You are on page 1of 17

‫إعــداد‬

‫متعب بن مسعود الجعيد‬


‫‪18‬‬

‫ن الله لم يك مغيراً‬‫‪‬ذلك بأ َ‬
‫نعمة أنعمها على قوم حتى‬
‫ن الله‬‫يغيّروا ما بأنفسهم وأ ّ‬
‫عليم‬
‫‪‬‬ ‫سميع‬
‫[النفال ‪]53 :‬‬
‫‪18‬‬

‫مــقــدمـــة‬

‫الحمد ل ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات‬


‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال‬
‫تسليماً كثيراً ‪.‬‬ ‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ‪،‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫من‬ ‫فهذه قواعد عمليَّة في النجاح ‪ ،‬تُعين الراغب وتدلّه على الكفاح ‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫كان لها مطب ِّقا ً ‪ :‬كان لهدفه بإذن الله محِّققاً ‪ ،‬تكون عوناً للمرء على‬
‫مواصلة السير دون انقطاع ‪ ،‬والمداومة على العمال دون ترك وانصراف ‪.‬‬
‫ولْيَ ْعلَم المرء أن النجاح ل يتحقق إل بمجاهدة وجدّ واجتهاد ‪ ،‬وإن كان طريقه فيه‬
‫ل العقلء ‪.‬‬‫مشقة وعَ َنتْ إل أن عواقبه حميدة ‪ ،‬وثمراته طيبة ‪ ،‬وهذا ل يدركه إ ّ‬
‫قال ابن الجوزي يرحمه ال ‪" :‬إنما فضل العقل بتأمل العواقب ‪ ،‬فأما القليل العقل‬
‫فإنه يرى الحال الحاضرة ‪ ،‬ول ينظر إلى عاقبتها ‪ .‬فإنّ اللص يرى أخذ المال وينسى‬
‫قطع اليد ‪ ،‬والبطّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال …‬
‫وكذلك الزنا فإن النسان يرى قضاء الشهوة‪،‬ونسي ما يجني منه من فضيحة الدنيا‬
‫والحدّ ‪ .‬وربما كان للمرأة زوج ‪ ،‬فألحقت الحمل مِن هذا به ‪ ،‬وتسلسل المر‪.‬‬
‫َفقِسْ على هذا وانتبه للعواقب ‪ ،‬ول تُؤْثِر لذة تفوّت خيراً كثيراً ‪ ،‬وصابر‬
‫صل ربحا ً وافراً " ‪.‬‬‫المشَّقة تح ِّ‬
‫ودفعاً لما َيقَع عند البعض من شبهات ‪ ،‬وحلً لكثيرٍ من المشكلت ‪ :‬كان تقييد هذه‬
‫ل المولى جل وعل التوفيق والسداد ‪ ،‬وال المستعان ‪ ،‬وعليه التكلن ‪.‬‬ ‫الورقات ‪ ،‬سائ ً‬

‫‪ )(1‬جملة القواعد المذكورة مأخوذة من كتاب ‪[ :‬طريق النجاح] لراشد بن حسين العبد الكريم (طبعة دار الحميضي) ‪.‬‬
‫وقد أشرف على هذا البحث فضيلة شيخنا ال ُمبَجّل ‪ :‬صالح بن محمد السمري ـ حفظه ال ونفعنا بعلمه ـ ونصح بإخراجه‬
‫ونشره ‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫الفصل الول ‪ :‬التفكير والتخطيط‬

‫أمران لبد‬
‫قبل أن يفكّر المرء ويُخطّط لهدافٍ يُراد تحقيقها ‪ ،‬وغايات يُطلَب بلوغها ؛ هناك‬
‫منهما قبل‬ ‫أمران لبدّ منهما ‪ ،‬ول مندوحة للراغب عنهما ‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫التخطيط‬ ‫أولً ‪ :‬الستعانة بال والتوكل عليه ‪:‬‬
‫الستـعـــانة‬
‫بالله‬
‫فل بد للمرء أن يستحضر في ذهنه ذلك دائماً ‪ ،‬وفي كل خطو ٍة يخطوها‬
‫والتوكل‬ ‫ينبغي أن يجعل ذلك ُنصْب عينيه‪ ،‬إذ ال هو المعين على كل مقصد ‪ ،‬ول حول ول قوة‬
‫إل به ‪ ،‬وهو المستعان ‪ ،‬فاستعن بالله؛ لنه هو الذي يمنحك القوة لتبدأ ‪ ،‬عليـــه مــع‬
‫بذل‬
‫سر لك السبل ‪ ،‬اطلب دائماً العون‬ ‫وتوكل عليه ؛ لنه هو الذي يهديك ويي ّ‬
‫منه والتوفيق ‪ ،‬وأَظْهِر فقرك وحاجتك له في كل الحوال تكن أغنى الناس وأقواهم ‪،‬‬
‫فمن توكل على غير ال وُكِل إليه ‪ ،‬وكانت نهايته إلى خسار ‪ ،‬ولو حصّل شيئاً من‬
‫النجاح في هذه الدنيا‪.‬‬
‫ثم ابذل السباب المعينة على بلوغ ذلك الطريق ‪ ،‬واعلم أنه ليس هناك‬
‫سبب يستقل بإيجاد المطلوب ‪ ،‬بل لبدّ من أمر خالق السباب ‪ ،‬فالجأ إليه ‪،‬‬
‫وتوكّل عليه تأوِ إلى ركنٍ شديد ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪:‬‬
‫(شهدتُ شيخ السلم ـ قدّس ال روحه ـ إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه ‪ :‬فرّ‬
‫منها إلى التوبة والستغفار والستغاثة بال والّلجَأ إليه واسْتِنْـزَال الصواب من عنده‬
‫والستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلّما َيلْبث المَدَدُ اللهي أن يتتابع عليه َم ّداً ‪ ،‬وتَ ْز َدلِفُ‬
‫الفتوحات اللهية إليه بأيّتِهِنّ َيبْدَأ) ‪.‬‬
‫فأولُ ما َيجْني عليه اجتَها ُدهُ‬ ‫ل للفتى‬ ‫إذا لم يكنْ عونٌ من ا ِ‬
‫ثانياً ‪ :‬اليمان والرضا بالقضاء والقدر ‪:‬‬
‫اليمـان‬ ‫بعد إتيانك بالمر السابق ‪ ،‬وبعد أن بذلتَ الجَهْد ‪ ،‬وعملتَ بالسباب ‪ ،‬فل‬
‫والرضا‬
‫بالقضاء‬
‫ت أو لم يتحقق هدفك ‪ ،‬بل ارْ َ‬
‫ض بما قَسَم ال لك ‪ ،‬واعلم أن‬ ‫تحزن إن فشل َ‬
‫والقـدر‬ ‫ن ما أصابك لم يكن ليخطئك ‪ ،‬وما أخطأك لم يكن‬ ‫الخيرة فيما اختاره ال ‪ ،‬واعلم أ ّ‬
‫جفّت الصحف ‪.‬‬ ‫ليصيبك ‪ُ ،‬رفِعَت القلم و َ‬

