You are on page 1of 623

‫محمد قطب‬

‫مذاهب فكرية‬
‫معاصرة‬
‫الديمق‬
‫راطية‬
‫الشيوعي‬
‫ة‬
‫العلمانية‬
‫العقلنية‬
‫القومية‬
‫والوطنية‬
‫النسانية‬
‫اللحاد‬

‫موقع الصحوة‬
‫‪http://www.sahwah.net‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫سب ُ َ‬
‫ل‬ ‫قيما ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫} َ‬
‫عوا ال ّ‬ ‫ول ت َت ّب ِ ُ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬‫وأ ّ‬‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫صاك ُ ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫و ّ‬‫م َ‬ ‫ه ذَل ِك ُ ْ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬
‫ن َ‬‫ع ْ‬
‫م َ‬‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬‫فت َ َ‬
‫َ‬
‫‪] {(153‬سورة النعام ‪[6/153‬‬

‫صدق الله العظيم‬


‫مقدمة‬
‫تسيطر اليوم أوروبا " ‪ " 1‬بكل قوتها على العالم كله‪.‬‬
‫ومع السيطرة تتسرب مجموعة من الفكار والمذاهب‬
‫والمعتقدات‪ ،‬بل الخرافات كذلك– كخرافة الطبيعة الخالقة‪،‬‬
‫والمادة الزلية البدية المتطورة – فتنصب فى أذهان الشعوب التى‬
‫غلبت عليها أوروبا ‪ ،‬إما عن طريق التسرب التلقائى الذى ينشأ من‬
‫تقليد المغلوب للغالب ليضمن تبعيته له وعدم خروجه على طاعته ‪.‬‬
‫ولم تكن سيطرة أوروبا – بكل قوتها – هى السبب الوحيد فى‬
‫الحقيقة لهذا التسرب التقائى أو ذلك الغزو الفكرى‪ ،‬إنما كان هناك‬
‫سبب ل يقل أهمية عن هذه السيطرة إن لم يكن– فى نظرنا–‬
‫أهم‪ ،‬هو غياب البديل الذى يمكن أن يأخذ مكان هذه الفكار‬
‫والمذاهب والخرافات إذا تبين عدم جدارتها بالتباع‪ ،‬بل الذى يحول‬
‫أصل ً دون التوجه إليها واتباعها فى حالة وجوده‪ ،‬ونعنى به‬
‫السلم ‪ ..‬ذلك أن غيابه يعطى هذه المذاهب والفكار فى نفوس‬
‫الناس حجية المر الواقع وثقل المر الواقع ‪ .‬أى أنها تصبح فى‬
‫حس الناس جديرة بالتباع ل لجدارتها الذاتية‪ ،‬ول لنها فى ذاتها‬
‫صحيحة‪ ،‬ولكن فقط لنها موجودة بالفعل‪ ،‬والبديل غري موجود !‬
‫ولن نتعرض فى هذا الكتاب لسباب غياب هذا البديل‪ ،‬ول للنتائج‬
‫الخطيرة التى نتجت عن غيابه بالنسبة للمسلمين وبالنسبة للعالم‬
‫كله " ‪ ." 2‬إنما أردنا فى هذا الكتاب أن نتعرض لهذه الفكار‬
‫والمذاهب ذاتها‪ ،‬فنعرضها عرضا ً موضوعيا ً نبين فيه ما تحتوى عليه‬
‫من حقائق وما تحتوى عليه من أباطيل‪ ،‬ونبين فيه– أهم من ذلك –‬
‫الظروف التى أدت إلى نشأتها وتشكلها على هذه الصورة‪ ،‬فإن‬
‫كثيرا ً من الناس الذين يأخذونها على أنها أمر واقع‪ ،‬ل يسألون‬
‫أنفسهم كيف نشأت‪ ،‬وما الظروف التى جعلتها تأخذ هذه الصورة‪،‬‬
‫كأنهم يعتقدون– من ثقلة المر الواقع على حسهم – أنها ذات وجود‬
‫طبيعى‪ ،‬وأن الصورة التى هى عليها هى الصورة الطبيعية لهذا‬
‫المذهب أو ذاك‪ ،‬ول يضعون فى حسابهم أن ظروفا ً محلية بحتة‬
‫فى أوروبا هى التى جعلت الفكر الوروبى يتجه هذه المتجهات‪،‬‬
‫ويسلك هذه المسالك‪ ،‬وأنه لو كانت هناك ظروف مختلفة‪،‬‬
‫لعتنقت أوروبا أفكارا ً ومذاهب من نوع آخر ‪.‬‬
‫بعبارة أخرى إن هذه الفكار والمذاهب هى انعكاس لظروف‬
‫" " ليس المقصود بأوروبا حدودها الجغرافية ‪ .‬إنما المقصود "الغرب" كله بامتداده المريكى والروسى على‬ ‫‪1‬‬

‫السواء‪.‬‬
‫" " فى النية إصدار كتاب فى هذا الموضوع بعنوان "واقعنا المعاصر"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫محلية بحتة فى أوروبا ‪ ،‬وليست كما هى فى حس الوروبيين ومن‬
‫يدور فى فلكهم من الشعوب المغلوبة " قيما " قائمة بذاتها‪ ،‬ول‬
‫أفكارا ً " إنسانية " تنبع نبعا ً ذاتيا ً من كيان " النسان " بوصفه‬
‫إنسانا ً ‪ .‬ولم يكن من الحتم أن تعتنقها أوروبا ذاتها– لو أتيحت لها‬
‫ظروف أفضل – وليس من الحتم أن يعتنقها أحد فى خارج أوروبا‬
‫ما دامت ظروفه غير ظروف القوم هناك ‪.‬‬
‫وهذا الكتاب لم يكتب للمسلمين وحدهم‪ ،‬وإن كان المسلمون‬
‫يستطيعون أن يفيدوا منه مزيدا ً من المعرفة بدينهم‪ ،‬على قول‬
‫الفاروق عمر رضى الله عنه ‪ " :‬ل يعرف السلم من لم يعرف‬
‫الجاهلية ! " فمعرفة المسلمين بانحرافات الجاهلية المعاصرة‬
‫تزيدهم معرفة بكمال الدين المنزل من عند الله ‪.‬‬
‫ولكنى كتبته لكل من يرغب أن يعممرف شمميئا ً عممن هممذه الممذاهب‬
‫المنتشرة فى الرض اليمموم‪ ،‬وأسممباب نشممأتها وتشممكلها علممى هممذه‬
‫الصورة ‪ .‬ولم أقصد به أن يكون دراسة متخصصممة‪ ،‬ولكنممى حمماولت‬
‫أن أضع فيه القممدر المناسممب مممن المعلومممات‪ ،‬الممذى يلقممى ضمموءا ً‬
‫معقول ً على هذه المذاهب والفكار ‪.‬‬
‫ولم أتحدث عن كل المذاهب المعاصرة‪ ،‬فلم يكن قصدى‬
‫الستقصاء‪ ،‬إنما رضت لبرز هذه المذاهب وأكثرها انتشارا ً فى‬
‫عالمنا المعاصر‪ ،‬فاخترت منها ‪ :‬الديمقراطية والشيوعية والعلمانية‬
‫والعقلنية والقومية والوطنية والنسانية اللحاد ‪.‬‬
‫فإن كنت قد قصرت فيما بذلت من الجهد فهذا هو العجز‬
‫البشرى‪ ،‬وأن كنت قد وفقت فمن الله التوفيق ‪.‬‬

‫محمد قطب‬
‫التمهيد الول‬
‫الدين والكنيسة‬
‫نبذة تاريخية‬
‫أول ً ‪ :‬تحريف الدين ‪:‬‬
‫لم تعرف أوروبا قط دين الله المنزل على حقيقته الربانية ‪.‬‬
‫إنما عرفت صورة محرفة من صنع الكنيسة الوروبية ل صلة لهمما‬
‫بالصممل المنممزل‪ ،‬الممذى أرسممل المسمميح ليبلغممه لبنممى إسممرائيل ‪:‬‬
‫}ورسول ً إَلى بِني إسراِئي َ َ‬
‫م‪] {...‬سورة‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫م ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬
‫ل أّني قَد ْ ِ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ُ‬
‫آل ‪[3/49‬‬
‫وإذا استثنينا أفرادا ً قلئل‪ ،‬متناثرين على طول التاريمخ المسميحى‬
‫من بعثة عيسى عليه السمملم إلممى بعثممة الرسممول صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم فإن الجماهير الوروبية ظلت تستقى دينها ممن رجمال المدين‬
‫من البابوات والكرادلة‪ ،‬ومممن المجممامع المقدسممة وشممراح الناجيممل‬
‫المحرفة‪ ،‬وتعتبرهم مرجعا ً ل يرقى إليه الشك ول يجوز أن يناقش !‬
‫فاتخذوهم– على الحقيقة ل على المجاز – أربابا ً من دون الله ‪:‬‬
‫ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ‬
‫ن‬
‫ح اب ْم َ‬
‫سممي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّمهِ َوال ْ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫م أْرَباب ما ً ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫}ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ممما‬
‫ه عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سمب ْ َ‬‫ه إ ِل ّ هُموَ ُ‬ ‫حممدا ً ل إ ِل َم َ‬ ‫دوا إ َِلهما ً َوا ِ‬‫ممُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫َ‬
‫ن )‪] {(31‬سورة التوبة ‪[9/31‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫وفى القرون الثلثة الولى من ميلد المسيح كان الباطرة وثنيين‬
‫ل يؤمنون بدين منزل‪ ،‬فكانوا يضطهدون النصارى من صح اعتقمماده‬
‫منهم ومن انحرف وحرف‪ ،‬يسممومونهم سمموء العممذاب‪ ،‬ويشممردونهم‬
‫فى الرض‪ ،‬حتى اتخذ فريق منهممم الديممرة والملجممئ فممى أطممراف‬
‫الرض فرارا ً من العذاب ‪.‬‬
‫وفى القرن الرابع تغير المر حين اعتنق المممبراطور قسممطنطين‬
‫المسيحية وفرضها على المبراطوريممة ‪ .‬ولكممن الممدين الممذى فرضممه‬
‫قسطنطين هو– باعتراف المؤرخين والمفكرين الغربييممن أنفسممهم–‬
‫شئ آخر غير الدين الذى بشر به المسيح ‪.‬‬
‫يقول درابر المريكى فى كتابه " الدين والعلم "‬
‫" ودخلت الوثنية والشرك فى النصرانية بتممأثير المنممافقين الممذين‬
‫تقلممدوا وظممائف خطيممرة‪ ،‬ومناصممب عاليممة فممى الدولممة الروميممة‬
‫بتظاهرهم بالنصرانية ‪ .‬ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين‪ ،‬ولم يخلصوا‬
‫له يوما ً من اليام ‪ ..‬وكذلك كان قسطنطين ‪ ..‬فقد قضى عمره فى‬
‫الظلم والفجور‪ ،‬ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إل قليل ً فممى آخممر‬
‫عمره )سنة ‪337‬م( ‪.‬‬
‫" إن الجماعة النصرانية‪ ،‬وإن كانت قممد بلغممت مممن القمموة بحيممث‬
‫ولت قسطنطين الملك‪ ،‬ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنيممة‬
‫وتقتلع جرثومتها ‪ .‬وكان نتيجممة كفاحهمما أن اختلطممت مبادئهمما‪ ،‬ونشممأ‬
‫من ذلك دين جديد‪ ،‬تتجلى فيه النصممرانية والوثنيممة سممواء بسممواء ‪..‬‬
‫هنالك يختلف السلم عن النصرانية إذ قضى على منافسه " الوثنية‬
‫" قضاء باتا‪ ،‬ونشر عقائده خالصة بغير غش ‪..‬‬
‫" وإن هذا المممبراطور الممذى كممان عبممدا ً للممدنيا‪ ،‬والممذى لممم تكممن‬
‫عقائده الدنين تسمماوى شمميئًا‪ ،‬رأى لمصمملحته الشخصممية‪ ،‬ولمصمملحة‬
‫الحزبيممن المتنافسممين – النصممرانى والمموثنى – أن يوحممدهما ويؤلممف‬
‫بينهممما‪ ،‬حممتى إن النصممارى الراسممخين أيضما ً لممم ينكممروا عليممه هممذه‬
‫الخطممة ‪ .‬ولعلهممم كممانوا يعتقممدون أن الديانممة الجديممدة سممتزدهر إذا‬
‫طعمممت ولقحممت بالعقممائد الوثنيممة القديمممة ! وسمميخلص الممدين‬
‫النصرانى عاقبة المر من أدناس الوثنية وأرجاسها " ‪"1‬‬
‫ويقول فشر المؤرخ النجليزى ‪:‬‬
‫" إن حكمة الكنيسة المسيحية هدت آباءها الولين إلى قبممول ممما‬
‫لم يستطيعوا له منعا ً من قديم العادات والتقاليممد والمعتقممدات " !!‬
‫" بدليل استقبال الكنيسة لمبممدأ تعممدد اللهممة الراسممخ بيممن شممعوب‬
‫‪2‬‬
‫البحر البيض المتوسط‪ ،‬وتطويع ذلك المبدأ لما تقتضيه عقائدها "‬
‫" !!‬
‫ويقول رينان الفيلسوف الفرنسى ‪:‬‬
‫" إنه ينبغى لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقى كممما كممان يفهمممه‬
‫هو أن نبحث فى تلك التفاسير والشروح الكاذبة التى شمموهت وجممه‬
‫التعليم المسيحى حتى أخفته عممن البصممار تحممت طبقممة كثيفممة مممن‬
‫الظلم ‪ .‬ويرجع بحثنا إلى أيام بولس الذى لم يفهممم تعليممم المسمميح‬
‫بل حمله على محمل آخممر ثممم مزجممه بكممثير مممن تقاليممد الفريسممين‬
‫وتعاليم العهد القديم ‪ .‬وبولس كما ل يخفممى كممان رسممول ً للمممم‪ ،‬أو‬
‫رسممول الجممدال والمنازعممات الدينيممة‪ ،‬وكممان يميممل إلممى المظمماهر‬
‫الخارجية الدينية كالختان وغيره ن فأدخل أميمماله هممذه علممى الممدين‬
‫المسمميحى فأفسممده ‪ .‬ومممن عهممد بممولس ظهممر التلمممود المعممروف‬
‫بتعاليم الكنائس ‪ .‬وأما تعليم المسيح الصلى الحقيقى فخسر صفته‬
‫اللهية الكمالية‪ ،‬بل أصبح احدى حلقات سلسلة المموحى الممتى أولهمما‬
‫منذ ابتداء العممالم وآخرهمما فممى عصممرنا الحممالى‪ ،‬والمستمسممكة بهمما‬
‫جميع الكنائس‪ ،‬وإن أولئك الشراح والمفسرين يدعون المسيح إلهما‬
‫" " نقل ً عن كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " للسيد أبى الحسن الندوى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى ج ‪ 1‬ص ‪80‬‬ ‫‪2‬‬


‫دون أن يقيممموا علممى ذلممك الحجممة‪ ،‬ويسممتندون فممى دعممواهم علممى‬
‫أقوال وردت فى خمسة أسفار ‪ :‬موسى والزبممور‪ ،‬وأعمممال الرسممل‬
‫ورسائلهم‪ ،‬وتأليف أباء الكنيسممة‪ ،‬مممع أن تلممك القمموال ل تممدل أقممل‬
‫على أن المسيح هو الله " ‪" 1‬‬
‫ويقول برنتن ‪:‬‬
‫" إن المسمميحية الظممافرة فممى مجمممع نيقيممة – وهممى العقيممدة‬
‫الرسمية فى أعظم إمبراطورية فى العالم – مخالفة كممل المخالفممة‬
‫لمسيحية المسيحيين فى الجليممل " ‪ " 2‬ولممو أن المممرء اعتممبر العهممد‬
‫الجديد التعبير النهائى عن العقيدة المسيحية لخرج من ذلممك قطع ما ً‬
‫ل بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الولممى فحسممب‪،‬‬
‫بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتا " ‪" 3‬‬
‫ويقول المؤرخ النجليزى ويلز ‪:‬‬
‫" وظهر لوقت معلم آخر عظيم يعده كثير من الثقات العصممريين‬
‫المؤسس الحقيقى للمسيحية وهو شاول الطرطوسى أو بممولس ‪..‬‬
‫والراجممح أنممه كممان يهممودى المولممد‪ ،‬وإن كممان بعممض الكتمماب اليهممود‬
‫ينكرون ذلك‪ ،‬ول مراء فى أنه تعلم على أساتذة من اليهود بيممد أنممه‬
‫كان متبحرا ً فى لهوتيات السكندرية الهلينية ‪ ..‬وهو متممأثر بطممرائق‬
‫التعبير الفلسفى للمدارس الهلنستية ن وبأساليب الرواقييممن‪ ،‬كممان‬
‫صاحب نظريممة دينيممة ومعلمما ً يعلممم النمماس قبممل أن يسمممع بيسمموع‬
‫الناصرى بزمن طويل ‪ ..‬ومن الراجح جدا ً أنه تممأثر بالمثرائيممة إذ هممو‬
‫يستعمل عبارات عجيبة الشبه بالعبارات المثرانية ‪ .‬ويتضح لكل من‬
‫يقرأ رسائله المتنوعممة جنبما ً إلممى جنممب مممع الناجيممل أن ذهنممه كممان‬
‫مشبعا ً بفكرة ل تظهر قط بممارزة قويممة فيممما نقممل عممن يسمموع مممن‬
‫أقوال وتعليم‪ ،‬أل وهى فكرة الشخص الضحية الذى يقدم فربانا ً لله‬
‫كفارة عن الخطيئة ‪ .‬فما بشر بممه يسمموع كممان ميلدا ً جديممدا ً للممروح‬
‫النسانية ‪ .‬أما ما علمه بولس فهو الديانممة القديمممة ‪ .‬ديانممة الكمماهن‬
‫والمذبح وسفك الدماء لسترضاء الله " ‪" 4‬‬
‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬
‫" وفى أثناء ذلك المد غيممر المحممدد كممان يحممدث فيممما يبممدو قممدر‬
‫جسيم من ضرب بعينه من الثيوكرازيا )أى التوحيد والمطابقممة بيممن‬
‫" " عن محاضرات فى النصرانية " للشيخ محمد أبو زهرة ص ‪ . 215‬وواضح أن رينان قد ركز على نقطة الفساد‬ ‫‪1‬‬

‫الحقيقية فى تعاليم الكنيسة وهى تأليه المسيح ‪ ،‬ولكنه خلط بها مسألة الختان وغيرها مما سماه " مظاهر خارجية "‬
‫ولم تكن مسألة الختان التى عجزت الكنيسة عن تطبيقها هى التى أفسدت المسيحية – وهى من تعاليم إبراهيم عليه‬
‫السلم التى تلقاها من الوحى – إنما كانت مسألة التثليت وتأليه عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫" " أى المسيحية الولى كما جاء فى كلم الكاتب بعد ذلك ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " كتاب " أفكار ورجال " تأليف جرين برنتن وترجمة محمود محمود ص ‪ 207‬من الترجمة العربية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫" " معالم تاريخ النسانية ج ‪ 3‬ص ‪705‬‬ ‫‪4‬‬


‫الىلهة المختلفة( بين النحلة المسيحية والعقيدة المثرائية التى تكمماد‬
‫تضارعها فى سعة انشممترها بيممن سممواد الشممعب‪ ،‬ونحلممة سمميرابيس‬
‫إيزيس حورس …‬
‫" على أن ما أسهمت به نحلة السكندرية فممى الفكممر المسمميحى‬
‫والطقوس المسيحية كان أعظم قدرا ً أو يكمماد ‪ ..‬إذ كممان طبيعيما ً أن‬
‫يجد المسيحيون فى شخصية حممورس )الممذى كممان ابن ما ً لسمميرابيس‬
‫وهو سيرابيس فى نفس الوقت( شممبيها ً مرشممدا ً لهممم فيممما يبممذلون‬
‫من جهود عنيفة لتفهم ما خلفه لهم القديس بولس من خفايمما … "‬
‫"‪"1‬‬
‫وتكفينا هذه الشهادات من مؤرخى الغرب ومفكريه‪ ،‬لندرك مدى‬
‫التحريف والتشويه الذى أدخله بولس والمجامع المقدسة من بعممده‬
‫على العقيدة الصحيحة التى جاء بها رسول اللمه عيسمى ابمن مريممم‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫عيسى ابمن مريم َ َ‬
‫ذوِني‬ ‫خم ُ‬‫س ات ّ ِ‬‫ِ‬ ‫ت ِللن ّمما‬ ‫ت قُل ْم َ‬ ‫م أأنم َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ه َيا ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫}وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ممما‬ ‫ل َ‬ ‫ن أ َقُممو َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِممي أ ْ‬ ‫ممما ي َك ُممو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن الل ّهِ َقا َ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫مي إ ِل َهَي ْ‬
‫ُ‬
‫وَأ ّ‬
‫َ‬
‫سي َول أعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ما ِفي ن َْف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬ ‫ه فََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫مت َ ُ‬ ‫ت قُل ْت ُ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫حقّ إ ِ ْ‬ ‫س ِلي ب ِ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ك إن م َ َ‬
‫ممما‬‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ت ل َهُم ْ‬ ‫ممما قُل ْم ُ‬ ‫ب )‪َ (116‬‬ ‫م ال ْغُي ُممو ِ‬ ‫ت عَل ّ ُ‬ ‫ك أن ْم َ‬ ‫س َ ِّ‬ ‫ما ِفي ن َْف ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مم ُ‬ ‫ممما د ُ ْ‬ ‫شمِهيدا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مْرت َِني ب ِهِ أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ت عَل َممى ك ُم ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م وَأن ْم َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫كن َ‬‫ما ت َوَفّي ْت َِني ُ‬ ‫م فَل َ ّ‬‫ِفيهِ ْ‬
‫شِهيد ٌ )‪] {(117‬سورة المائدة ‪[117-5/116‬‬ ‫َ‬
‫صدق الله العظيم‬
‫على أن التحريف الذى وقع فى العقيممدة مممن جعممل اللمه الواحممد‬
‫ثلثة أقانيم‪ ،‬وتأليه عيسممى عليممه السمملم وادعمماء بنمموته للممه تعممالى‪،‬‬
‫وتممأليه مريممم وروح القممدس جبريممل عليممه السمملم‪ ،‬واخممتراع قصممة‬
‫الصلب والفداء‪ ،‬وعبادة الصليب وعبادة التماثيل والوثان ‪ ..‬الممخ …‬
‫الخ ‪ ..‬هذا التحريف على بشاعته لم يكن هو التحريف الوحيد الممذى‬
‫أدخلته الكنيسممة والمجممامع المقدسممة علممى ديممن اللممه المنممزل‪ ،‬بممل‬
‫أضافت الكنيسة انحرافا ً آخر ل يقل سوءا ً ول تشويها ً للدين المنممزل‬
‫من عند الله‪ ،‬وذلك بعزل العقيدة عن الشرعة واتخاذ الدين عقيممدة‬
‫فقط‪ ،‬وترك القانون الرومانى يحكم الحياة ‪.‬‬
‫إن الدين المنزل من عند الله كان دائما ً عقيدة وشريعة فى ذات‬
‫الوقت ‪ :‬عقيدة فى الله الواحد الفرد الصمد‪ ،‬الذى ل شريك لممه ول‬
‫ولد‪ ،‬وتنظيمات تنظم حياة الناس فى الرض فى إطممار أوامممر اللممه‬
‫" " المصدر السابق ج ‪ 3‬ص ‪709 - 708‬‬ ‫‪1‬‬
‫ونواهيه ‪.‬‬
‫فأما العقيممدة فقممد جمماءت واحممدة ى جميممع الرسممالت السممماوية‬
‫لنها– بطبيعتها – غير قابلة للتغيير ول التبديل ‪ .‬فالله سبحانه واحد ‪.‬‬
‫وكل الرسل المرسلين من عند اله جاءوا بعقيممدة التوحيممد– عقيممدة‬
‫الحق – فقالوا لقوامهم كما يحكى القرآن الكريم عنهم ‪ " :‬اعبممدوا‬
‫الله ما لكم من إله غيره " أما الشممريعة وممما تخممويه مممن تنظيمممات‬
‫فقد تغيرت–بحسب أحوال القوام الذين أرسممل المرسمملون إليهممم‪،‬‬
‫وانحرافاتهم الخاصة التى كانوا واقعين فيها– حتى اكتمل الدين فى‬
‫الوحى المنزل على رسول الله صمملى اللممه عليممه وسمملم يمموم نممزل‬
‫ت عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قوله تعمالى ‪} :‬ال ْيمو َ‬
‫مِتمي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫كم ْ‬ ‫مم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫كم ْ‬ ‫م ِدين َ ُ‬ ‫كم ْ‬ ‫مْلم ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينممًا{ ]سممورة المممائدة ‪ [5/3‬ولكنهمما – أى‬ ‫سممل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫كمم ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ضممي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫الشريعة – كانت دائما ً هناك ! كانت موجودة فى كل رسالة أنزلممت‬
‫على رسول من رسل الله صلوات الله وسلمه عليهم جميعا ً ‪ .‬وقممد‬
‫أشار القرآن إلى بعض تفصيلتها فى مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن إ ِل َم ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫}وَإ َِلى َ‬
‫ف‬ ‫خمما ُ‬ ‫خي ْمرٍ وَإ ِن ّممي أ َ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن إ ِن ّممي أَراك ُم ْ‬
‫َ‬
‫ميمَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫مك ْي َمما َ‬ ‫صوا ال ْ ِ‬ ‫غَي ُْرهُ َول َتنُق ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مي مَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫مك ْي َمما َ‬ ‫ط )‪ (84‬وَي َمما قَموْم ِ أوْفُمموا ال ْ ِ‬ ‫حيم ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ي َوْم ٍ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫شَياَءهُم ول ت َعْث َوا فِممي ال َ‬ ‫خسوا الناس أ َ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫سم ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ط َول ت َب ْ َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ِبال ِْق ْ‬
‫َ‬
‫ظ)‬ ‫حِفي م ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ممما أن َمما عَل َي ْك ُم ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ َ‬ ‫)‪ (85‬ب َِقي ّ ُ‬
‫ك ممما يعبمد آباؤُنمما " ‪ "1‬أوَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪َ (86‬قاُلوا َيا ُ‬
‫ْ‬ ‫ن ن َت ْمُر َ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫ك ت َأ ُ‬ ‫صلت ُ َ‬ ‫بأ َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬
‫شاُء" ‪] {" 2‬سورة هود ‪[87-11/84‬‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ن َْفعَ َ‬ ‫َ‬
‫وال َِنا َ‬ ‫م َ‬‫ل ِفي أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫هود ٌ َأل‬ ‫م ُ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (123‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وقوله ‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫تتُقون )‪ (124‬إني ل َك ُم رسو ٌ َ‬
‫ن)‬ ‫طيعُممو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫ن )‪َ (125‬فات ُّقوا الل ّم َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال ْعَممال َ ِ‬ ‫ري إ ِل ّ عَل َممى َر ّ‬ ‫جم ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫‪ (126‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫صممان ِعَ ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خم ُ‬ ‫ن )‪ (128‬وَت َت ّ ِ‬ ‫ة ت َعْب َث ُممو َ‬ ‫ل ِريٍع آي َم ً‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫‪ (127‬أت َب ُْنو َ‬
‫ه‬‫ن )‪ (130‬فَممات ُّقوا الل ّم َ‬ ‫جب ّمماِري َ‬ ‫م َ‬ ‫شمت ُ ْ‬ ‫م ب َط َ ْ‬ ‫شمت ُ ْ‬ ‫ذا ب َط َ ْ‬ ‫ن )‪ (129‬وَإ ِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ُم ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪] {(131‬سورة الشعراء ‪[131-26/123‬‬ ‫َ‬
‫طيُعو ِ‬ ‫وَأ ِ‬
‫م‬ ‫خمموهُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ل ل َُهمم ْ‬ ‫ن )‪ (160‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫وقوله ‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ط َأل تتُقممون )‪ (161‬إنممي ل َك ُمم رسممو ٌ َ‬
‫ه‬‫ن )‪ (162‬فَممات ُّقوا الل ّم َ‬ ‫ميم ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُلو ٌ‬
‫وأ َطيعون )‪ (163‬وما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه من أ َجمر إ َ‬
‫ب‬ ‫ري إ ِل ّ عَل َممى َر ّ‬ ‫جم ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ (165‬وَت َمذ َُرو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ْعَممال َ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن المذ ّك َْرا َ‬ ‫ن )‪ (164‬أت َأُتو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫خل َق ل َك ُم ربك ُم من أ َزواجك ُم ب ْ َ‬
‫ن )‪] {(166‬سممورة‬ ‫دو َ‬ ‫عمما ُ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫الشعراء ‪[166-26/160‬‬
‫" " هذه خاصة بالعقيدة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " وهذه تتعلق بالشريعة وكلتاهما متصلة بالصلة التى يصليها شعيب لله كما هو واضح من استنكار القوم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وما كممانت الرسممالة المنزلممة علممى عيسممى ابممن مريممم بممدعا مممن‬
‫الرسالت فى هذا الشأن ‪ .‬بل ينص القرآن الكريم نصا ً صريحا ً على‬
‫أن عيسى ابن مريم جاء مصدقا ً لما بين يممديه مممن التمموراة – وهممى‬
‫حافلة بالتشريعات التفصيلية فى كثير من شممؤون الحيمماة – وليحممل‬
‫لبنى إسرائيل بعض الذى كان قد حرم عليهم من باب العقوبة على‬
‫ما اجترحوا من السيئات ‪:‬‬
‫م‬ ‫ح مّر َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫ض ال ّم ِ‬ ‫م ب َعْ م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَل ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫}وَ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(50‬سممورة‬ ‫طيعُممو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫م َفات ُّقوا الل ّم َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫آل ‪[3/50‬‬
‫كما ينص على أن الله جعل لكل أمة شممرعة ومنهاجمًا‪ ،‬وأمممر كمل‬
‫قوم أن يحكموا بمقتضى الشرع الذى نزل عليهم وإل فهم كممافرون‬
‫وظالمون وفاسقون‪ ،‬حتى يممأنتى الرسممول الخيممر صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم فيحتكموا جميعا ً إلى شريعته ‪.‬‬
‫}إنا َأنزل ْنا التوراةَ فيها هُدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ‬
‫موا‬ ‫سممل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫َُ ٌ َ ْ ُ َِ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫كاُنوا‬ ‫ب الل ّهِ وَ َ‬ ‫حِف ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن ك َِتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ظوا ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حَباُر ب ِ َ‬ ‫ن َوال ْ‬ ‫دوا َوالّرّبان ِّيو َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫منما ً‬ ‫شمت َُروا ِبآي َمماِتي ث َ َ‬ ‫شموِْني َول ت َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫َ‬ ‫وا الن ّمما‬ ‫ْ‬ ‫شم‬ ‫خ َ‬ ‫داَء َفل ت َ ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫ن )‪ (44‬وَك َت َب َْنمما‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قَِليل ً وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ف بمما َ‬
‫ن َوالن م َ ِ‬
‫َ‬
‫ن ِبالعَي ْ ِ‬
‫س ِبالن ّْفس َوال ْعَي ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ن الن ّْف َ‬ ‫م ِفيَها أ ّ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫صد ّقَ ب ِهِ فَهُوَ ك َّفاَرةٌ ل َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ح قِ ُ َ‬ ‫جُرو َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ِبالذ ُ ِ‬
‫ن )‪ (45‬وَقَّفي ْن َمما‬ ‫مو َ‬ ‫ظمال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫هم ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه فَمأوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الّلم ُ‬ ‫ممما َأنمَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‬
‫ن الت ّموَْرا ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ي َمد َي ْهِ ِ‬ ‫ممما ب َي ْم َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫صم ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مْري َم َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫م ب ِِعي َ‬ ‫عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫ة‬
‫ن الت ّموَْرا ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ي َمد َي ْهِ ِ‬ ‫ممما ب َي ْم َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫صم ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى وَُنوٌر وَ ُ‬ ‫ل ِفيهِ هُ ً‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫َوآت َي َْناهُ ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل الّلم ُ‬ ‫مما أنمَز َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫جيم ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ِ‬ ‫لا‬ ‫م أهْ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (46‬وَل ْي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مت ِّقي‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫عظ َ ً‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫دى وَ َ‬ ‫وَهُ ً‬
‫ن )‪ (47‬وَأنَزل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ه فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِفيهِ وَ َ‬
‫منما ً عَل َي ْم ِ‬
‫ه‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ق‬
‫حم ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جمماَء َ‬ ‫ممما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واءَهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫شاءَ الل ّمه ل َجعل َك ُم ُ‬ ‫من َْهاجا ً وَل َوْ َ‬
‫حمد َةً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫مم ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫م‬ ‫جعُك ُم ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ت إ ِل َممى الل ّمهِ َ‬ ‫خي ْمَرا ِ‬ ‫س مت َب ُِقوا ال ْ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬
‫ممما‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ م ْ‬ ‫حك ُم ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَأ ْ‬ ‫خت َل ُِفممو َ‬ ‫م ِفي مهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُم ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأنَز َ‬
‫ل‬ ‫ممما أنمَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْم ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ن ي َْفت ُِنو َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ك فَإن تول ّوا َفاعْل َم أ َنما يريد الل ّ َ‬
‫م‬ ‫ض ذ ُن ُمموب ِهِ ْ‬ ‫م ب ِب َعْم ِ‬ ‫صمميب َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاهِل ِي ّمةِ ي َب ْغُممو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ن )‪ (49‬أفَ ُ‬ ‫سُقو َ‬ ‫س ل ََفا ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(50‬سممورة المممائدة ‪-5/44‬‬ ‫كما ً ل َِقوْم ٍ ُيوقِن ُممو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫‪[50‬‬
‫ورغم أن وجوب تحاكم النصارى إلى ما جاء فى التوراة والنجيل‬
‫من تشريعات واضح تمام الوضوح فى الكتب المتداولة بيمن أيممديهم‬
‫بالرغم من كل ما حدث فيها من تحريف‪ ،‬فممإن الكنيسممة زعمممت أن‬
‫القانون الرومانى – قانون قيصر – له شرعية تبيح اتباعه وهو يحكم‬
‫بغير ما أنزل اللممه‪ ،‬ونسممبت هممذا الزعممم إلممى السمميد المسمميح‪ ،‬كممما‬
‫نسبت إليه من قبل أنه قال إنه إله وإنه ابن اله ‪ ..‬سواء بسواء !‬
‫جاء فى أناجيلهم هذه القصة ‪:‬‬
‫" ذهب الفريسيون وتشاوروا لكى يصطادوه )أى السيد المسيح(‬
‫بكلمة‪ ،‬فأرسلوا إليه تلميذهم مع الهيرودسيين قممائلين ‪ :‬يمما معلممم ؟‬
‫إنك صادق وتعلم طريق اله بالحق ول تبالى بأحد‪ ،‬لنك ل تنظر إلى‬
‫وجوه الناس فقل لنا ماذا تظن ؟ أيجوز أن تعطى جزيممة لقيصممر أم‬
‫ل ؟ فعلم يسوع خبثهم وقال ‪ :‬لماذا تجربوننى يا مممراءون ؟ أرونممى‬
‫معاملة الجزية ‪ .‬فقدموا له دينممارا ً فقممال لهممم ‪ :‬لمممن هممذه الصممورة‬
‫والكتابة ؟ قالوا له ‪ :‬لقيصممر ؟ فقممال لهممم ‪ :‬أعطمموا إذن ممما لقيصممر‬
‫لقيصر وما لله لله ؟ فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا " ‪"1‬‬
‫وليس لنا من سبيل إلى الجزم فى أمر هذه القصممة‪ ،‬هممل حممدثت‬
‫بهذه الصورة أم يغيرها أم لم تحدث على الطلق ‪ .‬وإن كنمما أقممرب‬
‫إلى الشك فيها منا إلى إثباتها ‪ .‬ولكنا نفترض جدل ً أن القصة حدثت‬
‫على هذا النحو‪ ،‬وأن المسمميح تكلممم بهممذه اللفمماظ‪ ،‬فهممل يمكممن أن‬
‫يكون قصده منها هو إعطاء الشرعية لمر قيصر الذى ل يؤمن بالله‬
‫ورسوله ول يتحاكم إلى شممريعة اللممه‪ ،‬وقسمممة شممؤون الحيمماة بيممن‬
‫قيصر وبين الله سبحانه وتعالى بحيث يكون لقيصر نطمماق يتصممرف‬
‫فيه على هواه ويطاع فيما يأمر به‪ ،‬وتكون بقيممة الشممؤون – الممتى ل‬
‫يهتم بها القيصر – هى النطاق المتروك لله ؟!‬
‫وما الشرك إذن فى أجلى صوره ؟!‬
‫إن هذا المعنى يستحيل أن يخطر فى بال المممؤمن العممادى الممذى‬
‫يؤمن بل إله إل الله ‪ .‬فكيف بنبى مرسل من عند الله ؟!‬
‫إن أقصى ما يمكن أن تممدل عليممه القصممة – علممى فممرض صممحتها‬
‫جدل ً – أن المسيح عليه السلم يقول لهم ‪ :‬إننا لم نؤمر الن بقتممال‬
‫قيصر‪ ،‬فإذا فرض عليكم الجزية – ول قبل لكم اليمموم بممرد سممطوته‬
‫عنكم – فادفعوا له الجزية حمتى يمأتى اليموم المذى يمؤذن لكمم فيمه‬
‫بالقتال لخضاع قيصر لشريعة الله ‪ .‬وهذا كممما قيممل للمممؤمنين فممى‬
‫صلةَ َوآت ُمموا الّزك َمما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة{ ]سممورة النسمماء‬ ‫موا ال ّ‬ ‫مكة ‪} :‬ك ُّفوا أي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م وَأِقي ُ‬
‫" " انجيل متى ‪23 - 14 : 23‬‬ ‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّم ِ‬ ‫‪ [4/77‬حتى جمماءهم الذن بالقتممال فممى قمموله تعممالى ‪} :‬أذِ َ‬
‫َ‬
‫ديٌر )‪] {(39‬سممورة‬ ‫م ل ََقم ِ‬ ‫صمرِهِ ْ‬ ‫ه عَل َممى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ي َُقات َُلو َ‬
‫الحمج ‪ [22/39‬ثم جاء المر بالقتال لخضمماع الرض كلهمما لشممريعة‬
‫ه{ ]سممورة‬ ‫ه ل ِل ّم ِ‬‫ن ك ُل ّ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الله ‪} :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫النفال ‪[8/39‬‬
‫ولكن الكنيسة حملت هذه القصة – على فرض صحتها – فوق ممما‬
‫تحتمل‪ ،‬وزعمت أن معناها أن من حق قيصر أن يحكم عالم الرض‬
‫على أن يحكم الله عالم السماء‪ ،‬أو أن البدان لقيصر يفعل بهمما ممما‬
‫يشاء فى الحياة الدنيا‪ ،‬وللممه الرواح فممى الخممرة ! وهكممذا سمممحت‬
‫للعالم المسيحى أن يحكمه القانون الرومممانى فممى كممل شممؤونه ممما‬
‫عدا " الحوال الشخصممية " مممن زواج وطلق ‪ ..‬الممخ ‪ ..‬وأن ينحصممر‬
‫سلطان الله على عباده فممى مشمماعر الخشمموع والتقمموى والشممعائر‬
‫التعبدية ‪ ..‬والحوال الشخصية التى ل يهتم بها قيصممر إذا ممما تركممت‬
‫لشممريعة اللممه ! … وتممم بممذلك فصممل العقيممدة عممن الشممريعة‪ ،‬وتممم‬
‫المسخ الكامل لدين الله !‬
‫هذا الدين – بهذه الصورة – لم يكن صالحا ً للحياة ‪.‬‬
‫فما يلح دين تشوه عقيدته على هذا النحممو‪ ،‬ثممم تفصممل الشممريعة‬
‫فيه عن العقيدة وتحصر فى أضيق نطاق‪.‬‬
‫إن الدين يأتى لصلح الرض وإقامة حياة الناس بالقسط ‪.‬‬
‫ن إ ِل َم ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫َ‬ ‫مد ْي َ‬ ‫}وَإ َِلى َ‬
‫سمموا‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َول ت َب ْ َ‬ ‫ميمَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫م فَأ َوُْفوا ال ْك َي ْم َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫غَي ُْرهُ قَد ْ َ‬
‫خي ٌْر ل َ ُ‬ ‫دوا ِفي ال َ‬ ‫الناس أ َ‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬ ‫م َ‬ ‫حَها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫يا‬‫َ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ّ َ‬
‫ن )‪] {(85‬سورة العراف ‪[7/85‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن )‪َ (55‬ول‬ ‫دي َ‬ ‫معَْتمم ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حمم ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إ ِّنمم ُ‬ ‫خْفَيمم ً‬ ‫ضممّرعا ً وَ ُ‬ ‫م تَ َ‬ ‫كمم ْ‬ ‫عمموا َرب ّ ُ‬ ‫}اد ْ ُ‬
‫ة الّلم ِ‬ ‫معا ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬‫عوهُ َ‬ ‫حَها َواد ْ ُ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫ت ُْف ِ‬
‫ن )‪] {(56‬سورة العراف ‪[56-7/55‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ري ٌ‬‫قَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل ِي َُقممو َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ط{ ]سورة الحديد ‪[57/25‬‬ ‫س ِ‬ ‫س ِبال ِْق ْ‬ ‫الّنا ُ‬
‫وهذا الصمملح الممذى يقيمممه الممدين فممى الرض ينشممأ مممن انصممياع‬
‫النمماس لحقيقممة ضممخمة هممى حقيقممة التوحيممد‪ ،‬بكممل أبعادهمما وكممل‬
‫مقتضياتها‪ ،‬فتنضبط بها حركة النفس وحركممة الحيمماة البشممرة علممى‬
‫السواء ‪.‬‬
‫التوحيد هو " الميزان " الذى يضبط النفس والحياة ‪.‬‬
‫فالنسان عابد بفطرته ‪..‬‬
‫م عََلممى‬ ‫م وَأ َ ْ‬
‫شممهَد َهُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬
‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ن ب َِني آد َ َ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬‫}وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫شهِد َْنا{ ]سورة العراف ‪[7/172‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫وقد تهتدى النفس بميثاق الفطرة وقد تضل ‪ .‬ولكنهمما – بممما أودع‬
‫فى فطرتها – تظل دائما ً تبحث عن الله … تبحث عن " المعبممود "‬
‫‪"1‬‬
‫ومن ثم فإن النسان لبد أن يعبد ‪ ..‬يعبد اللممه أو يعبممد شمميئا ً غيممر‬
‫الله ‪.‬‬
‫وليس الفارق بين إنسان وإنسان أن هذا يعبد وهذا ل يعبد ‪ .‬إنممما‬
‫الفارق فى المعبود ‪ :‬أهو الله سبحانه وتعممالى‪ ،‬المسممتحق للعبممادة‪،‬‬
‫أم غيره من اللهة التى ل واقع لها فى الحقيقة ‪.‬‬
‫وتتعممدد المعبممودات مممن دون اللممه وتختلممف بمماختلف الزمممان‬
‫والمكمان‪ ،‬واختلف مبلمغ الجاهليمة مممن " العلمم " الرضممى وتتوحمد‬
‫عبادة الله فل تتغير طبيعتها باختلف الزمان والمكان " ‪. " 2‬‬
‫كان الناس فى جاهلياتهم المختلفة يعبدون " الب " أو يعبدون "‬
‫الطوطم " أو يعبدون " قوى الطبيعممة " المختلفممة مممن رعممد وبممرق‬
‫وريح ومطر‪ ،‬ويعبدون الفلك من شمس وقمر ونجمموم‪ ،‬أو يعبممدون‬
‫الصنام والوثان‪ ،‬أو يعبدون البشر من النبياء والقديسممين والحبممار‬
‫والرهبان‪ ،‬أو يعبدون الطبيعة ‪ ..‬ثم عبد النسان ذاتممه فممى الجاهليممة‬
‫المعاصرة‪ ،‬ثم تعددت المعبودات فصار اسمها المموطن أو الدولممة أو‬
‫القومية أو المممذهب أو الحممزب أو الزعيممم … أو الجنممس أو النتمماج‬
‫المادى أو الدولر " ‪! " 3‬‬
‫كلها معبودات يتخذها النمماس أرباب ما ً مممن دون اللممه‪ ،‬وتتحكممم فممى‬
‫حيمماتهم فيسمميرون علممى مقتضممى ممما تممأمرهم بممه فممى المموهم أو‬
‫الحقيقة ‪.‬‬
‫وفى جميع تلك الحوال يكون الناس عابممدين لربممابهم وخاضممعين‬
‫لما تأمرهم به تلك الرباب ‪.‬‬
‫أما فى حالة الهدى فيعبد النمماس الممه وحممده بل شممريك‪ ،‬ويتبعممون‬
‫أوامره ونواهيه‪ ،‬أى ‪ :‬يحكمون بما أنزل الله ‪.‬‬
‫ويختلف المر اختلفا ً بينا ً ما بين هذه العبمادة وتلمك‪ ،‬أمممر النفمس‬
‫وأمر الحياة سواء ‪.‬‬
‫فأما النفس فما أبعد الفارق بين أن تعبد الوهم وأن تعبد الحقيقة‬
‫" " فى فصل " اللحاد " فيما يلى من الكتاب حديث أكثر تفصيل ً عن هذه النقطة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " يقول علم مقارنة الديان أن الدين قد " تطور " على مدى التاريخ ‪ :‬والحقيقة أن عقائد الجاهلية هى التى‬ ‫‪2‬‬

‫تطورت أما عقيدة التوحيد فلم تتغير من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم والى أن يرث الله الرض وما‬
‫عليها ‪.‬‬
‫" " يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد الدينار " ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫!‬
‫َ‬
‫ت َول الن ّمموُر )‪(20‬‬ ‫ممما ُ‬ ‫صيُر )‪َ (19‬ول الظ ّل ُ َ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫ت{ ]سممورة‬ ‫َ‬ ‫وي ال َ ْ‬ ‫ل َول ال ْ َ‬ ‫َول الظ ّ ّ‬
‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫حَياُء َول ال ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫حُروُر )‪ (21‬وَ َ‬
‫فاطر ‪[22-35/19‬‬
‫هل يستوى من يخبط فى الظلمات خبط عشواء يبحث عن شممئ‬
‫يظنه ظنا ً ول وجود له فى الحقيقممة‪ ،‬ومممن يمشممى علممى النممور إلممى‬
‫وجهة يعلمها ويتوخاها ويسير قاصدا ً إليها ؟‬
‫سموِي ّا ً عَل َممى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شممي َ‬ ‫م ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫دى أ ّ‬ ‫جه ِ م ه ِ أه ْ م َ‬ ‫مك ِب ّا ً عَل َممى وَ ْ‬‫شي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫}أفَ َ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪] {(22‬سورة الملك ‪[67/22‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫أيهما أضبط حركة وأيسر مسيرا ً ؟!‬
‫أيهما أروح نفسا ً وأكثر طمأنينة ؟!‬
‫ثم إن النفس البشرية فى رحلتها على الرض لتواجه أسممئلة تممرد‬
‫– ل محالة – على الفطرة وتلطب الجواب ‪.‬‬
‫من خالق هذا الكون ؟‬
‫من أين جئنا ؟‬
‫إلى أين نذهب بعد الموت ؟‬
‫من يدير الكون وينشئ الحداث ؟‬
‫لى شئ نعيش ؟‬
‫أفمن يملك دليل الرحلة يدله إلى معممالم الطريممق أهممدى أم مممن‬
‫يخبط خبط عشواء بل دليل ؟‬
‫أيهما أضبط حركة وأكثر طمأنينة ‪ ..‬مممن لممه غايممة موحممدة يهممدف‬
‫إليها يحممدوه حمماد واحممد إليهمما‪ ،‬أم مممن لممه غايممات متعممددة متضمماربة‬
‫يحدوه إليها حداة مختلفون كل يدعو إلى طريق ؟‬
‫ل‬
‫جم ٍ‬ ‫سَلما ً ل َِر ُ‬
‫جل ً َ‬ ‫ن وََر ُ‬ ‫سو َ‬ ‫شاك ِ ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫كاُء ُ‬ ‫شَر َ‬‫جل ً ِفيهِ ُ‬ ‫مث َل ً َر ُ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫} َ‬
‫ل{ ]سورة الزمر ‪[39/29‬‬ ‫مث َ ً‬‫ن َ‬ ‫ست َوَِيا ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫هَ ْ‬
‫ح مد ُ ال َْقهّمماُر )‪] {(39‬سممورة‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وا ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫خي ْمٌر أ ْ‬ ‫ن َ‬‫مت ََفّرقُممو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫}أأْرب َمما ٌ‬
‫يوسف ‪[12/39‬‬
‫ثم ‪ ..‬أيهما أكثر كرامة ؟!‬
‫من يعبد الله الحق‪ ،‬ويتحرر – من ثم – من عبادة الرباب الزائفة‬
‫كلها ‪ .‬ويستعلى عليها‪ ،‬ويحس بوجوده اليجابى تجاهها‪ ،‬سواء كممانت‬
‫بشرا ً طماغين فمى الرض بغيمر الحمق‪ ،‬أو كمانت " قموى " ماديمة أو‬
‫معنوية‪ ،‬أو كممانت " حتميممات " زائفممة كالحتميممة الماديممة أو الحتميممة‬
‫القتصادية أو الحتمية التاريخية‪ ،‬أو كانت أهواء وشهوات ذاتيممة ‪ ..‬أم‬
‫من يعبد هذه الرباب الزائفة المتفرقة ويخضع لسلطانها فتسممتعبده‬
‫بذلك السلطان ؟!‬
‫ثم ‪ ..‬أيهما أكثر كرامة ؟!‬
‫من يعبد الله الذى يكرمه ابتداء ويمنحه الوجود ويمنحممه المكانممة‬
‫العالية ‪.‬‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬
‫ح َ‬‫م وَ َ‬ ‫مَنا ب َِني آد َ َ‬‫}وَل ََقد ْ ك َّر ْ‬
‫ضمميل ً )‪] {(70‬سممورة‬ ‫خل َْقن َمما ت َْف ِ‬‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م عََلى ك َِثي مرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫السراء ‪[17/70‬‬
‫أم من يعبد اللهة التى تسممتعبد أصممحابها فتممذلها وتسمملبها الرادة‬
‫وتسلبها الوجود ؟‬
‫ذلك أمر " النفس " مع عقيدة التوحيد ‪.‬‬
‫الستبصار والمن والكرامة وتوحد الهدف وتوحد الطريق ‪.‬‬
‫وإن النفممس الممتى تعبممد اللممه الحممق‪ ،‬وتطمئن بممذكره وعبممادته‪،‬‬
‫وتعرف دليل رحلتها على الرض‪ ،‬من أين وإلى أين‪ ،‬لتتوحد طاقتهمما‬
‫وتترتب ذراتهما كمما تمترتب ذرات الحديمد فمى قطعمة المغنماطيس‪،‬‬
‫فتصبح طاقة كونية هائلة بدل ً من أن تصبح بددا ً ضائعا ً فى التيه ‪.‬‬
‫أما الحياة البشرية – حياة المجموع البشرى – فميزانها كذلك هو‬
‫التوحيد ‪.‬‬
‫من الذى يرسم للبشرية منهج الحياة ؟ من الذى يقول همذا حلل‬
‫وهذا حرام ؟ هذا مباح وهذا غير مباح ؟ هذا حسن وهذا قبيح ؟ هذا‬
‫طيب وهذا خبيث ؟!‬
‫إنه – من جهة – حق الله الحقيقى على عباده‪ ،‬وليس حق اللهة‬
‫َ‬
‫المدعاة‪ ،‬فبما أنه هو الخالق فهو – سبحانه – صاحب المر ‪} :‬أل ل َ ُ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ثم أنه – من جهة أخرى – حق العليم الخبير‪ ،‬وليس حممق الجهممال‬
‫َ‬
‫سممى‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫عسى أ ْ‬ ‫المحدودى الفاق ‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{(216‬‬ ‫مممو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُم ْ‬‫ه ي َعْل َم ُ‬‫م َوالل ّم ُ‬ ‫شّر ل َك ُم ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫حّبوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫أ ْ‬
‫]سورة البقرة ‪[2/216‬‬
‫وفى عقيدة التوحيد تكون الحاكمية – أى حممق التحليممل والتحريممم‬
‫والباحة والمنع – لله وحده دون شريك ‪.‬‬
‫وفى الجاهلية تكون الحاكمية للبشر‪ ،‬مممع اللممه‪ ،‬بخلممط شممئ مممن‬
‫التشريع اللهى مع شئ من التشريع البشرى‪ ،‬أو من دون الله‪ ،‬بنبذ‬
‫التشريع الربانى جملة واتخاذ شرائع كلهمما مممن صممنع البشممر‪ ،‬سممواء‬
‫كان البشر فردا ً حاكما ً بأمره‪ ،‬أو فردا ً حاكما ً بمشورة طائفممة غيممره‬
‫من البشر‪ ،‬أو كانوا كل البشر على السواء ‪..‬‬
‫وكل ذلك إشراك مع الله وكفر بالله " ‪:" 1‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫ن ب ِمهِ الل ّم ُ‬ ‫ممما ل َم ْ‬
‫م ي َمأذ َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُم ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫}أ ْ‬
‫]سورة الشورى ‪[42/21‬‬
‫دون ِمهِ أ َوْل ِي َمماَء{‬ ‫ن ُ‬‫مم ْ‬ ‫م َول ت َت ّب ِعُمموا ِ‬ ‫ن َرب ّك ُم ْ‬ ‫مم ْ‬‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُم ْ‬‫ممما أ ُن ْمزِ َ‬
‫}ات ّب ُِعوا َ‬
‫]سورة العراف ‪[7/3‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{(44‬‬ ‫م ال ْك َممافُِرو َ‬ ‫ك ه ُم ْ‬ ‫ه فَمأوْل َئ ِ َ‬‫ل الّلم ُ‬ ‫ممما أنمَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُم ْ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن ل َم ْ‬
‫مم ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة المائدة ‪[5/44‬‬
‫ويختلف المر اختلفما ً بينما ً ممما بيممن عقيممدة التوحيممد‪ ،‬الممتى تجعممل‬
‫الحاكمية لله‪ ،‬وعقائد الشرك والكفر التى تجعل الحاكمية للبشر مع‬
‫الله أو من دون الله ‪.‬‬
‫يختلف أول ً من ناحية الكرامة البشرية‪ ،‬ويختلممف ثاني ما ً مممن ناحيممة‬
‫الواقمع البشممرى ‪ .‬فأممما مممن ناحيمة الكرامممة البشممرية ففممى عقيمدة‬
‫التوحيد‪ ،‬التى تجعل الحاكمية لله‪ ،‬يكون النمماس عبيممدا ً للممه وحممده –‬
‫وهو الكريم المركم – متحررين من كل عبودية لغير الله‪ ،‬مسممتعلين‬
‫بوجودهم على الطواغيت ‪ .‬وفى عقائد الشرك والكفر‪ ،‬التى تجعممل‬
‫الحاكمية للبشر مع الله أو من دون الله‪ ،‬يكون بعممض البشممر أرباب ما ً‬
‫وهممم المممالكون المسمميطرون المشممرعون‪ ،‬وبعضممهم عبيممدا ً لولئك‬
‫الرباب ‪ .‬وهم الذين يقع عليهم سلطان الطواغيت ‪.‬‬
‫وأما من ناحية الواقع البشرى فالعدل والرشممد هممو طممابع الحيمماة‬
‫فى ظل عقيدة التوحيد التى تجعل الحاكمية لله‪ ،‬والظلممم والتخبممط‬
‫هو طابع الحياة فى ظل عقائد الشرك والكفر التى تجعل الحاكميممة‬
‫للبشر مع الله أو من دون الله ‪.‬‬
‫فأممما الظلممم فينشممأ – دائممما ً – فممى الجاهليممة مممن كممون الممذين‬
‫يشرعون – سواء كممانوا فممردا ً أو طبقممة " ‪ " 2‬يشممرعون لمصمملحتهم‬
‫الخاصة على سحاب مصالح الخرين ‪.‬‬
‫وأما التخبط فينشأ من عجز البشر عن الحاطة بالمر سمن كممل‬
‫جمموانبه السياسممية والجتماعيممة والقتصممادية والخلقيممة والماديممة‬
‫والروحية ‪ ..‬الخ‪ ،‬وعجزهم عن رؤية النتائج المستقبلة المترتبة على‬
‫أعمالهم الحاضرة فمهما قدروا وتخيلمموا فممإن الواقممع العملممى يممأتى‬
‫دائما ً مخالفا ً لما قدروه وتخيلوه فى بعض جوانبه أو فى كل جوانبه‪،‬‬
‫" " فى ظل السلم يجتهد البشر " المؤمنون " فيما ل نص فيه ‪ .‬ولكن هذا ليس تشريعا ً من عند أنفسهم ‪ ،‬فهم إنما‬ ‫‪1‬‬

‫يجتهدون فيما أذن الله لهم أن يجتهدوا يه ‪ ،‬ولول إذن الله لهم ما كان لهم أن يجتهدوا ول يضعوا الحكام ‪ ،‬فهم – بهذا‬
‫الذن – يضعون الحكام ولكنهم ل يشاركون فى الحاكمية التى هى حق التحليل والتحريم والباحة والمنع ‪ ،‬وفضل ً عن‬
‫ذلك فإن الجتهاد محكوم بالصول العامة للشريعة ل يخرج عن إطارها ‪.‬‬
‫" " ل يوجد فى الواقع فرد واحد يحكم بمفرده ‪ ،‬إنما يكون الحاكم دائما ً طبقة يمثلها فرد أو أفراد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وتنبت دائما ً مشاكل جديدة من الحلول المبتسرة التى يواجهون بها‬
‫مشاكلهم‪ ،‬لم تكن فى حسبان الذين وضعوا هممذه الحلممول ‪ .‬وهكممذا‬
‫تظل الحلقة المفرغة ‪ :‬مشكلت قائمة‪ ،‬وحلول مبتسرة تنبت منهمما‬
‫مشكلت جديدة توضع لها حلممول مبتسممرة جديممدة وهممذا إذا أحسممنا‬
‫الظممن بواضممعى الحلممول وافترضممنا أنهممم مخلصممون فممى وضممع ممما‬
‫يضعون من حلول وأنهم ل يخططممون ليقمماع البشممرية فممى الخبممال‬
‫لغايات شريرة " ‪" 1‬‬
‫بينممما تقمموم شممريعة اللممه علممى العممدل‪ ،‬لن اللممه –س سممبحانه –‬
‫ليست له مصلحة ذاتية يطلبها من وراء تلمك الشمريعة‪ ،‬وهمو الغنمى‬
‫الحميد‪ ،‬مالك الملك كله الذى ل تنفد خزائنه ‪ .‬إنما يريد اللممه الخيممر‬
‫لعباده والبر بهم والزكاة والطهر والنظافة والرتفاع ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ش مه َ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن ي َت ّب ِعُممو َ‬
‫ذي َ‬ ‫ري مد ُ ال ّم ِ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُم ْ‬‫ن ي َُتو َ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫ظيما ً )‪] {(27‬سورة النساء ‪[4/27‬‬ ‫مي ْل ً عَ ِ‬ ‫ميُلوا َ‬ ‫تَ ِ‬
‫كما أن شريعة اللممه تتسممم بالرشممد‪ ،‬لن منزلهمما – سممبحانه – هممو‬
‫اللطيف الخبير‪ ،‬الذى يعلم حقيقة النفس البشرية الممتى خلقهمما }َأل‬
‫خِبي مُر )‪] {(14‬سممورة الملممك ‪[67/14‬‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ويعلم ما يصلحها وما يصلح لها‪ ،‬وهو سبحانه عالم الغيب والشممهادة‬
‫الذى ل ينممد عممن علمممه مثقممال ذرة فممى السممموات ول فممى الرض‪،‬‬
‫والذى يحيط علمه بالماضى والحاضممر والمسممتقبل فممى كممل لحظممة‬
‫من لحظات هذا الوجود كله‪ ،‬فينزل التشريعات التى يعلم – سبحانه‬
‫– أنه يتحقق منها الخير ول يقع منهمما الشممر‪ ،‬والممتى تكممون فممى كممل‬
‫لحظة مناسبة لما نزلت من أجله ‪.‬‬
‫والتوحيد يشمممل ذلممك كلممه ‪ ..‬يشمممل العقيممدة الممتى تسممتقيم بهمما‬
‫النفس‪ ،‬والشريعة التى تستقيم بها الحياة ‪.‬‬
‫إذ التوحيد – الذى يقوم عليه المدين المنمزل ممن عنمد اللمه – همو‬
‫توحيد الله فى ذاته وتوحيده فى صفاته وأفعاله ‪ .‬ومن صفاته الممتى‬
‫ينفرد بها – سبحانه – أنه صاحب الخلق وصاحب الممر كمما ممر بنما‬
‫فى آية العراف ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫}أل ل َ ُ‬
‫وأن الحكم – أى الحاكمية – له وحده فى كل شئ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م وَل َك ِم ّ‬
‫ن ال َْقي ّم ُ‬
‫دي ُ‬
‫ك الم ّ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َِلم َ‬ ‫مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫أَ‬
‫ن )‪] {(40‬سورة يوسف ‪[12/40‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫أما الشرك – المقابل للتوحيد – فهو يقع إما فى العبادة – بمعنممى‬
‫" " سيأتى فيما بعد حديث عن دور اليهود فى إفساد أوروبا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫التوجه لغير الله بالشعائر التعبدية مع الله أو مممن دون اللممه – وإممما‬
‫فى التباع – بمعنى التحريم والتحليل والمنع والباحة ممن دون اللمه‬
‫وبغير إذن من الله – أو فيهما جميعا ً كما فى آية النحل ‪:‬‬
‫يءٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دون ِمهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ما عَب َد َْنا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫كوا ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫يٍء{ ]سممورة النحممل‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دون ِمهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫من َمما ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ن َول آَباؤُن َمما َول َ‬ ‫حم ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪[16/35‬‬
‫والتوحيد هو الذى يصلح الرض‪ ،‬والشرك هو الذى يحدث الفسمماد‬
‫الذى ينهى الله عباده عنه ‪:‬‬
‫مع ما ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وف ما ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫حَها َواد ْعُمموهُ َ‬ ‫صممل ِ‬ ‫ض ب َعْ مد َ إ ِ ْ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫}َول ت ُْف ِ‬
‫ن )‪] {(56‬سورة العراف ‪[7/56‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ة الل ّهِ قَ ِ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫إذا علمنا ذلك لكه‪ ،‬وهو من بديهيات الدين المنزل من عنممد اللممه‪،‬‬
‫استطعنا أن ندرك مدى التحريف البشع الذى أحممدثته الكنيسممة فممى‬
‫دين الله المنزل على عيسى ابن مريم‪ ،‬سواء فممى تشممويه العقيممدة‬
‫بقضية التثليت وتأليه عيسى عليممه السمملم‪ ،‬أو بفضممل العقيممدة فممى‬
‫ذلك الدين عن الشريعة‪ ،‬وتقديمه للناس عقيدة منفصمملة خلمموا ً مممن‬
‫التشريع إل القليل‪ ،‬واستطعنا أن ندرك مدى الشرك – فى العقيممدة‬
‫والتباع معا ً – الذى أدخلته الكنيسة على دين التوحيممد الممذى يلتقممى‬
‫فيه الرسل جميعا ً من أولهم إلى خاتمهم عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫حي َْنما إ ِل َي ْم َ‬ ‫َ‬
‫مما‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحما ً َواّلم ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شَرعَ ل َك ُ ْ‬ ‫} َ‬
‫ن َول ت َت ََفّرقُمموا‬ ‫عيسممى أ َ َ‬
‫دي َ‬ ‫ممموا الم ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫ْ‬ ‫سممى وَ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هيم َ‬ ‫صي َْنا ب ِمهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَ ّ‬
‫ه{ ]سورة الشورى ‪[42/13‬‬ ‫ِفي ِ‬
‫ذلك الشرك الذى أشار القرآن إلى أحد طرفيه فى هاتين اليتين‬
‫‪:‬‬
‫م{ ]سممورة‬ ‫مْري َم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْم ُ‬‫سممي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ه ُ مو َ ا ل ْ َ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫المائدة ‪[5/72‬‬
‫ة{ ]سورة المائدة ‪[5/73‬‬ ‫ث َثلث َ ٍ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫وأشار إلى طرفيه معا ً فى هاتين اليتين ‪:‬‬
‫ن الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫ح اب ْم ُ‬ ‫سممي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وََقال َ ْ‬ ‫ت ال ْيَ َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫}وََقال َ ْ‬
‫م‬ ‫ل قَممات َل َهُ ْ‬ ‫ن قَب ْم ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ك ََف مُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهُِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫م ب ِأفْ َ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَبابا ً ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن )‪ (30‬ات ّ َ‬ ‫كو َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُ م َ‬
‫و‬ ‫حممدا ً ل إ ِل َم َ‬ ‫دوا إ َِله ما ً َوا ِ‬ ‫م مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن )‪] {(31‬سورة التوبة ‪[31-9/30‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫وأخيرا ً نستطيع أن ندرك أن ذلك الدين – بصورته المشمموهة تلمك‬
‫– لم يكن صالحا ً للحياة ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن الكنيسة ورجالها لم يكتفمموا بهممذه الخطيئة الكممبرى‬
‫فى حق الدين السماوى‪ ،‬إنما أضافت إليها خطايا أخرى ومنكرات !‬
‫ثانيًا‪ :‬طغيان الكنيسة ورجال الدين ‪:‬‬
‫حممولت الكنيسممة ديممن اللممه المنممزل إلممى روحانيممات صممرفة أو‬
‫روحانيات غالبة بقصره على شعائر التعبد ومشاعر التبتل والخشوع‬
‫والتقوى‪ ،‬وإبعاد الجانب الذى يحكم الحياة العملية – أى الشممريعة –‬
‫إل قليل ً منه‪ ،‬وتممرك هممذا الجممانب لقيصممر‪ ،‬ويتصممرف فيممه بمقتضممى‬
‫القانون الرومانى غير متقيد بما أنزل الله ‪.‬‬
‫وكان المظنون أن تكون مهمتها تعميق الجممانب الروحممى – الممذى‬
‫قصممرت الممدين عليممه – وأن تكممون وسمميلتها إلممى ذلممك هممى التربيممة‬
‫الروحية التى تربط القلوب بالله‪ ،‬لتحبه وتخشاه ‪.‬‬
‫ولكن الكنيسة لمم تكتمف بهمذا الجمانب – المنطقمى ممع تصمورها‬
‫وتصويرها للدين – بل مارست سلطانا ً " دنيويًا" هائل ً يتنافى مع هذا‬
‫التصور‪ ،‬ول يفسره شئ فى حقيقة الواقع إل رغبة الطغيان !‬
‫بل إنها – حتى فى الجانب الروحى البحت – قد مارست طغيانهمما‬
‫الهائل‪ ،‬فأبت أن تتصل قلوب المؤمنين بربهممم مباشممرة بل وسمميط‪،‬‬
‫وأصرت أن تكون هى وحدها – ول سممواها – الواسممطة الممتى تتصممل‬
‫القلوب عن طريقها بالله !‬
‫ويجممدر بنمما أن نفصممل هممذا الطغيممان إلممى أبمموابه المختلفممة الممتى‬
‫مارستها الكنيسة على العقول والرواح والبدان‪ ،‬مستغلة سمملطانها‬
‫على القلوب‪ ،‬الذى يصاحب الجانب الروحى عادة فى حياة الناس ‪.‬‬
‫ونحتاج فى هذا الشأن أن نتحممدث أول ً عممن " رجممال الممدين " ثممم‬
‫نتحدث بعد ذلك عن طغيان رجال الدين‪ ،‬الذى اتخذ مظاهر متعددة‬
‫أهمها ‪:‬‬
‫الطغيان الروحى ‪.‬‬
‫الطغيان العقلى والفكرى ‪.‬‬
‫الطغيان المالى ‪.‬‬
‫الطغيان السياسى ‪.‬‬
‫الطغيان العلمى ‪.‬‬
‫)‪ (1‬رجال الدين ‪:‬‬
‫لكل دين – سماوى أو غير سماوى – رجال يقومون بتلقين الدين‬
‫للناس‪ ،‬وتعليمهم إياه‪ ،‬ويكونممون – فممى نظممر النمماس علممى القممل –‬
‫ألصق بأمور الدين وأعرف بها مممن سممواد النمماس الممذين يكتفممون –‬
‫عادة – بممارسة ما يتلقونه من أولئك المعلميممن دون تعمممق فيممه ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا شأن كل دين – سماوى أو غير سممماوى – فممإن الممدين‬
‫المنزل من عند الله يفترق فى هذا الشأن عممن الديممان المصممنوعة‬
‫على يد البشر فى خصلتين اثنتين على أقل تقدير ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون الذين يعلمون الدين للناس أقرب فى سلوكهم‬
‫إلى حقيقة هذا الدين ومقتضياته أى أكثر وعيا ً وأكثر إخلصا ً وأقممرب‬
‫إلى الله‪ ،‬كما كان المهمماجرون والنصممار بالنسممبة للجيممل الول مممن‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن يكونوا متفقهين فى أمر الدين ليجيبمموا النمماس علممى‬
‫أسئلتهم التى تخطر لهم بشأنه‪ ،‬سواء فى الجانب التعبدى المتصممل‬
‫بالعقيدة والشعائر‪ ،‬أو الجانب العملى المتصل بالشريعة ‪.‬‬
‫م‬
‫من ْهُ م ْ‬ ‫ل فِْرقَ مةٍ ِ‬ ‫ن ك ُم ّ‬‫م ْ‬‫ول ن ََفَر ِ‬ ‫ة فَل َ ْ‬ ‫ن ل َِينِفُروا َ‬
‫كافّ ً‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫}وَ َ‬
‫م‬‫م ل َعَل ّهُ م ْ‬
‫جعُمموا إ ِل َي ْهِ م ْ‬ ‫م إِ َ‬
‫ذا َر َ‬ ‫ن وَل ُِينذُِروا قَ موْ َ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫دي ِ‬‫ة ل ِي َت ََفّقُهوا ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫طائ َِف ٌ‬
‫ن )‪] {(122‬سورة التوبة ‪[9/122‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وأمممر طممبيعى أن يكممون مثممل هممؤلء الرجممال موضممع التقممدير‬
‫والحترام من بقية الناس‪ ،‬ولكنهم – بحكم طبيعة الدين المنزل من‬
‫عند الله – ل يكونون موضع التقممديس ‪ .‬أول ً ‪ :‬لنهممم يعلمممون الممدين‬
‫الحق‪ ،‬والدين الحممق يجعممل التقممديس للممه وحممده وليممس لحممد مممن‬
‫البشر‪ ،‬وثانيا ً ‪ :‬لنهم يعلمون الدين بجانبيه ‪ :‬ما يتعلق منممه بالعقيممدة‬
‫والشعائر وما يتعلممق بتنظيممم أمممور الحيمماة الممدنيا بمقتضممى الشممرع‬
‫الربانى‪ ،‬فيخاطبون فممى النمماس جممانبهم الروحممى وجممانبهم العقلممى‬
‫والعملى التطبيقى‪ ،‬فيظل ارتباط الناس بهم ارتباطا ً واعيما ً ل سمحر‬
‫فيه ول غموض ول أسرار ‪ .‬ومن ثم ل يصبحون – فى حس الناس –‬
‫وسممطاء بينهممم وبيممن اللممه‪ ،‬وإنممما وسممطاء بينهممم وبيممن المعرفممة‬
‫الصحيحة بأمور الدين ‪ .‬وفرق بين الوساطتين كبير !‬
‫ومن ثم فل يوجد فى الممدين المنممزل مممن يطلممق عليهممم " رجممال‬
‫الدين " إنما يوجد رجممال صممالحون مممن جهمة‪ ،‬وعلممماء وفقهمماء فممى‬
‫الدين من جهة أخرى ‪ .‬وليس لهؤلء ول هؤلء على النمماس سمملطان‬
‫إل سلطان المحبة والتقدير‪ ،‬ومكان القدوة الصالحة فى النفوس ‪.‬‬
‫وحقيقة أن موسى عليه السلم – بوحى من ربه – قممد نمماط بكممل‬
‫سبط من أسباط بنى إسرائيل الثنى عشر أعمال معينممة يتوارثونهمما‬
‫بينهم‪ ،‬ومن بينهمما إقامممة الشممعائر والنسممك مممما أوجممد فيهممم كهانممة‬
‫وكهانا ‪ ..‬ولكن هذا كان أمرا تنظيميا فيما بين السممباط لربممط بنممى‬
‫إسرائيل بعضهم ببعض حتى ل يتفرقوا ول يختلفوا فيما بينهممم‪ ،‬ولممم‬
‫تكن كهانة للدين ذاته‪ ،‬أى وساطة بين بنى إسرائيل وبين الله ‪.‬‬
‫أما الديان الموضوعة فلها شأن آخر ‪..‬‬
‫إنها أول أديان موضوعة ل تعرف الله الحق ول تعرف الناس بممه ‪.‬‬
‫ومن ثم فإن مفهومها الدينى ليس هو المفهوم الصحيح‪ ،‬والقداسممة‬
‫فيها ليست وقفا على الله وحده كما ينبغى فى الدين الحق ‪.‬‬
‫وهى ثانيا تتكئ على الجانب الروحى ‪ :‬جممانب العقيممدة والشممعائر‬
‫والنسك‪ ،‬أكثر بكثير مممن الجممانب العقلممى والعملممى التطممبيقى – إن‬
‫اهتمت بهذا المر على الطلق – ومن ثم يصبح ارتباط النمماس بهممم‬
‫ارتباطا روحيا ووجدانيا خاليا تقريبا من المموعى‪ ،‬أو – عنممد البسممطاء‬
‫من الجماهير – خاليا من الوعى على الطلق ‪.‬‬
‫ومن هنا يصبح فى هممذه الديممان كهممان أو رجممال ديممن يمارسممون‬
‫سلطانا روحيا هائل على الجماهير‪ ،‬وتحيط بهم هالممة مممن الغممموض‬
‫والسرار ‪ ..‬ويصبحون هم الوسطاء بين الناس وإلههم الذى يعبدون‬
‫!‬
‫وقد كان هذا هو شأن المسيحية المحرفة التى وضممعتها الكنيسممة‬
‫الوروبية ‪.‬‬
‫إنها دين وضعى وإن تمسح بالمسيح عيسى ابممن مريممم وبممالوحى‬
‫الربانى ‪ .‬وزعم أنه من عند الله ‪.‬‬
‫ومن ثم كانت له كهانة‪ ،‬وكان له رجال دين ‪ ..‬وكان هؤلء الكهان‬
‫– والبابا على رأسهم – وسطاء بين الناس وبين الله !‬
‫لقد حاولت الكنيسممة أن تسممند وجودهمما وسمملطانها إلممى المسمميح‬
‫عليه السلم‪ ،‬إما بتأويل كلمات قالها بالفعل تأويل يناسممب أهممدافها‪،‬‬
‫وإما باختراع كلمات لم يقلها وإلصمماقها بممه‪ ،‬كممما فعلممت فممى قضممية‬
‫البنوة والتألية‪ ،‬وإعطاء قانون قيصر شرعية كشريعة الله ‪.‬‬
‫تزعم الكنيسة أن المسيح قممال لبطممرس كممبير الحممواريين ‪ :‬أنممت‬
‫بطرس‪ ،‬وعلى هذه الصخرة ابنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى‬
‫عليها ‪ .‬وأعطيك مفاتيح ملكمموت السممموات‪ ،‬فكممل ممما تربطممه علممى‬
‫الرض يكون مربوطا فممى السممماوات‪ ،‬وكممل ممما تحلممه علممى الرض‬
‫يكون محلول فى السموات " ‪ "1‬وأنممه قممال ‪ " :‬أنممى أهممب سمملطانى‬
‫لكنيستى "‬
‫ورتبت الكنيسة على هذا لزعم أن المكان الذى مات فيه بطرس‬
‫– وهو روما – لبد أن يكون مقرا للنفوذ الدينى الذى يبسط ذراعيممه‬
‫على الرض كلها ممثل فى الكنيسة‪ ،‬وإن ما تقوله الكنيسة – ولعلى‬
‫رأسها البابا – واجب الطاعة لنه من أمر الله ‪.‬‬
‫ولكن القضية كلها قائمة على أساسين واهبين هاويين ‪:‬‬
‫قائمة على أساس أن المسيح عليه السلم ذو طبيعممتين إحممداهما‬
‫" " انجيل متى ‪ ،‬الصحاح السادس عشر " ‪" 20 – 19‬‬ ‫‪1‬‬
‫لهوتية والخرى ناسوتية‪ ،‬ومن ثم فهو إله وبشر فممى ذات المموقت‪،‬‬
‫وهو علممى هممذه الهيئة وسمميط بيممن البشممر ذوى الطبيعممة الناسمموتية‬
‫الخالصة والله ذى الطبيعة اللهوتية الخالصة !! فهممو ليممس رسممول‬
‫يبلغ وحى الله للناس – كما هو فى الحقيقة – إنما هو حلقة وسيطة‬
‫تمر بها مشاعر الناس وأعمالهم لكى تصل إلى الله‪ ،‬كممما تمممر مممن‬
‫خلله كلمة الله إلى الناس !‬
‫وقائمة – من بعد – على أساس أن الكنيسة هى وريثممة المسمميح‪،‬‬
‫ومن ثم فإن لها ذات الوضممع وذات السمملطان الممذى كممان للمسمميح‪،‬‬
‫فهممى مقدسممة‪ ،‬و" قداسممة " البابمما – ومممن يكممل المممر إليهممم مممن‬
‫الكرادلة وغيرهم – هممم الوسممطاء الممذين تمممر بهممم مشمماعر النمماس‬
‫وأعمالهم لكى تصل إلى الله‪ ،‬كما تمر من خللهممم كلمممة اللممه إلممى‬
‫الناس !!‬
‫وكل المرين ل يقوم على أساس فى دين الله ‪..‬‬
‫فالرسل فى دين الله هم رسل فحسب ‪.‬‬
‫سممول ً )‪] {(93‬سممورة‬ ‫شممرا ً َر ُ‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬ ‫كن م ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َرب ّممي هَ م ْ‬ ‫حا َ‬ ‫س مب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫}قُ م ْ‬
‫السراء ‪[17/93‬‬
‫ل{ ]سممورة آل‬ ‫سم ُ‬ ‫ن قَب ْل ِمهِ الّر ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َم ْ‬ ‫ل قَ مد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫}وَ َ‬
‫‪[3/144‬‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ب َول أ َُقو ُ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ َول أعْل َ ُ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ل ل أ َُقو ُ‬ ‫}قُ ْ‬
‫حى إ َِلي{ ]سورة النعام ‪[6/50‬‬ ‫كإ َ‬
‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ إ ِل ّ َ‬ ‫مل َ ٌ ِ ْ‬ ‫إ ِّني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت أعَْلمم ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫ه وَل َوْ ُ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إ ِل ّ َ‬ ‫سي ن َْفعا ً َول َ‬ ‫ك ل ِن َْف ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫للأ ْ‬ ‫}قُ ْ‬
‫خير وما مسِني السوُء إ َ‬
‫شيٌر‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ن أَنا إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫بل ْ‬ ‫ال ْغَي ْ َ‬
‫ن )‪] {(188‬سورة العراف ‪[7/188‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫وعيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫حم ّ‬ ‫م َول ت َُقوُلوا عَل َممى الل ّمهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ب ل ت َغُْلوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫}َيا أ َهْ َ‬
‫م‬ ‫مْري َم َ‬ ‫ها إ ِل َممى َ‬ ‫ه أ َل َْقا َ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ل الل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ممما‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خي ْممرا ً ل َك ُم ْ‬ ‫ة انت َُهوا َ‬ ‫سل ِهِ َول ت َُقوُلوا َثلث َ ٌ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ه َفآ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَُرو ٌ‬
‫حد سبحان َ‬
‫ممما فِممي‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَل َد ٌ ل َ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه َوا ِ ٌ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ه إ ِل َ ٌ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن عَْبدا ً‬ ‫ف ال ْمسي َ‬ ‫َ‬
‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫سَتنك ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كيل ً )‪ (171‬ل َ ْ‬ ‫ض وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫س مت َك ْب ِْر‬ ‫عب َمماد َت ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف عَم ْ‬ ‫س مَتنك ِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م م َْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مَقّرب ُممو َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َم ُ‬ ‫ل ِل ّمهِ َول ال ْ َ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صممال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ميعا ً )‪ (172‬فَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫فَيمموّفيه ُ‬
‫سممَتنك َُفوا‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ممما اّلمم ِ‬ ‫ضممل ِهِ وَأ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫ممم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيممد ُهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م وَي َ‬ ‫جمموَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ُ َ ِ ْ‬
‫ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً َول‬ ‫َ‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ذابا ً أِليما ً َول ي َ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ست َك ْب َُروا فَي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫صيرا ً )‪] {(173‬سورة النساء ‪[173-4/171‬‬ ‫نَ ِ‬
‫إنما وقع الخلط عندهم من أنهم قالوا ‪ " :‬فى البدء كان الكلمممة ‪.‬‬
‫والكلمممة كممان اللممه " ‪ ..‬فجعلمموا كلمممة اللممه هممى الممه ! وعلممى هممذا‬
‫الساس يمكن أن يكون آدم كذلك هممو اللممه – نسممتغفر اللممه – لنممه‬
‫ن )‪] {(59‬سممورة آل ‪ [3/59‬ولن‬ ‫ن فَي َك ُممو ُ‬‫ه ك ُم ْ‬‫ل ل َم ُ‬
‫كلمة الله ‪} :‬قَمما َ‬
‫حي فََقُعوا‬ ‫ن ُرو ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ه وَن ََف ْ‬‫سوّي ْت ُ ُ‬‫ذا َ‬ ‫الله نفخ فيه من روحه ‪} :‬فَإ ِ َ‬
‫ن )‪] {(72‬سورة ص ‪[38/72‬‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫ه َ‬‫لَ ُ‬
‫أما القولة التى نسبوها إلى المسيح وأولوها على هممواهم فهممى ل‬
‫تعنى أن تكممون هنمماك كنيسممة بممالمعنى الممذى صممار إليممه المممر فممى‬
‫الكنيسة الوروبية ول رجال دين لهممم وجممود متميممز وسمملطان علممى‬
‫المؤمنين بذلك الدين ‪ .‬إنما هى على فرض صحتها ل تعنى أكثر من‬
‫قول الله عن المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪} :‬وَل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ‬
‫ن{ ]سورة المنافقون ‪ [63/8‬فهى عممزة يمنحهمما‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬ ‫وَل َِر ُ‬
‫الله للمؤمنين بدينه‪ ،‬يعتزون بها فى الرض على الكفار والمنافقين‪،‬‬
‫وليست سلطانا ذاتيا يمارسونه علممى المممؤمنين ! ولكممن علممى هممذا‬
‫الفهممم الخمماطئ والتأويممل المعمموج سممارت المممور فممى المسمميحية‬
‫المحرفة فصار لهمما كنيسممة ورجممال ديممن " ‪ "1‬يرأسممهم " قداسممة "‬
‫البابا ويرسمهم ذلك البابا أى يضعهم فى مناصبهم‪ ،‬وصار لهم علممى‬
‫الناس ذلك السلطان المعروف فى التاريخ الوروبى الذى لممم يكممن‬
‫سلطانا عاديا‪ ،‬وإنما وصل إلى حد الطغيان المتعدد اللوان ‪.‬‬
‫)‪ (2‬طغيان رجال الدين ‪:‬‬
‫)أ( الطغيان الروحى ‪:‬‬
‫أشرنا من قبل إلى أن الطغيان الروحمى همو ممن طبيعمة الديمان‬
‫الموضوعة التى تركز على الجانب الروحى ‪ .‬كممذلك كممان المممر مممع‬
‫سحرة فرعون ‪ .‬وهم كهنته فى ذات الوقت ‪ ..‬الذين يممروى القممرآن‬
‫عنهم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ ]سممورة العممراف‬ ‫س مت َْرهَُبوهُ ْ‬‫س َوا ْ‬ ‫ن الن ّمما ِ‬ ‫حُروا أعْي ُم َ‬ ‫سم َ‬ ‫وا َ‬ ‫}أل َْق م ْ‬
‫‪[7/116‬‬
‫وكمذلك كمان الممر ممع كهنمة المديانات الوضمعية القديممة كلهما ‪.‬‬
‫فالكاهن محوط بالسرار والغموض‪ ،‬على أساس أن له صمملة خفيممة‬
‫بالله المعبود‪ ،‬ومن ثم ففيه عنصر إضافى غير بقية البشر العاديين‬
‫يتيح له لممك السمملطان المرهمموب علممى القلمموب‪ ،‬لنممه يملممك – فممى‬
‫حسهم – أن يستنزل رضا الرب وغضبه على السواء ‪ !..‬وبعد قليممل‬
‫يصبح غضبه – فى حسهم – كأنما هو غضب الرب‪ ،‬وكذلك رضاه !‬
‫" " مر بنا قول المؤرخ النجليزى ويلز " فما بشر به يسوع كان ميلدا جديدا للروح النسانية ‪ .‬أما ما علمه بولس‬ ‫‪1‬‬

‫فهو الديانة القديمة ‪ .‬ديانة الكاهن والمذبح "‬


‫وإذا كممان المممر لممم يصممل فممى المسمميحية المحرفممة إلممى صممورة‬
‫السحر المادى لن لها أصمل سمماويا علممى أى حممال‪ ،‬فقمد كمان دور‬
‫رجال الدين فيها قريبا من دور الكهنة فى الديانات الوثنية الخالصممة‬
‫" ‪ " 1‬وكان لهم سلطان روحى طاغ على الناس بوصفهم الوسممطاء‬
‫بينهم وبين الله ‪ .‬فالطفل ل يعد مسيحيا حتى يعمد ‪ .‬والتعميد ل يتم‬
‫إل على يد الكاهن ‪ .‬ومن ثممم تبممدأ حيمماة المسمميحى بتلمك الوسمماطة‬
‫الكهنونية التى تدخله – ابتممداء – فممى الممدين ‪ .‬ثممم يظممل حيمماته كلهمما‬
‫مرتبطا بالكاهن ‪ .‬هو الذى يزوجه‪ ،‬وهو الذى يصلى بممه صمملة الحممد‬
‫فى الكنيسة ن وهو الذى يتقبل اعترافه بخطاياه ويتقبل تمموبته )وإل‬
‫فل توبة ومن ثم ل غفران !( ثم هو الممذى يصمملى عليممه فممى النهايممة‬
‫حين يموت ‪ .‬فهو من مولده إلى مماته مرتبط بالكاهن ذلك الرباط‬
‫الذى يمثل فى حسه الكمموة المفتوحممة علممى عممالم الغيممب‪ ،‬والصمملة‬
‫التى تصل قلبه بالله ! ول يسممتطيع مهممما كممانت حممرارة وجممدانه أن‬
‫يعقد صلة مباشرة بالله بعيدة عن سلطان الكمماهن أو غيممر معرضممة‬
‫لتدخله فى أى وقت من الوقات !‬
‫فإذا كان هذا سلطان الشممماس الصممغير فممى القريممة )البرشممية(‬
‫فما بالك بالسقف وما بالك بالكردينال !؟‬
‫ثم ما بالك برئيس هؤلء جميعا الذى يجلس على عممرش البابويممة‬
‫هناك فى مقر السلطان ؟!‬
‫أو تعجب إذن إذا قيل لك إنه " قداسة " – البابا – وإنه المتحممدث‬
‫باسم الرب الله فى الرض ‪ ..‬وإنه مقدس الذات ومقدس الكلمات‬
‫؟!‬
‫ثم هل تعجب – من جهة أخرى – إذا رأيت رجال الدين قد طغمموا‬
‫فى الرض بغير الحق‪ ،‬وقد أوتوا على القلوب ذلك السلطان ؟!‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ل َي َط ْغَممى )‪ (6‬أ ْ‬ ‫سمما َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫إن السلطان بطممبيعته يطغممى ‪} :‬ك َل ّ إ ِ ّ‬
‫ست َغَْنى )‪] {(7‬سورة العلق ‪ [7-96/6‬ول يحد من هذا الطغيان‬ ‫َرآهُ ا ْ‬
‫َ‬ ‫إل تقوى الله وصممدق اليمممان بممه ‪} :‬ال ّم ِ‬
‫ض‬‫م فِممي الْر ِ‬ ‫مك ّن ّمماهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْك َرِ وَل ِّلمم ِ‬
‫ه‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫وا عَ ْ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ وَأ َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬
‫موا ال ّ‬ ‫أَقا ُ‬
‫مورِ )‪] {(41‬سورة الحمج ‪[22/41‬‬ ‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫ة ال ُ‬ ‫َ‬
‫فإذا فرغت القلوب من التقوى ‪ ..‬فما الذى يمنع الطغيان ؟‬
‫ولقد كانت قلوب أكثرهم خاليممة مممن التقمموى كممما يشممهد كتممابهم‬
‫ومؤرخوهم ‪ .‬عباد دنيا ‪ ..‬عباد مممال ونسمماء وشممهوات ‪ ..‬لممذلك كممان‬
‫الدين بالنسبة إليهم حرفة يحترفونها‪ ،‬وسبيل يلجونه ليوصمملهم إلممى‬
‫" " من هنا قال من قال من كتابهم " وعلمانهم " الجاهليين إن تاريخ البشرية قد مر فى ثلث مراحل ‪ :‬مرحلة‬ ‫‪1‬‬

‫السحر ومرحلة الدين ومرحلة العلم التى يتخلص الناس فيها من الدين ! وهم يتكلمون عن جاهليتهم هناك ‪.‬‬
‫المناصب ذات المكانة الرفيعة فى المجتمع وذات السلطان ‪.‬‬
‫ولذلك كان طغيانهم من أبشع ألوان الطغيان فى التاريخ ‪ ..‬وكان‬
‫حقا على أوروبا – حين تنورت – أن تخلممع هممذا السمملطان الطمماغى‬
‫وتنسلخ منممه‪ ،‬إحساسمما بالكرامممة وفممرارا مممن الممذل والهمموان ‪..‬وإن‬
‫كانت قد تحركت – فى هذا المر وفى غيره – حركات هوجاء بعيدة‬
‫عن المنطق والرشد‪ ،‬أخرجتها من ضلل إلى ضلل ‪.‬‬
‫يصف تشارلس ديكنز فممى قصممة المممدينتين الممتى يتحممدث فيهمما –‬
‫بطريقة روائية – عن مقدمات الثورة الفرنسية والحوال التى هيأت‬
‫لقيامها‪ ،‬مشهدا من مشاهد ذلك الذلل الروحى الذى كان يمارسممه‬
‫رجال الدين على الناس‪ ،‬أو الذل الروحى الذى كان يمارسه النمماس‬
‫لرجممال الممدين – وكلهممما سممواء فممى دللتممه – فيصممف شممارعا مممن‬
‫شوارع بمماريس وهممى يمومئذ غيرهمما اليمموم ‪ ..‬والمطمر ينهمممر بقموة‪،‬‬
‫والشارع مملوء بالطين والقذار والوحل‪ ،‬ومموكب الكاردينمال علمى‬
‫حصانه يمر فى الطريق‪ ،‬والناس محتشدة على الصفين ترقب ذلك‬
‫المشهد بقلوب خائفة واجفة‪ ،‬وتنتظر اللحظممة الهائلممة الممتى يحمماذى‬
‫الموكب فيها رؤوسهم‪ ،‬فتهوى هذه الرؤوس خشوعا – أو مذلة !! –‬
‫للموكب الموقر‪ ،‬وتظل تهوى حممتى تلتصممق بممالرض ‪ ..‬فممى الوحممل‬
‫والطين والقاذورات !‬
‫بأبى أنت وأمى يا رسول الله !‬
‫" ل تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم " " ‪"1‬‬
‫" إنما أنا ابن إمرأة من مكة كانت تأكل القديد " " ‪"2‬‬
‫ولم يكن ذلك هو الباب الوحيد للطغيممان الروحممى الممذى مارسممته‬
‫الكنيسة ورجال الدين ‪ ..‬فى صلب العقيدة المسمميحية كممانت هنمماك‬
‫أبواب للطغيان ‪..‬‬
‫فهناك " السرار " الممتى ل يعلممم تأويلهمما إل الراسممخون ‪ ..‬ل فممى‬
‫العلم ولكن فى الكهنوت !‬
‫أسرار التثليت ‪ ..‬والعشاء الربانى الذى يتحول فيه جسد المسمميح‬
‫إلى خبز ودماؤه إلى خمر ! وما إلى ذلك من معتقدات وطقوس ‪.‬‬
‫ولئن كانت هذه القضية داخله فممى الطغيممان العقلممى والفكممرى –‬
‫من حيث حظر التفكير فيها ومناقشممتها‪ ،‬ووجمموب التسممليم العمممى‬
‫بها‪ ،‬وسنتكلم عنه بهذه الصفة هناك – فإننا نتحدث هنمما عممن جانبهمما‬
‫الروحى ‪ .‬ذلك أنها عنممدهم مممن صمملب العقيممدة ‪ ..‬والمفممروض فممى‬

‫" " رواه البخارى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " رواه ابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫العقيدة أن تكون خالصة بين القلب البشرى وبيممن اللممه ل يعترضممها‬
‫فى الطريق معترض‪ ،‬لنها هى الصمملة المباشممرة الممتى تربممط قلممب‬
‫المؤمن بالله ‪ ..‬إنممما ينممزل اللممه كلممماته علممى رسممله لتممبين للنمماس‬
‫حقيقة اللوهية ‪ ..‬ثم ينعقد اليمان فى داخل القلب البشرى فيتجممه‬
‫مباشرة إلى الله ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عما فى تلك " العقيدة " من زيف ما أنزل الله به‬
‫مممن سمملطان‪ ،‬فإنهمما – عنممدهم – هممى العقيممدة ! بممل هممى العقيممدة‬
‫الصممحيحة الممتى ل يقبممل مممن أحممد سممواها ! وليممس المفممروض فممى‬
‫العقيدة الصحيحة أن تحتوى على أسرار مغلفة ل يعرف حقيقتها إل‬
‫فئة معينة من الناس محممدودة العممدد محممدودة الممذوات ! إنممما كممان‬
‫يحدث هذا فى الديانات الوثنيممة السممالفة‪ ،‬حيممث الوهممام بممديل مممن‬
‫الحق‪ ،‬وحيث السرار تحيط بالوهام‪ ،‬ليظل النمماس خاضممعين لهمما ل‬
‫يفيقون من سحرها‪ ،‬ول يتمردون على كهنتهمما الممذين فممى أيممديهم –‬
‫وحدهم – وصل القلوب بالسرار‪ ،‬بطريقممة خفيممة ل تممدركها الفهممام‬
‫ول البصار !‬
‫وإذ كانت مسيحية الكنيسة فى حقيقتها دينا من صنع الكنيسة‪ ،‬أو‬
‫من صنع بولس الذى قدمها لوروبا فقممد احتمموت شمميئا مممن طبيعممة‬
‫تلك الدينات الوثنية الممتى وضممعها البشممر مممن قبممل‪ ،‬فتضمممنت تلممك‬
‫السرار التى ل يملك مفتاحها إل أصحاب القداسة العليا ‪ ..‬أو هكممذا‬
‫يقولون للناس ! فما يملك مفتاحها أحد فممى الحقيقممة لنهمما وهممم ل‬
‫وجود له على الطلق !‬
‫ومارست الكنيسة طغيانها الروحى كامل فى هذا الجانب‪ ،‬فقالت‬
‫للناس ‪ :‬لن تؤمنوا بالله حتى تؤمنوا بتلك السرار ‪ ..‬ثممم قمالت لهمم‬
‫إن مفتاح تلك السرار عندنا نحن ولن نعطيه إل لمن نختار !!‬
‫)ب( الطغيان العقلى والفكرى ‪:‬‬
‫إذا عدنا لتلك السرار ذاتها‪ ،‬وموقممف الكنيسممة منهمما‪ ،‬وجممدنا هممذا‬
‫الموقف ينطوى على لون آخر من الطغيان غير الطغيان الروحى ‪..‬‬
‫مارسممته الكنيسممة ل علممى أرواح النمماس هممذه المممرة ولكممن علممى‬
‫عقلوهم وأفكارهم‪ ،‬حين فرضت عليهم هذه السرار فرضا ومنعتهم‬
‫من مناقشتها‪ ،‬واعتبرت المناقش فيها أو الشمماك فممى أمرهمما كممافرا‬
‫مهرطقا وجبت عليه اللعنممة البديممة ‪ ..‬وخممرج مممن رضمموان البابويممة‬
‫فخرج – من ثم – من رضوان اله !‬
‫ولقد كانت تلك السرار كلها منافية للمنطق ومنافية للعقممل ‪ .‬ول‬
‫شك أن واضعيها كانوا يعلمون ذلممك أو يحسممونه علممى أقممل تقممدير‪،‬‬
‫ويحسون أنها لو نوقشت – بالعقل والمنطق – فلن تصمد للنقاش !‬
‫وإذ كانوا يصرون عليها‪ ،‬وعلى أنها هى الحقيقممة – تضممليل بمموعى أو‬
‫ضمملل منهممم بغيممر وعممى – فلممك يكممن أمممامهم إل أن يسممتخدموا‬
‫سلطانهم الطاغى لمنع المناقشة فى هذه المممور لكممى ل تنكشممف‬
‫عن وهم ل وجود له إل فى أذهان واضعيه أو ل وجود لممه حممتى فممى‬
‫أذهان واضعيه !‬
‫ويذكرنى هذا بحق العممتراض " الفيتممو " الممذى تمارسممه الممدول "‬
‫الكبرى " فى الجاهلية المعاصرة ! فما إن تشعر إحدى تلممك الممدول‬
‫أن نقاشا ما سيحرجها أو يكشف زيممف موقفهمما وبعممده عممن الحممق‪،‬‬
‫حمممتى تبمممادر بإسمممكات اللسمممنة باسمممتخدام " الفيتمممو " فيسمممكت‬
‫المناقشون صاغرين !‬
‫ولئن كان هذا طغيانا تمارسه القوى الطغيانية التى تسمى نفسها‬
‫الدول العظمى فى الجاهلية المعاصرة فقممد كممان طغيممان الكنيسممة‬
‫فى جاهلية القرون الوسطى – المظلمة فى أوروبمما " " ‪ – "1‬أنكممى‬
‫وأشد‪ ،‬فقد كممانت تمارسممه فممى أمممر يمممس العقيممدة وهممى ضممرورة‬
‫بشممرية ل غنممى عنهمما للبشممر‪ ،‬الممذين خلقمموا – بفطرتهممم – عابممدين‪،‬‬
‫والذين تظل فطرتهم – بما أودع الله فيها – تبحث عممن اللممه لتتجممه‬
‫إليه بالعبادة وتقدسه فى عله ‪.‬‬
‫وحين كان أى عقل مفكممر يتجممرأ فيسممأل – مجممرد سممؤال – عممن‬
‫ماهيممة هممذه السممرار‪ ،‬ولممو كممان سممؤاله مممن أجممل اليمممان بهمما أو‬
‫الطمئنان الذى يزيد اليمان‪ ،‬كانت الكنيسة تسارع إلى زجممره عممن‬
‫هذا الثم الذى يهم به‪ ،‬والذى يوقعه ل شك فى المهالك ! وتقول له‬
‫إن هذا أمر خارج عن نطاق العقل ‪ .‬إنما يسلم المممؤمن بممه تسممليما‬
‫بغير نقاش !‬
‫وهنا وقفة ربما كانت ضرورية فى هذا الشأن ‪.‬‬
‫فقد يخطر على البال قوله تعالى ‪ " :‬هو الذى أنزل عليك الكتاب‬
‫منه آيات محكمات هن أم الكتاب‪ ،‬وآخر متشابهات ‪ .‬فأما الذين فى‬
‫قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغمماء تممأويله‪ ،‬وممما‬
‫يعلم تأويله إل الله ‪ .‬والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كممل مممن‬
‫عند ربنا‪ ،‬وما يكر إل أولوا اللباب " وقول الرسول صلى اللممه عليممه‬
‫وسلم ‪ " :‬تفكروا فى خلق الله ول تفكروا فى الله " " ‪" 2‬‬
‫" " كانت القرون الوسطى مظلمة بالنسبة لوروبا فهم صادقون فى تسميتها كذلك بالنسبة إليهم ولكن كتابا "‬ ‫‪1‬‬

‫مسلمين ! " يستخدمونها على أنها صفة شاملة للعالم كله فى تلك القرون وقد حوت تلك الفترة أشد القرون نورا ‪..‬‬
‫تلك التى استضاءت بالسلم !‬
‫" " عن ابن عباس رضى الله عنهما رواه ابو نعيم " انظر صحيح الجامع الصغير " ‪ ،‬الشيخ ناصر الدين اللبانى‬ ‫‪2‬‬

‫‪. 3/49‬‬
‫وقد تعرض هذه القضية من أساسها ‪ :‬هل الدين من شأن العقممل‬
‫أم من شأن الوجدان ؟ وممما دور العقممل فيممه إن كممان لممه دور علممى‬
‫الطلق ؟ وهل عليه – من أجل اليمان – أن يسمملم تسممليما أعمممى‬
‫بكل ما يأتيه عن طريق " الدين " أم له أن يناقش ويطلب الدليل ؟‬
‫ونبدأ أول بالنص القرآنى فنجد فيه إشارة إلى المحكم والمتشابه‬
‫‪ .‬ويجمممع المفسممرون والعلممماء علممى أن أصممول العقيممدة – وكممذلك‬
‫أحكام الشريعة – هى من المحكم الذى ل يدخل التشابه فيممه ‪ .‬وأن‬
‫المور المتشابهة – التى لم تحددها الية‪ ،‬والتى اختلممف المفسممرون‬
‫فممى تحديممدها‪ ،‬والممتى منهمما علممى سممبيل المثممال الصممورة المفصمملة‬
‫لحوال الجنة وأحوال النار‪ ،‬وصفة العرش وما إلى ذلك مممن المممور‬
‫– وهممم ليسمموا فئة محممددة كفئة رجممال الكهنمموت – ل يزعمممون أن‬
‫عندهم تأويلها‪ ،‬ول أن تأويلها سر خاص بهم يحتجزونه عن الناس ثم‬
‫يطالبونهم باليمان به بل دليل ‪ .‬بل تنص اليممة علممى أن اللممه وحممده‬
‫هو الذى يعلم تأويلها – أى حقيقتهمما – لنممه – سممبحانه – هممو العليممم‬
‫الخبير الذى يعلم كل شئ على إطلقه‪ ،‬إنما الراسممخون فممى العلممم‬
‫يسلمون فقط بأن اليات كلها – محكمها ومتشابهها – من عند الله‪،‬‬
‫ويعلمون أن علم هذه المتشابهات هو عند الله وحده فيؤمنممون بهمما‬
‫على إطلقها لنها منزلة من عند الله‪ ،‬ولكنهم ل يزعمممون لنفسممهم‬
‫خصوصممية فممى التأويممل‪ ،‬ول يحتجممزون لنفسممهم شمميئا مممن العلممم‬
‫يحجبونه عن الناس ‪.‬‬
‫وهذا أمر يختلف تمام الختلف عن موقف الكنيسة الوروبية فى‬
‫قضايا العقيدة ‪ .‬فقد جعلت تلممك السممرار مممن أصممول العقيممدة‪ ،‬ثممم‬
‫زعمت أن عندها وحدها مفاتيحها ‪ ..‬ثم قالت للنمماس ‪ :‬لممن نعطيكممم‬
‫المفتاح ! ولكن عليكم أن تؤمنوا بها كما نقدمها لكم دون سؤال ول‬
‫نقاش ! وإل فأنتم زائغو العقيدة مهرطقممون ‪ ..‬وعليكممم اللعنممة إلممى‬
‫يوم الدين!‬
‫إن الكنيسة هنا وضممعت نفسممها فممى موضممع اللممه‪ ،‬بممل افترضممت‬
‫لنفسها على الناس ممما لممم يشممأ اللممه سممبحانه وتعممالى أن يفترضممه‬
‫لنفسه على عباده رحمة بالناس ! فالله – وحده – هو الذى يحق له‬
‫أن يتعبد عباده بأمور ليس من الضرورى أن يدركوا حكمتهمما‪ ،‬ليعلممم‬
‫– سبحانه – من يطيعه بالغيب ‪ .‬ولكنه – من رحمته – قد جعل ذلك‬
‫فى أمور التعبد وليس فممى أمممور العقيممدة الممتى جعلهمما اللممه سممهلة‬
‫وميسممرة ومفتوحممة بل ألغمماز ول غممموض‪ ،‬ليسممتوعبها كممل قلممب‬
‫ويطمئن إليهمما كممل قلممب ‪ .‬أممما الكنيسممة فجعلممت ذلممك فممى أمممور‬
‫العقيدة‪ ،‬وجعل لنفسها حقوقا أكثر مما افترض الله على العباد !‬
‫ثم نعرج على الحديث الشريف فنجممد أن فيممه نصمميحة للبشممر أن‬
‫يتعرفوا علمى اللمه سمبحانه ممن خلل آيماته الدالمة علمى وحمدانيته‪،‬‬
‫والدالة على تفرده فى كل شئ بل شريك ‪ .‬وأل يحاولوا أن يتفكروا‬
‫فى ذات الله لكيل يضلوا ول يهلكوا ‪.‬‬
‫هممل هممو حجممر علممى العقممل البشممرى أن يبحممث وأن ينمماقش وأن‬
‫يعرف ؟‬
‫كل ! فالدعوة إلى التفكر واردة فى أول الحديث ‪ " .‬تفكممروا فممى‬
‫آيات الله " إنما هو بيان لمنهج الصحيح للتفكير‪ ،‬ودعوة إلممى صمميانة‬
‫العقل البشرى أن تتبدد طاقته فيما ل طائل وراءه !‬
‫فماذا يملك العقمل البشمرى أن يحيمط بمه ممن ذات اللمه المتى ل‬
‫يحدها زمان ول مكان ول بدء ول انتهاء ؟‬
‫وإلى أى شئ وصل العقل البشرى فى أمممر الممذات اللهيممة حيممن‬
‫خالف النصيحة ومضى يخبط فى الظلمات ؟ إلممى أى شممئ وصمملت‬
‫الفلسفة فى القديم أو الحديث‪ ،‬وإلى أى شئ وصل علم الكلم بعد‬
‫المعمماظلت الذهنيممة الممتى ل تممؤدى إلممى شممئ إل إجهمماد الممذهن بل‬
‫نتيجة ؟!‬
‫إن العقممل ليعجممز عممن إدراك " الكنممه " حممتى فممى أمممور الكممون‬
‫المادى‪ ،‬فيكتفى بتسجيل الظواهر دون المدخول فمى الكنمه‪ ،‬فكيمف‬
‫بالخالق الذى ل تحده الحدود ؟‬
‫كل ! إنها الصيانة وليست الحجر ‪ ..‬ومن خالف النصيحة فليضرب‬
‫فى التيه !‬
‫أما العقيدة فمن ذا الذى حممرج علممى العقممل أن يممدلى فيهمما بممدلو‬
‫ويكون فيها له نصيب ؟‬
‫فأما السلم فقد دعا العقل دعوة صممريحة إلممى التفكيممر والتممدبر‬
‫ليصل فى أمر العقيدة إلى اليقين ‪ ..‬بل نعى علممى الممذين يرفضممون‬
‫التفكير‪ ،‬اتباعا للهوى‪ ،‬أو اتباعا لما ورثوه من عقائد الباء والجممداد‪،‬‬
‫أو إغلقا للحس والبصيرة‪ ،‬عن التأمل والتفكير ‪:‬‬
‫م ب ِغَي ْمرِ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م{ ]سممورة الممروم‬ ‫عل م ٍ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ممموا أهْ م َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫ل ات ّب َمعَ ال ّم ِ‬
‫}ب َم ْ‬
‫‪[30/29‬‬
‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ممما أل َْفي ْن َمما عَل َي ْم ِ‬
‫ه‬ ‫ه َقاُلوا ب َم ْ‬
‫ل ن َت ّب ِمعُ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ات ّب ُِعوا َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ذا ِقي َ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ن )‪] {(170‬سممورة‬ ‫دو َ‬ ‫شمْيئا ً َول ي َهْت َم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ل ي َعِْقُلو َ‬ ‫ن آَباؤُهُ ْ‬ ‫آَباَءَنا أ َوَل َوْ َ‬
‫كا َ‬
‫البقرة ‪[2/170‬‬
‫وجاء فى وصف عباد الرحمن نفممى للصممفة الذميمممة عنهممم وهممى‬
‫إغلق الحس والبصيرة ن التفكير ‪:‬‬
‫مَيان ما ً )‬ ‫ما ً وَعُ ْ‬ ‫صم ّ‬ ‫خ مّروا عَل َي ْهَمما ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م ل َم ْ‬ ‫ت َرب ّهِ م ْ‬ ‫ذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬ ‫ن إِ َ‬‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫‪] {(73‬سورة الفرقان ‪[25/73‬‬
‫أى لممم يوصممدوا عقممولهم عممن التفكيممر الممذى يممؤدى إلممى معرفممة‬
‫الحق ‪.‬‬
‫كذلك يوصف المؤمنون بأنهم " أولو اللبمماب " وأنهممم هممم الممذين‬
‫يتفكرون فى خلق السماوات والرض فيهديهم التفكر إلممى اليمممان‬
‫بالله واليوم الخر وخلق السماوات والرض بالحق ل بالباطل ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫ل َوالن ّهَممارِ لي َمما ٍ‬ ‫ف الل ّي ْم ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سم َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل م ِ‬
‫ن ِفي َ ْ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ه قَِياممما ً وَقُُعممودا ً وَعَل َممى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّم َ‬ ‫ن ي َمذ ْك ُُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (190‬ال ّم ِ‬ ‫لول ِممي الل ْب َمما ِ‬
‫ت وال َ‬
‫ذا‬‫ت هَ م َ‬ ‫خل َْق م َ‬ ‫ممما َ‬ ‫ض َرب ّن َمما َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬
‫ن ِفي َ ْ‬ ‫م وَي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب الّنارِ )‪] {(191‬سورة آل ‪[191-3/190‬‬ ‫ذا َ‬ ‫ك فَِقَنا عَ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫َباط ِل ً ُ‬
‫كما ينبغى على الذين ل يتدبرون القرآن ول يتفكرون فيما يحممويه‬
‫من اليات ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫دوا ِفيم ِ‬ ‫جم ُ‬ ‫عن ْمدِ غَي ْمرِ الل ّمهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَل َموْ ك َمما َ‬ ‫ن ال ُْقْرآ َ‬ ‫}أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرا ً )‪] {(82‬سورة النساء ‪[4/82‬‬ ‫ا ْ‬
‫ب أقَْفال َُهمما )‪] {(24‬سممورة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عََلممى قُُلممو ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ال ُْقممْرآ َ‬ ‫}أَفل ي ََتممد َب ُّرو َ‬
‫محمد ‪[47/24‬‬
‫والدلة العقلية والجدل العقلى كثير فى القرآن ‪:‬‬
‫سد ََتا{ ]سورة النبياء ‪[21/22‬‬ ‫ه ل ََف َ‬ ‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫}ل َوْ َ‬
‫ممما‬‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ ِإذا ً ل َذ َهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ن وَل َدٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪{(91‬‬ ‫صمُفو َ‬ ‫ممما ي َ ِ‬ ‫ن الل ّمهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سمب ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫م عَلممى ب َعْم ٍ‬
‫ض مه ُ ْ َ‬ ‫خل َمقَ وَل ََعل ب َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/91‬‬
‫ن )‪] {(35‬سورة الطممور‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫خال ُِقو َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ُِقوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫‪[52/35‬‬
‫ويشهد الترايخ أن " العقل " فممى ظممل السمملم قممد قممام بنشمماط‬
‫فكرى ضخم فى كممل اتجمماه‪ ،‬ولكننمما نعممود فنسممأل‪ ،‬لنحممدد بالضممبط‬
‫جريمة الكنيسة الوروبية فى الحجر على الفكممر البشممرى ‪ :‬ممما دور‬
‫الوجدان وما دور العقل فى قضية اليمان ؟ وهل هناك أمور يختص‬
‫بها الوجدان وليس للعقل فيها إل التسليم ؟‬
‫إن الدين – كما نعرف صورته فممى المموحى المنممزل علممى رسممول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم – يخاطب النسمان كلمه‪ :‬وجمدانه وعقلمه‬
‫فى آن ‪ .‬وقد يكون الوجدان أوسع الوعية البشرية الممتى تسممتوعب‬
‫أمر العقيدة وقضية اليمممان ‪ .‬ولممذلك فممإن الخطمماب الوجممدانى هممو‬
‫الغالب فى السور المكية التى يتركز الحديث فيهمما علممى العقيممدة ‪.‬‬
‫والقرآن يستثير الوجدان البشرى بالطرق على جميع نوافممذ القلممب‬
‫والتوقيع على جميع أوتاره‪ ،‬ثم – بعد استثارته – يلقى إليممه الحقيقممة‬
‫المتعلقة بالعقيدة‪ ،‬فينفعممل بهمما القلممب‪ ،‬وتصممل منممه إلممى القممرار ‪..‬‬
‫ويكفينا مثال واحد من سورة النعام ‪:‬‬
‫ج‬ ‫خ مرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫مي ّم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مم ْ‬‫ي ِ‬ ‫حم ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خ مرِ ُ‬‫وى ي ُ ْ‬ ‫ب َوالن ّم َ َ‬ ‫حم ّ‬ ‫ه َفال ِقُ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫ص مَبا ِ‬ ‫ن )‪َ (95‬فال ِقُ ال ِ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ه فَأّنا ت ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ )‪(96‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ك ت َْق ِ‬ ‫سَبانا ً ذ َل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫كنا ً َوال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّي ْ َ‬
‫ح مرِ قَ مد ْ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫م ل ِت َهْت َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫م الن ّ ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫شمأ َ‬ ‫همو اّلمذي َ‬
‫س‬
‫ٍ‬ ‫فم‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫مم‬‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ن )‪ (97‬وَ ُ َ‬ ‫ممو َ‬ ‫ت ل َِقموْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫صمل َْنا الَيما ِ‬ ‫فَ ّ‬
‫و‬
‫ن )‪ (98‬وَهُ َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َْفَقُهو َ‬ ‫صل َْنا الَيا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ست َوْد َعٌ قَد ْ فَ‬ ‫م ْ‬ ‫ست ََقّر وَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حد َةٍ فَ ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫يءٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ك ُم ّ‬ ‫جَنا ب ِهِ ن َب َمما َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫جَنا ب ِهِ فَأ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ط َل ْعِهَمما‬ ‫َ‬
‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خم ِ‬ ‫ن الن ّ ْ‬‫مم ْ‬ ‫كبما ً وَ ِ‬ ‫حب ّا ً ُ‬
‫مت ََرا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ضرا ً ن ُ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫شمت َِبها ً وَغَي ْمَر‬ ‫م ْ‬ ‫ة وجنممات مم َ‬
‫ن ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ب َوالّزي ْت ُممو َ‬ ‫ن أعْن َمما ٍ‬ ‫دان ِي َم ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫قِن ْ َ‬
‫َ‬
‫ت ل َِق موْم ٍ‬ ‫م لي َمما ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك ُم ْ‬ ‫مَر وَي َن ْعِهِ إ ِ ّ‬ ‫ذا أث ْ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ َ‬ ‫شاب ِهٍ انظ ُُروا إ َِلى ث َ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪] {(99‬سورة النعام ‪[99-6/95‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ولكن هذا ليس معناه أن الوجدان يستقل بأمر العقيممدة ‪ ..‬وليمس‬
‫معناه أن الدين يفرض على العقل – فممى شممأن العقيممدة – أمممورا ل‬
‫يستسيغها ول يتقبلها‪ ،‬ويطلب منه أن يسلم بهمما تسممليما أعمممى بممل‬
‫دليل ‪.‬‬
‫فأممما ممما يتصممل بالممذات اللهيممة فنعممم ‪ ..‬ل يملممك العقممل أن‬
‫يستوعب ‪ .‬والوجدان أقدر على الستيعاب مممن العقممل المقيممد فممى‬
‫تصوره بحدود الزمان والمكان والبدء والنتهاء ‪.‬‬
‫ولكن الدين لم يطالب النسان – مممن أجممل أن يممؤمن بممالله – أن‬
‫يتفكر فى الذات اللهية الممتى يعجممز عممن الحاطممة بهمما‪ ،‬إنممما طممالبه‬
‫بالتفكر فى آيات الله التى تستجيش النفس بدللتها الواضحة علممى‬
‫تفرد الله سبحانه وتعالى باللوهية والربوبية‪ ،‬فيؤمن النسممان بممالله‬
‫الواحد الذى ل شريك له‪ ،‬ثم تستقيم حياته بمقتضى ذلك اليمان ‪.‬‬
‫ومن ثم يشترك العقل والوجدان معا فى أمر العقيدة‪ ،‬كل يممؤدى‬
‫دوره على طريقته ‪ ..‬وفى النهاية يستقر اليمان فى القلب‪ ،‬ويصبح‬
‫حقيقة واقعة فى كيان النسان‪ ،‬تتبدى فى فكره وشعوره وسمملوكه‬
‫على السواء ‪.‬‬
‫وإذن فادعاء الكنيسة أن العقل ل ينبغى له أن يسأل وأن ينمماقش‬
‫فى أمر العقيدة‪ ،‬وإنما عليه أن يسلم تسممليما أعمممى ويممترك المممر‬
‫للوجدان‪ ،‬وهو ادعاء ليس من طبيعة " الدين " كما أنزله الله ‪ .‬إنما‬
‫كان هذا من مستلزمات الديان الوثنية التى تحوى أوهاممما ل يمكممن‬
‫أن يسيغها العقل لو فكر فيها‪ ،‬فتسكت صمموت العقممل وتمنعممه مممن‬
‫التفكير‪ ،‬بالسحر تارة‪ ،‬وبالتهديد بغضب اللهة المدعاة تارات !‬
‫وإذا كان هذا المر – وهو إسكات صوت العقل ومنعه من التفكير‬
‫– غير مستساغ حتى فى بداوة النسان أو ضللة البشرية‪ ،‬فهو مممن‬
‫باب أولى غيممر مستسمماغ فممى ديممن تزعممم الكنيسممة أنممه هممو الممدين‬
‫المنزل من عند الله‪ ،‬وأنه يمثل مرحلة راشدة فى تاريخ البشرية !‬
‫ولو كممانت هممذه السممرار مممن الممدين حقمما‪ ،‬ولممو كممانت مممن أمممور‬
‫العقيدة التى يلممزم اليمممان بهمما‪ ،‬مما منمع اللمه النماس أن يناقشموها‬
‫بعقولهم ليتبينوا ما فيها من الحق ويؤمنمموا بممه ! فممإن اللممه ل يقممول‬
‫للناس – فى وحيه المنزل – آمنوا بى دون أن تفكممروا وتعقلمموا ‪ .‬ول‬
‫يقول لهم ‪ :‬إنممى سأضممع لكممم اللغمماز الممتى ل تسمميغها عقممولكم ثممم‬
‫أطالبكم أن تخروا عليها صممما وعميانمما ل تتفكممرون ن وإل طردتكممم‬
‫من رحمتى !‬
‫إنما يقول الله للناس من خلل القول الموجه للرسول صلى الله‬
‫َ‬ ‫ما أ َ ِ‬
‫دى‬ ‫مث َْنى وَُفممَرا َ‬ ‫موا ل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ت َُقو ُ‬ ‫حد َةٍ أ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عظ ُك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫عليه وسلم }قُ ْ‬
‫م ت َت ََفك ُّروا { ]سورة سبأ ‪[34/46‬‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ُْقمْرآ َ‬ ‫ويندد بهم حين ل يتفكممرون ول يتممدبرون ‪} :‬أَفل ي َت َمد َب ُّرو َ‬
‫ب أ َقَْفال َُها )‪] {(24‬سورة محمد ‪[47/24‬‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ويناقش شبهاتهم‪ ،‬ويطالبهم بوضعها على محك المنطممق السممليم‬
‫وأن يأتوا عليها بالبرهان ‪ ..‬حتى يتحصل لهم من الوعى ما ينفى كل‬
‫شبهة ويجعل العقيدة مستقرة على يقيممن ل مجممال فيممه للممتردد ول‬
‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫ه َ‬ ‫صط ََفى أالل ّ ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِهِ ال ّ ِ‬ ‫م عََلى ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫للشك ‪} :‬قُ ْ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُم ْ‬ ‫ض وََأن مَز َ‬ ‫ت َوالْر َ‬
‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سم َ‬ ‫خل َمقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (59‬أ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ذات بهجمة ممما ك َممان ل َك ُم َ‬ ‫َ‬
‫ن ت ُن ْب ِت ُمموا‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫دائ ِقَ َ َ َ ْ َ ٍ َ‬ ‫حم َ‬ ‫ممماًء فَأن ْب َت ْن َمما ب ِمهِ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫سم َ‬ ‫ال ّ‬
‫جع َ م َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ل الْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن )‪ (60‬أ ّ‬ ‫م ي َعْ مدُِلو َ‬ ‫م ق َ مو ْ ٌ‬ ‫ل هُ م ْ‬ ‫معَ الل ّهِ ب َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ها أئ ِل َ ٌ‬ ‫جَر َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫حَري ْم ِ‬ ‫ن ال ْب َ ْ‬ ‫ل ب َي ْم َ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫سم َ‬ ‫ل ل َهَمما َرَوا ِ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫خلل ََها أن َْهارا ً وَ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جع َ َ‬ ‫قََرارا ً وَ َ‬
‫مضممط َّر‬ ‫َ‬ ‫حاجزا ً أ َئ ِل َه مع الل ّه ب ْ َ‬
‫ب ال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (61‬أ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫معَ الل ّهِ قَِليل ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬ ‫خلَفاءَ الْر ِ‬
‫م ُ َ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عاهُ وَي َك ْ ِ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫إِ َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫سم ُ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ح مرِ وَ َ‬ ‫ت ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ممما ِ‬ ‫م فِممي ظ ُل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (62‬أ ّ‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ِهِ أئ ِل َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َد َيْ َر ْ‬ ‫شرا ً ب َي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫الّرَيا َ‬
‫ض‬‫ماِء َوالْر ِ‬
‫َ‬
‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُم ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ي ُِعيمد ُهُ وَ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫‪ (63‬أ ّ‬
‫معَ الل ّهِ قُ م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(64‬سممورة‬ ‫صممادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل هَمماُتوا ب ُْرهَممان َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫أئ ِل َ ٌ‬
‫النمل ‪[64-27/59‬‬
‫ويرتب اليمان على مجئ " البينات " وهى الدلة الواضممحة الممتى‬
‫ل إني نهيت أ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ن أعْب ُد َ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تبين الحق وتزيل الشك ‪} :‬قُ ْ ِ ّ ُ ِ ُ ْ‬
‫ن َرّبي { ]سورة غافر ‪[40/66‬‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جاَءِني ال ْب َي َّنا ُ‬
‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫س مل ً‬ ‫ويقيم الحجممة علممى النمماس قبممل أن يطممالبهم باليمممان ‪ُ} :‬ر ُ‬
‫ل{‬ ‫سم ِ‬ ‫ة ب َعْمد َ الّر ُ‬‫جم ٌ‬‫ح ّ‬ ‫س عَل َممى الل ّمهِ ُ‬ ‫ن ِللن ّمما ِ‬ ‫ن ل َل ّ ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫منذِِري َ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬‫مب َ ّ‬
‫ُ‬
‫]سورة النساء ‪[4/165‬‬
‫كل ! ل يطلب الله من عباده التسليم العمى‪ ،‬إنمما يطلمب منهمم‬
‫صمميَرةٍ أ َن َمما‬‫عو إ َِلى الل ّمهِ عَل َممى ب َ ِ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬‫ل هَذِهِ َ‬ ‫التسليم البصير ‪} :‬قُ ْ‬
‫ن ات ّب َعَِني{ ]سورة يوسف ‪[12/108‬‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫إنما كممان الربمماب المزيفممون – فممى المجممامع المقدسممة وعلممى "‬
‫عرش " البابوية – هم الذين حرموا على العقل أن يفكممر‪ ،‬وفرضمموا‬
‫عليه أن يسلم تسليما أعمى بأمور ل يستسيغها ول يعقلها‪ ،‬وإل كان‬
‫من الكافرين !‬
‫ولم يكن للناس بد تحت هذا التهديد الطاغى ممن فممى أيممديهم –‬
‫وحدهم – الوساطة بين الله وعباده – كما يزعمممون ! – أن يسمملموا‬
‫تسممليما أعمممى بأسممطورة التثليممت وأسممطورة العشمماء الربممانى‬
‫وأسطورة الب الذى صلب ولممده فممداء لخطيئة آدم ‪ ..‬وغيرهمما مممن‬
‫الساطير المفروضة عليهم‪ ،‬لكى يأمنوا غضب الوسطاء‪ ،‬المؤدى –‬
‫فى وهمهم – إلى غضب الله‪ ،‬وأن يلتزموا بهذا الحجر البشممع علممى‬
‫العقول والفكار عدة قرون ‪.‬‬
‫ولكن ‪..‬هل كان من الممكمن أن يسممتمر ذلمك إلمى البممد دون أن‬
‫تتمرد العقول المكبوتة وتدعو إلى حرية التفكير ؟!‬
‫)جـ( الطغيان المالى ‪:‬‬
‫لم يكن " رجال الدين " من أهل التقوى والزهممد كممما يتوقممع مممن‬
‫القوم الذين حولوا الدين إلى روحانية غالبة ورهبانية وأمروا النمماس‬
‫أن يكتفوا بعيش الكفمماف لكممى يممدخلوا الجنممة ويجلسمموا عممن يميممن‬
‫الرب فى الخرة ! وأبلغتهم أنه "مممن أراد الملكمموت فخممبز الشممعير‬
‫والنوم فى المزابل مع الكلب كثير عليممه " وأن " مممرور جمممل مممن‬
‫ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت اللممه " " ‪ "1‬وأن " ل‬
‫تقتنوا ذهبا ول فضة ول نحاسا فى مناطقكم‪ ،‬ول فرودا لطريممق‪ ،‬ول‬
‫ثوبين " " ‪ " 2‬ول أحذية ول عصا " ‪! " 3‬‬
‫" " انجيل مرقص ] ‪[ 22 – 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " أى أنه يكفى ثوب واحد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " إنجيل مرقص ‪11 - 10 :‬‬ ‫‪3‬‬


‫إنما كانت الكثرة منهم ممن فتنوا بالدنيا ونسوا الخرة ‪.‬‬
‫يقول " كرسون " فى كتاب " المشكلة الخلقية " ‪.‬‬
‫" كانت الفضائل المسيحية كممالفقر والتواضممع والقناعممة والصمموم‬
‫والممورع والرحمممة‪ ،‬كممل ذلممك كممان خيممرا للمممؤمنين وللقسيسممين‬
‫وللقديسين وللخطب والمواعظ ‪ .‬إما أسمماقفة البلط والشخصمميات‬
‫الكهنوتية الكبيرة فقد كان لهم شئ آخر ‪ :‬البذخ والحاديث المتأنقة‬
‫مممع النسمماء والشممهرة فممى المجممالس الخاصممة والعجلت والخممدم‬
‫والرباح الجسيمة والموارد والمناصب " " ‪"1‬‬
‫ويقول " ول ديورانت " ‪:‬‬
‫" أصبحت الكنيسة أكبر ملك الراضى وأكبر السادة القطمماعيين‬
‫فى أوروبا ‪ .‬فقد كان دير " فلممدا " مثل يمتلممك خمسممة عشممر ألممف‬
‫قصر صممغير‪ ،‬وكممان ديممر " سممانت جممول " يملممك ألفيممن مممن رقيممق‬
‫الرض‪ ،‬وكان " ألكوين فيتور" " ‪ " 2‬سممدا لعشممرين ألفمما مممن أرقمماء‬
‫الرض‪ ،‬وكان الملك هو الذى يعين رؤساء الساقفة والديرة وكممانوا‬
‫يقسمممون يميممن الممولء كغيرهممم مممن الملك القطمماعيين‪ ،‬ويلقبممون‬
‫بالدوق والكونت وغيرها من اللقمماب القطاعيممة ‪ ..‬وهكممذا أصممبحت‬
‫الكنيسة جزءا من النظام القطاعى ‪.‬‬
‫" وكممانت أملكهمما الزمنيممة‪ ،‬أى الماديممة‪ ،‬وحقوقهمما والتزاماتهمما‬
‫القطاعية مما يجلل بالعار كممل مسمميحى متمسممك بممدينه‪ ،‬وسممخرية‬
‫تلوكها ألسنة الخارجين على الممدين‪ ،‬ومصممدرا للجممدل والعنممف بيممن‬
‫الباطرة والبابوات " " ‪" 3‬‬
‫وكممانت مصممادر تلممك الملك متعممددة‪ ،‬فمنهمما الوقمماف‪ ،‬ومنهمما‬
‫العشور‪ ،‬ومنها الهبات ومنها الضرائب‪ ،‬ومنها السخرة ‪.‬‬
‫فأما الوقاف فقممد كممانت الكنيسممة تسممتولى علممى أراض زراعيممة‬
‫واسعة وتوقفها علممى نفسممها لتنفممق منهمما علممى الديممرة والكنممائس‬
‫وتجهيز الجيوش للحروب الصليبية أو الحروب التأديبيممة الممتى تقمموم‬
‫بها ضد الملوك والباطرة الخارجين على سلطانها ‪ .‬وفى ذلك يقول‬
‫ويكلف وهو من أوائل الذين ثمماروا علممى الفسمماد الكنسممى وطممالبوا‬
‫بالصلح الشامل ‪ " :‬إن الكنيسة تملك ثلث أراضممى إنجلممترا وتأخممذ‬
‫الضرائب الباهظة من الباقى " " ‪" 4‬‬
‫كما فرضت الكنيسة على اتباعها أن يدفعوا إليهمما عشممر أممموالهم‬

‫المشكلة الخلقية ص ‪167‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪1‬‬

‫أحد رجال الدين ‪.‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪2‬‬

‫قصة الحضارة ج ‪ 14‬ص ‪425‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪3‬‬

‫فشر ‪ :‬تاريخ أوروبا ج ‪ ، 2‬ص ‪362‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪4‬‬


‫ضريبة سنوية ل يملكون التملص منها تحت وطأة التهديد بالحرمممان‬
‫وغضب الرب !‬
‫يقول ويلز ‪:‬‬
‫" كانت الكنيسة تجبى الضرائب ‪ .‬ولم يكن لها ممتلكات فسمميحة‬
‫ول دخل عظيم من الرسوم فحسممب‪ ،‬بممل فرضممت ضممريبة العشممور‬
‫على رعاياها‪ ،‬وهى لم تدع إلى هذا المممر بوصممفه عمل مممن أعمممال‬
‫الحسان والبر‪ ،‬بل طالبت به كحق " " ‪! " 1‬‬
‫وفرض البابا يوحنا الثانى والعشرون بالضممافة إلممى ذلممك ضممريبة‬
‫جديدة سميت " ضريبة السنة الولى " وهى دخل السنة الولى لية‬
‫وظيفة من الوظائف الدينية أو القطاعية يدفع إلى الكنيسة بطريق‬
‫الجبار !‬
‫أمما الهبمات فهمى هبمات فممى ظماهر الممر فقممط ! ولكنهمما تؤخممذ‬
‫بالحراج والتوريط‪ ،‬والترغيب والترهيب ! وخاصة الهبات التى تمنممح‬
‫للكنيسة فى الوصايا التى يكتبها الناس قبممل ممموتهم ‪ .‬فقممد فرضممت‬
‫الكنيسة على الناس أل يكتبوا وصاياهم إل على يد القسمميس ! وممما‬
‫دام القسيس حاضرا وقت كتابة الوصية فقد اصممبح الممواجب – مممن‬
‫باب " المجاملممة " علممى القممل _ أن يهممب الوصممى شمميئا مممن ممماله‬
‫للكنيسة حتى ل يكون مجافيا للذوق ! أو حتى يتحاشى ما هو أخطر‬
‫من ذلك ‪ :‬غضب الرباب المؤدى إلى غضب رب الرباب !!‬
‫أما السخرة فقد كانت الكنيسة تفرضها على رعاياها بالعمل يوما‬
‫واحدا فى السبوع بالمجان فى أراضى الكنيسة الواسممعة ‪ .‬فيعمممل‬
‫التعساء ستة أيام فى السبوع ليجدوا خبز الكفمماف لهممم ولسممرهم‪،‬‬
‫ثم يعملون اليوم السابع – يوم الراحة – سخرة فى أراضى الكنيسة‬
‫لكى توفر الخيرة أجور العمال التى كان المفروض أن تدفعها لقمماء‬
‫زراعة إقطاعياتهمما الواسممعة وجنممى حاصمملتها وتممزداد بممذلك اكتنممازا‬
‫وضراوة فى لطب المزيد من المال !‬
‫لقد كممان مممن السممهل علممى الكنيسممة أن تمممارس ذلممك الطغيممان‬
‫المممالى وهممى تملممك ذلممك النفمموذ الطمماغى علممى أرواح النمماس‬
‫وعقولهم ‪ .‬فما هى إل أن تصدر المر فيطيع العبيد صاغرين !‬
‫)د( الطغيان السياسى ‪:‬‬
‫زعمت الكنيسة أن المسيح عليه السلم قد أعطى قيصر وحكمه‬
‫شرعية الوجممود‪ ،‬حيمن وضمعت علمى لسمانه هممذه الكلممات ‪ " :‬إذن‬
‫أعطوا ما لقيصر لقيصر وممما للممه للممه " وفسممرتها – عمليمما – بممترك‬
‫" " معالم تاريخ النسانية ج ‪ 3‬ص ‪895‬‬ ‫‪1‬‬
‫القانون الرومانى يحكم العالم المسيحى بدل من شريعة الله ‪.‬‬
‫ورغم أن هذا تفسير خاطئ لدين الممه المنممزل علممى عيسممى ابممن‬
‫رميممم رسممول اللممه‪ ،‬فقممد كممان مقتضمماه – المنطقممى – أن تتفممرغ‬
‫الكنيسة لشؤون الخرة وشؤون الروح‪ ،‬وتممترك قيصممر يحكممم عممالم‬
‫الرض وعالم البدان ‪.‬‬
‫ولكنها لم تكن فى شئ من سمملوكها العملممى منطقيممة مممع الممذى‬
‫تقوله بأفواهها أو تعلنممه مممن مبادئهمما ‪ .‬فقممد ادعممت لنفسممها سمملطة‬
‫دنويممة )أو زمنيممة ‪ Temporal‬كممما يسمممونها فممى التاريممخ الوروبممى(‬
‫نازعت بها الباطرة والملوك وأخضعتهم لسلطانها ‪.‬‬
‫ونحن المسلمين ل ننكر – من حيث المبدأ – أن يكون لمن يقمموم‬
‫على أمر الدين فى الرض سلطان على الباطرة والملوك‪ ،‬وإن كنمما‬
‫ل ت=نعرف – فى السلم – شيئا يمكن أن يسمى " الكنيسة " ول‬
‫شمميئا يمكممن ان يسمممى " رجممال الممدين " إنممما هممم علممماء الممدين‬
‫وفقهاؤه ‪ .‬إنممما نقصممد أننمما ل ننكممر علممى الممذين يقممع علممى عمماتقهم‬
‫مراقبة إقامة الدين فى الرض أن يكون لهممم علممى ذوى السمملطان‬
‫سلطة النصيحة والتوجيه والمر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪.‬‬
‫ولكن … لى شئ تكون هذه السلطة وعلى أى شئ تدور ؟!‬
‫إنها – فى دين اله المنزل – تكممون لتنفيممذ شممريعة اللممه ومراقبممة‬
‫المور كلها لكى تكون خاضعة لشريعة الله ‪.‬‬
‫فهل من أجل هذا طالبت الكنيسة بأن تكممون لهمما علممى البمماطرة‬
‫والملوك سلطان ؟! بل ذلك أبعد شئ عن الحقيقة ‪.‬‬
‫إن الكنيسممة – وهممى تطممالب بسمملطانها الطمماغى علممى البمماطرة‬
‫والملوك – أو حين مارست هذا السلطان بالفعل – لم تطالبهم قط‬
‫بالنصياع إلى شريعة اله وتطبيق أحكامهما علممى النماس )فيممما عمدا‬
‫قانون الحوال الشخصية( الذى لم يجممد معارضممة مممن الحكممام مممن‬
‫قبل !( إنما كانت تطلب – وتمارس – سلطانا شخصيا بحتا‪ ،‬وأرضمميا‬
‫بحتا‪ ،‬هو أن يطأطئ الملوك والباطرة لها الرؤوس وأن يعلنوا أنهم‬
‫خاضعون لسلطانها !‬
‫إن الكنيسة – بذلك – قممد أجرمممت فممى حممق ديممن اللممه جريمممتين‬
‫مزدوجتين ‪ :‬الولممى أنهما عزفمت عمن تطمبيق شممريعة اللمه‪ ،‬واجبهمما‬
‫الول‪ ،‬والمبرر الكبر لوجودها إن كان لوجودها مبرر علممى الطلق‪،‬‬
‫بينما كانت تملك سلطة تطممبيق هممذه الشممريعة بممما كممان لهمما علممى‬
‫قلوب الجماهير من سلطان من جهة‪ ،‬وبممما صممار لهمما مممن سمملطان‬
‫على الملوك والباطرة فيما بعد …‬
‫والثانية أنها استخدمت سلطانها الذى حاربت ممن أجمل الحصمول‬
‫عليه وأراقت الدماء فى إخضاع الناس جميعمما‪ ،‬ملمموكهم ورعمماعهم‪،‬‬
‫لهواها هى‪ ،‬وجبروتها هى‪ ،‬فجعلت من رجالها أربابمما مممن دون اللممه‪،‬‬
‫وعبدت الناس لهم من دون الله حتى حق عليهم قمول اللمه فيهمم ‪:‬‬
‫ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ‬
‫ه{ ]سممورة التوبممة‬ ‫ن الل ّم ِ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م أْرَبابما ً ِ‬
‫مم ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خم ُ‬
‫}ات ّ َ‬
‫‪[9/31‬‬
‫إنها جريمة بشعة – أو جرائم بشعة متراكب بعضها علممى بعممض –‬
‫من أى زاوية نظرت إليها ‪.‬‬
‫فمن ناحية الدين المنممزل شمموهته بفصممل العقيممدة عممن الشممريعة‬
‫وتقديمه للناس عقيدة صرفا بل تشممريع أى مسممخا مشمموها ل يمثممل‬
‫دين الله الحقيقى ‪ ..‬ثم ادعت للناس أن هممذا هممو الممدين ! وزرعممت‬
‫فى عقول الناس تصورا خاطئا بأن الممدين علقممة خاصممة بيممن العبممد‬
‫والرب‪ ،‬محلها القلب نول علقة لممه بواقممع الرض ‪ ..‬فسممهلت علممى‬
‫الشياطين – فيما بعد– اقتلع آثاره من واقممع الحيمماة‪ ،‬لنممه لممم يكممن‬
‫عميق الجذور فى واقع الحياة ! " ‪"1‬‬
‫ومن ناحيمة الواقمع أسمهمت فمى إفسماد الرض بتعطيمل شمريعة‬
‫الله‪ ،‬والسماح للجاهلية الرومانية أن تحكم العالم المسمميحى – فممى‬
‫صورة قوانين وتنظيمات – ومنعت الصلح الذى أراده اللممه للنمماس‬
‫حين نزل عليهم الدين‪ ،‬فنشأت عن ذلك مظالم سياسية واقتصادية‬
‫واجتماعية تمثلت فى نظام القطاع الذى سمماد العممالم اللوروبممى –‬
‫فى ظل الكنيسة – أكثر من عشرة قرون ! وسهل على الشممياطين‬
‫– فيما بعد – اقتلع آثار المدين وتحطيممه باسمم الصملح السياسمى‬
‫والقتصادى والجتماعى !‬
‫فضل عما أثارته من المنازعات مع البمماطرة والملمموك‪ ،‬مممما أدى‬
‫بهم – فيما بعد – إلى النسلخ مممن سمملطان الكنيسممة الممذى يحمممل‬
‫عنوان الدين بالحق أو بالباطل‪ ،‬وتعميق مفهوم الفصممل بيممن الممدين‬
‫والسياسة الذى كان قائما من قبممل بالفعممل بتعطيممل شممريعة اللممه‪،‬‬
‫ليصبح عداء كامل بيمن المدين والسياسمة فمى أى صمورة ممن صمور‬
‫السياسة وأى صورة من صور الدين !‬
‫يروى التاريخ الكثير عن قصة النزاع بين الكنيسة وبيممن البمماطرة‬
‫والملوك ‪.‬‬
‫اصدر البابا " نقول الول " بيانا قال فيه ‪:‬‬
‫" أن ابن اله أنشأ الكنيسة بأن جعل الرسول بطرس أول رئيممس‬
‫" " سنتحدث عن ذلك فى التمهيد الثانى " دور اليهود فى إفساد أوروبا " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫لها ‪ .‬وإن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس فى تسلسل مسممتمر‬
‫متصل‪ ،‬ولذلك فإن البابا ممثل الله على ظهر الرض يجب أن تكون‬
‫له السيادة العليا والسلطان العظم على جميع المسيحيين‪ ،‬حكاممما‬
‫كانوا أو محكومين " " ‪" 1‬‬
‫وفى القرون الوسطى مارست الكنيسة ذلممك السمملطان بالفعممل‬
‫على الحكام والمحكومين‪ ،‬مع وجود فترات مممن الصممراع المتبممادل‪،‬‬
‫حيث يتمرد بعض الملوك والمراء على سلطة البابا‪ ،‬ويشتد آخممرون‬
‫فممى حربهممم للبممابوات حممتى إنهممم ليعزلممون البابمما أو ينفممونه أو‬
‫يسجنونه ! ولكممن السمملطة الغالبممة كممانت للكنيسممة‪ ،‬تسممتمدها مممن‬
‫سلطانها الروحى الطاغى على قلوب الناس‪ ،‬ومن جيوشها الكثيفممة‬
‫ومن أموالها التى تضارع ما يملكه الملوك وأمراء القطاع !‬
‫يروى " فيشر " قصة الصراع بين البابمما هلدبرانممد وهنممرى الرابممع‬
‫إمبراطور ألمانيا فيقول ‪ .. " :‬ذلك أن خلفا نشب بينهما )بين البابمما‬
‫والمممبراطور( حممول مسممألة " التعيينممات " أو ممما يسمممى " التقليممد‬
‫العلمممانى " فحمماول المممبراطور أن يخلممع البابمما ورد البابمما بخلممع‬
‫المبراطور وحرمه وأحل اتباعه والمراء من ولئهم له وألبهم عليه‪،‬‬
‫فعقد المراء مجمعا قرروا فيه أنه إذا لم يحصممل المممبراطور علممى‬
‫المغفرة لدى وصول البابا إلى ألمانيا فإنه سيفقد عرشه إلى البممد‪،‬‬
‫فوجد المبراطور نفسه كالجرب بين رعيته‪ ،‬ولممم يكممن فممى وسممعه‬
‫أن ينتظر وصول البابا‪ ،‬فضممرب بكبريممائه عممرض الحممائط واسممتجمع‬
‫شجاعته وسافر مجتممازا جبممال اللممب والشممتاء علممى أشممده‪ ،‬يبتغممى‬
‫المثول بين يدى البابا بمرتفعات كانوسا فممى تسممكانيا‪ ،‬وظممل واقفمما‬
‫فى الثلج فى فناء القلعة ثلثة أيام وهو فمى لبماس الرهبمان متمدثرا‬
‫بالخيش حافى القممدمين عممارى الممرأس يحمممل عكممازه مظهممرا كممل‬
‫علمات النممدم وأمممارات التوبممة حممتى تمكممن مممن الظفممر بممالمغفرة‬
‫والحصول على رضا البابا العظيم " " ‪"2‬‬
‫كما يروى التاريخ قصة مماثلة عن ملك إنجلترا هنرى الثانى الذى‬
‫أصدر دستورا يلغى فيه كثيرا من امتيازات رجال الدين‪ ،‬الذين كانوا‬
‫يملكون الكثير‪ ،‬ول يدفعون شيئا من الضرائب التى يدفعها الشعب‪،‬‬
‫بل يفرضون هم لنفسهم ضرائب خاصة ‪ ..‬فحرمته الكنيسة فأصبح‬
‫غريبا فى وسط شعبه ل يطاع له أمر ‪ ..‬فأعلن ندمه وتمموبته‪ ،‬وسممار‬
‫إلى مقر رئيس الساقفة فممى كنممتر بممرى يسترضمميه‪ ،‬ومشممى علممى‬
‫الرض الصلبة الثلثة الميال الخيرة من رحلته حافى القدمين حتى‬
‫" " قصة الحضارة لول ديورانت ج ‪ 14‬ص ‪352‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " فيشر – تاريخ أوروبا ج ‪ – 1‬ص ‪260‬‬ ‫‪2‬‬


‫نزف الدم منهما‪ ،‬وطلب من الرهبان – وقد استلقى علممى الرض –‬
‫أن يضربوه بالسياط حتى يرضى عنه الغاضبون !‬
‫ولكن سلطان الكنيسة ظل يتداعى فى نهايممة القممرون الوسممطى‬
‫حتى قام الملوك يعلنون أنهممم هممم الحكممام فممى الرض بمقتضممى "‬
‫الحممق اللهممى المقممدس " وأنممه ليممس للبممابوات عليهممم سمملطان إل‬
‫السلطان الروحى وحده ‪.‬‬
‫فاستبدلت أوروبا فى الحقيقة طغيانا بطغيان مع فارق واحد‪ ،‬أن‬
‫الطغيان الجديد يبعد تدريجيا ويبعد الناس معه عن سلطان الممدين !‬
‫وفضل عن ذلك فقد كان انشقاق الملوك عممن سمملطان البابمما يتخممذ‬
‫شمممكل قوميممما متزايمممدا‪ ،‬تسمممانده العواممممل الخمممرى – السياسمممية‬
‫والقتصادية – التى أحاطت بأوروبا وشجعت على ظهور القوميات‪،‬‬
‫اتلى كان لها دور كبير فى بروز الصراعات الحادة فممى أوروبمما أول‪،‬‬
‫ثم فى العالم لكله فى صورة حروب استعمارية فيما بعد‪ ،‬بالضممافة‬
‫إلى ما أثبتناه من قبل من تعميق الفصل بين السياسة والدين ‪.‬‬
‫)هـ( الطغيان العلمى ‪:‬‬
‫كان المفروض أن يأتى الحديث عن الطغيان العلمى بعد الحديث‬
‫عن الطغيان العقلى والفكرى فممإنه وثيممق الصمملة بممه ‪ .‬ولكنمما أخرنمما‬
‫الحديث عنه باعتبارين ‪.‬‬
‫الول أنه جاء متأخرا فممى الممترتيب الزمنممى إذ حممدث فممى القممرن‬
‫السادس عشر والسابع عشر الميلديين بينما كانت ألمموان الطغيممان‬
‫الروحى والعقلى والمالى والسياسى قائمممة فممى العممالم المسمميحى‬
‫قبل ذلمك بعممدة قممرون‪ ،‬والثممانى أنمه فممى الحقيقممة لممون جديممد مممن‬
‫الطغيممان غيممر الطغيممان العقلممى الممذى كممان سممائدا مممن قبممل بمنممع‬
‫المناقشة والتفكير فى أمممر السممرار المقدسممة المتصمملة بالعقيممدة‪،‬‬
‫فقد كان هذا الطغيان الجديد يفرض على العقول أل تفكر فى أمور‬
‫الكون المادى بما تقتضمميه الملحظممات والمشمماهدات العلميممة‪ ،‬وأن‬
‫تلتزم بالتفسيرات الكنسية لما جاء مممن إشممارات فممى التمموراة عممن‬
‫شممكل الرض وعمممر النسممان‪ ،‬ولممو خممالفت هممذه التفسمميرات كممل‬
‫حقائق العلم النظرية والعملية على السواء !‬
‫بدأت القصة‪ ،‬أو بدأت الزوبعة حين قال العلماء إن الرض كرويمة‬
‫وإنها ليست مركز الكممون ! ويعممرف التاريممخ الوروبممى مممن أبطالهمما‬
‫ثلثة أسماء شهيرة غير السماء الخرى التى لم تلمع على صفحات‬
‫التاريخ‪ ،‬وهؤلء هم كوبرنيكوس وجردانوبرونو وجاليليو‬
‫الول عالم فلكى بولندى عاش ما بين ‪ 1473‬و ‪1543‬م ‪.‬‬
‫والثانى فيلسوف إيطالى عاش ما بين ‪ 1548‬و ‪1600‬م ‪.‬‬
‫والثالث عالم فلكى إيطالى عاش ما بين ‪ 1564‬و ‪1642‬م ‪.‬‬
‫وقد قامت قيامممة الكنيسممة عليهممم وعلممى غيرهممم فممأحرقت مممن‬
‫أحرقت‪ ،‬وعذبت من عذبت‪ ،‬وهددت من هممددت بالتعممذيب والحممرق‬
‫فى النار إن لم يكفوا عن هذه " الهرطقممة " الممتى تقممول إن الرض‬
‫كروية وإنها ليست مركز الكون ! " ‪ "1‬بحجممة أن التمموراة قممالت إن‬
‫الرض مستوية )أى مسممطحة( وإنهمما هممى مركممز الكممون‪ ،‬والنسممان‬
‫مركز الوجود !‬
‫ويقممول التاريممخ الوروبممى إن الكنيسممة قممد فزعممت فزعتهمما تلممك‬
‫حفاظا على كيانها‪ ،‬الذى يقمموم علممى الخرافممة ويسممتند إلممى انتشمار‬
‫الجهل بين الجماهير‪،‬وإنها خشيت على هذا الكيان أن يتصدع وينهار‬
‫إذا انتشممر العلممم‪ ،‬وتممبين النمماس أن ممما تقمموله الكنيسممة ليممس هممو‬
‫الحقيقة المطلقة فى كل شئ ‪.‬‬
‫ول شك أن هذا – فى جملته – صحيح ‪.‬‬
‫ولكن هذه المقالة تغفل شيئين مهمين فممى هممذا الشممأن‪ ،‬أولهممما‬
‫عن غفلة والثانى عن قصد !‬
‫أممما الول فهممو أن آبمماء الكنيسممة ورجالهمما كممانوا مخلصممين فممى‬
‫صيحتهم – فى أول المر على القل – لنهم كانوا يتصممورون أن ممما‬
‫جاء فى التوراة حقيقة‪ ،‬وأن تفسيرهم له هو الصحيح ‪ .‬وسبب ذلممك‬
‫هو الجهالة التى كانت مخيمة على أوروبا كلها‪ ،‬وعلى رجال الممدين‬
‫فيها بصفة خاصة‪ ،‬فقد كانوا من أقل الناس ثقافة ومن أبعدهم عممن‬
‫تعلم العلم الصحيح – إن وجد – اكتفاء بالمجممد الروحممى والسملطان‬
‫الطاغى والموال الطائلة التى يتمتعون بها بوصفهم " رجممال الممدين‬
‫"!‬
‫إنما يجوز بالفعل أن يكونوا قد استمروا فممى حممرب العلممم – عممن‬
‫وعى وعمد – فيما بعد خوفا على سلطانهم أن يتصدع حين يكتشف‬
‫الناس أن شيئا مما يقولونه كاذب ل أساس له‪ ،‬فيكون وجودهم كله‬
‫عرضة لن يوضع موضع التساؤل والمساءلة ‪ ..‬فينهار !‬
‫أما المر الثانى الممذى يغفلممه المؤرخممون الوروبيممون عممن عمممد –‬
‫رغم ظهوره – فهو أن هذا العلم الذى قممامت الكنيسممة بحربممه كممان‬
‫ىتيا من مصادر إسلمية‪ ،‬وكان يحمل معه خطر انتشار السلم فممى‬
‫أوروبا ‪ ،‬ومن ثم انهيار الكنيسة ذاتها حين ينهممار الممدين الممذى تمثلممه‬

‫" " مات كوبر نيكوس قبل أن يقع فى قبضة محاكم التفتيش أما جوردانوبرونو فقد أحرق حيا وأما جاليليو فقد سجن‬ ‫‪1‬‬

‫حتى اشرف على الهلك فتراجع – ظاهريا – عن معتقداته وإن ظل مقتنعا بها فى الحقيقة ‪.‬‬
‫وتدعى حمايته !‬
‫يقول " ألفارو ‪ " A;varo‬وهو كمماتب مسمميحى أسممبانى عمماش فممى‬
‫القرن التاسع الميلدى ‪.‬‬
‫" يطممرب إخمموانى المسمميحيون لشممعار العممرب وقصصممهم‪ ،‬فهممم‬
‫يدرسممون كتممب الفقهمماء والفلسممفة المحمممديين ل لتفنيممدها بممل‬
‫للحصول على أسلوب عربى صحيح رشيق ‪ .‬فأين تجد اليوم علمانيا‬
‫يقرأ التعليقات اللتينيمة علمى الكتممب المقدسممة ؟ وأيمن ذلمك المذى‬
‫يممدرس النجيممل وكتممب النبيمماء والرسممل ؟ وا أسممفا ! إن شممباب‬
‫المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب‪ ،‬ليسوا على علم بأى أدب‬
‫ول لغة غير العربيمة‪ ،‬فهمم يقمرأون كتمب العمرب ويدرسمونها بلهفمة‬
‫وشغف‪ ،‬وهم يجمعون منها مكتبات كاملممة تكلفهممم نفقممات باهظممة‪،‬‬
‫وإنهم ليترنمون فى كل مكان بمدح تراث العرب ‪ .‬وإنك لتراهم من‬
‫الناحية الخرى يحتجون فى زراية – إذا ذكممرت الكتممب المسمميحية –‬
‫بأن تلك المؤلفات غير جديرة باحترامهم" " ‪"1‬‬
‫وظمماهر مممن هممذا النممص إلممى أى مممدى كممان تممأثير السمملم علممى‬
‫المسيحيين من أهل الندلس‪ ،‬ونستطيع أن ندرك منممه كممذلك كيممف‬
‫كان تأثير السلم على المبتعثين الوروبيين إلى بلد السلم ‪.‬‬
‫ذلك أنه حين استيقظت أوروبمما وبممدأت تنهممض كممان لبممد لهمما أن‬
‫تتعلممم ‪ .‬ولممم يكممن ثمممت علممم إل ممما كممان عنممد المسمملمين‪ ،‬وفممى‬
‫مدارسهم ‪ ..‬ومن ثم أرسلت أوروبا أبناءهمما ليتعلممموا فممى مممدارس‬
‫المسلمين فى النممدلس والشمممال الفريقممى وصممقلية وغيرهمما مممن‬
‫أماكن العلم ‪ ..‬فتعلموا هناك الطب والهندسة والرياضمميات والفلممك‬
‫والكيميمماء والفيزيمماء علىايممدى السمماتذة المسمملمين فتممأثروا بهممم‪،‬‬
‫وتممأثروا بالسمملم كممذلك‪ ،‬فجممن جنممون الكنيسممة مممن تممأثير السمملم‬
‫الزاحف على أوروبا مع حركة العلم ‪ ..‬ومن ثم قامت تضع السدود‬
‫بيممن السمملم وبيممن أوروبمما ‪ ،‬وكلفممت كتابهمما أن يهمماجموا السمملم‬
‫ويشمموهوا صممورته فممى نفمموس الوروبييممن ‪ ،‬وأن يهمماجموا الرسممول‬
‫صلى اله عليه وسلم وينعتوه بكل نعت قبيح‪ ،‬لمقاومة ذلك " الغممزو‬
‫الفكممرى " المتسممرب مممع المبتعممثين العممائدين مممن بلد السمملم ‪.‬‬
‫وكذلك كانت الحممرب المعلنممة ضممد العلممم " المسممتورد " مممن البلد‬
‫السلمية جزءا ً من هذه الحرب الشاملة ضد السلم‪ ،‬وإن كانت قد‬
‫خصت قضية كروية الرض بأشد الحرب لنهمما وجممدت نصمما مقدسمما‬
‫فى التوراة تستطيع أن تصعد به المعركة إلى حد الحرق والتعذيب!‬
‫" " عن كتاب " حضارة السلم " لفون جرونيباوم ص ‪ 82 – 81‬من الترجمة العربية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وأيا كان السبب فقد وقفممت الكنيسممة مممن العلممم والعلممماء ذلممك‬
‫الموقف الشائن الذى ترتبت عليه – كلك خطايا الكنيسممة وأخطائهمما‬
‫– نتائج بعيدة المدى فى الحيمماة الوروبيممة حممتى اللحظممة الراهنممة ‪..‬‬
‫فقد بدأ منذ تلك اللحظة الفصام الحمق بين العلم والدين‪ ،‬الذى ما‬
‫يزال يغشى بدخانه السود حياة أوروبا حتى اليوم ‪.‬‬
‫إن جريمة الكنيسة – فوق تشويه صورة الدين وتنفير الناس منه‪،‬‬
‫الذى تلتقى عنده وتنتهى إليه كل جرائمها – أنها تفصل بين نزعممتين‬
‫فطريتين سويتين متكاملتين – نزعة التعلم ونزعة العبادة – وتنشمئ‬
‫بينهما عداوة ل وجود لها فممى أصممل الفطممرة‪ ،‬وصممداما ل ينبغممى أن‬
‫يوجد فى النفس السوية‪ ،‬فتمزق النفس الواحممدة مزقمما وتممثير فممى‬
‫داخلها القلق والضطراب ‪.‬‬
‫لقد خلق الله النسممان مفطممورا علممى حممب المعرفممة كممما خلقممه‬
‫مفطورا على العبادة ‪:‬‬
‫م عََلممى‬ ‫شممهَد َهُ ْ‬ ‫م وَأ َ ْ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ب َِني آد َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫شهِد َْنا{ ]سورة العراف ‪[7/172‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫ماَء ك ُل َّها{ ]سورة البقرة ‪[2/31‬‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫}وَعَل ّ َ‬
‫}اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫ما ل َم ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫ما ِ‬ ‫م ِبال َْقل َم ِ )‪ (4‬عَل ّ َ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م )‪ (3‬ال ّ ِ‬ ‫ك الك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫م )‪] {(5‬سورة العلق ‪[5-96/3‬‬ ‫ي َعْل َ ْ‬
‫وفى نفس السوية تتجاوز النزعتان وتتكاملن بل تصادم ول تضمماد‬
‫‪ .‬فالفطرة تتطلع إلى ربها لتعبده‪ ،‬والفطرة تتطلع إلممى الكممون مممن‬
‫حولها تحب أن تتعرف عليه‪ ،‬وأدواتها هى الحس والعقل ‪:‬‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫م‬‫ل ل َك ُم ْ‬ ‫شمْيئا ً وَ َ‬
‫جع َ م َ‬ ‫ن َ‬ ‫مممو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سممورة النحممل‬ ‫ش مك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫سم ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫وتلتقممى نزعممة اليمممان بممالغيب واليمممان بممما تممدركه الحممواس‪،‬‬
‫وتؤديان مهمتهما معا فممى تشممكيل إنسممانية النسممان علممى الصممورة‬
‫التى أرادها الله له‪ ،‬وكرمه بها وفضله على كثير من الخلق ‪.‬‬
‫وكلن الكنيسة بموقفها الحمق – أيا كانت السممباب الممتى دفعتهمما‬
‫إليه – راحت تفصل بيممن همماتين النزعممتين الفطريممتين المتكمماملتين‪،‬‬
‫وتقول للناس ‪ :‬إن أردتم الممدين فمماتركوا العلممم ‪ ..‬ومممن أراد العلممم‬
‫فقد خرج على الدين ! فتخير الناس بين حاجتين فطريممتين ل تغنممى‬
‫إحداهما غناء الخرى‪ ،‬ول يسد إشباع أيهما جوعة الثانية !‬
‫وهل كانت هناك نتيجممة منتظممرة نمممن هممذا الموقممف إل أن يممترك‬
‫الناس ذلك الدين الذى يحجبهم عن العلم ويحجر عليه‪ ،‬وأن يسيروا‬
‫مع العلم فى تياره الزاخر الذى يأتى كل يوم جديممد‪ ،‬وإن كممانوا مممع‬
‫ذلك ل ينجون من القلق والضطراب ؟!!‬
‫على أن الشر لم يقف عند هذا الحد – وهو بشممع فممى ذاتممه – لممم‬
‫يقف عند هجر الدين من أجل العلم‪ ،‬بل وصممل إلممى كراهيممة الممدين‬
‫والنفور منه‪ ،‬ونفيه نفيا باتمما مممن مجممال البحممث العلمممى علممى وجممه‬
‫الخصوص ‪.‬‬
‫ل تجممد فممى الجاهليممة المعاصممرة حقيقممة علميممة واحممدة تسممند‬
‫بإرجاعها إلى أصل دينى ! بل علمى العكمس ‪ .‬مجمرد ذكمر المدين أو‬
‫الله – سبحانه وتعالى – فى مجال البحث العلمى الكفيل – عنممدهم‬
‫– بالشك فى الحقيقة العلمية‪ ،‬أو باستهجان المنهج على القل‪ ،‬لنه‬
‫منهج غير علمى !! كفيل بإثارة المتعاض فى جميع الحوال !‬
‫ش َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ب ال ّم ِ‬‫ت قُُلو ُ‬ ‫مأّز ْ‬‫حد َهُ ا ْ َ‬ ‫ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه وَ ْ‬ ‫وصدق الله العظيم ‪} :‬وَإ ِ َ‬
‫ن)‬ ‫شمُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫دوِنمهِ إ ِ َ‬
‫ذا هُم ْ‬ ‫ن ُ‬‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ذا ذ ُك ِمَر ال ّم ِ‬
‫خَرةِ وَإ ِ َ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫‪] {(45‬سورة الزمر ‪[39/45‬‬
‫وإقامة التصور – فى أى مجال من مجالت البحث – على أساس‬
‫المفهوم الدينى هو عندهم هدم للمنهج العلمى وتشويه له‪ ،‬وإعطاء‬
‫حصيلة محوطة بالشك ولو كانت كل الدلة تؤيدها ! وخذ مثال لهممذا‬
‫الموقممف المعممادى لممدين ولممو كممانت الحقممائق العلميممة متفقممة معممه‬
‫ومركدة له قول جوليان هكسلى فممى كتمماب " النسممان فممى العممالم‬
‫الحديث " ‪Man in the Modern World‬‬
‫" وهكذا يضع العلم الحديث النسان فى مركز مماثل لما أنعم به‬
‫عليه كسيد المخلوقات كما تقول الديان ‪ ..‬ولممم تكممن وجهممة النظممر‬
‫الدينية صحيحة فى تفاصيلها أو فى كثير مما تضممنته ‪ ..‬ولكمن كمان‬
‫لها أساس جيولوجى متين""‪ !"1‬كذلك نفممى القصممد والغايممة مممن أى‬
‫شئ فى هذا الكون نفيا " علميا " !!‬
‫وراح " العلماء " ! يتممذرعون بشممتى الممذرائع لبعمماد الحممديث عممن‬
‫القصد والغاية من مجال البحث العلمى‪ ،‬كقوهم إن هممذا مممن شممأن‬
‫الفلسفة‪ ،‬أما العلم فمهمتممه تسممجيل " الحقممائق ! " كممما هممى دون‬
‫إعطاء تفسير مسبق لها ‪ .‬أو قمولهم إن هممذا شمأن " الميتافيزيقمما "‬
‫)أى ما وراء الطبيعممة( ولكممن العلممم محصممور فممى ظممواهر الطبيعممة‬
‫يسجلها ويحاول أن يفسرها تفسمميرا " علميمما ! " أى فممى حممدود ممما‬
‫تدركه الحواس ‪..‬‬
‫والحقيقة من وراء ذلممك هممى إبعمماد كممل ظممل للممدين مممن البحممث‬
‫" " من فصل " تفرد النسان " ص ‪ 36‬من الترجمة العربية لحسن خطاب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫العلمممى انتقاممما مممن موقممف الكنيسممة الممتى حمماربت العلممم باسممم‬
‫الدين !! ذلك أن الحديث عن " الغاية " هو حديث عن الله سممبحانه‬
‫وتعالى وغايته من خلق هذا الكون على الصورة التى خلقممه عليهمما ‪.‬‬
‫ثم إنه يتضمن التزاما معينا تجاه الممه سممبحانه وتعممالى‪ ،‬وهممو الممتزام‬
‫الغاية التى من أجلها خلق الله النسممان فممى هممذا الكممون ‪ ..‬والعلممم‬
‫الذى نشأ فى ظل العداء مع الدين ل يريد أن يلتزم بشئ ألبتة تجاه‬
‫الدين وتجاه اللممه ! لن اللممتزام – عنممدهم – ل يجممرى إل مممن خلل‬
‫الكنيسة‪ ،‬والكنيسة هى الطغيان !‬
‫بل بلغ المر إلى نفى القصد ل إبعاده عن مجممال البحممث العلمممى‬
‫فحسممب ! وخرجممت نظريممات " علميممة !! " تقممول إن الكممون وجممد‬
‫بالصدفة ! وإن الحياة ظهرت على سطح الرض بالصدفة !‬
‫بل حين أسند الخلق إلى " الطبيعة " بدل مممن اللممه نفممى القصممد‬
‫عن الطبيعة وقال قائلهم " دارون " إن الطبيعة تخبط خبط عشواء‬
‫! ‪Nature Works Haphazardly‬‬
‫وهذه " الطبيعة " ذاتها‪ ،‬وتأليهها ونسبة الخلق إليها ‪ ..‬لقممد كممانت‬
‫إحدى الخطايا المترتبة علممى الخطيئة الممتى اقترفتهمما الكنيسممة مممن‬
‫قبل بوقوفها موقف العداء من العلم والعلماء ‪..‬‬
‫إن تأليه الطبيعة – سواء فى مجممال العلممم أو الفممن أو أى مجممال‬
‫آخر – لهو المهرب الوجدانى الذى لجأت إليه أوروبا لتهرب من إله‬
‫الكنيسممة الممذى تسممتعبد النمماس باسمممه فممى كممل مجممالت الحيمماة ‪:‬‬
‫الروحية والفكرية والمالية ولسياسية والعلمية ‪ ..‬الخ‪ ،‬وتخممترع إلهمما‬
‫آخر له معظم صفات الله الخالق البارئ المصور‪ ،‬ولكن ليسممت لممه‬
‫كنيسة وليست له التزامات !‬
‫وإل فما " الطبيعة " فى مجال البحث العلمى على الخصوص ؟‬
‫ومن أين لها صفة الخلممق ؟ والخلممق بهممذه الدقممة المعجممزة الممتى‬
‫يتحدثون عنها سواء فى الفلك أو الكيميمماء أو الفيزيمماء أو الطممب أو‬
‫علم وظائف العضاء أو علم الحياة ؟!‬
‫ثممم إذا كممانت – كممما يقممول دارون – تخلممق دون قصممد معيممن ول‬
‫تدبير‪ ،‬فكيف خلقممت النسممان الممذى يتصممف بالقصممد والتممدبير ؟ أى‬
‫بعبارة أخرى ‪ :‬كيف يخلق الخالق من هو أعلى منه وأكمل وأدق ؟!‬
‫أل إنها أسطورة " علمية ! " ضخمة فى عصر العلم ! ومممع ذلممك‬
‫فهى العملة السارية فى كل كتب العلم الغربممى بل اسممتثناء ! اقممرأ‬
‫فى أى كتاب علمى تجد " الطبيعة " ‪ Nature‬مشارا إليها علممى أنهمما‬
‫الخالق الفعال لما يريد‪ ،‬الذى ل يسأل عما بفعل وهم يسألون !‬
‫إنها المهرب الوجدانى الذى لجممأت إليمه أوروبمما لتهممرب مممن إلمه‬
‫الكنيسة وتجد ما تتعبده فى ذات الوقت‪ ،‬إذ النسممان مفطممور علممى‬
‫العبممادة سممواء فممى ضمملله أو هممداه ‪ ..‬أممما أن يتحممدث عنهمما الممذين‬
‫يسمون أنفسهم " علممماء ! " وبصمميغة الجممد ل الهممزل ‪ ..‬فمهزلممة ل‬
‫يفسرها شئ إل حقيقة واحدة‪ ،‬هممى أن النسممان حيممن ينتكممس فممى‬
‫جاهليته – بعيدا عن الهدى الربانى – يمكن أن يصممدر عنممه أى شممئ‬
‫على الطلق ‪ ..‬مهما كان بعيدا عممن المنطممق وبعيممدا عممن المنطممق‬
‫وبعيدا عن المعقول ‪.‬‬
‫ولكن الجريمة الكبرى فى هذا الشممأن تقممع علممى عمماتق الكنيسممة‬
‫بادئ ذى بدء‪ ،‬التى أقامت ذلك الحاجز من العداء بين الدين والعلم‪،‬‬
‫الذى ظل يتفاقم حتى وصل – على يد الشممياطين – إلممى اسممتخدام‬
‫العلم ذريعة إلى القضاء على الدين ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬فساد رجال الدين ‪:‬‬
‫المفروض فى " رجال الدين " – إن كان ثمة مبرر لوجممود رجممال‬
‫ديممن علممى الطلق – أن يكونمموا قممدوة صممالحة لمممؤمنين بالممدين‪،‬‬
‫ونموذجا يحتذى فى الفكر والشعور والسلوك ‪.‬‬
‫ولكن رجال الدين الكنسى فى أوروبا البابوية لم يكونوا يؤمنممون‬
‫بشئ من ذلك ول يحتفظون به !‬
‫بل كانت حياة الغالبية منهم حياة ترف وملذات وشهوات !‬
‫يقول الله ليحذر المؤمنين ‪:‬‬
‫مْقت ما ً ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫عن ْمد َ‬ ‫ما ل ت َْفعَل ُممو َ‬
‫ن )‪ (2‬ك َب ُمَر َ‬ ‫م ت َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنوا ل ِ َ‬
‫نآ َ‬‫}َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(3‬سورة الصف ‪[3-61/2‬‬ ‫ما ل ت َْفعَُلو َ‬‫ن ت َُقوُلوا َ‬ ‫الل ّهِ أ ْ‬
‫كبر مقتا لنه صد عن سبيل اللممه ‪ ..‬وأى جريمممة أكممبر مممن الصممد‬
‫عن سبيل الله ؟‬
‫إن الناس قد يتقلبون من الشخص العادى أن يكممذب أو يغممش أو‬
‫يلتوى فى سلوكه ‪ ..‬أو يقع فريسة للشهوات ‪.‬‬
‫أما أن يقع ذلك ممن ينصب نفسه قممدوة للنمماس‪ ،‬أو ممممن يممدعو‬
‫الناس إلى التمسك بالفضمميلة والبعممد عممن الرذيلممة ‪ ..‬فهممذا الممذى ل‬
‫يستسيغه الناس من جهة‪ ،‬والذى يصممدهم عممن القيممم الرفيعممة مممن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬لنه ييئسممهم مممن قيممام تلممك القيممم فممى عممالم الواقممع‪،‬‬
‫ويشعرهم أنها مجرد شعارات معلقة فى الفضاء ‪ .‬ويهممون لهممم مممن‬
‫جهة أخرى ارتكاب الرذيلة بكل أنواعها‪ ،‬لنه إذا كان دعمماة الفضمميلة‬
‫يفعلون ذلك‪ ،‬فما بالهم هم‪ ،‬الممذين لممم يزعممموا لنفسممهم ذات يمموم‬
‫أنهم من أصحاب الفضيلة ؟!‬
‫لذلك كبر مقتا عند الله أن يقول المؤمنون بألسنتهم ما يخممالفونه‬
‫فى سلوكهم الواقعى ‪.‬‬
‫وهذا الذى كبر مقتما عنمد اللمه همو السملوك الغمالب علمى رجمال‬
‫الدين الكنسى فممى أوروبمما البابويممة ! مممما أدى – كممما أدت خطايمما‬
‫الكنيسة كلها – إلى نبذ الدين فى النهاية والنسلخ منه ‪.‬‬
‫يقول " ول ديورانت " فى فصل بعنمموان " أخلق رجممال الممدين "‬
‫من كتاب " قصة الحضارة " )ج ‪ 21‬ص ‪: (86 –83‬‬
‫" لقد كان يسع الكنيسة أن تحتفظ بحقوقها القدسممية المسممتمدة‬
‫مممن الكتممب المقدسممة العبريممة والتقاليممد المسمميحية لممو أن رجالهمما‬
‫تمسكوا بأهداب الفضيلة والورع ‪ ..‬ولكن كثرتهم الغالبة ارتضت ممما‬
‫فى أخلق زمانها من شروخير‪ ،‬وكممانوا هممم أنفسممهم مممرآة ينعكممس‬
‫عليها ما فى سيرة غير رجممال الممدين مممن أضممداد ‪ .‬فقممد كممان قممس‬
‫البرشية خادما ساذجا‪ ،‬لممم يممؤت فممى العممادة إل قسممطا ضممئيل مممن‬
‫التعليم‪ ،‬ولكنه غالبا ما يعيش معيشة يقتدى بها )وإن خالفنا فى هذا‬
‫رأى الراهب الصالح أنطونينو( ل يعبأ به رجال الفكر‪ ،‬ولكممن يرحممب‬
‫به الشعب ‪.‬‬
‫وكان بين الساقفة ورؤساء الديرة بعض من يحبون حياة منعمة‪،‬‬
‫ولكن كان منهم كثيرون من الرجال الصالحين‪ ،‬ولعل نصممف مجمممع‬
‫الكرادلة كانوا يسلكون مسمملك أتقيمماء المسمميحيين المتممدنيين الممذى‬
‫يخزى مسلك زملئهم الدنيوى المرح ‪.‬‬
‫" وانتشممرت فممى جميممع أنحمماء إيطاليمما المستشممفيات وملجممئ‬
‫اليتامى‪ ،‬والمدارس وبيوت الصدقات‪ ،‬ومكاتب القرض وغيرهمما مممن‬
‫المؤسسممات الخيريممة يممديرها رجممال الممدين ‪ .‬واشممتهر الرهبممان‬
‫البندكتيون‪ ،‬والفرنسيس المتشددون‪ ،‬والكرثوزيون بمستوى حياتهم‬
‫الخلقى الرفيع إذا قيس إلى أخلق أهل زمنهم ‪ ..‬وواجه المبشممرون‬
‫مئات الخطار وهم يعملون لنشر الدين فى أراضى " الكفار " وبين‬
‫الوثنيين المقيمين فى العممالم المسمميحى ‪ .‬واختفممى المتصمموفة عممن‬
‫أعيممن النمماس وابتعممدوا عممما كممان فممى زمممانهم مممن عنممف‪ ،‬وأخممذوا‬
‫يعملون للتصال القريب بالخالق جل وعل ‪.‬‬
‫" وكان بين هذا التقى والورع كثير من التراخى فممى الخلق بيممن‬
‫رجال الدين نستطيع أن نثبته بما نضربه من مئات المثال ‪ .‬فها هممو‬
‫ذا بترارك نفسه الذى بقى مخلصا لممدين المسمميح إلممى آخممر حيمماته‪،‬‬
‫والذى صور ما فى دير الكرثوزين‪ ،‬الذى كان يعيش فيه أخمموه‪ ،‬مممن‬
‫نظام وتقى فى صورة طيبة مستحبة‪ ،‬ها هو ذا يندد أكممثر مممن مممرة‬
‫بأخلق رجال الدين المقيمين فى افنيون ‪ .‬وإن الحياة الخليعة الممتى‬
‫كان يحياها رجال المدين اليطماليون والمتى نقمرأ عنهما فمى رواايمت‬
‫بوكاتشيو المكتوبة فى القرن الرباع عشممر إلممى روايممات ماستشمميو‬
‫فى القرن الخامس عشر‪ ،‬إلى روايات بنديتلو فى القممرن السممادس‬
‫عشممر‪ ،‬إن هممذه الحيمماة الخليعممة موضمموع يتكممرر وصممفه فممى الدب‬
‫اليطالى‪ ،‬فبوكاتشيو يتحدث عما فى حياة رجال الممدين مممن دعممارة‬
‫وقذارة ومن انغماس فى الملذات طبيعيممة كممانت أو غيممر طبيعيممة ‪.‬‬
‫ووصممف ماستشمميو الرهبممان والخمموان بممأنهم " خممدم الشمميطان "‬
‫منغمسون فى الفسق واللممواط‪ ،‬والشممره‪ ،‬وبيممع الوظممائف الدينيممة‪،‬‬
‫والخروج على الدين‪ ،‬ويقر بأنه وجد رجال الجيش أرقممى خلقمما مممن‬
‫رجال الدين ‪.‬‬
‫" وها هو ذا أريتينو الممذى لممم يتممورع عممن أيممة قممذارة يسممخر مممن‬
‫الطابعين بقوله إن أخطاءهم ل تقل عن خطايا رجال الممدين‪ ،‬ويزيممد‬
‫على ذلك قوله ‪ " :‬والحق إنه لسممهل علممى النسممان أن يعممثر علممى‬
‫رومة مستفيقة عفيفة من أن يعثر على كتمماب صممحيح‪ ،‬ويكمماد بجيممو‬
‫يفرغ كل ما عرفه من ألفاظ السباب فى التشنيع على فساد أخلق‬
‫الرهبممان والقسمميس‪ ،‬ونفمماقهم‪ ،‬وشممرهم‪ ،‬وجهلهممم‪ ،‬وغطرسممتهم‪،‬‬
‫ويقص فولينجو فممى كتمماب أرلنممدينو هممذه القصمة نفسممها‪ ،‬ويبممدو أن‬
‫الراهبات ملئكة الرحمة فى هذه اليام كممان لهممن نصمميب فممى هممذا‬
‫المرح‪ ،‬وأنهن كن مرحات رشيقات فى البندقيممة بنمموع خمماص حيممث‬
‫كممانت أديممرة الرجممال والنسمماء متقاربممة قربمما يسمممح لمممن فيهمما‬
‫بالشتراك من حين إلى حسين فى فراش واحد ‪ .‬وتحتموى سمجلت‬
‫الديممرة علممى عشممرين مجلممدا مممن المحاكمممات بسممبب التصممال‬
‫الجنسممى بيممن الرهبممان والراهبممات ‪ .‬ويتحممدث أريممتينو عممن راهبممات‬
‫البندقيممة حممديثا ل تطمماوع النسممان نفسممه علممى أن ينطممق بممه ‪.‬‬
‫وجوتشياردينى الرجل الرزين المعتدل عادة يخرج عن طوره ويفقد‬
‫اتزانه حين يصممف رومممة فيقممول ‪ " :‬أممما بلط رومممة فممإن المممرء ل‬
‫يسممتطيع أن يصممفه بممما يسممتحق مممن القسمموة‪ ،‬فهممو العممار الممذى ل‬
‫ينمحى أبد الممدهر‪ ،‬وهممى مضممرب المثممل فممى كممل ممما هممو خسمميس‬
‫مخجل فى العالم " ‪.‬‬
‫" ويبدو أن هذه شهادات مبالغ فيها‪ ،‬وقد تكون غير نزيهممة‪ ،‬ولكممن‬
‫استمعوا إلى قول القديسة كترين السينائية ‪:‬‬
‫" إنك أينما وليت وجهك – سواء نحممو القساوسممة أو السمماقفة أو‬
‫غيرهم من رجال الدين أو الطوائف الدينية المختلفة‪ ،‬أو الحبار من‬
‫الطبقات الدنيا أو العليا‪ ،‬سواء كانوا صغارا فى السن أو كبارا – لممم‬
‫تر إل شرا ورذيلة‪ ،‬تزكم أنفك رائحة الخطايا الدمية البشعة ‪ ..‬إنهم‬
‫كلهم ضيقوا العقل‪ ،‬شممرهون‪ ،‬بخلء ‪ ..‬تخلمموا عممن رعايممة الرواح ‪..‬‬
‫اتخذوا بطونهم إلهمما لهممم‪ ،‬يمأكلون ويشممربون فممى الممولئم الصمماخبة‬
‫حيث يتمرغون فى القذار ويقضون حياتهم فى الفسممق والفجممور ‪..‬‬
‫ويطعمون أبناءهم من مال الفقراء ‪ ..‬ويفرون من الخدمات الدينيممة‬
‫فرارهم من السجون ‪.‬‬
‫" وهنا أيضا يجب أن نسقط ما يحتويه هذا الوصف من مبالغة‪ ،‬إذ‬
‫ليس فى وسممع النسممان أن يثممق بممأن المموالى الصممالح يتحممدث عممن‬
‫سلوك الدميين وهو غير غاضب ‪ ..‬ولكن فى وسعنا أن نصدق هممذه‬
‫الخلصة التى يعرضها مؤرخ كاثوليكى صريح ‪.‬‬
‫" وإذا كانت هذه هى حال الطبقات العليا مممن رجممال الممدين فممإن‬
‫المرء ل يعجب إذا كان من دونهم من الطبقات ومن القساوسة قممد‬
‫انتشرت بينهم الرذيلة علممى اختلف أنواعهمما وأخممذ انتشممارها يممزداد‬
‫على مممدى اليممام ‪ .‬إل أن الحيمماء قممد زال مممن العممالم ‪ ..‬ولقممد كممان‬
‫أمثال أولئك القساوسة هم الذين دفعوا إرزمس ولوثر إلى وصفهما‬
‫المبالغ فيه لرجال الدين زارا رومة فى أيممام بوليمموس الثممانى ‪ .‬غيممر‬
‫أن من الخطأ أن يظن المرء أن القساوسممة كممانوا فممى رومممة أكممثر‬
‫فسادا منهم فى غيرها من المممدن ‪ .‬ذلمك أن لممدينا مممن الوثممائق ممما‬
‫يثبت بالدليل القاطع فساد أخلق القسيس فى كل مدينة تقريبا من‬
‫مدن شبه الجزيرة اليطالية‪ ،‬بل إن الحال فى كممثير مممن الممماكن –‬
‫كالبندقية مثل – كانت أسوأ كثيرا منها فى رومة ‪ .‬فل عجب والحالة‬
‫هممذه إذا تضمماءل نفمموذ رجممال الممدين كممما يشممهد بممذلك مممع السممف‬
‫الشديد الكتاب المعاصرون‪ ،‬وإذا كان الممرء ل يكماد يجمد فممى كممثير‬
‫من الماكن أى احترام يظهره الشعب للقسيسين ‪ .‬ذلك أن الفساد‬
‫قد استشرى بينهم إلى حد بدأنا نسمع معه آراء تحبذ زواجهم ‪..‬‬
‫" ولقد كان الكثير من الديرة فى حال يرثممى لهمما ‪ .‬وأغفلممت فممى‬
‫بعضها اليمممان الثلث الساسممية بممالتزام الفقممر‪ ،‬والعفممة‪ ،‬والطاعممة‬
‫إغفال يكاد يكون تاما ‪ ..‬ولم يكن النظام فى كثي من أديرة النسمماء‬
‫أقل من هذا فسادا "!‬
‫ويقول أيضا فى مكان آخر ‪:‬‬
‫" … وظل كرسى البابوية عدة سنين بعد ذلك ل ينممال إل بالرشمما‬
‫أو القتل أو رغبات النسمماء ذوات المقممام السممامى والخلممق الممدنئ ‪.‬‬
‫وبقيت أسرة بثوفيلكت أحد كبار الموظفين فممى قصممر البابمما ترفممع‬
‫البابوات إلى كراسيهم وتنزلهممم عنهمما كممما يحلممو لهمما ‪ .‬واسممتطاعت‬
‫ابنته مريوزا أن تنجح فى اختيار عشيقها سرجيوس الثالث لكرسممى‬
‫البابوية )‪ (911 – 904‬كما أفلحت زوجته ثيودورا فى تنصيب البابا‬
‫يوحنا العاشر )‪ (928 – 914‬وقد اتهم يوحنا هذا بأنه عشيق ثيودورا‬
‫ولكن هذا التهام ل يقوم على دليل قاطع ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬وظلت مريوزا تستمتع بعممدد مممن العشمماق واحممدا بعممد واحممد‬
‫حتى تزوجت جيممدودوق تسممكانيا وأخممذا يمأتمران لخلممع يوحنمما ‪ ..‬ثمم‬
‫رفعت مييوزا فى عام ‪ 931‬يوحنا الحادى عشر )‪ (935 – 931‬إلى‬
‫كرسى البابوية واكن الشائع على اللسنة أن يوحنا هذا ابن لها غيممر‬
‫شرعى من سرجيوس الثالث )ص ‪ – 378‬ج ‪. (14‬‬
‫" ‪ ..‬وعرف اتو الول إمبراطور ألمانيا عن قرب ممما وصمملت إليممه‬
‫البابوية من انحطاط بعد ان توجه يوحنا الثانى عشر إمبراطورا فممى‬
‫عام ‪ ،962‬فلما عاد إلى روما فى عام ‪ 963‬بتأييد رجال الدين فيما‬
‫وراء رجال اللب دعا يوحنا إلى المحاكمممة أمممام مجلممس كنسممى ‪..‬‬
‫واتهم الكرادلة يوحنا بأنه حصل على رشمما نظيممر تنصمميب السمماقفة‬
‫وأنه عين غلما فى العاشرة من عمره أسقفا‪ ،‬وأنه زنى بخليلة أبيه‬
‫وضاجع أرملته وأبنة أخيها وأنه حول قصر البابا إلى ماخور للممدعارة‬
‫)ص ‪ 379‬ج ‪. (14‬‬
‫رابعا ‪ :‬الرهبانية وفضائح الديرة ‪:‬‬
‫ن الل ّمهِ فَ َ‬
‫ممما‬ ‫وا ِ‬
‫ضم َ‬ ‫ها عَل َي ْهِ م ْ‬
‫م إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْ‬ ‫ما ك َت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬
‫عو َ‬
‫ة اب ْت َد َ ُ‬
‫}وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫عايت ِهمما َفآتينمما ال ّمذين آمنمموا منهم َ‬
‫م‬ ‫م وَك َِثي مٌر ِ‬
‫من ْهُم ْ‬ ‫جَرهُم ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫حقّ رِ َ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫َرعَوْ َ‬
‫ن )‪] {(27‬سورة الحديد ‪[57/27‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫َفا ِ‬
‫يروى عممن السمميد المسمميح أنممه قممال ‪ " :‬مممن أراد ملكمموت الممرب‬
‫فليترك ماله وأهله وليتبعنى " وأنه قال ‪ " :‬من أراد الملكوت فخممبز‬
‫الشعير والنوم فى المزابل مع الكلب كثير عليه " ‪.‬‬
‫وسواء صحت هذه النصوص أم كانت ألفاظها قممد حرفممت أو زيممه‬
‫عليها ‪ ،‬فل شك أن المسيح دعمما إلممى الزهممادة والرتفمماع عممن متمماع‬
‫الرض كما دعا كل نبى قبله ‪ ،‬وكما قال صلى الله عليه وسلم مممن‬
‫بعده ‪ " :‬ما مل آدمى وعاء شرا من بطنه ‪ ،‬بحسممب ابممن آدم أكلت‬
‫يقمن صلبه " " ‪"1‬‬
‫ولكن دعوة رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم لممم تنشممأ عنهمما‬
‫رهبانية ‪ ،‬بل لم يتقبل رسول الله صلى الله عليممه وسمملم الرهبانيممة‬
‫حين جنح إليها بعض المسلمين كما يتضح من الواقعة التية ‪:‬‬
‫" " رواه أحمد والترمذى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫" ذهب ثلثة رهط إلى بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليممه‬
‫وسلم فسألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم‬
‫تقالوها ! فقال أحدهم أما أنا فأصوم الدهر ول أفطر ‪ ،‬وقال الثممانى‬
‫وأما أنا فممأقوم الليمل ول أنممام ‪ ،‬وقمال الثمالث ‪ ،‬وأمما أنما فل أتمزوج‬
‫النساء ‪ .‬فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بهم فقال‬
‫‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أنى لعبدكم وأخشمماكم للممه‬
‫ولكنى أصوم وأفطر ‪ ،‬وأقوم وأنام وأتزوج النساء ‪ .‬فمن رغب عممن‬
‫سنتى فليس منى " " ‪" 2‬‬
‫ولكن شيئا ما – فممى دعمموة السمميد المسمميح – قممد شممجعت علممى‬
‫ابتممداع الرهبانيممة فيممما يبممدو ‪ .‬فقممد بعممث السمميد المسمميح إلممى بنممى‬
‫إسرائيل وقد غلبت عليهم مادية كافرة ‪ ،‬يعبممدون اذلهممب ويعيشممون‬
‫للحيمماة الممدنيا ‪ ،‬ول ظممل فممى حيمماتهم لليمممان بمماليوم الخممرة ‪ ،‬ول‬
‫حساب له فى قلوبهم ‪ .‬جفت أرواحهم فلم تعممد فيهمما نممداوة الحممب‬
‫ول إشراقة النور التى تصاحب اليمان بالله ‪.‬‬
‫من أجل ذلك الروحانيممة هممى السمممة الغالبممة علممى دعمموة السمميد‬
‫المسمميح ‪ ،‬وكممان الكثممار مممن الحممديث عممن الزهممد والرتفمماع علممى‬
‫شهوات الرض ن لعل الدعوة على هذا النحو تلين القلوب القاسية‬
‫التى قال الله عنها ‪:‬‬
‫س موَةً‬‫ش مد ّ قَ ْ‬ ‫جمماَرةِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫ح َ‬‫كال ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ك فَهِ م َ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫}ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫ج‬‫خ مُر ُ‬ ‫ش مّققُ فَي َ ْ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫من َْها ل َ َ‬‫ن ِ‬ ‫ه الن َْهاُر وَإ ِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫جُر ِ‬ ‫ما ي َت ََف ّ‬ ‫جاَرةِ ل َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ممما‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ م ٍ‬ ‫ممما الل ّم ُ‬ ‫شي َةِ الل ّمهِ وَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ما ي َهْب ِ ُ‬ ‫من َْها ل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ماُء وَإ ِ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫ن )‪] {(74‬سورة البقرة ‪[2/74‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫وهل أدل على هذه القسوة من أن تبيح لهم وحشيتهم أن يقتلمموا‬
‫" المميين " فى عيد الفصح ليعجنوا بدمائهم فطيرة " مقدسة " ثم‬
‫يأكلوها ابتهاجا بالعيد ؟!‬
‫وفجر بنو إسرائيل فلممم يسممتجيبوا لهممذه الممدعوة المترفعممة الممتى‬
‫دعاهم إليها السيد المسيح ‪ ،‬بل سعوا إلى إثارة الحاكم الرومممانى "‬
‫بيلطس " ليحكم عليه بالقتل صلبا ‪ ..‬لول أن الله نجاه منهم ورفعه‬
‫إليه فلم يقتلوه ولم يصلبوه ‪ .‬وقال الله عنهم ‪:‬‬
‫سممى‬ ‫عي َ‬ ‫ل َوآت َي َْنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ِبالّر ُ‬ ‫م ْ‬‫ب وَقَّفي َْنا ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫}وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ممما ل‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سممو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س أفَك ُل ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ح الُقد ُ ِ‬ ‫ت وَأي ّد َْناهُ ب ُِرو ِ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{(87‬‬ ‫ريق ما ً ت َْقت ُل ُممو َ‬ ‫م وَفَ ِ‬ ‫ريق ما ً ك َمذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫م فََف ِ‬ ‫س مت َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫س مك ُ ْ‬ ‫وى أنُف ُ‬ ‫ت َهْ م َ‬
‫]سورة البقرة ‪[2/87‬‬
‫" " رواه الشيخان والنسائى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وكلن الدعوة المترفعة التى أعرض عنها قساة القلوب تسربت –‬
‫بقممدر مممن اللممه – إلممى قلمموب أخممرى اعتنقتهمما وآمنممت بهمما وتلقممت‬
‫روحانيتها الندية بالترحيب ‪:‬‬
‫ة{ ]سممورة الحديممد‬ ‫مم ً‬
‫ح َ‬ ‫ة وََر ْ‬ ‫ن ات ّب َعُمموهُ َرأ ْفَم ً‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫جعَل َْنا ِفي قُُلو ِ‬ ‫}وَ َ‬
‫‪[57/27‬‬
‫وهؤلء هم الذين ابتدعوا الرهبانية ‪..‬‬
‫ه{‬ ‫ن الّلمم ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ضمم َ‬‫م إ ِل ّ اب ْت َِغمماَء رِ ْ‬ ‫همما عَل َي ِْهمم ْ‬ ‫ما ك َت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬‫عو َ‬ ‫ة اب َْتممد َ ُ‬ ‫}وََرهَْبان ِّيمم ً‬
‫]سورة الحديد ‪[57/27‬‬
‫وسواء كان الستثناء فى الية منقطعا بمعنى ‪ :‬ورهبانية ابتدعوها‬
‫ما كتبناها عليهم ولكن كتبنا عليهم أن يبتغمموا رضمموان اللممه )فممابتغوا‬
‫ذلمك عمن طريمق الرهبانيمة المتى ابتمدعوها( أو متصمل بمعنمى ‪ :‬مما‬
‫كتبناها عليهم إل أنهم ابتغوا بهمما رضمموان اللممه ‪ ..‬فممإن اليممة تسممجل‬
‫عليهم أنهم هم الذين ابتدعوها وليممس اللممه هممو الممذى كتبهمما عليهممم‬
‫بادئ ذى بدء ‪ ،‬أى عيسى عليه السلم لم يأمرهم بها ولم يقل لهممم‬
‫إن الله يريدها منهم ‪ .‬ولكنهممم هممم تطوعمموا بهمما – متممأثرين بتعمماليم‬
‫المسيح أو مؤولين لها على هذا النحو – فقبل الله منهم ما تطوعوا‬
‫به ما داموا قد ابتغوا به رضوان اله ‪.‬‬
‫ولكن أيا كان الدافع لهممم علممى ابتممداع الرهبانيممة ‪ :‬التممأثر بتعمماليم‬
‫السيد المسيح أو تأويلها على نحو معيممن كممما أول الصمموفية اليممات‬
‫والحماديث المواردة فمى ذم المدنيا فجعلوهما ذمما مطلقما وفمى كمل‬
‫الحالت ‪ ،‬بينما هى واردة فى ذم الدنيا حين تصد عن اليمممان بممالله‬
‫أو تصد عن الجهاد فى سبيل الله ‪..‬‬
‫نقول ايا كان الدافع ‪ ،‬فإن الرهبانية مضادة لدفعة الحياة السمموية‬
‫التى خلقها الله لتعمل ل لتكتب وتحجز عن الحركة والنشاط ‪ .‬فقممد‬
‫جعل الله النسان خليفة فى الرض وكلفه عمارتها ‪:‬‬
‫من ال َ‬ ‫شأ َ‬‫}هُوَ َأن َ‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬‫ض َوا ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ومن أجل القيام بأمر الخلفممة أى الهيمنممة والشممراف والتمكممن ‪،‬‬
‫ومن أجل القيام بعمارة الرض ‪ ،‬أودع اللممه الفطممرة مجموعممة مممن‬
‫الدوافع المحركة إلى العمل والنشاط ‪..‬‬
‫ر‬
‫طي ِ‬ ‫ن َوال َْقَنمما ِ‬ ‫سمماِء َوال ْب َِنيمم َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شممهَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حمم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنمما ِ‬ ‫}ُزّيمم َ‬
‫َ‬
‫مةِ َوالن ْعَممام ِ َوال ْ َ‬
‫ث‬ ‫ح مْر ِ‬ ‫س مو ّ َ‬‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَقن ْط ََرةِ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‪] {...‬سورة آل ‪[3/14‬‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫وصحيح أن الله سبحانه وتعالى ل يحممب لعبمماده أن ينطلقمموا إلممى‬
‫آخر المدى مع هذه الشهوات لنها عندئذ ل تكون معينا على الخلفة‬
‫الراشدة ول على عمممارة الرض علممى النحممو اللئق بالنسممان ‪ ،‬بممل‬
‫تكون شاغل عن الرتفاع وداعيا إلى الهبوط إلى مستوى الحيمموان ‪،‬‬
‫وعندئذ يكون النسان أضل من الحيوان ‪:‬‬
‫ن )‪] {(179‬سورة‬ ‫م ال َْغافُِلو َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬
‫ل هُ َ‬
‫ْ‬ ‫كال َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫}أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫العراف ‪[7/179‬‬
‫وصحيح أن الله أحب لعباده أن يتخففوا من متاع الرض ليفرغمموا‬
‫إلى القيم العليمما الجممديرة بالنسممان ‪ ،‬ووعممدهم علممى ذلممك الجنممة ‪،‬‬
‫وجعل ذلك هو البتلء الذى يخوضه النسان فى الرض ‪:‬‬
‫ل‬ ‫ب )‪ (14‬قُم ْ‬ ‫مممآ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫سم ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْمد َهُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّم ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫}‪....‬ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫حت َِهما‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أؤُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ال َن َْهاُر َ‬
‫ن الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ضم َ‬ ‫مط َهّمَرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنمما‬ ‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪ (15‬ال ّ ِ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ن‬‫من ِْفِقيم َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْقممان ِِتي َ‬ ‫صممادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫ب الن ّممارِ )‪ (16‬ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَقَِنا عَ َ‬
‫َ‬
‫حارِ )‪] {(17‬سورة آل ‪[17-3/14‬‬ ‫س َ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َغِْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫مل ً )‬ ‫ة ل َهمما ل ِنبل ُموهُم أ َيه م َ‬ ‫جعَل َْنا ما عََلى ال َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫سم ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ُّ ْ‬ ‫ض ِزين َم ً َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫}إ ِّنا َ‬
‫‪] {(7‬سورة الكهف ‪[18/7‬‬
‫كل ذلك صحيح ‪ .‬ولكن اله لم يحرم متاع الرض ‪:‬‬
‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ما‬‫م‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫وال‬ ‫ه‬ ‫د‬‫با‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ة الل ّه ال ِّتي أ َ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫ة{ ]سممورة‬ ‫مم ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ة ي َموْ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫العراف ‪[7/32‬‬
‫إنما وضع حدودا لذلك المتاع يباح فى داخلها ويكممون محرممما فممى‬
‫خارجها ‪:‬‬
‫ها{ ]سورة البقرة ‪[2/229‬‬ ‫دو َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ َفل ت َعْت َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫}ت ِل ْ َ‬
‫ها{ ]سورة البقرة ‪[2/187‬‬ ‫دود ُ الل ّهِ َفل ت َْقَرُبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫}ت ِل ْ َ‬
‫وتلك الحدود هى التى يعلم سبحانه أنها تعيمن علمى أممر الخلفمة‬
‫وعمممارة الرض علممى المسممتوى اللئق بالنسممان ‪ ،‬دون أن ينشممغل‬
‫النسان بها عن قيمه وأهدافه العليا كما بينها الله له على يد رسممله‬
‫وأنبيائه ‪ ،‬وفى الوقت ذاته تعطممى قسممطا معقممول مممن المتمماع لكيل‬
‫ينشغل النسان عن الحركة والعمل بلذع الحرمان ‪.‬‬
‫وهناك أفراد – أفذاذ – يسممتطيعون أن يتخففمموا مممن متمماع الرض‬
‫إلى أقصممى حممد دون أن يشممغلهم الشممعور بالحرمممان عممن الحركممة‬
‫والنشاط والعمل بإيجابية كاملة ‪ ،‬أولئك هممم الزهمماد علممى بصمميرة ‪.‬‬
‫وقد كان محمد صلى الله عليه وسمملم إمممام الزاهممدين ‪ ،‬وهممو أكممبر‬
‫طاقة إيجابية حركية عرفتها البشرية ‪..‬‬
‫ولكن الرهبانية ليست كذلك ‪.‬ز إنهمما اعممتزال ‪ ..‬إنهمما تممرك للحيمماة‬
‫الواقعية بكل ما فيها ولياذ بالديرة المنقطعة عن تيار الحياة ‪ .‬ولقممد‬
‫يتربى الراهب على تعود الحرمان حتى ل يعود يحس بلذع الحرمان‬
‫‪ ..‬نعم ‪ ..‬ولكنه فى المموقت ذاتممه يفقممد إيجممابيته الفاعلممة فممى واقممع‬
‫الرض ويتخلى عممن دوره فممى عمارتهمما ‪ ،‬ويلغممى طاقممات كيممانه فل‬
‫يتزوج ول يعمر وجه الرض بالنسل ول ينتج ‪ ..‬إل مشاعر ذاتيممة فممى‬
‫طى الكتمان ‪.‬‬
‫لذلك نقول إن الرهبانية مضادة لدفعة الحياة السوية كممما خلقهمما‬
‫الله ‪.‬‬
‫وإذا كان اللممه قممد قبلهمما منهممم – لفممترة معينممة – هممى المحممدودة‬
‫بمجئ الرسول صلى الله عليه وسلم مصدقا لممما بيممن مممن الكتمماب‬
‫ومهيمنا عليه ‪ ،‬وناسخا ما شاء الله أن ينسخ من الشرائع – المحلية‬
‫‪ -‬السابقة ‪ ،‬لينشر فى الناس كلمة الله الخيرة وشريعته الباقية ‪..‬‬
‫إذا كان الله قد قبلهمما منهممم تلممك الفممترة المحممدودة فممإنهم وهممم‬
‫مبتممدعوها والمتطوعممون بهمما مممن عنممد أنفسممهم لممم يرعوهمما حممق‬
‫رعايتها !‬
‫ن الل ّمهِ فَ َ‬
‫ممما‬ ‫وا ِ‬‫ضم َ‬‫م إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْ‬‫ها عَل َي ْهِ م ْ‬‫ما ك َت َب َْنا َ‬‫ها َ‬‫عو َ‬‫ة اب ْت َد َ ُ‬‫}وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫عاي َت َِها{ ]سورة الحديد ‪[57/27‬‬ ‫حقّ رِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫َرعَوْ َ‬
‫ولقد كان المتوقع أل يرعوها حممق رعايتهمما ‪ ..‬أى ل يصممبروا علممى‬
‫تكاليفها ‪ .‬فهى سباحة دائمة ضد التيار ‪ ..‬تيار الحياة ‪ ..‬وجهد مجهممد‬
‫ل يصبر عليه كثيرون ‪..‬‬
‫أما أن تنقلب – وهى المنوطة بالتقوى والزهد والتعفف والرتفاع‬
‫عن الشهوات – إلى مباءة للقذارة الحسية والمعنويمة يتعفممف عنهما‬
‫الرجل العادى أو الفتاة العادية ‪ ..‬فهذا الذى ل يمكن أن يتوقع علممى‬
‫الطلق !‬
‫فممإذا كممانوا ل يصممبرون علممى تكاليفهمما فممما الممذى يجممبرهم علممى‬
‫المضى فيها وهى تطوع غير مفروض ؟!‬
‫أما أن يستمروا فيها عنوانا ولفتة ‪ ،‬ومظهرا خادعا مممن الخممارج ‪،‬‬
‫ثم يحولوها إلى حانممات للخمممر ومممواخير لفسمماد ‪ ،‬ومبمماءة للشممذوذ‬
‫الجنسى بين الرجال والرجال والنساء والنسمماء ‪ ،‬بالضممافة إلممى ممما‬
‫يحدث من العلقات السممرية بيممن أديممرة الرجممال وأديممرة النسمماء ‪..‬‬
‫فهذا أمر يشده الحس ويبعث على التقزز والنفور‪.‬‬
‫يقول أصدق القائلين جل وعل ‪:‬‬
‫ممما‬‫ن الل ّمهِ فَ َ‬‫وا ِ‬‫ضم َ‬‫م إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْ‬‫ها عَل َي ْهِ م ْ‬‫ما ك َت َب َْنا َ‬‫ها َ‬‫عو َ‬‫ة اب ْت َد َ ُ‬‫}وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫عايت ِهمما َفآتينمما ال ّمذين آمنمموا منهم َ‬
‫م‬ ‫م وَك َِثي مٌر ِ‬
‫من ْهُم ْ‬ ‫جَرهُم ْ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ُْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫حقّ رِ َ َ َ‬
‫ها َ‬‫َرعَوْ َ‬
‫ن )‪] {(27‬سورة الحديد ‪[57/27‬‬ ‫سُقو َ‬‫َفا ِ‬
‫فاسقون ‪ ..‬بكل معانى الفسق التى تخطر والممتى ل تخطممر علممى‬
‫البال !‬
‫خامسا ‪ :‬مهزلة صكوك الغفران ‪:‬‬
‫لم يكف الكنيسة ورجال دينهمما هممذا الفسمماد كلممه ‪ ،‬فأضممافوا إليممه‬
‫مهزلة من أكبر مهازل التاريخ ‪ .‬تلك هى مهزلة صكوك الغفران ‪.‬‬
‫فقد أصدر مجمممع لتيممران سممنة ‪ 1215‬القممرار التممالى لتقريممر أن‬
‫الكنيسة تملك حق الغفران للمذنبين ‪:‬‬
‫" إن يسوع المسمميح ‪ ،‬لممما كممان قممد قلممد الكنيسممة سمملطان منممح‬
‫الغفرانات ‪ ،‬وقد استعملت الكنيسة هذا السمملطان الممذى نممالته مممن‬
‫العل منذ اليام الولى ‪ ،‬فقد أعلم المجمع المقدس وأمر بأن تحفظ‬
‫للكنيسة هذه العملية الخلصية للشعب المسيحى والمثبتة بسلطان‬
‫المجامع ‪ ،‬ثم ضرب بسيف الحرمان من يزعمون أن الغفرانات غير‬
‫مفيدة أو ينكرون على الكنية سلطان منحها ‪ .‬غير أنه قد رغب فممى‬
‫أن يسمممتعمل همممذا السممملطان باعتمممدال واحمممتراز حسمممب العمممادة‬
‫المحفوظة قديما والمثبتة فى الكنيسة لئل يمس التهممذيب الكنسممى‬
‫تراخ بفرط التساهل " " ‪"1‬‬
‫ولكن الكنيسة لم ترع ذلك التحفممظ المموارد فممى القممرار ‪ ،‬وهممو "‬
‫استخدام هذا السلطان باعتممدال واحممتراز " فقممد كممانت راغبممة فممى‬
‫زيادة سلطانها – وزيادة أموالها كذلك ! – فعمدت إلى منح المغفرة‬
‫بصكوك تباع بالمال فى السواق !‬
‫يقول الصك ‪:‬‬
‫" ربنا يسوع يرحمك يا … " ‪ "2‬ويشملك باستحقاقات آلمه الكلية‬
‫القدسية وأنا بالسمملطان الرسممولى المعطممى لممى أحلممك مممن جميممع‬
‫القصاصات والحكام والطائلت الكنيسممة الممتى اسممتوجبتها ‪ ،‬وأيضمما‬
‫من جميممع الفممراط والخطايمما والممذنوب الممتى ارتكبتهمما مهممما كممانت‬
‫عظيمة وفظيعة ‪ ،‬ومن كل علة وإن كانت محفوظممة لبينمما القممدس‬
‫البابا والكرسى الرسولى ‪ ،‬وأمحو جميع أقذار الذنب وكممل علمممات‬
‫الملمة التى ربما جلبتهمما علممى نفسممك فممى هممذه الفرصممة ‪ ،‬وأرفممع‬
‫القصاصات التى كنت تلتزم بمكابممدتها فممى المطهممر ‪ ،‬وأردك حممديثا‬
‫إلى الشركة فى أسرار الكنيسة ‪ ،‬وأقرنك فممى شممركة القديسممين ‪،‬‬

