Professional Documents
Culture Documents
ن الله لم يك مغيراًذلك بأ َ
نعمة أنعمها على قوم حتى
ن اللهيغيّروا ما بأنفسهم وأ ّ
عليم
سميع
[النفال ]53 :
18
مــقــدمـــة
كان لها مطب ِّقا ً :كان لهدفه بإذن الله محِّققاً ،تكون عوناً للمرء على
مواصلة السير دون انقطاع ،والمداومة على العمال دون ترك وانصراف .
ولْيَ ْعلَم المرء أن النجاح ل يتحقق إل بمجاهدة وجدّ واجتهاد ،وإن كان طريقه فيه
ل العقلء .مشقة وعَ َنتْ إل أن عواقبه حميدة ،وثمراته طيبة ،وهذا ل يدركه إ ّ
قال ابن الجوزي يرحمه ال " :إنما فضل العقل بتأمل العواقب ،فأما القليل العقل
فإنه يرى الحال الحاضرة ،ول ينظر إلى عاقبتها .فإنّ اللص يرى أخذ المال وينسى
قطع اليد ،والبطّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال …
وكذلك الزنا فإن النسان يرى قضاء الشهوة،ونسي ما يجني منه من فضيحة الدنيا
والحدّ .وربما كان للمرأة زوج ،فألحقت الحمل مِن هذا به ،وتسلسل المر.
َفقِسْ على هذا وانتبه للعواقب ،ول تُؤْثِر لذة تفوّت خيراً كثيراً ،وصابر
صل ربحا ً وافراً " .المشَّقة تح ِّ
ودفعاً لما َيقَع عند البعض من شبهات ،وحلً لكثيرٍ من المشكلت :كان تقييد هذه
ل المولى جل وعل التوفيق والسداد ،وال المستعان ،وعليه التكلن . الورقات ،سائ ً
)(1جملة القواعد المذكورة مأخوذة من كتاب [ :طريق النجاح] لراشد بن حسين العبد الكريم (طبعة دار الحميضي) .
وقد أشرف على هذا البحث فضيلة شيخنا ال ُمبَجّل :صالح بن محمد السمري ـ حفظه ال ونفعنا بعلمه ـ ونصح بإخراجه
ونشره .
18
أمران لبد
قبل أن يفكّر المرء ويُخطّط لهدافٍ يُراد تحقيقها ،وغايات يُطلَب بلوغها ؛ هناك
منهما قبل أمران لبدّ منهما ،ول مندوحة للراغب عنهما ،وهما :
التخطيط أولً :الستعانة بال والتوكل عليه :
الستـعـــانة
بالله
فل بد للمرء أن يستحضر في ذهنه ذلك دائماً ،وفي كل خطو ٍة يخطوها
والتوكل ينبغي أن يجعل ذلك ُنصْب عينيه ،إذ ال هو المعين على كل مقصد ،ول حول ول قوة
إل به ،وهو المستعان ،فاستعن بالله؛ لنه هو الذي يمنحك القوة لتبدأ ،عليـــه مــع
بذل
سر لك السبل ،اطلب دائماً العون وتوكل عليه ؛ لنه هو الذي يهديك ويي ّ
منه والتوفيق ،وأَظْهِر فقرك وحاجتك له في كل الحوال تكن أغنى الناس وأقواهم ،
فمن توكل على غير ال وُكِل إليه ،وكانت نهايته إلى خسار ،ولو حصّل شيئاً من
النجاح في هذه الدنيا.
ثم ابذل السباب المعينة على بلوغ ذلك الطريق ،واعلم أنه ليس هناك
سبب يستقل بإيجاد المطلوب ،بل لبدّ من أمر خالق السباب ،فالجأ إليه ،
وتوكّل عليه تأوِ إلى ركنٍ شديد .
