You are on page 1of 104

‫أيام من حياتي‬

‫* إلى الرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها ‪ ،‬فرحة بفضل ال عليها ورضوانه ‪..‬‬
‫* إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ‪ ،‬وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها‪. .‬‬
‫* إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الجيال عبر التاريخ الى طريق ربها ‪. .‬‬
‫* إلى الشهداء الذيفن قتلوا ففي سفبيل ال وففى سفبيل السفلم فضحوا وفدوا فكانوا ففي الرض الوفياء ‪ ،‬وففى‬
‫الخرة الخالدين الفائزين ‪.‬‬
‫* إلى الذين قال لهم الناس ‪ ( :‬إن الناس قد جمعوا لكم وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل ) ‪.‬‬
‫* إلى الذين عذبوا في سبيل ال تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا‪. .‬‬
‫* لكل هؤلء وللمسلمين في مشارق الرض ومغاربها أقدم هذا الكتاب ‪.‬‬
‫وأسفالك اللهفم أن تتقبله وتنففع بفه ‪ . .‬ربنفا اغففر لنفا ذنوبنفا وإسفرافنا ففي أمرنفا وثبتفت أقدامنفا وانصفرنا على القوم‬
‫الكافرين ) ‪.‬‬

‫زينب الغزالي الجبيلي‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪ ..‬نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من‬
‫حياتفي " وترددت كثيراً ‪ .‬غيفر أن الكثرة ممفن أثفق ففي إيمانهفم بالقضيفة السفلمية وهفم مفن أبنائي‬
‫وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك اليام ‪ ،‬رأوا أنه من حق السلم علينا أن‬
‫نسجل تلك الحقبة من اليام التي عاشت فيها الدعوة السلمية محاربة من قوى اللحاد والباطل في‬
‫الشرق والغرب ‪ ،‬التففي قامففت لتقتففل كلمففة الحففق ورافعففي لوائهففا وكففل دعاتهففا الفاهميففن الفاقهيففن‬
‫المصفارحين بشجاعفة وصفدق بأن كتاب ال وسفنة رسفوله معطلن ولبفد مفن قيام الكتاب والسفنة ‪.‬‬
‫ولبفد مفن عودة المفة السفلمية بكفل مقوماتهفا إلى أرض السفلم لتحقفق الصفورة العمليفة العملقفة‬
‫بعودة مجتمفع التوحيفد والعلم والمعرففة والصفلة الحقيقيفة بال سفبحانه وتعالى ‪ ،‬فتنطوي مجتمعات‬
‫الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق ال ‪ ..‬طريق الحق ‪،‬‬
‫فيعملوا على تطهيفر الرض مفن تأليفه البشفر ‪ ،‬وعبادة طواغيفت الرض بإتباع تشريعاتهفم وتعطيفل‬
‫شريعفة ال ‪ ،‬وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقفي الذي كانفت بفه المفة ففي عصفر النبوة وصفحبه‬
‫المباركين رضوان ال عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس ‪.‬‬

‫ل صففلح لمففة ول لهذا العالم إل بالدعوة إلي السففلم ‪ .‬إن غياهففب السففجون ومقاصففل التعذيففب‬
‫وشراسفة حملة السفياط لم تزد المخلصفين مفن أبناء الدعوة وبناة فكرهفا إل قوة وثباتًا وصفبراً على‬
‫دفع الباطل ونحن نترصد منابته ‪.‬‬

‫كذلك كان عهفد الذيفن سفلكوا طريفق الحفق قبلنفا فاعتقدوه ‪ .‬فليفس بالسفياط يضيفع الطريفق ! ! ولكفن‬
‫الحجة بالحجة والرأي بالرأي‪ ،‬والكلمة تجابهها الكلمة ‪.‬‬
‫سفهل أن تضفع القوة الباطشفة العمياء السفياط ففي أيدي المجانيفن ‪ ،‬ولكفن الصفعب هفو أن تصفرف‬
‫المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الرض ‪ ،‬عن طريق غوايتهم وجهلهم‬
‫فتهديهم إلى طريق مستقيم ‪.‬‬
‫والطريق إلى الحق واحد وهو طريق ال وأنبيائه ورسله وورثتهم ‪.‬‬
‫أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة‪ .‬وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة‬
‫الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله‪ ( .‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم‬
‫عن سبيله ) النعام ‪. 153 :‬‬
‫وليفس أمام البشريفة اليوم للخلص مفن ذلك الضلل وهؤلء الطغاة مفن البشفر إل أن ينتهجوا منهفج‬
‫الحق ‪ ،‬ومنهج ال ‪ ،‬المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة ‪.‬‬
‫وإنففي لرى بوادر النصففر وإرهاصففاته ‪-‬إن شاء ال ‪ -‬بقيام المففة وعودة المجتمففع الذي سففيعلو‬
‫بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلدنا اليوم من تيارات اللحاد‪ ،‬نعم إني لحسها قريبة وأرى‬
‫أعلمها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية ‪.‬‬
‫إنفي لكاد أشاهفد أعلم اللتزام بمفا كلففت بفه خيفر أمفة أخرجفت للناس ‪ . .‬وأعلم اللتزام بشهادة أن‬
‫ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نعفم إننفا ل نسفتعجل الزمفن ‪ .‬فالسفنون ‪ ،‬عشراتهفا ومئاتهفا‪ ،‬ليسفت بذات قيمفة ففي عمفر الدعوات‬
‫والمم ‪ .‬ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ‪ ،‬مؤمنون بسلمة الخطى ووضوح الرؤية ‪.‬‬
‫إننا على يقين أننا على حق ‪ .‬وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء‪ .‬المهم أل نتقاعس ول‬
‫نتخاذل ول نتقهقففر عففن عقيدتنففا‪ :‬عقيدة التوحيففد‪ ،‬عقيدة العمففل ‪ ،‬عقيدة البيان ‪ ،‬بيان الحففق للناس‬
‫جميعا‪ ،‬بيان عقيدتنا لكل البشر‪.‬‬

‫وإيمانفا منفا بأن فترة سفجننا وتعذيبنفا هفي مفن حفق التاريفخ ‪ ،‬ومفن حفق الذيفن على الطريفق أن يعوهفا‬
‫ويدرسفوها حتفى يبقوا على طريفق الجهاد‪ ،‬ول تتحول قضيتهفم إلى سففسطة كلميفة‪ ،‬وحديفث ترف‬
‫وقصففة تاريففخ ‪ ،‬إيمانففا بهذا كله نزلت على رأى المخلصففين مففن أبنائي وإخوانففي‪ ،‬واسففتعنت بال‬
‫سفبحانه وتعالى ففي جمفع مفا احتوتفه ذاكرتفي ممفا كان ‪ .‬وان كان مفن الصفعب أن يسفتعاد بوصففه‬
‫ونمطه ‪..‬‬
‫ويكففى دللة عليفه أن أشيفر إلى أن حاملي السفياط وخفبراء التعذيفب بألوانفه وأشكاله ‪ ،‬قفد سفموه ‪:‬‬
‫جهنففم ! ! إن جهنففم هذه كانففت بوتقففة لصففهر معادن الرجال فنقتهففا ‪ ،‬وانجلت مهزلة التعذيففب عففن‬
‫رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت ‪" :‬يا أيها الناس ‪ :‬السلم ليس انتماء بل التزام واتباع "‬
‫‪.‬‬
‫وأرجفو ال أن يعيننفي على اسفتعادة الصفورة أو بعضهفا‪ ،‬وأن تكون للمخلصفين مشعفل حفق ونور‬
‫وهدايففة ‪ .‬فلنشففق لخطانففا صففراطا مسففتقيما‪ ،‬وإنففي لعيدهففا وأصففر عليهففا ‪" :‬إنهففا رسففالة الرسففل‬
‫والنفبياء‪ ،‬هيمنفت عليهفا وأكملتهفا رسفالة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ‪ ،‬فبشريعتفه أتفم الحفق تكاليففه‬
‫لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف ‪. 129 :‬‬
‫إن الذيفن تجشموا وعورة الطريفق وعرفوا بمشيئة ال مقاصفد الكتاب والسفنة‪ ،‬لن يحيدوا عفن الحفق‬
‫والخير والدعوة إليه حتى تقوم المة وتستقر البشرية تحت أعلم كتاب ال وسنة رسوله ‪.‬‬
‫وإننفا لعلى الطريفق مثابرون محتسفبون مفا نلقفى غفد ال ‪ . .‬و( إن ال اشترى مفن المؤمنيفن أنفسفهم‬
‫وأموالهفم بان لهفم الجنفة يقاتلون ففي سفبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليفه حقفا ففي التوراة والنجيفل‬
‫والقرآن ) التوبة ‪.‬‬
‫فإلى أرواح الشهداء الذيفن سبقونا ‪ :‬تحيفة حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريفق ‪ .‬إلى كل مفن كان‬
‫في قلبه مثقال ذرة من خير‪ . .‬لعل ال أن ينفع به ويهدي ‪ . .‬وما تشاءون إل أن يشاء ال ‪.‬‬

‫زينب الغزالي الجبيلي‬

‫الباب الول‬

‫عبد الناصر يكرهني شخصيا !‬

‫ففي مسفاء يوم مفن أيام الشتاء‪ ،‬وففى أوائل شهفر ففبراير عام ‪ 1964‬م كنفت عائدة إلى بيتفي‪ ،‬حيفن‬
‫انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى‪ ،‬كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة‪ ،‬كانت‬
‫اللم الشديدة توقظنفي منهفا‪ .‬ولم أتفبين مفن كفل مفا حدث حولي إل صفوت إنسفان ينادى اسفمى ففي‬
‫فزع ‪ ،‬وغبفت عفن الوعفي‪ ،‬وحيفن تنبهفت وجدت نفسفي ففي مسفتشفى هليوبوليفس وبجانفبي زوجفي‬
‫‪3‬‬
‫وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملئي في الدعوة وزميلتي ‪ .‬كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما‬
‫تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد ل ‪ . .‬الحمد ل ‪،‬‬
‫وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إل أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي‪ ،‬ولم أتنبه إل بدخول‬
‫إحدى الحكيمات بالمسففتشفى مففع ممرضيففن وممرضتيففن لحملي إلى حجرة الشعففة ‪ .‬وتذكرت مففا‬
‫حدث وسمعت زوجي يقول ‪ :‬الحمد ل سلمها ال ‪ ،‬احمدي ال يا حاجة ‪ .‬وسألت عن سائق عربتي‬
‫فعلمت أنه –بحمد ال – بخير‪ ،‬وأنه يعالج في المستشفى‪ ،‬وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في‬
‫المفخ ‪ .‬وحملت إلى غرففة الشعفة‪ ،‬ولمفا تفبين وجود كسفر ففي عظمفة الفخفذ‪ ،‬وضفع سفاقي ففي قففص‬
‫حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية‪ .‬ونقلت إلى مستشفى مظهر عاشور ليجريها لي جراح العظام‬
‫الدكتور محمففد عبففد ال ‪ ،‬واسففتغرق إجراء العمليففة ‪-‬تعاد بعففد التحضيففر والتخديففر‪ -‬ثلث سففاعات‬
‫ونصف الساعة ‪ . .‬عشت بعدها فترة‪ ،‬ونذر الخطر تحيط بي ‪ .‬ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما‬
‫يقال ومففا ينقففل ‪ ،‬ممففا يوضففح أن الحادث كان مدبرا مففن مخابرات جمال عبففد الناصففر لغتيالي‪،‬‬
‫وتواترت الخبار تؤكففد ذلك ‪ .‬وكان لفيففف مففن الشباب المسففلم يزورنففي يوميففا للطمئنان ‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم الخ الشهيد عبد الفتاح عبده إسماعيل ‪ .‬فلما بلغتني تلك الخبار‪ ،‬طلبت منه أن يقلل الشباب‬
‫من زيارتي ‪ .‬وكان رده أنه قد حاول هذا فعل‪ ،‬ولكنهم رفضوا وأصروا على زيارتي ‪ . .‬وفى أحد‬
‫اليام التالية دخل السكرتير الداري لجماعة السيدات المسلمات وبيده ملف أوراق ‪ ،‬يعرضها على‬
‫بصففتي رئيسفة الجماعفة‪ ،‬وكان ففي الغرففة زوجفي والسفيدة حرم السفتاذ الهضيفبي المرشفد العام‬
‫للخوان المسفلمين ‪ ،‬ورأيفت زوجفي يسفرع إلى السفكرتير قبفل أن تتاح له فرصفة تقديفم الملف لي‬
‫فيأخذه منفه ويخرج معفه مفن الحجرة‪ ،‬وهفو يحدثفه حديثفا فهمفت منفه أنفه نهاه مرة قبفل ذلك عفن تقديفم‬
‫هذه الوراق لي‪ ،‬ودهشت لذلك وسألت زوجي عن السبب فتعلل بأنني محتاجة إلى موافقة الدكتور‬
‫عبد ال المشرف على علجي ‪ .‬وذهب زوجي إلى الدكتور الذي ما لبث أن جاء ليكشف على ساقي‬
‫وليحرم على القيام بأي عمفل ‪ ،‬ليؤكفد لي أنفه منفع دخول الوراق أو وصفول الخبار عفن الجمعيفة‬
‫إلى ‪ .‬ولمفا احتججفت بأن المفر بسفيط لن يتعدى التوقيعات أصفر على موقففه ‪ .‬ومضفت أيام رجوت‬
‫الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ‪ ،‬وازددت يقينا بان هناك‬
‫شيئا ما‪ ،‬يتعمد الجميع إخفاءه عنى ‪:‬‬
‫زوجفي والسفكرتير والزائرون ‪ ،‬بفل حتفى سفكرتيرة مجلس إدارة جماعفة السفيدات المسفلمات التفي‬
‫كانت تزورني دائما‪ ،‬وكنت أحس من إجابتها المقتضبة على أسئلتي عن الجماعة بأنها تخفى عنى‬
‫شيئا‪ .‬وجاءتني السكرتيرة في أمسية استجمعت فيها شجاعتها لتنقل إلى ما أخفوه عنى ‪ .‬كان المر‬
‫خطيرا على مفا بدا مفن موقفف زوجفي ! بشجاعتفي والمشجفع على الصفبر والحتمال وقوة الرادة ‪.‬‬
‫وأخذت الوراق السفيدة فإذا هفي قرار "بحفل المركفز العام لجماعفة السفيدات المسفلمات "‪ ،‬وأخذت‬
‫السفكرتيرة تتحدث إلى قائلة ‪" :‬طبعفا يفا حاجفة المفر شديفد بالنسفبة إليفك " ‪ .‬قلت "الحمفد ل ‪ ،‬ولكفن‬
‫ليفس مفن حفق الحكومفة أن تحفل الجماعفة‪ ،‬إنهفا جماعفه إسفلمية" أجابتنفي ‪" :‬ل أحفد يقدر أن يقول‬
‫للحكومة هذا‪ ،‬لقد بذلنا مجهود كبيرا جدا‪ ،‬ولكن عبد الناصر مصر على حل الجماعة‪ ،‬هو يكرهك‬
‫شخصيا حاجة زينب ! !‬
‫ل يطيق أن يسمع اسمك على لسان أي إنسان ‪ .‬عندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة!‬
‫قلت ‪" :‬الحمفد ل الذي جعله يخافنفي ويبغضنفي‪ ،‬وأنفا أبغضفه لوجفه ال ولن يزيدنفا طغيانفه ‪ ،‬نحفن‬
‫معاشفر المجاهديفن ‪ ،‬إل إصفرارا على أن نرضفي ضمائرنفا ونعيفش لدعوتنفا ‪ ،‬إنهفا دعوة التوحيفد‬
‫وسننتصر بإذن ال ‪ ،‬وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها"‪" .‬ليس لعبد الناصر الحق في أن‬
‫يحل جماعة السيدات المسلمات ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إن ال تبارك وتعالى هفو الذي يعقفد للمسفلمين راياتهفم ‪ ،‬والذي يعقده ال ل البشفر"‪ .‬قالت والدموع‬
‫ففي عينيهفا ‪" :‬يفا حاجفة ‪ . .‬المسفألة خطيرة‪ ،‬ونرجفو ال أن ل تنتهفي بحفل الجماعفة‪ ،‬ربمفا كانفت‬
‫كلماتك هذه تسجل ‪ ،‬أو أنها قد سجلت فعل ربما كان هنا جهاز تسجيل " ‪ .‬واستمرت تسر إلى ‪" :‬يا‬
‫حاجة ‪ :‬أنا أطلب منك شيئا صغيرا وهو التوقيع على هذه الورقة‪ ،‬فإذا وقعتها سيلغى قرار الحل " ‪.‬‬
‫فسألتها أن تطلعني على الورقة فإذا هي استمارة انتساب للتحاد الشتراكي‪ ،‬فقلت لها ‪" :‬ل وال ‪،‬‬
‫شلت يدي إذا وقعت يوما على ما يدينني أمام ال بأنني اعترفت بحكم الطاغوت جمال عبد الناصر‬
‫الذي قتل عبد القادر عوده وزملءه ‪ .‬إن الذين غمسوا أيديهم في دم الموحدين خصوم ل وللمؤمنين‬
‫‪ .‬الشرف لنا أن يحل المركز العام للسيدات المسلمات " ‪ .‬قبلت رأسي وهى تبكى وتقول ‪ - :‬أتثقين‬
‫بأننفي ابنتفك ؟ قلت ‪ :‬نعفم ‪ . .‬قالت ‪ :‬فاتركفي هذا الموضوع ‪ . .‬قلت ‪ :‬سفنترك المفر‪ ،‬ولن أوقفع هذه‬
‫الورقة ‪ .‬إن فيها ولء للطاغية‪ ،‬وهذا أمر مستحيل إتيانه ‪ ،‬وال يفعل ما يختاره لعباده ‪ .‬ومرت أيام‬
‫المستشفى وتقرر خروجي مع استمرار العلج ‪.‬‬

‫أنا والتحاد الشتراكي‬

‫وفى البيت كانت السيدة السكرتيرة تزورني يوميا وأخبرتني بان قرار الحل أوقف ‪ .‬ودهشت لذلك‬
‫وسألت كيف ذلك فقالت ‪" :‬ل أدرى ‪ .‬ربما يكون فتح باب للتصال بك " ‪ .‬وأخذ السكرتير الداري‬
‫يحضففر لي مففا يحتاج للطلع والتوقيففع ‪ ،‬وأخذت أزاول نشاطففي فففي تسففيير أعمال المركففز العام‬
‫للسفيدات المسفلمات مفن بيتفي‪ .‬ولكنفى عدت إلى المسفتشفى مرة أخرى لجراء عمليفة جراحيفة لرففع‬
‫المسامير من الفخذ‪ ،‬وكان قد أفرج عن الشهيد المام سيد قطب وزارنفي في المستشفى وجمع من‬
‫الخوان ‪ .‬وذات يوم فوجئت بخطاب مرسل! عن طريق البريد ببطاقة كتبت فيها هذه البيانات ‪:‬‬
‫"ا لتحاد الشتراكي العربي" حرية ‪ -‬اشتراكية ‪ -‬وحدة‬
‫السم والشهرة ‪ :‬زينب الغزالي الجبيلي ‪ ،‬وشهرتها ‪ :‬زينب الغزالي ‪.‬‬
‫الوظيفة أو المهنة ‪ :‬رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ‪.‬‬
‫وحدة ‪ :‬البساتين ‪ -‬الماطة ‪ .‬قسم ‪ :‬مصر الجديدة‪ .‬محافظة ‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫جاءتني هذه البطاقة بالبريد ومعها ما يثبت سداد اشتراكي عن عام ‪ 1964‬فضحكت ضحكة مريرة‬
‫بمفا صفار إليفه حال "مصفر" وتذكرت كيفف كنفا نعيفش ففي حريفة لعنوهفا بعفد انقلبهفم العسفكري ‪.‬‬
‫وبعفففد اسفففتكمال العلج بالمسفففتشفى عدت إلى المنزل وأخذت دعوات التحاد الشتراكفففي تتوالى‬
‫بالبريففد لحضور اجتماعات التحاد الشتراكففي‪ ،‬ولكننففي قررت أن أتخففذ موقفففا سففلبيا ‪ ،‬وبعففد أيام‬
‫صفرح الدكتور بالخروج ومزاولة نشاطفي تدريجيا ففي المركفز العام للسفيدات المسلمات ‪ ،‬وكنت ل‬
‫أزال أسففتعين بالعكاز فففي المشففي ‪ .‬وفففى صففبيحة أحففد اليام ‪ ،‬وبينمففا أنففا بالمركففز العام للسففيدات‬
‫المسفففلمات ‪ ،‬دق جرس الهاتففف ‪ ،‬وطلب منفففى السفففكرتير أن أرد على مففن يطلبنفففي مفففن التحاد‬
‫الشتراكي ‪ ،‬أمسكت بالسماعة قائلة لمحدثي ‪" :‬السلم عليكم " ورد السلم من الجهة الخرى‪ ،‬ثم‬
‫قلت ‪" :‬نعم ‪ ،‬ماذا تريد؟" فسألني إن كنت أنا زينب الغزالي ‪ ،‬ولما أجبت باليجاب قال ‪" :‬نحن هنا‬
‫التحاد الشتراكففي‪ ،‬إن شاء ال أعضاء مجلس إدارة السففيدات المسففلمات وحضرتففك على رأسففهم‬
‫تشرففي وتنوري ‪ ،‬تأخذون علم السفيدات المسفلمات وتذهبون لسفتقبال عبفد الناصفر ففي المطار" ‪.‬‬
‫فأجبتفه ‪" :‬إن شاء ال ‪ ،‬يفعفل ال مفا يشاء ويختار"‪ .‬قال ‪" :‬عشمنفا كده ‪ ،‬مجلس الدارة وعدد كفبير‬
‫من أعضاء الجمعية العمومية‪ ،‬وإذا أمرت أرسلنا لك عربة تكون تحت تصرفكم " ‪ .‬قلت ‪" :‬شكرا"‬
‫‪ .‬وانتهت المكالمة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وبعد يومين أو ثلثة جاءت مكالمة أخرى من التحاد الشتراكي‪ ،‬كانت سيدة تسأل عن سبب عدم‬
‫حضورنفففا لسفففتقبال الرئيفففس ففففي المطار‪ .‬قلت ‪" :‬إن أعضاء مجلس إدارة السفففيدات المسفففلمات‬
‫والجمعيففة العموميففة ملتزمات بالسففلوك السففلمي‪ ،‬ول يسففتطعن يففا ابنتففي الحضور فففي مثففل هذه‬
‫السفتقبالت المزدحمفة" ‪ .‬قالت ‪" :‬إزاى الكلم ده يفا سفت زينفب ؟ يبدو إنفك مفش عاوزة تتعاونفي‬
‫معنا ‪ ،‬هل بلغت العضوات وهن رفضن ؟" ‪ .‬قلت ‪" :‬مادمت أنا غير مقتنعة بهذا العمل لنه يخالف‬
‫تعاليفم السفلم فكيفف أبلغهفن ؟" ‪ .‬قالت ‪" :‬إنتفي غيفر متعاونفة معنفا" ‪ .‬قلت ‪ :‬نحفن مرتبطات بتعاليفم‬
‫القران والسفنة‪ ،‬عهدنفا مفع ال ‪ ،‬وتعاوننفا على البر والتقوى كمفا أمرنفا ال ‪ ،‬والهاتفف ل يصفلح لمثفل‬
‫هذه المناقشفة‪ . ،‬قالت ‪" :‬تفضلي‪ ،‬سفننتظرك ففي مركفز التحاد الشتراكفي بميدان عابديفن لنتفاهفم ا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أنفا مريضفة‪ ،‬حركتفي قليلة بسفبب علج رجلي‪ ،‬فإذا شئت تفضلي وشرفينفا ففي المركفز العام‬
‫للسفففيدات المسفففلمات ‪ .‬قالت ‪ :‬وأنفففت نازلة مفففن البيفففت مري علينفففا‪ ،‬ألسفففت عضوة ففففي التحاد‬
‫الشتراكفي؟ ! ‪ .‬قلت ‪" :‬أنا عضوة في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ‪ ،‬والسلم عليك يا‬
‫ابنتفى ورحمفة ال ‪ .،‬وأنهيفت المكالمفة ولم أذهفب إليهفا ‪ .‬وبعفد أسفبوع مفن هذه المكالمات التليفونيفة‬
‫عرض على سكرتير الجماعة خطاب مسجل يحمل تاريخ ‪ 1964 /9 /1 5‬بقرار وزاري رقم ‪32‬‬
‫‪ 1‬بتاريخ ‪ 1964 /9 /6‬م ‪ .‬والقرار ينهى إلينا حل المركز العام للسيدات المسلمات مره أخرى ! !‬

‫ل ‪ . .‬ل ‪ . .‬للطاغية‬

‫وعقففد مجلس إدارة السففيدات المسففلمات اجتماعففا عاجل فففي ‪ 9‬جمادى ‪1384‬هف ف الموافففق ‪/9 /15‬‬
‫‪ ، 1964‬وهفو نففس اليوم الذي وصفل فيفه قرار الحفل ‪ ،‬وقرر المجلس رففض قرار الحفل وتسفليم‬
‫الجماعفة وأموالهفا وممتلكاتهفا لجماعفة أخرى كانفت قد انفصفلت عنفا بإيعاز مفن المباحفث العامفة قبفل‬
‫انقلب عبففد الناصففر‪ ! ،‬تحولت هذه الفئة المنشقففة بعففد النقلب إلى جنففد لعبففد الناصففر‪ ،‬كمففا قرر‬
‫المجلس دعوة الجمعيفة العموميفة لجلسفة طارئة اسفتثنائية ففي مدة ل تتجاور ‪ 24‬سفاعة‪ ،‬واجتمعفت‬
‫الجمعية العمومية ‪ ،‬وقررت رفض قرار الحل وعرض المر على القضاء‪ .‬ووكلنا الدكتور عبد ال‬
‫رشوان المحامففى ليمثلنففا فففي القضيففة ‪ ،‬وأرسففلت الجماعففة خطابات مسففجلة وبرقيات إلى رئاسففة‬
‫الجمهوريفة ووزارة الداخليفة والشئون الجتماعيفة والنائب العام وصفورا منهفا للصفحف ‪ ،‬نخطرهفا‬
‫برففض قرار الحفل ‪ ،‬وبان المركفز العام للسفيدات المسفلمات تأسفس ‪ 1 3 57‬هفف – ‪ 1 936‬م لنشفر‬
‫الدعوة السلمية والعودة بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ‪ ،‬وليس لوزارة الشئون أو الداخلية‬
‫وليفة علينفا ‪ ،‬والوليفة ل وحده ‪ ،‬ولمفن يقيفم دينفه ‪ ،‬ويحكفم بشرعفه ‪ .‬وعنفد ذلك تعجفل عبفد الناصفر‬
‫قرار الحل والدماج كما سبق أن أصدر من قبل – وللنتقام الشخصي من زينب الغزالي؟ لتعطيل‬
‫دعوة ال ولوجفه الشيطان ‪ -‬أمرا عسفكريا بوقفف صفدور مجلة (السفيدات المسفلمات ) لجفل غيفر‬
‫مسفمى ‪ ،‬وكنفت صفاحبة امتيازهفا ورئيسفة تحريرهفا ‪ .‬واقتحفم زبانيفة الطاغوت دار المركفز العام‬
‫لجماعفة السفيدات المسفلمات واسفتولوا على محتوياتفه ‪ ،‬وشردوا مائة وعشريفن فتاة وطفلة يتيمات‬
‫كانفت جماعفة السفيدات المسفلمات تؤويهفن وتكففل جميفع احتياجاتهفن مفن إيواء وتعليفم ‪ ،‬بكفل مراحله‬
‫من الروضة إلى الجامعة ‪ .‬وأحب أن أسجل هنا بكل فخر أن زبانية الطاغوت لم يجدوا سيدة واحدة‬
‫ففي انتظارهفم مفن أعضاء المركفز العام للسفيدات المسفلمات ‪ ،‬سفواء مفن مجلس الدارة أو الجمعيفة‬
‫العمومية أو هيئة الواعظات ‪ ،‬وكانوا قد طلبوا منى الحضور لتسليمهم الدار فرفضت ‪ ،‬وكذلك كان‬
‫موقف جميع عضوات الدار فاستلموا من السكرتير الداري‪ ،‬وهو موظف وليس له هذا الحق ‪. .‬‬
‫ويشرفني أن أسجل هنا بعض العبارات التي سجلتها الجمعية العمومية جلستها ‪ ،‬وأرسلتها ترد بها‬
‫على قرار الحففل إلى رئيففس الجمهوريففة والنائب العام ووزيففر الداخليففة والصففحف ‪" :‬إن جماعففة‬
‫‪6‬‬
‫السيدات المسلمات أسست ‪ 1 3 57‬هف – ‪ 1 936‬م لنشر دعوة ال والعمل على إيجاد المة المسلمة‬
‫التي تعيد للسلم عزته ودولته ‪ ،‬وكانت ل وستظل ل ‪ ،‬وليس لي حاكم علماني حق الولية على‬
‫المسفلمين "‪ " .‬فجماعفة السفيدات المسفلمات ‪ ،‬رسفالتها الدعوة إلى السفلم وتجنيفد الرجال والنسفاء‬
‫شبابا وشيبا لعتقاد رسالته وإقامة دولته الحاكمة بما أنزل ال " ‪.‬‬
‫ونحن –السيدات المسلمات – نرفض قرار الحل ‪ ،‬وليس لرئيس الجمهورية –وهو ينادى صراحة‬
‫بعلمانيفة الدولة ‪ -‬حفق الولء علينفا‪ ،‬ول لوزارة الشئون الجتماعيفة كذلك ‪ .‬وليسفت الدعوة أموالً أو‬
‫حطامفا تصفادره حكومفة العلمانييفن المحاربيفن ل ولرسفوله وللمفة المسفلمة ‪" .‬فلتصفادر الحكومفة‬
‫الموال والحطام ولكنهفا ل تسفتطيع أن تصفادر عقيدتنفا ‪ .‬إن رسفالتنا رسفالة دعوة ودعاة‪ ،‬إننفا نقفف‬
‫تحفت مظلة ل إله إل ال وحده ‪ ،‬وهذا العتقاد بأنفه ل إله إل ال يلزمنفا بالعمفل المسفتمر المتواصفل‬
‫غيفر المنقطفع ‪ ،‬حفق تقوم دولة السفلم بأمفة السفلم الواعيفة لدينهفا الحاكمفة بشرعفه ‪ ،‬المجاهدة ففي‬
‫سبيل نشره " ‪.‬‬

‫ماذا نفعل بعد ذلك ؟‬

‫أخذت سففيدات الجماعففة يتوافدن إلى بيتففي بعففد ذلك متسففائلت ‪ :‬ماذا نفعففل ؟ ؟ كان هذا الموقففف‬
‫الشامخ من السيدات المسلمات سنة ‪ 1964‬في قمة عناد السلطة الناصرية‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه‬
‫الكثيرون يقفون موقفف التقيفة ويقرون الطاغوت على فعله بفل يصفدرون الفتاوى المؤيدة لفعاله ‪. .‬‬
‫ويصبغون عليه صبغة ترفعه إلى مكان اللوهية! وما كانت التقية كذلك يوما ما في السلم لضياع‬
‫العقيدة والتمويه على المسلمين ‪ ،‬ولقد رأينا بعض المجلت السلمية تتسابق في إرضاء الطاغوت‬
‫‪ .‬حتففى مجلة الزهففر نفسففه العزيزة علينففا معزتففه ‪ ،‬تخلط بعففض سففطورها بنبضات هامدة لكتاب‬
‫منافقيفن يتسفابقون ففي إرضاء الباطفل وأهله ‪ . .‬وأخذت الفتاوى تتوالى ففي تجريفح المجاهديفن الذيفن‬
‫أخذوا بالعزيمة ولم يأخذوا بالضلل ‪ ،‬الذي سماه من أخذ به رخصة‪ ،‬جرحوا المجاهدين الذين انعم‬
‫ال عليهفم بالتزام السفلم ل بالنتماء إليفه ‪ ،‬واللتزام هفو السفلم ‪ ،‬أمفا النتماء بغيفر التزام فشيفء‬
‫آخر‪ .‬وقد أبت جماعة السيدات المسلمات أن تأخذ بما سموه رخصة‪ ،‬أو أن تكتفي بالنتماء‪ ،‬فرفعت‬
‫لواء الحفق وقالت كلمفة الصفدق ففي وقفت تخلى فيفه كثيفر مفن الناس عفن الحفق والصفدق خوففا على‬
‫مناصفبهم وضياع دنياهفم ‪ ،‬ولم تقفف موقفف المتفرج كمفا فعفل كثيفر مفن الناس ‪ ،‬ولكنهفا قالت رأيهفا‬
‫بصراحة ‪ -‬في الوضاع التي كانت سائدة يومئذ ‪ -‬ل تبتغى إل وجه ال وان غضب الناس جميعا ‪.‬‬
‫وكانت عضوات الجماعة ل يصبرن على عدم لقائي فأخذن يتوافدن على بيتي يواسينني في المر‪.‬‬
‫فقد كانت جماعة السيدات المسلمات حياتي ووجودي ‪ ،‬عاهدت ال يوم تأسيسها أن ل أعيش لغيره‬
‫سففبحانه ‪ .‬وأخذت أعداد السففيدات المسففلمات الكففبيرة المتوافدة على دارى يعاهدن ال مففن جديففد أل‬
‫يعشفن إل لكلمفة الحفق وتبليغهفا‪ ،‬واتفقفن معفي على عقفد اجتماعات بمنازلهفن تتولى الواعظات فيهفا‬
‫إرشاد السيدات إلى مبادئ السلم ‪ ،‬ولكن حكومة الطاغية التي كانت تتعقب الدعاة إلى ال في كل‬
‫مكان بهذه الجتماعات ‪ ,‬أرسلت إلى السيدات اللئى يتم الوعظ في منازلهن وقامت بتهديدهن وأخذ‬
‫التعهد أل يعقدن اجتماعا للوعظ في بيوتهن واقتصر النشاط بعد ذلك على النشاط الفردي ‪.‬‬

‫المساومة ثم المخادعة‬

‫أخففذ رجال المباحففث والمخابرات الناصففرية يطلبون مقابلتففي ويعرضون عروضففا لعادة المركففز‬
‫العام للسففيدات المسففلمات ‪ .‬وكانففت هذه العروض تكلفنففي أن أشترى الدنيففا بالخرة ‪ .‬وعلى سففبيل‬
‫‪7‬‬
‫المثال عرضوا على إعادة إصففدار مجلة السففيدات المسففلمات باسففمي كرئيسففة للتحريففر وصففاحبة‬
‫المتياز مقابل ‪ 300‬جنيه شهريا‪ ،‬على أن ل يكون لي شأن بما يكتب في المجلة ‪ .‬وكان جوابي ‪:‬‬
‫مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية عبد الناصر فأنا‬
‫لم أعتد إل أن أكون مسئولة مسئولية فعلية ‪ .‬كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة‬
‫قدرهففا عشرون ألف جنيففه سففنويا‪ ،‬على أن يكون مففن مؤسففسات التحاد الشتراكففي ‪ . .‬وكانففت‬
‫إجابتففي‪ :‬إن شاء ال ‪ ،‬لن يكون عملنففا إل للسففلم‪ .‬إن الذيففن يتكسففبون بالسففلم ل يسففتطيعون‬
‫خدمتفه ‪ ،‬وكان هذا الرد يغضبهفم ‪ .‬ولكنهفم يحاولون إغرائي المرة بعفد المرة ‪ .‬وكنفت أتعجفب مفن‬
‫الطريقفة ومفن إصفرارهم على هذه المحاولت الفاشلة‪ ،‬ولكننفي اكتشففت بعفد ذلك وعرففت لماذا هفم‬
‫حريصون على مخادعتي ‪.‬‬

‫خفافيش الليل‬

‫فففي إحدى المسفيات ‪ ،‬وأنفا ففي منزلي‪ ،‬اسفتأذن ثلثفة رجال لمقابلتفي‪ ، ،‬وبعفد دخولهفم إلى حجرة‬
‫الصفالون ذهبفت إليهفم فوجدتهفم يلبسفون (غتراً) عربيفة ‪ ،‬ولمفا سفلمت عليهفم قدموا لي أنفسفهم على‬
‫أنهم من سوريا‪ ،‬قادمون من السعودية للفسحة في القاهرة لمدة عشرة أيام وأنهم قابلوا في السعودية‬
‫السفتاذ سفعيد رمضان والشيفخ مصفطفى العالم وكامفل الشريفف ومحمفد العشماوي وفتحفي الخولي‬
‫(هؤلء مفن الخوان الذيفن فروا مفن الطاغوت وظلمفه )‪ ،‬وهفم يسفلمون على الخوان ففي مصفر‬
‫ويريدون أن يطمئنوا عليهفففم وعلى تنظيمهفففم ‪ ،‬وقفففد أمرونفففا بالنضمام إلى هذا التنظيفففم ونحفففن‬
‫مسفتعدون لتنفيفذ الوامفر والبقاء ففي مصفر لمعاونفة التنظيفم ‪ .‬ثفم أخذوا يتحدثون عفن الخوان وعفن‬
‫عبفد الناصفر وكيفف أنفه يضطهفد الخوان المسفلمين ثفم تكلموا عفن أحداث سفنة ‪ 1954‬وعفن حفل‬
‫جماعة الخوان المسلمين واستشهاد عبد القادر عودة وزملئه ‪ ،‬وكيف أنهم مستعدون للخذ بالثأر‬
‫وقتفل عبفد الناصفر‪ ،‬وأن هذا هفو رأى كامفل الشريفف والعشماوي ورمضان والخولي والعالم ‪ .‬ولمفا‬
‫كنفت أسفمع لهفم فقفط ‪ ،‬طلبوا منفى الجابفة‪ ،‬فقلت ‪" :‬أنفا أسفمع إلى أشياء جديدة على ومصفطلحات ل‬
‫أدرى عنها شيئا"‪ .‬قالوا‪" :‬سنرجع لك يا أخت زينب مرة أخرى لنعرف رأى المرشد ورأى التنظيم‬
‫في هذا ‪ . " . . .‬فأجبتهم باقتضاب ‪" :‬أولً ‪ :‬أنا ل أعرف شيئا يسمى التنظيم في الخوان ‪ .‬وأسمع‬
‫أن الخوان كجماعة قد حلت كما تقول الحكومة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أنا ل أحدث المرشد في مثل هذه المور‪ ،‬فصداقتي به وصلتي ‪ :‬إخوة !سلمية ومحبة عائلية‬
‫‪ .‬ثالثا ‪ :‬إن قتل عبد الناصر شيء غير وارد عند المسلمين كما أتصور‪ ،‬وأنا أنصحكم بالعودة إلى‬
‫بلدكفم والشتغال بتربيفة أنفسفكم إسفلميا" ‪ .‬وبعفد أن كانوا يسفتمعون إلي وهفم وقوف جلسفوا وقال‬
‫أحدهم ‪" :‬الظاهر الخت زينب غير مقتنعة ‪ .‬من الذي خرب بلد المسلمين غير عبد الناصر؟" ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ليس من رسالة الخوان المسلمين قتل عبد الناصر وسألتهم أن يعطوني أسماءهم فأعطوني‬
‫أسفماء تلعثموا كثيرا وهفم ينطقوا بهفا‪ ،‬وكانفت ‪ :‬عبفد الشاففي عبفد الحفق ‪ ،‬عبفد الجليفل عيسفى‪ ،‬عبفد‬
‫الرحمن خليل ‪ .‬ضحكت لمصادفة وجود كلمة "عبد في السماء الثلثة‪ ،‬وكان واحد فقط هو الذي‬
‫ذكفر أسفماء الثلثفة‪ .‬وقلت لهفم ‪ :‬خيفر لكفم أن ترجعوا إلى بلدكفم قبفل أن تمسفك بكفم مخابرات عبفد‬
‫الناصر إن كنتم ل تعرفونها‪ ،‬وليس لكم بها صلة فعل وأنا أعتقد ذلك وأجاب أحدهم ‪ :‬على كل حال‬
‫لك الحق في أن تشكى يا حاجة فينا‪ ،‬ستريننا مرة أخرى وستعرفين من نحن ‪ .‬وانصرفوا‪ .‬وزارني‬
‫الخ عبد الفتاح إسماعيل فذكرت له قصة الزوار السوريين( المزعومين ) ‪. . .‬‬

‫كلهم أحمد راسخ !‬


‫‪8‬‬
‫لم يمفض أسفبوعان على الزيارة الولى حتفى فوجئت بزيارة رجفل يدعفى أحمفد راسفخ قدم لي نفسفه‬
‫على أنه من المباحث العامة ‪ .‬وأخذ يسألني عما بيني وبين السوريين الذين زاروني ‪ . . .‬فوضحت‬
‫له أنني مدركة تماما أنهم جواسيس وليسوا إخوانا سوريين ‪ ،‬وأنهم في المباحث قد أرسلوهم ‪ ،‬وأن‬
‫هذه أعمال صفبيانية سفخيفة‪ ،‬فقفد فعلوا كفل مفا يريدون ‪ ،‬صفادروا المجلة والمركفز العام فمفا الذي‬
‫يريدونه بعد ذلك ؟ ! وكان أغرب ما سألني عنه ما أعنيه في أحاديثي عن جمالوف وجمالفة ‪ .‬فقلت‬
‫له ‪ :‬إن هؤلء ملحدة يفخرون بالنتماء إلى الباطفل وأهله ‪ .‬وغيفر الحديفث قائل ‪" :‬إننفا مسفلمون يفا‬
‫حاجفة" قلت ‪" :‬إن المسفلمين غيفر ذلك ؟ قال ‪" :‬لو تفاهمفت معنفا لصفبحت مفن الغفد وزيرة للشئون‬
‫الجتماعيففة" ‪ .‬فضحكففت سففاخرة وقلت ‪" :‬المسففلمون ل تغريهففم المناصففب ‪ ،‬ول يشتركون فففي‬
‫حكومات علمانيففة إلحاديففة ‪ .‬ومركففز المرأة المسففلمة يوم تقوم حكومففة السففلم سففتقرره الحكومففة‬
‫السفلمية ‪ .‬ماذا تريدون منفى؟" قال ‪" :‬نريفد أن نتفاهفم معفا" قلت ‪" :‬هذا مسفتحيل ‪ ،‬أناس يدعون‬
‫للكففر ويرفعون شعارات الضلل ‪ . .‬وأناس يدعون لتوحيفد ال واليمان بفه ‪ . .‬فكيفف يتففق هذا؟" ‪.‬‬
‫ثفم أردففت قائلة "توبوا إلى ال واسفتغفروه وارجعوا إليفه ‪ . . .‬أرجفو إنهاء المقابلة" ‪ .‬وكان قفد فرغ‬
‫مفن القهوة التفي قدمفت له فقام منصفرفا وهفو يقول ‪" :‬وال نحفن نريفد أن نتفاهفم معفك ‪ .‬ويوم نتفاهفم‬
‫معفك ‪ ،‬سفتكونين أنفت التفي سفتصدرين قرارا بإعادة جماعفة السفيدات المسفلمات وكذلك المجلة" ‪،‬‬
‫قلت له ‪ :‬شكرا ‪ . .‬السلم في غنى عن الهيئات والجماعات التي ترضى بالعمالة لعداء السلم ‪،‬‬
‫ربنفا يهديكفم ويتوب عليكفم " ‪ .‬وبعفد يوميفن مفن هذه الزيارة وقففت عربفة حكوميفة على باب منزلي‬
‫ونزل منهفا شاب يرتدى ملبفس كحليفة اللون وكنفت أجلس ففي شرففة المنزل فدخفل وقال ‪" :‬السفلم‬
‫عليكفم يفا حاجفة زينفب " ‪ .‬فرددت السفلم ودعوتفه لدخول المنزل ‪ ،‬ودخفل حجرة الضيوف وقدم لي‬
‫نفسه ‪ . .‬أحمد راسخ ضابط من المباحث العامة ‪ ،‬ونظرت إليه بتدقيق وكآني أبحث طوله وعرضه‬
‫‪ ،‬فقفد دعيفت مرة إلى وزارة الداخليفة لمقابلة شخفص يسفمى أحمفد راسفخ ! ‪ . . .‬وذهبفت إلى هناك‬
‫وكان فوق مكتبفه لوحفة مكتوبفا عليهفا أحمفد راسفخ ‪ ،‬ثفم حدث أن زارنفي قبفل يوميفن الشخفص الذي‬
‫يسمى نفسه ‪ :‬أحمد راسخ ‪ ،‬وها هو شخص ثالث يدعى أحمد راسخ يزورني ! !‬
‫اسففم واحففد لثلث شخصففيات مختلفففة‪ . . .‬أخذت أنظففر إليففه وأنففا ل أصففدق مففا أرى ‪ . .‬فمففن غيففر‬
‫المعقول أن يكون كفل رجال المباحفث العامفة باسفم أحمفد راسفخ ! ‪ . . .‬وشعفر بنظرتفي الفاحصفة‬
‫فسألني ‪" :‬مم تتعجبين يا حاجة زينب ؟ من زيارتي ؟ " ‪.‬‬
‫عجبفت مفن هذا المفر‪ ،‬وأجبفت سفاخرة ‪ " :‬ل ‪ . .‬إن هذا البيفت يسفتقبل ضيوففه دائمفا ‪-‬سفواء كانوا‬
‫على موعد أو غير موعد‪ -‬بترحيب وتكريم ‪ .‬ولكنى سأحكي حكاية قرأتها في جريدة الهرام على‬
‫مفا أذكفر‪ " .‬كانفت ملكفة هولندا وزوجهفا ففي ضياففة ملك إنجلترا منفذ مائتفي عام ولففت نظفر ملك‬
‫إنجلترا اهتمام ملكففة هولندا بكلب كان يجرى فففي السففتقبال ‪ ،‬هرولت إليففه فففي لهفففة وكأنهففا فقدت‬
‫الوعفي‪ ،‬وحملته إلى صدرها وأخذت تقبله بشغفف وحنان ‪ ،‬ثم أعطته لزوجها وهفى تسفر له ببعض‬
‫الكلمات وتشيففر إلى عينففي الكلب ووجهففه فأخففذ الملك الكلب وأخففذ يقبله كذلك ‪ . . .‬تعجبففت ملكففة‬
‫إنجلترا وزوجهففا ممففا رأيففا وبخاصففة بعففد أن عادت ملكففة هولندا وأخذت الكلب مففن زوجهففا وهمففا‬
‫يجففان الدموع المنهمرة مفن أعينهمفا‪ ،‬وضمتفه إلى صفدرها كطففل عزيفز عليهمفا ‪ .‬ولمفا دعيفا إلى‬
‫مائدة الطعام الملكيفة أخذت ملكفة هولندا الكلب معهفا وأخذت تطعمفه وقالت ملكفة إنجلترا‪ :‬إن الكلب‬
‫لبنتهفا الميرة‪ .‬أمفا الملك فقفد سفأل ضيوففه عفن سفر هذا التعلق بالكلب وقال وكأنفه يعتذر‪" :‬لول أن‬
‫الميرة متعلقة بهذا الكلب لهديته لكم ا ‪ .‬فقالت ملكة هولندا التي كانت تؤمن بتناسخ الرواح ‪ ،‬إن‬
‫لهفا ابنفا مات وقفد انتقلت روحفه إلى هذا الكلب وأخذت تحاول إقناع ملكفي إنجلترا بأن عينفي الكلب‬
‫همفا عينفا ابنهفا تمامفا‪ . . .‬وأقنفع ملك إنجلترا ابنتفه بإهداء الكلب لملكفة هولندا فأهدتفه لهفا فقفد كانفت‬
‫‪9‬‬
‫تسفمع القصفة مفع والديهفا"‪ .‬ثفم قلت له ‪" :‬يفا أسفتاذ راسفخ ‪ ،‬إن الذيفن يقولون بتناسفخ الرواح يدعون‬
‫بعفض الشبفه بيفن الشخفص المتوففى وبيفن الذي حلت فيفه الروح بعفد ذلك ‪ .‬ولكنفى التقيفت بثلثفة مفن‬
‫المباحث كلهم يدعى أنه أحمد راسخ ‪ ،‬ومع ذلك فهم مختلفون في الطول والعرض واللون ول يوجد‬
‫تشابففه بينهففم ‪ . . .‬فهففل قرر رئيففس جمهوريتكففم اعتناق مذهففب جديففد فففي تناسففخ الرواح وأمركففم‬
‫باعتناقفه ؟ ! فارتسفمت على وجهفه دهشفة شديدة وحيرة بالغفة ‪ .‬وقال ‪" :‬نحفن ناس طيبون يفا حاجفة‬
‫ونريد أن نتفاهم معك ‪ ،‬أنا صحيح أحمد راسخ " ‪ .‬قلت ‪" :‬وهذا المر ليس له من الهمية نصيب‬
‫"‪ .‬وسالت ‪" :‬ماذا تريد؟ "‪ .‬قال ‪" :‬إن الحكومة ترغب رغبة شديدة في التفاهم معك ‪ ،‬ونحن نعلم‬
‫أن الخوان المسفلمين خدعوك وأقنعوك بمبادئهفم ‪ ،‬والذي حدث لجماعفة السفيدات المسفلمات وحفل‬
‫مركزها العام كان سببه الخوان ‪ .‬هؤلء ناس مشاغبون ‪ .‬ونحن نريد أن تتفاهمي معنا ‪ .‬وما نريده‬
‫بسففيط جدا هففو أن نعرف الفراد القائمون بنشاط مففن الخوان المسففلمين ‪ ،‬وال يففا حاجففة الريففس‬
‫سفيحفظ لك هذه الخدمفة وففى أيام قليلة سفتلمسين نتيجفة تعاونفك معنفا‪ .‬وأنفت سفيدة طيبفة طول عمرك‬
‫ل شأن لك بشغفب الخوان المسفلمين وكففى مفا سفببوه لك مفع الحكومفة"‪ .‬وأخفذ يدعفى أن السفتاذ‬
‫المام الهضيبي والمام سيد قطب ‪ . .‬يعملن جهدهما ليتفاهما مع الرئيس ‪ ،‬ولكن الرئيس يرفض‬
‫التعاون معهما لنه ل يأمن لهما‪.‬‬
‫وأضاف ‪ :‬ولو كنفت تعرفيفن مفا يقوله الخوان عنفك لتفاهمفت معنفا ‪ . . .‬وضحكفت ‪ . . .‬ثفم قلت ‪:‬‬
‫"سأتكلم معك على أنك رجل من رجال المباحث ل يهمني الن اسمه ول رسمه ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إنففي أعتقففد أن المسففلمين الذيففن ل يعلمون مففن السففلم إل ظواهره يعرفون ويعتقدون أنكففم‬
‫بعيدون عفففن السفففلم ومحاربون له ‪ .‬أتريدون أن تتفاهمون مفففع الحفففق وأنتفففم على الباطفففل ؟ !‬
‫تسففتوردون عقائدكففم مففن الشرق والغرب وترفعون شعارات اللحاد الشيوعففي ‪ ،‬وتارة تتمسففحون‬
‫بآلهفة الرأسفمالية وضائعون بيفن الشعاريفن ‪ . .‬ومفن هذا الضياع تسفتمدون تشريعاتكفم وأحكامكفم ل‬
‫أظنني صريحة معك وكلمي واضح ل يحتاج إلى تأويل ‪ .‬السلم شيء غير ما تريدون ا ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"وال يا حاجة أنا أصلى الجمعة" ‪ .‬قلت ‪" :‬وبقية الفرائض ؟ا ‪ .‬قال ‪" :‬تعودت أن أصلى الجمعة‬
‫لن والدي كان يفعل ذلك وكان يأخذني معه إلى المسجد يوم الجمعة ‪.". . .‬‬
‫قلت له ‪" :‬ألم تسأل والدك لماذا يصلى الجمعة فقط ؟" ‪ .‬قال ‪" :‬قلوبنا مسلمة يا حاجة مادمنا نقول ‪:‬‬
‫ل إله إل ال قلت له كفاية ذلك " إن كلمة (ل إله إل ال ) بغير التزامكم بها ستكون حجة عليكم عند‬
‫ال ‪ ،‬ل حجففة لكففم "‪ .‬قال ‪" :‬الناس على ديففن ملوكهففم " ‪ .‬قلت ‪" :‬إن شاء ال تحشرون على ديففن‬
‫ملوككفم "‪ .‬قال ‪" :‬عشمفي أن نتفاهفم " ‪ .‬قلت ‪" :‬إن رسفالت النفبياء على مدى التاريفخ لم تلتفق أبدا‬
‫بالباطل وأهله إل لتدعوهم ليسلموا وجوههم ل سبحانه !‪ .‬فانصرف وهو يقول في لهجة غاضبة ‪:‬‬
‫"طبعا‪ . .‬أنا لن أجيء لك ثانية وإذا أردت التصال بي فها هو رقم تليفوني" ‪ .‬قلت له ‪" :‬متشكرة‪،‬‬
‫ل أريده " ‪ .‬وففى أواخفر شهفر يوليفه ‪ 1965‬علمفت أن هناك عمليات اعتقال ففي صففوف الخوان‬
‫المسلمين وكان لي بهذه الجماعة صلة وثيقة قديمة ‪.‬‬

‫الباب الثاني‬

‫وكانت بيعة‬

‫لم تكفن صفلتي بجماعفة الخوان المسفلمين حديثفة كمفا توهمهفا العابثون إذ كانفت تعود بتاريخهفا إلى‬
‫سنة ‪ 1357‬هف ‪ 1937‬م ‪ .‬في ذلك اليوم البعيد المبارك من ‪ 1358‬هف تقريباً وبعد ما يقرب من ستة‬
‫أشهفر على تأسفيس جماعفة السفيدات المسفلمات كان أول لقاء لي مفع المام الشهيفد حسفن البنفا ‪ .‬كان‬
‫‪10‬‬
‫ذلك عقفب محاضرة ألقيتهفا على الخوات المسفلمات ففي دار الخوان المسفلمين وكانفت يومئذ ففي‬
‫العتبة ‪.‬‬

‫كان المام المرشفد ففي سفبيله لتكويفن قسفم للخوات المسفلمات ‪ ،‬وبعفد مقدمفة عفن ضرورة وحدة‬
‫صففوف المسفلمين واتفاق كلمتهفم دعانفي إلى رئاسفة قسفم الخوات المسفلمات ‪ .‬وكان هذا يعنفى دمفج‬
‫الوليففد الجديففد الذي أعتففز بففه " جماعففة السففيدات المسففلمات " واعتباره جزء مففن حركففة الخوان‬
‫المسلمين ‪ ،‬ولم أعد بأكثر من مناقشة المر مع الجمعية العمومية للسيدات المسلمات ‪ ،‬التي رفضت‬
‫القتراح وإن حبذت وجود تعاون وثيق بين الهيئتين ‪.‬‬

‫وتكررت اللقاءات مفع تمسفك كفل منفا برأيفه وتأسفست الخوات المسفلمات ولم يغيفر ذلك مفن علقتنفا‬
‫السفلمية شيئاً ‪ .‬وحاولت ففي أخفر لقاء لنفا ففي دار السفيدات المسفلمات أن أخففف مفن غضبفه بعهفد‬
‫آخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات الخوان المسلمين على أن تظل باسمها‬
‫واسفففتقللها بمفففا يعود على الدعوة بفائدة أكفففبر ‪ .‬على أن هذا أيضًا لم يرضفففه عفففن الندماج بديلً‬
‫ودارت الحداث بسرعة ووقعت حوادث سنة ‪ 1948‬وصدر قرار حل الخوان ومصادرة أملكهم‬
‫وإغلق شعبهففا ‪ ،‬والزج باللف فففي المعتقلت وقامففت الخوات المسففلمات بنشاط يشكرن عليففه‬
‫وكانفت إحداهفن السفيدة تحيفة الجفبيلي زوجفة أخفي وابنفة عمفى ومنهفا عرففت الكثيفر مفن التفاصفيل ‪،‬‬
‫ولول مرة وجدت نفسي مشتاقة إلى مراجعة كل آراء الستاذ البنا وإصراره على الندماج الكلي ‪.‬‬
‫وففي صفبيحة اليوم التالي لحفل جماعفة الخوان كنفت بمكتفبي ففي دار السفيدات المسفلمات وففي نففس‬
‫الحجرة التففي كان بهففا آخففر اجتماع لي بالمرشففد المام ‪ ،‬ووجدت نفسففي أجلس إلي مكتففبي وأضففع‬
‫رأسي بين يدي وأبكي بكاءً شديداً ‪ ،‬فقد أحسست أن حسن البنا كان على حق فهو المام الذي يجب‬
‫أن يبايففع مففن المسففلمين جميعًا على الجهاد لعودة المسففلمين إلي مقعففد مسففئوليتهم ‪ ،‬وإلي وجودهففم‬
‫الحقيقفففي الذي يجفففب أن يكونوا فيفففه ‪ ،‬وهففو مكان الذروة ففففي العالم يقودونفففه إلي حيففث أراد ال‬
‫ويحكمونفه بمفا أنزل ال ‪ .‬وأحسفست أن حسفن البنفا كان أقوى منفي وأكثفر صفراحة ففي نشفر الحقيقفة‬
‫وإعلنهفا ‪ .‬وإن هذه الشجاعفة والجرأة هفي الرداء الذي يجفب أن يرتديفه كفل مسفلم ‪ .‬وقفد ارتداه البنفا‬
‫ودعا إليه ‪ .‬ثم وجدت نفسي أهتف بالسكرتير ليوصلني بالخ عبد الحفيظ الصيفي الذي كلفته بنقل‬
‫رسالة شفوية للمام البنا يذكره فيها بعهدي في آخر لقاء لنا … وحين عاد بتحيته ودعائه استدعيت‬
‫أخفي محمد الغزالي الجفبيلي وكلفتفه بإيصفال وريقفة صغيرة بواسفطته أو بواسطة زوجته إلي المام‬
‫المرشفد وكان ففي الوريقفة ‪ " :‬سفيدي المام حسفن البنفا … زينفب الغزالي الجفبيلي تتقدم إليفك اليوم‬
‫وهفي أمفة عاريفة مفن كفل شفي إل عبوديتهفا ل وتعبيفد نفسفها لخدمفة دعوة ال ‪ ،‬وأنفت اليوم النسفان‬
‫الوحيفد الذي يسفتطيع أن يفبيع هذه المفة بالثمفن الذي يرضيفه لدعوة ال تعالى ‪ .‬ففي انتظار أوامرك‬
‫وتعليماتك سيدي المام … " ‪.‬‬
‫وعاد شقيقفففي ليحدد لي لقاءً سفففريعاً ففففي دار الشبان المسفففلمين ‪ ،‬كان المفروض أن يحدث وكأنفففه‬
‫مصففادفة ‪ .‬ولم أكففن أعدم مففبرراً لتواجدي هناك ‪ ،‬فقففد كنففت ذاهبففة إلي صففالة دار الشبان للقاء‬
‫محاضرة ‪ ،‬والتقيت بالستاذ البنا فقلت له ونحن نصعد الدرج ‪ " :‬اللهم إني أبايعك على العمل لقيام‬
‫دولة السلم وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي ‪ ،‬والسيدات المسلمات بشهرتها " فقال ‪ " :‬وأنا قبلت‬
‫البيعة وتظل السيدات المسلمات على ما هي عليه " ‪ .‬وافترقنا على أن يكون اتصالنا بواسطة منزل‬
‫أخففي وكانففت أول رسففالة مففن المام الشهيففد تكليفاً بالوسففاطة بيففن النحاس والخوان ‪ ،‬وكان رفعففة‬
‫مصفطفى باشفا النحاس خارج الحكفم حينذاك وحدد النحاس المرحوم أميفن خليفل للقيام بإزالة سفوء‬
‫التفاهفم ورضفى بفه المام الشهيفد وكنفت حلقفة التصفال ‪ .‬وففي ليلة مفن ليالي ففبراير سفنة ‪1949‬‬
‫‪11‬‬
‫جاءني أمين خليل ليقول لي " يجب اتخاذ إجراءات ليسافر البنا من القاهرة فالمجرمون يأتمرون به‬
‫ليقتلوه ‪ .‬ولم أجفد وسفيلة للتصفال بفه مباشرة فقفد اعتقفل أخفي ‪ ،‬فحاولت التصفال بالمام الشهيفد‬
‫شخصفياً ‪ ،‬وأنفا ففي طريقفي للتصفال بلغنفي خفبر الغتيال ونقله إلى المسفتشفى ثفم تواترت الخبار‬
‫بسفرعة بسفوء حالتفه وذهفب شهيدًا إلى ربفه مفع النفبيين والصفديقين والشهداء والصفالحين وحسفن‬
‫أولئك رفيقًا ‪ .‬وكان ألمي كبيراً وكانت نقمتي على المجرمين مرة لم أحاول كتمها ‪.‬‬

‫وجاءت حكومفة اتحاد الحزاب وأصفدرت أمراً بحفل جماعفة السفيدات المسفلمات واعترضفت أمام‬
‫القضاء الذي حكففم لنففا فففي عهففد حكومففة حسففين سففري باشففا سففنة ‪ 1950‬بالعودة للنشاط ‪ .‬وكان‬
‫المحامي في هذه القضية الستاذ عبد الفتاح حسن "باشا" وجاءت حكومة الوفد وعاد الخوان إلي‬
‫نشاطهفم وهفم على بيعتهفم للمام المرشفد حسفن الهضيفبي ‪ ،‬وأحببفت ففي اليوم الول لفتتاح المركفز‬
‫العام للخوان المسلمين أن أعلن ولئي للدعوة بطريق غير مباشر إلي أن يقضي ال في المر بما‬
‫يريففد ‪ ،‬فتففبرعت بأغلى شففئ كنففت أعتفز بفه ففي أثاث منزلي وهفو طاقففم صفالون أرابيسففك مطعففم‬
‫بالصدف ليؤثث به مكتب المرشد العام ‪.‬‬

‫وسفارت المور هادئة مطمئنفة ‪ ،‬وزارنفي الشهيفد عبفد القادر عودة وشكرنفي على التفبرع وقال ‪" :‬‬
‫يسعدنا إذا أصبحت زينب الغزالي الجبيلي من الخوان المسلمين ‪ ".‬قلت ‪ " :‬أرجو أن أكونها بإذن‬
‫ال ‪ " .‬فقال ‪ " :‬قفد كانفت والحمفد ل ‪ " .‬وصفارت المور ففي هدوء ومودة بينفي وبيفن كثيرة مفن‬
‫أعضاء الجماعة حتى حكومة النقلب العسكري بقيادة اللواء محمد نجيب الذي كان قد زارني قبل‬
‫النقلب بأيام بصفحبة الميفر عبفد ال الفيصفل وليفس سفراج الديفن والشيفخ الباقوري وشقيقفي علي‬
‫الغزالي بمناسففبة وجود الميففر عبففد ال الفيصففل فففي مصففر ‪ ،‬وقففد تعاطففف الخوان مففع النقلب‬
‫وكذلك السيدات المسلمات لفترة أحسست بعدها أن المور ل تسير كما كنا نأمل وأنها ليست الثورة‬
‫المنتظرة تتويجاً لجهود سفبقت على أيدي العامليفن لنقاذ هذا البلد … وأخذت أنقفل رأيفي لمفن ألقاه‬
‫مفن الخوان ‪ .‬وحيفن عرضفت منا مناصب وزاريفة على بعض الخوان ‪ ،‬وضحت رأيفي في مجلة‬
‫السيدات المسلمات ‪ ،‬فما كان لحد من الخوان أن يقسم يمين ولء لحكومة ل تحكم بما أنزل ال ‪..‬‬
‫ومن يفعل منهم ذلك يجب فصلهم من الخوان وواجب الخوان أن يحددوا موقفهم بعد أن اتضحت‬
‫نوايا الحكومة ‪.‬‬
‫وزارني الشهيد عبد القادر عودة طالبًا مني تأجيل الكتابة في هذا الموضوع ‪ ،‬وأمسكت عددين ‪ ،‬ثم‬
‫عدت إلى الكتابفة إلى أن زارنفي الشهيفد عبفد القادر عودة للمرة الثانيفة حاملً ففي هذه المرة أمراً مفن‬
‫المرشففد العام بعدم الكتابففة فففي هذا الموضوع ‪ ،‬وتذكرت بيعتففي للبنففا ‪ -‬رحمففه ال ‪ -‬واعتقدت أن‬
‫الولء قائم بهفا للهضيفبي ‪ ،‬وامتثلت للمفر ‪ .‬ومنفذ ذلك الوقفت والبيعفة تحكفم تصفرفاتي حتفى مفا يبدو‬
‫منهفا خاصفًا كرحلة مؤتمفر السفلم ففي فيينفا التفي لم أقفم بهفا إل بعفد أن حصفلت على لذن المام‬
‫المرشد الهضيبي …‬

‫وسقط القناع‬

‫ومرت اليام وجاءت أحداث ‪ 1954‬ونكباتهفا ومخفا زيهفا التفي أسفقطت القناع عفن وجفه جمال عبفد‬
‫الناصفر لتظهفر عدائه للسفلم ومحاربتفه له ففي شخوص دعاتفه وقيادات نهضتفه ‪ ،‬وصفدرت أحكام‬
‫العدام البشعفة على قمفم القيادات السفلمية ‪ :‬الشهيفد المسفتشار عبفد القدر عودة ‪ ،‬صفاحب الفضيلة‬
‫العالم الزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام ‪ 1951‬عشرة آلف جنيه لمن‬
‫‪12‬‬
‫يأتففي بففه حياً أو ميتاً ‪ :‬الشيففخ محمففد فرغلي الذي أُهدي للسففتعمار ميتاً دون أن تخسففر الخزينففة‬
‫البريطانية مبلغ المكافأة ‪ ،‬وباقي الشهداء الكرام ‪ .‬حتى المجاهد الكبير المام حسن الهضيبي حكموا‬
‫عليففه بالعدام ‪ ،‬ولم ينفففذ ‪ ،‬فقففد أصففيب فجأة بذبحففة شديدة بالقلب نقففل على أثرهففا للمنزل وقرر‬
‫الطباء أنه لن يعيش إل ساعات ‪ ،‬وهنا ظهر عبد الناصر فأصدر عنه عفواً ‪ ،‬متوقعًا أن يقرأ نعيه‬
‫ففي الصفحف صفباح اليوم التالي ‪ .‬ولكفن قدرة ال أحبطفت كيده ‪ ،‬وعاش المام ‪ .‬فلكفل أجفل كتاب ‪،‬‬
‫نعفففم عاش ‪ ،‬ليؤدي بعفففد ذلك خدمات للمسفففلمين ويقود الدعوة السفففلمية ففففي أحلك أيام شهدتهفففا‬
‫الدعوة ‪ ،‬وقد أظهر قوة الصلبة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلدين وجعلهم‬
‫يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ‪ ،‬ولكنه ظل متمسكاً بالحق‬
‫سفائراً على طريفق أصفحاب الدعوات إلى أن شهفد هفو نهايفة عبفد الناصفر وزبانيتفه وهفو صفامد ‪،‬‬
‫راففع أعلم الحفق والتوحيفد الذي أعتقده ‪ ،‬متلبفس بكفل حبات وجوده ‪ ،‬وأخفذ بالعزيمفة ولم يتسفرب‬
‫إلى نفسه ضعف أو وهن في دين ال ورفض أن يأخذ بالرخص فيقيم في بيته وينكر بقلبه كما يفتي‬
‫ويأخفذ بذلك بعفض العلماء ‪ .‬بفل أنفي لذكفر له هذا الموقفف الكريفم الشجاع حينمفا أراد بعفض مفن‬
‫طالت عليهفففم المدة واعتراهفففم بعفففض الضعفففف أن يأخذوا بالرخصفففة ويكتبوا للطاغيفففة مؤيديفففن‬
‫وملتمسين العفو منه ‪ ،‬وسألوا المام حسن الهضيبي أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة ‪" :‬‬
‫أنفا ل أكره أحفد على الخفذ بالعزيمفة والوقوف معنفا ‪ ،‬ولكنفى أقول لكفم ‪ :‬إن الدعوات لم تقفم يوماً‬
‫بالذيفن يأخذون بالرخفص " ‪ .‬قال ذلك وهفو الشيفخ الكفبير ذو الثمانيفن عاماً ‪ ،‬وظفل بسفجن مزرعفة‬
‫طره إلى آخفر الفواج التفي أفرج عنهفا بعفد موت عبفد الناصفر … ولنفا عودة أخرى إلى تفاصفيل‬
‫أحداث ‪. 1965‬‬

‫صرخات تنادى للواجب‬

‫وفي عام ‪1955‬رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة السلمية بغير دعوة من أحد فقد كانت صرخات‬
‫اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب ودموع النساء اللتي ترملن وأزواجهن خلف قضبان السجون ‪.‬‬
‫والباء والمهات مفن الشيوخ الذيفن فقدوا فلذات أكبادهفم ‪ .‬كانفت هذه الصفرخات والدموع تنففذ إلى‬
‫أعماقفي ‪ .‬ووجدت نفسفي وكأنفي مفن المسفئولين عفن ضياع الجياع وجراح المعذبيفن ‪ .‬وأخذت أقدم‬
‫القليل ‪.‬‬

‫ولكفن أعداد الجياع تزداد يومًا بعفد يوم ‪ .‬وأعداد العرايفا كذلك ‪ .‬وأخبار الشهداء الذيفن يقضفى عليهفم‬
‫تحفت سفياط الفجرة المارقيفن القسفاة الجاحديفن ‪ .‬والمدارس والجامعات تتطلب مصفاريف وأدوات‬
‫وملبففس ‪ .‬وأصففحاب المنازل يطالبون بإيجار منازلهففم ‪ .‬وزادت المشكلة تعقيداً وثقففل الحمففل على‬
‫حامله ‪ .‬واتسع الخرق على الراقع وبخاصة بعد عام ونصف ‪ .‬وبالتحديد في منتصف ‪ 1956‬حينما‬
‫خرج بعض أعداد من المعتقلين الذين لم يحكم عليهم ‪ .‬كان البعض منهم في اشد الحاجة لمن يزوده‬
‫بالمال والطعام والملبفس والمأوى ‪ .‬كفل هذا والمسفلمون ففي هذا البلد الطيفب ففي مصفر التفي نكبفت‬
‫بمففن قاد النقلب ليففس فيهففم مففن يعففي واجبففه ‪ .‬بففل على العكففس مففن ذلك وجدنففا كثيراً مففن علماء‬
‫وشيوخ الدين يتبرءون من المجاهدين …‬

‫كان الجميففع مففن المتفرجيففن على مففا يحدث ‪ .‬حتففى الذيففن يبكون للمأسففاة ويتألمون كانوا يكتمون‬
‫آلمهفم ويخفون دموعهفم خشيفة أن يتهمهفم الطاغيفة بأنهفم مسفلمون ‪ .‬ولمفا اشتفد بفي اللم على مفا‬
‫وصلت إليه المور ‪ .‬ولم أجد لنفسي مخرجاً ‪ .‬ذهبت لزيارة أستاذي الجليل صاحب الفضيلة الشيخ‬
‫‪13‬‬
‫محمفد الودن ‪ .‬وهفو مفن القلة القليلة التقيفة النقيفة مفن رجال الزهفر ‪ .‬وكنفت أسفتشيره ففي كفل مفا‬
‫يعرض لي مفن أمور الدعوة وعلوم السفلم ‪ .‬وكان يعتقفد معفي أن عدم اندماج السفيدات المسفلمات‬
‫ربما يخدم الخوان في فترة مقبلة ‪ .‬وقد كان يعلم ببيعتي للبنا ويباركها ويؤيدها كما كان يعلم ولئي‬
‫للدعوة بعد استشهاد البنا وقبله ‪ .‬وجلست إليه أحدثه عن مأساة السر ‪ .‬كان يستمع إليّ في ألم شديد‬
‫‪ .‬وأنهيت حديثي بعرض ما فكرت في عمله في حدود إمكانياتي ‪ .‬وكنت أرى أنه ل يكفي أن نتألم‬
‫وجراح الجوع وجراح السففياط وجراح العرايففا وتشرد النسففاء والطفال يجرى بقسففوة وشدة فففي‬
‫دوائر حياة الدعاة والملبيففن والمجاهديفن لتكون كلمففة ال هفي العليفا ‪ .‬وأرى أنفي أسفتطيع كرئيسفة‬
‫للسيدات المسلمات أن أقدم العون إن شاء ال لسر الخوان بما يمكني ال فيه ‪ .‬فقبل فضيلته رأسي‬
‫ل لي ‪ :‬ل تترددي في أي عون ‪ .‬وال هو المبارك للخطى ‪ .‬وعدت لوضح له موقفي‬ ‫وهو يبكي قائ ً‬
‫في الجماعة والثقة المطلقة في شخصي من السيدات المسلمات أعضاء الجماعة فقال لي فضيلته ‪:‬‬
‫قد أصبح فرضاً حتميًا عليك أن ل تبخلي بجهد في هذا الطريق وما تقومين به اجعليه بينك وبين ال‬
‫تبارك وتعالى ثففم أضاف ‪ :‬إن المنقففذ الوحيففد بأمففر ال للسفففلم هففم هؤلء المعذبون " الخوان‬
‫المسلمون " ل أمل لنا إل في ال ثم في إخلصهم وما يبذلون في سبيل الدعوة ‪ .‬اعملي يا زينب كل‬
‫ل مفا أسفتطيع ‪ .‬وبذلت جهدي ففي أن أقدم شيئًا ولم يشعفر أحفد أنفي‬ ‫مفا تسفتطيعين عمله ‪ .‬وعملت فع ً‬
‫أفعفل شيئاً ‪ .‬فقفد كان فرد أو فردان همفا اللذان أُسفلمهما مفا أسفتطيع على أنهفا أشياء مرسفلة لي وأنفا‬
‫مكلفة بنقلها إليهم فقط ‪.‬‬

