You are on page 1of 57

‫المكتبة‬

‫من التيار السلمي إلى شعب مصر‬


‫الستاذ "مصطفي مشهور"‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫ن الْمُشْ ِركِينَ﴾(يوسف‪)108:‬‬
‫ن اللّ ِه وَمَا أَنَا مِ َ‬
‫ن اتّ َبعَنِي وَسُبْحَا َ‬
‫علَى َبصِي َرةٍ َأنَا وَمَ ِ‬
‫﴿ ُقلْ َه ِذهِ سَبِيلِي َأدْعُو ِإلَى اللّهِ َ‬
‫ما هو الهدف؟‬
‫"أوضح للقراء أن القصد من هذه التوجيهات تحت هذا العنوان هو تحقيق اللتحام الكامل‪ ،‬والتعاون التام بين التيار السلمي والشعب‬
‫للنهوض بالوطن‪ ،‬والتعرف على الداء‪ ،‬وتشخيص الدواء‪ ،‬والتعاون في إقامة البناء على أساس سليم متين بإذن ال"‪.‬‬
‫مصطفي مشهور‬
‫‪ -‬تقديم‬
‫‪ -‬مقدمة‬
‫‪ -‬تعريف‪ ...‬وعاطفة‬
‫‪ -‬حول تشخيص الداء‬
‫‪ -‬الداء والدوا‬
‫‪ -‬نحو قوة نفسية عظيمة‬
‫‪ -‬إلى الشعور بالمسئولية‬
‫‪ -‬تصحيح الخلل‬
‫‪ -‬هل من رجعة إلى ال‬
‫‪ -‬ولنبدأ بإصلح أنفسنا‬
‫‪ -‬تشييد قاعدة البناء‬
‫‪ -‬هيا إلى أقوى سلح ‪...‬‬
‫‪ -‬هيا إلى اليجابية وتصحيح المسار‬
‫‪ -‬مع اليجابية وتصحيح المسار‬
‫‪ -‬السر دعامة أساسية في البناء‬
‫‪ -‬المجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها البناء‬
‫‪ -‬الخوة والمساواة من دعائم المجتمع المسلم‬
‫‪ -‬الحرية من أهم دعائم المجتمع المسلم‬
‫‪ -‬مع الحرية مرة أخرى‬
‫‪ -‬المجتمع السلمي مجتمع متكافل‬
‫‪ -‬التكافل والتعاون في المجتمع السلمي‬
‫‪ -‬حماية المجتمع من النحراف‬
‫تقديم‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ...‬وبعد‪.‬‬
‫فإنه ليسعدني أن أقدم إلى القراء توجيهاتٍ صادقةً من (التيار السلمي إلى شعب مصر) موجه ًة من الخ الداعية الحاج‪ /‬مصطفي‬
‫مشهور‪ ،‬وهو غنيّ عن التعريف في حقل الدعوة السلمية وغيرها‪ ،‬وقد بين فيها الداء‪ ،‬ووصف الدواء‪ ..‬وهذا من حق المة المسلمة‬
‫على دعاتها‪ ،‬وهو المعبر عنه في عرف السلم بالنصيحة التي قال فيها رسولنا ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬الدين النصيحة‪ .‬قلنا لمن يا‬
‫رسول ال؟‪ ،‬قال‪ :‬ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم"‪.‬‬
‫وانطلقًا من قول إمام الدعوة في القرن العشرين‪ ،‬إذ يقول‪" :‬يتساءل كثير من الناس ‪-‬من إخواننا الذين أحببناهم من كل قلوبنا‪ ،‬ووقفنا‬
‫لخيرهم‪ ،‬والعمل لمصلحتهم الدنيوية والخروية‪ ،‬وجودنا وأموالنا وأرواحنا‪ ،‬وفنينا في هذه الغاية – غاية إسعاد أمتنا وإخواننا – أموالَنا‬
‫وأنفسنا‪ ،‬وذهلنا في سبيلهم عن أبنائنا والحلئل‪ .‬وكم أتمني أن يطلع هؤلء الخوان المتسائلون على شباب الخوان المسلمين‪ ،‬وقد‬
‫ل مجتهدًا‬
‫سهرت عيونهم والناس نيام‪ ،‬وشغلت نفوسهم والخليون هجع‪ ،‬وأكب أحدهم على مكتبه ‪ -‬من العصر إلى منتصف الليل‪ -‬عام ً‬
‫ومفكرًا مجدًا‪ ،‬ول يزال كذلك طوال شهره‪ ،‬حتى إذا ما انتهي الشهر جعل موردَه موردًا لجماعته‪ ،‬ونفقتَه نفقةً لدعوته‪ ،‬ومالَه خادمًا‬
‫خادمًا لغايته‪ ..‬ولسان حاله يقول لبني قومه الغافلين عن تضحيته‪" :‬ل أسألكم عليه أجرًا‪ ،‬إن أجري إل على ال"؟! ومعاذَ ال أن نمن‬
‫على أمتنا!!‪ ،‬فنحن منها ولها‪ .‬وإنما نتوسل إليها بهذه النصيحة أن تفقه دعوتنا وتستجيب لندائنا"‪( .‬رسالة‪ :‬إلى أي شيء ندعو الناس؟)‪.‬‬
‫من هذا المنطلق كانت ‪-‬وما زالت‪ -‬التوجيهات المفعمة بكل معاني الحب والوفاء؛ لكي يستيقظ هذا الشعب المسلم العريق‪ ،‬وأن يعرف‬
‫دوره‪ ،‬وأن يدرك مهمته وغايته‪ ،‬وأن يتحمل المسئوليات التي كلفه ال بها والتي وضعها الحق سبحانه على عاتقه‪ ،‬حيث يقول‪﴿ :‬يَا َأ ّيهَا‬
‫عَل ْي ُكمْ فِي‬
‫ج َعلَ َ‬
‫جهَا ِدهِ ُهوَ اجْ َتبَاكُ ْم وَمَا َ‬
‫حقّ ِ‬
‫ن * وَجَا ِهدُوا فِي اللّهِ َ‬
‫ع ُبدُوا َر ّب ُكمْ وَا ْف َعلُوا الْخَيْ َر َل َعّل ُكمْ تُ ْفلِحُو َ‬
‫جدُوا وَا ْ‬
‫اّلذِينَ آ َمنُوا ا ْر َكعُوا وَاسْ ُ‬
‫س َفأَقِيمُوا‬
‫علَى النّا ِ‬
‫ش َهدَاءَ َ‬
‫عَل ْي ُكمْ وَ َتكُونُوا ُ‬
‫شهِيدًا َ‬
‫سلِمِينَ مِنْ َق ْب ُل وَفِي َهذَا لِ َيكُونَ الرّسُولُ َ‬
‫الدّينِ مِنْ حَ َرجٍ ِملّةَ أَبِي ُكمْ ِإبْرَاهِي َم ُهوَ سَمّا ُكمُ الْمُ ْ‬
‫عتَصِمُوا بِاللّ ِه ُهوَ َموْل ُكمْ فَ ِن ْع َم الْ َم ْولَى َو ِن ْعمَ النّصِيرُ﴾(الحج‪)78 - 77 :‬‬
‫الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ وَا ْ‬
‫توجيهات خالصة لوجه ال فيها بيان الطريق السوي الذي يجب على كل أمة راشدة أن تسلكه وأن تعيش فيه‪ ،‬وفوق هذا الطريق يجد‬
‫النسان نفسه ويحس بطعم الحياة‪ .‬فالسلم دعوة جاءت لخير المم والشعوب جميعًا ل فرق بين أعجمي أو عربي أو شرقي أو غربي‪.‬‬
‫ن َنذِيرًا﴾(الفرقان‪.)1:‬‬
‫علَى عَ ْب ِد ِه لِ َيكُونَ ِل ْلعَالَمِي َ‬
‫ك اّلذِي نَ ّزلَ الْفُ ْرقَانَ َ‬
‫﴿تَبَارَ َ‬
‫ولهذا دعا بالقضاء على الفوارق العنصرية والجنسية‪ ،‬وأعلن ‪-‬من أول يوم‪ -‬الخوةَ النسانيةَ فقال سبحانه‪﴿:‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ اتّقُوا َر ّب ُكمُ‬
‫عَل ْي ُكمْ‬
‫ن اللّ َه كَانَ َ‬
‫جهَا وَبَثّ ِم ْنهُمَا ِرجَالً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتّقُوا اللّ َه اّلذِي تَسَا َءلُونَ بِ ِه وَا ْلأَرْحَامَ إِ ّ‬
‫خَلقَ ِم ْنهَا َزوْ َ‬
‫ح َد ٍة وَ َ‬
‫س وَا ِ‬
‫خلَ َق ُكمْ مِنْ نَفْ ٍ‬
‫اّلذِي َ‬
‫رَقِيبًا﴾(النساء‪.)1:‬‬
‫كما أعلن السلم أقوى معاني الحب والخوة بين المؤمنين به والمنتسبين إليه؛ حتى جعل الخوة عقدًا نافذًا وحقًا بين المؤمنين﴿ِإنّمَا‬
‫خ َوةٌ﴾(الحجرات‪ :‬من الية ‪.)10‬‬
‫الْ ُمؤْمِنُونَ إِ ْ‬
‫وفي توجيهات الداعية الحاج‪ /‬مصطفي مشهور‪ ،‬الخير الكثير ‪-‬من إحياء للعقيدة‪ ..‬إلى الشعور بالمسئولية‪ ..‬إلى تصحيح الخلل‪ ..‬إلى‬
‫الرجاء في عودة الناس إلى ربهم‪ ..‬إلى بيان العلج‪ ،‬وهو البدء بإصلح النفس ثم دعوة غيره "أصلح نفسك وادع غيرك"‪ ،‬ثم بعد إصلح‬
‫أنفسنا نستطيع أن نشيد القاعدة الصلبة التي يقوم عليها بناء السلم‪...‬‬
‫طلُ وَمَا ُيعِيدُ﴾(سـبأ‪.)49:‬‬
‫حقّ وَمَا يُ ْب ِدئُ ا ْلبَا ِ‬
‫وعندها يجئ الحق ويزهق الباطل﴿ ُقلْ جَاءَ الْ َ‬
‫ولقد أثري المؤلف الداعية الحاج ‪ /‬مصطفي مشهور‪ ،‬المكتبةَ السلميةَ بالمؤلفات؛ التي تعين الدعاة‪ ،‬وتسدد العاملين على السير في‬
‫هذه الطريق‪ ،‬وترشدهم إلى مسالكه‪ ،‬وتكشف لهم عن المعوقات‪ ،‬وتحدد واجبات القيادة ومنزلة الجندية‪ ،‬وتبين مراحل الدعوة وزادها‬
‫على الطريق‪ ،‬وتشير إلى القدوة الحسنة ومنزلتها في حياة الدعاة وأثرها اليجابي على طلب الحق وحملة المنهج اللهي علي ظهر‬
‫الرض‪ ،‬نذكر من هذه المؤلفات على سبيل المثال‪:‬‬
‫طريق الدعوة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬زاد على الطريق‪.‬‬
‫‪ -3‬تساؤلت على الطريق‪.‬‬
‫‪ -4‬طريق الدعوة بين الصالة والنحراف‪.‬‬
‫‪ -5‬بين القيادة والجندية‪.‬‬
‫‪ -6‬الجهاد هو السبيل‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعوة الفردية‪.‬‬
‫‪ -8‬الحياة في محراب الصلة‪.‬‬
‫‪ -9‬مناجاة على طريق الدعوة‪.‬‬
‫‪ -10‬قضية الظلم في ضوء الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -11‬القدوة على طريق الدعوة‪.‬‬
‫‪ -12‬التيار السلمي ودوره في البناء‪.‬‬
‫وننصح كلَ أخ ‪-‬يعمل في حقل الدعوة‪ -‬أن يحرص كل الحرص على قراءة هذه المؤلفات وأمثالها؛ لما فيها من صدق التوجيه‪،‬‬
‫والحرص على أمانة التبليغ‪ ،‬والشمول لمعاني السلم‪ ..‬وهي خلصة تجارب عاشها صاحبها في هذا الميدان المليء بالعقابيل‪.‬‬
‫جزي ال الستاذ المؤلف خيرًا عما قدم من زاد طيب ونصح سديد لبنائه وإخوانه وتلميذه‪.‬‬
‫هدانا ال جميعًا إلى الخير وجمعنا على طاعته؛ إنه سميع مجيب‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‬
‫‪ 14‬ابرايل ‪1988‬م‬ ‫القاهرة في ‪ 27‬شعبان ‪ 1408‬هـ‬
‫محمد عبد ال الخطيب‬
‫مقدمة‬
‫في جو النتخابات لمجلس الشعب‪ ،‬والتي تم فيها التحالف بين الخوان المسلمين وحزب العمل وحزب الحرار‪ ،‬والتي رُفع فيها "شعار‬
‫السلم هو الحل"‪ ،‬وما لمسناه من تجاوب الشعب المصري المتدين بطبعه مع هذا الشعار‪ ،‬وبعد نجاح ستين نائبًا من التحالف‪ ،‬منهم ستة‬
‫وثلثون من الخوان‪ ،‬وذلك رغم ما تم من تدخل سافر للحيلولة دون النتيجة التي تعبر عن التمثيل الحقيقي للشعب‪.‬‬
‫في هذا الجو العام ومن منطلق شعور التيار السلمي ‪-‬وفي مقدمته الخوان المسلمون‪ -‬وجدت من المناسب أن أكتب هذه السلسلة من‬
‫المقالت في جريدة "الشعب" والتي جُمعت في هذا الكتيب‪ ،‬أردت أن أوضح لبناء وطننا العزيز مصر أن التيار السلمي رغم ما تعرض‬
‫له من نظم الحكم المتتالية ‪-‬من اضطهاد وإيذاء وتعذيب وتشريد وقتل‪ -‬سيظل يحمل لهذا الوطن كلَ الحب والخلص على أساس سليم‬
‫من شرع ال الحنيف الذي يضمن له أمنَه واستقرارَه وازدهارَه ومكانتَه‪.‬‬
‫وأردت كذلك أن يتجاوب معنا جماهير شعبنا في التخلي عن كل المبادئ الرضية‪ ،‬التي لم نذق من تطبيقها إل كلَ شقاء وتدهور‪ ،‬وأن‬
‫يزداد الشعب قناعة بأن السلم هو الحل‪ ،‬والحل الوحيد لكل مشاكلنا‪ ،‬وأن التغيير يبدأ من أنفسنا؛ لكي نتفق مع سنة ال في التغيير ﴿إِنّ‬
‫س ِهمْ﴾ (سورة الرعد‪.)11:‬‬
‫حتّى ُيغَيّرُوا مَا ِبأَنْفُ ِ‬
‫الَ لَ ُيغَيّ ُر مَا بِ َق ْومٍ َ‬
‫لبد من عودة إلى ال‪ ..‬وأن نكف عن مبارزته بالمعاصي والكبائر‪ .‬ونريد من المواطنين أل يخدعهم الكلم‪ ،‬وأن يحاسبوا المسئولين‪،‬‬
‫وأن يحسنوا اختيار ممثليهم‪ ،‬وأن يستشعروا مسئوليتهم أمام ال ومسئوليتهم عن الجيال التالية؛ بأن يهيئوا لهم مستقبلً سعيدًا آمنًا‬
‫رخاءً‪.‬‬
‫نريد أن يتلحم أبناء الوطن‪ ،‬وأن يتكاتفوا للقيام بالبناء‪ ،‬وأن ينبذوا الفرقة والخلف‪ .‬وأن يكونوا على حذر من أعداء الوطن وأعداء‬
‫السلم وعملئهم‪.‬‬
‫نريد أن يستشعر الجميع الخطر المحدق بالوطن لو استمر الحال على ما هو عليه!! فل بد من تدارك المور وإحياء روح التعاون والحب‬
‫والوحدة؛ وبال التوفيق‪...‬‬
‫مصطفي مشهور‬

‫تعريف‪ ...‬وعاطفة‬
‫لعله من المفيد أن نلقيَ ضوءًا على مدلول عبارة "التيار السلمي"؛ حتى تتضح حقيقته ول يتأولها أحد بغير مفهومها‪ .‬كأن يقول‬
‫البعض‪ :‬هل يعني ذلك أن غير التيار السلمي ليسوا مسلمين؟ إلى غير ذلك من فهم خاطئ‪...‬‬
‫نحن ل ننفي عن مسلم إسلمه مهما كان عاصيًا إل أن ينكر معلومًا من الدين بالضرورة‪ ،‬أو يأتي عملً ل يحتمل تأويلً إل الكفر‪ ..‬ومع‬
‫ذلك تتاح له فرصة الستتابة‪ ،‬ولكننا نميز أفرادَ التيارالسلمي عن باقي المسلمين بأنهم انتبهوا وعرفوا معني انتمائهم للسلم‪ ،‬وما‬
‫يمليه عليهم السلم‪ ،‬من واجبات نحو أنفسهم‪ ،‬وأهلهم‪ ،‬ووطنهم‪ ،‬وأمتهم السلمية‪ ،‬فالتقوا وتعارفوا وتعاونوا معًا على تحقيق هذه‬
‫الواجبات‪ ،...‬وصاروا يدعون باقي المسلمين‪ ،‬أن هلمّوا إلينا؛ لتتضافر الجهود لمواجهة الكيد والحرب من أعداء ال ضد السلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫وقد أضاءَ الطريقَ أمام التيار السلمي أئمةُ فضلءُ من القرون الولى‪ ،‬ثم تتبعهم أئمة اهتدوا بهديهم‪ ،‬أمثال‪ :‬جمال الدين الفغاني‪،‬‬
‫ومحمد عبده‪ ،‬وابن باديس‪ ،‬وحسن البنا‪ ،‬والمودودي‪ ،...،‬ووفق ال المام حسن البنا في وضع السس والمقومات التي يقوم عليها‬
‫العمل السلمي لتحقيق أهم هدف يجب على المسلمين جميعًا تحقيقه‪ ،‬وهو التمكين لدين ال في الرض‪،‬وإقامة دولة السلم العالمية‬
‫وعلى رأسها الخلفة السلمية‪.‬‬
‫فكان الخوان المسلمون في مصر هم الطلئع الولى للتيار السلمي في مصر وخارجها‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن التيار السلمي الذي نعنيه ليس قاصرًا على الخوان‪ ،‬ولكن يتسع لكل مسلم ‪-‬ذكرًا كان أو أنثى‪ -‬عرف معنى‬
‫انتمائه للسلم‪ ،‬وتعرف على ما يطلبه منه إسلمه من واجبات‪ ،‬فدفعه ذلك إلى الحركة والعمل مع العاملين الصادقين لتحقيق مبادئ‬
‫السلم‪ ،‬أيًا كان موقع هذا الفرد‪.‬‬
‫إن التيار السلمي الذي نعنيه يتميز بفهمه الشامل النقي للسلم كما جاء به رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬دون اجتزاء أو خطأ أو‬
‫انحراف‪ ،‬ويطبقونه في اعتدال دون تطرف أو غلو‪ ،‬ودون تفريط كذلك‪.‬‬
‫إن التيار السلمي الذي نعنيه هو الذي يلتزم بتعاليم السلم في كل شئون الحياة العامة والخاصةً‪ ،‬ويسعي إلى تحقيق أهدافه بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة‪ ،‬دون تهور أو فتور‪ ،‬ودون عنف أو ضعف‪ ،‬مقتديًا في ذلك برسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وصحابته الكرمين‪.‬‬
‫إن أفراد التيار السلمي ل يضفون على أنفسهم هالة معينة‪ ،‬ولم ينسبوا لنفسهم تفويضًا إلهيًا كما يفتري البعض عليهم‪ ،‬ولم يعتبروا‬
‫أنفسهم "جماعة المسلمين" ولكن جماعة من المسلمين‪ ،‬ويمتنعون عن تكفير المسلم برأي أو معصية‪.‬‬
‫التيار السلمي ليس قاصرًا على جماعة بذاتها أو أفراد بذواتهم‪ ،‬بل إنه يضم في كل لحظة كلَ مسلم يصحو من غفوته‪ ،‬ويعرف حقيقة‬
‫رسالته في هذه الحياة‪ ،‬وما يجب أن يؤديه للسلم والمسلمين من تضحية وجهاد‪ ،‬فهو تيار متجدد متنامي‪.‬‬
‫إن كلمة "تيار" تفيد الحركة والتدفق‪ ،‬وكلمة "إسلمي" تفيد الوجهة والهدف؛ فهدف "التيار السلمي" هو السلم‪ ،‬ول شيء غير السلم‪،‬‬
‫فل أغراض شخصية ول مطامع دنيوية بل تضحية وفداء!!‬
‫إن التيار السلمي هادئ ومتواضع‪ ،‬ولكنه قوى وعزيز؛ يستمد قوته وعزته من ال القوي العزيز القهار‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يهتم بقضية اليمان‪ ،‬فاليمان هو الذي يضيء الطريق‪ ،‬ويوضح الخير من الشر والنافع من الضار‪ ،‬فهو بذلك تيار‬
‫مبصر‪ .‬واليمان هو الذي يفجر طاقات العمل والحركة والتضحية والجهاد‪ ،‬ويضبط هذه الطاقات‪ ،‬ويصرفها في الوجهة المناسبة وفي‬
‫الوقت المناسب‪ ،‬فهو بذلك تيار متجدد الطاقة ويتحكم فيها بعيدًا عن الرتجال وردود الفعال‪.‬‬
‫إن معظم أفراد التيار السلمي تمرسوا على الصبر والتحمل‪ ،‬واكتسبوا خبرة وتجربة وحكمة يستفيد منها الشباب من أفراد التيار‬
‫السلمي‪ ،‬فتمتزج الحكمة والتجربة بالحيوية والحماس؛ فيحدث العتدال في السير دون التعجل والندفاع غير المدروس‪ ،‬ودون السير‬
‫البطيء الذي يؤدي إلى التخلف‪.‬‬
‫إن بوابةَ التيار السلمي متسعة ومفتوحة لكل راغب في العلم لتحقيق أهداف السلم ومبادئه وتحكيم شريعته وإقامة دولته‪ ،‬وليست‬
‫مغلقةً في وجه غير المسلم الذي يقتنع أن هيمنة شريعة السلم على حياة الناس تحقق لهم المن والعدل والحياة المعيشية الرغيدة‬
‫بصورة أفضلَ ألف مرة مما عليه الحال الن‪ ،‬وقد سبق أن انتقل كثير من غير المسلمين من أوطانهم إلى دولة السلم ليهنئوا بحياة‬
‫فاضلة آمنة في ظل شريعة السلم‪.‬‬
‫إن التيار السلمي من صميم شعب مصر ومن أبناء مصر وليس دخيلً عليه‪ ،‬وما هو بالجسم الغريب على شعب مصر‪ ،‬إن جزءًا من هذا‬
‫الشعب يفرح لفرحه ويألم للمه يشعر بكل أحاسيسه‪ ،‬ول نغالي إذا قلنا‪ :‬إنه الشد حساسي ًة والكثر انفعالً بكل ما يخص شعبَ مصر من‬
‫آمال وآلم‪ ،‬والسرع تلبي ًة لكل عمل أو جهد أو تضحية لسعاد هذا الشعب وراحته‪ .‬هذه الستجابة غرسها السلم وعقيدته في أفراد‬
‫التيار السلمي‪ ،‬فصاروا يسارعون فيها طاع ًة ل وأداءً للواجب الديني‪ ،‬وليس مجرد واجب وطني‪.‬‬
‫إن أفراد التيار السلمي يقدرون ‪-‬أكثر من غيرهم‪ -‬مكان َة مصر وشعب مصر ودروه التاريخي ومواقفه السلمية الرائعة ضد الصليبيين‬
‫والتتار وغيرهم‪ ،‬فعرفوا لماذا ركز أعداء السلم على مصر وعلى شعب مصر بكل ألوان الغزو والكيد؟!‪ ،‬ولماذا حرص أعداء السلم‬
‫وعملؤهم على إيجاد فجوة بين شعب مصر وبين العاملين للسلم بإلصاق التهم الباطلة للتيار السلمي‪ ،‬وتصوير العاملين في حقل‬
‫الدعوة السلمية وكأنهم أعداء الشعب ويريدون الدمار والتخلف؟!‪ ،‬ويعلم ال أن العكس هو الصحيح‪ ،‬وأن هؤلء العملء هم الذين‬
‫يسيئون لشعب مصر وينحدرون به إلى الهاوية‪.‬‬
‫وشاء ال أن تتاح الفرصة بعض الشيء لتتضح للشعب الحقيقة‪ ،‬ويكشف الزيف والتهم الباطلة التي ألصقت ‪-‬زورًا وبهتانًا‪ -‬على‬
‫العاملين الصادقين للسلم‪ ،‬ومدى الظلم الذي وقع عليهم دون جريرة ول ذنب إل أن يقولوا‪ :‬ربنا ال‪ ،‬وأن شريعة ال لبد أن تحكم لكي‬
‫يسعد بها الناس‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يحمد لشعب مصر هذه المشاعر وهذه العاطفة الجياشة التي لمسها في النتخابات الخيرة‪ ،‬ويحمد ال أن بدأت‬
‫القناعة تأخذ مكانتها في نفوس أبناء الشعب بأن السلم هو الحل‪ ،‬وأنه ل خلص ول إنقاذ مما نعانيه إل بمنهاج رب العالمين الخالق‬
‫العليم بخلقه الرءوف الرحيم بهم‪.‬‬
‫إن أفراد التيار السلمي الذين تعرضوا للسجن والتعذيب والقتل ل لشيء إل أنهم يريدون الخير لهذا الشعب‪ ،‬ويقولون كلمة الحق للطغاة‪،‬‬
‫ول يخافون لومة لئم‪ ،‬ولم يقبل الطغاة أن يكون من بين الشعب من يقول لهم‪" :‬ل"‪ ،‬وأطلق الطغاة علي أبناء التيار السلمي أنهم أعداء‬
‫الشعب‪ ،‬وعلم ال أنهم أخلص الناس لهذا الشعب وأحب أبناء الشعب لهذا الشعب‪ ،‬ولم نكن نصدق أبدًا ‪-‬ونحن في السجون وتحت سياط‬
‫التعذيب‪ -‬أن أفرادًا من الشعب يحملون لنا كراهية أو بغضاء رغم خداع أجهزة العلم!!‪ ،‬وقد أكد هذا الحساسَ ما لمسناه في النتخابات‬
‫الخيرة من رصيد مُدخر في أعماق هذا الشعب نحو عقيدته ونحو العاملين الصادقين لهذه العقيدة‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يتوجه بكل الصدق والخلص إلى الشعب المصري لتوضيح المواقف وتصحيح المفاهيم‪ ،‬وبقصد توحيد الوجهة‬
‫وتضافر الجهود لعادة بناء هذا الوطن العزيز‪ ،‬والتخلص من كل صور المعاناة التي يلقيها شعبنا؛ ولكي نبني مستقبلً طيبًا عزيزًا هنيئًا‬
‫للجيال التالية‪ ،‬ولتستعيد مصر مكانتها السامقة بين الدول‪ ،‬وتحتل مكان الريادة بين دول العالم السلمي‪ ،‬وليؤدي الزهر الشريف دوره‬
‫المشرق المنير‪-‬كما كان وأفضل‪ ،-‬ولتصدر مصر الخير والخيرات كعهدها السابق بدلً من أن تستورد‪ ،‬ولتقدم العلم والخبرة لشقائها من‬
‫القطار العربية والسلمية‪ ،‬ولتفتح أبوابها لطلب العلم من كل القطار‪ ،‬ولتقف بجانب المظلومين والمعتدي عليهم من القليات السلمية‬
‫في أي مكان‪.‬‬
‫هذا ما يريد التيار السلمي أن يوضحه لشعب مصر‪ ،‬فليستمع الشعب المصري لصوت التيار السلمي‪ ،‬وليلب نداءه‪ ،‬ولنسارع جميعًا‬
‫إلي فعل الخيرات مستعينين بال‪ ،‬وفي ظل الحب والخوة والعاطفة بين أبناء الشعب جميعًا‪ ،‬متخلصين من أسباب الفرقة والخلف والنفاق‬
‫والمهاترات‪ ،‬فالمر ل يحتمل‪ ،‬والوقت ل يمهل‪ ،‬فإلى المام دائمًا‪ ،‬وإلى العمل الجاد‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫حول تشخيص الداء‬
‫بكل معاني الحب والفداء يتوجه التيار السلمي إلى الشعب المصري يدعوه إلى التفهم والتشاور حول ما يحيط بوطننا العزيز من‬
‫مؤامرات وما أصابه من علل وأمراض‪ ،‬فإنه لعزيزعلى أفراد التيار السلمي ‪-‬جد عزيز‪ -‬بأن يروا هذا الحال ثم يستسلموا للذل أو‬
‫يرضوا بالهوان أو يستكينوا لليأس‪ ،‬فهم يريدون أن يعلم شعب مصر أنه أحب إليهم من أنفسهم‪ ،‬وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب‬
‫فدا ًء لعزة هذا الشعب إن كان فيها الغَناء‪ .‬ويقرر أفراد التيار السلمي أنهم يعملون للناس في سبيل ال أكثر مما يعملون لنفسهم‪ ،‬وأنهم‬
‫للشعب المصري الحبيب‪ ،‬ولن يكونوا عليه يومًا من اليام‪.‬‬
‫ما أحوجنا أن نستشعر أن هذا الوطن وطننا وأننا مسئولون عنه وعن مستقبل أبنائنا والجيال التالية‪ ،‬ومن خيانة المانة أن نرى العلل‬
‫والمراض تفتك به ثم نقف مكتوفي اليدي‪ ،‬أو موقف اللمبالة وكأنه أمر ل يهمنا‪ ،‬أو أن نترك فئة من الناس تتصرف في مقدرات هذا‬
‫الوطن كما تشاء دون رقيب من ال ودون حرص على مصلحة إل مصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫علينا أن نتعرف معًا على الداء‪ ،‬ونعلم متى وكيف أصيب مجتمعنا بتلك العلل والمراض‪ ،‬ثم نشخص الداء ونصف الدواء وطريق العلج‬
‫وما يحتاجه من تخطيط وعزم وصبر كي ننهض من هذه الكبوة ونصحو من تلك الغفوة‪ ،‬وتعود لشعبنا عزته وكرامته ومكانته‪.‬‬
‫لقد كان لشعب مصر مواقفُ بطوليةُ رائعةُ ضد الحملت الصليبية وضد التتار وغيرهم‪ ،‬فركز أعداء السلم كيدهم وحربهم ضد مصر‬
‫وشعب مصر فكانت الحملة الفرنسية ثم الحتلل البريطاني‪ ،‬وما صاحب كلً منهما من غزو فكري وانحللي فاسد‪ ،‬وتنحية لشريعة ال‬
‫وإحلل القوانين الوضعية محلها‪ ،‬وأنشأوا لذلك كليات الحقوق – ومدرسة الحقوق سابقًا – وطوال مدة الحتلل العسكري يتم تنفيذ هذا‬
‫المخطط وبعد الجلء قامت أنظمة حاكمة بمواصلة تنفيذ المخطط بأسوأ مما كان يتم أثناء الحتلل‪.‬‬
‫وأنقل هنا بعض ما ذكره المام الشهيد حسن البنا في وصفه لما كان عليه وطننا من خير واكتفاء ذاتي وقيم ومثل‪ ،‬ثم ما أحدثه الحتلل‬
‫والغزو الوروبي من آثار مدمرة فيقول‪" :‬إننا في أخصب بقاع الرض وأعذبها ماء‪ ،‬وأعدلها هواء‪ ،‬وأيسرها رزقًا‪ ،‬وأكثرها خيرًا‪،‬‬
‫وأوسطها دارًا‪ ،‬وأقدمها مدينةً وحضارةً وعلمًا ومعرفةً‪ ،‬وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني‪ ،‬وفي بلدنا المواد‬
‫الولية والخامات الصناعية والخيرات الزراعية‪ ،‬وكل ما تحتاج إليه أمة قوية تريد أن تستغني بنفسها‪ ،‬وأن تسوق الخير إلى غيرها‪ ،‬وما‬
‫من أجنبي هبط هذا البلد المين إل صحّ بعد مرض واغتني بعد فاقة وعز بعد ذلة‪ ،‬وأترف بعد البؤس والشقاء ‪ ...‬فماذا أفاد المصريون‬
‫أنفسهم من ذلك كله؟ ل شيء‪ ،‬وهل ينتشر الفقر والجهل والمرض والشغف في بلد متمدن كما ينتشر في مصر الغنية مهد الحضارة‬
‫والعلوم‪ ،‬وزعيمة أقطار الشرق غير مدافعة؟"‪.‬‬
‫وبعد تفاصيل حول سوء الوضاع وسوء أحوال الفلحين والعمال‪ ،‬وتحكم شركات الحتكار التي وضعت يدها على مرافق الحياة والمنافع‬
‫العامة‪ .‬وانتشار المراض وكذا انتشار المية‪ ،‬وانحطاط الخلق وانتشار الجرائم‪ ،‬مع عدم البقاء على قوانا الروحية وعزتنا السلمية‪،‬‬
‫يقول رضى ال عنه‪" :‬أما سبب ذلك ففساد النظام الجتماعي في مصر فسادًا لبد له من علج‪ ،‬فقد غزتنا أوروبا منذ مائة سنة بجيوشها‬
‫السياسية وجيوشها العسكرية وقوانينها ونظمها ومدارسها ولغتها وعلومها وفنونها‪ ،‬وإلى جانب ذلك بخمرها ونسائها ومتعها وترفها‬
‫وعاداتها وتقاليدها‪ ،‬ووجدت منا صدورًا رحبة وأدوات طيعة تقبل كل ما يُعرض عليها‪ .‬ولقد أُعجبنا نحن بذلك كله‪ ،‬ولم نقف عند حد‬
‫النتفاع بما يفيد من علم ومعرفة ونظام وقوة ومنعة وعزة واستعلء‪ ،‬بل كنا عند حسن ظن الغاصبين بنا‪ ،‬فأسلمنا لهم قيادنا وأهملنا من‬
‫أجلهم ديننا‪ ،‬وقدموا لنا الضار من بضاعتهم فأقبلنا عليه‪ ،‬وحجبوا عنا النافع منها وغفلنا عنه‪ ،‬وزاد الطين بلة أن تفرقنا على الفتات‬
‫شيعًا وأحزابًا يضرب بعضنا وجوه بعض‪ ،‬وينال بعضنا من بعض‪ ،‬ل نتبين هدفًا ول نجتمع على منهاج"‪.‬‬
‫"أما المسئول عن ذلك فالحاكم والمحكوم على السواء‪ ،‬الحاكم الذي لنت قناته للغامزين وسلُس قيادة الغاصبين‪ ،‬وعُني بنفسه أكثر مما‬
‫عُني بقومه‪ ،‬حتى فشت في الدارة المصرية أدواء عطلت فائدتها وجرّت على الناس بلءها‪ ..‬فالنانية والرشوة والمحاباة والعجز‬
‫التكاسل والتعقيد كلها صفات بارزة في الدارة المصرية‪ .‬والمحكوم الذي رضي بالذل وغفل عن الواجب وخُدع بالباطل‪ ،‬وانقاد وراء‬
‫الهواء وفقد قوة اليمان وقوة الجماعة‪ ،‬فأصبح نهب الناهبين وطعمة الطامعين"‪.‬‬
‫هكذا نرى المام البنا يشرح حقيقة ما وصل إليه مجتمعنا ودور المحتلين في ذلك‪ ،‬ولكنه يحمّل الحاكم والمحكومين المسئولية‪ ،‬وذلك‬
‫بضعف الحاكم ولين قناته وانشغاله بنفسه‪ ،‬وكذلك المحكومين الذين رضوا بالذلة وبغفلتهم عن واجبهم‪ ،‬وانقيادهم وراء الهواء وفقدهم‬
‫لقوة اليمان وقوة الوحدة‪.‬‬
‫فواجبنا اليوم أن نزداد معرفةً ودراس ًة لحوال مجتمعنا وكيف تطورت أحواله إلى هذا النحدار‪ ،‬ثم نتحاور حول كيف نتدارك المر لننقذ‬
‫وطننا من التردي إلى الهاوية‪.‬‬
‫ويزيدنا المام البنا تعريفًا ودراية بأصل الداء ومصدره فيقول‪" :‬لقد عمل الوربيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية‬
‫بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القاتلة جميع البلد السلمية‪ ،‬التي امتدت إليها أيديهم وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم‪ ،‬مع حرصهم‬
‫الشديد أن يحتجزوا دون هذه المم عناصر الصلح والقوة من العلوم والمعارف والصناعات والنظم النافعة‪ ،‬وقد أحكموا خطة هذا الغزو‬
‫الجتماعي إحكامًا شديدًا‪ ،‬واستعانوا بدهائم السياسي وسلطانهم العسكري حتى تم لهم ما أرادوا‪ ،‬أغروا كبار المسئولين بالستدانة منهم‬
‫والتعامل معهم وسهلوا عليهم ذلك وهونوه عليهم‪ ،‬واستطاعوا بذلك أن يكتسبوا حق التدخل القتصادي وأن يغرقوا البلد برؤوس‬
‫أموالهم ومصارفهم وشركاتهم‪ ،‬وأن يديروا دولب العمل القتصادي كما يريدون‪ ،‬وأن يستأثروا دون الهلين بالرباح الطائلة والثروات‬
‫العظيمة‪ ،‬وتمكنوا بعد ذلك من أن يغيروا قواعد الحكم والقضاء والتعليم وأن يصبغوا النظم السياسة والتشريعية والثقافية بصيغتهم‬
‫الخالصة في أقوى بلد السلم‪.‬‬
‫وجلبوا إلى هذه الديار نسائهم الكاسيات العاريات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم ملهيهم وقصصهم وجرائدهم ورواياتهم وخيالتهم‬
‫وعبثهم ومجونهم‪ .‬وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم‪ ،‬وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج بالثم وتطفح بالفجور‬
‫في أعين البسطاء الغرار من المسلمين‪ ،‬الغنياء وذوي الرأي فيهم وأهل المكانة والسلطان‪ ،‬ولم يكفهم هذا حتى أنشأوا المدارس‬
‫والمعاهد العلمية والثقافية في عقر ديار السلم تقذف في نفوس أبنائه الشك واللحاد‪ ،‬وتعلمهم كيف ينتقصون أنفسهم ويحتقرون دينهم‬
‫ووطنهم‪ ،‬وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم ويقدسون كل ما هو غربي‪ ،‬ويؤمنون بأن ما يصدر من الوروبيين وحده هو المثل العلى‬
‫في هذه الحياة‪ ،‬واحتوت هذه المدارس على أبناء الطبقة العليا وحدها وصارت وقفًا عليهم‪ ،‬وأبناء هذه الطبقة هم العظماء والحكام ومن‬
‫سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد المور في هذه المم والشعوب‪ .‬ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد الموضعية فإن في البعثات المتلحقة ما‬
‫يكفل لهم التمام‪ ،‬ونجح هذا الغزو الجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح‪ ،‬فهو غزو محبب إلى النفوس لصق بالقلوب طويل العمر قوي‬
‫الثر‪ ،‬وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكري بأضعاف الضعاف"‪.‬‬
‫ثم يقول‪" :‬ولقد استطاع خصوم السلم أن يخدعوا عقلء المسلمين‪ ،‬وأن يضعوا ستارًا كثيفًا أمام أعين الغُيّر منهم بتصوير السلم نفسه‬
‫تصويرًا قاصرًا في ضروب من العقائد والعبادات والخلق‪ ،‬إلى جانب مجموعة من الطقوس والخرافات والمظاهر الجوفاء‪ ،‬وأعانهم على‬
‫هذه الخديعة جهل المسلمين بحقيقة دينهم حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمأنوا إليه ورضوا به‪ ،‬وطال عليهم في ذلك المر‬
‫يّ كاملُ يتناول كل شئون الحياة"‪.‬‬
‫حتى صار من العسير أن نُفهم أحدهم أن السلم نظامُ اجتماع ُ‬
‫وهكذا كان من الضروري ونحن بصدد التعرف على العلل والمراض التي أصابت مجتمعنا أن نذكر هذه النظرة العميقة الجامعة للمام‬
‫البنا حول أصل وأسباب هذا البلء‪ ،‬ورغم أن هذا الكلم مر عليه حوالي أربعين عامًا‪ ،‬ولكنه ل يزال واضحًا ونافعًا لكل من يريد أن يأخذ‬
‫بأسباب علج العلل والمراض التي نعاني منها حاليًا‪ ،‬خاصةً وقد تضخمت بعض هذه العلل وأضيف إليها غيرها‪ ،‬فها هي الديون‬
‫وأرباحها تتضخم وتشكل عبئًا ثقيلً على شعب مصر حاليًا ومستقبلً‪ ،‬وها هي التبعية الذليلة لمن يتحكمون في توفير رغيف الخبز الذي‬
‫ل يستغني عنه كل فم من هذه المليين الخمسين‪ .‬وها هي المخدرات بأنواعها تدمر أفراد الشعب وخاصةً الشباب الذي هو عدة‬
‫المستقبل‪ ،‬وهاهي السفارة الصهيونية تحتل مكانها في عاصمة مصر‪ ،‬وتقوم بدورها الذي لن تتخلى عنه من الفساد والتجسس والتأثير‬
‫المباشر وغير المباشر في المجالت المختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها؛ تنفيذًا للتطبيع الذي فرضته التفاقية‬
‫المشئومة‪.‬‬
‫وهاهو التضخم النقدي المرتفع الذي ينعكس بانخفاض القيمة الشرائية لعملتنا المحلية‪.‬‬
‫وهاهي القوانين الستثنائية التي تقيد الحرية وعلى رأسها قانون الطوارئ مما يسم الحكم بأنه حكم دكتاتوري بوليسي‪.‬‬
‫وهاهو العتقال العشوائي وما يصحبه من إيذاء وتعذيب‪ ،‬وقد ظهر بأبشع صورة في عام ‪ 54‬وعام ‪ 65‬وعام ‪ ،81‬ثم هاهو يعاود هذه‬
‫اليام‪.‬‬
‫وهاهي البطالة ونتائجها السلبية المتعدد نتيجة سوء التخطيط عامة وسياسة التعليم خاصةً‪.‬‬
‫وهاهي جرائم السرقة والختلس ونهب المال العام والكسب غير المشروع أصبحت ل تخلو الجرائد اليومية من ذكر الكثير منها‪.‬‬
‫وهاهو القضاء يفقد مكانته ومنزله التي كان يعتز بها في العهد البائد‪ ،‬إذا بها تهب في العهد السائد‪.‬‬
‫وهاهو التزوير وتزييف إرادة الشعب يبرز بصورة لم تبرز من قبل ودون استحياء‪.‬‬
‫وهاهو الغش الجماعي في المتحانات لول مرة مقتديًا بالتزوير الجماعي في النتخابات‪.‬‬
‫وهذا بالضافة إلى صورة أخري من المراض والمشاكل الجتماعية والقتصادية وغيرها‪ ،‬التي تلح علينا جميعًا بالمسارعة إلى حلها‬
‫على أساس سليم ولن يكون ذلك على أساس من شرع ال‪.‬‬