قال ابن القيم رحمه ال :
(شهدتُ شيخ السلم ـ قدّس ال روحه ـ إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه :فرّ
منها إلى التوبة والستغفار والستغاثة بال والّلجَأ إليه واسْتِنْـزَال الصواب من عنده
والستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلّما َيلْبث المَدَدُ اللهي أن يتتابع عليه َم ّداً ،وتَ ْز َدلِفُ
الفتوحات اللهية إليه بأيّتِهِنّ َيبْدَأ) .
فأولُ ما َيجْني عليه اجتَها ُدهُ ل للفتى إذا لم يكنْ عونٌ من ا ِ
ثانياً :اليمان والرضا بالقضاء والقدر :
اليمـان بعد إتيانك بالمر السابق ،وبعد أن بذلتَ الجَهْد ،وعملتَ بالسباب ،فل
والرضا
بالقضاء
ت أو لم يتحقق هدفك ،بل ارْ َ
ض بما قَسَم ال لك ،واعلم أن تحزن إن فشل َ
والقـدر ن ما أصابك لم يكن ليخطئك ،وما أخطأك لم يكن الخيرة فيما اختاره ال ،واعلم أ ّ
جفّت الصحف . ليصيبك ُ ،رفِعَت القلم و َ
ويميّز به ،فبالتفكير يزداد يقين العبد ،وبالتفكير يعرف العبد آيات ال في الكون ،
وفي نفسه.
•ثانيًا :أن هذا العقل إنما يستفيد منه حق الستفادة مَن كان يريد أن يصنع الحياة ،
ل مَن يريد أن يكون متفرّجاً فقط على ما يحدث في الحياة .
•ثالثاً :كثرة التساؤل عن ما يراد تحقيقه مطلب مهم ،إذ السئلة تستثير الفكار ،
وتوقظها وتجعلها في حالة تطور وتكاثر ل يتوقف .
البداية من •رابعًا :ابدأ العمل من حيث انتهى الخرون ل من حيث بدءوا ،فإن َمنْ يَسِيْر في
حيث انتهى خُطى الخرين ل يَتْرُك أثراً مهما طال مسيره ،ثم استغل الفكار البداعية.
الخــرون
فهاهو المام البخاري ـ يرحمه ال ـ يستغلّ فكرة عابرة خلّدتْ ذكره ،ورفعتْ
منـزلته رحمه ال ،وذلك لما ألّف كتابه [ :الجامع الصحيح ] .قال البخاري ـ رحمه ال ـ :
"كنت عند إسحاق بن راهويه ،فقال لنا بعض أصحابنا :لو جمعتم كتابًا مختصراً في
،وكانت الكتب قبل ذلك َتجْمَع الصحيح والضعيف ،فوقع ذلك الصحيح لسنن النبي
مبدأ
العمل
ت في جَمْع هذا الكتاب ـ يعني :كتاب صحيح البخاري ـ" . في قلبي فأخذ ُ
•خامس ًا :التفكير هو مبدأ العمل ،ول يستطيع أحدٌ أن يعمل دون أن يُفكّر ،وبقدر هو التفكير
سمو العمال .ول تكون العمال رَتِيْبَة مملّة ل سمو هذا التفكير ت َ ْ
تجديد ول إبداع فيها :إل بإهمال التفكير وتعطيل عمل الذهن ،والنشغال بالعمل
دون تفكير أو رغبة في التطوير .
عــدم
احتقـار •سادساً :ل تحتقر أيّ فكرة مهما بدأ أنها سَطْحية لول وَ ْهلَة ،فقد تكون عند
أي فكرة التّ ْمحِيص فكرة قيّمة ،أو قد تكون مبدأ لفكرة ذات شأن .
•سابعاً :حاول البداع ،والرتقاء بالعمل إلى الفضل .
واعلم أن هناك أخطاء تتعلق بالبداع وهي كما يلي :
أخطــاء أولها :الظن أن الفكرة البداعية لبد أن تكون جديدة في أصلها .
تتعلــق
بالبداع
الظن أن
أي فكرة وهذا غير صحيح ،بل الفكار الجديدة تكون بالتعامل مع الفكار القديمة ،وذلك
لبد وأن يكون بإحدى طرق ،منها :
تكـــون
جديدة 1ـ الستعارة ،وذلك بأن َيسْتعير النسانُ فكرة ُمطَبّقة في مجال من المجالت
ويستخدمها في مجال جديد تكون فيه نافعة ،و َتقْضي على مشكلة كانت موجودة من قبل
في هذا المجال.
