم أنتفم أيهفا الوغاد تحكمون هذا البلد الطيفب " .قال " :أنفت إمفا مجنونفة أو حالتفك
النفسية سيئة سأتركك وأبعث لك من يعرف كيف يتفاهم معك " .وتركني وخرج ،وحمدت ال على
أنففه لم يأمرنففي بالوقوف لشدة تعففبي .وبعففد فترة دخففل رجففل وبيده سففوط وكان مففا يميزه أن حففب
الشباب يمل وجهفه .قال :قففي يفا بفت . .مفن أنفت ؟ قلت :زينفب الغزالي الجفبيلي . .قال :يفا نهار
أسفود .تبقفى دي ليلتفك الخيرة مادمفت حضرت هنفا .ودخفل رجفل آخفر فقال للول :أخرج أنفت
سأقعد معها قليل .هذا حرام .دي فعلت خيرا كثيرا ،لكن أوقعها الخوان . .قال الول :صحيح يا
بيفه لزم تكون عملت طيفب لنفك لحقتهفا .كان فاضفل لهفا دقائق وعمرهفا ينتهفي . .قال الثانفي :
اذهفب أنفت .سفأقعد أتفاهفم معهفا مفا تريدون منهفا بالضبفط ؟ قال الول :الريفس والمشيفر يريدان أن
تكون شاهفد ملك ففي القضيفة وتعترف على الخوان . .والخوان كلهفم اعترفوا يفا بيفه .ثفم خرج
وبقى الثاني .قال :يا زينب ما هذا الذي تعملينه في نفسك ؟ ملبسك متقطعة ومتبهدلة . .ثم جلس
على المكتفب وهفو يقول " :إنفت بايفن عليفك العياء خالص . .تقدري كمان تجاوبفي على أسفئلتي،
أو نتفاهم غدا"؟ لم أجبه . .قال " :أنا كنت مع أخيك عبد المنعم وسيف ومع زوجك هذا الصباح . .
زوجفك رجفل طيفب جدا إ أنفت صفعبانة على قوى ,وأنفا أر يفد إخراجفك مفن هذه القضيفة ،وموضوع
إنك تصبحين شاهدة ملك موضوع جيد جدا "
ثم نادى صفوت وأمره أن يأخذني كي أنام وأرتاح وأفكر لنلتقى غدا . .وأخذني صفوت . .
استراحة قصيرة
وابتلعتنففي الزنزانففة ،وكانففت عليففة وغادة نائمتيففن ،وتنبهففت عليففة إلى دخولي ,فقالت :أجئت يففا
حاجة؟ قلت :الحمد ل .
حاولت أن أنام فلم أستطع . .وأذن الفجر فصلينا ،وأخذت غادة تسألني عما حدث .
قلت المفر ل .أدعفو ال أن يثبتنفا على الحفق ،إنهفم يريدونهفا فتنفة .إنهفم يطلبون منفى المسفتحيل .
قالت علية :ربنا يعينك يا حاجة .وأعادت غادة السؤال عن تفصيل ما حدث . .فلم أحدثها . .كنت
متعبففة وكان على أن أهيففئ نفسففي للقاء الليلة التيففة . .وفهمففت عليففة ذلك فأسففكتت غادة وانقضففى
النهار.
38
الغرض مفن الدراسفة هفو إيجاد لبنات سفليمة مفن الشباب المسفلم .علنفا نسفتطيع إعادة مجفد السفلم
وقيام أمته الفعالة في الرض .
وبعد دراسة طويلة قررنا أن نعيد تنظيم الخوان المسلمين في كل مواقعها وأن نعمل بدأب ومثابرة
على جمع كل من نستطيع من لبنات صالحة من شباب المة الضائع في المجتمع الجاهلي المحيط
بالبشريفة كلهفا . .وقررنفا أن يسفتغرق هذا العمفل ثلثفة عشفر عامفا .بعدهفا نقوم بمسفح للجمهوريفة،
فإن وجدنفا الفئة المؤمنفة بمبادئ السفلم تقفل نسفبتهم عفن %25جددنفا فترة الدراسفة المصفحوبة
بالتربيفة لثلثفة عشفر عامفا أخرى ثفم نعيفد التقييفم ثانيفة وثالثفة ورابعفة حتفى تصفل النسفبة %75مفن
مجموع الشعفب . .عندهفا ننادى بالدولة السفلمية . .فماذا يخيفف عبفد الناصفر ،وماذا يخيفكفم أيهفا
الحاكمون ؟ ربمففا تمففض أجيال قبففل أن يتحقففق هذا الذي نرجوه ،فمففا الذي يخيفكففم ؟! ! ليففس فففي
حسابنا -بالمرة -قتل عبد الناصر ،فقتله ليس أمرا واردا في قضيتنا . .القضية اكبر من قتل شخص
أو أشخاص وفكرة القتففل مرفوضففة ولكنكففم تتعللون بهففا لتقتلوا المؤمنيففن ! ! . .مففن الذي أمركففم
بتعذيبنا وقتلنا؟ الصهيونية أم الشيوعية؟ ! !
إن المفر الذي ترتعفد منفه الشيوعيفة الملحدة ،ويخيفف الغرب المنحرف ،المرتفد عفن مسفيحيته . .
إن المفر الذي ترتجفف منفه الصفهيونية العالميفة ويجعلهفا ل تنام ول تهدأ . .المفر الذي يرعفب كفل
هؤلء جميعا ،هو عودة السلم بعقائده وشرائعه ومعاملته إلى المسلمين ! ! . .نعم عودة السلم
تقلق كففل هؤلء ولذلك هففم يتربصففون بنففا ويتجسففسون علينففا ،ثففم يأمرون عملئهففم بالقضاء على
المؤمنين . .ولكن ال متم نوره .ومخزي الكافرين . .إن قتلتمونا اليوم فسيأتي من بعدنا من يرفع
رايفة السفلم . .أمفا مجلة السفيدات المسفلمات أو المركفز العام للسفيدات المسفلمات أو الدنيفا كلهفا إذا
جاءتنا لتكون لغير ال فنحن نرفضها ول نريدها . .إننا ل نطلب إل ال وطريقه وشريعته " وذيلت
هذه الكلمات بتوقيففع "زينففب الغزالي الجففبيلي"! ! .ودخففل صفففوت الروبففي وطلب منففى الوراق
فأعطيتهففا له وخرج . .ومرت فترة .عاد إلى الرجففل الذي كان أعطانففي الوراق والقلم .ومعففه
أوراق -ليست هي التي كتبتها -ثم مزقها وقذفني بها في وجهي ليوهمني بأنه مزق ما كتبت ! ! . .
وقال لصففوت " :خذوهفا يفا صففوت . .إنهفا ل تسفتحق إل العدام كمفا قرروا . .أنفا كنفت أريفد أن
أخدمهفا لكنهفا رفضفت يدي الممدودة إليهفا . .دعهفم يعدمونهفا! ! " . .وانصفرف . .إننفي ففي دهشفة
-بل في حيرة -إن كانوا يقولون ويزعمون أن القضية وضحت كل معالمها وتكشفت كل عناصرها،
فلماذا لم يقدموني إلى المحاكمة العلنية ،ول داعي للترغيب والترهيب والتعذيب ؟! ! أم أن القضية
هفي الموت البطيفء تنفيذا لمخطفط مرسفوم ؟ حقفا لقفد وضحفت القضيفة . .ووضحفت كفل معالمهفا. .
وتكشفت كل عناصرها . .بل وبان هدفها والغرض منها . .أنهم يريدونها جاهلية . .جاهلية! !
أغلق باب الزنزانففة فانتقلت إلى عالم آخففر ! ! . .كان الرهاق والجهففد واللم قففد سففطر كففل منهففا
سطورا عميقة في نفسي وجسدي!! . .وتكورت في مكاني أحاول النوم فلم أستطع فقد كنت كأنني
أتقلب على مسفامير محميفة . .فالسفياط والركفل والصففع قفد مزقفت جسفمي ،والسفب بأبشفع اللفاظ
وأقذرها قد مزق نفسي!! ..
وهكذا ظللت أتقلب حتفى سفمعت أذان الفجفر فاسفتيقظت عليفة وغادة وتيممتفا وادينفا الصفلة . .كان
ى علية وقالت " :الدكتور أعطاني حبوبا مهدئة أتأخذين قرصا حالي يغنى عن أي سؤال فنظرت إل ّ
يفا حاجفة؟ ! ! " قلت " :ل بأس يفا عليفة!إ" .تناولت القرص واسفتسلمت للنوم . .ولكفن هيهات للنوم
أن يجمفع أشلء جسفد ممزق ،وشتات نففس ممزقفة! ! ففزعنفا إلى ال . .نقرأ القرآن . .ونصفلى ما
39
اسفتطعنا . .كانفت غادة تحففر على حائط الزنزانفة تاريفخ كفل يوم منفذ مجيئهفا إلى السفجن . .قالت :
"اليوم 8أكتوبر فقلت " :ربنا يفوته على خير " . .قالت علية " :إن شاء ال " وفى الضحى فتحت
الزنزانفة وظهفر -صففوت ومعفه جنديان يحملن حقيبفة كفبيرة عرففت مفن النظرة الولى أنهفا مفن
منزلي! ! فتفح صففوت الحقيبفة وهفو ينادى " :يفا زينفب ! هذه ملبفس طلبناهفا لك مفن البيفت وأخفذ
يخرج مفا ففي الحقيبفة ويعرضفه على ثفم أعاد مفا أخرجفه إلى الحقيبفة ثانيفة وأقفلهفا . .كانفت الحقيبفة
كأنهفا أعدت لرحلة طويلة . .فسفألته " :مفن طلب كفل هذه الملبفس ومفن أحضرهفا"؟ فقال صففوت :
نحن طلبناها وأختك حياة أحضرتها . .ثم أمر الجنديين بالنصراف بالحقيبة! ! ولبث قليل ثم أغلق
الزنزانفة! ! انصفرف الزبانيفة فأغمضفت عينفي ورحفت ففي إغماءة شديدة؟ على إثرهفا هرعفت إلي
عليففة وغادة تدلكان يدي وقدمففي تحاولن إفاقتففي ،وأخذتففا تهونان على المففر . .هففم اعتقدوا إنففك
محتاجة إلى ملبس فطلبوها . .المر بسيط وعادى جدا " . .قلت " :ل يا علية إنها مصيبة كبيرة
،فقالت علية " :لماذا يا حاجة؟ انهم رأوا ثيابك قد تمزقت وأنك في حاجة إلى ملبس .فقلت " :ل..
ل ..يفا عليفة .هذه فتنفة! ! لماذا أنفا بالذات التفي تأتيهفا ملبفس ؟ إننفي منقبضفة وغيفر مسفتريحة إلى
هذا . .إننففي مقبلة على اختبار اكففبر ممففا أنففا فيففه ! . .وأخذت أدعففو ال أن يثبتنففي على الحففق .
وانتظمنفا ففي صفلة العصفر .ونحفن ففي الركعفة الخيرة دخفل صففوت وجذبنفي بوحشيفة وقال :
"تعالى معي ! ! " وأغلق الزنزانة على غادة وعلية .سار بي إلى آخر الممر .ثم قذفني في زنزانة
حالكففة الظلم ،كريهففة الرائحففة ،رطبففة تمرح فيهففا فئران متوحشففة! ! جلسففت فففي رعففب شديففد
وجسفمي يرتعفد مفن شدة البرد وبرودة السففلت بقسفوة ،وظلمفة الزنزانفة تضاعفف خوففي ورعفبي
وآلمفي ! ولجأت إلى ال لتغلب على هذه الظرف .فتيممفت وأخذت أصفلى وأصفلى وأناجفى ربفي
( ..أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد 128 :وفجأة أضيء النور .
ودخل صفوت ومد يده قائل " :أقرئي هذا الخطاب يا بنت ! نظرت في الخطاب . .فوجدت مكتوبا
في أعله "مكتب رئيس الجمهورية" ثم مكتوب في صلبه باللة الكاتبة " -بأمر جمال عبد الناصر
رنيس الجمهورية تعذب زينب الغزالي الجبيلي فوق تعذيب الرجال ! "
التوقيففع (جمال عبففد الناصففر رئيففس الجمهوريففة" ومختوم بخاتففم شعار الدولة الخاص برئاسففة
الجمهورية . .
قرأت الخطاب ثففم أعدتففه إلى صفففوت قائلة " :ال اكففبر منكففم جميعففا . .نحففن معنففا ال " . .فأخففذ
يرمينفي صففوت بنظرات شرسفة ويقذف مفن فمفه بقذارات مفن السفب المقذع . .ولم أنطفق بكلمفة
واحدة فأغلق الزنزانة .
بعفد فترة قصفيرة سفمعت صففوت يصفيح بأعلى صفوته "انتباه "! ! وفتحفت الزنزانفة ودخفل حمزة
البسفيوني تتراقفص الشياطيفن ففي عينيفه وقال " :آخفر فرصفة لك . .سفاعة واحدة فكرى فيهفا جيدا
وقدري مصفلحتك ،لقفد أحضرت لك ثيابفا لتقابلي المشيفر عبفد الحكيفم عامفر والرئيفس جمال .ثفم
يتغيفر موقففك ففي القضيفة " ونظفر إلى صففوت قائل " :اقرأ عليهفا الخطاب يفا صففوت ! ! " فرففع
صفوت عقيرته وقرأ "بأمر جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية تعذب زينب الغزالي الجبيلي فوق
تعذيب الرجال " إمضاء جمال عبد الناصر . .أخذ حمزة البسيوني الخطاب من صفوت وقال وهو
يناوله لي " :خذي . .خذي يا مجنونة الخطاب واعرفي ما فيه جيدا " . .فقلت له " :لقد قرأته "
! ! فقال " :أقرئيه مرة أخرى" . .ثم اتجه إلى صفوت وقال :أين السوط يا صفوت ؟! ! فأخذت
الخطاب وقرأته ثم قذفت به إلى الرض وقلت له " :ربنا اكبر منكم يا فجرة . .اخرجوا يا كفرة! !
".
نادى حمزة البسيوني على بعض الجنود خارج الزنزانة ،فدخل جندي يحمل حقيبة الملبس .وقال
في وحشية " :سنمنحك فرصة لمدة ساعة . .وهذه ملبسك . .فكرى جيدا ولمصلحتك فقط ..حل
40
المشكلة ففي يدك أنفت ! ! " ثفم أغلقوا الزنزانفة وانصفرفوا .أخذت أسفتغفر ال وادعوه الثبات على
الحففق .ومضففت السففاعة الممنوحففة لي .فدق أذنففي صففوت صفففوت "انتباه ! ! " ثففم دخففل حمزة
البسففيوني ونظففر إلى ثففم قال " :ألم ترتدى ثيابففك ؟ ! ! أتريديففن الموت ؟ ! " .ل بأس ! لقففد بعففت
نفسك ! حسنا خذها يا صفوت . .بنت الكلب . . . .تريد أن تقدم نفسها فداء لسيد قطب والهضيبي ،
إنهفم يريدون التخلص منهفا ويخرجون هفم أبرياء .جذبنفي صففوت بعنفف وخرج بفي مفن الزنزانفة
وسفار بفي ففي الممفر ،وأثناء مروري على زنزانتفي قلت "ال اكفبر" بصفوت مرتففع حتفى تسفمع
"علية وغادة فكنت أعتقفد أنهفا اللحظة الخيرة ففي حياتفي ،كما قال حمزة البسفيوني ! ! .ال اكبر
منكم يا فجرة . .اخرجوا يا كفرة! إ" .
الباب الرابع
واستمر صفوت في سيره حتى مكتب ضابط يدعى هاني ،وأخذني هاني إلى مكتب شمس بدران
..إ!
شمس بدران وما أدراك ما شمس بدران ! !
41
إنفه وحفش غريفب عفن النسفانية وأكثفر وحشيفة مفن وحوش الغاب ! ! إنفه أسفطورة ففي التعذيفب
والقسفوة ! ! كان ينطلق ففي لذة غريبفة يضرب الموحديفن المؤمنيفن ،بأعنفف مفا يمكفن أن يتصفوره
العقفل البشرى .ظنفا منفه أن القسفوة والعنفف ففي التعذيفب يرد المسفلمين عفن دينهفم وعقيدتهفم !! وقفد
خاب ظنه . .
وسفألني شمفس بدران ففي غطرسفة كأنفه جامفع رقاب الخلق بيفن أصفابعه هفو أنفت بقفى سفت زينفب
الغزالي؟ قلت :نعفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففم !
كان مكتفب حمزة البسفيوني يتصفل بمكتفب شمفس .وكان يقفف خلففي الجلد صففوت الروبفي واثنان
آخران وبيد كل منهم سوط كأنه لسان من لهب ! ! .
قال شمفس بدران وهفو مازال ففي غطرسفته " :يفا بنفت يفا زينفب ! خلى بالك وتكلمفي بعقفل وشوففي
فين مصلحتك ،خلينا نخلص منك ونشوف غيرك وإل بعزة "عبد الناصر" أجعل السياط تمزقك .
قلت " :يفعفل ال مفا يشاء ويختار" .فقال " :مفا هذه الرطانفة العجيبفة يفا بنفت . .؟إ " فلم أرد عليفه
فقال " :مفا هفي صفلتك بسفيد قطفب والهضيفبي؟" .قلت ففي هدوء " :أخوة ففي السفلم . ،فقال ففي
استنكار بليد " :أخوة ماذا؟" .فأعدت " :أخوة في السلم " .فقال " :ما مهنة سيد قطب ؟".
قلت " :الستاذ المام سيد قطب مجاهد في سبيل ال ،ومفسر لكتاب ال ،ومجدد ومجتهد" .
فقال فففي بلدة :مففا معنففى هذا الكلم ؟ فقلت وأنففا أضغففط على مخارج اللفاظ تأكيدا له معناه :إن
السفتاذ سفيد قطفب زعيفم ،ومصفلح ،وكاتفب إسفلمي ،بفل مفن أعظفم الكتاب السفلميين ،ووارث
محمدي .
وبإشارة من إصبعه انهال على الزبانية .وقال هو :إيه يا ست ؟ ولم أجبه – قال :ومهنة الهضيبي
إيففه كمان ؟ فقلت " :السففتاذ المام حسففن الهضيففبي" إمام مبايففع مففن المسففلمين المنتميففن لجماعففة
الخوان المسفلمين ،الملتزميفن بتنفيفذ أحكام الشريعفة ،والمجاهديفن ففي سفبيل ال حتفى تعود المفة
السلمية كلها إلى كتاب ال ،وسنة رسوله ".
وما فرغت من كلمي حتى عاود الزبانية التعذيب بالسوط !
فقال " :هراء ،وكلم فارغ . .ما هذا يا بنت الفف. " . . .
وقال حسن خليل " :دعها يا باشا . .توجد نقطة مهمة !!" ثم تقدم إلى وامسكني من ذراعي وقال :
"هل قرأت كتاب "معالم الطريق " لسيد قطب ؟ فقلت " :نعم قرأته " .
فقال رجفل آخفر مفن الجالسفين – وكان يدخفل بعفض الضباط أثناء السفتجواب ويجلسفون للمشاركفة
في الستجواب من جهة .ومن جهة أخرى كنوع من الرهاب ممكن تعطينا موجزا لهذا الكتاب ؟
فقلت " :بسم ال الرحمن الرحيم ،والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
." . .
فقاطعني شمس بدران في صفاقة غريبة :أنت واقفة على منبر مسجد يا بنت الفف . . . .؟! إننا في
كنيسة يا أولد الفف."! . . . . .
وقال حسن خليل :معذورة يا باشا . .أكملي يا زينب .ماذا فهمت من كتاب معالم في الطريق ؟
فقلت :كتاب معالم في الطريق في فهم المجتهد المفسر سيد قطب يدعو المسلمين لمراجعة أنفسهم
مفع كتاب ال ،وسفنة رسفول ال ،وتصفحيح تصفورهم لعقيدة التوحيفد .فإذا وجدوا أنفسفهم – وهذا
هففو الواقففع الن – منقطعيففن عففن كتاب ال ،وسففنة رسففوله سففارعوا بالتوبففة .وعادوا إلى دينهففم
وكتابهم ،وسنة رسولهم ! .ثم يدعوهم للمفاصلة بينهم وبين الجاهلية المتفشية في المة ،فطمست
وضوح الرؤية في فهم القرآن .وتصور أوامره تصورا سليما .فإذا راجعت المة الكتاب ومراميه
،ومقاصفده ،والتزمفت بدينهفا صفحت عقيدتهفا .فالسفيد قطفب يرى ضرورة تبصفير المفة بمراجعفة
42
عقيدتهفا لتقرر صفدقا مفن قلبهفا وضميرهفا أنهفا ملتزمفة بكفل مفا تكلفهفا بفه شهادة أن ل إله إل ال وأن
محمدا رسول ال .
ولزمت الصمت بضع لحظات ،فقال حسن خليل في تهكم أبله "إنها خطيبة .وقال آخر" :إنها كاتبة
كذلك " .
وأخرج مجموعة من مجلة السيدات المسلمات كانوا قد استولوا عليها مع الكتب يوم القبض على .
وأخفذ يقرأ منهفا بعفض جمفل مفن مقال افتتاحفي لحفد أعداد المجلة .لكفن شمفس بدران قاطعفه ونظفر
إلى الحيوانات المفترسة التي تحيط به .وقال جاهلية :أنا لم أفهم شيئا مما قالته هذه البنت ! ! فنزل
على الزبانيفة بسفياطهم :قائليفن وضحفى يفا بفت للباشفا .فقال حسفن خليفل -ويبدو وكأنفه ينسفج شبكفة
لصطيادي : -ل بأس يا باشا . .لحظة أخرى. .
ثم قال كأنه :أريد أن أفهم معنى ما تلزم به ل إله إل ال محمد رسول ال ،فقلت :إن محمدا صلى
ال عليفه وسفلم ،جاء ليخرج البشريفة كلهفا مفن عبادة البشفر ،وعبادة الوثفن ،إلى عبادة ال الواحفد
القهار هذا معنفى ل إله إل ال .وأمفا معنفى محمفد عبده ورسفوله ،فكفل مفا جاء بفه محمفد صفلى ال
عليه وسلم من الوحي ،وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة ،هو حق واجب التنفيذ اعتقادا وعمل،
وهذا هو التصور السليم لكلمة التوحيد" .
فقال شمس بدران وقد أخذته العزة بالثم "كفى سخافات !" ثم نزل على وحوشهم بالكرابيج .
وقال حسفن خليفل " لحظات أخرى يفا باشفا -مفن أجلى .ونظفر إلى وقال :هفل نحفن مسفلمون أم
كفار؟! ! .
قلت :اعرض نفسفك على كتاب ال وسفنة رسفوله ،وسفتعرف أيفن أنفت مفن السفلم .فقال شمفس
بدران "يا بنت الفف ، . .وانطلقت القاذورات من فمه تكشف أخلقيات هذا المخلوق العجيب ! ! أما
أنا فلم أرد من هول السياط .
وبدأ شمس بدران يمارس عملية وحش الغاب المفترس . .إن غابة عبد الناصر ل تعرف تقاليد أو
عادات .بفل تسفودها جاهليفة حمقاء ،يظلهفا طغيان أهوج ،وتسفرح ففي دروبهفا ذئاب خبيثفة جائعفة
إلى نهش البشر! ! .
نظر شمس بدران إلى صفوت وقال :علقها يا صفوت الضرب ده مش نافع ! ! .
فخرج صففوت وأتفى بعامود مفن الحديفد وقاعدتيفن مفن الخشفب .وجاء ثلثفة مفن الزبانيفة يحمفل كفل
منهم سوطا .وأعدوا اللة ليعقوني عليها .فقلت لهم " :أعطوني بنطلونا من فضلكفم . .أرجوكم ! !
".
فقال حسن خليل لشمس بدران " :ل بأس يا باشا" .فقال شمس بدران " :هاتوا لها بنطلونا" .وفى
سرعة عجيبة أحضر أحد الجنود بنطلونا كأنما انتزعه من تحت رجليه ! !
وقال حسن خليل لشمس بدران " :عفوا يا باشا ثم التفت إلى وقال " :أدخلي هذه الحجرة البسي فيها
البنطلون " ..
كانفت حجرة فاخرة الثاث ،مكيففة الهواء ،بهفا جهاز تليفزيون وجهاز راديفو! ! ولبسفت البنطلون
وخرجفت إليهفم ! ! وعلقفت بأمفر شمفس بدران ففي هذه الحديديفة . .ول أدرى كيفف ربطوا يدي مفع
رجلي .ول كيف علقت ! ! . .
ويخرج المفر مفن ففم شمفس بدران كضابفط عظيفم ففي سفاحة الوغفى :اجلدهفا يفا وله خمسفمائة
جلدة! !
43
وتنهال السفياط تسفطر على قدمفي وجسفدي أبشفع مفا عرفتفه الجاهليفة مفن قسفوة وحيوانيفة ..ويشتفد
الجلد . .ويشتففد اللم .يعففز على أن أضعففف أمام هؤلء الوحوش .احتملت .احتملت وأنففا أضرع
إلى ال في سرى .
ويتضاعفف اللم ،ويتضاعفف ،ولمفا فاض الكيفل ،ولم يعفد كأنفه طاقفة على الكتمان عل صفوتي
يرفع شكواي للذي يعلم السر وأخفى .أخذت أردد :يا ال يا ال ،والسياط تشق في قدمي مجارى
اللم .وفففى قلبففي ومشاعري مجارى الرضففا ،والتعلق بال ! ! . .حتففى فقدت الوعففي .ولم أشعففر
بنفسففي ،ورقدت جثففة هامدة فوق الرض وهففم يحاولون تنففبيهي ويحاولون إيقافففي فل أسففتطيع .
فكلما وقفت سقطت .
كان اللم فوق الحتمال والدم ينزف مفن قدمفي ويأمفر شمفس بدران صففوت بإيقاففي .كنفت ففي غايفة
اللم والجهد فحاولت أن أستند إلى الحائط فيبعدني صفوت عن الحائط بسوطه !!. .
فأقول لهفم :دعونفي أجلس على الرض فيقول شمفس بدران :ل . .ل . .أيفن ربفك ادعيفه لينقذك
مفن يدي . .نادى عبفد الناصفر وانظري ماذا يحدث . .ولم أرد عليفه ،فيسفتمر ففي جاهليتفه :ردى
على! أين ربكم ؟! ! فلزمت الصمت فقال :ردى! ! .
فقلت بصفوت خاففت لشدة مفا أنفا فيفه " :ال سفبحانه الفعال ذو القوة المتيفن " وأخرجونفي مفن مكتفب
شمس بدران إلى المستشفى .
خرجفت مفن مكتفب شمفس بدران . .وتنفسفت الصفعداء ،فإنفي أتلهفف إلى الراحفة وأكاد أشعفر أن
أعضائي تتمزق ! ! . .وسفرت مفع جلدي صففوت الروبفي إلى حيفث يريفد أن يسفوقني! ! . .ومفا
كدت أشرف على نهايفة الممفر حتفى نادى حسفن خليفل بكلمات كأنهفا الحمفم تخرج مفن بركان ثائر:
ارجع يا صفوت .الباشا يريد زينب مرة أخرى ! .
ومرة أخرى دخلت مكتفب شمفس بدران ،وكانفت المفاجأة! ! إذ رأيفت حميدة قطفب أمامفي ! ! . .
عرفتهففا ،وهففى لم تعرفنففي ،فالسففياط ،والكلب ،والجهاد ،والجوع ،والعطففش ،والتمزق فففي
جسدي . .كل هذا قد غير ملمحي وغير صورتي ! ! .
وسففأل شمففس بدران البنففة الفاضلة حميدة قطففب :هففل هذه زينففب الغزالي؟ فدققففت حميدة النظففر
وأجابت :نعم . .كنت في قمة الجهاد واللم .فلم أتابع السئلة التي كانت توجه .إن شمس بدران
يسأل عن الخت الفاضلة فاطمة عيسى ،التي كانت تنزل في زنزانة مقابلة لزنزانتي .أخذت البنة
حميدة قطب تجيب عن أسئلة شمس بدران الذي أمر بخروجي.
ومفا كدت أخرج حتفى سفقطت على الرض .فأمفر صففوت جنديفا أن ينادى الممرض عبفد المعبود،
حضفر عبفد المعبود ومعفه زجاجفة نزع غطاءهفا .ومررهفا أمام أنففى " فأفقفت ،ثفم أوقفونفي . .
وأمرني الجلد صفوت بالسير .بل وأخذ يضربني بسوطه لسرع الخطأ ! ! فاسقط على الرض .
.فيأمرنفي بالوقوف والسفير .وسفوطه المجنون يصفب على جسفدي المكدود نارا حاميفة! ! وهكذا
دخلت الممففر أسففير فاسففقط ،ثففم أنهففض لسففير فأسففقط ،وسففوط الجلد المجنون ل يرحففم ! ! يففا
إلهفي ! ! هفل هذا إنسفان ؟ ،أم مخلوق آخفر يمشفى على رجليفن وسفوط .وسفمعت صفوتا ينادي :
دخلها يا صفوت سجن رقم ( )5وصوتا آخر اذهب بها إلى الماء يا صفوت ! ! " أدخلني صفوت
سجنا وأمرني بالجلوس على الرض .ثم أمر الجندي التمورجي عبد المعبود أن يضمد جراحي .
!!.
44
وفتفح باب زنزانفة ،فرأيفت خلف الباب سفدا حديديفا يرتففع لكثفر مفن متفر .أمرنفي صففوت أن أخلع
ملبسي وأن أقفز هذا السد الحديدي! جمدني الخوف ووجدت نفسي ل أقوى على الحركة فلم أتقدم
شبرا واحدا .وتركزت عيناي على بئر من الماء خلف السد.
وجمعففت كففل قوتففي فففي فمففي وقلت :لن أخلع ملبسففي أبدا ! ! .فقال فففي جاهليففة ماجنففة عابثففة:
ستنزلين الماء بثوب واحد . .فقلت :أنا لبسة جلبابا واحدا .فقال صفوت في غرور :سأمزقه ! ! .
.ومزق جلبابي الوحد بمشرط شرائح ؟؟ . .وقال :اخلعي البنطلون يا بنت الفف . . . .البنطلون
خسارة وأنت ستموتين بعد ساعة ! ! .قلت :عندما أدخل الحجرة سأعطيك البنطلون . . .فقال في
صفلف وحماقفة :حجرة آيفه يفا بنفت الفف . .إننفا سفنقذفك ففي البئر ونخلص منفك .قلت :إذن ،أدر
ظهرك لخلع البنطلون . . .
وأدار صفوت ظهره .وخلعت البنطلون الذي أعطوه لي عندما جلدوني في مكتب شمس بدران ! !
.
ووقففت ففي الثوب الممزق ،ل أدرى ماذا أفعفل ! ! . .وعندمفا أمرنفي صففوت أن أقففز إلى الماء
امتنعت وقلت :ل ،أنا ل أرمى نفسي في الماء ،إذا كنتم ناويين على قتلى فتحملوا أنتم مسئولية هذا
المر . .أما أنا فلن أنتحر أبدا . . .كنت أعتقد أنهم قد اعتزموا قتلى والخلص منى حقا ،فظروف
الحال كانت تؤكد عندي هذا العتقاد . .فالغلظة والفظاظة التي فاقت كل تصور والبئر التي أمامي
والتي يطلبون منى أن أقفز فيها .كل هذا أكد عندي أن النية اتجهت فعل إلى قتلى! ! فليرموني إذا
شاءوا في البئر ،فالموت في سبيل ال أسمى أمانيّ ..ومرحى بالشهادة في سبيلك يا إلهي .
وجاء الزبانية يسوقونني بسياطهم لقفز إلى الماء فأتمنع ،فترتفع جاهليتهم .وتزداد حمية سياطهم
فأسففقط على الرض ،فقففد كان العذاب فوق طاقتففي بكثيففر . .تفنففن فيففه صفففوت ،والجندي سففعد،
وجندي ثالث يدعى سامبو ،هكذا سمعتهم ينادونه ،وحملني الثلثة وقذفوا بي إلى البئر! ! .
وأفتح عيني فإذا بأنني أقف على أرض صلبة! ! . .وعرفت أن الماء لم يكن بئرا وإنما هو زنزانة
مفن الماء . . ! ! . .فاتجفه إلى ال سفبحانه وأقول :باسفمك اللهفم ،سفلمت لك آمري ،وأنفا أمتفك ،
وعلى عهدك ما استطعت . .ألبسني أردية حبك ،وأغدق على من صبرك يا ال .. .ويريد صفوت
أن يزيد طوفان العذاب فيقول ،وسوطه ينزل على جسدي حيثما اتفق :اقعدي يا بنت الفف. .إ! .
فأقول :كيفف أقعفد ففي هذا الماء؟ إن هذا مسفتحيل . .فيقول الجلد بلسفانه وسفوطه :اجلسفي كمفا
تجلسين في الصلة . .أظن تعرفين هذا جيدا . .أرينا مهارتك وأقعدي . .إنك لم ترى شيئا بعد. .
فمازال ففي جعبفة أبفى خالد الكثيفر . .جمال عبفد الناصفر هفو الذي عرف كيفف يتعامفل مفع الخوان
المسفلمين . .هيفا اجلسفي يفا بنفت الففف . . .وجلسفت فصفارت المياه إلى أسففل ذقنفي ،وقال صففوت :
إياك أن تتحركفي ولو حركفة واحدة . .جمال عبفد الناصفر أمفر بجلدك كفل يوم ألف جلدة بالسفوط ..
أحفب أعرفك التسعيرة هنفا . .الحركة بعشرة سياط ! ! .لشدة الهول ،نسفيت أقدامفي الممزقفة .بفل
نسيت كل جندي .غير أن المياه أخذت تفعل بالجراح ما لم أستطع وصفه من آلم ،لول عناية ال
مفا احتملتهفا . .وشغلتنفي آلمفي عفن صففوت ،وسفعد ،وسامبو ،ولكفن أعادنفي صففوت بسفوطه إلى
الواقع الكثيف المرارة! .
وقال صفوت :أعلمي -يا حلوة -لو نمت فالسوط يوقظك .هذه الجلسة فقط . .نعم تجلسين هكذا .
.هل ترين الفتحة المحفورة بالباب ؟ إنها للمراقبة . .إذا وقفت ،أو نمت أو حركت يدك أو رجلك
فالسفياط موجودة ومسفتعدة . .إننفا وضعناك ففي وسفط الحجرة ،فإياك أن تفكري أن تزحففي لتسفندي
رأسك مثل إلى الحائط .إذا سولت لك نفسك أن تفعلي هذا فعشرة سياط . .إذا وقفت فعشرة سياط .
ومد رجلك خمسة سياط . .مد ذراعك خمسة سياط . .علمت – يا حلوة – هذه التسعيرة؟ فلينفعك
الهضيفبي أو سفيد قطفب . .أنفت هنفا ففي جهنفم عبفد الناصفر . .إذا قلت يفا رب فلن ينقذك أحفد ،ويفا
45
سعادتك لو قلت يا عبد الناصر . .فستفتح لك الجنة .جنة عبد الناصر أيضا . .أتفهمين ؟! ! أنت يا
حلوة -مفا زال أمامفك الكثيفر .ومفا سفيأتي اكثفر وأكثفر . .يفا ليتفك تعقليفن . .إننفي مسفتعد أرجفو لك
معالي الباشا وتذهبين إليه . .وتقولين ما يريده . .هل أنت مجنونة؟ من أجل من تفعلين في نفسك
كففل هذا؟ مففن أجففل الخوان ؟ . .كلهففم اعترفوا ولم يبقوا عليففك . .ولفوا الحبففل حول عنقففك . . .
ظللت صامتة وإن كانت نظراتي إليه تقول الكثير . .ولكنه جاهل أحمق وحيوان مغرور! ! .
فاسفتأنف سفخفه ،أو بالحرى اسفتأنف إغراءه :أطيعينفي ،واسفتمعي إلى . .وأنقذي نفسفك . .أنفت
في الصباح ستكونين مع الموات .
وظللت على حالي مفن الصفمت والسفكون فقال " :ردى يفا بنفت الففف . .فصفمت ..فقال :المفر بسفيط
جدا .سآخذك إلى معالي شمس بدران باشا ،وتقولين له كيف اتفق سيد قطب مع الهضيبي على قتل
جمال عبد الناصر! .
فصفرخت بكفل قوتفي . .كفل الخوان أبرياء .وربنفا سفينتقم منكفم ليسفت الدنيفا غايتنفا ،نحفن نطلب
رضاء ال ،وبعده فليكن ما يكون ! !