‫ثفم علمفت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكفبيرة حرم السفتاذ الهضيفبي تبذل هفي أيضاً مجهودًا كفبيراً‬
‫مع بعض الفضليات الكريمات من الخوات المسلمات مثل ‪ :‬المجاهدة آمال العشماوي حرم الستاذ‬
‫منيفر الدلة وكانفت هفي بنفسفها على رأس الخوات المسفلمات ‪ .‬ومثفل خالدة حسفن الهضيفبي وأمينفة‬
‫قطب وحميدة قطب وفتحية بكر والمجاهدة أمينة الجوهري وعلية الهضيبي وتحية سليمان الجبيلي‬
‫‪ .‬واتسعت اتصالتي رويدًا رويداً فاتصلت بخالدة الهضيبي في سرية شديدة ثم بحميدة قطب وأمينة‬
‫قطب ‪ .‬وكل ذلك من أجل المعذبين والطفال واليتامى ‪.‬‬

‫على الطريق مع عبد الفتاح إسماعيل‬

‫كان أول لقاء لي به في عام ‪ 1957‬وفي موسم الحج ‪ .‬كنت في ميناء السويس على رأس بعثة الحج‬
‫لجماعة السيدات المسلمات ‪ ،‬وكان معي في المودعين شقيقي محمد الغزالي الجبيلي فوجدته مقبلً‬
‫عليّف ففي صفحبة إنسفان يكسفو وجهفه نور ومهابفة يغفض بصفره ‪ ،‬قدمفه لي أخفي قائلً ‪ :‬الخ عبفد‬
‫الفتاح إسفماعيل ‪ ،‬كان مفن أحفب شباب الخوان إلى المام الشهيفد حسفن البنفا ‪ ،‬كان فضيلة المرشفد‬
‫يحبه ويؤثره وله فيه ثقة مطلقة ‪ ،‬وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتى تعرفيه ‪ ،‬وحياني‬
‫الخ وهفو يقول سفأكون إنشاء ال معكفم ففي الباخرة ‪ ،‬فرحبفت بفه وانصفرف ‪ ،‬وصفعدنا إلى الباخرة‬
‫وتحركت بعيداً عن الشاطئ وانشغلت بمطالب البعثة ‪ ،‬بعثة حج السيدات المسلمات‪ .‬وعندما ذهبت‬
‫إلى حجرتففي بعففد تناول الغداء ‪ ،‬سففمعت طرقات على الباب ‪ ،‬أذنففت بالدخول فتكرر الطرق ثانيففة‬
‫ولكفن الطارق كان يذهفب بعيداً عفن فتحفة الباب ‪ ،‬ولمفا سفمع صفوتي يأذن بالدخول للمرة الثالثفة ‪.‬‬
‫دخفل فوجدتفه الخ الذي قدمفه لي شقيقفي على رصفيف الميناء ‪ ..‬قال ففي إخبات وهفو يطرق إلى‬
‫الرض بعفد أن ألقفى عليّف السفلم ‪ ..‬أنفا أعلم بحمفد ال أن بينفك وبيفن المام الشهيفد حسفن البنفا بيعفة‬
‫بعفد طول خلف ‪ ،‬ولمفا سفألته عفن مصفدر معلوماتفه أجاب ‪ :‬المام الشهيفد نفسفه طيفب ال ثراه ‪..‬‬
‫فسألته عما يريد ‪ ،‬أجاب ‪ :‬أن نلتقي في مكة لوجه ال نتحدث فيما كان البنا يريده منك إن شاء ال ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫كانت كلمات سهلة العبارات طيبة النوايا لينة ‪ ،‬لكنها مع بساطتها قوية صادقة ثقيلة التكاليف تحمل‬
‫ل للتفكيففر ‪ .‬قلت إنشاء ال فففي دار بعثففة السففيدات المسففلمات بمكففة أو‬
‫معنففى المففر ول تترك مجا ً‬
‫بجدة ‪ ،‬ولمفا سفأل عفن العناويفن حدثتفه عفن أخويفن ففي جدة قال إنفه يعرفهمفا وهمفا الشيفخ العشماوي‬
‫ومصطفى العالم وكلهما يستطيع أن يرشده إلى مكان إقامتي بمكة وجدة ‪ .‬حياني الخ وانصرف ‪.‬‬

‫وففي ليلة مفن ليالي ذي الحجفة كنفت على موعفد بعفد صفلة العشاء مفع فضيلة المرحوم الشيفخ المام‬
‫محمفد بفن إبراهيفم المفتفي الكفبر للملكفة العربيفة السفعودية حينذاك ‪ ..‬وكنفا نبحفث معاً مذكرة قدمتهفا‬
‫لجللة الملك أشرح له فيهفا ضرورة تعليفم البنات ففي المملكفة ‪ ،‬وأطلب منفه السفراع ففي تنفيفذ هذا‬
‫المشروع ‪ ،‬مبينة مصلحة المملكة في ذلك ‪ ،‬وحولت المذكرة على فضيلة المفتي الذي طلب مقابلتي‬
‫‪ .‬وقضيفت سفاعتين أبحفث المشروع معفه ‪ .‬وعنفد انصفرافي مفن مجلسفه ‪ ،‬أخذت طريقفي إلى باب‬
‫السلم وكان في نيتي أن أطوف حين أوقفني صوت يناديني باسمي محييا بتحية السلم ‪ ،‬والتفت‬
‫فإذا به عبد الفتاح إسماعيل وسألني عن وجهتي ولما عرف أنها الطواف ثم دار البعثة صحبني إلى‬
‫المسجد وطفنا بالبيت معًا وبعد صلة سنة الطواف جلسنا تجاه الملتزم وأخذ يتحدث فيما يريد ‪.‬‬

‫سفألني عفن رأيفي ففي قرار حفل الخوان ‪ .‬أجبفت أنفه قرار باطفل شرعاً ‪ .‬قال ‪ :‬هذا المفر الذي أريفد‬
‫بحثفه معفك ‪ ..‬ولمفا سفألته أن يزورنفي ففي دار البعثفة اسفتبعدها كمكان لمثفل هذه المور خوفًا مفن‬
‫أجهزة التجسفس الناصفرية ‪ ،‬واتفقنفا على أن نجتمفع ففي مكتفب عمارة الحرم المكفي ‪ ..‬ففي مكتفب‬
‫معالي الرجل الصالح الشيخ صالح القزاز ‪ ،‬واجتمعنا هناك ولكنه أسر إليّ أن الفضل أن نلتقي في‬
‫الحرم وانصفرف هفو على أن نلتقفي خلف مقام إبراهيفم ‪ .‬وبعفد ركعتفي الطواف جلسفنا خلف مبنفى‬
‫زمزم بالقرب مففن مقام إبراهيففم ‪ ،‬وأخففذ يتحدث عففن بطلن قرار حففل جماعففة الخوان المسففلمين‬
‫ووجوب تنظيفم صففوف الجماعفة وإعادة نشاطهفا ‪ ،‬واتفقنفا على أن نتصفل بعفد العودة مفن الرض‬
‫المقدسة بالمام حسن الهضيبي المرشد العام لنستأذنه في العمل ‪ .‬وقال عندما هممنا بالنصراف ‪:‬‬
‫يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع ال على أن نجاهد في سبيله ‪ ،‬ل نتقاعس حتى نجمع صفوف الخوان‬
‫ونفاصفل بيننفا وبيفن الذيفن ل يرغبون ففي العمفل أيفا كان وضعهفم ومقامهفم ‪ ،‬وبايعنفا ال على الجهاد‬
‫والموت في سبيل دعوته ‪ .‬وعدت إلي مصر …‬

‫الذن بالعمل‬

‫ومع أوائل ‪ 1958‬كانت لقاءاتي قد تعددت بعبد الفتاح إسماعيل في منزلي وفي دار المركز العام‬
‫للسيدات المسلمات ‪ .‬كنا نبحث في أمور المسلمين محاوليفن بكل جهدنا أن نفعل شيئًا للسلم يعيد‬
‫لهذه المفة مجدهفا وعقيدتهفا ‪ ،‬مبتدئيفن بسفيرة الرسفول عليفه الصفلة والسفلم والسفلف الصفالح ومفن‬
‫بعدهم ‪ ،‬جاعلين منهجنا مستمداً من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكانفت خطفة العمفل تسفتهدف تجميفع كفل مفن يريفد العمفل للسفلم لينضفم إلينفا ‪ ..‬كان ذلك كله مجرد‬
‫بحوث ووضفع خطفط حتفى نعرف طريقنفا ‪ ،‬فلمفا أردنفا أن نبدأ العمفل كان لبفد مفن اسفتئذان السفتاذ‬
‫الهضيبي باعتباره مرشداً عاماً لجماعة الخوان ‪ ،‬لن دراساتنا الفقهية حول قرار الحل انتهت إلى‬
‫أنه باطل لن عبد الناصر ليس له ولء ول تجب له طاعة على المسلمين حيث أنه يحارب السلم‬
‫ول يحكم بكتاب ال تعالى ‪ ..‬والتقيت بالستاذ الهضيبي لستأذنه في العمل باسمي وباسم عبد الفتاح‬
‫إسفماعيل ‪ ،‬وأذن لنفا ففي العمفل بعفد لقاءات عديدة شرحفت له فيهفا الغايفة وتفاصفيل الدراسفات التفي‬
‫قمففت بهففا وعبففد الفتاح ‪ .‬وكان أول قرار لبدء العمففل هففو أن يقوم الخ عبففد الفتاح عبده إسففماعيل‬
‫‪15‬‬
‫بعملية استكشاف على امتداد مصر كلها ‪ .‬على مستوى المحافظة والمركز والقرية ‪ ،‬والمقصود من‬
‫هذا أن نتففبين مففن يرغففب فففي العمففل مففن المسففلمين ومففن يصففلح للعمففل معنففا ‪ ،‬مبتدئيففن بالخوان‬
‫المسلمين لجعلهم هم النواة الولى لهذا التجمع ‪..‬‬

‫وبدأ الخ عبد الفتاح إسماعيل جولته بادئاً بالذين خرجوا من السجون من الخوان والذين لم يدخلوا‬
‫لتختبر معادنهم وهل أثرت المحنة في عزيمتهم ‪ ،‬وهل دخول من دخل السجن جعلهم يبتعدون عما‬
‫يعرضهففم للسففجن مرة أخرى أم أنهففم ل يزالون على ولئهففم للدعوة مسففتعدين للتضحيففة بكففل غال‬
‫ورخيص في سبيل ال ونصرة دينه ‪. .‬‬
‫كانفت عمليفة اسفتكشاف لبفد منهفا حتفى نبدأ العمفل على أرض صفلبة ‪ ،‬وحتفى نعرف مفن يصفلح‬
‫ل ‪ ،‬وكنفا ندرس معاً التقاريفر التفي يقدمهفا عبفد الفتاح إسفماعيل عفن كفل منطقفة ‪ ،‬وكنفت أزور‬ ‫فع ً‬
‫المرشفد العام وأبلغفه مجمفل مفا اتفقنفا عليفه ومفا وصفلنا إليفه ‪ ..‬وكنفا إذا عرضنفا عليفه صفورًا مفن‬
‫الصففعوبات التففي نلقيهففا ‪ ،‬قال ‪ :‬اسففتمروا فففي سففيركم ول تلتفتوا إلى الوراء ‪ ،‬ل تغتروا بعناويففن‬
‫الرجال وشهرتهفم ‪ .‬أنتفم تبنون بناء جديدًا مفن أسفاسه ‪ .‬وكان تارة يقفر مفا يعرض عليفه وتارة يعطفي‬
‫بعفض التوجيهات ‪ .‬ومفن هذه التوجيهات أنفه أوصفانا بأن نضمفك إلى مراجفع بحوثنفا " المحلي لبفن‬
‫حزم " ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1959‬انتهت بحوثنا إلى وضع برنامج للتربية السلمية ‪ ،‬وأشهد ال على أنه لم يكن في‬
‫برنامجنفا غير تربيفة الفرد المسلم الذي يعرف واجبه تجاه ربفه وتكويفن المجتمفع المسفلم الذي سيجد‬
‫نفسفه بالضرورة مفاصفلً للمجتمفع الجاهلي ‪ .‬ولمفا كانفت جماعفة الخوان المسفلمين معطلً نشاطهفا‬
‫بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة ‪ 1954‬كان ضروريًا أن يكون النشاط سرياً ‪.‬‬

‫وقفة مع زوجي‬

‫لم يكن عملي في هذا النشاط يعطلني عن تأدية رسالتي في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات‬
‫ول يجعلنفي أقصفر ففي واجفبي السفري ‪ ،‬غيفر أن زوجفي الفاضفل المرحوم محمفد سفالم سفالم لحفظ‬
‫تردد الخ عبد الفتاح إسماعيل وبعض لبنات طاهرة زكيه من الشباب المسلم على منزلنا ‪ .‬فسألني‬
‫زوجفي ‪ :‬هل هناك نشاط للخفوان المسلمين ؟ أجبت ‪ :‬نعم ‪ . .‬فسألني عن مدى النشاط ونوعيته ‪.‬‬
‫‪ .‬قلت ‪ :‬إعادة تنظيفم جماعفة الخوان ‪ ..‬ولمفا أخفذ يبحفث المفر معفي قلت له ‪ :‬هفل تذكفر يفا زوجفي‬
‫العزيز عندما اتفقنا على الزواج ‪..‬‬
‫ماذا قلت لك ؟ قال ‪ :‬نعم اشترطت شروطاً ‪ ،‬ولكني أخاف عليك اليوم من تعرضك للجبابرة ‪.‬‬
‫ثم صمت وأطرق برأسه فقلت له ‪ :‬أنا أذكر جيداً ما قلت لك ‪ :‬لقد قلت لك يومها ‪ :‬إن هناك شيئاً في‬
‫حياتي يجب عليك أن تعلمه أنت لنك ستصبح زوجي ‪ ،‬ومادمت قد وافقت على الزواج فيجب أن‬
‫أطلعفك عليفه على ألّ تسفألني عنفه بعفد ذلك ‪ ،‬وشروطفي بخصفوص هذا المفر ل أتنازل عنهفا ‪ . .‬أنفا‬
‫رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ‪ ..‬وهذا حق ‪ ،‬ولكن الناس في أغلبهم يعتقدون أني‬
‫أدين بمبادئ الوفد السياسية ‪ ،‬وهذا غير صحيح ‪ ..‬المر الذي أومن به وأعتقده هو رسالة الخوان‬
‫المسفلمين ‪ ..‬ما يربطنفي بمصفطفى النحاس هو الصداقة الشخصية ‪ ،‬لكني على بيعفة مع حسفن البنا‬
‫على الموت في سبيل ال ‪ ،‬غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني ‪،‬‬
‫ولكنففي أعتقففد أنففي سفأخطو هذه الخطوة يومًا مففا بففل وأحلم بهففا وأرجوهففا ‪ ،‬ويومهففا إذا تعارضففت‬
‫مصفلحتك الشخصفية وعملك القتصفادي مفع عملي السفلمي ووجدت أن حياتفي الزوجيفة سفتكون‬
‫عقبففة فففي طريففق الدعوة وقيام دولة السففلم فسففنكون على مفرق طريففق ‪ ،‬ويومهففا أطرقففت إلى‬
‫‪16‬‬
‫الرض ثفم رفعفت رأسفك والدموع محبوسفة ففي عينيفك لتقول ‪ :‬أنفا أسفألك لتقول ‪ :‬أنفا أسفألك ماذا‬
‫يرضيك من المطالب المادية فل تسألين ول تطلبين أي شئ من مهر أو مطالب زواج ‪ ،‬وتشترطين‬
‫عليّ أل أمنعك عن طريق ال ‪..‬‬
‫أنا ل أعلم أن لك صلة بالستاذ البنا ‪ ،‬والذي أعلمه أنك اختلفت معه بشأن انضمام جماعة السيدات‬
‫المسلمات إلي الخوان المسلمين ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬الحمد ل ‪ ،‬اتفقنفا أثناء محنة الخوان سنة ‪ 1948‬قبفل استشهاد البنفا ‪ ،‬وكنت قررت أن ألغي‬
‫أمففر الزواج مففن حياتففي ‪ ،‬وأنقطففع للدعوة انقطاعاً كليًا ‪ ..‬وأنففا ل أسففتطيع أن أطلب منففك اليوم أن‬
‫تشاركنففي هذا الجهاد ‪ ،‬ولكففن مففن حقففي أن اشترط عليففك أل تمنعنففي جهادي فففي سففبيل ال ‪ ،‬ويوم‬
‫تضعني المسئولية في صفوف المجاهدين فل تسألني ماذا أفعل ولتكن الثقة بيننا تامة ‪ ،‬بين رجل‬
‫يريد الزواج من امرأة وهبت نفسها للجهاد في سبيل ال وقيام الدولة السلمية وهي في سن الثامنة‬
‫عشرة ‪ ،‬وإذا تعارض صالح الزواج والدعوة إلى ال ‪ ،‬فسينتهي الزواج وتبقى الدعوة في كل كياني‬
‫‪..‬‬

‫ثم توقفت عن الكلم برهة ونظرت إليه قائلة ‪ :‬هل تذكرت ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قلت ‪ :‬اليوم أطلب منك أن‬
‫ل منه سبحانه‬‫تفي بوعدك ‪ ..‬ل تسألني بمن ألتقي ‪ .‬وأدعو ال أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا فض ً‬
‫إذا تقبل عملي ‪ . .‬أنا أعلم أن من حقك أن تأمرني ومن واجبي أن أطيعك ولكن ال أكبر في نفوسنا‬
‫مفن أنفسفنا ‪ ،‬ودعوتفه أغلى علينفا مفن ذواتنفا ‪ .‬ونحفن ففي مرحلة خطيرة مفن مراحفل الدعوة ‪ . .‬قال ‪:‬‬
‫سفامحيني ‪ ،‬أعملي على بركفة ال ‪ .‬يفا ليتنفي أعيفش وأرى غايفة الخوان قفد تحققفت ‪ ،‬وقامفت دولة‬
‫السلم ‪ ..‬يا ليتني كنت في شبابي فأعمل معكم …‪.‬‬

‫وكثفر العمفل ‪ ،‬والنشاط وتدففق الشباب على بيتفي ليلً و نهار ‪ ،‬وكان الزوج المؤمفن يسفمع طرقات‬
‫الباب ففي جوف الليفل فيقوم مفن نومفه ويفتفح للطارقيفن ويدخلهفم إلي حجرة المكتفب ‪ ،‬ويذهفب إلي‬
‫حجرة السيدة التي تدير أعمال البيت فيوقظها ويطلب منها أن تعد للزائرين بعض الطعام والشاي ‪،‬‬
‫ثفم يأتفي إليّف فيوقظنفي ففي إشفاق وهفو يقول ‪ :‬بعفض أولدك ففي المكتفب وعليهفم علمات جهفد أو‬
‫سففر ‪ ،‬وأرتدي ملبسفي وأذهفب إليهفم ويأخفذ هفو طريقفه إلى مكان نومفه وهفو يقول لي ‪ :‬إذا صفليتم‬
‫الفجر جماعة فأيقظيني لصلي معكم إن كان ذلك ل يضر ‪ ،‬فأجيب إنشاء ال ‪.‬‬
‫فإن صفلينا الفجفر أيقظتفه ليصفلي معنفا ثفم ينصفرف ‪ ،‬وهفو يحيفي الموجوديفن تحيفة أبويفة مملوءة‬
‫بالشفقة والحب والحنان ‪.‬‬

‫التصال بالمام الشهيد سيد قطب‬

‫في عام ‪ 1962‬التقيت بشقيقات المام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد سيد قطب بالتفاق مع الخ عبد‬
‫الفتاح إسفماعيل وبإذن مفن السفتاذ حسفن الهضيفبي ‪ ،‬المرشفد العام للخوان المسفلمين ‪ ،‬للتصفال‬
‫بالمام سيد قطب في السجن لخذ رأيه في بعض بحوثنا والسترشاد بتوجيهاته ‪ .‬طلبت من حميدة‬
‫قطففب أن تبلغ الخ سففيد قطففب تحياتنففا ورغبففة الجماعففة المجتمعففة لدراسففة منهففج إسففلمي فففي‬
‫السفترشاد بآرائه ‪ ..‬وأعطيتهفا قائمفة بالمراجفع التفي ندرسفها وكان فيهفا تفسفير ابفن كثيفر ‪ ،‬والمحلي‬
‫لبفن حزم ‪ ،‬والم للشافعفي وكتفب ففي التوحيفد لبفن عبفد الوهاب وففي ظلل القرآن لسفيد قطفب ‪،‬‬
‫وبعففد فترة رجعففت إلي حميدة وأوصففت بدراسففة مقدمففة سفورة النعام ‪ ..‬الطبعفة الثانيفة وأعطتنففي‬

‫‪17‬‬
‫ملزمة من كتاب قالت ‪ :‬إن سيد يعده للطبع واسمه معالم في الطريق ‪ ..‬وكان سيد قطب قد ألفه في‬
‫السجن وقالت لي شقيقته ‪ ،‬إذا فرغتم من قراءة هذه الصفحات سآتيكم بغيرها ‪.‬‬
‫وعلمفت أن المرشفد اطلع على ملزم هذا الكتاب وصفرح للشهيفد سفيد قطفب بطبعفه ‪ ..‬وحيفن سفألته‬
‫قال لي ‪ :‬على بركة ال ‪ ..‬إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد ‪ ،‬ربنا يحفظه ‪ ،‬لقد قرأته وأعدت‬
‫قراءتففه وأعدت قراءتففه ‪ ،‬إن سففيد قطففب هففو المففل المرتجففى للدعوة الن ‪ ،‬إن شاء ال وأعطانففي‬
‫المرشفد ملزم الكتاب فقرأتهفا فقفد كانفت عنده لخفذ الذن بطبعهفا وقفد حبسفت نفسفي ففي حجرة بيفت‬
‫المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق " ‪.‬‬

‫وأخذنا نعيد الدراسة والبحث من جديد في صورة نشرات قصيرة توزع على الشباب ليدرسوها ثم‬
‫تدرس بتوسففع فففي حلقات ‪ ،‬وكانففت الفكار متفقففة والغايات غيففر مختلفففة فانسففجمت الدراسففة مففع‬
‫الوصفايا والصففحات التفي كانفت تأتينفا مفن المام الشهيفد سفيد قطفب رحمفه ال وهفو داخفل السفجن ‪،‬‬
‫وكانفففت ليالي طيبفففة وأياماً خالدة ولحظات قدس مفففع ال ‪ ،‬يجتمفففع عشرة أو خمسفففة مفففن الشباب‬
‫ويقرءون عشفر آيات تراجفع أحكامهفا وأوامفر السفلوك فيهفا وكفل غاياتهفا ومقاصفدها ففي حياة العبفد‬
‫المسفلم ‪ .‬وبعفد تفهمهفا واسفتيعابها يتقرر النتقال إلي عشفر آيات أخرى إقتداء بأصفحاب النفبي صفلى‬
‫ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومرت أيام حلوة طيبفة ونعمفة مفن ال تحتوينفا ونحفن ندرس وندرس ونربفي أنفسفنا ونهيفئ للدعوة‬
‫رجالهفا بشباب اقتنفع بضرورة العداد لقيام دعوة الحفق العادل ‪ ..‬وقرر وجوب حتميفة إعداد أجيال‬
‫في شخوص هذا الشباب الذي نرجوه أساتذة في التوجيه والعداد للجيال المقبلة ‪.‬‬
‫قررنا فيما قررنا ف بتعليمات من المام سيد قطب وبإذن الهضيبي ف أن تستمر مدة التربية والتكوين‬
‫والعداد والغرس لعقيدة التوحيفد ففي النفوس ‪ .‬والقناعفة بأنفه ل إسفلم إل بعودة الشريعفة السفلمية‬
‫وبالحكفم بكتاب ال وسفنة رسفوله لتصفبح شريعفة القرآن مهيمنفة على كفل حياة المسفلمين ‪ ،‬قررنفا أن‬
‫يستغرق برنامجنا التربوي ثلثة عشر عامًا ‪ ،‬عمر الدعوة في مكة ‪ ،‬على أن قاعدة المة السلمية‬
‫الن هففم الخوان الملتزمون بشريعففة ال وأحكامففه فنحففن ملزمون بإقامففة كففل الوامففر والنواهففي‬
‫الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا السلمية ‪ ..‬والطاعة واجبة علينا لمامنا المبايع ‪ ،‬على‬
‫أن إقامفة الحدود مؤجلة فف مفع اعتقادها والذود عنها فف حتى تقوم الدولة ‪ ..‬وكنفا على قناعفة كذلك بأن‬
‫الرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوفر فيها صفات المة السلمية الملتزمة التزاماً كاملً ‪..‬‬
‫كمفا كان المفر ففي عهفد النبوة والخلفات الراشدة‪ ،‬ولذلك وجفب الجهاد على الجماعفة المسفلمة التفي‬
‫حكففم ال والتمكيففن لدينففه فففي الرض حتففى يعود جميففع المسففلمين للسففلم فيقوم الديففن القيففم ‪ ،‬ل‬
‫شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة ‪.‬‬

‫ودرسفنا كذلك وضفع العالم السفلمي كله بحثاً عفن أمثلة لمفا كان قائمًا مفن قبفل بخلففة الراشديفن‬
‫والتفي نريدهفا نحفن ففي جماعفة ال الن ‪ ،‬فقررنفا بعفد دراسفة واسفعة للواقفع القائم المؤلم ‪ ،‬أن ليفس‬
‫هناك دولة واحدة ينطبفق عليهفا ذلك ‪ ،‬واسفتثنينا المملكفة العربيفة السفعودية مفع تحفظات وملحظات‬
‫يجب أن تستدركها المملكة وتصححها ‪ ،‬وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة السلم ليست قائمة ‪،‬‬
‫وإن كانفت الدولة ترففع الشعارات بأنهفا تقيفم شريعفة ال ‍‍! …‪ .‬وكان فيمفا قررناه بعفد تلك الدراسفة‬
‫الواسففعة ‪ ،‬أنففه بعففد مضففي ثلثففة عشففر عامًا مففن التربيففة السففلمية للشباب والشيوخ والنسففاء‬
‫والفتيات ‪ ،‬نقوم بمسح شامل في الدولة فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة السلمية المعتقدين‬
‫بأن السفلم ديفن ودولة ‪ ،‬والمقتنعيفن بقيام الحكفم السفلمي قفد بلغ ‪ %75‬مفن أفراد المفة رجالً‬
‫ونسفاءً ‪ ،‬نادينفا بقيام الدولة السفلمية ‪ ،‬وطالبنفا الدولة بقيام حكفم إسفلمي ‪ ،‬فإذا وجدنفا الحصفاد ‪25‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ %‬جددنا التربية والدراسة لمدة ثلثة عشر عامًا أخرى وهلم جرا ‪ ،‬حتى نجد أن المة فد نضجت‬
‫لتقبل الحكم بالسلم ‪.‬‬

‫وما علينا أن تنتهي ‍‍أجيال وتأتي أجيال ‪ ،‬المهم أن العداد مستمر ‪ ،‬المهم أن نظل نعمل حتى تنتهي‬
‫آجالنفا ثفم نسفلم الرايفة مرفوعفة " بل إله إل ال ‪ ،‬محمفد رسفول ال " إلى البناء الكرام الذيفن يأتون‬
‫مفن بعدنفا ‪ .‬وكنفا على اتصفال بالسفتاذ محمفد قطفب ‪ ،‬بإذن مفن المرشفد العام ‪ ،‬كان يزورنفا ففي بيتفي‬
‫بمفص الجديدة ليوضفح للشباب مفا غمفض عليهفم فهمفه وكان الشباب يسفتوضحونه ويسفألونه أسفئلة‬
‫كثيرة يجيب عليها ‪.‬‬

‫الباب الثالث‬
‫‪19‬‬
‫المؤامرة‬

‫وخرج الستاذ الشهيد سيد قطب من السجن ‪ ،‬وسبق خروجه بشهور عملية محاولة اغتيالي التي لم‬
‫تنجح ‪ ،‬والتي تحدثنا عنها في أول هذه المذكرات ‪ ،‬وانتقلت إلينا أخبار بان إخراج الشهيد سيد قطب‬
‫مففن السففجن تخطيففط مففن المخابرات ليسففهل اغتياله ‪ ،‬وأن فففي خطففة الغتيالت القضاء على عبففد‬
‫الفتاح عبده إسفماعيل ‪ . .‬وعشنفا متوكليفن على ال نعمفل وخلف ظهورنفا مفا يدبر الفجار‪ ،‬غيفر أننفا‬
‫أخذنفا ندرس مفا وصفلنا مفن أخبار عفن رعفب الفجار الحاكميفن ‪ ،‬فقفد أصفبحوا يتوهمون أن هناك‬
‫حركة فكرية يقودها سيد قطب من داخل السجن ‪ ،‬وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من الخوان‬
‫المسفلمين ‪ ،‬على رأسفها الشهيفد عبفد الفتاح إسفماعيل وزينفب الغزالي الجفبيلي خارج السفجن ‪ . .‬وقفد‬
‫تأكدت لدينا الخبار بان المخابرات المريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد‬
‫قدموا تقاريفر مشفوعفة بتعليمات لعبفد الناصفر بأخفذ المفر منتهفى الجفد للقضاء على هذه الحركفة‬
‫السلمية ‪ ،‬ول فسينتهي كل ما فعله عبد الناصر في المنطقة من تحويل عن الفكر السلمي وبث‬
‫اليأس في النفوس من إمكان أي إصلح أو بعث عن طريق السلم ‪. .‬‬
‫وخلصفة المخاوف ‪ :‬أن هذه الحركفة السفلمية سفتقضي على كفل فكفر مغايفر للسفلم ‪ .‬هذا مفا‬
‫وصفلنا إجمال عمفا تحويفه تقاريفر المخابرات المريكيفة والروسفية لعبفد الناصفر‪ ،‬ومفن ناحيفة أخرى‬
‫فان عبد الناصر اعتبر أن البعث السلمي بمثابة قضاء تام على حكمه الدكتاتوري الغاشم ‪ . .‬وفى‬
‫أوائل أغسفطس ‪ 1965‬وصفلتني أخبار عفن إعداد قائمفة مفن المطلوب اعتقالهفم مفن رعيفل رسفالة‬
‫التربيفة الجديدة والفكفر الذي أقام مفن الشباب جواهفر نورانيفة تتحرك بالسفلم ‪ .‬كمفا كان يتحرك بفه‬
‫رجال من الصدر الول في فجر الرسالة إلى دار ابن أبى الرقم ‪ ،‬ويتصدر القائمة الستاذ الشهيد‬
‫سففيد قطففب ‪ ،‬زينففب الغزالي الجففبيلي‪ ،‬عبففد الفتاح عبده إسففماعيل ‪ ،‬محمففد يوسففف هواش ‪ .‬وفففى‬
‫الخامس من أغسطس وصلتني أخبار اعتقال الشهيد سيد قطب ‪ .‬كنت مجتمعة مع بعض الخوات‬
‫حين جاءتني مكالمة هاتفية قيل لي فيها‪ :‬إن منزل سيد قطب قد فتش وبحث فيه عنه ‪ .‬وكان شقيقة‬
‫السفتاذ محمفد قفد اعتقفل ففي مرسفى مطروح قبفل أيام ‪ ،‬فطلبفت زوجفي ففي رأس البر ورجوتفه أن‬
‫يطمئننى على سيد قطب وجاءت مكالمة زوجي بعد ساعة تؤكد اعتقاله ‪.‬‬
‫وقررنفففا تأجيفففل الجتماع بالخوات حتفففى نرى ماذا بعفففد العتقالت ‪ ،‬وكان اعتقال سفففيد قطفففب‬
‫كالصفاعقة بالنسفبة لجميفع الشباب ‪ ،‬فضل عنفا نحفن ‪ ،‬فقفد كان الهضيفبي قفد أوكفل كفل المسفئوليات‬
‫لسفيد قطفب ‪ ،‬وكانفت اتصفالتنا كلهفا بفه حسفب أمفر الهضيفبي‪ ،‬وكان علينفا بعفد اعتقاله أن نرجفع إلى‬
‫المرشد العام ‪ ،‬نستأذنه فيمن يتولى المسئولية بدل من سيد‪ .‬كنت أنا وعبد الفتاح ‪ ،‬نفكر فيما حدث‬
‫قبففل أن يحدث بخمسففة أيام ‪ ،‬فلمففا حدث ‪ ،‬زارنففي عبففد الفتاح وكلفنففي بالسفففر لرؤيففة المرشففد فففي‬
‫السفكندرية وقدم لي أحفد أبنائنفا مفن الشباب على أنفه سفيكون حلقفة التصفال بيننفا إذا اعتقفل هفو ‪. .‬‬
‫ولكن بعد ساعات أرسل إلى يطلب منى أن ألزم بيتي‪ ،‬وألغى سفري للسكندرية ‪ -‬غير أنى كنت قد‬
‫اتصفلت بالمرشد‪ ،‬وجاءت السفيدة حرمفه من السكندرية ‪ -‬ورتب المر على أن نكون على اتصال‬
‫دائم بالهضيبي‪ ،‬هذه المرة قدم لي أخا كريما ليكون حلقة التصال بيننا‪ . .‬مرسى مصطفى مرسى ‪.‬‬
‫واتصلت بالمرشد العام وأخبرته بواقع المر‪ ،‬وأقرنا على ما اتفقنا عليه وتأثر تأثرا عميقا لخبار‬
‫العتقالت وبخاصفة اعتقال سفيد قطفب ‪ .‬وأخذت الخبار تتوالى بالقبفض على العشرات والمئات ‪،‬‬
‫وارتففع إلى اللف ‪ ،‬وقفد أقسفم لي شمفس بدران بعفد اعتقالي برأس عبفد الناصفر اعتقلوا مائة ألف‬
‫مفن الخوان ففي عشريفن يومفا‪ ،‬ملئوا بهفم السفجن الحربفي وسفجن القلعفة وسفجن أبفي زعبفل وسفجن‬
‫الفيوم والسفكندرية وطنطفا وسفجوناً أخرى ‪ .‬وففى يوم الخميفس ‪ 19‬أغسفطس ‪ ،‬علمفت أن سفيدة‬
‫‪20‬‬
‫فاضلة تناهفز الخامسفة والثمانيفن تدعفى أم أحمفد مفن شفبرا قفد قبضوا عليهفا‪ ،‬وهفى مفن المناصفرين‬
‫للدعوة من يومها الول ‪ ،‬وسارت في الطريق مع المام الشهيد حسن البنا خطوة خطوة‪ ،‬وكان لها‬
‫جهفد كفبير مبارك ففي مسفاعدة السفر التفي فقدت العائل بالسفجن والمعتقلت الناصفرية ‪ . .‬وكانفت‬
‫على اتصفال دائم بنفا ‪ . .‬كان خفبر اعتقالهفا مفزعفا ومؤثرا بالنسفبة لي‪ ،‬ولكنفى قلت لبفن أختهفا بعفد‬
‫دقائق صفمت أغرقتنفي باللم ‪" :‬إنفه شيفء جميفل ‪ . .‬مفا دام ففي الرض التفي ضاعفت معالمهفا امرأة‬
‫مؤمنة تعتقل في سبيل ال ‪ ،‬وفى سبيل دولة القران ‪ ،‬وهي في الخامسة والثمانين ‪ ،‬فمرحى مرحى‬
‫يا جنود ال " ‪! . .‬‬
‫وأرسلت لبنتي في السلم غادة عمار وقلت لها ‪" :‬اليوم اعتقلت مجاهدة جليلة فاضلة تدعى الست‬
‫أم أحمد‪ ،‬وتقطن بناحية شبرا ولدى أموال لحساب أسر المسجونين وشؤون الدعوة فها هي إليك يا‬
‫غادة‪ ،‬فإذا اعتقلت فسفلميها للمرشفد أو لل قطفب ‪ ،‬وسفلمتها مظروففا فيفه أموال الجماعفة التفي كانفت‬
‫أمانففة عندي‪ ،‬وهففى اشتراكات مففن الخوان المسففلمين ‪ .‬وعلمففت بعففد ذلك وأنففا فففي السففجن أن هذا‬
‫المبلغ أودعتفه غادة عنفد ابنتفي ففي السفلم فاطمفة عيسفى وعندمفا قبفض عليهفا الطغاة اسفتولوا على‬
‫هذا المال الذي كان ثمففن الطعام وأجففر المسففاكن ومصففاريف التعليففم والعلج لبناء المسففجونين‬
‫وأسفرهم ‪ ،‬تلك السفر التفي ل ذنفب لهفا ول جريمفة‪ ،‬ومفا قررت دولة النقلب العسفكري لتفبيدهم إل‬
‫لنهفم مفن القاعدة الخالدة على التاريفخ لتجديفد أمفر المفة السفلمية ‪ .‬علمفت بذلك عندمفا جيفء بغادة‬
‫عمار وعليفة الهضيفبي إلى زنزانتفي ففي السفجن الحربفي فقلت ‪" :‬حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ‪ ،‬الدنيفا‬
‫ساعة ‪ ،‬أما الخرة فهي دارنا والحساب هناك " ‪ .‬ومرت ساعات رهيبة تحمل لي أخبار اعتقالت‬
‫جديدة‪ ،‬ومرة أخرى جاءنفي رسفول طلب منفى أن أسفافر إلى السفكندرية لمقابلة المرشفد‪ .‬كان ذلك‬
‫في مساء الخميس ‪ 19‬أغسطس ‪ ،‬وبينما كنت أستعد للسفر جاء آخر وطلب منى تأجيل السفر لحين‬
‫صدور أوامر أخرى ‪.‬‬

‫وجاء دوري‬

‫وففى فجفر الجمعفة ‪ 20‬أغسفطس ‪ 1965‬اقتحفم رجال الطاغوت منزلي‪ ،‬ولمفا طلبفت منهفم إذنفا‬
‫بالتفتيش ‪ ،‬قالوا‪ :‬إذن ! أي إذن يا مجانين ؟ نحن في عهد عبد الناصر‪ ،‬نفعل ما نشاء معكم يا كلب‬
‫‪!..‬‬
‫وأخذوا يقهقهون في صورة هستيرية وهم يقولون ‪ :‬الخوان المسلمون مجانين ‪ ،‬قال إيه ‪ ،‬يريدون‬
‫إذن تفتيش في حكم عبد الناصر! ودخلوا البيت وأتلفوا ما فيه بالتمزيق تارة وبالتكسير تارة أخرى‬
‫حتفى لم يتركوا شيئا سليما ‪ .‬وكنفت أنظفر إليهفم باحتقار وهم يمزقون فراش المنزل ‪ .‬وأخيرا قبضوا‬
‫على ابن أخي الطالب في كلية المعلمين محمد محمد الغزالي‪ ،‬وكان يقيم معي كابني وقالوا لي ‪ :‬ل‬
‫تغادري البيففت ‪ .‬قلت ‪ :‬أفهففم مففن ذلك أن إقامتففي محددة ‪ .‬قالوا ‪ :‬إلى حيففن صففدور أوامففر أخرى‪،‬‬
‫واعلمي أن البيت تحت الحراسة فإذا تحركت فسيقبض عليك ‪ .‬وظننت أن المر سيقف عند تحديد‬
‫القامفة‪ ،‬وجاء لزيارتفي شقيقتفي وأولدهفا وزوجهفا‪ ،‬وكنفت أعفد حقيبتفي اسفتعدادا للقبفض على ‪.‬‬
‫ورجوت زوج شقيقتفي مغادرة المنزل حتفى ل يقبضوا عليفه إن عادوا ووجدوه كمفا فعلوا مفع ابفن‬
‫أخفي‪ .‬ولكنفه أصفر على البقاء رغفم محاولتفي المتكررة ففي إفهامفه أن الوقفت ليفس وقفت مجاملة أو‬
‫نحوه ‪ .‬وبينمفا كنفا نتناول الغداء اقتحفم المنزل زبانيفة الطاغوت وأتوا على البقيفة الباقيفة واسفتولوا‬
‫على مفا ففي الخزانفة ‪ .‬واسفتولوا على مفا يزيفد على نصفف مكتبتفي‪ ،‬ولم تفلح محاولتفي ففي إنقاذ‬
‫بعفض المؤلفات القديمفة ففي التفسفير والحديفث والفقفه والتاريفخ ممفا يعود تاريفخ طبعفه إلى أكثفر مفن‬
‫مائة عام ‪ ،‬كمفا لم تفلح محاولتي في الحتفاظ بمجموعات ثلث من مجلة السفيدات المسلمات التي‬
‫‪21‬‬
‫أوقففت بأمفر عسفكري سفنة ‪ ، 1958‬فقفد صفادروا كفل مفا أرادوا وللخزانفة وقتهفا قصفة عجيبفة ‪ .‬فقفد‬
‫كانت الخزانة لزوجي إل أن بها أشياء تخصني أيضا‪ .‬فلما طلبوا المفتاح قلت لهم ‪ :‬إنه مع زوجي‬
‫وهفو مسفافر ففي مصفيفه ‪ ،‬فإذا بهفم يهتفون برجفل منهفم يأمرونفه بفتفح الخزانفة ‪ ،‬وتقدم هذا الرجفل‬
‫وفتح الخزانة بآلت ومفاتيح كانت معه ‪ ،‬كأي لص متمرس ! ! ولما طلبت منهم إيصال بما أخذوه‬
‫قالوا في سخرية ‪" :‬أنت مجنونة ‪ .‬أنت فاكرة نفسك شاطرة‪ ،‬إخرسي بلش دوشة" ‪ .‬وقبضوا على‬
‫وأدخلوني عربة وجدت فيها ابن أخي الذي قبضوا عليه في الفجر‪ ،‬وشابا من شباب الدعوة‪ ،‬سألت‬
‫ابن أخي ‪ :‬إيه يا محمد؟ فلم يجبني ففهمت أن التعليمات إليه أن ل يتكلم ‪ ،‬وكانوا قد أتوا به ليرشدهم‬
‫إلى المنزل لن هؤلء كانوا غير زوار الفجر‪ . .‬وأخذت العربة تنهب بنا الطريق حتى وصلت إلى‬
‫السجن الحربي‪ ،‬عرفت ذلك من اللوحة الموجودة على بوابته ‪ ،‬واقتحمت السيارة البوابة المرعبة ‪،‬‬
‫وبعدمفا ابتلعفت البوابفة السفيارة ومفن فيهفا ‪ .‬أنزلت منهفا واتجفه بفي وغفد غليفظ إلى حجرة اسفتجوبني‬
‫فيهفا وغفد آخفر‪ ،‬وأدخلت منهفا إلى حجرة أخرى ‪ .‬ووقففت أمام رجفل ضخفم الجثفة مظلم الوجفه قبيفح‬
‫اللفظ ‪ ،‬فسأل الذي يمسك ذراعي عنى فأجابني بسباب غلف فيه أسمي‪ ،‬ومع ذلك التفت هو إلى في‬
‫غلظفة وسفألني مفن أنفت ! ‪ .‬قلت ‪" :‬زينفب الغزالي الجفبيلي" ‪ .‬فانطلق يسفب ويلعفن بمفا ل يعقفل ول‬
‫يتصفور‪ .‬وصفرخ الذي يمسفك بذراعفي قائل ‪" :‬دا رئيفس النيابفة يفا بنفت الففف ‪ . . .‬ردى على سفعادته‬
‫"‪ ،‬وكان الخر قد صمت‬
‫قلت ‪ :‬لقد اعتقلوني أنا وكتبي وكل ما في الخزانة‪ ،‬فأرجو حصر هذه الشياء وتسجيلها فمن حقي‬
‫أن تعاد إلى ‪ .‬أجاب رئيس النيابة المزعوم الذي وضح فيما بعد أنه شمس بدران ‪ ،‬أجاب في فجور‬
‫وجاهليفة متغطرسفة‪" :‬يفا بنفت الفففف ‪ . . .‬نحفن سفنقتلك بعفد سفاعة‪ ،‬كتفب إيفه ؟ وخزنفة إيفه ؟ ومصفاغ‬
‫إيفه ؟ أنفت سفتعدمين بعفد قليفل ‪ ،‬كتفب إيفه وحاجات إيفه اللي بتسفألي عليهفا يفا بنفت الفففف ‪ ، . . .‬إحنفا‬
‫سندفنك كما دفنا عشرات منكم يا كلب هنا في السجن الحربي" لم أستطع أن أجيب ‪ ،‬لن الكلمات‬
‫كانففت بذيئة اللفاظ سففافلة‪ ،‬والسففباب والشتائم منحطففة إلى الحففد الذي ل يسففتطيع فيففه النسففان أن‬
‫يسمعها فضل عن أن يجيب عنها‪.‬‬
‫وقال هذا المتغطرس للذي يمسفففك ذراعفففي ‪ :‬خذهفففا ‪ . . .‬قال ‪ :‬إلى أيفففن ؟ أجاب ؟ هفففم عارفون ‪.‬‬
‫وجذبنفي الفاجفر ففي وحشيفة وهفو يقول ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪ . . .‬وعنفد الباب نادى صفاحب الجثفة الغليظفة‬
‫المظلمة على الشيطان الممسك بذراعي فالتفت إليه ‪ ،‬فكأني أرى ظلمة من دخان غليظ أسود تغرقه‬
‫‪ ،‬قلت فففي سففرى ‪ :‬أعوذ بال مففن الشيطان الرجيففم ‪ ،‬ثففم تضرعففت إلى ال قائلة‪ :‬اللهففم أنزل على‬
‫سكينتك وثبت قدمي في دوائر أهل الحق ‪ ،‬واربط على قلبي بذكرك وارزقني الرضا بما يرضيك ‪.‬‬
‫وقال الممسفك بذراعفي للشيطان ‪ :‬نعفم يفا معالي الباشفا ‪ .‬قال له ‪ :‬تروح رقفم ‪ 24‬وبعفد ذلك تأتونفي ‪.‬‬
‫وانصرف بي الشيطان الشقي الممسك بذراعي وأدخلني حجرة ‪ ،‬فرأيت رجلين يجلسان إلى مكتب‬
‫ففي يفد أحدهمفا مفكرة كنفت أعرفهفا‪ ،‬وهفى خاصفة بالخ الشهيفد عبفد الفتاح إسفماعيل ‪ ،‬كان يخرجهفا‬
‫ففي حلقات القران ونحفن نتدارس ويدون بهفا بعفض ملحظاتفه ‪ ،‬فعرففت أنفه اعتقفل وبعفض الخوان‬
‫إذ كان عنده اجتماع بهفم ففي ذلك الوقفت ‪ ،‬وأحدث ذلك رعدة ففي نفسفي خشيفت أن يلحظهفا بعفض‬
‫الشياطيففن ‪ ،‬وكان أذان العصففر يخترق سففمعي‪ ،‬وترك الشيطان رقبتففي ولكففن ظللت فففي مكانففي‬
‫فصفليت إلى ال ‪،‬ومفا أن انتهيفت مفن الصفلة حتفى انكفب الشيطان على ففي وحشيفة‪ ،‬قيفل له ‪ :‬اذهفب‬
‫بها إلى ‪. 24‬‬

‫الطريق إلى الحجرة ‪24‬‬

‫خرج بفي الشيطان وهفو ممسفك بذراعفي‪ ،‬وسفار معنفا اثنان مفن الشياطيفن سفود الوجوه ممسفكان‬
‫‪22‬‬
‫بالكرابيفج ‪ ،‬سفاروا بفي ففي أنحاء متعددة مفن السفجن الحربفي ‪ . .‬ورأيفت الخوان المسفلمين معلقيفن‬
‫على العواد والسفياط تلهفب أجسفادهم العاريفة‪ ،‬وبعضهفم سفلطت عليفه الكلب الضالة لتمزق جسفده‬
‫بعد السياط ‪ .‬وبعضهم يقف ووجهه إلى الحائط في انتظار دوره من التعذيب والتنكيل ‪ .‬كنت أعرف‬
‫عددا كفبيرا مفن هؤلء الشباب المؤمنيفن التقياء النقياء‪ ،‬أبنائي وأحبائي ففي ال ‪ ،‬أصفحاب مجالس‬
‫التفسفير والحديفث والحياة النديفة الذكيفة ففي دارى ‪ ،‬ففي دارهفم ‪ ،‬ففي دار ابفن أبفى الرقفم ‪ ،‬ففي هدأة‬
‫السفحر‪ ،‬ففي أنوار الفجفر ‪ .‬عرففت منهفم الكثيفر‪ ،‬رأيفت العجفب ‪ ،‬هذه النماط البشريفة الفريدة ففي‬
‫إنسانيتها ‪ ،‬المترفعة بإسلمها ‪ ،‬الموصولة بالسماء المرموقة بعين القدرة المنزهة المتمتعة بحضرة‬
‫ال سفبحانه وتعالى ‪ ،‬شباب السفلم ‪ ،‬شيوخ السفلم ‪ ،‬هذا مصفلوب على خشبفة ‪ ،‬هذا منكففئ على‬
‫وجهففه للحائط ‪ ،‬والسففياط تنزل عليففه تأكففل مففن ظهره ‪ ،‬هذا ينزف مففن جففبينه الذي لم ينحففن إل ل‬
‫والنور يغمففر وجهففه المنسففاب مففن رأسففه المرتفففع المعتففز بال ‪ ،‬وذاك ظهره للحائط ‪ ،‬كففل الوجوه‬
‫يجرى فيهففا نور التوحيففد‪ . .‬ولكففن نزيففف الدم مففن الوجوه والظهور شيففء مخيففف ‪ .‬وصففرخ شاب‬
‫مصفلوب على خشبفة ‪ :‬أماه ! ثبتفك ال ! قلت ‪ :‬والنور قفد غطفى المكان فلمفع لون الدم فيفه ‪ :‬أبنائي ‪،‬‬
‫إنها بيعة‪ ،‬صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ‪.‬‬
‫ورففع الشيطان يده وهفو يهوى بهفا على صفدغي وأذنفي‪ ،‬فأخذت عينفي تدور وأذنفي كذلك كأن ماسفا‬
‫كهربيفا قفد مسفها‪ ،‬وانكشفف النور عفن أجسفام ممزقفة وأشلء متناثرة تمل المكان ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ففي سفبيل‬
‫ال وسفففففففففففففففمعت صفففففففففففففففوتا كأنفففففففففففففففه يأتفففففففففففففففي مفففففففففففففففن الجنفففففففففففففففة ‪:‬‬
‫اللهفم ثبفت القدام ‪ ،‬اللهفم احفظهفم مفن الفجرة ‪ .‬لولك ربفى مفا اهتدينفا‪ ،‬ول تصفدقنا ول صفلينا ‪. .‬‬
‫فثبففت القدام إن لقينففا ‪ .‬وارتفعففت أصففوات السففياط وتزاحمففت ‪ ،‬ولكففن صففوت اليمان أقوى‬
‫وأوضفح ‪ ،‬وكانفت برهفة‪ ،‬وخرج صفوت آخفر كأنفه مقبفل مفن السفماء يقول ‪" :‬ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له "‪ .‬وقلت ثانية ‪" :‬صبرا يا أبنائي إنها بيعة‪ ،‬صبرا إن موعدكم الجنة" ‪ .‬وأخذت يد الفاجر‬
‫ظهري بضربة موجعة أليمة ساخنة‪ ،‬فقلت ‪" :‬ال أكبر ول الحمد‪ ،‬اللهم صبرا ورضا‪ ،‬اللهم شكرا‬
‫وحمدا على مففا أنعمففت بففه علينففا مففن السففلم واليمان والجهاد فففي سففبيلك " ‪ .‬وفتففح باب لحجرة‬
‫مظلمة فدخلتها ثم أغلقوا بابها ‪.‬‬

‫في الحجرة ‪24‬‬

‫ابتلعتني الحجرة فقلت ‪ :‬باسم ال السلم عليكم ‪ .‬وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية! إنها للتعذيب‬
‫! الحجرة مليئة بالكلب ! ل أدرى كفم ! ! أغمضفت عينفي ووضعفت يدي على صفدري مفن شدة‬
‫الفزع ‪ ،‬وسفمعت باب الحجرة يغلق بالسفلسل والقفال وتعلقفت الكلب بكفل جسفمي‪ ،‬رأسفي ويدي‪،‬‬
‫صفدري وظهري‪ ،‬كفل موضع في جسمي‪ ،‬أحسست أن أنياب الكلب تغوص فتحفت عيني من شدة‬
‫الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى ووضعت يدي تحت إبطي وأخذت أتلو أسماء ال الحسنى‬
‫مبتدئة ب "يفا ال ‪ ،‬يفا ال " وأخذت أنتقفل مفن اسفم إلى اسفم ‪ ،‬فالكلب تتسفلق جسفدي كله ‪ ،‬أحفس‬
‫أنيابهفا ففي فروة رأسفي‪ ،‬ففي كتففي‪ ،‬ففي ظهري‪ ،‬أحسفها ففي صفدري‪ ،‬ففي كفل جسفدي‪ ،‬أخذت أنادى‬
‫ربى هاتفة‪" :‬اللهم اشغلني بك عمن سواك ‪ ،‬اشغلني بك أنت يا إلهي يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد‪،‬‬
‫خذنففي مففن عالم الصففورة‪ ،‬اشغلنففي عففن هذه الغيار كلهففا‪ ،‬اشغلنففي بففك ‪ ،‬أوقفنففي فففي حضرتففك ‪،‬‬
‫إصفبغني بسفكينتك ‪ ،‬ألبسفني أرديفة محبتفك ‪ ،‬ارزقنفي الشهادة فيفك والحفب فيفك والرضفا بفك والمودة‬
‫لك وثبفت القدام يفا ال ‪ ،‬أقدام الموحديفن " ‪ .‬كفل هذا كنفت أقوله بسفري‪ ،‬فالكلب ناشبفة أنيابهفا ففي‬
‫جسففدي ‪ .‬مرت سففاعات ثففم فتففح الباب وأخرجففت مففن الحجرة ‪ .‬كنففت أتصففور أن ثيابففي البيضاء‬
‫مغموسة في الدماء‪ ،‬كذلك كنت أحس وأتصور أن الكلب قد فعلت ‪ .‬لكن يا لدهشتي‪ ،‬الثياب كأن لم‬
‫‪23‬‬
‫يكن بها شيء‪ ،‬كأن نابا واحدا لم ينشب في جسدي‪ .‬سبحانك يا رب ‪ ،،‬إنه معي‪ ،‬يا ال هل أستحق‬
‫فضلك وكرمك ‪ ،‬يا ال يا إلهي لك الحمد ‪ .‬كل هذا أقوله أيضا في سرى‪ ،‬فالشيطان ممسك بذراعي‬
‫يسألني ‪ :‬كيف لم تمزقك الكلب ؟ والسوط في يده وخلفي شيطان ثان بيده سوط أيضا ‪ .‬كان الشفق‬
‫الحمفر يكسفو السفماء ينبفئ بأن الشمفس قفد غربفت ‪ ،‬وأننفا أوشكنفا على العشاء إذن فقفد تركفت مفع‬
‫الكلب اكثففر مففن ثلث سففاعات ‪ .‬لك الحمففد يففا إلهففي على كففل حال ‪ .‬اخترقوا بففي طريقففا توهمتففه‬
‫طويل‪ ،‬فتح باب ‪ :‬ابتلعتني الساحة المخيفة خلفه ‪ .‬ثم ابتلعني ممر طويل مخيف على جانبيه أبواب‬
‫مغلقفة ‪ .‬أحفد البواب منفرج بعفض الشيفء يطفل منفه وجفه منيفر‪ ،‬خرج منفه بعفض النور فبدد بعفض‬
‫ظلم الممر‪ ،‬عرفت فيما بعد أنه باب الزنزانة رقم ‪ 2‬التي تسبق زنزانتي رقم ‪ 3‬ويسكنها الضابط‬
‫الكففبير محمففد رشاد مهنففا الذي كان يومففا وصففيا على عرش مصففر الذي توهففم الفجرة أن الخوان‬
‫سينصبونه رئيسا للجمهورية فاعتقلوه ‪ .‬وفتح باب الزنزانة رقم ‪ . . 3‬فابتلعتني ‪.‬‬

‫الزنزانة رقم ‪3‬‬

‫وفتفح باب الزنزانفة ( ‪ ) 3‬فابتلعتنفي واختطفتنفي ظلمتهفا وأغلق الباب خلففي ففي اللحظفة التفي أشعفل‬
‫فيها مصباح معلق في سقف الزنزانة‪ ،‬كان الضوء مخيفا مرعبا لشدته ل تستطيع أن تفتح عينك فيه‬
‫‪ .‬فعرففففففففففففففففففففففففت للتفففففففففففففففففففففففو أنفففففففففففففففففففففففه للتعذيفففففففففففففففففففففففب أو الرهاق ‪.‬‬
‫وبعفد فترة طرقفت الباب ‪ ،‬وجاء مارد أسفود ففي غلظتفه سفألني عمفا أريفد‪ ،‬فاسفتأذنت ففي الذهاب إلى‬
‫دورة المياه للوضوء ‪ ،‬فأجاب فففففففي وحشيففففففة ممنوع طرق الباب ‪ -‬ممنوع دورة المياه ‪ -‬ممنوع‬
‫الوضوء ‪ -‬ممنوع الشرب ‪ .‬إذا طرقففت الباب سففأجلدك خمسففين جلدة‪ ،‬وفرقففع بالسففوط فففي الهواء‬
‫ليريني أنه على استعداد لتنفيذ تهديده ‪ .‬لم يكن في الزنزانة شيء‪ ،‬وكنت قد تعبت من الوقفة الطويلة‬
‫بيفن الكلب ففي "الحجرة ‪ "24‬فخلعفت معطففي وفرشتفه على أرضهفا وتيممفت وصفليت المغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬وجلسففت القرفصففاء ‪ ،‬ولكففن سففاقي المكسففورة لم ترحنففي فوضعففت حذائي تحففت رأسففي‬
‫وتمددت على إسففلت الحجرة ‪ .‬لكفن الطغاة لم يمهلونفي ‪ .‬كان بأعلى الزنزانفة نافذة تطفل على فناء‬
‫السفجن ‪ ،‬جاءوا بصفليب مفن الخشفب على ارتفاع النافذة ثفم جاءوا بشباب مفن المؤمنيفن يصفلبونهم‬
‫الواحفد تلو الخر على هذا الصفليب ‪ ،‬ويأخذون في جلد المصفلوب بالسياط ‪ ،‬والشاب يذكر اسفم ال‬
‫ويسفتنجد بفه ‪ ،‬وبعفد نصفف سفاعة مفن الجلد المسفتمر المتواصفل يقولون لهذا الشاب الذي قفد يكون‬
‫مهندسففا أو مسففتشارا أو طبيبففا‪" :‬يففا ابففن الكلب متففى جئت هنففا؟"‪ .‬فيقول ‪" :‬اليوم أو البارحففة" ‪،‬‬
‫فيعودون إلى السفؤال ‪" :‬متى ذهبت إلى منزل زينب الغزالي آخر مرة؟" ‪ .‬فإن قال ل أذكفر‪ ،‬عادوا‬
‫إلى الجلد وطلبوا منففه أن يسففب زينففب الغزالي بأبشففع مففا يتصففور النسففان مففن اللفاظ الفاحشففة ؟‬
‫الكلمات البذيئة‪ ،‬؟طبعففا يرفففض هذا الشاب المؤمففن ويعودون لجلده مرة أخرى‪ ،‬وربمففا قال أحففد‬
‫الشباب ‪ :‬إننففا ل نرى فيهففا إل الصففدق والفضيلة فيزيدونففه ضربففا وجلدا حتففى يفقففد الوعففي‪ ،‬فيأتوا‬
‫بآخفر طالبيفن منفه نففس الشيفء ظنفا منهفم أن ذلك يضعفف مفن عزيمتفي ‪ .‬وهكذا‪ ،‬شاب يعقفب أخاه ‪،‬‬
‫وقلبففي يتمزق على هذا الشباب المؤمففن ‪ .‬أخذت أناجففى ال وأتضرع إليففه طويل ‪ .‬سففألت ال أن‬
‫يجعلني فداء لهذا الشباب فأتلقى التعذيب بدل منهم ‪ ،‬فقد تصورت أن هذا أهون على‪ ،‬فأخذت أدعو‬
‫ال أن يجعلنفي مكانهفم أو يصفرف عنفى وعنهفم هذا الجلد‪ .‬تمنيفت أن يقولوا مفا يريده هؤلء الفجرة‬
‫عففن زينففب الغزالي حتففى ترفففع عنهففم السففياط ‪ ،‬ولكنهففم لم يقولوا‪ ،‬والسففياط تتضاعففف وتتعالى‬
‫صيحاتهم واللم يمزقني ‪ .‬وأنا أناجي ربى فأقول "اللهم اشغلني بك عنهم واشغلهم بك عنى‪ .‬اللهم‬
‫ألهمهم الخير الذي يرضيك ‪ ،‬اللهم احجب عنى أصوات تعذيبهم ‪ ،‬اللهم إنك تعلم ما في نفسي ول‬

‫‪24‬‬
‫أعلم ما في نفسك ‪ ،‬إنك أنت علم الغيوب ‪ ،‬تعلم خائنة العين وما تخفى الصدور‪ ،‬فرحمتك اللهم‬
‫بعبادك " ‪.‬‬

‫الرؤيا‬

‫ول أدرى كيف أخذني النوم وأنا أذكر ال ‪ ،‬وكان في هذا النوم خير وفضل وعطاء‪ ،‬كان فيه رؤيا‬
‫مباركة هي إحدى رؤاي الربع لحضرة النبي عليه الصلة والسلم في محنتي ‪:‬‬
‫"رأيفت بحمفد ال صفحراء متراميفة وإبلً عليهفا هوادج كأنهفا صفنعت مفن النور‪ ،‬وففى كفل هودج‬
‫أربعة من الرجال كأنهم أيضا وجوه نورانية ‪ ،‬رأيتني خلف هذا السيل من البل في هذه الصحراء‬
‫المترامية التي ل يحدها البصر‪ ،‬أقف خلف رجل عظيم مهيب وهو يأخذ بخطام امتد في أعناق هذا‬
‫السفيل الجارف مفن البفل التفي ل يحصفى عددهفا ‪ .‬أخذت أردد ففي سفرى ‪ :‬أتكون حضرة محمفد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فإذا به يجيبني ‪" :‬أنت يا زينب على قدم محمد عبد ال ورسوله " ‪ .‬سألت ‪:‬‬
‫"أنا يا سيدي يا رسول ال على قدم محمد عبد ال ورسوله ؟" ‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪" :‬أنتم يا زينب على الحق ‪ ،‬أنتم يا زينب على الحق ‪ ،‬أنتم يا زينب على‬
‫قدم محمد عبد ال ورسوله " ‪ .‬وقمت من النوم وكأنني ملكت الوجود بهذه الرؤيا ‪ ،‬وأدهشني – بعد‬
‫ما نسيت ما أنا فيه وأين أنا – أنى ل أجد ألم السياط ول الصلبان القريبة من النافذة‪ ،‬فقد نقلت إلى‬
‫مكان بعيد وأصبحت الصوات تأتيني عن بعد ‪.‬‬
‫ثانففي مففا أدهشنففي أن اسففمي فففي شهادة الميلد زينففب غزالي واسففم الشهرة المعروف لدى الناس‬
‫"زينفب الغزالي" والرسفول عليفه الصفلة والسفلم ينادينفي بأسفمى ففي شهادة الميلد وفعل نقلتنفي‬
‫الرؤيا عن الزمان والمكان فتيممت ‪ ،‬وأخذت أصلى ركعات شكرا ل على هذا العطاء ‪ .‬وفى إحدى‬
‫سجداتي وجدتني أقول ‪" :‬ربى بم أشكرك ؟ إني ل أجد ما أشكرك به إل أن أجدد بيعتي لك ‪ .‬اللهم‬
‫إنفي أبايعفك على الشهادة ففي سفبيلك ‪ .‬اللهفم أنفا أبايعفك على أل يعذب أحفد بسفببي ‪ .‬اللهفم ثبتنفي على‬
‫الحق الذي يرضيك وأوقفني في دائرة الحق الذي يرضيك ! " وانتهيت من صلتي‪ ،‬وأخذت أكرر‬
‫مفا دعوت بفه ففي سفجودي وكأننفي أعيفش ففي عالم غيفر الذي أنفا فيفه وأحسفست براحفة وسفكينة‬
‫واطمئنان قلب ‪. .‬‬
‫وسفمعت ضجفة شديدة ففي الخارج وأصفوات عربات كثيرة تتزاحفم إلى الداخفل وأخرى خارجفة مفن‬
‫الجحيفم ‪ ،‬عرففت فيمفا بعفد أن هذا الوقفت انتهاء ورديفة مفن الزبانيفة وبدء ورديفه أخرى للتعذيفب ‪. .‬‬
‫وسمعت المؤذن يؤذن لصلة الفجر فرددت الذان ثم تيممت وصليت ‪. .‬‬
‫أمضيفت على هذه الحال سفتة أيام على التوالي مفن مسفاء الجمعفة ‪ 20‬أغسفطس إلى الخميفس ‪26‬‬
‫أغسفطس ل يفتفح باب الزنزانفة فل أكفل ول شرب ول دورة مياه ول صفلة بالخارج ‪ ،‬غيفر تلصفص‬
‫هذا الشيطان الذي يضففع عينففه على فتحففة باب الزنزانففة الصففغيرة بيففن الحيففن والحيففن ‪ .‬ولك أن‬
‫تتصور أيها القارئ العزيز كيف تستطيع أن تعيش هكذا‪ ،‬وإذا استطعت أن تعيش بل طعام ول ماء‬
‫كيف يستغني النسان عن قضاء حاجته الضرورية؟ كيف يعيش النسان بغير أن يذهب إلى دورة‬
‫المياه ولو مرة واحدة ففي اليوم ؟‪ .‬ول تنفس أننفا كنفا ففي شهفر أغسفطس ! فهفل تجيفز اليهوديفة أو‬
‫الوثنيفة ذلك ! فمفا بالك بالذيفن يدعون أنهفم مسفلمون ‪ . .‬وهفل يفعفل ذلك أي كائن ينتمفي للجنفس ا‬
‫لبشرى ؟ !‬
‫يا ال ! لكم جنى الطغاة المستبدون على كرامة النسان ‪ ،‬وتحللوا من كل دين وخلق ‪ ،‬ولكن اليقين‬
‫بال واعتقاد الحفق ‪ ،‬وأن يرى النسفان ربفه ويعايفش أمره كفل ذلك قفد يصفنع شيئا كفبيرا فوق طاقفة‬
‫البشفر‪ .‬فل تدهفش أيهفا القارئ ‪ :‬لننفي اسفتطعت أن أعيفش هذه اليام بغيفر ماء‪ ،‬أو طعام ‪ ،‬أو قضاء‬
‫‪25‬‬
‫ضرورة‪ ،‬أو صفلة بإنسفان ‪ .‬اللهفم إل هذه الطرقات مفن الشيطان السفود الذي ربمفا فتفح الباب يسفأل‬
‫في غلظة ووحشية ‪ :‬يا بنت الفف ‪ . .‬أنت لسة عايشة؟!‪.. .‬‬
‫نعم أيها القارئ لقد عشت هذه اليام بأمرين ‪. .‬‬
‫الول ‪ :‬هفو فضفل ال علينفا باليمان بفه ‪ .‬إنفه السفلم الذي يمنفح صفاحبه قوة يغالب بهفا الصفعاب‬
‫والمشقات أيفا كانفت هذه الصفعاب ‪ .‬إنفه فضفل ال ‪ .‬فاليمان يعطفى قوة وطاقفة احتمال هائلة‪ ،‬تعلو‬
‫قوة الطواغيت الفجرة الذين ظنوا أنهم فعل يحكمون ‪ .‬والحق أن المؤمن يعيش متصل بال سبحانه‬
‫‪ .‬مستغنيا عن الصورة والغيار ‪.‬‬
‫والمفر الثانفي ‪ :‬هفو تلك الرؤيفا المباركفة التفي كانفت بمثابفة تخفيفف وزاد ودفعفة حياة مفن ال تعالى‪،‬‬
‫عشفت بهفا مشغولة بفه عفن الغيار المحيطفة بفي ‪ ،‬وجعلتنفي أحتمفل ففي رضفا وسفكينة جحيفم هؤلء‬
‫الطواغيت ‪ . .‬وفى صبيحة اليوم السابع فتح باب الزنزانة ودخل الشيطان السود وبيده ربع رغيف‬
‫ملوث بقذارة من فضلت النسان وقطعة من الجبن الصفر كذلك ‪ .‬ورمى بهما إلى الرض وقال‬
‫يفا بنفت الفف ‪ . .‬ده أكلك مفا دمفت عايشفة ‪ .‬لم أمفس الخبفز ول الجبفن وأخذت الماء وأغمضفت عينفي‬
‫لشدة قذارة إنائه وسددت أنفى‪ ،‬ورفعت الماء إلى فمي وأنا أقول ‪" :‬بسم ال الذي ل يضر مع اسمه‬
‫شيفء ففي الرض ول ففي السفماء وهفو السفميع العليفم " ‪" .‬اللهفم اجعله غذا ًء وريفا‪ ،‬وجهادا وعلمفا‪،‬‬
‫ومعرففة وصفبرا ورضفا" ‪ .‬وشربفت مفن الكوز وأغلقفت الزنزانفة ‪ .‬ومكثفت على حالي إلى مفا قبفل‬
‫غروب الشمس ‪ .‬حين فتحت الزنزانة ودخل الشيطان السود ‪ .‬وقال وهو يضرب بالسوط الذي في‬
‫يده – على الحائط وعلى أرض الزنزانة ‪ :‬قومي يابنت الف ‪ ..‬روحي المراحيض ‪ ..‬وعندما خرجت‬
‫كدت أن أسقط على الرض لشدة إعيائي فأمسك بذراعي ومشى بي حتى أدخلني المرحاض ‪ ،‬ولما‬
‫أردت اغلق باب المرحاض قال ‪ :‬ممنوع اغلقففه ‪ ،‬فخرجففت مففن المرحاض وقلت له ‪ :‬أرجعنففي‬
‫إلى الزنزانة ل أريد شيئاً ‪ .‬قال في وحشية والجاهلية تغطي عليه وعلى المكان ‪ .‬أدخلي يا بنت الف ‪.‬‬
‫‪ .‬أمال إحنفا حانحرسفكم إزاي يفا أولد ‪ . . . .‬أريفد مفن القارئ أن يتصفور معفي هذا الموقفف ؟! أي‬
‫جاهلية وأي إلحاد يبيح ذلك ؟ ‪ .‬عدت إلى الزنزانة وأنا أتمنى الموت إن كان الموت خيرا لي ‪ .‬حتى‬
‫ل أضطففر مففر ة أخرى إلى الذهاب إلى دورة المياه مففع هذا الشيطان ‪ ،‬أغلقففت الزنزانففة فتيممففت‬
‫وصفليت المغرب ‪ .‬ومفا أن انتهيفت حتفى فتفح باب الزنزانفة ودخفل الوحفش الذي أدخلنفي مفن قبفل‬
‫حجرة الكلب ويدعفى صففوت الروبفي‪ ،‬ومعفه شخصفان ‪ .‬ثفم قال أتفضفل يفا دكتور‪ .‬تولى أحدهفم‬
‫الكشف على وأنا على إسفلت الزنزانة ‪ .‬قال واحد من الواقفين للذي يكشف على ‪ :‬إيه يا شعراوي؟‬
‫أجاب ‪ :‬ل شيففء قلبهففا سففليم ‪ .‬ذلك القلب الذي أصففيب بجلطففة مففن التعذيففب ‪ .‬وخرجوا وأغلقففت‬
‫الزنزانة ‪ .‬وبعد دقائق فتحت الزنزانة وأخذوني إلى حوش مرعب مظلم مخيف وتركوني ساعتين‬
‫تقريبففا ‪ .‬وجهففي للحائط بعففد أن أمرونففي بعدم التحرك ‪ .‬وقالوا لي وهففم يغلقون على باب الحوش ‪:‬‬
‫أجلك انتهفى النهاردة ! يفا بنفت الففف ‪ . .‬أخذت أفكفر فعل فيمفا يقولون وأطلب مفن ال السفكينة والمفن‬
‫وأن ألقاه على السفلم ‪ ،‬وأخذت أتلو فاتحفة الكتاب وسفورة البقرة وأنفا أحفس وكآنفي أقرأهفا للمرة‬
‫الولى ‪ .‬واصلت بالتلوة حتى أيقظتني من استغراقي صفعة من يد غليظة قاسية وصعق الكهرباء‪،‬‬
‫وأخففذ هذا الوحففش يضربنففي بقسففوة بالسففوط على جسففدي حيثمففا وقففع ‪ ،‬ثففم أعطانففي ثلث ورقات‬
‫بيضاء وقال ‪ :‬والظلمفة تتسفاقط مفن وجهفه كأنمفا ففي عينيفه شيطان ‪ :‬إكتفبى هذه الوراق ! ودخفل‬
‫ثلثة رجال يأمرونه أن يعيد ضربي ويعلقون ‪ " :‬حتى ل تنسى أن تكتبي ما نريد يا بنت الفف ‪.. . .‬‬
‫" ثفم أمروه بعفد فترة بإيقاف الضرب وأمسفك بفي أحدهفم ففي غلظفة ورمفى بفي إلى الحائط ‪ .‬عرففت‬
‫فيما بعد أنه حمزة البسيوني ‪ .‬وتلقفني آخر‪ ،‬ويدعى سعد خليل فأخذ يهزني هزا عنيفا حتى أسقطني‬
‫على الرض وأمر العسكري أن يركلني بقدمه ‪ .‬ثم جاءوا بمقعد أجلسوني عليه وأعطوني الوراق‬
‫وأنا ل أستطيع أن أمسكها لشدة ما بي‪ ،‬وقاومت وأمسكتها واللم يعتصرني ‪ .‬وصاح بي أحد هؤلء‬
‫‪26‬‬
‫القزام ‪ :‬اكتبي أسماء كل من تعرفين في السعودية ‪ .‬في السودان ‪ .‬في لبنان ‪ ،‬في الردن ‪ .‬في أي‬
‫مكان ففي العالم ‪ .‬اكتفبي كفل معارففك على وجفه الرض ‪ ،‬إذا لم تكتفبي فسفنضربك بالرصفاص ففي‬
‫هذا المكان الذي تقفيفن فيفه ‪ .‬اكتفبي كفل معارففك مفن الخوان المسفلمين وكفل شفئ عفن صفلتك بهفم ‪.‬‬
‫وقدموا لي قلمفا ثفم أغلقوا الباب وخرجوا ‪ .‬وجلسفت إلى الوراق وكتبفت فيهفا ‪ :‬إن لي ففي كثيفر مفن‬
‫البلد أصفدقاء عرفونفي عفن طريفق الدعوة السفلمية ‪ .‬فحركتنفا ففي الرض هفي ل سفبحانه ‪ ،‬وال‬
‫يسوق إلينا من يختار وجهته وطريقه ‪ .‬الطريق الذي سلكه من قبلنا أصحاب محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم والسلف الصالح ‪. . .‬‬
‫إن غايتنفا أن ننشفر دعوة ال وندعفو للحكفم بشرعفه ‪ .‬أننفي باسفم ال أدعوكفم أن تتخلوا عفن جاهليتكفم‬
‫وتجددوا إسلمكم ‪ .‬وتنطقوا بالشهادتين وتسلموا ل وجوهكم ‪ ،‬وتتوبوا إلى ال من هذه الظلمة التي‬
‫رانت على قلوبكم فأغلقتها في وجه كل خير‪ ،‬لعل ال يخرجكم من ظلمة الجاهلية إلى نور السلم‬
‫‪ .‬وبلغوا ذلك لرئيفس جمهوريتكفم لعله يتوب ويسفتغفر ويعود للسفلم ‪ ،‬ويخلع عفن نفسفه أطمار‬
‫الجاهليفة ‪ .‬فان أبفى فانتفم مسفئولون عفن أنفسفكم وعفن الطريفق الذي اخترتموه ‪ .‬وأشهفد أن ل إله إل‬
‫ال واشهفد أن محمدا عبفد ل ورسفوله ‪ .‬اللهفم اشهفد أنفى قفد بلغفت دعوتفك ‪ ،‬فان تابوا فتفب عليهفم ‪.‬‬
‫اللهفم وتفب علينفا فانفك أنفت العزيفز الحكيفم ‪ .‬وثبفت أقدامنفا على الطريفق وامنحنفا الشهادة ففي سفبيلك‬
‫عطاء منك وفضل ‪. .‬‬
‫كتبفت ذلك مسفتعينة بال واثقفة أنفى أديفت رسفالة ال ‪ .‬وعدت إلى تلوتفي‪ ،‬وجاء المدعفو صففوت‬
‫الروبفي فاخفذ الوراق وتركنفي ففي هذا المكان المرعفب بعفد أن أطففأ النور ‪ .‬ولم تمفض فترة حتفى‬
‫فتفح باب الحوش وأوقدت الكهرباء ودخفل أربعفة جنود ومعهفم صففوت يصفيح بكفل مفا ففي قاموسفه‬
‫البشع من ألفاظ السباب والشتائم ‪ .‬يا بنت الفف ‪ . .‬و ‪ . .‬و ‪ . .‬إحنا بنهزر؟ إيه الكلم الفارغ اللي أنت‬
‫كاتباه ده ؟ ‪.‬‬
‫ثفم صفاح قائل ‪ :‬انتباه ! ! حمزة باشفا البسفيوني ‪ ،‬مديفر عام السفجون الحربيفة ‪ .‬ودخفل مديفر عام‬
‫السفجون الحربيفة تسفبقه كلمات يقذف بهفا ‪ ،‬ل تسفاويها ففي سففالتها أي كلمفة أو لفظفة سفمعتها مفن‬
‫قبفل ‪ ،‬على قذارة مفا سفمعت ‪ .‬أخذت أنظفر إليفه باحتقار شديفد وازدراء ‪ .‬وكانفت ففي أيديهفم أوراق‬
‫قالوا كذبا إنها الوراق التي كتبتها ومزقها أحدهم وهم يعيدون ما قاله صفوت من أنهم ل يهزلون‬
‫وأنهفم يسفتنكرون الكلم الفارغ الذي كتبتفه ‪ .‬وقال البسفيوني ‪ :‬خذوهفا‪ .‬دي مفا فيفش فايدة فيهفا ‪ .‬ثفم‬
‫خرج ‪ ،‬إل أنه لم يلبث أن عاد صفوت ومعه جند طرحوني أرضا بقسوة ووحشية ول أدري كيف‬
‫وضعوا يدي ورجلي في قيد وعلقوني على خشبة كما يعلق الجزار ذبيحته وجلدت وحشيا من أناس‬
‫تمرنوا وتمرسفوا ففي الجريمفة ‪ .‬كنفت أردد اسفم ال تعالى حتفى أغمفى على ‪ .‬أفقفت فوجدت نفسفي‬
‫على نقالة مثل نقالة المستشفيات ‪ .‬كنت عاجزة عن الحركة والكلم ‪ .‬غير أنى كنت أحس بما يقع ‪.‬‬
‫وذهبوا بفي إلى الزنزانفة ‪ .‬ولمفا أفقفت مفن إغمائي وجدت نفسفي مصفابة بنزيفف شديفد‪ .‬طرقفت الباب‬
‫أستغيث بأن يسعفوني بشيء أجفف به الدماء المتدفقة‪ .‬وطلبت الطبيب فجاء الجواب سبابا ولعنات ‪.‬‬
‫وعدت إلى ربى أساله ‪ -‬وهو الذي بيده كل شئ ‪ -‬أن يرفع عنى ما بي ‪ .‬وتذكرت حديث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪( :‬اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين ال حجاب ا ودعوت ال أن يوقف الدم‬
‫‪ .‬واسفتجاب ال دعائي كرمفا وفضل ‪ .‬غيفر أنفى ظللت أقاسفي مفن آلم شديدة بجسفدي كله ‪ .‬ناهيفك‬
‫عفن قدمفي كان بهمفا نارا موقدة ‪ .‬ولجأت إلى ذكفر ال والصفلة له ‪ ،‬أروض نفسفي بالنصفراف إليفه‬
‫على احتمال مفا بفي ‪ .‬ومرت ليال قاسفية وأنفا على هذه الحال ‪ :‬آلم مبرحفة ول طفبيب ول علج إل‬
‫هذا الشيطان السفود الذي يفتفح الباب مرة كفل يوم ليرمفى بقطعفة مفن الخبفز وأخرى مفن الجبفن ‪.‬‬
‫وكمففففا يضففففع هذا الشيففففء يأخذه فقففففد كنففففت ل أطيففففق رائحففففة مففففا يقدمونففففه مففففن طعام ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ولكن ال ألف بينهم ‪. .‬‬