2ـ الضافة ،وذلك بأن يأتي الشخص إلى فكرة مطبّقة لكن فيها نقص ،فيأتي
فيُكَمّلها حتى تكثر الفائدة ويزداد نجاح العمل.
3ـ الجمع والمزج ،وذلك بأن يأتي المرء فَيجْمع بين فكرتين موجودتين ويَمْزِج
بينهما ،فَيخْرج بفكرة مركّبة ثالثة تحل كثيراً من الشكالت .
الظن بأن 4ـ التعديل ،وذلك بأن يأتي المرء لفكرة قائمة ،فيعدّل فيها ،ويهذبها بحيث
البداع ل
يستطيعه
إل العلماء
18
1ـ تحديد الهدف بدقة ووضوح ،وهذا المر مهم جداً في تحقيق أي إنجاز .
2ـ كون الهدف واقعياً وملئماً لقدرات صاحبه .
ل جدًا بحيث ل يشكّل تحدّيًا لصاحبه . 3ـ أن ل يكون الهدف سه ً
4ـ تجزئة الهدف إذا كان كبيرًا :إلى أهداف جزئية مرحليّة .
5ـ تحديد وقت معين لتحقيق هذا الهدف ،فل بد أن يُقرّر متى يُبْدَأ ؟ ومتى
يُنْتَهى ؟
6ـ كتابة ذلك كله حتى َيتَذَكّره المرء دوماً .
ولْيَ ْعلَم المرء أن أول خطوة في طريق النجاح :هي أن يحدّد النسان ماذا يريد ،
ثم يَسْعى في أن تَ َناَل الهداف التي يُراد تحقيقها :النصيب الكبر من الوقت .
الثاني :التخطيط :
النقطة التي َتلِي َوضْع الهداف هي :وضع ال ُمخَطّط المتوقّع للوصول إلى ذلك
الهدف .
ولكي يتم التخطيط لبد من أمورٍ يجب مراعاتها :
المـور التي أولً :تقسيم العمل إلى مراحل .
تراعى عند
التخطـــيط ثانياً :تحديد خطوات كل مرحلة .
ثالثاً :إعطاء كلّ خطوة وقتَ بداية ،ووقتَ نـهايةٍ .
رابعاً :كتابة الخطة ومراحل تنفيذها ،خاصة في الهداف الطويلة لي َ ْ
سهُل
تقويم تَنْفِيذ الخطة .
خامسًا :البُعْد عن التعقيد والمثالية في وضع الخطة ،بل تكون الخطة واضحة
سهلة .
الثالث :تنظيم الوقت :
للوقت أهمية كبرى ،ومزيّة عظمى ،فهو غنيمة لمن أحسن استغلله ،ومَرْبَح
لمن أجاد اغتنامه ،بل الوقت هو الحياة .
الـوقـت
ن أجلّ تحصيل عند العقلء بإجماع العلماء هو قال ابن عقيل يرحمه ال ( :إ ّ
هـو أج ّ
ل غنِيْمَة تُنْ َتهَز فيها الفُرَص ،فالتكاليف كثيرة ،والوقات خَاطِفة) . الوقت ،فهو َ
تحصيل عند ولبد للوقت حتى يُسْتغلّ :من تنظيم ،فالخطوة التي تلي التخطيط هي :توفير
العقلء
الوقت اللزم للتنفيذ ،وهذه تكون بأمرين :
أولً :مراعاة حال الشخص وظروفه عند وضع الخطة .
ن أَنْ تَطْغى عليه
خصّص من وقت لتنفيذ هذا العمل مِ ْ ثانيًا :المحافظة على ما ُ
النضــبــاط أعمال أخرى .
