Professional Documents
Culture Documents
في
حياة الدعاة
فتحي يكن
مؤسسة الرسالة
مقدمة
الح مد ل ..وال صلة وال سلم على ر سول ال ..بلغ الر سالة وأدى الما نة ..ون صح ال مة ..وجا هد في
سبيل ال حق جهاده ونحن على ذلك من الشاهدين..
وبعد :فان هذا الكتاب هو خلصة لحاديث تربوية ألقيت في مراكز مختلفة على فترات متفاوتة من الزمن..
لقسد تناولت هذه الحاديسث أهسم وأبرز العقبات والشدائد التسي تواجسه دعاة السسلم .كمسا تعرضست للسسمات
والق سمات اليمان ية ال تي ي جب أن يت صف ب ها الدعاة الى ال ليكونوا رباني ين ،وليتمكنوا من مواج هة هذه
التحديات والتغلب عليها بعون ال..
ويتضمن الكتاب أربعة موضوعات رئيسية:
الموضوع الول:
ويعرض الشدائد الخمس التي يمكن أن يتعرض لها كل مسلم فضل عن كونه داعية آمن بال ربا وبمحمد
نبيا وبالقرآن دستورا ،والتزم بما آمن به .وهي ما وردت في حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم:
.1مؤمن يحسده.
.2ومنافق يبغضه.
.2وكافر يقاتله.
.4وشيطان يضلله.
.5ونفس تنازعه.
الموضوع الثاني:
ويعرض للنواصسفات اليمانيسة التسي يجسب أن يتحلى بهسا الخوة العاملون للسسلم والدعاة الى ال فسي كسل
عصر ومصر ليكونوا رباننين .وهي ما أشارت اليه الية الكريمة:
.1التائبون.
.2العابدون.
.3الحامدون.
.4السائحون.
.5الراكعون الساجدون.
.6المرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال.
الموضوع الثالث:
ويعرض للزاد الذي يجب أن يتزود بها الدعاة الى ال لسفر طريق القيامة ،وهو ما أشار اليه الرسول صلى
ال عليه وسلم بقوله:
.1صم يوما شديد الحر ليوم النشور.
.2وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور.
.3وحج حجة لعظائم المور.
.4وقل كلمة حق وأمسك عن كلمة باطل.
.5وتصدق بصدقة واخفها.
الموضوع الرابع:
ويعرض لعدد من قوارب النجاة ال تي على دعاة ال سلم أن ي ستهموها كي ما يبلغوا ب ها شطئان ال سعادة في
الدارين ..منها:
.1قارب معرفة ال واليمان به.
.2قارب عبادة ال والقبال عليه.
.3قارب ذكر ال.
.4قارب الخوف من ال.
.5قارب مراقبة ال.
.6قارب حب ال.
.7قارب الخلص ل.
.8قارب الرضى.
.9قارب حب الرسول.
.10قارب حب الصحابة.
اعلم أيها الخ الداعية ،أن ال ل بد مبتليك ..وأنه ل بد ممتحنك ..وصدق ال العظيم حيث يقول {:الم..
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون ،ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا
وليعلمن الكاذبين} وفي الحديث ":أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل" " ،ان ال تعالى اذا أحب قوما
ابتلهم ،فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط".
فدعوى اليمان بحاجسة الى دليسل ،وطريسق الجهاد طويسل تحفسه الشدائد وتكتنفسه المصساعب " حفست الجنسة
بالمكاره وحفت النار بالشهوات".
والداع ية في هذا الطر يق ان لم ي كن في ح صن من ال ،وعلى صلة به ،واتكال عل يه ،واعت صام بكتا به،
واتباع لسنة نبيّه ،فهو على خطر كبير وفي شر مستطير..
ولقسد أجمسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم التحديات والشدائد التسي تواجسه المؤمنيسن بسه والدعاة اليسه،
والمجاهد ين في سبيله فقال ":المؤ من ب ين خ مس شدائد :مؤ من يح سده ،ومنا فق يبغ ضه ،وكا فر يقاتله،
وشيطان يضله ،ونفس تنازعه" أخرجه أبو بكر بن لل من حديث أنس في مكارم الخلق.
ولقد كشف رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديثه هذا عن الفتن والشدائد _ كل الفتن والشدائد_ التي
يمكسن أن يتعرض لهسا الدعاة الى ال ليحذروهسا ،وليأخذوا لدربهسم مسن الزاد مسا يمكنهسم مسن مغالبتهسا
ومجاوزتها..
فلنن ظر في كل واحدة من هذه الشدائد ..في أخطار ها وآثار ها ،و في أ سباب الوقا ية من ها ..والحك مة ضالة
المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها..
ان الحسسد مسن أمراض القلوب الفتاكسة ،وقسد يذهسب بايمان المؤمسن ان لم يثسب لرشده ويتسب الى ربسه،
وتتداركه عناية ال ورحمته .وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":د بّ اليكم داء المم من
قبلكسم ،لحسسد والبغضاء .والبغضاء هسي الحالقسة .أمسا أنسي ل أقول تحلق الشعسر ،ولكسن تحلق الديسن" رواه
البيهقي ويقول ":ما ذئبان جائعان أرسل في زريبة غنم بأفسد لها من الحرص على المال والحسد في دين
المسلم .وان الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" .رواه الترمذي.
والدعاة الى ال عز و جل وبخا صة الموفق ين من هم والنشيط ين والمرموق ين من هم والموهوب ين ،معرضون
لل سنة الحا سدين وكيد هم ..يح سدونهم على علم هم وعلى كل خ صلة من خ صال الخ ير في هم ،ثم يتحينون
الفرص لليقاع بهم وتحطيمهم..
يقول ابن المعتز ":الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له ،بخيل بما ل يمكله ،طالب بما ل يجده".
ولقد أمر ال تعالى نبيّه ان يستعيذ وأمته من أذى الحاسدين فقال {:قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق*
ومن شر غاسق اذا وقب* ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد اذا حسد}.
أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد حذر من الحسد والتحاسد ومن البغض والتباغض ،ومن التنافس
والتدابر فقال ":اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ،ول تحسسوا ول تجسسوا ول تنافسوا ول تحاسدوا ول
تباغضوا ول تدابروا ،وكونوا عباد ال اخوانسا كمسا أمركسم ،المسسلم أخسو المسسلم ل يظلمسه ول يخذله ول
يحقره ،التقوى هه نا ،وأشار الى صدره ..بح سب امرئ من ال شر أن يح قر أخاه الم سلم ..كل الم سلم على
المسلم حرام دمه ،وعرضه وماله" رواه مالك والشيخان أبو داود والترمذي.
والذين يحسدون الدعاة على ما آتاهم ال من فضله وعلى ما وهبهم من علمه ،نفوسهم عليلة ،وقلوبهم
مريضة ،تسوّل لهم المكر باخوانهم تشافيا واطفاء لغلواء الصدور .تماما كما سوّلت (لقابيل) نفسه أن يقتل
أخاه ( هابيسل) حسسدا وسسخطا وضغينسة وحقدا فقال ال تعالى {:واتسل عليهسم نبسأ ابنسي آدم بالحسق ،اذ قرّبسا
قربانا ،فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الخر ،قال لقتلنّك ،قال انما يتقبّل ال من المتقين ،لئن بسطت ال يّ
يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديّ لقتلك اني أخاف ال رب العالمين .اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من
أصحاب النار ،وذلك جزاء الظالمين .فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} المائدة.
ودعوة ال سلم على مدار التار يخ القد يم والحد يث شهدت حوادث ذات أبعاد مأ سويّة كان الح سد أ حد أبرز
أسبابها..
ل أعني حسد البعدين وانما حسد القربين.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهنّد
ف كم من قادة وأئ مة اتهموا زورا وبهتا نا ،وأشي عت حول هم الشائعات والراج يف ب سبب ح سد حا سد مر يض
النفس ل يرعى فيمن حوله ال ول ذمّة..
وكم من فتن أوقدت وأحقاد سعّرت بسبب حسد النفوس.
بل كم من صفوف تدا عت وت صدّعت ،وتبعثرت جموع ها بف عل ح سود حقود خ سيس سار بالفت نة دون أن
يخشى ال رب العالمين ..ودون أن يلتفت الى قوله صلى ال عليه وسلم ":ليس من ذو حسد ول نميمة ول
كها نة ول أ نا م نه .ثم تل قوله تعالى {:والذ ين يؤذون المؤمن ين والمؤمنات بغ ير ما اكت سبوا ف قد احتملوا
بهتانا واثما مبينا}.
وآفة الحسد هذه في تفاقمها وهياجها تدفع بصاحبها أو أصحابها الى ارتكاب كل الحماقات والى استحلل كل
المكروهات والمحرمات_ كالنار في اندلعها وهياجها تحرق الخضر واليابس دون أن تلوي على شيء.
فقد تسوّل للحاسد نفسه أن يكذب ويلفق ويختلق لينال من غريمه الذي يحسده ..وليته قبل أن يفعل قد أدرك
عاق بة أمره ،و سمع حد يث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في أمثاله ":أي ما ر جل أشاع على ر جل م سلم
بكلمة هو منها بريء ،يشينه بها في الدنيا ،كان حقا على ال أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاد
ما قال" رواه الطبراني.
وقد يقع الحاسد في الغيبة والنميمة وهو يظن أنه يحسن صنعا ..ويبرر له شيطانه سوء عمله ليسقطه في
الفت نة { أل في الفت نة سقطوا وان جه نم محي طة بالكافر ين .ان ت صبك ح سنة ت سؤهم ،وان ت صبك م صيبة
يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون .قل لن يصيبنا ال ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى ال
فليتوكل المؤمنون}.
وليست الحسسود يعلم أن عاقبسة أمرهسى خسسرا ..وأن ال قسد أعسد له ولمثاله عذابسا نكرا ،وخاصسة الذيسن
يصرون على الفتنة ول يرعوون أو يرتعدون ويتوبون ،فقد قال صلى ال عليه وسلم ":الربا اثنان وسبعون
با با ،أدنا ها م ثل اتيان الر جل أ مه .وان أر بى الر بى ا سطالة الر جل في عرض أخ يه" رواه ال طبراني ،وقال
صلى ال عليه وسلم ":من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب اليه يوم القيامة ،فيقال له :كله ميتا كما أكلته حيا،
فيأكله ويضج" رواه الطبراني ،ويقول صلى ال عليه وسلم ":الغيبة أشد من الزنى ،قيل :وكيف؟ قال :الرجل
يزنسي ثسم يتوب فيتوب ال عليسه ،وان صساحب الغيبسة ل يغفسر له ،حتسى يغفسر له صساحبه" رواه الطسبراني
والبيهقي.
ويبيّن لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم معنى الغيبة فيقول ":أتدرون ما الغيبة؟ قالوا :ال ورسوله أعلم.
قال :ذكرك أخاك بما يكره .قيل :أرأيت ان كان في أخي ما أقول؟ قال :ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وان
لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
أسباب الحسد:
ولقد أجمل المام الغزالي في كتابه الحياء أسباب الحسد بما يلي:
.1العداوة والبغضاء :وهذا أشد أسباب الحسد ،فان من آذاه ش خص بسبب من السباب وخالفه في
غرض بو جه من الوجوه أبغ ضه قل به وغ ضب عل يه ور سخ في نف سه الح قد .والح قد يقت ضي التش في
والنتقام .وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ول يفارقهما...
.2التعزز :وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره .اذا أصاب بعض امثاله ولية أو علما أو مال خاف
أن يتكبر عليه وهو ل يطيق تكبره ول تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه.
.3الكبر :وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه النقياد له ،فاذا
نال نعمة خاف أن ل يتحمل تكبره ويترفع عن متابعته ،أو ربما يتشوّف الى مساواته..
.4التعجب :كما أخبرنا ال تعالى عن المم السابقة اذ قالوا {:ما أنتم ال بشر مثلنا} {وقالوا أنؤمن
لبشر مثلنا} فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من ال تعالى بشر مثلهم فحسدوهم..
.5الخوف من فوت المق صد :وذلك يخ تص بالمتزاحم ين على مق صود وا حد ،فان كل وا حد يح سده
صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في النفراد بمقصوده..
.6حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه :وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون_
اذ غلب عليه حب الثناء من أنه وحيد الدهر وفريد العصر وأنه ل نظير له_ فانه لو سمع بنظير له في
أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال نعمته.
.7خبث النفس :وشحها بالخير لعباد ال تعالى ..فاذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد ال تعالى
أنعم ال عليه يشق عليه ذلك ،واذا وصف له اضطراب أمور الناس وادبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص
عيشهم فرح به..
كذلك فان مسن خلق السسلم وخلق النبوة محاذرة الحسسدين ومقاطعسة المغتابيسن وعدم السستماع اليهسم،
ومجاراتهم والجلوس الى مجالسهم ،وليدركوا شنيع فعلتهم وقبيح خصلتهم .بل ان السلم ليوجب على من
سمع شيئا من الهمس الثم أن ينكره على قائله والمتحدث به ،وأن يذب عن عرض أخيه ،ويلقن الوالغ في
حرمات الخرين وأعراضهم درسا من شرع ال وأخلق السلم ..وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم
حيث يقول {:من ذبّ عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على ال أن يعتقه من النار" رواه أحمد.
ثم لي سمع الذ ين يجارون الحا سدين من أ هل الغي بة والنمي مة ،وي صغون الي هم ،وي سيرون بالفت نة مع هم،
ليسمعوا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم في أمثالهم ":من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو
ب ستطيع ن صره ،أدركسه اثمسه فسي الدنيسا والخرة" رواه الصسبهاني وقوله ":مسا مسن امرئ مسسلم يخذل امرأ
مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ال خذله ال في موطن يحب فيه نصرته .وما
من امرئ مسلم ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته ال نصره ال
في موطن يحب فيه نصرته" رواه أبو داود.
وأخيرا فليحذر هؤلء وأولئك ممن يرتعون في حرمات الناس ويتتبعون عوراتهم ليحذروا بطش ال ووعده
ووعيده على ل سان نبيه صلى ال عل يه و سلم ":يا مع شر من آ من بل سانه ولم ي فض اليمان الى قل به ،ل
تؤذوا الم سلمين ول تتبعوا عورات هم ،فا نه من تت بع عورة أخ يه الم سلم تت بع ال عور ته ،و من تت بع ال
عورته يفضحه ولو في جوف رحله ،وفي رواية في عقر بيته" رواه أبو داود.
أمسا دعاة السسلم فان عليهسم ،ان ابتلوا بمسن يحسسدهم ،أن يتدرّعوا بالصسبر والصسلة ويتعوذوا بال مسن
شرور نفوس الناس وشرور ظن هم وح سدهم ،ول يخرجن هم الغ ضب الى الرد والك يد والى اتباع غ ير سبيل
المؤمنين ،لنهم بذلك يصبحون مثلهم ويخسرون تميزهم وخلقهم ودينهم .والولى أن ينفقوا مما عندهم من
خير ويحتسبوا ما يصيبهم عند ال الذي ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء ،ول هو بغافل عما
يع مل الظالمون ..ولي سمعوا قول ر سول ال صلى ال عل يه وسلم ":ما من جر عة أ حب الى ال من جر عة
غ يظ ،كظم ها ع بد ،ما كظم ها ع بد ل ،ال مل ال ب ها جو فه ايما نا" ولي كن شعار هم قول القائل ":الل هم ا ني
تصدقت بعرض على الناس".
ان على دعاة السلم أن يتميزوا بخلقهم عن سائر حلق ال ..وان حسن الخلق هو محصلة الرسالة التي
بعث بها رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":انما بعثت لت مم مكارم الخلق" ،وح يث يقول ":ان
العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الخرة وشرف المنازل ،وأنه لضعيف العبادة .وانه ليبلغ بسوء خلقه
أسفل درجات في جهنم" رواه الطبراني.
قال أنس بن مالك رضي ال عنه ":كنا جلوس مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :يطلع عليكم الن
رجل من أهل الجنة ،فطلع رجل من النصار ..فلما كان الغد قال النبي صلى ال عليه وسلم مثل ذلك ،فطلع
ذلك الرجل مثل المرة الولى .فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى ال عليه وسلم مثل مقالته أيضا .فطلع
ذلك الرجل على مثل حاله الول .فلما قام النبي صلى ال عليه وسلم ،تبعه عبدال بن عمرو ،فقال للرجل:
اني لحيت أبي ،فأقسمت أني ل أدخل عليه ثلثا ،فان رأيت أن تأويني اليك حتى تمضي فعلت .فقال الرجل:
نعم ..قال أنس :فكان عبدال يحدث أنه بات معه تلك الثلث ليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا ،غير انه اذا
تعار _ تقلب على فراشسه_ ذكسر ال عسز وجسل وكبّر حتسى يقوم لصسلة الفجسر .قال عبدال :غيسر أنسي لم
أ سمعه يقول ال خيرا .فل ما م ضت الثلث ليالي ،وكدت أحت قر عمله ،قلت يا عبدال لم ي كن بي ني وب ين أ بي
غضب ول هجرة .ولكن سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لك ثلث مرات :يطلع عليكم الن رجل
من أهل الجنة ،فطلعت أنت الثلث مرات ،فأردت أن آوي اليك ،فأنظر ما عملت فأقتدي بك .فلم أرك عملت
عمل كبير .فما الذي بلغ بك ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال :ما هو ال ما رأيت .فلما وليت
دعاني فقال :ما هو ال ما رأيت ،غير اني ل أجد في نفسي لحد من المسلمين غشا ول أحسد أحدا على
خيسر أعطاه ال اياه .فقال عبدال :هذه التسي بلغست بسك" رواه أحمسد باسسناد على شرط البخاري ومسسلم
والنسائي.
ف ما أحوج الدعاة الى سلمة القلب مع الحذر ..والى ا ستقامة الخلي قة مع الو عي ،والى أن يكونوا أقوى
من أن يستدرجهم الغضب لنفسهم الى السقوط فيما سقط فيه الجهلء والى الوقوع فيما وقع فيه هؤلء؟
وليثقوا بأن ال تعالى الذي يعرف ال سر وأخ فى سيتدبر ال مر ل محالة{ ما يكون من نجوى ثل ثة ال هو
رابع هم ،ول خم سة ال هو سادسهم ،ول أد نى من ذاك ول أك ثر ال هو مع هم أين ما كانوا ،ثم ينبؤ هم ب ما
عملوا يوم القيا مة ان ال ب كل ش يء عل يم} { ول قد خلق نا الن سان ونعلم ما تو سوس به نف سه ون حن أقرب
اليه من حبل الوريد}.
وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":أوحى ال الى ابراهيم عليه السلم :يا خليلي حسن
خلقتك ولو مع الكفار تدخل مدخل البرار ..وان كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي ،وأن
أسقيه من حظيرة قدسي ،وأن أدنيه من جواري" رواه الطبراني.
وصدق سيّد الدعاة محمد صلى ال عليه وسلم ":وجبت محبة ال على من أغضب فحلم" رواه الصبهاني.
ويقول عليه الصلة والسلم ":اذا جمع ال الخلئق نادى مناد :يا أهل الفضل .قال :فيقوم ناس وهم يسير،
فينطلقوان سراعا الى الجنة ،فتتلقاهم الملئكة ،فيقولون :انا نراكم سراعا الى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون:
نحن أهل الفضل .فيقولون وما فضلكم؟ فيقولون :كنا اذا ظلمنا صبرنا ،واذا أسيء الينا حلمنا .فيقال لهم:
ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين" رواه الصبهاني.
ويقول ":أل أنبئ كم ب ما يشرّف ال به البنيان ،وير فع به الدرجات؟ قالوا :ن عم يا ر سول ال .قال :تحلم على
من جهل عليك ..وتعفو عمن ظلمك ..وتعطي من حرمك ..وتصل من قطعك" رواه الطبراني.
