You are on page 1of 51

‫قوارب النجاة‬

‫في‬
‫حياة الدعاة‬

‫فتحي يكن‬

‫مؤسسة الرسالة‬

‫مقدمة‬

‫الح مد ل‪ ..‬وال صلة وال سلم على ر سول ال‪ ..‬بلغ الر سالة وأدى الما نة‪ ..‬ون صح ال مة‪ ..‬وجا هد في‬
‫سبيل ال حق جهاده ونحن على ذلك من الشاهدين‪..‬‬
‫وبعد‪ :‬فان هذا الكتاب هو خلصة لحاديث تربوية ألقيت في مراكز مختلفة على فترات متفاوتة من الزمن‪..‬‬
‫لقسد تناولت هذه الحاديسث أهسم وأبرز العقبات والشدائد التسي تواجسه دعاة السسلم‪ .‬كمسا تعرضست للسسمات‬
‫والق سمات اليمان ية ال تي ي جب أن يت صف ب ها الدعاة الى ال ليكونوا رباني ين‪ ،‬وليتمكنوا من مواج هة هذه‬
‫التحديات والتغلب عليها بعون ال‪..‬‬
‫ويتضمن الكتاب أربعة موضوعات رئيسية‪:‬‬

‫الموضوع الول‪:‬‬
‫ويعرض الشدائد الخمس التي يمكن أن يتعرض لها كل مسلم فضل عن كونه داعية آمن بال ربا وبمحمد‬
‫نبيا وبالقرآن دستورا‪ ،‬والتزم بما آمن به‪ .‬وهي ما وردت في حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ .1‬مؤمن يحسده‪.‬‬
‫‪ .2‬ومنافق يبغضه‪.‬‬
‫‪ .2‬وكافر يقاتله‪.‬‬
‫‪ .4‬وشيطان يضلله‪.‬‬
‫‪ .5‬ونفس تنازعه‪.‬‬

‫الموضوع الثاني‪:‬‬
‫ويعرض للنواصسفات اليمانيسة التسي يجسب أن يتحلى بهسا الخوة العاملون للسسلم والدعاة الى ال فسي كسل‬
‫عصر ومصر ليكونوا رباننين‪ .‬وهي ما أشارت اليه الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ .1‬التائبون‪.‬‬
‫‪ .2‬العابدون‪.‬‬
‫‪ .3‬الحامدون‪.‬‬
‫‪ .4‬السائحون‪.‬‬
‫‪ .5‬الراكعون الساجدون‪.‬‬
‫‪ .6‬المرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال‪.‬‬

‫الموضوع الثالث‪:‬‬
‫ويعرض للزاد الذي يجب أن يتزود بها الدعاة الى ال لسفر طريق القيامة‪ ،‬وهو ما أشار اليه الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم بقوله‪:‬‬
‫‪ .1‬صم يوما شديد الحر ليوم النشور‪.‬‬
‫‪ .2‬وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور‪.‬‬
‫‪ .3‬وحج حجة لعظائم المور‪.‬‬
‫‪ .4‬وقل كلمة حق وأمسك عن كلمة باطل‪.‬‬
‫‪ .5‬وتصدق بصدقة واخفها‪.‬‬

‫الموضوع الرابع‪:‬‬
‫ويعرض لعدد من قوارب النجاة ال تي على دعاة ال سلم أن ي ستهموها كي ما يبلغوا ب ها شطئان ال سعادة في‬
‫الدارين‪ ..‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬قارب معرفة ال واليمان به‪.‬‬
‫‪ .2‬قارب عبادة ال والقبال عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬قارب ذكر ال‪.‬‬
‫‪ .4‬قارب الخوف من ال‪.‬‬
‫‪ .5‬قارب مراقبة ال‪.‬‬
‫‪ .6‬قارب حب ال‪.‬‬
‫‪ .7‬قارب الخلص ل‪.‬‬
‫‪ .8‬قارب الرضى‪.‬‬
‫‪ .9‬قارب حب الرسول‪.‬‬
‫‪ .10‬قارب حب الصحابة‪.‬‬

‫الشدائد في حياة الدعاة‬

‫اعلم أيها الخ الداعية‪ ،‬أن ال ل بد مبتليك‪ ..‬وأنه ل بد ممتحنك‪ ..‬وصدق ال العظيم حيث يقول‪ {:‬الم‪..‬‬
‫أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون‪ ،‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا‬
‫وليعلمن الكاذبين} وفي الحديث‪ ":‬أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل"‪ " ،‬ان ال تعالى اذا أحب قوما‬
‫ابتلهم‪ ،‬فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"‪.‬‬
‫فدعوى اليمان بحاجسة الى دليسل‪ ،‬وطريسق الجهاد طويسل تحفسه الشدائد وتكتنفسه المصساعب " حفست الجنسة‬
‫بالمكاره وحفت النار بالشهوات"‪.‬‬
‫والداع ية في هذا الطر يق ان لم ي كن في ح صن من ال‪ ،‬وعلى صلة به‪ ،‬واتكال عل يه‪ ،‬واعت صام بكتا به‪،‬‬
‫واتباع لسنة نبيّه‪ ،‬فهو على خطر كبير وفي شر مستطير‪..‬‬
‫ولقسد أجمسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم التحديات والشدائد التسي تواجسه المؤمنيسن بسه والدعاة اليسه‪،‬‬
‫والمجاهد ين في سبيله فقال‪ ":‬المؤ من ب ين خ مس شدائد‪ :‬مؤ من يح سده‪ ،‬ومنا فق يبغ ضه‪ ،‬وكا فر يقاتله‪،‬‬
‫وشيطان يضله‪ ،‬ونفس تنازعه" أخرجه أبو بكر بن لل من حديث أنس في مكارم الخلق‪.‬‬
‫ولقد كشف رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديثه هذا عن الفتن والشدائد _ كل الفتن والشدائد_ التي‬
‫يمكسن أن يتعرض لهسا الدعاة الى ال ليحذروهسا‪ ،‬وليأخذوا لدربهسم مسن الزاد مسا يمكنهسم مسن مغالبتهسا‬
‫ومجاوزتها‪..‬‬
‫فلنن ظر في كل واحدة من هذه الشدائد‪ ..‬في أخطار ها وآثار ها‪ ،‬و في أ سباب الوقا ية من ها‪ ..‬والحك مة ضالة‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها‪..‬‬

‫أول‪ :‬مؤمن يحسده‪:‬‬

‫ان الحسسد مسن أمراض القلوب الفتاكسة‪ ،‬وقسد يذهسب بايمان المؤمسن ان لم يثسب لرشده ويتسب الى ربسه‪،‬‬
‫وتتداركه عناية ال ورحمته‪ .‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬د بّ اليكم داء المم من‬
‫قبلكسم‪ ،‬لحسسد والبغضاء‪ .‬والبغضاء هسي الحالقسة‪ .‬أمسا أنسي ل أقول تحلق الشعسر‪ ،‬ولكسن تحلق الديسن" رواه‬
‫البيهقي ويقول‪ ":‬ما ذئبان جائعان أرسل في زريبة غنم بأفسد لها من الحرص على المال والحسد في دين‬
‫المسلم‪ .‬وان الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"‪ .‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫والدعاة الى ال عز و جل وبخا صة الموفق ين من هم والنشيط ين والمرموق ين من هم والموهوب ين‪ ،‬معرضون‬
‫لل سنة الحا سدين وكيد هم‪ ..‬يح سدونهم على علم هم وعلى كل خ صلة من خ صال الخ ير في هم‪ ،‬ثم يتحينون‬
‫الفرص لليقاع بهم وتحطيمهم‪..‬‬
‫يقول ابن المعتز‪ ":‬الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له‪ ،‬بخيل بما ل يمكله‪ ،‬طالب بما ل يجده"‪.‬‬
‫ولقد أمر ال تعالى نبيّه ان يستعيذ وأمته من أذى الحاسدين فقال‪ {:‬قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق*‬
‫ومن شر غاسق اذا وقب* ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد اذا حسد}‪.‬‬
‫أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد حذر من الحسد والتحاسد ومن البغض والتباغض‪ ،‬ومن التنافس‬
‫والتدابر فقال‪ ":‬اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث‪ ،‬ول تحسسوا ول تجسسوا ول تنافسوا ول تحاسدوا ول‬
‫تباغضوا ول تدابروا‪ ،‬وكونوا عباد ال اخوانسا كمسا أمركسم‪ ،‬المسسلم أخسو المسسلم ل يظلمسه ول يخذله ول‬
‫يحقره‪ ،‬التقوى هه نا‪ ،‬وأشار الى صدره‪ ..‬بح سب امرئ من ال شر أن يح قر أخاه الم سلم‪ ..‬كل الم سلم على‬
‫المسلم حرام دمه‪ ،‬وعرضه وماله" رواه مالك والشيخان أبو داود والترمذي‪.‬‬

‫والذين يحسدون الدعاة على ما آتاهم ال من فضله وعلى ما وهبهم من علمه‪ ،‬نفوسهم عليلة‪ ،‬وقلوبهم‬
‫مريضة‪ ،‬تسوّل لهم المكر باخوانهم تشافيا واطفاء لغلواء الصدور‪ .‬تماما كما سوّلت (لقابيل) نفسه أن يقتل‬
‫أخاه ( هابيسل) حسسدا وسسخطا وضغينسة وحقدا فقال ال تعالى‪ {:‬واتسل عليهسم نبسأ ابنسي آدم بالحسق‪ ،‬اذ قرّبسا‬
‫قربانا‪ ،‬فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الخر‪ ،‬قال لقتلنّك‪ ،‬قال انما يتقبّل ال من المتقين‪ ،‬لئن بسطت ال يّ‬
‫يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديّ لقتلك اني أخاف ال رب العالمين‪ .‬اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من‬
‫أصحاب النار‪ ،‬وذلك جزاء الظالمين‪ .‬فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} المائدة‪.‬‬
‫ودعوة ال سلم على مدار التار يخ القد يم والحد يث شهدت حوادث ذات أبعاد مأ سويّة كان الح سد أ حد أبرز‬
‫أسبابها‪..‬‬
‫ل أعني حسد البعدين وانما حسد القربين‪.‬‬
‫وظلم ذوي القربى أشد مضاضة‬
‫على المرء من وقع الحسام المهنّد‬
‫ف كم من قادة وأئ مة اتهموا زورا وبهتا نا‪ ،‬وأشي عت حول هم الشائعات والراج يف ب سبب ح سد حا سد مر يض‬
‫النفس ل يرعى فيمن حوله ال ول ذمّة‪..‬‬
‫وكم من فتن أوقدت وأحقاد سعّرت بسبب حسد النفوس‪.‬‬
‫بل كم من صفوف تدا عت وت صدّعت‪ ،‬وتبعثرت جموع ها بف عل ح سود حقود خ سيس سار بالفت نة دون أن‬
‫يخشى ال رب العالمين‪ ..‬ودون أن يلتفت الى قوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ليس من ذو حسد ول نميمة ول‬
‫كها نة ول أ نا م نه‪ .‬ثم تل قوله تعالى‪ {:‬والذ ين يؤذون المؤمن ين والمؤمنات بغ ير ما اكت سبوا ف قد احتملوا‬
‫بهتانا واثما مبينا}‪.‬‬
‫وآفة الحسد هذه في تفاقمها وهياجها تدفع بصاحبها أو أصحابها الى ارتكاب كل الحماقات والى استحلل كل‬
‫المكروهات والمحرمات_ كالنار في اندلعها وهياجها تحرق الخضر واليابس دون أن تلوي على شيء‪.‬‬
‫فقد تسوّل للحاسد نفسه أن يكذب ويلفق ويختلق لينال من غريمه الذي يحسده‪ ..‬وليته قبل أن يفعل قد أدرك‬
‫عاق بة أمره‪ ،‬و سمع حد يث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في أمثاله‪ ":‬أي ما ر جل أشاع على ر جل م سلم‬
‫بكلمة هو منها بريء‪ ،‬يشينه بها في الدنيا‪ ،‬كان حقا على ال أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاد‬
‫ما قال" رواه الطبراني‪.‬‬
‫وقد يقع الحاسد في الغيبة والنميمة وهو يظن أنه يحسن صنعا‪ ..‬ويبرر له شيطانه سوء عمله ليسقطه في‬
‫الفت نة { أل في الفت نة سقطوا وان جه نم محي طة بالكافر ين‪ .‬ان ت صبك ح سنة ت سؤهم‪ ،‬وان ت صبك م صيبة‬
‫يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون‪ .‬قل لن يصيبنا ال ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى ال‬
‫فليتوكل المؤمنون}‪.‬‬

‫وليست الحسسود يعلم أن عاقبسة أمرهسى خسسرا‪ ..‬وأن ال قسد أعسد له ولمثاله عذابسا نكرا‪ ،‬وخاصسة الذيسن‬
‫يصرون على الفتنة ول يرعوون أو يرتعدون ويتوبون‪ ،‬فقد قال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬الربا اثنان وسبعون‬
‫با با‪ ،‬أدنا ها م ثل اتيان الر جل أ مه‪ .‬وان أر بى الر بى ا سطالة الر جل في عرض أخ يه" رواه ال طبراني‪ ،‬وقال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب اليه يوم القيامة‪ ،‬فيقال له‪ :‬كله ميتا كما أكلته حيا‪،‬‬
‫فيأكله ويضج" رواه الطبراني‪ ،‬ويقول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬الغيبة أشد من الزنى‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬الرجل‬
‫يزنسي ثسم يتوب فيتوب ال عليسه‪ ،‬وان صساحب الغيبسة ل يغفسر له‪ ،‬حتسى يغفسر له صساحبه" رواه الطسبراني‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫ويبيّن لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم معنى الغيبة فيقول‪ ":‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ .‬قيل‪ :‬أرأيت ان كان في أخي ما أقول؟ قال‪ :‬ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وان‬
‫لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"‪.‬‬

‫أسباب الحسد‪:‬‬

‫ولقد أجمل المام الغزالي في كتابه الحياء أسباب الحسد بما يلي‪:‬‬

‫‪.1‬العداوة والبغضاء‪ :‬وهذا أشد أسباب الحسد‪ ،‬فان من آذاه ش خص بسبب من السباب وخالفه في‬
‫غرض بو جه من الوجوه أبغ ضه قل به وغ ضب عل يه ور سخ في نف سه الح قد‪ .‬والح قد يقت ضي التش في‬
‫والنتقام‪ .‬وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ول يفارقهما‪...‬‬

‫‪ .2‬التعزز‪ :‬وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره‪ .‬اذا أصاب بعض امثاله ولية أو علما أو مال خاف‬
‫أن يتكبر عليه وهو ل يطيق تكبره ول تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه‪.‬‬

‫‪ .3‬الكبر‪ :‬وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه النقياد له‪ ،‬فاذا‬
‫نال نعمة خاف أن ل يتحمل تكبره ويترفع عن متابعته‪ ،‬أو ربما يتشوّف الى مساواته‪..‬‬

‫‪ .4‬التعجب‪ :‬كما أخبرنا ال تعالى عن المم السابقة اذ قالوا‪ {:‬ما أنتم ال بشر مثلنا} {وقالوا أنؤمن‬
‫لبشر مثلنا} فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من ال تعالى بشر مثلهم فحسدوهم‪..‬‬

‫‪ .5‬الخوف من فوت المق صد‪ :‬وذلك يخ تص بالمتزاحم ين على مق صود وا حد‪ ،‬فان كل وا حد يح سده‬
‫صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في النفراد بمقصوده‪..‬‬

‫‪ .6‬حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه‪ :‬وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون_‬
‫اذ غلب عليه حب الثناء من أنه وحيد الدهر وفريد العصر وأنه ل نظير له_ فانه لو سمع بنظير له في‬
‫أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال نعمته‪.‬‬

‫‪ .7‬خبث النفس‪ :‬وشحها بالخير لعباد ال تعالى‪ ..‬فاذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد ال تعالى‬
‫أنعم ال عليه يشق عليه ذلك‪ ،‬واذا وصف له اضطراب أمور الناس وادبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص‬
‫عيشهم فرح به‪..‬‬

‫كيف نواجه أهل الحسد؟‬

‫كذلك فان مسن خلق السسلم وخلق النبوة محاذرة الحسسدين ومقاطعسة المغتابيسن وعدم السستماع اليهسم‪،‬‬
‫ومجاراتهم والجلوس الى مجالسهم‪ ،‬وليدركوا شنيع فعلتهم وقبيح خصلتهم‪ .‬بل ان السلم ليوجب على من‬
‫سمع شيئا من الهمس الثم أن ينكره على قائله والمتحدث به‪ ،‬وأن يذب عن عرض أخيه‪ ،‬ويلقن الوالغ في‬
‫حرمات الخرين وأعراضهم درسا من شرع ال وأخلق السلم‪ ..‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حيث يقول‪ {:‬من ذبّ عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على ال أن يعتقه من النار" رواه أحمد‪.‬‬

‫ثم لي سمع الذ ين يجارون الحا سدين من أ هل الغي بة والنمي مة‪ ،‬وي صغون الي هم‪ ،‬وي سيرون بالفت نة مع هم‪،‬‬
‫ليسمعوا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم في أمثالهم‪ ":‬من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو‬
‫ب ستطيع ن صره‪ ،‬أدركسه اثمسه فسي الدنيسا والخرة" رواه الصسبهاني وقوله‪ ":‬مسا مسن امرئ مسسلم يخذل امرأ‬
‫مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ال خذله ال في موطن يحب فيه نصرته‪ .‬وما‬
‫من امرئ مسلم ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته ال نصره ال‬
‫في موطن يحب فيه نصرته" رواه أبو داود‪.‬‬
‫وأخيرا فليحذر هؤلء وأولئك ممن يرتعون في حرمات الناس ويتتبعون عوراتهم ليحذروا بطش ال ووعده‬
‫ووعيده على ل سان نبيه صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬يا مع شر من آ من بل سانه ولم ي فض اليمان الى قل به‪ ،‬ل‬
‫تؤذوا الم سلمين ول تتبعوا عورات هم‪ ،‬فا نه من تت بع عورة أخ يه الم سلم تت بع ال عور ته‪ ،‬و من تت بع ال‬
‫عورته يفضحه ولو في جوف رحله‪ ،‬وفي رواية في عقر بيته" رواه أبو داود‪.‬‬

‫أمسا دعاة السسلم فان عليهسم‪ ،‬ان ابتلوا بمسن يحسسدهم‪ ،‬أن يتدرّعوا بالصسبر والصسلة ويتعوذوا بال مسن‬
‫شرور نفوس الناس وشرور ظن هم وح سدهم‪ ،‬ول يخرجن هم الغ ضب الى الرد والك يد والى اتباع غ ير سبيل‬
‫المؤمنين‪ ،‬لنهم بذلك يصبحون مثلهم ويخسرون تميزهم وخلقهم ودينهم‪ .‬والولى أن ينفقوا مما عندهم من‬
‫خير ويحتسبوا ما يصيبهم عند ال الذي ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء‪ ،‬ول هو بغافل عما‬
‫يع مل الظالمون‪ ..‬ولي سمعوا قول ر سول ال صلى ال عل يه وسلم‪ ":‬ما من جر عة أ حب الى ال من جر عة‬
‫غ يظ‪ ،‬كظم ها ع بد‪ ،‬ما كظم ها ع بد ل‪ ،‬ال مل ال ب ها جو فه ايما نا" ولي كن شعار هم قول القائل‪ ":‬الل هم ا ني‬
‫تصدقت بعرض على الناس"‪.‬‬

‫ان على دعاة السلم أن يتميزوا بخلقهم عن سائر حلق ال‪ ..‬وان حسن الخلق هو محصلة الرسالة التي‬
‫بعث بها رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬انما بعثت لت مم مكارم الخلق"‪ ،‬وح يث يقول‪ ":‬ان‬
‫العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الخرة وشرف المنازل‪ ،‬وأنه لضعيف العبادة‪ .‬وانه ليبلغ بسوء خلقه‬
‫أسفل درجات في جهنم" رواه الطبراني‪.‬‬
‫قال أنس بن مالك رضي ال عنه‪ ":‬كنا جلوس مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يطلع عليكم الن‬
‫رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلع رجل من النصار‪ ..‬فلما كان الغد قال النبي صلى ال عليه وسلم مثل ذلك‪ ،‬فطلع‬
‫ذلك الرجل مثل المرة الولى‪ .‬فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى ال عليه وسلم مثل مقالته أيضا‪ .‬فطلع‬
‫ذلك الرجل على مثل حاله الول‪ .‬فلما قام النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تبعه عبدال بن عمرو‪ ،‬فقال للرجل‪:‬‬
‫اني لحيت أبي‪ ،‬فأقسمت أني ل أدخل عليه ثلثا‪ ،‬فان رأيت أن تأويني اليك حتى تمضي فعلت‪ .‬فقال الرجل‪:‬‬
‫نعم‪ ..‬قال أنس‪ :‬فكان عبدال يحدث أنه بات معه تلك الثلث ليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا‪ ،‬غير انه اذا‬
‫تعار _ تقلب على فراشسه_ ذكسر ال عسز وجسل وكبّر حتسى يقوم لصسلة الفجسر‪ .‬قال عبدال‪ :‬غيسر أنسي لم‬
‫أ سمعه يقول ال خيرا‪ .‬فل ما م ضت الثلث ليالي‪ ،‬وكدت أحت قر عمله‪ ،‬قلت يا عبدال لم ي كن بي ني وب ين أ بي‬
‫غضب ول هجرة‪ .‬ولكن سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لك ثلث مرات‪ :‬يطلع عليكم الن رجل‬
‫من أهل الجنة‪ ،‬فطلعت أنت الثلث مرات‪ ،‬فأردت أن آوي اليك‪ ،‬فأنظر ما عملت فأقتدي بك‪ .‬فلم أرك عملت‬
‫عمل كبير‪ .‬فما الذي بلغ بك ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬ما هو ال ما رأيت‪ .‬فلما وليت‬
‫دعاني فقال‪ :‬ما هو ال ما رأيت‪ ،‬غير اني ل أجد في نفسي لحد من المسلمين غشا ول أحسد أحدا على‬
‫خيسر أعطاه ال اياه‪ .‬فقال عبدال‪ :‬هذه التسي بلغست بسك" رواه أحمسد باسسناد على شرط البخاري ومسسلم‬
‫والنسائي‪.‬‬

‫ف ما أحوج الدعاة الى سلمة القلب مع الحذر‪ ..‬والى ا ستقامة الخلي قة مع الو عي‪ ،‬والى أن يكونوا أقوى‬
‫من أن يستدرجهم الغضب لنفسهم الى السقوط فيما سقط فيه الجهلء والى الوقوع فيما وقع فيه هؤلء؟‬
‫وليثقوا بأن ال تعالى الذي يعرف ال سر وأخ فى سيتدبر ال مر ل محالة{ ما يكون من نجوى ثل ثة ال هو‬
‫رابع هم‪ ،‬ول خم سة ال هو سادسهم‪ ،‬ول أد نى من ذاك ول أك ثر ال هو مع هم أين ما كانوا‪ ،‬ثم ينبؤ هم ب ما‬
‫عملوا يوم القيا مة ان ال ب كل ش يء عل يم} { ول قد خلق نا الن سان ونعلم ما تو سوس به نف سه ون حن أقرب‬
‫اليه من حبل الوريد}‪.‬‬

‫وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬أوحى ال الى ابراهيم عليه السلم‪ :‬يا خليلي حسن‬
‫خلقتك ولو مع الكفار تدخل مدخل البرار‪ ..‬وان كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي‪ ،‬وأن‬
‫أسقيه من حظيرة قدسي‪ ،‬وأن أدنيه من جواري" رواه الطبراني‪.‬‬
‫وصدق سيّد الدعاة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ":‬وجبت محبة ال على من أغضب فحلم" رواه الصبهاني‪.‬‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم‪ ":‬اذا جمع ال الخلئق نادى مناد‪ :‬يا أهل الفضل‪ .‬قال‪ :‬فيقوم ناس وهم يسير‪،‬‬
‫فينطلقوان سراعا الى الجنة‪ ،‬فتتلقاهم الملئكة‪ ،‬فيقولون‪ :‬انا نراكم سراعا الى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون‪:‬‬
‫نحن أهل الفضل‪ .‬فيقولون وما فضلكم؟ فيقولون‪ :‬كنا اذا ظلمنا صبرنا‪ ،‬واذا أسيء الينا حلمنا‪ .‬فيقال لهم‪:‬‬
‫ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين" رواه الصبهاني‪.‬‬
‫ويقول‪ ":‬أل أنبئ كم ب ما يشرّف ال به البنيان‪ ،‬وير فع به الدرجات؟ قالوا‪ :‬ن عم يا ر سول ال‪ .‬قال‪ :‬تحلم على‬
‫من جهل عليك‪ ..‬وتعفو عمن ظلمك‪ ..‬وتعطي من حرمك‪ ..‬وتصل من قطعك" رواه الطبراني‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ومنافق يبغضه‪:‬‬

‫والشدة الثانية التي يواجهها دعاة السلم هي بغض المنافقين وكيدهم‪..‬‬


‫فالمنافقون موجودون فسي كسل زمان ومكان‪ ،‬ل تكاد تخلو منهسم فترة مسن فترات التاريسخ لن مسبررات‬
‫وجودهم قائمة‪ ،‬أو يمكن أن تقوم في كل حين‪..‬‬
‫فمن هم من يكون مبرر نفا قه تحق يق ب عض الم صالح الدنيو ية‪ ،‬في ستر ب ستار التقوى والد ين كي ما ي صل الى‬
‫مراده‪..‬‬
‫ومنهم من تكون غاية نفاقهم اليقاع بالمسلمين وتمزيق صفوفهم وايقاد الفتن بينهم بدافع من أنفسهم‪ ،‬أو‬
‫بايعاز من غيرهم فيندسّون بين الصفوف لغاية في نفس يعقوب؟‬
‫ومنهم من يكون نفاقه خلقا ذميما درج عليه ل ينفك عنه‪ ،‬وطبعا أصيل ل يكاد يبارحه أو يفارقه‪..‬‬
‫ومنهم من يتوسل بالنفاق ليكون من الحكام في حضوة ومن بطشهم في نجوة!‬
‫ومنهم من يتوسل بالنفاق ليحضى بغرض زائل‪ ،‬وجاه حائل يبيع دينه بدنياه!‬
‫والنفاق قد يكون نتيجة الحقد أو الحسد أو الثنين معا‪..‬‬