الذاتي
أسـاس
فالنضباط الذاتـي أسـاس تنظيـم الوقـت ،بـل إنّـ أعظـم تخطيـط للوقـت ل يسـاوي
تنظيم الوقت شيئاً ول ُيجْدِي إذا لم يكن من يُ َنفّذه منضبطاً ذاتياً ،ومتقيّداً ب َتخْطِيطه .
ضيْق الوقت أو عدم وشكاية كثير من الناس الجادّين :من َ
ستَغْرِق لنهائه :توفُّره هو في الحقيقة من عدم التنظيم ،فالعمل الذي ي ْ
عشر دقائق ُيصْرَف في إنجازه :ساعة كاملة ،وما ذلك إل لسوء التخطيط أو عدمه ،
18
هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ،نذكر منها ما يلي :
المـور
المعينة
أولً :الثقة بالنفس :
علــى تنفيـذ
العمل
إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو النسان لَيَثّاقل بنفسه عن المبادرة ،وتُعْطِيه النتيجة
وإنجازه مقدّمًا قبل المحاولة بل قبل التفكير :أنّه فاشل .
لشيء يصنع
النجاح مثل
وليُ ْعلَم أنّه ل شيء أضرّ على النسان من عدم ثقته بنفسه ،ول شيء يهدم ثقة
الثقة بالنفس
ي لها ،
النسان بنفسه أكبر من جهله بها ،وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدّوْن ّ
ول شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس.
كيف تبني ثقتك بنفسك ؟ سؤال تجيب عنه أمور ثلثة ،وهي كالتالي :
المور
المعينة
1ـ اعرف نفسك ! أول خطوة في طريق بناء الثقة بالنفس هي معرفة
عـلـى بنـــاء
الثقة بالنفس
النسان نفسه فيتأملها ،ويعرف مميزاته وكيف يستثمرها ،ول شيء أضرّ على
النسان من احتقاره لنفسه ،والنظر السلبي لها .
2ـ طوّر نفسك ! بحيث يحدّد النسان نقاط قوته ويسعى في تطويرها ،
ويجتهد في التعلم والتدرب والتمرن.
3ـ تخلّص من عيوبك ! وذلك بتحديد نقاط الضعف وجوانب النقص ،ومن
ثمّ يسعى المرء في علجها وإصلحها.
ثانياً :علو الهمة :
ت أفكار العظماء إلى إنجاز ،وَلقَنَ َع كلٌ بالموجود ،لول علو الهمة ما سَ َم ْ
ولَكَان شعار الكل ( :ليس في المكان أحسن مما كان !) .
َتعِبَتْ في مرادها الجسامُ وإذا كانت النفوسُ كباراً
كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه ال ـ همة عالية ،تظهر جليّة في قولته
المشهورة " :إنّ لي نفساً توّاقة ! تَمَنّ ْيتُ المارة فَ ِنلْتُها ،وتَمَنّ ْيتُ أن أتزوّج بنتَ الخليفة
ف ِنلْتُها ،وتمن ّيتُ الخلفة ف ِنلْتُها ،وأنا الن أتوق للجنة ،وأرجو أن أنالها" .
الراضي
بالــدون قال ابن الجوزي يرحمه ال ( :ما ابتُلي النسان قطّ بأعظم من علو همته ،فإنّ
دنــــيء عَلتْ همته يختار المعالي ،وربما ل ُيسَاعد الزمان و َتضْعُف اللة ويَبْقى في عذاب) َمنْ َ
.
قال ابن نباتة :
18
سهَادِ
ورعْيي في ال ّدجَا َر ْوضَ ال ّ علَى إتْعَابِ َنفْسِي َأعَا ِذلَتي َ
ت طِيْبُ الرّقَادِ
ف َأ ْه َونُ فَائِ ٍ إِذا شَا َم الفَتَى بَ ْرقَ المَعَالي
عـوائق
النجاز هناك عوائق عدة تحول بين المرء وبين إنجازه لعمله ينبغي عليه التخلص منها .