والمنافقون لهم صفات وقسمات بيّنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ليسهل على المؤمنين معرفتهم،
وليتمكنوا من الحذر منهم ...من ذلك قوله صلى ال عل يه وسلم ":ثلث من كن ف يه فهو منا فق وان صام
وصسلى وحسج واعتمسر وقال انسي مسسلم ..مسن اذا حدث كذب ،واذا وعسد أخلف ،واذا اؤتمسن خان" رواه أبسو
يعلى .وقوله ":اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ،ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق
ح تى يدع ها ..اذا حدث كذب ،واذا و عد أخلف ،واذا عا هد غدر ،واذا خا صم ف جر"رواه اح مد ،وقوله ":آ ية
المنافق ثلث :اذا حدث كذب ،واذا وعد أخلف ،واذا عاهد غدر" رواه البخاري ومسلم.
ودعوة السلم ابتليت بهذا الصنف من الناس على مدار التاريخ ..يقبلون عليها للتخريب فيها ،أو للتشكيك
بأصحابها ،أو ليحققوا عن طريقها مصلحة ويصلوا الى غاية"؟
ففسي حياة رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان المنافقون ل يألون جهدا ول يتركون فرصسة لليقاع
بالمسلمين ال اهتبلوها واستغلوها { يريدون ليطفؤا نور ال بأفواههم وال متم نوره لو كره الكافرون}.
حديث الفك:
جاء في كتب السيرة :أن عائشة رضي ال عنها كانت قد صحبت رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة
ب ني الم صطلق ،فخر جت لحاجت ها ،ففقدت عقدا ل ها .وعند ما عادت تلتم سه في المو ضع الذي فقد ته ف يه
ارتحل المسلمون ومعهم الهودج وهم يظنون أنها فيه ..وعندما رجعت عائشة الى مضارب القوم لم تجد
أحدا فجلست تنتظر وهي تظن أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها .فغلبتها عيناها فنامت ،فلم تستيقظ ال
وصفوان بن المعطل يقول :انا ل وانا اليه راجعون ،زوج رسول ال صلى ال عليه وسلم .وكان صفوان
قد تأخر عن القوم ،فأناخ راحلته فقرّبها اليها فركبتها وما كلمها كلمة واحدة ،ولم تسمع منه ال استرجاعه.
ثم سار بها حتى لحق بالجيش وقد نزل في (نحر الظهيرة) فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم على شاكلته
وما يليق به ..ووجد الخبيث المنافق عدو ال ابن أبي سلول متنفسا وفرصة لكيده وحقده فتنفس من كرب
النفاق والحسد الذي بين ضلوعه ،فجعل يستحكي الفك ويشيعه ويذيعه ..فلما قدموا المدينة فاض أهل الفك
في الحديث ورسول ال ساكت ل يتكلم..
لقد كانت حادثة الفك امتحانا وابتلء للرسول صلى ال عليه وسلم ولجميع المة الى يوم القيامة ،ليرفع به
أقوا ما وي ضع آخر ين ،ويز يد ال الذي اهتدوا هدى وايما نا ،ول يز يد الظالم ين ال خ سارا ..واقت ضى تمام
المتحان والبتلء أن ح بس عن رسسول ال صلى ال عليسه و سلم الو حي شهرا ل يوحسى اليسه في ذلك
شيء ،لتتم كلمته التي قدرها وقضاها وتظهر على أكمل الوجوه .ويزداد المؤمنون الصادقون ايمانا وثباتا
على العدل والصدق وحسن الظن بال وأهل بيته وال صديقين والصالحين من عباده .ويزداد المنافقون افكا
ونفاقسا ،ويظهسر لرسسول ال وللمؤمنيسن سسرائرهم ،ولتتسم العبوديسة المرادة مسن الصسديّقة عائشسة وأبويهسا،
ولتشتد الفاقة والرغبة منهم جميعا الى ال والذل له وحسن الظن به والرجاء منه..
وهذا ما جعل عائشة رضي ال عنها وأرضاها عندما جاء الوحي ببراءتها {ان الذين جاءوا بالفك عصبة
منكم ،ل تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم ،لكل امرئ منهم ما اكتسب من الثم ،والذي تولى كبره منهم له
عذاب عظ يم .لول اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنف سهم خيرا ،وقالوا هذا ا فك مبين} النور -11
.18جعلها تقول لبويها اللذ ين قال ل ها قومي الى رسول ال صلى ال عليه وسلم ":وال ل أقوم اليه ول
أحمد ال ال ،هو ال الذي أنزل براءتي".
جاء في ظلل القرآن حول حادث الفك ":وان النسان ليدهش حتى اليوم كيف أمكن أن تروج فرية ساقطة
كهذه في جو الجما عة الم سلمة حينذاك ..وان تحدث هذه الثار الضخ مة في ج سم الجما عة ،وت سبب هذه
اللم العاتية لطهر النفوس وأكبرها على الطلق؟
ل قد كا نت معر كة خاض ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وخاضت ها الجما عة الم سلمة يومذاك وخاض ها
السلم ..معركة ضخمة ،لعلها أضخم المعارك التي خاضها رسول ال وخرج منها منتصرا ،كاظما للمه
الكبار ،محتفظا بوقار نفسه وعموة قلبه وجميل صبره..
لقسد احتسسبها ال للجماعسة المسسلمة الناشئة درسسا قاسسيا ..فأدركهسم بفضله ورحمتسه ولم يمسسسهم بعقابسه
وعذابه ..فهي فعلة تستحق العذاب العظيم ..العذاب الذي يتناسب مع العذاب الذي سببوه للرسول صلى ال
عليه وسلم وزوجه وصديقه وصاحبه الذي ل يعلم عليه ال خيرا ..والعذاب الذي يتناسب مع الشر الذي ذاع
في الجماعة المسلمة وشاع ،ومسّ كل المقدسات التي تقوم عليها حياة الجماعة؟
لسان يتلقى عن لسان بل تدبر ول ترو ول فحص ول امعان نظر ،حتى لكأن القول ل يمر على الذان ول
تتمله الرؤوس ،ول تتدبره القلوب "..من تفسير سورة النور.
ولل خط الذي يت سببه النفاق والمنافقون في ال صف ال سلمي تحد ثت آيات القرآن الكر يم بالتف صيل عن
سمات النفاق وموا صفات المنافق ين للت نبيه الي هم والتحذ ير من هم ..قال تعالى {:و من الناس من يقول آم نا
بال واليوم الخر وما هم بمؤمنين* يخادعون ال والذين آمنوا وما يخدعون ال أنفسهم وما يشعرون* في
قلوب هم مرض فزاد هم ال مر ضا ول هم عذاب أل يم ب ما كانوا يكذبون* واذا ق يل ل هم ل تف سدوا في الرض
قالوا ان ما ن حن م صلحون* أل ان هم هم المف سدون ول كن ل يشعرون* واذا ق يل ل هم آمنوا ك ما آ من الناس
قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ،ال انهم هم السفهاء ولكن ل يعلمون* واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا
خلو الى شياطينهم قالوا اننّا معكم ان ما ن حن مستهزئون* ال يستهزئ ب هم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}
البقرة .15_8
بل ان ال تعالى كي يل فت المؤمنين الى شدة خطرهم على جسم الجماعة المسلمة اخت صهم بسورة من
سور القرآن هي سورة المنافقون قال تعالى {:اذا جاءك المنافقون قالوا نشد انك لرسول ال وال يعلم انك
لر سوله وال يش هد ان المنافق ين لكاذبون* اتخذوا ايمان هم ج نة ف صدوا عن سبيل ال ان هم ساء ما كانوا
يعملون* ذلك بأن هم آمنوا ثم كفروا فط بع على قلوب هم ف هم ل يفقهون* واذا رأيت هم تعج بك أج سامهم وان
يقولوا ت سمع لقول هم كأن هم خ شب م سندة يح سبون كل ضي حة علي هم هم العدو فاحذر هم قاتل هم ال أنّى
يؤفكون* واذا قيل لهم تعالوا يستفغر لكم رسول ال لوّوا روسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون* سواء
عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم ان ال ل يهدي القوم الفاسقين* هم الذين يقولون
ل تنفقوا على من ع ند ر سول ال ح تى ينفضوا ول خزائن ال سموات والرض ول كن المنافق ين ل يفقهون*
يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن العز منها الذل ول العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل
يعلمون* يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تلهكسم أموالكسم ول أولدكسم عسن ذكسر ال ومسن يفعسل ذلك فأولئك هسم
الخا سرون* وأنفقوا م ما رزقنا كم من ق بل أن يأ تي أحدكم الموت فيقول يا رب لول أخرت ني الى أ جل قر يب
فأصدق وأكن من الصالحين* ولن يؤخر ال نفسا اذا جاء أجلها وال خبير بما تعملون}.
والحركة السلمية لم تصب بما أصيبت به من فتن _في العصر الحديث _ ولم يتمكن بعض الحكام من
البطسش بهسا والتنكيسل بأصسحابها ،لول نفسر مسن المنافقيسن باعوا أنفسسهم للشيطان ،وآخريسن تخاذلوا رهبسا
ورغ با واشتروا بآيات ال ثم نا قليل ،لبئس ما كانوا يشترون{ :و من الناس من يقول آم نا بال ،فاذا أوذي
في ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ،ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم ،أوليس ال بأعلم بما في
صدور العالمين ،ليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}.
والحركة السلمية التي تستعصي على مؤامرات أعداء السلم في الشرق والغرب ..يمكن أن تنال منها
أو تصدعها ولو الى حين ،القاءات منافق عليم اللسات يمشي بالفتنة بين الصفوف كما فعل المنافقون في
كافة العهود السلمية واثاروا العداوات وأوقدوا الحروب بين أفراد الجماعة السلمية الواحدة..
ودعاة السسلم قسد يبتليهسم ال عسز وجسل بلمنافقيسن يثيرون حولهسم الشائعات والراجيسف ،ويلصسقون بهسم
التهامات والمفتريات زورا وبهتانا..
قد يبتلون بمنافقين يرمونهم في أعراضهم وأمانتهم وشرفهم وصدق دينهم وعلمهم وفي كل ما يعتزون به
تشف يا من ع ند أنف سهم وحقدا ..كل ذلك ليم حص ال ال صفوف والنفوس ويك فر الخطا يا وير فع الدرجات
{ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين} {ان تمسسكم حسنة تسؤهم ،وان تصبكم سيئة يفرحوا بها ،وان
تصبروا وتتقوا ل يضرّكم كيدهم شيئا ان ال بما يعملون محيط} آل عمران .120
وال صبر على الضراء ..واللتجاء الى ال تعالى ..والتح صن به هو ملذ العامل ين ومل جأ المؤمن ين من كل
منافق وشيطان رجيم {ول يحيق المكر السيء ال بأهله}.
ان حسن الظن بال تعالى ..والثقة بعدله ورحمته وقدرته هي عزاء الدعاة الى ال { الصابرين في البأساء
والضراء وحين البأس}.
وتح ضن الدعاة بال في مواج هة النفاق والمنافق ين ل يع ني ال سكوت عن أعمال هم وعدم ف ضح مؤامرات هم
وكشف مخططاتهم ودوام التحذير منهم والعمل على استئصالهم ،بل ان ذلك واجب ل يجوز تركه أو اهماله،
لن ترك الداء في الجسد على هذا الحال من شأنه أن يقضي عليه ..ولكن شريطة التحري والتثبت كيما ل
يأخذ بريء بذنب سواء ،وحتى ل يظلم أحد بفعل لم يأته { يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا
أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
فهذا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عندمسا بلغسه خسبر مسسجد الضرار ،وهسو مسسجد بناه جماعسة مسن
المنافقين معارضة لمسجد قباء ،ليفرّقوا جماعة المسلمين ،سألهم عن سبب بنائهم المسجد فحلفوا بال ان
أردنا الى الحسنى وال يشهد انهم لكاذبون .فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم نفرا من أصحابه لينطلقوا
اليه ويهدموه ففعلوا .ولقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك فقال {:والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا
ب ين المؤمن ين وار صادا ل من حارب ال ور سوله من ق بل وليحل فن ان أرد نا ال الح سنى وال يش هد ان هم
لكاذبون .ل ت قم في هم أبدا ،لم سجد أ سس على التقوى من أول يوم أ حق أن تقوم ف يه ،ف يه رجال يحبون أن
يتطهروا وال ي حب المتطهر ين .أف من أ سس بنيا نه على تقوى من ال ورضوان خ ير أم من أ سس بنيا نه
على ش فا جرف هار فانهار به في نار جهنم ،وال ل يهدي القوم الظالمين ،ل يزال بنيانهم الذي بنوا ري بة
في قلوبهم ال أن تقطع قلوبهم وال عليم حكيم} التوبة .108-107
وجاء في كتاب نور اليقين للشيخ الخضري صفحة 83قوله ":وكان يساعد المنافقين على مقاصدهم جماعة
من عرب المدينة أعمى ال بصائرهم فأخفوا كفرهم خو فا على حياتهم .وكان يرأس هذه الحماعة عبد ال
بن أبيّ بن سلول الخزرجي الذي كان مرشحا لرياسة أهل المدينة قبل هجرة النبي صلى ال عليه وسلم.
ول شك أن ضرر المنافقين أشد على المسلمين من ضرر الكفار ،لن هؤلء يدخلون بين المسلمين فيعلمون
أسسرارهم ويشيعونهسا بيسن العداء مسن اليهود وغيرهسم .كمسا حصسل ذلك مرارا .والسساس الذي كان عليسه
ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يق بل ما ظ هر ويترك ل ما ب طن .ولك نه عل يه ال سلم مع ذلك كان ل
يأمنهم في عمل ما ،فكثيرا ما كان يتغيّب عن المدي نة ويولي عليها بعض النصار ولكن لم يعهد أنه ولى
رجل ممن عهد عليه النفاق ،لنه عليه السلم يعلم ما يكون منهم ولو عملوا عمل ،فانهم بل شك يتخذون
ذلك فرصة للضرار بالمسلمين وهذا درس مهم لرؤساء المسلمين وقادتهم ،يعلمهم أن ل يثقوا في العمال
المهمة ال بمن لم تظهر عليهم شبهة النفاق أو اظهار ما يخالف ما في الفؤاد".
ويحدث التاريخ السلمي أن أجيرا لعمر بن الخطاب اختصم مع حليف للخزرج من قبيلة المنافق عبدال
بن ا بي سلول ،وضرب الج ير الحل يف ح تى سال د مه ،وكاد الحادث أن ي كبر ويتطور لول أن خرج ر سول
ال صلى ال عل يه و سلم وأخ مد الفت نة .فل ما بلغ ا بن أ بي سلول ذلك غ ضب وكان عنده ر هط من الخزرج
فقال :ما رأ يت كاليوم مذلة و قد فعلو ها .نافرو نا في ديار نا وال ما ن حن والمهاجرون ال ك ما قال الول "
سمّن كلبك يأكلك" أما وال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن العز منها الذل .وكان في مجلس عبدال شاب
حديث السن قوي السلم اسمه زيد بن أرقم فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما حصل .فأمر رسول
ال الناس بالرحيل في وقت لم يكن يرتحل فيه ليشغل الناس عن التكلم في هذا الموضوع ..فجاءه أسيد بن
حضير يسأل عن سبب هذا الرتحال المفاجئ فقال له :أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ زعم أنه ان رجع الى
المدينة ليخرجن العز منها الذل .فقال أسيد وال يا رسول ال أنت تخرجه ان شئت هو وال الذليل وأنت
العزيز .ثم سار عليه السلم بالناس سيرا حثيثا حتى آذتهم الشمس فنزل بهم .وجاء رهط من النصار الى
ي وكلموه في العتذار من رسول ال فلوى رأسه واستكبر ،وهنا نزلت سورة المنافقون تفضح
عبدال بن أب ّ
عبدال وأتباعه وأشياعه من المنافقين..
ومن المنافقين (نبتل بن الحرث) وهو الذي قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ":من أحب ان ينظر
الى الشيطان فلينظر الى (نبتل بن الحرث)" وكان ياتي رسول ال يتحدث اليه ،فينصت اليه ويسمع منه ،ثم
يأتي المنافقين يسخر من رسول ال ويقول :انما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه .فانزل ال عز وجل فيه{:
ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ..قل أذن خير لكم يؤمن بال ويؤمن للمؤمنين ،ورحمة الذين
آمنوا منكم والذين يؤذون رسول ال لهم عاب أليم}.
ومن المنافقين (مربع بن قيظي) وهو الذي قال لرسول ال يوم الخندق ان بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع
اليها .فأنزل ال تبارك وتعالى فيه {:يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون ال فرارا}.
وكان هؤلء المنافقون يحضرون المسسجد فيسسمعون أحاديسث المسسلمين ،ويسسخرون منهسم ،ويسستهزئون
بدينهم ..فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس ،فرآهم رسول ال يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق
بعضهم ببعض .فامر بهم رسول ال فأخرجوا من المسجد اخراجا عنيفا .فقام أبو أيوب خالد بن زيد الى
عمرو بن قيس وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد ،ثم أقبل الى
(را فع بن ودي عة) فأم سك به ثم نتره نترا شديدا ول طم وج هه ثم أخر جه من الم سجد و هو يقول ":أف لك
منافقا خبيثا ،أدراجك يا منافق من مسجد رسول ال".
والشدة الثال ثة ال تي توا جه الدعاة ،وبخا صة في هذا الز من ،هي شدة الكفار ومكر هم ومؤامرات هم {:ان
الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل ال فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ،والذين كفروا الى
جه نم يحشرون ،ليم يز ال ال خبيث من الط يب ويج عل ال خبيث بع ضه على ب عض فيرك مه جمي عا فيجعله في
جهنم أولئك هم الخاسرون}.
فالكفار هسم اهسل الباطسل واشياعسه وهسم أعوان الشيطان وأتباعسه فسي كسل زمان ومكان ..وهسم أعداء الحسق
واليمان دائما وأبدا وحتى تقوم الساعة..
وال صراع ب ين الك فر واليمان صراع قد يم قدم البشر ية ،و صراع طو يل طول الحياة وح تى يرث ال الرض
و من علي ها ،و صراع مر ير ل نه صراع الضداد {:قل من رب ال سموات والرض قل ال ،قل افاتخذ تم من
دو نه أولياء ل يملكون لنف سهم نف عا ول ضرّا ،قل هل ي ستوي الع مى والب صير ،أم هل ت ستوي الظلمات
والنور ،أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخل قه فتشا به الخلق علي هم قل ال خالق كل ش يء و هو الوا حد القهار}
الرعد .16
والكفار كانوا حربا على دعوة الحق منذ خلق ال آدم عليه السلم ،واستمرت هذه الحرب على طول امتداد
الرسالت والرسل ،ويتبقى مستمرة مستعرّة حتى يأتي أمر ال.
فهذا موسسى عليسه السسلم ،يتحدى فرعون بالحسق ل يبالي بالموت مسا دام فسي سسبيل ال { ولقسد أرسسلنا
موسى بآياتنا وسلطان مبين .الى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب .فلما جاءهم بالحق من عندنا
قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ،وما كيد الكافرين ال في ضلل} .
وهذا ابراه يم عل يه ال سلم ،يد عو قو مه الى الهدى والى ن بذ عبادة الوثان {ف ما كان جواب قو مه ال أن
قالوا اقتلوه أو حرّقوه ،فأنجاه ال من النار ان في ذلك ليات لقوم يؤمنون}.
وهذا عي سى عل يه ال سلم ،يد عو ب ني ا سرائيل الى ال ويقول {:ان ال ر بي ورب كم فاعبدوه هذا صراط
مستقيم .فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري ال ال ،قال الحواريون نحن أنصار ال ،آمنا بال
واشهد بأنا مسلمون ،الى قوله ،ومكروا ومكر ال وال خير الماكرين} آل عمران.