‫والمنافقون لهم صفات وقسمات بيّنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ليسهل على المؤمنين معرفتهم‪،‬‬
‫وليتمكنوا من الحذر منهم‪ ...‬من ذلك قوله صلى ال عل يه وسلم‪ ":‬ثلث من كن ف يه فهو منا فق وان صام‬
‫وصسلى وحسج واعتمسر وقال انسي مسسلم‪ ..‬مسن اذا حدث كذب‪ ،‬واذا وعسد أخلف‪ ،‬واذا اؤتمسن خان" رواه أبسو‬
‫يعلى‪ .‬وقوله‪ ":‬اربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق‬
‫ح تى يدع ها‪ ..‬اذا حدث كذب‪ ،‬واذا و عد أخلف‪ ،‬واذا عا هد غدر‪ ،‬واذا خا صم ف جر"رواه اح مد‪ ،‬وقوله‪ ":‬آ ية‬
‫المنافق ثلث‪ :‬اذا حدث كذب‪ ،‬واذا وعد أخلف‪ ،‬واذا عاهد غدر" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ودعوة السلم ابتليت بهذا الصنف من الناس على مدار التاريخ‪ ..‬يقبلون عليها للتخريب فيها‪ ،‬أو للتشكيك‬
‫بأصحابها‪ ،‬أو ليحققوا عن طريقها مصلحة ويصلوا الى غاية"؟‬
‫ففسي حياة رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان المنافقون ل يألون جهدا ول يتركون فرصسة لليقاع‬
‫بالمسلمين ال اهتبلوها واستغلوها { يريدون ليطفؤا نور ال بأفواههم وال متم نوره لو كره الكافرون}‪.‬‬

‫حديث الفك‪:‬‬
‫جاء في كتب السيرة‪ :‬أن عائشة رضي ال عنها كانت قد صحبت رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة‬
‫ب ني الم صطلق‪ ،‬فخر جت لحاجت ها‪ ،‬ففقدت عقدا ل ها‪ .‬وعند ما عادت تلتم سه في المو ضع الذي فقد ته ف يه‬
‫ارتحل المسلمون ومعهم الهودج وهم يظنون أنها فيه‪ ..‬وعندما رجعت عائشة الى مضارب القوم لم تجد‬
‫أحدا فجلست تنتظر وهي تظن أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها‪ .‬فغلبتها عيناها فنامت‪ ،‬فلم تستيقظ ال‬
‫وصفوان بن المعطل يقول‪ :‬انا ل وانا اليه راجعون‪ ،‬زوج رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكان صفوان‬
‫قد تأخر عن القوم‪ ،‬فأناخ راحلته فقرّبها اليها فركبتها وما كلمها كلمة واحدة‪ ،‬ولم تسمع منه ال استرجاعه‪.‬‬
‫ثم سار بها حتى لحق بالجيش وقد نزل في (نحر الظهيرة) فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم على شاكلته‬
‫وما يليق به‪ ..‬ووجد الخبيث المنافق عدو ال ابن أبي سلول متنفسا وفرصة لكيده وحقده فتنفس من كرب‬
‫النفاق والحسد الذي بين ضلوعه‪ ،‬فجعل يستحكي الفك ويشيعه ويذيعه‪ ..‬فلما قدموا المدينة فاض أهل الفك‬
‫في الحديث ورسول ال ساكت ل يتكلم‪..‬‬
‫لقد كانت حادثة الفك امتحانا وابتلء للرسول صلى ال عليه وسلم ولجميع المة الى يوم القيامة‪ ،‬ليرفع به‬
‫أقوا ما وي ضع آخر ين‪ ،‬ويز يد ال الذي اهتدوا هدى وايما نا‪ ،‬ول يز يد الظالم ين ال خ سارا‪ ..‬واقت ضى تمام‬
‫المتحان والبتلء أن ح بس عن رسسول ال صلى ال عليسه و سلم الو حي شهرا ل يوحسى اليسه في ذلك‬
‫شيء‪ ،‬لتتم كلمته التي قدرها وقضاها وتظهر على أكمل الوجوه‪ .‬ويزداد المؤمنون الصادقون ايمانا وثباتا‬
‫على العدل والصدق وحسن الظن بال وأهل بيته وال صديقين والصالحين من عباده‪ .‬ويزداد المنافقون افكا‬
‫ونفاقسا‪ ،‬ويظهسر لرسسول ال وللمؤمنيسن سسرائرهم‪ ،‬ولتتسم العبوديسة المرادة مسن الصسديّقة عائشسة وأبويهسا‪،‬‬
‫ولتشتد الفاقة والرغبة منهم جميعا الى ال والذل له وحسن الظن به والرجاء منه‪..‬‬
‫وهذا ما جعل عائشة رضي ال عنها وأرضاها عندما جاء الوحي ببراءتها {ان الذين جاءوا بالفك عصبة‬
‫منكم‪ ،‬ل تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم‪ ،‬لكل امرئ منهم ما اكتسب من الثم‪ ،‬والذي تولى كبره منهم له‬
‫عذاب عظ يم‪ .‬لول اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنف سهم خيرا‪ ،‬وقالوا هذا ا فك مبين} النور ‪-11‬‬
‫‪ .18‬جعلها تقول لبويها اللذ ين قال ل ها قومي الى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬وال ل أقوم اليه ول‬
‫أحمد ال ال‪ ،‬هو ال الذي أنزل براءتي"‪.‬‬
‫جاء في ظلل القرآن حول حادث الفك‪ ":‬وان النسان ليدهش حتى اليوم كيف أمكن أن تروج فرية ساقطة‬
‫كهذه في جو الجما عة الم سلمة حينذاك‪ ..‬وان تحدث هذه الثار الضخ مة في ج سم الجما عة‪ ،‬وت سبب هذه‬
‫اللم العاتية لطهر النفوس وأكبرها على الطلق؟‬
‫ل قد كا نت معر كة خاض ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وخاضت ها الجما عة الم سلمة يومذاك وخاض ها‬
‫السلم‪ ..‬معركة ضخمة‪ ،‬لعلها أضخم المعارك التي خاضها رسول ال وخرج منها منتصرا‪ ،‬كاظما للمه‬
‫الكبار‪ ،‬محتفظا بوقار نفسه وعموة قلبه وجميل صبره‪..‬‬
‫لقسد احتسسبها ال للجماعسة المسسلمة الناشئة درسسا قاسسيا‪ ..‬فأدركهسم بفضله ورحمتسه ولم يمسسسهم بعقابسه‬
‫وعذابه‪ ..‬فهي فعلة تستحق العذاب العظيم‪ ..‬العذاب الذي يتناسب مع العذاب الذي سببوه للرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم وزوجه وصديقه وصاحبه الذي ل يعلم عليه ال خيرا‪ ..‬والعذاب الذي يتناسب مع الشر الذي ذاع‬
‫في الجماعة المسلمة وشاع‪ ،‬ومسّ كل المقدسات التي تقوم عليها حياة الجماعة؟‬
‫لسان يتلقى عن لسان بل تدبر ول ترو ول فحص ول امعان نظر‪ ،‬حتى لكأن القول ل يمر على الذان ول‬
‫تتمله الرؤوس‪ ،‬ول تتدبره القلوب‪ "..‬من تفسير سورة النور‪.‬‬

‫ولل خط الذي يت سببه النفاق والمنافقون في ال صف ال سلمي تحد ثت آيات القرآن الكر يم بالتف صيل عن‬
‫سمات النفاق وموا صفات المنافق ين للت نبيه الي هم والتحذ ير من هم‪ ..‬قال تعالى‪ {:‬و من الناس من يقول آم نا‬
‫بال واليوم الخر وما هم بمؤمنين* يخادعون ال والذين آمنوا وما يخدعون ال أنفسهم وما يشعرون* في‬
‫قلوب هم مرض فزاد هم ال مر ضا ول هم عذاب أل يم ب ما كانوا يكذبون* واذا ق يل ل هم ل تف سدوا في الرض‬
‫قالوا ان ما ن حن م صلحون* أل ان هم هم المف سدون ول كن ل يشعرون* واذا ق يل ل هم آمنوا ك ما آ من الناس‬
‫قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء‪ ،‬ال انهم هم السفهاء ولكن ل يعلمون* واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا‬
‫خلو الى شياطينهم قالوا اننّا معكم ان ما ن حن مستهزئون* ال يستهزئ ب هم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}‬
‫البقرة ‪.15_8‬‬

‫بل ان ال تعالى كي يل فت المؤمنين الى شدة خطرهم على جسم الجماعة المسلمة اخت صهم بسورة من‬
‫سور القرآن هي سورة المنافقون قال تعالى‪ {:‬اذا جاءك المنافقون قالوا نشد انك لرسول ال وال يعلم انك‬
‫لر سوله وال يش هد ان المنافق ين لكاذبون* اتخذوا ايمان هم ج نة ف صدوا عن سبيل ال ان هم ساء ما كانوا‬
‫يعملون* ذلك بأن هم آمنوا ثم كفروا فط بع على قلوب هم ف هم ل يفقهون* واذا رأيت هم تعج بك أج سامهم وان‬
‫يقولوا ت سمع لقول هم كأن هم خ شب م سندة يح سبون كل ضي حة علي هم هم العدو فاحذر هم قاتل هم ال أنّى‬
‫يؤفكون* واذا قيل لهم تعالوا يستفغر لكم رسول ال لوّوا روسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون* سواء‬
‫عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم ان ال ل يهدي القوم الفاسقين* هم الذين يقولون‬
‫ل تنفقوا على من ع ند ر سول ال ح تى ينفضوا ول خزائن ال سموات والرض ول كن المنافق ين ل يفقهون*‬
‫يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن العز منها الذل ول العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل‬
‫يعلمون* يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تلهكسم أموالكسم ول أولدكسم عسن ذكسر ال ومسن يفعسل ذلك فأولئك هسم‬
‫الخا سرون* وأنفقوا م ما رزقنا كم من ق بل أن يأ تي أحدكم الموت فيقول يا رب لول أخرت ني الى أ جل قر يب‬
‫فأصدق وأكن من الصالحين* ولن يؤخر ال نفسا اذا جاء أجلها وال خبير بما تعملون}‪.‬‬

‫والحركة السلمية لم تصب بما أصيبت به من فتن _في العصر الحديث _ ولم يتمكن بعض الحكام من‬
‫البطسش بهسا والتنكيسل بأصسحابها‪ ،‬لول نفسر مسن المنافقيسن باعوا أنفسسهم للشيطان‪ ،‬وآخريسن تخاذلوا رهبسا‬
‫ورغ با واشتروا بآيات ال ثم نا قليل‪ ،‬لبئس ما كانوا يشترون‪{ :‬و من الناس من يقول آم نا بال‪ ،‬فاذا أوذي‬
‫في ال جعل فتنة الناس كعذاب ال‪ ،‬ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم‪ ،‬أوليس ال بأعلم بما في‬
‫صدور العالمين‪ ،‬ليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}‪.‬‬

‫والحركة السلمية التي تستعصي على مؤامرات أعداء السلم في الشرق والغرب‪ ..‬يمكن أن تنال منها‬
‫أو تصدعها ولو الى حين‪ ،‬القاءات منافق عليم اللسات يمشي بالفتنة بين الصفوف كما فعل المنافقون في‬
‫كافة العهود السلمية واثاروا العداوات وأوقدوا الحروب بين أفراد الجماعة السلمية الواحدة‪..‬‬
‫ودعاة السسلم قسد يبتليهسم ال عسز وجسل بلمنافقيسن يثيرون حولهسم الشائعات والراجيسف‪ ،‬ويلصسقون بهسم‬
‫التهامات والمفتريات زورا وبهتانا‪..‬‬
‫قد يبتلون بمنافقين يرمونهم في أعراضهم وأمانتهم وشرفهم وصدق دينهم وعلمهم وفي كل ما يعتزون به‬
‫تشف يا من ع ند أنف سهم وحقدا‪ ..‬كل ذلك ليم حص ال ال صفوف والنفوس ويك فر الخطا يا وير فع الدرجات‬
‫{ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين} {ان تمسسكم حسنة تسؤهم‪ ،‬وان تصبكم سيئة يفرحوا بها‪ ،‬وان‬
‫تصبروا وتتقوا ل يضرّكم كيدهم شيئا ان ال بما يعملون محيط} آل عمران ‪.120‬‬
‫وال صبر على الضراء‪ ..‬واللتجاء الى ال تعالى‪ ..‬والتح صن به هو ملذ العامل ين ومل جأ المؤمن ين من كل‬
‫منافق وشيطان رجيم {ول يحيق المكر السيء ال بأهله}‪.‬‬
‫ان حسن الظن بال تعالى‪ ..‬والثقة بعدله ورحمته وقدرته هي عزاء الدعاة الى ال { الصابرين في البأساء‬
‫والضراء وحين البأس}‪.‬‬
‫وتح ضن الدعاة بال في مواج هة النفاق والمنافق ين ل يع ني ال سكوت عن أعمال هم وعدم ف ضح مؤامرات هم‬
‫وكشف مخططاتهم ودوام التحذير منهم والعمل على استئصالهم‪ ،‬بل ان ذلك واجب ل يجوز تركه أو اهماله‪،‬‬
‫لن ترك الداء في الجسد على هذا الحال من شأنه أن يقضي عليه‪ ..‬ولكن شريطة التحري والتثبت كيما ل‬
‫يأخذ بريء بذنب سواء‪ ،‬وحتى ل يظلم أحد بفعل لم يأته { يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا‬
‫أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}‪.‬‬

‫بعض مواقف الرسول من المنافقين‪:‬‬

‫فهذا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عندمسا بلغسه خسبر مسسجد الضرار‪ ،‬وهسو مسسجد بناه جماعسة مسن‬
‫المنافقين معارضة لمسجد قباء‪ ،‬ليفرّقوا جماعة المسلمين‪ ،‬سألهم عن سبب بنائهم المسجد فحلفوا بال ان‬
‫أردنا الى الحسنى وال يشهد انهم لكاذبون‪ .‬فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم نفرا من أصحابه لينطلقوا‬
‫اليه ويهدموه ففعلوا‪ .‬ولقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك فقال‪ {:‬والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا‬
‫ب ين المؤمن ين وار صادا ل من حارب ال ور سوله من ق بل وليحل فن ان أرد نا ال الح سنى وال يش هد ان هم‬
‫لكاذبون‪ .‬ل ت قم في هم أبدا‪ ،‬لم سجد أ سس على التقوى من أول يوم أ حق أن تقوم ف يه‪ ،‬ف يه رجال يحبون أن‬
‫يتطهروا وال ي حب المتطهر ين‪ .‬أف من أ سس بنيا نه على تقوى من ال ورضوان خ ير أم من أ سس بنيا نه‬
‫على ش فا جرف هار فانهار به في نار جهنم‪ ،‬وال ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬ل يزال بنيانهم الذي بنوا ري بة‬
‫في قلوبهم ال أن تقطع قلوبهم وال عليم حكيم} التوبة ‪.108-107‬‬
‫وجاء في كتاب نور اليقين للشيخ الخضري صفحة ‪ 83‬قوله‪ ":‬وكان يساعد المنافقين على مقاصدهم جماعة‬
‫من عرب المدينة أعمى ال بصائرهم فأخفوا كفرهم خو فا على حياتهم‪ .‬وكان يرأس هذه الحماعة عبد ال‬
‫بن أبيّ بن سلول الخزرجي الذي كان مرشحا لرياسة أهل المدينة قبل هجرة النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ول شك أن ضرر المنافقين أشد على المسلمين من ضرر الكفار‪ ،‬لن هؤلء يدخلون بين المسلمين فيعلمون‬
‫أسسرارهم ويشيعونهسا بيسن العداء مسن اليهود وغيرهسم‪ .‬كمسا حصسل ذلك مرارا‪ .‬والسساس الذي كان عليسه‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يق بل ما ظ هر ويترك ل ما ب طن‪ .‬ولك نه عل يه ال سلم مع ذلك كان ل‬
‫يأمنهم في عمل ما‪ ،‬فكثيرا ما كان يتغيّب عن المدي نة ويولي عليها بعض النصار ولكن لم يعهد أنه ولى‬
‫رجل ممن عهد عليه النفاق‪ ،‬لنه عليه السلم يعلم ما يكون منهم ولو عملوا عمل‪ ،‬فانهم بل شك يتخذون‬
‫ذلك فرصة للضرار بالمسلمين وهذا درس مهم لرؤساء المسلمين وقادتهم‪ ،‬يعلمهم أن ل يثقوا في العمال‬
‫المهمة ال بمن لم تظهر عليهم شبهة النفاق أو اظهار ما يخالف ما في الفؤاد"‪.‬‬

‫ويحدث التاريخ السلمي أن أجيرا لعمر بن الخطاب اختصم مع حليف للخزرج من قبيلة المنافق عبدال‬
‫بن ا بي سلول‪ ،‬وضرب الج ير الحل يف ح تى سال د مه‪ ،‬وكاد الحادث أن ي كبر ويتطور لول أن خرج ر سول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم وأخ مد الفت نة‪ .‬فل ما بلغ ا بن أ بي سلول ذلك غ ضب وكان عنده ر هط من الخزرج‬
‫فقال‪ :‬ما رأ يت كاليوم مذلة و قد فعلو ها‪ .‬نافرو نا في ديار نا وال ما ن حن والمهاجرون ال ك ما قال الول "‬
‫سمّن كلبك يأكلك" أما وال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬وكان في مجلس عبدال شاب‬
‫حديث السن قوي السلم اسمه زيد بن أرقم فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما حصل‪ .‬فأمر رسول‬
‫ال الناس بالرحيل في وقت لم يكن يرتحل فيه ليشغل الناس عن التكلم في هذا الموضوع‪ ..‬فجاءه أسيد بن‬
‫حضير يسأل عن سبب هذا الرتحال المفاجئ فقال له‪ :‬أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ زعم أنه ان رجع الى‬
‫المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬فقال أسيد وال يا رسول ال أنت تخرجه ان شئت هو وال الذليل وأنت‬
‫العزيز‪ .‬ثم سار عليه السلم بالناس سيرا حثيثا حتى آذتهم الشمس فنزل بهم‪ .‬وجاء رهط من النصار الى‬
‫ي وكلموه في العتذار من رسول ال فلوى رأسه واستكبر‪ ،‬وهنا نزلت سورة المنافقون تفضح‬
‫عبدال بن أب ّ‬
‫عبدال وأتباعه وأشياعه من المنافقين‪..‬‬

‫ومن المنافقين (نبتل بن الحرث) وهو الذي قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من أحب ان ينظر‬
‫الى الشيطان فلينظر الى (نبتل بن الحرث)" وكان ياتي رسول ال يتحدث اليه‪ ،‬فينصت اليه ويسمع منه‪ ،‬ثم‬
‫يأتي المنافقين يسخر من رسول ال ويقول‪ :‬انما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه‪ .‬فانزل ال عز وجل فيه‪{:‬‬
‫ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن‪ ..‬قل أذن خير لكم يؤمن بال ويؤمن للمؤمنين‪ ،‬ورحمة الذين‬
‫آمنوا منكم والذين يؤذون رسول ال لهم عاب أليم}‪.‬‬
‫ومن المنافقين (مربع بن قيظي) وهو الذي قال لرسول ال يوم الخندق ان بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع‬
‫اليها‪ .‬فأنزل ال تبارك وتعالى فيه‪ {:‬يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون ال فرارا}‪.‬‬

‫وكان هؤلء المنافقون يحضرون المسسجد فيسسمعون أحاديسث المسسلمين‪ ،‬ويسسخرون منهسم‪ ،‬ويسستهزئون‬
‫بدينهم‪ ..‬فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس‪ ،‬فرآهم رسول ال يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق‬
‫بعضهم ببعض‪ .‬فامر بهم رسول ال فأخرجوا من المسجد اخراجا عنيفا‪ .‬فقام أبو أيوب خالد بن زيد الى‬
‫عمرو بن قيس وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد‪ ،‬ثم أقبل الى‬
‫(را فع بن ودي عة) فأم سك به ثم نتره نترا شديدا ول طم وج هه ثم أخر جه من الم سجد و هو يقول‪ ":‬أف لك‬
‫منافقا خبيثا‪ ،‬أدراجك يا منافق من مسجد رسول ال"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬وكافر يقاتله‪:‬‬

‫والشدة الثال ثة ال تي توا جه الدعاة‪ ،‬وبخا صة في هذا الز من‪ ،‬هي شدة الكفار ومكر هم ومؤامرات هم ‪ {:‬ان‬
‫الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل ال فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون‪ ،‬والذين كفروا الى‬
‫جه نم يحشرون‪ ،‬ليم يز ال ال خبيث من الط يب ويج عل ال خبيث بع ضه على ب عض فيرك مه جمي عا فيجعله في‬
‫جهنم أولئك هم الخاسرون}‪.‬‬
‫فالكفار هسم اهسل الباطسل واشياعسه وهسم أعوان الشيطان وأتباعسه فسي كسل زمان ومكان‪ ..‬وهسم أعداء الحسق‬
‫واليمان دائما وأبدا وحتى تقوم الساعة‪..‬‬
‫وال صراع ب ين الك فر واليمان صراع قد يم قدم البشر ية‪ ،‬و صراع طو يل طول الحياة وح تى يرث ال الرض‬
‫و من علي ها‪ ،‬و صراع مر ير ل نه صراع الضداد‪ {:‬قل من رب ال سموات والرض قل ال‪ ،‬قل افاتخذ تم من‬
‫دو نه أولياء ل يملكون لنف سهم نف عا ول ضرّا‪ ،‬قل هل ي ستوي الع مى والب صير‪ ،‬أم هل ت ستوي الظلمات‬
‫والنور‪ ،‬أم جعلوا ل شركاء خلقوا كخل قه فتشا به الخلق علي هم قل ال خالق كل ش يء و هو الوا حد القهار}‬
‫الرعد ‪.16‬‬

‫النبياء ومؤامرات الكفار‪:‬‬

‫والكفار كانوا حربا على دعوة الحق منذ خلق ال آدم عليه السلم‪ ،‬واستمرت هذه الحرب على طول امتداد‬
‫الرسالت والرسل‪ ،‬ويتبقى مستمرة مستعرّة حتى يأتي أمر ال‪.‬‬

‫فهذا موسسى عليسه السسلم‪ ،‬يتحدى فرعون بالحسق ل يبالي بالموت مسا دام فسي سسبيل ال { ولقسد أرسسلنا‬
‫موسى بآياتنا وسلطان مبين‪ .‬الى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب‪ .‬فلما جاءهم بالحق من عندنا‬
‫قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم‪ ،‬وما كيد الكافرين ال في ضلل} ‪.‬‬

‫وهذا ابراه يم عل يه ال سلم‪ ،‬يد عو قو مه الى الهدى والى ن بذ عبادة الوثان {ف ما كان جواب قو مه ال أن‬
‫قالوا اقتلوه أو حرّقوه‪ ،‬فأنجاه ال من النار ان في ذلك ليات لقوم يؤمنون}‪.‬‬
‫وهذا عي سى عل يه ال سلم‪ ،‬يد عو ب ني ا سرائيل الى ال ويقول‪ {:‬ان ال ر بي ورب كم فاعبدوه هذا صراط‬
‫مستقيم‪ .‬فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري ال ال‪ ،‬قال الحواريون نحن أنصار ال‪ ،‬آمنا بال‬
‫واشهد بأنا مسلمون‪ ،‬الى قوله‪ ،‬ومكروا ومكر ال وال خير الماكرين} آل عمران‪.‬‬

‫وهكذا كان شأن الكافر ين مع أ نبياء ال ور سله أجمع ين‪ ،‬جاء و صفهم في القرآن الكر يم‪ {:‬ول قد آتي نا‬
‫مو سى الكتاب وقفي نا من بعده الر سل‪ ،‬وآتي نا عي سى بن مر يم البيّنات وأيّدناه بروح القدس‪ ،‬فكل ما جاء كم‬
‫رسول بما ل تهوى به أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} { ان الذين يكفرون بآيات ال ويقتلون‬
‫النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم‪ ،‬أولئك الذين حبطت أعمالهم‬
‫في الدنيا والخرة وما لهم من ناصرين} آل عمران{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك‬
‫هاديا ونصيرا}‪.‬‬

‫الرسول ومؤامرات الكفار‬

‫أما ما لقيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من الكافرين فأكبر من أن يوصف وأشد من أن يتصوّر؟‬
‫لقد تعرّض رسول ال صلى ال عليه وسلم لعديد من محاولت الغتيال دبّرها له الكفار‪..‬‬
‫ففسي رحلتسه الى الطائف أغرى بسه الكفار صسبيانهم وأثاروا غوغاءهسم فرجموه بالحجارة‪ ،‬وتابعوه بالسسباب‬
‫والشتائم و هو ل ين فك يقول‪ {:‬الل هم ال يك أش كو ض عف قو تي وقلة حيل تي‪ ،‬وهوا ني على الناس‪ ،‬يا أر حم‬
‫الراحمين‪ ،‬أنت ربي ورب المستضعفين‪ ،‬الى من تكلني؟ الى بعيد يتجهمني‪ ،‬أم الى قريب ملك ته أمري؟ ان‬
‫لم يكن بك غضب علي فل ابالي‪ ،‬ولكن عافيتك هي أوسع لي‪ ،‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات‪،‬‬
‫و صلح عل يه أمر الدنيا والخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عل يّ سخطك‪ ،‬لك اله تبى حتى تر ضى ول‬
‫حول ول قوة ال بك"‪.‬‬