‫" " محاضرات فى النصرانية ص ‪. 194‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " يترك فراغ يكتب فيه اسم " المغفور له " كما تمل الستمارات فى المصالح والدواوين !‬ ‫‪2‬‬
‫أردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين كانا لك عند معموديتك ‪ ،‬حممتى‬
‫إنه فى ساعة الموت يغلق أمامك الباب الممذى يممدخل منممه الخطمماة‬
‫إلى محل العذاب والعقاب ‪ ،‬ويفتح الباب الذى يممؤدى إلممى فممردوس‬
‫الفممرح ‪ .‬وإن لممم تمممت سممنين مسممتطيلة فهممذه النعمممة تبقممى غيممر‬
‫متغيرة حتى تأتى ساعتك الخيرة باسم الب والبن والروح القدس‬
‫" " ‪"1‬‬
‫وإنها – والحق يقال – لمهزلة فريدة فى التاريخ !‬
‫فقد عرفت الدينات الوثنية – من قبل ومن بعممد – عمليممة إرضمماء‬
‫الكاهن ابتغاء رضوان الله المعبود باعتبار أن الكاهن هممو الوسمميط‬
‫بين العبد والرب ‪ ،‬وأن رضاه يؤدى – فى وهمهم – إلى رضا اللممه ‪،‬‬
‫وغضبه يؤدى إلى غضب الله ‪ .‬والنممذور للوثممان أمممر معممروف فممى‬
‫التاريخ ‪.‬زو كان العرب فى الجاهلية يؤدون الشعائر والنسك للوثان‬
‫– ومن بينها تقديم النذور – ليقربوهم إلى الله زلفى ‪.‬‬
‫َ‬
‫م إ ِل ّ ل ِي َُقّرُبون َمما إ ِل َممى الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫ما ن َعْب ُمد ُهُ ْ‬ ‫دون ِهِ أوْل َِياَء َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫ُزل َْفى{ ]سورة الزمر ‪[39/3‬‬
‫ويجئ الدين المنزل ليصحح العقيممدة ويصممحح السمملوك ‪ ،‬فيجعممل‬
‫الشعائر والنسك له وحده ‪ ،‬وبين العبد وربه مباشرة بل وسيط ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]سممورة‬ ‫م ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن ن َذ ْرٍ فَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ن ََفَقةٍ أوْ ن َذ َْرت ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما أنَفْقت ُ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫البقرة ‪[2/270‬‬
‫ويكممون للرسممل – فممى حيمماتهم – خصيصممة يختصممون بهمما فممى أن‬
‫دعمماءهم يسممتجاب عنممد اللممه حيممن يممدعون بالصمملح أو البركممة أو‬
‫المغفرة لمن يستحق ذلك عند الله ‪:‬‬
‫سممى‬ ‫س مّيئا ً عَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫صاِلحا ً َوآ َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫طوا عَ َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫}َوآ َ‬
‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫مم َ‬
‫نأ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫خ مذ ْ ِ‬ ‫م )‪ُ (102‬‬ ‫حي م ٌ‬ ‫ه غَُفمموٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ي َُتو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫ن له ُ ْ‬ ‫سك َ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صلت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ب َِها وَ َ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫م وَت َُز ّ‬ ‫َ‬
‫ة ت ُطهُّرهُ ْ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عب َممادِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة ع َم ْ‬ ‫ل الت ّوْب َم َ‬ ‫ه هُ موَ ي َْقب َم ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫م )‪ (103‬أل َ ْ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م )‪] {(104‬سورة التوبممة‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫خذ ُ ال ّ‬ ‫وَي َأ ُ‬
‫‪[104-9/102‬‬
‫أما لمن ل يستحق فالدعاء – حتى من الرسل – غير مستجاب ‪:‬‬
‫}استغْفر ل َه َ‬
‫ن‬ ‫مّرةً فَل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َغِْفْر ل َهُ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ست َغِْفْر ل َهُ ْ‬ ‫م أو ْ ل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫م‬‫دي ال َْق موْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ م ِ‬ ‫سول ِهِ َوالل ّم ُ‬ ‫م ك ََفُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ي َغِْفَر الل ّ ُ‬
‫ن )‪] {(80‬سورة التوبة ‪[9/80‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫ال َْفا ِ‬
‫فإذا كان هذا شأن الرسل – بل شأن سيد الرسل صلى الله عليه‬
‫" " كتاب المسيحية تأليف أحمد شلبى – ص ‪. 214‬‬ ‫‪1‬‬
‫وسلم – فما بالك بالبابا الذى ل حظوة له عنمد ربمه ول إذن لمه ممن‬
‫الله بقبول الغفران ؟!‬
‫بل ما بالك حين يكون المر ل عن نية حقيقية فممى التوبممة يعلمهمما‬
‫البابا – تقممدس سممره ! – بممل عممن مبلمغ ممن الممال ؟ بمل مما بالمك‬
‫والمال – فى أكثر الحيان – ليس مدفوعا لله علممى سممبيل الصممدقة‬
‫للفقراء والمساكين ‪ ،‬مما يقبله اللمه ممن الممؤمنين ويحممط بمه ممن‬
‫خطاياهم ‪ ،‬وإنما هو لشراء الصك كما تشممترى أى سمملعة معروضممة‬
‫فى السواق ‪ ،‬والمال يذهب إلى خممزائن البممابوات والكرادلممة حممتى‬
‫يكتنزوا بالذهب والفضة التى يكنزونها ‪ ،‬ول يذهب إله مستحقيه من‬
‫الفقراء والمساكين ؟!‬
‫ول نشك فممى أن المهزلممة فممى بممادئ المممر كممانت جممادة ! أى أن‬
‫الذى يشترى الصك كممان راغبمما فممى التوبممة ‪ ،‬ظانمما أن هممذا السممبيل‬
‫يؤدى بالفعممل إلممى التوبممة والمغفممرة ورضمموان اللممه ‪ ،‬وكممان المممال‬
‫المدفوع يأخذ فى حس صاحبه مكان الصدقة المرفوعة إلممى اللممه ‪.‬‬
‫كما أن الكنيسة استخدمت صكوك الغفران فى مبدأ المر لتشممجيع‬
‫المقاتلين على خوض المعممارك الصممليبية ضممد المسمملمين ‪ ،‬فكممانت‬
‫تمنح الصك لمن ينخرط فى سلك الجيوش الصليبية فتحمله الرغبة‬
‫فى الفردوس الموعود أن يلقى بنفسه فى آتون الحرب التى يرجع‬
‫منها أو ل يرجع ‪ ..‬وغالبا ل يرجع !‬
‫ولكن الحد فى هذا المر الهازل ل يمكن أن يستمر !‬
‫ولئن استمر البسطاء مخدوعين فى قدسمماء البابمما وقممدرته علممى‬
‫محو الذنوب ممن صمحيفة أعممال بممما لمه عنممد اللمه ممن الوسماطة‬
‫والحظوة و" القداسة " ‪ ..‬فقد انكشف المممر عنممد العقلء ول شممك‬
‫عن أن قداسة البابا قد اصبح تاجرا كبيرا ‪ ،‬وأنه علممى نسممق معظممم‬
‫التجار الكبار مدلس غشاش !! يبيع بضاعة ل يملكها ويقبض الثمممن‬
‫لنفسه ليثرى الثراء الفاحش ‪ ،‬ثممم ينفممق هممذا الكسممب الحممرام فممى‬
‫المتاع الدنس ويغرق به فى الشهوات !‬
‫ومع أنها مهزلممة مضممحكة – ومكشمموفة – فقممد ظلممت قائمممة فممى‬
‫المجتمع الوروبى – مجتمع الظلمات – فترة غير قصيرة من الوقت‬
‫‪ ،‬واتسع نطاقها وكثرت أرباحهمما حممتى فاضممت عممن مطممامع قداسممة‬
‫البابا ‪ ،‬فتنازل عممن شممئ مممن الفممائض لكبممار أعمموانه ‪ ،‬فصممرح لهممم‬
‫بإصدار صكوك لحسابهم ‪ ،‬استرضاء لهم ‪ ،‬واستعانة منه بهم فممى "‬
‫جلئل العمال " !‬
‫ولكنها كانت لبد مؤدية إلى نتائجها الطبيعيممة ‪ ،‬وهممى النفممور مممن‬
‫الدين فى النهاية والنفور من رجال الدين ‪.‬‬
‫فحين يرى الناس الحصيلة المتحصمملة مممن الصممكوك تممذهب إلممى‬
‫الترف الماجن والمتاع الفاجر الذى يغرق فيه معظم البابوات وكبار‬
‫رجال الدين ‪ ،‬وحين يرون نفرا من أصحاب الصكوك – وقممد ضمممنوا‬
‫مغفرة ما تقدم من ذنبهم وممما تممأخر – غممارقين فممى الفسمماد اتكممال‬
‫على أن ذنوبهم تمحى أول بأول بسحر الصك الذى ابتاعوه ‪ ،‬وحيممن‬
‫يممرون السمملطان الطمماغى الممذى تحصممل عليممه الكنيسممة بأموالهمما‬
‫المكدسممة الممتى أصممبحت بهمما أغنممى مممن الملمموك وأمممراء القطمماع‬
‫ينصرف إلى مزيد من الطغيان ومزيد من الظلم ومزيد من التحكم‬
‫فى رقاب العباد وعقولهم وأفكارهم ‪..‬‬
‫حين يرون ذلك كله فل شك أنهم ينفرون فى النهايممة وينسمملخون‬
‫من الدين الذى ينتج كل تلك الفاعيل !‬
‫يقول ويلز فى كتاب " معالم تاريخ النسانية "‬
‫" ولقد قضت )أى الكنيسة( على هيبتها بعدم مراعاتهمما لتعاليمهمما‬
‫ذاتها الداعية إلى الصمملح والممبر ‪ .‬وقممد سممبق أن تكلمنمما عممن نظممام‬
‫التحلة " ‪ ، "1‬وكان خاتمة حماقاتها فى القرن السادس عشممر بيممع "‬
‫صكوك الغفران " التى بها يمكن افتداء الروح مممن عممذاب المطهممر‬
‫بدفعة مالية ‪ .‬على أن الروح التى دفعتها )أى دفعت الكنيسممة( آخممر‬
‫المر إلممى هممذه الفعلممة المتبجحممة الممتى كممانت نكبممة عليهمما ‪ ،‬كممانت‬
‫واضحة ملحوظة من قبل فى القرنين الثانى عشر والثالث عشممر "‬
‫"‪"2‬‬
‫سادسا ‪ :‬محاكم التفتيش ‪:‬‬
‫يقول " ول ديورانت " بعد أن يعممدد مبمماذل البممابوات وانحرافممات‬
‫رجال الدين فى النص الذى أشرنا إليه آنفمما ‪ " :‬وإذا ممما عفونمما عممن‬
‫بعض هذا الشذوذ الجنسى والنهممماك فممى ملذ المأكممل والمشممرب‬
‫فإننمما ل نسممتطيع أن نعفممو عممن أعمممال محمماكم التفممتيش " " ‪.. " 3‬‬
‫ولهذه الشهادة دللتها فى استفظاع تلك العمال التى كممانت تقمموم‬
‫بها محاكم التفتيش ‪ ،‬ذلك أن العمال التى سمممح " ول ديممورانت "‬
‫لنفسه أن يعفو عنها هى فى الحقيقة أعمممال ل تغتفممر مممن الرجممال‬
‫الذين – فى زعمهم – وهبوا أنفسهم لنشر العقيدة التى يؤمنون بها‬

‫" " نظام التحلة نظام كان البابا بمقتضاه يعفى نفسه من التزام الوامر والنواهى التى تفرضها الكنيسة ذاتها على‬ ‫‪1‬‬

‫رعاياها ! وقد اشار إليه ويلز فى فصل سابق فقال " ص ‪ : " 896‬وثمة دعوى أخرى ادعتها الكنيسة كانت هى أيضا‬
‫أكثر سرفا وبعدا عن الحكمة هى قولها بأن لها " حق التحلة " ‪ .‬ومعنى ذلك أن البابا كان يستطيع فى كثير من‬
‫الحيان أن يهمل قوانين الكنيسة فى حالت خاصة ‪" ..‬‬
‫" " ج ‪ ، 3‬ص ‪. 906 – 905‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " قصة الحضارة ج ‪" 86 " 21‬‬ ‫‪3‬‬


‫وتثبيت أركانها فى الرض ‪ ..‬فكيف بالعمال التى لم يجد فى نفسه‬
‫القدرة على العفو عنها ‪ ،‬وهو بهذه الدرجة من التسمماهل فيممما وقممع‬
‫من رجال الدين من انحرافات ؟!‬
‫الحقيقة أنها كانت أبشع من أن يعفو عنها أحد فى قلبممه ذرة مممن‬
‫مشاعر النسانية ‪.‬‬
‫يقول ويلز ‪:‬‬
‫" شهد القرن الثالث عشر تطور منظمة جديدة فى الكنيسة همى‬
‫محكمة التفممتيش البابويممة ‪ .‬ذلممك أنممه جممرت عممادة البابمما قبممل ذلممك‬
‫الزمان بأن يقوم فى بعممض الحيممان بتحقيقممات أو اسممتعلمات عممن‬
‫اللحاد فى هذا القليم أو ذاك ‪ ،‬ولكن " إنوسنت الثالث " وجمد الن‬
‫فى عقد الرهبان الدومينيسكيين الجديد أداة قوية للقمع ‪ ،‬ومممن ثممم‬
‫نظمت محمماكم التفممتيش كممأداة تحقيممق مسممتديمة تحممت إدارتهممم ‪.‬‬
‫وبهذه الداة نصبت الكنيسة نفسها لمهاجمة الضمير النسانى بالنار‬
‫والعذاب ‪ ،‬وعملت على إضممعافه مممع أنممه منمماط أملهمما الوحيممد فممى‬
‫السيادة على العالم ‪ ..‬وقبل القرن الثممالث عشممر لممم تنممزل عقوبممة‬
‫العممدام إل نممادرا بالملحممدة والكفممار ‪ .‬فأممما الن فممإن كبممار رجممال‬
‫الكنيسة كممانوا يقفممون فممى مئة سمماحة مممن سمماحات السممواق فممى‬
‫أوروبا ليراقبوا أجسام أعدائها – وهم فى غالبية المر قوم فقراء ل‬
‫وزن لهم – تحترق بالنار وتخمممد أنفاسممهم بحالممة محزنممة ‪ ،‬وتحممترق‬
‫وتخمد معهم فى نفس الحين الرسالة العظمى لرجال الكنيسة إلى‬
‫البشرية فتصبح رمادا تذروه الرياح " " ‪. " 1‬‬
‫وينبغى أن نلحظ هنا أن الكمماتب الممذى يتفطممر قلبممه أسممى علممى‬
‫ضحايا محاكم التفتيش مممن المسمميحيين ل يممذكر كلمممة واحممدة عممن‬
‫الفظائع البشعة التى ارتكبتها محاكم التفممتيش فممى النممدلس وهممى‬
‫تطارد المسلمين لتطرد السلم نهائيا ً من أسبانيا ‪ ..‬وقد كانت تلممك‬
‫الفظائع أفظع ما عرفه التاريخ كله مممن ألمموان الوحشممية البربريممة ‪،‬‬
‫التى تعممد أعمممال محمماكم التفممتيش فممى أوروبمما المسمميحية – علممى‬
‫شممناعتها – هيئة لينممة بالنسممبة إليهمما ‪ ،‬وبالنسممبة لدوات التعممذيب‬
‫الخاصة التى استخدمت فيها ‪ ،‬فى الوقت الذى كانت أوروبمما تعلممم‬
‫أنها مدينة للندلس السلمية بكل مما كمان فممى حوزتهمما يممومئذ مممن‬
‫علم يعتد به ‪ ،‬بل مدينة بنهضتها كلها إلى القيم والمبادئ الحضممارية‬
‫التى تعلمتها من هناك ‪.‬‬
‫ونعود بعد هذه الملحظة إلممى ويلممز ‪ ،‬ليشممرح لنمما العوامممل الممتى‬
‫" " معالم تاريخ النسانية ج ‪ – 3‬ص ‪. 909 – 908‬‬ ‫‪1‬‬
‫حدت بالكنيسة إلى اتخاذ العنف ضد أعدائها ‪:‬‬
‫" فأصبح قساوستها وأساقفتها على التدريج رجممال مكيفيممن وفممق‬
‫مذاهب اعتقاديات حتمية وإجراءات مقررة وثابتة ‪ ..‬ولم تعد لم بعد‬
‫رغبة فى رؤية مملكة الرب موطدة فى قلوب النمماس ‪ .‬فقممد نسمموا‬
‫ذلك المر ‪ ،‬وأصممبحوا يرغبممون فممى رؤيممة قمموة الكنيسممة الممتى هممى‬
‫قوتهم هم ‪ ،‬متسلطة على شئون البشممر ‪ ..‬ونظممرا لن كممثيرا منهممم‬
‫كانوا على الرجح يسرون الريبة فى سلمة بنيممان مبممادئهم الضممخم‬
‫المحكم وصحته المطلقة لم يسمممحوا بأيممة مناقشممة فيممه ‪ .‬كممانوا ل‬
‫يحتلمون أسئلة ول يتسامحون فى مخالفة ‪ ،‬ل لنهم علممى ثقممة مممن‬
‫عقيدتهم ‪ ،‬بل لنهم كانوا غير واثقين فيها ‪..‬‬
‫" وقد تجلى فى الكنيسمة عنمدما وافمى القمرن الثمالث عشمر مما‬
‫يساورها من قلممق قاتممل حممول الشممكوك الشممديدة الممتى تنخممر بنمماء‬
‫مدعياتها بأكمله ‪ ،‬وقد تجعله أثرا بعد عين ‪ .‬فلمم تكمن تستشمعر أى‬
‫اطمئنان نفسى ‪ .‬وكانت تتصيد الهراطقة فى كل مكان ‪ ،‬كما تبحث‬
‫العجائز الخائفات – فيما يقال – عن اللصمموص تحممت السممرة وفممى‬
‫الدواليب قبل الهجوع فى فراشهن " " ‪. "1‬‬
‫بهذا الهزال المتفشى فى كيانها ‪ ،‬والقلق المستسر فى أعماقهمما‬
‫من بممدء يقظممة العقممل بعممد طممول سممبات ‪ ،‬راحممت تكيممل الضممربات‬
‫المجنونة لكل من يسألها ويناقشها ‪ ،‬أو من يخيل إليها أنه سيسممألها‬
‫ويناقشها ‪ ،‬لتحاول أن تدفع عن نفسها المصممير السممود الممذى كممان‬
‫ينتظرها على بعد خطوات من الزمن غير بعيممد ‪ ..‬وينبغممى أن نقممرر‬
‫هنا ما كان للسلم من أثر عميق فى تلك اليقظة التى فزعت منهمما‬
‫الكنيسة ‪ ،‬فما كان أى عقل يقترب مممن الثقافممة السمملمية والحيمماة‬
‫الفكرية السلمية ليرضممى أن يظممل عبممدا لممذلك الطغيممان الفكممرى‬
‫والروحممى الممذى تمارسممه الكنيسممة أو يتقبممل ترهاتهمما بل مناقشممة ‪.‬‬
‫وسممواء اعممترف المؤرخممون الوربيممون بهممذا الثممر أم لممم يعممترفوا‬
‫)والمنصفون – وهم قلة – يعممترفون( فلنعممد إلممى ويلممز مممرة أخممرى‬
‫يفسر لنا تلك الحالة النفسية الممتى سمماورت الكنيسممة ضممد أى لممون‬
‫من المعرفة يأتى من مصدر غير مصادرها ‪.‬‬
‫" كان هذا التعصب اأسود القاسى روحا خبيثا ل يجمموز أن يخممالط‬
‫مشروع حكم اله فممى الرض ‪ .‬وإنمه لممروح يتعممارض تماممما مممع روح‬
‫يسوع الناصرى ‪ ،‬فما سمعنا قط أنه لطم الوجوه أو خلممع المعاصممم‬
‫لتلميذه المخالفين له أو غير المستجيبين لدعوته ‪ ،‬ولكممن البممابوات‬
‫" " المصدر السابق – " ص ‪. " 903 – 902‬‬ ‫‪1‬‬
‫كانوا طوال قرون سلطانهم فى حنق مقيم ضممد مممن تحممدثه نفسممه‬
‫بأهون تأمل فى كفاية الكنيسة الذهنية ‪.‬‬
‫" ولم يقتصر تعصب الكنيسة علممى الممور الدينيممة وحمدها ‪ .‬فمإن‬
‫الشمميوخ الحفصمماء المممولعين بالبهممة السممريعى الهيمماج الحقممودين ‪،‬‬
‫الذين من الجلى أنهم كانوا الغلبية المتسلطة فى مجالس الكنيسة‬
‫‪ ،‬كانوا يضيقون ذرعا بأية معرفة عدا معرفتهم ‪ ،‬ول يثقون بأى فكر‬
‫لم يصححوه ويراقبمموه ‪ ،‬فنصممبوا أنفسممهم للحممد مممن العلممم ‪ ،‬الممذى‬
‫كممانت غيرتهممم منممه باديممة للعيممان ‪ ،‬وكممان أى نشمماط عقلممى عممدا‬
‫نشاطهم يعد فى نظرهم نشاطا وقحا " " ‪.. "1‬‬
‫وأيا كانت السباب فقد كانت المحاكم التفتيش وممما صممحبها مممن‬
‫الفظائع عميقة الثر فى الحس الوروبممى ‪ ،‬وسمميئة النتممائج بالنسممبة‬
‫للحضارة الجاهلية التى انبثقت فى أوروبا منذ عهممد النهضممة ‪ ..‬لقممد‬
‫أصبح عداء " الدين " المتمثل هنمماك فممى الكنيسممة ورجالهمما أمممرا "‬
‫لزما " لكل صاحب فكر حممر أو ضمممير حممى ‪ ..‬لن هممذا العممداء هممو‬
‫أبسط تعبير عن الثورة ضد الممذل والمهانممة الممتى تفرضممها الكنيسممة‬
‫على الكرامة النسانية ‪ ،‬كما تفرضها علممى العقممل الممذى خلقممه الممه‬
‫ليفكر ل ليمتهن بالحبس فى داخل سدود وقيممود ممما أنممزل اللممه بهمما‬
‫من سلطان ‪ ،‬إنما هى من صنع بشممر يبممدو للعقممول المفكممرة مممدى‬
‫تفاهة تفكيرهم وعجزهم ‪ ،‬وغطرستهم الطاغيممة فممى ذات المموقت ‪.‬‬
‫ولئن كان كل ما ارتكبته الكنيسة من الخطايا كان جريمة فممى حممق‬
‫الممدين ‪ ،‬فممإن هممذه الخطيئة البشممعة كممانت ول شممك مممن كبريممات‬
‫الجرائم التى سجلها التاريخ ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬مساندة الكنيسة للظلم السياسى والقتصـادى‬
‫والجتماعى المتمثل فى القطاع ‪:‬‬
‫أصبحت الكنيسممة – بفضممل الهبممات والتمماوات والعشممور والهممدايا‬
‫والغصب والنهب والتدليس وغير ذلك من الوسممائل – أصممبحت مممن‬
‫ذوات القطاع ‪ .‬بل كانت أملكهمما فممى بعممض الوقممات تفمموق أملك‬
‫الباطرة وأمراء القطاع ‪.‬‬
‫ومن ثم فقد تحممدد موقفهمما مممن القضممايا السياسممية والقتصممادية‬
‫والجتماعية ‪ ،‬فوقفت فى صف الظلم تسانده وتذود عنممه وتحممارب‬
‫حركات الصلح ! وكانت فى ذلك منطقية مع وضعها باعتبارها مممن‬
‫كبار الملك !‬
‫فهل كان يمكن – عقل – أن تحارب القطاع وهى جزء منممه ‪ ،‬بممل‬
‫" " المصدر السابق ص ‪. 905‬‬ ‫‪1‬‬
‫من أكبر ممثليه ؟!‬
‫ولقد بدأت أوروبمما تتملمممل مممن رقممدتها – بعممد احتكاكهمما بالعممالم‬
‫السلمى – وتطلب الصلح ‪.‬‬
‫وقممد كممان احتكاكهمما بالعممالم السمملمى عممن طريقيممن عظيميممم‬
‫وشممديدى التممأثير ‪ .‬أحممدهما الحتكمماك السمملمى بطلممب العلممم فممى‬
‫مدارس المسلمين فى الندلس والشمال الفريقى وصقلية وغيرها‬
‫من الممماكن القريبممة مممن أوروبمما ‪ ،‬والخممر الحتكمماك الحربممى فممى‬
‫الحروب الصليبية فى المشرق السلمى ‪.‬‬
‫وفى كل الحتكاكين تفتحت عيون أوروبا على عالم مختلممف كممل‬
‫الختلف عن عالمها ‪ ،‬ل من ناحية العلم والحضارة فقط ‪ ،‬بممل مممن‬
‫حيث القيم والمبادئ وأفاق الحياة وأفاق التفكير ‪.‬‬
‫فأما العلم فمعروف أن أوروبا بدأت نهضتها بالتتلمذ على علمموم‬
‫المسلمين ‪ ..‬ودعك من المكابرة الوروبية المغرورة التى تقممول إن‬
‫المسلمين لم يكن لهم فضل فى ذلك إل الحتفمماظ لعلمموم الغريممق‬
‫فى الفترة التى غفلت فيها أوروبمما عنهمما فممى عصممورها المظلمممة ‪،‬‬
‫فلمما اسمتيقظت أوروبما – كأنمما اسمتيقظت ممن ذات نفسمها !! –‬
‫استردت بضاعتها القديمة وانطلقت – منها – تبنى حضارتها !‬
‫دعك من هذه المكابرة لن الواقع ل يسممندها ‪ .‬وتكفممى شممهادة "‬
‫روجر بيكون " التى قال فيها من أراد أن يتعلم ‪ ،‬فليتعلممم العربيممة "‬
‫"‪!"1‬‬
‫ولممو كممان كممل فضممل المسمملمين أنهممم احتفظمموا بعلمموم الغريممق‬
‫وثقافتهم ما احتاجت أوروبا أن تتعلم العربية ‪ ،‬فقد كممان يكفيهمما أن‬
‫ترجع إلى أصولها الغريقية باللغة الغريقية ‪ ،‬وهممى لغممة لممم ينقطممع‬
‫العلم بها حتى فى العصور المظلمممة ‪ ،‬فقممد كممانت إحممدى اللغممات "‬
‫المقدسة " لغات الكتاب المقدس ‪.‬‬
‫وقممد يكممون هممذا الوصممف صممادقا علممى ممما يسمممى " الفلسممفة‬
‫السلمية " فقد كانت إغريقية حقا وإن لبست ملبس المسمملمين !‬
‫فقممد كممان منهممج التفكيممر فيهمما إغريقيمما وإن تنمماولت موضمموعات‬
‫إسلمية ‪ .‬وهذه – فى رأيى – هى أضممعف نقمماط الثقافممة السمملمية‬
‫على الطلق ‪.‬‬
‫أما أن توصف الحركممة العلميممة والفكريممة والسمملمية كلهمما بأنهمما‬
‫إغريقية ‪ ،‬لمجرد أنها اسممتمدت مممن الثقافممة الغريقيممة عنممد البممدء ‪،‬‬

‫" " انظر كتاب " تجديد الفكر الدينى فى السلم " تأليف محمد اقبال ترجمة عباس محمود – ص ‪ 148‬من الترجمة‬ ‫‪1‬‬

‫العربية ‪.‬‬
‫فمغالطة متبجحة ل يسندها الواقع ‪ ،‬كما لو قلنمما إن العلممم الحاضممر‬
‫إسلمى كله ول فضل لوروبا فيه ‪ ،‬لمجرد أنه اسممتمد أصمموله كلهمما‬
‫من المسلمين ! وهذه مغالطة ل يقولها أحد منا – ولو قالهمما لكممانت‬
‫مضحكة غير مقبولة – لن اللممه أمرنمما – إذا قلنمما – أن نعممدل ‪ ..‬ولممو‬
‫كان ذا قربى ‪:‬‬
‫ذا قُْرَبى{ ]سورة النعام ‪[6/152‬‬ ‫ن َ‬ ‫م َفاعْدُِلوا وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ذا قُل ْت ُ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ن قَ موْم ٍ عَل َممى أ َل ّ ت َْعممدُِلوا ا ْ‬
‫ب‬‫عممدُِلوا هُ موَ أقْ مَر ُ‬ ‫م َ‬
‫ش مَنآ ُ‬ ‫من ّك ُم ْ‬‫جرِ َ‬ ‫}َول ي َ ْ‬
‫وى{ ]سورة المائدة ‪[5/8‬‬ ‫ِللت ّْق َ‬
‫إن أهم ما أخذته أوروبا عن المسمملمين كممما يعممترف المنصممفون‬
‫منهم – وما أقلهم ! – لم يكممن العلمموم فممى ذاتهمما ‪ ،‬وإن كمانت هممذه‬
‫تستحق أن يشار إليهما ويشماد بهما ‪ ،‬خاصمة فمى الكيميماء والفيزيماء‬
‫والطب والفلك والرياضيات ‪ ،‬إنما كان المنهج الترجيبى فى البحممث‬
‫العلمى ‪ ،‬وهذا هو الذى يرد إليه – بحق – كل التقممدم الممذى أحرزتممه‬
‫أوروبا فى ميدان العلوم فيما بعد ‪ ،‬لنه شئ جديد لم تكممن تحسممنه‬
‫من قبل ‪ ،‬ولن التقدم العلمى كان مستحيل بدونه ‪ ..‬ويبقى لوروبمما‬
‫فضممها – بعممد ذلممك – فممى المثممابرة والصممبر والمتابعممة ‪ ،‬بينممما ركممن‬
‫المسلمون إلى سبات عميق ‪.‬‬
‫وأما الحضارة بصورها المادية وقيمها ومبادئهمما فهممذا الممذى أيقممظ‬
‫أوروبا من سباتها ودفعها إلى طلب الصلح للواقع الفاسممد السممن‬
‫المنتن الذى كانت تعيش فيه ‪.‬‬
‫ويكفى أن نقول بالنسممبة للصممور الماديممة للحضممارة إن أوروبمما –‬
‫لوقت احتكاكها مع المسلمين – لم تكن تعممرف الحمامممات الخاصممة‬
‫داخل البيوت ! إنما كانت منذ العهد الرومممانى تسممتخدم الحمامممات‬
‫العامة سواء فى تنظيف ملبسها أو تنظيف أجسادها ‪ ..‬إلى حممد أن‬
‫محاكم التفتيش التى أنشئت لمطاردة السلم فى الندلس بممأفظع‬
‫وحشية عرفها التاريخ ‪ ،‬كانت تترعف على بيمموت المسمملمين الممذين‬
‫تنصروا ظاهرا للفرار من التعذيب بإحدى وسيلتين ‪ :‬الهينمة الخافتة‬
‫فى جنح الليل التى كانت تدلهم على قراءة القرآن ‪ ،‬أو العثور على‬
‫حمام خاص فى البيت ‪ ،‬وكممانت هممذه علمممة مميممزة قاطعممة ‪ ،‬مممما‬
‫يرتكب هذه الجريمة – جريمة وجممود حمممام خمماص فممى الممبيت – إل‬
‫المسلمون !!‬
‫أما من ناحية القيم والمبادئ فهذا – فى الواقممع – أهممم ممما أيقممظ‬
‫أوروبا من سباتها ‪.‬‬
‫كانت أوروبا تعيش فى ظلمات القطاع ‪ ..‬وما أدراك ما ظلمات‬
‫القطاع !‬
‫أمير القطاعية هو الحاكم المطلق فممى إقطمماعيته ‪ ..‬ل قممانون إل‬
‫قممانونه ‪ ..‬هممو السمملطة التشممريعية والسمملطة القضممائية والسمملطة‬
‫التنفيذية كلها فى آن ‪ .‬هو الملممك لكممل شممئ والبمماقون عبيممد ‪ ..‬إممما‬
‫عبيد السيد وإما عبيد الرض يورثون ويباعون ويشترون ‪ ،‬وينتقلممون‬
‫– مع الرض – مممن سمميد إلمى سمميد ‪ ،‬ل يملكمون حممق النتقمال ممن‬
‫إقطاعية إلى إقطاعية ولو كان يفصل بينهما سور واحد ! عليهم كل‬
‫ثقيل من التبعات وليس لهم شئ يذكر من الحقوق !‬
‫فأممما الحقمموق السياسممية فل نصمميب لهممم منهمما علممى الطلق ول‬
‫يفكر أحد ول يتصور أحد ‪ ،‬أن يكون لهم مشاركة فى السياسمة ممن‬
‫قريب ول من بعيد ‪ ..‬وكيف يشاركون ؟ وأين هم حممتى يشمماركوا ؟!‬
‫إنهم قابعون هناك – فى القطاعية – فى بيمموتهم الريفيممة القممذرة ‪،‬‬
‫علممى اسممتعداد أبممدا لخدمممة سمميدهم أميممر القطاعيممة ‪ ،‬والشممرف‬
‫لحدهم أن يندبه المير لخدمة خاصة غير بقية الصفار الدمية التى‬
‫تمتلئ بها القطاعية ‪ ،‬فذلك تمييز وتكريم أى تكريم !‬
‫وكممان القطمماعى بممدوره يقمموم " برعايممة " هممذه القطممع الدميممة‬
‫المتناثرة فى أرضه !‬
‫فهو يشهد أفراح زفافهم ويستخدم – فى كثير من الحيان – حممق‬
‫الليلممة الولممى ‪ ،‬أى حممق الخلمموة بممالعروس ليلممة عرسممها ‪ ،‬قبممل أن‬
‫يتسلمها زوجها ! وبذلك يعيش هو عرس دائم متجدد ويتسلم العبيد‬
‫فضلته !‬
‫وهو يطحن لهم غللهم فى مطحنه وهو المطحن الوحيد المصرح‬
‫به فى القرية ‪ ،‬لقاء أجر يحدده هو على مزاجه ‪ ،‬وكذلك يعصر لهممم‬
‫كرومهم فى معصرته ‪ ،‬ليشربوا ‪ ..‬وينسوا !‬
‫كما أنه يدافع عنهم ضد أى هجوم من أميممر آخممر – وممما أكممثر ممما‬
‫يحدث الهجوم – وذلك بتجنيدهم ودفعهم إلى القتال ‪ ..‬ليموتوا !‬
‫كما يفممرض عليهممم مممن الضممرائب ممما يرتمماح إليممه ضممميره ‪ ،‬وممما‬
‫يستريح ضممميره حممتى تمتلممئ خزائنممه ‪ ،‬ممما تمتلممئ حممتى تفممرغ مممن‬
‫جديد !‬
‫وهكذا تتنوع ألوان " الرعاية " التى يقممدمها لهممم ‪ ..‬لممه منهمما كممل‬
‫حلوة ولهم العذاب ‪..‬‬
‫وحيممن كممانوا فممى هممذه الظلمممات ‪ ،‬احتكمموا بالمسمملمين ‪ ،‬سممواء‬
‫الحتكاك الحربى أو السلمى الذى استمر عدة قرون ‪.‬‬
‫وجدوا عند المسملمين " دولمة " منظممة ‪ ،‬يحكمهما حمماكم يعمماونه‬
‫معاونوه ويخضممع النمماس لحكممه سواسممية علمى درجمة واحممدة ممن‬
‫الخضوع ‪ .‬وكان هذا شيئا جديدا عليهم ‪ ،‬فقد كانت لممديهم " دولممة "‬
‫نعم ولكنهم ل يتصلون بها – وأنى لهم ؟ ‪ -‬ول تتصل هى بهم إل مممن‬
‫خلل أمممراء القطمماع ‪ ،‬وأمممراء القطمماع هممم حكممامهم الحقيقيممون‬
‫المباشرون ‪ ،‬وليس لرئيس الدولة سلطان عليهم فيما يفعلون فممى‬
‫إقطاعياتهم ‪ ،‬إنما سلطانه عليهم محصمور فممى الممال الممذى يطلبمه‬
‫منهم – فيأخذونه هم من دماء فلحيهم ‪ ،‬وتبقى خزائنهم الخاصممة ل‬
‫تمس – وفى المجنممدين الممذين يطلبهممم منهممم إذا قممامت الحممرب –‬
‫وكثيرا ما تقوم – فيقدم القطاعى ما استطاع من دماء فلحيه لكى‬
‫يرضى الملك أو المبراطور عنه ‪ ،‬ويدع يده مطلقة بعد ذلممك يفعممل‬
‫بعبيده وأقنانه " ‪ "1‬ما يشاء ‪.‬‬
‫ووجدوا قضاء منظما ‪ ..‬أى قضاة يحكمون بين الناس فيما شممجر‬
‫بينهم ‪ ،‬يعامل الناس أمامهم على السوية ‪ ،‬ويملك النسان إذا شمماء‬
‫أن يختصممم إلممى ذلممك القضمماء مممع واليممه أو رئيسممه أو مممن يكممون‬
‫خصمائه فيحكم القاضى بما يرضى ضميره هو ل بهوى السلطان ‪.‬‬
‫ووجدوا شريعة حاكمة ‪ ..‬شريعة ليسممت هممى همموى القطمماعى ‪..‬‬
‫إنما هى شممرائع ثابتممة يضممبطها الكتمماب الممذى أنزلممت بممه ويضممبطها‬
‫اجتهاد فقهاء المة – وهم ليسوا طرفا فى خصومة مع أحممد بعينممه ‪،‬‬
‫وليسوا حكاما يجورون بالسلطان – وإنممما هممم مجتهممدون يفسممرون‬
‫النممص القرآنممى ويسممتنبطون الحكممام منممه ‪ ،‬أو يقيسممون عليممه ‪ ،‬أو‬
‫يبحثون عن المصلحة " العامة " ل الخاصممة فيممما يجتهممدون بممه مممن‬
‫الحكام ‪.‬‬
‫باختصار وجدوا السلم ‪..‬‬
‫وقممد كممان شممئ وجمموده جديممدا بممالمرة عليهممم ‪ ،‬فقممد كممان الممذى‬
‫يعرفونه مممن قبممل هممو ذلممك الطمماغوت الممذى يحكمهممم فيكممون هممو‬
‫الخصممم والحكممم وهممو المشممرع والقاضممى والمنفممذ ‪ ..‬وهممو الممذى‬
‫يتصرف فيهم بل مراجع ‪ ..‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون !‬
‫كان ذلممك هممو الممذى اسممتجاش أوروبمما لتتمممرد علممى هممذا الظلم‬
‫الشامل أو الفساد الشامل الذى تعيش فيه ‪ ..‬وتطلب الصلح ‪.‬‬
‫وكممان القطمماع – بكممل ممما يشممتمل عليممه مممن ظلممم سياسممى‬
‫واقتصادى واجتماعى – همو الهممدف الول لمحماولت الصملح ‪ .‬وإن‬
‫كان طلب الصلح الذى نشأ من الحتكمماك بالمسمملمين شممامل فممى‬
‫الحقيقة كل ميادين الحياة ‪.‬‬
‫" " القن هو عبد الرض ‪ ،‬تحرر من عبودية السيد ولكنه ما زال عبد للرض ل يملك مغادرتها ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫عندئذ بممدأت أصمموات المصمملحين تتتممابع ‪ ،‬ثممم بممدأت أنممات خافتممة‬
‫تسمع من أفواه " الكادحين " ‪.‬‬
‫فكيف كان موقف الكنيسة الغارقة فى القطاع وفى الطغيان ؟!‬
‫لقممد وقفممت تتهممدد الثممائرين علممى الظلممم ‪ ،‬المتمرديممن علممى‬
‫الطواغيت ‪ ،‬بأنهم مارقون من الدين ‪ ،‬وأنهم ملعونون عند الله !‬
‫ووقفت تحاول تخدير الثائرين على الظلممم ‪ ،‬بممأن الرضمما بممالظلم‬
‫فى الحيمماة الممدنيا هممو مفتمماح الرضمموان فممى الخممرة ‪ ..‬فأممما العبيممد‬
‫الثائرون والقنان فقالت لهم إن السد المسيح يقممول ‪ " :‬مممن خممدم‬
‫سيدين فى الدنيا خير ممن خدم سيدا واحممدا" ‪ ..‬وأممما المظلومممون‬
‫عامة فقالت لهم إن من احتمل عذاب الدنيا فسيعوضه الله بالجنممة‬
‫فى الخرة ‪.‬‬
‫ومن هنا قال ماركس قولته الشهيرة ‪ :‬الممدين أفيممون الشممعوب !‬
‫وهى قولة صادقة كل الصدق على دين الكنيسة المحممرف ‪ ،‬ولكنهمما‬
‫كاذبة كل الكذب حين تطلق على الدين المنزل من عند الله ‪.‬‬
‫لقد كانت خطيئة الكنيسة هنا خطيئة مثلثة ‪.‬‬
‫فهى أول لم تسع قط منذ تسمملمها السمملطة إلممى تحكيممم شممريعة‬
‫الله المنزلة عليهم فى التوراة والنجيل ‪:‬‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫ن ي َمد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْم َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫سى اب ْ ِ‬ ‫م ب ِِعي َ‬ ‫}وَقَّفي َْنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ن ي َمد َي ْهِ ِ‬‫ممما ب َي ْم َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬‫صم ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى وَن ُمموٌر وَ ُ‬ ‫ل ِفيهِ هُ ً‬ ‫جي َ‬‫لن ِ‬‫الت ّوَْراةِ َوآت َي َْناهُ ا ِ‬
‫َ‬
‫ممما‬
‫ل بِ َ‬ ‫جيم ِ‬ ‫لن ِ‬‫لا ِ‬ ‫هم ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كم ْ‬‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (46‬وَل ْي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقيم‬ ‫عظ َم ً‬ ‫مو ْ ِ‬
‫دى وَ َ‬ ‫الت ّوَْراةِ وَهُم ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َأنَز َ‬
‫ن)‬ ‫س مُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ك هُ م ْ‬ ‫ه فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫‪] {(47‬سورة المائدة ‪[47-5/46‬‬
‫والسلطان الممذى نممازعت فيممه الملمموك والبمماطرة وغلبتهممم عليممه‬
‫فترة من الوقت كان – كما أشرنا من قبل – فرصممة مهيممأة لفممرض‬
‫شريعة الله على أولئك الملوك والباطرة ‪ ،‬وإزالة الظلم السياسممى‬
‫والقتصادى والجتماعى المتمثل فى القانون الرومممانى مممن جهممة ‪،‬‬
‫والقطمماع مممن جهممة أخممرى ‪ ..‬كممما فعممل السمملم فممى الرض الممتى‬
‫حررهمما مممن السمميطرة الرومانيممة – والسمميطرة الفارسممية كممذلك –‬
‫فألغى فيها حكم الجاهلية إلغمماء كممامل ‪ ،‬وحكممم فيهمما شممريعة اللممه ‪،‬‬
‫فعاشت فى ظلل العدل الربانى عدة قرون ‪ ،‬سواء دخل أهلها فى‬
‫السلم أو بقوا على دينهم الذى كانوا عليه قبل الفتح السلمى ‪.‬‬
‫ولكن البابوات الذين نازعوا الباطرة سلطانهم – وغلبمموهم عليممه‬
‫– لم يفكروا أبدا فى تحكيم شريعة التوراة والنجيل الواجبة التنفيممذ‬
‫– فى إبانها – حتى ينزل الله شريعته الخيممرة فتصممبح هممى الواجبممة‬
‫التنفيذ ‪ ..‬إنما استخدموا سلطانهم السياسى )أو الدنيوى( كلممه فممى‬
‫إخضاع الباطرة لنفوذهم الشخصى وأهوائهم الشخصممية ‪ ،‬وأذلمموهم‬
‫بها أيما إذلل !‬
‫والخطيئة الثانية هى صد أوروبا عن السلم حين بدأت تتفتح لممه‬
‫عن طريق التممأثير المصمماحب للمبتعممثين الوروبييممن العممائدين مممن‬
‫أرض السلم ‪ ،‬وموقفهمما المتعصممب الحمممق ضممد الممدين السممماوى‬
‫المنممزل للبشممر كافممة ‪ ،‬وتكليممف كتابهمما بتشممويه صممورة هممذا الممدين‬
‫وتشويه صورة رسوله صلى الله عليه وسمملم بتصممويره بممأنه سمماحر‬
‫وأنه كذاب ‪ ،‬وأنه همجى وشهوانى وسفاك دماء ‪ ..‬الخ ممما ل تمزال‬
‫أوروبا تلوكه بغير وعى إلى هذه اللحظة !‬
‫والخطيئة الثالثة أنها لم تكتف بذلك كله بل وقفت موقفا صممريحا‬
‫إلى جانب الطواغيت – وهى ممثلة الدين السممماوى ‪ ،‬ديممن الرحمممة‬
‫والرأفة – وهددت الثائرين على الظلم بالعنة البدية وغضب الرب ‪،‬‬
‫واتهمتهم بالمروق من الدين !‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫حين يستعرض النسان هذا التاريممخ الحافممل بالمخممازى والخطايمما‬
‫والخطاء ‪ ..‬من طغيان روحى وفكممرى ومممالى وسياسممى وعلمممى ‪،‬‬
‫وفساد خلقى ‪ ،‬وانحراف فكممرى وسمملوكى ‪ ،‬ومسمماندة للظلممم فممى‬
‫جميع ألوانه ‪ ،‬وتخذيل للمصمملحين وتخممدير للمظلممومين ‪ ،‬وصممد عممن‬
‫سبيل الله ‪ ،‬وتشويه لصورة الدين ‪ ..‬هممل نعجممب مممن النهايممة الممتى‬
‫وصلت المور إليها من انسلخ الناس فممى أوروبمما مممن ذلممك الممدين‬
‫ونفورهم منه ‪ ،‬وثورتهم على رجاله ‪ ،‬وإبعادهم له عن كممل مجممالت‬
‫الحياة؟‬
‫إن الفطرة البشرية لتثور على الظلم وتمجممه ولممو احتملتممه عممدة‬
‫قرون !‬
‫وهذا البطء فى قيام رد الفعل هو الذى يغرى الطغاة بالسممتمرار‬
‫فى طغيانهم ‪ ،‬ظانين أن المور ستظل فى أيديهم أبدا ‪ ،‬وأنهمما غيممر‬
‫قابلة للتغيير ‪.‬‬
‫ولكن عبرة التاريخ قائمة لمن يريد أن يعتبر ‪ ..‬وما يعتممبر إل أولممو‬
‫اللباب ‪ ..‬أما الطغاة مطموسو البصيرة فأنى لهم أن يعتبروا ؟!‬
‫ت وال َ‬
‫ت َوالن ّمذ ُُر‬ ‫ما ت ُغِْني الي َمما ُ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ذا ِفي ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ان ْظ ُُروا َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ن )‪] {(101‬سورة يونس ‪[10/101‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫م ك َي ْم َ‬
‫ف‬ ‫ن ل َك ُم ْ‬
‫م وَت َب َي ّم َ‬‫س مه ُ ْ‬
‫ممموا أنُف َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّم ِ‬
‫ساك ِ َِ‬‫م َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫س َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫عن ْمد َ الل ّمهِ‬‫م وَ ِ‬ ‫مك َْرهُ م ْ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫ل )‪ (45‬وَقَد ْ َ‬ ‫مَثا َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ضَرب َْنا ل َك ُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫فَعَل َْنا ب ِهِ ْ‬
‫ل )‪] {(46‬سممورة إبراهيممم‬ ‫ه ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬
‫م ل ِت َُزو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫مك ُْرهُ ْ‬
‫َ‬
‫‪[46-14/45‬‬
‫وهذا البطء فى قيممام رد الفعممل هممو الممذى أغممرى كممذلك بعممض "‬
‫العلماء " أن يقولوا إنه ل توجد فطرة للنسان! وإن النسممان ليممس‬
‫له قالب محدد ‪ .‬وإنمما همو يصمب فمى أى قمالب يمراد لمه فيتشمكل‬
‫بشكله ‪ ،‬ويظل قابعا فيه حتى يصب فى قالب جديد " ‪."1‬‬
‫ولله فى خلقه شئون ‪ .‬وتركيبمه للنفمس النسمانية علمى الصمورة‬
‫التى ركبها عليها فيه حكمة ول شك ‪ ..‬ولكنا نتحدث هنا عممن الواقممع‬
‫التاريخى ودللته ‪.‬‬
‫إن النفوس تخضع لجبروت الطغيان خوفا وطمعا فى أول المر ‪،‬‬
‫لن الطغاة يحمممون جممبروتهم بشممتى وسممائل الحمايممة مممن ترغيممب‬
‫وترهيب ‪ ..‬ثم تتبلد النفوس من جهة ‪ ،‬ويأخذ الطغيان صممورة المممر‬
‫الواقع من جهة ‪ ،‬فيستقر فممى الرض فممترة تطممول أو تقصممر ‪ ،‬هممى‬
‫التى يتخيل الطغاة فيها أنهم باقون أبدا ‪ ،‬مسيطرون أبدا ‪ ،‬ل يمكن‬
‫زحزحتهم ول تبديل الحوال التى مكنت لهم فى الرض ‪.‬‬
‫ثم تبدأ نفوس تتململ ‪ .‬هى أكثر وعيمما وأكممثر حساسممية أو أصممل‬
‫بعودا أو أكثر مخاطرة ‪ ..‬أو ما يكون من السباب ‪.‬‬
‫وهنا يلجأ الطغاة إلى جبروتهم مرة أخرى ‪ ،‬ويستخدمون وسممائل‬
‫الرهاب لوقف هذه الظمماهرة " المنكممرة " عممن النتشممار ‪ ،‬وتممأديب‬
‫الخارجين لكى يكونوا عبرة للخرين ‪.‬‬
‫ثم يكون هذا ذاته هو بدء النهاية ! يشتد الجبروت وتتولد مقاومممة‬
‫متزايممدة لممه فممى داخممل النفمموس بمقممدار ممما يشممتد ويمعممن فممى‬
‫الطغيان ‪.‬‬
‫وفى لحظة معينة يحدث النفجار ‪ ..‬ويكون كالطوفان !‬
‫}أ َول َم يروا أ َنا نمأ ِْتي ال َرض ننُقصمها مم َ‬
‫مل‬ ‫حك ُم ُ‬ ‫ن أط َْرافِهَمما َوالّلم ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ْ َ َْ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ْ ََ ْ ّ َ‬
‫ب )‪] {(41‬سورة الرعد ‪[13/41‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬‫مهِ وَهُوَ َ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫ب لِ ُ‬‫معَّق َ‬ ‫ُ‬
‫ولقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين ‪ ،‬وعلممى الممدين‬
‫المزيممف الممذى تقممدمه الكنيسممة ‪ ،‬بممدأت منممذ عصممر النهضممة ‪ .‬وبممدأ‬
‫الكتاب يتمردون على سلطان الكنيسممة الطمماغى ويهمماجمون رجممال‬
‫الدين ‪ ،‬بل يهاجمون كذلك خرافات ذلك الدين الكنسى ومعمياته ‪.‬‬
‫ولكنها كانت أصواتا متنمماثرة ‪ ،‬فظممن القمموم أنهممم قممادرون عليهمما‬
‫وعلى إسكاتها ‪.‬‬
‫ولكن سنة من سنن الله كانت ترجى ‪ ،‬وما يستطيع أحد أن يقف‬
‫" " سنناقش هذا الزعم فيما بعد ‪ ،‬عند الحديث عن التفسير المادى للتاريخ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫سنة اله عن الجريان ‪.‬‬
‫كانت هممذه الصمموات تهممز النممائمين ليصممحوا ‪ ..‬تزيممل عنهممم تبلممد‬
‫نفوسهم ‪ ..‬وتزيل ثقلة " المر الواقع " من حسممهم ‪ ،‬وتشممعرهم أن‬
‫التغيير ممكن ‪ ،‬وأن هذا المر الواقع ليست له صفة الخلود ‪ ،‬ول هو‬
‫كذلك فى منعة من النقد والتجريح ‪.‬‬
‫وبممذلك الكنيسممة جهممدها فممى محاولممة إسممكات هممذه الصمموات ‪،‬‬
‫مستخدمة فى ذلك نفوذها على قلوب الناس وعقولهم وأرواحهممم ‪،‬‬
‫وسلطانها " التقليدى " الممذى كممانت تممأمر بمه فتطمماع ‪ ،‬وينظممر إلممى‬
‫كلمتها على أنها موضع التقديس ‪ ..‬لنها مرتبطة فى حس الجماهير‬
‫بالدين ‪ ..‬وما أعظم سلطان الدين على النفمموس ‪ .‬كممما اسممتخدمت‬
‫محاكم التفتيش حين اشتد فزعها وخممافت علممى ممما فممى يممدها مممن‬
‫السلطان ‪.‬‬
‫ولكن رويدا رويدا زادت الصمموات عممددا ‪ ،‬وزادت جممرأة ‪ ،‬وزادت‬
‫استخفافا بالجبروت ‪.‬‬
‫علممماء ‪ ..‬ومفكممرون ‪ ..‬وفلسممفة ‪ ..‬ومصمملحون ‪ ..‬وحاقممدون !‬
‫حاقدون على سلطان الكنيسة الطاغى وممما تتمتممع بممه مممن المزايمما‬
‫بغير استحقاق ‪..‬‬
‫وكممانت العمليممة بطيئة ‪ ..‬بطيئة ‪ ..‬بطيئة ‪!! ..‬فقممد كممان حجممم‬
‫الطغيان هائل مخيفا ‪ ،‬وكان له فى الرض تمكممن طويممل يبلممغ عممدة‬
‫قرون ‪.‬‬
‫ولكن فى النهاية حدث النفجار !‬
‫وكان بشعا فى شدة انفجاره ‪ ،‬بشعا فى سرعة اكتساحه ‪ ،‬بشممعا‬
‫فى قسوة الحمم الذى تفجر من بركانه ‪.‬‬
‫كانت الثورة الفرنسية بكل ما تضمنت من ألوان العنف والبطش‬
‫والقتل وإسالة الدماء ‪..‬‬
‫واكتسحت الثورة الفرنسية فى طريقها ممما كممان قممد تراكممم مممن‬
‫المظالم خلل ألف وأربعمائة عممام ! وأزالممت الطبقممتين الحمماكمتين‬
‫الطمماغيتين المتحممالفتين ! رجممال القطمماع )الشممراف !( ورجممال‬
‫الدين !‬
‫ومع ذلك فإن المور – فى تلك الثممورة – لممم تسممر فممى سمممارها‬
‫الطبيعى ‪ ..‬فعلى الرغم مممن كممل الظلممم المممتراكم أكممثر مممن ألممف‬
‫عام ‪ ،‬من القطاعيين ورجال الدين سواء ‪ ،‬وعلممى الرغممم مممن كممل‬
‫الحقد المشحون فى الصدور تجاه هاتين الطبقممتين ‪ ،‬وعلممى الرغممم‬
‫من وحشية الجماهير حين تتولى هى القيادة ‪.‬‬
‫على الرغم من ذلك كلمه فقمد كمان يمكمن أن تسمير الثمورة فمى‬
‫تمردها وقضائها علممى الظممالمين مسممارا آخممر ‪ ..‬لممول أن يممدا خبيثممة‬
‫تدخلت لتتجه بالثورة فى مسار معين ‪ ،‬يخدم أغراضها هى قبل كممل‬
‫شئ آخر ‪ ..‬سواء خدم أو لم يخدم أهداف الخرين !‬
‫تلك هى يد اليهود ‪...‬‬
‫التمهيد الثانى‬
‫دور اليهود فى إفساد أوروبا‬
‫اليهود ل ينشئون الحداث كما يزعمون لنفسهم وكما يتمموهم‬
‫الذين تبهرهم سيطرة اليهود فى الوقت الحاضر ‪.‬‬
‫ولكن ل شك أنهم يجيدون انتهمماز الفممرص واسممتغللها لتنفيممذ‬
‫مخططهم الشرير ‪.‬‬
‫ولحكمة ما أخرج الله هممذه المممة ونمماط بهمما دورا تممؤديه فممى‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫ومشممكلة هممذه المممة كامنممة فممى جبلتهمما المنحرفممة الممتى ل‬
‫تسممتجيب لممدواعى الخيممر ول تسممتقيم علممى الهممدى ول تشممرق‬
‫روحها ببارقة من نور ‪..‬‬
‫جحدوا فضل اللممه عليهممم ‪ ،‬وجحممدوا أنبيمماءهم ‪ ،‬وجحممدوا كممل‬
‫فضل قدمه إليهممم أحممد مممن البشممر ‪ ..‬وقممابلوا كممل ذلممك بإنكممار‬
‫الجميل أو الطمع والجشع والحسد وقساوة القلب ‪.‬‬
‫كرهتهم كل المم لخصمالهم تلمك ‪ ،‬فمانطووا علمى أنفسمهم ‪،‬‬
‫يمل نفوسهم الحقد الدفين على المم كلها ‪ ،‬يريدون أن يقضمموا‬
‫علممى كممل شممعوب الرض ليبقمموا هممم وحممدهم ‪ ،‬أو يريممدون أن‬
‫يستعبدوا المم كلها ويسخروها لمصالحهم ‪.‬‬
‫وعقدتهم الكبرى اعتقادهم أنهم شعب الله المختار ‪ .‬ومن ثم‬
‫فينبغى أن يكون بقية البشر خدما وعبيدا لهم ‪ ،‬ويكونوا وحممدهم‬
‫هم المسيطرين ‪.‬‬
‫ولقد اختارهم الله حقا ذات يوم وكانوا شعب الله المختار ‪.‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ن )‪ِ (30‬‬ ‫مِهيم ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَم َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سمَراِئي َ‬ ‫جي ْن َمما ب َن ِممي إ ِ ْ‬‫}وَل ََقمد ْ ن َ ّ‬
‫م عََلممى‬ ‫خت َْرَناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (31‬وَل ََقد ْ ا ْ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاِليا ً ِ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫ن)‬ ‫مِبي م ٌ‬ ‫ما ِفيهِ َبلٌء ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪َ (32‬وآت َي َْناهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫عل ْم ٍ عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪] {(33‬سورة الدخان ‪[33-44/30‬‬
‫ولكنهم عند البتلء سقطوا ‪ ،‬وجحدوا تلك النعمة الهائلة فلممم‬
‫يرعوها حق رعايتها ‪ ،‬بل يرعوها بشئ على الطلق ! }ي َمما ب َن ِممي‬
‫م عَل َممى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضممل ْت ُك ُ ْ‬ ‫م وَأّني فَ ّ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مِتي ال ِّتي أن ْعَ ْ‬ ‫ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن )‪] {(47‬سورة البقرة ‪[2/47‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫فهل ذكروا ؟!‬
‫ريقا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فََف ِ‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬‫ما ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫وى أنُف ُ‬ ‫ما ل ت َهْ َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫}أفَك ُل ّ َ‬
‫ن )‪] {(87‬سورة البقرة ‪[2/87‬‬ ‫ريقا ً ت َْقت ُُلو َ‬ ‫م وَفَ ِ‬ ‫ك َذ ّب ْت ُ ْ‬
‫ك‬ ‫م أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫من ُْهمم ْ‬
‫حممدٍ ِ‬
‫}وال ّذين آمنوا بالل ّه ورسل ِه ول َم يَفرُقوا بي َ‬
‫نأ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ِ َ َ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َ ْ ُ ّ‬
‫ك‬ ‫س مأ َل ُ َ‬ ‫حيم ما ً )‪ (152‬ي َ ْ‬ ‫ه غَُفممورا ً َر ِ‬ ‫ن الل ّم ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬
‫ف يؤِْتيه ُ‬
‫سو ْ َ ُ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َهْ ُ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫سألوا ُ‬ ‫ماِء فََقد ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ك َِتابا ِ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل الك َِتا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مه ِ م ْ‬ ‫ة ب ِظ ُل ْ ِ‬ ‫عَق ُ‬ ‫صمما ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خذ َت ْهُ ْ‬ ‫جهَْرةً فَأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك فََقاُلوا أرَِنا الل ّ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫أك ْب ََر ِ‬
‫ك‬ ‫ن ذ َل ِم َ‬ ‫ت فَعََفوْن َمما عَم ْ‬ ‫م ال ْب َي ّن َمما ُ‬ ‫جمماَءت ْهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ذوا ال ْعِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫طمموَر‬ ‫م ال ّ‬ ‫مِبينمما ً )‪ (153‬وََرفَعَْنمما َفمموْقَهُ ْ‬ ‫طانا ً ُ‬ ‫سممل ْ َ‬ ‫سممى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫َوآت َي َْنمما ُ‬
‫دوا فِممي‬ ‫م ل ت َْعمم ُ‬ ‫جدا ً وَقُل َْنا ل َهُ م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خُلوا ال َْبا َ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫م وَقُل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫ميَثاقِهِ ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ميث َمماقَهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ض مه ِ ْ‬ ‫ما ن َْق ِ‬ ‫ميَثاقا ً غَِليظا ً )‪ (154‬فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫ت وَأ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ف‬ ‫م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ‬ ‫حقّ وَقَوْل ِهِ ْ‬ ‫م ال َن ْب َِياَء ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ْ‬ ‫م ِبآَيا ِ‬ ‫وَك ُْفرِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل ّ قَِليل ً )‪ (155‬وَب ِك ُْفرِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ه عَل َي َْها ب ِك ُْفرِهِ ْ‬ ‫ل ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫م إ ِّنمما قَت َل َْنمما‬ ‫ظيممما ً )‪ (156‬وََقمموْل ِهِ ْ‬ ‫م ب ُهَْتانمما ً عَ ِ‬ ‫مْرَيمم َ‬ ‫م عََلممى َ‬ ‫وََقمموْل ِهِ ْ‬
‫ص مل َُبوهُ‬ ‫ممما َ‬ ‫ممما قَت َل ُمموهُ وَ َ‬ ‫ل الل ّمهِ وَ َ‬ ‫سممو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬
‫م ِبم ِ‬ ‫ما ل َهُم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫خت َل َُفوا ِفيهِ ل َِفي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ه الل ّم ُ‬ ‫ل َرفَعَ م ُ‬ ‫ما قَت َل ُمموهُ ي َِقين ما ً )‪ (157‬ب َم ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِل ّ ات َّباعَ الظ ّ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫ل ال ْك َِتما ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كيمما ً )‪ (158‬وَإ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيممزا ً َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الّلم ُ‬ ‫كا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ وَ َ‬
‫شمِهيدا ً )‪(159‬‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِم ْ‬ ‫ممةِ ي َك ُممو ُ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫موْت ِهِ وَي َوْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ب ِهِ قَب ْ َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ل َي ُؤْ ِ‬
‫م‬ ‫ت ل َُهمم ْ‬ ‫حّلمم ْ‬ ‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبمما ٍ‬ ‫مَنمما عَل َي ِْهمم ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫همما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلمم ِ‬ ‫ممم ْ‬ ‫فَب ِظ ُْلممم ٍ ِ‬
‫م الّرب َمما وَقَمد ْ ن ُهُمموا‬ ‫خمذِهِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيممرا ً )‪ (160‬وَأ َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّهِ ْ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫ذابا ً‬ ‫ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَم َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه وَأك ْل ِهِ ْ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫أ َِليما ً )‪] {(161‬سورة النساء ‪[161-4/152‬‬
‫تلك صفحتهم السوداء التى أدت إلى نزع العهممد منهممم ورفممع‬
‫الختيار عنهم ومنحه لمة سواهم‪.‬‬
‫ولقد كان هذا المر واضحا ومقمررا فمى أمنيمة إبراهيمم عليمه‬
‫السلم ورد الله عز وجل عليه ‪:‬‬
‫عل ُم َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫جا ِ‬ ‫ل إ ِن ّممي َ‬ ‫ن قَمما َ‬ ‫مه ُ ّ‬ ‫ت فَمأت َ ّ‬ ‫ممما ٍ‬ ‫ه ب ِك َل ِ َ‬ ‫م َرب ّم ُ‬ ‫هيم َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫دي الظ ّممال ِ ِ‬ ‫ل عَهْم ِ‬ ‫ل ل ي َن َمما ُ‬ ‫ن ذ ُّري ّت ِممي قَمما َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ماما ً َقا َ‬ ‫س إِ َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫‪] {(124‬سورة البقرة ‪[2/124‬‬
‫فقد ابتلى الله إبراهيممم جملممة ابتلءات كممان أشممقها وأصممعبها‬
‫أمره له أن يذبح ولده الحبيب إسماعيل ‪ ،‬واستجاب هممو وولممده‬
‫للبتلء العظيم ‪:‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ب ل ِممي ِ‬ ‫ب هَ م ْ‬ ‫ن )‪َ (99‬ر ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫سمي َهْ ِ‬ ‫ب إ َِلى َرّبي َ‬ ‫ذاهِ ٌ‬ ‫ل إ ِّني َ‬ ‫}وََقا َ‬
‫ه‬ ‫مع َ م ُ‬ ‫ممما ب َل َمغَ َ‬ ‫حِليمم ٍ )‪ (101‬فَل َ ّ‬ ‫شمْرَناهُ ب ُِغلم ٍ َ‬ ‫ن )‪ (100‬فَب َ ّ‬ ‫حي َ‬ ‫صممال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ممما َ‬ ‫ك َفمانظ ُْر َ‬ ‫حم َ‬ ‫مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ‬ ‫ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫سع ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شماَء الّلم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬ ‫سمت َ ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫مما ُتمؤْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افَْعم ْ‬ ‫ل َيما أَبم ِ‬ ‫ت ََرى َقما َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َيمما‬ ‫ن )‪ (103‬وََناد َي َْناهُ أ ْ‬ ‫جِبي ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ما وَت َل ّ ُ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن )‪ (102‬فَل َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن)‬ ‫س مِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫جم ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ت الّرؤَْيا إ ِّنا ك َمذ َل ِ َ‬ ‫صد ّقْ َ‬ ‫م )‪ (104‬قَد ْ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ظيمم ٍ )‬ ‫ح عَ ِ‬ ‫ن )‪ (106‬وَفَمد َي َْناهُ ب ِذِب ْم ٍ‬ ‫مِبيم ُ‬ ‫ذا ل َهُموَ ال َْبلُء ال ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫‪ (105‬إ ِ ّ‬
‫م)‬ ‫هي م َ‬‫م عَل َممى إ ِب َْرا ِ‬ ‫سممل ٌ‬ ‫ن )‪َ (108‬‬ ‫ري م َ‬ ‫خ ِ‬‫‪ (107‬وَت ََرك َْنا عَل َي ْهِ فِممي ال ِ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن )‪ (110‬إ ِن ّ ُ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫‪ (109‬ك َذ َل ِ َ‬
‫‪] {(111‬سورة الصافات ‪[111-37/99‬‬
‫فلما أتم إبراهيم البتلء وجازه بنجمماح كممبير كافممأه اللممه علممى‬
‫ذلك بجعله إماما للناس ‪ .‬وهنا تحركت فى إبراهيم عليه السلم‬
‫رغبته البشرية فى أن يكون هممذا الفضممل مسممتمرا فممى عقبممه ‪،‬‬
‫وأن يكون العهممد باقيمما فممى ذريتممه ل ينقطممع ‪ ،‬فهممل جممامله الممه‬
‫سبحانه وتعممالى وهممو يصممطفيه ويقربممه ويجعلممه خليل لممه ‪ ،‬بممأن‬
‫أجابه إلى طلبه على إطلقه ؟! كل ! بل جاء الرد حاسما قاطعا‬
‫‪ :‬قال ‪ " :‬ل ينال عهدى الظالمين ! " ‪ ،‬وكان المعنى به هم بنممو‬
‫إسرائيل بالذات ‪.‬‬
‫م‬ ‫فلما اختار الله بنى إسرائيل فقد اختارهم للبتلء ‪َ} :‬وآت َي َْناهُ ْ‬
‫ن )‪] {(33‬سممورة الممدخان ‪[44/33‬‬ ‫مِبيم ٌ‬ ‫ممما ِفيمهِ َبلٌء ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الي َمما ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فكانت نتيجة البتلء هى هذا التاريخ السود الممذى اقممترفوه فممى‬
‫الرض ‪ ،‬والظلم الذى أنذرهم الله أن يرفع عنهممم العهممد بسممببه‬
‫ول يبقيه فى أيديهم ‪ ..‬ونزع العهد منهممم بالفعممل تحقيقمما لسممنة‬
‫الله الجارية التى ل تتغير ول تتبدل ول تحابى أحدا مممن البشممر ‪.‬‬
‫نزع العهد عن " شمعب اللمه المختمار " فلمم يعمد مختمارا بعمد ‪،‬‬
‫م‬ ‫ومنح الله فضله ونعمته لمة أخرى هى التى قال لها ‪} :‬ال َْيمموْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سممل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫أك ْ َ‬
‫ِدينًا{ ]سورة المائدة ‪ [5/3‬وقال عنها ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ف وَت َن ْهَ موْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِممال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َمأ ُ‬ ‫ت ِللن ّمما ِ‬ ‫جم ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫}ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫واشتد الحسد والحقد منذ ذلك الحين ‪.‬‬
‫م ك ُّفممارا ً‬ ‫}ود ك َِثير م َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ ِإي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دون َك ُ ْ‬ ‫ب ل َوْ ي َُر ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫ٌ ِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬
‫ق{ ]سممورة‬ ‫حم ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُم ْ‬ ‫ممما ت َب َي ّم َ‬ ‫ن ب َعْمدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫عن ْدِ أنُف ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سدا ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫البقرة ‪[2/109‬‬
‫ولقد جهدوا جهدهم كله لمحاولة القضاء على المة السلمية‬
‫فى مهدها ‪ ،‬حتى يئسوا فانكمشوا إلى حين‪.‬‬
‫شوِْني{‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفل ت َ ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫}ال ْي َوْ َ‬
‫]سورة المائدة ‪[5/3‬‬
‫ولكن حقدهم ظل معهم ‪ ،‬بل ظل يتزايد على طممول الزمممان‬
‫وزاد تصميمهم الخبيث على نشر الشر فى الرض وسممحق كممل‬
‫أمة عداهم ‪ ..‬حتى واتتهم الفرصة السانحة فى العهد الخير ‪..‬‬
‫وهنا يخطممر سممؤال ‪ :‬أليممس اللممه سممبحانه وتعممالى قممد تكفممل‬
‫بقهرهم وتسليط العذاب عليهم إلى قيام الساعة جزاء كفرهممم‬
‫وتبجحهم ؟‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫}وإذ ْ تأ َ‬
‫مه ُ ْ‬
‫سممو ُ‬
‫ن يَ ُ‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ْ ِ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َِ َ‬
‫ب{ ]سورة العراف ‪[7/167‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوَء ال ْعَ َ‬
‫ُ‬

‫بلى ! ولكن هناك حالت اسممتثنائية فممى تمماريخهم يشممير إليهمما‬


‫كتاب الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ن الّلمهِ وَ َ‬
‫حب ْم ٍ‬ ‫مم ْ‬
‫ل ِ‬‫حْبم ٍ‬‫قُفموا إ ِل ّ ب ِ َ‬‫ما ث ُ ِ‬‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬‫م الذ ّل ّ ُ‬
‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضرِب َ ْ‬ ‫} ُ‬
‫س{ ]سورة آل ‪[3/112‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫بحبل من الله وحبل من الناس ترتفع عنهممم الذلممة – مؤقتمما –‬
‫ويمكنون فى الرض ‪ ،‬لحكمة وغاية يريممدها اللممه ‪ ..‬ثممم يعممودون‬
‫إلى الوعد المستمر ‪:‬‬
‫َ‬ ‫م الذ ّل ّم ُ‬
‫ممما ث ُِقُفمموا{ ]سممورة آل عمممران‬ ‫ن َ‬ ‫ة أي ْم َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ م ْ‬
‫ض مرِب َ ْ‬ ‫} ُ‬
‫‪[3/112‬‬
‫ب{‬ ‫ذا ِ‬ ‫سمموَء ال ْعَ م َ‬
‫م ُ‬‫مه ُ ْ‬
‫سو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬
‫مة ِ َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫}ل َي َب ْعَث َ ّ‬
‫سورة العراف ‪[7/167‬‬
‫والن هم فى هذه الفترة الستثنائية التى أشمارت إليهما اليمة‬
‫الكريمة من سورة آل عمران ‪.‬‬
‫ولئن كان مخططهم هو استبعاد البشرية كلها وسحقها تحممت‬
‫أقدامهم ‪ ،‬ولئن كان السلم عدوهم الول الذى يحقممدون عليممه‬
‫الحقد الشد ‪ ،‬فما كانوا – حين بدأوا ينشطون نشاطهم الضارى‬
‫فممى التاريممخ الحممديث – ممما كممانوا يجممدون الفرصممة السممانحة‬
‫للنقضاض على السلم ‪ ،‬فبدأوا بأوربا ‪ ،‬إذ وجدوها أيسممر منممال‬
‫لممما كممان فممى حيمماتهم مممن الثغممرات الممتى أحممدثتها الكنيسممة‬
‫بحماقاتها وخطاياها ‪ ،‬فيسرت لليهود أن يخرجوا مممن أجحممارهم‬
‫ويعيثوا فسادا فى الرض‪.‬‬
‫والن فلننظر كيف تحرك اليهود لتنفيممذ مخططهممم الشممرير ‪،‬‬
‫انتهازا للفرصة السانحة واسمتغلل للحمداث الجاريمة ‪ ،‬ل إنشماء‬
‫للحداث كما يدعون عن أنفسهم ‪ ،‬وكما يرسمهم من يهول من‬
‫مقممدرتهم الشممريرة مممن أمثممال " وليممم كممار " مؤلممف الكتمماب‬
‫الشهير ر" أحجار على رقعة الشطرنج " الذى ينسممب فيممه كممل‬
‫أحداث التاريخ لفعل اليهود !‬
‫يقممول التلمممود " ‪ "1‬لليهممود ‪ :‬المميممون )أى كممل المممم غيممر‬
‫اليهود( هم الحمير )دواب الحمل( الممذين خلقهممم اللممه ليركبهممم‬
‫شعب الله المختار ‪ ،‬وكلما نفق منهم حمار ركبنا حمارا آخر ! ‪..‬‬
‫وبصرف النظر عن وقاحة التعبير وغلظته فهو واضممح الدللممة‬
‫على هذا الكبر الذى وصفه الله فيهم ‪ " :‬أفكلما جاءكم رسممول‬
‫بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم ‪ " ..‬فممإنهم إذا كممانوا يسممتكبرون‬
‫على الرسل فكيف يكون استكبارهم وغطرستهم وصلفهم على‬
‫البشر من غير النبياء ؟!‬
‫ثم يصف لهم التلمممود كيممف ينبغممى لشممعب اللممه المختممار أن‬
‫يعامل الممين ! " اقتل الصالح من غير السممرائيليين ‪ .‬ومحممرم‬
‫على اليهودى أن ينجى أحدا من باقى المم من هلك أو يخرجه‬
‫من حفرة يقع فيها لنه بذلك يكون حفظ حياة أحد المموثنيين " "‬
‫‪."2‬‬
‫" إذا سرقأولد نوح – أى مممن غيممر اليهممود – شمميئا ولممو كممانت‬
‫قيمته طفيفة جدا يستحقون الموت ‪ ،‬لنهم خالفوا الوصايا التى‬
‫أعطاها الله لهم ‪ ،‬أما اليهود فمصرح لهم أن يضربوا المممى " "‬
‫‪."3‬‬
‫" إن تجممارة البغمماء بممالجنبى والجنبيممة ليسممت إثممما ‪ ،‬لن‬
‫الشريعة براء منهما" " ‪. " 4‬‬
‫وهذه التعاليم أكثر قداسة عندهم مممن التعمماليم الممواردة فممى‬
‫كتاب الله المنزل ‪ ،‬التى تدعو إلى البر والخير الذى لم يطيقمموه‬
‫أبدا ولم يطبقوه فممى حيمماتهم أبممدا ‪ ،‬إل قليممل منهممم ‪ ،‬وهممذا هممو‬
‫الذى أشار إليه القرآن الكريم ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ك وَ ِ‬ ‫طارٍ ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬
‫ه ب ِِقن َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ت َأ َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬
‫ِ‬ ‫ن أ َهْ‬‫م ْ‬ ‫}وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ت عَل َي ْمهِ َقاِئمما ً ذ َل ِم َ‬ ‫ديَنارٍ ل ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ك ب ِمأن ّهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ت َأ َ‬‫إِ ْ‬
‫ن عَل َممى الل ّمهِ ال ْك َمذِ َ‬ ‫ل وَي َُقول ُممو َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫سِبي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مّيي َ‬ ‫س عَل َي َْنا ِفي ال ّ‬ ‫َقاُلوا ل َي ْ َ‬
‫ن )‪] {(75‬سورة آل ‪[3/75‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫فهم يدعون على الله أنه أذن لهم أن يعمماملوا المييممن )وهممم‬
‫المميون فى التعبير الخر( على هذا النحو ‪ ،‬وهم يعلمون أنهممم‬
‫يكذبون على الله ‪ .‬ثممم يطيعممون الكممذب الممذى يعلمممون كممذبه ‪،‬‬
‫" " التلمود هو كتاب اليهود " المقدس " غير المنزل ‪ ،‬إنما هو من تأليف حكمائهم وله عندهم قداسة أكثر من‬ ‫‪1‬‬

‫الكتاب المنزل ‪!! .‬‬


‫" " الكنز المرصود ص ‪ . 85 – 84‬د ‪ .‬روهلنج واخر ‪ ،‬ترجمة يوسف حنا نصر الله ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " الكنز المرصضود ‪ ،‬ص ‪. 73 – 72‬‬ ‫‪3‬‬

‫" " همجية التعاليم الصهيونية ‪ ،‬بولس حنا سعد ‪ ،‬دار الكتاب العربى ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪. 173‬‬ ‫‪4‬‬
‫ويعرضون عن الصدق الذى يعلمون أنه الحق !‬
‫وإذ كممان مخططهممم هممو اسممتبعاد البشممرية و" اسممتحمارها "‬
‫وتسخيرها لمصالحهم ‪ ،‬فقد علموا أن أنجح الوسائل لممذلك هممى‬
‫نزع عقائد الممين وإفساد أخلقهم ‪.‬‬
‫يقول القرآن عنهم ‪:‬‬
‫ممماِر‬ ‫ل ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫مُلوهَمما ك َ َ‬
‫مث َم ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ل َم ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫مل ُمموا الت ّموَْراةَ ث ُم ّ‬ ‫ح ّ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّم ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫} َ‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ت الل ّمهِ َوالل ّم ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآي َمما ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬
‫س َ‬ ‫سَفارا ً ب ِئ ْ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫يَ ْ‬
‫ن )‪] {(5‬سورة الجمعة ‪[62/5‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫ورغم أن هذا القول نازل فيهممم ‪ ،‬فقممد وعمموه وطبقمموه علممى‬
‫غيرهم !‬
‫إن العبرة فى الية الكريمة أن المة التى أنزل الله كتابا مممن‬
‫عنده لتحكمممه فممى شممئون حياتهمما وتجممرى حياتهمما بمقتضمماه ثممم‬
‫أعرضت عنه ونبذته ‪ ،‬تفقد آدميتها وتتحول إلى دواب كالحمير ‪.‬‬
‫م‬
‫ل هُ م ْ‬‫كال َن ْعَممام ِ ب َم ْ‬‫ك َ‬ ‫وهو نفس المعنى الذى تحمله اليممة ‪} :‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪] {(179‬سورة العراف ‪. [7/179‬‬ ‫م ال َْغافُِلو َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ض ّ‬‫أ َ‬
‫َ‬
‫وإذ وعى اليهود هذه الحكمة من قديم – وان كممانوا يسممتثنون‬
‫منها أنفسهم باعتبارهم شعب الله المختار ! – فهم يسعون أبدا‬
‫إلى نشر الفساد فى الرض ‪ ،‬الفساد العقيدى والفساد الخلقى‬
‫‪ ..‬وكل أنواع الفساد ‪:‬‬
‫ن ِفي ال َ‬
‫ن )‪{(64‬‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫سادا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫}وَي َ ْ‬
‫]سورة المائدة ‪[5/64‬‬
‫تقول البروتوكولت ‪:‬‬
‫" يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول غير اليهممود ‪،‬‬
‫وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية " " ‪. " 1‬‬
‫" ومن المسيحيين أناس قد أضلتهم الخمممر وانقلممب شممبابهم‬
‫مجانين بالكلسيكيات والمجون المبكر الذى أغراهم بممه وكلؤنمما‬
‫ومعلمونا وخدمنا ‪ ،‬ونساؤنا فممى أممماكن لهمموهم والراغبممات مممن‬
‫زملئهن فى الفساد والترف " " ‪." 2‬‬
‫وهذا هو المخطط الشرير ‪..‬‬
‫ولقممد ظممل اليهممود قرونمما طويلممة يسممعون إلممى تحقيممق هممذا‬
‫المخطط ويحلمون باليوم الممذى يجممردون فيممه المممم كلهمما مممن‬
‫دينهما ‪ ،‬ليبقممى شمعب اللمه المختممار وحممده هممو صماحب الكتمماب‬

‫" " البروتوكول الرابع ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " البروتوكول الول ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫وصاحب الدين ‪ ..‬وعندئذ يتحقق الوعد المزعوم ويحكمممون كممل‬
‫البشرية !‬
‫ولكن هذا السعى ظممل خائبمما عممدة قممرون سممواء فممى العممالم‬
‫السلمى أو العالم المسيحى – رغممم كممل محمماولتهم الشممريرة‬
‫فى القضاء عليهما – حتى سنحت الفرصة الكبرى أمامهم حيممن‬
‫أخذت أوروبا تنسلخ من دينها وتسعى إلى " التحرر " مممن ذلممك‬
‫الدين ‪..‬‬
‫هناك واتت الفرصة المرتقبة منذ قرون ‪ .‬ل لن اليهود دبممروا‬
‫الحممداث – كممما يزعمممون فممى الممبروتوكولت – ول لن تراكممم‬
‫التخطيط عبر القرون قد أتى ثماره آخر المر كممما يممرى أمثممال‬
‫وليم كممار فممى كتمماب الحجممار ‪ ..‬ولكممن لن أوروبمما هممى الممتى "‬
‫استحمرت " نفسها لشعب الله المختار حيمن فممرت ممن المدين‬
‫َ‬
‫سمموََرةٍ )‪] {(51‬سممورة‬ ‫ن قَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ست َن ِْفَرةٌ )‪ (50‬فَّر ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م ْ‬
‫مٌر ُ‬
‫ح ُ‬
‫م ُ‬‫}ك َأن ّهُ ْ‬
‫المدثر ‪[51-74/50‬‬
‫لممو ظلممت أوروبمما ذات ديممن وعقيممدة ممما اسممتطاع اليهممود أن‬
‫يصنعوا ما صنعوا ول أن يفسدوا ما أفسدوا ‪.‬‬
‫صحيح أن العقيممدة الممتى قممدمتها الكنيسممة‪ -‬أو قممدمها بممولس‬
‫اليهودى الصل – إلى أوروبا كانت فاسدة منذ أول لحظة ‪ ،‬وأن‬
‫الدين الذى نشرته الكنيسة لم يكن هو دين الله المنزل ‪ ..‬وأنممه‬
‫منذ اللحظة الولى كان يحمل الثغرات التى يمكن أن ينفذ منها‬
‫أولياء الشيطان ‪ .‬ولكممن شممدة تمسممك أوروبمما بعقيممدتها – رغممم‬
‫فسادها – قمد جممد محماولت اليهمود لتنفيمذ الخطمط الشمريرة‬
‫فممترة طويلممة ‪ ،‬رغممم أنهممم لممم يكفمموا عممن المحاولممة خلل تلممك‬
‫القرون كما يقول – بحق – وليم كمار فمى كتماب " أحجمار علمى‬
‫رقعة الشطرنج " ‪.‬‬
‫لقد كانت العقيدة فاسدة نعم ولكنها كانت تدعو النمماس إلممى‬
‫الفضمميلة وتحممذرهم مممن حبممائل الشمميطان وتحممذرهم مممن فتنممة‬
‫الجنممس خاصممة ‪ ،‬وتصممل بهممم إلممى درجممة الممتزمت والرهبانيممة ‪،‬‬
‫والجنس من أشد أدوات اليهود فعالية فى إفساد المميين !‬
‫كانت السممرة متماسممكة ‪ ،‬والشممباب – فممى الغممالب – يممتزوج‬
‫مبكرا ‪ ،‬والختلط محدود ‪ ،‬ودواعى الجريمة محدودة ‪ ،‬والحيمماة‬
‫بسيطة أقرب إلى الشظف وعيممش الكفمماف ‪ ..‬وفممى مثممل هممذا‬
‫الجو ماذا يملك اليهود مهما كانت براعتهم فى الشر ؟!‬
‫لقد كان أقصى ما يفعلون هو جمممع المممال ‪ ،‬وإقراضممه بالربمما‬
‫الفاحش للمحتاجين ‪ ،‬وإيقاع أمراء القطاع فى الدين ليسممتولوا‬
‫فى النهاية على ثرواتهم ‪.‬‬
‫ولكن تأثيرهم فى مجموع الناس كمان معمدوما أو ضمئيل إلمى‬
‫أقصى حد ‪ ،‬خاصة واليهود فى أوروبا فى ذلك الحين محتقممرون‬
‫مهينون فوق البغضماء الموجهمة إليهمم والضمطهاد الحمائق بهمم‬
‫على أساس أنهم قتلة المسيح كما يعتقد المسيحيون !‬
‫ولكن الحماقات المتوالية للكنيسة والخطايا التى ارتكبتها فى‬
‫حق الدين وحق الناس هممى الممتى صممدعت الكيممان الممدينى فممى‬
‫النهاية وأوجدت الثغرات الواسعة التى نفذ منها الشريرون ‪.‬‬
‫منممذ بممدء " النهضممة " وجممدت الثغممرات الممتى تمناهمما اليهممود‬
‫وجلسوا فى انتظارها عدة قرون ‪ .‬فقد قامت تلك النهضممة منممذ‬
‫مبدئها على أسس إغريقية رومانية غير مسيحية ‪ ،‬بممل إنهمما فممى‬
‫الواقع قامت على أسس مضممادة للمسمميحية معاديممة لهمما ‪ ،‬وإن‬
‫كانت لم تستطع أن تخوض المعركة الحاسمة مع المسمميحية إل‬
‫بعد ذلك بأجيال ‪ ،‬ظلت الكنيسة خللهمما ذات نفمموذ واسممع علممى‬
‫الجماهير على أقل تقدير ‪.‬‬
‫ويوما بعد يوم كانت تقترب اللحظة التى يمكن أن ينهار فيهمما‬
‫سلطان الكنيسة ويصبح دينها الذى فرضممته علممى النمماس عممديم‬
‫السلطان أو ضعيف التأثير ‪.‬‬
‫وفى الثورة الفرنسية وقمع ذلمك النفجممار الحمماد ‪ ،‬الممذى دوى‬
‫فى أرجاء أوروبا كلها فأودى بالقطاع وزلزل كيان الدين ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد كان من الممكممن أن تسممير الثممورة فممى سمممار‬
‫آخر لو لم يتدخل ذلك العنصر الشرير فى توجيه الحداث وجهة‬
‫معينة تخدم أهدافه الخاصة بصرف النظر عن أهداف الثائرين !‬
‫كممانت أهممداف الثممائرين هممى القضمماء علممى ذينممك الحليفيممن‬
‫الطمماغيين المسممتبدين ‪ :‬رجممال القطمماع )الشممراف !( ورجممال‬
‫الدين ‪ .‬وكان القطاع شرا خالصا فكان ينبغى أن يزول ‪ ،‬وكممان‬
‫الدين الذى تقدمه الكنيسة وتطغى به على الناس يحمموى بعممض‬
‫الحقائق وكثيرا من الباطيل ‪ ،‬فكان يمكن أن تصممحح أبمماطيله ‪،‬‬
‫ويستبدل به الدين الحق ‪ ،‬الخالى أساسا من الباطيل ‪.‬‬
‫ولكن اليهود حين دخلوا فى المر لم يدعوا الفرصممة لتصممحيح‬
‫الدين ‪ ..‬وإنما اهتبلوها فرصة سانحة لتحطيم الدين ! وهممذا هممو‬
‫الدور الحقيقى الذى لعبوه فى الثورة الفرنسممية ‪ ،‬ل لنهممم هممم‬
‫الذين أنشأوها كما يزعمون فممى الممبروتوكولت ‪ ،‬ويتممابعهم فممى‬
‫زعمهم وليم كار فى كتاب الحجار ‪..‬‬
‫حقيقة إن المحافل الماسونية المنتشرة فى فرنسا فى ذلممك‬
‫الوقت هى المتى قمامت بالتحضمير للثمورة ‪ ،‬وهمى المتى رفعمت‬
‫شعاراتها الخاصة – الحرية والخاء والمساواة – شعارات للثورة‬
‫الفرنسية ‪ ،‬على غير وعى " المميممن " الممذين قمماموا بهمما ! وإن‬
‫بعض الخطباء من اليهود اشتركوا فى إلهاب حماسممة الجممماهير‬
‫وتفجير الغضب المكبوت ‪ ..‬ولكن هل كان فممى طمموق اليهممود –‬
‫مهما فعلوا ‪ ،‬ومهما تكن براعتهم الشريرة – أن يشعلوا الثممورة‬
‫لو لم تكن خاماتها موجودة فى النفوس ومستعدة للشتعال ؟!‬
‫أما دخول اليهود فى الثورة فقد كان لتحقيق هممدفين كممبيرين‬
‫من أهدافهم الخاصة ‪ ،‬أحدهما كانت الثورة تتجه إليه مممن تلقمماء‬
‫ذاتها ‪ ،‬والثانى كانت وجهة الثورة فيه تيسممر لهممم الوصممول إلممى‬
‫هدفهم الخاص حين يستغلون الحداث على طريقتهم الشممريرة‬
‫فى استغلل الحداث ‪.‬‬
‫فأما الهدف الول فقد كان تحطيم القطاع وهذا كممان يوافممق‬
‫هدفا مرحليا خاصا لليهود ‪.‬‬
‫وأما الهدف الثانى فقممد كممان تحطيممم نفمموذ الكنيسممة ورجممال‬
‫الممدين ‪ ،‬وهممذا الممذى حمموله اليهممود – لحسممابهم الخمماص – إلممى‬
‫تحطيم لذات الدين ‪.‬‬
‫كان لليهود أكثر من مصلحة فى تحطيم القطمماع ‪ ،‬فل عجممب‬
‫أن يدخلوا فى الثورة التى رأوهمما متجهممة – مممن تلقمماء نفسممها –‬
‫إلى تحطيمه ‪.‬‬
‫كانت الثورة الصناعية تدق البممواب ‪ ..‬وكممان اليهممود يقممدرون‬
‫لنفسهم فيها أرباحا طائلة عممن طريمق القمراض بالربمما ‪ .‬فمنمذ‬
‫مولدها واحتياجها إلى المال لتمويل الصناعة الناشئة ‪ ،‬سممقطت‬
‫فريسة فى يد اليهود ‪ ..‬وما تزال حتى هذه اللحظة فى أيديهم ‪.‬‬
‫كان المال الوفير الذى يصلح لتمويل الثورة الصناعية فى يممد‬
‫طائفتين اثنتين فى ذلك الحين ‪ :‬طائفة أمراء القطمماع وطائفممة‬
‫المرابين من اليهود ‪ .‬فأما أمممراء القطمماع فقممد رفضمموا تمويممل‬
‫الصناعة الناشئة وأبوا أن ينقلوا أممموالهم مممن دورتهمما الزراعيممة‬
‫المألوفة لديهم ‪ ،‬والمضمونة الربح لهم ‪ ،‬إلممى عمليممة جديممدة ل‬
‫يعرفونها ‪ ،‬ول يطمئنون إليهمما لعممدم تمرسممهم بهمما ‪ ،‬خاصممة وأن‬
‫كثيرا من العمليات الصناعية كان يفلس فى مبدأ المممر بسممبب‬
‫نقص الخبرة أو عدم توفر السممواق أو عممدم وجممود المواصمملت‬
‫الميسرة ؛ أو عدم إقبال الناس على الشممياء المصممنوعة باللممة‬
‫وتفضيل المصنوعات اليدوية عليها بحكم اللفة الطويلة ‪ ،‬وعلى‬
‫أسمماس أن اسممتخدام المصممنوعات الليممة سمميمحق البركممة مممن‬
‫حياتهم لن فيه إصبعا من أصابع الشيطان !‬
‫عندئذ تقدم اليهود لتمويل تلك الصممناعات مرحممبين ‪ ،‬لنهممم –‬
‫علممى طريقتهممم – ل يخسممرون شمميئا سممواء ربحممت الصممناعة أو‬
‫خسممرت أو أفلسممت إفلسمما كممامل ‪ ،‬ذلممك أنهممم ل يشممتركون‬
‫اشممتراكا مباشممرا بممرؤوس أممموالهم ‪ ،‬وإنممما يقرضممون أصممحاب‬
‫الصناعات بالربا الفمماحش مقابممل ضمممانات تضمممن لهممم رجمموع‬
‫أموالهم إليهم مع الفوائد المضاعفة دون أن يتعرضمموا للخسممائر‬
‫التى كانت تتعرض لها الصممناعة الناشممئة فممى ذلممك المموقت فممى‬
‫كثير من الحيان ‪.‬‬
‫وفكرة المصممرف )البنممك( فكممرة يهوديممة بحتممة ‪ ،‬تقمموم علممى‬
‫تشجيع الناس على إيداع أموالهم – أو ارتهانهمما – لممديهم مقابممل‬
‫إعطممائهم صممكوكا بهمما ‪ ،‬بينممما يشممغلون هممم هممذه الممموال فممى‬
‫عمليات إقراض ربوية يربحممون عممن طريقهمما الكممثير ‪ ،‬فيعطممون‬
‫المودعين جزءا من هذه الرباح ويستأثرون هممم بمعظمهمما دون‬
‫مخاطرة ول جهد يذكر !‬
‫وهكممذا أصممبحت لليهممود مصمملحة أكيممدة فممى قيممام الثممورة‬
‫الصناعية لما تدره عليهم مممن أربمماح لمم يكونمموا ليحصمملوا علممى‬
‫مثلها من قبل من أمراء القطاع ‪ ،‬بالضافة إلممى الجلمموس فممى‬
‫مقعد السيطرة بدل من الذل المهين الذى كانوا يعاملون به فى‬
‫عهمد القطماع حمتى وهمم يقوممون بممإقراض الممال للطمالبين !‬
‫واقرأ إن شئت وصفا قصصيا لهذه الوضاع فى قصة " الزنبقممة‬
‫القرمزية " تأليف البارونة أورتسى حيث يطلب أمير القطاعيممة‬
‫قرضا مممن المرابممى اليهممودى ‪ ،‬فممإذا جمماء هممذا يسمملمه القممرض‬
‫المطلوب وهو ينحنى أمامه فى ذلة )ول ضير عندهم فى التذلل‬
‫ممما دام وراءه ربممح !( إذا القطمماعى ينهممره لنممه يمممد يممده إليممه‬
‫بالمال ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬ل تدنس يدى بلمسها بيدك ! ضع المال هنا‬
‫)مشيرا إلى مكان معين( وسأتسلمه أنا مممن ذلممك المكممان بعممد‬
‫انصرافك أيها العين !!‬
‫ولكن العقبة أمام الصممناعة الناشممئة لممم تكممن عقبممة التمويممل‬
‫فحسب ‪ ،‬وهى بالنسبة لهم لم تكن عقبة بل كانت مصممدر ربممح‬
‫وفير ‪ ،‬إنما كممانت العقبمة الكممبرى هممى تمموفير العمممال اللزميممن‬
‫للصناعة ‪ ..‬فقد كممان العمممال فممى الريممف يحتجزهممم القطمماع ‪،‬‬
‫وسمماء كممانوا عبيممدا للسمميد أو عبيممدا للرض ‪ ،‬أو مممن العمممال‬
‫الزراعيين الحرار وهم قلة قليلممة إلممى جمموار العبيممد والقنممان ‪،‬‬
‫وكلهممم ل يملكممون النتقممال إلممى حيممث تقمموم الصممناعات –‬
‫بالضممرورة – فممى المدينممة ‪ ،‬حيممث توجممد السممواق المعقولممة‬
‫لتصريف المنتجات الصناعية ‪ .‬ومممن ثممم كممان لبممد مممن تحطيممم‬
‫القطاع لتحرير العبيد – عبيممد السمميد وعبيممد الرض – وتقريممر "‬
‫حق النتقال " لكل من يريد ‪ ،‬وهو حق لم يكن قائممما فممى ظممل‬
‫القطاع ‪.‬‬
‫وهمذا الهمدف – وهمو تحريمر العبيمد لتموفير العممال اللزميمن‬
‫للصناعة فى المدن – لم يكن فى سحاب الثائرين ول شك يمموم‬
‫قاموا بثورتهم العنيفة ضد مظممالم القطمماع ‪ ،‬ولكنممه كممان هممدفا‬
‫واعيا للرأسمالية القائمة فى أحضممان اليهممود منممذ أول لحظممة ‪،‬‬
‫أى أنه كان هدفا واعيا فى تخطيط اليهود ‪ ،‬ومن أجلممه شمماركوا‬
‫فى الثورة الفرنسية وقممامت مؤسسمماتهم الماسممونية لهمما بممدور‬
‫التحضير ‪ ،‬أو التفجير ! " ‪. "1‬‬
‫أما الدين فلم تكن قصته كذلك ‪.‬‬
‫كان الثوار ينقمون على رجال الدين طغيانهم الممذى أذلمموا بممه‬
‫الناس عبر القرون ‪ ،‬كما كانوا ينقمون عليهم مساندتهم لمممراء‬
‫القطاع ضممد دعمموات التحممرر مممن الظلممم ‪ ،‬وكممانوا يريممدون أن‬
‫يتحرروا من ذلك الطغيان ومن تلك المساندة الظالمة للطغاة ‪،‬‬
‫ولكنهم لو تركوا لنفسهم دون تممدخل الشممرار ‪ ،‬فلربممما اكتفمموا‬
‫بقتل من قتلوا من رجال الدين دون التوجه لقتممل الممدين ذاتممه ‪،‬‬
‫أو لربما طالبوا بالصلح المدينى الممذى يمدع النمماس أحمرارا فممى‬
‫عبادتهم ‪ ،‬ويزيل عممن البابمما ورجممال الممدين قداسممتهم ‪ ،‬ويصممحح‬
‫العقيدة من انحرافها ‪ ،‬وينفى الباطيل والمعميات عنها ‪.‬‬
‫ولكن التممدبير اليهممودى كمان يسممعى إلمى تحطيمم الممدين فمى‬
‫أوروبا جملة لتحقيق مرحلة من مراحل المخطط الشرير الممذى‬
‫يهدف إلى تجريد " الممين " جميعما ممن عقمائدهم وأخلقهمم ‪،‬‬
‫لجل " استحمارهم " والسمميطرة عليهممم ‪ ،‬وتشممخيرهم لشممعب‬
‫الله المختار ‪ ،‬بالضافة إلى النتقام الشخصى مممن الممدين الممذى‬
‫اضطهدهم واستذلهم على اعتبار أنهم قتلوا " الممرب " المعبممود‬
‫" " أشرنا من قبل أكثر من مرة إلى أن مشاركة اليهود فى الثورة أو تحريكها للتفجر ليس معناه أنهم هم الذين‬ ‫‪1‬‬

‫أنشأوها إنشاء كما يزعمون ‪ ،‬لنهم ما كانوا ليستطيعوا إيجادها من العدم ‪ ،‬ول كانوا يستطيعون إشعالها لو لم تكن‬
‫هى من ذاتها قابلة للشتعال ‪.‬‬
‫فى ذلك الدين وصلبوه !‬
‫لذلك سعوا بجمعياتهم الماسونية المنبثة فممى أنحمماء فرنسمما ‪،‬‬
‫وبخطبائهم وكتابهم إلى توجيه غضممب الجممماهير المجنونممة نحممو‬
‫الدين ذاته ل نحو رجاله فحسب ‪ ..‬وكان أن أعلنت فى " فرنسا‬
‫الثممورة " أول حكومممة ل دينيممة فممى العممالم المسمميحى ل تجعممل‬
‫الدين أساسا لى شئ فى حياة الناس ‪.‬‬
‫وكانت خطوة جريئة وبجارة بل شك ‪ ،‬جلممس اليهممود يفركممون‬
‫أيديهم سرورا بها فى غفلمة مممن المميممن ‪ ،‬الملتهيمن – حسممبما‬
‫تقرر البروتوكولت – بشعارات " الحريممة والخمماء والمسمماواة "‬
‫والغارقين فى شرب الكأس حتى الثمالة ‪ ،‬المنتشممين بممما صممار‬
‫فى أيديهم – فجأة – من سلطان يقتلون به الملموك والشمراف‬
‫ورجال الدين ‪ ،‬وكل من حامت حوله شممبهة مممن قريممب أو مممن‬
‫بعيد ‪ ،‬أو أشارت إليه الجممماهير المجنونممة بإصممبعها ‪ :‬خممائن ! أو‬
‫جاسوس !‬
‫وهكذا خرج " المميون " الثائرون بشئ من النفممع المشمموب‬
‫بكثير من الشر ‪ ،‬بينما خرج اليهود بتحقيق أهدافهم كاملة سواء‬
‫فى تحطيممم القطمماع لترسمميخ قممدم الرأسمممالية المولممودة فممى‬
‫أيديهم ‪ ،‬أو تحطيم الدين تمهيدا " لستحمار " أوروبا وتسخيرها‬
‫لمصلحة اليهود ‪.‬‬
‫كممانت الثممورة الفرنسممية حممدثا ضممخما فممى حيمماة أوروبمما دون‬
‫شك ‪ ،‬ل للسباب التى يدرسونها للولد فممى المممدارس ‪ ،‬ولكممن‬
‫لسباب أخرى أخطر وأهممم ‪ ..‬فقممد أطلقممت يممد اليهممود لتحقيممق‬
‫مخططاتهم الشريرة بصورة لم تكن متاحة لهممم منممق بممل فممى‬
‫عهد القطاع ‪ ..‬فقد ولد من جممراء الثممورة الفرنسممية ‪ ،‬والثممورة‬
‫الصناعية التى كانت الولى تحضيرا وتمهيدا لها ‪ ،‬مجتمممع جديممد‬
‫كل الجدة عن المجتمع القطمماعى ‪ ،‬اسممتطاع اليهممود أن يعيثمموا‬
‫فيه فسادا بكل قوتهم ‪ ،‬لنه ولد فى أيديهم من اللحظة الولممى‬
‫فاستطاعوا أن يشكلوه على النحو الذى يريدون ‪ ،‬إذ كانوا هم –‬
‫عممن طريممق البنمموك والقممراض بالربمما – ممممولى الرأسمممالية‬
‫وسادتها المسيطرين عليها ‪ ،‬والمسيطرين – من خللها – علممى‬
‫صناعة المجتمع الجديد بكل ما فيه من عقائد وتصورات وأفكمار‬
‫وسلوك ‪ ..‬وإذ كان " الممين " فى أوروبمما قممد بممدأوا ينسمملخون‬
‫من دينهم ويسلمون قيادهم للشيطان !‬
‫وسنتحدث فيما بعد عن " الحتميممات " الممتى زعمهمما التفسممير‬
‫المادى للتاريخ لتفسير النتقال من طور فى حياة البشرية إلممى‬
‫طور ‪ ،‬وخاصة النتقال من الطور الزراعى إلى الطور الصناعى‬
‫‪ ،‬وسنرى عند الحديث عنها أنهمما حتميممات زائفممة ‪ ،‬وأنهمما ليسممت‬
‫هى – أو ليسممت هممى وحممدها – الممتى تحممرك حيمماة البشممر علممى‬
‫الرض م وتنقل خطاها من طور إلى طممور ‪ ،‬وأنممه لممم يكممن مممن‬
‫الحتممم علممى الطلق أن تكممون صممورة المجتمممع الرأسمممالى‬
‫الصناعى هى الصورة الممتى وجممد عليهمما بالفعممل لممول التخطيممط‬
‫الشرير الذى شكلها على هذه الصورة ! " ‪. "1‬‬
‫اسممتطاع اليهممود – بعبقريتهممم الشممريرة – أن يتسمملموا قيمماد‬
‫المجتمع الوروبى الخذ فى النسلخ من دينه بتممأثير انحرافممات‬
‫الكنيسة الوروبية وجرائمها وخطاياهمما ‪ ،‬فينشممئوا علممى أنقمماض‬
‫المجتمع القطاعى المنهار مجتمعا جديممدا بل ديممن ول أخلق ول‬
‫تقاليد ‪ ..‬وقد سلطوا علممى هممذا المجتمممع كممل قممواهم الشممريرة‬
‫لينشئوه على هذه الصورة ‪ ،‬فوضعوه بين ذراعى كماشة هائلممة‬
‫تعصره عصرا وتفتممت كيممانه وتحيلممه كيانمما ممسمموخا مشمموها بل‬
‫قوام !‬
‫إحدى ذراعى الكماشممة كممانت نظريممات " علميممة ! " زائفممة ‪،‬‬
‫تحممارب الممدين والخلق والتقاليممد مممن كممل زاويممة مسممتطاعة ‪،‬‬
‫تحتوى – ل شك – على شممئ مممن الحممق ‪ ،‬ولكنهمما تلبممس الحممق‬
‫بالباطل على ديدن يهود من أول التاريخ ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مممو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫حمقّ وَأن ْت ُم ْ‬ ‫ممموا ال ْ َ‬‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬‫حمقّ ِبال َْباط ِم ِ‬ ‫سوا ال ْ َ‬ ‫}َول ت َل ْب ِ ُ‬
‫‪] {(42‬سورة البقرة ‪[2/42‬‬
‫ق‬
‫حم ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مممو َ‬ ‫حمقّ ِبال َْباط ِم ِ‬
‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫سممو َ‬ ‫م ت َل ْب ِ ُ‬
‫ب لِ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫}َيا أ َهْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(71‬سورة آل ‪[3/71‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫وَأن ْت ُ ْ‬
‫وكان أبرز " البطال " فى هذه المعركة ثلثة من " أسمماطين‬
‫" اليهود هم ماركس وفرويد ودركايم ‪..‬‬
‫وأما الذراع الخرى للكماشة فكممانت واقعمما فعليمما يقمموم مممن‬
‫أول لحظممة علممى عممداء مممع الممدين والخلق والتقاليممد ‪ ،‬ويظممل‬
‫ينزلق خطوة خطمموة ‪ ،‬كممل خطمموة تممؤدى إلممى ممما بعممدها كأنممما‬
‫بصورة تلقائيممة )ومممن طبيعممة المنزلممق أن يهمموى بصمماحبه إلممى‬
‫" " الحتمية الوحيدة فى هذا الوجود كله هى حتمية السنن الربانية ‪ .‬وما حدث بالفعل فى هذا الكون فقد كان محتم‬ ‫‪1‬‬

‫الوقوع فى قدر اله ‪ .‬ولكن قدر الله يجرى فى الرض من خلل أعمال البشر إن خيرا فخير وإن شرا فشر ‪ " :‬ظهر‬
‫الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون " ] سورة الروم ‪[ 41 :‬‬
‫ولكن قدر الله ل يفرض الفساد على الناس ‪ ،‬إنما يرتب على الفساد نتائجه وعلى الصلح نتائجه ‪ " :‬ولو أن أهل‬
‫الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ‪ ،‬ولدخلناهم جنات النعيم ‪ .‬ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم‬
‫من ربهم لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ] سورة المائدة ‪ [ 66 – 65 :‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا‬
‫عليهم بركات من السماء والرض ‪ .‬ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " ] سورة العراف ‪. [ 96 :‬‬
‫الهاوية ما دام قد سار فيممه( وتممؤدى فممى النهايممة إلممى النسمملخ‬
‫الكامل من كل مقومات الدين ‪ .‬وكان اللعب الكممبر فممى هممذه‬
‫العملية الضخمة هو المرأة " المتحررة " اقتصمماديا ‪ ،‬والمتحللممة‬
‫فى ذات الوقت من سلطان الدين والخلق والتقاليد ‪..‬‬
‫وفيممما يلممى نتحممدث عممن كممل مممن الممذراعين الشممريرتين ‪،‬‬
‫وآثارهما فى إفساد المجتمع الوروبى ‪.‬‬
‫النظريات العلمية‬
‫دارون ونظرية التطور‬
‫ليس دارون يهوديا ‪ ،‬فقد ولد لبوين مسيحيين ‪ ،‬ولكن اليهممود‬
‫استغلوا نظريتممه علممى نطماق واسمع وعملمموا علممى نشمرها فممى‬
‫الرض لما رأوه ممن إمكمان السمتفادة بهمما فممى تحطيمم عقمائد‬
‫الممين كما تقول البروتوكولت ‪ :‬لقد رتبنا نجاح نيتشه ودارون‬
‫وإن تأثير أفكارهما على عقائد الممين واضح لمنا بكل تأكيد ‪.‬‬
‫فل عجب إذن أن تجممد نظريتممه تممدرس فممى معظممم مممدارس‬
‫الرض ل على أنها فرض علمى )كما هى فى حقيقتها( ول حممتى‬
‫على أساس أنها " نظريممة " علميممة )أى لممم تثبممت ثبوتمما قاطعمما‬
‫يرشحها لن تكون حقيقة علمية( بل على أنها حقائق نهائية فى‬
‫علم الحياة !‬
‫ولد دارون فى بريطانيا عام ‪ ، 1809‬وفى سنة ‪ 1859‬أصممدر‬
‫كتابه فى " أصل النواع " ‪.‬‬
‫وقممد كممان متخصصمما فممى علممم الحيمماة ‪ ،‬وأدت بممه ملحظمماته‬
‫العلميممة إلممى أن يكتشممف أنممه يمكممن عممن طريممق " النتخمماب‬
‫الطبيعى " تأكيد صفات معينة أو إضعافها فى النسل الناتج مممن‬
‫زوجين منتخبين بصفات معينممة ‪ ،‬وأنممه يحممدث مثممل ذلممك فممى "‬
‫الطبيعة " عن طريق النتخاب الطممبيعى أى الممتزاوج الحممر بيممن‬
‫الكائنات الحية ‪ ..‬وأن التغيير الناشئ من هذا النتخاب يمكن أن‬
‫يصل إلى حد استحداث صفات جديدة لم تكممن فممى أى البمموين‬
‫كطول المنقار فى بعض الطيور ‪ ،‬أو اللوان الزاهية فى بعضممها‬
‫الخممر ‪ ،‬أو غيممر ذلممك مممن الصممفات ‪ .‬فممافترض أن مثممل هممذه‬
‫التغيممرات قممد حممدثت فممى " الطبيعممة " مممن قبممل خلل ملييممن‬
‫السنين مممن عمممر الحيمماة علممى سممطح الرض ‪ ،‬مممما أدى علممى‬
‫الممدوام إلممى ظهممور " أنممواع " جديممدة وأدى كممذلك – بممتراكم‬
‫التغيرات – إلى ظهور " أجناس " جديدة لم يكن لها وجممود مممن‬
‫قبل ‪ ..‬ثم تصور أنه من خلل هذه العملية التى سماها عمليممة "‬
‫التطور " سارت الحياة فى سلسلة طويلة من الرقى التدريجى‬
‫بدأت بالكائن الوحيد الخلية وانتهت بالنسان على النحممو التممالى‬
‫)باختصار كثير من التفصيلت( ‪:‬‬
‫كائن وحيد الخلية )كالمبيا( – فطريات متعددة الخليا – نبات‬
‫– نبممات يشممبه الحيمموان )كالهيممدرا( – حيمموان يشممبه النبممات‬
‫)كالمرجممان( – حيوانممات ل فقاريممة – حيوانممات فقاريممة دنيمما‬
‫)كالسماك والطيور( – حيونات فقارية أرقى )كالثدييات الممدنيا(‬
‫– الثممدييات العليمما – القممردة الممدنيا – القممردة العليمما )الغمموريل‬
‫والورانممج أوتانممج " إنسممان الغمماب " والشمممبانزى والجممبيون( –‬
‫الحلقة المفقممودة )القممرد الشممبيه بالنسممان أو النسممان الشممبيه‬
‫بالقردة العليا( – النسان ‪.‬‬
‫وقال دارون – فيممما قممال وهممو يشممرح نظريتممه ‪ :‬إن الطبيعممة‬
‫تخلممق كممل شممئ ول حممد لقممدرتها علممى الخلممق ‪Nature creates‬‬
‫‪.everything and there is no limit to its creativity‬‬
‫وقال كذلك ‪ " :‬إن الطبيعة تخبط خبط عشواء "‬
‫‪Nature Works Haphazadly‬‬
‫وبصرف النظر عممن صممحة المعلومممات الممواردة فممى نظريتممه‬
‫وصحة تفسيراته لهمما أو عممدم صممحتها " ‪ ، "1‬فقممد أنشممأت رجممة‬
‫كبيرة فى المجتمع الغربى‪ ،‬اهتزت لهمما الكنيسممة مممن جهممة " ‪"2‬‬
‫والدوائر العلمية من جهة أخرى والجماهير من جهة ثالثة ‪.‬‬
‫فأما الكنيسة فقد كفرت دارون ابتداء وقالت عنه إنه زنممديق‬
‫مهرطق مارق من الدين ‪ ،‬لنه ينفى الخلممق المباشممر مممن اللممه‬
‫للنسان على صورته ‪0‬تفسممر الكنيسممة كلمممة " علممى صممورته "‬
‫الواردة فى التوراة على أن اله قد خلممق النسممان علممى صممورة‬
‫نفسه – تعالى – أى على صورة الله( بل ينفى يد اله من عملية‬
‫الخلق كله ‪ ،‬كما ينفى الغاية والقصد ‪ ،‬لنه يقممرر أن الحيمماة قممد‬
‫وجدت على الرض بالصدفة فى ظروف معينة )لم تتكممرر مممرة‬
‫أخرى( ! وأن تفسير الحيمماة وتطورهمما بإرجاعهمما للرادة اللهيممة‬
‫يكون بمثابة إدخال عنصر خممارق للطبيعممة فممى وضممع ميكممانيكى‬
‫بحت !‬
‫‪This would be to introduce a supernatural element in a‬‬
‫‪completely mechanical position.‬‬
‫وقممد جاوبهمما دارون مممن نمماحيته باتهامهمما بالجهممل والتخريممف‬
‫ومحاربة العلم بحقائقه ونظرياته ‪.‬‬
‫وأما العلماء فقد انقسموا إلى ثلث فرق ‪ .‬فرقة تؤيممد دارون‬
‫‪ " " 1‬ل ندخل فى نقاش مع نظرية دارون فهذا مجاله الكتب العلمية المتخصصة فى علم الحياة وتفسير الظواهر‬
‫المتصلة بالكائنات الحية ‪ ،‬ولكنا نذكر فقط أن هناك علماء آخرين لهم قدم راسخة فى مجال البحث العلمى يعارضون‬
‫دارون معارضة تامة فى تفسيره لظاهرة نشوء الحياة وتطورها ‪.‬‬
‫كما أن علم " الجينات " )المورثات( يميل إلى اعتبار الصفات الخاصة بكل جنس ثابتة وغير قابلة للنقص أو الزيادة مما‬
‫يعارض فكرة نشوء الجناس الجديدة من النواع المتطورة بتغير صفاتها الوراثية تغيرا جذريا ينقلها إلى جنس جديد‬
‫)كنشأة الفقاريات من الل فقاريات أو نشأة القرود من الثدييات العليا أو نشأة النسان من القردة العليا( كما أن "‬
‫الداروينية الحديثة ‪ Neo Darwinism‬ذاتها تقرر تفرد النسان عن بقية الحيوانات تفردا جوهريا ‪.‬‬
‫‪ " " 2‬إذا كانت الثورة الفرنسية قد قضت على نفوذ رجال الدين فى فرنسا فليس معنى هذا أن الكنيسة قد فقدت‬
‫وجودها تماما فى ذلك الحين وخاصة خارج فرنسا ‪.‬‬
‫وتتحمس له ‪ ،‬وفرقة تعارضه وتندد به ‪ ،‬وفرقة تحمماول التوفيممق‬
‫بين ما تقوله النظرية وما يقوله الدين !‬
‫وأما الجماهير فقد وقفت فى مبدأ المممر موقفمما حاسممما مممع‬
‫الكنيسة ضد دارون ! فقد عز عليها أن يسملبها دارون إنسممانيتها‬
‫ويردها إلى أصل حيوانى ‪ ،‬وينفى التكريم الربانى الذى كرم بممه‬
‫الله النسان حيممن خلقممه علممى صممورته ‪ ،‬وزينممه بالعقممل وميممزه‬
‫بالقدرة على النطق ‪ ..‬ولكنها رويدا رويدا بمدأت تغيممر موقفهما ‪،‬‬
‫وتعتنممق أفكممار دارون ‪ ،‬وتتغاضممى عممن مسممبة الحيوانيممة الممتى‬
‫ألحقها بها فى نظريته ‪ ،‬بل بدأت تهاجم الكنيسممة لموقفهمما مممن‬
‫دارون ‪ ،‬وترى فى نظريته معول هداما يهدم ما بقى لهمما عليهممم‬
‫من سلطان !‬
‫هل تم هذا التحول فى موقف الجماهير تلقائيا أم كممان وراءه‬
‫ذلك العنصر الشرير ؟!‬
‫وهل كان يمكممن – لممول ذلممك التممدخل الشممرير – أن يتغاضممى‬
‫الناس عن إنسانيتهم المسلوبة وعن كرامتهم الملغاة ‪ ،‬ويعتنقوا‬
‫نظريممة تقممرر صممراحة أن النسممان إن هممو إل امتممداد لسلسمملة‬
‫التطور الحيوانى ‪ ،‬ل قصد مممن خلقممه ول غايممة ‪ ،‬وممما يزيممد عممن‬
‫القردة إل ما أضافه التطور خلل مئات اللوف من السنين مممن‬
‫تغير عشوائى غير مقصود ؟!‬
‫حقيقة إن " العلماء" هم الذين بدأوا باعتنمماق نظريممة دارون ‪،‬‬
‫ثم تبعتهم الجماهير ‪ .‬ولكن هؤلء وهؤلء ما كممانوا ليفعلمموا ذلممك‬
‫لول عنصران قائمان فى الموقف ‪ ،‬عنصممران غيممر " علمييممن "‪،‬‬
‫أحدهما موقف الكنيسة الطغيانى من المممور كلهمما ومممن العلممم‬
‫والعلماء خاصة ‪ ،‬والخر هو الدعاية الضخمة التى قام بها اليهود‬
‫للنظرية وليحاءاتها المصادمة للعقيدة بصفة خاصة ‪.‬‬
‫ومرة أخرى ل نتعرض هنا للنظرية بالنقممد ‪ .‬وإن كنمما سنشممير‬
‫فيما بعد إلى آراء الدارونية الحديثة نفسها فى هذا المممر ‪ ،‬بعممد‬
‫ما تقدم العلم كثيرا عما كممان عليممه أيممام دارون ‪ ،‬وكشممف عممن‬
‫أشياء لم تكن مكشوفة لممه فممى ذلممك الحيممن ‪ ،‬إنممما نتكلممم عممن‬
‫إيحاءاتها المصادمة للعقيدة ‪..‬‬
‫إن النظرية – بصرف النظر عن صممحتها أو عممدم صممحتها مممن‬
‫الوجهة العلمية البحتة – لم يكن من الحتممم أن تصمماغ بالطريقممة‬
‫التى تصادم العقيدة لممول ذلممك الصممراع القممديم الممذى قممام بيممن‬
‫الكنيسة والعلماء ‪ ،‬واستمر إلى وقت دارون وما بعممده ‪ ،‬وجعممل‬
‫" العلماء " يتعمدون تجريممح الممدين ورجمماله انتقاممما مممما فعلتممه‬
‫الكنيسة من قبل ‪ ،‬كممما جعممل أوروبمما تهممرب مممن إلممه الكنيسممة‬
‫وتضع " الطبيعة " إلها بدل منه !‬
‫لو قال دارون إن الله حين خلق الحيمماة علممى الرض هيممأ لهمما‬
‫ظروفمما معينممة تسمماعد علممى وجممود الخليممة الحيممة ونموهمما‬
‫واستمرارها ‪ ،‬ثم نوع الله الخلئق علممى نسممق معيممن بممدءا مممن‬
‫الكممائن الوحيممد الخليممة إلممى أكممثر الخلئق رقيمما وتعقيممدا وهممو‬
‫النسان ‪ ،‬وإن قمة العجاز فى الخلممق – والخلممق كلممه معجممز –‬
‫هو خلق النسان على هذه الصورة وإمداده بالمزايا التى تؤهله‬
‫للقيام بدوره على الرض " ‪. "1‬‬
‫لو قال هذا ‪ ،‬ثم أورد كممل ممما أورده مممن التفصمميلت العلميممة‬
‫التى أتى بها فى نظريته – بصرف النظر عن صممحتها أو خطئهمما‬
‫من الناحية العلمية – فماذا كان يمكن أن يحدث ؟!‬
‫كانت النظرية تظل موضع أخذ ورد بين العلماء للستيثاق من‬
‫صحة تلك التفصيلت ‪ ،‬كما حدث مع أى فرض علمى أو نظريممة‬
‫علمية ‪ ،‬حتى تمحص وتثبت حقيقتها ‪ ،‬ولكن دون رجة ول ضممجة‬
‫ول هزات ‪..‬‬
‫ولكنه – لمر ما – لم يقل ذلك ولم يرد أن يقوله !‬
‫إنما قال بدل منه إن " الطبيعة " هى التى خلقت ‪ .‬وقال إنهمما‬
‫تخبط خبممط عشممواء ‪ .‬واقممل إنممه يرفممض تفسممير نشمموء الحيمماة‬
‫وتطورها بإرجاع ذلك إلى الرادة اللهية لن ذلممك خلممط علمممى‬
‫غير جائز ‪ ،‬وإنه بمثابة إدخال عنصممر خممارق للطبيعممة فممى وضممع‬
‫ميكانيكى بحت !! ثم تحايل على الحرج الذى يواجهه وكل منكر‬
‫للرادة اللهية فى قضية الخلق كله ‪ ،‬وخلق الحياة أول مرة من‬
‫َ‬
‫ن غَْيم ِ‬
‫ر‬ ‫مم ْ‬
‫خل ُِقموا ِ‬
‫م ُ‬
‫الموات ‪ ،‬والذى يوجه إليمه همذا التحمدى ‪} :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(35‬سممورة الطممور ‪ [52/35‬تحايممل‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خممال ُِقو َ‬ ‫م هُ ْ‬
‫يٍء أ ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫على ذلك تحممايل سممخيفا – مممن وجهممة النظممر العلميممة البحتممة –‬
‫فقال إن الحياة نشأت صدفة على الرض !!‬
‫ومن ثم وجدت فيه اليهودية المتربصة فرصة سانحة لتقويض‬
‫عقممائد " المميممن " وإزالممة ممما بقممى مممن أثممر للممدين فممى حيمماة‬
‫الناس !‬
‫وينبغى – لكى ندرك دور اليهود فى إفساد أوروبا دون تهويممل‬
‫فى تقدير مقدرتهم الشريرة كما فعل وليم كممار – أن نقممول إن‬
‫" " هذا الذى أثبتته الداروينية الحديثة فيما بعد ‪ ،‬وإن كانت ما تزال فى خصامها التقليدى مع الدين !‬ ‫‪1‬‬
‫عالمنا سابقا هو " لمارك " ‪ La Marke‬كان قد قال شيئا قريبمما‬
‫مما قاله دارون ‪ ،‬ولكن اليهود لممم يسممتطيعوا اسممتغلل نظريتممه‬
‫لتقويض عقائد المميين كما فعلوا بنظريممة دارون ‪ ،‬لن الحممدث‬
‫العظيم الذى رج المجتمع الوروبى كله – وهو الثورة الفرنسممية‬
‫– لم يكن قد وقع بعد ‪ ،‬وكان المجتمع – على كل ما كان يحمل‬
‫من الفساد والظلم – ما يممزال متماسممكا بالصممورة الممتى ل تممدع‬
‫لليهمود فرصمة المدخول ‪ ،‬فعجمزوا يمومئذ عمن المدخول ! ولكمن‬
‫الرجة التى أحدثتها الثورة الفرنسممية – الممتى اشممتركوا هممم فممى‬
‫توجيهها وجهة معينة – هى التى قربت الهدف وأحدثت الثغممرات‬
‫التى يمكن أن ينفذوا منها ‪ .‬فلما قممام دارون تلقفمموه وأمسممكوا‬
‫به معول هائل لتحطيم كل القيم فى حياة البشرية ‪.‬‬
‫أيا كان القول فى نظريممة دارون مممن الوجهممة العلميممة ‪ ،‬فقممد‬
‫كانت نظريمة محصمورة فمى " علمم الحيماة " تحماول أن تفسمر‬
‫نشأة الحياة وتطورها ‪ ،‬فلم تكن نظرية فلسفية ‪ ،‬ول سياسية ‪،‬‬
‫ول اقتصادية ‪ ،‬ول اجتماعية ‪ ،‬ول نفسية ‪ ..‬ولكنها انقلبت – فممى‬
‫فترة وجيزة من الزمن – فأصبحت كل هؤلء !‬
‫وحقيقة أن من أراد أن يستخرج منها إيحاءات فلسفية أو غير‬
‫فلسفية فإنه يستطيع ‪..‬‬
‫فالنظريممة الممتى تقممرر حيوانيممة النسممان وممماديته )بمعنممى أن‬
‫الظروف المادية المحيطة به هممى الممتى أثممرت فممى " تطمموره "‬
‫وإعطائه صورته( والتى تنفى القصد والغاية من خلفممه ‪ ،‬وتنفممى‬
‫التكريم الربانى له بإفراده بين الكائنات الخرى بالعقل والقدرة‬
‫على الختيار والقدرة على التمييز فضل عممن المزايمما الخممرى "‬
‫النسانية " ‪..‬‬
‫إن نظرية كهذه يمكمن أن تعطمى إيحماءات خطيمرة فمى كمل‬
‫اتجاه ‪..‬‬
‫فحيممن يكممون النسممان حيوانمما أو امتممدادا لسلسمملة التطممور‬
‫الحيوانى فأين مكان العقيدة فى تركيبه ‪ ،‬وأين مكممان الخلق ‪،‬‬
‫وأين مكان التقاليد الفكرية والروحية والخلقيمة والجتماعيمة ‪..‬‬
‫الخ ؟!‬
‫وحين يكون حيوانا ‪ ،‬أو امتممدادا لسلسمملة التطممور الحيمموانى ‪،‬‬
‫فما مقياس الخطممأ والصممواب فممى أعممماله ؟ وكيممف يقممال عممن‬
‫عمل من أعماله إنه حسن أو قبيح ‪ ،‬جائز أو غير جائز ‪ ..‬بعبممارة‬
‫أخرى كيف يمكن إعطاء قيمة أخلية لعماله ؟‬
‫وحين يكون حيوانا أو امتدادا لسلسلة التطور الحيوانى ‪ ،‬فممما‬
‫معنى " الضوابط " المفروضة على سلوكه ؟ وما معنممى وجممود‬
‫الضوابط على الطلق " ‪ "1‬؟‬
‫كل تلك إيحاءات يمكن أن تستخرج من النظرية لمن أراد أن‬
‫يصطاد فى الماء العكر ! ولكننا إذا نظرنا إلى الواقممع وجممدنا أن‬
‫أحدا لم يصنع ذلك سوى اليهممود !! هممم الممذين اسممتخرجوا هممذه‬
‫اليحاءات كلها التى لم يقلها دارون ‪ ،‬وربما لم يفكر فيها أبممدا ‪،‬‬
‫ولكنهم أسرعوا إلى اقتناصها ‪ ،‬وأنشأوا منها نظريات " علمية "‬
‫اقتصادية ونفسية واجتماعية ‪ ..‬الخ موجهة كلها لمحاربممة الممدين‬
‫والخلق والتقاليد ‪..‬‬
‫وكانت فكرة " التطور " ذاتهما ممن أشمد مما لعمب بمه اليهمود‬
‫لزلزلة عقائد " المميين " وتقويضها ‪ ..‬فقد ضخموا تلك الفكرة‬
‫أى تضخيم وصنعوا منها قذائف يطلقونها على كل معنى " ثابت‬
‫" فى حياة البشرية من دين أو قيم أو أخلق ‪.‬‬
‫والحممق – رمممة أخممرى – أنهممم ال ينشممئون الحممداث ولكنهممم‬
‫يتحينون الفرص ويستغلون الحداث ‪.‬‬
‫لقد كان الخلل الفكرى فممى حيمماة أوروبمما فممى ظممل سمميطرة‬
‫الكنيسة الفكرية هو الذى رشح للهزة التى أصممابت هممذا الفكممر‬
‫يوم أطلقت عليه فكرة التطور ‪ ،‬فقد كان كممل شممئ فممى حممس‬
‫أوروبما المسميحية الكنسمية ثابتما منمذ الزل وسميظل ثابتما إلمى‬
‫البد ‪ ..‬ليست فكرة اللوهية فقط هى التى ينطبق عليها تصممور‬
‫الثبممات ‪ ،‬ول القيممم الدينيممة والخلقيممة وحممدها ‪ .‬ولكممن الجبممال‬
‫والشجر والحيمموان والطيممر ‪ .‬والوضمماع السياسممية والجتماعيممة‬
‫والقتصادية ‪ ..‬وكل شئ فى الحياة ‪.‬‬
‫البابا هو البابا ذو القداسة ‪ ،‬يذهب واحد ويجممئ واحممد ‪ ،‬وكلممن‬
‫البابوية ذاتها وقداستها أمر ثابت ل يتغير ‪..‬‬
‫الملوك والباطرة هم الملوك والباطرة ‪ ..‬يممذهب منهممم مممن‬
‫يذهب ويجئ من يجئ ‪ ..‬ولكن الملكية ذاتها أمر ثابت ل يتغير ‪..‬‬
‫القطمماع هممو القطمماع ‪ ..‬يممذهب أميممر ويجممئ أميممر ‪ ..‬بنفممس‬
‫الصورة ‪ ،‬ونفس المعاملة ‪ ،‬نفس السيادة مممن جهممة والعبوديممة‬
‫من الجهة الخرى ‪ ..‬وكلها أمور ثابتة ل تتغير ‪.‬‬
‫من ثم غلب على الفكر الوروبى المسمميحى الكنسممى تصممور‬

‫" " قالت الداروينية الحديثة – فيما بعد – إن الضوابط موجودة فى الكيان " البيولوجى " للنسان ‪ ،‬فى تركيب مخه‬ ‫‪1‬‬

‫وجهازه العصبى ‪ ،‬وإنه متفرد بهذا عن الحيوان ! ومع ذلك يرفضون الدين !‬
‫الثبات فى كل شئ ‪.‬‬
‫فلممما وقعممت الثممورة الفرنسممية وأزالممت القطمماع والملكيممة‬
‫وزلزلت نفوذ الكنيسة كان ذلك حدثا حادا فى تاريخ أوروبمما أثممر‬
‫ماثيرا عميقا فى كل اتجاه ‪ ،‬ولكنه كممان قمينمما – بعممد فممترة مممن‬
‫الزمن – أن يفقد حدته ‪ ،‬ويستقر على صممورة فيهمما لممون مممن "‬
‫الثبات " ‪.‬‬
‫ولكن دارون جمماء فممأطلق قممذيفته علممى أمممر لممم تهممزه حممتى‬
‫الثورة الفرنسية ذاتهمما ‪ ،‬الممتى زلزلممت كممثيرا مممن الوضمماع فممى‬
‫أوروبا ‪ ،‬فقال إن الخلق ذاته غير ثابت ‪ ،‬وإن النسممان لممم يكممن‬
‫إنسانا حين وجد أول مرة بل كان شبيها بالحيوان !‬
‫وبين الشد والجذب التى تعرضت له النظريممة أمسممك اليهممود‬
‫بالخيط فجذبوه بعيدا بعيدا فى كل اتجاه لكى ل يعود !‬
‫وبسرعة – شممريرة – وجهمموا القذيفممة إلممى فكممرة " الثبممات "‬
‫ذاتها وقالوا – من طريممق اسممتخدام فكممرة " التطممور " – إنممه ل‬
‫شئ ثابت على الطلق ‪ .‬وإن طلب الثبات فى أى شئ ‪ :‬الدين‬
‫أو الخلق أو التقاليد ‪ ..‬الخ ‪ ،‬هو فى ذاته فكرة خمماطئة ! فكممرة‬
‫غير علمية ! فكرة مخالفة لطبيعة الشممياء ‪ .‬ثممم ظلمموا يممرددون‬
‫همذه القاويمل وينشمرونها ويؤكممدون عليهما ‪ ،‬حممتى صممارت هممى‬
‫الصبغة المسيطرة على الفكر " الممى " ل يقبلون فيهمما جممدل‬
‫ول مناقشممة ‪ ..‬ومممن نمماقش فهممو " الرجعممى " " المممتزمت " "‬
‫الجامد " " المتأخر " الذى يريد أن يرجع عقممارب السمماعة إلممى‬
‫الوراء ‪ ..‬وعقارب الساعة ل ترجع أبدا إلى الوراء !! وستسحقه‬
‫عجلة " التطور " التى ل تبقى ول تذر !!‬
‫من بين السماء " اللمعة ! " الممتى شممكلت الفكممر الوروبممى‬
‫الحديث ثلثة أسماء على القل ممن " كبمار " اليهمود ‪ :‬مماركس‬
‫وفرويد ودركايم ‪ Marx, Frued, Durkheim ،‬كل منهم قام بدوره‬
‫فى زلزلة الفكر الممى وإعادة تشكيله على النحو المطلوب ‪..‬‬
‫وكل منهممم قممام بممدوره فممى تحطيممم العممداء اللممداء للمخطممط‬
‫اليهودى ‪ :‬الدين والخلق والتقاليد ‪ ..‬وكل منهممم بنممى أفكمماره "‬
‫العلميممة ! " علممى أسمماس النظريممة الداروينيممة مممن هنمما أو مممن‬
‫هناك ‪..‬‬
‫فأما ماركس فقد أنشأ نظرية اقتصادية أو قل فلسممفة ماديممة‬
‫كاملممة ‪ ،‬بناهمما علممى فكممرة التطممور مممن جهممة وفكممرة حيوانيممة‬
‫النسان وماديته من جهة أخرى ‪ .‬وأما فرويد فقممد أنشممأ نظريممة‬
‫نفسية لتفسير تركب النفس النسانية ونشمماطاتها ‪ ،‬بناهمما علممى‬
‫فكرة حيوانية النسان ‪ .‬وأما دركايم فقد أنشأ نظرية اجتماعيممة‬
‫لتفسير الظواهر الجتماعية بناها علممى حيوانيممة النسممان وغلبممة‬
‫نزعة القطيع الحيوانية عليه من جهة ‪ ،‬وعلى انعدام الثبات فممى‬
‫القيم الجتماعية من جهة أخرى ‪.‬‬
‫كلهم – كما تممرى – " خممدم " الفكممر الممداروينى وأوصممله إلممى‬
‫إبعاد لم تخطر على بال دارون على الطلق ‪.‬‬
‫ونعرض هنا عرضا سممريعا لفكممار كممل مممن ممماركس وفرويممد‬
‫ودركايم دون مناقشة تممذكر ‪ ،‬لنممبين فقممط طبيعممة الممذراع الممتى‬
‫حملت اسم العلم والنرظيات العلمية من تلك الكماشة الرهيبة‬
‫التى أحاطت بالمميين فى أوروبا – وبالعالم كله مممن بعممد عممن‬
‫طريق السيطرة الوروبية – فذللت المميين لركوب شعب الله‬
‫المختار !‬
‫فأما ماركس فسنعود بإذن الله إلى مناقشة تفصيلية لفكاره‬
‫ونحن نتحدث عن الشيوعية والمادية الجدلية والتفسممير المممادى‬
‫للتاريخ ‪ .‬وأما فرويد ودركايم فيكفينا أن نعممرض أفكارهممما بغيممر‬
‫تفصيل ‪ ،‬بالقدر الذى يبين أثرهمما فممى تشممكيل الفكممر الوروبممى‬
‫تجاه الدين والخلق والتقاليد ‪ .‬وقد ناقشت فرويد – من قبل –‬
‫فى أكثر من كتاب وبخاصة فممى كتمماب " النسممان بيممن الماديممة‬
‫والسلم " وناقشت دركايم فممى كتمماب " التطممور والثبممات فممى‬
‫حياة البشرية " ‪.‬‬
‫ماركس‬
‫ماركس أبممو الشمميوعية والماديممة الجدليممة والتفسممير المممادى‬
‫للتاريخ وهو صاحب القولة الشهيرة " الدين أفيممون الشممعوب "‬
‫وهو يهودى ألمانى ولد عام ‪ 1812‬ومات عام ‪. 1883‬‬
‫أخذ ماركس جوهر النظريممة الداروينيممة وأنشممأ علممى أساسممه‬
‫نظرية اقتصادية وتفسميرا لحيمماة البشممرية يحصمر النسمان فممى‬
‫عالم المادة والتطور المادى ويجعل قوانين المادة منطبقة على‬
‫عالم البشر !! كما يجعل أمور الحياة كلها ‪ ،‬من عقائد ومشاعر‬
‫وافكار وأنماط سمملوكية ومنظمممات ومؤسسممات … الممخ ‪ ..‬تبعمما‬
‫للطور القتصادى وللوضاع الماديمة المتى يعيمش فيهمما النسمان‬
‫ومجممرد انعكمماس لهمما ‪ ،‬ل تسممبقها ‪ ،‬ول تخممرج عنهمما ‪ ،‬ول دور‬
‫للنسان فيهمما إل أن يممدور مممع الطممور القتصممادى ومقتضممياته ‪..‬‬
‫لنها " حتميات " ‪.‬‬
‫وقسممم الحيمماة البشممرية بمقتضممى هممذا التصممور إلممى خمممس‬
‫مراحممل حتميممة ‪ :‬هممى الشمميوعية الولممى والممرق والقطمماع‬
‫والرأسمالية والشيوعية الثانية والخيممرة ‪ .‬وجعممل النتقممال مممن‬
‫كل طور من هممذه الطمموار إلممى الطممور اللحممق لممه حتميمما مممن‬
‫جهة ‪ ،‬ومردودا إلى أسباب مادية واقتصادية من جهة أخرى ‪.‬‬
‫فالشيوعية الولى هممى الصممل الممذى عاشممت عليممه البشممرية‬
‫الولى فممى بممداوتها ‪ ،‬وجوهرهما المميمز هممو عمدم وجمود ملكيمة‬
‫فردية لشئ على الطلق ‪ ،‬قال ‪ :‬ول النسمماء أيضمما ‪ ،‬فقممد كممان‬
‫الجنس يمارس على المشاع ‪ ،‬كممل النسمماء لكممل الرجممال علممى‬
‫السواء ! والرض ملك للقبيلة بأكملها ‪ ،‬والطعام يتناوله الجميممع‬
‫معا والسمملح مملمموك لقبيلممة سممواء سمملح الصمميد أو الحممرب ‪..‬‬
‫والحياة ملئكية شعارها التعاون والحب والتناسق والنسجام !‬
‫ثم اكتشف النسان الزراعة فأدى هممذا المممر المممادى البحممت‬
‫إلى النتقال إلى طور اقتصادى جديد تبدل فيممه كممل شممئ تبممدل‬
‫كامل فراحت القبائل القوية تقاتل القبممائل الضممعيفة وتسممترقها‬
‫وتشغلها فى فلحة الرض فنشأ الرق ونشأت الملكيممة الفرديممة‬
‫وانتهت الفترة الملئكية التى عاشتها البشرية فى فترتها الولى‬
‫‪.‬‬
‫ثم اخترع النسممان المحممراث ‪ .‬ومممرة أخممرى أدى هممذا المممر‬
‫المادى البحت إلممى النتقممال إلممى طممور اقتصممادى جديممد‪ .‬فقممد‬
‫اكتشف النسان أنه يستطيع أن يممزرع – بهممذه اللممة الجديممدة –‬
‫مساحة أوسع بكثير مممما كممان يمكممن زرعممه بمماللت السممابقة ‪،‬‬
‫فنشأ القطاع ‪ ..‬ونشأت معه أفكار وعقممائد ونظممم ومؤسسممات‬
‫جديدة مختلفة تماما عن السابقة ‪.‬‬
‫ثم اخترع النسان اللة فنشممأت الرأسمممالية – بسممبب مممادى‬
‫بحممت – وانتقلممت صممورة الملكيممة الفرديممة مممن ملكيممة زراعيممة‬
‫إقطاعية إلى ملكية صناعية رأسمالية ‪ ،‬ونشممأت أوضمماع فكريممة‬
‫واجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة بالمرة ‪ ،‬فتغيرت الطبقة‬
‫ذات السيادة فلم تعد هى طبقة الشراف )أمراء القطاع( إنممما‬
‫أصبحت طبقة الرأسماليين أصممحاب المصممانع وأصممحاب رؤوس‬
‫الموال ‪ ،‬ولم يعد الشعب فى مجموعه فلحين إنما صممار عمممال‬
‫صناعيين ‪ ،‬وتغيرت مفاهيم هؤلء وهؤلء ‪ ،‬وتغيرت نظرتهم إلى‬
‫كل القيم التى كانت سائدة فمن قبل فى المجتمع الزراعى ‪.‬‬
‫ثم نشأ الصراع بين العمال وأصحاب رؤوس الموال فنشممأت‬
‫الشمميوعية ل لسممباب ماديممة فممى هممذه المممرة إنممما لسممباب‬
‫اقتصادية – وهى صنو السباب المادية فى نقل الناس من طور‬
‫إلى طور – ولكن فى هذه المرة ل يحممدث تطممور ينقممل النمماس‬
‫إلممى طممور جديممد بعممد الشمميوعية ‪ ،‬إذ الشمميوعية هممى المسممتقر‬
‫الخير للبشرية كما كانت بدايتها هممى الشمميوعية ‪ .‬وتحممدث فممى‬
‫داخل تغيرات ولكنها ل تغيممر المبممدأ الرئيسممى لهمما ‪ ،‬وهممو إلغمماء‬
‫الملكيممة الفرديممة وإقامممة الملكيممة الجماعيممة بممدل منهمما ‪ ..‬وفممى‬
‫النهاية – نهاية كل تطمور وتغيممر – تلغممى الدولمة لنتفمماء الحاجمة‬
‫إليها ‪ ،‬ويزيد النتاج بالدرجة التى تسمح بتطبيق مبدأ " مممن كممل‬
‫حسب طاقته ‪ ،‬ولكل حسب حاجته " ويزول الصراع نهائيمما مممن‬
‫حياة البشر ‪ ،‬ويعيشون فى حالة من الملئكية كممالتى بممدأوا بهمما‬
‫حياتهم أول مرة ‪.‬‬
‫ويركممز ممماركس فممى كلمممه عممن مراحممل التطممور الحتميممة‬
‫وأسبابها المادية والقتصادية على النتقال من مرحلممة القطمماع‬
‫إلى مرحة الرأسمالية لن هذا هو الطور الممذى كممان قائممما فممى‬
‫وقته ‪ ،‬ولنه هو الذى وقع فيه التغيير الضخم الذى أحدثه اليهود‬
‫فى المجتمع الوروبى ‪ ،‬فيقول إن سمممات المجتمممع القطمماعى‬
‫الزراعممى ‪ :‬التممدين ‪ ،‬وترابممط السممرة ‪ ،‬وسمميطرة الرجممل علممى‬
‫السرة بكل أعضائها ‪ ،‬أى على الزوجة والولد ‪ ،‬ويرد هممذا كلممه‬
‫إلى أسباب ماديممة واقتصممادية ‪ ،‬فل يقممول إنممه يرجممع إلممى قيممم‬
‫معنويممة ‪ ،‬ول يقممول إن هممذا – فممى ذاتممه – أمممر طيممب وفاضممل‬
‫ومسمممتحب أو واجمممب ‪ ،‬إنمممما همممو انعكممماس لوضممماع ماديمممة‬
‫واقتصممادية ‪ .‬فممالفلح – وهممو المنتممج الرئيسممى فممى المجتمممع‬
‫الرزاعى – يضع البذرة فى الرض ‪ ،‬ثممم ل يسممتطيع أن يسمميطر‬
‫عليها ول أن يستعجلها عن موعممدها ‪ ،‬ول أن يقيهمما مممن الفممات‬
‫والتأثيرات الجوية المختلفة ‪ ،‬ومن ثم " يفترض ! " وجممود قمموة‬
‫غيبية ‪ ،‬يكل إليها هذا المر كله ‪ ،‬الممذى يعجممز عممن التحكممم فيممه‬
‫والسيطرة عليه ‪ ،‬ويروح يترضى هذه القوة الغيبيممة بالعبممادات ‪،‬‬
‫والنسك والقرابين ‪ ،‬لكى ترضى عنه وتبارك زرعه ‪ ،‬ولكى يتقى‬
‫غضبها عليه وانتقامها منه ‪ ..‬ومن ثم يكون التدين قويا ‪ ،‬ويكمون‬
‫سمة بارزة فى للمجتمع الزراعى ‪.‬‬
‫ثم إن الرجل فى المجتمع الزراعى هو المتكسب ‪ ،‬وهو الذى‬
‫ينفق على الزوجممة والولد ‪ ،‬ومممن ثممم يسمميطر عليهممم ويبسممط‬
‫سلطانه ‪ .‬ويكون سلطانه أشد ما يكون على الزوجة ‪ ،‬فيفممرض‬
‫عليهمما أن تكممون لممه وحممده ‪ ،‬ومممن ثممم تصممبح قضممية العفممة‬
‫والمحافظة على العرض ذات قيمة كبيرة فى المجتمع الزراعى‬
‫‪ ،‬ويفرض على المرأة أن تحمافظ علمى عرضمها )إرضماء لنانيمة‬
‫الرجممل المتكسممب المنفممق( ويضممفى علممى ذلممك ثمموب الممدين‬
‫والخلق ‪ ،‬فتصبح قضية العفة قضمية دينيمة وأخلقيمة فمى حيمن‬
‫أنها مجرد انعكاس لوضع اقتصادى معين يكون الرجممل فيممه هممو‬
‫المتكسب دون المرأة ‪.‬‬
‫فإذا تحول الناس إلى المجتمع الصناعى المتطور تغيممر المممر‬
‫بالكلية ‪ .‬فالعامل هنا غير محتمماج " لفممتراض ! " القمموة الغيبيممة‬
‫التى كان يلجأ إليها العامل الزراعى ! لنه يتولى عمليممة النتمماج‬
‫بنفسه ‪ .‬فهو الذى يعالممج المممادة الخامممة ويشممكلها كممما يريممد ‪..‬‬
‫ومن ثم يقل التدين إلى أقصى حد فى المجتمع الصناعى ‪.‬‬
‫ومن جممانب آخممر فممإن المممرأة تسممتقل اقتصمماديا لنهمما تعمممل‬
‫وتتكسب ول تعود عالممة علممى الرجممل كممما كممانت فممى المجتمممع‬
‫الزراعى " المتأخر " ‪ .‬ومن ثم يفقد الرجل سمميطرته عليهمما ول‬
‫يعود فى إمكانه أن يفرض عليها أن تكون له وحممده ‪ ،‬كممما كممان‬
‫يفممرض عليهمما فممى المجتمممع الزراعممى ‪ ..‬فتتحممرر مممن القيممود ‪،‬‬
‫وتفقد قضية العفة أهميتهمما فممى المجتمممع الصممناعى المتطممور ‪،‬‬
‫لنممه أصممبح مممن حممق المممرأة أن تهممب نفسممها لمممن تشمماء دون‬
‫سيطرة الرجل عليها ‪..‬‬
‫وكما أن الوضع " المحافظ " فى المجتمع الزراعى لممم يكممن‬
‫فضيلة ول شيئا مرغوبا فى ذاتممه ‪ ،‬إنممما مجممرد انعكمماس للطممور‬
‫القتصادى ‪ ،‬فكذلك ل يعد " النحلل " فممى المجتمممع الصممناعى‬
‫رذيلة ‪ ،‬إنما هذه وتلك هى السمات المصاحبة لهذا الطور وذاك‬
‫‪ ،‬ل توصف فى أى الحالين بأنها فضيلة أو رذيلة ‪ .‬إنما كل شممئ‬
‫فممى إبممانه هممو الصممواب لنممه هممو النعكمماس الطممبيعى لطممور‬
‫القتصادى الذى يقرر – وحده – كل العقائد والقيممم والمبممادئ ‪،‬‬
‫فإذا تغير الطور لم يعد صمموابا ممما كممان صمموابا مممن قبممل ‪ ،‬إنممما‬
‫يكون استمراره ظاهرة مرضية ينبغى أن تقاوم وأن تزال ‪.‬‬
‫فالتدين أمر طبيعى فى المجتمع الزراعممى ‪ ،‬ل يعيبممه أحممد ول‬
‫يستغربه أحمد ‪ .‬ولكنمه لمممة مرضمية فممى المجتممع الصمناعى ل‬
‫ينبغى أن توجد ‪ ،‬وإن وجممدت فلبممد أن تحممارب ‪ ،‬لنهمما اسممتبقاء‬
‫لنعكاسات طور لم يعد قائما ‪ ،‬ومن ثم فلبد من إزالتها ز‬
‫والحفاظ على العممرض أمممر طممبيعى فممى المجتمممع الزراعممى‬
‫كذلك تفرضه الطبيعة القتصادية للطور الزراعممى ‪ ،‬ومممن ثممم ل‬
‫يستغربه أحد ول يعترض عليه أحد ‪ ،‬فممإذا انتقلنمما إلممى المجتمممع‬
‫الصناعى فقدت القضية أهميتهمما نتيجممة تحممرر المممرأة اقتصمماديا‬
‫وإنفاقها على نفسها ‪ .‬ومن ثم يصممبح مممن يحممافظ علممى أهميممة‬
‫العفممة أو يطممالب بالمحافظممة عليهمما " رجعيمما " لنممه يريممد أن "‬
‫يرجع " إلى القيم التى كانت مصاحبة لطممور اقتصممادى سممابق ‪،‬‬
‫انتهى عهده ‪ ،‬وصممرنا إلممى ممما هممو " أرقممى " منممه حسممب سممنة‬
‫التطور الدائم إلى أعلى ! وهذا سممخف ل ينبغممى أن يتصممف بممه‬
‫إنسان " متطور " فضل عن أنه مستحيل ‪ ..‬لن عقارب الساعة‬
‫ل يمكن أن ترجع إلى الوراء ولن عجلممة التطمور ستسممحق كممل‬
‫من يقف أمامها وتخمد صوته إلى البد !‬
‫وكذلك المر بالسنبة لترابط السرة ‪..‬‬
‫فمن طبيعة المجتمع الزراعممى أن تتكمماثر السممرة وهممى فممى‬
‫البيت الواحد أو فى بيوت متلصقة متقاربة ‪ ،‬ل لن ذلك فضمميلة‬
‫فى ذاته أو شئ مستحسن ‪ ،‬لكن لن ذلممك مممن طبيعممة الطممور‬
‫القتصادى ومستلزماته ‪ ،‬لن رجال السرة كلهمما يتعمماونون فممى‬
‫الزراعة ‪ ،‬وكلما كثر أفراد لأسرة زاد إنتاجها الزراعى ‪ ،‬فحقممق‬
‫ذلك مصلحة اقتصادية لسرة ‪ .‬أما فى المجتمع الصممناعى فكممل‬
‫عامل شخصيته مستقلة ل ارتباط بينه وبيممن غيممره مممن الناحيممة‬
‫القتصادية ‪ ،‬ومن ثم تستقل كل أسرة صممغيرة – أى الب والم‬
‫والولد – ببيت مستقل ‪ ،‬وكلما كبر أحممد الولد وتممزوج اسممتقل‬
‫بأسممرته الصممغيرة فممى بيممت خمماص ‪ .‬وتفقممد السممرة الكممبيرة‬
‫ترابطها ول يعد ذلك عيبا ول رذيلة ‪ ،‬لنه هو النعكاس الطممبيعى‬
‫للطور القتصادى القممائم ‪ .‬بممل إن الرة الصممغيرة ذاتهمما تتفكممك‬
‫روابطها بسب العمل ‪ ،‬عمل الرجل والمممرأة كليهممما ‪ ،‬كممل فممى‬
‫مكان ‪ ،‬وعدم ارتبمماط الزوجممة بممالبيت وتربيممة النشممء ‪ ،‬ول يعممد‬
‫ذلك عيبا كممذلك ول رذيلممة ‪ ،‬لنممه ل توجممد قيممم ثابتممة فممى حيمماة‬
‫البشرية ‪ .‬ال توجد فضيلة ثابتة ول رذيلة ثابتة إنما الفضمميلة ممما‬
‫يوافق الطور القتصادى القممائم والرذيلممة ممما ل يمموافقه ‪ .‬فكممما‬
‫كانت العفة هى الفضيلة فى المجتمع الزراعى يصبح التحلل هو‬
‫الفضيلة فى الطور الصناعى أو هو المر الطبيعى علىأقل تقدير‬
‫‪ .‬وكما كانت سيطرة الب هى الفضيلة فممى المجتمممع الزراعممى‬
‫يصبح فقدان سيطرة الب هو فضيلة المجتمع الصممناعى أو هممو‬
‫سمته الطبيعيممة ‪ .‬وكممذلك كممانت السممرة المترابطممة قيمممة مممن‬
‫القيم الجتماعية المستحسنة فممى المجتمممع الزراعممى ‪ ،‬وتصممبح‬
‫السرة المفككممة – حممتى علممى النطمماق الصممغير – هممى القيمممة‬
‫الجتماعية المستحسنة فى المجتمممع الصممناعى أو هممى السمممة‬
‫الطبيعية على أقل تقدير !‬
‫فإذا جاءت الشيوعية – وهمى المرحلممة الحتميمة الخيمرة فمى‬
‫حياة البشرية – فلسنا فى حاجة إلى تعممديل جممذرى فممى القيممم‬
‫والعقممائد والفكممار ‪ ..‬لنمه هكممذا طيممب !! تتغيممر فقممط الصممورة‬
‫القتصادية فتلغى الملكية الفردية إلغاء كامل وتصبح الدولة هى‬
‫المالك الوحيد ‪ ..‬ولكممن القيممم المباركممة الممتى أنشممأها المجتمممع‬
‫الصناعى تظل قائمة ويزداد فيها فقط حتى تصل إلممى نهايتهمما ‪.‬‬
‫فالدين يلغى إلغاء كامل ‪ ،‬ويقضى على البقيممة الضممعيفة الباقيممة‬
‫منه فى المجتمع الرأسمالى ‪ ،‬لن مهمته التى يقوم بها هنمماك –‬
‫وهى تخدير الكادحين ليرضوا بالظلم الواقع عليهم – تنتهى فممى‬
‫المجتمع الشيوعى الملئكى الخالى من الظلم ‪ ،‬فل يعود للدين‬
‫حاجة البتة ‪ .‬وتفكك السرة تفكيكا كامل ‪ ،‬لنها بقية – سخيفة –‬
‫مممن بقايمما العهممود الرجعيممة الممتى كممانت تمممارس فيهمما الملكيممة‬
‫الفردية فتممتربى الثممرة فممى نفمموس البمموين رغبممة فممى تمموريث‬
‫أبنائهم ‪ ..‬فالن وقد ألغيت الملكية الفردية فالسمرة نشماز فمى‬
‫المجتمع الجديد " المتطور " ‪ ،‬والولد ملك الدولممة ‪ ،‬هممى الممتى‬
‫تملكهممم – ملكيممة جماعيممة ! – وهممى الممتى تنشممئهم التنشممئة‬
‫الصحيحة ‪ ،‬وليممس لبممويهم إل ولدتهمم لحسماب الدولمة ‪ ..‬وأممما‬
‫العلقات الجنسية فهى حممرة حريممة كاملممة ‪ ،‬لننمما عممدنا – عممودا‬
‫على بدء – إلى الشيوعية ‪ ،‬إلى تناول حاجات الحياة كلهمما علممى‬
‫المشاع ‪ ..‬وهنا تصل البشرية إلى قمة التطور الذى ليس بعممده‬
‫شئ !‬
‫الهدف واضح ول شك ‪..‬‬
‫فالنظريممة " العلميممة " تممدور كلهمما حممول هممذه القيممم ‪ :‬الممدين‬
‫والخلق والتقاليممد ‪ ..‬لتسممخيفها وتسممخيف المتمسممكين بهمما ‪،‬‬
‫ووسمهم بالرجعية والجمود والتأخر ‪ ،‬والوقوف فى وجممه عجلممة‬
‫التطور التى ستسحقهم ‪..‬‬
‫إنهمما تركممز كممما قلنمما علممى عمليممة النتقممال مممن المرحلممة‬
‫القطاعية إلى المرحلة الرأسمالية – التى صمماغها اليهممود ‪ ،‬كممما‬
‫سممنرى ‪ ،‬حسممب مخططمماتهم الشممريرة بل ديممن ول أخلق ول‬
‫تقاليممد مسممتمدة مممن القيممم الدينيممة – فتقممول أول إنممه تطممور "‬
‫حتمى " وما دام حتميا فمنذا الذى يستطيع أن يقف فى طريقه‬
‫رضى أم أبى ؟! وتحسر على اليام الخالية والقيممم الدارسممة أم‬
‫تسخط عليها ؟! ثم تقول ثانيا إنه تقدم إلى المام ‪ ..‬تقدم إلممى‬
‫أعلى ‪ ..‬حسب سنة التطور التى تدفع بالكائن الحى دائممما إلممى‬
‫الرقى ! فمن كانت فى نفسه حسرة على ما فات ‪ ،‬أو ضمميق "‬
‫بممالتطور " فليعممدل مممن ذات نفسممه وليتمممش مممع التطممور ‪،‬‬
‫ولينطلق مع التيار ‪ ،‬فذلك أروح للنفس والعصاب !‬
‫إنها تتناول بالذات عمليات التحطيم التى قام بهما اليهمود فمى‬
‫المجتمع الجديد الذى ولد بيممن أيممديهم فشممكلوه علممى هممواهم ‪،‬‬
‫فتبارك هذه العمليات بالذات ‪..‬‬
‫قام اليهود بتحطيسم الدين ‪ ،‬فيجئ فيلسمموفهم – ممماركس –‬
‫فيقول – بصورة " علمية " – إن الدين قد باد تلقائيما ممن جمراء‬
‫التطور الحتمى الناشئ من النتقال من طممور اقتصممادى متممأخر‬
‫إلممى طممور متقممدم ! وإن الممدين خرافممة ل تليممق بالنسممان "‬
‫الصناعى " المتطور ! وإنه قد أخلى مكانه لما هو خير منه وهممو‬
‫"العلم " ! وإن التمسك به – أو الرجوع إليه – أو الدعوة إليممه –‬
‫نشمماز غيممر متجممانس مممع " طبيعممة " المرحلممة التطوريممة الممتى‬
‫قطعها النسان إلممى المممام ‪ ..‬وذلممك فضممل عممن تشممويه صممورة‬
‫الدين بأنه مخدر يستخدمه القطمماعيون والرأسممماليون لتخممدير‬
‫الجممماهير الكادحممة عنمما لمطالبممة بحقوقهمما والقيممام بممالثورة‬
‫المقدسة ‪ ،‬مستغل فى ذلك واقع الممدين الكنسممى ومعمممما إيمماه‬
‫على كل " الدين " ‪.‬‬
‫وقام اليهود بتحطيم الخلق – أخلق الجنس بصممفة خاصممة –‬
‫وأشاعوا الفوضى الجنسممية والنحلل ‪ ،‬وحمماربوا قيممد " العفممة "‬
‫الممذى يحممول بينهممم وبيممن تنفيممذ مخططمماتهم الواسممعة لتحويممل‬
‫الدمييممن إلممى دواب تممدور فممى طمماحونتهم ‪ ،‬فيجممئ فيلسمموفهم‬
‫فيقول إن قضة العفة إنما أخذت أهميتها من أنانية الرجممل فممى‬
‫المجتمع الزراعى " المتأخر " باعتباره هو المتكسب والمنفمق ‪،‬‬
‫ثممم وضممع عليهمما وسممم الممدين والخلق ليعطيهمما أهميممة زائدة ‪،‬‬
‫خدمة لنانيته ‪ ،‬وإنها فقدت أهميتها – الزائفة بالطبع ! – بصورة‬
‫تلقائية نتيجة التطور الحتمى ‪ ،‬وحلت محلها " فضيلة " من نمموع‬
‫آخر فى المجتمع المتطور ‪ ،‬هى فضيلة " تحرر " المرأة ‪.‬‬
‫وقام اليهود بتحطيم السممرة ‪ ،‬لن السممرة أحممد القيممود الممتى‬
‫تمنع التحلل الخلقى أو تبطممئ عجلتممه ‪ ،‬وتبطممئ بالتممالى عمليممة‬
‫اسممتحمار الممييممن وتسممخيرهم لشممعب اللممه المختممار ‪ ،‬فيجممئ‬
‫فيلسوفهم فيقول إن ترابط السرة كان مجرد انعكمماس لوضممع‬
‫اقتصادى متأخر هو الوضممع الزراعممى القطمماعى ‪ ،‬وإنهمما فقممدت‬
‫ترابطها – تلقائيا – من التطور الحتمى الدافع إلى المام ‪ ،‬ومن‬
‫ثم ل تستحق البكاء عليها ول التحسر ‪ ،‬إنممما الولممى السممير مممع‬
‫عجلة التطور والرضا بالطور الموجود ‪.‬‬
‫وهكذا تتلخص المهممة " العلميممة " للفيلسمموف الكممبير فممى "‬
‫تغطية " الدور الخطير الممذى تقمموم بممه العصممابة المفسممدة فممى‬
‫الرض ‪ ،‬فمى ثموب " علممى " تتلهمى بمه عقمول الحميمر المذين‬
‫خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار !‬
‫فرويد‬
‫ل يقل فرويد " عبقرية " عممن ممماركس ول خطممورة فممى أداء‬
‫الدور المطلوب ‪.‬‬
‫ولئن كان دوره الن قد انتهى " ‪ "1‬لنه تم ! بينما لم ينته بعممد‬
‫دور ماركس لنه لم يتم بعد ! فليس معنى ذلك أنه لممم يعممد لممه‬
‫أثر فى المجتمع المعاصممر بممل العكممس هممو الصممحيح ‪ .‬فقممد تممم‬
‫دوره لنه أعطى تأثيره الكامممل فممى المجتمممع ‪ ،‬بحيممث لممم يعممد‬
‫ذلك المجتمع فى حاجة إلى المزيد ! ولن الجرعة التى تشممربها‬
‫ذلك المجتمع من " علمممه ! " – أو مممن سمممومه – تكفيممه عممدة‬
‫قرون !!‬
‫هو يهودى نمساوى ‪ ،‬كان يعمل طبيبا ثم تخصص فى معالجة‬
‫المراض العصبية والنفسية ‪ ،‬وأنشأ عيادة خاصة للشراف على‬
‫علج مرضمماه ودراسممة أحمموالهم عممن كثممب ‪ ،‬ثممم اسممتنبط مممن‬
‫دراسمماته تصممورا خاصمما للنفممس البشممرية وتركيبهمما وتفسمميرا‬
‫لنشاطاتها المختلفة ‪ ،‬تفرد به بين كل " المفكريممن " إلممى ذلممك‬
‫الحين وربما إلممى المموقت الحاضممر بصممرف النظممر عممن تلميممذه‬
‫الناقلين عنه ‪.‬‬
‫ولد عام ‪ 1856‬وعممر طمويل حمتى ممات فمى عمام ‪، 1938‬‬
‫وألف نحو ثلثين كتابمما فممى الدراسممات النفسممية مممن أشممهرها ‪:‬‬
‫الممذات والممذات السممفلى ‪ The Ego and The Id‬والطممواطم‬
‫والمحرمات ‪ Totem and Taboo‬وتفسممير الحلم ‪Interpretation‬‬
‫‪ of Dreams‬وثلث مقمممالت فمممى النظريمممة الجنسمممية ‪Three‬‬
‫" " انتهى فى أوروبا وأمريكا ‪ ،‬ولكنه – عندنا – لم ينته بعد ! فما تزال معاهد التربية عندنا تقدمه على أنه إمام من‬ ‫‪1‬‬