وهكذا كان شأن الكافر ين مع أ نبياء ال ور سله أجمع ين ،جاء و صفهم في القرآن الكر يم {:ول قد آتي نا
مو سى الكتاب وقفي نا من بعده الر سل ،وآتي نا عي سى بن مر يم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ،فكل ما جاء كم
رسول بما ل تهوى به أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} { ان الذين يكفرون بآيات ال ويقتلون
النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ،أولئك الذين حبطت أعمالهم
في الدنيا والخرة وما لهم من ناصرين} آل عمران{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك
هاديا ونصيرا}.
أما ما لقيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من الكافرين فأكبر من أن يوصف وأشد من أن يتصوّر؟
لقد تعرّض رسول ال صلى ال عليه وسلم لعديد من محاولت الغتيال دبّرها له الكفار..
ففسي رحلتسه الى الطائف أغرى بسه الكفار صسبيانهم وأثاروا غوغاءهسم فرجموه بالحجارة ،وتابعوه بالسسباب
والشتائم و هو ل ين فك يقول {:الل هم ال يك أش كو ض عف قو تي وقلة حيل تي ،وهوا ني على الناس ،يا أر حم
الراحمين ،أنت ربي ورب المستضعفين ،الى من تكلني؟ الى بعيد يتجهمني ،أم الى قريب ملك ته أمري؟ ان
لم يكن بك غضب علي فل ابالي ،ولكن عافيتك هي أوسع لي ،أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات،
و صلح عل يه أمر الدنيا والخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عل يّ سخطك ،لك اله تبى حتى تر ضى ول
حول ول قوة ال بك".
ومرّ رسول ال يوما والمشركون في الحجر فوثبوا عل يه وأحاطوا به وصاحوا قائلين :أنت الذي تقول
كذا وكذا؟ فيجيب هم ر سول ال ب كل اعتزاز؟ :ن عم أ نا الذي أقول ذلك" ول قد أ صابه من هك في ذلك اليوم أذى
كثيرا ،ولول أن قيض ال له أبا بكر الصديق فقد كادوا يجهزون عليه..
وعندمسا بدأت طلئع المسسلمين بالهجرة الى المدينسة عقسد المشركون اجتماعسا فسي دار الندوة وضعوا فيسه
خطة لقتل الرسول صلى ال عليه وسلم وهو نائم في بيته ،واشترك في ذلك كل بيوتات قريش {:واذا يمكر
بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجونك ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين}.
وبعد الهجرة ..استأجر صفوان بن أمية أحد كفار قريش عمير بن وهب لغتيال الرسول صلى ال عليه
وسلم مقابل أن يقضي دينه ويكفل عياله ..ولما وصل المدينة لتنفيذ مهمته ودخل المسجد رآه رسول ال
صلى ال عل يه وسلم ،وك شف ال له سريرته ،فقال له :ادن يا عم ير .فد نا .ثم قال :ما جاء بك يا عم ير؟
فحاول عم ير أن يكذب ..وعند ما أ صر على النكار قال له ر سول ال بل قعدت أ نت و صفوان بن أم ية في
الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ،ثم قلت لول دين علي وعيال لخرجت حتى أقتل محمدا ،فتحمل لك
صفوان دينك وعيالك على أن تقتلني له ،وال حائل بينك وبين ذلك ..ولقد أسلم عمير بن وهب بعد ذلك..
ول قد تعرض ا صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لهجمات عات ية من الكفار {ف ما وهنوا ل ما أ صابهم
في سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يحب الصابرين}.
فيوم الرجيسع قتسل نفسر مسن كبار الدعاة كانوا فسي طريقهسم الى عضسل والقارة ،لنئر الدعوة وتعليسم الناس
السلم..
منهم عاصم بن ثابت وقد قال حين قتله:
ما عليّ وأنا جلد نابل
والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل
الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الله نازل
بالمرء والمرء اليه آيل.
ومنهم خبيب بن عد يّ .ولما أخرجوه من الحرم ليقتلوه ،قال لهم دعوني أصلي ركعتين ،ثم انصرف اليهم.
فقال :لول أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت ،فكان أول من سنّ الركعت ين ع ند الق تل هو ،ثم قال:
اللهم احصهم عدا ،ثم أنشد:
وذلك في ذات الله وان يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في ال مصرعي.
ومنهم زيد بن الدثنة .ولما أخرج من الحرم ليقتل ،اجتمع اليه رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب،
فقال له أ بو سفيان :أنشدك بال يا ز يد ،أت حب أن محمدا الن عند نا مكا نك نضرب عن قه ،وأ نك في أهلك؟
قال :وال ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي .فقال
أبو سفيان :ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
و في بئر معو نة غدر الكفار بأربع ين رجل من الم سلمين كانوا في طريق هم الى ن جد لن شر دعوة ال سلم
وذلك بطلب من أ بي براء عا مر بن مالك .ول قد قام عا مر بن الطف يل في ن فر من قبائل ب ني سليم بتطو يق
المسلمين وهم في رحالهم .فلما رأوا الكفار وأنهم قد غدر بهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن
آخرهم.
وفي أحد قتل سبعة من النصار وهم يدافعون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ..أخرج المام أحمد
عن أ نس ر ضي ال ع نه أن المشرك ين ل ما رهقوا ال نبي يوم أ حد ،و هو في سبعة من تأم صار ور جل من
قر يش .قال :من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟ فجاءه رجل من الن صار فقا تل ح تى ق تل .فلما رهقوه
أيضا قال :من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟ ..حتى قتل السبعة ،فقال الرسول صلى ال عليه وسلم ":ما
أنصفنا أصحابنا".
و في اليرموك ق تل عكر مة بن أ بي ج هل في أربعمائة من الم سلمين .فعند ما ح مي الوط يس قال عكر مة:
قاتلت رسول ال صلى ال عليه وسلم في مواطن ،وأفر اليوم؟ ثم نادى :من يبايع على الموت؟ فيبايعه عمه
الحارث بن هشام في أربعمائة من وجوه الم سلمين وفر سانهم ..فقاتلوا ح تى سقطوا جمي عا جر حى وق تل
منهم خلق كثير..
وتار يخ ال سلم حا فل بموا قف وبطولت الئ مة والدعاة الذ ين تعرضوا لب شع أنواع الضطهاد والتعذ يب
والتنكيل على مر العصور..
وان على دعاة السسلم فسي كسل زمان ومكان أن يحذو حذوهسم ويصسبروا صسبرهم ويتابعوا طريقهسم ليكونوا
خير خلف لخير سلف ..وان عليهم أن يدركوا أنهم امتداد لدعوة مباركة أصحابها مجاهدون وشهداء وليس
فلسفة وخطباء؟
وسسنعرض فسي هذه العجالة لبعسض البطولت التسي سسجلها أئمسة ودعاة فسي مواجهسة الطغيان والطاغوت..
لنتعرف الى ثبات هؤلء وصسبرهم ،ولنأخسذ مسن ذلك العزاء فسي البأسساء والضراء وحيسن البأس ،ولتمضسي
كتيبة الرحمن ل يضرها من خالفها حتى يأتي أمر ال..
من هؤلء سعيد بن المسيب رضي ال عنه ..ذلك أن عبد الملك بن مروان عندما عجز أن يجره الى صفه
وهسو سسيد التابعيسن ،أمسر بجلده فجلده خمسسين سسوطا ،ثسم طافوا بسه أسسواق المدينسة ،ومنعوا الناس أن
يجال سوه .فكان من ور عه أ نه كان يحذر الناس من مجال سته ح تى ل ينال هم أذى ب سببه ..ول قد ا ستمر في
صلبته واستمر جلده وتعذيبه حتى لقي وجه ربه رحمه ال.....
ومن هم سعيد بن جبير المام الممت حن ..ل قد تعرض لنق مة الحجاج بن يو سف فا سق ب ني ثق يف وبط شه
وجبروته ،فلم تضعف له قناة ولم تلن له عزيمة حتى قضى نحبه .وعندما أمر الحجاج بن يوسف بذبحه،
قال ":أ ما أ نا فأش هد أن ل اله ال ال وحده ل شر يك له وأن محمدا عبده ور سوله ،خذ ها م ني ح تى تلقا ني
بها يوم القيامة ،اللهم ل تسلطه على أحد يقتله بعدي" .فذبح من الوريد الى الوريد ولسانه رطب بذكر ال..
ول قد قال المام أحمد بن حن بل فيه ":ق تل الحجاج سعيد بن جبير وماعلى وجه الرض أحد ال وهو مفت قر
الى علمه".
ومنهم ابو حنيفة النعمان رضي ال عنه ..فقد كان غير راض عن سياسة أبي جعفر المنصور ..وروي
عن داود بن را شد الوا سطي أ نه قال :ك نت شاهدا ح ين عذب المام كان يخرج في كل مرة فيضرب عشرة
أسواط حتى ضرب مائة وعشرة أسواط ..فلما تتابع عليه الضرب قال خفيا" اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك"
فلما أصر على موقفه دسوا له السم فقتلوه.
كان أ بو حني فة جلدا في جهاده قويل في جلده ح تى و هو يل فظ الن فس الخ ير ..ف قد أو صى بأن يد فن في
أرض طيبة لم يجر عليها غضب ،أو أنها اغتصبت من قبل أمير .حتى يروى أن أبا جعفر عندما بلغه ذلك
قال :من يعذرني من أبي حنيفة حيا أو ميتا...
وكان منهسم أحمسد بسن حنبسل رضسي ال عنسه ..والمحنسة التسي تعرض لهسا هذا المام الجليسل أكسبر مسن أن
يحتملها انسان..
قال المام أحمسد ":فلمسا ضجسر المعتصسم وطال المجلس قال :عليسك لعنسة ال ،لقسد كنست طمعست فيسك.
خذوه..اخلعوا ثيابه ..اسحبوه ..فأخذت فسحبت .ثم قال :العقابين والسياط ،فجيء بالعقابين والسياط..
ثم قال لحد الجلدين :ادنه أوجع قطع ال يدك ..فتقدم فضربني سوطين ثم تنحى .فلما ضرب المام أحمد
سوطا قال :بسم ال ..فلما ضرب الثاني قال :ل حول ول قوة ال بال ..فلما صرب الثالث قال :القرآن كلم
ال غيسر مخلوق ..فلمسا ضرب الرابسع قال :قسل لن يصسيبنا ال ماكتسب ال لنسا ..فضربسه تسسعين وعشريسن
سوطا..
وهكذا تتابع المحنة في حياة المام أحمد حتى يلقى ال وهو على ذلك..
وكان منهم العز بن عبدالسلم سلطان العلماء ..فقد كان العز صداعا بالحق ل يخاف في ال لومة لئم..
فعندما استعان اسماعيل بالصليبين وسمح لهم بدخول دمشق وشراء السلح واستعان بهم على قتال أخيه
ن جم الد ين عام 138ه س هب ال عز بن عبدال سلم في و جه الخيا نة وأف تى بتحر يم ب يع ال سلح ل هم ..و في
خطبسة له على منسبر المسسجد الموي بدمشسق أعلن آراءه بكسل صسراحة ،وشدد فسي النكار على السسلطان،
وعلى سياسته وخيان ته ،ثم د عا بدعاء قال ف يه :الل هم أبرم لهذه ال مة ابرام ر شد ي عز ف يه أولياؤك ويذل
أعداؤك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك.
وعند ما أشار عل يه الم سلمون بأن يغادر البلد وين جو بنف سه من ب طش ال سلطان قال" ل وال ل أهرب ول
اخت بئ ،وان ما ن حن في بدا ية الجهاد ،ولم نع مل شيئا ب عد ،و قد وط نت نف سي على احتمال ما أل قى في هذا
السبيل ،وال ل يضيع عمل الصابرين".
والدعوة السسلمية والدعاة الى ال تعرّضوا ،على امتداد نصسف القرن الماضسي وحتسى اليوم لمؤامرات
شتى من أعداء السلم في الداخل والخارج ..لقد اغتيل منهم من اغتيل وقتل منهم من قتل وشرّد منهم
من شرّد لنهم أصروا أن يقولوا ربنا ال..
واتهموا بالعمالة للستعمار والذين اتهموهم هم العملء والجراء؟
اتهموا بالخيانة ثم جاءت اليام لتدمغ متهميهم بالخيانة؟
كانوا حربسا على الوجود الصسهيوني فسي فلسسطين مسن أول يوم ،وقدموا الشهداء يوم كان الحكام يقدمون
لعداء المة الولء؟
كانوا حربا على الستعمار الغربي ،وخاضوا معارك القتال ضد النجليز يوم الهامات والمقامات تتمسح على
أعتاب الستعمار؟
وكانوا حر با على الشيوع ية واللحاد ق بل أن تتكا مل مؤامرات ها على ال مة ال سلمية ،وق بل ان تت سبب ل ها
بالنكسات والنكبات؟
ففسي مصسر تعرضست الدعوة وأصسحابها على مدار العهود السسابقة لشتسى أنواع البطسش والتنكيسل
والضطهاد ..لقد واجه جيل بأكمله ممن تخرجوا من مدرسة محمد بن عبدال مؤامرة رهيبة لتصفيته..
استشهد حسن البنا المرشد العام للخوان المسلمين عام 1949على أيدي الطغمة الحاكمة وضمن مخطط
وض عه النجل يز للقضاء على الحر كة ال سلمية ال تي هزت ا مبراطوريتهم ..وذ نب المام الشه يد أ نه صفع
بال حق وجوه العب يد ،ود عا لخراج الناس من عبود ية الطغاة والدوران في فلك ال ستعمار الى عزة ال سلم
وعبادة ال الواحد القهار ..فكان جزاؤه بضع رصاصات اخترقت جسده في وضح النهار { وما نقموا منهم
ال أن يؤمنوا بال العزيز الحميد}.
وفي العام 1954سيق العالم الجليل عبدالقادر عودة الى حبل المشنقة ،كما يساق القتلة والمجرمون ،لنه
لم ير ضى الدن ية في دي نه ..وقال للطغاة ل يوم كا نت الهامات تنح ني ل هم ره با ورغ با .و صدق ر سول ال
صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":اذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها".
وفي عام 1966حكمت محكمة الطواغيت ،ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا على المفكر السلمي الكبير سيد
قطسب ،وقسد لفقست عليسه دولة المخابرات يومذاك اتهامات وأراجيسف حملتهسا وسسائل العلم بأسسلوب وغسد
خ سيس لثارة الدهماء من الناس على الحر كة ال سلمية وعلى أبنائ ها{ يريدون ليطفئوا نور ال بأفواه هم
وال متم نوره ولو كره الكافرون}.
وفي ايران حكمت محكمة خاصة عام 1956على المجاهد نواب صفوى ومجموعة من مجاهدي منظمة
فدائيا اسلم بالموت ثمنا لنحراف السياسة اليران ية وارتباطها بعجلة الستعمار الغربي ..فقد كان الشهيد
واخوانسه ينددون بهذه السسياسة ،وينادون بانتهاج سسياسة مسستقلة بعيدة عسن مناطسق النفوذ ويدعون الى
تطبيق شرع ال في أجهزة الدولة والحكم..
و في العراق اغتالت ال يد الث مة في ال سبعينات عددا كبيرا من الئ مة والدعاة ،ك ما جرت وتجري ت صفية
الكثيرين في السجون والمعتقلت بل وفي بيوتهم ضمن مخطط يرمي الى استئصال الوجود السلمي .ولقد
كان مسن هؤلء الشهداء :الشيسخ عبدالعزيسز البدري صساحب كتاب حكسم السسلم فسي الشتراكيسة ..والعلمسة
الشيسخ عارف البصسري ..والمجاهسد عزالديسن القبانسي ..والمجاهسد عماد الديسن تسبريزي ..والشهيسد هاشسم
عبدالسلم ..والشهيد عبدالرزاق شندالة ..والشهيد محمد البنا وغيرهم..
وفي عام 1976قاضت روح المجاهد مروان حديد " أبو خالد" الى بارئها وهو في السجن تشكو الى ال
ظلم الظالمين ،بعد أن ذاق الجسد كل صنوف العذاب والذى وبأبشع الساليب وأحقرها وأخسها..
وهكذا تتتابع المحن في حياة الدعوة والدعاة ..فيشقى الطغاة بقتل الدعاة ،ويسعد الدعاة بلقاء ال..
فحين ما توا جه الدعوة الى ال سلم الرهاب وال سجون والمشا نق وت صبح جهادا ثقيل وتضح ية ..حينئذ ي جد
ال جد وينتهي اللهو واللعب ،ويتم يز الذ ين يفهمون الدعوة جهادا مريرا وتضح ية في سبيل ال ب كل نف يس،
من الذ ين يريدون ها حياة هادئة من غ ير بذل ول عطاء كأن هم ن سوا قول ال تعالى {:أم ح سبتم ان تدخلوا
الج نة ول ما يأت كم م ثل الذ ين خلوا من قبل كم م ستهم البأ ساء والضراء وزلزلوا ح تى يقول الر سول والذ ين
آمنوا م عه م تى ن صر ال ال ان ن صر ال قر يب} {أم ح سبتم أن تدخلوا الج نة ول ما يعلم ال الذ ين جاهدوا
منكم ويعلم الصابرين .ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه لقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
قد يخ يل للب عض م من تحمل هم الدعوة ويحلون ها ..وم من يتقلون مبادئها دون أن يتفاعلوا معها ..قد يخيّل
اليهم أن بناء المة ،وانطلق المسيرة ،وانتصار السلم يمكن ان يكون بغير ذات الشوكة ،بغير معاناة أو
تعب ،وكأنهم نسوا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم ":حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} رواه
م سلم وأح مد والترمذي وقوله ":من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل ،ال ان سلعة ال غال ية ال ان سلعة
ال الجنة" .رواه الحاكم والترمذي.
فالذين لم يعرفوا بعد طبيعة هذا الطريق عليهم أن يراجعوا الحساب ويعيدوا النظر ،قبل أن يقع المتحان،
ويحدث ما ل يس بالح سبان{ و من الناس من يقول أم نا بال فاذا أوذي في ال ج عل فت نة الناس معذاب ال،
ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم أوليس ال بأعلم بما في صدور العالمين ،وليعلمن ال الذين
آمنوا وليعلمن المنافقين}.
ان الذين يبدأون السير في درب السلم كثيرون ..أما الذين يكملون الطريق فقليلون..فنسأل ال الثبات على
طريق دعوته حتى نلقاه..
والشدة الرابعة ال تي يتعرض لها الداعية ،والتي تفوق في ضراوتها وخطرها كل الشدائد ،بل هي مفتاح
كل شدة وبلء ،وسبب كل انحراف والتواء ،تلكم هي شدة مكائد الشيطان وتلبيس ابليس ومضلت الهوى..
والداع ية يب قى بخ ير ،كائ نا ما كا نت الشدائد الخارج ية الجتماع ية وال سياسية والقت صادية وغير ها ،ما لم
يتخاذل ويضعف أمام شيطانه..
فالشيطان هو العدو الكبر للمؤمنين ،ل يفتأ يمكر ويوسوس ويستدرج ما بقيت الحياة وبقي اليمان { قال
فبعز تك لغوين هم أجمع ين* ال عبادك من هم المخل صين* قال فال حق وال حق أقول لملن جه نم م نك وم من
تبعك منهم أجمعين} الزمر .82
ودعاة ال سلم ي جب أن يكونوا أ شد احترا سا من الشيطان من هم من عدو هم ..ل نه أعدى العداء وأم كر
الماكر ين { ان الشيطان ل كم عدو فاتخذوه عدوا ،ان ما يعدو حز به ليكونوا من أ صحاب ال سعير} { ألم أع هد
اليكم يا بني آدم أل تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين ،وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ،ولقد أضل منكم
جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}.