فانطلقفت القذارة مفن فمفه بأبشفع مفا يمكفن أن يسفمعه إنسفان .وانطلق سفوطه بأعتفى مفا يمكفن أن
يتحمله بشففر مففن حقففد وكراهيففة! ! واسففتمرت قذارتففه واسففتمر حقده وكراهيتففه اكثففر مففن نصففف
ساعة! ! ثم انصرف وهو يقول :أنت عارفة التعليمات والتسعيرة يا بنت الفف . . .لم أستطع أن أظل
ففي مكانفي بل حركفة .فليفس ففي مقدور أي إنسفان مهمفا كانفت طاقتفه ومهمفا بلغفت قوة احتماله أن
يجلس هذه الجلسة ول يتحرك . .إنه تعذيب .وعذاب ! ! . .
الضرب بالسفوط أهون مفن التجمفد ففي هذه الجلسفة دون حركفة .فلهيفب السفوط أهون مفن عذاب
الماء! ! . .
أخذت أفكر كيف أتحرك . .لو مددت رجلي سيصل الماء إلى فمي .فلم يكن بد من الوقوف وأتحمل
عشرة سياط ! ! . .وفوضت المر ل .وقلت :يا رب أنت معي! ! ووقفت !! .
خيل إلى أن الجند نائمون . .وسمعت أذان الفجر ،فتيممت على الحائط ،لن الماء كان قذرا جدا ل
يصفلح للوضوء . .وأديفت ركعتفي السفنة ،ودخلت ففي ركعتفي الفرض وهنفا فتحفت الزنزانفة ،وهوى
السوط على جسمي .فجلست كما كنت فاغلق الباب . .
وأخذت أردد :حسفبنا ال ونعفم الوكيفل .حتفى تأخذنفي سفنة مفن النوم فيوقظنفي الماء الذي يصفافح
ذقنفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي .
كانت زيارة سامبو وسوطه ل تقل عن خمس مرات في الليلة الواحدة! ! . .فكان لبد من الحركة،
وكان لبد من السوط ! ! .
الجريمة ! !
مففع الضحففى ،جاء صفففوت وأخرجنففي إلى زنزانففة أخرى بجوار زنزانففة الماء . .ابتلعتنففي هذه
الزنزانة . .وتكورت في ركن من جوفها مستندة إلى حائط . .كان الحائط بالنسبة إلي كأنه وسادة
ناعمفة محشوة بريفش النعام ! ! كانفت آلمفي عاتيفة متنوعفة . .آلم الجوع تفري أمعائي . .وآلم
جروحفي تمزقنفي . .جروح جسفدي وجروح نفسفي . .لقفد صفرت كتلة آلم . .كفل جزء منهفا يئن
ويصفرخ إ! . .ويدخفل صففوت ومعفه مارد أسفود! ! أخفذ يتحسفس سفوطه بيده اليسفرى ثفم يضرب
الرض والحائط ،وكأنففه يسففتحث لهيبففه ،أو يسففتنفر حميتففه ! ! وقففف صفففوت وألقففى أوامره
وتعليماتفه إلى هذا المارد بان يرتكفب أبشفع جريمفة ممكفن أن يقترفهفا بشفر ! ! . .وترك له السفوط
وهفو يقول ففي صفلف وغرور :إذا وجدت منهفا أي معارضفة فالسفوط معفك . . .انشغلت عفن هذا
46
السففه بال سفبحانه وسفألته متوسفلة إليفه " :اللهفم إنفي أمتفك ،وعلى عهدك مفا اسفتطعت . .أدعوك
بضعفففى ،وقلة حيلتففي ،وانكسففاري ،وهوانففي على الناس ،أن تدفففع عنففى شففر الشرار ،وتحمينففي
بقدرتك ،وتعينني على ظلمهم .". .
أخرجني من إغراقتي في مناجاة ربى صوت هذا النسان المأمور بإيذائي بأبشع جريمة . .يناديني
"يا خالة! !" .ونظرت إليه ودهشت . .فقد تغير وجهه وارتسمت عليه ملمح إنسان ! ! .
قال بصفوت منخففض فيفه شفافيفة :ل تخاففي يفا خالة . .لن أؤذيفك ،ولو قطعونفي . .فقلت بصفعوبة
بالغفة :ربنفا يهديفك يفا بنفى . .ربنفا يكرمفك .فتفح باب الزنزانفة ففي عنفف وانطلق صففوت يضرب
الرجففل بالسففوط ويقول :يففا ملعون ،يففا ابففن الكلب ،لقففد أوردت نفسففك مورد الهلك ،سففتقدم إلى
مجلس عسفكري . .هذه أوامفر جمال عبفد الناصفر يفا ابفن الكلب . .أنفت تكسفرها؟! أنقفذ نفسفك فورا
قبفل أن أذهفب بفك إلى شمفس باشفا يحولك إلى مجلس عسفكري . .ثفم أعاد عليفه الوامفر الفاجرة
والتعليمات الفاحشففة بكلمات صففريحة صففارخة ل يمكففن أن تخرج مففن فففم إنسففان وأغلق الزنزانففة
وأطل من الفتحة وقال " :أنا سأتركك ساعة ،ثم أعود إليك لنظر ماذا فعلت . .أنقذ نفسك ،ونفذ
الوامر! ! " .
حيا الجندي صفوت تحية عسفكرية مفز داخل الزنزانة وقال " :حاضر يا أفندم ! ! " .كنفت أسفتمع
إلى هذه الجاهليففة وذلك الفجور ،فأناجففي ربففى بتلك الكلمات " ،إنهففا دعوتففك ،ونحففن جندهففا ،
وشهداؤهفا . .فغيرتفك على جندك ،وأعراضهفم يفا ال ! اجعلنفا أقوى مفن ظلمهفم وألوان تعذيبهفم "،
وأخذت أدعفو لهذا الرجفل بالهدايفة ،ظننفت أن هذا الرجفل -بعفد الوامفر الجديدة -سفيخشى البشفر،
فيسلك مسالك الوحوش . .ولكنه كان رائعا وشجاعا .وقال كأنه في براءة الطفال :لماذا يعذبونكم
هكذا يا خالة؟
فقلت :إننا – يا بنى – ندعو ل ،ونريد حكم السلم لهذا البلد .ول نطلب لنفسنا سلطانا.
وسفمعت أذان الظهفر فتيممفت على حائط الزنزانفة وأديفت الصفلة ،فقال ففي رجاء " :ادعفى لي يفا
خالة .فدعوت له بالهدايفة وقمفت لصفلة السفنة ،فقال :ادعفى لي أن يكرمنفي ال بالصفلة يفا خالة. .
أنتم لستم بشرا .ربنا يخرب بيتك يا عبد الناصر! .
فقلت له :هفل تعرف الوضوء؟ .فقال :طبعفا ،أنفا كنفت مواظبفا على الصفلة ..لكفن جيفش حليمفة لو
رأونففي أصففلى يسففجنونني . . .فقلت له :صففل ولو سففجنوك ،فال معففك .فقال ونور اليمان يمل
وجهفه " . .سفأصلى" .وفجأة ضرب أحفد الجنود باب الزنزانفة بعنفف وقال :يفا ابفن الكلب . .ماذا
تفعفل ؟إ! .فقال الرجفل :السفت لم تفرغ مفن الصفلة .فقال الجندي ففي صففاقة :صففوت آت إليفك.
وأرسلني أنظر ماذا فعلت .
وجاء صفوت كحيوان مجنون وهجم على الرجل بوحشية شرسة ،وظل ينهال بسوطه على الرجل
حتفى أفقده حتفى النيفن ! ! وجاء مسفاعدو الجلد وحملوا المسفكين إلى مصفيره ،وأغلقفت الزنزانفة
على آلمففي وهمومففي . .آلمنففي مففا نال هذا الرجففل بسففببي ،أو لن ال أضاء بصففيرته فلم يطففع
الظالم ! ! كانت السياط التي مزقت جسده تمزق جسدي وتحفر أخاديد في نفسي! ! .
وهربت من همومي وآلمي إلى صلة العصر. .
وغربفت الشمفس ،فنشفط جلدو السفجن الحربفي وزبانيتفه ،وبدأت عجلة التعذيفب تدور! ! آخذونفي
فففي سففتر الليففل ،إلى زنزانففة الماء . .كانففت أمعائي تصففرخ مففن الجوع وحلقففي يكاد يتشقففق مففن
العطش ،وآلم جراحي تضرب كل جزء من جسمي بعنف وشراسة .آخذتني سنة من النوم ،وأنا
47
على هذا الحال ،فإذا بخلق جميفل ،يرتدون حلل مفن الحريفر ،مزركشفة ،داخفل مخملت مطرزة
بالذهب ،ويحملون صحافا من الذهب والفضة عليها ما طاب من الطعمة من لحوم وفاكهة لم أر
مثيل لهفا! ! . .فأخذت آكفل مفن هذه ،وتلك ،واسفتيقظت مفن سفنة النوم هذه ،فوجدت نفسفي ففي
شبفع وري ،فل جوع ،ول عطفش !! بفل إن مذاق مفا أكلتفه مفن طعام كان ل يزال بفمفي!! فأخذت
أشكففر ال وأحمده . .مكثففت فففي الماء طول الليففل إلى ضحففى اليوم الثالث ،عندمففا دخففل صفففوت
وشمفر بنطلونفه ،ونزل إلى الماء وقال وهفو يهزنفي بقسفوة :إلى متفى تظليفن على عنادك ؟ أنقذي
نفسك واكفينا أمرك . .أحكي الحكاية . .كيف اتفق سيد قطب مع الهضيبي على قتل عبد الناصر
ومتى قال لك أن تأمري عبد الفتاح إسماعيل بقتل عبد الناصر؟ فقلت :كل هذا لم يحصل . .فخرج
يسفب ويلعفن ..ثفم عاد صففوت مرة أخرى بعفد سفاعة تقريبفا ،وأخرجنفي مفن الماء ،وأدخلنفي ففي
الزنزانفة الخرى التفي تجاور زنزانفة الماء وانصفرف وارتعدت . .فقفد اتجفه تفكيري إلى مفا حدث
في هذه الزنزانة فاتجهت إلى ال بكل إيماني أن يحفظني مما يدبرون . .
ورجفع صففوت وضابفط بملبسفه الرسفمية يدعفى إبراهيفم . .وقال صففوت :سفيادة الضابفط سفيتكلم
معفك يفا . .فقال الضابفط :اخرج أنفت يفا صففوت ثفم اتجفه إليّف وقال :أليفس مفن الفضفل أن تقدري
مصففلحتك وتعملي لهففا فقففط ؟ . .هؤلء القوم ليففس لهففم إله حتففى يخشونففه ! هففل تعلمففي ماذا فعلوا
بالجندي الذي لم ينففذ الوامفر معفك بالمفس ؟ لقفد أعدم رميفا بالرصفاص . .إنهفم اليوم يعدون لك
فرقففة مففن أعتففى المجرميففن . .اعملي كففل مففا يطلبونففه منففك وأنقذي نفسففك مففن أنيابهففم . .حسففن
الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد الفتاح رجال ،يتحملون مسفئولية خطئهفم . .والتزمفت الصفمت ،فقفد
سئمت أسلوب المساومة والغراء والتهديد ،ول أظن أنني سألقى من التعذيب أكثر ول أبشع مما
أنفا فيفه . .فقال الضابفط لصففوت وكأنفه عفز عليفه أن يفشفل ففي مهمتفه :اعمفل معهفا مفا شئت ،إنهفا
تسفتاهل كفل اللي يحصفل ليهفا . . .ودخفل صففوت وأطلق سفبابه الصفارخ :عبفد الناصفر أرسفل ففي
طلب شياطيفن مفن النوبفة سفينهشونك نهشفا . .إلى أيفن تفريفن منهفم ؟ الوقفت يمضفي ،وكفل دقيقفة
تقربفك مفن النهايفة ثفم أغلق الباب خلففه . .وبعفد العصفر ،نقلونفي إلى زنزانفة الماء حيفث مكثفت فيهفا
طول الليفل ! ! . . .وجاء ضحفى اليوم الرابفع ،ولم أر أحدا غيفر صففوت الذي أخرجنفي مفن الماء
وأدخلني الزنزانة الخرى . .وبعد العصر أعادوني إلى زنزانة الماء فمكثت فيها إلى ضحى اليوم
الخامس ! ! .وهكذا كل يوم من زنزانة إلى زنزانة بألوان من العذاب مختلفة! !
لم يبفق موضفع ففي جسفمي إل وفيفه اثفر عذاب وموضفع جراح ! ! ولم تبفق ذرة ففي نفسفي إل وفيهفا
جرح عميفق ينزف ألمفا وحسفرة !! . .هفل كفل مفا يحدث هنفا ففي السفجن الحربفي يخرج مفن بشفر. .
مففن إنسففان ! غيففر معقول أن هؤلء المخلوقات بشففر ! ! . .إنهففم مخلوقات تسففمع وترى وتنطففق
وتمشفى على رجليفن ،ولهفا ذراعان وهيكفل بشرى ! ! . .ل . .ل . .إنهفا مخلوقات غريبفة . .مفن
تركيبففة عجيبففة . . ! ! . .وأخرجونففي مففن الماء إلى الزنزانففة المجاورة . .وحيانففي صفففوت بعدة
ضربات ملتهبة بسوطه المجنون . .وقال وهو يضربني :إن ما سيحصل لك اليوم لم يحصل لكلب
أجرب ففي طاحونفة!! وأغلق باب الزنزانفة ثفم انصفرف . .ومفا مروري إل دقائق قليلة حتفى فتفح
باب الزنزانففة مرة أخرى وامتلت بحمزة البسففيوني وصفففوت وجندبيففن آخريففن ! ! . .وانطلقففت
القذارة مفن ففم حمزة البسفيوني بأبشفع مفا يمكفن أن يتخيله إنسفان . .سفب فاضفح صفارخ وقال " :يفا
بنت الفف .. .أنقذي نفسك وقولي كل شيء .اعترف الهضيبي ،واعترف سيد قطب ،واعترف عبد
الفتاح إسماعيل ،ووضعنا أصابعنا على كل شيء من واقع اعترافاتهم . .عرفنا منهم أن الهضيبي
48
أمرك أن تقولي لعبفد الفتاح إسفماعيل بأن دم عبفد الناصفر مباح لنفه كاففر . .كفل واحفد منهفم تكلم ،
وأنقذ نفسه وأنت ضيعت نفسك . . .ثم قال مهددا والشرر يتطاير من عينيه :ستعرفين كيف أنتزع
منك كل ما نريده . .ستتكلمين أم ل؟.
ثفم التففت إلى صففوت وقال :نففذ الوامفر يفا صففوت . . . .ومفن يعفص المفر مفن أولد الكلب –
مشيرا إلى الجندييففن حوله إلى المكتففب فورا . .وتولى صفففوت إفهام الجندييففن مهمتهمففا البشعففة
بأسلوب داعر صارخ الفجور ،بعيد كل البعد عن الحياء . .مغمور في النحطاط إلى أبعد ما يكون
. .فقال لحدهمفا ففي مجون :نففذ التعليمات – يفا ابفن الكلب – بعفد إغلق الزنزانفة ،وبعفد أن يتفم
التنفيذ ،ادع زميلك ليقوم بدوره كذلك . .مفهوم ؟! ! ثم أغلق الزنزانة وانصرف . .
جلس الرجفل يتوسفل إلى أن أقول مفا يريدون لنفه ل يريفد أن يؤذينفي ،ومفن جهفة أخرى فإن عدم
التنفيفذ يلحفق بفه ضررا بليغفا وايذاءً جسفيما . .قلت له بكفل مفا أوتيفت مفن قوة :إياك أن تقترب منفى
خطوة واحدة . .إذا اقتربت ،سأقتلك . .سأقتلك . .سأقتلك ،فاهم ! ! .
كنففت أرى الرجففل ينكمففش ويتقاعففس غيففر أنففه أخففذ يقترب فففي خطوات ،ولم أدر إل ويداي حول
رقبته ،وأنا أصرخ بكل صوتي " :بسم ال ،ال أكبر . .وغرزت أسناني في عنقه ،وإذا به ينفلت
مفن بيفن يدي ،ويسفقط تحفت قدمفي خائرا ،يخرج مفن فمفه زبفد أبيفض كرغاوى الصفابون . .سفقط
الوحفش تحفت قدمي ،جثفة هامدة ل تنبض إل بهذا الزبد البيض . .أنفا التي تتربع على قمفة اللم ،
والتي مزقتها الجراح التي حفرتها السياط في كل موضع من جسمها! أنا التي غلفها العياء من كل
الزوايا ..تصرع هذا الوحش الذي أمروه بأن يفترسني! !
لقد بث فيّ ال -جلت قدرته -قوة غريبة صرعت هذا الوحش ! !
وكانت معركة شر! ضارية انتصرت فيها الفضيلة على شراسة الرذيلة . .
كان هذا علمفففة صفففدق ،وبشرى للمخلصفففين . .فالحمفففد ل ول إله إل ال . .إن الطغاة يخافون
ويهزمون ،وأصحاب الرسالت خلف القضبان مجردون من كل شئ إل من اليمان بال تعالى . .
غيفر أن ثبات المؤمنيفن على الحفق هفو دائمفا شفئ ل يسفتطيع المنهزمون ففي أنفسفهم وضمائرهفم
بتقاعسهم عن اليمان أن يفعلوه .يا إلهي ما أكرمك وما أوسع عطاءك . .أنت ربنا ورب كل شئ
. .فهؤلء الذين يأخذون بأمر ال يحاربون . .ويقاومون . .ولكن العاقبة دائما للمتقين . .وفتحت
الزنزانة ودخل رأس الزبانية حمزة البسيوني ،والجلد صفوت وجند آخرون ،ووقع نظرهم على
هذا الوحش الممدد على الرض ،والرغاء البيض يخرج من فمه . .
فبهفت الذي كففر؟! خرسفت اللسفنة وتبادلوا نظرات زائغفة حيرى . . ! . .وحملوا الجثفة وأعادونفي
إلى زنزانة الماء . .
فففي زنزانففة الماء ظللت حتففى جاء اليوم السففادس . .وفففى ضحففى اليوم أخرجونففي مففن الماء إلى
الزنزانة المجاورة ،فتوترت أعصابي انتظارا لما سيحدث . .فقد مرت بي في هذه الزنزانة ألوان
مففن العذاب .فوضففت أمري إلى ال ،وجلسففت مسففتندة إلى حائط الزنزانففة . .أحسففست بأشياء
تتحرك ،فرفعت رأسي إليها ،فإذا بخيوط متصلة من الفئران تنزل من النافذة كان أحدا يفرغها من
كيس ! !
أخذتني رعدة شديدة ،وشعرت برعب مريع ! ! . .أخذت أردد اللهم اصرف عنى السوء بما شئت
وكيففف شئت " ..ورددت هذا الدعاء ،حتففى سففمعت أذان الظهففر ،فتيممففت وصففليت وجلسففت أختففم
صلتي ،وأذكر ال حتى أذان العصر فأديت صلته . .
49
وهنفا دخفل الوحفش صففوت الروبفي . .كانفت الفئران قفد انصفرفت مفن النافذة مفن حيفث أفرغفت ولم
يتبفق إل فأر أو اثنان ! ! دارت عيناه ففي أنحاء الزنزانفة ففي نظرات دهشفة ،وارتسفمت على وجهفه
ألف علمة تعجب ! !
وكأن ذلك قفد عفز عليفه ،فانصفرف يسفب ويلعفن تلحقفه خيبفة المفل ! ! . .وأعادنفي إلى زنزانفة
الماء ،ثم عاد ومعه الضابط رياض .
وقفف رياض خارج الزنزانفة ففي محاولة يائسفة لقناعفي لقول بأن تنظيفم الخوان كان يهدف إلى
قتففل عبففد الناصففر والسففتيلء على السففلطة بعففد قلب نظام عبففد الناصففر . .فقلت له :هذا كذب
وافتراء .ومفا كنفا نجتمفع إل لنتدارس كتاب ال وسفنة رسفوله ،وتربيفة جيفل مسفلم يفقفه السفلم ،
ويعمل لقيام دولته .
فقال :أنفت مصفرة على هذا؟ سفتعرفين كيفف يكون العذاب مفن الن . .إن كفل مفا مفر عليفك يعتفبر
محاولت إلى جانفب مفا سفيأتي .وذهفب وبقيفت أنفا ففي الماء !!..ثمانيفة أيام وأنفا على هذه الحال ،
حتى بلغ بي الرهاق والجهاد درجة تفوق كل احتمال .
وبدا ذلك واضحا على صحتي التي وصلت إلى حال يرثى لها! !
وفى اليوم التاسع جاء رياض ومعه صفوت وضابط آخر في زيه الرسمي .وأخرجوني من الماء .
بدأ رياض يهددنفي بأن هذه المرة هفي الفرصفة الخيرة لنقاذ نفسفي ،فإمفا أن أعترف كمفا يريدون ،
وأما الخلص مني نهائيا .
وقال :أنت فاهمة ربكم عنده جهنم صحيح ؟! جهنم هنا عند عبد الناصر . .الجنة عند عبد الناصر
جنة موجودة حقيقية . .وليست جنة وهمية خيالية مثل التي يعدكم بها ربكم إ! ( كبرت كلمة تخرج
من أفواههم إن يقولون إل كذبا ) الكهف.
ثففم أخرجونففي مففن الماء إلى الزنزانففة المجاورة وأغلقوهففا ثففم انصففرفوا . .وفزعففت إلى ال فففي
صفلتي؟ أطلب منفه أن يصفرف عنفى شفر هؤلء ،كنفت ففي صفلتي عندمفا دخفل الزنزانفة عدد مفن
الجنفد يزيفد على العشرة ومعهفم ضابفط بزيفه الرسفمي .ثفم انضفم إليهفم حمزة البسفيوني ،وصففوت
الروبي .
قال صففوت لحمزة البسفيوني :أوامرك يفا باشفا ففي بنفت الففف . .فقال حمزة البسفيوني للجنفد :ماذا
شربتم ؟!
فقالوا :شاي يفا معالي الباشفا . . .فقال :شاي يفا أولد الكلب . .خذهفم يفا صففوت اسفق كفل واحفد
منهم زجاجة خمر ،وأن يدخنوا الحشيش ،وأطعمهم كل ما يشتهون ،ثم ارم لهم بنت الففف . .ولهم
عندي إجازة ومكافأة .وأغلقوا الزنزانة وانصرفوا .
مكثفت ففي الزنزانفة حتفى صفلة العصفر . .كنفت سفاجدة ففي الصفلة عندمفا فتحفت الزنزانفة ويندففع
صففوت وجذبنفي مفن ذراعفي ففي وحشيفة وقطفع صفلتي ،ثفم أخذنفي إلى زنزانفة المياه وأغلقهفا
وانصرف !
وجاء رياض ودلف إلى الزنزانففة ،وكله علمففة تعجففب يحاول أن يخفيهففا تحففت ظلل مففن الذهول
وهو يقول :تريدين أن تكوني قديسة ؟ الجنود الذين أعددناهم لك ذهبوا إلى المستشفى . .لكنهم غدا
سيأتون ينهشون لحمك نهشا ،في المستشفى حقنوهم وأصبحوا كالكلب المسعورة . .وأنها أوامر
جمال عبففد الناصففر . .لن يتركففك أبدا . .تعبنففا مففن النصففيحة وحاولنففا معففك مرة ومرات وأنففت ل
تتزحزحيفن عفن موقففك . .تريديفن أن تكونفي قديسفة ردى ،ردى . .أيفن سفوطك يفا صففوت ؟" أخفذ
صفوت يضربني ورياض يستحثه :استمر يا صفوت . .قديسة يعنى إيه يا بنت الففف ! ! . .تريدين
بعفد موتفك بثلثيفن سفنة يقيمون لك ضريحفا ففي مسفجد ويقولون إن زينفب الغزالي الجفبيلي أظهرت
كرامات في السجن الحربي . .لكن ،أنت هنا ،ول الشيطان يعرف ماذا نعمل فيك ؟!.
50
وضحكفت وأنفا ففي قمفة المعاناة كانفت ضحكفة سفخرية مفن جهله وغروره ،وقلت :إذا كنفا نريفد مفا
تقول ،مففا دفففع ال شروركففم عنففا .ولمففا اسففتطعنا المقاومففة والصففبر" والتغلب على مففا تسففموه ،
بأنفسفكم جحيفم عبفد الناصفر . .لكننفا طلب حقيقفة نطلب ال ،ثفم رضاه . .سفينصرنا ال عليكفم إن
شاء ال وسيفرى ال أسنان الشقياء الذين تعدونهم لنهش لحومنا .
كان صفوت قد ابتعد عن رياض ،فناداه هذا مستعينا .
"أدركنفي يفا صففوت بنفت الفف . . . .بتخطفب . .إنهفا تخطفب يفا صففوت .. .وأسفرع صففوت لنجدة
رياض وألهبنفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي بسفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففوطه .
وقال :دعها لي يا سعادة البك .وغدا سترى وتشاهد ما نزل بها! ! .وأجلسوني الجلسة المعتادة في
الماء ثم أغلقوا الزنزانة وانصرفوا . .
ال وحده يعلم الحالة التفي كنفت عليهفا ..لقفد كنفت ففي قمفة اللم ،وقمفة الجهاد ،وقمفة المعاناة .إن
آلما مبرحة تسرى في كل جسدي .
آه ! ! مسففكين يففا بلدي! ! هففل أمرك إلى هذه الطغمففة التففي اعتدت على كففل القيففم ،وحطمففت كففل
القوانين ؟! !
شغلنفي التفكيفر ففي بلدي عفن بعفض آلمفي . .وإن كان أضاف همفا إلى همومفي ! ! إن مفا أصفابني
ويصيبني قد أصاب ويصيب غيري بكل تأكيد . .لقد بت أتصور أن البلد كله قد صار سجنا حربيا،
يحكمفه حمزة البسفيوني ،وصففوت ،ورياض ،والسففاح الشرس شمفس بدران ! ! . .كلهفم حلقات
واحدة في سلسلة متصلة تكبل هذا البلد. .إ!
مسكين يا بلدي . .ل ،ل لن تكون مسكينا يا بلدي ،وفيك حملة كتاب ال وسنة رسوله ،ومن يستظل
بمظلة ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله . .إننا إن ذهبنا فسيأتي بعدنا وبعدنا من يرفع الراية
غدا . .تشرق الرض بنور ربها ،وتتفيأ البشرية ظلل العبودية ل الواحد القهار . .
معذرة على هذا التكرار ..فالمقصفود التفصفيل والتوضيفح ،كيفف كان حال مصفر :فسفدت الحياة
وأسنت ،ظلم ،رعب ،اعتقالت ،مجازر ،تشريد … .سيطرت قوى الشر والباطل واستبدت ،
وسففاوت بيففن الجميففع ،بيففن أصففحاب القلم والفكففر والرأي ،والوزراء والقادة العسففكريين ،وبيففن
المواطن العادي .بين الشاب والشيخ ..بين الرجل والمرأة ..بين المريض والصحيح ..كلهم أمام
السففياط ،وتحففت السففياط ،والصففلب ،والكلب ،وجميففع أنواع التعذيففب ،الكففل سففواء … إنهففا
اشتراكية التعذيب !!
. .وفى صباح اليوم التاسع ،أخرجوني من الماء في وقت مبكر وقال -صفوت :أنت ذاهبة إلى
وكيفل النيابفة ،وكفاك عذابفا وأنقذي نفسفك ..ثفم أضاف وقفد بدت ففي عينيفه نظرة التهديفد :طبعفا أنفت
عارفففة المطلوب منففك . .وسففنرى مففا تقوليففن ! إ" .وجذبنففي بقسففوة ،فقلت :إن ثوبففي ممزق . .
أعطني ثوبا أستتر به فقال مساوما :أحضر لك جلبابا وتكتبين أن حسن الهضيبي وسيد قطب اتفقا
على قتل عبد الناصر ،والستيلء على الحكم ؟!
فقلت ل فقال :أذهففبي عاريففة ،ولينفعففك إسففلمك . .وليراك الخوان هكذا . .فقلت :إن ال هففو
الحليم الستار .ودخلت مبنى آخر من مباني السجن الحربي :ثم إلى حجرة مفتوحة يتصدرها رجل
يجلس إلى مكتب ،وعرفت فيما بعد أن هذا الرجل يدعى جلل الديب .
نظر إلى نظرة تائهة تشعرك بأنه يحس أنه أصغر من المهمة المعهودة إليه . .وقال مشيرا بطرف
إصبعه :اجلسي .
51
فجلست على كرسي أمام المكتب ثم بدأ حديثه معي أنت زينب الغزالي الجبيلي الزعيمة السلمية
المشهورة . .لماذا وضعفت نفسفك ففي هذا الموقفف ؟ هفل يرضيفك مفا أنفت فيفه ؟ إنفي مسفلم أحفب لك
الخيفر وجئت ل ' نقذك .أنفا أسفعد فخفر الديفن وكيفل النيابفة ..أنفا ل أسفتطيع أن أتصفور أن زينفب
الغزالي هفي الجالسفة أمامفي بهذه الحال التفي وصفلت إليهفا .أرجفو أن تسفاعديني لخلصفك ممفا أنفت
فيه . .
فقلت :وال مفا نقول إل مفا يرضفى ربنفا ول نبغفي إل وجهفه تعالى .فقطفب حاجفبيه ونكفس رأسفه
وهو يسأل ما سنك الن ؟
فقلت :أنا من مواليد 2يناير سنة 1917فقال :مندهشا أو متصنعا الدهشة يا ساتر! كنت معتقدا أن
سنك في التسعين . .لماذا فعلت كل ،هذا؟! قلت ( :لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى
ال فليتوكل المؤمنون ) .فقال :يبدو أنك غير قادرة على الكلم ؟!
فلزمفت الصفمت ! ! فسفأل :على أي شفئ اتفقفت أنفت والشيفخ عبفد الفتاح إسفماعيل ؟ .قلت :اتفقنفا
على أن نربفى الشباب على السفلم ،ونفقهفه ففي أصفول الكتاب والسفنة حتفى ننقفذ هذا المجتمفع مفن
هذا الضياع الذي يعيفش فيفه .قال* أنفا ل أريفد خطابفة . .أنفا أريفد أن توضحفي " .إن الهضيفبي قال
لك أمرا تنقلينه إلى عبد الفتاح عبده إسماعيل ،وقال لك أمرا ثانيا تنقلينه إلى سيد قطب ما هو هذا
المر؟! أظن واضح ؟؟" .
قلت :اسفتأذنت فضيلة المرشفد السفتاذ الهضيفبى ليجتمفع الشباب لدراسفة تفسفير القرآن والسفنة مفع
السفتعانة ببعفض كتفب الفقفه كالمحلى لبفن حزم ،وكتفب التوحيفد لبفن عبفد الوهاب ،وابفن تيميفه،
وكتب الستاذ سيد قطب ،ومن الشباب كان عبد الفتاح عبده إسماعيل .
فقال -وقفد رسفم على شفتيفه ابتسفامة حاول أن تكون سفاخرة : -ل يفا سفت زينفب ،الموضوع ليفس
كذلك . .
الموضوع ظهفر ووضفح فأنقذي نفسفك واذكري الحقيقفة ،فقلت :كفل الذي كنفا نريده أن نربفي جيل
صفالحا ونبنفي أمفة مسفلمة .فقال ففي إصفرار :كلهفم اعترفوا وقفد ألقوا المصفيبة عليفك كلهفا ،فقلت
بهدوء :ال المطلع يحمينففي ويحميهففم -إن شاء ال -مففن أن ننزلق إلى باطففل . .فقال فففي عصففبية
وبدأ يظهفر نواياه :ل .يبدو أنفك مغرمفة بإظهار عضلتفك الخطابيفة ،ومغرورة . .حتفى النيابفة ل
تستطيع أن تصل معك إلى قرار!
فقلت ،وأنا ل أستطيع الكلم -فقد كنت في قمة التعب والجهاد ولكن شعور بالظلم دفعني إلى أن
أقول :-لو عرففت النيابفة واجبهفا مفا . .فقاطعنفي ثائرا" :أخرسفي! حتفى النيابفة تتطاوليفن عليهفا ول
تسفلم مفن لسفانك " . .ثفم نادى صففوت الذي كان واقففا بالباب . .ل فائدة منهفا يفا صففوت . .إنهفا
اعتدت على النيابة سأثبت في المحضر أنها اعتدت على النيابة .
جذبني صفوت بوحشية ونظر إلى وكيل النيابة وقال :إلى أين يا سعادة البيه . .؟ فقال وكيل النيابة
بسفرعة – وكأنفه يرد على سفؤال مسفبق : -إلى الماء طبعفا . .وعدت إلى الماء وسفوط صففوت ل
يكفل ول يضعفف ،زيفن له شيطانفه الشفر وهيأت له جاهليتفه الطغيان .وسفولت له نفسفه المريضفة
ذلك طمعا في رضا من فوقه ،وأمل في القرب من أسيادهم .
السوط مع الرغيف ! !
بعد العصر ،في اليوم العاشر ،فتحت زنزانة الماء ،وأخرجني صفوت من الزنزانة أسلمني لثنين
مفن الزبانيفة وقال لهمفا " :إلى سفجن . . "3أدخلونفي هناك زنزانفة ،فارتميفت على الرض جثفة
هامدة مثخنفة بالجراح . .كان جسفمي متورمفا كالكرة المنفوخفة . .وأحفس بأن قلبفي يكاد ينخلع مفن
52
مكانففه . .انبطحففت على الرض ل أقوى على النيففن ! ! . .وأسففلمت نفسففي للذي بيده مقاديففر
المور.
ل أدرى كفم مفر مفن الوقفت وأنفا على الرض ،حينمفا سفمعت جلبفة خارج الزنزانفة .زحففت على
الرض وبصفعوبة بالغفة أمسفكت بالباب ونظرت مفن الفتحفة .فرأيفت جماعفة مفن الخوان ،يقفون
طابورا طويل ،بيد كل واحد " قروانة " من الصفيح يتقدم بها إلى جندي ،فيغرف هذا الخير من "
قزان " أمامففه شيئا غريبففا ويصففبه فففي القروانففة الصفففيح . .وعندمففا يتناول الخ نصففيبه مففن هذا
الطعام الغريب ،يتناول أيضا نصيبه من السياط ! ! كان عدد من الجنود الزبانية يقفون في صفين
متقابلين ،وعندما يمر الخ بعد أن يتناول نصيبه من الطعام ،يضربه كل جندي عند مروره عليه
بسوطه . .وهكذا لبد أن يدفع الخ ضريبة إجبارية عددا من السياط بعدد الجنود! وينصرف الخ
.
شعر أحد الزبانية بي وأنا أختلس النظر إلى طابور تسليم الطعام الرهيب ،فدخل زنزانتي كالوحش
الهائج وأخذ يضربني بحذائه ضربا مؤلما ،ثم ينهال بسوطه المجنون على ما يصادفه من جسمي،
فخارت قواي ،وغبت في نوم عميق على إسفلت الزنزانة! ! .
أيقظني الملعون صفوت ومعه أحد الجنود بيده قروانة بها قليل من الحساء أسود اللون ،تنبعث منه
رائحفففة كريهفففة ل تطاق . .قال صففففوت :اشربفففي هذا وإل فسفففنضربك عشرة سفففياط .فقلت :
سأشربها! ! فقال صفوت لمساعده :اتركها عشر دقائق ،ثم عد إليها .وانظر ماذا فعلت ؟ ،إن لم
تكن قد شربت اضربها عشرة سياط وناديني . ، ! ! . .خرجا وأغلقا الباب ،ولما بعد وقع أقدامهما
،واطمأننففت إلى أن أحدا ل ،يرانففي ،سففكبت الحسففاء تحففت البطانيففة التففي رموا بهففا على إسفففلت
الزنزانفة . .وعاد الجندي بعفد المدة المحددة فوجفد القروانفة فارغفة فأخذهفا وانصفرف ! ! قضيفت
ليلتفي . .ويفا لهفا مفن ليلة . .كنفت على قمفة اللم والمعاناة . .أنياب آلم البدن تنهفش جسفمي كله .
وافترشت آلمي وقضيت ليلتي ! ! . .
إلى المستشفى
وفى ضحى اليوم إلحادي عشر فتح صفوت الزنزانة وقال :تفضل يا دكتور ماجد .ودخل الطبيب
ماجد في زيه العسكري ومعه التمورجي الجندي عبد المعبود . .كانت قدماي تنزفان دما وصديدا ،
وأورام وانتفاخات منتشرة في جسمي وآلم حادة تفرى عظامي .
قال الطففبيب ماجففد للتمورجففي :اعصففر لهففا رجليهففا ونظففف الجروح وانقلهففا إلى المسففتشفى " . .