‫الداء والدواء‬
‫أوضحنا فيما سبق للشعب المصري العزيز بصورة قاطعة الدللة‪ ،‬أن مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي غزت مجتمعاتنا مع‬
‫الحتلل العسكري كانت وراء ما أصابنا من علل وأمراض متنوعة وأزمات ومشاكل مختلفة‪ ،‬وبينا كيف أن هذه الحضارة المادية قد‬
‫انتصرت بوسائلها الفتاكة المختلفة في تلك الحرب الضروس على أرض السلم‪ ،‬وكان ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم وعقائدهم‬
‫وعقولهم كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري‪ ،‬فمظاهر الحياة ل تتجزأ‪ ،‬والقوة قوةُ فيها جميعًا‪ ،‬والضعف ضعف فيها جميعًا‬
‫ك الَيّامُ ُندَا ِوُلهَا َبيْنَ النّاسِ﴾ (آل عمران‪ :‬من الية ‪ .)140‬ومن ذلك فقد ظلت مبادئ السلم قوية في ذاتها لنها الحق‪ ،‬ولن‬
‫كذلك﴿وَ ِتلْ َ‬
‫تقوم الحياة النسانية كاملةً فاضلةً بغيرها‪ ،‬ولنها من صنع ال وفي حفظه‪﴿ :‬وَ َيأْبَى اللّهُ ِإلّا َأنْ يُ ِتمّ نُو َر ُه َو َلوْ كَ ِر َه ا ْلكَافِرُونَ﴾ (التوبة‪:‬‬
‫من الية ‪.)32‬‬
‫ولكن في ظل قاعدة لكل فعل رد فعل مضاد‪ ،‬فقد تنبهت المشاعر للتصدي للغزو السياسي والعسكري كذلك كان للغزو الجتماعي ردُ فعل‬
‫كان له أثره في انتعاش الفكرة السلمية‪ ،‬ويوضح المام البنا هذا المعنى بأسلوبه السهل العميق فيقول‪" :‬وكما كان للعدوان السياسي‬
‫والعسكري أثره في تنبيه المشاعر القومية‪ ،‬كذلك كان لهذا الطغيان المادي أثره في انتعاش الفكرة السلمية‪ ،‬فارتفعت الصوات من كل‬
‫مكان تطالب بالرجوع إلى السلم‪ ،‬وتفهم أحكامه وتطبيق نظامه‪ ،‬ول بد أن يأتي قريبًا ذلك اليوم الذي تندك فيه صرح هذه المدنية‬
‫المادية على رؤوس أهلها‪ ،‬وحينئذ يشعرون بسعير الجوع الروحي تشتعل في قلوبهم وأرواحهم ول يجدون الغذاء والشفاء والدواء إل‬
‫ض ِل الِ‬
‫حمَ ٌة ّللْ ُمؤْمِنِينَ*‪ُ .‬ق ْل بِفَ ْ‬
‫صدُورِ َو ُهدًى وَرَ ْ‬
‫في هذا الكتاب الكريم‪﴿:‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَاءَ ْتكُم ّموْعِظَةٌ مّن رّ ّب ُكمْ وَشِفَا ٌء لّمَا فِي ال ّ‬
‫وَبِرَحْ َمتِهِ َف ِب َذلِكَ َفلْيَفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْ َمعُونَ﴾"‪.‬‬
‫وتعالوا معنا ننظر كيف يحلل المام البنا هذه الحضارة المادية التي انبهر بها الكثير من أبناء وطننا في حين أنها لم تحقق الراحة‬
‫والسعادة لهلها فيقول رضوان ال عليه‪" :‬حقًا لقد تقدم العلم وتقدم الفن وتقدم الفكر‪ ،‬وتزايد المال‪ ،‬وتبرجت الدنيا‪ ،‬وأخذت الرض‬
‫زخرفها وازينت‪ ،‬وأترف الناس ونعموا‪ ،‬ولكن هل جلب شيء من هذا السعادة لهم؟ هل اطمأنت الجنوب في المضاجع؟ هل جفت الجفون‬
‫من المدامع؟ هل حوربت الجريمة واستراح المجتمع من شرور المجرمين؟ هل استغني الفقراء وأشبعت المليين التي ملت الرض‬
‫وسرت مسرى الهواء العزاء إلى المحزونين؟ هل تذوقت الشعوب طعم الراحة والهدوء وأمنت عدوان المعتدين وظلم الظالمين؟‬
‫ل شيء من هذا أيها الناس‪ ،‬فما فضل هذه الحضارة –إذن‪ -‬على غيرها من الحضارات؟ وهل هذا فحسب؟ ألسنا نرى هذه النظم والتعالى‬
‫والفلسفات – حتى في العلوم والرقام – يحطم بعضها بعضًا ويقضى بعضها على بعض‪ ،‬ويرجع الناس بعد طول التجربة وعظيم‬
‫التضحيات فيها بمرارة الفشل وخيبة المل وألم الحرمان؟"‪.‬‬
‫ثم يتعرض إلى الموقف الواجب علينا إزاء هذه الموجة المادية الطاغية وضرورة التصدي لها وإزالة آثارها بكل العزم والقوة والمل‬
‫فيقول‪" :‬إن مهمتنا أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي جرفت الشعوب السلمية‪،‬‬
‫فأبعدتها عن زعامة النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وهداية القرآن‪ ،‬وحرمت العالم من أنوار هديها‪ ،‬أخرت تقدمه مئات السنين‪ ،‬حتى‬
‫تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلئها قومنا‪ .‬ولسنا واقفين عن هذا الحد بل سنلحقها في أرضها ونغزوها في عقر دارها‪ ،‬حتى يهتف العالم‬
‫كله باسم النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وتؤمن الدنيا كلها بتعاليم القرآن‪ ،‬وينتشر ظل السلم الوارف على الرض‪ ،‬وحينئذ يتحقق‬
‫ح الْ ُمؤْمِنُونَ * بِ َنصْ ِر اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫ن قَ ْب ُل وَمِنْ َب ْع ُد وَ َيوْ َم ِئذٍ يَفْ َر ُ‬
‫للمسلم ما ينشده‪ ،‬فل تكون فتنة ويكون الدين كله ل ﴿ ِللّ ِه ا ْلأَمْرُ مِ ْ‬
‫َو ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ﴾ (الروم‪.)5 -4:‬‬
‫هكذا بهذه البساطة واليجاز مع عمق النظرة وسلسة السلوب يوضح لنا المام البنا زيف هذه الحضارة المادية التي غزت بلدنا وتركت‬
‫آثارها المدمرة‪ ،‬وكيف أنها أشقت أهلها وأشقتنا كذلك‪ ،‬حيث أبعدتنا عن منابع السعادة والراحة والمن والطمئنان وعن النور اللهي‬
‫والهدي القرآني وزعامة النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وأوضح أن السلم هو الحل لكل هذه المشاكل التي عمت البشرية‪ .‬ونراه يحدد‬
‫مهمة العاملين للسلم إزاء هذه الموجة المادية في أن يحسروها عن أرضنا وأن يغزوها في عقر دارها‪ ،‬ول شك أن هذه روح عالية‬
‫واطمئنان أن نور الحق حينما يحمله المؤمنون سيزهق ال به الباطل في أي مكان مهما انتفش‪.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك فإن التيار السلمي يطلب من شعب مصر أن يجدد علقته مع ربه وأن يجدد الثقة بدينه وأنه الدين الحق المقبول عند‬
‫ال‪ ،‬وبالشريعة السمحة العادلة التي ل يعدلها شيء من قوانين البشر‪.‬‬
‫نريد من شعب مصر أن ينزع من قلبه كل آثار الوهن والضعف‪ ،‬وأي شعور باليأس وأن يمل المل كل قلب والشعور بالعزة والقوة‪ ،‬وأن‬
‫ينفض أفراد الشعب غبار النوم والكسل‪ ،‬وينشغلوا بقضية بناء هذا الوطن‪.‬‬
‫نريد أن نقف جميعًا حراسًا أمناء لهذا الوطن نحميه من كل من يريد به شرًا سواءً كان من أعدائه أومن عملئهم‪.‬‬
‫وحول هذه المعاني يقول المام الشهيد البنا‪" :‬إن من واجبنا ‪-‬وفي يدنا شعلة النور وقارورة الدواء‪ -‬أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو‬
‫غيرنا‪ ،‬فإن نجحنا فذاك وإل فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا المانة‪ ،‬وأردنا الخير للناس‪ ،‬ول يصح أبدًا أن نحتقر أنفسنا فحسب‬
‫الذين يحملون الرسالت ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح‪ ،‬أن يكونوا بها مؤمنين ولها مخلصين وفي سبيلها مجاهدين‪ ،‬وأن يكون‬
‫جنّةٍ إِنْ‬
‫ح ِب ُكمْ مِنْ ِ‬
‫ن تَقُومُوا ِللّهِ َمثْنَى وَ ُفرَادَى ُثمّ َتتَ َفكّرُوا مَا بِصَا ِ‬
‫ح َدةٍ أَ ْ‬
‫ظ ُكمْ ِبوَا ِ‬
‫الزمن ينتظرها والعالم يترقبها‪ ،‬فهل من مجيب ﴿ ُقلْ ِإنّمَا أَعِ ُ‬
‫شدِيدٍ﴾(سـبأ‪.)46:‬‬
‫عذَابٍ َ‬
‫ُهوَ ِإلّا َنذِيرٌ َل ُكمْ َبيْنَ َي َديْ َ‬
‫فالتيار السلمي يريد من أفراد شعب مصر أن ينزعوا من قلوبهم أي اعتقاد بصلح النظم الرضية وأن يتحقق عندهم اليقين بفشلها‬
‫وإفلسها‪ ،‬وأنه ليس أمامنا إل النظام السلمي بتعاليمه وأحكامه‪ .‬فقد آمنا بهذا السلم الحنيف دينًا ودولة‪ ،‬واعتبرنا مصر دولة إسلمية‬
‫بل هي زعيمة دول السلم‪ ،‬وهذا الشعب يدين بهذا الدين الحنيف‪ ،‬والقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد‬
‫ن َلمْ يُقَا ِتلُو ُكمْ فِي الدّينِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫الطمأنينة والمن والعدالة والمساواة التام في كل تعاليمه وأحكامه‪ .‬هذا الذي يقوله كتابه﴿ل يَ ْنهَا ُكمُ اللّهُ عَ ِ‬
‫سطِينَ﴾(الممتحنة‪ )8:‬والكلم في هذا المعنى مفروغ منه‪ ،‬وهذا‬
‫ب الْمُقْ ِ‬
‫ن اللّهَ يُحِ ّ‬
‫سطُوا ِإَل ْي ِهمْ إِ ّ‬
‫ن ِديَا ِركُمْ أَنْ َتبَرّو ُهمْ وَتُقْ ِ‬
‫َو َلمْ ُيخْرِجُو ُكمْ مِ ْ‬
‫التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعًا – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الفاضة والسراف‪،‬‬
‫فإن من الجميل حقًا أن نسجل لهؤلء المواطنين أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات‪ ،‬ويعتبرون السلم من معاني قوميتهم وإن‬
‫لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم‪.‬‬
‫ونريد أن نؤكد للشعب المصري أن التيار السلمي ‪-‬الذي سبق تعريفنا له‪ -‬لم ولن يكون بإذن ال موضع اتهام بما يسمونه الفتنة‬
‫الطائفية‪ ،‬بل إنه حريص كل الحرص على الوحدة الوطنية وعلى تحقيق المن والستقرار لهذا الوطن العزيز‪ ،‬ولكن ماذا نقول للقلم‬
‫المأجورة؟ نسأل ال أن يهديها وأن يسخرها لصالح هذا الوطن‪.‬‬
‫نريد من شعب مصر أن يكون على بصيرة ومعرفة دقيقة بمن يريدون له الخير والمن والسعادة والرقي من غيرهم‪ ،‬الذين يريدون‬
‫مصالحهم الشخصية ولو كانت على حساب أمن وسعادة ورقي الشعب‪ ،‬ولو كانوا في مواقع المسئولية ويظن الناس أنهم يسهرون على‬
‫خدمة الشعب‪ .‬إن تحديد هذه النوعيات وتحديد المواقف معهم أمر ضروري حتى ل تلتبس المور ويختلط الحق بالباطل‪.‬‬
‫لقد تعرض وطننا العزيز مصر إلى محاولت مريرة لتطبيق بعض المبادئ الرضية كالرأسمالية والشتراكية والقومية وغيرها‪ ،‬وقاسى‬
‫ول يزال يقاسي من النتائج السيئة لتلك المحاولت‪ ،‬وسواء كان فرض تطبيق هذه المبادئ على شعبنا تنفيذًا لمخطط العداء لبعادنا عن‬
‫ديننا وشريعتنا‪ ،‬أو كان نتيجة انهيار حكامنا المغلبين بهذه المبادئ وظنهم أن فيها صلح بلدنا‪ ،‬فقد أثبت الواقع التطبيقي خطأ هذا الظن‬
‫وأوصلنا إلى الشقاء والضياع والدمار والضعف الذي دفعنا إلى التبعية وفقدان عزتنا وكرامتنا واستقلل قراراتنا‪ .‬وصار الكثير من أبناء‬
‫هذا الشعب المخلصين في حيرة حول كيفية الخروج من هذا الزمة والنجاة من النحدار إلى الهاوية‪ ،‬بدأ اليأس يداخل نفوس الكثيرين‬
‫من أبناء هذا الوطن لكثرة العلل وعدم سلوك الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى الشفاء والتخلص من هذه العلل والمراض‪ ،‬بل على‬
‫العكس نرى المسئولين يحاربون من بيدهم قارورة الدواء من الدعاة المخلصين المطالبين بتطبيق شريعة ال‪ ،‬وإلغاء كل المنكرات‬
‫والكبائر التي تجلب علينا سخط ال ومحق البركة كالربا والخمر والميسر وغيرها من المعاصي والثام‪.‬‬
‫ف الْخَبِيرُ﴾(الملك‪.)14:‬‬
‫خَلقَ َو ُهوَ اللّطِي ُ‬
‫هذا هو الدواء ول دواء غيره؛ لنه من عند ال العليم الخبير اللطيف بخلقه﴿أَل َي ْع َلمُ مَنْ َ‬
‫نريد من أفراد الشعب أن يقتنعوا أولً بأن هذا هو الدواء الوحيد الذي يرجى من روائه الشفاء والنجاة وأن يطالبوا المسئولين بكل‬
‫الصرار بأن يعدلوا عن هذا التخبط بين المبادئ الرضية التي تعلن كل يوم فشلها وإفلسها‪ ،‬وليلجأوا إلى العلج‪ ،‬إلى شريعة ال‬
‫العادلة‪.‬‬
‫نريد من الشعب أن يطالب المسئولين بعدم التضييق على المواطنين المخلصين الذين يتحرقون شوقًا لبناء وطنهم على أساس من شرع‬
‫ال‪ ،‬وأن تُتاح لهم فرص التحرك وتوضيح الحل السلمي للرأي العام‪ ،‬والقيام بالمشروعات الناجحة للنتاج وتحقيق الكتفاء الذاتي‪.‬‬
‫نريد من شعب مصر أن تكون له وقفات مع نوابه في مجلس الشعب ويطالبونهم بتحقيق هذه المطالب ويتابعون ذلك معهم ويحاسبونهم‬
‫على حسن تمثيلهم في مجلس الشعب وأل يخونوا أمانة هذا التمثيل‪﴿ .‬قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾‬
‫لقد أتى على بلدنا السلمية حين من الدهر زحف عليها ظلم من الغرب ومن الشرق‪ ،‬وكان نور اليمان قد خفت في قلوب الكثير من‬
‫المسلمين‪ ،‬وزيّن عملء الغرب والشرق هذا الظلم وقدموه على أنه النور والرقي والحضارة‪ ،‬وفي المقابل صوروا إسلمنا الدين الحق‬
‫على أنه التخلف والرجعية‪ .‬وانبهر الكثيرون بهذا الخداع‪ ،‬وقيل يومئذ عن باريس إنها مدينة النور‪ ،‬تلك المدينة التي اشتهرت بالباحية‬
‫والتبرج والنحلل‪ ،‬وهكذا انقلبت الموازين وعميت القلوب التي في الصدور وغفل الناس عن مصدر النور الحقيقي‪ ،‬الذي ظهر في مكة‬
‫المكرمة واكتمل في المدينة المنورة‪ ،‬إن نور الوحي المتمثل في كتاب ال وسنة رسوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬
‫وأثناء فترة الظلم التي ل تزال ممتدة أُصيبت مجتمعاتنا بأنواع شتى من العلل والمراض الفتاكة‪ ،‬وسبق أن أوضح لنا المام البنا شيئًا‬
‫من تلك العلل والمراض وكيف صارت بلدنا ضحية تجارب مريرة لنظم ومبادئ أرضية من صنع البشر العاجز القائمة على فلسفة مادية‬
‫أو إلحادية‪.‬‬
‫ولكن رغم هذا الظلم شاء ال أن ترتفع الصوات من جديد بالسلم دينًا ودولة ومنهاجًًا كاملً للحياة‪ ،‬وطالبت تلك الصوات وما تزال‬
‫تطالب برفض كل هذا المبادئ الوضعية التي تعلن كل يوم فشلها وإفلسها في إسعاد الناس‪ ،‬والتي أشقت من طبقوها حتى في البلد التي‬
‫نشأت فيها‪.‬‬
‫ولقد قامت أجهزة العلم في بلدنا السلمية بالدعاية لهذا المبادئ وتقديمها للشعوب على أنها المنقذة لهم مما يعانونه من مشاق‪.‬‬
‫وساندت دول عظمى هذه المبادئ والنظم الحاكمة التي تطبقها في بلدنا‪ .‬وكلما نادى أهل الحق بدعوة الحق والعود لهذا الدين الحق‬
‫عقيدة وعبادة وشريعة‪ ،‬قامت النظم الحاكمة المتسلطة بكل الوسائل لتخفت هذا الصوت وتقضي عليه‪ ،‬ولكن أنى لهم ذلك‪ ،‬لقد ظنوه‬
‫خ ْلقُ وَا ْلأَمْرُ﴾‬
‫صوت البشر الداعين إليه‪ ،‬ولكنه صوت الحق خالق البشر صوت ال المهيمن على كل من في هذا الكون﴿أَل لَ ُه الْ َ‬
‫(العراف‪ :‬من الية ‪.)54‬‬
‫فباءت كل محاولت إخفات صوت الحق بالفشل وأخذ يعلو ويرتفع رويدًا رويدًا وأخذ صوت الباطل يتوارى وينحسر وتمجه الذان‬
‫حقّ وَمَا‬
‫ط َل كَانَ َزهُوقًا﴾(السراء‪ُ ﴿،)81:‬قلْ جَا َء الْ َ‬
‫ن الْبَا ِ‬
‫طلُ إِ ّ‬
‫ق الْبَا ِ‬
‫ق وَ َزهَ َ‬
‫حّ‬‫ويرفض العقلء المخلصون‪ ،‬وصدق ال العظيم﴿وَ ُقلْ جَاءَ الْ َ‬
‫طلِ َف َيدْ َمغُهُ َف ِإذَا ُهوَ زَا ِهقٌ﴾(النبياء‪ :‬من الية ‪ )18‬ظهر ذلك واضحًا في‬
‫علَى الْبَا ِ‬
‫ف بِالْحَقّ َ‬
‫ط ُل وَمَا ُيعِيدُ﴾(سـبأ‪َ ﴿،)49:‬بلْ نَ ْقذِ ُ‬
‫ُي ْب ِدئُ الْبَا ِ‬
‫النتخابات الخيرة حينما ارتفع شعار(السلم هو الحل) وانزوى بجواره غيره من الشعارات الرضية‪.‬‬
‫نعم أيها الشعب المصري الكريم جاء الحق بقوته وجاء باستعلئه وهيمنته‪﴿،‬وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾ نعم سينتهي أمر الباطل بإذن ال‬
‫إن عاجلً أو آجلً‪ ،‬ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الحوال والظروف‪ ،‬إل أنها ليست غلبةً على الحق إنما هي غلبة على‬
‫المنتمين إلى الحق‪ .‬غلبة الناس ل المبادئ‪ ،‬وهذه موقوتة ثم تزول‪.‬‬
‫أيها الشعب المصري‪ ..‬إن المؤمنين بال ل يخالجهم الشك في صدق وعد ال بنصرة الحق‪ ،‬فإذا ابتلهم ال بغلبة الباطل حينًا من الدهر‬
‫عرفوا أنها الفتنة وأدركوا أنه البتلء‪ ،‬وأحسوا أن ربهم يربيهم لن فيهم ضعفًا أو نقصًا‪ ،‬وهو يريد أن يعدهم لستقبال الحق المنتصر‪،‬‬
‫وأن يجعلهم ستار القدرة‪ ،‬فيدعهم يجتازون فترة البلء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف‪ .‬وكلما سارعوا إلى العلج قصر‬
‫ال عليهم فترة البتلء وحقق على أيديهم ما يشاء‪ ،‬أما العاقبة فهي مقررة﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾‪.‬‬
‫إننا ل ننكر أن المبادئ والنظم الرضية ليست خالية من بعض الجوانب النافعة‪ ،‬ولكنها يسيرة ول يكاد يظهر أثرها النافع بجانب ما تثمره‬
‫هذه المبادئ الرضية من آثار مدمرة‪ ،‬سبق أن أشرنا غليها بل قاسيناها ول زلنا نقاسيها‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يتوجه إلى الشعب يدعوه إلى اللتفاف حول شعار(السلم هو الحل) والمطالبة بتطبيق الشريعة‪.‬‬
‫ننادي بكل الصدق والخلص أن انفضوا أيديكم من هذه المبادئ والشرائع الرضية العاجزة القاصرة‪ ،‬وأن ارجعوا إلى دينكم الحق وإلى‬
‫شريعته السمحة العادلة المنقذة فهي الدواء الوحيد الناجح‪ ،‬إننا نطلب من شعب مصر أن يؤمن بهذه القضية‪ ،‬وأن يقتنع تمام القتناع‬
‫بصدق هذا الصوت وإخلص أصحابه وأنهم أحرص الناس لتحقيق الخير لهذا الوطن وإسعاد أبنائه وأجياله التالية‪.‬‬
‫التيار السلمي يريد من أفراد شعب مصر أن يضعوا أيديَهم في أيدي أفراد التيار السلمي‪ ،‬وكلهم ثقةُ واطمئنانُ أن هذا المنهاج الرباني‬
‫هو وحده الدواء لكل الدواء والمنقذ من كل المتاعب واللم‪.‬‬
‫إنه المنهاج الحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬لنه من عند ال الحق الذي سيقذف به الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‪.‬‬
‫تعالى أيها الشعب الكريم نؤمن معًا أن المستقبل لهذا الدين الحق‪ ،‬وأن شريعته هي التي ستهيمن على حياة الناس لنهم لن يجدوا النجاة‬
‫والنقاذ إل بها‪.‬‬
‫نحن نعلم أن شعوبنا السلمية وقعت تحت تأثير دعايات خادعة لتلك المبادئ الرضية الزائفة‪ ،‬والمر يحتاج إلى بعض الوقت وبعض‬
‫الجهد من قبل الشعب ومن قبل الداعين إلى ال حتى تزول كل آثار هذه الدعاية الكاذبة لتلك المبادئ من عقول الناس‪ ،‬وتصفو القلوب‬
‫من كل شائبة لتستقل وتتقبل الحق المتمثل في هذا الشرع الحكيم‪ .‬ولن يطول بنا الوقت كثيرًا فقد بدت البشائر واضحة من أبناء الشعب‬
‫عندما رُفع شعار(السلم هو الحل) فلمسنا تجاوبًا كبيرًا وقويًا ومطمئنًا‪ ،‬والمل كبير في أن يزداد هذا التجاوب ليعم جميع أبناء شعب‬
‫مصر‪.‬‬
‫أيها الشعب المصري الكريم‪(،‬اعلم أن القوة أجمل ما تكون مع الحق والضعف أقبح ما يكون أمام الباطل)‪ ،‬وشعب مصر شعب أبي كريم ل‬
‫نريد له أن يضعف أمام الباطل وزحفه وانتفاشه‪ ،‬والمطلوب أن نتخلص من أي شعور بالهزيمة‪ ،‬فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام‬
‫الساعة‪ ،‬فمهما طال ليل الظلم والظلم فسوف يبزغ فجر‪ ،‬وإشراق يبدد الظلم والظلم‪ ،‬وحينئذ ستتبدل الصور ويتوارى المنافقون ول‬
‫يبقى حول الحاكم غير الصادقين المخلصين‪ ،‬وتعلو مصلحة الوطن على مصالح الفراد المنتفعين‪ .‬ويتبدد اليأس ويبعث المل في المستقبل‬
‫ويستعيد أفراد الشعب الشعور بالعزة بعد الذل‪ ،‬والكرامة بعد الهوان‪ ،‬واليجابية بدل السلبية‪ ،‬وتنطلق المواهب في بناء الوطن بعد‬
‫الشعور باللمبالة‪ ،‬وينحسر الظلم وتلفيق القضايا وتأخذ العدالة مجراها وتحترم أحكام القضاء‪ ،‬ويشعر المواطنون بالمن والطمأنينة‪.‬‬
‫نريد من الشعب المصري أن ينتصر كل فرد من أفراده على أي لون من ألوان الهزيمة النفسية فهي أخطر أنواع الهزائم‪ .‬لذلك نرى كيف‬
‫ع َلوْنَ‬
‫أن ال تعالى يتوجه إلى المسلمين بعد هزيمة غزوة أحد ليزيل آثار الهزيمة النفسية فيقول سبحانه‪﴿:‬وَل َتهِنُوا وَل تَحْ َزنُوا وََأنْ ُت ُم الَ ْ‬
‫ش َهدَاءَ‬
‫خذَ مِ ْن ُكمْ ُ‬
‫س َولِ َي ْعلَ َم اللّ ُه اّلذِينَ آ َمنُوا َويَتّ ِ‬
‫ك الَيّامُ ُندَا ِولُهَا بَ ْينَ النّا ِ‬
‫س الْ َق ْومَ قَ ْرحٌ ِم ْثلُهُ َو ِتلْ َ‬
‫س ُكمْ قَ ْرحٌ فَ َقدْ مَ ّ‬
‫ن كُنْ ُتمْ ُمؤْ ِمنِينَ * إِنْ يَمْسَ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫ق ا ْلكَافِرِينَ﴾(آل عمران‪)141-139:‬‬
‫ح َ‬
‫ن آمَنُوا وَيَمْ َ‬
‫ص اللّ ُه اّلذِي َ‬
‫ن * َولِيُمَحّ َ‬
‫حبّ الظّالِمِي َ‬
‫وَاللّهُ ل يُ ِ‬
‫وحول تهيئة النفوس وإعدادها للنهوض وتحقيق المال يرشدنا المام البنا‪ ،‬فيقول تحت عنوان من أين نبدأ؟‪":‬إن تكوين المم وتربية‬
‫الشعوب وتحقيق المال ومناصرة المبادئ تحتاج من المة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على القل إلى قوة نفسية عظيمة‬
‫تتمثل في عدة أمور‪ :‬إرادة قوية ل يتطرق إليها ضعف‪ ،‬ووفاء ثابت ل يعدو عليه تلون ول غدر‪ ،‬وتضحية عزيز ل يحول دونها طمع ول‬
‫بخل‪ ،‬ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له‪ ،‬يعصم من الخطأ فيه والنحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره‪ ..‬على هذه الركان‬
‫الولية التي هي من خصوص النفوس وحدها‪ ،‬وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبني المبادئ وتتربى المم الناهضة وتتكون الشعوب‬
‫الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلً‪.‬‬
‫وكل شعب فقد هذه الصفات الربعة أو على القل فقدها قواده ودعاة الصلح فيه‪ ،‬فهو شعب عابث مسكين‪ ،‬ل يصل إلى خير ول يحقق‬
‫حقّ شَيْئًا﴾(يونس‪ :‬من الية ‪ ،)36‬هذا هو قانون‬
‫ن الْ َ‬
‫أملً‪ ...‬وحسبه أن يعيش في جو من الحلم والظنون والوهام﴿إِنّ الظّنّ ل ُيغْنِي مِ َ‬
‫س ِهمْ﴾ (الرعد‪ :‬من الية ‪.)11‬‬
‫حتّى ُيغَيّرُوا مَا ِبَأنْفُ ِ‬
‫ن اللّهَ ل ُيغَيّرُ مَا ِب َق ْومٍ َ‬
‫ال تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة ال تبديلً﴿إِ ّ‬
‫يعود التيار السلمي فيدعو شعب مصر إلى اليمان الكامل والثقة التامة بأن "السلم هو الحل"‪ ،‬وأن المستقبل لهذا الدين الحق الذي‬
‫سيكتسح أمامه كل بقايا النظم الرضية وآثارها السلبية في مجتمعاتنا‪.‬‬
‫نقول لشعب مصر إنه ليس في الدنيا نظام يمد المة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد السلم بذلك‬
‫علَى‬
‫ن نَمُنّ َ‬
‫كله أممه الناهضة‪ ..‬ولقد امتل القرآن الكريم بتصوير هذه الناحية خاصةً‪ .‬فنراه يبعث المل للمستضعفين فيقول‪﴿:‬وَنُرِيدُ أَ ْ‬
‫ن َوهَامَانَ وَجُنُو َدهُمَا مِ ْن ُهمْ مَا كَانُوا‬
‫عوْ َ‬
‫ض َونُ ِريَ فِرْ َ‬
‫ن َل ُهمْ فِي الَرْ ِ‬
‫ن * وَنُ َمكّ َ‬
‫ج َع َل ُهمُ ا ْلوَارِثِي َ‬
‫ج َع َل ُهمْ أَ ِئمّ ًة وَنَ ْ‬
‫ضعِفُوا فِي ا ْلأَ ْرضِ َونَ ْ‬
‫اّلذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫حذَرُونَ﴾(القصص‪.)6-5:‬‬
‫يَ ْ‬
‫ت لِلنّاسِ﴾(آل عمران‪ :‬من الية ‪َ ﴿ .)110‬و ِللّ ِه ا ْلعِ ّزةُ َولِرَسُولِهِ‬
‫خرِجَ ْ‬
‫ونراه يدعو إلى العزة القومية لمة السلم﴿كُ ْن ُتمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُ ْ‬
‫َو ِللْ ُمؤْمِنِينَ﴾(المنافقون‪ :‬من الية ‪.)8‬‬
‫ع ُد ّو اللّهِ‬
‫ط الْخَ ْي ِل تُ ْرهِبُونَ بِهِ َ‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ ُق ّو ٍة وَمِنْ رِبَا ِ‬
‫عدّوا َل ُهمْ مَا اسْ َت َ‬
‫ونراه يستنهض الهمم للجهاد ورد عدوان المعتدين﴿وَأَ ِ‬
‫ن الْحَيَا َة الدّنْيَا بِالْآخِ َرةِ﴾(النساء‪ :‬من الية ‪.)74‬‬
‫ع ُد ّوكُمْ﴾(النفال‪ :‬من الية ‪َ ﴿)60‬فلْيُقَا ِتلْ فِي سَبِي ِل اللّهِ اّلذِينَ يَشْرُو َ‬
‫وَ َ‬
‫سمِ﴾‪.‬‬
‫علَ ْي ُك ْم وَزَا َدهُ بَسْطَةً فِي ا ْل ِع ْلمِ وَالْجِ ْ‬
‫ن الَ اصْطَفَاهُ َ‬
‫نراه يهتم بالصحة العامة وقوة البدان﴿إِ ّ‬
‫وحديث الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف"‪ ،‬وقوله‪":‬إن لدينك عليك حقًا" ونراه يهتم بالعلم‬
‫وبالخلق وبالقتصاد وبكل النظم العامة ولنا عود حول هذه القضايا وغيرها بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫نحو قوة نفسية عظيمة‬


‫سبق لنا أن أوضحنا العلل والدواء التي أصابت مجتمعاتنا وكيف أنها أدواء متشعبة كثيرة الغراض قد نالت من كل مظاهر حياتنا‪ ،‬ففي‬
‫الناحية السياسية فل زال الستعمار رغم جلء الجيوش له سلطانه وسيطرته‪ ،‬وفي الناحية القتصادية الربا والتضخم والديون وارتفاع‬
‫السعار‪ ،‬وفي الناحية الفكرية الفوضى والمروق ومحاولت هدم العقائد وتحطيم المثل العليا في نفوس المواطنين وفي الناحية الجتماعية‬
‫الباحية والتحلل من عقدة الفضائل وتقليد الغرب في مدنيته المادية وفي قوانينه الوضعية التي ل تزجر مجرمًا ول تؤدب معتديًا ول ترد‬
‫ظالمًا ول تغني يومًا من اليام غناء القوانين السماوية التي وضعها خالق الخلق ومالك الملك ورب النفوس وبارئها‪ .‬وفوضى في‬
‫سياسية التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها‪ ،‬وفي الناحية النفسانية بيأس‬
‫قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وذله حقيرة وخنوثة فاشية وأنانية تكف اليدي عن البذل وتقف حجابًا دون التضحية وتخرج المة من‬
‫صفوف المجاهدين إلى اللهين اللعبين‪.‬‬
‫وبعد أن عرفنا الداء تعرفنا على الدواء وعرفنا أنه الدواء الوحيد الذي يضمن معه الشفاء من كل هذه الدواء وهو هذا الدين الحق‬
‫بشريعته السمحة العادلة‪ ،‬وقلنا إن بداية الطريق هو التخلص من آثار الهزيمة النفسية أولً‪.‬‬
‫وقلنا أن الهزيمة النفسية هي أخطر أنواع الهزائم‪ ..‬ولن نستطيع أن ننهض من هذه الكبوة ونصحو من تلك الغفوة إل إذا تخلصنا من‬
‫آثار هذه الهزيمة النفسية‪ ،‬وتولدت في أفراد الشعب الرادة القوية‪ ،‬وبعث المل في المستقبل وإزالة كل آثار اليأس من النفوس‪ .‬ونريد‬
‫التخلص من الخمول والكسل ومن الشح والجبن‪ ،‬ونريد التخلص من العجاب بالخصم ومن التبعية الذليلة له ويحل محلها الستقللية‬
‫وحرية اتخاذ القرار‪.‬‬
‫والتيار السلمي يؤمن إيمانًا قويًا أن عقيدة السلم كفيلة بالتخلص من كل الثار السلبية التي تركها الستعمار وخاص ًة الهزيمة‬
‫النفسية‪ ،‬وأوضحنا أنه ليس في الدنيا نظام يمد المة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد السلم بذلك‬
‫كله أممه الناهضة‪ ،‬وبفضل ال ظهرت جليّا قناعة الشعب المصري بهذا المعنى حينما تجاوب بصورة قوية وفعالة مع شعار "السلم هو‬
‫الحل" الذي رفعه التحالف السلمي في النتخابات الخيرة لمجلس الشعب‪.‬‬
‫نريد من الشعب المصري أن يتعرف على نفسه وعلى القوى الكامنة فيه‪ ،‬وكأنى بشعب وقد خطط له العداء ليفقد وعيه بوجوده ويعيش‬
‫وكأنه مخدر في شبه غيبوبة ل يشعر بما يحاك له من مؤامرات ول بما يصيب جسده من جراح عميقة وإصابات قاتلة خاصةً في العقل‬
‫والقلب في الفكر والروح‪.‬‬
‫نريد من شعب مصر أن يفيق من هذه الغيبوبة‪ ،‬وأن يستيقظ من هذه الغفوة‪ ،‬وأن يتحسس أعضاء جسمه والقوى الكامنة فيه‪ ،‬أن يتعرف‬
‫على شبابه بناة المستقبل فيهتم بإعدادهم وتربيتهم على العزة والقوة ل على الذلة والضعف‪.‬‬
‫نحن نعلم أن عهدًا سابقًا قد أذل الشعب وترك في النفوس خوفًا وجبنًا؛ بسبب ممارساته الفظيعة من اليذاء والتعذيب والقهر خاصةً‬
‫للدعاة إلى ال وما صاحب ذلك من جو التجسس والتصنت حتى صار البن يتجسس على أبيه والخ على أخيه‪ ،‬وما ينتجه ذلك من تقطيع‬
‫للرحام وهبوط بكل القيم والخلق‪ .‬التيار السلمي الذي خرج من هذه المحن أشد قوة وأقوي عزمًا وأصلب قناةً يدعو شعب مصر إلى‬
‫أن يتخلص من كل هذه الثار السلبية‪ ،‬وأن يلجأ إلى ال القوي القهار المعز المذل‪ ،‬ولن تظل القيود قيودًا أبد الدهر فإنما الدهر قلب‪ ،‬وما‬
‫بين طرفة عين وانتباهتها يغير ال من حال إلى حال‪ ،‬ولن يظل الحائر حائرًا‪ ،‬فإنما بعد الحيرة هدى وبعد الفوضى استقرار ول المر من‬
‫قبل ومن بعد‪.‬‬
‫نريد من أفراد الشعب أن ينتصر كل منهم على نفسه أولً‪ ،‬وإل ففاقد الشيء ل يعطيه‪ ،‬نريد قوة نفسية عظيمة تدفع صاحبها إلى الشعور‬
‫بالمسئولية نحو مستقبل هذا الوطن‪ ،‬قوة نفسية تدفع إلى العمل الجاد لتحقيق البناء والستقرار والزدهار‪ ،‬نريد قوة نفسية عظيمة ل‬
‫تسمح بالستجابة إلى وسائل اللهاء والتخدير والخداع بزخرف القول‪.‬‬
‫نريد قوة نفسية تجعل صاحبها يقول الحق ولو كان مرًا ول يخاف في ال لومة لئم‪ .‬نريد قوة نفسية نربي عليها أبناءنا وأجيال‬
‫المستقبل‪ ،‬فيشبون على العزة وقوة الشخصية والشعور بالمسئولية وأن الوطن وطنهم وعليهم أن يدعموا بناءه وأن يكونوا حراسًا عليه‬
‫من أي لون من ألوان العتداء السياسي أو القتصادي أو الجتماعي أو الفكري من داخله أو من خارجه‪.‬‬
‫ل نريد أن نترك فردًا من أفراد الشعب مخدرًا أو في حالة اللوعي نريد حركة إيقاظ عامة تعم كل طوائف الشعب‪ ،‬وتقوي حاسة‬
‫الستشعار عند أفراد الشعب‪ ،‬فيتنبهون إلى كل صغيرة وكبيرة تمس مصالح الوطن ومستقبله فإن كانت خيرًا اغتنموها وإن كانت شرًا‬
‫درءوها ومنعوها‪ ،‬إن التخدير المعنوي أخطر من التخدير البدني‪ ،‬إنه يعطل الطاقات ويقبر المواهب ويقضي على القيم والمثل ويقضي‬
‫على العزة والكرامة‪ ،‬ويجعل الفرد وكأنه كمُّ مهملُ ل أثر له ول تأثير‪ ،‬موجود وغير موجود‪.‬‬
‫لقد لمسنا في النتخابات الخيرة تغيرًا واضحًا في نفوس الكثير من أبناء الشعب‪ ،‬لمسنا الغيرة الوطنية الصادقة والحيوية المتدفقة‪،‬‬
‫والرغبة الصادقة في العمل لصالح الوطن وتخليصه من أزماته ومشاكله‪ .‬لمسنا ذلك خاص ًة عند الشباب فاستبشرنا خيرًا وفرحنا وازداد‬
‫سرورنا بهذه الظاهرة الطيبة‪ ،‬واستشعرنا مع ذلك ثقل المسئولية على عاتق أمثالنا نحو هذا الشباب‪ ،‬وما يحتاجه من تسديد وإرشاد ومن‬
‫تزكية هذه الروح التي لمسناها لتتأصل وتنمو مع الزمن‪.‬‬
‫ما أحوج الشباب إلى حكمة الشيوخ‪ ،‬وما أحوج الشيوخ إلى حيوية الشباب؛ لذلك يلزم إتاحة الفرص الكافية لمتزاج حكمة الشيوخ مع‬
‫حماس الشباب لينتج العتدال والنضباط مع التقدم المطرد‪.‬‬
‫إن الكثير من الشباب المسلم يحمل مع حماسته وفتوته حكمةً وتعقلً والحمد ل‪ ،‬رغم ما يتعرض له من ضغوط وما يراه من تناقضات‬
‫مثيرة‪ ،‬كما نري شيوخًا منا كثيرين يحملون بين جوانحهم روح الشباب‪ ،‬ولسان حال بعضهم يقول‪:‬‬
‫والروح ثابتة على العشرين‬ ‫عمري إلى السبعين يركض مسرعًا‬
‫ما أجمل تعاون الشباب والشيوخ في بناء هذا الوطن في ظل شريعة ال رافعين شعار "السلم هو الحل" قولً وعملً‪ ،‬بكل الصدق والوفاء‬
‫والرادة القوية والقوة النفسية والتضحية والفداء‪ ،‬دون شح ول بخل ودون ضعف أو خوف وبكل التصميم والعزم مع حسن التوكل على‬
‫ال‪ ،‬والتوجه الخالص لوجهه سبحانه والرجاء في ثوابه العظيم‪.‬‬
‫كم سمعنا شعارات(إيدك في إيدي يا عم يا عم* نفدي الوطن بالدم) وكذا(بالروح بالدم* نفديك يا فلن) إلى غير ذلك من شعارات وهتافات‬
‫جوفاء ليس لها ظل في واقع الحياة‪ ،‬ولكننا نريد من شبابنا المسلمين العمل والعمل الجاد دون ضجيج‪ ،‬خالصًا ل خاليًا من النفاق ومن‬
‫الرياء‪ ،‬نريد أن تكف الحناجر من هتافات النفاق وتكف اليدي من تصفيق النفاق‪ ،‬وتخلو الصحف من مقالت وإعلنات النفاق‪ ،‬ولتوجه‬
‫هذه الطاقات والموال إلى النافع المفيد‪.‬‬
‫نريد من شعب مصر أن يشجع كل صادق مخلص يعمل في صمت‪ ،‬وأن يبكت كل منافق يتقرب زلفى إلى ذوي السلطان والجاه‪ ،‬حتى‬
‫يشعر كل منافق أنه حقير منبوذ‪ ،‬فيعدل عن نفاقه ويصحح مساره‪.‬‬
‫نريد من كل فرد في الشعب أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬وأن نتواصى جميعًا بالحق ونتواصى‬
‫بالصبر‪ ،‬ويذكر بعضنا بعضًا فالذكرى تنفع المؤمنين‪ ،‬وهكذا فالوقاية خير من العلج‪ ،‬لو التزمنا بهذه المور فسيتطهر جسد مجتمعنا مع‬
‫الزمن من كثير من المراض والعلل النفسية والخلقية وتنمو فيه المقومات اللزمة لداء مهمة البناء وما أثقلها مهمة وما أيسرها إذا‬
‫أحسنا الصلة بال والستعانة به‪.‬‬