وخطورة ما في الشيطان وتلبي سه وو سوسته أ نه ان أغلق دو نه من فذ جاء من ثان ،وان خ نس من جا نب
و سوس من آ خر ..و صدق ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح يث يقول {:ان الشيطان يجري من ا بن آدم
مجرى الدم من الج سد} مت فق عل يه ،وقال ر جل للح سن ،يا أ با سعيد :أينام الشيطان؟ فتب سم وقال :لو نام
لسترحنا..
واذا أراد الدعاة أن يعرفوا مكائد الشيطان وطرق غوايته فحسبهم أن يستمعوا الى قصة رواها رسول ال
صلى ال عليه وسلم حيث قال {:كان راهب في بني اسرائيل ،فعمد الشيطان الى جارية فخنقها وألقى في
قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب .فأتوا بها اليه فأبى أن يقبلها ،فلم يزالوا به حتى قبلها .فلما كانت عنده
ليعالج ها أتاه الشيطان فز ين له مقاربت ها ولم يزل به ح تى واقع ها فحملت م نه .فو سوس ال يه وقال :الن
تفت ضح ،يات يك أهل ها ،فاقتل ها فان سألوك ف قل ما تت .فقتل ها ودفن ها .فأ تى الشيطان أهل ها فو سوس الي هم
وألقسى فسي قلوبهسم انسه أحبلهسا ثسم قتلهسا ودفنهسا .فأتاه ألهسا فسسألوه عنهسا فقال :ماتست ،فأخذوه بهسا ،فأتاه
الشيطان فقال :أنا الذي خنقتها وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها ،فأطعني تنجح وأخلصك منهم ،قال :بماذا؟
قال :اسجد لي سجدتين .ف سجد له سجدتين ،فقال له الشيطان ،ا ني بريء م نك .فهو الذي قال تعالى فيه{:
كمثل الشيطان اذا قال للنسان اكفر فلما كفر قال اني برئ منك}.
مداخل الشيطان:
أما مداخل الشيطان الى القلوب فأكثر من أن تحصى ..وحسبنا أن نلخص هنا بعض هذه المداخل مما ورد
في كتاب الحياء الجزء الثالث:
الغ ضب :فالغ ضب يط في التفك ير والع قل ،ويف تح باب الن فس على م صراعيها أمام هجمات الشيطان ..ولهذا
كان عقل النسان من أكبر ما يتحصن به في مواجهة لقاءات الشيطان ووسوسات ابليس ..ولهذا قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم" ان ال يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الواعي عند حلول العقبات".
وذ كر ب عض الولياء أ نه قال لبل يس :ار ني ك يف تغلب ا بن آدم؟ فقال :آخذه ع ند الغ ضب والهوى ..ولهذا
حذر رسول ال صلى ال عليه وسلم من الغضب فقال ":ل تغضب".
الشهوة :والشهوة من أو سع مدا خل الشيطان الى الن فس البشر ية ..وأع ني بالشهوة شهوات الج سد كل ها..
شهوة البطن للطعام ..وشهوة الفرج للجماع ..وشهوة النفس للمال..
ولذلك ن ظم ال سلم و سائل اشباع هذه الشهوات ،وبيّن حدود ها ومعالم ها ح تى ل تكون سبيل يد خل م نه
الشيطان الى النفس ويفسدها ويخربها..
ف في شهوة الب طن حذر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من التخ مة بقوله ":ما مل ا بن آدم وعاء شر من
بطنه".
وفي شهوة الفرج قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":اضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك
الجنة" وقال تعالى {:والذين هم لفروجهم حافظون}.
و في شهوة الن فس للمال ي صف ال المؤمن ين فيقول {:للفقراء الذ ين اح صروا في سبيل ال ل ي ستطيعون
ضر با في الرض يح سبهم الجا هل أغنياء من التع فف تعرف هم ب سيماهم ل ي سألون الناس الحا فا} وي صفهم
رسول ال فيقول ":ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".
الحسد :ومن مداخل الشيطان وأسلحته الفتاكة الحسد ..فهو يطفئ نور العقل ويعمي هدي البصيرة ،ويجعل
النسان عبدا أسيرا لحسده وحقده ..وبالتالي يدفعه لسلوك أي سبيل مهما كان ملتويا للكيد ممن يحسده..
ولقد سبق أن أسهبنا في الكلم عن الحسد فيما تقدم..
الب خل :و من مدا خل الشيطان الى الن فس الب خل وخوف الف قر وه ما صفتان تمنعان من بذل الخ ير وع مل
البركة ومن النفاق في سبيل ال والتصدق على أهل الحاجة ،بل وتبلدان الحس النساني
والشعور بشعور الخريسن ..يقول ال تعالى {:الشيطان يعدكسم الفقسر ويأمركسم بالفحشاء ،وال يعدكسم مغفرة
منه وفضل وال واسع عليم}.
قال سفيان :ل يس للشيطان سلح م ثل خوف الف قر ..فاذا ق بل ذلك م نه ،أ خذ في البا طل ،وم نع من ال حق،
وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء..
الكبر :ومن عظيم مداخل الشيطان الى النفس الكبر والغرور ..وهذا الداء العضال هو الذي هوى بابليس من
ال سماء الى الرض { قال أ نا خ ير م نه ،خلقت ني من نار وخلق ته من ط ين} ولهذا كان ر سول ال صلى ال
عليه وسلم يتعوذ بال من نفخة الكبرياء..
سوء ال ظن بالم سلمين :و هو من المدا خل الشيطان ية ال تي ب ها تنف صم العرى ،وتنق طع الوا صر ،وتتمزق
الصفوف ..والتي بها تحل الفتن ،وتشيع الفاحشة ،ويعم البلء..
ولهذا حذر القرآن من سوء ال ظن فقال {:يا أي ها الذ ين آمنوا اجتنبوا كثيرا من ال ظن ان ب عض ال ظن ا ثم}
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":اتقوا ال موضع التهم".
يقول ال تعالى {:ان الذين اتقوا اذا م سّهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون} ويقول {:فاستعذ
بال من الشيطان الرجيم}.
و من هذه اليات ي تبين ل نا أن تقوى ال تعالى ،وال ستعاذة به ،ودوام ذكره ومراقب ته ،وح سن عباد ته ،من
أهم عوامل الوقاية من الشيطان الرجيم..
وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول {:اذا ذكر النسان ال خنّس شيطانه واذا غفل وسوس}.
ويحكى أن محمد بن واسع كان يقول كل يوم بعد صلة الصبح :اللهم انك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا،
يرا نا هو و قبيله من ح يث ل نرا هم ..الل هم فآي سه م نا ك ما آي سته من رحم تك ،وقنّ طه م نا ك ما قنّ طه من
عفوك ،وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك .انك على كل شيء قدير.
قال :فتم ثل له ابل يس يو ما في طر يق الم سجد فقال له :يا ا بن وا سع هل تعرف ني؟ قال :و ما أ نت؟ قال :أ نا
ابليسس .قال :ومسا تريسد؟ قال :أريسد أن ل تعلم أحدا هذه السستعاذة ول أتعرض لك .قال :وال ل أمنعهسا مسن
أرادها فاصنع ما شئت.
وقال صلى ال عليه وسلم ":لقد أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني ،فأهذت بحلقه .فوالذي بعثني بالحق
ما أرسلته حتى وجدت من دماء لسانه على يدي ،ولول دعوة أخي سليمان عليه السلم لصبح طريحا في
المسجد" أخرجه ابن أبي الدنيا وللبخاري رواية أخرى شبيهة واسناده جيد..
فالذاكرون ال كثيرا والذاكرات ..والتائبون الى ال من ذنوبهم والتائبات ..ولمستغفرون والمستغفرات ،هم
الذين يستعصون على الشيطان ويتعبونه ثم ل يبلغ منهم مراده..
أمسا الغافلون عسن ذكسر ال ..أم المصسرون على المعصسية ..أم المتكاسسلون عسن العبادة ..الذيسن ل تتجافسى
جنوبهم عن المضاجع .الذين جعلوا الدنيا أكبر همهم ،فهؤلء كالخاتم في يد الشيطان يصنع بهم ما يشاء.
قال وهيب بن الورد :بلغنا أن ابليس تمثل ليحيى بن زكريا عليهما السلم فقال اني أريد أن أنصحك ،قال:
ل حاجة لي في نصحك ،ولكن أخبرني عن بني آدم؟ قال :هم عندنا ثلثة أصناف:
أما صنف منهم وهم أشد الصناف علينا :نقبل على أحدهم ح تى نفتنه ونتمكن منه ،فيفزع الى الستغفار
والتوبة ،فيفسد علينا كل شيء ،ثم نعود فيعود ،فل نحن نيأس منه ول نحن ندرك منه حاجتنا..
وأما الصنف الخر :فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانهم ،نقلبهم كيف شئنا ،وقد كفونا أنفسهم..
وأما الصنف الثالث :فهم مثلك معصومون ل نقدر منهم على شيء..
من هنا يتبين لنا أن دعاة السلم أشد تعرضا لمكائد الشيطان والقاءات الشر منهم من غيرهم..
ف قد تكون و سوسة ابل يس في ن فس الداع ية من جا نب ال كبر والغرور ،غرور العلم والتد ين وال صلح فيرى
أنه أحسن حال ومقال من سائر خلق ال ..فاذا وجد ذلك فليستعذ بال من نفخة الكبرياء.
و قد تكون و سوسة ابل يس في ن فس الداع ية من جا نب الدن يا وزينت ها ..،فيرى أ نه محروم من ها ،مق صر
ب حق نف سه وعياله ،وأ نه أ قل دخل من سواه ..ف ما الما نع من أن يأ خذ ب حظ نف سه ،وي سعى وراء تح سين
حاله ومضاعفة دخله ..وقد يستمر الحال على هذا المنوال حتى تكون النتيجة استحواذ حب الدنيا وانشغاله
بها عن ربه .فيترك الثفرة التي هو عليها ،والجهاد الذي هو فيه ،ويرتحل من مكان الى آخر ومن بلد الى
بلد سغيا وراء كسب أوفر ودخل أكبر!.
وقد تكون وسوسة ابليس للداعية من جانب الخوف والجبن ..فيقذف في نفسه الوهن " قيل وما الوهن يا
ر سول ال؟ قال حب الدن يا وكراه ية الموت" فيرى أ نه في غ نى عن أن يتشرد أو ي سجن أو يق تل ،لن في
ذلك تشريد عياله ..وماذا عليه لو يخفف؟ وهكذا تتفاعل هذه اللقاءات في النفس حتى تقذف به بعيدا بعيدا
عن مسيرة الجهاد ودعوة الحق!.
والى هذا المع نى أشار الر سول صلى ال عل يه و سلم بقوله ":ان الشيطان ق عد ل بن آدم بطرق ..فق عد له
بطر يق ال سلم ،فقال :ات سلم وتترك دي نك ود ين آبائك؟ فع صاه وأ سلم ..ثم ق عد له بطر يق الهجرة ،فقال:
أنها جر ،أتدع أر ضك و سماءك؟ فع صاه وها جر ..ثم ق عد له بطر يق الجهاد ،فقال :أتجا هد و هو تلف الن فس
والمال ،فتقاتل فتقتل ،فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم فمن
فعل ذلك فمات كان حقا على ال أن يدخله الجنة" أخرجه النسائي.
والشدة الخام سة ال تي توا جه دعاة ال سلم هي شدة الن فس ومنازعت ها ،وك يد الن فس وضلل ها ،وم كر
الن فس وخبث ها ..و صدق ال تعالى ح يث يقول {:و ما ابر يء نف سي ان الن فس لمارة بال سوء ،ال من ر حم
ربي ان ربي غفور رحيم" يوسف .51
فن فس الن سان هي مو طن التفاعل مع ما يرد ها من خ ير و شر ،وحلل وحرام ،و حق وبا طل ..و هي الناء
الذي يتسع لكل شيء ..ويتسع للهدى كما يتسع للضلل ،ويتسع للطهر كما يتسع للعهر ،وهذا معنى قوله
تعالى ":ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها".
والداععية في زحمة الهموم والمشاغل اليومية ..السياسية والمعيشية والعائلية ولحركية ،قد ينسى نفسه.
انه قد يهتم بكل شيء من حوله ..ويقدم الخير لكل من هم حوله ،ولكنه مع ذلك قد ينسى نفسه .ينسى
حق نفسه من الهدى والخير ،من العناية والرعاية ..وهنا يحدث ما ليس بالحسبان ويقع ما فيه الخسران..
خواء الن فس وق سوتها ثم فتور ها وانحراف ها .و صدق ال تعالى ح يث يقول {:كل بل ران على قلوب هم ما
كانوا يكسبون* كل انهم عن ربهم لمحجوبون} ويقول {:ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد
قسوة ،وان من الحجارة لما يتفجر منه النهار ،وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء ،وان منها لما يهبط
من خشية ال ،وما ال بغافل عما تعملون}.
فالنفسس أمّارة بالسسوء ..وان لم تلجسم بلجام التقوى والديسن ،وتتابسع بالترهيسب والترغيسب ،تقتسل صساحبها
وترد يه{ ..وأ ما من خاف مقام ر به ون هى الن فس عن الهوى ،فان الج نة هي المأوى} و صدق ر سول ال
صلى ال عليه وسلم حيث يقول {:أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك}.
ان على الخ الداعية أن يعي أمرا هاما قد يغفل عنه الكثيرون ذلك المر هو أنه كداعية مهمته الساسية
أن يربح نفسه أول ..ويحسن الى نفسه أول ..وال فما قيمة أن يربح الدنيا ويخسر نفسه؟
ان الرابح الحقيقي ،يوم القيامة ،هو الذي ربح نفسه ولو خسر الدنيا والناس جميعا .وان الخاسر الحقيقي
هو الذي خسر نفسه ولو ربح الناس والدنيا جميعا {..قل ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
القيامة ال ان الظالمين في عذاب مقيم}.
ان مسن مقدمات خسسارة النفسس واشاراتهسا ،هسي اهمال النفسس وعدم ترويضهسا على اللتزام بالشرع،
وتحق يق ترج مة المبادئ الى أعمال والقوال الى أفعال ..ول قد ندد القرآن الكر يم بذلك فقال تعالى {:أتأمرون
الناس بالبر وتنسسون أنفسسكم وأنست تتلون الكتاب أفل تعقلون} { يسا أيهسا الذيسن آمنوا لمسا تقولون مسا ل
تفعلون ،كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون}.
فالداعيسة مطالب بمحاسسبة نفسسه قبسل محاسسبة غيره ..وبتربيسة ذاتسه قبسل قيامسه بتربيسة ذوات الخريسن..
وبالحسان الى نفسه قبل مبادرته بالحسان للخرين ..وهذا مناط وصية على ابن أبي طالب كرّم ال وجهه
حيسث يقول {:مسن نصسّب نفسسه للناس امامسا فليبدأ بتعليسم نفسسه قبسل أن يبدأ بتعليسم غيره ..وليكسن تهذيبسه
بسيرته قبل تهذيبه بلسانه .ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالجلل من معلم الناس ومهذبهم}.
ولقد حدّث رسول ال صلى ال عليه وسلم عن مصير الذين يقولون مال يفعلون ،والذين يأمرون الناس
بالبر وينسون أنفسهم ،والذين ينصبون أنفسهم هداة وهم أبعد الناس عن الهداية ،والذين يطالبون الخرين
بالستقامة وهم منحرفون فقال ":يؤتى بالرجل يوم القيامة ،فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه ،فيدور فيها
ك ما يدور الحمار في الر حى ،فيجت مع ال يه أهل النار ،فيقولون :فلن؟ أما ك نت تأ مر بالمعروف وتن هى عن
المنكر؟ فيقول :نعم ،كنت آمر بالمعروف فل آتيه ،وأنهى عن المنكر وأتيه".
والى هذا يش ير ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بقوله ":تعلموا ما شئ تم أن تعلموا ،فلن يأجر كم ال ح تى
تعملوا".
ان على الداع ية أن يدرك أن عناي ته بقل به ي جب أن تفوق كل عنا ية ..وأ نه ان كان يعت ني بج سده وعقله
ويقدم لهما الغذية اللزمة والمصال اللزمة للقيام بدورهما على الوجه الكمل ،فان عليه بالتالي أن يعتني
بقلبه ..فهو بقلبه أول يكون داعية ..وهو بقلبه أول يكون مؤمنا ..وهو بقلبه أول يكون ربانيا..
والداعية ان لم يكن عابدا ربانيا فل خير فيه ،كائنا ما كانت ثقافته وعلمه ،لنها ثقافة لم تؤسس على تقوى
من ال ورضوان..
وفي نطاق بيان ما للقلب من قيمة يحدث رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول ":النسان عيناه هاد ،وأذناه
قمع ،ولسانه ترجمان ،ويداه جناحان ،ورجله بريد ،والقلب منه ملك ،فاذا طاب الملك طابت جنوده".
ان على الداع ية أن يه تم بقل به ..يراق به ..ي ستطلع أحواله ،ليعرف مدى ق سوته أو لي نه ،مدى حيا ته أو
موته ،مدى جفافه أو رطوبته..
فمسن الدلئل التسي تشيسر الى حياة القلب ،انفعال صساحبه بذكسر ال وقراءة القرآن وشتسى أنواع العبادات
مصداقا لقوله تعالى {:والذين اذا ذكر ال وجلت قلوبهم ،واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا ،وعلى ربهم
يتوكلون} {..وبشسر المخبتيسن* الذيسن اذا ذكسر ال وجلت قلوبهسم ،والصسابرين على مسا أصسابهم والمقيمسي
الصلة ومما رزقناهم ينفقون}.
و من الدلئل ال تي تش ير الى حياة القلب صلبة صاحبه في الد ين ،و صدعه بال حق ،وعدم خو فه ال من ال
عز وجل .وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":ان ل تعالى في أرضه آنية ..وهي القلوب..
فأحبها الى ال تعالى :أرقها وأ صفاها ،وأ صلبها ،ثم ف سرها فقال :أ صلبها في الد ين ،وأ صفاها في اليق ين،
وأرقها على الخوان".
ومسن الدلئل التسي تشيسر الى حياة القلوب خوف أصسحابها مسن ال وممسا يسسخطه ،وبعسد أصسحابها عسن
المحرمات ،واجتناب هم معا صيه ،م صداقا لقوله تعالى {:ان الذ ين اتقوا اذا م سّهم طائف من الشيطان تذكروا
فاذا هم مبصرون}.
ومن الدلئل التي تشير الى عافية القلوب كذلك ،خلوها من الحسد والبغض والغش ،ففي الخبر أنه قيل ":يا
رسول ال ،من خير الناس؟ فقال :كل مؤمن مخموم القلب .قيل :وما مخموم القلب؟ فقال :هو التقي الذي ل
غش فيه ول بغي ول غدر ول غل ول حسد".
و من الدلئل ال تي تش ير الى عاف ية القوب ،اطمئنان أ صحابها في كل الظروف ،و سعة نفو سهم ،وانشراح
صدورهم ف قد قال صلى ال عل يه و سلم في تف سير قوله تعالى {:ف من شرح ال صدره لل سلم ف هو على
نور من ربه{ هو التوسعة .ان النور اذا قذف في القلب اتسع الصدر وانشرح ،وكذا معنى قوله تعالى {:أل
بذكر ال تطمئن القلوب}.
كل ذلك يفرض على الخ الداعية أن يكون شديد العناية بقلبه ..يقدم له من الزاد ما يجعله قلبا ربانيا..
قلبا مشرقا ..قلبا وجل ..قلبا مطمئنا..
ولقد علمنا قدوتنا واسوتنا محمد صلى ال عليه وسلم كيف نعتني بقلوبنا لتكون في مستوى الدعوة نضارة
وطهرا ..و سنعرض ه نا بع ضا من هذه التعال يم النبو ية و ما أكثر ها في سنته و سيرته ل من أراد أن ي سلك
سبيل المسترشدين ويبلغ درجة الربانيين..
ذكر ال :ان بامكان الداعية أن يكون حريصا على ذكر ال في كل أحوالها وأعماله ..والرسول
صلى ال عليه وسلم علمنا أذاكارا يمكن أن تغطي بها أعمال النسان اليومية كلها..