نذكر منها ما يلي:
أولً :الحساس بالفشل :
الفشل كلمة كريهة ل يحبها أحد ،والحساس به عائق من عوائق التقدّم إل أن من
خطوات طريق النجاح :الفشل ،فالنجاح الكبير غالباً يسبقه فشل ،فليس الناجح هو الذي
النجــــاح
الكبـــــير سقُط ،بل هو الذي يقوم من سقوطه سريعاً وقد استفاد من سقوطه ،وكما قيل : ل َي ْ
غالباً
صحّت الجسام بالعلل) ،وكم نرى من الناجحين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه (وربما َ
سبقه
فـشـــــل من نجاح إل بعد فشل تعرّضوا له وانتصروا عليه .
ثم إنه ينبغي على المرء أن يحسن التعامل مع الفشل ،فما بين
الفشل والنجاح إلّ صبر ساعة ،وليعلم المرء أنّ النهزام المؤقت ليس فشلً .
النهــزام
قال ابن سينا " :قرأت كتاب [ ما بعد الطبيعة ] لرسطو ،فما فهمته حتى قرأته أربعين
المؤقـــت مرة" .
ليس فعلى المرء أن ل يتخلّى عن العمل ،وأن ل يتركه عند حصول انهزام مؤقّت ،
فش ً
ل
بل يعيد ويكرّر مرات تلو مرات ،وليبتعد المرء عن أسباب الفشل ،وأن ل يحكم على
نفسه عند الخفاق بالفشل ،فيترك العمل ،بل يقول ( :لكل جواد كبوة) ،ويحاول مرة
أخرى بعزيمة أكبر ،وبهمّة أعلى .
ثانياً :اللتفات للنقد غير البنّاء :
هناك شريحة من المجتمع ل تألوا جهداً في انتقاد الخرين والسخرية بهم ،وما
ذلك إل حسدًا وحقداً منهم ،أو تسويفاً منهم لتقصيرهم وكسلهم ،أو تثبيطاً منهم للخرين
ت إلى أمثال هذه النتقادات حتى ل يتفوقوا عليهم ،وغير ذلك ،فعلى المرء أن ل َيلْ َتفِ َ
غير البناّءة ،بل عليه أن يتجاهلها أو يحاول أن يستفيد منها في تطوير
نفسه ومحاسبتها،ويتذكّر أنه يستطيع أن يَنْتَـزِع من بين الشواك وَرْداً ،ولْيتذكر
أيضاً أنّ من طرق معرفة العيوب َ :نقْدَ العداء .
رضا إن ترك العمل من أجل انتقادات الناس ليس له أي مبرّر؛لنك إذا تركت العمل لن
الناس
غـــايــة تسلم أيضاً من النتقاد ؛ لنك ستجد مَن ينتقدك ويلومك :لِمَ لمَ تعمل !
لذا يحرص المرء على العمل ،والسير الحثيث حتى يحقّق هدفه ،ول َيلْ َتفِت إلى ل تــدرك
انتقادات الخرين؛ لن الخوف منها هو أساس قتل معظم الفكار .
ثالثاً :عدم التفكير فيما يساعد على النجاح :
لبد للمرء أن يفكّر ويقلّب النظر فيما يساعده على النجاح ،أل وإن من أعظم ما لبــــد مــن
تكوين
عادات يساعد على النجاح :أن يكوّن النسان عادات عمل (روتين) ؛ بحيث يجعل خطواته
عمــل
يســير العملية الصحيحة عادات يسير عليها ،حتى ُتصْبِح ضمن (روتينه) اليومي .
عليـهـــا
18
سيْر عاداته ،فكثير مما نعمله إنما هو عادات تكوّنْت على مَ ّر فالنسان أ ِ
اليام ،كانت في بداياتها شاقة حتى اعتاد عليها النسان ،فكذلك الخطوات العملية إذا
أرادها المرء أن تكون عادة له ،فسيجد ذلك مُمِلً وشاقاً في بداية المر .
وليُجاهد المرء نفسه ولْيجتهد في التّخلّص من عادات العمل الضارة ،مثل :
الفوضوية ـ عدم التخطيط ـ ،أو التأجيل ،أو إضاعة الوقت ..الخ .