ونقلت إلى المسفتشفى ففي حراسة اثنيفن مفن الزبانيفة! ! مكثت يوما ففي المستشفى (أو الشفخانفة كما
يطلقون عليهففا) وسففعدت ،ل لننففي بعدت عففن التعذيففب ،فالتعذيففب فففي جسففمي ضارب أنيابففه ،
ولكنني سعدت من تغيير المكان . .نعم ،كنت في زنزانة في المستشفى ،ولكن شعوري بأنني في
مستشفى أدخل على بعض الراحة . .وحمدت ال .تمنيت أن تمتد إقامتي في المستشفى فترة تلتئم
فيهفا جراحفي ،ويخفف فيهفا زئيفر عظامفي . .واسفتسلمت لهذا الحلم الجميفل ولكفن ،وآه مفن لكفن !
جاءتني الزبانية وأخرجتني من حلمي الجميل إلى واقعي المر الليم ! ! وأخذني الزبانية إلى مكتب
شمس بدران ! ! . .كنت أمشى على قدمي بصعوبة بالغة . .بل لم اكن أستطيع أن أحمل جسمي .
.ولكن السوط في يد الزبانية خلفي تهددني إن أبطأت ،ويهوى على إن تلكأت أو وقفت ! ! ولم
اكمل الطريق من المستشفى إلى مكتب شمس بدران ،فسقطت على الرض في منتصف الطريق ،
فرفعنففي الجنففد ،وجرونففي على الرض جرا . .وأوصففلوني على هذه الحال إلى مكتففب شمففس
بدران ؟! !
53
مع شمس
وما كاد السفاح الجاهلي شمس يراني حتى نادى على صفوت الروبي ،وفي حركة ،كأنه أمام آلت
التصوير -فقد ازداد احتقان وجهه وارتسمت عليه غضبة عارمة ،وتحجرت عيناه في مقلتيه حتى
صفار وجهفه مثل وجفه البومة – واستدار إلى صفوت ،وذراعه ممدودة إلى آخر مداها ،وإصفبعه
تشير إلى :علقها يا صفوت واجلدها خمسمائة جلدة! ! . .وحشية ما بعدها وحشية؟ وقسوة غريبة
ل يعرفهفا إل شمفس بدران ! ! .وعلقونفي وجهزونفي للجلد ! ! . .وشمفر صففوت الروبففي عفن
ساعده ،ورفع سوطه وأخذ في تنفيذ أمر موله شمس ! ! خمسمائة جلدة . .وأنا أستغيث ضارعة
" :يا ال ،يا ال " وشمس بدران يقول " :أين هو ال ؟!" الذي تنادينه ،فلينفعك إن كان موجودًا !
. .لو اسفتغثت بعبفد الناصفر لغاثفك ففي الحال ! . .ثفم أخفذ بلسفانه يتطاول على جلل ال سفبحانه ،
مما تأبى ألسنة المؤمنين أن تتفوه والتلفظ به ؟ ولو كان إعادة لما قاله الفاجر الكافر .
وتففم الجلد .وأنزلونففي مففن التعليقففة وأوقفونففي والدم ينزف مففن قدمففي . .وأمرنففي بدران أن أؤدي
حركففة "محلك سففر" مدعيففا أن هذا علج لقدمففي! ! .وبعففد فترة أسففندت ظهري إلى الحائط ،ثففم
جلسفت مفن شدة العناء ،فجذبنفي صففوت بغلظفة ،ولم أسفتطع الوقوف فهويفت على الرض . .وهنفا
جاء حمزة البسفيوني وحفش السفجن الحربفي ،وقال :إنهفا تمثفل يفا باشفا! ! . .وأغمفى على ،وتنبهفت
على الطفبيب الذي أعطانفي حقنفة ففي ذراعفي وأمفر لي بكوب مفن عصفير الليمون واسفقوني إياه . .
قال شمس بدران :هيا ! لن ينفعك العناد . .نفذي ما نريد وإل علقناك ثانيا .وثالثا .ورابعا .ومائة
مرة . .ل يخطر على بالك أبدا أننا عاجزون عن انتزاع ما نريده منك . .إننا نعطيك الفرصة فقط.
مفهوم ؟!! من يمنعنا عن دفنك وأنت حية؟إ!
فقلت :يفعل ال ما يشاء ويختار ،وله الحمد حتى يرضى .
فقال في غيظ وضيق :ل تكلميني بهذه اللغة وهذا السلوب.
وقال حسفن خليفل محاول أن يثنينفي عفن عزمفي :يفا بنفت اعقلي ،واشترى نفسفك . .لن ينفعفك أحفد
من الخوان هنا . .كل منهم يريد نفسه فقط . .إنهم يفرون إلى النجاة! !
ثم أخرج ورقا وقلما واستأنف حديثه أو نصائحه :خذها يا صفوت إلى المستشفى ودعها تكتب كل
مففا تعرفففه عففن تنظيففم الخوان . .كيففف عرفتهففم ؟! وكيففف اتفقوا على قتففل جمال عبففد الناصففر. .
وتذكفر كفل أسفماء الذيفن تعرفهفم مفن الخوان ! ! وففى الطريفق إلى المسفتشفى كان صففوت يأمرنفي
بالمشفي ،وأنفا عاجزة كطففل يخطفو خطواتفه الولى! ! وتسفتبد بصففوت وحشيتفه فكان يوقفنفي بيفن
وقت وآخر ويأمرني أن أؤدي محلك سر! ! محلك سر! ! إن هذا علج لقدميك يا بنت الف . . . .
ال وحده يعلم كيفففف قطعفففت الطريفففق إلى المسفففتشفى . .لقفففد كانفففت رحلة عذاب ووصفففلت إلى
المسفتشفى ودخلت زنزانتفي .أعطانفي صففوت الورق والقلم وقال :طبعفا عرففت المطلوب . .ول
داعفي للفلسففة . .اكتفبي كفل مفا تعلمونفه يفا إخوان يفا كذابون . .وكيفف كنتفم سفتقتلون جمال عبفد
الناصر . .واضح ؟! هيا يا حلوة وأغلق الباب ،وانصرف !
لم أستطع أن أمسك القلم ،فقد كانت يداي متورمتين ،ولم أستطع الكتابة فمضى اليوم الول ،ولم
أفعل شيئا . .لم اكتب حرفا واحدا . .وعاد صفوت ليأخذ ما كتبت .فوجد الورق أبيض لم يمر عليه
القلم .فقال :سأترك لك الورق لتنقذي نفسك يا بنت الف . .وانصرف.
وأخذت اكتففب بصففعوبة .وفففى اليوم الثالث جاء حمزة البسففيوني ،وجمففع الوراق وانصففرف ،
وقضيفت يومفي بيفن صفحوة وغفوة .ل أسفتطيع أن أسفتقر على موضفع . .إن وقففت نبحفت قدماي .
وان نمت صرخت عظامي!
54
وجاء صففوت ،ومعفه جنديان ليأخذانفي إلى مكتفب شمفس بدران وبنففس الطريقفة السفابقة قطعفت
الطريق سيرا على قدمي مع الوقوف على فترات في "محلك سرا بأمر صفوت الروبي! !
ودخلت مكتففب شمففس بدران فنظففر لي فففي وحشيففة وقسففوة وهففو يمزق أوراقففا ويلقيهففا فففي سففلة
المهملت ثفم قال :يفا بنفت الفف . .ألم يكففك كفل هذا العذاب ؟! ! ماذا كتبفت ؟ كلم فارغ . .أجلدهفا
مرة أخرى يا حمزة!
فقال حمزة البسيوني وحسن خليل :سنعيدها للكلب أحسن يا باشا ،فقال شمس بدران في عصبية :
أحضر الكلب هنا يا صفوت ! !
أسفرع صففوت وعاد ومسفاعده نجفم بكلبيفن كالوحشيفن مفن مجموعفة الكلب المدربفة التفي كانفت لي
معهفا سفابقة ففي اليوم الول مفن أيام "باسفتيل مصفر" . .السفجن الحربفي . .وقال شمفس بدران :
أطلق عليها الكلب يا صفوت ! !
وهجفم على الوحشان ،فأغمضفت عينفي .وأنفا أقول :حسفبي ال ونعفم الوكيفل ،اللهفم اكفنفي السفوء
بمففا شئت وكيففف شئت .وظففل الكلبان ينهشان جسففمي كله بأنيابهمففا ويشعلن فيففه نارا موقدة. .
وشمس بدران ل يكف عن سبابه يا بنت الف . .اكتبي أنكم اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر . .كيف
كنتفم سفتقتلونه ؟ اكتفبي . .اكتفبي يفا بنفت الفف . . !! . .وصفار عدد الكلب ثلثفة . .اثنان ينهشانفي
وشمس بدران يسلقني بلسانه القذر السليط ! !
ويبدو أن شمفس بدران قفد شعفر بأن ل جدوى مفن الكلب فصفرخ ففي صففوت ،وجسفمه كله يهتفز
من الثورة :اصرف الكلب يا صفوت ،وجهز بنت الف . .للجلد !
واسفتدعوا الطفبيب ،فحضفر ثفم فحصفني وقال لشمفس بدران :إذا سفمح الباشفا يؤجفل جلدهفا اليوم
فحالتها ل تتحمل .
وقال شمس بدران لحمزة البسيوني " :خذها إلى 24أريد يا حمزة أن تحمل إلى جثتها .
وحملوني إلى رقم . . 24بناء لم أدخله من قبل ،ثم أوقفوني فاقشعر بدني وتسمرت في مكاني! ! .
.رقم 24هذا زنزانة في وسطها نار موقدة ،وعند كل ركن من الركان الربعة يقف جندي بيده
سوط كلسان الفعى . .وتناولني الجندي بسوطه وهو يأمرني بأن أدخل في دائرة النار ،فإذا اقتربت
منعنفي الجندي القريفب منهفا ،فيتلقانفي الثالث . .وهكذا النار المشتعلة قريبفة منفى ،يلفحنفي لهيبهفا..
ظللت ما يقرب من ساعتين وأنا بين لهيبين ،لهيب النار المشتعلة التي أخشى الوقوع فيها ،ولهيب
سفياط الزبانيفة وكل اللهيفبين مفر .ويدخفل حمزة البسفيوني ،ونظرة بلهاء بل معنفى ففي عينيفه ويقول
وأنا في وسط هذا السعير :اكتبي أنكم ستقتلون جمال عبد الناصر وإل قذفناك في النار ! ! .
ونظرت إليفه نظرة ،وصفرخت ففي وجهفه صفرخة بدون صفوت ،وبكيفت بدون دموع . .لقفد كان
العذاب فوق ما أحتمل ،وأغمى على ولم أفق إل وأنا في المستشفى! !
فففي صففباح يوم ،أخرجونففي مففن زنزانففة المسففتشفى ،فرأيففت مصففورين وآلت التصففوير معدة،
وأجلسفوني على مقعفد ،وأمرونفي أن أضفع سفاقا على سفاق ،وأضفع سفيجارة ففي فمفي ،ليصفوروني
على هذه الحالة فقلت :مسفتحيل أمسفك سفيجارة ل ففي يدي ،ول ففي فمفي! ! فوضعوا المسفدس ففي
ظهري وفى أم رأسي لمسك السيجارة فرفضت ونطقت بالشهادتين وقلت :افعلوا ما تشاءون -لن
أفعل ! ! ضربت بالسياط . .أعادوا المسدس إلى رأسي ،وأعادوا المر بمسك السيجارة ووضعها
في فمي ،فرفضت وأصررت على الرفض ! ! . .فلما يئسوا صوروني . .
55
ففي اليوم التالي ،طلبوا منفى أن أذهفب' لتحدث ففي التليفزيون على أن يملوا على كلمفا مفن عندهفم
وبهتانهفففم على "الخوان المسفففلمين" .فقلت :لن أقول إل التفففي إذا ذهبفففت إلى التليفزيون " .إن
جمال عبففد الناصففر كافففر يحارب السففلم فففي شخففص جماعففة الخوان المسففلمين . .ولذلك نحففن
نحاربفه ،لنفه قال إن الحكفم بالقرآن رجعيفة وتأخفر وتعصفب مقيفت ،ولنفه يسفتورد مواد أحكامفه
وتشريعاته من الدب الحمر الشيوعي ومذهبه اللحادي الذي يقول ل إله والحياة مادة . .لهذا نحن
نحاربفه " . .فقال :سفتتكلمين والمسفدس ففي ظهرك ونافوخفك . .لبفد أن تقولي مفا نريده نحفن ..
قلت :بالمس لم أرض أن أضع سيجارة في يدي أو في فمي ،وأنتم تهددونني بمسدسكم وتضعونه
في رأسي وفى ظهري ،ومصورو صحافتكم وإعلمكم يشهدون ،فهل تظنون اليوم أن أقول غير
الحقيقة؟ ! ل . .واظن إننا لحملة رسالة … .وأمناء أمة وورثة كتاب فجلدت وأعدت إلى الزنزانة
.
وأعادونفي إلى مكتب شمس بدران . .ومفا كاد يراني حتى قال في دهشفة مصطنعة :إيه أمفا زالت
على قيفد الحياة يفا بنفت الفف . .؟! أنفا قلت يفا حمزة هات لي جثتهفا . .فقال حمزة البسفيوني ففي رجاء:
معذرة يا باشا . .قل لها تعليماتك وهي مستعدة لتنفيذها .فقال شمس بدران :اكتبي يا زينب !! . . .
فقلت :لن اكتب إل الحقيقة . .إذا أردتم فاقتلوني . .إنها شهادة تكتب عند ال إن شاء سبحانه .
فقال حسن خليل :لن نسمح لك بهذه الشهادة؟إ!
فقلت :إن الشهادة من عند ال ؟ إذا أرادها لحد من خلقه أعطاها له .
فقال شمس بدران وقد أثاره إصراري :علقها يا صفوت . .واجلدها خمسمائة جلدة! ! لتعرف من
ربها .
وعلقونفي ،وجلدنفي الزبانيفة . .سفخاء ففي الوحشيفة وكرم ففي القسفوة! ! خمسفمائة جلدة على إنسفان
في قمة اللم ،وقمة المعاناة . .ماذا بعد؟! وأعادوني إلى الزنزانة .
ولم يمض وقت حتى أخذوني ثانية إلى مكتب شمس بدران الذي قال :
أجلسففي هنففا؟! ! وأشار إلى كرسففي أمام مكتبففه . .ثففم قال :هففل أنففت فاهمففة أن قلوبنففا جامدة ل
تحس ؟! أنا متأثر جدا لحالتك . .أنا والدي شيخ في الزهر! ! نظرت إليه نظرة ذات مغزى كبير
مليئة بالزدراء والحتقار!
وعاد إلى طبعه الوحشي قائل في عصبية مهددا :يا بنت الف . .إ! .اسحبها يا حمزة إلى . .32
الحجرة 32
ودخلت زنزانة وجدت بها عمودين من الخشب متصلين من أعلى بعمود أفقي تتدلى منه حلقتان . .
أوقفونفي على كرسفي .وأمرونفي بالسفوط أن أمسفك الحلقتيفن ،عندئذ أزاحوا الكرسفي مفن تحفت
قدمفي فصفرت معلقفة ففي الهواء ! ! . .لم أسفتطع أن أسفتمر ففي الحلقتيفن أكثفر مفن عشفر دقائق
فهويففت على الرض وتلقفنففي الزبانيففة بسففياطهم المجنونففة .وأعادونففي مرة أخرى إلى الحلقتيففن.
فسفقطت ،فعملت ففي السفياط المجنونفة مفا شاء لهفا هوى الزبانيفة . .وظلت هذه العمليفة تتكرر مفا
يقرب من ثلث ساعات ! !
أعادونففي إلى مكتففب شمففس بدران ،فأشار بطرف إصففبعه ،فففي حركففة تمثيليففة ،إلى كرسففي أمام
مكتبفه ،فجلسفت ثفم أخفذ جلل الديفب وحسفن خليفل يحاولن إقناعفي بأن أكتفب مفا يريده الباشفا . .
56
ويكرران بأن ذلك في مصفلحتي! ! فقلت لهما :لن أكتفب شيئا ل أعرففه . .فقال لي :إننفا عرفنا كفل
شئ ،واعترف الخوان بكل شئ ،اقرأ لها الملفات ! !
ملف عبفد الفتاح إسفماعيل وملف مجدي عبفد العزيفز ،وأحمفد عبفد المجيفد وملف سفيد قطفب ،وملف
محمفد هواش ،وصفبري عرففه ،وعبفد المجيفد الشاذلي ،وفاروق المنشاوي ،ومرسفي مصفطفى
مرسفي ،على حفد زعمهفم ،ثفم قال شمفس بدران :اقرأ لهفا أقوالهفم ،وقرأ جلل الديفب أقوال على
عشماوي! ! أذهلني ما سمعت إ!
ولما فرغ قال شمس بدران -وهو يغمض إحدى عينيه ويهز رأسه :-ما رأيك في هذه القوال ؟ !
فقلت على الفور :هذا كله كذب وافتراء.
فقال شمفس بدران :تريديفن أن تنكري أنفك أسفست تنظيفم الخوان ؟ إليفك كلم شيخكفم يقطفع بأنفك
أنفت التفي أسفست التنظيفم . .اقرأ لهفا أقوال الهضيفبي يفا جلل .وبعفد عدة دقائق قال له :انتظفر. .
اترك هذا الملف واقرأ لهفا أقوال عبفد الفتاح إسفماعيل ،وأخفذ جلل يقرأ . .وبعفد قليفل سفألني شمفس
بدران :ما رأيك ! ! . .لم أجب . .قال يا جلل . .اقرأ لها أقوال مخطط الخوان سيد قطب ..
فأخفذ جلل يقرأ ثفم ينتقفل مفن ملف إلى ملف ولمفا فرغ قال شمفس بدران :مفا رأيفك فيمفا سفمعت ؟!
هل تكتبين ما نريد؟ فقلت :هذا باطل ؟؟ فقال في تهكم :وما هو الحق يا نابغة الزمان ؟ قلت :كل
ما سجل هنا لعلى عشماوي ،أعتقد أنه هو الباطل . .أما بقية إخواني فهم أهل الدعوة وأهل الحق .
.والمسطر هذا مزور عليهم . .قال شمس :علقها يا صفوت وأنت يا حمزة هات على عشماوي
وحضر الكلب .وجاء على عشماوي . .كان على عشماوي يلبس "بيجامة من الحرير المهفهف
نظيفففة ،أنيقففة شعره ممشففط ل يبدو عليففه أي أثففر للتعذيففب ،فلمففا رأيتففه واسففتعرضت فففي حالة
الخريففن ،وحالتففي علمففت بففل تيقنففت أن هذا المخلوق خان أمانففة ال ،وشهففد على إخوانففه زورا
فهوى في مهاوي الفساق الفجار ،الظالمين ،وأصبح من رجال شمس بدران وذنبا من أذناب جمال
عبد الناصر ،الذين ل يعرفون قيما ول أخلقا ول دينا .
قال له شمس بدران :يا على ،ماذا أخذت من زينب الغزالي في آخر يوم توجهت فيه إليها ،وماذا
قالت لك ؟
قال على عشماوي :أعطتنفي ألف جنيفه ،وقالت لي . .النقود سفتكون عنفد غادة عمار لتسفليمها إلى
بيت الهضيبي أو بيت قطب ،إذا قبضوا على اتصل بغادة أو بحميدة ستعرف أين النقود إذا احتجتم
إليها" .
فقال شمس بدران :كم كانت النقود يا زينب الغزالي؟ ولماذا كنت خائفة عليها؟
فقلت :كانفت النقود أربعفة آلف جنيفه ،وهفى قيمفة اشتراكات مجموعفة مفن الخوان ففي السفودان
والسففعودية ،لمسففاعدة أسففر المسففجونين ،ومصففاريف الطلبففة فففي المدارس والجامعات ،وإيجار
بيوت ،صرفنا منها في العيد الماضي ألف جنيه على العائلت . .
وهذا الواقف أمامكم هو الذي أخذ اللف جنيه ليعطيها لعبد الفتاح إسماعيل لحساب الهضيبي .
وقال شمفس بدران :أنفت يفا على ،ماذا أكلت عنفد زينفب الغزالي آخفر مرة؟ فقال على عشماوي :
أعطتنفي طبفق أرز بالكبدة وقالت لي :كفل ،ربنفا يعينفك ..ثفم قال :كفايفة! ! اخرج يفا على ،فخرج
على عشماوي مصحوبا بسلمة ورعاية شمس بدران ! !
وقال شمس بدران :هات عبد الفتاح ،يا حمزة.
وبعفد لحظات عاد حمزة البسفيوني بعبفد الفتاح إسفماعيل (.أعدم ففي العام 1966مفع الشهيفد السفيد
قطفب) .كان يكسفوه وقار الصفادقين ،ونور الموحديفن ،يلبفس حلة سفجن زرقاء ،ممزقفة ،وآثار
التعذيففب تنطففق بمدى مففا لقاه هذا المجاهففد الصففادق المؤمففن الموحففد . .وقال يوجففه القول إلى :
السلم عليكم .قلت :وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته .
57
وقال شمس بدران :ماذا كنت تعمل عند زينب الغزالي يا عبد الفتاح ؟ لماذا كنت تذهب إليها؟
ويرد عبفد الفتاح بلسفان صفدق وحفق غريفب على الجاهليفن :أختفي ففي ال . .كنفا نتعاون على أن
نبني الشباب المسلم على مبادئ القرآن والسنة ،وبطبيعة الحال كان ذلك سيفضي إلى تغيير الدولة،
من دولة جاهلية إلى دولة إسلمية . .
ويقول شمس بدران في غلظة :أتخطب ؟ أنت لست على المنبر يا ابن الف . . . .اخرج . .اخرج . .
ويخرج عبد الفتاح إسماعيل كمفا جاء . .بعفد أن وجفه القول إلى "السلم عليكم ورحمة ال وبركاتفه
".
فقلت " :وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته " .
وأخذت شمس بدران ثورة عارمة فجرت القذارة على لسانه فانساب بأبشع اللفاظ وأقذرها ! !
واسترحت . .نعم استرحت لشموخ الرجولة في عبد الفتاح إسماعيل ،مأخوذة بذروة اليمان فيه ،
وقلت في سرى "الحمد ل ! أن ل رجال . .اللهم احفظهم لدعوتك يا ال .إن خان على العشماوي
فهناك الموحدون الصابرون . .رواد الطريق وطلب الحقيقة .
وتنبهفت على صفوت شمفس بدران وهفو يصفرخ :خذوهفا بنفت الففففف . .وبكره تيجفي ومعهفا الورق
مكتوب .
وأعطفى حسفن خليفل لصففوت ورقفا وقلمفا وأعادونفي إلى المسفتشفى وأمسفكت بالورق والقلم .ماذا
اكتفب ؟ ماذا يريدون منفا؟ أيريدون أن نغضفب ربنفا ونخالف ديننفا! إ؟ ل وال لن نكتفب إل أننفا ففي
سفبيل ال قمنفا وتحفت رايفة القران سفرنا . .ل إله إل ال . .محمفد رسفول ال .لن نشرك بربنفا أحدا
ول نعبفد إل إياه .ربنفا أفرغ علينفا صفبرا وثبفت أقدامنفا وتوفنفا مسفلمين .وأنتفم يفا فراعنفة العصفر
اقضوا ،إنما تقضون هذه الحياة الدنيا .وغدا سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وففى اليوم التالي جاء حمزة البسفيوني ورياض وصففوت وأخذوا الوراق وانصفرفوا ،وعادوا بعفد
سفاعة تقريبفا ،وحملونفي ففي عربفة -لعجزي عفن الحركفة -إلى مكتفب شمفس بدران ،الذي رأيتفه
يمزق أوراقا يلقيها في سلة المهملت وهو يقول :هذه أوراقك أنا سآخذ كوز دم من جسدك وتكتبين
ما أريده بالدم . .وأعادوني إلى المستشفى ! ! . .تحت اللعنات وضرب السياط .
مكثفت بالمسفتشفى عدة أيام تحفت العلج .فقفد كنفت قاب قوسفين أو أدنفى مفن ا لموت ! ! وذات يوم
قبيل الغروب أخذوني إلى مكتب شمس بدران . .لكنهم لم يدخلوني " بل أمروني أن أقف ووجهي
إلى جهاز كهربائي ،يخرج صوتا مزعجا ،وينبعث منه هواء ساخن . .ظللت واقفة -ووجهي إلى
هذا الجهاز اللعين -ليلة كاملة! ! وفى الصباح أعادوني إلى المستشفى .دخل الدكتور ماجد ونظر
إلى وجهي وقال لعبد المعبود التمورجي :وجهها شديد الصفرار . .هل أخذوها مرة أخرى الليلة؟
فقال عبد المعبود :نعم !
وبعفد نصفف سفاعة أحضفر لي عبفد المعبود نصفف رغيفف أفرنجفي وبداخله بعفض المربفى ،وقال :
الدكتور أمفر لك بهذا ..وعنفد الغروب أخرجفت مفن المسفتشفى لوضفع ففي حجرة قريبفة مفن مكتفب
شمفس بدران ،ثفم حضفر الزبانيفة حمزة وصففوت ورياض وصفاروا يتداولون فيمفا بينهفم هامسفين .
وانصفرف الولن وبقفى الخيفر الذي انقلب إلى مسفخ مشوه يلطفم وجهفه ويشفد شعره ،ثفم يفتعفل
حركات كما لو كان يريد تمزيق ملبسه ويصرخ عاويا متهما إياي بالجنون والغفلة ،مهددا بأني إذا
لم أطع شمس باشا اليوم فإن حياتي سوف تنتهي .ثم يتساءل إن كنت أعلم أين ذهب عواد ورفعت
وإسفماعيل الفيومفي ( أسفتشهد ففي باحفة السفجن الحربفي ففي العام 1965بعفد أن حطموا رأسفه ففي
58
نافورة السجن) ؟ ويضيف أنهم يدفنون كل يوم في السجن عشرة كلب من الخوان ،يدفنونهم في
جحيفم عبفد الناصفر .فلمفا علقفت على هلوسفته تلك بأن قتلنفا شهداء ففي الجنفة ،زاد مفن لطفم وجهفه
وصاح مادام الكلب والماء والنار والسياط وكل هذا العذاب لم ينفع معك . .فاليوم الباشا سيذبحك
. . .أخذ المر من جمال عبد الناصر . . .ماذا ستفعلين . .؟! قلت :الذي يفعل هو ال .فقال في
بله :أنت تريديننا أن نفعل مثلكم ونخيب خيبتكم ؟ أنت تريديننا أن نترك روسيا التي تحكم نصفف
العالم وننصفاع لكلم شخفص مثفل الهضيفبي أو سفيد قطفب أو حسفن البنفا؟ أنتفم مجانيفن . .إننفا لسفنا
مثلكم . .ردى على .فقلت " إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون .ويقولون أئنا لتاركون
آلهتنفا لشاعفر مجنون " وكانفت هذه اللهفة هفي الصفنام .والحكام سفدنة الصفنام .وهفم الذيفن رموا
محمدًا الرسفول " صفلى ال عليفه وسفلم " سفيد ولد آدم .رموه بالجنون .وهكذا يعيفد التاريفخ نفسفه
فتقولون لمففن يدعونكففم إلى ال أنهففم مجانيففن ،ويسففيركم الطاغوت الذي اسففتخدمكم فففي الباطففل ،
وتسيرون خلفه أذلء بثمن بخس :أرضيتم المخلوق وأغضبتم الخالق .فجن جنونه وثارت ثائرته
وهفو يقول :أتريدون أن تعيدونفا إلى الجمود والتأخفر؟ .وفتفح الباب واندففع جنفد كالوحوش يلهبون
جسدي بالسياط .وهو يضحك في بله ويقول :وال يا زينب أنا خايف عليك ومشفق عليك . . .وأنا
أقول " :حسبنا ال ونعم الوكيل " .
قلت فففي سففخرية :شفقففة وخوف ؟! مففا هذا!! أنففت تخاف ؟! القضيففة كمففا تقولون وضحففت كففل
عناصفرها . .فماذا يهمكفم اعتراففي أو إقراري؟! نعفم وضفح كفل شفئ . .وضفح زوركفم ،وكذبكفم ،
وإلصفاق الجرائم بالبرياء .أخفذ المجنون رياض يضرب صفدره ،ويشفد شعره ويصفرخ :بأي قوة
تعيشيفن ؟!! كدنفا نفقفد عقولنفا فيفك . . .الطباء يقولون :إذا لم يدخفل لك طعام سفتهلكين . .ودخفل
حمزة البسيوني وصفوت ،وقال حمزة :خيرا يا رياض ..ماذا فعلت معها؟ أظن عقلت ؟ !
ملت نظرة بكل السخرية وصوبتها إلى حمزة البسيوني وقلت :ل أدرى من المجنون ؟ فنظر إلى
حمزة ولم يعقب ،ثم استدار إلى صفوت وقال :هاتها يا صفوت إلى مكتب الباشا؟! !
أجلسفني شمفس على كرسفي وقال :أعتقفد أنفه ل داعفي للسفتمرار ففي العناد ،أريدك أن تكتفبي مفا
نريد .فقلت :أتريد أن اكتب أننا كنا سنقتل عبد الناصر؟ هذا أمر مستحيل ،وال ما كنا لنجتمع إل
لدراسفة القرآن والحديفث لنفبين للناس كيفف يخرجون مفن طاعفة الطواغيفت البشريفة إلى طاعفة ال
فيعبدونفه وحده ويقيمون دينفه ،ل يأتمرون إل بمفا ففي الكتاب والسفنة ،ل يعصفون ال فيمفا أمرهفم ،
ولكن يتحرونه دوما ،ويجتهدون أل يعصوه ،وإن عصوه تابوا ،واستغفروا . .ومع ذلك نحن نعتقد
أن الحكفم القائم حكفم جاهلي يجفب أن يزول ،ل بالحديفد والنار بفل بوجود قاعدة إسفلمية عريضفة
ففي المفة ،فكيفف تقولون إننفا كنفا سفنقتل عبفد الناصفر؟! . .لبفد أن نخرجكفم أول مفن الجاهليفة ..
فعندمفا توجفد هذه القاعدة سفتقوم الدولة السفلمية حتمفا ،انهالت السفياط مفن مردة النفس فصفرخت
بأعلى ما استطعت :لن أكتب لن اكتب .فاقتلوني .فالدنيا ل تساوى عندي شيئا . .
والتفففت إلي شمففس بدران يسففأل :الورق الذي مزقتففه لم تذكري فيففه شيئا عففن عبففد العزيففز على .
فسألت :ومن عبد العزيز على؟ فقال شمس بدران :عبد العزيز على باشا الذي عينه عبد الناصر
وزيرا ولم يحفظ هذا المعروف وعض اليد التي أكرمته ،وتنكر لعبد الناصر .فقلت على الفور وقد
طفا السم إلى ذاكرتي :عبد العزيز على ،صاحب حركة اليد السوداء ضد النجليز؟ عبد العزيز
على .لقد كان عبد الناصر وزملؤه يجلسون على الرض أمامه يستمعون منه دروسا في الوطنية
. .إنني أعرف أنه رجل عظيم ،وهو صديق زوجي ،وأخ في ال ،وزوجته من أعضاء المركز
59
العام لجماعة السيدات المسلمات وصديقتي وأختي في ال .فسأل في تهكم :ألم تضميه إلى تنظيم
الخوان ؟! ! أجبت :كان يشرفنا ذلك ،إنه كما قالت الخنساء" :علم في رأسه نار".
فصفرخ شمفس بدران ففي عجرففة تخجفل منهفا الجاهليفة :إيفه كمان عندك مفن الكلم الفارغ ؟! . .
ونزلت السفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففياط .
بعدهفا فترة راحفة وتشاور هامفس فيمفا بينهفم ،ثفم قال حسفن خليفل :نريفد أن نعرف ،لماذا عرففت
عبد العزيز بعبد الفتاح عبده إسماعيل ،وأين تم هذا التعارف ؟ أجبت :عندما كسرت رجلي بفعل
رجال مخابراتكفم ،كان يزورنفي ففي المسفتشفى هفو وزوجتفه .واسفتمرت زياراتفه ففي البيفت عندمفا
تركت المستشفى .وتصادف يوما أن جاء عبد الفتاح عبده إسماعيل لزيارتي وكان عبد العزيز على
موجودا فتعارفا . .هذا كل ما أتذكره بالنسبة لهده الواقعة.
فقال حسففن خليففل :يففا سففت زينففب ،سففنسلم معففك أن تعارف عبففد العزيففز على وعبففد الفتاح عبده
إسففماعيل كان مجرد لقاء عابر ،فكيففف تعرف عبففد العزيففز على فففي بيتففك وبواسففطتك بفريففد عبففد
الخالق ؟
فقلت :عندمفا جاءت الممرضفة لجراء العلج الطفبيعي لسفاقي المكسفورة ،خرج عبفد العزيفز على
وجلس ففي الصفالون .وففى هذه الثناء حضفر فريفد عبفد الخالق فجلس ففي الصفالون .وكان ليعرف
عبفد العزيفز على بعفد .وعندمفا انتهفت جلسفة العلج ،وانصفرفت الحكيمفة ،دخفل فريفد عبفد الخالق
ليراني ،ودخل عبد العزيز على ليستأذن في النصراف ،فقدمت كل منهما للخر ،فصرخ شمس
بدران وكان ففي قمفة الضيفق :نادوا صففوت ! ! ولم أففق إل ففي المسفتشفى ،وقدماي ففي الضمادات
وآلم حادة تدق عظامي ،وتفرى كل جسمي!! . .
الوهم الكبير !
مكثت بضعة أيام في المستشفى تحت العلج ،ثم حملت إلى مكتب شمس بدران ! ! ويصر شمس
بدران على وهمفه الكفبير ،ويلف ويدور حوله ،حتفى يخيفل إلى أنفه مفن كثرة ترديده هذا الوهفم قفد
وقر في نفسه حقا ،وأصبح حقيقة واقعة في عقله . .
( الخوان المسفلمون دبروا واتفقوا على اغتيال جمال عبفد الناصفر! ! ) وينظفر إلى شمفس بدران
ودهشفة كفبيرة تمل عينيفه ،وتمل قسفمات وجهفه ،ويقول مسفتنكرا :أ أنفت على قيفد الحياة؟! .ثفم
يقول متعجبفا" :بعفد كفل مفا جرى عليفك ولك ؟إإ" .فأرد :قال ال تعالى ( قتفل أصفحاب الخدود )
البروج ، ! 4 :والذيفن قتلوا أصفحاب الخدود كانوا مجانيفن بالباطفل والزور والبهتان .أمفا الذيفن
قتلوا فففي الخدود -وبأيدي أصففحابه -فكانوا أصففحاب رسففالة ،وحملة أمانففة . .مصففرين على أن
يؤدوا أمانتهم ،ويبلغوا رسالتهم .
فقال شمفس بدران :إننفا ل نفهفم هذا الكلم ول يسفتهوينا هذا السفلوب يا مجنونفة! أمفا زلت تعتقديفن
في وجود إله ؟ ! أنتم مهزومون من سنة 1948إلى الن – انهزمتم لما قاومتم فاروق ،وانهزمتم
عندما قاومتم الثورة في سنة 1954وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة .1965فأين ربكم الذي
تزعمون؟ ! ! فقلت :إننفا انتصفرنا ففي سفنة 1948وانتصفرنا ففي سفنة 1954وانتصفرنا ففي سفنة
.1965
فقال :إننا نعلقك كالدجاجة . .نرميك في النار . .نقذف بك إلى الكلب ،لماذا لم يمنعنا ربكم عنكم ،
إن كان موجودا يا مهزومين يا أولد الفف . .؟! وقلت :أما كونكم منتصرين علينا بهذا الجلد ،وبتلك
اللوان من العذاب فهذا أمر توهمونه ،أنتم تخافون منا! ! .
60
فقال غاضبا :أسكتي! أنتم مجرمون .فقلت :كل . .لسنا مجرمين ،نحن حملة رسالة ،وأمناء أمة،
ودعاة حق ،وعلمات على طريق النور .فقال :أريد أن تشرحي لي كيف أنكم منتصرين علينا! .
فقلت :نحففن منتصففرون عليكففم ،طالمففا نحففن أغنياء بال ،أقوياء بففه سففبحانه ،متوكلون عليففه ،
مكافحون ،مقاتلون مجاهدون ففي سفبيله . .ولكفن أمرا واحدا يثبفت أننفا منهزمون ،لو تخلينفا عفن
اعتقادنفا بوجوب الجهاد لرففع رايفة التوحيفد وإعلء كلمفة السفلم ..إن السفلم ففي حقيقتفه :ديفن
ودولة ،سفياسة داخليفة ،سفياسة خارجيفة ،نظام أمفة ،نظام مجتمفع ،سفلم يمل الدنيفا عدل ،وحرب
تخلص العباد من عبادة الفرد إلى عبادة ال الواحد القهار و ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق . .
إن العبفد الذي أسفلم وجهفه ل تعالى بصفدق ويقيفن أصفبح متصفل بال سفبحانه رب كفل شفئ ،فكيفف
يخاف خلقه من اتصلت روحه بعالم السماء وتعلق قلبه بالفردوس فهانت عليه الدنيا؟! أما أنتم أيها
الضالون المكذبون ماذا تسففتطيعون ؟ تمزقون أجسففادنا ،تقتلوننففا ،ترهبوننففا ،تمنعون عنففا الماء
والطعام . .السفياط ففي أيديكفم ،وسفائل التعذيفب رهفن إشارتكفم ،كفل ذلك ففي ضمائرنفا شفئ هيفن ،
تفرقون منففا خوفففا . .لماذا؟ لننففا حزب ال وأنتففم حزب الشيطان ( إن الذيففن يحادون ال ورسففوله
أولئك في الذلين كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوي عزيز ) المجادلة.
أثارت لغففة اليمان وأثار منطففق التوحيففد ،جاهليففة شمففس بدران وحيوانيتففه ،فصففرخ كالملدوغ :
صفففوت . .صفففوت ! ! علقهففا واجلدهففا خمسففمائة جلدة! ! وجلدت . .وأنزلت ،وسففئلت نفففس
السففئلة ،وأصففررت على مففا أجبففت بففه . .فيعود شمففس بدران إلى صففراخه :علقهففا يففا صفففوت
واجلدهفا مائتيفن وخمسفين جلدة! ! وعلقفت ،وجلدت . .وأفقفت مفن غيبوبتفي لجدنفي ففي المسفتشفى
محاطة بعدد من الطباء يقومون بإسعافي وتضميد جروحي! ! مكثت في المستشفى عدة أيام تحت
العلج " ثم حملوني إلى مكتب شمس بدران على نقالة ! ..
رفعونفي على كرسفي أمام مكتفب شمفس بدران ،وقال :يفا بنفت الفف . .لن ينفعفك العناد . .أنزلي عفن
عنادك حتفى يمكفن أن ننتهفي مفن التحقيفق معفك ونرسفلك للنيابفة .نظرت إليفه بكفل مفا تبقفى بفي مفن
رمق ،قائلة في استنكار :نيابة؟!! وأنت من ؟
قال :إننا نجهزك للنيابة!! فقلت :ماذا تريد منى؟
قال مهددا :اعتدلي ففي إجابتفك . .فلم يعفد بفك قوة للجلد . .وصففوت كمفا تعلميفن على أتفم اسفتعداد. .
إ! قلت :ال الفعال والمعين .
قالي :محمفد قطفب ،وشباب الخوان كانوا يجتمعون ففي بيتفك .لماذا؟ قلت :اعتاد السفتاذ محمفد
قطب وشقيقتاه -أمينة وحميدة -زيارتي . .فقاطعني شمس بدران -وقد كست ألفاظه ما تعودته من
بذاءات وفحش :-
أنا أقول ،محمد قطب ،وشباب الخوان ،أولد الف . .كانوا يجتمعون عندك ،لماذا؟
أجبففت على بذاءتففه :الشباب الفاضففل ،المسففلم العامففل ،اعتاد بعضففه أن يزورنففي ،وقففد يلتقون
بالستاذ محمد قطب صدفة .
فيصفرخ :يفا بنفت الفف . .أنفا أقول ،كان الشباب يطلبون منفك أن تهيئي لهفم الجتماع بمحمفد قطفب ،
فكان يحضر عندك للغداء هو وهؤلء الشباب .وبعد الغداء يتم اللقاء وينعقد الجتماع . .لماذا؟
فأرد بكففل ثبات وطمأنينففة :لمففا أصففدر السففتاذ محمففد قطففب كتابيففه "جاهليففة القرن العشريففن ا
و"التطور والثبات " طلب بعففض أبنائي ،وإخوانففي مففن شباب الدعوة أن يجتمعوا بالسففتاذ محمففد
قطفب ليسفألوه عفن بعفض الشياء ففي الكتابيفن اسفتعصت على فهمهفم ،واسفتجاب السفتاذ لدعوتهفم
عدة مرات .ثم يسأل :ولماذا كان يحضر عبد الفتاح عبده إسماعيل هذه الجتماعات ؟
فارد :لنه من خيرة شباب الخوان المسلمين ،ومن صفوة رجالها .
61
فيجيفب ففي سفخرية جاهلة :وال عال ،مفن الصففوة يفا بنفت الفف . .ثفم يزيفد :ففي أي اجتماع مفن هذه
الجتماعات اتففق هفو ومحمفد قطفب على قتفل عبفد الناصفر؟ قلت :قصفة قتفل عبفد الناصفر هذه أنتفم
اخترعتموها.
قال شمس بدران :لماذا لم تشتغلي بالمحاماة وتكفينا قرفك هذا!
فقلت :الحمد ل الذي أقامني في خير ما يقيم فيه عباده . .داعية إلى ال وسأظل بفضله إن شاء ال
. .فقام مسرعا يركلني وهو يقول :نهايتك على أيدي اليوم . .يا بنت الف ! . .ثم سال بعد فترة :إيه
التنظيم الذي أقمتيه مع محمد قطب ؟ اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر . .عبد الفتاح عبده إسماعيل
أو الولد الفيومي؟
فقلت :الفيومي قتلتوه خلص .فضحك ضحكا عاليا وقال :ما أنت عارفة كويس ! يا صفوت . .
يفا صففوت وديهفا للفيومفي ( كان مفن حراس الطاغيفة عبفد الناصفر الشخصفيين وكان مفن الخوان
واتهموه ظلمفا وجورا بمحاولة اغتيال الطاغيفة . .ورغفم أنفه كان ففي متناول يمينفه إل أنفه يفعفل . .
حطموا رأسفه ففي العام 1965ففي باحفة السفجن الحربفي ) فاخفذ صففوت يصفب على نار سفوطه
المجنون ! ! . .
فأسفقط ففي إغماءه وأنقفل إلى المسفتشفى لمعاودة إعدادي وتجهيزي لسفماع مهاترات شمفس بدران
وعصابته ،ولمزيد من التعذيب والتنكيل لي وإهدار النسانية على مذبح شهوة السلطان ! .
مرة أخرى نقلونففي إلى مكتففب شمففس بدران ! ! . .لقففد عاد إلى الوعففي بعففد أن فقدتففه تحففت سففياط
الزبانيفة . .فل بأس مفن العودة إلى مكتفب التعذيفب . .مكتفب شمفس بدران ! ! . .نعفم .حملونفي
على نقالة إلى مكتب شمس بدران ! ! كان شمس بين عصبة من أعوانه ،وبادرني عندما أجلسوني
على كرسفي أمام مكتبفه :يفا بنفت الفف . .لم يعفد بفك أدنفى احتمال لدنفى قدر مفن التعذيفب ،فارحمفي
نفسك ،وإل قسما برأس عبد الناصر أدفنك مع الفيومي وغيره .
وأضاف واحفد مفن إلذناب :اسفمعي يفا زينفب ،ردى على سفعادة الباشفا ،وفكري ففي مصفلحتك ،
لننتهفي معفك إلى حفل . .واسفترسل شمفس بدران :تذكري جيدا ،جاء إليفك شخفص مفن طرف فؤاد
سففراج الديففن ،وطلب منفك أن تتفقفي مفع الخوان المسفلمين ليتعاونوا مفع الوفففد لزالة حكفم عبففد
الناصفر ،وقال لك هذا الشخفص بأن هناك رجال ففي مكتفب المشيفر عامفر سفيتعاونون معكفم ومفع
الوففد .فقلت -وأنفا أضغفط على الكلمات مفن فرط دهشتفي على قدرة هؤلء الشياطيفن على التلفيفق
والتزويفر : -هذا محفض كذب ،إن فؤاد سفراج الديفن لم يرسفل إلى أحدا ففي مثفل هذا المفر ول ففي
غيره .ولم ألتففق بفؤاد باشففا مففن حوالي إثتففي عشرة سففنة . .ولكففي أكون دقيقففة فففي شهادتففي ،فإن
زوجفي الحاج محمفد سفالم سفالم كان ففي مزاد ،والتقفى-مصفادفة -بمعالي فؤاد باشفا سفراج الديفن ،
فسفأل زوجفي عفن صفحتي وأحوالي ،وكلففه أن يبلغنفي سفلمه وتمنياتفه .وهوت السفياط الملعونفة،
كأنهفا ألسفنة الفاعفي جائعفة تصفب زعافهفا أينمفا حطفت ،أو كألسفنة اللهفب نشوى مفا يصفادفها . .
وكانت قدماي ل تزالن ملفوفتين بالضمادات ،وجروحي لم تلتئم .
ويتساءل الزبانية وسياطهم تتصارع على قدمي وجسدي :فؤاد سراج الدين أرسل إليك أم ل؟
وأرد :لم يرسل إلى !
فيأمفففر شمفففس بدران بزيادة وطأة التعذيفففب ،فيغمفففى على ،ويوقفففف الجلد وأنقفففل على نقالة إلى
المسفتشفى! ! . .ثفم تبدأ الدائرة مفن جديفد ،وأعود إلى مكتفب شمفس بدران مرة ثالثفة ! ! . .ويقول
شمس بدران ،وقد أخذته العزة بالثم :افهمي أنه ل يقف أمامنا أي شئ . .إننا ندفن منكم كل يوم
62
عشرين كلبا ،وصحراء السجن الحربي بطنها مستعدة لمئات اللوف . .وقسما برأس عبد الناصر
إن لم تسفلكي كمفا نريفد ،لدفنفك مثفل الكلب التفي أدفنهفا كفل يوم .ولم أنظفر إليفه ،ولم يبفد على أي
أثفر أو تأثيفر مفن سففاهته وجاهليتفه ،فاسفتشاط غضبفا وقال :ردي على وإل قتلتفك وجعلت نهايتفك
تحت السياط .فقلت :ل إله إل ال الفعال ،وحسبنا ال ونعم الوكيل ،ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا
مسلمين .
فقال شمس بدران :هات الكلب يا صفوت ؟! !
ويحضففر صفففوت كلبيففن مففن الكلب المدربففة ،ويطلقهمففا على ،فيهجمان على كمففا يهجففم الوحففش
الجائع على فريسته . .
وأسفتعيذ مفن أذى الوحشيفن بقولي :اللهفم إنفي أعوذ برضاك مفن غضبفك ،اللهفم فادففع السفوء عنفى
بما شئت وكيف شئت .
فقال حمزة البسيوني .يا باشا وجهها أصفر وأشرفت على الموت .وقال شمس بدران في غطرسة
:أخرج الكلب يا صفوت ،وخذوها . .ارموها تموت في المستشفى .وعدت إلى المستشفى على
نقالة! !
وففى منتصفف الليفل . .ففي جنفح الظلم ،ومرة رابعفة إلى مكتفب شمفس بدران ! ! إنهفا الحقيقفة . .
الحقيقفة المرة المؤلمفة التفي تجرع كأسفها فريفق مفن المواطنيفن إشباعفا لشهوة النتقام ،وخصفيصا
لهدم الديففن السففلمي بإبادة دعاتففه ،وحتففى تنطوي ،فففي زعمهففم ،مظلة ل إله إل ال . .محمففد
رسول ال ،وتنتشر مظلة الكفر وليعم تيار اللحاد .
ومففا كادوا ينزلوننففي مففن النقالة إلى مقعففد فففي مكتففب شمففس بدران ،حتففى أغمففى على فاحضروا
عصير ليمون واسقوني إياه ،وحقنوني في ذراعي فارتد إلى الوعي ! . .
وقال شمفس بدران :يفا بنفت اتعدلي ،يفا زينفب أنفت صفعبانة علينفا ،إننفا لسفنا وحوشفا كمفا تقوليفن . .
والرئيفس جمال عبفد الناصفر قلبفه كفبير وسفيغفر لك إذا قلت الحقيقفة . .اعملي لمصفلحتك فقفط . .
قولي الحقيقففة يففا زينففب . .فقلت :الحقيقففة ..قولوا لعبففد الناصففر إنكففم المغتصففبون المعتدون علي
سفلطان ال . .توبوا إليفه وارجعوا . .اخرجوا مفن باطلكفم إلى الحفق ،مفن ظلمكفم إلى العدل ،ومفن
ظلمكفم إلى النور . .إن الذيفن يؤيدونكفم ففي باطلكفم وتسفتعملونهم مخالب باطفل وعدوان وجريمفة ،
قلوبهم مريضة ،وأنتم مرضى .وتساءلوا في دهشة مشوبة بثورة أو في ثورة مشوبة بدهشة :هي
دي الرسفالة اللي عايزانفا ننقلهفا لعبفد الناصفر؟! ! فقلت بإصفرار وبغيفظ :إننفي لم أقلهفا إل لتنقلوهفا
إليه ! !
وكان الجواب على "تطاولي" هذا إلهاب جسفدي بالسفوط منهفم ففي اسفتنكار وارتعاد :دي بكفل تأكيفد
مجنونة . .مجنونة . .مجنونة . .في حاجة إلى علج بالجلسات الكهربائية! . .
وما إن ينتهي المرتعدون الذين في قلوبهم هواء من استنكارهم (لتطاولي) على سيدهم ،حتى يعلو
صوت المسخ المسمى شمس بدران :الكلب اللي مجوعينها من إمبارح . .فين يا حمزة؟! ويردف
حسن خليل بصوت تمثيلى :يا زينب حرام عليك ،إنت قريبة من الموت . .أتقذى نفسك ،محدش
من الخوان راح ينفعك ،كلهم عملوا لمصلحتهم وأنقذوا أنفسهم . .أرجو أن يسمح الباشا بإحضار
على عشماوي ليذكرها بالشخص الذي جاء إليها من طرف فؤاد سراج الدين .
وقال شمففس بدران :تذكري يففا بنففت الفف . .وإل واجهناك بعلي عشماوي . .فقلت :علي عشماوي
باع نفسفه لطواغيفت الباطفل والجريمفة بثمفن بخفس ،فخسفر الدنيفا والخرة . .وقصفة سفراج الديفن
قصة مدبرة المراد بها أن تذلوا الرجال . .رجال ذوى قلوب ،وضمائر ،ورؤوس مرفوعة . .
ودخفل حجرة التحقيفق ضابفط يدعفى سفعيد عبفد الكريفم اشترك معهفم ثفم قال :يفا زينفب ،سفأفكرك
بشيفء قفد يسفاعدك ففي موضوع سفراج الديفن . .أل تعرفيفن الحسفيني عبفد الغفار ،كان ففي الخوان
63
المسفلمين ثفم انشفق عنهفم مفع شباب سفيدنا محمفد ،وتفاهمفت أنفت معفه عدة مرات ليعود إلى صففوف
الخوان المسلمين ،لنك حريصة على أن يبذل جهده داخل صفوف الجماعة؟
فقلت :حسبنا ال ونعم الوكيل ،الحسيني عبد الغفار هو أخي في ال ،وكان في الخوان المسلمين
كمفا كان ففي شباب سفيدنا محمفد ،وتكلمفت معفه فعل ليعود إلى صففوف الخوان المسفلمين ،ولكنفه
اعتذر عفففن ذلك ،وليفففس له علقفففة بسفففراج الديفففن ول بالوففففد ..وكان رئيفففس شباب الحرار
الدستوريين يوما ،وذلك يجعله مناوئا للوفد ل متفقا معه .
فقال حسفن خليفل :هذا صفحيح ،لكفن عندمفا تكون المسفألة اتفاق الدسفتوريين والسفعديين والوفدييفن
والخوان المسلمين تكون المسألة في طريقها الطبيعي ! ! فقلت :ليس هذا حقا ،وهناك مسافة بين
الخوان وغيرهففم الذيففن لم يدرسففوا النظريففة السففلمية بتكتيكهففا اللهففي ،وأيدلوجيتهففا الربانيففة .
وأشار شمفس ونزلت على السفياط ،وقال عبفد الكريفم :نرجوك يفا باشفا . .خليهفا تكمفل . .قال عبفد
الكريفم :كملي يفا زينفب .قلت :أمفا الخوان المسفلمون فيأخذون السفلم عقيدة يبحثون ففي منابعهفا
ويدققون ففي مصفادرها ،تلقوهفا مفن ال تعالى على يفد رسفوله صفلى ال عليفه وسفلم . .بمعايشتهفم
للكتاب والسفنة ،والرض عنفد الخوان لهفا وزنهفا وقدرهفا مفا دامفت أرضفا للسفلم ،ففي سفبيلها
يسفففتشهدون ،وعفففن حياضهفففا يذودون ،يحررون الرض ل كمفففا يحررون البشفففر ل ،يعبدون
الرض ل كمفا يعبدون البشفر ل .وعلى الرض المعبدة ل وبالبشفر المعبفد ل تكون المفة ويكون
المجتمع المسلم.
ألم يحرر محمد صلى ال عليه وسلم .عند بعثته الرض ثم يدعو الناس إلى التوحيد ،ولم يدع ولم
يناد بالصفلح الجتماعفي ثفم يدعفو الناس إلى التوحيفد ،ولم يدع إلى تقسفيم المال بالسفوية ثفم يدعفو
الناس للتوحيفد ،لم يدع لصفلح جزئي ،ولكفن محمفد صفلى ال عليفه وسفلم .دعفا إلى التوحيفد فأسفلم
رجال وآمنوا بأنه ل معبود إل ال ول حاكم إل ال ،ول رازق إل ال ،ول ضار ول نافع إل ال ،
وهفو المحيفي المميفت ،ول مدبر ول مشرع إل ال ثفم كانفت الهجرة إلى المدينفة بالسفابقين الوليفن
من المؤمنين.
ثفم كانفت بدر الولى نداء لقيام المفة ،وتوالى نزول القران على محمفد صفلى ال عليفه وسفلم .قال
شمس :هات الكلب يا صفوت !
قفزت على الكلب والوحوش البشريفة تشبعنفي ضربفا ونهشفا والدماء تسفيل هنفا وهناك . .سفارع
الطفبيب الواقفف معهفم بوقفف جلدي ولكفن هيهات . .هيهات . .انطلق آذان الفجفر ينيفر سفكون الليفل
فأحسففففست بففففبرد وسففففلم مففففن هذه السففففياط التففففي ل تليففففن ول تكففففف فتذكرت أمففففر ال (
يا نار كوني بردا وسلما على إبراهيم ) النبياء . 169 :
تباركفت يفا رب وتعاليفت ،فأنفا حفيدة إبراهيفم أول الموحديفن وجفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم .أن
رحمتني من أبالسة يسؤوهم أن أقول :ربى ال ل أشرك به أحدا ( قل يا أيها الكافرون ،ل أعبد ما
تعبدون . ) . .أفقت لجدني في المستشفى ول أدري ،وان كنت واعية تماما لما ينتظرني .
64
وهكذا ،كانت القزام متسلحة بالسلطة تتسلط على الرجال ،فتحطم "الكرامة" ،وتمزق الكبرياء ،
وتذل الباء والشمفم ،ففي أيام كان القانون فيهفا ففي سفبات عميفق . .والنسفانية ففي إجازة طويلة . .
والرحمفة رحلت عفن ديارنفا ! ! . .وسفألني شمفس ،وسفألني أعوانفه ،عندمفا حملونفي إلى مكتبفه :
قولي يفا بنفت يفا زينفب ،مفا رأى الحسفيني عبفد الغفار ففي الكلم الذي بلغفك مفن فؤاد سفراج الديفن .
ومن الذين كانوا سيتعاونون مع فؤاد سراج الدين من مكتب المشير عامر؟ وماذا طلب من الخوان
للقيام بالنقلب ؟ .
فأجبت :الحسيني عبد الغفار أخي في ال ،ول أعلم شيئا عما أسمع من إفك وكذب .
فتسفاءل حسفن خليفل وسفعد عبفد الكريفم :أسفمعي يفا زينفب ،ألم يقابفل الحسفيني عبفد الفتاح إسفماعيل
في بيتك ؟ .ألم تكلمي الحسيني لينتظم في صفوف الخوان المسلمين ؟ .
قلت :أنفا تكلمفت مفع الحسفيني ليعود إلى صففوف دعوتفه وليفس هذا جريمفة ،الحسفيني رجفل مؤمفن
بدعوة الخوان ،وإن لم يكفن منتظمفا فيهفا ،فإنفه يتمنفى أن تتحقفق مقاصفدها ،وأن تهدى الناس إلى
مقاصد الكتاب وغاياته ،وإلى مراد السنة وأهدافها ،وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في
بيتفي وأخذا يتحدثان عفن السفلم ومفا أصفاب المسفلمين مفن انحطاط وتأخفر ،ثفم انصفرف الحسفيني
عبد الغفار ،وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في بيتي مصادفة ثم قال لي عبد الفتاح عبده
إسماعيل :الحسيني رجل صالح وطيب وعالم مخلص ..قال أحدهم :الحسيني قال كل شيء .لكن
أنت تريدين أن تكون الفداء لكل الخوان المسلمين ،وحتى الحسيني وفؤاد سراج الدين ،وتبعديهم
عفن المسفئولية . .إننفا نمنحفك فرصفة أخيرة لتراجعفي فيهفا نفسفك بخصفوص رجال الوففد ،وبعفض
رجال مكتب المشير عامر . .ما رأيك في هذه الفرصة؟ وسنواجهك بالحسيني وفؤاد سراج الدين
ولكفففففففففففففففففففففن بعفففففففففففففففففففففد أن نخرج عينيفففففففففففففففففففففك وتصفففففففففففففففففففففيرين عمياء.
فقلت :الحمد ل نرى بقلوبنا وصرخ شمس بدران كمن لدغته أفعى " :هات الكلب يا صفوت "! !
فتدخل أحد العوان يهدئه :ل عليك يا باشا .إنها ل تدري أين مصلحتها ول تقدر النهاية! !
فقلت :النهايففة بيففد ال وليسففت بأيديكففم ،وال الفعال ذو القوة المتيففن .وقال آخففر مففن شلة الضباط
المحيطيفن بشمفس بدران :يأمفر الباشفا بإحضار الحسفيني عبفد الغفار .ثفم نادوا صففوت لحضاره ،
وقال شمس بدران في كبرياء الجاهلية :خذوها إلى المستشفى الن ! !
إنهم كالخفافيش يعشقون الظلم ،؟ ل ينشطون إل فيه . .ففي الليل حملوني وأجلسوني على مقعد
في مكتب شمس بدران ،وبعد لحظات دخل الحسيني عبد الغفار . .كانت ذراعه مكسورة ملفوفة
في جبيرة ومعلقة إلى صدره . .وكانت قدماه في ضمادات سميكة . .وكانت آثار التعذيب الوحشي
–بل الجاهلي – بارزة على كل جزء من جسده .
وقال الحسيني عبد الغفار عندما دخل :السلم عليكم .
قلت :وعليكفم السفلم .ونظفر إليفه شمفس بدران ففي سفخرية وسفأل ففي تهكفم :يفا حسفيني ،مفا هفي
قصتك مع زينب ؟
وقال الحسففيني :الورق مكتوب فيففه كففل شيففء .فأخرج شمففس بدران أوراقففا وأعطاهففا للحسففيني
وأمره بقراءتها.-
لم اكفن مشغولة بالوراق التفي بيفن يدي الحسفيني ،بفل كنفت أفكفر كيفف أجيفب على هذا الشيطان بمفا
يخفف عن الحسيني أو يرفع عنه العذاب ،ويقيني أن الحسيني عذب حتى يكتب ما يريدون .وأخذ
الحسفيني يقرأ ففي الوراق التفي أعطاهفا له شمفس بدران . .أشياء كثيرة لم أحفس يوماً أن الحسفيني
يعتقدهفا أو يدعفو لهفا أو يتكلم بهفا .كفل مفا قرأه لم يكفن صفحيحا ول واقعفا وإنمفا خيال مريفض . .
سفألني شمفس :مفا رأيفك ! قلت :إنفه الكراه للخوان والبطفش والعذاب حتفى يقولوا مفا تريدون !
فقال شمس :وهل ما سمعته كذب ؟
65
أجبفت :الحسفيني ل يكذب .ولكنفى على يقيفن أنفه قفد عذب حتفى . .فصفرخ شمفس مقاطعفا غاضبفا.
ماذا تقصدين ؟ الكلم الذي قرأه الحسيني ألم يقله لك ؟! وقال حسن خليل :إننا نريدك أن تقولي هل
ما سمعته من الحسيني حصل أم ل؟
وقال آخر :هل ستحرقين نفسك بالنار من أجل الحسيني كما حرقتها من أجل الخوان ؟ فأجبت :أنا
ل أحرق نفسي ولكن أحييها.
قال شمس بدران :أنت يا حسيني بلغت زينب رسالة من فؤاد سراج الدين !
فقلت وأنا أوجه الكلم إلى الحسيني :أنت يا حسيني بلغتني رسالة من فؤاد باشا سراج الدين ؟
فقال الحسيني :فؤاد سراج الدين الصغير وليس معالي الباشا؟
فقلت :أنا ل أعرف إل فؤاد باشا سراج الدين . .من هو فؤاد الصغير يا حسيني؟!
فقال الحسيني :ابن عم فؤاد باشا.
فقلت للحسيني .وما تلك المسالة يا حسيني؟
فقال :أنفا قلت إن المسفألة كانفت عبارة عفن نكتفة رواهفا لي على سفليمان وأنفا ذكرت هذه النكتفة أمام
الحاجة زينب ! !
فقال شمس بدران للحسيني :اخرج يا حسيني.
فقلت لشمس بدران :حسبنا ال ونعم الوكيل ! . .النكتة صنعتم منها مؤامرة ! . .وفؤاد باشا سراج
الدين لم يسلم منكم يا ظلمة .
ثففم نادى شمففس على صفففوت وعادت السففياط لتنهال مففن جديففد .ثففم قال شمففس :خذهففا يففا حمزة
للمستشفى.
وفففي اليوم التالي دخففل زنزانتففي فففي المسففتشفى حمزة البسففيوني ومعففه رجففل يرتدى الملبففس
العسفكرية برتبفة لواء ومعهمفا التمورجفي عبفد المعبود .وقال حمزة البسفيوني لعبفد المعبود :اذهفب
وأحضر كرسيا ومنضدة صغيرة ،وفى لحظات عاد عبد المعبود بالكرسي والمنضدة .وضع حمزة
البسففيوني ورقففا أبيففض على المنضدة وقال لعبففد المعبود :اجلس إلى هذه المنضدة واكتففب كففل مففا
ستمليه عليك .
وجاء صففوت الروبفي يحمفل ملفات متضخمفة .أخرج حمزة مفن كفل ملف ورقفة وقال لي :كفل هذا
الكلم تدونيه في أوراقك ،هو من كلم الهضيبي ،وسيد قطب ،وعبد الفتاح إسماعيل ،وهواش ،
وأحمففد عبففد المجيففد ،ومرسففى مصففطفى مرسففى ،وصففبري عرفففة ،وفاروق المنشاوي ،وعبففد
العزيز على ،فقلت لهم :سأكتب ما أعرفه ،ليس لي علقة بهذا الكلم . .إنني ل أصدق ول أعتقد
أنهفا للخوان الذيفن تدعون أنهفا لهفم . .قال حمزة البسفيوني :ردى كمفا ينبغفي ،سفنرسلك إلى مكتفب
شمس باشا ،وتذوقين العذاب ألوانا كما تعرفين .
وما أمليت على عبد المعبود إل ما يرضى ال ربنا هو ولينا ونعم النصير.
وففى صفباح اليوم التالي أخذونفي إلى مكتفب شمفس بدران ووضعونفي على مقعفد ،أخفذ شمفس بدران
أوراقفا وأخفذ يمزقهفا ويرمفى بهفا ففي سفلة المهملت ،وقال ففي أسفلوب يترففع أي مخلوق ففي أدنفى
درجات النسفانية ويتمتفع بأقفل قسفط مفن الخلق أن ينحدر إليفه :أنفت يفا بنفت الففف . .تريديفن أن
تهدمي كل التحقيقات وتبطلي كل أقوال الخوان ؟ الكلم الذي قاله الخوان مضبوط .
إجابات الخوان أنت ملزمة بتأييدها في أقوالك .أنت ملزمة بكل ما قاله الخوان .
66
فقلت :أنفا ملزمفة بالحفق الذي أعتقده ،إننفي لسفت ملزمفة أن أقول إل مفا أعتقده .وغيفر ملزمفة بأن
أصدق أن هذه الجابات من أقوال إخواني .واجهوني بهم جميعا ،إن سياطكم وتعذيبكم قد انتزعتها
منهفم ..انتزاعفا .فصفرخ شمفس بدران :خذهفا يفا حمزة،أنفا أريدهفا جثفة أوقفع تصفريح دفنهفا! . .
أخذونفي إلى حجرة وأغلقوهفا على ،وبعفد سفاعة أخرجونفي منهفا ،وأوقفونفي تحفت سفياط الكرابيفج
ووجهفي إلى الحائط أمام جهاز تكييفف .وظللت واقففة مفا يقرب مفن السفت سفاعات وكفأ ننفئ كنفت
واقفة على مسامير محماة .فقد كانت آلم حادة تفرى قاع قد مي مع ضربات الجلد المستمرة .
وفى منتصف الليل -ودائما الليل -أعادوني إلى مكتب شمس بدران الذي قال لي :يا زينب..أكتبي
. .الرئيس جمال عبد الناصر سيغفر لك . .واكثر الخوان اعترفوا ..إن سلكت ستقابلين جمال عبد
الناصففر صففباح غففد ،وتعوديففن إلى بيتففك فورا ،وبعدهففا سففيلغى قرار حففل المركففز العام للسففيدات
المسففلمات ،وسففيتقرر إعطاؤك خمسففين ألف جنيففه كإعانففة للجماعففة ،وكدفعففة أولى لبناء أرض
الجماعفة ففي مصفر الجديدة ،وعشرة آلف جنيفه لعادة صفدور المجلة .وسفأل رجفل مفن الجالسفين
بالمكتفب :هفل جماعفة السفيدات المسفلمات لهفا أرض ففي مصفر الجديدة يفا زينفب ؟ فأجبفت :نعفم ،
عندهفا سفتة آلف متفر .فقال نففس الرجفل – والذي عرففت أنفه صفلح نصفر فيمفا بعفد – وماذا كانفت
ستفعل الجمعية بهذه المساحة الكبيرة من الرض ؟
فقلت :كانفففت الجمعيفففة سفففتبنى دارا لتربيفففة الفتاة المسفففلمة ,ودار ضياففففة للمسفففلمات وقاعفففة
محاضرات ،ودارا للمركفز العام ،ومسفجدا ،وجمعيفة لتحفيفظ القران الكريفم ،ومدرسفة إعداديفة
وأخرى ابتدائية ومعهدا للواعظات .
فتساءل :ومن أين لكم بالموال ؟ فأجبت :من التبرعات – والعمل على مراحل .
فقال :إذن ،إنهفا فرصفة جميلة يمنحهفا لك الرئيفس جمال . .تعوديفن إلى بيتفك وتعود الجماعفة . .
وثقة الرئيس نتائجها كبيرة! !
فقلت :ثقتنفا ففي ال اكفبر . .الله اكفبر ففي نفوسفنا مفن الرض ،ومفن المال ،ومفن كفل طواغيفت
الرض المعتدين على حق ال وحق عباده ،أنا ل أريد أي شيء منكم ،ولن أقبل أبدأ أن أقابل عبد
الناصفر ول أصفافح اليفد التفي غمسفت ففي دم إسفماعيل الفيومفي ورفعفت بكفر ومحمفد عواد وغيرهفم
كثيفر وعبفد القادر عودة وزملئه ،لن أصفافح اليفد التفي غمسفت ففي هذا الدم المبارك ،إن هذا الدم
سفيقود على مدى السفنين أجيال المسفلمين الذيفن سفيعودون إلى ماضيهفم الزاهفر المجيفد .إلى مقعفد
المسئولية في هذا العالم . .وتنهال اللكمات والركلت والضربات فأقع هامدة على الرض ،ويقول
شمس بدران :يا حمزة خذها إلى رقم . 34
وأدخلت رقم . . ! ! 34زنزانة ضيقة مظلمة كالقبر الموحش ! ! . .وأدخلوا معي كلبين ،وأغلقوا
الزنزانة .
ل بال تيممت وأخذت أصلى ،وأنا ل أدرى أين القبلة . .انتهى من صلة وأدخل في أخرى ،انشغا ً
لعله يصرف عنى ما أرادوه .
تسففلق الكلبان ظهري فففي ركوعففي وسففجودي ،وأخذا يخمشان رأسففي ،ووجهففي . .وأنففا أصففلى
وأسففتغرق وأسففبح فففي عالم الدعوات والتضرعات .وبعففد سففاعة فتحففت الزنزانففة وسففحبوا الكلبيففن
وحملوني إلى المستشفى .
بعد العشاء أعادوني إلى مكتب شمس بدران .قال شمس بدران :يا زينب ،انعقد في بيتك اجتماع
كان يضم أكثر من خمسين رجل من الخوان المسلمين من جميع أنحاء الجمهورية -هذا الجتماع
كان منذ ثلث سنوات .ماذا جرى في هذا الجتماع ؟
فقلت :صلينا المغرب جماعة ،وصلينا العشاء ،ثم التراويح .
67
فقال :أنفا أسفألك ،مفا الغرض مفن هذا الجتماع ؟ فقلت :ل أتذكفر .سفأل :تناولوا الفطار عندك !
فقلت :عدد منهم .
فسأل :ولماذا كان الجتماع ؟ فقلت :كنا ندرس السلم ،وكيف نقاوم تيارات اللحاد التي تغذيها
وتنفخ فيها أجهزة الجاهلية وأعلمها ..قال :ولماذا عندك بالذات ؟ أجبت :لنني من المسلمين إن
شاء ال . .سال :وأي جاهلية ،وأي إسلم ،وأي إلحاد؟ !
فقلت :لو قمفففت بجولة ففففي البلد لرأيفففت على أرصففففة الشوارع أكوام الجرائد ،ومجلت اللحاد
ونشرات النحلل التفي توزع بأثمان رمزيفة لنشفر الشيوعيفة ،واللحاد والنحلل والتسفيب ففي كفل
شيفء .فقاطعنفي ففي شبفه صفراخ :كففى ،كففى . .دا كلم فارغ ،مفا هفي أسفماء المجتمعيفن عندك ؟
فقلت :ل أتذكر أسماءهم .
سفأل :أحفد المجتمعيفن ترك الجتماع وقابفل الهضيفبي ثفم رجفع مرة أخرى بعفد اتصفالك تليفونيفا
بمنزل الهضيففففففففففففففففففففففففففففففففبي ،مففففففففففففففففففففففففففففففففن هذا الرجففففففففففففففففففففففففففففففففل ؟
فقلت :ل أتذكر .وكل ما يعلق بذاكرتي في هذا الخصوص أنه سألني أن أستأذن الهضيبي لمقابلته .
.فماذا فففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي هذا؟
سأل :كنتم مجتمعين إذن؟ أنا أسهل لك الجابة! الرجل الذي ذهب إلى الهضيبي اسمه عبد الفتاح
الشريف أليس كذلك ؟
ثم أردف :سأعلقك إن لم تجيبي ثم اكمل . .اتفقتم على قلب نظام الحكم وقتل جمال عبد الناصر.
فقلت :اتفقنا على محاربة الجاهلية ،والتسيب والنحلل واللحاد .والعمل على نشر تعاليم القران
وإقناع المسفلمين بوجوب حكم القرآن والسفنة .فسأل مسفتنكرا :وماذا يعمل الزهر؟ انطقي ما هي
وظيففة الزهفر؟ علقهفا يفا صففوت واجلدهفا .وأنفا تحفت السفياط أقول يفا ال ،يفا ال ،وأخذت اكرر
السم العظم حتى أغمى على .
الباب الخامس
وسمع فرعون
أفقفت ..يفا إلهفي ..إننفي مفا زلت على الرض أمامهفم جثفة هامدة . .إنهفم أسفعفوني ..وبصفعوبة
شديدة حاولت النظفر ففي الحاضريفن . .فإذا بجمال عبفد الناصفر يتكفئ على كتفف عبفد الحكيفم عامفر
ويمسك في يده نظارة سوداء .
عندمفا رأيفت جمال عبفد الناصفر وعبفد الحكيفم عامفر ،نسفيت ألمفي ،ودبفت ففي جسفدي يقظفة غريبفة،
وانتابني نشاط غريب ! !
أعطونفي كوبفا مفن عصفير الليمون فشربتفه ،رفعونفي مفن فوق الرض على مقعفد ،ثفم أحضروا لي
فنجان قهوة فلم أتردد في تناوله .