‫المــور‬ ‫•ثم هاهنا مبحثان ‪:‬‬


‫التي‬ ‫المبحث الول ‪ :‬في التفكير ‪:‬‬
‫تســاهم‬
‫فـي نجاح‬ ‫هناك أمور لبد من استشعارها حتى يصبح التفكير ناجحاً ويُؤتي ثماره ‪ ،‬وهي‬
‫التفكير‬ ‫على النحو التالي ‪:‬‬
‫الستفادة‬ ‫•أولً ‪ :‬أن يعلم النسـان أنّ مـن أعظـم نعـم ال على العبـد أن وهبـه عقلً يفكّرـ بـه ‪،‬‬
‫من العقـل‬
‫تكون‬
‫لمـــن أراد‬
‫أن يصنع‬
‫‪18‬‬

‫ويميّز به ‪ ،‬فبالتفكير يزداد يقين العبد ‪ ،‬وبالتفكير يعرف العبد آيات ال في الكون ‪،‬‬
‫وفي نفسه‪.‬‬
‫•ثانيًا ‪ :‬أن هذا العقل إنما يستفيد منه حق الستفادة مَن كان يريد أن يصنع الحياة ‪،‬‬
‫ل مَن يريد أن يكون متفرّجاً فقط على ما يحدث في الحياة ‪.‬‬
‫•ثالثاً ‪ :‬كثرة التساؤل عن ما يراد تحقيقه مطلب مهم‪ ،‬إذ السئلة تستثير الفكار ‪،‬‬
‫وتوقظها وتجعلها في حالة تطور وتكاثر ل يتوقف ‪.‬‬
‫البداية من‬ ‫•رابعًا ‪ :‬ابدأ العمل من حيث انتهى الخرون ل من حيث بدءوا ‪ ،‬فإن َمنْ يَسِيْر في‬
‫حيث انتهى‬ ‫خُطى الخرين ل يَتْرُك أثراً مهما طال مسيره ‪ ،‬ثم استغل الفكار البداعية‪.‬‬
‫الخــرون‬
‫فهاهو المام البخاري ـ يرحمه ال ـ يستغلّ فكرة عابرة خلّدتْ ذكره ‪ ،‬ورفعتْ‬
‫منـزلته رحمه ال ‪ ،‬وذلك لما ألّف كتابه ‪ [ :‬الجامع الصحيح ] ‪ .‬قال البخاري ـ رحمه ال ـ ‪:‬‬
‫"كنت عند إسحاق بن راهويه‪ ،‬فقال لنا بعض أصحابنا ‪:‬لو جمعتم كتابًا مختصراً في‬
‫‪ ،‬وكانت الكتب قبل ذلك َتجْمَع الصحيح والضعيف ‪ ،‬فوقع ذلك‬ ‫الصحيح لسنن النبي‬
‫مبدأ‬
‫العمل‬
‫ت في جَمْع هذا الكتاب ـ يعني ‪ :‬كتاب صحيح البخاري ـ" ‪.‬‬ ‫في قلبي فأخذ ُ‬
‫•خامس ًا ‪ :‬التفكير هو مبدأ العمل ‪ ،‬ول يستطيع أحدٌ أن يعمل دون أن يُفكّر ‪ ،‬وبقدر هو التفكير‬
‫سمو العمال ‪ .‬ول تكون العمال رَتِيْبَة مملّة ل‬ ‫سمو هذا التفكير ت َ ْ‬
‫تجديد ول إبداع فيها ‪ :‬إل بإهمال التفكير وتعطيل عمل الذهن ‪ ،‬والنشغال بالعمل‬
‫دون تفكير أو رغبة في التطوير ‪.‬‬
‫عــدم‬
‫احتقـار‬ ‫•سادساً ‪ :‬ل تحتقر أيّ فكرة مهما بدأ أنها سَطْحية لول وَ ْهلَة ‪ ،‬فقد تكون عند‬
‫أي فكرة‬ ‫التّ ْمحِيص فكرة قيّمة ‪ ،‬أو قد تكون مبدأ لفكرة ذات شأن ‪.‬‬
‫•سابعاً ‪ :‬حاول البداع ‪ ،‬والرتقاء بالعمل إلى الفضل ‪.‬‬
‫واعلم أن هناك أخطاء تتعلق بالبداع وهي كما يلي ‪:‬‬
‫أخطــاء‬ ‫أولها ‪ :‬الظن أن الفكرة البداعية لبد أن تكون جديدة في أصلها ‪.‬‬
‫تتعلــق‬
‫بالبداع‬
‫الظن أن‬
‫أي فكرة‬ ‫وهذا غير صحيح ‪ ،‬بل الفكار الجديدة تكون بالتعامل مع الفكار القديمة ‪ ،‬وذلك‬
‫لبد وأن‬ ‫يكون بإحدى طرق ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫تكـــون‬
‫جديدة‬ ‫‪1‬ـ الستعارة ‪ ،‬وذلك بأن َيسْتعير النسانُ فكرة ُمطَبّقة في مجال من المجالت‬
‫ويستخدمها في مجال جديد تكون فيه نافعة ‪ ،‬و َتقْضي على مشكلة كانت موجودة من قبل‬
‫في هذا المجال‪.‬‬
‫‪2‬ـ الضافة ‪ ،‬وذلك بأن يأتي الشخص إلى فكرة مطبّقة لكن فيها نقص ‪ ،‬فيأتي‬
‫فيُكَمّلها حتى تكثر الفائدة ويزداد نجاح العمل‪.‬‬
‫‪3‬ـ الجمع والمزج ‪ ،‬وذلك بأن يأتي المرء فَيجْمع بين فكرتين موجودتين ويَمْزِج‬
‫بينهما ‪ ،‬فَيخْرج بفكرة مركّبة ثالثة تحل كثيراً من الشكالت ‪.‬‬
‫الظن بأن‬ ‫‪4‬ـ التعديل ‪ ،‬وذلك بأن يأتي المرء لفكرة قائمة ‪ ،‬فيعدّل فيها ‪ ،‬ويهذبها بحيث‬
‫البداع ل‬
‫يستطيعه‬
‫إل العلماء‬
‫‪18‬‬