‫وفى يوم أحسست بمن يجذبني إلى باب الزنزانة ‪ .‬كان صوت أقدام أحسست أن قلبي ينجذب إليها ‪.‬‬
‫وأمسففكت بباب الزنزانففة ووضعففت عينففي عالي الثقففب الذي يراقبوننففي منففه بيففن الحيففن والحيففن ‪.‬‬
‫ورأيت صاحب هذه الخطى ‪ .‬كان المام حسن الهضيبي المرشد العام ‪ .‬وأدركت أنهم قبضوا عليه‬
‫‪ .‬ووضعفت فمفي على الثقفب وقرأت قوله تعالى ‪ ( :‬ول تهنوا ول تحزنوا وأنتفم العلون إن كنتفم‬
‫مؤمنين ‪ ،‬إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) آل عمران ‪ . 140 - 139 :‬وصرت أترقب‬
‫هذه الخطففى الغاليففة ‪ .‬وكان ال يرزقنففي رؤيتففه كففل يوم ‪ .‬فكنفت أقفف وأردد اليفة ويجيفب بإيماءة‬
‫خفيفة ل يلحظها الشيطان الذي يرافقه ‪ .‬كان هذا اللقاء يؤنسني كثيرا ويشغلني عن جل آلمي‪ .‬وهذا‬
‫أمفر ل يحفس بجلله غيفر المؤمنيفن المتآخيفن ففي ال ‪ .‬فالسفلم يربفط بيفن قيادتفه وجنده برباط يعلو‬
‫بالنفوس حتى تؤثر مرضاة ال على نفسها ‪ .‬وعشت يغمرني الطمئنان بذلك ‪.‬‬

‫عودة إلى دوامة التعذيب والمساومة‬

‫لم يطفل بفي الطمئنان ‪ .‬فذات مسفاء فتحفت الزنزانفة وفاجأنفي الشيطان صففوت بالسفوط يضرب بفه‬
‫كفل شيفء ويضرب بفه الحائط ‪ .‬ثفم أخذنفي بوحشيفة مفن ذراعفي وأخرجنفي مفن الزنزانفة إلى حوش‬
‫السجن ‪ .‬فإلى مكتب يواجه السجن رقم (‪ ،)2‬وأجلسني على مقعد تجاه مكتب وتركني وخرج ‪ ،‬وما‬
‫لبث أن جاء شيطان آخر سألني عما إذا كنت زينب الغزالي ولما أجبت باليجاب خرج كما دخل ‪.‬‬
‫وبعففد فترة دخففل ثلثففة جنود كأنهففم خارجون لتوهففم مففن جهنففم ‪ .‬طول أجسففامهم مرعففب وعرض‬
‫أجسفامهم كذلك ‪ .‬وجوههفم تعكفس غلظفة قلوبهفم ‪ .‬وبعدهفم بقليفل دخفل رجفل فسفألهم عمفا إذا كانوا قفد‬
‫عرفونفي ورأونفي ‪ ،‬وأجابوا بنففس واحفد باليجاب ‪ ،‬وقالوا بأن موعفد موتفى قفد حفل ‪ .‬ثفم خرجوا‬
‫ليعودوا بالخ فاروق المنشاوي فيجلدوه بعفد أن قيدوه وصفلبوه على عود مفن الخشفب ‪ .‬وبيفن الجلدة‬
‫والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها ‪ .‬ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه‬
‫جلدا‪ ،‬وأنففا أتمزق ممففا أرى وأسففمع حتففى طرحوه أرضففا واعتقدت أنففه يحتضففر ‪ .‬ولكففن إرادة ال‬
‫شاءت له أن يعيفش وبحاكفم ليحكفم عليفه بالشغال الشاقفة المؤبدة ‪ .‬يدعفو ففي السفجن للسفلم وللحفق‬
‫الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من عبد الناصر لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز‬
‫بالشهادة ‪ .‬ولم يكتففف الثمون بجلد الخ فاروق ‪ ،‬بففل أتوا بأخ آخففر علقوه على أعوادهففم وأعادوا‬
‫عليفه مفا سفألوا فاروق عنفه ورففض الخ كمفا رففض أخوه مفن قبفل ‪ .‬واشتفد العذاب وتعفب الشاب‬
‫وظنوا أنه يموت ‪ .‬فأنزلوه أرضا ورفعوه على نقالة وانصرفوا به ل يدرى أحد إلى أين ‪ . . .‬ويبدو‬
‫أنهفم اعتقدوا أن مفا رأيفت ومفا سفمعت ‪ . .‬سفيدفعني إلى بعفض مفا يريدون فأرسفلوا لي رجل يتصفنع‬
‫أنه من أهل النصيحة والخير‪ .‬حياني وقدم لي نفسه على أنه عمر عيسى وكيل النيابة (وعرفت فيما‬
‫بعفد أنفه أحفد شياطينهفم )‪ .‬ثفم بدأ نصفيحته قائل ‪ :‬أنفا يفا حاجفة زينفب أريفد أن أتفاهفم معفك لنقذك مفن‬
‫بيففن أنياب وبراثففن هذه البلوي ‪ .‬كيففف ترميففن بنفسففك فففي هذا "القرف " وأنففت زينففب الغزالي ‪.‬‬
‫المحترمة المصونة ‪ .‬شوفي الخوان المسلمين ‪ ،‬كلهم بمن فيهم الهضيبي اعترفوا بكل شيء‪.‬‬
‫وقالوا عنفك كلمفا يحكفم عليفك بالعدام ‪ .‬حموا أنفسفهم ورموك أنفت ‪ .‬أنفا رأيفي يفا حاجفة أن تدركفي‬
‫نفسفففك قبفففل فوات الوان وتقولي الحقيقفففة وتقولي لنفففا ‪ :‬ماذا كان هؤلء ينوون فعله ‪ ،‬وتوضحفففي‬
‫موقفك وأنا متأكد إن موقفك سليم ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وصففمت ولم أجبففه ‪ .‬قال ‪" :‬جاوبففي يففا سففت زينففب فففي هدوء ورويففة ‪ .‬نحففن نريففد أن نصففل إلى‬
‫الحقيقة"‪ .‬فأجبت ‪ :‬أعتقد أن الخوان المسلمين وأنا معهم ومنهم لم نفعل شيئا يغضب البشر السوي‬
‫المدرك للحقيقة ‪ .‬ماذا فعلنا؟ كنا نعلم الناس السلم فهل في هذا جريمة؟‪.‬‬
‫وصففمت فقال ‪ " :‬لكففن أقوالهففم تثبففت أنهففم كانوا يتآمرون على حاجات كثيففر منهففا قتففل جمال عبففد‬
‫الناصر وتخريب البلد‪ ،‬وأنك أنت اللي كنت تحرضينه على ذلك ‪ .‬وأنا وكيل نيابة ليس لي مصلحة‬
‫إل الوصول للحقيقة‪ .‬فما رأيك بعد هذا؟" ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ليفس مفن أهداف الخوان المسفلمين قتفل عبفد الناصفر أو غيره أو تخريفب البلد‪ ،‬الذي خرب‬
‫البلد فعل هفو جمال عبفد الناصفر‪ .‬إن غايتنفا اكفبر مفن ذلك ‪ .‬إنهفا الحقيقفة الكفبرى قضيفة التوحيفد ففي‬
‫الرض ‪ ،‬توحيد ال ‪ ،‬عبادة ال وحده ‪ ،‬إقامة القرآن والسنة ‪ .‬إنها قضية ( إن الحكم إل ل ) النعام‬
‫‪ 57 :‬وعندما نحقق غايتنا إن شاء ال ستهدم هياكلهم وتنتهي أسطورتهم ‪ .‬إن أهدافنا الصلح ل‬
‫التخريب ‪ .‬البناء ل الهدم "‪ .‬فابتسم ابتسامة باهتة وقال ‪" :‬يعنى فعل أنتم تتآمرون على عبد الناصر‬
‫وحكمفه ‪ .‬هذا ثابفت مفن أقوالك يفا سفت زينفب "‪ .‬قلت ‪" :‬السفلم ل يعرف لغفة التآمفر‪ ،‬ولكفن يجابفه‬
‫الباطففل بالحففق ويوضففح للناس الطريقيففن ‪ :‬طريففق ال تعالى وطريففق الشيطان " ‪ .‬الذيففن يسففلكون‬
‫طريفق الشيطان مرضفى بؤسفاء نقدم لهفم الدواء ففي إشفاق وعطفف والدواء ففي أيدينفا ‪ :‬دعوة ال ‪،‬‬
‫دين ال ‪ ،‬شريعة ال ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل خسارا‬
‫) السفراء ‪ . 182 :‬وانقلب وجفه الشيطان الذي كان يدعفى أنفه وكيفل النيابفة‪ ،‬والحفق أنفه كان سفعد‬
‫عبففد الكريففم ‪ .‬وخرج وهففو يقول ‪ :‬أنففا أردت أن أخدمففك ‪ .‬ولكففن يظهففر أنففك مازلت مخدوعففة بمففا‬
‫صوره لك الخوان المسلمون ‪ . .‬وجاء صفوت الروبي فأوقفني ووضع وجهي إلى الحائط وتركني‬
‫ساعات أتمزق بما أسمع من تعذيب الخوان ‪ ،‬وجلدهم واحدا بعد الخر‪ ،‬يحضرني من أسمائهم ‪:‬‬
‫مرسفى مصفطفى ‪ .‬فاروق الصفاوي ‪ .‬طاهفر عبفد العزيفز سفالم ‪ .‬وعاد كيفل النيابفة المزعوم ومعفه‬
‫حمزة البسيوني وصفوت الروبي ‪ .‬وقال حمزة ‪ :‬لماذا ل تريدين أن تتفاهمي مع وكيل النيابة؟ نحن‬
‫نريد أن نخلصك من الورطة التي أنت فيها ‪ .‬أنا أعرف زوجك ‪ .‬هو رجل طيب وأنت حا توديه في‬
‫داهيفة! ! حسفن الهضيفبي قال كفل حاجفة ‪ .‬والخوان قالوا كفل حاجفة ‪ .‬وأنفت لم ل تخلصفين نفسفك‬
‫مثلهفم ؟‪ .‬قلت ‪ :‬صفحيح ! الخوان قالوا كفل حاجفة ولذا تجلدونهفم وتصفلبونهم على الخشفب ‪ .‬أنفا ل‬
‫اكذب على الخوان ول على نفسي‪ . .‬نحن مسلمون ونعمل للسلم وهذا هو عملنا !!‬
‫كان يقف خلفهم أربعة من زبانيتها يضربون بسياطهم الرض التي كانوا يجلدون عليها الخوان ‪.‬‬
‫نظرت إلى وكيل النيابة المزعوم وقلت ‪ :‬وهذه السياط يا وكيل النيابة؟ هل هي من مواد القانون في‬
‫كليفة الحقوق ؟ وضربنفي حمزة البسفيوني على وجهفي وهفو يقول ‪ :‬هفو أنفت يفا بنفت الففف‪ . . . . .‬حفا‬
‫تجننينفا! أنفا اقدر أدفنفك زي مفا بفا دففن عشرة كفل يوم منكفم ! فنظرت ثانيفة لوكيفل النيابفة المزعوم‬
‫وقلت له ‪ :‬لماذا ل تكتب هذا الكلم في محضرك ؟ إذا كان معك محضر ! !‬
‫فنظر إلى حمزة البسيوني وقال ‪ :‬خلص تصرفوا أنتم ‪ ،‬أنا كنت أريد أن أخدمها لكن هي ل تريد‪.‬‬
‫وكانففت هذه الكلمففة بمثابففة أمففر لصفففوت وزبانيتففه الذيففن يضربون الرض والحائط بالسففياط ‪،‬‬
‫وتحولت السفياط إلى جسفدي فأغمضفت عينفي خوففا مفن أن يصفيبها السفوط ‪ ،‬وظلت السفياط نازلة‬
‫على جسدي بوحشية ‪ ،‬وأنا أشكو إلى ال وكنت كلما اشتد اللم رفعت صوتي قائلة ‪ :‬يا رب ! يا ال‬
‫! وتركوني بعد أن ألصق صفوت جسدي بالحائط ورفع يدي إلى أعلى وأنا أردد يا لطيف ! يا ال ‪.‬‬
‫أنزل بفي عونفك ! ألبسفني سفكينتك ! ! بعفد سفاعات جاء صففوت ومعفه شيطان أسفود يدعفى سفامبو ‪.‬‬
‫ضربونففي على وجهففي عدة ضربات وأخذونففي إلى الزنزانففة وأغلقوهففا ‪ .‬بعففد دقائق مففن إغلق‬
‫الزنزانففة سففمعت آذان الفجففر فصففليت ودعوت ال ‪" :‬إن لم يكففن بففك غضففب على فل أبالي ولكففن‬

‫‪29‬‬
‫عافيتك هي أوسع لي ‪ .‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والخرة‬
‫أن ينزل بي غضبك أو يحل على سخطك ‪ ،‬لك العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك "!!‬

‫مندوب رئيس الجمهورية‬

‫تركوني في الزنزانة ثلثة أيام ‪ ،‬أخذوني بعدها لنفس المكتب حيث كان يجلس رجل أبيض طويل‬
‫القامة ‪. .‬‬
‫قال ‪ :‬اجلسي يا ست زينب ‪ ،‬نحن عرفنا أن الجماعة هنا أتعبوك ‪ .‬أنا أعرفك بنفسي ‪ :‬أنا من مكتب‬
‫السيد رئيس الجمهورية‪ ،‬ونريد أن نتفاهم معك يا ست زينب !! البلد كلها تحبك ونحن أيضا نحبك ‪.‬‬
‫لكن أنت متباعدة عنا ومخاصمانا ول تريدين أن تتفاهمي معنا ‪ .‬لكن وال لو تتفاهمي معنا يا ست‬
‫زينفب سفنخرجك اليوم مفن السفجن الحربفي‪ ،‬كلنفا نقول ‪ :‬هذا الوضفع ليفس لك أنفت ‪ .‬أنفا ل أعدك أن‬
‫تخرجي من السجن فقط ‪ .‬بل أعدك أيضا أن تكوني وزيرة للشئون الجتماعية بدل حكمت أبو زيد‬
‫‪ . . .‬قلت له ‪ :‬هل جلدتم حكمت أبو زيد قبل أن تصبح وزيرة وأطلقتم عليها ا لكلب ؟ ‪ .‬قال ‪ :‬ما‬
‫هذا الكلم ؟ هوده حصل ؟ ‪ .‬نحن متألمون لمجرد وجودك هنا ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وماذا تريدون منففى؟ ‪ .‬قال ‪ :‬الخوان المسففلمون لبسففوك كففل التهمففة ‪ .‬والهضيففبي لبففخ فففي‬
‫الموضوع وعبد الفتاح إسماعيل قال كل حاجة‪ ،‬وسيد قطب قال كل حاجة ‪ .‬لكن نحن أحسسنا أنهم‬
‫يحاولون تخليص أنفسهم وتحميلك أنت المسئولية كلها ‪ .‬ولذا جئت النهاردة بنفسي بأمر من الرئيس‬
‫عبفد الناصفر حتفى نتفاهفم وتخرجفي معنفا ‪ .‬وسفأوصلك إلى بيتفك بعربيتفي‪ ،‬وأحفب أعرففك أن مفن‬
‫أقوال الخوان أصفبح معروففا ومعلومفا لدينفا أنهفم كانوا يريدون السفتيلء على الحكفم ‪ ،‬وإنفك أنفت‬
‫التي رسمت الخطة للستيلء على السلطة وقتل عبد الناصر وأربعة وزراء معه ‪ .‬ونحن نريد فقط‬
‫توضيفح موقففك ودور سفيد قطفب والهضيفبي ففي الموضوع ‪ .‬ومفن هفم الوزراء الربعفة المطلوب‬
‫قتلهفم ‪ :‬تفضلي تكلمفي! واشرحفي لنفا الموقفف بالتفصفيل ‪ .‬قلت ‪ :‬أول الخوان المسفلمون لم يدبروا‬
‫خطفة للسفتيلء على الحكفم ول لقتفل عبفد الناصفر والوزراء الربعفة المزعوميفن ول لقتفل واحفد ‪.‬‬
‫الموضوع هفو دراسفة للسفلم ولمعرففة أسفباب تأخفر المسفلمين والحالة التفي وصفلوا إليهفا ‪ . .‬عنفد‬
‫ذلك قاطعني قائل ‪ :‬يا ست زينب أنا قلت لك ‪ :‬هم قالوا كل حاجة‪ .‬قلت ‪ :‬جائز جدا‪.‬‬
‫وقطعا قالوا ما أراده الجلدون منهم ‪ .‬فترخصوا لنفسهم وقالوا شيئا لم يحدث ‪. . .‬‬
‫القضيفة كلهفا أننفا كنفا ندرس السفلم ونعمفل على أن نربفى له جيل يعيفه ويفهمفه ‪ .‬فإن كانفت هذه‬
‫جريمفة فأمرنفا ل " ‪ .‬فأقسفم بال العظيفم أنفه يريفد خدمتفي وأنفه حضفر خصفيصا لخدمتفي‪ .‬قلت له ‪:‬‬
‫شكرا أنفا لم أفكفر يومفا أن أكون موظففة حتفى ول وزيرة ‪ ،‬أنفا قضيفت عمري ففي خدمفة السفلم‬
‫وموضوع وزارة الشئون ل يعنينفي ففي قليفل أو كثيفر لنفي ل أصفلح للوظيففة‪ ،‬فعملي كله التطوع‬
‫لخدمفة السفلم ‪ .‬وقام الرجفل وتركنفي ففي الحجرة بعفد أن قال ‪ :‬أنفت حرة‪ ،‬نحفن عرضنفا خدماتنفا‬
‫وأنت ترفضين ‪. . .‬‬
‫وبعد خروجه بساعة دخل الحجرة رياض ومعه صفوت وكان رياض قد هددني أكثر من مرة بأنه‬
‫سفيقتلني إذا لم أقفل له مفا يريفد‪ ،‬وتكررت عمليفة الضرب السفابقة التفي لم يمفر عليهفا اكثفر مفن ثلثفة‬
‫أيام وبعد الضرب المؤلم أعادوني إلى الزنزانة ‪ .‬كان ذلك أيضا مع طلوع الفجر ‪. .‬‬

‫وجوه غالية تدخل زنزانتي‬

‫‪30‬‬
‫فففي عصففر اليوم التالي سففمعت أصففوات أعرفهففا وأحبهففا ‪ ،‬قمففت بصففعوبة إلى الباب ونظرت مففن‬
‫الفتحة الضيقة ‪ ،‬فرأيت الشيطان حمزة البسيوني وتابعه صفوت يسدان على الفتحة‪ ،‬إل أنى سمعت‬
‫أصفواتا أعرفهفا‪ ،‬ومفا لبفث الشيطان وتابعفه أن تحركفا فرأيفت بعفض الوجوه الغاليفة ‪ :‬عليفة حسفن‬
‫الهضيبي‪ ،‬وغادة عمار‪ .‬وجلست حتى ل يراني أحد من الطغاة وأنا أنظر من فتحة الباب ‪ ،‬غير أن‬
‫اللم أخذ بي فغطى كل مشاعري وأحاسيسي‪ ،‬وأخذت أدعو ال سبحانه وتعالى وأسأله أن يدفع عن‬
‫بناتفي وأخوانفي شرور الطغاة ‪ .‬كنفت مسفتغرقة أفكفر ‪ :‬عليفة حامفل ففي شهورهفا الخيرة ؟ كيفف‬
‫اعتقلهفففا الطغاة؟ وغادة؟ ماذا فعلوا برضيعتهفففا الصفففغيرة؟ كيفففف تركتهفففا؟ إنهفففا لقسفففوة وفجور‬
‫ووحشيفة ! ! يفا للبشفر مفن حكامهفم عندمفا يرتدون أرديفة الجاهليفة‪ ،‬فتغطفى كفل مشاعرهفم وتضيفع‬
‫ضمائرهم فيصبحون جلدين لرعاياهم ! ويلك يا عبد الناصر! أيها الطاغوت كم خدعت قومك ! !‬
‫وينفتفح الباب ويرمفى الشيطان السفود ببطانيفة ووسفادة ‪ ،‬وكان قفد مفر علي ثمانيفة عشفر يومفا وأنفا‬
‫أفترش السفلت ‪ ،‬وأعود بعد لحظات ووسادتي يرمى بهما على الرض وأنا في دهشة مما يحدث‬
‫‪ .‬ولم تلبث دهشتي أن زالت حين فتح الباب ثانيه ليدخل صفوت وحمزة البسيوني مصطحبين علية‬
‫الهضيفبي وغادة عمار يدخلنهمفا ويخرجان ويغلق باب الزنزانفة ‪ .‬وتقبفل على عليفة تأخذنفي بيفن‬
‫ذراعيهفا تقبلنفي وأنفا منصفرفة عفن نفسفي والدنيفا وتتسفاءل ففي ألم ‪ :‬أنفت الحاجفة؟ والتففت إلى غادة‬
‫فأرى عينيهفا ممتلئتيفن بالدموع تغرقان وجههفا‪ .‬وأسفأل عليفة ففي ألم ‪. .‬ألم تعرفينفي ؟ فتجيفب ‪ :‬ل ‪. .‬‬
‫ل‪ . .‬يا حاجة لقد تغيرت كثيرا نقص وزنك إلى حد مخيف ‪ ،‬وأصبح وجهك كأنه وجه شقيقك سعد‬
‫الدين ‪ .‬قلت ‪ :‬هذا أمر طبيعي‪ ،‬أنت ل تعرفين الهول الذي أعيش فيه ‪ .‬وفوق ذلك فأنا ل أتناول من‬
‫الطعام إل ملعقفة مفن السفلطة ففي اليوم والليلة يرمفى بهفا الجندي وهفو مرعوب يخشفى أن يضبفط‬
‫متلبسفا بجريمتفه ‪ .‬وتحاول أن ترتفب المكان بمفا أصفبح فيفه مفن بطاطيفن ووسفادات ‪ .‬وتجفد وتسفألني‬
‫عن مصحف ‪ ،‬مسكينة علية لقد حسبت أننا نتعامل مع "آدميين " بل نسيت علية أننا هنا مع أعداء‬
‫المصحف ؟ " أأنتظر منهم أن يسمحوا لي به وتعرض على غادة مصحفا صغيرا كان معها وكذلك‬
‫تفعففل عليففة‪ .‬ونجلس ولمففا مددت رجلي المكسففورة التماسففا للراحففة ظهرت آثار التعذيففب وضرب‬
‫السففياط ‪ ،‬وتسفألني عليفة عمفا ترى فاتلوا عليهفا اليففة الكريمففة عففن أصففحاب الخدود ( النار ذات‬
‫الوقود إذ هفم عليهفا قعود وهفم على مفا يفعلون بالمؤمنيفن شهود ومفا نقموا منهفم إل أن يؤمنوا بال‬
‫العزيز الحميد ) ‪ ،‬وتبكي غادة في صمت وتتساءل علية في عجب ‪ :‬أيمكن أن يحدث هذا مع النساء‬
‫‪ ،‬علية طيبة القلب لم تستطع أن تصل بخيالها إلى المدى الذي يمكن أن يبلغه حكم عبد الناصر من‬
‫عداوة ل ثم للدعاة ‪.‬‬

‫وفاة رفعة مصطفى النحاس‬

‫وأرادت عليففة أن تغيففر الموضوع وأن تخرج بففي خارج السففوار ‪ ،‬ونقلت لي نبففأ وفاة مصففطفى‬
‫النحاس باشفا ‪ .‬وخنقتنفي عبارات الوفاء وأنفا أدعفو ربفي " اللهفم إنفك غنفي عفن عقابفه وهفو فقيفر إلى‬
‫رحمتك ‪ ،‬اللهم فارحمه " وعرفت منها أنه مات بعد دخولي السجن بيومين أو ثلثة ‪ .‬وحدثتني عن‬
‫جنازته ‪ ،‬وعن اللوف المؤلفة التي التي كانت تسد جميع الطرقات ‪ ،‬عن المظاهرات ‪ ،‬عن خطف‬
‫النعفش حتفى مسفجد الحسفين ‪ ،‬عفن الهتافات بأل زعيفم بعفد النحاس ‪ ،‬عفن بعفض شعارات الخوان‬
‫وسففط مسففيرة الجنازة ‪ ،‬عففن محاولة أجهزة الدولة الوقوف أمام هذا الطوفان ‪ ،‬عففن تعليففق العلم‬
‫الخارجي على ما حدث ‪ ..‬وكان حديثًا طويلً مطمئناً صريحًا ‪ .‬لقد انتهزت جماهير الشعب فرصة‬
‫وفاة النحاس لتبدي رأيها صريحاً واعتقادها سليماً فهتفت معلنة مدوية تشق بهتافها سماء مصر ‪" :‬‬
‫ل زعيفم بعدك يفا نحاس " ‪ .‬فكأنهفا بتلك الصفرخات المدويفة تعفبر عفن حرمان مكبوت ففي النفوس‬
‫‪31‬‬
‫والقلوب والمشاعفر ‪ .‬والوجدان فكأنهفا تقول ‪ " :‬أيتهفا الزعامات الباطلة أسفقطي " " أيتهفا القنعفة‬
‫الزائففة انكشفف الغطاء ووضفح خداعفك وغشفك " " أيهفا المنقفذ أغرقفك السفراب والوهفم " " يفا‬
‫حفبيب المليينأمرت الفجار فزيفوهفا فصفدقتهم ومفا أنفت إل وليفد إعلم مأجور وكاتفب مأمور " "‬
‫أيتها الخشب المسندة ستحرقك النار ‪ ..‬نار الحق فتصبحوا رمادًا تذروه الرياح يا سرابًا وأهل الحق‬
‫ظمأى " ‪.‬‬
‫وسفألت عليفة وماذا بعفد ذلك ؟ قالت يتهامفس الناس على اعتقال عشريفن ألفًا مفن المشيعيفن ‪ .‬نعفم لقفد‬
‫كانففت جنازة النحاس أذان حففق واعلن صففدق عففن سففريرة مصففر والمشاعففر الحبيسففة فففي نفوس‬
‫أبنائهفا والحريفة المكبوتفة ‪ .‬وشدنفي الحديفث إلى ذكريات كثيرة عفن مصفطفى النحاس ‪ ،‬ذلك الرجفل‬
‫الذي لم يحقفد يومًا على أعدائه ‪ ،‬وكان ل يعفز عليفه أن يعترف بالخطفأ إذا أخطفأ ‪ ،‬لقفد كان زعيماً‬
‫وطنياً ‪ .‬وسفألت محدثتفي هفل اعتقفل أخفي " سفيف الغزالي " الوفدي فلم تؤكفد عليفة ولم تنفف ‪ ،‬وسفاد‬
‫الصمت فظنت بي خوفًا على أخي فربتت على كتفي قائلة ‪ :‬يا حاجة كل شئ عنده بمقدار ‪ .‬لم يكن‬
‫بي خوف ولكن كان انشغالي بهذه الصورة الرائعة للجنازة ‪ .‬فقد كانت صورة التشييع كما نقلتها لي‬
‫عليففة تعطففي إشارة صففريحة وقويففة إلى أن نبففض هذه المففة لم يتوقففف رغففم كففل إيحاءات أجهزة‬
‫العلم التي خدعت الناس وبخاصة خارج مصر فظنوا الطاغوت إنسانًا أو كما علقت عليه علية ف‬
‫ظنوه المنقفذ ‪ -‬مفا حدث كان يعنفي أنفه فف بإذن ال فف سفيأتي اليوم الذي تكشفف فيفه الحقائق ليعلم الناس‬
‫حقيقة حكامهم وما يبيعون وما يشترون ‪ ،‬يبيعون شعوبهم وضمائرهم ويشترون مقاعد للحكم مقابل‬
‫سحق السلم والمسلمين ‪ ،‬إنه لتخطيط رهيب ! وانصرفت إلى غادة أسألها عن زوجها وأولدها‬
‫ووالديهفا ‪ .‬ومفن بيفن دموعهفا عرففت أن الزوج هرب لجئا إلى السفودان ‪ ،‬وأن الم مريضفة تائهفة‬
‫بيفن سفمية المريضفة وهالة الرضيعفة ‪ .‬وأنهفا مفا كانفت لتهتفم بشيفء لول الطفلتيفن ‪ .‬هدأتهفا ودعوت‬
‫للجميع ثم سألتها عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد‬
‫عروسففته والمأذون ‪ ،‬وقبضوا على عروسففته وهففى فففي ملبففس الزفاف وعلى أختففه منففى وأخيففه‬
‫الدكتور ‪ .‬وهزنفي نبفأ القبفض على الفتيات وتسفاءلت ‪ :‬إذن كان القصفد هفو القبفض على كفل مفن له‬
‫اتصال بالخوان ‪ .‬وتدخلت علية لتقول ‪ :‬بل على كل من يرى مؤديا للصلة ‪ .‬وبدأت غادة تحدثني‬
‫عن العتقالت والوحشية في تفتيش المنازل ليل ونهارا ولم أكن بحاجة إلى هذا الحديث فقد حدث‬
‫هذا معففي واكثففر‪ .‬قلت ‪ :‬أعتقففد أن التتار حيففن حاربوا السففلم لم يفعلوا مففا فعله عبففد الناصففر‬
‫وزبانيته ‪ ،‬ول الرومان حين كانوا في مصر قبل الفتح السلمي ‪ .‬لقد أنسانا الحكم الناصري فجور‬
‫المجرميفن ففي التاريفخ النسفاني كله ‪ .‬إنفه مارد أصفم عفن سفماع الحفق أعمفى عفن رؤيفة النور‪ .‬فل‬
‫عجفب أن يجلد النسفاء ويسفجنهن ويقتفل الرجال وييتفم الطفال ويرمفل النسفاء ! ! والحديفث بمرارتفه‬
‫ومفا فيفه مفن شجون وأسفى كان الواقفع يحكفى ذلك كله ‪ .‬والتفتفت إلى تحدق بفي وتغوص بعينيهفا ففي‬
‫قدمي المنتفختين وساقي المتورمة وقالت ‪ :‬أظن أن دورنا في التعذيب قد جاء يا حاجة‪ ،‬ربنا يعيننا‬
‫ويصبرنا‪ .‬وسآتيك بفوطة من حقيبتي أغطى بها رجليك ‪ ،‬أليس معك حقيبة ملبس يا حاجة؟‬
‫ظللت ‪ :‬ثمانيفة عشفر يومفا وأنفا ففي هذه الملبفس الملوثفة بدماء النزيفف كمفا تريفن يفا ابنتفي ‪ .‬وأخذت‬
‫غادة تبكفى وهفى تنظفر إلى ملبسفي المجمدة بالدم والصفديد فوق جسفمي ‪ .‬واقترحفت على أن تغيفر‬
‫ملبسي بما معها هي ولما رفعت الملبس الممزقة عن جسدي فوجئنا بآثار السياط تمزقه وكانت‬
‫صفيحة اسفتنكار وألم ‪ ،‬فهذا ممفا ل يمكفن أن يحدث مفع النسفاء ففي نظرهمفا‪ . .‬وحاولت أن أخففف‬
‫عنهما ما رأتا فحمدت ال على أن كان هذا في سبيله سبحانه وتعالى‪ ،‬ل في سبيل أي دعوة دنيوية‬
‫أو إلحاديفة‪ ،‬حمدتفه على أن أكرمنفا بالسفلم وحمدتفه على أن شرفنفا بمظلة ‪ :‬أن ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك له وأن محمدا عبد ل ورسوله "‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وحاولت علية بدورها أن تخفف عنى‪ ،‬فنقلت لي أحاديثهم عنى حديث أختها السيدة خالدة الهضيبي‬
‫عفن أن السفجن لن يضيرهفا بشرط أن يدعوهفا فيفه معفي ففي زنزانفة واحدة‪ .‬لقفد هزنفي هذا الحديفث‬
‫كثيرا ‪ .‬ولكن لو رأت خالدة جسفمي لغيرت رأيها وطلبفت من ال أن يعافيهفا ‪ . .‬ودعوته سبحانه أن‬
‫يعفى جميع الخوات وجميع المسلمين والمسلمات من جور وظلم أهل الباطل ‪.‬‬

‫الطعام عبادة‬

‫وفتفح باب الزنزانفة فجأة فانقطفع مفا بيننفا مفن حديفث ودخفل الشيطان السفود وبيده ثلثفة أرغففة مفن‬
‫الخبفز و" قروانفة" صففيح بهفا فاصفوليا مسفلوقة ‪ .‬أخذتهفا منفه عليفة ‪ .‬وأغلق الباب ‪ .‬كنفت ل أطيفق‬
‫رائحفة هذا الطعام ‪ .‬وكانفت عليفة حامل ويبدو عليهفا الجهاد ‪ .‬وكأنهفا أحسفت بمفا ففي نفسفي فقربفت‬
‫الطعام منفى وهفى تقول ‪ :‬الكفل حلو يفا حاجفة! وناولتنفي رغيففا ‪ ،‬وناولت غادة رغيففا آخفر وابتدأت‬
‫تأكفل وتبعتهفا غادة ‪ .‬قالت عليفة ‪ :‬يجفب أن أكفل مفن أجفل الضيفف الذي هنفا ! ! وأشارت إلى حملهفا‬
‫ولمفا رأتنفي متوقففة توقففت وكذلك فعلت غادة ‪ .‬قالت عليفة ‪ :‬نحفن نأكفل ونقول مفع كفل لقمفة بسفم ال‬
‫الرحمفن الرحيفم ‪ .‬ولم أسفتطع أن أبتلع الطعام ‪ .‬فقالت عليفة ‪ :‬يفا حاجفة أنفا معتقدة أنفك أصفبحت ففي‬
‫نصفف وزنفك طبعفا مفن عدم الكفل ‪ ،‬وقفد أصفبح الكفل ففي هذا الوقفت عبادة ‪ .‬فالجلدون سفيسعدهم‬
‫أن تموت زينفب الغزالي ‪ .‬والمتناع عفن الكفل حرام ‪ .‬حاولت دون جدوى أن أناقشهفا بأنفي آكفل مفا‬
‫يمسك على الحياة‪ ،‬وإرادة ال قد أعطتني الصبر عن الطعام والقدرة على الكتفاء بملعقة سلطة ‪.‬‬
‫ومازالت بي تلح حتى أكلت ‪ .‬ويعلم ال أنه كان عذاباً ل طعامًا ‪ .‬وفى صبيحة اليوم الثاني لحضور‬
‫عليفة وغادة‪ ،‬اسفتطعت أن أشركهمفا معفي ففي لقائي اليومفي بالمرشفد العام عفن طريفق ثقفب الباب ‪،‬‬
‫وحدثتهمفا عمفا بعثفه ففي نفسفي مفن طمأنينفة وراحفة ‪ .‬واسفتطاعت عليفة أن ترى أباهفا ففي ذهابفه إلى‬
‫دورة المياه وإيابفه وكذلك غادة ‪ .‬وجلسفنا باقفي النهار تحكفى لنفا فيفه غادة كيفف قبضوا عليهفا وكيفف‬
‫التقفت بحميدة قطفب بعفد القبفض على‪ ،‬وأبلغتنفي أنهفم قبضوا على آل قطفب جميعفا ‪ .‬ومرت سفاعات‬
‫اليوم ثقيلة بطيئة تقطع وحشتها ركعات الصلة الجماعية ‪.‬‬

‫وجاء ليل المساومة والعذاب‬

‫وعند صلة العشاء فتح باب الزنزانة ودخل الشرير صفوت الروبي ومعه جندي آخر وأخذاني إلى‬
‫المكتفب الذي سفبق أن دخلتفه مرتيفن مفن قبفل ذلك ‪ .‬وجدت رجل يجلس على المكتفب ‪ ،‬ألقيفت عليفه‬
‫السفلم فلم يرد ‪ .‬وأخذت نظراتفه الوحشيفة تتفرسفني وهفو يقول ‪ :‬أنفت زينفب الغزالي؟ قلت ‪ :‬نعفم ‪.‬‬
‫أشار إلى مقعفد أمامفه لجلس عليفه ثفم قال ‪ :‬إذن أنفت زينفب الغزالي ! ! لماذا أسفأت إلى نفسفك إلى‬
‫هذا الحفد؟ أكفل هذا لجفل الخوان المسفلمين ؟ كفل واحفد منهفم يحاول تخليفص نفسفه ‪ .‬وهفم جميعفا‬
‫يرمونففك أنففت فففي البئر وحدك ‪ .‬أنففت صففعبانة علينففا‪ .‬أنففا ألفيففت على نفسففي أن أنتشلك مففن البئر‪.‬‬
‫وسأتفاهم معك على بعض المور‪ .‬تذهبين بعدها إلى البيت ‪ .‬ليس هذا فقط ‪ .‬أنا أقول لك باسم جمال‬
‫عبد الناصر ‪ :‬إن تم التفاهم وعقلت فسيصدر الرئيس قرارا بإعادة المركز العام للسيدات المسلمات‬
‫وسيرجع لك مجلتك ‪ ،‬وسيعطيك إعانة للمجلة ألفي جنيه شهريا وسيصرف لك مبلغا كبيرا للجمعية‬
‫ويعيدها أحسن مما كانت ‪ .‬إن تفاهمت معي سأرسل في إحضار ملبسك وبعد ساعة سنقابل جمال‬
‫عبفد ا لنفا صفر ‪ . .‬أنفت صفعبانة علينفا والخوان الذيفن أوقعوك ففي داهيفة ‪ .‬ربنفا يسفامحهم ‪ .‬الريفس‬
‫قلبه كبير !‪ . .‬كان يتكلم وأنا صامتة ل أجيب ‪ . .‬فقال ‪ :‬ما تردى يا ست زينب ؟ وال الريس ناوي‬
‫يقيفل حكمفت أبفو زيفد ويجيبفك مكانهفا‪ .‬نحفن نريفد أن تتعاونفي معنفا ‪ .‬افتحفي قلبفك وقولي كفل شفئ‬
‫‪33‬‬
‫وسفففتعرفين أننفففي أخوك وأحفففب لك الخيفففر ‪ .‬وناس طيبون كثيرون ففففي الخارج أيضفففا يحبونفففك‬
‫ويتوسفففطون مففن أجلك ‪ .‬وقففد قلبوا الدنيففا لجلك ‪ .‬قلت ‪ :‬أنففا ل أريفففد أن كون وزيرة‪ ،‬ولم يجفففل‬
‫بخاطري هذا المفر ففي يوم مفن اليام ‪ ،‬أمفا جماعفة السفيدات والمجلة كذلك ‪ . .‬فقفد فوضفت أمري‬
‫فيهمفا ل ‪ ،‬وليفس مفن الضروري للمسفلمين أن يعملوا تحفت رايفة مجلة أو جماعفة فهفم يعملون تحفت‬
‫رايفة ل إله إل ال ‪ .‬قال ‪ :‬إذن فلم كنتفم ترتبون لعادة الخوان المسفلمين ؟ يفا سفت زينفب ؟ قلت ‪:‬‬
‫نحفن مختلفون ففي فهفم كفل شفئ ‪ .‬أنفا مثل أعتقفد أن جماعفة السفيدات التفي أسفستها لم تحفل ‪ .‬وعبفد‬
‫الناصفر يتوهفم أنفه حلهفا باسفتيلئه على أموالهفا ودورهفا وممتلكاتهفا ‪ .‬فالمسفلمون تعقفد راياتهفم بيفد‬
‫ال ‪ ،‬وما يعقده ال ل يحله البشر‪ .‬وجماعة الخوان مثل جماعة السيدات المسلمات لم تحل أيضا ‪.‬‬
‫ودعوة ال ماضيفة ففي طريقهفا وكلمفة الحفق قائمفة‪ .‬وسفيفنى عبفد الناصفر ودولتفه وتبقفى كلمفة ال ‪.‬‬
‫وعندمفا تنقضفي آجالنفا ونلقفى ال ‪ ،‬سفيعلم الذيفن ظلموا أي منقلب ينقلبون ‪! .‬ن ديفن ال قائم ‪ ،‬ول‬
‫تزال طائفففة مففن أمففة السففلم قائمففة على الحففق مدافعففة عففن ديففن ال ‪ ،‬مجاهدة فففي سففبيل ال ‪ ،‬ل‬
‫يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر ال وهم على ذلك ‪ .‬وأدعو ال تبارك وتعالى أن نكون من الذين‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عففن المنكففر‪ ،‬مففبينين للمففة طريقهففا إلى ال تعالى ‪ . .‬هؤلء المرون‬
‫بالمعروف والناهون عن المنكر خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم المجددون لمر السلم‬
‫‪.‬‬
‫إن تأسفيس جماعفة الخوان المسفلمين لم يكفن خبفط عشواء مفن حسفن البنفا ولكنفه كان تنفيذا لمفر‬
‫أراده ال لتجديفد هذا الديفن بإقامفة دولتفه وتنفيفذ شريعتفه ولذا فليفس مفن حفق جمال عبفد الناصفر حفل‬
‫جماعفة الخوان ‪ .‬قلت هذا وسفكت ‪ .‬فقال لي ‪ :‬وال إنفك خطيبفة فعل‪ .‬لكنفى لم آتفك لخفذ منفك درسفا‬
‫في الخوان ولتجتذبيني لكون واحدا منهم ‪ .‬أنا آتيك لصل معك إلى حل ينقذك من المصيبة التي‬
‫أوقعفت نفسفك فيهفا ‪ . .‬لقفد رمفى الخوان كلهفم المسفئولية عليفك ‪ . .‬عبفد الفتاح إسفماعيل يقول ‪ :‬إنفك‬
‫أنت التي جندتيه ‪ . .‬الهضيبي خلص نفسه ورمى المسئولية عليك فقال ‪ :‬أنت أسست التنظيم ‪ .‬سيد‬
‫قطفب تخلص وشبكفك أنفت ‪ . .‬أنفت إمفا طيبفة جدا أو مجنونفة ‪ . .‬عبفد الناصفر يريفد أن يخلصفك ممفا‬
‫أنت فيه ‪ ،‬عبد الناصر (اللي البلد في خنصره ) يريد أن يسامحك عما مضى ويفتح صفحة جديدة ‪.‬‬
‫هففو عارف انففك خطيبففة‪ ،‬لك تأثيففر على الناس والناس تحبففك وجماهيرك كثيرة ‪ . .‬أنففت يففا زينففب‬
‫خسارة وأنت ورقة رابحة ‪ . .‬أهناك أحد يريد عبد الناصر أن يقربه ويرفض ؟ أنت مجنونة صحيح‬
‫! ل مؤاخذة ‪ .‬أنا أقول هذا لني أريد مصلحتك وأنت طول عمرك تربين اليتامى وتعملين الخير‪.‬‬
‫اعقلي يفا حاجفة وشوففي مصفلحتك واسفمعي كلمفي ‪ . . .‬قلت ‪ :‬أل يكفيفك مفا قلت ؟ قال ‪ :‬أمفر بسفيط‬
‫جدا سترين الخير بعده ‪ :‬أن تذكري لي جميع أسماء الخوان الذين كانوا يحضرون إليك في المنزل‬
‫‪ ،‬والطريقة التي كانوا سيقتلون بها عبد الناصر‪ ،‬ومتى أخذتم المر من الهضيبي بقتل الريس ‪ .‬كما‬
‫نريفد أن نعرف موقفف سفيد قطفب ‪ ،‬وكيفف أعدت الخطفة ومفا هفي تفاصفيلها‪ ،‬وأنفا أحلف لك برأس‬
‫عبد الناصر أنك ستخرجين هذه الليلة من السجن ولتتسلمي وزارة الشئون الجتماعية ‪ .‬دى فرصة‬
‫ل تضيعيها‪ ،‬أنا حلفت لك بشرفي وشرف الريس ‪ .‬اعقلي وفكري جيدا في مصلحتك ‪ ،‬كل الخوان‬
‫الن ل يفكرون إل في أنفسهم ‪ . .‬وهنا دخل الحجرة رجل غليظ الجثة ل تقع عيني عليه إل ورأيت‬
‫شيطانفا ففي وجهفه ‪ .‬قال ‪ :‬يفا سفيادة العقيفد لقفد أحضرنفا كفل التسفجيلت التفي كنفا نضعهفا ففي منزلهفا‬
‫بالزيتون ومصر الجديدة ‪ .‬إذا أمرت نحضرها حتى تسمعها لها‪.‬‬
‫قال محدثفي ‪ :‬اذهفب أنفت الن يفا رياض ! ثفم عاد يكلمنفي قال ‪ :‬شوففي يفا زينفب ‪ ،‬أنفا عارف أن‬
‫زوجفك رجفل طيفب وأريفد أن أخدمفك مفن أجلك وأجله ‪ .‬واخوتفك منهفم أصفدقاء لي أعزاء على ‪ .‬أنفا‬
‫أريفد أن أخدمفك والرئيفس حريفص على أن تتفاهمفي معنفا وهفو يريفد خدمتفك ‪ ،‬وأنفا أعدك بشرففي‬
‫وشرف الرئيفس عبفد الناصفر أن أحرق الشرطفة أمامفك إذا تفاهمنفا‪ ،‬نحفن نريفد أن نخلصفك مفن‬
‫‪34‬‬
‫الورطفة التفي أوقعفك فيهفا الخوان ‪ ،‬وال العظيفم نحفن مسفلمون أحسفن منهفم ‪ .‬مفا هفو السفلم ؟‬
‫السلم أن ل يضر النسان أخاه ! !‬
‫قلت وكلى سخرية ‪ :‬والذي تشهده هنا‪ ،‬أليس إضرارا بأخيك وبالناس جميعا ‪ .‬قال في بلهة ‪ :‬نحن‬
‫طيبون جدا والنبي بس تفاهمي معنا وستدركين طيبتنا ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬أدعفو ال أن يتوب عليكفم وتكونوا مسفلمين ‪ .‬وهنفا أخرج ورقفا مفن درج مكتبفه وأمسفك بالقلم‬
‫وقال ‪ :‬يفا سفت زينفب قولي مفن الذي كان يأتفي عندك ؟ ‪ .‬قلت ‪ :‬ل أتذكفر لنفي ل أحففظ السفماء ول‬
‫أسفأل أحدا عفن اسفمه ‪ .‬قال ‪ :‬طيفب ! نترك هذا الموضوع لنعود إليفه بعفد قليفل ‪ .‬نتكلم ففي موضوع‬
‫حسن الهضيبي وسيد قطب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أي موضوع هذا؟ قال ‪ :‬موضوع قتل عبد الناصر والستيلء على الحكم ! قلت ‪ :‬يا أستاذ !‬
‫القضيفة اكفبر مفن قتفل عبفد الناصفر والسفتيلء على الحكفم ‪ .‬قتفل عبفد الناصفر أمفر تاففه ل يشغفل‬
‫المسلمين ‪ ،‬القضية قضية السلم ‪ ،‬السلم غير قائم ونحن نعمل لقيام السلم ونعمل على تربية‬
‫نشء للسلم ‪ .‬وإذا كان عبد الناصر يحارب السلم في أشخاص المسلمين وينكر الحكم بشريعة‬
‫السفلم مدعيفا أن هذا رجعيفة وتعصفب وتأخفر فأمفر ل يشغلنفا ‪ .‬قال ‪ :‬أنفت مجنونفة ! هذا الكلم‬
‫خطير‪ .‬أل تعلمين أنك لو قتلت هنا الن ودفنت ما علم بك أحد‪ .‬الظاهر أنك تستحقين ما أنت فيه ‪.‬‬
‫لو تركتك الن فستقتلين بعد ساعة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يفعفل ال مفا يشاء ويختار‪ .‬ولم أكفد أقول هذا حتفى انقلب كالوحفش الذي أخذه الصفرع ‪ ،‬وأخفذ‬
‫يهذي فففي هسففتيريا بالسففب واللعففن والشتففم ‪ .‬ثففم نادى أحففد الجنود وأعطاه إشارة جاء على إثرهففا‬
‫رياض إبراهيفم ‪ .‬قال له ‪ :‬ودي التسفجيلت للمحكمفة ‪ .‬هذه مجنونفة‪ .‬اعرف شغلك معهفا وهات لهفا‬
‫سفعد وانصفرف ذلك الذي كان يسفاومني ‪ .‬وحضفر العسفكري سفعد وهفو يقول نعفم يفا باشفا‪ .‬قال له ‪:‬‬
‫سفويها يفا سفعد‪ .‬وسفأله سفعد ‪ :‬كفم جلدة يفا باشفا؟ قال ‪ :‬خمسفمانة جلدة ‪ .‬وأنفا راجفع بعفد قليفل ‪ .‬وأخفذ‬
‫سعد يضربني بالسوط على يدي ورجلي وظهري وكل مكان في جسدي ‪ .‬ثم يتركني واقفة ووجهي‬
‫للحائط ويغيفب مقدار سفاعة يعود بعدهفا لضربفي بالسفوط مرة أخرى ‪ .‬ثفم جاءوا بجماعفة مفن شباب‬
‫الخوان وأخذوا يجلدونهففم ويلقنونهففم ألفاظففا قبيحففة وسففبابا مشينففة ليوجهوهففا لي ‪ .‬وكان الشبان‬
‫يرفضون ذلك فيزيدونهم جلدا ‪.‬‬
‫وكان منهم الطيار ضياء الطوبجي الذي قبض عليه يوم زفافه ‪.‬‬

‫وجاء دور حمزة في ليل المساومة !‬

‫بعد جلد شباب الخوان وجلدي أخذوني إلى حوش السجن الذي فيه زنزانتي ‪ .‬وأوقفني المدعو سعد‬
‫ووجهفي للحائط مفا يقرب مفن سفاعة ‪ .‬كان البرد قارسفا وآلم الركفل والسفياط شديدة ‪ .‬وجاء حمزة‬
‫البسيوني‪ ،‬كنت قد بدأت أحفظ بعض السماء‪ .‬وكان معه رياض الذي قال ‪ :‬يا بنت اعقلي وفكري‬
‫في مصلحتك ‪ .‬نحن ل نريد إل نفعك ‪ .‬انصحها يا حمزة باشا !‬
‫حاتعقلى وتعترففي كمفا اعترف كل الرجال أم ل ؟! قلت ‪ :‬ليفس لدى ما أعترف به ‪ .‬الخيفر الذي كنا‬
‫نجتمع من أجله هو بعث عقيدة التوحيد في نفوس الشباب ‪ .‬التفت حمزة لصفوت وكان يقف خلفه ‪.‬‬
‫فقال صففوت ‪ :‬أوامرك يفا باشفا ‪ .‬قال حمزة ‪ :‬هات لي كرسفيا ولهفا كرسفيا‪ .‬زوجهفا صفاحبي ‪ .‬ولذا‬
‫سأتعب نفسي معها‪.‬‬
‫جاء الكرسففي فأمرنففي بالجلوس ليعرف كيففف يكلمنففي موضحففا أنففه يفعففل ذلك مففن أجففل زوجففي ‪.‬‬
‫حاولت أن أجلس فلم أسفتطع ‪ .‬كانفت السفياط قفد أخذت مفن جسفدي ممفا أعجزنفي عفن الجلوس ‪ .‬أعاد‬
‫حمزة المفر بالجلوس فقلت ‪ :‬كلمنفي وأنفا واقففة ‪ .‬فقال لي ‪ :‬أنفت التفي فعلت هذا ففي نفسفك وحقرت‬
‫‪35‬‬
‫نفسففك بهذا الشكففل ‪ .‬لقففد أصففبح شكلك قبيحففا‪ ،‬وأصففبحت رجلك مثففل رجلي الرجففل الوحففش ‪ .‬إن‬
‫زوجك سيغتم حين يراك بهذا الشكل ‪ .‬لقد أصبح سنك ستين سنة‪ .‬وزوجك صاحبي وصعبان عل يّ‬
‫انظري إلى يديك ‪ ،‬كأنهما يدا عمال البناء ‪.‬‬
‫قال صفوت ‪ :‬إنت بتقول يا باشا‪ :‬سنها ستون سنة ‪ ،‬دي شكلها كما لو كان سنها مائة وعشرين سنة‪.‬‬
‫وشكلها أصبح قبيحا‪ ،‬زوجها يسبها ويلعنها وستصلها ورقة الطلق في البريد وأخذ يقهقه ‪.‬‬
‫قال حمزة ‪ :‬أنت صعبانة على‪ ،‬أنا أريد أن أخدمك ‪ .‬ظللت صامتة ل أتكلم ‪ ،‬بل أنظر نظرات فيها‬
‫احتقار له وازدراء لمفا يقول ‪ ،‬ول أدري أكان يحفس بهذه النظرات أم أنفه كان غبيفا؟ كنفت أراه غبيفا‬
‫جبانفا ‪ . .‬كالحشرة الملوثفة‪ .‬كان يظفن أنفه يخيفنفي ‪ ،‬ولكنفى كنفت أحفس أنفه يفرق منفى رعبفا ‪ .‬هكذا‬
‫كنفت أحفس عندمفا كان يهذي بتهديداتفه ‪ .‬صفرخ كالوغفد يأمفر صففوت أن يضفع وجهفي للحائط ‪،‬‬
‫وأسرعت أنا بنفسي أنفذ المر وأرفع يدي إلى أعلى‪ ،‬وما لبث السوط في يد صفوت أن بدأ يهوى‬
‫على ظهري في وحشية‪ ،‬ثم استدعى عسكريا اسمه سعيد أوقفه بجانبي وبيده سوط يضرب به في‬
‫الرض ‪ .‬وجاء آخر بصفيحة زيت مغلي وضعوا فيها عددا من السياط ‪.‬‬
‫وانصرف حمزة البسيوني وصفوت ‪ .‬وتركوا هذا الشقي سعيد يغمس تلك السياط في الزيت المغلي‬
‫ويأمرنفي أن أنظفر‪ .‬ثفم دخفل الحوش اكثفر مفن عشرة عسفاكر أخفذ كفل واحفد منهفم سفوطا أخذوا‬
‫يضربون بهفا ففي الرض ويقولون ‪ :‬يفا بنفت الفففف ‪ . .‬بنسفن لك الكرابيفج ‪ .‬وأنفا ل التففت إليهفم ‪ .‬كنفت‬
‫مشغولة عنهفم بذكفر ال ‪ .‬كنفت أتلو قول ال تعالى ( الذيفن قال لهفم الناس إن الناس قفد جمعوا لكفم‬
‫فاخشوهفم فزادهفم إيمانفا وقالوا حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ‪ ،‬فانقلبوا بنعمفة مفن ال وفضفل لم يمسفسهم‬
‫سفوء) ودخفل السففاح الروبفي بعفد فترة وقال ‪ :‬اخرجوا يفا أولد ‪ .‬انتظرونفي ‪ .‬أجلنفا قتلهفا الليلة ‪. .‬‬
‫وجذبني من ذراعي وأخذني إلى الزنزانة ‪.‬‬

‫عودة إلى الزنزانة‬

‫فتفح الباب وابتلعتنفي الزنزانفة ‪ .‬كانفت عليفة وغادة نائمتيفن فجلسفتا وأزعجهمفا الدم الذي ينزف مفن‬
‫قدمي ‪ .‬سألتني علية عما فعلوه في رجلي‪ ،‬قلت ‪ :‬الحمد ل وطلبت منهما العودة إلى النوم وأنا أردد‬
‫حديفث الرسفول عليفه السفلم ‪" :‬بسفم ال ‪ ،‬أعوذ بعزة ال وقدرتفه مفن شفر مفا أجفد وأحاذر" ‪ .‬ومرت‬
‫ليلتان وآلم الجلد تأخفذ منفى كفل مأخفذ‪ ،‬وأنفا أكتفم آلمفي داخفل نفسفي إشفاقفا منفى على عليفة وغادة‪،‬‬
‫وكانتفا تحرصفان كفل الحرص على أل تسفألني عمفا حدث ففي تلك الليلة ول عفن سفبب اسفتدعائي ‪،‬‬
‫لقفد اكتفتفا بمفا رأتفا مفن آثار التعذيفب على جسفدي وبمنظري عنفد العودة ‪ .‬وففى صفبيحة يوم سفألتني‬
‫غادة عمفا حدث فأسفكتتها عليفة وشعرت أنفا بأن ففي سفؤال غادة نذيرا بفصفل جديفد فانقبضفت نفسفي‬
‫وانقضى اليوم ‪.‬‬

‫وهبط ليل آخر‬

‫وبعفد صفلة العشاء فتفح باب الزنزانفة وسفدته جثفة صففوت المظلمفة الذي نادى بوحشيفة ‪ :‬يفا بنفت يفا‬
‫زينفب قففي؟ وسفحبني مفن يدي وهفو يقول تعالى اختفل توازنفي وكدت أسفقط على الرض مفن شدة‬
‫العياء! ‪ . .‬وفى الطريق قابله رجل قال له ‪ :‬خليل بك ينتظرك يا صفوت ! قال وهو يسب ويلعن ‪.‬‬
‫‪ .‬أنفا آخفذ له البلوى دي سفأل الخفر هفي دي زينفب الغزالي؟ فأجاب صففوت ‪ :‬نعفم هفي دي ‪ .‬زينفب‬
‫الغزالي ‪ . .‬وأخذ يسب ويلعن وأدخلني حجرة بها مكتب عليه رجل كأن وجهه الليل المظلم المخيف‬
‫‪ .‬انتففض الرجفل واقففا كأن جنفا مسفه وقال لصففوت ‪ :‬روح انتفه هات الرجفل‪ .‬وتركنفي واقففة وأخفذ‬
‫‪36‬‬
‫يذرع الحجرة ذهابا وإيابا كالملدوغ ‪ .‬عاد صفوت ومعه رجل دخل وجلس على المكتب ‪ .‬أخذ يقول‬
‫‪ :‬مفن أنفت يفا بنفت ؟ قلت ‪ :‬زينفب الغزالي الجفبيلي! قال ‪ :‬ولم أنفت هنفا ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬لزم‬
‫تعرفي ‪ .‬أنت هنا لنك والهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل دبرتم لقتل جمال عبد الناصر‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لم يحدث هذا! قال ‪ :‬اعتدلي في كلمك ! ‪ . .‬الليلة قتل ل جلد ككل مرة ‪ .‬أتعرفين من أنا؟ أنا‬
‫وحففش السففجن الحربففي‪ . .‬أنففت فاهمففة‪ .‬قلت ‪ . .‬ليففس هنففا إل الوحوش والكلب ‪ . .‬لم أر أحدا مففن‬
‫الدمييفن منفذ دخلت السفجن إل هؤلء المظلوميفن مفن الخوان حملة المانفة وزعماء الحفق ‪ .‬فقام‬
‫وركلني برجله ودفعني بكلتا يديه فأوقعني‪ ،‬ثم أخذ يرفصنى برجليه ‪ ،‬ثم أوقفني وكان الضرب قد‬
‫أتعبنفي فاسفتندت إلى الحائط ‪ .‬فنظفر إلى وقال ‪ :‬ل نريفد هذه الفلسففة اعتدلي وتكلمفي! ‪ . .‬وضربنفي‬
‫بكلتا يديه على وجهي ‪ . .‬وأخذني صفوت بيديه ‪ . .‬وأجلسني على مقعد وخرج وأغلق باب الحجرة‬
‫‪ . .‬وبعد فترة دخل رجل وقال ‪" :‬إيه يا زينب ماذا تفعلين بنفسك ‪ . .‬أنت تشتمين الناس وتسخرين‬
‫بهفم ‪ . .‬الريفس قلبفه كفبير ويريفد أن يخدمفك ‪ .‬نحفن نريدك شاهدا ففي القضيفة فقفط وسفنخرجك مفن‬
‫الجريمة التي ألبسها إياك الخوان المسلمون " ‪ .‬قلت ‪" :‬ليس هناك جريمة لدى الخوان المسلمين ‪.‬‬
‫‪ .‬الجريمفة أنكفم أنتفم أيهفا الوغاد تحكمون هذا البلد الطيفب " ‪ .‬قال ‪" :‬أنفت إمفا مجنونفة أو حالتفك‬
‫النفسية سيئة سأتركك وأبعث لك من يعرف كيف يتفاهم معك "‪ .‬وتركني وخرج ‪ ،‬وحمدت ال على‬
‫أنففه لم يأمرنففي بالوقوف لشدة تعففبي ‪ .‬وبعففد فترة دخففل رجففل وبيده سففوط وكان مففا يميزه أن حففب‬
‫الشباب يمل وجهفه ‪ .‬قال ‪ :‬قففي يفا بفت ‪ . .‬مفن أنفت ؟ قلت ‪ :‬زينفب الغزالي الجفبيلي ‪ . .‬قال ‪ :‬يفا نهار‬
‫أسفود‪ .‬تبقفى دي ليلتفك الخيرة مادمفت حضرت هنفا ‪ .‬ودخفل رجفل آخفر فقال للول ‪ :‬أخرج أنفت‬
‫سأقعد معها قليل ‪ .‬هذا حرام ‪ .‬دي فعلت خيرا كثيرا‪ ،‬لكن أوقعها الخوان ‪ . .‬قال الول ‪ :‬صحيح يا‬
‫بيفه لزم تكون عملت طيفب لنفك لحقتهفا ‪ .‬كان فاضفل لهفا دقائق وعمرهفا ينتهفي ‪ . .‬قال الثانفي ‪:‬‬
‫اذهفب أنفت ‪ .‬سفأقعد أتفاهفم معهفا مفا تريدون منهفا بالضبفط ؟ قال الول ‪ :‬الريفس والمشيفر يريدان أن‬
‫تكون شاهفد ملك ففي القضيفة وتعترف على الخوان ‪ . .‬والخوان كلهفم اعترفوا يفا بيفه ‪ .‬ثفم خرج‬
‫وبقى الثاني‪ .‬قال ‪ :‬يا زينب ما هذا الذي تعملينه في نفسك ؟ ملبسك متقطعة ومتبهدلة ‪ . .‬ثم جلس‬
‫على المكتفب وهفو يقول ‪ " :‬إنفت بايفن عليفك العياء خالص ‪ . .‬تقدري كمان تجاوبفي على أسفئلتي‪،‬‬
‫أو نتفاهم غدا"؟ لم أجبه ‪ . .‬قال ‪" :‬أنا كنت مع أخيك عبد المنعم وسيف ومع زوجك هذا الصباح ‪. .‬‬
‫زوجفك رجفل طيفب جدا إ أنفت صفعبانة على قوى‪ ,‬وأنفا أر يفد إخراجفك مفن هذه القضيفة‪ ،‬وموضوع‬
‫إنك تصبحين شاهدة ملك موضوع جيد جدا "‬
‫ثم نادى صفوت وأمره أن يأخذني كي أنام وأرتاح وأفكر لنلتقى غدا‪ . .‬وأخذني صفوت ‪. .‬‬

‫استراحة قصيرة‬

‫وابتلعتنففي الزنزانففة ‪ ،‬وكانففت عليففة وغادة نائمتيففن ‪ ،‬وتنبهففت عليففة إلى دخولي ‪ ,‬فقالت ‪ :‬أجئت يففا‬
‫حاجة؟ قلت ‪ :‬الحمد ل ‪.‬‬
‫حاولت أن أنام فلم أستطع ‪ . .‬وأذن الفجر فصلينا‪ ،‬وأخذت غادة تسألني عما حدث ‪.‬‬
‫قلت المفر ل ‪ .‬أدعفو ال أن يثبتنفا على الحفق ‪ ،‬إنهفم يريدونهفا فتنفة‪ .‬إنهفم يطلبون منفى المسفتحيل ‪.‬‬
‫قالت علية ‪ :‬ربنا يعينك يا حاجة ‪ .‬وأعادت غادة السؤال عن تفصيل ما حدث ‪ . .‬فلم أحدثها‪ . .‬كنت‬
‫متعبففة وكان على أن أهيففئ نفسففي للقاء الليلة التيففة ‪ . .‬وفهمففت عليففة ذلك فأسففكتت غادة وانقضففى‬
‫النهار‪.‬‬

‫وما أقسى الليل‬


‫‪37‬‬
‫وجاء الليففل الذي أصففبحت أخافففه وأخشاه ‪ ،‬وأخذت عليففة وغادة تدعوان لي وللخوان جميعففا ‪،‬‬
‫وفتحفت الزنزانفة وأخذت ‪ ،‬ولكنفى وجدت رجل آخفر لم أره مفن قبفل ومعفه صففوت ‪ ،‬ذهبفا بفي إلى‬
‫مكاتب التعذيب ‪ .‬أمر الرجل صفوت بالنصراف وأمرني بالجلوس على مقعد بجوار المكتب ‪ .‬ثم‬
‫بدأ حديثه قائل‪ :‬يا ست زينب أنت أتعبت الناس الذين يريدون خدمتك ‪ .‬وأنا اليوم مقطوع لخدمتك ‪،‬‬
‫وأرجفو أن يعيننفي ربنفا وتنهدي بال وتتركفي حكايفة الخوان المسفلمين ‪ ،‬وكفايفة أنهفم أوقفوك هذا‬
‫الموقفف الحرج ‪ . .‬أنفت مخدوعفة فيهفم ‪ .‬فاكرة إنهفم صفحيح يريدون السفلم ‪ .‬هؤلء طلب حكفم '‬
‫نحن نريد أن تفتحي لنا قلبك ‪ .‬الهضيبي قال كلما معناه الحكم عليفك بالعدام وأيده سيد قطب في‬
‫ذلك ‪ . .‬نحفن ل نصفدق كلمهفم ونريفد إخراجفك مفن القضيفة نهائيفا واعتبارك شاهفد ملك‪ . .‬كمفا أننفا‬
‫نريفد أن تذهفبي الن إلى منزلك ‪ ،‬وعندمفا نحتاج ليفك ففي الشهادة نرسفل لك أو نذهفب نحفن إليفك ففي‬
‫منزلك ‪ ،‬إذا وافقفت على هذا سفتقابلين المشيفر عامفر والرئيفس عبفد الناصفر‪ ،‬وسفيصدر قرار مفن‬
‫الرئيفس بإلغاء قرار حفل جماعفة السفيدات ‪ ،‬وقرار بإعادة صفدور المجلة‪ ،‬ليفس هذا فحسفب بفل إن‬
‫الرئيفس ينوى أن يعطيفك مركزا كفبيرا ففي الدولة يجعلك صفاحبة السفيطرة على كفل الجمعيات ففي‬
‫الجمهوريفة ‪ . .‬وكففى مفا حدث لك مفن غدر الخوان ‪ . .‬كفل المصفائب يريدون وضعهفا على رأسفك‬
‫ليخرجوا هفم سفالمين " ‪ . .‬كان يتحدث وأنفا صفامتة ل أنطفق بكلمفة‪ ،‬وكان وهفو يتحدث يتفرس ففي‬
‫ملمحي ‪ .‬ثم دق جرسا على المكتب دخل بعده صفوت فطلب لنفسه شايا ثم التفت إلى يقول ‪ :‬أنت‬
‫تشربين القهوة فهل أطلب لك فنجان قهوة ‪ .‬فقلت ‪" :‬شكرا‪ . .‬ل أريد شيئا"‪ .‬قال ‪" :‬اسمعي يا زينب‬
‫‪ ،‬سأعطيك ورقا وقلما‪ ،‬اكتبي فيه كل ما اتفقنا عليه فقلت ‪ " :‬إننا لم نتفق على شئ ‪ .‬ول أدري ماذا‬
‫اكتب ‪. "! . .‬‬
‫قال وهففو يناولنففي الورقففة والقلم ‪" :‬إنففت للن لم تسففتطيعي أن تقدري مصففلحتك ‪ . .‬الرئيففس جمال‬
‫يريد خدمتك ‪ ،‬ويريد إخراجك من القضية ! !" ‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬أي قضيفففة؟ ! ! ناس اجتمعوا ليدرسفففوا دينهفففم ‪ ،‬ويتفقهوا فيفففه ‪ . .‬هفففل هذه قضيفففة أو‬
‫جريمة؟ ! ! الولى بالرئيس وبالمشير أن يحاكما الذين ينشرون التسيب الخلقي‪ ،‬والنحلل ‪ ،‬بل‬
‫والتسفيب اللحادي ‪ . .‬وينشرون الفسفاد ففي كفل مكان ‪ . .‬إذا كتبفت فسفأكتب الحقيقفة الواقعفة ففي هذا‬
‫البلد المسفكين ‪ . .‬الحفق الذي أعلمفه سفأكتبه ‪ .‬قال ‪" :‬أنفا عارف إنفك سفيدة فاضلة على علم ‪ ،‬وعقلك‬
‫كبير‪ ،‬ولن ترتضى أن تزيدي موقفك سوءا اكثر مما أنت فيه ! ! ‪ . .‬أنا سأتركك مع الورق والقلم ‪.‬‬
‫‪ .‬قبل الكتابة ‪ .‬ضعي أمام عينيك أن الرئيس يريد إخراجك من القضية ‪ . .‬القضية وضحت معالمها‬
‫تمامفا ‪ . .‬الهضيفبي وسفيد قطفب كانفا يدبران لغتيال عبفد الناصفر والسفتيلء على الحكفم ‪ .‬ويقولن‬
‫إن زينفب الغزالي هفي التفي كانفت تدبر وتخطفط ‪ .‬يريدان إلقاء كفل المسفئولية فوق رأسفك ويلتمسفان‬
‫البراءة لهما فقط ‪ .‬بل إنهما يقولن إنك أنت السبب في كل ما حدث ‪ ،‬وأنت التي سببت لهما الذى‬
‫والضرر‪ . .‬اكتبي ‪ . .‬اكتبي ‪ . .‬لكن فكرى طويل في موقفك وموقف الخوان منك ‪ . .‬إنهم يريدون‬
‫إلصفاق القضيفة كلهفا بفك ‪ . .‬وإخراج أنفسفهم منهفا ‪ . .‬إننفا نعلم أنهفم حرضوك ثفم تخلوا عنفك ‪ . .‬هفل‬
‫هذه شجاعفة؟!! إنهفا نذالة"‪ . .‬وتركنفي وحدي مفع الورق والقلم ‪ . .‬وآه مفن الورق والقلم مفع سفجين‬
‫في زنزانة ! ! ‪. .‬‬
‫وكتبفت " ‪ . . .‬كنفا نجتمفع مفع شباب الخوان ندرس ففي كتفب الفقفه والسفنة والحديفث والتفسفير ‪ .‬كنفا‬
‫ندرس كتاب المحلى لبففن حزم ‪ ،‬وزاد المعاد لبففن القيففم ‪ ،‬والترغيففب والترهيففب للحافففظ المنذر ‪،‬‬
‫وففى ظلل القران لسفيد قطفب ‪ ،‬وملزم مفن كتاب معالم ففي الطريفق ‪ . .‬كنفا ندرس سفيرة الرسفول‬
‫والصفحابة ‪ .‬وكيفف قامفت الدعوة السفلمية ‪ . .‬وكان ذلك بإذن وإرشاد السفتاذ الهضيفبي ‪ . .‬كان‬