‫إلى الشعور بالمسئولية‬


‫من أخطر العلل والمراض التي أصابت الكثير من أفراد الشعب المصري ظاهرة السلبية واللمبالة وعدم الشعور بالمسئولية نحو وطننا‬
‫مصر ومستقبله‪ .‬نعلم أن هناك أسبابًا أدت إلى ذلك سنعرض لها‪ ،‬ولكن هل لنا أن نتساءل‪ :‬إذا لم يشعر أبناء مصر بمسئوليتهم عن صالح‬
‫مصر ومستقبل أجيالها فعلى من نلقي هذا المسئولية؟ هل نلقيها على أمريكا والشعب المريكي؟ أم على الكيان الصهيوني المغتصب؟ أم‬
‫أن الولى بذلك هيئة المم المتحدة باعتبار مصر إحدى دولها؟ أم نخص دول عدم النحياز؟ أم أن الولى من هؤلء جميعًا جامعة الدول‬
‫العربية؟‬
‫ل يجوز لمصري أن يدور بخلده أن يتوقع من أي من الجهات التي ذكرناها أن تشعر بمسئولية نحو مصر‪ ،‬تدفعها للسهام في إنقاذ‬
‫شعبها أو بناء مستقبلها‪ ،‬ولسنا مغالين إذا قلنا إن بعض هذه الجهات تريد لمصر الخراب والتخلف وتسهم فعلً في تحقيق ذلك‪.‬‬
‫إن التيار السلمي وقد أبصر حقيقة هذا الواقع يتوجه إلى شعب مصر ويقول إنه لن يقوم بهذه المسئولية وبكل تبعاتها الثقيلة غير شعب‬
‫مصر نفسه‪ .‬فهو الذي يعاني اللم والمتاعب ويقاسي الزمات المتعددة‪ ،‬فهو الولى بأن يستشعر هذه المسئولية‪ ،‬وأن تكون هذه المعاناة‬
‫هي الوقود الذي يدفعه إلى التفكير الجاد والعمل المخلص للتخلص من كل هذه العلل والمراض‪ ،‬والتخطيط العلمي الدقيق لتحقيق مستقبل‬
‫زاهر للجيال التالية من شعب مصر‪ ،‬وإذا أحسنا الظن بالبعض بأنهم يلقون بهذه المسئولية على المسئولين عن الحكم في مصر وعلى‬
‫ممثلي الشعب‪ ،‬فإننا نقول لهؤلء‪ :‬لقد أثبتت اليام والسنون والحوال والتجارب غير ذلك‪ ،‬وأن الكثير ممن في هذه المواقع تشغلهم‬
‫مصالحهم الشخصية عن مصلحة الوطن‪ ،‬وإذا أحسنا الظن ببعضهم وقلنا إنهم ل تشغلهم مصالحهم‪ ،‬فإننا نجد معظمهم ليس على مستوى‬
‫المسئولية من حيث القدرة والكفاءة؛ لنهم اختيروا للثقة وليس للكفاءة‪.‬‬
‫ولسنا في حاجة إلى تدليل على خطأ الطريقة التي يختار بها ممثلو الشعب في مجالس الشعب وما يعمها من تزوير وتزييف لرادة‬
‫الشعب‪ ،‬وبالتالي الحكومة التي تمثل الغلبية في مثل هذه المجالس‪ ،‬وكذا الرقابة عليها ومحاسبتها‪.‬‬
‫من النادر أن تجد من بين من يختارون بتلك الطريقة المزورة من يشعرون حقًًا بآلم الشعب ومتاعبه بصورة تؤرقهم وتشغل بالهم‬
‫وتدفعهم إلى العمل الدائب لتغيير هذه الحوال والتخلص من أسباب تلك المعاناة‪.‬‬
‫ولئن كانت النتخابات الخيرة رغم ما صاحبها من ضغوط وتزوير إل أنها أفرزت عنصرًا جديدًا تحت لفتة التحالف السلمي وشعار‬
‫"السلم هو الحل" إنه عنصر يؤرقه ضميره السلمي لكي يبذل جهده ووقته وتفكيره في سبيل مصلحة الشعب وإنقاذه من مآسيه‪،‬‬
‫وتهيئة مستقبل فاضل للجيال التالية‪ ،‬حقًا‪ ،‬إن نسبة هذا العنصر بالنسبة لنواب الحزب الحاكم أقلية بسيطة‪ ،‬وتحاول الغلبية إخفات‬
‫صوت الحق الذي يرتفع به هذا العنصر الجديد‪ ،‬ولكنه لن يخفت وسيظل يعلو ويعلو حتى يصير هو صوت الرأي العام كله‪ ،‬ولن يعلو‬
‫عليه صوت آخر بإذن ال‪.‬‬
‫إن التيار السلمي الذي قاسى أكثر من غيره من سياساتٍ غاشمةٍ سابقةٍ يلتمس بعض العذر لفراد الشعب الذين ظهرت عليهم حالة‬
‫الشعور باللمبالة أو اليأس من الصلح‪.‬‬
‫فالحكم الدكتاتوري وسياسة القمع والقهر والسجون والتعذيب والقتل كل ذلك كان كفيلً أن يوقف أي محاولت للبناء والصلح وإحجام‬
‫الكفاءات المخلصة عن الظهور والتقدم وآثرت الوقوف في الظل خشية التعرض لشيء مما ذكرنا‪ ،‬وبهذا تهيأ المناخ لبروز المنافقين‬
‫والمنتفعين من غير ذوي الكفاءات‪.‬‬
‫كما أن تجربة تطبيق النظام الشتراكي الفاشل وما صحبه من سياسة التأميم والمصادرات والحراسات والقطاع العام وإسناده لمن ل خبرة‬
‫ن في الخلق‬
‫لهم من أهل الثقة الضباط‪ ،‬والتحكم في الستيراد والتصدير وما رتبه ذلك من ظهور السوق السوداء وما أفرزته من تد ٍ‬
‫وانتشار الرشوة والكسب غير المشروع‪ ،‬وعمليات نهب أموال الدولة بشتى الصور‪ ،‬والتستر عليها لمشاركة المقربين للسلطة فيها‪،‬‬
‫وخداع الميزانيات للقطاع العام وإظهارها أنها رابحةُ وهي في الحقيقة خاسرة وغير ذلك الكثير مما ل يتسع له المقام‪ ،‬ومما ل يجهله‬
‫العامة والخاصةُ من الشعب‪.‬‬
‫ل شك أن هذه الظواهر التي ذكرنا بعضها كفيلة أن تولد السلبية واللمبالة عند الكثير من أفراد الشعب المصري‪ ،‬ونحن ل نسوق هذا‬
‫ل لصورة تكررت مراتٍ ومراتٍ‪ :‬يقوم فرد أو مجموعة من الفراد بالتفكير في‬
‫التشخيص جزافًا أو فتراءً‪ ،‬ولكن يكفي أن أضرب للقراء مث ً‬
‫مشروع إنتاجي نافع يغني الدولة عن استيراد ذلك المُنتج من الخارج بالعملة الصعبة‪ ،‬وبعد جهود مضنية في سبيل الحصول على‬
‫الترخيص والتغلب على الجراءات القانونية والروتين المعقد‪ ،‬ثم يبدءون في إقامة المبنى واستيراد اللت اللزمة وكلهم أمل مشرق في‬
‫نجاح المشروع‪ ،‬وإذا بهم فجأة يُعتقلون أو يُعتقل بعضهم ضمن العتقالت العشوائية التي تتم بين الحين والحين وتنقطع صلتهم‬
‫بالمشروع بل تنقطع عن ذويهم أيضًا‪ ،‬وبعد أشهر وربما سنوات يفرج عنهم دون محاكمة إذ لم يكن هناك جريرةُ أو جريمةُ تستدعي‬
‫اعتقالهم‪ ،‬ليتصور معي القراء مصير هذا المشروع الذي بدءوه‪ ،‬ومدي الحباط النفسي الذي يصيب هؤلء وكل من علم بأمرهم؟ وكيف‬
‫يكتب لمثل هذه المشروعات النافعة أن تتم في مثل هذه الظروف؟ والبركة في قانون الطوارئ وسوء استخدامه‪.‬‬
‫بسبب هذه المآسي وغيرها تولد الشعور باللمبالة وعدم الشعور بالمسئولية ودفع الكثير من شباب مصر إلى الهجرة خارج مصر وطنهم‬
‫العزيز وقد استفادت دول الغرب من هذه العقول المصرية الكثير‪ ،‬فقد وجدوا هناك المن واحترام حرمات الفرد بما لم يجدوه في وطنهم‬
‫مصر‪ ،‬وإن كان البعض هاجر إلى بعض الدول العربية فقد أفادوا واستفادوا‪ ،‬ولكنهم كلما سمعوا عن حالة عدم الستقرار في مصر‬
‫واستمرار قانون الطوارئ عزفوا عن العودة وعن استثمار أموالهم داخل مصر‪.‬‬
‫واليوم تعلو الصوات باستنكار استثمار هؤلء الفراد أموالهم خارج مصر‪ ،‬ونحن نؤيد الستثمار في بلدنا ولكن الولي بهذه الصوات‬
‫المرتفعة أن تطالب بإزالة السباب التي أدت إلى هذه الظاهرة‪ ،‬فإنه لو تم ذلك وتهيأ المناخ المن فسيتم تلقائيًا عودة أبناء الوطن‬
‫بأموالهم إلى وطنهم فهو أحق بهم وبجهودهم وأموالهم‪.‬‬
‫هذا الذي ذكرناه هو محاولة متواضعة مبسطة لتشخيص السباب التي أدت إلى بروز ظاهرة اللمبالة وعدم الشعور بالمسئولية عند‬
‫الكثيرين من أفراد الشعب‪ ،‬وكنا نود أن تتوارى هذه السباب كلية في العهد الحاضر‪ ،‬ولكن للسف الشديد لزال بعضها يُمارس بصورة‬
‫واضحة لكل ذي عينين‪ ،‬فحالت التفزيع والرهاب الحكومي والعتقال دون جريرة والتعذيب قائمة وغير خافية وقد أدانها القضاء‪.‬‬
‫وتزييف إرادة الشعب عند تمثيله في مجلس الشعب أمر واضح ومعلوم وقد أدانه القضاء أيضًا وضرب بحكم القضاء عرض الحائط‪،‬‬
‫وعدم الستفادة من الكفاءات المخلصة وتقديم المتقربين زلفى عليهم أمر مستمر أيضًا‪ ،‬وتعقيد الجراءات والروتين لزال قائمًا‪.‬‬
‫ولكن‪ ...‬مع كل ذلك فإن التيار السلمي وكله أمل في مستقبل زاهر مستقر لمصر يناشد شعب مصر وكل أفراد شعب مصر أل يتخلوا‬
‫عن الشعور بالمسئولية نحو وطنهم‪ ،‬وأن يتخلصوا من كل آثار السلبية واللمبالة التي ترسبت في نفوسهم بسبب الظروف التي أشرنا‬
‫إليها‪.‬‬
‫ولنبدأ جميعًا حكامًا ومحكومين صفحة جديدة نتبادل فيها الرأي والحوار حول مصلحة مصر ومستقبل مصر‪ ،‬وتعود الثقة المفقودة بين‬
‫الشعب والسلطة الحاكمة‪ ،‬نريد حوارًا جادًا تتاح فيه فرصة النصح والنقد البناء بكل صبر وسعة صدر ودون ضيق أو تبرم بكلمة الحق‬
‫مهما كانت مرة‪.‬‬
‫نريد صفحةً جديدةً يضيق فيها الخناق على النفاق والمنافقين‪ ،‬ويفسح فيها الطريق للصادقين والمخلصين‪ .‬نريد للمواهب التي قبرت في‬
‫الماضي أن تبعث من جديد وتنطلق لتسهم في بناء الوطن‪ ،‬ولتحقيق الكتفاء الذاتي خاصةً في المواد الغذائية والسلح‪ ،‬نريد تهيئة المناخ‬
‫المن لتعود كفاءاتنا المهاجرة لتسهم معنا في هذا البناء بجهودهم وأموالهم‪ ،‬وعلى النظام الحاكم أن يبدأ الخطوات الولى في هذه‬
‫الصفحة الجديدة بإلغاء قانون الطوارئ وتذليل كل العقبات التي تقف في طريق النتاج والكتفاء الذاتي وأن تتوج ذلك كله بإزالة وإلغاء‬
‫المنكرات التي تجلب علينا سخط ال وتمحق البركة كالخمر والربا والميسر واللهو والفجور‪.‬‬
‫لقد قامت دول‪-‬أقل من مصر شأنًا‪ -‬بنهضةٍ عظيمة تحولت فيها من التبعية الذليلة إلى الكتفاء الذاتي واستقلل الشخصية واعتدال‬
‫موازينها القتصادية‪ ،‬وصارت مصدرة أكثر منها مستوردة‪ ،‬وذلك عندما توفر لدى أبنائها القوة النفسية العظيمة والرادة القوية والعزيمة‬
‫الماضية مع الشعور الكامل بالمسئولية وإن التيار السلمي ليهيب بشعب مصر وهو الشعب المسلم البي العريق أن يستيقظ من الغفلة‬
‫التي عمّت الكثيرين‪ ،‬وأن يصحو من تلك الغيبوبة التي أرادها له العداء‪ ،‬نريده أن ينفض غبار النوم ويتخلص من آثار الهزيمة النفسية‬
‫ومن أهمها الحباط والسلبية واللمبالة وعدم الشعور بالمسئولية‪.‬‬
‫إن عقيدة الشعب المصري من شأنها أن تربي فيه العزة والقوة والكرامة وتربي فيه الضمير الحي والشعور بالتبعة والمسئولية أمام ال‪،‬‬
‫وتمده بكل المقومات التي يحتاجها للنهوض من هذه الكبوة‪ ،‬ولكي يطوي تلك الصفحات القاتمة من حياته ليبدأ صفحات بيضاء ناصعة‬
‫مشرقة مليئة بالمل الكبير نحو مستقبل فاضل تسوده الحرية والسعادة والمن والعدل متخلصًا من السلبيات والعلل والمراض‪ ،‬وبال‬
‫ع َم َلكُ ْم وَرَسُولُهُ وَالْ ُمؤْ ِمنُونَ﴾(التوبة‪ :‬من الية ‪.)105‬‬
‫سيَرَى اللّهُ َ‬
‫العون والتوفيق‪﴿:‬وَ ُقلِ اعْ َملُوا فَ َ‬
‫تصحيح الخلل‬
‫س لَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ﴾(البقرة‪ :‬من الية ‪ )143‬خلق ال لنا عقولً نفكر بها ولكنه رحمة بنا لم يتركنا‬
‫ن اللّهَ بِالنّا ِ‬
‫يقول الحق تبارك وتعالى‪﴿:‬إِ ّ‬
‫لعقولنا ولكن أرسل لنا الرسل وأنزل الكتب توضح لنا رسالتنا في هذه الحياة وتوضح لنا القيم والمثل ولمقاييس الربانية التي نميز بها‬
‫الخطأ من الصواب والنافع من الضار لكي يعيش الناس في جو من التفاهم والتعاون على البر والتقوى فل ضرر ول ضرار‪.‬‬
‫وكلما ابتعد الناس عن هذه المثل والمقاييس الربانية أرسل ال لهم الرسل؛ لتصحيح أي خلل يحدث فيها‪ ،‬فهذا الخلل الذي أصاب قوم لوط‬
‫طهّرُونَ﴾(النمل‪ :‬من الية‬
‫في علقاتهم الجنسية‪ ،‬والذي جعل المر يصل عندهم إلى أن يقولوا ﴿أَخْرِجُوا آ َل لُوطٍ مِنْ قَ ْريَ ِت ُكمْ إِ ّن ُهمْ ُأنَاسٌ َيتَ َ‬
‫‪ )56‬ولما أرسل ال لهم سيدنا لوط ليصحح هذا الخلل ودعاهم فلم يستجيبوا له أنزل ال عليهم مطرًا أهلكهم به‪ .‬كذلك لما حدث بين أهل‬
‫مدين خلل في موازينهم ومكاييلهم أرسل إليهم ال سيدنا شعيب ليدعوهم إلى ال وعبادته الذي يأمرهم بأن يوفوا الكيل والميزان بالقسط‪،‬‬
‫ولما تأله فرعون وصار يسوم بني إسرائيل سوء العذاب أرسل ال له موسى لينبهه وقومه الذين استخفهم فأطاعوه لتصحيح هذا الخلل‪،‬‬
‫ولما لم يستجب أغرقه هو وجنوده في اليم‪.‬‬
‫العقل وحده ل يكفي لهداية الناس إلى ما فيه صلحهم وسعادتهم ولبد له من نور الوحي الذي يضئ له الطريق المستقيم‪ ،‬فمثله كمثل‬
‫العين لبد لها من نور كي تبصر الشياء‪.‬‬
‫ولقد مرت شعوبنا السلمية ومنها شعب مصر بظروف أحدثت خللً عند الكثيرين في نظرتهم للمور وأوجدت مقاييس أخري مادية غير‬
‫المقاييس الربانية‪ ،‬وحدث تلبيس وتضليل واختلط الحق بالباطل والصواب بالخطأ والضار بالنافع وهكذا مما يحتاج معه إلى تصحيح‬
‫وتصويب‪.‬‬
‫ففي ظل الستعمال أو الحتلل الذي عم معظم بلدنا السلمية تم غزو فكري انحللي ونظمت حملت من الفساد والفساد‪ ،‬بل واللحاد‬
‫وتخطيط لحسر نور الوحي وتضييق دائرته في حياة الناس‪ ،‬فنتج عن ذلك خلل في كثير من المفاهيم والتصورات والقيم والمثل وبعد عن‬
‫المقاييس الربانية وتبني مقاييس مادية بدلً عنها‪.‬‬
‫ثم تعرضت كثير من الشعوب السلمية ومنها الشعب المصري إلى حكم دكتاتوري ظهر في ظله ألوان أخري من الخلل في مفاهيم الناس‬
‫وتصوراتهم ومقاييسهم‪ ،‬وسنعرض لكل ذلك ببعض التفصيل كي نعمل على تصحيح هذا الخلل‪ ،‬لن التيار السلمي الذي يحرص كل‬
‫الحرص على تحقيق الخير لهذا الوطن‪ ،‬ويرغب أشد الرغبة في بنائه على أساس سليم متين يرى ضرورة تصحيح هذا الخلل أو ًل كي‬
‫تتهيأ الظروف للبناء وتحقيق الرقي والستقرار والزدهار‪ ،‬وإل فكيف يتم البناء وتتضافر الجهود في طريق صحيح‪ ،‬ومن بيننا من‬
‫التبست عنده المور وصورت له الهزيمة نصرًا والنفاق وطنيةً وإخلصًا والخلص تهورًا أو عداءً‪ ،‬والفسق والفجور تقدمًا‬
‫وحضارةً‪ ،‬والتدين والستقامة تخلفًا ورجعيةً‪ ،‬والتخريب والهدم بناءً والبناء هدمًا‪ ،‬وهكذا؟‬
‫أما عن بعض صور الخلل التي حدثت نتيجة موجة المدنية المادية وحضارة المتع والشهوات التي غزت بلدنا في ظل الحتلل فكثيرة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬فقد صارت الدنيا أكبرَ هم الكثيرين ومبلغ علمهم وسخروا لها أوقاتهم وجهودهم لشباع شهواتهم وكأنها دارُ النعيم‬
‫والستقرار‪ ،‬ونسي الكثيرون في ظل هذه الموجة المادية ربهم وآخرتهم وصار المستقبل الذي يجب أن يهتم به كل فرد هو مستقبل اليام‬
‫التي يقضونها أو ل يقضونها في هذه الدنيا أما مستقبلهم الخروي الدائم فل يجد الهتمام اللئق به‪.‬‬
‫وصار المال معبود الكثيرين يجمعونه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروع ول يتحرون الحلل من الحرام‪ ،‬وظهر الشح والبخل بدلً‬
‫من النفاق ومعاونة الفقراء‪ ،‬وظهرت النانية بدلً من اليثار‪.‬‬
‫واختلت موازين الرجال فصار المقياس هو ما لديه من مال أو منصب أو جاه ولو كان سيءَ الخلق! في حين أن المقياس الرباني‬
‫ع ْندَ اللّهِ َأتْقَاكُمْ﴾(الحجرات‪ :‬من الية ‪.)13‬‬
‫هو﴿إِنّ َأكْرَ َم ُكمْ ِ‬
‫ومن آثار الموجة المادية صِرْت تري الوالدين يهتمان بأبنائهم اهتمامًا كبيرًا عندما تصاب أجسامهم بالمراض‪ ،‬أما إذا قصروا في‬
‫س ُكمْ وََأ ْهلِي ُكمْ نَارًا‬
‫عبادتهم وأمور دينهم‪ ،‬فل نرى من الوالدين مثل ذلك الاهتمام‪ ،‬في حين أن ال تعالى يقول‪﴿:‬يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا قُوا َأنْفُ َ‬
‫س وَالْحِجَا َرةُ﴾(التحريم‪ :‬من الية ‪.)6‬‬
‫وَقُو ُدهَا النّا ُ‬
‫ومن آثار الموجة المادية صار التبرج هو العرف السائد‪ ،‬والتحجب مستغربًا ومثار سخرية‪ ،‬وصار أهل الفسق والفجور في حرية‬
‫يمرحون في حماية القانون‪ ،‬وأهل الستقامة والفضيلة يُطاردون ويُلحقون‪ ،‬وصار الشباب المائع هو المواطن الصالح‪ ،‬والشاب‬
‫المستقيم عدوًا للشعب‪.‬‬
‫وصارت الحضارة الغربية المادية هي القدوة‪ ،‬وصار تقليدها في أمور حياتنا دليلَ الرقيّ والتقدم‪ ،‬وتُركت سنة رسول ال ‪-‬صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ -‬وهديه في كل عاداتنا وتقاليدنا‪.‬‬
‫اهتم الناس بأجسادهم وشهواتهم وأهملوا أرواحهم‪ ،‬فأحدث ذلك خللً في حياتهم وشقاءً وقلقًا وحيرةً‪،‬‬
‫وصرف المستعمر والحكام المتغلبون عاطفة الشعب الدينية إلى الموالد والطرق الصوفية والضرحة وغير ذلك مما ل يقلق المستعمر‬
‫والحاكم‪ ،‬وأبعدوا الفهم الصحيح للسلم كنظام كامل للحياة عن فهم الناس‪ .‬وأبدلوا الشريعة بقوانين وضعية‪ ،‬وحصروا الشريعة في‬
‫الحوال الشخصية‪ ،‬وحتى هذه بدلوا فيها وغيروا‪ ،‬ألغيت المحاكم الشرعية أيضًا‪.‬‬
‫أما الحكم الدكتاتوري فقد ظهرت في ظله صور أخرى من الخلل‪ ،‬فالحكم الدكتاتوري يتميز بالتسلط وكبت الحريات وعدم السماح للرأي‬
‫الخر‪ ،‬وعادة يلجأ إلى البطش والتنكيل بالمعارضين ومقاومة الراء والفكار بالحديد والنار‪ ،‬وفي مثل هذه الظروف يتهيأ المناخ لظهور‬
‫الخلل في كثير من التصورات والمفاهيم والمقاييس التي تقاس بها الحداث والتي يقدر بها الرجال بحيث توجه كلها لصالح النظام الحاكم‬
‫ودعمه ولو كان ذلك بتزييف الحقائق‪ .‬ويتهيأ بذلك الجو للنفاق والمنافقين وللخداع والتضليل‪ ،‬وفي الحقيقة أن هذا السلوب ل يدعم‬
‫النظام ول يخدمه ولكنه يعرضه للهتزاز والنهيار‪ ،‬لن الباطل زهوق والخداع ل يدوم ولبد أن يأتي عليه يوم تكشف فيه القنعة وتعرف‬
‫الحقائق‪.‬‬
‫فوجدنا في ظل الحكم الدكتاتوري كيف قُلبت الهزيمة نصرًا وقامت المظاهرات المصطنعة تطالب المسئول الول عنها بعدم التخلي عن‬
‫موقعه‪ ،‬في حين أن هذا التخلي كان أمرًا تفرضه الهزيمة‪ ،‬فقد كانت هزيمةً نكراءَ فقد الوطن فيها عددًا غير قليل من أبنائه‪ ،‬وفقد‬
‫معدات كثيرة لزلنا نئن من الديون بسببها‪ ،‬وأعز من ذلك فقدنا جزءًا عزيزًا من وطننا‪.‬‬
‫وفي ظل الحكم الدكتاتوري يقدم المنافقون والمتقربون زلفى للحاكم على أبناء الوطن المخلصين‪ ،‬في حين يعتبر الوطنيون الصادقون‬
‫أعداءً للشعب وإرهابيين مخربين‪ ،‬ول أحد يجهل ما تعرض له الخوان من إيذاء وتعذيب وقتل‪ ،‬وما ألصقت بهم من تهم وأوصاف كاذبة‬
‫باطلة‪ ،‬وكيف سخرت أجهزة العلم لترسيخ ذلك في أذهان الشعب‪ ،‬ونُصبت محاكم الشعب وكأن الشعب هو الذي يقوم بمحاكمة أعداء‬
‫الشعب‪ ،‬ويعلم ال أن الخوان من أخلص أبناء الشعب لهذا الشعب المفترى عليه‪.‬‬
‫وفي ظل الحكم المتسلط يصير العرف السائد هو الظلم والعتقال والتعذيب لصحاب العقيدة وأصحاب الرأي المعارض‪ ،‬ويصبح الستثناء‬
‫بل والتفضل من الحكام هو الفراج والخروج من الزنازين الضيقة إلى السجن الكبير الذي يعيشه الشعب‪ .‬وفي ظل الحكم المتغلب تُصادر‬
‫الموال وتُقام الحراسات وتًُؤمم الشركات ويتعرض الكثيرون إلى الذلل‪ ،‬ويُنسب كل ذلك إلى مصلحة الشعب والقوى العاملة من العمال‬
‫والفلحين المفترى عليهم‪ ،‬وتوضع كل هذه الموال والشركات في أيدي فئة من أهل الثقة ممن ل خبرة عندهم ول كفاءة‪ ،‬ويُساء‬
‫التصرف وتسوء الدارة وتتوالى الخسائر‪ ،‬ولكن يتم الخداع وتقدم الميزانيات على أن شركات القطاع العام رابحة وهي في الحقيقة‬
‫خاسرة‪ .‬ول تُعرف الحقيقة إل بعد إنتهاء العهد وحينما تتاح الفرصة لحرية الكلمة في الصحافة كما هو واقع في العهد الحالي‪ ..‬وذلك‬
‫مما يُحمد له‪ ..‬فتظهر الفضائح وتُحل مجالس إدارة معظم الشركات ويقدم الكثيرون للمحاكمات وهكذا‪.‬‬
‫وفي ظل الحكم الدكتاتوري تُباح الحرمات ويسود التجسس والتصنت‪ ،‬ويُكره الوالد على التجسس على أبنائه والعكس كذلك‪ ،‬ويُلحق‬
‫معارضو النظام من المخلصين بما لو لوحق به تجار المخدرات لنتهت المخدرات من زمن بعيد‪.‬‬
‫ومن صور الخلل أيضًا تزييف إرادة الشعب بعند انتخابه لممثليه في المجالس النيابية بصورة يدينها القضاء‪ ،‬ومع ذلك توصف بأنها‬
‫انتخابات حرةُ نزيهةُ‪.‬‬
‫وبعد فهذه بعض صور الخلل التي ظهرت في حياة الشعب المصري نتيجة موجة الغزو الفكري في ظل الحتلل وما بعده‪ ،‬وكذلك نتيجة‬
‫فترات الحكم الدكتاتوري التي تعرض لها‪ .‬ولكن من فضل ال على هذا الشعب أن سرت فيه صحوة إسلمية كان للخوان دور أساسي‬
‫فيها‪ ،‬وتمّ تصحيح الخلل السابق عند الكثيرين‪ ،‬فأخذت الفضيلة تأخذ مكانها بين الناس كما أخذ الحجاب تتسع رقعته وأخذ التبرج ينحسر‬
‫شيئًا فشيئًا‪ .‬كما تم كشف زيف الحضارة الغربية المادية التي لم تحقق السعادة حتى لهلها‪ ،‬وبدأت العودة إلى السنة النبوية وتعاليم‬
‫السلم وآدابه‪ ،‬واللتزام بعقيدة التوحيد النقية بعيدًا عن البدع والخرافات‪ ،‬وانتشر الفهم الصحيح الشامل للسلم وكذلك القتناع بفشل‬
‫النظام الرضية الوضعية‪ ،‬وأنه ل بديل غير شريعة ال وأن السلم هو الحل وكانت النتخابات الخيرة خير دليل على هذا التغيير‬
‫والتصحيح‪ ،‬مما يطمئن أن الشعب المصري بدأ يفيق من غيبوبته ويعرف المور على حقيقتها‪ ،‬وتولدت عنده حصانة ضد التضليل‬
‫والخداع والتزييف‪.‬‬
‫وقد ظهرت في صفوف الشعب المصري أثناء فترات الضغط والرهاب من يقول‪ :‬ل للخطأ‪ ،‬مهما كان مصدره وتعرضوا بسبب ذلك إلى‬
‫ألوان من البطش والتنكيل‪ ،‬ولكنهم ثبتوا تحملوا بفضل ال وعونه ليكونوا قدوةًَ لغيرهم‪.‬‬
‫والتيار السلمي بعد هذا العرض يدعو جميع أفراد الشعب المصري إلى تصحيح كل صورة الخلل في مفاهيمنا وتصورت ومقاييسنا التي‬
‫ذكرناها وغيرها مما لم يتسع المقام إلى ذكره‪ ،‬وأن نتعاون جميعًا في كشف كل خداع أو تضليل لتصبح الرؤية واضحة سليمة تساعد‬
‫على التفاهم والتعاون وتتضافر الجهود لبناء مستقبل زاهر لهذا الوطن تتاح فيه الفرصة لبروز المخلصين ولتختفي العناصر المنافقة من‬
‫الساحة‪.‬‬

‫هل من رجعة إلى ال‬


‫لقد بارزنا ال بالمعاصي وارتكاب الكبائر واستجلبنا سخط ال وغضبه علينا‪ ،‬وكفرنا بأنعمه علينا واستعملناها في معصيته ولم نقم‬
‫بواجب الشكر عليها‪ ،‬أبحنا ما حرمه ال من خمر وميسر وزنا وربا فاستوجبنا حرب ال ورسوله لنا بنص آيات القرآن ﴿يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ‬
‫ن الِ وَرَسُولِهِ﴾ وصدق فينا ذلك المثل الذي‬
‫آ َمنُوا اتّقُوا الَ َوذَرُوا مَا بَ ِقيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُم ّمؤْ ِمنِينَ * َفإِن ّلمْ تَ ْف َعلُوا َف ْأذَنُوا بِحَ ْربٍ مّ َ‬
‫ن ُكلّ َمكَانٍ َفكَفَرَتْ ِبَأ ْن ُعمِ اللّهِ َف َأذَا َقهَا اللّ ُه لِبَاسَ‬
‫ب اللّهُ َمثَلً قَ ْريَ ًة كَانَتْ آ ِمنَةً مُطْ َمئِنّ ًة َيأْتِيهَا رِزْ ُقهَا رَغَدًا مِ ْ‬
‫ضرَ َ‬
‫ضربه ال في كتابه﴿وَ َ‬
‫ض اّلذِي‬
‫س لِ ُيذِي َق ُهمْ َبعْ َ‬
‫ظهَ َر الْفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْبَحْ ِر بِمَا كَسَبَتْ أَ ْيدِي النّا ِ‬
‫ص َنعُونَ﴾(النحل‪ )112:‬وقوله تعالى‪َ ﴿:‬‬
‫خوْفِ بِمَا كَانُوا يَ ْ‬
‫ع وَالْ َ‬
‫الْجُو ِ‬
‫جعُونَ﴾(الروم‪ )41:‬هذه سنن ال في خلقه ل تتبدل ول تتغير‪.‬‬
‫عَ ِملُوا َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫فإذا كنا صادقين حقًا في إصلح أحوالنا وبناء وطننا‪ ،‬فلبد من رجعة إلى من بيده المر وهو على كل شيء قدير‪ ،‬لبد أن نصطلح مع‬
‫س ِهمْ﴾‬
‫ن اللّهَ ل ُي َغيّرُ مَا بِ َق ْومٍ حَتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنْفُ ِ‬
‫ال ونستجلب رضاه ونتخلص من كل ما يجلب سخطه وغضبه‪ .‬إنه يقول وقوله الحق﴿إِ ّ‬
‫سدِينَ﴾(يونس‪ :‬من الية ‪ ،)81‬ويقول ﴿ ُق ْل َهلْ نُ َنبّ ُئ ُكمْ بِالَخْسَرِينَ أَعْمَا ًل *‬
‫صلِحُ عَ َم َل الْمُفْ ِ‬
‫ن اللّهَ ل يُ ْ‬
‫(الرعد‪ :‬من الية ‪ )11‬ويقول أيضًا‪﴿:‬إِ ّ‬
‫صنْعًا﴾(الكهف‪.)104 - 103:‬‬
‫سعْ ُي ُهمْ فِي الْحَيَا ِة الدّنْيَا َو ُهمْ يَحْسَبُونَ أَ ّن ُهمْ ُيحْسِنُونَ ُ‬
‫ضلّ َ‬
‫اّلذِينَ َ‬
‫ل يكفي ما أشرنا إليه سابقًا من ضرورة توفر القوة النفسية العظيمة ومن الشعور بالمسئولية‪ ،‬ولكن لبد من الرجعة إلى ال والتوبة‬
‫والنابة إليه وإلغاء كل صور المنكر التي نعصي ال بها‪.‬‬
‫لبد من العودة إلى اليمان بال وتقوى ال مع الخذ بالسباب‪ ،‬وحينئذ فقط تؤتي أعمالنا ثمارها ويعم الخير والرخاء‪ ،‬وهذه سنة أخرى‬
‫ن َكذّبُوا‬
‫ض َو َلكِ ْ‬
‫علَ ْي ِهمْ بَ َركَاتٍ مِنَ السّمَاءِ وَا ْلأَرْ ِ‬
‫حنَا َ‬
‫من سنن ال التي ل تتبدل حيث يقول سبحانه‪َ ﴿ :‬و َلوْ أَنّ َأ ْه َل الْقُرَى آمَنُوا وَاتّ َقوْا لَفَتَ ْ‬
‫صلِحُونَ﴾(هود‪.)117:‬‬
‫ظ ْل ٍم وََأ ْهلُهَا مُ ْ‬
‫ك الْقُرَى بِ ُ‬
‫ك لِ ُي ْهلِ َ‬
‫خذْنَا ُهمْ بِمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ﴾(لعراف‪﴿)96:‬وَمَا كَانَ رَبّ َ‬
‫َفأَ َ‬
‫إننا ندعو كل فرد من الشعب المصري أن يوقن تمامًا أن سعادته في دنياه وآخرته مبنية على حسن صلته بال والتزامه بتعاليمه‬
‫وطاعته في كل ما أمر به وعدم معصيته بارتكاب ما نهى عنه‪.‬‬
‫إننا في حاجة إلى تصحيح مقاييسنا وموازيننا لمور حياتنا لتصبح ربانيةً قرآنيةً ول تكون ماديةً دنيويةً‪ ،‬نريد أن نتعرف على حقيقة‬
‫رسالتنا في هذه الدنيا فنؤديَها على الوجه الصحيح‪ ،‬وأن نتعرف على مصادر السعادة الحقة‪ ،‬وأنها تنبع من تقوى ال وطاعته‪ ،‬وأن‬
‫ن الْمُنَافِقِينَ‬
‫ن َو َلكِ ّ‬
‫نتعرف على أسباب العزة والنصر والتمكين ونعلم أنها اليمان الصادق‪ ،‬فال تعالى يقول‪َ ﴿:‬و ِللّ ِه ا ْلعِ ّزةُ َولِرَسُولِ ِه َو ِللْ ُمؤْمِنِي َ‬
‫ن آمَنُوا مِ ْن ُكمْ‬
‫عدَ اللّ ُه اّلذِي َ‬
‫علَيْنَا نَصْ ُر الْ ُمؤْمِنِينَ﴾(الروم‪ :‬من الية ‪ )47‬ويقول﴿وَ َ‬
‫ل َي ْعلَمُونَ﴾ (المنافقون‪ :‬من الية ‪ )8‬ويقول‪َ ﴿:‬وكَانَ حَقّا َ‬
‫خ ْو ِف ِهمْ‬
‫ن َب ْعدِ َ‬
‫ن َل ُهمْ دِي َن ُه ُم اّلذِي ارْ َتضَى َل ُهمْ َولَ ُي َب ّدلَ ّن ُهمْ مِ ْ‬
‫ن مِنْ قَ ْب ِل ِه ْم َولَيُ َمكّنَ ّ‬
‫ف اّلذِي َ‬
‫خلَ َ‬
‫ض كَمَا اسْتَ ْ‬
‫خلِفَ ّن ُهمْ فِي ا ْلأَرْ ِ‬
‫وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َليَسْتَ ْ‬
‫ك ُهمُ الْفَاسِقُونَ﴾(النور‪.)55:‬‬
‫ن كَفَرَ َب ْع َد َذلِكَ َفأُولَئِ َ‬
‫أَمْنًا َيعْ ُبدُونَنِي ل يُشْ ِركُونَ بِي شَيْئًا وَمَ ْ‬
‫إذا كنا نشكو الضعف والذلة‪ ،‬فمن إله غير ال يعزنا ويمدنا بالقوة؟‬
‫وإذا كنا نشكو الحاجة ونقص الموال والثمرات‪ ،‬فمن إله غير ال يرزقنا من السموات والرض؟‬
‫وإذا كنا نشكو العلل والمراض‪ ،‬من إله غير ال يشفينا منها؟‬
‫وإذا كنا نشكو الفساد وقسوة القلوب‪ ،‬فمن إله غير ال ينجينا من كل ذلك؟‬
‫ال الذي بيده المر وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫وإذا كنا نشكو من غلبة الديون وقهر الدول لنا‪ ،‬فمن إله غير ال يعيننا على ذلك‪ ،‬وبمن نستعيذ ونستجير غيره سبحانه؟‬
‫عندما لجأنا إلى غير ال لم نزدد إل ضعفًا وفقرًا ومهانةً وتبعيةً‪.‬‬
‫إذا شقينا بسياسة الشرق معنا لجأنا إلى الغرب فنزداد شقاء فنلجأ إلى الشرق مرةً ثانيةً‪ ،‬وهكذا نتخبط ونتقلب في ألوان متعددة من‬
‫الشقاء والمعاناة‪ ،‬كالمستجير من الرمضاء بالنار‪.‬‬
‫ن ُكلّ َمكَانٍ‬
‫يا قوم‪ ،‬إن المشركين إذا وقعوا في شدة لجأوا ال‪ ،‬وضرب ال لنا ذلك المثل حينما يكونون في البحر﴿وَجَا َءهُ ُم الْ َم ْوجُ مِ ْ‬
‫ن مِنَ الشّاكِرِينَ﴾(يونس‪ :‬من الية ‪ )22‬ويقول ال‬
‫ن َه ِذهِ لَ َنكُونَ ّ‬
‫ن لَئِنْ أَ ْنجَيْ َتنَا مِ ْ‬
‫ن لَ ُه الدّي َ‬
‫خلِصِي َ‬
‫عوُا اللّهَ مُ ْ‬
‫وَظَنّوا أَ ّن ُهمْ أُحِيطَ ِب ِهمْ دَ َ‬
‫ضلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ﴾(السراء‪ :‬من الية ‪ )67‬هكذا يظهر اليمان الفطري الذي طمس عليه الشرك‬
‫س ُكمُ الضّ ّر فِي الْ َبحْرِ َ‬
‫تعالى‪﴿:‬وَِإذَا مَ ّ‬
‫أو اللحاد في وقت الشدة حينما تنقطع السباب الرضية‪.‬‬
‫ونحن ‪-‬يا قوم‪ -‬مؤمنون ولسنا مشركين‪ ،‬ونحن في شدة ل ينكرها أحدُ فهل رجعنا إلى ال‪ ،‬وهل لجأنا إلى ال؛ ليأخذ بناصيتنا إلى‬
‫طريق النجاة من هذه الشدائد والهوال؟‬
‫فليرجع كل منا إلى ربه يستغفره عما بدر منه من ذنوب‪ ،‬ليرجع إليه تائبًا منيبًا‪ ،‬وال ‪-‬من جوده وكرمه‪ -‬يقبل التوبة‪ ،‬ويبدل السيئات‬
‫ن وَمَنْ يَ ْف َع ْل َذلِكَ‬
‫ق وَل يَزْنُو َ‬
‫حّ‬‫س الّتِي حَ ّر َم اللّهُ ِإلّا بِالْ َ‬
‫ن ل َيدْعُونَ َمعَ اللّهِ ِإلَهًا آخَ َر وَل يَ ْق ُتلُونَ النّفْ َ‬
‫حسنات‪ ،‬فقد قال وقوله الحق‪﴿:‬وَاّلذِي َ‬
‫ل صَالِح َفأُولَئِكَ ُي َب ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِت ِهمْ حَسَنَاتٍ‬
‫ن وَعَ ِملَ عَمَ ً‬
‫ب وَآمَ َ‬
‫خُلدْ فِيهِ ُمهَانًا* ِإلّا مَنْ تَا َ‬
‫ف لَ ُه ا ْل َعذَابُ َي ْو َم الْقِيَامَ ِة َويَ ْ‬
‫َي ْلقَ َأثَامًا * ُيضَاعَ ْ‬
‫ن اللّهَ‬
‫س ِهمْ ل تَقْ َنطُوا مِنْ رَحْمَ ِة اللّهِ إِ ّ‬
‫علَى أَنْفُ ِ‬
‫ي اّلذِينَ أَسْرَفُوا َ‬
‫عبَادِ َ‬
‫َوكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الفرقان‪ ،)70-68:‬ويقول تعالى‪ُ ﴿:‬قلْ يَا ِ‬
‫َيغْفِ ُر الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنّ ُه ُه َو ا ْلغَفُورُ الرّحِيمُ﴾(الزمر‪.)53:‬‬
‫فيا من أغواه الشيطان وسلك طريق الغواية‪ ،‬ارجع إلى ربك واستغفره‪ ،‬واسلك طريق الهداية؛ لتفوز بسعادة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويا من أغواك الشيطان؛ لتأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬عد إلى ربك واستغفره يغنك بالحلل ورد أموال الناس إليهم‪.‬‬
‫ويا من أغواك الشيطان واستجبت لوامر رؤسائك وقمت بتعذيب البرياء‪ ،‬توقف عن ذلك واستغفر ال ول تعص ال طاعة لرؤسائك‪ ،‬فل‬
‫طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪ ،‬ولن يحمل رؤسائك الوزر عنك يوم القيامة‪.‬‬
‫ويا من أغواك الشيطان فغفلت عن طاعة ال وعبادته‪ ،‬انتبه من غفلتك وتدارك أمرك قبل أن يأتي أجلك بغتةً‪ ،‬فتقول يا ليتني قدمت‬
‫لحياتي‪ ،‬أو تقول رب لول أخرتني إلى أجل قريب‪ ،‬فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر ال نفسًا إذا جاء أجلها‪.‬‬
‫ويا أيها الحكام الذين يحاربون الدعاة إلى ال ويضيقون عليهم أقلعوا عن ذلك؛ فإن ربكم لبالمرصاد وتوبوا إلى ال تعالى فال يقول‪﴿:‬إِنّ‬
‫ب الْحَرِيقِ﴾(البروج‪ ،)10:‬فال قد ترك لكم باب التوبة مفتوحًا‬
‫عذَا ُ‬
‫جهَ ّن َم َو َل ُهمْ َ‬
‫عذَابُ َ‬
‫ن وَالْ ُمؤْمِنَاتِ ُث ّم َلمْ يَتُوبُوا َف َلهُمْ َ‬
‫اّلذِينَ َفتَنُوا الْ ُمؤْمِنِي َ‬
‫رغم ما قمتم به من مظالم فأدركوه قبل أن يغلق بالموت‪.‬‬
‫وياأيها الحكام يا من تعرضون عن تطبيق شريعة ال‪ ،‬وتضعون العراقيل أمام تطبيقها‪ ،‬ارجعوا إلى الحق ول تقفوا في طريق سعادة‬
‫شعوبكم‪ ،‬وطبقوا شريعة ال السمحة العادلة‪ ،‬واتركوا التخبط بين المبادئ الرضية القاصرة‪.‬‬
‫وأنتم يا من عرفتم ربكم وسلكتم طريقه المستقيم‪ ،‬الجأوا إلى ربكم‪ ،‬واسألوه العون والنصر‪ ،‬وألحوا عليه بالدعاء وتقربوا إليه بالطاعات‬
‫المفروضة وازدادوا قربًا بالنوافل؛ فإنه قريب مجيب‪ .‬وادعوا غيركم إلى العودة والرجعة إلى ال وإلى صراطه المستقيم‪ ،‬وتعاونوا‬
‫جميعًا على البر والتقوى‪ ،‬ول تعاونوا على الثم والعدوان‪.‬‬
‫إن الرجعة إلى ال واللجوء إليه ل يعني عدم الخذ بالسباب‪ ،‬ولكن علينا بعد الستقامة على أمر ال أن نأخذ بكل السباب المشروعة‬
‫للنهوض بوطننا وبقومنا من هذا الواقع المؤلم‪ ،‬وأن نتوكل على ال بعد الخذ بالسباب موقنين أن المر كله بيده وأنه على كل شيء‬
‫قدير‪ ،‬وأنه ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء وأن قوى الرض جميعًا لو اجتمعت علينا لن تضرنا إل بما كتبه ال علينا‪ ،‬ولن‬
‫ل لنصره‪.‬‬
‫تهزمنا إذا نصرنا ال وكنا أه ً‬
‫ع ْندِي﴾ (القصص‪ :‬من الية ‪ )78‬إننا يا قوم‬
‫ع ْلمٍ ِ‬
‫علَى ِ‬
‫ل نريد أن يظهر من بيننا من يتبنى منطق قارون حينما قال عن ماله‪ِ﴿:‬إنّمَا أُوتِيتُهُ َ‬
‫ل ول أن نحقق تقدمًا وإصلحًا في أمورنا إل بتقدير ال وعونه لنا‪ ،‬فلنلجأ إليه ولنستعن به‪.‬‬
‫لن نستطيع أن ننجز عم ً‬
‫كفانا ذلة وتبعية لغيرنا بسبب حاجتنا لرغيف الخبز‪ ،‬فإننا بعون ال لو صدقت فينا العزائم وصلحت النوايا ورجعنا إلى ال‪ ،‬وألغينا تلك‬
‫الكبائر والمنكرات التي تغضبه علينا؛ فإننا نستطيع أن نحقق الكتفاء الذاتي بل ونفيض على غيرنا مما ننتجه في بلدنا‪﴿:‬فَ ُقلْتُ اسْ َتغْفِرُوا‬
‫ج َعلْ َل ُكمْ َأ ْنهَارًا﴾(نوح‪َ﴿ )12-10:‬أفَرَأَيْتُم مّا‬
‫ت َويَ ْ‬
‫ج َع ْل َلكُمْ جَنّا ٍ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫عَل ْي ُكمْ ِمدْرَارًا وَ ُي ْم ِددْ ُكمْ ِبأَ ْموَا ٍل وَبَنِي َ‬
‫سلِ السّمَاءَ َ‬
‫رَ ّب ُكمْ إِنّ ُه كَانَ غَفّارًا * يُرْ ِ‬
‫ن * أََأنْ ُتمْ تَ ْزرَعُونَهُ َأمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ﴾(الواقعة‪.)64 ،63:‬‬
‫تَحْ ُرثُو َ‬
‫يا أصحاب الموال أدوا حق ال في أموالكم‪ ،‬أدوا زكاة أموالكم وطهروا أموالكم من كل مصدر حرام أو فيه شبهة‪ ،‬يبارك لكم في‬
‫ت سَ ْبعَ‬
‫حبّةٍ أَنْ َبتَ ْ‬
‫ن يُنْفِقُونَ أَ ْموَا َل ُهمْ فِي سَبِي ِل اللّ ِه كَمَ َثلِ َ‬
‫صدَقَاتِ﴾ (البقرة‪ :‬من الية ‪﴿ )276‬مَ َث ُل اّلذِي َ‬
‫حقُ اللّهُ الرّبا وَ ُيرْبِي ال ّ‬
‫أموالكم‪﴿:‬يَمْ َ‬
‫علِيمٌ﴾(البقرة‪.)261:‬‬
‫سعٌ َ‬
‫ف لِمَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ وَا ِ‬
‫حبّ ٍة وَاللّهُ يُضَاعِ ُ‬
‫سَنَا ِب َل فِي ُكلّ سُ ْن ُبلَةٍ مِائَةُ َ‬
‫هذا ما ندعو إليه أفراد الشعب المصري الكريم‪ ..‬الرجعة إلى ال واللتزام بدين ال إذا كنا حقًا راغبين في النهوض بوطننا‪ ،‬والمام‬
‫البنا يقول حول هذا المعني‪" :‬قد علمت أيها القارئ الكريم أن الخوان المسلمين يقصدون أو ما يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد‬
‫الرواح وتقوية الخلق وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس المة‪ ،‬ويعتقدون أن ذلك هو الساس الول الذي تبنى عليه نهضات المم‬
‫والشعوب‪.‬‬
‫وقد استعرضوا وسائل ذلك الطريق والوصول إليه فلم يجدوا فيها أقرب ول أجدى من الفكرة الدينية والستمساك بأهداب "الدين"‪.‬‬
‫الدين الذي يحي الضمير ويوقظ الشعور وينبه القلوب‪ ،‬ويترك مع كل نفس رقيبًا ل يغفل وحارسًا ل يسهو وشاهدًا ل يجامل ول يحابي‬
‫ول يضل ول ينسي‪ ،‬يصاحبها في الغداة والروحة والمجتمع والخلوة‪ ،‬ويرقبها في كل زمان ويلحظها في كل مكان‪ ،‬ويدفعها إلى الخيرات‬
‫سلُنَا‬
‫جوَاهُمْ َبلَى وَرُ ُ‬
‫سبُونَ أَنّا ل نَسْ َمعُ سِ ّر ُهمْ وَ َن ْ‬
‫دفعًا‪ ،‬ويدعها عن المآثم دعّا‪ ،‬يجنبها طريف الزلل‪ ،‬ويبصرها سبيل الخير والشر‪َ﴿:‬أمْ يَحْ َ‬
‫َلدَ ْي ِهمْ َيكْتُبُونَ﴾ (الزخرف‪.)80:‬‬
‫الدين الذي يجمع أشتات الفصائل ويلم أطراف المكارم‪ ،‬ويجعل لكل فضيلة جزاءً‪ ،‬ولكل مكرمة كفاءً‪ ،‬ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو‬
‫ن دَسّاهَا﴾ (الشمس‪.)10-9:‬‬
‫بها وتطهير الرواح وتصفيتها ﴿ َقدْ َأ ْفلَحَ مَنْ َزكّاهَا * وَ َقدْ خَابَ مَ ْ‬
‫الدين الذي يدعو إلى التضحية في سبيل الحق‪ ،‬والفناء في إرشاد الخلق‪ ،‬والفناء في إرشاد الخلق‪ ،‬ويضمن لمن فعل ذلك أجزل المثوبة‪،‬‬
‫ويعد من سلك هذا النهج أحسن الجزاء‪ ،‬ويقدر الحسنة وإن صغرت‪ ،‬ويزن السيئة وإن حقرت‪ ،‬يبدل الفناء في الحق خلودًا والموت في‬
‫ضلِهِ﴾ (آل عمران‪:‬‬
‫ن بِمَا آتَا ُه ُم اللّهُ مِنْ فَ ْ‬
‫ع ْندَ رَ ّب ِهمْ يُرْ َزقُونَ * فَرِحِي َ‬
‫حيَاءٌ ِ‬
‫سبِي ِل اللّهِ أَ ْموَاتًا َبلْ أَ ْ‬
‫ن اّلذِينَ ُق ِتلُوا فِي َ‬
‫سبَ ّ‬
‫الجهاد وجودًا﴿وَل تَحْ َ‬
‫‪ 169‬ومن الية ‪.)170‬‬
‫ن اللّهَ‬
‫وبعد أيها الشعب المصري الكريم هذا هو الطريق ول طريق للنجاة غير رجعة إلى ال والتزام بدين ال وتطهر من كل الثام﴿إِ ّ‬
‫طهّرِينَ﴾(البقرة‪ :‬من الية ‪.)222‬‬
‫ب الْمُتَ َ‬
‫ن وَ ُيحِ ّ‬
‫يُحِبّ ال ّتوّابِي َ‬