هذه الدعية المأثورة ،لو حفظها الخ الداعية ومارسها بحسب ترتيبها من الفعال لصبح من
أولي اللباب {:الذيسن يذكرون ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبهسم ويتفكرون فسي خلق السسموات
والرض}.
فبذ كر ال حياة القلوب و صفاؤها ..به يزول الران ويح صل ال ين ..و صدق ر سول ال صلى ال
عل يه وسلم ح يث يقول ":ان لكل شيء صقالة ..و صقالة القلوب ذكر ال .و ما من شيء أن جى
مسن عذاب ال مسن ذكسر ال .قالوا ول الجهاد فسي سسبيل ال؟ قال :ولو أن يضرب بسسيفه حتسى
ينقطع" رواه البيهقي.
و عن الحارث الشعري ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ":ان ال أ ,حى
الى يحيى بن زكريا بخمس كلمات ،أن يعمل بهن ،وأن يأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن .منها
قوله تعالى :وآمركم بذكر ال كثيرا .ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره ،حتى أتى
حصنا حصينا قتحصن فيه ،وكذلك العلد ل ينجو من الشيطان ال بذكر ال" رواه الترمذي.
وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عنه النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "..قال موسى
عليه السلم :يا رب علمني شيئا أذرك به ،وأدعوك به ..قال :قل ل اله ال ال ..قال :يا رب كل
عبادك يقول هذا؟ قال :قل ل اله ال ال ..قال :انما أريد شيئا تخصني به؟قال :يا موسى ،لو أن
السموات السبع والراضين السبع في كفة ول اله ال ال في كفة مالت بهم ل اله ال ال" رواه
النسائي وابن ماجه والحاكم وقالوا صحيح السناد.
وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":جددوا ايمانكم .قيل
يا رسول ال وكيف نجدد ايماننا؟ قال :أكثروا من قول ل اله ال ال" رواه أحمد وغيره.
وروي عن الترمذي عن عبدال بن عمرو ر ضي ال عنه ما عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم
قال ":التسسبيح نصسف الميزان ،والحمسد ل تملؤه ،ول اله ال ال ليسس لهسا مسن دون ال حجاب
حتى تخلص اليه".
وقال صلى ال عل يه و سلم ":أ حب الكلم الى ال أر بع :سبحان ال ،والح مد ل ،ول اله ال ال،
وال أكبر .ول يضرّك بأيهن بدأت" رواه مسلم وابن ماجه والنسائي.
مراقبة ال :وعلى الخ الداعية أن يديم مراقبة ال عز وجل في شتى أحواله وأعماله وفي كل
أقواله وأفعاله ،بل وفي هواجسه ومشاعره..
ومراقبسة ال تعالى تحفسظ الداعيسة مسن الذل وتقيسه العثرات والنحرافات ،وتجعله حاضسر القلب
يستهدي بال ل بهواه..
وعلى الخ الداعية أن يعلم أن المور ثلثة:
الول :أمر استبان رشده فليتبعه..
الثاني :أمر استبان غيه فليجتنبه..
الثالث :أمر اشكل عليه فليسأل عنه..
ومراقبة ال تعالى انما تتأكد من نفس الخ الداع ية وتتعمق مع تزايد الشعور بقرب ال منه{:
ولقد خلقنا النسان ونعلم ما توسوس به نفسه ،ونحن أقرب اليه من حبل الوريد}{ ما يكون من
نجوى ثل ثة ال و هو رابع هم ،ول خم سة ال و هو سادسهم ،ول أد نى من ذلك ول أك ثر ال هو
مع هم أين ما كانوا ثم ينبؤ هم ب ما عملوا يوم القيا مة ان ال ب كل ش يء عل يم} {أم يح سبون أن ل
نسمع سرهم ونجواهم؟ بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.
قال عبدال بن دينار :خرجت مع عمر بن الخطاب رضي ال عنه الى مكة ..فعرسنا في بعض
الطر يق ،فانحدر ال يه راع من الج بل ،فقال له :يا را عي ،بع ني شاة من هذه الغ نم فقال :ان ني
مملوك ،قال :قل لسيدك أكلها الذئب .قال :فأين ال ..فبكى عمر ثم غدا الى المملوك فاشتراه من
موله فأعتقه ،وقال :اعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الخرة...
و سأل ر جل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يع ظه فقال ":اذا أردت أمرا فتدبر عاقب ته ..فان
كان رشدا فأمضه ،وان كان غبا فانته عنه".
وحكي ,في المراقبة ,أنه كان لبعض المشايخ تلميذ شاب ،وكان يكرمه ..فقال له لعض أصحابه:
ك يف تكرم هذا و هو شاب ون حن شيوخ؟ فد عا بعدة طيور وناول كل وا حد من هم طيرا و سكينا
وقال :ليذبح كل واح منكم طيره في موضع ل يراه أحد .ودفع الى الشاب مثل ذلك ..فرجع كل
واحد بطيره مذبوحا ،ورجع الشاب والطير حي في يده ..فقال :مالك لم تذبح وقد ذبح أصحابك؟
فقال :لم أ جد موض عا ال يرا ني ف يه أ حد ،اذ ال مطلع عل يّ في كل مكان ..فا ستحسنوا مراقب ته
وقالوا :حق لك أن تكرمه..
وقيل كان طاووس اليماني رحمه ال بمكة ،فراودته امرأة عن نفسه ،فلم يزل بها حتى أتى بها
الى المسسجد الحرام والناس مجتمعون ..فقال لهسا :أقضسي مسا تريديسن .قالت :فسي هذا الموضسع
والناس ينظرون؟ قال :فالحياء من نظر ال أحق .فتابت المرأة وحسنت توبتها.
وروي أن رجل جاء الى ابراه يم بن أد هم فقال له :يا أ با ا سحاق ..ا ني م سرف على نف سي،
ي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي :قال :ان قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم
فأعرض عل ّ
تضرّك ،ولم توبقك لذة ..قال :هات يا أبا اسحاق..
قال :أما الولى :فاذا اردت أن تعصي ال عز وجل فل تأكل رزقه .قال :فمن أين آكل وكل ما في
الرض من رزقه؟ قال :يا هذا ..أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال :ل.
هات الثان ية ..قال :واذا أردت أن تع صيه فل ت سكن شيئا من بلده ،قال الر جل :هذه أع ظم من
الولى ..فاذا كان المشرق والمغرب و ما بينه ما له فأ ين أ سكن؟ قال :يا هذا ..أفيح سن أن تأ كل
رزقه وتسكن بلده وتعصيه وأنت تأكل رزقه وتسكن لده وتعصيه؟ قال :ل،
هات الثالثة ..قال :اذا أردت أن تعصيه وأنت تأكل رزقه وفي بلده ..فانظر موضعا ل يراك فيه
مبارزا له فاع صه ف يه ..قال :يا ابراه يم ..ك يف هذا و هو مطلع على ما في ال سرائر؟قال :يا
هذا ..أفيح سن أن تأ كل رز قه وت سكن بلده وتع صيه و هو يراك ويرى ما تجا هر به؟ قال :ل،
هات الرابعة ..قال :اذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له :أخرني حتى أتوب توبة نصوحا
وأعمسل ل عمل صسالحا ..قال :ل يقبسل منسي ..قال :يسا هذا ..أفأنست اذا لم تقدر أن تدفسع عنسك
الموت لتتوب ،وتعلم أنسه اذا جاءك لم يكسن تأخيسر ،فكيسف ترجسو وجسه الخلص؟ قال :هات
الخامسسة ..قال :اذا جاءتسك الزبانيسة يوم القيامسة ليأخذوك الى النار فل تذهسب معهسم ..قال :ل
يدعونني ول يقبلون مني ..قال :فكيف ترجو النجاة اذا؟ قال الرجل :يا ابراهيم ،حسبي حسبي..
أنا أستغفر ال وأتوب اليه ،ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما..
مجاهدة لنفس :قال يحيى بن معاذ الرازي :جاهد نفسك بأسياف الرياضة ..والرياضة هلى أوجه
أربعة:
القوت من الطعام..
والغمض من المنام..
والحاجة من الكلم..
وحمل الذى من جميع النام..
فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات ..ومن قلة النوم صفو الرادات..
ومن قلة الكلم السلمة من الفات..
ومن احتمال الذى البلوغ الى الغايات..
فالخ الداع ية ،ي جب أن يكون في جهاد دائم مع نف سه ..يرد ها عن فضول المأ كل والمشرب
والمل بس والكلم والشهوة ..و صدق رسول ال صلى ال عل يه وسلم ح يث يقول ":المجاهد من
جاهد نفسه في طاعة ال عز وجل" .أخرجه الترمذي.
ولقد سئل الراهيم بن أدهم بم يتم الورع؟ فقال ":بتسوية جميع الخلق من نفسه ،وانشغالك عن
عيوبهم بذنبك .فكر في ذنبك ..وتب الى ربك ..وانسخ الطمع ال من ربك".
ف في مجاهدة الب طن بالجوع قال الر سول صلى ال عل يه و سلم ":ل تميتوا القلوب بكثرة الطعام
والشراب ،فان القلب كالزرع يموت اذا كثر عليه الماء" وقال ":ان أهل الجوع في الدنيا هم أهل
الشبع في الخرة ..وان أبغض الناس الى ال المتخمون الملى .وما ترك عبد أكلة يشتهيها ال
كانت له درجة في الجنة" رواه الطبراني.
ف من آفات التخ مة وأمراض ها النف سية فضل عن الج سدية :غل ظة القلب وق سوته ،وتبلد الذ هن
وكثرة النعاس والنوم ،وتهيج الشهوات ،والبطر والكسل عن العبادات..
ولهذا و ضح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قاعد ته الشهيرة ":ثلث للطعام ..وثلث للشراب.ز
وثلث للنفس".
وفي مجاهدة الشهوة ليتحقق العتدال ،أمر ال عباده بغض البصار {:قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم} وحفظ الفرج {:ويحفظوا فروجهم".
وحذر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من فت نة الن ساء فقال ":ما تر كت بعدي فت نة أ ضر على
الرجال مسن النسساء" .وقال ":النسساء حبائل الشيطان ،ولول هذه الشهوة لمسا كان للنسساء مسن
سلطنة على الرجال" أخرجه الصفهاني.
يقول الغزالي فسي الحياء ":وأعظسم اشهوات شهوة النسساء ..وهذه الشهوة أيضسا لهسا افراط
وتفر يط واعتدال ..فالفراط :ما يق هر الع قل ح تى ي صرف ه مة الرجال الى ال ستمتاع بالن ساء،
فيحرم عن سلوك طريق الخرة ،او يقهر الدين حتى يجر الى اقتحام الفواحش .والتفريط :بالعنة
أو بالض عف عن امتناع المنكو حة و هو أي ضا مذموم .وان ما المحمود :أن تكون معتدلة ومطي عة
للع قل والشرع في انقباض ها وانب ساطها .ومه ما افر طت فك سرها بالجوع والنكاح قال صلى ال
عليسه وسسلم ":يسا معشسر الشباب عليكسم بالباءة ،فمسن لم يسستطع فعليسه بالصسوم ،فالصسوم له
وووجاء".
وفي مجاهدة اللسان يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ":أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك
على خطيئتك" أخرجه الترمذي.
والخ الداعية انما ينعقد نجاحه في دعوته ..ويتحقق اثره الحسن في الناس بمقدار تمكنه من
لسانه ":ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك".
واستقامة اللسان وتجافيه عن موطن الغيبة والنميمة والكذب والفحش مظهر من مظاهر العافية
واليمان ،وعا مل من عوا مل صيانة القلب من الد نس وال غش والنحراف ..ف قد قال صلى ال
عل يه و سلم ":ل ي ستقيم ايمان الع بد ح تى ي ستقيم قل به ..ول ي ستقيم قل به ح تى ي ستقيم ل سانه"
أخرجه الطبراني.
وهكذا يترتب على الخ الداعية أن يجاهد نفسه وجوارحه بشتى أنواع الطاعات والعبادات لتزكو
وتصوف ،وما أكثر أبوابها وطرقها ووسائلها لمن أراد التقي والعروج ..وقد قيل ":ان ل معارج
على قدر أنفاس الخلئق.
والخلصة ..أن على الخ الداعية أن يتمكن من النتصار على نفسه واصلحها وربحها لنه
بذلك يكون منتصرا ..وتحقيق ذلك ليس هينا أو سهل ..وهو ان تم في فترة فل يؤمن ممكرها
وغدرها؟ ومتابعة النفس وملحقتها والحذر من القاءاتها ووساوسها هو السبيل الضمن الذي
يحقق مناعتها وعافيتها ..وبهذا يتحقق في الداعية معنى قوله صلى ال عليه وسلم ":اذا أراد
ال بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه" مسند الفردوس وقوله ":من كان له من قلبه واعظ ،كان
عليه من اله حافظ".
فلنحاسسب أنفسسنا قبسل أن نحاسسب ..ولنزنهسا قبسل ان توزن ..ولنتهيسأ للعرض الكسبر ..فاليوم
عمل ول حساب ،ويوم القيامة حساب ول عمل .فنسأل ال تعالى السلم والمان من خزي الدنيا
وعذاب الخرة ،وبال المستعان...
الموضوع الثاني
التائبون
العابدون
الحامدون
السائحون
الراكعون
الساجدون
المرون بالمعروف
الناهون عن المنكر
الحافظون لحدود ال
في طريق مسيرتنا السلمية ،وفي معامع العمل السلمي ،يحسن بدعاة السلم أن يتفحصوا بين الحين
وال خر مواقع هم هم من اللتزام ال سلمي ،ح تى ل يكونوا معني ين بقول ال تعالى {:أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون} .وحتى ل يحبط عملهم ويكونوا من {:الذين ضل سعيهم
في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.
فالخا سرون الحقيقيون في ميزان ال جق يوم القيا مة هم الذ ين خ سروا أنف سهم ولو ربحوا الدن يا جمي عا..
والرابحون الحقيقيون فسي ميزان الحسق يوم القيامسة هسم الذيسن ربحوا أنفسسهم ولو خسسروا الدنيسا جميعسا..
والمحسنون الحقيقيون في منطق الحق هم الذين أحسنوا لنفسهم أول ،واعتقوا رقابهم في النار أول..
أو لم نسمع الى قوله تعالى {:يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما ل تفعلون؟ كبر مقا عند ال أن تقولوا ما
ل تفعلون} والى الحديسث النبوي الرهيسب ":يؤتسى بالرجسل يوم القيامسة فيلقسى فسي النار فتندلق أقتاب بطنسه،
فيدور في ها ك ما يدور الحمار في الر حى فيجت مع ال يه أ هل النار فيقولون :يا فلن ،ألم ت كن تأ مر بالمعروف
وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى ،كنت آمر بالمعروف ول آنيه وأنهى عن المنكر وآتيه".
ان مسستوى التزام الدعاة _ بالسسلم_ يجسب أن يتجاوز بكثيسر مسستوى غيرهسم مسن الناس ..فان اسستووا
معهم باللتزام لم يكن لهم الفضل عليهم بالدعوة ،بل كان عليهم دونهم وزر الدعاء..
ثم ان على دعاة السلم أن يدركوا أن ال تعالى عقد البيعة في قوله تعالى {:ان ال اشترى من المؤمنين
أنف سهم وعدا عل يه ح قا في التوراة والنج يل والقرآن و من أو فى بعهده من ال ،فا ستبشروا ببيعكم الذي
بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
وان وفاء الدعاة بهذه البي عة مرهون بمدى التزام هم وتحلي هم بال صفات اليمان ية ال تي أشارت الي ها ال ية
التسي تلي آيسة البيعسة مباشرة {:التائبون العابدون الحامدون السسائحون الراكعون السساجدون المرون
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال وبشر المؤمنين}.
فما هي هذه الصفات اليمانية؟
التائبون
ان ال صفة الولى ال تي ي جب أن تتح قق في الدعاة هي صفة التو بة ..فالعاملون لل سلم ي جب أن يكونوا
أشد احتراسا من المعاصي _ كل المعاصي_ منهم من عدوهم ،لن ذنوبهم خوف عليهم من عدوهم ..فان
وقع ما يع تبر معصية ،ول بد أن يقع ،كان علي هم أن يبادروا بالتوبة والنا بة الى اله ،ملين نداء ال عز
وجل {:وسارعوا الى مغفرة من ربكم ورحمة}.
فالتوبة والنابة الى ال صفة أصلية لزمة من صفات المؤمنين {:الذين اذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم
ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم ،ومن يغفر الننوب ال ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
ثم ليعلموا أن نبيهم وقدوت هم مح مد صلى ال عل يه و سلم ،المؤ يد بالو حي ،الذي ل ين طق عن الهوى،
المعصون عن الخطأ ،الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ،كان ل يفتأ يستغفر ربه ويقول ":يا أيها الناس توبوا
الى ال وا ستغفروه ،فا ني أتوب ال يه في اليوم مائة مرة" رواه م سلم ،و في روا ية للبخاري يقول الر سول
صلى ال عليه وسلم ":وال اني لستغفر ال وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
واحتراس الدعاة من المعا صي ي جب أن يش مل ح تى الذنوب ال صغيرة ،لن تعود الن فس على الت ساهل مع
الصغائر من شأنه أن يستدرجها للوقوع في الكبائر ..وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول":
اياكم ومحقرات الذنوب فانهن ل يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه "..وصدق الشاعر حيث يقول:
وقد يورث الذل ادمانها تميت القلوب رأيت الذنوب
وخير لنفسك عصيانها حياة القلوب وترك الذنوب
ان هذا يفرض أن تكون للدعاة مع أنفسهم جلسات دائمة ،يناقشونها فيها الحساب ،يقيّمونها ينقدونها،
ي ستخلصون من ها ما تدا خل في ها ،ويم سحون عن ها ما ران علي ها ،ملب ين نداء ال في ذلك "{ ون فس و ما
سواها ،فألهم ها فجور ها وتقوا ها قد أفلح من زكاه ها و قد خاب من د ساها} ومنفذ ين لو صية ع مر بن
الخطاب رضسي ال عنسه حيسث يقول ":حاسسبوا أنفسسكم قبسل أن تحاسسبوا ،وزنوا أعمالكسم قبسل أن توزنوا،
وتهيئوا للعرض الكبر".
ويقول العلماء في التو بة :التو بة واج بة من كل ذ نب .فان كا نت المع صية ب ين الع بد وب ين ال تعالى فل ها
ثلثة شروط:
القلع ،الندم و عدم العودة.
وان كانت تتعلق بآدمي فشروطها أربعة ،الثلثة الولى ،وأن يبرأ من حق صاحبها.
الحامدون
والحامدون هم الذين تختلج قلوبهم احساسا وشعورا بنعم ال عليهم ،وتلهج ألسنتهم شكرا وثناء وتندفع
أعضاؤهم بذل وعطاء..
ومن أولى من دعاة السلم بالحمد!؟ ومن أولى منهم يلبشكر وهم الذين نعموا بالهداية ،وأ صابتهم نعمة
اليمان {ول كن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عباد نا} { بل ال ي من علي كم أن هدا كم لليمان ان كن تم
صادقين}.