كان إحساسي بان هناك شيئا خطيرا سيحدث ،فكل ما يدور حولي يقوى عندي هذا الحساس .
68
وقال شمففس بدران ؟هفو ينفففخ :يففا بنفت يفا زينفب ،أريفد أن تجيففبي على كففل سفؤال أوجهفه إليففك
بصراحة وإل ! ! . .
افترضي يا زينب أن الخوان المسلمين هم الذين يحكمون البلد ،وأننا نقف أمامكم تحاكموننا ،فماذا
كنتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففم تفعلون بنففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففا؟
فأجبت في قوة وشجاعة :نحن ل نسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ول نلوث أيدينا بما لوث به
الظالمون أيديهفم ،نحفن لنغمفس أيدينفا ففي الدم ' . .نحفن ل نجلس ففي مقاعفد طواغيفت الرض , .
فقال :اخرسي! أنا باسألك ،إن كنت جالسة على هذا الكرسي مكاني ماذا كنت تفعلين معي؟
فقلت :نحفن طلب حقيقفة ،ليفس ففي حسفابنا أن نصفل إلى الحكفم ،إننفا حملة لواء "ل إله إل ال "
نفتديفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففه بالموال والرواح .
فقال شمس بدران :اخرسي يفا بنت الفف .. .أنا اكرر لك السفؤال .ماذا كنتفم تفعلون لو وصفلتم إلى ا
أ؟
فقلت :إننففا لسففنا طلب حكففم ! . .ول يعنينففا أن نكون فففي قمففة المسففئولية أو عنففد السفففح حراسففا
للطريق المؤدى إلى الرجل الذي حمل المانة وبايعته المة ،عبدا ل حاكما بما أنزل ال ولتكن هذه
الدار دار البعففث ..البعففث السففلمي .فصففرخ شمففس بدران متشنجففا :اخرسففي . .اخرسففي . .
اخرسففي؟ ! أريففد إجابففة واحدة :افترضففي أنففك جلسففت على الكرسففي الذي أجلس عليففه الن ماذا
تفعليفن معفي وأنفا متهفم أمامفك . .؟ فقلت :ربمفا تنتهفي أجيال وأجيال حتفى يحكفم السفلم ،نحفن ل
نتعجل الخطى ،ويوم يحكم السلم ستكون مواقع المرأة المسلمة في مملكتها الطبيعية لتربى رجال
المفة .فقال شمفس بدران كتائه يضرب ففي الصفحراء ففي يوم عاصفف :يفا بنفت الفف . . .أنفا أقول
افترضي جدلً أنك جالسة مكاني ماذا تفعلين معي؟
فقلت :السففلم عدل ورحمففة ،فل سففياط ول قتففل ،ول تعذيففب ول سففجون ،ول نفففى ،ول دفففن
للحياء ،ول تمزيفق لجسفاد الشهداء :رفعفت بكفر وعواد وإسفماعيل الفيومفي . .ل تشريفد أطفال ،
ول ترمفل نسفاء ،ل فراعنفة ول وثنيفة . .ولكفن الحفق والعدل . .الكلمفة تواجههفا الكلمفة والحجفة
تواجههفا الحجفة . .صفرخ شمفس كالصفريع :اخرسفي . .اخرسفي . .علقهفا يفا صففوت اجلدهفا .
وعلقنفي صففوت ،وعلى لفائف الشاش ،أخذت السفياط المجنونفة تهوى على كفل جزء ففي جسفمي،
والدم ينزف . .ول أدري كم من الوقت مر . .فقد رأى الطبيب إنزالي وقال :إن حالتها خطيرة . .
إنها تموت يا معالي الباشا!!
قال شمس :في ستين داهية.
قال أحد الضباط :إننا نريد أن تكون حية حتى تقف أمام المحكمة! !
فقال شمففس بدران :نعففم ،نعففم نريدهففا تعيففش لتذهففب إلى المحكمففة ويتفرج عليهففا الشعففب وتكون
عبرة.
وقال الطبيب :إننا في حاجة إلى أدوية وعقاقير غير موجودة! !
فقال شمس بدران :اطلبها من صيدلية المشير عامر! !
ونقلت إلى المسفتشفى ولم أدر ماذا حدث ففي تلك الليلة ،فقفد رحفت ففي غيبوبفة أفقدتنفي الحسفاس
باللم ' كما أفقدتني الستمتاع باسترجاع الحوار مع شمس بدران على مسمع من جمال عبد الناصر
وعبد الحكيم عامر ،لقد قلت ما أردت أن يعرفه . .وقد عرفه ! !
أسفعفت بالعلج ،لنهفم كانوا يحرصفون على حياتفي . .فأنفا متهمفة مفن وجهفة نظفر مفن ينسفجون
69
القضيففة ويؤلفون فصففولها ويصففنعون أبطالهففا . .فل غرابففة إذن ،أن يصففرف لي دواء لسففتطيع
حضور المحاكمة! ! أمضيت ثلثة أيام في غيبوبة . .
وففى مسفاء يوم سفمعت صفوت مراد وصففوت يخرج مفن زنزانفة الخ أحمفد كمال ويسفألنه عفن
عنوان سفيف السفلم . .وأعطاهمفا العنوان ،وبعفد مفا يقرب مفن ثلث سفاعات عادا إلى زنزانفة
الخ أحمد كمال وسأله عن عنوان مكتب سيف البنا! ! . .
وسفيف البنفا هفو نجفل المام الشهيفد حسفن البنفا ،أخذت أدعفو لسفيف وأمفه وإخوتفه ،فأمفه مريضفة
بالقلب ،وسيف هو العائل الوحيد للبيت والسرة .أخذت أضرع إلى ال سبحانه أن يصرف عنهم
كيدهم .
رفعونفي على نقالة إلى مكتفب شمفس بدران . .وسفألني شمفس بدران سفؤالً تأكفد لي منفه أن سفيف
السلم البنا نجل المام الشهيد حسن البنا في السجن الحربي! ! وشغلني جدا أمر وجود سيف البنا
في السجن الحربي .
وقال شمفس بدران لحمزة البسفيوني :ألم أقفل لك إن هذه البنفت ل تدخفل مكتفبي وهفى حيفة؟ لماذا
أحضرتها وفيها نفس يتردد؟! ثم وجه الكلم إلى وكل عضلت وجهه تهتز في عصبية :أما زلت
على قيففد الحياة؟ لماذا . .لماذا؟ فقلت :ليففس بإرادتففك ،ول بإرادتففي أن أعيففش أو أموت ،ولكنهففا
إرادة ال وهو المحيى المميت .
فصففرخ قائل :اخرسففي ،اخرسففي . .ردى على سففؤالي فقففط :مففن الذي كان سففيغتال جمال عبففد
الناصر في طريق السكندرية من رجال الجيش ؟
فقال حسن خليل :قرب لها المسألة قليل يا باشا ،أ؟ اسمح لي أن أفهمها الموضوع .
ثفم أردف –بعفد أن أومفأ إليفه شمفس بدران برأسفه – هناك شخفص حكفى لك عفن جماعفة تربصفوا
لجمال عبفد الناصفر ففي الطريق الصفحراوي وكان مسافرا بالسيارة إلى السفكندرية .مفن حكى لك
هذه الرواية؟ ومن كان في السيارة الجيب لغتيال عبد الناصر؟
فقال شمس بدران :ردى بسرعة! !
فقلت :مفا أتففه مفا تعذبون الناس مفن أجله ! ويلكفم مفن ال ! ثفم ويلكفم مفن التاريفخ ! ثفم ويلكفم مفن
الناس جميعففا وهففم ينزلون عليكففم لعناتهففم ! . .وكان جزائي على ذلك قاسففيا :دم يسففيل وعظام
تكسر! .
وكان شمفس يقول :إن علقناك الن سفتموتين ،ولكننفا سفنسامحك إن أخفبرت عفن الحكايفة! ! احكفي
لنا الحكاية من أولها . .يا بنت الفف .الحكاية اللي قالها لك سيف البنا.
فقلت :آه . .النكتفة التفي قالهفا سفيف ،فقام شمفس مسفرعا يركلنفي ويصففعني وهفو يقول :أيوه يفا
أختففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي النكتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففة!
وقلت :كنت في بيت الشهيد البنا وقال سيف السلم . .يقولون كان جمال عبد الناصر مسافرا في
الطريق الصحراوي بالسيارة إلى السكندرية وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه
.وففى اللحظفة الخيرة تغيفر نظام سففر عبفد الناصفر ،وسفافر بالقطار ،والغريفب ففي الموضوع أن
السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ول على من فيها.
فقلت لسيف :حقا إنها نكتة . .لكن ليس هو الفراغ الذي جعل الناس يقولون ذلك كما تقول يا سيف
. . .أنا ل أعتقد أن هناك سيارة جيب ،والمر كله من صنع جهاز المخابرات . .هناك كل يوم
مؤامرة مزعومفة لغتيال عبفد الناصفر ،مرة مفن الجيفش ومرة مفن الشعفب ،وهلم جرا ونسفمع عفن
ذلك . .ويقبض على آلف الناس .
وقال سيف :دي مجرد نكت الناس بتعملها وخلص.
70
فقلت :الناس ل يفكرون في قتله . .قتل الحاكم الظالم ل ينهي المشكلة . .القضية اكبر من قتل عبد
الناصر ،القضية تخليص البلد من حكم جاهل ،عات متجبر.
وأجابني سيف :من الفضل للناس أن يشغلوا أنفسهم بمصالحهم الشخصية وتربية أنفسهم .
فقلت :على أي حال لم يقتفل هذا البلد غيفر النكفت . .لم يسفتطع الناس أن ينفسفوا عمفا ففي صفدورهم
إل بالنكتة . .وبها قتلت الرجولة وقتلت المسئولية .وانتهى الحديث مع سيف السلم البنا .
فقال شمفس بدران :هذه الحكايفة -حكايفة اغتيال عبفد الناصفر ففي طريفق السفكندرية الصفحراوي-
دار حديففث فيهففا بينففك وبيففن عبففد الفتاح إسففماعيل وعلى العشماوي فففي بيتففك ودرسففتم تخطيطهففا،
والخطاء التي وقعت فيها .لما ذ ا ؟
فقلت :مفا حصفل غيفر ذلك ،أنفا نقلت النكتفة لعبفد الفتاح عبده إسفماعيل عفن سفيف السفلم . .لم
ندرس الحكاية . .دي نكتة فقذفت بركلت وشتائم !
قال شمفس بدران :أنفت حكيفت هذه الحكايفة لحسفن الهضيفبي .لماذا؟ نكفت الناس بتقولهفا وحكايات
بترويها .
قلت :جائز . .فيها حاجة دي؟! .وعملت السياط عملها .
قال شمفس :جميفل ،نترك موضوع سفيف الن ،وننتقفل إلى موضوع آخفر :كان عبفد العزيفز على
هو المسئول عن تنظيم الخوان حتى خروج سيد قطب من السجن ،قولي لنا كيف أتى هذا؟ قلت :
لم يحصل .
فقال :كيففف ؟ عبففد العزيففز على كانففت يجتمففع مففع على عشماوي وعبففد الفتاح إسففماعيل وضياء
الطوبجي ،ويحيى حسين ،وعبد المجيد الشاذلي ،ومجدي عبد العزيز ،واجتمع مع سيد قطب عدة
مرات بعد خروجه من السجن .
قلت :ل أدرى شيئا عن هذه الجتماعات .
فقال شمس بدران :ومن يدرى بها غيرك ؟! أنت تعرفين جيدا أنهم كانوا يجتمعون .
فقلت :هذا محض افتراء.
وقال شمس بدران :من الذي حمل أمر الهضيبي بزعامة عبد العزيز للتنظيم غيرك ؟
فقلت :هذا محض افتراء.
فقال شمس بدران مهددا :يبدو أننا حا نشوف شغلنا معك ،ل بتعقلي ول بتشوفي مصلحتك .
وقال أحفد الجالسفين على طريقفة السفماسرة . .واحفد يشفد وواحفد يرخفى :لحظفة واحدة يفا باشفا .أنفا
سأحاول مع زينب ثم اتجه إلى وقال :يا زينب . .الهضيبي اعترف ،وعبد العزيز على اعترف ،
أنا سأحاول أفكرك بحكاية يمكن تجعلك تتداركين المر ،كلهم اعترفوا ول داعي للنكار . .ما هو
السفم الذي أعده عبفد العزيفز على ليسفتعمله إسفماعيل الفيومفي ( اسفتشهد ففي السفجن الحربفي بعفد
تعذيب مروع في العام )1965في قتل جمال عبد الناصر؟ ما هي حكاية السم وكيف دار التفاق
عليها؟
فصففرخت :يففا عالم أنتففم مجانيففن بأمففر اسففمه قتففل عبففد الناصففر؟ إن كنتففم تريدون قتله فاقتلوه
وأريحونا ،وعلى كل واجهوني بعبد العزيز على ،واجهوني بالستاذ حسن الهضيبي!
فقالوا :ل ،سنواجهك أول بعلي العشماوي ! !
فقلت :على العشماوي كذاب أشر ،وسأبصق في وجهه لنه كذاب مأجور . .
فقال شمفس بدران :أليفس على العشماوي واحدا منكفم ؟ قلت :واجهونفي بالرجال الفاضفل . .عبفد
العزيز على ،وحسن الهضيبي .
فقال حسن خليل :ل مانع ،سنواجهك بهما إ!
71
وقال شمفس بدران :اسفمعي! متفى اسفتشرت الهضيفبي ليتولى عبفد العزيفز على زعامفة الخوان
المسلمين نيابة عنه ؟
فقلت :لم يحصل !
فقال شمس بدران :يا صفوت هات على العشماوي !
ودخففل على العشماوي يرتدى الحريففر الهفهاف ممشففط الشعففر ،تبدو عليففه آثار المعاملة الحسففنة .
!!.
وقال له شمفس بدران ففي رقفة :ماذا حصفل يفا على ،عندمفا ذهبتفم إلى الهضيفبي وكانفت رجلهفا
مكسورة ،ولم تنزل من العربة ،وذهبت أنت لبنت الهضيبي لتعرف رأى أبيها ا!
وقال على العشماوي :نعم حصل ،لقد قلت لبنت الهضيبي أن تسأل أباها عن ثقته في عبد العزيز
على ،ومفا إذا كان المرشفد يرشحفه لتولى المفر نيابفة عنفه . .وعادت وهفى تحمفل موافقفة الهضيفبي
على ترشيح عبد العزيز على .
فقال شمس :إيه رأيك يا بنت الففف . .؟
فقلت لعلى العشماوي .أنت كذاب ،والحقيقة أنك قلت لي بأن هناك واحدا من الخوان تقدم لخطبة
حفيدة عبفد العزيفز بفك على ،وهذا الخ يريفد أن يعرف رأى الهضيبي وأنا كنت خارجة مفن منزلي
دون اتفاق مسففبق ،فركففب على العشماوي معففي ،وقلت له إننففي ل أسففتطيع الصففعود إلى بيففت
الهضيفبي نظرا لكسفر رجلي ،والفضفل أن تذهفب معفي ،وكان رد السفتاذ الهضيفبي إن أسفرة عبفد
العزيز على ل يسأل عنها ،فهي أسرة مسلمة طيبة ،وعلى بركة ال .
فقال شمس بدران :هل هذه هي الحقيقة يا على؟
فقال علي العشماوي :إن هذه اصطلحات يا باشا ،والحاجة تعرف هذا جيدا.
فقلت لعلي العشماوي :أنفت كذاب أشفر ،وهيئتفك تفضحفك . .الخوان على العواد تقطفع السفياط
أجسفادهم ،وتنهشهفم الكلب ،ويتقلبون ففي ألوان مفن العذاب وأنفت على هذه الهيئة . .أنفت مأجور
رخيص ..أنت عميل كاذب ،ولذلك يسمع لك .فقال شمس بدران :اخرج أنت يا على! . .ثم اتجه
إلى وصفوته يحمفل ،التهديفد :يفا زينفب إننفا نمنحفك فرصفة أخيرة ،اشرحفي لنفا صفلة عبفد العزيفز
على ؟ بالتنظيم ،وما هي الرسائل المتبادلة بين الهضيبي وعبد العزيز على بواسطتك ؟
فقلت :أنا مصرة على مواجهة عبد العزيز على والهضيبي
قال شمس بدران :خذها يا صفوت ،إلى أن نحضر عبد العزيز علي والهضيبي ! .وخرجت مع
صففوت مفن مكتفب شمفس بدران ،وأوقفنفي صففوت ووجهفي إلى الحائط ثفم أدخلونفي مرة أخرى
مكتب شمس بدران .غير أنى لم أجد الهضيبي أو عبد العزيز على .
فقلت :أين الهضيبي ،وأين عبد العزيز على؟
فقال شمس بدران في حدة :هل نعمل على هواك يا بنت الففف .؟ سنحضر :من نريد . .ووقت ما
نحب . .يبدو أننا سنرجعك إلى أول التعذيب . .
فقلت :ما دمتم ل تستحون من ال ،فهل تستحون من الخلق ؟!
وقال حسن خليل :يا بنت اعقلي .الباشا يريد أن يحولك إلى النيابة .فاعقلى ،واعملي لمصلحتك .
.
فقلت :نيابة؟ ! أية نيابة؟ وأنتم من تكونون ؟
فقال شمس بدران :إننا نجهزك للنيابة. .
نعفم التجهيفز للنيابفة ! ! ..السفياط ،الكلب ،النار ،زنزانفة الماء ،التعليفق على العواد كالذبائح ،
إيلم النففس بأقذر اللفاظ وأفحشهفا ،التجويفع ،العطفش ،الحرمان مفن اسفتعمال دورة المياه فترات
72
طويلة ،الذهاب إلى مكاتب التحقيق صباحا ومساء مع استمرار أنواع التعذيب ،تحطيم العصاب
بالت التعذيب . .كل هذه وسائل التجهيز والعداد للمثول أمام حضرة صاحبة الجللة النيابة! !
محمد قطب
وفى مكتب شمس قال حسن خليل :إننا نريد يا باشا قبل النيابة أن ننتهي من موضوع تنظيم محمد
قطفب .ونرى موضوع الولد المدعفو الدكتور مسفعود فقال شمفس بدران كمفن عثفر على شيفء كان
قد فقد منه :نعم .نعم تنظيم محمد قطب يا زينب .
فقلت :أنفا أجبفت عفن هذا الموضوع مفن قبفل . .لقفد قلت إن محمفد قطفب لم يؤسفس تنظيمفا ،وإنفه
كاتب إسلمي وكل عمله أن يبين للناس الطريق الصواب ،وأين الدائرة التي يقف فيها المسلمون ،
وللناس بعد ذلك أن يتصرفوا حسب ما يرون وحسب ما يعتقدون .
فقال شمفس بدران :خذهفا يفا حمزة ،يبدو أنهفا تريفد أن تعود إلى المياه ،والكلب ،والنار والجلد .
.و..و.
وأخذني حمزة البسيوني إلى حجرة تبعد عن حجرة شمس بدران قليل ،وأغلقها على ثم انصرف .
وبعفد نصفف سفاعة جاءنفي حسفن خليفل قال :اسفمعي يفا زينفب ،أنفا حضرت إليفك ل نصفحك ،أنفا
مندهففش لننففي أراك تلقيففن الحبففل حول عنقففك ،كففل الخوان عملوا لنفسففهم ،وعرفوا طريففق
السفلمة ،لقفد ألقينفا القبفض على مائة ألف ،الباقفي عندنفا الن عشرون ألففا .كفل واحفد مفن هؤلء
اعترف بالحقيقففة ،ومففن يعترف ،يخلى سففبيله فورا ،ونصففف العشريففن ألفففا اعترفوا بكففل شيففء
واعتذروا عمفا فعلوه وقبلنفا عذرهفم وأخلى سفبيلهم . .حتفى المرشفد حسفن الهضيفبي ،وعبفد الفتاح
إسفماعيل ،وسفيد قطفب ،كفل هؤلء اعترفوا واعتذروا . .أنفت تعمليفن لحمايفة المرشفد وهفو ألصفق
بك كل شيء ،وعبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب كذلك . .أنت تحرقين نفسك من أجل أشخاص كلهم
تنكروا لك .أنفت لزم تغيري موقففك . .الرجال عرفوا السفلمة وعملوا لهفا وألقوا المسفئولية كلهفا
عليك . .الهضيبي شتمك ،سيد قطب شتمك . .عبد الفتاح إسماعيل شتمك ،محمد قطب شتمك ،
سفيد قطفب شتمفك ،كفل الخوان شتموك . .إن موقففك محفل تقديرنفا وإعجابنفا ،ونحتقفر موقفهفم ،
ودعك من سباب الباشا ،ومن حمزة البسيوني والولد صفوت .
إننا احتقرنا الخوان عندما سبوك وازداد احترامنا لك وإعجابنا بك . .خسارة هذه الشخصية القوية
تنتهي بهذا الشكل . .شمس باشا مصر على أن يعيدوا التعذيب من جديد من نمرة واحد ..أنا أخذت
على عاتقفي التفاهفم معفك لعود إلى الباشفا برأي يخرجفك مفن هذه الورطفة . .اسفترسل متسفائل:
كنفت تتناوليفن الغداء مفع الهضيفبي يوميفن ففي السفبوع أو يومفا على القفل بانتظام ،وهذا باعتراف
الهضيفبي ففي التحقيفق ،وكنفت تحمليفن الوامفر والتعليمات إلى عبفد الفتاح إسفماعيل ،أرجفو أن
تعطينفا نموذجفا مفن هذه الوامفر .الهضيفبي وعبفد الفتاح إسفماعيل اعترففا بهذا .سفيد قطفب عندمفا
خرج من السجن كنت حلقة التصال بينه وبين الهضيبي . .إننا ل نتكلم من فراغ يا ست زينب .
كانفت ففي يده ورقفة ينظفر فيهفا ثفم يتكلم . .ألقفى نظرة إليهفا ثفم اسفتطرد :مثل أموال الجماعفة كانفت
عندك فففي البيففت فنقلتيهففا إلى بيففت الهضيففبي .ثففم عادت مرة أخرى إلى بيتففك .ثففم نقلت إلى بيففت
الهضيبي ثانية وعادت إليك أخيرا .كل هذا ذكره الهضيبي فما معنى إنكارك له ؟!
كففل المور يففا سففت زينففب تكشففف سففرها والناقففص هففو أن تضعففي النقففط فوق الحروف .وطبعففا
ستكتبين في كل هذا وعن أشياء أخرى ،وسنرفع إلى عبد الناصر ونوضح له أنك تغيرت ثم نحولك
إلى النيابة وينتهي التحقيق عند هذا الحد ،وسيفرج عنك بعد يومين ،ثم يتم تعيينك وزيرة للشئون
73
الجتماعيفة .حكمفت أبفو زيفد مغضوب عليهفا الن ،مفا رأيفك يفا سفت زينفب ؟! وضغفط على زر
جرس صفغير فحضفر جندي فورا ووقفف أمامفه منتصفب القامفة .فقال له :هات عصفير ليمون ،
وأخذ يشرح وبفتح موضوعات ،موعزا إلى بالكتابة فيها.
وعاد الجندي بكوبي ليمون فقال :اتفضلي كوب الليمون ،ثم أمفر الجندي أن يحضر فنجانفي قهوة.
.واستأنف الكلم وأنا صامتة . .يبدو أنه اطمأن لما قال ،والتفت إلى الجندي قائل :إنت تحت أمر
الست زينب ،ثم قال لي :سنطلبك عند الباشا بعد ساعة وشوفي مصلحتك بقه . .
وجلست إلى المكتب وجرى قلمي على الورق بالتي :بسم ال الرحمن الرحيم وأصلى وأسلم على
محمفد وآله وصفحبه ،أمفا بعفد فأحمفد ال تعالى وأشكره وأعجفز عفن إحصفاء الثناء الواجفب لجلله
سففبحانه وتعالى فقففد اختارنففي -بغيففر اسففتحقاق منففى -لكون علي الطريففق الذي اختاره لعباده . .
طريق القرآن والسنة ،طريق الحق الحمد ل الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى ( :ربنا إننا سمعنا
مناديفا ينادي لليمان أن آمنوا بربكفم فآمنفا ) ،الحمفد ال الذي أوقفنفي تحفت مظلة قوله تعالى ( :إن
ال أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ) التوبة .
والحمفد ل الذي اختارنفي مفن بيفن رجال مؤمنيفن ونسفاء مؤمنات واجتبانفي بصفحبة رجال مؤمنيفن
ونساء مؤمنات لنكون شهداء أن رسالة ال التي أوقفنا حياتنا على نظرها والدعوة إليها والجهاد في
سبيلها بكل مرتخص وغال تحقيقا لقوله تعالى ( :إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان
لهففم الجنففة يقاتلون فففي سففبيل ال فيقتلون ويقتلون ) التوبففة . .وتحقيقًا لقوله تعالى ( كنتففم خيففر أمةً
أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )
بذلك كله أكرر وأؤكفد أننفا لزلنفا على طريفق شهادة أن ل إله إل ال وحده ل شريفك له وأن محمدا
عبفد ال ورسفوله . .ملتزميفن بشطري الشهادة حفظفة لكتاب ال حافظيفن لحكامفه اللهفم اشهفد أننفا
ثابتون على الطريفق ل مغيريفن ول مبدليفن .فانصفرنا على كفل ظالم أشرك بفك ،وعطفل كتابفك
وعادى دينك ،وحارب أهل دينك حماة كتابك وحماة سنة رسولك .
اللهففم بذلك أحيففا وعلى ذلك ألقاك إن شاء ال .فتقبلنففي سففبحانك فففي أهففل التوحيففد ،أهففل الكلمففة
الصادقة ،أهل خشيتك والحياء منك .
اللهم ارزقني الحب فيك والبغض فيك والجهاد في سبيلك .
هذا هو طريقي أيها الناس فافعلوا ما تريدون وكما تشاؤون .
سفأدعو إليفه على بصفيرة فل تجهدوا أنفسفكم لترمونفا ففي نقائصفكم وتغمسفونا ففي ظلمات فجوركفم
وشرككفم بال ،ومحاربتكفم للسفلم وأهله .إنفا برءاء منكفم وممفا تعملون . .إنفا مقاومون لباطلكفم
حتى نلقى ال . ،
إمضاء (زينب الغزالي الجبيلي)
ودخل حمزة البسيوني وقال :أيوه يا زينب ! ! إن شاء ال يكون ربنا هداك وعرفت مصلحتك ! !
زوجك رجل طيب . .الحاج سالم صديقي . .إنه رجل على خلق . .أنا ل أعرف كيف وقعت في
براثن الخوان المسلمين . .على فكرة! هل انتهيت من الكتابة؟ فناولته الوراق .
فقال :تعالى معففي عنففد الباشففا . .وذهبنففا إلى مكتففب الباشففا شمففس بدران ! ! قال شمففس بدران :
اجلسفي يفا زينفب ،اطلبوا ليمونفا وقهوة لزينفب ! ! أخفذ الورق وشرع يقرأ ،وأخذت قسفمات وجهفه
تترجم إحساسه وشعرت أنه يكاد ينفجر! ! وخرجت سهام نارية من عيني شمس بدران إلى حمزة
البسيوني ومن معه .وقال وهو يضغط على اللفاظ :ما هذا؟ ألف سوط يا صفوت .البنت سخرت
منففا كلنففا ..أيففن كنففت يففا حمزة أيففن كنتففم جميعففا؟ . .فانهالت السففياط وألقففى الوراق إلى الرض
74
واسفتطرد :البنفت سفخرت منفا .لعبفت بعقولنفا كلنفا يفا حمزة . .إنهفا اكثفر مفن خطيبفه على منفبر . .يا
بنت الفف !! .
جمع أحد الضباط الوراق المبعثرة في الحجرة وقرأ منها سطورا وقال :إيه القرف ده هو أنت إيه
. .افعل معها ما شئت يا باشا .أوقفوا السياط وحكموا على بقراءة الوراق .وقال أحد الجالسين :
انظر بنت الفففف .خطيبة وكاتبة وضيعت نفسها ومستقبلها . .يا بنت الفف .إنها تستحق اكثر مما وقع
لها ،وأمر شمس بدران بتعليقي وجلدي! !
قدماي ممزقتان ملفوفتان بضمادات ..وكل موضع في جسمي استوفى نصيبه -وفوق نصيبه -من
السففياط ومففن ألوان العذاب الخرى .ورغففم ذلك رفعنففي الزبانيففة على التعليقففة كالذبيحففة ،وانهالت
السياط المجنونة تنفذ أمر الباشا المحموم !
وانبثفق الدم مفن الضمادات فأمفر الطفبيب بإنزالي . .رمونفي أمام حجرة شمفس بدران مفا يقرب مفن
الساعة ،ثم حملوني على نقالة إلى المستشفى . .
جاء مراد وحمزة البسيوني وقال في جاهلية الجاهلين :قرر الطباء أن الموت قاب قوسين منك أو
أدنى ،ولكن لبد أن تذهبي إلى المحكمة لتسمعي حكم العدام بأذنيك وتجنى ثمرة ما زرعت .إننا
سففنرسلك إلى النيابففة غدا ،واعلمففي أنففك إن لم تسففتجيبي لكففل مففا تقرره النيابففة ،سففتعودين لنففا مرة
أخرى .ثم نادى حمزة . .صفوت وقال له :باكر خذها النيابة الساعة ! ! 9وانصرفوا . .
النيابة ! !
لقد مررت بكل درجات التعذيب درجة درجة ،من الجلد بالسياط المجنونة كألسنة اللهب إلى نهش
الكلب المدربفة ،إلى زنزانفة الماء ،إلى زنزانفة النار ،ثفم تكررت عمليفة الجلد والصفلب والتعليفق
على العواد كالذبائح ،إلى عذاب يحطم العصاب والرواح .
وجاءت النيابففة ،لتسففتكمل المهزلة فصففولها ،ويعاقففب المظلومون فففي ظففل العدل وسففيادة القانون .
!!.
دخلت خيام المحققين من رجال النيابة ! !
وإنهم جميعا لمخطط واحد ينفذون ! ! في خيام التحقيق كان التهديد مستمرا من المحقق الذي يطلب
مفن المتهفم أن يوقفع على مفا يسفجل مفن زور وبهتان ففي أوراق التحقيفق تحفت نظفر وسفمع كبار
القضاة والمستشارين المنتدبين للشراف على التحقيقات .
والحفق أن كفل شيفء ففي هذه المفة يمتهفن ويمسفخ ،كفل مفا فيهفا ومفن فيهفا .حتفى رجال القانون
والقضاء الذيفن روى التاريفخ نزاهتهفم ففي كفل عصفر وكانفت شجاعتهفم ففي الحفق مضرب المثال ،
رأينففا بعضهففم فففي السففجن الحربففي مسففخا مشوهففا وباطل مزورا ،يكذبون فففي شجاعففة ويخافون
الباطفل ويدافعون عنفه بجرأة .يهددون المتهفم إذا لم يوقفع على مفا يسفجلونه ويقفر بكفل مفا يكتبونفه ،
بالعودة إلى مكاتب التحقيق بالسجن الحربي! ! نظر وكيل النيابة إلى وضمادات الشاش تغلف قدمي
ويغلف نفسي إعياء وضعفف . .ل يكاد صوتي يخرج من بين شفتي . .ووكيل النيابة يجلس خلف
جبفل مفن الدوسفيهات . .أمامفه أوراق مكتوبفة .سفكرتير النيابفة جالس إلى مكتفب صفغير وأمامفه
كومفة مفن الوراق البيضاء وبيده قلم مسفتعد لتنفيفذ المفر . .أملى عليفه وكيفل النيابفة اسفمي ،وسفني
ومكان مولدي وسففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففكنى .
والتفت إلى وكيل النيابة بوجه جامد ثم قال :يا زينب ،في هذه الملفات والدوسيهات أقوال الخوان
المسفلمين كلهفا ' واضفح فيهفا موقففك جيدا ،سفأترك أقوالك ففي المكاتفب ،وأريفد الحقيقفة منفك أنفت
وهذه حقيقفة قالهفا حسفن الهضيفبي ،وقالهفا سفيد قطفب ،وقالهفا عبفد الفتاح إسفماعيل وقالهفا جميفع
75
الخوان . .أريد يا زينب أن تتخلى عن عنادك وأل تضيعي وقتنا فيما ل يفيد . .والمر بسيط جدا
إعادتك إلى المكاتب مرة أخرى! !
وأخفذ يوجفه إليّف السفئلة وانفا أجيفب .ولكنفي لحظفت عجبًا !! كنفت إذا أجبفت على سفؤال ببضعفة
كلمات أجده يمل صفحة كاملة على إنها إجابة مني !!
أثارني ما لحظته فقلت لوكيل النيابة المحقق :ماذا يا استاذ قناوي ؟ إنني اجبت على سؤال واحد
في كلمات قليلة ..
فقال :إنني اساعدك لن كل كلمة منك ستعرض على سيادة رئيس الجمهورية .كلمك أنت بالذات
طلب أن يعرض عليه يومياً !!
فقلت :هذا أمفر ل يهمنفي ففي قليفل أو كثيفر ،إنمفا مفا أهتفم بفه .أل يكتفب باسفمي إل مفا أقول .فقال
سأقرأ عليك فيما بعد كل شئ .وقلت في هدوء وما الداعي مادمت تكتب من عندك .ل داعي لن
أتكلم وليكتب كاتب النيابة ما تريد على أن يكون في علمك أنني لن أعترف إذا كان هناك محكمة ..
إل بالذي أقوله أنا لك . !!..
وعاد إلي سؤالي .قال :أنت قلت :عبد الناصر كافر وحكومته كافرة والمجتمع كافر أيضاً.
قلت :نحن ل نكفر أهل القبلة .قال :ومن هم أهل القبلة ؟ قلت :الذين يقولون :ل إله إل ال محمد
رسفول ال ثفم يلتزمون بمفا جاء بفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن عنفد ربفه .قال أريفد أن
تشرحي صفات أهل القبلة .
قلت " :الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت إن استطاعوا إليه
ل ويلتزمون بأحكام الكتاب والسنة .ل يشرعون من عند أنفسهم ول يحكمون بغير ما أنزل ال سبي ً
".
قال :هل تعتبرين جمال عبد الناصر وحكومته والمجتمع من أهل القبلة .قلت :عبد الناصر نفسه
ل .لنه حاكم يستطيع أن يحكم بكتاب ال لو أراد إل أنه عمل على تعطيله ،فهو يشرع للناس من
عنده ويعطل كتاب ال وقد قال عبد الناصر صراحة :أنه ل يقيم حكومة دينية .
قال :أنفا أريفد أن تقولي لي بصفراحة :عبفد الناصفر والحكومفة كافريفن .ول رأيفك إيفه .قلت :لقفد
أجبفت ومفن شاء أن يعلم حقيقتفه مفع ال فليعرض نفسفه على كتاب ال وكان قفد كتفب حوالي خمفس
صفحات فولسكاب .
ثففم عاد يسففألني سففؤالً آخففر فقال :أنتففم كنتففم تريدون قتففل أم كلثوم وعبففد الحليففم حافففظ .قلت :إن
المشغوليفففن بالدعوة لديفففن ال وعودة المفففة السفففلمية إلى حياة الناس ل ينشغلون بهذه المور
السففخيفة .ثففم يوم يعود المسففلمون لدينهففم فسففتنتهي كففل هذه الرذائل ،وسففتتخلص المففة مففن هذا
التسففيب المقيففت ،وعبادة الشيطان فففي هذه الصففور المختلفففة التففي فتنففت المففة وانهارت بهففا هذا
النهيار الذي جعلها غثاء كغثاء السيل .
كان وكيفل النيابفة محمفد القناوي يسفمع منفى كلمًا ويكتفب غيره أو يحرففه أو ينقفل كلماً آخفر مفن
الملفات المرصوصة أمامه .وهكذا كانت خيمة النيابة على هذا النمط الغريب العجيب عشرة أيام .
وكان المسفتشار محمفد عبفد السفلم يتردد على الخيمفة ويسفأل القناوي عفن الوضفع ويقول له :أبذل
جهدك ..وينصرف .
وففي الخيمفة قلت للقناوي :إنفي أرى شيئاً عجبًا .أرى رجال القانون والقضاء ففي غابفة يتعايشون
مع وحوشها ،يلقون عن أنفسهم ثياب القضاء ويرمون من فوق أكتافهم أردية القانون والعدل قال :
نحفن نحرص على تخليصفك وإنقاذك مفن الخوان ليفس لك بعفد أقوال الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد
الفتاح إسماعيل إل شئ واحد هو العدام .
76
ومفا رأيفك ففي كلم الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد الفتاح إسفماعيل ؟ قلت أنتفم تختلقون عليهفم الكذب
وهؤلء هم طليعة الجماعة المسلمة .قال :وهل نكذب على أحد ؟ أنت لتقولين الحقيقة وتكذبين .