‫ومرّ رسول ال يوما والمشركون في الحجر فوثبوا عل يه وأحاطوا به وصاحوا قائلين‪ :‬أنت الذي تقول‬
‫كذا وكذا؟ فيجيب هم ر سول ال ب كل اعتزاز؟ ‪ :‬ن عم أ نا الذي أقول ذلك" ول قد أ صابه من هك في ذلك اليوم أذى‬
‫كثيرا‪ ،‬ولول أن قيض ال له أبا بكر الصديق فقد كادوا يجهزون عليه‪..‬‬

‫وعندمسا بدأت طلئع المسسلمين بالهجرة الى المدينسة عقسد المشركون اجتماعسا فسي دار الندوة وضعوا فيسه‬
‫خطة لقتل الرسول صلى ال عليه وسلم وهو نائم في بيته‪ ،‬واشترك في ذلك كل بيوتات قريش‪ {:‬واذا يمكر‬
‫بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجونك ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين}‪.‬‬

‫وبعد الهجرة‪ ..‬استأجر صفوان بن أمية أحد كفار قريش عمير بن وهب لغتيال الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم مقابل أن يقضي دينه ويكفل عياله‪ ..‬ولما وصل المدينة لتنفيذ مهمته ودخل المسجد رآه رسول ال‬
‫صلى ال عل يه وسلم‪ ،‬وك شف ال له سريرته‪ ،‬فقال له‪ :‬ادن يا عم ير‪ .‬فد نا‪ .‬ثم قال‪ :‬ما جاء بك يا عم ير؟‬
‫فحاول عم ير أن يكذب‪ ..‬وعند ما أ صر على النكار قال له ر سول ال بل قعدت أ نت و صفوان بن أم ية في‬
‫الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش‪ ،‬ثم قلت لول دين علي وعيال لخرجت حتى أقتل محمدا‪ ،‬فتحمل لك‬
‫صفوان دينك وعيالك على أن تقتلني له‪ ،‬وال حائل بينك وبين ذلك‪ ..‬ولقد أسلم عمير بن وهب بعد ذلك‪..‬‬

‫الصحابة ومؤامرات الكفار‪:‬‬

‫ول قد تعرض ا صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لهجمات عات ية من الكفار {ف ما وهنوا ل ما أ صابهم‬
‫في سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يحب الصابرين}‪.‬‬
‫فيوم الرجيسع قتسل نفسر مسن كبار الدعاة كانوا فسي طريقهسم الى عضسل والقارة‪ ،‬لنئر الدعوة وتعليسم الناس‬
‫السلم‪..‬‬
‫منهم عاصم بن ثابت وقد قال حين قتله‪:‬‬
‫ما عليّ وأنا جلد نابل‬
‫والقوس فيها وتر عنابل‬
‫تزل عن صفحتها المعابل‬
‫الموت حق والحياة باطل‬
‫وكل ما حم الله نازل‬
‫بالمرء والمرء اليه آيل‪.‬‬
‫ومنهم خبيب بن عد يّ‪ .‬ولما أخرجوه من الحرم ليقتلوه‪ ،‬قال لهم دعوني أصلي ركعتين‪ ،‬ثم انصرف اليهم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لول أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت‪ ،‬فكان أول من سنّ الركعت ين ع ند الق تل هو‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫اللهم احصهم عدا‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬
‫وذلك في ذات الله وان يشأ‬
‫يبارك على أوصال شلو ممزع‬
‫ولست أبالي حين أقتل مسلما‬
‫على أي جنب كان في ال مصرعي‪.‬‬
‫ومنهم زيد بن الدثنة‪ .‬ولما أخرج من الحرم ليقتل‪ ،‬اجتمع اليه رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب‪،‬‬
‫فقال له أ بو سفيان‪ :‬أنشدك بال يا ز يد‪ ،‬أت حب أن محمدا الن عند نا مكا نك نضرب عن قه‪ ،‬وأ نك في أهلك؟‬
‫قال‪ :‬وال ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي‪ .‬فقال‬
‫أبو سفيان‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا‪.‬‬

‫و في بئر معو نة غدر الكفار بأربع ين رجل من الم سلمين كانوا في طريق هم الى ن جد لن شر دعوة ال سلم‬
‫وذلك بطلب من أ بي براء عا مر بن مالك‪ .‬ول قد قام عا مر بن الطف يل في ن فر من قبائل ب ني سليم بتطو يق‬
‫المسلمين وهم في رحالهم‪ .‬فلما رأوا الكفار وأنهم قد غدر بهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن‬
‫آخرهم‪.‬‬

‫وفي أحد قتل سبعة من النصار وهم يدافعون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ..‬أخرج المام أحمد‬
‫عن أ نس ر ضي ال ع نه أن المشرك ين ل ما رهقوا ال نبي يوم أ حد‪ ،‬و هو في سبعة من تأم صار ور جل من‬
‫قر يش‪ .‬قال‪ :‬من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟ فجاءه رجل من الن صار فقا تل ح تى ق تل‪ .‬فلما رهقوه‬
‫أيضا قال‪ :‬من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟‪ ..‬حتى قتل السبعة‪ ،‬فقال الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ما‬
‫أنصفنا أصحابنا"‪.‬‬

‫و في اليرموك ق تل عكر مة بن أ بي ج هل في أربعمائة من الم سلمين‪ .‬فعند ما ح مي الوط يس قال عكر مة‪:‬‬
‫قاتلت رسول ال صلى ال عليه وسلم في مواطن‪ ،‬وأفر اليوم؟ ثم نادى‪ :‬من يبايع على الموت؟ فيبايعه عمه‬
‫الحارث بن هشام في أربعمائة من وجوه الم سلمين وفر سانهم‪ ..‬فقاتلوا ح تى سقطوا جمي عا جر حى وق تل‬
‫منهم خلق كثير‪..‬‬

‫محن الئمة والدعاة عبر التاريخ‪:‬‬

‫وتار يخ ال سلم حا فل بموا قف وبطولت الئ مة والدعاة الذ ين تعرضوا لب شع أنواع الضطهاد والتعذ يب‬
‫والتنكيل على مر العصور‪..‬‬
‫وان على دعاة السسلم فسي كسل زمان ومكان أن يحذو حذوهسم ويصسبروا صسبرهم ويتابعوا طريقهسم ليكونوا‬
‫خير خلف لخير سلف‪ ..‬وان عليهم أن يدركوا أنهم امتداد لدعوة مباركة أصحابها مجاهدون وشهداء وليس‬
‫فلسفة وخطباء؟‬
‫وسسنعرض فسي هذه العجالة لبعسض البطولت التسي سسجلها أئمسة ودعاة فسي مواجهسة الطغيان والطاغوت‪..‬‬
‫لنتعرف الى ثبات هؤلء وصسبرهم‪ ،‬ولنأخسذ مسن ذلك العزاء فسي البأسساء والضراء وحيسن البأس‪ ،‬ولتمضسي‬
‫كتيبة الرحمن ل يضرها من خالفها حتى يأتي أمر ال‪..‬‬

‫من هؤلء سعيد بن المسيب رضي ال عنه‪ ..‬ذلك أن عبد الملك بن مروان عندما عجز أن يجره الى صفه‬
‫وهسو سسيد التابعيسن‪ ،‬أمسر بجلده فجلده خمسسين سسوطا‪ ،‬ثسم طافوا بسه أسسواق المدينسة‪ ،‬ومنعوا الناس أن‬
‫يجال سوه‪ .‬فكان من ور عه أ نه كان يحذر الناس من مجال سته ح تى ل ينال هم أذى ب سببه‪ ..‬ول قد ا ستمر في‬
‫صلبته واستمر جلده وتعذيبه حتى لقي وجه ربه رحمه ال‪.....‬‬

‫ومن هم سعيد بن جبير المام الممت حن‪ ..‬ل قد تعرض لنق مة الحجاج بن يو سف فا سق ب ني ثق يف وبط شه‬
‫وجبروته‪ ،‬فلم تضعف له قناة ولم تلن له عزيمة حتى قضى نحبه‪ .‬وعندما أمر الحجاج بن يوسف بذبحه‪،‬‬
‫قال‪ ":‬أ ما أ نا فأش هد أن ل اله ال ال وحده ل شر يك له وأن محمدا عبده ور سوله‪ ،‬خذ ها م ني ح تى تلقا ني‬
‫بها يوم القيامة‪ ،‬اللهم ل تسلطه على أحد يقتله بعدي"‪ .‬فذبح من الوريد الى الوريد ولسانه رطب بذكر ال‪..‬‬
‫ول قد قال المام أحمد بن حن بل فيه‪ ":‬ق تل الحجاج سعيد بن جبير وماعلى وجه الرض أحد ال وهو مفت قر‬
‫الى علمه"‪.‬‬

‫ومنهم ابو حنيفة النعمان رضي ال عنه‪ ..‬فقد كان غير راض عن سياسة أبي جعفر المنصور‪ ..‬وروي‬
‫عن داود بن را شد الوا سطي أ نه قال‪ :‬ك نت شاهدا ح ين عذب المام كان يخرج في كل مرة فيضرب عشرة‬
‫أسواط حتى ضرب مائة وعشرة أسواط‪ ..‬فلما تتابع عليه الضرب قال خفيا" اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك"‬
‫فلما أصر على موقفه دسوا له السم فقتلوه‪.‬‬
‫كان أ بو حني فة جلدا في جهاده قويل في جلده ح تى و هو يل فظ الن فس الخ ير‪ ..‬ف قد أو صى بأن يد فن في‬
‫أرض طيبة لم يجر عليها غضب‪ ،‬أو أنها اغتصبت من قبل أمير‪ .‬حتى يروى أن أبا جعفر عندما بلغه ذلك‬
‫قال‪ :‬من يعذرني من أبي حنيفة حيا أو ميتا‪...‬‬

‫وكان منهسم أحمسد بسن حنبسل رضسي ال عنسه‪ ..‬والمحنسة التسي تعرض لهسا هذا المام الجليسل أكسبر مسن أن‬
‫يحتملها انسان‪..‬‬
‫قال المام أحمسد‪ ":‬فلمسا ضجسر المعتصسم وطال المجلس قال‪ :‬عليسك لعنسة ال‪ ،‬لقسد كنست طمعست فيسك‪.‬‬
‫خذوه‪..‬اخلعوا ثيابه‪ ..‬اسحبوه‪ ..‬فأخذت فسحبت‪ .‬ثم قال‪ :‬العقابين والسياط‪ ،‬فجيء بالعقابين والسياط‪..‬‬
‫ثم قال لحد الجلدين‪ :‬ادنه أوجع قطع ال يدك‪ ..‬فتقدم فضربني سوطين ثم تنحى‪ .‬فلما ضرب المام أحمد‬
‫سوطا قال‪ :‬بسم ال‪ ..‬فلما ضرب الثاني قال‪ :‬ل حول ول قوة ال بال‪ ..‬فلما صرب الثالث قال‪ :‬القرآن كلم‬
‫ال غيسر مخلوق‪ ..‬فلمسا ضرب الرابسع قال‪ :‬قسل لن يصسيبنا ال ماكتسب ال لنسا‪ ..‬فضربسه تسسعين وعشريسن‬
‫سوطا‪..‬‬
‫وهكذا تتابع المحنة في حياة المام أحمد حتى يلقى ال وهو على ذلك‪..‬‬

‫وكان منهم العز بن عبدالسلم سلطان العلماء‪ ..‬فقد كان العز صداعا بالحق ل يخاف في ال لومة لئم‪..‬‬
‫فعندما استعان اسماعيل بالصليبين وسمح لهم بدخول دمشق وشراء السلح واستعان بهم على قتال أخيه‬
‫ن جم الد ين عام ‪ 138‬ه س هب ال عز بن عبدال سلم في و جه الخيا نة وأف تى بتحر يم ب يع ال سلح ل هم‪ ..‬و في‬
‫خطبسة له على منسبر المسسجد الموي بدمشسق أعلن آراءه بكسل صسراحة‪ ،‬وشدد فسي النكار على السسلطان‪،‬‬
‫وعلى سياسته وخيان ته‪ ،‬ثم د عا بدعاء قال ف يه‪ :‬الل هم أبرم لهذه ال مة ابرام ر شد ي عز ف يه أولياؤك ويذل‬
‫أعداؤك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك‪.‬‬
‫وعند ما أشار عل يه الم سلمون بأن يغادر البلد وين جو بنف سه من ب طش ال سلطان قال" ل وال ل أهرب ول‬
‫اخت بئ‪ ،‬وان ما ن حن في بدا ية الجهاد‪ ،‬ولم نع مل شيئا ب عد‪ ،‬و قد وط نت نف سي على احتمال ما أل قى في هذا‬
‫السبيل‪ ،‬وال ل يضيع عمل الصابرين"‪.‬‬

‫محن الدعاة في العصر الحديث‪:‬‬

‫والدعوة السسلمية والدعاة الى ال تعرّضوا‪ ،‬على امتداد نصسف القرن الماضسي وحتسى اليوم لمؤامرات‬
‫شتى من أعداء السلم في الداخل والخارج‪ ..‬لقد اغتيل منهم من اغتيل وقتل منهم من قتل وشرّد منهم‬
‫من شرّد لنهم أصروا أن يقولوا ربنا ال‪..‬‬
‫واتهموا بالعمالة للستعمار والذين اتهموهم هم العملء والجراء؟‬
‫اتهموا بالخيانة ثم جاءت اليام لتدمغ متهميهم بالخيانة؟‬
‫كانوا حربسا على الوجود الصسهيوني فسي فلسسطين مسن أول يوم‪ ،‬وقدموا الشهداء يوم كان الحكام يقدمون‬
‫لعداء المة الولء؟‬
‫كانوا حربا على الستعمار الغربي‪ ،‬وخاضوا معارك القتال ضد النجليز يوم الهامات والمقامات تتمسح على‬
‫أعتاب الستعمار؟‬
‫وكانوا حر با على الشيوع ية واللحاد ق بل أن تتكا مل مؤامرات ها على ال مة ال سلمية‪ ،‬وق بل ان تت سبب ل ها‬
‫بالنكسات والنكبات؟‬

‫ففسي مصسر تعرضست الدعوة وأصسحابها على مدار العهود السسابقة لشتسى أنواع البطسش والتنكيسل‬
‫والضطهاد‪ ..‬لقد واجه جيل بأكمله ممن تخرجوا من مدرسة محمد بن عبدال مؤامرة رهيبة لتصفيته‪..‬‬

‫استشهد حسن البنا المرشد العام للخوان المسلمين عام ‪ 1949‬على أيدي الطغمة الحاكمة وضمن مخطط‬
‫وض عه النجل يز للقضاء على الحر كة ال سلمية ال تي هزت ا مبراطوريتهم‪ ..‬وذ نب المام الشه يد أ نه صفع‬
‫بال حق وجوه العب يد‪ ،‬ود عا لخراج الناس من عبود ية الطغاة والدوران في فلك ال ستعمار الى عزة ال سلم‬
‫وعبادة ال الواحد القهار‪ ..‬فكان جزاؤه بضع رصاصات اخترقت جسده في وضح النهار { وما نقموا منهم‬
‫ال أن يؤمنوا بال العزيز الحميد}‪.‬‬

‫وفي العام ‪ 1954‬سيق العالم الجليل عبدالقادر عودة الى حبل المشنقة‪ ،‬كما يساق القتلة والمجرمون‪ ،‬لنه‬
‫لم ير ضى الدن ية في دي نه‪ ..‬وقال للطغاة ل يوم كا نت الهامات تنح ني ل هم ره با ورغ با‪ .‬و صدق ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬اذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها"‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1966‬حكمت محكمة الطواغيت‪ ،‬ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا على المفكر السلمي الكبير سيد‬
‫قطسب‪ ،‬وقسد لفقست عليسه دولة المخابرات يومذاك اتهامات وأراجيسف حملتهسا وسسائل العلم بأسسلوب وغسد‬
‫خ سيس لثارة الدهماء من الناس على الحر كة ال سلمية وعلى أبنائ ها{ يريدون ليطفئوا نور ال بأفواه هم‬
‫وال متم نوره ولو كره الكافرون}‪.‬‬

‫وفي ايران حكمت محكمة خاصة عام ‪ 1956‬على المجاهد نواب صفوى ومجموعة من مجاهدي منظمة‬
‫فدائيا اسلم بالموت ثمنا لنحراف السياسة اليران ية وارتباطها بعجلة الستعمار الغربي‪ ..‬فقد كان الشهيد‬
‫واخوانسه ينددون بهذه السسياسة‪ ،‬وينادون بانتهاج سسياسة مسستقلة بعيدة عسن مناطسق النفوذ ويدعون الى‬
‫تطبيق شرع ال في أجهزة الدولة والحكم‪..‬‬

‫و في العراق اغتالت ال يد الث مة في ال سبعينات عددا كبيرا من الئ مة والدعاة‪ ،‬ك ما جرت وتجري ت صفية‬
‫الكثيرين في السجون والمعتقلت بل وفي بيوتهم ضمن مخطط يرمي الى استئصال الوجود السلمي‪ .‬ولقد‬
‫كان مسن هؤلء الشهداء‪ :‬الشيسخ عبدالعزيسز البدري صساحب كتاب حكسم السسلم فسي الشتراكيسة‪ ..‬والعلمسة‬
‫الشيسخ عارف البصسري‪ ..‬والمجاهسد عزالديسن القبانسي‪ ..‬والمجاهسد عماد الديسن تسبريزي‪ ..‬والشهيسد هاشسم‬
‫عبدالسلم‪ ..‬والشهيد عبدالرزاق شندالة‪ ..‬والشهيد محمد البنا وغيرهم‪..‬‬

‫وفي عام ‪ 1976‬قاضت روح المجاهد مروان حديد " أبو خالد" الى بارئها وهو في السجن تشكو الى ال‬
‫ظلم الظالمين‪ ،‬بعد أن ذاق الجسد كل صنوف العذاب والذى وبأبشع الساليب وأحقرها وأخسها‪..‬‬

‫وهكذا تتتابع المحن في حياة الدعوة والدعاة‪ ..‬فيشقى الطغاة بقتل الدعاة‪ ،‬ويسعد الدعاة بلقاء ال‪..‬‬
‫فحين ما توا جه الدعوة الى ال سلم الرهاب وال سجون والمشا نق وت صبح جهادا ثقيل وتضح ية‪ ..‬حينئذ ي جد‬
‫ال جد وينتهي اللهو واللعب‪ ،‬ويتم يز الذ ين يفهمون الدعوة جهادا مريرا وتضح ية في سبيل ال ب كل نف يس‪،‬‬
‫من الذ ين يريدون ها حياة هادئة من غ ير بذل ول عطاء كأن هم ن سوا قول ال تعالى‪ {:‬أم ح سبتم ان تدخلوا‬
‫الج نة ول ما يأت كم م ثل الذ ين خلوا من قبل كم م ستهم البأ ساء والضراء وزلزلوا ح تى يقول الر سول والذ ين‬
‫آمنوا م عه م تى ن صر ال ال ان ن صر ال قر يب} {أم ح سبتم أن تدخلوا الج نة ول ما يعلم ال الذ ين جاهدوا‬
‫منكم ويعلم الصابرين‪ .‬ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه لقد رأيتموه وأنتم تنظرون}‪.‬‬
‫قد يخ يل للب عض م من تحمل هم الدعوة ويحلون ها‪ ..‬وم من يتقلون مبادئها دون أن يتفاعلوا معها‪ ..‬قد يخيّل‬
‫اليهم أن بناء المة‪ ،‬وانطلق المسيرة‪ ،‬وانتصار السلم يمكن ان يكون بغير ذات الشوكة‪ ،‬بغير معاناة أو‬
‫تعب‪ ،‬وكأنهم نسوا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} رواه‬
‫م سلم وأح مد والترمذي وقوله‪ ":‬من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل‪ ،‬ال ان سلعة ال غال ية ال ان سلعة‬
‫ال الجنة"‪ .‬رواه الحاكم والترمذي‪.‬‬

‫فالذين لم يعرفوا بعد طبيعة هذا الطريق عليهم أن يراجعوا الحساب ويعيدوا النظر‪ ،‬قبل أن يقع المتحان‪،‬‬
‫ويحدث ما ل يس بالح سبان{ و من الناس من يقول أم نا بال فاذا أوذي في ال ج عل فت نة الناس معذاب ال‪،‬‬
‫ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم أوليس ال بأعلم بما في صدور العالمين‪ ،‬وليعلمن ال الذين‬
‫آمنوا وليعلمن المنافقين}‪.‬‬
‫ان الذين يبدأون السير في درب السلم كثيرون‪ ..‬أما الذين يكملون الطريق فقليلون‪..‬فنسأل ال الثبات على‬
‫طريق دعوته حتى نلقاه‪..‬‬

‫رابعا‪ :‬وشيطان يضله‪:‬‬

‫والشدة الرابعة ال تي يتعرض لها الداعية‪ ،‬والتي تفوق في ضراوتها وخطرها كل الشدائد‪ ،‬بل هي مفتاح‬
‫كل شدة وبلء‪ ،‬وسبب كل انحراف والتواء‪ ،‬تلكم هي شدة مكائد الشيطان وتلبيس ابليس ومضلت الهوى‪..‬‬
‫والداع ية يب قى بخ ير‪ ،‬كائ نا ما كا نت الشدائد الخارج ية الجتماع ية وال سياسية والقت صادية وغير ها‪ ،‬ما لم‬
‫يتخاذل ويضعف أمام شيطانه‪..‬‬

‫فالشيطان هو العدو الكبر للمؤمنين‪ ،‬ل يفتأ يمكر ويوسوس ويستدرج ما بقيت الحياة وبقي اليمان { قال‬
‫فبعز تك لغوين هم أجمع ين* ال عبادك من هم المخل صين* قال فال حق وال حق أقول لملن جه نم م نك وم من‬
‫تبعك منهم أجمعين} الزمر ‪.82‬‬
‫ودعاة ال سلم ي جب أن يكونوا أ شد احترا سا من الشيطان من هم من عدو هم‪ ..‬ل نه أعدى العداء وأم كر‬
‫الماكر ين { ان الشيطان ل كم عدو فاتخذوه عدوا‪ ،‬ان ما يعدو حز به ليكونوا من أ صحاب ال سعير} { ألم أع هد‬
‫اليكم يا بني آدم أل تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين‪ ،‬وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم‪ ،‬ولقد أضل منكم‬
‫جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}‪.‬‬
‫وخطورة ما في الشيطان وتلبي سه وو سوسته أ نه ان أغلق دو نه من فذ جاء من ثان‪ ،‬وان خ نس من جا نب‬
‫و سوس من آ خر‪ ..‬و صدق ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح يث يقول‪ {:‬ان الشيطان يجري من ا بن آدم‬
‫مجرى الدم من الج سد} مت فق عل يه‪ ،‬وقال ر جل للح سن‪ ،‬يا أ با سعيد‪ :‬أينام الشيطان؟ فتب سم وقال‪ :‬لو نام‬
‫لسترحنا‪..‬‬

‫واذا أراد الدعاة أن يعرفوا مكائد الشيطان وطرق غوايته فحسبهم أن يستمعوا الى قصة رواها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حيث قال‪ {:‬كان راهب في بني اسرائيل‪ ،‬فعمد الشيطان الى جارية فخنقها وألقى في‬
‫قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب‪ .‬فأتوا بها اليه فأبى أن يقبلها‪ ،‬فلم يزالوا به حتى قبلها‪ .‬فلما كانت عنده‬
‫ليعالج ها أتاه الشيطان فز ين له مقاربت ها ولم يزل به ح تى واقع ها فحملت م نه‪ .‬فو سوس ال يه وقال‪ :‬الن‬
‫تفت ضح‪ ،‬يات يك أهل ها‪ ،‬فاقتل ها فان سألوك ف قل ما تت‪ .‬فقتل ها ودفن ها‪ .‬فأ تى الشيطان أهل ها فو سوس الي هم‬
‫وألقسى فسي قلوبهسم انسه أحبلهسا ثسم قتلهسا ودفنهسا‪ .‬فأتاه ألهسا فسسألوه عنهسا فقال‪ :‬ماتست‪ ،‬فأخذوه بهسا‪ ،‬فأتاه‬
‫الشيطان فقال‪ :‬أنا الذي خنقتها وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها‪ ،‬فأطعني تنجح وأخلصك منهم‪ ،‬قال‪ :‬بماذا؟‬
‫قال‪ :‬اسجد لي سجدتين‪ .‬ف سجد له سجدتين‪ ،‬فقال له الشيطان‪ ،‬ا ني بريء م نك‪ .‬فهو الذي قال تعالى فيه‪{:‬‬
‫كمثل الشيطان اذا قال للنسان اكفر فلما كفر قال اني برئ منك}‪.‬‬

‫مداخل الشيطان‪:‬‬

‫أما مداخل الشيطان الى القلوب فأكثر من أن تحصى‪ ..‬وحسبنا أن نلخص هنا بعض هذه المداخل مما ورد‬
‫في كتاب الحياء الجزء الثالث‪:‬‬

‫الغ ضب‪ :‬فالغ ضب يط في التفك ير والع قل‪ ،‬ويف تح باب الن فس على م صراعيها أمام هجمات الشيطان‪ ..‬ولهذا‬
‫كان عقل النسان من أكبر ما يتحصن به في مواجهة لقاءات الشيطان ووسوسات ابليس‪ ..‬ولهذا قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم" ان ال يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الواعي عند حلول العقبات"‪.‬‬
‫وذ كر ب عض الولياء أ نه قال لبل يس‪ :‬ار ني ك يف تغلب ا بن آدم؟ فقال‪ :‬آخذه ع ند الغ ضب والهوى‪ ..‬ولهذا‬
‫حذر رسول ال صلى ال عليه وسلم من الغضب فقال‪ ":‬ل تغضب"‪.‬‬