‫تناسب وضعًا آخر ‪.‬‬


‫وثانيها ‪ :‬الظن بأن العلماء فقط هم الذين يمكنهم التيان بشيء جديد ‪.‬‬
‫وهذا غيـر صـحيح ‪ ،‬إذ ل يشترط فـي الفكرة البداعيـة أن تكون علميـة بحتـة ‪ ،‬بـل‬
‫قد تكون عاديّة‪ ،‬ومن السهولة بمكان ‪.‬‬
‫الظــن‬
‫بــأن‬ ‫وثالثها ‪ :‬الظن بأن الذكياء والموهوبين هم الذين يمكنهم البداع فقط ‪.‬‬
‫البـــــداع‬
‫ل يستطيعه‬
‫وليـس هذا مطلقاً ؛ بـل النسـان العادي يسـتطيع بالتعلم والصـبر أن يمارس التفكيـر‬
‫إل الذكيــاء‬ ‫البداعي‪،‬وأن يستفيد من قدراته العقلية العادية ‪.‬‬
‫الظــن بأن‬
‫الوائــل لم‬
‫ورابعها ‪ :‬الظن بأنه ليس في المكان أبدع مما كان ‪ ،‬وما ترك الول للخر شيئاً‬
‫يتركوا شيـئاً‬
‫‪.‬‬
‫للمتأخـرين‬
‫وهذا غير صحيح ‪ ،‬بل إن فرصة المتأخر في البداع والبتكار أكبر من فرصة‬
‫المتقدمين ‪ ،‬وذلك نتيجة لتشعّب حاجات الناس ‪ ،‬وتنوّع وسائل الملحظة والتجريب‬
‫وأساليب التفكير ‪ ،‬فكل فكرة تفتح مجالً لفكار ‪ ،‬وكل حاجة تدعو إلى ابتكار ‪.‬‬
‫جعل‬ ‫•ثامنًا ‪ :‬اجعل تفكيرك إبداعيّا ‪:‬‬
‫التفكير‬
‫إبداعـيا ً مما‬ ‫والتفكير البداعي هو التفكير الذي يسعى إلى حل المشكلت ‪ ،‬والجابة عن‬
‫يســـاهم‬
‫في نجاح‬ ‫التساؤلت بطريقة بديعة مبتكرة ‪.‬‬
‫التفكير‬
‫•تاسعاً ‪ :‬حوّل الفكار إلى حقائق ‪:‬‬
‫تحــويل‬
‫فإن الفكار مهما كانت بديعة ‪ ،‬ومهما كانت عظيمة ‪ :‬فإنها ل تُنَال قيمتها الحقيقية الفكـــار‬
‫إلى واقع‬
‫إل إذا انتقلتْ من حَيّز الفكر المجرّد إلى حَيّز الواقع ال َملْمُوْس ‪ ،‬حيث ُتصْبح حقيقة‬
‫َيسْتَفيد منها من َيحْتَاجها ‪ ،‬فالفكار ل تُرَاد لنفسها ‪ ،‬بل لما يَنْتُج عنها من الثمار ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬في التخطيط ‪:‬‬


‫التخطيط يدور على ثلثة محاور ‪:‬‬
‫محـــاور‬
‫التخطيط‬
‫أولً ‪ :‬الهدف ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الطار الزمني أو الوقت (المدة) ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬الوسائل ‪.‬‬
‫وسيكون الكلم عن هذا المبحث من خلل ثلثة جوانب ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬وضع الهداف ‪:‬‬
‫الــســير‬ ‫وضع الهدف هو البداية الصحيحة للطريق ‪ ،‬فالسير دون هدف َمضْيَعَة للوقت‬
‫دون هــدف‬
‫مضيعة‬
‫والجهد‪،‬بل ربما يصبح المرء كالمُنْبتّ ل أرضاً قطع ول ظهرًا أبقى ‪.‬‬
‫للوقت‬ ‫ثم هناك أمورٌ لبد من مراعاتها عند وضع الهداف ‪ ،‬وهي كالتالي ‪:‬‬
‫والجهد‬
‫المــور التي‬
‫تراعـى عند‬
‫وضع الهداف‬
‫‪18‬‬

‫‪1‬ـ تحديد الهدف بدقة ووضوح ‪ ،‬وهذا المر مهم جداً في تحقيق أي إنجاز ‪.‬‬
‫‪2‬ـ كون الهدف واقعياً وملئماً لقدرات صاحبه ‪.‬‬
‫ل جدًا بحيث ل يشكّل تحدّيًا لصاحبه ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن ل يكون الهدف سه ً‬
‫‪4‬ـ تجزئة الهدف إذا كان كبيرًا ‪ :‬إلى أهداف جزئية مرحليّة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ تحديد وقت معين لتحقيق هذا الهدف ‪ ،‬فل بد أن يُقرّر متى يُبْدَأ ؟ ومتى‬
‫يُنْتَهى ؟‬
‫‪6‬ـ كتابة ذلك كله حتى َيتَذَكّره المرء دوماً ‪.‬‬
‫ولْيَ ْعلَم المرء أن أول خطوة في طريق النجاح ‪ :‬هي أن يحدّد النسان ماذا يريد ‪،‬‬
‫ثم يَسْعى في أن تَ َناَل الهداف التي يُراد تحقيقها ‪ :‬النصيب الكبر من الوقت ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التخطيط ‪:‬‬
‫النقطة التي َتلِي َوضْع الهداف هي ‪ :‬وضع ال ُمخَطّط المتوقّع للوصول إلى ذلك‬
‫الهدف ‪.‬‬
‫ولكي يتم التخطيط لبد من أمورٍ يجب مراعاتها ‪:‬‬
‫المـور التي‬ ‫أولً ‪ :‬تقسيم العمل إلى مراحل ‪.‬‬
‫تراعى عند‬
‫التخطـــيط‬ ‫ثانياً ‪ :‬تحديد خطوات كل مرحلة ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬إعطاء كلّ خطوة وقتَ بداية ‪ ،‬ووقتَ نـهايةٍ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬كتابة الخطة ومراحل تنفيذها ‪ ،‬خاصة في الهداف الطويلة لي َ ْ‬
‫سهُل‬
‫تقويم تَنْفِيذ الخطة ‪.‬‬
‫خامسًا ‪ :‬البُعْد عن التعقيد والمثالية في وضع الخطة ‪ ،‬بل تكون الخطة واضحة‬
‫سهلة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬تنظيم الوقت ‪:‬‬
‫للوقت أهمية كبرى ‪ ،‬ومزيّة عظمى ‪ ،‬فهو غنيمة لمن أحسن استغلله ‪ ،‬ومَرْبَح‬
‫لمن أجاد اغتنامه ‪ ،‬بل الوقت هو الحياة ‪.‬‬
‫الـوقـت‬
‫ن أجلّ تحصيل عند العقلء بإجماع العلماء هو‬ ‫قال ابن عقيل يرحمه ال ‪( :‬إ ّ‬
‫هـو أج ّ‬
‫ل‬ ‫غنِيْمَة تُنْ َتهَز فيها الفُرَص ‪ ،‬فالتكاليف كثيرة ‪ ،‬والوقات خَاطِفة) ‪.‬‬ ‫الوقت ‪ ،‬فهو َ‬
‫تحصيل عند‬ ‫ولبد للوقت حتى يُسْتغلّ ‪ :‬من تنظيم ‪ ،‬فالخطوة التي تلي التخطيط هي ‪ :‬توفير‬
‫العقلء‬
‫الوقت اللزم للتنفيذ ‪ ،‬وهذه تكون بأمرين ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬مراعاة حال الشخص وظروفه عند وضع الخطة ‪.‬‬
‫ن أَنْ تَطْغى عليه‬
‫خصّص من وقت لتنفيذ هذا العمل مِ ْ‬ ‫ثانيًا ‪ :‬المحافظة على ما ُ‬
‫النضــبــاط‬ ‫أعمال أخرى ‪.‬‬
‫الذاتي‬
‫أسـاس‬
‫فالنضباط الذاتـي أسـاس تنظيـم الوقـت ‪ ،‬بـل إنّـ أعظـم تخطيـط للوقـت ل يسـاوي‬
‫تنظيم الوقت‬ ‫شيئاً ول ُيجْدِي إذا لم يكن من يُ َنفّذه منضبطاً ذاتياً ‪ ،‬ومتقيّداً ب َتخْطِيطه ‪.‬‬
‫ضيْق الوقت أو عدم‬ ‫وشكاية كثير من الناس الجادّين ‪ :‬من َ‬
‫ستَغْرِق لنهائه ‪:‬‬‫توفُّره هو في الحقيقة من عدم التنظيم‪ ،‬فالعمل الذي ي ْ‬
‫عشر دقائق ُيصْرَف في إنجازه ‪ :‬ساعة كاملة ‪ ،‬وما ذلك إل لسوء التخطيط أو عدمه ‪،‬‬
‫‪18‬‬