قلت أكذب على مفن ؟ .قال :على الحكومفة وعلينفا نحفن رجال النيابفة .قلت أنفت مصفدق أنفك مفن
رجال النيابة ومن رجال القانون .
قال :سفأقفل التحقيفق وأعيدك إلى مكاتفب التعذيفب ..وبعفد ذلك تحضريفن لنفا مرة أخرى . .وطلب
قهوة وأخفذ يشربهفا .وبعفد مفا شرب القهوة قال :إيفه يفا زينفب ؟ أتريديفن الرجوع إلى المكتفب ؟ إن
عبد الناصر مستعجل أوراقك ليطلع عليها . .
أمرنففي بالتوقيففع على مففا كتففب فرفضففت .فأعادنففي مرة أخرى إلى المكاتففب وجلدت مففن جديففد
وأعادوني مرة ثانية إلى مكاتب التحقيق ..
وانتهت مهزلة التحقيق ولكن ..
بعد يومين طلبت للنيابة مرة أخرى .وهناك وجدت عدداً من الشباب أفناهم التعذيب وكساهم ثوب
عذاب .
فسفألني قناوي :متفى التقيفت بهؤلء ؟ ومتفى تعرففت إليهفم ؟ ومفا هفي أسفمائهم ؟ وأنظفر إلى الشباب
وأقول سائلة :متى رأيتكم ؟ هل التقيتم بي حقاً ؟ هل تعرفونني قبل اليوم ؟ ما أسماؤكم ؟ ويصرخ
وكيل النيابة معترضاً مدعيًا أنني أوجههم بأسئلتي ،فأرد عليه طالبة منه أن يسألهم متى التقوا بي
ل أن يسألني متى التقيت بهم ؟ ويسألهم الواحد بعد الخر وتكون الجابة واحدة لم نلتق بها .
فيقول القناوي :ولكنكم قلتم في التحقيقات انكم التقيتم بها .فيجيبون :تحت سياط التعذيب كنا نقول
أي شئ .ثم نعاد جميعًا إلى المكاتب !! مكاتب التعذيب !! عشرات وعشرات المرات عرض عل يّ
الشباب الصابر ما بين خيام النيابة ومكاتب اللم والعذاب والقهر .
ل إلى مكتفب شمفس بدران أو لقاءات جديدة ففي مكاتفب شمفس بدران وأعوانفه .كانوا يأخذوننفي لي ً
أحفد زبانيتفه ،ويهددونفي أولً بإعادة التعذيفب ،ثفم يعرضون عليّف شباباً ففي سفن الزهور ورجالً
وشيوخاً ويسفألونني متفى :التقيفت بهفم ؟ ويكون الجواب :مفن هؤلء الذيفن تسفألونني أيفن التقيفت
بهم ؟ اسألوهم هم إن كانوا قد التقوا بي ؟ اسألوهم إن كانوا يعرفونني ؟ .
وتنتهففي المواجهففة بصففورة جديدة مففن التعذيففب :كالوقوف فففي مكان مظلم وأحففد العسففاكرخلفي
يضرب بالكرباج على الرض ويأمرني أن أسفتمر ففي خطوة "مكانك سر" ،فإذا بلغفت العياء ولم
أسفتطع السفتمرار ففي تلك الحركفة ،وأقدامفي ممزقفة ومربطفة بأربطفة الشاش عاجلنفي بعشرة أو
عشرين سوطا على جسدي كيفما اتفق . .ثم إلى زنزانة المستشفى!
وسفأضرب أمثلة للتعذيفب بعفد انتهاء النيابفة مفن التحقيفق لتعرفوا ماذا كان عبفد الناصفر وماذا كان
أنصاره وأعوانه .
التعذيب
77
أخذونفي ففي منتصفف ليلة مفن لياليهفم السفوداء إلى مكتفب مجاور لمكتفب شمفس بدران ،كان يجلس
فيه أحد شياطينه "جلل الديب "
الذي أخذ يسألني..قال :اشرحي يا زينب يا غزالي اتصالتك بخالدة الهضيبي وأحمد ثابت زوجها
ومففففففففففففففففففففففففففففا دورهمففففففففففففففففففففففففففففا فففففففففففففففففففففففففففففي التنظيففففففففففففففففففففففففففففم ؟
قلت :نشاط خالدة الهضيبي معي كان محصورا في مساعدة أسر المسجونين .
قال :أي نوع من المساعدات ؟
قلت :مساعدات مالية أو عينية ،وشرحت له نوعية العينية – بعد سؤاله – أنها كالقمشة والدقيق
والقمح والرز والسمن والفاصوليا .وعاد يسألني عن زوجها أحمد ثابت .ولما أوضحت له أنه لم
يكفن له مفن عمفل إل الحضور إلى المركفز العام للسفيدات المسفلمات ليوصفل الشياء التفي أرسفلها
لخالدة لتسلمها للسر – دون أن ينزل من العربية – رفض تصديقي وأسلمني إلى صفوت فأوقفني
ليتصفرف ،وتصفرف صففوت فأوقفنفي ووجهفي للحائط مكررا السفؤال عفن صفلة خالدة الهضيفبي
بالتنظيم .
ولما مضت ساعة دون أن أغير من موقفي بدأ يهددني بالكلب وبالضرب وأصررت على أقوالي
.ودخفل حمزة البسفيوني فطلب منفه جلل الديفب أخذى إلى الكلب .وأخذونفي إلى حجرة مظلمفة
وأدخلوا كلبفا معفي وتركونفي اكثفر مفن سفاعتين مفع الكلب ثفم أعادونفي إلى المسفتشفى .وففى الليلة
الثانيفة أعادوا اسفتجوابي عفن علقفة خالدة بالتنظيفم وأصفررت على موقففي السفابق ،وتركنفي جلل
الديفب ففي الغرففة ،وخرج ليرسفل لي صففوت فيضربنفي بقدميفه وبيديفه حيثمفا اتففق ،ثفم يغلق على
الحجرة ويخرج ليعود بعد ساعتين فيعيدني إلى المستشفى!
المال
ومرة أخرى طلبوني لمكتب شمس بدران وقال شمس :لقد أتينا بالزيني من غزة .وقد تعرف عليه
المرشفد ومأمون الهضيفبي .وهفو الذي أتاك بالمال وإذا لم تتعرففي عليفه سفيتم إعادتفك للتحقيفق مفن
اللف للياء! إنففت فاهمففة؟ والمهففم يففا بنففت يففا زينففب أن الزينففي قففد اعترف .وأخذونففي إلى حجرة
وجدت فيها رجل في صورة ل يمكن معها أن يتعرف عليه أحد ،وأخرجوني وأعادوني إلى شمس
.
وقال شمس :من هذا؟ قلت :ل أعرفه .
قال :لقفد تعرف الكفل عليفه . .إنفه صفادق الزينفي ،يفا بنفت الفففف . .وتدخفل جلل الديفب ليطلب مفن
شمفس أن يسفألني عفن المال لي غرض هفو؟ وسفألني شمفس وأجبتفه بأنفه للسفر :للكفل ،للتعليفم ،
للعلج .لسر السود خلف قضبان سجونكم .
وجن جنون شمس فصاح بحمزة :خذها وألقها للثعابين ل للكلب .
وخرجت مع حمزة وصفوت ،وأخذوني إلى المستشفى وطلب حمزة كرسيا فجلس عليه ثم قال :
إنت صعبانة على يا زينب ،لن آخذك إلى الثعابين ،قولي لي لي غرض كان المال ؟
قلت :لقد حققتم معي بخصوص هذا الموضوع .
وكان جلل الديفب قفد وصفل ليسفأل :هفل اعتدلت أم ل؟ وكان جواب حمزة :اتركهفا لي يفا جلل
يبدو أنها اشتاقت للكلب .
78
الكلب ،لقفد كانفت ففي نظري أرق منهفم شعورا وأسفمى واكثفر إدراكفا .كنفت كلمفا حبسفوني مفع
الكلب أحسفست عمفق بشاعتهفم وازداد احتقاري ،وأصفبح المفر ل يشغلنفي كثيرا .بفل أصفبحت
أفضل أن أظل مع الكلب على أن أبقى ثواني مع شمس أو حمزة أو جلل ..
وذات ليلة أخذونفي إلى مكتفب شمفس بدران بعفد العشاء جلسفت ل أدرى كفم ،ولكنفى أغمفى على،
فأسفعفوني بالحقفن وأعادونفي إلى المسفتشفى وبعفد ثلثفة أيام أخذونفي ثانيفة إلى مكتفب شمفس بدران
الذي أقسم برأس عبد الناصر إنه سيعيد تعذيبي من رقم 1إلى رقم 34إن لم أجب بصراحة على ما
يوجه إلى من أسئلة .
وكانففت هذه الرقام قففد مرت على بصففنوف مففن التعذيففب مختلفففة الصففور ،متعددة اللوان .وابتدأ
حديثفه بقوله :يفا بنفت يفا زينفب ،أنفا سفأذكر لك حادثتيفن حصفلوا معفك :حادثفة فيهفا محمفد قطفب و
الهضيبي وأخوات محمد قطب وكان فيها على عشماوي ومأمون الهضيبي.
وبنقول لك إن هذه الحاجات اعترف بهفا حسفن الهضيفبي ومحمفد قطفب . .راح تكذبينفا لكفن مفن أيفن
كنا سنعرفها؟ . .الحادثة التي فيها على عشماوي ستقولين :إن على كذاب . .لكن الثانية ليس فيها
على . .قال شمففس بدران :فففي يوم كلمففت محمففد قطففب ونزل لك مففن حلوان بالليففل ،فأعطيتففه
مصففاغك وخمسففمائة جنيففه ،وقلت له :الخمسففمائة جنيففه سففلمهم للوالدة "تقصففد حرم الهضيففبي"
ومصفاغي هذا أنفا متبرعفة لسفر الخوان ،خذهفم يفا محمفد . .أعطهفم للسفت الوالدة ففي الوقفت
المناسب .
قلت :نعم ،هذه الحادثة حصلت وما الذي يصيبني فيها؟ مصاغي أتبرع به كما أشاء ،وقد تبرعت
إلى اكرم وجفه للخيفر ،لجماعفة الخوان المسفلمين إعانفة للسفر .أمفا المال فقفد كان للخوان وكان
على أن أرده لصله عندما أخشى عليه .قال شمس :الخمسمائة جنيه كانوا للتنظيم ل للسر .قلت
:ل ،للسر .قال :على عشماوي قالي :إنها للتنظيم .قلت :على عشماوي كذاب .
قال :محمد قطب قال إنه ل يعرف الغرض من الخمسمائة جنيه .لكن أنت بعثت بها مع المصاغ .
وقلت له :أعطها لحرم الهضيبي .قلت :واجهوني بمحمد قطب .لقد قلت له :إن الخمسمائة جنيه
مساعدة للسر .قال :طيب ،وكيف جاءت هذه الخمسمائة جنيه ؟
قلت :في يوم جاءنفي على عشماوي يطلب منفى ورقة لخ من السفعودية ليتمكن من مقابلة المرشد
أو مأمون ،وأفهمتففه أن الخ مأمون ل يحتاج إلى واسففطة وان المرشففد فففي السففكندرية ،إل أن
مأمون موجود وبإمكانففففه أن يقابله .وعاد إلى عشماوي بعففففد ذلك ,وقال لي :إن هذا الخ قابففففل
مأمون وتففبرع بهذا المبلغ وإن مأمون طلب منففه إعطاء المبلغ للحاجففة زينففب الغزالي ،فكلف الخ
الذي من السعودية -حسب رواية على عشماوي -أن يوصل على عشماوي المبلغ إليك وأن المبلغ
مساعدة للسر .
قال شمففس بدران :المبلغ لم يكففن للسففر ،لن محمففد قطففب قال ذلك .فقلت مؤكدة :إننففي وحدي
القادرة على تقرير الحقيقة ،وإنه ل بد أن يكون المر قد التبس على الستاذ محمد قطب إن كان قد
قال ذلك .قالوا :سنعيدك للتعذيب . .هتتكلمي ول يأخذك صفوت ؟!
قلت :واجهونففي بمحمففد قطففب .ولمففا واجهونففي بالسففتاذ محمففد قطففب ،قال :إننففي سففلمته المال
والمصاغ ليوصله إلى الوالدة وحاولت أن أذكر حضرته بما قلته له من أن المبلغ كان للسر وكان
عندي أمانة ،لم يستطع أن يتذكر ،إل أنه قال :ما دامت الحاجة متأكدة أنها قالت لي هذا فإن قولها
صحيح .
وأوقفونفي إلى الصفباح ووجهفي للحائط ثفم أعادونفي للمسفتشفى .وبعفد يوميفن أخذونفي إلى مكتفب
شمفس بدران الذي بادرنفي بقوله :نحفن نريدك يفا زينفب أن تعترففي بالتنظيفم الذي كان محمفد قطفب
قد أسسه .
79
وأجبت :لقد سئلت من قبل في هذا وأجبت بان محمد قطب لم يؤسس تنظيما.
فقال لصففوت :علقهفا يفا صففوت ! وعلقنفي صففوت وجلدونفي على قدمفي! . .ثفم أخذت لمكتفب
مجاور لمكتففب شمففس بدران ،وقال لي رجففل مففن رجاله -ل أعرف اسففمه -كان يجلس بجانففب
حسن خليل دائما :ووجهي يا بنت يا زينب :إنت عبيطة ! أنت ل تعرفي تخلصي نفسك ؟! الخوان
كذبوا عليففك كثيرا ،فلماذا ل تتفاهمففي معنففا وتعطينففا بعففض المعلومات عففن محمففد قطففب ؟ ونحففن
سنحفظ لك هذا الجميل ونبدأ نتفاهم معاك ! قلت :كيف أتفاهم معكم ؟ أنا أحتقر طرقكم وباطلكم !
أنتم عملء للشيطان ،لن تستطيعوا أن توقعوا بيننا نحن عباد الرحمن ! نحن ل يصدق الخ منا في
أخيه شيئا مهما حاولتم الوقيعة والدسيسة . .أريحوا أنفسكم .
قال :سنعيد التعذيب من جديد .وستحقق النيابة معك مرة أخرى .
قلت :النيابة منكم وأنتم منها ..أنتم جميعا ل تعرفون طريق ال .أنتم من الضالين المغضوب عليهم
..
ودخل حمزة البسيوني وفى يده ورقة وضعها أمامه وسأله :هي لسه مغلباك يا باشا؟ وخرج حمزة
وابتدأ هو يتكلم في موضوع محمد قطب ثانية .وخرج وجاء صفوت وضربني بالسوط حيثما اتفق
ثفم خرج ووجهفي للحائط . .بعفد سفاعة تقريبفا دخفل شيطان آخفر أخفذ يشرح لي مفا سفيترتب على
تعاونفي معهفم بإعطائهفم معلومات عفن التنظيفم الخاص بمحمفد قطفب مفن نتائج ففي صفالح زوجفي
وأشقائي وصالحي شخصيا.
ولمفا لم يتغيفر معفي أخذونفي إلى حجرة الكلب .وففى هذه المرة كان مفع الكلب ففي الزنزانفة رجفل
قال له حمزة البسفيوني :إن لم يأكلهفا الكلب فكلهفا أنفت يفا ولد! وأغلقفت الزنزانفة لسفاعتين لم اكفف
فيهما عن قول "حسبنا ال ونعم والوكيل " أما الرجل والكلب فكأن خرسا لحق بهما حتى فتح الباب
وأخذت إلى المستشفى .
وفى اليوم التالي أخذت إلى مكتب رياض إبراهيم الذي سألني عمن قابلت من كرداسة .
أجبفت :أنفا ل أعرف شيئا عفن كرداسفة هذه .قال :ألم يقابلك أحفد منهفا أبدا؟ أجبفت :ل . .فذكفر أن
أحمد عبد المجيد من كرداسة .ثم قال مهددا بأنه ذاهب إلى الباشا ليرسل لي من يتفاهم معي وخرج
.ودخفل عسفكري أمرنفي بالوقوف وأن أديفر وجهفي إلى الحائط وضربنفي على ظهري بالسفوط !
وبعد مرور وقت طويل أخذوني إلى المستشفى .
كل هذا أيها القارئ العزيز بعد تحقيق النيابة .
وبعد أيام طلبوني لمكتب رياض -ثانية -وواجهني بسيدات لم أرهن من قبل ،وسألني عمن تكون
زوجفة السفيسي مفن بينهفن قلت ل أعرفهفا ،وإذا بهفم يدخلون شابفا صفغير السفن والعسفكري خلففه
بالسفوط ويسفألون :أيفن هفي زينفب الغزالي ؟ فنظفر الشاب وقال :ل أعرف .ولمفا سفألوه ثانيفة عفن
زوجة عباس السيسي أجاب ثانية :ل أعرف .فسألوه عمن قابلته من السيدات الموجودات فأجاب :
لم يقابلني أحدها فأخرجوه كما أدخلوه بالسوط يلسع ظهره .
ثم فوجئت بحميدة قطب تدخل وخلفها صفوت .وسألوها عن زوجة السيسي قالت " :ل أعرفها" .
ثم أخرجوا السيدات الربع وأخرجوا حميدة وبقيت مع رياض .قال :اسمعي يا بنت يا زينب . .
أل تعرفيففن واحدا مففن الخوان متزوجففا مففن أربعففة ؟ قلت :ل . .قال :هففل تعتقديففن أنففى أقول لك
فزورة ؟ ! هناك واحد من الخوان متزوج أربعة .إن لم تقولي من هو ستضربين .قلت :افعل ما
تشاء.
أمروا أن أضفع وجهفي ففي الحائط وقام وضربنفي عدة كرابيفج وتركنفي ففي الحجرة وخرج . .وبعفد
ساعتين عاد ومعه صفوت الروبي الذي أخذني إلى المستشفى .
80
علبة اللحم المفروم !
قرر الطباء أن حالتفي الصفحية متدهورة ،وان لم يسفمحوا لي بأكفل مفن المنزل فإن حياتفي يخشفى
عليهفا ،ول أسفتطيع الذهاب إلى المحكمفة .فسفمحوا لي بدخول الكفل وكان عبارة عفن فاكهفة ولبفن
زبادي فقط .
وفى يوم احتالت أختي لتدخل لي لحما ،فأفرغت علبة لبن جافة وملتها لحما مفروما وأدخلتها على
أنهفا لبفن جاف .ولم يكشفهفا أحفد حتفى أنفا .وكان معهفا بعفض الزبادي والبرتقال . .أخذت نصفيبي
وأخذ عبد المعبود التمرجي يوزع الباقي على الخوان المرضى في المستشفى .وكان معنا الستاذ
عبفد العزيفز على – وزيفر البلديات السفابق – وكنفا نتقاسفم كفل واحفد برتقالة وكفل اثنيفن سفلطانية
زبادي .وبعد التوزيع ناديت الممرض ورجوته أن يوزع هذه العلبة على الخوان ،كل واحد كوب
لبفن فخرج بهفا ثفم عاد إلى مرة ثانيفة وهفو يقول :هذا ينفعفك أنفت يفا حاجفة ،دي فيهفا لحفم مفروم ،
فرجوتفه أن يوزعهفا :كفل واحفد يأخفذ ملعقفة .ففعفل وعاد وففى العلبفة اللحفم المفروم ،ورجوتفه أن
يوصفله إلى السفتاذ عبد العزيفز ومعه علبفة زبادي ،وسفأل عبد المعبود لم أختفص بهذا؟ فأجبفت مفن
زنزانتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي :
الحمد ل الذي يرزق عباده ! فأجابني :الحمد ل ،إنه هو الرزاق ذو القوة.
ولمففا انصففرف الممرض سففألني :كيففف صففرح بدخول الطعام ؟ وأوضحففت له مففا فعله الطففبيب
ونصحته أن يطلب من الطبيب أن يدخل له طعام .وطلب فعل من الطبيب .
وكان الخوان يدخرون مففن ضرورياتهففم القليلة مففا يعاونون بففه إخوة لهففم تمزقففت أجسففامهم مففن
التعذيفب ،فهفم يحتاجون إلى غذاء خاص وعنايفة خاصفة ،ممفا جعلنفا نفرح لي شيفء يصفلنا مفن
الخارج ؟ ولو كان ذلك شيئا عاديا في حياة الناس .
مر ما يقرب من عام على اعتقالي ولم يسمح لي بالكل من الخارج إل قبل المحاكمة بثلثة أشهر؟
خوفا من أن أموت قبل أن يحاكموني بأباطيلهم .وتلك كانت طريقتهم في الحياة :الخداع والبهتان .
أبشفع مفن هذا مفا عرفتفه بعفد ذلك عندمفا زارتنفي أختفي ووالدتفي قبفل المحاكمفة بأيام وقالت لي :إن
صفوت الروبي كان يطلب منهم في اليام الولى لعتقالي أكواما من الطلبات من الدوية والفاكهة
والملبس .وكان يشترط أن تكون الملبس جديدة .
لقفد كانفت خطفة مدبرة لسفتنزاف قدراتنفا -معاشفر المجاهديفن -بإرهاق أسفرنا ففي الخارج .أرادوا
أن يقولوا للناس الذيففن سففيسمح لهففم بدخول محكمتهففم :إن معاملتنففا للمتهميففن على أحسففن مففا يرام
بدليل أنهم بصحة جيدة وأن الكل دخل لهم من الخارج وهكذا من مفترياتهم التي ل تنتهي . .
أمفا التعذيفب والتنكيفل والتهديفد فحدث ول حرج ،لئن لم يكفن فيمفا ذكرتفه الكفايفة ممفا لقيفت فإنفي
سفأضرب لك -أيهفا القارئ -بعفض المثلة على مففا كان يعانيفه المسففجونون مففن الجوع وخاصففة
المرضى .
ذات يوم دخل شاب من الخوان ،جسمه ممزق من التعذيب ،وحضروا به إلى المستشفى لعلجه
وأخفذ الطفبيب يبحفث عفن قطعفة سفكر .ولكنفه لم يجفد ففي المسفتشفى وسفمعت الهرج والسفؤال عفن
قطعة السكر .فطرقت باب زنزانتي ولما فتحوا رجوتهم أن يأخذوا برطمانا صغيرا كان به عسل
81
نحل جاءني مع الطعام من الخارج ،أخذ الممرض العسل وأمره الطبيب أن يعطى ملعقة للمريض
. .وهذا يحدث بطبيعة الحال بعيدا عن أعين الزبانية؟ فمثل هذا من الممنوعات في المستشفى! ! .
ومرت اليام .ووصففلت بهففم الحال إلى تعذيبنففا بمنففع الماء عففن المريففض .فيظففل طوال الليففل ل
يشرب نقطفة ماء – ونحفن ففي أشهفر الصفيف – حتفى أصفبح الحصفول على نصفف كوب ماء مفن
المعجزات ،كنففت مريضففة جدا وحالتففي الصففحية سففيئة ،فسففمحوا لي بدخول بعففض الماء ،وكان
بجواري أخ كريفم ففي الزنزانفة المجاورة فكنفت أقسفم معفه هذا القليفل مفن الماء ،ولن تصفدق أيهفا
القارئ إذا ذكرت لك الطريقة التي كنت أوصل بها الماء إليه ،لن تصدق أنني كنت أضع الماء في
كيفس نظارتفي وأناوله إياه مفن فرجفة بيفن الحائط الورقفي وجدار الزنزانفة ،ليطففئ ظمأه ولو قليلً !
كان جسمه ممزقة من سياطهم وكان أحوج ما يكون إلى هذا القليل ! . .
لقد تفنن الظالمون في وساثل التعذيب . .لم تبق طريقة قديمة أو حديثة إل استعملوها وأضافوا إليها
...
وتاب الوحش
وسأقص عليك ،أخي القارئ ،قصة حدثت وأنا بالمستشفى تجعلك تزداد يقينا بأن في هذا الشعب
خامات طيبفة وقلوبفا طاهرة؟ لو وجدت التوجيفه السفليم لتفت ثمارهفا وعبدت ربهفا ،ودافعفت عفن
عقيدتهفا بكفل مفا تملك مفن جهفد ومال . .كان معنفا ففي المسفتشفى عسفكري ممرض اسفمه :صفلح
وكان مكلففا بإعطاء الحقفن للمرضفى ومراقبفة الزنزانات .وذات يوم كنفت ذاهبفة إلى دورة المياه،
وإذا بالهواء يرففع بطانيفة كانوا يسفتعملونها بابفا لزنزانفة السفتاذ المام الشهيفد سفيد قطفب ،لنهفا
كانفت بغيفر باب خشفبي ،وتصفادف مفع رففع البطانيفة مروري أمام الزنزانفة ،وقامفت الدنيفا ففي
المسفتشفى ،كيفف تحدث هذه الجريمفة البشعفة ،وترى زينفب الغزالي سفيد قطفب وهفو جالس ففي
زنزانته ! وقام المدعو صلح يشتم ويسب .
وممففا زاد الموضوع بشاعففة أن صفففوت الروبففي كان داخل إلى المسففتشفى فففي هذه اللحظففة فأراد
العساكر أن يثبتوا له أنهم حريصون على تنفيذ الوامر ،ول يسمحون لحد أن يرى أخاه ؟ ولو كان
ذلك صدفة بسبب بطانية رفعها الهواء ! كان صلح أشبه بوحش كاسر ل إنسانية ول عقل ول دين
،وكان السفتاذ سفيد قطفب يلطففه ويخفبره بأنفه ل دخفل له ول ذنفب ففي رففع البطانيفة ،وظفل يكلمفه
بكلم هادئ حلو حتى جعل هذا الوحش يلين ويستحي . .ثم يأتيني بعد أيام نادما يقول :إنه يريد أن
يسفلم مفن جديفد ،يسفألنى ماذا عليفه أن يعمفل حتفى يكون مسفلما صفحيحا . .وسفألته :هفل تسفتطيع أن
تحتمل مثل ما ترى مع الخوان ؟
قال :إذا أسلمت إسلمهم فسيصبرني ال إن شاء ويقويني .سألته تقول :ل إله إل ال محمد رسول
ال ؟ قال :نعففم ،ثففم رددهففا أمامففي . .فقلت :إذن ،ل تفعففل إل مففا يأمرك ال بففه ول تطففع أمففر
الطواغيت من البشر؟ مادام ذلك في معصية ال .
قال :أنفا أريفد أن أفهفم السفلم الحقيقفي ،السفلم الذي جعلكفم تتحملون كفل هذا العذاب بصفبر ل
يستطيعه بشر.
فطلبفت منفه أن يرجفو السفتاذ سفيد قطفب أن يفهمفه السفلم حيفن يذهفب إليفه ليعطيفه الحقفن وأرسفلت
معه تحية للخ العزيز. .
82
وانقضت أيام ،وجاءت عريضة التهام بموعد المحاكمة ،وكانت مهزلة لم يشهد لها التاريخ مثيل،
ولقد اخبرونا أن الحكام في درج شمس .وقد حرمونا حق الدفاع ومقابلة المحامين ،فحين طلبت
انتداب السفتاذ أحمفد الخواجفة قيفل لي :إنفه ممنوع مفن الدفاع ففي هذه القضيفة .فقلت :إذن ل أريفد
محاميا ،سأدافع أنا عن نفسي .
فانتدبوا لي محاميفا مسفيحيا ليتولى الدفاع عنفى وصفرحوا لهلي بزيارتفي قبفل المحاكمفة .فجاءت
والدتفي وأختاي اللئى كدن يغمفى عليهفن لمفا رأيفن مفن تغيفر صفورتي وضعففى الشديفد ،وشجعتهفن
وجلست معهن ،ومعنا صفوت وحمزة البسيوني مشرفين على الزيارة .
وطلبفت مفن أهلي أل يوكلوا محاميفا عنفى ،ولكنفى علمفت منهفم أنهفم وكلوا السفتاذ حسفين أبفو زيفد
واتفقوا معفه على ألف جنيفه نصففها قبفل المحاكمفة .فأوصفيتهم بعدم إنفاذ التفاق ،إل أنفى فوجئت
يوم المحاكمفة بالمحامفى أبفو زيفد يداففع عنفى .وففى مسفاء اليوم السفابق للمحاكمفة أخذت إلى مكتفب
شمففس بدران الذي قال لي :المطلوب منففك أل تعترضففي على أي شيففء جاء فففي التحقيقات ،وأن
تصففدقي على كففل كلمففة وردت فففي الوراق ،وإذا اعتذرت إلى المحكمففة بان الخوان خدعوك
وأظهرت ندمك على ما فعلت فان المحكمة ستخفف عنك الحكم . .إياك أن تعترضي على أي كلمة
جاءت في التحقيقات ،نحن نريد أن نخدمك .فإذا قررت أنك تتبرئين من الخوان المسلمين وأنهم
خدعوك فإننا سنخدمك خدمة عظيمة .
قلت له ( :يفعل ال ما يشاء ويختار .ما كان لهم الخيرة من أمرهم .قال :كلميني بالعربي . .ما "
ترطنيش " . .أنا ل أفهم ما تقولين . .الظاهر أنك ل تنوين الخير ،نحن نريد أن نخدمك .قلت له :
"وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول
حبة في ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مبين ".
قال :خذهففا يففا حمزة وهففى حرة تفكففر فففي مصففلحتها أول تفكففر .قال حمزة :اتركهففا يففا بيففه ،أنففا
سففأتفاهم معهففا وخرجففت مففن مكتففب شمففس بدران إلى مكتففب مجاور له ،وأخففذ حمزة البسففيوني
يقنعنفي بان يكون موقففي ففي المحكمفة البراءة مفن الخوان المسفلمين ،ويعيفد على مسفمعي مفا سفبق
أن كرروه مرات ومرات من أن الهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل قد غرروا بي .
وبذل لي الوعففد بأنهففم سففيسلموني النقود التففي صففودرت منففى كهديففة بسففيطة أولى لي .على قدر
كلمفي ففي المحكمفة عفن تغريفر الخوان بفي سفتكون هديفة جمال عبفد الناصفر لي ! ونصفحني أن
أتعقل وأعود معه إلى شمس باشا لعده بتنفيذ رغباته ويكفيني ما حدث .
سمعت كل ما قاله ولم أجب ،لم املك حين كرر أنه يريد تخليصي من الحكم بالعدام إل أن قلت له
:أنفت ل تسفتطيع أن تسفتخرج مفن جسفمك البول إذا أتحبفس منفك يفا مسفكين ! . .أرجعنفي إلى
الزنزانة . .وأخذت أفكر في أمر هؤلء الطواغيت وفى استعداد المحكمة لتنفيذ كل ما يريدون ! !
ولم أسفتطع أن افهفم -والمفر بيدهفم والمحكمفة بيدهفم -هذا الحرص على أل نتكلم ففي المحكمفة أو
نغير أقوالنا ! يبدو لي -يا عزيزي
القارئ -أن التمثيلية ل تتم إل بهذا الفصل الخير وهو مهزلة المحكمة التي يريدون عرضها أمام
الشعفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففب المكبفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففل
بالقيود .وكأنهم يريدون أن يقولوا له :انظر ،ها هم الخوان يريدون قتل الرئيس وفد شهدوا على
أنفسهم بذلك ،ولكن خيب ال ظنهم فجاءت النتيجة عكس ما يتوقعون . .لقد كانت مهزلة.
وأي مهزلة اكبر من أن يأتوا بأمثال الفريق الدجوي ليجلس في منصة القضاء؟!
بشرى
83
وففى غمرة تلك الحداث رأيفت – فيمفا يرى النائم – أنفى أقفف ففي سفاحة قيفل إنهفا المحكمفة التفي
سنحاكم فيها ،وبينما أنا واقفة إذا بالحوائط تزول وإذا بي وسط ساحة كبيرة مساحتها الرض كلها،
وإذا بالسفماء تظلل الرض وتنطبفق عليهفا كأنهفا خيمفة أطبقفت على الرض لي وإذا بالنور يغمفر
الرض كلهفا ،نور يصفل مفا بيفن السفماء والرض ،وإذا بفي أرى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
يقفف أمامفي وأنفا خلففه وأسفمعه يقول :اسفتمعي يفا زينفب لصفوت الحفق ،وسفمعت صفوتا يخترق
أقطار السفماوات والرض يقول :سفتنعقد هنفا محاكفم الباطفل وسفتصدر أحكام الطواغيفت وسفيحكم
عليكفم ظلمفا وعدوانفا أنتفم حملة المانفة ورواد الطريفق ( فاصفبروا وصفابروا ورابطوا واتقوا ال
لعلكم تفلحون ) .
كانففت هذه بعففض الكلمات التففي سففمعتها تخترق أقطار السففماوات والرض ببلغففة لم أسففتطع أن
أعيها لقوتها وشدة تأثيرها وأخذها بالنفس والقلب والجوارح.
وعندما انتهى هذا الصوت ،التفت إلى حضرة النبي صلى ال عليه و سلم وأشار إلى جهة اليمين ،
نظرت فإذا بجبل تقارب قمته عنان
السماء ،غير أنه كالبساط الخضر تكسوه أرض خضراء.
فقال لي حضرة النفبي (صفلى ال عليفه وسفلم) :يفا زينفب ! اصفعدي هذا الجبفل فسفتجدين عنفد القمفة
حسفن الهضيفبي ،بلغيفه هذه الكلمات .ونظفر إلى نظرة عميقفة أخذت بكفل كيانفي غيفر أنفه صفلى ال
عليه وسلم يتحدث بكلمات منطوقة ،ولكنى أحسست أنى حملت الكلمات فعل ،وفهمت ما يريده منى
،ورفففع الرسففول الكريففم صففلوات ال وسفلمه عليففه يده إلى الجبففل ،فوجدت نفسفي وأنففا صفاعدة
التقيفت ففي طريقي بخالدة الهضيفبي وعلية الهضيفبي فسألتهما :هل أنتفم معنفا في الطريفق ؟ أجابتفا :
نعم .
وتركتهمففا وواصففلت السففير وعلى بعففد أمتار التقيففت بأمينففة قطففب وحميدة قطففب وفاطمففة عيسففى
فسألتهن " :أنتم معنا على الطريق ؟
قلن :نعم.
وأخذت طريقي في الصعود حتى وصلت إلى القمة .فوجدت أرضا مبسوطة فوق قمة الجبل وفى
وسفطها سفاحة مفروشفة بالبسفط وعليهفا الرائك والمسفاند والهضيفبي يجلس ففي الوسفط .فلمفا رآنفي
وقففففففف وأقبففففففل على يحيينففففففي وهففففففو فرح بقدومففففففي عليففففففه ،فلمففففففا صففففففافحته قلت
له :أنفا مكلففة مفن حضرة الرسفول أن أبلغفك كلمات أمانفة مفن الرسفول .أمانفة منفه عليفه الصفلة
والسفلم .قال لي :إنهفا بلغتنفي والحمفد ل .وجلسفنا وكأن هذه الكلمات تنقفل عفن طريفق الرواح ل
عن طريق لفظ مصور في كلمة منطوقة .ولما جلست إلى الهضيبي رأيت على الرض في سفح
الجبفل قطارا فيفه امرأتان عاريتان ،فنبهفت الهضيفبي ،فنظفر إلى مفا ففي القطار .وكنفت متألمفة جدا
لما أرى فقال لي :أتعترضين عليهما؟ قلت :نعم .
قال :هل تعتقدين أن الذي وصلنا إليه بأيدينا وبأنفسنا .إنه بفضل ال علينا فل تشغلي نفسك بهما.
قلت :علينا أن نقاوم حتى نقومهما!
قال :هل بنفسك تستطيعين ؟ قلت :بال .
قال :فلنحمد ال على ما أعطانا .ورفع يديه وكأنه يحمد ال ،ورفعت يدي وحمدت ال معه .
ونحن نكرر الحمد ل استيقظت من النوم .ولم يعد هناك ما أخشاه .
وأكاد أحس ببرد وسلم وراحة واطمئنان ،وغسلت تلك الرؤية ما بي من ألم وأذهبت ما بقلبي من
حزن ( فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم
ولدخلنهففم جنات تجري مففن تحتهففا النهار ثوابففا مففن عنففد ال وال عنده حسففن الثواب ) ( . .ل
84
يغرنفك تقلب الذيفن كفروا ففي البلد) ( . . . .يفا أيهفا الذيفن آمنوا اصفبروا وصفابروا ورابطوا واتقوا
ال لعلكم تفلحون ) آل عمران.