رابعاً :عدم استشعار ثمرات العمل ،والستسلم للملل والكسل:
ما من سلوك يصدر من النسان إل وله دافع ما ،وبقدر هذا الدافع تكون
قوة الحركة ،والنفوس مهما بلغت من الجد لبد وأن تمل وتكل ،فعلى المرء أن
يتعاهد نفسه ،ويستثير دافعيّته لتمام أعماله بأمور :
المور التي
أولها :ربط جميع العمال بنيل الثواب من ال تعالى .
تعـــين على ت وآخر ؛ لن رؤية ثانيها :استعراض ما ت ّم القيام بإنجازه من العمل بين وق ٍ
استـمـرارية
العـمـــــل الثمرة أو جزءٍ منها يدفع النفس لبذل المزيد ،ولينظر المرء إلى كل إنجاز جزئي بأنه
ومواصلتــه إنجاز مرحلي .
ثالثها :إذا كان في عمل النسان نف ٌع للناس ،فليستشعر المرء ما يقدمه هذا العمل
سلِ َمتْ له
من فائدة ،وكم له من الجر العظيم والخير العميم إذا أخلص ل النيّة ،و َ
الطويّة.
رابعها :عَ ْرضُ العمال على أهل العلم والمعرفة أصحاب الهمم العليّة لترشيدها
ولشحذ الهمة ،وتشجيع المرء على إتمام عمله .
خامسها :تحديد أوقات نهاية للعمال لتدفع المرء للجد في العمل .
سادسها :السماح للنفس بشيء من الراحة والستجمام ،حتى تحصل الرغبة في
الندفاع ُمجَدّدًا في العمل ،ولبد حينئذٍ من مراعاة أمرين :
كيـفـيـــــة أولهما :التخطيط لفترة الراحة بحيث ل تكون عشوائية ،فيحصل إرباك
الستفادة
من وقت في ال ُمخَطّط .
الراحة وثانيهما :المحاولة بأن تكون فترة الراحة فيما يفيد ويوفّر الوقت ،كقراءة
القصص التاريخية ،وصلة الرحم ونحوها.
خامساً :التأجيل والتسويف :
من أعظم الشياء التي تثبط الهمة وتفسد العمال :التسويف وتأجيل
البدء ،وللتأجيل أسباب عدة :
أسـبــاب أولها :عدم الرغبة في العمل .
التأجيـل
ثانيها :صعوبة العمل .
ثالثها :عدم وجود العزم الصادق على البدء .
رابعها :النشغال عن البدء في العمل المُ َؤجّل بأعمال تافهة ُمحَبّبة للمرء .
خامسها :عدم وضع العمل في خِطّة العمل .
وثَ ّم طرق لِلتخّلصِ من التأجيل وأسبابه :
طـــــــرق
التخلـــص
من
التأجيل
18
1ـ إذا كان التأجيل عادة ،فل بد للتخلص منها بالمجاهدة في إيقافها ،وإحلل عادة
العزم والحزم والقدام مكانها ،ولبد من وضع عادة التأجيل في رأس القائمة في جدول
العادات التي يُراد التخلص منها .
2ـ معالجة التأجيل من خلل إزالة سببه ،فإذا كان العمل غير محبّب لك ،فتذكّر
ل بقَسْرِ نفسه على ما يِكْرهه . أنه ما نال إنسانٌ ما تمناه إ ّ
قال ابن القيم رحمه ال ( :عامة مصالح النفوس في مكروهاتها ،كما أنّ عامة
مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها) .
عـــلج 3ـ معالجة صعوبة العمل تكون بأن يتذكّر النسان أنّه( :لول المشقة ساد الناس
صعوبة كلهم) ،وبأن يسلك المرء طريقة (التفتيت) ويَتّبعُها ،فالعمل الصعب يَسْهُل كثيرًا إذا
العـمل
ُقسّم إلى ُوحْدَات صغيرة،ومن ثَمّ يُتعَامَل مع كل وحدة كإنجاز مستقل .