‫أئمة الباحثين فى النفس النسانية ! وعندما يسافر مبعوثونا إلى أوروبا وأمريكا يعودون حاملين أفكاره لينشروها هنا‬
‫مع أن القوم قد تجاوزوها هناك !‬
‫‪ Contributions to the Sexual Theory‬والمممراض النفسممية‬
‫المنتشرة فى الحياة اليومية ‪Psycho Pathology of Every Day‬‬
‫‪ Life‬وكلها تدور – من زوايا مختلفة – حول موضوع واحد مكممرر‬
‫فيها جميعا هو التفسير الجنسى للسلوك البشرى ‪.‬‬
‫خلصة هذا التفسير أن الطاقة الجنسية هى الطاقة العظمى‬
‫فى الكائن البشممرى ‪ ،‬وهممى المسمميطرة علممى طاقمماته جميعمما ‪،‬‬
‫والموجهة لها ‪ ،‬والمسخرة لها كلها لحسابها الخاص !‬
‫يولممد الطفممل بطاقممة جنسممية ‪ ،‬وتسمميطر عليممه – منممذ لحظممة‬
‫مولده – تلك الطاقة الجنسية التى ولد بهمما ‪ ،‬فيرضممع ثممدى أمممه‬
‫بلذة جنسية ‪ ،‬ويتبول ويتبرز بلذة جنسية ‪ ،‬ويمممص إبهممامه بلممذة‬
‫جنسية ‪ ،‬ويحرك أعضاءه بلذة جنسية ‪..‬‬
‫ثم ينمو الصبى فيحس تلقاء أمه بشهوة جنسممية )كممما تحممس‬
‫الصبية بالشهوة الجنسية تلقاء والدها( ولكنه يجد أباه حائل بينه‬
‫وبيممن السممتيلء علممى الم الممتى يشممعر نحوهمما بتلممك الشممهوة‬
‫الجنسية ‪ ،‬فيكره أباه الممذى يحبممه فممى ذات المموقت ‪ ،‬ويصممطرع‬
‫الحممب والكممره اللممذان يحممس بهممما فممى آن واحممد تجمماه الب ‪،‬‬
‫فيكبت الكره فى اللشعور ‪ ،‬المذى تمدفن فيممه – ظاهريمما – كممل‬
‫الرغبات المكبوتة والمخاوف المكبوتة ولكنها تبقممى حيممة فاعلممة‬
‫مؤثرة موجهة لسلوك النسان دون وعى ‪ ،‬ويظهر الحب وحممده‬
‫على السطح لن ذلك هو الذى يعجممب المجتمممع ! )أى نفاقمما !(‬
‫ولكن القضية ل تنتهى عند هذا الحد ول على هذه الصورة ‪ .‬فإن‬
‫الصبى يأخذ فى حس نفسه ماكن والممده ‪ ،‬تعويضمما عممن عجممزه‬
‫عن الستيلء على الم بسبب قيممام والممده حمماجزا بينممه وبينهمما ‪،‬‬
‫فيمروح ينهممى نفسمه ويأمرهمما كممما ينهماه أبمموه ويممأمره ‪ ،‬فينشممأ‬
‫الضممير ‪ ،‬وتنشمأ – فمى نفمس الطفمل – القيمم الخلقيمة المتى‬
‫يتعاطاهمما المجتمممع ويرضممى عنهمما ‪ ،‬كممما ينشممأ الممدين مممن ذات‬
‫العقدة التى سماها عقدة أوديممب )ويقابلهمما عقممدة إليكممترا عنممد‬
‫البنت( وهى العقدة الناشئة من الكبت الجنسى لشهوة الصممبى‬
‫الجنسية نحو أمه )وشهوة البنت الجنسية نحو أبيها( ‪.‬‬
‫وهكممذا تنشممأ القيممم العليمما كلهمما ‪ :‬الممدين والخلق ‪ ،‬والتقاليممد‬
‫المستمدة مممن الممدين ‪ ،‬مممن تلممك العقممدة الناشممئة مممن الكبممت‬
‫الجنسى ‪.‬‬
‫وتتركب النفس النسانية من طبقات ثلث ‪:‬‬
‫الطبقممة الشممهوانية – الممتى تسممطر عليهمما الشممهوة الجنسممية‬
‫وتوجهها – وتسمى – عنده – الذات السفلى ‪ The Id‬وهى طبقة‬
‫ل شعورية ‪ ،‬والذات ‪ The ego‬وهى الطبقة الوسطى التى يتمثل‬
‫فيهمما المموعى وتصممدر عنهمما كممل التصممرفات الواعيممة للنسممان ‪،‬‬
‫والذات العليا ‪ Super Ego‬التى تتمثل فيها الضوابط " ‪ "1‬الناشئة‬
‫من الدين والخلق والتقاليد المتداولممة فممى المجتمممع ‪ ،‬وهممى ل‬
‫شعورية أيضا ‪ ،‬وتنشأ من الكبممت الواقممع علممى الممذات السممفلى‬
‫الشهوانية ‪.‬‬
‫ومهمممة الممذات هممى التحايممل الممدائم علممى الممذات السممفلى‬
‫لقناعها بأوامر الذات العليا ‪ ،‬وإن كانت هى شخصيا ل تؤمن بها‬
‫! يقول فرويد ‪ " :‬إن مهمة الذات بين الضغط الواقع عليها مممن‬
‫الذات العليا والذات السفلى معا تصبح كمهمة السياسممى الممذى‬
‫يعرف الحقائق ولكنه يداور ويناور إرضاء للجماهير !! "‬
‫ويتحممدث فرويممد – كممثيرا – عممن القيممم العليمما ‪ ..‬عممن الممدين‬
‫والخلق والتقاليد ‪ .‬يقممول فممى كتمماب " الطممواطم والمحرمممات‬
‫‪ " Totem and taboo‬إنه حدثت فى البشرية الولى حادثة هائلة‬
‫ما تزال تؤثر فى حياة البشرية إلى هذه اللحظة ‪.‬‬
‫ذلممك أن " الولد " شممعروا بالرغبممة الجنسممية تجمماه أمهممم ‪،‬‬
‫فوجدوا أبمماهم حممائل بينهممم وبيممن السممتيلء علممى الم فقتلمموه !‬
‫وكانت تلك أول جريمة ترتكب فى البشرية الولى )وليست هى‬
‫قتل أحد الخوين لخيه كما جاء فى الرسالت السماوية( " ‪. "2‬‬
‫ثم أحسوا بالندم فلى قتممل أبيهممم فقدسمموا ذكممراه ‪ ،‬فنشممأت‬
‫أول عبادة عرفتها البشرية وهى عبادة الب )وليس عبممادة اللممه‬
‫كما جاء فى الرسالت السماوية( " ‪. " 3‬‬
‫ثم وجدوا أنهم لو تقاتلوا بينهمم للسمتيلء علمى الم فسميقتل‬
‫بعضهم بعضمما فمماتفقوا علممى أل يقممر بهمما أحممد منهممم فنشممأ أول‬
‫تحريم فى العلقات الجنسية وهو تحريممم الم )وليممس لن اللممه‬
‫هو الذى حرمها كما جاء فى الرسالت السماوية( " ‪." 4‬‬
‫يقول ‪ :‬وكل الديانات التالية والحضارات قد نشأت مممن ذلممك‬
‫الحممدث الخطيممر الممذى لممم يممدع لبشممرية منممذ وقمموعه فرصممة‬
‫للراحة !!‬
‫" " هذه تسميتنا نحن ‪ ،‬أما هو فيسميها الكوابت !‬ ‫‪1‬‬

‫" " " واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر ‪ ،‬قال ‪ :‬لقتلنك له ]سورة‬ ‫‪2‬‬

‫المائدة ‪[27 :‬‬


‫" " " … وعصى آدم ربه فغوى ‪ ،‬ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " ]سورة طه ‪ " [122 :‬قال ‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن‬ ‫‪3‬‬

‫لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " ]سورة العراف ‪ " [23 :‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ‪ ،‬إنه هو‬
‫التواب الرحيم ]سورة البقرة ‪[37 :‬‬
‫" " " حرمت عليكم أمهاتكم ‪] " ..‬سورة النساء ‪[23 :‬‬ ‫‪4‬‬
‫فإذا سألته عن سنده فى هذه القصة التى يبنى عليها تفسيرا‬
‫كامل للحياة البشرية بأديانها وحضارتها من أول التاريخ إلى آخر‬
‫التاريخ ‪ ..‬فإنه يجيب ‪ ..‬ول تحسبه عاجزا عن الجابة !‬
‫يقول ‪ :‬إن دارون يقول ‪ :‬إنممه فممى عممالم البقممر تتجممه الممثيران‬
‫الشابة إلى الم لمواقعتها ‪ ،‬فتدور بينهممم معركممة رهيبممة ‪ ،‬يفمموز‬
‫فيها أقوى الثيران وأصلبهم عممودا ‪ ،‬فسمميتولى وحممده علممى الم‬
‫ويندحر الباقون !‬
‫وبتعديل بسيط – أو بتحريف بسيط ! تنقل القصة مممن عممالم‬
‫البقمر إلمى عمالم البشممر ‪ ،‬ويقموم عليهما تفسممير شمامل للحيماة‬
‫البشرية !‬
‫ويقول عن الخلق فى كتاب " الممذات والممذات السممفلى ‪The‬‬
‫‪ Rgo and the Id‬إنها كوابت تكبت المنطلممق الطممبيعى للطاقممة‬
‫الجنسية ‪ ،‬ويقول إنها تتسم بطممابع القسمموة حممتى فممى صممورتها‬
‫العادية !‬
‫ويقول عن التسامى ‪ Sublimation‬فممى كتمماب " ثلث مقممالت‬
‫فممى النظريممة الجنسممية ‪Three Contributions to the Sexual‬‬
‫‪ Theory‬إنه نوع من أنواع الشذوذ !‬
‫" فأما ثالث أنواع الشذوذ فإنه يحدث نتيجة عملية التسامى ‪،‬‬
‫حيث تصرف الطاقة الشهوية الصادرة من منابع جنسممية فرديممة‬
‫فى مجالت أخرى وينتفع بها فى تلك الحالت ‪ ،‬وبذلك يكتسممب‬
‫النسان قوة نفسية كممبيرة مممن اسممتعداد نفسممى هممو فممى ذاتممه‬
‫خطير ! "‬
‫ويقول عن العلقات البشرية فى كتاب الطواطم والمحرمات‬
‫‪ Totem and Taboo‬إن الزدواج العممماطفى ‪ Ambivilence‬أى‬
‫الشعور بالحب والكره فممى آن واحممد تجمماه الشممخص الواحممد ‪..‬‬
‫وكبت الكره فى اللشعور وإظهار الحب علممى السممطح لرضمماء‬
‫المجتمع ‪ ،‬هو الطابع العممام للعواطممف البشممرية ‪ ،‬فالولممد يحممب‬
‫أباه ويكرهه ‪ ،‬ويحب أمه ويكرهها ‪ ،‬والخ يحممب أخمماه ويكرهممه ‪،‬‬
‫والزوجة تحب زوجها وتكرهه ‪ ..‬والصممياح الممذى يصمميحه النمماس‬
‫على ميتهممم همو لخفمماء الفرحممة الداخليممة المتى ملت نفوسمهم‬
‫لموت !!‬
‫ويشرح هذه الظاهرة العجيبة ‪ Ambivilence‬فيقممول إنهمما تتممم‬
‫بطريقة ل شعورية وإنه ل تدخل فيها الحالت الممتى يتمموجه فيهمما‬
‫النسممان بممالحب لشممخص معيممن ثممم يكرهممه لسممباب واعيممة‬
‫معلومممة ! إنممما هممو كممره ل شممعورى تلقممائى ‪ ،‬ينشممأ فممى ذات‬
‫اللحظة التى ينشأ فيها الحب ‪ ،‬ثم يكبممت فممى اللشممعور ويظممل‬
‫يعمل من داخل اللشعور !‬
‫ويقول فى كتاب الطواطم والمحرمات ‪ Totem & Taboo‬إن‬
‫الكبت هو طمابع الحيمماة البشممرية بسمبب وجممود الممدين والخلق‬
‫والمجتمع وسلطة الب ‪ ..‬وما إلى ذلممك مممن القمموى القمماهرة ‪..‬‬
‫وكلها تتجه إلممى كبممت الطاقممة الجنسممية فتنشممأ العقممد النفسممية‬
‫والضطرابات العصبية التى ل تترك صاحبها فى راحة ‪..‬‬
‫ويقول فى معظم كتبه ‪ :‬إن كل الطفال " الذكور " يصممابون‬
‫بعقدة أوديب فى أول طفولتهم ‪.‬‬
‫ويقول فممى كتمماب " ثلث مقممالت ‪: " Three Contributions‬‬
‫نحن جميعا مصابون بالهستريا إلى حد ما ‪:‬‬
‫تلك خلصممة آرائه وأفكمماره عممن النفممس البشممرية والعلقممات‬
‫النسانية ‪ ..‬ولن تتعرض لها هنا بالمناقشة ‪."1 " ..‬‬
‫إنما نحن هنا نستعرض مكانهمما مممن المخطممط الشممرير ‪ ،‬كممما‬
‫استعرضنا مكان ماركس من قبل ‪.‬‬
‫يريد اليهود أن يشكلوا المجتمع الجديد الذى وقع فى قبضتهم‬
‫من أول لحظة على أساس أن يكون مجتمعا بل ديممن ول أخلق‬
‫ول تقاليد مستمدة من القيم الدينية ‪ ..‬فيجئ عالمهم النفسممانى‬
‫الكبير ليمسخ الدين والخلق والتقاليد بطريقة " علمية " !‬
‫فالمدين نمابع مممن الجنممس ‪ ..‬ممن عقممدة أوديممب ‪ ..‬ممن كبمت‬
‫الشهوة الجنسية التى يحسها الطفل الذكر نحو أمه !‬
‫ويجممب – لكممى نفهممم اللعبممة كاملممة – أن نتممذكر كيممف كممان‬
‫إحساس أوروبا بالجنس لنعلم رد الفعممل الوروبممى حيممن يقممول‬
‫لهم فرويد إن الدين نابع من الجنس !‬
‫كان الجنس فى حس أوروبا أمرا مستقذرا إلى أقصممى حممد ‪،‬‬
‫بسممبب تزمممت الكنيسممة فممى تفسممير تعمماليم السمميد المسمميح ‪،‬‬
‫وبسبب الممدعوة إلممى الرهبانيممة ‪ .‬وكممانت أعلممى درجممات التقممى‬
‫والورع تتمثل – ابتداء – فى البتعاد عممن الجنممس ‪ ،‬المبمماح منممه‬
‫وغير المباح ‪ ،‬وذلك أبرز ممما فممى الرهبانيممة ‪ .‬ويصممل المممر فممى‬
‫حسهم إلى اعتبار المرأة فى ذاتها دنسا ل يجوز أن يمس ‪ ،‬إلى‬
‫حد أن واحدا مكن كتابهم ينصح الناس فيقول ‪ :‬إذا لقيت امممرأة‬
‫فى الطريق فل تسلم عليها ولو كانت أمك !‬
‫" " سبق لى مناقشتها فى كتاب " النسان بين المادية والسلم " فى فصلى " فرويد " و" القيم العليا " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وفى هذا الجو يجئ " العالم النفسممانى الكممبير ! " فيقممول إن‬
‫الدين نابع من الجنس ! فأى هوة مسممتقذرة يهبممط فيهمما الممدين‬
‫من عليائه ؟!‬
‫وهممب أن النمماس جميعمما لممم يصممدقوا فرويممد فممى ادعمماءاته "‬
‫العلمية ! " )وإن كانت دعاية اليهود له وترويحهممم المممدبر لرائه‬
‫" ‪ " 1‬قممد جعممل بعممض النمماس يصممدقون ‪ ،‬بممل يتحمسممون فممى‬
‫التصديق !( فإن شيئا ما يحدث فى النفس من قراءة فرويد هو‬
‫– على القل – إزالة القداسة عن الدين !‬
‫إنما تأتى قداسة الدين فى النفوس من أنممه شممئ منممزل مممن‬
‫عند الله ‪ ،‬وأنه هو الصلة بين القلممب البشممرى واللممه المعبممود ‪،‬‬
‫تلك الصلة العلوية التى ترفع النفس إلى الفاق العليا ‪ ،‬وتطلممق‬
‫الرواح ترفرف فى عالم النور ‪.‬‬
‫فإذا جاء " عالم " يقممول ‪ ،‬ويظممل يلممح فممى العقممول ‪ ،‬وتظممل‬
‫الدعاية تلح على قوله ‪ :‬إن الدين أمممر أرضممى بحممت ‪ ،‬ومصممنوع‬
‫فممى داخممل النفممس ل علقممة لممه بممالله ول برفرفممة الرواح فممى‬
‫الفاق العليا ‪ ..‬وأكممثر مممن ذلممك أنممه " معجممون " بممماء الجنممس‬
‫المستقذر يومئذ فى حس الناس ‪ ..‬فهل تتوقع أن تبقممى للممدين‬
‫قداسة فى النفوس ؟!‬
‫يقول " يونج ‪ " Jung‬أحد تلميذى فرويد المقربين )والخر هممو‬
‫أدلر ‪ (Adler‬فى كتاب سماه " ذكرياتى عممن فرويممد ‪Memorials‬‬
‫‪ " of Frued‬صدر فى الستينات ‪ " :‬لقد قال لى فرويد إننا ينبغى‬
‫أن نحطم كل العقائد الدينية ‪" We must abolish all dogmas :‬‬
‫وقال لى ‪ :‬ينبغى أن نجعل من الجنممس عقيممدة ‪We must take‬‬
‫‪" sex a dogma‬‬
‫ول تحتاج هذه الشهادة إلى تعليق ! فالدين ذو القداسة يلقى‬
‫به فى دنس الجنس ‪ ،‬والجنس المستقذر يرفع إلى مقام الدين‬
‫!!‬
‫ويريممد اليهممود أن يحطممموا الخلق وينشممئوا مجتمعمما منحل‬
‫يسهل فيه تسخير " الحمير " لشعب الله المختار ‪.‬‬
‫فأى معول أشد تحطيما للخلق من دعوة " العالم النفسانى‬
‫الكممبير " للولد والبنممات أن ينطلقمموا لتلبيممة نممداء الجنممس أنممى‬
‫شاءوا بل حواجز ول قيود ؟! ومن ادعائه أن الدين الذى يأمرهم‬
‫بوضممع الضمموابط لطاقممة الجنممس هممو أمممر سممخيف ل يسممتحق‬
‫" " انظر البروتوكول الثانى من بروتوكولت حكماء صهيون ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الحترام ؟! ومن وصفه للخلق بأنها تتسم بطابع القسوة حممتى‬
‫فى صورتها العادية ؟! ومممن دعممواه بممأن أى قيممد علممى الطلق‬
‫يوضع فى طريق الطاقة الجنسية يممورث الكبممت ويكممون العقممد‬
‫النفسممية والضممطرابات العصممبية؟! وأن التسممامى نمموع مممن‬
‫الشذوذ ؟!‬
‫لقد آتت هذه الممدعوة ثمارهمما بالفعممل ‪ ،‬وكممانت أكممبر مشممجع‬
‫للولد والبنات أن ينطلقوا مع دافع الجنس بل حواجز خوفا مممن‬
‫الكبت والعقد النفسية ! وأن ينظروا إلى الدين – الذى يحجزهم‬
‫– على أنه قيد مناف للعلم ‪ ،‬ول يستحق الصغاء إليه ‪ ،‬كما قممام‬
‫علم التحليل النفسى الذى أنشمأه فرويمد لهمدافه الخاصمة " ‪"1‬‬
‫بعملية التبرير الضخمة للفساد الخلقى الذى حدث بالفعل !‬
‫يقول الكاتب النجليزى " ألدوس هكسلى ‪" Aldous Huxley‬‬
‫فى كتابه " ‪ " Texts and Pretexts‬إن المحلل النفسى يقف – ل‬
‫محالة – إلى جانب المجرم الخلقى ‪:‬‬
‫‪The Psycho-analyst is inevitably on the side of the‬‬
‫‪immoralist‬‬
‫وليست هناك حتمية فممى الحقيقممة ‪ ،‬ولكممن هممذا هممو التحليممل‬
‫النفسى على طريقة العالم اليهودى الكبير !‬
‫ويريد اليهود أن ينشئوا نجتمعا متفككا ل روابط فيه ‪ ،‬ذلك أن‬
‫الروابط – من أى نوع – تبطئ التحلل ‪ ،‬وتبطئ تحويل المميين‬
‫إلممى دواب الحمممل الممتى يركبهمما بنممو إسممرائيل ويسممخرونها‬
‫لمصالحهم ‪ ..‬فيجئ العالم النفسممانى الكممبير فيقممول بطريقممة "‬
‫علمية " إنه ل توجد فى حقيقة المر روابط بين البشر ! ل بيممن‬
‫الولد وأمه ‪ ،‬ول بين الولممد وأبيممه ‪ ،‬ول بيممن الممزوج وزوجتممه ‪ ،‬ول‬
‫بين الخ وأخيه فضممل عممن أن تكممون هنمماك روابممط بيممن الغربمماء‬
‫الذين ل تصل بينهم صلة القربى ! إنممما كمل إنسممان فممى الرض‬
‫يكره النسان الخر فى قرارة نفسه ويتمنى له الزوال !‬
‫باختصار لقد كممانت مهمممة " العممالم النفسممانى " هممى تغطيممة‬
‫الفسمماد الضممخم الممذى تممدبره العصممابة الشممريرة فممى الرض ‪،‬‬
‫بإعطائه " التبرير العلمى " ! الذى يجعله أمرا طبيعيا ل يستنكر‬
‫! ويصبح المنكر عليممه هممى الرجعممى المتممأخر الممذى يصممدر عممن‬
‫الجهممل بحقممائق العلممم ‪ ،‬والتمسممك بالخرافممات السممخيفة ‪ ،‬أو‬
‫المثاليممات الممتى ل تقممل عنهمما سممخفا ول مكممان لهمما فممى واقممع‬
‫" " من عجيب " المصادفات !! " أن معظم القائمين بالتحليل النفسى فى " العيادات النفسية " هم من اليهود !‬ ‫‪1‬‬
‫الحياة !‬
‫دور كايم‬
‫إميممل دور كممايم " دورك هممايم أو دورك جمماييم ! " يهممودى‬
‫فرنسى ولد عام ‪ 1858‬ومات عمام ‪ 1917‬وتخصمص فممى علمم‬
‫الجتماع وله فيه كتب من أشهرها " مقدمة فى علم الجتماع "‬
‫‪.‬‬
‫وقممد ل تكممون لممه شممهرة عنممد الجممماهير كممماركس وفرويممد ‪،‬‬
‫ولكن له شهرته الواسعة بين " علماء الجتماع " ويتتلمذ عليه –‬
‫أو علممى فكممره – كممل مممن يقمموم بتممدريس علممم الجتممماع فممى‬
‫الجامعات والمدارس فممى عممالم الممييممن إل مممن رحممم ربممك !‬
‫وعلى أى حال فقد أدى " مهمته " فمى الميمدان المذى تخصمص‬
‫فيه ‪ ،‬ووجه حملته – مع زملئه الخرين من كبممار " المفكريممن "‬
‫اليهود – إلى تحطيم الدين والخلق والتقاليد ‪.‬‬
‫أخذ دور كايم عن دارون التفسير الحيوانى للنسان ‪ ،‬ومممدده‬
‫ليغطممى ميممدان العلقممات الجتماعيممة ‪ .‬ولقممد أسمملفنا أن دارون‬
‫نفسه لم يكن عالم اجتماع ول اقتصاد ول علم نفس ‪ ،‬إنما كممان‬
‫متخصصا فى علم الحياة ‪ ،‬أى فى مظاهر الحياة فممى " أجسممام‬
‫" الكائنات الحية ‪ ،‬وحين وصل – فى سلسلة التطممور الحيمموانى‬
‫– إلى النسان ‪ ،‬وألحقمه بعممالم الحيمموان ‪ ،‬كمان يممدرس مظمماهر‬
‫الحيمماة فممى " جسممم " النسممان ووظممائف أعضممائه ‪ ،‬دون أن‬
‫يتعرض للجوانب الخرى التى ليست من اختصاصه ‪.‬‬
‫ولكنا قلنا إن نظريته – بالصورة التى قدمها بها ‪ ،‬ل بما تحويه‬
‫من معلومات علمية بصرف النظر عن صممحتها أو عممدم صممحتها‬
‫من الوجهة العلمية – كانت تحوى إيحمماءات معينممة لمممن أراد أن‬
‫يستخلصها ويستخدمها ‪ ،‬مبنية كلها على فكرة حيوانية النسممان‬
‫وماديته ‪ .‬وإن أحدا لم يستخلصممها ويسممتخدمها فممى الحقيقممة إل‬
‫اليهود ‪.‬‬
‫ودور كايم واحد ممن فعلمموا ذلممك فممى ميممدان تخصصممه وهممو‬
‫علم الجتماع ‪.‬‬
‫وخلصة آرائه أن الكائن البشرى محكمموم " بنزعممة القطيممع "‬
‫التى تحكم عالم الحيوان وتسيره دون وعى منه ول إرادة ‪.‬‬
‫ولئن كان فرويد قد قالها دون مداراة ‪ ،‬حين زعم أن البشرية‬
‫الولى قتلت أباها لتستولى علممى الم ‪ ،‬مسممتندا إلممى أن دارون‬
‫قد قال مثل ذلك عن عالم البقممر ‪ ،‬فممإن دور كممايم لممم يشممأ أن‬
‫يستخدم المصطلح الحيوانى مباشرة ‪ ،‬فلم يسمها – فممى عممالم‬
‫النسان – " نزعة القطيع " وإنما سممماها " العقممل الجمعممى " ‪،‬‬
‫ونسب إليها فى عالم النسان كل ما ينسب فى عممالم الحيمموان‬
‫إلى نزعة القطيع ‪.‬‬
‫وبعض كلمه عن العقل الجمعممى معقممول ‪ ،‬وتكلممم عنممه كممثير‬
‫غيره من العلماء والمفكرين وسممموه " المشمماركة الوجدانيممة "‬
‫وهى حقيقة واقعة فى عالم البشر ‪ .‬ولكنه لم يممرد أن يسممتخدم‬
‫هذا المصطلح لنته ل يخممدمه فيممما كممان يهممدف إليممه ‪ ،‬ذلممك أن‬
‫للمشاركة الوجدانية حممدودا معروفممة تقممف عنممدها ‪ ،‬وصممورة أو‬
‫صممورا معينممة تمممارس فممى نطاقهمما ‪ ،‬ل تلغممى شخصممية الفممرد‬
‫اليجابية ول إرادته ‪ ،‬لنها تصدر عن " الذات " ول تلغيهمما ‪ ،‬وقممد‬
‫تكون فى كثير من الحيان فير إراديممة ولكنهمما ل تلغممى الرادة ‪.‬‬
‫إنما هى تأثر معين من شئ خارجى ‪ ،‬يستتبع مشمماعر معينممة أو‬
‫أعمال معينة يقوم بها النسان لمشاركة الخرين فيما يممراه مممن‬
‫أحوالهم ‪ ،‬ولكنه يظل شاعرا أنه " هو " الممذى يقمموم بهمما ‪ ،‬وأنممه‬
‫يقوم بها لنه يريد – لو إرادة مؤقتة – أن يشارك الخريممن فيممما‬
‫هم فيه ‪.‬‬
‫أما الصورة الممتى يريممد دور كممايم أن يرسمممها للبشممرية فهممى‬
‫صورة مختلفة ‪ ،‬يريد أن يلغى فيها شخصممية الفممرد إلغمماء كممامل‬
‫ويلغى إرادته ‪ ،‬ليجعله يتقبل ما يلقيممه إليممه " العقممل الجمعممى "‬
‫من أوامر وتوجيهات بل وعى منه ول إرادة !‬
‫يستمد دور كايم أمثلته وقواعده مما قام به " الغوغمماء " فممى‬
‫الثورة الفرنسية من قتل وتحطيممم وتخريممب وقممع مممن أنمماس "‬
‫عاديين " لم يحدث منهم القتل والتخريب من قبل ‪ ،‬ولممو طلممب‬
‫منهم أفرادا لمتنعوا عنه ‪ ،‬ولكنهم قاموا به فى سرور بممالغ بممل‬
‫فى نشوة وحشية وهم فى وسط " المجموع " ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن يد اليهود الخفية فى توجيه الثورة وجهات‬
‫معينة ‪ ،‬فإن هذه – فممى ذاتهمما – حقيقممة ‪ :‬أن " الغوغمماء " تقمموم‬
‫بمثل هذه العمال حين توجه إليهمما ‪ ،‬بينممما معظممم الفممراد مممن‬
‫هممذه الغوغمماء لممو لطممب منهممم أن يقوممموا بهمما أفممرادا لمتنعمموا‬
‫واستنكروا ‪.‬‬
‫وكثير من المفكريممن لفتتهممم هممذه الظمماهرة ‪ ،‬وردوهمما إلممى "‬
‫المشاركة الوجدانية " أو إلممى نزعممة " مكبوتممة " إلممى التخريممب‬
‫والتحطيممم ينفلممت قيادهمما حيممن يمموجه الغوغمماء إلممى ذلممك ‪،‬‬
‫فينطلقون – وقد انحلت العقدة – يفعلون ما يخطر علممى بممالهم‬
‫من وحى اللحظة ‪ ،‬متشجعين علممى الشممر بكممونهم كممثرة غالبممة‬
‫والواقف فى طريقهم قلممة مغلوبممة ‪ ..‬بممل ردهمما بعضممهم إلممى "‬
‫نزعة القطيع " مباشرة ‪ ،‬على أساس أن هذا القطيممع البشممرى‬
‫فى حالته الجنونية التى يكممون عليهمما ‪ ،‬بل عقممل ول وعممى ‪ ،‬هممو‬
‫أشبه بالحيوان ‪ ،‬تحركه بالفعل نوازع الحيوان ‪ ،‬ما دام قد غمماب‬
‫عنه العقل الذى " يعقل " تصرفاته )أى يقيدها( ‪.‬‬
‫وأيا كان الرأى فقد نظر المفكرون إلى هممذه المظمماهر علممى‬
‫أنها حالة خاصة تصيب الجماهير حين تجتمع فى حالة غضممب أو‬
‫استثارة ‪ .‬ولكن دور كايم جعلها قاعممدة الحيمماة البشممرية كلهمما ‪،‬‬
‫والساس الذى تنبنى عليه كل تصرفاتها ‪ ،‬مستندا إلى الحممالتين‬
‫الممتين يكممون المموعى والرادة فيهممما مفقممودين تماممما أو شممبه‬
‫مفقودين ‪ ،‬وهممما حالممة الطفممل وحالممة الغوغمماء ‪ .‬فأممما الغوغمماء‬
‫فأمرها معروف ‪ ،‬وأما الطفل فإنه يولد ول حممول لممه ول قمموة ‪،‬‬
‫فيتلقى الوامر والتوجيهمات ممن أبمويه وممن المجتممع المحيمط‬
‫به ‪ ،‬فيتشكل منذ صغره بالطابع الذى عليه المجتمع ‪ ،‬فتصاغ له‬
‫أفكاره ومعتقداته وأنماط سمملوكه دون أن تكممون لممه إرادة فممى‬
‫ذلك ول رغبة ذاتية ‪ ،‬ول مشاركة إيجابية فى صياغة تلك الفكار‬
‫والمعتقدات وأنماط السلوك ‪ ..‬وهكذا تخرج البشممرية جيل وراء‬
‫جيل ‪.‬‬
‫ولكنه يلحظ – بل يؤكد لغاية معينممة فممى نفسممه – أن الفكممار‬
‫والمعتقدات وأنماط السلوك تتغير من يجممل إلممى جيممل ‪ ..‬وهنمما‬
‫يقتنص الخيط الذى يريده فيقول إن هذا يحدث من تاثير العقل‬
‫الجمعى ‪ ،‬الذى يتغير على الدوام ول يثبت على حال !‬
‫ويعرف العقل الجمعى بأنه شممئ كممائن خممارج عقممول الفممراد‬
‫ليس هو مجموع عقولهم ‪ ،‬ول يشترط أن يكممون موافقمما لعقممل‬
‫أحد منهم ول لمزاجه الخاص )عقل من هممو إذن ؟!( وأنممه يممؤثر‬
‫فى عقول جميممع الفممراد مممن خممارج كيممانهم ول يملكممون إل أن‬
‫يطيعوه ولو على غير إرادة منهم !‬
‫ثم يقول إنمه دائم التغيمر ‪ ..‬يحمل اليمموم مما حرممه الممس ‪..‬‬
‫ويحرم غدا ما أحله اليوم ‪ ..‬بل ضابط ول منطق معقول !‬
‫ويقول – وهو بيت القصيد – إنه ل يمكن من ثممم تصممور ثبممات‬
‫شئ من القيم على الطلق ‪ :‬ل الدين ول الخلق ول التقاليممد !‬
‫وإن النظر إلى هذه المور على أنها أمور قائمة بذاتها هو تفكير‬
‫غير معقول !‬
‫يقول ‪ :‬كان المظنون أن الدين والزواج والسممرة هممى أشممياء‬
‫من الفطرة ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النزعممات ليسممت‬
‫فطرية فى النسان !‬
‫أرأيت إلى العالم الكبير ! إنها ليست فطرية فى النسان !‬
‫وبكلمات قليلممة معممدودة يلغممى العممالم الكممبير كممل مقدسممات‬
‫البشرية !‬
‫أما الفرد الممتاز ‪ ،‬نبيا كان أو مصمملحا أو قممائدا ‪ ،‬الممذى يقممف‬
‫فى وجه المجموع ويغير اتجاهه ‪ ..‬فهذا ملغممى إلغمماء كممامل مممن‬
‫سحاب دور كايم – مهما قمالت وقمائع التاريمخ ! – لنمه ل يخمدم‬
‫أهدافه ! لنه – من ناحية – يلغى أسطورة " العقممل الجمعممى "‬
‫الذى يحكم الناس من خارج كيانهم دون أن يملك أحد الوقمموف‬
‫فى طريقه ‪ ،‬ولنه – من ناحية أخرى – يشير إلى " قيم ثابتممة "‬
‫فى حياة البشرية منها الممدين والخلق والممزواج والسممرة ‪ ،‬لن‬
‫كل النبياء والمصلحين دعوا إليها وكانوا دعائم فى تثبيتهمما خلل‬
‫القممرون الطويلممة الممتى عاشممتها البشممرية قبممل أن يممأتى القممرن‬
‫اليهممودى ‪ ،‬الممذى يعيممث فيممه اليهممود مفسممدين فممى الرض ‪،‬‬
‫ويحطمون كل القيم الثابتة فى حياة البشرية !‬
‫والنسان كذلك فى عرف دور كايم شئ ل كيان له ول فطرة‬
‫ول سمات محددة !‬
‫لن " الكيان " أو " الفطرة " يشيران إلممى شممئ " ثممابت " ل‬
‫يمكن تغييره أو " ل يجوز " تغييره ‪ ..‬وهذا أمر ل يخممدم أهممدافه‬
‫ول أهداف قومه الذين يريدون مسخ الفطر البشممرية لمممر فممى‬
‫نفوسهم ‪.‬‬
‫إنما النسان وعاء يتشكل بالشكل الذى يممراد لممه ؛ والمريممد ‪،‬‬
‫الفعال لما يريد عند دور كايم ‪ ،‬هو العقل الجمعممى الممذى يتغيممر‬
‫على الدوام ‪ ،‬ول يثبت على صورة ول يثبت على حال !‬
‫ولسممنا هنمما ننمماقش دور كممايم فقممد ناقشممناه فممى غيممر هممذا‬
‫الكتاب ‪ ،‬إنما نحن هنا نفسره ‪.‬‬
‫لقد أراد اليهود – ونفذوا بالفعل – إنشاء مجتمع تنعممدم فيممه "‬
‫القيم الثابتة " ‪ .‬مجتمع بل دين ول أخلق ول زواج ول أسرة ول‬
‫تقاليد ‪.‬‬
‫وهنا يأتى " عالم الجتماع الكبير " للتغطية الكاملة علممى دور‬
‫اليهود فى تحطيم هذه القيم ‪.‬‬
‫فأول ‪ :‬ليس الذى يقوم بتحطيم القيممم وإفسمماد المجتمممع فئة‬
‫محممددة مممن البشممر يمكممن الشممارة إليهممم بأعيممانهم ‪ ،‬ويمكممن‬
‫محاسبتهم على ما اقترفت أيديهم ‪ ،‬إنما هممو العقممل الجمعممى !‬
‫وأنى لك أن تمسممك بالعقممل الجمعممى وتحاسممبه ‪ ،‬وهممو الممذى ل‬
‫يمكن المساك به لنه ليس له مكان محدد ول كيان محدد ‪ ،‬ثممم‬
‫إنه ل يسأل عما يفعل لنه هو القاهر فوق العباد !!‬
‫وثانيا ‪ :‬فإن الذى يقوم به العقل الجمعى )الذى صنعه اليهممود‬
‫بأنفسهم !( ليس " تحطيما " للقيم ‪ ،‬وإنما هو مجممرد " تغييممر "‬
‫على سنة العقل الجمعى فى التغير الدائم وعممدم الثبمموت علممى‬
‫حال ! و" القيم الثابتة " إن هى إل أسطورة توهمها الناس فممى‬
‫جهالتهم قبل أن يجئ العالم الكبير لتنممويرهم ‪ ..‬وقممد قممال لهممم‬
‫العالم الكبير إنها ليست فطرية فى النسان!‬
‫وثالثا ‪ :‬إنه ل قبل للناس بوقف التغيير ! لنه يحدث من خارج‬
‫كيانهم ! )وقد كان من خممارج كيممانهم بالفعممل ! ولكممن ل لنممه "‬
‫عقل جمعى " ولكن لنهم تركوا الدين فركبهم الشيطان ‪:‬‬
‫ن)‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬‫مُنوا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫}إ ِن ّ ُ‬
‫ن)‬ ‫كو َ‬ ‫شممرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ب ِهِ ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬‫ن ي َت َوَل ّوْن َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عََلى ال ّ ِ‬ ‫طان ُ ُ‬‫سل ْ َ‬‫ما ُ‬ ‫‪ (99‬إ ِن ّ َ‬
‫‪] {(100‬سورة النحل ‪[100 - 16/99‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫خذ َ ّ‬ ‫ل لت ّ ِ‬ ‫ه وََقا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ريدا ً )‪ (117‬ل َعَن َ ُ‬ ‫م ِ‬‫طانا ً َ‬ ‫شي ْ َ‬‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫}وَإ ِ ْ‬
‫م‬ ‫من ّي َن ُّهممم ْ‬
‫م َول َ‬ ‫ضمممل ّن ّهُ ْ‬
‫مْفُروضممما ً )‪َ (118‬ول ِ‬ ‫صممميبا ً َ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫عَبمممادِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مممم ْ‬
‫ِ‬
‫م{ ]سورة النساء ‪[119-4/117‬‬ ‫مَرن ّهُ ْ‬ ‫َول ُ‬
‫وهكممذا قممام العممالم الكممبير بالتغطيممة علممى دور اليهممود فممى‬
‫الفساد فى الرض فى صورة " علم " يدرس فى كل جامعممات‬
‫الرض ‪ ،‬ويتربى عليه " علماء " من المميين يتعصبون له كأنما‬
‫هم واضعوه ‪ ،‬أو كأنما هو الحق الذى ل يممأتيه الباطممل مممن بيممن‬
‫يديه ول من خلفه !‬
‫‪ -2‬واقع المجتمع الصناعى‬
‫لئن كان " علماء " اليهود قد أدوا دورهم " العلمى " فممى تمموهين‬
‫عرى الدين والخلق والتقاليد ‪ ،‬والقول بكل طريقة ومن كل زاويممة‬
‫بأنها سخف ل ينبغى للنسان المتحضممر أن يتمسممك بممه ‪ ،‬وأوهممام ل‬
‫ينبغممى الحتفمماظ بهمما فممى عصممر العلممم ‪ ،‬وقيممود تعمموق النطلق ‪،‬‬
‫وصناعة بشرية بحتة من حق البشرية أن تراعا وتعدلها أو تلغيهمما أو‬
‫تعمل بعكسها " ‪.. "1‬‬
‫" " من السماء الهامة فى هذا الشأن " فريزر ‪ " Frazer‬واضع البذرة ألولى لعلم مقارنة الديان وصاحب الكتاب‬ ‫‪1‬‬

‫الشهير " الغصن الذهبى ‪ " The Golden Bough‬الذى قال فيه صراحة إن الدين بضاعة أرضية بحتة من صنع البشر ‪،‬‬
‫لئن كان " العلماء " قممد قمماموا بهممذا الممدور فقممد كممانت عصممابات‬
‫أخرى تقوم فى ذات الوقت بعملية ل تقل خطورة – بممل قممد تكممون‬
‫أشد خطورة – هى إقامممة مجتمممع فممى عممالم الواقممع ‪ ،‬منسمملخ مممن‬
‫المدين والخلق والتقاليمد ‪ ،‬قمائم علممى غيممر أسماس منهما ‪ ..‬وهكمذا‬
‫تجتمع النظريات والواقع علممى هممدف واحممد محممدد ‪ ،‬يسمماند بعضممها‬
‫بعضما ويسماعد بعضمها بعضما ‪ ،‬فالنظريمات تمهمد للواقمع وتسمنده ‪،‬‬
‫والواقع يشهد للنظريات ويؤكدها ! وبين ذراعى الكماشممة الشممريرة‬
‫يقممع "الممييممن " فممى أوروبمما أول ‪ ،‬وفممى الرض كلهمما بعممد ذلممك ‪،‬‬
‫تعصرهم عصرا وتمسخهم مسخا !‬
‫قلنا من قبل إن المجتمع الصناعى قد وقع فى قبضة اليهممود منممذ‬
‫اللحظة ألولى بسبب قيام اليهود المرابين بتمويل الصناعة الناشممئة‬
‫عن طريق القراض بالربا ‪ ،‬فأصبح فى مكنتهم السيطرة علمى هممذا‬
‫المجتمع وتشكيله على الصممورة الممتى يرغبونهمما لن فممى يممدهم أداة‬
‫السيطرة الكبرى على ذلك المجتمع وهى رأس المال ‪.‬‬
‫ونريد هنا أن نفصل هذا القول شيئا من التفصمميل مسممتندين إلممى‬
‫وقائع التاريخ ‪.‬‬
‫كانت الثورة الفرنسممية – الممتى كسممب فيهمما المميممون شمميئا مممن‬
‫الكب مشوبا بكثير من الخسران ‪ ،‬وكسب فيها اليهود كسممبا خالصمما‬
‫لمخططهممم الشممرير – أول معممول فممى تحطيممم القطمماع والتمهيممد‬
‫للثورة الصناعية ‪ ..‬ومن فرنسا انتشرت " مبادئ " الثورة الفرنسية‬
‫وشعاراتها التى وضعها لها الماسممونيون اليهممود ‪ " :‬الحريممة والخمماء‬
‫والمساواة " ‪ ،‬فعمت أوروبا كلهما وحطممت أسمس القطماع فيهما ‪،‬‬
‫وحررت " العبيد " ليكونوا غذاء للثورة الصناعية ‪ ..‬ووقودا لها كذلك‬
‫!‬
‫وفرح العبيد المحررون فرحممة عظيمممة ولش ك بتلممك الحريممة ‪..‬‬
‫فالحريممة دائممما محببممة إلممى النفمموس ‪ ،‬والقيممد بغيممض ولممو تبلممدت‬
‫النفوس عليه عدة قرون !‬
‫وانطلقمموا إلممى المممدن فممى هيئة عمممال فممى المصممانع ‪ ..‬وكممانت‬
‫المدينة فى ذاتها سحرا هائل فى أنفسهم ‪ ،‬فهكذا ينظر أهل الريممف‬
‫وإن العقيدة قد تطورت على مر الزمان ‪ ،‬ما بين عبادة الب ‪ ،‬إلى عبادة الطوطم إلى عبادة قوى الطبيعة ‪ ،‬إلى‬
‫عبادة الفلك ‪ ،‬إلى عبادة الصنام ‪ ..‬إلى عقيدة التوحيد ‪ ..‬وأعطى اليحاء بأن عقيدة التوحيد – بوصفها صناعة بشرية‬
‫– هى مجرد مرحلة على الطريق ‪ ..‬وأن العلم – فى العالم المتحضر – يحل فى النهاية محل الدين ‪ .‬وكانت أبحاثه‬
‫منصبة على القبائل المنعزلة المتأخرة فى أفريقيا وآسيا وأستراليا ليستخدمها وسيلة للقول بأن الديان " السماوية "‬
‫المتأخرة إن هى إل امتداد للديانات الوحشية التى عرفتها القبائل الولى فى بداوتها وخاصة فيما يتعلق بالمحرمات و"‬
‫بأسطورة ! " الطوفان ‪ ،‬التى قال إنها وجدت عند أكثر القبائل انعزال وأشدها بعدا عن التصال بالعالم " المتحضر ! "‬
‫ومع ذلك قلب دللتها قلبا كامل ‪ ،‬فبدل من أن يقول إن ذلك دليل أكيد على صدقها التاريخى ‪ ،‬قال إنها أسطورة‬
‫أخذتها الديان المتأخرة من الديان السابقة !! والغالب أنه – كدارون – لم يكن يهوديا ‪ ،‬ولكن اليهود استغلوا " علمه‬
‫" استغلل واسعا كما صنعوا مع دارون ‪ ..‬وسيأتى الحديث عنه عند مناقشة التفسير المادى للتاريخ ‪.‬‬
‫دائما إلى المدينة ولو كانوا فيها غرباء ‪ ..‬أما هؤلء فقد كانت الغربة‬
‫بالنسبة إليهم عارضا زائل ‪ ،‬فسرعان ما أصبحوا سكانا فيها أصلء ‪.‬‬
‫ولقد كانت حرية التنقل فى ذاتهمما كسممبا ضممخما طربممت لممه نفمموس‬
‫العمممال بعممد إذ كممانوا مقيممدين بممالرض مشممدودين إليهمما ل يملكممون‬
‫مغادرتها ولو إلى الرض الملصقة لقطاعيتهم ‪.‬‬
‫ثم لقد أصبحوا أراء " أحرارا " بعد أن كانوا مممن العبيممد ‪ ..‬صمماروا‬
‫يعملون ويقبضون فى نهاية السبوع أجرا نقديا يمسكون فى أيديهم‬
‫وينفقونه كيف شاءوا ليس لحد عليهم سلطان ‪.‬‬
‫وكان لكل هذا نشوة تطرب لها النفوس ‪..‬‬
‫ولكن هذه النشوة لم تدم طممويل علممى أى حممال ‪ ..‬فقممد انكشممف‬
‫الواقع الجديد عن صعوبات لم تكممن مقممدرة حممق قممدرها فممى بممادئ‬
‫المر ‪ ..‬فساعات العمل طويلة ومضممنية والجممر مممع ذلممك قليممل إذا‬
‫قيس بمطالب المدينة وارتفاع أسعار الحاجيات فيها ‪ .‬ففممى الريممف‬
‫لم يكن يدفع النمماس أجممرا للمسممكن سممواء كممانوا أجممراء أحممرارا أو‬
‫أقنانا يعملون فممى الرض ‪ ،‬فمسمماكن القريممة تممورث جيل بعممد جيممل‬
‫يتربى فيها كل جيل جديممد ل يممدفع فيهمما أجممرا حممتى ولممو لممم يشممعر‬
‫بملكية حقيقية لها لنها ملممك للسمميد الممذى يملممك الرض بممما عليهمما‬
‫ومن عليها ملكية حقيقية أو معنوية ‪ ..‬وفى الريف ل يتكلممف النمماس‬
‫لطعامهم وشرابهم كثيرا من المال ‪ ،‬فمن منتجات اللبان ومنتجات‬
‫الدواجن يأخذون اللبن والزبد والبيض واللحم )فممى المواسممم علممى‬
‫القل( ومما يزرعون يأخذون خبزهم وبقولهم وخضرهم فل يكادون‬
‫يحسون أنهم دفعوا فيها شيئا يذكر ‪ ،‬وإن كانوا فى الحقيقة يدفعون‬
‫جهدهم كله فى عمل مضن طوال العممام ‪ ،‬ويممدفعون مممن كرامتهممم‬
‫وإنسانيتهم ‪.‬‬
‫والن تغير الحال ‪ ..‬كثيرا ‪..‬‬
‫لم تعد وطأة " السيد " ذات وقع حسممى مباشممر كممما كممانت فممى‬
‫ظل القطاع ‪ ،‬وإن كانت الوطأة المعنوية قائمممة ول شممك ‪ ..‬قائمممة‬
‫فى حاجة العمال إلى العمل مممن أجممل الحيمماة ‪ ،‬وغطرسممة صمماحب‬
‫المصنع وتكبره وتجبره وتقتيره فى الجور ‪..‬‬
‫ثمم إن العممل ذاتمه لمه وطمأة ‪ ..‬وهمى وطمأة حسمية إلمى جمانب‬
‫السطوة المعنوية لصاحب العمممل ‪ .‬فهممو عمممل متواصممل فممى إدارة‬
‫اللت – وكانت فى مبدأ المر تحتاج إلى جهد بدنى كبير فى إدارتها‬
‫– وليس من نوع العمل الريفممى الممذى كممان مضممنيا – نعممم – ولكنممه‬
‫مرن فى أدائه إلى حد ما ‪ .‬فأنت فى الحقل حممر – نسممبيا – فممى أن‬
‫تبدأ عملك بعد الفجر مباشرة أو بعد ذلممك بسمماعة ! ورح – نسممبيا –‬
‫فى أن تشغل المحراث ثلث ساعات متوالية أو تشغله سمماعة بعممد‬
‫ساعة بعد ساعة ! وحر – نسبيا – فى أن تجمع المحصممول اليمموم أو‬
‫تجمعممه غممدا ‪ ..‬وحقيقممة إن " السمميد" دائممما هنمماك ‪ ..‬ووكيلممه الممذى‬
‫يشرف على عمل الفلحين قاعد بالمرصاد يؤز الفلحين للعمممل أزا‬
‫ول يتركهم فى راحة ‪ ..‬ولكنه ل يستطيع أن يقف طيلة النهممار علممى‬
‫رؤوسهم ! ومن ثم يتنفسون بين الحين والحين ‪ ،‬فى حديث خاطف‬
‫أو قصة مروية ‪.‬‬
‫أما السيد الجديد فل يتيح شيئا من ذلك ‪.‬‬
‫صحيح أنه ليس له سوط يمسك به هو أو عامله )وكيله ‪(Steward‬‬
‫ليهوى به على ظهور العمال إن توازنوا عن العمل ‪ ،‬ولكن فممى يممده‬
‫سوطا معنويا ل يقممل إيممذاء وهممو الخصممم مممن الجممر أو الطممرد مممن‬
‫العمل !‬
‫ثم إن الجر – حتى إن سملم مممن هماتين الفممتين جميعما – ضمئيل‬
‫بالنسبة لمطالب الحياة ‪.‬‬
‫صحيح أنه – من حيث الكم – أضعاف ممما كممان يحصممل عليممه مممن‬
‫الريف ‪ ،‬ولكنه إذا وزع على المسكن والملبس والمطعم المشممرب‬
‫لم يكد يفى بكل ذلك ولو على مستوى الكفاف ‪.‬‬
‫ثم إن هناك أمرا هاما جدا فى هذه الحياة الجديدة كان له خطره‬
‫البعيد فى تشكيل صورة المجتمع الصناعى الناشئ وإعطائه الطابع‬
‫الذى يوافممق همموى الشممياطين ‪ ..‬فممإن الجممر الضممئيل الممذى يتنمماوله‬
‫العامل ول يكاد يفى بحاجته لم يكن يسمح بحال بإنشاء أسممرة فممى‬
‫المدينة ذات التكاليف ‪ .‬ومن ثم جمماء العمممال عزابمما إلممى المدينممة –‬
‫وهم فى سن الشباب والفتوة – أو إن كانوا متزوجين تركوا أسرهم‬
‫فى الريف وعاشوا فى المدينة كالعزاب ‪..‬‬
‫وأضيفت إلى متاعب الحياة فممى المدينممة جوعممة الجنممس ‪ ،‬وهممى‬
‫جوعة ليست باليسيرة بالنسبة للشباب فى مثل هممذه السممن ‪ ،‬وممما‬
‫كان يفد للعمل إلى المدينة إل القوياء ذوو الجساد ‪.‬‬
‫هل كان ذلك كله من تدبير اليهود أم هم استغلوه ؟!‬
‫يستويان ‪..‬‬
‫والغلب أنه لممم يكممن مممن تخطيممط اليهممود ‪ ،‬إنممما هممو مممن جشممع‬
‫أصممحاب الممموال وأصممحاب الصممناعات يهممودا وغيممر يهممود ‪ ..‬ولكممن‬
‫المؤكد أن " الحل " الذى قدم لهذه الزمة كان هممو الحممل اليهممودى‬
‫الخالص الذى يعمل فيهاليهود من قديم ‪..‬‬
‫كان الحل هو البغاء !‬
‫لم يكن هو بغاء " السادة " الذى تعرفه " المدينة " مممن قممديم ‪..‬‬
‫فالمدينة الوروبية كانت دائما تعممرف ذلممك اللممون مممن البغمماء الممذى‬
‫ينفق فيه السادة أموالهم الحممرام – المغتصممبة مممن دممماء الفلحيممن‬
‫والعبيد – فى طلب اللذة المحرمة ‪ ،‬وكان اليهود ذوى صلة تاريخيممة‬
‫بذلك البغاء يوقعون فى حبائله السادة من " النبلء " ! ويسلبون به‬
‫ما يقدرون على سلبه من أموالهم ‪ ،‬حممتى يلجئوهممم إلممى السممتدانة‬
‫منهم بالربا ذى الضعاف المضاعفة ‪ ،‬ويفلس منهم فى النهايممة مممن‬
‫يفلس وتئول أمواله إليهم !‬
‫ولكن هذا البغاء الجديد كان بغمماء " شممعبيا " خالصمما لقمماء دراهممم‬
‫معدودات !‬
‫وفرك اليهود أيديهم سرورا فقممد أمسمكوا بمأول الخيممط ! الخيممط‬
‫الذى يجر " المميين " إلى حيث يريد لهم الشيطان ‪.‬‬
‫وجاءت الخطوة التالية ‪..‬‬
‫فقد بدأ العمال يضربون عن العمل جماعات ‪ ..‬يطلبممون تخفيممض‬
‫ساعات العمل وزيادة الجور ‪..‬‬
‫وفى دستور الرأسمالية – غير المكتوب – أنهمما ينبغممى أن تحتفممظ‬
‫دائما بجيش من العاطلين تستخدمهم حين يضرب العمال العاملون‬
‫حتى ل يتوقف العمل من جهة ‪ ،‬وحتى يضربوا حركات الضراب من‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬فيضطر العمال إلى الرجوع إلى أعمالهم صاغرين !‬
‫ولمممر ممما اسممتخدمت الرأسمممالية المممرأة العاملممة لتضممرب بهمما‬
‫حركات العاملين من الذكور ‪ ..‬وأعطتها نصمف الجمر ‪ ،‬وهمى تعممل‬
‫ذات القدر من العمل وذات العدد من الساعات !!‬
‫هل كان هذا من تدبير اليهود أم هم استغلوه ؟!‬
‫الغلممب أنممه لممم يكممن مممن تممدبيرهم ‪ ،‬وإن كممان أشممبه بتفكيرهممم‬
‫الشمميطانى ‪ ..‬ولكممن المؤكممد أنهممم اسممتغلوه إلممى أقصممى طاقممة‬
‫الستغلل ‪ ،‬وجعلوه أداة لتنفيذ كل مخططهم الشرير ‪..‬‬
‫لم يقدم على العمل فى بممادئ المممر إل أفقممر الفقيممرات ‪ ..‬فقممد‬
‫كان عمل المرأة فى المصممنع عممارا هممائل جممدا فممى حممس المجتمممع‬
‫الخارج لتوه من القطاع ‪ ،‬لممم ينسمملخ بعممد انسمملخا كممامل مممن كممل‬
‫قيمه ومثله وأخلقياته وتقاليده ‪.‬‬
‫كانت المرأة فى الريممف تعمممل – بالطبيعممة – فممى بيتهمما ‪ ،‬فممتربى‬
‫الممدواجن وتسممتخرج مممن اللبممن منتجمماته ‪ ،‬وتنسممخ علممى المنسممج‬
‫اليدوى ‪ ..‬وما إلى ذلك من العمال كما كممانت تسمماعد زواجهمما فممى‬
‫أعمال الحقل فى حدود معينة ‪.‬‬
‫وكان الريف متعارفا على هذا المر من قديم ‪،‬وكان يحوط عمممل‬
‫المرأة بسياج معين من الخلق ‪ ،‬والتقاليد المسممتمدة مممن الممدين ‪،‬‬
‫فل يحدث الختلط بالغرباء فى غير ضممرورة ‪ ،‬ول تحممدث الفاحشممة‬
‫إل شذوذا مستنكرا أشد الستنكار فى ذلك المجتمع المحممافظ إلممى‬
‫درجة التزمت ‪ .‬والزواج المبكممر يغنممى الشممباب مممن الجنسممين عممن‬
‫الصلت المحرمة ‪ ،‬ويقيم السرة على أساس من القيممم المتوارثممة‬
‫النابعة كلها من الدين ‪.‬‬
‫ولكن المرأة التى تركها عائلها وذهب " متحممررا " إلممى المدينممة ‪،‬‬
‫ولم يعد لها عائل غيره ‪ ،‬كانت مضطرة إلى العمل وغل ماتت جوعا‬
‫على الحقيقة ل على المجاز ! فما كانت الجاهلية الوروبيممة الممتى ل‬
‫تطبق شريعة الله تعرف ممما تصممون بممه المممرأة مممن الجمموع والثممار‬
‫المترتبة على الجوع !‬
‫إن شريعة اللمه قمد صمانت المممرأة فمى جميممع أحوالهما أممما وبنتمما‬
‫وزوجة وأختا ‪ ،‬فرتبت لها عائل يعولها فى جميع حالتهمما سممواء كممان‬
‫ولممدا أو والممدا أو زوجمما أو أخمما أو قريبمما مممن القربمماء يكلممف تكليفمما‬
‫بإعالتها وصيانتها ‪ ،‬ويكون مسئول عن ذلك أمام الممه وأمممام شممريعة‬
‫الله ‪ ،‬بحيث يؤخذ من ماله قسرا إن كان ذا مال وحجبه عن النفاق‬
‫! فإن لم يكن لها أحد يعولها بالمرة – وهو أمممر نممادر فممى مجريممات‬
‫الحياة العادية – فبيت المال فممى السمملم يكفممل مممن ل عممائل لممه ‪،‬‬
‫رجل أو طفل أو اممممرأة ‪ ..‬وهكمممذا ل توجمممد اممممرأة فمممى المجتممممع‬
‫السلمى الذى تحكمه شريعة الله تضممطر إلممى العمممل لكممى تعممول‬
‫نفسها ‪ ،‬فضل عن أن تعول سواها كما حدث فى المجتمع الصناعى‬
‫" المتطور " !‬
‫أما فى تلك الجاهلية فقممد وجممد فممى الريممف نسمماء كممثيرات بغيممر‬
‫عائل ‪ ،‬لن عائلهن تركهن وذهب إلى المدينة ثم عجممز عممن النفمماق‬
‫عليهن ‪ ..‬أو شغله البغاء عن بناء أسرة وتحمل تكاليفها ‪..‬‬
‫وشيئا فشيئا اضطر هؤلء النساء إلى الهجرة إلى المدينة للعمممل‬
‫هنمماك ‪ ،‬حيممث التقطهممن أصممحاب المصممانع يضممربون بهممن حركممات‬
‫العمال المطالبة بتخفيض ساعات العمل وزيادة الجور ‪ ..‬وعاملتهن‬
‫الجاهلية بتلك الفظاظة الفذة ‪ ،‬فأعطتهن نصمف الجمر علمى نفمس‬
‫العمل ونفس الساعات !‬
‫ولكن المر لم يقف مع الجاهلية عند هذا احد ‪ ..‬فممالمرأة دائممما "‬
‫صيد " والمرأة المحتاجة صيد ميسر !‬
‫وساومها " الرجل " الذى تعمل عنده ‪ ..‬إما أن تفرط فى عرضها‬
‫وإما أن تعود إلى الجوع الذى فرت منه !‬
‫ولم تكن الجوعة فى الحقيقة هممى جوعممة المعممدة فحسممب ‪ ،‬وان‬
‫كانت هذه كافية للسقوط ! إنما كان إلممى جانبهمما الحاجممة الفطريممة‬
‫الطبيعية إلى الجنس ‪ ،‬والحاجة إلى اللباس والزينة ‪ ،‬وهى بالنسممبة‬
‫للمرأة ليست كلهمما كماليممات ! وسممقط مممن " الرعيممل " الول مممن‬
‫العاملت من سقط ‪ ..‬وفتحن الطريممق ! ووجممد اليهممود صمميدا سممهل‬
‫يشغلونه فى صناعتهم العتيقة " العريقة " ! صناعة البغاء ‪.‬‬
‫وكتبت الصحافة الوروبية كثيرا وكثيرا جدا عن البغمماء باعتبمماره "‬
‫ضرورة اجتماعية " ! وإنه ينبغى أن يكون رسممميا وأن يكممون تحممت‬
‫إشراف الدولة !!‬
‫وإذا علمنا – كما سنذكر فيما بعد – أن الصحافة الوروبية كانت –‬
‫وما تزال – تحت سيطرة اليهود ‪ ،‬علمنا لحسمماب مممن كممانت تكتممب‬
‫هذه الصحافة عن البغاء و" تزكيه " !‬
‫ولو أن هؤلء " المميين " فى أوروبا كانت لديهم ذرة من تفكيممر‬
‫لعجبمموا علممى القممل – ول نقممول اسممتنكروا ورفضمموا – أن تكممون "‬
‫الدولة " هى حارسة البغاء وحاميته وراعية شئونه !‬
‫أى سخرية سخرها اليهود من المميين ‪ ،‬وهم يلعبممون بهممم علممى‬
‫هذا النحو الشائن ؟! ويسممقونهم السممم فيشممربونه بل رويممة ‪ ..‬سممم‬
‫يمسخ الرواح ويذهب بالعقول ‪..‬‬
‫وأيا كممانت التعلت الممتى قممدمت لتممبرير البغمماء ‪ ،‬وتممبرير إشممراف‬
‫الدولممة عليممه ورعممايته ‪ ،‬فهممى سممخرية المسمماخر فممى الجاهليممة‬
‫المعاصرة ‪،‬وقمة من قمممم التمكممن اليهممودى مممن " الحميممر الممذين‬
‫خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار " !‬
‫ورويدا رويدا أصبح البغاء الرسمى وغير الرسمممى حقيقممة واقعممة‬
‫فى المجتمع له صفة " الشرعية " الكاملة ‪ ،‬ونتحدث عن " تنظيمممه‬
‫" القوانين ‪ ..‬وأصبح الذى يستنكر هذه الوضمماع رجعيمما متزمتمما ‪ ،‬أو‬
‫جاهل مخرفا ‪ ،‬أو منافقا تافهمما ‪ ،‬أو " مثاليمما " يعيممش فممى الوهممام !‬
‫واصبحت هذه هى " الواقعيمة " الجديمدة المتى يمدافع عنهمما الكتمماب‬
‫والخطبممماء والصمممحفيون والقصصممميون والروائيمممون ‪ ..‬والمحللمممون‬
‫النفسانيون !!‬
‫غيممر أن المسممألة لممم تقممف عنممد هممذا الحممد ‪ ،‬وإنممما " تطممورت "‬
‫كمثيرا ‪ ..‬فقمد كممثر العماملت فمى المصمانع ‪ ،‬اللممواتى يقممن بنفمس‬
‫العمل ويتناولن نصف الجممر ‪ ،‬بسممب اسممتمرار هجممرة العمممال إلممى‬
‫المدينة وترك أسرهم بل عائل ‪ ..‬فأصبحت لهممن " قضممية " ! قضممية‬
‫المسمماواة فممى الجممر ‪ ..‬وهممى قضممية عادلممة دون شممك ‪ ،‬أيمما كممانت‬
‫الظروف التى أدت إليها والملبسات التى أحاطت بها والنتائج الممتى‬
‫ترتبت عليها ‪ ..‬فحين يعمل الرجل والمرأة نفس العمممل ‪ ،‬ويقومممان‬
‫بنفس الجهد ‪ ،‬فأى مبرر فممى الرض يممبرر أن يأخممذ أحممدهما نصممف‬
‫الخر " ‪! "1‬‬
‫ولكن الجاهلية الوروبية التى لممم تحكممم قممط بممما أنممزل اللممه قممد‬
‫ارتضت هذا المر ‪ ،‬ورأت فيه شيئا طبيعيا ل يبعث على الستنكار !‬
‫ولكن النساء اللواتى وقع عليهن الغبن رأيممن – أو رؤى لهممن – أن‬
‫يطالبن بحقوقهن المسلوبة ‪ ..‬نقول ‪ :‬رؤى لهن ‪ ،‬لن التاريخ يشممهد‬
‫أنه كان هناك دائما محرك يحرك المور !‬
‫وسواء كان اليهود هم الذين حركمموا " القضممية " أم قمموم طيبممون‬
‫أخذتهم الشفقة بالمظلومات فطمالبوا لهممن بحقمموقهن ‪ ،‬فلشمك أن‬
‫اليهود استغلوا الظروف لصممالح مخططمماتهم ‪ ،‬وشممدوا الخيممط إلممى‬
‫أقصى ما يمكن أن ينشد !‬
‫وسارت القضممية فممى خطمموات متتابعممة ‪ ،‬كممل خطمموة تممؤدى إلممى‬
‫تاليتها بصورة تبدو طبيعية ومنطقية وتلقائية ‪ .‬وما كانت فى الواقممع‬
‫تلقائية ‪ .‬إنما كان ينفممخ فيهمما الشممياطين بصممورة تظهرهمما فممى هممذا‬
‫الوضع ‪.‬‬
‫طممالبت المممرأة بالمسمماواة مممع الرجممل فممى الجممر فرفضممت‬
‫الرأسمالية الناشئة وأصرت على الرفض ‪ ،‬كأنها تحافظ علممى وضممع‬
‫طبيعى ل يجوز تغييره ول الخروج عليه ! ورفض " الرجل " كذلك !‬
‫كأن طلبها عممدوان علممى حقمموقه الشخصممية أو عممدوان علممى كيممانه‬
‫الذاتى !‬
‫ولم تعد القضية مجرد المطالبة بالمساواة مع الرجل فى الجممر ‪،‬‬
‫بل أصبحت – فى ذات الوقت – قضية ضد " الرجل " الممذى يرفممض‬
‫إعطاءها مالها من حقوق فى عنجهية وغطرسة ‪ .‬وظممل هممذا المممر‬
‫يتسع كلما سارت القضممية فممى مسممارها خطمموة ‪ ،‬حممتى أصممبح فممى‬
‫النهاية كأنه هو القضية ! وانقلب المر بيممن شممقى النفممس الواحممدة‬
‫ة‬
‫ح مد َ ٍ‬
‫س َوا ِ‬
‫ن َن َْف م ٍ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫اللذين خلقهما الله ليكونا سكنا ومودة ‪َ } :‬‬
‫م‬‫خل َمقَ ل َك ُم ْ‬
‫ن َ‬
‫ن آي َممات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬‫جَها{ ]سورة النساء ‪} [4/1‬وَ ِ‬ ‫خل َقَ ِ‬
‫من َْها َزوْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫" " ترث المرأة المسلمة نصف ميراث الرجل بمقتضى قوله تعالى ‪ " :‬يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ‬ ‫‪1‬‬

‫النثيين " ]سورة النساء ‪ [11 :‬ولكن هذا يجرى فى المال الموروث فقط ‪ .‬وحكمته أن الرجل يكلف من ميراثه‬
‫تكاليف ل تكلفها المرأة من ميراثها ‪ .‬أما المال المكتسب فالصل الطبيعى فيه هو المساواة ‪ .‬وعلى ذلك تجرى‬
‫أحكام السلم فى التجارة والزراعة والبيع والشراء والرهن والجارة وسائر المعاملت المالية التى ل يختلف فيها‬
‫مقدار الكسب باختلف الجنس ‪.‬‬
‫ممن َأنُفسمك ُ َ‬
‫ة{‬‫مم ً‬
‫ح َ‬
‫مموَد ّةً وََر ْ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُم ْ‬
‫م َ‬ ‫سمك ُُنوا إ ِل َي ْهَمما وَ َ‬
‫جعَم َ‬ ‫م أْزَواجما ً ل ِت َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫]سممورة الممروم ‪ [30/21‬فأصممبحت العلقممة هممى العممداء والصممراع‬
‫والمنافسة ‪..‬‬
‫وفرك الشياطين أيممديهم سممرورا بممذلك " التطممور " ‪ ..‬فممأى شممئ‬
‫افعل فى فك روابممط السممرة وتقطيممع أوصممالها مممن إثممارة الصممراع‬
‫والشقاق بين ركنيها الساسيين ؟!‬
‫وما نريد أن نتعجل الحداث !‬
‫رفض أصحاب المصانع قضية المساواة فى الجر ورفضها الرجل‬
‫كذلك ‪ ،‬فطالبت المرأة – أو طولب لها فى الحقيقة – بأن يكون لها‬
‫حممق النتخمماب حممتى يكممون لهمما – كممما قيممل – تممأثير فممى اختيممار‬
‫المرشحين للمجالس النيابية فيدافعوا عن حقوقهمما المسمملوبة حيممن‬
‫يصمملون إلممى البرلمممان ‪ ،‬وكممان الرجممل قممد نممال هممذا الحممق )حممق‬
‫النتخاب( قبل ذلك مع نمو الديمقراطيممة ونمممو الحقمموق السياسممية‬
‫للشعب " ‪. " 1‬‬
‫ورفض الرجل إعطاءها هذا الحق ‪ ،‬ولممم يعممترف أصممل بممأن ذلممك‬
‫حق من حقوقها أو أمر جائز بالنسبة إليها ‪.‬‬
‫وتكفل رجال بالممدفاع عممن " قضممية المممرأة " ‪ :‬محممامون وكتمماب‬
‫وخطباء وصحفيون ‪ ..‬بينما ظل أغلبية الرجال يرفضون فى إصرار ‪.‬‬
‫ولكن رويدا ‪ ..‬رويدا ‪ ..‬أخذت المعارضة تلين – أو فى الحقيقة تليممن‬
‫! – بالدق المسممتمر عليهمما بكممل وسممائل العلم المتاحممة فممى ذلممك‬
‫الحين ‪ ،‬وفى مقدمتها الصمحافة ‪ ،‬ومممن بينهمما الخطابمة والمحاضممرة‬
‫والتأليف ‪.‬‬
‫وظاهرة لين المعارضة بعد اشتدادها فى أول المممر تكممررت فممى‬
‫كل مرحلة من مراحل " القضممية " بصممورة واحممدة تقريبمما ‪ ..‬يبممدأ "‬
‫المدافعون " بإثارة القضية فتنهال المعارضة من كل جانب ‪ ،‬وتحتممد‬
‫غضبات " الرجال " إلى حد يخيل للممرائى أن المممر قممد انتهممى إلممى‬
‫البد ‪ ،‬وأن القضية فاشلة ل محالة ! ورويدا ‪ ..‬رويدا تأخذ الصمموات‬
‫المعارضة تخفت ‪ ،‬والصوات المدافعممة تعنممف وتشممتد ‪ ،‬حممتى يممأتى‬
‫يوم ل يجرؤ فيه أحد على المعارضة لنه يصبح ضممد التيممار ‪ ،‬ويصممبح‬
‫كلم مستهجنا ويقابممل بالسممتنكار ‪ ،‬لنممه رجعممى متخلممف ‪ ،‬يريممد أن‬
‫يرجع عقارب الساعة إلممى المموراء ‪ ،‬ويريممد أن يقممف عجلممة التطممور‬
‫الساحقة التى تسحق كل من يقف فى سبيلها !!‬
‫كيف يتم المر على هذه الصورة ؟!‬
‫" " سنتكلم عن الديمقراطية فيما بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫همممل همممى صمممورة طبيعيمممة وتلقائيمممة ؟ أم تمممدخل فيهممما أصمممابع‬
‫الشياطين ؟!‬
‫أممما أنهمما طبيعيممة – مممن جممانب – فنعممم ! فممما كممان المعارضممون‬
‫يعارضون عن إيمان حقيقى بقيم معينة ‪ ،‬إنممما هممى عنجهيممة الرجممل‬
‫من جهة ‪ ،‬وكون ذلك من " التقاليد " الموروثممة مممن جهممة أخممرى ‪..‬‬
‫والتقاليد إذا فقدت الروح وفقدت المبدأ وفقدت اليمممان ‪ ،‬لممم تعممد‬
‫قادرة على الصمود فى المعركممة ‪ ،‬خاصممة إذا كممانت معمماول الهممدم‬
‫حادة ‪ ،‬وكان المهاجمون أذكياء بل شريرين ‪.‬‬
‫ولكنها من جانب آخر لم تكن طبيعية ‪.‬‬
‫فلو تركت المور دون تدخل ودون توجيه ‪ ،‬فلربما كممانت التقاليممد‬
‫الموروثة تتغلب ‪ ،‬أو ربما كانت عنجهيممة الرجممل التقليديممة تتغلممب ‪..‬‬
‫ولكممن الممذين بيممدهم التمموجيه الشمميطانى كممانوا – فممى كممل مممرة –‬
‫يحولممون دون أن تنتهممى المممور إلممى هممذه النتيجممة الممتى ل تخممدم‬
‫أهدافهم ‪ ،‬وتعطل مجئ اليوم الذى يركب فيه شممعب اللممه المختممار‬
‫على ظهور المميين ويلهبها بالسياط !‬
‫ول نتحدث هنا عن العدالة فى أى الجانبين كانت ‪ ،‬فى الجاهلية ل‬
‫توجد عدالة ‪ ..‬والمتصارعون كلهم كانوا يعيشون فى جاهلية ترفض‬
‫أن تحكم شريعة الله ‪ .‬وقد تكممون بعممض المممور أو بعممض الوجهممات‬
‫فى هذه الجاهلية أعدل من بعضها الخر ‪ ،‬ولكنها فممى النهايممة تبتعممد‬
‫عن حقيقة العدل ‪ ،‬لنها تصلح داء بداء آخر ‪ ،‬وتعالج مرضمما فتحممدث‬
‫عدة أمراض ! فلئن كان المدافعون عممن " حقمموق المممرأة " يبممدون‬
‫أكثر عدل من الذين يحتقرونها ويهينونها ويسمتكثرون عليهما أى حمق‬
‫من الحقوق ‪ ،‬فإن الصورة التى نالت بهمما حقوقهمما قممد أحممدثت مممن‬
‫الفساد والظلم ما لم يكن يخطر على بال !‬
‫ومرة أخرى ل نحب أن نتعجل الحداث !‬
‫طالبت المرأة بحق النتخاب الذى كان الرجل قممد حصممل عليممه ‪،‬‬
‫ومن ثم أصبح لقضية بعد جديد – بعد سياسى – بعد أن كانت مجرد‬
‫قضية مساواة فى الجر ‪ ،‬ورفض طلبها بشدة فممى أول المممر ‪ ،‬ثممم‬
‫عادت المعارضة فلنت ‪ ،‬وحصمملت المممرأة فممى معظممم دول أوروبمما‬
‫على حق النتخاب ‪..‬‬
‫ولكنها وجدت أن الصوات الضئيلة التى تدلى بها فممى النتخابممات‬
‫ليس لهمما وزن حقيقممى فممى المعركممة النتخابيممة ‪ ،‬وحممتى إن تممأثرت‬
‫تأثيرا جزئيا طفيفا فممى إنجمماح مرشممح معيممن ‪ ،‬ممممن يتعهممدون – أو‬
‫يكونممون معروفيممن – بممالتحمس لقضممية المممرأة والممدفاع عنهمما فممى‬
‫المجالس النيابية ‪ ،‬فسرعان ما ينسى المرشممح وعمموده حيممن يصممل‬
‫إلى البرلمان ‪ ،‬أو تضيع صيحته فى زحمة العمال وزحمممة الخطممب‬
‫والكلمات !‬
‫عندئذ رؤى لها أن تطالب بحق الترشيح ودخول البرلمان ‪ ..‬لكممى‬
‫تسمع صوتها بنفسممها للممذين يصممنعون القمموانين )كممأنهم لممم يكونمموا‬
‫سامعين من قبل( وتشارك بنفسها فى إعداد التشريع ‪ ،‬فتضمنه ممما‬
‫يحافظ للمرأة حقوقها ‪.‬‬
‫وقامت قيامة المعارضة كما يحدث فى كل مرة ‪ ،‬واشتدت حممتى‬
‫ليظن الرائى أن المر لم يتم أبممدا ‪ ..‬ثممم ظلممت أصمموات المعارضممة‬
‫تخفت تدريجيا وتلين ‪ ..‬حتى نالت المممرأة حممق الترشمميح ‪ ..‬ودخلممت‬
‫البرلمان !‬
‫ويجدر بنا أن نلحظ ظاهرة " فنية " فى إدارة المعركة ‪.‬‬
‫لقد كانت الصحافة دائممما مممن أوسممع المجممالت الممتى تممدور فيهمما‬
‫المعركة إن لم تكن أوسعها جميعا ‪ ..‬والصحافة فى أوروبمما كممانت –‬
‫وما تزال – فى أيدى اليهود ‪ ،‬الذين يوجهون المعركة كلها لحسابهم‬
‫الخاص ‪ .‬ومع رغبتهم الشديدة فىأن تصل المور إلى إخفات صمموت‬
‫المعارضة نهائيا ‪ ،‬وعدم السماح لها بالظهور ‪،‬فقد كممانوا – فممى كممل‬
‫مرة – يدعون الصحف تفسح صدرها للممرأى المعمارض مهممما كمانت‬
‫شدة لهجته وقساوة عباراته !‬
‫وهذا " فن " بارع ول شك !‬
‫فمن ناحية لم تكن الصحافة هى المجال الوحيد لبداء الرأى ‪ ،‬بل‬
‫كان إلى جانبه الخطابة والمحاضممرة والتممأليف ‪) .‬ولممم تكممن وسممائل‬
‫العلم الخرى قد اخترعت بعد ‪ ،‬من إذاعممة وسممينما وتليفزيممون …‬
‫الخ( فلو أن الصحافة أغلقت أبوابها دون الرأى المعارض – وهو فى‬
‫حدته – لنكشف للناس تحيزهمما ‪ ،‬وانكشممف اللعبممون مممن ورائهمما ‪،‬‬
‫وفشلت اللعبة من أولها ! بل ينبغى أن تبقممى الصممحافة " حممرة !"‬
‫فى ظاهرها حتى يطمئن الناس إليها وتصبح أداة جبممارة لتشممكيل "‬
‫الرأى " العام على النحو المطلوب ‪.‬‬
‫ومممن ناحيممة أخممرى فممإن المعارضممة والشممد والجممذب بيممن الممرأى‬
‫المعارض والممرأى المؤيممد ‪ ،‬مطلوبممان – لممذاتهما – مممن أجممل إنجمماح‬
‫المعركة والوصول بها – فى النهاية – إلى الهدف المطلوب !‬
‫هب أن الرأى المطلوب إرساء قواعده – وهو إعطاء المرأة حممق‬
‫النتخاب مثل – قد ألقى فى الصحف أو فى أى مجال مممن مجممالت‬
‫العلم فلم يأبه بمعارضته أحد ولم يتقدم لمناقشته وتفنيده أحممد ‪..‬‬
‫أتممراه ينجممح أو يصممل إلممى هممدفه ؟ كل ! إنممما يممموت لتمموه ويغطيممه‬
‫النسيان ! ويكون فى حس الناس أن مجنونا أخرق تقدم برأى شمماذ‬
‫فلم يأبه به أحد !‬
‫أممما حيممن تممدور المعركممة ‪ ،‬بالمعارضممة ‪ ،‬وإن اشممتدت فممى بممادئ‬
‫المممر ‪ ،‬فهممذا هممو الضمممان أن ينشممغل النمماس بالقضممية ويولوهمما‬
‫اهتمامهم ‪ ،‬وهذه هى الخطوة الولى فى طريق النجاح ! ويكفممى –‬
‫فى مبدأ المر – أن تممدور المعركممة حممول الممرأى ! فمعنممى ذلممك أن‬
‫الموضوع قابل للمناقشة وأن هناك وجهات نظر مختلفة فيه – ولممو‬
‫كممان بعضممها ضممعيفا غايممة الضممعف وأن الوضمماع القائمممة )المممراد‬
‫إزالتها( ليست حقيقة نهائية مقررة ل تقبل النقاش !‬
‫وما دام قممد تقممرر المبممدأ ‪ ،‬وهممو أن المممر قابممل للنقمماش وليممس‬
‫حقيقة نهائية فمن باب " الحرية ! " ينبغممى أن يسمممح لكممل النمماس‬
‫بإبداء آرائهم سواء كانوا مؤيدين أو معارضين ‪ ،‬ليتاح " للرأى العممام‬
‫" أن يحكم على المر !‬
‫عندئذ تأتى الخطوة " الفنيممة " التاليممة ‪ ،‬وهممى اللحمماح المسممتمر‬
‫علممى وجهممة النظممر المطلوبممة ‪ ،‬والتقليممل التممدريجى مممن الممرأى‬
‫المعارض ‪ ،‬مهما كان قويا فممى حقيقتممه فممى الواقممع الخممارجى )أى‬
‫خارج دائرة الصحافة( ‪ ،‬حتى يخيل للقارئ أن الممراى المعممارض قممد‬
‫خفت بالفعل ‪ ،‬وأن الرأى " المطلوب " أصبح هممو الممرأى الغممالب ‪..‬‬
‫وعندئذ تخفت المعارضة بالفعل بتأثير هذا اليحمماء ‪ ،‬ويتغلممب الممرأى‬
‫المطلوب ‪ ،‬ويقال إن " الرأى العممام ! " قممد اقتنممع بالقضممية وأصممبح‬
‫من المتحمسين لها ! وترفع المرأة الزائفة أمام الناس فيظممن كممل‬
‫واحد أن الخرين كلهم قد اقتنعمموا ولممم يبممق مممترددا أو معارضمما إل‬
‫هو ! فيقتنع هو الخر باليحاء !‬
‫وتبقى – دائما بطبيعة الحال – قلة صلبة فممى معارضممتها تممأبى أن‬
‫تذوب سواء كانت معارضتها ناشئة عن إيمان حقيقى بمبدأ معين أو‬
‫حقيقة معينة ‪ ،‬أو لى سبب آخر ‪ ..‬وهذه يجرى التخلص منها بصورة‬
‫من الصممور ‪ ،‬إممما بمحاولممة الشممراء ‪ ،‬وإممما بتشممويه السمممعة ‪ ،‬وإممما‬
‫بالتصفية البدنية إذا لم تفلح جميع الوسائل فى ثنيها عن موقفها !‬
‫وهكذا ارتفعت صيحات المعارضة فممى كممل مممرة طممولب للمممرأة‬
‫فيها بحقوق جديدة ‪ ،‬ثم لنت المعارضة أو لينت ‪ ،‬وخفتت الصمموات‬
‫بعد حين ‪ ،‬وبقى الرأى " المطلوب " وحده مرتفع الراية فى الفاق‬
‫‪ ،‬وقيل إنه " التطور الحتمى " الذى لبد أن يأخذ مجراه ‪،‬وإن عجلة‬
‫التطور ستسحق كل من يقف لها فى الطريق !‬
‫دخلت المرأة البرلمان لعبة مسلية أكممثر مممما هممى واقممع جممدى !‬
‫ولم يتغير كممثيرا حممال المممرأة بهممذه اللعبممة مممن ناحيممة " الحقمموق "‬
‫المطلوبة ‪ ،‬وكلنها – من وجوه أخرى – تغيرت كثيرا ول شك !‬
‫كممانت " القضممية " فممى أثنمماء ذلممك قممد سممارت مسممارات شممتى ‪،‬‬
‫وطرقت أبوابا جديدة ‪..‬‬
‫طالبت المرأة – أو طولب لها – بحق التعليم ‪..‬‬
‫وقد كان تعليم المرأة فى المجتمممع الجمماهلى الوروبممى يتممم فممى‬
‫أضيق الحدود ‪ ..‬فأما أصحاب القصممور فيعلمممون بنمماتهم فممى داخممل‬
‫قصورهم فيممأتى المربممون والمربيممات والمعلمممون والمعلمممات إلممى‬
‫داخل القصر فيعلمون البنات تعليما " أرستقراطيا " يصممنع منهممن "‬
‫سيدات قصور " !‬
‫وأممما " الشممعب ط فل يكمماد يعممرف هممذه القضممية ‪ ،‬قضممية تعليممم‬
‫البنممات ‪ ..‬فإنممما يتعلمممن – داخممل الممبيوت – إدارة الممبيوت وفنممون‬
‫الطهى وتربية النشء ‪ ،‬وتربية الدواجن والماشية والغممزل والنسمميج‬
‫اليدوى وما إلى ذلك من فنون المعاش ‪.‬‬
‫وقليلت من يتعلمن فى المدارس ‪ ،‬أكثرهن يتوقفن عنممد مرحلممة‬
‫ابتدائية وأقل القليل من يتعلمن فن التدريس أو فن التمريض ‪..‬‬
‫أما التعليم بمعناه العام فلم يكن يخطر على بال أحد من الرجال‬
‫– ول النساء – يومئذ أنه فى يوم من اليام يكون !‬
‫وما حاجة المرأة إلى التعليم ؟ وما حاجتها إلى العلم ؟ إنممما هممى‬
‫لتتزوج وتحمل وتلد وترضع ‪ ،‬وتكون ربة بيت" ‪. "1‬‬
‫ولكن " القضية " المشممتعلة مممدت لسممانا مممن اللهيممب نحممو هممذا‬
‫الميدان فاشتعل بنيران المعركة ‪ ،‬واتسممعت القضممية – الممتى كممانت‬
‫فى أساها قضية المساواة مع الرجل فى الجر – فشملت فممى كممل‬
‫يوم أبعادا جديدة لم تكن لها من قبل ‪ ،‬وترتب علممى هممذه التوسممعة‬
‫الجديدة آثار خطيرة لم تكن فى بال أحد من قبل على الطلق ‪.‬‬
‫هل كان فى بال المخططين أنفسهم كل هذه البعاد وممما يممترتب‬
‫عليها من آثار ؟!‬
‫ربما لم يكن ذلك كذلك !‬
‫ولكن كل خطوة كانت تقربهممم إلممى أفممق جديممد يكتشممفون أنهممم‬
‫يستطيعون منه إحكام الرمممى ‪ ،‬أممما الهممدف فواضممح لهممم مممن أول‬
‫لحظة ‪ ،‬وهو تحطيم الدين والخلق والتقاليممد ‪،‬وأممما الوسممائل فهممى‬

‫" " يلحظ أن المجتمع السلمى انحدر إلى هذه النظرية فى القرون الخيرة حين بعد عن حقيقة السلم ‪ ،‬فأوجد‬ ‫‪1‬‬

‫أمام الشياطين ذات الثغرة التى نفذوا منه لفساد المرأة فى أوروبا ‪.‬‬
‫كل الوسائل المتاحممة فممى كممل لحظممة ‪ ،‬حممتى تتمماح وسممائل جديممدة‬
‫فتستخدم على التو !‬
‫ولقد أتاح لهم استخدام قضية التعليم وسائل هائلممة جممدا لتحقيممق‬
‫الهدف المطلوب ‪ ،‬ربما لم تكممن كلهمما فممى حسممبانهم يمموم بممدءوا "‬
‫اللعبة " ‪ ،‬ولكن كل خطوة كممانت تكشممف لهممم المكانيممات المتاحممة‬
‫للخطوة التالية فيسارعون إلى التحضير لهمما حممتى إذا جمماءت كممانوا‬
‫هم حاضرين !‬
‫كانت قضية التعليم من أشد القضايا إثارة للمعارضة فى المجتمع‬
‫الوروبى الجاهلى ‪ ..‬وكانت عنجهية الرجل فيها على أشدها ‪ ..‬فقممد‬
‫كان التعليم خلل قرون طويلة حقمما للرجممل وحممده ‪ ،‬ل تنممازعه فيممه‬
‫المرأة ول ينبغى لها أن تنازعه فيه ‪.‬‬
‫وصيغت خلل القرون " نظريمات " حممول عقممل المممرأة وقابليتهمما‬
‫للتعلم ‪ ،‬خلصتها أن المرأة ل يمكن أن تتعلم ! هكذا خلقها الممه ! ل‬
‫تصلح أساسا للتعليم ! ل تفهممم ! إل تلممك الشممياء الصممغيرة التافهممة‬
‫التى تناسب عقليتها وطبيعتها من رعاية النشممء )لن عقلهمما صممغير‬
‫كعقل الطفال فهى أقممرب إلممى مسممتواهم ‪ ،‬ومممن ثمم فهممى أصملح‬
‫لتربيتهم فى سنواتهم الولى حممتى " يعقلمموا " فيتممولهم الرجممال !(‬
‫وإدارة شئون المنزل والغزل اليدوى والنسيج اليدوى وما أشبه ذلك‬
‫من الفنون ‪..‬‬
‫أما العلم ‪ ..‬فل ! تلك مزية الرجل التى حباه الله بها فمماختص بهمما‬
‫خلل القرون ‪..‬‬
‫أو تجئ المرأة اليوم فتنازعه هذا الختصاص ؟! وأنى لها وهى لم‬
‫تهيأ أصل لتلقى التعليم ؟‬
‫وماذا تفعممل بممالتعليم بعممد أن تممتزوج وتصممبح ربممة بيممت ؟ فعنممدئذ‬
‫تستوى المتعلمة والجاهلة ‪ ،‬إذ أن هممذا أمممر تقمموم بممه الجاهلممة خيممر‬
‫قيام ول يلزمها من أجله العلم ‪ ،‬ولن تقوم به المتعلمة خيممرا منهمما ‪،‬‬
‫بل قد تتفوق الجاهلة عليها لنها نالت من الدربة والخبرة فيممه ممما ل‬
‫يتاح للمتعلمممة الممتى تقضممى شممطر وقتهمما بعيممدا عممن الممبيت ‪ ،‬وهممو‬
‫الميدان الصلى للتدريب ‪.‬‬
‫ولقد كان فى هذا الكلم كثير من الباطيل ول شك ‪ ،‬وكان متأثرا‬
‫تأثرا شديدا بالنظرة الكنسية المتزمتة إلمى الجنمس ‪ ،‬وإلمى الممرأة‬
‫التى يتمثل فيها الجنممس بالنسممبة إلممى الرجممل ‪ ،‬تلممك النظممرة الممتى‬
‫وصلت إلى حممد أن ‪ :‬فلسممفة " فممى القممرن السممابع عشممر كممانت "‬
‫تتفلسف " فى هذا الشأن فتتساءل ‪ :‬هل للمرأة روح أم ليممس لهمما‬
‫روح ؟ وإذا كان لها روح فهممل هممى روح إنسممانية أم روح حيوانيممة ؟‬
‫وإذا كانت روحا إنسممانية فهممل هممى مممن جنممس روح الرجممل أم مممن‬
‫درجة أدنى ؟!‬
‫ولكن وجها واحدا للحق كان قائما فمى همذا الكلم كلمه المحتموى‬
‫على كل تلك الباطيل ‪ ،‬هو أن التعليم – على النحو الذى كمان يمراد‬
‫ويخطط له – كان يشغل المرأة عن وظيفتها الساسية ويحولها إلى‬
‫وجهات أخرى تتلقفها فيها الشياطين !‬
‫هل اليهود ينشئون الحممداث علممى هممواهم بتممدبيرهم الممماكر كممما‬
‫يقول وليم كار ؟!‬
‫كل ! إنما هم يستغلون الحداث ‪ ،‬ويتربصون لينفذوا من أى ثغرة‬
‫تعرض لهم فى حياة " المميين " ولكنهم ل ينشممئون الحممداث مممن‬
‫عند أنفسهم مهما خططوا ومعهما دبروا مئات من السنين أو ألوفمما‬
‫من السنين !‬
‫فلول أن الجاهلية الوروبية شمغلت المممرأة بنصممف أجممر الرجممل ‪،‬‬
‫فمممن أيممن كممان لليهممود أن ينشممئوا للمممرأة قضممية ؟ ولممول أن تلممك‬
‫الجاهلية حرمتها من التعليم تحقيرا وامتهانا لها فمن أين كان لليهود‬
‫أن يوسعوا القضية حتى تشمل تعليم المرأة ‪ ،‬ثم يحدثوا عن طريق‬
‫تعليمها كل ما أحدثوا من الفساد ؟!‬
‫كل ! إن " المميين " هممم الممذين يممتيحون الفرصممة – بأعمممالهم –‬
‫ليستحمرهم شعب الله المختار ويركمب ظهممورهم ‪ ،‬ولممول أعمممالهم‬
‫الخاطئة تلك ما استطاع شعب الله المختار أن يركممب ‪ ،‬مهممما كممان‬
‫فى قلبه من الغل ‪ ،‬ومهما كان فى عقله من التدبير ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ونمضى مع قصة تعليم المرأة فنجممد المعارضممة الثممائرة فممى أول‬


‫المر ‪ ،‬ثم نجد هذه المعارضة تخفت رويدا رويممدا ويمضممى ممما كممان‬
‫يبدو مستحيل فى مبدأ الطريق !‬
‫عند بدء المعركة طالب المطالبون بإنشمماء تعليممم ل ببعممد المممرأة‬
‫إبعادا كامل عن وظيفتها ‪ ،‬وإن كمان يبعممدها – دون شمك – إلمى حممد‬
‫غير قليل ! فقممد أنشممئ لهمما تعليممم " نسمموى " يحمموى العلمموم الممتى‬
‫تعطى للولد ‪ ،‬مضافا إليها دروس فى تدبير المنزل ورعاية النشممء‬
‫وبعض الفنون النسوية كشغل البممرة والتفصمميل والخياطممة ‪ ..‬الممخ ‪،‬‬
‫وكان هذا مجرد خطمموة خطمموة فممى الطريممق ‪ ،‬حممتى يحيممن المموقت‬
‫الذى تلغى فيه المواد النسوية إلغاء كامل ويتم " ترجيل " المرأة ‪.‬‬
‫كذلك طالب المطالبون بتوفير الصيانة الخلقية التامة للفتاة التى‬
‫تذهب إلى المدرسة ‪ ،‬فتذهب فى سيارة مقفلة مغطمماة بالسممتائر ‪،‬‬
‫أو يممذهب معهمما ذووهمما ويعممودون بهمما بحيممث ل تتعممرض للفتنممة فممى‬
‫الطريق !‬
‫والحكمة فى هذا وذاك واضحة !‬
‫فلو أن المخططين كشفوا عن وجمموههم دفعممة واحممدة ‪ ،‬ودفعمموا‬
‫الفتاة الذاهبممة إلممى المدرسممة للتممبرج مممن أول لحظممة ‪ ،‬أو دفعوهمما‬
‫للنسلخ الكامل م‪ ،‬أنوثتها فأى أب كان يبعث بابنته إلى المدرسة ‪،‬‬
‫والتيار المعارض جارف والحملة ضد تعليم المرأة قائمة علممى قممدم‬
‫وساق ؟!‬
‫لبد من طمأنة أولياء المممور طمأنممة كاملممة فممى مبممدأ الطريممق ‪،‬‬
‫حتى يرسلوا ببناتهم إلى المدرسة ‪ ،‬وعندئذ – بعد أن يذهبن بالفعممل‬
‫– يكون لنا معهن دور أى دور !‬
‫ورويدا رويدا ‪ ..‬على مدى طويل بطئ " ‪ "1‬ظلت المواد النسوية‬
‫تتضاءل بحجممة عممدم الثقممال علممى الفتمماة ‪ ..‬أو بأيممة حجممة أخممرى !‬
‫وتقترب المناهج بين البنات والبنين حتى صارت متطابقة تماما فممى‬
‫آخر المر ‪ ..‬مناهج رجالية كاملة !!‬
‫ورويدا رويدا كممذلك وبنفممس البطممء بممدأت المدرسممة تتحلممل مممن‬
‫القيود الصارمة التى فرضت عليها – بعناية – فى مبدأ المممر ! فلممم‬
‫تعممد السممارة مغطمماة بالسممتائر ‪ ،‬ولممم يعممد ذووهمما يوصمملونها إلممى‬
‫المدرسة أو يعودون بها إلى البت !‬
‫وجاء الوقت الذى تقدمت فيه الفتيات إلى الشهادة الثانوية علممى‬
‫مناهممج البنيممن كاملممة بل زيممادة ول نقصممان ‪ ،‬وحممدثت " المعجممزة "‬
‫فنجحممت الفتيممات فممى المتحممان الموضمموع أل للبنيممن ‪ ،‬بممل تفمموقن‬
‫عليهم فى غير قليل من الحالت !‬
‫وحدثت ضجة هائلة – فى الصحافة بصفة خاصممة – لممم تهممدأ مممن‬
‫قريب !‬
‫ها هى ذى الفتمماة الممتى قلتممم عنهمما إنهمما ل تفهممم ول تسممتطيع أن‬
‫تتعلم ‪ ..‬ها هى ذى التى قلتم عنها إنها أقل ذكمماء مممن الفممتى وأقممل‬
‫قدرة على الستيعاب ‪ ..‬ها هى ذى التى قلتم عنهمما إنهمما ل تصمملح –‬
‫إن صلحت على الطلق – إل للمناهج النسوية الخالصممة ‪ ..‬همما هممى‬
‫ذى تدخل ذات المتحان مع الفتى فتجاريه بل تتفوق عليه !‬

‫" " هناك مثل إنجليزى يقول ‪ :‬بطئ ولكنه أكيد المفعول ‪ ، Slow but Sure‬وعلى ذات الحكمة يسير اليهود فى تنفيذ‬ ‫‪1‬‬

‫مخططاتهم حتى ل يتنبه المميون من غفلتهم ‪.‬‬


‫أرأيتم أيها الرجعيون ؟ ! أرأيتم ايها الظالمون ؟! أرأيتم يا جنممس‬
‫الرجال ؟! أيها المغرورون ! أيها المتعصبون!!‬
‫ولئن كان نجاح الفتاة قد قوبل بالستغراب الكامل فممى الغممرب ‪،‬‬
‫فما ينبغى أن يستغرب فى الحقيقة ‪ ،‬فقدرة الفتمماة علممى التحصمميل‬
‫العلمى ل تفترق عن قدرة الفتى حين تتخصص لها وتوليها جهدها ‪..‬‬
‫أما تفوق الفتاة أحيانا فقد كان مرجعه إلى روح التحدى مممن جهممة ‪،‬‬
‫وانقطاع الفتاة للستذكار فى المنزل بينما الولد مشممغولون – فممى‬
‫الشارع – بألوان من النشاط ل تمارسها الفتيات فى ذلك الحين !‬
‫وليسممت القضممية – كممما أثارتهمما الجاهليممة مممن جانبيهمما ‪ ،‬جممانب‬
‫المعارضة وجانب التأييممد – هممى القممدرة علممى التحصمميل علممى ذات‬
‫المستوى عند كل من الجنسين ‪ ،‬إنما القضية هى العداد المناسممب‬
‫لوظيفة كل من الجنسين واسممتعداده النفسممى بصممرف النظممر عممن‬
‫قدرته العقلية ‪.‬‬
‫يقول الدكتور ألكسيس كاريل فى كتاب " النسان ذلك المجهول‬
‫‪) L’Homme cet unconnu‬ص ‪ 109 – 108‬من الطبعة الثالثة من‬
‫الترجمة العربية لشفيق أسعد( ‪.‬‬
‫" إن الختلفات الموجودة بين الرجل والمرأة ل تأتى من الشكل‬
‫الخاص للعضمماء التناسمملية ‪ ،‬ومممن وجممود الرحممم والحمممل ‪ ،‬أو مممن‬
‫طريقة التعليم ‪ ،‬إذ ا‪،‬ها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك ‪ .‬إنهمما تنشممأ‬
‫من تكوين النسجة ذاتها ومن تلقيح الجيم كله بمواد كيمائية محددة‬
‫يفرزهمما المممبيض ‪ ..‬ولقممد أدى الجهممل بهممذه الحقممائق الجوهريممة‬
‫بالمدافعين عن النوثة إلى العتقاد بممأنه يجممب أن يتلقممى الجنسممان‬
‫تعليما واحدا ‪ ،‬وأن يمنحا قوى واحدة ومسئوليات متشابهة ‪..‬‬
‫والحقيقة أن المرأة تختلف اختلفا كبيرا عن الرجل ‪ ..‬فكل خليممة‬
‫مممن خليمما جسمممها نتحمممل طممابع جنسممها ‪ ..‬والمممر نفسممه صممحيح‬
‫بالنسممبة لعضممائها ‪ ..‬وفمموق كممل شممئ بالنسممبة لجهازهمما العصممبى ‪.‬‬
‫فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة لين مثل قوانين العالم الكوكممبى ‪.‬‬
‫فليس فى المكان إحلل الرغبات النسانية محلها ‪ .‬ومن ثم فنحممن‬
‫مضطرون إلى قبولها كما هى ‪ .‬فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعا‬
‫لطبيعتهن ول يحاون تقليد الذكور ‪ ،‬فإن دورهن فى تقممدم الحضممارة‬
‫أسمى من دور الرجممال ‪ ،‬فيجممب عليهممن أل يتخليممن عممن وظممائفهن‬
‫المحددة ؟ ‪.‬‬
‫ولكن الجاهلية – مممن جانبيهمما كممما قلنمما – ركممزت علممى المقممدرة‬
‫العقلية أكثر مممن أى شمئ آخممر ‪ ،‬فخسممر المعارضممون حيممن نجحممت‬
‫الفتاة بل تفوقت أحيانا على الولد ‪ ،‬وهلممل المممدافعون وأمنونما فممى‬
‫إثارة الضجة حول قدرة الفتاة الممتى ل تقممف عنممد حممد ‪ ،‬ومسمماواتها‬
‫التامة للرجل فى كل شئ !‬
‫حقيقممة إن قضممية الوظيفممة والسممتعداد النفسممى قممد أثيممرت مممن‬
‫جانب المعارضين ‪ ،‬ولكنها أثيرت بروح التحقير والمتهممان ‪ ،‬ل علممى‬
‫أساس توزيع الوظائف والتكاليف على شممقى النفممس الواحممدة مممع‬
‫المساواة فى النسانية كما قال رب العالمين ورسوله الكريم صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫جهَمما { ]سممورة النسمماء‬ ‫خل َقَ ِ‬
‫من ْهَمما َزوْ َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ن ن َْف ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬ ‫} َ‬
‫‪[4/1‬‬
‫عامل منك ُمم ممن ذ َك َمر أوَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ ْ‬ ‫ل َ ِ ٍ ِ ْ ْ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضيعُ عَ َ‬ ‫م أّني ل أ ِ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫}َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ض{ ]سورة آل ‪[3/195‬‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ثى‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫أُ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حَياةً طي ّب َ ً‬‫ه َ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن فلن ُ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ن ذ َكرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاِلحا ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(97‬سممورة النحممل‬ ‫مل ُممو َ‬
‫ما ك َمماُنوا ي َعْ َ‬
‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫وَل َن َ ْ‬
‫‪[16/97‬‬
‫" إنما النساء شقائق الرجال " " ‪. " 1‬‬
‫لذلك كانت موضع الرفض الكامل من الفريق الذى تصدى للدفاع‬
‫عن المرأة ‪ ،‬وكانت موضعا لتنديممدهم بعنجهيممة الرجممل المتغطممرس‬
‫على غير أساس !‬
‫وما نقول إن إثارتها على النحو الصحيح كممما شممرعها اللممه كممانت‬
‫سممتجدى شمميئا فممى الدوامممة الممتى أثيممرت حممول "قضممية المممرأة "‬
‫ووجهت توجيها معينا منذ البدء يخدم أغراض الشياطين ‪ ،‬إنما نقول‬
‫إنه لو كانت الحياة فى المجتمع قممد سممارت منممذ البممدء علممى هممدى‬
‫المنهج الربانى لما وجد الشياطين قضية يثيرونها ويلعبون بهمما علممى‬
‫النحو الخطير الذى فعلوه ‪.‬‬
‫وحين نجحت الفتاة فى الدراسة وسمماوت الولممد أو تفمموقت عليممه‬
‫أحيانا فهل كان هناك شك فى الخطوة التالية ؟!‬
‫طالبت – أو طولب لها – بدخول الجامعة !‬
‫ويبدو المر طبيعيا جدا ومنطقيا جدا ‪ ..‬بينما تبدو المعارضة قائمة‬
‫على خير أساس !‬
‫وعلى أى حال فقد قامت المعركة المعتادة كما قممامت مممن قبممل‬
‫مع كل خطوة سابقة وكما قامت من بعد فى كل خطوة لحقة ‪.‬‬
‫قال المعارضون ‪ :‬إن نجاحها فممى المرحلممة الثانويممة ل يعتممبر دليل‬
‫" " سورة النحل ]‪[97‬‬ ‫‪1‬‬
‫على مقدرتها علممى الدراسممة الجامعيممة ‪ ،‬فالجامعممة شممئ آخممر غيممر‬
‫الدراسة الثانوية !‬
‫وقالوا ‪ :‬إن التعليم الجامعى ل يناسب طبيعتها )وهى هنا الطبيعة‬
‫الرقيقة اللطيفة( فهةو تعليم جاف ل يناسب إل الذكور !‬
‫وقالوا ‪ :‬إن مكان الفتاة الطبيعى هو الممبيت ‪ ،‬لتكممون زوجممة وأممما‬
‫وراعية أطفال ‪ ،‬وليس هو الجامعة البعيدة كممل البعممد عممن طبيعتهمما‬
‫والمعطلة لها عن وظيفتها طوال مدة الدراسة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إنها تفعل بالدراسممة الجامعيممة ؟ وممما حاجتهمما إليهمما حيممن‬
‫تصبح ربة بيت وزوجة وأم أطفال ؟!‬
‫وقالوا ‪ :‬إنها تممتزوج – عممادة – فممى السادسممة عشممرة أو السممابعة‬
‫عشرة ‪ ..‬فمتى تذهب إلى الجامعة ؟!‬
‫وقالوا ‪ :‬إن ذلك يخالف التقاليد ‪..‬‬
‫وصمد " المدافعون عن حقوق المرأة " ‪ ..‬لهذه الهجمممات كلهمما ‪،‬‬
‫وكأنهم – الن – قممد اصممبحوا يعرفممون النتيجممة ! إنهمما مسممألة وقممت‬
‫فحسب !‬
‫أما المخططون فما كانوا ليكشفوا أوراقهم كاملة من أول لحظة‬
‫فذلك ينافى " فن " اللعب ‪ ،‬كما أنه قمين بإفساد اللعبة بكاملها !‬
‫أيقولون للناس الن ماذا يريممدون أن يفعلمموا بقضممية المممرأة فممى‬
‫المستقبل فيحجم الباء عن إرسال فتياتهم إلى الجامعة ‪ ،‬بل تحجم‬
‫الفتيات أنفسهن بالبقية الباقية فيهن من الدين والخلق والتقاليد ‪..‬‬
‫والحياء ! الحياء النثوى الفطرى الذى خلقممه اللممه ‪ ،‬والممذى يخطممط‬
‫لفساده شعب الله المختار !‬
‫كل ! إنممما يممترك ذلممك للتخطيممط البطممئ ‪ ..‬بطممئ ولكنممه أكيممد‬
‫المفعول !‬
‫قال المدافعون ‪ :‬إن الفتاة ستثبت جدارتها فى التعليممم الجممامعى‬
‫كممما أثبتممت جممدارتها مممن قبممل فممى التعليممم الثممانوى ‪ .‬وكنتممم أيهمما‬
‫الرجعيون المتزمتون تشككون فى قدرتها على تلقممى علمموم الولد‬
‫فى المرحلة الثانوية ونجاحها فيها فهزمكم الواقع وأسممقط حجتكممم‬
‫وألجم أفواهكم ! وسمميتبين لكممم غممدا أنكممم كنتممم واهميممن بالنسممبة‬
‫للتعليممم الجممامعى كممما كنتممم واهميممن مممن قبممل بالنسممبة للتعليممم‬
‫الثانوى ‪ ..‬فقط اتركوا لها الفرصة لتثبت مقممدرتها ! كيممف تحكمممون‬
‫على شئ لم تجربوه بعد ؟!‬
‫وقممالوا ‪ :‬إن الرجممل يخشممى المنافسممة ! يخشممى علممى مكممانته "‬
‫التقليدية " أن تنافسيه فيها المرأة فيفقد هذه المكانة ! إنهمما عقممدة‬
‫النقص ! لو كان الرجل واثقا من نفسه ممما خشممى المنافسممة ! إنممه‬
‫يلجأ إلى " التقاليد " ليحمى امتيازاته ! تلك التقاليد البالية المتعفنمة‬
‫التى ينبغى أن تزول ! التقاليد التى تحتقر المرأة وتمتهنهمما وتجعلهمما‬
‫مستعبدة للرجل ! ل عبودية بعد اليوم !‬
‫وقالوا ‪ :‬إن الدراسة الجامعية ل تمنع المرأة عن وظيفتهمما ‪ ..‬فممما‬
‫الذى يمنعها أن تتزوج ؟ فقممط تؤجممل الممزواج بضممع سممنوات ! ومممن‬
‫أرادت أن تتزوج وتترك الدراسة الجامعية فمن يمنعها !‬
‫وقالوا ‪ :‬إن الدراسة الجامعية – علممى العكممس – توسممع مممداركها‬
‫وتوسع آفاقها فتعينها على أداء وظيفتها ! أتريدون أن تكون أمهممات‬
‫أطفممالكم جمماهلت ؟ أو ليممس الخممبير لكممم أن تكممون الم متعلمممة‬
‫فتحسن تربية أولدها ؟!‬
‫وقالوا ‪ :‬إن الفتاة يمكممن أن تختممار مممن الدراسممات الجامعيممة ممما‬
‫يناسب طبيعتها " الرقيقة اللطيفة " فتدرس الدب فى كلية الداب‬
‫‪ ..‬أليست الفتاة رقيقة المشمماعر رقيقممة المممزاج ؟ أو ليممس الشممعر‬
‫والدب يرقممق المشمماعر ويوسممع الخيممال ؟! فممأى ممما نممع لممديكم ؟!‬
‫وتدرس الطب لتطبب النساء ‪ ..‬أى مانع لديكم ؟! وتتخرج مدرسممة‬
‫لتعليم البنات ‪ ..‬أى مانع لديكم ؟!‬
‫ولكن بقيت – مع كل ذلك – عقبة غيير ذلول ‪..‬‬
‫التعليم الجامعى معناه الختلط ‪ ..‬اختلط الفتيممات بالشممبان فممى‬
‫الجامعة ‪ ..‬ودون ذلك يحول الدين والخلق والتقاليد ‪) ..‬ولممم يفكممر‬
‫أحد – ممن طرفمى الجاهليمة ‪ :‬المؤيمدين والمعارضمين – فمى عممل‬
‫جامعات نسوية خاصة بالفتيات !( ‪.‬‬
‫وكانت تلك العقبة هى البندقة الصممعبة الكسممر كممما يقولممون فممى‬
‫أمثالهم ‪ ..‬فقد تشبث المعارضون بالتعلق بالدين والخلق والتقاليممد‬
‫فى وجه قضية الختلط ‪ ،‬واحتمال الممدافعون لمتزيين الختلط فمى‬
‫بادئ المر ‪ ،‬ثم لجأوا فى النهاية إلى الكممف عممن وجمموههم جهممرة ‪،‬‬
‫ومهاجمة الدين والخلق والتقاليد مهاجمة صريحة حين أصممبح ذلممك‬
‫– بالدق المستمر – أمرا فى حيز المكان ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ل تخافوا ! لن يحدث شئ على الطلق !‬
‫إنها ل تختلط به فى رقص ول لهو ! إنها تختلط به اختلطا " بممرئا‬
‫" فى جو علمى خالص ‪ ،‬تنحت إشراف السممتاذ وسمممعه وبصممره ‪..‬‬
‫الستاذ هو الوالد والمربى والموجه لكل السباب والفتماة فممى قاعمة‬
‫الدرس ‪ ،‬وتحت إشرافه التربوى التمموجيههى يجلممس الفممتى والفتمماة‬
‫سمماعة مممن المموقت يتلقممون العلممم ويتناقشممون فممى قضممايا علميممة‬
‫وإنسانية واجتماعية وفكرية ‪ ..‬فأى جممو أطهممر نممم هممذا الجممو ‪,‬اقممدر‬
‫على رفع المشاعر وتهذيب الخلق ؟! من ذا الذى يخطر له – فممى‬
‫هذا الجو ‪-‬أن يسئ الدب أو يسئ إلممى الخلق أو تخطممر فممى بمماله‬
‫خاطرة من خواطر الفساد ؟!‬
‫بل إن الختلط ذاته أداة للتهذيب !‬
‫أل ترون إلى الشبان فممى مجتمعمماتهم كيممف تجممرى بينهممم ألفمماظ‬
‫الخشنة واللفاظ الخارجة ‪ ..‬أيجرؤ أحدهم – فى حضممرة الفتيممات –‬
‫أن يلفظ بلفظ خارج ؟‬
‫بل إن الختلط أداة لنفى خواطر الجنس !‬
‫أل ترون أن صورة المرأة فى حس الرجممل – لنهمما بعيممدة عنممه –‬
‫هى صورة الجنس ؟ وأن صممورة الرجممل فممى حممس المممرأة – لنهمما‬
‫بعيدة عنممه – هممى صممورة الجنممس ظ ‪ ..‬فممإذا التقيمما فممى هممذا الجممو‬
‫الطممماهر المممبرئ ‪ ..‬جمممو العلمممم والقضمممايا الفكريمممة والنسمممانية‬
‫والجتماعية ‪ ،‬كف الرجل عن النظر إلى المرأة على أنهمما " أنممثى "‬
‫وفكر فيها على أنها " امرأة " ‪ ..‬أنها إنسانة ‪ ..‬أنها شريكة فى أمور‬
‫الحياة ‪ ..‬وكفت المرأة كذلك عن التفكير فى الرجممل علممى أسمماس‬
‫الجنمممس والعلقمممات الجنسمممية ‪ ،‬ورأت فيمممه الزميمممل والشمممريك‬
‫والنسان ‪..‬‬
‫أى تهذيب للجنس أشد من ذلك التهذيب ؟!‬
‫وابتلع " المميون " الكأس المسمومة ‪ ..‬وشربوها حتى الثمالة !‬
‫ول شك أن المميين ما كانوا ليدركوا أبعمماد اللعبممة بكاملهمما ‪ ..‬وإل‬
‫فإن البقية الباقية من الدين والخلق التقاليد كانت قمينة أن تردهم‬
‫عن الخوض فى المسممتنقع السممن لممو رأوه علممى حقيقتممه منممذ أول‬
‫خطوة ‪ ،‬مع كل المعركممة القائمممة ضممد الكنيسممة ‪ ،‬ومممع كممل المموهن‬
‫الممذى أصمماب الممدين فممى نفوسممهم ‪ ،‬فممإن الفكممرة ذاتهمما لتنفممر مممن‬
‫المستنقع السن حين تكون فيها بقيممة مممن باقيمما السمملمة أيمما كممان‬
‫مقدارها ‪ ..‬ولكنها ل تعممود تنفممر منممه ‪ ،‬بممل تسممتعذب البقمماء فيممه إذا‬
‫غرقت فيه بالفعل وفقدت كل سمملمتها ولممم يبممق لهمما منهمما شممئ ‪،‬‬
‫وتصبح كدودة الرض التى تعيش فممى الطيممن العفممن ‪ ،‬إذا أمسممكت‬
‫بها لتخرجها أفلتت منك وزادت لصوقا الطين !‬
‫وكلك سار الشياطين بممالمميين ‪ ،‬يجرونهممم خطمموة خطمموة حممتى‬
‫أغرقوهم فى المستنقع السن وجلعوهم يستعذبون البقاء فيه !‬
‫احتدمت المعركة كثيرا بالنسبة لممدخول الفتيممات فممى الجامعممة ‪..‬‬
‫ولكن النهاية كانت كما كان متوقعا منس ير الحداث ‪.‬‬
‫دخلت فتيات قليلت فى مبدأ المر إلى الجامعات معظمهن فممى‬
‫كليات الداب ‪ ..‬وكن بل شك هن أجرأ الفتيات فى ذلك الحين ‪.‬‬
‫وسارت المور سيرا " طبيعيا " فترة من الوقت ‪ ،‬فممما كممان مممن‬
‫الممكن تحطيم التقاليد دفعة واحدة ‪ ،‬وما كان المخططون أنفسهم‬
‫يرغبون فى العجلة – مع لهفتهم الكيدة فى الوصول إلى النتيجممة –‬
‫فقد كانوا يعلمون أن العجلة تفسد اللعبة بأكملها ‪ ،‬وتثير التمموجس ‪،‬‬
‫وتصممدق ظنممون المتشممككين ‪ ،‬وتؤيممد دعمماوى " المتزمممتين " الممذين‬
‫قالوا من أول لحظة إن دخول الفتاة الجامعة نذير شر عظيمم يحمل‬
‫بالمجتمع ‪.‬‬
‫وكل للفتيات حجرة خاصة من أجل راحتهن وزينتهممن وخلمموتهن ‪..‬‬
‫وكن يهرعن إليها فيما بين المحاضممرات لكممى ل ينفممردون بممالطلب‬
‫فى غيبة الستاذ ‪ ،‬الذى يتم فى حضوره " الختلط البرئ " ‪.‬‬
‫ولكن المور لم تظل على هممذه الصممورة ‪ ،‬وليممس مممن شممأنها أن‬
‫تظل ‪ ..‬وكان المخططون يعلمون أنها لن تظل !‬
‫رويدا رويدا بدأت " أجرأ " الفتيات تتلكممأ فل تممذهب إلممى حجرتهمما‬
‫فيما بين المحاضرات ‪ ..‬وبدأ أجرأ الفتيممان يلقممى إليهمما بتحيممة ‪ ..‬ثممم‬
‫حديث ‪ ..‬وجاءت ثانية وثالثة ‪ ..‬وصار من المعتمماد أن يبقمى الفتيممات‬
‫فى الحجرة ل يغادرنها بين الدرس والدرس ‪ ..‬وصار من المعتاد أن‬
‫تجرى التحية ويجرى الحديث ‪..‬‬
‫وكان حديثا " بريئا " دون شممك ! فمنممذا الممذى يملممك أن يتحممدث‬
‫فى ذلك الحين حديثا غير برئ ؟ وأى فتاة مهما يكن من " جرأتها "‬
‫تستطيع – فى ذلك الوقت – أن تتلقى حديثا غير برئ وتتقبلممه أمممام‬
‫الخرين ؟!‬
‫بقية من الحياء ‪ ،‬إن لم يكن هناك دين ول أخلق ول تقاليد !‬
‫وهذه البقية مممن الحيمماء هممى الممتى عمممل الشممياطين علممى قتلهمما‬
‫والقضاء عليها ‪ ،‬فما تصلح الخطة كلها إن بقى عند الفتاة شئ مممن‬
‫هذا الحياء الفطرى الذى خلقممه اللممه فممى الفطممرة السممليمة سممياجا‬
‫يحمى الفتاة من السقوط والتبذل ‪ ،‬وميز به أنثى النسان عن إناث‬
‫الحيوان " ‪ ، "1‬كما جعل لعفة علمة حسية فممى جسممدها ميزهمما بهمما‬
‫عممن إنمماث الحيمموان ‪ ،‬فجعممل أخلق الجنممس جممزءا ل مممن التكمموين‬
‫النفسى وحده ‪ ،‬ولكن من التكوين البيولوجى والفسيولوجى كممذلك‬

‫" " أشرت فى الجزء الثانى من منهج التربية السلمية إلى قصة كانت مشهورة فى النصف الول من هذا القرن ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫حيث عثر على فتاة كانت تعيش منذ طفولتها حتى السابعة عشرة من عمرها مع الغزلن ‪ ،‬عارية تماما بغير حياء ‪،‬‬
‫فاستأنسها العلماء ‪ ،‬وظلوا يستردونها إلى النسانية خطوة خطوة ‪ ،‬فلما بلغت مدى معنيا من الحس البشرى أحست‬
‫– تلقائيا – بحياء النثى الفطرى ‪ ،‬وتغير سلوكها عما كانت عليه من قبل وهى تعيش فى عالم الحيوان ‪.‬‬
‫لنثى النسان ‪.‬‬
‫ولكن الجاهلية المعاصممرة الممتى يقودهمما اليهممود ويقممودون النمماس‬
‫إليها تأبى هذا التميز الفطرى عن الحيوان ‪ ،‬وساء فى قضممية العفممة‬
‫أو فى قضية الحياء ‪ ..‬لن شعب الله المختار ل يريد أن يبقممى علمى‬
‫شئ من آدمية الدميين ‪ ،‬لنهم حينئذ سيرفضون أن يركبهم الشعب‬
‫المختار ويسخرهم لمصالحه ‪ ..‬سيرفضون أن يكونمموا الحميممر الممتى‬
‫تركبها الشياطين ‪.‬‬
‫لذلك جردوا حملتهم على الفتاة لتتلخص مما بقممى مممن حيائهمما ‪،‬‬
‫وتصبح قليلة الحياء !‬
‫قالوا عن الفتاة التى ممما تممزال تحفممظ فممى سمملوكها إنهمما حبيسممة‬
‫التقاليد ! حبيسة القيود الطويلة التى غللتها خلل القرون ! إنهمما ممما‬
‫تزال غيممر واثقممة فممى نفسممها ‪ ،‬مممن تممأثير السملطان الطويممل الممذى‬
‫مارسه الرجل عليها واذل به كرامتهمما ! إنهمما خائفممة ‪ ..‬لنهمما متممأثرة‬
‫بتقاليد المجتمع الزراعى المتأخر ! إنها ل تريد أن تعيممش عصممرها ‪،‬‬
‫الذى حررهمما مممن القيممود وجعلهمما مسمماوية للرجممل ‪ ..‬إنهمما ‪ ..‬إنهمما ‪..‬‬
‫أنها ‪! ..‬‬
‫وفى الوقت ذاته جردوا حملت التشجيع لكل فتاة خلعت حياءهمما‬
‫وأصبحت قليلة الحياء ‪ ..‬فالمجلت تنشر الصور ‪ ،‬وتشمميد " بممالتحرر‬
‫" وتكتب التعليقات التى تجعل كل فتاة تتمنى أن لو استطاعت من‬
‫لحظتها أن تتجرد من حيائها كله لتصممبح شممهيرة ومعروفممة وموضممع‬
‫حديث بين الناس ‪ ..‬والشممهرة شممهوة ل ينجممو مممن جممذبها أحممد مممن‬
‫البشر – رجال أو نساء – إل من رحمم ربمك ‪ ،‬وبصمفة خاصمة شمهوة‬
‫نشر الصورة بوسيلة من وسممائل العلم ‪ ..‬فكيممف إذا كممانت الفتمماة‬
‫جميلة ؟ والشياطين يبدأون دائما بالجميلت !‬
‫ومع ذلك فقد استغرق الشياطين قرابة نصف قرن حتى أذابوا أو‬
‫أزالوا البقية الباقية من الحياء ‪ ،‬كما أزالوا البقية الباقية مممن الممدين‬
‫والخلق والتقاليد ‪.‬‬
‫امتد الختلط البرئ كما كان متوقعا من حجرة الدرس إلمى فنماء‬
‫الجامعة ‪ ..‬على استحياء أول المر ‪ ..‬ل تنفرد فيه فتمماة وحممدها مممع‬
‫فتى بمفممرده ‪ ،‬حممتى ل تضمميع سمممعتها بيممن الفتيممات أنفسممهن قبممل‬
‫الشبان ‪ ..‬ثممم تقممدمت " أجممرأ " الفتيممات ‪ ،‬أى أقلهممن حيمماء فقبلممت‬
‫دعوة أجرأ الشبان إلى الوقمموف أو المسممير معهمما لحظممة منفرديممن‬
‫فى الفنمماء ولكممن فممى غيممر عزلممة عممن الجممموع ‪ ،‬وفممى أدب ظمماهر‬
‫للجميع ‪.‬‬
‫وما هى إل أن يتعود الطلب المنظر – والنفس تتبلد على المنظر‬
‫المكرور حتى تفقد حساسيتها له ‪ ،‬ما لم تكن تصدر عن عقيدة حية‬
‫وإيمان حى بقيم ومثل مضادة – ما هممى إل أن يتعممود الطلب حممتى‬
‫يتكرر المنظر بين أزواج متعددين من أجرأ الفتيات وأجرأ الفتيممان ‪،‬‬
‫حتى يصبح المر عاديا وميسرا ل يحتاج إلى " جرأة " فيقتحمه كممل‬
‫فتى وتقتحمه كل فتاة !‬
‫وحين يصبح الجميع كذلك أو الغلبية فلبد – فى طبائع الشممياء –‬
‫أن يخطو المر خطوة جديدة إلى " المام" !‬
‫إنمه – لهممذا – جعممل اللمه معيممار الخيريممة فممى أيممة أمممة هممو المممر‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر ‪ ،‬ومثار اللعنة على أية أمة أل يتنمماهى‬
‫فيها عن المنكر ول يؤمر بالمعروف ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫خير أ ُمة أ ُ‬
‫ن‬‫ن عَم ْ‬
‫ف وَت َن ْهَموْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬‫ن ب ِممال ْ َ‬
‫مُرو َ‬‫س ت َمأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬‫م‬‫ّ‬ ‫ن‬‫لل‬‫ِ‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫م َ َْ ّ ٍ‬ ‫}ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سممى‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَل َممى ل ِ َ‬
‫سمما ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫}ل ُعِ َ‬
‫ن‬
‫ن ع َم ْ‬‫ن )‪ (78‬ك َمماُنوا ل ي َت َن َمماهَوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬‫م ذ َل ِ َ‬‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬‫اب ْ ِ‬
‫ن )‪] {(79‬سممورة المممائدة ‪-5/78‬‬ ‫كاُنوا ي َْفعَل ُممو َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫‪[79‬‬
‫لن المنكر إذا نهى عنه تو حممدوثه يتوقممف فل يمتممد ول يتوسممع ‪..‬‬
‫أممما إذا سممكت عنممه فممإنه يممزداد ‪ ،‬ويظممل فممى ازديمماد حممتى يصممبح‬
‫المعروف منكرا والمنكممر معروفمما ‪ ،‬وعنممدئذ تفسممد الحيمماة ‪ ،‬وتحممل‬
‫اللعنة التى كتبها الله ‪..‬‬
‫ولقد أصبح من المور المعتادة أن ينتحممى فممتى وفتمماة جانبمما مممن‬
‫الفناء ليتناجيا ل ليتحدثا حديثا عاما بصوت مسموع ! وتبدأ – بطبيعة‬
‫الحال – قلوب تكون أميل إلى قلوب ‪ ..‬ويكون حممديث النجمموى هممو‬
‫حديث هذه العواطف التى تتجاوب بها القلوب !‬
‫والعواطف – حتى الن – " بريئة " !‬
‫ل لنها فى طبيعتها بريئة ‪ ..‬ولكممن لنهمما – حممتى الن – محصممورة‬
‫فى داخل الجامعة ل تستطيع أن تخرج إلى الطريق ‪ ..‬لن المجتمممع‬
‫لم يتعود بعد أن يرى الختلط فى قارعة الطريق ‪..‬‬
‫لقد كانت هناك طبقة فاسدة – دائما – فى المجتمع هى طبقممة "‬
‫الرستقراطيين " أصحاب القصممور ‪ ،‬وهممذه يعممرف عنهمما الختلط "‬
‫غير البرئ " وتنشر فضائحها على المجتمع وتتناقلها أفواه النمماس ‪..‬‬
‫وال تبالى ! لنها – دائممما – بتممأثير الممترف الفمماجر الممذى تغممرق فيممه‬
‫ضممعيفة الحسمماس بممالقيم فممى المبممادئ ‪ ،‬والقيممم الخلقيممة بصممفة‬
‫خاصة ‪ ..‬وانظر إلى امرأة العزيز فى مجتمع مقرف فممى التاريممخ ‪..‬‬
‫انظر إليها كيف تصارح نساء طبقتها بالفاحشة ول تبالى أن يتحممدث‬
‫المجتمع عن " فضيحتها " ‪..‬إنما تغضب غضبا " طبقيا " فقممط ‪ ،‬لن‬
‫ألسنة النسوة تستنكر منها أن تتجه بنزوتها إلممى عبممد مملمموك لهمما ‪،‬‬
‫وإن كن ل يستنكرن النزوة فى ذاتها ‪ ،‬ول يعترض عليها لو كانت مع‬
‫رجل أو شاب من " طبقتها " "‪! "1‬‬
‫ل ن ِسوةٌ في ال ْمدينة ا َ‬
‫سهِ َقممد ْ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫ها عَ ْ‬ ‫زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ ِ‬ ‫َ ِ َ ِ ْ‬ ‫}وََقا َ ْ َ ِ‬
‫ن‬ ‫مك ْرِهِم ّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫مع َ ْ‬ ‫سم ِ‬ ‫ممما َ‬ ‫ن )‪ (30‬فَل َ ّ‬ ‫مِبي ًم ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ها ِفي َ‬ ‫حب ّا ً إ ِّنا ل َن ََرا َ‬‫شغََفَها ُ‬ ‫َ‬
‫كينا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سم ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫من ْهُم ّ‬ ‫حمد َةٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ت ُ‬
‫كم ّ‬ ‫مت ّك َمأ َوآَتم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت ل َُهم ّ‬ ‫ن وَأعْت َمد َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬‫سل َ ْ‬‫أْر َ‬
‫خرج عَل َيهن فَل َما رأ َينه أ َك ْبرنه وقَط ّع َ‬
‫ش‬‫حمما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن وَقُل ْم َ‬ ‫ن أي ْمدِي َهُ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ َ َْ ُ َْ َ ُ َ‬ ‫ِْ ّ‬ ‫تا ْ ُ ْ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫ذي‬ ‫ن ال ّم ِ‬‫ت فَمذ َل ِك ُ ّ‬ ‫م )‪ (31‬قَممال َ ْ‬ ‫ريم ٌ‬ ‫ك كَ ِ‬ ‫مل َم ٌ‬ ‫ذا إ ِل ّ َ‬
‫ن ه َم َ‬ ‫شممرا ً إ ِ ْ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫ممما‬ ‫ل َ‬ ‫م ي َْفعَم ْ‬ ‫ن ل َم ْ‬‫م وَل َئ ِ ْ‬‫صم َ‬ ‫سمهِ َفا ْ‬
‫ست َعْ َ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫ه عَم ْ‬ ‫مت ُن ِّني ِفيهِ وَل ََقد ْ َراَودت ّم ُ‬ ‫لُ ْ‬
‫ن )‪] {(32‬سممورة يوسممف‬ ‫ري َ‬ ‫صمماِغ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ممم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كممو َ‬ ‫ن وَل َي َ ُ‬ ‫جن َ ّ‬ ‫سمم َ‬ ‫مممُرهُ ل َي ُ ْ‬ ‫آ ُ‬
‫‪[32-12/30‬‬
‫ولقد كانت هذ الطبقة فى أوروبا تحت تسمملط اليهممود مممن قممديم‬
‫كما مر بنا مممن قبممل ‪ ،‬ييسممرون لهمما البغمماء المممترف فممى المدينممة ‪،‬‬
‫ويوقعونهمما فممى الممدين والربمما ذى الضممعاف المضمماعفة ‪ ،‬ويسمملبون‬
‫ثرواتهم عن هذا الطريق‪.‬‬
‫ثم سنحت لهم الفرصة لفساد طبقة أخرى من طبقات المجتمممع‬
‫حين تحرر عبيد القطاع وجاءوا إلى المدينة شممبابا فارهمما بل أسممر ‪،‬‬
‫فيسممرت لهممم البغمماء الشممعبى ووضممعت " الدولممة " حارسممة أمينممة‬
‫عليه ! وزادت الفرصة سنوحا لفساد هذه الطبقة – طبقة العمال –‬
‫حين بدأت المرأة التى هجرها عائلهمما فممى الريممف تفممد للعمممل فممى‬
‫المصانع وتفرط فممى عرضممها لقمماء لقممة الخممبز ‪ ،‬فممار الفسمماد فممى‬
‫داخل الطبقة قريب المنال ‪.‬‬
‫ولكن هذا وذاك لم يكن كافيا ‪ ،‬ولم يكممن ليحقممق مطممامع اليهممود‬
‫فى المجتمع الجديد " المجتمع الصناعى المتطور "‪.‬‬
‫إن " الرستقراطية " – سواء الرستقراطية القطاعية البممائدة أو‬
‫الرسممتقراطية الرأسمممالية الناشممئة – ل تسممتطيع – بفسممادها – أن‬
‫تفسد المجتمع كله ‪ ،‬لنها – دائما – معزولة فممى قصممورها وحفلتهمما‬
‫الماجنممة الخاصممة ‪ ،‬تحتمممى فممى داخممل تلممك القصممور مممن العيممون‬
‫المتطلعة ‪ ،‬وتمنع عدواها فى الوقت ذاته عن الناس ‪ ،‬لن جرثومتها‬
‫" طبقيممة ط ل تعمممل إل داخممل القصممور ‪ ،‬ول تعممدى إل أصممحاب‬
‫" " انظر تفسير اليات فى " ظلل القرآن " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫القصور !‬
‫أما إفساد طبقة العمال – وإن كانوا عددا غير قليل ويتزايممد علممى‬
‫الدوام – فلم يكن يممومئذ ليفسممد المجتمممع الجديممد ‪ ،‬لنهممم – بعممد –‬
‫طبقة محتقرة مزدراة ‪ ،‬تنظر إليها كلتا الطبقتين العلويتين ‪ :‬الطبقة‬
‫الوسطى والطبقة الرستقراطية نظرة ازدراء وتعال فل تنتقل منها‬
‫العدوى إلى غيرها مهما بلغت هى فى ذاتها من التبذل والفساد ‪..‬‬
‫ولقد كان المطلوب بالذات هو إفسمماد الطبقممة الجديممدة الناشممئة‬
‫فى المجتمع الرأسمالى ‪ ،‬التى تسير المور – ظاهريا – على القممل‬
‫– فى ذلك المجتمع الجديد ‪ ،‬وهى الطبقة المتوسطة ‪.‬‬
‫لقد كانت الديمقراطية الناشئة فى المجتمع الرأسمممالى الناشممئ‬
‫تنمو تدريجيا ‪ ،‬وكانت فممى أثنمماء نموهمما تممبرز بصممورة متزايممدة هممذه‬
‫الطبقة الجديدة ‪ :‬الطبقة المتوسطة ‪،‬التى لم يكممن لهمما وجممود فممى‬
‫المجتمع القطاعى ‪ ،‬أو كان وجودها ضعيفا ل يؤبه به ‪.‬‬
‫وفى ظل الديمقراطية كانت هذه الطبقممة الجديممدة تناضممل لكممى‬
‫تصبح هى الطبقة الحاكمة ‪ ،‬وتنزع السلطان من الذين اسممتقلوا بممه‬
‫من قبل وطغوا به على " الشعب " وهم الغنياء أصحاب الممموال "‬
‫‪. "1‬‬
‫كانت المجالس النيابية تتجه رويممدا رويممدا أن تكممون غالبيتهمما مممن‬
‫هممذه الطبقممة ‪ ،‬وكممان منهمما معظممم ممموظفى الدولممة فممى صممورتها‬
‫الجديممدة ‪ ،‬مممن الموظممف الناشممئ إلممى وكلء المموزارات والمموزراء ‪،‬‬
‫وكان منها بصفة عامة الطبقة المثقفة الممتى تمموجه أفكممار المجتمممع‬
‫وتحممدد لممه اهتماممماته واتجاهمماته الفكريممة والسياسممية والخلقيممة‬
‫والفنية ‪ ..‬الممخ " ‪ ، " 2‬وكممان منهمما بصممفة خاصممة مدرسممو المممدارس‬
‫وأساتذة الجامعات ‪ ،‬أى جهاز التربية والتشكيل للمجتمع الجديد ‪..‬‬
‫باختصار كانت هى الداة الجديدة للحكممم فممى ظممل الديمقراطيممة‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬أيا كان المستفيد الحقيقى من هذه الداة ‪.‬‬
‫لذلك كان لبد فى تخطيط المخططين مممن إفسمماد هممذه الطبقممة‬
‫بالذات ن فإن فسمماد الطبقممة الرسممتقراطية وطبقممة العمممال – مممع‬
‫فائدته التى ل شممك فيهمما بالنسممبة لليهممود – لممم يكممن ليممؤدى الممدور‬
‫المطلوب فى إفساد المجتمع الجديد الذى يراد إفساده بممأكمله ‪ ،‬إل‬
‫أن تفسد الطبقة المتوسطة التى تقوم بالدور الكممبر والخطممر فممى‬
‫" " سنرى من بحثنا للديمقراطية فيما بعد أن الطبقة المتوسطة نالت حقوقا كثيرة لم يكن لها وجود من قبل ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ولكن السلطان الحقيقى ظل فى يد الرأسمالية الحاكمة من وراء الستار ‪.‬‬


‫" " ل ينفى هذا سيطرة اليهود على تشكيل الفكار فى المجتمع من وراء الستار ‪ ،‬ذلك أن اليهود استخدموا هذه‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقة المثقفة فى توجه الشعب إلى الوجهة التى يريدونها هم ‪ ،‬بعد أن سمعوا أفكارها على يد علمائهم الكبار فى‬
‫جميع التجاهات ‪.‬‬
‫رسم الصورة الظاهرة لهذا المجتمع ‪ ،‬والتى فى يدها – فممى ظمماهر‬
‫المر على القل – مقاليد السلطان ‪.‬‬
‫والجامعة هى المكممان الرئيسممى لتخريممج الكممثير مممن أفممراد هممذه‬
‫الطبقة ‪ ،‬أو البارزين منهم على أقل تقدير ‪ .‬لذلك كانا لممتركيز علممى‬
‫أن يبدأ الفساد من هناك ‪ ..‬ومن هناك ينتشر فى جميع الرجاء ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كان الختلط " البرئ " ما يممزال يجممرى داخممل أسمموار الجامعممة ‪،‬‬
‫ولكنه كان يحمل فى أطوائه الجرثومة التى تقضى فى النهاية على‬
‫براءته ‪ ،‬فقد بدأت " العلقات الخاصة " تنمو بين أزواج من الفتيان‬
‫والفتيات كما لبمد أن يكمون ‪..‬وبمدأت همذه العلقمة الخاصمة تضميق‬
‫بالنحصار داخل السوار ‪ ،‬التى تفرض البراءة المصطنعة على وضع‬
‫هو بطبيعته غير برئ ‪.‬‬
‫وكان لبد أن " يتفجر " الوضع ويخرج إلى الطريق ‪..‬‬
‫وأخذ المجتمع يتعود أن يرى أزواجا من البنيممن والبنممات يخرجممون‬
‫من بناء الجامعة مصطحبين ‪ ،‬فى أدب ظاهر أول المر ‪ ،‬ثممم يخممف‬
‫الدب ويقل الحياء بالتدريج ‪ ..‬وأيا كان رأى ذلك المجتمع فممى هممذه‬
‫البدعممة الجديممة فممإنه سممرعان ممما تبلممد حسممه عليهمما فلممم تعممد تممثير‬
‫انتباهه ‪ ،‬إل أن يممرى حركممة مسممتهجنة )أى كممانت فممى ذلممك المموقت‬
‫مستهجنة( كضحكة أو لفتة أو نظرة أو لمسممة مممما كممان – يممومئذ –‬
‫أمرا غيممر لئق فممى الطريممق ! ولكنممه عمماد فتبلممد حسممه حممتى علممى‬
‫الحركات التى كان يستهجنها منق بل ‪ ،‬وعزاها – ببساطة – إلى أن‬
‫هذا الجيل الجديد جيل فاسد ل يرجى منه خير ‪ ،‬وألقى القضية مممن‬
‫حسه ‪ ،‬وتركها لتصبح أمرا واقعا فى المجتمع " الجديد " !‬
‫وملت " الصدقات " المجتمع ‪ ..‬الصداقات بين الفتيان والفتيممات‬
‫صداقات بريئة – هل فى ذلك شك ؟!‬
‫زميل وزميلة ‪ ..‬أحس كل منهما بالميل إلى الخر والراحة إليه ‪..‬‬
‫ويلكم أيها المتزمتون ! أليس لكم هم إل العتراض علممى المممور‬
‫التى ل تستوجب العممتراض ؟! أل تريممدون أن يبنممى الممبيت السممعيد‬
‫على المودة والحب ؟ هذا فتى وفتاة سيجمع بينهما الزواج السممعيد‬
‫عممما قريممب ! أليممس مممن الفضممل أن يتعارفمما لتممدوم المممودة ؟ أم‬
‫تريدون أن يؤتى له بفتاة لم يرها قط إل ليلة الزفاف ‪ ،‬رأتها أمه أو‬
‫أخته ‪ ،‬فأعجبتها ‪ ،‬أما هو فل يعرف شمميئا عممن شممكلها ول طبعهمما ول‬
‫ثقافتها ول نظرتها للمور ؟!‬
‫وهى ؟ أليس مممن حقهمما أن تعممرف شممريك حياتهمما وتشممارك فممى‬
‫اختياره ؟ أليس من الظلممم أن تبمماع بيعمما إلممى رجممل ل تعرفممه قبممل‬
‫اللحظة ‪ ،‬لنه أعجب أباها أة أخاها ‪ ،‬أو كان صاحب مال وجاه ‪ ،‬وقد‬
‫يكون فظا قاسيا ل قلب له ؟ أليس من الفضل أن تتعرف إليه عن‬
‫طريممق الصممداقة ‪..‬الصممداقة الممبريئة ‪ ..‬الممتى تكشممف عممن الطبممائع‬
‫وتؤلف الطباع ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫ثم بدأت " البراءة " تذهب رويدا رويدا عن الختلط ‪.‬‬
‫بدأت تقع حوادث مشينة ‪ ..‬أى كان ينظممر إليهمما فممى ذلممك الحيممن‬
‫على أنها مشينة !‬
‫وانبرى المدافعون يدافعون عن الختلط ‪ .‬إنه ليممس هممو السممبب‬
‫فيما حدث ! إنما هى التجربة الجديدة لبد أن يكون لها ضحايا ! إنها‬
‫تجربة " التحرر " ‪..‬تحرر الفتى والفتماة كليهمما مممن القيممود العتيقممة‬
‫والتقاليد البالية ‪ ..‬والفتاة بصفة أخص ‪ ،‬فقممد كممانت هممى الممتى يقممع‬
‫عليها عبء هذه التقاليد الباليممة ‪ ..‬فممإذا وقعممت هنمما أو هنمماك حادثممة‬
‫مشينة فذلك رد الفعل للكبت الطويل الذى كان الشباب يعيش فيه‬
‫‪ ،‬وللقيود الظالمة التى كانت تعيش فيهما الفتماة بصمفة خاصمة ‪ ،‬فل‬
‫ترفعوا عقيرتكم أيها المممتزمتون تسممتغلون هممذه الحمموادث الفرديممة‬
‫وتضخمونها فوق حقيقتها ! إنها نممزوات طممارئة ‪ ،‬وسممرعان ممما تهممدأ‬
‫المممور وتسممتقيم حيممن يصممبح الختلط شمميئا عاديمما فممى المجتمممع ‪،‬‬
‫وتزول آثار الكبت الماضية ‪ ،‬وآثار التقاليد البالية التى سجنت الفتاة‬
‫طويل داخل الجدران ‪ ،‬وجعلت التجربة الجديممدة – تجربممة التحممرر –‬
‫تبهرها فتزل من أجل ذلك بعممض القممدام ! لبممد أن نرعممى التجربممة‬
‫الجديدة ‪ ،‬ونوجهها بالحسممنى إلممى الطريممق القممويم ‪ ،‬بممدل مممن هممذا‬
‫الصياح الفارغ الذى يتصايح به المتزمتون !‬
‫ويمضى الزمن فى طريقه فتتكمماثر الحمموادث المشممينة ‪ ،‬ويخفممت‬
‫صوت المدافعين عن الختلط البرئ ‪ ،‬فقد فقد براءته ولم يعد مممن‬
‫المقبول ادعاؤها ول من الممكن تصديقها !‬
‫ولكن ‪ ..‬فلتذهب تلك الممبراءة إلممى غيممر رجعممة ! هممل كنمما نريممدها‬
‫حقيقة أو ندافع عنها مخلصين ! إنما كانت هى الطعم المزيف الذى‬
‫وضعناه ليأتى الصيد ‪ ..‬وقد جاء ‪ ..‬فما حاجتنا بعد للتزييف " ‪ "1‬؟!‬

‫" " رغم أن أسطوانة " الختلط البرئ " قد بليت تماما فى أوروبا وألقيت جانبا ‪ ،‬فقد استخدمت هى فى الشرق‬ ‫‪1‬‬

‫السلمى فيما بعد !‬


‫ولكن " تطورات" كممثيرة كمانت تحممدث فممى تلمك الثنماء ‪ ..‬كمانت‬
‫ألسنة اللهب تمد مدا لتحرق أشياء جديدة فى مجالت جديدة ‪..‬‬
‫طالبت المرأة – أو طولب لها – بحق العمل بعد حق التعليم ‪.‬‬
‫وله كان فى ذلك شك لمن يرقب سير المور ؟‬
‫هذه هى الفتاة قد تعلمت على خط الرجل تماما من اللممف إلممى‬
‫الياء ‪ ..‬من التعليم البتدائى حتى الجامعة ‪ ..‬و" أثبتت جدارتها " فى‬
‫كل مرحلة من هذه المراحل ‪ ،‬بل تفوقت على الرجل فى كثير من‬
‫الحيان ‪ ..‬فلماذا ل تعمل كما يعمل ؟! ما الذى يمنع ؟!‬
‫الدين ؟ الخلق ؟ التقاليد ؟!‬
‫لقد رفع " الرج " هذه الشعارات كلها فممى وجممه المممرأة ليصممدها‬
‫عن السير فى هذا الطريق ‪..‬‬
‫وقال المدافعون كممما قممالوا كممل مممرة ‪ :‬إن الرجممل يخشممى علممى‬
‫مكانته التقليدية وتميزه التقليدى ‪ ،‬ويخشى منافسة المرأة لممه فممى‬
‫ميممدانه الوحيممد المتبقممى لممه بعممد أن تخلممى عممن تفممرده فممى جميممع‬
‫الميادين بفعل الكفاح " المر " الذى خاضته المرأة لنيل حقوقهمما ‪..‬‬
‫وسمميتخلى عممن هممذا الميممدان كممذلك رضممى أم أبممى ‪ ..‬لن خطممى "‬
‫التطور الحتمى " ستجبره فى النهاية على التسليم ‪.‬‬
‫ولكن الرجل لم يتنممازل عممن تفممرده فممى هممذا المجممال بسممهولة ‪،‬‬
‫وظل يرفع تلك الشعارات يحاول بها أن يصد المرأة عن اللحاق بممه‬
‫فى هذا الميدان ‪..‬‬
‫هل كان يؤمن حقيقة بالدين والخلق والتقاليد ؟‬
‫كل ! إنما هو مجرد سلح يستخدمه فى المعركممة حيممن يظممن أنممه‬
‫سلح مفيد !‬
‫ولكن الشياطين دخلوا مممرة أخممرى يسممتغلون الفرصممة السممانحة‬
‫أقصى ما يستطيعون من استغلل ‪.‬‬
‫دخلوا ليثيروا فى قلب المرأة حقممدا جارفمما علممى الممدين والخلق‬
‫والتقاليد ‪ ..‬على أساسا أن كل ممما تطممالب بممه المممرأة هممو حقوقهمما‬
‫المشروعة ‪ ،‬وأن الذى يقف فى سبيل نيلها لهذه الحقوق هو هممؤلء‬
‫العداء الثلثة ‪ :‬الدين والخلق والتقاليد ‪ ..‬فلتذهب جميعها إذن إلى‬
‫غير رجعة ‪ ،‬لتنال المرأة حقوقها وتستريح‪.‬‬
‫واكن هذا لمر يراد ‪..‬‬
‫كان يراد إحراج صدرها ضد الدين والخلق والتقاليد لتنسلخ هممى‬
‫منها أول ‪ ،‬ثم ل تربى أبناءها عليها فيما بعد ‪ ،‬لن ذلك هممو الضمممان‬
‫الوحيد لفساد المجتمع فسادا ل رجعة فيه !‬
‫لقد جممرب المخططممون مممن قبممل محاولممة إفسمماد المجتمممع عممن‬
‫طريق إفساد الرجل وحده فلم تنجح التجربة بالصمورة المطلوبمة ‪..‬‬
‫إن الشاب مهما فسد فى فترة شبابه فإنه يعممود إلممى ممما لقنتممه لممه‬
‫أمه فى طفولته من مبادئ الدين والخلق والتقاليد ‪ ،‬حممتى إذا أخممذ‬
‫يؤسس أسرة أسسها على تلك القيم الممتى تلقاهمما مممن قبممل ‪ ،‬ولممم‬
‫تفلح الفترة التى انفلت فيها فممى شممبابه فممى تحممويله إلممى المسممار‬
‫الجديد ‪..‬‬
‫وعندئذ أدركوا أنه لبد من إفساد الم ذاتها لكى ل تلقممن أطفالهمما‬
‫تلك " المبادئ " التى تعرقل خطوات الشياطين ‪ ..‬وساروا بها تلممك‬
‫المسيرة الطويلة فممى طريممق الفسمماد ‪ ،‬ولكممن الحممواجز – أو بقايمما‬
‫الحواجز – ما تزال تمنعها أو تبطئ خطواتها على الطريق ‪ ..‬فلتكممن‬
‫المعركة إذن حامية بين المرأة وبين الدين والخلق والتقاليد ‪ ،‬لكى‬
‫تحطمها بنفسها ‪ ،‬ولكى تكون فى مناعة كاملة منها حين تصممبح أممما‬
‫ذات أطفال ‪ ..‬فل تبذر فى نفوسهم تلك البذور السامة التى يكرهها‬
‫شعب الله المختار ن أشد ما يكره من شئ على الطلق !‬
‫لقد كانت مسألة إقحام المرأة فممى ميممدان العمممل جممزءا رئيسمميا‬
‫من الخطة الشريرة ‪.‬‬
‫فإخراجها من البيت لتتعلممم ‪ ،‬وإشمماعة الختلط والصممداقات بيممن‬
‫فتيان الجامعمة وفتياتهمما ‪ ،‬وتعويممد المجتمممع علممى قممدر مممن الفسمماد‬
‫الخلقى ‪ ،‬وتحطيم التقاليد الممتى كممانت تمنممع ذلممك كلممه ‪ ..‬كممل ذلممك‬
‫مفيد ول شك ‪ ،‬ولكنه ليس كفاية !‬
‫ما زالت المرأة – بقدر ما – خاضعة للرجل فى السرة والمجتمع‬
‫‪ ،‬وما زال هذا القدر من الخضوع – على ضآلته بالنسبة لما كان من‬
‫قبل – عائقا يعوق المممرأة عممن مزيممد مممن الفسمماد ن لن الرجممل –‬
‫بأنانيته كما يقولون ‪ ،‬أو بشئ من التعقل والتفكير وعدم النممدفاع –‬
‫يعارض فممى توسمميع مجممالت المممرأة ‪ ،‬ويريممد أن يربطهمما بوظيفتهمما‬
‫وببيتها وأولدها ‪ ،‬ولك كله يعوق خطوات الشياطين ‪.‬‬
‫لذلك كان لبد من إخراج المرأة نهائيا من سيطرة الرجممل ‪ ،‬ليتممم‬
‫للمخططين كل ما يريدون ‪.‬‬
‫وهل من وسيلة لكسر هذه السيطرة أفعل من أن تعمممل المممرأة‬
‫و" تستقل " اقتصاديا عن الرجل ؟‬
‫لقد عملت المرأة من قبل فى المصانع ‪ ،‬ولكممن الطبقممة العاملممة‬
‫كما قلنا لم يكن لها وزن فى توجيه المجتمع ‪ ..‬والفساد الخلقى فى‬
‫هذه الطبقة – رغم فائدته الجزئية للمخططين – ل يكفى وحممده ول‬
‫يؤتى الثمرة المطلوبة ‪ ،‬إنما لبممد كممما أسمملفنا مممن إفسمماد الطبقممة‬
‫الوسطى ‪ ،‬أداة التوجيه الجديدة فى المجتمع الجديد ‪.‬‬
‫ولم يقل المخططون للممييممن بطبيعممة الحممال إنهممم يريممدون أن‬
‫يثيروا الخبال فى صفوفهم – بتشغيل المرأة المتعلمة وإبعادها عممن‬
‫بيتها وعن وظيفتها – وممما كممان مممن الممكممن أن يكشممفوا لهممم عممن‬
‫لبتهم ليوقظوهم من غفلتهم ‪ ،‬إنما قالوا لهم إنه " التطممور " ! وإنممه‬
‫تطور " حتمى " ! وإنه لبد أن يأخذ سبيله رضمميه النمماس أم أبمموه !‬
‫أما المرأة فقد قالوا لها إن هذا حقها " الطممبيعى " وإنهمما ينبغممى أن‬
‫تتشبث به ول تتنازل عنه ول تتخاذل فى الكفاح من أجله ‪.‬‬
‫وأغريت المرأة بكل وسائل الغراء لكى تهجر بيتها وتخرج إلممى "‬
‫المجتمع " !‬
‫قيل لها إن حبسها على وظيفة الزوجية والمومة ورعاية النشممء‬
‫هو امتهان لها وإهدار لكرامتها وتعطيل لطاقتهما ‪ ،‬وهمو فمى الموقت‬
‫نفسه تعطيل للمجتمع عن التقدم ‪ ،‬فما يستطيع المجتمع أن يتقممدم‬
‫ونصفه حبيس وراء الجدران !‬
‫وقيل لها إن الرجل هو الذى حبسها على هذه الوظائف أنانية منه‬
‫‪ ،‬لتقوم على خدمته ‪ ،‬ولينفرد هو بأمور "المجتمع " ! وإنها منذ هذه‬
‫اللحظة ينبغى أن تثور على هذا الوضع المهين ‪ ،‬وتقف الرجممل عنممد‬
‫حده ‪ ،‬وتفرض عليه احترامها ‪ ،‬وتفرض عليممه المشمماركة فممى أمممور‬
‫المجتمع ‪.‬ز وإن الوسيلة لهذا كله هو أن تعمممل ‪ ،‬فإنهمما حيممن تعمممل‬
‫تصبح مثلمه تمامما فمى كمل شمئ ‪ ،‬فيتنمازل عمن أنمانيته وغطرسمته‬
‫ويحترمها !‬
‫ولما قيل إن الدين – ل الرجمل – همو المذى خصمص للممرأة همذه‬
‫الوظائف ثارت ثائرتها على الممدين ‪ ،‬وتمنممت فممى قممرارة نفسممها أن‬
‫يزول سلطانه على النفوس ‪ ،‬لتتحر هى وتأخذ مكانتهمما الممتى تصممبو‬
‫إليها ‪..‬و بذلك جندها الشممياطين لمحاربممة الممدين ‪ ،‬تحمماربه لحسممابها‬
‫الخاص ‪ ،‬فتحاربه بحماسة ‪ ،‬وتحاربه بإخلص ! يتحقق للشياطين ما‬
‫يريدون من إبعاد " الم " عن الدين ‪ ،‬لضمان تنشئة الجيال المقبلة‬
‫بعيدا عن حماه ‪..‬‬
‫وفعلت اللعبة الخبيثة فعلها ‪ ،‬وسرت كالسم فى دماء المميين ‪.‬‬
‫اسممتقلت المممرأة اقتصمماديا وتمممردت علممى قوامممة الرجممل ‪ ،‬كممما‬
‫تمردت على الدين والخلق والتقاليد ‪ ..‬وانفلتت – كممما أريممد لهمما –‬
‫بل ضوابط ول قيود ‪.‬‬
‫وسارع الشياطين إلى انتهاز الفرصة المتاحة من كل جوانبها ‪.‬‬
‫فالن فلتنشط بيوت الزياء وبيوت الزينة ‪ ،‬بعد أن انحلت العقممدة‬
‫الكبرى التى كانت تبطئ خطى الفساد "‪"1‬‬
‫ولقد كانت الملبس من قبل طويلة وساترة إلى حممد ممما – برغممم‬
‫ما فيها من زينة – ل تبرز " مفاتن " المرأة بشكل مفضوح ‪ .‬فممالن‬
‫وقد سنحت الفرصة فلتنشط بيوت الزياء فى إخممراج " المممودات "‬
‫اتممى تكشممف رويممدا رويممدا عممن هممذه " المفمماتن " ‪ ،‬ولتنشممط معهمما‬
‫الصحافة لنشر المر على أوسع نطاق ‪.‬‬
‫فلتكن هناك مجلت خاصممة بممالمرأة ‪ ،‬وركممن خمماص بممالمرأة فممى‬
‫الصحف والمجلت غير المتخصصة ‪،‬وليكن حممديثها عممن " المممودة "‬
‫مغريا إلى الحد الذى ل تفلح الضوابط فى مقاومممة إغممرائه ‪ ،‬خاصممة‬
‫وقد انحلت عقدة الحياء ‪.‬‬
‫ول شك أن الحاديث الولى كانت مهذبة جدا ومتحفظة جدا حتى‬
‫ل تممثير ثممائرة المتزمممتين مممن الرجممال ‪ ..‬ممماذا لممو قلنمما مثل ‪ :‬كيممف‬
‫تحافظين على محبة زوجك ؟ كيف تبدين أنيقة فممى نظممر زوجممك ؟‬
‫وأرفقنا بالرسمموم الممتى تبعممث علممى الفتنممة مجموعممة مممن النصممائح‬
‫للمرأة المتزوجة لكى تحافظ على أناقتهمما ورشمماقتها حممتى تحتفممظ‬
‫بحب زوجها ول تجعله يشرد عنهمما ؟ وهممل يكممره الرجممل أن تتجمممل‬
‫زوجته من أجله ؟!‬
‫ثم ‪ ..‬فلنحذ لفمظ المزوج ‪ ..‬فهمو لفمظ ثقيمل اسمتخدمناه لتغطيمة‬
‫فقط فى مبدإ المر ‪ ..‬وما نريد أن يكممون ل نصمميب أصممل فممى هممذا‬
‫المجال ‪ ..‬ثم إنه لم يعد اليوم هو المسيطر ‪ ..‬لقد اسممتقلت المممرأة‬
‫اقتصاديا ‪ ..‬وتستطيع – من سكبها الخاص – أن تنفق ما تنفق علممى‬
‫اللباس والزينة ‪ ،‬ول أحد يحرج عليها ‪ ،‬ول أحد يتحكم – بماله – فممى‬
‫تصرفاتها !‬
‫فلنقممل فقممط ‪ :‬كيممف تحممافظين علممى أناقتممك ‪ ..‬كيممف تبممدين‬
‫جميلة ‪..‬ز ولينظر إليها من ينظر ! زوجها أو غير زوجها ! إنها سائرة‬
‫بأناقتهمما ورشمماقتها فممى الطريممق ‪ ،‬ومممن شمماء فلينظممر ومممن شمماء‬
‫فليعرض ‪ ..‬إننا نحث فقط على الناقة والجمال !‬
‫ثم فلنكن أكثر صراحة ‪..‬‬
‫فلنقممل ‪ :‬كيمف تجمذبين نظمر " الرجمل " ى رجمل ! نعمم ! وممماذا‬
‫فيها ؟‬
‫أل ينبغى أن " ينجممذب " نظممر الرجممل ليختممار مممن بيممن العممابرات‬

‫" " بيوت الزياء الكبرى كلها يهودية وكذلك بيوت الزينة ‪ ،‬واليهود يكسبون منها كسبا مضاعفا ‪ ،‬يكسبون أرباحا‬ ‫‪1‬‬

‫خيالية ل تدرها الصناعات الخرى ويكسبون سريان الفساد كالسم فى مجتمع المميين ‪.‬‬
‫الرشيقات المتأنقات واحدة ربما تكون شريكة حياته ؟!‬
‫ثم ‪ ..‬فلنكن أكثر صراحة ‪ ..‬فنحن الن فممى وضممع يمكننمما مممن أن‬
‫نقول كل ما نريد ‪ ..‬وبغير ستار ‪..‬‬
‫فلنقممل ‪ :‬صممراحة – همماذ فسممتان يكشممف جمممال السمماق ‪ ..‬وهممذا‬
‫فستان يكف مفمماتن الصممدر " ‪ "1‬وليمممت بغيظممه كمممدا مممن أراد أن‬
‫يموت من الرجعيين المتزمممتين الممذين يريممدون أن يرجعمموا عقممارب‬
‫الساعة إلى الوراء !‬
‫وخرجت المرأة فتنة هائجة فى الطريق ! كأن مهمتها الولى هى‬
‫أن تبرز مفاتنها لكل عين منهومة فى الطريق!‬
‫واتسع نطاق " الصداقات " فى المجتمع ‪ ،‬فلم يعد مقصورا على‬
‫طلب الجامعة وطالباتها كما كان فى أول المر ‪ ،‬فإنما كممانت هممذه‬
‫مجممرد خطمموة علممى الطريممق ‪ ..‬أممما اليمموم وقممد اسممتقلت المممرأة‬
‫اقتصاديا فأى حاجز بقى ؟!‬
‫قيل فى البدء إن الصداقة هى مقدمة الممزواج ‪ ..‬وإنهمما ينبغممى أن‬
‫تباح – بصرف النظممر عممن براءتهمما أو عممدم براءتهمما – لضمممان قيممام‬
‫الزوجية على أسس ركينة فل تتزعزع فيما بعد !‬
‫ثم انجلت الحقيقة عممن أنممه ل زواج ! فل الممزواج فممى نيممة الفممتى‬
‫العابث ول فى نية الفتاة !‬
‫الصممداقة مممن أجممل الصممداقة ل مممن أجممل الممزواج ‪ ..‬مممن أجممل‬
‫المتعة ‪ ..‬من أجل قضاء " وقت يطب " فى هذه الحياة !‬
‫إن المخططين ل يريدون أن يكون الزواج هو الذى يحكممم علقممة‬
‫الرجل والمرأة ‪ ،‬أو – على القل – ل يريدون أن يكممون الممزواج هممو‬
‫الصورة الوحيدة لهذه العلقة إن لم يسممتطيعوا – الن – ان يقضمموا‬
‫قضاء مبرما على الزواج ‪.‬‬
‫ألم تسمع إلى قول دوركايم ‪ :‬كممان المظنممون أن الممدين والممزواج‬
‫والسرة هى أشياء من الفطرة ‪ ..‬ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه‬
‫النزعات ليست فطرية فى النسممان ! لقممد كممان " العممالم الكممبير "‬
‫يقوم بدوره – على طريقته – فى تحطيممم الممزواج والسممرة ‪ ،‬والن‬
‫تقوم العصابة الخرى – على طريقتها – بذات الدور‪.‬‬
‫ينبغى أن تحل " الصداقة " محل الزواج ‪ ،‬وليتم فيها كممل ممما يتممم‬
‫فى الزواج ولكن دون رباط مقدس ول أسرة ول أولد !‬
‫تحتجون أيها المتزمتون ؟!‬
‫أما قرأتم فرويد ؟ أما قرأتم ما قاله عن الكبت ؟‬
‫" " هذه العبارات وأمثالها عبارات واقعية ترد فى المجلت التى تتحدث عن " المودة " وعن أزياء النساء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أتريممدون أن تتلفمموا أعصمماب الشممباب وتصمميبوه بالعقممد النفسممية‬
‫والضطرابات العصبية ؟‬
‫أو ‪ ..‬قولوا لنا ماذا يفعل الشباب بطاقته الجنسية الفوارة ؟‬
‫يتزوج ؟ قولوا لنا كيف يتزوج ؟ تعالوا معنا ننمماقش الواقممع ؟ كممم‬
‫سنة يقضى الشاب فى التعليم حمتى يتخمرج ممن الجامعمة ؟ وحيمن‬
‫يتخرج كم يكون راتبه ؟‬
‫أيكفى هممذا الراتممب الهزيممل لتكمموين أسممرة والنفمماق عليهمما ؟ إن‬
‫أمامه على القل عشر سنوات حتى يصبح راتبه كافيا – مممع ارتفمماع‬
‫تكاليف المعيشة – للزواج وتكوين السرة ‪ ..‬فممماذا يفعممل فممى تلممك‬
‫الثنماء ؟ تريمدون أن تحرقموا أعصمابه أيهما الرجعيمون باسمم المدين‬
‫والخلق والتقاليد ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫يقول " ول ديورانت " الفيلسموف المريكمى فمى كتمابه " مباهمج‬
‫الفلسفة " " ص ‪ 127 – 126‬من الترجمة العربية " ‪.‬‬
‫" فحياة المدينة تفضى إلى كل مثبممط عممن الممزواج ‪ ،‬فممى المموقت‬
‫الذى تقدم فيه إلى الناس كل باعث عل الصلة الجنسية وكل سبيل‬
‫يسهل أداءها ‪ .‬ولكن النمو الجنسى يتم مبكرا عما كممان مممن قبممل ‪،‬‬
‫كما يتممأخر النمممو القتصممادى ‪ .‬فممإذا كممان قمممع الرغبممة شمميئا عمليمما‬
‫ومعقول فى ظل النظام القتصممادى الزراعممى فممإنه الن يبممدو أمممرا‬
‫عسيرا وغير طبيعى فى حضارة صناعية أجلت الزواج حتى بالنسممبة‬
‫للرجال حتى لقد يصممل إلممى سممن الثلثيممن ‪،‬و ل مفممر مممن أن يأخممذ‬
‫الجسم فى الثورة ‪ ،‬وأن تضعف القوة على ضبط النفس عممما كممان‬
‫فممى الزمممن القممديم ‪ ،‬وتصممبح العفممة الممتى كممانت فضمميلة موضممعا‬
‫للسخرية ‪ ،‬ويختفى الحياء الذى كمان يضممفى علممى الجممال جمممال ‪،‬‬
‫ويفمماخر الرجممال بتعممداد خطايمماهم ‪ ،‬وتطممالب النسمماء بحقهمما فممى‬
‫مغامرات غير محدودة علممى قممدم المسمماواة مممع الرجممال ‪ ،‬ويصممبح‬
‫التصال قبممل الممزواج أمممرا مألوفمما ‪ ،‬وتختفممى البغايمما مممن الشمموارع‬
‫بمنفسة الهاويات ل برقابة البوليس ‪ .‬لقد تمزقممت أوصممال القممانون‬
‫الخلقى الزراعى ‪ ،‬ولم يعد العالم المدنى يحكم به " ‪. "1‬‬
‫ول يناقش " ول ديورانت " تلك السممباب الممتى قممال إنهمما تعطممل‬

‫" " يلجأ " ول ديورانت " إلى التفسير المادى لتاريخ يفسر به اختفاء العفة من المجتمع الصناعى وانتشار الفاحشة‬ ‫‪1‬‬

‫فيه حتى تصبح هى الصل المعترف به وتصبح العفة مثار السخرية ‪ .‬وليس هذا هو التفسير الحقيقى لذلك التحلل‬
‫الخلقى الذى حدث فى المجتمع الصناعى ‪ ،‬إنما هو راجع – كما رأينا فى هذا الفصل – إلى ذلك المخطط الشرير‬
‫الذى يهدف إلى إفساد البشرية‪.‬‬
‫الشباب عن الزواج الباكر ‪ ،‬إنما يأخذها أمرا واقعمما وقضممية مسمملمة‬
‫وينظر إلى آثارها كذلك على أنها أمممر واقممع ل حيلممة فيممه أكممثر مممن‬
‫كلمة أسى عابرة يقولها ويدعها تمضى تصيب من تصيب !‬
‫ولكن ! أهى حقا كذلك ؟ أهى أمر ل مفر منه ؟‬
‫من الذى وضع العوائق فى طريق الزواج ‪ ،‬ثم وضع الصممداقة )أو‬
‫البغاء !( بديل من الزواج ‪ ،‬ثم زعم أنه تطور حتمى جمماء بممه الطممور‬
‫القتصادى الجديد ؟!‬
‫إنهم – كلهم – يهود !‬
‫ثممم سمممموا أفكممار الممييممن ‪ ،‬فأصممبحوا يممرددون وراءهممم ممما‬
‫يقولون !‬
‫لو بقيت السممرة الكممبيرة علممى ترابطهمما وظممل الب ينفممق علممى‬
‫أولده حتى يتكسبوا )وهم ينفقون عليه فى كبرته إذا احتاج( وظلت‬
‫أسعار الحاجيات فى النطاق المعقول ‪ ،‬وجعلممت رواتممب الخريجيممن‬
‫بحيث تكفى لتكوين أسممرة أو أعطممى الراغبممون فممى الممزواج منحممة‬
‫تمكنهم من إنشاء السرة فأى حتمية كانت تقممف فممى طريممق ذلممك‬
‫كله وتمنع تنفيذه ؟‬
‫كل ! إن القضممية كلهمما أن الشممياطين ل يريممدون ! ل يريممدون أن‬
‫يظل للمميين دين ول أخلق ول أسممرة ول زواج ‪ ،‬لن هممذه كلهمما "‬
‫عوائق " تمنع دوران العجلة الشريرة التى تنشر الفساد !‬
‫لذلك أنشأوا الواقع على هذه الصورة وزعموا أنه التطور الحتمى‬
‫‪ .‬وأن عجلته ستسحق كل من يقف فى الطريق !‬
‫ودارت العجلة دورتها فأحدثت كثيرا من الشر ‪.‬‬
‫ولندع ول ديورانت نفسه يصف جانبا من هذا الشممر ‪ ،‬كممما وجممده‬
‫فى بلده فى أوائل القرن ‪ ،‬وكما تخيممل نتممائجه المقبلممة ‪ .‬وإن كممان‬
‫الواقع الذى حدث بالفعل أفظع بكثير مما تخيله فى ذلك الحين ‪:‬‬
‫" ولسنا ندرى مقدار الشر الجتماعى الذى يمكن أن نجعل تأخير‬
‫الزواج مسؤول عنه ‪ .‬ول فى أن بعض هذا الشر يرجع إلممى ممما فينمما‬
‫من رغبة فى التعدد لم تهذب ‪ ،‬لن الطبيعة لم تهيئنا للقتصار علممى‬
‫زوجممة واحممدة ‪ .‬ويرجممع بعضممها الخممر إلممى ولء المممتزوجين الممذين‬
‫يؤثرون شراء متعة جنسية جديدة علممى الملل الممذى يحسممونه فممى‬
‫حصار قلعة مستسلمة ‪ .‬وكلممن معظممم هممذا الشممر يرجممع فممى أكممبر‬
‫الظن فى عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعى لحياة الزوجية ‪.‬‬
‫وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو فى الغالب ثمرة التعود قبلممه ‪.‬‬
‫وقممد نحمماول فهممم العلممل الحيويممة والجتماعيممة فممى هممذه الصممناعة‬
‫المزدهرة ‪ ،‬وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر ل مفممر منممه فممى عممالم‬
‫خلقه النسان ‪ .‬وهذا هو الرأى الشائع لمعظم المفكرين فى الوقت‬
‫الحاضر ‪ .‬غير أنه مممن المخجممل أن نرضممى فممى سممرور عممن صممورة‬
‫نصممف مليممون فتمماة أمريكيممة يقممدمن أنفسممهن ضممحايا علممى مذبممح‬
‫الباحية وهى تعرض علينا فى المسممارح وكتممب الدب المكشمموف ‪،‬‬
‫تلك التى تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية فى الرجممال‬
‫والنساء المحرومين – وهم فى حقى الفوضى الصناعية – من حمى‬
‫الزواج ورعايته لصحة ‪.‬‬
‫" ول يقل الجانب الخر مممن الصممورة كآبممة ‪ .‬لن كممل رجممل حيممن‬
‫يؤجل الزواج يصممحب فتيممات الشمموارع ممممن يتسممكعن فممى ابتممذال‬
‫ظاهر ‪ .‬ويجد الرجل لرضاء غرائزه الخاصممة فممى هممذه الفممترة مممن‬
‫التأجيل نظاممما دوليمما مجهممزا بأحممدث التحسممينات ومنظممما بأسمممى‬
‫ضممروب الدارة العلميممة ‪ ..‬ويبممدو أن العممالم قممد ابتممدع كممل طريقممه‬
‫يمكن تصورها لثارة الرغبات وإشباعها " ‪..‬‬
‫" وأكبر الظن أن هذا التجدد فى القبال على اللممذة ‪ ،‬قممد تعمماون‬
‫أكثر مما نظن مممع هجمموم دارون علممى المعتقممدات الدينيممة ‪ .‬وحيممن‬
‫اكتشف الشبان والفتيات – وقممد أكسمبهم المممال جمرأة – أن الممدين‬
‫يشهر بملذهم التمسوا فى العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين‬
‫‪ .‬وأدى التزمت فى حجب الحياة الجنسية والزهد فيها إلى رد فعممل‬
‫فى الدب وعلم النفممس صممور الجنممس مرادفمما للحيمماة ‪ .‬وقممد كممان‬
‫علماء اللهوت قديما يتجادلون فى مسألة لمممس يممد الفتمماة أيكممون‬
‫ذنبا ؟ أما الن فلنا أن ندهش ونقول ‪ :‬أليممس مممن الجممرام أن نممرى‬
‫تلك اليد ول نقبلها ؟ لقد فقد النمماس اليمممان وأخممذوا يتجهممون نحممو‬
‫الفرار من الحذر القديم إلى التجربة الطائشة " ‪..‬‬
‫" وكانت الحرب العظمى الولى آخر عامل فى هذا التغيير ‪ .‬ذلك‬
‫أن تلك الحرب قوضت تقاليد التعاون والسلم المتكمونين فمى ظمل‬
‫الصناعة والتجارة ‪ ،‬وعممودت الجنممود الوحشممية والباحيممة ‪ ،‬حممتى إذا‬
‫وضعت الحرب أوزارهمما عمماد آلف منهممم إلممى بلدهممم فكممانوا بممؤرة‬
‫للفساد الخلقى ‪ .‬وأدت تلك الحرب إلى رخص قيمممة الحيمماة بكممثرة‬
‫ما أطاحت مممن رؤوس ‪ ،‬ومهممدت إلممى ظهممور العصممابات والجممرائم‬
‫القائمممة علممى الضممطرابات النفسممية ‪ ،‬وحطمممت اليمممان بالعنايممة‬
‫اللهية ‪ ،‬وانتزعت من الضمممير سممند العقيممدة الدينيممة ‪ .‬وبعممد انتهمماء‬
‫معركة الخير والشر بما فيها من مثالية ووحدة ‪ ،‬ظهر جيمل مخمدوع‬
‫وألقى بنفسه فمى أحضمان السمتهتار والفرديمة والنحلل الخلقمى ‪.‬‬
‫وأصمبحت الحكومممات فممى واد والشمعب فممى واد آخممر ‪ ،‬واسمتأنفت‬
‫الطبقات الصراع فيما بينها ‪ .‬واسممتهدفت الصممناعات الربممح بصممرف‬
‫النظر عن الصالح العام ‪ ،‬وتجنب الرجال الزواج خشية مسممؤوليته ‪،‬‬
‫وانتهى المر بالنساء إلى عبودية خاملة أو إلممى طفيليممات فاسممدة ‪.‬‬
‫ورأى الشباب نفسه وقد منح حريات جديدة تحميه الختراعات مممن‬
‫نتائج المغامرات النسائية فى الماضى " ‪ "1‬وتحوطه من كممل جممانب‬
‫مليين المؤثرات الجنسية فى الفن والحياة " ‪..‬‬
‫" لما كان اليوم هو عصر اللة ‪ ،‬فلبد أن يتغير كل شئ ‪ .‬فقد قل‬
‫أمن الفرد فى الوقت الذى نما فيممه المممن الجتممماعى ‪ .‬وإذا كممانت‬
‫الحياة الجسمانية أعظم أمنا مما كممانت فالحيمماة القتصممادية مثقلممة‬
‫بممألف مشممكلة معقممدة مممما جعممل الخطممر جاثممما كممل لحظممة ‪ .‬أممما‬
‫الشباب الذى أصبح أكثر إقداما واشمد غمرورا ممن قبممل فهمو عمماجز‬
‫ماديا وجاهل اقتصاديا إلى حد لم يسبق له مثيل ‪ .‬ويقبممل الحممب فل‬
‫يجرؤ الشاب على الزواج وجيبه صفر من المال ‪ .‬ثم يطممرق الحممب‬
‫مرة أخرى باب القلب أكثر ضعفا )وقد مرت السممنوات( ومممع ذلممك‬
‫لم تمتلئ الجيوب بما يكفى للممزواج ‪ .‬ثممم يقبممل الحممب مممرة أخممرى‬
‫أضعف حيوية وقوة عما كان من قبممل )وقممد مممرت سممنوات( فيجممد‬
‫الجيوب عامرة فيحتفل الزواج بموت الحب "‬
‫" حتى إذا سئمت فتاة المدينة النتظار اندفعت بممما م يسممبق لممه‬
‫مثيل فى تيار المغامرات الواهية ‪ .‬فهممى واقعممة تحممت تممأثير إغممراء‬
‫مخيممف مممن الغممزل والتسمملية وهممدايا مممن الجمموارب وحفلت مممن‬
‫الشمبانيا فى نظير الستمتاع بالمباهج الجنسية ‪ .‬وقممد ترجممع حريممة‬
‫سلوكها فى بعض الحيان إلى انعكاس حريتها القتصادية ‪ .‬فلم تعممد‬
‫تعتمد على الرجل فى معاشها ‪ ،‬وقممد ل يقبممل الرجممل علممى الممزواج‬
‫من امرأة برعت مثله فى فنون الحب ‪ ،‬فقدرتها على سممكب دخممل‬
‫حسن هو الممذى جعممل الممزوج المنتظممر مممترددا ‪ ،‬إذ كيممف يمكممن أن‬
‫يكفى أجره المتواضع للنفاق عليهممما معمما فممى مسممتواهما الحاضممر‬
‫من المعيشة ؟‬
‫" وأخيرا تجد الرفيق الذى يطلمب يمدها للمزواج ‪ ،‬ويعقمد عليهما ل‬
‫فى كنيسة ‪ ،‬لنهما من أحرار الفكر الذين ألحممدوا عممن الممدين ‪ ،‬ولممم‬
‫يعد للقانون الخلقى الذى ظل جاثما على إيمانهما المهجور أثر فممى‬
‫قلبيهما ‪ ،‬إنهما يتزوجان فى قبو المكتممب البلممدى )الممذى يفمموح منممه‬
‫" " يشير إلى وسائل منع الحمل والوقاية من المراض السرية وهما المران اللذان وفرتهما الحضارة ! وإن كانت‬ ‫‪1‬‬