‫أو التسويف أو غير ذلك ‪.‬‬


‫َفلْيتخلّص المرء من مُضيّعات الوقت ‪ ،‬ولْ ُيحَاوِل استخدام وقته بشكل فعّال ‪،‬‬
‫بحيث تُقلّص نسبة الوقت المصروف دون فائدة ‪ ،‬وذلك إنما يكون بتنظيم الوقت ‪.‬‬
‫قواعد‬
‫تنظيم‬ ‫وإليك قواعد في تنظيم الوقت ‪:‬‬
‫الــوقت‬ ‫أولً ‪ :‬تحديد الولويات ‪ :‬فل بد للمرء من تحديدها حتى يُقدّم الهم على المهم ‪،‬‬
‫خلْط بين المهم والعاجل فل يُقدّم العاجل غير‬ ‫والمهم على غير المهم ‪ ،‬وحتى يحذر من ال َ‬
‫ن خُطّط له‪ ،‬ويؤجّل‬ ‫المهم على المهم العاجل وغير العاجل ؛ لن هذا يُرْبِك ما سبق أ ْ‬
‫إتمام كثير من الشياء المهمة ‪.‬‬
‫ل تخـلــــط‬
‫بين الحركة‬ ‫ن اختيار العمل الفضل أهم من عمل أي شيءٍ فقط ‪ ،‬فل يخلط‬ ‫وليتذكر المرء أ ّ‬
‫والتقــــدم‬ ‫المرء بين الحـركة والتقدّم ‪ ،‬فالحركة تكون في اتجاهات مختلفة أو متضادة ‪ ،‬بل قد‬
‫تكون في المكان نفسه ‪ ،‬أما التقدم فإنه يكون دائمًا إلى المام نحو الهدف ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬تحديد مواعيد النتهاء من العمال ‪ :‬حيث إن تحديد وقت النتهاء واللتزام‬
‫به َتحَدٍ يَشْحذ الذهن ‪ ،‬ويُعِيْن على التركيز ‪ ،‬بل يهيئ الجسم للنصراف نحو العمل‬
‫ً‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫واقعيا‬ ‫كن‬
‫عند تحديد‬ ‫وليُ ْعلَم أنه يجب عند تحديد المواعيد النهائية أن يكون النسان واقعيّا ودقيقاً في‬
‫وقت‬
‫النتهاء‬
‫تقديره ‪ ،‬بحيث ل يكون الوقت قصيرًا جداً ف ُيصَاب المرء بالرهاق والحباط ‪ ،‬ول‬
‫يكون طويلً ‪ ،‬فيُصاب بالفتور والتواني‪.‬‬
‫ضع موعداً‬ ‫ول بأس بعد تحديد الموعد بأن يُعاد تحديد موعد بديل إذا دعت الضرورة إلى‬
‫بديـــلً‬ ‫عدٍ مقدّر ‪.‬‬
‫ذلك ‪ ،‬لكن ل تُتْرَك النهاية دون مو ِ‬
‫للضرورة‬
‫ثالثاً ‪ :‬العمل بكل وسيلة تساعد في حفظ الوقت ومن الوسائل المساعدة لحفظ‬
‫الـوســــائل‬
‫المســاعــد‬
‫الوقت ما يلي ‪:‬‬
‫ة لحفظ‬ ‫‪1‬ـ حسن التعامل مع الهاتف ‪.‬‬
‫الوقت‬
‫‪2‬ـ تحديد مواعيد للزيارات الروتينية‪،‬وينبغي أن تكون محصورة بين‬
‫عملين معروفين‪ ،‬كصلة المغرب والعشاء مثلً ‪.‬‬
‫‪3‬ـ التخطيط للخروج من المنـزل بحيث يقضي المرء أكبر قدر ممكن من‬
‫العمال في كل مرة يخرج فيها ‪ ،‬ول يجعل لكل عمل خروجاً مستقلً ‪.‬‬
‫الـوقت‬ ‫‪4‬ـ تفويض ما يمكن تفويضه من العمال ‪ ،‬ولو َكلّفَ ذلك بعض‬
‫لمـن‬
‫ينتفـــع به‬
‫المال‪،‬ولْيتذكر المرء أن الوقت لمن يحتاجه ويحسن استغلله ‪ :‬أغلى من المال ‪.‬‬
‫أغلى من‬ ‫كان الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه ال ـ يتحسّر عندما يَمُ ّر أمام مقاهي‬
‫دمشق ‪ ،‬ويرى الناس يمضون أوقاتهم في لهو وثرثرة ‪ ،‬ويَتَمَنّى لو استطاع شراء‬
‫أوقاتهم منهم ‪.‬‬
‫‪5‬ـ تحديد مواعيد اللتقاء مع الخرين بدقة ‪ ،‬وعدم الرضا بالمواعيد‬
‫المطاطة ‪.‬‬
‫اغتنم‬ ‫‪6‬ـ إدارة الجتماعات بفعاليّة ‪ ،‬واستثمارها جيداً ‪.‬‬
‫أوقات‬ ‫ولْ َيحْرص المرء على اقتناص دقائق الوقت الضائعة ‪ ،‬ولْيغتنم أوقات النتظار ‪،‬‬
‫النتظـــــار‬
‫صور من‬
‫حرص‬
‫السلــف‬
‫على‬
‫‪18‬‬

‫بل يغتنم كل دقيقة في هذه الحياة ‪.‬‬


‫كان أبو يوسف ـ رحمه ال ـ في مرض الموت ‪ ،‬وعنده أحد تلميذه ‪ ،‬وقد أُغمي‬
‫عليه ‪ ،‬فلما أفاق قال له ‪ :‬يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا ؟ فقال إبراهيم ‪ :‬في مثل هذه‬
‫الحال!‍ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬ل بأس لعله ينجو ناج ! فتباحثا قليلً ‪ ،‬قال إبراهيم ‪ :‬فلما خرجتُ من‬
‫عنده سمعتُ الصّراخ عليه وإذا هو قد مات‪.‬‬
‫وكان سليم الرازي ـ رحمه ال ـ إذا كان يكتب فحفي عليه القلم ‪ ،‬وأخذ في بريه ‪:‬‬
‫حرّك شفتيه بالقراءة ‪.‬‬
‫وقال بعض السلف لصحابه وقد كانوا عنده ‪( :‬إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعلّ‬
‫أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ‪ ،‬ومتى اجتمعتم َتحَدّثْتُم) ‪.‬‬
‫وقال ابن الجوزي يرحمه ال ‪( :‬ينبغي للنسان أن يعرف شرف زمانه ‪ ،‬وقدر‬
‫وقته ‪ ،‬فل يُضيع منه لحظة في غير قُرْبة ‪ ،‬ويُقدّم الفضل فالفضل من القول والعمل) ‪.‬‬
‫ن ساعة تُنْتَزع كل يوم من أوقات اللهو ‪ ،‬وتُستعَمل فيما يفيد‬ ‫إ َّ‬
‫َّ‬
‫ئ ذي مقدرة عقلية عادية أن يتضلع في علم بتمامه‬ ‫‪ :‬تُمكِّن كل امر ٍ‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن النحاس ‪:‬‬
‫ِمنْ ُنخَبِ العلمِ التي تُل َت َقطْ‬ ‫اليومَ شيءٌ وغداً مثُلهُ‬
‫وإنما السيلُ اجتماعُ ال ُن َقطْ‬ ‫يُحصّل المرءُ بـها حِكْمةً‬
‫‪18‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬التنفيذ والنجاز‬