ان ن عم ال على عباده ل يح صى عدد ها ..ف كل ما في الكون والن سن والحياة ين طق بأنع مه{ ألم تر ك يف
حلق ال سبع سموات طباقا ،وجعل القمر فيهن نورا ،وجعل الشمس سراجا} { ان ال فالق الحب والنوى
يخرج ال حي من الم يت ويخرج الم يت من ال حي ذلك ال فأنّى تؤفكون .فالق ال صباح وج عل الل يل سكنا
والش مس والق مر ح سبانا ذلك تقد ير العز يز العل يم.و هو الذي ج عل ل كم النجوم لتهتدوا ب ها في ظلمات البر
والب حر قد ف صلنا اليات لقوم يعلمون .و هو الذي أنشأ كم من ن فس واحدة فم ستقر وم ستودع قد ف صلنا
اليات لقوم يفقهون .وهو الذي أنزل من السماء ناء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج
م نه ح با متراك با من الن خل و من طلع ها قنوان دان ية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتب ها وغ ير
متشابه انظروا الى ثمره اذا أثمر وينعه ان في ذلكم ليات لقوم يؤمنون} النعام .99-94
ان كل هذه النعم وغيرها مما تزدحم به ال:وان وتتوالد به الحياة ويعيش به النسان من دلئل فضل ال
وكر مه على عباده ،وان ما يكون رد الف ضل وش كر النع مة بتوظ يف كل ذلك في ما ير ضي المن عم عز و جل
امتثال لمره تعالى {:فاذكرونسي أذكركسم واشكروا لي ول تكفرون} { لئن شكرتسم لزيدنكسم ولئن كفرتسم ان
عذا بي لشد يد} و صدق ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح يث يقول ":ان ال لير ضى عن الع بد يأ كل الكلة
فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها}.
والدعاة الى ال ي جب أن يكون حمد هم ل في ال سراء والضراء في الشدة والرخاء ح تى يكونوا معني ين
بقوله صلى ال عل يه و سلم ":عج با ل مر المؤ من ان أمره كله له خ ير ،ان أ صابته سراء ش كر فكان خيرا،
وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لحد ال للمؤمن".
أما أجر الحامدين فهو عند ال عظيم ..وحسبنا أن نسمع الى قوله صلى ال عليه وسلم:
" اذا مات ولد العبد ،قال ال تعالى لملئكته :قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون :نعم .فيقول :قبضتم ثمرة فؤاده؟
فيقولون:نعسم .فيقول :فماذا قال عبدي؟ فيقولون :حمدك واسسترجع .فيقول ال تعالى :ابنوا لعبدي بيتسا فسي
الجنة وسموه بيت الحمد".
وان من اكرام ال تعالى لعباده أ نه ام تن علي هم بالنع مة وضا عف ل من حمده علي ها وش كر .فالنع مة ابتداء
م نه وال جر انتهاء م نه { ف سبحان ال ح ين تم سون وح ين ت صبحون ،وله الح مد في ال سموات والرض
وعشيا وحين تظهرون}.
السائحون
والسياحة هنا سياحة النظر والفكر والنفس في خلق السموات والرض ..سياحة المؤمنين في انفسهم،
وفي ما حول هم من مخلوقات وأكوان وعوالم { ان في خلق ال سموات والرض واختلف الل يل والنهار ليات
لولي اللباب ،الذ ين يذكرون ال قيا ما وقعودا وعلى جنوب هم ويتفكرون في خلق ال سموات والرض ،رب نا
ما خلقت هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار}.
ف ما أحوج الدعاة الى سياحات في عالم الكوان والفضاء والمجرات تب صرهم بعظ مة ال وقدر ته وتحفز هم
على طاعته وعبادته..
و ما أحوج الدعاة الى سياحات تاريخ ية في سير ال صالحين وترا جم العظماء من سلفنا ال صالح ي خبرون
بلءهم وصبرهم وتضحياتهم ليكون لهم بهم اقتداء..
وما أحوج الدعاة الى سياحات عبر صراعات الحق مع الباطل ،ليروا كيف كانت تتحطم على صخرة السلم
عروش الطغاة ومكائد الحاقدين .وليعلموا ان دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة .وصدق ال
تعالى حيث يقول {:سيروا في الرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين ،هذا بيان للناس وهدى وموعظة
للمتقين ،ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون ان كنتم مؤمنين}.
والداعية الذي يبصر دقائق خلق ال في جسمه وفي الحياة من حوله ،في الماء والهواء والنبات والحيوان،
ويرى عظمة خلقه في اختلف ألسنة الناس وألوانهم وامزجتهم وأشكالهم يغدو أشد ايمانا بال وأشد خشية
له وتعظيما لقدره وقدرته ،وهذا هو معنى قوله تعالى {:انما يخشى ال من عباده العلماء}.
ولذلك حسض القرآن الكريسم على السسياحة والتفكسر والتدبر فسي كثيسر مسن آياتسه ،منهسا قوله تعالى {:قسل
سيروا في الرض فانظروا ك يف بدأ الخلق ثم ال ين شئ النشأة الخرة ان ال على كل ش يء قد ير} { أفلم
ي سيروا في الرض فينظروا ك يف كان عاق بة الذ ين من قبل هم ولدار الخرة خ ير للذ ين اتقوا أفل تعقلون}
{ أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ،فانها ل تعمي البصار ولكن
تعمي القلوب التي في الصدور} { أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ال
عليهسم وللكافريسن أمثالهسا .ذلك بأن ال مولى الذيسن آمنوا وأن الكافريسن ل مولى لهسم} { قسل سسيروا فسي
الرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ،ول تحزن عليهم ول تكن في ضيق مما يمكرون}.
الراكعون الساجدون
وهذا ما حمل الفروق عمر بن الخطاب رضي ال عنه عندما استبطأ فتح مصر ،أن يكتب الى عمرو بن
العاص يسأله مستفسرا يقول ":أما بعد :فقد عجبت لبطائك عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنتين ،وما ذاك
ال ل ما أحدث تم وأحبب تم من الدن يا ما أ حب عدو كم ،وان ال تبارك وتعالى ل ين صر قو ما ال ب صدق نيات عم"
منتخب كنز العمال .183
فالمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف رباني قبل أن يكون تكليفا حركيا .ولقد جاء التكليف الرباني
في قوله تعالى {:ولت كن من كم أ مة يدعون الى الخ ير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المن كر وأولئك هم
المفلحون} وفي قوله تعالى {:كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بال} { فلول نفر من كل طائفة ليتفقهوا في الدين ويذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون}.
ثم جاء ال مر النبوي مؤكدا التكل يف الربا ني بالنهوض بوا جب الدعوة الى ال وال مر بالمعروف والن هي
عن المن كر والتوا صي بال حق والتوا صي بال صبر في قول الر سول صلى ال عل يه و سلم ":من رأى من كم
منكرا فليغيره بيده فان لم يسستطع فبلسسانه فان لم يسستطع فبقلبسه ،وذلك أضعسف اليمان ،وليسس وراء ذلك
حبة خردل من ايمان".
ولقسد اكسد الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم وتشدد على ضرورة القيام بهذا الواجسب الذي يع تبر صسمام أمان
ولتنهونس عسن المنكسر ،أو ليوشكسن ال ان يبعسث
ّ المجتمعات فقال ":والذي نفسسي بيده لتأمرن بالمعروف،
علي كم عقا با م نه ،ثم تدعو نه فل ي ستجاب ل كم" وقال ":ل تزال ل اله ال ال تن فع من قال ها وت صرف عن هم
العذاب والنقمة مالم يستخفوا بها ،قيل وما الستخفاف بها يا رسول ال؟ قال :يظهر العمل بمعصية ال فل
ينكر ول يغير".
ولقد أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث له الى أن من أهم أسباب هلك المم واقوى معاول
الهدم في ها تع طل وا جب ال مر بالمعروف والنهي عن المنكر .فقال صلى ال عل يه وسلم ":ان أول ما د خل
الن قص على بني اسرائيل ،انه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا ودع ما تصنع فانه ل يحل لك .ثم
يلقاه من الغد وهو على حاله ،فل يمنعه ذلك أن يكون ذلك أكيله وشريبه وقعيده .فلما فعلوا ذلك ضرب ال
قلوب بعضهم ببعض ،ثم قال :لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما
ع صوا وكانوا يعتدون ،كانوا ل يتناهون عن من كر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" ثم قال ":كل وال لتأمرن
بالمعروف ولتنهون عسن المنكسر ولتأخذن على يسد الظالم ولتأطرنسه على الحسق اطرا أو ليضربسن ال بقلوب
بعضكم على بعض ،ثم يلعنكم كما لعنهم" رواه أبو داود.
ثم بيّن رسول ال صلى ال عليه وسلم من خلل مثال حي كيف تقع الكارثة حين يترك المر بالمعروف
والنهسي عسن المنكسر فسي المجتمسع فقال ":مثسل القائم فسي حدود ال والواقسع فيهسا كمثسل قوم اسستهموا على
سفينة ..ف صار بعض هم أعل ها وبعض هم ا سفلها .وكان الذ ين في أ سفلها اذا ا ستقوا الماء مروا من على
فوق هم فقاولوا :لو أن نا خرق نا في ن صيبنا خر قا ،ولم نؤذ من فوق نا .فان تركو هم و ما أرادوا هلكوا وهلكوا
جميعا ،واذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" رواه البخاري.
وان على دعاة السلم أن يدركوا أن من أهم شرائط المر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكونوا قدوة
ل ما يدعون الناس ال يه ..ل ما يأمرون هم به ..ول ما ينهون هم ع نه .فان خالف الف عل لو قل ب طل الع مل وذ هب
ال جر والعياذ بال تعالى ..ولهذا ندد القرآن الكر يم بالذ ين يقولون مال يفعلون فقال {:كبر مق تا ع ند ال أن
تقولوا ما ل تفعلون".
ولقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم عن مصير أولئك الذين يخاف فعلهم قولهم فقال ":يؤتى بالرجل يوم
القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه ،فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى ،فيجتمع اليه أهل النار
فيقولون :يا فلن :مالك؟ ألم ت كن تأ مر بالمعروف وتن هى عن المن كر؟ فقول :بلى ،ك نت آ مر بالمعروف ول
آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".
وفي وصية لعلي ابن أبي طالب رضي ال عنه وكرم ال وجهه يوصي الدعاة الى ال بأن يبدأوا بأنفسهم
هم تعلي ما وتهذي با ق بل أن يقوموا بتعل يم الناس وتهذيبهم فقال ":من ن صب نف سه للناس اما ما فليبدأ بتعل يم
نفسه قبل تعليم غيره ،وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ،ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالجلل من
معلم الناس ومهذبهم".
الموضوع الثالث
زاد الدعاة
ان الدعاة الى ال في دربهم الطويل وفي طريقهم الوعر ،وفي مواجهة التحديات ولمحن ،بحاجة الى شيء
أساسي ل غنى لهم عنه ،ول ثبات لهم بدونه ،بحاجة الى مدد من ال وعون منه..
وعندما اصطفى ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم لحمل الرسالة ،تعهده في غار حراء ،وصنعه على
عي نه ،وأد به فأح سن تأدي به ،وزوده ب ما يمك نه من حمل الما نة وتبل يغ الر سالة وابتعاث خ ير أ مة أخر جت
للناس { وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ،ولكن جعلناه نورا نهدي به
من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم صراط ال الذي له ما في السموات والرض ،أل الى
ال تصير المور}.
واذا كان هذا حال سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم ،فكيف يجب أن يكون حال الدعاة من بعده؟ انهم أشد
حا جة الى أن يتزودوا ل سيرهم الطو يل ،ويأخذوا بال سباب ال تي تعين هم على الم ضي على الجادة من غ ير
انحراف أو التواء..
ل قد بيّن ل نا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ابعاد الطر يق ومخاطره وبخا صة في آ خر الزمان فقال ":يا
مع شر الم سلمين ..شمّروا فان ال مر جد ..وتأهبوا فان الرح يل قر يب ..وتزودوا فان ال سفر بع يد..وخففوا
أثقال كم ،فان وراء كم عق بة كؤودا ل يقطع ها ال المخففون ..أي ها الناس ..ان ب ين يدي ال ساعة أمورا شدادا
وأهوال عظا ما وزما نا صعبا يتملك ف يه الظل مة ،ويت صدر ف يه الف سقة ..فيضط هد ف يه المرون بالمعروف
ويضام الناهون عسن المنكسر .فأعدوا لذلك اليمان ..عضوا عليسه بالنواجسذ ،والجأوا الى العمسل الصسالح،
وأكرهوا عليه النفوس ،واصبروا على الضراء تفضوا الى النعيم الدائم".
ثم ان الر سول صلى ال عل يه و سلم أشار الى الزاد الذي ي جب أن ي ستعيم به دعاة ال سلم على سفرهم
هذا؟ فقال لبي ذر سائل ":لو أردت سفرا أعددت له عدة؟ قال :نعم .قال :فكيف بسفر طريق القيامة؟ أل
أنبئك بما ينفعك ذلك اليوم؟ قال :بلى بأبي أنت وامي يا رسول ال .قال:
صم يوما شديد الحر ليوم النشور..
وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور..
وحج حجة لعظائم المور..
وتصدق بصدقة على مسكين..
أو كلمة حق تقولها..
أو كلمة شر تسكت عنها..
فلنتناول كل واحدة من هذه الوصايا بشيء من التقصيل..
ان ها دعوة من ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل من سلك سبيل ال من المؤمن ين والدا عة الى ترو يض
النفس ،وتعويدها على شظف العيش وخشونة الحياة ،وحرمانها أحيانا مما تحب وتهوى حتى يسلس قيادها
ويسهل مقادها " تخوشنوا فان النعم ل تدوم".
انه أسلوب عملي في التربية الربانية ..أسلوب له اثره العميق في تهذيب النفس وتشذيبها ،وفي تعبيدها ل
رب العالمين.
انه ل يكفي أن نؤمن بال ايمانا نظريا ،أو نتكام عن التربية الربانية كلما ل يجاوز السن أو الذان ..بل ل
بد من ممارسات عملية تستخلص النفس من أدرانها وشوائبها ،وترتقي بها في مدارج الكمال..
يقويس الرادة ،ويجعسل لليمان والتقوى قوامسة على الجسسد
ّ والصسوم أحسد أبرز الرياضات النفسسية ..فهسو
وحاجته العضوية ..بل يجعل الجسد مطية الروح..
فالبصوم يرهف الحس ،ويتعاظم الشعور ،ويصفو الفكر وتشف النفس..
ولهذا كان ثواب من صام ل ايما نا واحت سابا في أيام شديدة ال حر ،أن يعاف يه ال من حر يوم القيا مة..
فالجزاء من ج نس الع مل ،ان كان خيرا فخ ير ،وان كان شرا ف شر {:ف من يع مل مثقال ذرة خيرا يره ،و من
يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
انه قياس مع الفارق الكبير والكبير جدا أن يقلس بين حر الدنيا وحر الخرة ،وبين مشقة الصوم في يوم
حار ومشقة يوم النشور ولكنه كرم ال وفضله {:يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ول يسأل
حميسم حميمسا .يبصسرونهم يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيسه ،وصساحبته وأخيسه ،وفصسيلته التسي
تؤويسه ،ومسن فسي الرض جميعسا ثسم ينجيسه .كل انهسا لظسى ،نزاعسة للشوى ،تدعسو مسن أدبر وتولى وجمسع
فأوعى}.
فعسن عائشسة رضسي ال عنهسا قالت ،سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول ":يحشسر الناس يوم
القيامة حفاة عراة غرل ..قلت :يا رسول ال :النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم الى بعض؟ قال صلى ال
عل يه و سلم :يا عائ شة ال مر أ شد من أن ين ظر بعض هم الى ب عض" رواه البخاري .و صدق ال تعالى ح يث
يقول {:لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}.
ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم ":ان العرق يوم القيامة ليذهب في الرض سبعين باعا ،وانه ليبلغ الى
أفواه الناس ،او الى آذانهم" رواه مسلم.
ويقول ":فيكون الناس على أقدار أعمالهسم مسن العرق :فمنهسم مسن يكون الى كعسبيه ،ومنهسم مسن يكون الى
ركبتيه ،ومنهم من يكون الى حقويه ،ومنهم من يلجمه العرق الجاما" رواه مسلم.
هذا الكرب العظ يم يدف عه عن المؤ من صدق ايما نه ،و صدق التزا مه بدي نه ،وح سن ظ نه بال ،وتقرّ به ال يه
بالصوم والصلة وسائر العبادات والطاعات ..وهذا ما جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوصي عائشة
فيقول ":أديمي يا عائشة قرع باب الجنة بالجوع".
ولهذا ضاعسف ال أجسر الصسائمينن وأجزل لهسم الثواب فقسد جاء فسي الحديسث القدسسي ":كسل عمسل ابسن آدم
يضاعف الحسنة بعشر أمثالها ،الى سبعمائة ضعف ،ال الصوم فانه لي وأنا أجزي به ،يدع شهوته وطعامه
من أجلي".
ول قد أشار ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الى مقام ال صائمين الذ ين ا ستعلوا على اهوائ هم وغرائز هم
ولجمو ها بلجام التقوى فقال ":ان في الج نة با با يقال له الريّان ،يدخل منه ال صائمون يوم القيا مة ،ل يدخل
أحد غيرهم ،فاذا دخلوا غلق فلم يخرج أحد".
ثم يبين رسول ال صلى ال عليه وسلم كيف أن الصوم يكون حجابا بين صاحبه وبين النار فقال ":ما من
عبد يصوم يوما في سبيل ال ال باعد ال بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا".
و عن ا بن عباس أن رسول ال بعث أ با موسى الشعري على سرية في الب حر ،فبين ما هم كذلك قد رفعوا
القلع في ليلة مظلمة ،اذا هاتف فوقهم يهتف :يا أهل السفينة ،قفوا أخبركم بقضاء قضاه ال على نفسه..
قال :ان ال تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه ال يوم العطش"
الترغيب والترهيب.
وبيسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كيسف أن الصسوم يشفسع لصساحبه يوم الفزع الكسبر فقال ":الصسيام
والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ،يقول الصيام :أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني به ،ويقول القرآن:
منعته النوم بالليل فشفعني به .قال :فيشفعان".
فليجاهد الخ الداعية نفسه بالصوم فانه من أقوى عوامل تزكية النفس وتصفيتها لتقوى على المضي في
طريق القيامة في حفظ من ال وأمان..
وفي الوصية الثانية يحض رسول ال صلى ال عليه وسلم على صلة الليل ،ويبيّن فضلها وعظيم أثرها
في الدنيا والخرة فيقول ":وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور".
كا نت صلة الل يل الوقود ال ساسي في مو كب النبوة الذي بدأ ب س { يا أي ها المز مل} وانت هى ب س { يا أي ها
المدثر قم فأنذر}.
ف صلة الل يل ل يعدل ها زاد ول مدد ..ف هي ت مد المؤمن ين وترفد هم وتزود هم بطاقات وامكانات فوق م ستوى
الت صور والتقد ير ..ذلك أن ها عطاء من ال وم نة م نه ،و صدق ال تعالى ح يث يقول ":ان ناشئة الل يل هي
أشد وطئا وأقوم قيل".
ولقد بيّن لنا رسول ال ما لصلة الليل من فضل عميم فقال ":عليكم بقيام الليل ،فانه دأب الصالحين قبلكم
ومقر بة ،ل كم الى رب كم ،ومكفرة لل سيئات ،ومنهات عن ال ثم ،ومطردة للداء عن الج سد" .رواه ال طبراني
والترمذي.
وروي أن جبريل جاء الى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ":يا محمد عش ما شئت فانك ميت ،واعمل ما
ي به ،وأح بب من شئت فا نك مفار قه ،واعلم أن شرف المؤ من قيام الل يل ،وعزه ا ستغناؤه
شئت فا نك مجز ّ
عن الناس" رواه الطبراني.
ف صلة الل يل ت عد الخ الداع ية ليكون عبدا ربان يا ،مو صول بال ،مشرق الن فس ،نيّر القلب ،حا ضر الذ هن،
متقد الفكر.
والداع ية ان لم ي كن مت صفا بهذه ال صفات ف هو ل يس بداع ية ..وبلء ال سلم اليوم في دعاة ل يس ل هم من
مواصفات الدعاة واخلق الدعاة سمات الدعاة شيء..