‫ولنبدأ بإصلح أنفسنا‬


‫إن ل في خلقه سننًا ل تتبدل ول تتغير‪ ،‬علينا أن نراعيها ونسايرها ل أن نصادمها أو نغفل عنها‪ ،‬ومن هذه السنن قوله تعالى‪﴿:‬إِنّ‬
‫س ِهمْ﴾(الرعد‪ :‬من الية ‪ ،)11‬والذي حدث أننا تحولنا من الصلح والتقوى‪ ،‬ومراقبة ال وطاعته‬
‫اللّهَ ل ُي َغيّرُ مَا بِ َق ْومٍ حَتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنْفُ ِ‬
‫إلى الفساد والنحلل ومبارزة ال بالمعاصي والمنكرات؛ فتحول حالنا من القوة والعزة والسيادة إلى ما نحن فيه من ضعف وتخلف‬
‫وتبعية وتفرق‪ ،‬فإذا أردنا التخلص من هذه الحال وتعود للمة السلمية سيادتها وقوتها وعزتها‪ ،‬فلنرجع إلى ال‪ ،‬ونصلح أنفسنا‪،‬‬
‫ولنتسلح بسلح اليمان ونتزود بزاد التقوى‪ ،‬ونكف عن مبارزة ال بالمعاصي والكبائر من خمر وربا وميسر وفجور‪.‬‬
‫هذا ما يسعى إليه التيار السلمي مع نفسه ومع شعب مصر حكامًا ومحكومين‪ ،‬أن يحدث التغيير إلى الحسن في أنفسنا أولً على‬
‫أساس من شرع ال وتعاليم السلم وآدابه‪.‬‬
‫إن تغير حال النظام الحاكم إلى الحسن والفضل أمر لزم ومطلوب ففي صلح الحاكم صلح للرعية وهذا ما ندعو إليه ونأمله‪ ،‬ولكن‬
‫التغيير الهم والدوم أثرًا هو التغيير من قِبل الشعب إلى الصلح والستقامة‪ ،‬فالشعب هو القاعدة التي يستقر عليها الحكم أو ل يستقر‪،‬‬
‫فإذا صلحت القاعدة يستقر عليها الحكم الصالح ول تسمح لحكم غير صالح أن يستقر عليها‪.‬‬
‫من هذا المنطلق فإن التيار السلمي يدعو كل مواطن مسلم وغير مسلم أن يبدأ بإصلح نفسه كخطوة أولى في وضع أساس البناء لهذا‬
‫الوطن الحبيب‪ ،‬فبصلح الفراد تصلح السر ويصلح المجتمع وتتكون القاعدة المتينة للبناء‪.‬‬
‫ل كان أو امرأة يحمل روحَ الوطنية حقيقةً ل ادعاءً‪ -‬أن يخطو معنا هذه الخطوة الولي في البناء بإصلح‬
‫إننا ندعو كل مواطن ‪-‬رج ً‬
‫كل منا نفسه‪ ،‬فبناء الوطن كما سبق أن أوضحنا ليس مجرد بناء مؤسسات‪ ،‬ولكن الصل فيه بناء الرجال‪ ،‬فل فائدة من مؤسسات يقوم‬
‫عليها أشباه رجال ل ضمير لهم ول قيم ول مثل‪.‬‬
‫نريد بناء شخصية المواطن أولً بكل مقومات الشخصية القوية من العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والخلق المتينة والفكر المثقف‬
‫والبدن القوي‪ ،‬وأن يكون قادرًا على الكسب نافعًًا للغير‪ ،‬منظمًا في شئونه حريصًا على وقته‪ ،‬مجاهدًا لنفسه صاحب إرادة قوية‬
‫تلزمه الصراط المستقيم وتبعده عن طريق الغواية‪.‬‬
‫كثيرًا ما نسمع من يذكرون العيوب الموجودة في المجتمع‪ ،‬وكأنهم مبرءون منها‪ ،‬وربما انطبق عليهم قول الشاعر‪:‬‬
‫وما لزماننا عيب سوانا‬ ‫نعيب زماننا والعيب فينا‬
‫نريد من مواطن أن يقف مع نفسه وقفة جادة صادقة يتعرف فيها على نقط الضعف والنقص فيه؛ كي يضع في تصميم خطة التخلص من‬
‫كل صور الضعف أو النقص‪ ،‬فإننا نريد المواطن صاحب الضمير الحي الذي يشعر بالمسئولية نحو وطنه ومستقبله‪ ..‬نريد المواطن الذي‬
‫يشعر بمسئوليته عن كل شبر من أرض الوطن من أن يحتله محتل أو يغتصبه غاصب‪.‬‬
‫نريد المواطن الذي يشعر بمسئوليته عن كل قرش من ثروة وطنه أن يبدد فيما ل نفع من ورائه ومن باب أولي أل ينفق فيما يضر‪.‬‬
‫نريد المواطن الذي يشعر بمسئوليته عن حرية المواطنين وحرماتهم من أن ينال منها نظام حاكم ومن أن يتعدى عليها ظالم‪.‬‬
‫نريد المواطن الذي يشعر بمسئوليته عن أمن الوطن واستقراره‪ ،‬وازدهاره‪ ،‬فل يصدر منه ما ينال من المن أو الستقرار‪ ،‬بل ويعمل‬
‫على منع غيره من ذلك حاكمًا كان أو محكومًا‪.‬‬
‫نريد المواطن الذي يشعر بمسئوليته عن حماية المواطنين من كل فكر منحرف أو مبادئ هدامة‪ ،‬ومن كل فساد أو انحلل وخاصةً ما تبثه‬
‫أجهزة العلم‪.‬‬
‫نريد المواطن الصالح الذي يتخلص من روح السلبية واللمبالة التي أصابت كثيرًا من المواطنين؛ نتيجة الحكم الدكتاتوري المتسلط الذي‬
‫نال من الثقة بين الشعب والحكام‪ ،‬ونال من روح التعاون والستجابة لما يطلبه الحكام من الشعب وما يطلبه الشعب من الحكام‪.‬‬
‫نريد المواطن الصالح الذي يتقي ال ويحسن اختيار ممثليه في المجالس النيابية‪ ،‬والذي يراجع ممثليه ويحاسبهم على حسن أدائهم‬
‫لواجب التمثيل في تلك المجالس‪ ،‬وهل أقروا قانونًا ظالمًا‪ ،‬أو لم يوافقوا على رفع ظلم إرضاءً لحزابهم دون مراعاة لرضاء ربهم‬
‫ومصلحة الوطن‪ ،‬أم أنهم كانوا عند مسئوليتهم وأمانة النيابة عن الشعب‪.‬‬
‫أيها الشعب المصري الكريم‪ ،‬نعم إننا نريد المواطن الصالح الذي يحقق كل ذلك ويزيد‪ ،‬ولن يتحقق ذلك إل بإصلح النفوس الذي لن‬
‫يكون إل بالمنهاج الذي وضعه بارئ النفوس الذي خلقها وسواها‪ ،‬فهو سبحانه أدري بها وبما فيها من نوازع الخير ونوازع الشر‪،‬‬
‫علَ ْي ِهمْ آيَاتِ ِه وَيُ َزكّي ِهمْ‬
‫ث فِي ا ْلأُمّيّينَ رَسُولً مِ ْن ُهمْ يَ ْتلُو َ‬
‫فيرسل الرسل وينزل الكتب لهداية البشر وتزكية نفوسهم حيث يقول﴿ ُه َو اّلذِي َبعَ َ‬
‫ن َهذَا الْقُرْآنَ َي ْهدِي ِللّتِي ِهيَ أَ ْق َومُ﴾ (السراء‪ :‬من‬
‫ن كَانُوا مِنْ قَ ْب ُل لَفِي ضَللٍ ُمبِينٍ﴾(الجمعة‪ )2:‬ويقول﴿إِ ّ‬
‫حكْمَ َة وَإِ ْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫وَ ُي َعلّ ُم ُهمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫الية ‪.)9‬‬
‫ولو علمنا أنه لم يجدّْ جديدُ على الجزيرة العربية وحوّل أهلها من تلك الجاهلية‪ ،‬وما كانوا عليه من تخلف وفساد اجتماعي وانحراف‬
‫خلُقي إلى خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬إل نزول القرآن على خاتم رسله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وتحقق في ظل تلك الدولة السلمية من‬
‫المن والعدل والحب والتعاون والتكافل الجتماعي ما لم يتحقق في أي وقت وفي أي مكان مثله حتى أن غير المسلمين كانوا يهجرون‬
‫بلدهم إلى الدولة السلمية ليتمتعوا في ظلها بهذه الحياة الهانئة‪.‬‬
‫فما أحوجَنا وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تدهور في أحوالنا السياسية والجتماعية والقتصادية إلى أن نتتلمذ على مدرسة رسول‬
‫ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وعلى مائدة القرآن الكريم؛ فيصلح الفراد والسر ويصلح المجتمع‪ ،‬فهذا هو الطريق الوحيد للصلح‬
‫الشامل الدائم الذي يولد مع كل فرد‪ ،‬الرقيب الذاتي الذي يصحح له مساره ويضبط تصرفاته على منهج ال الذي يحقق الخير ويحمي من‬
‫الشر‪ ،‬ويولد الدافع الذاتي الذي يحقق اليجابية ويتغلب على السلبية‪.‬‬
‫ومن أبرز المقومات لهذا المنهاج الصلحي بعد توافر اليمان قضية المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وقد وصف ال هذه المة بها‬
‫ن الْمُ ْنكَ ِر وَ ُتؤْ ِمنُونَ بِاللّهِ﴾(آل عمران‪ :‬من الية ‪.)110‬‬
‫س َتأْمُرُونَ بِالْ َمعْرُوفِ َوتَ ْن َهوْنَ عَ ِ‬
‫ت لِلنّا ِ‬
‫خيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَ ْ‬
‫في قوله تعالى‪ُ ﴿:‬كنْ ُتمْ َ‬
‫فالمجتمعات تتعرض للعلل والمراض النفسية الخلقية وتنشر فيها بالعدوى كما تتعرض لنتشار أوبئة المراض البدنية‪ ،‬فلبد لها من‬
‫الوقاية والتحصين ضد تلك المراض‪ ،‬ومن أهم الوسائل لذلك وأفضلها المر بالمعروف النهي عن المنكر‪ ،‬ومن هنا كان نظام الحسبة في‬
‫السلم‪ ،‬ول شك أن العلماء المسلمين يقع على أكتافهم أمانة ثقيلة في هذا الباب بما يتاح لهم من فرص وما تخصصوا فيه وخاصةً‬
‫المنابر في المساجد كل يوم جمعة وغير ذلك من دروس ومحاضرات‪ ،‬ولكن المر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس قاصرًا على العلماء‬
‫فقط بل هو واجب على كل مسلم ومسلمة‪ ،‬كما أنه واجب رجال الكنيسة نحو إخواننا القباط‪...‬‬
‫ل كفيفًا يسرع‪ ،‬ويكاد يقع في حفرة تسارع لنقاذه‪ ،‬وما أكثر من عميت بصائرهم وغفلوا عن الحق‬
‫أخي المواطن‪ ،‬إنك حينما ترى رج ً‬
‫الذي خلقوا من أجله‪ ،‬وأمامهم حفرة النار يكادون يقعون فيها إن لم تتداركهم وتأخذ بأيديهم وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر‪.‬‬
‫علَى لِسَانِ دَا ُو َد وَعِيسَى ا ْبنِ مَرْ َي َم َذلِكَ‬
‫ن كَفَرُوا مِنْ َبنِي إِسْرائيلَ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫وقد لعن ال قومًا كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه حيث يقول‪ُ﴿:‬لعِ َ‬
‫ن * كَانُوا ل يَ َتنَاهَوْنَ عَنْ ُم ْنكَرٍ َف َعلُوهُ لَ ِبئْسَ مَا كَانُوا يَ ْف َعلُونَ﴾(المائدة‪ ،)79-78:‬وهاهو رسولنا ‪-‬صلى ال عليه‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْ َتدُو َ‬
‫ع َ‬
‫بِمَا َ‬
‫وسلم‪ -‬يُرغب في عمل الخير ويحذر من الضلل‪ ،‬فعن أبي هريرة رضى ال عنه أن النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من دعا إلى‬
‫هدي كان له من الجر مثل أجور من يتبعه ل ينقص من ذلك من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من‬
‫يتبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" وهذا الحديث يوضح لنا الجر العظيم للقائمين على أجهزة العلم إذا سُخرت لهداية الناس لما لها‬
‫من تأثير وانتشار‪ ،‬كما يوضح الثام الكبيرة التي يحملها هؤلء بما يبثونه من ضللت وانحراف‪.‬‬
‫إن أي فرد يرتكب منكرًا‪ ،‬كمثل الميكروب يسري في جسد المجتمع ويفتك به إن لم يتدارك بحصره وعلجه ووقاية المجتمع منه‪ ،‬وإنّ‬
‫مجتمعًا يتعارف أفراده‪ ،‬على دعوة بعضهم البعض إلى فعل الخير ويتناهون عن فعل المنكرات لهو مجتمع فاضل طاهر تنمو في ظله‬
‫الجيال على الستقامة والخلق الفاضلة التي هي أساس بناء المم‪ ،‬فكما يقول الشاعر‪:‬‬
‫فإن همو ذهبت أخلقهم ذهبوا‬ ‫إنما المم الخلق ما بقيت‬
‫والتيار السلمي يدعو كل مواطن ‪-‬رجلً أو امرأة‪ -‬إلى القيام بواجب النصيحة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم والمحكومين‬
‫ل ول يباعد من رزق‪ ،‬وإن المعروف الكبر الذي يجب‬
‫على السواء‪ ،‬فالدين النصيحة‪ ،‬وأل نخاف في ال لومة لئم‪ ،‬فإن ذلك ل يقرب أج ً‬
‫على أفراد الشعب أن يطالبوا به‪ ،‬هو تطبيق شريعة ال العادلة على الناس‪ ،‬كما أن المنكر الكبر الذي يجب أن يُنهى عنه أفراد الشعب‪،‬‬
‫هو الحكم بغير شريعة ال‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن ننبه إلى أن القيام بواجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬يجب أن يتم بالسلوب المناسب الذي يحقق الغرض منه ول‬
‫حكْمَ ِة وَالْ َموْعِظَةِ‬
‫يؤدي إلى منكر‪ ،‬ولنا في رسول ل ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬السوة الحسنة‪ ،‬وقد قال ال تعالى﴿ادْعُ ِإلَى سَبِيلِ َربّكَ بِالْ ِ‬
‫ظ الْ َقلْبِ لنْ َفضّوا‬
‫غلِي َ‬
‫ت َل ُهمْ َو َل ْو كُنْتَ َفظًّا َ‬
‫ن اللّ ِه لِنْ َ‬
‫الْحَسَنَ ِة وَجَا ِد ْل ُهمْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ﴾(النحل‪ :‬من الية ‪ )125‬وقوله تعالى‪َ ﴿:‬فبِمَا رَحْمَةٍ مِ َ‬
‫ح ْولِكَ﴾ (آل عمران‪ :‬من الية ‪.)159‬‬
‫مِنْ َ‬
‫فليؤد كل منا النصيحة لغيره على أكمل وجه؛ ليتقبلها وينتفع بها؛ وليتحقق التعاون بين أفراد الشعب؛ لرساء القاعدة الصلبة المتينة من‬
‫الفراد الصالحين والسر الصالحة والمجتمع الفاضل؛ ليقوم عليها بناء الوطن سليمًا مستقرًا يتوفر فيه المن والستقرار والإنتاج‬
‫والزدهار بإذن ال‪.‬‬

‫تشييد قاعدة البناء‬


‫لكل بناء قاعدة يقوم عليها؛ ليعلو ويستقر أو ينهار حسب قوة القاعدة ومتانتها أو ضعفها ورخاوتها‪ ،‬والفراد والسر في المجتمع‬
‫يمثلون القاعدة التي يقوم عليها نظام الحكم‪ ،‬فإذا اعتُنى بإعداد الفرد الصالح والسرة الصالحة‪ ،‬قام نظام الحكم على قاعدة صلبة واستقر‬
‫وحقق للوطن كل أسباب الخير والزدهار‪ ،‬أما إذا خرب الفرد وانهارت السر تصبح القاعدة هشةً ضعيفةً‪ ،‬وانهار من فوقها نظام الحكم‪،‬‬
‫ولم يستطع أن يحقق أي إصلح مهما حاول وبذل من جهد وأنفق من مال‪ ،‬ما دامت القاعدة رخوةً هشةً‪ ،‬وما دام الفراد الذين‬
‫سيسهمون في البناء أشباهَ رجال وليسوا رجالً‪.‬‬
‫إن أعداء السلم خططوا منذ زمن بعيد لتفريغ المواطن المصري من كل مقومات الرجولة والعزة‪ ،‬وسخروا في سبيل تحقيق هذا الهدف‬
‫العديد من الوسائل ومعاول الهدم‪ ،‬الرسمية وغير الرسمية ‪-‬وللسف الشديد‪ -‬استجابت لهم الحكومات المتوالية حتى صار الحال إلى هذه‬
‫الحال التي نتباكى اليوم عليها‪ ،‬وصرنا نلهث ونصرخ لتدارك المر قبل فوات الوان‪.‬‬
‫أيها الشعب المصري الكريم‪ ،‬نقولها لكم بكل الصراحة‪ :‬إن أية محاولة لترميم هذا الكيان المتداعي لن تفلح‪ ،‬ومآلها الفشل ولو أنفقت‬
‫المليارات العديدة‪ ،‬فإذا كنا جادين في بناء وطننا فالخطوة الولى في البناء هي إيقاف معاول الهدم التي تهدم الفرد والسرة‪ ،‬ثم تشييد‬
‫القاعدة الصلبة للبناء والمتمثلة في المواطنين الصالحين والسر الصالحة النموذجية‪.‬‬
‫ل يجوز لعاقل أن يصدق ادعاء الحكومة في الصلح والبناء‪ ،‬ومعاول الهدم الحكومية تزاول مهمتها في الهدم‪ ،‬ول يمكن أن يتحقق‬
‫إصلح‪ ،‬وأجهزة العلم على حالها ومصانع الخمر الحكومية تواصل إنتاجها لم الخبائث‪ ،‬وأماكن بيعها وشربها منتشرة في كل مكان‪،‬‬
‫نوادي الميسر قائمة وأماكن اللهو والفسق يحميها القانون‪ ،‬والمخدرات تنتشر‪ ،‬ولو طُوردت وحُوربت بنفس المستوى الذي يطارد‬
‫ويحارب به السلميون لنتهت منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫لقد ارتفع الصوت بالصحوة ثم ارتفع الصوت بالنهضة‪ ،‬ول أحسب أن هناك من أبناء هذا الوطن من ل يريد لوطنه أن يصحو من هذه‬
‫الغفوة أو من ل يريد لوطنه أن ينهض من هذه الكبوة‪ .‬ولكن كيف نصحو ووسائل التخدير واللهاء تمارس دورها في أمن وأمان‪ ،‬ومن‬
‫يحاولون إيقاظ الشعب وإحياء ضميره يحاربون ويطاردون ويعتقلون‪ ،‬وكيف ننهض من كبوتنا ومعاول الهدم تهوي بنا إلى الحضيض‬
‫وتحول دون كل عمل بنّاء؟؟!‬
‫إن التيار السلمي يطالب الحكومة أن تقدم الدليل على صدق رغبتها في الصحوة والنهضة والبناء‪ ،‬بإيقاف كل معاول الهدم رسميةً‬
‫كانت أو غيرَ رسمية‪ ،‬وأن تسخر وسائلها في تشييد القاعدة المتينة ببناء المواطن الصالح والسرة الصالحة‪ ،‬ولن يكون ذلك إل على‬
‫أساس من هديِ ال ورسوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬
‫إن القاعدة الشعبية الصالحة تقدم ممثلين لها صالحين‪ ،‬وتقوم عليها حكومة صالحة تسلك الطريق الصحيح في الصلح والبناء‪،‬‬
‫وتستطيع ‪-‬باستقرارها على قاعدة صلبة‪ -‬أن تصمد أمام أي ضغوط سياسية أو اقتصادية أو عسكرية يتعرض لها الوطن من العداء‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يريد القاعدة الصالحة القوية المستعدة لبذل الجهد والعرق في سبيل الكتفاء الذاتي وخاصةً في المواد الغذائية‬
‫والسلح‪ ،‬نريد القاعدة الصالحة القوية المستعدة لربط الحجار على البطون في سبيل التخلص من التبعية الذليلة للغير بسبب رغيف‬
‫ل ونهارًا لصلح الرض وزراعتها بما يغنينا من قمح وغيره ويزيد عن حاجتنا‪.‬‬
‫الخبز‪ ،‬نريد القاعدة التي يسهر أبناؤها لي ً‬
‫إننا نثق ثقةً كبيرةً في شعب مصر وقدرته وهمته في تخطي الصعاب وإنجاز المهام الشاقة بكل جلد وصبر وعزم صادق‪ ،‬خاصةً إذا‬
‫تولدت الثقة بينه وبين النظام الحاكم‪ ،‬ووجدوا فيه القدوة العملية الولى على طريق البناء‪ ،‬وإذا شعر بالمن والمان والحرية والتقدير‪.‬‬
‫نعود ونؤكد للشعب وللنظام الحاكم أن هذا هو الطريق‪ ،‬ول طريق غيره وهذه بدايته وخير لنا جميعًا أن نفقه الدرس ونوفر الجهود‬
‫والموال أن تبذل وتنفق في طرق محكوم عليها مقدمًا بالفشل‪ ،‬وخير لنا نحن البشر أن نلتزم بسنن ال في خلقه التي ل تتبدل ول تتغير‬
‫س ِهمْ﴾(الرعد‪ :‬من الية ‪َ ﴿)11‬فإِمّا َي ْأتِيَ ّن ُكمْ مِنّي هُدىً فَمَنِ‬
‫ن اللّهَ ل ُي َغيّرُ مَا بِ َق ْومٍ حَتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنْفُ ِ‬
‫والتي تعبر عنها اليات الكريمات‪﴿:‬إِ ّ‬
‫ن لَهُ َمعِيشَ ًة ضَنْكًا وَ َنحْشُ ُرهُ َي ْومَ الْ ِقيَامَةِ أَعْمَى﴾‬
‫ن ِذكْرِي َفإِ ّ‬
‫ضلّ وَل يَشْقَى﴾(طـه‪ :‬من الية ‪﴿)123‬وَمَنْ أَعْرَضَ عَ ْ‬
‫اتّ َبعَ ُهدَايَ فَل َي ِ‬
‫خذْنَا ُهمْ بِمَا كَانُوا‬
‫ض َو َلكِنْ َكذّبُوا َفأَ َ‬
‫علَ ْي ِهمْ بَ َركَاتٍ مِنَ السّمَا ِء وَا ْلأَرْ ِ‬
‫(طـه‪َ ﴿)124:‬و َلوْ أَنّ َأ ْهلَ الْقُرَى آ َمنُوا وَاتّ َقوْا لَ َفتَحْنَا َ‬
‫غدَقًا﴾(الجـن‪ ..)16:‬إننا نريد أن تتضافر الجهود في صدق‬
‫علَى الطّرِيقَ ِة َلأَسْ َقيْنَا ُهمْ مَاءً َ‬
‫َيكْسِبُونَ﴾(لعراف‪﴿)96:‬وََأّلوِ اسْتَقَامُوا َ‬
‫وإخلص لتشييد القاعدة المؤمنة الصلبة التي يقوم عليها البناء‪ ،‬بعيدًا عن كل صور المزايدات والنفاق والتزييف‪ ،‬ورفع الشعارات‬
‫الجوفاء‪ ،‬وبعيدًا عن إرهاق الحناجر بالهتاف‪ ،‬وإلهاب الكف بالتصفيق‪ ،‬فقد أخرت هذه الصور تقدمنا كثيرًا‪ ،‬ولن نتقدم إل إذا تخلصنا‬
‫منها وأنكرناها وأنكرنا من يقومون بها‪ ،‬وأبعدناهم من مواقع التأثير؛ حتى يبرأ المجتمع من آثارهم الضارة المدمرة‪.‬‬
‫نريدها تعبئةً عامةً وتوعيةً شعبيةً جادةً يقوم بها كل فرد مع نفسه وفي محيطه ومن موقع تأثيره؛ لنزيل معًا هذا الركام من العلل‬
‫والمراض والعادات الضارة والخلق السيئة‪ ،‬التي رسبتها وخلفتها معاول الهدم ووسائل التخريب التي خطط لها العداء وأشرفوا علي‬
‫قيامها بمهمتها‪.‬‬
‫نريد من علمائنا المسلمين أن يقوموا بدورهم المؤثر من منطلق مسئوليتهم أمام ال أولً ثم من واقع ما أنيط بهم من مهمة التوجيه‬
‫والرشاد‪.‬‬
‫نريد منهم وعلى رأسهم فضيلة المام الكبر شيخ الزهر أن تكون لهم وقفةُ خالصةُ ل ينكرون فيها صناعة الخمر وبيعها في مصر‬
‫السلمية‪ ،‬مصر الزهر‪ ،‬مصر القدوة لغيرها من القطار السلمية‪ ،‬فيوضحون التحريم القاطع لها في شرع ال‪ ،‬ومسئولية الحكومة‬
‫أمام ال ثم أمام الشعب والتاريخ وإباحتها وموضحين ما تولده أم الخبائث من خبائث وشرور تعود على المجتمع وتقوض بنيانه‪ ،‬وما‬
‫يحمله الحاكم وحكومته من أوزار إزاء ذلك‪.‬‬
‫أيها الخوة العلماء‪ ،‬استشعروا أمانة العلم‪ ،‬واحذروا عقوبة كتمانه التي ل تعدلها أية عقوبة تتعرضون لها في الدنيا‪ ...‬إذا قلتم كلمة‬
‫الحق ل تخافون معها لومة لئم‪...‬‬
‫واستنكروا التعامل بالربا‪ ،‬ووضحوا كيف أنه يمحق البركة ويوقعنا في حرب مع ال ورسوله‪ ،‬وأنه لن يصلح اقتصادنا إل بعد أن نتخلص‬
‫من الربا في كل معاملتنا؟!‪.‬‬
‫استنكروا صور الفساد والباحية ‪-‬التي لطخت وجه مصر المسلمة‪ -‬المتمثلة في أجهزة العلم وما تعرضه في التلفاز والراديو وما‬
‫يعرض في دور السينما وأشرطة الفيديو‪ ،‬وكذلك بؤر الفساد في شارع الهرم وفي القري السياحية وغيرها‪.‬‬
‫نريد من علماء الجتماع أن يشاركوا في هذه التوعية والتعبئة الشعورية‪ ،‬فيوضحوا للشعب وللحكومة الضرار الجتماعية التي تسببها‬
‫هذه المعاول الهدامة وتأثير الخمر في هدم السر وتشرد البناء‪ ،‬كذلك أثر أجهزة العلم وما تبثه من أفلم أو مشاهد فاسدة تدعو إلى‬
‫النحلل وإثاره البهيمية والغريزة في النفوس‪ ،‬وأثر ذلك على بنية المجتمع وانهياره‪.‬‬
‫نريد من الطباء أن يوضحوا للحكومة أولً وللرأي العام ثانيًا الثار الصحية الضارة للخمر والمخدرات بأنواعها‪ ،‬وأن يطالبوا المسئولين‬
‫بحماية المجتمع من هذه الضرار‪ ،‬وكذلك أطباء المراض العصبية والنفسية‪ ،‬نريد منهم أن يقولوها صريحةً أن البعد عن اليمان‬
‫والهدى النبوي وراءَ هذه الزمات النفسية والمراض العصبية‪ ،‬وما في المجتمع من متناقضات وصراع مادي كذلك‪.‬‬
‫نريد من أهل القانون والقضاء أن يقدموا للمسئولين وللرأي العام تقاريرَهم وتحليلتهم لنتشار الجرائم من واقع التحقيقات والمحاكمات‪،‬‬
‫وكيف أن للخمر والمخدرات دورًا أساسيًا في ارتكاب هذه الجرائم‪ ،‬كذلك الفلم التي تعرض في السينما والتلفاز‪ ،‬وعدم الهتمام التربوي‬
‫بالنشء على أساس من العقيدة والخلق السلمية والقوانين الوضعية التي ل تزجر ول تمنع من انتشار الجرائم‪ ،‬وعلى رجال القانون‬
‫والقضاء أن يطالبوا بتطبيق الشريعة والهتمام بالتربية الدينية‪.‬‬
‫هكذا يدعو التيار السلمي كل فئات الشعب وأصحاب التخصصات المختلفة والتي لها دور في التوجيه والتأثير أن يشاركوا في هذه‬
‫التعبئة الشعورية والتوعية الشعبية حول التخلص من هذا الركام وإلغاء كل معاول الهدم ووسائل التخريب والتدمير للوطن والمواطنين؛‬
‫لنشيد بعد ذلك القاعدة الصالحة الصلبة على أساس متين‪.‬‬
‫ثم لننظر بعد ذلك موقف النظام الحاكم ونواب حزبه من هذه المطالب الهامة والرئيسية‪ ،‬هل سيصرون على بقاء مصانع الخمر ومحال‬
‫بيعها متحدّين في ذلك شرع ال ومصلحة الوطن؟ أم أنهم سيتجاوبون معنا ويصرون على اتخاذ القرارات بإيقاف كل معاول الهدم وكل‬
‫ما يجلب سخط ال علينا ويحول دون بناء المستقبل الزاهر لوطننا العزيز؟ نأمل أن يستجيبوا‪.‬‬