‫هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ‪ ،‬نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫المـور‬
‫المعينة‬
‫أولً ‪ :‬الثقة بالنفس ‪:‬‬
‫علــى تنفيـذ‬
‫العمل‬
‫إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو النسان لَيَثّاقل بنفسه عن المبادرة ‪ ،‬وتُعْطِيه النتيجة‬
‫وإنجازه‬ ‫مقدّمًا قبل المحاولة بل قبل التفكير ‪ :‬أنّه فاشل ‪.‬‬
‫لشيء يصنع‬
‫النجاح مثل‬
‫وليُ ْعلَم أنّه ل شيء أضرّ على النسان من عدم ثقته بنفسه ‪ ،‬ول شيء يهدم ثقة‬
‫الثقة بالنفس‬
‫ي لها ‪،‬‬
‫النسان بنفسه أكبر من جهله بها ‪ ،‬وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدّوْن ّ‬
‫ول شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس‪.‬‬
‫كيف تبني ثقتك بنفسك ؟ سؤال تجيب عنه أمور ثلثة ‪ ،‬وهي كالتالي ‪:‬‬
‫المور‬
‫المعينة‬
‫‪1‬ـ اعرف نفسك ! أول خطوة في طريق بناء الثقة بالنفس هي معرفة‬
‫عـلـى بنـــاء‬
‫الثقة بالنفس‬
‫النسان نفسه فيتأملها ‪ ،‬ويعرف مميزاته وكيف يستثمرها ‪ ،‬ول شيء أضرّ على‬
‫النسان من احتقاره لنفسه‪ ،‬والنظر السلبي لها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ طوّر نفسك ! بحيث يحدّد النسان نقاط قوته ويسعى في تطويرها ‪،‬‬
‫ويجتهد في التعلم والتدرب والتمرن‪.‬‬
‫‪3‬ـ تخلّص من عيوبك ! وذلك بتحديد نقاط الضعف وجوانب النقص ‪ ،‬ومن‬
‫ثمّ يسعى المرء في علجها وإصلحها‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬علو الهمة ‪:‬‬
‫ت أفكار العظماء إلى إنجاز ‪ ،‬وَلقَنَ َع كلٌ بالموجود ‪،‬‬‫لول علو الهمة ما سَ َم ْ‬
‫ولَكَان شعار الكل ‪( :‬ليس في المكان أحسن مما كان !) ‪.‬‬
‫َتعِبَتْ في مرادها الجسامُ‬ ‫وإذا كانت النفوسُ كباراً‬

‫كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه ال ـ همة عالية ‪ ،‬تظهر جليّة في قولته‬
‫المشهورة ‪" :‬إنّ لي نفساً توّاقة ! تَمَنّ ْيتُ المارة فَ ِنلْتُها ‪ ،‬وتَمَنّ ْيتُ أن أتزوّج بنتَ الخليفة‬
‫ف ِنلْتُها ‪ ،‬وتمن ّيتُ الخلفة ف ِنلْتُها ‪ ،‬وأنا الن أتوق للجنة ‪ ،‬وأرجو أن أنالها" ‪.‬‬
‫الراضي‬
‫بالــدون‬ ‫قال ابن الجوزي يرحمه ال ‪( :‬ما ابتُلي النسان قطّ بأعظم من علو همته ‪ ،‬فإنّ‬
‫دنــــيء‬ ‫عَلتْ همته يختار المعالي ‪ ،‬وربما ل ُيسَاعد الزمان و َتضْعُف اللة ويَبْقى في عذاب)‬ ‫َمنْ َ‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن نباتة ‪:‬‬
‫‪18‬‬

‫سهَادِ‬
‫ورعْيي في ال ّدجَا َر ْوضَ ال ّ‬ ‫علَى إتْعَابِ َنفْسِي‬ ‫َأعَا ِذلَتي َ‬
‫ت طِيْبُ الرّقَادِ‬
‫ف َأ ْه َونُ فَائِ ٍ‬ ‫إِذا شَا َم الفَتَى بَ ْرقَ المَعَالي‬

‫ثالثاً ‪ :‬الجدّ ‪:‬‬


‫د‬
‫بـــدون الج ّ‬ ‫الجدّ هو أخذ المر بحزم وقوة ‪ ،‬وعدم التراخي في التعامل مع الشياء ‪،‬‬
‫تصبح‬
‫العمال‬ ‫وهو الروح التي تسري في العمل ‪ ،‬فتجعله يُثْمِر ‪ ،‬وبدون الجد ُتصْبِح العمال ميّتة‬
‫ميّتـــة ممـلةّ‬
‫مملّة ‪.‬‬
‫قال الشيخ بهجة الثري ‪" :‬انقطعتُ عن حضور درس العلّمة أبي المعالي‬
‫محمود شكري اللوسي في يوم مزعجٍ شديدِ الريح غزيرِ المطر كثي ِر الوحل ؛ ظناً مني‬
‫حضُر إلى المدرسة ‪ ،‬فلما حضرتُ في اليوم التالي إلى الدرس صار يُ ْنشِ ُد بلَ ْهجَة‬ ‫أنه ل َي ْ‬
‫الغضبان ‪:‬‬
‫ول خير فيمن عاقه الحرُ والبر ُد ‪"..‬‬
‫كيف تكتسب صفة الجد ؟‬
‫لكي تُكتسَب صفة الجد لبدّ من بذل السباب المعينة على ذلك ‪ ،‬أل وإن من أهم‬
‫السباب ما يلي ‪:‬‬
‫السبـاب‬ ‫أولها ‪ :‬مصاحبة الجادّين ‪ ،‬إذ الصاحب ساحب ‪ ،‬والطباع سرّاقة‪،‬والنسان‬
‫المعينة عـلـى‬
‫اكتسـاب‬
‫مجبول على التقليد خاصة بمن يُ ْعجَب به أو بصفة من صفاته ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬قراءة سير العظماء ‪ ،‬فهي من أعظم وسائل حفز الناس على الجد ‪ .‬صـفـــة الجـد‬