‫الشهوة‪ :‬والشهوة من أو سع مدا خل الشيطان الى الن فس البشر ية‪ ..‬وأع ني بالشهوة شهوات الج سد كل ها‪..‬‬
‫شهوة البطن للطعام‪ ..‬وشهوة الفرج للجماع‪ ..‬وشهوة النفس للمال‪..‬‬
‫ولذلك ن ظم ال سلم و سائل اشباع هذه الشهوات‪ ،‬وبيّن حدود ها ومعالم ها ح تى ل تكون سبيل يد خل م نه‬
‫الشيطان الى النفس ويفسدها ويخربها‪..‬‬
‫ف في شهوة الب طن حذر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من التخ مة بقوله‪ ":‬ما مل ا بن آدم وعاء شر من‬
‫بطنه"‪.‬‬
‫وفي شهوة الفرج قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك‬
‫الجنة" وقال تعالى‪ {:‬والذين هم لفروجهم حافظون}‪.‬‬
‫و في شهوة الن فس للمال ي صف ال المؤمن ين فيقول‪ {:‬للفقراء الذ ين اح صروا في سبيل ال ل ي ستطيعون‬
‫ضر با في الرض يح سبهم الجا هل أغنياء من التع فف تعرف هم ب سيماهم ل ي سألون الناس الحا فا} وي صفهم‬
‫رسول ال فيقول‪ ":‬ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس"‪.‬‬

‫العجلة‪ :‬وكثيرا ما تدفع اعجلة للوقوع في كثير من الشبهات والمهالك‪.‬‬


‫فالعجلة وعدم التثبت قد يوقعان المؤمن في غيبة أخيه‪..‬‬
‫والعجلة قد تقذف بالمؤمن للوقوع فيما حرّم ال‪..‬‬
‫والعجلة قد تسبب بوقوع الفتن والكوارث في حياة الجماعات‪.‬‬
‫ولهذا كله كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحذر من مغبة العجلة فيقول‪ ":‬العجلة من الشيطان والتأني‬
‫من ال تعالى"‪.‬‬

‫الحسد‪ :‬ومن مداخل الشيطان وأسلحته الفتاكة الحسد‪ ..‬فهو يطفئ نور العقل ويعمي هدي البصيرة‪ ،‬ويجعل‬
‫النسان عبدا أسيرا لحسده وحقده‪ ..‬وبالتالي يدفعه لسلوك أي سبيل مهما كان ملتويا للكيد ممن يحسده‪..‬‬
‫ولقد سبق أن أسهبنا في الكلم عن الحسد فيما تقدم‪..‬‬

‫الب خل‪ :‬و من مدا خل الشيطان الى الن فس الب خل وخوف الف قر وه ما صفتان تمنعان من بذل الخ ير وع مل‬
‫البركة ومن النفاق في سبيل ال والتصدق على أهل الحاجة‪ ،‬بل وتبلدان الحس النساني‬
‫والشعور بشعور الخريسن‪ ..‬يقول ال تعالى‪ {:‬الشيطان يعدكسم الفقسر ويأمركسم بالفحشاء‪ ،‬وال يعدكسم مغفرة‬
‫منه وفضل وال واسع عليم}‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬ل يس للشيطان سلح م ثل خوف الف قر‪ ..‬فاذا ق بل ذلك م نه‪ ،‬أ خذ في البا طل‪ ،‬وم نع من ال حق‪،‬‬
‫وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء‪..‬‬

‫الكبر‪ :‬ومن عظيم مداخل الشيطان الى النفس الكبر والغرور‪ ..‬وهذا الداء العضال هو الذي هوى بابليس من‬
‫ال سماء الى الرض { قال أ نا خ ير م نه‪ ،‬خلقت ني من نار وخلق ته من ط ين} ولهذا كان ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يتعوذ بال من نفخة الكبرياء‪..‬‬

‫سوء ال ظن بالم سلمين‪ :‬و هو من المدا خل الشيطان ية ال تي ب ها تنف صم العرى‪ ،‬وتنق طع الوا صر‪ ،‬وتتمزق‬
‫الصفوف‪ ..‬والتي بها تحل الفتن‪ ،‬وتشيع الفاحشة‪ ،‬ويعم البلء‪..‬‬
‫ولهذا حذر القرآن من سوء ال ظن فقال‪ {:‬يا أي ها الذ ين آمنوا اجتنبوا كثيرا من ال ظن ان ب عض ال ظن ا ثم}‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اتقوا ال موضع التهم"‪.‬‬

‫كيف تسد مداخل الشيطان؟‬

‫يقول ال تعالى‪ {:‬ان الذين اتقوا اذا م سّهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون} ويقول‪ {:‬فاستعذ‬
‫بال من الشيطان الرجيم}‪.‬‬
‫و من هذه اليات ي تبين ل نا أن تقوى ال تعالى‪ ،‬وال ستعاذة به‪ ،‬ودوام ذكره ومراقب ته‪ ،‬وح سن عباد ته‪ ،‬من‬
‫أهم عوامل الوقاية من الشيطان الرجيم‪..‬‬
‫وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ {:‬اذا ذكر النسان ال خنّس شيطانه واذا غفل وسوس}‪.‬‬
‫ويحكى أن محمد بن واسع كان يقول كل يوم بعد صلة الصبح‪ :‬اللهم انك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا‪،‬‬
‫يرا نا هو و قبيله من ح يث ل نرا هم‪ ..‬الل هم فآي سه م نا ك ما آي سته من رحم تك‪ ،‬وقنّ طه م نا ك ما قنّ طه من‬
‫عفوك‪ ،‬وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك‪ .‬انك على كل شيء قدير‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتم ثل له ابل يس يو ما في طر يق الم سجد فقال له‪ :‬يا ا بن وا سع هل تعرف ني؟ قال‪ :‬و ما أ نت؟ قال‪ :‬أ نا‬
‫ابليسس‪ .‬قال‪ :‬ومسا تريسد؟ قال‪ :‬أريسد أن ل تعلم أحدا هذه السستعاذة ول أتعرض لك‪ .‬قال‪ :‬وال ل أمنعهسا مسن‬
‫أرادها فاصنع ما شئت‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬لقد أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني‪ ،‬فأهذت بحلقه‪ .‬فوالذي بعثني بالحق‬
‫ما أرسلته حتى وجدت من دماء لسانه على يدي‪ ،‬ولول دعوة أخي سليمان عليه السلم لصبح طريحا في‬
‫المسجد" أخرجه ابن أبي الدنيا وللبخاري رواية أخرى شبيهة واسناده جيد‪..‬‬

‫فالذاكرون ال كثيرا والذاكرات‪ ..‬والتائبون الى ال من ذنوبهم والتائبات‪ ..‬ولمستغفرون والمستغفرات‪ ،‬هم‬
‫الذين يستعصون على الشيطان ويتعبونه ثم ل يبلغ منهم مراده‪..‬‬
‫أمسا الغافلون عسن ذكسر ال‪ ..‬أم المصسرون على المعصسية‪ ..‬أم المتكاسسلون عسن العبادة‪ ..‬الذيسن ل تتجافسى‬
‫جنوبهم عن المضاجع‪ .‬الذين جعلوا الدنيا أكبر همهم‪ ،‬فهؤلء كالخاتم في يد الشيطان يصنع بهم ما يشاء‪.‬‬

‫قال وهيب بن الورد‪ :‬بلغنا أن ابليس تمثل ليحيى بن زكريا عليهما السلم فقال اني أريد أن أنصحك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل حاجة لي في نصحك‪ ،‬ولكن أخبرني عن بني آدم؟ قال‪ :‬هم عندنا ثلثة أصناف‪:‬‬
‫أما صنف منهم وهم أشد الصناف علينا‪ :‬نقبل على أحدهم ح تى نفتنه ونتمكن منه‪ ،‬فيفزع الى الستغفار‬
‫والتوبة‪ ،‬فيفسد علينا كل شيء‪ ،‬ثم نعود فيعود‪ ،‬فل نحن نيأس منه ول نحن ندرك منه حاجتنا‪..‬‬
‫وأما الصنف الخر‪ :‬فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانهم‪ ،‬نقلبهم كيف شئنا‪ ،‬وقد كفونا أنفسهم‪..‬‬
‫وأما الصنف الثالث‪ :‬فهم مثلك معصومون ل نقدر منهم على شيء‪..‬‬
‫من هنا يتبين لنا أن دعاة السلم أشد تعرضا لمكائد الشيطان والقاءات الشر منهم من غيرهم‪..‬‬
‫ف قد تكون و سوسة ابل يس في ن فس الداع ية من جا نب ال كبر والغرور‪ ،‬غرور العلم والتد ين وال صلح فيرى‬
‫أنه أحسن حال ومقال من سائر خلق ال‪ ..‬فاذا وجد ذلك فليستعذ بال من نفخة الكبرياء‪.‬‬

‫و قد تكون و سوسة ابل يس في ن فس الداع ية من جا نب الدن يا وزينت ها‪ ..،‬فيرى أ نه محروم من ها‪ ،‬مق صر‬
‫ب حق نف سه وعياله‪ ،‬وأ نه أ قل دخل من سواه‪ ..‬ف ما الما نع من أن يأ خذ ب حظ نف سه‪ ،‬وي سعى وراء تح سين‬
‫حاله ومضاعفة دخله‪ ..‬وقد يستمر الحال على هذا المنوال حتى تكون النتيجة استحواذ حب الدنيا وانشغاله‬
‫بها عن ربه‪ .‬فيترك الثفرة التي هو عليها‪ ،‬والجهاد الذي هو فيه‪ ،‬ويرتحل من مكان الى آخر ومن بلد الى‬
‫بلد سغيا وراء كسب أوفر ودخل أكبر!‪.‬‬
‫وقد تكون وسوسة ابليس للداعية من جانب الخوف والجبن‪ ..‬فيقذف في نفسه الوهن " قيل وما الوهن يا‬
‫ر سول ال؟ قال حب الدن يا وكراه ية الموت" فيرى أ نه في غ نى عن أن يتشرد أو ي سجن أو يق تل‪ ،‬لن في‬
‫ذلك تشريد عياله‪ ..‬وماذا عليه لو يخفف؟ وهكذا تتفاعل هذه اللقاءات في النفس حتى تقذف به بعيدا بعيدا‬
‫عن مسيرة الجهاد ودعوة الحق!‪.‬‬

‫والى هذا المع نى أشار الر سول صلى ال عل يه و سلم بقوله‪ ":‬ان الشيطان ق عد ل بن آدم بطرق‪ ..‬فق عد له‬
‫بطر يق ال سلم‪ ،‬فقال‪ :‬ات سلم وتترك دي نك ود ين آبائك؟ فع صاه وأ سلم‪ ..‬ثم ق عد له بطر يق الهجرة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أنها جر‪ ،‬أتدع أر ضك و سماءك؟ فع صاه وها جر‪ ..‬ثم ق عد له بطر يق الجهاد‪ ،‬فقال‪ :‬أتجا هد و هو تلف الن فس‬
‫والمال‪ ،‬فتقاتل فتقتل‪ ،‬فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم فمن‬
‫فعل ذلك فمات كان حقا على ال أن يدخله الجنة" أخرجه النسائي‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬ونفس تنازعه‪:‬‬

‫والشدة الخام سة ال تي توا جه دعاة ال سلم هي شدة الن فس ومنازعت ها‪ ،‬وك يد الن فس وضلل ها‪ ،‬وم كر‬
‫الن فس وخبث ها‪ ..‬و صدق ال تعالى ح يث يقول‪ {:‬و ما ابر يء نف سي ان الن فس لمارة بال سوء‪ ،‬ال من ر حم‬
‫ربي ان ربي غفور رحيم" يوسف ‪.51‬‬
‫فن فس الن سان هي مو طن التفاعل مع ما يرد ها من خ ير و شر‪ ،‬وحلل وحرام‪ ،‬و حق وبا طل‪ ..‬و هي الناء‬
‫الذي يتسع لكل شيء‪ ..‬ويتسع للهدى كما يتسع للضلل‪ ،‬ويتسع للطهر كما يتسع للعهر‪ ،‬وهذا معنى قوله‬
‫تعالى‪ ":‬ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها‪ ،‬قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها"‪.‬‬
‫والداععية في زحمة الهموم والمشاغل اليومية‪ ..‬السياسية والمعيشية والعائلية ولحركية‪ ،‬قد ينسى نفسه‪.‬‬
‫انه قد يهتم بكل شيء من حوله‪ ..‬ويقدم الخير لكل من هم حوله‪ ،‬ولكنه مع ذلك قد ينسى نفسه‪ .‬ينسى‬
‫حق نفسه من الهدى والخير‪ ،‬من العناية والرعاية‪ ..‬وهنا يحدث ما ليس بالحسبان ويقع ما فيه الخسران‪..‬‬
‫خواء الن فس وق سوتها ثم فتور ها وانحراف ها‪ .‬و صدق ال تعالى ح يث يقول‪ {:‬كل بل ران على قلوب هم ما‬
‫كانوا يكسبون* كل انهم عن ربهم لمحجوبون} ويقول‪ {:‬ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد‬
‫قسوة‪ ،‬وان من الحجارة لما يتفجر منه النهار‪ ،‬وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء‪ ،‬وان منها لما يهبط‬
‫من خشية ال‪ ،‬وما ال بغافل عما تعملون}‪.‬‬
‫فالنفسس أمّارة بالسسوء‪ ..‬وان لم تلجسم بلجام التقوى والديسن‪ ،‬وتتابسع بالترهيسب والترغيسب‪ ،‬تقتسل صساحبها‬
‫وترد يه‪{ ..‬وأ ما من خاف مقام ر به ون هى الن فس عن الهوى‪ ،‬فان الج نة هي المأوى} و صدق ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ {:‬أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك}‪.‬‬

‫ان على الخ الداعية أن يعي أمرا هاما قد يغفل عنه الكثيرون ذلك المر هو أنه كداعية مهمته الساسية‬
‫أن يربح نفسه أول‪ ..‬ويحسن الى نفسه أول‪ ..‬وال فما قيمة أن يربح الدنيا ويخسر نفسه؟‬
‫ان الرابح الحقيقي‪ ،‬يوم القيامة‪ ،‬هو الذي ربح نفسه ولو خسر الدنيا والناس جميعا‪ .‬وان الخاسر الحقيقي‬
‫هو الذي خسر نفسه ولو ربح الناس والدنيا جميعا‪ {..‬قل ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم‬
‫القيامة ال ان الظالمين في عذاب مقيم}‪.‬‬

‫ان مسن مقدمات خسسارة النفسس واشاراتهسا‪ ،‬هسي اهمال النفسس وعدم ترويضهسا على اللتزام بالشرع‪،‬‬
‫وتحق يق ترج مة المبادئ الى أعمال والقوال الى أفعال‪ ..‬ول قد ندد القرآن الكر يم بذلك فقال تعالى‪ {:‬أتأمرون‬
‫الناس بالبر وتنسسون أنفسسكم وأنست تتلون الكتاب أفل تعقلون} { يسا أيهسا الذيسن آمنوا لمسا تقولون مسا ل‬
‫تفعلون‪ ،‬كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون}‪.‬‬
‫فالداعيسة مطالب بمحاسسبة نفسسه قبسل محاسسبة غيره‪ ..‬وبتربيسة ذاتسه قبسل قيامسه بتربيسة ذوات الخريسن‪..‬‬
‫وبالحسان الى نفسه قبل مبادرته بالحسان للخرين‪ ..‬وهذا مناط وصية على ابن أبي طالب كرّم ال وجهه‬
‫حيسث يقول‪ {:‬مسن نصسّب نفسسه للناس امامسا فليبدأ بتعليسم نفسسه قبسل أن يبدأ بتعليسم غيره‪ ..‬وليكسن تهذيبسه‬
‫بسيرته قبل تهذيبه بلسانه‪ .‬ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالجلل من معلم الناس ومهذبهم}‪.‬‬

‫ولقد حدّث رسول ال صلى ال عليه وسلم عن مصير الذين يقولون مال يفعلون‪ ،‬والذين يأمرون الناس‬
‫بالبر وينسون أنفسهم‪ ،‬والذين ينصبون أنفسهم هداة وهم أبعد الناس عن الهداية‪ ،‬والذين يطالبون الخرين‬
‫بالستقامة وهم منحرفون فقال‪ ":‬يؤتى بالرجل يوم القيامة‪ ،‬فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه‪ ،‬فيدور فيها‬
‫ك ما يدور الحمار في الر حى‪ ،‬فيجت مع ال يه أهل النار‪ ،‬فيقولون‪ :‬فلن؟ أما ك نت تأ مر بالمعروف وتن هى عن‬
‫المنكر؟ فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬كنت آمر بالمعروف فل آتيه‪ ،‬وأنهى عن المنكر وأتيه"‪.‬‬
‫والى هذا يش ير ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بقوله‪ ":‬تعلموا ما شئ تم أن تعلموا‪ ،‬فلن يأجر كم ال ح تى‬
‫تعملوا"‪.‬‬

‫قيمة القلب من الجسد‬

‫ان على الداع ية أن يدرك أن عناي ته بقل به ي جب أن تفوق كل عنا ية‪ ..‬وأ نه ان كان يعت ني بج سده وعقله‬
‫ويقدم لهما الغذية اللزمة والمصال اللزمة للقيام بدورهما على الوجه الكمل‪ ،‬فان عليه بالتالي أن يعتني‬
‫بقلبه‪ ..‬فهو بقلبه أول يكون داعية‪ ..‬وهو بقلبه أول يكون مؤمنا‪ ..‬وهو بقلبه أول يكون ربانيا‪..‬‬
‫والداعية ان لم يكن عابدا ربانيا فل خير فيه‪ ،‬كائنا ما كانت ثقافته وعلمه‪ ،‬لنها ثقافة لم تؤسس على تقوى‬
‫من ال ورضوان‪..‬‬
‫وفي نطاق بيان ما للقلب من قيمة يحدث رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول‪ ":‬النسان عيناه هاد‪ ،‬وأذناه‬
‫قمع‪ ،‬ولسانه ترجمان‪ ،‬ويداه جناحان‪ ،‬ورجله بريد‪ ،‬والقلب منه ملك‪ ،‬فاذا طاب الملك طابت جنوده"‪.‬‬

‫علمات حياة القلوب‬

‫ان على الداع ية أن يه تم بقل به‪ ..‬يراق به‪ ..‬ي ستطلع أحواله‪ ،‬ليعرف مدى ق سوته أو لي نه‪ ،‬مدى حيا ته أو‬
‫موته‪ ،‬مدى جفافه أو رطوبته‪..‬‬
‫فمسن الدلئل التسي تشيسر الى حياة القلب‪ ،‬انفعال صساحبه بذكسر ال وقراءة القرآن وشتسى أنواع العبادات‬
‫مصداقا لقوله تعالى‪ {:‬والذين اذا ذكر ال وجلت قلوبهم‪ ،‬واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا‪ ،‬وعلى ربهم‬
‫يتوكلون} {‪..‬وبشسر المخبتيسن* الذيسن اذا ذكسر ال وجلت قلوبهسم‪ ،‬والصسابرين على مسا أصسابهم والمقيمسي‬
‫الصلة ومما رزقناهم ينفقون}‪.‬‬
‫و من الدلئل ال تي تش ير الى حياة القلب صلبة صاحبه في الد ين‪ ،‬و صدعه بال حق‪ ،‬وعدم خو فه ال من ال‬
‫عز وجل‪ .‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬ان ل تعالى في أرضه آنية‪ ..‬وهي القلوب‪..‬‬
‫فأحبها الى ال تعالى‪ :‬أرقها وأ صفاها‪ ،‬وأ صلبها‪ ،‬ثم ف سرها فقال‪ :‬أ صلبها في الد ين‪ ،‬وأ صفاها في اليق ين‪،‬‬
‫وأرقها على الخوان"‪.‬‬
‫ومسن الدلئل التسي تشيسر الى حياة القلوب خوف أصسحابها مسن ال وممسا يسسخطه‪ ،‬وبعسد أصسحابها عسن‬
‫المحرمات‪ ،‬واجتناب هم معا صيه‪ ،‬م صداقا لقوله تعالى‪ {:‬ان الذ ين اتقوا اذا م سّهم طائف من الشيطان تذكروا‬
‫فاذا هم مبصرون}‪.‬‬
‫ومن الدلئل التي تشير الى عافية القلوب كذلك‪ ،‬خلوها من الحسد والبغض والغش‪ ،‬ففي الخبر أنه قيل‪ ":‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬من خير الناس؟ فقال‪ :‬كل مؤمن مخموم القلب‪ .‬قيل‪ :‬وما مخموم القلب؟ فقال‪ :‬هو التقي الذي ل‬
‫غش فيه ول بغي ول غدر ول غل ول حسد"‪.‬‬
‫و من الدلئل ال تي تش ير الى عاف ية القوب‪ ،‬اطمئنان أ صحابها في كل الظروف‪ ،‬و سعة نفو سهم‪ ،‬وانشراح‬
‫صدورهم ف قد قال صلى ال عل يه و سلم في تف سير قوله تعالى‪ {:‬ف من شرح ال صدره لل سلم ف هو على‬
‫نور من ربه{ هو التوسعة‪ .‬ان النور اذا قذف في القلب اتسع الصدر وانشرح‪ ،‬وكذا معنى قوله تعالى‪ {:‬أل‬
‫بذكر ال تطمئن القلوب}‪.‬‬

‫الداعية واهتمامه بقلبه‬

‫كل ذلك يفرض على الخ الداعية أن يكون شديد العناية بقلبه‪ ..‬يقدم له من الزاد ما يجعله قلبا ربانيا‪..‬‬
‫قلبا مشرقا‪ ..‬قلبا وجل‪ ..‬قلبا مطمئنا‪..‬‬
‫ولقد علمنا قدوتنا واسوتنا محمد صلى ال عليه وسلم كيف نعتني بقلوبنا لتكون في مستوى الدعوة نضارة‬
‫وطهرا‪ ..‬و سنعرض ه نا بع ضا من هذه التعال يم النبو ية و ما أكثر ها في سنته و سيرته ل من أراد أن ي سلك‬
‫سبيل المسترشدين ويبلغ درجة الربانيين‪..‬‬

‫ذكر ال‪ :‬ان بامكان الداعية أن يكون حريصا على ذكر ال في كل أحوالها وأعماله‪ ..‬والرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم علمنا أذاكارا يمكن أن تغطي بها أعمال النسان اليومية كلها‪..‬‬
‫هذه الدعية المأثورة‪ ،‬لو حفظها الخ الداعية ومارسها بحسب ترتيبها من الفعال لصبح من‬
‫أولي اللباب‪ {:‬الذيسن يذكرون ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبهسم ويتفكرون فسي خلق السسموات‬
‫والرض}‪.‬‬
‫فبذ كر ال حياة القلوب و صفاؤها‪ ..‬به يزول الران ويح صل ال ين‪ ..‬و صدق ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه وسلم ح يث يقول‪ ":‬ان لكل شيء صقالة‪ ..‬و صقالة القلوب ذكر ال‪ .‬و ما من شيء أن جى‬
‫مسن عذاب ال مسن ذكسر ال‪ .‬قالوا ول الجهاد فسي سسبيل ال؟ قال‪ :‬ولو أن يضرب بسسيفه حتسى‬
‫ينقطع" رواه البيهقي‪.‬‬
‫و عن الحارث الشعري ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪ ":‬ان ال أ‪ ,‬حى‬
‫الى يحيى بن زكريا بخمس كلمات‪ ،‬أن يعمل بهن‪ ،‬وأن يأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن‪ .‬منها‬
‫قوله تعالى‪ :‬وآمركم بذكر ال كثيرا‪ .‬ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره‪ ،‬حتى أتى‬
‫حصنا حصينا قتحصن فيه‪ ،‬وكذلك العلد ل ينجو من الشيطان ال بذكر ال" رواه الترمذي‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عنه النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ "..‬قال موسى‬
‫عليه السلم‪ :‬يا رب علمني شيئا أذرك به‪ ،‬وأدعوك به‪ ..‬قال‪ :‬قل ل اله ال ال‪ ..‬قال‪ :‬يا رب كل‬
‫عبادك يقول هذا؟ قال‪ :‬قل ل اله ال ال‪ ..‬قال‪ :‬انما أريد شيئا تخصني به؟قال‪ :‬يا موسى‪ ،‬لو أن‬
‫السموات السبع والراضين السبع في كفة ول اله ال ال في كفة مالت بهم ل اله ال ال" رواه‬
‫النسائي وابن ماجه والحاكم وقالوا صحيح السناد‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬جددوا ايمانكم‪ .‬قيل‬
‫يا رسول ال وكيف نجدد ايماننا؟ قال‪ :‬أكثروا من قول ل اله ال ال" رواه أحمد وغيره‪.‬‬
‫وروي عن الترمذي عن عبدال بن عمرو ر ضي ال عنه ما عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫قال‪ ":‬التسسبيح نصسف الميزان‪ ،‬والحمسد ل تملؤه‪ ،‬ول اله ال ال ليسس لهسا مسن دون ال حجاب‬
‫حتى تخلص اليه"‪.‬‬
‫وقال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬أ حب الكلم الى ال أر بع‪ :‬سبحان ال‪ ،‬والح مد ل‪ ،‬ول اله ال ال‪،‬‬
‫وال أكبر‪ .‬ول يضرّك بأيهن بدأت" رواه مسلم وابن ماجه والنسائي‪.‬‬