‫‪38‬‬
‫الغرض مفن الدراسفة هفو إيجاد لبنات سفليمة مفن الشباب المسفلم ‪ .‬علنفا نسفتطيع إعادة مجفد السفلم‬
‫وقيام أمته الفعالة في الرض ‪.‬‬
‫وبعد دراسة طويلة قررنا أن نعيد تنظيم الخوان المسلمين في كل مواقعها وأن نعمل بدأب ومثابرة‬
‫على جمع كل من نستطيع من لبنات صالحة من شباب المة الضائع في المجتمع الجاهلي المحيط‬
‫بالبشريفة كلهفا ‪ . .‬وقررنفا أن يسفتغرق هذا العمفل ثلثفة عشفر عامفا ‪ .‬بعدهفا نقوم بمسفح للجمهوريفة‪،‬‬
‫فإن وجدنفا الفئة المؤمنفة بمبادئ السفلم تقفل نسفبتهم عفن ‪ %25‬جددنفا فترة الدراسفة المصفحوبة‬
‫بالتربيفة لثلثفة عشفر عامفا أخرى ثفم نعيفد التقييفم ثانيفة وثالثفة ورابعفة حتفى تصفل النسفبة ‪ %75‬مفن‬
‫مجموع الشعفب ‪ . .‬عندهفا ننادى بالدولة السفلمية ‪ . .‬فماذا يخيفف عبفد الناصفر‪ ،‬وماذا يخيفكفم أيهفا‬
‫الحاكمون ؟ ربمففا تمففض أجيال قبففل أن يتحقففق هذا الذي نرجوه ‪ ،‬فمففا الذي يخيفكففم ؟! ! ليففس فففي‬
‫حسابنا ‪-‬بالمرة‪ -‬قتل عبد الناصر‪ ،‬فقتله ليس أمرا واردا في قضيتنا ‪ . .‬القضية اكبر من قتل شخص‬
‫أو أشخاص وفكرة القتففل مرفوضففة ولكنكففم تتعللون بهففا لتقتلوا المؤمنيففن ‪ ! ! . .‬مففن الذي أمركففم‬
‫بتعذيبنا وقتلنا؟ الصهيونية أم الشيوعية؟ ! !‬
‫إن المفر الذي ترتعفد منفه الشيوعيفة الملحدة ‪ ،‬ويخيفف الغرب المنحرف ‪ ،‬المرتفد عفن مسفيحيته ‪. .‬‬
‫إن المفر الذي ترتجفف منفه الصفهيونية العالميفة ويجعلهفا ل تنام ول تهدأ ‪ . .‬المفر الذي يرعفب كفل‬
‫هؤلء جميعا‪ ،‬هو عودة السلم بعقائده وشرائعه ومعاملته إلى المسلمين ‪ ! ! . .‬نعم عودة السلم‬
‫تقلق كففل هؤلء ولذلك هففم يتربصففون بنففا ويتجسففسون علينففا‪ ،‬ثففم يأمرون عملئهففم بالقضاء على‬
‫المؤمنين ‪ . .‬ولكن ال متم نوره ‪ .‬ومخزي الكافرين ‪ . .‬إن قتلتمونا اليوم فسيأتي من بعدنا من يرفع‬
‫رايفة السفلم ‪ . .‬أمفا مجلة السفيدات المسفلمات أو المركفز العام للسفيدات المسفلمات أو الدنيفا كلهفا إذا‬
‫جاءتنا لتكون لغير ال فنحن نرفضها ول نريدها ‪ . .‬إننا ل نطلب إل ال وطريقه وشريعته " وذيلت‬
‫هذه الكلمات بتوقيففع "زينففب الغزالي الجففبيلي"! ! ‪ .‬ودخففل صفففوت الروبففي وطلب منففى الوراق‬
‫فأعطيتهففا له وخرج ‪ . .‬ومرت فترة ‪ .‬عاد إلى الرجففل الذي كان أعطانففي الوراق والقلم ‪ .‬ومعففه‬
‫أوراق ‪ -‬ليست هي التي كتبتها‪ -‬ثم مزقها وقذفني بها في وجهي ليوهمني بأنه مزق ما كتبت ! ! ‪. .‬‬
‫وقال لصففوت ‪" :‬خذوهفا يفا صففوت ‪ . .‬إنهفا ل تسفتحق إل العدام كمفا قرروا ‪ . .‬أنفا كنفت أريفد أن‬
‫أخدمهفا لكنهفا رفضفت يدي الممدودة إليهفا ‪ . .‬دعهفم يعدمونهفا! ! " ‪ . .‬وانصفرف ‪ . .‬إننفي ففي دهشفة‬
‫‪-‬بل في حيرة‪ -‬إن كانوا يقولون ويزعمون أن القضية وضحت كل معالمها وتكشفت كل عناصرها‪،‬‬
‫فلماذا لم يقدموني إلى المحاكمة العلنية‪ ،‬ول داعي للترغيب والترهيب والتعذيب ؟! ! أم أن القضية‬
‫هفي الموت البطيفء تنفيذا لمخطفط مرسفوم ؟ حقفا لقفد وضحفت القضيفة ‪ . .‬ووضحفت كفل معالمهفا‪. .‬‬
‫وتكشفت كل عناصرها ‪ . .‬بل وبان هدفها والغرض منها ‪ . .‬أنهم يريدونها جاهلية ‪ . .‬جاهلية! !‬

‫الفتنة في حقيبة ملبس ‪ . .‬وخطاب من عبد الناصر‬

‫أغلق باب الزنزانففة فانتقلت إلى عالم آخففر‪ ! ! . .‬كان الرهاق والجهففد واللم قففد سففطر كففل منهففا‬
‫سطورا عميقة في نفسي وجسدي!! ‪ . .‬وتكورت في مكاني أحاول النوم فلم أستطع فقد كنت كأنني‬
‫أتقلب على مسفامير محميفة ‪ . .‬فالسفياط والركفل والصففع قفد مزقفت جسفمي‪ ،‬والسفب بأبشفع اللفاظ‬
‫وأقذرها قد مزق نفسي‪!! ..‬‬
‫وهكذا ظللت أتقلب حتفى سفمعت أذان الفجفر فاسفتيقظت عليفة وغادة وتيممتفا وادينفا الصفلة ‪ . .‬كان‬
‫ى علية وقالت ‪" :‬الدكتور أعطاني حبوبا مهدئة أتأخذين قرصا‬ ‫حالي يغنى عن أي سؤال فنظرت إل ّ‬
‫يفا حاجفة؟ ! ! " قلت ‪" :‬ل بأس يفا عليفة!إ"‪ .‬تناولت القرص واسفتسلمت للنوم ‪ . .‬ولكفن هيهات للنوم‬
‫أن يجمفع أشلء جسفد ممزق ‪ ،‬وشتات نففس ممزقفة! ! ففزعنفا إلى ال ‪ . .‬نقرأ القرآن ‪ . .‬ونصفلى ما‬
‫‪39‬‬
‫اسفتطعنا ‪ . .‬كانفت غادة تحففر على حائط الزنزانفة تاريفخ كفل يوم منفذ مجيئهفا إلى السفجن ‪ . .‬قالت ‪:‬‬
‫"اليوم ‪ 8‬أكتوبر فقلت ‪" :‬ربنا يفوته على خير‪ " . .‬قالت علية ‪" :‬إن شاء ال " وفى الضحى فتحت‬
‫الزنزانفة وظهفر‪ -‬صففوت ومعفه جنديان يحملن حقيبفة كفبيرة عرففت مفن النظرة الولى أنهفا مفن‬
‫منزلي! ! فتفح صففوت الحقيبفة وهفو ينادى ‪" :‬يفا زينفب ! هذه ملبفس طلبناهفا لك مفن البيفت وأخفذ‬
‫يخرج مفا ففي الحقيبفة ويعرضفه على ثفم أعاد مفا أخرجفه إلى الحقيبفة ثانيفة وأقفلهفا‪ . .‬كانفت الحقيبفة‬
‫كأنهفا أعدت لرحلة طويلة‪ . .‬فسفألته ‪" :‬مفن طلب كفل هذه الملبفس ومفن أحضرهفا"؟ فقال صففوت ‪:‬‬
‫نحن طلبناها وأختك حياة أحضرتها ‪ . .‬ثم أمر الجنديين بالنصراف بالحقيبة! ! ولبث قليل ثم أغلق‬
‫الزنزانفة! ! انصفرف الزبانيفة فأغمضفت عينفي ورحفت ففي إغماءة شديدة؟ على إثرهفا هرعفت إلي‬
‫عليففة وغادة تدلكان يدي وقدمففي تحاولن إفاقتففي ‪ ،‬وأخذتففا تهونان على المففر‪ . .‬هففم اعتقدوا إنففك‬
‫محتاجة إلى ملبس فطلبوها ‪ . .‬المر بسيط وعادى جدا ‪ " . .‬قلت ‪ " :‬ل يا علية إنها مصيبة كبيرة‬
‫‪ ،‬فقالت علية ‪" :‬لماذا يا حاجة؟ انهم رأوا ثيابك قد تمزقت وأنك في حاجة إلى ملبس‪ .‬فقلت ‪" :‬ل‪..‬‬
‫ل ‪ ..‬يفا عليفة‪ .‬هذه فتنفة! ! لماذا أنفا بالذات التفي تأتيهفا ملبفس ؟ إننفي منقبضفة وغيفر مسفتريحة إلى‬
‫هذا‪ . .‬إننففي مقبلة على اختبار اكففبر ممففا أنففا فيففه !‪ . .‬وأخذت أدعففو ال أن يثبتنففي على الحففق ‪.‬‬
‫وانتظمنفا ففي صفلة العصفر‪ .‬ونحفن ففي الركعفة الخيرة دخفل صففوت وجذبنفي بوحشيفة وقال ‪:‬‬
‫"تعالى معي ! ! " وأغلق الزنزانة على غادة وعلية ‪ .‬سار بي إلى آخر الممر‪ .‬ثم قذفني في زنزانة‬
‫حالكففة الظلم ‪ ،‬كريهففة الرائحففة‪ ،‬رطبففة تمرح فيهففا فئران متوحشففة! ! جلسففت فففي رعففب شديففد‬
‫وجسفمي يرتعفد مفن شدة البرد وبرودة السففلت بقسفوة ‪ ،‬وظلمفة الزنزانفة تضاعفف خوففي ورعفبي‬
‫وآلمفي ! ولجأت إلى ال لتغلب على هذه الظرف ‪ .‬فتيممفت وأخذت أصفلى وأصفلى وأناجفى ربفي‬
‫‪ ( ..‬أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد ‪ 128 :‬وفجأة أضيء النور ‪.‬‬
‫ودخل صفوت ومد يده قائل ‪" :‬أقرئي هذا الخطاب يا بنت ! نظرت في الخطاب ‪ . .‬فوجدت مكتوبا‬
‫في أعله "مكتب رئيس الجمهورية" ثم مكتوب في صلبه باللة الكاتبة ‪" -‬بأمر جمال عبد الناصر‬
‫رنيس الجمهورية تعذب زينب الغزالي الجبيلي فوق تعذيب الرجال ! "‬
‫التوقيففع (جمال عبففد الناصففر رئيففس الجمهوريففة" ومختوم بخاتففم شعار الدولة الخاص برئاسففة‬
‫الجمهورية ‪. .‬‬
‫قرأت الخطاب ثففم أعدتففه إلى صفففوت قائلة ‪" :‬ال اكففبر منكففم جميعففا ‪ . .‬نحففن معنففا ال ‪ " . .‬فأخففذ‬
‫يرمينفي صففوت بنظرات شرسفة ويقذف مفن فمفه بقذارات مفن السفب المقذع ‪ . .‬ولم أنطفق بكلمفة‬
‫واحدة فأغلق الزنزانة ‪.‬‬
‫بعفد فترة قصفيرة سفمعت صففوت يصفيح بأعلى صفوته "انتباه "! ! وفتحفت الزنزانفة ودخفل حمزة‬
‫البسفيوني تتراقفص الشياطيفن ففي عينيفه وقال ‪" :‬آخفر فرصفة لك ‪ . .‬سفاعة واحدة فكرى فيهفا جيدا‬
‫وقدري مصفلحتك ‪ ،‬لقفد أحضرت لك ثيابفا لتقابلي المشيفر عبفد الحكيفم عامفر والرئيفس جمال ‪ .‬ثفم‬
‫يتغيفر موقففك ففي القضيفة " ونظفر إلى صففوت قائل ‪" :‬اقرأ عليهفا الخطاب يفا صففوت ! ! " فرففع‬
‫صفوت عقيرته وقرأ "بأمر جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية تعذب زينب الغزالي الجبيلي فوق‬
‫تعذيب الرجال " إمضاء جمال عبد الناصر‪ . .‬أخذ حمزة البسيوني الخطاب من صفوت وقال وهو‬
‫يناوله لي ‪ " :‬خذي ‪ . .‬خذي يا مجنونة الخطاب واعرفي ما فيه جيدا ‪ " . .‬فقلت له ‪ " :‬لقد قرأته "‬
‫! ! فقال ‪" :‬أقرئيه مرة أخرى" ‪ . .‬ثم اتجه إلى صفوت وقال ‪ :‬أين السوط يا صفوت ؟! ! فأخذت‬
‫الخطاب وقرأته ثم قذفت به إلى الرض وقلت له ‪" :‬ربنا اكبر منكم يا فجرة ‪ . .‬اخرجوا يا كفرة! !‬
‫"‪.‬‬
‫نادى حمزة البسيوني على بعض الجنود خارج الزنزانة‪ ،‬فدخل جندي يحمل حقيبة الملبس ‪ .‬وقال‬
‫في وحشية ‪" :‬سنمنحك فرصة لمدة ساعة ‪ . .‬وهذه ملبسك ‪ . .‬فكرى جيدا ولمصلحتك فقط ‪ ..‬حل‬
‫‪40‬‬
‫المشكلة ففي يدك أنفت ! ! " ثفم أغلقوا الزنزانفة وانصفرفوا ‪ .‬أخذت أسفتغفر ال وادعوه الثبات على‬
‫الحففق ‪ .‬ومضففت السففاعة الممنوحففة لي ‪ .‬فدق أذنففي صففوت صفففوت "انتباه ! ! " ثففم دخففل حمزة‬
‫البسففيوني ونظففر إلى ثففم قال ‪" :‬ألم ترتدى ثيابففك ؟ ! ! أتريديففن الموت ؟ ! " ‪ .‬ل بأس ! لقففد بعففت‬
‫نفسك ! حسنا خذها يا صفوت ‪ . .‬بنت الكلب‪ . . . .‬تريد أن تقدم نفسها فداء لسيد قطب والهضيبي ‪،‬‬
‫إنهفم يريدون التخلص منهفا ويخرجون هفم أبرياء ‪ .‬جذبنفي صففوت بعنفف وخرج بفي مفن الزنزانفة‬
‫وسفار بفي ففي الممفر‪ ،‬وأثناء مروري على زنزانتفي قلت "ال اكفبر" بصفوت مرتففع حتفى تسفمع‬
‫"علية وغادة فكنت أعتقفد أنهفا اللحظة الخيرة ففي حياتفي‪ ،‬كما قال حمزة البسفيوني ! ! ‪ .‬ال اكبر‬
‫منكم يا فجرة ‪ . .‬اخرجوا يا كفرة! إ" ‪.‬‬

‫الباب الرابع‬

‫مع شمس بدران‬

‫زنزانة الماء ! ! ! والجريمة‬

‫واستمر صفوت في سيره حتى مكتب ضابط يدعى هاني ‪ ،‬وأخذني هاني إلى مكتب شمس بدران‬
‫‪ ..‬إ!‬
‫شمس بدران وما أدراك ما شمس بدران ! !‬
‫‪41‬‬
‫إنفه وحفش غريفب عفن النسفانية وأكثفر وحشيفة مفن وحوش الغاب ! ! إنفه أسفطورة ففي التعذيفب‬
‫والقسفوة ! ! كان ينطلق ففي لذة غريبفة يضرب الموحديفن المؤمنيفن ‪ ،‬بأعنفف مفا يمكفن أن يتصفوره‬
‫العقفل البشرى‪ .‬ظنفا منفه أن القسفوة والعنفف ففي التعذيفب يرد المسفلمين عفن دينهفم وعقيدتهفم !! وقفد‬
‫خاب ظنه ‪. .‬‬
‫وسفألني شمفس بدران ففي غطرسفة كأنفه جامفع رقاب الخلق بيفن أصفابعه هفو أنفت بقفى سفت زينفب‬
‫الغزالي؟ قلت ‪ :‬نعفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففم !‬
‫كان مكتفب حمزة البسفيوني يتصفل بمكتفب شمفس ‪ .‬وكان يقفف خلففي الجلد صففوت الروبفي واثنان‬
‫آخران وبيد كل منهم سوط كأنه لسان من لهب ! ! ‪.‬‬
‫قال شمفس بدران وهفو مازال ففي غطرسفته ‪ " :‬يفا بنفت يفا زينفب ! خلى بالك وتكلمفي بعقفل وشوففي‬
‫فين مصلحتك ‪ ،‬خلينا نخلص منك ونشوف غيرك وإل بعزة "عبد الناصر" أجعل السياط تمزقك ‪.‬‬
‫قلت ‪ " :‬يفعفل ال مفا يشاء ويختار"‪ .‬فقال ‪" :‬مفا هذه الرطانفة العجيبفة يفا بنفت ‪ . .‬؟إ " فلم أرد عليفه‬
‫فقال ‪" :‬مفا هفي صفلتك بسفيد قطفب والهضيفبي؟"‪ .‬قلت ففي هدوء ‪" :‬أخوة ففي السفلم ‪ . ،‬فقال ففي‬
‫استنكار بليد ‪" :‬أخوة ماذا؟" ‪ .‬فأعدت ‪" :‬أخوة في السلم " ‪ .‬فقال ‪" :‬ما مهنة سيد قطب ؟"‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬الستاذ المام سيد قطب مجاهد في سبيل ال ‪ ،‬ومفسر لكتاب ال ‪ ،‬ومجدد ومجتهد" ‪.‬‬
‫فقال فففي بلدة ‪ :‬مففا معنففى هذا الكلم ؟ فقلت وأنففا أضغففط على مخارج اللفاظ تأكيدا له معناه ‪ :‬إن‬
‫السفتاذ سفيد قطفب زعيفم ‪ ،‬ومصفلح ‪ ،‬وكاتفب إسفلمي ‪ ،‬بفل مفن أعظفم الكتاب السفلميين ‪ ،‬ووارث‬
‫محمدي ‪.‬‬
‫وبإشارة من إصبعه انهال على الزبانية ‪ .‬وقال هو‪ :‬إيه يا ست ؟ ولم أجبه – قال ‪ :‬ومهنة الهضيبي‬
‫إيففه كمان ؟ فقلت ‪" :‬السففتاذ المام حسففن الهضيففبي" إمام مبايففع مففن المسففلمين المنتميففن لجماعففة‬
‫الخوان المسفلمين ‪ ،‬الملتزميفن بتنفيفذ أحكام الشريعفة ‪ ،‬والمجاهديفن ففي سفبيل ال حتفى تعود المفة‬
‫السلمية كلها إلى كتاب ال ‪ ،‬وسنة رسوله "‪.‬‬
‫وما فرغت من كلمي حتى عاود الزبانية التعذيب بالسوط !‬
‫فقال ‪" :‬هراء‪ ،‬وكلم فارغ ‪ . .‬ما هذا يا بنت الفف‪. " . . .‬‬
‫وقال حسن خليل ‪" :‬دعها يا باشا‪ . .‬توجد نقطة مهمة !!" ثم تقدم إلى وامسكني من ذراعي وقال ‪:‬‬
‫"هل قرأت كتاب "معالم الطريق " لسيد قطب ؟ فقلت ‪" :‬نعم قرأته " ‪.‬‬
‫فقال رجفل آخفر مفن الجالسفين – وكان يدخفل بعفض الضباط أثناء السفتجواب ويجلسفون للمشاركفة‬
‫في الستجواب من جهة ‪ .‬ومن جهة أخرى كنوع من الرهاب ممكن تعطينا موجزا لهذا الكتاب ؟‬
‫فقلت ‪" :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫‪." . .‬‬
‫فقاطعني شمس بدران في صفاقة غريبة ‪ :‬أنت واقفة على منبر مسجد يا بنت الفف‪ . . . .‬؟! إننا في‬
‫كنيسة يا أولد الفف‪."! . . . . .‬‬
‫وقال حسن خليل ‪ :‬معذورة يا باشا‪ . .‬أكملي يا زينب‪ .‬ماذا فهمت من كتاب معالم في الطريق ؟‬
‫فقلت ‪ :‬كتاب معالم في الطريق في فهم المجتهد المفسر سيد قطب يدعو المسلمين لمراجعة أنفسهم‬
‫مفع كتاب ال ‪ ،‬وسفنة رسفول ال ‪ ،‬وتصفحيح تصفورهم لعقيدة التوحيفد ‪ .‬فإذا وجدوا أنفسفهم – وهذا‬
‫هففو الواقففع الن – منقطعيففن عففن كتاب ال ‪ ،‬وسففنة رسففوله سففارعوا بالتوبففة ‪ .‬وعادوا إلى دينهففم‬
‫وكتابهم ‪ ،‬وسنة رسولهم ! ‪ .‬ثم يدعوهم للمفاصلة بينهم وبين الجاهلية المتفشية في المة‪ ،‬فطمست‬
‫وضوح الرؤية في فهم القرآن ‪ .‬وتصور أوامره تصورا سليما ‪ .‬فإذا راجعت المة الكتاب ومراميه‬
‫‪ ،‬ومقاصفده ‪ ،‬والتزمفت بدينهفا صفحت عقيدتهفا ‪ .‬فالسفيد قطفب يرى ضرورة تبصفير المفة بمراجعفة‬

‫‪42‬‬
‫عقيدتهفا لتقرر صفدقا مفن قلبهفا وضميرهفا أنهفا ملتزمفة بكفل مفا تكلفهفا بفه شهادة أن ل إله إل ال وأن‬
‫محمدا رسول ال ‪.‬‬
‫ولزمت الصمت بضع لحظات ‪ ،‬فقال حسن خليل في تهكم أبله "إنها خطيبة‪ .‬وقال آخر‪" :‬إنها كاتبة‬
‫كذلك " ‪.‬‬
‫وأخرج مجموعة من مجلة السيدات المسلمات كانوا قد استولوا عليها مع الكتب يوم القبض على ‪.‬‬
‫وأخفذ يقرأ منهفا بعفض جمفل مفن مقال افتتاحفي لحفد أعداد المجلة ‪ .‬لكفن شمفس بدران قاطعفه ونظفر‬
‫إلى الحيوانات المفترسة التي تحيط به‪ .‬وقال جاهلية ‪ :‬أنا لم أفهم شيئا مما قالته هذه البنت ! ! فنزل‬
‫على الزبانيفة بسفياطهم ‪ :‬قائليفن وضحفى يفا بفت للباشفا ‪ .‬فقال حسفن خليفل ‪ -‬ويبدو وكأنفه ينسفج شبكفة‬
‫لصطيادي ‪ : -‬ل بأس يا باشا ‪ . .‬لحظة أخرى‪. .‬‬
‫ثم قال كأنه ‪ :‬أريد أن أفهم معنى ما تلزم به ل إله إل ال محمد رسول ال ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن محمدا صلى‬
‫ال عليفه وسفلم ‪ ،‬جاء ليخرج البشريفة كلهفا مفن عبادة البشفر‪ ،‬وعبادة الوثفن ‪ ،‬إلى عبادة ال الواحفد‬
‫القهار هذا معنفى ل إله إل ال ‪ .‬وأمفا معنفى محمفد عبده ورسفوله ‪ ،‬فكفل مفا جاء بفه محمفد صفلى ال‬
‫عليه وسلم من الوحي‪ ،‬وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة ‪ ،‬هو حق واجب التنفيذ اعتقادا وعمل‪،‬‬
‫وهذا هو التصور السليم لكلمة التوحيد" ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران وقد أخذته العزة بالثم "كفى سخافات !" ثم نزل على وحوشهم بالكرابيج ‪.‬‬
‫وقال حسفن خليفل " لحظات أخرى يفا باشفا ‪ -‬مفن أجلى ‪ .‬ونظفر إلى وقال ‪ :‬هفل نحفن مسفلمون أم‬
‫كفار؟! ! ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬اعرض نفسفك على كتاب ال وسفنة رسفوله ‪ ،‬وسفتعرف أيفن أنفت مفن السفلم ‪ .‬فقال شمفس‬
‫بدران "يا بنت الفف‪ ، . .‬وانطلقت القاذورات من فمه تكشف أخلقيات هذا المخلوق العجيب ! ! أما‬
‫أنا فلم أرد من هول السياط ‪.‬‬
‫وبدأ شمس بدران يمارس عملية وحش الغاب المفترس ‪ . .‬إن غابة عبد الناصر ل تعرف تقاليد أو‬
‫عادات ‪ .‬بفل تسفودها جاهليفة حمقاء‪ ،‬يظلهفا طغيان أهوج ‪ ،‬وتسفرح ففي دروبهفا ذئاب خبيثفة جائعفة‬
‫إلى نهش البشر! ! ‪.‬‬
‫نظر شمس بدران إلى صفوت وقال ‪ :‬علقها يا صفوت الضرب ده مش نافع ! ! ‪.‬‬
‫فخرج صففوت وأتفى بعامود مفن الحديفد وقاعدتيفن مفن الخشفب ‪ .‬وجاء ثلثفة مفن الزبانيفة يحمفل كفل‬
‫منهم سوطا‪ .‬وأعدوا اللة ليعقوني عليها‪ .‬فقلت لهم ‪" :‬أعطوني بنطلونا من فضلكفم‪ . .‬أرجوكم ! !‬
‫"‪.‬‬
‫فقال حسن خليل لشمس بدران ‪" :‬ل بأس يا باشا" ‪ .‬فقال شمس بدران ‪" :‬هاتوا لها بنطلونا" ‪ .‬وفى‬
‫سرعة عجيبة أحضر أحد الجنود بنطلونا كأنما انتزعه من تحت رجليه ! !‬
‫وقال حسن خليل لشمس بدران ‪" :‬عفوا يا باشا ثم التفت إلى وقال ‪" :‬أدخلي هذه الحجرة البسي فيها‬
‫البنطلون ‪" ..‬‬

‫كانفت حجرة فاخرة الثاث ‪ ،‬مكيففة الهواء‪ ،‬بهفا جهاز تليفزيون وجهاز راديفو! ! ولبسفت البنطلون‬
‫وخرجفت إليهفم ! ! وعلقفت بأمفر شمفس بدران ففي هذه الحديديفة ‪ . .‬ول أدرى كيفف ربطوا يدي مفع‬
‫رجلي ‪ .‬ول كيف علقت ‪! ! . .‬‬
‫ويخرج المفر مفن ففم شمفس بدران كضابفط عظيفم ففي سفاحة الوغفى ‪ :‬اجلدهفا يفا وله خمسفمائة‬
‫جلدة! !‬

‫‪43‬‬
‫وتنهال السفياط تسفطر على قدمفي وجسفدي أبشفع مفا عرفتفه الجاهليفة مفن قسفوة وحيوانيفة ‪ ..‬ويشتفد‬
‫الجلد ‪ . .‬ويشتففد اللم ‪ .‬يعففز على أن أضعففف أمام هؤلء الوحوش ‪ .‬احتملت ‪ .‬احتملت وأنففا أضرع‬
‫إلى ال في سرى ‪.‬‬
‫ويتضاعفف اللم ‪ ،‬ويتضاعفف ‪ ،‬ولمفا فاض الكيفل ‪ ،‬ولم يعفد كأنفه طاقفة على الكتمان عل صفوتي‬
‫يرفع شكواي للذي يعلم السر وأخفى ‪ .‬أخذت أردد ‪ :‬يا ال يا ال ‪ ،‬والسياط تشق في قدمي مجارى‬
‫اللم ‪ .‬وفففى قلبففي ومشاعري مجارى الرضففا‪ ،‬والتعلق بال ‪ ! ! . .‬حتففى فقدت الوعففي ‪ .‬ولم أشعففر‬
‫بنفسففي ‪ ،‬ورقدت جثففة هامدة فوق الرض وهففم يحاولون تنففبيهي ويحاولون إيقافففي فل أسففتطيع ‪.‬‬
‫فكلما وقفت سقطت ‪.‬‬
‫كان اللم فوق الحتمال والدم ينزف مفن قدمفي ويأمفر شمفس بدران صففوت بإيقاففي‪ .‬كنفت ففي غايفة‬
‫اللم والجهد فحاولت أن أستند إلى الحائط فيبعدني صفوت عن الحائط بسوطه !!‪. .‬‬
‫فأقول لهفم ‪ :‬دعونفي أجلس على الرض فيقول شمفس بدران ‪ :‬ل ‪ . .‬ل ‪ . .‬أيفن ربفك ادعيفه لينقذك‬
‫مفن يدي ‪ . .‬نادى عبفد الناصفر وانظري ماذا يحدث ‪ . .‬ولم أرد عليفه ‪ ،‬فيسفتمر ففي جاهليتفه ‪ :‬ردى‬
‫على! أين ربكم ؟! ! فلزمت الصمت فقال ‪ :‬ردى! ! ‪.‬‬
‫فقلت بصفوت خاففت لشدة مفا أنفا فيفه ‪" :‬ال سفبحانه الفعال ذو القوة المتيفن " وأخرجونفي مفن مكتفب‬
‫شمس بدران إلى المستشفى ‪.‬‬

‫زنزانة الماء‪! ! . .‬‬

‫خرجفت مفن مكتفب شمفس بدران ‪ . .‬وتنفسفت الصفعداء‪ ،‬فإنفي أتلهفف إلى الراحفة وأكاد أشعفر أن‬
‫أعضائي تتمزق ! ! ‪ . .‬وسفرت مفع جلدي صففوت الروبفي إلى حيفث يريفد أن يسفوقني! ! ‪ . .‬ومفا‬
‫كدت أشرف على نهايفة الممفر حتفى نادى حسفن خليفل بكلمات كأنهفا الحمفم تخرج مفن بركان ثائر‪:‬‬
‫ارجع يا صفوت ‪ .‬الباشا يريد زينب مرة أخرى ! ‪.‬‬
‫ومرة أخرى دخلت مكتفب شمفس بدران ‪ ،‬وكانفت المفاجأة! ! إذ رأيفت حميدة قطفب أمامفي ‪! ! . .‬‬
‫عرفتهففا ‪ ،‬وهففى لم تعرفنففي‪ ،‬فالسففياط ‪ ،‬والكلب ‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والجوع ‪ ،‬والعطففش ‪ ،‬والتمزق فففي‬
‫جسدي ‪ . .‬كل هذا قد غير ملمحي وغير صورتي ! ! ‪.‬‬
‫وسففأل شمففس بدران البنففة الفاضلة حميدة قطففب ‪ :‬هففل هذه زينففب الغزالي؟ فدققففت حميدة النظففر‬
‫وأجابت ‪ :‬نعم‪ . .‬كنت في قمة الجهاد واللم ‪ .‬فلم أتابع السئلة التي كانت توجه ‪ .‬إن شمس بدران‬
‫يسأل عن الخت الفاضلة فاطمة عيسى‪ ،‬التي كانت تنزل في زنزانة مقابلة لزنزانتي ‪ .‬أخذت البنة‬
‫حميدة قطب تجيب عن أسئلة شمس بدران الذي أمر بخروجي‪.‬‬
‫ومفا كدت أخرج حتفى سفقطت على الرض ‪ .‬فأمفر صففوت جنديفا أن ينادى الممرض عبفد المعبود‪،‬‬
‫حضفر عبفد المعبود ومعفه زجاجفة نزع غطاءهفا ‪ .‬ومررهفا أمام أنففى " فأفقفت ‪ ،‬ثفم أوقفونفي ‪. .‬‬
‫وأمرني الجلد صفوت بالسير ‪ .‬بل وأخذ يضربني بسوطه لسرع الخطأ ! ! فاسقط على الرض ‪.‬‬
‫‪ .‬فيأمرنفي بالوقوف والسفير‪ .‬وسفوطه المجنون يصفب على جسفدي المكدود نارا حاميفة! ! وهكذا‬
‫دخلت الممففر أسففير فاسففقط ‪ ،‬ثففم أنهففض لسففير فأسففقط ‪ ،‬وسففوط الجلد المجنون ل يرحففم ! ! يففا‬
‫إلهفي ! ! هفل هذا إنسفان ؟ ‪ ،‬أم مخلوق آخفر يمشفى على رجليفن وسفوط ‪ .‬وسفمعت صفوتا ينادي ‪:‬‬
‫دخلها يا صفوت سجن رقم (‪ )5‬وصوتا آخر اذهب بها إلى الماء يا صفوت ! ! " أدخلني صفوت‬
‫سجنا وأمرني بالجلوس على الرض ‪ .‬ثم أمر الجندي التمورجي عبد المعبود أن يضمد جراحي ‪.‬‬
‫‪!!.‬‬

‫‪44‬‬
‫وفتفح باب زنزانفة‪ ،‬فرأيفت خلف الباب سفدا حديديفا يرتففع لكثفر مفن متفر‪ .‬أمرنفي صففوت أن أخلع‬
‫ملبسي وأن أقفز هذا السد الحديدي! جمدني الخوف ووجدت نفسي ل أقوى على الحركة فلم أتقدم‬
‫شبرا واحدا ‪ .‬وتركزت عيناي على بئر من الماء خلف السد‪.‬‬
‫وجمعففت كففل قوتففي فففي فمففي وقلت ‪ :‬لن أخلع ملبسففي أبدا ! ! ‪ .‬فقال فففي جاهليففة ماجنففة عابثففة‪:‬‬
‫ستنزلين الماء بثوب واحد‪ . .‬فقلت ‪ :‬أنا لبسة جلبابا واحدا‪ .‬فقال صفوت في غرور ‪ :‬سأمزقه ! ! ‪.‬‬
‫‪ .‬ومزق جلبابي الوحد بمشرط شرائح ؟؟ ‪ . .‬وقال ‪ :‬اخلعي البنطلون يا بنت الفف ‪ . . . .‬البنطلون‬
‫خسارة وأنت ستموتين بعد ساعة ! ! ‪ .‬قلت ‪ :‬عندما أدخل الحجرة سأعطيك البنطلون ‪ . . .‬فقال في‬
‫صفلف وحماقفة ‪ :‬حجرة آيفه يفا بنفت الفف ‪ . .‬إننفا سفنقذفك ففي البئر ونخلص منفك ‪ .‬قلت ‪ :‬إذن ‪ ،‬أدر‬
‫ظهرك لخلع البنطلون ‪. . .‬‬
‫وأدار صفوت ظهره ‪ .‬وخلعت البنطلون الذي أعطوه لي عندما جلدوني في مكتب شمس بدران ! !‬
‫‪.‬‬
‫ووقففت ففي الثوب الممزق ‪ ،‬ل أدرى ماذا أفعفل ‪ ! ! . .‬وعندمفا أمرنفي صففوت أن أقففز إلى الماء‬
‫امتنعت وقلت ‪ :‬ل‪ ،‬أنا ل أرمى نفسي في الماء‪ ،‬إذا كنتم ناويين على قتلى فتحملوا أنتم مسئولية هذا‬
‫المر‪ . .‬أما أنا فلن أنتحر أبدا ‪ . . .‬كنت أعتقد أنهم قد اعتزموا قتلى والخلص منى حقا‪ ،‬فظروف‬
‫الحال كانت تؤكد عندي هذا العتقاد ‪ . .‬فالغلظة والفظاظة التي فاقت كل تصور والبئر التي أمامي‬
‫والتي يطلبون منى أن أقفز فيها ‪ .‬كل هذا أكد عندي أن النية اتجهت فعل إلى قتلى! ! فليرموني إذا‬
‫شاءوا في البئر‪ ،‬فالموت في سبيل ال أسمى أمانيّ ‪ ..‬ومرحى بالشهادة في سبيلك يا إلهي ‪.‬‬
‫وجاء الزبانية يسوقونني بسياطهم لقفز إلى الماء فأتمنع ‪ ،‬فترتفع جاهليتهم ‪ .‬وتزداد حمية سياطهم‬
‫فأسففقط على الرض ‪ ،‬فقففد كان العذاب فوق طاقتففي بكثيففر‪ . .‬تفنففن فيففه صفففوت ‪ ،‬والجندي سففعد‪،‬‬
‫وجندي ثالث يدعى سامبو‪ ،‬هكذا سمعتهم ينادونه ‪ ،‬وحملني الثلثة وقذفوا بي إلى البئر! ! ‪.‬‬
‫وأفتح عيني فإذا بأنني أقف على أرض صلبة! ! ‪ . .‬وعرفت أن الماء لم يكن بئرا وإنما هو زنزانة‬
‫مفن الماء ‪ . . ! ! . .‬فاتجفه إلى ال سفبحانه وأقول ‪ :‬باسفمك اللهفم ‪ ،‬سفلمت لك آمري‪ ،‬وأنفا أمتفك ‪،‬‬
‫وعلى عهدك ما استطعت ‪ . .‬ألبسني أردية حبك ‪ ،‬وأغدق على من صبرك يا ال ‪ .. .‬ويريد صفوت‬
‫أن يزيد طوفان العذاب فيقول ‪ ،‬وسوطه ينزل على جسدي حيثما اتفق ‪ :‬اقعدي يا بنت الفف‪. .‬إ! ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬كيفف أقعفد ففي هذا الماء؟ إن هذا مسفتحيل ‪ . .‬فيقول الجلد بلسفانه وسفوطه ‪ :‬اجلسفي كمفا‬
‫تجلسين في الصلة ‪ . .‬أظن تعرفين هذا جيدا ‪ . .‬أرينا مهارتك وأقعدي ‪ . .‬إنك لم ترى شيئا بعد‪. .‬‬
‫فمازال ففي جعبفة أبفى خالد الكثيفر‪ . .‬جمال عبفد الناصفر هفو الذي عرف كيفف يتعامفل مفع الخوان‬
‫المسفلمين ‪ . .‬هيفا اجلسفي يفا بنفت الففف‪ . . .‬وجلسفت فصفارت المياه إلى أسففل ذقنفي‪ ،‬وقال صففوت ‪:‬‬
‫إياك أن تتحركفي ولو حركفة واحدة ‪ . .‬جمال عبفد الناصفر أمفر بجلدك كفل يوم ألف جلدة بالسفوط ‪..‬‬
‫أحفب أعرفك التسعيرة هنفا ‪ . .‬الحركة بعشرة سياط ! ! ‪ .‬لشدة الهول ‪ ،‬نسفيت أقدامفي الممزقفة ‪ .‬بفل‬
‫نسيت كل جندي ‪ .‬غير أن المياه أخذت تفعل بالجراح ما لم أستطع وصفه من آلم ‪ ،‬لول عناية ال‬
‫مفا احتملتهفا ‪ . .‬وشغلتنفي آلمفي عفن صففوت ‪ ،‬وسفعد‪ ،‬وسامبو ‪ ،‬ولكفن أعادنفي صففوت بسفوطه إلى‬
‫الواقع الكثيف المرارة! ‪.‬‬
‫وقال صفوت ‪ :‬أعلمي ‪ -‬يا حلوة ‪ -‬لو نمت فالسوط يوقظك ‪ .‬هذه الجلسة فقط ‪ . .‬نعم تجلسين هكذا ‪.‬‬
‫‪ .‬هل ترين الفتحة المحفورة بالباب ؟ إنها للمراقبة ‪ . .‬إذا وقفت ‪ ،‬أو نمت أو حركت يدك أو رجلك‬
‫فالسفياط موجودة ومسفتعدة ‪ . .‬إننفا وضعناك ففي وسفط الحجرة‪ ،‬فإياك أن تفكري أن تزحففي لتسفندي‬
‫رأسك مثل إلى الحائط ‪ .‬إذا سولت لك نفسك أن تفعلي هذا فعشرة سياط ‪ . .‬إذا وقفت فعشرة سياط ‪.‬‬
‫ومد رجلك خمسة سياط ‪ . .‬مد ذراعك خمسة سياط ‪ . .‬علمت – يا حلوة – هذه التسعيرة؟ فلينفعك‬
‫الهضيفبي أو سفيد قطفب ‪ . .‬أنفت هنفا ففي جهنفم عبفد الناصفر‪ . .‬إذا قلت يفا رب فلن ينقذك أحفد‪ ،‬ويفا‬
‫‪45‬‬
‫سعادتك لو قلت يا عبد الناصر‪ . .‬فستفتح لك الجنة ‪ .‬جنة عبد الناصر أيضا‪ . .‬أتفهمين ؟! ! أنت يا‬
‫حلوة ‪ -‬مفا زال أمامفك الكثيفر‪ .‬ومفا سفيأتي اكثفر وأكثفر‪ . .‬يفا ليتفك تعقليفن‪ . .‬إننفي مسفتعد أرجفو لك‬
‫معالي الباشا وتذهبين إليه ‪ . .‬وتقولين ما يريده ‪ . .‬هل أنت مجنونة؟ من أجل من تفعلين في نفسك‬
‫كففل هذا؟ مففن أجففل الخوان ؟ ‪ . .‬كلهففم اعترفوا ولم يبقوا عليففك ‪ . .‬ولفوا الحبففل حول عنقففك ‪. . .‬‬
‫ظللت صامتة وإن كانت نظراتي إليه تقول الكثير‪ . .‬ولكنه جاهل أحمق وحيوان مغرور! ! ‪.‬‬
‫فاسفتأنف سفخفه ‪ ،‬أو بالحرى اسفتأنف إغراءه ‪ :‬أطيعينفي‪ ،‬واسفتمعي إلى ‪ . .‬وأنقذي نفسفك ‪ . .‬أنفت‬
‫في الصباح ستكونين مع الموات ‪.‬‬
‫وظللت على حالي مفن الصفمت والسفكون فقال ‪" :‬ردى يفا بنفت الففف‪ . .‬فصفمت ‪ ..‬فقال ‪ :‬المفر بسفيط‬
‫جدا ‪ .‬سآخذك إلى معالي شمس بدران باشا‪ ،‬وتقولين له كيف اتفق سيد قطب مع الهضيبي على قتل‬
‫جمال عبد الناصر! ‪.‬‬
‫فصفرخت بكفل قوتفي ‪ . .‬كفل الخوان أبرياء ‪ .‬وربنفا سفينتقم منكفم ليسفت الدنيفا غايتنفا‪ ،‬نحفن نطلب‬
‫رضاء ال ‪ ،‬وبعده فليكن ما يكون ! !‬
‫فانطلقفت القذارة مفن فمفه بأبشفع مفا يمكفن أن يسفمعه إنسفان ‪ .‬وانطلق سفوطه بأعتفى مفا يمكفن أن‬
‫يتحمله بشففر مففن حقففد وكراهيففة! ! واسففتمرت قذارتففه واسففتمر حقده وكراهيتففه اكثففر مففن نصففف‬
‫ساعة! ! ثم انصرف وهو يقول ‪ :‬أنت عارفة التعليمات والتسعيرة يا بنت الفف‪ . . .‬لم أستطع أن أظل‬
‫ففي مكانفي بل حركفة ‪ .‬فليفس ففي مقدور أي إنسفان مهمفا كانفت طاقتفه ومهمفا بلغفت قوة احتماله أن‬
‫يجلس هذه الجلسة ول يتحرك ‪ . .‬إنه تعذيب ‪ .‬وعذاب ‪! ! . .‬‬
‫الضرب بالسفوط أهون مفن التجمفد ففي هذه الجلسفة دون حركفة ‪ .‬فلهيفب السفوط أهون مفن عذاب‬
‫الماء‪! ! . .‬‬
‫أخذت أفكر كيف أتحرك ‪ . .‬لو مددت رجلي سيصل الماء إلى فمي‪ .‬فلم يكن بد من الوقوف وأتحمل‬
‫عشرة سياط ‪ ! ! . .‬وفوضت المر ل ‪ .‬وقلت ‪ :‬يا رب أنت معي! ! ووقفت !! ‪.‬‬
‫خيل إلى أن الجند نائمون ‪ . .‬وسمعت أذان الفجر‪ ،‬فتيممت على الحائط ‪ ،‬لن الماء كان قذرا جدا ل‬
‫يصفلح للوضوء‪ . .‬وأديفت ركعتفي السفنة‪ ،‬ودخلت ففي ركعتفي الفرض وهنفا فتحفت الزنزانفة‪ ،‬وهوى‬
‫السوط على جسمي ‪ .‬فجلست كما كنت فاغلق الباب ‪. .‬‬
‫وأخذت أردد ‪ :‬حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ‪ .‬حتفى تأخذنفي سفنة مفن النوم فيوقظنفي الماء الذي يصفافح‬
‫ذقنفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي ‪.‬‬
‫كانت زيارة سامبو وسوطه ل تقل عن خمس مرات في الليلة الواحدة! ! ‪ . .‬فكان لبد من الحركة‪،‬‬
‫وكان لبد من السوط ! ! ‪.‬‬

‫الجريمة ! !‬

‫مففع الضحففى‪ ،‬جاء صفففوت وأخرجنففي إلى زنزانففة أخرى بجوار زنزانففة الماء ‪ . .‬ابتلعتنففي هذه‬
‫الزنزانة ‪ . .‬وتكورت في ركن من جوفها مستندة إلى حائط ‪ . .‬كان الحائط بالنسبة إلي كأنه وسادة‬
‫ناعمفة محشوة بريفش النعام ! ! كانفت آلمفي عاتيفة متنوعفة ‪ . .‬آلم الجوع تفري أمعائي ‪ . .‬وآلم‬
‫جروحفي تمزقنفي ‪ . .‬جروح جسفدي وجروح نفسفي‪ . .‬لقفد صفرت كتلة آلم ‪ . .‬كفل جزء منهفا يئن‬
‫ويصفرخ إ! ‪ . .‬ويدخفل صففوت ومعفه مارد أسفود! ! أخفذ يتحسفس سفوطه بيده اليسفرى ثفم يضرب‬
‫الرض والحائط ‪ ،‬وكأنففه يسففتحث لهيبففه ‪ ،‬أو يسففتنفر حميتففه ! ! وقففف صفففوت وألقففى أوامره‬
‫وتعليماتفه إلى هذا المارد بان يرتكفب أبشفع جريمفة ممكفن أن يقترفهفا بشفر‪ ! ! . .‬وترك له السفوط‬
‫وهفو يقول ففي صفلف وغرور‪ :‬إذا وجدت منهفا أي معارضفة فالسفوط معفك ‪ . . .‬انشغلت عفن هذا‬
‫‪46‬‬
‫السففه بال سفبحانه وسفألته متوسفلة إليفه ‪" :‬اللهفم إنفي أمتفك ‪ ،‬وعلى عهدك مفا اسفتطعت ‪ . .‬أدعوك‬
‫بضعفففى‪ ،‬وقلة حيلتففي‪ ،‬وانكسففاري‪ ،‬وهوانففي على الناس ‪ ،‬أن تدفففع عنففى شففر الشرار‪ ،‬وتحمينففي‬
‫بقدرتك ‪ ،‬وتعينني على ظلمهم ‪.". .‬‬
‫أخرجني من إغراقتي في مناجاة ربى صوت هذا النسان المأمور بإيذائي بأبشع جريمة ‪ . .‬يناديني‬
‫"يا خالة! !" ‪ .‬ونظرت إليه ودهشت ‪ . .‬فقد تغير وجهه وارتسمت عليه ملمح إنسان ! ! ‪.‬‬
‫قال بصفوت منخففض فيفه شفافيفة ‪ :‬ل تخاففي يفا خالة‪ . .‬لن أؤذيفك ‪ ،‬ولو قطعونفي ‪ . .‬فقلت بصفعوبة‬
‫بالغفة ‪ :‬ربنفا يهديفك يفا بنفى‪ . .‬ربنفا يكرمفك ‪ .‬فتفح باب الزنزانفة ففي عنفف وانطلق صففوت يضرب‬
‫الرجففل بالسففوط ويقول ‪ :‬يففا ملعون ‪ ،‬يففا ابففن الكلب ‪ ،‬لقففد أوردت نفسففك مورد الهلك ‪ ،‬سففتقدم إلى‬
‫مجلس عسفكري ‪ . .‬هذه أوامفر جمال عبفد الناصفر يفا ابفن الكلب ‪ . .‬أنفت تكسفرها؟! أنقفذ نفسفك فورا‬
‫قبفل أن أذهفب بفك إلى شمفس باشفا يحولك إلى مجلس عسفكري ‪ . .‬ثفم أعاد عليفه الوامفر الفاجرة‬
‫والتعليمات الفاحشففة بكلمات صففريحة صففارخة ل يمكففن أن تخرج مففن فففم إنسففان وأغلق الزنزانففة‬
‫وأطل من الفتحة وقال ‪ " :‬أنا سأتركك ساعة‪ ،‬ثم أعود إليك لنظر ماذا فعلت ‪ . .‬أنقذ نفسك ‪ ،‬ونفذ‬
‫الوامر! ! " ‪.‬‬
‫حيا الجندي صفوت تحية عسفكرية مفز داخل الزنزانة وقال ‪" :‬حاضر يا أفندم ! ! " ‪ .‬كنفت أسفتمع‬
‫إلى هذه الجاهليففة وذلك الفجور‪ ،‬فأناجففي ربففى بتلك الكلمات ‪" ،‬إنهففا دعوتففك ‪ ،‬ونحففن جندهففا ‪،‬‬
‫وشهداؤهفا ‪ . .‬فغيرتفك على جندك ‪ ،‬وأعراضهفم يفا ال ! اجعلنفا أقوى مفن ظلمهفم وألوان تعذيبهفم "‪،‬‬
‫وأخذت أدعفو لهذا الرجفل بالهدايفة ‪ ،‬ظننفت أن هذا الرجفل ‪ -‬بعفد الوامفر الجديدة ‪ -‬سفيخشى البشفر‪،‬‬
‫فيسلك مسالك الوحوش ‪ . .‬ولكنه كان رائعا وشجاعا ‪ .‬وقال كأنه في براءة الطفال ‪ :‬لماذا يعذبونكم‬
‫هكذا يا خالة؟‬
‫فقلت ‪ :‬إننا – يا بنى – ندعو ل ‪ ،‬ونريد حكم السلم لهذا البلد‪ .‬ول نطلب لنفسنا سلطانا‪.‬‬
‫وسفمعت أذان الظهفر فتيممفت على حائط الزنزانفة وأديفت الصفلة‪ ،‬فقال ففي رجاء ‪" :‬ادعفى لي يفا‬
‫خالة ‪ .‬فدعوت له بالهدايفة وقمفت لصفلة السفنة‪ ،‬فقال ‪ :‬ادعفى لي أن يكرمنفي ال بالصفلة يفا خالة‪. .‬‬
‫أنتم لستم بشرا‪ .‬ربنا يخرب بيتك يا عبد الناصر! ‪.‬‬
‫فقلت له ‪ :‬هفل تعرف الوضوء؟‪ .‬فقال ‪ :‬طبعفا‪ ،‬أنفا كنفت مواظبفا على الصفلة ‪ ..‬لكفن جيفش حليمفة لو‬
‫رأونففي أصففلى يسففجنونني ‪ . . .‬فقلت له ‪ :‬صففل ولو سففجنوك ‪ ،‬فال معففك ‪ .‬فقال ونور اليمان يمل‬
‫وجهفه ‪" . .‬سفأصلى" ‪ .‬وفجأة ضرب أحفد الجنود باب الزنزانفة بعنفف وقال ‪ :‬يفا ابفن الكلب ‪ . .‬ماذا‬
‫تفعفل ؟إ! ‪ .‬فقال الرجفل ‪ :‬السفت لم تفرغ مفن الصفلة‪ .‬فقال الجندي ففي صففاقة ‪ :‬صففوت آت إليفك‪.‬‬
‫وأرسلني أنظر ماذا فعلت ‪.‬‬
‫وجاء صفوت كحيوان مجنون وهجم على الرجل بوحشية شرسة‪ ،‬وظل ينهال بسوطه على الرجل‬
‫حتفى أفقده حتفى النيفن ! ! وجاء مسفاعدو الجلد وحملوا المسفكين إلى مصفيره ‪ ،‬وأغلقفت الزنزانفة‬
‫على آلمففي وهمومففي ‪ . .‬آلمنففي مففا نال هذا الرجففل بسففببي‪ ،‬أو لن ال أضاء بصففيرته فلم يطففع‬
‫الظالم ! ! كانت السياط التي مزقت جسده تمزق جسدي وتحفر أخاديد في نفسي! ! ‪.‬‬
‫وهربت من همومي وآلمي إلى صلة العصر‪. .‬‬

‫إلى زنزانة الماء مرة أخرى! !‬

‫وغربفت الشمفس ‪ ،‬فنشفط جلدو السفجن الحربفي وزبانيتفه ‪ ،‬وبدأت عجلة التعذيفب تدور! ! آخذونفي‬
‫فففي سففتر الليففل ‪ ،‬إلى زنزانففة الماء ‪ . .‬كانففت أمعائي تصففرخ مففن الجوع وحلقففي يكاد يتشقففق مففن‬
‫العطش ‪ ،‬وآلم جراحي تضرب كل جزء من جسمي بعنف وشراسة ‪ .‬آخذتني سنة من النوم ‪ ،‬وأنا‬
‫‪47‬‬
‫على هذا الحال ‪ ،‬فإذا بخلق جميفل ‪ ،‬يرتدون حلل مفن الحريفر ‪ ،‬مزركشفة ‪ ،‬داخفل مخملت مطرزة‬
‫بالذهب ‪ ،‬ويحملون صحافا من الذهب والفضة عليها ما طاب من الطعمة من لحوم وفاكهة لم أر‬
‫مثيل لهفا! ! ‪ . .‬فأخذت آكفل مفن هذه ‪ ،‬وتلك ‪ ،‬واسفتيقظت مفن سفنة النوم هذه ‪ ،‬فوجدت نفسفي ففي‬
‫شبفع وري‪ ،‬فل جوع ‪ ،‬ول عطفش !! بفل إن مذاق مفا أكلتفه مفن طعام كان ل يزال بفمفي!! فأخذت‬
‫أشكففر ال وأحمده ‪ . .‬مكثففت فففي الماء طول الليففل إلى ضحففى اليوم الثالث ‪ ،‬عندمففا دخففل صفففوت‬
‫وشمفر بنطلونفه ‪ ،‬ونزل إلى الماء وقال وهفو يهزنفي بقسفوة‪ :‬إلى متفى تظليفن على عنادك ؟ أنقذي‬
‫نفسك واكفينا أمرك ‪ . .‬أحكي الحكاية ‪ . .‬كيف اتفق سيد قطب مع الهضيبي على قتل عبد الناصر‬
‫ومتى قال لك أن تأمري عبد الفتاح إسماعيل بقتل عبد الناصر؟ فقلت ‪ :‬كل هذا لم يحصل‪ . .‬فخرج‬
‫يسفب ويلعفن ‪ ..‬ثفم عاد صففوت مرة أخرى بعفد سفاعة تقريبفا‪ ،‬وأخرجنفي مفن الماء‪ ،‬وأدخلنفي ففي‬
‫الزنزانفة الخرى التفي تجاور زنزانفة الماء وانصفرف وارتعدت ‪ . .‬فقفد اتجفه تفكيري إلى مفا حدث‬
‫في هذه الزنزانة فاتجهت إلى ال بكل إيماني أن يحفظني مما يدبرون ‪. .‬‬
‫ورجفع صففوت وضابفط بملبسفه الرسفمية يدعفى إبراهيفم ‪ . .‬وقال صففوت ‪ :‬سفيادة الضابفط سفيتكلم‬
‫معفك يفا‪ . .‬فقال الضابفط ‪ :‬اخرج أنفت يفا صففوت ثفم اتجفه إليّف وقال ‪ :‬أليفس مفن الفضفل أن تقدري‬
‫مصففلحتك وتعملي لهففا فقففط ؟‪ . .‬هؤلء القوم ليففس لهففم إله حتففى يخشونففه ! هففل تعلمففي ماذا فعلوا‬
‫بالجندي الذي لم ينففذ الوامفر معفك بالمفس ؟ لقفد أعدم رميفا بالرصفاص ‪ . .‬إنهفم اليوم يعدون لك‬
‫فرقففة مففن أعتففى المجرميففن ‪ . .‬اعملي كففل مففا يطلبونففه منففك وأنقذي نفسففك مففن أنيابهففم ‪ . .‬حسففن‬
‫الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد الفتاح رجال ‪ ،‬يتحملون مسفئولية خطئهفم ‪ . .‬والتزمفت الصفمت ‪ ،‬فقفد‬
‫سئمت أسلوب المساومة والغراء والتهديد‪ ،‬ول أظن أنني سألقى من التعذيب أكثر ول أبشع مما‬
‫أنفا فيفه ‪ . .‬فقال الضابفط لصففوت وكأنفه عفز عليفه أن يفشفل ففي مهمتفه ‪ :‬اعمفل معهفا مفا شئت ‪ ،‬إنهفا‬
‫تسفتاهل كفل اللي يحصفل ليهفا‪ . . .‬ودخفل صففوت وأطلق سفبابه الصفارخ ‪ :‬عبفد الناصفر أرسفل ففي‬
‫طلب شياطيفن مفن النوبفة سفينهشونك نهشفا ‪ . .‬إلى أيفن تفريفن منهفم ؟ الوقفت يمضفي ‪ ،‬وكفل دقيقفة‬
‫تقربفك مفن النهايفة ثفم أغلق الباب خلففه ‪ . .‬وبعفد العصفر‪ ،‬نقلونفي إلى زنزانفة الماء حيفث مكثفت فيهفا‬
‫طول الليفل ‪ ! ! . . .‬وجاء ضحفى اليوم الرابفع ‪ ،‬ولم أر أحدا غيفر صففوت الذي أخرجنفي مفن الماء‬
‫وأدخلني الزنزانة الخرى ‪ . .‬وبعد العصر أعادوني إلى زنزانة الماء فمكثت فيها إلى ضحى اليوم‬
‫الخامس ! ! ‪ .‬وهكذا كل يوم من زنزانة إلى زنزانة بألوان من العذاب مختلفة! !‬

‫صرعت الوحش في زنزانتي ! !‬

‫لم يبفق موضفع ففي جسفمي إل وفيفه اثفر عذاب وموضفع جراح ! ! ولم تبفق ذرة ففي نفسفي إل وفيهفا‬
‫جرح عميفق ينزف ألمفا وحسفرة ‪ !! . .‬هفل كفل مفا يحدث هنفا ففي السفجن الحربفي يخرج مفن بشفر‪. .‬‬
‫مففن إنسففان ! غيففر معقول أن هؤلء المخلوقات بشففر‪ ! ! . .‬إنهففم مخلوقات تسففمع وترى وتنطففق‬
‫وتمشفى على رجليفن ‪ ،‬ولهفا ذراعان وهيكفل بشرى ‪ ! ! . .‬ل ‪ . .‬ل‪ . .‬إنهفا مخلوقات غريبفة ‪ . .‬مفن‬
‫تركيبففة عجيبففة ‪ . . ! ! . .‬وأخرجونففي مففن الماء إلى الزنزانففة المجاورة ‪ . .‬وحيانففي صفففوت بعدة‬
‫ضربات ملتهبة بسوطه المجنون ‪ . .‬وقال وهو يضربني ‪ :‬إن ما سيحصل لك اليوم لم يحصل لكلب‬
‫أجرب ففي طاحونفة!! وأغلق باب الزنزانفة ثفم انصفرف ‪ . .‬ومفا مروري إل دقائق قليلة حتفى فتفح‬
‫باب الزنزانففة مرة أخرى وامتلت بحمزة البسففيوني وصفففوت وجندبيففن آخريففن ! ! ‪ . .‬وانطلقففت‬
‫القذارة مفن ففم حمزة البسفيوني بأبشفع مفا يمكفن أن يتخيله إنسفان ‪ . .‬سفب فاضفح صفارخ وقال ‪" :‬يفا‬
‫بنت الفف‪ .. .‬أنقذي نفسك وقولي كل شيء ‪ .‬اعترف الهضيبي ‪ ،‬واعترف سيد قطب ‪ ،‬واعترف عبد‬
‫الفتاح إسماعيل ‪ ،‬ووضعنا أصابعنا على كل شيء من واقع اعترافاتهم ‪ . .‬عرفنا منهم أن الهضيبي‬
‫‪48‬‬
‫أمرك أن تقولي لعبفد الفتاح إسفماعيل بأن دم عبفد الناصفر مباح لنفه كاففر‪ . .‬كفل واحفد منهفم تكلم ‪،‬‬
‫وأنقذ نفسه وأنت ضيعت نفسك ‪ . . .‬ثم قال مهددا والشرر يتطاير من عينيه ‪ :‬ستعرفين كيف أنتزع‬
‫منك كل ما نريده ‪ . .‬ستتكلمين أم ل؟‪.‬‬
‫ثفم التففت إلى صففوت وقال ‪ :‬نففذ الوامفر يفا صففوت ‪ . . . .‬ومفن يعفص المفر مفن أولد الكلب –‬
‫مشيرا إلى الجندييففن حوله إلى المكتففب فورا ‪ . .‬وتولى صفففوت إفهام الجندييففن مهمتهمففا البشعففة‬
‫بأسلوب داعر صارخ الفجور‪ ،‬بعيد كل البعد عن الحياء‪ . .‬مغمور في النحطاط إلى أبعد ما يكون‬
‫‪ . .‬فقال لحدهمفا ففي مجون ‪ :‬نففذ التعليمات – يفا ابفن الكلب – بعفد إغلق الزنزانفة ‪ ،‬وبعفد أن يتفم‬
‫التنفيذ‪ ،‬ادع زميلك ليقوم بدوره كذلك ‪ . .‬مفهوم ؟! ! ثم أغلق الزنزانة وانصرف ‪. .‬‬
‫جلس الرجفل يتوسفل إلى أن أقول مفا يريدون لنفه ل يريفد أن يؤذينفي‪ ،‬ومفن جهفة أخرى فإن عدم‬
‫التنفيفذ يلحفق بفه ضررا بليغفا وايذاءً جسفيما‪ . .‬قلت له بكفل مفا أوتيفت مفن قوة ‪ :‬إياك أن تقترب منفى‬
‫خطوة واحدة ‪ . .‬إذا اقتربت ‪ ،‬سأقتلك ‪ . .‬سأقتلك ‪ . .‬سأقتلك ‪ ،‬فاهم ! ! ‪.‬‬
‫كنففت أرى الرجففل ينكمففش ويتقاعففس غيففر أنففه أخففذ يقترب فففي خطوات ‪ ،‬ولم أدر إل ويداي حول‬
‫رقبته ‪ ،‬وأنا أصرخ بكل صوتي ‪" :‬بسم ال ‪ ،‬ال أكبر‪ . .‬وغرزت أسناني في عنقه ‪ ،‬وإذا به ينفلت‬
‫مفن بيفن يدي‪ ،‬ويسفقط تحفت قدمفي خائرا‪ ،‬يخرج مفن فمفه زبفد أبيفض كرغاوى الصفابون ‪ . .‬سفقط‬
‫الوحفش تحفت قدمي‪ ،‬جثفة هامدة ل تنبض إل بهذا الزبد البيض ‪ . .‬أنفا التي تتربع على قمفة اللم ‪،‬‬
‫والتي مزقتها الجراح التي حفرتها السياط في كل موضع من جسمها! أنا التي غلفها العياء من كل‬
‫الزوايا ‪ ..‬تصرع هذا الوحش الذي أمروه بأن يفترسني! !‬
‫لقد بث فيّ ال ‪ -‬جلت قدرته ‪ -‬قوة غريبة صرعت هذا الوحش ! !‬
‫وكانت معركة شر! ضارية انتصرت فيها الفضيلة على شراسة الرذيلة ‪. .‬‬
‫كان هذا علمفففة صفففدق ‪ ،‬وبشرى للمخلصفففين ‪ . .‬فالحمفففد ل ول إله إل ال ‪ . .‬إن الطغاة يخافون‬
‫ويهزمون ‪ ،‬وأصحاب الرسالت خلف القضبان مجردون من كل شئ إل من اليمان بال تعالى ‪. .‬‬
‫غيفر أن ثبات المؤمنيفن على الحفق هفو دائمفا شفئ ل يسفتطيع المنهزمون ففي أنفسفهم وضمائرهفم‬
‫بتقاعسهم عن اليمان أن يفعلوه ‪ .‬يا إلهي ما أكرمك وما أوسع عطاءك ‪ . .‬أنت ربنا ورب كل شئ‬
‫‪ . .‬فهؤلء الذين يأخذون بأمر ال يحاربون ‪ . .‬ويقاومون‪ . .‬ولكن العاقبة دائما للمتقين ‪ . .‬وفتحت‬
‫الزنزانة ودخل رأس الزبانية حمزة البسيوني ‪ ،‬والجلد صفوت وجند آخرون ‪ ،‬ووقع نظرهم على‬
‫هذا الوحش الممدد على الرض ‪ ،‬والرغاء البيض يخرج من فمه ‪. .‬‬
‫فبهفت الذي كففر؟! خرسفت اللسفنة وتبادلوا نظرات زائغفة حيرى ‪ . . ! . .‬وحملوا الجثفة وأعادونفي‬
‫إلى زنزانة الماء ‪. .‬‬

‫من الفئران إلى الماء وبالعكس ! !‬

‫فففي زنزانففة الماء ظللت حتففى جاء اليوم السففادس ‪ . .‬وفففى ضحففى اليوم أخرجونففي مففن الماء إلى‬
‫الزنزانة المجاورة ‪ ،‬فتوترت أعصابي انتظارا لما سيحدث ‪ . .‬فقد مرت بي في هذه الزنزانة ألوان‬
‫مففن العذاب ‪ .‬فوضففت أمري إلى ال ‪ ،‬وجلسففت مسففتندة إلى حائط الزنزانففة ‪ . .‬أحسففست بأشياء‬
‫تتحرك ‪،‬فرفعت رأسي إليها‪ ،‬فإذا بخيوط متصلة من الفئران تنزل من النافذة كان أحدا يفرغها من‬
‫كيس ! !‬
‫أخذتني رعدة شديدة‪ ،‬وشعرت برعب مريع ! ! ‪ . .‬أخذت أردد اللهم اصرف عنى السوء بما شئت‬
‫وكيففف شئت "‪ ..‬ورددت هذا الدعاء‪ ،‬حتففى سففمعت أذان الظهففر‪ ،‬فتيممففت وصففليت وجلسففت أختففم‬
‫صلتي‪ ،‬وأذكر ال حتى أذان العصر فأديت صلته ‪. .‬‬
‫‪49‬‬
‫وهنفا دخفل الوحفش صففوت الروبفي‪ . .‬كانفت الفئران قفد انصفرفت مفن النافذة مفن حيفث أفرغفت ولم‬
‫يتبفق إل فأر أو اثنان ! ! دارت عيناه ففي أنحاء الزنزانفة ففي نظرات دهشفة‪ ،‬وارتسفمت على وجهفه‬
‫ألف علمة تعجب ! !‬
‫وكأن ذلك قفد عفز عليفه ‪ ،‬فانصفرف يسفب ويلعفن تلحقفه خيبفة المفل ! ! ‪ . .‬وأعادنفي إلى زنزانفة‬
‫الماء ‪ ،‬ثم عاد ومعه الضابط رياض ‪.‬‬
‫وقفف رياض خارج الزنزانفة ففي محاولة يائسفة لقناعفي لقول بأن تنظيفم الخوان كان يهدف إلى‬
‫قتففل عبففد الناصففر والسففتيلء على السففلطة بعففد قلب نظام عبففد الناصففر ‪ . .‬فقلت له ‪ :‬هذا كذب‬
‫وافتراء‪ .‬ومفا كنفا نجتمفع إل لنتدارس كتاب ال وسفنة رسفوله ‪ ،‬وتربيفة جيفل مسفلم يفقفه السفلم ‪،‬‬
‫ويعمل لقيام دولته ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أنفت مصفرة على هذا؟ سفتعرفين كيفف يكون العذاب مفن الن‪ . .‬إن كفل مفا مفر عليفك يعتفبر‬
‫محاولت إلى جانفب مفا سفيأتي ‪ .‬وذهفب وبقيفت أنفا ففي الماء‪ !!..‬ثمانيفة أيام وأنفا على هذه الحال ‪،‬‬
‫حتى بلغ بي الرهاق والجهاد درجة تفوق كل احتمال ‪.‬‬
‫وبدا ذلك واضحا على صحتي التي وصلت إلى حال يرثى لها! !‬
‫وفى اليوم التاسع جاء رياض ومعه صفوت وضابط آخر في زيه الرسمي ‪ .‬وأخرجوني من الماء ‪.‬‬
‫بدأ رياض يهددنفي بأن هذه المرة هفي الفرصفة الخيرة لنقاذ نفسفي‪ ،‬فإمفا أن أعترف كمفا يريدون ‪،‬‬
‫وأما الخلص مني نهائيا ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أنت فاهمة ربكم عنده جهنم صحيح ؟! جهنم هنا عند عبد الناصر‪ . .‬الجنة عند عبد الناصر‬
‫جنة موجودة حقيقية ‪ . .‬وليست جنة وهمية خيالية مثل التي يعدكم بها ربكم إ! ( كبرت كلمة تخرج‬
‫من أفواههم إن يقولون إل كذبا ) الكهف‪.‬‬
‫ثففم أخرجونففي مففن الماء إلى الزنزانففة المجاورة وأغلقوهففا ثففم انصففرفوا ‪ . .‬وفزعففت إلى ال فففي‬
‫صفلتي؟ أطلب منفه أن يصفرف عنفى شفر هؤلء‪ ،‬كنفت ففي صفلتي عندمفا دخفل الزنزانفة عدد مفن‬
‫الجنفد يزيفد على العشرة ومعهفم ضابفط بزيفه الرسفمي ‪ .‬ثفم انضفم إليهفم حمزة البسفيوني ‪ ،‬وصففوت‬
‫الروبي ‪.‬‬
‫قال صففوت لحمزة البسفيوني ‪ :‬أوامرك يفا باشفا ففي بنفت الففف ‪ . .‬فقال حمزة البسفيوني للجنفد‪ :‬ماذا‬
‫شربتم ؟!‬
‫فقالوا ‪ :‬شاي يفا معالي الباشفا ‪ . . .‬فقال ‪ :‬شاي يفا أولد الكلب ‪ . .‬خذهفم يفا صففوت اسفق كفل واحفد‬
‫منهم زجاجة خمر‪ ،‬وأن يدخنوا الحشيش ‪ ،‬وأطعمهم كل ما يشتهون ‪ ،‬ثم ارم لهم بنت الففف‪ . .‬ولهم‬
‫عندي إجازة ومكافأة ‪ .‬وأغلقوا الزنزانة وانصرفوا ‪.‬‬
‫مكثفت ففي الزنزانفة حتفى صفلة العصفر ‪ . .‬كنفت سفاجدة ففي الصفلة عندمفا فتحفت الزنزانفة ويندففع‬
‫صففوت وجذبنفي مفن ذراعفي ففي وحشيفة وقطفع صفلتي‪ ،‬ثفم أخذنفي إلى زنزانفة المياه وأغلقهفا‬
‫وانصرف !‬
‫وجاء رياض ودلف إلى الزنزانففة‪ ،‬وكله علمففة تعجففب يحاول أن يخفيهففا تحففت ظلل مففن الذهول‬
‫وهو يقول ‪ :‬تريدين أن تكوني قديسة ؟ الجنود الذين أعددناهم لك ذهبوا إلى المستشفى‪ . .‬لكنهم غدا‬
‫سيأتون ينهشون لحمك نهشا‪ ،‬في المستشفى حقنوهم وأصبحوا كالكلب المسعورة ‪ . .‬وأنها أوامر‬
‫جمال عبففد الناصففر‪ . .‬لن يتركففك أبدا ‪ . .‬تعبنففا مففن النصففيحة وحاولنففا معففك مرة ومرات وأنففت ل‬
‫تتزحزحيفن عفن موقففك ‪ . .‬تريديفن أن تكونفي قديسفة ردى‪ ،‬ردى ‪ . .‬أيفن سفوطك يفا صففوت ؟" أخفذ‬
‫صفوت يضربني ورياض يستحثه ‪ :‬استمر يا صفوت ‪ . .‬قديسة يعنى إيه يا بنت الففف ‪ ! ! . .‬تريدين‬
‫بعفد موتفك بثلثيفن سفنة يقيمون لك ضريحفا ففي مسفجد ويقولون إن زينفب الغزالي الجفبيلي أظهرت‬
‫كرامات في السجن الحربي‪ . .‬لكن ‪ ،‬أنت هنا‪ ،‬ول الشيطان يعرف ماذا نعمل فيك ؟!‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫وضحكفت وأنفا ففي قمفة المعاناة كانفت ضحكفة سفخرية مفن جهله وغروره ‪ ،‬وقلت ‪ :‬إذا كنفا نريفد مفا‬
‫تقول ‪ ،‬مففا دفففع ال شروركففم عنففا ‪ .‬ولمففا اسففتطعنا المقاومففة والصففبر" والتغلب على مففا تسففموه ‪،‬‬
‫بأنفسفكم جحيفم عبفد الناصفر‪ . .‬لكننفا طلب حقيقفة نطلب ال ‪ ،‬ثفم رضاه ‪ . .‬سفينصرنا ال عليكفم إن‬
‫شاء ال وسيفرى ال أسنان الشقياء الذين تعدونهم لنهش لحومنا ‪.‬‬
‫كان صفوت قد ابتعد عن رياض ‪ ،‬فناداه هذا مستعينا ‪.‬‬
‫"أدركنفي يفا صففوت بنفت الفف ‪ . . . .‬بتخطفب ‪ . .‬إنهفا تخطفب يفا صففوت ‪ .. .‬وأسفرع صففوت لنجدة‬
‫رياض وألهبنفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي بسفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففوطه ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬دعها لي يا سعادة البك ‪ .‬وغدا سترى وتشاهد ما نزل بها! !‪ .‬وأجلسوني الجلسة المعتادة في‬
‫الماء ثم أغلقوا الزنزانة وانصرفوا ‪. .‬‬
‫ال وحده يعلم الحالة التفي كنفت عليهفا‪ ..‬لقفد كنفت ففي قمفة اللم ‪ ،‬وقمفة الجهاد‪ ،‬وقمفة المعاناة ‪ .‬إن‬
‫آلما مبرحة تسرى في كل جسدي ‪.‬‬
‫آه ! ! مسففكين يففا بلدي! ! هففل أمرك إلى هذه الطغمففة التففي اعتدت على كففل القيففم ‪ ،‬وحطمففت كففل‬
‫القوانين ؟! !‬
‫شغلنفي التفكيفر ففي بلدي عفن بعفض آلمفي ‪ . .‬وإن كان أضاف همفا إلى همومفي ! ! إن مفا أصفابني‬
‫ويصيبني قد أصاب ويصيب غيري بكل تأكيد‪ . .‬لقد بت أتصور أن البلد كله قد صار سجنا حربيا‪،‬‬
‫يحكمفه حمزة البسفيوني‪ ،‬وصففوت ‪ ،‬ورياض ‪ ،‬والسففاح الشرس شمفس بدران ! ! ‪ . .‬كلهفم حلقات‬
‫واحدة في سلسلة متصلة تكبل هذا البلد‪. .‬إ!‬
‫مسكين يا بلدي‪ . .‬ل‪ ،‬ل لن تكون مسكينا يا بلدي‪ ،‬وفيك حملة كتاب ال وسنة رسوله ‪ ،‬ومن يستظل‬
‫بمظلة ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله ‪ . .‬إننا إن ذهبنا فسيأتي بعدنا وبعدنا من يرفع الراية‬
‫غدا ‪ . .‬تشرق الرض بنور ربها‪ ،‬وتتفيأ البشرية ظلل العبودية ل الواحد القهار ‪. .‬‬