‫هيا إلى أقوى سلح‪...‬‬


‫نعم أقوى سلح نقاوم به كل عدوان‪ ،‬ونُ صلح به كل فساد ونحقق به كل خير وكل عزة ونصر‪ ،‬أل وهو سلح اليمان بال القوي العزيز‬
‫الجبار‪ ،‬واليمان بملئكته ورسله وباليوم الخر وبالقدر خيرِه وشرِه‪.‬‬
‫إن الرجل المؤمن أثقلُ في ميزان القوى وأخوف للعداء من مفاعل ذري‪ ،‬ذلك أننا لو تسلحنا بسلح اليمان وأصبحنا مؤمنين حقًا‬
‫سنستحق تأييد ال ونستحق النصر والتمكين تحقيقًا لوعد ل الصادق للمؤمنين‪ ،‬كما ورد في كتابه العزيز‪ ،‬فالنصر من عند ال العزيز‬
‫علَيْنَا‬
‫الحكيم‪ ،‬ول جنود السموات والرض‪ ،‬ولن تقف قوى العداء جميعًا مهما تألبوا علينا أمام قوى ال ‪-‬مُوهب القوى‪َ ﴿:-‬وكَانَ حَقًّا َ‬
‫ن قَ ْب ِل ِهمْ‬
‫ف اّلذِينَ مِ ْ‬
‫خلَ َ‬
‫ستَ ْ‬
‫ض كَمَا ا ْ‬
‫خلِفَ ّن ُهمْ فِي الَرْ ِ‬
‫ستَ ْ‬
‫ت لَيَ ْ‬
‫ع َد اللّ ُه اّلذِينَ آ َمنُوا ِم ْن ُكمْ وَعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬
‫َنصْ ُر الْ ُمؤْمِنِينَ﴾(الروم‪ :‬من الية ‪﴿)47‬وَ َ‬
‫خ ْو ِف ِهمْ أَمْنًا َيعْ ُبدُونَنِي ل يُشْ ِركُونَ بِي شَيْئًا﴾(النور‪ :‬من الية ‪.)55‬‬
‫ن َب ْعدِ َ‬
‫ن َل ُهمْ دِي َن ُه ُم اّلذِي ارْ َتضَى َل ُهمْ َولَ ُي َب ّدلَ ّن ُهمْ مِ ْ‬
‫َولَيُ َمكّنَ ّ‬
‫إن العدو الصهيوني ل يزال يذكر– ولن ينسى– تلك النوعية من الفدائيين الخوان المؤمنين الذين أبلوا بلءً حسنًا في الجهاد ضدهم‬
‫على أرض فلسطين‪ ،‬وقاموا ببطولت رائعة سجلها البعض في كتيبات يمكن الرجوع إليها‪ ،‬إن اليمان يفعل الفاعيل إنه يحدث تغييرًا‬
‫كبيرًا في النفوس ويفجر طاقات من القوة والتضحية والجهاد والصبر‪.‬‬
‫لقد حدث التآمر ضد هؤلء المؤمنين‪ ،‬ودخلت الجيوش العربية لتوقف الجهاد الفدائي المؤمن‪ ،‬وتعلن الهدنة‪ ،‬ويتم التقسيم ويعلن قيام‬
‫الكيان الصهيوني‪ ،‬ويؤخذ المجاهدون إلى المعتقلت‪ ،‬وتوالت المحن وألصقت التهم الباطلة بهذه النوعية‪ ،‬إنهم إرهابيون ومخربون‬
‫ويريدون نسف المنشآت وتدمير الوطن‪.‬‬
‫أعتقد أنه قد اتضح لشعب مصر بل والشعوب العربية والسلمية زيف هذه التهم‪ ،‬ووضح للجميع أن هذه النوعية من المؤمنين هم‬
‫أخلص أبناء الوطن لوطنهم وأكثرهم إخلصًا واستعدادًا للبذل والتضحية في سبيل تحقيق الخير لكل أفراد الشعب مسلمهم وغير‬
‫مسلمهم‪.‬‬
‫من أجل ذلك ندعو أفراد الشعب إلى التحلي باليمان الصادق؛ لتتولد الطاقات والمواهب البناءة‪.‬‬
‫إن اليمان حينما يباشر قلب صاحبه يكسبه الطمئنان والسكينة‪ ،‬ويولد الشعور بالقوة والعزة والقدام‪ ،‬ويخليه من الشعور بالقلق أو‬
‫الضعف أو التردد والحيرة واليأس‪.‬‬
‫نريد من كل مسلم أن تصفوَ عقيدة التوحيد عنده من كل شائبة‪ ،‬نريد أن نتخلص من كل ألوان البدع والخرافات والدجل‪ ،‬خاصةً وقد‬
‫ارتفعت نسبة التعليم بين أفراد الشعب مما يساعد على رفض هذه الشياء وانحسارها وتلشيها‪.‬‬
‫ونريد منه أن يدعم إيمانه بالعمل الصالح في كل مجال من مجالت العمل‪ ،‬فليس اليمان بالتمني‪ ،‬ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل‪،‬‬
‫لذلك نجد العمل الصالح مرادفًا لليمان في كثيرٍ من آيات القرآن‪.‬‬
‫كما نريد من كل مسلم أن يؤديَ كل تكاليف السلم‪ ،‬فيقوم بعبادة ال تحقيقًا للرسالة التي خلقنا ال من أجلها في حياتنا الدنيا حيث‬
‫ن وَالِنْسَ ِإلّا لِ َيعْ ُبدُونِ﴾(الذريات‪.)56:‬‬
‫ت الْجِ ّ‬
‫خلَقْ ُ‬
‫قال‪﴿:‬وَمَا َ‬
‫فليحافظ كلُّ منّا على الصلة في وقتها‪ ،‬وفي المسجد ما استطاع إلى ذلك سبيلً وبحضور قلبٍ؛ كي تؤتي ثمرتها وثوابها‪ ،‬فالصلة من‬
‫ن الْفَحْشَا ِء وَالْمُ ْنكَرِ﴾(العنكبوت‪ :‬من‬
‫أقوى الوسائل لحفظ النسان من النحراف وفعل المنكرات‪ ،‬وصدق ال العظيم ﴿إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَ ِ‬
‫الية ‪ ،)45‬وهي كفارة لما بينها من السيئات‪.‬‬
‫ونريد من كل مسلم أن يصوم شهر رمضان المعظم صيامًا صحيحًا بكل جوارحه وخواطره‪ ،‬وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب‪..‬‬
‫نريد أن يعود لشهر رمضان نورُه وأثرُه وروحانيتُه‪ ،‬وننفي عنه هذا التشويه والمسخ الذي أصابه حتى صار شهرَ التخمة و"الكنافة"‬
‫والسهر والسمر و"الفوازيز"‪.‬‬
‫نريد من كل مسلم صاحب مال أو تجارة أن يؤدي حق ال في ماله بالزكاة لمستحقيها ويكون قد تحرى الحلل في كسبه لهذا المال‪،‬‬
‫وعلى المزكي أن يسعى هو إلى الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وأل ينتظر سعيهم إليه؛ فهو الشد حاجةً؛ لنه يحتاج إلى ثواب ال الذي يدخله‬
‫الجنة وينجيه من النار‪ ،‬وهذا هو الفوز العظيم‪ ،‬أما الفقراء فهم يحتاجون فقط إلى ما يسد رمقهم ويستر عورتهم هنا في الدنيا وهذا أمر‬
‫هين‪.‬‬
‫ونريد من كل مسلم –توفرت له أسباب الستطاعة لحج بيت ال الحرام‪ -‬أن يسارع إلى أداء هذه الفريضة‪ ،‬ول يسوّف‪ ..‬فل أحد يضمن‬
‫بقاءه لعام قادم‪ ،‬وإن رحلة الحج فرصةُ عظيمةُ للزاد الروحي ولغفران الذنوب‪ ،‬فمن أدى الحج أداءً صحيحًا‪ ،‬ولم يرفثْ ولم يفسقْ‬
‫رجع كيوم ولدته أمه‪.‬‬
‫كثير من المسلمين يظنون العبادة المطلوبة قاصرةً على هذه الفرائض الربع فقط‪ ،‬ولكن المفروض أن تكون حياتنا كلها عبادة‪ ...‬بمعنى‬
‫أن نجعل من أكلنا وشربنا عبادة‪ ...‬ومن دراستنا وتعلمنا عبادة‪ ...‬ومن عملنا عبادة‪ ..‬ومن زواجنا عبادة‪ ..‬ومن رياضتنا عبادة‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ويتحقق ذلك بأمرين اثنين‪ :‬هما النية والتزام الشرع في كل من هذه المور وغيرها‪ ،‬فلتكن نيتنا حين نأكل ونشرب أننا نتقوى‬
‫بالطعام والشراب‪ ،‬ونتحرر من الحرام‪ ،‬فبهذا يصير الكل والشرب عبادةً وننال ثوابًا على ذلك‪ ،‬كذلك لنجعل نيتنا في الدراسة والعلم‬
‫وإفادة المسلمين بالمهنة أو الحرفة التي نتعلمها ونتحرى في تعلمنا ما ل يخالف شرع ال‪ ،‬وتكون نيتنا في العمل أننا نخدم السلم‬
‫والمسلمين بعملنا ونكسب المال الحلل لمعيشتنا وأهلنا ونتحرى أل نعمل في عمل حرامٍ أو فيه شبهة‪ ،‬وكذلك النية في الزواج تحصين‬
‫النفس وإقامة البيت المسلم وتنشئة الذرية الصالحة‪ ،‬والرياضة كذلك بنية تقوية الجسم ليعينه على الجهاد والعمل لصالح السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وبهذه الصورة تتحول الحياة إلى محراب كبير نتعبد فيه إلى ال بكل عملٍ نزاوله في حياتنا‪.‬‬
‫والتيار السلمي يريد من كل مسلم أن يتحلى بالخلق السلمية الفاضلة وبآداب السلم في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته‬
‫ومعاملته‪.‬‬
‫ونريد منه أن يهتم بفهم إسلمه فهمًا صحيحًا شاملً خاليًا من أي اجتزاء أو خطأ أو انحراف‪ ،‬وأل يتأثر بتشكيك المشككين‪ ،‬وإذا أبهم‬
‫عليه شيءُ فليسأل أهل الذكر من العلماء‪.‬‬
‫أيها الشعب المصري الكريم‪ ،‬ليبدأ كل منّا بتطبيق مبادئ الشريعة السلمية على نفسه وأهله وأن يرفض التعامل في أيّ شيء حرمه‬
‫ال‪ ،‬وأل ننتظر حتى تقوم الحكومة بتطبيق الشريعة‪ ،‬فال سائلنا عن كل شيء‪ .‬نستطيع أن نلزم أنفسنا بحكم ال وشرع ال فينا‪ ،‬ورحم‬
‫ال الستاذ حسن الهضيبي حيث كان يقول "أقيموا دولة السلم في قلوبكم تقم على أرضكم"‪.‬‬
‫نريد من كل فرد مسلم أن يقيم العدل ويتخذه أسلوبًا في حياته مع ال‪ ..‬فل يقصر في حقوق ال وأداء واجب الشكر على نعمه‬
‫‪-‬باستعمالها في طاعته وعدم استعمالها في معصيته‪ ،-‬وأن يكون عادلً مع نفسه فل يظلمها بتركها تنحرف وتعصي ربها‪ ،‬وأن يكون‬
‫عادلً مع الناس فل يظلم أحدًا ول يجورعلى حق أحد من الناس‪.‬‬
‫ونريد من كل مسلم أن يتخذ الحسانَ أسلوبًا في حياته مع ال ومع نفسه ومع الناس‪ ،‬فيعبد ال وكأنه يراه وإن لم يكن يراه فإن ال‬
‫يراه‪ ،‬وأن يحسن مع نفسه بأن يسلك بها سبيل الرشاد والنجاة من عقاب ال‪ ،‬ويحسن مع الناس بأن يقدم لهم الخير حتى ولو أساءوا‬
‫حمِيمٌ﴾(فصلت‪.)34:‬‬
‫عدَا َو ٌة َكأَنّ ُه َو ِليّ َ‬
‫ك وَ َبيْنَهُ َ‬
‫سنَ ُة وَل السّيّئَةُ ادْ َفعْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ َف ِإذَا اّلذِي َبيْنَ َ‬
‫إليه﴿وَل تَسْ َتوِي الْحَ َ‬
‫نريد من كل مسلم أن يبر والديه ويحسن إليهما‪ ،‬وأن يصل رحمه ويحسن إلى جيرانه‪ -‬مسلمين كانوا أو غير مسلمين‪ -‬ونريده أن‬
‫يختلط بالناس وأن يعايشهم ويتعاون معهم على البر والتقوى وكل عمل نافع لهذا الوطن‪ ،‬وأن يشاركهم مشاعرهم في أفراحهم وأتراحهم‬
‫ويعينهم في أزماتهم وحل مشاكلهم‪.‬‬
‫ونريد من كل مسلم أن يتحرز كل التحرز من التعرض لخواننا القباط بأي إيذاء أو إعنات‪ ،‬وأل يتورط في عمل يثير فتنةً طائفيةً أو‬
‫ينال من الوحدة الوطنية‪.‬‬
‫إنه ول شك مجتمع فاضل‪ ،‬الذي يتمثل فيه أفرادُه هذه الداب السامية والخلق الفاضلة‪ ،‬وما أسعد أفراده‪ ،‬شتان بينه وبين مجتمع‬
‫تنتشر فيه الخلق السيئة‪ ،‬من كذب وغش وأنانية ونفاق وغير ذلك‪.‬‬
‫وهكذا بسلح اليمان نستطيع أن نحقق الكثير من مجتمعنا وأن نتخلص من كثير من العلل والمراض‪ ،‬ومن السلبية واللمبالة‪.‬‬
‫والتيار السلمي ل يقصر حديثه وكلمه على المواطنين المسلمين فقط‪ ،‬ولكنه يتوجه بالحديث أيضًا إلى إخواننا القباط فنقول للفراد‬
‫أولً‪.‬‬
‫أن يحسنوا ظنهم ويصححوا أي خطأ في تفكيرهم حول السلم والمسلمين وذلك بالتبين وسؤال أهل الذكر‪ ،‬فالسلم يهتم كثيرًا بحسن‬
‫العلقة بين المسلمين وأهل الكتاب الذين يعيشون في ظل دولتهم ويقر لهم بكل الحقوق الساسية‪.‬‬
‫نريد منهم أن يراجعوا التاريخ ليعلموا كيف أنقذ الفتح السلمي القباط في مصر من ظلم الرومان؟! وقد سمعت هذه العبارة بنفسي من‬
‫سيادة النبا شنودة‪ ،‬كما ذكر أيضًا تعايش إخواننا القباط مع المسلمين هذه القرون الطويلة في جو من الوحدة الوطنية ودون متاعب‪.‬‬
‫نريد من إخواننا القباط أن يطمئنوا كل الطمئنان أن تطبيق الشريعة السلمية سيضمن لهم حقوقهم أكثر مما تحققه القوانين الوضعية‬
‫حاليًا‪ ،‬ويذكر التاريخ أن كثيرًا من إخواننا النصارى تركوا القطار التي كانوا يقطنون فيها ليعيشوا في ظل الدول السلمية لما يتحقق في‬
‫ظلها من أمن وعدل وأمان‪.‬‬
‫نريد من إخواننا القباط أل يستجيبوا للشاعات والباطيل التي يرددها أعداء السلم والمسلمين‪ ،‬وأعداء المسيحيين أيضًا من الملحدين‬
‫والماديين‪ ،‬ومن هؤلء الذين في المهجر‪ ،‬الذين يرسلون مجلت وكتابات لثارة الفتنة هنا في مصر‪.‬‬
‫فالتيار السلمي يؤكد لخواننا القباط أن المسلمين ل يحملون كراهيةً أو حقدًا نحوهم‪ ،‬ويحرصون على المعايشة الهادئة الخالية من أية‬
‫إثارة أو احتكاك‪ ،‬كما يتوجه التيار السلمي إلى الهيئات غير السلمية ويطلب منهم النظر إلى السلم بعين النصاف ومحاولة التعرف‬
‫عليه من مصادرة الصحيحة ل من القاويل والراجيف الصادرة عن أعداء السلم‪ ،‬ونحذر من كثير مما يقوله بعض المستشرقين عن‬
‫السلم والمسلمين‪.‬‬
‫كما نطلب منهم العمل على منع صدور أية إساءة أو تشويه للسلم‪،‬لن ذلك خلق يأباه كل دين‪ ،‬يأباه السلم للمسلمين‪ ،‬وعلى تلك‬
‫الهيئات أن تنتبه إلى التيارات التي تحاول بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد‪.‬‬
‫ونطلب منهم النظر بعين الحذر للتيارات العالمية التي تستهدف حرب الديان عمومًا كاللحاديين والماديين‪ ،‬كما نطلب منهم القتراب من‬
‫الهيئات السلمية والتفاهم معها في كل القضايا التي تهم المسلمين أو غيرهم من أهل الديان الخرى‪.‬‬
‫إن ما يطلبه التيار السلمي من أفراد الشعب‪-‬من إصلح أنفسهم ومن التسلح بسلح اليمان‪-‬أمر يحتاج إلى جهد ومجاهدة‪ ،‬وإلى عزم‬
‫صادق وتعاون كبير لتحقيق هذا الصلح‪ ،‬والمل عظيم وكبير في استجابة أبناء الوطن لهذا المطلب الذي يعتبر الخطوة الولي على‬
‫طريق الصلح الذي ليس هناك طريق إصلح غيره‪.‬‬

‫هيا إلى اليجابية وتصحيح المسار‬


‫سبق أو أوضحنا أن مجتمعاتنا قد انتابتها علل وأمراض عديدة من أثر الستعمار أو الحتلل الجنبي من العداء وكذلك من أثر الحكم‬
‫الديكتاتوري الذي ابتُليت به كثير من أقطارنا العربية والسلمية ومن هذه العلل السلبية والتسيب واللمبالة وعدم الشعور بالمسئولية‬
‫الوطنية‪ ،‬وهذه أمراض غاية في الخطورة‪.‬‬
‫كم سبق أن أوضحنا أن السبيل إلى العلج من هذه العلل والمراض لن يكون إل بالدواء الشافي الذي وضعه ال لخلقه متمثلً في كتاب‬
‫ن الْقُرْآنِ مَا ُهوَ شِفَاءٌ وَرَحْ َمةٌ ِللْ ُمؤْ ِمنِينَ﴾(السراء‪ :‬من الية ‪ )82‬وحديث رسول ال‬
‫ال وسنة رسوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪﴿ -‬وَ ُننَ ّزلُ مِ َ‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬تركت فيكم من إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب ال وسنتي"‪.‬‬
‫فالزمة أو الزمات التي تعاني منها مجتمعاتنا في الحقيقة أزمة قلوب وضمائر‪ ،‬ومهما جمعنا من أموال وأقمنا من مؤسسا دون أن‬
‫يوجد الضمير وتصلح القلوب فلن تحل هذه الزمات ولن يتحقق أي إصلح ولن تجدي القوانين مهما كثرت أو اشتدت في تقويم الحال‬
‫وانضباطه ما لم يوجد الضمير بجانب القانون الرباني الذي شرعه ال أحكم الحاكمين والعليم الخبير بخلقه‪.‬‬
‫وسبق أن ذكرنا أن واجب كل مواطن أن يطالب النظام الحاكم مباشرة أو عن طريق ممثليه في المجالس النيابية بضرورة تطبيق شريعة‬
‫ال وإيقاف معاول الهدم وكل هذه المنكرات الرسمية وغير الرسمية التي تبارز ال بالمعاصي كالخمر والربا والميسر ودور اللهو‬
‫والعلم الفاسدة وغير ذلك‪.‬‬
‫وقلنا إن صلح الحكام مطلوب؛ لن فيه صلح الحكم وصلح الوطن والمواطنين‪ ،‬ولكن قلنا أل نعوّل فقط على صلح الحكام فقد يطول‬
‫بنا الموقف كي يتحقق ذلك‪ ،‬ولكن نبدأ مباشرة ودون تأخر بإصلح المواطنين وتشييد القاعدة الصلبة التي يقوم عليها البناء والتي تتكون‬
‫من المواطن الصالح ومن السرة الصالحة والمجتمع الصالح‪ ،‬وطالبنا سابقًا بالتسلح بأقوى سلح وهو اليمان‪ ،‬لن اليمان الصادق هو‬
‫الكفيل بتخليص الفرد من العلل والمراض التي تعاني منها‪.‬‬
‫اليمان هو الذي يخلص الفرد من السلبية واللمبالة والتسيب وغير ذلك ويجعل منه مواطنًا إيجابيًا يستشعر مسئوليته نحو وطنه ويسعى‬
‫لداء واجبه وتعبدًا ل وأداء لواجب ديني‪.‬‬
‫توجهنا إلى كل مواطن مسلم لكي يفهم إسلمه فهما صحيحًا شاملً بعيدًا عن الجتزاء أو النحراف أو الخطأ‪ ،‬وأن يتسلح بسلح اليمان‬
‫ومتطلبات اليمان من العبادة الصحيحة والخلق السلمية الفاضلة وغير ذلك من مقومات الشخصية البناءة النافعة‪.‬‬
‫واليوم نطالب بتحقيق ثمرة من ثمار اليمان وهي اليجابية والتخلي عن السلبية‪ ،‬فنتوجه إلى كل مواطن مسلم كان أو غير مسلم أن‬
‫نستشعر ملكيتنا لهذا الوطن ولكل شبر فيه ولكل مقوم من مقومات الحياة فيه‪ ،‬وليس لى جهة أن تتصرف في أي شبر من أرض الوطن‬
‫أو أي مقوم من مقوماته مغفلة حق المواطنين وملكيتهم للوطن ومقوماته‪.‬‬
‫ولن يكون ذلك بمجرد الكلم ورفع الشعارات وتسويد الصحف بالمقالت ولكن بالعمل واليجابية‪.‬‬
‫نريد من كل مواطن أن يقوم بدور إيجابي بناء في موقعه وفي دائرة مسئوليته واختصاصه‪ ،‬وأن يتحرى في ذلك مراقبة ال وصالح‬
‫الوطن ول يخشى في ال لومة لئم‪ ،‬وأن يشعر أنه على ثغرة من ثغرات الوطن عليه أن يسدها ويؤديها على أكمل وجه‪ ،‬إن اليمان يدفع‬
‫صاحبه إلى إتقان عمله وحديث الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحثنا على ذلك "إن ال يحب إذا عمل أحدكم عملً أن يتقنه" كما يحثنا‬
‫الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إلى العمل وتحمل مشاقه فيقول "من بات كالً من عمل يده بات مغفورًا له"‪.‬‬
‫ل كان أو امرأة أن يخلص في أداء عمله الذي يعتبر من أهم وأخطر مراحل البناء في المجتمع‪ ،‬فالجيال‬
‫نريد من المواطن المدرس رج ً‬
‫الناشئة أمانة في أيدي المدرسين على مختلف مراحل التعليم‪ ،‬نريد المدرس القدوة العملية لبنائه الطلبة يقتدون به في إخلصه ل‬
‫وللوطن ويقتدون به في أخلقه وسلوكه‪ ،‬إن الطلبة في فترة التعليم يمرون بمراحلة بناء شخصيتهم بدنيًا وعقليًا وروحيًا‪ ،‬وبالتالي تتشكل‬
‫الجيال حسب ما يتلقونه من مفاهيم ومبادئ ومثل وقيم عن طريق مدرسيهم ويكون لذلك أثره الممتد في حياتهم بعد ذلك‪.‬‬
‫خَلقَ‬
‫خَلقَ * َ‬
‫ك اّلذِي َ‬
‫سمِ رَبّ َ‬
‫إن التيار السلمي يحث على العلم والتعليم فأول آيات نزلت من القرآن تحث على العلم بقوله تعالى﴿اقْرَأْ بِا ْ‬
‫عّل َم الِنْسَانَ مَا َلمْ َي ْع َلمْ﴾(العلق‪ ،)5-1:‬ل نريد التعليم الذي يكفي فقط لمجرد‬
‫عّلمَ بِالْ َق َلمِ * َ‬
‫ك ا َلكْرَ ُم * اّلذِي َ‬
‫عَلقٍ * اقْرَ ْأ وَ َربّ َ‬
‫الِنْسَانَ مِنْ َ‬
‫النجاح في امتحان آخر العام‪ ،‬ولكن نريد التعليم الذي يفتح الذهان ويدعو إلى التدبر في هذا الكون والكشف عن أسراره لتسخيرها في‬
‫صالح البشرية ل في تدميرها كما يحدث في العالم المادي الذي يطلقون عليه اسم العالم المتحضر‪ ،‬ل نريد مجرد حشو عقول الطلبة‬
‫بالمعلومات لغرض النجاح في المتحان‪ ،‬ولكن نربط العلوم بواقع الحياة وكيفية تطبيقها والستفادة منها في الرقي بالوطن‪.‬‬
‫كما ننبه إلى الفارق الكبير بين التعليم والتربية‪ ،‬فإذا كان التعليم يتعامل مع العقول والذهان فإن التربية تتعامل مع النفوس والرواح‬
‫وهذا يجعل الاهتمام بالتربية أكبر وألزم‪ ،‬وللسف نري أن معظم مؤسساتنا التعليمية تركز على العلم والثقافة‪ ،‬وتهمل التربية‪ ،‬ولكن‬
‫سمِ َربّكَ﴾‪.‬‬
‫المدرس القدوة يمكنه أن يؤدي هذا الدور ويكمل هذا النقص‪ ،‬وأن يربط العلم بال وقدرته وإبداعه في خلقه﴿اقْرَ ْأ بِا ْ‬
‫ربما ظن كثير من المدرسين أنه يعتبر مدرسًا ناجحًا بنجاح أكبر عدد من الطلبة في المادة التي يدرسها لهم دون قيامه بدور المربي‬
‫والموجه لطلبته في سلوكهم وأخلقياتهم‪ ،‬وهذا فهم خاطئ فكما قلنا أن التربية أهم وأخطر من العلم‪.‬‬
‫إن الستعمار تدخل في مناهج التربية والتعليم في مؤسساتنا التعليمية وبناها على فلسفته المادية‪ ،‬والواجب على المسئولين عن التربية‬
‫والتعليم أن يراجعوا هذا المناهج وأن يخلوها من كل دخيل غريب على مجتمعاتنا وعقيدتنا وتقليدينا وأن يقيموها على فلسفة إسلمية‬
‫لتوافق عقيدة شعبنا وتقاليده‪.‬‬
‫السلم ل يمنع من تعلم المرأة‪ ،‬بل يحث عليه ولكن ل نريد من وراء ذلك أن نتعرض إلى البتذال والختلط والتبرج الذي يمهد للفساد‬
‫والنحراف‪.‬‬
‫وقبل أن نترك مجال التدريس نطلب من كل مواطن في موقع ناظر المدرسة أو مدير المعهد أو عميد الكلية أو مدير الجامعة‪ ،‬أن يستشعر‬
‫مسئوليته الضخمة أمام ال أولً وأمام التاريخ والوطن ثانيًا بعدد الطلبة الذين في مدرسته أو معهده أو كليته أو جامعته‪ ،‬مسئوليته عن‬
‫حسن إعدادهم روحيًا وعلميًا وبدنيًا؛ فهم عدة المستقبل وأداة بنائه رقيه‪ ،‬ل يكفي أن تدار هذه المؤسسات من المكاتب ولكن لبد من‬
‫المتابعة الميدانية والطمئنان على أداء كل من تحت إدارته لعمله على أكمل وجه ودون مجاملة‪.‬‬
‫إن مشكلة التعليم في مصر تحتاج إلى مراجعة‪ ،‬فقد أفرزت سياسة التعليم أفواجًا من أصحاب الشهادات المعطلين وأنتجت مشكلة البطالة‬
‫التي يخشي من تفاقهمها ومن مضاعفاتها وردود أفعالها الضارة اجتماعيًا وسياسيًا‪.‬‬
‫إنها السياسة التي وضعها المستعمر ولم نفكر جديًا في تغييرها‪ ،‬وإن كنا نسمع اليوم عن محاولت في هذا المجال بعد أن أزعجتنا مشكلة‬
‫البطالة‪ ،‬في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى اليدي العاملة المنتجة في التخصصات المختلفة ول يكون ذلك بإعدادهم في مراحل التعليم‬
‫الولي مع إعداد مجالت العمل لهم في الصناعة والزراعة واستخراج الثروات الطبيعية‪ ،‬ول يكون ذلك أيضًا إل في جو من الحرية‬
‫والمن والستقرار‪ ،‬ل في جو من الرهاب والعتقالت والمصادرات والتحكم في كثير من مقدرات العمل والنتاج‪.‬‬
‫ونختم حديث اليوم مع المواطن الطالب ندعوه أن يعطي قضية الدراسة والتعلم الهتمام اللئق بها‪ ،‬وأن تكون نيته إفادة وطنه وبني‬
‫وطنه بالتخصص الذي سيتخصصه وللسهام في بناء الوطن كي يتحقق الكتفاء الذاتي ونتخلص من التبعية لغيرنا‪ ،‬وندعو المواطن‬
‫الطالب أو الطالبة أن يركز اهتمامه وينظم وقته ليجتاز مرحلة التعليم باستيعاب واستزادة وترقي في مدارج العلوم‪ ،‬وأل يكون همه مجرد‬
‫الحصول على درجة النجاح ولو باللجوء للغش‪ ،‬وندعوه أن يتحرز من قرناء السوء الذين يفسدون عليه حياته العملية والخلقية وندعوه‬
‫إلى احترام أساتذته ويقدر فضلهم في تعليمه‪ ،‬وندعوه إلى اللتزام بالقيم الدينية والخلق الفاضلة‪ ،‬كما ندعوه إلى توسيع مداركه خاصةً‬
‫في المجالت العملية كي يواجه الحياة ومتطلباتها‪ .‬نريد من طلبنا أن يفكروا في كيفية إسهامهم في بناء مستقبل فاضل لوطنهم‪.‬‬

‫مع اليجابية وتصحيح المسار‬


‫نواصل دعوة أبناء الوطن إلى اليجابية ونبذ السلبية وتصحيح المسار‪ ،‬وقد تعرضنا سابقًا إلى مجال التعليم ووجهنا حديثنا إلى الساتذة‬
‫والمدرسين وإلى المسئولين عن التعليم وكذلك إلى أبنائنا الطلب‪.‬‬
‫ونتوجه بعد ذلك إلى المواطن الطبيب والمواطنة الطبيبة سواء من يعملون كموظفين في مؤسسات حكومية أو من يعملون في قطاع‬
‫خاص أو عيادات خاصة‪ .‬نطلب منهم جميعًا أن يقدروا أهمية الدور الذي يقومون به في علج إخوانهم المواطنين المرضى‪ ،‬ونوصيهم أن‬
‫يراقبوا ال في عملهم وأن يقصدوا وجه ال وثوابه قبل أن ينظروا إلى العائد المادي‪ ،‬هناك شكاوي كثيرة من مستوي العلج والهتمام‬
‫في المستشفيات الحكومية‪ ،‬وإننا نناشد الطباء والطبيبات أن يؤدوا مهمتهم أحسن أداء لينالوا حسن الجزاء من ال‪ ،‬ول يكون هناك‬
‫مجال بينهم لما نسمعه من بعض موظفي الحكومة(على قدر فلوسهم بنشتغل)‪ ،‬فالمرضى وصحتهم أمانة في أعناقهم‪ ،‬كما نوصيهم بال‬
‫يغالوا في أسعار العلج وأن يراعوا ما أمكن حال المريض المادية خاصةً إذا كان فقيرًا‪ ،‬نريد من إخواننا الطباء أن يتسموا بالحلم وسعة‬
‫الصدر والرحمة والدقة‪ ،‬كما نوصيهم أن يحرصوا علي زيادة خبراتهم ودراساتهم التخصصية كي يرتقوا بمستوى العلج في وطننا فل‬
‫نحتاج إلى الخارج إل نادرًا‪.‬‬
‫ولعله من المفيد في هذه المناسبة أن يستقر في ذهن كل طبيب وطبيبة أنه ليس هو الذي يشفي‪ ،‬ولكن ال هو الشافي وهو فقط يقوم‬
‫بالتشخيص قدر علمه ويأخذ بأسباب العلج‪ ،‬وبقدر إخلصه ل واهتمامه في الحصول على الكفاءة والخبرة سيوفقه ال إلى العلج‬
‫المناسب ويتحقق الشفاء بعون ال‪.‬‬
‫وحبذا في العيادات الخاصةً أن ينظم الطبيب مواعيد مرضاه ما أمكن حتى ل يطول انتظار بعضهم ويضيع وقتهم وتعطل مصالحهم‬
‫ومرافقيهم‪.‬‬
‫ونتوجه بعد ذلك إلى العالم الديني‪ ،‬واليجابية المطلوبة منه تكون بدراسته لما عليه أفراد المجتمع وأسرهم من أحوال وتقديم التوجيه‬
‫المناسب الفعال المؤثر في النفوس‪ ،‬ويكون ذلك بأن يكون هو في ذاته قدوة حسنة لما يدعو إليه من فضائل‪ ،‬وأن يؤدي عمله قاصدًا‬
‫وجه ال وثوابه وليس لمجرد أداء واجب وظيفي‪ ،‬وأن يعيش القضايا التي يدعو إليها بعمق وبقلبه ووجدانه‪ ،‬حينئذ سيكون لتوجيهه‬
‫الثر الطيب النافع لن ما خرج من القلب يصل إلى القلوب‪ ،‬وما خرج من اللسان ل يتجاوز الذان‪.‬‬
‫كما نريد من إخواننا العلماء أن يرفعوا أصواتهم برأي الدين في القضايا المختلفة التي يعيشها الناس وخاصةً ما يخالف منه الشرع‬
‫كالخمر والميسر والربا والعلم وغير ذلك‪.‬‬
‫لقد صار من المور المتعارف عليها بين الناس أن العلماء والموظفين يتحاشون الحديث عن بعض القضايا المخالفة للشرع والتي‬
‫تمارسها الحكومة خوفًا على وظيفتهم‪ ،‬هذه سلبية غير مطلوبة تستجلب غضب ال علينا وعليهم‪ ،‬نريد تلك النوعية من العلماء‬
‫اليجابيين الذين يقولون الحق ول يخافون في ال لومة لئم‪ ،‬ولو تعرضوا بسبب ذلك إلى اليذاء‪ ،‬فإيذاء الدنيا أهون من عذاب ال يوم‬
‫القيامة بسبب كتمان العلم‪.‬‬
‫ثم نتوجه إلى المواطن رجل القانون قاضيًا كان أو محاميًا أو رجل نيابة‪ ،‬إن كثيرًا منهم لهم مواقف سلبية يجب أن يتخلصوا منها وتكون‬
‫لهم مواقفهم اليجابية‪ ،‬إن دورهم يتصل بجانب هام من حياة الناس وهو تحقيق العدل والمن وحماية الحقوق والحريات من أي جور أو‬
‫اعتداء سواء كان من الفراد أو النظام الحاكم‪ ،‬إننا نجد هذه السلبية عند البعض عندما يكون الجور أو العتداء أو النيل من هذه الحقوق‬
‫من قبل الحكم نحو المواطنين‪ ،‬نحن ل ننكر صورًا كريمة من اليجابية الصادقة من الكثيرين من رجال القانون ووقوفهم بجانب الحق‬
‫والعدل ضد الظلم والجور مهما كان مصدره‪ ،‬والحقيقة أن القضاء المصري كان دائمًا يُشهد له بكل التقدير والحترام والدقة في تحري‬
‫العدل وكان ذلك واضحًا في الماضي قبل تسلط الحكم الدكتاتوري منذ أكثر من ثلثين عامًا‪ ،‬ورحم ال رجل القانون الستاذ عبد الرازق‬
‫السنهوري وكيف ذُ بح القانون والقضاء بالعتداء عليه بالضرب والهتافات التي خرجت من الحناجر المأجورة تقول(يسقط المحامين‬
‫الجهلة)‪.‬‬
‫نريد من رجال القانون أن يقولوا قولة الحق بقوة وهي أن الشريعة السلمية هي القوانين التي ل بديل لها لتحقيق العدل والمن واختفاء‬
‫الجرائم أو تقليصها على القل‪ ،‬وهذا ما قرره مؤتمر العدالة‪ ،‬ونريد من الضمائر الحية لرجال القانون أن تصر على هذا المطلب أداء‬
‫لماناتهم تجاه وطنهم وأبناء وطنهم‪ ،‬وأن يطالبوا الحكومة بإيقاف معاول الهدم التي تدفع إلى ارتكاب الجرائم كالخمر والميسر والجانب‬
‫الفاسد في العلم وغير ذلك من صور الفساد والفساد‪.‬‬
‫نريد من رجل النيابة أل يستجيب لطلبات رجال المن من حيث تلفيق القضايا وإلصاق التهامات الباطلة إلى بعض المواطنين وخاصةً‬
‫السلميين منهم‪ ،‬نريد منهم أل يتورطوا في إيقاع ظلم بأحد من المواطنين‪ ،‬فالظلم ظلمات يوم القيامة ودعوة المظلوم ليس بينها وبين‬
‫ال حجاب‪.‬‬
‫نحن نقدر دور رجل النيابة في المحاف ظة على حرمات المواطنين من الذين يعتدون عليها وكذا المحافظة على سلمة الوطن وأمنه‪ ،‬ولكننا‬
‫لمسنا بل قاسينا الكثير من اليذاء والتعذيب ولم تطالب النيابة بحقنا ممن قاموا بتعذيبنا‪ ،‬وربما استجاب بعضهم لتلفيق قضايا نتيجة اعترافات‬
‫مأخوذة تحت التعذيب من رجال المن‪.‬‬
‫ونريد من المواطنين المحامين أن يتحروا الحق في دفاعهم عن المتهمين‪ ،‬وأن يطالبوا مع غيرهم من رجال القانون بأن تسود شريعة‬
‫ال وأن يحترم الدستور الذي ينص بأن الشريعة السلمية هي المصدر الرئيسى للتشريع‪ ،‬نريدهم أن يدافعوا عن الحريات خدمة للوطن‬
‫والمواطنين ففي ظل الحرية تنطلق المواهب ويتحقق النتاج والستقرار والزدهار‪ ،‬وبالتالي يطالبون باصرار بإلغاء القوانين الستثنائية‬
‫المقيدة للحريات‪.‬‬
‫ثم نتوجه إلى المواطن رجل الشرطة أو رجل المن المركزي وغير المركزي ونقول له إن التيار السلمي رغم ما تعرض له من إيذاء‬
‫وتعذيب بل وقتل على أيدي بعض رجال الشرطة أو المن‪ ،‬فإننا نقدر المهمة التي يقوم بها رجال الشرطة والمن والمسئولية الملقاة على‬
‫عاتقهم في تحقيق المن للوطن والمواطنين ولكننا نشجب ونعارض أشد المعارضة التجاوزات التي تحدث من بعضهم في انتزاع‬
‫اعترافات خاطئة تحت اليذاء والتعذيب وما يترتب على ذلك من تلفيق القضايا والمحاكمات والحكام الظالمة‪ ،‬نقول لهم نريدكم رجال أمن‬
‫حقًا ل رجال ترويع وتفزيع‪ ،‬نريدكم ‪ -‬وخاصةً المسئولين فيكم – إيجابيين مع وطنيتكم فتوقفوا أي اعتداء على حرمات إخوانكم‬
‫المواطنين‪ ،‬وأل تتورطوا في مظالم وجرائم تقترفونها في حقهم واعلموا أن الذي يظلم إنما في الحقيقة يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره‪،‬‬
‫ول يغرنكم أي وعود بأنكم ستفلتون من عقاب القانون‪ ،‬وحتى لو تم ذلك فإن الحكم العدل لن يضيع عنده حق لمظلوم﴿إِنّ رَبّكَ‬
‫سهِ ْم لَ يَرْ َتدّ ِإلَ ْي ِهمْ‬
‫ن مُقْ ِنعِي ُرؤُو ِ‬
‫طعِي َ‬
‫خصُ فِيهِ البْصَارُ* ُمهْ ِ‬
‫ن الَ غَافِلً عَمّا َيعْ َملُ الظّالِمُونَ إِنّمَا ُيؤَخّ ُر ُهمْ لِ َي ْومٍ تَشْ َ‬
‫لَبِالْمِرْصَادِ﴾﴿ َولَ تَحْسَبَ ّ‬
‫سلَ َأ َو َلمْ‬
‫ك َونَتّ ِبعِ الرّ ُ‬
‫عوَتَ َ‬
‫ب دَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ نّجِ ْ‬
‫ظلَمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا ِإلَى أَ َ‬
‫طَرْ ُف ُه ْم وَأَ ْف ِئدَ ُت ُهمْ َهوَا ٌء * وَأَنذِرِ النّاسَ َي ْومَ َيأْتِي ِهمُ ا ْل َعذَابُ فَيَقُو ُل اّلذِينَ َ‬
‫ن َل ُكمْ َكيْفَ َف َعلْنَا ِب ِه ْم وَضَرَ ْبنَا َلكُ ُم المْثَا َل * وَ َقدْ‬
‫س ُهمْ وَ َتبَيّ َ‬
‫ظلَمُوا َأنْفُ َ‬
‫سكَن ُتمْ فِي مَسَاكِنِ اّلذِينَ َ‬
‫َتكُونُوا أَقْسَ ْمتُم مّن َق ْبلُ مَا َلكُم مّن َزوَالٍ* وَ َ‬
‫ن الَ عَزِي ٌز ذُو انْتِقَامٍ﴾‪.‬‬
‫سلَهُ إِ ّ‬
‫ع ِدهِ رُ ُ‬
‫ف وَ ْ‬
‫خلِ َ‬
‫ن الَ مُ ْ‬
‫سبَ ّ‬
‫جبَالُ * فَلَ تَحْ َ‬
‫َمكَرُوا َمكْ َرهُ ْم وَعِ ْن َد الِ َمكْ ُرهُ ْم وَإِن كَانَ َمكْ ُر ُه ْم لِتَزُولَ مِنْ ُه الْ ِ‬
‫إن السلم الذي نلزم أنفسنا به يوجب علينا المحافظة على أمن الوطن والمواطنين‪ ،‬وهذا هو الفهم الصحيح للسلم والتطبيق الصحيح‬
‫له‪ ،‬واليجابية التي نطالب المسئولين عن المن بها أن تكون لهم دراسة دقيقة لي ظاهرة تظهر في المجتمع تؤثر على أمنه لمعرفة‬
‫السباب الحقيقة التي وراء هذه الظاهرة وكيف تُعالج ليكون حل جذريًا وليس مجرد حل جزئي وقتي خاطئ بالعتقال والتعذيب‬
‫والمحاكمة‪.‬‬
‫نتعرض في حديثنا على نوعيات من أبناء الوطن نحثهم على نبذ السلبية واللمبالة والتسيب‪ ،‬إلى اليجابية البناءة النافعة للوطن‬
‫والمواطنين‪ ،‬وتعرضنا إلى مجال التعليم ومن يعملون فيه طلبًا كانوا أو أساتذة ومدرسين والمسئولين عن سياسة التعليم‪ ،‬ثم تعرضنا إلى‬
‫الطباء وإلى العلماء الدينيين ودورهم الخطير ثم إلى رجال الشرطة والمن والمسئولين عنهم‪.‬‬
‫ونتوجه بعد ذلك إلى رجال العلم بمجالته المختلفة مطالبين إياهم بوقفة مراجعة يتعرفون فيها على دورهم الخطير ذي الثر الكبير في‬
‫تغيير المجتمع سلبًا أو إيجابًا‪ ،‬ونحثهم على نبذ السلبية والبعد عن كل ما من شاْنه التأثير السلبي الضار بالوطن والمواطنين‪ ،‬ونريد منهم‬
‫إيجابية نافعة بناءة تفيد الوطن والمواطنين‪.‬‬
‫إن أجهزة العلم من إذاعة صوتية ومرئية ومسرح وسينما وصحف ومجلت وكتب ونشرات ودور نشر ومراكز ثقافية ومكتبات عامة‬
‫وخاصةً وأشرطة صوتية ومرئية كل ذلك يعمل عمله ويترك أثره في النفوس والسلوكيات بالخير أو الشر بالبناء أو الهدم‪ ،‬ول نريد من‬
‫الحكومة أن تقف من هذه الوسائل الموقف السلبي بتركها تبث الكثير الضار بجانب القليل النافع‪.‬‬
‫نتوجه إلى من يشاركون في جهاز الذاعة والتليفزيون أن يراقبوا ال فيما يقدمون‪ ،‬فهذه الجهزة تكاد ل يخلو منها بيت ولها تأثيرها‬
‫المباشر‪ ،‬وقد كثر النقد والنكار لكثير مما يقدم في هذين الجهازين من برامج تخدش الحياء إن لم تذبحه وتخرب المواطن من داخله‪،‬‬
‫ل كان أو أنثي أن كلً منهما يحمل أوزارًا بعدد المشاهدين في كل مرة حتى بعد وفاة من قدم هذه البرامج‬
‫ليعلم كل من يقدم هذا النوع رج ً‬
‫السيئة‪ ،‬إن هناك مجالت راقية نافعة مربية يمكن أن تقدم من خلل الذاعة والتليفزيون يكون لها الثر البناء في المجتمع‪ .‬ما لنا نحن‬
‫والباليه الذي يعرض أحيانًا على الشاشة الصغيرة(بلوى إيه دي؟)‪.‬‬
‫كما نتوجه إلى المواطن الصحفي رجلً كان أو امرأة ليلتزم المسار الصحيح النافع في رسالته كصحفي بأن يتحرى الخبر الصادق دون‬
‫انتقاص أو تضخيم أو مغايرة للواقع‪ ،‬وأن يقدم التحليل الموضوعي الدقيق الذي يفيد القارئ‪ ،‬وأن يتجنب التجريح وإيذاء الغير بما يكتب‪،‬‬
‫نريد القلم الحر النزيه البعيد عن النفاق والتزلف‪ ،‬والذي يقول للمحسن أحسنت وللمسئ أسأت في أدب دون مغالة‪.‬‬
‫ونريد من المواطن الصحفي أن يكون وطنيًا صادقًا‪ ،‬ول تغريه المادة فيكتب لصالح العداء‪.‬‬
‫ونريد من المؤسسة الصحفية أن تستشعر مسئوليتها أمام ال ثم أمام الوطن فيما تسود به صفحاتها فل تقدم إل النافع‪ ،‬أل تضيع وقت‬
‫القراء في كتابات غثة تافهة ومن باب أولي تتجنب الكتابات الضارة‪.‬‬
‫ونريد من دور النشر أن تتحرى فيما تنشر من كتب ما يحوي الخير النافع وتتجنب السيء الضار‪ ،‬وأل يغريها الكسب المادي لترويج‬
‫الكتب أو المجلت الهابطة‪.‬‬
‫نريد أيضًا من المكتبات مراعاة توزيع الكتب والمجلت النافعة ومقاطعة الكتب والمجلت الهابطة‪.‬‬
‫نريد من الكتاب والمؤلفين أن يراقبوا ال ويراعوا مصلحة الوطن‪ ،‬فل يكتبوا إل النافع المفيد والذي ل يتعارض مع عقيدة الشعب‬
‫المسلم‪ ،‬وأن يستشعروا مسئوليتهم عن كل وقت ينفقه كل قارئ لكتبهم أو مقالتهم ومن الثر الطيب أو الخبيث الذي تتركه هذه الكبت أو‬
‫المقالت في نفوس القراء‪.‬‬
‫وينطبق ما سبق أن ذكرناه أيضًا على من يعملون في مجال السينما والمسرح‪ ،‬وكذلك أشرطة الفيديو‪.‬‬
‫ونتوجه بعد ذلك إلى موظفي الدولة والقطاع العام كل في موقعه وقد كثرت الشكوى من كثير من الجماهير من صور السلبية واللمبالة‬
‫والتعقيد في قضاء المصالح‪ ،‬وضياع الوقات الكثيرة في التردد لنجاز المهام‪ ،‬ربما تعلل البعض أن المرتبات ضعيفة ول تتناسب مع بذل‬
‫الجهد المطلوب‪ ،‬ولكن هذا خطأ كبير وسلبية خطيرة يجب التخلص منها‪ ،‬فطالما أن كل فرد ارتضى بقاءه في وظيفته فعليه أن يؤديها‬
‫على الوجه الكمل‪ ،‬وأن يحترم مشاعر ووقت إخوانه المواطنين‪ ،‬وليكن صادقًا أمينًا في أداء مهمته‪.‬‬
‫للسف الشديد إننا نجد اليوم المكتب الذي كان يؤدي مهامه اثنان أو ثلثة على الوجه حسن صار فيه ما يقرب من عشرة وهبط مستوى‬
‫الداء‪ ،‬نريد أن تختفي هذه الظاهرة‪.‬‬
‫إن الوظيفة في أي مرفق أمانة وثغرة‪ ،‬وأي إهمال فيها يمكن أن يرتب مضاعفات ضارة كبيرة‪ ،‬وقد يتحايل الفرد للهروب من طائلة‬
‫المساءلة والعقاب‪ ،‬ولكن ليستشعر رقابة ال عليه‪.‬‬
‫ونتوجه إلى أصحاب الحرف المختلفة ونتواصى معهم بإتقان العمل الذي يقومون به ويتمونه في الوقت الذي يحددونه دون إهمال أو‬
‫تأخير‪ ،‬ونريد منهم الترقي في مستوي حرفهم ليرتقي المستوي الفني والحرفي في قطرنا مصر ونثبت أن عندنا حرفيين مهرة في كل‬
‫المجالت‪.‬‬
‫ونتوجه إلى المواطن الزارع في حقله أن يستشعر دوره الهام في النتاج الزراعي وخاصةً ما يغنينا عن استيراد القمح الذي تجعله‬
‫أمريكا وسيلة ضغط علينا‪ ،‬وعلى المسئولين أن ييسروا لخواننا المواطنين الذين يعملون في حقل الزراعة استصلح الراضي والرتقاء‬
‫بمستوى إنتاجنا الزراعي كمّا وكيفًا‪.‬‬
‫ل ممن يعملون في مجال الصناعة والنتاج القومي أن يعلموا أنهم يؤدون دورًا هامًا في بناء‬
‫ونتوجه إلى كل مواطن مهندسًا كان أو عام ً‬
‫الوطن يحقق الكتفاء الذاتي‪ ،‬وبقدر زيادة إنتاجنا والرتقاء بمستواه يكون اقتصادنا قويًا ويتوقف انحدار قيمة عملتنا المحلية وتتضاءل‬
‫نسبة التضخم‪ ،‬ويقل ارتفاع السعار وتكاليف المعيشة‪.‬‬
‫إننا نتألم غاية اللم كلما سمعنا عن شركات القطاع العام وما تتعرض له من خسارة‪ ،‬وهبوط مستوي إنتاجها أو على القل عدم ارتقائه‪،‬‬
‫إننا نؤمن بكفاءة المهندس المصري والعامل المصري فلماذا هذه النتائج المؤسفة؟ نريد تهيئة الظروف والمكانات المناسبة ليظهر إبداع‬
‫الكفاءة المصرية في مجال الصناع لنكتفي ذاتيًا ولنصدر لغيرنا من القطار‪.‬‬
‫ثم نتوجه إلى المواطنين النواب في مجلس الشعب ومجلس الشورى‪ ،‬ونطالبهم باليجابية وتصحيح مسارهم في أداء الدور المنوط بهم‪،‬‬
‫وقد انتخبهم الشعب ممثلين له؛ لتحقيق رغباته ومحاسبة الحكومة نيابة عن الشعب عن أدائها لدورها في خدمة الشعب‪ ،‬ل نريد السلبية‬
‫التي نلمسها عند بعض النواب وخاصةً نواب الحزب الحاكم‪ ،‬لم نر أو نسمع مرة أن نائبًا من الحزب الحاكم قدم نقدًا أو اعتراضًا على‬
‫تصرف للحكومة أو أحد وزرائها في حين أن ذلك يعلي من شأن نواب الحزب الحاكم ول ينال من ولئهم للحزب‪ ،‬أما الموافقة على طول‬
‫الخط والتصفيق لكل صغير أو كبير فذلك أمر يسيء إلى النواب وإلي الحكومة ويعتبر موقفًا سليبًا غير مقبول‪.‬‬
‫ثم نتوجه أخيرًا إلى المواطنين جميعًا للتخلي عن السلبية واللمبالة التي نرى لها صورًا كثيرة في حياة الناس‪ ،‬نراها في عدم نظافة‬
‫الحياء والشوارع للقاء المواطنين الفضلت في غير الماكن المخصصة لها‪ ،‬ونرى حفرًا في بعض الشوارع يتعرض المارة إلى الخطر‬
‫بسببها ول يفكر أحد في ردمها‪ ،‬نرى سيارات تقف في أماكن غير مخصصة لها فتعطل المرور‪ ،‬نري مخالفات المرور‪ ،‬نرى تسعكًا في‬
‫الطرقات واساءات للمارة‪ ،‬نرى إسرافًا في استعمال الماء والكهرباء‪ ،‬وها نحن نسمع عن احتمال تعرض مصر إلى نقص في الماء في‬
‫السنوات القادمة‪ ،‬كذلك الطاقة الكهربائية لن تغطي احتياجات الشعب مستقبلً‪.‬‬
‫نريد من كل مواطن أن يحرص على المال العام من التلف أو الضياع ومن باب أولى ل يأخذ منه بغير وجه حق‪ ،‬نريد من كل مواطن أن‬
‫يأمر بالمعروف وأن ينهى علن المنكر لتتضافر الجود في تطهير المجتمع من الفات التي تحطمه‪ ،‬كما تتضافر الجهود في مقاومة‬
‫الوبئة‪.‬‬
‫نريد من كل مواطن أن يقلع عن العادات الضارة التي تفسد صحته وتضر بالمجتمع وتبدد ثروته كالتدخين والمخدرات والخمر والميسر‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫نريد من المواطنين أن يتخففوا من الكماليات وأسباب الترف التي تدعو إلى الخلد إلى الدعة وأن يتعودوا على الحياة المعتدلة في حدود‬
‫الضروريات لنستطيع أن نواجه الزمات القتصادية بالرادة القوية والتقشف إذا اقتضى المر‪.‬‬
‫نريد من كل مواطن أن يكون رحيم القلب عطوفًا على اليتامي والفقراء والمساكين‪ ،‬وأن يساهم في كل عمل فيه بر وإحسان وخير‬
‫لخوانه المواطنين وخاصةً المحتاجين‪.‬‬
‫بعد هذه الجولة الممتدة حول اليجابية وتصحيح المسار عند طوائف الشعب المختلفة أحسب لو استجبنا لهذا النداء سيتحقق خير كثير‬
‫للوطن ونكون قد بدأنا إيجابية في بناء الوطن تتلوها خطوات بإذن ال‪.‬‬