‫ثالثها ‪ :‬المقارنة بين نتائج أعمال الجادّين وأعمال غيرهم ‪.‬‬


‫رابعها ‪ :‬البتعاد عن مصاحبة الهازلين ‪ ،‬والفرار منهم فرار النسان من‬
‫ن المرء ل يَنَال منهم إلّ تَثْبِيْط الهمّة ‪ ،‬وإضاعة الوقت ‪ ،‬والتجافي عن معالي‬ ‫السد‪،‬فإ ّ‬
‫المور ‪ ،‬والتّلهّي بدَنِيْئِها ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬الصبر ‪ :‬ويكون بالدوام على الجِدّ ‪.‬‬
‫بالـصــــــبر‬
‫واليقين تنال‬
‫والصبر هو حبس النفس على ما تكره لمصلحة ‪ ،‬وبدونه ل يحصل خير‬
‫المامة‬ ‫دنيوي ول ُأخْرَوِي ‪ ،‬وقد قيل ‪( :‬بالصبر واليقين تُنَال المامة في الدّين) ‪ .‬فبالصبر‬
‫فــــي‬
‫الــديــــــن‬ ‫تحصل البُغية ‪ ،‬ويتحقّق المُراد بإذن ال تعالى ‪.‬‬
‫قال المحدّث أبو بكر البهري ـ رحمه ال ـ ‪" :‬قرأت مختصر ابن عبد الحكم‬
‫خمسمائة مرة ‪ ،‬والسدية ‪ :‬خمس وسبعين مرة ‪ ،‬والموطأ ‪ :‬خمس وأربعين مرة ‪،‬‬
‫ومختصر البرقي ‪ :‬سبعين مرة ‪ ،‬والمبسوط‪ :‬ثلثين مرة" ‪.‬‬
‫وكان الْكِيا الهرّاسِي يُعِيد الدرس إذا حفظه ‪ :‬مائة وأربعين مرة ‪.‬‬
‫ع للبوابِ َأنْ َي ِلجَا‬‫وَ ُمدْمِن القَرْ ِ‬ ‫حظَى‬‫خلِق بذِي الصّبْرِ َأنْ َي ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫َبحَاجَتِهِ‬
‫النجـــاح‬
‫ل يأتــي‬ ‫ثم ليتذكر المرء أن النجاح يأتي بالمثابرة ل بالسرعة ‪.‬‬
‫بالسرعة‬
‫‪18‬‬

‫خامساً ‪ :‬العلم ‪:‬‬


‫بالعـــلم‬ ‫مَن أراد نيل مراده ‪ ،‬وتحقيق هدفه ‪ :‬فلْيَسْع إلى تعلّم أفضل طريق موصل‬
‫بالطريق‬
‫يتحــقق‬ ‫إليه ‪ ،‬ولْيَسْتفد من خبرات الخرين ‪.‬‬
‫الـــهـدف‬ ‫قال ابن القيم يرحمه ال ‪( :‬الجهل بالطريق وآفاتها يوجب التعب الكثير مع‬
‫الفائدة القليلة)‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬عوائق النجاز‬

‫عـوائق‬
‫النجاز‬ ‫هناك عوائق عدة تحول بين المرء وبين إنجازه لعمله ينبغي عليه التخلص منها ‪.‬‬
‫نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الحساس بالفشل ‪:‬‬
‫الفشل كلمة كريهة ل يحبها أحد ‪ ،‬والحساس به عائق من عوائق التقدّم إل أن من‬
‫خطوات طريق النجاح ‪ :‬الفشل‪ ،‬فالنجاح الكبير غالباً يسبقه فشل ‪ ،‬فليس الناجح هو الذي‬
‫النجــــاح‬
‫الكبـــــير‬ ‫سقُط ‪ ،‬بل هو الذي يقوم من سقوطه سريعاً وقد استفاد من سقوطه ‪ ،‬وكما قيل ‪:‬‬ ‫ل َي ْ‬
‫غالباً‬
‫صحّت الجسام بالعلل) ‪ ،‬وكم نرى من الناجحين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه‬ ‫(وربما َ‬
‫سبقه‬
‫فـشـــــل‬ ‫من نجاح إل بعد فشل تعرّضوا له وانتصروا عليه ‪.‬‬
‫ثم إنه ينبغي على المرء أن يحسن التعامل مع الفشل ‪ ،‬فما بين‬
‫الفشل والنجاح إلّ صبر ساعة‪ ،‬وليعلم المرء أنّ النهزام المؤقت ليس فشلً ‪.‬‬
‫النهــزام‬
‫قال ابن سينا ‪" :‬قرأت كتاب [ ما بعد الطبيعة ] لرسطو ‪ ،‬فما فهمته حتى قرأته أربعين‬
‫المؤقـــت‬ ‫مرة" ‪.‬‬
‫ليس‬ ‫فعلى المرء أن ل يتخلّى عن العمل ‪ ،‬وأن ل يتركه عند حصول انهزام مؤقّت ‪،‬‬
‫فش ً‬
‫ل‬
‫بل يعيد ويكرّر مرات تلو مرات ‪ ،‬وليبتعد المرء عن أسباب الفشل ‪ ،‬وأن ل يحكم على‬
‫نفسه عند الخفاق بالفشل ‪ ،‬فيترك العمل ‪ ،‬بل يقول ‪( :‬لكل جواد كبوة) ‪ ،‬ويحاول مرة‬
‫أخرى بعزيمة أكبر ‪ ،‬وبهمّة أعلى ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اللتفات للنقد غير البنّاء ‪:‬‬
‫هناك شريحة من المجتمع ل تألوا جهداً في انتقاد الخرين والسخرية بهم ‪ ،‬وما‬
‫ذلك إل حسدًا وحقداً منهم ‪ ،‬أو تسويفاً منهم لتقصيرهم وكسلهم ‪ ،‬أو تثبيطاً منهم للخرين‬
‫ت إلى أمثال هذه النتقادات‬ ‫حتى ل يتفوقوا عليهم‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬فعلى المرء أن ل َيلْ َتفِ َ‬
‫غير البناّءة ‪ ،‬بل عليه أن يتجاهلها أو يحاول أن يستفيد منها في تطوير‬
‫نفسه ومحاسبتها‪،‬ويتذكّر أنه يستطيع أن يَنْتَـزِع من بين الشواك وَرْداً‪ ،‬ولْيتذكر‬
‫أيضاً أنّ من طرق معرفة العيوب ‪َ :‬نقْدَ العداء ‪.‬‬
‫رضا‬ ‫إن ترك العمل من أجل انتقادات الناس ليس له أي مبرّر؛لنك إذا تركت العمل لن‬
‫الناس‬
‫غـــايــة‬ ‫تسلم أيضاً من النتقاد ؛ لنك ستجد مَن ينتقدك ويلومك ‪ :‬لِمَ لمَ تعمل !‬
‫لذا يحرص المرء على العمل ‪ ،‬والسير الحثيث حتى يحقّق هدفه ‪ ،‬ول َيلْ َتفِت إلى ل تــدرك‬
‫انتقادات الخرين؛ لن الخوف منها هو أساس قتل معظم الفكار ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬عدم التفكير فيما يساعد على النجاح ‪:‬‬
‫لبد للمرء أن يفكّر ويقلّب النظر فيما يساعده على النجاح ‪ ،‬أل وإن من أعظم ما لبــــد مــن‬
‫تكوين‬
‫عادات‬ ‫يساعد على النجاح ‪ :‬أن يكوّن النسان عادات عمل (روتين) ؛ بحيث يجعل خطواته‬
‫عمــل‬
‫يســير‬ ‫العملية الصحيحة عادات يسير عليها ‪ ،‬حتى ُتصْبِح ضمن (روتينه) اليومي ‪.‬‬
‫عليـهـــا‬
‫‪18‬‬