‫مراقبة ال‪ :‬وعلى الخ الداعية أن يديم مراقبة ال عز وجل في شتى أحواله وأعماله وفي كل‬
‫أقواله وأفعاله‪ ،‬بل وفي هواجسه ومشاعره‪..‬‬
‫ومراقبسة ال تعالى تحفسظ الداعيسة مسن الذل وتقيسه العثرات والنحرافات‪ ،‬وتجعله حاضسر القلب‬
‫يستهدي بال ل بهواه‪..‬‬
‫وعلى الخ الداعية أن يعلم أن المور ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أمر استبان رشده فليتبعه‪..‬‬
‫الثاني‪ :‬أمر استبان غيه فليجتنبه‪..‬‬
‫الثالث‪ :‬أمر اشكل عليه فليسأل عنه‪..‬‬
‫ومراقبة ال تعالى انما تتأكد من نفس الخ الداع ية وتتعمق مع تزايد الشعور بقرب ال منه‪{:‬‬
‫ولقد خلقنا النسان ونعلم ما توسوس به نفسه‪ ،‬ونحن أقرب اليه من حبل الوريد}{ ما يكون من‬
‫نجوى ثل ثة ال و هو رابع هم‪ ،‬ول خم سة ال و هو سادسهم‪ ،‬ول أد نى من ذلك ول أك ثر ال هو‬
‫مع هم أين ما كانوا ثم ينبؤ هم ب ما عملوا يوم القيا مة ان ال ب كل ش يء عل يم} {أم يح سبون أن ل‬
‫نسمع سرهم ونجواهم؟ بلى ورسلنا لديهم يكتبون}‪.‬‬
‫قال عبدال بن دينار‪ :‬خرجت مع عمر بن الخطاب رضي ال عنه الى مكة‪ ..‬فعرسنا في بعض‬
‫الطر يق‪ ،‬فانحدر ال يه راع من الج بل‪ ،‬فقال له‪ :‬يا را عي‪ ،‬بع ني شاة من هذه الغ نم فقال‪ :‬ان ني‬
‫مملوك‪ ،‬قال‪ :‬قل لسيدك أكلها الذئب‪ .‬قال‪ :‬فأين ال‪ ..‬فبكى عمر ثم غدا الى المملوك فاشتراه من‬
‫موله فأعتقه‪ ،‬وقال‪ :‬اعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الخرة‪...‬‬
‫و سأل ر جل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يع ظه فقال‪ ":‬اذا أردت أمرا فتدبر عاقب ته‪ ..‬فان‬
‫كان رشدا فأمضه‪ ،‬وان كان غبا فانته عنه"‪.‬‬
‫وحكي‪ ,‬في المراقبة‪ ,‬أنه كان لبعض المشايخ تلميذ شاب‪ ،‬وكان يكرمه‪ ..‬فقال له لعض أصحابه‪:‬‬
‫ك يف تكرم هذا و هو شاب ون حن شيوخ؟ فد عا بعدة طيور وناول كل وا حد من هم طيرا و سكينا‬
‫وقال‪ :‬ليذبح كل واح منكم طيره في موضع ل يراه أحد‪ .‬ودفع الى الشاب مثل ذلك‪ ..‬فرجع كل‬
‫واحد بطيره مذبوحا‪ ،‬ورجع الشاب والطير حي في يده‪ ..‬فقال‪ :‬مالك لم تذبح وقد ذبح أصحابك؟‬
‫فقال‪ :‬لم أ جد موض عا ال يرا ني ف يه أ حد‪ ،‬اذ ال مطلع عل يّ في كل مكان‪ ..‬فا ستحسنوا مراقب ته‬
‫وقالوا‪ :‬حق لك أن تكرمه‪..‬‬
‫وقيل كان طاووس اليماني رحمه ال بمكة‪ ،‬فراودته امرأة عن نفسه‪ ،‬فلم يزل بها حتى أتى بها‬
‫الى المسسجد الحرام والناس مجتمعون‪ ..‬فقال لهسا‪ :‬أقضسي مسا تريديسن‪ .‬قالت‪ :‬فسي هذا الموضسع‬
‫والناس ينظرون؟ قال‪ :‬فالحياء من نظر ال أحق‪ .‬فتابت المرأة وحسنت توبتها‪.‬‬
‫وروي أن رجل جاء الى ابراه يم بن أد هم فقال له‪ :‬يا أ با ا سحاق‪ ..‬ا ني م سرف على نف سي‪،‬‬
‫ي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي‪ :‬قال‪ :‬ان قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم‬
‫فأعرض عل ّ‬
‫تضرّك‪ ،‬ولم توبقك لذة‪ ..‬قال‪ :‬هات يا أبا اسحاق‪..‬‬
‫قال‪ :‬أما الولى‪ :‬فاذا اردت أن تعصي ال عز وجل فل تأكل رزقه‪ .‬قال‪ :‬فمن أين آكل وكل ما في‬
‫الرض من رزقه؟ قال‪ :‬يا هذا‪ ..‬أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫هات الثان ية‪ ..‬قال‪ :‬واذا أردت أن تع صيه فل ت سكن شيئا من بلده‪ ،‬قال الر جل‪ :‬هذه أع ظم من‬
‫الولى‪ ..‬فاذا كان المشرق والمغرب و ما بينه ما له فأ ين أ سكن؟ قال‪ :‬يا هذا‪ ..‬أفيح سن أن تأ كل‬
‫رزقه وتسكن بلده وتعصيه وأنت تأكل رزقه وتسكن لده وتعصيه؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫هات الثالثة‪ ..‬قال‪ :‬اذا أردت أن تعصيه وأنت تأكل رزقه وفي بلده‪ ..‬فانظر موضعا ل يراك فيه‬
‫مبارزا له فاع صه ف يه‪ ..‬قال‪ :‬يا ابراه يم‪ ..‬ك يف هذا و هو مطلع على ما في ال سرائر؟قال‪ :‬يا‬
‫هذا‪ ..‬أفيح سن أن تأ كل رز قه وت سكن بلده وتع صيه و هو يراك ويرى ما تجا هر به؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫هات الرابعة‪ ..‬قال‪ :‬اذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له‪ :‬أخرني حتى أتوب توبة نصوحا‬
‫وأعمسل ل عمل صسالحا‪ ..‬قال‪ :‬ل يقبسل منسي‪ ..‬قال‪ :‬يسا هذا‪ ..‬أفأنست اذا لم تقدر أن تدفسع عنسك‬
‫الموت لتتوب‪ ،‬وتعلم أنسه اذا جاءك لم يكسن تأخيسر‪ ،‬فكيسف ترجسو وجسه الخلص؟ قال‪ :‬هات‬
‫الخامسسة‪ ..‬قال‪ :‬اذا جاءتسك الزبانيسة يوم القيامسة ليأخذوك الى النار فل تذهسب معهسم‪ ..‬قال‪ :‬ل‬
‫يدعونني ول يقبلون مني‪ ..‬قال‪ :‬فكيف ترجو النجاة اذا؟ قال الرجل‪ :‬يا ابراهيم‪ ،‬حسبي حسبي‪..‬‬
‫أنا أستغفر ال وأتوب اليه‪ ،‬ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما‪..‬‬

‫مجاهدة لنفس‪ :‬قال يحيى بن معاذ الرازي‪ :‬جاهد نفسك بأسياف الرياضة‪ ..‬والرياضة هلى أوجه‬
‫أربعة‪:‬‬
‫القوت من الطعام‪..‬‬
‫والغمض من المنام‪..‬‬
‫والحاجة من الكلم‪..‬‬
‫وحمل الذى من جميع النام‪..‬‬
‫فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات‪ ..‬ومن قلة النوم صفو الرادات‪..‬‬
‫ومن قلة الكلم السلمة من الفات‪..‬‬
‫ومن احتمال الذى البلوغ الى الغايات‪..‬‬

‫فالخ الداع ية‪ ،‬ي جب أن يكون في جهاد دائم مع نف سه‪ ..‬يرد ها عن فضول المأ كل والمشرب‬
‫والمل بس والكلم والشهوة‪ ..‬و صدق رسول ال صلى ال عل يه وسلم ح يث يقول‪ ":‬المجاهد من‬
‫جاهد نفسه في طاعة ال عز وجل"‪ .‬أخرجه الترمذي‪.‬‬

‫ولقد سئل الراهيم بن أدهم بم يتم الورع؟ فقال‪ ":‬بتسوية جميع الخلق من نفسه‪ ،‬وانشغالك عن‬
‫عيوبهم بذنبك‪ .‬فكر في ذنبك ‪ ..‬وتب الى ربك‪ ..‬وانسخ الطمع ال من ربك"‪.‬‬
‫ف في مجاهدة الب طن بالجوع قال الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬ل تميتوا القلوب بكثرة الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬فان القلب كالزرع يموت اذا كثر عليه الماء" وقال‪ ":‬ان أهل الجوع في الدنيا هم أهل‬
‫الشبع في الخرة‪ ..‬وان أبغض الناس الى ال المتخمون الملى‪ .‬وما ترك عبد أكلة يشتهيها ال‬
‫كانت له درجة في الجنة" رواه الطبراني‪.‬‬
‫ف من آفات التخ مة وأمراض ها النف سية فضل عن الج سدية‪ :‬غل ظة القلب وق سوته‪ ،‬وتبلد الذ هن‬
‫وكثرة النعاس والنوم‪ ،‬وتهيج الشهوات‪ ،‬والبطر والكسل عن العبادات‪..‬‬
‫ولهذا و ضح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قاعد ته الشهيرة‪ ":‬ثلث للطعام‪ ..‬وثلث للشراب‪.‬ز‬
‫وثلث للنفس"‪.‬‬
‫وفي مجاهدة الشهوة ليتحقق العتدال‪ ،‬أمر ال عباده بغض البصار‪ {:‬قل للمؤمنين يغضوا من‬
‫أبصارهم} وحفظ الفرج‪ {:‬ويحفظوا فروجهم"‪.‬‬
‫وحذر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من فت نة الن ساء فقال‪ ":‬ما تر كت بعدي فت نة أ ضر على‬
‫الرجال مسن النسساء"‪ .‬وقال‪ ":‬النسساء حبائل الشيطان‪ ،‬ولول هذه الشهوة لمسا كان للنسساء مسن‬
‫سلطنة على الرجال" أخرجه الصفهاني‪.‬‬

‫يقول الغزالي فسي الحياء‪ ":‬وأعظسم اشهوات شهوة النسساء‪ ..‬وهذه الشهوة أيضسا لهسا افراط‬
‫وتفر يط واعتدال‪ ..‬فالفراط‪ :‬ما يق هر الع قل ح تى ي صرف ه مة الرجال الى ال ستمتاع بالن ساء‪،‬‬
‫فيحرم عن سلوك طريق الخرة‪ ،‬او يقهر الدين حتى يجر الى اقتحام الفواحش‪ .‬والتفريط‪ :‬بالعنة‬
‫أو بالض عف عن امتناع المنكو حة و هو أي ضا مذموم‪ .‬وان ما المحمود‪ :‬أن تكون معتدلة ومطي عة‬
‫للع قل والشرع في انقباض ها وانب ساطها‪ .‬ومه ما افر طت فك سرها بالجوع والنكاح قال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪ ":‬يسا معشسر الشباب عليكسم بالباءة‪ ،‬فمسن لم يسستطع فعليسه بالصسوم‪ ،‬فالصسوم له‬
‫وووجاء"‪.‬‬
‫وفي مجاهدة اللسان يقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك‬
‫على خطيئتك" أخرجه الترمذي‪.‬‬

‫والخ الداعية انما ينعقد نجاحه في دعوته‪ ..‬ويتحقق اثره الحسن في الناس بمقدار تمكنه من‬
‫لسانه‪ ":‬ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك"‪.‬‬
‫واستقامة اللسان وتجافيه عن موطن الغيبة والنميمة والكذب والفحش مظهر من مظاهر العافية‬
‫واليمان‪ ،‬وعا مل من عوا مل صيانة القلب من الد نس وال غش والنحراف‪ ..‬ف قد قال صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ":‬ل ي ستقيم ايمان الع بد ح تى ي ستقيم قل به‪ ..‬ول ي ستقيم قل به ح تى ي ستقيم ل سانه"‬
‫أخرجه الطبراني‪.‬‬
‫وهكذا يترتب على الخ الداعية أن يجاهد نفسه وجوارحه بشتى أنواع الطاعات والعبادات لتزكو‬
‫وتصوف‪ ،‬وما أكثر أبوابها وطرقها ووسائلها لمن أراد التقي والعروج‪ ..‬وقد قيل‪ ":‬ان ل معارج‬
‫على قدر أنفاس الخلئق‪.‬‬

‫والخلصة ‪ ..‬أن على الخ الداعية أن يتمكن من النتصار على نفسه واصلحها وربحها لنه‬
‫بذلك يكون منتصرا‪ ..‬وتحقيق ذلك ليس هينا أو سهل‪ ..‬وهو ان تم في فترة فل يؤمن ممكرها‬
‫وغدرها؟ ومتابعة النفس وملحقتها والحذر من القاءاتها ووساوسها هو السبيل الضمن الذي‬
‫يحقق مناعتها وعافيتها‪ ..‬وبهذا يتحقق في الداعية معنى قوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اذا أراد‬
‫ال بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه" مسند الفردوس وقوله‪ ":‬من كان له من قلبه واعظ‪ ،‬كان‬
‫عليه من اله حافظ"‪.‬‬

‫فلنحاسسب أنفسسنا قبسل أن نحاسسب‪ ..‬ولنزنهسا قبسل ان توزن‪ ..‬ولنتهيسأ للعرض الكسبر‪ ..‬فاليوم‬
‫عمل ول حساب‪ ،‬ويوم القيامة حساب ول عمل‪ .‬فنسأل ال تعالى السلم والمان من خزي الدنيا‬
‫وعذاب الخرة‪ ،‬وبال المستعان‪...‬‬

‫الموضوع الثاني‬

‫هذه صفاتنا اليمانية‪ ،‬فلنحافظ عليها‬

‫التائبون‬
‫العابدون‬
‫الحامدون‬
‫السائحون‬
‫الراكعون‬
‫الساجدون‬
‫المرون بالمعروف‬
‫الناهون عن المنكر‬
‫الحافظون لحدود ال‬

‫في طريق مسيرتنا السلمية‪ ،‬وفي معامع العمل السلمي‪ ،‬يحسن بدعاة السلم أن يتفحصوا بين الحين‬
‫وال خر مواقع هم هم من اللتزام ال سلمي‪ ،‬ح تى ل يكونوا معني ين بقول ال تعالى‪ {:‬أتأمرون الناس بالبر‬
‫وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون}‪ .‬وحتى ل يحبط عملهم ويكونوا من‪ {:‬الذين ضل سعيهم‬
‫في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}‪.‬‬

‫فالخا سرون الحقيقيون في ميزان ال جق يوم القيا مة هم الذ ين خ سروا أنف سهم ولو ربحوا الدن يا جمي عا‪..‬‬
‫والرابحون الحقيقيون فسي ميزان الحسق يوم القيامسة هسم الذيسن ربحوا أنفسسهم ولو خسسروا الدنيسا جميعسا‪..‬‬
‫والمحسنون الحقيقيون في منطق الحق هم الذين أحسنوا لنفسهم أول‪ ،‬واعتقوا رقابهم في النار أول‪..‬‬

‫أو لم نسمع الى قوله تعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما ل تفعلون؟ كبر مقا عند ال أن تقولوا ما‬
‫ل تفعلون} والى الحديسث النبوي الرهيسب‪ ":‬يؤتسى بالرجسل يوم القيامسة فيلقسى فسي النار فتندلق أقتاب بطنسه‪،‬‬
‫فيدور في ها ك ما يدور الحمار في الر حى فيجت مع ال يه أ هل النار فيقولون‪ :‬يا فلن‪ ،‬ألم ت كن تأ مر بالمعروف‬
‫وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى‪ ،‬كنت آمر بالمعروف ول آنيه وأنهى عن المنكر وآتيه"‪.‬‬

‫ان مسستوى التزام الدعاة _ بالسسلم_ يجسب أن يتجاوز بكثيسر مسستوى غيرهسم مسن الناس‪ ..‬فان اسستووا‬
‫معهم باللتزام لم يكن لهم الفضل عليهم بالدعوة‪ ،‬بل كان عليهم دونهم وزر الدعاء‪..‬‬

‫ثم ان على دعاة السلم أن يدركوا أن ال تعالى عقد البيعة في قوله تعالى‪ {:‬ان ال اشترى من المؤمنين‬
‫أنف سهم وعدا عل يه ح قا في التوراة والنج يل والقرآن و من أو فى بعهده من ال‪ ،‬فا ستبشروا ببيعكم الذي‬
‫بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}‪.‬‬

‫وان وفاء الدعاة بهذه البي عة مرهون بمدى التزام هم وتحلي هم بال صفات اليمان ية ال تي أشارت الي ها ال ية‬
‫التسي تلي آيسة البيعسة مباشرة‪ {:‬التائبون العابدون الحامدون السسائحون الراكعون السساجدون المرون‬
‫بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال وبشر المؤمنين}‪.‬‬
‫فما هي هذه الصفات اليمانية؟‬

‫التائبون‬

‫ان ال صفة الولى ال تي ي جب أن تتح قق في الدعاة هي صفة التو بة‪ ..‬فالعاملون لل سلم ي جب أن يكونوا‬
‫أشد احتراسا من المعاصي _ كل المعاصي_ منهم من عدوهم‪ ،‬لن ذنوبهم خوف عليهم من عدوهم‪ ..‬فان‬
‫وقع ما يع تبر معصية ‪ ،‬ول بد أن يقع‪ ،‬كان علي هم أن يبادروا بالتوبة والنا بة الى اله‪ ،‬ملين نداء ال عز‬
‫وجل‪ {:‬وسارعوا الى مغفرة من ربكم ورحمة}‪.‬‬
‫فالتوبة والنابة الى ال صفة أصلية لزمة من صفات المؤمنين ‪ {:‬الذين اذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم‬
‫ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم‪ ،‬ومن يغفر الننوب ال ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}‪.‬‬

‫ثم ليعلموا أن نبيهم وقدوت هم مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬المؤ يد بالو حي‪ ،‬الذي ل ين طق عن الهوى‪،‬‬
‫المعصون عن الخطأ‪ ،‬الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬كان ل يفتأ يستغفر ربه ويقول‪ ":‬يا أيها الناس توبوا‬
‫الى ال وا ستغفروه‪ ،‬فا ني أتوب ال يه في اليوم مائة مرة" رواه م سلم‪ ،‬و في روا ية للبخاري يقول الر سول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ":‬وال اني لستغفر ال وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"‪.‬‬

‫واحتراس الدعاة من المعا صي ي جب أن يش مل ح تى الذنوب ال صغيرة‪ ،‬لن تعود الن فس على الت ساهل مع‬
‫الصغائر من شأنه أن يستدرجها للوقوع في الكبائر‪ ..‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪":‬‬
‫اياكم ومحقرات الذنوب فانهن ل يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه‪ "..‬وصدق الشاعر حيث يقول‪:‬‬
‫وقد يورث الذل ادمانها‬ ‫تميت القلوب‬ ‫رأيت الذنوب‬
‫وخير لنفسك عصيانها‬ ‫حياة القلوب‬ ‫وترك الذنوب‬

‫ان هذا يفرض أن تكون للدعاة مع أنفسهم جلسات دائمة‪ ،‬يناقشونها فيها الحساب‪ ،‬يقيّمونها ينقدونها‪،‬‬
‫ي ستخلصون من ها ما تدا خل في ها‪ ،‬ويم سحون عن ها ما ران علي ها‪ ،‬ملب ين نداء ال في ذلك "{ ون فس و ما‬
‫سواها‪ ،‬فألهم ها فجور ها وتقوا ها قد أفلح من زكاه ها و قد خاب من د ساها} ومنفذ ين لو صية ع مر بن‬
‫الخطاب رضسي ال عنسه حيسث يقول‪ ":‬حاسسبوا أنفسسكم قبسل أن تحاسسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكسم قبسل أن توزنوا‪،‬‬
‫وتهيئوا للعرض الكبر"‪.‬‬
‫ويقول العلماء في التو بة‪ :‬التو بة واج بة من كل ذ نب‪ .‬فان كا نت المع صية ب ين الع بد وب ين ال تعالى فل ها‬
‫ثلثة شروط‪:‬‬
‫القلع ‪،‬الندم و عدم العودة‪.‬‬
‫وان كانت تتعلق بآدمي فشروطها أربعة‪ ،‬الثلثة الولى‪ ،‬وأن يبرأ من حق صاحبها‪.‬‬

‫الحامدون‬

‫والحامدون هم الذين تختلج قلوبهم احساسا وشعورا بنعم ال عليهم‪ ،‬وتلهج ألسنتهم شكرا وثناء وتندفع‬
‫أعضاؤهم بذل وعطاء‪..‬‬
‫ومن أولى من دعاة السلم بالحمد!؟ ومن أولى منهم يلبشكر وهم الذين نعموا بالهداية‪ ،‬وأ صابتهم نعمة‬
‫اليمان {ول كن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عباد نا} { بل ال ي من علي كم أن هدا كم لليمان ان كن تم‬
‫صادقين}‪.‬‬
‫ان ن عم ال على عباده ل يح صى عدد ها‪ ..‬ف كل ما في الكون والن سن والحياة ين طق بأنع مه{ ألم تر ك يف‬
‫حلق ال سبع سموات طباقا‪ ،‬وجعل القمر فيهن نورا‪ ،‬وجعل الشمس سراجا} { ان ال فالق الحب والنوى‬
‫يخرج ال حي من الم يت ويخرج الم يت من ال حي ذلك ال فأنّى تؤفكون‪ .‬فالق ال صباح وج عل الل يل سكنا‬
‫والش مس والق مر ح سبانا ذلك تقد ير العز يز العل يم‪.‬و هو الذي ج عل ل كم النجوم لتهتدوا ب ها في ظلمات البر‬
‫والب حر قد ف صلنا اليات لقوم يعلمون‪ .‬و هو الذي أنشأ كم من ن فس واحدة فم ستقر وم ستودع قد ف صلنا‬
‫اليات لقوم يفقهون‪ .‬وهو الذي أنزل من السماء ناء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج‬
‫م نه ح با متراك با من الن خل و من طلع ها قنوان دان ية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتب ها وغ ير‬
‫متشابه انظروا الى ثمره اذا أثمر وينعه ان في ذلكم ليات لقوم يؤمنون} النعام ‪.99-94‬‬

‫ان كل هذه النعم وغيرها مما تزدحم به ال‪:‬وان وتتوالد به الحياة ويعيش به النسان من دلئل فضل ال‬
‫وكر مه على عباده‪ ،‬وان ما يكون رد الف ضل وش كر النع مة بتوظ يف كل ذلك في ما ير ضي المن عم عز و جل‬
‫امتثال لمره تعالى‪ {:‬فاذكرونسي أذكركسم واشكروا لي ول تكفرون} { لئن شكرتسم لزيدنكسم ولئن كفرتسم ان‬
‫عذا بي لشد يد} و صدق ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح يث يقول‪ ":‬ان ال لير ضى عن الع بد يأ كل الكلة‬
‫فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها}‪.‬‬

‫والدعاة الى ال ي جب أن يكون حمد هم ل في ال سراء والضراء في الشدة والرخاء ح تى يكونوا معني ين‬
‫بقوله صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬عج با ل مر المؤ من ان أمره كله له خ ير‪ ،‬ان أ صابته سراء ش كر فكان خيرا‪،‬‬
‫وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لحد ال للمؤمن"‪.‬‬
‫أما أجر الحامدين فهو عند ال عظيم‪ ..‬وحسبنا أن نسمع الى قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" اذا مات ولد العبد‪ ،‬قال ال تعالى لملئكته‪ :‬قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ .‬فيقول‪ :‬قبضتم ثمرة فؤاده؟‬
‫فيقولون‪:‬نعسم‪ .‬فيقول‪ :‬فماذا قال عبدي؟ فيقولون‪ :‬حمدك واسسترجع‪ .‬فيقول ال تعالى‪ :‬ابنوا لعبدي بيتسا فسي‬
‫الجنة وسموه بيت الحمد"‪.‬‬
‫وان من اكرام ال تعالى لعباده أ نه ام تن علي هم بالنع مة وضا عف ل من حمده علي ها وش كر‪ .‬فالنع مة ابتداء‬
‫م نه وال جر انتهاء م نه { ف سبحان ال ح ين تم سون وح ين ت صبحون‪ ،‬وله الح مد في ال سموات والرض‬
‫وعشيا وحين تظهرون}‪.‬‬

‫السائحون‬

‫والسياحة هنا سياحة النظر والفكر والنفس في خلق السموات والرض‪ ..‬سياحة المؤمنين في انفسهم‪،‬‬
‫وفي ما حول هم من مخلوقات وأكوان وعوالم { ان في خلق ال سموات والرض واختلف الل يل والنهار ليات‬
‫لولي اللباب‪ ،‬الذ ين يذكرون ال قيا ما وقعودا وعلى جنوب هم ويتفكرون في خلق ال سموات والرض‪ ،‬رب نا‬
‫ما خلقت هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار}‪.‬‬
‫ف ما أحوج الدعاة الى سياحات في عالم الكوان والفضاء والمجرات تب صرهم بعظ مة ال وقدر ته وتحفز هم‬
‫على طاعته وعبادته‪..‬‬

‫و ما أحوج الدعاة الى سياحات تاريخ ية في سير ال صالحين وترا جم العظماء من سلفنا ال صالح ي خبرون‬
‫بلءهم وصبرهم وتضحياتهم ليكون لهم بهم اقتداء‪..‬‬
‫وما أحوج الدعاة الى سياحات عبر صراعات الحق مع الباطل‪ ،‬ليروا كيف كانت تتحطم على صخرة السلم‬
‫عروش الطغاة ومكائد الحاقدين‪ .‬وليعلموا ان دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة‪ .‬وصدق ال‬
‫تعالى حيث يقول‪ {:‬سيروا في الرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين‪ ،‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة‬
‫للمتقين‪ ،‬ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون ان كنتم مؤمنين}‪.‬‬
‫والداعية الذي يبصر دقائق خلق ال في جسمه وفي الحياة من حوله‪ ،‬في الماء والهواء والنبات والحيوان‪،‬‬
‫ويرى عظمة خلقه في اختلف ألسنة الناس وألوانهم وامزجتهم وأشكالهم يغدو أشد ايمانا بال وأشد خشية‬
‫له وتعظيما لقدره وقدرته‪ ،‬وهذا هو معنى قوله تعالى‪ {:‬انما يخشى ال من عباده العلماء}‪.‬‬

‫ولذلك حسض القرآن الكريسم على السسياحة والتفكسر والتدبر فسي كثيسر مسن آياتسه‪ ،‬منهسا قوله تعالى‪ {:‬قسل‬
‫سيروا في الرض فانظروا ك يف بدأ الخلق ثم ال ين شئ النشأة الخرة ان ال على كل ش يء قد ير} { أفلم‬
‫ي سيروا في الرض فينظروا ك يف كان عاق بة الذ ين من قبل هم ولدار الخرة خ ير للذ ين اتقوا أفل تعقلون}‬
‫{ أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها‪ ،‬فانها ل تعمي البصار ولكن‬
‫تعمي القلوب التي في الصدور} { أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ال‬
‫عليهسم وللكافريسن أمثالهسا‪ .‬ذلك بأن ال مولى الذيسن آمنوا وأن الكافريسن ل مولى لهسم} { قسل سسيروا فسي‬
‫الرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين‪ ،‬ول تحزن عليهم ول تكن في ضيق مما يمكرون}‪.‬‬