اليوم الموعود
استيقظنا يوم المحاكمة وأخرجونا إلى المكاتب في انتظار العربات التي ستقلنا إلى المحكمة .وفى
حوالي الثامنفة امتلت سفاحة السفجن الحربفي برجال البوليفس ضباطفا وجنودا وكأنهفم ذاهبون إلى
سفاحة القتال ،وجاءت عربفة وصفعدنا فيهفا وتكدس حولنفا الحراس مفن ضباط وجنود وذهبنفا إلى
المحكمة وهناك أدخلونا القفص :كنا ( )43ثلثة وأربعين :
- 1سيد قطب إبراهيم .
- 2محمد يوسف هواش .
- 3عبد الفتاح عبده إسماعيل .
- 4أحمد عبد المجيد عبد السميع .
- 5صبري عرفة إبراهيم الكومي .
- 6مجدي عبد العزيز متولي .
- 7عبد المجيد يوسف عبد المجيد الشاذلي .
- 8عباس سعيد السيسي.
- 9مبارك عبد العظيم محمود عياد .
– 10فاروق أحمد على المنشاوى .
-11محمد إسماعيل يوسف .
- 12ممدوح درويش مصطفى الديري .
- 13محمد أحمد محمد عبد الرحمن .
– 14جلل الدين بكرى ديساوي .
- 15محمد عبد المعطى إبراهيم الجزار .
- 16محمد المأمون يحيى زكريا .
- 17أحمد عبد الحليم السروجي .
- 18صلح محمد محمد خليفة .
– 19السيد سعد الدين السيد شريف .
- 20محمد عبد المعطى عبد الرحيم .
– 21إمام عبد اللطيف عبد الفتاح غيث .
-22عبد العزيز العرفي سلم .
- 23فؤاد حسن على متولي .
- 24محمد أحمد البحيري .
- 25حمدي حسن صالح .
- 26مصطفى عبد العزيز الخضيري .
- 27السيد نزيلي محمد عويضة .
- 28مرسى مصطفى مرسى .
85
- 29محمد بديع عبد المجيد محمد سامي .
- 30محمد عبد المنعم شاهين .
- 31محمود أحمد فخري .
- 32محمود عزت إبراهيم .
-33صلح محمد عبد الحق .
- 34حلمي محمد صادق حتحوت .
- 35إلهام يحيى عبد المجيد بدوي .
- 36عبد المنعم عبد الرءوف يوسف عرفات .
- 37محمد عبد الفتاح رزق شريف .
- 38زينب الغزالي الجبيلي .
- 39حميدة قطب إبراهيم .
- 40محيى الدين هلل .
– 41عشماوي سليمان .
- 42مصطفى العالم .
وليعلم القارئ أن المكمل للعدد هو "على عشماوي" الذي اعتبر شاهد ملك ببيعه دينه بحياة ذليلة .
فلما دخلنا القفص وحضر من يسمونهم القضاة ،نادى الدجوي أسماءنا واحدا واحدا سائل كل منا :
هل لك اعتراض على المحكمة؟ .
ويجيففب الخ :ليففس لي اعتراض على الشخاص ،ولكنففى أعترض على القانون الذي نحاكففم بففه
لنه قانون جاهلي ،ونحن ل نحتكم إل لشرع ال .
ولمفا فرغ مفن سفؤالنا جميعفا ،قال :قررت المحكمفة أن تحاكفم زينفب الغزالي وحميدة قطفب محاكمفة
خاصة فأخرجونا من القفص ،ثم
أشرنفا إلى بعفض أهالينفا الموجوديفن بالقاعفة بالتحيفة ،ثفم أدخلونفا حجرة أغلقوهفا علينفا حتفى انتهفت
الجلسفة فأخرجونفا إلى العربفة ومنهفا إلى السفجن الحربفي .كان ذلك يوم 10/4/1966ومكثنفا ففي
الزنزنات حتفففى يوم . 17/5/1966لتعاد مسفففرحية المحكمفففة ,كمفففا سفففبق أن ذكرت مفففن أن تلك
المحاكمة هى الفصل الخير الذي يريدون عرضه أمام الشعب .
86
الباب السادس
محكمة !!
ففي يوم , 1965 /5 /17أخذونفا إلى المحكمفة ،وأدخلونفا القففص .هيئة المحكمفة يتقدمهفا الفريفق
الدجوي منتفففخ الوداج ،وجلس أعضاء النيابففة فففي مكان عففن يمينففه .تلي منصففة النيابففة منضدة
عليهفا عدد مفن الصفحفيين ،كانوا قفد حضروا قبفل هيئة المحكمفة ،وأخذوا يصفوروننا .وكان معهفم
صحفي يدعى عبد العظيم ؟ طالما جاء ليلتقط بعض الصور لنشاط المركز العام للسيدات المسلمات
فقلت له :يفا عبفد العظيفم احتففظ بهذه الصفور لعلنفا نحتاجهفا يومفا مفا ،ولعله أن يكون قريباً .قال :
حاضر .وكانت هذه شجاعة منه ولكنه ارتعش واصفر وجهه وتغير لونه وهو يجيب .
وبعفففد دقائق لم أره ففففي القاعفففة ،والتففففت إلى الصفففحفيين أسفففألهم :ماذا تفعلون ؟ وابتدأ الدجوي
المحاكمة بأن نادى اسمي فخرجت من القفص لرد على أسئلته ،وكانت كل السئلة التي وجهها ل
تمت بصلة لكلمي في التحقيق .فكنت أقول له :هذا الكلم لم أقله في التحقيق . .
وأكتفي هنا بسؤالين أجبته عنهما :
قال لي :إن حسن الهضيبي قال :إن الربعة آلف جنيه التي أعطيته إياها سرقتها من زوجك .
قلت :الربعفة آلف جنيفه اشتراكات وتفبرعات مفن الخوان المسفلمين ؟ لحسفاب أسفر المسفجونين
لطعامهفم وكسفوتهم وتعليمهفم .آلف السفر التفي شردهفا جمال عبفد الناصفر بعفد محاكمات 1954
وهو ما قلته في التحقيق .
فارتبك وارتعد وكأن عقربا لدغه وسأل :عندما كسرت رجلك كنت خائفة على هذا المبلغ فلماذا؟!
ولمفا جاءك عبفد الفتاح إسفماعيل ففي المسفتشفى أرسفلته ليأخفذ المبلغ مفن الخزنفة ففي منزلك ويسفلمه
للهضيفبي فلماذا؟ قلت :لنهفا أموال الدعوة السفلمية ،حفق المسفجونين المجاهديفن الذيفن شردتفم
أسرهم وخفت عليها ولو مت سيأخذها الورثة وهى ليست ملكي ،لكنها ملك الدعوة.
قال :هفي ملك التنظيفم حتفى تشتروا بهفا سفلحا .والهضيفبي قال إنفه ل يعرف مصفدر هذه الموال ،
إل أنك أخذتها من زوجك .
وتدخلت النيابة وقال .سيد قطب يقول إنه قال لحميدة .بأن الضربة تكون شاملة وعلى أوسع مدى
.
أجبت :هذا لم يحدث .قال وكيل النيابة :وهل يكذب سيد قطب ؟ قلت :حاشا ل أن يكذب .
87
فانفتفح وكيفل النيابفة كالمجرور القذر ،وأخذتنفي الدهشفة فلم اكفن أتوقفع أن أسفمع هذه اللفاظ القذرة
مفن النيابفة ففي قاعفة المحكمفة .وهكذا اسفتطاع الطاغوت أن يقضففى على الكرامفة والخلق ففي
مصر؟!
انتهى الدجوي من سؤالي ومناقشتي فعدت إلى القفص ،وخرجت حميدة لتجيب على أسئلته .ولما
فرغففت مففن الجوبففة وعادت إلى القفففص .ابتدأت مرافعففة النيابففة ولسففت أدرى إذا كان يجوز أن
أسميها مرافعة .فقد هبطت فيها النيابة إلى درك أسفل من انحطاط اللفظ وقبحه ،وشنيع ما نطقت
به من عبارات القذف في العراض والسباب للبرياء .وكانت ظلمة تخيم على وجه المتكلم باسم
النيابة وتمتد لتطمس المحكمة كلها . .وضاق صدري بالباطل المجسم في النيابة والمحكمة ،فرفعت
يدي أطلب الكلمة .فظن الدجوي المدعى أنه قاض ،وأني سأعتذر خوفا من باطلهم وتهديدهم وما
طلبتفه النيابفة مفن إعدامفي لن الشغال الشاقفة المؤبدة ل تكاففئ جريمتفي . .ونظفر الدجوي نحوي
والجهل يغطى وجهه وقال :تكلمي .
وقففت وقلت " :بسفم ال الرحمفن الرحيفم . .نحفن أمناء أمفة وورثفة كتاب وحماة شريعفة ،ولنفا ففي
رسول ال أسوة حسنة .وإننا لثابتون على الطريق حتى نرفع راية ل إله إل ال وحده ل شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله ،وحتى تلتزم بها المة .وحسبنا ال ونعم الوكيل فيما افترى الظالمون .
وأشرت إلى النيابة والمحكمة معا وأنا أردد :حسبنا ال ونعم الوكيل في هذا الباطل والبهتان والثم
المبين " .وأخذت الدجوي نوبة هستيرية فصار يصرخ " :أسكتي أسكتي هي بتقول إيه ؟ يعنى إيه
(أسوة) .إيه معناها الكلمة دي؟! ويكرر هذا . .وهنا ضجت القاعة بالضحك على ذلك الذي حكموا
عليفه أن يكون قاضيفا وهفو ل يفهفم معنفى كلمفة "أسفوة" وهكذا كان عبفد الناصفر ينتقفي رجاله ! !
وهل يكون أعوانه الخاسرون إل خاسرين ؟! !
جلسفت وأنفا أقول :مفا الجهفل إل مفسفدة ولكفل سفوء مجلبفة .ليشهفد التاريفخ على مفن يحاكموننفا
ويحكموننا. .
وانتهفت الجلسفة وعدنفا إلى السفجن وعاد كفل منفا إلى زنزانتفه بعفد أن حاسفبوني على مفا قلت ففي
المحكمة. .
واعتقدت أنفه بمحاكمتفي انتهفت المتاعفب بالنسفبة لي ،ولكنفى فوجئت بأنهفم يسفتدعونني للتحقيفق مرة
أخرى في المكاتب ،ويسألونني عن أشخاص ،فإذا أجبت بأني ل أعرفهم بدءوا معي التعذيب من
جديفد والوقوف ووجهفي للحائط .وهكذا اسفتمر التعذيفب رغفم انتهاء المحاكمفة ،فهفل وقفع هذا مفن
محاكم التفتيش أو أي محاكم أخرى في التاريخ ؟ هل وقع في بداية الدعوة وفى ظلم جاهلية قريش
؟ اللهم ل ! ! والتاريخ يشهد .
النطق بالحكام
جاء اليوم الموعود للنطففق بالحكام ،أخرجونففا أنففا وحميدة فففي عربففة خلف عربففة الرجال ومعنففا
الحرس ،وذهبنففا لنسففتمع إلى الحكام .أجلسففونا فففي حجرة وانتظرنففا إلى أن انتهففى الحكففم على
الرجال فأدخلونا القاعة وكان أحد الضباط يجلس فيها ،نادى اسمي ثم قال :زينب الغزالي الجبيلي
أشغال شاقفة مؤبدة 25عامفا مفع مصفادرة المضبوطات .قلت :ال اكفبر ول الحمفد ،ففي سفبيل ال
88
وففى سفبيل دعوة الحفق ،دعوة السفلم ! ،ول تهنوا ول تحزنوا وأنتفم العلون إن كنتفم مؤمنيفن )
آل عمران
ثم نادى حميدة قطب وقال :عشر سنوات أشغال شاقة ،فضممتها إلى صدري وأنا أردد :ال اكبر
ول الحمد ،في سبيل دولة القران ،الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء ال.
وصرنا نردد هذا حتى وصلنا إلى حوش المحكمة ،فوجدنا الخوان في العربات ،وكنا قلقين نريد
أن نطمئن على أحكامهم ،فلما رأونا صاحوا سائلين :إيه يا أخت زينب ؟!
قلت 25:سنة أشغال شاقة مؤبدة في سبيل دولة السلم الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء ال .
عادوا يسألون :والخت حميدة؟ قلت :عشر سنوات أشغال في سبيل ال ودعوة السلم .
وسألتهم عن أحكام الخ سيد قطب والخ عبد الفتاح إسماعيل ويوسف هواش وبقية الخوة.
فقالوا :شهداء ففي سفبيل ال ! ففهمفت أنفه إعدام وقلت :اللهفم تقبفل ففي سفبيل دولة السفلم الحاكمفة
بالقرآن والسنة إن شاء ال .
وجاء صففوت الروبفي ومعفه عسفاكر مفن السفجن الحربفي وعسفاكر مفن البوليفس فأخذونفي وحميدة
بالقوة إلى عربففة صففغيرة وجاء الصففحفيون ليصففورونا ،وهجمففت على آلة تصففوير أحدهففم أريففد
تكسفيرها . .صفائحة فيهفم :يفا مصففقون لكفل ظالم ' يفا آكلي السفحت على موائد الطواغيفت ،ماذا
تفعلون ؟
وعدنا إلى السجن وجرت المحاسبة على ما صدر .ومنذ هذا التاريخ بعد صدور الحكام جمعونا أنا
وحميدة قطب في زنزانة واحدة .
وبعد الحكم بخمسة أيام طرق باب الزنزانة وفتح ودخل علينا الخ سيد قطب ومعه الضابط أركان
حرب السجن – ويدعى إبراهيم – وصفوت الروبي .وانصرف الضابط وبقى صفوت والخ سيد
قطب .
قلت :مرحبا يا أخ سيد ،هذه مفاجأة سارة وغالية علينا جدا ،إنها لحظات من رضوان ال أن تجلس
إلينا .
وجلس يتحدث إلينا عن الجال ومواعيدها وأنها بيد ال ول أحد يتحكم فيها إل ال ،وأمرنا بالرضا
والتسفليم ،وكان الحديفث عفن الرضاء بقضاء ال ،وأسفر إلى حميدة ببعفض كلمات ،كمفا أسفر لي
ببعض كلمات أيضا .
وهنفا غضفب صففوت وزمجفر وأنهفى المقابلة .وهكذا الطغاة ل يسفتطيعون ممارسفة الخيفر ففي أي
لحظة من حياتهم .ونظر إلينا المام الشهيد وقال :ما علينا . .فلنوطن أنفسنا على الصبر . .وسلم
علينا وانصرف . .
طلب الطغاة حميدة ليلة تنفيذ الحكم بالعدام .وسأتركها تقص علينا ما جرى .
قالت :اسفتدعاني حمزة البسفيوني إلى مكتبفه ،وأرانفي حكفم العدام ،والتصفديق عليفه .ثفم قال لي :
إن الحكومفة مسفتعدة أن تخففف هذا الحكفم إذا كان شقيقفي يجيبهفم إلى مفا يطلبون ،ثفم أردف قائل :
إن شقيقفك خسفارة لمصفر كلهفا وليفس لك وحدك ،إننفي غيفر متصفور أن نفقفد هذا الشخفص بعفد
ساعات ،إننا نريد أن ننقذه من العدام بأي شكل وبأي وسيلة .إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من
89
حكفم العدام .ول أحفد يسفتطيع أن يؤثفر عليفه إل أنفت ،أنفت وحدك مكلففة بأن تقولي له هذا . .أنفا
مكلف بأن أبلغه هذا ولكن ل أحد أفضل منك في تبليغه هذا المر .بضع كلمات يقولها وينتهي كل
شيء! نريد أن يقول :إن هذه الحركات كانت على صلة بجهة ما ،وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة
لك ،أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي .
قلت له :ولكنففك تعلم -كمففا يعلم عبففد الناصففر -أن هذه الحركففة ليسففت على صففلة بأي جهففة مففن
الجهات .
قال حمزة البسفيوني :أنفا عارف وكلنفا عارفون أنكفم الجهفة الوحيدة ففي مصفر التفي تعمفل مفن أجفل
العقيدة ،نحن عارفون أنكم أحسن ناس في البلد ،ولكننا نريد أن نخلص سيد قطب من العدام .
قلت له :إذا كان سيادتك عاوز تبلغه هذا فل مانع !
فنظفر إلى صففوت وقال :خذهفا يفا صففوت إلى أخيهفا .وذهبفت إلى شقيقفي وسفلمت عليفه وبلغتفه مفا
يريدون منففه ،فنظففر إلى ليرى أثففر ذلك على وجهففي ،وكأنففه يقول " :أنففت التففي تطلبيففن أم هففم ؟
واستطعت أن أفهمه بالشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك .
وهنا نظر إلى وقال " :وال لو كان هذا الكلم صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الرض
أن تمنعني من قوله .ولكنه لم يحدث وأنا ل أقول كذبا أبدا" .سأل صفوت :يعنى ده رأيك ؟ أجاب
بقوله :نعم .فتركنا صفوت وقال :على العموم تقدروا تقعدوا مع بعض شويه . .
وانصففرف وأفهمففت أخففي الحكايففة مففن أولهففا ،وقلت له :إن حمزة اسففتدعاني وأرانففي تنفيففذ حكففم
العدام .وطلب منى أن أطلب منك هذا الطلب .سال :وأنت ترضين ذلك ؟ قلت :ل .قال :إنهم ل
يسفففتطيعون ضرا ول نفعفففا .إن العمار بيفففد بال ،وهفففم ل يسفففتطيعون التحكفففم ففففي حياتفففي ول
يستطيعون إطالة العمار ول تقصيرها ،كل ذلك بيد ال .وال من ورائهم محيط .
وبعد أيام سمعنا عن تنفيذ الحكام بالعدام في المام الشهيد سيد قطب والشهيد عبد الفتاح إسماعيل
،والشهيفد محمفد هواش .ووقفع علينفا إعدام سفيد قطفب وأخويفه موقفع الصفاعقة ،فالكفل كريفم عزيفز
مجاهد" وشقيقة سيد تقيم معي في الزنزانة ،كيف أواسيها؟ كيف أخفف عنها؟ ما الذي أستطيع أن
أفعله ؟ بففل كيففف أخفففف عففن نفسففي؟ وبماذا أواسففى نفسففي فففي هذا المصففاب ؟ إن الحادث جلل ،
والمصاب فادح ،فإعدام سيد قطب وأخويه في ال والجهاد ليس بالمر الهين ! . .
سيد قطب مفسر القرآن ،الداعية السلمي ،الحكيم في فهمه وبيانه وصفاء منهجه ،وقوة حجته ،
المتمسك بدينه ،الواثق بنصر ال !
أليفس هفو صفاحب التفسفير العظيفم "ففي ظلل القران ) الذي فتفح بابفا جديدا للتفكيفر ففي كتاب ال
والوقوف عند أحكامه ،وبين كيف يكون اللتزام ؟! سيد قطب الذي وضح في مقدمة سورة النعام
:أين الطريق ؟
سفيد قطفب . .صفاحب :هذا الديفن ،والعدالة الجتماعيفة ،والمسفتقبل لهذا الديفن ،والتصفوير الفنفي
ففي القرآن ،ومشاهفد القيامفة ،ومفا يربفو على العشريفن كتابفا ففي كفل معرففة مفن علوم القرآن ! إن
الكلمات ل تسعف في المواساة في مثل هذا الحادث .
اقرأوا "المعالم التعرفوا لماذا حكم عليه بالعدام !
إن البعفث السفلمي ففي القوتيفن العظمييفن هفو مفا يركفز عليفه الشهيفد سفيد قطفب .ومعنفى ذلك أن
تنتهي دولة القوتين العظميين وأن تحكم الشريعة العالم ' ل تلك الهمجية الجاهلية.
90
نعفم .إن بعفث السفلم معناه إنهاء قوة المريكان والروس وأن تقوم القوة الشرعيفة صفاحبة الحفق
الشرعي في حكم هذا العالم (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران . . 110:وستقوم بإذن ال
( وال متم نوره ولو كره الكافرون ) الصف . 8 :
يوم تنفيفذ الحكام رأيفت سفيد قطفب ففي سفنة خفيففة بعفد صفلة الفجفر .فقال لي :إعلمفي أنفي لم أكفن
معهم ،أنا كنت في المدينة مع حضرة الرسول عليه الصلة والسلم ،وتنبهت فحكيت لحميدة .
وفى صبيحة اليوم الثاني لتنفيذ أحكام العدام ،أخذتني سنة من النوم كذلك بعد صلة الفجر ،وأنا
أتلو أذكار ختم الصلة ،فسمعت صوتا يقول لي :سيد في الفردوس العلى ورفقته في عليين .
تنبهت وحكيت لحميدة فانهمرت دموعها وقالت :أنا على ثقة من فضل ال علينا وبأنه إن شاء ال
في الفردوس العلى .قلت لها :وهذه الرؤى تثبيت من ال سبحانه وتعالى ومواساة .نعم ونفذ أمر
ال وعشنا في شدة قل أن يحتملها بشر ،وظننا أننا سنعيش في صمت نضمد الجراح ل تلحقنا فيه
قسفوة السفتجوابات والتحقيقات .فقفد انتهفت المعركفة الفاجرة بعفد الحكام وتنفيذهفا .ولكفن كيفف ! !
فمففا زال الفجار يطلبوننففي للمكاتففب وأترك حميدة نهبففا لللم والقلق والنتظار الخائف القلق حتففى
أعود إليهفا فتسفألني ،فأحكفي لهفا أن الطغاة قبضوا على مسفلمين جدد وأنهفم يسفألونني عفن أسفماء ل
أعرفها ،ويريدون أن يلفقوا لي قضية أخرى فحكم المؤبد ل يكفيهم .نعم عشنا بعد الحكام وتنفيذها
ففي السفجن الحربفي مهدديفن ،لم ترتففع عفن حياتنفا ظلل التهديفد والتعذيفب .لكنفا وجدنفا ففي القران
خيففر سففكن فعشنففا معففه وصففدق ال ( أل بذكففر ال تطمئن القلوب ) الرعففد ، 128 :وطلبنففا أن
يصفرحوا لنفا بقراءة الجرائد وأمفر حمزة بإحضارهفا لنفا على حسفاب أماناتنفا ففي السفجن ،وجاءتنفا
الجرائد فخفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففت مفففففففففففففففففففففففففففففففففففففن قسفففففففففففففففففففففففففففففففففففففوة
النقطاع ووصلتنا بأخبار الحياء خارج السوار ! .
عشنفا ففي السفجن الحربفي نلوك شدة قسفوة اليام وتهديدات المكاتفب ،فلم تنقطفع المؤامرات على
حكفم عبفد الناصفر وكلمفا وجدوا مشتركفا ففي مؤامرة عسفكرية سفألوا زينفب الغزالي هفل تعرففه ،
وتكررت صور الرهاب والتهديد ،فلم تكن تمر أيام إل ومؤامرة عسكرية جديدة ،والويل لزينب
الغزالي إذا كان بالمؤامرة مدني! ! .
ومات زوجي
عقب رجوعي من سماع الحكام طلبت من حمزة البسيوني أن يرسل لزوجي لنني أريد مقابلته ،
ولمفا لم يحضفر كررت طلبفي ،فطلبونفي ففي المكتفب وسفألوني عفن سفبب إلحاحفي فقلت :لقفد حكفم
على بالسجن 25سنة وأنا أريد أن أبلغه أنني أعفيه من التمسك برباط الزوجية ليكون حرا بعد ذلك
في تصرفه .
أجاب حمزة في غلظة :سيعملها جمال عبد الناصر ،ما أعدمكيشي .لكن حا يموتك بالتدريج ! . .
.
قلت :ال الفعال ،وعبد الناصر وأنتم والدنيا كلها مجتمعة ل تستطيع أن تسقط ورقة من شجرة إل
بإذن ال .
قال :نحن سنأتي لك قريبا بورقة الطلق .خرجت وأنا أقول :أنتم وحوش .
91
وعدت إلى الزنزانفة ،ومرت أيام قاسفية ،وففى يوم كنفت أصفلى الفجفر وأتلو القرآن فأخذتنفي سفنة
مفن النوم ،فرأيفت فيمفا يرى النائم صفورة زوجفي ففي صففحة الوفيات وأنفا أقرأ نعيفه ،انتبهفت وأنفا
أردد :اللهم ل أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه !
ووجدت حميدة تردد نفس الدعاء ،دهشت لكنى كتمت عنها ما رأيت ،وتكررت الرؤيا .
ووصلتنا الجرائد صباح يوم جمعة فأخذت أتصفحها ،وإذا بي أجد نعى زوجي .قلت :أشهد أن ل
إله إل ال وأن محمد! رسول ال ،إنا ل وإنا إليه راجعون .في الجنة إن شاء ال يا حاج محمد! .
توففى زوجفي . .ولقفي ربفه ،يحمفل بيفن يديفه سفجلً حافلً بفجور الطغاة ،يعرضفه عليفه سفبحانه ،
الحفففي القيوم ،الديان ،مالك السفففماوات والرض .لقفففد حمله الطغاة ،وهفففو على فراش المرض
ومصففابا بالذبحففة الصففدرية ،إلى السففجن ،وقففد سففاوموه على حريتففه نظيففر أن يدلي بأقوال معينففة
ضدي . .أنفا زوجتفه ! ! فلمفا رففض نقلوه إلى سفجن انفرادي ،فيفا للعار! ! لقفد آثفر أن يلقفى سفالم
محمد سالم فوق إسفلت الزنزانة ،وأن يظل كذلك حتى تهددت حياته بالخطر ،وطلب طبيب السجن
الحربي "دكتور ماجد" ضرورة الفراج عنه لخطورة الحالة .
وقفد شاء ال له أن يفرج عنفه ،وأن يعيفش ،حتفى يسفمع الحكام التفي تصفم العهفد بالوحشيفة والظلم
والبربريفة . .فعاوده المرض ولقفي ربفه ،يشكفو إليفه ففي أعلى سفماواته ظلم الطغاة وفجورهفم على
أرضه .
ومرت أيام وجاءت السففرة لزيارتففي ،ومنهففا علمففت أن جمال عبففد الناصففر وجنده خيروا الرجففل
الطيفب النسفان الفاضفل زوجفي المرحوم الحاج محمفد سفالم سفالم بيفن أمريفن ل ثالث لهمفا :إمفا أن
يطلق زينفب الغزالي الجفبيلي أو أن ينقفل إلى السفجن الحربفي ،وطلب منهفم مهلة أسفبوعين يفكفر .
فأصفروا على الختيار فورا ،وكان معهفم المدعفو أبفو الوففا دنقفل يهدد الحاج محمفد بتنفيفذ أمفر عبفد
الناصر ،بل إن الفجور بلغ برجال المباحث أنهم أحضروا المأذون معهم ليجري الطلق .
وقع زوجي على ما كتبوا له وهو يقول :اللهم اشهد إنني لم أطلق زوجتي زينب الغزالي الجبيلي .
كما قال لهم :أنا سأموت ،اتركوني أموت بكرامتي ،أنا سأموت وهى على عصمتي ،حصل ذلك
ولن زوجفي مريفض ،أصفيب بعفد سفماع الحكام بشلل نصففي ،وكان مفن قبفل مصفابا بذبحفة نتيجفة
استيلء عبد الناصر على شركاته وأمواله وأرضه وبيته . .فحسبنا ال ونعم الوكيل .
ولم يطل به المر ،فقد توفى رحمه ال بعد توقيعه على الطلق .وسمعت السرة وقالت شقيقتي :
إنها لما سمعت بما حدث غضبت ورفعت صورة للحاج كانت في حجرة الصالون .
وغضبفت منهفا وطلبفت أن تعاد الصفورة .فزوجفي كان أخفي ففي ال قبفل أن يكون زوجفي ،وبيتفي
سيبقى بيته مادمت على قيد الحياة .لقد جمعت بيننا العقيدة قبل أن يجمع الزواج ،والزواج عرض
مففن أعراض الحياة ،ولكففن الخوة فففي ال باقيففة خالدة ل تزول ول تقاس بهففا الدنيففا ومففا فيهففا،
وعرففت أيضفا مفن السفرة أنهفا قفد حضرت منفذ اللحظفة الولى للوفاة واشتركفت ففي تشييفع الجنازة
والعزاء قامت بما عليها من واجب وأحسست بشيء من الراحة لذلك .
وحيففن خلوت إلى نفسففي تذكرت رؤيففا مففن ال على بهففا إذ رأيففت حضرة الرسففول عليففه الصففلة
والسفلم ،وأرخفت لهفا بيفن سفطور المصفحف الذي كنفت أقرأ فيفه ،وعدت إلى التاريفخ فوجدتفه
مطابقا لتاريخ حادث الطلق .
نعففم رأيفففت حضفففرة النففبي عليففه الصففلة والسففلم يمشففى بملبففس بيفففضاء وخلفففه مباشرة حسففن
الهضيبي بملبس بيضاء وعلى رأسه طاقية .وأنا أقف ومعي السيدة عائشة ومعها عدد من النساء،
وقفع ففي نفسفي أنهفن وصفيفاتها ،وكانفت السفيدة توصفيني بكلمات ،فلمفا أصفبح الرسفول عليفه السفلم
ففي محاذاتنفا نادى عائشفة ،وقال لهفا :صفبرا يفا عائشفة ،صفبرا يفا عائشفة ،صفبرا يفا عائشفة ،وكانفت
حقا عائشة رضى ال عنها تشد يدي كل مرة وتوصيني بالصبر! .
92
قمفت وحكيفت الرؤيفا لحميدة ،وأخذت أسفال ال أن يرزقنفي الرضفا والحتمال ،وتيقنفت أن اختبارا
جديدا في طريقه إلى ،فأخذت أضرع إلى ال أن يمنحني عونه وصبره وثباتا منه سبحانه وتعالى،
إنه مجيب الدعوات .
وانضم إلينا جيران جدد وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة سمعنا ضجة وجلبة في الزنزانة المقابلة.
وفتحت زنزانتنا ودخل صلح التمرجي وطلب منا دواء ضد القيء كان قد أدخله لنا في الصباح ،
وأعطيناه الدواء .
وعلمنفا منفه ففي اليوم التالي أن المسفجون ففي الزنزانفة المقابلة رئيفس وزراء اليمفن ومعفه عشرون
آخرون من رجال الحكم هناك ،وأن الشيخ الريانى في الزنزانة المجاورة ،لم ندهش لذلك ،فليس
ثمة شيء يدهش ،وكما يقال من يعش رجبا يرى عجبا!!
هل حرر عبد الناصر اليمن بما فعل كما قالت أبواق دعايته ؟
هفل سفمعتم أن إنجلترا عندمفا اسفتعمرت مصفر ،أخذت عشرات مفن رجالهفا إلى سفجون لندن ؟ هفل
حملت بوارج بونابرت إلى سجون باريس رجال مصر بعد حملتها عليها؟
هفل لي أن أتسفاءل لمفا لم يحاكفم عبفد الناصفر على مفا ارتكفب مفن جرائم لتسفتطيع مصفر أن تواجفه
التاريخ وتقف ورأسها مرفوع ؟ .
إن المر لجد خطير إن لم تبرأ مصر من جرائم وقعت في عهد عبد الناصر .
والى أن يأتفي ذلك اليوم فسفتظل مصفر كلهفا مسفئولة عفن جرائمفه ؟ اللهفم إل الجماعفة السفلمية –
جماعة الخوان المسلمين – التي برئت إلى ال ورفعت صوتها عاليا باستنكار جرائمه ،لقد خدعها
ففي أيام الحركفة الولى فأيدتفه ،ولمفا علمفت مفن هفو ،ولمفن عمالتفه قررت ففي عزمفة اليمان أن
تقاومه ،وكانت معركة الشرف بين الحق والباطل سنة ، 1954ثم معركة المجد سنة ، 1965نعم
كانت معركة 65معركة مجد وشرف ،لبعث السلم شامخا قويا ،بعد أن خيل للطاغوت أن دعوة
الخوان أصبحت تاريخا يروى وعمل سدلت عليه الستار ،وقصصا تلوكها اللسنة وبعض رجال
خلف قضبان السجون .
كانت معركة 1965وثبة الشبال ونهضة الشباب من الجيل الذي ولد في أيام انقلب عبد الناصر
وصفب به كفل ما يملك من سفموم إعلمفه وصفناع حكمه .نعفم ذلك الجيفل الذي استوعبناه وبنينا بفه
بعثتنفا للدعوة ونظمنفا بفه صففوفنا مفن جديفد ،فجفن جنون عبفد الناصفر؟ فقفد سفلبته امرأة ورجفل جيله
كما كان يصيح فيمن حوله ،كانت المرأة أنا وكان الرجل عبد الفتاح عبده إسماعيل .
نعفم أخذنفا مفن جيله ذلك الفخار مفن شبابنفا فبنيناه للسفلم ،وكانفت معركفة دفعنفا فيهفا أغلى رجال
الدعوة :سيد قطب المام الفقيه ،وعبدالفتاح إسماعيل رجل في أمة وأمة في رجل ،ومحمد هواش
ذلك العملق في الدعوة وفقهها .
وانتهت أيام السجن الحربي ،والخوان المسلمون كالطود الشامخ شرفا ورجولة ومجدا .
أمفا عبفد الناصفر فسفجل خزيفه يوم حملتنفا عرباتفه وعسفاكره ففي الخامفس مفن يونيفه مفن السفجون
الحربيفة إلى السفجون المدنيفة لتفسفح المجال لمفن امتلت بهفم السفجون مفن طغمتفه ،يسفتر بهفم عاره
ويخفى بهم عمالته ،ليستطيع أن يكمل المشوار إلى حيث يتم تنفيذ خطة السياد نعم جاء الخامس
من يونيو بخزيه وعاره اللذين سيكبلن فرعون القرن العشرين ذلك "الذي طغى في البلد .فأكثر
فيها الفساد" سيكلله بخزيه وعاره يوم يبعث للحساب .
93
الباب السابع
قبفل هذا اليوم لن ينسفاه أحفد .ففي يومفي 4 ،3يونيفو تكرر فتفح الزنزانفة علينفا بغيفر سفبب وبدون
مناسبة .وليوجه إلينا سؤال إن كنا نريد شيئا . .ثم تدور أحاديث موجهة عن الحرب والحديث عن
عظمة المنادى بتحرير فلسطين والعرب ! !
وكنفا نظفل ففي صفمتنا وسفكوتنا . .وذات مرة كان المتحدث هفو الطفبيب .فتسفاءلت :هفل سفنحرر
فلسفطين ؟! فاحمفر وجهفه غضبفا لغيفر ال وسفأل :يعنفى إيفه ؟ قلت :مفا دامفت الصفهيونية العالميفة
توجه أساليب الحكم للقوتين العظميين فلن يكون على الحاكمين بأمر هاتين القوتين إل التنفيذ . .ولن
تحرر فلسطين إل بالسلم ،يوم يحكم بالسلم ستحرر فلسطين ! .
وجاء صفباح الخامفس مفن يونيفو ولم تفتفح الزنزانات . .وفجأة فتفح باب الزنزانفة مارد أسفود مفن
العساكر وصاح :لقد انتصر عبد الناصر يا ولد الففففففففف .وخرج كما دخل ليأتي غيره بعد مهلة
يشتمنففا وينقففل إلينففا أخبار النتصففار وإسففقاط الطائرات بأعدادهففا ،ويخرج ليدخففل ثالث بعففد فترة
فيروي أخبار الزعيم الهمام وانتصاراته . .ورابع . .وخامس . .ونحن في صمت ل نجيب .ومع
أذان العصر فتحت الزنزانة ودخل صفوت الروبي في وحشية وأخذ يضربني بحذاء غليظ فقد كان
بملبفس الميدان ،كان يأخذنفي بيديفه ويرمينفي إلى الحائط ثفم ينزل بحذائه الغليفظ على جسفدي ركل
وهففففففففو يقول :إحنففففففففا انتصففففففففرنا يففففففففا بنففففففففت الففففففففف . . .ووقفففففففففت حميدة وهففففففففى
94
تقول :ليه. .؟! والمجرم ل يكف عن ضربي حتى الغماء فتركني وأخذ يأمر العساكر المصاحبين
له برمي حاجياتنا خارج الزنزانة ،ثم عاد إلى ضربي .بعد ذلك أخرجنا من الزنزانة وساقنا وهو
ل :انتصفرنا .انتصفرنا غصفب عنفك وموتفك حفل دلوقفت (كان ذلك عصفر 5 يكيفل لي السفباب قائ ً
يونيو سنة ) 1967وأصعدوني وحميدة عربة جيش مصفحة مملوءة بالحرس من ضباط وعسكر .
وخرجفت السفيارة مفن السفجن الحربفي ،وكان أركان حرب السفجن بجانفب سفائق السفيارة ،وصفرت
ففي غيفر وعفى ومفن غيفر تفكيفر مفن قسفوة الضرب أردد :حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ،كنفت أرددهفا
بصوت مرتفع جدا .وأحسست أن السماء والرض وكل الكون ينطق معي ويشكو إلى ال .وكنت
كلمفا نبهتنفي حميدة لصفمت أخذتنفي غيبوبفة وصفرت أردد :حسفبنا ال ونعفم الوكيفل .وكنفت أحفس
وأسمع الكون ينطق بها معي . .