‫سيْر عاداته ‪ ،‬فكثير مما نعمله إنما هو عادات تكوّنْت على مَ ّر‬ ‫فالنسان أ ِ‬
‫اليام ‪ ،‬كانت في بداياتها شاقة حتى اعتاد عليها النسان ‪ ،‬فكذلك الخطوات العملية إذا‬
‫أرادها المرء أن تكون عادة له ‪ ،‬فسيجد ذلك مُمِلً وشاقاً في بداية المر ‪.‬‬
‫وليُجاهد المرء نفسه ولْيجتهد في التّخلّص من عادات العمل الضارة ‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫الفوضوية ـ عدم التخطيط ـ ‪ ،‬أو التأجيل ‪ ،‬أو إضاعة الوقت ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬عدم استشعار ثمرات العمل ‪ ،‬والستسلم للملل والكسل‪:‬‬
‫ما من سلوك يصدر من النسان إل وله دافع ما ‪ ،‬وبقدر هذا الدافع تكون‬
‫قوة الحركة ‪ ،‬والنفوس مهما بلغت من الجد لبد وأن تمل وتكل ‪ ،‬فعلى المرء أن‬
‫يتعاهد نفسه ‪ ،‬ويستثير دافعيّته لتمام أعماله بأمور ‪:‬‬
‫المور التي‬
‫أولها ‪ :‬ربط جميع العمال بنيل الثواب من ال تعالى ‪.‬‬
‫تعـــين على‬ ‫ت وآخر ؛ لن رؤية‬ ‫ثانيها ‪ :‬استعراض ما ت ّم القيام بإنجازه من العمل بين وق ٍ‬
‫استـمـرارية‬
‫العـمـــــل‬ ‫الثمرة أو جزءٍ منها يدفع النفس لبذل المزيد ‪ ،‬ولينظر المرء إلى كل إنجاز جزئي بأنه‬
‫ومواصلتــه‬ ‫إنجاز مرحلي ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬إذا كان في عمل النسان نف ٌع للناس ‪ ،‬فليستشعر المرء ما يقدمه هذا العمل‬
‫سلِ َمتْ له‬
‫من فائدة ‪ ،‬وكم له من الجر العظيم والخير العميم إذا أخلص ل النيّة ‪ ،‬و َ‬
‫الطويّة‪.‬‬
‫رابعها ‪ :‬عَ ْرضُ العمال على أهل العلم والمعرفة أصحاب الهمم العليّة لترشيدها‬
‫ولشحذ الهمة ‪ ،‬وتشجيع المرء على إتمام عمله ‪.‬‬
‫خامسها ‪ :‬تحديد أوقات نهاية للعمال لتدفع المرء للجد في العمل ‪.‬‬
‫سادسها ‪ :‬السماح للنفس بشيء من الراحة والستجمام ‪ ،‬حتى تحصل الرغبة في‬
‫الندفاع ُمجَدّدًا في العمل ‪ ،‬ولبد حينئذٍ من مراعاة أمرين ‪:‬‬
‫كيـفـيـــــة‬ ‫أولهما ‪ :‬التخطيط لفترة الراحة بحيث ل تكون عشوائية ‪ ،‬فيحصل إرباك‬
‫الستفادة‬
‫من وقت‬ ‫في ال ُمخَطّط ‪.‬‬
‫الراحة‬ ‫وثانيهما ‪ :‬المحاولة بأن تكون فترة الراحة فيما يفيد ويوفّر الوقت ‪ ،‬كقراءة‬
‫القصص التاريخية‪ ،‬وصلة الرحم ونحوها‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬التأجيل والتسويف ‪:‬‬
‫من أعظم الشياء التي تثبط الهمة وتفسد العمال ‪ :‬التسويف وتأجيل‬
‫البدء ‪ ،‬وللتأجيل أسباب عدة ‪:‬‬
‫أسـبــاب‬ ‫أولها ‪ :‬عدم الرغبة في العمل ‪.‬‬
‫التأجيـل‬
‫ثانيها ‪ :‬صعوبة العمل ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬عدم وجود العزم الصادق على البدء ‪.‬‬
‫رابعها ‪ :‬النشغال عن البدء في العمل المُ َؤجّل بأعمال تافهة ُمحَبّبة للمرء ‪.‬‬
‫خامسها ‪ :‬عدم وضع العمل في خِطّة العمل ‪.‬‬
‫وثَ ّم طرق لِلتخّلصِ من التأجيل وأسبابه ‪:‬‬
‫طـــــــرق‬
‫التخلـــص‬
‫من‬
‫التأجيل‬
‫‪18‬‬