‫التقارير الخيرة تشير إلى أن هذه المراض لم يمكن القضاء عليها رغم كل المحاولت المبذولة بل إنها آخذة فى‬
‫النتشار السريع !‬
‫عبير السياسة( ويستمعان إلممى تعاويممذ العمممدة ‪ .‬إنهممما ل يرتبطممان‬
‫بكلمة الشرق ‪ ،‬بل بعقد من المصلحة ن لهما الحرية فممى أى وقممت‬
‫فممى التحلممل منممه ‪ .‬فل مراسمميم مهيبممة ‪ ،‬ول خطبممة عظيمممة ‪ ،‬ول‬
‫موسمميقى رائعممة ‪ ،‬ول عمممق ول نشمموة فممى النفعممال تحيممل ألفمماظ‬
‫وعودهم إلى ذكريات ل تمحى من صفحة الذهن ‪ .‬ثم يقبل أحممدهما‬
‫صاحبه ضاحكا ‪ ،‬ويتوجهان إلى البيت فى صخب ‪.‬‬
‫" إنه ليس بيتما ! فليممس ثممة كموخ ينتظمر المترحيب بهمما أنشممئ‬
‫وسط الحشائش النضرة والشجار الظليلة ‪ ،‬ول حديقممة تنبممت لهممما‬
‫الزهور والخضراوات التى يشعران بأنها أبهى وأحلى لنهمما مممن زرع‬
‫أيديهما ‪ .‬بل يجب أن يخفيا أنفسهما خجل كأنهما فى زنزانممة سممجن‬
‫فى حجرات ضيقة ل يمكن أن تسممتبقيهما فيهمما طويممل ‪ ،‬ول يعنيممان‬
‫بتحسينها وتزيينها بما يعبر عن شخصيتهما ‪ .‬ليس هذا المسكن شيئا‬
‫روحيا كالبيت الذى يتخذ مظهرا ويكسب روحمما قبممل ذلممك بعشممرين‬
‫عاما )لكتاب مكتوب سنة ‪ (1929‬بممل مجممرد شممئ مممادى فيممه مممن‬
‫الجفمماف والممبرودة ممما تجممده فممى مارسممتان ‪ .‬فهممو يقمموم وسممط‬
‫الضوضاء والحجارة والحديد حيثل ا ينفذ إليممه ربيممع ‪ ،‬ول ينبممت لهممما‬
‫الصيف الممزرع النضممر بممل سمميل مممن المطممر ‪ ..‬ول يريممان مممع ورود‬
‫الخريف قوس قزح فى السماء أو أى ألوان على أوراق الشجر بممل‬
‫المتاعب والذكريات الحزينة ‪.‬‬
‫" وتصاب المرأة بخيبة أمل ‪ ،‬فهممى ل تجممد فممى هممذا الممبيت شمميئا‬
‫يجعل جدرانه تحتمممل فممى الليممل والنهممار ‪ ،‬ول تلبممث غل قليل حممتى‬
‫تهجره فى كل مناسبة ول تعود إليه إل قبل مطلع الفجممر ‪ ..‬ويخيممب‬
‫أمل الرجل ‪ ،‬فهو ل يستطيع أن يتجول فى أنحاء هممذا الممبيت يعممزى‬
‫شعوره ببنممائه وغلحممه ممما تصمماب بممه أصممابعه مممن دق المطممارق ‪..‬‬
‫ويكتشف بعد قليل أن هذه الحجرات تشبه تمممام الشممبه تلممك الممتى‬
‫كان يعيش فيها وهو أعزب ‪،‬وأن علقاته مع زوجته تشبه شبها عاديا‬
‫تلك العلقات غير البريئة الممتى كممان يعقممدها مممع المسممتهترات مممن‬
‫النساء ‪ .‬فل جديد فى هممذا الممبيت ‪ ،‬ولممي فيممه ممما ينمممو ‪ ،‬ول يمممزق‬
‫سكون الليل صوت الرضيع ول يمل مممرح الطفممال لنهممار بهجممة ول‬
‫أذرع بضممة تسممتقبل الممزوج عنممد عممودته مممن العمممل وتخفممف عنممه‬
‫وطأته ‪ .‬إذ أيممن يمكممن أن يلعممب الطفممل ؟ وكيممف يمكممن للزوجيممن‬
‫تخصيص حجرة أخرى للطفال وتوفير العناية بهم وتعليمهممم سممنين‬
‫طويلة فى المدينة ؟ والفطنة فيما يظنممان أفضممل جمموانب الحممب ‪..‬‬
‫فيعنزمان منع السنل ‪ ..‬إلى أن يقع بينهما الطلق !‬
‫" ولما كان زواجهما ليس زواجا بالمعنى الصحيح لنه صلة جنسة‬
‫ل ربمماط أبمموة فممإنه يفسممد لفقممدانه السمماس الممذى يقمموم عليممه ‪،‬‬
‫ومقومات الحياة ‪ .‬يممموت هممذا الممزواج لنفصمماله عممن الحيمماة وعممن‬
‫النوع ‪ .‬وينكمش الزوجممان فممى نفسمميهما وحيممدين كأنهممما قطعتممان‬
‫منفصلتان ‪ ،‬وتنتهى الغيرية الموجودة فى الحمب إلمى فرديمة يبعثهما‬
‫ضغط حياة المساخر ‪ ،‬وتعود إلى الرجل رغبته الطبيعية فى التنويع‬
‫‪ ،‬حين تؤدى ألفة إلى الستخفاف ‪ ،‬فليس عنمد الممرأة جديممد تبممذله‬
‫أكثر مما بذلته ‪..‬‬
‫" ولندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجرابنمما ‪ .‬أكممبر‬
‫الظن أنها لم تكون شيئا نرغب فيه أو نريده ‪ ..‬فنحممن غممارقون فممى‬
‫تيار من الغيير ‪ ،‬سيحملنا لريب إلى نهائيات محتومة ل يحلة لنا فى‬
‫اختيارهمما ‪ .‬وأى شممئ قممد يحممدث مممع هممذا ‪ ،‬الفيضممان الجممارف مممن‬
‫العادات والتقاليد والنظم ‪ .‬فالن وقد أخذ البيت فمى ممدننا الكمبرى‬
‫فىالختفاء فقد فقد الزواج القاصر على واحدة جاذببيته الهامممة ‪ .‬ول‬
‫ريب أن زواج المتعة سيظفر بتأييد أكثر فأكثر حيث ل يكون النسممل‬
‫مقصودا ‪ ،‬وسيزداد الزواج الحر ‪ ،‬مباحا كان أم غير مبمماح ‪ .‬ومممع أن‬
‫حريتهما إلى جانب الرجل أميل فسمموف تعتممبر المممرأة هممذا الممزواج‬
‫أقل شرا من عزلة عقيمة تقضيها فى أيام ل يغازلها أحد ‪ .‬سممنهار "‬
‫المستوى المزدوج " وستحث المممرأة الرجممل بعممد تقليممده فممى كممل‬
‫شئ على التجربمة قبمل المزواج ‪ .‬سمينمو الطلق ‪ ،‬وتزدحمم الممدن‬
‫بضحايا الزيجات المحطمة ثم يصاغ نظام الزواج بأسممره فممى صممور‬
‫جديدة أكممثر سممماحة ‪ ،‬وعنممدما يتممم تصممنيع المممرأة ‪ ،‬ويصممبح ضممبط‬
‫الحمل سرا شائعا فى كل طبقممة يضممحى الحممل أمممرا عارضما فممى‬
‫حياة المرأة ‪ ،‬أو تحممل نظممم الدولمة الخاصمة بتربيممة الطفممال محمل‬
‫عناية البيت ‪.‬ز وهذا كل شئ ! " " ‪. "1‬‬
‫إن إخراج المرأة من البيت ودفعها إلى العمل فممى الخممارج – أيمما‬
‫كانت الدوافع الت أدت إليه وايا كانت النوايا الكامنممة وراءئ ذلممك –‬
‫قد أحدث دمارا عنيفا فى المجتمع ‪ ،‬ل يمكن الحاطة بكممل أبعمماده ‪،‬‬
‫لنه ما زال يلد شرورا جديدة حتى هذه اللحظة ‪.‬‬
‫إن تخصيص المرأة للبيت لوظيفة المومة ورعاية النشء لم يكن‬
‫ظلما للمرأة ‪ ،‬ول تحقيرا لها ‪ ،‬ولكن الجاهلية هى التى جعلته كذلك‬
‫حين عيرت المرأة بأنها تحمل وتلد ول تصنع غير ذلك !‬
‫والجاهلية – دائما – تظلم المرأة وتقسو عليهمما وتهينهمما وتعيرهمما ‪،‬‬
‫" " مقتطفات من كتاب مباهج الفلسفة " من ص ‪236 - 126‬‬ ‫‪1‬‬
‫ول ينقممذها مممن ذلممك شممئ إل شممرع اللممه ومنهجممه المنممزل لصمملح‬
‫البشرية وغقامة العدل فى الرض ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل ِي َُقممو َ‬‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬
‫معَهُ ْ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫سل َْنا ُر ُ‬‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ط{ ]سورة الحديد ‪[57/25‬‬ ‫س ِ‬ ‫س ِبال ِْق ْ‬ ‫الّنا ُ‬
‫كل جاهلية من جاهليات التاريخ عيرت المرأة بوظيفتها ‪ ،‬وجعلتها‬
‫تشه=عر أنها دون الرجممل مممن أجممل هممذه الوظيفممة ‪ ..‬بينممما يقممول‬
‫الوحى المنزل من عند اله ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ه فِممي‬ ‫صممال ُ ُ‬‫ن وَفِ َ‬ ‫ه وَ ْ ً َ‬
‫هنا عَلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫مل َت ْ ُ‬‫ح َ‬‫وال ِد َي ْهِ َ‬ ‫ن بِ َ‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫صي َْنا ا ِ‬ ‫}وَوَ ّ‬
‫عامي َ‬
‫صمميُر )‪] {(14‬سممورة لقمممان‬ ‫م ِ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫ك إ ِل َم ّ‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬ ‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ ِ‬
‫‪[31/14‬‬
‫فالوصية هى بالوالدين كليهما ‪ ،‬لكن التكريم الكبر هممو للم الممت‬
‫حملته وهنا على هن ‪.‬‬
‫ويسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من أولى الناس‬
‫بحسن صحابتى قال ‪ :‬أمك ‪ .‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قمال ‪ :‬أممك ‪ .‬قمال ثمم‬
‫من ؟ قال أمك ‪ :‬قال ثممم مممن ؟ قممال ‪ :‬ثممم ابمموك ! " ‪ " 1‬والحممديث‬
‫واضح الدللة على تكريم الم ووظيفة اأمومة ‪.‬‬
‫أما وهى زوجة فهذا هو المنهج الربانى ‪:‬‬
‫ش مْيئا ً‬ ‫َ‬
‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫ن ك َرِهْت ُ ُ‬ ‫ف فَإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬ ‫}وَ َ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً )‪] {(19‬سورة النساء ‪[4/19‬‬ ‫ه ِفيهِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬‫وَي َ ْ‬
‫ويقول رسول الله صلى الله عيه وسمملم ‪ :‬خيركممم خيركممم لهلممه‬
‫وأنا خيركم لهلى " ‪. " 2‬‬
‫فالمنهج الربانى الممذى خصممص المممرأة لوظيفتهمما لممم يعيرهمما بهمما‬
‫ويجعلها مهينة منأجلها ن بل كرمها من أجل تلك الوظيفممة وأكرمهمما‬
‫وهى تقوم بها ‪ ،‬وقال لها إن قيامها بهذه الوظيفممة هممو سممبيلها إلممى‬
‫رضوان الله والجنة ‪ ،‬كما أن القتال فى سبيل الله هو طريق الرجل‬
‫إلى رضوان الله والجنة ‪ ،‬فجعل هذه مكافئة لتلممك ‪ ،‬لن اللممه يعلممم‬
‫سبحانه أن هممذا هممو الميممزان الصممحيح الممذى يقيممم الحيمماة البشممرية‬
‫بالقسط ‪ ،‬ويعلم خطورة الممدور الممذى تقمموم بممه المممرأة فممى رعايممة‬
‫البيت وتنشئة النشء ويعلممم كممذلك مممدى الفسمماد الممذى يمكممن أن‬
‫ينشأ حين تهجر المممرأة وظيفتهمما مممن أجممل أى شممئ آخممر فممى هممذا‬
‫الوجود ‪ ،‬فضل عن أن يكممون هممذا الشممئ هممو مجممرد اللهممو والعبممث‬
‫والفساد الخلقى !‬

‫" " متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " رواه الترمذى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ولكن الجاهلية التى يسيطر عليهمما اليهممود ويوجهونهمما قممد ضممربت‬
‫بالمنهج الربانى عممرض الحممائط ‪ ..‬واتبعممت وحممى الشممياطين ‪ ،‬فممأى‬
‫أصابها حين فعلت ذلك وأى خبال ؟!‬
‫فأما لفساد الخلقى فحدث عنه ول حرج !‬
‫لقد ظل الرجممل – " يكافممح " ضممد " حقمموق المممرأة " ردحمما مممن‬
‫الزمن غير قليل ويعارض – بالذات – مزاحمتها له فى ميدان العمل‬
‫‪ .‬ولكنممه أخيممرا لن فممى معارضممته ‪ ،‬بممل كممف عنهمما نهائيمما وتحمممس‬
‫لمشاركة المرأة له فى جميع العمممال ! فهممل تغيممر الرجممل حقيقممة‬
‫فى تلك الجاهلية فأصبح – فجأة – مؤثرا عممادل بعممد أن كممان ظالممما‬
‫مستأثرا لنفسه بالمكانة السامية والمنزل الرفيعة ؟! أو أن المممرأة‬
‫أجبرته بالفعل على احترامها كما زعمت الجاهلية وهى تزين للمرأة‬
‫أن تقحم نفسها فى كل ميدان كان الرجل يستأثر به من قبل حممتى‬
‫ميدان الفساد الخلقى ؟!‬
‫كل ! إنما حسب الحسبة فوجدها رابحة !‬
‫وأربح ما فيها سهولة الحصول على المرأة فى المكتب والمصممنع‬
‫والنادى والشارع والمرقص والملعب ‪ ..‬فى كل مكان !‬
‫لم يعد يتعب فى الحصول على لممذائذ الجنممس ! فهممى متاحممة لممه‬
‫أبدا فى كل لحظممة ! بإشممارة ومممن غيممر إشممارة ! فممالمرأة العاريممة‬
‫المتبرجممة المممبرزة " لمفاتنهمما " أمممامه حيممث ذهممب ‪ ،‬يلقاهمما حيممث‬
‫توجه ‪ ..‬ل واحدة ول عشر ول مئات ! كلهن ! من فيهممن بغيممر تممبرج‬
‫ول زينة ول تفتن فى " جذب " الرجل إليها ؟!‬
‫فإذا حركته الفتنة لطلب الجنس فما أيسر !‬
‫فإن كان دنئ الحس حيوانا فالبغاء الرسمى وغير الرسمى ميسر‬
‫‪ ،‬والمحترفات كثير ! وإن كان " مهذبا ! " " متحضرا ! " " مترفعا !‬
‫" فهنمماك " الصممداقة" وهممى متاحممة أبممدا بحكممم الزمالممة والختلط‬
‫المستمر ‪ ،‬وفى الصداقة يقضى حاجة الجنس كلها ‪ ،‬ومعها " تقدير‬
‫" المجتمممع لتهممذبه وتحضممره وترفعممه ‪ ،‬وقضممائه حاجممة الجنممس مممع‬
‫الهاويات ل مع المحترفات !‬
‫أما هى فقد رضيت بتلقى " عواطف " الرجل ومغازلته وإطرائه‬
‫" لجمالها " و" فتنتها " و" رشاقتها " و" جاذبيتها " ‪ ..‬ورضيت كذلك‬
‫بتلقى نزوات جسده لنهخا هى أيضا تطلب الجنس !‬
‫أما قرأت فرويد ؟!‬
‫ألم يقل لك فرويد فممى التفسممير الجنسممى للسمملوك البشممرى إن‬
‫النسان كله طاقة جنس مترحكة تسعى لثبات الممذات عممن طريممق‬
‫ممارسممة الجنممس ؟ وإن التحقيممق الكممبر للممذات هوالممذى يتممم عممن‬
‫طريق الجنس ؟!‬
‫ألم يقل إن أى حاجز يوضمع أممام طاقمة الجنمس فمعنماه الكبمت‬
‫والعقد النفسية والضطرابات العصبية ؟‬
‫وهى أيضا ل تريد لنفسها الكبت ول العقممد ول الضممطراب ! إنهمما‬
‫تبحث عن " الصحة النفسية " وهذا "حقها " الطممبيعى ! ‪ ..‬والصممحة‬
‫لنفسية ل تتحقق – كما ف=قال فرويد – إذا كان هناك حاجز يقمف‬
‫فى طريق الشباع الجنسى !‬
‫فلممما قيممل لهمما كممما قيممل فممى كممل مممرة ‪ ،‬الممدين ‪ ..‬وألخلق ‪..‬‬
‫والتقاليد ‪..‬لعنمت كمل أولئك وطممالبت " بحقهمما " ! حقهما فمى إبممداء‬
‫عواطفها ! حقها فى أن تهب نفسها لمن تشاء ‪ ..‬فهذا هو التحممرر !‬
‫هذا هو التحرر !‬
‫ألم يقل ماركس إن المرأة فممى المجتمممع الصممناعى تتحممرر لنهمما‬
‫تستقل اقتصاديا عن الرجل فتتحرر من سلطانه فتفقد قضية العفة‬
‫أهميتها ؟!‬
‫ما قيمة العفة ؟ من ذا الذى حرص اليوم عليها ؟!‬
‫إن الرجل ذاته قد تبلد حسه ‪ ،‬وفقد عرضه ‪ ،‬ولم يعد يهتممم ! بممل‬
‫إنه فى سبيل لذاته الحيوانية الهابطة قد رحممب كممثيرا بهممذا التطممور‬
‫الذى يسر له تحقيق رغباته دون تحمل أى مسئولية على الطلق ‪..‬‬
‫ل مسئولية مخالفة قواعد الخلق ومجافمماة التقاليممد ‪ ..‬فقممد ذهبممت‬
‫الخلق والتقاليممد ‪ ،‬ول مسممئولية تحمممل أعبمماء أسممرة فممى مقابممل‬
‫الشباع الجنسى ‪ ،‬فالشباع قد اصمبح بهمذا " التطممور " متاحما بغيممر‬
‫مقابل ‪ .‬ول المسئولية " الجنائية " " فالصداقة " تمنع الجزاء !‬
‫وأما هى فما الذى يمنعها ؟ الحياء ؟ وماذا كان يفعممل الشممياطين‬
‫طوال كل هذه السنوات إل قتل هذا " العدو " الفطرى وإنشاء فتاة‬
‫" جديدة " " متطورة " قليلة الحياء ؟!‬
‫من أجل ذلك " طفح " الجنممس ‪ ..‬فممى الشممارع والغابممة والنممادى‬
‫والملعب والمرقص ‪ ،‬والقصة والمسرح )والسينما فيمما بعمد( وفممى‬
‫المجلممة والصممحيفة اليوميممة فضممل عممن المجلممة المخصصممة للصممور‬
‫العارية والثارة الجنسية ‪ ،‬ووصل إلى درجة التهتك والحيوانية الممتى‬
‫يتعفف عنها بعض أنواع الحيوان !‬
‫وبمناسبة ذكر السينما فهى فى أصمملها مؤسسممة يهوديممة خالصممة‬
‫فكرة ومال وتخطيطا وتوجيها ‪ ..‬هدفها العمل السممريع علممى إفسمماد‬
‫المميين بما للصورة المتحركة من سحر وقدرة علممى التممأثير ‪ .‬وإذا‬
‫كان المميون اليوم " يتنافسون " فى مجال السممينما ‪ ،‬ويتسممابقون‬
‫فمى تحويلهما إلمى مماخور كمبير ‪ ،‬فعمن رضما كامممل ممن الشممياطين‬
‫وتشجيع ! فما أشد ابتهمماجهم بهممذا التنممافس والتسممابق ‪ ،‬وممما أشممد‬
‫فرحتهم وهم يرون اللعبة المسومة سارية لمفعول ‪ ،‬ول ينجممو منهمما‬
‫فتى ول فتاة ول شمميخ ول شمميخة ول طفممل ول طفلممة إل مممن رحممم‬
‫ربك !‬
‫أما التليفزيون – آخر المستحدثات – فل يحتاج إلى حديث !‬
‫فالخلصة أن وسائل العلم كلها قد استخدمت على نطاق واسع‬
‫لشمماعة الفسمماد الخلقممى والتفاهممة والتميممع والنحلل فممى كممل بلد‬
‫الرض ‪ ..‬والشياطين يتفرجون !‬
‫وأما تفكك السرة فحدث عنه كذلك ول حرج !‬
‫لقد كان البيت سكينة وسممكنا بالزوجممة الممتى تعمممره والم والممتى‬
‫ترعى أطفاله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جع َ َ‬
‫ل‬ ‫م أْزَواجا ً ل ِت َ ْ‬
‫سك ُ ْ‬‫ن أنُف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬‫م ْ‬‫}وَ ِ‬
‫ن )‪{(21‬‬ ‫ت ل َِق موْم ٍ ي َت ََفك ّمُرو َ‬ ‫ك لي َمما ٍ‬‫ن فِممي ذ َل ِم َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫مم ً‬‫ح َ‬‫م موَد ّةً وََر ْ‬
‫م َ‬ ‫ب َي ْن َك ُم ْ‬
‫]سورة الروم ‪[30/21‬‬
‫وقد جعلها الله آية يتفكر فيها الناس ويتدبرون حكمتها ‪..‬‬
‫إنه هكذا فى الفطرة التى فطرها اللممه يخممرج الرجممل يكممدح فممى‬
‫خارج البيت ‪ ،‬ثم يعممود فيجممد السممكن والسممكينة والراحممة الجسممدية‬
‫والعصبية والنفسية التى تمحو عنه آثار الكدح ‪ ،‬وتعممده فممى الصممباح‬
‫لكدح جديد ‪..‬‬
‫ويجئ الطفممال فيجممدون أممما ترعمماهم بحنانهمما الفطممرى وجهممدها‬
‫الدؤوب الذى يتسع لمطممالبهم المتغيممرة المتجممددة الممتى ل تكممف ‪..‬‬
‫ويتعلمممون فممى حضممنها معنممى الحممب ‪ ،‬تتغممذى بممه أرواحهممم الغضممة‬
‫فيوازن فممى نفوسممهم – فيممما بعممد – مشمماعر الصممراع الممتى يثيرهمما‬
‫الكدح لشباع النوازع والرغبات ‪..‬و يجدون أبمما يحيممط هممذه السممرة‬
‫كلهمما برعممايته وحيممه وتمموجيهه وقيممادته ‪ ،‬فيتعلمممون تحممت قيممادته‬
‫النضباط والستقامة على المنهج ‪ ،‬كممما يتعلممون ممن البموين معما‬
‫معنى التعاون والتراحم والمودة ‪ ،‬وكل المعانى " النسممانية " الممتى‬
‫تصنع ذلك " النسان " ‪.‬‬
‫ولكن الفطرة – بصورتها تلك – هى العممدو الكممبر للممذين يسممعون‬
‫فسادا فى الرض ‪:‬‬
‫ن ِفمي ال َ‬
‫ن )‪{(64‬‬ ‫دي َ‬ ‫سم ِ‬
‫مْف ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حم ّ‬‫ه ل يُ ِ‬‫سمادا ً َوالّلم ُ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫سمعَوْ َ‬ ‫}وَي َ ْ‬
‫]سورة المائدة ‪[5/64‬‬
‫إنها هى التى تسد فممى وجمموههم الثغممرات بممما تحكممم مممن إقامممة‬
‫السممدود والحممواجز أمممام الشمميطان ‪ ،‬بقممدر ممما تركممز فممى نفمموس‬
‫الطفال من الدين والخلق والتقاليد المستمدة من مبادئ الدين ‪..‬‬
‫أفل يكون تحطيم السرة إذن فرحا عظيما للشياطين ؟‬
‫وكان إخراج المرأة للعمل هو المعول الكبر لتحطيم السرة وإن‬
‫لم يكن هو المعول الوحيد ‪.‬‬
‫فبادئ ذى بدء فقد البيت سكنه وسممكينته وأصممبح كممما قممال " ول‬
‫ديورانت " بحق أشبه بالفندق الذى يأوى إليممه المكممدودون ليقضمموا‬
‫فيه فترة الليل ثم ينطلقون منه فى الصباح كل إلى طريق ‪.‬‬
‫وفقممد الطفممال الم ‪ ..‬الم المتخصصممة لرعممايتهم الممتى يجممدون‬
‫عندها الحنان الفطرى والرعاية اللزمممة ‪ ،‬فحيممن تعممود الم العاملممة‬
‫مكدودة كما يعود الرجل ‪ ،‬فإنها ل تجد فى نفسها ول أعصابها فضلة‬
‫تمنحها للبيت ‪ ،‬ل لزوج ول للطفال ‪.‬‬
‫وعبثا تحاول الجاهلية – أو يحمماول الشممياطين –أن يقولمموا إن الم‬
‫الصناعية فى المحضن تغنى عن الم الحقيقة فى الممبيت ‪ ،‬فممالواقع‬
‫هو الذى يكذب الدعاوى الكاذبة كلها ويفندها " ‪. " 1‬‬
‫ولم يكن غياب الم عممن الممبيت هممو العامممل الوحيممد فممى تحطيممم‬
‫السرة وتشريد الطفال ‪ ..‬فهناك عنصممر آخممر ل يقممل خطممورة هممو‬
‫غياب " سيطرة الب " ‪.‬‬
‫َ‬
‫ذي أعْ َ‬
‫طى ُ‬
‫كمم ّ‬
‫ل‬ ‫إن وجود " القوامة " فى البيت أمر قرره الله }ال ّ ِ‬
‫دى )‪] {(50‬سورة طمه ‪ [20/50‬والممذى أودع فممى‬ ‫م هَ َ‬ ‫خل َْق ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫الفطرة البشرية سماتها ونوازعها وهو العليم الخبير ‪ ،‬الذى يعم ممما‬
‫يصلح لهذه الفطرة وما يصلحها ‪.‬‬
‫ومن توفيقمماته – سممبحانه – أن أوجممد فممى نفممس الرجممل السمموى‬
‫القدرة على القوامة والرغبممة إليهمما ‪ ،‬كممما أوجممد فممى نفممس المممرأة‬
‫السوية الرغبة فى قوامة الرجل والطمئنان إليها ‪:‬‬
‫ت{ ]سورة الملك ‪[67/3‬‬ ‫ن ت ََفاوُ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬
‫م ِ‬‫ح َ‬
‫ق الّر ْ‬
‫خل ِ‬ ‫} َ‬
‫ولكن الشياطين أرادوا أن يلغوا هذا كله ‪ ،‬لن وجمموده علممى هممذه‬
‫الصورة " مفسد " لمخططاتهم ‪ ،‬وعائق ضخم فممى سممبيل الفسمماد‬
‫الممذى يسممعون إليممه ‪ .‬لممذلك قممال " علممماؤهم " إنممه ليسممت هنمماك‬
‫فطرة ! وإن قوامممة الرجممل ليسممت أصممل مممن الصممول الثابتممة فممى‬
‫الحياة البشرية ‪ .‬إنما هممى انعكمماس لوضممع اقتصممادى معيممن ‪ ،‬يتغيممر‬
‫ويتبدل حين يتغير الطور القتصادى ويدخل الناس فى طور جديد ‪.‬‬
‫" " اقرأ بشأن أطفال المحاضن كتاب " أنا فرويد " " أطفال بل أسر " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وجاءت بقية العصابة – بكل وسائل العلم التى تملكها – فنفخت‬
‫‪ ،‬وبدعوى المسمماواة‬ ‫فى المرأة روح التمرد على القوامة‬
‫الكاملة فممى لممك شممئ ‪ ..‬فهممى تقبممل الرجممل " زميل " و" صممديقا "‬
‫تمنحه جسدها ويعطيها الشباع الجنسى ‪ .‬ولكنهمما ل تقبلممه قيممما ف‬
‫البيت ول فى المجتمع ول فى شأن من شؤون الحياة !‬
‫ومن ثم لم يعد الرجل فى السممرة ذلممك السمملطان ‪ ،‬إنممما أصممبح‬
‫السلطان إما للمرأة التى تريممد أن تثبممت شخصمميتها ‪ ،‬وإممما منازعممة‬
‫دائمة بين الرجل والمرأة فممى الممبيت ‪ ،‬كممل يريممد أن يثبممت أنممه هممو‬
‫صمماحب السمملطان ! وكل الحممالين مفسممد لممترابط السممرة ومفسممد‬
‫للطفال ‪.‬‬
‫وأخيممرا جممدا اعممترفت المممؤتمرات الممتى تنعقممد لدراسممة مشممكلة‬
‫الطفال الجانحين ويشممترك فيهمما علممماء مممن كممل نمموع ‪ ،‬فممى علممم‬
‫النفس وعلم الجتماع وعلم لجريمة والقانون ‪ ..‬الخ ‪ ،‬اعممترفوا بممأن‬
‫غياب سلطة الب فى البيت والمجتمع سبب من السباب الرئيسية‬
‫فى تشرد لطفال من ناحية ‪ ،‬وزيممادة نسممبة الشممذوذ الجنسممى مممن‬
‫ناحية أخرى !!‬
‫ومع ذلك فليس عمل المممرأة ول الشممقاق الممدائم فممى الممبيت ول‬
‫غياب سلطة الب هى السباب الوحيدة لتحطيم السرة !‬
‫فهى – قبل ذلك – محاربة الميل الفطرى إلى تكوين السرة مممن‬
‫منبعه !‬
‫ألممم يقممل عممالهم دوركممايم ‪ :‬كممان المظنممون أن الممدين والممزواج‬
‫والسرة هى أشياء من الفطرة ولكن التاريخ يوقفنمما علممى أن هممذه‬
‫النزعات ليست فطرية فى النسان ؟!‬
‫ثم جاءت بقية العصابة فوضممعت كممما قممال " ول ديممورانت " كممل‬
‫المعوقات فى طريق الزواج وكل المرغبات ف الباحية الجنسية ‪.‬‬
‫ولقد كانت " الصداقة " بيممن الرجممل والمممرأة هممى الداة الكممبرى‬
‫فممى يممد العصممابة لتحويممل الفطممرة عممن مسممارها ‪ ..‬فففممى تلممك "‬
‫الصداقة " يجد الرجل المنحرف الفطممرة والمممرأة المنحرفممة مكممل‬
‫مطالبها !‬
‫يجد الرجل – المنحرف – متعة الجنممس بل تكمماليف ‪ .‬ل التكمماليف‬
‫النفسية ول العصبية ول المادية ‪ ..‬فهو يقضى رغبته بل معقبات ‪ ..‬ل‬
‫زوجة يتحمل تبعتها ونفقاتها ‪ ،‬ول بيت مؤثث بممما يناسممب السممرة ‪،‬‬
‫ول أطفال يحتاجون إلى الرعاية وتتزايد مطالبهم على الممدوام ‪ ،‬ول‬
‫التزام كذلك أن " يخلص " لرباط الزوجية ل يتعداه !‬
‫وتجد المرأة – المنحرفة – كممذلك متعممة الجنممس بل تكمماليف ‪ ،‬ول‬
‫حمل يرهقها ويفسد " رشاقتها " ول رضاعة ول رعاية أطفممال ‪ ،‬ول‬
‫مسئولية إدارة بيت متعدد التبعات ‪ ،‬وتجد بالضافة إلى ذلك " زميل‬
‫" ل يطالبها بشئ ‪ ..‬فل هو يطلممب القوامممة عليهمما ‪ ،‬ول هممى مكلفممة‬
‫تجاهه بالخضوع لتلك القوامة التى أصبحت تبغضها نفسها ول تحممب‬
‫أن تدخل فيهمما ‪ ..‬ول هممى كممذلك مكلفممة بممأن تكممون لممه وحممده كممما‬
‫تقتضى شرعة الزواج ! " ‪. "1‬‬
‫فإذا كانت المور كذلك فلماذا السرة " ووجع الدماغ " ؟!‬
‫فأما إن حدث الزواج بعد ذلك كله ‪ ..‬فهناك البيت المفكك وهناك‬
‫نسبة الطلق المتزايدة " ‪ "2‬وهناك تشرد الطفال !‬
‫وأما عممن القلممق النفسممى والعصممبى فتلممك تقمماريرهم تغنممى عممن‬
‫الحديث ‪ ..‬يصيب الجنممون مممن أفممراد الشممعب المريكممى أكممثر مممن‬
‫المصابين بأى مرض آخر من المراض الفتاكة ‪ ..‬والعيادات النفسية‬
‫منتشرة فى غرب أوروبا وأمريكا بدرجة ملحوظة ‪ ،‬ومن " الروتيممن‬
‫" المعتاد فى الحياة الغربية أن يذهب النسان إلى العيادة النفسممية‬
‫مرة على القل كل شهر إن لم يكن مرة كل أسبوع لمعالجة القلق‬
‫النفسى والضطرابات العصبية ! " ‪. " 3‬‬
‫وحوادث النتحار كثيرة كثرة تلفت النظر ‪.‬‬
‫والدمان على الخمر والمخدرات فممى زيممادة مسممتمرة رغممم كممل‬
‫المحاولت التى تبذل للحد من الدمان ‪ .‬والدللة واضحة ول شممك ‪،‬‬
‫فلو أن الحياة سعيدة ومستقرة ما كممان هنمماك دافممع للهممروب منهمما‬
‫بالخمر والمخدر ‪ .‬إنما يلجأ إلى هذه " المغيبات " من يريممد أن يفممر‬
‫من واقع مر ل يستطيع مواجهته ول يستطيع تغييممره ‪ ،‬فيهممرب منممه‬
‫فى خيالت مفتعلة تنسيه مرارته لحظات ‪ ..‬ثم يعود أسوأ مما كممان‬
‫فيهرب من جديد !‬
‫والجريمة – بجميع أنواعها – فى تزايد مستمر ‪ .‬ووجممود الجريمممة‬
‫ذاته له دلله ‪ ،‬فإذا زادت حتى أصممبحت أصممل مممن أصممول المجتمممع‬
‫بحيث ل يأمن الناس على أنفسممهم أن تقممع عليهممم فممى ايممة لحظممة‬
‫جريمة خطف أو سرقة أو قتل أو اغتصمماب ‪ ،‬ويحتمماجون دائممما إلممى‬
‫إجراءات غير عادية لوقايتهم من الجريمممة ‪ ..‬فإنهمما تعنممى عنممدئذ أن‬
‫" " الواقع أن الخلص للزوجية لم يعد له وجود من الطرفين ! ولم يعد الزوج ول الزوجة يجدان حرجا فممى " التغييممر‬ ‫‪1‬‬

‫" بين الحين والحين ‪ ،‬ويتم ذلك يمقتضى " دستور " غير مكتوب عنوانه " متممع نفسممك ط أو " متعممى نفسممك " ‪Enjoy‬‬
‫‪. " Yourself‬‬
‫" " بلغت نسبة الطلق فى بعض الوليات المريكية ‪ %40‬من عممدد المممتزوجين وهممذا غيممر حممالت الهممرب مممن بيممت‬ ‫‪2‬‬

‫الزوجية وحالت الخيانة مع استمرار الزواج الصورى !‬


‫" " أشرنا من قبل إلى أن القائمين على العيادات النفسية معظمهم مممن اليهممود ‪ ،‬وهمم يعممالجون المممراض النفسممية‬ ‫‪3‬‬

‫بمزيد من الخلل فى النفوس ومزيد من الباحية الجنسية !‬


‫الروابط " النسانية " منحلة فى هذا المجتمع ‪ ،‬وأنه مجتمممع مفكممك‬
‫فى حقيقته ‪ ،‬مهما وضع مممن الروابممط السممطحية المصممطنعة علممى‬
‫واجهته الخارجية !‬
‫وجرائم الحداث أمر أسمموأ دللممة واشممد خطممورة ‪ ..‬وقممد صممارت‬
‫مشكلة الحداث الجانحين مشغلة دائمة للمجتمع الغربى ‪ .‬تجمع لها‬
‫المؤتمرات كل عام ‪ ..‬ثم تتزايد كل عام ‪.‬‬
‫إنهم الطفال المشردون الذين تركتهم أمهاتهم مممن أجممل العمممل‬
‫فى المكاتب والمصانع والمتاجر ‪ ،‬وللهو والعبث فى الليل ‪ ،‬والممذين‬
‫فقدوا توجيه الب الحازم لن الب ذاته قد فقد كيممانه فممى معركتممه‬
‫مع " المرأة المتحررة " ‪ ،‬والذين علمتهم السينما والتليفزيون كيف‬
‫يصبحون مجرمين !‬
‫وهذا كله غيممر ألمموان الميوعممة والتفاهممة الممتى يعيشممها الشممباب ‪،‬‬
‫الممذى كممل همممه أن يكسممب النقممود فممى النهممار لينفقهمما فممى اللهممو‬
‫والمجون فى الليل ‪ ،‬وغير ألوان " الجنون " العامممة الممتى اسممتولت‬
‫على حياة المميين ‪ :‬جنون السممينما ‪ ،‬وجنممون التليفزيممون ‪ ،‬وجنممون‬
‫الكرة ‪ ،‬وجنون الجنس ‪ ،‬وجنون " المودة " وجنون العرى ‪ ،‬وجنممون‬
‫السرعة ‪ ،‬وجنون التقاليع …‪ .‬الخ ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كيف استطاع اليهود أن يحدثوا هذا الشر كله فى الرض ؟!‬


‫إنهم – فى الواقع – لم يكتفوا بإفساد أوروبا وإنما هم فقط بممدأوا‬
‫جولتهم من هناك ‪ ..‬ولكن هدفهم لممم يكممن مقصممورا علممى أوروبمما ‪،‬‬
‫ونشاطهم الشرير لم يقتصر على الغرب ن إنما هم نشروا الفسمماد‬
‫فى الرض كلها عن طريق أوروبا – بعد إفسادها !‬
‫ففممى خلل القممرون الثلثممة الخيممرة كممانت القمموة السياسممية‬
‫والعسكرية والعلمية والماديممة لوروبمما فممى تزايممد مسممتمر ‪ ،‬وكممانت‬
‫أوروبا تغلب بقوتهمما علممى العممالم كلممه ن والعممالم السمملمى بصممفة‬
‫خاصة ‪ ،‬ومممن خلل غلبممة أوروبمما علممى الرض كلهمما ‪ ،‬وعلممى العممالم‬
‫السلمى ‪ ،‬نشر اليهود سمومهم فشملت " المميين " جميعمما _ إل‬
‫من رحم ربك – وأدخلتهم فى المخطط الشرير الذى يحدد التلمممود‬
‫هدفه ووسائله ‪:‬‬
‫" المميون هم الحميممر الممذين خلقهممم اللممه ليركبهممم شممعب اللممه‬
‫المختار "‬
‫فكيف استطاع اليهود أن يحدثوا هذا الشر كله فى الرض ؟!‬
‫هل هم أولئك " الجبابرة " الذين يصورهم وليم كممار فممى كتمماب "‬
‫الحجار " ؟!‬
‫هل هم أولئك العباقرة – كما يصورون أنفسممهم – الممذين ل يقممف‬
‫أمام عبقريتهم شئ ول يحول دونهم حاجز؟!‬
‫هل هممم أولئك المخططممون العتمماة الممذين يخططممون للممف عممام‬
‫ولمائة عام ولكل يوم من اليممام ‪ ،‬كممما يتصممورهم المهزومممون مممن‬
‫الممييممن الممذين يقممرأون أمثممال " الممبروتوكولت " و" أحجممار علممى‬
‫رقعة الشطرنج " وغيرها من الكتممب لممتى كممان يخفيهمما اليهممود عممن‬
‫العيون فيما مضى – قبل أن تنضممج اللعبممة وتسممتوتى –وصمماروا هممم‬
‫اليمموم الممذن ينشممرونها علممى نطمماق واسممع ليرعبمموا بهمما الممييممن‬
‫ويوهموهم أنهم يقولون للشممئ كممن فيكممون ‪ ..‬يقرأونهمما وهممم بغيممر‬
‫رصيد من عقيدة تحميهم أو قوة تدفع عنهممم ‪ ،‬فيقولممون لنفسممهم ‪:‬‬
‫وماذا نصنع نحن أمام هذا المكر الماكر والتدبير الخبيث ؟!‬
‫كل ! ليس اليهود شيئا من ذلك كله ! ل هممم أولئك الجبممابرة ‪ ،‬ول‬
‫هم أولئك العباقرة ‪ ،‬ول هم أولئك المخططون العتاة !‬
‫ولقد خططوا ودبروا وحاولوا خلل ألف عام أو أكممثر فلممم يصمملوا‬
‫إلىش ئ مما يريردون ‪ ..‬إنما الذى جعلهم يقدرون فىالقرون الثلثممة‬
‫الخيرة هو المميون أنفسهم ‪ ،‬بما أتاحوا من ثغرات ينفذون منهمما ‪،‬‬
‫وما أتاحوا لهم من فرص للفساد ‪.‬‬
‫اليهود ل ينشئون الحداث ولكنهم يجيدون استغلل الحداث ‪.‬‬
‫وأحوال المميين فى القرون الثلثة أو الربعة الخيممرة هممى الممتى‬
‫مكنت لليهود كل هذا التمكين ‪..‬‬
‫يقول الله تعالى عن اليهود فى كتابه الكريم ‪:‬‬
‫}ضربت عَل َيهم الذ ّل ّ ُ َ‬
‫ن‬
‫مم ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن الل ّمهِ وَ َ‬
‫حب ْم ٍ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫حب ْ ٍ‬‫قُفوا إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ما ث ُ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ُ َِ ْ‬
‫س{ ]سورة آل ‪[3/112‬‬ ‫الّنا ِ‬
‫فالقاعدة الدائمة بالنسبة لهم هى الذلة المضروبة عليهم ‪:‬‬
‫سمموءَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫}وإذ ْ تأ َ‬
‫م ُ‬ ‫مه ُ ْ‬‫سو ُ‬‫ن يَ ُ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ْ ِ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َِ َ‬
‫ب{ ]سورة العراف ‪[7/167‬‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫والستثناء هو التمكين ‪.‬‬
‫وهم اليوم فى قمة الستثناء ‪ ..‬بحبل من الله وحبل من الناس ‪.‬‬
‫فأما الحبل من الله فهو مشيئته سبحانه ‪ ،‬التى يجممرى بمقتضمماها‬
‫كل ما يجرى من أمور هذا الكون ‪ ..‬فلو شاء الله لليهود أن يتمكنوا‬
‫اليوم مممن رقمماب الممييممن ممما تمكنمموا ‪ ،‬ولكنممه شمماء ذلممك سممبحانه‬
‫لحكمة ربما استطعنا فهمها إذا تدبرنا كتممابه المنممزل ‪ ،‬الممذى يحمموى‬
‫تفسير مجريات المور كلها فى الحيمماة البشممرية ماضمميها وحاضممرها‬
‫ومستقبلها ‪.‬‬
‫وأما الحبل من الناس فهذا الذى ينبغممى أن تتممدبره جيممدا لنعممرف‬
‫الحجم الحقيقى للقوة الموهومة " لشعب الله المختار "‪.‬‬
‫قلنا فممى التمهيممد الول إن الكنيسممة الوروبيممة أفسممدت فحمموى "‬
‫الدين " بالنسبة لوروبمما ‪ ،‬فشمموهت العقيممدة أول ‪ ،‬وفصممل العقيممدة‬
‫عن الشريعة ثانيمما ‪ ،‬وقممدمت الممدين عقيممدة خلمموا مممن الشممريعة إل‬
‫القليل ‪ ،‬فضل عما اقترفت الكنيسة من الخطايا الممتى تنفممر النمماس‬
‫من الدين ‪.‬‬
‫وينبغمى أن نمدرك جيمدا أن همذه همى نقطمة البمدء ‪،‬النمى أتماحت‬
‫لليهود أن يفعلوا كل ما فعلوه ‪ ،‬وإن كمان ذلمك قممد اسممتغرق عممدوة‬
‫قرون !‬
‫فيجممب أن نلحممظ أول أن اليهممود لممم يبممدأوا بالعمممل فممى العممالم‬
‫السلمى إنما فى العالم المسيحى ‪ .‬وهذا المممر لممه دللتممه الممتى ل‬
‫يجوز إغفالها ‪ ،‬فقد حاربوا افسلم حربا شعواء فممى زمممن الرسممول‬
‫صلى الله عليه وسلم وحاولوا – بكل " عبقريتهم " الشممريرة وبكممل‬
‫" جبروتهم " وبكل " تخطيطهم " وتدبيرهم وبكل مكرهممم ودهممائهم‬
‫– أن يقضوا على هذه العقيدة وعلى الدولة التى انبثقت عنهمما فلممم‬
‫يستطيعوا ‪ ،‬ورد الله كيدهم فى نحورهم ‪،‬وقال جل شممأنه فممى هممذا‬
‫الصدد ‪:‬‬
‫ظ‬
‫ن الغَْيمم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ََنا ِ‬‫ضوا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬ ‫ذا ل َُقوك ُ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫دورِ )‪ (119‬إ ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫صمب ُِروا وَت َت ُّقمموا ل‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حمموا ب ِهَمما وَإ ِ ْ‬ ‫ة ي َْفَر ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬‫م َ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ط )‪] {(120‬سممورة آل‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪[120-3/119‬‬
‫وقال فى شأنهم وشا‪ ،‬غيرهم جميعا ‪:‬‬
‫َ‬ ‫}ال ْيو َ‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬‫ضمي ُ‬ ‫مِتمي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫كم ْ‬ ‫ت عَل َي ْ ُ‬ ‫مم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينًا{ ]سورة المائدة ‪[5/3‬‬ ‫سل َ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫وظممل كيممدهم ضممد السمملم خلل قممرون طويلممة محصممورا فممى‬
‫استحداث فرق باطنية تتظاهر بالسلم وهى بعيدة كل البعممد عنممه ‪،‬‬
‫ولكن هذه الفرق لم تخدع المسلمين ‪ ،‬ولم تستطع الحيمماة بينهممم ‪،‬‬
‫وظلت منبمموذة مبعممدة ل تممؤثر فممى جسممم المممة المسمملمة ول فممى‬
‫عقائدها ول فى خط سيرها ‪ ،‬وظلت الشريعة السلمية مطبقة فى‬
‫الرض السلمية ما يزيد على اثنى عشر قرنا من الزمان !‬
‫أما فى أوروبا المسيحية فقد كممان الوضممع مخلخل مليئا بممالثغرات‬
‫التى يستطيع اليهود أن ينفذوا منها ويفسمدوا ممن خللهما ‪ .‬والثغمرة‬
‫الكبرى كما أسلفنا كانت تحريف الدين وتشويهه على يد الكنية ‪.‬‬
‫إنه حين يكون للمة دين حقيقى ‪ ،‬معمول بممه فممى واقممع الرض ‪،‬‬
‫فإن اليهود – بكل قدرتهم علممى البشممر – ل يسممتطيعون أن يصممنعوا‬
‫شيئا ضد هذه المة مهما حاولوا ‪ ،‬وإن قمماموا بممأنواع مممن " الذى "‬
‫بين الحين والحين ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صممُرو َ‬ ‫م الد َْباَر ث ُ ّ‬
‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫م ي ُوَّلوك ُ ْ‬
‫ن ي َُقات ُِلوك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ أًذى وَإ ِ ْ‬ ‫ضّروك ُ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫}ل َ ْ‬
‫)‪] {(111‬سورة آل ‪[3/111‬‬
‫أى لن يضروكم فى عقيدتكم ‪ ،‬ولن يممؤثروا فممى دينكممم ‪ ،‬ول فممى‬
‫قيام حياتكم على مقتضى هذا الدين ‪ .‬إنما يؤذونكم فقممط بممأى نمموع‬
‫من اليذاء ‪ ،‬وفرق بين أن يؤذوا أشخاصكم وبيممن أن يضممروا دينكممم‬
‫أى مقومات حياتكم ‪ .‬فإن القتال نمموع مممن اليممذاء ‪ .‬والسممباب نمموع‬
‫من اليذاء ‪ .‬وتأليب العداء نوع من اليذاء ‪ .‬والعممدوان علممى بعممض‬
‫الفراد نوع من اليذاء ‪ .‬ولكن تبقى المة سليمة ما بقى لها دينهمما ‪،‬‬
‫أى المنهج الذى تقوم حياتها عليه وتستقيم ‪.‬‬
‫أما فى أوروبا حيث لم يكن هنالممك ديممن حقيقممى ‪ ،‬فقممد اسممتطاع‬
‫اليهود أن يضممروا – ل باليممذاء فقممط – ولكممن بتغييممر قواعممد الحيمماة‬
‫كلها ‪ ،‬بل بمسخ الفطرة البشرية ذاتها ‪ ،‬وتحويل النمماس إلممى دواب‬
‫يركبهم الشعب الشرير ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن اليهود لم يتقدموا للعمل الجاد فى إفساد أوروبا إل‬
‫حين بدأت أوروبا تتخلى عن كل القيم المستمدة من الدين ‪.‬‬
‫لقد كان الدين مشوها نعم ‪ ،‬وليس هو الدين المنزل من عند الله‬
‫‪ .‬ولكنه كان يحمل شيئا من آثار الدين السماوى ‪.‬‬
‫ممما‬ ‫حظ ّما ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫سمموا َ‬ ‫م فَن َ ُ‬ ‫ميث َمماقَهُ ْ‬
‫خمذ َْنا ِ‬ ‫صمماَرى أ َ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِن ّمما ن َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫}وَ ِ‬
‫ه{ ]سورة المائدة ‪[5/14‬‬ ‫ذ ُك ُّروا ب ِ ِ‬
‫نسوا حظا ولكنهم لم ينسوه كله ‪ .‬وهذا الجممزء البمماقى الممذى لممم‬
‫يكونوا قد نسوه هو الذى حال بين اليهود وبين أن يعيثوا فسادا فممى‬
‫أوروبا بضعة قرون ‪.‬‬
‫وكانت هناك الخلق ‪ ،‬كانت هناك السرة المتينممة الربمماط ‪ ،‬كممان‬
‫هناك النفممور مممن الفاحشممة والحيمماء النثمموى الفطممرى اللئق بممأنثى‬
‫النسان والممذى يميزهمما عممن إنمماث الحيمموان ‪ .‬وكممان هنمماك الحفمماظ‬
‫الشديد على العفة وصيانة العرض ‪ ،‬وكان هنمماك تحريممم الربمما فيممما‬
‫بين المسيحيين بعضهم وبعممض ‪ ،‬إل مممن وقممع فممى قبضممة المرابيممن‬
‫اليهود ‪ ،‬وكان هنمماك الزهممد فممى متمماع الحيمماة والممدنيا والتطلممع إلممى‬
‫الخرة ‪ ..‬وكان ‪ ..‬وكان ‪..‬‬
‫ذلك كله حظ من دين الله المنزل لم يكن قد نسى فى " القرون‬
‫الوسطى المظلمة " فممى أوروبمما ‪ .‬ورغممم أنممه ل ينفممع عنممد اللممه ول‬
‫يشفع لهم يوم القيامة لن الله ل يرضى بتجمزئة دينمه أجمزاء يمؤمن‬
‫الناس ببعضها ويكفرون ببعضها الخر على هواهم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ن ي َْفعَم ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫جمَزاُء َ‬ ‫ممما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ب وَت َك ُْفُرو َ‬
‫ن ب ِب َعْم‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬‫ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ‬
‫مُنو َ‬‫}أفَت ُؤْ ِ‬
‫شمد ّ‬ ‫ن إ َِلمى أ َ َ‬‫دو َ‬ ‫مةِ ي ُمَر ّ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ب{ ]سورة البقرة ‪[2/85‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫رغم ذلك فإنه – بالنسبة لليهود – كان حمماجزا منعهممم مممن القيممام‬
‫بنشاطهم المفسد على نطاق واسع عدة قرون ‪.‬‬
‫فلممما أمعنممت الكنيسممة فممى الفسمماد والفسمماد ‪ ..‬لممما طغممت كممل‬
‫طغيانها الذى تحدثنا عنه ‪ ،‬وحاربت العلم ‪ ،‬وحاربت حركات الصلح‬
‫‪ ،‬ووقفت مع الطغاة ضد المظلومين ‪ ..‬وحين فسممدت أخلق الممدين‬
‫فصاروا – بوضعهم ذلك – يصدون عن سبيل الله ‪.‬‬
‫}إن ك َِثيرا ً من ال َحبار والرهْبممان ل َي مأ ْك ُُلو َ‬
‫ل‬ ‫س ِبال َْباط ِم ِ‬ ‫ل الن ّمما ِ‬ ‫وا َ‬ ‫مم َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫ه{ ]سورة التوبة ‪[9/34‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫حين حدث ذلك كله أخممذ النمماس فممى أوروبمما ينفممرون مممن الممدين‬
‫وينسلخون منه ‪ ،‬ل يفرقون بين ما قدمته لهم الكنيسة من الباطيل‬
‫وما أنزله الله من الحق ‪ ..‬ول يسعون فى الوقت ذاتممه إلممى اعتنمماق‬
‫الدين الصحيح ‪ ..‬عندئذ وجدت الفرصة التى يترقبهمما اليهممود ليعيثمموا‬
‫فسادا فمى الرض ‪،‬وبمدأوا ينشمطون نشمماطهم الشمرير المذى ظممل‬
‫يتصاعد من القرن الثامن عشر – على القل – إلى القرن العشرين‬
‫‪.‬‬
‫مخطط اليهود – كما جاء فى التلمود – أن يسممتحمروا المممييممن‬
‫ليركبمموهم ويسممخروهم لمصممالحهم ‪ ،‬فهممل اسممتطاعوا – قممط – أن‬
‫يستحمروا وهم آدميون ‪ ،‬أى لهم دين يلوذون به من كيممد الشمميطان‬
‫أو حتى آثار من الدين ؟‬
‫كل ! إنما الذى حدث بالضبط أن المميين فى أوروبا – بابتعممادهم‬
‫عن الدين وانسخلهم منه – هم الذين استحمروا أنفسممهم للشممعب‬
‫الشيطانى ودعوه أن يركب فوق ظهورهم ليوجههم كيف يشاء !‬
‫ولنتتبع أحوال أوروبا خطوة خطوة لنرى من أين نفذ اليهود ‪.‬‬
‫لو بقيت أوروبا على ببقايا دينها ‪ ،‬ول نقول اعتنقت الدين الصحيح‬
‫الذى حاربته تلك الحرب المتعصبة الحمقمماء ‪ ،‬فمممن أيممن كممان ينفممذ‬
‫اليهود ؟‬
‫لممو بقيممت السممرة مترابطممة متماسممكة تقمموم علممى عفممة المممرأة‬
‫وقوامة الرجل على اللبيت فمن أين كان ينفذ اليهود ؟‬
‫لو بقى عامة الناس غيممر مفتممونين بالحيمماة نمماظرين إلممى الخممرة‬
‫فمن أين كان ينفذ اليهود ؟‬
‫لو قام العلم على غير عداء وصمراع ممع المدين ‪ ،‬فممن أيمن كمان‬
‫ينفذ اليهود ؟‬
‫لو بقى الناس يحرمون التعامل بالربا ويرفضون أن تقوم حيمماتهم‬
‫عليه ‪ ،‬فمن أين كان ينفذ اليهود ؟‬
‫ثم ‪..‬‬
‫حين قامت الصناعة بعد اختراع اللة ‪..‬‬
‫لو كانت هناك دولة تحكم بما أنزل الله وتطبق منهجه فى الحياة‬
‫‪ ،‬وترفض أكل مال الجير وتحممرص علممى تمموفيته حقممه ‪ ،‬وحقممه هممو‬
‫الذى يكفيه للحياة الكريمة هو وأسرته ‪ ..‬فمن أين كان ينفذ اليهممود‬
‫بنشر البغاء " الشعبى " والدفاع عنه ‪ ،‬وتولية الدولممة حارسممة عليممه‬
‫وراعية له ! وقد فعلوا ذلك كله استغلل لوجود الشباب الفمماره مممن‬
‫العمال بل أسر فى المدينة ؟!‬
‫لو كانت هناك دولة تحكم بما أنزل الله ‪ ،‬وتقيم لكممل امممرأة كفيل‬
‫يكفلها من ذوى قرباها ‪ ،‬أو من بيت المال حين تفقممد كممل الكفلء ‪،‬‬
‫فمن أين كان ينفذ اليهود الذى نفذوا من خلل اضطرار المرأة إلممى‬
‫الهجرة من الريف والعمل فى المدينممة ‪ ،‬واضممطرارها إلممى التخلممى‬
‫عن عرضها فى كثير من الحيان ؟‬
‫وحتى حين اضطرت المرأة للعمل ‪..‬‬
‫لو كانت هناك دولة تحكم بمما أنمزل اللمه ولمم تبمح تلمك التفرقمة‬
‫الظالمة فى الجر بين الرجل والمممرأة الممتى تقمموم بنفممس العمممل ‪،‬‬
‫فمن أين كان ينفذ اليهود الذين لعبوا لعبتهم الكبرى بقضممية المممرأة‬
‫ودمروا بها المجتمع البشرى كله ؟‬
‫لو كانت المرأة غير مضمطهدة ول محتقمرة ول مهينمة ول منبموذة‬
‫فمن أين كان ينفذ اليهود الذين استغلوا هذا الواقممع السممئ لينفخمموا‬
‫فى قضية المرأة ويمدوها إلمى البعماد المتى وصملت إليهما فمى كمل‬
‫اتجاه ؟ ‪..‬‬
‫و كانت المرأة تنال حقها مممن التعليممم ‪ ،‬علممى الصممول الصممحيحة‬
‫التى ل تفسد أنوثممة المممرأة ‪ ،‬ول تبعممدها عممن وظيفتهمما ‪ ،‬ومممع ذلممك‬
‫تعلمها وتثقفها وتجعل منها إنسانة فاضلة متنممورة ‪ ،‬فمممن أيممن كممان‬
‫ينفذ اليهود الذين لعبوا بقضممية تعليممم المممرأة وأفسممدوا بهمما المممرأة‬
‫والرجل كليهما إلى أبعد حدود الفساد من أول الختلط إلى إباحيممة‬
‫الجنس إلى تحطيم السرة وتشريد الطفال ‪..‬؟‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬
‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫م من الس مماِء وال َ‬ ‫َوال َْرض ل َ‬
‫ن ك َمذ ُّبوا‬ ‫ض وَل َك ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫ما‬
‫م‬‫م ب ََرك َ‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫حن َمما عَل َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(96‬سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫بو‬ ‫س‬
‫ُ َ ِ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫خذ َْنا ُ ْ ِ َ‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫فَأ َ‬
‫سممي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫وا ل َك َّفْرَنمما عَن ُْهمم ْ‬ ‫مُنمموا َوات َّقمم ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫ل ال ْك َِتمما ِ‬ ‫همم َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫}وََلمموْ أ ّ‬
‫خل ْناهُم جنات النِعيم )‪ (65‬ول َو أ َنه َ‬ ‫َ‬
‫ممما‬‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬
‫موا الت ّوْ ََراةَ َوا ِ‬ ‫م أَقا ُ‬ ‫َ ْ ُّ ْ‬ ‫ُوَلد ْ َ َ ْ َ ّ ِ ّ َ ِ‬
‫م{ ]سممورة‬ ‫جل ِهِ ْ‬ ‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م لك َُلوا ِ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫أنزِ َ‬
‫المائدة ‪[66-5/65‬‬
‫نعم ‪ ..‬لو أنهممم آمنمموا واتقمموا ممما اسممتطاع اليهممود أن يلعبمموا بهممم‬
‫ويستحمروهم لخدمة مصالحهم ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫" الناس " هم الذين أمممدوا اليهممود بالحبممل الممذى مكممن لهممم فممى‬
‫الرض فى الوقت الحاضر ‪..‬‬
‫السينما مؤسسة يهودية أقامها اليهود للفساد فى الرض ‪ ،‬فكممل‬
‫فتى أو فتاة أصممابه جنممون السممينما فهممو " حبممل مممن النمماس " يمممد‬
‫اليهود ‪ .‬يمدهم بالمممال الممذى يربحممونه مممن هممذه التجممارة النافقممة ‪،‬‬
‫ويمدهم بالفساد فى ذات نفسه فيتحقق لهم مخططهم الشرير ‪.‬‬
‫بيوت الزينمة والزيماء يهوديمة ‪ ..‬فكمل فتماة أصمابها جنمون الزينمة‬
‫وجنون " المودة " هممى " حبممل مممن النمماس " تمممد اليهممود ‪ ،‬تمممدهم‬
‫بالمال من ناحية – وصناعة أدوات الزينة من أربح الصممناعات علممى‬
‫الطلق – وتمممدهم بالفسمماد فممى ذات نفسممها وفممى الشممباب الممذى‬
‫تتولى فتنته بتبرجها فيحققان لهم مخططهم الشرير ‪.‬‬
‫جنون الجنس جنون أطلقه اليهود علممى البشممرية ‪ ،‬فكممل فممتى أو‬
‫فتاة أصابه جنون الجنس فهو " حبل من الناس " يمممدهم باسممتعباد‬
‫نفسممه للشممهوات الممتى تهبممط بممه عممن آدميتممه فيصممبح فممى متنمماول‬
‫مخططهم الشرير ‪.‬‬
‫جنون الكرة من أنواع الجنون التى أطلقها اليهود على البشممرية ‪.‬‬
‫فكل فتى أو " فتاة !" أصابه جنون الكرة فهو " حبل مممن النمماس "‬
‫يمد اليهود ‪ ،‬يمدهم بتفاهة اهتماماته وانصممرافه عممن معممالى المممور‬
‫إلى سفسافها " ‪ "1‬وانصرافه عن الهتمامات الجادة والنظممر فيممما‬
‫" " قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب معالى المور ويكره سفسافها " رواه الطبرانى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫يحيممط بممه مممن أحمموال ‪ ،‬فييسممر لليهممود أن يعبثمموا عبثهممم العممالمى‬
‫والولد )والبنات !( مشغولون بالفريق الذى أخفممق والفريممق الممذى‬
‫فاز !‬
‫الربا من أفتك أدوات اليهود وأفعلها فى التخريب ‪ .‬فكممل صمماحب‬
‫مال أودعه عند اليهود فى مصارفهم ومؤسساتهم فهممو " حبممل مممن‬
‫النمماس " يمممد اليهممود ‪ ،‬يمممدهم بأربمماح طائلممة يقمموون بهمما أنفسممهم‬
‫ويتحكمون بها فى اقتصاد العالم كله ‪ ،‬وبالخبال الذى يصمميب حيمماته‬
‫من الربا ‪:‬‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫طمم ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬‫م اّلمم ِ‬ ‫ممما ي َُقممو ُ‬‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬‫مممو َ‬ ‫ن الّرَبمما ل ي َُقو ُ‬ ‫ن َيممأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}اّلمم ِ‬
‫س{ ]سورة البقرة ‪[2/275‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫وهذا كله بصرف النظر عن المدد الذى يأتيهم مممن دول كأمريكمما‬
‫أو روسمميا ‪ ،‬فممإن اليممة ل تشممير إلممى دول بعينهمما ول إلممى " بعممض "‬
‫الناس " إنما تشير إلى " الناس " والحاصممل اليمموم أن المممدد يممأتى‬
‫من " جميع الناس " ‪ ..‬إل من رحم ربك !‬
‫" المميون " هم الذين استحمروا أنفسهم " لشعب الله المختممار‬
‫" وذلممك بتخليهممم عممن الوقايممة الطبيعيممة لتممى تحميهممم مممن كيممد‬
‫الشيطان ‪.‬‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫مُنوا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫س لَ ُ‬‫ه ل َي ْ َ‬ ‫}إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪{(100‬‬ ‫كو َ‬‫ش مرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِمهِ ُ‬
‫ن هُ م ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّوْن َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عََلى ال ّ ِ‬ ‫طان ُ ُ‬‫سل ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫]سورة النحل ‪[16/100‬‬
‫والكنيسة – بالنسبة لوروبا – هى المجرم الكبر الذى أتاح لليهود‬
‫أن يتلفوا أوروبا ويشيعوا فيها من ألوان الفساد ‪ :‬الفكرى والروحى‬
‫والخلقى والجتممماعى والقتصممادى والسياسممى ممما لممم يجتمممع بهممذا‬
‫الحجم وهذه الصورة فى التاريخ ‪ :‬مسخ كامممل للفطممرة البشممرية ‪،‬‬
‫ونكسة لم تنتكسها البشرية فى تاريخها كله ‪ ،‬رغممم كممل المكانيممات‬
‫المادية والعلمية المتاحة للبشممر ‪ ،‬والممتى كمانت حريممة فممى ترتفممع "‬
‫بالنسممان " إلممى الفمماق العليمما بعممد أن يفممرغ مممن قضمماء ضممروراته‬
‫الجسدية ‪ ،‬فإذا هى تغرقه فممى عممالم الضممرورة وتحبممس روحممه بممل‬
‫تطمسممها ‪ ،‬وتهبممط بالنسممان إلممى درك مممن الحيوانيممة يتعفممف عنممه‬
‫الحيوان ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكن هناك مسئولية أكبر فى الحقيقة تقع على المة المسلمة ‪.‬‬
‫هذه المممة الممتى أخرجهمما اللممه " للنمماس " لتكممون خيممر أمممة فممى‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ن عَم ْ‬ ‫ف وَت َن ْهَموْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِممال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫س ت َمأ ُ‬‫ت ِللن ّمما ِ‬ ‫ج ْ‬‫خرِ َ‬ ‫مة ٍ أ ْ‬‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫}ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وكلفها أن تكون شاهدة ورائدة لكل البشرية ‪:‬‬
‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫ن‬‫س وَي َك ُممو َ‬
‫داَء عَلممى الن ّمما ِ‬ ‫شه َ َ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا{ ]سورة البقرة ‪[2/143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫هذه المة أين ذهبت وأين مضى بها التيار ؟!‬
‫فى غير هذا الكتاب " ‪ " 1‬نتحدث عن خط النحراف الذى انحرف‬
‫بهذه المة عن خطها السوى وأنساها رسممالتها ‪ .‬ولكنمما نقممول هنمما –‬
‫بصدد تحديد مسئولية " المميين " عما أصابهم من الخبال على يممد‬
‫اليهود – إن المة السلمية لم تكلف – كممالمم المؤمنممة السممابقة –‬
‫أن تؤمن فى حدود نفسممها وتسممتقيم لممذات نفسممها فحسممب ‪ ،‬إنممما‬
‫كلفت – فوق الله – أن تهدى البشرية كلها إلى النور الربممانى ‪ ،‬وأن‬
‫تسعى – بجهدها وجهادها – إلى إقامة ديممن اللممه فممى الرض كلهمما ‪،‬‬
‫دون إكراه للناس على اعتناق عقيدة السلم ‪ ،‬إنممما تحكممم شممريعة‬
‫الله فى كل الرض ‪ ،‬ويخضع الناس جميعا للعممدل الربممانى المتمثممل‬
‫فى شريعته ‪:‬‬
‫ي{ ]سممورة البقممرة‬ ‫ن الغَ م ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ش مد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن قَد ْ ت َب َي ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫}ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ‬
‫‪[2/256‬‬
‫ه{ ]سممورة‬ ‫ه ل ِّلم ِ‬
‫ن ك ُّلم ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫ة وَي َك ُممو َ‬ ‫ن فِت ْن َم ٌ‬ ‫حّتى ل ت َك ُممو َ‬ ‫م َ‬ ‫}وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫النفال ‪[8/39‬‬
‫وقد ظلت هذه المة قائمة برسالتها لنفسها وللبشرية عدة قرون‬
‫‪ ،‬كانت فيها ممكنة فى الرض ‪ ،‬وكانت هى ممموئل الهدايممة والنممور ‪،‬‬
‫ولم يكن يبرم أمر فممى الرض إل بإذنهمما أو برضمماها ‪ ..‬وإل فممالحرب‬
‫قائمة لتأديب المعتدين ‪ ..‬ويومئذ لم يكن لليهود فى الرض سلطان‬
‫‪.‬‬
‫ولكمن المممة المتى أختارهما اللمه لتكممون شماهدة ورائدة للبشممرية‬
‫ظلت تتراجع حتى أهملت رسالتها العالمية ‪ ،‬بل شغلت عن رسالتها‬
‫لذات نفسها ‪ ،‬وعندئذ بمرزت أوروبما إلمى الوجمود قموة ممكنمة فمى‬
‫الرض ‪ ،‬فملت الفممراغ الممذى خلقتممه المممة السمملمية بتخليهمما عممن‬
‫رسالتها ‪ ،‬حسب السنن الربانية التى يدبر الله بها أمور البشممر فممى‬
‫الرض ‪.‬‬
‫وحين برزت أوروبا فقد برزت بكل جاهليتها ‪،‬وبكل الفسمماد الممذى‬
‫" " انظر كتاب " واقعنا المعاصر " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫كانت تحمله فى أطوائها نتيجة إفساد الكنيسة لممدين اللممه المنممزل ‪،‬‬
‫فأتاحت للشعب الشرير المممتربص للفسمماد أن يركممب ‪ ،‬وأن يلهممب‬
‫ظهورها بالسوط ليقودها فى طريق الشيطان ‪.‬‬
‫وزاد المر سوءا حين زاد تفريط هذه المة فى دينها حتى لم تعد‬
‫تؤدى شيئا يممذكر مممن رسممالتها لممذات نفسممها ‪ ،‬فضممل عممن رسممالتها‬
‫العالمية بطبيعة الحال ‪ ،‬وحينئذ أتيحت الفرصة لوروبمما الصممليبية أن‬
‫تقهر العالم السلمى ‪ ،‬وأن تدخل أرض السلم لتدك حصممونه مممن‬
‫الداخل ‪ ،‬وأتيممح لليهممود – مممن خلل الحملممة الصممليبية الغازيممة – أن‬
‫ينشروا سمومهم فى العالم السلمى ذاته ‪ ،‬بنفممس الوسممائل الممتى‬
‫نشروا بها سمومهم فى أوروبا ‪ .‬سواء كان ذلك بأيديهم مباشممرة أو‬
‫بأيدى الصليبيين الذين يقومون بذات الدور ضممد السمملم لحسممابهم‬
‫الخاص !‬
‫ومن ثم دخل " المميون " المسلمون فى ذات الدوامة ‪ ،‬وصاروا‬
‫هم أنفسهم – إل من رحم بك – يمدون الحبل لليهممود ! وتممم لليهممود‬
‫ذلك السلطان الذى أشارت إليه الية الكريمة على سبيل السممتثناء‬
‫ن‬
‫مم ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن الّلمهِ وَ َ‬
‫حْبم ٍ‬ ‫مم ْ‬
‫ل ِ‬ ‫من الذة الدائمة المفروضة عليهمم }إ ِل ّ ب ِ َ‬
‫حْبم ٍ‬
‫س{ ]سورة آل ‪[3/112‬‬ ‫الّنا ِ‬
‫المة المسلمة إذن هى المسئول الكبر عما أصاب البشرية كلهمما‬
‫من الخبال على يد اليهود ‪ .‬فقد أنزل الله إليها النممور ‪ ،‬وأنممزل إليهمما‬
‫الرسالة الخاتمة وشرفها بخاتم النبيين صلى الله عليممه وسمملم ‪ ،‬ول‬
‫لتتلهى بذلك كله ‪ ،‬وإنما لتكون – بكل ثقلها ‪ ،‬وبكل فاعليتها – جهممدا‬
‫دائما وحركة دائمة لنشر النور والهداية فى الرض ‪.‬‬
‫فإذا تخلت قمن يحمل الرسالة ؟!‬
‫وإذا تخلممت فممأى شممئ فممى الرض يحممول دون الشممعب الشممرير‬
‫المتربص للفساد ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫وإذا كان تخلى المة المسلمة عن رسالتها هو الذى أتاح الفرصممة‬


‫لليهود ليحدثوا فى الرض كل هذا الشر عن طريممق المممة الجاهليممة‬
‫التى تولت السلطان حين تخلى المسلمون ‪ ..‬فإن عودة المسلمين‬
‫إلى السلم همى المتى تنهمى دور اليهمود فمى الرض وتعيمدهم إلمى‬
‫حجمهم الطبيعى ‪:‬‬
‫م‬ ‫}ضربت عل َيهم الذ ّل ّة وال ْمسك َنة وباُءوا بغضب من الل ّه ذ َل َ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ِ ِ‬ ‫َِ َ ٍ ِ ْ‬ ‫ُ َ َ ْ َ ُ ََ‬ ‫ُ َِ ْ َ ِْ ْ‬
‫وا‬
‫صم ْ‬ ‫ممما عَ َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ن ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَي َْقت ُُلو َ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫كاُنوا ي َك ُْفُرو َ‬
‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(61‬سورة البقرة ‪[2/61‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫سمموءَ‬ ‫م ُ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ِ َ‬‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك ل َي َب ْعَث َ ّ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫ب{ ]سورة العراف ‪[7/167‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ك ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً وَأ َل َْقي َْنمما‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫زيد َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫}وَل َي َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حمْر ِ‬ ‫دوا ن َممارا ً ل ِل ْ َ‬ ‫ممما أوْقَم ُ‬ ‫ممةِ ك ُل ّ َ‬ ‫ضاَء إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫سمم ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫حمم ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫سادا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ض فَ َ‬
‫َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫أ َط َْفأ َ‬
‫‪] {(64‬سورة المائدة ‪[5/64‬‬
‫ولقد نتساءل عن حكمة الله سبحانه وتعممالى فممى تمكيممن اليهممود‬
‫من " المميين " فى هممذه الفممترة السممتثنائية الممتى تعيشممها البريممة‬
‫ما‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫اليوم ‪ .‬فنقول بادئ ذى بدء إن الله سبحانه وتعالى ‪} :‬ل ي ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫كمم ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫ل{ ]سورة النبياء ‪} [21/23‬وَإ ِ َ‬ ‫ي َْفعَ ُ‬
‫ن )‪] {(117‬سورة البقرة ‪ [2/117‬فل نسأله تعممالى لممماذا لممم‬ ‫كو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫يجعل الذلة على هذا الشعب دائمة ل استثناء فيها ‪ ،‬وهم يستحقون‬
‫– بصحيفتهم السوداء – أن تكتب عليهم الذلة إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫ولكنا نلمح جانبا من حكمة اله فى قوله تعالى مخاطبا الكفار ‪:‬‬
‫ذابا ً ممن فَموقك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫م أو ْ ِ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫م عَم َ ْ ِ ْ‬ ‫ث عَل َي ْك ُم ْ‬ ‫ن ي َب ْعَم َ‬ ‫ل هُوَ ال َْقادُِر عََلى أ ْ‬ ‫}قُ ْ‬
‫تحت أ َرجل ِك ُ َ‬
‫ض{ ]سممورة‬ ‫س ب َعْم ٍ‬ ‫م ب َمأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شَيعا ً وَي ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ ُ‬
‫النعام ‪[6/65‬‬
‫والبشرية اليوم قد كفرت كما لم تكفر فى تاريخها كله ‪ ،‬فأنكرت‬
‫وجود الله جهرة ‪ ،‬ومنعت منهجه أن يحكم حياة الناس فى ألممرض ‪،‬‬
‫فاختار الله شر خلقه – اليهود – ليذيق البشممرية كلهمما باسممهم جممزاء‬
‫وفاقا على هذا الكفر الذى ليس له مثيل فى نمموعه ول حجمممه فممى‬
‫التاريخ ‪..‬‬
‫ولنذكر أن دارون ليس يهوديا ‪ ..‬وهو الذى قممال ‪ :‬الطبيعممة تخلممق‬
‫كل شئ ول حد لقدرتها على الخلق ‪ ..‬الطبيعة تخبط خبط عشواء ‪.‬‬
‫إن تفسير النشمموء والرتقمماء بممأنه صممادر عممن الرادة اللهيممة يكممون‬
‫بمثابة إدخممال عنصممر خممارق لطبيعممة فممى وضممع ميكممانيكى بحممت !!‬
‫فوضع بذلك أسسا " علمية " للفساد الذى يمل الرض اليوم !‬
‫والله يقول ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ذيَقهُ ْ‬ ‫س ل ِي ُم ِ‬‫دي الن ّمما ِ‬ ‫ت أي ْم ِ‬ ‫س مب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫}ظ َهََر ال َْف َ‬
‫ن )‪] {(41‬سورة الروم ‪[30/41‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ومن هنا نري أن تسممليط اليهممود علممي " الممييممن " اليمموم ليممس‬
‫خارجا عن سنن الله ووعده ووعيده كما جاءت في كتممابه الكريممم ‪.‬‬
‫كممما نسممتطيع أن نحكممم – مممن كتمماب اللممه – أنهمما فممترة اسممتثنائية‬
‫يعودون بعدها فيممدخلون فممي الجحممار‪..‬حيممن يعممود المسمملمون إلممي‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ويسأل بعض الناس ‪ :‬أليس اليهود هم أنفسهم فاسدين ومنحلممي‬


‫الخلق ؟ وكل الشرور التي إذا عوها فممي البشممرية ليحكممموهم بهمما‬
‫هي ذائعة فيهم ؟!‬
‫نقول ‪ :‬بلي !! إنهم كذلك !‬
‫ولن يهربوا هم من سنة الله التي تكتب الدمار علي النمماس حيممن‬
‫يلجون في الغواية ويصرون علي الفساد ‪.‬‬
‫نعم ولكن لهممم دورا – قممدرة اللممه – فممي إذاقممة البشممرية الخبممال‬
‫جزاء كفرها وتبجحها بممالكفر ‪،‬دورا يممؤدونه قبممل أن يصمميبهم الممدماء‬
‫بحكم السنن الربانية ‪ ،‬وقبل أن يرجعوا إلممي الذلممة والمسممكنة كممما‬
‫توعدهم الله إلي يوم القيامة ‪.‬‬
‫إنهممم فاسممدون نعممم ‪ ،‬ولكنهممم – بحكممم ظروفهممم التاريخيممة –‬
‫يخططون بمموعي حيممن يجممدون الفرصممة السممانحة التخريممب ‪ ،‬بينممما‬
‫المميون يفسدون فقط ‪ ..‬يفسدون بل تخطيط!‬
‫الفتاة اليهودية ل عرض لها ‪ ،‬ولكنها إذ تبيع جسدها تمتص أممموال‬
‫الممين وتسرق اسرارهم لتعطيها " لشعب الله المختار " ليستفيد‬
‫بها في تخطيطه الخبيث أما الموية فحيممن تفسممد لهممدف معيممن ‪..‬‬
‫تفسد من أجل الفساد فحسب‪.‬‬
‫وحين يوضع المر علي هذه الصورة تكون الغلبممة لشممك للفريممق‬
‫الكثر وعيمما ‪ ،‬والممذي تربممط بينممه – رغممم فسمماده – عوامممل تاريخيممة‬
‫تمنعه من الذوبان السريع ‪.‬‬
‫أما النتيجة الخيرة فقد بينها كتاب الله ‪.‬‬
‫تنتهمممي الفمممترة السمممتثنائية – لنهممما اسمممتثنائية – ويعمممدو القمممدر‬
‫المضروب يحكم اليهود ‪:‬‬
‫َ‬
‫سمموءَ‬ ‫م ُ‬‫مه ُ ْ‬
‫سو ُ‬
‫ن يَ ُ‬
‫م ْ‬‫مة ِ َ‬‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫ك ل َي َب ْعَث َ ّ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫م )‪] {(167‬سممورة‬ ‫حي م ٌ‬‫ه ل َغَُفمموٌر َر ِ‬ ‫ب وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ريعُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫العراف ‪[7/167‬‬
‫الديمقـراطيــة‬
‫الديمقراطيممة ‪ Democracy‬كلمممة مشممتقة مممن لفظممتين يونممانيتين‬
‫‪ ) Demos‬الشعب و ‪ ) Kratos‬سلطة ( ومعناها الحكم الممذي تكممون‬
‫فيممه السمملطة للشممعب ‪ .‬وتطلممق علممي نظممام الحكممم الممذي يكممون‬
‫الشعب فيه رقيبا علي أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية ‪،‬‬
‫ويكون لنواب المة سلطة إصدار القوانين ‪.‬‬
‫وأول مممن مممارس الديمقراطيممة هممم الغريممق فممي مممدينتي أثينمما‬
‫وإسبرطه ‪ ،‬حيث كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة ) يطلممق‬
‫عليها إصطلحا اسم " حكومة المدينة " أي الحكومة التي تقوم في‬
‫مدينة واحدة مفردة ( وكان كل أفراد الشعب من الرجمال فمي كمل‬
‫من المدينتين يشاركون في حكممم المدينممة ‪ ،‬فيجتمعممون فممي هيئة "‬
‫جمعيممة عموميممة " فيتشمماورون فممي كممل أمممور الحكممم ‪ ،‬فينتخبممون‬
‫الحمماكم ويصممدرون القمموانين ويشممرفون علممي تنفيممذها ويضممعون‬
‫العقوبات علي المخالفين فكان " حكمم الشممعب ط مطبقمما بصممورة‬
‫مباشرة فممي كممل مممن المممدينتين ‪ ،‬وكممانت التسمممية منطبقممة علممي‬
‫الواقع انطبقا كامل ‪.‬‬
‫ولكن هذه الصورة من صور الديمقراطية انتهت بانتهاء " حكومممة‬
‫المدينة " في كممل مممن أثينمما وإسممبرطة ‪ ،‬وإن ظلممت محفوظممة فممي‬
‫ذاكرة أوروبا ككممثير مممن الفكممار والقيممم والمبممادئ الغريقيممة الممتي‬
‫بقيت كامنة في الفقرة التي غلبت المسيحية فيها علي أوروبا ‪ ،‬ثممم‬
‫عادت إلممي الظهممور بعممد قيممام " النهضممة " علممي الممتراث الغريقممي‬
‫الممتزج بالتراث الروماني ‪ ،‬الذي يطلقون عليممه فممي إصممطلحاتهم‬
‫‪ Greco-Roman‬أي إغريقي روماني ‪.‬‬
‫ولقد ظل القطمماع يحكممم أوروبمما أكممثر مممن ألممف عممام فممي ظممل‬
‫المبراطورية الرومانية والقممانون الروممماني ‪ .‬ولممم تغيممر المسمميحية‬
‫شيئا من سماته في هذه الناحية ‪ ،‬لن الكنيسممة لممم تحمماول تطممبيق‬
‫شريعة اللممه ‪ ،‬وتركممت الوضمماع السياسممية القتصممادية والجتماعيممة‬
‫تجري علي ما كممانت عليممه فممي ظممل المبراطوريممة الرومانيممة دون‬
‫تعديل يذكر ‪ ،‬وحين نازعت المملوك والباطرة سمملطانهم لممم يكممن‬
‫ذلك ‪-‬كما أسلفنا – من أجل الزامهم بتحكيم شريعة الله ‪ ،‬كما فعل‬
‫المسلمون في الرض التي حرروها من قبضممة الرومممان فممي مصممر‬
‫والشام والشمممال الفريقممي ‪ ..‬إلممخ ‪ .‬إنممما كممان مممن أجممل الزامهممم‬
‫بالخضوع لهواها هي وسلطانها الشخصي ‪.‬‬
‫وفي ظل القطاع لمم يكمن " للشمعب " وجمود إل بوصمفه قطعما‬
‫آدمية لصقة بالطين ‪ ،‬ل كرامة لها ول حقوق‪..‬‬
‫كان هنماك ملموم مسممتبدون بمالحكم يحكممون بمقتضمي " الحمق‬
‫اللهي المقدس " باعتبارهم " ظل الله في الرض" فكلمهم أمممر ‪،‬‬
‫وأمرهم مقدس ‪ ،‬وما عن لهم من أهواء فهي أوامر واجبة التنفيذ ‪.‬‬
‫ويعمماونهم فممي تثممبيت سمملطانهم وتوكيممده فممي الرض أمممراء‬
‫القطاعيات الواقعة فممي ملكهممم ‪ ،‬مقابممل إطلق يممد هممؤلء المممراء‬
‫) الذين يسمون ‪ :‬النبلء أو الشراف ( في إقطاعيمماتهم ‪ ،‬يتصمرفون‬
‫فيهمما كيممف شمماءوا دون مراجعممة ول رقابممة تضممبط تصممرفاتهم ‪ ،‬لن‬
‫الذين يعيشون علي أرض القطاعية هم إممما عبيممد وإممما فممي حكممم‬
‫العبيممد ‪ ،‬وسمملطان " الشممريف" عليهممم سمملطان مطلممق بحكممم "‬
‫القمانون " فهمو بالنسممبة لهمم يمثممل السملطة التشممريعية والسملطة‬
‫القضائية والسلطة التنفيذية جميعمما فممي آن واحممد ‪ ،‬وليممس للمالممك‬
‫علي القطاعي إل ما يفرضه عليه من الممموال ) بمقممدار ممما يشممبع‬
‫نهمة ومطالبه ( وتلك يستخرجها أمير القطمماع مممن فلحيممة بممالقوة‬
‫الجبرية ‪ ،‬وإل " النفار " الذين يطلب المالك تجنيدهم فممي جيوشممه‬
‫ليموتوا من أجل تحقيممق أهمموائه ومطممامعه ‪ ..‬أي أن سمملطة الملممك‬
‫فممي النهايممة واقعممة علممي أولئك العبيممد مممن خلل سمملطة أمممراء‬
‫القطاع ‪ ،‬كما تقممع عليهممم السمملطة المباشممرة مممن أمممراء القطمماع‬
‫لحسابهم الخاص ‪ ..‬وفي جميممع الحممالت يكممون ألئك العبيممد – وهممم‬
‫في النهاية طبقة "الشعب " – بغير سمملطان وبغيممر حقمموق ‪ ،‬واقعممة‬
‫عليهم كل الواجبات ‪.‬‬
‫وإلي جانب الملوك والنبلء كانت سلطة الكنيسة ورجال الممدين ‪،‬‬
‫وكانت منصبة في النهاية كذلك علي الشعب ‪ ،‬فإلي جانب الخضوع‬
‫المممذل لرجممال الممدين – وهممو حممق " مقممدس " لهممم – كممانت هنمماك‬
‫التمماوات والعشممور ‪ ،‬والسممخرة المجانيممة فممي الرض الكنسممية ‪،‬‬
‫والتجنيد في جيوش الكنيسة التي كممانت توجههمما لتممأديب الخممارجين‬
‫علي سلطانها من الباطرة والملوك ‪.‬‬
‫وهذه المظالم المتراكمة هي التي تفرجت في الثورة الفرنسية ‪،‬‬
‫بعد أن هيممأ لهمما فممي نفمموس الوروبييممن الحتكمماك بالمسمملمين فممي‬
‫الحممروب الصممليبية ‪ ،‬وفممي اللقمماء السمملمي بيممن المسمملمين وبيممن‬
‫المبتعثين من بلد أوروبا لتلقي العلم في بلد السلم ‪.‬‬
‫ولكن أوروبا حين تفجرت ثورتها لم تكن في وضع يسمممح لهمما أن‬
‫تسممتبدل بالجاهليممة الممتي ثممارت عليهمما ديممن اللممه الحممق ‪ ،‬وشممريعته‬
‫العادلة التي كممانت تحكممم الرض مممن حولهمما مممن الشممرق والغممرب‬
‫والجنوب ‪ ،‬لن الحروب الصليبية وحملت التنفيممر الممديني والثقممافي‬
‫التي قامت بها الكنيسة ضد السلم وفقت حاجزا بينها وبيممن اتخمماذ‬
‫السلم عقيدة وشريعة ‪ ،‬فارتممدت إلممي تراثهمما الغريقممي الروممماني‬
‫تبحث فيه عن حلول مشكلتها ‪ ،‬بدل من أن تلجأ إلي السلم "‪."1‬‬
‫ووقممع اختيممار أوربمما علممي " الديمقراطيممة " بممديل مممن القطمماع ‪،‬‬
‫وكانت هناك عوامل كثيرة ترشح لهذا الختيار ‪.‬‬
‫فطبقممة "الشممعب " هممي الطبقممة المكبوتممة المسممحوقة ‪ ،‬وهممي‬
‫الطبقة الثائرة التي تسعي إلي المشاركة في السلطان ‪ ..‬والطبقممة‬
‫الرأسمالية هي الطبقة الجديدة التي صار المال في يممدها بممدل مممن‬
‫طبقة القطاعيين بسبب انتقال النتاج – تدريجيا ‪-‬من إنتمماج زراعممي‬
‫إلي إنتاج صناعي بعد اختراع الله ‪ ..‬وهذه الطبقة الجديدة تريممد أن‬
‫تنتزع من الطبقة المالكة السابقة الممتي كممان فممي يممدها السمملطان‪.‬‬
‫لذلك كانت الديمقراطية هي اللعبة المناسبة التي توفممق بيممن رغبممة‬
‫الطبقمممتين السممماعيتين إلمممي السممملطة ‪ ،‬إحمممداهما وهمممي الطبقمممة‬
‫الرأسمالية تستولي علي السلطان الحقيقي ‪ ،‬والثانيممة وهممي طبقممة‬
‫الشعب تشممارك – بقممدر – فممي ذلممك السمملطان ‪ 1‬وذلممك فضممل عممن‬
‫عنصرين أخرين أحدهما إيحاء الفكر الغريقي القديم وتممأثيره علممي‬
‫المفكريين الغربيين منذ عصر النهضممة ‪ ،‬وهممو فكممر يحمممل صممورة "‬
‫تذكاريممة" للديمقراطيممة مممن أيممام أثينمما وإسممبرطة ‪ ،‬والثمماني هممو‬
‫الشعارات التي وضعتها الماسونية اليهودية للثورة الفرنسية وهممي ‪:‬‬
‫الحرية والخمماء والمسمماواة ‪ ،‬والديمقراطيممة هممي المنطممق النسممب‬
‫لهذا الشعارات ‪ ،‬ومن ورائها يحقق اليهود ما يحلو لهم من أهداف ‪.‬‬
‫لممذلك كلممه كممانت الديمقراطيممة هممي الطممار المناسممب للعناصممر‬
‫المتفاعلة في أوربا في ذلك الحين ‪ ..‬فممي ظممل الحمموال السياسممية‬
‫والقتصممادية والجتماعيممة والفكريممة القائمممة فممي تلممك الفممترة مممن‬
‫الزمان ‪.‬‬
‫ولم يكن المر سهل مع ذلممك ول ميسممرا للراغممبين ‪ ..‬فقممد احتمماج‬
‫إلي صراع طويل مريم حتي استوي علي صورته الحالية ‪ .‬وكممانت "‬
‫المكاسب الديمقراطية " تممأتي متقطعممة وجزئيممة ‪ ،‬ول تممأتي إل بعممد‬
‫معارضة طويلة مممن الممذين فممي أيممديهم السملطان ول يرغبمون فمي‬
‫التنازل عنه ‪ ،‬وبعد قيام " الشعب " بالضراب والعصمميان والتمممرد ‪،‬‬
‫وتعرض دعاة الحرية إلي السجن والعتقال والتشريد ‪ ،‬بتهمة إثممارة‬
‫للشيوعين دعيو تقول إن طبقممة الشممعب ظلممت مسممحوقة ومسممتعبدة فممي ظممل النظممام الرأسمممالي – رغممم الحريممة‬ ‫‪1‬‬

‫الصورية – وإن الكاسب الحقيقي والوحد فيظممل هممذا النظممام هممو الرأسممماليون وممما نحممب هنمما أن نتعجمل الحممديث ‪،‬‬
‫فسيأتي مناقشة ذلك كله فيما بعد ‪.‬‬
‫الشغب والتحريض علي الخلل بالنظام‪.‬‬
‫وبعممد نضممال وكفمماح اسممتمر قرابممة قممرن مممن الزمممان اسممتقرت‬
‫الديمقراطية في صورتها الحالية الممتي تراهمما فممي دول غممرب أوربمما‬
‫وأمريكمما ‪ ،‬علممي اختلف بينهمما فممي الجزئيممات ل يممؤثر فممي صممورتها‬
‫العامة ومبادئها الرئيسية ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كانت نقطة النطلق ‪ ،‬أو نقطتا النطلق في الحقيقة هما ‪ :‬أول ‪:‬‬
‫وجوب إشراف الشعب علممي أعمممال الحكومممة ‪ ،‬أي إلغمماء " الحممق‬
‫اللهي المقدس " وإخضاع الحكومة لرقابة الشعب علي تصرفاتها ‪،‬‬
‫وفصممل السمملطات ‪ ،‬وجعممل الحكومممة سمملطة تنفيذيممة فحسممب ‪ ،‬ل‬
‫سلطة تشريعية ‪ ..‬وثانيا ‪ :‬إعطاء الشعب حقوقه " النسانية " الممتي‬
‫حرم منها أكثر من ألف عام في ظل نظام القطاع ‪.‬‬
‫وفي كل الميدانين أحرزت الديمقراطية تقدما ضخما بالنسبة لممما‬
‫كان في عهد القطاع ‪ ،‬وعهد الحكم بمقتضي الحق اللهي المقدس‬
‫‪.‬‬
‫فقممد أصممبحت رقابممة المجممالس النيابممة كاملممة علممي تصممرفات‬
‫الحكومة الرئيسية ‪ ،‬وبصفة خاصة " الميزانيممة " الممتي تمثممل ممموارد‬
‫الدولة ومصارفها ‪ ،‬والتي كانت مممن اكممبر أبممواب المظممالم الواقعممة‬
‫علي " الشعب " حيث كان الحاكم يفممرض مممن الضممرائب ممما يحلممو‬
‫له ‪ ،‬بمقدار ما يروي نهمه إلي المال الذي كان معظمه ينفممق علممي‬
‫بذخ الملوك والحكام ‪ ،‬وأقله يصرف علي الصالح العام ‪.‬‬
‫لم يعممد مممن حممق الحكومممة أن تفممرض ضممريبة – أي ضممريبة – إل‬
‫بموافقة المجالس النيابة ‪ ،‬ولمم يعمد ممن حقهما أن تصمرف حصميلة‬
‫مواردها إل في البواب التي توافق المجالس النيابيممة عليهمما ‪ ،‬ومممن‬
‫ثم أمسكت تلك المجالس بالزمام بعد أن كانت الحكومات مطلقممة‬
‫اليد في التصرف ‪ ..‬وكممثيرا ممما كنممت تسمممع – وممما تممزال – كلمممة "‬
‫دافعي الضممرائب " تممتردد فممي أروقممة " البرلمانممات " علممي ألسممنة‬
‫النممواب ‪ ،‬يستصممرخون الرحمممة علممي الفقممراء دافعممي الضممرائب‬
‫ويطلبون التخفيف عنهممم ‪ ،‬أو يطممالبون أن تنفممق الممموال لمصمملحة‬
‫دافعي الضرائب ‪ ،‬لنهم هم الذي ينبغي أن يسممتفيدوا قبممل أي أحممد‬
‫آخر بحصيلة الضرائب التي يدفعونها ‪.‬‬
‫ومممن ثممم ظلممت الضممرائب – خلل نمممو الديمقراطيممة – تخفممف‬
‫تدريجيا عن الفقراء وتزداد علي الغنياء ‪ ،‬بعد أن كممان الحممادث هممو‬
‫العكس تماما ‪ ،‬حيث كان الغنياء يسممتمتعون بممالثروات الطائلممة ول‬
‫يدفعون عنها ضممرائب علممي الطلق ‪ ،‬أو يممدفعون ضممرائب تافهممة ل‬
‫تكاد تذكر ‪ ،‬ول تؤثر أي تأثير علي ثرواتهم الضخمة ‪ ،‬بينممما الفقممراء‬
‫هم الذين يتحملون عبء الضرائب الكممبر! كممما وجممه الصممرف مممن‬
‫موارد الدولة – وأهمها الضرائب بطبيعة الحال – علي المشممروعات‬
‫العامة التي تصممل فائدتهمما لكممبر عممدد مممن النمماس الممذين يوصممفون‬
‫بصفة خاصة بأنهم دافعمموا الضممرائب ‪ ،‬فممزاد النفمماق تممدريجيا علممي‬
‫التعليم ‪ ،‬وعلي الصحة العامة ‪ ،‬وعلممي المرافممق العامممة مممن طممرق‬
‫وجسور وخدمات ‪ ،‬وقل النفاق في ذات المموقت علممي مشممروعات‬
‫الترف التي ل تفيد إل القلممة المترفممة مممن الشممعب ‪ ،‬بعممد أن كممانت‬
‫مثل هذه المشروعات هي الشغل الول للحكومات السالفة وتنفممق‬
‫فيها الموال الطائلة ‪.‬‬
‫ولم تمر قضمية الضمرائب سمهلة حمتي فيمما يسممي " المجمالس‬
‫النيابية " فقد كانت تلك المجالس في أول عهدها تمثل الغنياء أكثر‬
‫مما تمثل الفقراء ‪ ،‬أو تمثلهم دون الفقراء في كممثير مممن الحمموال ‪،‬‬
‫إذ كممانت شممروط الترشمميح إلممي المجممالس النيابيممة ذاتهمما موضمموعة‬
‫بحيث ل يمر منها إل أصحاب الثروات ويعجممز عنهمما الفقممراء ‪ ،‬لكممي‬
‫يمنعوا منعا من الدخول إلممي البرلمانممات وإزعمماج أصممحاب الممموال‬
‫بصيحاتهم الكريهة إليهم !ولم ينل الفقراء حق الترشيح إل بعد جهاد‬
‫طويممل ومريممر ‪ ،‬فاسممتطاعوا – بعممد دخممولهم – أن يعممدلوا نظممم‬
‫الضرائب في بلدهممم ‪ ،‬ويحققمموا قسممطا مممن العدالممة فممي المغممانم‬
‫والمغارم سواء‪.‬‬
‫ولم تكن المجالس النيابية هي وحممدها الممتي تممدور فيهمما المعركممة‬
‫حول الضرائب ‪ ،‬فقممد كممانت الصممحافة والخطابممة والكتممب المؤلفممة‬
‫تشارك جميعا في الناقش والحمموار والهجمموم والممدفاع ‪ .‬وكممان مممن‬
‫أهم ما قيل في هذا الصممدد إن توحيممد نسممبة الضممريبة علممي الشممئ‬
‫الواحد بين الفقممراء والغنيمماء هممو ظلممم بيممن علممي الفقممراء ‪ ،‬لنهممم‬
‫يدفعون الضريبة من قوتهم الضروري الذي ل تقوم حياتهم بغيممره ‪،‬‬
‫بينما الغنياء يدفعون مممن فممائض أممموالهم ‪ ،‬أو مممن فممائض الفممائض‬
‫المتراكم عاما بعد عام ! لذلك استحدث في الخير نظام الضممرائب‬
‫التصاعدية التي تزيممد فيهما نسممبة الضمريبة زيمادة مطممردة كلمما زاد‬
‫الدخل ‪ ..‬فاللف الولي غير اللف الثانية ‪ ،‬والثانية غيممر العاشممرة ‪..‬‬
‫فإذا كانت الولي يخصم منها عشرة ضرائب ) علي سبيل المثممال (‬
‫فالعاشرة قد يخصم نصفها أو ثلثة اخماسها ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬
‫اممما الضممرائب غيممر المباشممرة ‪ ،‬أي الضممرائب المفروضممة علممي‬
‫الشياء المشتراه أو المستخدمة ل علممي الممدخل ‪ ،‬فقممد كممانت وممما‬
‫تزال موضع النقاش في البلد الديمقراطية ‪ ،‬لنممه ل يمكممن التمييممز‬
‫فيهمما بيممن الغنيمماء والفقممراء ! ل يمكممن مثل أن يقممال ‪ :‬إذا اشممتري‬
‫الغني رغيف الخبز فعليه أن يممدفع لمه ثمنمما أكممبر مممما يممدفع الفقيممر‬
‫فيه ! إنما يقال في الحوار أنه ينبغي إلغاء الضرائب أو تخفيفها عممن‬
‫" الضروريات " ورفعها علي " الكماليات" ثم يظل النزاع قائما في‬
‫تعريف ما هو ضروري وما هو كمممالي مممن الشممياء ‪ .‬ولكممن التجمماه‬
‫علي كل حال يظل مائل إلي التخفيف عممن الفقممراء والزيممادة علممي‬
‫الغنياء ‪.‬‬
‫وبالنسممبة للنفمماق كممذلك لممم تكممن المعركممة يسمميرة حممتي فممي‬
‫المجالس النيابية ذاتها ‪ ..‬فحين كانت تلك المجالس ممثلممة للغنيمماء‬
‫دون الفقراء لم تكن قضايا مثل التعليممم اللزامممي ومجانيممة التعليممم‬
‫تمر بسهولة ! بل كان " نواب الشعب " ) هكذا كان اسمممهما علممي‬
‫الدوام من البدء إلي الختام ( كانوا يعارضون في نشر التعليم حممتي‬
‫يشمل الفقراء من أبناء الشعب ! وكانت تدور مناقشات حممادة فممي‬
‫البرلمانات ‪ ،‬يقال فيها إنه ل يجوز تعليم كل الناس ‪ ،‬وإل فمممن أيممن‬
‫نممأتي بعمممال يعملممون فممي المصممانع ؟! فممإن أبممن العامممل إذا تعلممم‬
‫سيسممتنكف أن يعمممل بيممديه كممما كممان يعمممل أبمموه ! وسمميطالب‬
‫بوظيفه ‪ ،‬وأّني لنتا أن ندبر وظيفة لكل متعلم ! ثم من اين نحصل‬
‫علي الخدم ! فسوف يستكبر المتعلمون وسيرفضمون الخدممة فمي‬
‫البيوت ‪،‬فتفسد حياتنا وتتعطل مصالحنا !‬
‫وكممذلك قضممايا الصممحة والمرافممق العامممة ! كممان " النممواب"‬
‫المحترمون يعارضممون فممي تعميمهمما حممتي يسممتفيد منهمما الفقممراء ‪..‬‬
‫ويقولون إن هذه ليست مسممئولية الحكومممة ! إنممما كممل واحممد يممدبر‬
‫لنفسه ‪ ،‬وكل واحد حر فيما يصنع لنفسه!‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ..‬وهكذا في كل القضايا " العامة " التي يعممود النفممع فيهمما‬
‫علي الشعب " دافع الضرائب " !‪.‬‬
‫وإنما تغير الحال بعد جهاد طويل ‪ ،‬حين ألغيممت أو خففممت القيممود‬
‫المفروضة علي دخول المجالس النيابية فصار هناك من يممدافع عممن‬
‫مصالح الفقراء ويطالب لهم بممالتعليم اللزامممي المجمماني ‪ ،‬وبتمموفير‬
‫العلج والرعاية الصحية ‪ ،‬وتيسير الخدمات العامة ‪ ،‬وأصممبحت هممذه‬
‫نقطة بارزة من نقاط الديمقراطية ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫كذلك شممملت الرقابممة البرلمانيممة أعمممال الحكومممة الخممري غيممر‬
‫الميزانية بمواردها ومصارفها – وإن ظلت هذه أهممم نقاطهمما – فقممد‬
‫كفت المجالس النيابة يد الحكومة تممدريجيا عممن " الفممراد" أفممراد "‬
‫الشعب " ‪ ،‬فزادت بذلك من " حرية " أولئك الفراد ‪.‬‬
‫لقد كان الغنيمماء – بحكممم أممموالهم ومكممانتهم فممي الدولممة – فممي‬
‫حصانة من سلطان القانون وإن كانت الدساتير ل تقول ذلك بصممفة‬
‫رسمممية ‪ .‬وقممد كممان القممانون الروممماني – الشممهير بعممدالته !‪ -‬ينممص‬
‫صراحة علي التفرقممة القانونيممة بيممن السمميد والعبممد ‪ ،‬فيحيممط الول‬
‫بضمانات وحقمموق كممثيرة ‪ ،‬ويخفممف عنممه العقوبممة إذا أجممرم ‪ ،‬بينممما‬
‫يحيط الخير بكثير من القيممود ‪ ،‬ويشممدد عليممه العقوبممات علممي أقممل‬
‫هفوة تصدر عنه ‪.‬‬
‫وألغممت الممديمقراطيات هممذه التفرقممة فممي نصوصممها المكتوبممة ‪،‬‬
‫ولكنهمما ظلممت قائمممة فممي عممالم الواقممع فممترة غيممر قصمميرة ‪ ،‬حممتي‬
‫تراجعت عنها الحكومات خطوة خطوة بجهاد طويل وكفاح قامت به‬
‫الشعوب ‪ ،‬فأخذت الضمانات والحقوق تتسممع لتشمممل فئات جديممدة‬
‫من " الشعب " حتي صارت تشمله كله في نهاية المطاف‪.‬‬
‫ويمن تلخيص هذه الحقوق والضمانات فيما يلي ‪:‬‬
‫حق النتقال‪:‬‬
‫لم يكن حق التنقل من مكان إلي مكان مكفول في ظل القطمماع‬
‫‪ ،‬فقد كان معظم الناس عبيدا أو في حكم العبيممد ‪ ،‬وكممان هممذا مممن‬
‫المظممالم الممتي قممامت الثممورة الفرنسممية لتحطيمهمما ‪ ،‬وإن تكممن‬
‫الرأسمالية الناشئة كانت ذات مصلحة خاصة – في نفممس المموقت –‬
‫في تحطيم هممذا القيممد‪ ،‬لتحصممل علممي العمممال اللزميممن للصممناعة ‪،‬‬
‫والممذين كممانت قيممود القطمماع تحجزهممم فممي الريممف وتمنعهممم مممن‬
‫الوصول إلي المدينة ‪.‬‬
‫ولكن المر لم يتم في يوم وليلة ‪ ،‬فقد ظل "الفقراء " خاضممعين‬
‫لكثير من القيود في تنقلتهم ‪ ،‬تطاردهم الشرطة وتتهمهم بالتشممرد‬
‫وتطممالبهم بإثبممات أنهممم ليسمموا مجرميممن ! وبإيجمماد مممبرر مقبممول‬
‫لوجودهم حيث هم موجودين ! بينما الغنياء يذهبون حيممث يشمماءون‬
‫لمجرد أنهم أغنياء ‪ ،‬ومن ثم فهم غير مشبوهين ! ‪.‬‬
‫ورويدا رويدا أخممذت تلممك القيممود المفروضممة علممي حريممة التنقممل‬
‫تذوب ‪ ،‬وأصبح كل إنسان – مهما يكن عمله أو مكانه فممي المجتمممع‬
‫– حرا في أن يتنقل داخل الدولممة الواحممدة ممما دام " مواطنمما " فممي‬
‫تلممك الدولممة ‪ .‬وكممانت كلمممة المممواطن ذاتهمما مممن المعمماني الممتي‬
‫اسممتحدثتها الديمقراطيممة ‪ ،‬فأصممبح المواطنممون جميعمما متسمماوين –‬
‫نظريا – في جميع الحقوق والواجبات بحكم انهممم جميعمما مواطنممون‬
‫في وطن واحد ‪ ،‬وأصبحوا بالفعل متساوين في كثير من الحقمموق ‪.‬‬
‫أما المساواة التامة فلنا مراجعة بشأنها فيما بعد ‪.‬‬
‫ونلحظ من لفظة "المواطن " في اللغات الوروبيممة “ ‪" Citizen‬‬
‫أنها نبعت من المدينة “ ‪ " City‬فمن هنمماك بممدأت حركممة المطالبممة‬
‫بالمساواة ‪ ،‬ومن هناك طالب المطالبون بأن يتساوى كممل السممكان‬
‫– أي سممكان المدينممة – فممي الحقمموق والواجبممات ‪ ،‬وبعممد أن نممالت‬
‫المدينة حقوقها عمم ذلك علممي جميممع السممكان فممي المموطن كلممه ‪،‬‬
‫ولكن اللفظة الوروبية لم تتغير ‪ ،‬وظل اشتقاقها من المدينممة باقيمما‬
‫حيمت بعمد أن اتسمع ممدلولها فشمملت كمل السمكان ‪ .‬أمما اللفظمة‬
‫العربية فقد ترجمت متأخرة ‪ ،‬حين بدأت الفكار الديمقراطية تصبح‬
‫موضممع حممديث فممي البلد السمملمية الناطقممة بالعربيممة ‪ ،‬فأخممذت‬
‫المممدلول الخيممر للكلمممة ‪ ،‬المتصممل " بممالوطن " كلممه ل بالمدينممة‬
‫فحسب ‪.‬‬
‫حق العمل‪:‬‬
‫فرق بين أن يعمل بعممض النمماس فممي العمممال الممتي يسممتطيعون‬
‫الحصول عليهمما وبيممن أن يكممون حممق العمممل مقممررا بمعنممي أن كممل‬
‫طالب عمل ينبغي أن ييسر له الحصممول علممي العمممل الممذي يصمملح‬
‫له ‪.‬‬
‫ولم يكن هذا الحق مقررا مممن قبممل ‪ ،‬واحتمماج تقريممره إلممي جهمماد‬
‫طويل لكي يتقرر نظريا في مبدأ المممر ثممم عمليمما بعممد ذلممك ‪ ..‬وإن‬
‫كان من الواجهممة العمليممة لممم يتقممرر كممامل إلممي هممذه اللحظممة فممي‬
‫الديمقراطيات الرأسمالية لسباب سنشرحها بعد قليل ‪.‬‬
‫في ظل القطاع الذي عاشت فيه أوروبا أكثر من ألممف عممام لممم‬
‫يكن " حق العمل " شيئا معروفا ول كان هناك مجال للحديث فيه ‪،‬‬
‫فقممد كممانت الزراعممة هممي العمممل الرئيسممي للمجتمممع القطمماعي ‪،‬‬
‫وسكان القرية أو القطاعية يعملون بحكممم المممر الواقممع فممي أرض‬
‫القطاعيممة الممتي يعيشممون فيهمما ‪ ،‬قلمموا أو كممثروا ‪ ،‬وقلممت الرض أو‬
‫كثرت ‪ ،‬فالرض ومن عليها ملك للقطاعي ‪ ،‬يعملون فممي حقمموله ‪،‬‬
‫ويوزع بعض الرض عليهم مقابل جعل معين ليزرعوها لنفسممهم إن‬
‫أمكنهم أن يوفوا بالجعل المتفممق عليممه ‪ ،‬والممذي يحممدده القطمماعي‬
‫حسب هواه دون ضابط معين ‪ ،‬فكل من كبر من الولد الذكور من‬
‫سكان القرية فهو يعمممل تلقائيمما فممي الرض ‪ ،‬يعمماون أبمماه وأسممرته‬
‫ويسكن في بيت السرة ‪ ،‬ويأكل من طعامها قل أو كثر ‪ ،‬ويلبس ما‬
‫تتيح له الظممروف أن يلبممس مممن المنسمموجات اليدويممة الممتي تنتجهمما‬
‫القرية ‪ ،‬والحياة قليلة التكاليف وإن كان الكل يعيشون عيشة الفقر‬
‫المدقع ول يجدون غير الكفاف ‪.‬‬
‫أما في المدينة فقد كان يسكن فريق ممن مموظفي الدولمة وهمم‬
‫قليلون ‪ ،‬وفريق من أصحاب الصناعات اليدويممة – وهممي الصممناعات‬
‫الوحيدة يومئذ – وفريق من التجار ‪ ،‬وفريق من أصممحاب الحمموانيت‬
‫التي تبيع الحاجيات للناس ‪ ،‬وأصحاب المقمماهي والنممزول ) الفنممادق‬
‫الصممغيرة ( وفريممق مممن المرابيممن اليهممود ‪ ،‬وفريممق مممن أصممحاب‬
‫الثروات من القطاعيين الذين يتنقلون دائما ممما بيممن المدينممة وبيممن‬
‫بيوتهم – أو قلعهم – فممي داخممل إقطاعيمماتهم ‪ ،‬وفريممق مممن البغايمما‬
‫اللواتي يعشن علي بيع أجسادهن لمن أرد من كمل همؤلء ‪ ،‬وبصمفة‬
‫خاصة أصحاب الثروات ‪.‬‬
‫خلصة القول أن كل واحممد مممن سممكان المدينممة لممه عملممه الممذي‬
‫يعيش منه ‪ ،‬أوله ثروته التي تكفل لممه الحيمماة هنمماك بل عمممل ‪ ..‬ول‬
‫يتكلم أحد عن حق العمل في الريف ول فممي المدينممة ‪ ،‬لن الحاجممة‬
‫إليه لم تكن قد برزت بعد في ذلك المجتمع في ذلك الحين ‪.‬‬
‫ولكن الثورة الصناعية قلبممت هممذه الوضمماع كلهمما وغيرهمما ‪ ،‬حيممن‬
‫توافد إلي المدينة اعداد هائلة من العبيد المحررين من القطاع بعد‬
‫تحطيمممه يبحثممون عممن العمممل فممي المدينممة ‪ ،‬ولممم تكممن الصممناعات‬
‫الناشئة تستوعب ذلك العدد كله وقممتئذ ‪ ،‬ول كممانت هممذه الصممناعات‬
‫مستقرة ومتمكنممة ‪ ،‬فقممد كممان كممثير منهمما يفلممس لسممباب مختلفممة‬
‫وتقوم مقامها مشروعات جديدة وهكذا ‪.‬‬
‫ومن طبيعة العامل الذي نزح مممن الريممف إلممي المدينممة أل يحممب‬
‫الرجوع إلي الريف ولو بقي عاطل في المدينة ! فإنه بعد أن يعيش‬
‫في المدينة الفسيحة المتعددة جوانب النشاط ‪ ،‬ويتعود في حممدوده‬
‫الضيقة علي ألوان من المدينة ‪ ،‬ول وجود لها في الريف ‪ ،‬ويحس "‬
‫بالحرية " حريته في أن يتصرف في أممموره الشخصممية كيممف يشمماء‬
‫دون تممدخل أو تحريممج مممن مجتمممع المدينممة ‪ ،‬بينممما مجتمممع الريممف‬
‫محكوم أبدأ بتقاليده ‪ ،‬وبالتعاوف الشخصي بيممن كممل أفممراده ‪ ،‬مممما‬
‫يضيق مجمال تلمك الحريممة ‪ ..‬بعمد ذلمك كلمه ل يحممب أن يرجممع إلممي‬
‫الريف الذي " تحرر " منه ‪ ،‬ويفضل أن يبقي متسممكعا فممي المدينممة‬
‫ولو ضاقت به سبل العيش ‪.‬‬
‫ولكن القضية لم تكن قضية هذا الفرد أو ذاك ‪ ،‬إنما صارت قضية‬
‫ألوف من هؤلء العمال وألوف تجتذبهم المدينة والبحث عن فممرص‬
‫العمل فيها ‪ ،‬ثم ل تتسع لهم ‪ ،‬وهي في الوقت ذاته تكبل أقممدامه "‬
‫بسحرها " الخاص فل يفارقونها!‬
‫وأصبحت القضية في حاجة إلي حل ‪ ..‬إلي تقرير " حق العمممل "‬
‫لللوف العاطلين في المدينة ‪ ،‬وإيجاد أعمال تستوعبهم ‪ .‬ولم يكممن‬
‫ذلك يسيرا فممي مبممدأ المممر ‪ ..‬ول تممزال كممل الحلممول الممتي تقممدمها‬
‫الرأسمالية غير حاسمة تماما في هذه النقط ‪ ،‬وإن كممان قممد حممدث‬
‫تقدم ضخم في هذا التجاه من خلل المعارك التي قامت من أجممل‬
‫الحل ‪ ،‬وتعرض فيها ألوف من العمممال للسممجن والتشممريد والممموت‬
‫جوعا علي الرصفة بل مأوي ‪ ،‬والموت بالسل وغيممره مممن أمممراض‬
‫سوء التغذية وسمموء التهويممة التممدفئة فممي صممقيع أوروبمما البممارد فممي‬
‫الشتاء‪.‬‬
‫لم يكن الحل سهل لكثر من سبب في آن واحد ‪.‬‬
‫ففكرة المسئولية غير قائمة أصل في ذهن أحد الناس ! فالدولممة‬
‫لم تمارس هذه المسممئولية مممن قبممل أبممدأ ‪ ،‬ول تحممس أنهمما ملزمممة‬
‫بممارستها !‪.‬‬
‫لقد كممانت الدولممة دائممما هممي دولممة الغنيمماء ! تحممس بالمسممئولية‬
‫الكاملة عن راحممة الغنيمماء ورفمماهيتهم وصممياغة المممور كلهمما بحيممث‬
‫تستجيب لمطالبهم وتحقق لهم رغائبهم ‪ .‬أما ذلك الهمل من القطع‬
‫الدميممة الملقمماة هنمما وهنمماك فهممؤلء يتحملممون مسممئولية انفسممهم !‬
‫عليهممم هممم أن يبحثمموا عممن حكمممة وجممودهم وأن يممدبروا أمممورهم‬
‫بأنفسهم ! فإن ماتوا جوعا فهذا قدرهم ! مع التظاهر بالعطف علي‬
‫هؤلء " المساكين" الممذين قممدر اللممه لهممم الفقممر والجمموع والمممرض‬
‫والهلك ‪ ،‬أو مممع الشممماته فيهممم لنهممم ل يسممتحقون الوجممود أصممل‬
‫ويستحقون كل ما يحدث لهم !‬
‫وكانت المعركة مع " ضمير " دولة الغنياء طويلممة ومريممرة حممتي‬
‫تزحزحممت عممن موقفهمما العنيممد تممدريجيا ‪ ،‬ورضمميت بممأن تتحمممل‬
‫المسئولية عن هممؤلء الفقممراء ‪ ،‬وإن كممانت المسممئولية الكاملممة لممم‬
‫تتخذ بعد في أية دولة من الدول الديمقراطية الرأسمالية ‪.‬‬
‫أما أصحاب المصانع فقد كانوا أبعد عن تحمل المسئولية وأقسي‬
‫في معاملة أولئك الفقراء ‪.‬‬
‫إن فكرة المسئولية بعيدة عن ضمائرهم بعدا كمامل ‪ ،‬وقمد قماموا‬
‫منذ أول لحظة علي غير أساس إنساني ‪ ..‬إنما قماموا علمي أسماس‬
‫تحقيق أكبر قدر من الربح ‪ ،‬بأية وسيلة تحقق ذلممك الربممح ‪ ،‬وكممانت‬
‫الوسيلة القريبة إلممي أيممديهم هممي تطويممل سمماعات العمممل وخفممض‬
‫‪1‬‬
‫الجور إلي أقصي حد مستطاع‬
‫وبصرف النظر عممن تممأثر الرأسمممالية كلهمما بممأخلق اليهممود الممذين‬
‫أشرفوا عليها من بدايتها – واليهممود هممم عبممده العجممل الممذهبي مممن‬
‫قديم – فإن الرأسمالية في حد ذاتها نظممام جمماهلي ‪ ..‬ومممن طبيعممة‬
‫الجاهليمممة أن تظلمممم المستضمممعفين ‪ ،‬وأن يطغمممي فيهممما أصمممحاب‬
‫السلطان علممي مممن ل سمملطان لهممم ‪ ،‬إل أن يحجزهممم عممن الظلممم‬
‫حاجز قهري ل يملكون قهرة بجبروتهم ‪.‬‬
‫ولقد اسممتخدم العمممال سمملح الضممراب ضممد جشممع الرأسممماليين‬
‫فكانوا يضربون عن العمل ويطالبون بخفض سمماعات العمممل ورفممع‬
‫الجممور ‪ 2‬وهنمما تلجممأ الرأسمممالية إلممي " جيممش العمماطلين" تشممغهم‬
‫بدريهمات قليممة مسممتغلة جمموعهم وحمماجتهم القاسممية إلممي المممال ‪،‬‬
‫لتضممغط بهممم علممي العمممال المضممربين حممتي يعممودوا إلممي أعمممالهم‬
‫صاغرين ) ومن هنا كان تشغيل المرأة بنصف أجر ‪ ،‬الذي بدأت منه‬
‫" قضية المرأة " بادئ ذي بدء ثم استفحلت فصارت قضية مساواة‬
‫كاملة في كل شئ (‬
‫لذلك كان الجو من أول لحظة بين الرأسماليين والعمال هممو جممو‬
‫العداء والصراع ل جو المودة والتراحم ‪ ،‬فلم يكن مممن المتصممور أن‬
‫يتحممرك ضممميرا الرأسممماليين بالشممعور بالمسممئولية تجمماه أولئك "‬
‫العداء" الذين يريدون أن ينقصمموا مممن أربمماحهم بالمطالبممة بخفممض‬
‫ساعات العمل ورفع الجور تارة ‪ ،‬والضممراب عممن العمممل وتعطيلممه‬
‫تارة أخري !‬
‫ولم يشعروا بهذه المسئولية عن طيب خاطر أبممدأ فممي يمموم مممن‬
‫اليام ! إنما كانوا يتراجعوا عن مواقعهم خطموة خطموة تحمت تممأثير‬
‫التهديد المسممتمر ‪ ..‬وكممل ممما قممامت بممه الرأسمممالية مممن ضمممانات‬
‫للعاطلين إنما كان تحت تهديدين عظيميممن ‪ :‬تهديممد الضممراب الممذي‬
‫يصيبهم بقدر من الخسائر اكبر مما يتنازلون عنه من فائض أرباحهم‬
‫للعمال ‪ ،‬وتهديد الشيوعية !‬

‫تقول الشيوعية إن هذا من طبيعة الراسمالية ذاتها ‪ ،‬ول علقة له بالخلق لن الرأسمالي بطبعه محب للربممح ‪ ،‬سمماع‬ ‫‪1‬‬

‫إليه كما تسعي القطعة إلي أكل الفأر !! ونقول نحن إنه ليس من طبيعة الرأسمالية في ذاتها ‪ ،‬إنما هو مممن طبيعممة "‬
‫النسان" حين يطغي ‪ ،‬أي حين ل يلتزم بشرع الله ومنهجه ‪ ،‬وقد كان القطاع علي نفس الوجهه من قبل مممع اختلف‬
‫الصورة الظاهرية ‪ ،‬فكان القطاعي يسعي إلمي الربمح علمي حسماب إنسمانية العبيمد وكرامتهمم وجهمدهم وإن تظماهر‬
‫بمالعطف " البموي " علمي " رعايماه " ! يقمول رب العمالمين ‪ " :‬كل ! إن النسمان ليطغمي أن رآه اسمتغني" ) سمورة‬
‫العلق ‪ (7-6 :‬ويقول ‪ ":‬إن النسان لربه لكنود ‪ ،‬وإنه علي ذلك لشهيد ‪ .‬وإنه لحب الخير لشديد " ) سممورة العاديممات ‪:‬‬
‫‪ (8-6‬إما المؤمنون فلهم صفات أخري سواء كانوا يعيشون في مجتمع رعوي أو زراعي أو صناعي أو خلف ذلك !‬
‫مازالوا يطالبون إلي هذه اللحظة !!‬ ‫‪2‬‬
‫وشيئا فشيئا أخذت هذه الجاهلية تعدل مواقفها من " حق العمل‬
‫" سواء علي مساوي الدولة أو مسممتوي الرأسمممالية الحممرة ‪ ،‬حممتي‬
‫قبلت أخيرا مبدا المسئولية وإن لم تقم به كامل إلي هذه اللحظة ‪.‬‬
‫وثمممة صممعوبة أخممري تفممق أمممام حممق العمممل الشممامل فممي‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬هو أن العمال بالطريقة التي تقوم بهمما الرأسمممالية ل‬
‫تتسع لكل اليدي الراغبة في العمممل أو القممادرة عليممه ‪ ،‬خاصممة وأن‬
‫التقدم " التكنولوجي " يزيد باستمرار من قممدرة اللممه علممي النتمماج‬
‫ويخفض من عدد اليدي اللزمة لدارتهمما ‪ ،‬فتحممدث زيممادة مسممتمرة‬
‫في اليدي العاملة الفائضممة عممن الحجممم الممذي يحتمماج العمممل إيممه ‪،‬‬
‫وتتعقد المشكلة باسمرار ‪.1‬‬
‫التوفيممق بيممن الطبقممتين المتصممارعتين فممي المجتمممع الرأسمممالي‬
‫وهما طبقة العمممال ) أي الشممعب !( وطبقممة الرأسممماليين ‪ ،‬قممامت‬
‫بجهد متواصل حتي قممررت حممق العمممل مممن حيممث المبممدأ وجعلممت‬
‫الدولة ترضي بتحمل مسئوليتها في هذا الشأن ‪.‬‬
‫وحيممن نقممول " الديمقراطيممة " فنحممن نقصممد فممي الواقممع كفمماح‬
‫الطبقممة المظلومممة تمنممح الحقمموق للراغممبين ! وإل فممإن النظممام‬
‫البرلماني في ذاته وهو أداة الحكم في الممديمقراطيات – لممم يتسممع‬
‫لحقوق الفقراء إل تحت القهر والضغط ‪ ..‬فإذا كممانت هممذه الحقمموق‬
‫قممد أصممبحت اليمموم سمممة مممن سمممات الديمقراطيممة فليممس لن‬
‫الديمقراطيممة ولممدت علممي هممذه الصممورة ‪ ،‬أو انهمما يمكممن أن توجممد‬
‫تلقائيا في أي بلد علي هذه الصورة ! ولكن لن صراعا حادا نشب ‪،‬‬
‫هو الذي أعطي الوضاع صورتها الراهنة ‪ ،‬ولو لم يقم ذلك الصممراع‬
‫لبقيت الديمقراطية كما كانت حكما صرفا للغنياء دون الفقراء !‪.‬‬
‫حق التعليم‪:‬‬
‫لم يصبح التعليم حقا" للشعب " في أوروبا إل بعد كفاح مرير ‪.‬‬
‫ففي ظل القطاع لم يكن للتعليم كله شأن يذكر‪ .‬ولكممن السممادة‬
‫علي أي حال كانوا يتعلمون في القصور ما يليق بهم من العلم فممي‬
‫ذلك الحين ‪ .‬يتعلمون اللتينية والغريقية والشممعر والدب ونصوصمما‬
‫من الكتاب المقدس وشيئا من الحساب وما شابه ذلممك ‪ .‬أممما أبنمماء‬
‫الشممعب فمإن تعلمموا شميئا ممن الكتماب المقممدس علمي دي راعمي‬
‫البرشية فذلك حسبهم وزيادة ! فما الذي يصنعون بالعلم وهم فممي‬
‫داخل سياج القرية أو القطاعية قد ل يفارقهمما الواحممد منهممم طيلممة‬
‫حياته إنما يتلقي الصبي منهم " ثقممافته " مممن أحمماديث الكبممار الممتي‬
‫من الحلو التي قامت بها بعض الدول المتقدمة صناعيا منح يومين عطلة بأجر بمدل مممن يموم واحمد فمي السمبوع مممع‬ ‫‪1‬‬

‫التخفيض المتزايد في ساعات العمل‬


‫يرددون فيهمما خممبراتهم التافهممة عممن الرض والمحاصمميل والضممرائب‬
‫والواجبات المفروضة عليهم وزواج فلن ممن أهممل القريمة او مموت‬
‫فلن ‪ ..‬وأقاصيص الثراء في قصر " النبيل" صاحب القطاعيممة وممما‬
‫يقيم في قصره من مأدب وولئم ‪ ،‬وممما يقممع منممه ومممن وكيلممه مممن‬
‫مظالم علي العباد !‬
‫لذلك كانت المية هي الغالبة علي" الشممعب " وكممان المتعلمممون‬
‫قلة نادرة في كل أبواب التعليم ‪ ،‬معظمهم بطبيعة الحال مممن أهممل‬
‫المدن ‪ ،‬حيث توجد المدارس ‪ ،‬وحيث أهل المدينة يحتملون نفقممات‬
‫التعليم‪.‬‬
‫ثم جاءت الثورة الفرنسية ثممم الثممورة الصممناعية فرجتمما المجتمممع‬
‫رجا وبدلتا كثيرا من أوضاعه ‪ ،‬ومن بين ما تبدل مممن هممذه الوضمماع‬
‫تدفق النازحين إلي المدينة من الريف وإقامتهم الدائمة هناك ‪.‬‬
‫وبدأ الطلب علي التعليم يتزايد لنه كان ظاهرا أن للتعليم مهمممة‬
‫يؤديهمما فممي المجتمممع الجديممد ‪ ،‬وأنممه يممؤدي إلممي تحسممين مسممتوي‬
‫المعيشة بالنسبة للمتعلمين ‪ ،‬حيث يستطيعون أن يعملمموا فممي غيممر‬
‫العمال اليدوية التي تركت للجهلة مممن العمممال الممذين ل يحتمماجون‬
‫في عملهم إلي ثقافة ول تعليم ‪.‬‬
‫وبدأت صيحات المصحلين تطالب بتعميم التعليم وتوسمميع دائرتممه‬
‫حممتي يشممم لعممددا أكممبر مممن التلميممذ والطلب وثممارت ثممائرة "‬
‫المحمافظين " فمي المجتممع وفمي المجمالس النيابيمة ذاتهما ‪ ،‬لمماذا‬
‫نتوسع في التعليم حتي يشمل أبناء الشعب ؟ إن التعليم حق لعليممه‬
‫القمموم لمكممانتهم فممي المجتمممع ‪ ،‬فهممم الممذين يقممودون ويوجهممون‬
‫ويتحملون المسئولية عن الشعب كله ‪ ..‬ثم إنهم هم القادرين علممي‬
‫دفع نفقات التعليم ‪ ،‬فل يكلفون الدولة في تعليمهم إل القليل ‪.‬‬
‫أما الفقراء فلماذا يتعلمون ؟ ما حاجتهم إلممي العلممم ؟ ومممن أيممن‬
‫لهممم النفقممات الممتي يتطلبهمما التعليممم ؟ وممما نتيجممة تعليمهممم وممما‬
‫انعكاسها علي المجتمع ؟ إنهم إن تعلموا فسسمميتنكفون أن يعلممموا‬
‫بأيممديهم المجتمممع فممي حاجممة إلممي مممن يعمممل بيممديه ‪ ،‬فكيممف نلممبي‬
‫حاجات المجتمع أن علمنا أبناء الفقراء ؟!‬
‫ثم إن العلممم يحتمماج إلممي أخلق ! وأبنمماء الفقممراء ل أخلق لهممم !‬
‫وسيهبط المستوي الخلقي في المدارس بسبب دخول أبناء الفقراء‬
‫‪ ،‬فل يصبح لئقا بأبناء العلية الذين يتعلمون وحدهم تقريبا فممي ذلممك‬
‫الحين – فكيف يتلقي أبناء العليممة حظهممم الضممروري مممن العلممم إذا‬
‫فتحت المدارس " للغوغاء ط ؟‬
‫وحتي المستوي العقلي ل يمكن أن يكون واحدا بين ابناء الغنياء‬
‫وأبنمماء الفقممراء ‪ ،‬وسمميهبط المسممتوي التعليممم بسممبب دخممول أبنمماء‬
‫الفقراء الذين يتسمون بالغباء والتخلف العقلممي لنهممم مممن الطبقممة‬
‫الدنيا ! ولو كانوا أذكياء ما بقوا في تلممك الطبقممة ‪ ..‬وإنممما هممم بقمموا‬
‫هناك لعجزهم العقلي والنفسي الذي ل يمكن شفاؤه !‬
‫وشيئا فشيئا تراجعت " الرسممتقراطية " عممن أفكارهمما ومواقفهمما‬
‫ووافقت علي توسيع دائرة التعليم حتي يتسع لعممدد أكممبر مممن أبنمماء‬
‫الشعب ‪ ،‬وإن كانت عقبة التمويل ظلممت توضممع امممام كممل مطممالب‬
‫بتوسمميع التعليممم ‪ ،‬لكممي يكممف عممن المطالبممة الممتي تقلممب بممال‬
‫الستقراطية وتهددها بأن تنزع منها تفردها وتميزها ‪.‬‬
‫وجاء اليوم الذي طالب فيه الطالبون بجعل التعليم إجباريمما علممي‬
‫نفقة الدولة واحتدمت معركة حامية حول هذا الشممأن لممم تهممدأ مممن‬
‫قريب ‪.‬‬
‫اعترض بعضهم بأن الميزانية ل يمكن أن تكفي ولممو حممولت كلهمما‬
‫للتعليم !‬
‫واعممترض بعضممهم بممأنه ل توجممد المبمماني الكافيممة ول المدرسممون‬
‫اللزمون !‬
‫واعممترض أخممرون بممأن مسممتوي التعليممم سمميهبط ل محممال لن‬
‫الفصول ستكتظ بالتلميذ فل يمكن توجيه العناية اللزمة إليهم ‪.‬‬
‫واعترضت الستقراطية بأنها لن تجد الخدم بعد اليمموم ولممن تجممد‬
‫العمال الذين يعلمون بأيديهم ‪ ،‬وسيعود هذا بالوبممال علممي المجتمممع‬
‫كله !‬
‫ولكن دفعة الجماهير والمدافعين عن حقمموقهم كممانت مممن القمموة‬
‫بحث تغلبت علي جميع العتراضات ‪ ،‬وتقرر حق التعليم بعد صممراع‬
‫مرير ‪ ،‬وبعد جهد جهيد بذل في التغلب علي العقبات الحقيقية كقلة‬
‫موارد الميزانية وقلة المباني وقلة المدرسين ‪.‬‬
‫واختلفت البلد في تحديد مرحلة اللزام التي تتحمل الدولممة كممل‬
‫نفقاتها ‪ ،‬هل تكون بسنوات محددة من العمل ‪ ،‬والتلميذ يحصل ممما‬
‫يحصل في تلك الفممترة بحسممب قممدرته علممي التحصمميل ؟ ام تكممون‬
‫بمستوي تعليمي معين أيا كانت السنوات التي يقضمميها التلميممذ فهمما‬
‫حممتي يكملهمما ؟ وهممل تكممون هممي المرحلممة البتدائيممة وحممدها ؟ أم‬
‫العدادية أم الثانوية ‪ ).‬ولم تدخل المرحلة الجامعية في هذا النطاق‬
‫( كما اختفلت فيما يفعل بالطالب الذي يتكرر رسوبه همل يفصمل ؟‬
‫وإذا فصل أين يذهب ؟ أم يحول إلي تعليم آخر يتناسب مع مقدرته‬
‫العقلية ‪ ..‬إلخ … إلممخ ولكممن مبممدأ التعليممم العممام الممذي تنفممق عليممه‬
‫الدولة تقرر علي أي حال ‪.‬‬
‫وحيممن كممانت هممذه المعركممة علممي أشممدها كممانت معركممة المممرأة‬
‫تلحقها !‬
‫فحيممن تقممرر مبممدأ التعليممم العممام كممان الحممديث فيممه عممن الولد‬
‫فقط ‪ ..‬أما البنات فيتعلمن – نعم – إن شئن لكن عن نفقة أبائهن ‪،‬‬
‫ول تتحمل الدولة نفقات تعليمهن كلهن !‬
‫ولكن المطالبين بحقوق المممرأة كممانوا ل يتوانممون عممن الملحظممة‬
‫‪،‬وعن طلب المساواة مع الرجل في كل شئ !‬
‫ومن ثم فقد شمل التعليم العام النبمات فمي آخمر الممر ‪ ،‬ووضمع‬
‫لهن ذات المناهج المعدة للبنين وكان بعد ذلك ممما كممان مممن دخممول‬
‫الجامعة والختلط والمطالبة بحق العمل كالرجال سواء !‬
‫وأيا يكن المر فقد اتسمت الديمقراطيممة بتلممك السمممة ‪ ،‬وأصممبح‬
‫التعليم العام المجاني معلما من معالم الديمقراطية ‪ ،‬ولكممن ينبغممي‬
‫أن نذكر في كل مرة أن صممراع الجممماهير وضممغطهم المسممتمر هممو‬
‫الذي وسم الديمقراطية بتلك السمة في النهاية ‪ ،‬ولممم تكممن كممذلك‬
‫من مبدئها ‪ ،‬ول كان فمي نيمة القمائمين عليهما أن تصمبح كمذلك فمي‬
‫نهاية الطريق !‬
‫الحقوق السياسية‪:‬‬
‫حق النتخاب – حق الترشيح‪ -‬حرية الكلم – حرية الجتماع – حق‬
‫الحتجاج‬
‫مع نمو الديمقراطية نمممت الحقمموق السياسممية للشممعب ‪ .‬بممل إن‬
‫الحقوق السياسية هي في الواقع أبممرز السمممات الديمقراطيممة فممي‬
‫صورتها النهائية التي استقرت عليها ‪.‬‬
‫وخلصة الحقوق السياسية أن يكون للشعب حق الشراف علممي‬
‫الحكومة وتوجيهها وحق نقممدها والعممتراض علممي أعمالهمما ‪ ..‬ويتخممذ‬
‫ذلك صورتين متكاملين إحمداهما همي التمثيمل النيمابي ويحموي حمق‬
‫النتخاب وحق الترشمميح لممدخول البرلمممان ‪ ،‬والثانيممة حممق الجتممماع‬
‫وإبممداء الممرأي خممار البرلمممان ‪ ،‬ويشمممل الصممحافة والجتماعممات‬
‫السياسية والمظاهرات السلمية التي تقام للمطالبة بممأمر معيممن أو‬
‫الحتجاج علي أمر معين ‪ ..‬وكل هذه المور لممم يكممن للشممعب منهمما‬
‫نصممميب علمممي الطلق قبمممل الديمقراطيمممة ‪ ،‬وحمممتي حيمممن بمممدأت‬
‫الديمقراطية تتخذ شكل التمثيل النيابي فممإن " الشممعب " لممم يكممن‬
‫ممثل هناك ‪ ،‬ول كان مسموحا له أن يلج هذا الميدان رغم ممما كممان‬
‫مكتوبمما فممي ديباجممات الدسمماتير مممن عبممارات " الحريممة والخمماء‬
‫والمساواة !" إنما نال الشعب كل ذلك العممرق والممدماء والممدموع !‬
‫بالسجن والتشريد والضطهاد وجميع ألوان المحاربة والمعارضممة ‪..‬‬
‫فلما ثبممت المطممالبون وألحمموا فممي الطلممب وصمممدوا أمممام الضممغط‬
‫أخذوا يحصلون رويدا رويدا علي كل هممذه الحقمموق ‪ ،‬حممتي أصممبحت‬
‫اليوم أمرا مقررا في الديمقراطية ‪ ،‬بل أصبحت هي السمة البارزة‬
‫لهذا اللون من الحكم‪.‬‬
‫وفي ابتداء الديمقراطية كانت العملية كلها تكاد تكون وفقا علممي‬
‫الغنياء ! فقد كان ينممص نصمما صممريحا علممي أن المرشممح ينبغممي أن‬
‫يكون مالكا لنصاب مالي معيممن ‪ ،‬وأن يثبممت ذلممك بإثباتممات رسمممية‬
‫حتي يباح له أن يدخل المعركة النتخابية ‪.‬‬
‫وفضل عن ذلك فإن نفقات الدعاية النتخابية كانت – ومممازالت –‬
‫في طوق الغنياء وحدهم دون الفقراء ‪ ،‬كممما أن النمماخبين أنفسممهم‬
‫كانوا خاضممعين لقيممود تجعممل عممددهم ضممئيل وفرصممة التممأثير عليهممم‬
‫بشتي الوسممائل ) حممتي شممراء الصمموات بالممال !( فرصممة كممبيرة ‪،‬‬
‫لذلك كان " نواب الم " أبعد ما يكونون عن تمثيل المة في حقيقة‬
‫‪1‬‬
‫المر !‬

‫ورويدا رويدا – تحت تأثير الحتجاج المستمر من " الشعب " بكل‬
‫وسممائل الحتجمماج – خففممت القيممود علممي النمماخبين والمرشممحين‬
‫كليهما ‪ ،‬فظل النصاب المالي يخفف عمن المرشمحين وألغمي إلغماء‬
‫كامل عن الناخبين مع تخفيض السن التي يجوز فيها الترشيح والتي‬
‫يجوز فيها النتخمماب حممتي صممارت الن إحممدي وعشممرين سممنة لهممذا‬
‫وذاك في معظم بلد الرض ‪.‬‬
‫وقد استغرق هذا زمنا طويل حتي تقمرر ‪ ،‬كمما احتماج إلمي نضمال‬
‫مسممتمر ‪ ،‬مممع التعممرض الممدائم للمتمماعب حممتي أصممبح اليمموم مممن‬
‫البديهيات المقررة الممتي ل تحتمماج إلممي ذكممر ‪ ،‬فأصممبح مممن حممق أي‬
‫إنسممان بلممغ إحممدي وعشممرين سممنة أن يكممون لممه صمموت انتخممابي‬
‫بشرطين أثنين ‪ ،‬الول أن يكون مقيممدا فممي الممدائرة الممتي يريممد أن‬
‫يدلي فيها بصوته والثاني أل يكون قد صممدر ضممده حكممم فممي قضممية‬
‫مخلة بالشرف والشرف في عرفهم ل يتعارض مع الباحية الجنسية‬
‫بطبيعة الحال ول مممع العربممدة والمجممون ! إنممما يتعممارض فقممط مممع‬
‫الغتصاب ومع السممكر الممذي تصممحبه جريمممة ! كممما تعتممبر السممرقة‬
‫ستناقش مدي التمثيل الحقيقي فيما يلي من هذا الفصل‬ ‫‪1‬‬
‫والغش والحتيال ‪ ..‬إلخ جرائم مخلفة بالشرف ( كما أصبح من حق‬
‫أي إنسان بلغ هذه السن ويجيد القراءة والكتابممة ولممم يصممدر ضممده‬
‫حكممم فممي قضممية مخلممة بالشممرف أن يرشممح نفسممه للبرلمممان ) ول‬
‫ننسي أن المرأة ظلت تلحق الرجل في همذه الحقموق حمتي نالتهما‬
‫في كثير من الديمقراطيات في الفترة الخيرة (‬
‫وفي داخل البرلمان توضع كممل الضمممانات الممتي تتيممح للعضممو أن‬
‫يعبر عن رأيه ‪ ،‬وأن ينتقد الحكومممة سممواء اعضمماؤها أو رئيسممها بممما‬
‫شاء من وسائل النقد وعباراته إل أن يكمون سممبب شخصميا صمريحا‬
‫… ويحاط العضو " بالحصانة البرلمانية " التي تكفل عدم محاسممبته‬
‫علي أي عبارة يتفوه بها داخل البرلمان ) ما تكن سببا شخصيا كممما‬
‫قلنا ( وإن كان يحق للحكومة أن تطلب من البرلمان رفع الحصممانة‬
‫البرلمانية عن أحد العضاء إذا رأت أنه تجاوز الحريممة المباحممة لممه ‪،‬‬
‫وعندئذ يقدم للمحاكمة إذا وافق البرلمان علي الحصانة عنه ) وقممد‬
‫يكتفي بتأديبه بمنعه من حضور عدد مممن الجلسممات أو يطممرد نهائيمما‬
‫من البرلمان وتخلو دائرة للنتخاب فيها من جديد(‬
‫وبهذه الضمانات يملك العضو – نظريا علي القل – حرية واسممعة‬
‫وإمكانية ضخمة لتوجيه الحكومة إلممي الطريممق الممذي يممري أنممه هممو‬
‫الصواب ‪ ،‬ويملك البرلمان في مجموعة ‪ -‬نظريا كذلك علي القل –‬
‫سلطة توجيه الحكومة وتقييد تصرفاتها وجعل الشعب حارسا علممي‬
‫هذه التصرفات ‪.‬‬
‫أما في خارج البرلمان فالحقوق السياسية تتضمن حريممة التعممبير‬
‫عن الرأي – بكل وسائل التعبير – وحرية النقد وحرية الحتجاج ‪.‬‬
‫فأما التعبير عن الرأي سواء بالتأييممد أو المعارضممة فيأخممذ صممورة‬
‫النتماء الحزبي ‪ ،‬أي حرية أي إنسان في النتماء إلي أي حزب مممن‬
‫الحزاب القائمة – مادامت ليست محظورة بأمر القانون – والكتابة‬
‫في الصحف ) ووسائل العلم الخري في البلد التي تكون الذاعممة‬
‫والتلفزيممون فيهمما مملمموكين لشممركات وهيئات وليسمما مملمموكين‬
‫للحكومممة ‪ ،‬كممإنجلترا وفرنسمما وأمريكمما ( والخطابممة فممي المنتممديات‬
‫العامة والخاصة ‪ ،‬والشتراك في مظاهرة سلمية بعد الحصول علي‬
‫إذن من السلطات بقيام المظاهرة ) وكممثيرا ممما تقمموم المظمماهرات‬
‫بغير إذن ! وعندئذ تتصرف السلطة بما تراه مناسبا ‪ :‬إما أن تعترف‬
‫بالمر الواقع إذا رأت أنه ل ضرر من المظاهرة وإما أن تصطدم بها‬
‫وتفرقها وتقبض علي بعض زعمائها وتقدمهم للمحاكمة !(‬
‫وأممما الحتجمماج فيأخممذ صممورة الضممراب عممن العمممل وتشممكيل‬
‫المظاهرات ‪ ،‬وهو نوع من التعبير عن الرأي علي أي حال وإن كان‬
‫أكثر خشونة من سابقة ‪ ،‬لنه يتجاوز النقد إلي الحتجاج ‪.‬‬
‫ويشمل هذا وذاك حرية الجتماع ‪ ،‬أي حق الناس في أن يجتمعوا‬
‫في أي مكان ليتدارسمموا أمممرا معينمما أو ليبممدوا رأيهممم فممي موضمموع‬
‫معين أو لينتقدوا تصممرفا معينمما مممن تصممرفات الحكومممة أو ليحتجمموا‬
‫علي شئ من ذلك كله ‪.‬‬
‫وتكون الجتماعات عادة في مقار الحزاب ‪ ،‬وهذا ل تحتماج عمادة‬
‫إلي طلب تصريح من السلطة مادام الحمزب مصمرحا بمه أصمل ‪ ،‬إل‬
‫أن يكون دعوة عامة إلي مؤتمر أو اجتماعمما مكثفما فممي مكممان غيمر‬
‫مقر الحزب ‪ ،‬أو أوسع من المقر بحيث يشمممله ويشمممل امتممداد لممه‬
‫في الطريق العام ‪.‬‬
‫أو تكون في الجامعات أو في قاعات المحاضرات العامة ‪ ،‬أو في‬
‫الطريق العام ‪ ،‬وهذه تحتاج إلي تصريح مسبق من السلطات ‪.‬‬
‫وكل هذه الحريات ‪ ،‬التي أصبحت اليمموم مممن البممديهات المقممررة‬
‫فممي الديمقراطيممة لممم تكممن كممذلك يمموم بممدأت الديمقراطيممة فممي‬
‫الظهممور ‪ ،‬بممل كممانت القيممود شممديدة جممدا والحريممات ضممئيلة ‪ ،‬فل‬
‫الصحافة كانت تملك الحرية الواسعة في النقد ‪ ،‬ولحريممة الجتممماع‬
‫كانت قائمة ‪ ،‬ول حرية الحتجاج ‪ ،‬إنما فرض " الشممعب " كممل ذلممك‬
‫فرضمما علممي الحكومممات بالضممغط المسممتمر واللحمماح الممدائب ‪،‬‬
‫والتعرض للسجن والعقال والترشيد ويحفل التاريخ " الممديمقراطي‬
‫" ! بألوان من الضطهاد ذاقها المدافعون عممن هممذه الحقمموق حممتي‬
‫أصبحت أمرا مقمررا و " تقاليمد " مرعيمة فمي المديمقراطيات ‪ .‬وإل‬
‫فقد كان كل نقد حاد في الصحف يعتبر خروجا علي القانون تصممادر‬
‫الصمممحيفة ممممن أجلمممه ويمنمممع صمممدورها ويحبمممس محمممرر المقمممال‬
‫والمسئولون عن الصحيفة بسممببه ‪ ،‬وكممان كممل اجتممماع يعتممبر شممغبا‬
‫ويفرق بالقوة ‪ ،‬وكانت المظاهرات تعتبر عمل غير مشممروع يعمماقب‬
‫عليه بالسجن أوالعتقال أي مدة من الزمن دون محاكمة !‬
‫واحتاج المممر إلممي ضممغط البرلمانممات وضممغط الخطبمماء والكتمماب‬
‫لتعديل القوانين التي تبيح ذلك كله ‪ ،‬وتقييد يد الحكومة في التنكيل‬
‫باعدائها السياسيين أو بالشعب عامممة ‪،‬حممتي " تعممودت" الحكومممات‬
‫ان تستمع للنقد وهي ساكتة ن وأن تترك لمطاردتهم أو كفهممم عممن‬
‫الحتجاج والعتراض ‪.‬‬
‫وإذا قلنمما أن مممائة سممنة علممي القممل مممن النضممال المسممتمر قممد‬
‫استغرقت حتي وصلت بالمر إلي صورته الحاليممة ل نكممون مبممالغين‬
‫في ذلك ‪ ،‬فإننا ما نزال نري ذيول للمعركة حتي وقتنا الحاضر رغممم‬
‫كل ما قررته الديمقراطيات من الحريممات ‪ ،‬كمان آخرهما مظماهرات‬
‫العنف في فرنسا منذ سنوات ‪ ،‬وما تقوم به الحزاب الشيوعية من‬
‫المعارضة العنيفة في كل بلد ديمقراطي سمح للحممزاب الشمميوعية‬
‫فيه بالنشاط !‬
‫وبصرف النظممر عممن اتجمماه الحريممة فممي البلد الديمقراطيممة ‪ 1‬فل‬
‫شك أن الحرية السياسية من أبرز ما تشممتمل عليممه الممديمقراطيات‬
‫ومن أهم ما تشتمل عليه ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أما الضمانات الممتي كسممبها الشممعب فممي ظممل الديقراطيممة فهممي‬


‫ضمانات التهام ‪ ،‬وضمانات التحقيق ‪،‬وضمانات الحكممم ‪ ،‬وضمممانات‬
‫التنفيذ ‪ .‬ولنقل كلمة سريعة عن كل منها لنصممف بعممد ذلممك موقممف‬
‫‪.‬الديمقراطية منها‬
‫أممما ضمممانة التهممام فمقتضمماها أل يؤخممذ النمماس بالظنممة وأنهممم ل‬
‫يحبسون ول يعتقلممون إل بمقتضممي تهمممة حقيقيممة تسممتوجب ذلممك ‪.‬‬
‫وليس معناها بطبيعممة الحممال أن كممل مممن اعتقممل أو حبممس لبممد أن‬
‫يكون مجرما بالفعل ‪ ،‬فقد يظهر التحقيق براءته فيفرج عنممه ‪ ،‬إنممما‬
‫معناها فقط أنه لبمد أن تكمون هنمماك قرينممه أو شمبهة حقيقمة علمي‬
‫القل في أنه ارتكممب محرممما بنممص القممانون ‪ ،‬وليممس لمجممرد أنممه "‬
‫ضايق" الحكومة بعمل من العمال فتنتقم منه بالحبس أو العتقال‬
‫!‬
‫وأما ضمانة التحقيق فمقتضاها أل تستخدم مع المتهم أية وسمميلة‬
‫من وسائل الضغط لحمله علي العتراف بما ل يريد أن يعممترف بممه‬
‫سواء كان الضغط بالتهديد أو بالغراء ) كأن يقممال لممه إذا اعممترفت‬
‫فسنخفف عنك العقوبة أو سنطلب سراحك ‪ ،‬ويكون هذا لليقاع بممه‬
‫‪ ،‬أو لستخلص معلومات معينة منه (‬
‫وأما ضمانة الحكممم فهممي أن يحكممم علممي المتهممم بالعقوبممة الممتي‬
‫يقررهمما القممانون بل زيممادة ‪ ،‬ويكممون للمحكمموم عليممه حممق اسممتئناف‬
‫الحكم ونقضه إذا رأي أنه مجحف به ‪.‬‬
‫وأما ضمانة التنفيذ فهي أن تنفذ العقوبة التي قررتها المحكمة بل‬
‫زيادة ‪ ،‬ويكون للمحكوم عليه حق الحتجاج علي أي زيادة يري أنهمما‬
‫وقعت عليه بغير وجه حق ‪.‬‬
‫سنتكلم عن " اتجاه الحرية " حين نناقش الوجه الخر للديمقراطية فيما يلي من هذا الفصل‬ ‫‪1‬‬
‫وككممل شممئ فممي الديمقراطيممة لممم يحصممل الشممعب علممي هممذه‬
‫الضمممانات فممي يسممر ‪ ،‬ول كمانت مممن مقممررات الديمقراطيممة حيممن‬
‫قامت في البدء ‪.‬‬
‫فقممد كممانت الديمقراطيممة قائمممة – فممي أول عهممدها – والشممعب‬
‫مطارد مضطهد بل ضمانات تحميه !‬
‫كان من حق الشرطة أن تقبض علي أي إنسان وتودعه السجن ‪،‬‬
‫وكممان ذلممك فممي الغممالب لحممدي " جريمممتين " الفقممر أو معارضممة‬
‫الحكمة! فأما الفقر فقد كان يبيح للشرطة القبض علممي أي إنسممان‬
‫بتهمة " التشرد !" وعليه هو أن يثبت ما يخالف ذلك ! وليممس علممي‬
‫الشرطة أن تثبت " الجريمة " ! فالشممبهة كافيممة والقممانون – الممذي‬
‫وضعه الغنياء –يوافق علي ذلك ! ويجعل الناس متهمين حتي تثبت‬
‫براءتهم ‪ ،‬وذلك حتي يكون " الفقراء " تحت تهديد دائم يمنعهم من‬
‫الخروج عن الدب اللئق في حق الغنياء !‬
‫وأما معارضة الحكومة فيالها من جريمة تبيممح السممجن والعتقممال‬
‫والتشريد ! وما أيسر التهمة ! التحريض علي قلب نظام الحكم ‪ ،‬أو‬
‫التحريض علي كراهية النظام‪ ،‬او العيب في أي ذات مممن الممذوات "‬
‫المقدسة " التي ل يجوز العيب فيها !‬
‫وجاهد الشعب ‪ ،‬وجاهد أحار الفكر جهادا طويل مضممنيا مممن أجممل‬
‫تغيير هذه الوضاع كلها ‪ ،‬حتي تقرر في الدساتير أول ثم في الواقع‬
‫العملي بعد ذلك أن " المتهم برئ حتي تثبت إدانتممه " وليممس مممدينا‬
‫حتي تثبت براءته كما كان الحممال مممن قبممل … وسممعي المجاهممدون‬
‫إلي إبطال حق الحكومة في القبض والعتقممال دون سممبب ظمماهر ‪،‬‬
‫وأصبح من المقممرر الن أنممه فممي خلل مممدة محممددة مممن العتقممال‬
‫تتراوح بين يمموم واحممد وأربعممة أيممام فممي بعممض البلد لبممد أن يقممدم‬
‫المتهم للتحقيممق بتهمممة واضممحة محممددة ‪ .‬وحينئذ تحمموطه ضمممانات‬
‫التحقيق وهي تشتمل علي حقه فممي أن يطلممب حضممور محممام عنممه‬
‫أثناء التحقيق لضمان عدم الضغط عليه بالتهديد أو الغممراء ‪ .‬وحقممه‬
‫في أل يريد علممي سممؤال المحقممق دون أن يتعممرض مممن أجممل ذلممك‬
‫للتعذيب ‪ ،‬وحق المحامي في أن ينبممه المتهممم فممي أثنمماء اسممتجوابه‬
‫إلي عدم الممرد علممي سممؤال معيممن باعتبممار أن المحممامي أدري منممه‬
‫المزالق القانونية المتي يمكمن أن يسمتدرجه المحقمق إليهما دون أن‬
‫يلتفت إلي خطورتها عليممه ‪ ..‬وباختصممار أن تكممون الدلممة الماديممة أو‬
‫القرائن هي عماد التحقيق ‪ ،‬وليس سحب العترافممات مممن المتهممم‬
‫عن أي طريق !‬
‫وتعتبر هذه الضمانات اليوم من مقاييس التحضر النساني ‪ ،‬وهي‬
‫جديرة بأن تكون كممذلك ‪ ،‬فممإن معاملممة المتهممم تكتشممف عممن مممدي‬
‫احترام إنسانية النسان ‪ ،‬وليس مقياس النسانية هو معاملة السيد‬
‫للسيد أو الند للند فهنا تتحكم عوامل أخممري غيممر احممترام النسممانية‬
‫في ذاتها ‪ ،‬إنما معاملة " الضعيف " أيا كان سممبب ضممعفه ‪ ،‬وسممواء‬
‫كممان ضممعفه عارضمما – كممالمتهم – أو دائممما كممالفقير والمسممكين‬
‫واليتيم ‪..‬إلخ ‪ ،‬هي المتي تكشمف ‪ ،‬لن القمموة هنمما تغممري بالسمتبداد‬
‫بالضعف ‪ ..‬فإذا امتنع القوي – أيمما كممان سممبب قمموته ‪ ،‬سممواء كممانت‬
‫قوته عارضممه – مممن جمماه المنصممب – او دائمممة – بسممبب آخممر – إذا‬
‫امتنع عن إيذاء الضعيف واضطهاده وإذللة ‪ ،‬فلن يمنعه إل الشممعور‬
‫" النساني " وإل احترام إنسانية النسان ‪ ..‬فممإذا كممان الممذي يمنعممه‬
‫فقط هو القانون ‪ ،‬فالقانون إذن يحمل فمي طيماته احمترام إنسمانية‬
‫النسممان ‪ ،‬حممتي لممو كممان الممذين ينفممذونه يفتقممرون إلممي الشممعور‬
‫بالنسانية ‪ ..‬ومعاملة المتهم بالذات قد تكون اكثر دللة من غيرها ‪،‬‬
‫لن الضعف البرئ الذي لذنب له قد يجد من براءته سممندا للعطممف‬
‫عليه عند ذوي القلوب الرحيمة‪ ،‬أما المتهم فشبهة الدانة تحمموطه ‪،‬‬
‫وشبهه استحقاقه للعقوبة قائممة ‪ ،‬فممإذا وجممدت النفممس الشممريرة ‪،‬‬
‫المتجبرة بالقوة وبالسلطان ‪ ،‬وإذا وجد الحقممد الشخصممي بالضممافة‬
‫إلي ذلك ‪ ،‬كان النممزلق إلممي اليممذاء والتعممذيب هممو الكممثر توقعمما ‪،‬‬
‫وكذلك كان الحال في التاريخ كله في عود السبتداد ! المتهم يؤخذ‬
‫بالشبهة ثم ينكل به تنكيل دون مبرر حقيقممي إل شممهوة السممتبداد !‬
‫والشبه هي مجرد خمموف " السممادة" عممي سمميادتهم ‪ ،‬ورغبتهممم فممي‬
‫إحاطة انفسهم بسياج يحفظ لهم هذه السيادة ! ويستوي في ذلممك‬
‫أن يكونوا حكاما ) فتكون القضية سياسية ( أو اغنياء فقط ) فتكون‬
‫القضية جنائية عادية(‬
‫فوضع القيد الذي يقيد السادة فيمتنعون أو يمنعممون عممن تعممذيب‬
‫المتهم والتنكيل به ‪ ،‬هو تقرير لجانب من جوانب إنسانية النسممان ‪،‬‬
‫يحسب ل شك فممي الميممزان ‪ ،‬لكممن الممذي ينبغممي أن نممدركه هممو أن‬
‫السادة لم يضعوا هذا القيد من تلقماء أنفسمهم ‪ ،‬إنمما أكرهموا علمي‬
‫قبوله إكراها بالضغط المسممتمر عليهممم ‪ ،‬واللحمماح فممي المطالبممة ‪،‬‬
‫واللحاح في كشف خبيئة نفوسهم الخبيثة ‪ ،‬بصورة تهدد سمملطانهم‬
‫علي الناس ! فإن السلطان – حتي سلطان الجبممابرة –يقمموم دائممما‬
‫علي قدر من الحترام ‪ ،‬فإذا ذهب الحتراف من النفمموس صمعب أو‬
‫استحال استمرار السادة في سيادتهم وطغيانهم مهما كان لهم من‬
‫جبروت ‪.‬‬
‫والذي فجرته الثورة – التي انطلق فيهمما رد الفعممل عممن المظممالم‬
‫التي استمرت أكثر من ألف عام – كان هو إزالة القداسة عممن ذوي‬
‫القداسة ‪ ،‬سواء مممن رجممال القطمماع أو مممن رجممال الممدين ‪ ،‬فلممماء‬
‫جاءت الطبقة " المقدسة" الجديممدة وهممي الطبقممة الرأسمممالية لممم‬
‫تجد الطريق ممهدا علي نفس الصورة التي كان عليها القطاع مممن‬
‫قبل ‪ ،‬بل وجدت الثوار – سواء بأفكارهم أو بأعمالهم – يقفممون لهمما‬
‫بالمرصاد ‪ ،‬ويثيرون السخرية من أعمالهمما فممي النفمموس ‪ ،‬فتنممازلت‬
‫شيئا فشيئا عن كثر من مظاهر قداستها ) وإن كانت ممما تممزال بعممد‬
‫‪1‬‬
‫تملك الكثير!(‬
‫أما ضمانات المحاكمة –بعممد ضمممانات التهممام والتحقيممق – فهممي‬
‫حق المتهم في إقامممة محممام يقمموم بالممدفاع عنممه أمممام المحكمممة ‪،‬‬
‫يختاره بنفسه إذا اكن يملك دفع " اتعابه " ) أي الجر الذي يتقاضاه‬
‫مقابل الدفاع عن المتهم ( أو تنتدبه له المحكم مجانا إذا كان فقيرا‬
‫ل يملك دفع التعاب ‪ .‬وحقه في المتناع عممن الممرد علممي أي سممؤال‬
‫توجهه المحكمة إليه ‪ ،‬وحق المحامي في منعه من الجابة علممي أي‬
‫سؤال يري من معرفتممه بالقممانون أن الجابممة عليممه تضممر بممالمتهم ‪،‬‬
‫وحقه فممي اسممتدعاء الشممهود الممذين يممري أن شممهادتهم تنفعممه فممي‬
‫قضيته ‪ ،‬وحق المحامي في طلب التأجيل للسممتعداد و المزيممد مممن‬
‫الدراسة او لتقديم أدلة جديد ‪ .‬ثم حق المتهم في استثناء الحكم إذا‬
‫رأي أنه جار عليه أو أوقع عليه جزاء ل يستحقه ) ويقابله حق النيابة‬
‫في استئناف الحكم إذا رأت أنه أقل مما يستحقه المتهم (‬
‫وأممما ضمممانات التنفيممذ فهممي أول تنفيممذ العقوبممة الممتي قررتهمما‬
‫المحكمممة دون زيمادة عليهمما ‪ ،‬وثانيمما حسممن معاملممة المجممرم داخممل‬
‫السجن في فترة العقوبة ‪ ،‬فل توقع عليه عقوبة بدنيممة ول إهانممة إل‬
‫نتيجة إخلله بنظام السجن ‪ ،‬الذي تتضمنه لئحة معينة تحممدد علقممة‬
‫السجن بسجانيه ‪ ،‬وتوفر له الرعاية الطبية إذا مرض ‪ ،‬ويكممون مممن‬
‫حقه الشكوي من إدارة السجن إلي النيابة العامة ‪ ،‬ومقابلة محامية‬
‫في السجن إذا عن له ممما يسممتدعي ذلممك ‪ ،‬وزيممادة أهلممه لممه زيممادة‬
‫دورية ‪ ..‬وتطور المر الن في بعض السجون إلي السماح للسممجين‬
‫بزيارة أهله في منزله في فترات محددة ‪ ،‬حيث يقضي ساعات بين‬
‫زوجته وأطفاله – تحت الحراسة – ثم يعود إلي السجن !‬
‫تلممك خلصممة الحقمموق والضمممانات الممتي منحتهمما الديمقراطيممة‬
‫سنتكلم عن ذلك في مناقشة الديمقراطية‬ ‫‪1‬‬
‫للشمممعب ‪ ،‬أو بمممالخري استخلصمممها الشمممعب لنفسمممه فمممي ظمممل‬
‫الديمقراطية ‪ ،‬والتي أصبحت اليوم هي مضمون الديمقراطيممة فممي‬
‫‪1‬‬
‫نظر الغرب‬
‫وإذا نظرنا إلي حال " الشممعب " فممي ظممل القطمماع فل شممك أن‬
‫الديمقراطية – بالصورة التي صارت إليها – كانت نقله كبيرة رفعت‬
‫الشعب من حضيض " اللشيئية " و " اللإنسانية " إلي أن يصبح له‬
‫اعتبار ‪ ،‬ويعامل – في جانب من جوانب الحياة – معاملة النسان ‪.‬‬
‫وأي مقارنة بين الحالين ستثبت علي الفور هذه النقلة ‪ ،‬وستثبت‬
‫أن النسان الوربي ‪ ،‬الخارج من ظلمات القطاع ‪ ،‬قد استمتع في‬
‫ظل الديمقراطية بجوانب مضيئة ما كانت لتخطر علي باله من قبل‬
‫‪ ،‬وما كان يتصور وجودها إل في أحلم الفلسفة الحالمين !‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكممن هممذه الصممفحة المضمميئة ليسممت هممي الصممفحة الوحيممدة‬


‫الديمقراطية " الليبرالية " كما تسمي ديمقراطية الغرب ‪ ،‬أي الممتي‬
‫تقوم علمي حريمة الفمرد فمي أن يعممل مما يشماء ‪ ،‬تحقيقما للشمعار‬
‫الشهير الذي أطلقته الرأسمالية في نشأتها " دعه يعمممل ممما يشمماء‬
‫‪ ، Laissez Faire‬دعممه يمممر مممن حيممث يشمماء ‪ laissez Passer‬والممتي‬
‫صورتها العامة هي الحرية السياسية وتعد الحزاب ‪ 2‬إنما لها صفحة‬
‫أخري قائمة شديدة القتال ‪ ،‬بمقدار ما تتلل هذه الصفحة بالنور‪.‬‬
‫والتطممبيق الممواقعي للديمقراطيممة الليبراليممة هممو الممذي يكشممف‬
‫سواتها ويحدد وزنها الحقيقي في ميزان الحق ‪.‬‬
‫حين نزلت الية الكريم " وقالت اليهود ليست النصاري علي شئ‬
‫وقالت النصاري ليست اليهممود علممي شممئ " قممال صمملي اللممه عليممه‬
‫وسلم ‪ :‬ما صدقتا إل في هذه ! أي صدقت كممل واحممدة فيممما تقممول‬
‫عن الخري ‪ ،‬وإن كذبت فيما تدعيه لنفسها من فضائل وحسنات ‪.‬‬
‫ويصممدق هممذا الم فيممما بيممن الديمقراطيممة والشمميوعية ‪ ،‬فممإن كل‬
‫منهما تصدق فيما تقوله عن الخري وإن كذبت فيما تدعيه لنفسممها‬
‫من حسنات‬
‫والشيوعية تقول في هذا الصدد أن " الذي يملك هو الذي يحكممم‬
‫" وإن " الطبقممة" الممتي تملممك وتحكممم تضممع التشممريعات لحسممابها‬
‫الخمماص علممي حسمماب الطبقممات الخممري ‪ ،‬وإنممه فممي الديمقراطيممة‬
‫سنتكلم عن مضمون الديمقراطية في نظر الشيوعيين حين نستعرض الشيوعية‬ ‫‪1‬‬

‫حين يطلق الشيوعيين علي الديمقراطيممة الغربيممة وصممف " الليبراليممة فهممم يقصممدون بممه الممذم ل المممدح ويعنممون بممه‬ ‫‪2‬‬

‫الديمقراطية التي يتمتع فيها الرأسماليون بحرية استغلل الطبقة الكادحة وسنناقش هذه النقطة بعد قليل‬
‫الليبرالية يكون المال في يد الطبقممة الرأسممالية فهممي الممتي تملمك‬
‫ومن ثم فهي التي تحكم ‪،‬وهممي الممتي تضممع التشممريعات فهممي الممتي‬
‫تملك ومن ثم فهي التي تحكم ‪ ،‬وهي الممتي تضممع التشممريعات أنممتي‬
‫تحمي مصالحها ضد مصالح الطبقة الكادحة ‪.‬‬
‫وهذه القولة صادقة إلي حد كبير وتوشممك أن تكممون صممادقة كممل‬
‫الصدق لول أن الطبقة الكادحة لم تستسلم تماممما كممما كممانت قبممل‬
‫ثورتها علي القطاع ‪ ،‬بممل قمماومت وقممامومت ‪ ..‬وحصمميلة مقاومتهمما‬
‫هي التي أحدثت الفرق بين وضعها في ظمل القطماع ووصمفها فمي‬
‫ظل الرأسمالية ‪.‬‬
‫ولكن تعال ننظممر – رغممم ذلممك – إلممي حقيقممة الواقممع ‪ ،‬ونسممأل –‬
‫بموضوعية كاملة – لصالح من تجري الحياة فممي ظممل الديمقراطيممة‬
‫الليبرالية ‪ ،‬ومن هو المستفيد الكبر ‪ ،‬ول نقول كما تقول الشيوعية‬
‫إنه المستفيد الوحيد ‪.‬‬
‫لشك أن المور تجري – في عمومها – لمصلحة الرأسماليين !‬
‫ورغممم كممل التنممازلت الممتي أكرهممت الرأسمممالية علممي تقممديمها‬
‫للشممعب فممما زال الغنممم الكممبر فممي أيممديهم ‪ ،‬والفتممات فممي يممد‬
‫الجماهير ‪.‬‬
‫ل نقول – كما تقول الشيوعية – إن المنتج الحقيقممي هممو العامممل‬
‫وإنممه هممو الممذي يسممتحق وحممدة حصمميلة النتمماج ‪ ،‬فتلممك مغالطممة‬
‫سنناقشها حيمن ننمماقش الشمميوعية فمي الفصممل القممادم ‪ ،‬ول نقمول‬
‫كذلك – كما تقول الشيوعية – إن أصحاب رؤوس الموال هممم قمموم‬
‫ل عمل لهم إل التطفل علي دماء الكادحين ‪ ،‬بينما هو ل يسممتحقون‬
‫منها شيئا عي الطلق لنهم ل يعملون بأيديهم ‪.‬‬
‫ل نقول هذا ول ذاك‪ ..‬ومع ذلك فلننظر إلي الفارق الضخم الممذي‬
‫يفممرق بيممن دخممول الرأسممماليين ودخممول العمممال ‪ ..‬هممل هممو فممارق‬
‫طبيعي ؟ هل هو فممارق عممادل ؟ هممل هممو فممارق ل يممؤثر فممي القيممم‬
‫والمبادئ المتعلقة بإنسانية النسان ؟!‬
‫كيممف جمماء هممذا الفممارق بممادئ ذي بممدء ؟ هممل هممو حقيقممة نتيجممة‬
‫العبقرية الفذة التي خص الله بها الرأسماليين وحرم منها بقية عباد‬
‫الله ؟! أم هي مغتصبة اغتصابا بوسائل غير مشروعة ؟!‬
‫هل كانت الرأسمالية عادة منذ البدء في تحديد أجور العمال ؟ أم‬
‫كان تحديدها قائما علي أسوأ نوع من أنواع استغلل ؟ وحممتي حيممن‬
‫خفضت ساعات العمل ورفعت الجور بعد الصراع المرير الذي قام‬
‫به العمال ‪ ،‬فهل حدثت العدالة النسانية الواجبة ؟‬
‫أن تضخم رؤوس الموال ينشأ ابتداء من امتصمماص دممماء العمممل‬
‫وعدم توفيتهم أجورهم ‪..‬وقد يكممون تحديممد الجممر مسممألة اجتهاديممة‬
‫تختلف من وقت إلي وقت ومن حال إلممي حممال ‪ .‬ولكممن لممه حممدودا‬
‫عامممة ل ينبغممي أن يخممرج عنهمما ‪ ،‬وهممي تمموفير " الحيمماة الكريمممة "‬
‫للنسان الذي يبذل جهده ليعيش ‪.‬‬
‫ويجي تضخم رؤوس الموال كذلك من إقامممة الحيمماة كلهمما علممي‬
‫الساس الربوي الذي يمقته الله ‪.‬‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫طمم ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلمم ِ‬‫ممما ي َُقممو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مممو َ‬ ‫ن الّرَبمما ل ي َُقو ُ‬ ‫ن َيممأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫}اّلمم ِ‬
‫ذي‬
‫َ‬ ‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّم ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ف‬ ‫سمل َ َ‬‫مما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفمانت ََهى فََلم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬‫ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬
‫م‬ ‫حّر َ‬ ‫ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫عاد فَأ ُول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِم ُ‬ ‫م ِفيهَمما َ‬ ‫ب الن ّممارِ هُ م ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫م ْ‬‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫‪ (275‬ي َ ْ‬
‫)‪] {(276‬سورة البقرة ‪[276-2/275‬‬
‫والذي قال عنه الدكتور " شاخت " اللماني في تقممرر اعممده فممي‬
‫الربعينات مممن هممذا القممرن إن نممتيجته الحتميممة هممي تممزادي رؤوس‬
‫الموال في يد فئة يتناقص عددها علممي الممدوام وزيممادة الفقممر فممي‬
‫عدد متزايد من الناس !‬
‫ويجئ تضخم رؤوس الموال أيضمما مممن إنشمماء صممناعات تافهممة ل‬
‫يحتاج إليها النسان الجاد الذي يعيش لهداف جادة ‪ ،‬بل هي تفسممد‬
‫الخلق وتميع الطبمماع وتشمغل النماس بالتفاهممات بممدل مممن شممغلهم‬
‫بآفاق الحياة العيا ‪ ..‬وكل ذلك لنهمما أكممثر ربحمما ‪ ..‬ولن دوره المممال‬
‫فيها أسرع بكثير من دورته في الصناعات الحقيقة التي تؤدي هممدفا‬
‫جادا في حياة النسممان ‪ ..‬كصممناعة السممينما وصممناعة أدوات الزينممة‬
‫والتفنن في " المودات ط سواء مودات الملبس أو مممودات الثمماث‬
‫في البيوت أو مودات السيارات في الطريق ‪.‬‬
‫تلممك أدوات التضممخم الرأسمممالي أو هممذه أبرزهمما ‪ ..‬فأيهمما أدوات‬
‫طبيعممة ؟ وأيهمما أدوات عادلممة ؟ وأيهمما أدوات ل تممؤثر فممي إنسممانية‬
‫النسان ؟‬
‫ول يقممولن أحممد ‪ :‬هممذه هممي الرأسمممالية ‪ ،‬ولكننمما نتكلممم عممن‬
‫الديمقراطية ! فالواقع أنه ل يمكن فصل هذه عن تلك!‬
‫أن هذه الديمقراطية – بمجالسها النيابية ‪ ،‬بمثلي الشممعب فيهمما –‬
‫‪ 0‬هي التي تصدر القوانين التي تبيح للرأسمممالية أن تتصممرف علممي‬
‫هذا النحو دون أن تتدخل فيها ‪ ،‬بل – في الحقيقممة – دون أن تجممرؤ‬
‫علي التدخل فيها !‬
‫ومممن ناحيممة أخممري فممإن الرأسمممالية هممي المموجه القتصممادية‬
‫للديمقراطية الليبرالية ‪ ،‬كما أن الديمقراطية الليبراليممة هممي المموجه‬
‫السياسي للرأسمالية !‬
‫ولسنا نقول – كما تقممول الشمميوعية – إن الوضممع القتصممادية هممو‬
‫الذي يشكل الفكار والعقممائد والنظممم والمؤسسممات الممتي تتمشممي‬
‫معه وتخدم أهدافه ‪.‬‬
‫وإنما نقول – ونممراه ادنممي إلممي الصممواب‪ -‬إن الوضممع القتصممادية‬
‫والوضع السياسي – ) والوضع الجتماعي كذلك كممما سمميجئ( كلهمما‬
‫أوجه متناسقة مع النظام أو الفكرة التي تقوم عليها ‪ ،‬ولكها منبثقممة‬
‫من أصل واحد مشترك هو " النسان " مستقيما أو منحرفا ‪ ،‬وعلي‬
‫أي نحو هو منحرف ‪ ،‬فأما إن كان مستقيما ) أي علي النهج الرباني‬
‫( فهو يصوغ حياته ‪ :‬القتصممادية والسياسممية والجتماعيممة والفكريممة‬
‫والروحية ‪..‬إلخ علي مقتضي المنهج الربمماني ‪ ،‬وهممو منهممج متناسممق‬
‫في جميع وجوهه ومتكامل بعضها مع بضممع ‪ ،‬وأممما أن كممان منحرفمما‬
‫فبحسممب نمموع انحرافممه تكممون أوضمماعه القتصممادية والسياسممية‬
‫والجتماعيممة والفكريممة والروحيممة ‪..‬إلممخ وتكممون متناسممقة مممع لممون‬
‫النحراف الذي يقع فيه ذلك " النسان " فليس القتصمماد هممو الممذي‬
‫يصوغ السياسية ول السياسية هي التي تصوغ القتصمماد ‪ ،‬إنممما هممما‬
‫معا – ومعهما بقيممة وجمموه الحيمماة – يصمموغها النسممان متممأثرا بنمموع‬
‫انحرافه ‪.‬‬
‫والنحممممراف الممممذي يتخممممذ الرأسمممممالية وجهممممة القتصممممادي ‪،‬‬
‫والديمقراطية الليبرالية وجهة السياسي ‪ ،‬والتفكك الجتماعي ) كما‬
‫سيجئ( وجهة الجتماعي ‪ ،‬هو أول انحراف عن شريعة الله ومنهجه‬
‫المنممزل لصمملح الحيمماة وإقامتهمما بالقسممط ‪ ،‬وهممو مممن جهممة أخممري‬
‫انحراف الفردية الجامحة التي تريد أن تفعل ما تشاء ‪Laissez Faire‬‬
‫‪ ) . Laissez Passer‬دعه يفعل ما يشاء ‪ ،‬دعه يمر من حيث يشاء !(‬
‫هذه الفردية الجامحة تأخذ في القتصاد صورة الرأسمممالية ‪ ،‬وتأخممذ‬
‫في الجتممماع صممورة المجتمممع المفكممك الروابممط المنحممل الخلق ‪،‬‬
‫وهي انحرافات متناسقة بعضها مع بعض‪ ،‬متكاملة بعضها مع بعض ‪،‬‬
‫ول يمكن فصل بعضها عن بعض!‬
‫فالذين يقولممون نأخممذ الديمقراطيممة صممورة سياسممية وليممس مممن‬
‫الضممروري أن نأخممذ معهمما الرأسمممالية الجامحممة هممم واهمممون فممي‬
‫محاولة فصل وجه من هذا النظام عن وجه آخر ‪ ..‬أو هممم يتحممدثون‬
‫عن شئ آخر غير الديمقراطية الليبرالية ل نعلم صممورته علممي وجممه‬
‫التحديد !‬
‫ومهممما يكممن مممن أمممر فممإن الديمقراطيممة الليبراليممة – الموجممودة‬
‫بالفعممل ‪ ،‬ل المتخيلممة فممي الذهممان – هممي هممذه الممتي تحتمممي بهمما‬
‫الرأسمالية وتلعب لعبتها من خللها وسنتكلم في الصفحات القادمة‬
‫عن أبعاد اللعبة كلها التي تتم من وراء الصورة السياسممية المتمثلممة‬
‫فممي الديمقراطيممة الليبراليممة ‪ ،‬ولكننمما نقممرر هنمما حقيقممتين تبممدوان‬
‫متناقضتين في الظاهرة ولكنهممما فممي الحقيقممة غيممر متناقضممتين إذا‬
‫أنعمنا النظر فيهما ‪:‬‬
‫الولي ‪ :‬أنه من خلل النظام الديمقراطي نال " الشعب " ماناله‬
‫من حقوق وضمانات ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن الرأسمالية هي صاحبة الهيمنة وصاحبة التشريع ممن‬
‫وراء اللعبة الديمقراطية بأكملها ‪.‬‬
‫ولزالة التناقض الظاهري بين الحقيقتين نقممول أول ‪ :‬أن الشممعب‬
‫نال ما ناله من الحقوق من خلل صراعه وكفاحه ودأبة فممي إحممراج‬
‫الرأسمالية واقتناص الحقوق والضمانات منهمما ‪ ،‬فهممو ينتزعهمما منهمما‬
‫انتزاعا وهي تتنازل عنها كارهة ومكرهة ‪ ،‬وإن يقظة الشممعب بممدأت‬
‫منممذ ثممار علممي القطمماع وليممس منممذ اتخممذا الديمقراطيممة ! بممل‬
‫الديمقراطية هي ثمرة ثورته فهي نتيجة لسبب ‪.‬‬
‫ونقول ثانيا ‪ :‬إنه علممي الرغممم مممن ذلممك فقممد تركممت الرأسمممالية‬
‫الثمموب – ثمموب الديمقراطيممة‪ -‬يلبسممه الشممعب ‪ ،‬ونفممذت هممي إلممي‬
‫مصالحها من خلله فنالت كل ما تريد من تشمريعا تحمممي مصممالحها‬
‫وتتيح لها أن تقوم بكل مظالما ! فإذا كانت قد اضطرت للتنازل عن‬
‫بعض المصالح تحت ضغط الشعب ‪ ،‬فهي من جهة قد تنممازلت عممن‬
‫فتمات ل يممؤثر تممأثيرا حقيقيما فممي مصممالحها ‪ ،‬فمما تنممازلت عنمه همو‬
‫قطممرات مممن فممائض ارباحهمما ‪ ،‬وممما تممزال أرباحهمما تتزايممد بصممورة‬
‫جنونية ! وهي من جهة أخري قد تنازلت عن هممذا الفتممات لنهمما لممم‬
‫تأمن علي نفسها إذا ظلت في موقف التصلب أن تفقد ثروتها كلهمما‬
‫وكيانها كله ! ففي نظرها هي أنهمما ألقممت للكلب الجائعممة بلقيمممات‬
‫تلهيها بها خوفا من أن تأكلها الكلب ! فخوفا من الشيوعية تنممازلت‬
‫الرأسمالية الغربية عما تنازلت عنه ‪ ،‬وخوفا من أن تدمر الضرابات‬
‫كل الرباح !‬
‫فل تناقض إذن بين الحقيقتين ‪ ،‬والرأسمالية هممي صمماحبة النظممام‬
‫كله وهممي المسممتفيد الول منممه ‪ ،‬ول عليهمما أن يتزيمما الشممعب بممزي‬
‫الحرية ‪ ..‬أو الحرية والخاء والمسمماواة ‪ 1‬ولننظممر فممي هممذه الحريممة‬
‫علي حقيقتها ‪..‬‬
‫لشك أن الفرد في الديمقراطية الليبرالية حممر حريمة كاملمة كمما‬
‫يبدو ) في الظاهر ( في أن يتخذ قراراه دون ضغط مممن أحممد ‪ ،‬وأن‬
‫يعبر عن رأيممه بحريممة ‪ ،‬وان يممدعو لرأيممه بكممل وسممائل الدعايممة وأن‬
‫يختار المرشح الذي يمثله في البرلمان والذي يشرف علممي أعمممال‬
‫الحكومة ويهيمن علي تصرفاتها ‪.‬‬
‫ولكن دعنا نتأمل الحقيقة الكامنة وراء هذا الظاهر ‪ ..‬فمممن الممذي‬
‫يصوغ لهذا الفرد أفكاره أو – من زاوية أخري – من الممذي يشممكل "‬
‫الرأي العام " الذي يوجه هذا الفرد لتخاذ قراره !‬
‫أنهمما وسممائل العلم ! الصممحافة والذاعممة والسممينما والتليفزيممون‬
‫والخطبة والمحاضرة والكتاب ‪.‬‬
‫ودعك – موقتا – مممن أن وسممائل العلم تشممرف عليهمما اليهوديممة‬
‫العالمية وتوجهها الوجهة التي تخدم مصالحها ‪ ،‬فلنا عممود إلممي هممذه‬
‫النقطة في مكان آخر من هذا الفصل ‪.‬‬
‫أنما نقول – مؤقتا – إن الذي يملك وسائل العلم هو الرأسمالية‬
‫) بصرف النظر عن ملتها !(‬
‫أن الصحافة – وقد كانت وما تزال مممن أشممد وسممائل التممأثير – ل‬
‫تستطيع أن تعيش بل معونة خارجية ‪ ،‬فهي تتكلف بالفعممل أضممعاف‬
‫الثمن الذي تباع به للجمهور ‪ ،‬والثمن الذي تباع به للجمهور ل يصل‬
‫كله إلي أصحاب الصحيفة فهناك في الوسط وسمميطان أثنممان علممي‬
‫أقل تقممدير هممما الممموزع العممام الممذي يتكفممل بأخممذ مجممموع النسممخ‬
‫المطبوعة وبيعه للبائع الصغير ) أي الذي يبيع مجموعة صغيرة مممن‬
‫النسخ ( ثم هذا الموزع الصغير المذي يمبيع للجمهمور ‪ .‬فمإذا تصمورنا‬
‫جدل أن ثمن النسخة للجمهور هو مائة وحممدة فممإن خمسممين وحممدة‬
‫علي القل إن لم يكن أكثر يتقاسمها هذان الوسيطان ‪،‬والباقي هممو‬
‫الذي يرد إلممي الصممحيفة مممع " المرجمموع" أي النسممخ الممتي لمم يتممم‬
‫توزيعها ول عائد لها علي الطلق ‪ ..,‬فكيف تغطي الصحافة تكاليفها‬
‫ثممم تربممح فمموق ذلممك أرباحمما طائلممة ؟ إنهمما تعتمممد – أساسمما – علممي‬
‫العلنات ثم علي العانات من أي طريق تجئ ‪.‬‬
‫والعلنممات – بطبيعممة الحممال – فممي يممد الشممركات والمؤسسممات‬
‫الصناعية أي في يد الرأسمالية ومن ثم فإن يكفي لقتل أي صحيفة‬
‫يقول البروتوكول الول أن هتافنا بكلمات " الحرية والمساواة والخاء " مع جهود دعاتنا المسخرين أجتممذب فممي كممل‬ ‫‪1‬‬