‫من الماء إلى وكيل النيابة! !‬

‫معذرة على هذا التكرار ‪ ..‬فالمقصفود التفصفيل والتوضيفح ‪ ،‬كيفف كان حال مصفر ‪ :‬فسفدت الحياة‬
‫وأسنت ‪ ،‬ظلم ‪ ،‬رعب ‪ ،‬اعتقالت ‪ ،‬مجازر ‪ ،‬تشريد …‪ .‬سيطرت قوى الشر والباطل واستبدت ‪،‬‬
‫وسففاوت بيففن الجميففع ‪ ،‬بيففن أصففحاب القلم والفكففر والرأي ‪ ،‬والوزراء والقادة العسففكريين ‪ ،‬وبيففن‬
‫المواطن العادي ‪ .‬بين الشاب والشيخ ‪ ..‬بين الرجل والمرأة ‪ ..‬بين المريض والصحيح ‪ ..‬كلهم أمام‬
‫السففياط ‪ ،‬وتحففت السففياط ‪ ،‬والصففلب ‪ ،‬والكلب ‪ ،‬وجميففع أنواع التعذيففب ‪ ،‬الكففل سففواء … إنهففا‬
‫اشتراكية التعذيب !!‬
‫‪ . .‬وفى صباح اليوم التاسع ‪ ،‬أخرجوني من الماء في وقت مبكر وقال ‪ -‬صفوت ‪ :‬أنت ذاهبة إلى‬
‫وكيفل النيابفة‪ ،‬وكفاك عذابفا وأنقذي نفسفك ‪ ..‬ثفم أضاف وقفد بدت ففي عينيفه نظرة التهديفد‪ :‬طبعفا أنفت‬
‫عارفففة المطلوب منففك ‪ . .‬وسففنرى مففا تقوليففن ! إ" ‪ .‬وجذبنففي بقسففوة‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن ثوبففي ممزق ‪. .‬‬
‫أعطني ثوبا أستتر به فقال مساوما ‪ :‬أحضر لك جلبابا وتكتبين أن حسن الهضيبي وسيد قطب اتفقا‬
‫على قتل عبد الناصر‪ ،‬والستيلء على الحكم ؟!‬
‫فقلت ل فقال ‪ :‬أذهففبي عاريففة‪ ،‬ولينفعففك إسففلمك ‪ . .‬وليراك الخوان هكذا ‪ . .‬فقلت ‪ :‬إن ال هففو‬
‫الحليم الستار‪ .‬ودخلت مبنى آخر من مباني السجن الحربي ‪ :‬ثم إلى حجرة مفتوحة يتصدرها رجل‬
‫يجلس إلى مكتب ‪ ،‬وعرفت فيما بعد أن هذا الرجل يدعى جلل الديب ‪.‬‬
‫نظر إلى نظرة تائهة تشعرك بأنه يحس أنه أصغر من المهمة المعهودة إليه ‪ . .‬وقال مشيرا بطرف‬
‫إصبعه ‪ :‬اجلسي ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫فجلست على كرسي أمام المكتب ثم بدأ حديثه معي أنت زينب الغزالي الجبيلي الزعيمة السلمية‬
‫المشهورة‪ . .‬لماذا وضعفت نفسفك ففي هذا الموقفف ؟ هفل يرضيفك مفا أنفت فيفه ؟ إنفي مسفلم أحفب لك‬
‫الخيفر وجئت ل ' نقذك ‪ .‬أنفا أسفعد فخفر الديفن وكيفل النيابفة ‪ ..‬أنفا ل أسفتطيع أن أتصفور أن زينفب‬
‫الغزالي هفي الجالسفة أمامفي بهذه الحال التفي وصفلت إليهفا ‪ .‬أرجفو أن تسفاعديني لخلصفك ممفا أنفت‬
‫فيه ‪. .‬‬
‫فقلت ‪ :‬وال مفا نقول إل مفا يرضفى ربنفا ول نبغفي إل وجهفه تعالى ‪ .‬فقطفب حاجفبيه ونكفس رأسفه‬
‫وهو يسأل ما سنك الن ؟‬
‫فقلت ‪ :‬أنا من مواليد ‪ 2‬يناير سنة ‪ 1917‬فقال ‪ :‬مندهشا أو متصنعا الدهشة يا ساتر! كنت معتقدا أن‬
‫سنك في التسعين ‪ . .‬لماذا فعلت كل‪ ،‬هذا؟! قلت ‪ ( :‬لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى‬
‫ال فليتوكل المؤمنون ) ‪ .‬فقال ‪ :‬يبدو أنك غير قادرة على الكلم ؟!‬
‫فلزمفت الصفمت ! ! فسفأل ‪ :‬على أي شفئ اتفقفت أنفت والشيفخ عبفد الفتاح إسفماعيل ؟ ‪ .‬قلت ‪ :‬اتفقنفا‬
‫على أن نربفى الشباب على السفلم ‪ ،‬ونفقهفه ففي أصفول الكتاب والسفنة حتفى ننقفذ هذا المجتمفع مفن‬
‫هذا الضياع الذي يعيفش فيفه ‪ .‬قال* أنفا ل أريفد خطابفة ‪ . .‬أنفا أريفد أن توضحفي ‪" .‬إن الهضيفبي قال‬
‫لك أمرا تنقلينه إلى عبد الفتاح عبده إسماعيل ‪ ،‬وقال لك أمرا ثانيا تنقلينه إلى سيد قطب ما هو هذا‬
‫المر؟! أظن واضح ؟؟" ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬اسفتأذنت فضيلة المرشفد السفتاذ الهضيفبى ليجتمفع الشباب لدراسفة تفسفير القرآن والسفنة مفع‬
‫السفتعانة ببعفض كتفب الفقفه كالمحلى لبفن حزم ‪ ،‬وكتفب التوحيفد لبفن عبفد الوهاب ‪ ،‬وابفن تيميفه‪،‬‬
‫وكتب الستاذ سيد قطب ‪ ،‬ومن الشباب كان عبد الفتاح عبده إسماعيل ‪.‬‬
‫فقال ‪ -‬وقفد رسفم على شفتيفه ابتسفامة حاول أن تكون سفاخرة‪ : -‬ل يفا سفت زينفب ‪ ،‬الموضوع ليفس‬
‫كذلك ‪. .‬‬
‫الموضوع ظهفر ووضفح فأنقذي نفسفك واذكري الحقيقفة‪ ،‬فقلت ‪ :‬كفل الذي كنفا نريده أن نربفي جيل‬
‫صفالحا ونبنفي أمفة مسفلمة‪ .‬فقال ففي إصفرار‪ :‬كلهفم اعترفوا وقفد ألقوا المصفيبة عليفك كلهفا‪ ،‬فقلت‬
‫بهدوء‪ :‬ال المطلع يحمينففي ويحميهففم ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬مففن أن ننزلق إلى باطففل ‪ . .‬فقال فففي عصففبية‬
‫وبدأ يظهفر نواياه ‪ :‬ل ‪ .‬يبدو أنفك مغرمفة بإظهار عضلتفك الخطابيفة‪ ،‬ومغرورة ‪ . .‬حتفى النيابفة ل‬
‫تستطيع أن تصل معك إلى قرار!‬
‫فقلت ‪ ،‬وأنا ل أستطيع الكلم ‪ -‬فقد كنت في قمة التعب والجهاد ولكن شعور بالظلم دفعني إلى أن‬
‫أقول ‪ :-‬لو عرففت النيابفة واجبهفا مفا ‪ . .‬فقاطعنفي ثائرا‪" :‬أخرسفي! حتفى النيابفة تتطاوليفن عليهفا ول‬
‫تسفلم مفن لسفانك " ‪ . .‬ثفم نادى صففوت الذي كان واقففا بالباب ‪ . .‬ل فائدة منهفا يفا صففوت ‪ . .‬إنهفا‬
‫اعتدت على النيابة سأثبت في المحضر أنها اعتدت على النيابة ‪.‬‬
‫جذبني صفوت بوحشية ونظر إلى وكيل النيابة وقال ‪ :‬إلى أين يا سعادة البيه ‪ . .‬؟ فقال وكيل النيابة‬
‫بسفرعة – وكأنفه يرد على سفؤال مسفبق ‪ : -‬إلى الماء طبعفا‪ . .‬وعدت إلى الماء وسفوط صففوت ل‬
‫يكفل ول يضعفف ‪ ،‬زيفن له شيطانفه الشفر وهيأت له جاهليتفه الطغيان ‪ .‬وسفولت له نفسفه المريضفة‬
‫ذلك طمعا في رضا من فوقه ‪ ،‬وأمل في القرب من أسيادهم ‪.‬‬

‫السوط مع الرغيف ! !‬

‫بعد العصر‪ ،‬في اليوم العاشر‪ ،‬فتحت زنزانة الماء‪ ،‬وأخرجني صفوت من الزنزانة أسلمني لثنين‬
‫مفن الزبانيفة وقال لهمفا ‪" :‬إلى سفجن ‪ . . "3‬أدخلونفي هناك زنزانفة‪ ،‬فارتميفت على الرض جثفة‬
‫هامدة مثخنفة بالجراح ‪ . .‬كان جسفمي متورمفا كالكرة المنفوخفة‪ . .‬وأحفس بأن قلبفي يكاد ينخلع مفن‬
‫‪52‬‬
‫مكانففه ‪ . .‬انبطحففت على الرض ل أقوى على النيففن ! ! ‪ . .‬وأسففلمت نفسففي للذي بيده مقاديففر‬
‫المور‪.‬‬
‫ل أدرى كفم مفر مفن الوقفت وأنفا على الرض ‪ ،‬حينمفا سفمعت جلبفة خارج الزنزانفة‪ .‬زحففت على‬
‫الرض وبصفعوبة بالغفة أمسفكت بالباب ونظرت مفن الفتحفة ‪ .‬فرأيفت جماعفة مفن الخوان ‪ ،‬يقفون‬
‫طابورا طويل‪ ،‬بيد كل واحد " قروانة " من الصفيح يتقدم بها إلى جندي‪ ،‬فيغرف هذا الخير من "‬
‫قزان " أمامففه شيئا غريبففا ويصففبه فففي القروانففة الصفففيح ‪ . .‬وعندمففا يتناول الخ نصففيبه مففن هذا‬
‫الطعام الغريب ‪ ،‬يتناول أيضا نصيبه من السياط ! ! كان عدد من الجنود الزبانية يقفون في صفين‬
‫متقابلين ‪ ،‬وعندما يمر الخ بعد أن يتناول نصيبه من الطعام ‪ ،‬يضربه كل جندي عند مروره عليه‬
‫بسوطه ‪ . .‬وهكذا لبد أن يدفع الخ ضريبة إجبارية عددا من السياط بعدد الجنود! وينصرف الخ‬
‫‪.‬‬
‫شعر أحد الزبانية بي وأنا أختلس النظر إلى طابور تسليم الطعام الرهيب ‪ ،‬فدخل زنزانتي كالوحش‬
‫الهائج وأخذ يضربني بحذائه ضربا مؤلما‪ ،‬ثم ينهال بسوطه المجنون على ما يصادفه من جسمي‪،‬‬
‫فخارت قواي‪ ،‬وغبت في نوم عميق على إسفلت الزنزانة! ! ‪.‬‬
‫أيقظني الملعون صفوت ومعه أحد الجنود بيده قروانة بها قليل من الحساء أسود اللون ‪ ،‬تنبعث منه‬
‫رائحفففة كريهفففة ل تطاق ‪ . .‬قال صففففوت ‪ :‬اشربفففي هذا وإل فسفففنضربك عشرة سفففياط ‪ .‬فقلت ‪:‬‬
‫سأشربها! ! فقال صفوت لمساعده ‪ :‬اتركها عشر دقائق ‪ ،‬ثم عد إليها ‪ .‬وانظر ماذا فعلت ؟ ‪ ،‬إن لم‬
‫تكن قد شربت اضربها عشرة سياط وناديني ‪ . ، ! ! . .‬خرجا وأغلقا الباب ‪ ،‬ولما بعد وقع أقدامهما‬
‫‪ ،‬واطمأننففت إلى أن أحدا ل ‪ ،‬يرانففي‪ ،‬سففكبت الحسففاء تحففت البطانيففة التففي رموا بهففا على إسفففلت‬
‫الزنزانفة ‪ . .‬وعاد الجندي بعفد المدة المحددة فوجفد القروانفة فارغفة فأخذهفا وانصفرف ! ! قضيفت‬
‫ليلتفي ‪ . .‬ويفا لهفا مفن ليلة ‪ . .‬كنفت على قمفة اللم والمعاناة‪ . .‬أنياب آلم البدن تنهفش جسفمي كله ‪.‬‬
‫وافترشت آلمي وقضيت ليلتي ‪! ! . .‬‬

‫إلى المستشفى‬

‫وفى ضحى اليوم إلحادي عشر فتح صفوت الزنزانة وقال ‪ :‬تفضل يا دكتور ماجد ‪ .‬ودخل الطبيب‬
‫ماجد في زيه العسكري ومعه التمورجي الجندي عبد المعبود‪ . .‬كانت قدماي تنزفان دما وصديدا ‪،‬‬
‫وأورام وانتفاخات منتشرة في جسمي وآلم حادة تفرى عظامي ‪.‬‬
‫قال الطففبيب ماجففد للتمورجففي ‪ :‬اعصففر لهففا رجليهففا ونظففف الجروح وانقلهففا إلى المسففتشفى ‪" . .‬‬
‫ونقلت إلى المسفتشفى ففي حراسة اثنيفن مفن الزبانيفة! ! مكثت يوما ففي المستشفى (أو الشفخانفة كما‬
‫يطلقون عليهففا) وسففعدت ‪ ،‬ل لننففي بعدت عففن التعذيففب ‪ ،‬فالتعذيففب فففي جسففمي ضارب أنيابففه ‪،‬‬
‫ولكنني سعدت من تغيير المكان ‪ . .‬نعم ‪ ،‬كنت في زنزانة في المستشفى‪ ،‬ولكن شعوري بأنني في‬
‫مستشفى أدخل على بعض الراحة ‪ . .‬وحمدت ال ‪ .‬تمنيت أن تمتد إقامتي في المستشفى فترة تلتئم‬
‫فيهفا جراحفي‪ ،‬ويخفف فيهفا زئيفر عظامفي‪ . .‬واسفتسلمت لهذا الحلم الجميفل ولكفن ‪ ،‬وآه مفن لكفن !‬
‫جاءتني الزبانية وأخرجتني من حلمي الجميل إلى واقعي المر الليم ! ! وأخذني الزبانية إلى مكتب‬
‫شمس بدران ! ! ‪ . .‬كنت أمشى على قدمي بصعوبة بالغة ‪ . .‬بل لم اكن أستطيع أن أحمل جسمي ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن السوط في يد الزبانية خلفي تهددني إن أبطأت ‪ ،‬ويهوى على إن تلكأت أو وقفت ! ! ولم‬
‫اكمل الطريق من المستشفى إلى مكتب شمس بدران ‪ ،‬فسقطت على الرض في منتصف الطريق ‪،‬‬
‫فرفعنففي الجنففد‪ ،‬وجرونففي على الرض جرا ‪ . .‬وأوصففلوني على هذه الحال إلى مكتففب شمففس‬
‫بدران ؟! !‬
‫‪53‬‬
‫مع شمس‬

‫وما كاد السفاح الجاهلي شمس يراني حتى نادى على صفوت الروبي‪ ،‬وفي حركة ‪ ،‬كأنه أمام آلت‬
‫التصوير‪ -‬فقد ازداد احتقان وجهه وارتسمت عليه غضبة عارمة‪ ،‬وتحجرت عيناه في مقلتيه حتى‬
‫صفار وجهفه مثل وجفه البومة – واستدار إلى صفوت ‪ ،‬وذراعه ممدودة إلى آخر مداها ‪ ،‬وإصفبعه‬
‫تشير إلى ‪ :‬علقها يا صفوت واجلدها خمسمائة جلدة! ! ‪ . .‬وحشية ما بعدها وحشية؟ وقسوة غريبة‬
‫ل يعرفهفا إل شمفس بدران ! ! ‪ .‬وعلقونفي وجهزونفي للجلد ‪ ! ! . .‬وشمفر صففوت الروبففي عفن‬
‫ساعده ‪ ،‬ورفع سوطه وأخذ في تنفيذ أمر موله شمس ! ! خمسمائة جلدة ‪ . .‬وأنا أستغيث ضارعة‬
‫‪" :‬يا ال ‪ ،‬يا ال " وشمس بدران يقول ‪" :‬أين هو ال ؟!" الذي تنادينه ‪ ،‬فلينفعك إن كان موجودًا !‬
‫‪ . .‬لو اسفتغثت بعبفد الناصفر لغاثفك ففي الحال ! ‪ . .‬ثفم أخفذ بلسفانه يتطاول على جلل ال سفبحانه ‪،‬‬
‫مما تأبى ألسنة المؤمنين أن تتفوه والتلفظ به ؟ ولو كان إعادة لما قاله الفاجر الكافر ‪.‬‬
‫وتففم الجلد ‪ .‬وأنزلونففي مففن التعليقففة وأوقفونففي والدم ينزف مففن قدمففي ‪ . .‬وأمرنففي بدران أن أؤدي‬
‫حركففة "محلك سففر" مدعيففا أن هذا علج لقدمففي! ! ‪ .‬وبعففد فترة أسففندت ظهري إلى الحائط ‪ ،‬ثففم‬
‫جلسفت مفن شدة العناء‪ ،‬فجذبنفي صففوت بغلظفة‪ ،‬ولم أسفتطع الوقوف فهويفت على الرض ‪ . .‬وهنفا‬
‫جاء حمزة البسفيوني وحفش السفجن الحربفي‪ ،‬وقال ‪ :‬إنهفا تمثفل يفا باشفا! ! ‪ . .‬وأغمفى على‪ ،‬وتنبهفت‬
‫على الطفبيب الذي أعطانفي حقنفة ففي ذراعفي وأمفر لي بكوب مفن عصفير الليمون واسفقوني إياه ‪. .‬‬
‫قال شمس بدران ‪ :‬هيا ! لن ينفعك العناد ‪ . .‬نفذي ما نريد وإل علقناك ثانيا‪ .‬وثالثا ‪ .‬ورابعا ‪ .‬ومائة‬
‫مرة ‪ . .‬ل يخطر على بالك أبدا أننا عاجزون عن انتزاع ما نريده منك ‪ . .‬إننا نعطيك الفرصة فقط‪.‬‬
‫مفهوم ؟!! من يمنعنا عن دفنك وأنت حية؟إ!‬
‫فقلت ‪ :‬يفعل ال ما يشاء ويختار‪ ،‬وله الحمد حتى يرضى ‪.‬‬
‫فقال في غيظ وضيق ‪ :‬ل تكلميني بهذه اللغة وهذا السلوب‪.‬‬
‫وقال حسفن خليفل محاول أن يثنينفي عفن عزمفي ‪ :‬يفا بنفت اعقلي‪ ،‬واشترى نفسفك ‪ . .‬لن ينفعفك أحفد‬
‫من الخوان هنا‪ . .‬كل منهم يريد نفسه فقط ‪ . .‬إنهم يفرون إلى النجاة! !‬
‫ثم أخرج ورقا وقلما واستأنف حديثه أو نصائحه ‪ :‬خذها يا صفوت إلى المستشفى ودعها تكتب كل‬
‫مففا تعرفففه عففن تنظيففم الخوان ‪ . .‬كيففف عرفتهففم ؟! وكيففف اتفقوا على قتففل جمال عبففد الناصففر‪. .‬‬
‫وتذكفر كفل أسفماء الذيفن تعرفهفم مفن الخوان ! ! وففى الطريفق إلى المسفتشفى كان صففوت يأمرنفي‬
‫بالمشفي‪ ،‬وأنفا عاجزة كطففل يخطفو خطواتفه الولى! ! وتسفتبد بصففوت وحشيتفه فكان يوقفنفي بيفن‬
‫وقت وآخر ويأمرني أن أؤدي محلك سر! ! محلك سر! ! إن هذا علج لقدميك يا بنت الف ‪. . . .‬‬
‫ال وحده يعلم كيفففف قطعفففت الطريفففق إلى المسفففتشفى ‪ . .‬لقفففد كانفففت رحلة عذاب ووصفففلت إلى‬
‫المسفتشفى ودخلت زنزانتفي ‪ .‬أعطانفي صففوت الورق والقلم وقال ‪ :‬طبعفا عرففت المطلوب ‪ . .‬ول‬
‫داعفي للفلسففة ‪ . .‬اكتفبي كفل مفا تعلمونفه يفا إخوان يفا كذابون ‪ . .‬وكيفف كنتفم سفتقتلون جمال عبفد‬
‫الناصر‪ . .‬واضح ؟! هيا يا حلوة وأغلق الباب ‪ ،‬وانصرف !‬
‫لم أستطع أن أمسك القلم ‪ ،‬فقد كانت يداي متورمتين ‪ ،‬ولم أستطع الكتابة فمضى اليوم الول ‪ ،‬ولم‬
‫أفعل شيئا‪ . .‬لم اكتب حرفا واحدا‪ . .‬وعاد صفوت ليأخذ ما كتبت ‪ .‬فوجد الورق أبيض لم يمر عليه‬
‫القلم ‪ .‬فقال ‪ :‬سأترك لك الورق لتنقذي نفسك يا بنت الف‪ . .‬وانصرف‪.‬‬
‫وأخذت اكتففب بصففعوبة ‪ .‬وفففى اليوم الثالث جاء حمزة البسففيوني ‪ ،‬وجمففع الوراق وانصففرف ‪،‬‬
‫وقضيفت يومفي بيفن صفحوة وغفوة ‪ .‬ل أسفتطيع أن أسفتقر على موضفع ‪ . .‬إن وقففت نبحفت قدماي ‪.‬‬
‫وان نمت صرخت عظامي!‬
‫‪54‬‬
‫وجاء صففوت ‪ ،‬ومعفه جنديان ليأخذانفي إلى مكتفب شمفس بدران وبنففس الطريقفة السفابقة قطعفت‬
‫الطريق سيرا على قدمي مع الوقوف على فترات في "محلك سرا بأمر صفوت الروبي! !‬
‫ودخلت مكتففب شمففس بدران فنظففر لي فففي وحشيففة وقسففوة وهففو يمزق أوراقففا ويلقيهففا فففي سففلة‬
‫المهملت ثفم قال ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪ . .‬ألم يكففك كفل هذا العذاب ؟! ! ماذا كتبفت ؟ كلم فارغ ‪ . .‬أجلدهفا‬
‫مرة أخرى يا حمزة!‬
‫فقال حمزة البسيوني وحسن خليل ‪ :‬سنعيدها للكلب أحسن يا باشا‪ ،‬فقال شمس بدران في عصبية ‪:‬‬
‫أحضر الكلب هنا يا صفوت ! !‬
‫أسفرع صففوت وعاد ومسفاعده نجفم بكلبيفن كالوحشيفن مفن مجموعفة الكلب المدربفة التفي كانفت لي‬
‫معهفا سفابقة ففي اليوم الول مفن أيام "باسفتيل مصفر" ‪ . .‬السفجن الحربفي ‪ . .‬وقال شمفس بدران ‪:‬‬
‫أطلق عليها الكلب يا صفوت ! !‬
‫وهجفم على الوحشان ‪ ،‬فأغمضفت عينفي ‪ .‬وأنفا أقول ‪ :‬حسفبي ال ونعفم الوكيفل ‪ ،‬اللهفم اكفنفي السفوء‬
‫بمففا شئت وكيففف شئت ‪ .‬وظففل الكلبان ينهشان جسففمي كله بأنيابهمففا ويشعلن فيففه نارا موقدة‪. .‬‬
‫وشمس بدران ل يكف عن سبابه يا بنت الف‪ . .‬اكتبي أنكم اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر‪ . .‬كيف‬
‫كنتفم سفتقتلونه ؟ اكتفبي ‪ . .‬اكتفبي يفا بنفت الفف ‪ . . !! . .‬وصفار عدد الكلب ثلثفة ‪ . .‬اثنان ينهشانفي‬
‫وشمس بدران يسلقني بلسانه القذر السليط ! !‬
‫ويبدو أن شمفس بدران قفد شعفر بأن ل جدوى مفن الكلب فصفرخ ففي صففوت ‪ ،‬وجسفمه كله يهتفز‬
‫من الثورة ‪ :‬اصرف الكلب يا صفوت ‪ ،‬وجهز بنت الف ‪ . .‬للجلد !‬
‫واسفتدعوا الطفبيب ‪ ،‬فحضفر ثفم فحصفني وقال لشمفس بدران ‪ :‬إذا سفمح الباشفا يؤجفل جلدهفا اليوم‬
‫فحالتها ل تتحمل ‪.‬‬
‫وقال شمس بدران لحمزة البسيوني ‪" :‬خذها إلى ‪ 24‬أريد يا حمزة أن تحمل إلى جثتها ‪.‬‬
‫وحملوني إلى رقم ‪ . . 24‬بناء لم أدخله من قبل ‪ ،‬ثم أوقفوني فاقشعر بدني وتسمرت في مكاني! ! ‪.‬‬
‫‪ .‬رقم ‪ 24‬هذا زنزانة في وسطها نار موقدة‪ ،‬وعند كل ركن من الركان الربعة يقف جندي بيده‬
‫سوط كلسان الفعى‪ . .‬وتناولني الجندي بسوطه وهو يأمرني بأن أدخل في دائرة النار‪ ،‬فإذا اقتربت‬
‫منعنفي الجندي القريفب منهفا‪ ،‬فيتلقانفي الثالث ‪ . .‬وهكذا النار المشتعلة قريبفة منفى‪ ،‬يلفحنفي لهيبهفا‪..‬‬
‫ظللت ما يقرب من ساعتين وأنا بين لهيبين ‪ ،‬لهيب النار المشتعلة التي أخشى الوقوع فيها‪ ،‬ولهيب‬
‫سفياط الزبانيفة وكل اللهيفبين مفر‪ .‬ويدخفل حمزة البسفيوني‪ ،‬ونظرة بلهاء بل معنفى ففي عينيفه ويقول‬
‫وأنا في وسط هذا السعير‪ :‬اكتبي أنكم ستقتلون جمال عبد الناصر وإل قذفناك في النار ! ! ‪.‬‬
‫ونظرت إليفه نظرة ‪ ،‬وصفرخت ففي وجهفه صفرخة بدون صفوت ‪ ،‬وبكيفت بدون دموع ‪ . .‬لقفد كان‬
‫العذاب فوق ما أحتمل ‪ ،‬وأغمى على ولم أفق إل وأنا في المستشفى! !‬

‫مشهد تمثيلي بالكراه ! !‬

‫فففي صففباح يوم ‪ ،‬أخرجونففي مففن زنزانففة المسففتشفى‪ ،‬فرأيففت مصففورين وآلت التصففوير معدة‪،‬‬
‫وأجلسفوني على مقعفد‪ ،‬وأمرونفي أن أضفع سفاقا على سفاق ‪ ،‬وأضفع سفيجارة ففي فمفي‪ ،‬ليصفوروني‬
‫على هذه الحالة فقلت ‪ :‬مسفتحيل أمسفك سفيجارة ل ففي يدي‪ ،‬ول ففي فمفي! ! فوضعوا المسفدس ففي‬
‫ظهري وفى أم رأسي لمسك السيجارة فرفضت ونطقت بالشهادتين وقلت ‪ :‬افعلوا ما تشاءون ‪ -‬لن‬
‫أفعل ! ! ضربت بالسياط ‪ . .‬أعادوا المسدس إلى رأسي ‪ ،‬وأعادوا المر بمسك السيجارة ووضعها‬
‫في فمي‪ ،‬فرفضت وأصررت على الرفض ! ! ‪ . .‬فلما يئسوا صوروني ‪. .‬‬

‫‪55‬‬
‫ففي اليوم التالي‪ ،‬طلبوا منفى أن أذهفب' لتحدث ففي التليفزيون على أن يملوا على كلمفا مفن عندهفم‬
‫وبهتانهفففم على "الخوان المسفففلمين"‪ .‬فقلت ‪ :‬لن أقول إل التفففي إذا ذهبفففت إلى التليفزيون ‪ " .‬إن‬
‫جمال عبففد الناصففر كافففر يحارب السففلم فففي شخففص جماعففة الخوان المسففلمين ‪ . .‬ولذلك نحففن‬
‫نحاربفه ‪ ،‬لنفه قال إن الحكفم بالقرآن رجعيفة وتأخفر وتعصفب مقيفت ‪ ،‬ولنفه يسفتورد مواد أحكامفه‬
‫وتشريعاته من الدب الحمر الشيوعي ومذهبه اللحادي الذي يقول ل إله والحياة مادة ‪ . .‬لهذا نحن‬
‫نحاربفه " ‪ . .‬فقال ‪ :‬سفتتكلمين والمسفدس ففي ظهرك ونافوخفك ‪ . .‬لبفد أن تقولي مفا نريده نحفن ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬بالمس لم أرض أن أضع سيجارة في يدي أو في فمي‪ ،‬وأنتم تهددونني بمسدسكم وتضعونه‬
‫في رأسي وفى ظهري ‪ ،‬ومصورو صحافتكم وإعلمكم يشهدون ‪ ،‬فهل تظنون اليوم أن أقول غير‬
‫الحقيقة؟ ! ل ‪ . .‬واظن إننا لحملة رسالة … ‪ .‬وأمناء أمة وورثة كتاب فجلدت وأعدت إلى الزنزانة‬
‫‪.‬‬
‫وأعادونفي إلى مكتب شمس بدران ‪ . .‬ومفا كاد يراني حتى قال في دهشفة مصطنعة ‪ :‬إيه أمفا زالت‬
‫على قيفد الحياة يفا بنفت الفف ‪ . .‬؟! أنفا قلت يفا حمزة هات لي جثتهفا‪ . .‬فقال حمزة البسفيوني ففي رجاء‪:‬‬
‫معذرة يا باشا‪ . .‬قل لها تعليماتك وهي مستعدة لتنفيذها ‪ .‬فقال شمس بدران ‪ :‬اكتبي يا زينب ‪!! . . .‬‬
‫فقلت ‪ :‬لن اكتب إل الحقيقة‪ . .‬إذا أردتم فاقتلوني ‪ . .‬إنها شهادة تكتب عند ال إن شاء سبحانه ‪.‬‬
‫فقال حسن خليل ‪ :‬لن نسمح لك بهذه الشهادة؟إ!‬
‫فقلت ‪ :‬إن الشهادة من عند ال ؟ إذا أرادها لحد من خلقه أعطاها له ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران وقد أثاره إصراري ‪ :‬علقها يا صفوت ‪ . .‬واجلدها خمسمائة جلدة! ! لتعرف من‬
‫ربها ‪.‬‬
‫وعلقونفي‪ ،‬وجلدنفي الزبانيفة ‪ . .‬سفخاء ففي الوحشيفة وكرم ففي القسفوة! ! خمسفمائة جلدة على إنسفان‬
‫في قمة اللم ‪ ،‬وقمة المعاناة‪ . .‬ماذا بعد؟! وأعادوني إلى الزنزانة ‪.‬‬
‫ولم يمض وقت حتى أخذوني ثانية إلى مكتب شمس بدران الذي قال ‪:‬‬
‫أجلسففي هنففا؟! ! وأشار إلى كرسففي أمام مكتبففه ‪ . .‬ثففم قال ‪ :‬هففل أنففت فاهمففة أن قلوبنففا جامدة ل‬
‫تحس ؟! أنا متأثر جدا لحالتك ‪ . .‬أنا والدي شيخ في الزهر! ! نظرت إليه نظرة ذات مغزى كبير‬
‫مليئة بالزدراء والحتقار!‬
‫وعاد إلى طبعه الوحشي قائل في عصبية مهددا‪ :‬يا بنت الف ‪ . .‬إ! ‪ .‬اسحبها يا حمزة إلى ‪. .32‬‬

‫الحجرة ‪32‬‬

‫ودخلت زنزانة وجدت بها عمودين من الخشب متصلين من أعلى بعمود أفقي تتدلى منه حلقتان ‪. .‬‬
‫أوقفونفي على كرسفي ‪ .‬وأمرونفي بالسفوط أن أمسفك الحلقتيفن ‪ ،‬عندئذ أزاحوا الكرسفي مفن تحفت‬
‫قدمفي فصفرت معلقفة ففي الهواء ‪ ! ! . .‬لم أسفتطع أن أسفتمر ففي الحلقتيفن أكثفر مفن عشفر دقائق‬
‫فهويففت على الرض وتلقفنففي الزبانيففة بسففياطهم المجنونففة ‪ .‬وأعادونففي مرة أخرى إلى الحلقتيففن‪.‬‬
‫فسفقطت ‪ ،‬فعملت ففي السفياط المجنونفة مفا شاء لهفا هوى الزبانيفة‪ . .‬وظلت هذه العمليفة تتكرر مفا‬
‫يقرب من ثلث ساعات ! !‬

‫شموخ اليمان وذلة الباطل‬

‫أعادونففي إلى مكتففب شمففس بدران ‪ ،‬فأشار بطرف إصففبعه ‪ ،‬فففي حركففة تمثيليففة‪ ،‬إلى كرسففي أمام‬
‫مكتبفه ‪ ،‬فجلسفت ثفم أخفذ جلل الديفب وحسفن خليفل يحاولن إقناعفي بأن أكتفب مفا يريده الباشفا ‪. .‬‬
‫‪56‬‬
‫ويكرران بأن ذلك في مصفلحتي! ! فقلت لهما‪ :‬لن أكتفب شيئا ل أعرففه ‪ . .‬فقال لي ‪ :‬إننفا عرفنا كفل‬
‫شئ‪ ،‬واعترف الخوان بكل شئ‪ ،‬اقرأ لها الملفات ! !‬
‫ملف عبفد الفتاح إسفماعيل وملف مجدي عبفد العزيفز‪ ،‬وأحمفد عبفد المجيفد وملف سفيد قطفب ‪ ،‬وملف‬
‫محمفد هواش ‪ ،‬وصفبري عرففه ‪ ،‬وعبفد المجيفد الشاذلي ‪ ،‬وفاروق المنشاوي ‪ ،‬ومرسفي مصفطفى‬
‫مرسفي ‪ ،‬على حفد زعمهفم ‪ ،‬ثفم قال شمفس بدران ‪ :‬اقرأ لهفا أقوالهفم ‪ ،‬وقرأ جلل الديفب أقوال على‬
‫عشماوي! ! أذهلني ما سمعت إ!‬
‫ولما فرغ قال شمس بدران ‪ -‬وهو يغمض إحدى عينيه ويهز رأسه ‪ :-‬ما رأيك في هذه القوال ؟ !‬
‫فقلت على الفور‪ :‬هذا كله كذب وافتراء‪.‬‬
‫فقال شمفس بدران ‪ :‬تريديفن أن تنكري أنفك أسفست تنظيفم الخوان ؟ إليفك كلم شيخكفم يقطفع بأنفك‬
‫أنفت التفي أسفست التنظيفم ‪ . .‬اقرأ لهفا أقوال الهضيفبي يفا جلل ‪ .‬وبعفد عدة دقائق قال له ‪ :‬انتظفر‪. .‬‬
‫اترك هذا الملف واقرأ لهفا أقوال عبفد الفتاح إسفماعيل ‪ ،‬وأخفذ جلل يقرأ‪ . .‬وبعفد قليفل سفألني شمفس‬
‫بدران ‪ :‬ما رأيك ! ! ‪ . .‬لم أجب ‪ . .‬قال يا جلل ‪ . .‬اقرأ لها أقوال مخطط الخوان سيد قطب ‪..‬‬
‫فأخفذ جلل يقرأ ثفم ينتقفل مفن ملف إلى ملف ولمفا فرغ قال شمفس بدران ‪ :‬مفا رأيفك فيمفا سفمعت ؟!‬
‫هل تكتبين ما نريد؟ فقلت ‪ :‬هذا باطل ؟؟ فقال في تهكم ‪ :‬وما هو الحق يا نابغة الزمان ؟ قلت ‪ :‬كل‬
‫ما سجل هنا لعلى عشماوي‪ ،‬أعتقد أنه هو الباطل ‪ . .‬أما بقية إخواني فهم أهل الدعوة وأهل الحق ‪.‬‬
‫‪ .‬والمسطر هذا مزور عليهم ‪ . .‬قال شمس ‪ :‬علقها يا صفوت وأنت يا حمزة هات على عشماوي‬
‫وحضر الكلب ‪ .‬وجاء على عشماوي ‪ . .‬كان على عشماوي يلبس "بيجامة من الحرير المهفهف‬
‫نظيفففة‪ ،‬أنيقففة شعره ممشففط ل يبدو عليففه أي أثففر للتعذيففب ‪ ،‬فلمففا رأيتففه واسففتعرضت فففي حالة‬
‫الخريففن ‪ ،‬وحالتففي علمففت بففل تيقنففت أن هذا المخلوق خان أمانففة ال ‪ ،‬وشهففد على إخوانففه زورا‬
‫فهوى في مهاوي الفساق الفجار‪ ،‬الظالمين ‪ ،‬وأصبح من رجال شمس بدران وذنبا من أذناب جمال‬
‫عبد الناصر‪ ،‬الذين ل يعرفون قيما ول أخلقا ول دينا ‪.‬‬
‫قال له شمس بدران ‪ :‬يا على ‪ ،‬ماذا أخذت من زينب الغزالي في آخر يوم توجهت فيه إليها‪ ،‬وماذا‬
‫قالت لك ؟‬
‫قال على عشماوي ‪ :‬أعطتنفي ألف جنيفه ‪ ،‬وقالت لي ‪ . .‬النقود سفتكون عنفد غادة عمار لتسفليمها إلى‬
‫بيت الهضيبي أو بيت قطب ‪ ،‬إذا قبضوا على اتصل بغادة أو بحميدة ستعرف أين النقود إذا احتجتم‬
‫إليها" ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬كم كانت النقود يا زينب الغزالي؟ ولماذا كنت خائفة عليها؟‬
‫فقلت ‪ :‬كانفت النقود أربعفة آلف جنيفه ‪ ،‬وهفى قيمفة اشتراكات مجموعفة مفن الخوان ففي السفودان‬
‫والسففعودية ‪ ،‬لمسففاعدة أسففر المسففجونين ‪ ،‬ومصففاريف الطلبففة فففي المدارس والجامعات ‪ ،‬وإيجار‬
‫بيوت ‪ ،‬صرفنا منها في العيد الماضي ألف جنيه على العائلت ‪. .‬‬
‫وهذا الواقف أمامكم هو الذي أخذ اللف جنيه ليعطيها لعبد الفتاح إسماعيل لحساب الهضيبي ‪.‬‬
‫وقال شمفس بدران ‪ :‬أنفت يفا على‪ ،‬ماذا أكلت عنفد زينفب الغزالي آخفر مرة؟ فقال على عشماوي ‪:‬‬
‫أعطتنفي طبفق أرز بالكبدة وقالت لي ‪ :‬كفل ‪ ،‬ربنفا يعينفك ‪ ..‬ثفم قال ‪ :‬كفايفة! ! اخرج يفا على‪ ،‬فخرج‬
‫على عشماوي مصحوبا بسلمة ورعاية شمس بدران ! !‬
‫وقال شمس بدران ‪ :‬هات عبد الفتاح ‪ ،‬يا حمزة‪.‬‬
‫وبعفد لحظات عاد حمزة البسفيوني بعبفد الفتاح إسفماعيل ‪(.‬أعدم ففي العام ‪ 1966‬مفع الشهيفد السفيد‬
‫قطفب) ‪ .‬كان يكسفوه وقار الصفادقين ‪ ،‬ونور الموحديفن ‪ ،‬يلبفس حلة سفجن زرقاء ‪ ،‬ممزقفة ‪ ،‬وآثار‬
‫التعذيففب تنطففق بمدى مففا لقاه هذا المجاهففد الصففادق المؤمففن الموحففد ‪ . .‬وقال يوجففه القول إلى ‪:‬‬
‫السلم عليكم ‪ .‬قلت ‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته ‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫وقال شمس بدران ‪ :‬ماذا كنت تعمل عند زينب الغزالي يا عبد الفتاح ؟ لماذا كنت تذهب إليها؟‬
‫ويرد عبفد الفتاح بلسفان صفدق وحفق غريفب على الجاهليفن ‪ :‬أختفي ففي ال ‪ . .‬كنفا نتعاون على أن‬
‫نبني الشباب المسلم على مبادئ القرآن والسنة‪ ،‬وبطبيعة الحال كان ذلك سيفضي إلى تغيير الدولة‪،‬‬
‫من دولة جاهلية إلى دولة إسلمية ‪. .‬‬
‫ويقول شمس بدران في غلظة ‪ :‬أتخطب ؟ أنت لست على المنبر يا ابن الف‪ . . . .‬اخرج ‪ . .‬اخرج ‪. .‬‬
‫ويخرج عبد الفتاح إسماعيل كمفا جاء‪ . .‬بعفد أن وجفه القول إلى "السلم عليكم ورحمة ال وبركاتفه‬
‫"‪.‬‬
‫فقلت ‪" :‬وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته " ‪.‬‬
‫وأخذت شمس بدران ثورة عارمة فجرت القذارة على لسانه فانساب بأبشع اللفاظ وأقذرها ! !‬
‫واسترحت ‪ . .‬نعم استرحت لشموخ الرجولة في عبد الفتاح إسماعيل ‪ ،‬مأخوذة بذروة اليمان فيه ‪،‬‬
‫وقلت في سرى "الحمد ل ! أن ل رجال ‪ . .‬اللهم احفظهم لدعوتك يا ال ‪ .‬إن خان على العشماوي‬
‫فهناك الموحدون الصابرون ‪ . .‬رواد الطريق وطلب الحقيقة ‪.‬‬
‫وتنبهفت على صفوت شمفس بدران وهفو يصفرخ ‪ :‬خذوهفا بنفت الففففف‪ . .‬وبكره تيجفي ومعهفا الورق‬
‫مكتوب ‪.‬‬
‫وأعطفى حسفن خليفل لصففوت ورقفا وقلمفا وأعادونفي إلى المسفتشفى وأمسفكت بالورق والقلم ‪ .‬ماذا‬
‫اكتفب ؟ ماذا يريدون منفا؟ أيريدون أن نغضفب ربنفا ونخالف ديننفا! إ؟ ل وال لن نكتفب إل أننفا ففي‬
‫سفبيل ال قمنفا وتحفت رايفة القران سفرنا‪ . .‬ل إله إل ال ‪ . .‬محمفد رسفول ال ‪ .‬لن نشرك بربنفا أحدا‬
‫ول نعبفد إل إياه ‪ .‬ربنفا أفرغ علينفا صفبرا وثبفت أقدامنفا وتوفنفا مسفلمين ‪ .‬وأنتفم يفا فراعنفة العصفر‬
‫اقضوا ‪ ،‬إنما تقضون هذه الحياة الدنيا‪ .‬وغدا سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ‪.‬‬
‫وففى اليوم التالي جاء حمزة البسفيوني ورياض وصففوت وأخذوا الوراق وانصفرفوا ‪ ،‬وعادوا بعفد‬
‫سفاعة تقريبفا ‪ ،‬وحملونفي ففي عربفة ‪-‬لعجزي عفن الحركفة‪ -‬إلى مكتفب شمفس بدران ‪ ،‬الذي رأيتفه‬
‫يمزق أوراقا يلقيها في سلة المهملت وهو يقول ‪ :‬هذه أوراقك أنا سآخذ كوز دم من جسدك وتكتبين‬
‫ما أريده بالدم ‪ . .‬وأعادوني إلى المستشفى ‪ ! ! . .‬تحت اللعنات وضرب السياط ‪.‬‬

‫عبد الناصر أمر بإعدامي! !‬

‫مكثفت بالمسفتشفى عدة أيام تحفت العلج ‪ .‬فقفد كنفت قاب قوسفين أو أدنفى مفن ا لموت ! ! وذات يوم‬
‫قبيل الغروب أخذوني إلى مكتب شمس بدران ‪ . .‬لكنهم لم يدخلوني " بل أمروني أن أقف ووجهي‬
‫إلى جهاز كهربائي ‪ ،‬يخرج صوتا مزعجا‪ ،‬وينبعث منه هواء ساخن ‪ . .‬ظللت واقفة ‪-‬ووجهي إلى‬
‫هذا الجهاز اللعين ‪ -‬ليلة كاملة! ! وفى الصباح أعادوني إلى المستشفى ‪ .‬دخل الدكتور ماجد ونظر‬
‫إلى وجهي وقال لعبد المعبود التمورجي ‪ :‬وجهها شديد الصفرار ‪ . .‬هل أخذوها مرة أخرى الليلة؟‬
‫فقال عبد المعبود‪ :‬نعم !‬
‫وبعفد نصفف سفاعة أحضفر لي عبفد المعبود نصفف رغيفف أفرنجفي وبداخله بعفض المربفى‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫الدكتور أمفر لك بهذا ‪..‬وعنفد الغروب أخرجفت مفن المسفتشفى لوضفع ففي حجرة قريبفة مفن مكتفب‬
‫شمفس بدران ‪ ،‬ثفم حضفر الزبانيفة حمزة وصففوت ورياض وصفاروا يتداولون فيمفا بينهفم هامسفين ‪.‬‬
‫وانصفرف الولن وبقفى الخيفر الذي انقلب إلى مسفخ مشوه يلطفم وجهفه ويشفد شعره ‪ ،‬ثفم يفتعفل‬
‫حركات كما لو كان يريد تمزيق ملبسه ويصرخ عاويا متهما إياي بالجنون والغفلة‪ ،‬مهددا بأني إذا‬
‫لم أطع شمس باشا اليوم فإن حياتي سوف تنتهي ‪ .‬ثم يتساءل إن كنت أعلم أين ذهب عواد ورفعت‬
‫وإسفماعيل الفيومفي ( أسفتشهد ففي باحفة السفجن الحربفي ففي العام ‪ 1965‬بعفد أن حطموا رأسفه ففي‬
‫‪58‬‬
‫نافورة السجن) ؟ ويضيف أنهم يدفنون كل يوم في السجن عشرة كلب من الخوان ‪ ،‬يدفنونهم في‬
‫جحيفم عبفد الناصفر‪ .‬فلمفا علقفت على هلوسفته تلك بأن قتلنفا شهداء ففي الجنفة‪ ،‬زاد مفن لطفم وجهفه‬
‫وصاح مادام الكلب والماء والنار والسياط وكل هذا العذاب لم ينفع معك ‪ . .‬فاليوم الباشا سيذبحك‬
‫‪ . . .‬أخذ المر من جمال عبد الناصر‪ . . .‬ماذا ستفعلين ‪ . .‬؟! قلت ‪ :‬الذي يفعل هو ال ‪ .‬فقال في‬
‫بله ‪ :‬أنت تريديننا أن نفعل مثلكم ونخيب خيبتكم ؟ أنت تريديننا أن نترك روسيا التي تحكم نصفف‬
‫العالم وننصفاع لكلم شخفص مثفل الهضيفبي أو سفيد قطفب أو حسفن البنفا؟ أنتفم مجانيفن‪ . .‬إننفا لسفنا‬
‫مثلكم ‪ . .‬ردى على ‪ .‬فقلت " إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون ‪ .‬ويقولون أئنا لتاركون‬
‫آلهتنفا لشاعفر مجنون " وكانفت هذه اللهفة هفي الصفنام ‪ .‬والحكام سفدنة الصفنام ‪ .‬وهفم الذيفن رموا‬
‫محمدًا الرسفول " صفلى ال عليفه وسفلم " سفيد ولد آدم ‪ .‬رموه بالجنون ‪ .‬وهكذا يعيفد التاريفخ نفسفه‬
‫فتقولون لمففن يدعونكففم إلى ال أنهففم مجانيففن ‪ ،‬ويسففيركم الطاغوت الذي اسففتخدمكم فففي الباطففل ‪،‬‬
‫وتسيرون خلفه أذلء بثمن بخس ‪ :‬أرضيتم المخلوق وأغضبتم الخالق ‪ .‬فجن جنونه وثارت ثائرته‬
‫وهفو يقول ‪ :‬أتريدون أن تعيدونفا إلى الجمود والتأخفر؟ ‪ .‬وفتفح الباب واندففع جنفد كالوحوش يلهبون‬
‫جسدي بالسياط ‪ .‬وهو يضحك في بله ويقول ‪ :‬وال يا زينب أنا خايف عليك ومشفق عليك ‪ . . .‬وأنا‬
‫أقول ‪" :‬حسبنا ال ونعم الوكيل " ‪.‬‬
‫قلت فففي سففخرية‪ :‬شفقففة وخوف ؟! مففا هذا!! أنففت تخاف ؟! القضيففة كمففا تقولون وضحففت كففل‬
‫عناصفرها ‪ . .‬فماذا يهمكفم اعتراففي أو إقراري؟! نعفم وضفح كفل شفئ ‪ . .‬وضفح زوركفم ‪ ،‬وكذبكفم ‪،‬‬
‫وإلصفاق الجرائم بالبرياء‪ .‬أخفذ المجنون رياض يضرب صفدره ‪ ،‬ويشفد شعره ويصفرخ ‪ :‬بأي قوة‬
‫تعيشيفن ؟!! كدنفا نفقفد عقولنفا فيفك ‪ . . .‬الطباء يقولون ‪ :‬إذا لم يدخفل لك طعام سفتهلكين ‪ . .‬ودخفل‬
‫حمزة البسيوني وصفوت ‪ ،‬وقال حمزة ‪ :‬خيرا يا رياض ‪ ..‬ماذا فعلت معها؟ أظن عقلت ؟ !‬
‫ملت نظرة بكل السخرية وصوبتها إلى حمزة البسيوني وقلت ‪ :‬ل أدرى من المجنون ؟ فنظر إلى‬
‫حمزة ولم يعقب ‪ ،‬ثم استدار إلى صفوت وقال ‪ :‬هاتها يا صفوت إلى مكتب الباشا؟! !‬

‫في مكتب الباشا‬

‫أجلسفني شمفس على كرسفي وقال ‪ :‬أعتقفد أنفه ل داعفي للسفتمرار ففي العناد‪ ،‬أريدك أن تكتفبي مفا‬
‫نريد ‪ .‬فقلت ‪ :‬أتريد أن اكتب أننا كنا سنقتل عبد الناصر؟ هذا أمر مستحيل ‪ ،‬وال ما كنا لنجتمع إل‬
‫لدراسفة القرآن والحديفث لنفبين للناس كيفف يخرجون مفن طاعفة الطواغيفت البشريفة إلى طاعفة ال‬
‫فيعبدونفه وحده ويقيمون دينفه ‪ ،‬ل يأتمرون إل بمفا ففي الكتاب والسفنة‪ ،‬ل يعصفون ال فيمفا أمرهفم ‪،‬‬
‫ولكن يتحرونه دوما‪ ،‬ويجتهدون أل يعصوه ‪ ،‬وإن عصوه تابوا ‪ ،‬واستغفروا‪ . .‬ومع ذلك نحن نعتقد‬
‫أن الحكفم القائم حكفم جاهلي يجفب أن يزول ‪ ،‬ل بالحديفد والنار بفل بوجود قاعدة إسفلمية عريضفة‬
‫ففي المفة‪ ،‬فكيفف تقولون إننفا كنفا سفنقتل عبفد الناصفر؟! ‪ . .‬لبفد أن نخرجكفم أول مفن الجاهليفة ‪..‬‬
‫فعندمفا توجفد هذه القاعدة سفتقوم الدولة السفلمية حتمفا‪ ،‬انهالت السفياط مفن مردة النفس فصفرخت‬
‫بأعلى ما استطعت ‪ :‬لن أكتب لن اكتب ‪ .‬فاقتلوني‪ .‬فالدنيا ل تساوى عندي شيئا ‪. .‬‬
‫والتفففت إلي شمففس بدران يسففأل ‪ :‬الورق الذي مزقتففه لم تذكري فيففه شيئا عففن عبففد العزيففز على ‪.‬‬
‫فسألت ‪ :‬ومن عبد العزيز على؟ فقال شمس بدران ‪ :‬عبد العزيز على باشا الذي عينه عبد الناصر‬
‫وزيرا ولم يحفظ هذا المعروف وعض اليد التي أكرمته ‪ ،‬وتنكر لعبد الناصر‪ .‬فقلت على الفور وقد‬
‫طفا السم إلى ذاكرتي ‪ :‬عبد العزيز على‪ ،‬صاحب حركة اليد السوداء ضد النجليز؟ عبد العزيز‬
‫على‪ .‬لقد كان عبد الناصر وزملؤه يجلسون على الرض أمامه يستمعون منه دروسا في الوطنية‬
‫‪ . .‬إنني أعرف أنه رجل عظيم ‪ ،‬وهو صديق زوجي‪ ،‬وأخ في ال ‪ ،‬وزوجته من أعضاء المركز‬
‫‪59‬‬
‫العام لجماعة السيدات المسلمات وصديقتي وأختي في ال ‪ .‬فسأل في تهكم ‪ :‬ألم تضميه إلى تنظيم‬
‫الخوان ؟! ! أجبت ‪ :‬كان يشرفنا ذلك ‪ ،‬إنه كما قالت الخنساء‪" :‬علم في رأسه نار"‪.‬‬
‫فصفرخ شمفس بدران ففي عجرففة تخجفل منهفا الجاهليفة ‪ :‬إيفه كمان عندك مفن الكلم الفارغ ؟! ‪. .‬‬
‫ونزلت السفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففياط ‪.‬‬
‫بعدهفا فترة راحفة وتشاور هامفس فيمفا بينهفم ‪ ،‬ثفم قال حسفن خليفل ‪ :‬نريفد أن نعرف ‪ ،‬لماذا عرففت‬
‫عبد العزيز بعبد الفتاح عبده إسماعيل ‪ ،‬وأين تم هذا التعارف ؟ أجبت ‪ :‬عندما كسرت رجلي بفعل‬
‫رجال مخابراتكفم ‪ ،‬كان يزورنفي ففي المسفتشفى هفو وزوجتفه ‪ .‬واسفتمرت زياراتفه ففي البيفت عندمفا‬
‫تركت المستشفى‪ .‬وتصادف يوما أن جاء عبد الفتاح عبده إسماعيل لزيارتي وكان عبد العزيز على‬
‫موجودا فتعارفا ‪ . .‬هذا كل ما أتذكره بالنسبة لهده الواقعة‪.‬‬
‫فقال حسففن خليففل ‪ :‬يففا سففت زينففب ‪ ،‬سففنسلم معففك أن تعارف عبففد العزيففز على وعبففد الفتاح عبده‬
‫إسففماعيل كان مجرد لقاء عابر‪ ،‬فكيففف تعرف عبففد العزيففز على فففي بيتففك وبواسففطتك بفريففد عبففد‬
‫الخالق ؟‬
‫فقلت ‪ :‬عندمفا جاءت الممرضفة لجراء العلج الطفبيعي لسفاقي المكسفورة‪ ،‬خرج عبفد العزيفز على‬
‫وجلس ففي الصفالون ‪ .‬وففى هذه الثناء حضفر فريفد عبفد الخالق فجلس ففي الصفالون ‪ .‬وكان ليعرف‬
‫عبفد العزيفز على بعفد ‪ .‬وعندمفا انتهفت جلسفة العلج ‪ ،‬وانصفرفت الحكيمفة ‪ ،‬دخفل فريفد عبفد الخالق‬
‫ليراني‪ ،‬ودخل عبد العزيز على ليستأذن في النصراف ‪ ،‬فقدمت كل منهما للخر‪ ،‬فصرخ شمس‬
‫بدران وكان ففي قمفة الضيفق ‪ :‬نادوا صففوت ! ! ولم أففق إل ففي المسفتشفى‪ ،‬وقدماي ففي الضمادات‬
‫وآلم حادة تدق عظامي‪ ،‬وتفرى كل جسمي!! ‪. .‬‬

‫الوهم الكبير !‬

‫مكثت بضعة أيام في المستشفى تحت العلج ‪ ،‬ثم حملت إلى مكتب شمس بدران ! ! ويصر شمس‬
‫بدران على وهمفه الكفبير‪ ،‬ويلف ويدور حوله ‪ ،‬حتفى يخيفل إلى أنفه مفن كثرة ترديده هذا الوهفم قفد‬
‫وقر في نفسه حقا‪ ،‬وأصبح حقيقة واقعة في عقله ‪. .‬‬
‫( الخوان المسفلمون دبروا واتفقوا على اغتيال جمال عبفد الناصفر! ! ) وينظفر إلى شمفس بدران‬
‫ودهشفة كفبيرة تمل عينيفه ‪ ،‬وتمل قسفمات وجهفه ‪ ،‬ويقول مسفتنكرا ‪ :‬أ أنفت على قيفد الحياة؟! ‪ .‬ثفم‬
‫يقول متعجبفا‪" :‬بعفد كفل مفا جرى عليفك ولك ؟إإ"‪ .‬فأرد ‪ :‬قال ال تعالى ( قتفل أصفحاب الخدود )‬
‫البروج ‪ ، ! 4 :‬والذيفن قتلوا أصفحاب الخدود كانوا مجانيفن بالباطفل والزور والبهتان ‪ .‬أمفا الذيفن‬
‫قتلوا فففي الخدود ‪-‬وبأيدي أصففحابه ‪ -‬فكانوا أصففحاب رسففالة ‪ ،‬وحملة أمانففة ‪ . .‬مصففرين على أن‬
‫يؤدوا أمانتهم ‪ ،‬ويبلغوا رسالتهم ‪.‬‬
‫فقال شمفس بدران ‪ :‬إننفا ل نفهفم هذا الكلم ول يسفتهوينا هذا السفلوب يا مجنونفة! أمفا زلت تعتقديفن‬
‫في وجود إله ؟ ! أنتم مهزومون من سنة ‪ 1948‬إلى الن – انهزمتم لما قاومتم فاروق ‪ ،‬وانهزمتم‬
‫عندما قاومتم الثورة في سنة ‪ 1954‬وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة ‪ .1965‬فأين ربكم الذي‬
‫تزعمون؟ ! ! فقلت ‪ :‬إننفا انتصفرنا ففي سفنة ‪ 1948‬وانتصفرنا ففي سفنة ‪ 1954‬وانتصفرنا ففي سفنة‬
‫‪.1965‬‬
‫فقال ‪ :‬إننا نعلقك كالدجاجة‪ . .‬نرميك في النار‪ . .‬نقذف بك إلى الكلب ‪ ،‬لماذا لم يمنعنا ربكم عنكم ‪،‬‬
‫إن كان موجودا يا مهزومين يا أولد الفف ‪ . .‬؟! وقلت ‪ :‬أما كونكم منتصرين علينا بهذا الجلد‪ ،‬وبتلك‬
‫اللوان من العذاب فهذا أمر توهمونه ‪ ،‬أنتم تخافون منا! ! ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فقال غاضبا‪ :‬أسكتي! أنتم مجرمون ‪ .‬فقلت ‪ :‬كل‪ . .‬لسنا مجرمين ‪ ،‬نحن حملة رسالة‪ ،‬وأمناء أمة‪،‬‬
‫ودعاة حق ‪ ،‬وعلمات على طريق النور ‪ .‬فقال ‪ :‬أريد أن تشرحي لي كيف أنكم منتصرين علينا! ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬نحففن منتصففرون عليكففم ‪ ،‬طالمففا نحففن أغنياء بال ‪ ،‬أقوياء بففه سففبحانه ‪ ،‬متوكلون عليففه ‪،‬‬
‫مكافحون ‪ ،‬مقاتلون مجاهدون ففي سفبيله ‪ . .‬ولكفن أمرا واحدا يثبفت أننفا منهزمون ‪ ،‬لو تخلينفا عفن‬
‫اعتقادنفا بوجوب الجهاد لرففع رايفة التوحيفد وإعلء كلمفة السفلم ‪ ..‬إن السفلم ففي حقيقتفه ‪ :‬ديفن‬
‫ودولة‪ ،‬سفياسة داخليفة‪ ،‬سفياسة خارجيفة‪ ،‬نظام أمفة‪ ،‬نظام مجتمفع ‪ ،‬سفلم يمل الدنيفا عدل‪ ،‬وحرب‬
‫تخلص العباد من عبادة الفرد إلى عبادة ال الواحد القهار و ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق ‪. .‬‬
‫إن العبفد الذي أسفلم وجهفه ل تعالى بصفدق ويقيفن أصفبح متصفل بال سفبحانه رب كفل شفئ‪ ،‬فكيفف‬
‫يخاف خلقه من اتصلت روحه بعالم السماء وتعلق قلبه بالفردوس فهانت عليه الدنيا؟! أما أنتم أيها‬
‫الضالون المكذبون ماذا تسففتطيعون ؟ تمزقون أجسففادنا ‪ ،‬تقتلوننففا ‪ ،‬ترهبوننففا ‪ ،‬تمنعون عنففا الماء‬
‫والطعام ‪ . .‬السفياط ففي أيديكفم ‪ ،‬وسفائل التعذيفب رهفن إشارتكفم ‪ ،‬كفل ذلك ففي ضمائرنفا شفئ هيفن ‪،‬‬
‫تفرقون منففا خوفففا‪ . .‬لماذا؟ لننففا حزب ال وأنتففم حزب الشيطان ( إن الذيففن يحادون ال ورسففوله‬
‫أولئك في الذلين كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوي عزيز ) المجادلة‪.‬‬
‫أثارت لغففة اليمان وأثار منطففق التوحيففد‪ ،‬جاهليففة شمففس بدران وحيوانيتففه ‪ ،‬فصففرخ كالملدوغ ‪:‬‬
‫صفففوت ‪ . .‬صفففوت ! ! علقهففا واجلدهففا خمسففمائة جلدة! ! وجلدت ‪ . .‬وأنزلت ‪ ،‬وسففئلت نفففس‬
‫السففئلة ‪ ،‬وأصففررت على مففا أجبففت بففه ‪ . .‬فيعود شمففس بدران إلى صففراخه ‪ :‬علقهففا يففا صفففوت‬
‫واجلدهفا مائتيفن وخمسفين جلدة! ! وعلقفت ‪ ،‬وجلدت ‪ . .‬وأفقفت مفن غيبوبتفي لجدنفي ففي المسفتشفى‬
‫محاطة بعدد من الطباء يقومون بإسعافي وتضميد جروحي! ! مكثت في المستشفى عدة أيام تحت‬
‫العلج " ثم حملوني إلى مكتب شمس بدران على نقالة ! ‪..‬‬
‫رفعونفي على كرسفي أمام مكتفب شمفس بدران ‪ ،‬وقال ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪ . .‬لن ينفعفك العناد‪ . .‬أنزلي عفن‬
‫عنادك حتفى يمكفن أن ننتهفي مفن التحقيفق معفك ونرسفلك للنيابفة ‪ .‬نظرت إليفه بكفل مفا تبقفى بفي مفن‬
‫رمق ‪ ،‬قائلة في استنكار‪ :‬نيابة؟!! وأنت من ؟‬
‫قال ‪ :‬إننا نجهزك للنيابة!! فقلت ‪ :‬ماذا تريد منى؟‬
‫قال مهددا‪ :‬اعتدلي ففي إجابتفك ‪ . .‬فلم يعفد بفك قوة للجلد‪ . .‬وصففوت كمفا تعلميفن على أتفم اسفتعداد‪. .‬‬
‫إ! قلت ‪ :‬ال الفعال والمعين ‪.‬‬
‫قالي ‪ :‬محمفد قطفب ‪ ،‬وشباب الخوان كانوا يجتمعون ففي بيتفك ‪ .‬لماذا؟ قلت ‪ :‬اعتاد السفتاذ محمفد‬
‫قطب وشقيقتاه ‪ -‬أمينة وحميدة‪ -‬زيارتي ‪ . .‬فقاطعني شمس بدران ‪ -‬وقد كست ألفاظه ما تعودته من‬
‫بذاءات وفحش ‪:-‬‬
‫أنا أقول ‪ ،‬محمد قطب ‪ ،‬وشباب الخوان ‪ ،‬أولد الف ‪ . .‬كانوا يجتمعون عندك ‪ ،‬لماذا؟‬
‫أجبففت على بذاءتففه ‪ :‬الشباب الفاضففل ‪ ،‬المسففلم العامففل ‪ ،‬اعتاد بعضففه أن يزورنففي‪ ،‬وقففد يلتقون‬
‫بالستاذ محمد قطب صدفة ‪.‬‬
‫فيصفرخ ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪. .‬أنفا أقول ‪ ،‬كان الشباب يطلبون منفك أن تهيئي لهفم الجتماع بمحمفد قطفب ‪،‬‬
‫فكان يحضر عندك للغداء هو وهؤلء الشباب ‪ .‬وبعد الغداء يتم اللقاء وينعقد الجتماع ‪ . .‬لماذا؟‬
‫فأرد بكففل ثبات وطمأنينففة ‪ :‬لمففا أصففدر السففتاذ محمففد قطففب كتابيففه "جاهليففة القرن العشريففن ا‬
‫و"التطور والثبات " طلب بعففض أبنائي‪ ،‬وإخوانففي مففن شباب الدعوة أن يجتمعوا بالسففتاذ محمففد‬
‫قطفب ليسفألوه عفن بعفض الشياء ففي الكتابيفن اسفتعصت على فهمهفم ‪ ،‬واسفتجاب السفتاذ لدعوتهفم‬
‫عدة مرات ‪ .‬ثم يسأل ‪ :‬ولماذا كان يحضر عبد الفتاح عبده إسماعيل هذه الجتماعات ؟‬
‫فارد ‪ :‬لنه من خيرة شباب الخوان المسلمين ‪ ،‬ومن صفوة رجالها ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فيجيفب ففي سفخرية جاهلة ‪ :‬وال عال ‪ ،‬مفن الصففوة يفا بنفت الفف ‪ . .‬ثفم يزيفد‪ :‬ففي أي اجتماع مفن هذه‬
‫الجتماعات اتففق هفو ومحمفد قطفب على قتفل عبفد الناصفر؟ قلت ‪ :‬قصفة قتفل عبفد الناصفر هذه أنتفم‬
‫اخترعتموها‪.‬‬
‫قال شمس بدران ‪ :‬لماذا لم تشتغلي بالمحاماة وتكفينا قرفك هذا!‬
‫فقلت ‪ :‬الحمد ل الذي أقامني في خير ما يقيم فيه عباده ‪ . .‬داعية إلى ال وسأظل بفضله إن شاء ال‬
‫‪ . .‬فقام مسرعا يركلني وهو يقول ‪ :‬نهايتك على أيدي اليوم‪ . .‬يا بنت الف ‪ ! . .‬ثم سال بعد فترة ‪ :‬إيه‬
‫التنظيم الذي أقمتيه مع محمد قطب ؟ اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر‪ . .‬عبد الفتاح عبده إسماعيل‬
‫أو الولد الفيومي؟‬
‫فقلت ‪ :‬الفيومي قتلتوه خلص ‪ .‬فضحك ضحكا عاليا وقال ‪ :‬ما أنت عارفة كويس ! يا صفوت ‪. .‬‬
‫يفا صففوت وديهفا للفيومفي ( كان مفن حراس الطاغيفة عبفد الناصفر الشخصفيين وكان مفن الخوان‬
‫واتهموه ظلمفا وجورا بمحاولة اغتيال الطاغيفة ‪ . .‬ورغفم أنفه كان ففي متناول يمينفه إل أنفه يفعفل ‪. .‬‬
‫حطموا رأسفه ففي العام ‪ 1965‬ففي باحفة السفجن الحربفي ) فاخفذ صففوت يصفب على نار سفوطه‬
‫المجنون ! ! ‪. .‬‬
‫فأسفقط ففي إغماءه وأنقفل إلى المسفتشفى لمعاودة إعدادي وتجهيزي لسفماع مهاترات شمفس بدران‬
‫وعصابته ‪ ،‬ولمزيد من التعذيب والتنكيل لي وإهدار النسانية على مذبح شهوة السلطان ! ‪.‬‬