‫الراكعون الساجدون‬

‫وهم الحريصون على تمكين صلتهم بال وتحسين علقتهم به‪.‬‬


‫ف هم المحافظون على ال صلة‪ ..‬قيا ما وقعودا وعلى جنوب هم‪ ..‬الدائمون علي ها‪ {:‬الذ ين ل تلهي هم تجارة ول‬
‫بيع عن ذكر ال واقام الصلة وايتاء الزكاة‪ ،‬يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار}‪.‬‬
‫والدعاة الى ال‪ ..‬وبخاصة في هذا الزمن‪ ..‬بمسيس الحاجة الى أن تكون صلتهم بال تعالى وعلقتهم به‬
‫في وزن المسؤولية التي يحملون‪ ..‬وعلى مستوى التحديات التي يواجهون‪..‬‬
‫وأسسلفنا الصسالحون انمسا كان انتصسارهم وانتشار دعوتهسم بقوة العتصسام بال‪ ،‬وشديسد التمسسك بحبله‪،‬‬
‫وبعظ يم اقبال هم على النوال\ فل في العبادات فضل عن الفرائض‪ .‬ولهذا و صفهم الباري عز و جل بأن هم‪{:‬‬
‫تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} { كانوا قليل من الليل ما‬
‫يهجعون وبالسحار هم يستغفرون}‪.‬‬

‫وهذا ما حمل الفروق عمر بن الخطاب رضي ال عنه عندما استبطأ فتح مصر‪ ،‬أن يكتب الى عمرو بن‬
‫العاص يسأله مستفسرا يقول‪ ":‬أما بعد‪ :‬فقد عجبت لبطائك عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنتين‪ ،‬وما ذاك‬
‫ال ل ما أحدث تم وأحبب تم من الدن يا ما أ حب عدو كم‪ ،‬وان ال تبارك وتعالى ل ين صر قو ما ال ب صدق نيات عم"‬
‫منتخب كنز العمال ‪.183‬‬

‫المرون بالمعروف والناهون عن المنكر‬


‫وال مر بالمعروف والن هي عن المن كر مهمسة أ ساسية من مهمات المؤمنيسن‪ ..‬واذا كان المسسلم ل يكون‬
‫م سلما ح قا مالم ين هض بهذا الوا جب‪ ..‬ين هض به في نطاق نف سه وا سرته ومجتم عه‪ ،‬فك يف بالدعاة الذ ين‬
‫نصبوا أنفسهم وعاظا ومرشدين وأئمة وقادة؟‬

‫فالمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف رباني قبل أن يكون تكليفا حركيا‪ .‬ولقد جاء التكليف الرباني‬
‫في قوله تعالى‪ {:‬ولت كن من كم أ مة يدعون الى الخ ير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المن كر وأولئك هم‬
‫المفلحون} وفي قوله تعالى‪ {:‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون‬
‫بال} { فلول نفر من كل طائفة ليتفقهوا في الدين ويذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون}‪.‬‬

‫ثم جاء ال مر النبوي مؤكدا التكل يف الربا ني بالنهوض بوا جب الدعوة الى ال وال مر بالمعروف والن هي‬
‫عن المن كر والتوا صي بال حق والتوا صي بال صبر في قول الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬من رأى من كم‬
‫منكرا فليغيره بيده فان لم يسستطع فبلسسانه فان لم يسستطع فبقلبسه‪ ،‬وذلك أضعسف اليمان‪ ،‬وليسس وراء ذلك‬
‫حبة خردل من ايمان"‪.‬‬
‫ولقسد اكسد الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم وتشدد على ضرورة القيام بهذا الواجسب الذي يع تبر صسمام أمان‬
‫ولتنهونس عسن المنكسر‪ ،‬أو ليوشكسن ال ان يبعسث‬
‫ّ‬ ‫المجتمعات فقال‪ ":‬والذي نفسسي بيده لتأمرن بالمعروف‪،‬‬
‫علي كم عقا با م نه‪ ،‬ثم تدعو نه فل ي ستجاب ل كم" وقال‪ ":‬ل تزال ل اله ال ال تن فع من قال ها وت صرف عن هم‬
‫العذاب والنقمة مالم يستخفوا بها‪ ،‬قيل وما الستخفاف بها يا رسول ال؟ قال‪ :‬يظهر العمل بمعصية ال فل‬
‫ينكر ول يغير"‪.‬‬

‫ولقد أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث له الى أن من أهم أسباب هلك المم واقوى معاول‬
‫الهدم في ها تع طل وا جب ال مر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬فقال صلى ال عل يه وسلم‪ ":‬ان أول ما د خل‬
‫الن قص على بني اسرائيل‪ ،‬انه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا ودع ما تصنع فانه ل يحل لك‪ .‬ثم‬
‫يلقاه من الغد وهو على حاله‪ ،‬فل يمنعه ذلك أن يكون ذلك أكيله وشريبه وقعيده‪ .‬فلما فعلوا ذلك ضرب ال‬
‫قلوب بعضهم ببعض‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما‬
‫ع صوا وكانوا يعتدون‪ ،‬كانوا ل يتناهون عن من كر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" ثم قال‪ ":‬كل وال لتأمرن‬
‫بالمعروف ولتنهون عسن المنكسر ولتأخذن على يسد الظالم ولتأطرنسه على الحسق اطرا أو ليضربسن ال بقلوب‬
‫بعضكم على بعض‪ ،‬ثم يلعنكم كما لعنهم" رواه أبو داود‪.‬‬

‫ثم بيّن رسول ال صلى ال عليه وسلم من خلل مثال حي كيف تقع الكارثة حين يترك المر بالمعروف‬
‫والنهسي عسن المنكسر فسي المجتمسع فقال‪ ":‬مثسل القائم فسي حدود ال والواقسع فيهسا كمثسل قوم اسستهموا على‬
‫سفينة‪ ..‬ف صار بعض هم أعل ها وبعض هم ا سفلها‪ .‬وكان الذ ين في أ سفلها اذا ا ستقوا الماء مروا من على‬
‫فوق هم فقاولوا‪ :‬لو أن نا خرق نا في ن صيبنا خر قا‪ ،‬ولم نؤذ من فوق نا‪ .‬فان تركو هم و ما أرادوا هلكوا وهلكوا‬
‫جميعا‪ ،‬واذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" رواه البخاري‪.‬‬
‫وان على دعاة السلم أن يدركوا أن من أهم شرائط المر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكونوا قدوة‬
‫ل ما يدعون الناس ال يه‪ ..‬ل ما يأمرون هم به‪ ..‬ول ما ينهون هم ع نه‪ .‬فان خالف الف عل لو قل ب طل الع مل وذ هب‬
‫ال جر والعياذ بال تعالى‪ ..‬ولهذا ندد القرآن الكر يم بالذ ين يقولون مال يفعلون فقال‪ {:‬كبر مق تا ع ند ال أن‬
‫تقولوا ما ل تفعلون"‪.‬‬
‫ولقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم عن مصير أولئك الذين يخاف فعلهم قولهم فقال‪ ":‬يؤتى بالرجل يوم‬
‫القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه‪ ،‬فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى‪ ،‬فيجتمع اليه أهل النار‬
‫فيقولون‪ :‬يا فلن‪ :‬مالك؟ ألم ت كن تأ مر بالمعروف وتن هى عن المن كر؟ فقول‪ :‬بلى‪ ،‬ك نت آ مر بالمعروف ول‬
‫آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه"‪.‬‬
‫وفي وصية لعلي ابن أبي طالب رضي ال عنه وكرم ال وجهه يوصي الدعاة الى ال بأن يبدأوا بأنفسهم‬
‫هم تعلي ما وتهذي با ق بل أن يقوموا بتعل يم الناس وتهذيبهم فقال‪ ":‬من ن صب نف سه للناس اما ما فليبدأ بتعل يم‬
‫نفسه قبل تعليم غيره‪ ،‬وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه‪ ،‬ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالجلل من‬
‫معلم الناس ومهذبهم"‪.‬‬

‫والحافظون لحدود ال‬

‫أي القائمون على تنفيذ أوامر ال في أنفسهم ومجتمعهم‪..‬‬


‫واذا كا نت أوا مر ال تعالى ل يم كن تنفيذ ها على أك مل و جه بغ ير سلطان‪ ،‬أي بغ ير ح كم ا سلمي ودولة‬
‫اسلمية‪ ،‬وجب العمل من أجل ذلك لحفظ حدود ال‪.‬‬
‫ان حياة الدعاة يجب أن تسير في خطين متوازيين بالنسبة لحفظ حدود ال‪..‬‬
‫ال خط الول‪ :‬أن يحفظوا حدود ال في انف سهم وبيئت هم ما أمكن هم‪ ..‬وهذا مناط التكل يف الشخ صي الفردي‬
‫للمؤمن ين والمؤمنات و به جاءت اليان الكري مة‪ {:‬ان ما كان قول المؤمن ين اذا دعوا الى ال ور سوله ليح كم‬
‫بين هم أن يقولوا سمعنا وأطع نا وأولئك هم المفلحون} { و ما كان لمؤ من ول مؤم نة اذا ق ضى ال ور سوله‬
‫أمرا أن يكون ل هم الخيرة من أمر هم‪ ،‬و من ي عص ال ور سوله ف قد ضل ضلل مبي نا} وهذا ما حدد اطره‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم بقوله‪ ":‬الحلل بيّن والحرام بيّن‪ .‬وبينهما أمور مشتبهات‪ ،‬ل يعرفهن كثير من‬
‫الناس‪ .‬ف من ات قى الشبهات ف قد ا ستبرأ لدي نه وعر ضه‪ ،‬و من و قع في الشبهات و قع في الحرام‪ .‬كالرا عي‬
‫يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه‪ .‬ال وان لكل ملك حمى ال وان حمى ال محارمه‪ .‬ال وان في الجسد‬
‫مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب"‪.‬‬
‫ال خط الثا ني‪ :‬أن يبادروا بالع مل ل ما يح قق ح فظ حدود ال بالكل ية‪ ،‬أي باقا مة الدولة الم سلمة ال تي تح فظ‬
‫حدود ال باحتكامهسا الى شرعسه‪ ،‬وهذا مناط العمسل الجماعسي الذي ل يسسقط وجوبسه الربانسي عسن كاهسل‬
‫الم سلمين ح تى يتح قق ويح قق أغرا ضه أو يق ضي أ صحابه شهداء‪ {..‬فل ور بك ل يؤمنون ح تى يحكّموك‬
‫فيما شجر بينهم‪ ،‬ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"}‪.‬‬

‫الموضوع الثالث‬
‫زاد الدعاة‬

‫صم يوما شديد الحر ليوم النثور‪.‬‬


‫وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور‪.‬‬
‫وحج حجة لعظائم المور‪.‬‬
‫وقل كلمة حق وأمسك عن كلمة باطل‪.‬‬
‫وتصدق بصدقة واخفها‪.‬‬

‫ان الدعاة الى ال في دربهم الطويل وفي طريقهم الوعر‪ ،‬وفي مواجهة التحديات ولمحن‪ ،‬بحاجة الى شيء‬
‫أساسي ل غنى لهم عنه‪ ،‬ول ثبات لهم بدونه‪ ،‬بحاجة الى مدد من ال وعون منه‪..‬‬

‫وعندما اصطفى ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم لحمل الرسالة‪ ،‬تعهده في غار حراء‪ ،‬وصنعه على‬
‫عي نه‪ ،‬وأد به فأح سن تأدي به‪ ،‬وزوده ب ما يمك نه من حمل الما نة وتبل يغ الر سالة وابتعاث خ ير أ مة أخر جت‬
‫للناس { وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان‪ ،‬ولكن جعلناه نورا نهدي به‬
‫من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم صراط ال الذي له ما في السموات والرض‪ ،‬أل الى‬
‫ال تصير المور}‪.‬‬
‫واذا كان هذا حال سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكيف يجب أن يكون حال الدعاة من بعده؟ انهم أشد‬
‫حا جة الى أن يتزودوا ل سيرهم الطو يل‪ ،‬ويأخذوا بال سباب ال تي تعين هم على الم ضي على الجادة من غ ير‬
‫انحراف أو التواء‪..‬‬
‫ل قد بيّن ل نا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ابعاد الطر يق ومخاطره وبخا صة في آ خر الزمان فقال‪ ":‬يا‬
‫مع شر الم سلمين‪ ..‬شمّروا فان ال مر جد‪ ..‬وتأهبوا فان الرح يل قر يب‪ ..‬وتزودوا فان ال سفر بع يد‪..‬وخففوا‬
‫أثقال كم‪ ،‬فان وراء كم عق بة كؤودا ل يقطع ها ال المخففون‪ ..‬أي ها الناس‪ ..‬ان ب ين يدي ال ساعة أمورا شدادا‬
‫وأهوال عظا ما وزما نا صعبا يتملك ف يه الظل مة‪ ،‬ويت صدر ف يه الف سقة‪ ..‬فيضط هد ف يه المرون بالمعروف‬
‫ويضام الناهون عسن المنكسر‪ .‬فأعدوا لذلك اليمان‪ ..‬عضوا عليسه بالنواجسذ‪ ،‬والجأوا الى العمسل الصسالح‪،‬‬
‫وأكرهوا عليه النفوس‪ ،‬واصبروا على الضراء تفضوا الى النعيم الدائم"‪.‬‬

‫ثم ان الر سول صلى ال عل يه و سلم أشار الى الزاد الذي ي جب أن ي ستعيم به دعاة ال سلم على سفرهم‬
‫هذا؟ فقال لبي ذر سائل ‪ ":‬لو أردت سفرا أعددت له عدة؟ قال‪ :‬نعم ‪ .‬قال‪ :‬فكيف بسفر طريق القيامة؟ أل‬
‫أنبئك بما ينفعك ذلك اليوم؟ قال‪ :‬بلى بأبي أنت وامي يا رسول ال‪ .‬قال‪:‬‬
‫صم يوما شديد الحر ليوم النشور‪..‬‬
‫وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور‪..‬‬
‫وحج حجة لعظائم المور‪..‬‬
‫وتصدق بصدقة على مسكين‪..‬‬
‫أو كلمة حق تقولها‪..‬‬
‫أو كلمة شر تسكت عنها‪..‬‬
‫فلنتناول كل واحدة من هذه الوصايا بشيء من التقصيل‪..‬‬

‫صم يوما شديد الحر ليوم النشور‬

‫ان ها دعوة من ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل من سلك سبيل ال من المؤمن ين والدا عة الى ترو يض‬
‫النفس‪ ،‬وتعويدها على شظف العيش وخشونة الحياة‪ ،‬وحرمانها أحيانا مما تحب وتهوى حتى يسلس قيادها‬
‫ويسهل مقادها " تخوشنوا فان النعم ل تدوم"‪.‬‬
‫انه أسلوب عملي في التربية الربانية‪ ..‬أسلوب له اثره العميق في تهذيب النفس وتشذيبها‪ ،‬وفي تعبيدها ل‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫انه ل يكفي أن نؤمن بال ايمانا نظريا‪ ،‬أو نتكام عن التربية الربانية كلما ل يجاوز السن أو الذان‪ ..‬بل ل‬
‫بد من ممارسات عملية تستخلص النفس من أدرانها وشوائبها‪ ،‬وترتقي بها في مدارج الكمال‪..‬‬
‫يقويس الرادة‪ ،‬ويجعسل لليمان والتقوى قوامسة على الجسسد‬
‫ّ‬ ‫والصسوم أحسد أبرز الرياضات النفسسية‪ ..‬فهسو‬
‫وحاجته العضوية‪ ..‬بل يجعل الجسد مطية الروح‪..‬‬
‫فالبصوم يرهف الحس‪ ،‬ويتعاظم الشعور‪ ،‬ويصفو الفكر وتشف النفس‪..‬‬
‫ولهذا كان ثواب من صام ل ايما نا واحت سابا في أيام شديدة ال حر‪ ،‬أن يعاف يه ال من حر يوم القيا مة‪..‬‬
‫فالجزاء من ج نس الع مل‪ ،‬ان كان خيرا فخ ير‪ ،‬وان كان شرا ف شر ‪ {:‬ف من يع مل مثقال ذرة خيرا يره‪ ،‬و من‬
‫يعمل مثقال ذرة شرا يره}‪.‬‬
‫انه قياس مع الفارق الكبير والكبير جدا أن يقلس بين حر الدنيا وحر الخرة‪ ،‬وبين مشقة الصوم في يوم‬
‫حار ومشقة يوم النشور ولكنه كرم ال وفضله‪ {:‬يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ول يسأل‬
‫حميسم حميمسا‪ .‬يبصسرونهم يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيسه‪ ،‬وصساحبته وأخيسه‪ ،‬وفصسيلته التسي‬
‫تؤويسه‪ ،‬ومسن فسي الرض جميعسا ثسم ينجيسه‪ .‬كل انهسا لظسى‪ ،‬نزاعسة للشوى‪ ،‬تدعسو مسن أدبر وتولى وجمسع‬
‫فأوعى}‪.‬‬

‫فعسن عائشسة رضسي ال عنهسا قالت‪ ،‬سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول‪ ":‬يحشسر الناس يوم‬
‫القيامة حفاة عراة غرل‪ ..‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ :‬النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم الى بعض؟ قال صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ :‬يا عائ شة ال مر أ شد من أن ين ظر بعض هم الى ب عض" رواه البخاري‪ .‬و صدق ال تعالى ح يث‬
‫يقول‪ {:‬لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}‪.‬‬
‫ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ان العرق يوم القيامة ليذهب في الرض سبعين باعا‪ ،‬وانه ليبلغ الى‬
‫أفواه الناس‪ ،‬او الى آذانهم" رواه مسلم‪.‬‬
‫ويقول‪ ":‬فيكون الناس على أقدار أعمالهسم مسن العرق‪ :‬فمنهسم مسن يكون الى كعسبيه‪ ،‬ومنهسم مسن يكون الى‬
‫ركبتيه‪ ،‬ومنهم من يكون الى حقويه‪ ،‬ومنهم من يلجمه العرق الجاما" رواه مسلم‪.‬‬
‫هذا الكرب العظ يم يدف عه عن المؤ من صدق ايما نه‪ ،‬و صدق التزا مه بدي نه‪ ،‬وح سن ظ نه بال‪ ،‬وتقرّ به ال يه‬
‫بالصوم والصلة وسائر العبادات والطاعات‪ ..‬وهذا ما جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوصي عائشة‬
‫فيقول‪ ":‬أديمي يا عائشة قرع باب الجنة بالجوع"‪.‬‬
‫ولهذا ضاعسف ال أجسر الصسائمينن وأجزل لهسم الثواب فقسد جاء فسي الحديسث القدسسي‪ ":‬كسل عمسل ابسن آدم‬
‫يضاعف الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬الى سبعمائة ضعف‪ ،‬ال الصوم فانه لي وأنا أجزي به‪ ،‬يدع شهوته وطعامه‬
‫من أجلي"‪.‬‬
‫ول قد أشار ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الى مقام ال صائمين الذ ين ا ستعلوا على اهوائ هم وغرائز هم‬
‫ولجمو ها بلجام التقوى فقال‪ ":‬ان في الج نة با با يقال له الريّان‪ ،‬يدخل منه ال صائمون يوم القيا مة‪ ،‬ل يدخل‬
‫أحد غيرهم‪ ،‬فاذا دخلوا غلق فلم يخرج أحد"‪.‬‬

‫ثم يبين رسول ال صلى ال عليه وسلم كيف أن الصوم يكون حجابا بين صاحبه وبين النار فقال‪ ":‬ما من‬
‫عبد يصوم يوما في سبيل ال ال باعد ال بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا"‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس أن رسول ال بعث أ با موسى الشعري على سرية في الب حر‪ ،‬فبين ما هم كذلك قد رفعوا‬
‫القلع في ليلة مظلمة‪ ،‬اذا هاتف فوقهم يهتف‪ :‬يا أهل السفينة‪ ،‬قفوا أخبركم بقضاء قضاه ال على نفسه‪..‬‬
‫قال‪ :‬ان ال تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه ال يوم العطش"‬
‫الترغيب والترهيب‪.‬‬
‫وبيسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كيسف أن الصسوم يشفسع لصساحبه يوم الفزع الكسبر فقال‪ ":‬الصسيام‬
‫والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة‪ ،‬يقول الصيام‪ :‬أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني به‪ ،‬ويقول القرآن‪:‬‬
‫منعته النوم بالليل فشفعني به‪ .‬قال‪ :‬فيشفعان"‪.‬‬
‫فليجاهد الخ الداعية نفسه بالصوم فانه من أقوى عوامل تزكية النفس وتصفيتها لتقوى على المضي في‬
‫طريق القيامة في حفظ من ال وأمان‪..‬‬

‫وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور‬

‫وفي الوصية الثانية يحض رسول ال صلى ال عليه وسلم على صلة الليل‪ ،‬ويبيّن فضلها وعظيم أثرها‬
‫في الدنيا والخرة فيقول‪ ":‬وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور"‪.‬‬
‫كا نت صلة الل يل الوقود ال ساسي في مو كب النبوة الذي بدأ ب س { يا أي ها المز مل} وانت هى ب س { يا أي ها‬
‫المدثر قم فأنذر}‪.‬‬
‫ف صلة الل يل ل يعدل ها زاد ول مدد‪ ..‬ف هي ت مد المؤمن ين وترفد هم وتزود هم بطاقات وامكانات فوق م ستوى‬
‫الت صور والتقد ير‪ ..‬ذلك أن ها عطاء من ال وم نة م نه‪ ،‬و صدق ال تعالى ح يث يقول‪ ":‬ان ناشئة الل يل هي‬
‫أشد وطئا وأقوم قيل"‪.‬‬
‫ولقد بيّن لنا رسول ال ما لصلة الليل من فضل عميم فقال‪ ":‬عليكم بقيام الليل‪ ،‬فانه دأب الصالحين قبلكم‬
‫ومقر بة‪ ،‬ل كم الى رب كم‪ ،‬ومكفرة لل سيئات‪ ،‬ومنهات عن ال ثم‪ ،‬ومطردة للداء عن الج سد"‪ .‬رواه ال طبراني‬
‫والترمذي‪.‬‬
‫وروي أن جبريل جاء الى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ ":‬يا محمد عش ما شئت فانك ميت‪ ،‬واعمل ما‬
‫ي به‪ ،‬وأح بب من شئت فا نك مفار قه‪ ،‬واعلم أن شرف المؤ من قيام الل يل‪ ،‬وعزه ا ستغناؤه‬
‫شئت فا نك مجز ّ‬
‫عن الناس" رواه الطبراني‪.‬‬
‫ف صلة الل يل ت عد الخ الداع ية ليكون عبدا ربان يا‪ ،‬مو صول بال‪ ،‬مشرق الن فس‪ ،‬نيّر القلب‪ ،‬حا ضر الذ هن‪،‬‬
‫متقد الفكر‪.‬‬
‫والداع ية ان لم ي كن مت صفا بهذه ال صفات ف هو ل يس بداع ية‪ ..‬وبلء ال سلم اليوم في دعاة ل يس ل هم من‬
‫مواصفات الدعاة واخلق الدعاة سمات الدعاة شيء‪..‬‬

‫و صلة الليل ل ين مت اعتيادها من غير مجاهدة ن فس ومبارزة شيطان ومقاومة هوى‪ ،‬وبخاصة في أول‬
‫ال مر‪ ..‬فل قد ورد عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ا نه قال‪ ":‬اذا {اراد الع بد ال صلة من الل يل أتاه ملك‬
‫فيقول له‪ ،‬قم فقد أصبحت‪ ،‬فصل وارذكر ربك‪ ..‬فيأتيه الشيطان فيقول‪ ،‬عليك ليل طويل وسوف تقوم‪ ،‬فان‬
‫قام فصلى أصبح خفيف الجسم قرير العين‪ ،‬وان هو أطاع الشيطان حتى أصبح بال في أذنه"‪.‬رواه الطبراني‪.‬‬

‫ولقد ربط رسول ال صلى اللهعليه وسلم بين القيام في ظلمة الليل وبين النس في وحشة القبور‪ ":‬وصل‬
‫ركعت ين في ظل مة الل يل لوح شة القبور" فالذي أنار ليله بعبادة ال وطاع ته كان ح قا على ال أن ين ير قبره‬
‫بفضله ورحمته‪.‬‬
‫ل ما أجزل العطاء‪ ،‬أن يكون ثواب الع بد من ر به لركعات قام ها في ال يل نجا ته من عذاب ال قبر‪ ..‬و من‬
‫ظلمته ووحشته وغربته؟‬
‫وأية وحشة هي تلك الوحشة التي ينجو منها من تتجافى جنوبهم عن المضاجع‪..‬‬
‫ول قد تحدث رسول ال صلى ال عل يه وسلم عن القبر وعذا به فقال‪ ":‬ان ال قبر أول منازل الخرة‪ ،‬فان ن جا‬
‫منه صاحبه فما بعده أيسر منه‪ ،‬وان لم ينج منه فما بعده أشد"‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ ":‬أول ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول‪ :‬أنا بيت الدود وبيت الغربة وبيت الظلمة‪ ،‬هذا ما أعددت‬
‫لك فماذا أعددت لي"‪.‬‬
‫وقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬اذا مات الع بد أتاه ملكان أ سودان أزرقان يقال له ما من كر ونك ير‪..‬‬
‫فيقولن له ما ك نت تقول في ال نبي؟ فان كان مؤم نا‪ ،‬قال هو عبدال ور سوله أش هد أن ل اله ال ال وأن‬
‫محمدا ر سول ال‪ .‬فيقولن‪ :‬ا نا ك نا نعلم أ نك تقول ذلك‪ .‬ثم يف سح له في قبره سبعون ذرا عا في سبعين‬
‫ذراع‪ ،‬وينوّر له فسي قسبره‪ ..‬وان كان منافقسا قال‪ :‬ل أدري كنست أسسمع الناس يقولون شيئا وكنست أقوله‪.‬‬
‫فيقولن‪ ،‬انا كنا نعلم أنك تقول ذلك‪ ،‬ثم يقال للرض التئمي عليه حتى تختفي أضلعه"‪.‬‬
‫ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يؤتى الرجل في قبره – أي بالتضييق‪ -‬فاذا أتي من قبل يديه دفعته‬
‫الصدقة‪ ..‬واذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه الى المساجد"‪.‬‬
‫ولقد حدث رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صحف موسى فقال‪ ":‬كانت صحف عبرا كلها‪ :‬عجبت لمن‬
‫أيقن بالموت ثم هو يفرح‪ ،‬عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك‪ ،‬عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب‪،‬‬
‫عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن اليها‪ ،‬عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم ل يعمل"‪.‬‬