‫انحاء العالم جيوشا جرارة من البشر حملت اعلمنا بكل فخر وحماسة فيحين أن هذه الكلمات الساحرة كانت سوسا‬
‫ينخر في كيان سعادة الميين ‪،‬ومعول هدم للمن والسلم والوحدة لديهم ) تعريب أحمد عبد الغفور عطار (‬
‫" حرة" أي طويلة اللسان تتجرأ علي المصالح الحقيقية للرأسمالية‬
‫‪ ،‬أن تمنع عنها العلنات فتسقط في هاوية الفلس ! ول ضير فممي‬
‫الوقت ذاته علي الرأسمالية مممن مناوشممات سممطحية فممي الصممحف‬
‫تنتقد كما تشاء دون أن تصيب الجذور ! بل هو أمر في صالح اللعبة‬
‫في نهاية المطاف !‬
‫فإذا كان الصحافة – التي تؤثر التأثير الكبر علي " الرأي العممام "‬
‫واقعة في قبضة الرأسمالية إلي هذا الحد ‪ ،‬فلنا أن نتوقع أن تكممون‬
‫الفكار التي تصوغها وننشممرها هممي ممما تريممده الرأسمممالية ‪ ،‬أو فممي‬
‫القليل هي ما ل يتعارض مع المصالح الحقيقممة للرأسمممالية ‪ .‬ومثممل‬
‫الصحافة بقية وسائل العلم فهي واقعة بصورة أو بأخري في ذات‬
‫القبضة الشريرة التي توجه الفكار وتشكل المواقف للناس !‬
‫ولنأخذ ثلثة نماذج مختلفة من طريقممة تشممكيل " الممرأي العممام "‬
‫في مسالة سياسية ومسممألة اجتماعيممة ‪ ،‬ومسممألة اقتصممادية تخممدم‬
‫كلها مصالح الرأسمالية ويبدو فيها " الرأي العام " كأنما تشكل مممن‬
‫تلقاء نفسه واتجه إلي الوجه التي اتجه إليها !‬
‫لنفرض أن المطلوب هو إشعال حرب في مكان ما علممي سممطح‬
‫الرض ‪،‬وهو أمر يهم الرأسمالية من جميع الوجوه المتخيلة ! وأولها‬
‫بيع السلح الذي يدر علي صانعية أرباحا خيالية ) ونصممرف النظممر –‬
‫مؤقتمما – عممن أن تجممار السمملح فممي العممالم مممن قممديم الزمممان هممم‬
‫اليهممود ( ‪ !1‬فكيممف يهيممأ " الممرأي العممام " لتقبممل الحممرب أول ‪ ،‬ثممم‬
‫التحمس لها ثانيا ‪ ،‬ثم المطالبة بها أخيرا !‬
‫تبدأ الصحف – وكذلك وسائل العلم – فممي نشممر أخبممار قصمميرة‬
‫مثيرة تثير عنمد الغمافلين – والمرأي العمام دائمما غافمل – نوعما ممن‬
‫التطلممع والنتبمماه ‪ .‬ثممم يممزاد فممي طممول الخممبر ويممؤتي بمزيممد مممن‬
‫التفاصيل ‪ ..‬ثم يصبح الموضوع هو الحممديث اليممومي فممي الصممحافة‬
‫والذاعة والتليفزيون ‪ ..‬يزاد في نغمة الثارة حتي تشممحن النفمموس‬
‫بالوقود … ثم تأخذ الصحافة في الستطلع " الرأي العام " ) كأنما‬
‫لم تكن هي الممتي وجهتممه ( فممإن الممرأي العممام متحمممس ! إذن لبممد‬
‫مطالبة الحكومة بالتحرك ! وإذن تبممدأ الحكومممة فممي العممداد ‪ ..‬ثممم‬
‫تنطلق شرارة الحرب ‪ ،‬ويباع السلح ‪ ،‬وتتحقق الهممداف المطلوبممة‬
‫من وراء " المشروع" !‪.‬‬
‫ففي الحرب العالمية الثانية التي امتدت فشممملت معظممم أرجمماء‬
‫الرض ‪ ،‬وقتل فيها أربعون مليونا من الشممباب فممي ميممادين القتممال‬
‫من أجل ذلك هم دعاة الحروب دائما ‪ ،‬يقول سبحانه وتعالي " كلما أوقدوا نار للحرب أطفأهمما اللممه ) سممورة المممائدة‬ ‫‪1‬‬

‫‪(64‬‬
‫غير الذين قتلوا من الرجممال والنسمماء والطفممال بعيممدا عممن ميممادين‬
‫الحممرب بالقنابممل المممدمرة ‪ ،‬وغيممر الممذين قتلمموا بتممأثير القنبلممتين‬
‫الذريتين اللممتين ألقيتمما فممي نجممازاكي وهيروشمميما ‪ ..‬بممدأت صممحافة‬
‫الحلفاء ) أي الديمقراطيات في غرب أوربا وفي امريكا ( تتكلم عن‬
‫هتلر واستعداداته الحربية والزمات التي يثيرها ) وخاصة أزمة ممممر‬
‫دانزج التي اعتممبرت الشممرارة الولممي للحممرب ( وبممدأت تكتممب عممن‬
‫النازيممة وعممن النظممم الدكتاتوريممة وعممداوتها للحريممة والديمقراطيممة‬
‫وحقوق النسان ‪ ..‬وأن علي الممديمقراطيات الممتي تشممكل " العممالم‬
‫الحممر " أن تممؤدب هممذا الطاغيممة الممذي ينممذر بشممر مسممتطير لجميممع‬
‫البشرية !‬
‫وما نريد أن نتحدث هنا عن " الحق ط في أي جانب كان ‪ ..‬فقممد‬
‫كممان كممل ممماتقوله صممحافة "العممالم الحممر " عممن هتلممر والنازيممة‬
‫الدكتاتورية حقا ‪ ،‬وكان هتلر بالفعل طاغيرة جبارا يريد إذلل العالم‬
‫وإخضاعه لسلطانه ‪ ،‬ويصدر عن جنون عنصري مرتكز علي أفضلية‬
‫الجنس الري وجدارته بممأن يحكممم العممالم كلممه ! ولكممن ممما فضممل "‬
‫الحفاء" عليه ؟ اليسوا هم ممثله طواغيت – كانوا – يحكمون العالم‬
‫كله يممومئذ ويممذلونه باسممم حضممارة " الرجممل البيممض "وجممدارته أن‬
‫يحكممم كممل شممعوب الرض ؟ وممماذا يملممك الرجممل البيممض مممن‬
‫المقومات الحقيقية التي تؤهله لممذلك السمملطان وتعلممه وقفمما عليممه‬
‫وحده ل يشاركه أحد فيه ؟‬
‫فقد كان إذن ما تقوله صحافة الحلفاء ) وإذاعتهم ( حقا بالنسممبة‬
‫للنازية وهتلر ‪ ،‬أما ما كمانوا يممدعونه لنفسممهم مممن أنهممم هممم حممماة‬
‫الحرية وحماة حقوق النسان ‪ ،‬فقد تممبين كممذبه كلممه عقممب الحممرب‬
‫مباشمرة حيمن خمرج الحلفماء منتصمرين ممن الحمرب فضمربوا بكمل‬
‫وعودهم للشعوب عرض الحائط ‪ ،‬بممل قممالوا لهممم فممي تبجممح ‪ :‬لقممد‬
‫حمينمماكم مممن النازيممة فممادفعوا ثمممن الحمايممة ‪ ..‬وثمنهمما أن يكونمموا‬
‫خاضعين لهم يدورون في فلكهم ويخدمون مصالحهم ‪.‬‬
‫علي أية حال فنحن نتتبع معالجة الصحافة والذاعة للمر ‪.‬‬
‫لقد كان المطلوب تهيئة " الرأي العام " للحممرب ‪ ،‬ولمممر آخممر ل‬
‫يقل خطرا ‪ ..‬وهو إنشاء دولة إسرائيل ‪.‬‬
‫فلتكتممب الحصممافة إذن – وجميممع وسممائل العلم المتاحممة – عممن‬
‫طغيان هتلر ‪ ،‬وعن حشيته في إبادة اليهود وتعذيبهم ‪ ..‬حتي يشحن‬
‫" الرأي العام " ويصبح مستعدا للحرب بعد أن كان ناقرا منها أشممد‬
‫النفور ‪ ..‬وحتي يعطف علي قضية اليهود بعد إذ كان كارها لهم أشد‬
‫الكره !‬
‫وشيئا فشيئا يصبح حديث الحرب أمرا عاديا ‪ ،‬بل يتحمس النمماس‬
‫للحرب ويضغطون علي حكوماتهم ان تدخل الحرب تاديبمما للطاغيممة‬
‫الممذي يسممتحق التممأديب ‪ ،‬والممذي تممرك وشممأنه خممرب الرض ودمممر‬
‫مقومات الحضارة !‬
‫وشمميئا فشمميئا يتعمماطف النمماس مممع اليهممود الممذي يعممذبهم النممازي‬
‫ويحرقهم أحياء في الفران ‪ !1‬ويصبح " الرأي العام العالمي " مهيممأ‬
‫للدعوة التي تجئ بعد ذلك بضرورة إنشاء وطن قممومي لليهممود فممي‬
‫فلسطين ‪!2‬‬
‫ثم يشتدد الحممماس حممتي تممدخل كممل دول الغممرب فممي الحممرب ‪،‬‬
‫ويشتد التعمماطف مممع اليهممود حممتي يصممبح العممرب فممي نظممر العممالم‬
‫مجرميممن إذا أبمموا أن يتنممازلوا عممن أرضممهم وديممارهم لشممعب اللممه‬
‫المختار !‬
‫‪m m m‬‬

‫ولنفرض أن المطلوب هو تفكممك روابممط السممرة ونشممر الفسمماد‬


‫الخلقي وتحريض المرأة ضد قوامه الرجل عليها ‪.‬‬
‫تبدأ الصحافة بمهاجة الزواج المبكر وذكر مضارة !‬
‫إن كل من الزوجين يكون قليل الخبرة بالجنس الخر نتيجممة عممدم‬
‫الختلط ‪ ،‬ثم قليل الخبرة بالحياة لصغر السن وقلممة التجربممة ‪ ،‬ثممم‬
‫قليل الخممبرة بتربيممة الولد ‪ ..‬الممذين يجيئون فممي أول عهممد الممزواج‬
‫فتسوء تربيتهم ! لذلك يلزم تأخير سممن الممزواج مممع إباحممة الختلط‬
‫حتي يتحقق التعارف بين الجنسين واكتساب الخبرة اللزمة للزواج‬
‫‪ ،‬ويتأخر مجئ الولد حتي تزداد الخبرة فتحسن تربيتهم !‬
‫ثم يظممل الحممديث عممن ضممرورة الختلط يلممح علممي النمماس حممتي‬
‫يتكون " رأي عام " موافق علي الختلط بعد إذا كان معارضمما لممه ‪،‬‬
‫ثم يظل الحممديث يلممح علممي النمماس حممتي يتحمسمموا لممه ‪ ،‬ثممم يظممل‬
‫الحديث يلح علي الناس حتي يبلغ لحممماس للختلط أن يتهممموا كممل‬
‫معارض له بالرجعية والتخلف والجمود والتأخر ويهممددوه بممأن عجلمة‬
‫التطور ستسحقه وتقضي عليه !‬
‫ثممم يقممال للمممرأة إن الممزواج البمماكر والنجمماب الكممثير يفسممد‬
‫أتضح فيما بعد أن حوادث التعذيب كانت قليلة جدا ‪ ،‬وأن الصحافة الغربية هولت فهيا تهممويل ضممخما مقصممودا لخدمممة‬ ‫‪1‬‬

‫أهداف معينة بل تقول كاتبة ألمانية من أصل يهودي إن اليهود هم الممذين دفعمموا هتلممر دفعمما إلممي إيقمماع هممذا التعممذيب‬
‫عليهم ليستغلوه في الدعاية لقضيتهم وهي الستيلء علي فلسطين بحجة انهم شعب مشترد مضطهدا ولبد من وطن‬
‫يقول وليم كار في كتاب الحجار إن اليهود اججوا الحرب كلها من أجل إنشاء وطن لهم وكلمه في هذه النقطة فيممه‬ ‫‪2‬‬

‫حق كثيرا‬
‫رشاقتها ! ويقتل حيويتها ! ويمنعها مممن مشمماركة الرجممل فممي إدارة‬
‫شئون المجتمع ! وتظل الصممحافة ) ووسمائل العلم الخمري ( تلممح‬
‫علي هذا المر حتي تخرج المرأة مممن فطرتهمما وتنظممر إلممي الممزواج‬
‫علي أنه قيد يعوقها ! وإلي النجمماب علممي انممه عممدو يفسممد جمالهمما‬
‫ورشاقتها ‪،‬وإلي البيت والنشغال بمه علمي أنمه إهمدار لطاقتهما بمل‬
‫إهدار لكرامتها ! وبعممد أن كممانت – كممما هممو مركمموز فممي فطرتهمما –‬
‫تفرح بصيحة الطفل لنها تحقق لرسمالتها وإثبممات لنوثتهمما المتمثلممة‬
‫في السممتعداد للحمممل والنجمماب ‪ ،‬صممارت تمقممت صمميحة الطفممل ‪،‬‬
‫وتكره البيت ‪ ،‬وحممتي إن تزوجممت تسممتخدم موانممع الحمممل لتحممافظ‬
‫علي رشاقتها ‪.‬‬
‫ثم يظل تأثير الصحافة ووسائل العلم عليهمما حممتي تممري أن مممن‬
‫حقها أن " تسممتمتع " بالحيمماة اسممتمتاعا حممرا دون أن يفممرض علممي‬
‫استمتاعها قيد خلقي أو اجتممماعي أو مممن أي نمموع ‪ ،‬فمممن حقهمما أن‬
‫تمارسع الجنس في حدود الصممداقة مممع الرجممل دون أن ينشممأ عممن‬
‫ذلك بالضرورة زواج أو أسرة ‪ ..‬ومن حقهمما أن تممؤخر الممزواج حممتي‬
‫تشبع من الستمتاع الحر ‪ ..‬ومن حقها أن تؤخر النجاب حتي تشممبع‬
‫مممن العمممل خممارج الممبيت ‪ ،‬ومممن الرشمماقة فممي الحفلت وحلبممات‬
‫الرقص ‪.‬‬
‫ويصممبح ذلممك كلممه مممن مقممررات " الممرأي العممام" النسممائي علممي‬
‫القل ‪ ،‬بل النسممائي والرجممالي كممذلك ‪ ) ..‬أي مممن مقممررات العقممل‬
‫الجمعممي ( ! ويصممبح المعممارض لممذلك هممو المجنممون البلممه ‪ ،‬وهممو‬
‫المتحجر علي أوضاع عفي الزمن عليها ول يمكن أن تعود !‬
‫‪m m m‬‬

‫ولنفرض أن المطلوب هممو ترويممج عمليممة ربويممة كعمليممة التممأمين‬


‫علممي الحيمماة ‪ .‬تظممل الصممحافة – ووسممائل العلم الخممري – نقممص‬
‫القصص عن أحوال السر التي تصيبها كوارث ‪ ،‬حتي توقظ مشماعر‬
‫الناس لهذه الحالة المنتشرة في المجتمع ) ول يذكر بطبيعة الحممال‬
‫أن تفكك السرة وتفكممك روابممط المجتمممع فممي المجتمممع الصممناعي‬
‫الرأسمالي كانت هي السممبب فممي وجممود هممذه الحالممة وانتشممارها ‪،‬‬
‫لكي ل يتنبه الناس إلي المكر الماكر المحيط بهذا الشأن مممن أولممه‬
‫إلمي آخممره ولكمي ل يتنبهموا أن الحمل الحقيقممي هممو إيجمماد التكافمل‬
‫الجتماعي سواء داخل السرة أو داخل المجتمع أو بتكليممف الدولممة‬
‫أن تقوم بكفالة من لكافل له (‪ 1‬ثم تروج الصحافة مممن جممانب آخممر‬
‫لشركات التأمين و " الخممدمات الجليلممة " والممتي تقمموم بهمما ‪ ،‬وعممن‬
‫حالمة السممر الممتي أخممذ عائلهما بنظممام التممأمين ‪ ،‬فصممارت مسممتقرة‬
‫لتهزها العاصير !‬
‫ويظل إلحاح الصحافة ووسائل العلم الخري حممتي يصممبح المممر‬
‫حقيقممة منتهيممة ل جممدال فيهمما ‪ ،‬أن التممأمين لممدي شممركات التممأمين‬
‫واجب علي كل إنسان بعيد النظر ‪ ،‬وأنه ضممرورة ل غنممي عنهمما فممي‬
‫العالم الحديث ! ول يتحدث أحد عممن الربمماح الخياليممة الممتي تربحهمما‬
‫شركات التأمين الربويممة مممن النمماس ! ول يتحممدثون عممن القسمماط‬
‫الربوية التي يدفعها المؤمنون ‪ ..‬ويصبح ذلممك كلممه أمممرا واقعمما فممي‬
‫المجتمع ‪ ،‬بل يصبح أمرا " واقعا فممي المجتمممع ‪ ،‬بممل يصممبح أمممرا "‬
‫روتينيا " يأتيه كل إنسان دون أن يفكر علي الطلق أنه كان يمكممن‬
‫أن يكون هناك بديل ‪ ،‬أو أنه يجممب أن يكممون هنمماك بممديل ‪ ..‬ويكممون‬
‫هذا هو " الرأي العام " في هذه القضية أو هو العقل الجمعي الممذي‬
‫‪2‬‬
‫يضع للناس مقررات الحياة‬
‫إذا كانت هذه هي طريقة تشممكيل " الممرأي العممام " الممذي تعتمممد‬
‫عليممه الديمقراطيممة – فممي ظاهرهمما علممي القممل – فكيممف تكممون‬
‫الديمقراطية هي حكم الشعب علي الحقية ؟‬
‫إن الرجل العادي – الذي يسمونه " رجل الشارع " كأنه ل بين له‬
‫ول انتممماءله ! – مشممغول بممأحواله المعيشممية الخاصممة عممن النظممر‬
‫الحقيقي في المور العامة وتكوين رأي مستقل فيها ‪ .‬وذلك لسبين‬
‫‪ ،‬أحدهما عام ل يختص ببيئة معينة ول زمن معيممن ‪ ،‬هممو أن الغلبيممة‬
‫الكبري من الناس ل تحب أن تشغل نفسها بالمور العامة ول تصبر‬
‫علي التعمق فيها ‪ ،‬وليس عنممدها الدوات المعيشممة علممي ذلممك مممن‬
‫نفقة وتدبر وبعد نظر وإحاطة بالسباب والنتممائج ‪ ،‬فتحممب أن تممترك‬
‫هذه المور لفئة معينة من الناس ‪ ،‬تثق فيها وتكل إليها هذه المهمة‬
‫الخطيممرة ‪ .‬والسممبب الثمماني خمماص بهممذه الديمقراطيممة الليبراليممة‬
‫بالذات ‪ ،‬أو هو في الحقيقة خاص بالجاهليات جميعا ولكنه في هممذه‬
‫الجاهلية التي يشرف اليهود علي توجيهها أشد ‪ ،‬وهو التلهية الدائمة‬
‫لرجل الشارع هذا عن أي يلتفت إلي المور العامممة بنظممر مسممتقل‬
‫وفكر متفحص ‪ ،‬عن طريق شممغله بممأمور معاشممه مممن جهممة وأمممور‬
‫لهوه و " اسممتمتاعه " مممن جهممة أخممري نقممول إن هممذا موجممود فممي‬
‫هذا هو النظام الكفيل بالمحافظة علي ترابط السرة وترابط المجتمع ‪ ،‬والذي يقيم " بيممت مممال " للمسمملمين يكفممل‬ ‫‪1‬‬

‫من كان منهم في حاجة إلي كفل‬


‫إلي حد انه في العالم السلمي ذاته يحارب من يقول إن التأمين – بصورته الربوية الحاليممة – حممرام فممي ديممن اللمه ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويتهم بالجهل أو الجمود‬


‫الجاهليات جميعا ‪ ،‬حتي يتفممرع أصممحاب السمملطان لسمملطانهم دون‬
‫تممدخل مممن يقظممه الجممماهير ‪ ،‬الممتي قممد تممتيقظ فتطممالب بحقوقهمما‬
‫المسلوبة ‪ ،‬التي يعيش – من سمملبها – أصممحاب السمملطان ! ولكنممه‬
‫في هذه الجاهلية أشد لن اليهودية – او أن شئت قل الرأسمممالية –‬
‫تشغل الناس شغل داما بأمور المعاش لكي تربح هي ربحا الفاحش‬
‫‪ ،‬فاليوم الثلجة وغدا السيارة وبعممد غممد تغييممر السمميارة لن الجديممد‬
‫أكثر أناقة أو فيها زر إضافي ليس في السابقة ! كما تشغلهم باللهو‬
‫الدائم فاليوم السينما وغدا المسرح وبعد غممد حلبممة الرقممص وبعممده‬
‫النزهة الخلوية ‪ ..‬والليلة موعد مع الصديقة وبعدها صديقة أخري أو‬
‫حفل جنسي صاخب ‪ ..‬وهكذا ‪ ،‬لتربح الرأسمالية – أو قممل اليهوديممة‬
‫– أرباحا مركبة ‪ :‬ربح المال ‪ ،‬وربح إفساد الممييممن ‪ ،‬وربممح تلهيتهممم‬
‫عما يدور حولهم من أمور ‪ ،‬ليخطممط المخططممون وهمم فممي مممأمن‬
‫كامل من يقظة الجماهير !‬
‫إذا كان الحممال كممذلك علممي الحقيقممة فممأين هممو " الممرأي العممام "‬
‫الحقيقمممي المممذي يممموجه السياسمممة فمممي الديمقراطيمممة الليبراليمممة‬
‫الرأسمالية ؟! إنه في الحقيقة أصحاب رؤوس الموال ‪ ..‬هم الممذين‬
‫يرسمون السياسية ‪ ،‬وهم الذين يشكلون " الرأي العام عن طريممق‬
‫الصممحافة ووسممائل العلم الخممري ‪ ،‬فيصمموغونه علممي النحممو الممذي‬
‫يريدون ‪ ..‬النحو الممذي يحقممق مصممالحهم فممي النهايممة ‪ ،‬ول بممأس أن‬
‫يترك شيئا من الفتات " للشعب" حممتي ل يتحممول إلممي كلب جائعممة‬
‫تهدد المكتنزين !‬
‫حقيقة ان هناك نوابا وتمثيل نيابيا وهناك برلمان يقممول فهممي مممن‬
‫أراد كل ما يريد أن يقول‬
‫ولكن من هم النواب في حقيقة الواقع ؟‬
‫هل يتاح لي إنسممان أن يصممل إلممي البرلمممان ويمموجه المممور مممن‬
‫هناك ‪ ،‬كما هي الصورة النظرية للديمقراطية ؟‬
‫أن المعركة النتخابيممة فممي حاجممة إلممي تكمماليف ل يقممدر عليهمما إل‬
‫الغنياء من الناس ‪ ،‬ومتي كممان هممو مممن طبقممة الغنيمماء فممما الممذي‬
‫يجعلممه يفكممر فممي " طبقممة " المسمماكين ؟ إنهممم ليسمموا فممي نظممره‬
‫مساكين ! إنهم من جهة اولئك " العداء " الحاسدون لما في يممده‬
‫من النعمة ‪ ،‬الطامعون ‪ ،‬الذين يريدون أن ينهبوه وينتقصوا أرباحه !‬
‫وهم من جهة أخممري أولئك " الطفيليممون" الممذين ل يحسممنون شمميئا‬
‫ويطمعون في كل شئ " الغبياء " الذين وقف بهم غباؤهم عممن أن‬
‫يصعدوا إلي القيم التي وصلواهم إليها ‪.‬‬
‫وحقيقة إن هناك من الفقممراء ومتوسممطي الحممال مممن يرشممحون‬
‫أنفسهم وينجحون في النتخابات ‪ ..‬ولكن كيف يصلون إلي هنمماك ؟‬
‫إنه لبد من أحزاب تحملهم وتحمل عنهم عبممء المعركممة النتخابيممة‬
‫وهو عبء باهظ ‪.‬‬
‫فإذا دخل النسان الحزب فقد تغيرت أحواله كلها وأصممبح إنسممانا‬
‫أخر ‪ .‬أصبح " محترفا " في عالم السياسية ‪ ،‬وهو وحزبممه فممي أحممد‬
‫حالتين ل ثالث لهما ‪ ،‬وفي أحد مموقفين ‪ :‬إمما أن يكمون حزبمه فمي‬
‫الحكم فهو ملتزم بتأييد الحكومة في كل ما تصنع ‪ ،‬سواء كممان فممي‬
‫دخيله نفسه مقتنعا بما تفعل أو غيممر مقتنممع ‪ .‬وإممما أن يكممون حزبممه‬
‫في المعارضة – أي خارج الحكم – فهممو ملممتزم بمعارضممة الحكومممة‬
‫القائمة في كل ما تصنع ) إل أن تكون " مصلحة عامة " أي يستفيد‬
‫منها الرأسممماليون جميعمما !( سممواء كممان فممي دخيلممه نفسممه مقتنعمما‬
‫بالمعارضة أو غير مقتنع !‬
‫وهكذا تسمع صيحات ‪ :‬العدل ‪ .‬والقيم ‪ .‬والمبادئ ‪ .‬والنسانية …‬
‫إلخ من الحزب المعارض طالما هو في المعارضة ‪ ،‬فإذا وصممل إلممي‬
‫الحكم سلك ذات السلوك المذي كمان ينتقممده وينمدد بمه ممن قبممل !‬
‫وصار الدور علي الحزب المعارض – الذي كان في الحكم من قبممل‬
‫– لينتقممد مممن الحكومممة القائمممة ذات العمممال الممتي كممان يسمموغها‬
‫لنفسه وهو في الحكم ‪ ،‬ويتصايح بدعاوي النسانية والعدالة والقيممم‬
‫والمبادئ !‬
‫ومن المثلة الواقعية – المضحكة – أن حزب العمال في بريطانيا‬
‫ظل وهو في المعارضة ينادي بضرورة زيممادة أجممور العمممال ‪ ،‬فلممما‬
‫وصممل إلممي الحكممم رفممض أن ينفممذ ممما كممان يممدعو إليممه وهممو فممي‬
‫المعارضة – أو عجز عن تنفيذه ! – وسلك ذات السلوك الممذي كممان‬
‫يعيبه من قبل علي حزب المحافظين ‪ ،‬وهو تجميد الجور خوفا مممن‬
‫التضخم !‬
‫وصحيح أن هناك " أحرارا" يصلون إلي البرلمان ‪ ،‬ويقولون قمموله‬
‫الحق ‪ ،‬وينتقدون بجرأة ‪ ،‬ويطالبون بحقوق أصحاب الحقوق ‪ ،‬ولكن‬
‫كم عدد هؤلء ؟ وما وزنهم في المجالس النيابية ؟‬
‫إن القرارات تؤخذ بالصوات ‪ .‬ول ضير في المبدأ فممي ذاتممه فهممو‬
‫مبدأ عادل ‪ .‬ولكنه صالح حين يكون أصحاب الصوات من العدول ل‬
‫حين يكونون من أصحاب الهواء ‪ ،‬فأما حيممن يكونممون مممن أصممحاب‬
‫الهواء ‪ ،‬الملتزمين بالمعارضة أو الملممتزمين بالتأييممد بحكممم موقممف‬
‫الحزب الذي يتبعونه ‪ ،‬فعندئذ تضيع أصوات القلمة مممن الحممرار فمي‬
‫وسط أصوات الكثرة من المزيفين ! وتنفذ مصالح الرأسمالية كلهمما‬
‫من خلل اللعبة الهائلة ‪ ،‬لعبة الحرية والديمقراطية والتمثيل النيابي‬
‫والبرلمان ! إل الفتات الذي يتساقط في الطريق ‪ ،‬أو يسممقط عمممد‬
‫اللتلهية ‪ ،‬أو يسقط تحت الضغط الشديد !‬
‫أما " الحرية " الحقيقية التي تتيحها الديمقراطية وكأنممما أنشممئت‬
‫من أجلها ‪ ،‬فهي " الحرية الشخصية "‪ :‬حرية اللحاد وحرية الفسمماد‬
‫الخلقممي ! هنمما يلتقممي الجميممع ‪ :‬المعارضممون والمؤيممدون والشممعب‬
‫والرأسماليون ‪ ،‬والحكام والمحكومون !‬
‫إن الديمقراطية الليبراليممة تقيممد الحريممة حيممق ينبغممي أن توسممع ‪،‬‬
‫وتوسعها حيث ينبغي أن تضيق !‬
‫فحين تمس مصالح الرأسمالية فل حريممة علممي الطلق ! ويممذكر‬
‫الناس جميعا قصة مقتل كنيدي رئيس جمهورية الوليات المتحممدة ‪،‬‬
‫حين قتمل فممي عمام ‪ 1963‬م لنمه وقممف فممي طريممق مصملحة مممن‬
‫مصالح الرأسمالية ‪ ،‬ثم لعب بقضيته لعبا بحيث ل تنكشف الحقيقممة‬
‫ول يوقع علي المجرمين الجزاء !‬
‫فقممد كممانت سياسممة الرأسمممالية يممؤمئذ – أو قممل سياسممة اليهممود‬
‫المشرفين علي توجيه الجاهلية المعاصرة – هي وضع العالم علي "‬
‫حافة الحرب" من أجل تنشيط صناعة السلح وبيعممه ‪ ،‬وهممي – كممما‬
‫قلنا – من أربح الصناعات بالنسممبة إليهممم ‪ .‬ولكممن كنيممدي كممانت لممه‬
‫نظرة أخري مختلفة ‪ ،‬ينطلق فيهمما مممن مصمملحة الوليممات المتحممدة‬
‫التي هو رئيسها المنتخب لتحقيق مصالحها ‪ ..‬فقد كممان رأي كنيممدي‬
‫أن المصمملحة القوميممة للوليممات المتحممدة تقتصممي تهممدئه الحمموال‬
‫العالمية ‪ ،‬لكي يوجه النفاق إلي رفاهية الشعب المريكي بدل مممن‬
‫توجيه إلي صناعة الحرب التي ل عائد منهمما علممي الشممعب ‪ ..‬لممذلك‬
‫سعي إلممي مصممالحة التحمماد السمموفيتي والتفمماق معممه علممي تهممدئه‬
‫الحوال العالمية ‪ ،‬وخطا بالفعل خطوة نحممو إشمماعة السمملم ‪ ،‬فمممد‬
‫يده إلي خروشوف الزعيم الروسي القائم بالحكم يومئذ لفتممح بمماب‬
‫المحادثات التي تممؤدي إلممي توطيممد السمملم ‪ ،‬وخطمما خرشمموف مممن‬
‫جانبه خطوة فقبل أن يدخل في محادثات السلم ‪.‬‬
‫ورغم أن هذا كان تصرفا حكيما من وجهة النظر المريكية البحتة‬
‫‪ ،‬فضل عما فيه من إراحة أعصاب العممالم مممن الخمموف الممدائم مممن‬
‫نشوب الحرب ‪ ،‬فإن الرأسمالية المريكية ذاتها ) أو قل اليهوديممة (‬
‫لم توافق عليه لنممه ضممد مصممالحها الذاتيممة ‪ .‬لممذلك أنشممأت إضممرابا‬
‫طويل في مصانع الصلب علي سبيل النذار )مممع أن هممذا الضممراب‬
‫يضر المصمالح المؤقتمة للرأسممالية ولكنمه يمؤدي إلمي كسمب أكمبر‬
‫بالضغط علي كنيممدي ليممترك سياسممة التهممدئة الممتي كممان يقمموم بهمما‬
‫بالتفاق مع خروشوف ( فلما لم يأبه كنيممدي بالنممذار ‪ ،‬ومضممي فممي‬
‫سياسيته ‪ ،‬هددوه مرة ثانية بإضراب أخر في مصانع الصلب استمر‬
‫مدة أطول من الولي ! ولما لمم يرضمخ بعمد همذا النمذار الشمديد ‪،‬‬
‫وأصر علي السياسة التي رآها أكثر تحقيقا لصالح الشعب المريكي‬
‫– فضل عن إراحة العالم من الخوف – قرروا أنه لبممد مممن التخلممص‬
‫منه بإجراء أشد ‪ ،‬فقتلوه ! قتلوه وهممو لمس فمردا عاديمما مممن أفمراد‬
‫الشممعب ‪ ،‬بممل هممو رئيممس الجمهوريممة المنتخممب برضمما الشممعب ‪،‬‬
‫والمسممئول عممن مصممالح الشممعب المريكممي كلممه! قتلمموه ثممم لعبمموا‬
‫بالتحقيق ‪ ،‬فلم يجد رئيس الجمهوريممة المقتممول ضمممانات التحقيممق‬
‫التي تحفظ حقه – وإن كان قتيل – في أن يؤخممذ لممه القصمماص مممن‬
‫قاتله ! ولم تجد الديمقراطية كلها نفعا في إقامة العدل فممي قضممية‬
‫من القضايا الخطيرة في التاريخ الحديث‪ ..‬ومضت القصة كلها كأنها‬
‫حادث عادي ل يثير النتباه ول يستحق الهتمام ! وطوي التحقيممق ‪..‬‬
‫ولمما تصممل العدالممة إلممي غايتهمما حممتي اليمموم وقممد مضممي أكممثر مممن‬
‫عشرين عاما علي الحادث العجيب !‬
‫وتلك هي الديمقراطية حين تمس المصالح المباشرة للرأسمالية‬
‫‪.‬‬
‫وما كانت مصالح مشروعة حتي نقول إن الذي وقف في سممبيلها‬
‫كان يستحق النتقام منه بأية صورة من الصور ‪ ،‬إنما كمانت مصممالح‬
‫جشعة مجرمة ‪ ،‬تريد أن تضع العالم كلممه علممي حافممة الحممرب لكممي‬
‫تربح هي من وراء ذلك الربح الحرام ‪ ..‬وفي سبيل ذلممك تلغممي كممل‬
‫ضمممانات الديمقراطيممة وكممل " الحريممة " الزائفممة الممتي يتغنممي بهمما‬
‫الديمقراطيون !‬
‫أما حين يكون المر مختصمما بالفسمماد فهنمما الحريممة بل ضممابط ول‬
‫حساب !‬
‫حرية النسان في أن يلحد مكفولة بالقانون !‬
‫فرغم أن الدولر المريكي مكتوب عليه " ثقتنا في اللممه ‪In God‬‬
‫‪ "! we Trust‬إل أن القممانون ينممص علممي حريممة العقيممدة والحريممة‬
‫معناها أن من شاء أن يلحد ويعلن إلحاده علممي النمماس ويممدعو إلممي‬
‫اللحاد ويسخر من القيم الدينيممة كلهمما ومممن عقيممدة اللوهيممة ذاتهمما‬
‫فمن حقه أن يفعل ‪ ,.‬أل تخرج عليه ول تثريب !!‬
‫وحرية النسان في أن يفسد حرية مكفولة بالقانون !‬
‫فالسلوك الجنسي مسالة خاصممة إلممي أبعممد حممدود الخصوصممية ل‬
‫يتدخل القانون بشممأنها أي تممدخل إل فممي حالممة واحممدة هممي جريمممة‬
‫الغتصمماب لنهمما تقممع بممالكراه ل بالتفمماق ‪ .‬أممما أي علقممة – علممي‬
‫الطلق – تقع بالتفاق فل دخل للقممانون بهمما ول دخممل للمجتمممع ول‬
‫دخل لحد من الناس ‪ ..‬فسواء كانت هذه العلقة سمموية أو شمماذة ‪،‬‬
‫وسواء كانت معه فتاة لم تتزوج أو مع إمرأة متزوجممة ‪ ،‬فهممذا شممأن‬
‫الطراف أصحاب العلقة وليس شأن أجد آخر ‪..‬‬
‫والغابات والحدائق العامة مسرح لكممل ألمموان السمملوك الجنسممي‬
‫فضل عن النوادي والبيوت ‪ ..‬كلها ممماخور كممبير يعممج بالفسمماد الممذي‬
‫يحميه القانون ‪ ..‬قانون الديمقراطية !‬
‫ومن سنوات عقد في الكنيسة الهولندية عقممد " شممرعي !" بيممن‬
‫فممتي وفممتي عممي يممد القسمميس ! ومممن سممنوات اجتمممع البرلمممان‬
‫النجليزي " الموقر !" لينظر في أمر العلقممات الجنسممية الشمماذة ‪،‬‬
‫ثم قرر أنها علقات حرة ل ينبغي التدخل فممي شممأنها ‪،‬مم كممما أعلممن‬
‫أسقف كانتربري وهو رئيممس السمماقفة فممي بريطانيمما أنهمما علقممات‬
‫مشروعة !!‬
‫ومممن سممنوات كممذلك عممرض علممي المسممرح المريكممي – وفممي‬
‫التلفزيون‪ -‬مسرحية تشكل العملية الجنسممية بكاملهمما جممزءا منهمما ‪،‬‬
‫ورأي المشمماهدون – أو هممم ذهبمموا ليممروا – رجل وإمممرأة يقومممان‬
‫بالعلميممة الجنسممية أمممام أعينهممم ‪ ،‬ونقلممت الصممورة – حيممة – علممي‬
‫شاشة التلفزيون ‪.‬‬
‫ومن سنوات كذلك قام فمي التلفزيمون البريطماني حموار جنسمي‬
‫اشترك فيه عشرات من الفتيات الصغار ‪ ،‬وكان موضوع الحوار هممو‬
‫سؤالهن عن الوضع الذي يفضمملنه فممي العمليممة الجنسممية ‪ ،‬وأجممابت‬
‫الفتيات بصراحة وقحه يقشعر منهمما أبممدان الممذين فممي نفوسممهم أي‬
‫قدر من الحياء الفطري ‪ ..‬أما "المرأة " فهي تتحدث دون حياء !‬
‫ول يقممولن أحممد إن هممذه هممي المخططممات اليهوديممة ونحممن إنممما‬
‫نتحدث عن الديمقراطية !‬
‫إنه ل انفصال بين هممذه وتلممك الديمقراطيممة بتمثيلهمما البرلممماني ‪،‬‬
‫بوسائل إعلمها ‪ ،‬بقواعد " الحرية " الممتي تقمموم عليهمما ‪ ،‬هممي الممتي‬
‫تبيح ذلك كله ‪ ،‬وتجعله ضمن دائرة الحرية الشخصية ‪ ،‬وتحميه بكممل‬
‫وسائل الحماية ‪ ،‬وتعطيه الشرعية الكاملة ‪.‬‬
‫فمن أراد نظاما ليس فيه هذا كلممه فهممو علممي وجممه اليقيممن يريممد‬
‫شيئا غير الديمقراطية الليبرالية كما هي مطبقة في عممالم الواقممع ‪،‬‬
‫يريد شيئا ل واقع له بعد ‪ ،‬ول نعلم علي وجه اليقين كيف يكون !‬
‫إن الحرية التي تمنحها الديمقراطية الليبرالية هي حرية الحيمموان‬
‫‪1‬‬
‫ل حرية النسان‬
‫ولقد أراد " الثوار " الذين ثاروا في وجممه الطغيممان القطمماعي أن‬
‫حرروا " النسان" من العبودية التي كممانت تسممتذله وتهبممط بممه عممن‬
‫الوضع الذي يليق بالنسان ‪.‬‬
‫ولكن اليهودية العالمية الممتي سمميطرت علممي المجتمممع الصممناعي‬
‫منذ مولده أراد شيئا غير ذلك " فالنسان" بالذات هو عممدوها الممذي‬
‫ترهبه ‪ ،‬وعددوها الذي تريد أن تقضي عليه ‪ .‬وسممنحت لهمما الفرصممة‬
‫فحقق حلمها القديم في استحمار المميين وتسخيرهم لشعب اللممه‬
‫لمختممار ‪ ..‬فمسممخت آدميممة أولئك الدمييممن وحممولتهم إلممي أولئك‬
‫الحمير ‪..‬‬
‫فما النسان بغير عقيدة ؟‬
‫وما النسان بغير اخلق ؟‬
‫م‬ ‫فأما بغير عقيممدة فقممد قممال عنهممم الخممالق تبممارك اسمممه ‪} :‬ل َهُم ْ‬
‫ن‬ ‫قُُلوب ل يْفَقهون بها ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ول َه َ‬
‫صُرو َ‬ ‫ن ل ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ ُ ْ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫ل أوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َِها أوْل َئ ِ َ‬
‫م‬‫همم ْ‬‫ك ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬‫ك َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مآ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ب َِها وَل َهُ ْ‬
‫ن )‪] {(179‬سورة العراف ‪[7/179‬‬ ‫ال َْغافُِلو َ‬
‫وأما بغير أخلق ول قيم خلقية ‪ ،‬فالحيوان وحده هو الممذي يعيممش‬
‫بغير قيم خلقية لنه ليس له إلطريممق واحممد ل اختيممار لممه فيممه ‪ ،‬فل‬
‫يوصف عمله بأنه أخلقي أو غير أخلقممي ‪ ،‬إنممما يوصممف بممأنه عمممل‬
‫غريزي ‪ ،‬فإذا أكلت القطة الفأر أو أتي الكلب أنثاه في الطريممق فل‬
‫أحد يقول إن هذه أعمال غير اخلقية ! أما النسان الذي كرمه ربممه‬
‫بالنسممانية ‪ ،‬وجعممل لممه طريقيممن أثنيممن ل طريقمما واحممدا ‪ ،‬وأعطمماه‬
‫س‬
‫مد منهممما ‪} :‬وَن َْف م ٍ‬ ‫القدرة علي التمييز بين الطريقين واختيممار واحم‬
‫كاهَمما )‪(9‬‬ ‫ن َز ّ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ها )‪ (8‬قَد أ َ‬ ‫وا‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وما سواها )‪ (7‬فَأ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ّ َ‬
‫ها )‪] { {(10‬سممورة الشمممس ‪ [10-91/7‬فممإنه‬ ‫سمما َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫مم ْ‬
‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫حين يرفمض القيممم الخلقيمة ‪ ،‬ويقمول عممن إقامممة الرأسممالية علممي‬
‫أساس الربح بصرف النظممر عممن كممون هممذا الربممح حلل أو حراممما ‪،‬‬
‫جائزا أوغيممر حممائز ‪ ،‬يقممول إن هممذه مسممألة اقتصممادية ل علقممة لهمما‬
‫بالخلق ! ويقممول عممن تحويممل المجتمممع كلممه إلممي ممماخور كممبير إن‬
‫الجنس مسألة " بيولوجية " ل علقة لها بالخلق ! حين يفعمل ذلمك‬
‫فإنه يفقد آدمية في الحقيقية ويصممبح مممن الممدواب ‪ ..‬بالضممبط كممما‬
‫سنتكلم في الفصل التالي عن الشيوعية وسنري أنها منحت الناس هذه الحرية بالذات في حين حرمت كل الحريات‬ ‫‪1‬‬
‫يريد له شعب الله المختار !‬
‫ولقد كانت الديمقراطية وشعارات الحرية هي اللعبة الكبري التي‬
‫نفذت اليهودية العالمية عن طريقها مخططها كله ‪ 1‬واستحمرت بهمما‬
‫الميين في الغرب لحساب الشعب الشيطان‬
‫ول ينفي ذلك كله ما كسبته الشعوب في ظمل الديمقراطيمة ممن‬
‫حقوق وضمانات تحدثنا عنها من قبل ‪ ،‬وقلنا إنها – في هذا الجممانب‬
‫– تكريم للنسان وتحقيق لصفة النسانية فيه ‪.‬‬
‫فقد قلنا إن الشعوب قد نالت ذلك بنضمالها ل يالديمقراطيمة فمي‬
‫ذاتها ‪ ،‬بل كانت الديمقراطية ذاتها في جانبها السياسي ثمممرة ذلممك‬
‫النضال ‪ ،‬لكن الذي نقوله هنا عن الشياطين – مع سماحهم راضممين‬
‫أو مكرهين بهذه الحقمموق وتلممك الضمممانات – قممد أفسممدوا إنسممانية‬
‫النسممان مممن جممانب آخممر أو مممن جمموانب أخممري بحيممث أصممبحت‬
‫الخسارة في النهاية أفظع بكثير من كل كسب كسبته الشعوب ‪.‬‬
‫ولسنا نقول إن النسان كان أحسن حال فممي ظممل القطمماع قبممل‬
‫أن يحصل علي هذه الحقوق والضمممانات فممي ظممل الديمقراطيممة ‪..‬‬
‫فالجاهلية كلها انحراف وكلها خبال سواء في ذلك الطممور أو ذاك ‪..‬‬
‫ولكنا نقول إن الخير الجمزئي المذي أتمت بمه الجاهليممة الجديمدة قممد‬
‫أفسدت مقابلة كثيرا من الخير الكامن في النسممان ‪ ،‬بحيممث يضمميع‬
‫ذلك الخير الجزئي في محيط الفساد الواسع الذي ليس له قرار !‬
‫ولسنا نقول كذلك إن هذه الحقوق والضمانات ينبغي أو يجمموز أن‬
‫تلغي فممي مقابممل اسممترداد النسممان ممما فقممد مممن إنسممانيته بفسمماد‬
‫العقيدة وفساد الخلق ! كل ! فإنه إن فقممدت هممذه الحقمموق وهممذه‬
‫الضمانات فما يمكن أن يحافظ علي إنسانيته ولممو كممان علممي شممئ‬
‫من عقيدة ولو كان علي شئ من اخلق !‬
‫كل ! إن إنسانية النسان مفقودة في حالين ‪ ،‬وما يكون النسممان‬
‫في الجاهلية إنسانا بحال من الحوال !‬
‫ولكنا هنا علي رأي حال نقوم الديمقراطية الليبراليممة الرأسمممالية‬
‫كما هي مطبقة في عالم الواقع ‪ ،‬فنقول ما لها وما عليها ‪ ..‬فنقممول‬
‫إنها ليست صفحة بيضاء خالصة كما يظن الذين ينظممرون مممن بعيممد‬
‫ول ينعمون النظر ول يرون ما وراء الستار ‪.‬‬
‫ثم نقول إن الصفحة السوداء فيها قائمة السواد أكمثر بكممثير مممما‬
‫يظن الذين يأخذون المور من سطوحها ‪ ،‬فيحسبون الفسمماد جزئيمما‬
‫قابل للصلح ‪ ،‬وقابل للتعديل بوضع بعض الضوابط هنا وبعض القيم‬
‫ل يمنع هذا – كما سنري في الفصل القادم – أن اليهود استخدموا الشيوعية كذلك فيما بعد !‬ ‫‪1‬‬
‫هناك ‪.‬‬
‫إنها من جهة مسرحية ضخمة تمثلها الرأسمالية وتضع لها أدوارها‬
‫وتوهم المشاهدين أن الممثلين يتحركون علممي المسممرح مممن ذوات‬
‫أنفسهم وبمقضتي إرادة ذاتيه لهم ‪ ،‬بينما هممم – كممأي ممثليممن فممي‬
‫مسرحية – يتحركممون بمقتضممي الممدور المعطممي لهممم وفممي حممدوده‬
‫المرسومة ن ل يملكون أن يتجمماوزوا المسممرح أو يتجمماوزوا دورهممم‬
‫في المسرحية المعروضممة عليممه ‪ ..‬وإل طممردوا بتهمممة الفسمماد ! أو‬
‫عوقبوا عقابمما صممارما ليكونمموا عممبرة للخريممن ‪ .‬كممما يطممارد دعامممة‬
‫الحرية الحقيقيون بتهمة الشغب والخممروج علممي القممانون وتعريممض‬
‫المن القومي للخطر ! وكما قتل كنيدي حين تجرأ جممرأة ل تليممق "‬
‫بموظف " مسئول في حضن الرأسمالية !‬
‫وهي من جهة أخري أداة ضخمة لتلف إنسانية النسممان بإعطمماء‬
‫الفساد الديني والفساد الخلقي شممريعة كاملممة ‪ ،‬وجعممل ذلممك جممزءا‬
‫أصيل من مفهوم الديمقراطية ومفهوم الحرية ‪.‬‬
‫فتحت هذا الشعار – شعار الحريممة – ظممل " النسممان " الوروبممي‬
‫يجد التشجيع المستمر علي التحلممل مممن دينممه وعقيممدته بوصممف أن‬
‫هذه أمور خاصة يتصرف فيها النسان علي مزاجممه الخمماص ‪ ،‬فمممن‬
‫شاء أن يبقي علي عقيدة ودين فليبممق ‪ ،‬علممي مسممئوليته الخاصممة ‪،‬‬
‫وليتلق السخرية الدائمة من المجتمع ومن الكتاب والمفكرين وأهل‬
‫" الفن" من قصاصين ومسرحين وإذاعيين وتلفزيونيين ورسممامي "‬
‫الكاريكاتير"فضل عن المخذلت الدائمة من حوله ‪ ،‬التي تتفنن فممي‬
‫صرفه عن الدين والعقيدة ‪ .‬ومن شاء أن يلحد فليلحد ‪ ..‬ولممن يفممق‬
‫في سبيله أحد ولن يحرج عليه أحد ‪ ،‬فتلك حريته الشخصممية ‪ .‬ولممن‬
‫يجد السخرية حممتي مممن رجممال الممدين ! إنممما يجممد منهممم محاولممة "‬
‫لطيفة ط للتفاهم معه ومحاولة " فاتره" لرده إلممي اليمممان ‪ 1‬بينممما‬
‫يجد التشجيع من جهات كثيرة في الرض !‬
‫وتحت هذا الشعار كذلك ظل يجد التشجيع المستمر علي التحلل‬
‫من أخلقه وتقاليده ‪ ،‬بوصفها كذلك أمورا شخصية ‪ ..‬فمن شمماء أن‬
‫تكون له أخلق – في مسائل الجنس بصفة خاصة – فهو حر – علي‬
‫مسئوليته الخاصة – وليتلق النقممد اللذع مممن المجتمممع كلممه ‪ ،‬الممذي‬
‫يعتبره حال شاذة تحتاج إلي علج ‪!2‬‬
‫لسنا هنا نعيب علي " رجال الدين" بقدر ما نعيب علي النظام الذي وضعهم في موضع الضعف والسممتجداء ! والممذي‬ ‫‪1‬‬

‫شجع اللحاد وأعطاه من الشرعية ما يجعل المطالبين بالدين يشعرون أن دعوتهم هي التي ليس لها صفة الشرعية ‪،‬‬
‫فيتحدثون إلي الناس علي استحياء ! ولسنا نري مع ذلك أن الحل همو أن يعمود " لرجمال المدين " سملطانهم الكنسمي‬
‫المقيت ‪ ،‬لكن الحل أن يؤمن الناس بدين الله ويحكم الحكام بشريعة الله فيكون كل شئ في وضعه الصحيح !‬
‫الفتاة التي تبلغ الرابعة عشر في أمريكا وليمس لهما صممديق تعتمبر حالمة مرضممية يجتممع مجلممس العائلممة للنظمر فيهما‬ ‫‪2‬‬
‫ومن شمماء أن يتحلممل فنعممم الممرأي لممه ونعممم المسمملك ! وسمميجد‬
‫التشممجيع الحافممل مممن المجتمممع والكتمماب والمفكريممن وأهممل الفممن‬
‫وأصحاب السممينما وأصممحاب المسممرح وأصممحاب الذاعممة وأصممحاب‬
‫وأهل الفن وأصحاب النوادي وأصحاب المواخير ‪ ..‬هذا بينممما توضممع‬
‫الضوابط – الصارمة أحيانا – علي سلوك النسان في كممل اتجمماه إل‬
‫هذين التجاهين بالذات !‬
‫ومن جهة ثالثة فهي لعبة اليهودية الكبري لتنفيذ مخططاتها كلهمما‬
‫مع إيهام الناس أنهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم وحسممب رغبمماتهم‬
‫الخاصة !‬
‫فأما المصالح الرأسمالية اليهودية فتسخر لها الحزاب السياسممية‬
‫والبرلمانات و " نواب المة " ووسممائل العلم الممتي تشممكل الممرأي‬
‫العام ‪ ،‬وتقوم بعملية التزييف الكبري لفكار الناس واهتماماتهم بما‬
‫يحقق تلك المصالح في نهاية المطاف ‪ ،‬ويحقممق إنسممياب الممذهب –‬
‫معبود اليهود القديم – إلي جيوبهم وقلوبهم ‪ ،‬ويتفننون به في زيادة‬
‫سيطرتهم علي المميين ‪.‬‬
‫وأما " المصممالح " اليهوديممة الخممري المتمثلممة فممي إفسمماد عقممائد‬
‫الناس وأخلقهم ليسهل اسممتحمارهم وتسممخيرهم لمصممالح الشممعب‬
‫الشرير فهمي تتمم كاملمة ممن وراء شمعار " الحريمة " المذي تحمدثنا‬
‫عنه ‪ ،‬ومن خلل شعور الناس أن " هذه " هي الديمقراطية " !‬
‫وهكذا يضمميع الخيممر الضممئيل الممذي كسممبته "الشممعوب" بممالحقوق‬
‫والضمانات في وسط هذا الشر الهممائل الممذي يحققممه الشممرار مممن‬
‫وراء هذا النظام المخلخل الملئ بالعيوب ‪ ،‬والملئ بالثقوب !‬
‫‪m m m‬‬

‫فإذا عرضنا المر علي السلم فهناك قضيتان رئيسيان من وجهة‬


‫النظر السلمية هما محور الرتكاز في الموضمموع كلممه ‪ ،‬وهممما أداة‬
‫التقويم بالنسبة للديمقراطية أو أي مذهب آخر من المممذاهب الممتي‬
‫نناقشها في هذا الكتاب ‪ .‬هاتان القضيتان هما ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬من المعبود ؟‬
‫ثانيا ‪.……… :‬‬
‫وقد وهنت الجاهلية المعاصرة التي يوجهها اليهود كلتمما القضمميتين‬
‫– والولي بصفة خاصممة – لغايممة فممي نفوسممهم ‪ ،‬زعمممت – بالنسممبة‬
‫للقضية الولي بصفة خاصة – أنها ليست محور الحياة النسممانية ول‬
‫ويستدعي لها الطبيب النفس للعلج !!!‬
‫مقياسها ‪ ،‬بل العكس – في زعمها – هو الصحيح ! فالنسممان أرقممي‬
‫كلما بعد عن الدين ‪ ،‬وأكثر تأخرا ورجعية كلممما اقممترب منممه ‪ ،‬علممي‬
‫أساس أن حياة الناس قد مرت ثلث مراحممل هممي السممحر والتممدين‬
‫والعلممم ‪ ،‬وأن الممدين – الممذي يمثممل المرحلممة الوسمميطة مممن حيمماة‬
‫البشرية – قد أخلي – أو ينبغي أن يخلممي – مكانممة للعلممم مممن أجممل‬
‫تقدم النسان ورقية وتحضره !‬
‫وأما القضية الثانية فقد زعمت الجاهلية المعاصرة أنممه ليممس لهمما‬
‫مقياس ثابت ! وأن النسمان ليممس لمه كيمان ثمابت أو صممورة مثلممي‬
‫يقوم بمقتضاها ‪ ،‬إنما كل عصممر لممه مقياسممه ‪ ،‬ومقياسممه هممو المممر‬
‫الواقع في ذلك العصر ! والنسان دائم التشكيل علي الصورة الممتي‬
‫يقتضيها – أو يرتضيها – العصر بل زيادة ! ومن ثم فإنسانية النسان‬
‫أمر ل يمكن أن يوضع له ميزان ثابت !‬
‫ولكن السلم يقوم المور بميممزان اللممه سممبحانه وتعممالي ‪ ،‬الممذي‬
‫أنزله ليقوم الناس بالقسط ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ل ِي َُقممو َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬
‫معَهُ ْ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل َْنا ُر ُ‬‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ط{ ]سورة الحديد ‪[57/25‬‬ ‫س ِ‬ ‫س ِبال ِْق ْ‬
‫الّنا ُ‬
‫وميزان الله – وهو الحق – يقول إن قضممية " مممن المعبممود؟ هممي‬
‫أهم قضية بالنسبة للحياة البشرية كلهمما فممي تايخهمما كلممه ‪ ،‬وإن كممل‬
‫شئ في الحياة الدنيا – فضل عن الخرة – يتوقف علي جواب هممذه‬
‫القضية ‪ ،‬وهي كون المعبود هو اللممه ام شمميئا آخممر مممع اللممه أو مممن‬
‫دون الله ‪..‬‬
‫والجاهلية المعاصرة تغفل الحياة الخري عن عمد ‪ ،‬وتبرز الحيمماة‬
‫الدنيا وحممدها وتجعلهمما مجممال الهتمممام وموضممع التقممويم ‪ 1‬لنهمما لممو‬
‫وضعت اليوم الخر في الميزان فقد حسمممت القضممية وانتهممت مممن‬
‫أول لحظة ‪ ..‬فلن يقممول أحممد إن الممدار الخممرة سممتكون للملحممدين‬
‫الذي ينكممرون وجممود اللممه ‪ ،‬أو ينكممرون شممريعته ‪ ،‬أو يكرهممون هممذه‬
‫الشريعة ويرفضون تحكيمها في أمور حياتهم !‬
‫لذلك فإن الجاهلية المعاصرة ل تتكلم أبدا عممن اليمموم الخممر وممما‬
‫فيه من بعث ونشور وحشر وسحاب وثممواب وعقمماب ! وإن تحممدثت‬
‫عنه فعلي أنممه وهممم ل حقيقممة لممه ‪ ،‬أو قضممية "غيبيممة " ل ينبغممي أن‬
‫يشممغل بهمما نفسممه النسممان المتحضممر ‪ ،‬أو النسممان الممواقعي ‪ ،‬أو‬
‫النسان الذي يحترم عقله ‪ ،‬أوالنسان الممذي يحممترم العلممم ويعيممش‬
‫بروح علمية !!‬
‫بعض الكتاب يستعمل كلمة " التقييم " بدل من التقويم ليميز بين التقويم بمعني تقدير القيمة والتقويم بمعني إصلح‬ ‫‪1‬‬

‫المعوج والصواب أن الفعل وأوي في كل المعنيين‬


‫فإذا أصبحت الحياة الدنيا هي مبلغ الناس من العلم ‪ ،‬وهممي الممتي‬
‫يتجه إليها الهتمام كلممه ‪ ،‬ضمممن المخططممون الشممريرون أن تسممير‬
‫المور كما يشتهون‪ ،‬وأن تسير السائمة من الممييممن فممي الطريممق‬
‫الذي رسمه شعب الشيطان المختار‪.‬‬
‫َ‬
‫حَياةَ الممد ّن َْيا )‪(29‬‬ ‫م ي ُرِد ْ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ن ذِك ْرَِنا وَل َ ْ‬ ‫ن ت َوَّلى عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫}فَأعْرِ ْ‬
‫َ‬
‫و‬
‫سمِبيل ِهِ وَهُم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَم ْ‬ ‫ضم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مب ْل َغُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ممما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫دى )‪ (30‬وَل ِل ّمهِ َ‬ ‫ن اهْت َم َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أعْل َم ُ‬
‫ل ِيجزي ال ّذين أ َساُءوا بما عَمُلوا ويج مزي ال ّمذي َ‬
‫س مَنى )‬ ‫ح ْ‬ ‫س مُنوا ِبال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ََ ْ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ َ‬
‫‪] {(31‬سورة النجم ‪[31-53/29‬‬
‫م‬ ‫ن الل ّمهِ وَل َهُم ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضم ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫درا ً فَعَل َي ْهِم ْ‬ ‫صم ْ‬ ‫ح ب ِممال ْك ُْف َرِ َ‬ ‫شمَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫}وَل َك ِ ْ‬
‫ة‬
‫خ مَر ِ‬ ‫حَياةَ ال مد ّن َْيا عَل َممى ال ِ‬ ‫حّبوا ال ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م )‪ (106‬ذ َل ِ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ه عََلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (107‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ُِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(108‬سممورة‬ ‫م ال ْغَممافُِلو َ‬ ‫ك هُ م ْ‬ ‫م وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫معِهِ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫النحل ‪[108-16/106‬‬
‫نل‬ ‫} ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ول َه َ‬
‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬
‫ل‬ ‫ضم ّ‬ ‫َ‬ ‫ك كالن َْعام ِ ب َم ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها أوْلئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫مآ َ‬ ‫َ‬
‫مأ َ‬ ‫ل هُ م ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن ب َِها وَلهُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫ن )‪] {(179‬سورة العراف ‪[7/179‬‬ ‫م ال َْغافُِلو َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫وإذا كان الهدف الخير للشممعب الشممرير هممو اسممتحمار الممييممن‬
‫وتسخيرهم لمصالحهم وللعبودية لهم ‪ ،‬فقد وجب أن يبعدوهم بعممدا‬
‫كامل عن ذكر الخممرة ليكونمموا كالنعممام ‪ ،‬ويجعلمموا الممدنيا هممي مبلممغ‬
‫علمهممم وغايممة همهممم ‪ 1‬ليسممهل تسممخيرهم مممن جممانب العبوديممة‬
‫للشهوات ‪ ،‬وهي مصير كل إنسان يعيش بعيدا عممن الخممرة وقيمهمما‬
‫المؤدية إليها ‪:‬‬
‫ر‬
‫طي ِ‬ ‫ن َوال َْقَنمما ِ‬ ‫سمماِء َوال ْب َِنيمم َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شممهَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حمم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنمما ِ‬ ‫}ُزّيمم َ‬
‫َ‬
‫مةِ َوالن ْعَممام ِ َوال ْ َ‬
‫ث‬ ‫ح مْر ِ‬ ‫س مو ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَقن ْط ََرةِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عنده حسمن ال ْمممآب )‪ (14‬قُم ْ َ‬
‫م‬ ‫ل أؤُن َب ّئ ُك ُم ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ه ِ ْ َ ُ ُ ْ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫حت ِهَمما ال َن ْهَمماُر‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّمهِ َوالل ّم ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ضم َ‬ ‫مط َهّ مَرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنمما وَقَِنمما‬ ‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪ (15‬ال ّ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن‬ ‫من ِْفِقيمم َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْقممان ِِتي َ‬ ‫صممادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫ب الّنممارِ )‪ (16‬ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫عمم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حارِ )‪] {(17‬سورة آل ‪[17-3/14‬‬ ‫س َ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َغِْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫وإذا كانت الجاهلية المعاصرة قد اغفلت ذكممر اليمموم الخممر لغايممة‬
‫في نفسممها وأبممرزت الحيمماة الممدنيا وحممدها وجعلتهمما غايممة كممل شممئ‬
‫من دعاء الرسول صلي الله عليه وسلم ‪ ":‬اللهم ل تجعل الدنيا مبلغ علمنا ول غاية همنا " رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ومقياس كل شئ ‪ ،‬فنحن ل نجاري تلك الجاهلية فيما اتجهت إليممه ‪،‬‬
‫ول نقرها علي تعبيد الناس للحياة الممدنيا ‪ ،‬ولكنمما نقممول إن قضممية "‬
‫من المعبود" ؟ ليست متعلقة بالخرة وحدها وإنما هممي مممن صممميم‬
‫قضايا الحياة الدنيا ‪ ،‬وأن الجواب علي هذه القضية ل يتوقممف عليممه‬
‫مصير النسان في الخرة وحدها ‪ ،‬بل يتوقف عليه أمر وجمموده هنمما‬
‫فممي الحيمماة الممدنيا ‪ ،‬وبدرجممة أكممبر بكممثير وأخطممر بكممثير مممما يظممن‬
‫المستعبدون للمخطط الشرير من المميين المسخرين كالحمير !‬
‫إنممه بصممرف النظممر – مؤقتمما – عممن القيممم المتعلقممة بالممدين ‪،‬‬
‫المستمدة من كون المعبود الواجب العبادة هو الله سبحانه وتعمالي‬
‫وحده ل شريك ) ولنا عود إليها بعد قليل ( فممإن الجممواب علممي هممذا‬
‫السؤال الخطير ‪ " :‬من المعبود ؟ " يممترتب عليمه فممي المموقت ذاتممه‬
‫إجابة علي سؤال مهم فممي حيمماة البشممر علممي الرض وهممو ‪ " :‬مممن‬
‫المشرع ؟"‬
‫يقول التفسير المادي للتاريخ ‪ ،‬وهو هنا علي حق فيما يقول ‪ :‬إن‬
‫الممذي يملممك هممو الممذي يحكممم ‪ ،‬وإن الطبقممة الممتي تحكممم تضممع‬
‫التشممريعات الممتي تحفممظ مصممالحها ‪ ،‬ويكممون ذلممك علممي حسمماب‬
‫الطبقات الخري ‪.‬‬
‫لذلك فإن قضية "من المشرع؟ " قضممية مهمممة بالنسممبة للنمماس‬
‫علي الرض ‪.‬‬
‫وليست قضية جانبية أو ثانويممة يمكممن التغمماطي عنهمما لقمماء بعممض‬
‫المتاع الرض الزائد عن الحد ‪ ،‬كمتاع الجنس المجنون ‪ ،‬أو " متاع"‬
‫التبذل في الرض بل اخلق ‪ ،‬الذي قال الله عنه ‪:‬‬
‫ن ك َما ت َأ ْك ُم ُ َ‬ ‫ْ‬
‫وى‬ ‫مث ْم ً‬
‫م َوالن ّمماُر َ‬
‫ل الن ْعَمما ُ‬ ‫ن وَي َأك ُُلو َ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ي َت َ َ‬
‫مت ُّعو َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪] {(12‬سورة محمد ‪[47/12‬‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫فهو متاع الحيوان ل متاع النسان‬
‫وقضية " من المشممرع" ؟ هممي الممتي قممامت مممن أجلهمما الثممورات‬
‫التاريخية كلها حممتي هممذه اللحظممة بسممبب المظممالم الممتي تقممع مممن‬
‫المشرعين الذين يشرعون لصالحهم وصممالح الطبقممة الممتي ينتمممون‬
‫إليها ‪ ،‬فيثور المظلومون ليرفعوا هذا الظلم أو ليحاولوا رفعممة علممي‬
‫أقل تقدير ‪.‬‬
‫فإذا كانت القضية علي هذا القدر من الهمية ‪ ،‬وكان لها كل هممذا‬
‫الثر في حياة الناس علي الرض – بصرف النظر عن مصيرهم بعد‬
‫ذلك – فلننظر من المشرع الحقيقي في الديمقراطيممة الليبراليممة أو‬
‫في الحقيقة في أي جاهلية ل تحكم بما أنزل الله ‪.‬‬
‫إنهم بادئ ذي بدء بشر ‪ ،‬ثم هم بعد ذلك طبقة معينة لهمما مصممالح‬
‫معينة ل تتحقق بصورتها التي يريدونها إل علي حساب الخرين ‪.‬‬
‫كان الحاكم في القطاع هو أمير القطاعية الذي يملممك ويحكممم ‪،‬‬
‫ول معقب من البشر لحكمممة ‪ ،‬لنممه هممو السمملطة الوحيممدة ول أحممد‬
‫غيره يملك شيئا من السلطان ‪.‬‬
‫والحاكم في الديمقرطيممة الليبراليممة هممو الرأسمممالية الممتي تملممك‬
‫وتحكم ول معقب من البشر لحكمها ‪ ،‬وإن كان التشمريع – نظريما –‬
‫من حق الشعب ‪ ،‬والتعقيب نظريا في يد الشعب !‬
‫الرأسمالية – يهودية أو غير يهودية – هممي الممتي تممدير المسممرحية‬
‫كلها ‪ ،‬وهي التي تضع التشريعات للمحافظممة عممل مصممالحها ‪ ،‬علممي‬
‫حسمماب مصممالح " الشممعب" الممذي يقممع عليممه الظلممم السياسممي‬
‫والقتصادي والجتماعي في كل جاهلية من جاهليات التاريخ ‪.‬‬
‫ول ينبغي أن تخدعنا الصيحات والشعارات عن حقيقة الواقع ‪ ،‬ول‬
‫ينبغممي كممذلك أن يخممدعنا وجممود بعممض الصمموات " الحممرة " فممي‬
‫المجالس النيابية أو في الصحافة ووسائل العلم ‪ ،‬فهذا ذاتممه جممزء‬
‫من " فن " المسرحية كما أشرنا مممن قبممل ‪ ،‬لن الرأسمممالية الممتي‬
‫بيدها السلطان – يهوديممة أوغيممر يهوديممة – تعلممم أن هممذه الصمموات‬
‫المتناثرة لن تغير شيئا من الواقع ‪،‬م ولمن تحمدث تعمديل حقيقما فمي‬
‫أدوار المسرحية المرسومة ‪،‬وهي فممي المموقت ذاتممه دعايممة ضممخمة‬
‫للديمقراطية التي من خللها تتحقق كل مصالح الرأسمالية ! فكلما‬
‫ارتفعت هممذه الصمموات " الحممرة " اطمممأنت الجممماهير إلممي اللعبممة‬
‫الدائرة واستنامت لها ‪ ،‬وتركت أصحاب السلطان ينفذون من خلل‬
‫اللعبة إلي كل ما يريدون !‬
‫أما الحقوق والضمانات التي نالها الشعب فقد كممانت – كممما قلنمما‬
‫أكثر من مرة – ثمرة نضال الجماهير ولم تكن ثمرة الديمقراطيممة !‬
‫وإذا كانت الرأسمالية قد تنازلت – مكرهة – عن بعض الفتات خوفا‬
‫من ضياع الصل كله ‪ ،‬فلم يكن ذلك بفضل النظام البرلماني ذاته ‪،‬‬
‫بقدر ما كان ذلك راجعا إلي نظام الرأسمالية " الحممرة " واعتمادهمما‬
‫علي العامل الذي يتمتع بقسط محممدود مممن الحريممة ‪ ،‬لكممي تتمكممن‬
‫هممي مممن تحقيممق الربمماح الفاحشممة الممتي تحققهمما‪ ..‬ول تسممتطيع‬
‫الرأسمالية الحرة أن تزيد سلطانها أكثر مما واقع في أيممديها ‪ ..‬وإل‬
‫لفعلت ! لن الدكتاتورية الممتي تلممزم العمممال بالعمممل تحممت ضممغط‬
‫الحديممد والنممار ل يمكممن أن تتممم بصممورة جماعيممة ) أي باجتممماع‬
‫الرأسماليين كلهم بعضهم مع بعض ( لنها تحتاج بطبيعتها إلي تركيز‬
‫السلطة في يد فئة محدودة جممدا مممن النمماس ‪ ،‬وعنممدئذ ل يسممتطيع‬
‫الرأسممماليون ذاتهممم أن يوجممدوا ول أن يكممون لهممم سمملطان ‪ ،‬لن‬
‫السمملطة الممتي تسممتطيع أن تسممخر العمممال للعمممل تحممت القهممر ‪،‬‬
‫ستلتهم الرأسماليين أنفسممهم كممما حممدث فممي الدولممة الشمميوعية ‪..‬‬
‫ومن هنا تجد الرأسمالية نفسها مكرهة – للمحافظممة علممي وجودهمما‬
‫ذاته – أن تسمح بهممذا الفتممات المتنمماثرة للشممعب ‪ ،‬ويتممم ذلممك عممن‬
‫طريممق هممذا اللعممب الطريفممه ‪ .‬لعبممة الديمقراطيممة ‪ ،‬تحقممق بهمما‬
‫الرأسمالية أكبر قدر متمماح مممن الربممح ‪ ،‬وتممترك للشممعب كممثيرا مممن‬
‫المظالم وشيئا من الفتات !‬
‫الظلم هو طابع الجاهلية التي يشرع فيها البشر للبشممر بممدل مممن‬
‫أن يتحاكم البشر كلهم إلي شريعة الله !‬
‫إن المجتمع الجاهلي لبد أن ينقسم بطبيعته إلممي فئتيممن اثنممتين ‪:‬‬
‫سادة وعبيد سادة في يدهم السلطان وفممي يممدهم التشممريع وعبيممد‬
‫يقع عليهم السلطان ويقع عليهم التشريع ‪.‬‬
‫وأيا تكن طرافة اللعبمة الديمقراطيمة فهمي ل تسمتطيع أن تخفمي‬
‫هذه الحقيقة وهي أن الرأسماليين هم السممادة ‪ ،‬هممم المشممرعون ‪،‬‬
‫وأن الشعب هو العبيد الذين يقع عليهم عبء التشريع ‪.‬‬
‫حقيقة إن " العبيممد " فممي ظممل الديمقراطيممة الليبراليممة هممم فممي‬
‫أفضل وضع وجد بممه العبيممد فممي أيممة جاهليممة مممن جاهليممات التاريممخ‬
‫) بسممب طبيعممة الرأسمممالية الحممرة – كممما أسمملفنا – وعجزهمما عممن‬
‫تحقيق الربح إل عن طريق العامل الذي يتمتممع بقسممط محممدود مممن‬
‫الحرية ( إل أن هذا ل يغير حقيقة وضعهم ‪ ،‬وهو إنهممم عبيممد ‪ ..‬عبيممد‬
‫مهما امتلكوا – في المسرحية الطريفة – من " مظاهر " الحرية !‬
‫إن الحرية الحقيقة ل يمكن أن تتحقق في أية جاهلية تحكم بغيممر‬
‫ما أنزل الله ‪ 1‬لن الحكم بغير ما أنزل الله هو الممذي يقسممم النمماس‬
‫إلي " أربمماب " و " عبيممد " ! أربمماب يشممرعون وعبيممد ينفممذون ‪ .‬ول‬
‫يملك العبيد حرية حقيقية إزاء الرباب !‬
‫إن رد" الحاكميممة " للممه ‪ ،‬أي التحمماكم إلممي شممريعة اللممه وعممدم‬
‫التحاكم إلي أي شريعة أخري غير شريعة الله ‪ ،‬فضل عن كونه مممن‬
‫َ‬
‫حق الله علي عباده لنه من الخصائص الخالصة لللوهيممة ‪} :‬أل َلمم ُ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪ [7/54‬فإنه في المموقت نفسممه هممو‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬
‫ال ْ َ‬
‫الضمان الحقيقي لحرية البشر فممي الرض ‪ ،‬وعمدم تحويمل بعضممهم‬
‫الجاهلية – كما جاء استعمال اللفظ في القرآن الكريم نشأ أصل من عبادة غير الله ومن الحكم بغير ممما انممزل ويجممئ‬ ‫‪1‬‬

‫حكم الجاهلية مقابل لحكم الله في مثل قوله تعالي ‪ ) :‬أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ومممن أحسممن ممن اللممه حكممما القموم‬
‫يوقنون ؟! " سورة المائدة ‪50‬‬
‫إلي أرباب وأكثريتهم إلي عبيد لولئك الرباب ‪.‬‬
‫إن إخلص العبودية لله وحده‪ -‬سواء في إفراده بشعائر التعبممد أو‬
‫إفراده الحاكمية – هو الذي يغلي وجود الرباب ‪ ،‬ويحرر الناس فممي‬
‫الرض من عبودتهم ‪.‬‬
‫ما دام الله وحده هو المعبود – سواء بتقديم الشعائر له وحده أو‬
‫بتنفيذ شريعته دون كل الشممرائع – فمممن أيممن يوجممد الربمماب الممذين‬
‫يتعبدون العبيد ؟!‬
‫ل يتحرر الناس الحرية الحقيقية في الرض حين يكون الله وحده‬
‫هو الرب والناس كلهم – حكاما ومحكومين – عبيدا للممه وحممده دون‬
‫شريك ‪.‬‬
‫عندئذ فقط يولد النمماس أحممرارا ويظلممون أحممرارا إلممي أن تنتهممي‬
‫أجالهم ‪.‬‬
‫وعندئذ فقط يشعر الناس بالسممتعلء – اسممتعلء اليمممان – علممي‬
‫كل قوة في الرض بشرية كانت هذه القوة أو ماديممة أو اقتصممادية ‪،‬‬
‫لنهم يستمدون وجودهم وقوته من الله ‪ ،‬والله أكبر ‪ ..‬أكبر من كل‬
‫قوة في الوجود ‪.‬‬
‫عندئذ يحدث ما حدث في صدر السمملم ‪ ،‬والعبوديممة خالصممة للممه‬
‫وحده في كل مجال من مجالت الوجود ‪.‬‬
‫يقممف عمممر بممن الخطمماب رضممي اللممه عنممه فيقممول ‪ :‬أيهمما النمماس‬
‫اسمعوا وأطيعوا ‪ ،‬فيقف له سمملمان الفارسممي يقممول‪ :‬ل سمممع لممك‬
‫علينا اليوم ول طاعة حتي تممبين لنمما مممن أيممن لممك هممذا الممبرد الممذي‬
‫أئتزرت به !‬
‫ويتحاكم علي بن أبي طالب كرم الله وجممه إلممي القاضممي شممريح‬
‫مع اليهودي الذي سرق درعه فيسأله القاضي‪ :‬يا أميممر المممؤمنين !‬
‫هل من بينه ؟! فيقول علي كرم اللممه وجممه ‪ :‬صممدق شممريح ! مممالي‬
‫بينه ! فيحكم القاضي بالدرع لليهودي تنفيذ لشريعة الله !‬
‫ويستمتع بهذا العدل – الذي يولد الشعور بالحريممة – حممتي الممذين‬
‫لم يؤمنوا بهذا الممدين ولكنهممم اسممتظلوا بظلممه واسممتظلوا بعممدالته ‪،‬‬
‫فيرحل القبطي من مصر إلي المدينة ليشكو إلي عمرو بن العمماص‬
‫حين غلبه الشاب القبطي في السباق ‪ ..‬وهو الممذي كممان إلممي عهممد‬
‫جد قريب تلهب ظهره سياط الرومان فل يحممس بآدميممة المسمملوبة‬
‫ول يتحممرك للشممكوي ‪ ..‬ولمممن يشممكو حممتي إذا أراد ولكممن العممدل‬
‫الرباني المتمثل في شريعة الله هو الذي جعل ضممربة العصمما توجممع‬
‫الكرامة ‪ ،‬وتحرك الرجل ألوف الميال طلبا لنصفه ورفعا للظلممم ‪..‬‬
‫ويجاب الرجل إلي حقه تحقيقا لشريعة الله ‪..‬‬
‫كل ! ل تتحقق الحرية الحقيقية ول المساواة الحقيقيممة ول الخمماء‬
‫الحقيقي إل حين يكون الله وحده هو المشرع‪ ،‬ول يكون للبشر حق‬
‫التشممريع مممن عنممد أنفسممهم ‪ 1‬وكممل ممما ترفعممه الديمقراطيممة مممن‬
‫شممعارات " الحريممة والخمماء والمسمماواة " إن هممو إل شممعارات !‬
‫شعارات غير قابلة للتحقيق في عممالم الواقممع ممما دام بعممض البشممر‬
‫يشرعون وبعضهم الخر – وهم أكثرية الناس – يخضعون للتشريع ‪،‬‬
‫وما دامت القلية التي تشرع إنممما تشممرع لمصممالحها الخاصممة علممي‬
‫حساب الخرين ‪.‬‬
‫وهب كممل النمماس شممرعوا كممما تزعممم الديمقراطيممة فممي أقوالهمما‬
‫النظرية ‪ ،‬وهب كل الناس استطاعوا أن يوفقمموا – فممي التشممريعات‬
‫التي يضعونها بأنفسهم – بين مصالح الحاكمين والمحكممومين فممزال‬
‫الظلم ‪ ،‬وزالت عبودية بعمض البشمر لبعمض ‪ ،‬وهمو فمرض جمدلي ل‬
‫يمكن أن يتحقق ‪ ،‬ولم يتحقق في أي جاهلية مممن جاهليممات التاريممخ‬
‫التي تحكم بغير ما أنزل الله ‪ ،‬فهل تستقيم الحياة في الرض علممي‬
‫صورة صحيحة حين يكون البشر هم المشرعين ؟!‬
‫أليس البشر – كلهم في هذه المرة – هم الممذين شممرعوا فوضممي‬
‫الجنس ؟!‬
‫ودعممك الن مممن أن اليهوديممة الشممريرة هممي الممتي أوحممت لولئك‬
‫البشر فشرعوا ‪:‬‬
‫حي‬ ‫ن ي ُممو ِ‬ ‫س َوال ْ ِ‬
‫جم ّ‬ ‫لن م ِ‬
‫نا ِ‬ ‫طي َ‬ ‫ي عَمد ُوّا ً َ‬
‫ش مَيا ِ‬ ‫جعَل ْن َمما ل ِك ُم ّ‬
‫ل ن َب ِم ّ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ل غُُرورًا{ ]سورة النعام ‪[6/112‬‬ ‫ف ال َْقوْ ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫ضه ُ ْ َ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫دعك من هذه القضية لن خضوع الديمقراطية لليهودية الشممريرة‬
‫ليس عذرا لها فيما تفعل ‪ ،‬بل هو عيب رئيسي من عيوب وكلن خذ‬
‫الصورة الظاهرة وهي أن هذه الفوضممي تمممر بالموافقممة الجماعيممة‬
‫من الناس ‪ ،‬سواء في المجممالس النيابيممة أو فممي وسممائل العلم أو‬
‫في واقع الحياة ‪ ..‬فهل تستقيم الحياة بتلك الفوضي الجنسية الممتي‬
‫شرعها البشر ؟!‬
‫أليممس البشممر – كلهممم فممي الديمقراطيممة – هممم الممذين شممرعوا‬
‫الربا ؟!‬
‫ودعك مرة أخري من أو اليهودية الشريرة هي التي دفعت الناس‬
‫دفعا إلي تشريع الربمما ‪ ..‬فخضمموع النمماس فممي هممذا المممر لليهوديممة‬
‫أشرنا من قبل إلي أن اجتهاد المجتهدين في استنباط الحكام فيما ل نص فيمه يتمم بمإذن ممن اللمه ‪ ،‬وهمذا همو المذي‬ ‫‪1‬‬

‫يعطيه شرعيته ‪ ،‬فل يعتبر تشريعا يشرعه الناس من عند انفسممهم كممما تفعممل الجاهليممات ‪ ،‬فضممل عممن كممونه محكوممما‬
‫بالصول العامة للشريعة ل يخرج عن إطارها فل يحل حراما حرمه الله ول يحرم حلل أحله الله‬
‫العالمية ليس عذرا لهم ‪ ،‬بل هو وزر يحملونه أما الله يوم القيامة ‪،‬‬
‫وهو – أو مثلة – الذي قال الله فيه عنهم ‪:‬‬
‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ه{ ]سممورة التوبممة‬ ‫ن الل ّم ِ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م أْرَبابما ً ِ‬
‫مم ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫}ات ّ َ‬
‫‪[9/31‬‬
‫أي اطاعوهم في التحليل والتحريم بغير ممما أنممزل اللممه كممما قممال‬
‫‪1‬‬
‫العلماء والمفسرون في تفسير هذه الية‬
‫دعممك مممن هممذا وخممذ واقممع الحيمماة فممي الديمقراطيممة الليبراليممة‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬تجد أن الربا يمممر بموافقممة إجماعيممة بغيممر اعممتراض ‪..‬‬
‫فهل استقامت الحياة بالربا الذي أحله البشر ؟!‬
‫أليس البشر – كلهم في الديمقراطية – هم الذين وافقوا علممي "‬
‫تحرير "‬
‫ودعك مرة ثالثة من أن اليهودية الشريرة هي التي وسممعت تلممك‬
‫القضية ولعبت بهمما لفسمماد المجتمممع البشممري كلممه ‪ ،‬فممإن اليهوديممة‬
‫الشريرة ما استطاعت أن تفعممل ذلممك إل فممي مجتمممع متفسممخ أدار‬
‫ظهره للهدي الرباني فركبتممه الشممياطين ‪ ..‬وخممذ الصممورة الظمماهرة‬
‫وهممي أن " المممرأة المتحممررة" ‪ ..‬المتحممررة مممن الممدين والخلق‬
‫والتقاليد ‪ ،‬بل من الحياء الفطري ذته ‪ ،‬تمممر بموافقممة البشممر كلهممم‬
‫ورضاهم وطلبهم للمزيد من " التحرر " ! ‪ ..‬فهل اسممتقامت الحيمماة‬
‫حين تحررت المرأة علي هذه الصورة التي شرعها البشر ؟!‬
‫وخممذ مئات مممن التشممريعات الممتي شممرعها البشممر – كلهممم فممي‬
‫الجاهلية المعاصرة – وأنظممر أثارهمما فممي حيمماتهم ‪ ،‬الحنممون والقلممق‬
‫والمراض النفسية والعصبية والنتحممار وإدمممان الخمممر والمخممدرات‬
‫والجريمة وتشرد الطفال وجنوحهم ‪ .‬إلي جممانب الفرديممة الجامحممة‬
‫وتفكك السرة وتفكك المجتمع وقتممل المشمماعر النسممانية وتحويممل‬
‫النسممان إلممي حيمموان آلممي ‪ ،‬تممدير اللممة نصممف حيمماته وتممدير بقيتهمما‬
‫الشهوات !‬
‫ذلك كله حين يشرع البشر لنفسهم ‪ ،‬ولو شرعوا كلهم مجتمعين‬
‫متناسممقين بل تظممالم ول صممراع ! ذلممك أن البشممر‪ -‬بطممبيعتهم –‬
‫يتصفون بالقصور و الجهل ‪ ،‬والعجز عن الحاطة ‪ ،‬والعجز عن رؤية‬
‫النتائج الكاملة المترتبممة فممي المسممتقبل علممي أعممماهم الحاضممرة ‪..‬‬
‫فحين يتجمماوزون الجتهمماد فيممما أذن اللممه بالجتهمماد فيممه ‪ ،2‬ويحلممون‬
‫ويحرمون بغير ما أنزل الله ‪ ،‬تقع تلممك الفوضممي الضمماربة أطنابهمما ‪،‬‬
‫انظر ابن كثير والطبري والقرطبي وابن تميمة وغيرهم‬ ‫‪1‬‬

‫إذن الله بالجتهاد للمؤمنين فقط لنهم أهل لذلك بإيمانهم وتوقيرهم لله وتحكميهم لشريعته ‪ ،‬أمما غيمر الممؤمنين فل‬ ‫‪2‬‬

‫إذن لهم لنهم ل يعترفون أصل بشريعة الله‬


‫ويقع ذلك الشقاء المرير الذي يمل وحه الرض ‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا أن قضية " من المعبممود ؟ " ليسممت قضممية غيبيممة‬
‫خاصة بالخرة كما يصورها الجاهليون المحدثون ‪ ،‬ولكنها – بالضافة‬
‫إلي كونها متعلقة بالخرة قضية من صميم هذه الحياة الممدنيا ‪ ،‬لنممه‬
‫يترتب عليها تقرير " "من المشممرع "؟ أي مممن واضممع منهممج الحيمماة‬
‫للناس … وأنه حين ل يكون الله هو المعبود وحده بل شريك ‪ ،‬تخيل‬
‫الحياة الدنيا بجملتها ويقع الناس في الخبال ‪.‬‬
‫فإذا قومنا الديمقراطية بهذا الميزان فيكف تكون النتيجة ؟!‬
‫الله هو المعبود في الديمقراطية الليبرالية وحده دون شممريط ؟!‬
‫أم هناك عشرات من اللهة الزائفة تعبد مع الله أو من دون اللممه ؟‬
‫وكلهما سواء ‪ .‬فإن عبدت مع الممه فهممو الشممرك ‪ ،‬وإن عبممدت مممن‬
‫دون الله فهو الكفر ‪ ..‬والشك والكفر كلهما كفر !‬
‫حقا إن هناك ألوفا من الكنائس تفتح أبوابها يوم الحممد لتسممتقبل‬
‫المصلين ودع الن جانبا ما في العقيدة الكنسية من التحريف ‪ ،‬ودع‬
‫جانبا كممذلك مئات الملييمن الممذين ل يمذهبون إلممي الصملة أصممل ول‬
‫يعترفون بوجوبها عليهم ‪ ..‬وأنظر إلي هذا المصلي الذي جاء يحضممر‬
‫الصلة بدافع من " التدين" ما رأيممه فممي الربمما ؟ ممماذا لممو قممام أحممد‬
‫يخبره أن الربا حرام ‪ ،‬ويدعوه إلي أستنقاذ أمواله من الربمما وعممدم‬
‫التعامل به في الخذ والعطاء ؟! كم تكون سخريته ؟ وكيممف يكممون‬
‫جوابه ؟ إن الجواب الوحيد الذي يرد به الغربي علممي هممذه الممدعوي‬
‫هو أن الربا مسألة اقتصادية بحتة والدين ل علقة له بالقتصاد !‬
‫وما رأيه في علقات الجنس ؟ ماذا لو قال له أحد الناس إن هذه‬
‫العلقات كلها حممرام إل الممزواج الشممرعي ‪ ،‬و دعمماه ليعممدل سمملوكه‬
‫ويعدل عن " الصدقات " التي يمارسها ‪ ..‬فممماذا يكممون جمموابه ‪ ..‬أو‬
‫جوابها لو كانت فتمماة ؟! إن الفتمماة المريكيممة تقممول بملممء فيهمما إن‬
‫الجنممس مسممألة " بيولوجيممة " ل علقممة لهمما بالممدين ول علقممة لهمما‬
‫بالخلق !‬
‫الله هو المعبممود فممي الديمقراطيممة الليبراليممة ؟ أم عشممرات مممن‬
‫اللهة المزيفة تحكم حياة الناس وتتحكم فيها ؟‬
‫الدولر إله ‪ 1‬والنتاج إله ‪ .‬والصالح القومي إله‪ .‬ولمجتمع إلممه و"‬
‫الرأي العام " إله ‪ .‬والعقل إله ‪ .‬والعلم إلمه ‪ .‬والنسمان إلمه‪ .‬واللمه‬
‫‪2‬‬
‫إله ‪ .‬و" المودة " إله والشهوات إله ‪ ..‬والهوى إله‬
‫يقول صلي الله عليه وسلم " تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد الدينار " والناس اليوم في كثير مممن أقطممار الرض عبيممد‬ ‫‪1‬‬

‫للدولر‬
‫ه{ ]سورة الجاثية ‪.[45/23‬‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫خ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫يقول تعالي‪} :‬أ َفَرأ َ‬
‫ِ َ ُ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫‪2‬‬
‫كلها تعبد مع الله او من دون اللمه ‪ .‬وكلهمما تعطمي إجابممة حاسممة‬
‫بالنسبة للقضية الكبري في حياة النسان ‪ ،‬قضية المعبود ‪ :‬هل هممو‬
‫الله ام شئ أخر غير الله ‪..‬‬
‫كلها تقول إن المعبود في الديمقراطية الليبرالية ليس هو الله ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أما القضية الثانية فهي قضية إنسانية النسان ‪..‬‬


‫وكما ألغت الجاهلية المعاصرة اليوم الخر من حس النمماس لكيل‬
‫تفقد شرعية وجودها من أول حظة ‪ ،‬وألغممت اليمممان بممالله لكممي ل‬
‫يعوق " مصالحها" ومخططاتها ‪ ..‬فكذلك ألغممت كممل معيممار حقيقممي‬
‫لنسانية النسان ‪ ،‬لذات الدوافع وذات السباب !‬
‫لو أقرت الجاهلية المعاصرة أن النسان يختلف عن الحيوان منممذ‬
‫البدء في أن له عقيدة واعية في الله ‪ ،‬وقدرة علممي اليمممان بممما ل‬
‫تدركه الحواس ) أي اليمان بممالغيب ( وأن أعممماله – كلهمما – تحمممل‬
‫قيمة خلقية ناشئة من أن لممه طريقيممن لطريقمما واحممدا كممالحيوان ‪،‬‬
‫وقدرة علي التمييز بين الطريقين وقدرة علممي الختيممار ‪ ،‬ومممن ثممم‬
‫يوصف عمله بأنه خيرا أو شريا ‪ ،‬بينما ل يوصف بذلك عمل الحيوان‬
‫‪..‬‬
‫ولو أقرت بذلك فكيف تبر كل ممارستها التي تقيمها علي أساس‬
‫حيوانية النسان ؟‬
‫ولو أقرت بذلك فيكيف تفعل بمخططاتها ومصالحها ؟!‬
‫كيممف يتحقممق للرأسمممالية ربحهمما الحممرام ‪ ،‬القممائم أساسمما علممي‬
‫الفصل الكامممل بيممن العمليممات القتصممادية وبيممن الممدين والخلق ؟‬
‫وكيف يتحقق لليهودية مخططها في استحمار المميين وتسممخيرهم‬
‫لشعب الله المختار ؟‬
‫كيف يتحقق للرأسمالية ربحها من الربا ‪ ،‬ومن الصناعات التافهممة‬
‫التي تميع الطابع وتفسد الخلق ‪ ،‬ومممن الحممروب الممتي تثيرهمما مممن‬
‫أجل إيجاد أسواق لتصريف فائض النتاج ؟‬
‫وكيممف يتحقممق لليهوديممة مخططهمما فممي إفسمماد الرجممل والمممرأة‬
‫وشغلهما بمقاذر الجنس عن تنشممئة أطفممال صمالحين يقومممون فممي‬
‫شبابهم بإرساء قواعد الحق والعدل وإرساء قواعد الخلق ؟ وكيف‬
‫تقوم بتفكيك روابط السرة والمجتمع ‪ ،‬وشغل البشرية كلها بجنون‬
‫الجنس وجنون السينما وجنون التليفزيون وجنممون الكممره وجنممون "‬
‫المودة " وجنون" التقاليع "‪..‬؟‬
‫كلإنها ل يمكن أن تقر بذلك ‪ ،‬ل لنه ليس حقيقة في ذاته ‪ ،‬ولكن‬
‫لن القرار به يفقدها شرعية وجودها علي التو ‪ ،‬ويضر أيممما إضممرار‬
‫بمخططاتها ومصالحها ‪.‬‬
‫وإذن فلتقل أي شئ تميع به القضية وتبعد حقيقتها عن الذهان ‪.‬‬
‫فلتقل إن الحضارة المادية هي مقياس إنسانية النسان !‬
‫فلتقل إن مقدار استهلك النسان للكهربماء همو مقيماس إنسمانية‬
‫‪1‬‬
‫النسان‬
‫فلتقمل إن " حريمة " النسمان فمي أن يفعمل كمل مما بمدا لمه همو‬
‫مقياس إنسانية النسان !‬
‫أو فلتقل إنه ل يوجد مقياس ثابت لقياس إنسانية النسان !‬
‫المهم أن تكتم الحقيقة عن الناس حتي ل يستيقظوا لحقيقتهممم ‪:‬‬
‫أنهم فقدوا نسانيتهم بالفعل ‪ ،‬وأصبحوا أولئك الحمير الذين يريممدهم‬
‫– ليركبهم – شعب الله المختار !‬
‫ولكن السلم – دين الله الحممق – يقممرر الحقيقممة ويبرزهمما ويؤكممد‬
‫عليها ‪ :‬أن النسممان خلممق إنسممانا مممن اول لحظممة ‪ ،‬وكلممف تكمماليف‬
‫النسان ‪ ،‬فحمل المانة التي اشفقت من حملها السممموات والرض‬
‫والجبال ‪ ،‬وأنه يحافظ علممي إنسممانيته طالممما ظممل حممامل للمانممة ‪،‬‬
‫ويفقدها حين يتخلى عن حملها ‪.‬‬
‫َ‬
‫ة{ ]سممورة‬ ‫خِليَف م ً‬ ‫ض َ‬ ‫ل فِممي الْر ِ‬ ‫عم ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِن ّممي َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫البقرة ‪[2/30‬‬
‫ه‬‫سوّي ْت ُ ُ‬‫ذا َ‬ ‫ن )‪ (71‬فَإ ِ َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شرا ً ِ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪] {(72‬سممورة ص‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سمما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حممي فََقعُمموا ل َم ُ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِفي مهِ ِ‬ ‫خم ُ‬ ‫وَن ََف ْ‬
‫‪[72-38/71‬‬
‫ن ال َْر‬ ‫}هو َأن َ َ‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل فَمأب َي ْ َ‬ ‫جب َمما ِ‬‫ض َوال ْ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سم َ‬ ‫ة عَل َممى ال ّ‬ ‫مان َم َ‬ ‫ضمَنا ال َ‬ ‫}إ ِّنا عََر ْ‬
‫ن{ ]سورة الحزاب ‪[33/72‬‬ ‫سا ُ‬ ‫مل ََها ال ِن ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شَفْق َ‬ ‫مل ْن ََها وَأ َ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ن )‪] {(56‬سممورة الممذاريات‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬ ‫لنم َ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َْق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫‪[51/56‬‬
‫م عََلممى‬ ‫شممهَد َهُ ْ‬ ‫م وَأ َ ْ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ب َِني آد َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫شهِد َْنا{ ]سورة العراف ‪[7/172‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫ْ‬
‫ي‬
‫دا َ‬ ‫ن ت َب ِمعَ هُ م َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دى فَ َ‬ ‫مّني هُ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ميعا ً فَإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫من َْها َ‬ ‫طوا ِ‬ ‫}قُل َْنا اهْب ِ ُ‬
‫ن ك ََف مُروا وَك َمذ ُّبوا ِبآَيات ِن َمما‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (38‬وال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫َفل َ‬
‫ن )‪] {(39‬سممورة البقممرة ‪-2/38‬‬ ‫أ ُول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬
‫" في كتاب " في النفس والمجتمع ‪ ،‬فصل بعنوان " حضارة الكيلو واط "!‬ ‫‪1‬‬
‫‪[39‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ها وَت َْق َ‬ ‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] { {(10‬سممورة الشمممس ‪-91/7‬‬ ‫سمما َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َز ّ‬
‫‪[10‬‬
‫ذي‬ ‫سممانا ً وَب ِم ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِمد َي ْ ِ‬ ‫ش مْيئا ً وَِبال ْ َ‬ ‫كوا ب ِمهِ َ‬ ‫ش مرِ ُ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫دوا الل ّم َ‬ ‫}َواعْب ُم ُ‬
‫جمماِر‬ ‫جارِ ِذي ال ُْقْرب َممى َوال ْ َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫كي‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫كي‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب َواب ْ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫خورا ً )‪] {(36‬سورة النساء ‪[4/36‬‬ ‫خَتال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫سمممت َغِْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫من ِْفِقيممم َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْقمممان ِِتي َ‬ ‫صمممادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صممماب ِ ِ‬ ‫}ال ّ‬
‫حارِ )‪] {(17‬سورة آل ‪[3/17‬‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ِبال ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫ش مُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صمملت ِهِ ْ‬ ‫م فِممي َ‬ ‫ن هُ م ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (1‬ال ّم ِ‬ ‫من ُممو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫}قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫عُلو َ‬ ‫م ِللّزك َمماةِ فَمما ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (3‬وال ّ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن الل ّغْوِ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مل َك َم ْ‬ ‫ممما َ‬ ‫م أو ْ َ‬ ‫جه ِ م ْ‬ ‫ن )‪ (5‬إ ِل ّ عَل َممى أْزَوا ِ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جه ِ ْ‬ ‫م ل ُِفُرو ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م‬ ‫ك هُ م ْ‬ ‫ك فَمأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ن اب ْت َغَممى وََراَء ذ َل ِم َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن )‪ (6‬فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫أي ْ َ‬
‫م‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ّم ِ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪َ (7‬وال ّ ِ‬ ‫ال َْعا ُ‬
‫ن هُ م ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َراعُممو َ‬ ‫م وَعَهْدِهِ ْ‬ ‫ماَنات ِهِ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫دو َ‬
‫ن‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (10‬ال ّ ِ‬ ‫وارُِثو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ن )‪ (9‬أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫وات ِهِ ْ‬ ‫صل َ َ‬ ‫عََلى َ‬
‫ن )‪] {(11‬سورة المؤمنون ‪[11-23/1‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫س هُ ْ‬ ‫ال ِْفْرد َوْ َ‬
‫م‬ ‫ض مُبوا هُ م ْ‬ ‫ممما غَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ش وَإ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ك َب َممائ َِر ال ِث ْمم ِ َوال َْف م َ‬ ‫جت َن ِب ُممو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َوال ّم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مُرهُ م ْ‬ ‫صمملةَ وَأ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأقَمما ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ م ْ‬ ‫س مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (37‬وال ّم ِ‬ ‫ي َغِْف مُرو َ‬
‫شورى بينهم ومما رزقْناهُم ينفُقون )‪ (38‬وال ّذين إ َ َ‬
‫ي‬ ‫م ال ْب َْغمم ُ‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ ْ َ ِ ّ َ َ َ ْ ُْ ِ‬ ‫ُ َ‬
‫ن )‪] {(39‬سورة الشورى ‪[39-42/37‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي َن ْت َ ِ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ميَثمماقَ )‪َ (20‬واّلمم ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ضممو َ‬ ‫ن ب ِعَْهممدِ الّلممهِ َول َينُق ُ‬ ‫ن ُيوُفممو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}اّلمم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سمموَء‬ ‫ن ُ‬ ‫خمماُفو َ‬ ‫م وَي َ َ‬ ‫ن َرب ّهُ م ْ‬ ‫ش مو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫صم َ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِمهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ّم ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صُلو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ب )‪] {(21‬سورة الرعد ‪[21-13/20‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال ْعَممال َ ِ‬ ‫ممماِتي ل ِل ّمهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حي َمماي وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫سم ِ‬ ‫صمملِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫}قُم ْ‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[163-6/162‬‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫‪ (162‬ل َ‬
‫هذا هو النسان ‪ .‬وهذا مقياس إنسانيته ‪.‬‬
‫إنه ليس حيوانا ‪ .‬إنما هو إنسان من أول لحظة ‪ .‬ومهمته محممددة‬
‫من أول لحظة ‪ .‬إنه الخليفة في الرض ‪ ،‬المسيطر فيها ‪ ،‬المهميممن‬
‫عليها ‪ ،‬القائم بعمارتها ‪ ،‬ولكن يمقتضممي المنهممج الربمماني المسممتمد‬
‫من الهممدي الممذي يتنممزل مممن عنممد اللممه لتنظيممم حيمماة البشممر علممي‬
‫الرض ‪ ،‬وضبطها بالضوابط الصحيحة لتقسيم وتلك هي " المانممة "‬
‫التي حملها النسان وأشفقت من حملها بقيممة الخلئق الممتي تخضممع‬
‫لمر الله بالقهر ول تقمموم بعمممل إرادي ‪ ،‬أممما النسممان الممذي وهممب‬
‫الرادة والدراك والقدرة علممي العمممل والنشمماء والتعميممر والقممدرة‬
‫علي الختيار ‪ ،‬فهمهمته – أو المانة الملقاة علي عاتقه – هي عبادة‬
‫الله طوعا – وتعميممر الرض بمقتضممي منهممج اللممه ‪ ،‬وهممو " إنسممان"‬
‫طالما هو قائم بهذه المانة ‪ ،‬أي عابد لله وحده بل شريك ‪ ،‬ومعمممر‬
‫للرض بمقتضي المنهج الرباني المتمثل في الحكم بما أنممزل اللممه ‪،‬‬
‫واللتزام بما جاء من عند اللممه ‪ ،‬ومواصممفاته – أو ضمموابط إنسممانيته‬
‫ومعاييرها – هي هذه الصفات الواردة في اليممات مممن خشمموع فممي‬
‫الصلة وإعراض عن اللغو ‪ ،‬وأداء للزكاة ‪ ،‬وضبط لشهوة الجنممس ‪،‬‬
‫ورعاية للمانة والعهد ‪ ،‬وصممبر وصممدق وقنمموت وإنفمماق واسممتغفار ‪،‬‬
‫ومغفرة عند الغضب ‪ ،‬وقتال ضد البغي ‪ ..‬إلخ ‪ ..‬إلخ‬
‫هذا مقياس ثابت لنسانية النسان ل يطرأ عليه التغيير ‪.‬‬
‫وحقيقة أن هناك متغيممرات كممثيرة فممي حيمماة البشممرية تنشممأ مممن‬
‫التفاعل الدائم بيممن العقممل البشممري والكممون المممادي ‪ ،‬واسممتخلص‬
‫طاقات الكون وتسخيرها لمصمملحة النسممان ‪،‬لكممن هممذه المتغيممرات‬
‫كلها ل تغير القيم الثابتة التي تحكممم حيمماة النسممان ‪ ،‬بممل ينبغممي أن‬
‫يحكم الثابت المتغيمر لكمي تسمتقيم الحيماة علمي الرض ول تنفلمت‬
‫المور من عقالها فيصيب البشرية الخبل والضطراب ‪.‬‬
‫فهذه الطاقات أول مسخرة من عند الله للنسان‬
‫ميعما ً ِ‬ ‫ت وممما فِممي ال َ‬
‫ه{‬‫من ْم ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ َ‬ ‫م َ‬
‫سم َ‬ ‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُم ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫والجهد الذي يقمموم بممه النسممان لتحقيممق هممذا التسممخير والدوات‬
‫التي يستخدمها هي من عند الله كذلك‪:‬‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ل ل َك ُم ْ‬
‫م‬ ‫جع َ م َ‬‫شمْيئا ً وَ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مممو َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫جك ُ ْ‬‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سممورة النحممل‬ ‫ش مك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫سم ْ‬
‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫والشكر يقتضممي اسممتخدام هممذه الطاقممات كلهمما بمقتضممي أوامممر‬
‫المنعم الوهاب ‪.‬‬
‫هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخري فإن استخدام هذه الطاقات يغيممر‬
‫" الصممورة " الممتي يحيمما بهمما النسممان علممي الرض ولكنممه ل يغيممر "‬
‫الجوهر" النساني من حيث تكوينه الصيل ول من حيث مهمته فممي‬
‫الرض ‪ ،‬ومن ثم ل تتحكم الصمورة المتغيمرة فمي الجموهر الثمابت ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫إنما يتحكم الجوهر الثابت في الصورة المتغيرة علي الدوام‬
‫يقول " رينيه دوبو" في كتاب " إنسانية النسان "‬
‫أنظر – إن شئت – تفصيل لهذه القضية في كتاب " التطور والثبات في حياة البشرية "‬ ‫‪1‬‬
‫عاش رجل " كروماجنون ‪ "Cro-magnon‬في أكثر إنحاء أوربا قبل‬
‫حوالي ثلثين ألف سمنة ‪ ،‬قبممل قيمام الزراعممة وحيمماة القريممة بفممترة‬
‫طويلة ‪ ،‬ومع أنه كان صيادا بصورة رئيسممية ‪ ،‬فقممد كممان – علممي ممما‬
‫يظهر – مشابها لنا جسممما وعقل ‪ .‬فممأدواته وأسمملحته تناسممب حجممم‬
‫أيدينا الن ‪ .‬وفنممه فممي كهمموفه يممثير مشمماعرنا ‪ ،‬والعنايممة الممتي كمان‬
‫يوليها لدفن موتاه تكشف أنه شاركنا بشكل ما في الهتمممام بنهايممة‬
‫النسان وأخرته ‪ ،‬وكل أثر مدون مممن أثممار إنسممان ممما قبممل التاريممخ‬
‫يوفر شواهد أخممري للفكممر القائلممة إن الخممواص الساسممية للجنممس‬
‫‪1‬‬
‫البشري لم تتغير منذ العصر الحجري‬
‫وهكذا ل يتغير جمموهر النسممان بتغيممر الصممورة الممتي تكممون عليهمما‬
‫حياته ‪ ،‬ومن ثم ل تتغير كذلك ضوابطه ومعاييره ‪.‬‬
‫وحقيقة إن التقدم العلمية والمادي والتكنولوجي هممو ذاتممه معيممار‬
‫من معمايير " النسمان" ‪ ..‬فقمد أنشمأ اللمه النسمان ليعممر الرض ‪،‬‬
‫وسخر له ما في السموات وممما فممي الرض ليقمموم بعلميممة التعيمممر‬
‫فإن تواني في ذلك أو تقاعس فهو مقصممر فممي جممانب مممن جمموانب‬
‫إنسانية ‪ ،‬ولكن هذا المعيار ليس هو المعيار الوحد ‪ ،‬ول هو المعيممار‬
‫الول ‪ ،‬إنما يأتي في مكانة الطبيعي بعد تقرير المبادئ والقيم التي‬
‫تتوقف عليها إنسانية النسان ‪ ،‬والفارق بينه وبين المعممايير الخممري‬
‫– معممايير القيممم والمبممادئ – أن القيممم والمبممادئ يمكممن أن تشممكل‬
‫إنسممانا ولممو كممان ناقصمما فممي جممانب التقممديم العلمممي والمممادي‬
‫والتكنولوجي ‪ ،‬فهو " إنسان " ولكممن ينقصممه جممانب مممن الجمموانب‬
‫ينبغممي عليممه اسممتكماله ليسممتكمل إنسممانيته ‪ ،‬أممما التقممدم العلمممي‬
‫والمادي والتكنولوجي – بغير قيم ومبادئ – فل يشكل إنسممانا علممي‬
‫الطلق !‬
‫ومصداق ذلك هو " إنسان " القرن العشممرين ! الممذي هممو أقممرب‬
‫‪2‬‬
‫شئ إلي إنسان الغاب "‬
‫إنممه فممي قمممة التقممدم العلمممي والمممادي والتكنولمموجي ‪ ..‬ولكنممه‬
‫بمقياس النسانية هابط إلي الحضيض !‬
‫‪m m m‬‬

‫إذا قومنا الديمقراطية الليبراليممة بالمعيممارين يقمموم بهممما السمملم‬


‫ص ‪ 71‬من الترجمة العربية ‪ ،‬تعريب الدكتور نبيل صبحي الطويل ‪ ،‬الطبعة الولي عام ‪1399‬هم م مؤسسة الرسمالة ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بيروت و " رينيه دوبو " استاذ بجامعة روكفلر بنيويورك متخصص في علم الحياة ‪ ،‬حصل علي جائزة نوبل في العلمموم‬
‫عام ‪ 1976‬والذي يعطي شهاته قيمتها أنه يدلي من زاوية علمية بحتة ل فلسفية ول أدبية ول دينية !‬
‫إنسان الغاب اسم اصطلحي لنوع مممن القممردة يعممرف علميمما باسممم " الورانممج اوتممان " وسمممي إنسممان الغمماب لنممه‬ ‫‪2‬‬

‫يستطيع أن يقف مددا طويلة منتصب القامة كالنسان ولكنه قرد وليس بإنسان‬
‫حيمماة البشممر علممي الرض ‪ ،‬وهممما قضممية العبممادة وقضممية إنسممانية‬
‫النسان ‪ ،‬فماذا تكون يا تري حصيلتها في الميزان ؟!‬
‫فأما العبمماد فقممد تممبين لنمما أنممه ليممس اللممه هممو المعبممود فممي تلممك‬
‫الديمقراطية إنما هو الشيطان ‪ ،‬وحيثممما ل يكممون اللممه هممو المعبممود‬
‫فالمعبود هو الشيطان وإن تعددت السبل وتعددت المسميات‬
‫}أ َل َم أ َعْهد إل َيك ُم يا بِني آد َ‬
‫م عَمد ُّو‬ ‫ه ل َك ُم ْ‬
‫ن إ ِن ّم ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫م )‪] {(61‬سورة يممممس‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫دوِني هَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َِقي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ن )‪ (60‬وَأ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ُ‬
‫‪[61-36/60‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫م ْ‬‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫}وَأ ّ‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[6/153‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ت إ ِل َممى الن ّممورِ َوال ّم ِ‬ ‫ممما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫جه ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي ال ّ ِ‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫}الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ت{‬ ‫ممما ِ‬ ‫ن الن ّممورِ إ ِل َممى الظ ّل ُ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جممون َهُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫غو ُ‬ ‫م الط ّمما ُ‬ ‫ك ََفمُروا أوْل ِي َمماؤُهُ ْ‬
‫]سورة البقرة ‪[2/257‬‬
‫والطاغوت هو كل شئ أو شخص أو نظام يعبد الناس لغير الله ‪،‬‬
‫أو يتعبده الناس من دون الله ‪ ،‬وعبادته فرع عن عباده الشيطان ‪.‬‬
‫وأما إنسانية النسان فأين هي علممي وجممه التحديممد فممي الدوامممة‬
‫الوحشية التي يعيش فيها النسان الجاهلي المعاصر ؟‬
‫هممي فممي مبممادة الجنممس المتدنيممة إلممي أدنممي مممن بعممض أنممواع‬
‫الحيوان ؟‬
‫أهي في إدمان الخمر والمخدرات ؟‬
‫أهي في الجريمة التي تتزايد نسبتها علي الدوام ؟‬
‫أهي في تفاهة الهتمامممات والبحممث الممدائم عممن المتمماع الحسممي‬
‫الغلي؟‬
‫أهي في العبودية لللة التي أصبحت هي الممتي تتحكممم فممي حيمماة‬
‫النسان؟‬
‫أهي في شريعة الغاب ‪ :‬القوة هي الحق ‪ ،‬والقوي يأكل الضعيف‬
‫؟‬
‫أهممي فممي المواثيممق الممتي تممبرم لتنقممض والعهممود القائمممة علممي‬
‫الخداع ؟‬
‫أهي في هذا المسخ المشوة الذي فقد إشممراقه الممروح وعاطفممة‬
‫النسان ؟‬
‫حقا ‪ ..‬هناك الضمانات والحقوق التي ترتبط اليوم بالديمقراطيممة‬
‫وتشكل جانبا بارزا من جوانبها ‪ ..‬ول شممك – كممما قلنمما – أنهمما تمثممل‬
‫نقله كبيرة انتقلها " النسان" في مسميرته التاريخيمة علمي الرض ‪،‬‬
‫ولكن الشر الذي يحيط بهذا الخير الجممزئي ‪ ،‬هممو فممي الديمقراطيممة‬
‫الليبرالية من الضخامة بحيث يذهب في النهاية بكثير مممن نفممع هممذا‬
‫الخير ‪ ،‬لنه يدمر " النسان " كله في نهاية المطمماف ‪ ،‬فل يجممدي –‬
‫حين يسقط النسان كله إلي الحضيض – أننا كنا قد رفعنا جانبا مممن‬
‫حياته إلي المستوي اللئق بالنسان !‬
‫وليس معني ذلك أننا ننقص من قيمممة تلممك الضمممانات والحقمموق‬
‫بحال من الحوال ‪ ،‬إنما الذي نعنيه أنها تكون في وضعها الطبيعي ‪،‬‬
‫وتتحول إلي خير شامل ‪ ،‬حين يكون النسان بكاملة علي مسممتوى‬
‫النسممان ‪ ..‬وهممو ممما عجممزت تلممك الديمقراطيممة عجممزا فاضممحا مممن‬
‫تحقيقه ‪ ،‬أو قل إن شئت إنه لم يرد لها أن تحققممه منممذ البممدء ‪ ،‬لن‬
‫تحقيقممه ل يمكممن الجاهليممة الرأسمممالية مممن الوجممود فضممل عممن‬
‫التضخم ‪ ،‬ول يمكن شممعب اللممه المختممار مممن ركمموب المميممن كممما‬
‫يشتهون !‬
‫هناك وضع واحد تتحقق فيه كل الضمانات والحقوق الممتي جمماءت‬
‫بها الديمقراطية علي المستوي الرفع ‪ ،‬مع المحافظة الكاملة علي‬
‫إنسانية النسان ‪.‬‬
‫ذلك حين يكون النسان عابدا لله ‪ ،‬مطبقا لشريعة الله ‪ ،‬أي حين‬
‫يحقق النسان السلم ! عندئذ تتحقممق الكرامممة الحقيقيممة للنسممان‬
‫وتتحقق له كل الحقوق والضمانات التي وهبها الله للنسان لتتحقق‬
‫له كرامته في واقع الرض ‪.‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالي ‪:‬‬
‫ن‬
‫مم ْ‬‫م ِ‬ ‫ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬‫ح َ‬‫م وَ َ‬‫مَنا ب َِني آد َ َ‬‫}وَل ََقد ْ ك َّر ْ‬
‫ضمميل ً )‪] {(70‬سممورة‬ ‫خل َْقن َمما ت َْف ِ‬‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م عََلى ك َِثي مرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫السراء ‪[17/70‬‬
‫ويقول الرسول ‪ " : e‬أيها الناس إن دماءكم وأموالكم واعراضكم‬
‫عليكم حرام ‪…1‬‬
‫فيقرر الله أصممل الكرامممة لبنممي آدام ‪ ،‬ويقممرر الرسممول ‪ e‬حرمممة‬
‫الدماء والموال والعراض تحقيقا لتلك الكرامة فمي عمالم الواقمع ‪،‬‬
‫في التعامل الذي يجري بين الناس ‪ ،‬ثم تتممولي التوجيهممات الربانيممة‬
‫وتوجيهات ‪ e‬لتحديد مجالت تكل الكرامة علي أوسع نطاق عرفتممه‬
‫البشرية في تاريخها ‪.‬‬
‫يامر الله أل تنتهك حرية المسكن ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سمموا‬‫ست َأن ِ ُ‬
‫حّتمى ت َ ْ‬ ‫م َ‬‫خُلوا ب ُُيوتما ً غَي ْمَر ب ُي ُمموت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َمد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وراه الشيخان‬ ‫‪1‬‬
‫َ‬
‫ن ل َم ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (27‬فَ مإ ِ ْ‬ ‫م ت َمذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُم ْ‬
‫م َ‬ ‫موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫وَت ُ َ‬
‫ل لَ ُ‬
‫ن ِقيم َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫خُلو َ‬ ‫حدا ً َفل ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫جُعموا‬ ‫م اْر ِ‬ ‫كم ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫كم ْ‬ ‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫دوا ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬
‫تَ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪] {(28‬سممورة‬ ‫ن عَِليم ٌ‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ممما ت َعْ َ‬ ‫م َوالل ّم ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫جُعوا هُموَ أْزك َممى ل َك ُم ْ‬ ‫فَمماْر ِ‬
‫النممور ‪[28-24/27‬‬
‫والتجسس كذلك حرام ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن الظ ّم ّ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫جت َن ِب ُمموا ك َِثيممرا ً ِ‬
‫مم ْ‬ ‫من ُمموا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫يقول تعالي ‪َ} :‬يا أي ّهَمما ال ّم ِ‬
‫سوا‪] {...‬سورة الحجرات ‪[49/12‬‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م َول ت َ َ‬ ‫ن إ ِث ْ ٌ‬‫ض الظ ّ ّ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ويقول الرسول ‪ " : e‬من استمع إلي حديث قوم وهم له كارهون‬
‫صب في أذنيه النك يوم القيامة "‬
‫وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال سمعت عمر بن الخطمماب‬
‫رضي الله عنه يقول إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول‬
‫الله ‪ ، e‬وإن الوحي قد انقطممع ‪ ،‬وإنممما نأخممذكم بممما ظهممر لنمما مممن‬
‫أعمالكم ‪،‬فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنمما مممن سممريرته‬
‫شئ ‪ ،‬الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لممم نممأمنه ولممم‬
‫‪1‬‬
‫نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة "‬
‫ول يجوز استراق السمع علي الشممخص أو مسممكنه أو أحمماديثه او‬
‫كشف سر من أسراره أو الطلع علي رسائله بغير إذنه ‪.‬‬
‫يقول ‪ " : e‬ولممو أن رجل أطلممع عليممك بغيممر إذن فحممذفته بحصمماة‬
‫‪2‬‬
‫ففقأت عينه ما كان عليك من جناح‬
‫ويقول ‪ " : e‬يا معشر من أسلم بلسممانه ولممم يفمض اليمممان إلممي‬
‫قلبه ‪ :‬ل تؤذوا المسلمين ول تتبعوا عوراتهم ‪ ،‬فإنه مممن تتبممع عممورة‬
‫‪3‬‬
‫أخيه المسلم تتبع الله عورته فيفضحه ولو في داخل بيته‬
‫ولذلك ذكر بعض الفقهاء ‪ ،‬أنه ل يجوز التجسس علممي إنسممان ول‬
‫متابعته للكشف عن أسراره ول دخممول مسممكنة لتفتيشممه إل بتمموفر‬
‫شرطين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ظهور ادلة وعلمات وقرائن علي وجود جريمة معينة ‪.‬‬
‫الثمماني ‪ :‬أن يكممون فممي تممرك البحممث والكشممف ودخممول المنممزل‬
‫انتهاك حرمة يفوت استدراكها ‪ ،‬كأن يأتي الخبر بان رجل خل برجممل‬
‫ليقتله ‪ ،‬أو بأمرأة ليرتكب فاحشة ‪ ،‬فإذا لم يكن المر بحيث يفمموت‬
‫استدراكه فل يجوز البحث والكشف ودخول المنزل ‪.‬‬
‫وفضل عن ذلك فإن الناس ل يؤخذون بالظنة ‪ ،‬دون وجممود تهمممة‬

‫رواه البخاري‬ ‫‪1‬‬

‫رواه النسائي‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الترمذي وابن حبان في صحيحة‬ ‫‪3‬‬


‫َ‬
‫ن‬
‫من ُمموا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫جادة من مصدر موثوق به ‪ ،‬لقوله تعالي ‪َ} :‬يا أي ّهَمما ال ّم ِ‬
‫َ‬
‫حوا عَل َممى َ‬
‫ممما‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫ص مب ِ ُ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬
‫صيُبوا قَ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(6‬سورة الحجممرات ‪ [49/6‬كممما ل يؤخممذ إنسممان‬ ‫مي َ‬
‫م َنادِ ِ‬ ‫ْ‬
‫فَعَلت ُ ْ‬
‫خمَرى{ ]سممورة‬ ‫بجريممرة غيممره لقمموله تعممالي‪َ} :‬ول ت َمزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫فاطر ‪[35/18‬‬
‫وتقيد حرية النسان غير جائز إل بحكم شرعي يصدره القاضي‪.‬‬
‫فالصل في النسان ضمان حريته في السممكن والحركمة والتنقممل‬
‫َ‬
‫مَناك ِب َِهمما‬
‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لقوله تعالي‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫شوُر )‪] {(15‬سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫ن رِْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬ ‫م ْ‬‫وَك ُُلوا ِ‬
‫وتقييد الحرية بغيممر حكممم شممرعي – أي بممما يسمممي العتقممال أو‬
‫الحبس الحتياطي – غير حائز في السلم علي خلف بيممن الفقهمماء‬
‫بالنسبة لبعض أنواع المتهمين‬
‫فالمتهمون في عرف الفقهاء ثلثة أنواع‬
‫النوع الول ‪ :‬متهم معروفة بالتقوي والبر يبعد أن يكون من أهممل‬
‫تلك التهمة ‪ ،‬فل يجوز حبسه من أجل التهمة ن بل ذهممب كممثير مممن‬
‫العلماء إلي أن المدعي عليه إن ظهر كممذب دعممواه يعمماقب سممواء‬
‫قصد أذاه أو لم يقصد ‪ ،‬وذلممك منعمما لتسمملط اهممل الشممر والعممدوان‬
‫والسفهاء علي أعراض أهل البر والصلح‬
‫النوع الثاني ‪ :‬المتهم المجهول الحال الذي ل يعرف ببر ول فجور‬
‫‪ ،‬وهذا اختلف العلماء في سجنه احتياطيا عند وجود تهمة موجهة له‬
‫ن فرأي الجهور جواز حبسه حتي ينكشف أمره ‪ ،‬ورأي البعض عدم‬
‫جمموز حبسممه ‪ ،‬فأممما الممذين يممرون جممواز حبسممه فقممد قيممدوا ذلممك‬
‫بالضرورة وبوجود أسباب قوية تدعو إلي ذلك ‪ ،‬ثم اختلفوا في مدة‬
‫الحبس فحددها بعضهم بيوم وبعضهم بيومين وبعضهم بثلثة أيام ‪..,‬‬
‫وأوصلها بعضهم إلي شهر كحد أعلي مع التقييد بالضرورة‬
‫النمموع الثممالث ‪ :‬المتهممم المعممروف بممالفجور والفسمماد والسمميرة‬
‫الجرامية ‪ ،‬وهذا يري جمهور الفقهاء أن يحبس حبسا احتياطيا حتي‬
‫تثبت براءته إن كان برئيا وإن كان بعض الفقهاء كابن حممزم ل يممري‬
‫حواز حبمس أي إنسمان علمي الطلق بنماء علمي مجمرد التهمام لن‬
‫الصل في النسان براءة الذمة‬
‫ولن الصل براءة الذمممة ل يخلممف المتهممم فممي القضممايا الجنائيممة‬
‫المتعلقة بحق الله تعالي ‪ ،‬بل يذهب بعض العلماء إلي عدم تحليممف‬
‫المتهم في القضايا الجنائية المتعلقة بحق العبد ) أنظر مثل الطممرق‬
‫الحكمية لبن القيم ‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتممب العلميممة بممبيروت ‪ ،‬ص ‪– 100‬‬
‫‪( 104‬‬
‫اما الكره علي العتراف فغير جائز بحال ‪ ،‬ول خلف بين الفقهاء‬
‫في أن الضرب والتعذيب والحبس والقيد داخله كلهمما فممي الكممراه ‪،‬‬
‫وأن اختلفمموا فممي التهديممد والوعيممد فممرأي الجمهممور انممه داخممل فممي‬
‫الكراه ‪ ،‬ورأي البعض أنه ل يكون إكراها إل إذا صدر من قادر علممي‬
‫تنفيذه ‪ ،‬وغلب علي ظن المتهم وقوع ما هدد به إذا لممم يقممر وكممان‬
‫المهدد به ضارا بحيث يعدم الرضا أو يفسده ‪ ،‬وكون المتهممم عمماجزا‬
‫عن مقاومته‬
‫ول يعتبر إقرار المكره صحيحا لقوله ‪ " : e‬رفع عن أمممتي الخطممأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عيه " ولقول عمر رضي الله عنه ‪ " :‬ليممس‬
‫الرجل بأمين علي نفسممه إذا جمموعته أو ضممربته أو أوثقتممه " ) أنظممر‬
‫المعنممي والشممرح الكممبير ج ‪/8‬ص ‪ ، 262 – 260‬ج ‪10‬ص ‪172‬‬
‫طباعة دار الكتاب العربي ببيروت ‪1392‬هم – ‪1972‬م(‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫تلك ضمانات التهام وضمانات التحقيق فى السلم‬
‫أما ضمانات المحاكمة فقد قررها السلم قبل أربعة عشر قرنا ‪.‬‬
‫الضمانة الولى والكبرى هى الحكم بشريعة الله التى يتمثل فيهمما‬
‫م‬
‫هم ْ‬ ‫ه َفمأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ممما َأنمَز َ‬
‫ل الّلم ُ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫العدل الربانى الشامل }وَ َ‬
‫ن )‪] {(44‬سورة المائدة ‪[5/44‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬
‫ول يقضممى القاضممى بالحممد إل إذا اسممتوثق تماممما أن المتهممم غيممر‬
‫معذور فى الجرم الذى ارتكبه ‪ ،‬وإل فالحكم هو درء الحممد بالشممبهة‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ادرءوا الحدود بالشبهات " ‪" 2‬‬
‫" سرق غلمان لبن حاطب ابن أبى بلتعة ناقة لرجل مزنى فممأتى‬
‫بهم عمر فأقروا فأمر كثير ابن الصمملت بقطممع أيممديهم ‪ ،‬فلممما ولممى‬
‫رده ‪ ،‬وقال لبن حاطب ‪ :‬والله لول أنممى أعلممم أنكممم تسممتعملونهم‬
‫فتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حممرم اللممه عليممه ‪ ،‬لحممل لممه ‪،‬‬
‫لقطعت أيديهم ‪ .‬فإذ لم أفعل فلغرمنك غرامة توجعك ‪ ..‬ثم التفت‬
‫إلممى المزنممى فقممال‪ :‬يمما مزنممى ! بكممم أريممدت منممك ناقتممك ؟ قممل‬
‫‪3‬‬
‫بأربعمائة ‪ .‬قال عمر لبن حاطب ‪ :‬اذهب فأعطه ثمانمائة ! "‬
‫فحكم عمر رضى اللممه عنممه أول بممدرء الحممد لقيممام شممبهة الجمموع‬
‫دافعا للسرقة ‪ .‬وحكم ثانيا بعقاب " الفاعل الصلى " وهممو صمماحب‬
‫الغلمان الذى استخدمهم ولم يشبعهم فدفعهم الجوع إلى السرقة ‪،‬‬
‫رجعت فى الكلم عن ضمانات التهام وضمانات التحقيق إلى بحث لم ينشممر للممدكتور محمممد سممعد الرشمميد السممتاذ‬ ‫‪1‬‬

‫بقسم القضاء بجامعة أم القرى بعنوان " حقوق النسان فى السلم "‬
‫رواه عبد الله بن عباس ‪ ..‬ورد فى كتاب الكامل لبن عدى وفى مسند المام أبى حنيفة للحارثى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الطبرانى‬ ‫‪3‬‬


‫فغرمه ضعف ثمن الناقة ‪.‬‬
‫كما أوقف عمممر حممد السممرقة عممام الجمموع تطبيقمما للمبممدأ ذاتممه ‪:‬‬
‫ادرءوا الحدود بالشبهات ‪.‬‬
‫ومن الضمانات أن القاضى ل يقضى بعلمه وإنما بالقرائن والدلة‬
‫وشممهادة الشممهود العممدول ‪ .‬ول يقضممى القاضممى وهممو غضممبان ‪ ،‬ول‬
‫يقضممى وهممو معممرض لى عممارض يممؤثر فممى قممدرته علممى الحكممم‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫وكذلك ضمممانات التنفيممذ قررهمما السمملم ‪ ،‬وزاد فيهمما ضمممانة لممم‬
‫يتضمممنها أى قممانون أرضممى حممتى هممذه اللحظممة ‪ ،‬وهممى رد العتبممار‬
‫الكامل للمجرم بعد تطبيق الحد عليه ‪.‬‬
‫فأما فى التنفيذ فل يجوز تعدى العقوبات المقممررة شممرعا ‪ .‬قممال‬
‫صلى اللممه عليممه وسمملم ‪ " :‬مممن جلممد حممدا فممى غيممر حممد فهممو مممن‬
‫‪1‬‬
‫المعتدين "‬
‫وأما فيما بعد التنفيذ فيكفى هذان المثالن لتقرير تكريم السمملم‬
‫للنسان وإن هبط فى لحظة عابرة مممادام قممد كفممر عنهمما بالعقوبممة‬
‫التى وقعت عليه وبالتوبة إلى الله ‪:‬‬
‫" حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ..‬عن إبممى هريممرة أن رسممول اللممه صمملى‬
‫الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب فقال اضربوه ‪ .‬قال أبو هريرة‬
‫فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضممارب بثمموبه ‪ .‬فلممما انصممرف‬
‫قال بعض القوم ‪ :‬اخزاك الله ! فقال رسول اللممه صمملى اللممه عليممه‬
‫‪2‬‬
‫وسلم ‪ :‬ل تقولوا هكذا ‪ .‬ل تعينوا عليه الشيطان‬
‫وجاء فى قصة ماعز بن مالمك ‪ :‬فمأمر بمه فرجمم ‪ ،‬فسممع النمبى‬
‫صلى الله عليه وسلم رجلين من أصممحابه يقممول أحممدهما لصمماحبه ‪:‬‬
‫انظر إلى هذا ستر الله عليه فلممم تممدعه نفسممه الخبيثممة حممتى رجممم‬
‫رجم الكلب ‪ ..‬فسكت عنهما ‪ ،‬ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمممار‬
‫شائل برجليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين فلن وفلن ؟ فقال ‪ :‬نحن ذان يا رسممول‬
‫الله ‪ .‬قال ‪ :‬أنزل فكل من جيفة هذا الحمار ! فقال ‪ :‬يا نبى الله من‬
‫يأكل من هذا ؟! قال ‪ :‬فما نلتما من أخيكما أنفا أشد من أكل منممه‬
‫"‪.‬‬
‫تلك ضمانات السلم التى سبق بها الديمقراطية بأكثر مممن ألممف‬
‫عام ‪.‬‬
‫وأما الحقوق فقد قررهمما السمملم كممذلك فممى وقممت مبكممر كممانت‬

‫رواه الطبرانى‬ ‫‪1‬‬

‫رواه الطبرانى‬ ‫‪2‬‬


‫أوروبا والعالم كله يعيش فى الظلمات ‪.‬‬
‫فأما الحقوق السياسية الممتى تفمماخر بهمما الديمقراطيممة فقممد كممان‬
‫السلم أول من أزال " القداسة " عن الحاكم بإفراد الله باللوهيممة‬
‫والربوية ‪ ،‬فل يعبد إل اله ول تطبق شريعة إل شريعة الله ‪.‬‬
‫جمماء السمملم والحكممام ذوو قداسممة حقيقيممة ل مجازيممة ‪ .‬بعضممهم‬
‫توجه إليه شعائر التعبد كقيصر وكسرى ‪ ،‬وكلهم يشممرعون فتسممرى‬
‫شريعتهم فى الرعية أمرا غير مردود ‪.‬‬
‫وجاء السلم ليقول ‪ :‬ل إله إل الله ‪ .‬ول معبود إل الله ‪ .‬ول حاكم‬
‫له حق التشريع إل الله ‪.‬‬
‫وعندئذ تقررت الحرية السياسية الحقيقة للناس ‪.‬‬
‫ليست الحرية كامنة فى مجلس نيابى أو عملية تصويت شممعبية ‪،‬‬
‫إذا كان نتيجة ذلك أن تتحكم فئة معينة من الناس فممى رقمماب بقيممة‬
‫الناس ‪ .‬إنما الحرية الحقيقية مرتبطة بتحديد من له حق التشريع ‪..‬‬
‫فإذا كان البشر هم الممذين يشممرعون فل حريممة فممى الحقيقممة ‪ ،‬إنممما‬
‫عبوديممة مقنعممة مممن جممانب وربويممة زائفممة مممن جممانب ‪ ..‬وإذا كممانت‬
‫الحاكمية لله فهنا يتجممرد الحكممام مممن الربويممة ويصممبحون عبيممدا لممه‬
‫كبقية العباد ‪.‬‬
‫إن الذى جاء به السلم أعظم بكثير فى تقرير حرية النسان من‬
‫كل ما أتت بممه الديمقراطيممة بعممد الصممراع الممتممد الممذى قممامت بممه‬
‫الشممعوب لسممتخلص حقوقهمما مممن الطغمماة ‪ .‬فمممازال الحكممام فممى‬
‫الديمقراطية – من وراء ستار – يشممرعون ‪ ،‬فيشممرعون لمصممالحهم‬
‫على حساب الخرين ‪ .‬من خلل المسرحية الطريفممة المتمثلممة فممى‬
‫حق النتخاب وحق الترشيح ووجود نواب وبرلمانات ‪.‬‬
‫إن الذى صنعه السمملم هممو سمملب الحكممام أصممل حممق التشممريع ‪.‬‬
‫وبذلك وحده تكف أيديهم عممن إيقمماع الظلممم بممالمحكومين ‪ ،‬وبممذلك‬
‫وحده يتحرر الناس فيشعرون بالعزة الحقيقية إزاء الحكام ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طيعُمموا الل ّم َ‬
‫ه‬ ‫من ُمموا أ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لقد قال الله سبحانه وتعالى ‪َ} :‬يا أي َّها ال ّم ِ‬
‫َ‬ ‫وأ َطيعوا الرسو َ ُ‬
‫دوهُ‬ ‫يءٍ فَ مُر ّ‬ ‫شم ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬‫م فَإ ِ ْ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأوِْلي ال ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ ِ ُ‬
‫خي ْمٌر‬‫ك َ‬‫خ مرِ ذ َل ِم َ‬‫ن ب ِممالل ّهِ َوال ْي َموْم ِ ال ِ‬
‫من ُممو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫سو ِ‬
‫ن ت َأ ِْويل ً )‪] {(59‬سورة النساء ‪[4/59‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫وَأ ْ‬
‫فقممال أبممو بكممر الخليفممة الول رضممى اللممه عنممه ‪ " :‬أطيعممونى ممما‬
‫أطعت الله فيكم فإن عصيت الله ورسوله فل طاعممة لممى عليكممم "‬
‫وقال مثل ذلك عمر رضى الله عنه ‪.‬‬
‫ووقف عمر رضى اللممه عنممه يخطممب النمماس فقممال ‪ :‬أيهمما النمماس‬
‫اسمعوا وأطيعوا ‪ .‬فقال له سمملمان الفارسممى ‪ :‬ل سمممع لممك اليمموم‬
‫علينا ول طاعة ! فلم يغضب عمر العربى القرشممى أميممر المممؤمنين‬
‫لهممذه المقالممة مممن سمملمان الفارسممى ‪ .‬ولممم يممأمر بممالقبض عليممه‬
‫واعتقاله ‪ ،‬إنما قال له ‪ :‬ولمه ؟ قال سلمان ‪ :‬حتى تبين لنا من أين‬
‫لك هذا البرد الذى ائتزرت به وأنت رجل طوال ل يكفيك البرد الذى‬
‫نالممك كبقيممة المسمملمين !فل يغضممب عمممر العربممى القرشممى أميممر‬
‫المؤمنين مرة أخرى من هذه المقالة من سلمان ‪ ،‬إنما ينممادى ابنممه‬
‫عبد الله فيقول له ‪ :‬نشدتك الله هممذا الممبرد الممذى ائتممزرت بممه أهممو‬
‫بردك ؟ فيقول ‪ :‬نعممم ! ثممم يقممول موجهمما خطممابه للنمماس ‪ :‬إن أبممى‬
‫رجل طوال ل يكفيه البرد الممذى نمماله كبقيممة المسمملمين ‪ ،‬فممأعطيته‬
‫بردى ليأتزر به ! عندئذ يقول سلمان ‪ :‬الن مر !نسمع ونطع ‪.‬‬
‫ولم يكن سلمان متمردا علممى السمممع والطاعممة الواجبممة للحمماكم‬
‫المسلم ‪ .‬إنما كان يريد فقط أن يسممتوثق – للممه – مممن كممون عمممر‬
‫رضى الله عنه قائما بتنفيذ شريعة الله على المموجه الكمممل ‪ .‬وكممان‬
‫عمر يعلم دافع سلمان إلى مسائلته فيرضى – لله – بهده المساءلة‬
‫الممتى لممم يقبلهمما علممى نفسممه حمماكم فممى الديمقراطيممة الليممبراليى‬
‫الرأسمالية ول فى غيرها من نظم الحكم على الطلق !‬
‫ويقممول عمممر ‪ :‬إذا أحسممنت فممأعينونى ‪ ،‬وإذا أسممأت فقومممونى !‬
‫فيقول له سلمان ‪ :‬والله لو جدنا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف‬
‫‪ ،‬فيقول عمر – راضيا لله –الحمد لله الذى جعل فى رعية عمر من‬
‫يقومه بحد سيفه ! !‬
‫تلك هى الحريممة السياسممية فممى السمملم ! منشممؤها عبممادة اللممه‬
‫وحده دون شريك ‪ ،‬التى يترتب عليها نزاع القداسة عن الحكام فى‬
‫الرض ‪ ،‬كما يترتب عليها نزع حممق التشممريع مممن الحكممام بسممتار أو‬
‫بغيممر سممتار ‪ ..‬فيحممس المممؤمن الممذى يعبممد اللممه حممق عبممادته بعممزة‬
‫الستعلء التى تسنده أمام الحكام ‪.‬‬
‫خطب عمر الناس فقال ‪ :‬ل تغالوا فى المهور ‪ .‬فقامت له امممرأة‬
‫من عامة المسلمين فقالت يوسع الله وتحرج أنت ؟! إن الله يقول‬
‫" وأتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منممه شمميئا " ! قممال أخطممأ عمممر‬
‫وأصابت امرأة !‬
‫وصحيح أن الله قد ترك أمورا للجتهاد البشرى ‪ ،‬يضع البشر فيها‬
‫تشممريعات تلئم ممما يجممد مممن الحمموال ‪ ،‬ولكممن هممذه أول محكومممة‬
‫بالصول العامة للشريعة وليست متروكة للهوى البشرى كما يحدث‬
‫فى الديمقراطيات ‪ ..‬وهى ثانيا اجتهادات يقوم بها أولممو العلممم مممن‬
‫فقهاء المة الذين يقر الناس لهم بالقمدرة علمى الجتهماد ‪ ،‬وليسمت‬
‫لى إنسان يفتى فيها بعلم أو بغير علم كما يحممدث فممى البرلمانممات‬
‫عند التصويت على أى قرار ‪ ،‬إذ تؤخذ القرارات بأغلبيممة الصمموات ‪،‬‬
‫وتتكافأ أصوات الذين يعلمون والذين ل يعلمون !‬
‫وتبقى المور الجارية التى تممدخل فممى بمماب " السياسممية " وهممذه‬
‫يلزم الحاكم أن يستشير فيهمما يتحمممل مسممئوليته بعممد الستشممارة !‬
‫بشرط أل يخالف نصا من الكتاب والسنة أو ما أجمع عليه العلماء ‪،‬‬
‫ول يصادم أصل من أصول الشريعة العامة ‪.‬‬
‫أما حق التعليم فقد نص عليه رسول الله صلى الله عليممه وسمملم‬
‫نصا ‪ ،‬بل جعله فريضة ‪ " :‬طلب العلم فريضة على كل مسلم " ‪) 1‬‬
‫وعلى كل مسلمة لنها داخلة فى النص ( ودون الدخول فى تفصيل‬
‫ما يكون من العلم فرض عين وما يكون فرض كفاية ‪ ،‬فممإن العليممم‬
‫لم تكن له مشكلة فى العالم السلمى ‪ ،‬إل فى العصممور المتممأخرة‬
‫حين بعد الناس عن حقيقة السلم ‪ .‬أما فممى عصممور الزدهممار فقممد‬
‫كان القبال شديدا على التعليم ‪ ،‬وكانت الدولة والمجتمممع والفممراد‬
‫يتعاونون فى توفير العلم لكل راغب مجانا ‪ ،‬بل تكاليف ‪ ،‬بممل كممانت‬
‫الدولة تجمرى المعاشممات للطلب لتعينهممم علمى طلمب العلممم دون‬
‫مشممغلة بممأمر القمموت ‪ ،‬وكممانت أوقمماف المسمملمين الممذين يقفممون‬
‫أممموالهم علممى التعليممم تكفممل المممأوى والملبممس والمطعممم للطلب‬
‫‪2‬‬
‫فضل عن التعليم‬
‫******‬
‫أما حق العمل أو العاشة الذى أكرهت الدول الديمقراطية عليممه‬
‫إكراها بسبب المطالبة المستمرة من العمال ‪ ،‬وبسبب الخوف مممن‬
‫الشيوعية ‪ ،‬فقد قرره السلم ابتداء دون مطالبممة مممن أحممد ‪ ،‬ودون‬
‫صراعات فى المجتمع ‪.‬‬
‫وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد مسئولية الدولممة عممن‬
‫جميع رعاياها إما بإعطائهم فرصة كريمة للعمل ‪ ،‬وإما بإعالتهم من‬
‫بيت المال ‪ .‬جاءه رجل يسأله فأعطاه دراهم وقال له أذهب فاشتر‬
‫حبل وفأسا واحتطب وبع ما تحتطب للناس ‪ .‬ثم أمره أن يعممود إليممه‬
‫ليخممبره بممما كممان مممن أمممره ‪ .‬وكممان يمموزع أممموال الزكمماة والغنممائم‬
‫ت‬ ‫ص مد ََقا ُ‬
‫ممما ال ّ‬
‫والفىء علممى المحتمماجين بمقتضممى قمموله تعممالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب‬‫م وَِفي الّرَقمما ِ‬ ‫مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ‬
‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫ل ِل ُْفَقَراِء َوال ْ َ‬
‫م َ‬
‫رواه ابن ماجة‬ ‫‪1‬‬

‫ظل الزهر يفتح أبوابه لطلب العلم ألف سنة كاملة معتمد على أوقاف المسلمين ومثل الزهر كممثير مممن الجامعممات‬ ‫‪2‬‬

‫السلمية القديمة فى العالم السلمى‪.‬‬


‫ل{ ]سورة التوبة ‪[9/60‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَا ِب ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫َوال َْغارِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ل وَِلمم ِ‬ ‫سممو ِ‬
‫ه وَِللّر ُ‬
‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫}َواعْل َ ُ‬
‫ل{ ]سورة النفال ‪[8/41‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫ل وَل ِم ِ‬ ‫ل ال ُْقَرى فَل ِل ّمهِ وَِللّر ُ‬
‫سممو ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫ما أَفاَء الل ّ ُ‬ ‫} َ‬
‫ل{ ]سورة الحشر ‪[59/7‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬
‫ورغم قلة الموارد فى أول أيام الدولة السلمية فممإن المبممدأ قممد‬
‫تقرر واضحا محددا وهو أن الدولة مسئولة عن جميع رعاياهمما بقممدر‬
‫ما تسمح مواردها ‪ .‬وعلى الرغم من أن التكافل فى السمملم ليممس‬
‫مهمة الدولة وحدها ‪ ،‬فقد أمر اللممه سممبحانه وتعممالى بالتكافممل فممى‬
‫داخل السرة وحدد لذلك نظاما دقيقا توزع التركات بمقتضاه ‪ ،‬كممما‬
‫وزع التكاليف داخل السرة بحيث تشمل مجموع أفرادها ‪ ،‬كما أمر‬
‫بالتكافممل فممى داخممل المجتمممع‪ ،‬وحممض القممادرين علممى كفالممة غيممر‬
‫القادرين ‪ ..‬على الرغم من ذلك فإن مسئولية الدولة ظلت قائمممة ‪،‬‬
‫ل يسممقطها عنهمما وجممود التكافممل فممى داخممل السممرة وفممى داخممل‬
‫المجتمع ‪ .‬بل تصل الحساسية فممى قلمب عمممر رضممى اللممه عنممه أن‬
‫يقرر مسئولية الدولة ل عن الدمين الذين يستظلون بظلها فحسب‬
‫‪ ،‬بل عن كل كائن حى ‪ ،‬فيقممول قممولته الشممهيرة ‪ :‬لممو عممثرت بغلممة‬
‫بالعراق ) أو قممال بصممنعاء ( لكنممت مسممؤول عنهمما لممم لممم أسممو لهمما‬
‫الطريق ! ثم يصل المر فممى أيممام عمممر بممن عبممد العزيممز أن يقممول‬
‫يحيى بن سعيد ‪ :‬بعثنى عمر على صدقات أفريقية فاجتبيتها فبحثت‬
‫عن فقراء أعطيها لهم فلممم أجممد فقممد أغنممى عمممر بممن عبممد العزيممز‬
‫الناس ! فاشتريت بها عبيدا فأعتقتهم !‬
‫وجاء فى كتاب " الموال " فلمام الحافظ أبى عبيد القاسممم بممن‬
‫سلم المتوفى عام ‪ 224‬هم ‪ ) :‬ص ‪ (358 – 357‬وحدثنى سعيد بن‬
‫أبى مريم عن عبد الله بن عمر العمممرى عممن سممهيل بممن أبممى عبممد‬
‫الرحمن – وهو بالعراق – "أن اخرج للناس أعطياتهم " فكتممب إليممه‬
‫عبد الحميد ‪ " :‬إنى قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقى فى بيممت‬
‫مال المسلمين مال " فكتب إليه ‪ " :‬أن أنظر كل بكر ليس له مممال‬
‫فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه " فكتب إليه ‪ " :‬إنى قد زوجت‬
‫كل من وجت وقد بقى فى بيت مال المسلمين مال " ‪ .‬فكتب إليممه‬
‫بعد مخرج هذا ‪ " :‬إن أنظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضممه‬
‫فأسلفه ما يقوى به على أرضه ‪ .‬فإنا ل نريدهم لعام ول لعامين ‪.‬‬
‫وجاؤ فيه ) ص ‪( 738‬‬
‫" قال ‪ :‬حدثنى يحيى بن بكير قال ‪ :‬سمعت الليث بن سعد يقول‬
‫‪ :‬كتب عمر ابن عبد العزيز ‪ " :‬أن اقضموا عمن الغمارمين " ‪ .‬فكتمب‬
‫إليه ‪ " :‬إنا نجد له المسكت والخادم والفرس والثاث " فكتب عمر‬
‫‪ " :‬إنه لبد للمرء المسلم من مسكت يسكنه وخادم يكفيه مهنتممه ‪،‬‬
‫وفرس يجاهد عليه عدوه ‪ ،‬ومن أن يكون له الثاث فى بيته ‪ .‬نعم !‬
‫فاقضوا عنه فإنه غارم ! "‬
‫إلى هذه الدرجة العجيبة يصل السلم فى تقريممر مبممدأ مسممئولية‬
‫الدولة عن جميع افرادها ‪ ،‬ويصل التنفيذ العملى فى صممدر السمملم‬
‫لهذا المبدأ قبل أن يثور الثائرون ويطالبوا بهذه الحقمموق بممأكثر مممن‬
‫ألف عام ‪ .‬وما تزال الديمقراطيات – رغم كل خوفها من الشيوعية‬
‫‪ ،‬وكل خوفها من تمرد العمال – ل تصل إلى تقرير هذا الحق كممامل‬
‫كما قرره السلم‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وأما حق التعبير عن الرأى فممإن السمملم لممم يكفلممه حقمما للنمماس‬


‫على حكامهم بل جعله واجبا على النمماس للممه ! يقممول رسممول اللممه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الدين النصيحة " قممالوا ‪ :‬لمممن يمما رسممول‬
‫الله ؟ قال ‪ " :‬للممه ورسمموله وخاصممة المسمملمين وعممامتهم ‪ 1‬فجعممل‬
‫إبداء النصمميحة واجبمما ‪ .‬وإبممداء النصمميحة هممو التمموجيه إلممى الصممواب‬
‫والنهى عن الخطأ أيا كان الذى وقع الخطأ منه حاكما أو محكوممما ‪..‬‬
‫وهذا – فى صورته الدينية – هو هو التعبير عممن الممرأى الممذى سممعت‬
‫الشعوب لنتزاعه انتزاعا من قبضممة الحكممام الكممارهين ‪ ،‬مممع فممارق‬
‫رئيسى ‪ ،‬أنه هنما إبمداء المرأى مخلصما للمه ‪ ،‬لتقمويم مما أعموج ممن‬
‫أحوال المجتمممع ‪ ،‬ل احترافمما للتأييممد أو احترافمما للمعارضممة بحسممب‬
‫موقممع الحممزب الممذى ينتمممى النسممان إليممه مممن الحكممم ! ول لهمموى‬
‫شخصى أو بعض شخصى ‪.‬‬
‫ويطلب السلم من كل مسلم أن يكون له موقف ويكون له رأى‬
‫‪ ،‬ليتمكن مجموع المة من القيام بأخطر مهممة تقموم عليهما خيريمة‬
‫المة واستحقاقها للوجود وللفلح ‪ ،‬بينما تقع اللعنممة علممى المممة إن‬
‫خي ْمَر‬
‫م َ‬ ‫أهملتها ‪ ،‬أل وهى المر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪} :‬ك ُن ْت ُم ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫من ُممو َ‬‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ْ‬‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫أ ّ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫}ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ن‬ ‫ف وَي َن َْهمموْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن )‪] {(104‬سورة آل ‪[3/104‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ْ‬ ‫من ْك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وفى الجانب الخر ‪:‬‬
‫سممى‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَل َممى ل ِ َ‬
‫سمما ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫}ل ُعِ َ‬
‫ن‬
‫ن ع َم ْ‬ ‫ن )‪ (78‬ك َمماُنوا ل ي َت َن َمماهَوْ َ‬ ‫دو َ‬
‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬ ‫ص ْ‬‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬‫اب ْ ِ‬
‫ن )‪] {(79‬سممورة المممائدة ‪-5/78‬‬ ‫كاُنوا ي َْفعَل ُممو َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫‪[79‬‬
‫ولذلك يطلب رسول الله صلى الله عليممه وسممم مممن المسمملم أل‬
‫يكون إمعة ‪ ،‬ل رأى له ول موقف سوى مجاراة " الممرأى العممام " !!‬
‫يقممول عليممه الصمملة والسمملم ‪ " :‬ل يكممن أحممدكم إمعممة ‪ ،‬يقممول إذا‬
‫أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ‪ .‬ولكن وطنوا أنفسكم إن‬
‫‪1‬‬
‫أحسنوا أو أساءوا أل تظلموا‬
‫وهذا كله بطبيعة الحال ضد مصلحة " الحكام " ما لممم يسممتقيموا‬
‫على النهج !‬
‫فليس من مصلحة الحكام أن تكون شعوبهم متيقظة لعمممالهم ‪.‬‬
‫مبادرة بنقد الخاطئ منها عن طريق " المر بالمعروف والنهى عممن‬
‫المنكممر " ولكممن السمملم ل يعمممل لمصمملحة الحكممام كممما تعمممل‬
‫الديمقراطيممة الليبراليممة الرأسمممالية لصممالح الرأسمممالية رغممم كممل‬
‫المسممرحية الطريفممة – مسممرحية الحريممة ! – إنممما يعمممل السمملم‬
‫لمصلحة كل الناس ‪ ،‬لنه نزل لهدايممة كممل النمماس ‪ ،‬وليقمموم النمماس‬
‫كلهم بالقسط ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن ل ِي َُقممو َ‬‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬‫م ال ْك َِتا َ‬
‫معَهُ ْ‬‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ط{ ]سورة الحديد ‪[57/25‬‬ ‫س ِ‬ ‫س ِبال ِْق ْ‬ ‫الّنا ُ‬
‫بل يشدد رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم فممى شممأن تمموجيه‬
‫النصح للحكام – ل مجرد إبداء الرأى من أجل إبداء الممرأى فحسممب‬
‫كما تصنع الديمقراطية فى أكثر أحوالها – فيقممول صمملى اللممه عليممه‬
‫‪2‬‬
‫وسلم ‪ " :‬ل والذى نفسى بيده حجتى تأطروهم على الحق أطرا‬
‫ويقول صلى الله عليه وسمملم ‪ " :‬سمميد الشممهداء حمممزة ‪ ،‬ورجممل‬
‫‪3‬‬
‫قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله "‬
‫وهكمذا يتمبين أن مما جعلتمه الديمقراطيمة حقما مكتسمبا وناضملت‬
‫الشعوب من أجله ‪ ،‬جعله السلم واجبا ‪ ،‬وقرره قبممل الديمقراطيممة‬
‫بأكثر من ألف عام ‪ ،‬وقرره على طريقة أفضممل وأصممدق وأعمممق ‪..‬‬
‫ككل شئ قرره السلم ‪.‬‬
‫ولكن السلم أعطى هذه الضمانات والحقوق كلها مع المحافظة‬
‫رواه الترمذى‬ ‫‪1‬‬

‫رواه أبو داود والترمذى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الحاكم وقال صحيح السناد‬ ‫‪3‬‬


‫التامة ‪ .‬على إنسانية النسان ‪ .‬وهنمما مفممرق الطريممق بيممن السمملم‬
‫والجاهليات جميعا ‪ ،‬ومن بينها هذه الديمقراطيات !‬
‫لقد كرم الله النسان ابتداء كما أسلفنا ‪:‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫}وَل ََقد ْ ك َّر ْ‬
‫ضمميل ً )‪] {(70‬سممورة‬ ‫خل َْقن َمما ت َْف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م عََلى ك َِثي مرٍ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫السراء ‪[17/70‬‬
‫وكل ما فرضه السلم منه الفرائض والتكمماليف ‪ ،‬وكممل ممما قممرره‬
‫من الحقوق والواجبات منظور فيه إلممى " تزكيممة " النسممان ‪ ،‬وهممى‬
‫جزء من التكريم المراد للنسان ‪ ،‬بل هى قمة ذلك التكريم ‪.‬‬
‫فعبادة الله وحده دون شريك – فضممل عممن كونهمما حقمما للممه علممى‬
‫عباده – هى فى الوقت ذاته تزكية للنسان وتكريم ‪ .‬فالنسان كممما‬
‫قلنا أنفا عابد بطبعه لبد أن يعبد ‪ ،‬ول يوجممد إنسممان ل يعبممد ‪ .‬إنممما‬
‫الفارق بين إنسان وإنسان يأتى من توجيه العبادة إلى اللممه الحممق ‪،‬‬
‫أو توجيهها إلى إله زائف ل يستحق أن توجه العبادة إليه ‪.‬‬
‫والنسان فى أعلى حممالته وأكممرم حممالته حيممن يكممون عابممدا للممه‬
‫الحق ‪ ،‬وهو أسفل سافلين حين ينتكس من عبادة اللممه إلممى عبممادة‬
‫غير الله من اللهممة المممدعاة ‪ ،‬الممتى تهبممط بالنسممان مممن إنسممانيته‬
‫المكرمة ‪ ،‬فيصبح كالدابة التى ل تعى ‪ ،‬بل يصبح أسوأ وأضل ‪:‬‬
‫نل‬ ‫}ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ول َه َ‬
‫م أعْي ُم ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ َ َِ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َِها أوْل َئ ِ َ‬
‫ل{‬ ‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬‫كالن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن ب َِها وَل َهُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫]سورة العراف ‪[7/179‬‬
‫فعبادة الله الواحممد ‪ ،‬وإفممراده باللوهيممة والربوبيممة الممتى يفرضممها‬
‫السلم حقا خالصا لله تعالى ‪ ،‬هى فى الوقت ذاتممه رفعممة للنسممان‬
‫وتكريم ‪ ،‬وفلح فى الدنيا والخرة سواء ‪ ،‬وتزكية ترفع النسان إلى‬
‫عليين ‪:‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ت إ ِل َممى الن ّممورِ َوال ّم ِ‬ ‫ممما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جه ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫}الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ت{‬ ‫ممما ِ‬ ‫ن الن ّممورِ إ ِل َممى الظ ّل ُ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جممون َهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫غو ُ‬ ‫م الط ّمما ُ‬ ‫ك ََفمُروا أوْل ِي َمماؤُهُ ْ‬
‫]سورة البقرة ‪[2/257‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫شممي ب ِمهِ فِممي الن ّمما ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ن ُممورا ً ي َ ْ‬ ‫جعَل َْنا َلم ُ‬ ‫حي َي َْناهُ وَ َ‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}أوَ َ‬
‫من َْها{ ]سورة النعام ‪[6/122‬‬ ‫ج ِ‬ ‫خارِ ٍ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫مث َل ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كَ َ‬
‫مل ُمموا‬ ‫من ُمموا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫سرٍ )‪ (2‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ل َِفي ُ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫صرِ )‪ (1‬إ ِ ّ‬ ‫}َوال ْعَ ْ‬
‫صمب ْرِ )‪] {(3‬سممورة العصممر‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫صم ْ‬ ‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ب ِممال ْ َ‬ ‫صم ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪[3-103/1‬‬
‫ذا‬ ‫جُزوع ما ً )‪ (20‬وَإ ِ َ‬ ‫ش مّر َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫خل ِقَ هَُلوعا ً )‪ (19‬إ ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ن )‪] {(22‬سممورة المعممارج‬ ‫صممّلي َ‬ ‫مُنوعمما ً )‪ (21‬إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫خْيممُر َ‬ ‫سمم ُ‬
‫م ّ‬
‫َ‬
‫‪[22-70/19‬‬
‫فمن باب رفع النسان إلى مقام النسانية الكريمة يربط السلم‬
‫قلوب المؤمنين بالله ‪ ،‬ويجعل صيانة العقيدة والمحافظة عليها أول‬
‫واجبات المام المسلم والدولة المسلمة ‪.‬‬
‫ومن باب رفع النسان إلى مقام النسانية الكريمممة كممذلك يربممى‬
‫السمملم المسمملمين علممى الخلق الفاضمملة الممتى تنظممف المشمماعر‬
‫وتنظف السلوك ‪ ،‬وتنفى عن النفس خبثها ‪ ،‬وتصونها ن التردى إلى‬
‫مستوى الحيوان ‪ ،‬فيفرض النظافممة فممى العمممال كلهمما ‪ " :‬إن اللممه‬
‫كتب الحسان علمى كممل شمئ ‪ ،‬فمإذا قتلتمم فأحسممنوا القتلمة ‪ ،‬وإذا‬
‫‪1‬‬
‫ذبحتهم فأحسنوا الذبحة ‪ ،‬وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "‬
‫فإذا كان المر أمر عبادة موجهة إلى الله فالسمملم يطهرهمما مممن‬
‫الرياء والنفاق ‪ .‬وإن كان أمر معمماملت تجممرى بيممن النمماس بعضممهم‬
‫وبعض فقد فرض السلم فيها النظام الكاملة فى كل شئ ‪.‬‬
‫فممى التعامممل المممالى حممرم الربمما والحتكممار والسممرقة والغصممب‬
‫والنهب والسملب والغمش والخديعمة وأكمل ممال الجيمر ‪ ،‬كمما لعمن‬
‫السرف والترف وكنز المال ‪. 2‬‬
‫فممى التعامممل الجتممماعى حممرم الغيبممة والنميمممة والغمممز واللمممز‬
‫والتجسس ‪ ،‬كما بغض فى الفرقممة والتبمماغض والتحاسممد ‪ ،‬واهتمممام‬
‫‪3‬‬
‫كل إنسان بنفسه وعدم المبالة بالخرين‬
‫" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " المممؤمن للمممؤمن‬
‫‪4‬‬

‫كالبنيان يشد بعضه بعضا ‪ 5‬مثممل المممؤمنين فممى تمموادهم وتراحمهممم‬


‫وتعاطفهم كمثمل الجسمد إذا اشمتكى منمه عضمو تمداعى لمه سمائر‬
‫‪6‬‬
‫الجسد بالحمى والسهر‬
‫فى التعامل الجنسى حرم الفاحشة بجميع أنواعها وحرم ما يؤدى‬
‫إلى الفاحشة من خلوة أو تبرج أو تكسممر أو خلعممة أو اختلط بغيممر‬
‫موجب ‪.‬‬
‫فى كل شئ هناك أخلق ‪.‬ز وهذا هو اللئق بالنسان ‪..‬‬
‫وحين يكرم السلم النسان على هذا النحممو ‪ ،‬وينظممف مشمماعره‬
‫وسلوكه علمى هممذه الصمورة ‪ ،‬فمإنه يعطيمه ممما أعطمماه مممن حقموق‬
‫انظر فصل بعنوان ‪ ،‬وليرح ذبيحته فى كتاب " قبسات من الرسول‬ ‫‪1‬‬

‫هذه كلها هى أدوات الرأسمالية فى التضخم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫هذه الخيرة هى سمة الحياة الغربية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه الحاكم والطبرانى ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه الشيخان ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫وضمانات ‪ ،‬فتكون فى مكانها الطبيعى ‪ ،‬تكملممة للتكريممم ‪ ،‬وتوكيممدا‬
‫للتكريممم ‪ ،‬ل كالممذى تصممنعه الديمقراطيممة الليبراليممة ‪ ،‬الممتى تعطممى‬
‫بالفعل الضممانات والحقموق ولكنهما تمدمر النسمان كلمه فمى نهايمة‬
‫المطاف !‬
‫‪m m m‬‬

‫هذا هو السلم ‪ ،‬وهذه هى الديمقراطية فى نظر السلم ‪..‬‬


‫ومن ثم فل سبيل إلممى مممزج السمملم بالديمقراطيممة ! ول سممبيل‬
‫إلى القول بممأن السمملم نظممام ديمقراطممى ! أو أنممه يتقبممل النظممام‬
‫الممديمقراطى أو يسممايره ‪ ،‬لمجممرد وجممود شممبه عممارض فممى بعممض‬
‫النقاط !‬
‫إن هذا اللتقاء العارض بين الديمقراطية والسمملم فممى الحقمموق‬
‫والضمانات وفى مبدأ الشورى ل يجوز أن ينسينا حقيقتين مهمتين ‪:‬‬
‫الحقيقة الولممى ‪ :‬أنممه ل ينبغممى لنمما – مممن الوجهممة العقيديممة – أن‬
‫نقرن النظام الربانى إلى نظام جاهلى ‪ ،‬فضل عممن أن نحمماول سممند‬
‫النظام الربانى بنسبته إلى النظام الجاهلى ‪ ،‬أو أ‪ ،‬نتصور أننا نمتممدح‬
‫النظممام الربممانى بممأن نقممول إنممه يحمممل نقممط التقمماء مممع النظممام‬
‫الجاهلى !‬
‫إنها الهزيمة الداخلية تندس إلى أفهامنا دون أن نحممس ‪ ،‬وتجعلنمما‬
‫نعتقد أن النظام الربانى فى حاجة إلى دفاعنا نحممن عنممه وتممبريره !‬
‫كما تجعلنا نعتقد أننا نمتدح النظممام الربممانى بممأن نقممول للنمماس إنممه‬
‫يحتوى على الفضائل التى تحتوى عليها النظم السائدة اليوم !‬
‫إنها الهزيمة التى أصابت المسلمين فى مواجهممة الغممرب الظممافر‬
‫المتغلممب ‪ .‬الممذى غلممب علممى بلد السمملم ‪ .‬وممما كممانت لتوجممد فممى‬
‫نفوسنا لو أننا واثقممون فممى أنفسممنا مسممتعلون باليمممان كممما وجهنمما‬
‫الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{(139‬‬ ‫ممؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ُْتم ْ‬
‫م ُ‬ ‫م ال َعَْلموْ َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫حَزُنموا وَأن ُْتم ْ‬
‫}َول ت َهُِنموا َول ت َ ْ‬
‫]سورة آل ‪[3/139‬‬
‫الهزيمممة الممتى نشممأت فممى الحقيقممة مممن الخممواء الممذى أصمماب‬
‫المسلمين فى القرون الخيرة ‪ ..‬الخواء من حقيقة السلم ‪ ..‬فلممما‬
‫جاءت الهزيمة العسكرية أمام الغرب كانت كالضربة القاضية الممتى‬
‫بهرت المهزومين وهزتهم من العماق ‪ .‬وما كممانوا لينبهممروا – رغممم‬
‫‪1‬‬
‫الهزيمة العسكرية – لول ذلك الحواء الداخلى من حقيقة السلم‬
‫تحدثنا عن أساب هذا النبهار فى كتاب " واقعنا المعاصر " كما تحدثنا عن أسباب انتشار المذاهب الهدامة فى العالم‬ ‫‪1‬‬
‫إنممه ل ينبغممى لنمما مممن الوجهممة العقيديممة أن نقممرن السمملم إلممى‬
‫الجاهلية فى أى صورة من صورها ‪ ،‬إل إذا قلنما كمما قمال اللمه فمى‬
‫كتابه المنزل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كما ً ل َِقوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬
‫ن‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫}أفَ ُ‬
‫)‪] {(50‬سورة المائدة ‪[5/50‬‬
‫والحقيقة الثانيممة ‪ :‬أن هممذا الشممبه العممارض فممى بعممض النقمماط ل‬
‫يجوز أن ينسينا الفارق الضخم فى القاعدة ‪ ،‬إن القاعدة التى يقوم‬
‫عليها السلم تختلف اختلفا جذريا عممن القاعممدة الممتى تقمموم عليهمما‬
‫الديمقراطية‬
‫فى السلم يعبد اللممه وحممده دون شممريك ‪ ،‬وتحكممم شممريعة اللممه‬
‫عنوانمما علممى التوحيممد ‪ ،‬وتحقيقمما لممه فممى عممالم الواقممع ‪ .‬وفممى‬
‫الديمقراطية يعبد غير الله ‪ ،‬وتحكم شرائع البشر عنوانا على عبادة‬
‫غير الله وتوكيدا لها فى عالم الواقع ‪.‬‬
‫وفى السلم يزكى النسان ليحتفظ بانسانيته فى أحسن تقوين ‪،‬‬
‫وفى الديمقراطية ينكس النسان فيهبط أسفل سافلين ‪.‬‬
‫تلك فروق جوهرية فى القاعدة ‪ ،‬فما قيمممة اللقمماء العممارض فممى‬
‫بعض النقاط أيا كانت القيمة الذاتية لتلك النقاط ؟!‬
‫علممى أننمما – مممن الوجهممة التاريخيممة البحتممة – ل يجمموز أن نقممرن‬
‫السلم إلى الديمقراطية وهو سابق على تلممك الديمقراطيممة بممأكثر‬
‫من ألف عام ! إنما ينبغى – إن أردنا ! _ أن نقممول إن الديمقراطيممة‬
‫هى التى تحمل بعض المشابه من السلم فى بعض النقمماط ‪ ،‬ل أن‬
‫السلم هو الذى يحمل مشابه من الديمقراطية ‪ ..‬فاللحق هو الذى‬
‫يلحق بالسابق فى عرف التاريخ !‬
‫** *‬
‫وفمممى العمممالم السممملمى كتممماب ومفكمممرون ودعممماة مخلصمممون‬
‫مخدوعون فى الديمقراطية ‪ .‬يقولون نأخذ ما فيها من خيممر ونممترك‬
‫ما فيها من شرور ‪.‬‬
‫يقولون نقيدها بما أنممزل اللممه ‪ .‬ول نبيممح اللحمماد ول نبيممح التحلممل‬
‫الخلقى والفوضى الجنسية !‬
‫إنها إذن لن تكون الديمقراطية ‪ ..‬إنما ستكون السلم !!‬
‫إن الديمقراطية هى حكم الشعب بواسطة الشممعب ‪ .‬إنهمما تممولى‬
‫الشعب سلطة التشريع ‪ .‬فإذا ألغى هذا المر أو قيد بممأى قيممد فلممن‬
‫تكون هى الديمقراطية التى تقوم اليوم بهذا السم ‪.‬‬
‫السلمى ‪.‬‬
‫واسألوا الممديمقراطيين ! قولمموا لهممم ‪ :‬نريممد أن نحكممم بممما أنممزل‬
‫الله ‪ ،‬ول يكمون للشمعب ولم ممثليمه حمق وضمع القموانين إل فيمما‬
‫ليس فيه نص من كتاب أو سنة ول إجماع من علماء المسلمين !‬
‫قولوا لهم ‪ :‬نريد أن ننفذ حكم الله فى المرتد عممن دينممه ‪ ،‬وحكممم‬
‫الله فى الزانى والسارق وشارب الخمر ‪..‬‬
‫قولوا لهم ‪ :‬نريد أن نلزم المرأة بالحجاب ‪ .‬ونمنع التبرج ‪ ،‬ونمنممع‬
‫العرى على الشواطئ وفى الطرقات ‪ .‬ونريممد فممى المموقت ذاتمه أن‬
‫نكون ديمقراطيين !‬
‫اسألوهم وانظرا ماذا يقولون !‬
‫سمميقولون علممى الفممور ‪ :‬إن هممذه ليسممت الديمقراطيممة الممتى‬
‫نعرفهمما ‪ ..‬ففممى الديمقراطيممة يشممرع النمماس فممى جميممع المممور ل‬
‫يلتزمون فى شئ منها بغير ما يريده الشعب ) نظريا علممى القممل !‬
‫وإن كانت الحقيقة كما أسلفنا أن الرأسماليين هم الممذين يشممرعون‬
‫من وراء الستار ! (‬
‫سيقولون إن الديمقراطيممة ل تتممدخل فممى " الحريممة الشخصممية "‬
‫للفراد ! فمن شاء أن يرتد عن دينه فهو حر ! ومممن شممار أن يتخممذ‬
‫صديقة أو خليفة فهو حر ‪ .‬ومن شمماءت أن تكشممف عممن صممدرها أو‬
‫ظهرها أو ساقيها فهى حرة ! ومممن شمماءت أن تخممون زوجهمما فهممى‬
‫حرة ما لم يشتك الزوج !‬
‫سمميقولون ‪ :‬ابحثمموا عممن اسممم آخممر لممما تريممدون ‪ . .‬اسممم غيممر‬
‫الديمقراطية !‬
‫فإذا كان كذلك فلماذا نصر نحن على تسمية نظامنا الممذى نريممده‬
‫باسم الديمقراطية ؟ لماذا ل نسميه السلم؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫ويقممول بعممض النمماس مخلصممين ‪ :‬إنممما نريممد أن يلممتزم الحمماكم –‬


‫المسمملم – بممرأى الشممعب فيممما ليممس فيممه نممص ‪ ..‬وهممذا هممو لممب‬
‫الديمقراطية الذى نريد أن نطعم به الحكم السلمى ‪ ،‬لنمتع طغيان‬
‫الحكام !‬
‫وما نريد هنا أن ندخل فى الخلف الفقهى القائم حممول الشممورى‬
‫فى السلم وهممل هممى ملزمممة لممولى المممر أم غيممر ملزمممة ‪ ..‬فهممذا‬
‫يخرج بنا عن موضوع الكتاب إنما نقول فقط أن هممذا أمممر اجتهممادى‬
‫ليس فيه نص ‪ ..‬فالنص يلزم بالشورى ذاتهمما ‪ ،‬ولكممن ل يوجممد نممص‬
‫يقول إن الشورى ملزمة او غير ملزمة ‪ .‬ولذلك اختلف الفقهاء ‪.‬‬
‫وما دام المر اجتهاديا فمن حق أى جيل من أجيال المسلمين أن‬
‫ينظر فيه ‪ ،‬وينظر فى وجه المصلحة فيه ‪ ..‬فيوم نكون جممادين فممى‬
‫تطبيق السلم ‪ ،‬فعندئذ يجتمع علماء الممة وينتظمرون فمى الممر ‪،‬‬
‫ويقررون علممى ضمموء الظممروف القائمممة وقتهمما إن كممانت المصمملحة‬
‫تقتضى جعل الشورى ملزمة أو غير ملزمة ‪ ..‬وتلتزم المة وحكامها‬
‫بما يراه علماؤها المجتهدون ‪ ،‬فممإذا رأى علممماء المممة أن المصمملحة‬
‫تتحقق بممالتزام الحمماكم بنتيجممة الشممورى كممان هممذا الجتهمماد ملزممما‬
‫لولياء المور ‪.‬‬
‫أما أن نستعير " ترسا " من آلة أجنبية عممن السمملم لنركبممه فممى‬
‫النظام السلمى لمجممرد ظننمما انممه صممالح ومفيممد ‪ ،‬فليممس هممذا هممو‬
‫التفكير السديد ‪ .‬إن السلم نظممام متكامممل ‪ .‬وحاجممات المسمملمين‬
‫ومصالحهم تتحقق من داخل النظام ل من خارجه ‪ .‬فلنعممزم أول أن‬
‫نكون مسلمين حقا ‪ ،‬ملتزمين بما أنزل الله ‪ ،‬ثم لننظر بعد ذلك ممما‬
‫يفتح الله به علينا من الحلول ‪:‬‬
‫ن)‬ ‫س مِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م مع َ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّم َ‬
‫س مب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬
‫م ُ‬‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪] {(69‬سورة العنكبوت ‪[29/69‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وينظممر أنمماس إلممى البغممى والطغيممان القممائم فممى بلد السمملم‬