و صلة الليل ل ين مت اعتيادها من غير مجاهدة ن فس ومبارزة شيطان ومقاومة هوى ،وبخاصة في أول
ال مر ..فل قد ورد عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ا نه قال ":اذا {اراد الع بد ال صلة من الل يل أتاه ملك
فيقول له ،قم فقد أصبحت ،فصل وارذكر ربك ..فيأتيه الشيطان فيقول ،عليك ليل طويل وسوف تقوم ،فان
قام فصلى أصبح خفيف الجسم قرير العين ،وان هو أطاع الشيطان حتى أصبح بال في أذنه".رواه الطبراني.
ولقد ربط رسول ال صلى اللهعليه وسلم بين القيام في ظلمة الليل وبين النس في وحشة القبور ":وصل
ركعت ين في ظل مة الل يل لوح شة القبور" فالذي أنار ليله بعبادة ال وطاع ته كان ح قا على ال أن ين ير قبره
بفضله ورحمته.
ل ما أجزل العطاء ،أن يكون ثواب الع بد من ر به لركعات قام ها في ال يل نجا ته من عذاب ال قبر ..و من
ظلمته ووحشته وغربته؟
وأية وحشة هي تلك الوحشة التي ينجو منها من تتجافى جنوبهم عن المضاجع..
ول قد تحدث رسول ال صلى ال عل يه وسلم عن القبر وعذا به فقال ":ان ال قبر أول منازل الخرة ،فان ن جا
منه صاحبه فما بعده أيسر منه ،وان لم ينج منه فما بعده أشد".
وقال مجاهد ":أول ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول :أنا بيت الدود وبيت الغربة وبيت الظلمة ،هذا ما أعددت
لك فماذا أعددت لي".
وقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ":اذا مات الع بد أتاه ملكان أ سودان أزرقان يقال له ما من كر ونك ير..
فيقولن له ما ك نت تقول في ال نبي؟ فان كان مؤم نا ،قال هو عبدال ور سوله أش هد أن ل اله ال ال وأن
محمدا ر سول ال .فيقولن :ا نا ك نا نعلم أ نك تقول ذلك .ثم يف سح له في قبره سبعون ذرا عا في سبعين
ذراع ،وينوّر له فسي قسبره ..وان كان منافقسا قال :ل أدري كنست أسسمع الناس يقولون شيئا وكنست أقوله.
فيقولن ،انا كنا نعلم أنك تقول ذلك ،ثم يقال للرض التئمي عليه حتى تختفي أضلعه".
ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم ":يؤتى الرجل في قبره – أي بالتضييق -فاذا أتي من قبل يديه دفعته
الصدقة ..واذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه الى المساجد".
ولقد حدث رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صحف موسى فقال ":كانت صحف عبرا كلها :عجبت لمن
أيقن بالموت ثم هو يفرح ،عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك ،عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب،
عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن اليها ،عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم ل يعمل".
ان من تكريم ال تعالى لحجاج بيته وعماره ،أنه وعدهم الحسنى والمغفرة ،واعتبرهم وفده وضيوفه لما
روي عن رسسول ال صلى ال عل يه وسسلم قوله ":الحجاج والعمار وفسد ال عسز و جل وزواره ،ان سسألوه
أعطاهم وان استغفروه غفر لهم ،وان دعوا استجيب لهم" ابن حبان.
فأكرم بها من ضيافة ..وأكرم بها من وفادة ،في رحاب البيت العتيق ،وفي ظل رحمة ال تعالى ورضوانه،
و في البق عة المبار كة ال تي ه بط في ها الو حي ودر جت علي ها أقدام النبوة وحفت ها ملئ كة ال سماء ..والى هذا
أشار الرسول صلى ال عل يه وسلم بقوله ":ان ال عز و جل قد وعد هذا الب يت أن يح جه كل سنة ستمائة
ألف ،فان نقصوا أكملهم ال عز وجل من الملئكة" وقال عليه الصلة والسلم ":ينزل على هذا البيت في كل
يوم مائة وعشرون رحمسة ..سستون للطائفيسن ..وأربعون للمصسلين ..وعشرون للناظريسن" رواه ابسن حبان
والبيهقي.
الحرام والتلبية
فبالحرام ..ينسلخ المؤمن من السباب التي تشده الى ترابيته ..فينضي حيا بكفن الموات ،يتساوى مع
سائر خلق ال ..فل مقامات ول وجاهات ،وان ما سواسية كأ سنان الم شط ..يم ضي أش عث أ غبر ملب يا نداء
الرح من ،مرددا" لب يك الل هم لب يك ..لب يك ل شر يك لك لب يك ..ان الح مد والنع مة لك والملك ،ل شر يك لك"
يرددها وهو خائف وجل أن يقال له ":ل لبيك ول سعديك" فقد روي عن علي بن الحسين رضي ال عنهما
لما أرحم للحج واستوت به راحلته ،اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي .فقيل له،
لم ل تلبي؟ فقال ":أخشى أن يقال لي ل لبيك ول سعديك" عن سفيان بن عيينة..
الطواف
وبالطواف ..يتحقسق التصسال بالمل العلى ..فتحاكسي الروح ملئكسة ال الحافيسن حول العرش{ وترى
الملئكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ،وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب العالمين}.
الستلم
وأ ما ا ستلم الح جر ال سود فيدرك الداع ية أ نه مبا يع ل عز و جل على طاع ته وعلى الجهاد في سبيله..
وان ها بي عة ثقيلة { ف من ن كث فان ما ين كث على نف سه ،و من أو فى ب ما عا هد عل يه ال ف سوف يؤت يه أجرا
عظيما}.
وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":الحجر السود يمين ال عز وجل في الرض يصافح
به خلقه ،كما يصافح الرجل أخاه" .حديث ابن حبان.
وأ ما التعلق بأ ستار الكع بة ف هو انك سار الحاج ب ين يدي ال تعالى والحا جة الى طلب عفوه ورضاه ..فقال
تعالى {:ادعوا ربكم تضرّعا وخفية} وقال {:أدعوني أستجب لكمْ.
وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ":اذا أحب ال عبدا ابتله حتى يسمع تضرّعه" مسند الفردوس
للديلمي ،وقال صلى ال عليه وسلم ":اذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فان ال ل يتعاظمه شيء" ابن حبان.
السعي
وأ ما ال سعي فا نه شدة الحاح المؤ من في ا ستمطار رح مة ال عل يه ..ف في ترداده للدعاء المأثور " رب
اغ فر وار حم وتجاوز ع ما تعلم ا نك أ نت ال عز الكرم ..رب نا آت نا في الدن يا ح سنة و في الخرة ح سنة وق نا
عذاب النار" شعور بالصراعة بين يدي قوي عزيز.
الوقوف بعرفة
وأما الوقوف بعرفة ..فيجب أن يهز النفس هزا ويشدها شدا لتذكر يوم الحسر{ ونفخ في الصور فاذا هم
من الجداث الى ربهم ينسلون} { وان كانت ال صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون}.
ولهذا كان المو قف في عر فة ل يضار عه مو قف ..بل لهذا قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ":ال حج
عرفة" وقال ":ان من الذنوب ذنوبا ل يكفرها ال الوقوف بعرفة".
روي عن أحد الصالحين" ..ان ابليس ظهر له في صورة شخص بعرفة ،فاذا هو :ناحل الجسم ،مصفر
اللون ،باكي العين ،مقصوف الظهر ،فقال له :ما الذي أبكى عينك؟ قال :خروج الحاج اليه بل تجارة ..قال:
فما الذي أنحل جسمك؟ قال :صهيل الخيل في سبيل ال ولو كانت في سبيلي كان أحب ال يّ .قال :فما الذي
غير لونك؟ قال :قول العبد ،أسألك حسن الخاتمة".
رمي الجمار
وأ ما ر مي الجمار ف هو ت صميم من الداع ية على محار بة الشيطان وحز به ،ومجان بة الهوى ،وال ستقامة
على شرع ال..
انه توطيد العزم على المضي في طريق الحق والهدى ل يضره من خالفه حتى يأتي أمر ال..
انه العهد على افراغ الجهد ،قول وعمل وجهادا ،لتكون كلمة ال هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى
{ ألم أعهد يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين ،وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ،ولقد
أضل منكم جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}.
الذبح
وأ ما ذ بح الهد يْ ..ف هو قر بى الى ال تعالى من جا نب ،وترج يع في الن فس لق صة ابراه يم الخل يل عل يه
ال سلم اذ قال لبنه {:يا اب ني اني أرى في المنام أني أذب حك ،فان ظر ماذا ترى؟ قال :يا أ بت افعل ما تؤمر
ستجدني ان شاء ال من الصابرين}.
وما أحوج دعاة السلم اليوم الى أن يسترجعوا هذه الحوادث والموا قف اليمانية الفريدة ..فهي تمثل قمة
الرضسى والقبول بقضاء ال تعالى حيسق يقول {:مسا كان لمؤمسن ول مؤمنسة اذا قضسى ال ورسسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم.}..
والوصية الرابعة التي أوصى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم قوله ":وتصدق بصدقة واخفها".
ان الو صايا الثلث ال سابقة ،تتعلق بالن فس ومجاهدت ها وتزكيت ها ،لتكون نف سا ربان ية تف يض بالخ ير والنور
والهدى والطهسر على الناس ،وتمشسي فيهسم بالحسق ..أمسا الوصسية الرابعسة فهسي دعوة الى ترجمسة التزكيسة
النفسية الى عمل ،والى تحويل اليمان الى فعل ايمان..
ويبدو أن النفاق فسي سسبيل ال ،والجهاد بالمال ،أصسدق دليسل على عافيسة النفسس وصسحتها ..وأن الشسح
والبخل والمساك دليل مرضها وسقمها..
ولهذا جاءت صفة النفاق ملزمة لصفة اليمان في أكثر من آية ،بل فيد عدد كبير من اليات القرآنية ،من
ذلك قوله {:الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون} البقرة .2وقوله {:الذين يقيمون
ال صلة وم ما رزقنا هم ينفقون} النفال 3وقوله {:الذ ين اذا ذ كر ال وجلت قلوب هم ،وال صابرين على ما
أصابهم ،والمقيمي الصلة ،ومما رزقناهم ينفقون} الحج .34
وفي آيات أخرى حض القرآن الكريم على النفاق كوسيلة لتربية النفس على حب الخير وايثار الخرين
وبذل المعروف وتحسس اللم ،فقال تعالى {:يا أيها الذ ين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم وم ما أخرج نا
لكم من الرض ،ول تيمموا الخبيث منه تنفقون} البقرة 267وقال {:يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم
من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة} البقرة .254
وهكذا يح فل القرآن الكر يم بعدد كبير من اليات ال تي ت حض المؤمن ين على النفاق م ما يؤ كد أن بذل المال
وانفاقه في سبيل ال أحد أبرز الثار الدالة على اليمان..
ان على دعاة السلم ،وهم يبذلون الكلمة الطيبة للناس من أفواههم وقلوبهم ،أن يلبوا نداء الجهاد بالبذل
مسن جيوبهسم ،كيمسا يتلزم الجهادان ،جهاد النفسس وجهاد المال {:ان ال اشترى مسن المؤمنيسن أنفسسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة}.
والذ ين تف يض نفو سهم خيرا ،و جب أن تف يض جيوب هم سخاء وعطاء ..ف سماحة ال يد من سماحة الن فس،
وامساك اليد من امساك النفس وضيقها..
ان جهاد اللسان سهل وقد ينهض به الكثيرون من غير عناء ..بل قد يقبل عليه كل من يطمع بالحظوة
والوجاهة بين الناس ..أما جهاد المال فصعب على الفنوس المشدودة الى الرض التي تخاف النفاق خشية
الفقر ،وصدق ال تعالى حيث يقول {:يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
الرض ول تيمموا الخسبيث منسه تنفقون ،ولسستم بآخذيسه ال أن تغمضوا فيسه واعلموا أن ال غنسي حميسد.
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم مغفرة منه وفضل وال واسع عليم .يؤتي الحكمة من
يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر ال أولوا اللباب ..وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من
نذر فان ال يعل مه و ما للظالم ين من أن صار .ان تبدوا ال صدقات فنعمّا هي ،وان تخفو ها وتؤتو ها الفقراء
فهو خير لكم ،ويكفر عنكم من سيئاتكم وال بما تعملون خبير} البقرة .271-267
ولهذا جاء وصف المؤمنين في كتاب ال {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} {ويطعمون الطعام على حبه
مسكينا ويتيما وأسيرا انما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا}.
وان مسن لتوجيهات النبويسة فسي بيان عاقبسة البخسل والكرم ومقام الممسسك والمنفسق قوله صسلى ال عليسه
و سلم ":كل يوم ينزل ملكان من ال سماء يقول أحده ما :الل هم أ عط منف قا خل فا ،ويقول ال خر :الل هم أ عط
ممسكا تلفا" .وعنه صلى ال عليه وسلم في الحديث القدسي ":انفق يا ابن آدم ينفق ال عليك" وصدق ال
العظيم حيث يقول{ لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد}.
وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يو صي الم سلمين بعدم الكثار من الكلم ..وح فظ الل سان ع نه ال
كل ما تظ هر الم صلحة ف يه ..وم تى ا ستوى الكلم وتر كه في الم صلحة فال سنة الم ساك ع نه ،ل نه قد ي جر
صساحبه الى مسا هو حرام ومكروه ،وال سلمة ل يعدلهسا ش يء .فقال ر سول ال صلى ال عل يه وسسلم ":ل
تكثروا الكلم بغير ذكر ال ،فان كثرة الكلم بغير ذكر ال تعالى قسوة للقلب ،وان ابعد الناس من ال تعالى
ذو القلب القاسي" الترمذي.
ولقد بيّن رسول ال ما للسان من أثر على النسان وعلى سلوكه وتصرفاته ،وان في استقامته استقامة
الجسسد كله ،وفسي انحرا فه انحراف الج سد كله ،فقال ":اذا أ صبح ا بن آدم فان العضاء كل ها تك فر اللسسان
تقول :اتق ال فينا ،فانما نحن بك ،فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا" .رواه الترمذي.
فو صية ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في شطر ها الول " و قل كل مة حق" ان ما هي تحر يض على قول
الحق ..ومن أولى من دعاة السلم بقولة الحق؟
ان ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر من قول ال حق ،يجدر بدعاة ال سلم أن يقوموا به لقوله صلى ال
عل يه و سلم ":كل كلم ا بن آدم عل يه ل له ال أمرا بمعروف ،أو نه يا عن من كر ،أو ذكرا ل تعالى" الترمذي
وابن ماجه.
ودوام ذكر ال تعالى والثناء عليه وطلب رضوانه وغفرانه من قول الحق ،وحر يّ بدعاة السلم أن يعودوا
أنفسهم عليه ليكونوا معنيين بقوله صلى ال عليه وسلم ":ان العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان ال تعالى ما
يلقي لها بال يرفع ال بها درجات" البخاري.
والنصح للمسلمين والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من قول الحق حر يّ بدعاة السلم ان ينهضوا بها
لقوله تعالى {:والعصر ان النسان لفي خسر ال الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
وال صدع بال حق في وجوه الطغاة والمف سدين ،من قول ال حق الذي أ مر ال به ور سوله ،فقال تعالى {:و قل
ال حق من رب كم ف من شاء فليؤ من و من شاء فليك فر} وقال صلى ال عل يه و سلم ":أمرت أن أقول ال حق ل
أخشى في ال لومة لئم" وقال ":أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
أما الشطر الثاني من وصية الرسول صلى ال عليه وسلم وهو قوله ":أو كلمة شر تسكت عنها" فهي دعوة
الى حفظ اللسان عن أن يرتع في الحرام والشبهات والسيئات .ودعاة السلم أحوج الناس الى حفظ ألسنتهم
عن كل ما يؤدي الى سفهها وانحرافها وسقوطها.
ان عليهم أن يصونوا ألسنتهم عن غيبة الخرين في دينهم أو أبدانهم أو أعراضهم أو خلقهم أو دنياهم أو
سائر ت صرفاتهم سواء كا نت فيهم هذه الخ صال أم لم ت كن ..ولي سمعوا الى و صية ر سولهم صلى ال عل يه
و سلم في ح جة الوداع ح يث ب\يقول ":ان دماء كم وأموال كم وأعراض كم حرام علي كم كحر مة يوم كم هذا في
بلدكم هذا ،أل هل بلغت" البخاري مسلم ويقول ":كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
ك ما أن علي هم أن يحذروا النمي مة فان ها مجل بة للف تن وموق عة للشحناء والبغضاء ،مجل بة ل سخط ال تعالى،
فقد قال صلى ال عليه وسلم ":ل يدخل الجنة نمام" .البخاري ومسلم.
ودعاة السلم أولى الناس باجتناب فاحش الكلم وبذيئه لقوله صلى ال عليه وسلم ":ليس المؤمن الطعان
ول اللعان ول الفاحش ول البذيء" الترمذي.
ودعاة ال سلم أولى الناس بالحذر من ال سخرية وال ستهزاء بالخر ين ا ستجابة ل مر ال تعالى { يا أي ها
ن خيرا منهنّ
الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهن ول نساء من نساء عسى أن يك ّ
ول تلمزوا أنفسكم ول تنابذوا باللقاب ،بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.
ودعاة السسلم أولى الناس بحفسظ ألسسنتهم مسن عادة التقعّر باللسسان .والتقعّر هسو التشدق وتكلف السسجع
والف صاحة وت صنّع زخرف القول لقوله صلى ال عل يه و سلم ":ان ال يب غض البل يغ من الرجال الذي يتخلل
س وأبعدكسم منسي يوم القيامسة الثرثارون
بلسسانه كمسا تتخلل البقرة" الترمذي ،ولقوله ":وان أبغضكسم الي ّ
والمتشدقون والمتفيقهون" الترمذي.
ودعاة ال سلم أولى الناس بح فظ ال سنتهم عن قول الزور الذي اع تبره ال سلم من الكبائر لقول الر سول
صلى ال عليه وسلم ":أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول ال قال :الشراك بال ،وعقوق الوالدين،
وكان متكئا فجلس فقال :أل وقول الزور وشهادة الزور ،فمسا زال يكررهسا حتسى قلنسا ليتسه سسكت" .البخاري
ومسلم.
ودعاة ال سلم أولى الناس بالمحاف ظة على د ين الم سلمين وعدم تجريح هم أو تكفير هم لقول الر سول صلى
ال عل يه و سلم ":اذا قال الر جل لخ يه :يا كا فر ف قد باء ب ها أحده ما ،فان كان ك ما قال وال رج عت عل يه"
البخاري ومسلم.
ودعاة ال سلم أولى الناس بتحري صادق الكلم ،خش ية الوقوع في ما يع تبر كذ با .ف قد قال ر سول ال صلى
ال عليه وسلم ":كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع" .رواه مسلم.
انه ل يليق بألسنة الدعاة التي تلهج بذكر ال تعالى أن تتحرك بما يسخطه!.
وان الفواه التي أرادها ال تعالى مستودعا للعلم والطهر والكلم الطيب يجب أن يصونها الدعاة من الدنس
والعهر والكلم السيء.
وصدق ال تعالى حيث يقول {:يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم
ذنوبكم ،ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما".
الموضوع الرابع
حياة الدعاة ،حياة معاناة ..معاناة مع النفس والناس ..مع أبناء السلم ومع أعداء السلم..
والدعوة الى السلم ،دعوة جهاد وكفاح ..لتكون كلمة ال هي العليا ،وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
والدعوة والدعاة في صراعهم مع البا طل ،اش به ب سفينة و سط أمواج عات ية { أو كظلمات في ب حر لج يّ
يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب .ظلمات بعضها فوق بعض ،اذا أخرج يده لم يكد يراها .ومن لم
يجعل ال له نورا فما له من نور} ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجأر يوم بدر بالدعاء الى ال
وهو يقول ":اللهم نصرك الذي وعدتنا ..اللهم ان تهلك هذه العصابة لن تعبد في الرض".