‫وحج حجة لعظائم المور‬


‫والشحنة اليمانية الثالثة التي يجب أن يتزود بها دعاة السلم وهم في سيرهم على درب الخرة هي حج‬
‫بيت ال تعالى‪..‬‬
‫فمناسك الحج من أقوى المولدات الربانية التي تمد الدعاة الى ال بطاقات ايمانية هائلة‪ ،‬وتنقّي أنفسهم من‬
‫رجس الجاهلية ومضلت الهوى‪ ..‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬من حج فلم يرفث‬
‫ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه‪ .‬ويقول‪ ":‬العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما‪ ،‬والحج المبرور‬
‫ليس له جزاء ال الجنة"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫ولهذا فرض ال تعالى على عباده حج بي ته‪ ..‬وجعله أ حد أركان ال سلم‪ ،‬فقال تعالى‪ {:‬ول على الناس حج‬
‫البيت من استطاع اليه سبيل‪ ،‬ومن كفر فان ال غني عن العالمين}‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬بني السلم على خمس‪ ":‬شهادة أن ل‬
‫اله ال ال‪ ..‬وأن محمدا رسسول ال‪ ..‬واقام الصسلة‪ ..‬وايتاء الزكاة‪ ..‬وصسوم رمضان‪ ..‬وحسج بيست ال‬
‫الحرام"‪.‬‬
‫وروي عن علي أنه قال ‪ ":‬من قدر على الحج فتركه فل عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"‪.‬‬
‫ان قول الر سول صلى ال عل يه و سلم ل بي ذر في و صيته‪ ":‬و حج ح جة لعظائم المور" يف يد ال حض على‬
‫التطوع فضل عن الفريضة‪ ..‬فقد سن الرسول الكثار من الحج والعمرة تطوعا لما ثبت في الصحاح عن‬
‫أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ ،‬قال صلى ال عل يه و سلم ‪ ":‬يا أي ها الناس‪ ،‬ان ال قد فرض علي كم ال حج‬
‫فحجوا‪ .‬فقال رجل‪ ،‬أكل عام يا رسول ال؟ فسكت حتى قالها ثلثا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لو‬
‫قلت ل كم ن عم لو جب ول ما ا ستطعتم‪ .‬ثم قال‪ ،‬ذرو ني ما ترك تم‪ ،‬فان ما هلك من كان قبل كم بكثرة سؤالهم‪،‬‬
‫واختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬فاذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم‪ ،‬واذا نهيتكم عن شيء فدعوه"‪.‬‬

‫في ضيافة الرحمن‬

‫ان من تكريم ال تعالى لحجاج بيته وعماره‪ ،‬أنه وعدهم الحسنى والمغفرة‪ ،‬واعتبرهم وفده وضيوفه لما‬
‫روي عن رسسول ال صلى ال عل يه وسسلم قوله‪ ":‬الحجاج والعمار وفسد ال عسز و جل وزواره‪ ،‬ان سسألوه‬
‫أعطاهم وان استغفروه غفر لهم‪ ،‬وان دعوا استجيب لهم" ابن حبان‪.‬‬
‫فأكرم بها من ضيافة‪ ..‬وأكرم بها من وفادة‪ ،‬في رحاب البيت العتيق‪ ،‬وفي ظل رحمة ال تعالى ورضوانه‪،‬‬
‫و في البق عة المبار كة ال تي ه بط في ها الو حي ودر جت علي ها أقدام النبوة وحفت ها ملئ كة ال سماء‪ ..‬والى هذا‬
‫أشار الرسول صلى ال عل يه وسلم بقوله‪ ":‬ان ال عز و جل قد وعد هذا الب يت أن يح جه كل سنة ستمائة‬
‫ألف‪ ،‬فان نقصوا أكملهم ال عز وجل من الملئكة" وقال عليه الصلة والسلم‪ ":‬ينزل على هذا البيت في كل‬
‫يوم مائة وعشرون رحمسة‪ ..‬سستون للطائفيسن‪ ..‬وأربعون للمصسلين‪ ..‬وعشرون للناظريسن" رواه ابسن حبان‬
‫والبيهقي‪.‬‬

‫الحرام والتلبية‬
‫فبالحرام‪ ..‬ينسلخ المؤمن من السباب التي تشده الى ترابيته‪ ..‬فينضي حيا بكفن الموات‪ ،‬يتساوى مع‬
‫سائر خلق ال‪ ..‬فل مقامات ول وجاهات‪ ،‬وان ما سواسية كأ سنان الم شط‪ ..‬يم ضي أش عث أ غبر ملب يا نداء‬
‫الرح من‪ ،‬مرددا" لب يك الل هم لب يك‪ ..‬لب يك ل شر يك لك لب يك‪ ..‬ان الح مد والنع مة لك والملك‪ ،‬ل شر يك لك"‬
‫يرددها وهو خائف وجل أن يقال له‪ ":‬ل لبيك ول سعديك" فقد روي عن علي بن الحسين رضي ال عنهما‬
‫لما أرحم للحج واستوت به راحلته‪ ،‬اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي‪ .‬فقيل له‪،‬‬
‫لم ل تلبي؟ فقال‪ ":‬أخشى أن يقال لي ل لبيك ول سعديك" عن سفيان بن عيينة‪..‬‬

‫الطواف‬

‫وبالطواف‪ ..‬يتحقسق التصسال بالمل العلى‪ ..‬فتحاكسي الروح ملئكسة ال الحافيسن حول العرش{ وترى‬
‫الملئكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم‪ ،‬وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب العالمين}‪.‬‬

‫الستلم‬

‫وأ ما ا ستلم الح جر ال سود فيدرك الداع ية أ نه مبا يع ل عز و جل على طاع ته وعلى الجهاد في سبيله‪..‬‬
‫وان ها بي عة ثقيلة { ف من ن كث فان ما ين كث على نف سه‪ ،‬و من أو فى ب ما عا هد عل يه ال ف سوف يؤت يه أجرا‬
‫عظيما}‪.‬‬
‫وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬الحجر السود يمين ال عز وجل في الرض يصافح‬
‫به خلقه‪ ،‬كما يصافح الرجل أخاه"‪ .‬حديث ابن حبان‪.‬‬

‫التعلق بأستار الكعبة‬

‫وأ ما التعلق بأ ستار الكع بة ف هو انك سار الحاج ب ين يدي ال تعالى والحا جة الى طلب عفوه ورضاه‪ ..‬فقال‬
‫تعالى‪ {:‬ادعوا ربكم تضرّعا وخفية} وقال‪ {:‬أدعوني أستجب لكمْ‪.‬‬
‫وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ ":‬اذا أحب ال عبدا ابتله حتى يسمع تضرّعه" مسند الفردوس‬
‫للديلمي‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فان ال ل يتعاظمه شيء" ابن حبان‪.‬‬

‫السعي‬

‫وأ ما ال سعي فا نه شدة الحاح المؤ من في ا ستمطار رح مة ال عل يه‪ ..‬ف في ترداده للدعاء المأثور " رب‬
‫اغ فر وار حم وتجاوز ع ما تعلم ا نك أ نت ال عز الكرم‪ ..‬رب نا آت نا في الدن يا ح سنة و في الخرة ح سنة وق نا‬
‫عذاب النار" شعور بالصراعة بين يدي قوي عزيز‪.‬‬

‫الوقوف بعرفة‬

‫وأما الوقوف بعرفة‪ ..‬فيجب أن يهز النفس هزا ويشدها شدا لتذكر يوم الحسر{ ونفخ في الصور فاذا هم‬
‫من الجداث الى ربهم ينسلون} { وان كانت ال صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون}‪.‬‬
‫ولهذا كان المو قف في عر فة ل يضار عه مو قف‪ ..‬بل لهذا قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬ال حج‬
‫عرفة" وقال‪ ":‬ان من الذنوب ذنوبا ل يكفرها ال الوقوف بعرفة"‪.‬‬

‫روي عن أحد الصالحين‪" ..‬ان ابليس ظهر له في صورة شخص بعرفة‪ ،‬فاذا هو ‪ :‬ناحل الجسم‪ ،‬مصفر‬
‫اللون‪ ،‬باكي العين‪ ،‬مقصوف الظهر‪ ،‬فقال له‪ :‬ما الذي أبكى عينك؟ قال‪ :‬خروج الحاج اليه بل تجارة‪ ..‬قال‪:‬‬
‫فما الذي أنحل جسمك؟ قال‪ :‬صهيل الخيل في سبيل ال ولو كانت في سبيلي كان أحب ال يّ‪ .‬قال‪ :‬فما الذي‬
‫غير لونك؟ قال‪ :‬قول العبد‪ ،‬أسألك حسن الخاتمة"‪.‬‬

‫رمي الجمار‬

‫وأ ما ر مي الجمار ف هو ت صميم من الداع ية على محار بة الشيطان وحز به‪ ،‬ومجان بة الهوى‪ ،‬وال ستقامة‬
‫على شرع ال‪..‬‬
‫انه توطيد العزم على المضي في طريق الحق والهدى ل يضره من خالفه حتى يأتي أمر ال‪..‬‬
‫انه العهد على افراغ الجهد‪ ،‬قول وعمل وجهادا‪ ،‬لتكون كلمة ال هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى‬
‫{ ألم أعهد يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين‪ ،‬وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم‪ ،‬ولقد‬
‫أضل منكم جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}‪.‬‬

‫الذبح‬

‫وأ ما ذ بح الهد يْ‪ ..‬ف هو قر بى الى ال تعالى من جا نب‪ ،‬وترج يع في الن فس لق صة ابراه يم الخل يل عل يه‬
‫ال سلم اذ قال لبنه‪ {:‬يا اب ني اني أرى في المنام أني أذب حك‪ ،‬فان ظر ماذا ترى؟ قال‪ :‬يا أ بت افعل ما تؤمر‬
‫ستجدني ان شاء ال من الصابرين}‪.‬‬
‫وما أحوج دعاة السلم اليوم الى أن يسترجعوا هذه الحوادث والموا قف اليمانية الفريدة‪ ..‬فهي تمثل قمة‬
‫الرضسى والقبول بقضاء ال تعالى حيسق يقول‪ {:‬مسا كان لمؤمسن ول مؤمنسة اذا قضسى ال ورسسوله أمرا أن‬
‫يكون لهم الخيرة من أمرهم‪.}..‬‬

‫وتصدق بصدقة واخفيها‬

‫والوصية الرابعة التي أوصى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم قوله‪ ":‬وتصدق بصدقة واخفها"‪.‬‬
‫ان الو صايا الثلث ال سابقة‪ ،‬تتعلق بالن فس ومجاهدت ها وتزكيت ها‪ ،‬لتكون نف سا ربان ية تف يض بالخ ير والنور‬
‫والهدى والطهسر على الناس‪ ،‬وتمشسي فيهسم بالحسق‪ ..‬أمسا الوصسية الرابعسة فهسي دعوة الى ترجمسة التزكيسة‬
‫النفسية الى عمل‪ ،‬والى تحويل اليمان الى فعل ايمان‪..‬‬
‫ويبدو أن النفاق فسي سسبيل ال‪ ،‬والجهاد بالمال‪ ،‬أصسدق دليسل على عافيسة النفسس وصسحتها‪ ..‬وأن الشسح‬
‫والبخل والمساك دليل مرضها وسقمها‪..‬‬
‫ولهذا جاءت صفة النفاق ملزمة لصفة اليمان في أكثر من آية‪ ،‬بل فيد عدد كبير من اليات القرآنية‪ ،‬من‬
‫ذلك قوله‪ {:‬الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون} البقرة ‪ .2‬وقوله‪ {:‬الذين يقيمون‬
‫ال صلة وم ما رزقنا هم ينفقون} النفال ‪ 3‬وقوله‪ {:‬الذ ين اذا ذ كر ال وجلت قلوب هم‪ ،‬وال صابرين على ما‬
‫أصابهم‪ ،‬والمقيمي الصلة‪ ،‬ومما رزقناهم ينفقون} الحج ‪.34‬‬

‫وفي آيات أخرى حض القرآن الكريم على النفاق كوسيلة لتربية النفس على حب الخير وايثار الخرين‬
‫وبذل المعروف وتحسس اللم‪ ،‬فقال تعالى‪ {:‬يا أيها الذ ين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم وم ما أخرج نا‬
‫لكم من الرض‪ ،‬ول تيمموا الخبيث منه تنفقون} البقرة ‪ 267‬وقال‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم‬
‫من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة} البقرة ‪.254‬‬
‫وهكذا يح فل القرآن الكر يم بعدد كبير من اليات ال تي ت حض المؤمن ين على النفاق م ما يؤ كد أن بذل المال‬
‫وانفاقه في سبيل ال أحد أبرز الثار الدالة على اليمان‪..‬‬

‫ان على دعاة السلم‪ ،‬وهم يبذلون الكلمة الطيبة للناس من أفواههم وقلوبهم‪ ،‬أن يلبوا نداء الجهاد بالبذل‬
‫مسن جيوبهسم‪ ،‬كيمسا يتلزم الجهادان‪ ،‬جهاد النفسس وجهاد المال‪ {:‬ان ال اشترى مسن المؤمنيسن أنفسسهم‬
‫وأموالهم بأن لهم الجنة}‪.‬‬
‫والذ ين تف يض نفو سهم خيرا‪ ،‬و جب أن تف يض جيوب هم سخاء وعطاء‪ ..‬ف سماحة ال يد من سماحة الن فس‪،‬‬
‫وامساك اليد من امساك النفس وضيقها‪..‬‬

‫ان جهاد اللسان سهل وقد ينهض به الكثيرون من غير عناء‪ ..‬بل قد يقبل عليه كل من يطمع بالحظوة‬
‫والوجاهة بين الناس‪ ..‬أما جهاد المال فصعب على الفنوس المشدودة الى الرض التي تخاف النفاق خشية‬
‫الفقر‪ ،‬وصدق ال تعالى حيث يقول‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من‬
‫الرض ول تيمموا الخسبيث منسه تنفقون‪ ،‬ولسستم بآخذيسه ال أن تغمضوا فيسه واعلموا أن ال غنسي حميسد‪.‬‬
‫الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم مغفرة منه وفضل وال واسع عليم‪ .‬يؤتي الحكمة من‬
‫يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر ال أولوا اللباب‪ ..‬وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من‬
‫نذر فان ال يعل مه و ما للظالم ين من أن صار‪ .‬ان تبدوا ال صدقات فنعمّا هي‪ ،‬وان تخفو ها وتؤتو ها الفقراء‬
‫فهو خير لكم‪ ،‬ويكفر عنكم من سيئاتكم وال بما تعملون خبير} البقرة ‪.271-267‬‬
‫ولهذا جاء وصف المؤمنين في كتاب ال {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} {ويطعمون الطعام على حبه‬
‫مسكينا ويتيما وأسيرا انما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا}‪.‬‬

‫وان مسن لتوجيهات النبويسة فسي بيان عاقبسة البخسل والكرم ومقام الممسسك والمنفسق قوله صسلى ال عليسه‬
‫و سلم‪ ":‬كل يوم ينزل ملكان من ال سماء يقول أحده ما‪ :‬الل هم أ عط منف قا خل فا‪ ،‬ويقول ال خر‪ :‬الل هم أ عط‬
‫ممسكا تلفا"‪ .‬وعنه صلى ال عليه وسلم في الحديث القدسي‪ ":‬انفق يا ابن آدم ينفق ال عليك" وصدق ال‬
‫العظيم حيث يقول{ لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد}‪.‬‬

‫وقل كلمة حق أو أمسك عن كلمة باطل‬


‫والو صية الخام سة والخيرة من حد يث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل بي ذر تتعلق بالل سان وأثره‬
‫وخطره‪ ،‬ولزوم حف ظه و صونه‪ ،‬ومراقب ته ودوام الحذر م نه‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬ما يل فظ من قول ال لد يه رق يب‬
‫عتيد}‪.‬‬
‫فالل سان على الرغم من أ نه أ صغر ع ضو في ج سم النسان‪ ،‬ال أن خطره كبير وشره م ستطير ان لم يل جم‬
‫بلجام التقوى‪..‬‬
‫فكم من مقامات سقطت الى الدركات بسبب من زلت اللسان؟‬
‫وكم من فتن وقعت وخلفات استشرت وأحقاد انتشرت وكوارث حلت بسبب من حصائد اللسن " وهل يكب‬
‫الناس على وجوههم في جهنم ال حصائد ألسنتهم"؟‬
‫ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحذر من خطر اللسان فيقول‪ ":‬من كان يؤمن بال واليوم الخر‬
‫فلي قل خيرا أو لي صمت" البخاري وم سلم‪ ،‬ويقول‪ ":‬ان الع بد ليتكلم بالكل مة ما ي تبين في ها يزل ب ها الى النار‬
‫أبعد مما بين المشرق والمغرب" البخاري ومسلم‪.‬‬

‫وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يو صي الم سلمين بعدم الكثار من الكلم‪ ..‬وح فظ الل سان ع نه ال‬
‫كل ما تظ هر الم صلحة ف يه‪ ..‬وم تى ا ستوى الكلم وتر كه في الم صلحة فال سنة الم ساك ع نه‪ ،‬ل نه قد ي جر‬
‫صساحبه الى مسا هو حرام ومكروه‪ ،‬وال سلمة ل يعدلهسا ش يء‪ .‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه وسسلم‪ ":‬ل‬
‫تكثروا الكلم بغير ذكر ال‪ ،‬فان كثرة الكلم بغير ذكر ال تعالى قسوة للقلب‪ ،‬وان ابعد الناس من ال تعالى‬
‫ذو القلب القاسي" الترمذي‪.‬‬

‫ولقد بيّن رسول ال ما للسان من أثر على النسان وعلى سلوكه وتصرفاته‪ ،‬وان في استقامته استقامة‬
‫الجسسد كله‪ ،‬وفسي انحرا فه انحراف الج سد كله‪ ،‬فقال‪ ":‬اذا أ صبح ا بن آدم فان العضاء كل ها تك فر اللسسان‬
‫تقول‪ :‬اتق ال فينا‪ ،‬فانما نحن بك‪ ،‬فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا"‪ .‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫فو صية ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في شطر ها الول " و قل كل مة حق" ان ما هي تحر يض على قول‬
‫الحق‪ ..‬ومن أولى من دعاة السلم بقولة الحق؟‬
‫ان ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر من قول ال حق‪ ،‬يجدر بدعاة ال سلم أن يقوموا به لقوله صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ":‬كل كلم ا بن آدم عل يه ل له ال أمرا بمعروف‪ ،‬أو نه يا عن من كر‪ ،‬أو ذكرا ل تعالى" الترمذي‬
‫وابن ماجه‪.‬‬
‫ودوام ذكر ال تعالى والثناء عليه وطلب رضوانه وغفرانه من قول الحق‪ ،‬وحر يّ بدعاة السلم أن يعودوا‬
‫أنفسهم عليه ليكونوا معنيين بقوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ان العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان ال تعالى ما‬
‫يلقي لها بال يرفع ال بها درجات" البخاري‪.‬‬
‫والنصح للمسلمين والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من قول الحق حر يّ بدعاة السلم ان ينهضوا بها‬
‫لقوله تعالى‪ {:‬والعصر ان النسان لفي خسر ال الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}‪.‬‬
‫وال صدع بال حق في وجوه الطغاة والمف سدين‪ ،‬من قول ال حق الذي أ مر ال به ور سوله‪ ،‬فقال تعالى‪ {:‬و قل‬
‫ال حق من رب كم ف من شاء فليؤ من و من شاء فليك فر} وقال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬أمرت أن أقول ال حق ل‬
‫أخشى في ال لومة لئم" وقال‪ ":‬أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"‪.‬‬
‫أما الشطر الثاني من وصية الرسول صلى ال عليه وسلم وهو قوله‪ ":‬أو كلمة شر تسكت عنها" فهي دعوة‬
‫الى حفظ اللسان عن أن يرتع في الحرام والشبهات والسيئات‪ .‬ودعاة السلم أحوج الناس الى حفظ ألسنتهم‬
‫عن كل ما يؤدي الى سفهها وانحرافها وسقوطها‪.‬‬
‫ان عليهم أن يصونوا ألسنتهم عن غيبة الخرين في دينهم أو أبدانهم أو أعراضهم أو خلقهم أو دنياهم أو‬
‫سائر ت صرفاتهم سواء كا نت فيهم هذه الخ صال أم لم ت كن‪ ..‬ولي سمعوا الى و صية ر سولهم صلى ال عل يه‬
‫و سلم في ح جة الوداع ح يث ب\يقول‪ ":‬ان دماء كم وأموال كم وأعراض كم حرام علي كم كحر مة يوم كم هذا في‬
‫بلدكم هذا‪ ،‬أل هل بلغت" البخاري مسلم ويقول‪ ":‬كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"‪.‬‬
‫ك ما أن علي هم أن يحذروا النمي مة فان ها مجل بة للف تن وموق عة للشحناء والبغضاء‪ ،‬مجل بة ل سخط ال تعالى‪،‬‬
‫فقد قال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ل يدخل الجنة نمام"‪ .‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ودعاة السلم أولى الناس باجتناب فاحش الكلم وبذيئه لقوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ليس المؤمن الطعان‬
‫ول اللعان ول الفاحش ول البذيء" الترمذي‪.‬‬

‫ودعاة ال سلم أولى الناس بالحذر من ال سخرية وال ستهزاء بالخر ين ا ستجابة ل مر ال تعالى { يا أي ها‬
‫ن خيرا منهنّ‬
‫الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهن ول نساء من نساء عسى أن يك ّ‬
‫ول تلمزوا أنفسكم ول تنابذوا باللقاب‪ ،‬بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}‪.‬‬
‫ودعاة السسلم أولى الناس بحفسظ ألسسنتهم مسن عادة التقعّر باللسسان‪ .‬والتقعّر هسو التشدق وتكلف السسجع‬
‫والف صاحة وت صنّع زخرف القول لقوله صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬ان ال يب غض البل يغ من الرجال الذي يتخلل‬
‫س وأبعدكسم منسي يوم القيامسة الثرثارون‬
‫بلسسانه كمسا تتخلل البقرة" الترمذي‪ ،‬ولقوله‪ ":‬وان أبغضكسم الي ّ‬
‫والمتشدقون والمتفيقهون" الترمذي‪.‬‬

‫ودعاة ال سلم أولى الناس بح فظ ال سنتهم عن قول الزور الذي اع تبره ال سلم من الكبائر لقول الر سول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول ال قال‪ :‬الشراك بال‪ ،‬وعقوق الوالدين‪،‬‬
‫وكان متكئا فجلس فقال‪ :‬أل وقول الزور وشهادة الزور‪ ،‬فمسا زال يكررهسا حتسى قلنسا ليتسه سسكت"‪ .‬البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫ودعاة ال سلم أولى الناس بالمحاف ظة على د ين الم سلمين وعدم تجريح هم أو تكفير هم لقول الر سول صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ":‬اذا قال الر جل لخ يه‪ :‬يا كا فر ف قد باء ب ها أحده ما‪ ،‬فان كان ك ما قال وال رج عت عل يه"‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ودعاة ال سلم أولى الناس بتحري صادق الكلم‪ ،‬خش ية الوقوع في ما يع تبر كذ با‪ .‬ف قد قال ر سول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ":‬كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫انه ل يليق بألسنة الدعاة التي تلهج بذكر ال تعالى أن تتحرك بما يسخطه!‪.‬‬
‫وان الفواه التي أرادها ال تعالى مستودعا للعلم والطهر والكلم الطيب يجب أن يصونها الدعاة من الدنس‬
‫والعهر والكلم السيء‪.‬‬
‫وصدق ال تعالى حيث يقول‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم‪ ،‬ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"‪.‬‬
‫الموضوع الرابع‬

‫قوارب النجاة في حياة الدعاة‬

‫قارب معرفة ال‬


‫قارب عبادة ال‬
‫قارب ذكر ال‬
‫قارب الخوف من ال‬
‫قارب مراقبة ال‬
‫قارب حب ال‬
‫قارب الخلص ل‬
‫قارب الرضى‬
‫قارب حب ال وصحابته‬

‫قوارب النجاة في حياة الدعاة‬

‫حياة الدعاة‪ ،‬حياة معاناة‪ ..‬معاناة مع النفس والناس‪ ..‬مع أبناء السلم ومع أعداء السلم‪..‬‬
‫والدعوة الى السلم‪ ،‬دعوة جهاد وكفاح‪ ..‬لتكون كلمة ال هي العليا‪ ،‬وكلمة الذين كفروا هي السفلى‪..‬‬
‫والدعوة والدعاة في صراعهم مع البا طل‪ ،‬اش به ب سفينة و سط أمواج عات ية { أو كظلمات في ب حر لج يّ‬
‫يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب‪ .‬ظلمات بعضها فوق بعض‪ ،‬اذا أخرج يده لم يكد يراها‪ .‬ومن لم‬
‫يجعل ال له نورا فما له من نور} ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجأر يوم بدر بالدعاء الى ال‬
‫وهو يقول‪ ":‬اللهم نصرك الذي وعدتنا‪ ..‬اللهم ان تهلك هذه العصابة لن تعبد في الرض"‪.‬‬