‫فيقولون ‪ :‬أليست الديمقراطية خيرا من هممذا البغممى ؟ علممى القممل‬
‫نستطيع أن نتنفس ونحن آمنون ! ل يجئ حاكم فيعتقل من يعتقل ‪،‬‬
‫ويعممذب مممن يعممذب ‪ ،‬ويقتممل مممن يقتممل دون أن يجممرؤ أحممد علممى‬
‫معارضممته بسممبب عممدم وجممود نظممام ديمقراطممى ‪ ،‬فلممو أننمما اتخممذنا‬
‫الديمقراطية – مع تحكيم شريعة الله – أمنا من طغيان الحكام ‪.‬‬
‫ويبدو هذا القول وجيهمما لول وهلممة ‪ ..‬ففممى النظممم الديمقراطيممة‬
‫القائمة فى الغممرب ل يطغممى الحكممام بهممذه الصممورة ‪ ،‬ول يعتقلممون‬
‫الناس بعشرات اللوف ‪ ،‬ول يعممذبونهم فممى السممجون ‪ ،‬ول يقتلممون‬
‫أحدا بالتعذيب داخل السوار ‪ ،‬مما تعرض له الدعاة المسلمون فى‬
‫أكثر من مكان فى العالم السلمى ‪.‬‬
‫ولكن القضية إذا أنعمنا النظر فيها ل تبدو بهذه الوجاهة التى تبدو‬
‫عليها الوهلة الولى ‪.‬‬
‫فل يوجد نظام فممى الرض – حممتى النظممام الربممانى – يعمممل مممن‬
‫تلقاء نفسه دون قيام البشممر علممى حراسممته ‪ ،‬أو يعطممى الضمممانات‬
‫للناس دون أن يحرص الناس على التمسك بهذه الضمانات ‪.‬‬
‫والديمقراطيممة ليسممت نظاممما آليمما يحمممل ضممماناته فممى طيمماته‬
‫ويطبقها من ذات نفسه ! إنما هى – ككل نظام – تعتمد على البشر‬
‫الذين يقومون بالتطبيق ‪.‬‬
‫وانظر إلى تاريخ الديمقراطيممة فممى بلدهممم الممتى تطبقهمما وتتمتممع‬
‫بضماناتها ‪ .‬إنه تاريخ نضال مستمر وثممورات ودممماء! والممذى أعطممى‬
‫الضمانات – كما أشرنا أكثر من مرة فى هذا الفصل – لم يكممن هممو‬
‫الديمقراطية فى ذاتها ‪ ،‬إنما كان نضال الشعب وثورته على الظلممم‬
‫ن وتحمل التضحيات والضحايا فى سممبيل الحصممول علممى حقمموقه ‪.‬‬
‫وبهذا النضال نال الشعب ما نال من حقوق وضمانات ‪.‬‬
‫ولكن تعال الن فحاول تطبيق الديمقراطيممة فممى بلد لممم تناضممل‬
‫ولم تتجه للنضال من أجل الحريممات والضمممانات والحقمموق ‪ .‬فممماذا‬
‫تفعل الديمقراطية للنمماس ؟! هممل تصممون لهممم حقمموقهم وتعطيهممم‬
‫ضماناتهم ؟‬
‫إن الديمقراطية ليست ثوبا يشترى جاهزا ويلبس ‪ ،‬إنما ينبغى أن‬
‫يفصل تفصيل على قد لبسمه ! لبمد ممن " المعانماة " المتى تعطمى‬
‫ثمرة التجربة !‬
‫حيممث ثممار المصممريون ثممورتهم " الوطنيممة ‪ 1‬عممام ‪ ، 1919‬كممان‬
‫تشرشل وزيرا فى وزارة المحافظين القائمة يومئذ فممى بريطانيمما ‪،‬‬
‫فجاءت أخبار الثورة فى الصحف فسأل تشرشل ‪ :‬ماذا يريدون ؟ )‬
‫يعنممى المصممريين ( قممالوا لممه ‪ :‬يريممدون دسممتورا وبرلمانمما ! فقممال‬
‫تشرشل ‪ :‬أعطوهم لعبة يتلهون بها ‪Give them a toy to play with‬‬
‫وكانت كلمة صادقة من ذلك الداهية الساخر المتغطرس الخبيث ‪.‬‬
‫ولسممت أقممول أن النظممم الطغيانيممة الممتى حلممت محممل تلممك‬
‫الممديمقراطيات المزيفممة هممى خيممر منهمما ! كل ! وألممف مممرة كل !‬
‫فالطغيان الذى يعتقل عشرات اللوف ويعذبهم أبشع تعذيب عرفته‬
‫البشرية ‪ ،‬ويقتل منهمم ممن يقتمل فمى محاكممات صمورية أو داخمل‬
‫السوار بالتعذيب ‪ ،‬هو شر خالص ل خير فيه ‪.‬‬
‫ولكنى أقول فقط إن البممديل ليممس همو الديمقراطيممة ‪ ..‬إنممما هممو‬
‫السلم !‬
‫فإذا كممانت العممودة إلممى السمملم اليمموم تحتمماج إلممى جهمماد طويممل‬
‫وتضمممحيات ‪ ،‬وإلمممى تربيمممة جمممادة علمممى حقمممائق السممملم ‪ ،‬فمممإن‬
‫الديمقراطية كذلك ! إنها لن تعطى ثمارها – فى الجانب الخير منها‬
‫– إل بجهاد وتضحيات ‪ ،‬وتربية جمادة تربمى جيل ممن النماس يحمرص‬
‫كانت ثورة إسلمية فى منشئها ولكن سعد زغلول حولها إلى ثورة وطنية ) أنظممر فصممل " القوميممة والوطنيممة " فيممما‬ ‫‪1‬‬

‫يلى من الكتاب وانظر فصل " آثار النحراف " فى كتاب " واقعنا المعاصر " (‬
‫علممى حريممات الديمقراطيممة وضممماناتها ‪ ،‬ويممأبى أن تزيممف إرادتممه‬
‫التزييف الغليظ الذى كان يحدث باسم الديمقراطية فى بلدنا ‪ .‬وإل‬
‫فستظل لعبة يتلهى بها الناس كما قال ذلك الخبيث ‪.‬‬
‫فممإذا كممان لبممد مممن التربيممة فممى الحممالتين ولبممد مممن الجهمماد‬
‫والتضحيات فى الحالتين ‪ ،‬أفليس الولى أن يكون الجهد فى سممبيل‬
‫الخير الحقيقى ‪ ،‬الخير الذى ل يعممود علممى المسمملمين وحممدهم إنممما‬
‫يعممود علممى البشممرية جمعمماء ‪ ،‬وهممو خيممر الممدنيا والخممرة فممى ذات‬
‫الوقت ؟ !‬
‫ولقائل أن يقول ‪ ،‬إن التاريخ السياسى السلمى ملئ بالمظالم ‪،‬‬
‫وهو يحمل اسم السلم ‪.‬‬
‫ونقول نعم ! إن هذا صحيح !‬
‫ولكن ما سببه على وجه التحديد ؟!‬
‫ظلم من الحكام ‪ ..‬نعممم ‪ ..‬ولكممن أيممن كممانت المممة السمملمية ؟‬
‫ولماذا سكتت على الظلم ‪ ،‬ولم تأطر حكامها على الحممق أطراكممما‬
‫أمرها زعيمها وقائدها صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫إنها استنامت للظلم تفريطا فى حقوقهمما وواجباتهمما الممتى قررهمما‬
‫السلم ‪..‬‬
‫أفلممو كممانت الديمقراطيممة هممى الحاكمممة بممدل مممن السمملم كممان‬
‫المفرطون ل يفرطون ؟!‬
‫وهمممل الممممة المممتى ضممميعت السممملم كمممانت سمممتحافظ علمممى‬
‫الديمقراطية ؟!‬
‫إن القضية أن هذه المة تحتاج أن تربى مممن جديممد علممى حقيقممة‬
‫السلم ‪ ..‬وبغير ذلك ل ينصلح حالها ول يستقيم ‪.‬‬
‫ومن كان يرى أن مشمموار السمملم مشمموار طويممل ‪ ،‬وأن مشمموار‬
‫الديمقراطية أقصر منه وأيسر ‪ ،‬فنحن نقممول لممه إن الممديمقراطيات‬
‫ذاتها فممى سممبيلها إلممى النهيممار ‪ ،‬بممما تحمممل فممى طياتهمما مممن عمموج‬
‫وانحراف قائم فى أصل النظام ‪.‬‬
‫وسيبقى السلم ‪..‬‬
‫سيبقى لنه دين الحق ‪..‬‬
‫ولن الله تكفل بحفظه ‪.‬‬
‫ولنه هو الشئ الوحيممد الممذى يمكممن أن ينقممذ البشممرية كلهمما مممن‬
‫ضللها البعيد الذى لجت فيه ‪..‬‬
‫ولن هناك مؤمنين بهذا الممدين يجاهممدون لتكممون كلمممة اللممه هممى‬
‫العليا ‪ ،‬والله هو الذى وعدهم بالتمكين ‪:‬‬
‫خل َِفن ُّهم فِممي‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫س مت َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫}وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م ال ّم ِ‬ ‫ال َ‬
‫ذي‬ ‫م ِدين َهُم ْ‬ ‫ن ل َهُم ْ‬ ‫مك ّن َم ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِم ْ‬‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ن ِبممي‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ن‬‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬
‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ُ ْ َ َُ ّ ُّ ْ ِ ْ َْ ِ ْ ِ ِ ْ ْ َْ ُ ُ َِ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫شْيئًا{ ]سورة النممور ‪[24/55‬‬ ‫َ‬
‫الشيوعية‬
‫أول ‪ :‬المادة الجدلية‬
‫ثانيا ‪ :‬المادة التاريخية‬
‫ثالثا ‪ :‬المذهب القتصادى بين النظرية والتطبيق‬
‫تمهيد‬
‫ليست الشيوعية مذهبا اقتصاديا بحتا كممما يتبممادر إلممى ذهممن كممثير‬
‫من الناس حين يسمعون لفظة الشمميوعية ‪ ،‬وإن كممان لهمما ول شممك‬
‫مذهب اقتصادى محدد متميز ‪ ،‬إنما هى تصور شامل للكون والحياة‬
‫والنسان لقضية اللوهية كذلك ‪ ،‬وعن هممذا التصممور الشممامل ينبثممق‬
‫المممذهب القتصممادى ‪ .‬ثممم إنهمما مممن جهممة أخممرى مممذهب اقتصممادى‬
‫واجتماعى وسياسى وفكرى مترابط متشابك ل يمكن فصممل بعضممه‬
‫عن بعض ‪.‬‬
‫ومن ثممم فل يمكممن عممزل المممذهب القتصممادى وحممده بعيممدا عممن‬
‫التصور الشامل الذى ينبثق عنه ‪ ،‬أو بعيدا عممن الوضمماع الجتماعيممة‬
‫والسياسية والفكرية المصاحبة له ‪.‬‬
‫وسواء كان الوضع القتصادى وحده هو الصل الصمميل والوضمماع‬
‫السياسية والجتماعية والفكرية المصاحبة له مجرد انعكاس له كما‬
‫تقول النظرية الشيوعية ‪ ،‬أم كانت الوضاع السياسممية والجتماعيممة‬
‫والفكرية أصيلة فى صدروها عممن التصممور الشممامل كأصممالة الوضممع‬
‫القتصادى كما نزعم نحن ‪..‬‬
‫ففى جميع الحالت ل يمكممن فصممل المممذهب القتصممادى وحممده ‪،‬‬
‫وعزلممه عممن التصممور الشممامل الممذى انبثممق عنممه ‪ ،‬ول عممن الوضمماع‬
‫الجتماعية والسياسية والفكريممة المصمماحبة لممه ‪ ،‬كممما أنممه ل يمكممن‬
‫تركيبه على تصور آخر ‪ .‬ول على أوضاع سياسية واجتماعية وفكرية‬
‫مغايرة ‪ .‬وليس هذا خاص بالشيوعية إنما هو من طبيعة كل تصور ‪،‬‬
‫وكل أوضاع ناشئة عن ذلك التصور ‪.‬‬
‫وليس معنممى هممذا أن التصممور الواحممد ل يمكممن أن ينبثممق عنممه إل‬
‫صممورة اقتصممادية وسياسممية واجتماعيممة وفكريممة واحممدة محممددة‬
‫السمات والتفصيلت ‪ ،‬فسوف نرى فى أثناء العرض والمناقشة أن‬
‫ذلك غير صحيح ‪ .‬ولكن الذى نعنيه أن هنمماك اتجاهممات عامممة تربممط‬
‫بين المذهب القتصادى السياسى الجتماعى الفكرى وبيممن التصممور‬
‫الذى ينبثق عنه ذلك المذهب ‪ .‬وإن هذه التجاهممات العامممة لبممد أن‬
‫توجد فى كل صورة مممن الصممور الجتماعيممة السياسممية القتصممادية‬
‫الفكرية التى يمكن أن تنبثق عن ذلك التصممور ‪ ،‬وإن اختلفممت فيممما‬
‫بينها فى الدرجة أو فى التفصيلت والسمات الخاصة ‪.‬‬
‫وبديهى أن التصور الشيوعى لللوهية والكممون والحيمماة والنسممان‬
‫همو تصمور ممادى بحمت ‪ ..‬فهمم يسممون نظريتهمم العمام " الماديمة‬
‫الجدلية " ويسمون تفسيرهم للتاريممخ " التفسممير المممادى للتاريممخ "‬
‫ومن أقوالهم ‪:‬‬
‫ل إله ‪ .‬والكون مادة ‪.‬‬
‫وحدة العالم تنحصر فى ماديته ‪.‬‬
‫المادة سابقة فى الوجود على الفكر ‪.‬‬
‫لم يكن هناك وقت لم تكن المممادة موجممودة فيممه ‪ ،‬وليممس هنمماك‬
‫وقت ل تكون المادة موجودة فيه ‪. .‬‬
‫النسان نتاج المادة ‪.‬‬
‫الفكر نتاج الدماغ والدماغ مادة ‪ ..‬الخ‬
‫‪m m m‬‬

‫وحين نتكلم عن الشيوعية فلبد أن نتكلم عن أمور ثلثممة رئيسممية‬


‫هممى المممادة الجدليممة ‪ ،‬والماديممة التاريخيممة ‪ ،‬والمممذهب القتصممادى‬
‫الشيوعى مع الوضاع السياسية والجتماعية المصاحبة له ‪.‬‬
‫ولكنمما نحممب أن نشممير فممى هممذا التمهيممد إلممى أن ممماركس – أو‬
‫الشيوعيين بصفة عامة – ليسوا هم الذين ابتدعوا التجمماه المممادى ‪.‬‬
‫وإنما الحق أنهم قمته ومنتهاه ‪.‬‬
‫وليسوا هم الذين ابتدعوا " الجدلية " تفسيرا للحيمماة البشممرية أو‬
‫الوجممود عامممة بممما فيممه الكممون المممادى والحيمماة البشممرية ‪ ،‬إنممما "‬
‫الجدلية المادية " أو " المادية الجدلية " هممى الممتى يمكممن أن تعتممبر‬
‫ابتداعهم الخاص ‪.‬‬
‫التجاه المادى قديم فى الحياة الوروبيمة قمدم النهضمة الوروبيمة‬
‫إن لم نقل إن له جذورا أعمق من ذلك فى بعض اتجاهات الفلسفة‬
‫الغريقية القديمة واتجاهات الحياة الرومانية قبل المسيحية ‪ ..‬وقممد‬
‫قامت النهضة الوروبية كما سبق أن بينا على أساس معاد للدين ‪..‬‬
‫كما أنها رجعت إلى الصول الغريقية الرومانيممة تسممتمد منهمما ‪ ،‬بلد‬
‫من الصول الدينية المسيحية التى كانت منسلخة منها منقلبة عليها‬
‫‪..‬‬
‫وحين قامت النهضة انقلب اتجاه التفكير فى أوروبا مممن نمماحيتين‬
‫اثنتين على القل ‪ ،‬كلتاهما تعضد الخرى ‪ .‬فقد كان الفكممر الوربممى‬
‫فى فممترة المسمميحية الكنسممية قائممما علممى أصممول دينيممة – بصممرف‬
‫النظممر عممما وقممع فيهمما مممن تحريممف عممن الصممل الصممحيح – أى أن‬
‫مصدرها – فى حسهم – هو الله والوحى الربانى ! ثم إن هذا الفكر‬
‫كان متجها إلمى الخمرة علمى أسماس أن الخلص الحقيقمى هنماك ‪،‬‬
‫وأنممه ل خلص فممى الحيمماة الممدنيا ‪ ..‬أممما فكممر النهضممة فقممد كممان "‬
‫إنسانية " من جهة ‪ ،‬وموجهمما إلممى الحيمماة الممدنيا مممن جهممة أخممرى ‪.‬‬
‫إنسانى ل بمعنى أنه مشغول بالقيم العليا النسانية ‪ ،‬أو " بالنسممان‬
‫" كما ينبغى أن يكون فى صورته الكريمة اللئقة بإنسممانيته ‪ ،‬ولكممن‬
‫بمعنى أن النسان – وليس الله – هو الذى ينبغممى أن يكممون مصممدر‬
‫المعرفة ‪ .‬وأن الفكمر النسمانى – ل الموحى الربمانى – همو المرجمع‬
‫الذى يرجع إليه النسان فممى النظممر إلممى أمممور حيمماته ومتطلباتهمما ‪.‬‬
‫وفى والوقت ذاته كان هذا الفكر موجها إلى النظر فى الحياة الدنيا‬
‫ومقتضياتها ل إلى الخرة ومقتضياتها ‪.‬‬
‫يقول رايوبرث عن عصر النهضة ‪:‬‬
‫" وامتاز ذلممك العصممر بشممعور النسممان فيممه بشخصمميته المطلقممة‬
‫وبمعارضته للسلطة وذويها ‪ ،‬وذهابه شوطا بعيدا فى اعتبممار العممالم‬
‫كله وطنا له ‪ ..‬وقد أعلت النهضة شممأن الطبيعممة النسممانية والحيمماة‬
‫الدنيوية مخالفة فى ذلك طريقة التفكيممر فممى القممرون الوسممطى ‪..‬‬
‫ولذلك يسمى العلماء الذين خصصوا أنفسهم لدراسة آداب اليونممان‬
‫والرومان والعلوم عند القدماء " النسانيين " ‪ ..‬وكان مممن خيممر ممما‬
‫أحدثه هؤلء النسانيون " نمممو الفرديممة " أعنممى الممرأى القممائل بممأن‬
‫النسان ينبغى أن يفكر بنفسه لنفسه ‪ .‬وهو رأى كان قد أهمل فممى‬
‫‪1‬‬
‫عصر عبودية العقل‬
‫ويقول جرين برينتون عن الحركة النسانية وفنونها ‪:‬‬
‫" إنه طالما كانت العصور الوسممطى فممى الواقممع عصممورا دينيممة ‪،‬‬
‫وطالما أن عصر النهضة يعنى على القل محاولة العودة إلى الوثنية‬
‫اللدينية إن لم نقممل الزندقممة ‪ ،‬فممإن فممن العصممور الوسممطى يرتبممط‬
‫‪2‬‬
‫بالكنيسة ‪ ،‬أما فن عصر النهضة فيتمتع بحرية بوهيمية ‪..‬‬
‫هذا التجاه المنسلخ من الدين ‪ ،‬المتجه إلممى الماديممة ‪ ،‬لممم يقفممز‬
‫دفعة واحدة من الروحانية الدينية إلى المادية اللدينية ‪ ،‬ول اسممتقام‬
‫نحو هدفه فى طريق واحد خال من الذبذبات ‪ .‬ولكنه كان فممى كممل‬
‫قفزة يتجه إلى المادية أكثر ‪ ،‬ويبعد عن اللممه أكممثر ‪ ،‬وإن عمماد فهممى‬
‫عودة مؤقتة سرعان ما يتخلص منهمما ويمضممى مبعممدا فممى الطريممق‬
‫المنسلخ عن الدين ‪ .‬فقد انفصلت الفلسفة عن الدين بادئ ذى بدء‬
‫ونبذت البحث فيما " وراء الطبيعة " كما كانوا يطلقممون علممى أمممور‬
‫الغيب المتعلقة بالله سبحانه وتعمالى وخلقمه لهمذا الكمون ‪ ،‬والغايمة‬
‫من هذا الخلق ‪ ،‬والوحى الربانى المتضمن للقيم الدينية التى ينبغى‬
‫أن يتبعها النسان من أجل الخلص فى الخرة ‪ .‬واتجهممت الفلسممفة‬
‫كتاب مبادئ الفلسفة ‪ ،‬ترجمة محمد امين – دار الكتاب العربى بيروت ص ‪120 – 119‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب منشأ الفكر الحديث – ترجمة عبد الرحمن مراد ص ‪27‬‬ ‫‪2‬‬
‫إلى دراسة " الطبيعة " والكون المممادى ‪ ،‬والنسممان باعتبمماره كائنمما‬
‫موجودا فى الطبيعة ‪ ،‬ل بوصممفه كائنمما قممد خلقممه اللممه لغايممة معينممة‬
‫وهدف يؤديه ‪ .‬وكان التقدم العلمى الذى حدث منذ بدء النهضة أحد‬
‫العوامل الهامة التى ساعدت على اتجاه الفكر الوربى ذلك التجمماه‬
‫من خلل المذهب العقلى والتجريبى ‪.‬‬
‫يقول برينتون عن المذهب العقلى ‪:‬‬
‫" فالمذهب العقلى يتجه إلى إزالممة اللممه وممما فمموق الطبيعممة مممن‬
‫الكون ‪ ،‬ومن الوجهة التاريخية فممإن نمممو المعرفممة العلميممة وازديمماد‬
‫الستخدام البارع للساليب العلميممة يرتبممط بشممدة مممع نمممو الوضممع‬
‫‪1‬‬
‫العقلى نحو الكون ‪..‬‬
‫ويقول الدكتور محمد البهى عن المذهب التجريبى ‪:‬‬
‫" إن تحصيل النسان للحقائق الكونيممة ومعرفتممه بهمما ل يكممون إل‬
‫بالتجربة الحسية وحدها ‪ ،‬ومعنى ذلك أن الحممس المشمماهد ل غيممره‬
‫هو مصدر المعرفة الحقيقية اليقينية ‪ ..‬ففى العممالم الحسممى تكمممن‬
‫حقائق الشياء ‪ .‬أممما انممتزاع المعرفممة مممما وراء الظممواهر الطبيعيممة‬
‫الحسية ‪ ،‬والبحث عن العلة فى هذا المجال ‪ ،‬فأمر يجب أن يرفض‬
‫‪ .‬ولهذا تكون كل نظرية أو كل فكرة عن وجممود لممه طممابع الحقيقممة‬
‫‪2‬‬
‫فيما وراء الحس نظرية أو فكر مستحيلة‬
‫وهذا يتفق المذهب العقلى مع المذهب التجريبى فممى البعممد عممن‬
‫الله وتجنب البحث عن الغاية من الخلق ‪ ،‬والنظر فممى " الطبيعممة "‬
‫بدل من النظر فيما وراء الطبيعة أى فى عالم الجس بدل من عممالم‬
‫الغيب ‪.‬‬
‫ثم كان نيوتن ونظرياته خطوة دافعة على الطريق !‬
‫فقد اكتشف نيوتن بعمض مما سممى عنمدهم " قموانين الطبيعمة "‬
‫التى يجرى الكون المادى بمقتضاها ‪ .‬وكشف عما يسمى عنممدهم "‬
‫قانون السببية " أى القانون الذى يفسر ظواهر الطبيعة بردها إلممى‬
‫أسبابها الظاهرة ‪ .‬وقد كان هذا فى أوروبا ذريعة لنفى السباب غير‬
‫‪3‬‬
‫الظاهرة وغير المحسوسة ‪ ،‬أى نفى السباب الغيبية‬
‫يقول برينتون ‪:‬‬
‫" إن السببية تهدم كل ما بنته الخرافات واللهامات والمعتقممدات‬
‫الخاطئة فى هذا العالم " ‪ .‬ويمضى فيقول ‪ " :‬الله فى عرف نيوتن‬
‫أشبه بصانع الساعة ‪ .‬ولكن صانع هذه الساعة الكونية – ونعنمى بهما‬
‫المصدر السابق‬ ‫‪1‬‬

‫الفكر السلمى الحديث وصلته بالستعمار الغربى ص ‪297‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر حديثا عن السببية ودورها فى الفكر فى فصل " العقلنية " من هذا الكتاب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫الكممون – لممم يلبممث أن شممد علممى رباطهمما إلممى البممد ‪ ،‬فبإمكممانه أن‬
‫يجعلها تعمل حتى البد ‪ .‬أما الرجال على هذه الرض فقد صممممهم‬
‫الله كأجزاء من آلته الضممخمة هممذه ليجممروا عليهمما ‪ .‬وإنممه ليبممدو أن‬
‫ليس ثمة داع أو فممائدة مممن الصمملة إلممى اللممه صممانع هممذا السمماعة‬
‫الكونية الضخمة ‪ ،‬الذى ل يسممتطيع إذا ممما أراد التممدخل فممى شممئون‬
‫‪1‬‬
‫عمله‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫" ولكن ثمة أناس ذهبوا إلى أبعد من ذلممك واعتممبروا فكممرة اللممه‬
‫فكممرة شممريرة ‪ ،‬وخاصممة إذا ممما كممان إلممه الكنيسممة الكاثوليكيممة ‪.‬‬
‫وأطلقوا على أنفسهم بكل فخر اسم الملحدين ‪ .‬وهم يعتقممدون ان‬
‫ليس ثمة وجود لمسيح أو لله المسيحية ‪ ،‬ويقولون إن الكون ليس‬
‫إل مجموعة متحركممة ذات نظممام معيممن يمكممن فهمممه بمماللجوء إلممى‬
‫‪2‬‬
‫السببية المعتمدة على أساس العلوم الطبيعية‬
‫ويقول راندال ‪:‬‬
‫" إنه لقرب إلى الطبيعى والمعقول أن نشتق مممن صممور المممادة‬
‫كل شئ موجود لن كل حاسة من حواسممنا تممبرهن علممى وجودهمما ‪،‬‬
‫ونختبر كل لحظة نتائجهمما بأنفسممنا ‪ .‬ونراهمما فاعلممة متحركممة ‪ ،‬تنقممل‬
‫الحركة وتولد القوة دون انقطاع ‪ ،‬من أن نعزو تكون الشممياء لقمموة‬
‫مجهولة ولكائن روحى ل يستطيع أن يخرج من طبيعته ما ليس هممو‬
‫بذاته ‪ ،‬كائن بعجز بحكم الجوهر المنسوب إليه أن يفعل أى شئ أو‬
‫‪3‬‬
‫أن يحرك أى شئ‬
‫هكذا سار التجاه المادى المادى الملحد بخطوات حثيثة حتى جاء‬
‫القرن التاسع عشر ‪ ،‬فظهرت الفلسفة الوضعية التى تقول بسيادة‬
‫الطبيعة على الدين والعقل ‪ ،‬واعتبارها هى الصل الذى ينبثممق عنممه‬
‫كل شئ ‪ ..‬والذى يبعث الفكار فى العقل البشرى ‪ ،‬وكان من أهممم‬
‫فلسفتها " أوجست كومت " و " فرباخ "‬
‫ويذكر الدكتور محمد البهى فى تلخصيه الجيد للفكر الغربممى فممى‬
‫تلك الفترة فى كتابه " الفكر السلمى الحديث وصمملته بالسممتعمار‬
‫الغربى " أن هذه الفلسفة تدعو إلى سمميادة الطبيعممة ‪ ،‬إن لممم نقممل‬
‫عبادتها ‪ ،‬قد قامت فى جو معين حيممث تولممدت الرغبممة فممى نفمموس‬
‫كثير من العلماء والفلسممفة لمعارضممة الكنيسممة الممتى كممانت تملممك‬
‫نوعمما خاصمما مممن المعرفممة تسممتغله فممى معارضممة خصممومها وهممى‬
‫منشأ الفكر الحديث ص ‪151‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ‪152‬‬ ‫‪2‬‬

‫تكوين العقل الحديث ج ‪ ، 1‬ص ‪439‬‬ ‫‪3‬‬


‫المعرفة الدينية ‪ ،‬فقام هذا الفريق من العلماء والفلسممفة بممالهجوم‬
‫الشديد عليها باسم العلممم ‪ ،‬وقممامت هممذه الفلسممفة الوضممعية علممى‬
‫أساس تقدير الطبيعة وحدها مصدرا للمعرفة اليقينية ‪ ..‬ثممم يقممول ‪:‬‬
‫" ومعنى تقديرها للطبيعة على همذا النحمو أن الطبيعمة فمى نظرهما‬
‫هى التى تنقش الحقيقة فى ذهن النسمان ‪ ،‬وهمى المتى تموحى بهما‬
‫وترسم معالمها ‪ ..‬هى التى تكون عقل النسان ‪ .‬والنسان – لهذا –‬
‫ل يملى عليه من ذاته الخاصة ‪ ..‬إذ ما يأتى من ) ما وراء الطبيعممة (‬
‫خداع للحقيقة وليس حقيقة !! وكذا ما يتصمموره العقممل مممن نفسممه‬
‫وهم وتخيل للحقيقة وليس حقيقة أيضا ! !‬
‫" وبناء على ذلك يكون " الدين " وهو وحى ) أى ما بعد الطبيعممة‬
‫خداعا ! هو وجى ذلك الموجود الذى ل يحممدده ول يمثلممه كممائن مممن‬
‫كائنات الطبيعة ‪.‬‬
‫" هو وحى الله الخارج عن هذه الطبيعة كلية ‪ .‬وكذلك " المثاليممة‬
‫العقليممة " وهممم ل يتصممل بحقيقممة هممذا الوجممود الطممبيعى ‪ .‬إذ هممى‬
‫تصممورات النسممان مممن نفسممه مممن غيممر أن يسممتلهم فيهمما الطبيعممة‬
‫‪1‬‬
‫المنثورة التى يعيش فيها وتدور حوله‬
‫" إن عقل النسان فى منطممق هممذه الفلسممفة – أى ممما فيممه مممن‬
‫معرفممة – وليممد الطبيعممة الممتى تتمثممل فممى الوراثممة والممبيئة والحيمماة‬
‫القتصادية والجتماعيممة ‪.‬ز إنممه مخلمموق ‪ ،‬ولكممن خممالقه هممو الوجممود‬
‫الحسى ‪ .‬إنه يفكر ‪ ،‬ولكن عن تفاعل مع الوحود المحيممط بممه ‪ .‬إنممه‬
‫مقيد مجبر ‪ ،‬وصانع القيممد والجممبر هممو حيمماته الماديممة ‪ .‬ليممس هنمماك‬
‫عقل سابق علممى الوجممود المممادى ‪ ،‬كممما أنممه ليسممت هنمماك معرفممة‬
‫سابقة للنسان عن طريق الوحى ‪ ..‬عقل النسممان ومعرفتممه يوجممد‬
‫أن تبعا لوجود النسان الماى ‪ .‬هما انطباع لحيمماته الحسممية الماديممة‬
‫‪2‬‬
‫التى يتنفسها "‬
‫‪m m m‬‬

‫أما الجدلية فقد سبق إليها " فيشته " و " هيجل "‬
‫وقد كان الصل فى التفكير الجممدلى " الممدياكتيكى " هممو البحممث‬
‫عن تصور فلسفى يسمح بوجممود المتناقضممات فممى الكممون والحيمماة‬
‫ويفسرها ‪ .‬ذلك أن المنطق اليونانى القديم ) الذى يسمى المنطممق‬
‫الصورى ‪ ( Formal logic‬ينفى وجود التناقض فى الكون والحيمماة ‪،‬‬
‫ويقيم تفكيره على أساس أن الشئ ونقيضممه ل يمكممن أن يجتمعمما ‪.‬‬
‫الفكر السلمى الحديث وصلته بالستعمار الغربى الطبعة الثانية ‪ .‬ص ‪299 - 298‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪299‬‬ ‫‪2‬‬


‫فوجود أى شئ هو ذاته نفى قاطع لوجود نقيضه ‪.‬‬
‫ولكن الفكر الوروبى منذ عصر النهضة – وأن كان قممد رجممع إلممى‬
‫الفكر الغريقى يستمد منه – كانت لممه التفاتممات مختلفممة عنممه فممى‬
‫مجالت متعددة ‪ .‬حتى إذا كممان النصممف الثممانى مممن القممرن الثممامن‬
‫عشر الميلدى – عصر سيادة العقل فممى الفكممر الوربممى المسمممى‬
‫عندهم " بعض التنوير " – قام فلسفة يشيرون إلى وجود التنمماقض‬
‫فى الكون والحياة ويحاولون تفسيره ‪ ،‬من أبرزهممم " فيشممته " و "‬
‫هيجل " ‪ .‬فأما فيشته " ‪ 1814 – 1762‬م " – كما يقممول الممدكتور‬
‫محمد البهى فى كتابه السابق الذكر – فقد اسممتخدم مبممدأ النقيممض‬
‫كى يدعم سيادة العقل كمصدر للمعرفة مقابل الدين والطبيعممة ‪.. 1‬‬
‫وأما " هيجل " " ‪ " 1831 – 1770‬فيستخدم مبدأ النقيض لتأكيممد‬
‫قيمة العقل من جهة ‪ ،‬ثم لدعم فكرة اللوهيممة مممن جديممد ‪ ،‬وتأكيممد‬
‫‪2‬‬
‫الوحى كمصدر أخير للمعرفة ‪ ،‬يعتبر الله سبحانه عقل‬
‫واستخدم هيجممل مصممطلحات خاصممة بممه ‪ .‬هممى الممدعوى ومقابممل‬
‫الدعوى وجامع الدعوى ومقابلها ن وتصور أن هنمماك فكممرة مطلقممة‬
‫أطلق عليها اسم العقل المطلمق – وهمو اللمه عنمده – انبثقمت عنمه‬
‫الطبيعة وهى تغايره تماما ‪ ،‬لنها مقيدة ومتفرقة وهى عنده العقممل‬
‫المقيد ‪ .‬ثم انتقلت الفكرة من الطبيعة أو العقل المقيد إلممى جممامع‬
‫يلتقى فيه الشئ ونقيضه وهو العقل المجرد الذى هو نهاية الطبيعة‬
‫المحدودة وغايتها ‪ ،‬وهو جامع الدعوى ومقابلها ‪.‬‬
‫وهذا العقممل المجممرد يتمثممل فممى القممانون والخلق ‪ ،‬وفممى الفممن‬
‫والدين والدولممة والجماعممة والفلسممفة ‪ .‬إذن فالعقممل المجممرد الممذى‬
‫يتحقممق فممى أى وحممدة مممن هممذه القيممم العاملممة المممذكورة جممامع‬
‫للمتقابلين ‪ :‬جامع للفكرة فى العقل المطلق وهممو اللممه ‪ ،‬وللفكممرة‬
‫فى العقل المقيد وهو الطبيعمة ‪ ..‬ذلمك أنمه ليمس لمه إطلق العقمل‬
‫المطلممق ول تحديممد عقممل الطبيعممة ‪ ،‬بممل فيممه إطلق بالنسممبة إلممى‬
‫الطبيعة وتقييد بالنسبة للعقممل المطلممق ولممذا يعتممبر جممامع الممدعوى‬
‫‪3‬‬
‫ومقابل الدعوى‬
‫وأما المنبع الثالث لفكممر ممماركس بعممد الجدليممة الممتى أخممذها مممن‬
‫هيجممل ‪ ،‬والماديممة الممتى أخممذها مممن كممومت فهممو دارون ونظريممة‬
‫التطور ‪.‬‬

‫كان هذا قبل ظهور الفلسفة الوضعية المادية التى قالت بسيادة الطبيعة مقابل العقل والدين ‪ .‬والواقممع أن الفلسممفة‬ ‫‪1‬‬

‫الوضعية قامت ردا على الفلسفة العقلية التى سادت فى عصر التنوير ‪.‬‬
‫عن الفكر السلمى الحديث ص ‪ 289‬بتصرف‬ ‫‪2‬‬

‫عن المصدر السابق ص ‪ 291 – 290‬بتصرف‬ ‫‪3‬‬


‫جاء داريون يؤله الطبيعة ويقول عنها إنها تخلق كل شممئ ول حممد‬
‫لقدرتها على الخلق ‪ .‬ويؤكد أن النسان هممو نهايممة سلسمملة التطممور‬
‫الحيوانية ‪ .‬وأن التطور ذاته – الذى أنشأ الحياة الماديممة الميتممة أول‬
‫مرة ‪ ،‬ثم تدرج بهما ممن الكمائن الوحيمد الخليمة إلمى النسمان – همو‬
‫نتيجة أسباب مادية بحتة ‪ ،‬وأنه يتم مستقل عن إرادة الكائن الحى ‪،‬‬
‫وبصورة حتمية ل يملك الكائن الحممى الخممروج عليهمما ول معارضممتها‬
‫ول الوقوف فى طريقها ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ماذا بقى من فكر ماركس لم يسبق إليه ؟!‬


‫ومع ذلممك فلممم يكممن عمممل ممماركس هممو مجممرد التجميممع للفكممار‬
‫السابقة والمعاصمرة ‪ 1‬فلقمد أنشمأ فلسمفة مترابطمة متكاملمة – أيما‬
‫كانت مصادرها الولية – تشمممل كممل القضممايا المحيطممة بالنسممان ‪،‬‬
‫وتشملها جملة وتفصيل على نحو غير مسبوق فممى الفكممر الغربممى ‪.‬‬
‫وليس هنا مجال تقويم هذه الفلسممفة فممى جملتهمما وتفصمميلتها ‪ 2‬ول‬
‫مجال السؤال عن كونها – فى صورتها الممتى قممدمها بهمما ممماركس –‬
‫كانت قمينة أن يتلفت إليهمما ويحتفممى بهمما ‪ ،‬أم تممترك " لتمممر " كممما‬
‫مرت فلسفات كثيرة من قبل ‪ ،‬لتصبح فيممما بعممد " كلممما " يدرسممه‬
‫طلب الفلسفة فى الجامعات ‪ .‬أم تهاجم الذى يقضى عليها ويجبهمما‬
‫من منبتها ‪ ..‬لول ذلك السند الضخم الذى لقيته مممن العناصممر الممتى‬
‫سعت لقامة الشيوعية فى الرض والدعاية لها فى الفاق ‪. 3‬‬
‫إنما نحن هنا فى مجال تقديم الشيوعية كما قدمها أصحابها ‪ ،‬من‬
‫خلل الموضمموعات الثلثممة الرئيسممية ‪ :‬الماديممة الجدليممة والماديممة‬
‫التاريخية والمذهب القتصادى بين النظرية والتطبيق ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫هيجل وكومت سابقان عليه ودارون معاصر له ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سيأتى تقويم النظرية تاليا فى هذا الفصل ‪ ،‬بعد عرض خطوطها العريضة كما يقدمها أصحابها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سيأتى الرد على هذا السؤال ضمنا فى أثناء مناقشة النظرية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أول ‪ :‬المادية الجدلية‬
‫الماديممة الجدليممة تصممور خمماص لقضممايا الولهيممة والكممون والحيمماة‬
‫والنسان يقوم على أساس مممادى بحممت ‪ ،‬علممى أسمماس أن المممادة‬
‫هى الشئ الوحيد الصيل فى هذا الكون ‪ ،‬وأن كممل ممما فممى الكممون‬
‫ومن فيه منبثق من المادة ومحكوم بقمموانين المممادة ‪ ،‬ول وجمود لمه‬
‫خارج نطاق المادة ‪ .‬كما يقوم هممذا التصممور مممن جهممة أخممرى علممى‬
‫أساس وجود التناقض فى طبيعة المادة ‪ ،‬ومن ثم فى كل ما ينبثممق‬
‫عنها من مخلوقات ومن كيانات بما فى ذلك الكيان النسانى ‪ ،‬فهممو‬
‫كيان مادى من جهة ‪ ،‬ومحكوم بصراع المتناقضات من جهة أخرى ‪.‬‬
‫وتلك هى حقيقة كل أفكاره ومشاعره ‪ ،‬وكممل نظمممه ومؤسسمماته ‪،‬‬
‫وكل قيمة ومبادئه ‪ ،‬وكل حركته خلل التاريخ ‪.‬‬
‫وقد قلنمما فممى التمهيممد السممابق إن ممماركس لممم يكممن هممو مبتممدع‬
‫الجدلية أو التفكير الجدلى على العموم ‪ ،‬فقد أخذ هذا التفكيممر عممن‬
‫هيجممل ‪ ،‬ولكنممه خممالفه فيممه مخالفممة أساسممية ‪ ،‬إذا قممال هيجممل إن‬
‫الفكرة هى الصل وهى سابقة فى وجودها على المادة ومسمميطرة‬
‫عليها ‪ ،‬وقال ماركس إن المادة هى الصل وهى سابقة علممى علممى‬
‫الفكرة ومسيطرة عليها ‪.‬‬
‫يقول ماركس ‪ " :‬ل يختلممف منهجممى الجممدلى فممى السمماس عممن‬
‫منهج هيجل فقط ‪ ،‬بل هو نقيضه تماما ‪ ،‬إذ يعتقممد هيجممل أن حركممة‬
‫الفكر التى يجسدها باسم الفكرة ‪ ،‬هى مبدعممة الواقممع الممذى ليممس‬
‫سوى الصورة الظاهرية للفكرة‪ ،‬أما أنا فأعتقممد علممى العكممس ‪ ،‬أن‬
‫حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركممة الواقممع وقممد انتقلممت إلممى‬
‫‪1‬‬
‫ذهن النسان‬
‫ومن ثم سميث جدلية هيجممل الجدليممة المثاليممة وجدليممة ممماركس‬
‫الجدلية المادية أو المادية الجدلية ‪.‬‬
‫أممما أصممل التسمممية – فممى لغتهمما الصمملية – فهممى مممأخوذة عممن‬
‫الغريقيممة ‪ ،‬ومسممتمدة مممن الحمموار الفلسممفى الغريقممى ‪Dialogos‬‬
‫الذى كان يمثل وجهتى نظر مختلفتين تتجادلن حتى تتبين الحقيقممة‬
‫من خلل الجدل ‪ .‬وغالبا ما تكون الحقيقة مزيجا من وجهتى النظممر‬
‫المختلفتين ‪ ،‬ولكمن يظهمر جليما فمى أثنماء الحموار ) أو الجمدل ( أن‬
‫إحدى وجهتى النظر تأخذ فى التراجع المؤدى إلممى التسممليم ‪ ،‬بينممما‬
‫تأخذ وجهة النظر الخرى فى التفوق حتى تتغلب فى نهايممة المممر ‪،‬‬
‫وإن كانت فى غلبتها ل تلغى الخرى تماما بل تبقى منها بقايا تظهر‬
‫أصول الفلسفة الماركسية تأليف جورج بوليتزر وآخريممن تعريممب شممعبان بركممات ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ 36‬نقل عممن رأس المممال‬ ‫‪1‬‬

‫لماركس ‪.‬‬
‫فى الحقيقة النهائية ‪.‬‬
‫والمادية الجدلية – كما سنبين فيما بعد – تتصور الحداث – سواء‬
‫كانت طبيعة ) مادية ( أو بشرية – على هذا النحو ذاته ‪،‬حيث تكممون‬
‫هناك قوة فى اتجمماه معيممن وقمموة أخممرى مناقصممة لهمما فممى التجمماه‬
‫المضاد ‪ ،‬ثم يحدث الصراع الذى ينتهى بانهزام القوة الولممى – وإن‬
‫كانت ل تزول تماما – وتغلب القوة الثانية وإن كمانت غلبتهما ليسمت‬
‫تامة ‪ .‬ومن ثم فإن استعارة " الجدل " من ذلممك الحمموار الفلسممفى‬
‫مناسبة لذلك التصور ومعبرة عنه ‪.‬‬
‫يقول ستالين فى تعريف الجدلية " الديالكتيك " ‪:‬‬
‫" أخممذت كلمممة " ديالكتيممك " مممن الكلمممة اليونانيممة " ديمماليجو "‬
‫ومعناهمما المحادثممة والمجادلممة ‪ .‬وكممان الممديالكتيك يعنممى فممى عهممد‬
‫الولين ‪ :‬فممن الوصممول إلممى الحقيقممة باكتشمماف المتناقضممات الممتى‬
‫يتضمنها استدلل الخصم ‪ ،‬وبالتغلت عليها ‪ .‬وكممان بعممض الفلسممفة‬
‫الولين يعتبرون أن اكتشاف تناقضات الفكر والمصممادمة بيممن الراء‬
‫هما خير وسيلة لكتشاف الحقيقة ‪ .‬فهذا السلوب الديالكتيكى فممى‬
‫التفكير ‪ ،‬الذى طبمق فيمما بعمد علمى حموادث الطبيعمة ‪ ،‬أصمبح همو‬
‫الطريقة الديالكتيكية لمعرفة الطبيعة ‪.‬‬
‫" إن حوادث الطبيعة بموجب هذه النظرية هممى متحركممة متغيممرة‬
‫دائما وأبدا ‪ ،‬وتطور الطبيعة هو نتيجة تطور تناقضات الطبيعة نتيجة‬
‫‪1‬‬
‫القوى المتضادة فى الطبيعة‬
‫ويقول كاريوهنت ‪ " :‬الجدلية إذن هى فكرة ونقيضممها ‪ ،‬ثممم تممألف‬
‫النقيضممين ‪ ،‬فممالفكرة تؤيممد القضممية ‪ ،‬والنقيممض ينكرهمما ‪ ،‬أو بتعممبير‬
‫هيجل ينفيها ‪ .‬أما تألف النقيضين فيحتضن ما هو حقيقممى ‪ :‬الفكممرة‬
‫ونقيضها ‪ ،‬وبهذا يقربنا خطوة نحو الحقيقية ‪ .‬ولكممن حالممما يتعممرض‬
‫تألف النقيضين إلى فحص أدق ‪ ،‬نجممدها هممى أيضمما ناقصممة ‪ .‬وهكممذا‬
‫تعود العملية فتبدأ من جديد بفكرة أخرى بنفيها ونقيضها ‪ ،‬ثم يجرى‬
‫التوفيق بينها بتألف جديد للنقيضين ‪.‬‬
‫" وبهذه الطريقة المثلثة يمضى الفكر حتى يصل فى النهاية إلممى‬
‫المطلق ‪ .‬وعندئذ يمكننا أن نواصل التفكير إلممى مممال نهايممة دون أن‬
‫نشهد أى تناقض ‪ .‬وعلى هذا يطلق اصممطلح الجدليممة علممى عمليممة‬
‫التنازع والتوفيق التى تجرى ضمن الواقع ذاته داخل الفكر البشممرى‬
‫‪2‬‬
‫بشأن الواقع‬
‫وسممنعرف هنمما الخطمموط العريضممة للماديممة الجدليممة كممما قممدمها‬
‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية لستالين ص ‪ 15 – 14‬من الترجمة العربية‬ ‫‪1‬‬

‫الشيوعية نظريا وعمليا لكارينوهنت ص ‪ 28‬من الترجمة العربية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫أصحابها من خلل النقطتين التاليتين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المادة ‪ :‬أزيلتها وأبديتها ‪,‬اسبقيتها فى الوجود على الفكر ‪.‬‬
‫ثانيمما ‪ :‬قمموانين المممادة الممتى تحكممم " الطبيعممة " وتحكممم الحيمماة‬
‫البشرية كذلك ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أول ‪ :‬المادة ‪ :‬أزيلتها وأبديتها وأسبقيتها فى الوجــود‬


‫على الفكر ‪:‬‬
‫جاء فى كتمماب " أسممس الماديممة الديالكتيكيممة والماديممة التاريخيممة‬
‫لسبركين وياخوت " ) ترحمة محمممد الجنممدى ص ‪ 39‬مممن الترجمممة‬
‫العربية (‬
‫" ‪ .‬فليس للكون نهاية ول حدود ‪ .‬العالم أبدى وليس له أى بدايممة‬
‫ولن يكون له أى نهاية ‪ 1‬ومن هنا فأى عالم " غيبى " غير مادى غير‬
‫موجود ول يمكن أن يوجد ‪ .‬وفى واقع المر إنممه إذا لممم يوجممد شممئ‬
‫غير المادة فل يوجد غيمر عمالم ممادى واحمد ‪ .‬وهمذا يعنمى أنمه عنمد‬
‫الشياء والظواهر المختلفة فى العالم المحيممط بنمما ‪ ،‬هنمماك خاصممية‬
‫واحدة توحدها هى ماديتها ‪.‬‬
‫ويقول ستالين فى كتابه " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة‬
‫" ) ص ‪ 29‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وتقمموم الماديممة الفلسممفية علممى مبممدأ آخممر ‪ ،‬وهممو أن المممادة‬
‫والطبيعة والكائن ‪ ،‬هى حقيقة موضوعية موجمودة خمارج الدراك أو‬
‫الشعور وبصورة مستقلة عنه ‪ ،‬وإن المممادة هممى عنصممر أول ‪ ،‬لنهمما‬
‫منبع الحساسات والتصور والدراك ‪ ،‬بينممما الدراك هممو عنصممر ثممان‬
‫مشتق ‪ ،‬لنه انعكاس المادة ‪ ،‬انعكاس الكائن ‪ ،‬وأن الفكر هممو نتمماج‬
‫المادة لما بلغت فى تطورها درجة عالية من الكمال ‪ .‬أو بتعبير أدق‬
‫‪ :‬إن الفكر هو نتاج الدماغ ‪ ،‬والدماغ هممو عضممو التفكيممر ‪ .‬فل يمكممن‬
‫بالتالى فصل الفكر عن المادة دون الوقع فى خطأ كبير " ‪.‬‬
‫وجمماء كممذلك فممى كتمماب " أسممس الماديممة الديالكتيكيممة والمممادة‬
‫التاريخية " ) ص ‪ 43‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫" وجممدت الطبيعممة ليممس فقممط قبممل النمماس وإنممما عموممما قبممل‬
‫الكائنات الحية ‪ ،‬وبالتالى مستقلة عن الدراك ‪ .‬وهممى الوليممة ‪ .‬أممما‬
‫الدراك فلم يستطع التواجد قبل الطبيعة فهو ثانوى "‬
‫وجاء فيه كذلك ) ص ‪ 31 – 30‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫يقصد أنه أزلى أبدى وليس أبديا فقط كما جاء فى التعبير ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫" يقول لوموسوف ‪ :‬إنه فى الطبيعة ل ينشممأ شممئ مممن ل شممئ ‪.‬‬
‫ول يختفممى أبممدا بل أثممر ‪ .‬ولكممن إذا كممان المممر كممذلك فممإن المممادة‬
‫) الطبيعة ( قد وجممدت دائممما ‪ ،‬لننمما إذا سملمنا بمأن فمى وقمت مممن‬
‫الوقات لم يكن هناك شئ فى العالم ‪ ،‬أى لم تكن توجد مادة فمن‬
‫أين لها أن تشأ ؟ ولكن ما إن توجد المادة فهذا يعنى أنهما لمم تنشمأ‬
‫فى أى وقت من الوقات ‪ ،‬بل وجدت دائممما وسممتوجد دائممما ‪ ،‬فهممى‬
‫أبدية وخالدة ‪ .‬ولهذا لم يمكممن أن تخلممق فل يمكممن أن يخلممق ممما ل‬
‫يمكن إفناؤه ‪ ،‬وبذلك فالمادة لم تنشأ أبدا بل وجدت دائما وستوجد‬
‫‪1‬‬
‫دائما فهى أبدية‬
‫وجمماء فممى كتمماب " الماديممة التاريخيممة " تممأليف ف ‪ .‬كيلممى م ‪.‬‬
‫كوفمماللزون " ترجمممة أحمممد داود ومراجعممة الممدكتور بممدر الممدين‬
‫السممباعى ) طبممع دار الجممماهير بدمشممق ‪ 1970‬م ‪ ،‬ص ‪ 500‬مممن‬
‫الترجمة العربية (‬
‫" ثممم إن العلممم إذ يكشممف عممن الصمملت الطبيعيممة بيممن ظممواهر‬
‫الطبيعممة ‪ ،‬يطممرد فممى تطمموره اللممه مممن الطبيعممة ويممدحض خطممل‬
‫المثالية ‪ ،‬ويؤيد صحة النظرة المادية إلى العالم ‪ .‬والعلم يتفممق مممع‬
‫المادية فممى بحثممه عممن الحقيقممة فممى الحيمماة ذاتهمما وفممى الطبيعممة ‪،‬‬
‫ويفسر ظواهر الطبيعة والمجتمع معتمدا على القوانين الموضوعية‬
‫وهذا ما يممدل علممى أن العلممم الحقيقممى ذو طممابع مممادى ‪ .‬إن العلممم‬
‫مادى طبيعته وبجوهره ‪ ،‬والمثالية غريبة عنه وعدوة له " ‪.‬‬
‫وجاء فى كتاب " أصممول الفلسممفة الماركسممية " ) تممأليف جممورج‬
‫بولتيرز وآخرين ‪ ،‬تعريف شعبان بركات ‪ ،‬إصممدار المكتبممة العصممرية‬
‫ببيروت ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ 206‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ولقد أثارت النزعة المادية الجدليممة هممذه الصممعوبات ‪ ،‬وفقممدت‬
‫فكرة " الله " كل محتواها ‪ ،‬ولم يعممد النقمماش حممول وجممود اللممه أو‬
‫عدم وجوده – ذلك النقاش الذى أثار النزعة اللحادية الساذجة غيممر‬
‫الماركسية – يثار كما أثير سابقا ‪ ،‬لقد أصبح الله كما قممال لبلس ‪:‬‬
‫فرضية ل نفع فيها ‪..‬‬
‫" ول شك فى أن فكرة الله والعواطممف الدينيممة موجممودة ‪ ،‬وهممى‬
‫تتطلب تفسيرا ‪ ،‬وبدل من القول بأن النسان كممائن " إلهمما " يجمممع‬
‫فى ذاتممه العنصممر الطممبيعى ‪ 2‬والعنصممر اللهممى ‪ ،‬كممما يجمممع عنصممر‬
‫الموت والخلود فى هذه الحياة وفى الحيمماة الخممرى ‪ ،‬يجممب القممول‬
‫بأن " الله " والديانة هما ظاهرتان إنسممانيتان ‪ ،‬لن العنصممر اللهممى‬
‫يقصد أنها أزلية أبدية‬ ‫‪1‬‬

‫يقصدون المادى‬ ‫‪2‬‬


‫هو من إبداع النسان وليس النسان هو من إبداع الله ‪.‬‬
‫ويقول ممماركس فممى كتمماب " بممؤس الفلسممفة " ) ترجمممة أنممدريه‬
‫يازجى ‪ ،‬طبع دار اليقظة العربية بسمموريا ووكتبممة الحيمماة بلبنممان ص‬
‫‪ 124 – 123‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن العزة اللهية والهدف اللهى هى الكلمة الكبيرة المسممتعملة‬
‫اليوم لتشرح حركة التاريخ ‪ .‬والواقع أن هذه الكلمة ل تشممرح شمميئا‬
‫"‬
‫ويقممول إنجلممز فممى كتممابه " لممود فيممج فوربمماخ ونهايممة الفلسممفة‬
‫الكلسمميكية اللمانيممة " ) إصممدار دار التقممدم بموسممكو ص ‪ 16‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" فالطبيعة توجد مستقلة عن كل فلسفة ‪ ،‬فهممى السمماس الممذى‬
‫نمونا عليه ‪ ،‬نحن الناس نتاجهمما أيضمما ‪ .‬خممارج الطبيعممة والنسممان ل‬
‫يوجد شئ ‪ .‬أما الكائنات العلويممة الممتى ولممدت فممى مخيلتنمما الدينيممة‬
‫فليست سوى انعكاس خيالى لوجودنا نحن "‬
‫تكفينا هذه النصوص " ‪ 1‬لبيان الفكرة ‪.‬‬
‫فواضح منها انهم يعتبرون المادة هى الصل الذى انبثقت منه كل‬
‫الكائنات ‪ ،‬الحية منها وغيممر الحيممة ‪ ،‬بممما فممى ذلممك النسممان ‪ .‬وإنهمما‬
‫جميعا قد انبثقت عنها بطريق الخلق ‪.‬‬
‫أى أن المادى هممى الخممالق الممذى أنشممأ الحيمماة وأنشممأ النسممان ‪.‬‬
‫‪,‬أنشأ كل ما يحتوى عليه عالم النسان من أفكار ومشاعر ‪.‬‬
‫أما المادة ذاتها فلم تخلق ‪ ،‬إنممما كممانت دائممما موجممودة وسممتظل‬
‫دائممما موجممودة ‪ .‬أى أنهمما أزليممة أبديممة ‪ ،‬موجممودة بممذاتها ومنشممئة‬
‫لغيرها ‪.‬‬
‫وأما الله – الزلى البدى الخالق البممارئ المصممور المريممد الفعممال‬
‫لما يريد – فهو عنممدهم خرافممة ابتممداعها خيممال النسممان ‪ .‬والحقيقممة‬
‫الوحيدة هى المادة ‪ ،‬والوحدة التى تجمع الكون هى ماديته ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ثانيا ‪ :‬قوانين المادة التى تحكم الطبيعة وتحكم الحيــاة‬


‫البشرية كذلك ‪:‬‬
‫للمادة عند الماديين قوانين ثابتة تحكمها هى ‪ :‬الممترابط والحركممة‬
‫والتطور والتناقض ‪.‬‬
‫قام بجهد تجميع هذه النصور وغيرها مما جاء فى هذا الفصل ‪ ،‬أحمد العواشة ‪ ،‬فى رسالته الماجستير بعنوان موقف‬ ‫‪1‬‬

‫السلم من نظرية ماركس للتفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬بإشرافى وإشراف الستاذ عبد الرحمن حبنكة الميدانى ‪.‬‬
‫‪ -1‬الترابط فى الطبيعة ‪:‬‬
‫يقول ستالين فى كتاب " المادية الديالكتيكية والماديممة التاريخيممة‬
‫" ) ص ‪ 16 – 15‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن الديالكتيك – خلفا للميتافيزقيممة – ل يعتممبر الطبيعممة تراكممما‬
‫فرضيا للشياء ‪ ،‬أو حموادث بعضمها منفصمل عمن بعمض ‪ ،‬أو أحمداها‬
‫مستقل عن الخر ‪ ،‬بل يعتبر الطبيعة كل واحدا ‪ ،‬ومتماسممكا ترتبممط‬
‫فيه الشياء والحوادث فيما بينهمما ارتباطمما عضممويا ‪ ،‬ويتعلممق أحممداها‬
‫بالخر ويكون بعضها شرطا لبعض بصورة متقابلة ‪.‬‬
‫" لممذلك تعتممبر الطريقممة الديالكتيكيممة أن أى حممادث مممن حمموادث‬
‫الطبيعة ل يمكن فهمه إذا نظر إليممه منفممردا بمعممزل عممن الحمموادث‬
‫المحيطة به ‪ .‬إذ أن أى حادث فى أى ميدان مممن ميممادين الطبيعممة ‪،‬‬
‫يمكن أن ينقلب إلى عبث فارغ ل معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن‬
‫الشروط التى تكتنفه ‪ .‬وعلى العكس ‪ ،‬يمكن فيهممم أى حممادث مممن‬
‫الحوادث وتبريره إذا نظر إليه من حيث ارتبمماطه ارتباطمما ل ينفصممم‬
‫بممالحوادث المحيطممة بممه ‪ ،‬أى إذا نظممر إليممه كممما تحممدده وتكيفممه‬
‫الحوادث التى تحيط به " ‪.‬‬
‫) ويلحمممظ ممممن كلم سمممتالين فمممى تعرضمممه للمتيافزيقيممما أن‬
‫الميتافيزيقيا التى كمانت عنمدهم – والمتى كمانوا يواجهونهما بالماديمة‬
‫الجدلية – كانت تفترض أن كل شئ من الشياء قائم بذاته ول صمملة‬
‫له بغيره من الشياء ‪ ،‬وأنه ل ترابط فى النظام الكونى بين أجممزائه‬
‫المختلفة ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحركة فى الطبيعية ‪:‬‬
‫جاء فى كتاب " أصول الفلسفة الماركسممية " ) ج ‪ 1‬ص ‪ 49‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وفى الطبيعة ل يلعب الكممون الممدور الحاسممم رغممم أنممه موجممود‬
‫وإنممما تلعممب هممذا الممدور الحركممة والتطممور والتغيممر ‪ .‬هممذه الحركممة‬
‫ملزمممة داخليمما للممادة كخاصمة جذريممة ل تنفصممل عنهمما ‪ ،‬ول داعممى‬
‫لوضع السؤال التالى ‪ :‬من أين حصلت المادة علممى هممذه الحركممة ؟‬
‫لنها موجودة منذ الزل ‪ .‬ولهذا ل داعى للسؤال الممذى يقممول ‪ :‬مممن‬
‫الذى أكسب المادة الحركة ‪ ،‬ما دامت ل تنفصل عنها ‪ ،‬وتعتبر شكل‬
‫من أشكال وجودها "‬
‫وجاء فى كتاب " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة "‬
‫) ص ‪ 34‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ما قيل يعنى أنه ل يوجممد فممى العممالم ظمماهرة واحممدة لممم تكممن‬
‫نتيجة لحركة المادة وتطورها ‪ ،‬فهممى تشمممل كممل شممئ ‪ ،‬وفممى كممل‬
‫مكان يمتد فعلها ‪ ،‬ول يوجد شئ غير المادة المتحركممة المتطممورة ‪،‬‬
‫وما يتولد عنها ‪ ،‬ول يمكن أن يوحممد ‪ .‬وهممذا يعنممى أنممه ل يوجممد غيممر‬
‫عالم مادى واحد ‪ .‬ولهذا بالتحديد يشير إنجلز إلى أن وحممدة العممالم‬
‫تنحصر فى ماديته ‪ .‬وبعبارة أخرى أن العالم واحد لنه مادى "‬
‫ويقول ستالين فى كتمماب " الماديممة الديالكتيكيممة " ) ص ‪ 16‬مممن‬
‫التجرمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن الممديالكتيك – خلقمما للميتافيزيقيمما – ل يعتممبر الطبيعممة حالممة‬
‫سكون وجمود ‪ .‬حالة ركود واستقرار ‪ .‬بل يعتبرها حالة حركة وتغير‬
‫دائميممن ‪ .‬حالممة تجممدد وتطممور ل ينقطعممان ففيهمما دائممما شممئ يولممد‬
‫ويتطور شئ ينحل ويضمحل"‪.‬‬
‫ويستشممهد سممتالين ) ص ‪ 17‬مممن الترجمممة العربيممة مممن الكتمماب‬
‫السممابق ( بممإنجلز حيممث يقممول الخيممر ‪ " :‬إن الطبيعممة مممن أضممأل‬
‫الجزاء إلى أكبر الجسممام ‪ :‬مممن حبممة الرمممل إلممى الشمممس ‪ ،‬مممن‬
‫البروتوزوا ) الخلية الحية البتدائية ( إلى النسان ‪ ،‬هممى فممى حركممة‬
‫دائمة من النشوء والضمحلل ‪ ،‬هممى فممى مممد ل ينقطممع فممى حركممة‬
‫وتغير مستمرين وأبديين "‬
‫‪ -3‬التطور فى الطبيعة ‪:‬‬
‫يقممول سممتالين ) ص ‪ 18‬مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب الماديممة‬
‫الديالكتيكية ( ‪:‬‬
‫" إن الديالكتيك – خلفمما للميتافيزيقيممة – ل يعتممبر حركممة التطممور‬
‫حركة نمو بسيطة ‪ ،‬ل تؤدى التغيرات الكمية فيها إلى تغيرات كيفية‬
‫‪ ،‬بل يعتبرها تطممورا ينتقممل مممن تغييممرات كميممة ضممئيلة وخفيممة إلممى‬
‫تغييرات ظاهرة وأساسية أى إلى تغييرات كيفية ‪ .‬وهممذه التغييممرات‬
‫الكيفية ليست تدريجية بل هى سريعة فجائية ‪ ،‬وتحدث بقفزات من‬
‫حالة إلى أخرى ‪ ،‬وليست هذه التغييممرات جممائزة الوقمموع ‪ ،‬بممل هممى‬
‫ضرورية ‪ ،‬هى نتيجة تراكم تغيرات كمية غير محسوسة وتدريجيممة ‪،‬‬
‫ولممذل تعتممبر الطريقممة الديالكتيكيممة أن مممن الممواجب فهممم حركممة‬
‫التطور ‪ ،‬لمن حيث هممى حركممة دائريممة ‪ ،‬أو تكممرار بسمميط للطريممق‬
‫نفسه ‪ ،‬بل من حيث هى حركة تقدمية صاعدة وانتقممال مممن الحالممة‬
‫الكيفية القديمة إلى حالة كيفية جديدة ‪ ،‬وتطور ينتقل مممن البسمميط‬
‫إلى المركب ‪ .‬من الدنى إلى العلى " ‪. .‬‬
‫ويستشممهد سممتالين ‪ 0‬ص ‪ 21 – 20‬مممن الترجمممة العربيممة مممن‬
‫الكتاب السالف الذكر ( بقول إنجلز ‪:‬‬
‫" يمكن القول إن الكيمياء هى علم التغيرات الكيفية الناشئة فى‬
‫الجسام عن تغييرات كمية ‪ .‬وكممان هيجممل نفسممه يعممرف ذلممك فممى‬
‫عهده ‪ .‬لنأخذ الوكسجين فإذا جمعنا فممى جممزيئة ثلث ذرات عوضمما‬
‫عن اثنتين كالعادة حصلنا علممى جسممم جديممد هممو " الوزون " الممذى‬
‫يختلف اختلفا بينا برائحته وبتأثيراته عن الوكسجين العادى ‪ .‬وممماذا‬
‫نقول عن مختلف تراكيب الوكسجين مع الزوت أو مممع الكممبريت ؟‬
‫إن كل تركيب منها يعطى جسما مختلفة ن حيث الكيفية عن جميممع‬
‫الجسام التى تعطيها التراكيب الخرى ‪" .‬‬
‫‪ -4‬التناقض فى الطبيعية ‪:‬‬
‫يقول ستالين ) ص ‪ 22‬من الترجمة العربية من الكتمماب السممابق‬
‫ذكره ( ‪.‬‬
‫" إن نقطة البتداء فى الديالكتيك – خلفا للميتافيزيا – هى وجهة‬
‫النظر القائمة على أن كل أشياء الطبيعة وحوادثها تحوى تنقاضممات‬
‫داخلية ‪ ،‬لن لها جميعها جانبا سلبيا وإيجابيا ‪ ،‬ماضيا وحاضرا ‪ ،‬وفينمما‬
‫جميعمما عناصممر تضمممحل أو تتطممور ‪ .‬فنضممال هممذه المتضممادات ‪ ،‬أى‬
‫النضال بين القديم والجديد ‪ ،‬بين ما يموت وما يولد ‪ ،‬بين ممما يفنممى‬
‫وما يتطور ‪ ،‬هو المحتمموى الممداخلى لحركممة التطممور ‪ .‬هممو المحتمموى‬
‫الداخلى لتحول التغيرات الكمية إلمى تغيمرت كيفيمة ‪ .‬ولمذلك تعتمبر‬
‫الطريقة الديالكتيكية أن حركممة التطممور مممن الدنممى إلممى العلممى ل‬
‫تجممرى بتطممور الحمموادث تطممورا تممدريجيا متناسممقا ‪ ،‬بممل بظهممور‬
‫التناقضات الملزمة للشياء والحوادث ‪ ،‬بنضال التجاهات المضممادة‬
‫التى تعمل على أساس هذه التناقضات " ‪.‬‬
‫وجاء فى كتاب " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة "‬
‫لسبركين وياخوت ) ص ‪ 72‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" فينحصر جوهر قانون وحدة صراع الضداد فى أن جميع الشياء‬
‫والعمليات تلزمها جوانب داخلية متناقضممة ‪ ،‬موجممودة فممى وحممدة ل‬
‫تنفصم ‪ ،‬وفى صراع مستمر فى نفس الوقت ‪ ،‬وصراع الضداد هممو‬
‫بالتحديد المصدر الداخلى والقوة المحركة للتطور "‬
‫وجاء فى ص ‪ 71‬من الترجمة العربية ‪:‬‬
‫" نأخممذ مجممال الطبيعممة الحيممة ‪ .‬هنمما نممرى بوضمموح دور التنمماقض‬
‫الجدلى كمصدر للتطور ‪ .‬من ل يعممرف أن الطفممال يشممبهون البمماء‬
‫ولكنهم ليسوا نسخة منهمم تماممما ‪ .‬فالنمطيمة والجممود مممع ذلمك ل‬
‫وجود لهما ‪ .‬يرجع هذا أول وقبممل كممل شممئ إلممى أن قممانون الوراثممة‬
‫يعمل إلى جانب نقيضه – قانون التغير – وهو يضمن " عممدم تشممابه‬
‫" و " عدم تكرار " وتغير كل الجسام وتطورهمما ‪ .‬والوراثممة بممدورها‬
‫تثبممت هممذه الخممواص فممى السممللة ‪ ،‬بخلف ذلممك يمكممن أن تختفممى‬
‫التغييرات ‪ .‬وهكذا يسوق الصراع البدى بين القمموتين المتضممادتين ‪:‬‬
‫القابليممة للتغيممر والوراثممة ‪ ،‬عمليممة تطممور الطبيعممة الحيممة ‪ .‬ويحممدث‬
‫اختيار طبيعى نتيجة للصراع بين هذين الضدين ‪ .‬تولد القابلية للتغير‬
‫قسمات جديدة مفيدة ‪ .‬أما الوراثة فتجمعها فممى السممللة ‪ .‬ونتيجممة‬
‫لممذلك تتولممد أنممواع جديممدة مممن الكائنممات الحيممة ‪ .‬وليسممت القمموة‬
‫الخارجية ول الرب ‪ ،‬إنما التناقضات الداخلية الطبيعة هممى المصممدر‬
‫والمحرك الداخلى لعملية تطور الطبيعة الحية ‪.‬‬
‫تلك هى قوانين المادة ‪.‬‬
‫وليس بنا – سواء هنا فى مجال العرض أو فممى مجممال المناقشممة‬
‫التى تتلوه – أن نتعرض لهذه القمموانين ومممدى صممحتها مممن الوجهممة‬
‫العلمية ‪ ،‬إنما الجانب ذى يهمنا أكممثر مممن أى شممئ آخممر فممى مجممال‬
‫بحثنا هو قولهم إن قوانين المادة بحممذافرها تحكممم الحيمماة البشممرية‬
‫فى جميع أشكالها وشتى ألوان النشاط فيها ‪.‬‬
‫فأما عن الترابط فقد قالوا إن هناك ارتباطا ل ينفصم بين الفكار‬
‫والمشاعر وبين الوضاع والتغيرات المادية ‪.‬‬
‫يقول ستالين ‪ 0‬ص ‪ 23‬وما بعممدها مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب‬
‫المادية الديالكتيكية ( ‪.‬‬
‫" فإذا صح أن ليس فى العالم حوادث منعزلممة ‪ ،‬إذا صممح أن كممل‬
‫الحوادث مترابطة فيما بينهمما ويكيممف بعضممها البعممض الخممر بصممورة‬
‫متبادلة ‪ ،‬فمن الواضح أن كل نظام اجتماعى وكل حركممة اجتماعيممة‬
‫فى التاريخ ل ينبغى الحكم عليها من ناحية " العدالة البدية " أو من‬
‫ناحية أية فكرة أخرى مقممررة سمملفا ‪ ،‬كممما يفعممل المؤرخممون علممى‬
‫الغالب ‪ .‬بل ينبغى لنا أن نبنمى حكممما علمى أسمماس الظممروف الممتى‬
‫ولدت هممذا النظممام وهممذه الحركممة الجتماعيممة المرتبطيممن بهمما ‪ .‬إن‬
‫نظممام الممرق يكممون فممى الظممروف الحاضممرة خرقمما وبدعممة مضممادة‬
‫للطبيعة ‪ .‬ولكن نظام الرق فى ظمروف المشماعية البدائيمة الخمذة‬
‫بالنحلل ‪ ،‬هو حادث مفهوم ومنطقى ‪ ،‬لنه يعنى خطوة إلى المام‬
‫بالنسبة لنظام الشماعة البدائية ‪.‬‬
‫" إن المطالبممة بإقامممة الديمقراطيممة البرجوازيممة فممى ظممروف‬
‫القيصرية والمجتمع البروجوازى مثل فى روسميا سمنة ‪ 1905‬كمانت‬
‫شيئا مفهوما وصحيحا وثوريا تماما لن الجمهورية البرجوازية كممانت‬
‫تعنى إذ ذاك خطوة إلى المام ‪ ..‬ولكن المطالبة بإقامة الجمهوريممة‬
‫الديمقراطية البرجوازية فى ظممروف التحمماد السمموفياتى الحاضممر ‪،‬‬
‫تكممون حرقمما ‪ ،‬وشمميئا رجعيمما ومضممادا للثممورة ‪ ،‬لن الجمهوريممة‬
‫البرجوازيممة هممى خطمموة إلممى المموراء بالنسممبة إلممى الجمهوريممة‬
‫السوفياتية ز كل شئ يتعلق بالظروف ‪ ،‬بالمكان والزمان ‪.‬‬
‫ومن الواضمح أن وجمود علمم تماريخى وتطمور همذا العلمم شميئان‬
‫مستحيلن بدون هذا الفهممم التمماريخى لحمموادث الجتماعيممة ‪ ،‬فمثممل‬
‫هذا الفهم يمنع علم التاريخ من أن يصممبح فوضممى احتمممالت وكممون‬
‫أخطاء سخيفة ‪.‬‬
‫ويقممول مممماركس ) ج ‪ 1‬ص ‪ 30‬ممممن الترجممممة العربيممة لكتممابه‬
‫اليدلوجية اللمانية ( ‪:‬‬
‫" إن نتمماج الفكممار والتصممورات والمموعى مختلممط بممادئ المممر –‬
‫بصورة مباشممرة ووثيقممة – بالنشمماط المممادة والتعامممل المممادى بيممن‬
‫البشر ‪ ،‬فهو لغة الحياة الواقعيممة ‪ .‬إن التصممورات والفكممر والتعامممل‬
‫الذهنى بين البشر تبدو هنا على اعتبارها إصرارا مباشممرا لسمملوكهم‬
‫المادى ‪ ،‬ينطبق المر نفسه على النتاج الفكرى كما يمثل فى لغممة‬
‫السياسة ولغممة القمموانين والخلق والممدين والميتافيزيمما ‪ ..‬إلممخ عنممد‬
‫شممعب بكممامله ‪ ،‬فالبشممر هممم منتجممو تصمموراتهم وأفكممارهم ‪ ..‬حممتى‬
‫الشباح فى العقممل البشممرى هممى تصممعيدات ناتجممة بالضممرورة عممن‬
‫تطور حياتهم المادية ‪ .‬التى يمكن التحقق منها تجريبيا والتى تعتمممد‬
‫على قواعد مادية ‪ ،‬ومن جراء ذلك فممإن الخلق والميتافزيمماء وكممل‬
‫البقية الباقية من اليدلوجية ‪ ،‬وكذلك أشكال المموعى الممتى تقابلهمما ‪،‬‬
‫تفقد فى الحال كل مظهممر مممن مظمماهر السممتقلل الممذاتى فهممى ل‬
‫تملك تاريخها ‪ ،‬وليس لها أى تطممور ‪ ،‬وأن المممر علممى النقيممض مممن‬
‫ذلك ‪ ،‬فالبشر إذ يطورون إنتاجهم المادى وعلقمماتهم الماديممة ‪ ،‬هممم‬
‫الذين يحولون فكرهمم ومنتجمات فكرهمم علمى السمواء ممع الواقمع‬
‫الذى هو خاصتهم ‪ ،‬فليس الوعى هو الذى يعين الحياة ‪ ،‬بممل الحيمماة‬
‫هى التى تعين الوعى "‬
‫ويقممول إنجلممز ) ص ‪ 321‬مممن الترجمممة العربيممة لكتممابه ‪ :‬أنممتى‬
‫دوهرنج ( ‪:‬‬
‫" فممإنه ينبغممى البحممث عممن السممباب ال]خيممرة لسممائر التبممدلت‬
‫الجتماعية والثورات السياسية ليس فى أدمغة البشممر ‪ .‬ليممس فممى‬
‫فهمهممم النممامى للحقيقممة والعدالممة البممديتين ‪ ،‬بممل فممى التبممادلت‬
‫الطارئة على أساليب النتاج والمبادلة " ‪.‬‬
‫وأما عن الحركة فقد قالوا إن الحيماة البشمرية تتحمرك لنهما ممن‬
‫أشكال المادة ‪:‬‬
‫يقممول مؤلفمما كتمماب " المممادة التاريخيممة ) ص ‪ 11‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" والمادية التارخية – خلفا للعلوم الخرى – ل تدرس فقط هممذه‬
‫القوانين الخاصة أو تلممك مممن قمموانين تطممور أشممكال معينممة لحركممة‬
‫المادة ‪ .‬وإنما هى تدرس القوانين العامة الشاملة للحركة الماديممة ‪،‬‬
‫والمجتمع هو أيضا شكل لحركة المادة " ‪.‬‬
‫أما التطور الذى قالوا إنه يحدث فى المادة فقد بنوا عليه تطممورا‬
‫حتميا فى المجتمع البشرى ‪ ،‬ومن ثم نفوا الثبات فى أى وضممع مممن‬
‫الوضاع ول قيمة من القيم ‪:‬‬
‫يقول ستالين فى كتممابه ‪ " :‬الماديممة الديالكتيكيممة " ) ص ‪ 25‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وبعد ‪ .‬إذا صح أن العالم يتحرك ويتطممور دائممما وأبممدا ‪ .‬إذا صممح‬
‫أن اختفاء القديم ونشمموء الجديممد هممما قممانون للتطممور ‪ ،‬أصممبح مممن‬
‫الواضح أن ليست هناك أنظمة اجتماعية ثابتة " غير قابلممة للتغيممر "‬
‫ول مبادئ أبدية للملكية الخاصة والستثمار ! وليست هناك " أفكممار‬
‫أبديممة " عممن خضمموع الفلحيممن لكبممار ملكممى الرض ‪ ،‬والعمممال‬
‫للرأسماليين "‬
‫ويقممول ) ص ‪ 27 – 26‬مممن الترجمممة العربيممة لكتممابه الماديممة‬
‫الديالكتيكية ( ‪:‬‬
‫" وبعد ‪ .‬إذا صح أن النتقممال مممن التغيممرات الكميممة البطيئة إلممى‬
‫تغيرات كيفية وفجائية وسريعة هو قانون للتطممور فمممن الواضممح أن‬
‫الثورات التى تقمموم بهمما الطبقممات المضممطهدة هممى حممادث طممبيعى‬
‫تماما ول مناص عنه ‪.‬‬
‫" وبالتممالى فالنتقممال مممن الرأسمممالية إلممى الشممتراكية وتحممرر‬
‫الطبقممة العاملممة مممن النيممر الرأسمممالى يمكممن تحقيقهمما ل بتغيممرات‬
‫بسمميطة بطيئة ‪ ،‬ول بإصمملحات ‪ ،‬بممل فقممط بتغيممر كيفممى للنظممام‬
‫الرأسمالى ‪ :‬أى بالثورة " ‪.‬‬
‫ويقممول ممموريس كورنفممورث فممى كتمماب " مممدخل إلممى الماديممة‬
‫الجدلية " ) ص ‪ 107‬من الترجمة العربية لمحمد سمتجير مصطفى‬
‫(‪:‬‬
‫ونجد هذا القانون عن تحور التغيرات الكمية إلممى تغيممرات كيفيممة‬
‫فى المجتمممع كممذلك ‪ .‬فقبممل أن يوجممد نظممام الرأسمممالية الصممناعية‬
‫حدثت عملية من تراكم الثروة فى شكل نقود فى أيدى قلممة ) عممن‬
‫طريق نهب المستعمرات أساسمما ( ومممن تكممون بروليتاريمما ل تملممك‬
‫شيئا عن طريق تسييج الرض وطرد الفلحين ‪ .‬وعنممد نقطممة معينممة‬
‫من هذه العملية ‪ ،‬حيممن تراكمممت النقممود الكافيممة لتزويممد المنشممآت‬
‫الصناعية برأس المممال ‪ ،‬وحيممن تحممول عممدد كمماف مممن النمماس إلممى‬
‫بروليتاريا لتقديم العمل اللزم ‪ ،‬نضجت الظروف لتطور الرأسمالية‬
‫الصممناعية ‪ ،‬عنممد هممذه النقطممة ولممد الممتراكم فممى التغيممرات الكميممة‬
‫مرحلة كيفية جديدة فى تطور المجتمع ‪.‬‬
‫" وتحدث التغيرات الكيفيممة عموممما بفجائيممة نسممبية – بوثبممة ‪ .‬إن‬
‫شمميئا جديممدا يولممد فجممأة ‪ ،‬رغممم أن إمكانيمماته كممانت تحويهمما عمليممة‬
‫التحول التدريجى للتغيرات الكمية المستمرة التى حدثت من قبل "‬
‫‪.‬‬
‫أممما التنمماقض فقممد أثبتمموه مممن قبممل للمممادة ‪ ،‬وحيممث إن حركممة‬
‫المجتمع البشرى جزء من حركة المادة فقد احتمموت علممى التنمماقص‬
‫بداهة من منشئها المادة التاريخى ‪ ،‬وجرى التناقض فى كممل حركممة‬
‫من حركات البشر على الرض فى صورة صراع طبقى ‪:‬‬
‫يقممول سممتالين ) ص ‪ 27‬مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب الماديممة‬
‫الديالكتيكية ( ‪:‬‬
‫" إذا صح أن التطور يجرى بانبثاق التناقضممات الداخليممة وبممالنزاع‬
‫بين القوى المتضادة على أساس هممذه التناقضممات ‪ ،‬وأن غايممة هممذا‬
‫النزاع هى قهر هذه التناقضات ‪ ،‬والتغلب عليهمما ‪ ،‬فمممن الواضممح أن‬
‫اتصال البرولتياريا الطبقى هو حادث طبيعى تماما ول مناص منه ‪.‬‬
‫" وبالتالى ل ينبغى إخفاء تنقاضات النظام الرأسمالى بممل ينبغممى‬
‫إبرازها وعرضها ‪ ،‬ول ينبغى خنق النضال الطبقى بممل ينبغممى القيممام‬
‫به إلى النهاية "‬
‫" وإذن لجل اجتناب الخطممأ فممى السياسممة ينبغممى اتبمماع سياسممة‬
‫بروليتارية طبقية حازمة ‪ ،‬ل سياسة إصمملحية تقممول بالتناسممق بيممن‬
‫مصالح البروليتاريا ومصالح البرجوازية ‪ ،‬ول سياسة تفاهميممة تقممول‬
‫بإدماج " الرأسمالية فى الشتراكية " وهممذا ممما تقممول بممه الطريقممة‬
‫الديالكتيكية الماركسية لدى تطبيقها على الحياة الجتماعيممة ‪ .‬علممى‬
‫تاريخ المجتمع " ‪.‬‬
‫إلى هنا كنا نتناول المادية الجدلية ‪ ،‬وقممد أوردنمما مممن كلمهممم ممما‬
‫يبين وجهة نظرهم بالقدر الذى يكفى لتتبع المناقشممة الممتى سممتأتى‬
‫فيما بعد ‪.‬‬
‫والن ننتقل إلى الكلم عن المادية التارخية ‪ .‬والحقيقممة أن هنمماك‬
‫ارتباطا وثيقا بين المادية الجدلية والمادية والتاريخية بحيث يصممعب‬
‫الفصل بينهما ‪ .‬وهم أنفسهم يقولون ذلك ‪.‬‬
‫جاء فى كتاب " المادية التاريخية " ) ص ‪ 12‬من الترجمة العربية‬
‫(‪:‬‬
‫" إن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية تظهران كعلم واحد ‪،‬‬
‫وكفلسممفة متكاملممة ‪ ،‬فل الماديممة التاريخيممة معقولممة بممدون الماديممة‬
‫الديالكتيكيمممة ‪ ،‬ول الماديمممة الديالكتيكيمممة ممكنمممة بمممدون الماديمممة‬
‫التاريخية ‪ ،‬فبماذا نفسر ذلك ؟‬
‫" أول ‪ :‬بأنه ل يمكن وضممع نظممرة ماديممة ديالكتيكيممة علممن العممالم‬
‫ككل ‪ ،‬إذا لم يتوفر التفسير المادى للحياة الجتماعية ‪ .‬إذا لم يكممن‬
‫قد اكتشف أن المجتمع هو أيضا شكل لحركممة المممادة وخاضممع فممى‬
‫تطوره لقوانين موضمموعية كقمموانين الطبيعممة الماديممة والديالكتيكيممة‬
‫غير ممكنة بدون المادة التاريخية ‪.‬‬
‫" ثانيا ‪ :‬لن الجابة الصحيحة عن المسألة الساسية فى الفلسفة‬
‫حول أولوية المادة وثانوية الوعى غير ممكنة بدورها توضمميح سممبب‬
‫وكيفية ظهور الوعى النسانى والدور الذى لعبه فممى ذلممك التطممبيق‬
‫العملممى الجتممماعى التمماريخى للنمماس ‪ ،‬إذ أن الجدابممة عممن هممذا‬
‫السؤال تقدمها المادية التاريخية "‬
‫وجاء فى نفس الكتاب ) ص ‪ 14 – 13‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن تحريف المادية الديالكيتية يممؤدى حتممما إلممى تشممويه الماديممة‬
‫التاريخية ‪ .‬إن المادية التاريخية ل تتوافق مع أية فلسفة أخرى غيممر‬
‫الماديمة الديالكتيكيممة ‪ .‬إن العمتراف بالماديمة التاريخيممة مممع نكممران‬
‫‪1‬‬
‫المادية الديالكتيكية ليس إل زيفا خالصا وسفسطة مقززة‬
‫‪m m m‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المادية التاريخية‬


‫المادية التاريخية كما هو واضممح مممن التسمممية ‪ ،‬محاولممة لتفسممير‬
‫التاريممخ البشممرى علممى السممس الماديممة الممتى أوردناهمما فممى شممرح‬
‫المادية الجدلية ‪ ،‬أى على أساس أن المادة أزلية أبدية ‪ ،‬وإنهمما هممى‬
‫الخالقممة لكممل ممما فممى الكممون مممن مخلوقممات ‪ :‬وأن النسممان نتمماج‬
‫المادة ‪ ،‬والفكر نتاج المادة ! وإن قمموانين المممادة هممى بممذاتها الممتى‬
‫تحكم حياة البشر الجتماعية ‪ ،‬وأن الوضع المممادى والقتصممادى هممو‬
‫الذى يكيف شكل الحياة البشرية فى أى وقت من أوقاتها وفممى أى‬
‫فى الترجمة كلمة " مقرفة " بدل من " مقززة " وقد رأينا هذه أنسب !‬ ‫‪1‬‬
‫طممور مممن أطوارهمما ‪ :‬وأنممه هممو الصممل الممذى تنبثممق منممه الفكممار‬
‫والمشاعر والمؤسسات والنظم التى ينشئها البشممر فممى حيمماتهم ‪،‬‬
‫وأنه يأتى دائما سابقا لها ول تجئ هى سابقة له بحال من الحوال ‪،‬‬
‫لن المادة تسبق الوعى ول يمكممن للمموعى أن يسممبق المممادة ؛ وأن‬
‫الوضع المادى والقتصادى فى تطممور دائم ‪ ،‬ومممن ثممم فممإن الفكممار‬
‫والمشاعر والمؤسسات والنظم التى تنبثق عنه دائمة التطور كذلك‬
‫‪ ،‬بحكم ارتباطها بالوضع المادى والقتصادى وانبثاقها عنه ‪.‬‬
‫وربما يحق لنا أن نبدأ الحديث عمن الماديمة التاريخيممة مممن نقطمة‬
‫صلتها بالدروينية ونظرية التطور ن لن ذلك قد يلقممى الضمموء علممى‬
‫بعض مفاهيمها ‪.‬‬
‫قدم دارون تفسيرا معينمما لتطممور " الحيمماة " مممن الكممائن الوحيممد‬
‫الخلية إلى النسان ‪ ،‬قرر فيه جملة " مبممادئ " تممأثرت بهمما الماديممة‬
‫الجدلية والمادية التاريخية ‪ ،‬كان من جملتها ‪:‬‬
‫أن " الطبيعة " تخلق كل شئ ول حد لقدرتها على الخلق ‪.‬‬
‫وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء ‪ ،‬أى أنه ليس لهمما مقصممد معيممن‬
‫من الخلق ول غاية ‪.‬‬
‫وأن الظروف الماديمة المحبطمة بالكمائن الحمى همى المتى تحكمم‬
‫حياته كما تحكم تطوره ‪.‬‬
‫وأن الكائن الحى ليس حرا فى اختيممار طريقممة حيمماته ول طريقممة‬
‫تطوره وإنممما ذلممك مفممروض عليممه مممن خممارج كيانمة مممن الظممروف‬
‫المادية المحيطة به ‪.‬‬
‫وإن النسان ليس خلقا قائما بذاته إنما هو نهاية سلسمملة التطممور‬
‫الحيوانى السابق لوجوده ‪.‬‬
‫وإنه فى " تطوره " الول الذى أوصممله إلممى حممالته الراهنممة كممان‬
‫محكوما بذات الظروف المادية التى حكمت خط التطور السابق له‬
‫‪.‬‬
‫وأنممه ل وجممود لشممئ " ثممابت " فممى عممالم الحيمماء ‪ ،‬لن قممانون "‬
‫اللتطور " عو الذى يحكم الحياة والحياء ‪ .‬يحكمها من خممارج كيانهمما‬
‫ودون خضوع لرادتها ‪ ،‬وبصورة حتمية ‪.‬‬
‫ولعله قد اتضح الن كم أخذت المادية الجدلية والمادية التاريخيممة‬
‫من الداروينية ونظرية التطور ولكن فلننظر فى أقوالهم هممم لنممرى‬
‫ماذا يقولون فى هذا الشأن ‪.‬‬
‫يقول كورنفورث ) ص ‪ 21‬من الترجمة العربيممة لكتمماب " مممدخل‬
‫إلى المادية التاريخية " ( ‪:‬‬
‫" وتقممدم الماديممة التاريخيممة أسمماس للعلممم الجتممماعى بنفممس‬
‫الطريقة التى تقدم بها نظرية التطور عن طريممق النتقمماء الطممبيعى‬
‫أساسا للعلم البيولوجى ‪ .‬فأيا كان النوع الذى يدرس فإنه قد تطممور‬
‫عن طريق النتقاء الطبيعى وهذا يحدد كممل طممبيعته ‪ .‬وبالمثممل ‪ ،‬أيمما‬
‫كان المجتمع الذى يدرس فإنه أصبح ممما هممو عليممه بتكيممف علقممات‬
‫النتاج مع النتاج ‪ ،‬والفكار والمؤسسات مع علقات النتاج " ‪.‬‬
‫وجاء فممى كتمماب أصممول الفلسممفة الماركسممية ) ج ‪ 1‬ص ‪ 37‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وكان للكتشافات الثلثة التالية أثر كبير فى ذلك ‪:‬‬
‫اكتشاف الخلية الحية التى تتطور عنها الجسام المعقدة ‪.‬‬
‫اكتشاف تحول الطاقة مممن حممرارة وكهربمماء ومغنمماطيس وطاقممة‬
‫كيميائية ‪ ،‬فهى صور مختلفة نوعيا لحقيقة مادية واحدة ‪.‬‬
‫نظرية التحول عنممد دارون فلقممد أظهممرت هممذه النظريممة اعتمممادا‬
‫على الحفريات ‪ ،‬وعلممم تربيممة الحيمموان ‪ ،‬أن جميممع الكائنممات الحيممة‬
‫) ومنها النسان ( هى ثمرات التطور الطبيعى " ‪.‬‬
‫وجاء فى كتاس " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية "‬
‫) ص ‪ 16‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وبذلك أعممد تطممور العلممم – وخصوصمما الكتشممافات الثلثممة فممى‬
‫العلم الطبيعى ‪ :‬قممانون حفممظ الطاقممة ‪ ،‬ونظريممة التكمموين الحلمموى‬
‫للكائنممات الحيممة ونظريممة التطممور لممداروين – المقممدمات العلميممة‬
‫لنتصممار النظريممة الماديممة الجدليممة عممن العممالم ‪ ،‬الممتى وضممعها كممار‬
‫ماركس وفردريك إنجلز " ‪.‬‬
‫وسيتناول حديثنا عن المادية التاريخية أمريممن ‪ :‬التفسممير المممادى‬
‫للتاريخ ‪ ،‬والتفسير المادة للدين والخلق والسرة ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬التفسير المادى للتاريخ ‪:‬‬
‫منن الطبيعى أن تكون الفلسفة التى يقوم عليها التفسير المادى‬
‫للتاريخ فلسفة مادية بحتة ‪ ،‬سواء فى نظرتها إلى النسممان " الممذى‬
‫له ‪ ،‬أو حركة هذا النسان على الرض خلل التاريخ ‪ ،‬والعوالم التى‬
‫تؤثر فى هذه الحركة ‪.‬‬
‫والحق أن التفسير المادى للتاريممخ ل ينكممر وجممود " القيممم " فممى‬
‫الحياة البشرية ‪ ،‬ول يفسر الحياة طعاممما وشممرابا وملبسمما ومسممكنا‬
‫وجنسا فقط ‪ ..‬لكن الحق إلى جانب ذلممك أنممه ينفممى نفيمما قاطعمما –‬
‫كما ورد من كلمهم فيما سبق – أن تكون هذه القيممم ثابتممة ‪ ،‬أو أن‬
‫تكون قائمة بذاتها ‪ ،‬أو أن تكون سابقة فممى وجودهمما علممى الوضمماع‬
‫المادية والقتصادية ‪ ،‬أو أن تكون فى أى وقت من الوقمات منشممئة‬
‫لوضاع مادية واقتصادية لم تكن قائمة من قبل ‪..‬‬
‫تبدأ النظرية من أن النتاج المادى هو أساس الحياة البشرية كلها‬
‫وأساس التاريخ البشرى ‪:‬‬
‫يقول ماركس ) ص ‪ 37‬من الترجمة العربيممة لكتممابه" اليدلوجيممة‬
‫اللمانية " ( ‪:‬‬
‫" وليس لنا بد مع اللمان المجردين عن أية مقدمات من أن نبممدأ‬
‫بتقرير المقدمممة الولممى للوجممود البشممرى بكممامله وبالتممالى للتاريممخ‬
‫بأسره ‪ ،‬أل وهى المقدمة التى تنص علممى أنممه لبممد للبشممر مممن أن‬
‫يكونوا فى مركز يمكنهم من العيش ‪ ،‬كما يكون فممى مقممدورهم أن‬
‫يصنعوا التاريخ ‪ .‬بيد أن الحياة تشتمل قبل كممل شممئ علممى المأكممل‬
‫والمشرب والمسكن والملبس وأشياء عديممدة أخممرى ‪ .‬وهكممذا فممإن‬
‫العمل التاريخى هو إنتمماج الوسممائط القمينممة بسممد هممذه الحاجممات ‪.‬‬
‫إنتاج الحياة المادية بالذات ‪ ..‬وبالفعل فإن هذا العمل عمل تمماريخى‬
‫‪ .‬شرط أساسى للتاريخ بكاملة ‪ .‬لبد فى اليوم الحاضر مثلما كممانت‬
‫الحال قبل آلف السنين من تحقيقه يوممما فيوممما ‪ ،‬وسمماعة فسمماعة‬
‫لمجرد البقاء على الحياة النسانية "‬
‫وقوى النتاج المادى من ثم هى أهم عنصممر فممى الحيمماة ‪ ..‬وهممى‬
‫المقياس الذى يقاس به كل شئ ‪:‬‬
‫جاء فى كتاب " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة " )‬
‫ص ‪ 151‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وهكذا فإن القوى المنتجة تعبر عن علقات مادية بين المجتمممع‬
‫والطبيعة ‪ ،‬ومستوى تطور هممذه القمموى دليممل علممى درجممة سمميطرة‬
‫البشرية على قوى الطبيعة ‪ ،‬وبممدوره يتجممدد المسممتوى نفسممه قبممل‬
‫كل شئ بأدوات العمل وتزويد النتاج بالطاقممة وتنظيممم التكنولوجيمما‬
‫العملية النتاجية وتطور العلم ‪ ،‬وكذلك بمستوى استخدام المنتجيممن‬
‫المباشرين للقيم المادية للمنجزات العلمية " ‪.‬‬
‫والعمل – العمل الذى يؤدى إلى النتاج المادى – هو محور الحياة‬
‫‪..‬‬
‫يقول إنجلز " يقول القتصاديون إن العمل هو مصدر كممل ثممروة ‪.‬‬
‫وإنه لكذلك فعل ‪ .‬مع الطبيعة التى تقدم له المادى التى يحولها إلى‬
‫ثممروة ‪ ،‬ولكنممه أكممثر مممن ذلممك أيضمما إلممى مممال نهايممة ‪ .‬إنممه الشممرط‬
‫الساسى الول لكل حياة بشممرية ‪ .‬وإنممه لكممذلك إلممى درجممة ينبغممى‬
‫علينا معها – بمعنى ما – أن نقول " إن العمل قد خلق النسان ذاته‬
‫" ) عممن كتمماب ‪ :‬نصمموص مختممار ‪ ،‬فردريممك إنجلممز ص ‪ 123‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫وعلقات النتاج هى الممتى تصممور شممكل الحيمماة البشممرية فممى أى‬
‫طور من أطوارها ‪.‬‬
‫جاء فى كتاب " المادية التاريخية " ) ص ‪ 60‬من الترجمة العربية‬
‫(‪:‬‬
‫" وبما أن أسلوب النتاج هو الذى يحدد نمط حياة الناس فى هذا‬
‫المجتمع أو ذاك فإن جميع ظممواهر الحيمماة الخممرى تتعلممق بأسمملوب‬
‫النتاج وتكون نابعة منه ومشروطة به ‪.‬‬
‫ويقول ماركس فى كتاب " بؤس الفلسمفة " ) ص ‪113 – 112‬‬
‫من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ترتبط العلقممات الجتماعيممة وتتعلممق بممالقوى النتاجيممة ‪ .‬ولممدى‬
‫تحقيقينا لقوى إنتاجية جديدة يغير الناس نوع النتاج ‪ ،‬وعند تغييرهم‬
‫لنوع إنتاجهم ‪ ،‬وعند تغيير طريقة كسبهم لمعيشتهم ‪ ،‬فممإنه يغيممرون‬
‫كل العلقات الجتماعية ‪ ،‬إن الطاحونممة الممتى تممدار باليممد تمثممل لممك‬
‫مجتمعا يتحكم فيممه السمميد القطمماعى ‪ ،‬وتمثممل الطاحونممة البخاريممة‬
‫مجتمعا تتحكم فيه الصناعة الرأسمالية ‪.‬‬
‫" إن نفس الناس الذين يؤسسون علقمماتهم الجتماعيممة لتطممابق‬
‫إنتاجهم المادى ‪ ،‬تراهم ينتجون أيضا المبادئ والفكار واللوائح لكى‬
‫تطابق علقاتهم الجتماعية ‪ ،‬وهكذا فإن هذه الفكار وهممذه اللمموائح‬
‫ليست أبدية كالعلقات التى تعبر عنهمما ‪ .‬إنهمما إنتمماج تمماريخى وفممترة‬
‫انتقال " ‪.‬‬
‫ويقول ستالين فى كتاب " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية‬
‫" ) ص ‪ 50 – 49‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" الخاصية الولى للنتاج أنه ل يقف أبدا مدة معينة فهو دائما فى‬
‫حالة تغير ونمو ‪ ،‬وعلوة على ذلك فإن أسلوب النتاج يؤدى بصورة‬
‫حتمية إلى تغير النظام الجتماعى بأسره وتغير الفكممار الجتماعيممة‬
‫والراء والمؤسسات السياسية ‪.‬‬
‫" إن المجتممممع ذاتمممه وأفكممماره ونظريممماته ‪ ،‬وآراءه ومؤسسممماته‬
‫السياسية تتعلق من حيث الساس بأسلوب النتاج فى المجتمع ‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أبسط كل نمط من المعيشة يطابقه نمط من التفكير ‪.‬‬
‫" ومعنى هذا أن تاريممخ تطممور المجمممع هممو قبممل كممل شمئ تاريممخ‬
‫تطور النتاد وتاريممخ أسمماليب النتمماج الممتى تتعمماقب خلل العصممور ‪.‬‬
‫تاريخ تطور القوى المنتجة وعلقات النتاج بين الناس " ‪.‬‬
‫ويقول ماركس فى كتابه " اليديولوجية اللمانية " ) ج ‪ 1‬ص ‪39‬‬
‫من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وهكذا فإنه من الجلى تماما منذ البدايممة أن ثمممة رابطممة ماديممة‬
‫تجمع البشر بعضهم بعضا ‪ ،‬تتحدد بحمماجتهم ونمممط إنتمماجهم ‪ ،‬وهممى‬
‫قديمة قدم البشر أنفسهم ‪ ،‬وإن هذه الرابطممة لتتخممذ علممى الممدوام‬
‫أشكال جديدة ‪ ،‬وبذلك تمثل " تاريخا " حممتى دون أن يوجممد بعممد أى‬
‫هراء سياسممى أو دينممى يحقممق – علوة علممى ذلمك – التماسمك بيممن‬
‫البشر " ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ينقسم التاريخ البشرى – بناء على القواعد السالفة الذكر – إلممى‬


‫خمسة أطوار رئيسية ‪:‬‬
‫المشمماعية البتدائيممة ‪ ،‬والممرق ‪ ،‬والقطمماع ‪ ،‬والرأسمممالية ‪ ،‬ثممم‬
‫الشتراكية الممهدة للشيوعية ‪.‬‬
‫فبالنسبة للمشاعية البتدائية ‪:‬‬
‫جاء ى كتاب المادية التاريخية ) ص ‪ 335‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وهكذا فقد كممان القطيممع البممدائى أول شممكل انتقممالى للمجتمممع‬
‫الذى حدث فيممه تكمموين النسممان ‪ .‬ولقممد ظهممر هممذا القطيممع عنممدما‬
‫انفصل النسان عن عالم الحيوان وبممدأ بإنتمماج أدوات العمممل ‪ ،‬وممما‬
‫زال باقيا ) يقصد وظل باقيا( إلى أن تكونت ملمح النسان الحديث‬
‫نتيجة لتطورها التدريجى البطئ " ‪.‬‬
‫ويقول سيجال فى كتمماب " لمحممة عممن تطممور المجتمممع منممذ بممدء‬
‫التاريخ" ) ص ‪ 9 – 8‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" لقممد كممان هممذا النظممام المشمماعى البممدائى ضممروريا للمجتمممع‬
‫النسان فى تلك المرحلة من التطممور ‪ .‬فلقممد كممان مممن المسممتحيل‬
‫علممى المجتمممع لممو عمماش أفممراده حيمماة منعزلممة مبعممثرة ا‪ ،‬يخممترع‬
‫السمملحة والدوات البدائيممة وأن يحسممنها فيممما بعممد ‪ .‬ولممم يسممتطع‬
‫الناس أن يحرزوا انتصاراتهم الولى فى ميدان الكفاح ضد الطبيعممة‬
‫إل بفضل حياتهم التعاوين ‪ .‬لقد كان اتحادهم فى بطن مشاعى هممو‬
‫قوتهم الرئيسة " ‪.‬‬
‫ويقول ) ص ‪ 15‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ول تزال بقايا المشاعية البدائية موجودة حتى أيامنمما هممذه لممدى‬
‫عممدد مممن الشممعوب فممى شممكل مشمماعية بدائيممة تملممك الجماعممات‬
‫الزراعيممة فيهمما الرض ملكمما مشممتركا ‪ ،‬وتمموزع حصصمما منهمما علممى‬
‫أعضائها للتصرف فيها بصممورة مؤقتممة ‪ ،‬وليممس يمكممن بعممد هممذا أن‬
‫يوضع موضع الشك وجود المشاعية البدائية كنقطة بممدء فممى تطممور‬
‫الشعوب كلها ‪.‬‬
‫ويقول )ص ‪ 9‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫لقد كان تطور مسممتوى قمموى المجتمممع المنتجممة هممو الممذى يحممدد‬
‫ظروف النظام المشاعى البدائى ‪ .‬ومممن الخطممأ التصممور أن النمماس‬
‫البدائيين هم الذين أوجدوا هذا النظام عن وعى منهم ‪ ،‬فلقد تشكل‬
‫وتطور بصورة طبيعية ودون علقة بإرادة الناس ووعيهم " ‪.‬‬
‫ثم انحل هذا الطور وانتهى بصورة حتمية ‪.‬‬
‫جمماء فممى كتمماب " الماديممة التاريخيممة " ) ص ‪ 161‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" ومع ظهور النتاج الفردى ظهر التناقض بين الملكية الجتماعية‬
‫والطابع الفردى لعملية النتاج ‪ ،‬هذا التناقض الذى يحل عن طريممق‬
‫القضاء على الملكية الجتماعيممة وظهممور الملكيممة الخاصممة لوسممائل‬
‫ومواد النتاج ‪ ،‬وهذه هى السباب الرئيسممة الممتى أدت إلممى القضمماء‬
‫على النظام البدائى كحتمية طبيعية "‬
‫وحين انحلت المشاعية البدائية بظهور الزراعة وجدتة الطبقات ‪،‬‬
‫ووجد صراع الطبقات ‪ ،‬الذى هو صراع على المصالح المادية ‪:‬‬
‫يقول كورنفورث فى كتاب " مدخل إلى المادية التاريخية " ) ص‬
‫‪ 31 – 30‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إنما صار تاريخ النسان فقط هو تاريممخ الصممراع الطبقممى لتغيممر‬
‫ظروف النتاج مع نشوء الزراعة ‪ .‬ثم التغير الهائل فى المجتمعممات‬
‫الرأسمالية "‬
‫وجاء فى كتاب " أسس المادة الديالكتيكية والمادية التاريخية " )‬
‫ص ‪ 162‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" والمصالح الساسية للفئات الجتماعية والطبقات البشرية هممى‬
‫أول وقبل كل شئ مصمالح ماديمة اقتصمادية تحمدد فممى نهايمة الممر‬
‫المصالح السياسية والقانونية والخلقية والدينية والجمالية والعلمية‬
‫والفلسفية وغيرها "‬
‫ويقول ماركس فى كتاب " اليديولوجية اللمانية " ) ص ‪ 56‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن أفكار الطبقة السائدة هى فى كل عصر الفكار السائد أيضا‬
‫‪ .‬يعنى أن الطبقة التى هى القوة المادية السائدة فى المجتمع هممى‬
‫فى الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة ‪ .‬إن الطبقممة الممتى تتصممرف‬
‫بوسائل النتاج المادى تمل فى الوقت ذاته الشراف علممى وسممائل‬
‫النتاج الفكرى ‪ ،‬بحيث إن أفكار أولئك الذين يفتقرون إلممى وسممائل‬
‫النتاج الذهنى تخضع من جراء ذلك لهذه الطبقة السائدة ‪.‬‬
‫من المشاعية البدائية انتقل الناس إلى الرق ‪:‬‬
‫يقممول إنجلممز فممى كتمماب أنممتى دوهرنممج ) ص ‪ 217‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" وإن تطبيق العبودية فى الظروف التى كانت سممائدة فممى ذلممك‬
‫‪1‬‬
‫الحين قد كان خطوة كبرى إلى المام !‬
‫ذلك أنه م الحقائق الواقعة أن النسان قممد انبثممق مممن الحيمموان ‪،‬‬
‫وبالتالى فلم يكن له بد من استخدام وسائل بربرية تكمماد أن تكممون‬
‫‪2‬‬
‫وحشية من أجل تخليص نفسه من البربرية‬
‫ونشأ الرق من مبعين أساسيين ‪ :‬الحرب والدين ذلك أن المممدين‬
‫الذى يعجز عن السداد كان يتحول إلى رقيق‪.‬‬
‫يقول ماركس ‪ " :‬كان الصممراع الطبقممى فممى المجتمممع القممديم –‬
‫وبالدرجة الولى – صراعا بين الدائنين والمدينين ‪ ،‬وقممد انتهممى فممى‬
‫روما إلى زوال المدين من طبقة العامة وتحوله إلى عبد ) نقل مممن‬
‫كتاب لمحة عن تطور المجتمع منذ بدء التاريخ ص ‪ 17‬من الترجمممة‬
‫العربية ( ‪.‬‬
‫وفى مجتمع الرق ظهرت الدولة ونمت الثقافة وظهرت الفلسفة‬
‫وتقممدمت البشممرية تقممدما كممبيرا يعممزوه الممماديون إلممى الصممراع‬
‫الطبقى !‬
‫جمماء فممى كتمماب الماديممة التاريخيممة ) ص ‪ 163‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" إن تجطور الصراع الطبقى والمعارف النظرية أدى إلممى ظهممور‬
‫الفلسفة ‪ ،‬وحدثت اختلفات مهمة على صعيد الممدين ‪ ،‬الممذى تحممول‬
‫تممدريجيا إلممى أدة روحيممة لسممتبعاد الجممماهير ‪ ،‬وبهممذا فممإن انقسممام‬
‫المجتمع إلى طبقات يحدث انقلبا جذر يا فى البنيان الفوقى وفممى‬
‫حياة المجتمع الروحية كليها ‪ ،‬وفى المجتمع العبودى بالذات ظهرت‬
‫لول مرة كل الشكال الراهنة للوضع الجتماعى " ‪.‬‬
‫وكانت معاملة الرقيق فى أوربا بالبشاعة الممتى يعرفهمما التاريممخ ‪.‬‬
‫ولم تفلح ثورات العبيد فى تحسين أحمموالهم ول رفممع الممرق عنهممم ‪.‬‬
‫ولكن لسباب مادية واقتصادية بحتة بدأ عهد الرق ينهار ‪.‬‬

‫التعجب من عندنا‬ ‫‪1‬‬

‫التعجب من عندنا‬ ‫‪2‬‬


‫يقول إنجلز فى كتاب " أصل السرة والملكية الخاصة والدولممة "‬
‫) ص ‪ 237 – 236‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" لكن هذه العبوديممة المشممرفة علممى الممموت كمانت ل تممزال مممن‬
‫القوة بحيث تجعل كل عمممل مممن أعمممال النتمماج يبممدو وكممأنه عمممل‬
‫عبودى وضيع ل يليق بمقام الرومان الحرار ‪..‬‬
‫" إن المسيحية ليست مسؤولة قممط عممن هممذا الممزوال التممدريجى‬
‫للعبوديممة القديمممة ‪ ،‬إذ هممى قممد جنممت مممن ثمممار العبوديممة فممى‬
‫المبراطورية الرومانية خلل قرون من الزمن ‪ ،‬ولم تفعل فيما بعد‬
‫شيئا ل لمنع المسيحيين من المتاجرة بالرقيق – سواء اللمممان فممى‬
‫الشمال أو تجار البندقية على البحر البيض المتوسممط – ول لحظممر‬
‫التجارة بالرقيق الزنوج فى السنين الخيرة ‪ .‬وإنممما زالممت العبوديممة‬
‫لنها لم تعد تدرجا قط ‪ .‬لكنها بزوالها خلفت وراءها لسعتها السامة‬
‫وذلك بوسمها عمل الحرار فى النتاج بميسم الضممعة ‪ ،‬فكممان ذلممك‬
‫بمثابة الزقاق المسممدود الممذى وجممد العممالم الرومممانى نفسممه فيممه ‪،‬‬
‫كانت العبودية مستحيلة من الناحية القتصادية وكان عمممل الحممرار‬
‫مستهجنا من الناحية الخلقيممة ‪ .‬لممم يعممد فممى وسممع الول أن يظممل‬
‫أساس النتاج الجتماعى وكممان الخيممر ل يممزال غيممر قممادر علممى أن‬
‫يكون أساس لهذا النتاج ‪ ،‬لم يكن ينفع فى هذا الحال سمموى ثممورة‬
‫‪1‬‬
‫كاملة‬
‫هذا من جهة ‪ ..‬ومن جهة أخرى كان اخممتراع المحممراث الحديممدى‬
‫أهم تحول أدى إلى ظهور القطاع ‪.‬‬
‫يقول سمميجال فممى كتممابه " لمحممة عممن تطممور المجتمممع منممذ بممدء‬
‫التاريخ ) ص ‪ 21‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" كان نظام الرق شكل اجتماعيا ضروريا من أشكال تطور القوى‬
‫المنتجة فممى مرحلممة مممن مراحممل التاريممخ ولكممن هممذا التطممور كممان‬
‫بدوريه سببا لنحطاط هذا النظام " ‪.‬‬
‫جمماء القطمماع بصممورته الوروبيممة المعروفممة ‪ ..‬وكممانت الطبقتممان‬
‫المسيطرتان فيه هما طبقة كبار الملك وطبقة رجال الدين ‪ .‬وبقية‬
‫الشممعب مسممخر لصممالح كلتمما الطبقممتين ‪ ..‬وأخممذ القطمماع جممولته‬
‫تطممورت أدوات النتمماج‬ ‫التاريخيممة " الحتميممة " حممتى‬
‫باختراع اللة وتعقدت علقات النتاج القائمة وصممارت غيممر مناسممبة‬
‫للمرحلة القتصادية الجديدة ‪.‬‬
‫جاء القطاع نتيجة ظروف مادية واقتصادية ‪ .‬فمن الناحية المادية‬
‫لم يقل لنا كيف كانت هذه الثورة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫كان اختراع المحراث الحديدى وتطممور زراعممة الرض نتيجممة إدخممال‬
‫أدوات جديدة أكثر صلحية من أهم السممباب الممتى أدت إلممى ظهممور‬
‫القطاع ‪ ،‬ومن الناحية القتصادية كان لبد من تغيير علقات النتمماج‬
‫بعد أن أصبح الرقيق – بحالته التى كان عليها – عاجزا عن النتمماج ‪،‬‬
‫أو بعبارة أخرى عاجزا عن تلبية مصممالح السميد القتصمادية ‪ ،‬لكممثرة‬
‫تمرده وهربه نتيجة المعاملة البشعة التى كان يتلقاها من السمميد أو‬
‫وكيله ‪ .‬وفممى النظممام القطمماعى يملممك السمميد الرض ولكممن الفلح‬
‫الممذى يعمممل لحسمماب السمميد يمكممن أن يمتلمك قطعممة صممغيرة مممن‬
‫الرض – بالقدر الذى يسمح به القطاعى – وله نصيب من النتاج –‬
‫يحدده القطاعى كذلك – يعيش منه هو وأسرته ‪.‬‬
‫ولكن نصيب الفلح – فى مجموعة – كان أضأل من أن يمموفر لممه‬
‫الحياة الكريمة أو الحياة الصحية ‪ ،‬وكان هممو وأسممرته يعيشممون فممى‬
‫حالة من الضنك الشديد ‪ ،‬وكثيرا ما كان الفلحون يموتمون بمالمئات‬
‫واللوف نتيجة الجوع أو الصابة بالسل أو نتيجة أوبئة الفتاكة ‪.‬‬
‫وبدأ نضال الفلحين ضد القطاعيين لرفع الظلم الفاحش الواقممع‬
‫عليهم ‪ ،‬ولكنهم كانوا أضممعف مممن أن ينممالوا شمميئا مممن القطمماعيين‬
‫المحصنين بقلعهم المزودين بجيمموش تحميهممم ‪ ،‬كممما أنممه لممم يكممن‬
‫للفلحيممن تجمممع ذو هممدف محممدد يخمموض معركممة منظمممة ضممد‬
‫القطاعيين ‪ ،‬لذلك باءت ثوراتهم بالخفاق ‪ ،‬ولكن من خلل التطور‬
‫المادى والقتصادى أخذ القطاع ينهار لتحل محله الرأسمالية ‪.‬‬
‫نشأت الرأسمالية ) التى يسميها الشيوعيون البرجوازية لنشممأتها‬
‫فى المدينة ‪ ( Bourjois‬نتيجة عدة عوامل أهمها اخممتراع اللممة الممتى‬
‫أخذت تحل بالتدريج محل النتمماج اليممدوى ‪ ،‬كممما اتسممعت الكشمموف‬
‫الجغرافية وزاد حجم التجمارة الوربيمة ‪ ، " 1‬كمما أن ظماهرة العممل‬
‫المممأجور – أى تممأجير العامممل جهممد يممده مممن أجممل الحصممول علممى‬
‫مطالب الحياة – كانت قد بدأت توجد فى المممدن وإن كممان حجمهمما‬
‫فى بادئ المر لممم يكممن كافيمما لتشممغيل الحركممة الصممناعية الناشممئة‬
‫فقامت الثورة التى أدت إلى تحطيم القطاع ‪.‬‬
‫يقول سيجال فممى كتمماب " لمحممة عممن تطممور المجتمممع منممذ بممدء‬

‫نحن هنا – كما سبقت الشارة – نعرض الفكار ول نناقشها ‪ ،‬ولكن لبد لنا هنا من تعليق بمناسبة الكشوف الجغرافية‬ ‫‪1‬‬

‫وزيادة حجم التجارة الوربية يغفله المؤرخون الوربيون عاممدين ‪ ،‬ويسمتغل إغفمالهم ذلمك كمل المذين يحبمون طممس‬
‫العنصر الدينى وآثاره فى التاريخ البشرى ‪ .‬فإن الحقيقة أن الحروب الصليبية الحديثة التى بدأت بعد طرد المسمميحيين‬
‫للمسلمين من الندلس ‪ ،‬وملحقتهم لمحاولة القضاء عليهم فيما وراء الندلس ‪ ،‬كانت هى السب الحقيقى للكشمموف‬
‫الجغرافية ‪ ،‬وأشهر مثال على ذلك فاسكوا داجاما – الذى كشف لوربا طريق رأس الرجاء الصالح – قال عند وصمموله‬
‫إلى جزر الهند الشرقية " الن طوقنا رقبة السلم ولم يبممق إل جممذب الحبمل ليختنممق فيمموت " وقممد كممان السممتعمار‬
‫الصليبى لبلد السلم أهم العوامل فى تنشيط التجارة الوروبية وإتاحة الفرصة للرأسمممالية الناميممة لتسممتكمل نموهمما‬
‫الظالم الجبار ‪.‬‬
‫التاريخ " ص ‪ 33‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وهكذا نرى أن القطاعية التى كانت متوافقممة عنممد نشممأتها مممع‬
‫مستوى القوى المنتجة فممى المجتمممع صممارت متناقضممة مممع القمموى‬
‫المنتجة المتنامية ‪ ،‬وصار الغاؤها ضرورة تاريخية "‬
‫وفى ظل الرأسمالية حدث تقدم عظيم فى مجالت كممثيرة منهمما‬
‫المجال العلمى والمجال التكنولوجى لن الرأسمممالية تسممعى دائممما‬
‫لزيادة النتاج من أجل الربح ‪ .‬كما نشأ تنظيم جديممد للعمممل يتعمماون‬
‫فيه مجموعة كبيرة من الناس فى العمممل الواحممد بممدل مممن العمممل‬
‫الفممردى ‪ .‬ونشممأ تحسممين للطممرق والمواصمملت مممن أجممل تصممريف‬
‫النتاج الصممناعى فممى داخممل البلد وخارجهمما ‪ .‬كممما كممان السممتعمال‬
‫وسيلة للحصول على موارد رخيصة ومجال لتصممريف فممائض النتمماج‬
‫ونشأت المم فى أوربا وحل الحكم الدستورى محل الحكم الملكى‬
‫المطلق ‪ .‬ولكن هذا كله كان على حساب طبقة العمال المضطهدة‬
‫‪ ،‬الممتى تبممذل الجهممد الحقيقممى فممى عمليممة النتمماج ول تنممال إل أقممل‬
‫القليل ‪.‬‬
‫يقول إنجاز فى كتاب " أصل السرة والملكية الخاصة والدولممة "‬
‫) ص ‪ 279‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ولما كممان اسممتغلل طبقممة مممن قبممل طبقممة أخممرى هممو أسمماس‬
‫الحاضرة ‪ ،‬فإن نموها كله يسير فممى تنمماقض مسممتمر ‪ .‬كممل خطمموة‬
‫إلى الوراء فى أحوال الطبقة المضطهدة أى الكثرية العظمى ‪ .‬كل‬
‫ما هو خير للبعض لبممد أن يكممون شممرا للخريممن ‪ .‬كممل تحممرر جديممد‬
‫لحدى الطبقات يعنى دائما اضطهادا جديا لطبقممة أخممرى ‪ .‬وأعظممم‬
‫دليل على هذا نجمده فممى إدخممال اللمة ) يقصممد الرأسممالية ( الممتى‬
‫يعرف العالم بأسره أثارها الن "‬
‫ويقول كور نفورث فى كتمماب " مممدخل إلممى الماديممة التاريخيممة "‬
‫) ج ‪ – 1‬ص ‪ 73‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" والسمة الساسية لزيادة قمموى النتمماج الممتى نشممأت فممى إطممار‬
‫الرأسمالية هى تشريك العمل ) يقصد جعلممه مشممتركا بممدل مممن أن‬
‫يكون فرديا ( فلقد حلت محل النتاح الفممردى الصممغير قمموة العمممل‬
‫الجتماعى الذى يتعاون الناس فيه معا فممى منشممأت إنتاجيممة كممبيرة‬
‫تستخدم آلت تعمممل بالطاقممة ‪ .‬لكممن هممذه السمممة تعوقهمما علقممات‬
‫النتاج الرأسمالية الممتى تجعممل التاريممخ ملكمما للرأسممماليين ‪ .‬وتجممبر‬
‫النتاج الجتماعى على ان يخدم الربح الخاص "‬
‫وجماء فمى كتماب " الماديمة التاريخيمة " ) ص ‪ 174‬ممن الترجممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" إن تغيير علقات النتاج القطاعية إلى علقات رأسمالية يممؤدى‬
‫إلى إعادة تركيب البنمماء الفمموقى الممذى يبممؤدى بممدوره مممع ملءمتممه‬
‫للقاعدة الجديدة إلى تغيير وجه المجتمع كله "‬
‫وجاء فيه أيضا ) ص ‪ 342 – 341‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن عصمممر الرأسممممالية الصممماعدة همممو عصمممر نشممموء الممممم ‪.‬‬
‫والماركسيون يذهبون إلى أن المة لممم توجممد قبممل الرأسمممالية لن‬
‫الشروط القتصادية اللزمة لنشوئها كممانت ل تممزال معدومممة " ‪ 1‬إن‬
‫تكون الشعب من اختلط مجموعات جغرافية مختلفممة اتحممدت فممى‬
‫الرض واللغة والثقافة كان المنطلق لتكموين الممة ‪ ،‬ممع أنمه ليممس‬
‫ضروريا أن تتألف المة من شعب واحد ‪ ،‬فكل المم الحديثة نشأت‬
‫وتنشأ نتيجة لتحاد الشعوب المختلفممة ‪ .‬وهكممذا فممإن المممة كشممكل‬
‫لتجمع الناس نشأت من متطلبممات النتمماج الرأسمممالى وتنشممأ علممى‬
‫أساسه ‪ ،‬وهى تنشأ لنه ضرورية من أجل تطور النتماج الرأسممالى‬
‫الضخم "‪"2‬‬
‫وتأخذ الرأسمالية دورهال ثم يجى التطور الحتمى ‪..‬‬
‫يقول سمميجال فممى كتممابه " لمحممة عممن تطممور المجتمممع منممذ بممدء‬
‫التاريخ " ) ص ‪ 37 – 36‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" غير أن الرأسمالية – عندما تتطور قوى المجتمع المنتجة – تبدو‬
‫يوما فيوما أقل قدرة على السمميطرة عليهمما ‪ .‬وأجممدى برهممان علممى‬
‫ذلك هو تلك الزمات الممتى تممأتى علممى نحممو دورى فممتزعزع النظممام‬
‫الرأسمممالى وتممدمر جممزءا مممن القمموى المنتجممة ‪ .‬وهكممذا تصممبح‬
‫الرأسمالية أكثر فمأكثر عائقما فمى طريمق تطمور همذه القموى المتى‬
‫ولممدتها هممى ذاتهمما ‪ ،‬ومممن هنمما يتممبين أن إلغمماء الرأسمممالية بممالطرق‬
‫الثورية واستبدالها بالشمميوعية ) يقصممد اسممتبدال الشمميوعية بهمما لن‬
‫الباء تدخل على المتروك ( أى بمجتمع دون طبقممات تكممون وسممائل‬
‫النتاج فيه ملكا مشتركا يصبح ضرورة تاريخية "‬
‫والسبب الرئيسمى فمى ذلمك همو التنماقض المتزايمد بيمن مصمالح‬
‫الرأسمالية ومصالح العمال ) طبقمة البروليتاريما ( المذى يمؤدى فمى‬
‫النهاية إلى ثورة طبقة البروليتاريمما علممى طبقممة الرأسممماليين لنممزع‬
‫السلطة منها وإنشاء مجتمع بل طبقات ‪ ،‬وتوزيع النتاج على الجميع‬
‫دون استغلل طبقة لطبقة ‪.‬‬
‫‪ 2 -‬نقول دون مناقشة للفكرة – ولكن للتذكرة فقط – إن هم ‪ 1‬قد يكون صادقا على نشأة المم فى أوربا مع الثورة‬ ‫‪1‬‬

‫عشممر الميلدى ‪ .‬ولكممن قبممل ذلممك بأحممد عشممر قرنمما بممرزت إلممى‬ ‫الصناعية فى القرن الثامن‬
‫الوجود أمة قال عنها خالقها ‪ " :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس " وانظر المناقشة فى مكانيها فيما بعد ‪.‬‬
‫ول يتم ذلممك دفعممة واحممدة ‪ .‬فهنمماك مرحلممة انتقاليممة ينتقممل فيهمما‬
‫الناس من الرأسمالية إلى الشتراكية ‪ ،‬ثم إن المرحلممة الشممتراكية‬
‫تمهد للمرحلة الخيرة وهى الشيوعية حيث يتحقق مبممدأ " مممن كممل‬
‫حسب طاقته ‪ ،‬ولك حسب حاجته "‬
‫تنقضممى المرحلممة الولممى فممى الكفمماح لزالممة الطبقممة المسممتغلة‬
‫والقضاء عليها ‪ .‬حتى يمكن تأصمميل المبممادئ الجديممدة المبنيممة علممى‬
‫إزالة الطبقة وتحويل الملكية من ملكية فردية إلى ملكية جماعيممة ‪.‬‬
‫والعمل على زيادة النتاج لكممى تتحقممق المرحلممة الخيممرى الممتى ل‬
‫يمكن الوصول إليها إل بزيادة هائلة فى النتاج تمكن كل إنسممان أن‬
‫يأخذ بحسب حاجته فى الوقت الذى يعمل حسب طاقته ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التفسير المادى للدين والخلق والسرة ‪:‬‬
‫يقصد بالتفسير المممادى للممدين والخلق والسممرة أمممران فممى أن‬
‫واحد ‪ .‬الول ‪ :‬أنها ليست " قيما " قائمممة بممذاتها ‪ .‬ول يمكممن النظممر‬
‫إليها على هذا النحو ‪ ،‬ومن ثم فليس لها ثبات ول قدسية ‪ ،‬والثانى ‪:‬‬
‫أنها فى ذات الوقت انعكاس للحوال الماديممة والقتصممادية القائمممة‬
‫فى أى وقت من الوقات ‪ .‬وكل وضع مادى أو اقتصممادى قممائم هممو‬
‫الذى ينشئ " الفكار " المتعلقة بالدين والخلق والسممرة ‪ ،‬وتتغيممر‬
‫هذه الفكار تغيرا حتميما كلمما تغيمر الوضمع الممادى أو القتصمادى ‪.‬‬
‫وإليك أقوالهم فى كل أمر من هذه المور الثلثة ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدين ‪:‬‬
‫يقول إنجلز ) ص ‪ 381‬من الترجمة العربية لكتاب أنتى دوهرنج (‬
‫‪:‬‬
‫" ومهما يكن من شممئ فليممس الممدين إل النعكمماس المموهمى فممى‬
‫أذهممان البشممر لتلممك القمموى الخارجيممة الممتى تسمميطر علممى حيمماتهم‬
‫اليومية ‪ ،‬وهو انعكاس تتخذ فيه القمموى الرضممية شممكل قمموى فمموق‬
‫طبيعية ) يقصد قوى خارقة ( ‪.‬‬
‫ويقول كذلك ) ص ‪ 382‬من نفس الكتاب ( ‪:‬‬
‫" من الزمنة الموغلة فى القدم – إذ وصممل الفكممر بالنمماس وهممم‬
‫بعد فى جهل تام ببنياتهم الجسدية الخاصة ‪ ،‬وتحت تأثير أحلمهممم ‪،‬‬
‫إلى القول بأن أفكممارهم وأحاسيسممهم ليسممت مممن فعممل أجسممادهم‬
‫ذاتها ‪ ،‬بل من فعل روح خاصة تسكن هممذا الجسممد وتفممارقه لحظممة‬
‫الموت – منذ ذلك الحين اضطروا لن يصطنعوا لنفسهم أفكار عمن‬
‫علقات هذه الروح مع المعالم الخارجى ‪.‬‬
‫" وعلى هذا النحو تماما – عن طريق تشخيص القوى الطبيعيممة –‬
‫ولدت اللهة الولى الممتى اتخممذت خلل التطممور اللحممق شممكل غيممر‬
‫أرضى أكثر فأكثر ‪ ،‬إلى أن حدث أخيرا عملية تجريممد ‪ ..‬فنشممأ علممى‬
‫نحو طبيعى خلل التطور العقلى أن تولممدت فممى عقممل النمماس مممن‬
‫اللهمة المعتممددين ذوى السملطة الضممعيفة والمقيممدة بعضممهم حيممال‬
‫بعض ‪ ،‬فكرة الله الواحد المنفرد فى الديانات التوحيدية " ‪.‬‬
‫ويستشهد مؤلفو كتاب " أصول الفلسممفة الماركسممية ) ج ‪ . 1‬ص‬
‫‪ 297 – 296‬من الترجمة العربية ( بهذه القولة لنجلز ‪.‬‬
‫" إن الممدين يولممد مممن نظريممات النسممان المحممدودة ‪ .‬وهممذه‬
‫النظريممات محممدودة بعجممز النمماس البممدائيين المطلممق تقريبمما أمممام‬
‫الطبيعة المعادية‪ ،‬التى كانوا ل يفهمونها ‪ ،‬وهى محدودة مممن ناحيممة‬
‫ثانيمممممممممة بتعلقهمممممممممم العممممممممممى بمممممممممالمجتمع المممممممممذى‬
‫ل يفهمونه والذى كان يبدو لهم أنه تعبير عن إرادة سممامية ‪ .‬وهكممذا‬
‫الجبممارة‬ ‫كممانت اللهممة – وهممى الكائنممات المهمممة‬
‫المسيطرة على الطبيعممة والمجتمممع – انعكاسمما ذاتيمما لعجممز النمماس‬
‫الموضمموعى أمممام الطبيعممة والمجتمممع ‪ ،‬وكممان علممى تقممدم العلمموم‬
‫الطبيعية والجتماعية أن يظهر طابع المعتقدات المموهمى ‪ :‬العتقمماد‬
‫بوجود آلهة متعددة ‪ ،‬ثم العتقاد بوجود إله واحد ‪.‬‬
‫وجاء فى كتاب " نصوص مختارة ‪ ،‬فردريك إنجلممز " ) جمممع جممان‬
‫كانابمما ‪ ،‬ترجمممة وصممفى البنممى ‪ ،‬ص ‪ 178 – 177‬مممن الترجمممة‬
‫العربية (‬
‫" أما المجالت اليدلوجية التى تحوم أعلممى فممى الفضمماء كالممدين‬
‫والفلسفة ‪ ..‬الخ ‪ ،‬فإنها مؤلفة من بقية – تعود إلى ما قبممل التاريممخ‬
‫وقد وجممدها العهممد التمماريخى أمممامه فالتقطهمما – لممما نسممميه اليمموم‬
‫غباء ‪ .‬إن هذه التصممورات المختلفممة الخمماطئة عممن الطبيعممة ‪ .‬وعممن‬
‫تكوين النسان ذاته ‪ ،‬وعن الرواح ‪ ،‬وعن القمموى السممحرية ‪ ،‬ليممس‬
‫لها فمى الغمالب إل أسماس اقتصمادى سملبى ‪ ،‬فمالتطور القتصمادى‬
‫الضعيف لعهد ما قبل التاريخ تكون فيه كتكملة – ولكن كذلك علممى‬
‫نحو جزئى كشرك أو حتى كسبب – تصورات خمماطئة عممن الطبيعممة‬
‫"‪.‬‬
‫هذا عن نشأة الدين ) أى فى فترة الشيوعية البدائيممة ( أممما عممن‬
‫تطوره نتيجة تغير الوضاع المادية والقتصادية فغنه فى عهممد الممرق‬
‫والقطاع استغل لتخدير الكمادحين حممتى ل يشممعروا بمالظلم الواقممع‬
‫عليهم ‪ ،‬ولتمنيتهم بنعيم الجنة تعويضا عن عذاب الدنيا ‪.‬‬
‫جاء فمى كتماب أصممول الفلسممفة الماركسممية ) ج ‪ ، 2‬ص ‪– 106‬‬
‫‪ 107‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" لم تحرم الكنيسة الكاثوليكيممة الممرق ‪ ،‬ولممذلك وجممد رقيممق فممى‬
‫أوربا فى العصر الوسيط ‪ .‬ولقد علمت الكنيسة الرقمماء أن يطيعمموا‬
‫سيدهم ‪ .‬واضطرت السياد المحاربين حقا إلى احترام " هدنة اللممه‬
‫" وهددتهم بالنار البدية ‪ .‬ولكنها بهذا الجممراء قممد أنقممذت قبممل كممل‬
‫شئ المزروعات الضممرورية لحيمماة المجتمممع ‪ ،‬كممما حفظممت النتمماج‬
‫وأمنت تفشى المجاعة واندلع نار الثورة وهكذا تحمممى فممى النهايمة‬
‫‪1‬‬
‫القطاعية ضد تصرفات القطاعيين المغالية‬
‫ويقممول ممموريس كورنفممورث ) ص ‪ 118 – 117‬مممن الترجمممة‬
‫التاريخية " (‪:‬‬ ‫العربية لكتابه ‪ " :‬مدخل إلى المادية‬
‫" وفى أوج القطاع فى أوربا الغربية كمانت للكنيسممة الكاثوليكيممة‬
‫مكانمممة هائلمممة ‪ ،‬وسمممادت العقيمممدة الكاثوليكيمممة الفلسمممفة والدب‬
‫والفنون ‪ ،‬ولقيت هذه العقيدة مساندة السلطة الزمنيممة – مسمماندة‬
‫الحكام القطاعيين ودولهم والقوانين – ول يمكممن تفسممير الحممماس‬
‫القاسى الذى كانت الكنيسة تلحق به الهراطقة وتلقى فيه مساندة‬
‫الحكممام بمجممرد الهمموس الممدينى فلممماذا وجممد هممذا الهمموس ؟ لقممد‬
‫استقرت العقيدة الكاثوليكية كجزء أساسى فى النظممام الجتممماعى‬
‫وأحست الكنيسة عن حممق – كمالممك كممبير للرض إلممى جممانب كبممار‬
‫ملك الرض الخرين – بخطر التمزق الجتماعى الكامن خلممف كممل‬
‫هرطقة ‪.‬‬
‫ويقممول إنجلممز عممن الحممروب الدينيممة الممتى سممادت فممى العصممور‬
‫الوسمممطى ) ص ‪ 170 – 169‬ممممن الترجممممة لكتممماب الماديمممة‬
‫التاريخية ( ‪:‬‬
‫" إن ما يسمى بالحروب الدينيمة ‪ .‬كمانت تتضممن مصمالح طبقيمة‬
‫مادية إيجابية ‪ ،‬فقد كانت هذه الحروب حروبا طبقية تماما ‪ ..‬ورغممم‬
‫أن الصراعات الطبقية كانت عندئذ مغلفة بشممعارات دينيممة ‪ ،‬ورغممم‬
‫أن مصالح وحاجات ومطالب مختلف الطبقات كانت مختلفممة خلممف‬
‫شممعار دينممى ‪ ،‬فلممم يبممدل هممذا شمميئا مممن المممر ‪ ،‬ويمكممن تفسمميره‬
‫ببساطة من واقع ظروف تلك اليام "‬
‫أما فى عصممر الرأسمممالية فقممد ضممعف الممدين فممى أوربمما ‪ ،‬وهممذا‬
‫تفسيرهم لهذه الظاهرة ‪:‬‬
‫يقول جورج سممول فممى كتمماب " المممذاهب القتصممادية الكممبرى "‬
‫يفهم من هذا النص أن الكنيسة قامت بدور مزدوج ‪ :‬إخضمماع الرقيممق للسممادة مممن جهممة ‪ ،‬ومنممع السممادة مممن إسمماءة‬ ‫‪1‬‬

‫معاملة الرقيقة من جهة أخرى ‪ .‬لكن الغالب فى كلم الشيوعيين أن يؤكدوا الدور الول ول يشيروا إلى الدور الخممر ‪،‬‬
‫وعلى أى حال فقد ربط النص عملية تعميق الدين فى النفوس بأسباب وغايات اقتصادية‬
‫) ترجمة الدكتور راشد البراوى ‪ ،‬ص ‪ 51 – 49‬من الترجمة العربية‬
‫(‪:‬‬
‫" فإذا كانت المصادر القديمة قد أخطأت فى نظراتها إلى العممالم‬
‫الطممبيعى أممما كممانت كممذلك مخطئة فممى نظراتهمما إلممى السمملوك‬
‫البشرى ؟ أصبح كممل شممئ موضممع التسمماؤل والشممك ‪ ،‬وعلممى ذلممك‬
‫سمى العلم فلسفة ‪ ،‬ولم يعد هناك تمييز بين الميممادين الممتى عنممى‬
‫كل منهما بفحصها ‪ ،‬وأخذ الكتاب والمتفلسفون يعيدون البحث فممى‬
‫النظم البشرية تماما كما كممانوا يفعلممون بالنسممبة إلممى الشممياء غيممر‬
‫البشرية ‪ ،‬وهم فى تصرفهم هذا كانوا يسمملمون بممأن النسممان جممزء‬
‫من الطبيعة وليس كائنا منفصل عن بقية المخلوقات أوجدته العناية‬
‫اللهية وتولت رعايته ‪.‬‬
‫وأصبح البحث ينصب على تفسير النتائج والساليب بالنسممبة إلممى‬
‫السلوك البشرى – سواء أكان مرغوبا فيها أم غيممر مرغمموب – عممن‬
‫طريق قوانين الطبيعة ‪ ،‬بدل مممن البحممث عنهمما فممى إرادة اللممه كممما‬
‫قالت الكتب المقدسة أو المذاهب الكنسية ‪ ،‬ومعنممى هممذا – بتعممبير‬
‫آخممر – أن علينمما أن نسترشممد فممى أعمالنمما وتصممرفاتنا بالعقممل دون‬
‫سلطة القدامى ‪.‬‬
‫" وصار لزاما على الذين نبذوا اليمان بالله كليممة أن يبحثمموا عممن‬
‫بديل لذلك ووجوده فى الطبيعة ‪ ،‬أما الذين ظلوا على استمسمماكهم‬
‫بالدين ولو باللسان – وإن لم يكن فى الواقع كما هو أغلبهم – فقممد‬
‫اعتقدوا أن الله يعممبر عممن إرادتممه عممن طريممق الطبيعممة وقوانينهمما ‪،‬‬
‫وليس بوسيلة مباشرة ! وبذلك لم تعد الطبيعة مجرد شئ له وجود‬
‫فحسب ‪ ،‬وإنما هو شممئ ينبغممى أن يطمماع ‪ ،‬وصممارت مخالفتهمما دليل‬
‫على نقص التقوى والخلق "‬
‫ويقول كورنفورث ) ج ‪ ، 2‬ص ‪ 107‬من الترجمممة العربيممة لكتمماب‬
‫أصول الفلسفة المراكسية ( ‪:‬‬
‫" ومع ظهور البرجوازيممة بممرزت أفكممار دينيممة وفلسممفية جديممدة ‪.‬‬
‫ففممى مجممال الممدين بممدأ التأكيممد علممى ضمممير الفممرد وعلقممة الفممرد‬
‫المباشرة بالله ‪ ،‬ودعا الفلسفة إلممى سمميادة العلممم والعقممل ‪ ،‬ومممن‬
‫هذه الزاوية أخضعوا الفكار القطاعية للنقد المدمر ‪ ،‬ودرسمموا مممن‬
‫جديد أسس المعرفة ‪ ،‬وحاولوا أن يبينوا كيف يمكن توسيع المعرفة‬
‫ووضممع النسممانية فممى طريممق التقممدم ‪ ،‬وكممانوا فممى ذلممك يخممدمون‬
‫البرجوازية الجديدة فى التخلص من القطاع ودعم الرأسمالية " ‪.‬‬
‫ولكن البرجوازية أحست بأن نبذها للدين خطر عليها فعادت إلممى‬
‫احتضان الدين وتسخيره لمصالحها ‪.‬‬
‫يقمممول كورنفمممورث ) ج ‪ ، 2‬ص ‪ 108 – 107‬ممممن الترجممممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" ولهذا رأينا البرجوازية حينما شعرت بالتهديد ‪ ،‬أعادت الدين عن‬
‫قصممد وتبنتممه – بعممد أن سممخرته لخدمممة حاجاتهمما – فقمموته ودعمتممه‬
‫وجعلته جزءا ل يتجزأ من البناء الفوقى الرأسمالى ‪ ،‬ثممم أعلنممت أن‬
‫‪1‬‬
‫التعليم الدينى والتعليم العلمانى يتمم الخر‬
‫أما الشيوعية فموقفها من الدين واضح ‪.‬‬
‫جاء فى كتاب " المادية التاريخية " ) ص ‪ 80‬من الترجمة العربية‬
‫(‪:‬‬
‫" إن الدين ل يتولد من القاعدة فى الظروف الشممتراكية ‪ ،‬وإنممما‬
‫يوجممد كجممزء مممن مخلفممات القممديم ‪ ،‬كبقيممة مممن البنيممان الفمموقى‬
‫للتشكيلت السممابقة ‪ ،‬وسمموف يتممم القضمماء عليهمما فممى عمليممة بنمماء‬
‫الشيوعية ‪ ،‬ويتضمن البرنامج الجديد للحزب الشيوعى فممى التحمماد‬
‫السمموفيتى تأكيممدا علممى ضممرورة اسممتخدام مختلفممة وسممائل التممأثير‬
‫الفكمرى للقضماء علمى الخرافمات الدينيمة ‪ ،‬وممن أجمل نشمر تربيمة‬
‫علمية "‬
‫وجاء فى كتاب " أصول الفلسفة الماركسية ) ج ‪ 1‬ص ‪ 297‬مممن‬
‫الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ولهذا كان الفلح فى روسيا القديمة – وقد أرهقه الفقممر وفقممد‬
‫كل أمممل فممى المسممتقبل – يستسمملم للرادة اللهيممة ‪ .‬ولقممد جمماءت‬
‫الثورة الشتراكية فوضعت فممى يممد المجتمممع السمميطرة علممى قمموى‬
‫النتاج ‪ ،‬ومكنته فى نفس الوقت من إدارة المجتمع بصورة علمية ‪،‬‬
‫كممما زادت سمميطرته علممى الطبيعممة ‪ ،‬فوجممدت عنممدئذ الظممروف‬
‫الموضوعية لتنمحى من وعممى النمماس الفكممار الدينيممة الممتى ولممدتها‬
‫ظروف موضوعية أخرى " ‪.‬‬
‫" وأخيرا يقول ماركس قولته الشهيرة ‪ " :‬الدين أفيون الشممعوب‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -2‬الخلق ‪:‬‬
‫يقول إنجلز ) ص ‪ 115 – 114‬من الترجمة العربية لكتابه أنممتى‬
‫دوهرنج ( ‪:‬‬
‫" وهكذا فإننا نرفض كل محاولة للزامنا بأية عقيدة أخلقية مهما‬
‫كانت على اعتبارهمما شممريعة أخلقيممة أبديممة ‪ ،‬نهائيممة ‪ ،‬وثابتممة أبممدا ‪،‬‬
‫قد يكون هذا حقا بنلسبة " للتخطيط " الرأسمالى ولكننا ل نرى له أثرا واقعيا فى المجتمع الغربى المتحلل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫بحجة أن للعالم الخلقى أيضمما مبممادئه الدائمممة الممتى تنهممص فمموق‬
‫التاريخ وفوق الفوارق بين المممم ‪ ..‬إننمما ننممادى علممى النقيممؤض مممن‬
‫ذلك بأن سائر النظريات الخلقية قد كانت حتى هذا التاريممخ ‪ ،‬فممى‬
‫آخر تحليل ‪ ،‬نتاجا لوضاع المجتمع القتصادية السائدة فى زمنها " ‪.‬‬
‫ويقول ) ص ‪: ( 115‬‬
‫" وما دام المجتمع قد تطور حتى الوقت الحاضر ضمن التضادات‬
‫الطبقية ‪ ،‬فإن الخلق كانت على الدوام أخلقمما طبقيممة ‪ ،‬فهممى إممما‬
‫أن تبرر سلطة الطبقة الحاكمة ومصالحها ‪ ،‬وإمما أن تمثمل – حالمما‬
‫تحوز الطبقة المضطهدة ما يكفممى مممن القمموة – التمممرد علممى تلممك‬
‫العقيدة ‪ ،‬ومصالح المضطهدين المقبلة فى الوقت نفسه " ‪.‬‬
‫وفى مجال التطور الخلقى المرتبط بتطور الوضمماع القتصممادية‬
‫تجئ مثل هذه القوال ‪:‬‬
‫جمماء فممى كتمماب " النظريممة الماركسممية اللينينيممة ‪ :‬فممى الماديممة‬
‫الديالكتيكية والمادية التاريخيممة " تممأليف أيرزريممن ورفيقممه ) ترجمممة‬
‫خيرى الضامن ‪ ،‬ص ‪ 439‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫" لقممد ولممدت علقممات النتمماج الجماعيممة فممى النظممام المشمماعى‬
‫البممدائى عممادات وتقاليممد جماعيممة وأخلقمما جماعيممة عنممد النمماس‬
‫البدائيين ‪ ،‬وعندما واجممه النمماس فممى مجممرى تطممور القمموة المنتجممة‬
‫علقات أصبح فيهمما التمتممع الشخصممى ببعممض الشممياء أكممثر سممهولة‬
‫لعمليممة النتمماج ‪ ،‬تغيممرت آراء النمماس أيضمما ‪ ،‬وأصممبحت الملكيممة‬
‫الشخصمية لبعمض الشمياء ‪ ..‬وهمى الملكيمة المتى كمانت تعتمبر فمى‬
‫المراحل السابقة ل أخلقية ‪ ،‬أو غير طبيعية وغير معتادة على أقممل‬
‫تقدير ‪ ،‬أمرا ل ضير فيه ‪ ،‬ول يتعارض مع المصلحة العامة "‬
‫وجمماء فممى كتمماب الماديممة التاريخيممة ) ص ‪ 457‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" إن أخلق مجتمع عهد الممرق هممى أول شممكل للخلق الطبقيممة ‪،‬‬
‫فقد كانت أخلق مالكى الرقاء هممى السممائدة فممى ذلممك المجتمممع ‪،‬‬
‫وهى إذا نشأت على أساس العلقممات القتصممادية للنظممام الرقممى ‪،‬‬
‫كممانت تعكممس العلقممات القائمممة بيممن الرقمماء ومممالكيهم بالدرجممة‬
‫الولى ‪ .‬إن الخاصية المميزة لهذه الخلق هى أنها كانت ل تعممترف‬
‫بالعلقات النسانية إل بين الحممرار مممن النمماس ‪ .‬لقممد كممان الرقيممق‬
‫خارج الخلق ‪ .‬وهو سلعة وشئ ‪ ،‬وأداء ناطقة ‪ ..‬ولهممذا فقممد كممانت‬
‫الخلق تسمممح بظلمممه وجلممده وقتلممه ‪ ،‬ولممم تكممن تلممك المعاملممة‬
‫الوحشية للرقيق لتوقظ أى " تأنيب ضمممير " لممدى مممالكه ‪ ،‬وكممانت‬
‫الخلق تبررها ‪ ،‬لكن هذا التبرير لم يكن إل ضرورة اقتصادية أملتها‬
‫‪1‬‬
‫العلقات ضرورة اقتصادية أملتها العلقات الرقية لذلك العصر‬
‫وجمماء فممى نفممس الكتمماب ) ص ‪ 548 – 547‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" ومممع النتقممال إلممى القطاعيممة صممارت الخلق القطاعيممة هممى‬
‫السائدة ‪ ،‬فهى ل تنتظر إلى القن كشئ ‪ ،‬وإنما كإنسان من الممدرك‬
‫السفل ) العظم السممود ( بينممما كممانت تنظممر إلممى ممثلممى الطبقممة‬
‫) العظمممم‬ ‫السمممائدة كبشمممر ممممن الصمممنف الممتممماز‬
‫البيض ( وإلى جانب هذا فقد كانت الخلق القطاعية تخفممى ظلممم‬
‫القطاعيين الوحشى للفلحين وتقنع الشكل القطاعى للسممتغلل ‪،‬‬
‫ولقد كممانت تصممور بنفمماق كممبير علقممة السمميد بفلحيممه كعلقممة الب‬
‫ببنيه ‪ ،‬يوجههم ويرعاهم ويتحمل المسئولية عنهم ‪.‬‬
‫" إن دين المجتمع القطاعى قام بتفسير الخلق السائدة وبوضع‬
‫السس لهال ‪ ،‬إذ صور مطالبها وحدودها التى تعبر فممى الواقممع عممن‬
‫مصالح المستغلين كأوامر إلهية ‪ .‬والخلق القطاعية التى ارتكممزت‬
‫على الدين ساعدت على كبح جممماح جممماهير الفلحيممن المسممحوقة‬
‫‪2‬‬
‫السوداء‬
‫أما فى ظل الرأسمالية فقد حدث تقدم ظاهرى يخفى المضمون‬
‫الحقيقى للخلق الطبقية الستغللية ‪.‬‬
‫جاء فى نفس الكتاب ) ص ‪ 459 – 458‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ومع هذا فقد أحرز التقدم الجتماعى خطمموة إلممى المممام علممى‬
‫صمممعيد الخلق ‪ ،‬فاليمممديولوجيون المممبرجوازيون إذ يناضممملون ضمممد‬
‫اليديولوجية والخلق القطاعيتين ‪ ،‬ناضلوا فى سبيل حرية الفكر ‪،‬‬
‫وحرية النشاط من أجممل تحريممر الفممرد مممن كممل القيممود القطاعيممة‬
‫الممكنة ‪ ،‬ولكنه مع انتصار الرأسمالية يتكشف المضمون الحقيقممى‬
‫لفكممار الحريممة والمسمماواة والنسممانية البرجوازيممة ‪ .‬فالمسمماواة‬
‫البرجوازيممة شممكلية ‪ ،‬وهممى تخفممى تبعيممة العامممل للرأسمممالى ‪،‬‬
‫والستغلل الشديد الوطأة للمنتج المباشممر ‪ .‬المقيممد اقتصمماديا مممن‬
‫قبل الرأسماليين بقيود أقوى من أية قيود حديدة أخرى ‪ .‬إن الحرية‬
‫البرجوازية هى تمتع الرأسمماليين بحريمة نشماط المؤسسمة ‪ ،‬وفمى‬

‫هذا الكلم صادق ول شك ‪ ،‬ومع أننا هنا فى مجال العرض ل فممى مجممال المناقضممة فإننمما نشممير فقممط مجممرد إشممارة‬ ‫‪1‬‬

‫ضرورية فى هذا الموضع – إلى أن الخلق المتى يتحممدث عنهما المماديون هممذا الحممديث همى الخلق الجاهليمة أى غيمر‬
‫المستمدة من المصدر الربانى ‪ ،‬وهذه يصدق عليها ما يقال عنهما فمى الغمالب ‪ ،‬ولكنهمم فممى كلمهمم ل يفرقممون بيمن‬
‫الخلق الجاهلية والخلق الربانية ‪.‬‬
‫هذا أيضا صحيح ‪ ،‬ولكننا نشير فقط إلممى أن " الممدين " الممذى ارتكممزت عليممه الخلق القطاعيممة لممم يكممن هممو الممدين‬ ‫‪2‬‬

‫المنزل من عند الله ‪ .‬كما سبق بيان ذلك فى التمهيد الول من هذا الكتاب ‪ ،‬إنما كان دينا جاهليا من صنع الكنيسة‬
‫الستيلء على عمممل الخريممن ‪ ،‬وهممى بالنسممبة للبرليتممارى بيممع قمموة‬
‫عمله أو الممموت جوعمما ‪ ،‬والنسممانية البرجوازيممة أيضمما هممى إنسممانية‬
‫مجردة ‪ ،‬فالرأسمالية فى الواقع ل تخلق الشروط الواقعيممة لتطممور‬
‫وازدهار الشخصية ‪ ،‬وأكثر من ذلك فهى تحول كرامة النسممان إلممى‬
‫قيمة تبادلية ‪ ،‬والعلقات بيممن النمماس إلممى علقممات نقديممة ‪ ،‬قاضممية‬
‫على أى نوع من الصلت بين الناس إل صلة المصلحة المكشمموفة ‪،‬‬
‫صلة الدفع الخالى من العلقات النسانية ‪.‬‬
‫" إن مبدأ الفردية هو السائد فى سلوك الممبرجوازى إل أنممه ليممس‬
‫مممن مصمملحة البرجوازيممة أن تعلممن عممن مصممالحها الجشممعة بصممورة‬
‫سافرة ومكشوفة ‪ ،‬إن البرجوازى يسعى لتبرير أنانيته وفرديته فى‬
‫الوعى الخلقى ‪ ،‬إذ يصور السعى لبلوغ أهممدافه الجشممعة كاهتمممام‬
‫بالمصلحة العامة ‪ .‬وهنا تتجلى الفردية الحيوانيممة " كحريممة الفممرد "‬
‫ويتجلى استعمار العمال " كأنقاذ للمحرومين من الجوع و " كتقديم‬
‫الخبز للجائعين " ويتجلى انتاج السلع من أجل الحصول على الرباح‬
‫" كتأمين الممواد الضممرورية للمجمممع " ‪ ،‬ويتبمدى اسممتعباد الشمعوب‬
‫الخرى كعملية " تمدين " لها ‪.‬‬
‫" ولهذا فإن ما يميز الخلق البرجوازية هو طابعها المنافق عندما‬
‫تتقنع شريعة الغاب فممى عممالم الملكيممة الخاصمة بسممتار مممن تعمماليم‬
‫‪1‬‬
‫اليدلوجيين البرجوازيين‬
‫وأما أخلق الشيوعية فلندعهم هو يصفونها بأقلمهم ‪.‬‬
‫جاء فى نفس الكتاب ) ص ‪ 572 – 471‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" إن الماركسممية تنتقممد دونممما تحفممظ محمماولت علممماء الجتممماع‬
‫البرجوازيين ‪ ،‬والبرجوازيين الصغار ‪ ،‬لجعل الشتراكية قائمممة علممى‬
‫" أساس أخلقى " أى بناء نظرية الشتراكية على أسمماس المبممادئ‬
‫الخلقية المجردة كالعدالة الخالدة والحممق المطلممق وغيرهممما ‪ ،‬دون‬
‫أن ينطلقوا مممن القمموانين الموضمموعية للتطممور الجتممماعى ‪ .‬وبهممذا‬
‫المعنى فى الواقع ليس فى الماركسية مثقال ذرة من الخلق كممما‬
‫يقول لينين ‪.‬‬
‫" إن الظلم وغيممره مممن وجهممة النظممر الماركسممية ليممس أساسمميا‬
‫وإنممما هممو نتيجممة للرأسممماالية ‪ .‬والشممتراكية ل تحتمماج إلممى أسمماس‬
‫أخلقى ‪ .‬وإنما إلى أساس علمى " ‪..‬‬
‫" إن أهم مبادئ الخلق الشيوعية نحو العمل ‪ ،‬والهتمام برعايممة‬
‫وزيادة الموال الجتماعية ‪ .‬وفى العلقة نحو العمممل بالممذات وقبممل‬
‫هذا أيضا صحيح وواضح – كما أشرنا فى فصل " الديمقراطية " – أن الرأسمالية نظام جاهلى بحت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫كل شئ ‪ .‬يتجلى الطممار الروحممى الجديممد للنمماس الممذين تربمموا فممى‬
‫المجتمممع الشممتراكى ‪ .‬وتتلءم مممع الخلق الشمميوعية تلممك العلقممة‬
‫الشريفة الطيبة نحو العمل ‪ .‬العلقة نحممو العمممل كإبممداع وكأسمممى‬
‫واجب للفرد تجاه المجتمع ‪.‬‬
‫" إن الخلق الشممممميوعية تمممممدين المهمليمممممن والمتقاعسمممممين‬
‫والطفيليين ‪ .‬إن إرادة العيممش علممى حسمماب الخريممن تتنمماقض مممع‬
‫أساس المجتمع الشتراكى ‪ ،‬ومع أخلقه " ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى يقول إنجلز ‪:‬‬
‫" إن الخلق الممتى نممؤمن بهما هممى كممل عممل يممؤدى إلممى انتصمار‬
‫‪1‬‬
‫مبادئنا مهما كان هذا العمل منافيا للخلق المعمول بها "‬
‫ويقول ليبنين ‪:‬‬
‫" يجب على المناضل الشيوعى الحق أن يتمرس بشممتى ضممروب‬
‫الخداع والغش والتضليل ‪ .‬فالكفاح من أجممل الشمميوعية يبممارك كممل‬
‫وسيلة تحقق الشيوعية " ‪" 2‬‬
‫ويقول أيضا ‪:‬‬
‫" إذا لممم يكممن المناضممل الشمميوعى قممادرا علممى أن يغيممر أخلقممه‬
‫وسلوكه وفقا للظروف مهما تطلب ذلك من كممذل وتضممليل وخممداع‬
‫‪2‬‬
‫فإنه لن يكون مناضل ثوريا حقيقيا‬
‫‪ -3‬السرة ‪:‬‬
‫ل يختلف تفسيرهم للسممرة عممن تفسمميرهم للممدين والخلق مممن‬
‫حيث إنها انعكاس للوضمماع الماديممة والقتصممادية ‪ ،‬ومممن حيممث إنهمما‬
‫متطورة على الدوام ‪ ،‬وليست " قيمة " ثابتة ول قائمة بذاتها ‪.‬‬
‫يقممول جممان فريقيممل فممى كتمماب " المممرأة والشممتراكية " ترجمممة‬
‫جورج طرابيشى ) ص ‪ 17‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫" ل تشممكل السممرة كيانمما اجتماعيمما خالممدا ‪ ،‬ولقممد طممرأت عليهمما‬
‫تبدلت عديدة عبر القرون ‪ ،‬وهذا التطور يتحدد فى التحليممل الخيممر‬
‫بالعامل القتصادى "‬
‫ثم يرسمون خطا تطوريا للسرة يعتمد فى مراحله الولممى علممى‬
‫ما اكتشف من أحوال القبائل المتأخرة فى مختلف قممارات الرض ‪،‬‬
‫أو ما يتصورونه من أحوالها فى بعض الحيان ) كحديثهم عن أسممرة‬
‫الجيل ( ‪.‬‬
‫ويقسمون أطوار السرة إلى ‪ :‬أسرة الجيل ‪ ،‬وأسممرة الشممركاء ‪،‬‬
‫و ‪ 2‬عن كتاب اشتراكيتهم وإسلمنا ‪ ،‬تأليف بشير العوف ص ‪37 – 36‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ) ص ‪( 37‬‬ ‫‪2‬‬


‫والسرة الزوجية والسرة الوحدانية ‪.‬‬
‫فأما أسرة الجيل ) التى يتصورونها تصورا ( فقد كممانت العلقممات‬
‫الجنسية مباحة فيها بين جميمع أبنماء الجيمل الواحمد أى بيمن الخموة‬
‫والخوات ‪ ،‬ومحرمة فى مادون ذلك أى بين جيل الباء وجيل البناء‬
‫‪.‬‬
‫يقول إنجلز فى كتاب " أصل السرة والملكية الخاصة والدولممة "‬
‫) ترجمة أديب يوسف ص ‪ 57 – 56‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" فى هذه المرحلة ) أسرة الجيل ( تصنف المجموعات الزواجية‬
‫تبعا للجيال ‪ ،‬جميع الجداد والجدات ضمن حدود السرة هممم أزواج‬
‫وزوجات بالتبادل ‪ ،‬وكذلك المر فى أولدهم ‪ :‬الباء والمهات ‪ ،‬كممما‬
‫أن أولد هؤلء يؤلفون هم أيضا حلقممة ثالثممة مممن الزواج والزوجممات‬
‫المشمممتركين ‪ .‬ويؤلمممف أولد همممؤلء أعنمممى أولد الحفممماد للجمممداد‬
‫والجدات حلقة رابعة ‪ ،‬وهكذا ‪ :‬فى هذا الشكل مممن السممرة يحممرم‬
‫السلف والخلف فقط – الباء والولد – مممن حقمموق وواجبممات زواج‬
‫أحدهم بالخر ‪.‬‬
‫" إن أسممرة الجيممل قممد انقرضممت وحممتى أخشممن الشممعوب الممتى‬
‫يتحدث عنها التاريخ ل تمدنا بأمثلة على هممذا الشممكل يمكممن التثبممت‬
‫‪1‬‬
‫عنها‬
‫ويقول ) ص ‪ 54 – 53‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ولئن كان ثمة أمر أكيد فهو أن الغيرة عاطفة نشمأت فمى عهمد‬
‫متأخر نسبيا ‪،‬وهذا يصدق على مفهوم " المحرم " لن الخ والخت‬
‫لم يكونا وحدهما يعيشان فى الصل كما يعيش الزوج والزوجة ‪ ،‬بل‬
‫إن العلقممات الجنسممية بيممن البمماء والولد مسممموح بهمما أيضمما لممدى‬
‫شعوب عديدة حتى اليمموم ‪ 2‬وقبممل اخممتراع المحممارم ) لن المحممارم‬
‫اختراع حقا ‪ ،‬بل اختراع ثمين جدا ( لم يكن الوصممال الجنسممى بيممن‬
‫البمماء والبنمماء ليممثير مممن الشمممئزاز أكممثر مممما يممثيره الوصممال بيممن‬
‫أشخاص من أجيال مختلفة – كذلك الذى يحدث فعل اليوم حتى فى‬
‫أكثر البلد تظاهرا بالتزمت – من دون أن يثير النفرة الشديدة " ‪.‬‬
‫ثم يقول ) ص ‪ 58‬وما بعدها ( ‪:‬‬
‫" إذا كممان التقممدم الول يتممألف مممن حرمممان البمماء والولد مممن‬
‫العلقات الجنسية المتبادلة ‪ ،‬فإن التقدم الثانى يتممألف مممن حرمممان‬
‫الخوة والخوات منها ‪ ..‬وقد حدثت هذه الخطوة بالتدريممج ‪ ،‬مبتممدئة‬

‫كيف تتثبت إذن ؟‬ ‫‪1‬‬

‫ل نعرف مدى صحة هذا الكلم من الناحية العلمية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫فى أقرب الحتمالت ‪ 1‬بحرمممان الخمموة والخمموات الطممبيعيين ) أى‬
‫من جهة الم ( من العلقات الجنسممية ‪ ،‬وذلممك فممى حممالت متفممردة‬
‫فى أول المر ‪ ،‬ثم أصبح حرمممانهم بالتدريممج هممو القاعممدة ‪ ،‬وتنتهممى‬
‫هذه الخطوة بتحريم الزواج حتى بين الخوة والخوات الباعد " ‪.‬‬
‫" فى جميع أشكال السرة الجماعية ل يعرف من هو والممد الولممد‬
‫معرفة أكيدة ‪ ،‬أما والدته فتعرف معرفة أكيدة"‬
‫" وفى أغلبية الحممالت يبممدو ‪ 2‬أن مؤسسممة العشمميرة قممد انبثقممت‬
‫مباشرة من أسرة الشراء "‬
‫ويقول عن المرحلة التالية ‪ ،‬مرحلة السرة الزوجيممة ) ص ‪– 72‬‬
‫‪ 73‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" فى هذه المرحلة يعيش الرجل الواحد مع امرأة واحممدة ‪ ،‬لكممن‬
‫تعدد الزوجات والخيانة الزوجية يلن من امتيازات الرجال ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن تعدد الزوجات يمارس إل نادرا لسباب اقتصادية فقممط ‪ ،‬وفممى‬
‫الوقت ذاته يطلب من المممرأة الخلص التممام طمموال فممترة العيشممة‬
‫المشتركة ‪ ،‬فإذا زنت عوقبت بقسوة ‪ .‬غير أن رباط الزيجممة يمكممن‬
‫حله من قبل أى الطرفين ‪ ،‬فيرجع الولد إلى أمهم كما كممان المممر‬
‫فى السابق "‬
‫ثممم يقممول عممن المرحلممة الخيممرة – وهممى السممرة الوحدانيممة –‬
‫) مقتطفات من ص ‪ 102 – 95‬من الترجمة العربية(‪:‬‬
‫" إن السممرة الوحدانيممة مبنيممة علممى سمميطرة الرجممل ‪ ،‬وهممدفها‬
‫الصريح إنتاج أول ل يشك فى صحة أبوتهم ‪ ،‬هممذه البمموة الممتى لبممد‬
‫منها لكممى يممرث الولد فممى يمموم ممما ثممروة أبيهممم ‪ ،‬بوصممفهم ورثتممه‬
‫الطبيعيين ‪ 3‬وتختلف السرة الوحدانية عن السرة الزوجيممة فممى أن‬
‫رباط الزواج أمتن جدا منها ‪ ،‬ول يعود حله الن رهنا برضى أى مممن‬
‫الطرفين بل يصبح الرجل – كقاعدة عامة – هو وحده الذى يستطيع‬
‫الن حل هذا الرباط وتسريح زوجته ‪.‬‬
‫" كانت الزيجة الوحدانية تقدما تاريخيا عظيما ‪ ،‬لكنها فى المموقت‬
‫ذاته دشنت هى والرق والثروة الخاصة ) يقصممد الملكيممة الفرديممة (‬
‫ذلك العهد القائم إلى اليوم ‪ ،‬الذى يكون فيه كل تقدم تقهقر نسممبيا‬
‫أيضا ‪ ،‬العهممد الممذى يممدرك فيممه بعممض النمماس مصمملحتهم وتطممورهم‬
‫بشقاء الناس الخرين واضطهادهم ‪.‬‬
‫المر إذن أمر احتمالت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫يبدو يعنى أنه ليس مؤكدا‬ ‫‪2‬‬

‫يقول الماديون إن الوراثة والنسب قبل ذلك كانت عن طريممق الم ‪ ،‬وإن الرجممل – حيممن زادت ثروتممه وزاد نفمموذه –‬ ‫‪3‬‬

‫قام بانقلب تاريخى ‪ ،‬فحول الوراثة والنسب إلى طريق الب ‪ .‬ليورث ثروته لبنائه ‪ ،‬فلزمه أن يتأكد من بنوة أبنائه له‬
‫‪.‬‬
‫" كانت الزيجة الوحدانية أول شكل للسرة مبنى ل علممى أحمموال‬
‫طبيعية ) يقصد كتلك التى كانت أيام الشيوعية الجنسية ( بممل علممى‬
‫أحوال اقتصادية ‪ ،‬أى علممى انتصممار الملكيممة الخاصممة علممى الملكيممة‬
‫العامة البدائية ‪ ،‬الطبيعية النشأة " ‪.‬‬
‫أما السرة فى ظل الشيوعية ‪ ،‬فهى كالدين والخلق ‪..‬‬
‫جمماء فممى كتمماب " المممرأة والشممتراكية " ) ص ‪ 51‬مممن الترجمممة‬
‫العربية (‬
‫" يقول إنجلز ‪ .‬إن العلقات بين الجنسين ستصبح مسممألة خاصممة‬
‫ل تعنى إل الشممخاص المعنييممن والمجتمممع لممن يتممدخل فيهمما ‪ .‬وهممذا‬
‫سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصممة ‪ ،‬وبفضممل تربيممة الولد‬
‫على نفقة المجتمع ‪ ،‬وبنتيجة ذلك يكون أساسا الممزواج الهنممان قممد‬
‫ألغيا ‪ ،‬فالمرأة لن تعود تابعة لزوجها ول الولد لهلهم ‪ ،‬هذه التبعية‬
‫التى ل ما تزال موجودة بفضل الملكية الخاصة "‬
‫ويقول إنجلز فى كتابه " أصل السرة " ) ص ‪ 118‬مممن الترجمممة‬
‫العربية ( ‪:‬‬
‫" فبانتقال وسائل النتاج إلى ملكية عامة ل تبقى السرة الفردية‬
‫هى الوحدة القتصادية للمجتمع ‪ ،‬وينقلممب القتصمماد البيممتى الخمماص‬
‫إلممى صممناعة اجتماعيممة ‪ ،‬وتصممبح العنايممة بالطفممال وتربيتهممم مممن‬
‫الشئون العامة ‪ .‬فيعنممى المجتمممع عنايممة متسمماوية بجميممع الطفممال‬
‫سممواء كممانوا شممرعيين أم طممبيعيين ‪ ،‬وبممذلك يختفممى القلممق الممذى‬
‫يستحوذ على قلممب الفتمماة مممن جممراء " العممواقب " الممتى هممى فممى‬
‫زمانها أهم حافز احتماعى – اقتصادى وخلقى – يعوقهمما عممن تقممديم‬
‫نفسها بل حرج لمن تحب ‪ .‬أفلن يكون هذا سببا كافيا لزدياد حريممة‬
‫الوصال الجنسى شيئا فشيئا ومن ثم لنشئو رأى عممام أكممثر تسمماهل‬
‫فيما يتعلق بشرف العذارى وعار النساء ؟!‬
‫كلم صريح ل يحتاج إلى تعليق !‬
‫‪m m m‬‬

‫تقويم النظرية المادية‬


‫المادية الجلدية والمادية التاريخية كما تبين مممن العممرض السممابق‬
‫شيئان مترابطان فى الفكر الشيوعى ل ينفصل أحدهما عن الخر ‪،‬‬
‫ول يفهم أحدهما فهما صممحيحا بمعممزل عممن الخممر ‪ ..‬والحقيقممة أن‬
‫المادية الجدلية هى القاعمدة المتى تقموم عليهما الماديمة التاريخيمة ‪،‬‬
‫والمادية التاريخية هى التطممبيق التفصمميلى للماديممة الجدليممة ‪ ،‬أو أن‬
‫العلقة بينهما تشبه العلقة بين العظام والنسجة الحية فممى الكممائن‬
‫الحى ‪ ..‬لذلك يجدر بنمما أن نناقشممهما معمما مجتمعيممن ‪ ،‬بممدل مممن أن‬
‫نناقش كل على حدته ‪ ،‬فنضطر إلى التكرار فى أكثر من موضع من‬
‫مواضع الحديث ‪..‬‬
‫وإذا أخذنا نناقش المادية الجدلية والمادية التاريخية فيجدر بنا أن‬
‫نركز الحممديث علممى قضممايا أساسممية معينممة ‪ ،‬تنممدرج تحتهمما القضممايا‬
‫الخممرى كلهمما ‪ .‬وهممذه القضممايا الرئيسممية هممى ‪ :‬التفسممير المممادى‬
‫للخممالق ‪ ،‬والتفسممير المممادى للنسممان ‪ ،‬والتفسممير المممادى للقيممم‬
‫المحيطة بحياة النسان فى الرض ‪.‬‬
‫فإذا اتضح لنا وجه الحق فى هذه القضايا الرئيسممية فممإن القضممايا‬
‫الفرعية المترتبة عليها تكون أيسر فهما وأقل حاجة إلى النقاش ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬التفسير المادى للخالق ‪:‬‬
‫المادة أزلية أبدية ‪ " :‬لم يكن هنماك وقمت لممو تكمن الممادة فيمه‬
‫موجودة "‪.‬‬ ‫موجودة ‪ .‬ول يجئ وقت ل تكون فيه‬
‫والمممادة هممى الخممالق ‪ .‬هممى الممتى خلقممت الحيمماة والنسممان ‪" :‬‬
‫النسان نتاج المادة " ‪.‬‬
‫أى شئ من صفات الله لممم يلحممق بالمممادة ؟ إل القصممد والتممدبير‬
‫والحكمة ‪ .‬وإلههم الذى يدعونه ل حكمة له ول قصد ول تدبير !‬
‫‪m m m‬‬

‫ل شك أن ماركس وإنجلز وأضرابهما لم يكونوا أو الملحدين فممى‬


‫أوربا ‪ .‬فقد كانت موجة اللحمماد قممد تفشممت مممن قبممل بيممن العلممماء‬
‫والمفكرين من جراء مفاسد الكنيسة وعبثها بدين الله ‪.‬‬
‫ومن قبل قال دارون ‪ :‬إن الطبيعة تخلق كل شئ ول حد لقممدرتها‬
‫على الخلق ‪ .‬وقال ‪ :‬إن الطبيعة تخبط خبط عشواء !‬
‫ومذهب عبادة الطبيعة – ل يزيد كما أشممرنا مممن قبممل – علممى أن‬
‫يكون مهربا وجدانيا من إله الكنيسممة الممذى تسممتعبد النمماس باسمممه‬
‫وتستذلهم وتبتز أموالهم وتحجر على عقولهم وأفكممارهم ‪ ،‬إلممى إلممه‬
‫آخر له معظممم خصممائص اللممه الول ‪ ،‬ولكممن ليسممت لممه كنيسممة ول‬
‫التزامات ‪ ،‬وعباده أحرار فيممما يصممنعون بأنفسممهم ل سمملطان لحممد‬
‫عليهم ‪ ..‬إل الهوى والشهوات!‬
‫ولكن الطبيعة على أى حال كانت تمثل فى وجممدان عبادهمما شمميئا‬
‫حيا ‪ ،‬مبهما غير محممدد السمممات ‪ ،‬يممرون " مظمماهره " فممى الجبممال‬
‫والنهار والشجار والزهار والمطر والرياح والبرق والرعد والنسان‬
‫والحيوان ‪ ..‬أما القدرة على الخلق وإعطاء كممل شممئ صممورته الممتى‬
‫هو عليها ‪ ،‬وتنسيق وظائف كل كائن بممما يلئم ظروفممه ‪ ..‬إلممى آخممر‬
‫ذي أ َعْط َممى‬
‫تلك الصفات التى هى فى حقيقتها صممفات الخممالق‪} :‬ال ّم ِ‬
‫دى )‪] {(50‬سورة طمممه ‪ ..[20/50‬وقممد كممانت‬ ‫م هَ َ‬ ‫خل َْق ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫كُ ّ‬
‫تضفى على الطبيعة بصورة أقرب إلى خيال الفن منها إلممى واقعيممة‬
‫الفكر فضل عن واقعيممة العلممم ‪ ..‬صممورة سممحرية مبهمممة غامضممة ل‬
‫تستطيع أن تمسك بها أو تحممددها ‪ ،‬ولكممما حمماولت تحديممدها أفلتممت‬
‫منك ‪ ،‬لنها بطبيعة الحال وهم ل حقيقة لممه ‪ ،‬وعبادهمما أنفسممهم لممم‬
‫يخرجوها من دائرة الوهم إلى نور الفكر المجدد للسمات والصفات‬
‫‪.‬‬
‫ورغم أن الكلمة جرت على ألسنة العلماء كأنهمما حقيقممة فل شممك‬
‫أنها كانت عندهم – كما كانت عند غيرهم – مهربا وجدانيا أكممثر مممما‬
‫هى عقيدة حقيقية ‪.‬‬
‫كانت وثنمما يلجممأون إليممه ‪ :‬يلقممون إليممه بحيرتهممم ودهشممتهم كلممما‬
‫فاجأهم سممر مممن أسممرار الكممون العجيبممة الممتى تشممهد أن ل إلممه إل‬
‫اللممه ‪ ..‬فيهربممون عنممده مممن القممرار بممما يجممول فممى صممدورهم ول‬
‫يريدون القرار به حتى فى سرهم وخلمموتهم مخافممة أن تلحممق بهممم‬
‫الكنيسة فتوقعهم فى قبضتها ‪ ،‬ويحسممبون أن الحتممماء بهممذا المموثن‬
‫سيخلصهم من حيرتهم وينقذهم منها وهيهات !‬
‫م ظ ُْلمما ً وَعُل ُموًّا{ ]سممورة النمممل‬ ‫َ‬
‫س مه ُ ْ‬
‫سمت َي َْقن َت َْها أن ُْف ُ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬‫ح ُ‬
‫ج َ‬‫}وَ َ‬
‫‪[27/14‬‬
‫ولو أنهم كاشممفوا أنفسممهم بممدل مممن مغالطممة أنفسممهم بممالوهم ‪،‬‬
‫ما الطبيعممة‬ ‫لسألوا أنفسهم هذا السؤال البدهى القريب ‪:‬‬
‫على وجه التحديد ؟ وأين تكمن قدرتها على الخلق ؟ فى أى مكممان‬
‫منها ‪ ،‬أم ليس لهذه القدرة مكان ول حيز ؟‬
‫فإذا لم تكن محسوسة ولم يكن يحدها المكان ول الحيز ‪ ،‬وكانت‬
‫" غيبا " ل تدركه البصار ‪ ،‬إنما تممدرك أثمماره فقممط ومظمماهره ‪ ،‬فممما‬
‫الذى يبرر فى منطق العقل أن نعدل عممن السممم الحقيقممى ‪ ،‬اسممم‬
‫الله ‪ ،‬ونلجأ إلى مسميات ما أنزل اللممه بهمما مممن سمملطان ؟ أو – إن‬
‫كان الله فى منطق اللحمماد ل حقيقممة لممه – فممما الممذى يممبرر – فممى‬
‫منطق العقل أو فى منطق العلم – أن يقول قائل إنه ليممس حقيقممة‬
‫حين يكون اسمه الله جل جلله ‪ ،‬ثم يكممون هممو ذاتممه حقيقيممة حيممن‬
‫يكون اسمه "الطبيعة " ؟ !‬
‫أهو الخوف من الكنيسة وطغيانها ؟‬
‫أو هو البغض لها والحقد عليها ؟‬
‫فليكن !‬
‫فلنهجر الكنيسة ونفر منها إلى الله الحق ‪ ،‬وهو إله ل كنيسممة لممه‬
‫فى الحقيقة ول رجال دين !‬
‫ولكممن أوربمما الجاهليممة لممم تممرد أن تممدخل السمملم ‪ ..‬ففممرت مممن‬
‫جاهلية الكنيسة إلى جاهلية ل تقل سوءا ول انحرافا ‪ ..‬إن لممم تكممن‬
‫أشد !‬
‫هذه هى الطبيعممة الممتى " تخلممق كمل شمئ ول حممد لقممدرتها علمى‬
‫الخلق " والتى " تخبط خبط عشواء " ! لم تكن قط فممى يمموم مممن‬
‫اليام " حقيقة علمية " إنما كانت مهربا من أزمة فكرية روحية فممى‬
‫ذات الوقت ‪ ،‬واجهت أوربا وحدها – لظممروف محليممة عنممدها – ولممم‬
‫تواجه الفكر البشرى فى مجموعة ول الضمير البشرى !‬
‫أما المادة الزلية البدية الخالقة فما قصتها ؟‬
‫وكيف نناقشها مناقشة " علمية " ؟ !‬
‫دع جانبمما ممما يصممار يعلمممه صممغار الطلب فممى المممدارس مممن أن‬
‫القول بممأن " المممادة ل تفنممى ول تسممتحدث " لممم يعممد صممحيحا مممن‬
‫الوجهة العلمية ‪ ،‬وهو القول الذى تصيدوه تصممديا فممى نهايممة القممرن‬
‫الماضى ليبنوا عليه تفسيرا " علميا " ! للكممون والحيمماة والنسممان ‪,‬‬
‫ولقضية اللوهية كذلك !‬
‫ودع جانبا ما صار يعلمه طلب الجامعات من البحوث الجيولوجية‬
‫والفيزيائيممة مممن أن الكممون المممادى " حممدث" ذات يمموم ولممم يكممن‬
‫موجودا من قبل ‪ ،‬وأن عمر هذا الون المممادى فممى سممبيله أن يحممدد‬
‫تحديدا علميمما دقيقمما علممى ضمموء المعلومممات الممتى ترسمملها القمممار‬
‫الصناعية التى تدور حول الشمس وغيرها من الفلك ‪.‬‬
‫دع ذلك جانبا ‪ ،‬فلم يكن ماركس وإنجلز ولينيممن مطممالبين بثقافممة‬
‫علمية أكبر من ثقافة عصرهم الذى وجدوا فيه ‪ 1‬ولكنهم مسممئولون‬
‫ول شك مسئولية كاملة عن تلك الفرية التى ل يقوم عليها أى دليممل‬
‫علمممى ‪ ،‬وهممى أن المممادة هممى الممتى تخلممق ‪ ،‬وأن مممن بيممن خلقهمما‬
‫النسان !‬
‫ما الدليل العلمى على هذه الفرية ؟‬
‫متى شوهدت المادة وهى تخلق ؟ وكيف تخلق ؟ !‬
‫يقول جورج إيرل دافز عالم الطبيعة ‪ " :‬فالمنطق الذى نسممتطيع‬
‫أن نأخذ به ‪ ،‬والذى ل يمكممن أن يتطممرق إليممه الشممك هممو أنممه ليممس‬
‫العجيب هو إصرار اتباعهم على القوال المزيفة بعد أن أثبت العلم بطلنها !‬ ‫‪1‬‬
‫هنالك شئ مادى يستطيع أن يخلق نفسه‬
‫‪2‬‬