‫إصرار شمس بدران على وهمه‬

‫مرة أخرى نقلونففي إلى مكتففب شمففس بدران ! !‪ . .‬لقففد عاد إلى الوعففي بعففد أن فقدتففه تحففت سففياط‬
‫الزبانيفة ‪ . .‬فل بأس مفن العودة إلى مكتفب التعذيفب ‪ . .‬مكتفب شمفس بدران ! ! ‪ . .‬نعفم ‪ .‬حملونفي‬
‫على نقالة إلى مكتب شمس بدران ! ! كان شمس بين عصبة من أعوانه ‪ ،‬وبادرني عندما أجلسوني‬
‫على كرسفي أمام مكتبفه ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪ . .‬لم يعفد بفك أدنفى احتمال لدنفى قدر مفن التعذيفب ‪ ،‬فارحمفي‬
‫نفسك ‪ ،‬وإل قسما برأس عبد الناصر أدفنك مع الفيومي وغيره ‪.‬‬
‫وأضاف واحفد مفن إلذناب ‪ :‬اسفمعي يفا زينفب ‪ ،‬ردى على سفعادة الباشفا‪ ،‬وفكري ففي مصفلحتك ‪،‬‬
‫لننتهفي معفك إلى حفل ‪ . .‬واسفترسل شمفس بدران ‪ :‬تذكري جيدا‪ ،‬جاء إليفك شخفص مفن طرف فؤاد‬
‫سففراج الديففن ‪ ،‬وطلب منفك أن تتفقفي مفع الخوان المسفلمين ليتعاونوا مفع الوفففد لزالة حكفم عبففد‬
‫الناصفر‪ ،‬وقال لك هذا الشخفص بأن هناك رجال ففي مكتفب المشيفر عامفر سفيتعاونون معكفم ومفع‬
‫الوففد ‪ .‬فقلت ‪ -‬وأنفا أضغفط على الكلمات مفن فرط دهشتفي على قدرة هؤلء الشياطيفن على التلفيفق‬
‫والتزويفر‪ : -‬هذا محفض كذب ‪ ،‬إن فؤاد سفراج الديفن لم يرسفل إلى أحدا ففي مثفل هذا المفر ول ففي‬
‫غيره ‪ .‬ولم ألتففق بفؤاد باشففا مففن حوالي إثتففي عشرة سففنة ‪ . .‬ولكففي أكون دقيقففة فففي شهادتففي‪ ،‬فإن‬
‫زوجفي الحاج محمفد سفالم سفالم كان ففي مزاد‪ ،‬والتقفى‪-‬مصفادفة‪ -‬بمعالي فؤاد باشفا سفراج الديفن ‪،‬‬
‫فسفأل زوجفي عفن صفحتي وأحوالي ‪ ،‬وكلففه أن يبلغنفي سفلمه وتمنياتفه ‪ .‬وهوت السفياط الملعونفة‪،‬‬
‫كأنهفا ألسفنة الفاعفي جائعفة تصفب زعافهفا أينمفا حطفت ‪ ،‬أو كألسفنة اللهفب نشوى مفا يصفادفها ‪. .‬‬
‫وكانت قدماي ل تزالن ملفوفتين بالضمادات ‪ ،‬وجروحي لم تلتئم ‪.‬‬
‫ويتساءل الزبانية وسياطهم تتصارع على قدمي وجسدي ‪ :‬فؤاد سراج الدين أرسل إليك أم ل؟‬
‫وأرد ‪ :‬لم يرسل إلى !‬
‫فيأمفففر شمفففس بدران بزيادة وطأة التعذيفففب ‪ ،‬فيغمفففى على‪ ،‬ويوقفففف الجلد وأنقفففل على نقالة إلى‬
‫المسفتشفى! ! ‪ . .‬ثفم تبدأ الدائرة مفن جديفد‪ ،‬وأعود إلى مكتفب شمفس بدران مرة ثالثفة ‪ ! ! . .‬ويقول‬
‫شمس بدران ‪ ،‬وقد أخذته العزة بالثم ‪ :‬افهمي أنه ل يقف أمامنا أي شئ ‪ . .‬إننا ندفن منكم كل يوم‬
‫‪62‬‬
‫عشرين كلبا‪ ،‬وصحراء السجن الحربي بطنها مستعدة لمئات اللوف ‪ . .‬وقسما برأس عبد الناصر‬
‫إن لم تسفلكي كمفا نريفد‪ ،‬لدفنفك مثفل الكلب التفي أدفنهفا كفل يوم ‪ .‬ولم أنظفر إليفه ‪ ،‬ولم يبفد على أي‬
‫أثفر أو تأثيفر مفن سففاهته وجاهليتفه ‪ ،‬فاسفتشاط غضبفا وقال ‪ :‬ردي على وإل قتلتفك وجعلت نهايتفك‬
‫تحت السياط ‪ .‬فقلت ‪ :‬ل إله إل ال الفعال ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل ‪ ،‬ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا‬
‫مسلمين ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬هات الكلب يا صفوت ؟! !‬
‫ويحضففر صفففوت كلبيففن مففن الكلب المدربففة‪ ،‬ويطلقهمففا على‪ ،‬فيهجمان على كمففا يهجففم الوحففش‬
‫الجائع على فريسته ‪. .‬‬
‫وأسفتعيذ مفن أذى الوحشيفن بقولي ‪ :‬اللهفم إنفي أعوذ برضاك مفن غضبفك ‪ ،‬اللهفم فادففع السفوء عنفى‬
‫بما شئت وكيف شئت ‪.‬‬
‫فقال حمزة البسيوني ‪ .‬يا باشا وجهها أصفر وأشرفت على الموت ‪ .‬وقال شمس بدران في غطرسة‬
‫‪ :‬أخرج الكلب يا صفوت ‪ ،‬وخذوها ‪ . .‬ارموها تموت في المستشفى ‪ .‬وعدت إلى المستشفى على‬
‫نقالة! !‬
‫وففى منتصفف الليفل ‪ . .‬ففي جنفح الظلم ‪ ،‬ومرة رابعفة إلى مكتفب شمفس بدران ! ! إنهفا الحقيقفة ‪. .‬‬
‫الحقيقفة المرة المؤلمفة التفي تجرع كأسفها فريفق مفن المواطنيفن إشباعفا لشهوة النتقام ‪ ،‬وخصفيصا‬
‫لهدم الديففن السففلمي بإبادة دعاتففه ‪ ،‬وحتففى تنطوي‪ ،‬فففي زعمهففم ‪ ،‬مظلة ل إله إل ال ‪ . .‬محمففد‬
‫رسول ال ‪ ،‬وتنتشر مظلة الكفر وليعم تيار اللحاد ‪.‬‬
‫ومففا كادوا ينزلوننففي مففن النقالة إلى مقعففد فففي مكتففب شمففس بدران ‪ ،‬حتففى أغمففى على فاحضروا‬
‫عصير ليمون واسقوني إياه ‪ ،‬وحقنوني في ذراعي فارتد إلى الوعي ‪! . .‬‬
‫وقال شمفس بدران ‪ :‬يفا بنفت اتعدلي ‪ ،‬يفا زينفب أنفت صفعبانة علينفا‪ ،‬إننفا لسفنا وحوشفا كمفا تقوليفن ‪. .‬‬
‫والرئيفس جمال عبفد الناصفر قلبفه كفبير وسفيغفر لك إذا قلت الحقيقفة ‪ . .‬اعملي لمصفلحتك فقفط ‪. .‬‬
‫قولي الحقيقففة يففا زينففب ‪ . .‬فقلت ‪ :‬الحقيقففة ‪ ..‬قولوا لعبففد الناصففر إنكففم المغتصففبون المعتدون علي‬
‫سفلطان ال‪ . .‬توبوا إليفه وارجعوا‪ . .‬اخرجوا مفن باطلكفم إلى الحفق ‪ ،‬مفن ظلمكفم إلى العدل ‪ ،‬ومفن‬
‫ظلمكفم إلى النور‪ . .‬إن الذيفن يؤيدونكفم ففي باطلكفم وتسفتعملونهم مخالب باطفل وعدوان وجريمفة ‪،‬‬
‫قلوبهم مريضة ‪ ،‬وأنتم مرضى ‪ .‬وتساءلوا في دهشة مشوبة بثورة أو في ثورة مشوبة بدهشة ‪ :‬هي‬
‫دي الرسفالة اللي عايزانفا ننقلهفا لعبفد الناصفر؟! ! فقلت بإصفرار وبغيفظ ‪ :‬إننفي لم أقلهفا إل لتنقلوهفا‬
‫إليه ! !‬
‫وكان الجواب على "تطاولي" هذا إلهاب جسفدي بالسفوط منهفم ففي اسفتنكار وارتعاد‪ :‬دي بكفل تأكيفد‬
‫مجنونة ‪ . .‬مجنونة ‪ . .‬مجنونة‪ . .‬في حاجة إلى علج بالجلسات الكهربائية! ‪. .‬‬
‫وما إن ينتهي المرتعدون الذين في قلوبهم هواء من استنكارهم (لتطاولي) على سيدهم ‪ ،‬حتى يعلو‬
‫صوت المسخ المسمى شمس بدران ‪ :‬الكلب اللي مجوعينها من إمبارح ‪ . .‬فين يا حمزة؟! ويردف‬
‫حسن خليل بصوت تمثيلى ‪ :‬يا زينب حرام عليك ‪ ،‬إنت قريبة من الموت ‪ . .‬أتقذى نفسك ‪ ،‬محدش‬
‫من الخوان راح ينفعك ‪ ،‬كلهم عملوا لمصلحتهم وأنقذوا أنفسهم ‪ . .‬أرجو أن يسمح الباشا بإحضار‬
‫على عشماوي ليذكرها بالشخص الذي جاء إليها من طرف فؤاد سراج الدين ‪.‬‬
‫وقال شمففس بدران ‪ :‬تذكري يففا بنففت الفف ‪ . .‬وإل واجهناك بعلي عشماوي ‪ . .‬فقلت ‪ :‬علي عشماوي‬
‫باع نفسفه لطواغيفت الباطفل والجريمفة بثمفن بخفس ‪ ،‬فخسفر الدنيفا والخرة ‪ . .‬وقصفة سفراج الديفن‬
‫قصة مدبرة المراد بها أن تذلوا الرجال ‪ . .‬رجال ذوى قلوب ‪ ،‬وضمائر ‪ ،‬ورؤوس مرفوعة ‪. .‬‬
‫ودخفل حجرة التحقيفق ضابفط يدعفى سفعيد عبفد الكريفم اشترك معهفم ثفم قال ‪ :‬يفا زينفب ‪ ،‬سفأفكرك‬
‫بشيفء قفد يسفاعدك ففي موضوع سفراج الديفن ‪ . .‬أل تعرفيفن الحسفيني عبفد الغفار‪ ،‬كان ففي الخوان‬
‫‪63‬‬
‫المسفلمين ثفم انشفق عنهفم مفع شباب سفيدنا محمفد‪ ،‬وتفاهمفت أنفت معفه عدة مرات ليعود إلى صففوف‬
‫الخوان المسلمين ‪ ،‬لنك حريصة على أن يبذل جهده داخل صفوف الجماعة؟‬
‫فقلت ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ‪ ،‬الحسيني عبد الغفار هو أخي في ال ‪ ،‬وكان في الخوان المسلمين‬
‫كمفا كان ففي شباب سفيدنا محمفد‪ ،‬وتكلمفت معفه فعل ليعود إلى صففوف الخوان المسفلمين ‪ ،‬ولكنفه‬
‫اعتذر عفففن ذلك ‪ ،‬وليفففس له علقفففة بسفففراج الديفففن ول بالوففففد ‪ ..‬وكان رئيفففس شباب الحرار‬
‫الدستوريين يوما‪ ،‬وذلك يجعله مناوئا للوفد ل متفقا معه ‪.‬‬
‫فقال حسفن خليفل ‪ :‬هذا صفحيح ‪ ،‬لكفن عندمفا تكون المسفألة اتفاق الدسفتوريين والسفعديين والوفدييفن‬
‫والخوان المسلمين تكون المسألة في طريقها الطبيعي ! ! فقلت ‪ :‬ليس هذا حقا‪ ،‬وهناك مسافة بين‬
‫الخوان وغيرهففم الذيففن لم يدرسففوا النظريففة السففلمية بتكتيكهففا اللهففي ‪ ،‬وأيدلوجيتهففا الربانيففة ‪.‬‬
‫وأشار شمفس ونزلت على السفياط ‪ ،‬وقال عبفد الكريفم ‪ :‬نرجوك يفا باشفا ‪ . .‬خليهفا تكمفل ‪ . .‬قال عبفد‬
‫الكريفم ‪ :‬كملي يفا زينفب ‪ .‬قلت ‪ :‬أمفا الخوان المسفلمون فيأخذون السفلم عقيدة يبحثون ففي منابعهفا‬
‫ويدققون ففي مصفادرها‪ ،‬تلقوهفا مفن ال تعالى على يفد رسفوله صفلى ال عليفه وسفلم ‪ . .‬بمعايشتهفم‬
‫للكتاب والسفنة ‪ ،‬والرض عنفد الخوان لهفا وزنهفا وقدرهفا مفا دامفت أرضفا للسفلم ‪ ،‬ففي سفبيلها‬
‫يسفففتشهدون ‪ ،‬وعفففن حياضهفففا يذودون ‪ ،‬يحررون الرض ل كمفففا يحررون البشفففر ل ‪ ،‬يعبدون‬
‫الرض ل كمفا يعبدون البشفر ل ‪ .‬وعلى الرض المعبدة ل وبالبشفر المعبفد ل تكون المفة ويكون‬
‫المجتمع المسلم‪.‬‬
‫ألم يحرر محمد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬عند بعثته الرض ثم يدعو الناس إلى التوحيد‪ ،‬ولم يدع ولم‬
‫يناد بالصفلح الجتماعفي ثفم يدعفو الناس إلى التوحيفد‪ ،‬ولم يدع إلى تقسفيم المال بالسفوية ثفم يدعفو‬
‫الناس للتوحيفد‪ ،‬لم يدع لصفلح جزئي‪ ،‬ولكفن محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ‪ .‬دعفا إلى التوحيفد فأسفلم‬
‫رجال وآمنوا بأنه ل معبود إل ال ول حاكم إل ال ‪ ،‬ول رازق إل ال ‪ ،‬ول ضار ول نافع إل ال ‪،‬‬
‫وهفو المحيفي المميفت ‪ ،‬ول مدبر ول مشرع إل ال ثفم كانفت الهجرة إلى المدينفة بالسفابقين الوليفن‬
‫من المؤمنين‪.‬‬
‫ثفم كانفت بدر الولى نداء لقيام المفة‪ ،‬وتوالى نزول القران على محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ‪ .‬قال‬
‫شمس ‪ :‬هات الكلب يا صفوت !‬
‫قفزت على الكلب والوحوش البشريفة تشبعنفي ضربفا ونهشفا والدماء تسفيل هنفا وهناك ‪ . .‬سفارع‬
‫الطفبيب الواقفف معهفم بوقفف جلدي ولكفن هيهات ‪ . .‬هيهات ‪ . .‬انطلق آذان الفجفر ينيفر سفكون الليفل‬
‫فأحسففففست بففففبرد وسففففلم مففففن هذه السففففياط التففففي ل تليففففن ول تكففففف فتذكرت أمففففر ال (‬

‫يا نار كوني بردا وسلما على إبراهيم ) النبياء ‪. 169 :‬‬
‫تباركفت يفا رب وتعاليفت ‪ ،‬فأنفا حفيدة إبراهيفم أول الموحديفن وجفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ‪ .‬أن‬
‫رحمتني من أبالسة يسؤوهم أن أقول ‪ :‬ربى ال ل أشرك به أحدا ( قل يا أيها الكافرون ‪ ،‬ل أعبد ما‬
‫تعبدون ‪ . ) . .‬أفقت لجدني في المستشفى ول أدري ‪ ،‬وان كنت واعية تماما لما ينتظرني ‪.‬‬

‫تسلط القزام وتحكيم الهوى‬

‫‪64‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كانت القزام متسلحة بالسلطة تتسلط على الرجال ‪ ،‬فتحطم "الكرامة" ‪ ،‬وتمزق الكبرياء ‪،‬‬
‫وتذل الباء والشمفم ‪ ،‬ففي أيام كان القانون فيهفا ففي سفبات عميفق ‪ . .‬والنسفانية ففي إجازة طويلة ‪. .‬‬
‫والرحمفة رحلت عفن ديارنفا ‪ ! ! . .‬وسفألني شمفس ‪ ،‬وسفألني أعوانفه ‪ ،‬عندمفا حملونفي إلى مكتبفه ‪:‬‬
‫قولي يفا بنفت يفا زينفب ‪ ،‬مفا رأى الحسفيني عبفد الغفار ففي الكلم الذي بلغفك مفن فؤاد سفراج الديفن ‪.‬‬
‫ومن الذين كانوا سيتعاونون مع فؤاد سراج الدين من مكتب المشير عامر؟ وماذا طلب من الخوان‬
‫للقيام بالنقلب ؟ ‪.‬‬
‫فأجبت ‪ :‬الحسيني عبد الغفار أخي في ال ‪ ،‬ول أعلم شيئا عما أسمع من إفك وكذب ‪.‬‬
‫فتسفاءل حسفن خليفل وسفعد عبفد الكريفم ‪ :‬أسفمعي يفا زينفب ‪ ،‬ألم يقابفل الحسفيني عبفد الفتاح إسفماعيل‬
‫في بيتك ؟‪ .‬ألم تكلمي الحسيني لينتظم في صفوف الخوان المسلمين ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أنفا تكلمفت مفع الحسفيني ليعود إلى صففوف دعوتفه وليفس هذا جريمفة‪ ،‬الحسفيني رجفل مؤمفن‬
‫بدعوة الخوان ‪ ،‬وإن لم يكفن منتظمفا فيهفا‪ ،‬فإنفه يتمنفى أن تتحقفق مقاصفدها ‪ ،‬وأن تهدى الناس إلى‬
‫مقاصد الكتاب وغاياته ‪ ،‬وإلى مراد السنة وأهدافها‪ ،‬وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في‬
‫بيتفي وأخذا يتحدثان عفن السفلم ومفا أصفاب المسفلمين مفن انحطاط وتأخفر‪ ،‬ثفم انصفرف الحسفيني‬
‫عبد الغفار‪ ،‬وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في بيتي مصادفة ثم قال لي عبد الفتاح عبده‬
‫إسماعيل ‪ :‬الحسيني رجل صالح وطيب وعالم مخلص ‪ ..‬قال أحدهم ‪ :‬الحسيني قال كل شيء ‪ .‬لكن‬
‫أنت تريدين أن تكون الفداء لكل الخوان المسلمين ‪ ،‬وحتى الحسيني وفؤاد سراج الدين ‪ ،‬وتبعديهم‬
‫عفن المسفئولية ‪. .‬إننفا نمنحفك فرصفة أخيرة لتراجعفي فيهفا نفسفك بخصفوص رجال الوففد‪ ،‬وبعفض‬
‫رجال مكتب المشير عامر ‪ . .‬ما رأيك في هذه الفرصة؟ وسنواجهك بالحسيني وفؤاد سراج الدين‬
‫ولكفففففففففففففففففففففن بعفففففففففففففففففففففد أن نخرج عينيفففففففففففففففففففففك وتصفففففففففففففففففففففيرين عمياء‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬الحمد ل نرى بقلوبنا وصرخ شمس بدران كمن لدغته أفعى ‪" :‬هات الكلب يا صفوت "! !‬
‫فتدخل أحد العوان يهدئه ‪ :‬ل عليك يا باشا ‪ .‬إنها ل تدري أين مصلحتها ول تقدر النهاية! !‬
‫فقلت ‪ :‬النهايففة بيففد ال وليسففت بأيديكففم ‪ ،‬وال الفعال ذو القوة المتيففن ‪ .‬وقال آخففر مففن شلة الضباط‬
‫المحيطيفن بشمفس بدران ‪ :‬يأمفر الباشفا بإحضار الحسفيني عبفد الغفار ‪ .‬ثفم نادوا صففوت لحضاره ‪،‬‬
‫وقال شمس بدران في كبرياء الجاهلية ‪ :‬خذوها إلى المستشفى الن ! !‬
‫إنهم كالخفافيش يعشقون الظلم ‪ ،‬؟ ل ينشطون إل فيه ‪ . .‬ففي الليل حملوني وأجلسوني على مقعد‬
‫في مكتب شمس بدران ‪ ،‬وبعد لحظات دخل الحسيني عبد الغفار ‪ . .‬كانت ذراعه مكسورة ملفوفة‬
‫في جبيرة ومعلقة إلى صدره ‪ . .‬وكانت قدماه في ضمادات سميكة ‪ . .‬وكانت آثار التعذيب الوحشي‬
‫–بل الجاهلي – بارزة على كل جزء من جسده ‪.‬‬
‫وقال الحسيني عبد الغفار عندما دخل ‪ :‬السلم عليكم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وعليكفم السفلم ‪ .‬ونظفر إليفه شمفس بدران ففي سفخرية وسفأل ففي تهكفم ‪ :‬يفا حسفيني‪ ،‬مفا هفي‬
‫قصتك مع زينب ؟‬
‫وقال الحسففيني ‪ :‬الورق مكتوب فيففه كففل شيففء ‪ .‬فأخرج شمففس بدران أوراقففا وأعطاهففا للحسففيني‬
‫وأمره بقراءتها‪.-‬‬
‫لم اكفن مشغولة بالوراق التفي بيفن يدي الحسفيني‪ ،‬بفل كنفت أفكفر كيفف أجيفب على هذا الشيطان بمفا‬
‫يخفف عن الحسيني أو يرفع عنه العذاب ‪ ،‬ويقيني أن الحسيني عذب حتى يكتب ما يريدون ‪ .‬وأخذ‬
‫الحسفيني يقرأ ففي الوراق التفي أعطاهفا له شمفس بدران ‪ . .‬أشياء كثيرة لم أحفس يوماً أن الحسفيني‬
‫يعتقدهفا أو يدعفو لهفا أو يتكلم بهفا‪ .‬كفل مفا قرأه لم يكفن صفحيحا ول واقعفا وإنمفا خيال مريفض ‪. .‬‬
‫سفألني شمفس ‪ :‬مفا رأيفك ! قلت ‪ :‬إنفه الكراه للخوان والبطفش والعذاب حتفى يقولوا مفا تريدون !‬
‫فقال شمس ‪ :‬وهل ما سمعته كذب ؟‬
‫‪65‬‬
‫أجبفت ‪ :‬الحسفيني ل يكذب ‪ .‬ولكنفى على يقيفن أنفه قفد عذب حتفى‪ . .‬فصفرخ شمفس مقاطعفا غاضبفا‪.‬‬
‫ماذا تقصدين ؟ الكلم الذي قرأه الحسيني ألم يقله لك ؟! وقال حسن خليل ‪ :‬إننا نريدك أن تقولي هل‬
‫ما سمعته من الحسيني حصل أم ل؟‬
‫وقال آخر‪ :‬هل ستحرقين نفسك بالنار من أجل الحسيني كما حرقتها من أجل الخوان ؟ فأجبت ‪ :‬أنا‬
‫ل أحرق نفسي ولكن أحييها‪.‬‬
‫قال شمس بدران ‪ :‬أنت يا حسيني بلغت زينب رسالة من فؤاد سراج الدين !‬
‫فقلت وأنا أوجه الكلم إلى الحسيني‪ :‬أنت يا حسيني بلغتني رسالة من فؤاد باشا سراج الدين ؟‬
‫فقال الحسيني ‪ :‬فؤاد سراج الدين الصغير وليس معالي الباشا؟‬
‫فقلت ‪ :‬أنا ل أعرف إل فؤاد باشا سراج الدين ‪ . .‬من هو فؤاد الصغير يا حسيني؟!‬
‫فقال الحسيني ‪ :‬ابن عم فؤاد باشا‪.‬‬
‫فقلت للحسيني‪ .‬وما تلك المسالة يا حسيني؟‬
‫فقال ‪ :‬أنفا قلت إن المسفألة كانفت عبارة عفن نكتفة رواهفا لي على سفليمان وأنفا ذكرت هذه النكتفة أمام‬
‫الحاجة زينب ! !‬
‫فقال شمس بدران للحسيني ‪ :‬اخرج يا حسيني‪.‬‬
‫فقلت لشمس بدران ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ! ‪ . .‬النكتة صنعتم منها مؤامرة ! ‪ . .‬وفؤاد باشا سراج‬
‫الدين لم يسلم منكم يا ظلمة ‪.‬‬
‫ثففم نادى شمففس على صفففوت وعادت السففياط لتنهال مففن جديففد ‪ .‬ثففم قال شمففس ‪ :‬خذهففا يففا حمزة‬
‫للمستشفى‪.‬‬

‫عذاب ‪ !! . .‬في المستشفى ‪! ! . .‬‬

‫وفففي اليوم التالي دخففل زنزانتففي فففي المسففتشفى حمزة البسففيوني ومعففه رجففل يرتدى الملبففس‬
‫العسفكرية برتبفة لواء ومعهمفا التمورجفي عبفد المعبود ‪ .‬وقال حمزة البسفيوني لعبفد المعبود ‪ :‬اذهفب‬
‫وأحضر كرسيا ومنضدة صغيرة‪ ،‬وفى لحظات عاد عبد المعبود بالكرسي والمنضدة ‪ .‬وضع حمزة‬
‫البسففيوني ورقففا أبيففض على المنضدة وقال لعبففد المعبود ‪ :‬اجلس إلى هذه المنضدة واكتففب كففل مففا‬
‫ستمليه عليك ‪.‬‬
‫وجاء صففوت الروبفي يحمفل ملفات متضخمفة‪ .‬أخرج حمزة مفن كفل ملف ورقفة وقال لي ‪ :‬كفل هذا‬
‫الكلم تدونيه في أوراقك ‪ ،‬هو من كلم الهضيبي‪ ،‬وسيد قطب ‪ ،‬وعبد الفتاح إسماعيل ‪ ،‬وهواش ‪،‬‬
‫وأحمففد عبففد المجيففد ‪ ،‬ومرسففى مصففطفى مرسففى ‪ ،‬وصففبري عرفففة ‪ ،‬وفاروق المنشاوي ‪ ،‬وعبففد‬
‫العزيز على ‪ ،‬فقلت لهم ‪ :‬سأكتب ما أعرفه ‪ ،‬ليس لي علقة بهذا الكلم‪ . .‬إنني ل أصدق ول أعتقد‬
‫أنهفا للخوان الذيفن تدعون أنهفا لهفم ‪ . .‬قال حمزة البسفيوني ‪ :‬ردى كمفا ينبغفي‪ ،‬سفنرسلك إلى مكتفب‬
‫شمس باشا‪ ،‬وتذوقين العذاب ألوانا كما تعرفين ‪.‬‬
‫وما أمليت على عبد المعبود إل ما يرضى ال ربنا هو ولينا ونعم النصير‪.‬‬
‫وففى صفباح اليوم التالي أخذونفي إلى مكتفب شمفس بدران ووضعونفي على مقعفد‪ ،‬أخفذ شمفس بدران‬
‫أوراقفا وأخفذ يمزقهفا ويرمفى بهفا ففي سفلة المهملت ‪ ،‬وقال ففي أسفلوب يترففع أي مخلوق ففي أدنفى‬
‫درجات النسفانية ويتمتفع بأقفل قسفط مفن الخلق أن ينحدر إليفه ‪ :‬أنفت يفا بنفت الففف ‪ . .‬تريديفن أن‬
‫تهدمي كل التحقيقات وتبطلي كل أقوال الخوان ؟ الكلم الذي قاله الخوان مضبوط ‪.‬‬
‫إجابات الخوان أنت ملزمة بتأييدها في أقوالك ‪ .‬أنت ملزمة بكل ما قاله الخوان ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فقلت ‪ :‬أنفا ملزمفة بالحفق الذي أعتقده ‪ ،‬إننفي لسفت ملزمفة أن أقول إل مفا أعتقده‪ .‬وغيفر ملزمفة بأن‬
‫أصدق أن هذه الجابات من أقوال إخواني ‪ .‬واجهوني بهم جميعا‪ ،‬إن سياطكم وتعذيبكم قد انتزعتها‬
‫منهفم ‪ ..‬انتزاعفا‪ .‬فصفرخ شمفس بدران ‪ :‬خذهفا يفا حمزة‪،‬أنفا أريدهفا جثفة أوقفع تصفريح دفنهفا! ‪. .‬‬
‫أخذونفي إلى حجرة وأغلقوهفا على ‪ ،‬وبعفد سفاعة أخرجونفي منهفا ‪ ،‬وأوقفونفي تحفت سفياط الكرابيفج‬
‫ووجهفي إلى الحائط أمام جهاز تكييفف ‪ .‬وظللت واقففة مفا يقرب مفن السفت سفاعات وكفأ ننفئ كنفت‬
‫واقفة على مسامير محماة ‪ .‬فقد كانت آلم حادة تفرى قاع قد مي مع ضربات الجلد المستمرة ‪.‬‬
‫وفى منتصف الليل ‪ -‬ودائما الليل ‪ -‬أعادوني إلى مكتب شمس بدران الذي قال لي ‪ :‬يا زينب‪..‬أكتبي‬
‫‪ . .‬الرئيس جمال عبد الناصر سيغفر لك ‪ . .‬واكثر الخوان اعترفوا‪ ..‬إن سلكت ستقابلين جمال عبد‬
‫الناصففر صففباح غففد‪ ،‬وتعوديففن إلى بيتففك فورا‪ ،‬وبعدهففا سففيلغى قرار حففل المركففز العام للسففيدات‬
‫المسففلمات ‪ ،‬وسففيتقرر إعطاؤك خمسففين ألف جنيففه كإعانففة للجماعففة ‪ ،‬وكدفعففة أولى لبناء أرض‬
‫الجماعفة ففي مصفر الجديدة‪ ،‬وعشرة آلف جنيفه لعادة صفدور المجلة ‪ .‬وسفأل رجفل مفن الجالسفين‬
‫بالمكتفب ‪ :‬هفل جماعفة السفيدات المسفلمات لهفا أرض ففي مصفر الجديدة يفا زينفب ؟ فأجبفت ‪ :‬نعفم ‪،‬‬
‫عندهفا سفتة آلف متفر‪ .‬فقال نففس الرجفل – والذي عرففت أنفه صفلح نصفر فيمفا بعفد – وماذا كانفت‬
‫ستفعل الجمعية بهذه المساحة الكبيرة من الرض ؟‬
‫فقلت ‪ :‬كانفففت الجمعيفففة سفففتبنى دارا لتربيفففة الفتاة المسفففلمة ‪ ,‬ودار ضياففففة للمسفففلمات وقاعفففة‬
‫محاضرات ‪ ،‬ودارا للمركفز العام ‪ ،‬ومسفجدا ‪ ،‬وجمعيفة لتحفيفظ القران الكريفم ‪ ،‬ومدرسفة إعداديفة‬
‫وأخرى ابتدائية ومعهدا للواعظات ‪.‬‬
‫فتساءل ‪ :‬ومن أين لكم بالموال ؟ فأجبت ‪ :‬من التبرعات – والعمل على مراحل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إذن ‪ ،‬إنهفا فرصفة جميلة يمنحهفا لك الرئيفس جمال ‪ . .‬تعوديفن إلى بيتفك وتعود الجماعفة ‪. .‬‬
‫وثقة الرئيس نتائجها كبيرة! !‬
‫فقلت ‪ :‬ثقتنفا ففي ال اكفبر‪ . .‬الله اكفبر ففي نفوسفنا مفن الرض ‪ ،‬ومفن المال ‪ ،‬ومفن كفل طواغيفت‬
‫الرض المعتدين على حق ال وحق عباده ‪ ،‬أنا ل أريد أي شيء منكم ‪ ،‬ولن أقبل أبدأ أن أقابل عبد‬
‫الناصفر ول أصفافح اليفد التفي غمسفت ففي دم إسفماعيل الفيومفي ورفعفت بكفر ومحمفد عواد وغيرهفم‬
‫كثيفر وعبفد القادر عودة وزملئه ‪ ،‬لن أصفافح اليفد التفي غمسفت ففي هذا الدم المبارك ‪ ،‬إن هذا الدم‬
‫سفيقود على مدى السفنين أجيال المسفلمين الذيفن سفيعودون إلى ماضيهفم الزاهفر المجيفد ‪ .‬إلى مقعفد‬
‫المسئولية في هذا العالم ‪ . .‬وتنهال اللكمات والركلت والضربات فأقع هامدة على الرض ‪ ،‬ويقول‬
‫شمس بدران ‪ :‬يا حمزة خذها إلى رقم ‪. 34‬‬
‫وأدخلت رقم ‪ . . ! ! 34‬زنزانة ضيقة مظلمة كالقبر الموحش ‪ ! ! . .‬وأدخلوا معي كلبين ‪ ،‬وأغلقوا‬
‫الزنزانة ‪.‬‬
‫ل بال‬ ‫تيممت وأخذت أصلى‪ ،‬وأنا ل أدرى أين القبلة ‪ . .‬انتهى من صلة وأدخل في أخرى‪ ،‬انشغا ً‬
‫لعله يصرف عنى ما أرادوه ‪.‬‬
‫تسففلق الكلبان ظهري فففي ركوعففي وسففجودي‪ ،‬وأخذا يخمشان رأسففي ‪ ،‬ووجهففي ‪ . .‬وأنففا أصففلى‬
‫وأسففتغرق وأسففبح فففي عالم الدعوات والتضرعات‪ .‬وبعففد سففاعة فتحففت الزنزانففة وسففحبوا الكلبيففن‬
‫وحملوني إلى المستشفى ‪.‬‬
‫بعد العشاء أعادوني إلى مكتب شمس بدران ‪ .‬قال شمس بدران ‪ :‬يا زينب ‪ ،‬انعقد في بيتك اجتماع‬
‫كان يضم أكثر من خمسين رجل من الخوان المسلمين من جميع أنحاء الجمهورية ‪ -‬هذا الجتماع‬
‫كان منذ ثلث سنوات ‪ .‬ماذا جرى في هذا الجتماع ؟‬
‫فقلت ‪ :‬صلينا المغرب جماعة ‪ ،‬وصلينا العشاء ‪ ،‬ثم التراويح ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫فقال ‪ :‬أنفا أسفألك ‪ ،‬مفا الغرض مفن هذا الجتماع ؟ فقلت ‪ :‬ل أتذكفر‪ .‬سفأل ‪ :‬تناولوا الفطار عندك !‬
‫فقلت ‪ :‬عدد منهم ‪.‬‬
‫فسأل ‪ :‬ولماذا كان الجتماع ؟ فقلت ‪ :‬كنا ندرس السلم ‪ ،‬وكيف نقاوم تيارات اللحاد التي تغذيها‬
‫وتنفخ فيها أجهزة الجاهلية وأعلمها ‪ ..‬قال ‪ :‬ولماذا عندك بالذات ؟ أجبت ‪ :‬لنني من المسلمين إن‬
‫شاء ال ‪ . .‬سال ‪ :‬وأي جاهلية ‪ ،‬وأي إسلم ‪ ،‬وأي إلحاد؟ !‬
‫فقلت ‪ :‬لو قمفففت بجولة ففففي البلد لرأيفففت على أرصففففة الشوارع أكوام الجرائد‪ ،‬ومجلت اللحاد‬
‫ونشرات النحلل التفي توزع بأثمان رمزيفة لنشفر الشيوعيفة‪ ،‬واللحاد والنحلل والتسفيب ففي كفل‬
‫شيفء ‪ .‬فقاطعنفي ففي شبفه صفراخ ‪ :‬كففى‪ ،‬كففى‪ . .‬دا كلم فارغ ‪ ،‬مفا هفي أسفماء المجتمعيفن عندك ؟‬
‫فقلت ‪ :‬ل أتذكر أسماءهم ‪.‬‬
‫سفأل ‪ :‬أحفد المجتمعيفن ترك الجتماع وقابفل الهضيفبي ثفم رجفع مرة أخرى بعفد اتصفالك تليفونيفا‬
‫بمنزل الهضيففففففففففففففففففففففففففففففففبي‪ ،‬مففففففففففففففففففففففففففففففففن هذا الرجففففففففففففففففففففففففففففففففل ؟‬
‫فقلت ‪ :‬ل أتذكر‪ .‬وكل ما يعلق بذاكرتي في هذا الخصوص أنه سألني أن أستأذن الهضيبي لمقابلته ‪.‬‬
‫‪ .‬فماذا فففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي هذا؟‬
‫سأل ‪ :‬كنتم مجتمعين إذن؟ أنا أسهل لك الجابة! الرجل الذي ذهب إلى الهضيبي اسمه عبد الفتاح‬
‫الشريف أليس كذلك ؟‬
‫ثم أردف ‪ :‬سأعلقك إن لم تجيبي ثم اكمل ‪ . .‬اتفقتم على قلب نظام الحكم وقتل جمال عبد الناصر‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬اتفقنا على محاربة الجاهلية ‪ ،‬والتسيب والنحلل واللحاد ‪ .‬والعمل على نشر تعاليم القران‬
‫وإقناع المسفلمين بوجوب حكم القرآن والسفنة‪ .‬فسأل مسفتنكرا ‪ :‬وماذا يعمل الزهر؟ انطقي ما هي‬
‫وظيففة الزهفر؟ علقهفا يفا صففوت واجلدهفا ‪ .‬وأنفا تحفت السفياط أقول يفا ال ‪ ،‬يفا ال ‪ ،‬وأخذت اكرر‬
‫السم العظم حتى أغمى على ‪.‬‬

‫الباب الخامس‬

‫وسمع فرعون‬

‫أفقفت ‪ ..‬يفا إلهفي ‪ ..‬إننفي مفا زلت على الرض أمامهفم جثفة هامدة ‪ . .‬إنهفم أسفعفوني ‪ ..‬وبصفعوبة‬
‫شديدة حاولت النظفر ففي الحاضريفن ‪ . .‬فإذا بجمال عبفد الناصفر يتكفئ على كتفف عبفد الحكيفم عامفر‬
‫ويمسك في يده نظارة سوداء ‪.‬‬
‫عندمفا رأيفت جمال عبفد الناصفر وعبفد الحكيفم عامفر‪ ،‬نسفيت ألمفي‪ ،‬ودبفت ففي جسفدي يقظفة غريبفة‪،‬‬
‫وانتابني نشاط غريب ! !‬
‫أعطونفي كوبفا مفن عصفير الليمون فشربتفه ‪ ،‬رفعونفي مفن فوق الرض على مقعفد‪ ،‬ثفم أحضروا لي‬
‫فنجان قهوة فلم أتردد في تناوله ‪.‬‬
‫كان إحساسي بان هناك شيئا خطيرا سيحدث ‪ ،‬فكل ما يدور حولي يقوى عندي هذا الحساس ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وقال شمففس بدران ؟هفو ينفففخ ‪ :‬يففا بنفت يفا زينفب ‪ ،‬أريفد أن تجيففبي على كففل سفؤال أوجهفه إليففك‬
‫بصراحة وإل ‪! ! . .‬‬
‫افترضي يا زينب أن الخوان المسلمين هم الذين يحكمون البلد‪ ،‬وأننا نقف أمامكم تحاكموننا‪ ،‬فماذا‬
‫كنتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففم تفعلون بنففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففا؟‬
‫فأجبت في قوة وشجاعة‪ :‬نحن ل نسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ول نلوث أيدينا بما لوث به‬
‫الظالمون أيديهفم ‪ ،‬نحفن لنغمفس أيدينفا ففي الدم ‪ ' . .‬نحفن ل نجلس ففي مقاعفد طواغيفت الرض ‪, .‬‬
‫فقال ‪ :‬اخرسي! أنا باسألك ‪ ،‬إن كنت جالسة على هذا الكرسي مكاني ماذا كنت تفعلين معي؟‬
‫فقلت ‪ :‬نحفن طلب حقيقفة ‪ ،‬ليفس ففي حسفابنا أن نصفل إلى الحكفم ‪ ،‬إننفا حملة لواء "ل إله إل ال "‬
‫نفتديفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففه بالموال والرواح ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬اخرسي يفا بنت الفف ‪ .. .‬أنا اكرر لك السفؤال ‪ .‬ماذا كنتفم تفعلون لو وصفلتم إلى ا‬
‫أ؟‬
‫فقلت ‪ :‬إننففا لسففنا طلب حكففم ! ‪ . .‬ول يعنينففا أن نكون فففي قمففة المسففئولية أو عنففد السفففح حراسففا‬
‫للطريق المؤدى إلى الرجل الذي حمل المانة وبايعته المة‪ ،‬عبدا ل حاكما بما أنزل ال ولتكن هذه‬
‫الدار دار البعففث ‪ ..‬البعففث السففلمي ‪ .‬فصففرخ شمففس بدران متشنجففا‪ :‬اخرسففي ‪ . .‬اخرسففي ‪. .‬‬
‫اخرسففي؟ ! أريففد إجابففة واحدة ‪ :‬افترضففي أنففك جلسففت على الكرسففي الذي أجلس عليففه الن ماذا‬
‫تفعليفن معفي وأنفا متهفم أمامفك ‪ . .‬؟ فقلت ‪ :‬ربمفا تنتهفي أجيال وأجيال حتفى يحكفم السفلم ‪ ،‬نحفن ل‬
‫نتعجل الخطى‪ ،‬ويوم يحكم السلم ستكون مواقع المرأة المسلمة في مملكتها الطبيعية لتربى رجال‬
‫المفة ‪ .‬فقال شمفس بدران كتائه يضرب ففي الصفحراء ففي يوم عاصفف ‪ :‬يفا بنفت الفف ‪ . . .‬أنفا أقول‬
‫افترضي جدلً أنك جالسة مكاني ماذا تفعلين معي؟‬
‫فقلت ‪ :‬السففلم عدل ورحمففة‪ ،‬فل سففياط ول قتففل ‪ ،‬ول تعذيففب ول سففجون ‪ ،‬ول نفففى‪ ،‬ول دفففن‬
‫للحياء‪ ،‬ول تمزيفق لجسفاد الشهداء ‪ :‬رفعفت بكفر وعواد وإسفماعيل الفيومفي ‪ . .‬ل تشريفد أطفال ‪،‬‬
‫ول ترمفل نسفاء‪ ،‬ل فراعنفة ول وثنيفة ‪ . .‬ولكفن الحفق والعدل ‪ . .‬الكلمفة تواجههفا الكلمفة والحجفة‬
‫تواجههفا الحجفة ‪ . .‬صفرخ شمفس كالصفريع ‪ :‬اخرسفي ‪ . .‬اخرسفي ‪ . .‬علقهفا يفا صففوت اجلدهفا ‪.‬‬
‫وعلقنفي صففوت ‪ ،‬وعلى لفائف الشاش ‪ ،‬أخذت السفياط المجنونفة تهوى على كفل جزء ففي جسفمي‪،‬‬
‫والدم ينزف ‪ . .‬ول أدري كم من الوقت مر ‪ . .‬فقد رأى الطبيب إنزالي وقال ‪ :‬إن حالتها خطيرة ‪. .‬‬
‫إنها تموت يا معالي الباشا!!‬
‫قال شمس ‪ :‬في ستين داهية‪.‬‬
‫قال أحد الضباط ‪ :‬إننا نريد أن تكون حية حتى تقف أمام المحكمة! !‬
‫فقال شمففس بدران ‪ :‬نعففم ‪ ،‬نعففم نريدهففا تعيففش لتذهففب إلى المحكمففة ويتفرج عليهففا الشعففب وتكون‬
‫عبرة‪.‬‬
‫وقال الطبيب ‪ :‬إننا في حاجة إلى أدوية وعقاقير غير موجودة! !‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬اطلبها من صيدلية المشير عامر! !‬
‫ونقلت إلى المسفتشفى ولم أدر ماذا حدث ففي تلك الليلة‪ ،‬فقفد رحفت ففي غيبوبفة أفقدتنفي الحسفاس‬
‫باللم ' كما أفقدتني الستمتاع باسترجاع الحوار مع شمس بدران على مسمع من جمال عبد الناصر‬
‫وعبد الحكيم عامر‪ ،‬لقد قلت ما أردت أن يعرفه ‪ . .‬وقد عرفه ! !‬

‫أصل المؤامرة ‪ . .‬نكتة ! !‬

‫أسفعفت بالعلج ‪ ،‬لنهفم كانوا يحرصفون على حياتفي ‪ . .‬فأنفا متهمفة مفن وجهفة نظفر مفن ينسفجون‬
‫‪69‬‬
‫القضيففة ويؤلفون فصففولها ويصففنعون أبطالهففا ‪ . .‬فل غرابففة إذن ‪ ،‬أن يصففرف لي دواء لسففتطيع‬
‫حضور المحاكمة! ! أمضيت ثلثة أيام في غيبوبة ‪. .‬‬
‫وففى مسفاء يوم سفمعت صفوت مراد وصففوت يخرج مفن زنزانفة الخ أحمفد كمال ويسفألنه عفن‬
‫عنوان سفيف السفلم ‪ . .‬وأعطاهمفا العنوان ‪ ،‬وبعفد مفا يقرب مفن ثلث سفاعات عادا إلى زنزانفة‬
‫الخ أحمد كمال وسأله عن عنوان مكتب سيف البنا‪! ! . .‬‬
‫وسفيف البنفا هفو نجفل المام الشهيفد حسفن البنفا‪ ،‬أخذت أدعفو لسفيف وأمفه وإخوتفه ‪ ،‬فأمفه مريضفة‬
‫بالقلب ‪ ،‬وسيف هو العائل الوحيد للبيت والسرة ‪ .‬أخذت أضرع إلى ال سبحانه أن يصرف عنهم‬
‫كيدهم ‪.‬‬
‫رفعونفي على نقالة إلى مكتفب شمفس بدران ‪ . .‬وسفألني شمفس بدران سفؤالً تأكفد لي منفه أن سفيف‬
‫السلم البنا نجل المام الشهيد حسن البنا في السجن الحربي! ! وشغلني جدا أمر وجود سيف البنا‬
‫في السجن الحربي ‪.‬‬
‫وقال شمفس بدران لحمزة البسفيوني ‪ :‬ألم أقفل لك إن هذه البنفت ل تدخفل مكتفبي وهفى حيفة؟ لماذا‬
‫أحضرتها وفيها نفس يتردد؟! ثم وجه الكلم إلى وكل عضلت وجهه تهتز في عصبية ‪ :‬أما زلت‬
‫على قيففد الحياة؟ لماذا ‪ . .‬لماذا؟ فقلت ‪ :‬ليففس بإرادتففك ‪ ،‬ول بإرادتففي أن أعيففش أو أموت ‪ ،‬ولكنهففا‬
‫إرادة ال وهو المحيى المميت ‪.‬‬
‫فصففرخ قائل ‪ :‬اخرسففي‪ ،‬اخرسففي ‪ . .‬ردى على سففؤالي فقففط ‪ :‬مففن الذي كان سففيغتال جمال عبففد‬
‫الناصر في طريق السكندرية من رجال الجيش ؟‬
‫فقال حسن خليل ‪ :‬قرب لها المسألة قليل يا باشا‪ ،‬أ؟ اسمح لي أن أفهمها الموضوع ‪.‬‬
‫ثفم أردف –بعفد أن أومفأ إليفه شمفس بدران برأسفه – هناك شخفص حكفى لك عفن جماعفة تربصفوا‬
‫لجمال عبفد الناصفر ففي الطريق الصفحراوي وكان مسافرا بالسيارة إلى السفكندرية ‪ .‬مفن حكى لك‬
‫هذه الرواية؟ ومن كان في السيارة الجيب لغتيال عبد الناصر؟‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬ردى بسرعة! !‬
‫فقلت ‪ :‬مفا أتففه مفا تعذبون الناس مفن أجله ! ويلكفم مفن ال ! ثفم ويلكفم مفن التاريفخ ! ثفم ويلكفم مفن‬
‫الناس جميعففا وهففم ينزلون عليكففم لعناتهففم ! ‪ . .‬وكان جزائي على ذلك قاسففيا ‪ :‬دم يسففيل وعظام‬
‫تكسر! ‪.‬‬
‫وكان شمفس يقول ‪ :‬إن علقناك الن سفتموتين ‪ ،‬ولكننفا سفنسامحك إن أخفبرت عفن الحكايفة! ! احكفي‬
‫لنا الحكاية من أولها‪ . .‬يا بنت الفف ‪ .‬الحكاية اللي قالها لك سيف البنا‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬آه ‪ . .‬النكتفة التفي قالهفا سفيف ‪ ،‬فقام شمفس مسفرعا يركلنفي ويصففعني وهفو يقول ‪ :‬أيوه يفا‬
‫أختففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي النكتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففة!‬
‫وقلت ‪ :‬كنت في بيت الشهيد البنا وقال سيف السلم ‪ . .‬يقولون كان جمال عبد الناصر مسافرا في‬
‫الطريق الصحراوي بالسيارة إلى السكندرية وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه‬
‫‪ .‬وففى اللحظفة الخيرة تغيفر نظام سففر عبفد الناصفر‪ ،‬وسفافر بالقطار‪ ،‬والغريفب ففي الموضوع أن‬
‫السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ول على من فيها‪.‬‬
‫فقلت لسيف ‪ :‬حقا إنها نكتة ‪ . .‬لكن ليس هو الفراغ الذي جعل الناس يقولون ذلك كما تقول يا سيف‬
‫‪ . . .‬أنا ل أعتقد أن هناك سيارة جيب ‪ ،‬والمر كله من صنع جهاز المخابرات ‪ . .‬هناك كل يوم‬
‫مؤامرة مزعومفة لغتيال عبفد الناصفر‪ ،‬مرة مفن الجيفش ومرة مفن الشعفب ‪ ،‬وهلم جرا ونسفمع عفن‬
‫ذلك ‪ . .‬ويقبض على آلف الناس ‪.‬‬
‫وقال سيف ‪ :‬دي مجرد نكت الناس بتعملها وخلص‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فقلت ‪ :‬الناس ل يفكرون في قتله ‪ . .‬قتل الحاكم الظالم ل ينهي المشكلة‪ . .‬القضية اكبر من قتل عبد‬
‫الناصر‪ ،‬القضية تخليص البلد من حكم جاهل ‪ ،‬عات متجبر‪.‬‬
‫وأجابني سيف ‪ :‬من الفضل للناس أن يشغلوا أنفسهم بمصالحهم الشخصية وتربية أنفسهم ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬على أي حال لم يقتفل هذا البلد غيفر النكفت ‪ . .‬لم يسفتطع الناس أن ينفسفوا عمفا ففي صفدورهم‬
‫إل بالنكتة ‪ . .‬وبها قتلت الرجولة وقتلت المسئولية ‪ .‬وانتهى الحديث مع سيف السلم البنا ‪.‬‬
‫فقال شمفس بدران ‪ :‬هذه الحكايفة ‪ -‬حكايفة اغتيال عبفد الناصفر ففي طريفق السفكندرية الصفحراوي‪-‬‬
‫دار حديففث فيهففا بينففك وبيففن عبففد الفتاح إسففماعيل وعلى العشماوي فففي بيتففك ودرسففتم تخطيطهففا‪،‬‬
‫والخطاء التي وقعت فيها ‪ .‬لما ذ ا ؟‬
‫فقلت ‪ :‬مفا حصفل غيفر ذلك ‪ ،‬أنفا نقلت النكتفة لعبفد الفتاح عبده إسفماعيل عفن سفيف السفلم ‪ . .‬لم‬
‫ندرس الحكاية ‪ . .‬دي نكتة فقذفت بركلت وشتائم !‬
‫قال شمفس بدران ‪ :‬أنفت حكيفت هذه الحكايفة لحسفن الهضيفبي ‪ .‬لماذا؟ نكفت الناس بتقولهفا وحكايات‬
‫بترويها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬جائز‪ . .‬فيها حاجة دي؟! ‪ .‬وعملت السياط عملها ‪.‬‬
‫قال شمفس ‪ :‬جميفل ‪ ،‬نترك موضوع سفيف الن ‪ ،‬وننتقفل إلى موضوع آخفر‪ :‬كان عبفد العزيفز على‬
‫هو المسئول عن تنظيم الخوان حتى خروج سيد قطب من السجن ‪ ،‬قولي لنا كيف أتى هذا؟ قلت ‪:‬‬
‫لم يحصل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬كيففف ؟ عبففد العزيففز على كانففت يجتمففع مففع على عشماوي وعبففد الفتاح إسففماعيل وضياء‬
‫الطوبجي‪ ،‬ويحيى حسين ‪ ،‬وعبد المجيد الشاذلي‪ ،‬ومجدي عبد العزيز‪ ،‬واجتمع مع سيد قطب عدة‬
‫مرات بعد خروجه من السجن ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل أدرى شيئا عن هذه الجتماعات ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬ومن يدرى بها غيرك ؟! أنت تعرفين جيدا أنهم كانوا يجتمعون ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬هذا محض افتراء‪.‬‬
‫وقال شمس بدران ‪ :‬من الذي حمل أمر الهضيبي بزعامة عبد العزيز للتنظيم غيرك ؟‬
‫فقلت ‪ :‬هذا محض افتراء‪.‬‬
‫فقال شمس بدران مهددا ‪ :‬يبدو أننا حا نشوف شغلنا معك ‪ ،‬ل بتعقلي ول بتشوفي مصلحتك ‪.‬‬
‫وقال أحفد الجالسفين على طريقفة السفماسرة ‪ . .‬واحفد يشفد وواحفد يرخفى ‪ :‬لحظفة واحدة يفا باشفا‪ .‬أنفا‬
‫سأحاول مع زينب ثم اتجه إلى وقال ‪ :‬يا زينب ‪ . .‬الهضيبي اعترف ‪ ،‬وعبد العزيز على اعترف ‪،‬‬
‫أنا سأحاول أفكرك بحكاية يمكن تجعلك تتداركين المر‪ ،‬كلهم اعترفوا ول داعي للنكار ‪ . .‬ما هو‬
‫السفم الذي أعده عبفد العزيفز على ليسفتعمله إسفماعيل الفيومفي ( اسفتشهد ففي السفجن الحربفي بعفد‬
‫تعذيب مروع في العام ‪ )1965‬في قتل جمال عبد الناصر؟ ما هي حكاية السم وكيف دار التفاق‬
‫عليها؟‬
‫فصففرخت ‪ :‬يففا عالم أنتففم مجانيففن بأمففر اسففمه قتففل عبففد الناصففر؟ إن كنتففم تريدون قتله فاقتلوه‬
‫وأريحونا ‪ ،‬وعلى كل واجهوني بعبد العزيز على ‪ ،‬واجهوني بالستاذ حسن الهضيبي!‬
‫فقالوا ‪ :‬ل‪ ،‬سنواجهك أول بعلي العشماوي ! !‬
‫فقلت ‪ :‬على العشماوي كذاب أشر‪ ،‬وسأبصق في وجهه لنه كذاب مأجور ‪. .‬‬
‫فقال شمفس بدران ‪ :‬أليفس على العشماوي واحدا منكفم ؟ قلت ‪ :‬واجهونفي بالرجال الفاضفل ‪ . .‬عبفد‬
‫العزيز على‪ ،‬وحسن الهضيبي ‪.‬‬
‫فقال حسن خليل ‪ :‬ل مانع ‪ ،‬سنواجهك بهما إ!‬

‫‪71‬‬
‫وقال شمفس بدران ‪ :‬اسفمعي! متفى اسفتشرت الهضيفبي ليتولى عبفد العزيفز على زعامفة الخوان‬
‫المسلمين نيابة عنه ؟‬
‫فقلت ‪ :‬لم يحصل !‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬يا صفوت هات على العشماوي !‬
‫ودخففل على العشماوي يرتدى الحريففر الهفهاف ممشففط الشعففر‪ ،‬تبدو عليففه آثار المعاملة الحسففنة ‪.‬‬
‫‪!!.‬‬
‫وقال له شمفس بدران ففي رقفة ‪ :‬ماذا حصفل يفا على ‪ ،‬عندمفا ذهبتفم إلى الهضيفبي وكانفت رجلهفا‬
‫مكسورة‪ ،‬ولم تنزل من العربة‪ ،‬وذهبت أنت لبنت الهضيبي لتعرف رأى أبيها ا!‬
‫وقال على العشماوي‪ :‬نعم حصل ‪ ،‬لقد قلت لبنت الهضيبي أن تسأل أباها عن ثقته في عبد العزيز‬
‫على‪ ،‬ومفا إذا كان المرشفد يرشحفه لتولى المفر نيابفة عنفه ‪ . .‬وعادت وهفى تحمفل موافقفة الهضيفبي‬
‫على ترشيح عبد العزيز على ‪.‬‬
‫فقال شمس ‪ :‬إيه رأيك يا بنت الففف ‪ . .‬؟‬
‫فقلت لعلى العشماوي ‪ .‬أنت كذاب ‪ ،‬والحقيقة أنك قلت لي بأن هناك واحدا من الخوان تقدم لخطبة‬
‫حفيدة عبفد العزيفز بفك على‪ ،‬وهذا الخ يريفد أن يعرف رأى الهضيبي وأنا كنت خارجة مفن منزلي‬
‫دون اتفاق مسففبق ‪ ،‬فركففب على العشماوي معففي‪ ،‬وقلت له إننففي ل أسففتطيع الصففعود إلى بيففت‬
‫الهضيفبي نظرا لكسفر رجلي‪ ،‬والفضفل أن تذهفب معفي‪ ،‬وكان رد السفتاذ الهضيفبي إن أسفرة عبفد‬
‫العزيز على ل يسأل عنها‪ ،‬فهي أسرة مسلمة طيبة‪ ،‬وعلى بركة ال ‪.‬‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬هل هذه هي الحقيقة يا على؟‬
‫فقال علي العشماوي ‪ :‬إن هذه اصطلحات يا باشا ‪ ،‬والحاجة تعرف هذا جيدا‪.‬‬
‫فقلت لعلي العشماوي ‪ :‬أنفت كذاب أشفر‪ ،‬وهيئتفك تفضحفك ‪ . .‬الخوان على العواد تقطفع السفياط‬
‫أجسفادهم ‪ ،‬وتنهشهفم الكلب ‪ ،‬ويتقلبون ففي ألوان مفن العذاب وأنفت على هذه الهيئة‪ . .‬أنفت مأجور‬
‫رخيص ‪ ..‬أنت عميل كاذب ‪ ،‬ولذلك يسمع لك ‪ .‬فقال شمس بدران ‪ :‬اخرج أنت يا على! ‪ . .‬ثم اتجه‬
‫إلى وصفوته يحمفل ‪ ،‬التهديفد‪ :‬يفا زينفب إننفا نمنحفك فرصفة أخيرة‪ ،‬اشرحفي لنفا صفلة عبفد العزيفز‬
‫على ؟ بالتنظيم ‪ ،‬وما هي الرسائل المتبادلة بين الهضيبي وعبد العزيز على بواسطتك ؟‬
‫فقلت ‪ :‬أنا مصرة على مواجهة عبد العزيز على والهضيبي‬
‫قال شمس بدران ‪ :‬خذها يا صفوت ‪ ،‬إلى أن نحضر عبد العزيز علي والهضيبي ‪ ! .‬وخرجت مع‬
‫صففوت مفن مكتفب شمفس بدران ‪ ،‬وأوقفنفي صففوت ووجهفي إلى الحائط ثفم أدخلونفي مرة أخرى‬
‫مكتب شمس بدران ‪ .‬غير أنى لم أجد الهضيبي أو عبد العزيز على ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬أين الهضيبي‪ ،‬وأين عبد العزيز على؟‬
‫فقال شمس بدران في حدة ‪ :‬هل نعمل على هواك يا بنت الففف ‪ .‬؟ سنحضر ‪ :‬من نريد ‪ . .‬ووقت ما‬
‫نحب ‪ . .‬يبدو أننا سنرجعك إلى أول التعذيب ‪. .‬‬
‫فقلت ‪ :‬ما دمتم ل تستحون من ال ‪ ،‬فهل تستحون من الخلق ؟!‬
‫وقال حسن خليل ‪ :‬يا بنت اعقلي ‪ .‬الباشا يريد أن يحولك إلى النيابة ‪ .‬فاعقلى ‪ ،‬واعملي لمصلحتك ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬نيابة؟ ! أية نيابة؟ وأنتم من تكونون ؟‬
‫فقال شمس بدران ‪ :‬إننا نجهزك للنيابة‪. .‬‬
‫نعفم التجهيفز للنيابفة ! ! ‪ ..‬السفياط ‪ ،‬الكلب ‪ ،‬النار‪ ،‬زنزانفة الماء ‪ ،‬التعليفق على العواد كالذبائح ‪،‬‬
‫إيلم النففس بأقذر اللفاظ وأفحشهفا ‪ ،‬التجويفع ‪ ،‬العطفش ‪ ،‬الحرمان مفن اسفتعمال دورة المياه فترات‬

‫‪72‬‬
‫طويلة‪ ،‬الذهاب إلى مكاتب التحقيق صباحا ومساء مع استمرار أنواع التعذيب ‪ ،‬تحطيم العصاب‬
‫بالت التعذيب ‪ . .‬كل هذه وسائل التجهيز والعداد للمثول أمام حضرة صاحبة الجللة النيابة! !‬

‫محمد قطب‬

‫وفى مكتب شمس قال حسن خليل ‪ :‬إننا نريد يا باشا قبل النيابة أن ننتهي من موضوع تنظيم محمد‬
‫قطفب ‪ .‬ونرى موضوع الولد المدعفو الدكتور مسفعود فقال شمفس بدران كمفن عثفر على شيفء كان‬
‫قد فقد منه ‪ :‬نعم ‪ .‬نعم تنظيم محمد قطب يا زينب ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬أنفا أجبفت عفن هذا الموضوع مفن قبفل ‪ . .‬لقفد قلت إن محمفد قطفب لم يؤسفس تنظيمفا ‪ ،‬وإنفه‬
‫كاتب إسلمي وكل عمله أن يبين للناس الطريق الصواب ‪ ،‬وأين الدائرة التي يقف فيها المسلمون ‪،‬‬
‫وللناس بعد ذلك أن يتصرفوا حسب ما يرون وحسب ما يعتقدون ‪.‬‬
‫فقال شمفس بدران ‪ :‬خذهفا يفا حمزة ‪ ،‬يبدو أنهفا تريفد أن تعود إلى المياه ‪ ،‬والكلب ‪ ،‬والنار والجلد ‪.‬‬
‫‪.‬و‪..‬و‪.‬‬
‫وأخذني حمزة البسيوني إلى حجرة تبعد عن حجرة شمس بدران قليل‪ ،‬وأغلقها على ثم انصرف ‪.‬‬

‫وبعفد نصفف سفاعة جاءنفي حسفن خليفل قال ‪ :‬اسفمعي يفا زينفب ‪ ،‬أنفا حضرت إليفك ل نصفحك ‪ ،‬أنفا‬
‫مندهففش لننففي أراك تلقيففن الحبففل حول عنقففك ‪ ،‬كففل الخوان عملوا لنفسففهم ‪ ،‬وعرفوا طريففق‬
‫السفلمة‪ ،‬لقفد ألقينفا القبفض على مائة ألف ‪ ،‬الباقفي عندنفا الن عشرون ألففا‪ .‬كفل واحفد مفن هؤلء‬
‫اعترف بالحقيقففة‪ ،‬ومففن يعترف ‪ ،‬يخلى سففبيله فورا‪ ،‬ونصففف العشريففن ألفففا اعترفوا بكففل شيففء‬
‫واعتذروا عمفا فعلوه وقبلنفا عذرهفم وأخلى سفبيلهم ‪ . .‬حتفى المرشفد حسفن الهضيفبي ‪ ،‬وعبفد الفتاح‬
‫إسفماعيل ‪ ،‬وسفيد قطفب ‪ ،‬كفل هؤلء اعترفوا واعتذروا ‪ . .‬أنفت تعمليفن لحمايفة المرشفد وهفو ألصفق‬
‫بك كل شيء‪ ،‬وعبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب كذلك ‪ . .‬أنت تحرقين نفسك من أجل أشخاص كلهم‬
‫تنكروا لك ‪ .‬أنفت لزم تغيري موقففك ‪ . .‬الرجال عرفوا السفلمة وعملوا لهفا وألقوا المسفئولية كلهفا‬
‫عليك ‪ . .‬الهضيبي شتمك ‪ ،‬سيد قطب شتمك ‪ . .‬عبد الفتاح إسماعيل شتمك ‪ ،‬محمد قطب شتمك ‪،‬‬
‫سفيد قطفب شتمفك ‪ ،‬كفل الخوان شتموك ‪ . .‬إن موقففك محفل تقديرنفا وإعجابنفا‪ ،‬ونحتقفر موقفهفم ‪،‬‬
‫ودعك من سباب الباشا ‪ ،‬ومن حمزة البسيوني والولد صفوت ‪.‬‬
‫إننا احتقرنا الخوان عندما سبوك وازداد احترامنا لك وإعجابنا بك ‪ . .‬خسارة هذه الشخصية القوية‬
‫تنتهي بهذا الشكل ‪ . .‬شمس باشا مصر على أن يعيدوا التعذيب من جديد من نمرة واحد‪ ..‬أنا أخذت‬
‫على عاتقفي التفاهفم معفك لعود إلى الباشفا برأي يخرجفك مفن هذه الورطفة ‪ . .‬اسفترسل متسفائل‪:‬‬
‫كنفت تتناوليفن الغداء مفع الهضيفبي يوميفن ففي السفبوع أو يومفا على القفل بانتظام ‪ ،‬وهذا باعتراف‬
‫الهضيفبي ففي التحقيفق ‪ ،‬وكنفت تحمليفن الوامفر والتعليمات إلى عبفد الفتاح إسفماعيل ‪ ،‬أرجفو أن‬
‫تعطينفا نموذجفا مفن هذه الوامفر‪ .‬الهضيفبي وعبفد الفتاح إسفماعيل اعترففا بهذا‪ .‬سفيد قطفب عندمفا‬
‫خرج من السجن كنت حلقة التصال بينه وبين الهضيبي ‪ . .‬إننا ل نتكلم من فراغ يا ست زينب ‪.‬‬
‫كانفت ففي يده ورقفة ينظفر فيهفا ثفم يتكلم ‪ . .‬ألقفى نظرة إليهفا ثفم اسفتطرد‪ :‬مثل أموال الجماعفة كانفت‬
‫عندك فففي البيففت فنقلتيهففا إلى بيففت الهضيففبي‪ .‬ثففم عادت مرة أخرى إلى بيتففك ‪ .‬ثففم نقلت إلى بيففت‬
‫الهضيبي ثانية وعادت إليك أخيرا‪ .‬كل هذا ذكره الهضيبي فما معنى إنكارك له ؟!‬
‫كففل المور يففا سففت زينففب تكشففف سففرها والناقففص هففو أن تضعففي النقففط فوق الحروف ‪ .‬وطبعففا‬
‫ستكتبين في كل هذا وعن أشياء أخرى‪ ،‬وسنرفع إلى عبد الناصر ونوضح له أنك تغيرت ثم نحولك‬
‫إلى النيابة وينتهي التحقيق عند هذا الحد‪ ،‬وسيفرج عنك بعد يومين ‪ ،‬ثم يتم تعيينك وزيرة للشئون‬
‫‪73‬‬
‫الجتماعيفة ‪ .‬حكمفت أبفو زيفد مغضوب عليهفا الن ‪ ،‬مفا رأيفك يفا سفت زينفب ؟! وضغفط على زر‬
‫جرس صفغير فحضفر جندي فورا ووقفف أمامفه منتصفب القامفة ‪ .‬فقال له ‪ :‬هات عصفير ليمون ‪،‬‬
‫وأخذ يشرح وبفتح موضوعات ‪ ،‬موعزا إلى بالكتابة فيها‪.‬‬
‫وعاد الجندي بكوبي ليمون فقال ‪ :‬اتفضلي كوب الليمون ‪ ،‬ثم أمفر الجندي أن يحضر فنجانفي قهوة‪.‬‬
‫‪ .‬واستأنف الكلم وأنا صامتة ‪ . .‬يبدو أنه اطمأن لما قال ‪ ،‬والتفت إلى الجندي قائل‪ :‬إنت تحت أمر‬
‫الست زينب ‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬سنطلبك عند الباشا بعد ساعة وشوفي مصلحتك بقه ‪. .‬‬
‫وجلست إلى المكتب وجرى قلمي على الورق بالتي ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم وأصلى وأسلم على‬
‫محمفد وآله وصفحبه ‪ ،‬أمفا بعفد فأحمفد ال تعالى وأشكره وأعجفز عفن إحصفاء الثناء الواجفب لجلله‬
‫سففبحانه وتعالى فقففد اختارنففي‪ -‬بغيففر اسففتحقاق منففى‪ -‬لكون علي الطريففق الذي اختاره لعباده ‪. .‬‬
‫طريق القرآن والسنة‪ ،‬طريق الحق الحمد ل الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى ‪ ( :‬ربنا إننا سمعنا‬
‫مناديفا ينادي لليمان أن آمنوا بربكفم فآمنفا ) ‪ ،‬الحمفد ال الذي أوقفنفي تحفت مظلة قوله تعالى ‪ ( :‬إن‬
‫ال أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ) التوبة ‪.‬‬
‫والحمفد ل الذي اختارنفي مفن بيفن رجال مؤمنيفن ونسفاء مؤمنات واجتبانفي بصفحبة رجال مؤمنيفن‬
‫ونساء مؤمنات لنكون شهداء أن رسالة ال التي أوقفنا حياتنا على نظرها والدعوة إليها والجهاد في‬
‫سبيلها بكل مرتخص وغال تحقيقا لقوله تعالى ‪ ( :‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان‬
‫لهففم الجنففة يقاتلون فففي سففبيل ال فيقتلون ويقتلون ) التوبففة ‪ . .‬وتحقيقًا لقوله تعالى ( كنتففم خيففر أمةً‬
‫أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )‬
‫بذلك كله أكرر وأؤكفد أننفا لزلنفا على طريفق شهادة أن ل إله إل ال وحده ل شريفك له وأن محمدا‬
‫عبفد ال ورسفوله ‪ . .‬ملتزميفن بشطري الشهادة حفظفة لكتاب ال حافظيفن لحكامفه اللهفم اشهفد أننفا‬
‫ثابتون على الطريفق ل مغيريفن ول مبدليفن ‪ .‬فانصفرنا على كفل ظالم أشرك بفك ‪ ،‬وعطفل كتابفك‬
‫وعادى دينك ‪ ،‬وحارب أهل دينك حماة كتابك وحماة سنة رسولك ‪.‬‬
‫اللهففم بذلك أحيففا وعلى ذلك ألقاك إن شاء ال ‪ .‬فتقبلنففي سففبحانك فففي أهففل التوحيففد‪ ،‬أهففل الكلمففة‬
‫الصادقة‪ ،‬أهل خشيتك والحياء منك ‪.‬‬
‫اللهم ارزقني الحب فيك والبغض فيك والجهاد في سبيلك ‪.‬‬
‫هذا هو طريقي أيها الناس فافعلوا ما تريدون وكما تشاؤون ‪.‬‬
‫سفأدعو إليفه على بصفيرة فل تجهدوا أنفسفكم لترمونفا ففي نقائصفكم وتغمسفونا ففي ظلمات فجوركفم‬
‫وشرككفم بال ‪ ،‬ومحاربتكفم للسفلم وأهله ‪ .‬إنفا برءاء منكفم وممفا تعملون ‪ . .‬إنفا مقاومون لباطلكفم‬
‫حتى نلقى ال ‪. ،‬‬
‫إمضاء (زينب الغزالي الجبيلي)‬

‫ودخل حمزة البسيوني وقال ‪ :‬أيوه يا زينب ! ! إن شاء ال يكون ربنا هداك وعرفت مصلحتك ! !‬
‫زوجك رجل طيب ‪ . .‬الحاج سالم صديقي ‪ . .‬إنه رجل على خلق ‪ . .‬أنا ل أعرف كيف وقعت في‬
‫براثن الخوان المسلمين ‪ . .‬على فكرة! هل انتهيت من الكتابة؟ فناولته الوراق ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬تعالى معففي عنففد الباشففا ‪ . .‬وذهبنففا إلى مكتففب الباشففا شمففس بدران ! ! قال شمففس بدران ‪:‬‬
‫اجلسفي يفا زينفب ‪ ،‬اطلبوا ليمونفا وقهوة لزينفب ! ! أخفذ الورق وشرع يقرأ‪ ،‬وأخذت قسفمات وجهفه‬
‫تترجم إحساسه وشعرت أنه يكاد ينفجر! ! وخرجت سهام نارية من عيني شمس بدران إلى حمزة‬
‫البسيوني ومن معه ‪ .‬وقال وهو يضغط على اللفاظ ‪ :‬ما هذا؟ ألف سوط يا صفوت ‪ .‬البنت سخرت‬
‫منففا كلنففا ‪ ..‬أيففن كنففت يففا حمزة أيففن كنتففم جميعففا؟‪ . .‬فانهالت السففياط وألقففى الوراق إلى الرض‬

‫‪74‬‬
‫واسفتطرد ‪ :‬البنفت سفخرت منفا ‪ .‬لعبفت بعقولنفا كلنفا يفا حمزة‪ . .‬إنهفا اكثفر مفن خطيبفه على منفبر‪ . .‬يا‬
‫بنت الفف ‪!! .‬‬
‫جمع أحد الضباط الوراق المبعثرة في الحجرة وقرأ منها سطورا وقال ‪ :‬إيه القرف ده هو أنت إيه‬
‫‪ . .‬افعل معها ما شئت يا باشا ‪ .‬أوقفوا السياط وحكموا على بقراءة الوراق ‪ .‬وقال أحد الجالسين ‪:‬‬
‫انظر بنت الفففف ‪ .‬خطيبة وكاتبة وضيعت نفسها ومستقبلها ‪ . .‬يا بنت الفف ‪ .‬إنها تستحق اكثر مما وقع‬
‫لها‪ ،‬وأمر شمس بدران بتعليقي وجلدي! !‬
‫قدماي ممزقتان ملفوفتان بضمادات ‪ ..‬وكل موضع في جسمي استوفى نصيبه ‪ -‬وفوق نصيبه ‪ -‬من‬
‫السففياط ومففن ألوان العذاب الخرى‪ .‬ورغففم ذلك رفعنففي الزبانيففة على التعليقففة كالذبيحففة‪ ،‬وانهالت‬
‫السياط المجنونة تنفذ أمر الباشا المحموم !‬
‫وانبثفق الدم مفن الضمادات فأمفر الطفبيب بإنزالي ‪ . .‬رمونفي أمام حجرة شمفس بدران مفا يقرب مفن‬
‫الساعة‪ ،‬ثم حملوني على نقالة إلى المستشفى ‪. .‬‬
‫جاء مراد وحمزة البسيوني وقال في جاهلية الجاهلين ‪ :‬قرر الطباء أن الموت قاب قوسين منك أو‬
‫أدنى‪ ،‬ولكن لبد أن تذهبي إلى المحكمة لتسمعي حكم العدام بأذنيك وتجنى ثمرة ما زرعت ‪ .‬إننا‬
‫سففنرسلك إلى النيابففة غدا‪ ،‬واعلمففي أنففك إن لم تسففتجيبي لكففل مففا تقرره النيابففة‪ ،‬سففتعودين لنففا مرة‬
‫أخرى‪ .‬ثم نادى حمزة ‪ . .‬صفوت وقال له ‪ :‬باكر خذها النيابة الساعة ‪ ! ! 9‬وانصرفوا ‪. .‬‬