‫السر دعامة أساسية في البناء‬


‫إن شعورنا باللم يصاحبه شعور بالمل يعتملن في نفس كل فرد من التيار السلمي بسب ما آل إليه الحال في مجتمعنا من تراكم‬
‫المشاكل والزمات التي يعاني منها الغالبية العظمى من الشعب دون حل جذري لها من جهة المسئولين‪ ،‬فدفعنا ذلك إلى القيام بما يمليه‬
‫علينا ديننا من واجب القدام بكل القوة واليجابية لتدارك المر والحيلولة دون انهيار الوضاع‪ ،‬وضرورة السهام في بناء الوطن‬
‫وتخليصه من العلل والمراض التي أصابته في فترات احتلل العداء وما تلها من فترات حكم دكتاتوري متسلط‪.‬‬
‫وإن الشعار الذي رفعه التحالف السلمي بأن "السلم هو الحل" هو الطريق الوحيد للصلح الشامل والعلج الشافي من تلك العلل‬
‫والمراض‪ ،‬وسنظل نطالب به المسئولين ونكسب الرأي العام لجانبه وحتى يستجيب له المسئولون ونكسب الرأي العام لجانبه‪ ،‬وحتى‬
‫يستجيب له المسئولون اختيارًا أو إجبارًا نزو ًل على إرادة الشعب‪ ،‬طالبنا أبناء الوطن باليجابية وتصحيح المسار كل مع نفسه وفي‬
‫موقعه وعمله‪ ،‬بأن يلزم كل منا نفسه بتعاليم ديننا الحنيف وما فيه مصلحة الوطن المواطنين‪.‬‬
‫ونوجه حديثنا هذه المرة إلى السرة وما يمكن لرب السرة وأفرادها من خطوات إيجابية لتصحيح المسار‪ ،‬فالسرة دعامة أساسية في‬
‫البناء‪ ،‬لن المجتمع ما هو إل مجموعة من السر‪ ،‬فإذا صلحت السرة صلح المجتمع وتكونت القاعدة المتينة لبناء الوطن‪ ،‬وإذا انهارت‬
‫السرة انهار المجتمع‪ ،‬وقد حرص أعداء الوطن وأعداء السلم على تحقيق هذا النهيار بكل وسائل الفساد والفساد بالخمر والميسر‬
‫والتبرج والفحشاء واستخدام المرأة كوسيلة لنشر الرذيلة‪ ،‬وشغلها عن رسالتها الساسية في تنشئة الجيال‪ ،‬وتسبب ذلك في تشرد كثير‬
‫من البناء وضياعهم وانتشار الجرائم وساعد إعلمنا الفاسد على ذلك‪ ،‬كما أن التعليم في مدارسنا ومعاهدنا أهمل جانب التربية في‬
‫مراحل التعليم وفي فترة بناء شخصية الجيال‪.‬‬
‫ونريد من كل رب أسرة أن يستشعر مسئوليته وواجبه الديني والوطني نحو أسرته وأل يقتصر اهتمامه بتوفير المطعم والمشرب‬
‫والملبس ومستلزمات الحياة الدنيوية فقط‪ ،‬ولكن ليعلم أنه قبل ذلك وأهم منه رعايتهم دينيًا وخلقيًا‪ ،‬فال تعالى يقول﴿يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا‬
‫ن اللّهَ مَا َأمَ َر ُهمْ وَيَ ْف َعلُونَ مَا ُيؤْمَرُونَ﴾(التحريم‪)6:‬‬
‫شدَا ٌد ل َيعْصُو َ‬
‫علَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ ِ‬
‫س وَالْحِجَا َرةُ َ‬
‫س ُك ْم وََأ ْهلِي ُكمْ نَارًا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫قُوا أَنْفُ َ‬
‫وكذلك حديث رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬الذي يؤكد رعاية الرجل لهل بيته والمرأة راعية في بيت زوجها‪.‬‬
‫نريد هذا التصحيح في المقاييس والموازين لتكون ربانية قرآنية ل ما دية دنيوية‪ ،‬فكثيرًا ما نري البوين يهتمان بمن يمرض من أبنائهم‬
‫وبعلجه وانتظامه في أخذ الدواء ول نلمس منهما مثل هذا الهتمام حينما يقصر البناء في أمور دينهم وفي انتظامهم في أداء الصلة أو‬
‫الصوم أو امتثال الخلق السلمية‪.‬‬
‫وهنا نحب أن نذكر الباء والمهات أن البناء يكونون نعمة وقرة أعين إذا أحسن إعدادهم وتربيتهم وتنشيءتهم على الستقامة‪،‬‬
‫ويصيرن نقمة ومصدر عنت إذا أهملت تربيتهم‪ ،‬والبناء في فتراتهم الولي مثلهم كمثل النبتة اللينة إذا نمت مستقيمة اشتد ساقها‬
‫مستقيمًا‪ ،‬أما إذا حدث لها اعوجاج وهي لينة فسيشتد ساقها بعد ذلك معوجًا وقد يصعب إعادته إلى الستقامة إل من رحم ربك‪.‬‬
‫ونذكر أيضًا بمعنى في غاية الهمية يغفل عنه كثير من الناس وهو الفهم الخاطئ عند الكثير من الشباب والفتيات حيث يعتقدون إن‬
‫السعادة الزوجية تتحقق بتوفر المسكن الجيد والثاث الفخم والثياب الفاخرة وتوفر السيارة وغير ذلك من متاع الدنيا‪ ،‬في حين أن‬
‫السعادة الزوجية الحقة تتحقق بتوفر تقوى ال عند الزوج والزوجة‪ ،‬هذه التقوى التي تولد تبادل الثقة بينهما وتبعد الشكوك والظنون‬
‫ووسوسة الشيطان‪ ،‬ويضفي ال على حياتهما السكن والمودة والرحمة ولو كانا يسكنان في كوخ صغير‪ ،‬وقد يكونان في قصر منيف‬
‫لكنهما يفقدان هذه النعم وتكون حياتهما شقية ل أنس فيها ول مودة ول رحمة‪.‬‬
‫ج َعلَ بَ ْي َن ُكمْ َم َو ّد ًة وَرَحْمَةً‬
‫سكُنُوا ِإلَ ْيهَا وَ َ‬
‫س ُكمْ أَ ْزوَاجًا لِتَ ْ‬
‫ق َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫خَل َ‬
‫ن آيَاتِهِ أَنْ َ‬
‫والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعني في قوله تعالى﴿وَمِ ْ‬
‫ت لِ َق ْومٍ يَتَ َفكّرُونَ﴾(الروم‪ )21:‬ورسولنا الحبيب ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ينبهنا عند اختيار الزوجة أن نظفر بذات الدين‬
‫إِنّ فِي َذلِكَ لَآيا ٍ‬
‫ول يغرينا مالها أو جمالها أو حسبها إذا نقص دينها‪.‬‬
‫والشاعر يقول‪:‬‬
‫ولكن التقيّ هو السعيد‬ ‫ولست أرى السعادة جمع مالٍ‬
‫ونريد رب السرة الذي يغار على عرضه فل يترك زوجته أو بناته دون تربية‪ ،‬فيخرجن متبرجات متكشفات يتعرضن إلى الفتنة وإلى‬
‫الذئاب البشرية وإلى غضب ال عليهن‪ ،‬ويعدن إلى البيت وقد حملن من السيئات بعدد النظرات التي سقطت عليهن ممن ل يحل لهم أن‬
‫يروا ما أمر ال به أن يستر‪ ،‬وهذه النظرات المحرمة لو قدرت لتجاوزت اللف في كل مرة يخرجن فيها‪.‬‬
‫ونريد من الرجل رب السرة أن يعامل زوجته بالحسنى‪ ،‬وأن يقوم بواجباته نحوها فرسولنا ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول "خيركم خيركم‬
‫لهله وأنا خيركم لهلي" وكان دائمًا يوصي النساء خيرًا وكان يشارك أهله أحيانًا في عمل البيت‪ ،‬ل نريد رب السرة المستبد برأيه‬
‫والذي يريد فقد أن يأمر فيطاع فالزوجة لها دورها الخطير في بناء السرة واستقرارها فلبد أن تشارك بالرأي وأن يسود جو التفاهم‬
‫والتعاون فيما بينهما في شيءون السرة‪.‬‬
‫على رب السرة أن يضفي على السرة جو البهجة والحب والمناخ الطاهر النظيف الخالي من العادات السيئة والخلق الهابطة كي ل‬
‫ينعكس ذلك على البناء لنهم يقتدون بألصق الناس بهم وهما الب والم‪.‬‬
‫ل نريد رب السرة الذي تشغله أعماله عن رعاية بيته وأولده وحمايتهم من النحراف فلن ينفع المال مهما كثر في إصلح أي فساد أو‬
‫انحراف نتج بسبب انشغاله في جمع المال‪.‬‬
‫وصدق الشاعر حين يقول‪:‬‬
‫ل بارك ال بعد العرض في المال‬ ‫أصون عرضي بمالي ل أدنسه‬
‫ولست للعرض إن أودى بمحتال‬ ‫أحتال للمال إن أودى فأكسبه‬
‫ونريد من المرأة زوجة كانت أو أمًا أن تقدر دورها الخطير في بناء الوطن‪ ،‬وذلك بحسن أدائها لدورها في البيت وتنشئة البناء‪ ،‬فهي‬
‫صانعة الرجال‪.‬‬
‫إن السلم جاء من أكثر من ألف وأربعمائة سنة ليكرم المرأة ويرفع من مكانتها وما كانت عليه من امتهان‪ ،‬وأعطاها حقوقها كاملة بما‬
‫لم تعطه لها قوانين الدول الحديثة التي يسمونها بالدول المتقدمة وأصحاب الحضارة الحديثة‪ ،‬إن كثيرًا من هذه الدول وإلي عهد قريب‬
‫كانت تحرم المرأة من الميراث إذا كان لها أخ كما كانت تحرمها من الميراث إذا كانت أمًا‪.‬‬
‫إن هناك فئة ضالة تدعي أنها تدافع عن حقوق المرأة وأنها تريد أن تحررها من القيود التي يقيدها بها السلم وتعاليمه الخاصة بها‪،‬‬
‫والحقيقة أن هؤلء الدعياء ل يدافعون عن المرأة ولكنهم يدفعون بها إلى الضياع والبتذال والمتهان‪ ،‬في حين أن السلم بتعاليمه‬
‫الربانية يريد أن يكرمها ويحفظ عليها كمالها وجللها‪ ،‬وأن يصونها من أن تكون مجرد متعة لحظية يتبادلها أمثال هؤلء الدعياء الذين‬
‫يدعون أنهم يدافعون عنها‪ ،‬يريدون لها السفور والتبرج والختلط الذي ل يُلتزم فيه بما يحول دون الفتنة‪.‬‬
‫أل فليعلم الجميع أن الحرية الحقيقية التي تحقق الخير للفراد والمجتمع هي في التزام تعاليم ال خالق البشر وهو أعلم بمن خلق وبهم‬
‫رءوف رحيم‪ ،‬وهل يتصور عاقل أن ال في تعاليمه يجور على المرأة! أو أنه منحاز للرجل على حساب المرأة! كبرت كلمة تخرج من‬
‫أفواههم إن يقولون إل كذبًا‪ .‬ويكفينا نظرة إلى الواقع في بلد الغرب أو الشرق المادي وحال المرأة والسرة والعلقة بين أفرادها‪ ،‬وكثير‬
‫من هذه الدول يشكون اليوم من التفريغ السكاني ويحاولون بكل الوسائل معالجة هذه الظاهرة‪.‬‬
‫كما نرى المرأة في تلك الدول تشقى في سبيل توفير أسباب معيشتها‪ ،‬في حين يُلزم السلم الرجال بكفالة المرأة وتكريمها‪ ،‬وهذا حديث‬
‫رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحث على تكريم المرأة‪ ،‬فعن ابن عباس رضي ال عنه قال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬ما من مسلم‬
‫تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إل أدخلتاه الجنة"‪.‬‬
‫إننا نطلب من كل زوجة أو أم أن تقوم بدورها بإقامة البيت على أساس من آداب الدين الحنيف وتعاليمه وتنشيء البناء على أخلق‬
‫السلم وسنة الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وحمايتهم من التأثر بالخلق والعادات السيئة التي يجدونها في الشارع وعن طريق‬
‫أجهزة العلم‪ ،‬كما ننبه إلى خطورة ترك البناء للخادمات أو المربيات بسبب النشغال بالعمل‪ ،‬فإن ذلك له انعكاسات سيئة في بناء‬
‫شخصية البناء‪ ،‬وإن أي نقص أو انحراف في تنشيءتهم ل يعدله مال‪.‬‬
‫كما نطالب ربة البيت أن تتحرى الحلل والبعد عن الحرام في مطعمهم ومشربهم‪ ،‬كذلك عدم السراف في استهلك المياه والكهرباء‬
‫والطعام وغير ذلك‪ ،‬خاص ًة في هذه الظروف القتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب‪.‬‬
‫وهكذا عندما تستجيب السر لهذا الذي ندعوهم إليه نكون قد خطونا خطوة بناءة عظيمة في مراحل بناء الوطن‪ ،‬ومما يبشر بخير أن‬
‫نرى هذا الثر الطيب على الساحة المصرية‪ ،‬بل وعلى غيرها في القطار السلمية من انتشار الزي السلمي للمرأة بعد أن كان‬
‫مستغربًا وموضع سخرية منذ عشرات السنين القليلة وكان التعري والتكشف هو السائد‪ ،‬فبفضل ال وانتشار الوعي السلمي ساد‬
‫الحجاب وصارت المرأة أو الفتاة المتكشفة المتبرجة هي المستغربة المستنكرة‪ ،‬وهكذا نرى دعاة السفور والتبرج تمتلئ قلوبهم بالغيظ‬
‫والكمد تحسرًا على جهودهم التي ذهبت هباء‪ ،‬والمل كبير في أن يستمر هذا المد السلمي الواعي حتى يعم الساحة كلها بإذن ال وال‬
‫غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫المجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها البناء‬
‫توجهنا في حديثنا إلى كل فرد من أبناء الوطن مطالبين إياه باليجابية وتصحيح المسار كل في نطاق مسئوليته وموقع عمله‪ ،‬ثم توجهنا‬
‫إلى السرة كدعامة أساسية في البناء ودور الرجل والمرأة في تقوية هذه الدعامة لتؤدي دورها البناء‪ ،‬ونتوجه اليوم إلى المجتمع‬
‫كقاعدة للبناء نريد له أن تكون متينة قوية صلبة ليقوم عليها البناء ويعلو ويستقر‪.‬‬
‫ولما كنا قد أوضحنا أن فلسفتنا في بناء وطننا لبد أن تكون على أساس السلم ومبادئه لذلك لزم أن نوضح معالم المجتمع المسلم‬
‫ومقوماته ونحن نتوجه إلى أفراد مجتمعنا لنتعاون في إيجاد هذا المجتمع النموذج بإذن ال‪.‬‬
‫إن المجتمع المسلم الذي ننشده مجتمع فاضل يهدف إلى إقامة الحياة المتوازنة التي تتجلى فيها خصائص الفطرة وتتسق مع دور النسان‬
‫في الحياة‪ ،‬إنه مجتمع متميز في منهجه عن المناهج الجتماعية حديثها وقديمها‪ ،‬فل يقصر نظره على مطالب المادة ول يسعى نحو‬
‫رفاهية العيش فحسب‪ ،‬ولكنه يقرن ذلك – يؤثر عليه – بأن يمكن النسان من عبادة خالقه وأن يرشده في مسلكه في الحياة وأن يصحح‬
‫اتجاهه في دنياه فيتحقق الخير ويدعو إليه وينأى عن الشر وينهى عنه‪ ،‬ويقيم نظامه وبرامجه على أساس المبادئ الخلقية التي تصل‬
‫بالفرد إلى المستوي الذي يصلح له‪.‬‬
‫ول يقتصر المجتمع المسلم في نظرته إلى نفسه‪ ،‬بل يمد النظر إلى الفاق المظلمة في الرض‪ ،‬إلى كل مجتمع يشقى بجهله ويتعثر في‬
‫سعيه ويضل في اتجاهه فيرشد ويدعو ويبين ويصلح حتى يعم الخير في الرض ويسعد النسان في كل مكان‪.‬‬
‫إن مجتمعات الشرق والغرب في هذا العصر لم تنجح في حل مشكلت النسانية‪ ،‬ولم تستطع برغم ما تملك من وسائل أن تحقق السعادة‬
‫للبشر‪ ،‬فليس المر أمر القوت واللة فحسب‪ ،‬بل وراء ذلك عناصر ضرورية تفقدها ول تستطيع إليها سبيلً‪ ،‬فلبد أن يتاح المجال‬
‫للوحي اللهي الصادق أن يهدي البشر إلى التي هي أقوم‪ ،‬ويحقق لهم الحياة الطيبة المطمئنة التي تتوازن فيها القوى ويعم الخير‬
‫والسلم‪.‬‬
‫يخطئ البعض ويسرع في نفي الصفة السلمية عن مجتمعاتنا بسبب عدم تحاكمها إلى شريعة ال أو بسبب انتشار الكثير من المعاصي‬
‫والمنكرات‪ ،‬وهنا يلزم أن نفرق بين المجتمع وبين الدولة‪ ،‬فلئن كان الستبداد قد عرف طريقه إلى الحكم في فترات‪ ،‬وإذا كانت المظالم‬
‫الكثيرة قد أشاعها أصحاب الهواء وفسدت الخلق فإن ذلك ل يعني سقوط المجتمع المسلم‪.‬‬
‫فالمجتمع المسلم هو هذه المة التي التفت حول دينها في أحرج الوقات وحالك الظلمات‪ ،‬وهي التي تقيم الدين وتصر على تطبيقه حتى‬
‫عندما ينحرف الحاكمون وتهمل الدولة تطبيق شريعة السلم‪ .‬وقد لمسنا ذلك جليّا في مجتمعنا المصري في النتخابات الخيرة عندما‬
‫رفع التحالف السلمي شعار السلم هو الحل‪ ،‬فتجاوبت جماهير الشعب تجاوبًا واضحًا‪ ،‬حال التزوير دون ظهوره في نتائج النتخابات‪،‬‬
‫ول يزال ذلك المجتمع قائمًا في كل بيئة إسلمية تصح فيها العقيدة وتنجو عن الدواء التي بثها أعداء هذا الدين في كثير من النحاء‪،‬‬
‫وهذا ما يسعى التيار السلمي إلى تصحيحه والوصول إليه‪.‬‬
‫إن ديننا السلم ليس دينًا فرديًا رهبانيًا‪ ،‬ولكنه دين حياة شامل ينظم شئون الحياة في المجتمع‪ ،‬سياسيةً واجتماعيةً واقتصاديةً‪ ،‬فهو‬
‫لذلك يهتم بالمجتمع وبكل ما يتصل به‪ ،‬فيحميه من العقائد الفاسدة الضالة والنظم الظالمة‪ ،‬ويحرص على إقامة مجتمع يحقق مبادئ‬
‫السلم ويطبق نظرته إلى الوجود ويفسر رأيه في الحياة والحياء‪.‬‬
‫وهل يُقبل لمجتمع‪ ،‬غالبيته العظمى تدين بالسلم‪ ،‬أن تدار شئونه بمبادئ غير السلم‪ ،‬أو تعارض مبادئ السلم التي نزل بها الوحي؟!‬
‫وليكن معلومًا أن كل ما يعارض الوحي اللهي من التجاهات والفلسفات‪ ،‬فهو هوى ونزوة تنزع بالفرد والمجتمع إلى الهلك‪.‬‬
‫لذلك نرى القرآن ينبه إلى ضرورة التمسك بشرع ال ويحذر من التفريط في أية جزئية منه فيقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم‪﴿ :‬‬
‫ع َلمْ أَنّمَا يُرِي ُد اللّهُ أَنْ‬
‫حذَ ْر ُهمْ أَنْ يَ ْفتِنُوكَ عَنْ َب ْعضِ مَا َأنْ َز َل اللّهُ ِإَليْكَ َفإِنْ َت َوّلوْا فَا ْ‬
‫ح ُكمْ بَيْ َن ُهمْ بِمَا َأنْ َزلَ اللّ ُه وَل تَتّ ِبعْ َأ ْهوَا َء ُهمْ وَا ْ‬
‫وَأَنِ ا ْ‬
‫حكْمًا لِ َق ْومٍ يُوقِنُونَ﴾(المائدة‪- 49:‬‬
‫ن اللّهِ ُ‬
‫ن مِ َ‬
‫ح ْك َم الْجَا ِهلِيّةِ َي ْبغُونَ وَمَنْ أَحْسَ ُ‬
‫ن كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَ ُ‬
‫ض ذُنُو ِب ِه ْم وَإِ ّ‬
‫ُيصِي َب ُهمْ ِب َبعْ ِ‬
‫‪.)50‬‬
‫إن السلم جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ ولرفع الصرعن المستضعفين وفك الغلل عن المستعبدين لتحقيق الحياة الطيبة‬
‫والهداية للتى هي أقوم‪.‬‬
‫إن للسلم رأيه في العلقة بين البشر ونظامه في الثوارت والموال‪ ،‬ومنهاجه في القيم والمعاملت‪ ،‬وتوجيهه للشباب‪ ،‬وخطته للمرأة‪،‬‬
‫وأسلوبه في الحياة‪ ،‬واتجاهاته في الغايات والهتمامات‪ ،‬والعبودية الحقة ل تلزم كل مؤمن ومؤمنة بتنفيذ تعاليم السلم وهديه‪ ﴿ :‬وَمَا‬
‫للً مّبِينًا﴾‬
‫ضلّ ضَ َ‬
‫ل وَرَسُولَهُ فَ َقدْ َ‬
‫صا َ‬
‫ن َولَ ُمؤْمِنَةٍ ِإذَا قَضَى الُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن َيكُونَ َل ُه ُم الْخِيَ َرةُ مِنْ أَمْ ِر ِه ْم وَمَن َيعْ ِ‬
‫كَانَ لِ ُمؤْمِ ٍ‬
‫(الحزاب‪.)36:‬‬
‫هل منا من يجهل ما كان عليه المجتمع الجاهلي في جزيرة العرب قبل السلم؟! وكيف فقدت فيه أسس الخلق السليمة‪ ،‬وفشت فيه‬
‫أدواء الثرة‪ ،‬ودبت فيه نوازع السيطرة والستبداد‪ ،‬وضاعت فيه حقوق الضعاف وأهمل البائسون‪ ،‬ثم كيف تحول هذا المجتمع وصار‬
‫مجتمعًا فاضلً حل فيه اليثار مكان الثرة‪ ،‬والعدل والنصاف محل الظلم والستبداد‪ ،‬والحب والتعاون بدلً من الحروب والقتال‪ ،‬ووجد‬
‫الضعيف والمسكين والفقير العناية والرعاية؟؟!‪.‬‬
‫ومن حكمة ال البالغة أن ربط هذه المعاملت الفاضلة بالعقيدة لضمان استمراريتها وتجدد الدافع لها كعبادة وقربى إلى ال‪ ،‬ومن مثال‬
‫ن * اّلذِينَ‬
‫سكِي ِ‬
‫طعَامِ الْمِ ْ‬
‫علَى َ‬
‫حضّ َ‬
‫ع الْيَتِي َم * وَل يَ ُ‬
‫ت اّلذِي ُي َكذّبُ بِالدّينِ* َف َذلِكَ اّلذِي َيدُ ّ‬
‫ربط العقيدة بالتكافل الجتماعي قوله تعالى‪﴿:‬أَرََأيْ َ‬
‫ن الْمَاعُونَ﴾(الماعون‪.)7-1:‬‬
‫ن * وَيَمْ َنعُو َ‬
‫ن ُهمْ يُرَاؤُ َ‬
‫ن صَل ِت ِهمْ سَاهُونَ * اّلذِي َ‬
‫ُهمْ عَ ْ‬
‫ن * اّلذِينَ ِإذَا ا ْكتَالُوا‬
‫ونرى السلم ‪-‬وهو لزال في أول عهده بمكة‪ -‬يعالج قضايا اجتماعية مثل تطفيف الكيل والميزان﴿وَ ْي ٌل ِللْمُطَفّفِي َ‬
‫س لِرَبّ‬
‫ن * لِ َي ْومٍ عَظِيمٍ * َي ْومَ يَقُومُ النّا ُ‬
‫ظنّ أُوَلئِكَ أَ ّن ُهمْ مَ ْبعُوثُو َ‬
‫ن * وَِإذَا كَالُو ُهمْ َأوْ وَ َزنُو ُهمْ ُيخْسِرُونَ * أَل يَ ُ‬
‫علَى النّاسِ يَسْ َت ْوفُو َ‬
‫َ‬
‫ا ْلعَالَمِينَ﴾(المطففين‪.)6-1:‬‬
‫إن التيار السلمي يدعو أفراد مجتمعنا إلى اللتزام بتعاليم السلم وأخلقه‪ ،‬والتزام منهج السلم في بناء المجتمع الفاضل المتعاون‬
‫والمتكافل الذي يُعتبر الخطوة الساسية‪ ،‬بل القاعدة المتينة التي يقوم عليها بناء الوطن على أساس سليم من شرع ال ونور الوحي‬
‫اللهي‪.‬‬
‫إن مجتمعنا يشكو من كثير من العلل نريد أن نسعى جميعًا للتخلص منها‪ ،‬وإذا كان النظام الحاكم يتحمل عبئًا كبيرًا في علج هذه العلل‪،‬‬
‫ولكن أفراد الشعب عليهم أيضًا مسئولية يجب أن يقوموا بها‪.‬‬
‫إننا نريد أن نضع المجتمع المسلم كقدوة أمامنا نسعى لتحقيقه‪ ،‬وإن الدعائم الساسية التي يقوم عليها المجتمع المسلم‪ ،‬هي الخوة‬
‫والمساواة والحرية والتكافل‪.‬‬
‫كما أن لهذا المجتمع السلمي خصائصَ تميزه عن غيره‪ ،‬فهو مجتمع رباني يقوم على طاعة ال وتحقيق إرادته كما تمثلت في آخر‬
‫رسالة وأصدق كتاب‪ ،‬وهو كذلك مجتمع إنساني بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى نبيل يفسح جنباته لكل من يؤمن بالحق ويعمل للخير‪،‬‬
‫ل يفرق بين لون أو جنس أو منزلة فالكل لدم والكل خلفاء في الرض ما داموا على سنن الهداية والرشاد‪ ،‬ومن خصائص هذا المجتمع‬
‫السلمي أنه يقوم في تطبيق مبادئه ورعاية أهدافه على اللتزام الذي يؤدى فيه كل فرد واجبه عن طواعية ويقين‪ ،‬ويرجع فيه الجميع‬
‫إلى مبادئ واضحة ل يقصر عن بلوغها أحد‪ ،‬وكل فرد منهم يراقب ال في عمله وواجبه قبل أن تشغله رقابة البشر‪.‬‬
‫وسنعرض إلى الدعائم الساسية الواحدة تلو الخرى وهي الخوة والمساواة والحرية والتكافل؛ لنتبين سويًا واجبنا ودورنا في إقامة هذه‬
‫الدعائم في مجتمعنا المصري‪.‬‬
‫الدعامة الولي‪ ،‬وهي الخوة‪ :‬دعامة أساسية‪ ..‬إذ لبد أن تتوثق الروابط والواصر بين أفراد المجتمع؛ كي يكون مجتمعًا متماسكًا صلبًا‬
‫يصمد أمام التحديات التي تواجهنا وما أكثرها‪ ،‬إنّ الوحدة رمز القوة والطريق إلى النصر‪ ،‬والفرقة رمز الضعف والطريق إلى الهزيمة‪.‬‬
‫لذلك نرى السلم يهتم بآصرة الحب والخوة بين أفراد المجتمع كل الهتمام‪ ،‬وقد آخى رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬بين‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬وسجل القرآن هذه المؤآخاة التي أثمرت اليثار‪.‬‬
‫ونجد القرآن يوجه نداءاته للمؤمنين بصيغة الجمع‪﴿،‬يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا﴾ ثم يحث السلم على صلة الجماعة في المسجد لتقوية الصلة‬
‫بين الفراد المسلمين في الحي أو القرية‪ ،‬كما يؤكد على صلة القرابة والرحم في السرة‪ ،‬وكذا يوصي بالجار كثيرًا‪ ،‬وعلي الساحة‬
‫العالمية يصوم المسلمون جميعًا في شهر واحد وهو رمضان‪ ،‬كما يؤدى المسلمون من كل الجناس فريضةَ الحج ويجتمعون في صعيد‬
‫واحد يتعارفون ويتبادلون آلمهم وآمالهم‪.‬‬
‫ونرى السلم قادرًا على تهذيب المجتمع النساني وإزالة الفوارق الإقليمية والعصبيات القومية والقبلية‪ ،‬ونجد الحب والرحمة والطمأنينة‬
‫تمتد على طول البلد التي دخلت في السلم واستظلت بظله طالما حافظت على هدايته واستمسكت بمبادئه قرونًا عديدة‪ ،‬ولم يغيرأمرها‬
‫إل نبذها لتعاليم السلم وافتتانها بمكر الكافرين وما يعرضونه من مبادئ خادعة ل تسلم أهلها إل إلى ضيق وقيود وهبوط بالنسانية‪،‬‬
‫كما هو مشاهد في الغرب والشرق الماديين‪.‬‬
‫والرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يشبه المجتمع المتحاب المترابط بالجسد الواحد فيقول‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‬
‫كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" كما يقول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬والذي نفسي بيده ل‬
‫تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ول تؤمنوا حتى تحابوا أل أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلم بينكم"‪.‬‬
‫ونجد السلم يرتب على الخوة طائفةً من الحقوق والواجبات يقوم بأدائها نحو إخوانه‪ ،‬فيقول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫"المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه‪ ،‬ومن كان في حاجة أخيه كان ال في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج ال عنه كربة من‬
‫كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره ال يوم القيامة"‪.‬‬
‫ويطلب السلم من المسلم أن ينصر أخاه ظالمًا فيمنعه من الظلم‪ ،‬وينصره مظلومًا بأن يدفع عنه الظلم‪ ،‬وتحث السنة النبوية على أمور‬
‫كثيرة من شأنها أن توثق الروابط بين أفراد المجتمع المسلم‪.‬‬
‫وفي المقابل نرى أن السلم ينهى عن كل شيء من شأنه أن يحدث خلفًا أو فرقةً وتنازعًا‪ ،‬فل سخرية ول تنابز باللقاب ول غيبة ول‬
‫نميمة ول تجسس‪ ،‬ول إساءة ظن‪ ،‬وسورة الحجرات تناولت ذلك بتفصيل‪ ،‬وهذا الحديث الجامع لرسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬
‫"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ول تجسسوا ل تحسسوا ول تنافسوا ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا وكونوا عباد ال إخوانًا‬
‫كما أمركم ال تعالى المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ول يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على‬
‫المسلم حرام ماله ودمه وعرضه"‪.‬‬
‫والسلم إذ يوصي بالعلقات الطيبة والتعاطف والتراحم بين أفراده المسلمين ل يعني أنه يتجاهل القليات التي تعيش في مجتمعه من غير‬
‫ن دِيَا ِر ُكمْ أَنْ َتبَرّو ُهمْ‬
‫ن َو َلمْ ُيخْرِجُو ُكمْ مِ ْ‬
‫ن َلمْ يُقَا ِتلُو ُكمْ فِي الدّي ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫المسلمين‪ ،‬ولكنه يوصي بالبر بهم في قوله تعالى‪﴿:‬ل يَ ْنهَا ُكمُ اللّهُ عَ ِ‬
‫ب الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة‪ )8:‬فالمجتمع السلمي ل يقف موقف العداء والمناوأة لغير المسلمين‪ ،‬بل يعاملهم‬
‫ن اللّهَ يُحِ ّ‬
‫وَتُقْسِطُوا ِإلَ ْي ِهمْ إِ ّ‬
‫بالجانب النساني الذي ل يقبل الظلم لي إنسان مهما كان‪ ،‬فمن الممكن أن يقوم التعاون في المجتمع السلمي بين المؤمنين وأهل‬
‫الكتاب استنادًا للمصالح المشتركة والتعاضد في مواجهة المشكلت والتعاون على جلب المنفعة ودفع المضرة‪ ،‬ول يؤثر على هذه العلقة‬
‫أو يقطعها إل كيدهم للعقيدة السلمية‪ ،‬أو أن يدبروا السوء لجماعة المسلمين‪.‬‬
‫ك اللّ ُه وَل‬
‫ح ُكمَ َبيْنَ النّاسِ بِمَا أَرَا َ‬
‫حقّ لِ َت ْ‬
‫ك ا ْلكِتَابَ بِالْ َ‬
‫وكلنا يعلم كيف نزل القرآن يبرئ اليهودي ويدين المسلم في قوله تعالى‪﴿:‬إِنّا أَنْ َز ْلنَا ِإَليْ َ‬
‫خوّانًا‬
‫ن كَانَ َ‬
‫ن اللّهَ ل ُيحِبّ مَ ْ‬
‫س ُهمْ إِ ّ‬
‫ختَانُونَ أَنْفُ َ‬
‫عنِ اّلذِينَ يَ ْ‬
‫ن اللّ َه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَل تُجَا ِدلْ َ‬
‫ن ِللْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْ َتغْفِ ِر اللّهَ إِ ّ‬
‫َتكُ ْ‬
‫أَثِيمًا﴾(النساء‪.)107-105:‬‬
‫والمجتمع المسلم ل يقر الطبقية والتفاضل بالمال والجاه ولكن‪﴿:‬إِنّ َأكْرَ َم ُكمْ عِ ْن َد اللّهِ أَتْقَا ُكمْ﴾‪.‬‬
‫ول يقر العنصرية الجنسية والتي ل تزال موجودةً عند بعض الدول غير السلمية‪ ،‬وها هو بلل‪ -‬رضى ال عنه‪ -‬يأخذ مكانة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وصار له ذلك الذكر المجيد والمرتبة السابقة؛ حتى ليقول فيه عمر بن الخطاب"أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا"‪ ،‬وها هو رسولنا‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬اسمعو وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"‪.‬‬