‫‪1‬ـ إذا كان التأجيل عادة ‪،‬فل بد للتخلص منها بالمجاهدة في إيقافها ‪ ،‬وإحلل عادة‬
‫العزم والحزم والقدام مكانها ‪ ،‬ولبد من وضع عادة التأجيل في رأس القائمة في جدول‬
‫العادات التي يُراد التخلص منها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ معالجة التأجيل من خلل إزالة سببه ‪ ،‬فإذا كان العمل غير محبّب لك ‪ ،‬فتذكّر‬
‫ل بقَسْرِ نفسه على ما يِكْرهه ‪.‬‬ ‫أنه ما نال إنسانٌ ما تمناه إ ّ‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪( :‬عامة مصالح النفوس في مكروهاتها ‪ ،‬كما أنّ عامة‬
‫مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها) ‪.‬‬
‫عـــلج‬ ‫‪3‬ـ معالجة صعوبة العمل تكون بأن يتذكّر النسان أنّه‪( :‬لول المشقة ساد الناس‬
‫صعوبة‬ ‫كلهم) ‪ ،‬وبأن يسلك المرء طريقة (التفتيت) ويَتّبعُها ‪ ،‬فالعمل الصعب يَسْهُل كثيرًا إذا‬
‫العـمل‬
‫ُقسّم إلى ُوحْدَات صغيرة‪،‬ومن ثَمّ يُتعَامَل مع كل وحدة كإنجاز مستقل ‪.‬‬
‫علج‬ ‫‪ 4‬ـ معالجة عدم وجود العزم تكون بطرد التّرَدّد ‪ ،‬وأل ُيقْدِم النسان على العمل إلّ‬
‫عــدم‬
‫وجود‬ ‫بعد رويّةٍ وشعور بالحاجة لذلك العمل ‪ ،‬وتخطيط له ‪ .‬ثم ل يسمح بعد ذلك لنفسه بالتردد‬
‫العزم‬ ‫‪ .‬قال تعالى‪( :‬فإذا عزمــت فتوكــل على ال) ‪ ،‬وقال النــبي قبيــل غزوة أحــد بعــد مــا‬
‫راجعـه بعـض الصـحابة فـي ترك الخروج ‪( :‬مـا يَنْبَغـي لنـبي إذا َوضَعَـ لَمَ َة الحرب أن‬
‫يِنْتَزِعها حتى يفصل ال بينه وبين عدوه) ‪.‬‬
‫فإنّ فَسادَ الرأي َأنْ تَتَ َردّدا‬ ‫إِذا كنْتَ ذا رَأيْ ف ُكنْ ذا عَزِيمةٍ‬
‫علج النشغال‬
‫عن البدء في‬
‫‪5‬ـ معالجة ‪ :‬النشغال عن البدء في العمل المؤجّل بأعمال تافهة‪ ،‬وعدم وضعه في‬
‫العمل المؤ َّ‬
‫جل‬ ‫خطة‬
‫بأعمال تافهة‬
‫العملَ ـ تكون بالنضباط الذاتي بتخطيط تنفيذ العمال والتقيّد بذلك ‪.‬‬
‫قال ابن حزم رحمه ال ‪َ ( :‬قلّما رأيتُ أمرًا أَمْكَن فضُيّع إلّ وفَاتَ ولم يَكُن بَعْدُ) ‪.‬‬
‫سادساً ‪ :‬عدم تحديد الولويات ‪:‬‬
‫رت ِّب أعمالك‬
‫حسب الهمية‬
‫لبد للمرء من أن يرتّب أعماله بحسب الهمية ‪ ،‬فيقدّم الهم على المهم ‪،‬‬
‫خلِط بين المهم وبين العاجل ‪،‬‬ ‫والمهم على غيره وهكذا ‪ ،‬كما أنه ينبغي عليه أن ل َي ْ‬
‫فيؤدّي العاجل من العمال ويؤجّل المهم ‪ ،‬ومن النادر أن تكون المور المهمة عاجلة ‪،‬‬
‫ل إذا وصلنا ـ بتأجيلنا ـ إلى مرحلة الزمة ‪ ،‬فبتأجيل المهم وتعجيل العاجل‬ ‫إّ‬
‫نسمح للزمات بالستمرار في حياتنا ‪.‬‬
‫سابعاً ‪ :‬تشتيت الجهد وتَشَعّبه ‪:‬‬
‫ل شيء أضرّ على العمل من تشتيت الجهد ‪ ،‬فمهما كان العمل جادّا ودؤوباً ل تشت ِّت‬
‫الجــهــد‬
‫إل أنّ تفريقه على مسارات متنوّعة ‪ :‬يفقده كثيراً من فعاليّته ‪ ،‬بل ربما يجعله غير مثمرٍ وتشعِّبــه‬
‫تماماً ‪.‬‬
‫ثامناً ‪ :‬المبالغة في تطلّب الكمال ‪:‬‬
‫ب الكمال في كل عملٍ يعمله فإنه قد َراَ َم أمراً‬ ‫طلّ َ‬
‫ن الكمال عزيز ‪ ،‬ومن َت َ‬‫إّ‬
‫مال يُدَْرك كله‬ ‫مستحيلً ‪ ،‬ومع ذلك فإنه ل يستطيع أن يُ ْنجِز شيئاً ‪ ،‬ثم إن الكمال ل يكون في عمل‬
‫ل يُتَرك جلّــه‬
‫البشر ‪ ،‬ولكن حَسْب المرء أن يبذل جهده في إنهاء العمل وإتقانه ‪ ،‬وما ل ُيدْرَك كله ل‬
‫‪18‬‬

‫جلّه ‪.‬‬
‫يُتْرَك ُ‬
‫ثم إنّ تطلّب الكمال في كل عمل ربما أَ ْودَى بصاحبه إلى الكسل والنهزامية ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ن تطل ّب الكمال المثالي أعمال ً كانت تستحق أن تظهر في‬ ‫فكم دَفَ َ‬
‫الوجود ‪.‬‬
‫حقّقـ‬
‫كمـا ينبغـي على المرء أن ل يطلب النجاح فـي كـل عمـل بنسـبة مئة بالمئة‪،‬وإذا لم تَ َت َ‬
‫هذه النسـبة ترك العمـل كليّةـ ‪ ،‬بـل لبـد مـن أن يجعـل النجاح متدرّجاً ‪ ،‬فبدلً أن يقول فـي‬
‫عملٍ أنهاه ‪( :‬إنّه فَشِل ‪ ،‬يقول ‪( :‬إنه َنجَح مثلً بنسبة ستين بالمائة) ‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫خـــاتمـــة‬

‫ونختم هذه الورقات ‪ :‬بقولتين عظيمتين ‪ ،‬فأما الولى ‪ :‬فقال‬


‫ابن القيم رحمه الله في ‪[ :‬الفوائد]‪:‬‬
‫(طالب النفوذ إلى ال والدار الخرة ‪ ،‬بل إلى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث‬
‫يكون رأساً في ذلك مقتدى به‪،‬يحتاج أن يكون شجاعاً ِمقْدَاماً حاكماً على وَهْمِه ‪ ،‬غير‬
‫َمقْهور تحت سلطان َتخَ ّيلِه‪ ،‬زاهداً في كل ما سوى َمطْلوبه ‪ ،‬عاشقًا لما توجّه إليه ‪،‬‬
‫عارفاً بطريق الوصول إليه والطرق القواطع عنه ‪َ ،‬مقْدام الهمة ثابت الجأْش ‪ ،‬ل يَثْنِيه‬
‫عن مطلوبه لَوْمُ لئم ‪ ،‬ول عذل عاذل ‪ ،‬كثير السّكُون ‪ ،‬دائ ُم الفكر‪ ،‬غير مائل مع لذّةِ‬
‫المدح ‪ ،‬ول ألم الذم ‪ ،‬قائماً بما يحتاج إليه من أسباب مَ ُعوْنَتِه ‪ ،‬ل َتسْتَفزّه المعارضات‪،‬‬
‫شعاره الصبر ‪ ،‬وراحته التعب ‪ُ ،‬محِبّا لمكارم الخلق ‪ ،‬حافظاً لوقته ‪ ،‬ل يخالط الناس‬
‫إل على حذر ‪ ،‬كالطائر الذي يلتقط الحب من بينهم ‪ ،‬قائماً على نفسه بالرغبة والرهبة ‪،‬‬
‫سلٍ شيئاً من حواسّه عبثاً‪ ،‬ول‬ ‫طامعًا في نتائج الختصاص على بني جنسه ‪ ،‬غير مر ِ‬
‫ملك ذلك هجر العوائد وقطع العلئق‬ ‫مسرّحاً خواطره في مراتب الكون ‪ ،‬و ِ‬
‫الحائلة بينك وبين المطلوب) ‪.‬‬
‫وأما الثانية ‪ :‬فقال ابن الجوزي رحمه الله في ‪[ :‬صيد الخاطر] ‪:‬‬
‫(الدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي ‪ ،‬فينبغي لذي الهمة أن ل يقصر في شَ ْوطِه ‪.‬‬
‫فإنْ سَبَق فهو المقصود ‪ ،‬وإن كَبَا جواده مع اجتهاده لم ُيلَمْ) ‪.‬‬
‫والحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ..‬آمين ‪.‬‬

‫وكتبه ‪ :‬متعـب بن مسعـود الجعـيـد‬


‫‪12/1/1420‬‬

You might also like