‫النيابة ! !‬

‫لقد مررت بكل درجات التعذيب درجة درجة‪ ،‬من الجلد بالسياط المجنونة كألسنة اللهب إلى نهش‬
‫الكلب المدربفة ‪ ،‬إلى زنزانفة الماء ‪ ،‬إلى زنزانفة النار‪ ،‬ثفم تكررت عمليفة الجلد والصفلب والتعليفق‬
‫على العواد كالذبائح ‪ ،‬إلى عذاب يحطم العصاب والرواح ‪.‬‬
‫وجاءت النيابففة‪ ،‬لتسففتكمل المهزلة فصففولها‪ ،‬ويعاقففب المظلومون فففي ظففل العدل وسففيادة القانون ‪.‬‬
‫‪!!.‬‬
‫دخلت خيام المحققين من رجال النيابة ! !‬
‫وإنهم جميعا لمخطط واحد ينفذون ! ! في خيام التحقيق كان التهديد مستمرا من المحقق الذي يطلب‬
‫مفن المتهفم أن يوقفع على مفا يسفجل مفن زور وبهتان ففي أوراق التحقيفق تحفت نظفر وسفمع كبار‬
‫القضاة والمستشارين المنتدبين للشراف على التحقيقات ‪.‬‬
‫والحفق أن كفل شيفء ففي هذه المفة يمتهفن ويمسفخ ‪ ،‬كفل مفا فيهفا ومفن فيهفا‪ .‬حتفى رجال القانون‬
‫والقضاء الذيفن روى التاريفخ نزاهتهفم ففي كفل عصفر وكانفت شجاعتهفم ففي الحفق مضرب المثال ‪،‬‬
‫رأينففا بعضهففم فففي السففجن الحربففي مسففخا مشوهففا وباطل مزورا ‪ ،‬يكذبون فففي شجاعففة ويخافون‬
‫الباطفل ويدافعون عنفه بجرأة ‪ .‬يهددون المتهفم إذا لم يوقفع على مفا يسفجلونه ويقفر بكفل مفا يكتبونفه ‪،‬‬
‫بالعودة إلى مكاتب التحقيق بالسجن الحربي! ! نظر وكيل النيابة إلى وضمادات الشاش تغلف قدمي‬
‫ويغلف نفسي إعياء وضعفف ‪ . .‬ل يكاد صوتي يخرج من بين شفتي ‪ . .‬ووكيل النيابة يجلس خلف‬
‫جبفل مفن الدوسفيهات ‪ . .‬أمامفه أوراق مكتوبفة ‪ .‬سفكرتير النيابفة جالس إلى مكتفب صفغير وأمامفه‬
‫كومفة مفن الوراق البيضاء وبيده قلم مسفتعد لتنفيفذ المفر‪ . .‬أملى عليفه وكيفل النيابفة اسفمي‪ ،‬وسفني‬
‫ومكان مولدي وسففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففكنى ‪.‬‬
‫والتفت إلى وكيل النيابة بوجه جامد ثم قال ‪ :‬يا زينب ‪ ،‬في هذه الملفات والدوسيهات أقوال الخوان‬
‫المسفلمين كلهفا ' واضفح فيهفا موقففك جيدا ‪ ،‬سفأترك أقوالك ففي المكاتفب ‪ ،‬وأريفد الحقيقفة منفك أنفت‬
‫وهذه حقيقفة قالهفا حسفن الهضيفبي ‪ ،‬وقالهفا سفيد قطفب ‪ ،‬وقالهفا عبفد الفتاح إسفماعيل وقالهفا جميفع‬
‫‪75‬‬
‫الخوان ‪ . .‬أريد يا زينب أن تتخلى عن عنادك وأل تضيعي وقتنا فيما ل يفيد ‪ . .‬والمر بسيط جدا‬
‫إعادتك إلى المكاتب مرة أخرى! !‬
‫وأخفذ يوجفه إليّف السفئلة وانفا أجيفب ‪ .‬ولكنفي لحظفت عجبًا !! كنفت إذا أجبفت على سفؤال ببضعفة‬
‫كلمات أجده يمل صفحة كاملة على إنها إجابة مني !!‬
‫أثارني ما لحظته فقلت لوكيل النيابة المحقق ‪ :‬ماذا يا استاذ قناوي ؟ إنني اجبت على سؤال واحد‬
‫في كلمات قليلة ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬إنني اساعدك لن كل كلمة منك ستعرض على سيادة رئيس الجمهورية ‪ .‬كلمك أنت بالذات‬
‫طلب أن يعرض عليه يومياً !!‬
‫فقلت ‪ :‬هذا أمفر ل يهمنفي ففي قليفل أو كثيفر ‪ ،‬إنمفا مفا أهتفم بفه ‪ .‬أل يكتفب باسفمي إل مفا أقول ‪ .‬فقال‬
‫سأقرأ عليك فيما بعد كل شئ ‪ .‬وقلت في هدوء وما الداعي مادمت تكتب من عندك ‪ .‬ل داعي لن‬
‫أتكلم وليكتب كاتب النيابة ما تريد على أن يكون في علمك أنني لن أعترف إذا كان هناك محكمة ‪..‬‬
‫إل بالذي أقوله أنا لك ‪. !!..‬‬
‫وعاد إلي سؤالي ‪ .‬قال ‪ :‬أنت قلت ‪ :‬عبد الناصر كافر وحكومته كافرة والمجتمع كافر أيضاً‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬نحن ل نكفر أهل القبلة ‪ .‬قال ‪ :‬ومن هم أهل القبلة ؟ قلت ‪ :‬الذين يقولون ‪ :‬ل إله إل ال محمد‬
‫رسفول ال ثفم يلتزمون بمفا جاء بفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن عنفد ربفه ‪ .‬قال أريفد أن‬
‫تشرحي صفات أهل القبلة ‪.‬‬
‫قلت ‪ " :‬الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت إن استطاعوا إليه‬
‫ل ويلتزمون بأحكام الكتاب والسنة ‪ .‬ل يشرعون من عند أنفسهم ول يحكمون بغير ما أنزل ال‬ ‫سبي ً‬
‫‪".‬‬
‫قال ‪ :‬هل تعتبرين جمال عبد الناصر وحكومته والمجتمع من أهل القبلة ‪ .‬قلت ‪ :‬عبد الناصر نفسه‬
‫ل ‪ .‬لنه حاكم يستطيع أن يحكم بكتاب ال لو أراد إل أنه عمل على تعطيله ‪ ،‬فهو يشرع للناس من‬
‫عنده ويعطل كتاب ال وقد قال عبد الناصر صراحة ‪ :‬أنه ل يقيم حكومة دينية ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنفا أريفد أن تقولي لي بصفراحة ‪ :‬عبفد الناصفر والحكومفة كافريفن ‪ .‬ول رأيفك إيفه ‪ .‬قلت ‪ :‬لقفد‬
‫أجبفت ومفن شاء أن يعلم حقيقتفه مفع ال فليعرض نفسفه على كتاب ال وكان قفد كتفب حوالي خمفس‬
‫صفحات فولسكاب ‪.‬‬
‫ثففم عاد يسففألني سففؤالً آخففر فقال ‪ :‬أنتففم كنتففم تريدون قتففل أم كلثوم وعبففد الحليففم حافففظ ‪ .‬قلت ‪ :‬إن‬
‫المشغوليفففن بالدعوة لديفففن ال وعودة المفففة السفففلمية إلى حياة الناس ل ينشغلون بهذه المور‬
‫السففخيفة ‪ .‬ثففم يوم يعود المسففلمون لدينهففم فسففتنتهي كففل هذه الرذائل ‪ ،‬وسففتتخلص المففة مففن هذا‬
‫التسففيب المقيففت ‪ ،‬وعبادة الشيطان فففي هذه الصففور المختلفففة التففي فتنففت المففة وانهارت بهففا هذا‬
‫النهيار الذي جعلها غثاء كغثاء السيل ‪.‬‬
‫كان وكيفل النيابفة محمفد القناوي يسفمع منفى كلمًا ويكتفب غيره أو يحرففه أو ينقفل كلماً آخفر مفن‬
‫الملفات المرصوصة أمامه ‪ .‬وهكذا كانت خيمة النيابة على هذا النمط الغريب العجيب عشرة أيام ‪.‬‬
‫وكان المسفتشار محمفد عبفد السفلم يتردد على الخيمفة ويسفأل القناوي عفن الوضفع ويقول له ‪ :‬أبذل‬
‫جهدك ‪ ..‬وينصرف ‪.‬‬
‫وففي الخيمفة قلت للقناوي ‪ :‬إنفي أرى شيئاً عجبًا ‪ .‬أرى رجال القانون والقضاء ففي غابفة يتعايشون‬
‫مع وحوشها ‪ ،‬يلقون عن أنفسهم ثياب القضاء ويرمون من فوق أكتافهم أردية القانون والعدل قال ‪:‬‬
‫نحفن نحرص على تخليصفك وإنقاذك مفن الخوان ليفس لك بعفد أقوال الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد‬
‫الفتاح إسماعيل إل شئ واحد هو العدام ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ومفا رأيفك ففي كلم الهضيفبي وسفيد قطفب وعبفد الفتاح إسفماعيل ؟ قلت أنتفم تختلقون عليهفم الكذب‬
‫وهؤلء هم طليعة الجماعة المسلمة ‪ .‬قال ‪ :‬وهل نكذب على أحد ؟ أنت لتقولين الحقيقة وتكذبين ‪.‬‬
‫قلت أكذب على مفن ؟ ‪ .‬قال ‪ :‬على الحكومفة وعلينفا نحفن رجال النيابفة ‪ .‬قلت أنفت مصفدق أنفك مفن‬
‫رجال النيابة ومن رجال القانون ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سفأقفل التحقيفق وأعيدك إلى مكاتفب التعذيفب ‪ ..‬وبعفد ذلك تحضريفن لنفا مرة أخرى ‪ . .‬وطلب‬
‫قهوة وأخفذ يشربهفا ‪ .‬وبعفد مفا شرب القهوة قال ‪ :‬إيفه يفا زينفب ؟ أتريديفن الرجوع إلى المكتفب ؟ إن‬
‫عبد الناصر مستعجل أوراقك ليطلع عليها ‪. .‬‬
‫أمرنففي بالتوقيففع على مففا كتففب فرفضففت ‪ .‬فأعادنففي مرة أخرى إلى المكاتففب وجلدت مففن جديففد‬
‫وأعادوني مرة ثانية إلى مكاتب التحقيق ‪..‬‬
‫وانتهت مهزلة التحقيق ولكن ‪..‬‬

‫الجولة الثانية مع النيابة‬

‫بعد يومين طلبت للنيابة مرة أخرى ‪ .‬وهناك وجدت عدداً من الشباب أفناهم التعذيب وكساهم ثوب‬
‫عذاب ‪.‬‬
‫فسفألني قناوي ‪ :‬متفى التقيفت بهؤلء ؟ ومتفى تعرففت إليهفم ؟ ومفا هفي أسفمائهم ؟ وأنظفر إلى الشباب‬
‫وأقول سائلة ‪ :‬متى رأيتكم ؟ هل التقيتم بي حقاً ؟ هل تعرفونني قبل اليوم ؟ ما أسماؤكم ؟ ويصرخ‬
‫وكيل النيابة معترضاً مدعيًا أنني أوجههم بأسئلتي ‪ ،‬فأرد عليه طالبة منه أن يسألهم متى التقوا بي‬
‫ل أن يسألني متى التقيت بهم ؟ ويسألهم الواحد بعد الخر وتكون الجابة واحدة لم نلتق بها ‪.‬‬
‫فيقول القناوي ‪ :‬ولكنكم قلتم في التحقيقات انكم التقيتم بها ‪ .‬فيجيبون ‪ :‬تحت سياط التعذيب كنا نقول‬
‫أي شئ ‪ .‬ثم نعاد جميعًا إلى المكاتب !! مكاتب التعذيب !! عشرات وعشرات المرات عرض عل يّ‬
‫الشباب الصابر ما بين خيام النيابة ومكاتب اللم والعذاب والقهر ‪.‬‬

‫عودة إلى المكاتب‬

‫ل إلى مكتفب شمفس بدران أو‬ ‫لقاءات جديدة ففي مكاتفب شمفس بدران وأعوانفه ‪ .‬كانوا يأخذوننفي لي ً‬
‫أحفد زبانيتفه ‪ ،‬ويهددونفي أولً بإعادة التعذيفب ‪ ،‬ثفم يعرضون عليّف شباباً ففي سفن الزهور ورجالً‬
‫وشيوخاً ويسفألونني متفى ‪ :‬التقيفت بهفم ؟ ويكون الجواب ‪ :‬مفن هؤلء الذيفن تسفألونني أيفن التقيفت‬
‫بهم ؟ اسألوهم هم إن كانوا قد التقوا بي ؟ اسألوهم إن كانوا يعرفونني ؟ ‪.‬‬
‫وتنتهففي المواجهففة بصففورة جديدة مففن التعذيففب ‪ :‬كالوقوف فففي مكان مظلم وأحففد العسففاكرخلفي‬
‫يضرب بالكرباج على الرض ويأمرني أن أسفتمر ففي خطوة "مكانك سر"‪ ،‬فإذا بلغفت العياء ولم‬
‫أسفتطع السفتمرار ففي تلك الحركفة ‪ ،‬وأقدامفي ممزقفة ومربطفة بأربطفة الشاش عاجلنفي بعشرة أو‬
‫عشرين سوطا على جسدي كيفما اتفق ‪ . .‬ثم إلى زنزانة المستشفى!‬
‫وسفأضرب أمثلة للتعذيفب بعفد انتهاء النيابفة مفن التحقيفق لتعرفوا ماذا كان عبفد الناصفر وماذا كان‬
‫أنصاره وأعوانه ‪.‬‬

‫التعذيب‬

‫‪77‬‬
‫أخذونفي ففي منتصفف ليلة مفن لياليهفم السفوداء إلى مكتفب مجاور لمكتفب شمفس بدران ‪ ،‬كان يجلس‬
‫فيه أحد شياطينه "جلل الديب "‬
‫الذي أخذ يسألني‪..‬قال ‪ :‬اشرحي يا زينب يا غزالي اتصالتك بخالدة الهضيبي وأحمد ثابت زوجها‬
‫ومففففففففففففففففففففففففففففا دورهمففففففففففففففففففففففففففففا فففففففففففففففففففففففففففففي التنظيففففففففففففففففففففففففففففم ؟‬
‫قلت ‪ :‬نشاط خالدة الهضيبي معي كان محصورا في مساعدة أسر المسجونين ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أي نوع من المساعدات ؟‬
‫قلت ‪ :‬مساعدات مالية أو عينية ‪ ،‬وشرحت له نوعية العينية – بعد سؤاله – أنها كالقمشة والدقيق‬
‫والقمح والرز والسمن والفاصوليا ‪ .‬وعاد يسألني عن زوجها أحمد ثابت ‪ .‬ولما أوضحت له أنه لم‬
‫يكفن له مفن عمفل إل الحضور إلى المركفز العام للسفيدات المسفلمات ليوصفل الشياء التفي أرسفلها‬
‫لخالدة لتسلمها للسر – دون أن ينزل من العربية – رفض تصديقي وأسلمني إلى صفوت فأوقفني‬
‫ليتصفرف ‪ ،‬وتصفرف صففوت فأوقفنفي ووجهفي للحائط مكررا السفؤال عفن صفلة خالدة الهضيفبي‬
‫بالتنظيم ‪.‬‬
‫ولما مضت ساعة دون أن أغير من موقفي بدأ يهددني بالكلب وبالضرب وأصررت على أقوالي‬
‫‪ .‬ودخفل حمزة البسفيوني فطلب منفه جلل الديفب أخذى إلى الكلب ‪ .‬وأخذونفي إلى حجرة مظلمفة‬
‫وأدخلوا كلبفا معفي وتركونفي اكثفر مفن سفاعتين مفع الكلب ثفم أعادونفي إلى المسفتشفى ‪ .‬وففى الليلة‬
‫الثانيفة أعادوا اسفتجوابي عفن علقفة خالدة بالتنظيفم وأصفررت على موقففي السفابق ‪ ،‬وتركنفي جلل‬
‫الديفب ففي الغرففة ‪ ،‬وخرج ليرسفل لي صففوت فيضربنفي بقدميفه وبيديفه حيثمفا اتففق ‪ ،‬ثفم يغلق على‬
‫الحجرة ويخرج ليعود بعد ساعتين فيعيدني إلى المستشفى!‬

‫المال‬

‫ومرة أخرى طلبوني لمكتب شمس بدران وقال شمس ‪ :‬لقد أتينا بالزيني من غزة ‪ .‬وقد تعرف عليه‬
‫المرشفد ومأمون الهضيفبي ‪ .‬وهفو الذي أتاك بالمال وإذا لم تتعرففي عليفه سفيتم إعادتفك للتحقيفق مفن‬
‫اللف للياء! إنففت فاهمففة؟ والمهففم يففا بنففت يففا زينففب أن الزينففي قففد اعترف ‪ .‬وأخذونففي إلى حجرة‬
‫وجدت فيها رجل في صورة ل يمكن معها أن يتعرف عليه أحد ‪ ،‬وأخرجوني وأعادوني إلى شمس‬
‫‪.‬‬
‫وقال شمس ‪ :‬من هذا؟ قلت ‪ :‬ل أعرفه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لقفد تعرف الكفل عليفه ‪ . .‬إنفه صفادق الزينفي‪ ،‬يفا بنفت الفففف ‪ . .‬وتدخفل جلل الديفب ليطلب مفن‬
‫شمفس أن يسفألني عفن المال لي غرض هفو؟ وسفألني شمفس وأجبتفه بأنفه للسفر‪ :‬للكفل ‪ ،‬للتعليفم ‪،‬‬
‫للعلج ‪ .‬لسر السود خلف قضبان سجونكم ‪.‬‬
‫وجن جنون شمس فصاح بحمزة ‪ :‬خذها وألقها للثعابين ل للكلب ‪.‬‬
‫وخرجت مع حمزة وصفوت ‪ ،‬وأخذوني إلى المستشفى وطلب حمزة كرسيا فجلس عليه ثم قال ‪:‬‬
‫إنت صعبانة على يا زينب ‪ ،‬لن آخذك إلى الثعابين ‪ ،‬قولي لي لي غرض كان المال ؟‬
‫قلت ‪ :‬لقد حققتم معي بخصوص هذا الموضوع ‪.‬‬
‫وكان جلل الديفب قفد وصفل ليسفأل ‪ :‬هفل اعتدلت أم ل؟ وكان جواب حمزة ‪ :‬اتركهفا لي يفا جلل‬
‫يبدو أنها اشتاقت للكلب ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الكلب ‪ ،‬لقفد كانفت ففي نظري أرق منهفم شعورا وأسفمى واكثفر إدراكفا‪ .‬كنفت كلمفا حبسفوني مفع‬
‫الكلب أحسفست عمفق بشاعتهفم وازداد احتقاري ‪ ،‬وأصفبح المفر ل يشغلنفي كثيرا ‪ .‬بفل أصفبحت‬
‫أفضل أن أظل مع الكلب على أن أبقى ثواني مع شمس أو حمزة أو جلل ‪..‬‬
‫وذات ليلة أخذونفي إلى مكتفب شمفس بدران بعفد العشاء جلسفت ل أدرى كفم ‪ ،‬ولكنفى أغمفى على‪،‬‬
‫فأسفعفوني بالحقفن وأعادونفي إلى المسفتشفى وبعفد ثلثفة أيام أخذونفي ثانيفة إلى مكتفب شمفس بدران‬
‫الذي أقسم برأس عبد الناصر إنه سيعيد تعذيبي من رقم ‪1‬إلى رقم ‪ 34‬إن لم أجب بصراحة على ما‬
‫يوجه إلى من أسئلة ‪.‬‬
‫وكانففت هذه الرقام قففد مرت على بصففنوف مففن التعذيففب مختلفففة الصففور‪ ،‬متعددة اللوان ‪ .‬وابتدأ‬
‫حديثفه بقوله ‪ :‬يفا بنفت يفا زينفب ‪ ،‬أنفا سفأذكر لك حادثتيفن حصفلوا معفك ‪ :‬حادثفة فيهفا محمفد قطفب و‬
‫الهضيبي وأخوات محمد قطب وكان فيها على عشماوي ومأمون الهضيبي‪.‬‬
‫وبنقول لك إن هذه الحاجات اعترف بهفا حسفن الهضيفبي ومحمفد قطفب ‪ . .‬راح تكذبينفا لكفن مفن أيفن‬
‫كنا سنعرفها؟‪ . .‬الحادثة التي فيها على عشماوي ستقولين ‪ :‬إن على كذاب ‪ . .‬لكن الثانية ليس فيها‬
‫على ‪ . .‬قال شمففس بدران ‪ :‬فففي يوم كلمففت محمففد قطففب ونزل لك مففن حلوان بالليففل ‪ ،‬فأعطيتففه‬
‫مصففاغك وخمسففمائة جنيففه ‪ ،‬وقلت له ‪ :‬الخمسففمائة جنيففه سففلمهم للوالدة "تقصففد حرم الهضيففبي"‬
‫ومصفاغي هذا أنفا متبرعفة لسفر الخوان ‪ ،‬خذهفم يفا محمفد ‪ . .‬أعطهفم للسفت الوالدة ففي الوقفت‬
‫المناسب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬هذه الحادثة حصلت وما الذي يصيبني فيها؟ مصاغي أتبرع به كما أشاء‪ ،‬وقد تبرعت‬
‫إلى اكرم وجفه للخيفر‪ ،‬لجماعفة الخوان المسفلمين إعانفة للسفر‪ .‬أمفا المال فقفد كان للخوان وكان‬
‫على أن أرده لصله عندما أخشى عليه ‪ .‬قال شمس ‪ :‬الخمسمائة جنيه كانوا للتنظيم ل للسر‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬ل‪ ،‬للسر‪ .‬قال ‪ :‬على عشماوي قالي ‪ :‬إنها للتنظيم ‪ .‬قلت ‪ :‬على عشماوي كذاب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬محمد قطب قال إنه ل يعرف الغرض من الخمسمائة جنيه ‪ .‬لكن أنت بعثت بها مع المصاغ ‪.‬‬
‫وقلت له ‪ :‬أعطها لحرم الهضيبي ‪ .‬قلت ‪ :‬واجهوني بمحمد قطب ‪ .‬لقد قلت له ‪ :‬إن الخمسمائة جنيه‬
‫مساعدة للسر ‪ .‬قال ‪ :‬طيب ‪ ،‬وكيف جاءت هذه الخمسمائة جنيه ؟‬
‫قلت ‪ :‬في يوم جاءنفي على عشماوي يطلب منفى ورقة لخ من السفعودية ليتمكن من مقابلة المرشد‬
‫أو مأمون ‪ ،‬وأفهمتففه أن الخ مأمون ل يحتاج إلى واسففطة وان المرشففد فففي السففكندرية‪ ،‬إل أن‬
‫مأمون موجود وبإمكانففففه أن يقابله ‪ .‬وعاد إلى عشماوي بعففففد ذلك ‪ ,‬وقال لي ‪ :‬إن هذا الخ قابففففل‬
‫مأمون وتففبرع بهذا المبلغ وإن مأمون طلب منففه إعطاء المبلغ للحاجففة زينففب الغزالي ‪ ،‬فكلف الخ‬
‫الذي من السعودية ‪ -‬حسب رواية على عشماوي ‪ -‬أن يوصل على عشماوي المبلغ إليك وأن المبلغ‬
‫مساعدة للسر ‪.‬‬
‫قال شمففس بدران ‪ :‬المبلغ لم يكففن للسففر‪ ،‬لن محمففد قطففب قال ذلك ‪ .‬فقلت مؤكدة ‪ :‬إننففي وحدي‬
‫القادرة على تقرير الحقيقة‪ ،‬وإنه ل بد أن يكون المر قد التبس على الستاذ محمد قطب إن كان قد‬
‫قال ذلك ‪ .‬قالوا‪ :‬سنعيدك للتعذيب ‪ . .‬هتتكلمي ول يأخذك صفوت ؟!‬
‫قلت ‪ :‬واجهونففي بمحمففد قطففب ‪ .‬ولمففا واجهونففي بالسففتاذ محمففد قطففب ‪ ،‬قال ‪ :‬إننففي سففلمته المال‬
‫والمصاغ ليوصله إلى الوالدة وحاولت أن أذكر حضرته بما قلته له من أن المبلغ كان للسر وكان‬
‫عندي أمانة ‪ ،‬لم يستطع أن يتذكر‪ ،‬إل أنه قال ‪ :‬ما دامت الحاجة متأكدة أنها قالت لي هذا فإن قولها‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫وأوقفونفي إلى الصفباح ووجهفي للحائط ثفم أعادونفي للمسفتشفى ‪ .‬وبعفد يوميفن أخذونفي إلى مكتفب‬
‫شمفس بدران الذي بادرنفي بقوله ‪ :‬نحفن نريدك يفا زينفب أن تعترففي بالتنظيفم الذي كان محمفد قطفب‬
‫قد أسسه ‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫وأجبت ‪ :‬لقد سئلت من قبل في هذا وأجبت بان محمد قطب لم يؤسس تنظيما‪.‬‬
‫فقال لصففوت ‪ :‬علقهفا يفا صففوت ! وعلقنفي صففوت وجلدونفي على قدمفي! ‪ . .‬ثفم أخذت لمكتفب‬
‫مجاور لمكتففب شمففس بدران ‪ ،‬وقال لي رجففل مففن رجاله ‪ -‬ل أعرف اسففمه ‪ -‬كان يجلس بجانففب‬
‫حسن خليل دائما‪ :‬ووجهي يا بنت يا زينب ‪ :‬إنت عبيطة ! أنت ل تعرفي تخلصي نفسك ؟! الخوان‬
‫كذبوا عليففك كثيرا‪ ،‬فلماذا ل تتفاهمففي معنففا وتعطينففا بعففض المعلومات عففن محمففد قطففب ؟ ونحففن‬
‫سنحفظ لك هذا الجميل ونبدأ نتفاهم معاك ! قلت ‪ :‬كيف أتفاهم معكم ؟ أنا أحتقر طرقكم وباطلكم !‬
‫أنتم عملء للشيطان ‪ ،‬لن تستطيعوا أن توقعوا بيننا نحن عباد الرحمن ! نحن ل يصدق الخ منا في‬
‫أخيه شيئا مهما حاولتم الوقيعة والدسيسة ‪ . .‬أريحوا أنفسكم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬سنعيد التعذيب من جديد ‪ .‬وستحقق النيابة معك مرة أخرى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬النيابة منكم وأنتم منها‪ ..‬أنتم جميعا ل تعرفون طريق ال ‪ .‬أنتم من الضالين المغضوب عليهم‬
‫‪..‬‬
‫ودخل حمزة البسيوني وفى يده ورقة وضعها أمامه وسأله ‪ :‬هي لسه مغلباك يا باشا؟ وخرج حمزة‬
‫وابتدأ هو يتكلم في موضوع محمد قطب ثانية‪ .‬وخرج وجاء صفوت وضربني بالسوط حيثما اتفق‬
‫ثفم خرج ووجهفي للحائط ‪ . .‬بعفد سفاعة تقريبفا دخفل شيطان آخفر أخفذ يشرح لي مفا سفيترتب على‬
‫تعاونفي معهفم بإعطائهفم معلومات عفن التنظيفم الخاص بمحمفد قطفب مفن نتائج ففي صفالح زوجفي‬
‫وأشقائي وصالحي شخصيا‪.‬‬
‫ولمفا لم يتغيفر معفي أخذونفي إلى حجرة الكلب ‪ .‬وففى هذه المرة كان مفع الكلب ففي الزنزانفة رجفل‬
‫قال له حمزة البسفيوني ‪ :‬إن لم يأكلهفا الكلب فكلهفا أنفت يفا ولد! وأغلقفت الزنزانفة لسفاعتين لم اكفف‬
‫فيهما عن قول "حسبنا ال ونعم والوكيل " أما الرجل والكلب فكأن خرسا لحق بهما حتى فتح الباب‬
‫وأخذت إلى المستشفى ‪.‬‬
‫وفى اليوم التالي أخذت إلى مكتب رياض إبراهيم الذي سألني عمن قابلت من كرداسة ‪.‬‬
‫أجبفت ‪ :‬أنفا ل أعرف شيئا عفن كرداسفة هذه ‪ .‬قال ‪ :‬ألم يقابلك أحفد منهفا أبدا؟ أجبفت ‪ :‬ل‪ . .‬فذكفر أن‬
‫أحمد عبد المجيد من كرداسة‪ .‬ثم قال مهددا بأنه ذاهب إلى الباشا ليرسل لي من يتفاهم معي وخرج‬
‫‪ .‬ودخفل عسفكري أمرنفي بالوقوف وأن أديفر وجهفي إلى الحائط وضربنفي على ظهري بالسفوط !‬
‫وبعد مرور وقت طويل أخذوني إلى المستشفى ‪.‬‬
‫كل هذا أيها القارئ العزيز بعد تحقيق النيابة ‪.‬‬
‫وبعد أيام طلبوني لمكتب رياض ‪ -‬ثانية ‪ -‬وواجهني بسيدات لم أرهن من قبل ‪ ،‬وسألني عمن تكون‬
‫زوجفة السفيسي مفن بينهفن قلت ل أعرفهفا‪ ،‬وإذا بهفم يدخلون شابفا صفغير السفن والعسفكري خلففه‬
‫بالسفوط ويسفألون ‪ :‬أيفن هفي زينفب الغزالي ؟ فنظفر الشاب وقال ‪ :‬ل أعرف ‪ .‬ولمفا سفألوه ثانيفة عفن‬
‫زوجة عباس السيسي أجاب ثانية ‪ :‬ل أعرف ‪ .‬فسألوه عمن قابلته من السيدات الموجودات فأجاب ‪:‬‬
‫لم يقابلني أحدها فأخرجوه كما أدخلوه بالسوط يلسع ظهره ‪.‬‬
‫ثم فوجئت بحميدة قطب تدخل وخلفها صفوت ‪ .‬وسألوها عن زوجة السيسي قالت ‪" :‬ل أعرفها" ‪.‬‬
‫ثم أخرجوا السيدات الربع وأخرجوا حميدة وبقيت مع رياض ‪ .‬قال ‪ :‬اسمعي يا بنت يا زينب ‪. .‬‬
‫أل تعرفيففن واحدا مففن الخوان متزوجففا مففن أربعففة ؟ قلت ‪ :‬ل‪ . .‬قال ‪ :‬هففل تعتقديففن أنففى أقول لك‬
‫فزورة ؟ ! هناك واحد من الخوان متزوج أربعة ‪ .‬إن لم تقولي من هو ستضربين ‪ .‬قلت ‪ :‬افعل ما‬
‫تشاء‪.‬‬
‫أمروا أن أضفع وجهفي ففي الحائط وقام وضربنفي عدة كرابيفج وتركنفي ففي الحجرة وخرج ‪ . .‬وبعفد‬
‫ساعتين عاد ومعه صفوت الروبي الذي أخذني إلى المستشفى ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫علبة اللحم المفروم !‬

‫قرر الطباء أن حالتفي الصفحية متدهورة‪ ،‬وان لم يسفمحوا لي بأكفل مفن المنزل فإن حياتفي يخشفى‬
‫عليهفا‪ ،‬ول أسفتطيع الذهاب إلى المحكمفة ‪ .‬فسفمحوا لي بدخول الكفل وكان عبارة عفن فاكهفة ولبفن‬
‫زبادي فقط ‪.‬‬
‫وفى يوم احتالت أختي لتدخل لي لحما‪ ،‬فأفرغت علبة لبن جافة وملتها لحما مفروما وأدخلتها على‬
‫أنهفا لبفن جاف ‪ .‬ولم يكشفهفا أحفد حتفى أنفا ‪ .‬وكان معهفا بعفض الزبادي والبرتقال ‪ . .‬أخذت نصفيبي‬
‫وأخذ عبد المعبود التمرجي يوزع الباقي على الخوان المرضى في المستشفى ‪ .‬وكان معنا الستاذ‬
‫عبفد العزيفز على – وزيفر البلديات السفابق – وكنفا نتقاسفم كفل واحفد برتقالة وكفل اثنيفن سفلطانية‬
‫زبادي ‪ .‬وبعد التوزيع ناديت الممرض ورجوته أن يوزع هذه العلبة على الخوان ‪ ،‬كل واحد كوب‬
‫لبفن فخرج بهفا ثفم عاد إلى مرة ثانيفة وهفو يقول ‪ :‬هذا ينفعفك أنفت يفا حاجفة‪ ،‬دي فيهفا لحفم مفروم ‪،‬‬
‫فرجوتفه أن يوزعهفا ‪ :‬كفل واحفد يأخفذ ملعقفة‪ .‬ففعفل وعاد وففى العلبفة اللحفم المفروم ‪ ،‬ورجوتفه أن‬
‫يوصفله إلى السفتاذ عبد العزيفز ومعه علبفة زبادي‪ ،‬وسفأل عبد المعبود لم أختفص بهذا؟ فأجبفت مفن‬
‫زنزانتففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففي ‪:‬‬
‫الحمد ل الذي يرزق عباده ! فأجابني ‪ :‬الحمد ل ‪ ،‬إنه هو الرزاق ذو القوة‪.‬‬
‫ولمففا انصففرف الممرض سففألني ‪ :‬كيففف صففرح بدخول الطعام ؟ وأوضحففت له مففا فعله الطففبيب‬
‫ونصحته أن يطلب من الطبيب أن يدخل له طعام ‪ .‬وطلب فعل من الطبيب ‪.‬‬
‫وكان الخوان يدخرون مففن ضرورياتهففم القليلة مففا يعاونون بففه إخوة لهففم تمزقففت أجسففامهم مففن‬
‫التعذيفب ‪ ،‬فهفم يحتاجون إلى غذاء خاص وعنايفة خاصفة‪ ،‬ممفا جعلنفا نفرح لي شيفء يصفلنا مفن‬
‫الخارج ؟ ولو كان ذلك شيئا عاديا في حياة الناس ‪.‬‬

‫التجويع حتى في المستشفى!‬

‫مر ما يقرب من عام على اعتقالي ولم يسمح لي بالكل من الخارج إل قبل المحاكمة بثلثة أشهر؟‬
‫خوفا من أن أموت قبل أن يحاكموني بأباطيلهم‪ .‬وتلك كانت طريقتهم في الحياة ‪ :‬الخداع والبهتان ‪.‬‬
‫أبشفع مفن هذا مفا عرفتفه بعفد ذلك عندمفا زارتنفي أختفي ووالدتفي قبفل المحاكمفة بأيام وقالت لي ‪ :‬إن‬
‫صفوت الروبي كان يطلب منهم في اليام الولى لعتقالي أكواما من الطلبات من الدوية والفاكهة‬
‫والملبس ‪ .‬وكان يشترط أن تكون الملبس جديدة ‪.‬‬
‫لقفد كانفت خطفة مدبرة لسفتنزاف قدراتنفا ‪ -‬معاشفر المجاهديفن ‪ -‬بإرهاق أسفرنا ففي الخارج ‪ .‬أرادوا‬
‫أن يقولوا للناس الذيففن سففيسمح لهففم بدخول محكمتهففم ‪ :‬إن معاملتنففا للمتهميففن على أحسففن مففا يرام‬
‫بدليل أنهم بصحة جيدة وأن الكل دخل لهم من الخارج وهكذا من مفترياتهم التي ل تنتهي ‪. .‬‬
‫أمفا التعذيفب والتنكيفل والتهديفد فحدث ول حرج ‪ ،‬لئن لم يكفن فيمفا ذكرتفه الكفايفة ممفا لقيفت فإنفي‬
‫سفأضرب لك ‪ -‬أيهفا القارئ ‪ -‬بعفض المثلة على مففا كان يعانيفه المسففجونون مففن الجوع وخاصففة‬
‫المرضى ‪.‬‬
‫ذات يوم دخل شاب من الخوان ‪ ،‬جسمه ممزق من التعذيب ‪ ،‬وحضروا به إلى المستشفى لعلجه‬
‫وأخفذ الطفبيب يبحفث عفن قطعفة سفكر‪ .‬ولكنفه لم يجفد ففي المسفتشفى وسفمعت الهرج والسفؤال عفن‬
‫قطعة السكر ‪ .‬فطرقت باب زنزانتي ولما فتحوا رجوتهم أن يأخذوا برطمانا صغيرا كان به عسل‬

‫‪81‬‬
‫نحل جاءني مع الطعام من الخارج ‪ ،‬أخذ الممرض العسل وأمره الطبيب أن يعطى ملعقة للمريض‬
‫‪ . .‬وهذا يحدث بطبيعة الحال بعيدا عن أعين الزبانية؟ فمثل هذا من الممنوعات في المستشفى! ! ‪.‬‬
‫ومرت اليام ‪ .‬ووصففلت بهففم الحال إلى تعذيبنففا بمنففع الماء عففن المريففض ‪ .‬فيظففل طوال الليففل ل‬
‫يشرب نقطفة ماء – ونحفن ففي أشهفر الصفيف – حتفى أصفبح الحصفول على نصفف كوب ماء مفن‬
‫المعجزات ‪ ،‬كنففت مريضففة جدا وحالتففي الصففحية سففيئة‪ ،‬فسففمحوا لي بدخول بعففض الماء‪ ،‬وكان‬
‫بجواري أخ كريفم ففي الزنزانفة المجاورة فكنفت أقسفم معفه هذا القليفل مفن الماء ‪ ،‬ولن تصفدق أيهفا‬
‫القارئ إذا ذكرت لك الطريقة التي كنت أوصل بها الماء إليه ‪ ،‬لن تصدق أنني كنت أضع الماء في‬
‫كيفس نظارتفي وأناوله إياه مفن فرجفة بيفن الحائط الورقفي وجدار الزنزانفة‪ ،‬ليطففئ ظمأه ولو قليلً !‬
‫كان جسمه ممزقة من سياطهم وكان أحوج ما يكون إلى هذا القليل ! ‪. .‬‬
‫لقد تفنن الظالمون في وساثل التعذيب ‪ . .‬لم تبق طريقة قديمة أو حديثة إل استعملوها وأضافوا إليها‬
‫‪...‬‬

‫وتاب الوحش‬

‫وسأقص عليك ‪ ،‬أخي القارئ ‪ ،‬قصة حدثت وأنا بالمستشفى تجعلك تزداد يقينا بأن في هذا الشعب‬
‫خامات طيبفة وقلوبفا طاهرة؟ لو وجدت التوجيفه السفليم لتفت ثمارهفا وعبدت ربهفا‪ ،‬ودافعفت عفن‬
‫عقيدتهفا بكفل مفا تملك مفن جهفد ومال ‪ . .‬كان معنفا ففي المسفتشفى عسفكري ممرض اسفمه ‪ :‬صفلح‬
‫وكان مكلففا بإعطاء الحقفن للمرضفى ومراقبفة الزنزانات ‪ .‬وذات يوم كنفت ذاهبفة إلى دورة المياه‪،‬‬
‫وإذا بالهواء يرففع بطانيفة كانوا يسفتعملونها بابفا لزنزانفة السفتاذ المام الشهيفد سفيد قطفب ‪ ،‬لنهفا‬
‫كانفت بغيفر باب خشفبي‪ ،‬وتصفادف مفع رففع البطانيفة مروري أمام الزنزانفة ‪ ،‬وقامفت الدنيفا ففي‬
‫المسفتشفى‪ ،‬كيفف تحدث هذه الجريمفة البشعفة ‪ ،‬وترى زينفب الغزالي سفيد قطفب وهفو جالس ففي‬
‫زنزانته ! وقام المدعو صلح يشتم ويسب ‪.‬‬
‫وممففا زاد الموضوع بشاعففة أن صفففوت الروبففي كان داخل إلى المسففتشفى فففي هذه اللحظففة فأراد‬
‫العساكر أن يثبتوا له أنهم حريصون على تنفيذ الوامر‪ ،‬ول يسمحون لحد أن يرى أخاه ؟ ولو كان‬
‫ذلك صدفة بسبب بطانية رفعها الهواء ! كان صلح أشبه بوحش كاسر ل إنسانية ول عقل ول دين‬
‫‪ ،‬وكان السفتاذ سفيد قطفب يلطففه ويخفبره بأنفه ل دخفل له ول ذنفب ففي رففع البطانيفة‪ ،‬وظفل يكلمفه‬
‫بكلم هادئ حلو حتى جعل هذا الوحش يلين ويستحي‪ . .‬ثم يأتيني بعد أيام نادما يقول ‪ :‬إنه يريد أن‬
‫يسفلم مفن جديفد‪ ،‬يسفألنى ماذا عليفه أن يعمفل حتفى يكون مسفلما صفحيحا‪ . .‬وسفألته ‪ :‬هفل تسفتطيع أن‬
‫تحتمل مثل ما ترى مع الخوان ؟‬
‫قال ‪ :‬إذا أسلمت إسلمهم فسيصبرني ال إن شاء ويقويني ‪ .‬سألته تقول ‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول‬
‫ال ؟ قال ‪ :‬نعففم ‪ ،‬ثففم رددهففا أمامففي ‪ . .‬فقلت ‪ :‬إذن ‪ ،‬ل تفعففل إل مففا يأمرك ال بففه ول تطففع أمففر‬
‫الطواغيت من البشر؟ مادام ذلك في معصية ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنفا أريفد أن أفهفم السفلم الحقيقفي‪ ،‬السفلم الذي جعلكفم تتحملون كفل هذا العذاب بصفبر ل‬
‫يستطيعه بشر‪.‬‬
‫فطلبفت منفه أن يرجفو السفتاذ سفيد قطفب أن يفهمفه السفلم حيفن يذهفب إليفه ليعطيفه الحقفن وأرسفلت‬
‫معه تحية للخ العزيز‪. .‬‬

‫وقرب موعد المحاكمة‬

‫‪82‬‬
‫وانقضت أيام ‪ ،‬وجاءت عريضة التهام بموعد المحاكمة‪ ،‬وكانت مهزلة لم يشهد لها التاريخ مثيل‪،‬‬
‫ولقد اخبرونا أن الحكام في درج شمس ‪ .‬وقد حرمونا حق الدفاع ومقابلة المحامين ‪ ،‬فحين طلبت‬
‫انتداب السفتاذ أحمفد الخواجفة قيفل لي‪ :‬إنفه ممنوع مفن الدفاع ففي هذه القضيفة ‪ .‬فقلت ‪ :‬إذن ل أريفد‬
‫محاميا‪ ،‬سأدافع أنا عن نفسي ‪.‬‬
‫فانتدبوا لي محاميفا مسفيحيا ليتولى الدفاع عنفى وصفرحوا لهلي بزيارتفي قبفل المحاكمفة ‪ .‬فجاءت‬
‫والدتفي وأختاي اللئى كدن يغمفى عليهفن لمفا رأيفن مفن تغيفر صفورتي وضعففى الشديفد‪ ،‬وشجعتهفن‬
‫وجلست معهن ‪ ،‬ومعنا صفوت وحمزة البسيوني مشرفين على الزيارة ‪.‬‬
‫وطلبفت مفن أهلي أل يوكلوا محاميفا عنفى‪ ،‬ولكنفى علمفت منهفم أنهفم وكلوا السفتاذ حسفين أبفو زيفد‬
‫واتفقوا معفه على ألف جنيفه نصففها قبفل المحاكمفة ‪ .‬فأوصفيتهم بعدم إنفاذ التفاق ‪ ،‬إل أنفى فوجئت‬
‫يوم المحاكمفة بالمحامفى أبفو زيفد يداففع عنفى ‪ .‬وففى مسفاء اليوم السفابق للمحاكمفة أخذت إلى مكتفب‬
‫شمففس بدران الذي قال لي ‪ :‬المطلوب منففك أل تعترضففي على أي شيففء جاء فففي التحقيقات ‪ ،‬وأن‬
‫تصففدقي على كففل كلمففة وردت فففي الوراق ‪ ،‬وإذا اعتذرت إلى المحكمففة بان الخوان خدعوك‬
‫وأظهرت ندمك على ما فعلت فان المحكمة ستخفف عنك الحكم ‪ . .‬إياك أن تعترضي على أي كلمة‬
‫جاءت في التحقيقات ‪ ،‬نحن نريد أن نخدمك ‪ .‬فإذا قررت أنك تتبرئين من الخوان المسلمين وأنهم‬
‫خدعوك فإننا سنخدمك خدمة عظيمة ‪.‬‬
‫قلت له ‪( :‬يفعل ال ما يشاء ويختار‪ .‬ما كان لهم الخيرة من أمرهم ‪ .‬قال ‪ :‬كلميني بالعربي ‪ . .‬ما "‬
‫ترطنيش "‪ . .‬أنا ل أفهم ما تقولين ‪ . .‬الظاهر أنك ل تنوين الخير‪ ،‬نحن نريد أن نخدمك ‪ .‬قلت له ‪:‬‬
‫"وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول‬
‫حبة في ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مبين "‪.‬‬
‫قال ‪ :‬خذهففا يففا حمزة وهففى حرة تفكففر فففي مصففلحتها أول تفكففر‪ .‬قال حمزة ‪ :‬اتركهففا يففا بيففه ‪ ،‬أنففا‬
‫سففأتفاهم معهففا وخرجففت مففن مكتففب شمففس بدران إلى مكتففب مجاور له ‪ ،‬وأخففذ حمزة البسففيوني‬
‫يقنعنفي بان يكون موقففي ففي المحكمفة البراءة مفن الخوان المسفلمين ‪ ،‬ويعيفد على مسفمعي مفا سفبق‬
‫أن كرروه مرات ومرات من أن الهضيبي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل قد غرروا بي ‪.‬‬
‫وبذل لي الوعففد بأنهففم سففيسلموني النقود التففي صففودرت منففى كهديففة بسففيطة أولى لي ‪ .‬على قدر‬
‫كلمفي ففي المحكمفة عفن تغريفر الخوان بفي سفتكون هديفة جمال عبفد الناصفر لي ! ونصفحني أن‬
‫أتعقل وأعود معه إلى شمس باشا لعده بتنفيذ رغباته ويكفيني ما حدث ‪.‬‬
‫سمعت كل ما قاله ولم أجب ‪ ،‬لم املك حين كرر أنه يريد تخليصي من الحكم بالعدام إل أن قلت له‬
‫‪ :‬أنفت ل تسفتطيع أن تسفتخرج مفن جسفمك البول إذا أتحبفس منفك يفا مسفكين ! ‪ . .‬أرجعنفي إلى‬
‫الزنزانة ‪ . .‬وأخذت أفكر في أمر هؤلء الطواغيت وفى استعداد المحكمة لتنفيذ كل ما يريدون ! !‬
‫ولم أسفتطع أن افهفم ‪ -‬والمفر بيدهفم والمحكمفة بيدهفم ‪ -‬هذا الحرص على أل نتكلم ففي المحكمفة أو‬
‫نغير أقوالنا ! يبدو لي ‪ -‬يا عزيزي‬
‫القارئ ‪ -‬أن التمثيلية ل تتم إل بهذا الفصل الخير وهو مهزلة المحكمة التي يريدون عرضها أمام‬
‫الشعفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففب المكبفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففل‬
‫بالقيود ‪ .‬وكأنهم يريدون أن يقولوا له ‪ :‬انظر‪ ،‬ها هم الخوان يريدون قتل الرئيس وفد شهدوا على‬
‫أنفسهم بذلك ‪ ،‬ولكن خيب ال ظنهم فجاءت النتيجة عكس ما يتوقعون ‪ . .‬لقد كانت مهزلة‪.‬‬
‫وأي مهزلة اكبر من أن يأتوا بأمثال الفريق الدجوي ليجلس في منصة القضاء؟!‬

‫بشرى‬
‫‪83‬‬
‫وففى غمرة تلك الحداث رأيفت – فيمفا يرى النائم – أنفى أقفف ففي سفاحة قيفل إنهفا المحكمفة التفي‬
‫سنحاكم فيها‪ ،‬وبينما أنا واقفة إذا بالحوائط تزول وإذا بي وسط ساحة كبيرة مساحتها الرض كلها‪،‬‬
‫وإذا بالسفماء تظلل الرض وتنطبفق عليهفا كأنهفا خيمفة أطبقفت على الرض لي وإذا بالنور يغمفر‬
‫الرض كلهفا ‪ ،‬نور يصفل مفا بيفن السفماء والرض ‪ ،‬وإذا بفي أرى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫يقفف أمامفي وأنفا خلففه وأسفمعه يقول ‪ :‬اسفتمعي يفا زينفب لصفوت الحفق ‪ ،‬وسفمعت صفوتا يخترق‬
‫أقطار السفماوات والرض يقول ‪ :‬سفتنعقد هنفا محاكفم الباطفل وسفتصدر أحكام الطواغيفت وسفيحكم‬
‫عليكفم ظلمفا وعدوانفا أنتفم حملة المانفة ورواد الطريفق ( فاصفبروا وصفابروا ورابطوا واتقوا ال‬
‫لعلكم تفلحون ) ‪.‬‬
‫كانففت هذه بعففض الكلمات التففي سففمعتها تخترق أقطار السففماوات والرض ببلغففة لم أسففتطع أن‬
‫أعيها لقوتها وشدة تأثيرها وأخذها بالنفس والقلب والجوارح‪.‬‬
‫وعندما انتهى هذا الصوت ‪ ،‬التفت إلى حضرة النبي صلى ال عليه و سلم وأشار إلى جهة اليمين ‪،‬‬
‫نظرت فإذا بجبل تقارب قمته عنان‬
‫السماء‪ ،‬غير أنه كالبساط الخضر تكسوه أرض خضراء‪.‬‬
‫فقال لي حضرة النفبي (صفلى ال عليفه وسفلم) ‪ :‬يفا زينفب ! اصفعدي هذا الجبفل فسفتجدين عنفد القمفة‬
‫حسفن الهضيفبي‪ ،‬بلغيفه هذه الكلمات ‪ .‬ونظفر إلى نظرة عميقفة أخذت بكفل كيانفي غيفر أنفه صفلى ال‬
‫عليه وسلم يتحدث بكلمات منطوقة‪ ،‬ولكنى أحسست أنى حملت الكلمات فعل‪ ،‬وفهمت ما يريده منى‬
‫‪ ،‬ورفففع الرسففول الكريففم صففلوات ال وسفلمه عليففه يده إلى الجبففل ‪ ،‬فوجدت نفسفي وأنففا صفاعدة‬
‫التقيفت ففي طريقي بخالدة الهضيفبي وعلية الهضيفبي فسألتهما‪ :‬هل أنتفم معنفا في الطريفق ؟ أجابتفا ‪:‬‬
‫نعم ‪.‬‬
‫وتركتهمففا وواصففلت السففير وعلى بعففد أمتار التقيففت بأمينففة قطففب وحميدة قطففب وفاطمففة عيسففى‬
‫فسألتهن ‪" :‬أنتم معنا على الطريق ؟‬
‫قلن ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وأخذت طريقي في الصعود حتى وصلت إلى القمة ‪ .‬فوجدت أرضا مبسوطة فوق قمة الجبل وفى‬
‫وسفطها سفاحة مفروشفة بالبسفط وعليهفا الرائك والمسفاند والهضيفبي يجلس ففي الوسفط ‪ .‬فلمفا رآنفي‬
‫وقففففففف وأقبففففففل على يحيينففففففي وهففففففو فرح بقدومففففففي عليففففففه ‪ ،‬فلمففففففا صففففففافحته قلت‬
‫له ‪ :‬أنفا مكلففة مفن حضرة الرسفول أن أبلغفك كلمات أمانفة مفن الرسفول ‪ .‬أمانفة منفه عليفه الصفلة‬
‫والسفلم ‪ .‬قال لي ‪ :‬إنهفا بلغتنفي والحمفد ل ‪ .‬وجلسفنا وكأن هذه الكلمات تنقفل عفن طريفق الرواح ل‬
‫عن طريق لفظ مصور في كلمة منطوقة ‪ .‬ولما جلست إلى الهضيبي رأيت على الرض في سفح‬
‫الجبفل قطارا فيفه امرأتان عاريتان ‪ ،‬فنبهفت الهضيفبي‪ ،‬فنظفر إلى مفا ففي القطار‪ .‬وكنفت متألمفة جدا‬
‫لما أرى فقال لي ‪ :‬أتعترضين عليهما؟ قلت ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هل تعتقدين أن الذي وصلنا إليه بأيدينا وبأنفسنا ‪ .‬إنه بفضل ال علينا فل تشغلي نفسك بهما‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬علينا أن نقاوم حتى نقومهما!‬
‫قال ‪ :‬هل بنفسك تستطيعين ؟ قلت ‪ :‬بال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلنحمد ال على ما أعطانا‪ .‬ورفع يديه وكأنه يحمد ال ‪ ،‬ورفعت يدي وحمدت ال معه ‪.‬‬
‫ونحن نكرر الحمد ل استيقظت من النوم ‪ .‬ولم يعد هناك ما أخشاه ‪.‬‬
‫وأكاد أحس ببرد وسلم وراحة واطمئنان ‪ ،‬وغسلت تلك الرؤية ما بي من ألم وأذهبت ما بقلبي من‬
‫حزن ( فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم‬
‫ولدخلنهففم جنات تجري مففن تحتهففا النهار ثوابففا مففن عنففد ال وال عنده حسففن الثواب ) ‪ ( . .‬ل‬
‫‪84‬‬
‫يغرنفك تقلب الذيفن كفروا ففي البلد) ‪ ( . . . .‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا اصفبروا وصفابروا ورابطوا واتقوا‬
‫ال لعلكم تفلحون ) آل عمران‪.‬‬

‫اليوم الموعود‬

‫القضية الولى من سبع قضايا قدمت للمحاكمة‬

‫استيقظنا يوم المحاكمة وأخرجونا إلى المكاتب في انتظار العربات التي ستقلنا إلى المحكمة ‪ .‬وفى‬
‫حوالي الثامنفة امتلت سفاحة السفجن الحربفي برجال البوليفس ضباطفا وجنودا وكأنهفم ذاهبون إلى‬
‫سفاحة القتال ‪ ،‬وجاءت عربفة وصفعدنا فيهفا وتكدس حولنفا الحراس مفن ضباط وجنود وذهبنفا إلى‬
‫المحكمة وهناك أدخلونا القفص ‪ :‬كنا (‪ )43‬ثلثة وأربعين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬سيد قطب إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬محمد يوسف هواش ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد الفتاح عبده إسماعيل ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أحمد عبد المجيد عبد السميع ‪.‬‬
‫‪ - 5‬صبري عرفة إبراهيم الكومي ‪.‬‬
‫‪ - 6‬مجدي عبد العزيز متولي ‪.‬‬
‫‪ - 7‬عبد المجيد يوسف عبد المجيد الشاذلي ‪.‬‬
‫‪ - 8‬عباس سعيد السيسي‪.‬‬
‫‪ - 9‬مبارك عبد العظيم محمود عياد ‪.‬‬
‫‪ – 10‬فاروق أحمد على المنشاوى ‪.‬‬
‫‪ -11‬محمد إسماعيل يوسف ‪.‬‬
‫‪ - 12‬ممدوح درويش مصطفى الديري ‪.‬‬
‫‪ - 13‬محمد أحمد محمد عبد الرحمن ‪.‬‬
‫‪ – 14‬جلل الدين بكرى ديساوي ‪.‬‬
‫‪ - 15‬محمد عبد المعطى إبراهيم الجزار ‪.‬‬
‫‪ - 16‬محمد المأمون يحيى زكريا ‪.‬‬
‫‪ - 17‬أحمد عبد الحليم السروجي ‪.‬‬
‫‪ - 18‬صلح محمد محمد خليفة ‪.‬‬
‫‪ – 19‬السيد سعد الدين السيد شريف ‪.‬‬
‫‪ - 20‬محمد عبد المعطى عبد الرحيم ‪.‬‬
‫‪ – 21‬إمام عبد اللطيف عبد الفتاح غيث ‪.‬‬
‫‪ -22‬عبد العزيز العرفي سلم ‪.‬‬
‫‪ - 23‬فؤاد حسن على متولي ‪.‬‬
‫‪ - 24‬محمد أحمد البحيري ‪.‬‬
‫‪ - 25‬حمدي حسن صالح ‪.‬‬
‫‪ - 26‬مصطفى عبد العزيز الخضيري ‪.‬‬
‫‪ - 27‬السيد نزيلي محمد عويضة ‪.‬‬
‫‪ - 28‬مرسى مصطفى مرسى ‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ - 29‬محمد بديع عبد المجيد محمد سامي ‪.‬‬
‫‪ - 30‬محمد عبد المنعم شاهين ‪.‬‬
‫‪ - 31‬محمود أحمد فخري ‪.‬‬
‫‪ - 32‬محمود عزت إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ -33‬صلح محمد عبد الحق ‪.‬‬
‫‪ - 34‬حلمي محمد صادق حتحوت ‪.‬‬
‫‪ - 35‬إلهام يحيى عبد المجيد بدوي ‪.‬‬
‫‪ - 36‬عبد المنعم عبد الرءوف يوسف عرفات ‪.‬‬
‫‪ - 37‬محمد عبد الفتاح رزق شريف ‪.‬‬
‫‪ - 38‬زينب الغزالي الجبيلي ‪.‬‬
‫‪ - 39‬حميدة قطب إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ - 40‬محيى الدين هلل ‪.‬‬
‫‪ – 41‬عشماوي سليمان ‪.‬‬
‫‪ - 42‬مصطفى العالم ‪.‬‬
‫وليعلم القارئ أن المكمل للعدد هو "على عشماوي" الذي اعتبر شاهد ملك ببيعه دينه بحياة ذليلة ‪.‬‬
‫فلما دخلنا القفص وحضر من يسمونهم القضاة‪ ،‬نادى الدجوي أسماءنا واحدا واحدا سائل كل منا ‪:‬‬
‫هل لك اعتراض على المحكمة؟ ‪.‬‬
‫ويجيففب الخ ‪ :‬ليففس لي اعتراض على الشخاص ‪ ،‬ولكنففى أعترض على القانون الذي نحاكففم بففه‬
‫لنه قانون جاهلي‪ ،‬ونحن ل نحتكم إل لشرع ال ‪.‬‬
‫ولمفا فرغ مفن سفؤالنا جميعفا‪ ،‬قال ‪ :‬قررت المحكمفة أن تحاكفم زينفب الغزالي وحميدة قطفب محاكمفة‬
‫خاصة فأخرجونا من القفص ‪ ،‬ثم‬
‫أشرنفا إلى بعفض أهالينفا الموجوديفن بالقاعفة بالتحيفة‪ ،‬ثفم أدخلونفا حجرة أغلقوهفا علينفا حتفى انتهفت‬
‫الجلسفة فأخرجونفا إلى العربفة ومنهفا إلى السفجن الحربفي ‪ .‬كان ذلك يوم ‪ 10/4/1966‬ومكثنفا ففي‬
‫الزنزنات حتفففى يوم ‪ . 17/5/1966‬لتعاد مسفففرحية المحكمفففة‪ ,‬كمفففا سفففبق أن ذكرت مفففن أن تلك‬
‫المحاكمة هى الفصل الخير الذي يريدون عرضه أمام الشعب ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الباب السادس‬

‫محكمة !!‬

‫ففي يوم ‪ , 1965 /5 /17‬أخذونفا إلى المحكمفة ‪ ،‬وأدخلونفا القففص ‪ .‬هيئة المحكمفة يتقدمهفا الفريفق‬
‫الدجوي منتفففخ الوداج ‪ ،‬وجلس أعضاء النيابففة فففي مكان عففن يمينففه ‪ .‬تلي منصففة النيابففة منضدة‬
‫عليهفا عدد مفن الصفحفيين ‪ ،‬كانوا قفد حضروا قبفل هيئة المحكمفة‪ ،‬وأخذوا يصفوروننا ‪ .‬وكان معهفم‬
‫صحفي يدعى عبد العظيم ؟ طالما جاء ليلتقط بعض الصور لنشاط المركز العام للسيدات المسلمات‬
‫فقلت له ‪ :‬يفا عبفد العظيفم احتففظ بهذه الصفور لعلنفا نحتاجهفا يومفا مفا‪ ،‬ولعله أن يكون قريباً ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫حاضر‪ .‬وكانت هذه شجاعة منه ولكنه ارتعش واصفر وجهه وتغير لونه وهو يجيب ‪.‬‬
‫وبعفففد دقائق لم أره ففففي القاعفففة ‪ ،‬والتففففت إلى الصفففحفيين أسفففألهم ‪ :‬ماذا تفعلون ؟ وابتدأ الدجوي‬
‫المحاكمة بأن نادى اسمي فخرجت من القفص لرد على أسئلته ‪ ،‬وكانت كل السئلة التي وجهها ل‬
‫تمت بصلة لكلمي في التحقيق ‪ .‬فكنت أقول له ‪ :‬هذا الكلم لم أقله في التحقيق ‪. .‬‬
‫وأكتفي هنا بسؤالين أجبته عنهما ‪:‬‬
‫قال لي ‪ :‬إن حسن الهضيبي قال ‪ :‬إن الربعة آلف جنيه التي أعطيته إياها سرقتها من زوجك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬الربعفة آلف جنيفه اشتراكات وتفبرعات مفن الخوان المسفلمين ؟ لحسفاب أسفر المسفجونين‬
‫لطعامهفم وكسفوتهم وتعليمهفم ‪ .‬آلف السفر التفي شردهفا جمال عبفد الناصفر بعفد محاكمات ‪1954‬‬
‫وهو ما قلته في التحقيق ‪.‬‬
‫فارتبك وارتعد وكأن عقربا لدغه وسأل ‪ :‬عندما كسرت رجلك كنت خائفة على هذا المبلغ فلماذا؟!‬
‫ولمفا جاءك عبفد الفتاح إسفماعيل ففي المسفتشفى أرسفلته ليأخفذ المبلغ مفن الخزنفة ففي منزلك ويسفلمه‬
‫للهضيفبي فلماذا؟ قلت ‪ :‬لنهفا أموال الدعوة السفلمية‪ ،‬حفق المسفجونين المجاهديفن الذيفن شردتفم‬
‫أسرهم وخفت عليها ولو مت سيأخذها الورثة وهى ليست ملكي‪ ،‬لكنها ملك الدعوة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬هفي ملك التنظيفم حتفى تشتروا بهفا سفلحا‪ .‬والهضيفبي قال إنفه ل يعرف مصفدر هذه الموال ‪،‬‬
‫إل أنك أخذتها من زوجك ‪.‬‬
‫وتدخلت النيابة وقال ‪ .‬سيد قطب يقول إنه قال لحميدة ‪ .‬بأن الضربة تكون شاملة وعلى أوسع مدى‬
‫‪.‬‬
‫أجبت ‪ :‬هذا لم يحدث ‪ .‬قال وكيل النيابة ‪ :‬وهل يكذب سيد قطب ؟ قلت ‪ :‬حاشا ل أن يكذب ‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫فانفتفح وكيفل النيابفة كالمجرور القذر‪ ،‬وأخذتنفي الدهشفة فلم اكفن أتوقفع أن أسفمع هذه اللفاظ القذرة‬
‫مفن النيابفة ففي قاعفة المحكمفة ‪ .‬وهكذا اسفتطاع الطاغوت أن يقضففى على الكرامفة والخلق ففي‬
‫مصر؟!‬
‫انتهى الدجوي من سؤالي ومناقشتي فعدت إلى القفص ‪ ،‬وخرجت حميدة لتجيب على أسئلته ‪ .‬ولما‬
‫فرغففت مففن الجوبففة وعادت إلى القفففص ‪ .‬ابتدأت مرافعففة النيابففة ولسففت أدرى إذا كان يجوز أن‬
‫أسميها مرافعة ‪ .‬فقد هبطت فيها النيابة إلى درك أسفل من انحطاط اللفظ وقبحه ‪ ،‬وشنيع ما نطقت‬
‫به من عبارات القذف في العراض والسباب للبرياء ‪ .‬وكانت ظلمة تخيم على وجه المتكلم باسم‬
‫النيابة وتمتد لتطمس المحكمة كلها‪ . .‬وضاق صدري بالباطل المجسم في النيابة والمحكمة‪ ،‬فرفعت‬
‫يدي أطلب الكلمة ‪ .‬فظن الدجوي المدعى أنه قاض ‪ ،‬وأني سأعتذر خوفا من باطلهم وتهديدهم وما‬
‫طلبتفه النيابفة مفن إعدامفي لن الشغال الشاقفة المؤبدة ل تكاففئ جريمتفي ‪ . .‬ونظفر الدجوي نحوي‬
‫والجهل يغطى وجهه وقال ‪ :‬تكلمي ‪.‬‬
‫وقففت وقلت ‪" :‬بسفم ال الرحمفن الرحيفم ‪ . .‬نحفن أمناء أمفة وورثفة كتاب وحماة شريعفة‪ ،‬ولنفا ففي‬
‫رسول ال أسوة حسنة ‪ .‬وإننا لثابتون على الطريق حتى نرفع راية ل إله إل ال وحده ل شريك له‬
‫وأن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬وحتى تلتزم بها المة ‪ .‬وحسبنا ال ونعم الوكيل فيما افترى الظالمون ‪.‬‬
‫وأشرت إلى النيابة والمحكمة معا وأنا أردد ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل في هذا الباطل والبهتان والثم‬
‫المبين " ‪ .‬وأخذت الدجوي نوبة هستيرية فصار يصرخ ‪" :‬أسكتي أسكتي هي بتقول إيه ؟ يعنى إيه‬
‫(أسوة)‪ .‬إيه معناها الكلمة دي؟! ويكرر هذا ‪ . .‬وهنا ضجت القاعة بالضحك على ذلك الذي حكموا‬
‫عليفه أن يكون قاضيفا وهفو ل يفهفم معنفى كلمفة "أسفوة" وهكذا كان عبفد الناصفر ينتقفي رجاله ! !‬
‫وهل يكون أعوانه الخاسرون إل خاسرين ؟! !‬
‫جلسفت وأنفا أقول ‪ :‬مفا الجهفل إل مفسفدة ولكفل سفوء مجلبفة ‪ .‬ليشهفد التاريفخ على مفن يحاكموننفا‬
‫ويحكموننا‪. .‬‬
‫وانتهفت الجلسفة وعدنفا إلى السفجن وعاد كفل منفا إلى زنزانتفه بعفد أن حاسفبوني على مفا قلت ففي‬
‫المحكمة‪. .‬‬

‫أجهل من الجاهلية ‪. .‬‬

‫واعتقدت أنفه بمحاكمتفي انتهفت المتاعفب بالنسفبة لي‪ ،‬ولكنفى فوجئت بأنهفم يسفتدعونني للتحقيفق مرة‬
‫أخرى في المكاتب ‪ ،‬ويسألونني عن أشخاص ‪ ،‬فإذا أجبت بأني ل أعرفهم بدءوا معي التعذيب من‬
‫جديفد والوقوف ووجهفي للحائط ‪ .‬وهكذا اسفتمر التعذيفب رغفم انتهاء المحاكمفة‪ ،‬فهفل وقفع هذا مفن‬
‫محاكم التفتيش أو أي محاكم أخرى في التاريخ ؟ هل وقع في بداية الدعوة وفى ظلم جاهلية قريش‬
‫؟ اللهم ل ! ! والتاريخ يشهد ‪.‬‬

‫النطق بالحكام‬

‫جاء اليوم الموعود للنطففق بالحكام ‪ ،‬أخرجونففا أنففا وحميدة فففي عربففة خلف عربففة الرجال ومعنففا‬
‫الحرس ‪ ،‬وذهبنففا لنسففتمع إلى الحكام ‪ .‬أجلسففونا فففي حجرة وانتظرنففا إلى أن انتهففى الحكففم على‬
‫الرجال فأدخلونا القاعة وكان أحد الضباط يجلس فيها‪ ،‬نادى اسمي ثم قال ‪ :‬زينب الغزالي الجبيلي‬
‫أشغال شاقفة مؤبدة ‪ 25‬عامفا مفع مصفادرة المضبوطات ‪ .‬قلت ‪ :‬ال اكفبر ول الحمفد‪ ،‬ففي سفبيل ال‬

‫‪88‬‬
‫وففى سفبيل دعوة الحفق ‪ ،‬دعوة السفلم ‪ ! ،‬ول تهنوا ول تحزنوا وأنتفم العلون إن كنتفم مؤمنيفن )‬
‫آل عمران‬
‫ثم نادى حميدة قطب وقال ‪ :‬عشر سنوات أشغال شاقة‪ ،‬فضممتها إلى صدري وأنا أردد ‪ :‬ال اكبر‬
‫ول الحمد‪ ،‬في سبيل دولة القران ‪ ،‬الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء ال‪.‬‬
‫وصرنا نردد هذا حتى وصلنا إلى حوش المحكمة ‪ ،‬فوجدنا الخوان في العربات ‪ ،‬وكنا قلقين نريد‬
‫أن نطمئن على أحكامهم ‪ ،‬فلما رأونا صاحوا سائلين ‪ :‬إيه يا أخت زينب ؟!‬
‫قلت ‪ 25:‬سنة أشغال شاقة مؤبدة في سبيل دولة السلم الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء ال ‪.‬‬
‫عادوا يسألون ‪ :‬والخت حميدة؟ قلت ‪ :‬عشر سنوات أشغال في سبيل ال ودعوة السلم ‪.‬‬
‫وسألتهم عن أحكام الخ سيد قطب والخ عبد الفتاح إسماعيل ويوسف هواش وبقية الخوة‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬شهداء ففي سفبيل ال ! ففهمفت أنفه إعدام وقلت ‪ :‬اللهفم تقبفل ففي سفبيل دولة السفلم الحاكمفة‬
‫بالقرآن والسنة إن شاء ال ‪.‬‬
‫وجاء صففوت الروبفي ومعفه عسفاكر مفن السفجن الحربفي وعسفاكر مفن البوليفس فأخذونفي وحميدة‬
‫بالقوة إلى عربففة صففغيرة وجاء الصففحفيون ليصففورونا‪ ،‬وهجمففت على آلة تصففوير أحدهففم أريففد‬
‫تكسفيرها‪ . .‬صفائحة فيهفم ‪ :‬يفا مصففقون لكفل ظالم ' يفا آكلي السفحت على موائد الطواغيفت ‪ ،‬ماذا‬
‫تفعلون ؟‬
‫وعدنا إلى السجن وجرت المحاسبة على ما صدر‪ .‬ومنذ هذا التاريخ بعد صدور الحكام جمعونا أنا‬
‫وحميدة قطب في زنزانة واحدة ‪.‬‬

‫لحظات في رضوان ال‬

‫وبعد الحكم بخمسة أيام طرق باب الزنزانة وفتح ودخل علينا الخ سيد قطب ومعه الضابط أركان‬
‫حرب السجن – ويدعى إبراهيم – وصفوت الروبي ‪ .‬وانصرف الضابط وبقى صفوت والخ سيد‬
‫قطب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬مرحبا يا أخ سيد‪ ،‬هذه مفاجأة سارة وغالية علينا جدا‪ ،‬إنها لحظات من رضوان ال أن تجلس‬
‫إلينا ‪.‬‬
‫وجلس يتحدث إلينا عن الجال ومواعيدها وأنها بيد ال ول أحد يتحكم فيها إل ال ‪ ،‬وأمرنا بالرضا‬
‫والتسفليم ‪ ،‬وكان الحديفث عفن الرضاء بقضاء ال ‪ ،‬وأسفر إلى حميدة ببعفض كلمات ‪ ،‬كمفا أسفر لي‬
‫ببعض كلمات أيضا ‪.‬‬
‫وهنفا غضفب صففوت وزمجفر وأنهفى المقابلة ‪ .‬وهكذا الطغاة ل يسفتطيعون ممارسفة الخيفر ففي أي‬
‫لحظة من حياتهم ‪ .‬ونظر إلينا المام الشهيد وقال ‪ :‬ما علينا‪ . .‬فلنوطن أنفسنا على الصبر‪ . .‬وسلم‬
‫علينا وانصرف ‪. .‬‬

‫المساومة الخيرة قبل العدام‬

‫طلب الطغاة حميدة ليلة تنفيذ الحكم بالعدام ‪ .‬وسأتركها تقص علينا ما جرى ‪.‬‬
‫قالت‪ :‬اسفتدعاني حمزة البسفيوني إلى مكتبفه ‪ ،‬وأرانفي حكفم العدام ‪ ،‬والتصفديق عليفه ‪ .‬ثفم قال لي ‪:‬‬
‫إن الحكومفة مسفتعدة أن تخففف هذا الحكفم إذا كان شقيقفي يجيبهفم إلى مفا يطلبون ‪ ،‬ثفم أردف قائل ‪:‬‬
‫إن شقيقفك خسفارة لمصفر كلهفا وليفس لك وحدك ‪ ،‬إننفي غيفر متصفور أن نفقفد هذا الشخفص بعفد‬
‫ساعات ‪ ،‬إننا نريد أن ننقذه من العدام بأي شكل وبأي وسيلة‪ .‬إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من‬
‫‪89‬‬
‫حكفم العدام ‪ .‬ول أحفد يسفتطيع أن يؤثفر عليفه إل أنفت ‪ ،‬أنفت وحدك مكلففة بأن تقولي له هذا‪ . .‬أنفا‬
‫مكلف بأن أبلغه هذا ولكن ل أحد أفضل منك في تبليغه هذا المر‪ .‬بضع كلمات يقولها وينتهي كل‬
‫شيء! نريد أن يقول ‪ :‬إن هذه الحركات كانت على صلة بجهة ما‪ ،‬وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة‬
‫لك ‪ ،‬أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي ‪.‬‬
‫قلت له ‪ :‬ولكنففك تعلم ‪ -‬كمففا يعلم عبففد الناصففر ‪ -‬أن هذه الحركففة ليسففت على صففلة بأي جهففة مففن‬
‫الجهات ‪.‬‬
‫قال حمزة البسفيوني‪ :‬أنفا عارف وكلنفا عارفون أنكفم الجهفة الوحيدة ففي مصفر التفي تعمفل مفن أجفل‬
‫العقيدة‪ ،‬نحن عارفون أنكم أحسن ناس في البلد‪ ،‬ولكننا نريد أن نخلص سيد قطب من العدام ‪.‬‬
‫قلت له ‪ :‬إذا كان سيادتك عاوز تبلغه هذا فل مانع !‬
‫فنظفر إلى صففوت وقال ‪ :‬خذهفا يفا صففوت إلى أخيهفا‪ .‬وذهبفت إلى شقيقفي وسفلمت عليفه وبلغتفه مفا‬
‫يريدون منففه ‪ ،‬فنظففر إلى ليرى أثففر ذلك على وجهففي‪ ،‬وكأنففه يقول ‪" :‬أنففت التففي تطلبيففن أم هففم ؟‬
‫واستطعت أن أفهمه بالشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك ‪.‬‬
‫وهنا نظر إلى وقال ‪" :‬وال لو كان هذا الكلم صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الرض‬
‫أن تمنعني من قوله ‪ .‬ولكنه لم يحدث وأنا ل أقول كذبا أبدا" ‪ .‬سأل صفوت ‪ :‬يعنى ده رأيك ؟ أجاب‬
‫بقوله ‪ :‬نعم ‪ .‬فتركنا صفوت وقال ‪ :‬على العموم تقدروا تقعدوا مع بعض شويه ‪. .‬‬
‫وانصففرف وأفهمففت أخففي الحكايففة مففن أولهففا‪ ،‬وقلت له ‪ :‬إن حمزة اسففتدعاني وأرانففي تنفيففذ حكففم‬
‫العدام‪ .‬وطلب منى أن أطلب منك هذا الطلب ‪ .‬سال ‪ :‬وأنت ترضين ذلك ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬إنهم ل‬
‫يسفففتطيعون ضرا ول نفعفففا‪ .‬إن العمار بيفففد بال ‪ ،‬وهفففم ل يسفففتطيعون التحكفففم ففففي حياتفففي ول‬
‫يستطيعون إطالة العمار ول تقصيرها‪ ،‬كل ذلك بيد ال ‪ .‬وال من ورائهم محيط ‪.‬‬