‫الخوة والمساواة من دعائم المجتمع المسلم‬


‫ونحن إذ نؤكد حرص التيار السلمي على بناء وطننا العزيز على أساس متين من شرع ال‪ ،‬ولعداد مستقبل زاهر للجيال الحالية‬
‫والتالية‪ ،‬نوضح أن المجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها البناء مستقرًا وقويًا ومتصديًا لكل التحديات أو الضغوط من العداء‪ ،‬وقد‬
‫اتخذنا المجتمع السلمي قدوةً نسعى لتحقيقها‪ ،‬وذكرنا أنه يقوم بعد صفة الربانية على دعائم أربع‪ ،‬وهي الخوة والمساواة والحرية‬
‫والتكافل‪ ،‬وسنتناول هنا دعامتي الخوة والمساواة‪.‬‬
‫من الطبيعي أن تكون قاعدة أي بناء صلبة متماسكة‪ ،‬ونرى ذلك في أساس العمارات‪ ،‬وكلما كان البناء عاليًا احتاج إلى أساس عميق‬
‫ومتين‪ ،‬ونحن نريد لبناء وطننا أن يكون عاليًا شامخًا ثابتًا مستقرًا؛ لذلك كان من ألزم المور قوة الترابط بين أفراد المجتمع أو ما‬
‫نسميه في المجتمع السلمي رابطة الخوة التي تجعل المجتمع وحدة متماسكة‪ ،‬والوحدة رمز القوة والطريق إلى النصر‪ ،‬والفرقة‬
‫رمزالضعف الطريق إلى الهزيمة‪.‬‬
‫لذلك نرى السلم يهتم بآصرة الحب والخوة ويحث على كل ما من شأنه تقويتها‪ ،‬وينهى عن كل ما من شأنه أن ينال منها‪ ،‬وها هو‬
‫رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬بعد هجرته إلى المدينة حيث كانت بداية المجتمع المسلم بدأ بعد بناء المسجد بالمؤاخاة بين‬
‫س ِه ْم َو َلوْ كَانَ‬
‫علَى أَنْفُ ِ‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬وقد سجل القرآن الكريم هذه المؤاخاة التي ضربت المثل الرائع للحب واليثار‪﴿:‬وَ ُيؤْثِرُونَ َ‬
‫صةٌ﴾(الحشر‪ :‬من الية ‪.)9‬‬
‫ِب ِهمْ خَصَا َ‬
‫لدوام الشعور بالوحدة والاجتماع نرى القرآن الكريم يوجه النداء للمؤمنين بصيغة الجمع دائمًا فيقول‪﴿:‬يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا﴾ ويقول‪﴿:‬إِنّمَا‬
‫خ َوةٌ﴾(الحجرات‪ :‬من الية ‪ ،)10‬دون اعتبار لجنس أو لون أو نسب فاجتمع سلمان الفارسي وبلل الحبشي وصهيب الرومي‬
‫الْ ُمؤْمِنُونَ إِ ْ‬
‫مع إخوانهم العرب‪.‬‬
‫لهذا فإننا نشجب النعرات القومية التي ينعق بها البعض بين الحين والحين تنفيذًا لتخطيط أعداء السلم‪ ،‬لتمزيق وحدة المسلمين‪ ،‬وهل‬
‫هناك مثل أروع في التشبيه لقوة الترابط من قول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‬
‫كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"‪ ،‬ثم نجده ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحفز المسلمين على هذا‬
‫الترابط بأقوى حافز وهو دخول الجنة فيقول "والذي نفسي بيده ل تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ول تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أل أدلكم على شيء‬
‫عدَاءً‬
‫علَ ْي ُكمْ ِإ ْذ كُنْ ُتمْ أَ ْ‬
‫ت اللّهِ َ‬
‫إذا فعلتموه تحاببتم‪ ،‬أفشوا السلم بينكم" وها هو القرآن يصف هذه الخوة بأنها نعمة من ال﴿وَا ْذكُرُوا ِنعْمَ َ‬
‫خوَانًا﴾(آل عمران‪ :‬من الية ‪.)103‬‬
‫صبَحْ ُتمْ ِب ِنعْمَتِهِ إِ ْ‬
‫َف َألّفَ َبيْنَ ُقلُو ِب ُكمْ َفأَ ْ‬
‫ولم يقتصر السلم على جعل هذا الحب وتلك الخوة مجرد عاطفة‪ ،‬ولكنه رتب عليها طائفة من الحقوق والواجبات يلتزمها كل مسلم‬
‫بمقتضى تلك العلقة ويكلف بها على أنها دين يحاسب عليه وأمانة لبد من أدائها‪ ،‬فيقول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬المسلم‬
‫أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان ال في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج ال عنه كربة من كرب يوم‬
‫القيامة ومن ستر مسلمًا ستره ال يوم القيامة"‪.‬‬
‫فهل نرى مجتمعًا إنسانيًا – غير مجتمع السلم – يقوى على أن يلزم كل فرد فيه بأن يسعى في حاجة أخيه؟! بل إن صراع الحياة‬
‫وزحامها يصير بالناس إلى أن يسعى بعضهم في إحباط مصالح البعض حين تتعارض المصالح وفي عصرنا الحاضر تبلغ تلك الحرب‬
‫غايتها‪.‬‬
‫وهكذا يرتفع المجتمع المسلم إلى درجة عالية من التضامن والتكافل وأن يتوحد الحساس‪ ،‬فيعمل كل فرد على تفريج ضوائق أخيه وحل‬
‫مشكلته‪ ،‬ويقف منه موقف العون والمساندة ل موقف الحقد والشماتة‪.‬‬
‫بل أن يطالب بالمواقف اليجابية إزاء ظاهرة الظلم حينما تظهر بين أفراد المجتمع‪ ،‬بأن يقوم المسلم بنصرة أخيه إن كان ظالمًا‪ ،‬بأن‬
‫يمنعه من الظلم وإن كان مظلومًا بأن يرفع عنه الظلم‪.‬‬
‫وإن صلة الجماعة في المسجد خمس مرات في اليوم تحقق اللفة والوحدة بين المسلمين الذين يجتمعون على الصلة كذلك صلة‬
‫الجمعة وصلة العيدين‪ ،‬ثم إن صيام المسلمين في العالم في شهر واحد واجتماعهم في صعيد واحد لداء فريضة الحج‪ ،‬كل ذلك من شأنه‬
‫أن يدعم الخوة والرابطة بين المسلمين‪.‬‬
‫ونرى في سورة الحجرات وغيرها من سور القرآن‪ ،‬النهي عن كل ما من شأنه إحداث فرقة أو خلف بين المسلمين‪ ،‬كالسخرية والتنابز‬
‫باللقاب والغيبة والنميمة وسوء الظن والتجسس وغير ذلك‪.‬‬
‫كذلك حديث رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث‪ ،‬ول تجسسوا ول تحسسوا ول تباغضوا ول تدابروا‬
‫وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم ال تعالى المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله ول يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه‬
‫المسلم كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه"‪.‬‬
‫وبجانب دعامة الخوة العامة بين أفراد المجتمع المسلم نجد روابط أخري خاصةً يحث عليها السلم ويوصي بها‪ ،‬كصلة القرابة والرحم‪،‬‬
‫ع ُبدُوا اللّ َه وَل تُشْ ِركُوا بِهِ شَيْئًا وَبِا ْلوَا ِلدَيْنِ إِحْسَانًا وَ ِبذِي الْقُرْبَى‬
‫وصلة الجار ويقرن القرآن هذه الصلت بعبادة ال في قوله‪ :‬تعالى﴿وَا ْ‬
‫ن كَانَ ُمخْتَالً‬
‫ن اللّهَ ل ُيحِبّ مَ ْ‬
‫ب وَا ْبنِ السّبِي ِل وَمَا َم َلكَتْ َأيْمَا ُن ُكمْ إِ ّ‬
‫ن وَالْجَا ِر ذِي الْقُرْبَى وَالْجَا ِر الْجُ ُنبِ وَالصّاحِبِ بِالْجَنْ ِ‬
‫وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِي ِ‬
‫فَخُورًا﴾ (النساء‪ ،)36:‬ول يظن ظان أن تقوية الرابطة بين أفراد المجتمع المسلم تعنى إهمال العلقة مع غير المسلمين أو عزلهم أو‬
‫ن َلمْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫الشعور نحوهم بشيء من العداوة‪ ،‬ولكن السلم يوصي بالبر بهم والعدل والقسط بينهم فيقول تعالى‪﴿:‬ل َي ْنهَاكُ ُم اللّهُ عَ ِ‬
‫سطِينَ﴾(الممتحنة‪ ،)8:‬فل يقبل أن يتعرض أحد‬
‫ب الْمُقْ ِ‬
‫ن اللّهَ يُحِ ّ‬
‫سطُوا ِإَل ْي ِهمْ إِ ّ‬
‫ن ِديَا ِركُمْ أَنْ َتبَرّو ُهمْ وَتُقْ ِ‬
‫ن َو َلمْ ُيخْرِجُو ُكمْ مِ ْ‬
‫يُقَا ِتلُو ُكمْ فِي الدّي ِ‬
‫منهم إلى ظلم‪ ،‬بل من الممكن أن يقوم التعاون في المجتمع السلمي بين المؤمنين وأهل الكتاب استنادًا للمصالح المشتركة والتعاضد في‬
‫مواجهة المشكلت والتعاون على جلب المنفعة ودفع المضرة‪ ،‬ول يؤثر على هذه العلقة أو يقطعها إل كيدهم للعقيدة السلمية أو أن‬
‫يدبوا سوءًا لجماعة المسلمين‪.‬‬
‫أما عن دعامة المساواة فإن المجتمع السلمي يرتقي إلى أفق عال في استمساكه بالمساواة وطرحه لكل ما اصطنعه الظالمون من فروق‬
‫خلَقْنَا ُكمْ‬
‫بين البشر من حر وعبد وشريف ووضيع ورد البشر إلى حقيقتهم الكبيرة وأصلهم الواحد في قول ال تعالى﴿يَا َأ ّيهَا النّاسُ ِإنّا َ‬
‫علِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات‪ ،)13:‬وقال الرسول ‪-‬صلى ال‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ع ْندَ اللّهِ َأتْقَا ُكمْ إِ ّ‬
‫شعُوبًا وَ َقبَا ِئ َل لِ َتعَارَفُوا إِنّ َأكْرَ َم ُكمْ ِ‬
‫ج َعلْنَا ُكمْ ُ‬
‫ن َذكَرٍ وَُأنْثَى وَ َ‬
‫مِ ْ‬
‫عليه وسلم‪" -‬الناس لدم وأدم من تراب ل فضل لعربي على عجمي ول لبيض على أسود إل بالتقوى"‪.‬‬
‫وهاهو بلل العبد الحبشي يأخذ مكانه بين المسلمين حتى يقول فيه عمر بن الخطاب رضى ال عنه"أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا"‪ .‬ويقول‬
‫رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬اسمعوا واطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"‪ ،‬ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب‬
‫عندما طعن وأشرف على الموت فكر فيمن يلي المر بعده فقال‪" :‬لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًا لستخلفته على المسلمين"‪.‬‬
‫أين هذا المستوى من المساواة في المجتمع السلمي مما كان موجود قبل السلم وما زال موجودًا في بعض الدول التي يطلق عليها‬
‫بالدول المتقدمة من تفرقة عنصرية بغيضة في أمريكا وغيرها والرجوع بالبشرية إلى العهود القديمة؟‪ ،‬من الرجعيين ومن التقدميين‪ ،‬أم‬
‫هكذا تقلب الوضاع وتكون أسماء الضداد؟‬
‫لقد حاول السادة القوياء من المشركين أن يخصهم رسول ل ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬بالدعوة في يوم ل يشترك معهم فيه الذلء أو‬
‫جهَهُ وَل َت ْعدُ‬
‫ن وَ ْ‬
‫شيّ يُرِيدُو َ‬
‫ن َيدْعُونَ رَ ّب ُهمْ بِا ْل َغدَا ِة وَا ْلعَ ِ‬
‫ك َمعَ اّلذِي َ‬
‫صبِرْ نَفْسَ َ‬
‫العبيد فنزل الوحي موضحًا الموقف السليم في هذا المر﴿وَا ْ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّب ُكمْ فَ َمنْ شَاءَ‬
‫ن ِذكْرِنَا وَاتّ َبعَ َهوَا ُه َوكَانَ أَمْ ُر ُه فُرُطًا * َو ُقلِ الْ َ‬
‫طعْ مَنْ أَغْ َف ْلنَا َقلْبَهُ عَ ْ‬
‫حيَاةِ الدّ ْنيَا وَل تُ ِ‬
‫عَ ْينَاكَ عَ ْن ُهمْ تُرِيدُ زِينَ َة الْ َ‬
‫س الشّرَابُ‬
‫شوِي ا ْلوُجُوهَ ِبئْ َ‬
‫ن يَسْ َتغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَا ٍء كَالْ ُم ْهلِ يَ ْ‬
‫ن نَارًا َأحَاطَ ِب ِهمْ سُرَا ِد ُقهَا وَإِ ْ‬
‫ن وَمَنْ شَاءَ َف ْل َيكْفُرْ ِإنّا أَعْ َتدْنَا لِلظّالِمِي َ‬
‫َفلْ ُيؤْمِ ْ‬
‫وَسَاءَتْ مُ ْرتَفَقًا﴾(الكهف‪.)29-28:‬‬
‫ولقد علمنا السلم أنه ليس هناك حقوقُ مقدسةُ أو هيبةُ مصنوعةُ لنسان ما تحميه من المساءلة أو المقاضاة والقصاص إذا لزم‬
‫المر ليس في السلم ما يسمونه(مواطن من الدرجة الثانية)‪ ،‬وليس هناك طبقات وصراع بين الطبقات‪ ،‬كما أن أهل الذمة لهم ما‬
‫ح ُكمَ بَيْنَ النّاسِ‬
‫ق لِتَ ْ‬
‫حّ‬‫ك ا ْلكِتَابَ بِالْ َ‬
‫للمسلمين وعليهم ما عليهم‪ ،‬وقد نزل القرآن بتبرئة يهودي من اتهام باطل في قوله تعالى‪ِ﴿:‬إنّا َأنْ َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫ن خَصِيمًا﴾(النساء‪.)105:‬‬
‫ك اللّ ُه وَل َتكُنْ ِللْخَائِنِي َ‬
‫بِمَا أَرَا َ‬
‫كما رفض رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬الشفاعة في العقوبات‪ ،‬ورد على أسامة قائلً‪" :‬أتشفع في حد من حدود ال يا أسامة؟ إنما‬
‫أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‪ ،‬وال لو أن فاطمة بنت محمد‬
‫سرقت لقطع محمد يدها"‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى ما يحدث اليوم في مجتمعنا‪ ،‬لوجدنا من يسرقون المليين يهربون أو يهربون‪.‬‬
‫ومن يسرقون المئات يُحاكمون ويُسجنون‪.‬‬
‫إن التيار السلمي حينما رفع شعار "السلم هو الحل" لم يقصد فقط تطبيق الحدود وتعديل القوانين‪ ،‬ولكن السلم دين شامل يعمل على‬
‫الرقي بالفراد والسر والمجتمعات إلى أرفع مستوى‪ ،‬وما تعرضنا إليه حول الخوة والحب وحول المساواة وما سنتعرض له بإذن ال‬
‫حول الحرية والتكافل كلها تعتبر من الساسيات التي يدعو التيار السلمي أبناء الوطن إلى امتثالها واللتزام بها‪.‬‬
‫وثمّة معنى هام نلفت النظر إليه ونحن نتحدث عن المساواة‪ ،‬وهو أن السلم مع مبدأ المساواة يقرّ التفاوت بين البشر في الطاقات‬
‫والمواهب‪ ،‬ويعلن أن تمايز الناس في الستعداد والعمل يقضي بتفاوتهم في التقدير والجر في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫إن العتراف بالتفاوت‪ ،‬وتقرير مبدأ المتياز على أساسه‪ ،‬ضرورةُ للتقدم النساني وحافظ للخلص‪ ،‬وانطلق المواهب‪ ،‬تجني البشرية‬
‫ثماره كل آن‪ ،‬وقد حاولت بعض المبادئ الشاذة أن تجعل الناس سواء من كل وجه وتعسفت في ذلك كثيرًا‪ ،‬وقبرت المواهب حتى بان‬
‫لها ضلل الطريق‪ .‬فقد فشلت الشيوعية في محاولتها أن تطبع الناس في مجتمعها بطابع واحد وأن تجعلهم يحيون في مستوى واحد‪،‬‬
‫وينالون في التقدير ولوازم الحياة حظًا متساويًا‪ ،‬ولكنها فشلت؛ لنها محاولة تخالف سنن ال في خلقه‪ ،‬وهاهي اليوم تتراجع تدريجيًا‬
‫عن المبادئ التي تأسست عليها‪.‬‬
‫إن بعض اليدي يستحيل فيها الذهب إلى تراب‪ ،‬وبعضها يستحيل فيها التراب إلى ذهب‪ ،‬وكم من فرص متساوية أمام البشر ل تنتهي إلى‬
‫مقادير متساوية في الرزق ول يملك الفرد ول المجتمع إزاء ذلك شيئًا؟؟! وحكمة ال في التفاوت من ضرورات انتظام الحياة وال تعالى‬
‫خيْرٌ مِمّا‬
‫حمَتُ رَبّكَ َ‬
‫ض ُهمْ َبعْضًا سُخْ ِريّا وَرَ ْ‬
‫خذَ َبعْ ُ‬
‫ت لِ َيتّ ِ‬
‫ض دَرَجَا ٍ‬
‫ض ُهمْ َف ْوقَ َبعْ ٍ‬
‫حيَاةِ الدّ ْنيَا وَ َر َفعْنَا َبعْ َ‬
‫ش َت ُهمْ فِي الْ َ‬
‫ن قَسَمْنَا َبيْ َن ُهمْ َمعِي َ‬
‫يقول‪﴿:‬نَحْ ُ‬
‫يَجْ َمعُونَ﴾ (الزخرف‪ :‬من الية ‪ .)32‬وهكذا يتعايش الناس ويخدم بعضهم بعضًا في رضا وتسامح ودون حقد ول حسد‪.‬‬

‫الحرية من أهم دعائم المجتمع المسلم‬


‫إنه ل يرتفع للطغيان صرح إل ويدك للحرية صرح مقابل‪ ،‬وإذا تمادى الطغيان في قطر تحول إلى سجن كبير تحوي شعبًا مسلوب الحرية‬
‫يحكمه مستبد حوله منافقون ومنتفعون‪ ،‬وقد شجب القرآن الكريم هذا النوع من الحكام‪ ،‬وشجب المل حول الحاكم المستبد‪ ،‬كما شجب‬
‫الشعب الذي يستسلم لهذا الهوان‪ ،‬وقصة فرعون التي كررها القرآن في أكثر من موضع خير مثال لذلك‪.‬‬
‫إن السلم يفرد ال‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬بصفات العظمة والجلل‪ ،‬وأنه وحده الذي له الخلق والمر‪ ،‬فالخضوع والخشوع ل وحده‪،‬‬
‫والخوف منه وحده‪ ،‬وذلك في ظل حبنا ل واطمئنان القلوب بذكره‪ ،‬فل يجوز لهامة من هامات البشر أن تستعلي وتُذل رقاب الغير لها‪،‬‬
‫سبِيلَ الرّشَادِ﴾ فكان‬
‫لقد شجب القرآن منطق فرعون عندما قال‪﴿:‬أَنا رَبّكُمُ العْلَى﴾ وعندما قال‪﴿:‬مَا أُرِي ُكمْ ِإلّ مَا أَرَى وَمَا َأ ْهدِي ُكمْ ِإلّ َ‬
‫عوْنُ َقوْمَ ُه وَمَا َهدَى﴾ وحكم ال على قومه‪﴿:‬فَاسْتَخَفّ َقوْ َمهُ‬
‫ضلّ فِ ْر َ‬
‫ش َي ُهمْ* وَأَ َ‬
‫ن الْ َيمّ مَا غَ ِ‬
‫ش َيهُم مّ َ‬
‫جنُو ِدهِ َفغَ ِ‬
‫عوْنُ بِ ُ‬
‫حكم ال‪﴿:‬فَأَ ْت َب َع ُهمْ فِرْ َ‬
‫َفأَطَاعُوهُ إِ ّن ُه ْم كَانُوا َقوْمًا فَاسِقِينَ﴾‪.‬‬
‫إن ال ذكر لنا قصة فرعون وقومه في القرآن وقصة موسى وقومه؛ لنأخذ العبرة‪ ،‬ونرفض الظلم وسلب الحريات‪ ،‬وقد ندد القرآن في‬
‫س ِهمْ قَالُوا فِي َم كُ ْن ُتمْ قَالُوا كُنّا‬
‫ن اّلذِينَ َتوَفّا ُه ُم الْمَلَ ِئكَةُ ظَالِمِي أَنْفُ ِ‬
‫مواضع كثيرة بالظلم والظالمين‪ ،‬كما ندد بالستكانة للظلم فقال تعالى‪﴿:‬إِ ّ‬
‫سعَةً فَ ُتهَاجِرُوا فِيهَا﴾‪.‬‬
‫ل وَا ِ‬
‫ضا ِ‬
‫ض قَالُوا َأ َلمْ َتكُنْ أَرْ ُ‬
‫ضعَفِينَ فِي الَرْ ِ‬
‫مُسْ َت ْ‬
‫إن رسالت السماء تضافرت منذ القدم على تحرير ساحة الحياة ورفع رؤوس الجماهير في مواجهة الطاغين؛ مما يمد الشعوب بطاقات‬
‫هائلة في سعيها نحو الحرية ورفضها لقيود العبودية وأغلل الهوان‪.‬‬
‫لذلك كانت الحرية من أهم وألزم الدعامات في المجتمع السلمي‪ ،‬ولنا أن نقول هل للحياة من قيمة بغير الحيرة؟ وهل لمجتمع فقد حريته‬
‫من صلحية البقاء؟‬
‫ومن أبرز وأعلى قمة للحرية التي كفلها السلم للنسان حرية العقيدة‪ ،‬حريته في أخص خصائصه التي خلقه ال من أجلها في هذه‬
‫ستَمْسَكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُثْقَى لَ ان ِفصَامَ‬
‫ت وَ ُيؤْمِن بِالِ فَ َقدِ ا ْ‬
‫ن ا ْل َغيّ َفمَنْ َيكْفُرْ بِالطّاغُو ِ‬
‫شدُ مِ َ‬
‫الدنيا‪ ،‬فيقول تعالى‪﴿:‬لَ ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّ ْ‬
‫حقّ مِن رّ ّب ُكمْ فَمَن شَاءَ َفلْ ُيؤْمِن وَمَن شَاءَ َفلْ َيكْفُرْ﴾‪ ،‬ولكنه أوجب مع ذلك إزالة العقبات‬
‫علِيمٌ﴾ وقال أيضًا‪﴿:‬وَ ُق ِل الْ َ‬
‫سمِيعٌ َ‬
‫َلهَا وَالُ َ‬
‫والحواجز التي تحول دون تبليغ عقيدة التوحيد ودين ال الحق إلى خلق ال‪ ،‬تلك العوائق التي يضعها الطغاة من البشر؛ ليستمروا في‬
‫استعبادهم لغيرهم وتحكمهم في مقدراتهم‪.‬‬
‫لذلك شرع ال القتال لرفع الصر عن المستضعفين‪ ،‬وكسر قيود الستعباد عن المستعبدين‪ ،‬وتأكيد حق النسان في أن يختار عقيدته‬
‫ن َه ِذهِ الْقَ ْريَةِ‬
‫ن اّلذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِ ْ‬
‫ضعَفِينَ مِنَ الرّجَا ِل وَالنّسَاءِ وَا ْل ِو ْلدَا ِ‬
‫ويحدد مصيره‪﴿:‬وَمَا َل ُك ْم ل تُقَا ِتلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمُسْ َت ْ‬
‫ك نَصِيرًا﴾(النساء‪ )75:‬لذلك كان انتصار بدر هو انتصار للحرية وتخلص من‬
‫ن َلدُنْ َ‬
‫ج َعلْ لَنَا مِ ْ‬
‫ك َولِيًّا وَا ْ‬
‫ن َلدُنْ َ‬
‫ج َع ْل لَنَا مِ ْ‬
‫الظّا ِلمِ َأ ْهُلهَا وَا ْ‬
‫ت َل َعّل ُكمْ‬
‫ن يَتَخَطّ َف ُكمُ النّاسُ فَآوَاكُ ْم وَأَ ّي َد ُكمْ بِ َنصْ ِرهِ وَرَ َز َق ُكمْ ِمنَ الطّيّبَا ِ‬
‫ضعَفُونَ فِي ا ْلأَ ْرضِ تَخَافُونَ أَ ْ‬
‫الستضعاف‪﴿:‬وَا ْذكُرُوا ِإذْ أَ ْن ُتمْ َقلِيلٌ مُسْ َت ْ‬
‫شكُرُونَ﴾(النفال‪.)26:‬‬
‫تَ ْ‬
‫حقّ ِإلّا أَنْ‬
‫ن دِيَا ِر ِهمْ ِبغَيْرِ َ‬
‫خرِجُوا مِ ْ‬
‫علَى َنصْ ِر ِهمْ لَ َقدِي ٌر * اّلذِينَ أُ ْ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ظلِمُوا وَإِ ّ‬
‫ن ِلّلذِينَ يُقَا َتلُونَ ِبأَ ّن ُهمْ ُ‬
‫وأكد هذا المعنى قوله تعالى﴿ُأذِ َ‬
‫ن اللّهُ مَنْ‬
‫س ُم اللّ ِه كَثِيرًا َولَ َينْصُرَ ّ‬
‫جدُ ُي ْذكَرُ فِيهَا ا ْ‬
‫ت وَمَسَا ِ‬
‫ص َلوَا ٌ‬
‫صوَا ِم ُع وَبِ َي ٌع وَ َ‬
‫ض َل ُهدّمَتْ َ‬
‫ض ُهمْ ِب َبعْ ٍ‬
‫يَقُولُوا رَبّنَا اللّ ُه َو َلوْل دَ ْف ُع اللّهِ النّاسَ َبعْ َ‬
‫ن اللّ َه لَ َقوِيّ عَزِيزٌ﴾(الحج‪.)40:‬‬
‫َينْصُ ُرهُ إِ ّ‬
‫وثَمّة معنى له أهميته نلفت النظر إليه‪ ،‬وهو أن ما تعرض له المسلمون الُوَل من اضطهاد وتضييق وإعنات من المشركين‪ ،‬وما‬
‫استنفده المسلمون من جهد في مقاومة هذا الظلم كان تجربةً ضروريةً في قيام المجتمع السلمي؛ كي يدرك قيمة الحرية‪ ،‬ويحافظ على‬
‫تحقيقها كعنصر من عناصر الحياة‪.‬‬
‫وإن التيار السلمي‪ -‬وقد تعرض في عصرنا هذا إلى ألوان شتى من الظلم والعنات والتضييق‪ -‬ليشعر بأهمية الحرية وضرورة السعي‬
‫لتحقيقها‪ ،‬والمحافظة عليها بكل غال ورخيص‪.‬‬
‫وفي ظل حرية العقيدة التي يكفلها السلم‪ ،‬ل يشعر أحدُ ممن ل يدينون بالسلم باضطهاد ول ذلة‪ ،‬وقد عاش أهل الكتاب في حرية‬
‫ظاهرة في كل أنحاء المجتمع المسلم‪ ،‬لم يُحملوا على ترك عقيدتهم‪ ،‬ولم يُضيق عليهم في شعائرهم‪ ،‬ولم يشعروا يومًا بالهوان‬
‫والضطهاد‪ ،‬ول يزالون حتى اليوم في كل أقطار السلم‪ .‬فالمسلمون يتعبدون لربهم بمعاملتهم بالبر والقسط امتثا ًل لقول ال تعالى‪﴿:‬ل‬
‫ب الْمُقْسِطِينَ﴾(الممتحنة‪)8:‬‬
‫ن اللّ َه يُحِ ّ‬
‫ن تَبَرّو ُهمْ َوتُقْسِطُوا ِإلَ ْي ِهمْ إِ ّ‬
‫ن دِيَا ِر ُكمْ أَ ْ‬
‫ن َو َلمْ يُخْرِجُو ُكمْ مِ ْ‬
‫ن َلمْ ُيقَا ِتلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫عنِ اّلذِي َ‬
‫َي ْنهَا ُك ُم اللّهُ َ‬
‫هكذا طالما أنهم ملتزمون بما نصت عليه الية الكريمة‪.‬‬
‫وحرية الرأي للفرد مكفولة في ظل المجتمع السلمي‪ ،‬فكل فرد يستطيع أن يستعلن برأيه وأن يجهر بحجته‪ ،‬دون أن يصيبه أذىً أو‬
‫يلحقه خوف‪ ،‬ولو كان خاطئَ الرأي ‪،‬إل أن يدعو إلى الكفر واللحاد‪.‬‬
‫ورغم أن الوحي كان ينزل على رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ويرشده إلى الصواب‪ ،‬إل أن ال أمره أن يشاور المؤمنين في المر‪،‬‬
‫وأن يستمع إلى كل رأي‪ ،‬ثم يتبع الرشاد في كل وجهة‪ ،‬والمثلة على مشورة الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لصحابه كثيرة‪ ،‬وتَصلح‬
‫أن تكون دستورًا لحرية الرأي في المجتمع السلمي‪ ،‬يُعلَن فيه أنه ليس هناك رأيُ مقدس لفرد من الفراد‪ ،‬ولتختفي تلك الصورة البالية‪،‬‬
‫صورة قطيع من البشر ينطلق وراء فرد مهما كان حظه من العبقرية والصواب‪ ،‬إنها صورة ل تتفق ورشد البشرية‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬يجب أن يكون الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قدوةً لكل من يلي شيئًا من أمر هذه المة‪ ،‬بطلب المشورة والسماح لكل مؤمن‬
‫أن يقول كلمته ورأيه في اطمئنان‪.‬‬
‫ويتبع حرية الرأي في السلم حق الفرد في النقد والتقويم‪ ،‬فليس للنسان أن يري الخطأ والنحراف ثم ل يرفع صوته بالمعارضة‪ ،‬وإل‬
‫فإنه يأثم‪ ،‬فالرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول "الدين النصيحة‪ ،‬قلنا لمن يا رسول ال؟ قال ل ولكتابة ولرسوله ولئمة المسلمين‬
‫وعامتهم"‪ ،‬ويقول‪" :‬من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان"‪.‬‬
‫ورحم ال عمر بن الخطاب حين قال‪" :‬من رأى فيّ اعوجاجًا فليقومه" فيجيبه أحد الناس "لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا"‪ ،‬دون‬
‫أن يتعرض إلى اعتقال أو تعذيب‪ ،‬بل إن السلم يحث اتباعه على الجهر بكلمة الحق والشجاعة في النصح‪ ،‬ويرى ذلك أفضل الجهاد‪..‬‬
‫حيث يقول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"‪.‬‬
‫ولننظر لهذا القول الذي يذم طائفة من الناس قد ابتلي مجتمعنا بالكثير منهم‪..‬‬
‫عن محمد بن زيد أن ناسًا قالوا لجده عبد ال بن عمر رضي ال عنهما‪ :‬إنا ندخل على سلطيننا فنقول لهم بخلف ما نتكلم إذا خرجنا‬
‫من عندهم‪ ،‬فقال كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬
‫سبُوا فَ َقدِ احْتَ َملُوا ُب ْهتَانًا وَإِثْمًا مّبِينًا﴾‪ ،‬بل إن‬
‫ن وَالْ ُمؤْ ِمنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْتَ َ‬
‫ن الْ ُمؤْمِنِي َ‬
‫والسلم ينهى عن إيذاء المؤمنين قال تعالى﴿وَاّلذِينَ ُي ْؤذُو َ‬
‫السلم يحمى الفرد من كل ألوان العتداء أيًا كان مصدره‪ ،‬ويكفل له الحصول على حقوقه في أية يد كانت‪ ،‬فهو يحمى حياته‪ ،‬ويرى في‬
‫علَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَ َتلَ نَفْسًا‬
‫ك كَ َتبْنَا َ‬
‫جلِ َذلِ َ‬
‫النفس النسانية قدسيةً تحتم صيانتها وحفظها من الهلك‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪﴿:‬مِنْ َأ ْ‬
‫حيَا النّاسَ جَمِيعًا﴾ ويقول سبحانه وتعالى﴿وَمَن يَ ْق ُتلْ ُمؤْمِنًا‬
‫حيَاهَا َف َكأَنّمَا أَ ْ‬
‫ِبغَيْ ِر نَفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَرْضِ َف َكأَنّمَا قَ َتلَ النّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَ ْ‬
‫عذَابًا عَظِيمًا﴾‪.‬‬
‫ع ّد لَهُ َ‬
‫علَ ْي ِه َولَعَ َنهُ وَأَ َ‬
‫ب الُ َ‬
‫غضِ َ‬
‫ج َه ّنمُ خَا ِلدًا فِيهَا وَ َ‬
‫مّ َتعَ ّمدًا َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫وليس هناك من سبب يبيح إلحاق الذى بإنسان إل ما يقترفه من جرائم لها حدودها المقررة‪ ،‬وما عدا ذلك عدوان تجب مقاومته‪ ،‬وأقل‬
‫الناس في ذلك كأعظمهم ممن يقدس حق الفرد ويصونه‪ ،‬وهانحن نرى في أيامنا هذه رجالً من المن‪ ،‬يؤذون ويعذبون المواطنين دون‬
‫جريرة أو إدانة لذنب اقترفوه‪ ،‬وقد أدان النائب العام بعضًا منهم‪ ،‬ولكننا نرى محاكمتهم تتعثر وتكاد تموت‪.‬‬
‫وقد كان عمر بن الخطاب‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬يوصي المراء أل يضربوا المسلمين فيذلوهم‪ ،‬وأل يميتوا فيهم مشاعر الحرية والكرامة‪،‬‬
‫وهاهو‪ -‬رضى ال عنه‪ -‬يمكّن ابنَ رجلٍ مصري قبطي‪-‬من عامة الشعب‪ -‬من القصاص من ابن عمرو بن العاص‪ -‬فاتح مصر‬
‫وواليها‪ -‬ويقول له‪ :‬اضرب ابن الكرمين‪ ،‬وقال كلمته المضيئة على مر الزمان والتي تعتبر شعارًا للحرية‪":‬متى استعبدتم الناس وقد‬
‫ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"‪.‬‬
‫وهذا حديث رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬من ضارّ أضر ال به ومن شاق شق ال عليه" كما قال "أبغض الرجال اللد‬
‫الخصم" وقال "أيها الناس اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيام"‪.‬‬
‫فمن ضمانات الحرية في المجتمع السلمي‪ ،‬أن السلم ل يُقرّ نزعة العدوان والنتقام في مجتمعه‪ ،‬فليس هناك تنكيل من قوي بضعيف‪،‬‬
‫ول تسلط من حاكم على محكوم‪ ،‬ول تزر وازرة وزر أخري‪ ،‬وللجريمة والعقاب حدودُهما الفاصلة‪ ،‬التي تكفل أن يكون العقاب على قدر‬
‫الذنب بل تهويل ول تنكيل‪ ،‬ولكنّا ‪-‬وللسف الشديد‪ -‬نجد في مجتمعنا الحالي تجاوزات ل حدود لها‪ ،‬ويؤخذ البريء بجريرة المذنب‪،‬‬
‫وينكل به أشد التنكيل‪ ،‬ثم تظهر براءته بعد ذلك وربما حُوكم ظلمًا وحُكِم عليه بشهداء زور‪.‬‬
‫إن التيار السلمي يريد أن يتخلص مجتمعنا من هذه الصورة المشينة‪ ،‬وأن يسعد أبناء وطننا بالحرية والمساواة والمن والتكافل في ظل‬
‫السلم وشريعة ال‪ ،‬والمل في ال كبير أن يتحقق ذلك‪ ،‬رغم كيد الكائدين وتشاؤم المتشائمين‪.‬‬

‫مع الحرية مرة أخرى‬


‫ما أعزّ الحريةَ وما أغلها عند كل إنسان!! بل وعند كل حيوان أو طائر!!‪ ،‬وما نسينا ما كنا نقرأه منذ أكثر من خمسين عامًا في‬
‫كتاب المطالعة‪ ،‬للرشيد على لسان طائر في قفص‪:‬‬
‫ولست أرضى قفصًا وإن يكن ذهَبِ‬ ‫الحبس ليس مذهبي وليس فيه طربي‬
‫ما أعظم الفارق بين الحر والعبد!‪ ،‬بين العزة والذل!‪ ،‬بين الكرامة والهوان!‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نعرف مدى استمساك مجتمع بالحرية‪ ،‬فلنبحث عن قيمة الفرد فيه‪ ،‬ومدى صيانة حقوقه والحفاظ على حريته‪ ،‬فذلك هو‬
‫المقياس الحق لليمان بالحرية والولء لها‪.‬‬
‫لقد أخطأت النظم والمبادئ الرضية‪ ،‬وتخبطت في الموازنة بين حرية الفرد وحرية المجتمع وسلطة الحاكم ومدى تسلطه أو انتقاصه من‬
‫حرية الفراد أو منحهم إياها‪.‬‬
‫فنجد نظامًا يهضم الفرد حريته وحقوقه‪ ،‬ويصبح وكأنه ترس في آلة أو سجن‪ ،‬ما يكاد يجد فرصة للهرب منه إل ويغتنمها‪ ،‬ولو كان‬
‫فيها مخاطرة‪ ،‬كمن يحاولون تخطي سور برلين‪ ،‬أو الذين كانوا يهربون من كوبا‪ ،‬كما نجد نظمًا تعطي الحرية للفراد دون ضوابط‬
‫كافية‪ ،‬فيتسلط أفراد على غيرهم‪ ،‬أو يقوى سلطان أفراد أو هيئات‪ ،‬ويصبح لهم التأثير على السياسة العامة بما يخدم مصالحهم الخاصة‪.‬‬
‫وهكذا صرنا نسمع عن نظام حكم دكتاتوري‪ ،‬ونظام حكم ديمقراطي‪ ،‬وللسف حتى ما يطلق عليه بالنظام الديمقراطي نجده في حقيقته‬
‫دكتاتوريًا متواريًا في الزي الديمقراطي‪ ،‬أو يحقق حريته على حساب حرية شعوب أخرى‪.‬‬
‫ولكن السلم بنظامه المحكم من لدن حكيم خبير‪ ،‬عليم بخلقه‪ ،‬فهو نظام كامل يحقق الخير والستقرار والعدل‪ ،‬ويتجنب الحيف والميل‬
‫والخلل‪ ،‬ول يحابى أفرادًا أو فئاتٍ على حساب غيرها‪.‬‬
‫فقد حدد الحقوق والواجبات بين الفرد والمجتمع‪ ،‬وبين الحاكم والمحكوم أفضلَ تحديد وأعدَله‪ ،‬وقد جعل السلم اللتزام بهذه الحقوق‬
‫والواجبات عبادةً وقربى ل‪ ،‬ثم حدد عقوبات وحدودًا لمن يتجاوز أو يخالف هذه الحقوق والواجبات‪ ،‬فجمع بين القانون والضمير‬
‫المسلم‪.‬‬
‫إن المجتمع الذي تختل فيه موازين الحرية بين الفرد والمجتمع وبين الحاكم والمحكوم‪ ،‬يُحكم عليه بالضطراب وعدم الستقرار‬
‫والصراع والصدام‪ ،‬ويتعرض لنهيار اقتصادي واجتماعي وسياسي‪ ،‬بل وعسكري أيضًا‪ ،‬وكثيرًا ما يخطئ النظام الحاكم في علج مثل‬
‫هذه الحال بمزيد من القمع والظلم وكبت الحريات‪ ،‬ومعلوم أن الكبت عادةً يولد النفجار‪.‬‬
‫إن سلب الحريات من أفراد المجتمع‪ ،‬يُفقد الثقة بين الشعب والنظام الحاكم‪ ،‬وتقل مواهب الفراد‪ ،‬ول يتحقق تعاون صادق بين الشعب‬
‫والحكومة في مواجهة الزمات والمشاكل‪ ،‬وتسود السلبية واللمبالة بين أفراد الشعب‪ ،‬في حين أنه عند توفر الحرية‪ ،‬تنطلق المواهب‬
‫وتتولد الثقة بين الشعب والنظام الحاكم‪ ،‬ويحدث التعاون في مواجهة التحديات‪ ،‬ولو أدى إلى ربط الحزمة على البطون؛ للتخلص من‬
‫التبعية ولتحقيق الكتفاء الذاتي‪.‬‬
‫وإن المرء ليعجب حينما يري أناسًا يظلمون الناس‪ ،‬ويبغون في الرض بغير الحق‪ ،‬وهم يعلمون عاقبة الظالمين في الماضي البعيد‪ ،‬بل‬
‫وفي الحاضر القريب‪ ،‬فقد رأينا بعض من عَذبوا وقَتلوا حينما تبدلت الظروف وتعرضوا إلى السجن والمحاكمة‪ ،‬إذا هم يبكون في‬
‫زنازينهم كالنساء والطفال‪ ،‬فياليت غيرهم يأخذ العبرة منهم‪ ،‬ويتدبر قول ال تعالى‪﴿:‬وَ ِتلْكَ اليّامُ ُندَا ِوُلهَا بَيْنَ النّاسِ﴾ وقوله تعالى‪﴿:‬إِنّ‬
‫ك لَبِالْمِ ْرصَادِ﴾‪.‬‬
‫رَبّ َ‬
‫وأنبه هنا إلى معنى هام يغفل عنه الكثيرون‪ ،‬وهو أن العبودية الحقة ل‪ -‬بالتزام أوامره واجتناب نواهيه‪ -‬هي قمة الحرية‪ ،‬فليس هناك‬
‫من هو أعلم من ال بما فيه خير العباد‪ ،‬وليس هناك من هو أرحم بهم منه سبحانه‪ ،‬وبناءً على ذلك فإن أية مخالفة لتعاليم ال تعتبر‬
‫قيدًا على الحرية وانتقاصًا منها‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى تلك الصيحات‪ ،‬التي تُسمع بين الحين والحين باسم الدفاع عن حقوق المرأة‪ ،‬ويصورن التعاليم السلمية‬
‫الخاصة بها وكأنها قيود يجب أن تتحرر منها‪ ،‬أقول‪ ،‬إن هؤلء مُوغلون في الخطأ‪ ،‬وإنهم في الحقيقة ل يدافعون عن المرأة‪ ،‬ولكن‬
‫يريدون أن يدفعوا بها إلى البتذال والضياع‪ ،‬في حين أن السلم يحفظ لها كمالها وكرامتها‪ ،‬ويصون لها عرضها من الذئاب البشرية‬
‫الضالة‪.‬‬
‫وهانحن نرى السلم يحوط شرف النسان وعرضه‪ ،‬ول يحل لحد مساسه أو الطعن فيه بغير حق‪ ،‬وجعل حد القذف للذين يفترون على‬
‫شهَا َدةً أَ َبدًا‬
‫ج ْل َدةً َولَ تَقْ َبلُوا َل ُهمْ َ‬
‫ج ِلدُو ُهمْ ثَمَانِينَ َ‬
‫ش َهدَاءَ فَا ْ‬
‫حصَنَاتِ ُث ّم َلمْ َيأْتُوا ِبأَ ْر َبعَةِ ُ‬
‫ن الْمُ ْ‬
‫الناس ويغمون أعراضهم بغير حق﴿وَاّلذِينَ يَرْمُو َ‬
‫ك ُهمُ الْفَاسِقُونَ﴾‪.‬‬
‫وَأُولَئِ َ‬
‫والسلم يكفل للفرد باقي جوانب الحرية‪ ،‬مثل حرية التملك‪ ،‬وحرية التصرف فيما يملك في غير سفه‪ ،‬وحرية اختيار العمل الذي يشاء‪،‬‬
‫وحرية النتقال والجتماع‪ ،‬ل حجر في ذلك‪ ،‬ول قيد إل في حدود رعاية مصالح الجماعة وكف الضرر عنها‪.‬‬
‫كما ترك السلم للفرد اختيار ما يريد من أنواع الثقافة‪ ،‬وأن يفكر في جوانب العلم النافع كما يشاء‪ ،‬وليس السلم بالذي يحجر على‬
‫البحث والفكر‪ ،‬ففي ظلل السلم ازدهر البحث ونما العلم‪ ،‬واهتدى العلماء المسلمون إلى نتائج باهرة‪ ،‬انتفع بها العالم كله‪ ،‬بينما كانت‬
‫المجتمعات الخرى تحرق العلماء‪ ،‬وتحجر على الباحثين خوفًا على العقائد الباطلة‪ ،‬وإبقاء على هيبة الدين‪ ،‬ورسولنا‪ -‬صلوات ال‬
‫وسلمه عليه‪ -‬يحثنا على العلم والتعلم فيقول‪" :‬الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"‪ ،‬وليس مجهولً أن أول آيات نزلت من‬
‫عّل َم الِنْسَانَ مَا َلمْ‬
‫عّلمَ بِالْ َق َلمِ * َ‬
‫ك الكْ َرمُ * اّلذِي َ‬
‫عَلقٍ * اقْرَ ْأ وَرَبّ َ‬
‫خَلقَ الِنْسَانَ مِنْ َ‬
‫خَلقَ * َ‬
‫ك اّلذِي َ‬
‫سمِ رَبّ َ‬
‫القرآن تحث على العلم ‪﴿:‬اقْرَأْ بِا ْ‬
‫َي ْع َلمْ﴾‪.‬‬
‫ونرى السلم يتابع توفر الحرية للفرد‪ ،‬حتى في بيته‪،‬فالستئذان أدب يقرره القرآن؛ ليحفظ لكل إنسان حريته وحرمته‪﴿:‬يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ‬
‫خلُوهَا‬
‫ل َتدْ ُ‬
‫حدًا فَ َ‬
‫جدُوا فِيهَا أَ َ‬
‫خيْ ٌر ّل ُكمْ َل َعّلكُمْ َت َذكّرُونَ * َفإِن ّلمْ تَ ِ‬
‫علَى َأ ْه ِلهَا َذ ِل ُكمْ َ‬
‫سلّمُوا َ‬
‫خلُوا ُبيُوتًا غَيْ َر بُيُو ِت ُكمْ حَتّى تَسْ َتأْنِسُوا وَتُ َ‬
‫آ َمنُوا لَ َتدْ ُ‬
‫علِيمٌ﴾‬
‫جعُوا ُهوَ َأ ْزكَى َل ُكمْ وَالُ بِمَا َتعْ َملُونَ َ‬
‫جعُوا فَارْ ِ‬
‫حَتّى ُي ْؤذَنَ َل ُك ُم وَإِن قِي َل َل ُكمْ ارْ ِ‬
‫وحتى بين أفراد السرة يقرر الستئذان في أوقات معينة تعتبرعورة‪،‬وهكذا؛ لينشأ كل فرد على تقديس الحرية واحترامها‪﴿:‬يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ‬
‫ظهِي َر ِة وَمِن‬
‫ضعُونَ ثِيَا َبكُم مّنَ ال ّ‬
‫جرِ وَحِينَ َت َ‬
‫لةِ الْفَ ْ‬
‫ت مّن قَ ْب ِل صَ َ‬
‫حُلمَ مِن ُكمْ ثَلَثَ مَرّا ٍ‬
‫آ َمنُوا ِليَسْ َت ْأذِن ُكمُ اّلذِينَ َم َلكَتْ َأيْمَا ُن ُك ْم وَاّلذِينَ َلمْ َي ْبُلغُوا الْ ُ‬
‫عوْرَاتٍ َل ُكمْ﴾ ‪.‬‬
‫لثُ َ‬
‫ل ِة ا ْلعِشَاءِ ثَ َ‬
‫َب ْعدِ صَ َ‬
‫انظر أخي القارىء إلى هذا الدب الرفيع‪ ،‬والرتفاع بحرية الفرد إلى الذروة‪ ،‬ثم انظر إلى زوار الفجر ومنتصف الليل‪ ،‬يفزعون النساء‬
‫والطفال باسم المن‪ ،‬وينتهكون الحرمات‪ ،‬ويئدون الحرية‪ ،‬ويحرمون أهل المعتقل وذويه من مجرد معرفة مكانه وأخباره‪ ،‬بل وصلت بهم‬
‫الجرأة في الطغيان‪ ،‬أنه إذا قتل أحد بين أيديهم من التعذيب‪ ،‬يذهبون إلى أهله؛ ليخبروهم أنه هرب منهم‪ ،‬وجاءوا ليبحثوا عنه‪ ،‬ويقلبون‬
‫المنزل تفتيشًا‪.‬‬
‫نعود مرةً أخرى إلى السلم والحرية‪ ،‬فموقف السلم من الرق معروف وكتب عنه الكثيرون‪ ،‬فهو ظاهرة اجتماعية قديمة‪ ،‬أقرتها‬
‫الفلسفات اليونانية وغيرها كما أقرها رهبان الكنيسة قديمًا‪ ،‬وكذلك الجاهلية قبل السلم في جزيرة العرب‪ ،‬ولما جاء السلم لم يرض‬
‫بهذا الوضع‪ ،‬وحرم أساليب الرق المألوفة في ذلك الوقت‪ ،‬ولم يملك تحريمه عن طريق الحرب ما دام العدو ل يتورع عن ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫فوضت الشريعة ضرب الرق على السرى إلى المام حسب ما يراه من المصلحة‪ ،‬كما وسع السلم أسباب تحرير الرقاء‪ ،‬وحث عليها‬
‫سكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾‪.‬‬
‫علَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫طعَامَ َ‬
‫طعِمُونَ ال ّ‬
‫بما هو كفيل بإنهائه‪ ،‬وصاحب ذلك التوجيه بحسن معاملة السرى الرقاء‪﴿:‬وَ ُي ْ‬
‫ومع اهتمام السلم بحرية الفرد داخل مجتمعه‪ ،‬فإنه يلزم الفرد أن يشعر بأن مجتمعه نفسه حر‪ ،‬ل يعيش تحت وصاية دخيل أو تسلط‬
‫أجنبي‪ ،‬ول ينفذ إرادة إل إرادة أبنائه‪ ،‬والمجتمع المسلم في طبيعته ل يقبل أن يعيش في قبضة مستعمر‪ ،‬أو تحت سلطان معتد‪ ،‬إن ذلك‬
‫يشله عن أداء رسالته‪ ،‬ويخرجه عن صيغته التي ميزه ال بها‪ ،‬إنه مجتمع يحقق إرادة ال وسعادة أبنائه‪ ،‬فكيف يعيش في ذلة أو يرضى‬
‫بعبودية‪ ،‬وهو الذي قام لتحقيق الحرية في الرض وتأسيس الكرامة والنسانية؟!!‪.‬‬
‫إنه من هذا المنطلق نرى انتفاضة الشعب الفلسطيني الخيرة كدليل عملي على عدم الرضا بالذل وتسلط العدو الصهيوني الذي ظن أنه‬
‫بمرور الوقت سيميت روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني‪ ،‬وتشب أجيال تستسلم للمر الواقع‪ ،‬ولم يعلم أن روح العزة التي تولدها‬
‫العقيدة تشب مع الطفل ومع فطرته‪ ،‬فلن يقر لهذا العدو قرارعلى أرض فلسطين حتى يرحل أو يقبر في فلسطين‪ ،‬بإذن ال‪.‬‬
‫إن الوضاع التي عانتها المجتمعات السلمية في القرون الخيرة حين تحكّم فيها الطغاة وانتهبها العداء‪ ،‬وبثوا فيها جراثيم التحلل‬
‫والتجاهات المنحرفة‪ ،‬التي ل تزال مجتمعاتنا تعاني منها‪ ،‬إنما سادت في غيبة اليمان الحي‪ ،‬حيث همدت العزائم وضعف اليقين‪ ،‬مما‬
‫جعل قيام حركات التحرير‪ -‬التي أجْلَت الغاصبين‪ ،‬ورفعت سيطرة المعتدين‪ -‬فريضةً إسلميةً ل يُقبل إسلم بغيرها‪.‬‬
‫والتيار السلمي يدعو الجميع إلى التخلص من كل هذه الثار السيئة التي رسبها الستعمار‪ ،‬ومن وراءه من عملء‪ ،‬إننا ندعو إلى‬
‫صحوة من هذه الغفوة‪ ،‬وإلى نهضة من تلك الكبوة‪.‬‬
‫هكذا أوضحنا مكانة الحرية في المجتمع المسلم الذي اتخذناه قدوةً؛ لنقيم مجتمعنا على غراره‪ ،‬وإنه لم يُشوّه جللَ الحرية في المجتمع‬
‫السلمي غيرُ نفر من المستبدين قفزوا إلى الحكم في أحوال بئيسة‪ ،‬وأولئك آفة التاريخ النساني لم ينج منهم عصر من العصور‪ ،‬حتى‬
‫في عصور الحضارة وفي عصور المبادئ والدساتير وفي عصرنا هذا‪ ،‬والوقاية من هذا الداء ل تكون إل في استبسال الشعوب‪ ،‬ويقظتها‬
‫وتضحيتها في سبيل الحرية‪ ،‬وإل فلن تجد لها إلى الحياة سبيلً‪.‬‬
‫إننا نطالب بالحرية في ظل شريعة ال؛ لنقوم جميعًا ببناء وطننا في جو من الحرية والحب والخوة والمساواة والتعاون بين الحكومة‬
‫والشعب‪ ،‬وال الموفق والمعين‪.‬‬