‫إن المؤمنين بالله ورسله يقولون إن الله ينشئ الخلق من العدم‬


‫‪ ،‬وإنمه يقمول للشمئ كمن فيكمون ‪ ،‬وهمم ل يزعممون أنهمم يمدركون‬
‫الكيفية التى يخلق الله بها الخلق ‪ .‬ولكنهم ل يقولون إن الله مادة ‪،‬‬
‫وإن الماداة تخلق المادة ‪ ،‬لن هذا خبل ل يقوله عاقل ‪.‬‬
‫إن المممؤمنين بممالله ورسممله لممم يممروا اللممه جهممرة ‪ ،‬لن سممبحانه‬
‫خِبيُر )‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫صاَر وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫وتعالى ‪} :‬ل ت ُد ْرك ُه ال َب ْصار وهُو ي ُد ْر ُ َ‬
‫ك الب ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِ ُ‬
‫‪] {(103‬سورة النعام ‪ [6/103‬ولكنهم رأوا من آثار قدرته ما يممدل‬
‫عليه ‪:‬‬
‫ج‬ ‫خ مرِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫مي ّم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫حم ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خ مرِ ُ‬ ‫وى ي ُ ْ‬ ‫ب َوالن ّم َ َ‬ ‫حم ّ‬ ‫ه َفال ِقُ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫ص مَبا ِ‬ ‫ن )‪َ (95‬فال ِقُ ال ِ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ه فَأّنا ت ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ )‪(96‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ك ت َْق ِ‬ ‫سَبانا ً ذ َل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫كنا ً َوال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّي ْ َ‬
‫ح مرِ قَ مد ْ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫م ل ِت َهْت َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫م الن ّ ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫فَصمل ْنا اليمات لَقموم يعل َممون )‪ (97‬وهمو اّلمذي َأن َ َ‬
‫س‬‫ن ن َْفم ٍ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شمأك ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ِ ِ ْ ٍ َْ ُ َ‬ ‫ّ َ‬
‫و‬
‫ن )‪ (98‬وَهُ َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َْفَقُهو َ‬ ‫صل َْنا الَيا ِ‬ ‫ست َوْد َعٌ قَد ْ َ فَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ست ََقّر وَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حد َةٍ فَ ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ك ُم ّ‬ ‫جَنا ب ِهِ ن َب َمما َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫جَنا ب ِهِ فَأ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي أنَز َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ط َل ْعِهَمما‬ ‫َ‬
‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خم ِ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫كبما ً وَ ِ‬ ‫مت ََرا ِ‬ ‫حب ّا ً ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ضرا ً ن ُ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫شمت َِبها ً وَغَي ْمَر‬ ‫م ْ‬ ‫ة وجنممات مم َ‬
‫ن ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ب َوالّزي ْت ُممو َ‬ ‫ن أعْن َمما ٍ‬ ‫دان ِي َم ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫قِن ْ َ‬
‫َ‬
‫ت ل َِق موْم ٍ‬ ‫م لي َمما ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك ُم ْ‬ ‫مَر وَي َن ْعِهِ إ ِ ّ‬ ‫ذا أث ْ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ َ‬ ‫شاب ِهٍ انظ ُُروا إ َِلى ث َ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪] {(99‬سورة النعام ‪[99-6/95‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ممماًء فَأن ْب َت ْن َمما‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}أ ّ‬
‫م معَ الل ّمهِ ب َم ْ‬ ‫شجر َ َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫ها أئ ِل َ ٌ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫جةٍ َ‬ ‫ت ب َهْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫دائ ِقَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫خلل َهَمما أن ْهَممارا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ض قََرارا ً وَ َ‬ ‫ل الْر َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (60‬أ ّ‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫هُ ْ‬
‫ممعَ الل ّمهِ ب َم ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫جزا ً أئ ِل َم ٌ‬ ‫حمما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حَري ْم ِ‬ ‫ن ال ْب َ ْ‬ ‫ل ب َي ْم َ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫سم َ‬ ‫ل ل َهَمما َرَوا ِ‬ ‫جع َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مضمط َّر إ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫شم ُ‬ ‫ذا د َعَمماهُ وَي َك ْ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جيم ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن )‪ (61‬أ ّ‬ ‫مممو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث َُرهُم ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫ممما ت َمذ َك ُّرو َ‬ ‫م معَ الل ّمهِ قَِليل ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬ ‫خلَفاَء الْر ِ‬
‫م ُ َ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫شممرا ً ب َي ْم َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل الّري َمما َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أ ّ‬
‫كون )‪ (63‬أ َممن يبمدأ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ ْ َْ َ‬ ‫شمرِ ُ َ‬ ‫ممما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّم ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ِهِ أئ ِل َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َد َيْ َر ْ‬
‫معَ الل ّمهِ قُ م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي ُِعيد ُهُ وَ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪] {(64‬سورة النمل ‪[64-27/60‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هان َك ُ ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫َ‬
‫ورأوا من أثار هذه القدرة ما يدلهم على أنممه إلممه مقتممدر ‪ ،‬حكيممم‬
‫مدبر ‪ ،‬ل يخلق شيئا عبثا ‪ ،‬ول يخلق شيئا بالباطل ‪..‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬ ‫ت ط َِباقا ً َ‬ ‫خل َقَ َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫مم ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ق الّر ْ‬ ‫خل م ِ‬ ‫ماَوا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ذي َ‬
‫من كتاب " الله يتجلى فى عصر العلم " ص ‪41‬‬ ‫‪2‬‬
‫طورٍ )‪] {(3‬سورة الملك ‪[67/3‬‬ ‫ن فُ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ت ََرى ِ‬ ‫صَر هَ ْ‬ ‫جعْ ال ْب َ َ‬ ‫ت َفاْر ِ‬ ‫ت ََفاوُ ٍ‬
‫دارٍ )‪] {(8‬سورة الرعد ‪[13/8‬‬ ‫مْق َ‬ ‫عن ْد َهُ ب ِ ِ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫}وَك ُ ّ‬
‫ن ال ّم ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ظ َم ّ‬‫ممما ب َمماط ِل ً ذ َل ِم َ‬ ‫ممما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬‫ماَء َوالْر َ‬ ‫سم َ‬ ‫خل َْقَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ك ََفُروا{ ]سورة ص ‪[38/27‬‬
‫َ‬ ‫}أ َفَحسمبت َ‬
‫ن )‪{(115‬‬ ‫م إ ِل َي ْن َمما ل ت ُْر َ‬
‫جعُممو َ‬ ‫م عََبثما ً وَأن ّك ُم ْ‬‫خل َْقن َمماك ُ ْ‬‫ممما َ‬ ‫م أن ّ َ‬
‫َ ِ ُْ ْ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/115‬‬
‫والشيوعيون ل يؤمنون بذلك كله ‪ .‬فل نحاسبهم بمنطممق اليمممان‬
‫لكنها نحاسبهم بمنطق " العلم " الذى يزعمون أنهم يقيمممون عليممه‬
‫نظرياتهم وتطبيقاتهم كلها جميعا !!‬
‫أى منطق وأى علم يقول إن المادة يمكن أن تخلق المادة ؟‬
‫بل أى منطق وأى علم يقول إن الخالق – أيا كان هو – يمكممن أن‬
‫يخلق ما هو أرقى منه ؟ وكيف يسيطر المخلوق على الخالق ؟!‬
‫يقولون إن النسان نتاج المممادة ! فكيممف نتممج عممن المممادة ؟ مممن‬
‫الذى أنتجه ؟ وكيف استطاع – وهو ناتممج عممن المممادة – أن يسممطير‬
‫عليها ويتحكم فيها ؟ !‬
‫وإذا قلنا إن المادة " تطورت " فأصبحت مادة حية ‪ ،‬ثم تطممورت‬
‫فصارت إنسانا ‪ .‬فهل هذا يحل الشكال من الوجهة العلمية ؟ !‬
‫كيف تطورت ؟ ! ما الذى جد على طبيعتهمما – فجممأة – فتطممورت‬
‫إلى مادة حية بينما هى كانت – فى زعمهم – موجودة على صورتها‬
‫منذ الزل ؟! وحين تطورت فلماذا لم تتطور كلها إلممى مممادة حيممة !‬
‫لماذا بقيت كميات هائلممة مممن المممادة لممم تتطممور مممن قبممل ول مممن‬
‫بعد ؟! ولماذا حدث التطور فى اتجاه الحياة بالذات ؟ ولماذا حممدث‬
‫مرة واحدة ثم توقممف ‪ ،‬فلممم تعممد ذرة واحممدة مممن المممادة الجامممدة‬
‫تتحول إلى خلية حية مهما بذل معها من التجارب ومهما تغيرت من‬
‫حولها الظروف ؟‬
‫وحين تطورة المممادة الحيممة – تلقائيمما ! – فأصممبحت – فممى أعلممى‬
‫حالت تطورها – إنسانا ‪ ،‬فلماذا توقفت فممى التطممور عنممد النسممان‬
‫ولم تتطور إلى ما هو أعلى منممه ‪ ،‬مممع أن التطممور – فممى زعمهممم –‬
‫قانون من قمموانين المممادة ‪ ،‬والقمموانين ل تتوقممف عممن العمممل ‪ .‬وإل‬
‫فهى ليست قوانين !‬
‫‪m m m‬‬

‫ومممن ناحيممة أخممرى كيممف تسممنى للمممادة المتطممورة – الممتى هممى‬


‫النسان – أن تسيطر وتتحكم فى المممادة الممتى نتجممت عنهمما مممع أن‬
‫هذا ليس مممن قمموانين المممادة ! فالقممانون – المزعمموم – هممو تطممور‬
‫المادة ‪ ،‬وليس سمميطرة المتطممور مممن المممادة علممى غيممر المتطممور‬
‫منها !‬
‫وهكذا نصل – علميا – إلى ذات الطريق المسممدود ‪ ،‬سممواء سممرنا‬
‫مع المادة الزلية البدية عن طريق الخلق أو طريق التطور الممذاتى‬
‫‪ ،‬ول نجد هذا " العلم " يفسر لنا شيئا على الطلق !‬
‫إننا لن نستطيع – مهممما حاولنمما – أن نمسممك بهممذا الهممراء لنضممعه‬
‫على مائدة البحث العلمى ‪ .‬لنه ل يتماسك حتى يوضع علممى مممائدة‬
‫البحث ! وإنما نستطيع أن نفهمه فى حالة واحدة إذا أخرجناه تماما‬
‫من دائرة العلم ‪ ،‬ونظرنمما إليممه مممن زاويممة الهممدف المقصممود منممه ‪،‬‬
‫وسممنجد أن هممذه هممى الوسمميلة الصممحيحة والميسممرة لفهممم كممل "‬
‫معطيات " المادية الجدلية والتفسممير المممادى للتاريممخ ‪ .‬إنهمما – فممى‬
‫الغالبية العظمى منها – ليست منطقية فى ذاتها ولكنها منطقية مممع‬
‫الهدف المقصود منها ‪.‬‬
‫أى أن النتيجة المطلوبة توضع أول ‪ ،‬ثم تساق الدلممة إليهمما سمموقا‬
‫وتحشر إلى جانب بعضها البعممض حشممرا ‪ ،‬سممواء كممانت متناسممقة أ‬
‫متنافرة ‪ ،‬سواء كانت مؤدية بالفعل إلممى النتممائج المطلوبممة أم غيممر‬
‫مؤدية ! إنما تلوى رقاب الدلممة ليمما لتممؤدى – بممالقوة – إلممى الهممدف‬
‫المطلوب ‪ ،‬ثم يقال للناس إنها نطرية " علمية وتفسير " علمى !‬
‫المطلوب أول هو نشر اللحاد الكامل الذى ل رجعة منه ‪ ،‬وإزالممة‬
‫أى أثر من أثار الدين يمكن أن يكون مندسا هنمما أو هنمماك ‪ ،‬وإزالممة‬
‫أى أثر لتوفير " الخالق " من النفوس "‬
‫فحتى تسمية الخالق بالطبيعممة – وهممو المهممرب الممذى هربممت بممه‬
‫أوربا من إله الكنيسة كما أشرنا من قبل – لم يبممد كافيمما فممى نظممر‬
‫المخططين لسممتحمار الممييممن ‪ ،‬وكممان فممى حاجممة إلممى خطمموة "‬
‫تقد=مية " أخرى تتقدم به نحو اله\ف المطلوب ‪.‬‬
‫فممع اللحماد المتمثمل فمى نفمس الخلمق عمن اللمه ونسمبته إلمى‬
‫الطبيعة كانت ما تزال هناك " وجدانات " تنبض تجحاه ذلك الخممالق‬
‫تخرج أحيانا فى صورة فن ‪ ،‬وأحيان فى صممورة تمموقير لقمموة أعلممى‬
‫من النسان ‪ .‬ويخشممى إذا بقيممت المممور عنممد هممذا الحممد أن تتعقممل‬
‫‪1‬‬
‫البشرية ذات يوم وتكف عن مغالطة نفسها ‪ ،‬وتعود إلى الله‬
‫ولكن يراد إزالة هذه البقية الباقية تماما ‪ ..‬فيتحممول الخممالق إلممى‬
‫مادة ويقال للناس ‪ :‬ل لله ! والكون مادة !‬
‫عاد بعض علماء الجاهلية المعاصر بالفعل كما سيجئ بعد قليل‬ ‫‪1‬‬
‫فإذا انتفى وجود الله تماما – بزعمهم – ولم يعد هناك إل المادة ‪،‬‬
‫فالمادة ل تثير الوجدان ول تستحق التوقير ‪ ،‬ومن ثم يتخلصون مممن‬
‫ذلممك العممدو المرهمموب ‪ ،‬الممذى ل يخممافون مممن شممئ علممى الطلق‬
‫خيفتهم منه ‪ ..‬أل وهو الدين !‬
‫والمطلوب ثانيا – كما سنرى فى الحممديث عممن القضممية الثانيممة –‬
‫هو تحقير النسممان وإزالممة الكرامممة عنممه ‪ ،‬فممإنه إذا أحممس بكرامتممه‬
‫فسيصعب بكوبه كما تركب الحمير ‪ ،‬لنه سمميكون معممتزا بإنسممانيته‬
‫غير قابل للنسياق كالدواب ‪.‬‬
‫ووسائل التحقير كثيرة كما سنراها فى القضية الخاصة بالتفسممير‬
‫المادى للنسان ‪ ..‬ولكن فى مقدمتها جميعا نفممى الخلممق عممن اللممه‬
‫سبحانه وتعالى – ونفى وجود الله فى الحقيقة – وجعل الخالق أو "‬
‫المنتج " للنسان هو المادة !‬
‫إن النسان يستمد وجوده من إلهه وخالقه ‪ ،‬ويسممتمد قممدره مممن‬
‫قدر ذلك الله ‪.‬‬
‫فحين يكون الخالق المعبود هو الله الحكيم المقدر يكون النسان‬
‫رفيع القدر بتكريم الخالق له – سبحانه – ومستعليا باليمان بخممالقه‬
‫العلى العظيم ‪ .‬أما حين يتدنى الخالق حتى يصبح هو المممادة ‪ ،‬فممإن‬
‫النسان يتدنى معه حتى يصل أسفل سافلين !‬
‫وقد هبطت البشرية هبوطا مستمرا منذ تفلتت مممن عبممادة إلههمما‬
‫وخالقها ‪ ،‬وكانت – حين نفت الخلق عن الله ونسبته إلى الطبيعة –‬
‫قد بلغت مستوى كبيرا من الهبوط ‪ .‬ولكنه لم يكن كافيمما فممى نظممر‬
‫المخططين بكل ما فيه من حيوانية وتبذل خلقى ‪ ،‬فأرادوا له مزيدا‬
‫من الهبوط ‪ ،‬فهبطوا بالله الخالق دركات حتى جعلوه هممو المممادة ‪،‬‬
‫وجعلو النسان نتاج تلك المادة ‪ ،‬فأى كرامة تبقى لهممذا المخلمموق –‬
‫حتى فى حس نفسه – حين يعرف أنه من نتمماج المممادة أو أنممه نتمماج‬
‫تجور المادة ؟‬
‫ل كرامة ول أدمية ‪ ..‬وهذا هو المطلوب !‬
‫‪m m m‬‬

‫ولسنا نحن بحمد الله فى حاجممة إلممى أقمموال البشممر نسممتدل بهمما‬
‫على وجود الله وعلى وحدانيته ‪ ،‬فعندنا كتابنا الممذى نممؤمن بممه ‪ ،‬هممو‬
‫حسبنا فى كل قضية من قضايا الحيماة ‪ ،‬وقمد بسمط القمرآن قضمية‬
‫اللوهية بسطا ل يحتاج إل إلى تدبره بعقل مفتوح وقلب مفتوح ‪.‬‬
‫ولكنا مع ذلك نأخذ شهادة على البشرية الضالة من علمائهمما فممى‬
‫هذا القرن الذى نعيش فيه ‪.‬‬
‫" يقول رسل تشممارلز إرنسممت " أسممتاذ الحيمماء والنبممات بجامعممة‬
‫فرنكفورت بألمانيا ‪:‬‬
‫" لقد وضعت نظريات عديدة لكى تفسر نشأة الحيمماة مممن عممالم‬
‫الجمادات ‪ ،‬فذهب بعممض البمماحثين إلممى أن الحيمماة قممد نشممأت مممن‬
‫البروتوجين ‪ ،‬أو من الفيروس أو تجمممع بعممض الجزئيممات البروتينيممة‬
‫الكبيرة وقد يخيل إلى بعممض النمماس أن هممذه النظريممات قممد سممدت‬
‫الفجوى التى تفصممل بيممن عممالم الحيمماء وعممالم الجمممادات ‪ ..‬ولكممن‬
‫الواقع الذى ينغممى أن نسملم بمه همو أن جميمع الجهممود المذى بممذلت‬
‫للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشممل وخممذلن‬
‫ذريعين ‪ .‬ومع ذلك فإن مممن ينكممر وجممود اللممه ل يسممتطيع أن يقيممم‬
‫الممدليل المباشممر للعممالم المتطلممع ‪ ،‬علممى أن مجممرد تجمممع الممذرات‬
‫والجزئيات من طريق المصادفة ‪ ،‬يمكن أن يؤدى إلى ظهور الحيمماة‬
‫وصمميانتها وتوجيههمما بالصممورة الممتى شمماهدناها فممى الخليمما الحيممة ‪.‬‬
‫وللشخص مطلق الحرية فى أن يقبل هذا التفسممير لنشممأة الحيمماة ‪،‬‬
‫فهذا شأنه وحممده ! ولكنممه إذ يفعممل ذلممك ‪ ،‬فإنممما يسمملم بممأمر أشممد‬
‫إعجازا أو صعوبة على العقل من العتقاد بوجود اللممه ‪ ،‬الممذى خلممق‬
‫الشياء ودبرها ‪.‬‬
‫" إننى أعتقد أن كل خلية من الخليا الحية قد بلغممت مممن التعقممد‬
‫درجة يصعب علينا فهمها ‪ ،‬وأن مليين الملييممن مممن الخليمما الحيمماة‬
‫الموجودة على سطح الرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكممر‬
‫‪1‬‬
‫والمنطق ‪ .‬ولذلك فإننى أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا‬
‫ويقول " إيرفنج وليام ) دكتوراه من جامعة أيووا وإخصائى وراثممة‬
‫التبانات ‪ ،‬وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجان (‬
‫" إن العلوم ل تستطيع أن تفسممر لنمما كيممف نشمأت تلمك المدقائق‬
‫الصغيرة المتناهية فى صغرها ‪ ،‬والممتى ل يحصمميها عممد ‪ ،‬وهممى الممتى‬
‫تتكون منها جميع المواد ‪ .‬كممما ل تسممتطيع العلمموم أن تفسممر لنمما –‬
‫بالعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيمف تتجممع همذه المدقائق‬
‫‪2‬‬
‫الصغيرة لكى تكون الحياة‬
‫ويقول " ألبرت ماكومب ونشستر " المتخصص فى علم الحياء ‪:‬‬
‫" ولقد اشتغلت بدراسة علم الحياء ‪ .‬وهو من الميممادين العلميممة‬
‫الفسيحة التى تهم بدراسة الحياة ‪ ،‬وليس بين مخلوقممات اللممه أروع‬
‫من الحياء التى تسكن هذا الكون ‪.‬‬
‫من مقال الخليا الحية تؤدى رسالتها " من كتاب " الله يتجلى فى عصر العلم ‪ ،‬ص ‪77‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪ 52‬من كتاب " الله يتجلى فى عصر العلم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫" أنظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق‬
‫‪ .‬فهل تستطيع أن تجد له نظيممرا فممى روعتممه بيممن جميممع ممما صممنعه‬
‫النسان من تلك العدد واللت الرائعة ؟ إنه ألة حيممة تقمموم بصممورة‬
‫دائبة ل تنقطع أنمماء الليممل وأطممراف النهممار ‪ ،‬بممآلف مممن التفمماعلت‬
‫الكيماوية والطبيعية ‪ ،‬ويتم ذلك تحمت سميطرة المبروتوبلزم – وهمو‬
‫المادة التى تدخل فى تركيب جميع الكائنات الحية ‪.‬‬
‫فمن أين جاءت هذه اللة الحيممة المعقممدة ؟ إن اللممه لممم يصممنعها‬
‫هكممذا وحممدها ‪ .‬ولكنممه خلممق الحيمماة ‪ ،‬وجعلهمما قممادرة علممى صمميانة‬
‫نفسها ‪ ،‬وعلى الستمرار من جيممل إلممى جيممل ‪ ،‬مممع الحتفمماظ بكممل‬
‫الخواص والمميزات التى تعيننا على التميز بين نبممات وآخممر ‪ ..‬إن‬
‫دراسة التكاثر فى الحياء تعتبر أروع دراسات علم الحيمماء وأكثرهمما‬
‫‪1‬‬
‫إظهارا لقدرة الله‬
‫ثانيا ‪ :‬التفسير المادى لنسان ‪:‬‬
‫بعد أن فرغنا من قضية مادية الخممالق نتحممدث عممن قضممية ماديممة‬
‫النسان ‪ ،‬وذلك لزم لنا قبل أن ننمماقش التفسممير المممادى لمختلممف‬
‫نممواحى النشمماط النسممانى ومجممالت حيمماته ‪ ،‬كالممدين ‪ ،‬والسممرة ‪،‬‬
‫والقيم المعنوية ‪ ،‬والمبادئ الفكرية ‪ ،‬والنظم والمؤسسات ‪.‬‬
‫ول شك أن الماديين قد تأثروا بالداروينيممة فممى تصممويرها المممادى‬
‫الحيوانى للنسان ‪ ،‬أو هم فممى الحقيقممة قممد اسممتغلوا النظريممة – إذ‬
‫وجدوها صالحة للسممتغلل – فممى تشممويه صممورة النسممان الكريمممة‬
‫العاليممة الوضمميئة المشممرقة ‪ ،‬وتصممويره فممى صممورة هابطممة تخممدم‬
‫أغراض المخطط الشرير ‪ ،‬إذا تحجب عن النسممان مجممالت رفعتممه‬
‫وإشراقه ‪ ،‬وتوحى إليه بالهبوط فيهبط ‪ ،‬وتنطمممس بصمميرته فيصممبح‬
‫كما يريدون ‪.‬‬
‫ولكممن الحقيقممة أن دارون نفسممه – رغممم نفيممه الخممالق المباشممر‬
‫للنسممان علممى صممورته النسممانية ‪ ،‬وإلحمماقه إيمماه بسلسمملة التطممور‬
‫الحيوانى – لم يهبط بممه إلممى المسممتوى الممذى وضممعته فيممه الماديممة‬
‫الجدلية والتفسير المادى للتاريخ ‪ .‬وأن هذا التفسير المادى إنما هو‬
‫خطوة " تقدمية " فى المخطط الهادف إلى استحمار البشرية كلها‬
‫للشعب المختار !‬
‫كان النسان عند دارون كائنمما حيمما تطممور عممن القممدرة العليمما مممع‬
‫فاصل تطورى تصوره ولمم يعمثر عليمه فسمماه الحلقمة المفقمودة ‪،‬‬
‫وهى الحلقة الوسيطة بين القرد والنسان ‪ ،‬كما كان النسان عنممده‬
‫ص ‪ 106 – 105‬من المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫متأثرا بالبيئة المادية فممى تطمموره مممن الحالممة القرديممة إلممى الحالممة‬
‫النسمماني ‪ ،‬لن ظممروف الممبيئة الماديممة هممى الممتى أحممدثت سلسمملة‬
‫التطور من أول الكائن الوحيدة الخلية إلى النسان ‪.‬‬
‫ولكنه لم يكن قط فى التصور الداروينى مادة ‪ ،‬ول كانت قمموانين‬
‫المادة منطبقة عليه ‪ ،‬فمنذ تحولت المادة الميتممة إلممى مممادة حيممة –‬
‫بصورة لم يشأ دارون أن يتعمرض لهما ‪ ،‬بمل تهمرب منهما لكيل تلجئه‬
‫إلى العتراف بالرادة اللهية فممى إخممراج الحممى مممن الميممت – منممذ‬
‫ذلك الحين صارت لهمما قمموانين خاصممة تحكمهمما غيممر قمموانين المممادة‬
‫الميتة ‪ ،‬هى قوانين الحياة ‪.‬‬
‫وكانت تلك بديهية عنممد دارون وعنممد النمماس جميعمما ‪ ،‬ل يخممالجهم‬
‫فيها شك لنها أوضح من ان يثور فيها الشك ‪ .‬ولئن كممان دارون قممد‬
‫رد النسمان إلمى المرتبمة الحيوانيمة ) علمى أسماس جسمده ( مغفل‬
‫تفرد النسان ‪ 1‬فإنه على أى حال قد ارتفع بالكائنات الحيممة جميعمما‬
‫بما فيها النسان – بلى هو فى قمتها – عممن مجممال المممادة ‪ ،‬وجعممل‬
‫مجال الحديث عنها هو علم " الحياة " الذى يختلف اختلفا بينا عممن‬
‫علم " المادة " ‪.‬‬
‫أما التفسير الممادى للتاريممخ فلمم يشمأ أن يقممف بالنسمان – فمى‬
‫الهبوط– عند مرحلة الحيوانية التى أوقفممه فينمما دارون ‪ ،‬إنممما دفعممه‬
‫دفعات أخرى إلى أسفل ‪ ،‬ليتردى فى مهاوى المادى الحالكة حيممث‬
‫يعود إلى التراب ‪ ،‬صرفا بغير روح ‪ ،‬ويصبح قانونه التراب !‬
‫وحدة العالم تنحصر فى ماديته ‪ ،‬والنسان نتاج المادة ‪ .‬فإذا قيمل‬
‫وما الفكر ؟ فالفكر نتاج الدماغ ‪ ،‬والدماغ مادة !!‬
‫منطق علمى " عجيب ‪ ،‬غاية فى العجب فى الحقيقة !‬
‫فلتكن وحدة العام منحصرة فى ماديته كممما كممان العلممم النمماقص‬
‫يقول على أيام ماركس وإنجلز ولنين قبل تفجير الذرة واسممتخلص‬
‫" الطاقة " من داخلها ‪ . .‬فما صلة ذلك بالنسان ؟!‬
‫الكون المادى مادة ‪ .‬والحياة حياة ‪ ،‬والنسان إنسان !‬
‫وليكن الدماغ مادة ‪ ..‬فهل كل مادة تنتج الفكر ؟!‬
‫وإذا كان الصل فى الفكممر هممو مممادة الممدماغ ‪ ،‬فهممل يختلممف مممخ‬
‫الطفل الوليد عن مخ النسان الناضح ‪ ،‬من حيث تركيبه " المادى "‬
‫؟ ! فلماذا ل يفكر الطفل بينما يفكر النسان الناضج ؟ ولماذا يفكر‬
‫الطفل – حين يبدأ يفكر – علممى نحممو مختلممف عممن تفكيممر النسممان‬

‫أثبتت الداروينية الحديثة " ‪ Neo- Darwinism‬كما سيجئ فى أثناء المناقشة تفرد النسان حتى من الناحية البيولوجية‬ ‫‪1‬‬

‫البحتة التى خدعت دارون فجعلته يلحق النسان بعالم الحيوان ‪.‬‬
‫الناضج من جميع الوجوه ؟ هل هناك عناصر " ماديمة " تضماف إلمى‬
‫مخ الطفل فيصبح مخ إنسان ناضج ؟ وما تلممك العناصممر علممى وجممه‬
‫التحديد ؟ !‬
‫وأمخاخ الناس جميعهم – من حيث التركيب المادة – متشابهة إن‬
‫لم تكن متماثلممة ‪ .‬فلممماذا يختلممف تفكيممر شممخص عممن شممخص آخممر‬
‫اختلفا تام مع عدم وجود اختلف فى " المادة " الممتى يصممدر عنهمما‬
‫هذا الفكر وذاك ؟ !‬
‫وحين يكون النسان متدينا ثم يصبح شيوعيا – مثل – فهل تتغير "‬
‫مممادة " مخممه ‪ ،‬بحيممث لممو كشممفنا علممى مخممه لبصممرنا تغيممرا معينمما‬
‫ملموسا طرأ عليممه ‪ ،‬فأسممود – مثل – بعممد ابيضمماض ‪ ،‬أو زادت فيممه‬
‫كمية الناحس ونقصت كمية الفوسفور ؟!‬
‫أى سخف فى هذا " العلم " يبعث الغثيان !‬
‫والشيوعية تقممول إن النسممان سمميد هممذا الكممون ‪ 1‬فكيممف يخلممق‬
‫الكون سيده كما تساءلنا من قبل ؟ ثم كيف يكون السيد من نفممس‬
‫مادة المسود بل زيادة ؟ ! ما الممذى يجعلممه سمميدا إذن إذا كممان مممن‬
‫نفس التركيب ؟ !‬
‫إن المؤمنين بالله ورسممله يؤمنممون بممأن النسممان مممن مممادة هممذا‬
‫الكون ‪:‬‬
‫ن )‪{(26‬‬ ‫س مُنو ٍ‬‫م ْ‬
‫م مإ ٍ َ‬
‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫صمما ٍ‬‫صل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫مم ْ‬
‫ن ِ‬‫سمما َ‬ ‫خل َْقن َمما ال ِن ْ َ‬ ‫}وَل ََق مد ْ َ‬
‫]سورة الحجر ‪[15/26‬‬
‫ن )‪] {(71‬سممورة‬ ‫طيم ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫شرا ً ِ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ص ‪[38/71‬‬
‫ولكنهم يؤمنون بأن هناك شيئا آخممر غيممر الطيممن هممو الممذى جعممل‬
‫النسان إنسانا وميزه على بقية الخلق ‪ .‬ذلك هو النفخة العلوية فيه‬
‫‪:‬‬
‫ه‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫ن )‪ (71‬فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شرا ً ِ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪] {(72‬سممورة ص‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬
‫سمما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حممي فََقعُمموا ل َم ُ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِفي مهِ ِ‬ ‫خم ُ‬ ‫وَن ََف ْ‬
‫‪[72-38/71‬‬
‫فإذا جرده الشيوعيون من نفخة الممروح وجعلمموه طينمما فحسممب ‪،‬‬
‫فكيف يفسرون سمميادة الطيممن علممى الطيممن ‪ ،‬أو سمميادة جممزء مممن‬
‫المادة على بقية المادة المماثلة لها تماما فى التركيب ؟!‬
‫وكيممف يكممون هممذا منطقمما " علميمما " تبنممى عليممه نظريممة علميممة‬
‫يقول الشيوعيون ذلك ل إيمانا حقيقيا بتلك الحقيقة ‪ ،‬ولكن لنيفوا فقط أولهية الله لهذا الكون وكل ما فيممه بممما فممى‬ ‫‪1‬‬

‫ذلك النسان ‪ ،‬فإذا أخرجوا النسان – بزعمهم – من مجال العبودية لله بقولهم إن النسمان سميد همذا الكمون ‪ ،‬عمادوا‬
‫فردوه أسفل سافلين تحكمه الحتميات ‪ ،‬وتمرغه المادة فى الوحل ! ولكننا نأخذهم بكلمهم على أى حال !‬
‫وتفسير علمى للحياة البشرية ؟!وهممل حممدث خلل ألمموف الملييممن‬
‫من السنين أن خرجت قطعة من المادة فسودت نفسها أو زعمممت‬
‫لنفسممها سمميادة علممى بقيممة المممادة المتفقممة معهمما فممى جوهرهمما‬
‫وأعراضها ؟‬
‫أم لبممد بداهممة أن تكممون قطعممة المممادة الممتى سممودت نفسممها أو‬
‫منحت السيادة على بقيممة المممادة ‪ ،‬متميممزة فممى تركيبهمما عممن بقيممة‬
‫المادة وزائدة عنها بنوع من الزيادة أيا كان ؟‬
‫فإذا كان ذلك كذلك فكيف تكون قوانين المممادة العاديممة منطبقممة‬
‫بحذافيرها على قطعة المادة التى تميزت عنها فممى تركيبهمما وزادت‬
‫عليها زيادات ؟‬
‫أليست الزيادة التى اقتضت التميز والسميادة – أيمما كمان نوعهما –‬
‫تقتضى أن يكون لها معاييرها الخاصة وقوانينها الخاصة ؟‬
‫وهل يكفى أن يقول النسان بلسانه – كما يقول التفسير المادى‬
‫للتاريخ – إن النسان هو أعلى " تطور " حممدث فممى عممالم المممادة ‪،‬‬
‫إذا كممان سمميعود فيلغممى هممذا " التطممور " ويعامممل النسممان بقممانون‬
‫المادة البحث بل تغيير ؟‬
‫ما قيمة التطور إذن – إذا سلمنا جدل بأن النسان مادة متطممورة‬
‫– بل ما قيمة " أعلى درجات التطور ‪ ،‬إذا كنا سنعود فنعامل المادة‬
‫المتطورة بقوانين المادة غير المتطورة ؟‬
‫وما هذه الحيرة والبلبلة ‪ :‬مممرة نعامممل النسممان علممى أنممه أعلممى‬
‫درجات التطممور فممى عممالم المممادة ‪ ،‬ومممرة نعممامله بقمموانين الطيممن‬
‫مجردة عن كل زيادة ‪ .‬أم هذا هو " النسان الطينى " الممذى يصممفه‬
‫ويتكلم عنه التفسير المادى للتاريخ !‬
‫‪m m m‬‬

‫انطبقا قوانين المادة الجامدة على النسان أسممطورة " علميممة "‬
‫غير مسبوقة فى تاريخ الفكر البشرى ‪ ،‬تسجل " بممراءة " اختراعهمما‬
‫والحق يقال للممماديين الشمميوعيين ‪ ،‬وإن كممانت ل تحمممل " بممراءة "‬
‫على الطلق !‬
‫إنها مجرد هراء يتلبس بزى علمممى مزيمف ‪ ،‬ل يمكممن تفسمميره إل‬
‫إذا أخرجناه تماما من دائرة العلم ‪ ،‬ونظرنا إليممه مممن زاويممة الهممدف‬
‫المقصود منه ‪ ،‬كما أسمملفنا مممن قبممل ونحممن نتحممدث عممن التفسممير‬
‫المادى للخالق ‪.‬‬
‫والمقصود – من ناحية – هو مسخ النسان وتشويهه والهبمموط بممه‬
‫إلى الدرك السممفل – أسممفل درك يمكممن أن يصممل إليممه – ليتحقممق‬
‫المخطممط الكممبير ‪ ،‬مخطممط اسممتحمار المييممن لحسمماب الشممعب‬
‫المختار ‪.‬‬
‫والمقصود – من ناحيممة أخممرى هممو القممول بممأن هنمماك متناقضممات‬
‫متصممارعة فممى حبممة البشممر علممى الرض ‪ ،‬وأن صممراع المتناقضممات‬
‫سيؤدى فى النهاية – عن طريق التطممور الحتمممى – إلممى الشمميوعية‬
‫) وهى آخر مخترعات المخطط اليهودى بعد الديمقراطية الليبراليممة‬
‫الرأسمالية لستحمار المميين ووضمعهم بصمورة نهائيمة فمى قبضمة‬
‫الشعب المختار ( ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا هو المقصممود ‪ ،‬فلنقممل إذن إن النسممان مممادة ‪ ،‬وإن‬
‫التناقض والتطور ممن قمموانين المممادة ‪ ،‬وإن قموانين الممادة تنطبممق‬
‫على النسان ‪ ،‬وإن التناقض وصراع المتناقضات حممادث فممى عممالم‬
‫النسان ‪ ،‬ومؤد فممى النهايممة – عممن طريممق التطممور الحتمممى – إلممى‬
‫الشيوعية !‬
‫وهى كما ترى لفة طويلة ما كان الشيوعيون أنفسهم فممى حاجممة‬
‫إليها – حتى وهم يريدون أن يسوقوا النمماس إلممى الشمميوعية – فقممد‬
‫كممان يكفيهممم لهممدفهم الخيممر أن يقولمموا إن الحيمماة البشممرية مليئة‬
‫بالمتناقضات التى يصممارع بعضممها بعضمما ‪ ،‬وإن هممذا الصممراع لبممد أ‪،‬‬
‫يؤدى فى نهاية المطاف إلى غلبة الشيوعية وتحول البشر كلها إليها‬
‫‪.‬‬
‫كان هذا يكفممى ‪ ..‬لممول أن الهمدف الول – كممما قلنما – همو مسممخ‬
‫النسان والهبوط به إلى الدرك السممفل ‪ ،‬فلممزم أن يلحممق النسممان‬
‫بالمممادة ويرتبممط بقمموانين المممادة خشممية أن ينفلممت ذات يمموم مممن‬
‫القبضة الشريرة إذا بقيت له صممفة الدميممة ‪ ،‬ومممن صممفات الدميممة‬
‫حرية الختيار ! وحتى ل يرتفع رأس واحد من بين المميممن يقممول "‬
‫أنا إنسان " !‬
‫وهذا هو المنطق الحقيقى الذى يفسر التفسير المممادى للتاريممخ ‪،‬‬
‫حيث يعجز أى تفسير علمى عن تفسير هذا التفسير !!‬
‫إذا فهمنا ذلك " السممر " لممم يعمد يكرثنما كمثيرا أن ننماقش قضممية‬
‫التفسير المادى للنسممان مناقشممة موضمموعية مطولممة ‪ .‬لكنمما نقممول‬
‫فقط أن " إنسانية " النسان ل بمماديته ول حيمموانيته ‪ ،‬أظهممر مممن أن‬
‫يجادل فيها المجممادلون ‪ ..‬ولكنممه الهمموى الممذى يتخممذ الممزى العلمممى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ُ‬‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫م ل ََف َ‬
‫سد َ ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫المزيف ‪} :‬وَل َوْ ات ّب َعَ ال ْ َ‬
‫حق ّ أ ه ْ َ‬
‫ن{ ]سورة المؤمنون ‪[23/71‬‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫ولقد كان دارون هو الذى وجه اللطمة الكبرى لنسممانية النسممان‬
‫حيممن زعممم أنممه حيمموان ‪ ،‬وأنممه نهايممة سلسمملة التطممور الحيمموانى بل‬
‫زيادة ‪ ،‬فاليوم ينقممض العلممم الممداروينى ذاتممه مقالممة دارون ‪ ،‬ويممؤك‬
‫على إنسانية النسان ‪.‬‬
‫يقممول " جوليممان هكسمملى ‪ :‬وهممو عممالم داروينممى ملحممد متبجممج‬
‫بممالكفر ‪ ،‬فممى كتممابه " النسممان فممى العممالم الحممديث ‪Man in the‬‬
‫‪" Modern World‬‬
‫" وبعممد نظريممة دارون لممم يعممد النسممان مسممتطيعا تجنممب اعتبممار‬
‫نفسه حيوانا ‪ ،‬ولكنه بدأ يرى نفسه حيوانا غريبا جديا ‪ .‬وفى حممالت‬
‫كممثيرة ل مثيممل لممه ‪ .‬ول يممزال تحليممل تفممرد النسممان مممن الناحيممة‬
‫البيولوجية غير تام ‪.‬‬
‫" وأولى خواص النسان الفممذة وأعظمهمما وضمموحا ‪ .‬قممدرته علممى‬
‫التفكير التصويرى ‪ ،‬وإذا كنت تفضل استخدام عبممارات موضمموعية ‪،‬‬
‫فقل ‪ :‬استخدامه الكلم الواضح ‪.‬‬
‫" ولقد كان لهذه الخاصية الساسممية فممى النسممان نتممائج كممثيرة ‪،‬‬
‫وكان أهمها نمو التقاليد المتزايدة ‪.‬‬
‫" ومن أهم نتائج تزايد التقاليد – أو إذا شئت – من أهم مظمماهره‬
‫الحقيقية ما يقوم به النسان من تحسين فيما لديه من عدد وآلت ‪.‬‬
‫" وإن التقاليد والعدد لهممى الخممواص الممتى هيممأت للنسممان مركممز‬
‫السيادة بين الكائنات الحية ‪ ..‬وهذه السيادة البيولوجية فمى الموقت‬
‫الحاضمر خاصمية أخمرى ممن خمواص النسمان الفمذة ‪ ..‬ولمم يتكماثر‬
‫النسان فحسب ‪ ،‬بل تطور ‪ ،‬ومد نفوذه ‪ ،‬وزاد من تنوع سممبله فممى‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫" وهكذا يضع علم الحياة النسان فى مركز مماثممل لممما أنعممم بممه‬
‫عليه كسيد المخلوقات كما تقول الديان ‪ .‬ومع ذلممك هنمماك فممروق ‪،‬‬
‫وفروق هامة بعض الشئ ‪ ،‬بالنسممبة لنظريتنمما العامممة ‪ ،‬فمممن وجهممة‬
‫النظمر البيولوجيمة لمم تخلمق الحيوانمات الخمرى لخدممة النسمان ‪،‬‬
‫ولكن النسان تطور بصورة مكنته مممن التخلممص مممن بعممض النممواع‬
‫المنافسة ‪ ،‬ومممن اسممتبعاد أنممواع أخممرى بالسممتئناس ‪ ،‬ومممن تعممديل‬
‫الحوال الطبيعية والبيولوجية فى معظم أجمزاء اليمابس مممن الكممرة‬
‫الرضية ‪ .‬ولم تكن وجهة النظر الدينية صحيحة فى تفاصيلها أو فممى‬
‫‪1‬‬
‫كثير مما تتضمنه ولكن كان لها أساس جيولوجى متين‬
‫جوليان هكسلى عالم ملحد ‪ ،‬ل يقر بوجود الله ‪ ،‬وهو يرى الحق أمامه ويكاد يسمملم بممه ‪ ،‬ولكممن تأخممذه العممزة بممالثم‬ ‫‪1‬‬

‫فيحاول النكوص عما يفرضه الحق الواضح المبين ‪ ،‬ولكن يكفى على أى حممال أن يقممر بممأن وجهممة النظممر الدينيممة لهمما‬
‫أساس جيولوجى متين ‪ ،‬فما ينتظر ن رجل ملحد أن يذهب إلى أبعد من هذا المدى فى العتراف بحقائق الدين ‪.‬‬
‫" ولقد أدى الكلم والتقاليد والعدد إلى كثير من خممواص النسممان‬
‫الخممرى ‪ ،‬المتى ل مثيمل لهما بيممن المخلوقممات الخممرى ‪ ..‬ومعظمهما‬
‫واضممح معممروف ‪ ،‬ولممذلك أرى عممدم التعممرض لهمما حممتى انتهممى مممن‬
‫التحدث عن الخواص غير المعروفة كممثيرا ‪ ،‬لن الجنممس البشممرى –‬
‫كنوع – فريد فى صفاته البيولوجية الخالصة ‪ .‬ولم تلق تلك الصفات‬
‫من العناية ما تستحق ‪ ،‬سواء من وجهة نظر علم الحيوان ‪ ،‬أو مممن‬
‫وجهة نظر علم الجتماع ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬وأخيرا فإن النسان ل مثيل لممه بيممن الحيوانممات الراقيممة فممى‬
‫طريقة تطوره ‪.‬‬
‫" وإن خاصية النسان الجوهرية ككائن حى مسيطر لهى التفكيممر‬
‫المعنوى ‪..‬‬
‫" يجب أل يعزب عن بالنا أن الفرق بيممن النسممان والحيمموان فممى‬
‫العقل أعظم بكثير مما يظن عادة ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬ولهممذه الزيممادة فممى المرونممة نتممائج أخممرى – سمميكلوجية –‬
‫يتناساها رجال الفلسفة العقلية ‪ ..‬والنسان فريد أيضا فى بعضممها ‪.‬‬
‫وقد أدت هذه المرونة مثل إلى حقيقة أن النسان هو الكائن الحممى‬
‫الوحيد الذى لبد أن يتعرض للصراع النفسى ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬وفى الحقيقة إن منممع النممزاع بيممن طممرق العمممل المتعارضممة‬
‫لظاهرة عامة جدا ‪ ،‬وذات منفعة بيولوجية ‪ ،‬وهى ليست إل خاصممية‬
‫العقل البشرى الذى مكن النسان من التخلص من هذا النزاع ‪.‬‬
‫" ‪ .‬وعندما نصل إلى المسممتوى النسممان نجممد تعقيممدات جديممدة ‪،‬‬
‫لن من خصائص النسان كما رأينا التغلب على شدة الغريزة ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬وهذه الخواص التى أمتاز بها النسان – والتى يمكن تسميتها‬
‫نفسية أكثر منها بيولوجيممة – تنشممأ ن خاصممة أو أكممثر مممن الخممواص‬
‫الثلث التية ‪:‬‬
‫" الولى ‪ :‬قدرته على التفكير الخاص والعام ‪.‬‬
‫" الثانية ‪ :‬التوحيد النسبى لعملياته العقلية بعكس انقسام العقممل‬
‫والسلوك عند الحيوان ‪.‬‬
‫" الثالثة ‪ :‬وجود الوحدات الجتماعية مثل القبيلة والمة والحممزب‬
‫والكنيسة ) الجماعة الدينية ( وتمسك كل منها بتقاليدها وثقافتها ‪.‬‬
‫" ‪ ..‬ولكن ل يكفى هنمما أن نحصممى بعممض أوجممه النشمماط ‪ ..‬ففممى‬
‫الحقيقممة أن معظممم أوجممه نشمماط النسممان وخواصممه نتممائج ثانويممة‬
‫لخواصه الصلية ‪ .‬ولذلك فهى مثلها فذة من الناحية البيولوجية‬
‫" ثممم إن التخمماطب واللعمماب المتظلمممة والتعليممم والعمممل بممأجر‬
‫وفلحممة البسمماتين والمسممرح والضمممير والممواجب والخطيئة والذلممة‬
‫والرذيلة والندم ‪ ،‬كلها نتائج ثانوية ) لخصائصه الصمملية ( والصممعوبة‬
‫فممى الواقممع هممى إيجمماد نشمماط للنسممان ل يكممون فريممدا ‪ ..‬بممل إن‬
‫الصفات الساسية البيولوجية مثل الكل والنوم والختلط الجنسممى‬
‫زينها النسان بكل المحسنات الفريدة ‪.‬‬
‫" وقد يكون لتفرد النسان نتائج ثانوية أخممرى لممم تسممتغل بعممد ‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫وبذلك قد يكون النسان فريدا فى أحواله أكثر مما نظن الن‬
‫ويقول رينيه دوبو فى كتممابه " إنسممانية النسممان " ) ترجمممة نبيممل‬
‫صبحى الطويل ص ‪ 139 – 138‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" وأكثر السلوك فى الحيوانات بما فيها العليا غريممزى ل صمملة لممه‬
‫بالعقل والحجى ‪ ،‬ومن النادر – إن لم يكن من المستحيل – أن تجد‬
‫هذا السلوك متوجهما نحمو المسمتقبل البعيمد المذى يحماول الحيموان‬
‫التكهن بممه والسممعى ليجمماده ‪ .‬وبالمقابممل فممإن ردود فعممل النسممان‬
‫لكمثر الشمارات المحيطيمة تتمأثر بعممق بتكهنماته عمن المسمتقبل ‪،‬‬
‫سواء كانت هذه التكهنات مبنية على الخوف أو الحقائق المعلومممة‬
‫أو الرغبة فى النجاز ‪ ،‬أو فقط على المال الحالمممة ‪ ،‬والحقيقممة أن‬
‫ميل النسان لتخيل الشياء التى لم تجد بعد ‪ ،‬أو التى لن تقع بدون‬
‫إرادة وعمل حر يقوم به ‪ ،‬هى الناحية البمارزة المتى تميمزه بوضموح‬
‫تام عن الحيوان ‪ ،‬وهى التى تسهم كثيرا فممى تعقيممد بنيتممه النفسممية‬
‫التى أعيت الطباء ‪.‬‬
‫" ومن أبرز النواحى المميزة للنسان ميله للسمو علممى الممدوافع‬
‫البيولوجية البسيطة ‪ ،‬فعنده الستعداد لتحويل العمليات العادية فى‬
‫وجوده إلى أعمال وأعراض ومطامح ليس لها ضرورات بيولوجيممة ‪،‬‬
‫وربما تكون متعارضة مع استمرار حياته ‪ .‬أكثر من ذلك إن النسان‬
‫يميل ليرمز لكل شئ يحدث له ثم يتفاعل مع هذه الرممموز كممما لممو‬
‫أنها إثارات محيطية حقيقية ‪ ،‬فرد فعممل شممخص معيممن علممى عامممل‬
‫محيطى ‪ ،‬مشروط فيزيولوجيا ونفسيا بتجاربه الذاتية الماضية "‪.‬‬
‫ويقول ) ص ‪ 14‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫" ويتمتع النسان بقدر كبير من الحريممة فممى الختيممار والتقريممر ‪..‬‬
‫فهو المتميز فى كونه قممادرا علممى الختيممار والتمحيممص والتنظيممم ‪..‬‬
‫ومن هذه يأتى البداع "‬
‫ويقول ) ص ‪ 164‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫ومن المعروف أن كل مظاهر الحياة مشروطة بالوراثة وتجممارب‬
‫ترجمة حسن خطاب ومراجعة الدكتور عبد الحليم منتصر – مقتطفات متفرقة من ص ‪ – 1‬ص ‪26‬‬ ‫‪1‬‬
‫الماضى وعوامل البيئة ‪ ،‬إل أنه من المعروف أيضا أن الرادة الحرة‬
‫تمكممن البشممر مممن النمممو علممى ضمموابطه " التحديديممة البيولوجيممة "‬
‫فالقدرة على الختيار بين الفكار وأساليب الفعال المختلفة يمكممن‬
‫أن تكون أهم صفات النسان ‪ .‬لقد كانت فى الغممالب – ول تممزال –‬
‫محددا هاما فى تطور النسان ‪ .‬وأكثر ما يستنكر فى علمموم الحيمماة‬
‫كما تدرس الن هممو أنهمما تجمماهلت متعمممدة أهممم ظمماهرة فممى حيمماة‬
‫النسان ‪ ..‬أل وهى الحرية ‪.‬‬
‫ويقول ) ص ‪ 169‬من الترجمة العربية ( ‪.‬‬
‫" حرية النسان تعنى – من ضمن ما تعنيه – قدرته علممى التعممبير‬
‫عممن إمكانيمماته الكامنممة وقممدرته علممى الختيممار واسممتعداده لقبممول‬
‫المسئوليات ‪ .‬كل هذه وأمثالها من النشمماطات الممتى تضممم الختيممار‬
‫والتقرير لتسمو على التحديدية الجبرية التى تسم عمليات اللة "‬
‫ويقول ) ص ‪ 262‬من الترجمة العربية ( ‪:‬‬
‫" ويدرك البشر العالم بحواسممهم ‪ .‬ومممن التنمماقض أن كممثيرا مممما‬
‫يقدرونه فى العالم من حولهم ل يعتمد على هممذا الدراك الحسممى ‪.‬‬
‫والواقع أن كثيرا من بنممى النسممان ضممخوا بوجممودهم المممادى علممى‬
‫مذبح قيم غير مادية تدركها الروح ول يحسها جسم اللحم والدم "‬
‫" هذا ما يقوله " العلم "‬
‫فأى هاوية سحيقة تلك التى يهموى بالنسمان إليهمما ذلمك التفسممير‬
‫المادى للنسان ‪ ،‬حين ينزع عنه مقومات إنسانيته الصمميلة ‪ ،‬ويممرده‬
‫إلى المادةة ‪ ،‬ويجعل قوانينها هى قوانينه ؟ !‬
‫أى إلغاء لحرية النسان وكرامته ‪ ..‬وأى تحقير لممه أشممد مممن هممذا‬
‫التحقير ؟ !‬
‫فإذا علمنا أن هذا هو المطلوب ‪..‬‬
‫إلغاء الحرية لكى ل يختار المميممون لنفسممهم طريقمما غيممر الممذى‬
‫يرسمه لهم شعب الله المختار ‪ .‬وإلغاء الكرامممة لكممى ل يسممتنكفوا‬
‫من العبودية التى يري أن يفرضها عليهممم ذلممك الشممعب ‪ .‬والتحقيممر‬
‫لكى ل يرفعوا رؤوسهم بالتمرد على التسخير الذى يسخرهم إياه ‪.‬‬
‫إذا علمنا أن هذا هو المطلوب ‪ ،‬أدركنا الهممدف " الضممخم " الممذى‬
‫يحققه التفسير المادى للنسان !‬
‫ثالثا التفسير المادى للقيم النسانية ‪:‬‬
‫منذ جعل النسان مادة فقد ألغيت فى الحقيقممة كممل القيممم علممى‬
‫الفور ‪ ،‬ولم يعد لها مكان فى حياة النسان ‪ ،‬فممأنى للمممادة – مهممما‬
‫تطورت – أن يكون لها قيم – روحية أو نفسمية أو خلقيمة ؟ ! ولكمن‬
‫الشيوعية ما كانت تملك أن تتجاهل ودود القيم فى التاريخ البشرى‬
‫‪ ،‬فكان لبد من أن تعطيها تفسيرا ما ‪ ..‬يفسممدها ويشمموهها ليقضممى‬
‫عليها فى النهاية ‪ .‬والتفسير المادى للقيممم همو الداة المتى اختارتهمما‬
‫الشيوعية لداء جريمتها الكبرى ‪ ،‬فهى تتظاهر بإعطاء تفسمير لتلمك‬
‫القيم ‪ ،‬بينما ذلممك التفسممير فممى الحقيقممة يلغممى القيممم إلغمماء باتممات‬
‫ويقضى عليها من منبتها !‬
‫ومممع ذلممك فسممنتجاهل هممذه الحقيقممة ‪ ،‬ونأخممذ المممر كممأنه جمماد ‪،‬‬
‫ونسممتعرض التفسممير المممادى للقيممم النسممانية ونناقشممه مناقشممة‬
‫موضوعية !‬
‫يتمثممل التفسممير المممادى للقيممم النسممانية فممى مجموعممة مممن‬
‫الخطوات أو مجموعة من النقاط نجملها فيما يلى ‪:‬‬
‫‪ (1‬تضخيم العامل المادى والقتصادى وجعله أساس كل شئ فى‬
‫حياة النسان ‪.‬‬
‫‪ (2‬اعتبممار القيممم المعنويممة كلهمما مجممرد انعكمماس للوضممع المممادى‬
‫والقتصادى ‪.‬‬
‫‪ (3‬نفى وجود قيم ثابتة بحكم التطور الذى يغير القيم كلهمما كلممما‬
‫تغير الوضع المادى والقتصادى ‪.‬‬
‫‪ (4‬السخرية بالممدين وتسممخيفه وتهمموين شممأنه ورده إلممى أسممباب‬
‫مادية واقتصادية ‪.‬‬
‫‪ (5‬السممخرية بممالحق والعممدل الزلييممن ‪ ،‬والقممول بخضمموع النمماس‬
‫للحتميات المادية والقتصادية والتاريخية ‪:‬‬
‫ولنأخذ فى شئ من التفصيل لكل نقطة من هذه النقاط ‪.‬‬
‫‪ -1‬تضخيم العامل المادى والقتصادى ‪:‬‬
‫يتممبين لنمما مممن العممرض الممذى عرضممناه مممن أقمموال المفكريممن‬
‫الشيوعيين والمؤسسين للفكممر المممادى إلممى أى مممدى يعتممبر أولئك‬
‫المفكرون العامل المادى والقتصادى أساسا لكممل شممئ فممى حيمماة‬
‫النسان ‪ .‬ويكفينا أن نعود إلى قولممتى مواركسممى وإنجلممز فممى هممذا‬
‫الشأن ‪.‬‬
‫" فممى النتمماج الجتممماعى الممذى يزاولممه النمماس تراهممم يقيمممون‬
‫علقات محمدودة ل غنمى لهمم عنهما‪ ،‬وهمى مسمتقلة عمن إرادتهمم ‪.‬‬
‫فأسلوب النتاج فى الحياة المادية هو الذى يحممدد صممورة العلميممات‬
‫الجتماعية والسياسية والمعنوية فى الحياة ‪..‬‬
‫ليس شعور الناس هو الذى يعين وجودهم ‪ ،‬بممل إن وجممودهم هممو‬
‫الذي يعين مشاعرهم " ) كارل ماركس (‪.‬‬
‫" تبدأ النظريممة الماديممة مممن المبممدأ التممى ‪ :‬وهممو أن النتمماج وممما‬
‫يصاحبه من تبادل المنتجات هو الساس الذى يقول عليه كل نظممام‬
‫اجتماعى ‪ .‬فحسب هممذه النظريممة نجممد أن السممباب النهائيممة لكافممة‬
‫التغيرات أو التحممولت الساسممية ل يجمموز البحممث عنهمما فممى عقممول‬
‫الناس ‪ ،‬أو فى سعيهم وراء الحق والعدل الزليين ‪ ،‬وإنما التغييرات‬
‫التى تطرأ على أسلوب النتاج والتبادل " ) فردريك إنجلز ( ‪.‬‬
‫وهما قولتان واضحتا الدللة فى أن الصل فى اعتبارهم ليس هو‬
‫" إنسانية " النسان ‪ ،‬ول القيم المعنوية التى ينبغى أن تقوم عليهمما‬
‫حياته ‪ .‬إنما هو الوضع المادى والقتصادى الذى يكون الناس عليه ‪،‬‬
‫لن هذا الوضع هو الذى يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقممائدهم ‪،‬‬
‫كما يحمدد نمموع المؤسسمات المتى تقموم فممى حيماتهم ووظيفمة كمل‬
‫واحدة من هذه المؤسسات ‪.‬‬
‫ومن خلل تفسمميرهم للتاريممخ البشممرى يتبممدى مممدى تعمممق هممذه‬
‫الفكرة فى تصورهم ‪.‬‬
‫فالشيوعية الولى – كما يصفونها ‪ 1‬حالة مممن الهممدوء والسممتقرار‬
‫والسعادة والتعاون الخوى ‪ .‬وهى كلها قيم معنوية سببها الوحيد هو‬
‫عدم وجود ملكية فردية ‪ ،‬وقيام الحيمماة علممى الملكيممة الجماعيممة أو‬
‫المشاعية ‪ ،‬وهو سبب اقتصادى بحت ‪.‬‬
‫وتحول نظام السرة من التبعية للم إلى التبعية للب ‪ ،‬ومممن ثممم‬
‫سيطرة الب على السرة بجميع أفرادها من زوجة وأطفال ‪ ،‬يرجع‬
‫إلى سممبب اقتصممادى مممادى بحممت هممو ظهممور الملكيممة الفرديممة مممع‬
‫اكتشاف الزراعة واكتشاف الرجل أنه يمكممن أن يممورث أبنمماءه مممما‬
‫يملكه !‬
‫وتحول البشرية من حالة الشيوعية الولى إلمى المرق يرجممع إلممى‬
‫ذات السمممممممممممبب القتصمممممممممممادى الممممممممممممادى وهمممممممممممو‬
‫اكتشاف الزراعة ونشأة الملكية الفردية ‪ ،‬فعندئذ استرقت القبممائل‬
‫القوية القبائل الضعيفة وأجبرتها على العمل فى الرض لحسابها ‪.‬‬
‫وتحول الناس من الرق إلى القطاع سببه هو اكتشاف المحممراث‬
‫– وهو سبب مادى ترتبت عليه نتائج اقتصادية – إذا اكتشف النسان‬
‫أنه يستطيع باستخدام المحراث أن يممزرع مسماحة أكممبر بكممثير مممما‬
‫كان يزرعه بممالدوات البدائيممة السممابقة ‪ ،‬فنشممأت المممزارع الكممبيرة‬
‫التى يستخدم فيها رجممل واحممد مجموعممة كممبيرة مممن البشممر عبيممدا‬
‫للرض أو إجراء يعملون لحسابه ويكونون تحت سيطرته ‪.‬‬
‫سنتحدث عن الشيوعية الولى فيما بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وتحول الناس من القطاع للرأسمالية سممببه هممو اخممتراع اللممة –‬
‫وهو كذلك سبب مادى ترتبت عليممه نتممائج اقتصممادية – فقممد تحممولت‬
‫الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية رأسمالية ‪ ،‬وصار صاحب رأس‬
‫المال يستخدم مجموعة كمبيرة مممن البشممر أجممراء – بمأجر ضمئيل –‬
‫يعملون لحسابه ‪ ،‬وينتجون إنتاجا يستولى عليه هو ويربممح مممن بيعممه‬
‫أرباحا طائلة يزيممد بهمما رأس ممماله وقممدرته علممى اسممتخدام الجممراء‬
‫لحسابه ‪.‬‬
‫وتحول الناس أخيممرا إلممى الشمميوعية سممببه الصممراع بيممن العمممال‬
‫وأصحاب رؤوس الموال على ملكية النتاج – وهو سممبب اقتصممادى‬
‫بحممت – وينتهممى ذلممك الصممراع بالقضمماء علممى طبقممة الرأسممماليين‬
‫وحلول العمال محلهم فى الملكية والسيطرة جميعا ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى هذه الخطوط العريضة فى حيمماة البشممرية ‪ ،‬الممتى‬
‫ترجع كلها – فى اعتبارهم‪ -‬إلى أسباب مادية واقتصادية بحتة ‪ ،‬فممإن‬
‫الخطوط الكثر دقة ترجع كلها كذلك إلى أسباب مادية واقتصادية ‪.‬‬
‫فوجممود الممدين فممى المرحلممة القطاعيممة وضممعفه وتقلصممه فممى‬
‫المرحلة الرأسمالية والشيوعية سببه أن طبيعممة النتمماج فممى العهممد‬
‫القطمماعى – أى النتمماج الزراعممى – تجعممل النسممان متممدينا ‪ ،‬لن‬
‫النسممان ل يملممك – فممى العمليممة الزراعيممة – إل وضممع البممذور فممى‬
‫الرض وتغذيتها بالماء والسمدة ‪ ،‬ولكنممه ل يملممك إنبممات البممذرة ول‬
‫استعجال نموها ول حماية المحاصيل مممن عمموارض الجممو والفممات ‪،‬‬
‫فيتوهم – أو يفترض – وجود قوة خفية ) غيبية ( ينسب إليها القدرة‬
‫على كل العمليات التى ل يقدر هو عليها من إنبات وإنماء وحمايممة ‪،‬‬
‫ويروح يتعبدها ويتقرب إليها بالقرابين لكى ترضى عنممه وتحفممظ لممه‬
‫محصمموله الممذى يعيممش عليممه ‪ ..‬بينممما ل تحتمماج طبيعممة النتمماج فممى‬
‫المرحلة الرأسمممالية والشمميوعية إلممى افممتراض تلممك القمموة الخفيممة‬
‫الغيبية ‪ .‬لنه إنتاج صناعى ‪ .‬يسيطر العامل فيه على عمليممة النتمماج‬
‫مممن أولهمما إلممى آخرهمما ‪ ،‬ولممي فيهمما جممانب خفممى كعمليممة النبممات‬
‫والنممماء ‪ ،‬ول جممانب خممارج عممن قممدرة العامممل كممالعوارض الجويممة‬
‫والفات ‪ ،‬ومن ثم ل يحتاج النسان إلى عبادة شء خارج عن نطاق‬
‫النسان ‪،‬فيتضاءل وجود الدين حتى ينتهى تماما فى النهاية ‪.‬‬
‫ووجود أخلقيات الجنيس فى العهد الزراعى ‪ ،‬والحفمماظ الشممديد‬
‫على العرض ‪ ،‬وإعطاء العفة الجنسية أهمية بالغممة ‪ ،‬ووجممود الغيممرة‬
‫فى نفس الرجل على زوجته ‪ ،‬كل ذلممك رادع إلممى سممبب اقتصممادى‬
‫بحت ‪ ،‬هو أن الرجل فى المجتمع الزراعى هو المنتج الصمملى وهممو‬
‫المتكسب وحده وهو الذى ينفممق علممى زوجتممه وأسممرته ‪ ،‬ومممن ثممم‬
‫تدعوه سيطرته – القتصادية الصممل والمظهممر – إلممى التحكممم فممى‬
‫المرأة وفرض أخلقيات الجنس عليها ‪ ،‬فيفممرض عليهمما العفممة قبممل‬
‫الزواج وبعده ‪ ،‬ويفرض عليها أن تكون له وحده حين يممتزوج ‪ ،‬ومممن‬
‫ثم تصمبح العفمة فضمميلة خلقيمة واجتماعيممة يحمرص المجتمممع عليهما‬
‫ويشدد فى شانها ويعطيها تلك الهمية البالغممة ‪ ..‬بينممما تفقممد العفممة‬
‫وأخلقيممات الجنممس قيمتهمما – ووجودهمما – فممى المجتمممع الصممناعى‬
‫لسبب اقتصمادى كمذلك ‪ ،‬وهممو تحممرر المممرأة اقتصمادية ومشمماركتها‬
‫للرجل فى العمل وتكسبها بنفسها ‪ ،‬وذلك يحررها مممن كونهمما عالممة‬
‫على الرجل ‪ ..‬فيفقد الرجل سيطرته عليهمما ‪ ،‬ول يعممود يحممق لمه أن‬
‫يطالبها بالعفة قبل الزواج ول بعده ‪ ،‬ول أن يطالبهمما بممأن تكممون لممه‬
‫وحده بعد زواجها – تلك المطالبمة الممتى كمانت قائمممة علمى أسممباب‬
‫اقتصادية بحتة – ومن ثم ل تعود العفة تعتممبر فضمميلة فممى المجتمممع‬
‫الصناعى ‪ ،‬ول يهتم الناس بوجودها ‪ ،‬وتصممبح حريممة المممرأة فممى أن‬
‫تتصرف فى نفسها هى المر الشائع فى المجتمع ‪.‬‬
‫كذلك المر مع السرة ‪ .‬فوجود السممرة الكممبيرة المترابطممة فممى‬
‫المجتمع الزراعى هو ظاهرة اقتصادية بحتممة ‪ ،‬سممببها حاجممة العمممل‬
‫الزراعى إلى تكاتف اليدى العاملة وتعاونهمما ‪ ،‬وترتممب زيممادة الربممح‬
‫على زيادة اليدى العاملة التى تعمممل فممى وحممدة متجانسممة ‪ .‬بينممما‬
‫يرجع تفكك السرة فى المجتمع الصناعى إلى فردية النتاج وفردية‬
‫النفاق ‪ .‬فأسلوب العمل ذاته يجعممل كممل فممرد يعمممل مسممتقل عممن‬
‫الخرين ‪ ،‬ثم إن كل عامل يعمل يتناول أجره بمفممرده مسممتقل عممن‬
‫الخرين ‪ . .‬ومن ثم ل تمؤدى السمرة الكمبيرة مهممة اقتصمادية فمى‬
‫حيمماة المجتمممع الصممناعى فتتفتممت وتحممل محلهمما السممرة الصممغيرة‬
‫المكونة من الب والم ‪ ،‬والطفال ‪ ..‬ثم تتفتت هذه بدورها لسباب‬
‫اقتصادية كذلك ‪ ،‬وهى عمل المرأة فممى المصممانع والوظممائف وغيممر‬
‫ذلممك ‪ ،‬فيصممبح ربمماط الممزواج ذاتممه واهيمما يمكممن أن ينحممل فممى أيممة‬
‫لحظة ‪ ،‬بل يمكن أن يلغى إلغاء كامل فممى أى وقممت ‪ ،‬وتحممل محلممه‬
‫العلقممات الجنسممية الحممرة ‪ ،‬وتصممبح هممى السمماس فممى المجتمممع‬
‫الجديد ‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتبار القيم المعنوية كلها مجرد انعكاس للوضع‬
‫المادى والقتصادى ‪:‬‬
‫هذه النقطة فى الحقيقة تحصيل حاصل بالنسبة للنقطة‬
‫السابقة ‪ ،‬فحين نقول إنهم يضخمون العامل المادى والقتصادى‬
‫ويجعلونه أساس كل شئ فمعنى ذلك من جهة انه يصغرون من‬
‫القيم الخرى ‪ -‬غير المادية – ول يعطونها المكانة اللئقة ‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى أنهم يعتبرونها نابعة من القيم المادية ومترتبة عليها ‪.‬‬
‫ولكنا نريد أن نلفت النظر فى هذه النقطة إلى مزيد من تحقير‬
‫القيم المعنوية ينشأ من القول بأنها مجرد انعكاس للوضع المادى‬
‫والقتصادى ‪ .‬فعلوم أن البشرية قد تعلقت – منذ مولدها – بالقيم‬
‫العليا من صدق وعدل وخير وفضيلة وأمانة ونظافة سلوك ‪ ..‬الخ ‪..‬‬
‫وسواء مارس الناس هذه القيم والفضائل بالفعل أم بعدوا عنها فى‬
‫سلوكهم العملى كل البعد أو ناقضوها مناقضة صريحة ‪ ،‬فإنهم‬
‫يتغنون بها فى فنونهم وآدابهم ‪ ،‬ويعجبون بها إذا رأوها ممثلة فى‬
‫سلوك واقعى ‪ ،‬ما لم يكونوا مرضى القلوب بصورة غير معتادة ‪،‬‬
‫ينفرون من الخير ويهشون للرذيلة والنتكاس لن رؤية الخير‬
‫تذكرهم بانتكاسهم فيكرهونه ‪ ،‬ورؤية الرذيلة تغطى مواقفهم‬
‫فيهشون لها ‪،‬كالذين قال الله فيهم ‪:‬‬
‫واًء{ ]سورة النساء‬‫س َ‬
‫ن َ‬ ‫ما ك ََفُروا فَت َ ُ‬
‫كوُنو َ‬ ‫دوا ل َوْ ت َك ُْفُرو َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫}وَ ّ‬
‫‪[4/89‬‬
‫وتعلق البشرية بالقيم العليا – ولو لم تمارسها بالفعل فى‬
‫سلوكها الشخصى – يعتبر فى ذاته عقبة فى سبيل استحمار‬
‫الممين وتسخيرهم لما يراد تسخيرهم له ‪ ،‬ولم يكتف المخططون‬
‫بإبعاد البشرية عن هذه القيم فى عالم الواقع ‪ ،‬ولهم الحق أل‬
‫يكتفوا فما دام هذا التعلق باقيا فى النفوس فهى عرضة أن تعتدل‬
‫من انتكاستها فى أية لحظة وتحول هذا التعلق النظرى – او‬
‫المتمنى – إلى تعلق واقعى يتخذ صورة سلوكية مطبقة فى عالم‬
‫الواقع ‪ ،‬وعندئذ يفسد المخطط كله ‪ ،‬ويضيع التعب الذى بذل فيه !‬
‫لذلك ينبغى أن يزال تعلق البشرية بتلك القيم بكل وسيلة ممكنة‬
‫‪ .‬ومن بين الوسائل المؤدية إلى ذلك أن يقال إنها ليست قيما‬
‫قائمة بذاتها ‪ ،‬إنما هى مجرد انعكاس لقيم أخرى أو أوضاع أخرى‬
‫هى وحدها صاحبة الصالة وهى وحدها الجديرة بالهتمام ‪.‬‬
‫هنا يذكرنا ماركس بفرويد !‬
‫ففرويد – فى اخصاصه – يهدف إلى ذات الهدف الذى يسعى‬
‫إليه ماركس !ويريد – مثله – أن يصرف الناس عن التمسك بالقيم‬
‫العليا لنها عدو مشترك لكل من يسعى لفساد البشرية واستعبادها‬
‫لشعب الله المختار ‪ ..‬ومن ثم ينفى أنها قيم قائمة بذاتها ويقول‬
‫إنها انعكاس لشئ آخر ! فالدين ناشئ عن عقدة جنسية هى عقد‬
‫أوديب ‪ ،‬والتسامى ناشئ من الكبت ‪ ،‬كما أنه لون من ألوان‬
‫الشذوذ !‬
‫وإذا كان فرويد قد رد القيم كلها إلى الجنس ليحقرها ويذهب‬
‫عنها مالها فى نفوس الناس من توقير وإعجاب وتطلع ‪ ،‬فإن‬
‫ماركس وأصحابه قد ردوها إلى القيم المادية والوضاع القتصادية‬
‫لذات الغاية ‪ ..‬فمعلوم أن الناس تحتقر القيم المادية ولو شغلت‬
‫بها فى حياتها الواقعية مشغلة كاملة ! فيجئ ماركس فيرد إليها‬
‫القيم العليا كلها فيذهب التوقير عنها فى التو ويذهب العجاب‬
‫والتطلع ‪ ،‬وتفرع من مضمونها الحيقى وتصبح صورة شاحبة ل‬
‫يتعلق بها قلب ول ترتبط بها مشاعر ! ويصبح التوقير والتعلق كله‬
‫موجها إلى القيم المادية والوضاع المادية ‪ ،‬وما أضيق النفس حين‬
‫تنحصر فى هذا المحيط الضيق ‪ ،‬وما أخسرها حين تغلق كل منافذ‬
‫النور ‪ ،‬وتفتح ذلك المنفذ الواحد الذى يتعامل مع النسان الطينى‬
‫وحده ‪ ،‬ول يتعامل مع النسان المتكامل الذى خلقه الله من قبضة‬
‫من طين الرض ‪ ،‬ثم سواه ونفخ فيه من روحه لتسجد له الملئكة‬
‫الطهار !‬
‫‪ -3‬نفى وجود قيم ثابتة بحكم التطور الذى يغير القيم‬
‫كلها كلما تغير الوضع المادى والقتصادى ‪:‬‬
‫لم يكتف الماديون فى تحقير القيم السنانية بقولتهم السابقة ‪،‬‬
‫التى تنفى الصالة عنها وتجعلها مجرد انعكاس لقيم أخرى – مادية‬
‫– بل مضوا شوطا آخر فى تحقيرها فقالو إنها ليست ثابت ‪ ،‬إنما‬
‫هى دائمة التغير كلما تغير الوضع المادى والقتصادى !‬
‫بمعنى آخر ‪ :‬يا أيها المثاليون المغفلون ‪ ! 1‬إنكم تبحثون عن‬
‫سراب ل وجود له فى الحقيقة ‪ ،‬حين تتكلمون عن الحق ‪ ،‬والعدل ‪،‬‬
‫والخير ‪ ،‬والفضيلة ‪ ،‬والجمال والصدق ‪ ،‬والمانة ‪ ..‬الخ ‪ ..‬إنها‬
‫كلمات جوفاء يملؤها كل جيل بما يحلو له ‪ ،‬ولكنها هى فى ذاتها‬
‫ليست شيئا ثابتا محددا يمكن التعرف عليه !‬
‫هنا يذكرنا ماركس بدور كايم !‬
‫العقل الجمعى هو الذى يضع القيم والنظم والتقاليد والخلق ‪..‬‬
‫وهو ل يثبت على حال ‪ ،‬يحل اليوم ما حرمه بالمس ‪ ،‬ويحرم غدا‬
‫ما يحله اليوم !‬
‫نفس الهدف ونفس الوسيلة ‪ ..‬كل فى اختصاص من اختصاصا "‬
‫العلم " !‬
‫يستخدم الماديون كلمة المثالية فى الذم ل ى المديح ويقصدون بها الشياء التى ل يمكن تحقيقها فى الواقع ومن ثم‬ ‫‪1‬‬

‫فهى سخف ل ينبغى أن يؤبه له !‬


‫فالعلم الماركسى يقول إنه كلما تغير الوضع المادى أو‬
‫القتصادى تغيرت معه جميع القيم وجميع المعايير ‪.‬‬
‫تغيرت صورة الملكية من ملكية جماعية فى الشيوعية الولى‬
‫إلى ملكية فردية ‪ ،‬فنشأ الرق ثم القطاع ثم الرأسمالية ‪ ،‬وكان كل‬
‫منها – فى حينه – صوابا ! لنه هو الستجابة الطبيعية للوضع‬
‫المادى والقتصادى ‪ ..‬الستجابة التى ل يمكن أن يوجد غيرها ‪ ،‬لنها‬
‫انعكاس " حتمى " للوضاع " ‪ ،‬ومن ثم فل ينبغى أن توصف بالخير‬
‫أو الشر ‪ ،‬ول ينبغى أن ينظر إليها أصل من زاوية خلقية ول بمعيار‬
‫خلقى ثابت ! إنما مقياس كل شئ هو ذاته ‪ ..‬ووجود الشئ بالفعل‬
‫هو مبرر وجوده ! ثم يتغير كل شئ حين يتغير الوضع المادى‬
‫والقتصادى فيصبح الوضع السابق خطأ بعد أن كان صوابا ! وتصبح‬
‫محاربته واجبة بعد أن كانت قبل ذلك غير ذات موضوع !‬
‫وأخلقيات القطاع – مثل – من التدين وسيطرة الب على‬
‫السرة ‪ ،‬والمحافظة على العفة والغيرة على العرض ‪ ،‬وترابط‬
‫السرة ‪ ،‬والتعاون الجماعى ‪ ..‬كلها أخلقيات نابعة من الوضع‬
‫المادى والقتصادى ومتناسبة معه ‪ ،‬ولكنها ليست قيما قائمة بذاتها‬
‫توصف بأنها خير ويوصف عكسها بأنه شر ‪ ..‬إنما هى فقط صواب‬
‫فى وقتها لنها هى الستجابة الطبيعية للوضع المادى والقتصادى ‪..‬‬
‫ثم إنها تصبح بعد ذلك خطأ ‪ ،‬أو تصبح غير ذات موضوع حين تجئ‬
‫الرأسمالية ويتكون المجتمع الصناعى " المتطور " ! بل تصبح‬
‫رجعية وجودا وتأخرا تنبغى محاربته والتحرر منه ‪ ،‬لنها لم تعد‬
‫تستجيب للوضاع القتصادية الجديدة ‪ ،‬التى هى المعيار الوحيد‬
‫الذى تقاس إليه المور ‪.‬‬
‫ومحاولة القول بأن الدين قيمة ذاتية ينبغى أن يوجد على‬
‫الدوام ‪ ،‬أو أن العفة قيمة ذاتية ينبغى أن تظل قائمة فى كل‬
‫مجتمع هى سذاجة وغفلة ومثالية من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى هى‬
‫مخالفة لما هو كائن ولما ينبغى أن يكون ‪ ،‬لنه ل وجود لمثل هذه‬
‫القيم " فى ذاتها " إنما تستمد وجودها من الباعث الذى ينشئها‬
‫وهو الوجود المادى والقتصادى ‪ ..‬وهذا الباعث دائم التغير لم يثبت‬
‫– ول يمكن أن يثبت – على حال ‪ ،‬فكيف يثبت ما ينشأ عنه من قيم‬
‫وأخلقيات ؟!‬
‫‪ -4‬السخرية بالدين ‪:‬‬
‫من بين كل القيم يحظى الدين بالقسط الكبر من سخرية‬
‫الماديين الشيوعيين ‪ ،‬ويبو حنقهم منه واضحا وثورتهم عليه عظيمة‬
‫‪ ،‬ورغبتهم فى تحطيمه والقضاء عليه شديدة إلى أقصى حد ‪.‬‬
‫فأما أسبابه وبواعثه فهى مادية واقتصادية بحتة ‪ :‬الجهل بطبيعة‬
‫الكون المادى ‪ ،‬والعجز عن السيطرة على البيئة ‪ ،‬لذلك كان‬
‫موجودا طوال فترة الشيوعية الولى والرق والقطاع ‪ ،‬ثم خفت‬
‫حدته فى المجتمع الصناعى الرأسمالى لول أن الرأسماليين – بعد‬
‫القطاعيين – يستخدمونه مخدرا للجماهير الكادحة لكيل تتيقظ إلى‬
‫حقيقة الظلم والهوان الذى تعانيه فتتمرد عليه وتثور من أجل‬
‫حقوقها المسلوبة ‪.‬‬
‫ولقد كان " واجب الزوال " منذ بداية العهد الصناعى لزوال‬
‫بواعثه المادية والقتصادية ‪ .‬فمن جهة كان العلم قد بدأ يتقدم‬
‫ويكشف كثيرا من مجاهيل الكون المادى التى كانت تلجئ الناس‬
‫من قبل إلى افتراض وجود إله ! فأما بعد اكتشاف " قوانين‬
‫الطبيعة " فلم يعد هناك مبرر للدين ‪ ،‬فقد حل محله العلم‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى فإن الوضع القتصادى الذى كان ينبعث منه سيطرة‬
‫الب فى السرة وسيطرة السيد فى المجتمع كان يتناسب كذلك‬
‫مع سيطرة الرب الله فى الكون والحياة ‪ .‬فإذا زال هذا الوضع‬
‫فنيبغى أن تزول كل آثاره ومن بينها الدين ‪ ..‬وعلى أى حال فإذا‬
‫كانت حاجة الرأسماليين إلى تخدير الجماهير الكادحة قد عوقت‬
‫زوال الدين فترة من الوقت ‪ ،‬فقد جاءت الشيوعية فأغلت‬
‫الرأسمالية وألغت المهمة الخيرة التى كانت باقية للدين – وهى‬
‫مهمة التخدير – فأصبح – من جميع الوجوه – غير ذى موضوع ‪،‬‬
‫تقدم العلم‪ ،‬وزادت السيطرة على البيئة ‪ ،‬ولم يعد الناس فى حاجة‬
‫إلى مخدر ‪ ..‬فلماذا يبقى الدين ؟!‬
‫يذكرنا هذا بقوله مماثلة " لجوليان هكسلى " فى كتاب "‬
‫النسان فى العالم الحديث " ‪.‬‬
‫كان الجهل والعجز هما السبب فى وجود الدين ‪ .‬وقد تعلم‬
‫النسان اليوم وسيطرة على البيئة ‪ ،‬فإن له أن يحمل على عاتق‬
‫نفسه ما كان يلقيه من قبل – فى عصر الجهل والعجز – على‬
‫عاتق الله ‪ ،‬ومن ثم يصبح هو الله !‬
‫والحق أن الدين عدو لدود للمخططين ‪ ،‬كما أنه عدو لدود‬
‫للماديين الشيوعيين ‪.‬‬
‫فأما عداوة المخططين له فأمرها ظاهر ‪ .‬فالعقبة الكبرى فى‬
‫سبيل استحمار الممين هى أن يكونوا ذوى عقيدة وأخلق مستمدة‬
‫من الدين ‪ ،‬ولقد عرف اليهود ذلك خلل القرون الطويلة من‬
‫حربهم الدائمة للبشرية وتربصهم بها ‪ ،‬وعرفوا – بالتجربة – أنه‬
‫طالما كان للمميين عقيدة وأخلق فل نتيجة لكل ما يبذلونه من‬
‫جهد وكل ما يضعونه من تخطيط ‪ ،‬وعرفوا أن نجاح مخططاتهم‬
‫كلها مرهون بمدى نجاحهم فى القضاء على هذا العدو المرهوب ‪.‬‬
‫وأما عداوة الماديين الشيوعيين )وهم جزء من المخطط الكبير (‬
‫فقد نشأت – إلى جانب اشتراكهم فى السبب السابق باعتبارهم‬
‫جزءا من المخطط الكبير – من تجربتهم الخاصة ‪ ،‬أن الدين – مع‬
‫أنه فى أوربا بقايا ين محرف من كل زواياه – يعوق تكوين " الحقد‬
‫الطبقى " الذى هو عمادهم الول فى تحويل الناس إلى‬
‫الشيوعية ! فقد عانوا فى زحفهم على أوربا من أن الفلحين بصفة‬
‫خاصة ل يستجيبون لهم بالسرعة الكافية حين يحاولون تحريك "‬
‫الحقد الطبقى " فى نفوسهم ‪ ،‬وذلك من آثار بقايا الدين فى‬
‫نفوسهم ‪ ،‬وأن الكنيسة – ممثلة الدين – وقفت فى صف‬
‫القطاعيين والرأسماليين ضد الدعوة الشيوعية ‪ ،‬مستعينة بالدين‬
‫فى " تخدير" الجماهير عن الثورة ‪ ،‬وإزالة الحقد الطبقى أوتأخير‬
‫تجمعه فى النفوس ليكون وقواد للثورة ‪.‬‬
‫من أجل ذلك " يتفنون " فى محاربة الدين بكل وسائل الحرب ‪،‬‬
‫ومن بين وسائل الحرب التسخيف والتهوين والتحقير ‪.‬‬
‫‪ -5‬السخرية بالحق والعدل الزليين ‪ ،‬والقول بخضوع‬
‫الناس للحتميات المادية والقتصادية والتاريخية ‪:‬‬
‫كما يسخر الماديون بالدين ويسعون إلى تحقيره بكل الوسائل ‪،‬‬
‫يسخرون كذلك " بالحق والعدل الزليين " كما يسميهما فردريك‬
‫إنجلز ‪ ،‬ويقولون إنهما من المثاليات التى ل وجود لها ول تأثير لها‬
‫فى عالم الواقع ‪ ،‬وإن البشرية لم تقم قط عليهما ول يمكن أن‬
‫تقوم عليهما فى يوم من اليام !‬
‫إنما الذى يسير حياة البشرية من مبدئها إلى منتهاها هو "‬
‫الحتميات " المادية والقتصادية والتاريخية ‪ ،‬التى ل توصف بأنها‬
‫حق ول عدل – ول خلف ذلك – إنما توصف – كما أسلفنا – بأنها‬
‫صواب ما دامت فى موضعها التاريخى الصحيح ‪.‬‬
‫ويكره الشيوعيون كراهية شديدة أن تنتقد مراحل الرق‬
‫والقطاع والرأسمالية من جهة أنها "ظلم" مخالف للحق والعدل ‪،‬‬
‫أى أن أن تنتقد من منطلق أخلقى أو أى منطلق قائم على القيم‬
‫المعنوية ‪ ..‬ويصرون على أن ينتقد القطاع والرأسمالية من الزاوية‬
‫القتصادية ومن زاوية الحتمية التاريخية ‪.‬‬
‫ويعجب النسان أشد العجب من هذا الموقف الغريب ‪ .‬فهم‬
‫يشنون هجوما حادا على القطاع والرأسمالية بصفة خاصة ‪ ،‬فإذا‬
‫أنت شاركتهم فى شن الحملة عليهما من زاويتك الخاصة ) الدينية‬
‫والخلقية ( رفضوا رفضا باتا وجاهروك بالنكار !‬
‫ولكن العجب يزول إذا علمنا السر فى رفضهم وإبائهم ‪ .‬فهم‬
‫بادئ ذى بدء يريدون القضاء على القيم المعنوية من منبتها ‪.‬‬
‫وبخاصة القيم الدينية ‪ ،‬فكيف يقبولن منك موقفا – ولو كان فى‬
‫صفهم – يرتكز على تلك القيم ويحييها فى النفوس ! ! إن مجرد‬
‫قبوله معناه أن لهذا المنطلق شرعية الوجود ‪ ،‬ومعناه العتراف‬
‫بأنه منطلق صحيح لنه يهاجم الظلم ويقف منه موقف المعاداة ‪. .‬‬
‫وأى شئ يمكن أن يقبله المخططون إل هذا ! لن معناه أن يوافقوا‬
‫على إحياء ذات الشئ الذى يسعون إلى قتله جاهدين !‬
‫ثم إن هناك أمرا أخر ل يقل أهمية ‪..‬‬
‫إذا أنت جعلت المحك الذى تقيس إليه القطاع والرأسمالية هو‬
‫الحق والعدل ‪ ،‬فماذا يكون موقفك من الشيوعية ؟ ألست قمينا أن‬
‫تضعها على ذات المحل فترى أنها تخالف الحق والعدل كذلك ؟‬
‫فتروح تبحث عن حل آخر يقوم على الحق والعدل ؟ !‬
‫الولى إذن أن يقفلوا عليك الطريق من أوله ‪ ،‬ويسخفوا لك‬
‫الحق والعدل " الزلين " ويقولوا لك إنه ل وجود لها ول أثر لهما‬
‫على الطلق فى حياة البشرية ‪ ..‬إنما الذى يسير حياة البشرية هو‬
‫" الحتميات " وهذه تؤدى إلى الشيوعية المطلوبة فى نهاية‬
‫المطاف !‬
‫ليس المر إذن أمر حقائق علمية أو تاريخية تقول إن الحق‬
‫والعدل ل وجود لهما فى حياة البشرية‪ ،‬وإنه ينبغى أن يسخفا‬
‫ويسخر منهما ! بدليل أنهم حين يتحدثون عن الشيوعية يقولون‬
‫إنها هى الحق وهى العدل ‪ ،‬وهى التى ينبغى أن تسود البشرية !‬
‫فهم إذن يثبتونهما ولكن بشرط أن يكونا خاليين من الدين والخلق‬
‫‪ ..‬أى فى الحقيقة خاليين من الحق والعدل !‬
‫أما " الحتميات " فهى جوهر المادية الجدلية والتفسير المادى‬
‫للتاريخ ‪.‬‬
‫فالمراحل الخمسة التى تمر بها البشرية وهى الشيوعية الولى ‪،‬‬
‫ثم الرق ‪ ،‬ثم القطاع ‪ ،‬ثم الرأسمالية‪ ،‬ثم الشيوعية الثانية‬
‫والخيرة ‪ ..‬هذه المراحل حتمية !‬
‫والنتقال من مرحلة إلى تاليتها هو انتقال حتمى كذلك ‪ ،‬وعلى‬
‫ذات الترتيب الذى رسمه التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬ل تسبق أمة‬
‫مرحلتها ول تتأخر عنها ‪ ،‬لنها قدر حتمى !‬
‫وتغير القيم والمعايير والعقائد والفكار والمشاعر مع تغير الطور‬
‫القتصادى هو تغير حتمى ‪ ،‬ل يمكن الوقوف فى طريقه ول تغيير‬
‫مساره ول تعديله ‪ ،‬بحكم ان القيم والمعايير والعقائد والفكار‬
‫والمشاعر هى مجرد انعكاس للوضع المادى والقتصادى وليست‬
‫شيئا قائما بذاته ‪،‬والنعكاس لبد أن يتغير حتما إذا تغير المعكوس !‬
‫ومن بين الحتميات كذلك قيام الصراع الطبقى ما دامت هناك‬
‫ملكية فردية ! فحين كانت الشيوعية الولى قائمة لم يكن هناك‬
‫صراع بين البشر ‪ .‬ومنذ وجدت الملكية الفردية نشب الصراع ‪،‬‬
‫وظل قائما فى محلة الرق والقطاع والرأسمالية ‪ ،‬حتى إذا جاءت‬
‫الشيوعية الثانية والخيرة وألغيت الملكية الفردية زال الصراع إلى‬
‫البد وحل محله الحب والوفاق والوئام وعاد البشر إلى الحالة‬
‫الملئكية التى كانوا عليها أول مرة ‪.‬‬
‫تلك خلصة دعاواهم فى التفسير المادى للقيم النسانية ‪.‬‬
‫فإذا وضعنا هذه الدعاوى على مائدة البحث وجدنا فيها قليل من‬
‫الحق وكثيرا من المغالطات ‪.‬‬
‫فأما أهمية العامل القصتادى فى حياة الناس فأمر ل ينبغى‬
‫لعاقل أن ينكره ‪ .‬أما إفراده بالهمية ‪ ،‬وجعله أساس كل شئ ‪.‬‬
‫وجعل كل شئ مجرد انعكاس له ‪ ،‬والقول بأنه هو المحرك الوحيد‬
‫– أو حتى المحرك الساسى – لحياة البشر ‪ ،‬فأمر مبالغ فيه إلى‬
‫حد العتساف الذى يجعل جانب الحق الضئيل يضيع فى وسط‬
‫الضاليل ‪.‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫م قَِيامًا{ ]سورة‬ ‫َ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ال ِّتي َ‬
‫جع َ َ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫}َول ت ُؤُْتوا ال ّ‬
‫سَفَهاَء أ ْ‬
‫النساء ‪[4/5‬‬
‫أى تقوم حياتكم عليها ‪.‬‬
‫والتشريعات التى تنظم تداول المال فى القرآن والحاديث‬
‫النبوية كثيرة بصورة ملحوظة ‪ ،‬توحى بأهمية الحياةب القتصادية‬
‫وأهمية تنظيم العلقات المتعلقة بالمال ‪.‬‬
‫وحين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء‬
‫المسجد ثم أمر ببناء السوق ‪ .‬وفى ذلك دللة واضحة كذلك على‬
‫أهمية الحياة القتصادية فى حياة المة ‪ ،‬وأنها أمر من العبادة كبناء‬
‫المسجد سواء ‪.‬‬
‫ولكن المبالغة فى تقدير أهميتها أمر ل يستند أول إلى حقيقة‬
‫علمية ‪ ،‬ثم هو مفسد للتصور وللسلوك على السواء ‪.‬‬
‫فقد أحتاج الماديون – من أجل إعطاء الجانب المادى‬
‫والقتصادى أهمية مبالغا فيها – إلى مجموعة من المغالطات‬
‫والفتراءات ل تقوم على أى دليل علمى ‪ ،‬أولها مادية الخالق‬
‫وثانيها مادية النسان ‪.‬‬
‫فإذا ثبت علميا – كما ثبت اليوم – أن المادة حدثتن ولم تكن‬
‫موجودة من قبل ‪ ،‬وإنها ليست أزلية أبدية كما زعم التفسير‬
‫المادى للتاريخ ‪ ،‬فقد انهار الساس الول الذى افترة افتراء من‬
‫اجل إقامة التفسير المادى للقيم النسانية ‪.‬‬
‫وإذا ثبت علميا – كما هو ثابت منذ قيام شئ اسمه العلم فى‬
‫حياة النسان – أن الكائن الحى – كل كائن حى بله النسان – يسير‬
‫على نمط مخالف للمادة غير الحية ‪ ،‬وإذا ثبت علميا كذلك – كما‬
‫هو ثابت من أبحاث الداروينية الحديثة ذاتها – أن النسان متفرد‬
‫عن الحيوان حتى فى كيانه الحيوى ) البيولوجى ( البحت ‪ ،‬فضل‬
‫عن كيانه العقلى وكيانه النفسى وكيانه الروحى وكل شئ فيه ‪،‬‬
‫فقد انهار الساس الخر الذى افترى افتراء من أجل الهدف ذاته ‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن قصة " تطور " المادة إن هى إل مهرب – غير‬
‫علمى – يهرب به الماديون من مواجهة القضية خلق الحياة من‬
‫الموات ‪ ،‬فضل عما أثبته العلم من أن الموات ذات مخلوق ‪ ،‬وأن‬
‫الكون المادى قد أنشئ من غير وجود سابق ‪ .‬أى أنشئ من‬
‫العدمن ‪.‬‬
‫إذا علمنا ذلك فقد انهارت كل " مقومات " التفسير المادى‬
‫للقيم النسانية القائمة على أساس أن المادى أزلية أبدية خالقة‬
‫) أو متطورة ينتج من تطورها النبات والحيوان والنسان ( وأن‬
‫النسان هو نتاج المادة فحسب ‪.‬‬
‫والتفسير الصوب فيما يتعلق بالقيم النسانية والحياة النسانية‬
‫بأسرها هو أن نرجع فيها إلى " النسان " إلى النفس النسانية‬
‫التى هى محور النشاط كله الذى يقوم به النسان ‪.‬‬
‫فإذا رجعنا إلى النسان كما نراه فى عالم الواقع ل فى صورته‬
‫المفتراة بغير دليل نفسه مساحات أخرى واسعة ل يشغلها‬
‫القتصاد ‪ ،‬وإنما تشغلها قيم أخرى أصيلة أصالة المادة وأصالة‬
‫القتصاد ‪ ،‬وسنجد كذلك ظاهرة أخرى ل تقل عن ذلك أهمية ‪ ،‬هى‬
‫أن النسان وحدة متكاملة ‪ ،‬تتفاعل فيها كل العناصر والمكونات‬
‫لتعطى فى النهاية تعبيرا شامل هو محصلة العناصر جميعا‬
‫والمكونات جميعا ‪ .‬وأن أى محاولة لتفسير النسان بعنصر واحد‬
‫من عناصره ‪ ،‬أو على ضوء عنصر واحد من عناصره ‪ ،‬هى محاولة‬
‫ساذجة جدا ل تليق بأى " نظرية " تتعرض لتفسير السلوك البشرى‬
‫‪ ،‬وأن " العلماء " الذين يستحقون هذا الوصف ينبغى أن يكونوا‬
‫أثقل وزنا وأكثر أمانة من أن يعطوا هذه التفسيرات الساذجة ‪،‬‬
‫مهما تكن الغراض الخفية الكامنة وراء هذه التفسيرات ‪.‬‬
‫وسواء كان العنصر الواحد هو القتصاد كما قال ماركس ‪ ،‬أو هو‬
‫الجنس كما قال فرويد ‪ ،‬أو العقل للجمعى المسيطر على الفراد‬
‫من خارج كيانهم كما قال دور كايم ‪ ،‬فكلها أضأل وأكذب م أن‬
‫تفسر الحياة النسانية الواسعة الجوانب المتعددة ألوان النشاط ‪،‬‬
‫ويكفى أن نجمع هذه التفسيرات الثلثة بعضها إلى جانب بعض‬
‫ليتضح لنا أن دعوى كل واحد منهم أن تفسيره هو التفسير "‬
‫العلمى " الصحيح هى دعوى كاذبة وإن اشتملت على شئ من‬
‫الحق ‪ ،‬فالقتصاد جانب مهم ‪ ،‬والجنس جانب مهم ‪ ،‬وخضوع الفرد‬
‫للتيارات الجماعية جانب مهم ‪ ،‬ولكن أيا منها ل يستقل وحده‬
‫بتوجيه ‪ ،‬النسان " ووضع معاييره وقيمة كلها جميعا ‪ ،‬وأن التفسير‬
‫الحق للنسان ونشاطه وقيمه يشمل هذه المور الثلثة كلها ‪،‬‬
‫ويشمل غيرها مما أغفله – عمدا – كل واحد من " المفسرين "‬
‫الثلثة العظام ! وأننا ‪ -‬لكى ننشئ تفسيرا حقيقيا للحياة النسانية‬
‫– ل ينبغى أن نغفل شيئا من مكونا النسان على الطلق ‪ ،‬أو أن‬
‫نفسر شيئا أصيل فى حياة النسان من خلل شئ آخر ‪.‬‬
‫ماذا لو فسرنا الجنس – مثل – من خلل القتصاد ‪ ،‬فعزونا‬
‫المشاعر الجنسية إلى عوامل اقتصادية ؟ ! أى تفسير مضحك‬
‫يكون هذا التفسير ؟ !‬
‫كذلك لو فسرنا القتصاد من خلل الجنسي ‪ ،‬فقلنا إن الدافع‬
‫الجنسى هو السبب فى جميع العمليات القتصادية التى يقوم بها‬
‫النسان ؟ !‬
‫أى تفسير مضحك يكون هذا التفسير ؟ !‬
‫والسبب فى كونه مضحك وساذجا ومرفوضا بادئ ذى بدء هو أن‬
‫كل من القتصاد والجنس عنصر أصيل فى كيان النسان على ذات‬
‫الدرجة من الصالة ‪ .‬فنفى أصالة أيهما وتفسيره من خلل الخر‬
‫هو الذى ينش تلك السذاجة المضحكة ‪ ،‬مع أن هناك ترابطا‬
‫وتشابكا ل شك فيه بين القتصاد والجنس فى حياة النسان ‪ ،‬ذلك‬
‫أنهما – مع أصالة كل منهما – يصبان فى المجرى الكبير الذى‬
‫يشكل فى النهاية حياة النسان ‪ .‬ولكن ترابطهما وتشابكهما فى‬
‫المجرى الكبير ل ينفى أن كل منهما رافد مستقل ذو سمات قائمة‬
‫بذاتها وذو دفعات قائمة بذاتها ‪.‬‬
‫كذلك – على نفس المستوى – تكون محاولتنا تفسير الدين‬
‫والقيم العليا كلها على أسس مادية اقتصادية كما يقول ماركس ‪،‬‬
‫أو أس جنسية كما يقول فرويد ‪ ،‬أو أسس من العقل الجمعى‬
‫المستقل عن كيان الفراد والمغاير لكيان الفراد كما يقول دور‬
‫كايم ‪.‬‬
‫هى محاولة ساذجة مضحكة ولو ألف فيها ألف كتاب ‪ ،‬ولو قامت‬
‫البواق اليهودية تروج لها من خلل ألوف الفواه !‬
‫" النفس النسانية " هى الصل الذى نرجع إليه لتفسير أحوال‬
‫النسان فى الرض ‪ ،‬وتفسير ألوان نشاطه المختلفة ‪.‬‬
‫وكون هذهن " النفس " قابلة لتشكل فى أشممكال شممتى ل يعنممى‬
‫أنه ليس لها كيان محدد ‪ ،‬ول حمدود تقمف عنمدا فمى تشمكلها ‪ .‬إنمما‬
‫هذه المرونممة فممى قابليتهمما للتشممكل هممى ذاتهمما جممزء مممن مقومممات‬
‫الخلفة التى خلق الله النسان ليقوم بها فى الرض‪.‬‬
‫ل فِممي ال َ‬
‫ة{ ]سممورة‬ ‫خِليَف م ً‬‫ض َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫عم ٌ‬
‫جا ِ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ إ ِن ّممي َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬
‫}وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫البقرة ‪[2/30‬‬
‫فقد علم الخالق اللطيف الخبير الحكيم المدبر – ل ذلك الخالق‬
‫الصم الذى يدعيه الماديون ‪ ،‬ول ذلك الذى يخبط خبط عشواء‬
‫الذى يدعيه دارون – أن تفاعل هذه النفس البشرية مع الكون‬
‫المادى سينشئ أشكال مختلفة من الحياة فى الرض ‪ ،‬بحسب‬
‫درجة علم النسان بهذا الكون المادى ‪ ،‬ودرجة سيطرته عليه ‪.‬‬
‫وقدرته على استخراج طاقاته واستخدامها فى عمارة الرض ‪،‬‬
‫لذلك جعل – بحكمته – هذه النفس قابلة للتشكل لتوائم تلك‬
‫الشكال المتغيرة ‪ ،‬بينما الحيوان والنبات أقل قدرة بكثير على‬
‫التشكل لنه ل يحمل أمانة ول يقوم بخلفة ول عمارة ‪.‬‬
‫أفينقلب هذا التكريم الربانى والتفضيل إلى نقيصة يوصم بها‬
‫النسان فى التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬فيقال ‪ ،‬إنه ل " كيان " لهذه‬
‫النفس البشرية ول سمات محددة ‪ ،‬وإنها تأخذ سمتها من الوضع‬
‫المادى الذى تكون فيه ؟‬
‫إن الحمار ل يمكن إل أن يكون حمارا مهما أوقعت عليه من‬
‫الضغوط لتغيير طبيعته ! أفيكون النسان أقل أصالة من الحمار‬
‫فى عرف التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬فى الوقت الذى يزعمون فيه‬
‫أنه " أعلى تطور فى عالم المادة " ؟ !‬
‫إن قضية أصالة " النسان " ‪ ،‬ووجود سمات أصيلة فيه تحدد‬
‫طبيعته " النسانية " هى قضية فوق الشك ‪ ،‬أيا كان المدخل الذى‬
‫ندخل إليها منه ‪.‬‬
‫ولكنا نختار ثلث مداخل رئيسية مما يناسب هذا البحث ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬هل التغير الذى يحدث فى حياة النسان حين تتغير أوضاعه‬
‫المادية والقتصادية هو تغير فى " القشرة " السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية أم تغير فى " جوهر " النسان ؟‬
‫ثانيا ‪ :‬لماذا يثور النسان بين الحين والحين ؟ وعلى أى شئ يثور‬
‫؟ وإلى أى شئ يهدف من ثورته ؟‬
‫ثالثا ‪ :‬لماذا تظهر عليه أعراض امرض النفسى حين يتناول غذاء‬
‫" حاضريا " ل يناسب طبيعته ؟‬
‫فبالنسبة للقضية الولى نجد بادئ ذى بدء أن دواعى التغيير‬
‫المادى ذاتها نابعة من " نفس " النسان وليست نابعة من المادة‬
‫المحيطة بالنسان ‪ ،‬فهذه المادة – بمعنى الكون المادى على‬
‫اتساعه وبمعنى البيئة القريبة المحيطة – موجودة بالنسبة للحيوان‬
‫كوجودها بالنسبة للنسان على السواء ‪ .‬فلماذا ل تثير بالنسبة‬
‫للحيوان الرغبة فى التعرف على خواص المادة والرغبة فى‬
‫استخدام حصيلة المعرفة فى تغيير البيئة المحيطة ‪ ،‬بينما تثير‬
‫هاتين الرغبتين بالنسبة للنسان ؟‬
‫هل الفرق كائن فى المادة أم إنه كائن فى النسان ؟ ! وإذا كان‬
‫كائنا فى النسا كما هو بدهى ‪ ،‬أفليس هذا خطا ثابتا من خطوط‬
‫النفس البشرية يحدد سمة من سماتها الصيلة التى ل تتغير بتغير "‬
‫القشرة " الخارجية ول بتغير الظروف المادية والقتصادية ؟‬
‫صحيح أن حصيلة التفاعل المستمر بين النسان والمادة‬
‫المحيطة به تحدث تغييرا فى البيئة وتغييرا فى صورة النتاج ‪،‬‬
‫فيصبح رعويا أو زراعيا أو صناعية أو ‪ ..‬؟ ولكن كم يغير هذا التغيير‬
‫من طبيعة النسان الصيلة ؟‬
‫نترك مؤقتا قضية الملكية الفردية لننا سنفردها بحديث خاص ‪،‬‬
‫نثبت فيه من واقع التطبيق الشيوعى ذاته أن نزعة الملكية الفردية‬
‫لم تمت فى نفوس الناس ول أمكن إحلل الملكية الجماعية‬
‫محلها ‪ .‬ونشير إلى بقية الدوافع ‪.‬‬
‫هل تغيرت دوافع النسان الصيلة ؟ حبه للحياة ‪ ..‬رغبته فى‬
‫المتاع ‪ .‬رغبته فى الجنس ‪ ..‬رغبته فى البروز وإثبات الذات ‪..‬‬
‫رغبته فى المعرفة ‪ ..‬رغبته فى إطالة عمره على الرض ‪ ..‬رغبته‬
‫فى السيطرة على البيئة ‪ ..‬رغبته فى الجتماع بالخرين ‪ ..‬رغبته‬
‫فى النتماء ‪ ..‬رغبته فى التحسين المستمر لحواله ‪ ..‬رغبته فى‬
‫المن ‪ ..‬رغبته فى الستقرار رغبته فى الذرية ‪..‬‬
‫نعم ‪ ،‬تغيرت الصورة التى يحقق بها هذه الدوافع ‪ ،‬ولكن هل‬
‫تغيرت طبيعة الدوافع ؟‬
‫إنه من السذاجة غير " العلمية " أن ينظر النسان إلى تغير‬
‫‪1‬‬
‫الصورة فينسى ثبات الجوهر‬
‫ونعود إلى النص الذى نقلناه عن رينيه دوبو فى كتاب " إنسانية‬
‫النسان " ص ‪ 71‬من الترجمة العربية ‪.‬‬
‫عاش رجل " كروماغنون ‪ " Cro – Magnon‬فى أكثر أنحاء أوربا‬
‫قبل حوالى ثلثين ألف سنة ‪ ،‬قبل قيام الزراعة وحياة القرية بفترة‬
‫طويلة ‪ ،‬ومع أنه كان صياد بصورة رئيسية كان – على ما يظهر –‬
‫مشابها لنا جسما وعقل ‪ ،‬فأدواته وأسلحته تناسب حجم أيدينا‬
‫الن ‪ ،‬وفنه فى كهوفه يثير مشاعرنا ‪ ،‬والعناية التى كان يوليها‬
‫لدفن موتاه تكشف أنه شاركنا بشكل ما بالهتمام بنهاية النسان‬
‫وآخرته ‪ ،‬وكل أثر مدون من آثار إنسان ما قبل التاريخ يوفر شواهد‬
‫أخرى للفكرة القائلة أن الخواص الساسية للجنس البشرى لم‬
‫‪2‬‬
‫تتغير منذ العصر الحجرى‬
‫فتغير " القشرة " السياسية والقتصادية والجتماعية للنسان –‬
‫حتى إن سلمنا جدل أنه ينبع من التغير المادى وحده ‪ ،‬ونحن ل‬
‫نسلم بذلك – ل يعنى أنه أصبح إنسانا آخر ‪ .‬ول يعنى أن النسان‬
‫الرعوى غير النسان الزراعى غير النسان الصناعى من حيث‬
‫الجوهر ‪.‬‬
‫وليس معنى ذلك – من جهة أخرى – أن أى نظام مثل أى نظام‬
‫آخر ‪ ،‬وأنه ل يختلف حال النسان أى اختلف بتغير النظم عليه ‪ .‬كل‬
‫! ما نقصد ذلك ولكنا نريد أن نؤكد أنه ليس الوضع المادى هو الذى‬
‫يحدث التغيير الجوهرى فى حياة النسان ‪ ،‬أو هو المعيار الذى‬
‫تقوم به حياته ‪.‬‬
‫إنما يحدث تغير جوهرى فى حياة النسان بحسب معيار آخر‬
‫مختلف تماما ‪ .‬هو نوع العبادة التى يعبدها ‪ .‬ونوع التشريع الذى‬
‫ينظم حياته ‪ ،‬هلى يعبد الله الحق أم يعبد آلهة زائفة ‪ ،‬وهل يتحاكم‬
‫أنظر – إن شئت – حديثا مفصل فى هذا الموضوع فى كتاب " التطور والثبات فى حياة البشرية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ترجمة الدكتور نبيل صبحى الطويل طبع مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الولى سنة ‪1979‬‬ ‫‪2‬‬
‫إلى شريعة الله أم إلى شرائع جاهلية من صنع البشر ‪.‬‬
‫ذلك هم الذى يحدث التغيير الجوهرى فى حياته ‪ ،‬سواء كان فى‬
‫الحالة الرعوية أو الحالة الزراعية أو الحالة الصناعية أو الحالة‬
‫الذرية ) إن كانت هذه تعتبر تحول فى طريقة النتاج على المدى‬
‫البعيد ! ( أو فى أى حالة من الحالت المادية على الطلق ‪.‬‬
‫والسبب فى ذلك أن النسان – بخلقته – ذو طريقين مختلفين كل‬
‫الختلف من حيث السباب والنتائج والوسائل والهداف ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ح َ‬‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫وا َ‬
‫ها وَت َْق َ‬ ‫مَها فُ ُ‬
‫جوَر َ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬
‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] {(10‬سورة الشمس ‪[10-91/7‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫َز ّ‬
‫كا َ‬
‫ن )‪] {(10‬سورة البلد ‪[90/10‬‬ ‫جد َي ْ ِ‬‫}وَهَد َي َْناهُ الن ّ ْ‬
‫ما ك َُفورا ً )‪] {(3‬سورة النسان‬ ‫كرا ً وَإ ِ ّ‬‫شا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫}إ ِّنا هَد َي َْناهُ ال ّ‬
‫‪[76/3‬‬
‫وهو فى الوضع السوى حين يعبد الله وحده ويحكم شريعته ‪،‬‬
‫وفى الوضع المقلوب حين يعبد غير الله ويحكم شريعة غير شريعة‬
‫الله ‪ ،‬ول يستوى الوضع السوى بطبيعة الحال مع الوضع المقلوب ‪،‬‬
‫والفارق بينهما فارق جذرى وجوهرى ‪ ،‬أما التغيرات المادية‬
‫والقتصادية فهى تغير الصورة نعم ‪ ،‬ولكنها ل تغير الجوهر ‪.‬‬
‫ومن هنا يكون للبشرية – فى كل أوضاعها المادية والقتصادية –‬
‫حالتان اثنتان فحسب ‪ ،‬إما سوية معتدلة وإما مقلوبة ‪،‬بصرف‬
‫النظر عن الوضع المادى والقتصادى ذاته ‪ ،‬أى أنه يكون رعويا فى‬
‫حالة اعتدال أو رعويا على الوضع المقلوب ‪ .‬ويكون زراعيا فى‬
‫حالة اعتدال أو زراعيا على الوضع المقلوب ‪ ،‬ويكون صناعيا فى‬
‫حالة اعتدال أو صناعيا على الوضع المقلوب ‪ ،‬ويكون ما شاء الله‬
‫أن يكون من الوضاع المادية والقتصادية على حالتين اثنتين ‪:‬‬
‫مهتديا فتستقيم حياته ‪ ،‬أو ضال فتضطرب حياته وتختل ‪.‬‬
‫والذى درسته المادية الجدلية والتفسير المادى للتاريخ هو خط‬
‫الضلل البشرى من الشيوعية الولى إلى الرق إلى القطاع إلى‬
‫الرأسمالية إلى الشيوعية الثانية – كما سنشير فيما بعد – ولم‬
‫يدرسا قط خط اليمان التاريخى سواء عن عمد أو غير عمد ‪ 1‬لذلك‬
‫التفت التفسير المادى للتاريخ إلى التغيرات الجزئية التى حدثت‬
‫فى النتقال من كل طور اقتصادى إلى الطور الذى تله ‪ ،‬وركز‬
‫عليها ‪ ،‬وضخمها ‪ ،‬حتى بدت اختلفات جوهرية فى حياة النسان !‬
‫والسبب فى ذلك أنه لم يقارن أبدا بين الصورتين المتغايرتين‬
‫نقول نحن إنه عن عمد ‪ .‬ولكن يستوى فى النتائج أن يكون عن جهل أو عن عمد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫تغايرا جوهريا صورة اليمان وصورة الضلل على جميع الطوار‬
‫المادية والقتصادية ‪ ،‬إذن لتبين له أن الفوارق الحقيقية ليست‬
‫قائمة بين القتصاد الرعوى والقتصاد الزراعى والقتصاد‬
‫الصناعى ‪ ،‬إنما هى بين القتصاد الرعوى – والحياة الرعوية بجملتها‬
‫– على خط اليمان وعلى خط الضلل ‪ ،‬والقتصاد الزراعى –‬
‫والحياة الزراعية بجملتها – على خط اليمان وعلى خط الضلل ‪،‬‬
‫والقتصاد الصناعى – والحياة الصناعية بجملتها – على خط اليمان‬
‫وعلى خط الضلل ‪ .‬ولتبين له كذلك أن الحياة بجملتها على خط‬
‫اليمان – فى الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة الصناعية –‬
‫ذات سمات أساسية مشتركة ‪ ،‬هى قيامها على الحق والعدل‬
‫والترابط النسانى والخوة وغلبة المحبة على الصراع ‪ 0‬مهما يكن‬
‫فى داخلها من هزات واضطرابات ناشئة من إخفاق الناس فى‬
‫تطبيق المنهج الربانى بالصورة الواجبة ( وإن الحياة بجملتها على‬
‫خط الضلل – فى الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة‬
‫الصناعية – ذات السمات اساسية مشتركة ‪ .‬هى قيامها على الظلم‬
‫والطغيان والصراع على متاع الرض القريب ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫القضية الثانية ‪ ،‬أو المدخل الثانى لقضية أصالة النسان ووجود‬


‫سمات جوهرية أصيلة فيه ل تتغير بتغير الوضع المادى والقتصادى‬
‫هو ظاهرة الثورات فى التاريخ البشري ‪.‬‬
‫لماذا يثور النسان إذا لم يكن له كيان أصيل ينبغى أن يكون‬
‫عليه ؟‬
‫بعبارة أخرى ‪ :‬إذا كان النسان قابل للتشكل الدائم بحسب‬
‫الوضع المادى والقتصادى دون أن يكون له شكل ثابت أو حدود‬
‫ثابتة يجرع إليها ‪ ،‬فلماذا يثور على أى وضع من الوضاع يكون قد‬
‫تشكل به فى أثناء رحلته التاريخية على الرض ؟‬
‫يقول التفسير المادى للتاريخ – ويحسب أنه قد حل القضية بذلك‬
‫– إن الحتمية المادية والحتمية القتصادية والحتمية التاريخية هى‬
‫الجواب ! وهى التى تفسر سبب الثورات ‪ .‬فإنه إذا انتهى الدور‬
‫التاريخى لى طور من الطوار القتصادية ووصل الصراع الطبقى‬
‫إلى درجة " النضوج " حسب الحتمية التاريخية والحتمية المادية‬
‫والقتصادية ‪ .‬أى بمقتضى الحركة التاريخية للمادية الجدلية ‪ ..‬إذا‬
‫حدث ذلك كله حدثت الثورة التى تهدم النظام المنهزم – ماديا‬
‫واقتصاديا وتاريخيا – وتشيد النظام المنتصر – ماديا واقتصادية‬
‫وتاريخيا – وتمكن له فى الرض ‪.‬‬
‫وببساطة نقول ‪ :‬إن هذا ل يفسر كل الثورات التى حدثت فى‬
‫التاريخ ‪ .‬ودع جانبا الن ظهور السلم وتمكنه فى رقعة فسيحة من‬
‫الرض ورقعة فسيحة من التاريخ ‪ ،‬فسنفرد له حديثا فى الرد على‬
‫التفسير المادى بجملته ‪ .‬ولكنا نستشهد عليهم من نظريتهم !‬
‫فهم يقولون إن الثورات الناجحة هى التى توافق سير الحتمية‬
‫التاريخية فتأتى فى إبانها الصحيح ‪ ،‬وتكون متوافقة مع الظروف –‬
‫أو الحتميات – المادية والقتصادية ويكون الصراع الطبقى فيها قد‬
‫نضج إلى الحد الذى ينجح الثورة أما الثورات التى ل توافق خط‬
‫سير هذه الحتميات ‪ ،‬ول يكون الصراع الطبقى فيها قد نضج إلى‬
‫الحد المعقول ‪ ،‬فإنها تفشل مهما بذل فيها من الضحايا !‬
‫يا سبحان الله ! إذن فليس السبب فى قيام الثورات هو هذه‬
‫الحتميات ! إنما التوافق مع هذه الحتميات – كما يقولون – هو الذى‬
‫يؤدى إلى نجاح الثورة ‪ ،‬أما قيامها فلبد أن يكون له سبب أخر‬
‫أغفله – عامدا – التفسير المادى للتاريخ !‬
‫لبد أن يكون السبب كامنا فى " النسان " ! فى كيانه الصيل ‪.‬‬
‫فى كراهيته للظلم ‪ ،‬وتطلعه إلى الحق والعدل الزليين ‪ ،‬سواء‬
‫تحقق العدل فى عالم الواقع أم لم يتحقق لسبب من السباب !‬
‫‪m m m‬‬

‫القضية الثالثة أو المدخل الثالث هو ظهور العراض المرضية فى‬


‫حياة النسان حين تكون " الحضارة " التى يعش فيها غير مناسبة‬
‫لكيانه السوى ‪.‬‬
‫والشاهد الحى على ذلك هو المجتمع الوربى فى الجاهلية‬
‫المعاصرة ‪.‬‬
‫لقد زعم التفسير المادى للتاريخ أن أخلقيات المجتمع الزراعى‬
‫من شدة " التدين " إلى سيطرة الب فى السرة والحفاظ على‬
‫العرض والهتمام بالعفة الجنسية والترابط التعاونى ‪ .‬إلخ كانت‬
‫مجرد انعكاس للوضع القتصادى فى الطور الزراعى ‪ ،‬وليست قيما‬
‫أصلية قائمة بذاتها ‪ ،‬وأنه حين تغير الطور القتصادى ودخل الناس‬
‫فى العصر الصناعى فإن من طبيعة الطور القتصادى الجديد أن‬
‫يضعف التدين ‪ ،‬وتزول سيطرة الرجل بسبب تحرر المرأة اقتصاديا‬
‫‪ ،‬وتزول غيرته على عرضه ‪ ،‬وتفقد قضية العفة أهميتها ‪ ،‬وتتفكك‬
‫السرة ‪ ..‬الخ ‪ ،‬ويكون هذه كله هو النعكاس الطبيعى للوضع‬
‫القتصادى الجديد ‪ ..‬ومن ثم تكون " الخلقيات " الجديدة المضادة‬
‫تماما للخلقيات الزراعية هى المناسبة للوضع الجديد ‪ ،‬وينشئ‬
‫الطور الجديد عقائده وأفكاره وأخلقياته فتستجيب لها النفوس‬
‫وتتكيف معها بصورة طبيعية !‬
‫ولكن هذا الذى يقوله التفسير المادى للتاريخ يكذبه الواقع أشد‬
‫التكذيب ‪.‬‬
‫فأما ضعف المشاعر الدينية ‪ ،‬وزوال سيطرة الب ‪ ،‬وفقدان‬
‫قضية العفة أهميتها ‪ ،‬وتفكك السرة ‪ ،‬وممارسة الحرية الكاملة‬
‫فى علقات الجنس فقد حدثت حقا ‪ ،‬سواء كان سبب ذلك هو "‬
‫التطور الحتمى " المصاحب لتغير الطور القتصادى كما يقول‬
‫التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬أم كان سببه التخطيط الشرير الهادف‬
‫إلى إفساد البشرية لستحمارها واستعبادها كما نزعم نحن ‪..‬‬
‫أما الستجابة " الطبيعية " فلم تحدث على الطلق !‬
‫إن رد الفعل الذى حدث من ذلك كله هو انتشار القلق والجنون‬
‫والنتحار والمراض النفسية والضطرابات العصبية وإدمان الخمر‬
‫والمخدرات واتساع نطاق الجريمة وجنوح الحداث والشذوذ‬
‫الجنسى‪.‬‬
‫ومؤتمراتهم وإحصائياتهم هى الشاهد على ذلك ‪..‬‬
‫ودللة ذلك واضحة ‪..‬‬
‫فلو أن النفس البشرية ليس لها كيان محدد ول صورة ينبغى لها‬
‫أن تكون عليها ‪ ،‬ما حدث رد الفعل المرض الذى حدث بالفعل فى‬
‫حياة الناس ‪ ،‬ولستجابت استجابة " طبيعية " للشكل الذى شكلت‬
‫به ‪ ،‬سواء كان الذى حدد الشكل هو التطور الحتمى أو التخطيط‬
‫الشرير ‪.‬‬
‫إنما هذه الستجابة المرضية معناها أن الحضارة التى قدمت‬
‫للناس – تحت أى ظل وأى عنوان – هى حضارة ل تناسب الكيان‬
‫البشرى السوى ‪ ،‬ل تناسب مقومات النفس البشرية الصيلة ‪ ،‬ل‬
‫تناسب الوضع السليم الذى ينبغى أن يكون عليه النسان ‪،‬‬
‫لمفارقتها للقيم النسانية الصحيحة ‪.‬‬
‫وإذن فهناك قيم معينة ‪ ،‬أصيلة وثابتة ‪ ،‬ينبغى أن تكون قائمة فى‬
‫حياة الناس أيا كان الطور القتصادى الذى يعيشون فيه ‪ .‬وحين‬
‫تخالف هذه القيم فإن الحياة تضطرب وتختل ول يعود لها ميزان ‪.‬‬
‫ويكفينا هذا لثبات ن القيم العليا هى أشياء قائمة بذاتها ‪،‬‬
‫ومطلوب وجودها فى الحياة البشرية لن هذه الحياة ل تستقيم‬
‫بدونها ‪ .‬كما يكفينا هذا لنفى تلك السطورة القائلة بأن الوضع‬
‫القتصادى هو الصل الوحيد الذى تنشأ منه كل القيم وكل‬
‫الخلق ‪ ،‬وإن كنا نقرر من باب إحقاق الحق أن الوضع القتصادى‬
‫يتخذ أهمية بالغة فى كل جاهليات التاريخ ‪ ،‬بحيث يبدو أن هو‬
‫المسيطرة ‪ ،‬وأنه هو الساس ‪ ،‬إذ تتوارى القيم الخرى كلها‬
‫وتحتجب ‪ ،‬فتبرز القيم المادية وتصبح هى الساس ! ولو أن‬
‫التفسير المادى للتاريخ اكتفى بأن يقول إنه يفسر الجاهليات‬
‫البشرية لكان أقرب إلى الصواب ‪ ،‬أما أن يزعم أن يفسر " التاريخ‬
‫" ‪ ..‬كل التاريخ ‪ ..‬فزعم واسع يكذبه التاريخ ! ومع ذلك فالجاهليات‬
‫ذاتها – كما سنبين – ل يستوعبها استيعابا كامل ذلك التفسير‬
‫الجاهلى للتاريخ !‬
‫إذا اكتفينا بهذا القدر فى مناقشة القضايا الرئيسية فى التفسير‬
‫المادى للتاريخ ‪ ،‬وهى قضية مادية الخالق وقضية مادية النسان‬
‫وقضية مادية القيم النسانية ‪ ،‬فل بأس أن نستعرض بعض القضايا‬
‫المترتبة عليها ‪ .‬ونختار من بينها قضية ‪ ،‬الدين " وقضية " السرة "‬
‫وقضية " الشيوعية الولى " وقضية " الملكية الفردية " وقضية "‬
‫التطور " وقضية " الحتميات " وكلها من القضايا ذات الهمية‬
‫الخاصة فى التفسير المادى للتاريخ ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫‪ -1‬التفسير المادى للدين ‪:‬‬


‫يقول التفسير المادى للتاريخ إن النسان الول تدين لنه كان‬
‫جاهل بقوانين الطبيعة من حوله ‪ ،‬فصنع من قوى الطبيعة آلهة ‪،‬‬
‫فالبرق إله والرعد إله والريح إله والمطر إليه ‪ ..‬الخ ‪ ،‬ولنه كان‬
‫جاهل بالبيئة وغير قادر على السيطرة عليها ‪ ،‬فجعل من أشجارها‬
‫وحيوانها آلهة معبودة يستمطر رضاها ويتوقى غضبها ‪ ،‬ويقدم لها‬
‫الصلوات والقرابين ‪ ..‬ومصدرهم فى كثير من هذه المور هو "‬
‫فريزر " فى كتاب الغصن الذهبى " الذى استغلوه استغلل كامل‬
‫كما استغلوا دارون من قبل ‪ ،‬وإن كانوا هم يشيرون إلى أبحاث "‬
‫مورجان ‪ 1‬ول يشيرون إلى فريزر !‬
‫أما فى العهد القطاعى – أو الزراعى – فالناس متدينون لن‬
‫عملية النتاج تشتمل على جانب ل يملك النسان السيطرة عليه ‪،‬‬
‫مورجان باحث أمريكى تخصص فى دارسة احوال القبائل المريكية البدائية وهو متأخر عن ماركس ولذلك يشمميرون‬ ‫‪1‬‬

‫إليه على اعتبار أن أبحاثه أيدت أقوال ماركس التى قالها غير متأثر بأحد "‬
‫وهو جانب النبات والنماء والفات والعوارض الجوية ‪ ،‬فيتخيل قوى‬
‫غيبية يسند إليها إخراج الزرع من الرض وإنضاجه وحمايته ‪،‬‬
‫فيتعبدها ويسترضيها لتحفظ له المحصول الذى تقوم حياته عليه ‪.‬‬
‫ثم يزول الجهل والعجز بالتقدم العلمى والتكنولوجى فيتعرف‬
‫النسان رويدا رويدا على قوانين الطبيعة ‪ ،‬ويسيطر تدريجيا على‬
‫البيئة ‪ ،‬فتقل حاجته إلى " افتراض " القوى الغيبية ‪ .‬وحين تصبح‬
‫عملية النتاج مادية بحتة فى العصر الصناعى ويسيطر العامل على‬
‫كل خطواتها من أول استخراج المادة الخامة إلى تشكيلها فى‬
‫صورتها النهائية ‪ ..‬فعندئذ تزول الحاجة إلى التدين نهائيا وينتهى دور‬
‫الدين فى حياة البشرية ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فإن الطبقة الحاكمة سواء فى القطاع أو فى‬
‫الرأسمالية تستخدم الدين – الذى هو أسطوة ل حقيقة لها – فى‬
‫تخدير الجماهير الكادحة لترض بالظلم فى الرض طمعا فى الجنة‬
‫فى الخرة ‪.‬‬
‫ونقول بادئ ذى بء إنه من التعسف تفسير ظاهرة وجدت فى‬
‫جميع العصور وجميع الجيال بتفسير خاص فى كل جيل من الجيال‬
‫! إنما ينبغى – من الوجهة العلمية البحتة _ أن نبحث عن أسبابها‬
‫فى الصول الثابتة ل فى المتغيرات !‬
‫إن دللة خمسين قرنا – على القل – من تاريخ البشرية‬
‫المكتوب ‪ ،‬فضل عن قرون أخرى غير مكتوبة ل يعلم عددها إل الله‬
‫‪ ،‬ل يمكن أن تلغى بجرة قلم مهما يكن جبروت هذا القلم‬
‫وطغيانه ! ول يمكن أن تلغى لن جيل واحدا أو جيلين قد تنكرا‬
‫للدين لسباب معروفة ومرئية وغير خافية على الذين يبحثون عن‬
‫الحق ويحبون أن يهتدو إليه !‬
‫فى كل تلك القرون التى ل يعلم عددها إل الله كانت ظاهرة‬
‫التدين قائمة ‪ ،‬فلماذا نقول إن سببها فى الجيل الفلنى كان كذا‬
‫وفى الجيل الخر كان أمرا آخر ؟!‬
‫أهذه هى طريقة " البحث العلمى الموضوعى " وتلك هى‬
‫مناهجه ؟!‬
‫هل يمكن مثل أن نرد الدافع الجنسى إلى أسباب مادية ‪ ،‬أو إلى‬
‫أسباب تختلف فى جيل عنها فى جيل آخر ‪ ،‬أليس وجود هذا الدافع‬
‫على مدى التاريخ البشرى يجعلنا نقول إنه فى أصل الفطرة ‪ ،‬ل هو‬
‫مكتسب ول هو راجع إلى أسباب خارجية فى البيئة المحيطة‬
‫بالنسان ؟ !‬
‫فلماذا نقول عن التدين – الذى وجد على مدى التاريخ البشرى –‬
‫إنه راجع إلى البيئة وإلى أسباب متغيرة ‪ ،‬وليس أصل من أصول‬
‫الفطرة ؟‬
‫أمن أجل أن جيل من البشر أو جيلين قد تفشى فيهما اللحاد ؟!‬
‫لقد تفشت بالرهبانية فى المجتمع المسيحى عدة قرون ‪ ،‬وكان‬
‫ينظر إلى التخلص من الدافع الجنسى أو كتبه أو قهره على أنه‬
‫قمة الرتفاع النفسى والروحى ‪ ،‬فهل يلغى هذا العارض الذى‬
‫تفشى فى مجتمع معين لفترة معينة كل دللة التاريخ ‪ ،‬ويجعلنا‬
‫نقول إن أسبابا معينة فى البيئة هى التى توجد دافع الجنس ‪ ،‬وإنه‬
‫يمكن أن يزول من الوجود فى يوم من اليام ؟ !‬
‫لماذا إذن نفرق بين ظاهرتين متشابهتين بل متماثلتين فنعطى‬
‫إحداهما تفسيرا ونأبى على الخرى ذلك التفسير ؟‬
‫كل ! إن الهدف واضح ‪ ،‬وهو أن الشيوعية – اليهودية المنشأة ‪-‬‬
‫تريد أن تقيم مجتمعا بشريا على اللحاد الكامل عن الدين ‪ ،‬فتروح‬
‫تزعم أن الدين ليس من الفطرة ‪ ،‬وأن أسبابا معينة فى البيئة أو‬
‫فى موقف النسان من البيئة هى التى أنشأت ظاهرة التدين فيما‬
‫مضى من التاريخ ‪ ،‬وأن هذه السباب الن قد زالت فينبغى للدين‬
‫أن يزول !‬
‫إن وجود عوامل خارجية فى الكون المادى وفى البيئة المحيطة‬
‫بالنسان تبعث مشاعر التدين فى النسان أمر نعلمه ونقره ‪..‬‬
‫إنها ذلك الكون ذاته بضخامته المعجزة ودقته المعجزة ‪.‬‬
‫إنها ظاهرة الحياة والموت التى تبهر حس النسان وتثير عجبه‬
‫وتطلعه ‪.‬‬
‫إنها ظاهرة حدوث الحداث وجريانها من ليل ونهار ونور وظلمة‬
‫وولدة وموت وصحة ومرض وغنى وفقر واجتماع وافتراق ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫إنها ظاهرة عجز النسان عن السيطرة الكاملة على الكون مهما‬
‫بلغ من سيطرته ‪ ،‬وعن الحاطة الكاملة بأسراره مهما بلغ من‬
‫‪1‬‬
‫علمه ‪ ،‬وعجزه الكامل عن الخلق والنشاء من العدم‬
‫إنها هى التى نبه إليها رب العالمين فى كتابه الكريم ليوقظ‬
‫وجدان البشر إلى تفرد الله باللوهية والربوية ووجوب إفراده‬
‫بالعبادة والنسك وتحكيم شريعته فى الرض ‪:‬‬
‫ن ِفي‬ ‫م )‪ (163‬إ ِ ّ‬ ‫حي ُ‬‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حد ٌ ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ الّر ْ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫}وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ك ال ِّتي ت َ ْ‬‫ل َوالن َّهارِ َوال ُْفل ْ ِ‬ ‫ت وال َ‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ق ال ّ‬ ‫َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫سنعاود الحديث عن هذا الموضوع بتفصيل أكثر عند التحديث عن اللحاد‬ ‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫حَيا‬ ‫ماءٍ فَأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ما َينَفعُ الّنا َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ِفي ال ْب َ ْ‬
‫ح‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬
‫ف الّرَيا ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫داب ّةٍ وَت َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫موْت َِها وَب َ ّ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫ب ِهِ الْر َ‬
‫ن)‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خرِ ب َي ْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َوال ّ‬
‫‪] {(164‬سورة البقرة ‪[164-2/163‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫ت فَإ ِ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ي وَي ُ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫)‪] {(68‬سورة غافر ‪[40/68‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫شاُء وَت َن ْزِعُ ال ْ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫}قُ ْ‬
‫يءٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شاُء ب ِي َدِ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شاُء وَت ُذِ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَت ُعِّز َ‬ ‫تَ َ‬
‫ج‬‫خرِ ُ‬ ‫ل وَت ُ ْ‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ‬ ‫ل ِفي الن َّهارِ وَُتول ِ ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫ديٌر )‪ُ (26‬تول ِ ُ‬ ‫قَ ِ‬
‫ر‬
‫شاءُ ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَت َْرُزقُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَت ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب )‪] {(27‬سورة آل ‪[27-3/26‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫جٌر ِفي ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ماًء ل َك ُ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي أنَز َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫ل َوال َعَْنا َ‬ ‫خي َ‬ ‫ن َوالن ّ ِ‬ ‫م ب ِهِ الّزْرعَ َوالّزي ُْتو َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (10‬ي ُن ْب ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سي ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫مرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٌ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو ُ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوالن َّهاَر َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫وان ُ ُ‬ ‫خت َِلفا ً أ ْل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ذ ََرأ ل َك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (12‬وَ َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬ ‫لَيا ٍ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ‬ ‫خَر ال ْب َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (13‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ه‬
‫خَر ِفي ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫سون ََها وَت ََرى ال ُْفل ْ َ‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫حما ً ط َرِي ّا ً وَت َ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ن )‪ (14‬وَألَقى ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ما ٍ‬ ‫عل َ‬ ‫ن )‪ (15‬وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫سب ُل ً ل ّعَل ّك ُ ْ‬ ‫م وَأن َْهارا ً وَ ُ‬ ‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َرَوا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫خل ُقُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ُقُ ك َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (16‬أفَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫جم ِ ه ُ ْ‬ ‫وَِبالن ّ ْ‬
‫م )‪{(18‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه ل َغَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫‪ (17‬وَإ ِ ْ‬
‫]سورة النحل ‪[18-16/10‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫خال ُِقو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫خل ُُقون َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (58‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫}أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ن ن ُب َد ّ َ‬ ‫ن )‪ (60‬عََلى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫سُبوِقي‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫شأةَ الوَلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الن ّ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (61‬وَل ََقد ْ عَل ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫شئ َك ُ ْ‬ ‫م وَن ُن ْ ِ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫عون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ت َْزَر ُ َ ُ‬ ‫ن )‪ (63‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (62‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫ول َتذك ُّرو َ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن )‪ (65‬إ ِّنا‬ ‫م ت َت ََفك ُّهو َ‬ ‫طاما ً فَظ َل َل ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬ ‫شاُء ل َ َ‬ ‫ن )‪ (64‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫عو َ‬ ‫الّزارِ ُ‬
‫َ َ‬
‫ذي‬ ‫ماَء ال ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (67‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن )‪ (66‬ب َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫شربون )‪ (68‬أ َأ َنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ‬
‫ن )‪ (69‬ل َ ْ‬
‫و‬ ‫منزُِلو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ُْ ْ َ ُ ُ ُ ِ ْ‬ ‫تَ ْ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬ ‫م الّناَر ال ِّتي ُتوُرو َ‬ ‫ن )‪ (70‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫جاجا ً فَل َ ْ‬ ‫جعَل َْناهُ أ َ‬ ‫شاُء َ‬ ‫نَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (72‬ن َ ْ‬ ‫شُئو َ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جَرت ََها أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫‪ (71‬أأن ْت ُ ْ‬
‫ظيم ِ )‪{(74‬‬ ‫ك ال ْعَ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ن )‪ (73‬فَ َ‬ ‫وي َ‬ ‫مْق ِ‬ ‫مَتاعا ً ل ِل ْ ُ‬ ‫ت َذ ْك َِرةً وَ َ‬
‫]سورة الواقعة ‪[74-56/58‬‬
‫خل َُقوا‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (35‬أ ْ‬ ‫خال ُِقو َ‬ ‫م هُ ْ‬‫يٍء أ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫خل ُِقوا ِ‬
‫م ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫م‬ ‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م هُ ْ‬
‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫ن )‪ (36‬أ ْ‬ ‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪] {(37‬سورة الطور ‪[37-52/35‬‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫نعم ‪ ..‬هناك عوامل خارجية فى الكون المادى وفى البيئة‬
‫المحيطة بالنسان تبعث مشاعر التدين وتوقظها ‪ ،‬ولكنها ل تنشئها‬
‫من العدم ‪ ،‬إنما هى موجودة هناك فى أعمال الفطرة ‪ ،‬وهذه‬
‫العوامل توقظها فقط ‪ ،‬لن الله جعل الفطرة هكذا بحيث تستيقظ‬
‫حين تتلقى إيقاعات الكون المادى وإيقاعات الحداث الجارية فى‬
‫محيط النسان ‪ ،‬فتمضى تبحث عن الخالق سواء اهتدت فى بحثها‬
‫أم ضلت عن السبيل ‪.‬‬
‫ودليلنا على ذلك هو التاريخ البشرى كله ‪ ،‬ل ينقص من دللته‬
‫وجود جيل أو جيلين نافرين جاحدين شذا عن الطريق ‪.‬‬
‫ودليلينا من العالم الشيوعى ذاته هو جاحارين رائد الفضاء‬
‫الول ‪ ،‬الذى ولد فى الشيوعية وتربى فيها على اللحاد الكامل‬
‫وإنكار وجود الله ‪ ،‬فما صعد إلى الفضاء هزته روعة الكون ‪ ،‬فكان‬
‫تصريحه الول للصحفيين عند هبوطه إلى الرض ‪ " :‬عندما صعدت‬
‫‪1‬‬
‫إلى الفضاء أخذتنى روعة الكون فمضيت أبحث عن الله‬
‫ودليلنا عليه من الجاهلية المعاصرة كذلك أولئك العلماء الذين‬
‫تعمقوا فى دراسة أسرار الكون فهداهم علمها إلى أنه ل يمكن‬
‫تفسير عجائب الكون إل بالتسليم بوجود الله ‪ ،‬مما نقلنا فقرات‬
‫منه فى هذا الفصل من قبل ونحن نتحدث عن التفسير المادى‬
‫للخالق ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫الدين إذن مركوز فى الفطرة ‪:‬‬


‫م عََلى‬ ‫م وَأ َ ْ‬
‫شهَد َهُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬
‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ن ب َِني آد َ َ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬‫}وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫شهِد َْنا{ ]سورة العراف ‪[7/172‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫والعوامل التى توقظ الفطرة فتبعثها تبحث عن الله باقية ما بقى‬
‫النسان فى الرض ‪ ،‬ل تتغير مهما بلغ من علم النسان أو سيطرته‬
‫على البيئة ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك بقيت ظاهرة التدين قائمة خلل التاريخ البشرى‬
‫كله ‪ ،‬بصرف النظر عن هذا الجيل الممسوخ الذى دفعته عوامل‬
‫معينة – معروفة – إلى مغالبة الفطرة والتبجح بإنكار وجود الله ‪.‬‬
‫زيفت الدولة تصريحه فيما بعد ولكن العبرة بتصريحه الول ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫والذى ألغاه تعلم النسان وسيطرته على البيئة لم يكن هو الدين‬
‫الصحيح إنما كان بعض انحرافات الجاهلية وتصوراتها الساذجة ‪،‬‬
‫فحين توهم البشر – فى بعض جاهليتهم – إن المطر إله والريح إله‬
‫والرعد إله والبرق إله ‪ ،‬وأن وجه الرض مملوء بالرواح الشريرة‬
‫التى يؤثر فيها السحر ‪ ،‬أو حين توهموا – فى طور آخر – أن بعض‬
‫الحيوانات ألهة تعبد – كبقرة الهند والعجل أبيس فى مصر‬
‫الفرعونية وغيرها – أو حين توهموا فى طور ثالث أن بعض الجرام‬
‫السماوية ألهة كالشمس والقمر والنجوم ‪ ..‬كانت هذه كلها أوهاما‬
‫ساذجة يمكن أن يمحوها العلم ‪ ،‬أو يمحوها زيادة سيطرة النسان‬
‫على البيئة ‪.‬‬
‫أما الدين الصحيح – وهو عبادة الله الخالق وحده بل شريك –‬
‫فقد وجد منذ بدء البشرية وظل قائما إلى هذه الساعة ‪ ،‬لم يؤثر‬
‫فيه العلم ول سيطرة النسان على البيئة ‪ ،‬لنه لم ينشأ من الجهل‬
‫العارض أو العجز العارض كما يزعم التفسير المادى للتاريخ ومن‬
‫لف لفه من الملحدين ‪ ،‬إنما نشأ من حقيقة أزلية هى ووجود الله‬
‫الخالق البارئ المصور ‪ ،‬وكون النسان مخلوقا خلقه الله ‪ ،‬وأودع‬
‫فى فطرته أن يتوجه لعبادة الله ‪ ،‬وإن كان قد أودع فى فطرته فى‬
‫الوقت ذاته قدرة على الختيار بين طريق الهدى وطريق الضلل ‪.‬‬
‫وفى عهود البشرية السحيقة حين كانت أقوام تعبد الب ‪ ،‬أو‬
‫تعبد الطوطم ‪ ،‬أو تعبد قوى الطبيعة ‪ ،‬أو تعبد الفلك ‪ ،‬أو تعبد‬
‫الصنام كان هناك مؤمنون يعبدون الله وحده بل شريك ‪ ،‬فيتقدمون‬
‫إليه وحده بالعبادة والنسك ‪ ،‬ويطبقون شريعته فى واقع حياتهم ‪.‬‬
‫فإذا كان نمو العلم ونمو سيطرة النسان على البيئة قمينا بأن‬
‫يلغى أساطير الجاهليات المختلفة فى أمر الدين ‪ ،‬فليس من شأنه‬
‫أن يلغى الدين ذاته ‪ ،‬المركوز فى الفطرة ‪ ،‬الذى ينبثق حتى فى‬
‫الجاهلية المعاصرة الملحدة الكافرة ‪ ،‬فيعلن صوت الفطرة رغم‬
‫كل الحواجز التى تريد أن تخنق ذلك الصوت ‪.‬‬
‫وأما كون القطاع والرأسمالية يستخدمان الدين مخدرا للجماهير‬
‫لترضى بذل العبودية فى الرض طمعا فى جنة الله فى الخرة ‪،‬‬
‫فتلك كانت حقيقة واقعة فى الجاهلية الوربية الحديثة ‪ ،‬وقامت‬
‫الكنيسة ذاتها بجزء من المؤامرة التى تهدف إلى تخدير الجماهير‬
‫لكيل يثورا على الظالمين ‪..‬‬
‫ولكن ما علقة ذلك بحقيقة الدين ؟‬
‫إن الدين – ككل شئ آخر فى عالم البشر – يمكن أن تشوه‬
‫صورته وأن يساء استغلله ‪ ،‬فهل نلغى الدين الصحيح من أجل‬
‫الصورة الزائفة ‪ ،‬أو من أجل سوء الستغلل ؟ أم نحاول تصحيح‬
‫الصورة ومنع الستغلل ؟‬
‫ثم ما الحيلة إذا كان النسان عابدا بطبعه ‪ ،‬فغن لم يعبد الله عبد‬
‫من هو دونه ‪ ،‬وهبط نتيجة لذلك أسفل سافلين؟ !‬
‫كل ! ليس التفسير المادى للدين حقيقة ‪ ،‬علمية ‪ ،‬ول يمت بأية‬
‫صلة للعلم أو النظر العلمى ‪ .‬إنما هو " شهوة " قائمة على غير‬
‫الدليل شهوة بعض الناس فى نشر اللحاد فى الرض لغاية فى‬
‫‪1‬‬
‫نفوس الشياطين !‬
‫‪ -2‬قضية السرة ‪:‬‬
‫كل الذين يتكلمون ضد الدين والخلق يتكلمون ضد السرة‬
‫كذلك ‪ .‬والعلقة واضحة ‪ .‬فالدين والخلق والسرة كلها من "‬
‫الضوابط " التى تقف فى سبيل المخططات الرامية إلى إفساد‬
‫البشرية واستحمارها ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شه َ َ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ريد ُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫ن ي َُتو َ‬
‫ريد ُ أ ْ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬
‫ظيما ً )‪] {(27‬سورة النساء ‪[4/27‬‬ ‫ميُلوا َ‬
‫مي ْل ً عَ ِ‬ ‫تَ ِ‬
‫إن السرة هى الضابط الطبيعى ضد فوضى الجنس ‪ ،‬والذين‬
‫يريدون إفساد البشرية ل يريدون أن يكون هناك ضابط للفوضى‬
‫الجنسية ‪ ،‬سواء كان هذا الضابط هو الدين والخلق ‪ ،‬أو كان هو‬
‫التنظيم الطبيعى الذى تنشئه السرة بنوع علقاتها ونوع مسئولياتها‬
‫‪.‬‬
‫والشيوعيون – بصفة خاصة – لهم حقد خاص على السرة لكثر‬
‫من سبب فى وقت واحد ‪.‬‬
‫فالسرة – كما يقولون – تثير مشاعر الثرة فى الوالدين ‪،‬‬
‫وتقوى نزعة الملكية الفردية من أجل توريث الولد ما يملكه‬
‫الوالدان ‪ ،‬وهم يريدون القضاء على الملكية الفردية ‪ ،‬فيكرهون –‬
‫بالتالى – كل نظام أو فكرة يقف فى طريق القضاء عليها ‪.‬‬
‫ثم إن النظام الشيوعى – كما سنرى ونحن نناقش المذهب‬
‫القتصادى فى صورته التطبيقية – يريد أن يجعل الولء للدولة‬
‫وحدها دون أحد آخر ‪ ،‬ويريد من الفراد أن يذوبوا ذوبانا كامل فى "‬
‫النظام و " الدولة " و " الحزب " و " الزعيم " فل يكون لهم‬
‫ارتباط بشئ آخر خلف هذه الولءات الضرورية للنظام ‪ .‬ومن ثم‬
‫فإنهم يكرهون السرة لنها – بداهة – ارتباط قائم بذاته مستقل‬
‫سنتحدث عن هذه الغاية مرة أخرى فى فصل "اللحاد"‬ ‫‪1‬‬
‫عن الدولة ‪ ،‬ولو كان مواليا لها فى ظاهر المر أو واقعا تحت‬
‫الضغط البوليسى للدولة ‪ .‬فإذا كان النظم الشيوعى – بالضافة‬
‫إلى ذلك – يصل إلى حد تجنيد الشعب كله فى التجسس بعضه‬
‫على بعض ليأمن قيام أى تجمع مضاد ‪ ،‬أدركنا أن حنقه على‬
‫السرة لبد أن يكون أشد ‪ ،‬لن الولء الفطرى داخل السرة هو‬
‫نوع من التجمع ‪ ،‬مهما يكن صغيرا فإنه يمكن أن يكون نواة لتجمع‬
‫أكبر ‪ ،‬وهو فى جميع الحوال حائل دون الجاسوسية الدقيقة على‬
‫كل فرد من أفراد الشعب ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك كله فإن من الضمانات التى يعتمد عليها‬
‫النظام الشيوعى تربية الولد منذ نعومة أظفارهم على الولء‬
‫الكامل للنظام والدولة والحزب والزعيم ‪ ..‬وهذا يقتضى الشراف‬
‫الكامل عليهم منذ ولدتهم ‪ ،‬حتى ل توجد " جرثومة " واحدة مفردة‬
‫يمكن أن تنشر العدوى فى نطاق أوسع ‪ .‬والسرة – أو مشاعر‬
‫الرتباط البوى – عائق من عوائق هذا الشراف الدقيق الذى يعتمد‬
‫عليه النظام ‪ ،‬لنها تجعل ولء الطفال – أو جزء منه على القل –‬
‫مرتبطا بأعضاء السرة من الباء والخوة ‪.‬‬
‫لذلك كله تكره الشيوعية السرة كراهية خاصة مركزة ‪ ،‬وسط‬
‫الكراهية العامة التى يتوجه بها إلى السرة ذلك المخطط الشرير‬
‫الذى يهدف إلى إفساد البشرية واستحمارها ‪.‬‬
‫ولكن أصحاب المخطط يحبون – دائما – أن يغفلوا مخططهم‬
‫بالعلم والنظريات العلمية ‪ ،‬ليكون ذلك أدعى إلى تقبل الناس له‬
‫وعدم اعتراضهم عليه ‪ .‬و " العلم " فى الجاهلية المعاصرة يقوم‬
‫مقام " السحر " فى الجاهليات البدائية التى كانت تؤمن به‬
‫وتتعامل معه ‪ ،‬ويدخل النفوس بسهولة ويتمكن منها فى لحظات ‪..‬‬
‫ولو كان قائما على غير أساس ! إذ يكفى أن تقول عن أى شئ إنه‬
‫نتيجة " أبحاث عليمة " حتى ينصاع الناس صاغرين ‪ ،‬دون أن‬
‫يتوقفوا حتى ليتساءلوا ‪ :‬أحق هو ؟! أم دعوى بل دليل !‬
‫و " العلم " الذى يحارب الماديون به السرة يأخذ البشرية‬
‫بطولها من أولها إلى آخرها !‬
‫ففى البدء كانت الشيوعية الجنسية فلم تكن هناك " أسرة "‬
‫بالمعنى المتعارف عليه ‪.‬‬
‫وفى بقية التاريخ كانت السرة قائمة لسباب اقتصادية ومتوافقة‬
‫مع تلك السباب القتصادية ‪.‬‬
‫وفى نهاية التاريخ – التى يريدونها أو يتخيلونها أو يخيلونها للناس‬
‫– تنتهى مهمة السرة وتزول من الوجود ‪ ..‬على أسس " علمية " !‬
‫فأما الشيوعية الجنسية فسنتحدث عنها فى الفقرة القادمة ‪،‬‬
‫ولكنا نقول هنا إن كل ما قالوه فى وصفها ل يستند إلى دليل‬
‫علمى حقيقى إنما هو استنباطات مغرضة من أحوال القبائل‬
‫المتأخرة التى عثر عليها فى آسيا وأفريقيا وأستراليا فى القرنين‬
‫السابقين ‪.‬‬
‫وأما قيامها لسباب اقتصادية فيكفينا أن نشير فيه إلى ما‬
‫شرحناه من قبل فى مناقشة التفسير المادى للقيم النسانية من‬
‫أن القتصاد والوضاع القتصادية جانب مهم فى حياة النسان ‪،‬‬
‫ومؤثر من المؤثرات القوية فيها ‪ ،‬ولكن هذه الحياة أوسع وأشمل‬
‫من أن تفسر بجانب واحد أو عامل واحد مهما يكن من سعته وقوة‬
‫تأثيره ‪ .‬إنما المؤثرات كلها – على اختلف كل منها عن الخر‬
‫وأصالته الذاتية – روافد تصب فى المجرى الكبير الذى يشكل حياة‬
‫البشرية ‪ .‬والقتصاد واحد من هذه المؤثرات ورافد من الروافد ‪،‬‬
‫ولكنه ليس وحده الذى يتحكم فى حياة الناس ‪ ،‬وليس هو الذى‬
‫يفسرها ‪ ،‬إنما التفسير الشمل والصح أن النفس البشرية بكاملها‬
‫هى التفسير الصحيح للحياة البشرية بكاملها ‪ .‬والنفس تحوى – ول‬
‫شك – عناصر كثيرة غير العناصر المادية حتى فى ضللها وجاهليتها‬
‫!‬
‫يقول خالق هذه النفس سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين ‪:‬‬
‫خل َق ل َك ُم من َأنُفسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جع َ َ‬
‫ل‬ ‫م أْزَواجا ً ل ِت َ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬
‫م ْ‬‫}وَ ِ‬
‫ن )‪{(21‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫موَد ّةً وََر ْ‬‫م َ‬‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫]سورة الروم ‪[30/21‬‬
‫هذا السكن وهذه السكينة عنصر هام فى نشأة السرة‬
‫واستمرارها مدى التاريخ البشرى كله ‪ ،‬وهو سبب نابع من الفطرة‬
‫التى تحب هذا السكن وهذه السكينة بصرف النظر عن الدافع‬
‫الجنسى الذى يمكن أن يتحقق بأية وسيلة ‪.‬‬
‫ول يتنافى هذا مع كون السرة تكون ترابطا اقتصاديا من نوع‬
‫ما ‪ .‬فليس هناك فى النفس البشرية تناقض ول تنافر بين عناصرها‬
‫المختلفة ‪ ،‬ول يلزم من وجود أحدها نفى الخر ول نبذة كما تقول‬
‫التفسيرات الضيقة المعتسفة ‪ ،‬ول يلزم من قوة أحدها أن يكون‬
‫سائرها تابعا له أو نابعا منه كما تقول تلك التفسيرات ‪ ،‬إنما توجد‬
‫كلها – مع قوتها وأصالتها – جنبا إلى جنب ‪ ،‬متفاعل بعضها مع بعض‬
‫فى الكيان البشرى الكبير ‪ ،‬الذى كرمه الله بعوامل شتى ‪ ،‬وهذا‬
‫التعدد وهذه السعة هى ذاتها من عوامل التكريم ‪ ،‬لننا ل نجدها –‬
‫بهذه الصورة – فى الكائنات الدنى من النسان ‪.‬‬
‫والسرة – كما ثبت من التجارب غير المتحيزة – ضرورة لتنشئة‬
‫الطفال الصحاء من الوجهة النفسية ‪ .‬ومهما حاولت المحاضن أن‬
‫تدعى أنها تقوم مقام السرة الطبيعية فى هذا الشأن فهى واهمة‬
‫فى ذلك أو مغالطة ‪ ،‬فإن فى مقدور المحاضن أن تعطى رعاية‬
‫صحية كاملة " للجسد " وتوجيها عقليا مبنيا على قواعد العلم ) أيا‬
‫كان مبلغ هذا العلم من الصحة ( ولكنها ل تستطيع قط أن تعطى‬
‫الرعاية النفسية المطلوبة للتنشئة الصحيحة للطفال ‪ ،‬بسبب‬
‫غياب الم المتخصصة التى يشعر الطفل لملكيتها – وحده – ملكية‬
‫‪1‬‬
‫كاملة "‬
‫ولسنا نقول مع ذلك إن النسان لجأ إلى تكوين السرة لنه وجد‬
‫فيها نوعا من التنظيم القتصادى أو وجد أنها الطريقة المثلى‬
‫لتنشئة الطفال ‪.‬‬
‫إنما نقول إن الله العليم الخبير الذى يعلم أن السرة هى التى‬
‫تحقق التنشئة السليمة للطفال حين تتخصص الم فيها لهذه‬
‫المهمة الخطيرة ‪ ،‬قد جعل الحنين إلى تكوين السرة جزءا من‬
‫الفطرة ‪ ،‬تشعر فيها بالسكن والسكينة ‪ ،‬وتشعر فى خارجها بالقلق‬
‫وفقدان السكينة ولو حققت كل مطالب الجنس وكل الكتفاء‬
‫القتصادى ! ثم نظم سبحانه وتعالى العلقات القتصادية داخل‬
‫السرة بحيث تكون المرأة مكفولة كاملة دون أن تحتاج إلى‬
‫العمل خارج البيت ‪ ،‬لكى تستطيع التفرغ لمهمتها الصلية ‪ ،‬فكلف‬
‫الرجل بإعالتها – ل تفضل ولكن تكليفا – وكلفها هى رعاية شؤون‬
‫البيت والطفال ‪ ،‬ثم جعل فى فطرة كل منهما وتركيبه العصبى‬
‫والنفسى ميل لهذا التكليف وقدرة عليه ‪ ،‬وشعورا بتحقيق الذات‬
‫عن طريقه ‪.‬‬
‫ذلك هو الوضع السليم للسرة كما أنشأها الله ‪.‬‬
‫فأما الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق فيكرهون أن‬
‫يستمعوا لهذا القول ويشمئزون منه بدعوى أنه كلم غير علمى !‬
‫ش َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬
‫ت قُُلو ُ‬ ‫مأّز ْ‬‫حد َهُ ا ْ َ‬ ‫ه وَ ْ‬‫ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫ن )‪] {(45‬سورة الزمر‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫دون ِهِ إ ِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ذا ذ ُك َِر ال ّ ِ‬‫وَإ ِ َ‬
‫‪[39/45‬‬
‫فيقول دور كايم ‪ " :‬ومن هذا القبيل أن بعض هؤلء العلماء يقول‬
‫أنظر كتاب " أطفال بل أسر " لنا فرويد ‪ ،‬وأنظر نتممائج المممؤتمرات الممتى تعقمد فمى أمريكمما وغممرب أوروبما لدراسمة‬ ‫‪1‬‬

‫ظاهرة جنوح الحداث ‪.‬‬


‫بوجود عاطفة دينية فطرية لدى النسان ‪ ،‬وبأن هذا الخير مزود‬
‫بحد أدنى من الغيرة الجنسية والبر بالوالدين ومحبة البناء ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من العواطف ‪ ،‬وقد أراد بعضهم تفسير نشأة كل من الدين‬
‫والزواج والسرة على هذا النحو ‪ ،‬ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه‬
‫‪1‬‬
‫النزعات ليست فطرية فى النسان "‬
‫متى أوقفنا التاريخ على أن هذه النزعات ليست فطرية فى‬
‫النسان ‪ ،‬وكيف أوقفنا على ذلك ؟! أم لهم تاريخ سرى غير التاريخ‬
‫العلنى الذى يعرفه جميع الناس ن ويعرفون فيه أن هذه الشياء‬
‫كلها مركوزة فى الفطرة ؟!‬
‫ويقول التفسير المادى للتاريخ إن السرة بحجمها وتبعاتها‬
‫ووظائفها وعلقاتها هى مجرد انعكاس للوضع القتصادى ‪ ،‬ومن ثم‬
‫فهى " تتطور " تطورا حتميا يمكن أن يفضى بها إلى الزوال !‬
‫والتجربة الواقعية تفنينا عن الخوض فى النظريات ‪ .‬فالنظريات‬
‫تظل نظريات حتى يصدقها الواقع أو يكذبها ‪ .‬وما يقوله دور كايم أو‬
‫التفسير المادى للتاريخ أقل فى الحقيقة من أن يسمى نظرية ‪،‬‬
‫لنه فرض متعسف ل دليل عليه من الواقع ‪ .‬ولكن حتى لو كان‬
‫يرتقى إلى حد أن يكون نظرية فهذا هو واقع الجاهلية المعاصر‬
‫يكذبه ‪.‬‬
‫فالرجل والمرأة كلهما فى الجاهلية المعاصرة يحققان كل ما‬
‫يخطر على بالهما من متاع الجنس بل قيود ‪ .‬ل قيود خلقية ول‬
‫قيود اجتماعية ول قيود قانونية ول قيود فكرية ثم إنهما يحققان‬
‫وجودهما القتصادى كل على حدته ‪ ،‬فالرجل يتكسب والمرأة‬
‫تتكسب ‪ ،‬ويتولى كل منهما النفاق على نفسه وعلى بهيمية‬
‫الجنس التى يمارسها من كسبه الخاص دون حاجة إلى المعونة‬
‫القتصادية من الخر ‪ ،‬ومن ثم يتأخران كثيرا جدا فى الزواج‬
‫وتكوين السرة ‪ .‬أو يلغيان ذلك من حسابهما إلغاء كامل ‪ ،‬ويعيشان‬
‫فى حالة " صداقة " مستمرة ‪ ،‬أى فى حالة مخادنة غير مقيدة‬
‫بالرباط المقدس ‪ ،‬أو فى حالة فوضى جنسية ل ترتبط حتى برباط‬
‫المخادنة غير المقدس ‪.‬‬
‫فلماذا ل يستريح الرجل ول المرأة إلى هذه الوضاع التى تحقق‬
‫كل مطالب الجنس وكل مطالب القتصاد ؟ ! بل لماذا يشقى‬
‫الرجل والمرأة كلهما ويبدو الشقاء فى صورة الضطرابات‬
‫العصبية والنفسية والقلق والجنون والنتحار وإدمان الخمر وإدمان‬
‫كتاب " قواعد المنهج فى علم الجتماع " ترجمة الدكتور محمود قاسم ومراجعة الدكتور السيد محمد بدوى الطبعممة‬ ‫‪1‬‬

‫الثانية ص ‪173‬‬
‫المخدرات ؟‬
‫الجواب عندنا هو أن الرجل والمرأة كليهما قد فقدا السكن‬
‫والسكينة اللذين جعلهما الله فى السرة ولم يجعلهما فى أية علقة‬
‫خارج السرة ‪ ،‬ولو حققت كل مطالب الجنس وكل مطالب‬
‫القتصاد ‪.‬‬
‫فمن لم يعجبه هذا الجواب واشمأزت نفسه منه لنه يذكر الله‬
‫وحده وفطرة الله وحدها ومنهج الله وحده ‪ ،‬فليأت من عنده‬
‫بالجواب الذى يريد ‪ ،‬ولكن عليه بالبرهان ‪ ،‬ل أن يطلق الدعوى بل‬
‫دليل على طريقة دور كايم أو على طريقة التفسير المادى‬
‫للتاريخ !‬
‫جوهُ ل ََنا{ ]سورة النعام ‪[6/148‬‬ ‫عل ْم ٍ فَت ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ن )‪] {(111‬سورة البقرة‬ ‫صادِِقي َ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫هان َك ُ ْ‬‫هاُتوا ب ُْر َ‬
‫ل َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫‪[2/111‬‬
‫فهذا – وحده – هو المنهج العلمى الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -3‬الشيوعية الولى ‪:‬‬
‫يزعم التفسير المادى للتاريخ أن الشيوعية كانت هى الطور‬
‫الول للبشرية ‪ ،‬وأنها كانت شيوعية شاملة ‪ ،‬تشمل كل نواحى‬
‫الحياة البشرية بما فى ذلك الجنس ‪ ،‬فكانت القبائل البشرية‬
‫الولى تعيش فى حالة من المشاعية الجنسية الكاملة ‪ ،‬مع‬
‫مشاعية الرض ومشاعية الطعام ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫ودليلهم على وجود الشيوعية الولى – بهذه الصورة – هو ما‬
‫اكتشف فى القرنين الماضيين من أحوال القبائل البدائية التى‬
‫كانت تعيش فى أفريقيا وأسيا وأستراليا منعزلة تماما عن تيار‬
‫المدينة ل يعرفون شيئا عن العالم من حولهم ‪ ،‬ول يعرف العالم‬
‫شيئا عنهم ‪ .‬فقد وجدوا تلك القبائل تعيش عيشة جماعية ‪ ..‬أرض‬
‫القبيلة ملك مشترك لها جميعا ل ينفرد فيها أحد بملكية خاصة ‪،‬‬
‫والطعام مشترك بينهم سواء كان صيد بريا أو بحريا أو غير ذلك ‪،‬‬
‫يطهى للقبيلة كلها وتأكل منه القبيلة كلها دفعة واحدة ‪ .‬وأسلحة‬
‫الصيد والحرب ملك للقبيلة كلها كذلك ‪ .‬وقال فريزر – وهو‬
‫مرجعهم الكبر فيما زعموا من أحوال البشرية الولى – إنه‬
‫اكتشفت بعض القبائل تمارس ألوانا من الشيوعية الجنسية ‪ ،‬إما‬
‫كل النساء لكل الرجال على المشاع ‪ ،‬وإما مجموعة معينة من‬
‫النساء لمجموعة معينة من الرجال داخل القبيلة الواحدة ‪.‬‬
‫ونستطيع أن نتصور بالفعل – على ضوء أن نتصور بالفعل – على‬
‫ضوء أحوال هذه القبائل التى اكتشفت فى القرنين الخيرين – أن‬
‫حياة القبائل الولى كان فيها قدر كبير من المشاركة الجماعية فى‬
‫المسكن والمطعم وأدوات الصيد وأدوات الحرب ‪.‬‬
‫ففى النظام القبلى تكون القبيلة هى " الوحدة " التى يعيش‬
‫الفراد فى داخلها ‪ ،‬ويمارسون الحياة من خللها ‪ .‬وفى وقت متأخر‬
‫جدا من بداوة البشرية – وقت كانت قد قامت فيه " حضارات "‬
‫كثيرة فى بقاع مختلفة من الرض – كان الشاعر العربى يقول ‪:‬‬

‫غويت ‪ ،‬وإن ترشد‬ ‫وهل أنا إل من غزية إن غوت‬


‫غزية أرشد !‬
‫فيعبر بذلك عن انسياجه الكامل فى القبيلة وعدم استقلله‬
‫بذاتيته حتى مع علمه أن قبيلته تكون أحيانا على الرشد وأحيانا‬
‫على الغى ‪ ،‬وليست راشدة فى جميع أحوالها ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا فى حياة العرب قبيل السلم ‪ ،‬قلنا أن نتصور أن‬
‫القبائل التى وجدت فى تاريخ سابق على ذلك كثيرا كانت على‬
‫ذات الصورة من التمركز فى القبيلة ‪ ،‬وانسياح كيان الفراد فى‬
‫كيان القبيلة الكلى فى السلم والحرب والرشد والغى على السواء‬
‫!‬
‫فإذا اضفنا إلى ذلك أنه فى بداوة البشرية الولى لم يكن هناك‬
‫شئ يمتلك ‪ -‬إل القليل النادى أمكننا أن نتصور كذلك أن الملكية‬
‫الفردية لم تكن قائمة فى ذلك العهد السحيق على صورتها التى‬
‫قامت فيما بعد ‪.‬‬
‫فالخيام – إن كانوا من ساكنى الخيام – يسكنها مجموع أفراد‬
‫القبيلة ويتعارفون فيما بينهم على أن فلنا يسكن فى هذه الخيمة‬
‫وفلنا الخر يسكن فى تلك ‪ .‬ولكن شعور كل فرد من أفراد القبيلة‬
‫ل يتجه إلى ملكيته الخاصة للخيمة ‪ ،‬إنما يتجه إلى اعتبار مجموع‬
‫الخيام كلها ملكا للقبيلة بأجمعها ‪ ،‬فيقول فى نفسه ‪ :‬هذه خيام‬
‫قبيلتى ! لن الوحدة يومئذ ليست هى الفرد إنما هى القبيلة ‪،‬‬
‫والفرد ل يمارس حياته فدرا إنما يمارسها من خلل القبيلة ‪،‬‬
‫فيتحدث – حين يتحدث – بضمير الجمع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ذهبنا وجئنا‬
‫وصنعنا كذا وكذا ‪ ..‬لن هذه العمال كلها تتم بالفعل بصورة‬
‫جماعية ‪.‬‬
‫كذلك الطعام ل تتصور فيه الملكية الفردية فى ذلك العهد‬
‫السحيق ‪.‬‬
‫فالطعام فى غالبيته صيد ‪ ،‬سواء كان صيد بر أو بحر ‪ ،‬والصيد‬
‫يحتاج إلى مجموعة من الفراد تقوم به – من الشباب بصفة خاصة‬
‫– ول يقدر عليه فرد واحد ‪ .‬فإذا جاء الصيد وتم طهيه على يد‬
‫المختصين – أو المختصات – فى القبيلة ‪ ،‬فعندئذ تتجمع الوحدة‬
‫التى يمارس الفراد من خللها وجودهم فتتناول وجبة الطعام‬
‫الجماعية ‪ ،‬ثم يلقى الباقى – إن بقى منه شئ – لنه إن بقى ينتن‬
‫ول يصلح للطعام ‪ ،‬فلم تكن وسائل الحفظ قد اكتشفت فى ذلك‬
‫العهد السحيق من بداوة البشرية ‪.‬‬
‫ومن أجل كون الوحدة هى القبيلة وليست الفرد – وهو أصل‬
‫نفسى واجتماعى وليس اقتصاديا بحتا – فإن القبيلة كلها تدخل فى‬
‫السلم أو تدخل فى الحرب ‪ ،‬فل يتصور كذلك أن تكون هناك ملكية‬
‫خاصة للسلح داخل القبيلة ‪ ،‬لنه ل يستخدم إل بصورة جماعية من‬
‫خلل تلك الوحدة التى يمارس الفراد من خللها نشاطهم كله ‪.‬‬
‫فإذا تصورنا أن السلح كله – رماحا أو سهاما أو عصيا أو ما أشبه –‬
‫يوضع فى مخزن واحد مشترك ‪ ،‬وأنه حين ينادى على الحرب وتدق‬
‫طبولها يهرع المقاتلون من أفراد القبيلة إلى ذلك المخزن‬
‫المشترك فيتناول كل منهم نصيبه من السلح ‪ ،‬حتى إذا عادوا‬
‫أعادوا السلح إلى موضعه المشترك ‪ ..‬إذا تصورنا ذلك فل نكون‬
‫بعيدين عن الصواب ‪ .‬وحتى لو تصورنا أن شخصية الفرد قد نمت‬
‫فى داخل القبيلة شيئا من النمو فى عهد متأخر فصار له سلحه‬
‫المستقل ‪ ،‬فإنه لن يستخدمه إل بإذن من القبيلة ‪ ،‬وفى المواضع‬
‫التى توجهه إليها القبيلة فحسب ‪.‬‬
‫أما الشيوعية الجنسية والمساواة الكاملة والحالة الملئكية‬
‫المزعومة التى توصفه بها الشيوعية الولى فمسألة ل يقوم عليها‬
‫الدليل !‬
‫كل دليلهم بالنسبة للشيوعية الجنسية هو ما رواه الرحالة‬
‫المكتشفون من وجود أنواع منها فى تلك القبائل التى اكتشفت فى‬
‫أفريقيا وآسيا واستراليا على حالة بدائية بعيدة عن كل صور‬
‫المدنية ‪.‬‬
‫ولنسلم جدل بصحة كل ما رواه أولئك الرحالة ‪ ،‬وأنهم وصفوا‬
‫الحقيقة كاملة بغير تهويل ول تزييف ‪ .‬فما دللة روايتهم ؟‬
‫بعض القبائل لكلها ‪ .‬وجدت فيها أنواع مختلفة من الشيوعية‬
‫الجنسية ل نوع واحد محدد ‪ ،‬فهل يصلح هذا دليل على أن كل‬
‫القبائل التى عاشت فى بداوة البشرية مارست الشيوعية الجنسية‬
‫الكاملة ؟ !‬
‫إننا نؤمن بادئ ذى بدء الله أرسل هداة من البشر ينظمون‬
‫لقوامهم طرائق معيشتهم بمقتضى الوحى الربانى الذى أخبر عنه‬
‫آدم وحواء يوم سكنا هذه الرض ‪ ،‬وأن بعض الناس آمنوا واهتدوا‬
‫وبعضهم تنكب الطريق ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ي‬
‫دا َ‬ ‫ن ت َب ِعَ هُ َ‬ ‫دى فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫مّني هُ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ميعا ً فَإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫من َْها َ‬‫طوا ِ‬ ‫}قُل َْنا اهْب ِ ُ‬
‫ن ك ََفُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا‬ ‫ن )‪َ (38‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫َفل َ‬
‫ن )‪] { (39‬سورة البقرة ‪-2/38‬‬ ‫أ ُول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪[39‬‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫}ول ََقد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ت‬
‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ْ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ ْ ََ َ ِ‬
‫ة{ ]سورة النحل‬ ‫ضلل َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ال ّ‬ ‫حّق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫ه وَ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫‪[16/36‬‬
‫}وإن م ُ‬
‫ذيٌر )‪] {(24‬سورة فاطر ‪[35/24‬‬ ‫مةٍ إ ِل ّ خل ِفيَها ن َ ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َِ ْ ِ ْ‬
‫فليس البشر كلهم أمة واحدة على الهدى ول على الضلل ‪.‬‬
‫ولكن الشيوعيون ل يؤمنون بالله ول برسله ول بوحيه ‪ ..‬فلننظر‬
‫فى أدلتهم العلمية الموضعية !‬
‫لو وجدنا كل القبائل المتأخرة المنعزلة عن العمران تمارس لونا‬
‫واحدا من المشاعية الجنسية لقلنا إنه ربما كان هذا هو الحال الذى‬
‫كانت عليه البشرية فى أول عهدها ‪ ،‬ولم نقطع مع ذلك بأن هذا‬
‫أمر يقينى ‪ ،‬لن الشذوذ والنحراف يطرأ دائما على الناس فى أثناء‬
‫مسيرتهم التاريخية ‪ ،‬ول يدل وجوده فى أى جيل على أنهن كان‬
‫موجودا فى أجيال سابقة ‪.‬‬
‫ألم تقع الفاحشة الشاذة من قوم لوط غير مسبوقة ؟ فهل نقول‬
‫إن وجودها وتفشيها فى قوم لوط دليل على أنها وجدت منذ أول‬
‫البشرية ووجدت على سبيل الشمول ؟ !‬
‫وهب إن إنسانا بعد مائة عام أو ألف عام قلب فى صحف القرن‬
‫العشرين فوجد صور النساء العاريات فى الشواطئ وفى الشوارع‬
‫وفى البيوت ‪ ،‬وقرأ عن التمثيليات التى تمارس فيهما العملية‬
‫الجنسية كاملة على المسرح وتنقلها شاشة التلفزيون ‪ ،‬فحكم بناء‬
‫على ذلك بأن العرى أصل من أصول البشرية ‪ ،‬وأن الممارسة‬
‫العلنية للجنس هى الصل الذى مارسته البشرية فى تاريخها كله ‪..‬‬
‫أيكون هذا استلل " علميا " موضوعيا تبنى عليه نظريات علمية‬
‫لتفسير السلوك البشرى ؟ !‬
‫كذلك قصة القبائل المتأخرة التى عثر عليها فى مختلف بقاع‬
‫الرض ‪ ،‬ل تدل ممارستها للشيوعية الجنسية على أن هذا هو‬
‫الصل الذى كانت عليه البشرية فى بداوتها ‪ ،‬ولو كانت كلها‬
‫تمارس تلك الشيوعية وبعضها ل يمارسها ؟ وما بال إذا كانت‬
‫القبائل التى تمارسا ل تمارسها على صورة واحدة ؟‬
‫إنما لجأ الشيوعيون إلى اعتساف الدليل ‪ ،‬والزعم بان الشيوعية‬
‫الجنسية كانت قائمة فى البشرية الولى ‪ ،‬لنهم كانوا فى مبدأ‬
‫أمرهم يروجون لهذه الشيوعية فى نظرياتهم وتطبيقاتهم ‪،‬‬
‫ويريدون أن يجعلوها قاعدة الحياة عندهم ‪ ،‬ترغيبا "للزبائن " من‬
‫الشباب الذى يعانى الحرمان الجنسى لى سبب من السباب !‬
‫فلما رأوا فيما بعد أن هذا المر يستغل فى الدعاية ضدهم والتنفير‬
‫منهم عادوا ‪ ،‬فعدلوا النظرية وإن كانوا لم يعدلوا تعديل جوهريا فى‬
‫التطبيق ‪ ،‬واحتجوا – كأنما ذلك يعطيهم الحجة – بأن الشيوعية‬
‫الجنسية قائمة على نطاق واسع فى المجتمع الرأسمالى ! يقول‬
‫البيان الشيوعى الذى أصدره ماركس وإنجلز ‪:‬‬
‫" ليست بالشيوعيين حاجة إلى إدخال إشاعة النساء فهى تقريبا‬
‫كانت دائما موجودة ‪ .‬ول يكتفى البرجوازيين بأن تكون تحت‬
‫تصرفهم نساء البرولتاريين وبناتهم – هذا عدا البغاء الرسمى – بل‬
‫يجدون لذة خاصة فى إغواء بعضهم لنساء بعض ‪.‬‬
‫" ليس الزواج البرجوازى فى الحقيقة والواقع سوى إشاعة‬
‫النساء المتزوجات "‬
‫وهو حق يراد به باطل ! فوجود الشيوعية الجنسية فى المجتمع‬
‫الرأسمالى الذى أشرف اليهود على توجيهه حقيقة واقعة ‪ .‬ولكن‬
‫وجودها ليس حجة لمن يريد لها أن تستمر ‪ ،‬وخاصة إذا كان من "‬
‫الثائرين " على النظام الرأسماليى ‪ ،‬الذيى يريدون – بالثورة‬
‫الدموية – أن يعدلوا ما ينطوى عليه من الفساد ! إل أن يكون هذا‬
‫اللون من الفساد مطلوبا بالذات ‪ ،‬يراد البقاء عليه وترويجه –‬
‫وتلك هى الحقيقة – فعندئذ تعتسف له الدلة وتقام له السانيد !‬
‫ولكنها أسانيد باطلة ل تثبت للتمحيص العلمى ‪.‬‬
‫وأما المساواة الكاملة والحياة الملئكية التى يصفون بها‬
‫الشيوعية الولى فأمر كذلك يعوزه الدليل ‪.‬‬
‫فالمعروف أن شيخ القبيلة – على القل – شخص متميز فى كل‬
‫أموره وأوضاعه ‪ ،‬بما فى ذلك ملبسه الذى يميزه عن أفراد قبيلته‬
‫للوهلة الولى ‪ ،‬إذ لبد أن يتميز ولو بريشة زائدة يضعها على رأسه‬
‫‪ ،‬يعرف منها القريبة والبعيد أنه هو الرئيس الذى تقدم له فروض‬
‫التوقير والحترام ‪ .‬والرئيسة مجرد رمز ‪ ،‬ولكنها ترمز إلى تمييز‬
‫حقيقى واسع المدى بين شيخ القبيلة وبقية افرادها ‪ .‬سواء كان‬
‫التمييز قائما على القوة الجسدية أو الخبرة والحنكة وبعد النظر ‪،‬‬
‫أو السن ‪ ،‬أو الشجاعة وحسن البلء فى الحرب ‪ ،‬فإن شيخ القبيلة‬
‫يتمتع دائما بمكانة متفردة ‪ ،‬وغالبا ما يتمتع كذلك بعدد أكبر من‬
‫النساء !‬
‫ثم إن الشبان القوياء من القبيلة ‪ ،‬أو الماهرين فى الصيد أو‬
‫الشجعان فى الحرب لبد أن يتميزوا بحكم المر الواقع ‪ ،‬أى بحكم‬
‫مواهبهم ‪ ،‬وتكون لهم عند شيخ القبيلة منزلة خاصة ‪ ،‬ومن حقه أن‬
‫يمنحهم من المتيازات ما يشاء ‪ ،‬فإرادته أمر ‪ ،‬وأمره مطاع !‬
‫والزعم بأنه ل توجد امتيازات ول فوارق فى تلك الحياة البدائية‬
‫لمجرد عدم وجود ملية فردية زعم يكذبه الواقع المشهود من‬
‫أحوال القبائل ذاتها التى يستمدون منها أدلتهم ! فلماذا يأخذون‬
‫الدليل التعسفى حين يريدون ‪ ،‬ويتركون الدليل الواضح حين يكون‬
‫مخالفا لهوائهم ومزاعمهم ؟ غنما نستدل من أحوال هذه القبائل –‬
‫إذا أردنا استمداد الدلة منها – على أن المساواة ليست أصل من‬
‫أصول الحياة البشرية ‪ ،‬وأن الصل هو التمايز بين الناس باختلف‬
‫مواهبهم ‪ ،‬سواء كان تمايز عادل – أى قائما على مسببات صحيحة‬
‫– كما يحدث فى المجتمعات المستقيمة – أى المهتدية بالهدى‬
‫الربانى – أو كان تمايزا ظالما كما يحدث فى المجتمعات الجاهلية‬
‫كلها بل استثناء ‪.‬‬
‫إنما يتعسفون فى إنكار الدليل الواضح فى هذه القضية لنهم‬
‫يريدون تحقيق هدفين على القل بإعلن مبدأ المساواة ‪ ،‬الول هو‬
‫ترغيب " الزبائن " من المقهورين المغلوبين على أمرهم فى‬
‫مجتمعاتهم – وهم الكثرة الكاثرة من أفراد الشعب – ليقبلوا على‬
‫الشيوعية ويعتنقوها – فزعموا لهم أنهم سيطبقون المساواة‬
‫الكاملة فى مجتمعهم الشيوعى ‪ ،‬وسندا هذا الزعم بأن المساواة‬
‫هى الشأن الطبيعى فى الشيوعية ‪ ،‬سواء الشيوعية الولى أو‬
‫الخرة !‬
‫والهدف الثانى أنهم – لمر فى مخططهم – كانوا يسعون إلى‬
‫نزع الملكية الفردية جميعا ‪ ،‬فزعموا للناس أن الصل فى البشرية‬
‫هو المساواة المطلقة فىكل شئ ‪ ،‬وأن الذى أفسد المساواة هو‬
‫الملكية الفردية ‪ ،‬وأنهم سيلغون الملكية الفردية لتحقيق المساواة‬
‫فى مجتمعهم الملئكى الجديد ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأيا كانت أهدافهم الظاهرة أو الخفية فليس هناك سند علمى‬


‫لوجود المساواة المطلقة فى الشيوعية الولى ‪ ،‬على فرض وجود‬
‫تلك الشيوعية بالصورة التى يصفونها !‬
‫وأما الصورة الملئكية فى تلك الشيوعية الولى فلم يأتوا لها‬
‫بسند على الطلق ‪.‬‬
‫وما بنا من حاجة إلى مناقشة دعوى ل يقوم عليها دليل !‬
‫إنما عليهم أن يثبتوا – أن استطاعوا – أنه لم تقع منافسات بين‬
‫شباب القبيلة الواحدة على الحظوة بالمنزلة الخاصة عند شيخ‬
‫القبيلة وما يترتب على ذلك من امتيازات ‪ .‬وأنه لم تقع منافسات‬
‫ومشاجرات تؤدى إلى القتال أحيانا بين شباب القبيلة على "‬
‫امتلك " امرأة معينة لنها فى نظر المتقاتلين عليها أجمل من‬
‫غيرها من النساء ‪.‬‬
‫ثم عليهم أن يثبتوا أخيرا أن الحروب لم تكن تقع بين بعض‬
‫القبائل وبعض ‪ ،‬وأنها كانت تعيش فى حالة من الخاء والسلم‬
‫والمحبة كما يعيش الملئكة الطهار !‬
‫فإن لم يثبتوا ذلك – ولن يثبتوه – فنحن نقول إن أحوال القبائل‬
‫كما رواها التاريخ ‪ ،‬وكما ظهرت فى القبائل المكتشفة فى‬
‫القرنين الماضيين هى حياة التنافس الدائم والتنازع الدائم والصراع‬
‫‪ ..‬فلماذا نترك دللة الواقع ونرسم صورة من الخيال ؟ !‬
‫إنما أرادوا – كما اسلفنا – أن ينزعوا الملكية الفردية جميعا‬
‫ويركزوا الملكية فى يد الدولة التى يسيطرون هم عليها فى واقع‬
‫المر ‪ .‬فزعموا للناس أن المصائب كلها نشأت من الملكية الفردية‬
‫بعدزوال الشيوعية الولى ذات الطابع الملئكى وأنهم عائدون‬
‫بالبشرية إلى ملئكيتها المفقودة بنزع الملكية الفردية جميعا فى‬
‫الشيوعية الثانية ! وذلك ترغيبا " للزبائن " المحرومين من الملك‬
‫الحاقدين على الملك وهم أكثرية الناس فى المجتمعات القطاعية‬
‫والرأسمالية – حتى يعتنقوا الشيوعية ويؤازروها ‪ ،‬ويكونوا مددا لها‬
‫وسندا فى كل مكان فى الرض !‬
‫‪ -4‬الملكية الفردية‪:‬‬
‫أشرنا فيما سلف أكثر من إشارة إلى قضية الملكية الفردية‬
‫ووضعها فى التفسير المادى للتاريخ ‪ .‬ومع ذلك أفردنا لها حديثا‬