علج 4ـ معالجة عدم وجود العزم تكون بطرد التّرَدّد ،وأل ُيقْدِم النسان على العمل إلّ
عــدم
وجود بعد رويّةٍ وشعور بالحاجة لذلك العمل ،وتخطيط له .ثم ل يسمح بعد ذلك لنفسه بالتردد
العزم .قال تعالى( :فإذا عزمــت فتوكــل على ال) ،وقال النــبي قبيــل غزوة أحــد بعــد مــا
راجعـه بعـض الصـحابة فـي ترك الخروج ( :مـا يَنْبَغـي لنـبي إذا َوضَعَـ لَمَ َة الحرب أن
يِنْتَزِعها حتى يفصل ال بينه وبين عدوه) .
فإنّ فَسادَ الرأي َأنْ تَتَ َردّدا إِذا كنْتَ ذا رَأيْ ف ُكنْ ذا عَزِيمةٍ
علج النشغال
عن البدء في
5ـ معالجة :النشغال عن البدء في العمل المؤجّل بأعمال تافهة ،وعدم وضعه في
العمل المؤ َّ
جل خطة
بأعمال تافهة
العملَ ـ تكون بالنضباط الذاتي بتخطيط تنفيذ العمال والتقيّد بذلك .
قال ابن حزم رحمه ال َ ( :قلّما رأيتُ أمرًا أَمْكَن فضُيّع إلّ وفَاتَ ولم يَكُن بَعْدُ) .
سادساً :عدم تحديد الولويات :
رت ِّب أعمالك
حسب الهمية
لبد للمرء من أن يرتّب أعماله بحسب الهمية ،فيقدّم الهم على المهم ،
خلِط بين المهم وبين العاجل ، والمهم على غيره وهكذا ،كما أنه ينبغي عليه أن ل َي ْ
فيؤدّي العاجل من العمال ويؤجّل المهم ،ومن النادر أن تكون المور المهمة عاجلة ،
ل إذا وصلنا ـ بتأجيلنا ـ إلى مرحلة الزمة ،فبتأجيل المهم وتعجيل العاجل إّ
نسمح للزمات بالستمرار في حياتنا .
سابعاً :تشتيت الجهد وتَشَعّبه :
ل شيء أضرّ على العمل من تشتيت الجهد ،فمهما كان العمل جادّا ودؤوباً ل تشت ِّت
الجــهــد
إل أنّ تفريقه على مسارات متنوّعة :يفقده كثيراً من فعاليّته ،بل ربما يجعله غير مثمرٍ وتشعِّبــه
تماماً .
ثامناً :المبالغة في تطلّب الكمال :
ب الكمال في كل عملٍ يعمله فإنه قد َراَ َم أمراً طلّ َ
ن الكمال عزيز ،ومن َت َإّ
مال يُدَْرك كله مستحيلً ،ومع ذلك فإنه ل يستطيع أن يُ ْنجِز شيئاً ،ثم إن الكمال ل يكون في عمل
ل يُتَرك جلّــه
البشر ،ولكن حَسْب المرء أن يبذل جهده في إنهاء العمل وإتقانه ،وما ل ُيدْرَك كله ل
18
جلّه .
يُتْرَك ُ
ثم إنّ تطلّب الكمال في كل عمل ربما أَ ْودَى بصاحبه إلى الكسل والنهزامية ،
ُ
ن تطل ّب الكمال المثالي أعمال ً كانت تستحق أن تظهر في فكم دَفَ َ
الوجود .
حقّقـ
كمـا ينبغـي على المرء أن ل يطلب النجاح فـي كـل عمـل بنسـبة مئة بالمئة،وإذا لم تَ َت َ
هذه النسـبة ترك العمـل كليّةـ ،بـل لبـد مـن أن يجعـل النجاح متدرّجاً ،فبدلً أن يقول فـي
عملٍ أنهاه ( :إنّه فَشِل ،يقول ( :إنه َنجَح مثلً بنسبة ستين بالمائة) .
18
خـــاتمـــة