‫ولقسد قي ّض ال للدعاة قوارب للنجاة‪ ،‬وسسط هذه المهاك‪ ،‬ان هسم اسستهموها أقلتهسم الى شاطسئ المان‪،‬‬
‫وأنجت هم من الت يه والشرود والضياع { أمّن يج يب المض طر اذا دعاه ويك شف ال سوء ويجعل كم خلفاء في‬
‫الرض؟ أله مسع ال؟ تعالى ال عمسا يشركون} { ال ولي الذيسن آمنوا يخرجهسم مسن الظلمات الى النور‪،‬‬
‫والذين كفروا أولئاؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات‪ ،‬أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‪.‬‬

‫واليكم بعض هذه القوارب التي أعدها ال لعباده المتقين وأنعم بها على دعاته المخلصين‪:‬‬

‫قارب معرفسة ال تعالى‪ :‬وهسو قارب النجاة مسن كسل ضللة وانحراف‪ ..‬فالذي يعرف ال تعالى يعرف بالتالي‬
‫الطريق الى كل خير‪ ،‬ويجتنب بالتالي أسباب الوقوع في الشر‪..‬‬
‫فمعر فة ال أول طر يق ال سالكين‪ ..‬ومنطلق سبيل الم سترشدين‪ ..‬والح صانة من كل سوء‪ ،‬والمان من كل‬
‫زيغ‪ ..‬وهذا صميم معنى قوله تعالى على لسان نبيه‪ ":‬يا ابن آدم ‪ ،‬اطلبني تجدني‪ ..‬فان وجدتني وجدت كل‬
‫شيء‪ ..‬وان فتك فاتك كل شيء‪ ..‬وأنا أحب اليك من كل شيء"‬
‫ومعرفة ال تعالى انما تتحقق وتتزايد وتتعمق‪ ،‬بتزايد الطلع على خلقه‪ ،‬والدراك لصنعه وقدرته وفضله‬
‫وآياته البينات فيما كان وفيما سيكون‪ {:‬يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له‪ ..‬ان الذين تدعون من دون‬
‫ال لن يخلقوا ذبا با ولو اجتمعوا له‪ .‬وان ي سلبهم الذباب شيئا ل ي ستنقذوه م نه‪ ،‬ض غف الطالب والمطلوب‪..‬‬
‫ما قدروا ال حق قدره‪ ،‬ان ال لقوي عزيز}‪ { .‬وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة‬
‫والسموات مطويات بيمينه‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يشركون}‪.‬‬

‫والدعاة الى ال ي جب أن يقدروا ال حق قدره‪ ..‬ويعرفوه حق معرف ته‪ ..‬يعرفوا طر يق الو صول ال يه‪،‬‬
‫والتقرب الى جلله‪ ..‬يعرفوا ما يرض يه وي سخطه‪ ،‬و ما يدني هم م نه‪ ،‬و ما يبعد هم ع نه‪ ..‬يعرفوا ذلك‪ ،‬ل يس‬
‫لذات المعرفة وانما للتقيد واللتزام لتزكية النفس وتخليتها وترقيتها حتى تبلغ درجة الربانية { ولكن كونوا‬
‫ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}‪ .‬آل عمرن ‪.79‬‬
‫من أجل ذلك كان مقام العارفين عند ال عظيما وأجرهم كبيرا مصداقا لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪":‬‬
‫أكثر أهل الجنة البله‪ ،‬وعليّون لذوي اللباب" متفق عليه‪.‬‬

‫سن الفات‬
‫سبيل النجاة مس‬
‫سر الضللت‪ ،‬وسس‬
‫سي بحس‬
‫سن الغرق فس‬
‫سو قارب النجاة مس‬
‫قارب عبادة ال تعالى‪ :‬وهس‬
‫والنحرافات‪ ..‬فالعبادة واحسسانها والدوام عليهسا والكثارمنهسا‪ ،‬تنظسم الصسلة بال وتحسسنها وتديمهسا‪..‬‬
‫والموصول بال يبقى على مدد من ال وعون منه وعناية‪..‬‬
‫وم ثل المو صول بال كم ثل الطائرة الم سترشدة في طيران ها ببرج المراق بة‪ ،‬فاذا انقط عت هذه ال صلة تا هت‬
‫الطائرة فسي الفضاء وانحر فت عسن خط سيرها‪ ،‬وتعرضست للخطار والمهالك أو كم ثل السسفينة المو صولة‬
‫بنقطة المراقبة في الميناء‪ ،‬اذا انقطعت صلتها تاهت في البحار وغرقت في لجة ليس لها قرار‪..‬‬
‫ولهذا كان من عطاء ال لخل قه‪ ،‬و من منّه وكر مه علي هم‪ ،‬أن ن ظم ل هم وفرض علي هم خ مس مواع يد‪ ،‬في‬
‫اليوم والليلة‪ ،‬لتأك يد ال صلة به‪ ،‬تحفظ هم على تبا عد فترات ها من الضياع سحابة نهار هم‪ ..‬ك ما حث هم الى‬
‫الستزادة من هذه الصلة تنفل في الليل والنهار‪ ،‬صلة وصيام وزكاة وحج‪..‬‬
‫والى ذلك يش ير ال تعالى على ل سان نبيه‪ ":‬من عادى لي ول يا ف قد آذن ته بالحرب‪ ..‬و ما تقرب ال يّ عبدي‬
‫بش يء أ حب الي م ما افترض ته عل يه‪ ،‬و ما زال عبدي يتقرّب ال يّ بالنوا فل ح تى أح به‪ ..‬فاذا أحبب ته ك نت‬
‫سمعه الي ي سمع به‪ ..‬وب صره الذي يب صر به‪ ..‬ويده ال تي يب طش ب ها‪ ..‬ورجله ال تي يم شي ب ها‪ ..‬وان‬
‫سألني لعطيّنه‪ ..‬ولن استعاذ بي لعيذنّه‪ ..‬و ما ترددت عن شيء أ نا فاعله‪ ،‬ترددي عن نفس المؤ من‬
‫يكره الموت وأنا أكره مساءته"‬

‫قارب ذكسر ال ‪ :‬وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر الشكوك والوسساوس والقلق والضطراب وسسائر‬
‫المراض النفسية‪..‬‬
‫ان ذكسر ال يبعسث على الطمأنينسة والسسكينة والثقسة والرتياح‪ .‬وصسدق ال تعالى حيسث يقول‪ {:‬فاذكرونسي‬
‫أذكركم واشكروا لي ول تكفرون} { ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكى} { الذين آمنوا وتطمئن‬
‫قلوب هم بذ كر ال‪ ،‬أل بذ كر ال تطمئن القلوب} { أف من شرح شرح ال صدره لل سلم ف هو على نور من‬
‫ربه‪ ،‬فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ال‪ ،‬أولئك في ضلل مبين}‪.‬‬
‫وذكر ال يبعث على الشجاعة والجرأة والقدام‪ ،‬لنه يشعر المؤمن بأن ال معه‪ ..‬هذا الشعور من شأنه أن‬
‫يولد في النفس من القوى والطاقات ما يدفع بصاحبه لمواجهة كل التحديات ومجاوزة كل العقبات بكل ثقة‬
‫واطمئنان‪..‬‬
‫ان ل كل نفس شيطانا‪ ..‬وان شيطان الن فس ين فث فيها الخوف والفزع ويحرك الهوا جس والوساوس {الذ ين‬
‫قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا‪ ،‬وقالوا‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‪ .‬فانقلبوا‬
‫بنع مة من ال وف ضل لم يم سسهم سوء واتبعوا رضوان ال‪ ،‬وال ذو ف ضل عظ يم‪ .‬ان ما ذل كم الشيطان‬
‫يخوّف أولياءه‪ ،‬فل تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين}‪.‬‬

‫قارب الخوف من ال‪ :‬وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الجبن والخوف والمعاصي والثام‪..‬‬
‫كان محمد بن عبدال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو ريول ال‪ ،‬المؤيد بالحوي‪ ،‬يقول‪ ":‬أنا أخوفكم ل" ويقول‪":‬‬
‫وال اني لخشاكم ل وأتقاكم له"‪ ،‬وجاء في الخبر ‪ :‬ان ال تعالى أو حى الى داود عل يه السلم‪ ":‬يا داود‬
‫خفني كما تخاف السبع الضاري"‪.‬‬
‫فالذي يخاف ال تعالى يتقي سخطه ويخشى عذابه ويتحاشى الوقوع في محارمه‪..‬‬
‫والذي يخاف ال تعالى يقذف ال فسي قلبسه الجرأة والشجاعسة‪ ،‬فل يجبسن عنسد لقاء العدو‪ ،‬ول يتهيسب عنسد‬
‫مواجهة الطغاة‪ ،‬ول يستحي من الصدع بالحق‪ ..‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ ":‬من‬
‫خاف ال تعالى خافسه كسل شيسء‪ ،‬ومسن خاف غيسر ال تعالى خوّفسه ال مسن كسل شيسء" رواه ابسن حبّان‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫والذي يخاف ال نعالى يغدو أط هر الناس قل با‪ ،‬وأزكا هم نف سا وأدمع هم عي نا وأ سخاهم يدا‪ ..‬و صدق ر سول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم حيسث يقول‪ ":‬اللهسم ارزقنسي عين ين هطالتيسن تشفيان القلب بذروف الدمسع مسن‬
‫خشيتك‪ ،‬قبل أن تصير الدموع دما" للطبراني‪.‬‬
‫والذي يخاف ال تعالى تستديم مراقبته له‪ ،‬وحذره من التفريط في جنبه‪ ،‬ول يأمن مكره { فل يأمن مكر ال‬
‫ال القوم الخاسرون} وقد روي أن النبي وحبريل عليهما السلم قد بكيا خوفا من ال تعالى‪ ،‬فأوحى ال‬
‫اليهما‪ :‬لم تبكيان وقد أمّنتكما‪ .‬فقال‪ :‬ومن يأمن مكرك‪.‬‬

‫ولشدة الخوف من ال‪:‬‬


‫قال ابو بكر الصديق رضي ال عنه لطائر‪ :‬ليتني مثلك طائر ولم أخلق بشرا‪.‬‬
‫وقال أبو ذر لغقاري‪ :‬وددت لو أني شجرة تعضد‪..‬‬
‫وقال عثمان رضي ال عنه‪ :‬وددت أني لو مت لم أبعث‪..‬‬
‫وقالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬وددت أني كنت نسيا منسيا‪..‬‬
‫وروي أن ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه كان ي سقط من الخوف مغش يا عل يه اذا سمع آ ية من القرآن‪.‬‬
‫وأخذ يوما تبنة من الرض فقال‪ :‬يا ليتني كنت هذه التبنة‪ ..‬يا ليتني لم آك شيئا مذكورا‪ ..‬يا ليتني كنت‬
‫نسيا منسيا‪ ..‬ليتني لم تلدني أمي‪..‬‬
‫وسئل ابن عباس رضي ال عنهما عن الخائفين فقال‪ :‬قلوبهم بالخوف فرحة‪ ،‬وأعينهم باكية‪ ،‬يقولون‪ :‬كيف‬
‫نفرح والموت مسن ورائنسا‪ ،‬والقسبر أمامنسا‪ ،‬والقيامسة موعدنسا‪ ،‬وعلى جهنسم طريقنسا‪ ،‬وبيسن يدي ال ربنسا‬
‫موقفنا؟‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا"‪.‬‬

‫قارب مراقبسة ال تعالى‪ :‬وهسو قارب لنجاة مسن الغرق فسي بحسر الشبهات والنحرافات والشهوات‪ ..‬فالذي‬
‫يراقب ال تعالى يسد على الشيطان مداخله الى نفسه‪ ،‬والغافل عن المراقبة واقع في خياطيم الشياطين‪..‬‬
‫جبهات نف سه ضعي فة‪ ..‬مقاوم ته كلي كة‪ .‬مناع ته معدو مة { و من يعش عن ذ كر الح من نق يض له شيطا نا‬
‫ف هو له قر ين‪ .‬وان هم لي صدونهم عن ال سبيل ويح سبون أن هم مهتدون‪ .‬ح تى اذا جاء نا قال يا ل يت بي ني‬
‫وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}‪.‬‬
‫ولقد سبق الكلم عن مراقبة ال في موضع آخر من هذا الكتاب‪..‬‬

‫قارب حسب ال‪ :‬وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر الدنيسا والتعبسق بحطامهسا واللهسث وراء متعهسا‬
‫وشهواتها‪ ..‬وقد قال عيسى عليه السلم‪ ":‬من اتخذوا الدنيا لهم ربا اتخذتهم عبيدا"‪.‬‬
‫فالذي تعلق قلبه بال ل يطغى عليه حب ما عداه‪ ..‬واذا أحب أحب في ال‪ ،‬سواء كان حبا لخ أو لزوج أو‬
‫ولد أو لي انسسان فسي العالم‪ ..‬وصسدق ال تعالى حيسث يقول‪ {:‬قسل ان كان آباؤكسم وأبناؤكسم واخوانكسم‬
‫وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها‪ ،‬ومساكن ترضونها‪ ،‬أحب اليكم من ال‬
‫ورسوله‪ ،‬وجهاد في سبيله‪ ،‬فتربصوا حتى يأتي ال بأمره‪ ،‬وال ل يهدي القوم الفاسقين}‪.‬‬
‫وقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬ل يبلغ الع بد در جة اليمان ح تى يكون ال ور سوله أ حب ال يه م ما‬
‫سواهما"‪.‬‬
‫ول قد كان من ادع ية الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬الل هم ا ني أ سألك ح بك‪ ،‬و حب من يح بك‪ ،‬و حب ع مل‬
‫يقرّبني الى حبك"‪.‬‬

‫وان من مقتضيات حب النسان لربه وانشغاله به‪ ،‬وتلذذه بعبادته‪ ،‬وتلهفه الى مناجاته‪ .‬وروي عن بعض‬
‫ال سلف‪ ":‬ان ال تعالى أ‪ ,‬حى الى ب عض ال صديقين‪ :‬ان لي عبادا من عبادي يحبو ني واحب هم‪ ..‬ويشتاقون‬
‫الي وأشتاق اليهم‪ ..‬ويذكروني وأذكرهم‪ ..‬وينضرون الي وأنظر اليهم‪ ..‬فان حذوت طريقهم احببتك‪ ،‬وان‬
‫عدلت عن هم مق تك‪ .‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬و ما علمت هم؟ قال‪ :‬يراعون الظلل بالنهار ك ما يرا عي الرا عي الش فق‬
‫غنمسه‪ ..‬ويحنون الى غروب الشمسس كمسا يحسن الطائر الى وكره عنسد الغروب‪ ..‬فاذا جنهسم الليسل واختلط‬
‫اليس‬
‫ّ‬ ‫الظلم وفرشست الرض ونصسبت السسرة‪ ،‬وخل كسل حسبيب بحسبيبه‪ ،‬نصسبوا الى أقدامهسم‪ ،‬وافترشوا‬
‫وجوه هم‪ ،‬وناجو ني بكل مي‪ ،‬وتملقوا ال يّ بانعا مي‪ ..‬فبين صارخ وباك‪ ،‬وب ين متأوّه وشاك‪ ،‬وب ين قائم‬
‫وقاعد‪ ،‬وبين راكع وساجد‪ .‬بعيني ما يتحملون من أجلي‪ ،‬وبسمعي ما يشتكون من حبي‪ ..‬أول ما أعطيهم‬
‫ثلث‪:‬‬
‫أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم‪.‬‬
‫لو كانت السموات والرض وما فيها في موازينهم لستقللتها لهم‬
‫أقبل بوجهي عليهم‪ ،‬فترى من أقبلت عليه هل يعلم أحد ما أريد أن أعطيه‪..‬‬
‫قارب الخلص ل‪ :‬وهسو قارب النجاة مسن الغرق فسي بحسر النفاق والشرك والرياء وحسب الظهور وبوار‬
‫العمال‪..‬‬
‫والداعية في عمله ونشاطه‪ ..‬في كتابته وخطاباته‪ ..‬في جهاده وجلده‪ ،‬أحوج ما يكون ال الخلص حفاظا‬
‫على أعماله من البوار‪ ،‬وح تى ل يكون معن يا بقوله تعالى‪ {:‬وقدم نا الى ما عملوا من ع مل فجعلناه هباء‬
‫منثورا}‪.‬‬
‫فل بد للداعية بين يدي كل عمل‪ ،‬من تصحيح النية‪ ،‬وتقويم القصد‪ ،‬وتصفية النفس‪ ..‬وليكن ذكراه في ذلك‬
‫قول الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬انما العمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته الى‬
‫ال ورسوله‪ ،‬فهجرته الى ال ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى‬
‫ما هاجر اليه"‪.‬‬
‫فالخلص ل تعالى هو صمام المان في حياة المؤمنين‪ ..‬به تزكو أعمالهم‪ ،‬وتضاعف أجورهم‪..‬‬
‫فبالخلص تكون العمال والقوال‪ ..‬تكون العبادة والنعليسم والتعلم‪ ..‬يكون المسر بالمعروف والنهسي عسن‬
‫المن كر‪ ..‬يكون النفاق والح سان‪ ..‬يكون الجهاد والبذل والتضح ية‪ ..‬يكون كل ذلك في ميزان الع بد يوم‬
‫القيامة‪ ..‬ولقد روي عن أبي الدرداء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬ان التقاء على العمل أشد‬
‫من العمل‪ ..‬وان الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ضعفا‪،‬‬
‫فل يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه‪ ،‬فيكتب علنية ويمحي تضعيف أجره كله‪ ..‬ثم ل يزال به‬
‫الشيطان حتى يذكره للناس ثانية‪ ،‬ويجب أن يذكر ر به‪ ،‬ويحمد عليه‪ ،‬فيمحى من العلنية‪ ،‬ويكتب رياء‪.‬‬
‫فاتقي ال امرؤ صان دينه‪ .‬وان الرياء شرك" رواه البيهقي‪.‬‬

‫فدعاة السلم مدعوون للخروج من ذواتهم وحظوظ أنفسهم‪ ..‬مدعوون الى تنقية السرائر قبل الظواهر‪..‬‬
‫فكم من أعمال كبيرة أفسدتها خواطر صغيرة وحقيرة‪ .‬وكم من مكابدة ومجاهدة ضيعتها رغبات مشوبة‬
‫فاسسدة‪ ..‬وهذا مناط قوله صسلى ال عليسه وسسلم‪":‬ان أخوف مسا اخاف عليكسم الشرك الصسغر‪ .‬قالوا‪ :‬ومسا‬
‫الشرك الصغر يا رسول ال؟ قال‪ :‬الرياء‪ ،‬يقول ال عز وجل اذا جزى الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا الى الذين‬
‫كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" رواه أحمد باسناد جيد‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ ..‬قال رجل يا رسول ال‪ :‬اني أقف الموقف أريد وجه ال‪ ،‬وأرليد أن‬
‫يرى موطني‪ ..‬فلم يرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلت الية‪ {:‬فمن كان يرجو لقاء ربه‬
‫فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا}‬

‫قارب الرضى‪ :‬وهو قارب النجاة من الغرق في بحر الطمع والحسد والضيق والتشاؤم‪..‬‬
‫فالر ضى سمت أ صيل من سمات المؤمن ين‪ ..‬ل يكت مل اليمان ال به‪ ..‬ول قد روي أن ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم دخل على النصار فقال‪ ":‬أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا‪ .‬فقال عمر‪ :‬نعم يا رسول ال‪ .‬فقال صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ :‬و ما عل مة ايمان كم؟ قالوا‪:‬نش كر على الر ضا‪ ..‬ن صبر على البلء‪ ..‬ونر ضى بالقضاء‪ ..‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال مؤمنون ورب الكعبة"‪.‬‬
‫ودعاة السلم أحوج الناس الى الرضى بما قسم ال من خير وشر‪..‬‬
‫ففي مواجهة البلء وجب أن يكونوا راضيين‪ ،‬محتسبين ما يصيبهم عند ال‪ ،‬ذاكرين قول رسوله صلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪ ":‬ان عظسم الجزاء مسع عظسم البلء‪ ،‬وان ال تعالى اذا أحسي قومسا ابتلهسم‪ .‬فمسن رضسي فله‬
‫الرضى ومن سخط فله السخط"‪.‬‬
‫وفي ابتغاء فضل ال من الرزق وجب أن يكونوا راضيين قانعين بما قسم ال لهم‪ ..‬فالرزق بيد ال يؤتيه‬
‫من يشاء‪ ..‬وليجعلوا هم هم رضاء ال تعالى‪ ،‬وليذكروا قول ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬من ج عل‬
‫ال هم ه ما واحدا كفاه ال هموم الدن يا جمي عا‪ ،‬و من تشعب ته الهموم ل يبالي ال بأي واد من أود ية الدن يا‬
‫هلك"‪.‬‬
‫وليتدبروا قول ال تعالى‪ {:‬ول تمدن عين يك الى ما متع نا به أزوا جا من هم زهرة الحياة الدن يا لنفتن هم ف يه‬
‫ورزق وربك خير وأبقى}‪.‬‬

‫قارب حب الرسول‪ :‬وهو قارب النجاة من الغرق في تيارات الهوى وسبل الغواية ومسالك الشيطان ‪ {:‬وان‬
‫هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} { قل‬
‫هذه سبيلي أدعوا الى ال على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان ال وما أنا من المشركين} { قل ان كنتم‬
‫تحبون ال فاتبعون يحببكم ال} { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}‪.‬‬

‫ان حسب الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم يجسب أن يدفسع الى تحري سسنته‪ ،‬والى اللتزام بشريعتسه‪ ..‬والى‬
‫العيش معه صلى ال عليه وسلم في عسره ويسره‪ ،‬في حياته الخاصة والعامة‪ ..‬والى القتداء به‪ ،‬امتثال‬
‫لقول ال تعالى { لقسد كان لكسم فسي رسسول ال أسسوة حسسنة لمسن كان يرجسو ال واليوم الخسر وذكسر ال‬
‫كثيرا}‪.‬‬
‫ان حسب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يجسب أن يكون لدى الدعاة أقوى مسن حسب الهسل والولد والناس‬
‫أجمعين‪ ..‬وليعلموا أن المسلمين ال‪,‬لين لم يكونوا خير أمة أخرجت للناس ال بعظم حبهم لرسولهم‪ ..‬فهذا‬
‫سعد بن الربيع يلتفت الى زيد بن ثابت يوم أحد وهو يلفظ أنفاسه الخيرة ويقول‪ {:‬بلغ رسول ال السلم‬
‫وقل له اني أجد ريح الجنة وقل لقومي النصار‪ ،‬ل عذر لكم عند ال ان خلص الى رسول ال وفيكم عين‬
‫تطرف وفاضت نفسه من وقته‪.‬‬
‫وهذه امرأة من النصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد‪ .‬فلما أخبرن بذلك قالت‪ :‬ما فعل برسول ال؟‬
‫قالوا‪ :‬خيرا‪ ..‬هو بح مد من ال ك ما ت حبين‪ .‬قالت أرون يه ح تى أن ظر ال يه‪ ..‬فل ما رأ ته قالت‪ :‬كل م صيبة‬
‫بعدك جلّل؟‬
‫وهذا مصعب بن عمير يقبل على أمه التي أقسمت أن ل تذوق طعاما قط حتى يترك دين محمد فيقول لها‪:‬‬
‫وال يا أماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسا نفسا ما تركت دين محمد‪.‬‬
‫وهذا سواد بن غز ية ي ضم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يوم بدر و هو يج هش بالبكاء‪ ..‬وعند ما ي سأله‬
‫المصطفى صلى ال عليه وسلم عن سبب ذلك يقول‪ :‬حضر ما ترى يا رسول ال‪ ،‬فأردت أن يكون آخر‬
‫العهد بك أن يمس جلدي جلدك‪..‬‬
‫وهذه أم حبيب زوج الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬يد خل علي ها أبو ها أ بو سفيان ول ما ي سلم ب عد‪ ،‬وي هم‬
‫بالجلوس‪ ،‬ويهم بالجلوس على فراش هناك فتمنعه من ذلك‪ ..‬وعندما يسألها عن السبب متعجبا تقول له‪:‬‬
‫انه فراش رسول ال وأنت رجل مشرك نجس‪ ،‬فلم أحب أن تجلس على فراش رسول ال‪..‬‬
‫ويدخل في باب حب الرسول صلى ال عليه وسلم حب الصحابة رضوان ال تعالى عليهم وحب الصالحين‬
‫عمو ما واقتفاء آثار هم‪ ..‬ف قد أخرج رز ين عم ع مر ر ضي ال ع نه مرفو عا‪ ":‬سألت ر بي عن اختلف‬
‫أصحابي من بعدي‪ ،‬فأوحى اليّ‪ :‬يا محمد‪ ،‬ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أقوى من بعض ولكل‬
‫نور‪ ..‬ف من أ خذ بشيء م ما هم عل يه من اختلفهم فهو عندي على هدى" وقال‪ ":‬أ صحابي كالنجوم بأيهم‬
‫اقتديتم اهتديتم"‪.‬‬
‫وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫هذا الكتاب‪:‬‬
‫بعيدا عن الروحانية المرهومة والمادية المقيتة يخطّ المسلم طريقه الذي مهده سيد المرسلين وخاتم النبيين‬
‫في جو من التوازن والوسطية‪.‬‬
‫ا نه يع يش الحياة ب كل مقومات ها وتقلبات ها و في ع مق معاني ها‪ ،‬يحيا ها بديناميك ية‪ ،‬يع يش ب صراع وتوائم‪،‬‬
‫بانتصار وانهزام‪ ،‬بالجانب الخيّر الذي يسعى في تنميته بعبادته‪ ،‬والصعوبات التي تحول بينه وبين تحقيق‬
‫أهدافه الملئكية‪.‬‬
‫فما هي أهم العواصف والعقبات التي تقف في وجهه؟‬
‫وما هي الوسائل التي ان تمسّ‪ :‬بها يستطيع بعون ال أن يبلغ مرامه؟‬
‫ان هذا الكتاب يج يب على هذه الت ساؤلت وغير ها ويز يل غما مة الو هم القا بع في أن فس الكث ير من خلل‬
‫النظرة الشمولية لحياة المسلم وهمومه وحلوله‪.‬‬

You might also like