كنت على يقين من أنني مسوقة إلى العدام كما ذكر صفوت وهو يفهمني في الزنزانة ،فانصرفت
إلى ال بكففل مشاعري وأنففا أتلو ( إن ال اشترى مففن المؤمنيففن أنفسففهم وأموالهففم بأن لهففم الجنففة )
التوبة ،وقوله تعالى ( :وما جعل لبشر من قبلك الخلد ) النبياء34 :
وأتمثل قول القائل :
على أي جنب كان في ال مصرعي ولست أبالي حين أقتل مسلما
وقول القائل :
من البطال ويحك لن تراعى أقول لها وقد طارت شعاعا
على الجل الذي لك لم تطاعي فإنك إن طلبت بقاء يوم
فما نيل الخلود بمستطاع فصبرا في مجال الموت صبرا
وفجأة وقفت العربة وأخذت حميدة تهزني وفتحت عيني ،فإذا نحن أمام سجن القناطر للنساء.
وابتلعتنففا بوابففة السففجن وأدخلنففا حجرة المأمور .وفتشففت حقائبنففا تفتيشففا دقيقففا .كان الوقففت ليل .
وأخذتنفففا امرأة يقال لهفففا (باش سفففجانة) تدعفففى عنايات إلى حجرة بجوار حجرة المأمور ،وهناك
فتشونا مرة أخرى وألبسونا ملبس السجن وأدخلنا حجرة ليس لها باب غير أعمدة حديدية متفرقة،
بهفا سفرير مفن طابقيفن :الطابفق الول تالف ،والثانفي عليفه وسفادة مهلهلة .وكانفت الحجرة مطلة
على صالة بها ثلثة عنابر فيها نساء ،علمت بعد ذلك أن أحكاما قد صدرت عليهن بسبب السرقة
وتجارة المخدرات والسفلوك المنحرف . .والقتفل . .وكان النوم يداعفب جفوننفا ومفا يكاد يلمسفها
حتى يفارقها . .الليل ضارب أطنابه . .والظلم يكسو المكان بوحشته ،والنفوس أشربت الرذيلة ،
والعنابر أغلقت بما فيها من سوء ،فظهر النحطاط الخلقي وظهرت المستنقعات السنة بالرذائل ،
فهوت البشريفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففة إلى أبعاد
سحيقة انحدرت بالنسان عن آدميته .وهكذا مر الليل بساعاته الطويلة ونحن نرى ونسمع ما يؤذى
النفوس ويجرح المشاعفر .وقضينفا تلك السفاعات الطويلة ففي ذكفر ال تعالى نذكره ونسفبحه ونتلو
آياته ( أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد .128 :
ومفا كاد يبزغ ويشرق النهار بضوئه حتفى سفرت طمأنينفة إلى نفوسفنا ،وتضرعنفا إلى ربنفا سفبحانه
سائلين متوسلين أن يجعل لنا فرجا ومخرجا.
ولن أنسفى هذه الليلة فقفد كانفت ليلة شديدة وقاسفية وان لم يكفن بهفا سفياط .وظلت ابنتفي حميدة تبكفى
حتى أغمي عليها وكنت أحاول التخفيف عنها .وأقول لها إننا حملة أمانة ،وأصحاب رسالة ،فلبد
95
من الصبر والتحمل . .تحمل مشاق الطريق والصبر على ما نرى وما يجرى علينا ،وأجرنا على
ال . .
إن كل ما أصابنا في السجن الحربي من إهانة للنفس ،وضرب بالسياط وتمزيق البدان ،وتنكيل
وبطفش بفل وقتفل وتجويفع وعطفش و .إن كفل ذلك ل يسفاوى مفا رأينفا وسفمعنا ففي هذه الليلة التفي
عشناهفا وأمامنفا ذلك القطيفع الضال مفن عالم البشفر التائه ففي سفراديب الجاهليفة .ذلك القطيفع مفن
عالم المرأة المسففكينة التففي يقال لهففا إنهففا تحررت ،فصففارت عبدا للشهوات والهواء وأصففبحت
الجريمفة حرفتهفا فأغرقتهفا ،فنسفيت إنسفانيتها وطهرهفا وعفافهفا ومكارمهفا فغدت حيوانفا ل يعرف
معنى للحياة إل لشهوة الفم والفرج !!
كبهيمفة عمياء قاد زمامهفا . .أعمفى على عوج الطريفق ،فضلت وأصفبح هواهفا يقودهفا إلى مهاوي
الرذيلة وساعدها في ذلك المفسدون في الرض أهل الباطل واللحاد .وقوى الشر والجرام . .
وفففى هذا الجففو المشحون بالهواء والمفاسففد والظلم والظلمات ،انطلق نداء الفجففر ،فبدد بإشراقففة
الصباح تلك الغيوم السوداء فتوجهنا إلى الرحمن الرحيم فصلينا ودعوناه راجين فرجه ورضوانه .
!.
وجاء وقفت فتفح العنابر بعفد سفاعات وطلبفت مفن السفجانة مقابلة المأمور وعادت بعفد سفاعة تدعونفا
إلى مكتففب المأمور . .صففراع مففن نوع جديففد دخلت أنففا وحميدة على المأمور فقال لنففا :الكانتيففن
ممنوع والزيارة ممنوعفة ،وليفس لكمفا أي حفق مفن حقوق المسفاجين .أنتمفا (تكديفر) حتفى نؤمفر
بأوامر أخرى .فاهمين !
قلت له :إننفا لم نطلب مقابلتفك لهذا المفر ولكفن جئنفا لنسفألك . .فقال مقاطعفا :أنتفم طلبتفم مقابلتفي؟
قلت :نعم ،إننا نطلب تغيير الزنزانة.
وطلبت حميدة :حجرة لها باب ل قفص حيوانات .
قال :إيفه الكلم ده ؟ حفا نرجعكفم إلى السفجن الحربفي تانفي وتشوفوا اللي شفتوه ؟! قلت :نحفن ل
نسففتطيع البقاء فففي هذا المكان الذي ل يليففق بالحيوان .قال المأمور :أنففا مأمور وده سففجن .وأنتففم
مسجونون .وما فيش غير كده .ثم وقف وصاح اتفضلوا اخرجوا!
قلت :سنظل في فناء السجن ولن نعود إلى هذه الحجرة أبدا . .وليكن ما يكون . .
قال :السفجن سفجن وإذا مفا كنتوش حفا تنفذوا المفر سفنطلق عليكفم الرصفاص فورا .قلت :القتفل
أهون مفن هذا العيفش والجال بيفد ال سفبحانه ،وقتلكفم لنفا شهادة .فأخرجنفا مفن مكتبفه وتركنفا ففي
حوش السجن .
وبعد فترة نادى المأمور الباش سجانة قائل لها :وديهم يا سعاد على الملحظة .
وقالت سفعاد :ألف مفبروك حفا تقعدوا ففي الملحظفة .وصفعدنا درجات لسفلم الملحظفة ،ودخلنفا إلى
عنبر واسع به عشرون سريرا للسجينات ،وبعد ساعة جاءت السجانة المختصة بالملحظة وقالت
تعالوا ،اليراد جه ،ولم نفهم مقصدها ،غير أنها أخذتنا وأوقفتنا في صف من النساء يسمى اليراد
.واليراد هو قطيع من البشر الحائر في مجتمع ضاعت فيه القيم والمعاني فهوى إلى الرذيلة ،إلى
هوة سفحيقة ،فجيفء بفه إلى السفجون . .وسفمعت السفجانة تقفف على باب حجرة وتصفيح :اليراد
النهاردة خمسففة وأربعيففن ،خمسففة وعشريففن تسففول ،خمسففتاشر دعارة ،وثلثففة سففرقة واثنيففن
سياسيين . .تعنى بالسياسيين أنا وحميدة .
96
خرجنفا مفن ذلك الطابور ،وأخذت حميدة معفي فقالت السفجانة رايحيفن فيفن ؟! انتظروا لمفا ييجفي
دوركم .
قلت لهفا :سفنقف وحدنفا ،ولسفنا مفن هذا اليراد قالت :بتقولي إيفه يفا ادلعدي؟ قلت :سفنقف وحدنفا.
قالت :معلهفش ،ودول مفش خلق ال زيكفم ؟! لم أجبهفا ولزمنفا الصفمت ،أخذت السفجانة ففي إدخال
البشريففة الضالة إلى حجرة ثففم جاءت إلينففا تقول :السففت الدكتورة أمرت أن تجلسففوا حتففى تنتهففي
وتدخلوا إليهفا .ولمفا فرغفت الطبيبفة اسفتدعتنا ودخلنفا فسفألتنا عفن السفم والسفن ومفا نشكفو منفه ،ثفم
أخذونفا إلى حجرة وأغلقوا علينفا بابهفا .ولم يمفض وقفت طويفل حتفى ارتففع الصفراخ وعل البكاء
وساد الجميع حزن ووجوم وتحسسنا الخبر حدث ؟! قالوا :النكسة !
وحدثتنفي نفسفي حديثفا طويل :وأي نكسفة تلك يفا ترى ؟! مفن لك أيهفا الشعفب المسفكين ! مفا اكثفر
نكسفاتك ! لقفد تعددت فمفا أعظمهفا ! ومفا أعمقهفا ومفا أقسفاها! لقفد أصفابت شعبنفا نكسفات ونكسفات :
نكسة في الخلق .نكسة في الرجال .نكسة في ، . .وأخيرا نكسة 5يونيو!!!
وكانفت طامفة كفبرى ،جعلت عبدة القردة والخنازيفر وأذلء الرض المغضوب عليهفم مفن السفماء
إخوة الشياطيفن ،جعلتهفم النكسفة يسفتعمرون أرضفا عربيفة ويحكمون أهلهفا ويذيقونهفم مفن العذاب
أصنافا ،ومن ألوان البطش والتنكيل ما تمتلئ به نفس يهودية حقيرة ذليلة . .واستطرد حديث نفسي
:مفا هذا الذي نعيشفه ونحياه ؟! السفلم – القوة والعزة والكرامفة – يقتفل ،ويقتفل أبناؤه ول يسفمح
لهفم بالحياة ول حتفى أن يتنسفموا نسفيمها أو ينبتوا ولو رويدا رويدا .قتلوا السفلم وأصفحابه فقتلوا
الرجال والعزة والمنعففة .هؤلء الرجال .حقففا هففم الذيففن بفضففل ال تعالى يقهرون الباطففل وأهله ،
مهما تعددت أنواعه وتغيرت أشكاله واختلفت صوره وأسماؤه .بهم تعلو الرض العزة والكرامة،
وتغدو البشرية لربها خاضعة عابدة تتنسم عبير الطاعة وتسلم البشرية لربها راضية ،تسلك طريق
العبوديفة ذلل ،وتسفتجيب لنداء الحفق مهمفا كانفت تكاليففه ومهمفا كانفت تضحياتفه .أسفمع مفن حولي
يتهامسون ،ل تتهامسوا ول تتناجوا وكونوا صرحاء أقوياء .
إن النكسة بما كسبت أيديكم ،واتخذتم كتاب ال تعالى وراءكم ظهريا .وال لو نصرنا ال لنصرنا
. .لو نصرناه بإسلم وجوهنا وقلوبنا إليه ،لو نصرناه باتباع شرعه القويم ونهجه المستقيم ،لو
نصرناه بالمسارعة إلى محابه ومراضيه واجتناب نواهيه .لو نصرناه . .وال لو نصرناه لنصرنا
:لنصرنا برضوانه علينا .لنصرنا بالتمكين في الرض والخلفة عنه سبحانه .لنصرنا على قوى
الرض الباطلة الحائدة عففن طريقففه المسففتقيم ،فبكتاب ال وسففنة رسففوله تنصففرون وتمكنون فففي
الرض ،وتسففعدون فففي الداريففن دنيففا وآخرة .ففففي طاعففة ال العزة والسففعادة والنصففر والغلبففة
والتمكين وجنات النعيم في الفردوس العلى عند رب العالمين ( .إن تنصروا ال ينصركم ويثبت
أقدامكم ) محمد . . 17 :
ومفن قول سفيدنا عمفر . ." :وإنمفا ينصفر المسفلمون بمعصفية عدوهفم ل .ولول ذلك لم تكفن لنفا بهفم
قوة ،لن عددنا ليس كعددهم ،ول عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في
القوة .". .وببعدكم عن الكتاب والسنة :تهزمون وتشقون ،وتزلون وتكون النكسة .بل ونكسات .
فففي معصفية ال الذل والبؤس والهوان والضعفف والجحيفم والعذاب المقيفم ( .فمفن اتبفع هداي فل
يضفل ول يشقفى ،ومفن أعرض عفن ذكري فإن له معيشفة ضنكفا ونحشره يوم القيامفة أعمفى ،قال
رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ،قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ،وكذلك
نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى ) . .
وتجول نفسففي فففي معان كثيرة ،ويسففاعدها على ذلك الواقففع المففر والحاضففر الليففم يسففاعدها على
استرسالها ويحز ذلك في نفسي إشفاقا ولوعة ،وحزنا و أسى.
97
وتسفتيقظ نفسفي مفن حديثهفا على نداء ابنتفي حميدة ،فأجفد نفسفي أجلس بجوارهفا ففي حجرة مغلقفة
علينفا ،ويصفل إلى سفمعي ذلك الصفياح والبكاء على حامفى السفلم ! عشنفا ففي هذه الحجرة مغلقفا
بابهفا إل لمامفا ،ل ندرى شيئًا ممفا حولنفا .وففى ذات يوم اسفتطعنا أن نحصفل على حيفن غفلة مفن
الحارسة على علبة سجائر ،فكانت هذه العلبة مفتاحا سحريا لقلب السجانة الغليظة القلب .
وبهفا فتفح لنفا باب الزنزانفة مدة أطول فتمكنفا أن نتفبين مفا يدور حولنفا . .كان بجوار حجرتنفا حجرة
تسفكنها امرأة مفع طفلهفا الذي ل يعلم له أبفا ،وأمامنفا امرأة أخرى تقضفى أيامهفا الخيرة ففي مرض
السفل نتيجفة سفلوكها المشيفن ،وبجوار هذه الحجرة عنفبر فسفيح يحوى ألوانفا مفن المراض المزمنفة
المعدية ،وفى نهاية المبنى من ناحية تقع دورة مياه صرح لنا بالذهاب إليها مخالطين لهذه البشرية
المريضففة بمرض الجاهليففة والمراض البدنيففة المعديففة .وفففى الناحيففة الخرى مففن المبنففى توجففد
بعفض النسفاء اللئى لم نعرف جنسفيتهن ففي حجرات نظيففة مفروشفة مزينفة وتوجفد ففي هذه الناحيفة
أيضا دورة مياه صحية .علمنا ذلك كله لن كل من هنا يسمون ذلك الجانب "الهيلتون " .
كان الجوع قفد أخفذ منفا مأخذا شديدا حيفن أهدتنفا إحدى المسفجونات قليل مفن الطعام ،كان لهدائه
أثر جميل جدا في قلوبنا .فقد أحسسنا بأن الغابة على وحشيتها وحيوانيتها لم تخل من إنسانية .طلبنا
مففن السففجانة السففماح لنففا بالذهاب إلى دورة المياه الثانيففة لنظافتهففا وخلوهففا مففن اللفاظ الجارحففة
والعبارات النابيفة ،فقالت السفجانة :دورة المياه الثانيفة خاصفة بالسفت الدكتورة واليهود . .فسفألها
متعجبة مستفسرة تقولين :يهود؟
قالت :نعم ستات يهود .مدام مرسيل ،مدام لوسي ،وهم كثير . .قاعدين ومتنزهين ،ل أحد يقول
لهفم كلمفة ول يؤخفر لهفم طلبفا .زي البيفت وأحسفن شويفة ،كلهفم جاييفن ففي تجسفس .ثفم قالت :كلموا
الست الدكتورة يمكن يسمحوا لكم بالذهاب إليها .
وبعد أخذ ورد في هذا المر بيننا وبين المأمور انتهى برفض طلبنا متعلل بأن ذلك خاص باليهود!
..
أسلمنا أمرنا ل تعالى وانشغلنا به سبحانه وبتلوة آياته الكريمة .وبينما أعيش مع ابنتي حميدة تلك
اللحظات الربانيففة دخلت سففيدة طويلة القامففة شقراء ،وألقففت علينففا التحيففة فرددنففا التحيففة ،ثففم قالت
حضرتففك زينففب الغزالي قلت :نعففم ،قالت :أنففا مرسففيل مسففجونة سففياسية وطبعففا -بيننففا وبينكففم
خلف ففي العقيدة ،فأنفا يهوديفة وأنتفم مسفلمون ،ولكفن النففس ل تخلو مفن إنسفانية ،خاصفة وقفت
الشدائد والمحن -فل مانع أن تكون بيننا وبينكم معاملة طيبة في السجن .أما خارجه فبيننا الحرب
والقتال أو الخلف ففي الهداف ،أمفا الن فنحفن جميعفا ففي شدة وقسفوة .ولقفد جئت إليكفم ففي غفلة
مفن المسفئولين لعرض عليكفم تعاونفي لخدمفة بعضنفا لبعفض .فشكرناهفا على ذلك ثفم قالت :نحفن
لدينا إمكانيات للكل وان كانت قليلة فسنقتسمها معكم وسأتحرى أن ل يكون في الكل ما هو محرم
عندكفم ،ونحفن اليهود ل نأكفل لحفم الخنزيفر مثلكفم .ومرت أيام كانفت مرسفيل اليهوديفة تحضفر لنفا
بعضفا مفن المأكولت .وكان أهفم مفن ذلك كله أن هذه اليهوديفة دبرت لنفا أمفر اسفتعمال دورة المياه
الخاصفة بهفم .. .أحسفت ابنتفي حميدة الحرج مفن تلك المور فقلت :إن ال سفبحانه وتعالى يسفوق
الخيفففر لعباده على يفففد مفففن يشاء ،وال تعالى ل يعنفففت عباده ول يديفففم عليهفففم العسفففر ،وليفففس
لنا حيلة إل أن نتعايش مع النسانية أينما وجدت ما دام ذلك في دائرة السلم .
ورأينا في تلك الغابة الموحشة والصحراء الجرداء القاحلة إنسانية متمثلة في طبيبة مسيحية تقدم لنا
عونهفا بيفن الفينفة والفينفة ،فعجبنفا لهذا الطابفع النسفاني . .النادر وجوده ففي مثفل هذه الظروف . . .
98
وقدمفت لنفا أيضفا مسفجونة لم تخفل مفن قلب رقيفق كيفف نعيفش ونتعامفل ففي هذا المكان مفع تلك
النسانية المهدرة .كل شيء يشترى بالمال ،فتح باب الزنزانة لمدى أطول بالمال . .وكذلك نسمة
الهواء ولقمفة العيفش ومفا يسفتر الجسفد . . . ! ! .كفل شيفء هنفا فاغفر فاه ليبتلع ،الكفل هنفا سفواء ففي
ذلك . .المسففجونات والسففجانات .وذلك يتطلب مففن النسففان المال والجهففد .فهففل كان ذلك أمرا
ميسورا ! .
الموت . .والطغاة
قفد ينسفى الطواغيفت المسفتبدون أو يتناسفون أنهفم لبفد سفيشربون مفن الكأس :كأس المنيفة .كأس
الرجوع إلى ال تعالى ،يتناسففون ذلك فيتجففبرون ويطغون ويبطشون ويعذبون ،والزمففن عجلتففه
تسفير بمشيئة الواحفد القهار ،وبتعاقفب الليفل والنهار ،وتولد أجيال وتنقضفي أعمار ،وتبلى أجسفاد
وتنزع أرواح انتزاعفا فل يسفتطاع ردهفا (.فلول إذا بلغفت الحلقوم ،وأنتفم حينئذ تنظرون ،ونحفن
اقرب إليفه منكفم ولكفن ل تبصفرون ،فلول إن كنتفم غيفر مدينيفن ،ترجعونهفا إن كنتفم صفادقين )
الواقعة .وفى وسط حياتنا المزدحمة بما نرى ونشاهد من صور تعكس حقيقة البشرية من حولنا ،
وانحدارهفا وهبوطهفا إلى أعماق سحيقة من الرذيلة والنحطاط ،تناقفل الناس ففي سجن القناطفر نبأ
موت عبفد الناصفر وهفم حزانفى يبكون .وال يعلم أننفا مفا كنفا يومفا شامتيفن ففي موت أحفد . .فهذه
آجال وأعمار مقدرة مقدار ،فل يعدو إنسفان أجله ول يسفتبقى مفن عمره شيئا .ولكفن الموت نذيفر
البشريففة وناقوس فنائهففا :أن أفيقوا مففن سففباتكم ودعوا طغيانكففم وجففبروتكم ،فذلك ل يغنففى شيئا،
سفتتركون قوتكفم وبطشكفم ،ومالكفم وسفلطانكم ،وجندكفم وحزبكفم والهفل والولد ،سفتتركون كفل
ذلك وراءكم ظهريا وتحشرون إلى ال تعالى حفاة عراة كما ولدتكم أمهاتكم!
( . .ولو ترى إذ الظالمون ففي غمرات الموت والملئكفة باسفطوا أيديهفم أخرجوا أنفسفكم اليوم
تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على ال غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ،ولقد جئتمونا
فرادى كمفا خلقناكفم أول مرة وتركتفم مفا خولناكفم وراء ظهوركفم ومفا نرى معكفم شفعاءكفم الذيفن
زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) النعام .94-93 :
( ومفا ظلمناهفم ولكفن ظلموا أنفسفهم فمفا أغنفت عنهفم آلهتهفم التفي يدعون مفن دون ال مفن شيفء لمفا
جاء أمفر ربفك ومفا زادوهفم غيفر تتفبيب ،وكذلك أخفذ ربفك إذا أخفذ القرى وهفي ظالمفة إن أخذه أليفم
شديفد ،إن ففي ذلك ليفة لمفن خاف عذاب الخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ،ومفا
نؤخره إل لجفل معدود ،يوم يأت ل تكلم نفسفن إل بإذنفه فمنهفم شقفي وسفعيد ،فأمفا الذيفن شقوا فففي
النار لهفم فيهفا زفيفر وشهيفق ،خالديفن فيهفا مفا دامفت السفماوات والرض إل مفا شاء ربفك إن ربفك
فعال لمفا يريفد ،وأمفا الذيفن سفعدوا فففي الجنفة خالديفن فيهفا مفا دامفت السفماوات والرض إل مفا شاء
ربك عطاء غير مجذوذ ) .
فموت إنسان وذهابه إلى ربه تعالى ل يشغل بال المخلصين الداعين إلى ربهم سبحانه فالموت حق
فل ينشغلون بفه .وكفل مفا يشغلهفم العيفش ففي طاعفة ال تعالى وكنفف رضوانفه ،وبذل الجهفد مفن
النففس والنفيفس ففي سفبيل رففع رايفة التوحيفد .وعندمفا يأتفي الجفل لهفم أو لغيرهفم ينتقلون إلى دار
الحساب حيث الثواب والعقاب .
ومعركفة السفلم ليسفت معركفة فرد أو أفراد ،ولكنهفا معركفة الحفق مفع الباطفل معركفة اليمان مفع
الكفر ،ومعركة العبودية ل تعالى ضد قوى الشرك واللحاد والوثنية .
يموت مفن يموت ويقتفل مفن يقتفل .ولكفن قتلى المؤمنيفن ففي رحاب الجنفة ،ففي الفردوس العلى ففي
مقعد صدق عند مليك مقتدر في جنات ونهر ،شهداء أحياء ( يا عباد ل خوف عليكم اليوم ول انتم
99
تحزنون ،الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ،ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ،يطاف عليهم
بصفحاف مفن ذهفب وأكواب وفيهفا مفا تشتهيفه النففس وتلذ العيفن وأنتفم فيهفا خالدون ،وتلك الجنفة
التي أورثتموها بما كنتم تعملون ،لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ) الزخرف . 73-68
وأمفا قتلى وموتفى الكففر والباطفل واللحاد فففي سفقر ومفا أدراك مفا سفقر ل تبقفى ول تذر ،تشوى
الوجوه والبدان ،كلمفا نضجفت جلودهفم بدلهفم ربهفم جلودا غيرهفا ليذوقوا العذاب ،لهفم مفن فوقهفم
ظلل مففن النار ومففن تحتهففم ظلل ،أحاط بهففم سففرادقها ،وإن يسففتغيثوا يغاثوا بماء كالمهففل يشوى
الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا . . .
ليس لهم طعام إل من ضريع ،ل يسمن ول يغنى من جوع . . .
( . .لهم نار جهنم ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ،
وهفم يصفطرخون فيهفا ربنفا أخرجنفا نعمفل صفالحا غيفر الذي كنفا نعمفل أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه
من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) فاطر . 37-36:
وتسير اليام سيرها كما شاء ال وقدر ،وتنتهي آجال وأعمار ول يستطع إنسان رد المشيئة الربانية
.ويتناقفل الناس نبفأ موت عبفد الناصفر والبكاء والعويفل والصفراخ والنحيفب يمل الدنيفا ،وأحاديفث
الرثاء ليل ونهار ل تنقطع ،ل يمل قائلها من بكاء أو تملق أو رياء.
ووصل إلى سمعي كلمات شيخ ينعى الفقيد حامى حمى السلم ! . .ولقد أقسم هذا الشيخ نفسه في
بيتي قبل ذلك بسنين إن من يسمى عبد الناصر حامى حمى السلم هو كافر ،قد خلع ربقة السلم
من عنقه ،خسر الدنيا والخرة .وفى وسط هذه الظروف التي شحنوها بالحزن والسى على الفقيد
العظيفم ،اسفتقبلنا نبفا انتقاله إلى الواحفد القهار كمفا يسفتقبله مفن كان ففي قلبفه ذرة مفن إيمان ،وغدا
سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
تناقفل الناس هنفا ففي سفجن القناطفر أننفا لم نبفك ولم نصفرخ ولم نحزن ولم نتألم على بطفل البطال !
وحرك ذلك فففي نفوس الذناب الشائهففة قلوبهففم المريضففة ونفوسففهم التففي تعهدت أل تكون إل فففي
خدمة سادتها ومطامعها وهواها ،وتحركت لتصب جام غضبها علينا :كيف ل نحزن على . .عبد
الناصر!
وتحرك الغثاء
( أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض ) الرعد 117 :تحرك التباع من
رجال النفاق والرياء والزلففى ،وبذلوا المشقفة والجهفد .جهفد العبيفد لرضاء سفادتهم ولو ففي تاففه
المفر ،فقاسفينا مفن غلظ المعاملة وسفوء الخلق مفا جاد بفه الذناب .وففى صفبيحة يوم عقفب موت
عبد الناصر فتح علينا باب الزنزانة وإذا بسجانة تمسك بعصا غليظة وتهجم بسرعة وكادت تحطم
رأسفي لول أن ال سفلم ونجانفا مفن كيفد المجرميفن ،وعجزت إدارة السفجن عفن مجازاتهفا أو حتفى
لومها أو شئ من هذا القبيل ،وتركت وشانها تجرى هنا وهناك وكأنها لم تصنع شيئا!
وففففى أثناء زيارة أهلي لي أخفففبرتهم بحادث العتداء هذا ،فبذلوا جهدهفففم بالتصفففال بالمسفففئولين
صغيرهم وكبيرهم وإرسال برقيات إليهم ،فتحركت النيابة وأخذت تحقق مع السجانة على أنها هي
المدبر الوحيد وأنها مصابة بمرض نفسي!
طلبت لذلك عدم إكمال التحقيق وأبلغت النيابة أن المدبر والمخطط لذلك ليست هي السجانة ولكنها
قوى اللحاد و الباطل ومعتنقو البطش والجرام ،فل معنى لمعاقبة من ل يملك من أمر نفسه شيئا،
ويتحرك بأمففر مسففئول كأداة لتنفيففذ مففا يدبر فففي الخفاء لرهاب أصففحاب الدعوات واسففتئصالهم ،
100
ولكفن ال غالب على أمره ،وهذا نوع جديفد مفن التعذيفب المعنوي لم يخطفر بالبال ،ابتكره تحفت
ظروف غير متوقعة ،قوم أضلهم ال فما لهم من هاد .
ابتلء جديد
كان يوم 9أغسففطس سففنة 1971يومففا مشهودا ،إذ حمففل صففباحه إلينففا أخبارا جديدا حيففن جاءت
سجانة مهرولة تدعوني بسرعة لمقابلة المأمور في مكتبه .شدتنا المفاجأة وجعلتنا نذهب بفكرنا في
المر . .ماذا يكون وماذا يدبر الطواغيت والظلمة؟ ! أهناك بلغ كيدي بأننا ننشر السلم في هذا
المكان ،أم هناك خفبر عفن الهفل والديار ،أم هناك مخالففة ول ندرى بهفا أم . . . .؟! عشرات مفن
علمات السفتفهام ؟؟ لم يخطفر ببالنفا مفا تأتفى بفه القدار ،فذهبفت إلى مكتفب المأمور فوجدت أمرا
بالفراج عنفى وحدي .وكان شيئا مذهل فأنفا صفاحبة الحكفم المؤبفد بالشغال الشاقفة أخرج لتبقفى
ابنتفي وحيدة ففي هذا المسفتنقع السفن ،تقاسفى مفا تقاسفى ،فانزعفج قلبفي مفن أعماقفه وسفيطر على
نفسففي حزن عميففق وحيرة بالغففة وبدون شعور صففرخت قائلة :ل . .ل .لن يكون هذا أبدا . .لن
أخرج وأترك ابنتي ،إنكم أصحاب فتنة وتخطيط مظلم ! . .
وثارت ثورتي وشعرت بتعب وإجهاد واضطراب في النفس والمشاعر .
وبعد دقائق قليلة وجدت ابنتي حميدة أمامي في حجرة المأمور .استدعاها لتهدئتي ولتخفف عنى ما
أنفا فيفه ،كانفت محنفة هائلة قاسفية كيفف ذلك ؟ كيفف أخرج وأترك ابنتفي وحدهفا ووجههفا المطمفس
المشرق ل يفارق قلبفي وصفوتها بكلماتهفا النديفة يهفز أوتار نفسفي؟! كيفف أتركهفا وحدهفا ففي هذا
المكان المظلم الموحفش ،تواجفه بمفردهفا قسفوة المعاملة . .ومشاعري ففي نفسفي وفؤادهفا تصفرخ
بشدة :كل . .كل لن أتركهفا ،ويطول ففي قلبفي الصفراع ويمتفد وهفى تدعونفي :يفا أماه يفا أماه هذا
فضففل ال ورحمففة منففه والمففر كله ل وال ل ينسففى عباده .وطال الموقففف وامتففد المشهففد فقال
المأمور لبنتي حميدة :اتفضلي سلمى عليها وارجعي إلى الزنزانة .وفى لحظات مضت كالبرق ،
فريدة فففي نوعهففا ،وحيدة فففي مشاعرهففا .تعانقنففا والدمففع يخففط مجراه على الوجوه والقلب ينبففض
بسرعة والنفس يتردد ،وكأنه يسابق الزمن وفى وسط لحظات خالدة من المشاعر وخلجات النفوس
.وجدت نفسففففففففففففففففففففى وحيدة فففففففففففففففففففففي حجرة المأمور الذي أتففففففففففففففففففففم إجراءات
الخروج وانفطرت نفسي وتمزق قلبي والدمع ينهمر ،وأنا أخطو الخطوة الولى إلى بيتي .
مساومة أخيرة
اخترقت العربة الطريق إلى بيتي ،ولكن غيرت طريقها فجأة ،ووجدت نفسي أمام مبنى المباحث
العامفة .ودخلت حجرة أغلقوا على بابهفا مفن السفاعة الثانيفة عثرة ظهرا إلى التاسفعة مسفاء حتفى
أخذوني إلى مكتب به ضابطان ،أخذا يسألن أسئلة تدور حول السلم وهل أنت ستقومين بزيارة
الخوان بعد ذلك ؟!
كنفت مشغولة بابنتفي حميدة فقلت لهمفا :ليفس مفن العدل أن أخرج – وأنفا المحكوم عليهفا بالمؤبفد –
وتبقفى ابنتفي وحيدة .إنكفم تريدون فتنفة ولكفن ال لن يحقفق لكفم مفا تدبرون .قال :اهدئي يفا حاجفة.
قلت :إنكم تكيدون كيدا وال من ورائكم محيط ،وال غالب على أمره ولكن اكثر الناس ل يعلمون
.قال :يا حاجة دي أوامر من فوق ل نقدر على أن نخرج حد وليس لنا كلم .
ل ربط ال ثم أخذوني إلى مكتب أحمد رشدي الذي كان يستخدم سياطه ونفسه المريضة ليكيد رجا ً
على قلوبهم برباط اليمان ولكن هيهات . .هيهات .ولما دخلت عنده طلب منى الجلوس على مقعد
101
أمامفه وقدم لي التهنئة بالخروج .ثفم دار بينفي وبينفه حديفث كان عبارة عفن جملة أوامفر وجههفا لي
كان ملخصها أن ل أمارس النشاط السلمي ،وأن ل أتزاور بيني وبين إخواني ومعارفي في ال ،
ول تعاون بيننا ول تواد ،وأن أتردد على مكتبه بين الحين والحين .
فقلت له لما فرغ من حديثه :الكلم الذي وجهته إلى أرفضه جملة وتفصيل ،بل أرفض قرار المر
بالخروج وبلغ المسئولين بذلك وأطلب عودتي فورا إلى سجن القناطر .أنهى أحمد رشدي الحديث ،
وابتسم قائل " :على أي حال فيه كثير من الخوان تفاهموا معي على ذلك " فقاطعته قائلة :وال ل
أعلم عفن الخوان إل خيرا وأمفا مفا تقوله أنفت بالنسفبة لبعفض الخوان فل أسفتطيع أن أبدى رأيفا . .
ل أصدق صدوره منهم .إن الخوان المسلمين ورثة حق يعملون له ليل نهار حتى يأتي ال بنصره
أو يهلكوا دونه .
ودق جرس التليفون وأجاب أحمفد رشدي قائل :دعفه يكلمنفي .ثفم قال :أهل وسفهل يفا أسفتاذ عبفد
المنعفم اتفضفل .نحفن محتاجون إليفك ..ووضفع سفماعة التليفون ثفم قال لي أحمفد رشدي :السفتاذ
عبفد المنعفم الغزالى جاى هنفا .وبعفد قليفل حضفر شقيقفي عبفد المنعفم وسفلم على وهفو يبكفى .قال له
أحمد رشدي :أنا أريد أن تحكم بيني وبين الحاجة لننا مختلفان .فأجاب شقيقي :الحاجة اكبر منى
وأنا شقيقها الصغر ،وليس من عادتي أن أناقشها في شيء .أضف إلى ذلك -لو سمحت لي -أنها
تمتاز بقوة منطقهفا وصفحة حجتهفا فقال أحمفد رشدي :طيفب يفا حاجفة مفبروك بفس ملكيفش دعوة
بعمفل تنظيمات مسفلحة للخوان .قلت :التنظيمات السفرية أنتفم الذيفن تلفقون قصفصها وتخرجون
تمثيلياتها .
إن قيام الدولة السففلمية واجففب على المسففلمين وعدتهففم فففي ذلك الدعوة إلى ال تعالى كمففا دعففا
رسفوله صفلى ال عليفه وسفلم وصفحبه الكرام .وهذه رسفالة كفل مسفلم سفواء كان مفن الخوان أو
غيرهم .
ثم انصرفت مع شقيقي إلى بيتي وكان ذلك في الساعة الثالثة صباحا في اليوم العاشر من أغسطس
سنة .1971
انتهى الكتاب . .وجزى ال خيرًا كل من ساهم في مراجعة وتدقيق ونشر وتوزيع الكتاب .
102
الفهرس
إهداء . . . .
مقدمة
103
الباب الرابع :
مفع شمفس بدران زنزانفة الماء والجريمفة ! -إلى زنزانفة الماء مرة أخرى -صفرعت الوحفش ففي زنزانتفي -مفن الفئران !لي
الماء وبالعكفس -مفن الماء إلى وكيفل النيابفة – السفوط مفع الرغيفف -إلى المسفتشفى -مفع شمفس -مشهفد تمثيلي بالكراه -
الحجرة – 32شموخ اليمان وذلة الباطفل – عبفد الناصفر أمفر بإعدامفي -ففي مكتفب الباشفا – الوهفم الكفبير -إصفرار شمفس
بدران على وهمه -تسلط القزام وتحكم الهوى -عذاب . .وفى المستشفى! !
104