‫ونفذ الطاغوت أحكامه‬

‫وبعد أيام سمعنا عن تنفيذ الحكام بالعدام في المام الشهيد سيد قطب والشهيد عبد الفتاح إسماعيل‬
‫‪ ،‬والشهيفد محمفد هواش ‪ .‬ووقفع علينفا إعدام سفيد قطفب وأخويفه موقفع الصفاعقة‪ ،‬فالكفل كريفم عزيفز‬
‫مجاهد" وشقيقة سيد تقيم معي في الزنزانة‪ ،‬كيف أواسيها؟ كيف أخفف عنها؟ ما الذي أستطيع أن‬
‫أفعله ؟ بففل كيففف أخفففف عففن نفسففي؟ وبماذا أواسففى نفسففي فففي هذا المصففاب ؟ إن الحادث جلل ‪،‬‬
‫والمصاب فادح ‪ ،‬فإعدام سيد قطب وأخويه في ال والجهاد ليس بالمر الهين ! ‪. .‬‬
‫سيد قطب مفسر القرآن‪ ،‬الداعية السلمي‪ ،‬الحكيم في فهمه وبيانه وصفاء منهجه ‪ ،‬وقوة حجته ‪،‬‬
‫المتمسك بدينه ‪ ،‬الواثق بنصر ال !‬
‫أليفس هفو صفاحب التفسفير العظيفم "ففي ظلل القران ) الذي فتفح بابفا جديدا للتفكيفر ففي كتاب ال‬
‫والوقوف عند أحكامه ‪ ،‬وبين كيف يكون اللتزام ؟! سيد قطب الذي وضح في مقدمة سورة النعام‬
‫‪ :‬أين الطريق ؟‬
‫سفيد قطفب ‪ . .‬صفاحب ‪ :‬هذا الديفن ‪ ،‬والعدالة الجتماعيفة‪ ،‬والمسفتقبل لهذا الديفن ‪ ،‬والتصفوير الفنفي‬
‫ففي القرآن ‪ ،‬ومشاهفد القيامفة ‪ ،‬ومفا يربفو على العشريفن كتابفا ففي كفل معرففة مفن علوم القرآن ! إن‬
‫الكلمات ل تسعف في المواساة في مثل هذا الحادث ‪.‬‬
‫اقرأوا "المعالم التعرفوا لماذا حكم عليه بالعدام !‬
‫إن البعفث السفلمي ففي القوتيفن العظمييفن هفو مفا يركفز عليفه الشهيفد سفيد قطفب ‪ .‬ومعنفى ذلك أن‬
‫تنتهي دولة القوتين العظميين وأن تحكم الشريعة العالم ' ل تلك الهمجية الجاهلية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫نعفم ‪ .‬إن بعفث السفلم معناه إنهاء قوة المريكان والروس وأن تقوم القوة الشرعيفة صفاحبة الحفق‬
‫الشرعي في حكم هذا العالم (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران ‪ . . 110:‬وستقوم بإذن ال‬
‫( وال متم نوره ولو كره الكافرون ) الصف ‪. 8 :‬‬

‫اليام الخيرة بعد الحكام في السجن الحربي‬

‫يوم تنفيفذ الحكام رأيفت سفيد قطفب ففي سفنة خفيففة بعفد صفلة الفجفر‪ .‬فقال لي ‪ :‬إعلمفي أنفي لم أكفن‬
‫معهم ‪ ،‬أنا كنت في المدينة مع حضرة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وتنبهت فحكيت لحميدة ‪.‬‬
‫وفى صبيحة اليوم الثاني لتنفيذ أحكام العدام ‪ ،‬أخذتني سنة من النوم كذلك بعد صلة الفجر‪ ،‬وأنا‬
‫أتلو أذكار ختم الصلة‪ ،‬فسمعت صوتا يقول لي‪ :‬سيد في الفردوس العلى ورفقته في عليين ‪.‬‬
‫تنبهت وحكيت لحميدة فانهمرت دموعها وقالت ‪ :‬أنا على ثقة من فضل ال علينا وبأنه إن شاء ال‬
‫في الفردوس العلى ‪ .‬قلت لها‪ :‬وهذه الرؤى تثبيت من ال سبحانه وتعالى ومواساة ‪ .‬نعم ونفذ أمر‬
‫ال وعشنا في شدة قل أن يحتملها بشر‪ ،‬وظننا أننا سنعيش في صمت نضمد الجراح ل تلحقنا فيه‬
‫قسفوة السفتجوابات والتحقيقات ‪ .‬فقفد انتهفت المعركفة الفاجرة بعفد الحكام وتنفيذهفا‪ .‬ولكفن كيفف ! !‬
‫فمففا زال الفجار يطلبوننففي للمكاتففب وأترك حميدة نهبففا لللم والقلق والنتظار الخائف القلق حتففى‬
‫أعود إليهفا فتسفألني‪ ،‬فأحكفي لهفا أن الطغاة قبضوا على مسفلمين جدد وأنهفم يسفألونني عفن أسفماء ل‬
‫أعرفها‪ ،‬ويريدون أن يلفقوا لي قضية أخرى فحكم المؤبد ل يكفيهم ‪ .‬نعم عشنا بعد الحكام وتنفيذها‬
‫ففي السفجن الحربفي مهدديفن ‪ ،‬لم ترتففع عفن حياتنفا ظلل التهديفد والتعذيفب ‪ .‬لكنفا وجدنفا ففي القران‬
‫خيففر سففكن فعشنففا معففه وصففدق ال ( أل بذكففر ال تطمئن القلوب ) الرعففد ‪ ، 128 :‬وطلبنففا أن‬
‫يصفرحوا لنفا بقراءة الجرائد وأمفر حمزة بإحضارهفا لنفا على حسفاب أماناتنفا ففي السفجن ‪ ،‬وجاءتنفا‬
‫الجرائد فخفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففت مفففففففففففففففففففففففففففففففففففففن قسفففففففففففففففففففففففففففففففففففففوة‬
‫النقطاع ووصلتنا بأخبار الحياء خارج السوار ! ‪.‬‬
‫عشنفا ففي السفجن الحربفي نلوك شدة قسفوة اليام وتهديدات المكاتفب ‪ ،‬فلم تنقطفع المؤامرات على‬
‫حكفم عبفد الناصفر وكلمفا وجدوا مشتركفا ففي مؤامرة عسفكرية سفألوا زينفب الغزالي هفل تعرففه ‪،‬‬
‫وتكررت صور الرهاب والتهديد ‪ ،‬فلم تكن تمر أيام إل ومؤامرة عسكرية جديدة ‪ ،‬والويل لزينب‬
‫الغزالي إذا كان بالمؤامرة مدني! ! ‪.‬‬

‫ومات زوجي‬

‫عقب رجوعي من سماع الحكام طلبت من حمزة البسيوني أن يرسل لزوجي لنني أريد مقابلته ‪،‬‬
‫ولمفا لم يحضفر كررت طلبفي‪ ،‬فطلبونفي ففي المكتفب وسفألوني عفن سفبب إلحاحفي فقلت ‪ :‬لقفد حكفم‬
‫على بالسجن ‪ 25‬سنة وأنا أريد أن أبلغه أنني أعفيه من التمسك برباط الزوجية ليكون حرا بعد ذلك‬
‫في تصرفه ‪.‬‬
‫أجاب حمزة في غلظة ‪ :‬سيعملها جمال عبد الناصر‪ ،‬ما أعدمكيشي ‪ .‬لكن حا يموتك بالتدريج ! ‪. .‬‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ال الفعال ‪ ،‬وعبد الناصر وأنتم والدنيا كلها مجتمعة ل تستطيع أن تسقط ورقة من شجرة إل‬
‫بإذن ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬نحن سنأتي لك قريبا بورقة الطلق ‪ .‬خرجت وأنا أقول ‪ :‬أنتم وحوش ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وعدت إلى الزنزانفة ‪ ،‬ومرت أيام قاسفية ‪ ،‬وففى يوم كنفت أصفلى الفجفر وأتلو القرآن فأخذتنفي سفنة‬
‫مفن النوم ‪ ،‬فرأيفت فيمفا يرى النائم صفورة زوجفي ففي صففحة الوفيات وأنفا أقرأ نعيفه ‪ ،‬انتبهفت وأنفا‬
‫أردد ‪ :‬اللهم ل أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه !‬
‫ووجدت حميدة تردد نفس الدعاء‪ ،‬دهشت لكنى كتمت عنها ما رأيت ‪ ،‬وتكررت الرؤيا ‪.‬‬
‫ووصلتنا الجرائد صباح يوم جمعة فأخذت أتصفحها‪ ،‬وإذا بي أجد نعى زوجي ‪ .‬قلت ‪ :‬أشهد أن ل‬
‫إله إل ال وأن محمد! رسول ال ‪ ،‬إنا ل وإنا إليه راجعون ‪ .‬في الجنة إن شاء ال يا حاج محمد! ‪.‬‬
‫توففى زوجفي ‪ . .‬ولقفي ربفه ‪ ،‬يحمفل بيفن يديفه سفجلً حافلً بفجور الطغاة‪ ،‬يعرضفه عليفه سفبحانه ‪،‬‬
‫الحفففي القيوم ‪ ،‬الديان ‪ ،‬مالك السفففماوات والرض ‪ .‬لقفففد حمله الطغاة‪ ،‬وهفففو على فراش المرض‬
‫ومصففابا بالذبحففة الصففدرية‪ ،‬إلى السففجن ‪ ،‬وقففد سففاوموه على حريتففه نظيففر أن يدلي بأقوال معينففة‬
‫ضدي ‪ . .‬أنفا زوجتفه ! ! فلمفا رففض نقلوه إلى سفجن انفرادي‪ ،‬فيفا للعار! ! لقفد آثفر أن يلقفى سفالم‬
‫محمد سالم فوق إسفلت الزنزانة‪ ،‬وأن يظل كذلك حتى تهددت حياته بالخطر‪ ،‬وطلب طبيب السجن‬
‫الحربي "دكتور ماجد" ضرورة الفراج عنه لخطورة الحالة ‪.‬‬
‫وقفد شاء ال له أن يفرج عنفه ‪ ،‬وأن يعيفش ‪ ،‬حتفى يسفمع الحكام التفي تصفم العهفد بالوحشيفة والظلم‬
‫والبربريفة ‪ . .‬فعاوده المرض ولقفي ربفه ‪ ،‬يشكفو إليفه ففي أعلى سفماواته ظلم الطغاة وفجورهفم على‬
‫أرضه ‪.‬‬
‫ومرت أيام وجاءت السففرة لزيارتففي‪ ،‬ومنهففا علمففت أن جمال عبففد الناصففر وجنده خيروا الرجففل‬
‫الطيفب النسفان الفاضفل زوجفي المرحوم الحاج محمفد سفالم سفالم بيفن أمريفن ل ثالث لهمفا‪ :‬إمفا أن‬
‫يطلق زينفب الغزالي الجفبيلي أو أن ينقفل إلى السفجن الحربفي‪ ،‬وطلب منهفم مهلة أسفبوعين يفكفر ‪.‬‬
‫فأصفروا على الختيار فورا‪ ،‬وكان معهفم المدعفو أبفو الوففا دنقفل يهدد الحاج محمفد بتنفيفذ أمفر عبفد‬
‫الناصر‪ ،‬بل إن الفجور بلغ برجال المباحث أنهم أحضروا المأذون معهم ليجري الطلق ‪.‬‬
‫وقع زوجي على ما كتبوا له وهو يقول ‪ :‬اللهم اشهد إنني لم أطلق زوجتي زينب الغزالي الجبيلي ‪.‬‬
‫كما قال لهم ‪ :‬أنا سأموت ‪ ،‬اتركوني أموت بكرامتي‪ ،‬أنا سأموت وهى على عصمتي‪ ،‬حصل ذلك‬
‫ولن زوجفي مريفض ‪ ،‬أصفيب بعفد سفماع الحكام بشلل نصففي‪ ،‬وكان مفن قبفل مصفابا بذبحفة نتيجفة‬
‫استيلء عبد الناصر على شركاته وأمواله وأرضه وبيته ‪ . .‬فحسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫ولم يطل به المر‪ ،‬فقد توفى رحمه ال بعد توقيعه على الطلق ‪ .‬وسمعت السرة وقالت شقيقتي ‪:‬‬
‫إنها لما سمعت بما حدث غضبت ورفعت صورة للحاج كانت في حجرة الصالون ‪.‬‬
‫وغضبفت منهفا وطلبفت أن تعاد الصفورة ‪ .‬فزوجفي كان أخفي ففي ال قبفل أن يكون زوجفي‪ ،‬وبيتفي‬
‫سيبقى بيته مادمت على قيد الحياة‪ .‬لقد جمعت بيننا العقيدة قبل أن يجمع الزواج ‪ ،‬والزواج عرض‬
‫مففن أعراض الحياة ‪ ،‬ولكففن الخوة فففي ال باقيففة خالدة ل تزول ول تقاس بهففا الدنيففا ومففا فيهففا‪،‬‬
‫وعرففت أيضفا مفن السفرة أنهفا قفد حضرت منفذ اللحظفة الولى للوفاة واشتركفت ففي تشييفع الجنازة‬
‫والعزاء قامت بما عليها من واجب وأحسست بشيء من الراحة لذلك ‪.‬‬
‫وحيففن خلوت إلى نفسففي تذكرت رؤيففا مففن ال على بهففا إذ رأيففت حضرة الرسففول عليففه الصففلة‬
‫والسفلم ‪ ،‬وأرخفت لهفا بيفن سفطور المصفحف الذي كنفت أقرأ فيفه ‪ ،‬وعدت إلى التاريفخ فوجدتفه‬
‫مطابقا لتاريخ حادث الطلق ‪.‬‬
‫نعففم رأيفففت حضفففرة النففبي عليففه الصففلة والسففلم يمشففى بملبففس بيفففضاء وخلفففه مباشرة حسففن‬
‫الهضيبي بملبس بيضاء وعلى رأسه طاقية ‪ .‬وأنا أقف ومعي السيدة عائشة ومعها عدد من النساء‪،‬‬
‫وقفع ففي نفسفي أنهفن وصفيفاتها‪ ،‬وكانفت السفيدة توصفيني بكلمات ‪ ،‬فلمفا أصفبح الرسفول عليفه السفلم‬
‫ففي محاذاتنفا نادى عائشفة‪ ،‬وقال لهفا ‪ :‬صفبرا يفا عائشفة‪ ،‬صفبرا يفا عائشفة‪ ،‬صفبرا يفا عائشفة‪ ،‬وكانفت‬
‫حقا عائشة رضى ال عنها تشد يدي كل مرة وتوصيني بالصبر! ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫قمفت وحكيفت الرؤيفا لحميدة ‪ ،‬وأخذت أسفال ال أن يرزقنفي الرضفا والحتمال ‪ ،‬وتيقنفت أن اختبارا‬
‫جديدا في طريقه إلى ‪ ،‬فأخذت أضرع إلى ال أن يمنحني عونه وصبره وثباتا منه سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫إنه مجيب الدعوات ‪.‬‬
‫وانضم إلينا جيران جدد وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة سمعنا ضجة وجلبة في الزنزانة المقابلة‪.‬‬
‫وفتحت زنزانتنا ودخل صلح التمرجي وطلب منا دواء ضد القيء كان قد أدخله لنا في الصباح ‪،‬‬
‫وأعطيناه الدواء ‪.‬‬
‫وعلمنفا منفه ففي اليوم التالي أن المسفجون ففي الزنزانفة المقابلة رئيفس وزراء اليمفن ومعفه عشرون‬
‫آخرون من رجال الحكم هناك ‪ ،‬وأن الشيخ الريانى في الزنزانة المجاورة‪ ،‬لم ندهش لذلك ‪ ،‬فليس‬
‫ثمة شيء يدهش ‪ ،‬وكما يقال من يعش رجبا يرى عجبا!!‬
‫هل حرر عبد الناصر اليمن بما فعل كما قالت أبواق دعايته ؟‬
‫هفل سفمعتم أن إنجلترا عندمفا اسفتعمرت مصفر‪ ،‬أخذت عشرات مفن رجالهفا إلى سفجون لندن ؟ هفل‬
‫حملت بوارج بونابرت إلى سجون باريس رجال مصر بعد حملتها عليها؟‬

‫يجب أن يحاكم عبد الناصر‬

‫هفل لي أن أتسفاءل لمفا لم يحاكفم عبفد الناصفر على مفا ارتكفب مفن جرائم لتسفتطيع مصفر أن تواجفه‬
‫التاريخ وتقف ورأسها مرفوع ؟ ‪.‬‬
‫إن المر لجد خطير إن لم تبرأ مصر من جرائم وقعت في عهد عبد الناصر ‪.‬‬
‫والى أن يأتفي ذلك اليوم فسفتظل مصفر كلهفا مسفئولة عفن جرائمفه ؟ اللهفم إل الجماعفة السفلمية –‬
‫جماعة الخوان المسلمين – التي برئت إلى ال ورفعت صوتها عاليا باستنكار جرائمه ‪ ،‬لقد خدعها‬
‫ففي أيام الحركفة الولى فأيدتفه ‪ ،‬ولمفا علمفت مفن هفو‪ ،‬ولمفن عمالتفه قررت ففي عزمفة اليمان أن‬
‫تقاومه ‪ ،‬وكانت معركة الشرف بين الحق والباطل سنة ‪ ، 1954‬ثم معركة المجد سنة ‪ ، 1965‬نعم‬
‫كانت معركة ‪ 65‬معركة مجد وشرف ‪ ،‬لبعث السلم شامخا قويا‪ ،‬بعد أن خيل للطاغوت أن دعوة‬
‫الخوان أصبحت تاريخا يروى وعمل سدلت عليه الستار‪ ،‬وقصصا تلوكها اللسنة وبعض رجال‬
‫خلف قضبان السجون ‪.‬‬
‫كانت معركة ‪ 1965‬وثبة الشبال ونهضة الشباب من الجيل الذي ولد في أيام انقلب عبد الناصر‬
‫وصفب به كفل ما يملك من سفموم إعلمفه وصفناع حكمه ‪ .‬نعفم ذلك الجيفل الذي استوعبناه وبنينا بفه‬
‫بعثتنفا للدعوة ونظمنفا بفه صففوفنا مفن جديفد‪ ،‬فجفن جنون عبفد الناصفر؟ فقفد سفلبته امرأة ورجفل جيله‬
‫كما كان يصيح فيمن حوله ‪ ،‬كانت المرأة أنا وكان الرجل عبد الفتاح عبده إسماعيل ‪.‬‬
‫نعفم أخذنفا مفن جيله ذلك الفخار مفن شبابنفا فبنيناه للسفلم ‪ ،‬وكانفت معركفة دفعنفا فيهفا أغلى رجال‬
‫الدعوة ‪ :‬سيد قطب المام الفقيه‪ ،‬وعبدالفتاح إسماعيل رجل في أمة وأمة في رجل ‪ ،‬ومحمد هواش‬
‫ذلك العملق في الدعوة وفقهها ‪.‬‬
‫وانتهت أيام السجن الحربي ‪ ،‬والخوان المسلمون كالطود الشامخ شرفا ورجولة ومجدا ‪.‬‬
‫أمفا عبفد الناصفر فسفجل خزيفه يوم حملتنفا عرباتفه وعسفاكره ففي الخامفس مفن يونيفه مفن السفجون‬
‫الحربيفة إلى السفجون المدنيفة لتفسفح المجال لمفن امتلت بهفم السفجون مفن طغمتفه ‪ ،‬يسفتر بهفم عاره‬
‫ويخفى بهم عمالته ‪ ،‬ليستطيع أن يكمل المشوار إلى حيث يتم تنفيذ خطة السياد نعم جاء الخامس‬
‫من يونيو بخزيه وعاره اللذين سيكبلن فرعون القرن العشرين ذلك "الذي طغى في البلد ‪ .‬فأكثر‬
‫فيها الفساد" سيكلله بخزيه وعاره يوم يبعث للحساب ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الباب السابع‬

‫النتقال إلى سجن القناطر‬


‫‪ 5‬يونيو‬

‫قبفل هذا اليوم لن ينسفاه أحفد‪ .‬ففي يومفي ‪ 4 ،3‬يونيفو تكرر فتفح الزنزانفة علينفا بغيفر سفبب وبدون‬
‫مناسبة ‪ .‬وليوجه إلينا سؤال إن كنا نريد شيئا‪ . .‬ثم تدور أحاديث موجهة عن الحرب والحديث عن‬
‫عظمة المنادى بتحرير فلسطين والعرب ! !‬
‫وكنفا نظفل ففي صفمتنا وسفكوتنا ‪ . .‬وذات مرة كان المتحدث هفو الطفبيب ‪ .‬فتسفاءلت ‪ :‬هفل سفنحرر‬
‫فلسفطين ؟! فاحمفر وجهفه غضبفا لغيفر ال وسفأل ‪ :‬يعنفى إيفه ؟ قلت ‪ :‬مفا دامفت الصفهيونية العالميفة‬
‫توجه أساليب الحكم للقوتين العظميين فلن يكون على الحاكمين بأمر هاتين القوتين إل التنفيذ‪ . .‬ولن‬
‫تحرر فلسطين إل بالسلم ‪ ،‬يوم يحكم بالسلم ستحرر فلسطين ! ‪.‬‬
‫وجاء صفباح الخامفس مفن يونيفو ولم تفتفح الزنزانات ‪ . .‬وفجأة فتفح باب الزنزانفة مارد أسفود مفن‬
‫العساكر وصاح ‪ :‬لقد انتصر عبد الناصر يا ولد الففففففففف ‪ .‬وخرج كما دخل ليأتي غيره بعد مهلة‬
‫يشتمنففا وينقففل إلينففا أخبار النتصففار وإسففقاط الطائرات بأعدادهففا ‪ ،‬ويخرج ليدخففل ثالث بعففد فترة‬
‫فيروي أخبار الزعيم الهمام وانتصاراته ‪ . .‬ورابع ‪ . .‬وخامس ‪ . .‬ونحن في صمت ل نجيب ‪ .‬ومع‬
‫أذان العصر فتحت الزنزانة ودخل صفوت الروبي في وحشية وأخذ يضربني بحذاء غليظ فقد كان‬
‫بملبفس الميدان ‪ ،‬كان يأخذنفي بيديفه ويرمينفي إلى الحائط ثفم ينزل بحذائه الغليفظ على جسفدي ركل‬
‫وهففففففففو يقول ‪ :‬إحنففففففففا انتصففففففففرنا يففففففففا بنففففففففت الففففففففف ‪ . . .‬ووقفففففففففت حميدة وهففففففففى‬
‫‪94‬‬
‫تقول ‪ :‬ليه‪. .‬؟! والمجرم ل يكف عن ضربي حتى الغماء فتركني وأخذ يأمر العساكر المصاحبين‬
‫له برمي حاجياتنا خارج الزنزانة‪ ،‬ثم عاد إلى ضربي ‪ .‬بعد ذلك أخرجنا من الزنزانة وساقنا وهو‬
‫ل ‪ :‬انتصفرنا ‪ .‬انتصفرنا غصفب عنفك وموتفك حفل دلوقفت (كان ذلك عصفر ‪5‬‬ ‫يكيفل لي السفباب قائ ً‬
‫يونيو سنة ‪ ) 1967‬وأصعدوني وحميدة عربة جيش مصفحة مملوءة بالحرس من ضباط وعسكر ‪.‬‬
‫وخرجفت السفيارة مفن السفجن الحربفي‪ ،‬وكان أركان حرب السفجن بجانفب سفائق السفيارة‪ ،‬وصفرت‬
‫ففي غيفر وعفى ومفن غيفر تفكيفر مفن قسفوة الضرب أردد ‪ :‬حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ‪ ،‬كنفت أرددهفا‬
‫بصوت مرتفع جدا‪ .‬وأحسست أن السماء والرض وكل الكون ينطق معي ويشكو إلى ال ‪ .‬وكنت‬
‫كلمفا نبهتنفي حميدة لصفمت أخذتنفي غيبوبفة وصفرت أردد‪ :‬حسفبنا ال ونعفم الوكيفل ‪ .‬وكنفت أحفس‬
‫وأسمع الكون ينطق بها معي ‪. .‬‬
‫كنت على يقين من أنني مسوقة إلى العدام كما ذكر صفوت وهو يفهمني في الزنزانة‪ ،‬فانصرفت‬
‫إلى ال بكففل مشاعري وأنففا أتلو ( إن ال اشترى مففن المؤمنيففن أنفسففهم وأموالهففم بأن لهففم الجنففة )‬
‫التوبة ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ ( :‬وما جعل لبشر من قبلك الخلد ) النبياء‪34 :‬‬
‫وأتمثل قول القائل ‪:‬‬
‫على أي جنب كان في ال مصرعي‬ ‫ولست أبالي حين أقتل مسلما‬
‫وقول القائل ‪:‬‬
‫من البطال ويحك لن تراعى‬ ‫أقول لها وقد طارت شعاعا‬
‫على الجل الذي لك لم تطاعي‬ ‫فإنك إن طلبت بقاء يوم‬
‫فما نيل الخلود بمستطاع‬ ‫فصبرا في مجال الموت صبرا‬
‫وفجأة وقفت العربة وأخذت حميدة تهزني وفتحت عيني‪ ،‬فإذا نحن أمام سجن القناطر للنساء‪.‬‬

‫ليلة عذاب نفسي‬

‫وابتلعتنففا بوابففة السففجن وأدخلنففا حجرة المأمور ‪ .‬وفتشففت حقائبنففا تفتيشففا دقيقففا ‪ .‬كان الوقففت ليل ‪.‬‬
‫وأخذتنفففا امرأة يقال لهفففا (باش سفففجانة) تدعفففى عنايات إلى حجرة بجوار حجرة المأمور‪ ،‬وهناك‬
‫فتشونا مرة أخرى وألبسونا ملبس السجن وأدخلنا حجرة ليس لها باب غير أعمدة حديدية متفرقة‪،‬‬
‫بهفا سفرير مفن طابقيفن ‪ :‬الطابفق الول تالف ‪ ،‬والثانفي عليفه وسفادة مهلهلة ‪ .‬وكانفت الحجرة مطلة‬
‫على صالة بها ثلثة عنابر فيها نساء‪ ،‬علمت بعد ذلك أن أحكاما قد صدرت عليهن بسبب السرقة‬
‫وتجارة المخدرات والسفلوك المنحرف ‪ . .‬والقتفل ‪ . .‬وكان النوم يداعفب جفوننفا ومفا يكاد يلمسفها‬
‫حتى يفارقها ‪ . .‬الليل ضارب أطنابه ‪ . .‬والظلم يكسو المكان بوحشته ‪ ،‬والنفوس أشربت الرذيلة ‪،‬‬
‫والعنابر أغلقت بما فيها من سوء‪ ،‬فظهر النحطاط الخلقي وظهرت المستنقعات السنة بالرذائل ‪،‬‬
‫فهوت البشريفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففة إلى أبعاد‬
‫سحيقة انحدرت بالنسان عن آدميته ‪ .‬وهكذا مر الليل بساعاته الطويلة ونحن نرى ونسمع ما يؤذى‬
‫النفوس ويجرح المشاعفر ‪ .‬وقضينفا تلك السفاعات الطويلة ففي ذكفر ال تعالى نذكره ونسفبحه ونتلو‬
‫آياته ( أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد ‪.128 :‬‬
‫ومفا كاد يبزغ ويشرق النهار بضوئه حتفى سفرت طمأنينفة إلى نفوسفنا‪ ،‬وتضرعنفا إلى ربنفا سفبحانه‬
‫سائلين متوسلين أن يجعل لنا فرجا ومخرجا‪.‬‬
‫ولن أنسفى هذه الليلة فقفد كانفت ليلة شديدة وقاسفية وان لم يكفن بهفا سفياط ‪ .‬وظلت ابنتفي حميدة تبكفى‬
‫حتى أغمي عليها وكنت أحاول التخفيف عنها‪ .‬وأقول لها إننا حملة أمانة‪ ،‬وأصحاب رسالة‪ ،‬فلبد‬

‫‪95‬‬
‫من الصبر والتحمل ‪ . .‬تحمل مشاق الطريق والصبر على ما نرى وما يجرى علينا‪ ،‬وأجرنا على‬
‫ال ‪. .‬‬
‫إن كل ما أصابنا في السجن الحربي من إهانة للنفس ‪ ،‬وضرب بالسياط وتمزيق البدان ‪ ،‬وتنكيل‬
‫وبطفش بفل وقتفل وتجويفع وعطفش و ‪ .‬إن كفل ذلك ل يسفاوى مفا رأينفا وسفمعنا ففي هذه الليلة التفي‬
‫عشناهفا وأمامنفا ذلك القطيفع الضال مفن عالم البشفر التائه ففي سفراديب الجاهليفة ‪ .‬ذلك القطيفع مفن‬
‫عالم المرأة المسففكينة التففي يقال لهففا إنهففا تحررت ‪ ،‬فصففارت عبدا للشهوات والهواء وأصففبحت‬
‫الجريمفة حرفتهفا فأغرقتهفا‪ ،‬فنسفيت إنسفانيتها وطهرهفا وعفافهفا ومكارمهفا فغدت حيوانفا ل يعرف‬
‫معنى للحياة إل لشهوة الفم والفرج !!‬
‫كبهيمفة عمياء قاد زمامهفا‪ . .‬أعمفى على عوج الطريفق ‪ ،‬فضلت وأصفبح هواهفا يقودهفا إلى مهاوي‬
‫الرذيلة وساعدها في ذلك المفسدون في الرض أهل الباطل واللحاد ‪ .‬وقوى الشر والجرام ‪. .‬‬
‫وفففى هذا الجففو المشحون بالهواء والمفاسففد والظلم والظلمات ‪ ،‬انطلق نداء الفجففر‪ ،‬فبدد بإشراقففة‬
‫الصباح تلك الغيوم السوداء فتوجهنا إلى الرحمن الرحيم فصلينا ودعوناه راجين فرجه ورضوانه ‪.‬‬
‫‪!.‬‬

‫صراع من نوع جديد‬

‫وجاء وقفت فتفح العنابر بعفد سفاعات وطلبفت مفن السفجانة مقابلة المأمور وعادت بعفد سفاعة تدعونفا‬
‫إلى مكتففب المأمور ‪ . .‬صففراع مففن نوع جديففد دخلت أنففا وحميدة على المأمور فقال لنففا ‪ :‬الكانتيففن‬
‫ممنوع والزيارة ممنوعفة‪ ،‬وليفس لكمفا أي حفق مفن حقوق المسفاجين ‪ .‬أنتمفا (تكديفر) حتفى نؤمفر‬
‫بأوامر أخرى ‪ .‬فاهمين !‬
‫قلت له ‪ :‬إننفا لم نطلب مقابلتفك لهذا المفر ولكفن جئنفا لنسفألك ‪ . .‬فقال مقاطعفا‪ :‬أنتفم طلبتفم مقابلتفي؟‬
‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬إننا نطلب تغيير الزنزانة‪.‬‬
‫وطلبت حميدة ‪ :‬حجرة لها باب ل قفص حيوانات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إيفه الكلم ده ؟ حفا نرجعكفم إلى السفجن الحربفي تانفي وتشوفوا اللي شفتوه ؟! قلت ‪ :‬نحفن ل‬
‫نسففتطيع البقاء فففي هذا المكان الذي ل يليففق بالحيوان ‪ .‬قال المأمور‪ :‬أنففا مأمور وده سففجن‪ .‬وأنتففم‬
‫مسجونون ‪ .‬وما فيش غير كده ‪ .‬ثم وقف وصاح اتفضلوا اخرجوا!‬
‫قلت ‪ :‬سنظل في فناء السجن ولن نعود إلى هذه الحجرة أبدا ‪ . .‬وليكن ما يكون ‪. .‬‬
‫قال ‪ :‬السفجن سفجن وإذا مفا كنتوش حفا تنفذوا المفر سفنطلق عليكفم الرصفاص فورا‪ .‬قلت ‪ :‬القتفل‬
‫أهون مفن هذا العيفش والجال بيفد ال سفبحانه ‪ ،‬وقتلكفم لنفا شهادة ‪ .‬فأخرجنفا مفن مكتبفه وتركنفا ففي‬
‫حوش السجن ‪.‬‬
‫وبعد فترة نادى المأمور الباش سجانة قائل لها ‪ :‬وديهم يا سعاد على الملحظة ‪.‬‬
‫وقالت سفعاد ‪ :‬ألف مفبروك حفا تقعدوا ففي الملحظفة‪ .‬وصفعدنا درجات لسفلم الملحظفة‪ ،‬ودخلنفا إلى‬
‫عنبر واسع به عشرون سريرا للسجينات ‪ ،‬وبعد ساعة جاءت السجانة المختصة بالملحظة وقالت‬
‫تعالوا‪ ،‬اليراد جه ‪ ،‬ولم نفهم مقصدها‪ ،‬غير أنها أخذتنا وأوقفتنا في صف من النساء يسمى اليراد‬
‫‪ .‬واليراد هو قطيع من البشر الحائر في مجتمع ضاعت فيه القيم والمعاني فهوى إلى الرذيلة‪ ،‬إلى‬
‫هوة سفحيقة ‪ ،‬فجيفء بفه إلى السفجون ‪ . .‬وسفمعت السفجانة تقفف على باب حجرة وتصفيح ‪ :‬اليراد‬
‫النهاردة خمسففة وأربعيففن ‪ ،‬خمسففة وعشريففن تسففول ‪ ،‬خمسففتاشر دعارة ‪ ،‬وثلثففة سففرقة واثنيففن‬
‫سياسيين ‪ . .‬تعنى بالسياسيين أنا وحميدة ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫خرجنفا مفن ذلك الطابور ‪ ،‬وأخذت حميدة معفي فقالت السفجانة رايحيفن فيفن ؟! انتظروا لمفا ييجفي‬
‫دوركم ‪.‬‬
‫قلت لهفا ‪ :‬سفنقف وحدنفا‪ ،‬ولسفنا مفن هذا اليراد قالت ‪ :‬بتقولي إيفه يفا ادلعدي؟ قلت ‪ :‬سفنقف وحدنفا‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬معلهفش ‪ ،‬ودول مفش خلق ال زيكفم ؟! لم أجبهفا ولزمنفا الصفمت ‪ ،‬أخذت السفجانة ففي إدخال‬
‫البشريففة الضالة إلى حجرة ثففم جاءت إلينففا تقول ‪ :‬السففت الدكتورة أمرت أن تجلسففوا حتففى تنتهففي‬
‫وتدخلوا إليهفا ‪ .‬ولمفا فرغفت الطبيبفة اسفتدعتنا ودخلنفا فسفألتنا عفن السفم والسفن ومفا نشكفو منفه ‪ ،‬ثفم‬
‫أخذونفا إلى حجرة وأغلقوا علينفا بابهفا ‪ .‬ولم يمفض وقفت طويفل حتفى ارتففع الصفراخ وعل البكاء‬
‫وساد الجميع حزن ووجوم وتحسسنا الخبر حدث ؟! قالوا ‪ :‬النكسة !‬
‫وحدثتنفي نفسفي حديثفا طويل‪ :‬وأي نكسفة تلك يفا ترى ؟! مفن لك أيهفا الشعفب المسفكين ! مفا اكثفر‬
‫نكسفاتك ! لقفد تعددت فمفا أعظمهفا ! ومفا أعمقهفا ومفا أقسفاها! لقفد أصفابت شعبنفا نكسفات ونكسفات ‪:‬‬
‫نكسة في الخلق ‪ .‬نكسة في الرجال ‪ .‬نكسة في ‪ ، . .‬وأخيرا نكسة ‪ 5‬يونيو!!!‬
‫وكانفت طامفة كفبرى ‪ ،‬جعلت عبدة القردة والخنازيفر وأذلء الرض المغضوب عليهفم مفن السفماء‬
‫إخوة الشياطيفن ‪ ،‬جعلتهفم النكسفة يسفتعمرون أرضفا عربيفة ويحكمون أهلهفا ويذيقونهفم مفن العذاب‬
‫أصنافا‪ ،‬ومن ألوان البطش والتنكيل ما تمتلئ به نفس يهودية حقيرة ذليلة ‪ . .‬واستطرد حديث نفسي‬
‫‪ :‬مفا هذا الذي نعيشفه ونحياه ؟! السفلم – القوة والعزة والكرامفة – يقتفل ‪ ،‬ويقتفل أبناؤه ول يسفمح‬
‫لهفم بالحياة ول حتفى أن يتنسفموا نسفيمها أو ينبتوا ولو رويدا رويدا ‪ .‬قتلوا السفلم وأصفحابه فقتلوا‬
‫الرجال والعزة والمنعففة‪ .‬هؤلء الرجال ‪ .‬حقففا هففم الذيففن بفضففل ال تعالى يقهرون الباطففل وأهله ‪،‬‬
‫مهما تعددت أنواعه وتغيرت أشكاله واختلفت صوره وأسماؤه ‪ .‬بهم تعلو الرض العزة والكرامة‪،‬‬
‫وتغدو البشرية لربها خاضعة عابدة تتنسم عبير الطاعة وتسلم البشرية لربها راضية‪ ،‬تسلك طريق‬
‫العبوديفة ذلل‪ ،‬وتسفتجيب لنداء الحفق مهمفا كانفت تكاليففه ومهمفا كانفت تضحياتفه ‪ .‬أسفمع مفن حولي‬
‫يتهامسون ‪ ،‬ل تتهامسوا ول تتناجوا وكونوا صرحاء أقوياء ‪.‬‬
‫إن النكسة بما كسبت أيديكم ‪ ،‬واتخذتم كتاب ال تعالى وراءكم ظهريا ‪ .‬وال لو نصرنا ال لنصرنا‬
‫‪ . .‬لو نصرناه بإسلم وجوهنا وقلوبنا إليه ‪ ،‬لو نصرناه باتباع شرعه القويم ونهجه المستقيم ‪ ،‬لو‬
‫نصرناه بالمسارعة إلى محابه ومراضيه واجتناب نواهيه ‪ .‬لو نصرناه ‪ . .‬وال لو نصرناه لنصرنا‬
‫‪ :‬لنصرنا برضوانه علينا‪ .‬لنصرنا بالتمكين في الرض والخلفة عنه سبحانه ‪ .‬لنصرنا على قوى‬
‫الرض الباطلة الحائدة عففن طريقففه المسففتقيم ‪ ،‬فبكتاب ال وسففنة رسففوله تنصففرون وتمكنون فففي‬
‫الرض ‪ ،‬وتسففعدون فففي الداريففن دنيففا وآخرة ‪ .‬ففففي طاعففة ال العزة والسففعادة والنصففر والغلبففة‬
‫والتمكين وجنات النعيم في الفردوس العلى عند رب العالمين ‪ ( .‬إن تنصروا ال ينصركم ويثبت‬
‫أقدامكم ) محمد ‪. . 17 :‬‬
‫ومفن قول سفيدنا عمفر‪ . ." :‬وإنمفا ينصفر المسفلمون بمعصفية عدوهفم ل ‪ .‬ولول ذلك لم تكفن لنفا بهفم‬
‫قوة‪ ،‬لن عددنا ليس كعددهم ‪ ،‬ول عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في‬
‫القوة ‪ .". .‬وببعدكم عن الكتاب والسنة ‪ :‬تهزمون وتشقون ‪ ،‬وتزلون وتكون النكسة ‪ .‬بل ونكسات ‪.‬‬
‫فففي معصفية ال الذل والبؤس والهوان والضعفف والجحيفم والعذاب المقيفم ‪ ( .‬فمفن اتبفع هداي فل‬
‫يضفل ول يشقفى ‪ ،‬ومفن أعرض عفن ذكري فإن له معيشفة ضنكفا ونحشره يوم القيامفة أعمفى ‪ ،‬قال‬
‫رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ‪ ،‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ‪ ،‬وكذلك‬
‫نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى ) ‪. .‬‬
‫وتجول نفسففي فففي معان كثيرة‪ ،‬ويسففاعدها على ذلك الواقففع المففر والحاضففر الليففم يسففاعدها على‬
‫استرسالها ويحز ذلك في نفسي إشفاقا ولوعة‪ ،‬وحزنا و أسى‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫وتسفتيقظ نفسفي مفن حديثهفا على نداء ابنتفي حميدة‪ ،‬فأجفد نفسفي أجلس بجوارهفا ففي حجرة مغلقفة‬
‫علينفا‪ ،‬ويصفل إلى سفمعي ذلك الصفياح والبكاء على حامفى السفلم ! عشنفا ففي هذه الحجرة مغلقفا‬
‫بابهفا إل لمامفا‪ ،‬ل ندرى شيئًا ممفا حولنفا‪ .‬وففى ذات يوم اسفتطعنا أن نحصفل على حيفن غفلة مفن‬
‫الحارسة على علبة سجائر‪ ،‬فكانت هذه العلبة مفتاحا سحريا لقلب السجانة الغليظة القلب ‪.‬‬
‫وبهفا فتفح لنفا باب الزنزانفة مدة أطول فتمكنفا أن نتفبين مفا يدور حولنفا ‪ . .‬كان بجوار حجرتنفا حجرة‬
‫تسفكنها امرأة مفع طفلهفا الذي ل يعلم له أبفا‪ ،‬وأمامنفا امرأة أخرى تقضفى أيامهفا الخيرة ففي مرض‬
‫السفل نتيجفة سفلوكها المشيفن ‪ ،‬وبجوار هذه الحجرة عنفبر فسفيح يحوى ألوانفا مفن المراض المزمنفة‬
‫المعدية‪ ،‬وفى نهاية المبنى من ناحية تقع دورة مياه صرح لنا بالذهاب إليها مخالطين لهذه البشرية‬
‫المريضففة بمرض الجاهليففة والمراض البدنيففة المعديففة ‪ .‬وفففى الناحيففة الخرى مففن المبنففى توجففد‬
‫بعفض النسفاء اللئى لم نعرف جنسفيتهن ففي حجرات نظيففة مفروشفة مزينفة وتوجفد ففي هذه الناحيفة‬
‫أيضا دورة مياه صحية ‪ .‬علمنا ذلك كله لن كل من هنا يسمون ذلك الجانب "الهيلتون " ‪.‬‬
‫كان الجوع قفد أخفذ منفا مأخذا شديدا حيفن أهدتنفا إحدى المسفجونات قليل مفن الطعام ‪ ،‬كان لهدائه‬
‫أثر جميل جدا في قلوبنا‪ .‬فقد أحسسنا بأن الغابة على وحشيتها وحيوانيتها لم تخل من إنسانية‪ .‬طلبنا‬
‫مففن السففجانة السففماح لنففا بالذهاب إلى دورة المياه الثانيففة لنظافتهففا وخلوهففا مففن اللفاظ الجارحففة‬
‫والعبارات النابيفة‪ ،‬فقالت السفجانة ‪ :‬دورة المياه الثانيفة خاصفة بالسفت الدكتورة واليهود ‪ . .‬فسفألها‬
‫متعجبة مستفسرة تقولين ‪ :‬يهود؟‬
‫قالت ‪ :‬نعم ستات يهود‪ .‬مدام مرسيل ‪ ،‬مدام لوسي‪ ،‬وهم كثير ‪ . .‬قاعدين ومتنزهين ‪ ،‬ل أحد يقول‬
‫لهفم كلمفة ول يؤخفر لهفم طلبفا‪ .‬زي البيفت وأحسفن شويفة‪ ،‬كلهفم جاييفن ففي تجسفس ‪ .‬ثفم قالت ‪ :‬كلموا‬
‫الست الدكتورة يمكن يسمحوا لكم بالذهاب إليها ‪.‬‬
‫وبعد أخذ ورد في هذا المر بيننا وبين المأمور انتهى برفض طلبنا متعلل بأن ذلك خاص باليهود!‬
‫‪..‬‬

‫رأينا من ألد العداء ‪ . .‬إنسانية !‬

‫أسلمنا أمرنا ل تعالى وانشغلنا به سبحانه وبتلوة آياته الكريمة ‪ .‬وبينما أعيش مع ابنتي حميدة تلك‬
‫اللحظات الربانيففة دخلت سففيدة طويلة القامففة شقراء‪ ،‬وألقففت علينففا التحيففة فرددنففا التحيففة‪ ،‬ثففم قالت‬
‫حضرتففك زينففب الغزالي قلت ‪ :‬نعففم ‪ ،‬قالت ‪ :‬أنففا مرسففيل مسففجونة سففياسية وطبعففا ‪ -‬بيننففا وبينكففم‬
‫خلف ففي العقيدة‪ ،‬فأنفا يهوديفة وأنتفم مسفلمون ‪ ،‬ولكفن النففس ل تخلو مفن إنسفانية‪ ،‬خاصفة وقفت‬
‫الشدائد والمحن ‪ -‬فل مانع أن تكون بيننا وبينكم معاملة طيبة في السجن ‪ .‬أما خارجه فبيننا الحرب‬
‫والقتال أو الخلف ففي الهداف ‪ ،‬أمفا الن فنحفن جميعفا ففي شدة وقسفوة ‪ .‬ولقفد جئت إليكفم ففي غفلة‬
‫مفن المسفئولين لعرض عليكفم تعاونفي لخدمفة بعضنفا لبعفض ‪ .‬فشكرناهفا على ذلك ثفم قالت ‪ :‬نحفن‬
‫لدينا إمكانيات للكل وان كانت قليلة فسنقتسمها معكم وسأتحرى أن ل يكون في الكل ما هو محرم‬
‫عندكفم ‪ ،‬ونحفن اليهود ل نأكفل لحفم الخنزيفر مثلكفم ‪ .‬ومرت أيام كانفت مرسفيل اليهوديفة تحضفر لنفا‬
‫بعضفا مفن المأكولت‪ .‬وكان أهفم مفن ذلك كله أن هذه اليهوديفة دبرت لنفا أمفر اسفتعمال دورة المياه‬
‫الخاصفة بهفم ‪ .. .‬أحسفت ابنتفي حميدة الحرج مفن تلك المور فقلت ‪ :‬إن ال سفبحانه وتعالى يسفوق‬
‫الخيفففر لعباده على يفففد مفففن يشاء‪ ،‬وال تعالى ل يعنفففت عباده ول يديفففم عليهفففم العسفففر‪ ،‬وليفففس‬
‫لنا حيلة إل أن نتعايش مع النسانية أينما وجدت ما دام ذلك في دائرة السلم ‪.‬‬
‫ورأينا في تلك الغابة الموحشة والصحراء الجرداء القاحلة إنسانية متمثلة في طبيبة مسيحية تقدم لنا‬
‫عونهفا بيفن الفينفة والفينفة‪ ،‬فعجبنفا لهذا الطابفع النسفاني ‪ . .‬النادر وجوده ففي مثفل هذه الظروف ‪. . .‬‬
‫‪98‬‬
‫وقدمفت لنفا أيضفا مسفجونة لم تخفل مفن قلب رقيفق كيفف نعيفش ونتعامفل ففي هذا المكان مفع تلك‬
‫النسانية المهدرة ‪ .‬كل شيء يشترى بالمال ‪ ،‬فتح باب الزنزانة لمدى أطول بالمال ‪ . .‬وكذلك نسمة‬
‫الهواء ولقمفة العيفش ومفا يسفتر الجسفد‪ . . . ! ! .‬كفل شيفء هنفا فاغفر فاه ليبتلع ‪ ،‬الكفل هنفا سفواء ففي‬
‫ذلك ‪ . .‬المسففجونات والسففجانات ‪ .‬وذلك يتطلب مففن النسففان المال والجهففد ‪ .‬فهففل كان ذلك أمرا‬
‫ميسورا ! ‪.‬‬

‫الموت ‪ . .‬والطغاة‬

‫قفد ينسفى الطواغيفت المسفتبدون أو يتناسفون أنهفم لبفد سفيشربون مفن الكأس ‪ :‬كأس المنيفة ‪ .‬كأس‬
‫الرجوع إلى ال تعالى‪ ،‬يتناسففون ذلك فيتجففبرون ويطغون ويبطشون ويعذبون ‪ ،‬والزمففن عجلتففه‬
‫تسفير بمشيئة الواحفد القهار‪ ،‬وبتعاقفب الليفل والنهار‪ ،‬وتولد أجيال وتنقضفي أعمار ‪ ،‬وتبلى أجسفاد‬
‫وتنزع أرواح انتزاعفا فل يسفتطاع ردهفا‪ (.‬فلول إذا بلغفت الحلقوم ‪ ،‬وأنتفم حينئذ تنظرون ‪ ،‬ونحفن‬
‫اقرب إليفه منكفم ولكفن ل تبصفرون ‪ ،‬فلول إن كنتفم غيفر مدينيفن ‪ ،‬ترجعونهفا إن كنتفم صفادقين )‬
‫الواقعة ‪.‬وفى وسط حياتنا المزدحمة بما نرى ونشاهد من صور تعكس حقيقة البشرية من حولنا ‪،‬‬
‫وانحدارهفا وهبوطهفا إلى أعماق سحيقة من الرذيلة والنحطاط ‪ ،‬تناقفل الناس ففي سجن القناطفر نبأ‬
‫موت عبفد الناصفر وهفم حزانفى يبكون ‪ .‬وال يعلم أننفا مفا كنفا يومفا شامتيفن ففي موت أحفد ‪ . .‬فهذه‬
‫آجال وأعمار مقدرة مقدار‪ ،‬فل يعدو إنسفان أجله ول يسفتبقى مفن عمره شيئا ‪ .‬ولكفن الموت نذيفر‬
‫البشريففة وناقوس فنائهففا ‪ :‬أن أفيقوا مففن سففباتكم ودعوا طغيانكففم وجففبروتكم ‪ ،‬فذلك ل يغنففى شيئا‪،‬‬
‫سفتتركون قوتكفم وبطشكفم ‪ ،‬ومالكفم وسفلطانكم ‪ ،‬وجندكفم وحزبكفم والهفل والولد‪ ،‬سفتتركون كفل‬
‫ذلك وراءكم ظهريا وتحشرون إلى ال تعالى حفاة عراة كما ولدتكم أمهاتكم!‬
‫( ‪ . .‬ولو ترى إذ الظالمون ففي غمرات الموت والملئكفة باسفطوا أيديهفم أخرجوا أنفسفكم اليوم‬
‫تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على ال غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ‪ ،‬ولقد جئتمونا‬
‫فرادى كمفا خلقناكفم أول مرة وتركتفم مفا خولناكفم وراء ظهوركفم ومفا نرى معكفم شفعاءكفم الذيفن‬
‫زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) النعام ‪.94-93 :‬‬
‫( ومفا ظلمناهفم ولكفن ظلموا أنفسفهم فمفا أغنفت عنهفم آلهتهفم التفي يدعون مفن دون ال مفن شيفء لمفا‬
‫جاء أمفر ربفك ومفا زادوهفم غيفر تتفبيب ‪ ،‬وكذلك أخفذ ربفك إذا أخفذ القرى وهفي ظالمفة إن أخذه أليفم‬
‫شديفد ‪ ،‬إن ففي ذلك ليفة لمفن خاف عذاب الخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود‪ ،‬ومفا‬
‫نؤخره إل لجفل معدود‪ ،‬يوم يأت ل تكلم نفسفن إل بإذنفه فمنهفم شقفي وسفعيد ‪ ،‬فأمفا الذيفن شقوا فففي‬
‫النار لهفم فيهفا زفيفر وشهيفق ‪ ،‬خالديفن فيهفا مفا دامفت السفماوات والرض إل مفا شاء ربفك إن ربفك‬
‫فعال لمفا يريفد ‪ ،‬وأمفا الذيفن سفعدوا فففي الجنفة خالديفن فيهفا مفا دامفت السفماوات والرض إل مفا شاء‬
‫ربك عطاء غير مجذوذ ) ‪.‬‬
‫فموت إنسان وذهابه إلى ربه تعالى ل يشغل بال المخلصين الداعين إلى ربهم سبحانه فالموت حق‬
‫فل ينشغلون بفه ‪ .‬وكفل مفا يشغلهفم العيفش ففي طاعفة ال تعالى وكنفف رضوانفه ‪ ،‬وبذل الجهفد مفن‬
‫النففس والنفيفس ففي سفبيل رففع رايفة التوحيفد ‪ .‬وعندمفا يأتفي الجفل لهفم أو لغيرهفم ينتقلون إلى دار‬
‫الحساب حيث الثواب والعقاب ‪.‬‬
‫ومعركفة السفلم ليسفت معركفة فرد أو أفراد‪ ،‬ولكنهفا معركفة الحفق مفع الباطفل معركفة اليمان مفع‬
‫الكفر‪ ،‬ومعركة العبودية ل تعالى ضد قوى الشرك واللحاد والوثنية ‪.‬‬
‫يموت مفن يموت ويقتفل مفن يقتفل ‪ .‬ولكفن قتلى المؤمنيفن ففي رحاب الجنفة‪ ،‬ففي الفردوس العلى ففي‬
‫مقعد صدق عند مليك مقتدر في جنات ونهر‪ ،‬شهداء أحياء ( يا عباد ل خوف عليكم اليوم ول انتم‬
‫‪99‬‬
‫تحزنون ‪ ،‬الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ‪ ،‬ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ‪ ،‬يطاف عليهم‬
‫بصفحاف مفن ذهفب وأكواب وفيهفا مفا تشتهيفه النففس وتلذ العيفن وأنتفم فيهفا خالدون ‪ ،‬وتلك الجنفة‬
‫التي أورثتموها بما كنتم تعملون ‪ ،‬لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ) الزخرف ‪. 73-68‬‬
‫وأمفا قتلى وموتفى الكففر والباطفل واللحاد فففي سفقر ومفا أدراك مفا سفقر ل تبقفى ول تذر ‪ ،‬تشوى‬
‫الوجوه والبدان ‪ ،‬كلمفا نضجفت جلودهفم بدلهفم ربهفم جلودا غيرهفا ليذوقوا العذاب ‪ ،‬لهفم مفن فوقهفم‬
‫ظلل مففن النار ومففن تحتهففم ظلل ‪ ،‬أحاط بهففم سففرادقها‪ ،‬وإن يسففتغيثوا يغاثوا بماء كالمهففل يشوى‬
‫الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ‪. . .‬‬
‫ليس لهم طعام إل من ضريع ‪ ،‬ل يسمن ول يغنى من جوع ‪. . .‬‬
‫( ‪ . .‬لهم نار جهنم ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ‪،‬‬
‫وهفم يصفطرخون فيهفا ربنفا أخرجنفا نعمفل صفالحا غيفر الذي كنفا نعمفل أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه‬
‫من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) فاطر ‪. 37-36:‬‬
‫وتسير اليام سيرها كما شاء ال وقدر‪ ،‬وتنتهي آجال وأعمار ول يستطع إنسان رد المشيئة الربانية‬
‫‪ .‬ويتناقفل الناس نبفأ موت عبفد الناصفر والبكاء والعويفل والصفراخ والنحيفب يمل الدنيفا‪ ،‬وأحاديفث‬
‫الرثاء ليل ونهار ل تنقطع ‪ ،‬ل يمل قائلها من بكاء أو تملق أو رياء‪.‬‬
‫ووصل إلى سمعي كلمات شيخ ينعى الفقيد حامى حمى السلم ‪ ! . .‬ولقد أقسم هذا الشيخ نفسه في‬
‫بيتي قبل ذلك بسنين إن من يسمى عبد الناصر حامى حمى السلم هو كافر‪ ،‬قد خلع ربقة السلم‬
‫من عنقه ‪ ،‬خسر الدنيا والخرة ‪ .‬وفى وسط هذه الظروف التي شحنوها بالحزن والسى على الفقيد‬
‫العظيفم ‪ ،‬اسفتقبلنا نبفا انتقاله إلى الواحفد القهار كمفا يسفتقبله مفن كان ففي قلبفه ذرة مفن إيمان ‪ ،‬وغدا‬
‫سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ‪.‬‬
‫تناقفل الناس هنفا ففي سفجن القناطفر أننفا لم نبفك ولم نصفرخ ولم نحزن ولم نتألم على بطفل البطال !‬
‫وحرك ذلك فففي نفوس الذناب الشائهففة قلوبهففم المريضففة ونفوسففهم التففي تعهدت أل تكون إل فففي‬
‫خدمة سادتها ومطامعها وهواها‪ ،‬وتحركت لتصب جام غضبها علينا ‪ :‬كيف ل نحزن على ‪ . .‬عبد‬
‫الناصر!‬

‫وتحرك الغثاء‬

‫( أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض ) الرعد ‪ 117 :‬تحرك التباع من‬
‫رجال النفاق والرياء والزلففى‪ ،‬وبذلوا المشقفة والجهفد ‪ .‬جهفد العبيفد لرضاء سفادتهم ولو ففي تاففه‬
‫المفر‪ ،‬فقاسفينا مفن غلظ المعاملة وسفوء الخلق مفا جاد بفه الذناب ‪ .‬وففى صفبيحة يوم عقفب موت‬
‫عبد الناصر فتح علينا باب الزنزانة وإذا بسجانة تمسك بعصا غليظة وتهجم بسرعة وكادت تحطم‬
‫رأسفي لول أن ال سفلم ونجانفا مفن كيفد المجرميفن ‪ ،‬وعجزت إدارة السفجن عفن مجازاتهفا أو حتفى‬
‫لومها أو شئ من هذا القبيل ‪ ،‬وتركت وشانها تجرى هنا وهناك وكأنها لم تصنع شيئا!‬
‫وففففى أثناء زيارة أهلي لي أخفففبرتهم بحادث العتداء هذا‪ ،‬فبذلوا جهدهفففم بالتصفففال بالمسفففئولين‬
‫صغيرهم وكبيرهم وإرسال برقيات إليهم ‪ ،‬فتحركت النيابة وأخذت تحقق مع السجانة على أنها هي‬
‫المدبر الوحيد وأنها مصابة بمرض نفسي!‬
‫طلبت لذلك عدم إكمال التحقيق وأبلغت النيابة أن المدبر والمخطط لذلك ليست هي السجانة ولكنها‬
‫قوى اللحاد و الباطل ومعتنقو البطش والجرام ‪ ،‬فل معنى لمعاقبة من ل يملك من أمر نفسه شيئا‪،‬‬
‫ويتحرك بأمففر مسففئول كأداة لتنفيففذ مففا يدبر فففي الخفاء لرهاب أصففحاب الدعوات واسففتئصالهم ‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫ولكفن ال غالب على أمره ‪ ،‬وهذا نوع جديفد مفن التعذيفب المعنوي لم يخطفر بالبال ‪ ،‬ابتكره تحفت‬
‫ظروف غير متوقعة ‪ ،‬قوم أضلهم ال فما لهم من هاد ‪.‬‬

‫ابتلء جديد‬

‫كان يوم ‪ 9‬أغسففطس سففنة ‪1971‬يومففا مشهودا ‪ ،‬إذ حمففل صففباحه إلينففا أخبارا جديدا حيففن جاءت‬
‫سجانة مهرولة تدعوني بسرعة لمقابلة المأمور في مكتبه ‪ .‬شدتنا المفاجأة وجعلتنا نذهب بفكرنا في‬
‫المر ‪ . .‬ماذا يكون وماذا يدبر الطواغيت والظلمة؟ ! أهناك بلغ كيدي بأننا ننشر السلم في هذا‬
‫المكان ‪ ،‬أم هناك خفبر عفن الهفل والديار‪ ،‬أم هناك مخالففة ول ندرى بهفا أم ‪ . . . .‬؟! عشرات مفن‬
‫علمات السفتفهام ؟؟ لم يخطفر ببالنفا مفا تأتفى بفه القدار‪ ،‬فذهبفت إلى مكتفب المأمور فوجدت أمرا‬
‫بالفراج عنفى وحدي ‪ .‬وكان شيئا مذهل فأنفا صفاحبة الحكفم المؤبفد بالشغال الشاقفة أخرج لتبقفى‬
‫ابنتفي وحيدة ففي هذا المسفتنقع السفن ‪ ،‬تقاسفى مفا تقاسفى‪ ،‬فانزعفج قلبفي مفن أعماقفه وسفيطر على‬
‫نفسففي حزن عميففق وحيرة بالغففة وبدون شعور صففرخت قائلة ‪ :‬ل ‪ . .‬ل‪ .‬لن يكون هذا أبدا ‪ . .‬لن‬
‫أخرج وأترك ابنتي‪ ،‬إنكم أصحاب فتنة وتخطيط مظلم ! ‪. .‬‬
‫وثارت ثورتي وشعرت بتعب وإجهاد واضطراب في النفس والمشاعر ‪.‬‬
‫وبعد دقائق قليلة وجدت ابنتي حميدة أمامي في حجرة المأمور ‪ .‬استدعاها لتهدئتي ولتخفف عنى ما‬
‫أنفا فيفه ‪ ،‬كانفت محنفة هائلة قاسفية كيفف ذلك ؟ كيفف أخرج وأترك ابنتفي وحدهفا ووجههفا المطمفس‬
‫المشرق ل يفارق قلبفي وصفوتها بكلماتهفا النديفة يهفز أوتار نفسفي؟! كيفف أتركهفا وحدهفا ففي هذا‬
‫المكان المظلم الموحفش ‪ ،‬تواجفه بمفردهفا قسفوة المعاملة ‪ . .‬ومشاعري ففي نفسفي وفؤادهفا تصفرخ‬
‫بشدة ‪ :‬كل ‪ . .‬كل لن أتركهفا‪ ،‬ويطول ففي قلبفي الصفراع ويمتفد وهفى تدعونفي ‪ :‬يفا أماه يفا أماه هذا‬
‫فضففل ال ورحمففة منففه والمففر كله ل وال ل ينسففى عباده ‪ .‬وطال الموقففف وامتففد المشهففد فقال‬
‫المأمور لبنتي حميدة ‪ :‬اتفضلي سلمى عليها وارجعي إلى الزنزانة ‪ .‬وفى لحظات مضت كالبرق ‪،‬‬
‫فريدة فففي نوعهففا‪ ،‬وحيدة فففي مشاعرهففا ‪ .‬تعانقنففا والدمففع يخففط مجراه على الوجوه والقلب ينبففض‬
‫بسرعة والنفس يتردد‪ ،‬وكأنه يسابق الزمن وفى وسط لحظات خالدة من المشاعر وخلجات النفوس‬
‫‪ .‬وجدت نفسففففففففففففففففففففى وحيدة فففففففففففففففففففففي حجرة المأمور الذي أتففففففففففففففففففففم إجراءات‬
‫الخروج وانفطرت نفسي وتمزق قلبي والدمع ينهمر‪ ،‬وأنا أخطو الخطوة الولى إلى بيتي ‪.‬‬

‫مساومة أخيرة‬

‫اخترقت العربة الطريق إلى بيتي ‪ ،‬ولكن غيرت طريقها فجأة ‪ ،‬ووجدت نفسي أمام مبنى المباحث‬
‫العامفة ‪ .‬ودخلت حجرة أغلقوا على بابهفا مفن السفاعة الثانيفة عثرة ظهرا إلى التاسفعة مسفاء حتفى‬
‫أخذوني إلى مكتب به ضابطان ‪ ،‬أخذا يسألن أسئلة تدور حول السلم وهل أنت ستقومين بزيارة‬
‫الخوان بعد ذلك ؟!‬
‫كنفت مشغولة بابنتفي حميدة فقلت لهمفا‪ :‬ليفس مفن العدل أن أخرج – وأنفا المحكوم عليهفا بالمؤبفد –‬
‫وتبقفى ابنتفي وحيدة ‪ .‬إنكفم تريدون فتنفة ولكفن ال لن يحقفق لكفم مفا تدبرون ‪ .‬قال ‪ :‬اهدئي يفا حاجفة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إنكم تكيدون كيدا وال من ورائكم محيط ‪ ،‬وال غالب على أمره ولكن اكثر الناس ل يعلمون‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬يا حاجة دي أوامر من فوق ل نقدر على أن نخرج حد وليس لنا كلم ‪.‬‬
‫ل ربط ال‬ ‫ثم أخذوني إلى مكتب أحمد رشدي الذي كان يستخدم سياطه ونفسه المريضة ليكيد رجا ً‬
‫على قلوبهم برباط اليمان ولكن هيهات ‪ . .‬هيهات ‪ .‬ولما دخلت عنده طلب منى الجلوس على مقعد‬
‫‪101‬‬
‫أمامفه وقدم لي التهنئة بالخروج ‪ .‬ثفم دار بينفي وبينفه حديفث كان عبارة عفن جملة أوامفر وجههفا لي‬
‫كان ملخصها أن ل أمارس النشاط السلمي‪ ،‬وأن ل أتزاور بيني وبين إخواني ومعارفي في ال ‪،‬‬
‫ول تعاون بيننا ول تواد‪ ،‬وأن أتردد على مكتبه بين الحين والحين ‪.‬‬
‫فقلت له لما فرغ من حديثه ‪ :‬الكلم الذي وجهته إلى أرفضه جملة وتفصيل‪ ،‬بل أرفض قرار المر‬
‫بالخروج وبلغ المسئولين بذلك وأطلب عودتي فورا إلى سجن القناطر‪ .‬أنهى أحمد رشدي الحديث ‪،‬‬
‫وابتسم قائل ‪" :‬على أي حال فيه كثير من الخوان تفاهموا معي على ذلك " فقاطعته قائلة ‪ :‬وال ل‬
‫أعلم عفن الخوان إل خيرا وأمفا مفا تقوله أنفت بالنسفبة لبعفض الخوان فل أسفتطيع أن أبدى رأيفا ‪. .‬‬
‫ل أصدق صدوره منهم ‪ .‬إن الخوان المسلمين ورثة حق يعملون له ليل نهار حتى يأتي ال بنصره‬
‫أو يهلكوا دونه ‪.‬‬
‫ودق جرس التليفون وأجاب أحمفد رشدي قائل ‪ :‬دعفه يكلمنفي‪ .‬ثفم قال ‪ :‬أهل وسفهل يفا أسفتاذ عبفد‬
‫المنعفم اتفضفل ‪ .‬نحفن محتاجون إليفك ‪ ..‬ووضفع سفماعة التليفون ثفم قال لي أحمفد رشدي ‪ :‬السفتاذ‬
‫عبفد المنعفم الغزالى جاى هنفا‪ .‬وبعفد قليفل حضفر شقيقفي عبفد المنعفم وسفلم على وهفو يبكفى ‪ .‬قال له‬
‫أحمد رشدي ‪ :‬أنا أريد أن تحكم بيني وبين الحاجة لننا مختلفان ‪ .‬فأجاب شقيقي ‪ :‬الحاجة اكبر منى‬
‫وأنا شقيقها الصغر‪ ،‬وليس من عادتي أن أناقشها في شيء‪ .‬أضف إلى ذلك ‪ -‬لو سمحت لي‪ -‬أنها‬
‫تمتاز بقوة منطقهفا وصفحة حجتهفا فقال أحمفد رشدي ‪ :‬طيفب يفا حاجفة مفبروك بفس ملكيفش دعوة‬
‫بعمفل تنظيمات مسفلحة للخوان ‪ .‬قلت ‪ :‬التنظيمات السفرية أنتفم الذيفن تلفقون قصفصها وتخرجون‬
‫تمثيلياتها ‪.‬‬
‫إن قيام الدولة السففلمية واجففب على المسففلمين وعدتهففم فففي ذلك الدعوة إلى ال تعالى كمففا دعففا‬
‫رسفوله صفلى ال عليفه وسفلم وصفحبه الكرام ‪ .‬وهذه رسفالة كفل مسفلم سفواء كان مفن الخوان أو‬
‫غيرهم ‪.‬‬
‫ثم انصرفت مع شقيقي إلى بيتي وكان ذلك في الساعة الثالثة صباحا في اليوم العاشر من أغسطس‬
‫سنة ‪.1971‬‬

‫انتهى الكتاب ‪ . .‬وجزى ال خيرًا كل من ساهم في مراجعة وتدقيق ونشر وتوزيع الكتاب ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الفهرس‬
‫إهداء ‪. . . .‬‬
‫مقدمة‬

‫الباب الول ‪:‬‬


‫عبفد الناصفر يكرهنفي شخصفيا ‪ -‬أنفا والتحاد الشتراكفي – ل ‪ . .‬للطاغيفة ‪ -‬ماذا نفعفل بعفد ذلك ؟ المسفاومة ثفم المخادعفة –‬
‫خفافيش الليل – كلهم أحمد راسخ ‪.‬‬

‫الباب الثاني ‪:‬‬


‫وكانت بيعة ‪ -‬وسقط القناع ‪ -‬صرخات تنادى للواجب ‪-‬على الطريق مع عبد الفتاح إسماعيل ‪ -‬الذن بالعمل ‪-‬وقفة مع زوجي‬
‫‪ -‬التصال بالشهيد سيد قطب ‪.‬‬

‫الباب الثالث ‪:‬‬


‫المؤامرة ‪ -‬وجاء دوري ‪ -‬الطريق إلى الحجرة ‪ - 24‬في الحجرة ‪ -‬لزنزانة رقم ‪ - 3‬الرؤيا ‪ -‬ولكن ال ألف بينهم ‪ -‬عودة إلى‬
‫دوامفة التعذيفب والمسفاومة ‪ -‬مندوب رئيفس الجمهوريفة ‪ -‬وجوه غاليفة تدخفل زنزانتفي ‪ -‬وفاة رفعفة مصفطفى النحاس ‪ -‬الطعام‬
‫عبادة ‪ -‬وجاء ليفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففل‬
‫المساومة والعذاب ‪ -‬وجاء دور حمزة في ليل المساومة – عودة إلى الزنزانة ‪ -‬وهبط ليل آخر ‪ -‬استراحة قصيرة – وما أقسى‬
‫الليل –‬
‫الفتنة في حقيبة ملبس‪ . .‬وخطاب من عبد الناصر ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الباب الرابع ‪:‬‬
‫مفع شمفس بدران زنزانفة الماء والجريمفة ! ‪ -‬إلى زنزانفة الماء مرة أخرى ‪ -‬صفرعت الوحفش ففي زنزانتفي ‪ -‬مفن الفئران !لي‬
‫الماء وبالعكفس ‪ -‬مفن الماء إلى وكيفل النيابفة – السفوط مفع الرغيفف ‪ -‬إلى المسفتشفى ‪ -‬مفع شمفس ‪ -‬مشهفد تمثيلي بالكراه ‪-‬‬
‫الحجرة ‪ – 32‬شموخ اليمان وذلة الباطفل – عبفد الناصفر أمفر بإعدامفي ‪ -‬ففي مكتفب الباشفا – الوهفم الكفبير ‪ -‬إصفرار شمفس‬
‫بدران على وهمه ‪ -‬تسلط القزام وتحكم الهوى ‪ -‬عذاب ‪ . .‬وفى المستشفى! !‬

‫الباب الخامس ‪:‬‬


‫وسمع فرعون ‪ -‬أصل المؤامرة نكتة ‪ -‬محمد قطب ‪ -‬النيابة ‪ -‬الجولة الثانية مع النيابة ‪ -‬عودة إلى المكاتب –‬
‫( ‪ -1‬التعذيب ) ‪ - 2 ( -‬المال ) ‪ -‬علبة اللحم المفروم ‪ -‬التجويع حتى في المستشفى ‪ -‬وتاب الوحش ‪ -‬وقرب موعد المحاكمة ‪-‬‬
‫بشرى ‪ -‬اليوم الموعود (القضية ا لولى من سبع قضايا قدمت للمحاكمة)‪.‬‬

‫الباب السادس ‪:‬‬


‫محكمفة ‪ -‬أجهفل مفن الجاهليفة ‪ -‬النطفق بالحكام ‪ -‬لحظات ففي رضوان ال ‪ -‬المسفاومة الخيرة قبفل العدام ‪ -‬ونففذ الطاغوت‬
‫أحكامففه ‪ -‬اليام الخيرة بعفد الحكام فففي السفجن الحربفي ‪ -‬ومات زوجففي ‪ -‬وانضفم إلينفا جيران جدد ‪ -‬يجففب أن يحاكفم عبففد‬
‫الناصر‪.‬‬

‫الباب السابع ‪:‬‬


‫النتقال إلى سفجن القناطفر ‪ 5‬يونيفه ‪ -‬ليلة عذاب نفسفي ‪ -‬صفراع مفن نوع جديفد ‪ -‬رأينفا مفن ألد العداء ‪ . .‬إنسفانية ‪ -‬الموت ‪. .‬‬
‫والطغاة – وتحرك الغثاء ‪ -‬ابتلء جديد – مساومة أخيرة ‪.‬‬

‫‪104‬‬

You might also like