ولقسد قي ّض ال للدعاة قوارب للنجاة ،وسسط هذه المهاك ،ان هسم اسستهموها أقلتهسم الى شاطسئ المان،
وأنجت هم من الت يه والشرود والضياع { أمّن يج يب المض طر اذا دعاه ويك شف ال سوء ويجعل كم خلفاء في
الرض؟ أله مسع ال؟ تعالى ال عمسا يشركون} { ال ولي الذيسن آمنوا يخرجهسم مسن الظلمات الى النور،
والذين كفروا أولئاؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ،أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
واليكم بعض هذه القوارب التي أعدها ال لعباده المتقين وأنعم بها على دعاته المخلصين:
قارب معرفسة ال تعالى :وهسو قارب النجاة مسن كسل ضللة وانحراف ..فالذي يعرف ال تعالى يعرف بالتالي
الطريق الى كل خير ،ويجتنب بالتالي أسباب الوقوع في الشر..
فمعر فة ال أول طر يق ال سالكين ..ومنطلق سبيل الم سترشدين ..والح صانة من كل سوء ،والمان من كل
زيغ ..وهذا صميم معنى قوله تعالى على لسان نبيه ":يا ابن آدم ،اطلبني تجدني ..فان وجدتني وجدت كل
شيء ..وان فتك فاتك كل شيء ..وأنا أحب اليك من كل شيء"
ومعرفة ال تعالى انما تتحقق وتتزايد وتتعمق ،بتزايد الطلع على خلقه ،والدراك لصنعه وقدرته وفضله
وآياته البينات فيما كان وفيما سيكون {:يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ..ان الذين تدعون من دون
ال لن يخلقوا ذبا با ولو اجتمعوا له .وان ي سلبهم الذباب شيئا ل ي ستنقذوه م نه ،ض غف الطالب والمطلوب..
ما قدروا ال حق قدره ،ان ال لقوي عزيز} { .وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه ،سبحانه وتعالى عما يشركون}.
والدعاة الى ال ي جب أن يقدروا ال حق قدره ..ويعرفوه حق معرف ته ..يعرفوا طر يق الو صول ال يه،
والتقرب الى جلله ..يعرفوا ما يرض يه وي سخطه ،و ما يدني هم م نه ،و ما يبعد هم ع نه ..يعرفوا ذلك ،ل يس
لذات المعرفة وانما للتقيد واللتزام لتزكية النفس وتخليتها وترقيتها حتى تبلغ درجة الربانية { ولكن كونوا
ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} .آل عمرن .79
من أجل ذلك كان مقام العارفين عند ال عظيما وأجرهم كبيرا مصداقا لقول الرسول صلى ال عليه وسلم":
أكثر أهل الجنة البله ،وعليّون لذوي اللباب" متفق عليه.
سن الفات
سبيل النجاة مس
سر الضللت ،وسس
سي بحس
سن الغرق فس
سو قارب النجاة مس
قارب عبادة ال تعالى :وهس
والنحرافات ..فالعبادة واحسسانها والدوام عليهسا والكثارمنهسا ،تنظسم الصسلة بال وتحسسنها وتديمهسا..
والموصول بال يبقى على مدد من ال وعون منه وعناية..
وم ثل المو صول بال كم ثل الطائرة الم سترشدة في طيران ها ببرج المراق بة ،فاذا انقط عت هذه ال صلة تا هت
الطائرة فسي الفضاء وانحر فت عسن خط سيرها ،وتعرضست للخطار والمهالك أو كم ثل السسفينة المو صولة
بنقطة المراقبة في الميناء ،اذا انقطعت صلتها تاهت في البحار وغرقت في لجة ليس لها قرار..
ولهذا كان من عطاء ال لخل قه ،و من منّه وكر مه علي هم ،أن ن ظم ل هم وفرض علي هم خ مس مواع يد ،في
اليوم والليلة ،لتأك يد ال صلة به ،تحفظ هم على تبا عد فترات ها من الضياع سحابة نهار هم ..ك ما حث هم الى
الستزادة من هذه الصلة تنفل في الليل والنهار ،صلة وصيام وزكاة وحج..
والى ذلك يش ير ال تعالى على ل سان نبيه ":من عادى لي ول يا ف قد آذن ته بالحرب ..و ما تقرب ال يّ عبدي
بش يء أ حب الي م ما افترض ته عل يه ،و ما زال عبدي يتقرّب ال يّ بالنوا فل ح تى أح به ..فاذا أحبب ته ك نت
سمعه الي ي سمع به ..وب صره الذي يب صر به ..ويده ال تي يب طش ب ها ..ورجله ال تي يم شي ب ها ..وان
سألني لعطيّنه ..ولن استعاذ بي لعيذنّه ..و ما ترددت عن شيء أ نا فاعله ،ترددي عن نفس المؤ من
يكره الموت وأنا أكره مساءته"
قارب ذكسر ال :وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر الشكوك والوسساوس والقلق والضطراب وسسائر
المراض النفسية..
ان ذكسر ال يبعسث على الطمأنينسة والسسكينة والثقسة والرتياح .وصسدق ال تعالى حيسث يقول {:فاذكرونسي
أذكركم واشكروا لي ول تكفرون} { ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكى} { الذين آمنوا وتطمئن
قلوب هم بذ كر ال ،أل بذ كر ال تطمئن القلوب} { أف من شرح شرح ال صدره لل سلم ف هو على نور من
ربه ،فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ال ،أولئك في ضلل مبين}.
وذكر ال يبعث على الشجاعة والجرأة والقدام ،لنه يشعر المؤمن بأن ال معه ..هذا الشعور من شأنه أن
يولد في النفس من القوى والطاقات ما يدفع بصاحبه لمواجهة كل التحديات ومجاوزة كل العقبات بكل ثقة
واطمئنان..
ان ل كل نفس شيطانا ..وان شيطان الن فس ين فث فيها الخوف والفزع ويحرك الهوا جس والوساوس {الذ ين
قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا ،وقالوا :حسبنا ال ونعم الوكيل .فانقلبوا
بنع مة من ال وف ضل لم يم سسهم سوء واتبعوا رضوان ال ،وال ذو ف ضل عظ يم .ان ما ذل كم الشيطان
يخوّف أولياءه ،فل تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين}.
قارب الخوف من ال :وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الجبن والخوف والمعاصي والثام..
كان محمد بن عبدال صلى ال عليه وسلم ،وهو ريول ال ،المؤيد بالحوي ،يقول ":أنا أخوفكم ل" ويقول":
وال اني لخشاكم ل وأتقاكم له" ،وجاء في الخبر :ان ال تعالى أو حى الى داود عل يه السلم ":يا داود
خفني كما تخاف السبع الضاري".
فالذي يخاف ال تعالى يتقي سخطه ويخشى عذابه ويتحاشى الوقوع في محارمه..
والذي يخاف ال تعالى يقذف ال فسي قلبسه الجرأة والشجاعسة ،فل يجبسن عنسد لقاء العدو ،ول يتهيسب عنسد
مواجهة الطغاة ،ول يستحي من الصدع بالحق ..وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول ":من
خاف ال تعالى خافسه كسل شيسء ،ومسن خاف غيسر ال تعالى خوّفسه ال مسن كسل شيسء" رواه ابسن حبّان
والبيهقي.
والذي يخاف ال نعالى يغدو أط هر الناس قل با ،وأزكا هم نف سا وأدمع هم عي نا وأ سخاهم يدا ..و صدق ر سول
ال صسلى ال عليسه وسسلم حيسث يقول ":اللهسم ارزقنسي عين ين هطالتيسن تشفيان القلب بذروف الدمسع مسن
خشيتك ،قبل أن تصير الدموع دما" للطبراني.
والذي يخاف ال تعالى تستديم مراقبته له ،وحذره من التفريط في جنبه ،ول يأمن مكره { فل يأمن مكر ال
ال القوم الخاسرون} وقد روي أن النبي وحبريل عليهما السلم قد بكيا خوفا من ال تعالى ،فأوحى ال
اليهما :لم تبكيان وقد أمّنتكما .فقال :ومن يأمن مكرك.
قارب مراقبسة ال تعالى :وهسو قارب لنجاة مسن الغرق فسي بحسر الشبهات والنحرافات والشهوات ..فالذي
يراقب ال تعالى يسد على الشيطان مداخله الى نفسه ،والغافل عن المراقبة واقع في خياطيم الشياطين..
جبهات نف سه ضعي فة ..مقاوم ته كلي كة .مناع ته معدو مة { و من يعش عن ذ كر الح من نق يض له شيطا نا
ف هو له قر ين .وان هم لي صدونهم عن ال سبيل ويح سبون أن هم مهتدون .ح تى اذا جاء نا قال يا ل يت بي ني
وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}.
ولقد سبق الكلم عن مراقبة ال في موضع آخر من هذا الكتاب..
قارب حسب ال :وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر الدنيسا والتعبسق بحطامهسا واللهسث وراء متعهسا
وشهواتها ..وقد قال عيسى عليه السلم ":من اتخذوا الدنيا لهم ربا اتخذتهم عبيدا".
فالذي تعلق قلبه بال ل يطغى عليه حب ما عداه ..واذا أحب أحب في ال ،سواء كان حبا لخ أو لزوج أو
ولد أو لي انسسان فسي العالم ..وصسدق ال تعالى حيسث يقول {:قسل ان كان آباؤكسم وأبناؤكسم واخوانكسم
وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ،ومساكن ترضونها ،أحب اليكم من ال
ورسوله ،وجهاد في سبيله ،فتربصوا حتى يأتي ال بأمره ،وال ل يهدي القوم الفاسقين}.
وقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ":ل يبلغ الع بد در جة اليمان ح تى يكون ال ور سوله أ حب ال يه م ما
سواهما".
ول قد كان من ادع ية الر سول صلى ال عل يه و سلم ":الل هم ا ني أ سألك ح بك ،و حب من يح بك ،و حب ع مل
يقرّبني الى حبك".
وان من مقتضيات حب النسان لربه وانشغاله به ،وتلذذه بعبادته ،وتلهفه الى مناجاته .وروي عن بعض
ال سلف ":ان ال تعالى أ ,حى الى ب عض ال صديقين :ان لي عبادا من عبادي يحبو ني واحب هم ..ويشتاقون
الي وأشتاق اليهم ..ويذكروني وأذكرهم ..وينضرون الي وأنظر اليهم ..فان حذوت طريقهم احببتك ،وان
عدلت عن هم مق تك .قال :يا رب ،و ما علمت هم؟ قال :يراعون الظلل بالنهار ك ما يرا عي الرا عي الش فق
غنمسه ..ويحنون الى غروب الشمسس كمسا يحسن الطائر الى وكره عنسد الغروب ..فاذا جنهسم الليسل واختلط
اليس
ّ الظلم وفرشست الرض ونصسبت السسرة ،وخل كسل حسبيب بحسبيبه ،نصسبوا الى أقدامهسم ،وافترشوا
وجوه هم ،وناجو ني بكل مي ،وتملقوا ال يّ بانعا مي ..فبين صارخ وباك ،وب ين متأوّه وشاك ،وب ين قائم
وقاعد ،وبين راكع وساجد .بعيني ما يتحملون من أجلي ،وبسمعي ما يشتكون من حبي ..أول ما أعطيهم
ثلث:
أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم.
لو كانت السموات والرض وما فيها في موازينهم لستقللتها لهم
أقبل بوجهي عليهم ،فترى من أقبلت عليه هل يعلم أحد ما أريد أن أعطيه..
قارب الخلص ل :وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر النفاق والشرك والرياء وحسب الظهور وبوار
العمال..
والداعية في عمله ونشاطه ..في كتابته وخطاباته ..في جهاده وجلده ،أحوج ما يكون ال الخلص حفاظا
على أعماله من البوار ،وح تى ل يكون معن يا بقوله تعالى {:وقدم نا الى ما عملوا من ع مل فجعلناه هباء
منثورا}.
فل بد للداعية بين يدي كل عمل ،من تصحيح النية ،وتقويم القصد ،وتصفية النفس ..وليكن ذكراه في ذلك
قول الرسول صلى ال عليه وسلم ":انما العمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته الى
ال ورسوله ،فهجرته الى ال ورسوله ،ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى
ما هاجر اليه".
فالخلص ل تعالى هو صمام المان في حياة المؤمنين ..به تزكو أعمالهم ،وتضاعف أجورهم..
فبالخلص تكون العمال والقوال ..تكون العبادة والنعليسم والتعلم ..يكون المسر بالمعروف والنهسي عسن
المن كر ..يكون النفاق والح سان ..يكون الجهاد والبذل والتضح ية ..يكون كل ذلك في ميزان الع بد يوم
القيامة ..ولقد روي عن أبي الدرداء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ":ان التقاء على العمل أشد
من العمل ..وان الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ضعفا،
فل يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه ،فيكتب علنية ويمحي تضعيف أجره كله ..ثم ل يزال به
الشيطان حتى يذكره للناس ثانية ،ويجب أن يذكر ر به ،ويحمد عليه ،فيمحى من العلنية ،ويكتب رياء.
فاتقي ال امرؤ صان دينه .وان الرياء شرك" رواه البيهقي.
فدعاة السلم مدعوون للخروج من ذواتهم وحظوظ أنفسهم ..مدعوون الى تنقية السرائر قبل الظواهر..
فكم من أعمال كبيرة أفسدتها خواطر صغيرة وحقيرة .وكم من مكابدة ومجاهدة ضيعتها رغبات مشوبة
فاسسدة ..وهذا مناط قوله صسلى ال عليسه وسسلم":ان أخوف مسا اخاف عليكسم الشرك الصسغر .قالوا :ومسا
الشرك الصغر يا رسول ال؟ قال :الرياء ،يقول ال عز وجل اذا جزى الناس بأعمالهم :اذهبوا الى الذين
كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" رواه أحمد باسناد جيد.
وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال ..قال رجل يا رسول ال :اني أقف الموقف أريد وجه ال ،وأرليد أن
يرى موطني ..فلم يرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلت الية {:فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا}
قارب الرضى :وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الطمع والحسد والضيق والتشاؤم..
فالر ضى سمت أ صيل من سمات المؤمن ين ..ل يكت مل اليمان ال به ..ول قد روي أن ر سول ال صلى ال
عليه وسلم دخل على النصار فقال ":أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا .فقال عمر :نعم يا رسول ال .فقال صلى ال
عل يه و سلم :و ما عل مة ايمان كم؟ قالوا:نش كر على الر ضا ..ن صبر على البلء ..ونر ضى بالقضاء ..فقال
رسول ال صلى ال مؤمنون ورب الكعبة".
ودعاة السلم أحوج الناس الى الرضى بما قسم ال من خير وشر..
ففي مواجهة البلء وجب أن يكونوا راضيين ،محتسبين ما يصيبهم عند ال ،ذاكرين قول رسوله صلى ال
عليسه وسسلم ":ان عظسم الجزاء مسع عظسم البلء ،وان ال تعالى اذا أحسي قومسا ابتلهسم .فمسن رضسي فله
الرضى ومن سخط فله السخط".
وفي ابتغاء فضل ال من الرزق وجب أن يكونوا راضيين قانعين بما قسم ال لهم ..فالرزق بيد ال يؤتيه
من يشاء ..وليجعلوا هم هم رضاء ال تعالى ،وليذكروا قول ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ":من ج عل
ال هم ه ما واحدا كفاه ال هموم الدن يا جمي عا ،و من تشعب ته الهموم ل يبالي ال بأي واد من أود ية الدن يا
هلك".
وليتدبروا قول ال تعالى {:ول تمدن عين يك الى ما متع نا به أزوا جا من هم زهرة الحياة الدن يا لنفتن هم ف يه
ورزق وربك خير وأبقى}.
قارب حب الرسول :وهو قارب النجاة من الغرق في تيارات الهوى وسبل الغواية ومسالك الشيطان {:وان
هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} { قل
هذه سبيلي أدعوا الى ال على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان ال وما أنا من المشركين} { قل ان كنتم
تحبون ال فاتبعون يحببكم ال} { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
ان حسب الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم يجسب أن يدفسع الى تحري سسنته ،والى اللتزام بشريعتسه ..والى
العيش معه صلى ال عليه وسلم في عسره ويسره ،في حياته الخاصة والعامة ..والى القتداء به ،امتثال
لقول ال تعالى { لقسد كان لكسم فسي رسسول ال أسسوة حسسنة لمسن كان يرجسو ال واليوم الخسر وذكسر ال
كثيرا}.
ان حسب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يجسب أن يكون لدى الدعاة أقوى مسن حسب الهسل والولد والناس
أجمعين ..وليعلموا أن المسلمين ال,لين لم يكونوا خير أمة أخرجت للناس ال بعظم حبهم لرسولهم ..فهذا
سعد بن الربيع يلتفت الى زيد بن ثابت يوم أحد وهو يلفظ أنفاسه الخيرة ويقول {:بلغ رسول ال السلم
وقل له اني أجد ريح الجنة وقل لقومي النصار ،ل عذر لكم عند ال ان خلص الى رسول ال وفيكم عين
تطرف وفاضت نفسه من وقته.
وهذه امرأة من النصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد .فلما أخبرن بذلك قالت :ما فعل برسول ال؟
قالوا :خيرا ..هو بح مد من ال ك ما ت حبين .قالت أرون يه ح تى أن ظر ال يه ..فل ما رأ ته قالت :كل م صيبة
بعدك جلّل؟
وهذا مصعب بن عمير يقبل على أمه التي أقسمت أن ل تذوق طعاما قط حتى يترك دين محمد فيقول لها:
وال يا أماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسا نفسا ما تركت دين محمد.
وهذا سواد بن غز ية ي ضم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يوم بدر و هو يج هش بالبكاء ..وعند ما ي سأله
المصطفى صلى ال عليه وسلم عن سبب ذلك يقول :حضر ما ترى يا رسول ال ،فأردت أن يكون آخر
العهد بك أن يمس جلدي جلدك..
وهذه أم حبيب زوج الر سول صلى ال عل يه و سلم ،يد خل علي ها أبو ها أ بو سفيان ول ما ي سلم ب عد ،وي هم
بالجلوس ،ويهم بالجلوس على فراش هناك فتمنعه من ذلك ..وعندما يسألها عن السبب متعجبا تقول له:
انه فراش رسول ال وأنت رجل مشرك نجس ،فلم أحب أن تجلس على فراش رسول ال..
ويدخل في باب حب الرسول صلى ال عليه وسلم حب الصحابة رضوان ال تعالى عليهم وحب الصالحين
عمو ما واقتفاء آثار هم ..ف قد أخرج رز ين عم ع مر ر ضي ال ع نه مرفو عا ":سألت ر بي عن اختلف
أصحابي من بعدي ،فأوحى اليّ :يا محمد ،ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أقوى من بعض ولكل
نور ..ف من أ خذ بشيء م ما هم عل يه من اختلفهم فهو عندي على هدى" وقال ":أ صحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم".
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا الكتاب:
بعيدا عن الروحانية المرهومة والمادية المقيتة يخطّ المسلم طريقه الذي مهده سيد المرسلين وخاتم النبيين
في جو من التوازن والوسطية.
ا نه يع يش الحياة ب كل مقومات ها وتقلبات ها و في ع مق معاني ها ،يحيا ها بديناميك ية ،يع يش ب صراع وتوائم،
بانتصار وانهزام ،بالجانب الخيّر الذي يسعى في تنميته بعبادته ،والصعوبات التي تحول بينه وبين تحقيق
أهدافه الملئكية.
فما هي أهم العواصف والعقبات التي تقف في وجهه؟
وما هي الوسائل التي ان تمسّ :بها يستطيع بعون ال أن يبلغ مرامه؟
ان هذا الكتاب يج يب على هذه الت ساؤلت وغير ها ويز يل غما مة الو هم القا بع في أن فس الكث ير من خلل
النظرة الشمولية لحياة المسلم وهمومه وحلوله.