‫المجتمع السلمي مجتمع متكافل‬


‫التكافل في المجتمع السلمي ليس قاصرًا على التكافل المادي فحسب‪ ،‬ولكنه يقوم على التكافل المعنوي الروحي أولً‪ ،‬وهو أسمى صور‬
‫التكافل‪ ،‬ول تجده في غير المجتمعات السلمية‪ ،‬وهو في الوقت نفسه الدعامة الساسية‪ ،‬والدافع الصلي للتكافل المادي‪ ،‬فالسلم يريد‬
‫العلقة بين أفراد مجتمعِه مثاليةً ويعتبرها مقياس إيمانه واستقامته‪ ،‬حيث يقول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب‬
‫لخيه ما يحب لنفسه"‪ ،‬ويقول "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا"‪.‬‬
‫إن هذه الصورة من العلقة تجتث من النسان مشاعر الفردية البغيضة والنانية والثرة‪ ،‬ويؤكد القرآن هذه العلقة في قوله‬
‫خ َوةٌ﴾‪ ،‬وهاهو الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫ض ُهمْ َأ ْوِليَاءُ َب ْعضٍ﴾‪ ،‬وفي قوله تعالى﴿ِإنّمَا الْ ُمؤْمِنُونَ إِ ْ‬
‫ن وَالْ ُمؤْ ِمنَاتُ َبعْ ُ‬
‫تعالى﴿وَالْ ُمؤْمِنُو َ‬
‫يجسم لنا هذه العلقة في صورة حسية في قوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" -‬مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد‬
‫الواحد‪ ،‬إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وهكذا تتّحد مشاعر وأحاسيس أفراد المجتمع وتساند بعضها بعضًا؛‬
‫لتحقيق السعادة والمن للمجتمع السلمي‪.‬‬
‫ن هَاجَرَ ِإَل ْي ِهمْ َولَ‬
‫حبّونَ مَ ْ‬
‫ولقد تحقق تطبيق هذه المعاني اليمانية بين النصار والمهاجرين بأروع صورةٍ سجلها لهم القرآن الكريم‪ ﴿:‬يُ ِ‬
‫ك ُهمُ الْمُ ْفلِحُونَ﴾‪.‬‬
‫خصَاصَ ٌة وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِ ِه َفأُولَئِ َ‬
‫س ِهمْ َو َل ْو كَانَ ِب ِهمْ َ‬
‫علَى َأنْفُ ِ‬
‫صدُو ِر ِهمْ حَاجَةً مّمّا أُوتُوا وَ ُيؤْ ِثرُونَ َ‬
‫جدُونَ فِي ُ‬
‫يَ ِ‬
‫هل هناك مجتمع ‪-‬غير المجتمع السلمي‪ -‬يملك وسيلةً يحارب بها الفردية‪ ،‬ويستل الثرة من قلوب أفراده‪ ،‬كما يحققها المجتمع‬
‫السلمي؟!‬
‫بهذا المنهاج الرباني في التكافل المعنوي والمادي استطاعت الشعوب السلمية‪ ،‬أن تعيش في عافية وطمأنينة ‪-‬رغم العسف والظلم‬
‫الذي يلقونه من الحكام الطغاة‪ ،-‬فهذه الروابط القوية جعلت الفراد يخففون أعباء الحياة بعضهم عن بعض‪ ،‬ويتعاونون في مواجهة‬
‫الصعاب والعقبات‪ ،‬بينما عانت المجتمعات الخرى‪ -‬في القديم والحديث‪ -‬من قسوة النانية وصراع المادة‪ ،‬مما كان أثره الثورات الدامية‬
‫والمذاهب الشاذة‪.‬‬
‫لقد طحنت أوروبا رَحى القطاع الذي كانت الكنيسة تسانده وتضع له الدعائم‪ ،‬وكان المجتمع يعيش كحيوانات الغابة‪ ،‬ل يأسَي أحد على‬
‫أحد‪ ،‬ول يحسون بالتعاطف‪ ،‬ول يشعرون بوحدة ول رحمة‪ ،‬ول يجوز أن يخدعنا التقدم المادي في الغرب‪ ،‬فرفاهية النسان ليست‬
‫الطريق إلى السعادة الحقة‪ ،‬فنسبة النتحار نجدها أعلى في المجتمعات الكثر رفاهيةً‪ ،‬فكل إنسان هناك يحس أنه يعيش حياته بل مأساته‬
‫وحده‪ ،‬فليس هناك تراحم يجعل المجتمع جسمًا واحدًا‪.‬‬
‫هكذا نرى أن السلم ينفرد بإحكام الرابطة بين أبنائه في مجتمعه ويؤسّسها على قاعدة طبيعية عميقة‪ ،‬ل تنبت الحقد‪ ،‬ول تثمر الصراع‪،‬‬
‫ول تحيل الحياة جحيمًا ل يطاق‪.‬‬
‫وإذا كانت هناك بعض مظاهر الشرور في مجتمعاتنا اليوم‪ ،‬فهي من الثمار الخبيثة التي أثمرتها الموجة المادية التي طغت على أقطارنا‬
‫السلمية مع الغاصبين المحتلين من أعداء السلم‪ ،‬وهذا ما نريد أن نطهر مجتمعاتنا من آثارها‪ ،‬ونعيد لها طابعها السلمي الحاني‬
‫المتراحم‪.‬‬
‫تعاليم السلم وروحه كلها تحث على تقوية الرابطة بين أفراد المسلمين‪ ،‬وتحذرهم أن يقللوا من شأنها‪ ،‬فيقول رسول ال ‪-‬صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" -‬ول تباغضوا ول تحاسدوا ول تدابروا وكونوا عباد ال إخوانًا"‪ ،‬ونجد صلة الجماعة في المسجد‪ -‬خمس مرات‪ -‬في اليوم‪،‬‬
‫تدعم العلقة‪ ،‬وتؤكد التآزر والتضامن‪ ،‬ويحث الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬عليها فيقول‪" :‬صلة الجماعة تفضل صلة الفذ بسبع‬
‫وعشرين درجة"‪ ،‬ويقف فيها الجميع في صف واحد بروح واحدة‪ ،‬ل شذوذ ول اختلف‪ ،‬وتذيب ما بين المؤمنين من فوارق الثورة‬
‫والجاه‪ ،‬وتؤكد لهم حق الخوة‪ ،‬كما فرض السلم صلة الجمعة ل يُعفى منها إل أصحاب العذار‪.‬‬
‫ومن الروابط الجتماعية التي يحرص عليها السلم علقةُ الجوار‪ ،‬وقد وردت اليات القرآنية والحاديث النبوية‪ ،‬التي تحث عليها‪،‬‬
‫ن وَالْجَا ِر ذِي الْقُرْبَى‬
‫وتعززها‪ ،‬فيقول ال تعالى‪﴿:‬وَاعْ ُبدُوا الَ َولَ تُشْ ِركُوا بِهِ شَ ْيئًا وَبِا ْلوَا ِلدَيْنِ ِإحْسَانًا وَ ِبذِي الْقُ ْربَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِي ِ‬
‫ب وَابْنِ السّبِي ِل وَمَا َم َلكَتْ أَيْمَا ُن ُكمْ﴾‪ ،‬ويقول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬مازال جبريل يوصيني‬
‫جنْ ِ‬
‫ب وَالصّاحِبِ بِال َ‬
‫جنُ ِ‬
‫وَالْجَارِ الْ ُ‬
‫بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" وقال أيضًا‪" :‬وال ل يؤمن‪ ،‬وال ل يؤمن‪ ،‬وال ل يؤمن‪ ،‬قالوا من يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬الذي ل يأمن جاره‬
‫بوائقه‪ .‬قيل‪ :‬وما بوائقه؟ قال شره" وهكذا إذا قويت الرابطة بين كل جار وجاره سيؤدي ذلك إلى ربط المجتمع بعضه ببعض‪.‬‬
‫وقد رتب الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬على علقة الجوار جانبًا ماديًا أيضًا‪ ،‬فنجده ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول لبي ذر‪ -‬رضى‬
‫ال عنه‪" :-‬يا أبا ذر إذا طبخت فأكثر المرقة وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك"‪ ،‬وفي جزء من حديث عن عمر بن الخطاب‪ -‬رضي ال‬
‫عنه‪ -‬قال سمعت رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول "ل يشبع الرجل دون جاره"‪ ،‬وإذا كان ذلك فيما يخص قضية الجوع‪ ،‬فيمكن أن‬
‫ينعكس ذلك أيضًا على المرض والعجز عن العلج‪ ،‬وقسوة البرد والمعاونة على الدفء وهكذا‪.‬‬
‫ولعنا نجد آثار هذه العلقة ل زالت تظهر في القرى‪ ،‬وفي كل بيئة تحتفظ بعلقات السلم‪ ،‬وتعيش في ظلها‪ ،‬في حين نري مشاعر العزلة‬
‫والنفراد تسيطر على المجتمعات الغربية‪ ،‬وقد ل يعرف الجار شيئًا عن جاره‪ ،‬ولو عرف ل يشاركه شيئًا من أعبائه‪ ،‬وقد نري بعض‬
‫هذه الصور ابتليت به بعض الوساط في مجتمعاتنا‪ ،‬وهذا ما نسعى للتخلص منه‪.‬‬
‫وثَمّة رابطةُ أخري يدعمها السلم‪ ،‬وهي رابطة السرة‪ ،‬وما بينها من قرابة ورحم‪ ،‬وما المجتمع إل مجموعة من السر‪ ،‬فإذا قويت‬
‫الرابطة بين أفراد السرة‪ ،‬وقويت الرابطة بين الجيران تحقق المجتمع المترابط المتكافل المتعاون المتراحم‪.‬‬
‫ب الِ﴾‬
‫ض ُهمْ َأ ْولَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَا ِ‬
‫وهاهو القرآن يحث على صلة القرابة والرحم‪ ،‬وينهي عن قطعهان فيقول تعالى‪﴿:‬وَأُولُو الرْحَامِ َبعْ ُ‬
‫ك ُه ُم الْمُ ْفلِحُونَ﴾ ويقول﴿ َف َهلْ عَسَ ْي ُتمْ إِن َت َولّيْ ُتمْ‬
‫ن وَجْ َه الِ وَأُولَئِ َ‬
‫ن يُرِيدُو َ‬
‫ن وَابْنَ السّبِي ِل َذلِكَ خَيْ ٌر ّلّلذِي َ‬
‫سكِي َ‬
‫ت ذَا الْقُرْبَى حَقّ ُه وَالْمِ ْ‬
‫ويقول﴿فَآ ِ‬
‫ص ّم ُهمْ وَأَعْمَى أَ ْبصَا َر ُهمْ﴾‪ ،‬ويحث السلم على إصلح ذات البين‪،‬‬
‫ن َلعَ َن ُهمُ الُ َفأَ َ‬
‫ك اّلذِي َ‬
‫طعُوا أَرْحَا َم ُكمْ * أُولَئِ َ‬
‫ض وَتُ َق ّ‬
‫سدُوا فِي الَرْ ِ‬
‫أَن تُفْ ِ‬
‫وأن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين‪ ،‬كما يدعو إلى وصل ما ينقطع من رحم‪ ،‬فيقول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬ليس الواصل‬
‫بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها"‪.‬‬
‫وهكذا يتميز المجتمع السلمي بقوة صلة الرحم وذي القربى‪ ،‬بما ل تجده بهذه الصورة في غيره من المجتمعات التي يسمونها مجتمعات‬
‫تقدمية‪ ،‬فلم يعد للبوة والمومة شأنها الغابر‪ ،‬وأصبح الناشيء ينسلخ من منبته‪ ،‬ويكاد يقطع صلته به‪ ،‬وإذا اضطر للسكن مع أبويه‬
‫يطالبونه بإيجار الحجرة التي ينام فيها معهم‪ ،‬كما نجد الب المسنّ أو المرأة المسنّة ل يجدون العطف والبر والرعاية من أولدهم‪،‬‬
‫وربما مات أحدهم في شقته دون أن يدري بهم أحد‪.‬‬
‫وكما أن الجوار في السلم يعني المشاركة في الفراح والحزان مشاركةً عمليةً مخلصةً‪ ،‬وتعنى تكافلً ماديًا أمام النوائب‪ ،‬وتسانُدًا‬
‫أمام الحداث‪ ،‬يهون على الجار ما يلقاه‪ ..‬فإن صلة القرابة والرحم يرتب السلم عليها تكافلً اجتماعيًا واضحًا‪ ،‬فقد أوجب السلم على‬
‫القادر أن يكفل العاجز من أصوله أو فروعه‪ ،‬حتى يستغني بكسبه ويواجه الحياة بقدرته‪ ،‬فالرجل يرعى زوجته وأولده‪ ،‬ويسعى في‬
‫الرض من أجل كفايتهم وسعادتهم‪ ،‬وهو يصنع ذلك عن رضا وسرور‪ ،‬وهو يعلم أنه مأجور من ال على ذلك‪ ،‬فرسول ال ‪-‬صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ -‬يقول "دينار أنفقته في سبيل ال‪ ،‬ودينار أنفقته في رقبة‪ ،‬ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها‬
‫أجرًا الذي أنفقته على أهلك"‪.‬‬
‫وليس هذا غضًا من أجر الحسان‪ ،‬ولكنه ترتيب لنواع التكافل الجتماعي‪ ،‬فما يقدمه النسان للخرين‪ ،‬لبد أن يلي ما يقدمه لنفسه‬
‫وأهله‪ ،‬وقد بين ذلك رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬حيث يقول‪":‬خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى‪ ،‬وابدأ بمن تعول"‪.‬‬
‫وكما فرض السلم على الصول أن تراعي الفروع في السرة الواحدة‪ ،‬فكذلك أوجب على الفروع النفقة على الصول في حالة العجز‪،‬‬
‫وتبدو المسألة حينئذٍ وفاءً وأداءً للدين الذي استودعه الباء لدى البناء‪ ،‬فرعاية البناء للباء عند الضعف والكلل‪ ،‬من أول ما يفرضه‬
‫السلم‪ ،‬حتى تبقي للسرة قداستها‪ ،‬وتصان كرامتها‪ ،‬وإل فل بقاء للسرة ول حياة‪.‬‬
‫وللسف نسمع عن بعض الجحود بين النباء لبائهم؛ وهذا نتيجة البعد عن تعليم السلم وآدابه‪ ،‬مما نُحذر منه‪ ،‬وندعو الجميعَ إلى‬
‫العودة لللتزم بتعاليم هذا الدين القويم‪.‬‬
‫وبعد الباء والبناء يأتي ذوو القربى أوالقربون‪ ،‬وأولئك يشملهم أمر التضامن‪ ،‬ويحيطهم أفق التكافل الجتماعين فيقول ال تعالى‪﴿:‬فَآتِ‬
‫حبّ ِه َذوِي الْقُرْبَى‬
‫علَى ُ‬
‫ك ُهمُ الْ ُم ْفلِحُونَ﴾‪ ﴿،‬وَآتَى الْمَالَ َ‬
‫ن وَجْ َه الِ وَأُولَئِ َ‬
‫ن وَابْنَ السّبِي ِل َذلِكَ خَيْ ٌر ّلّلذِينَ يُرِيدُو َ‬
‫سكِي َ‬
‫ذَا الْقُ ْربَى حَقّ ُه وَالْمِ ْ‬
‫وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾‪ ،‬وهذا يقتضي أل يكون في السرة الواحدة غنيُ مترفُ وفقيرُ مُعْوزُُ‪ ،‬وأن يتضامن أبناء السرة الواحدة في سد‬
‫ثغرات الفقر وكفاية أعباء الحياة‪.‬‬

‫التكافل والتعاون في المجتمع السلمي‬


‫لقد أوضحنا ‪-‬من قبل‪ -‬تميز المجتمع السلمي بنوع خاص من التكافل‪ ،‬وهو التكافل المعنوي الروحي‪ ،‬وذلك بتقوية أواصر الرابطة بين‬
‫أفراد المجتمع السلمي على المستوى العام‪ ،‬وتقوية الرابطة والعلقة بين الفراد بالجوار‪ ،‬وفي إطار السرة بصلة الرحم والقربى‪ ،‬كما‬
‫أوضحنا كيف أن هذا التكافل المعنوي الروحي يرتب تكافلً ماديًا أيضًا‪ ،‬وبيّنّا كيف ربط السلم هذه الروابط‪ ،‬وذلك التكافل بالعقيدة‬
‫واليمان‪ ،‬وكيف أن هذه العلقات الروحية تجتث من النسان مشاعر الفردية البغيضة والنانية والثرة‪ ،‬وتبدلها بروح التعاون والتكافل‬
‫واليثار‪.‬‬
‫ونضيف هنا ركيزةً أساسيةً في تحقيق التكافل في المجتمع السلمي‪ ،‬وهي فريضة الزكاة‪ ،‬التي جعلها السلم ركنًا من أركانه الخمسة‪،‬‬
‫واعتبر من ينكر فرضيتها مرتدًا‪.‬‬
‫وقد أحكم السلم رسالتها من حيث مصادرها ومصارفها‪ ،‬بحيث تؤدي الغرض المقصود منها‪ .‬فقد تعددت أنواعها ومصادرها‪ ،‬فهي ل‬
‫تذر موردًا من موارد الكسب إل ضمنت حق الفقير فيه‪ ،‬في الزرع والثمار والتجارة والذهب والفضة والماشية‪ ،‬وما يوجد في باطن‬
‫الرض من كنوز‪ ،‬ولها أنصبتها التي ل تجحف بالغني ول تضيع حق الفقير‪ ،‬ونسبتها ل تؤثر في نشاط الفرد‪ ،‬ول تضيع ثمرة كدّه‪ ،‬كما‬
‫أن دخلها في اتساعه وشموله يحقق الكفاية وسد الحاجات‪ ،‬ويحدد السلم مصارفَها حتى ل تنحرف عن غايتها من تحقيق التكافل وسد‬
‫ثغرات الفاقة والهوان‪ ،‬فقد جعل مصارف الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل‬
‫ال وابن السبيل‪.‬‬
‫وقد تختفي بعض هذه المصارف في بعض العصور‪ ،‬كالمؤلفة قلوبهم والرقاب‪ ،‬ولكنها قد توجد باختلف الجيال والحوال‪ ،‬ولكن يبقى‬
‫بصفة دائمة من مصارفها ما يسد الثغرات المفتوحة في المجتمع للضعف والحاجة‪.‬‬
‫ومع أن الزكاة فريضةُ ماديةُُ‪ ،‬ولكن السلم ربطها بأصل اليمان‪ ،‬ويقرر لها قداسة العبادة في قوله تعالى﴿وَمَا ُأمِرُوا ِإ ّل لِ َيعْ ُبدُوا الَ‬
‫ت اّلذِي‬
‫ك دِينُ القَيّ َمةِ﴾ ويجعل السلم الكفر بحق الفقير تكذيبًا بالدين﴿أَرََأيْ َ‬
‫ل َة وَ ُيؤْتُوا ال ّزكَاةَ َو َذلِ َ‬
‫ن لَ ُه الدّينَ حُنَفَا َء وَيُقِيمُوا الصّ َ‬
‫خلِصِي َ‬
‫مُ ْ‬
‫ط ِعمُ‬
‫ن * َو َلمْ نَكُ ُن ْ‬
‫صلّي َ‬
‫ن الْمُ َ‬
‫س َل َككُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا َلمْ نَكُ مِ َ‬
‫سكِينِ﴾﴿ مَا َ‬
‫طعَا ِم الْمِ ْ‬
‫علَى َ‬
‫حضّ َ‬
‫ك اّلذِي َيدُعّ ا ْليَتِيمَ * َولَ يَ ُ‬
‫ُي َكذّبُ بِالدّينِ * َف َذلِ َ‬
‫ن لَ ُي ْؤتُونَ ال ّزكَا َة َوهُمْ بِالَخِ َر ِة ُه ْم كَافِرُونَ﴾‪ ،‬ول يذكر القرآن الصلة إل ويقرنها بالزكاة في كثير‬
‫سكِينَ ﴾ ﴿ َووَ ْي ٌل ّللْمُشْ ِركِينَ * اّلذِي َ‬
‫الْمِ ْ‬
‫ل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ وَأَطِيعُوا الرّسُو َل َل َعلّ ُكمْ تُرْحَمُونَ﴾‪.‬‬
‫من آياته﴿وَأَقِيمُوا الصّ َ‬
‫ووقفة أبي بكر‪-‬رضى ال عنه‪ -‬في محاربة مانعي الزكاة معروفة بحرب أهل الردة‪ ،‬ولم يقبل فيها مساومة‪ ،‬وهكذا ما كان للسلم أن‬
‫يرضى بإقامة العبادات والشعائر‪ ،‬ثم يقطع نظره عن الحياة‪ ،‬وما يجرى فيها من فقر أو عوز أو طغيان‪.‬‬
‫ثم إن مورد الزكاة متجددُُ‪ ،‬ويشمل كل مصادر الكسب والعمل‪ ،‬ويتجه إلى مصبّ رئيسي هو الفقر والعوز والحاجة‪ ،‬وهكذا يمسح اللم‬
‫ويقرب الفوارق‪ ،‬ول يفسح مجالً للثروة الفاحشة أو الستعلء على البائسين‪.‬‬
‫وأريد هنا أن أصحح النظرة المادية عند البعض بالنسبة للزكاة‪ ،‬فقد يتصور البعض أنها تفضّلُ من الغنى على الفقير‪ ،‬وأن الفقير أحوج‬
‫لخذها من حاجة الغني لخراجها‪ ،‬أو يتصور البعض أن من الواجب على الفقير أن يسعى هو إلى الغني‪ ،‬وأن يشكره عليها‪ ،‬أقول‪ :‬إن‬
‫العكس هو الصحيح‪ ،‬فإن حاجة الغني إلى الثواب والحسنات يوم القيامة؛ لترجح كفته‪ ،‬ويدخل الجنة‪ ،‬أشد من حاجة الفقير إلى المال في‬
‫الدنيا‪ ،‬لسد حاجته من الغذاء والكساء‪ ،‬وبالتالي على الغنيّ أن يسعى هو إلى الفقير؛ ليعطيه زكاة ماله أو صدقته‪ ،‬وعليه هو أن يشكر‬
‫الفقير إن قبل منه الزكاة‪ ،‬وعليه أيضًا أل يبطل ثواب زكاته وصدقته بالمن والذى‪ ،‬فالمال مال ال‪ ،‬وليتصور هذا الغني أنه كان من‬
‫الممكن أن يتبادل المراكز مع الفقير‪ ،‬ويكون هو الفقير الذي يأخذ الزكاة‪ ،‬فال تعالى هو الذي يقسم الرزاق بعلمه وحكمته‪ ،‬ول يقولن‬
‫ع ْندِي﴾‪.‬‬
‫ع ْلمٍ ِ‬
‫علَى ِ‬
‫أحد من الغنياء قولة قارون‪ِ﴿:‬إنّمَا أُوتِيتُهُ َ‬
‫ولو راجعنا التاريخ نجده يشهد أن المجتمعات السلمية ‪-‬بفضل الزكاة‪ -‬كانت تعيش حياةً كريمةً على كل فرد‪ ،‬مع تحقيق السلم بين‬
‫الطبقات‪ ،‬ومُحيت صور الفقراء والمسكنة في المجتمعات التي التزمت بأداء تلك الفريضة‪ ،‬وقيل إنه في بعض الفترات فاضت ولم تجد‬
‫من يستحقها‪.‬‬
‫ولكننا اليوم نرى كثيرًا من مجتمعاتنا السلمية قد أسقطت تلك الفريضة‪ ،‬ووضعت ما يسمي بالضرائب‪ ،‬وإني أتساءل‪ ،‬هل تضمن أية‬
‫حكومة من حكومات القطار السلمية التي أسقطت فريضة الزكاة أن تواجه قدرًا من المال‪ ،‬كإيراد الزكاة من مصادرها المختلفة للفقراء‬
‫والمساكين‪ ،‬وكافة أوجه الضعف والحتياج بين الناس؟ اللهم ل‪ ،‬والحاجة اليوم أكثر إلحاحًا لقامة تلك الفريضة‪ ..‬إذ إن مشاعر الخير‬
‫تنصب‪ ،‬ومنابع الرحمة تجف والنانية تنتشر‪ ،‬فل ندري ما الذي يحول بيننا وبين إقامة تلك الفريضة‪ ،‬وشعبنا ‪-‬والحمد ل‪ -‬شعب مؤمن‬
‫متدين‪ ،‬ول ينكص عن واجبه‪.‬‬
‫كما أن فقهاء المسلمين يقررون أنه‪ ،‬إذا لم تف الزكاة بحاجات الفقراء والمساكين‪ ،‬فإن للمام أن يأخذ من أموال الغنياء بمقدار تلك‬
‫حقّ لّلسّا ِئ ِل وَالْمَحْرُومِ﴾‪.‬‬
‫الحاجة﴿وَفِي أَ ْموَا ِل ِهمْ َ‬
‫ونرى رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يثني على الشعريين ويجعلهم نموذجًا؛ لتحقيق التكافل والتضامن فيقول‪" :‬نعم القوم‬
‫الشعريين؛ كانوا إذا أرملو – أي أصابهم نقص في الزاد – عمدوا إلى ما معهم من طعام فجعلوه في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم"‪،‬‬
‫وأذكُر بهذه المناسبة‪ ،‬أن هذا المسلك هو الذي كان يتم في مجتمعات الخوان داخل السجون‪ ،‬فما يأتي من مال للبعض من ذويهم يوزع‬
‫على الجميع‪.‬‬
‫ونرى السلم أيضًا شرع زكاة الفطر على كل فرد مسلم في المجتمع صغيرًا أو كبيرًا ذكرًا أو أنثي؛ ليتحقق الكتفاء والغني عن الحاجة‬
‫في عيد الفطر‪ ،‬وكونها على كل فرد يجعلها تشكل حجمًا ل بأس به‪.‬‬
‫وقد قطع المجتمع السلمي شوطًا بعيدًا في تحقيق التراحم والتعاطف‪ ،‬فمِمّا شرعه السلم نظام الوقف‪ ،‬والذي يراجع تاريخ الوقاف‬
‫السلمية يرى فيها صورة مضيئة‪ ،‬فقد وضعت ثروات هائلة عن رضا واقتناع في خدمة البائسين وسد حاجات المعوزين والرامل‬
‫واليتامى وتخفيف آلم المكروبين؛ ولتيسر العلم على الراغبين فيه‪ ،‬ولو أن تلك الوقاف سلمت من عوادي الستبداد ومظالمه ووجدت‬
‫من يحقق أهدافها‪ ،‬لنمت واتسعت‪ ،‬ولكن كان الحكام الناهبون أول معول في صرح الوقاف‪ ،‬فاعتدَوا عليها ونهبوها‪ ،‬ومن وراء أولئك‬
‫من ل خلق لهم ول دين من القائمين على تلك الوقاف‪ ،‬فكف أهل الخير عن تقديم وقف جديد‪.‬‬
‫عوْنَ‬
‫والسلم يشيع في أبنائه الترغيب في الصدقة والحسان والنفاق في سبيل ال‪ ،‬ويحذر من البخل فيقول تعالى‪﴿:‬هَا َأنْ ُت ْم َهؤُ َلءِ ُتدْ َ‬
‫ستَ ْب ِدلْ َقوْمًا غَيْ َر ُكمْ ُث ّم لَ‬
‫ي وَأَنْ ُت ْم الْفُقَرَا ُء وَإِن تَ َت َوّلوْا يَ ْ‬
‫ل ا ْلغَ ِن ّ‬
‫س ِه وَا ُ‬
‫خلُ عَن نّفْ ِ‬
‫خلْ َفإِنّمَا يَبْ َ‬
‫خ ُل وَمَن َيبْ َ‬
‫سبِي ِل الِ فَمِ ْنكُم مّن َيبْ َ‬
‫لِتُنْ ِفقُوا فِي َ‬
‫َيكُونُوا أَمْثَا َل ُكمْ﴾‪ .‬والسلم حين يأمر بالخير والحسان ل يعفي منه فردًا في المجتمع‪ ،‬فيقول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬ل تحقرن من‬
‫المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"‪.‬‬
‫وهنا معنى هام هو شعور الفرد بسعادة حين يقدم خيرًا للمجتمع‪ ،‬ويقبله منه مهما كان صغيرًا‪ ،‬فل تكون هناك يد سفلى على الدوام‪ ،‬بل‬
‫يأخذ الفرد ويعطي‪ ،‬وتنمو فيه نوازع الخير‪.‬‬
‫علَى الْب ّر وَالتّ ْقوَى﴾‪.‬‬
‫ويحث ال تعالى المؤمنين جميعًا على التعاون‪ ،‬فيقول تعالى‪ ﴿:‬وَ َتعَاوَنُوا َ‬
‫وبعد هذه الجولة حول المجتمع المسلم بدعائمه الساسية‪ ،‬من الخوة والمساواة والحرية والتكافل‪ ،‬نرى نموذجًا رائعًا للمجتمعات‬
‫نستحث كل فرد في مجتمعاتنا السلمية أن نسعى متعاونين لتحقيقه ليسعد الجميع وتتلفى صور البؤس والسقاء‪.‬‬
‫وإنها لحسرة فاجعة حين نرى المة السلمية في عصرنا هذا تسعى شرقًا وغربًا تنشد الدواء عند من أصابها بالداء‪ ،‬وترفض أن‬
‫تتطلع إلى الدواء الشافي الناجع والذي سبق تطبيقه فأسعد من طبقوه‪ ،‬فهيا إلى المنهج السلمي وإلى تطبيق شرع ال‪ ،‬إن كنتم حقًا‬
‫جادين في الصلح والبناء‪.‬‬

‫حماية المجتمع من النحراف‬


‫لقد أوضحنا هذا النموذج المثالي للمجتمع السلمي بدعاماته الساسية من الخوة والمساواة والحرية والتكافل والطهارة والنقاء‪،‬‬
‫والمجتمع كالجسد لبد له من الحماية والوقاية من العلل والمراض التي تنال من بنيته ومقوماته‪ ،‬والمجتمع السلمي يتميز بخصائصه‬
‫التي تحقق له هذه الحماية‪ ،‬فهو مجتمع رباني يقوم على طاعة ال وتحقيق إرادته سبحانه التي تمثلت في آخر رسالة وأصدق كتاب‪.‬‬
‫فهذه الربانية تجعل كل فرد في المجتمع يلتزم بتطبيق مبادئ السلم ورعاية أهدافه عن طواعية ويقين‪ ،‬لن العقيدة التي تربط بين قلوب‬
‫ن ا ْل َغيّ﴾‪ ،‬بل إن السلم يجعل‬
‫شدُ مِ َ‬
‫أفراد هذا المجتمع تقوم على أساس القتناع الحر ل إكراه فيه ول عنت﴿لَ ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّ ْ‬
‫من كل مسلم حارسًا أمينًا على حماية المجتمع من الفساد والنحراف‪ ،‬فيطلب من المؤمنين أن يتواصوا بالحق وأن يتواصوا بالصبر وأن‬
‫يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر‪ ،‬وهكذا يعملون جميعًا على استقامة سيره وصوابه‪.‬‬
‫ن الْ ُم ْنكَرِ﴾ والرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحث كل أفراد‬
‫ف وَ َي ْن َهوْنَ عَ ِ‬
‫ض ُهمْ َأ ْوِليَاءُ َب ْعضٍ َيأْمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ن وَالْ ُمؤْ ِمنَاتُ َبعْ ُ‬
‫﴿وَالْ ُمؤْمِنُو َ‬
‫المجتمع السلمي ليكونوا بمثابة المضاد الحيوي ضد أمراض المجتمع ومنكراته فيقول "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان"‪.‬‬
‫‪ .1‬وبجوار الزواجر والحدود والقوانين يعتمد المجتمع السلمي أيضًا علي ما ينشله من قلب كل فرد من وازع دينى عميق يشعره‬
‫ل َو ُهوَ َم َع ُهمْ‬
‫نا ِ‬
‫س َولَ يَسْتَخْفُونَ مِ َ‬
‫حذَرُوهُ﴾‪﴿ ،‬يَسْ َتخْفُونَ مِنَ النّا ِ‬
‫س ُكمْ فَا ْ‬
‫ن الَ َي ْع َلمُ مَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫علَمُوا أَ ّ‬
‫برقابة ال عليه وإحاطته بأمره﴿وَا ْ‬
‫خيْرًا يَ َر ُه * وَمَن َيعْ َملْ ِمثْقَالَ ذَ ّر ٍة شَرّا يَ َر ُه *‬
‫ِإذْ يُ َبيّتُونَ مَا لَ يَرْضَى ِمنَ الْ َق ْو ِل َوكَانَ الُ بِمَا َيعْ َملُونَ ُمحِيطًا﴾‪ ﴿،‬فَمَن َيعْ َملْ ِمثْقَا َل ذَ ّرةٍ َ‬
‫ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره﴾‪.‬‬
‫ومن العجيب أن نرى المسئولين في مجتمعاتنا يهتمون بمقاومة المراض والوبئة التي تصيب الجسام ويجندون الطباء وغيرهم لحماية‬
‫المجتمع منها‪ ،‬وهناك ما يسمى بفرع الطب الوقائي‪ ،‬في الوقت الذي نجد مثل هذا الهتمام بوقاية المجتمعات من العلل والمراض‬
‫الخطيرة التي تهدم المجتمع وتطعنه في مقاتله كالنحلل والفساد والخمر والميسر والربا والتسيب واللمبالة والفاحشة وغير ذلك من‬
‫المنكرات‪.‬‬
‫ومع أن الدور الساسي في المر بالمعروف النهي عن المنكر والتذكير من شأن العلماء؛ لطبيعة تخصصهم وما يتاح لهم من منابر‪،‬‬
‫ولكن السلم جّيش كل أفراد المجتمع ليؤدوا دورهم في المر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك دليل خيرية هذه المة﴿كُ ْن ُتمْ خَيْرَ أُمّةٍ‬
‫ن الْمُ ْنكَ ِر وَ ُتؤْ ِمنُونَ بِالِ﴾‪ ،‬ورسولنا ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحثنا على ذلك فيقول "من دعا‬
‫ت لِلنّاسِ تَأ ُمرُونَ بِالْ َمعْرُوفِ َوتَ ْن َهوْنَ عَ ِ‬
‫أُخْرِجَ ْ‬
‫إلى هدي كان له من الجر مثل أجور من يتبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من‬
‫يتبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن مجتمعًا يتعارف أفراده على دعوة بعضهم البعض إلى الخير ويتناهون عن كل منكر‪ ،‬ومجتمع فاضل طاهر من الثام‬
‫قد تحلي بالفضائل وفعل الخير‪ ،‬وفي هذا المناخ النقي التقي الصالح تشب الجيال على الستقامة والخلق الفاضلة التي هي أساس‬
‫المم‪:‬‬
‫فإن هموا ذهبت أخلقهم ذهبوا‬ ‫إنما المم الخلق ما بقيت‬
‫والصورة المقابلة لذلك هي صورة المجتمعات التي تترك المنكرات تنتشر فيها دون منع لها حتى تهلكها‪ ،‬ول ينجو منها ومن بلئها أحد‬
‫ن * كَانُوا ل‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْ َتدُو َ‬
‫علَى لِسَانِ دَا ُو َد وَعِيسَى ا ْبنِ مَرْ َي َم َذلِكَ بِمَا عَ َ‬
‫ن كَفَرُوا مِنْ َبنِي إِسْرائيلَ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫واستحقت لعنة ال﴿ُلعِ َ‬
‫عنْ مُ ْنكَرٍ َف َعلُوهُ َلبِئْسَ مَا كَانُوا يَ ْف َعلُونَ﴾ (المائدة‪.)79-78 :‬‬
‫َيتَنَا َهوْنَ َ‬
‫إن التيار السلمي يدعو كل مواطن يقوم بواجب النصيحة لغيره وواجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر للحكام والمحكومين على‬
‫ل منكم مخافة الناس أن يتكلم‬
‫السواء‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري رضى ال عنه عن النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪" :‬ل يمنعن رج ً‬
‫بالحق إذا رآه وعلمه‪ ،‬فإنه ل يقرب من أجل ول يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم"‪.‬‬
‫وننبه هنا إلى أن المر والنهي عن المنكر ل يقتصر فقط على المحيط الضيق في السلوكيات والخلق والعادات‪ ،‬ولكن المر بالمعروف‬
‫الهم والعظم هو ما يتصل بتوجيه البشرية إلى الهداية وطريق الحق والتزام منهج ال وتطبيق شريعته‪ ،‬وأن نقوم بتوجيه الرؤساء‬
‫والملوك إلى ما فيه خير الشعوب بهيمنة دين ال وتنظيمه لكل مرافق الحياة ومجالتها‪ ،‬كما أن النهي عن المنكر ل يقتصر على‬
‫المعاصي والثام وصور المنكر المعروفة فقط‪ ،‬ولكن المنكر الكبر الذي يجب أن نعمل على إزالته وتغييره هو إبعاد شريعة ال عن الحكم‬
‫والحكم بغير ما أنزل ال‪ ،‬ونهي الطغاة عن الطغيان والظالمين عن الظلم والمتكبرين والمتجبرين عن التكبر والتجبر‪ ،‬وكلنا يعلم المثل‬
‫الذي يقول(يا فرعون من فرعنك‪ ،‬قال لم أجد من يردني)‪.‬‬
‫ويجمل بنا في هذا المقام أن ننبه إلى أمر أساسي هام حول المر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر‪ ،‬فلكي يحقق القيام بهذا‬
‫الواجب الغرض منه لبد أن يؤدى بالسلوب المقبول السليم الذي ل ينفر ول يدفع الغير أن تأخذه العزة بالثم فيتمادى في غيه وبغيه‬
‫ع َلمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾(المؤمنون‪ )96:‬ويقول﴿ادْعُ ِإلَى سَبِيلِ َربّكَ‬
‫وبعده عن الحق‪ ،‬فال تعالى يقول‪﴿:‬ادْ َف ْع بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَ ْ‬
‫حكْمَ ِة وَالْ َموْعِظَ ِة الْحَسَ َنةِ وَجَا ِد ْل ُهمْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل‪ :‬من الية ‪ ،)125‬فيجب تجنب أسلوب التجريح أو التشهير أو الستفزاز‪،‬‬
‫بِالْ ِ‬
‫ومن الحكم الجميلة في هذا المجال"من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه‪ ،‬ومن وعظه علنية فقد فضحه وشانه"‪ ،‬وحكمة أخرى "أد‬
‫النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أي وجه"‪.‬‬
‫أما عن إزالة المنكر فقد أفسح لنا الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬المجال في ثلث صور باليد فإن لم نستطع فباللسان‪ ،‬فإن لم نستطع‬
‫فبالقلب‪ ،‬فلينظر النسان مدى ما يتحقق من خير أو ضرر بحيث ل يترتب على خطوته ضرر أكبر‪ ،‬ول ننسي أن هناك دوائر لزالة المنكر‬
‫ويجب اللتزام بذلك حتى ل تحدث فوضى واجتهادات خاطئة من الفراد‪.‬‬
‫المجتمع السلمي ل يقر السلبية من أفراده ولكن لبد من الشعور المشترك بالمسئولية‪ ،‬وأن يتحقق عمليًا تشبيه الرسول ‪-‬صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" -‬مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر‬
‫والحمى"‪ ،‬وقد قال المشرّعون إن هناك الجريمة التَرْكية‪ :‬بمعنى أنه لو رأى رجل إنسانًا في خطر ويمكنه إنقاذه ثم تركه حتى مات وثبت‬
‫ذلك‪ ،‬تعتبر جريمة قتل خطأ‪ ،‬وإذا ثبت أن هناك أسبابًا خاصةً وراء تركه يموت يمكن أن يعتبر قتلا عمدًا‪.‬‬
‫ومن خصائص المجتمع السلمي أنه مجتمع النسانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان نبيلة‪ ،‬فهو يحمي حقوق النسان ويحفظ عليه‬
‫خصائصه السامية‪ ،‬ويفسح جنباته لكل من يؤمن بالحق ويعمل للخير ل يفرق بين لون أن جنس أو منزلة‪ ،‬فالكل لدم‪.‬‬
‫ول يعرف التاريخ النساني نظيرًا لتلك الحقبة الطويلة التي حقق فيها المجتمع السلمي إنسانيته‪ ،‬وحافظ على عدالته وسواسيته بين كل‬
‫من عاش في أنحائه من مختلف الجناس والديان واللوان‪ ،‬وكم من أخل الكتاب من تركوا أقطارهم وعاشوا في ظل دولة السلم لينعموا‬
‫فيها بإنسانيتهم وبالعدل والمن والتكافل‪.‬‬
‫حتى اليهود الذين قُطعوا في الرض وذاقوا ألوان العذاب في كل مجتمع أقاموا فيه لم يجدوا لهم ملجأ ول مأمنًا إل في حمى المجتمع‬
‫السلمي في المشارق والمغارب‪ ،‬فرفع عنهم سوط العذاب وأذاقهم طعم المان‪ ،‬وهم اليوم يُذيقون العرب الذين يعيشون تحت وطأتهم –‬
‫بعد أن اغتصبوا أرضهم – أقسى ألوان النكال والبطش‪ ،‬وتعينهم أمم البغي التي اجتمعت مع الصهيونية على الحقد والعدوان كأمريكا‬
‫ومن سار في ركابها‪ .‬ورغم ما يتعرض له المسلمون من بطش وتنكيل كما حدث في محاكم التفتيش في الندلس‪ ،‬فلن يحمل ذلك المجتمع‬
‫علَى أل‬
‫السلمي في أي وقت على الكفر بالنسانية‪ ،‬أو النكول عن مبدأ العدالة؛ لن أوامر ال تنهى عن ذلك﴿وَل يَجْرِمَ ّن ُكمْ شَنَآنُ َق ْومٍ َ‬
‫ب لِلتّ ْقوَى﴾(المائدة‪ :‬من الية ‪.)8‬‬
‫ع ِدلُوا ُهوَ َأقْرَ ُ‬
‫َت ْع ِدلُوا ا ْ‬
‫فهل تفيق البشرية من عمايتها عن الحق‪ ،‬وتكف عن نفسها شرور التعصب المقيت والصراع الجائر الذي تمارسه قوى الجور والطغيان؟‬
‫وهل تفيق مجتمعاتنا وتعود إلى طريق ربها لتسعد بالمن والعدل وكل ألوان السعادة الدنيوية والخروية؟‬
‫نسأل ال ذلك‪...‬‬
‫تم بحمد ال‬

You might also like