‫سنرى عند مناقشة التطبيق الواقعى للشيوعية أنهم عجزوا عممن تحقيممق المسمماواة الكاملممة فممتراجعوا عنهمما وعللمموا‬ ‫‪1‬‬

‫تراجعهم بأنهم ما زالوا فى مرحلة الشتراكية ولم يصلوا إلى التطبيق الشيوعى بعد‪.‬‬
‫خاصا لشدة أهميتها سواء فى التصور المادى أو فى التطبيق‬
‫الشيوعى ‪.‬‬
‫يرى أصحاب التفسير المادى للتاريخ أن الملكية الفردية هى‬
‫سبب كل الشرور التى حلت بالبشرية منذ خروجها من مرحلة‬
‫الشيوعية الولى إلى أن تعود الشيوعية الثانية فتلغيها وتلغى معها‬
‫الشرور الناشئة عنها ‪.‬‬
‫وينشأ الشر من أن الذى يملكن هو الذى يحكم ‪ ،‬وحين يحكم‬
‫فإنه يضع التشريعات التى تخدم مصالحه ومصالح طبقته على‬
‫حساب بقية الطبقات ‪.‬‬
‫ويرى الماديون كذلك أن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية فى‬
‫النفس البشرية بدليل فترة الشيوعية الولى التى لم تكن فها‬
‫ملكية فردية ‪ .‬إنما هى أمر مكتسب ‪ ،‬اكتسبته البشرية بعد أن‬
‫اكتشفت ) أو تعلمت ( الزراعة ‪ ،‬حيث أدى ذلك إلى انتهاء فترة‬
‫الشيوعية الولى ودخول البشرية فى مرحتلى الرق والقطاع ‪ .‬ثم‬
‫لما تحولت الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية صناعية رأسمالية‬
‫دخلت البشرية مرحلة الرأسمالية ‪.‬‬
‫ويرون أن الصراع الطبقى الذى يدور عليه تاريخ البشرية كله‬
‫فيما بين الشيوعية الولى والشيوعية الخيرة قائم كله على‬
‫الملكية الفردية ومتعلق بها وأن هذا الصراع ل يزول من الرض إل‬
‫بإزالة السبب المتعلق به أى إزالة الملكية الفردية فى جميع‬
‫صورها ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫بعض هذا الذى يراه أصحاب التفسير المادى للتاريخ صحيح ول‬
‫شك ‪ ،‬ولكن صحته قائمة فى نطاق محدد ل تتعداه إلى التعميم‬
‫المطلق ‪ ،‬وفضل عن ذلك فإن المغالطات والوهام حول الملكية‬
‫الفردية أكثر بكثير م الحقائق الواردة حولها مع كون هذه الخيرة‬
‫محددة فى نطاق معين وليست مطلقة الصحة فى جميع الحالت‪.‬‬
‫فكون الذى يملك هو الذى يحكم ‪ ،‬وكونه حين يحكم يشرع‬
‫لصالحه وصالح طبقته على حساب بقية الطبقات ‪ ..‬هذا صحيح‬
‫صحة كاملة ‪ ،‬ولكن فى نطاق الجاهليات وحدها التى تحكم بشرائع‬
‫البشر ول تحكم بشريعة الله ‪.‬‬
‫وحقيقة أن الجاهليات تحتل القسم الكبر من التاريخ البشرى !‬
‫ولكن وجود نظام إيمانى تحكم فيه شريعة الله بدل من شرائع‬
‫البشر حقيقة موضوعية ‪ .‬والمانة العلمية تقتضى استثناءه من‬
‫القاعدة العامة التى يضعها التفسير المادى للتاريخ ‪ .‬ولو أن‬
‫التفسير المادى للتاريخ وضع هذا الستثناء وأشار إليه ما كان لنا‬
‫عليه اعتراض فى هذه النقطة بالذات ) وإن كانت لنا عليه‬
‫اعتراضات فى مواضع أخرى أشرنا إلى بعضها فى حينها ونشير‬
‫إلى بعضها الخر فيما بعد ( فتاريخ الجاهليات بالفعل تاريخ ظالم‬
‫شديد الظلم ‪ ،‬ينقسم فيه الناس دائما إلى سادة وعبيد ‪ ،‬سادة‬
‫يملكون ويحكمون ويشرعون وعبيد ل يملكون شيئا ول يحكمون ول‬
‫يشرعون ‪ ،‬إنما تقع على عاتقهم العباء التى يلقيها عليهم الحكام ‪.‬‬
‫وانقسام المجتمع إلى سادة وعبيد ) أو إلى الذين استكبروا‬
‫والذين استضعفوا كما جاء فى القرآن الكريم ( يتصل بالفعل‬
‫بقضية الملكية الفردية ‪ ،‬ولكن حصره فى هذه القضية ‪ ،‬أو فى‬
‫النطاق المادى والقتصادى بصفة عامة هو حجب للحقيقة الصلية‬
‫التى تنشأ عنها تلك الحقيقة الفرعية التى يركز عليها التفسير‬
‫المادى للتاريخ‪.‬‬
‫الحقيقة الصلية التى ل يجب الماديون ذكرها على الطلق ‪ ،‬ول‬
‫يؤمنون بها كذلك ‪ ،‬هى قضية اللوهية وقضية العبودية قضية الله‬
‫وما ينبغى له على عباده ‪ ،‬والعبادة وما ينبغى عليهم تجاه إلههم‬
‫وخالقهم ‪ ،‬ثم ما يترتب على مخالفة هذه المقتضيات من خلل فى‬
‫حياة البشرية ‪.‬‬
‫إن من حق الله على عباده أن يعبدوه ) بالمعنى الشامل للعبادة‬
‫الذى يشمل العتقاد بوحدانيته ‪ ،‬وتوجيه الشعائر التعبدية إليه وحده‬
‫‪ ،‬وطاعته فيما أمر به ونهى عنه ‪ ،‬وعدم الحتكام فى أى أمر من‬
‫أمور حياتهم إلى شريعة غير شريعته ( وذلك بمقتضى أنه إلههم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫وخالقهم ‪} :‬أل ل َ ُ‬
‫فيما أنه هو الخالق فهو صاحب المر ‪ ،‬ول يحق لحد أن يكون‬
‫صاحب المر إل أن يكون هو الخالق ‪ ،‬أو يكون خالقا مع الله ‪.‬‬
‫ولذلك يدور الجدل والحوار كله مع الكفار فى القرآن بشأن قضية‬
‫عبادة غير الله على محور واحد ‪ /‬هل أولئك الذين تطيعون‬
‫تشريعهم من دون الله هم الخالقون ؟ أم لهم شرك فى الخلق ؟‬
‫فإن لم يكونوا خالقين ‪ ،‬ول لهم شرك فى الخلق ‪ ،‬فليس لهم أن‬
‫يحلوا أو يحرموا مع الله أو من دون اله ‪.‬‬
‫ه‬
‫دون ِ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬‫ل أ ََفات ّ َ‬
‫ه قُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ض قُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َوال َْر‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫}قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ضّرا ً قُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫مى‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫م ن َْفعا ً َول َ‬‫سه ِ ْ‬‫لنُف ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬‫أوْل َِياَء ل ي َ ْ‬
‫خل َُقوا‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاَء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َوالّنوُر أ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وي الظ ّل ُ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫َوال ْب َ ِ‬
‫حد ُ‬‫وا ِ‬ ‫يٍء وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫خل ِْقهِ فَت َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ال َْقّهاُر )‪] {(16‬سورة الرعد ‪[13/16‬‬
‫َ‬ ‫}قُ ْ َ َ‬
‫ذا‬‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ أُروِني َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫من ال َ‬
‫م ك َِتابا ً فَهُ ْ‬
‫م‬ ‫م آت َي َْناهُ ْ‬‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫خل َُقوا ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م ب َْعضا ً إ ِل ّ غُُرورا ً )‪{(40‬‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫ن ي َعِد ُ ال ّ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬
‫]سورة فاطر ‪[35/40‬‬
‫ولم يكن ذلك فى أمر العبادة بمعنى العتقاد فقط ‪ ،‬أو بمعنى‬
‫التوجه إلى الله بشعائر التعبد فقط ‪ ،‬إنما كان كذلك فى أمر‬
‫العبادة بمعنى اتباع ما أنزل الله ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫ن ب ِمهِ الل ّم ُ‬ ‫م ي َمأذ َ ْ‬ ‫ممما ل َم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُم ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫}أ ْ‬
‫]سورة الشورى ‪[42/21‬‬
‫َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫دون ِهِ أوْل َِياءَ قَِليل ً َ‬
‫ما‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َول ت َت ّب ُِعوا ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫}ات ّب ُِعوا َ‬
‫ن )‪] {(3‬سورة العراف ‪[7/3‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫وحين دخل عدى بن حاتم ) وكان نصرانيا ( على رسول الله‬
‫صلى الله عليم وسلم ليعلن إسلمه تل رسول الله صلى الله عليه‬
‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ح‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَبابا ً ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫وسلم ‪} :‬ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ما‬
‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ُ‬ ‫حدا ً ل إ ِل َ َ‬ ‫دوا إ َِلها ً َوا ِ‬ ‫مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ َ‬
‫ن )‪] {(31‬سورة التوبة ‪ [9/31‬فأحتج عدى بن حاتم على‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫الشق الخاص بعبادة الحبار والرهبان فقال ‪ :‬يا رسول الله ما‬
‫عبدوهم ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ألم يحلوا لهم‬
‫الحرام فأحلوه ‪ ،‬وحرموا عليهم الحلل فحرموه ؟ قال ‪ :‬بلى ! قال‬
‫‪ :‬فتلك عبادتهم إياهم !‬
‫وحين يخرج الناس على عبادة الله فإنهم يخرجون على مقتضى‬
‫عبوديتهم ‪ ،‬فيصيبهم جزاء ذلك الخروج خبال فى الدنيا وجحيما فى‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫وخبال الدنيا هو انقسام المجتمع إلى فريقى السادة والعبيد ‪:‬‬
‫السادة يملكون ويحكمون ويشرعون من عند أنفسهم ‪ ،‬فتكون‬
‫تشريعاتهم لصالح أنفسهم على حساب العبيد ‪ .‬والعبيد – الذين‬
‫رضوا بالعبودية لغير الله فأصبحوا عبيدا للبشر مثلهم – تقع عليهم‬
‫التكاليف ويقع عليهم الظلم ويقع عليهم الحرمان ‪.‬‬
‫ومن ثم تكون الملكية الفردية وبال فى الجاهلية ‪ .‬ل لنها‬
‫بطبيعتها كذلك ‪ ..‬ولكنها لنها تصبح عندئذ أداة الظلم التى تمكن‬
‫للسادة فى جعل أنفسهم أربابا للعبيد ‪.‬‬
‫والسادة والعبيد كلهما فى الجاهلية قد رفضوا العبودية لله‬
‫فتلقفتهم الشياطين ‪ :‬وجزاؤهم فى الخرة جهنم وبئس القرار ‪ .‬أما‬
‫فى الدنيا فيستمتع السادة متاع الحيوان ‪:‬‬
‫ن ك َما ت َأ ْك ُ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫وى‬‫مث ْ ً‬
‫م َوالّناُر َ‬ ‫ل الن َْعا ُ‬ ‫ن وَي َأك ُُلو َ َ‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫ن ك ََفُروا ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫م )‪] {(12‬سورة محمد ‪[47/12‬‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫أما العبيد – أى الذين ل يملكون – فلهم ذات الجزاء فى الخرة‬
‫لنهم نكلوا عن عبادة الله ورضوا بعبادة العبيد ‪ ،‬وفى الوقت ذاته‬
‫لهم فى الدنيا البؤس والشقاء والظلم يتجرعونه جزاء رضاهم‬
‫باستعباد أنفسهم لولئك الرباب من دون الله ‪.‬‬
‫أما حين يستقيم الناس على أمرا الله ‪ ،‬فيعبدونه وحده بل شريك‬
‫‪ ،‬ويرفضون العبودية لحد مع الله أو من دون الله ‪ ،‬أى يرفضون‬
‫التوجه بشعائر التعبد لغير الله ‪ ،‬ويرفضون أن يتلقوا التشريع من‬
‫عند أحد غير الله ‪ ،‬فعندئذ يكونون قائمين بمقضتى عبوديتهم لله‬
‫الحق ‪ ،‬فيصيبهم جزاء ذلك بركة فى حياتهم فى الدنيا ورضوانا من‬
‫الله فى الخرة ‪.‬‬
‫ماِء‬‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬‫مُنوا َوات َّق ْ‬‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫ض{ ]سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫ِ‬ ‫َوال َْر‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫وا ل َك َّفْرَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫خل ْناهُم جنات النِعيم )‪ (65‬ول َو أ َنهم أ َ‬
‫ما‬
‫ل وَ َ‬‫جي َ‬ ‫لن ِ‬
‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫را‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ ْ ُّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫وَل َد ْ َ َ ْ َ ّ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫م{ ]سورة‬ ‫جل ِهِ ْ‬ ‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫م ل َك َُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫المائدة ‪[66-5/65‬‬
‫ومن البركات التى تصيبهم فى الدنيا نجاتهم من أن يكونوا عبيد‬
‫للرباب الزائفة فى الرض ‪ ،‬وشعورهم بالعزة الحقيقية التى‬
‫يستمدونها من الستعلء باليمان ‪ ،‬فل تذل تفوسهم لطغاة الرض ‪،‬‬
‫ول يسمحون لحد أن يجعل من نفسه ربا يشرع بغير ما أنزل الله ‪،‬‬
‫لنهم يستمدون العزة والقوة ممن هو أكبر منهم وأعلى ‪ ..‬الله أكبر‬
‫‪.‬‬
‫ومن البركات كذلك الرخاء الذى يسبغه الله على ال}ض المؤمنة‬
‫من خيرات السماء التى يفيضها عليهم ‪ ،‬ومن تكافل المة المؤمنة‬
‫فيما بينها ‪ ،‬فل يستمتع فريق بالخيرات وحده ويظل فريق فى‬
‫الحرمان ‪.‬‬
‫وعندئذ توجد الملكية الفردية ول يوجد معها الظلم والشر الذى‬
‫يصاحبها فى الجاهلية ‪ .‬لن الذى يملك هنا ل يحكم ! أى ل يضع‬
‫تشريعات من عنده يصوغها لمصلحته على حساب الخرين ‪ ..‬إنما‬
‫تكون الحاكمية لله ‪ ،‬هو الذى يحل ويحرم وهو الذى يضع‬
‫التشريعات التى يخضع لها الحاكم والمحكوم سواء ‪ ،‬والتى يتوفر‬
‫فيها العدل الحقيقى لنها منزلة من عند رب الجميع الذى ل يحابى‬
‫أحدا من البشر على حساب أحد ‪.‬‬
‫وقد تقع المظالم فى ظل المنهج الربانى من سوء التطبيق لما‬
‫أنزل الله ‪ ،‬ومن جور الحكام الذى يحدث من عصيانهم لله ‪،‬‬
‫وحكمهم فى بعض القضايا بغير ما أنزل الله ‪ ،‬وإن كانوا ل يضعون‬
‫تشريعات من عند أنفسهم تخالف ما أنزل الله ‪ ،‬ول يجعلون‬
‫مخالفتهم تشريعا يلزمون به الناس ‪ ،‬وإل لكفروا بذلك كفرا صريحا‬
‫وخرجوا من ملة السلم ‪ .‬وعندئذ نلحظ أمرين هامين ‪ :‬الول ‪ :‬أن‬
‫حجم الظلم الذى يقع على مجموع المة أقل بكثير من الظلم الذى‬
‫يقع فى الجاهليات التى لتحكم بما أنزل الله ‪ ،‬والثانى ‪ :‬أن المة‬
‫مطالبة بكف هذا الظلم ومنعه من الستمرار ‪ ،‬وإل فهم أثمون فى‬
‫حق الله ‪ ،‬كما أنهم أثمون فى حق أنفسهم " ما من نبى بعثه الله‬
‫فى أمة قبلى إل كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون‬
‫بأمره ‪ ،‬ثم إنه تخلف من بعد ذلك خلوف يقولون مال يفعلون‬
‫ويفعلون ما ل يؤمرون ‪ .‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ‪ ،‬ومن‬
‫جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وليس وراء ذلك من اليمان حبة خردل‬
‫وهكذا يتبدى لنا أن الشر لينجم من الملكية الفردية فى ذاتها ‪،‬‬
‫فيكون العلج هو بترها من منبتها ‪ ،‬إنما ينجم من طبيعة الجاهلية‬
‫التى ل تحكم بما أنزل الله ‪ ،‬فيكون العلج هو القضاء على الجاهلية‬
‫وتححكيم شريعة الله ن وعندئذ تبقى الملكية الفردية التى شرعها‬
‫الله لتستجيب للفطرة التى خلفها الله ‪ .‬تبقى على النحو الذى‬
‫شرعه الله ‪ ،‬وبالحدود والضوابط التى أنزلها الله ‪ ..‬ول ينشأ الظلم‬
‫الذى حرمه الله !‬
‫‪m m m‬‬

‫وقد أقفل الماديون كل باب للصلح ‪ ،‬وقالوا ل إصلح على‬


‫الطلق إل بإلغاء الملكية الفردية إلغاء باتا ل هوادة فيه ‪ ،‬فلما قيل‬
‫لهم إن ذلك مضاد للفطرة ردوا – " علميا " كعهدهم فى كل شئ –‬
‫فقالوا أول إن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية ‪ ،‬وإنما هى‬
‫مكتسبة ن وقالوا ثانيا ‪ :‬إنه ل توجد " فطرة " إنما تنشأ المشاعر‬
‫أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫والفكار والمواقف انعكاسا من الوضع المادى وتبعا له ‪ ،‬ول شئ‬
‫منها ثابت على الطلق !‬
‫وبصرف النظر عن التناقض الضمنى بين القول الول والثانى ‪،‬‬
‫لن الول يتضمن العتراف بوجود نزعات فطرية فى النفس‬
‫البشرية وإن نفى الملكية الفردية من بينها ‪ ،‬والثانى ينفى وجود‬
‫نزعات فطرية على الطلق ‪ ..‬بصرف النظر عن هذا التناقض‬
‫نقول إن ادعاءهم بأن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية هو‬
‫مجرد ادعاء ليس عليه دليل علمى واحد ‪ ..‬إل ذلك الدليل " غير‬
‫العلمى " وهو وجود الشيوعية الولى ‪ ،‬التى افترضوها كأنها حقيقة‬
‫مؤكدة ثم راحوا يستنبطون منها كل ما يراود مزاجهم من‬
‫التصورات والتطبيقات ‪ ،‬سواء فى نزع الملكية الفردية أو فى إباحة‬
‫الفوضى الجنسية وتفتيت السرة أو فى غير ذلك من المجالت ‪.‬‬
‫ولقد ناقشنا تلك الشيوعية من قبل ‪ :‬ورأينا أول أنه ل يوجد دليل‬
‫يقينى عليها ‪ .‬ورأينا ثانيا أن أوصافها المزعومة ليست كلها منطبقة‬
‫على المصدر الذى استمدوا منه كل افتراضاتهم ‪ ،‬وهو القبائل‬
‫المنعزلة التى عثر عليها فى العهود الخيرة ‪ .‬ول على ما هو معلوم‬
‫من أحوال القبائل القديمة من سجلت التاريخ ‪.‬‬
‫ولكنا نفترض أن ما يقولونه صحيح كل الصحة فيما يتعلق بعدم‬
‫وجود ملكية فردية فى المأكل والمسكن لدى القبائل الولى التى‬
‫كانت فى بداوة البشرية ‪ ،‬فما الدللة " اليقينية " التى يمكن‬
‫استنباطها من هذا الوضع؟‬
‫إننا ل نستطيع أن نستنبط من ذلك يقينا أن الملكية الفردية‬
‫ليست نزعة فطرية ! وذلك من أقوالهم ذاتها ! فهم أنفسهم‬
‫يقولون إنه بمجرد اكتشاف الزراعة ظهرت الملكية الفردية !‬
‫فكيف ظهرت ؟ !‬
‫إن القول بأن الزراعة هى التى أنشأت الملكية الفردية بذاتها –‬
‫من عند نفسها ل بدافع من النفس البشرية – هو قول ساذج غبى‬
‫ل يثبت للبحث العلمى ولو رددوه فى كل كتبهم بل استثناء ‪.‬‬
‫إنما الذى يناسب البحث العلمى أن نقول إن الرض كانت‬
‫موجودة من قبل ولكنها لم تستثر حاسة الملك عند الناس لنه لم‬
‫تكن هناك فائدة تتحقق من امتلكها ‪ .‬وبمجرد ظهور الفائدة‬
‫تحركت الحاسة التى كانت موجودة من قبل فى حالة كمون ‪،‬‬
‫فنشطت وتحركت للعمل ‪.‬‬
‫وقد تكرر هذا فى التاريخ أكثر من مرة ‪.‬‬
‫فالحيوانات قبل استئناسها كانت موجودة ‪ ،‬ولكنها لم تستثر‬
‫حاسة الملك لنه ل فائدة تتحقق من امتلكها وهى على تلك‬
‫الصورة ‪ .‬ولكن بمجرد أن أمكن استئناسها ‪ .‬وظهرت الفائدة منها ‪،‬‬
‫سعى الناس إلى امتلكها ملكية قبلية أول ثم ملكية فردية بعد ذلك‬
‫حين نمت شخصية الفرد واستقل بوجوده الذاتى عن القبلية ‪ ،‬ولم‬
‫يكن للزراعة دخل فى هذا المر على الطلق ! إنما يرجع المر‬
‫إلى أصلين كبيرين الصل الول ‪ :‬هو وجود الفائدة من التملك او‬
‫عدم وجودها ‪ ،‬والصل الثانى هو درجة النمو الجتماعى الذى يكون‬
‫عليه الفرد ‪ ،‬وهل هو فرد فى قبيلة أم فرد فى تجمع أكبر من‬
‫القبيلة ‪ ،‬فحين يكون فردا فى قبيلة تكون القبيلة هى " الوحدة "‬
‫النفسية والجتماعية والقتصادية والسياسية التى يمارس الفرد من‬
‫خللها وجوده ‪ ،‬فل تكون الملكية للفرد ولكن تكون للقبيلة فى‬
‫مجموعها ‪ ،‬ثم تتناحر القبائل فيما بينها على الملكية إذا كانت‬
‫الجاهلية هى التى تحكمها وحين يكون فردا فى تجمع أكبر من‬
‫القبيلة يكون وجوده الفردى أكثر بروزا إلى أن يصبح فردا فى أمة‬
‫فتكون ذاتيته الفردية فى أبرز أوضاعها ‪ ،‬ثم يتناحر الفراد من خلل‬
‫وجودهم الفردى أو وجودهم الطبقى – إذا كانت الجاهلية هى التى‬
‫تحكمهم ‪.‬‬
‫وعلى ذلك نقول إن الشيوعية الولى – على فرض وجودها –‬
‫ليست دليل يقينيا على عدم وجود نزعة فطرية للتملك ‪ ،‬إنما هى‬
‫دليل فقط على عدم وجود نشاط ظاهرة لهذه النزعة فى تلك‬
‫الفترة ‪ ،‬لنها نشطت بالفعل بمجرد وجود حوافز تستثيرها ‪.‬‬
‫ونقول ثانيا – على فرض وجودها – ليست دليل يقينيا على عدم‬
‫وجود نزعة فطرية للتملك ‪ ،‬إنما هى دليل فقط على عدم وجود‬
‫نشاط ظاهرة لهذه النزعة فى تلك الفترة ‪ ،‬لنها نشطت بالفعل‬
‫بمجرد وجود حوافز تستثيرها ‪.‬‬
‫ونقول ثانيا إن هذه النزعة يمكن أن تهذب إلى درجة عالية جدا‬
‫توشك أن تحولها إلى نزعة جماعية كما صنع التهذيب السلمى‬
‫بالنصار حتى جعلهم يؤثرون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة ‪ ،‬ويقتسمون معهم كل ما يملكون من متاع الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫حتى قال الله فيهم ‪.‬‬
‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬‫م يُ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬
‫ِ‬ ‫داَر َوا‬‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬
‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ن عََلى أن ُْف ِ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬
‫ة ِ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ُ‬ ‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫َول ي َ ِ‬
‫ن )‪{(9‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ْ‬‫سهِ فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ح ن َْف ِ‬ ‫ش ّ‬‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م ْ‬‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬
‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫]سورة الحشر ‪[59/9‬‬
‫ولكن هذا التهذيب ل يلغى النزعة الفطرية من أساسها ‪ ،‬إنما‬
‫يرفعها إلى أنبل صورها مع البقاء على أصلها ‪ ،‬ولو كان الله منزل‬
‫هذا الدين ‪ ..‬الذى هذب النفوس إلى هذا الحد الرفيع ‪ ،‬يعلم –‬
‫سبحانه وتعالى – أن إلغاءها بدل من إبقائها وتهذيبها أنفع للنسان ‪،‬‬
‫أو أنسب لطبيعته ‪ ،‬لشرع سبحانه إلغاءها ‪ .‬ولكنا نجد التشريعات‬
‫كلها والنصوص كلها تؤكد وجودها فى فطرة النسان ‪ ،‬ولكنها فقط‬
‫تعمل على تهذيبها إلى أقصى ما يملك البشر من أفاق التهذيب ‪،‬‬
‫وهذا نموذج من النصوص التى تحوى الثبات والدعوة فى ذات‬
‫الوقت إلى التسامى ‪.‬‬
‫ر‬
‫طي ِ‬‫ن َوال َْقَنا ِ‬ ‫ساِء َوال ْب َِني َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫}ُزي ّ َ‬
‫َ‬
‫مةِ َوالن َْعام ِ َوال ْ َ‬
‫ث‬‫حْر ِ‬ ‫سو ّ َ‬‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَقن ْط ََرةِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عنده حسن ال ْمآب )‪ (14‬قُ ْ َ‬
‫ل أؤُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ ِ‬ ‫ه ِ ْ َ ُ ُ ْ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫حت َِها ال َن َْهاُر‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫مط َهَّرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَقَِنا‬ ‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪ (15‬ال ّ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن‬
‫من ِْفِقي َ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْقان ِِتي َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫ب الّنارِ )‪ (16‬ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫حارِ )‪] {(17‬سورة آل ‪[17-3/14‬‬ ‫س َ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َغِْف ِ‬‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫فإذا كان الماديون ل يؤمنون بهذا الحديث كله ويشمئزون من‬
‫ذكره ‪ ،‬فإننا نقول لهم أخيرا إن نزعة الملكية الفردية يمكن أن‬
‫تقهر قهرا كامل كما حدث فى ظل الشيوعية ‪ .‬ولكن هذا أيضا ل‬
‫يزيلها من منبتها ! والدليل على ذلك شيئان حدث فى التطبيق‬
‫الشيوعى ذاته يهدمان النظرية من أساسها ‪ ،‬ويؤكدان أن الملكية‬
‫الفردية نزعة فطرية أصيلة فى النفس البشرية ‪.‬‬
‫الشئ الول هو تراجع الشيوعيين – فى التطبيق – عن مبدأ‬
‫اللغاء الصارم البات لكل نوع من أنواع الملكية الفردية ‪ ،‬الذى‬
‫بدأوا به حياتهم التطبيقية ‪ ،‬ولجوءهم إلى تمليك الشياء الشخصية ‪،‬‬
‫وسماحهم بالعمل الضافى – بعد أداء وحدة العمل الجبارية – لمن‬
‫أراد أن يعمل ‪ ،‬فى مقابل أجر إضافى يمكن أن تشترى به أشياء‬
‫يمتلكونها مدى حياتهم ‪.‬‬
‫ولول أن الشيوعيين وجدوا نزعة الملكية الفردية ذات وجود قاهر‬
‫– رغم كل القهر البوليسى الذى تمارسه الدولة – ما تراجعوا هذا‬
‫التراجع تحت أى ضغط من الضغوط ‪ ،‬لنه تراجع عن أصل جذرى‬
‫من أصول النظرية ‪ ،‬يمكن أن يؤثر فى النظرية ذاتها على المدى‬
‫الطويل !‬
‫والشئ الثانى هو تناقص النتاج الزراعى المتواصل فى ظل‬
‫الملكية الجماعية نتيجة لضعف الحافز إلى العمل!‬
‫وقد يسأل سائل ‪ :‬ولماذا حدث ذلك فى النتاج الزراعى وحده‬
‫ولم يحدث فى النتاج الصناعى الذى تقدم تقدما كبيرا فى ظل "‬
‫النظام " ؟ ونجيب السائل بأن النتاج الصناعى – وخاصة فى ظل‬
‫التكنولوجيا الحديثة – يمكن أن يخضع للرقابة الصارمة ‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يحدد فيه العامل المهمل بدقة متناهية ‪ ،‬لن عملية النتاج ذاتها‬
‫توزع العمل توزيعا دقيقا على مجموعة العمال الذين يقومون به ‪،‬‬
‫بحيث يقوم كل منهم بعملية واحدة محدودة تتكرر بذاتها مع كل‬
‫قطعة من قطع النتاج ‪ ،‬فيمكن – بسهولة – عند مراجعة النتاج أن‬
‫يعرف العامل المقصر حين يقع تقصير ‪ .‬وعندئذ يقدم لمحاكمة‬
‫عاجلة ‪ ،‬بتهمة التخريب والخيانة ‪ ..‬الخ ‪ ،‬وقد يحكم عليه بالعدام ‪،‬‬
‫وينفذ فيه الحكم فورا على رؤوس الشهاد ‪ ،‬نكال لما بين يديها وما‬
‫خلفها ‪ ،‬وإرهابا لمن تحدثه نفسه بالتقاعس والهمال ‪ ،‬أما النتاج‬
‫الزراعى فل يمكن مراقبته وضبطه بهذه الصورة مهما كانت شدة‬
‫الرقابة وصرامتها ‪ ..‬ولذك تناقصت الغلة عاما بعد عام ‪ ،‬حتى‬
‫صارت روسيا – التى كانت من قبل من الدول المصدرة للقمح ‪،‬‬
‫والتى أضيف إليها أوكرانيا ‪ ،‬حقل القمح الخصب فى أوروبا –‬
‫صارت روسيا هذه تستورد القمح من أمريكا بكميات متزايدة !‬
‫ولقد زعموا أن هذا ناشئ من الفات الزراعية ! !‬
‫ولكن العلج الذى وضعه خروشوف يكشف عن أن الفات‬
‫الزراعية ل علقة لها بالموضوع ! فإن خروشوف لم يأمر بزيادة‬
‫البحاث الخاصة بوقاية الزروع من الفات ‪ ،‬ولكنه أمر بإتاحة‬
‫الملكية الفردية لقسم من المحصول ‪ ،‬وللدار التى يقيم فيها‬
‫الفلح ! فظهر جليا أن نقص المحاصيل كان راجعا إلى ضعف‬
‫الحافز على النتاج نتيجة مقاومة الحافز الفردى وقهره ‪ ،‬وأن‬
‫العلج هو العتراف – لو جزئيا – لهذا الدافع بحق الوجود !‬
‫ويغنينا هذا عن مزيد من الجدل النظرى الذى ل يصل – مع‬
‫الماديين – إلى نتيجة !‬
‫ذوهُ‬‫خ ُ‬ ‫شدِ ل ي َت ّ ِ‬ ‫ل الّر ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن ي ََرْوا َ‬‫مُنوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ‬‫ن ي ََرْوا ك ُ ّ‬
‫}وَإ ِ ْ‬
‫م ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا‬ ‫ذوه سبيل ً ذ َل َ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫خ ُ ُ َ ِ‬ ‫ي ي َت ّ ِ‬‫ل الغَ ّ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن ي ََرْوا َ‬‫سِبيل ً وَإ ِ ْ‬‫َ‬
‫ن )‪] {(146‬سورة العراف ‪[7/146‬‬ ‫كاُنوا عَن َْها َ‬
‫غافِِلي َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪m m m‬‬
‫يقيم الماديون تفسيرهم للحياة البشرية على أساس أن الصراع‬
‫الطبقى هو قوام هذه الحياة منذ خرج الناس من الشيوعية الولى‬
‫حتى يعودا إلى الشيوعية الثانية ‪ ،‬وأن هذا الصراع الطبقى متعلق‬
‫بالملكية الفردية فل يزول من الرض حتى تزال الملكية الفردية ‪..‬‬
‫وبمجرد أن تزول الملكية الفردية يرجع الناس إلى الحياة الملئكية‬
‫التى كانوا عليها أيام الشيوعية الولى وتستريح البشرية من‬
‫الصراع ‪..‬‬
‫وكما قلنا مع الملكية الفردية نقول مع الصراع الطبقى ‪..‬‬
‫صحيح ما يقولون ‪ ..‬ولكنها صحة محددة بنطاق معين ‪ ،‬وليست‬
‫صحة مطلقة ‪..‬‬
‫صحيح بالنسبة للجاهليات ‪ ..‬ففى الجاهليات يصدق القول بأن‬
‫الذى يملك هو الذى يحكم ‪ ،‬وحين يحكم يشرع لصالح نفسه وصالح‬
‫طبقته على حساب بقية الطبقات ‪ ..‬ومن ثم ينشأ صراع بين‬
‫الطبقات ‪ ،‬ويدور الصراع حول متاع الرض ‪ ،‬لن الجاهلية مفتونة‬
‫أبدا بمتاع الرض ‪ ،‬ولنه فى غياب القيم العليا ل يبقى للناس إل‬
‫متاع الرض يتصارعون حوله ويتقاتلون عليه ‪.‬‬
‫أما فى النظام الربانى فليست هناك – بادئ ذى بدء – طبقات !‬
‫ومن ثم فل يوجد صراع طبقى !‬
‫ومن كان فى شك من هذه الحقيقة فليرجع إلى تعريف " الطبقة‬
‫" وتعريف " الصراع الطبقى " عند الماديين أو عند غيرهم سواء ‪.‬‬
‫الطبقة مجموعة من الناس يجمع بينهم وضع اقتصادى معين ‪،‬‬
‫ومن ثم تجمع بينهم مصالح اقتصادية معينة ‪ ،‬ويشملهم وضع‬
‫تشريعى معين ‪ ،‬فهم إما الطبقة التى تملك ‪ ،‬ومن ثم فهى التى‬
‫تحكم ‪ ،‬وإما الطبقة التى ل تملك ومن ثم فهى ل تحكم ‪ ،‬وإنما يقع‬
‫الحكم عليها ‪.‬‬
‫وبيان ذلك من عهود الرق والقطاع والرأسمالية كالتى ‪:‬‬
‫فى عهد الرق كان الناس طبقتين رئيسيتين ‪ :‬طبقة السادة‬
‫وطبقة العبيد ‪ .‬السادة يملكون كل شئ ‪ ،‬ويملكون جميع‬
‫المتيازات ‪ ،‬والعبيد من بين " الشياء " التى يملكها السادة ‪ ،‬ل‬
‫حقوق لهم ‪ ،‬والسيد يتصرف فيهم كما يشاء ‪.‬‬
‫وفى عهد القطاع فى أوروبا كان الناس ثلث طبقات رئيسية ‪:‬‬
‫طبقة الشراف ) أمراء القطاع ( وطبقة رجال الدين وطبقة‬
‫الشعب ‪ .‬وكان الشراف ورجال الدين متحالفين كأنهما طبقة‬
‫واحدة ‪ ،‬وكانا يملكان ويحكمان كل دائرته واختصاصه ‪ ،‬والشعب ل‬
‫يملك ول يحكم ‪ ،‬وإنما يقع عليه عبء الطبقتين السالفتين جميعا ‪.‬‬
‫وفى عهد الرأسمالية انقسم الناس إلى طبقتين رئيسيتين ‪:‬‬
‫طبقة أصحاب رؤوس الموال وطبقة العمال ‪ .‬وفى ظاهر المر –‬
‫من خلل مسرحية الديمقراطية والتمثيل النيابى – يبدو أن الشعب‬
‫– الذى ل يملك – صاحب سلطان ولكن الحقيقة المستترة وراء‬
‫المسرحية أن الحاكم الحقيقى هو المالك الحقيقى ‪ ،‬أى أن الطبقة‬
‫الرأسمالية هى التى تحكم وطبقة العمال هى التى يقع عليها‬
‫الحكم ‪.‬‬
‫وفى كل مرة من المرات الثلث كان يثور صراع طبقى بين‬
‫الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة يؤدى إلى تغير مستمر فى‬
‫الوضاع ‪ ،‬فالصراع الول حرر عبيد السيد وحولهم إلى عبيد للرض‬
‫أو اقنان ‪ ،‬والصراع الثانى حرر عبيد الرض وحولهم إلى عمال‬
‫صناعيين ‪ ،‬وأما الصراع الثالث فقد أدى إلى الشيوعية وفى‬
‫الشيوعية تقول النظرية إن طبقة البروليتاريا " أى الطبقة الكادحة‬
‫هى التى تملك وتحكم ‪ ،‬وتبيد الطبقات الخرى جميعا فينتهى‬
‫الصراع الطبقى بإبادة الطراف التى يمكن أن تصارع البروليتاريا‬
‫فى أى وقت من الوقات ‪.‬‬
‫فى النظام الربانى ل يوجد شئ من هذا كله !‬
‫حقيقة إنه توجد ملكية فردية ويوجد فى المجتمع أغنياء وفقراء ‪..‬‬
‫ولكن ل النياء طبقة ول الفقراء طبقة ‪ ،‬ول هؤلء ول هؤلء‬
‫يحكمون !‬
‫فالثروة فى المجتمع السلمى دائمة التنقل من جيل إلى جيل‬
‫بحيث ل تكون " طبقة " ائمة من أفراد معينين أو أسر معينة‬
‫تتوارث وضعا اجتماعيا معينا ‪ .‬فأى فقير يمكن أن يتحول إلى‬
‫غنى ‪،‬وأى غنى يمكن أن يتحول إلى فقير ‪ ،‬فل يحجزه شئ عن أن‬
‫يكون هذا أو ذاك ‪ ،‬بحسب تصرفه الشخصى من ناحية ‪ ،‬وبسبب‬
‫حركة المواريث التى تفتت الثروة من مكان وتجمعها فى مكان‬
‫آخر ‪.‬‬
‫ثم إن أى إنسان قد يتسلم السلطة ‪ ،‬ولكنه حين يتسلمها ل‬
‫يحكم بهواه ‪ ،‬إنما يحكم بشريعة الله ‪ ،‬وهذه تقوم على أن إنسانية‬
‫مستمدة من كونه إنسانا ‪ ،‬ل من كونه غنيا أو فقيرا أو مالكا أو غير‬
‫مالك ‪ ،‬ثم إنها تطبق على الجميع بصورة واحدة ‪.‬‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا المة السلمية ‪:‬‬
‫" إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‬
‫وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ‪ ،‬والله لو ان فاطمة‬
‫‪1‬‬
‫بنت محمد سرقت لقطعت يدها‬
‫وقد يقع الظلم كما قلنا من قبل من سوء التطبيق لشريعة الله ‪،‬‬
‫ومن جور الحكام الذين يحكمون فى بعض المور بغير ما أنزل الله‬
‫‪ ،‬ولكن يظل الظلم الواقع على مجموع المة أقل بكثير مما يقع‬
‫على المة التى ل تحكم بما أنزل الله ‪ ،‬ثم يظل من واجب المة‬
‫المسلمة أن تقاوم الظلم وترد الظالم إلى الصواب ‪ ،‬وإل فهى أثمة‬
‫فى حق الله كما أنها آثمة فى حق نفسها ‪.‬‬
‫وحين يشتد الظلم فيثور المسلمون – وقد حدث هذا أكثر من‬
‫مرة فى التاريخ السلمى – فهو ليس صراعا " طبقيا " بالمعنى‬
‫الذى يشير إليه التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬لنه ل يوجد طبقة تريد‬
‫الطاحة بطبقة أخرى لتأخذ مكانها فى السلطة والتشريع ‪ .‬إنما‬
‫يطالب الثائرون بالعدل ‪ ،‬أى بتطبيق شريعة الله فى المواضع التى‬
‫خولفت فيها شريعة الله ‪ .‬وما أبعد هذا عن الصراع الطبقى كما‬
‫يفهمه التفسير المادى للتاريخ !‬
‫إنما يوجد الصراع فى النظام الربانى على أسس مختلفة تماما‬
‫عن الصراع الطبقى الذى هو محور الحياة فى الجاهلية ) إن صدقنا‬
‫التفسير المادى للتاريخ فى إرجاعه كل الصراعات فى الرض إلى‬
‫الصراع الطبقى ‪ ،‬وسنرى الن أن هذا غير صحيح ( ‪.‬‬
‫الصراع الذى أمر الله المؤمنين بخوضه هو هذا الصراع ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ض وَل َك ِ ّ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫سد َ ْ‬‫ض ل ََف َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫}وَل َ ْ‬
‫ن )‪] {(251‬سورة البقرة ‪[2/251‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ع‬
‫معُ وَب ِي َ ٌ‬‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫}وَل َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل ََين ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫زيٌز )‪ (40‬ال ّ ِ‬ ‫ه ل ََقوِيّ عَ‬
‫ض‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫َين ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْك َرِ وَل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫وا عَ ْ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫أَقا ُ‬
‫مورِ )‪] {(41‬سورة الحمج ‪[41-22/40‬‬ ‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫ة ال ُ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]سورة‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫}وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫النفال ‪[8/39‬‬
‫صراع ل علقة له على الطلق " بالطبقات " ول بالملكية‬
‫الفردية ! إنه صراع الحق والباطل ‪ ،‬الذى يقول الله فيه ‪:‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ن ك ََفُروا ي َُقات ُِلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مُنوا ي َُقات ُِلو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫رواه البخارى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬
‫ن إِ ّ‬‫طا ِ‬ ‫ت فََقات ُِلوا أ َوْل َِياَء ال ّ‬
‫شي ْ َ‬ ‫غو ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ضِعيفا )‪] {(76‬سورة النساء ‪[4/76‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وهو صراع ل يتوقف أبدا ما دام هناك حق وباطل ‪.‬‬
‫ونعود إلى التفسير المادى للتاريخ فنجده يحصر الصراع كله فى‬
‫الصرع الطبقى ‪ ،‬ويحصر أسباب الصراع فى الملكية الفردية ‪ ،‬ثم‬
‫يزعم أن الصراع سيتوقف حين تزول الملكية الفردية ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن أن دللة التاريخ تقول إنه قامت فى الرض –‬
‫لسلم – صراعات كثيرة غير قائمة‬ ‫سواء فى الجاهليات أو فى ا ِ‬
‫على الصراع الطبقى وغير منبعثة من الملكية الفردية ‪ ،‬فإنه يهمنا‬
‫فى ختام هذه الفقرة أن نكشف عن زيف الدعوى القائلة بأن إلغاء‬
‫الملكية الفردية سيقضى على الصرع ‪..‬‬
‫فالشيوعية قد ألغت الملكية الفردية ‪..‬‬
‫فيم إذن قام الصراع بين لنين وتروتسكى ‪ ،‬وبين ستالين وبيريا ‪،‬‬
‫وفيم المؤامرات الدائمة التى يعلن عن تصفيتها والتغلب عليها ‪ ،‬أو‬
‫تكون نتيجتها التيان بزعيم مقدس جديد بدل من الزعيم المقدس‬
‫الهالك أو المدحور ؟!‬
‫وفيم الصراع بين شقى المعسكر الشيوعى ‪ :‬روسيا والصين ؟ !‬
‫أو لم تلغ الملكية الفردية ؟ ! فلماذا إذن بقى الصراع ؟!‬
‫أول يدلنا ذلك – على أقل تقدير – على أن إلصاق الشرور كلها‬
‫بالملكية الفردية تعفسف غير " علمى " أقرب إلى الدعاية‬
‫الغوغائية منها إلى حقائق الواقع وحقائق العلم ؟ !‬
‫‪ -5‬التطور ‪:‬‬
‫يزعم التفسير المادى للتاريخ أن الحياة النسانية فى تطور‬
‫مستمر إلى المام ‪ ،‬وأن كل مرحلة من مراحل التاريخ الخمس‬
‫كانت أرقى من سابقتها ‪ ،‬أى أنها تعتبر مرحلة " تقدمية " بالنسبة‬
‫لما سبقها ‪ ،‬فمرحلة الرق أرقى من مرحلة الشيوعية الولى ‪،‬‬
‫ومرحلة القطاع أرقى من مرحلة الرق ‪ ،‬والرأسمالية أرقى من‬
‫القطاع ‪ ..‬والشيوعية أرقى من الرأسمالية‪..‬‬
‫وهذه القضية حين تطلق على هذه النحو تكون محل مآخذ كثيرة‬
‫‪.‬‬
‫فلو أن التفسير المادى للتاريخ حدد التقدم بميدان العلم‬
‫والتكنولوجيا لكان هذا معقول وصحيحا بصفة عامة ‪ ..‬وإن كان‬
‫اعتبارنا لصحته قائما على أساس آخر غير الذى يقيم عليه التفسير‬
‫المادى تصوراته ‪.‬‬
‫فالتفسير المادى كما شاهدناه يجعل المادى هى الساس ‪..‬‬
‫ونحن نقول إن النفس البشرية هى الساس فى كل ما يتعلق‬
‫بالنسان ‪ ،‬وإن تعامل النسان مع المادة ‪ ،‬وكل ما ينشأ عنه من‬
‫نتائج هو جانب – وأحد – من جوانب النفس النسانية والحياة‬
‫النسانية ‪.‬‬
‫والتقدم العلمى والتكنولوجى المستمر فى حياة النسان ليس‬
‫قائما على المادة ‪ ،‬إنما هو قائم على تفاعل النسان مع الكون‬
‫المادى من حوله ‪ .‬فلول أن فى النسان نزعة فطرية إلى المعرفة‬
‫‪ ،‬ونزعة فطرية إلى استخدام ثمار المعرفة فى تحسين أحواله‬
‫المعيشية ‪ ،‬ما حدث التقدم العلمى ول التكنولوجى رغم وجود‬
‫المادة الدائم من حول النسان !‬
‫وإذا كانت المادة موجودة حول كل الكائنات الحية ومع ذلك ل‬
‫تثير فيها الرغبة فى المعرفة العلمية المنظمة ول الرغبة فى‬
‫استخدام ثمار المعرفة فى تحسين أحوالها المعيشية ‪ ..‬إل‬
‫النسان ‪ ..‬فهل يكمن الفرق فى المادة أم فى النسان ؟ !‬
‫تلك بديهية يعمى عنها التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬ل لنه عمى عنها‬
‫فى الحقيقة ‪ ،‬لكن لنها تفتح الباب ل يحبون له أن ينفتح أبدا ‪ ،‬وهو‬
‫" إنسانية " النسان ‪ ،‬لن هذا الباب يمكن أن يؤدى إلى تثبيت "‬
‫القيم " التى يريدون تحطيمها ‪ :‬الدين والخلق والتقاليد المستمدة‬
‫من الدين ‪ ،‬بوصفها صادرة عن الفطرة النسانية أو متمشية معها !‬
‫سدا لهذا الباب يقولون إن المادة هى الصل – ل النسان – لنك‬
‫ل تستطيع أن تحاسب المادة على شئ من القيم أو تطالبها بشئ‬
‫منها ! وهو قول – كما أسلفنا – ل يمكن فهمه على أساس – العلم‬
‫" إنما يفهم فقط حين تخرجه من الدائرة العلمية وتنظر إليه من‬
‫زاوية الهدف المطلوب تحقيقه !‬
‫فحين نسلم بالتقدم المستمر فى ميدان العلم النظرى‬
‫والتطبيقى ) مع التغاضى عن وجود ذبذبات فى خط التقدم ( فإننا‬
‫نسلم به على أساس أنه نابع من عوامل موجودة فى فطرة‬
‫النسان وتكوينه ‪ ،‬أودعها فيه الخالق ليعينه فى مهمة الخلفة فى‬
‫الرض ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}هُوَ َأن َ‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬‫ست َعْ َ‬
‫ض َوا ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬
‫م )‪] {(5‬سورة‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫ما ِ‬ ‫م ِبال َْقل َم ِ )‪ (4‬عَل ّ َ‬‫ذي عَل ّ َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫العلق ‪[5-96/4‬‬
‫ماَء ك ُل َّها{ ]سورة البقرة ‪[2/31‬‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬‫}وَعَل ّ َ‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫م‬‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫جك ُ ْ‬‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سورة النحل‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬
‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫َ‬
‫ه{ ]سورة إبراهيم ‪[14/34‬‬ ‫مو ُ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫}َوآَتاك ُ ْ‬
‫أما افتراض التقدم فى كل جوانب الحياة فقول ينقضه الواقع ‪.‬‬
‫" والقضية كلها راجعة إلى أصل المقياس ‪ .‬فإذا أخذنا الحياة‬
‫المادية – أو بالحرى التفسير المادى للنسان – جاز أن نقول ذلك ‪،‬‬
‫فالسيارة ل شك أسرع وأرقى من ركوب الجمل والحمار ‪ ،‬وناطحة‬
‫السحاب أرقى من الخيمة والكوخ‪ .‬و " الفستان " النيق المطرز‬
‫أرقى من قطعة الجلد التى كانت تلبسها امرأة الغابة ‪ ،‬والمكتب‬
‫الفاخر أرقى من جلسة الكاتب القديم الذى كان يجلس القرفصاء‬
‫ويسند الورق إلى ركبتيه !‬
‫أما إذا جعلنا مقياسنا " إنسانية " النسان ‪ ،‬أى القيم والعتبارات‬
‫التى ميزت بين النسان والمادة وبين النسان والحيوان ‪ ،‬فالمر‬
‫يختلف اختلفا بينا ‪ ،‬والصورة لن تكون تقدما مستمرا ‪ ،‬ولكن تذبذبا‬
‫مستمرا بين الصعود والهبوط ‪ ،‬وأسوأ ذبذباتها الهابطة هو الجاهلية‬
‫المعاصرة فى كل أرجاء الرض ‪.‬‬
‫إن فكرة التطور المستمر إلى أعلى هى فكرة داروينية ول‬
‫شك ‪ ،‬وقد تأثر الماديون تأثر بالغا بالداروينية فى أكثر من موضع‬
‫من تصوراتهم ونظرياتهم ‪ ،‬ولكن دارون كان يتحدث عن أجسام‬
‫الكائنات الحية ووظائفها الحيوية ‪ ،‬ولم يتحدث عن شئ غير ذلك‪.‬‬
‫أما الماديون فقد أمسكوا بخيوط من الداروينية فمدوها مدا واسعا‬
‫لتخدم أغراضهم الخاصة ‪ ،‬وزعموا أنها صحيحة لمجرد كون‬
‫الساس الذى بنوا عليه – وهو التطور – صحيح !‬
‫وبصرف النظر عن صحة الداروينية أو عدم صحتها ‪ ،‬فالنسان –‬
‫منذ نشأته – له مقاييسه الخاصة التى يختلف فيها عن الكائنات من‬
‫حوله ‪ .‬ولقد مرت بنا شهادة الداروينية الحديثة بشأن تفرد النسان‬
‫فى كل جوانب تكوينه وجوانب حياته ‪ ،‬ومن بين جوانبه تفرده أنه‬
‫متفرد كذلك فى معاييره ‪ ،‬فل تنطبق عليه معايير المادة الجامدة‬
‫ول معايير النبات ول معايير الحيوان ‪.‬‬
‫ومعيار النسان – الذى تفرد به بين المخلوقات – أن له‬
‫طريقين ‪ :‬طريق الهدى وطريق الضلل ‪ ،‬وأنه صاعد إذا سار فى‬
‫طريق الهدى وهابط إذا سار فى طريق الضلل ‪ ،‬لن طريق الهدى‬
‫هو الذى يؤكد على "القيم النسانية " التى جعلت النسان إنسانا‬
‫من مبدأ حياته ‪ ،‬وطريق الضلل هو الذى يجانب تلك القيم ويضيعها‬
‫‪.‬‬
‫وخط التاريخ البشرى – كما هو معلوم من التاريخ – خط‬
‫متذبذب على الدوام بين طريق الهدى وطريق الضلل ‪ ،‬ولذلك فهو‬
‫متذبذب على الدوام بين الصعود والهبوط ‪ ،‬بين الرفعة والنتكاس ‪،‬‬
‫وليس خطا صاعدا على الدوام متقدما على الدوام كخط التقدم‬
‫العلمى والتكنولوجى ‪ ،‬وليست المسألة أن هذه وجهة نظر وتلك‬
‫وجهة نظر أخرى على مستوى واحد من احتمال الصحة والخطأ !‬
‫فإن مادية النسان ل يوجد عليها دليل علمى واحد ‪ ،‬بينما توجد‬
‫عشران الدلة ومئاتها على إنسانية النسان ‪ ،‬ومن ثم يتضح طريق‬
‫الخطأ وطريق الصواب !‬
‫إنما أراد الماديون أن يثبتوا التطور المستمر " التقدمى " فى‬
‫حياة النسان لسببين رئيسيين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يقولوا إن الفساد الخلقى والتحلل الدينى الذى وجد‬
‫فى المجتمع الصناعى كان خطوة " تقدمية " ‪.‬‬
‫والثانى ‪ :‬إن يقولوا إن الشيوعية خطوة تقدمية ‪.‬‬
‫فمن أراد أن يكون " تقدميا " فلينبذ بادئ ذى بدء دينه وأخلقه ‪،‬‬
‫ثم ليكن شيوعيا فى نهاية المطاف !‬
‫ول هذا ول ذاك حقيقة علمية ‪ ،‬إنما هى الهواء والشهوات ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬‫ن ِفيهِ ّ‬‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫م ل ََف َ‬
‫سد َ ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫}وَل َوْ ات ّب َعَ ال ْ َ‬
‫حقّ أهْ َ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/71‬‬
‫‪ (6‬الحتميات ‪:‬‬
‫يقوم التفسير المادى على الحتميات ‪ :‬المادية أى المستمدة من‬
‫قوانين المادة الحتمية ‪ ،‬والقتصادية المستمدة من الوضع‬
‫القتصادى ‪ ،‬والتاريخية المستمدة من المرحلة التاريخية التى يوجد‬
‫فيها النسان من المراحل الخمس الكبرى ‪ :‬الشيوعية الولى أو‬
‫الرق أو القطاع أو الرأسمالية أو الشيوعية الثانية ‪.‬‬
‫والحتميات الثلث على أى حال مؤد بعضها إلى بعض بحيث‬
‫نستطيع أن نتعامل معها كأنها حتمية واحدة ‪ :‬مادية اقتصادية‬
‫تاريخية ‪ ،‬فإنها كلها أوجه لشئ واحد ‪ ،‬وكل حدث من أحداث‬
‫التاريخ واقع – ل محالة – تحت ظل الحتميات الثلث ‪.‬‬
‫ولسنا هنا بصدد مناقشة علمية لهذه الحتميات ‪ ،‬فسنرى فيما‬
‫يلى من الحديث أنها ليست حتميات بحال من الحول ! وما يكذبه‬
‫الواقع ل يحتاج أن ندخل معه فى نقاش ‪ ،‬لن صوت الواقع أصدق‬
‫من النظريات والفروض ‪.‬‬
‫ولكنا نلفت النظر إلى قضية معينة فيما يتعلق بالحتميات ‪ ،‬هى‬
‫قضية " النسان " ‪ ..‬أين مكانه فى هذه الحتميات؟ موجودا فما‬
‫دوره إذا كان كل شئ يتم بمقتضى الحتميات المادية والقتصادية‬
‫والتاريخية ؟‬
‫يقول ماركس ‪ " :‬فى النتاج الحتماعى الذى يزاوله الناس‬
‫تراهم يقيمون علقات محدودة ل غنى لهم عنها ‪ ،‬وهى مستقلة عن‬
‫إرادتهم " فإذا كانت مستقلة عن إرادة جميع الناس فمن إذن‬
‫واضعها ؟ وأى مقياس تقام به لنقول إنها خطأ أو صواب ؟ وما‬
‫مسئولية النسان الخلقية فيها لنقول إن هذا النسان خير وذاك‬
‫شر ير ؟ أم ل خير ول شرير وكلهم سواء ؟!‬
‫إن قضية الحتميات خطيرة فى الواقع أخطر مما تبدو للوهلة‬
‫الولى ‪ ،‬لنها تعنى اللغاء الكامل لكيان النسان اليجابى ذى‬
‫الرادى وذى الفاعلية ‪ ،‬وإلغاء القيم الخلقية كلها ‪ ،‬وإلغاء‬
‫المسئولية أو " المانة " التى يحملها النسان ‪.‬‬
‫مادام كل شئ مرصودا مكانه على خط سير التاريخ البشرى فما‬
‫قيمة العمل النسانى ؟ ما الفرق بين أن يعمل أو ل يعمل ؟ وما‬
‫الفرق بين عمل وعمل ؟ وما قيمة الوجود النسانى فى التاريخ‬
‫البشرى إذا كان النسان بهذه السلبية ‪ ،‬يصنع الشياء بينما هى‬
‫مستقلة عن إرادته ‪ ،‬كلعبة " خيال الظل " التى تتحرك فيها الدمى‬
‫أما عين الناظر بينما هى فى الحقيقة غير متحركة بذاتها ‪ ،‬إنما‬
‫تحركها اليد التى تختفى وراء الستار !‬
‫وليس بنا أن نلغى أثر الضغوط التى تقع على النسان من خارج‬
‫كيانة وتؤثر فى حركته ‪ ،‬سواء كانت ضغوط المادى بمعنى الكون‬
‫المادى على اتساعه وبمعنى البيئة المحيطة بالنسان ‪ ،‬أو ضغوط‬
‫الوضاع القتصادية ‪ ،‬أو ضعوط المجتمع ‪ ..‬أو أى نوع من الضغوط‬
‫يقع خارج كيان النسان الفرد ‪ ،‬ويؤثر فيه على غير رغبته ‪.‬‬
‫ليس بنا أن ننكر شيئا من ذلك كله ‪ . .‬ولكن هذا ليس ما يقوله‬
‫التفسير المادى للتاريخ فى قضية الحتميات ‪ ..‬إنما يقول ذلك‬
‫التفسير إن كل حياة النسان مرسومة له من خارج كيانه ‪،‬‬
‫ومستقلة عن إرادته ‪ ،‬ل يملك أن يقف فيها موقوفا يخالف ما‬
‫تفرضه الحتميات ‪ ،‬حتى مشاعره ل يملكها ! إنما يكونها له الوضع‬
‫القتصادى إلى غير إرادة منه ‪ " :‬ليس شعور الناس هو الذى يعين‬
‫وجودهم ولكن وجودهم هو الذى يعين مشاعرهم " ) ماركس ( "‬
‫إن السباب النهائية لكافة التغيرات او التحولت الساسية ل يجوز‬
‫البحث عنها فى عقول الناس أو فى سعيهم وراء الحق والعدل‬
‫الزليين ‪ ،‬إنما فى التغيرات التى تطرأ على أسلوب النتاج والتبادل‬
‫" ) إنجلز ( ‪.‬‬
‫وحتى التغيرات التى تطرأ على أسلوب النتاج والتبادل ل تنسب‬
‫إلى " النسان " ! كأنما تحدث تلقائيا بغير فاعل ! ! وكأنما عقل‬
‫النسان ومشاعره ليست – على القل – جزءا من عوامل التغيير !‬
‫ما النسان إذن ؟‬
‫إنه مجرد " أداة " فى يد جبارة ماردة هى الحتميات !‬
‫ليس النسان هو الذى يصنع التاريخ ‪ ،‬ولكن التاريخ " بحتمياته "‬
‫هو الذى يصنع النسان!‬
‫أل ما أبأس النسان فى ظل التفسير المادى للتاريخ ! وما أهون‬
‫شأنه ! وما أهون دوره كذلك ! دور الستسلم الكامل للحتميات‬
‫التى تصنع له حياته وتصنع له تاريخه " مستقلة عن إرادته " !‬
‫وماذا يساوى – مع الجبروت القاهر لهذه الحتميات التى ل‬
‫تستجيب لشفاغة ول تحفل ضراعة – أن يكتب فى سطر من‬
‫سطور هذا التفسير أن النسان هو سيد هذا الكون ‪ ،‬إذا كان كل‬
‫سطر من سطور هذا التفسير يجعله عبدا ذليل خاضعا لذلك الجبار‬
‫الذى ل يلتفت مرة واحدة لهذا النسان ‪ ،‬ول يعيره اهتمامه ‪ ،‬ول‬
‫يرحم ضعفه ‪ ،‬ول يقيله من عثرته ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫ثم ‪ " ..‬من " الذى يصنع التغيير فى حياة النسان ؟ ! و " ما "‬
‫الذى يصنعه ؟! وكيف صار للنسان تاريخ ؟!‬
‫يقولون ‪ :‬هى المادة وقوانين المادة ‪..‬‬
‫وما بنا من حاجة أن نعود من حاجة أن نعود إلى السؤال الذى‬
‫سألناه من قبل ‪ :‬ما بال المادة وقوانينها ل تصنع هذا التغيير فى‬
‫حياة الحيوان ! إنما نقول إن خصائص " النسان " التى تفرد بها‬
‫هى التى تصنع تاريخه ‪ ،‬وتصنع التغيرات فى هذا التاريخ ‪ ،‬فلول‬
‫رغبة النسان فى المعرفة – تلك الرغبة المركزوة فى أعماق كيانه‬
‫– ولول رغبته فى استخدام ثمار المعرفة فى تحسين أحواله‬
‫المعيشية فى شتى جوانبها ‪ ،‬المادى منها وغير المادى ‪ ،‬ولول‬
‫قدرته على تخيل صورة معينة لشياء لم توجد بعد فى عالم‬
‫الواقع ‪ ،‬وبذل الجهد فى محاولة إيجادها فى الواقع ‪..‬‬
‫لول هذه " الخصائص " التى تفرد بها النسان ‪ ،‬هل كان يمكن‬
‫أن يكون للنسان تاريخ ؟!‬
‫إن الحيوان ليس له تاريخ ‪ ..‬ولن يكون له ‪..‬‬
‫فالحمار الذى عاش قبل عشرة آلف سنة هو الحمار الذى يعيش‬
‫اليوم ‪ ..‬لم يغير شيئا من واقع حياته ‪ ،‬ول يملك أن يغير ‪ . .‬ليس له‬
‫ماضى يرجع إلى تجاربه ‪ ،‬ول مستقبل يسعى إلى تحقيقه ‪ ،‬ليس له‬
‫" ذكريات " ول " آمال " ل " تطلعات " تتجاوز شخصه إلى‬
‫أشخاص غيره من الحمير ‪ ،‬أو تتجاوز لحظته الحاضرة إلى الغد‬
‫القريب أو البعيد ‪.‬‬
‫ولكن النسان – بخصائصه المتفردة – لم يكن كذلك منذ مولده ‪،‬‬
‫إنما كانت له دائما " تجربة " واعية يختزنها فى كيانه فردا وجماعة‬
‫يجعلها نقطة ارتكاز ينطلق منها إلى التجربة التالية ‪ ..‬وكانت له‬
‫دائما ذكريات فردية واجتماعية ‪ ،‬وآمال وتطلعات ‪ ،‬فردية‬
‫واجتماعية كذلك ‪ ،‬ترسم له – إلى جانب الشهوات والضرورات‬
‫المركوزة فى كيانه – خط رحلته فى هذه الرض ‪.‬‬
‫ومجمل تاريخه هو مجمل ذلك كله ‪.‬‬
‫وحين يخترع آلة جديدة فهذا الختراع نابع من صميم نفسه ‪ ..‬من‬
‫تجاربه الواعية ‪ ،‬ومن ذكرياته وآماله وتطلعاته ‪ ..‬إنه ل ينشئها عبثا ‪،‬‬
‫ول تنشأ هى فى حياته بطريقة ذاتيه ‪ ،‬إنما يخترعها لتلبى رغبة من‬
‫رغباته الكامنة ‪ ،‬لداء ضرورة من ضرورات حياته ‪ ،‬أو لتحسين‬
‫وضع من أوضاعه ‪ ،‬أو لتحقيق أمر من " الكماليات " بالنسبة له‬
‫فى تلك اللحظة ‪ ،‬يتحول إلى ضرورة بعد فترة من الوقت ‪،‬‬
‫فيسعى من جديد إلى تحسينه أو البحث عن كماليات جديدة ‪..‬‬
‫وصحيح أن اللة الجديدة تحدث تغيرا فى حياته ‪ ،‬قد ل يكون‬
‫منظورا كله وقت التفكير فى اختراعها ‪ ،‬أو ل يكون شئ منه‬
‫منظور على الطلق ‪ ..‬ولكن هنا ينبغى أن نتذكر أمرين مهمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إن اللة قد اخترعت فى الصل تلبية لحاجة فى نفس‬
‫النسان يسعى إلى تحقيقها ‪ ،‬ولم تظهر إلى الوجود من تلقاء‬
‫نفسها ‪ ،‬ول اختراعها النسان عبثا بغير غاية ‪ ،‬ول فرضت عليه‬
‫فرضا من خارج كيانه ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن التغير الذى تحدثه اللة ل يجرى على مزاج اللة ذاتها‬
‫م فهى فى ذاتها ل إرادة لها ول وعى ول توجيه ‪ ،‬لنها " مادة "‬
‫والمادة هكذا ‪ ..‬ل إرادة لها ول وعى ول توجيه ! إنما يجرى التغيير‬
‫– جزئيا على القل – على مزاج " النسان " وحسب الوضع الذى‬
‫يعيش فيه ‪ .‬ول نقصد الوضع القتصادى وحده – كما يقول التفسير‬
‫المادى للتاريخ – إنما الوضع كله ‪ :‬الروحى والفكرى والمادى على‬
‫السواء ‪ .‬فاختراع المحراث الحديدى أدى إلى ألقطاع فى أوربا ‪ ،‬ل‬
‫لن المحراث الحديدى يؤدى – بطبيعته – إلى القطاع ‪ ،‬ولكن لن‬
‫ظهوره فى الجاهلية القائمة يومئذ يمكن أن يؤدى إلى ذلك ‪،‬‬
‫بمعنى أن أطماع ذوى السلطان من الجاهليين يومئذ تجد فى‬
‫المحراث أداة تمكنها من السيطرة بالصورة التى وقعت فى‬
‫القطاع الوربى ‪ .‬ولم يكن ذلك ليحدث – بهذه اللة ذاتها – لو أن‬
‫القوم هناك كانوا يحتكمون إلى شريعة الله ‪ ،‬إنما كان الوضع‬
‫الفكرى والروحى الناشئ من اعتناق العقيدة الصحيحة والتحاكم‬
‫إلى الشريعة الصحيحة يحدث – بهذه اللة ذاتها – وضعا ماديا‬
‫واقتصاديا مختلفا عما وقع فى الجاهلية القرون الوسطى المظلمة‬
‫فى أوربا ‪ .‬واللة التى تدار بالطاقة أدت إلى ظهور الرأسمالية فى‬
‫أوربا ‪ ،‬ل لن تلك اللة – بطبيعتها – تؤدى إلى الرأسمالية ! فهى‬
‫فى روسيا لم تؤد إلى الرأسمالية ! ومعلوم أن التصنيع الحقيقى لم‬
‫يتم فى روسيا إل بعد دخولها فى الشيوعية ! ولكن لن ظهورها‬
‫فى ذلك الوقت – فى الجاهلية القائمة وقتئذ – يمكن أن يؤدى إلى‬
‫ذلك ‪ ،‬بمعنى أن ذوى السلطان فى تلك الجاهلية يمكن أن يجدوا‬
‫فيها أداة إلى السيطرة على النحو الذى تم فى الرأسمالية الغربية‬
‫اليهودية ‪ ،‬ولم يكن ذلك ليحدث – بهذه اللة ذاتها – لو أن شريعة‬
‫الله كانت هى الحاكمة فى حياة الناس ‪ ،‬إنما كان الوضع الفكرى‬
‫والروحى النائى من اعتناق الناس للعقيدة الصحيحة وتحاكمهم إلى‬
‫الشريعة الصحيحة يحدث – بتلك اللة ذاتها – وضعا ماديا واقتصاديا‬
‫مختلفا عن الوضع الرأسمالى ‪ .‬على القل بالقدر الذى استطاعت‬
‫به العقيدة الشيوعية والفكر الشيوعى أن يحدث – باللة نفسها –‬
‫وضعا ماديا واقتصاديا مغايرا للوضع الرأسمالى ! ! ول عبرة بالقول‬
‫إن الشيوعية لم تنشأ إل من تناقضات الرأسمالية ‪ ،‬فأن الذى حدث‬
‫بالفعل هو ا‪ ،‬تطبيق الشيوعية فى روسيا لم ينشأ من تناقضات‬
‫الرأسمالية هناك ‪ ،‬إنما نشأ – بصرف النظر عن التخطيط اليهودى‬
‫– من اعتناق " الناس للعقيدة الشيوعية ‪ ،‬ذلك أن روسيا قد قفزت‬
‫رأسا من القطاع إلى الشيوعية !‬
‫كل ! ليست هى الحتمية المادية وإنما هو " النسان " ! النسان‬
‫بكاملة ‪..‬‬
‫وصحيح كما أسلفنا أن النسان يواجه دائما ضغوطا من الكون‬
‫المادى ومن الوضاع المحيطة به ‪ ،‬سياسية كانت أو اقتصادية أو‬
‫اجتماعية ‪ . .‬الخ ولكنه فى النهاية هو الذى يقرر ‪ .‬يقرر أن يخضع‬
‫للضغوط ويستنيم لها أو يتمرد عليها ويسعى إلى تغييرها ‪ ،‬وهو‬
‫يقرر ذلك دائما على هدى " العقيدة " التى يعتقدها سواء كانت‬
‫عقيدة صحيحة أو فاسدة ‪.‬‬
‫وقد ل يستطيع فى كل حالة أن يغير كل الوضاع بالعقيدة التى‬
‫يعتقدها ولكن ذلك ل يرجع إلى كون العقيدة ل وزن لها ول اعتبار ‪,‬‬
‫ول إلى كونها هى نابعة من الوضع المادى والقتصادى القائم ‪،‬‬
‫متأثرة به غير مؤثرة فيه ‪ ،‬ل حقة له غير سابقة عليه كما يزعم‬
‫التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬إنما السباب ترجع فى مجموعها إلى "‬
‫النسان " ذاته هل هو صادق فى اعتناق هذه العقيدة ؟ أم أن‬
‫شهوات الرض وثقلة الرض أثقل فى حسه من متطلبات‬
‫العقيدة ؟ ومن الشهوات شهوة الحرص على الحياة وعدم تعريض‬
‫النفس للخطار ‪ ،‬وشهوة حب السلمة والمن والستقرار ‪ .‬وهى‬
‫الشهوات الغالبة على أكثر الناس فى الرض ‪ .‬وهى التى تؤدى بهم‬
‫إلى الوقوع فى الجاهلية ‪ ،‬والخضوع – من ثم – لطغيان‬
‫الطواغيت ‪.‬‬
‫فخضوع الكثرية الساحقة مممن النمماس لطغيممان الطممواغيت خلل‬
‫التاريخ البشري ليس حتمية مادية ول اقتصممادية ول تاريخيممة خارجمة‬
‫عن إرادة الناس ‪ ..‬إنممما هممو مممن عنممد أنفسممهم ‪ ،‬إنممه واقممع عاشممته‬
‫البشرية بالفعل فى جاهليتها كلها ‪ ،‬ل بسبب حتمممى ‪ ،‬ولكممن نتيجممة‬
‫لعدم استقامتها على الطريق ‪.‬‬
‫ماِء‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ب ََر َ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬
‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض وَل َك ِم ْ‬
‫ن ك َمذ ُّبوا‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫سم َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حن َمما عَل َي ْهِ م ْ‬
‫م ب ََرك َمما ٍ‬ ‫ض ل ََفت َ ْ‬ ‫َوا َلْر ِ‬
‫ن )‪] {(96‬سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫على أن الحتميات المزعومة – بصورتها الديالكتيكية – ليست‬
‫حقيقة حتى بالنسبة للجاهلية ‪.‬‬
‫فقد تنبأ ماركس بحسب حتمياته أن بريطانيا ستكون أول دولة‬
‫تقع فى الشيوعية لنها – على عهده – كانت أكثر الدول الرأسمالية‬
‫تقدما ‪ ،‬فتنبأ بأن الصراع الطبقى " سينضج " فيها قبل لغيرها‬
‫فيحوله إلى الشيوعية ‪.‬‬
‫ويعلم الناس فى كل الرض أن بريطانيا مازالت حتى هذه‬
‫اللحظة ‪ 1‬دول رأسمالية ‪ .‬كما أن وريثتها التى ورثتها فى التقدم‬
‫الصناعى الرأسمالى وهى أمريكا دولة رأسمالية كذلك ‪.‬‬
‫وقال ماركس وحواريوه إن المراحل التاريخية حتمية ‪ ،‬وترتيبها‬
‫كذلك حتمى وإنه ل يمكن لى مجموعة من البشر أن تسبق طورها‬
‫التاريخى ‪ ،‬لن كل طور له أداة مادية أو اقتصادية يتم التحول عن‬
‫طريقها ‪ ،‬فل يمكن التحول دون وجود هذه الداة ‪ ،‬فلبد أن يمر‬
‫ابشر بالمراحل التاريخية الخمس بصورة حتمية ‪ :‬من الشيوعية‬
‫الولى إلى الرق إلى القطاع إلى الرأسمالية إلى الشيوعية الثانية‬
‫‪.‬‬
‫ويعلم الناس فىكل الرض أن أكبر دولتين شيوعيتين وهما روسيا‬
‫والصين قد قفزتا مباشرة من مرحلة القطاع إلى مرحلة الشيوعية‬
‫دون وجود أداة التحول التاريخية وهى الصراع الطبقى بين العمال‬
‫وأصحاب رؤوس الموال ‪ ،‬وأن كلتا الدولتين لم تدخل المرحلة‬
‫الصناعية إل بعد دخولها فى الشيوعية !‬
‫أين الحتميات إذن ؟!‬
‫إنما هى من أولها لخرها قصة مدعاة ‪ ،‬لليحاء الناس بأن‬
‫الشيوعية هى النهاية الحتمية لكل البشرية ‪ ،‬فخير لهم أن يدخلوها‬
‫طائعين بدل من أن يدخلوها كارهين !‬
‫ومن أجل هذا الهدف الدعائى البحت تختلق التفسيرات "‬
‫العلمية " وتلفق النظريات !‬
‫‪m m m‬‬

‫التفسير الجاهلى للتاريخ‬


‫كنا إلى هذه اللحظة نناقش التفسير المادى ‪ ،‬فنجد فى كل مرة‬
‫ثغرة تؤدى إلى ضللة من ضللت هذا التفسير ‪ .‬وقد آن لنا أن‬
‫ندعوه باسمه اللئق به " فنسميه " التفسير الجاهلى للتاريخ !‬
‫والسبب فى هذه التسمية أول ‪ :‬أنه ل يتعامل إل مع جاهليات‬
‫التاريخ ‪ .‬مسقطا إسقاطا تاما فترات الهدى فى التاريخ البشرى ‪،‬‬
‫وأهمها بطبيعة الحالة السلم ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬أنه يفسر التاريخ من زاوية جاهلية بحتة ‪ ،‬أى على أساس‬
‫القيم الجاهلية وهى القيم المادية الخالصة ‪ .‬فهذا شأن معظم‬
‫الجاهليات التاريخية ‪ .‬أنها تبرز القيم المادية والقتصادية وتهمل‬
‫ماعداها من القيم النسانية العليا ‪ ،‬ل لنها غير موجودة فى‬
‫صدرت الطبعة الولى من الكتاب عام ‪1983‬‬ ‫‪1‬‬
‫الحقيقة ولكن لنها هى تفتقدها بسبب كونها جاهلية ‪.‬‬
‫ولن هذه القيم المادية الجاهلية ليست هى كل ما فى الحياة‬
‫البشرية ‪ ،‬فإن التفسير الجاهلى للتاريخ يعجز عجزا تاما عن تفسير‬
‫أى فترة من حياة البشرية تقوم على قيم أخرى غير القيم الجاهلية‬
‫‪.‬‬
‫وأشد ما يعجز التفسير الجاهلى عن تفسيره هو السلم !‬
‫ولقد شغل السلم رقعة فسيحة من الرض ‪ ،‬ورقعة فسيحة من‬
‫التاريخ وأى تفسير يتجاهله فهو تفسير غير علمى ‪ ،‬وأى تفسير‬
‫يعجز عن تفسيره فهو غير صالح لتفسير التاريخ البشرى ‪.‬‬
‫ونحن نتحدى التفسير الجاهلى للتاريخ أن يفسر لنا هذه الظاهرة‬
‫التى شغلت هذه الرقعة الفسيحة من الرض ‪ ،‬وهذه الرقعة‬
‫الفسيحة من التاريخ ‪ ،‬وكانت واقعا مشهودا استمر وجوده عامل‬
‫فى الرض أكثر من عشرة قرون ‪ ،‬ومازال قائما حتى اليوم ‪،‬‬
‫ومازال قادرا على أن ينبعث من جديد بعد أن اعترضته فترة من‬
‫الخمود ‪.‬‬
‫لماذا ظهر السلم فى تلك الفترة من التاريخ البشرى ‪ ،‬وكيف‬
‫ظهر على هذه الصورة المخالفة للبيئة فى أكثر سماتها ‪،‬‬
‫والمخالفة لكل حتميات التاريخ المزعومة ؟!‬
‫أما نحن فنؤمن أنه من عند الله وأنه نزل بقدر الله ‪ ،‬فى الوقت‬
‫الذى اختاره الله ‪..‬‬
‫وأما هم فإنهم ل يؤمنون بالله ‪ ..‬فليفسروا لنا إذن هذه الظاهرة‬
‫العجيبة فى التاريخ !‬
‫فليفسروا لنا كيف ظهر رجل فى تلك الصحراء فى تلك الحقبة‬
‫السحيقة من الزمن قبل أربعة عشر قرنا يدعو إلى عبادة الله‬
‫الواحد بل شريك ‪ ،‬ونبذ الرباب الزائفة كلها ‪ ،‬سواء كانت أصناما‬
‫محسوسة ‪ ،‬أو بشرا تضفى عليهم القداسة الزائفة فتسجد لهم‬
‫الناس كالملوك والباطرة ‪ ،‬أو بشرا يشرعون للناس من عند‬
‫انفسهم بغير سلطان منزل من عند الله‪ ،‬أو عرفا جاهليا ‪ ،‬أو وهما‬
‫تبتدعه رؤوس الناس وتتعبده بالوهم ‪ ،‬ويحرر البشرية بذلك – فى‬
‫نصاعة وحسم – من حكم الطواغيت ‪ ،‬ومن كل عبودية ملة لكرامة‬
‫النسان ‪ ،‬برد العبودية إلى المعبود الحق الذى يكرم البشر‬
‫بعبادته ‪ ،‬وتتحرر عقولهم ووجدانهم ومشاعرهم كما يتحرر كيانهم‬
‫كله ‪ ،‬فينطلقون أحرارا فى الرض ينشرون الحق والعدل‬
‫ويحطمون الطواغيت المستبدة بالبشر فى صورة نظم ودول‬
‫وجيوش ‪ ،‬ويقيمون مجتمعا إنسانيا يتمتع المؤمنون فيه بالخوة‬
‫النسانية على قدم المساواة ‪ ،‬ويتمتع غير المؤمنين بهذا الدين‬
‫بالعدل الربانى دون إكراه على اعتناق العقيدة‪.‬‬
‫وفى الوقت الذى كانت الديانات كلها – سواء كانت سماوية‬
‫محرفة أو وثنيات من صنع البشر ‪ -‬تقيم بين البشر وربهم وسطاء‬
‫من الكهنة و " رجال الدين " أو من الصنام والوثان ‪ ،‬أو من‬
‫الرواح الخيرة أو الشريرة ‪ ..‬يجئ هذا الداعية فيلغى كل وساطة‬
‫بين العبد والرب ‪ ،‬ويربط القلب البشرى بالله مباشرة بل وسيط ‪:‬‬
‫َ‬
‫م{ ]سورة غافر ‪[40/60‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬‫}وََقا َ‬
‫ذا‬‫عي إ ِ َ‬‫دا ِ‬‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬‫جي ُ‬
‫ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأ َل َ َ‬‫ذا َ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫عاِني{ ]سورة البقرة ‪[2/186‬‬ ‫دَ َ‬
‫وفى الوقت الذى يتجبر فيه الغنياء على الفقر فى كل الرض‬
‫يجيئ هذا الداعية فيلغى سلطان الغنياء المتجبرين ‪ ،‬ل على‬
‫اساس الحقد الطبى ‪ ،‬ولكن على أساس الحق والعدل الزليين ‪،‬‬
‫فل يزيل " طبقة " ويحل محلها " طبقة " ‪ .‬ول يعطى السلطان‬
‫للفقراء بوصفهم فقراء ‪ ،‬بل ينزع السلطان من البشر جميعا ‪،‬‬
‫أغنيائهم وفقرائهم على السواء ويرده إلى الله‪ ،‬ويقدم شريعة‬
‫يخضع لها الناس جميعا حكاما ومحكومين ‪ ،‬ليست من صوغ هؤلء‬
‫ول هؤلء ‪ ،‬شريعة تتعامل مع "لنسان" من حيث هو إنسان ‪ ،‬فتلبى‬
‫جميع احتياجه الروحية والفكرية والسياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية والخلقية ‪ ،‬وترسم له المنهج المتكامل الذى تستقيم به‬
‫الحياة وتتوازن وتترابط ‪ ،‬على نحو غير مسبوق من قبل ول ملحوق‬
‫من بعد فى كل ما كان من دساتير البشرية إلى اليوم ‪.‬‬
‫وفى الوقت الذى كان " الدين " فى كثير من بقاع الرض أو فى‬
‫كل بقاع الرض يرتبط فى نفوس الناس بالخضوع والستكانة – ل‬
‫لله وحده المعبود الحق – بل لوضاع ظالمة فى المجتمع ما أنزل‬
‫الله بها من سلطان ‪ ،‬ويرعى الكهنة ورجال الدين هذا الذل وينمونه‬
‫فى نفوس الناس باسم الدين فيخضعونهم للمتجبرين من ذوى‬
‫السلطان ‪ ،‬يجئ هذا الداعية فيقول للناس إن من رضى بالظلم‬
‫فى الدنيا وهو قادر على إزالته أو الخروج من سلطانه فل مكان له‬
‫عند الله فى الخرة وله عذاب عظيم ‪ ،‬ويصبح أسمهم " ظالمى‬
‫َ‬
‫م َقاُلوا ِفي َ‬
‫م‬ ‫سه ِ ْ‬‫مي أنُف ِ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ن ت َوَّفاهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫أنفسهم " ‪} :‬إ ِ ّ‬
‫كنتم َقاُلوا ك ُنا مستضعفين في ال َرض َقاُلوا أ َل َم تك ُ َ‬
‫ض الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َ ْ َ ُِ َ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ُ ُ ْ‬
‫صيرا ً )‪ (97‬إ ِل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جُروا ِفيَها فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ة فَت َُها ِ‬‫سعَ ً‬ ‫َوا ِ‬
‫ة َول‬ ‫حيل َ ً‬‫ن ِ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ساِء َوال ْوِل ْ َ‬
‫دا ِ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬‫َ‬ ‫ضعَِفي‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ي َعُْفوَ عَن ْهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬
‫ك عَسى الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سِبيل ً )‪ (98‬فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ي َهْت َ ُ‬
‫عَُفوّا ً غَُفورا ً )‪] {(99‬سورة النساء ‪[99-4/97‬‬
‫وفى الوقت الذى تهان فيه المرأة وتحتقر ‪ ،‬يدعو إلى تكريمها‬
‫ورعايتها ويبرز إنسانيتها ‪.‬؟‬
‫وفى الوقت الذى يسام فيه الرقيق أقسى أنواع المهانة‬
‫والخسف يدعو لتحرير الرقيق وإحسان معاملته على أساس‬
‫إنسانى ‪.‬‬
‫وفى الوقت ‪ ..‬وفى الوقت ‪ ..‬وفى الوقت ‪..‬‬
‫ثم ليفسروا لنا كيف استطاع هذا الرجل أن يربى على هذه‬
‫المبادئ أمة ‪ ..‬أمة كانت مجموعة من القبائل المتناثرة المتناحرة‬
‫تأبى أن تتحد وتتألف مع وجود كل العناصر التى تدعو إلى التألف ‪..‬‬
‫وحدة الرض ‪ ،‬ووحدة اللغة ‪ ،‬ووحدة العقائد ‪ ،‬ووحد الثقافة ‪،‬‬
‫ووحدة التاريخ ‪ ،‬ووحدة الجنس ‪ ..‬ومع ذلك تحول بين توحدهم‬
‫ثارات الجاهلية ونزاعاتها التافهة التى ل تساوى لحظة واحدة من‬
‫الصراع ! ومن هذه الشتيت المتناثرة ل يبنى هذا الرجل أمة – أى‬
‫أمة – وإنما أمة فريدة فى التاريخ ‪ ،‬أمة عقيدة ‪ ..‬أمة ل تقوم على‬
‫رابطة الرض ‪ ،‬ول رابطة الدم ‪ ،‬ول رابطة اللغة ول رابطة‬
‫المصالحة القريبة ‪ ،‬إنما تقوم على رابطة العقيدة ‪ ،‬فيجتمع فيها‬
‫العربى القرشى ‪ ،‬والحبشى والرومى والفارسى ‪ ،‬على قاعدة‬
‫واحدة من المساواة فى النسانية والمساواة فى العقيدة ‪ ،‬ويكون‬
‫التمايز بينهم على قاعدة جديدة كل الجدة على تلك البيئة بل على‬
‫َ‬ ‫البشرية كلها يومئذ }إ َ‬
‫م{ ]سورة‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أت َْقاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬
‫الحجرات ‪[49/13‬‬
‫ة{ ]سورة‬ ‫خو َ ٌ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫أمة تقوم على الخوة فى الله ‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫الحجرات ‪[49/10‬‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫أمة تقوم على التكافل ‪َ} :‬ول ي َ ِ‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة{ ]سورة الحشر‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ن عََلى أن ُْف ِ‬ ‫أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫‪[59/9‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سأ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫مت ُ ْ‬‫حك َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫أمة تقوم على العدل الربانى‪} :‬وَإ ِ َ‬
‫ل{ ]سورة النساء ‪[4/58‬‬ ‫موا ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫باختصار ‪ ..‬أمة فريدة فى التاريخ ‪..‬‬
‫وليفسروا لنا كذلك كيف انساحت هذه المة فى أرجاء الرض‬
‫بهذه السرعة المذهلة ‪ ،‬ل غازية للرض ‪ ،‬ول مستعبدة للناس ‪،‬‬
‫ولكن ناشرة لتلك العقيدة التى تزيل القداسة عن البشر وتوجه‬
‫العبادة لله وحده ‪ ،‬وتدعوا إلى الخوة والتكافل ‪ ،‬وتدعوا إلى تحرير‬
‫المرأة وتحرير الرقيق ‪ ..‬فتنتشر هذه المبادئ كلها بالسرعة‬
‫المذهلة التى تفتح بها الرض !‬
‫فليفسروا لنا هذا كله بمقتضى تفسيرهم الجاهلى للتاريخ !‬
‫أى تغير مادى حدث فى الجزيرة العربية – بل فى العالم أجمع –‬
‫أدى إلى ظهور هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة‬
‫ونشرها هو وأبتاعه من بعده فى أرجاء الرض ؟!‬
‫أى تغير اقتصادى حدث فى الجزيرة العربية ‪ -‬بل فى العالم‬
‫أجمع – أدى إلى ظهوره ؟‬
‫أى حتمية تاريخية يمكن أن ينشأ عنها هذا الحدث الضخم ‪ ،‬الذى‬
‫ما تزال ضخامته قائمة حتى اللحظة ؟!‬
‫البيئة هى البيئة ‪ ..‬ما تغيرت قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ول بعد بعثته لعدة قرون ‪..‬‬
‫الوضع القتصادى هو الوضع القتصادى ‪ :‬البيئة الرعوية فى‬
‫الجزيرة العربية برمتها ‪ ،‬والبيئة التجارية فى مكة والمدينة ‪..‬‬
‫أما التاريخ ‪ ..‬فلننظر حتميات التاريخ ‪..‬‬
‫بعد سبعة قرون من مولد هذه الدعوة قامت فى أوربا حركة‬
‫تحرير العبيد ‪ ..‬وحين قامت فإنها لم تحرر العبيد تماما وإنما‬
‫حررتهم من قبضة السيد ليكونوا عبيدا للرض ‪ .‬وبعد عشرة قرون‬
‫كاملة بل أكثر حررتهم الثورة الفرنسية من جحيم القطاع !‬
‫والسلم حررهم قبل ذلك بعشرة قورن !‬
‫بعد اثنى عشر قرنا من مولد هذه الدعوة أو أكثر قامت فى أوربا‬
‫حركة تحرير المرأة ‪ ،‬التى أعطت المرأة بعض الحقوق التى كفلها‬
‫لها السلم ‪ ،‬ومازالت بعض الحقوق لم تحصل عليها إلى هذه‬
‫اللحظة ‪.‬‬
‫بعد اثنى عشر قرنا من مولد هذه الدعوة بدأت الدعوة إلى "‬
‫الديمقراطية " القائمة على الشورى ونزع السلطة الطاغية من‬
‫الحكام ‪ ،‬وهى الدعوة التى أعطت الناس حقوقا وضمانات لم تكن‬
‫لهم فى عهود القطاع ‪ ،‬وإن كانت "الطبقة" المالكة ما تزال هى‬
‫الحاكمة من وراء الستار ‪ ..‬بينما أعطى السلم كل الضمانات وكل‬
‫الحقوق قبل ذلك باثنى عشر قرنا مع ورد السلطة إلى الله ل إلى‬
‫المالكين من عباد الله !‬
‫بعد أربعة عشر قرنا من مولد هذه الدعوة ما تزال العنصرية‬
‫البغيضة قائمة فى الرض ‪ ،‬تقوم على أساسها دول وتقوم من‬
‫أجلها حروب ‪ ،‬ويعامل " الملونون " فيها على أيدى البيض تلك‬
‫المعاملة الزرية التى يعرفها الناس فى أمريكا وجنوب أفريقيا وفى‬
‫كل مكان ‪ :‬بينما السلم – قبل أربعة عشر قرنا – قد صهر‬
‫الجناس واللوان واللغات والشعوب فى أمة واحدة على قدم‬
‫المساواة حين ربطهم بالعقيدة الواحدة فى الله ‪.‬‬
‫بعد أربعة عشر قرنا من مولد هذه الدعوة ما يزال مبدأ كفالة‬
‫الدولة لجميع أفراد شعبها غير تام التطبيق فى الديمقراطية‬
‫الليبرالية الرأسمالية ‪ ،‬والدولة الشيوعية التى تطبقه تطبقه على‬
‫حساب كرامة النسان ‪ ،‬وتستذل الناس بلقمة العيش لكى يخضعوا‬
‫للسلطان ‪ ،‬بينما قرر السلم هذا المبدأ منذ أربعة عشر قرنا مع‬
‫المحافظة التامة على إنسانية النسان وكرامته ‪.‬‬
‫ويطول بنا المقام إذا مضينا نعدد المواضع التى سبق به السلم‬
‫كل حتميات التاريخ المزعومة ‪ ،‬أو التى تفرد بها التاريخ !‬
‫فكيف يفسر لنا التفسير الجاهلى للتاريخ ظهور السلم وانتشار‬
‫السلم والمبادئ والقيم التى أقرها السلم ؟!‬
‫هل الوضع المادى والقتصادى هو الذى غير الناس فى الجزيرة‬
‫العربية والرض التى فتحها السلم ‪ ،‬أم إنه العقيدة ‪ ،‬وإيمان الناس‬
‫بالله ‪ ،‬وبالحق والعدل الزليين ؟! وهى أشياء ليست فى المادة ‪،‬‬
‫ول هى من صنع المادة ‪ ،‬إنما هى فى عقول الناس وقلوبهم‬
‫ومشاعرهم !‬
‫وكيف تغير " أسلوب التبادل " فلم يعد رقا ولم يعد إقطاعا إنما‬
‫صار تكافل وأخوة فى المجتمع ؟ السباب مادية أم لعقيدة ملت‬
‫النفوس فبعثت الناس يغيرون أسلوب التبادل ليخضعوه لشريعة‬
‫الله التى تمنع الظلم وتحكم بالعدل ؟!‬
‫هل كان وجود الناس هو الذى حدد شعورهم أم إن شعورهم هو‬
‫الذى حدد أسلوب وجودهم ؟!‬
‫ماذا يا دعاة التفسير الجاهلى للتاريخ ؟!‬
‫لقد كان السلم وسيظل أمرا ربانيا ل ينطبق عليه أى تفسير‬
‫يفسر التاريخ البشرى بالقيم الجاهلية الرضية ‪ ،‬مادية كانت أو‬
‫اقتصادية ‪ ,.‬ولكنا نأخذ من السلم عبرا لدعاة التفسير المادة‬
‫ودعاة كل تفسير غير التفسير " النسانى" للنسان ‪.‬‬
‫السلم أمر ربانى ‪ ..‬نعم‬
‫ولكن الدين قاموا بالسلم بشر ‪..‬‬
‫ولقد زعم التفسير الجاهلي للتاريخ أن البشر ل يتحركون ول‬
‫يتغيرون إل بسبب تغيرات مادية أو اقتصادية ‪ ..‬وأنهم ل يمكن أن‬
‫يتحركوا بشئ معنوي ‪ :‬فكرة أو مبدأ أو مبادئ ‪ ،‬لن هذه كلها تأتي‬
‫لحقة للتغير المادي و القتصادي و منبثقة عنه ‪ ..‬فوجود السلم‬
‫في الرض بالصورة التي تم بها يعلمنا غير ذلك تماما ‪..‬‬
‫يعلمنا أن العقيدة ‪ :‬إيمان الناس بالله ‪ ،‬وليمانهم بالحق و العدل‬
‫الزليين ‪ ،‬يمكن أن يحدث تغيرات في الرض أضخم بكثير من أي‬
‫تغيير حدث نتيجة التغير المادي أو القتصادي ‪..‬‬
‫و يعلمنا أكثر من ذلك أن نوع التغيير الذي تحدثه العقيدة يختلف‬
‫اختلفا جذريا عن التغير الذي يحدث ‪ -‬لسباب مادية واقتصادية –‬
‫بل عقيدة ‪ ..‬السلم نشأة جديدة للنسان ‪ ،‬على أسس من القيم‬
‫العليا والمبادئ الرفيعة ‪ ،‬بينما التغيرات الخرى مجرد تغير جزئى‬
‫من حالة إلى حالة ‪ ،‬ل يغير شيئا جذريا فى النسان ‪ ،‬وقد يؤدى به‬
‫إلى النتكاس والدمار ‪ ..‬ويعلمنا قبل ذلك وبعد ذلك أن النسان‬
‫ليس مادة ‪ ..‬ولكنه " إنسان " ! وأن النظام الذى يتعامل معه على‬
‫أنه إنسان أفضل بكثير وأعلى بكثير ‪ ،‬وأكثر فاعلية بكثير من‬
‫النظام الذى يتعامل معه على أنه مادة ‪ ،‬أو على أنه حيوان !‬
‫‪m m m‬‬

‫التفسير السلمى للتاريج‬


‫ليس هنا فى الحقيقة مجال الحديث المفصل عن التفسير‬
‫السلمى للتاريخ فذلك موضوع يحتاج إلى بحث مستقل تبسط فيه‬
‫الفكرة ‪ ،‬وتؤخذ لها النماذج من التاريخ البشرى فى شتى عهوده‬
‫وشتى أحوال البشر فيه ‪.‬‬
‫ولكنه يحسن بنا ونحن بصدد الحديث عن التفسير الجاهلى‬
‫للتاريخ عرضا ومناقشة أن نلم على القل بالخطوط العريضة‬
‫للتفسير السلمى ‪ ،‬لنه يكاد يكون الوجه المقابل لذلك التفسير‬
‫فى كثير من السس التى يقوم عليها ‪.‬‬
‫وأحسب أننا ألمحنا إلى بعض هذه الخطوط فى أثناء مناقشة‬
‫التفسير المادى ‪ ،‬فالن نحاول تجميع هذه الخطوط فى عرض‬
‫سريع ‪ ،‬وحسبنا فى هذا المقام أن نشير إلى السس العامة دون‬
‫تفصيل ‪.‬‬
‫من البديهيات أن التفسير السلمى للتاريخ يتعامل مع النسان‬
‫ابتداء على أنه إنسان ‪ ،‬ل مادة ول حيوان ‪ .‬وأن التاريخ هو تاريخ‬
‫النسان ‪ .‬أى أن العنصر الفعال فيه هو النسان ‪ ..‬النسان بمجوعة‬
‫ل جانب واحد منه ‪ .‬فقد كتب النسان هذا التاريخ بكل جوانبه‬
‫مجتمعة – سواء فى حالت الهدى أو حالت الضلل ‪ .‬كتبه بروحه‬
‫وجسمه وعقله ‪ .‬وكتبه باقتصادياته واجتماعياته وسياسياته ‪ .‬كتبه‬
‫بالتعامل مع الكون المادى ‪ ،‬ومع الفكار والقيم ‪ ،‬ومع الحلم‬
‫والرؤى ‪ ،‬ومع الواقع والخيال ‪ .‬كتبه بدوافعه الداخلية وتطلعتاته‬
‫وطموحاته كما كتبه بالضغوط الواقعة عليه من خارج كيانه !‬
‫ضغوط الكون المادى والضغوط القتصادية والسياسية والجتماعية‬
‫والفكرية ‪ .‬كتبه بكل ذرة من كيانه ‪ .‬وكل سطر من سطور هذا‬
‫التاريخ أو إنجاز من إنجازاته فهو صادر من كيان النسان كله ‪ ،‬وهو‬
‫أصيل فى صدوره عن مجموع هذا الكيان ل عن جانب واحد من‬
‫هذا الكيان ‪.‬‬
‫يتعامل التفسير السلمى مع النسان على أنه قبضة من طين‬
‫الض ونفخة من روح الله ‪ ،‬مترابطين متماسكين متفاعلين ‪ ،‬يتكون‬
‫منهما معا كيان موحد ‪.‬‬
‫ه‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬‫ذا َ‬‫ن )‪ (71‬فَإ ِ َ‬
‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫شرا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬‫ك ل ِل ْ َ‬‫ل َرب ّ َ‬‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪] {(72‬سورة ص‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حي فََقُعوا ل َ ُ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫وَن ََف ْ‬
‫‪[72-38/71‬‬
‫هذا هو تكوين النسان ‪ :‬قبضة من طين الرض ‪ ،‬ونفخة من روح‬
‫الله ‪ ،‬امتزجتا امتزاجا كامل وترابطتا وتفاعل كل منهما مع الخر‬
‫فأصبح من حصيلتهما ذلك النسان الذى نعرفه ونتعامل معه فى‬
‫واقع الحياة ‪.‬‬
‫إنه ليس قبضة طين خالصة كما كان قبل النفخة العلوية فيه ‪،‬‬
‫وليس روحه خالصة طليقة من قبضة الطين ‪ ،‬إنما هو المران معا‬
‫فى وحدة مترابطة تختلف فى خصائصها اختلفا جذريا عن قبضة‬
‫الطين الخالصة ونفخة الروح الخالصة ‪ ،‬وإن كانت تحمل بين الحين‬
‫والحين بعض المشابه من هذه وتلك ‪ ،‬حين تجنح جنوحا شديدا نحو‬
‫عالم الجسد أو عالم الروح ‪ ،‬ولكنها حتى فى تلك الحالت ل تكون‬
‫مماثلة أبدا لى من العنصرين منفصلين ‪.‬‬
‫فى لحظة الشهوة الجامحة غير المنضبطة يكون أقرب إلى‬
‫قبضة الطين ‪ ،‬لنه يتعامل بجسده أكثر من أى جانب من جوانبه ‪،‬‬
‫ومع ذلك ل يكون أبدا جسدا خالصا كالحيوان ‪ ،‬لنه فيه – على‬
‫القل – قدرا من الوعى والرادة والختيار حتى فى هذا العمل‬
‫اللصق بالطين ‪ ،‬بينما الحيوان ل يعمل بوعى ول إرادة حرة ول‬
‫اختيار ‪.‬‬
‫وفى لحظة الرفرفة الشفيفة المشرقة المهومة يكون أقرب‬
‫إلبى نفخة الروح ‪ ،‬لنه يطنلق بروحه من إطار الحس المحدود ‪.‬‬
‫ومع ذلك ل يكون أبدا روحا خالصة كالملئكة لن له جسدا ل‬
‫يستطيع أن يتخلص من وجوده ‪ ،‬وعقل ل يكف تماما عن التفكير ‪.‬‬
‫انظر إلى أعلى لحظة وجود عرفها بشر فى تاريخ الرض ‪ ،‬لحظة‬
‫الوحى المتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هل كال‬
‫صلى الله عليه وسلم روحا خالصة وهو يصافح جبريل عليه السلم‬
‫ويتلقى منه ‪ ،‬استمع إلى قوله تعلى ‪:‬‬
‫ه )‪(17‬‬ ‫ه وَقُْرآن َ ُ‬
‫مع َ ُ‬ ‫ن عَل َي َْنا َ‬
‫ج ْ‬ ‫ل ب ِهِ )‪ (16‬إ ِ ّ‬ ‫ج َ‬
‫ك ل ِت َعْ َ‬‫سان َ َ‬‫ك ب ِهِ ل ِ َ‬ ‫حّر ْ‬‫}ل ت ُ َ‬
‫ْ‬
‫ه )‪] {(19‬سورة‬ ‫ن عَل َي َْنا ب ََيان َ ُ‬ ‫ه )‪ (18‬ث ُ ّ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ذا قََرأَناهُ َفات ّب ِعْ قُْرآن َ ُ‬
‫فَإ ِ َ‬
‫القيامة ‪[19-75/16‬‬
‫فقد تحرك العقل وتحرك اللسان ‪ ،‬خوفا من رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يفوته حفظ شئ من التنزيل الربانى ‪ ،‬فطمأنه‬
‫الله انه لن يضيع منه شئ لنه سبحانه وتعالى هو المتكفل بحفظه‬
‫وجمعه وقرآنه ) أى قراءته ( وبيانه ‪.‬‬
‫هذا هو النسان بعنصريه المكونين له ‪ :‬قبضة الطين ونفخة‬
‫الروح ‪.‬‬
‫وكل محاولة لتفسيره بواحد من عنصريه دون الخر هى محاولة‬
‫مضللة ل تؤدى إلى حقيقة ‪ .‬سواء فسر من جانب قبضة الطين أو‬
‫من جانب نفخة الروح ‪.‬‬
‫والجاهليات فى التاريخ كله تجنح دائما إلى تفسير النسان –‬
‫سواء نظريا أو عمليا أو هما معا – بجانب واحد من جوانبه ‪ ،‬أو‬
‫بجانب غالب بحيث يسحق الجانب الخر ويقهره ويكاد يلغيه ‪.‬‬
‫الجاهليات المادية تبرز جانب الجسد ‪ ،‬وجانب الحس ‪ ،‬وجانب‬
‫المادة ‪ ،‬فإذا أخذت شيئا من النفخة العلوية أخذت جانب العقل‬
‫وأبت جانب الروح ‪ ،‬وسخرت العقل – من ثم – فى شهوات الجسد‬
‫ومطالب الحس وعالم المادة ففقد علويته ورفعته ‪ ،‬وأسف مع‬
‫قبضة الطين ‪ ،‬وأنشأ عمارة مادية للرض خالية من إشراقة‬
‫الروح ‪.‬‬
‫والجاهليات الروحية تبرز جانب الروح ‪ ،‬وتهمل الجسد وتكبته‬
‫وتقهره وتحتقره وتقوم بتعذيبه من أجل رفعة الروح ‪ ،‬كما تفعل‬
‫الهندوكية والرهبانية ‪ ،‬كما أنها تهمل عالم الحس وعالم المادة ‪ ،‬فل‬
‫يقوم النسان بعمارة الرض ‪ ،‬ول يقاتل الشر والطغيان ‪ ،‬ول يجاهد‬
‫لقامة الحق والعدل ‪ ،‬اكتفاء بلذة " الفناء " فى عالم الروح ‪ ،‬التى‬
‫يتم من خللها "الوجود" !‬
‫والجاهلية المعاصرة – كما هو واضح – جاهلية مادية مغرقة فى‬
‫المادية ‪ ،‬سواء فى المعسكر الشيوعة أو المعسكر الرأسمالى ‪.‬‬
‫قاعدة الحياة مادية بحتة ‪ .‬وقيم الحياة مادية بحتة‪ ،‬وعمارة الرض‬
‫على أساس مادى بحت ‪ .‬والتفسير المادى للتاريخ هو واقع الحياة‬
‫هنا وهناك ‪ .‬وإن كانت النظرية – فى الحقيقة – ملكا للشيوعيين ‪.‬‬
‫والنظرية أسوأ بكثير حتى من التطبيق ! ففى التطبيق يتعامل كل‬
‫المعسكرين مع النسان على أساس أنه حيوان ‪ ،‬أو على أساس‬
‫أنه آلة فى بعض الحيان وحيوان فى سائر الحيان ‪ ..‬أما فى‬
‫النظرية فينفرد المعسكر الشيوعى بالتعامل مع النسان على أنه‬
‫مادة تنطبق عليه قوانين المادة ‪ ،‬لن الشيوعية خطوة " تقدمية "‬
‫فى المخطط الكبير الهادف إلى تسخير المميين لشعب الله‬
‫المختار ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫من قبضة الطين ونفخة الروح أنشأ الله النسان وقال للملئكة‬
‫إنه سيجعله خليفة فى الرض ‪:‬‬
‫َ‬
‫ة{ ]سورة‬ ‫خِليَف ً‬ ‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫البقرة ‪[2/30‬‬
‫والخلفة تتضمن الهيمنة والسيطرة والقدرة على النشاء‬
‫والتعمير والقدرة على التمييز والختيار ‪ ..‬فأمده الله بالدوات‬
‫الصالحة للخلفة ‪:‬‬
‫ماَء ك ُل َّها‪] {...‬سورة البقرة ‪[2/31‬‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫}وَعَل ّ َ‬
‫}اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫م‬‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِبال َْقل َم ِ )‪ (4‬عَل ّ َ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م )‪ (3‬ال ّ ِ‬ ‫ك الك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫م )‪] {(5‬سورة العلق ‪[5-96/3‬‬ ‫ي َعْل َ ْ‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سورة النحل‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫ن)‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫د‬‫ج‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬‫ف‬‫َ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫سانا ً‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل لَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫}أ َل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪] (10‬سورة البلد ‪[10-90/8‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬
‫ها وَت َْق َ‬ ‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] {(10‬سورة الشمس ‪[10-91/7‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َز ّ‬
‫َ‬ ‫} هو َأن َ َ‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫مَناك ِب َِها وَك ُُلوا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه{ ]سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِ ِ‬
‫وجعل الله للنسان هدفا شامل يشمل هذا كله هو عبادة الله ‪،‬‬
‫على المعنى الشامل للعابدة ‪:‬‬
‫ن )‪] {(56‬سورة الذاريات‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫لن َ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َْق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫‪[51/56‬‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حَياي وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[163-6/162‬‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫‪ (162‬ل َ‬
‫العبادة هى حق الله على جميع مخلوقاته حق الخالق على‬
‫المخلوق ‪ ..‬ولكن الله فرض على كل نوع من مخلوقاته عبادة‬
‫تناسب تكوين ‪ " .‬فالمادة " لها عبادة ‪ ،‬والملئكة لها عبادة ‪،‬‬
‫والنسان له عبادة ‪ ..‬تشترك جميعا فى أنها عباد وأنها " سجود "‬
‫وأنها " تسبيح " ولكن تختلف فى الطريقة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جد ُ ل َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ب وَك َِثيٌر ِ‬ ‫جُر َوالد َّوا ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫م َوال ْ ِ‬ ‫جو ُ‬ ‫مُر َوالن ّ ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫س{ ]سورة الحمج ‪[22/18‬‬ ‫الّنا ِ‬
‫َ‬
‫يٍء إ ِل ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫}ت ُ َ‬
‫م{ ]سورة السراء ‪[17/44‬‬ ‫حه ُ ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن ل ت َْفَقُهو َ‬ ‫مدِهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫يُ َ‬
‫واختص النسان بلون من العبادة يناسب اختصاصه بالخلفة ‪،‬‬
‫ويناسب تكوينه من جسد وعقل وروح‪.‬‬
‫فهو يعبد الله بالسجود والتسبيح على نحو معين علمه الله إياه‬
‫على يد رسله وخاتمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويعبده‬
‫بعمارة الرض بمقتضى المنهج الربانى المنزل من عند الله لتنظيم‬
‫حياة الناس فى الرض وإقامتها بالقسط ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ل ِي َُقو َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ط{ ]سورة الحديد ‪[57/25‬‬ ‫س ِ‬ ‫س ِبال ِْق ْ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ففى صلته وتسبيحه ونسكه هو عابد لله ‪ ،‬وفى مشيه فى‬
‫مناكب الرض وأكله من رزق الله بالضوابط التى أقامها الله من‬
‫حلل وحرام هو عابد لله ‪ .‬وفى زواجه وإقامة أسرته ورعايتها فى‬
‫حدود الضوابط والتوجيهات الربانية هو عابد لله ‪ .‬وفى طلبه العلم‬
‫سواء للتعرف على أوامر ربه ونواهيه ‪ ،‬أو للقيام بعمارة الرض‬
‫على المنهج الربانى هو عابد لله‪ .‬وفى إقامته شريعة الله فى‬
‫الرض هو عابد لله ‪ .‬وفى قتاله لتكون كلمة الله هى العليا هو عابد‬
‫حَياي‬
‫م ْ‬
‫كي وَ َ‬
‫س ِ‬
‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫لله ‪ . .‬وذلك معنى قوله تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫ه{ ]سورة النعام‬ ‫ك لَ ُ‬
‫ري َ‬ ‫ن )‪ (162‬ل َ‬
‫ش ِ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫م َ‬
‫وَ َ‬
‫‪[163-6/162‬‬
‫‪m m m‬‬

‫فإذا تبين ذلك تبينت مهمة النسان فى الرض وطبيعة عمله فيها‬
‫‪.‬‬
‫ليست مهمة النسان أن يأكل ويشرب ويمارس الجنس على‬
‫طريقة الحيوان وإن كان هذا جزءا من نشاطه وعمله فى الرض ‪،‬‬
‫ولكن على طريقة النسان ل على طريقة الحيوان ‪ ،‬أى ملتزما بما‬
‫أنزل الله من توجيهات وضوابط ومتقيدا بالحلل والحرام ‪.‬‬
‫وليست مهمته هى النتاج المادى وحده ‪ ،‬وإن كان هذا جزءا من‬
‫نشاطه وعمله فى الرض ‪ ،‬لكن على طريقة النسان ل على‬
‫طريقة اللة ‪ ،‬أى واعيا مدركا لهدافه العليا ‪ ،‬ملتزما فى النتاج‬
‫بالضوابط البرانية التى تحدد الحلل والحرام والحسن والقبيح‬
‫والمباح والمكروه والمندوب ‪.‬‬
‫مهمته هى " العبادة " بمعناها الشامل الذى يشمل العقيدة‬
‫الصحيحة ‪ ،‬وشعائر التعبد ‪ ،‬والنشاط الحيوى فى شتى مجالت‬
‫الحياة السياسية والقتصادية والجتماعية والفكرية والفنية ‪ ..‬الخ‬
‫ملتزما فى ذلك كله بمنهج الله ‪.‬‬
‫وفى جميع الحوال فعمله ذو طبيعة أخلقية لصقة به ل يمكن‬
‫فصلها عنه فهو إما خير وإما شرير ‪ .‬ول يوجد عمل واحد من‬
‫أعماله خارج عن نطاق الخلق ‪ ،‬سواء كان سياسة أو اقتصادا أو‬
‫اجتماعا أو فكرا أو فنا ‪ ،‬إل أن الخلق ‪ ،‬سواء كان سياسة أو‬
‫اقتصادا أو اجتماعا أو فكرا أو فنا ‪ ،‬إل أن يكون عمل من أعمال‬
‫الطبيعة غير الرادية ل يحاسب عليه النسان ‪.‬‬
‫وتنشأ القيمة الخلقية من كون النسان ثنائى الوجهة ل مفر‬
‫التجاه ‪ ،‬ومن كونه قادرا على التمييز بين الوجهتين واختيار‬
‫إحداهما ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ح َ‬‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫وا َ‬
‫ها وَت َْق َ‬
‫جوَر َ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬
‫مَها فُ ُ‬ ‫وا َ‬
‫س ّ‬
‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬
‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] {(10‬سورة الشمس ‪[10-91/7‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬‫خا َ‬‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫َز ّ‬
‫كا َ‬
‫والخلق سواق فى الطعام والشراب والملبس والمسكن‬
‫والجنس ‪ ،‬أو فى السياسة ‪ ،‬أو فى القتصاد ‪ ،‬أو فى الفكر ‪ ،‬أو فى‬
‫الفن ‪ ..‬الخ ‪ ،‬هى " القيم العليا " التى يتقيد بها " النسان " فى‬
‫تصرفاته ‪ ،‬والتى يسعى لقامة الحياة البشرية على أساسها ‪ ،‬والتى‬
‫يكون إنسانا بقدر ما يحرص على أدائها وإقامتها ‪ ،‬ويفقد من‬
‫إنسانيته بقدر ما ينفلت منها ويتهاون فيها‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو تكون " إنسانيته " النسان ‪ ،‬وتكون كذلك "‬
‫كرامته ‪ ،‬فالتكريم الربانى للنسان لم يكن عبثا ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫حرِ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫}وَل ََقد ْ ك َّر ْ‬
‫ضيل ً )‪] {(70‬سورة‬ ‫خل َْقَنا ت َْف ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫م عََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫السراء ‪[17/70‬‬
‫إنما يشمل التكريم والتفضيل – فيما يشمل – هذا العنصر‬
‫الخلقى الذى تقوم عليه حياة النسان ‪ ،‬وتقوم به أعماله كذلك ‪،‬‬
‫لتفترق عن حياة الحيوان ‪ ،‬وتفترق من باب أولى عن تصرفات‬
‫المادة التى ل وعى لها ول إرادة ول إدراك ‪ ،‬إنما تتصرف بالقهر‬
‫الكامل المفروض عليها من إرادة الخالق ‪ ،‬الذى أنشأها وأجرى‬
‫أمورها على النحو الذى تجرى عليه ‪ ،‬ل تملك فكاكا منه ول تعديل‬
‫عليه ‪ .‬وشتان بين ذلك وبين الوضع الكريم الذى وضع الخالق فيه‬
‫النسان ‪ ،‬إذ أعطاه القدرة على التمييز والختيار ‪ ،‬وجعله مقابل‬
‫ذلك مسئول عن تصرفاته بمقتضى تلك " المانة " التى حملها ‪،‬‬
‫بينما أشفقت " المادة " من حملها ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫ل فَأب َي ْ َ‬ ‫ض َوال ْ ِ‬
‫جَبا ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫ة عََلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫مان َ َ‬‫ضَنا ال َ‬ ‫}إ ِّنا عََر ْ‬
‫ن{ ]سورة الحزاب ‪[33/72‬‬ ‫سا ُ‬‫مل ََها ال ِن ْ َ‬‫ح َ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شَفْق َ‬ ‫مل ْن ََها وَأ َ ْ‬
‫ح ِ‬
‫يَ ْ‬
‫‪m m m‬‬

‫وتختلف أحوال البشر اختلفا جذريا بحسب الطريق الذى‬


‫يختارونه لنفسهم ‪ .‬ول يقتصر الختلف على مصير النسان يوم‬
‫القيامة إما إلى الجنية وإما إلى النار ‪ ،‬بل يختلف المر فى الحياة‬
‫الدنيا كذلك ‪.‬‬
‫أول اختلف أنهم إذا اختاروا طريق الله ‪ ،‬طريق الخير ن فعبدوا‬
‫الله وحده بل شريك ‪ ،‬وساروا فى حياتهم بمقتضى المنهج الربانى ‪،‬‬
‫فقد نجوا بادئ ذى بدء من عبودية بعضهم لبعض ‪ ،‬وتحققت لهم‬
‫العزة والكرامة والمساواة التى ل تتحقق أبدا إل حين ينزع من‬
‫البشر حق التشريع ‪ ،‬ويصبحون كلهم عبيدا لله على قدم‬
‫المساواة ‪ ،‬خاضعين كلهم لشريعة الله ‪ ..‬ونجوا من الظلم الذى‬
‫يسم الجاهليات جميعا حين يحكم البشر بشرائع من صنع أنفسهم ‪،‬‬
‫فإنه يحدث دائما فى تلك الجاهليات أن طبقة معينة هى التى تحكم‬
‫‪ ،‬وحين تحكم فإنها تدير المور بالطريقة التى تحقق مصالحها على‬
‫حساب مصالح الخرين ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ثم إن حياتهم تتسم بالنظافة والستقرار والطمأنينة والبركة ‪.‬‬


‫النظافة المستمدة من أخلقيات ل إله إل الله ‪ ،‬من اللتزام‬
‫بالحلل والحرام ‪ .‬من ضبط الدوافع لترتفع عن حيوانية الحسد إلى‬
‫إنسانية النسان ‪ ،‬الذى يمارس الحياة بجسمه وروحه فى آن ‪.‬‬
‫والستقرار المستمد من تطبيق الشريعة الربانية الحكيمة‬
‫المحكمة التى ل تخبط فيها ول انحراف ‪ .‬وليس معنى الستقرار‬
‫الجمود عن الحركة ‪ ،‬ول معناه كذلك الخلو الكامل من المشكلت ‪.‬‬
‫إنما معناه استقرار السس التى تقوم عليها الحياة ‪ .‬أما الحياة‬
‫ذاتها فل تكف عن الحركة الفاعلة ‪ ،‬ول تخلو من أمور تجد فى حياة‬
‫الناس تحتاج إلى جهد يبذل لحل مشكلتها وتقويمها بمقتضى منهج‬
‫الله ‪.‬‬
‫أما الكدح ذاته فهى من سمات الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫َ‬
‫ملِقيهِ )‪] {(6‬سورة‬ ‫دحا ً فَ ُ‬ ‫ك كَ ْ‬ ‫ح إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫كادِ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫}َيا أي َّها ا ِ‬
‫النشقاق ‪[84/6‬‬
‫ن ِفي ك َب َدٍ )‪] {(4‬سورة البلد ‪[90/4‬‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫خل َْقَنا ا ِ‬ ‫}ل ََقد ْ َ‬
‫ولكن هناك كدحا يتم فى إطار أسس مستقرة وراشدة ‪ ،‬فيكون‬
‫كدحا مثمرا متمشيا مع الغاية التى خلق من اجلها النسان وهى "‬
‫العبادة " بمعناها الشامل الواسع ‪ ،‬التى تتضمن عمارة الرض‬
‫بمقتضى المنهج الربانى‪.‬‬
‫وهناك كدح يتم فى غير هذا الطار الراشد المستقر ‪ ،‬فيكون‬
‫كدحا مؤديا إلى البوار وإن حقق منافع على المدى القصير ‪.‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م‬‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫خَرةِ إ ِل ّ الّناُر‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ِفيَها ل ي ُب ْ َ‬
‫ن )‪] {(16‬سورة هود‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪[16-11/15‬‬
‫أما الطمأنينة فمصدرها ذكر الله "‬
‫َ‬
‫ب )‪] {(28‬سورة الرعد ‪[13/28‬‬ ‫ن ال ُْقُلو ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫} أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫والطمئنان إلى قدر الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جع َ َ‬‫مرِهِ قَد ْ َ‬ ‫ه َبال ِغُ أ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫سب ُ ُ‬‫ح ْ‬‫ل عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫درا ً )‪] {(3‬سورة الطلق ‪[65/3‬‬ ‫يٍء قَ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫َ‬
‫ن ِبالل ّهِ ي َهْدِ قَل ْب َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫صيب َةٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫} َ‬
‫م )‪] {(11‬سورة التغابن ‪[64/11‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫وإحساس النسان أنه يصارع ما يصارع من القوى فى الرض‬
‫وهو مستند إلى الله الذى هو أكبر من القوة جميعا وأعلى ‪:‬‬
‫م‬
‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ل )‪َ (173‬فان َْقل َُبوا ب ِن ِعْ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫مانا ً وََقاُلوا َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫فََزاد َهُ ْ‬
‫ذو‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ض َ‬ ‫سوٌء َوات ّب َُعوا رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ظيم ٍ )‪] {(174‬سورة آل ‪[174-3/173‬‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫فَ ْ‬
‫وحتى حين يمسهم السوء بقدر من الله فهم مستعلون باليمان ‪:‬‬
‫ل آمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫حَر‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫}َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َفلقَط ّع َ‬
‫ل‬‫خ ِ‬ ‫ذوِع الن ّ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ِفي ُ‬ ‫صل ّب َن ّك ُ ْ‬ ‫ف َول َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَءَنا‬ ‫ما َ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫ن ن ُؤْث َِر َ‬ ‫ذابا ً وَأب َْقى )‪َ (71‬قاُلوا ل َ ْ‬ ‫شد ّ عَ َ‬ ‫ن أي َّنا أ َ‬ ‫م ّ‬ ‫وَل َت َعْل َ ُ‬
‫ض‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫من ال ْبينات وال ّذي فَط َرنا َفاقْض ما أ َنت َقاض َفاقْض ما أ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ْ ََّ ِ َ ِ‬
‫خطاَياَنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا ب َِرب َّنا ل ِي َغِْفَر لَنا َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا )‪ (72‬إ ِّنا آ َ‬ ‫ْ‬
‫ضي هَذِهِ ال َ‬ ‫ما ت َْق ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫خي ٌْر وَأ َب َْقى )‪] {(73‬سورة طمه‬ ‫ه َ‬ ‫حرِ َوالل ّ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْهِ ِ‬
‫َ‬
‫وَ َ‬
‫‪[73-20/71‬‬
‫وأما البركة فمصدرها رعاية الله وإغداقه على المتبعين لمنهجه‬
‫بعد أن تنتهى فترة البتلء والتمحيص ‪.‬‬
‫ماءَ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ْ‬‫ن غَّفارا ً )‪ (10‬ي ُْر ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫}فَُقل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫مد َْرارا ً )‪ (11‬وَي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م أ َن َْهارا ً )‪] {(12‬سورة نوح ‪[12-71/10‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ومصدرها ارتفاع مشاعر الناس عن التكالب على متاع الرض ‪،‬‬
‫الذى يحدث الجوعة الدائمة التى ل تشبع ‪ ،‬اللهفة الدائمة التى ل‬
‫تستقر ‪ ،‬وحين ترتفع المشاعر – بغير رهبانية ول حرمان – يحدث‬
‫الرضا النفسى الذى هو عنصر البركة الصيل ‪.‬‬
‫ومصدرها كذلك الخوة والتكافل فى المجتمع المسلم الذى‬
‫يجعل الناس شركاء فى الخير ل يختص به فريق دون فريق‪..‬‬
‫أما إذا اختار الناس طريق الشر ‪ .‬فأشركوا بالله فى العبادة أو‬
‫كفروا به جهرة ونبذوا عبادته وأعرضوا عن شريعته ‪ ،‬فأول ما‬
‫يقعون فيه هو عبودية بعضهم لبعض ‪ ،‬وانقسام المجتمع إلى سادة‬
‫وعبيد ‪ .‬سادة يملكون ويحكمون يشرعون ‪ ،‬وعبيد ينفذون وه أذلء‬
‫مهينون ‪.‬‬
‫ثم إن حياتهم تتسم بالضطراب والقلق ‪ ،‬وفقدان النظافة ‪،‬‬
‫والعبودية للشهوات ‪.‬‬
‫الضطراب ينشأ من الرؤية البشرية القاصرة ‪ ،‬العاجزة عن‬
‫الحاطة ‪ ،‬المحجوبة عن الغيب ‪ ،‬التى تتصرف فى كل لحكة‬
‫بمقتضى تلك اللحظة ‪ ،‬دون أن تدرك الثار الكاملة التى تنشأ عن‬
‫تصرفها حتى تقع تلك الثار بالفعل فى نفس الجيل أو فى جيل‬
‫لحق ‪ ،‬فيكتشف الناس الخلل الذى أصابهم ‪ ،‬فيروحون يعالجونه‬
‫بعلج جديد يثير مشاكل جديدة !‬
‫والقلق ينشأ من الدخول فى حومة الكدح – حومة الصراع –‬
‫دون سند من قوة أعلى يطمئن النسان إلى نصرتها أو تعويضها له‬
‫عما يفقده فى أثناء الصراع ‪..‬‬
‫وفقدان النظافة ينشأ من عدم اللتزام بمنهج الله ‪ ..‬عدم‬
‫اللتزام بالحلل والحرام ‪ ،‬الذى ينتج عنه اندفاع الناس مع شهواتهم‬
‫وعدم الرتفاع بها ‪ ،‬فتهبط هى بهم إلى المستنقع المنتن الذى‬
‫تعيش فيه كل الجاهليات ‪ ..‬وتلك هى العبودية للشهوات ‪ ،‬التى لم‬
‫تنج منها جاهلية من جاهليات التاريخ ‪ ،‬حتى التى جنحت إلى‬
‫الروحانية والرهبانية ‪ ..‬ففى الجاهلية الهندية الجانحة نحو الروحانية‬
‫كانت ظاهرة " بغايا المعبد ! " ظاهرة معروفة ‪ ،‬وفى الرهبانية‬
‫حدث ما أسلفنا ذكره من الموبقات !‬
‫أما التقدم المادى والعلمى فخط قائم بذاته خلل التاريخ‬
‫البشرى غير متعلق بالهدى ول بالضلل ‪:‬‬
‫ك‬ ‫ن عَ َ‬
‫طاُء َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫طاِء َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلء وَهَ ُ‬
‫ؤلِء ِ‬ ‫}ك ُل ّ ن ُ ِ‬
‫مد ّ هَ ُ‬
‫ظورا ً )‪] {(20‬سورة السراء ‪[17/20‬‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫منشئوه تلك الرغبة الفطرية التى أودعها الله قلب النسان ‪،‬‬
‫التى تدفعه إلى التعرف على خواص الماجة وخواص الكائنات الحية‬
‫من حوله ‪ ،‬ومحاولة استخدام هذه المعرفة فى التحسين المستمر‬
‫لحواله المعيشية ‪ ،‬وهى رغبة كما قلنا ل تتعلق بالهدى ول‬
‫بالضلل ‪ ..‬ومن ثم فجعلها هى المقياس لتقدم النسان يؤدى إلى‬
‫نتائج باطلة ‪.‬‬
‫فقد يحدث – كما حدث فى وقت نشأة المة السلمية – أن‬
‫يكون الحاملون للهدى الربانى ‪ ،‬المتبعون لمنهج الله ‪ ،‬متأخرين فى‬
‫مبدأ أمرهم من الناحية العلمية والتكنولوجية ‪ ،‬قليلى الحظ من‬
‫العمارة المادية للرض ‪ ،‬ويكونون مع ذلك فى أعلى درجات‬
‫الرفعة النسانية ‪ ،‬كما كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم ‪،‬‬
‫الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬خير أمتى‬
‫القرن الذى بعثت فيه ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ " 1‬فل يمنعهم هذا التأخر‬
‫المؤقت فى ميدان العلم النظرى والتطبيقى أن يكونوا أروع نماذج‬
‫للبشرية فى أوج ارتفاعها ‪ .‬ولكنهم – بحكم النطلقة الهائلة التى‬
‫تحدثها النشأة الجديدة فى كيانهم – لبد أن يتجهوا بعد فترة من‬
‫الزمن إلى العمارة المادية وتظهر إنجازاتهم فيها كما حدث‬
‫للمسلمين فى العهد الموى والعباسى ‪.‬‬
‫بينما يحدث كثيرا أن يكون قوم فى قمة العمارة المادية للرض‬
‫ولكنهم فارغون من القيم العليا ‪ ،‬فتزداد حياتهم خلل وانحدارا كلما‬
‫أوغلوا فى العمارة المادية ‪ ،‬كما هو حادث فى الجاهلية المعاصرة ‪.‬‬
‫ومن ثم ل يصلح التقدم المادى – وحده – معيارا من معايير‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫حقيقة إنه جزء من مهمة " الخلفة " التى خلق الله النسان‬
‫ليقوم بها فى الرض ‪ ،‬بحيث يكون النسان المتقاعس فى هذا‬
‫الجانب – ع القدرة عليه – مقصرا فى أداء جزء من مهمته ‪ ،‬ولكن‬
‫العبرة ليست فى مجرد أداء هذه المهمة ‪ ،‬إنما فى الطريقة التى‬
‫تؤدى بها ‪ ،‬هل هى متفقة مع المنهج الربانى ‪ ،‬أى متقيدة بالحلل‬
‫والحرام ‪ ،‬ونظافة المشاعر ونظافة السلوك‪ ،‬والمانة والعدل ‪،‬‬
‫وسائر القيم العليا التى تكون الجوهر الحقيقى لنسانية النسان ‪،‬‬
‫أم غير متفقة مع ذلك المنهج ‪ ،‬أى غير متقيدة بالحلل والحرام‬
‫والنظافة الحسية والمعنوية والمانة والعدل ‪ ..‬أى غير محققة‬
‫لنسانية النسان ‪.‬‬
‫فالتقدم العلمى والتكنولوجى ضرورى لعمارة الرض ‪ ،‬ومن ثم‬
‫فهو واجب على أى مجموعة من البشر يضمها تجمع معين ‪ .‬ولكن‬
‫لبد له من شروط يقوم عليها ‪ ،‬وإل فقد كثيرا من اعتباره وتحول‬
‫إلى أداة سلبية تدفع النسان إلى الدمار !‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فََينظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫سيروا ِفي ال َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫}أ َوَل َ‬
‫ها أ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫م‬
‫َ ِ ّ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫رو‬ ‫م‬
‫ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م قُوّةً َ ُ‬
‫روا‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫ن َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬‫مه ُ ْ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ت فَ َ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(9‬سورة الروم ‪[30/9‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫أنُف َ‬
‫وليس من الضرورى أن يتم التدمير بمجرد ظهور الفساد‬
‫واستشرائه ‪ ..‬فإن من سنن الله أن يمد للقوم الظالمين – مع‬
‫ظلمهم – ويمكن لهم ‪ ،‬ويفتح عليهم أبواب القوة فى كل اتجاه ‪..‬‬
‫ليزدادوا فسادا وانحرافا ‪ ،‬ويزدادوا استحقاق للتدمير‪..‬‬
‫رواه مسلم‬ ‫‪1‬‬
‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫}فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن )‪ (44‬فَُقط ِعَ َ‬
‫داب ُِر‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا هُ ْ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ما ُأوُتوا أ َ‬
‫َ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫ن )‪] {(45‬سورة النعام‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫موا َوال ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫‪[45-6/44‬‬
‫بينما من سنن الله مع المسلمين أل يمكن لهم فى الرض إل‬
‫وهم مستقيمون على طريقة ‪ ،‬فإذا انحرفوا زال عنهم التمكين‬
‫حتى يعودا إليه ‪.‬‬
‫خل َِفن ُّهم ِفي‬ ‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫}وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م ال ّ ِ‬ ‫ال َ‬
‫ذي‬ ‫م ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ن ِبي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دون َِني ل ي ُشرِكو َ‬ ‫منا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫ضى لهُ ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫شْيئًا{ ]سورة النممور ‪[24/55‬‬ ‫َ‬
‫‪m m m‬‬

‫ويقيم الناس فى حياتهم علقات سياسية واجتماعية واقتصادية‬


‫ليس بعضها نابعا من بعض ول بعضها تابعا لبعض ‪ ..‬إنما الصح أن‬
‫نقول إنها – كلها – أوجه متعددة " لموقف " معين ‪ ،‬فى اتجاهات‬
‫مختلفة ولكنها مترابطة ‪..‬‬
‫فالموقف الواحد ‪ :‬على طريق الله أو على غير طريقه ‪ ،‬يتجسم‬
‫فى كيان سياسى اجتماعى اقتصادى معين ‪ ،‬وفكرى وروحى‬
‫وخلقى وفنى كذلك … أى فى جميع التجاهات ‪ ،‬وتكون كلها – فى‬
‫المعتاد – متناسقة بعضها مع بعض ‪ ،‬إل أن يكون هناك اختلف فى‬
‫الشخصية – شخصية الجماعة – فيكون بعض نشاطها من منبع‬
‫معين وبعضه من منبع خالف ‪ ،‬كما هو حاضر " المسلمين " اليوم‬
‫فى كل الرض ‪ ،‬يعيشون بعض جوانب حياتهم على تراثهم الذى "‬
‫ورثوه " وبعض جوانبها الخرى من الجاهلية المعاصرة ‪ ،‬فى القيم‬
‫والفكار والمشاعر وأنماط السلوك ‪ ..‬وهو وضع شأن فى حياة‬
‫المسلمين وفى حياة البشرية كذلك ‪.‬‬
‫وتختلف صورة الكيان القتصادى باختلف مدى التقدم العلمى‬
‫واللمادى للجماعة البشرية ‪ ،‬فينتقل من اقتصاد رعوى إلى زراعى‬
‫إلى صناعى ‪ ..‬إلخ ‪.‬ز ولكن العبرة ل تكون بمقدار التغير فى "‬
‫الصورة " إنما العبرة " بالموقف " الذى تنبثق منه الصور جميعا‬
‫وتجسده ‪ ..‬وهو ل يخرج عن أحد موقفين ‪ :‬إما موقف إيمانى قائم‬
‫على المنهج الربانى ‪ ،‬وإما موقف جاهلى مجاف للمنهج الربانى ‪،‬‬
‫أى أن العبرة ليست بكون المجتمع رعويا أم زراعيا أم صناعيا ‪،‬‬
‫إنما العبرة فى كونه رعويا جاهليا ‪ ،‬وزراعيا مؤمنا أم زراعيا‬
‫جاهليا ‪ ،‬وصناعيا مؤمنا أم صناعيا جاهليا ‪ ..‬وهذا هو الذى يحدد‬
‫مركزه فى التاريخ الرض فضل عن مركزه أفراده فى اليوم الخر‬
‫‪1‬‬
‫"‬
‫وعلى ذلك فإن القيم فى المنهج الربانى ل تتغير مع تغير الصورة‬
‫‪ ،‬فيظل المجتمع المسلم – فى جميع أطواره القتصادية – عابدا‬
‫لله ‪ ،‬بمعنى العتقاد الصحيح فى الله ‪ ،‬وأداء الشعائر التعبدية لله‬
‫ن وتحكيم شريعة الله ‪ .‬ويظل متمسكا بأخلقيات ل إله إل الله‬
‫سواء فى علقات الجنس ‪ ،‬أو علقات المال ‪ ،‬أو علقات الولء‬
‫والسلم والحرب ‪ ..‬الخ ‪ ،‬أى ملتزما بالحلل والحرام وبسائر ما‬
‫أنزل الله ‪.‬‬
‫أما فى " الموقف " الخر غير اليمانى فل معيار لشئ ‪ ،‬لن‬
‫القيم ذاتها غير قائمة على أساس واضح ‪ ..‬ولهذا يعبث بها من أراد‬
‫أن يعبث كما عبث اليهود بكل القيم فى المجتمع الغربى مع الثورة‬
‫الصناعية وزعموا أن عبثهم ذلك حتمية وقانون !‬
‫وصحيح أن هناك سمات مشتركة تصنعها " البيئة " فى المجتمع‬
‫الرعوى أو الزراعى أو الصناعى قد يتشابه فيها المؤمنون وغير‬
‫المؤمنين ‪ .‬ولكن هذا الشبة العارض ل يجوز أن ينسينا أن الذى‬
‫يحدد المركز الحقيقى للنسان فى الدنيا أو الخرة هو " الموقف "‬
‫الذى يتخذه ‪ ،‬وليست المظاهر الثانوية التى قد تتوافق أو تتعارض‬
‫بغير تأثير حاسم فى حياة الناس‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وتقوم فى حياة الناس على الرض صراعات متعددة ‪. .‬‬


‫فأما فى المجتمع اليمانى فالصراع هو دائما الصراع بين الحق‬
‫والباطل يأخذ صورا شتى ‪.‬‬
‫صورة منه هى القتال ضد النظم والحكومات والجيوش الكافرة‬
‫لزالتها من طريق الدعوة ‪ ،‬باعتبار أن وجودها ذاته عائق واقعى‬
‫يمنع الناس من الستجابة إلى دعوة الحق ‪ ..‬فأما إذا أزيلت فل‬
‫إكراه على اعتناق العقيدة السلمية ‪ ،‬ولكن تحكم شريعة الله‬
‫ليستظل بعدالتها الناس جميعا ولو لم يدخلوا فى العقيدة‬
‫فى اليوم الخر يحمل كل إنسان مسئوليته الخاصة " أل تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للنسان إل ممما سممعى ‪ .‬وأن‬ ‫‪1‬‬

‫سعيه سوف يرى ‪ ،‬ثم يجزاه الجزاء الوفى " ) سورة النجم ‪ " ( 41 – 38‬لقد أحصاهم وعدهم عدا ‪ .‬وكلهم أتية يوم‬
‫القيام فردا " ) سورة مريم ‪ " ( 95 – 94 :‬يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ لله " ‪ 0‬سورة النفطار ‪( 19‬‬
‫ولكن مسئولية كل إنسان الجتماعية داخلة فى مسئوليته الخاصة التى يحاسب عنها يوم القيامة هل سعى إلى إقامممة‬
‫المنهج الربانى وأمر بالمعروف وجاهد المنكر بيده أو بلسانه أ بقلبه أم نكل عن ذلك جميعا ‪.‬‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫وصورة منه هى مجاهدة عوامل النحراف فى المجتمع السلمى‬
‫ذاته ‪ ،‬عن طريق المر بالمعروفة والنهى عن المنكر ‪.‬‬
‫وصورة منه هى مجاهدة النفس المارة بالسوء ‪ ،‬اللصقة‬
‫بالشهوات ‪ ،‬حتى تصير إلى النفس اللوامة التى أقسم بها الخالق‬
‫جل جلله ‪ ،‬لنها تنهى النفس عن الهوى ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مةِ )‪{(2‬‬ ‫وا َ‬‫س الل ّ ّ‬ ‫م ِبالن ّْف ِ‬ ‫مةِ )‪َ (1‬ول أقْ ِ‬
‫س ُ‬ ‫م ب ِي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫}ل أقْ ِ‬
‫س ُ‬
‫]سورة القيامة ‪[2-75/1‬‬
‫َ‬
‫وى )‪ (40‬فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْهَ َ‬‫س عَ ْ‬ ‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّْف َ‬‫مَقا َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ما َ‬ ‫}وَأ ّ‬
‫مأ َْوى )‪] {(41‬سورة النازعات ‪[41-79/40‬‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬
‫وأما فى المجتمع الجاهلى فالصراع ل يدور أساس بين الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬وإن كانت تدور بين الحين والحين صراعات بين جوانب‬
‫جزئية من الحق وجوانب جزئية من الباطل ‪ ،‬إنما يدور الصراع‬
‫أساسا بين قوى الباطل المختلفة ‪ ،‬ويتخذ صورا شتى ‪.‬‬
‫صورة منه هى عدوان أمة على أمة بدافع شهوة الغلبة والتوسع‬
‫والعدوان والستزادة من متاه الرض عن طريق العدوان ‪ ،‬إما‬
‫بتأسيسي إمبراطوريات أو " دول عظى " ! تبتلع الدول الصغرى‬
‫وتستذلها لصالحها ‪ ،‬وإما بحروب دائمة بين الجيران وغير الجيران ‪.‬‬
‫وصورة منه هى الصراع داخل المجتمع بدافع شهوة السلطة أو‬
‫شهوة الملك أو شهوة الجنس أو شهوة البروز أو غيرها من‬
‫الشهوات ‪ ،‬على هيئة صراع طبقى وصراع فردى ‪.‬‬
‫ويتلخص الفارق بين نوعى الصراع فى الية الكريمة ‪:‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ن ك ََفُروا ي َُقات ُِلو َ‬ ‫ذي َ‬‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫مُنوا ي َُقات ُِلو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫ت{ ]سورة النساء ‪[4/76‬‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫والطاغوت هو كل ما يستعبد الناس له من دون الله ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫والتفسير السلمى للتاريخ واقعى واقعية السلم ‪:‬‬


‫فمن ناحية يقدر أن الصورة المثالية للتطبيق السلمى ليست‬
‫هى الصورة الدائمة ‪ .‬وأن الضغوط المادية والقتصادية وضغوط‬
‫الشهوات البشرية يمكن أن تؤثر فى التطبيق الواقعى فتنزله من‬
‫صورته المثالية إلى صورة أدنى ‪ .‬ومن ناحية أخرى يقدر أن الحكام‬
‫يمكن أن يطغوا بسلطان الحكم وسلطان المال الذى فى أيديهم‬
‫فيجوروا ويظلموا ‪ ،‬رغم قيامهم بتطبيق شريعة الله فى فى‬
‫المواضع التى ل تخص سلطانهم وامتيازاتهم التى يصنعونها‬
‫لنفسهم ‪.‬‬
‫ولكن التفسير السلمى – الذى يفسر التاريخ بحسب السنن‬
‫الربانية – يقول إن هذه المور كلها هى انحرافات عن المنهج‬
‫الربانى الصحيح ‪ ،‬ليس لها إل إحدى صورتين ‪ ،‬وإحدى نتيجتين ‪:‬‬
‫إما أن تكون فى حيز محدود ‪ ،‬فل يصب الظلم أو الفساد رقعة‬
‫كبيرة من المة بسبب تأثير العقيدة فى النفوس من ناحية ‪ ،‬وتأثير‬
‫تطبيق الشريعة فى حصر الظلم فى الحيز المحدود المحيط‬
‫بالحكام من ناحية أخرى ‪ ،‬وعندئذ تستطيع المة أن تعيس فترة‬
‫طويلة حتى والفساد فى داخلها ‪ ،‬وتكون برغم هذا الفساد الجزئى‬
‫أفضل وأنظف وأعلى من الجاهلية ‪ ..‬وإما أن تزيد رفعة الفساد عن‬
‫الجزئى أفضل وأنظف وأعلى من الجاهلية ‪ ..‬وإما أن تزيد رقعة‬
‫الفساد عن الحد المعقول ‪ .‬وعندئذ تدركها سنة الله التى ل تتخلف‬
‫ول تحابى أحدا ‪ ،‬فتنهار المة حتى وهى تحمل اللفتات اليمانية ‪،‬‬
‫لنها تكون عندئذ لفتات مزيفة ل رصيد لها من الواقع ‪ ،‬والسنة‬
‫الربانية – الحتمية التى ل تتبدل ول تتحول – ل تتعامل مع اللفتات‬
‫المرفوعة إنما تتعامل مع الواقع الحقيقى ‪.‬‬
‫وفى جميع الحالت ل يغفل التفسير السلمى للتاريخ ضغوط "‬
‫التفسير‬ ‫الواقع المادى والقتصادى التى يعنى بها‬
‫المادى للتاريخ ‪ ،‬وتأثيرها فى نفوس الناس ومشاعرهم ‪ ،‬ولكن‬
‫يختلف المر كثيرا ما بين وجود العقيدة وعدم وجودها‪.‬‬
‫الضغوط المادية والقتصادية دائما موجودة ودائما ذات ثقل ‪..‬‬
‫ولكن العقيدة ترفع النسان بمقدار تمكنها من نفسه وفاعليتها فى‬
‫حياته ‪ ،‬فأما إن كانت على درجة عالية من التمكن والعمق‬
‫والفاعلية فإنها ترفع النسان فوق الضغوط المادية والقتصادية ‪،‬‬
‫فينجو من ثقلها كلها ‪ ،‬ويصوغ حياته بمقتضى القيم التى يؤمن بها‬
‫ول يحيد عنها ‪ ..‬وهؤلء هم أفذاذ التاريخ ‪ ..‬وأما إن كانت موجودة‬
‫ولكنها على درجة من التمكن والفاعلية أقل ‪ ،‬فإنها على القل‬
‫ترفع النسان فتضعه إزاء الضغوط ‪ ،‬فيصارعها وتصارعه ‪ ،‬ويغلبها‬
‫مرة وتغلبه مرة ‪ ،‬ويكون ضغطها عليه محسوسا ولكنه ليس‬
‫قاهرا ‪ ..‬وهذه هى الحالة العادية للمؤمنين ‪ ،‬سواء فى صورة‬
‫مجتمع أو فى صورة أفراد ‪.‬‬
‫أما فى غياب العقيدة فالنسان فى معظم حالته واقع تحت‬
‫الضغوط المادية والقتصادية ‪ ،‬ل يملك أن يرفع رأسه إزاءها ول أن‬
‫يرتفع عليها ‪،‬فتكون هى القاهرة وهو المقهور تحتها ‪ ..‬وتلك هى‬
‫الحالة التى ركز على شرحها التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬وأجاد فى‬
‫شرح كثير من تفصيلتها ) بصرف النظر عن مغالطاته المكشوفة‬
‫فى تفسير الدين والسرة وأخلقيات الجنس ‪ ،‬وفى تصوير‬
‫المخطط اليهودى لفساد أوربا فى الثورة الصناعية على أنه تقدم‬
‫وتطور ‪ ،‬وأنه حتمى !(‬
‫ولكن هذا التفسير أخفق فى أمرين ‪:‬‬
‫أخفق أول فى إعطاء التفسير الصحيح لتلك الحالة التى ركز‬
‫عليها ‪ ،‬إذ قدمها على أنها هى الوضع الدائم والطبيعى للبشرية ‪،‬‬
‫ولم يعطها تفسيرها الحقيقى ‪ ،‬وهى أنها وضع منتكس للنسان‬
‫بسبب جاهليته ‪ ،‬ل بسبب أن المادة بطبيعتها رب قاهر والنسان‬
‫بطبيعته عبد للمادة !‬
‫أما إخفاقه الكبر فهو – كما أسلفنا – إخفاقه فى تفسير‬
‫السلم ‪ ،‬وهو الوضع الصحيح للنسان ‪:‬‬
‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫س عَل َي َْها ل ت َب ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫} فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬
‫الدين ال َْقيم ول َكن أ َ‬
‫ن )‪] {(30‬سورة الروم‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫‪[30/30‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ويقول التفسير السلمى للتاريخ إن هناك سننا ربانية تحكم حياة‬


‫البشر على الرض ‪ ،‬وإنها سنن دائمة غير قابلة للتبديل ول التحويل‬
‫‪:‬‬
‫ويل ً )‪{(43‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ديل ً وَل َ ْ‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫}فَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫]سورة فاطر ‪[35/43‬‬
‫وسنة الله هى الحتمية الوحيدة فى هذا الكون ‪ ،‬والكون كله‬
‫خاضع لهذه الحتمية بما فى ذلك النسان ‪.‬‬
‫ولكن هناك فارقا أساسيا – بالنسبة للنسان – بين حتمية السنن‬
‫الربانية وبين الحتميات المادية والقتصادية والتاريخية التى يزعمها‬
‫التفسير المادى للتاريخ ‪.‬‬
‫إن حتمية السنن الربانية ل تفرض سلوكا قهريا معينا على‬
‫النسان ‪ ،‬ول تقع بمعزل عن إرادته ‪ .‬إنما هى تفرض نتائج حتمية‬
‫على السلوك الذى يتخذه النسان باختياره ‪.‬‬
‫َ‬
‫س{ ]سورة‬ ‫دي الّنا ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫}ظ َهََر ال َْف َ‬
‫الروم ‪[30/41‬‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫من السماِء وال َ‬ ‫َوال َْرض ل َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ض وَل َك ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫كا‬‫م ب ََر َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫حَنا عَل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(96‬سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫بو‬
‫ُ َ ِ ُ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫خذ َْنا ُ ْ ِ َ‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫فَأ َ‬
‫دقا ً )‪{(16‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء غَ َ‬ ‫م َ‬ ‫سَقي َْناهُ ْ‬ ‫ريَقةِ ل ْ‬ ‫موا عََلى الط ّ ِ‬ ‫ست ََقا ُ‬ ‫}وَأل ّوْ ا ْ‬
‫]سورة الجن ‪[72/16‬‬
‫ذا‬‫حّتى إ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫}فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن )‪] {(44‬سورة‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا هُ ْ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ما ُأوُتوا أ َ‬
‫َ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫النعام ‪[6/44‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫خَرةِ إ ِل ّ الّناُر‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ِفيَها ل ي ُب ْ َ‬
‫ن )‪] {(16‬سورة هود‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪[16-11/15‬‬
‫َ‬
‫م{ ]سورة الرعد‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ما ب ِأنُف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫ما ب َِقوْم ٍ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫‪[13/11‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫غدا ً ِ‬ ‫ة ي َأِتيَها رِْزقَُها َر َ‬ ‫مئ ِن ّ ً‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬‫تآ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مث َل ً قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ما‬‫ف بِ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫جوِع َوال ْ َ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫ذاقََها الل ّ ُ‬ ‫ت ب ِأ َن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ َ‬ ‫ن فَك ََفَر ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن )‪] {(112‬سورة النحل ‪[16/112‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫نبراس واضح ‪ :‬يختار النسان سلوكه ثم تترتب على اختياره‬
‫نتائج حتمية الوقوع ‪ .‬ويغير النسان ما هو عليه فيغير الله له إن‬
‫كان فى نعمة فكفرها يغير الله حاله إلى سوء ‪ ،‬وإن كان فى سوء‬
‫فغيره يغير الله حاله إلى الخير ‪.‬‬
‫وتفسح السنن الربانية الرقعة فل تحصرها فى الحياة الدنيا‬
‫وأحداثها ‪ ،‬إنما تمدها إلى اليوم الخر ‪ ،‬الذى يتحقق فيه الجزاء‬
‫الكامل ‪ ،‬وتكتمل صورة الحق التى لم تكتمل فى الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫َ‬ ‫}أ َفَحسبت َ‬
‫ن )‪{(115‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/115‬‬
‫ن ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ظَ ّ‬ ‫ما َباط ِل ً ذ َل ِ َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َْقَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ك ََفُروا{ ]سورة ص ‪[38/27‬‬
‫فق يقع الظلم من إنسان ‪ ،‬ويظل ظالما حتى الموت دون أن‬
‫يأخذ جزاءه فى الحياة الدنيا ‪ ،‬وقد يقع الظلم على إنسان فيظل‬
‫مظلوما حتى الموت دون أن ينتقم الله له من ظالمه فى الحياة‬
‫الدنيا ‪ ،‬ولكن هذا ليس آخر المطاف ‪ ..‬إنما آخر المطاف يوم‬
‫ق{ ]سورة النممور ‪ [24/25‬فينال النسان‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ِدين َهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫}ي ُوَّفيهِ ْ‬
‫جزاءه الكامل على الموقف الذى اتخذه والطريق الذى اختاره ‪،‬‬
‫سواء كان قد عجل له بشئ من الجزاء فى الحياة الدنيا أو أجل له‬
‫كله إلى يوم الحساب ‪.‬‬
‫وفرق كبير بين وضع " النسان " فى التصور السلمى والتصور‬
‫الذى يقدمه التفسير المادى للتاريخ ‪ ،‬وبين حجم النسان وحجم‬
‫فاعليته فى كل التصوريين ‪ .‬ففى التصور السلمى هو حقيقة "‬
‫إنسان " يمارس مسئوليته فى الرض يمارس حمل المانة التى‬
‫اختصه بها الله بين المخلوقات ‪ .‬وه فى التوصر الخر شبح غير‬
‫محد الكيان ‪ ،‬أو أداة ل حرية لها ول اختيار ‪.‬‬
‫وأخيرا فإن النسان فى تطوره التاريخى له كيان ثابت وصور‬
‫متغيرة على الدوام ‪.‬‬
‫فأما الكيان الثابت فمصدره الفطرة ‪ ،‬وأما الصور المتغيرة‬
‫فمصدرها التفاعل الدائم بين هذه الفطرة وبين الكون المادى ‪،‬‬
‫ومحاولة النسان الدائبة تحقيق التسخير الربانى لما فى السموات‬
‫والرض من اجل النسان ‪.‬‬
‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬
‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ّ‬
‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫والفطرة البشرية ذات مرونة تسمح لها بالتشكل المستمر ‪ ،‬بممما‬
‫يناسب القدر الذى يتم تسممخيره مممن طاقممات السممماوات والرض ‪،‬‬
‫ولكن هذه المرونة – مزية ميممز اللممه بهمما النسممان ليعينممه علممى دور‬
‫الخلفة فى الرض – ليس معناهمما انعممدام الشخصممية النسممانية ‪ ،‬أو‬
‫السلبية الكاملة ‪ ،‬أو عدم وجود كيان محممدد للنسممان ‪ ،‬إنممما معناهمما‬
‫فقط عمق هذه الشخصية وسعتها وتعدد جوانبهمما ‪ ،‬بحيممث تسممتطيع‬
‫أن تستوعب أشكال متعددة من الحياة ‪ ،‬وتبممذل ألوانمما متعممددة مممن‬
‫النشاط ‪.‬‬
‫وحقيقة إن هذه المرونة تجعل النسان يحتمل كثيرا من الضغوط‬
‫‪ ،‬ويتشكل تحتها بصور تخالف ما هممو مفممروض أن يكممون عليممه فممى‬
‫حالته السوية ‪ ،‬مما يغرى الطغمماة علممى طممول التاريممخ البشممرى أن‬
‫يضغطوا على شعوبهم ويستعبدوهم ‪ ،‬ولكن هممذا ليممس معنمماه عممدم‬
‫وجود حدود حاسمة للكيان البشرى يقف عندها فى تشكله ‪ .‬أو فى‬
‫خضوعه للضغوط الواقعة عليه ‪ ،‬فإنه فى النهاية يثور ‪..‬‬
‫ومعنممى ثممورته أن احتممماله للتشممكل الخمماطئ الممذى فممرض عليممه‬
‫بالضغط قد انتهى ‪ ،‬وأنه يريممد أن يصممحح وضممعه بممما يناسممب كيممانه‬
‫الطبيعى ‪ .‬وسواء نجحت الثورة أو فشلت فدللتها ثابتة فى الحالين‬
‫‪ ..‬والنجاح والفشل مسألة ظروف مواتية أو غيره مواتية ‪ ،‬ومسممألة‬
‫إعممداد وتنظيممم أو فوضممى وارتجممال ‪ .‬أممما الثممورة فمعناهمما أن شمميئا‬
‫مخالفا لطبيعة النسان قد فرض عليه بالقوة ‪ ،‬وهممو يريممد أن يممرده‬
‫عنه ليعود إلى وضعه الطبيعى ‪.‬‬
‫وفى التاريخ البشرى ثورات كثيرة فاشلة وناجحممة هممى محمماولت‬
‫دائمة لدفع ضغوط مفروضة وتصحيح أوضمماع خمماطئة ‪ ..‬وكممل ثممورة‬
‫تحدث " شيئا ما " فى حياة البشرية يغير خطاها إلى خممط جديممد ‪..‬‬
‫ولكن تظل البشمرية تتخبمط ممادامت بعيمدة عمن المنهمج الربمانى ‪،‬‬
‫فتحل مشكلة بمشكلة جديدة ‪ ،‬وتتخلص من ضغط لتقع فى ضممغط‬
‫من نوع آخر ‪ ،‬كما خرجت من الممرق إلممى القطمماع ‪ ،‬ومممن القطمماع‬
‫إلى الرأسمالية ‪ ،‬ومن الرأسمالية إلى الشيوعية ‪ ،‬ول سبيا لها إلممى‬
‫التصممحيح الحقيقممى لوضمماعها إل بالممدخول فممى المنهممج الربممانى ‪،‬‬
‫الملئم للفطرة السمموية ‪ ،‬المنممزل مممن عنممد خممالق هممذه الفطممرة ‪،‬‬
‫العليم بما يصلحها وما يصلح لها ‪ ،‬وهو منهممج ثممابت القيممم والركممان‬
‫كثبوت هذه الفطرة ‪ ،‬ويسمح فى الوقت ذاتممه بتغيممر الصممورة علممى‬
‫الممدوام بممما يلئم النمممو الممدائم للحيمماة البشممرية ‪ .‬ولكنممه ل يسمممح‬
‫بالصورة المنحرفة لنها تمرض الفطرة ‪ ،‬وتممؤدى إلممى الفسمماد فممى‬
‫الرض ‪ ،‬ومممن أجممل ذلممك يجعممل القواعممد الثابتممة هممى الممتى تحكممم‬
‫المتغيرات ‪ ،‬ول يسمح للمتغيرات بتغيير القواعد الثابتة ‪.‬‬
‫ول تزال البشرية تهتدى فتستقيم حياتها ‪ ،‬وتضل فتصمميبها السممنة‬
‫الربانية الممتى تممترتب علممى الضمملل ‪ .‬ولكممن ل توجممد حتميممة واحممدة‬
‫للهدى ول حتمية واحدة للضلل ‪ .‬إنما النسان هو الذى يقرر لنفسه‬
‫‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ح َ‬ ‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ها وَت َْق َ‬
‫جوَر َ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬
‫مَها فُ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬
‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] {(10‬سورة الشمس ‪[10-91/7‬‬ ‫سا َ‬‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫َز ّ‬
‫كا َ‬
‫مل ُمموا‬
‫من ُمموا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫سرٍ )‪ (2‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ن ل َِفي ُ‬ ‫سا َ‬‫لن َ‬‫نا ِ‬ ‫صرِ )‪ (1‬إ ِ ّ‬ ‫}َوال ْعَ ْ‬
‫صمب ْرِ )‪] {(3‬سممورة العصممر‬ ‫وا ِبال ّ‬‫صم ْ‬
‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ب ِممال ْ َ‬ ‫صم ْ‬‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫‪[3-103/1‬‬
‫تلك لمحة سريعة عممن التفسممير السمملمى للتاريممخ فممى مواجهممة‬
‫التفسير الجاهلى قد ل تون ‪ ،‬كافية لبراز ملمحممه ‪ ..‬ولكنهمما تكفممى‬
‫على أى حال لرؤية الهوة العميقة التى يضع التفسممير المممادى فيهمما‬
‫النسان ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المذهب القتصادى بين النظرية والتطبيق‬


‫أشرنا فى التمهيد إلى أن الشيوعية ليست مممذهبا اقتصمماديا بحتمما‬
‫كما يجرى الحديث عنها أحيانا ‪ ،‬ولكنها تصور شامل للكممون والحيمماة‬
‫والنسان ولقضية اللوهية كذلك ‪ ،‬وتفسير شممامل لممذلك كلممه علممى‬
‫أساس مادى‪.‬‬
‫بعبارة أخرى فإن المادية الجدلية والتفسير المممادى للتاريممخ جممزء‬
‫من " النظرية " الشيوعية ل ينفصل عنها ‪ .‬ولذلك لم يكتف ماركس‬
‫أو إنجلممز أو غيرهممما مممن الكتمماب الشمميوعيين بممأن يتحممدثوا عممن‬
‫الشمميوعية كمممذهب اقتصممادى ‪ ،‬إنممما جعلمموا حولهمما هممذه الفلسممفة‬
‫الشاملة لتفسرها – أو لتبررها – سيان ‪.‬‬
‫وهذا الذى صمنعه ممماركس وإنجلمز والمفسمرون الشمميوعيون هممو‬
‫المممر الطممبيعى ‪ ،‬الممذى يتجافمماه أو يتجمماهله الممذين يتحممدثون عممن‬
‫الشمميوعية كمممذهب اقتصممادى بحممت ‪ .‬ذلممك أنممه ل يوجممد مممذهب‬
‫اقتصادى مجرد ‪ ،‬ليس له ارتباط بتصور شامل عن الكممون والحيمماة‬
‫والنسان وقضية اللوهية !‬
‫ورغم أننا ل نوافقهم فى زعمهم أن الوضاع القتصادية والماديممة‬
‫هى الصل الممدائم الممذى تنبثممق منممه الحيمماة السياسممية والجتماعيممة‬
‫والفكرية ‪ ،‬والفنية ‪ ..‬الخ ‪ ،‬فإننمما نممرى – كممما أشممرنا مممن قبممل – أن‬
‫هناك ارتباطا بين هذه المور كلها ‪ ،‬لنها أوجه مختلفة لقضية واحدة‬
‫‪ ،‬أو لموقف معين من قضايا اللوهية والكون والحياة والنسان ‪.‬‬
‫وسواء أخذنا بوجهة النظر هذه أو تلك فإن النظرية القتصممادية ل‬
‫يمكن أن تقف وحدها مجردة عن فلسممفة شمماملة تربطهمما بالقضممايا‬
‫الخرى كلها ‪ ،‬سممواء كممانت هممذه النظريممة شمميوعية أو رأسمممالية أو‬
‫إسلمية ‪.‬‬
‫فكلتاهما فلسفة ماديمة حيوانيمة ل ترتفمع بالنسمان عمن مسمتوى‬
‫المادة أو مستوى الحيوان ‪ ،‬وتعتبر الوضمع الممادى والقتصمادى همو‬
‫الصل الذى يشكل الحياة ‪ .‬وكلتاهما تبعد المنهج الربانى كليممة عممن‬
‫أن يحكم الحياة أو يسيطر عليها ‪ .‬تبيح الفساد الخلقممى وتسمممح لممه‬
‫أن يستشرى فى الرض !‬
‫ولكنا سنجد – على القل – فرقا فى الدرجة بين هذه وتلك !‬
‫فالشيوعية أشد إمعانا فى إبعاد المنهممج الربممانى إلممى حممد النممص‬
‫الرسمى على اللحاد فى صلب الدستور ‪ :‬ل إلممه ‪ .‬والكممون مممادة "‬
‫وأشد إبعادا للنسان عن إنسانيته ‪ ،‬باعتبارها إيمماه مممادة خالصممة ‪ ،‬ل‬
‫خليطا من المادية والحيوانية كما تصنع الرأسمالية ‪.‬‬
‫إن الفارق الوحيد – الذى يرونه جوهريا ول نراه كذلك – هو فى "‬
‫مممن يملممك " وهممو فممارق فممى " الفشممرة " القتصممادية والسياسممية‬
‫والجتماعية والفكرية أكثر مما هو فممارق فممى الصممل الممذى تعطيممه‬
‫هذه الفشرة ‪ .‬لن النزاع انحصر كما هو ظمماهر فممى " مممن يملممك "‬
‫ولم يتجاوزه إلى النظر فى المالكين أنفسهم ‪ ،‬ونظرتهم إلى الكون‬
‫والحياة والنسممان وقضممية اللوهيممة ‪ ،‬وهممل هممى نظممرة صممحيحة أم‬
‫خاطئة ‪ ،‬وهل هم – بمعيار القيم النسانية – مرتفعون أم هابطون ‪.‬‬
‫فإذا وجدنا – بالمعممايير الربانيممة – أن المممالكين كلهممم سممواء فممى‬
‫الجاهلية المعاصرة ‪ .‬كلهم جاهليون ن كلهم نابذون للمنهج الربممانى‬
‫معادون له مصرون على إبعاده عن حياتهم ‪ ،‬فإن الفمموارق الجزئيممة‬
‫بينهممم بعممد ذلممك تظممل فمموراق ثانويممة ‪ ،‬وليسممت جوهريممة كممما قممد‬
‫ينظرون إليها فيما بين بعضهم وبعض ‪ ،‬وخاصة فى لحظات التنممازع‬
‫والخصام ‪.‬‬
‫وصحيح أن " مظهر " الحياة يختلف كممثيرا فيممما بيممن الرأسمممالية‬
‫والشيوعية ‪ ،‬على القل من الناحية القتصادية والناحية السياسممية ‪،‬‬
‫ولكنمما نضممرب مثل لتقريممب الصممورة فحسممب ‪ ..‬إذا دخلممت مكانمما‬
‫تحسب أن فيه " أدميين " فوجدت أنه عبارة عن حظيرتين كبيرتين‬
‫‪ ،‬الممدواب فممى إحممداهما طليقممة " سممائبة " وفممى الخممرى مربوطممة‬
‫مقيدة ‪ ،‬فليس الذى يبدهك للوهلة الولى هو أن هذه سممائبة وهممذه‬
‫مقيدة ‪ ،‬إنما الذى يبدهك أنك وجدت الدواب حيث كنت تتوقع وجود‬
‫الدميين ‪ ،‬ولبد – بطبيعة الحال – أنك ستلحظ الفارق بين مجموعة‬
‫الدواب هذه وتلك ‪ ،‬وقد تلحظه لول وهلة ‪ ،‬ولكنك ل تعيره اهتماما‬
‫كبيرا طالما أنت ناظر إلى قضية وجود الدواب فى مكان الدميين ‪.‬‬
‫أما إذا ألقيت هذه القضية جانبا فسيتضخم فى حسك ول شك ذلممك‬
‫الفارق الشكلى ‪ ،‬وستروح تبحث ‪ ،‬أيهما الولى ‪ :‬أن تكممون جميعهمما‬
‫سائبة أم جميعها مقيدة !‬
‫تشبيه تمثيلى لتقريب الصورة فحسب ‪.‬‬
‫فمن وجهة النظر السلمية ليفترق الوضع الرأسمالى كثيرا عممن‬
‫الوضع الشيوعى ‪ .‬كلهما وضع جاهلى يحكممم بغيممر ممما أنممزل اللممه ‪،‬‬
‫كلهما ينفر نفممورا تاممما مممن إدارة شممئون الحيمماة بمقتضممى المنهممج‬
‫الربانى ‪ .‬كلهما ل يعترف على الطلق بأن حممق التشممير ‪ ،‬أى حممق‬
‫تقرير الحلل والحرام والحسن والقبيح والطيب والخبيث ‪ ،‬هو حممق‬
‫الله وحده ‪ ،‬إنما تقوم كلهممما علممى أن هممذا الحممق هممو حممق البشممر‬
‫وحدهم من دون الله ‪ ..‬ثم يختلف هؤلء البشر فيممما بينهممم بعضممهم‬
‫يذهب إلى اليمين ‪ ،‬وبعضممهم يممذهب إلمى اليسممار ‪ ،‬وكلهمما يتنكمب‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫‪m m‬‬ ‫‪m‬‬

‫بعد هذه المقدمة الضرورية التى نخلص منها بنتيجتين رئيسيتين ‪:‬‬
‫الولممى إن الشمميوعية ليسممت مممذهبا اقتصمماديا بحتمما يمكممن تجريممده‬
‫بمفرده ‪ ،‬إنما هى تصممور شممامل للكممون والحيمماة والنسممان وقضممية‬
‫اللوهية ‪ ،‬ثم مذهب اقتصادى مبنى على هممذه التصممور ومرتبممط بممه‬
‫بحيممث ل يمكممن فصمملة عنممه ‪ ،‬والثانيممة أن الفممارق بيممن الفلسممفة‬
‫الشمميوعية الخاصممة بقضممايا اللوهيممة والكممون والحيمماة والنسممان‬
‫والفلسفة الرأسمالية المتعلقة بهذه القضايا ذاتها فممارق ثممانوى مممن‬
‫وجهة النظممر السمملمية ‪ ،‬لنممه فممارق فممى " الفشممرة " وليممس فممى‬
‫الجوهر الحقيقى ‪..‬‬
‫بعد هذه المقدمة نأخذ فى الحديث عن المممذهب القتصممادى فممى‬
‫الشيوعية ‪ ،‬مبتدئين بالنظرية ثم معقبين بالتطبيق‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫النظرية الشيوعية‬
‫تقوم النظرية الشمميوعية علممى مجموعممة مممن السممس والمبممادئ‬
‫يمكن تلخيصها فى النقاط التية ‪:‬‬
‫إلغاء الملكية الفردية إلغاء باتا وإحلل الملكية الجماعية بدل منها‬
‫‪.‬‬
‫إلغمماء الطبقممات بإقامممة دكتاتوريممة البروليتاريمما وإبممادة الطبقممات‬
‫الخرى ‪.‬‬
‫كفالة الدولة لجميع " المواطنين " فممى مقابممل تكليممف القممادرين‬
‫منهم بالعمل رجال ونساء ‪.‬‬
‫المساواة فى الجور ‪.‬‬
‫إلغاء الدين ‪.‬‬
‫تطبيق مبدأ " من كل بحسب طاقته ‪ ،‬ولكل بحسب حاجته"‬
‫اللغاء الصممراع مممن المجتمممع البشممرى بإلغمماء البمماعث عليممه وهممو‬
‫الملكية الفردية ‪.‬‬
‫إلغاء الحكومة فى المستقبل ‪ ،‬وإقامة مجتمممع متعمماون متعمماطف‬
‫بغير حكومة ‪.‬‬
‫ونحاول فيما يلى بسط كل واحد من هذه المبادئ فى إيجاز دون‬
‫تفصيل ‪.‬‬
‫‪ -1‬إلغاء الملكية الفردية ‪:‬‬
‫أسملفنا القممول فممى مناقشممة الماديمة الجدليممة والتفسممير المممادى‬
‫للتاريخ أن الشيوعيين يعتبرون الملكية الفردية هممى المسممئولة عممن‬
‫كل الشمرور المتى خاضمتها البشمرية منمذ تركمت مرحلمة الشميوعية‬
‫الولممى حممتى دخلممت مرحلممة الرأسمممالية ‪ ،‬وأنهمما كممانت خلل ذلممك‬
‫التاريممخ كلممه مثممار " الصممراع الطبقممى " الممذى يبعممث الحقمماد‬
‫والضطرابات فى المجتمع البشرى ‪ .‬وأنه لبد من إزالتهمما والرجموع‬
‫بالناس إلى الملكية الجماعية التى كانوا عليها فى الشيوعية الولى‬
‫‪ ،‬لكممى تسممتريح البشممرية مممن الصممراعات والحقمماد وتعيممش فممى‬
‫طمأنينة وسلم ‪.‬‬
‫ويرى الشيوعيون إن الشيوعية الثانية والخيرة التى يدعون إليهمما‬
‫هى الحمل ‪ ،‬وهممى طريمق الخلص ‪ .‬لنهما سمتلغى الملكيممة الفرديممة‬
‫إلغاء باتا وتحل الملكية الجماعية محلهمما ‪ ،‬فل يملمك أحممد شمميئا مممن‬
‫وسائل النتاج وأدواته ملكية فرديممة ‪ ،‬سممواء كممان النتمماج زراعيمما أو‬
‫صناعيا ‪ ،‬إنما تكون الملكية جماعية ‪.‬‬
‫وليممس معنممى الملكيممة الجماعيممة أن أى مجموعممة مممن النمماس‬
‫يملكون أو يمكممن أن يملكمموا ممما تحممت أيممديهم مممن وسممائل النتمماج‬
‫وأدواته ملكية مشتركة ‪ ،‬كأن يملكن العمال المصممنع الممذى يعملمون‬
‫فيه ‪ ،‬أو يملك الفلحون المزرعة التى يفلحونها ) كممما يتبممادر أحيانمما‬
‫إلممى أذهممان السممذج الممذين يتسمممعون إلممى الدعايممة الشمميوعية‬
‫فيتصممورونها علممى غيممر حقيقتهمما ( إنممما معناهمما أن " الدولممة " هممى‬
‫المالك الوحيد للنتمماج كلممه ‪ ،‬بوسممائله وأدواتممه وناتجممة ‪ ،‬فهممى الممتى‬
‫تملممك المصممانع وإنتاجهمما كممما تملممك المممزارع ومحاصمميلها ‪ ،‬وتقممول‬
‫النظرية إن الدولة تقوم بذلك نيابممة عممن الشممعب ‪ ،‬أو عممن طبقممة "‬
‫البروليتاريا ‪ ) " Proletariat‬ومعناها الطبقة الكادحة ( الممتى يفممترض‬
‫فيها حسب النظرية أنها هممى المالممك الحقيقممى ! ذلممك أن النظريممة‬
‫الشيوعية تقول إن المنتج الحقيقى لى سلعة هو العامل الذى يبذل‬
‫الجهد لنتاجها ‪ .‬ولكنه فى ظل القطاع والرأسمالية ل يملممك الناتممج‬
‫الذى أنتجه بجهده ‪ .‬إنما هو يبيع جهده للقطاع أو الرأسمالى الممذى‬
‫يشترى هذا الجهد بأبخس الثمممان ويسممتمتع وحممده بفاضممى القيمممة‬
‫) وهو الفرق بين ثمن المادة الخامة مضافا إليه أجممر العامممل وبيممن‬
‫سعر السلعة فى السوق ( وعلى هذا يعتبر القطمماعى والرأسمممالى‬
‫مستغل لجهد العامممل وظالممما لممه ‪ ،‬ويعتممبر العامممل فممى وضممع غيممر‬
‫إنسممانى لنممه مسممتغل لحسمماب إنسممان آخممر ‪ ،‬وهممذا فممى شممرعة‬
‫الشيوعية غير جائز لن الجريمة الكبرى فممى حممق النسممان هممى أن‬
‫يكون مستغل من قبل إنسان آخر ‪ .‬أما فى الشيوعية فليممس هنمماك‬
‫استغلل من إنسان لنسممان لن الكممل ممماليكن ‪ ،‬وإن كممانت الدولممة‬
‫من والوجهة العملية هى التى تدير هذه الملكية ‪ ،‬وهممى الممتى تمموزع‬
‫الناتج على " المالكين الحقيقيين " !‬
‫وسنتحدث عن طريقة التوزيع فيما بعد ‪ .‬إنما نكتفممى هنمما بممالقول‬
‫بأن الدولة هى المتصرف الحقيقى فى جميع المور ‪.‬‬
‫ويقول الشيوعيون كما أسلفنا إن الملكيمة الفرديمة ليسمت نزعمة‬
‫فطرية ) بل إنه ل توجد نزعات فطرية على الطلق ( وإن الملكيممة‬
‫الجماعية هى الصل فى حيمماة النسممان بممدليل الشمميوعية الولممى ‪.‬‬
‫إنممما اكتسممب النسممان تلممك النزعممة الشممريرة فيممما بعممد اكتشمماف‬
‫الزراعة ‪ .‬وإنه ينبغى تطهير الناس من همذا الشمر المذى اكتسمبوه ‪،‬‬
‫وإعادتهم إلى الحالة التى كانوا عليها أول مرة بجعل الملكية ملكيممة‬
‫جماعية ‪.‬‬
‫‪ -2‬إلغاء الطبقات ‪:‬‬
‫منذ خرج الناس من الشيوعية الولى التى ل ملكية فردية فيهمما ‪،‬‬
‫أو بعبارة أخرى منذ بدأت الملكية الفردية بدأ ظهممور الطبقممات فممى‬
‫المجتمع ‪ ،‬إذا انقسم الناس إلى مالكين ‪ ،‬واستغل المالكون ما فممى‬
‫أيديهم من الملك لسممتغلل الخريممن الممذين ل يملكممون ‪ ،‬فأصممبحت‬
‫الملكية سمملطة اسممتغللية ‪ ،‬وأصممبحت الطبقممة المالكممة هممى الممتى‬
‫تحكم ‪ ،‬وبما أن السلطة فى يممدها فقممد صممارت تححممم بممما يناسممب‬
‫مصالحها على حساب الطبقة الممتى ل تملممك ) ومممن ثممم ل تحكممم (‬
‫واستمر هذا الوضممع بصممورة سممافرة فممى عهممدى الممرق والقطمماع ‪،‬‬
‫وبصورة مقنعة فى ظل الرأسمالية ‪ ،‬وتقرر الشيوعية أن هممذا كممان‬
‫ظلممما فاحشمما بالنسممبة لطبقممة الكممادحين الممذين هممم المنتجممون‬
‫الحقيقيون ‪ ،‬إذ بدل من أن يملكوا نتيجة جهدهم فإن طبقممة السممادة‬
‫التى تستغلهم هى الممتى تسممتمتع وحممدها بثمممرة هممذا الجهممد ‪ ،‬بينممما‬
‫يظلون هممم فممى الحرمممان والممذل والهمموان ‪ ،‬وليممس أقممل الممذل أن‬
‫يضطروا إلى بيع جهدهم للمستغل الممذى يعملممون عنممده أو يعملممون‬
‫لحسابه ‪.‬‬
‫ثم تقرر النظرية أن هذا الظلم الفمماحش ل سممبيل إلممى إزالتممه إل‬
‫بإزالة النظام كله ‪ ،‬نظام الطبقات القائم على الملكية الفردية ‪.‬‬
‫فطالما كان هناك ملكية فردية فهناك طبقات ‪ .‬وطالما كان هناك‬
‫طبقات فهناك ظلم ‪ .‬والسبيل هممو إلغمماء الطبقممات المسممتغلة ) أى‬
‫المالكممة ( والبقمماء علممى الطبقممة الوحيممدة المنتجممة ‪ ،‬وهممى طبقممة‬
‫الكادحين ) البروليتاريمما ( لن الطبقممات الخممرى طبقممات طفيليممة ل‬
‫تستحق البقاء ‪ ،‬كل عملها أن تمتص دماء الكممادحين وهممى ل تتعممب‬
‫ول تبذل جهدا ‪ ،‬وإنما تسرق الجهممد لتعيممش بممه حيمماة تممرف وكسممل‬
‫وخمول بينما المنتجون الحقيقيون فى شقاء وكدح وعناء ‪.‬‬
‫والطريق المؤدى إلى ذلك هو الثورة ‪ .‬وهممى ثممورة حمممراء تممراق‬
‫فيها دماء غزيرة حتى يستتب المر لطبقة البروليتاريا ‪ ،‬فتصممل إلممى‬
‫السلطة وتبيد الطبقات الخممرى إبممادة ‪ ،‬ثممم تلغممى الملكيممة الفرديممة‬
‫حتى ل تظهر من جديد طبقة مالكة تستغل الكادحين ‪.‬‬
‫ويسمى نظممام الحكممم الممذى ينشممأ مممن هممذه الثممورة " دكتاتوريممة‬
‫البروليتاريا " لن البروليتاريا لبد أن بالديكاتورية ما دامت المعركممة‬
‫ما تزال قائمة بين الشيوعية وأعدائها ‪.‬‬
‫وحكمة الديكتاتورية أن أعداء الشعب ل ينبغممى أن تممترك لهممم أى‬
‫ثغرة ينفذون منها للقضاء على النظام الصممحيح ) وهممو الشمميوعية (‬
‫لنهم – بطبيعة الحال – لن يرضوا عن النظممام الممذى يحرمهممم مممن‬
‫امتيممازاتهم الطبقيممة ‪ .‬فهممم أعممداء الممداء لممه ‪ .‬وممما دام هنمماك دول‬
‫رأسمالية وإقطاعية ما تزال قائمة فمى الرض فمإن أعمداء الشمعب‬
‫سيتعاونون معها ‪ ،‬أو أن هممذه الممدول ستسممتغلهم ضممد النظممام ‪ .‬ول‬
‫ينبغى التهاون فى هذا المر لحظة واحدة ‪ ،‬ول الممتراخى مممع أعممداء‬
‫النظام – أعداء الشعب – بل لبد من مقاتلتهم بكل شدة ‪ ،‬والسبيل‬
‫إلى ذلك هو أن تتولى الدولة كل السلطات فى يدها ‪ ،‬وتقبض علمى‬
‫المر بيد من حديد ‪ ،‬إلى أن يأتى المموقت الممذى ينتهممى فيممه العممداء‬
‫من الوجود ‪ ،‬وعندئذ ل تزول الديكتاتورية فقط بممل تممزول الحكومممة‬
‫كذلك النتهاء الحاجة إليها ‪.‬‬
‫‪ -3‬كفالة الدولة لجميع المواطنين ‪:‬‬
‫تقوم الشيوعية على مبدأ كفالة الدولممة لجميممع المممواطنين علممى‬
‫أساس أن هذا واجممب الدولممة تجمماه المممواطنين ‪ ،‬وحممق المممواطنين‬
‫على الدولة ‪ .‬وينممدد الشمميوعيون بالرأسمممالية خاصممة الممتى تحتفممظ‬
‫دائممما بجيممش مممن العمماطلين لتضممرب بممه حركممات العمممال الممذين‬
‫يتمردون على الظلم ويطالبون بحقمموقهم ‪ ،‬وبالقطمماع الممذى يممترك‬
‫الناس يموتون جوعا ليكتنز القطاعى ويسمى من دماء الكادحين ‪.‬‬
‫وفى " المنيفيستو " أى العلن الشمميوعى الممذى أعلنممه ممماركس‬
‫أوجب على الدولة أن تكفل لكل فرد من أفراد المجتمممع ضممروراته‬
‫الساسية وهممى الطعممام والملبممس والمسممكن والجنممس ‪ ،‬باعتبارهمما‬
‫حقوقا طبيعية ‪ ،‬وضرورات ينبغى إشباعها ‪ ،‬وتعتممبر الدولممة مقصممرة‬
‫إذا قصرت فى تحقيق شئ من ذلك لى فرد من المواطنين‪.‬‬
‫وفى مقابل كفالة الدولة لجميع المواطنين فإنه ينبغممى علممى كممل‬
‫قادر على العمل أن يعمل – رجال ونساء – ومن ل يعمل ل يأكممل ‪.‬‬
‫فكما أن الكفالة واجبة على الدولة فالعمل واجب على الفرد مادام‬
‫قادرا عليه ‪ ،‬ول يعفى من ذلك أحد على الطلق إل الطفممال حممتى‬
‫يبلغوا السن التى تممؤهلهم للعمممل ‪ ،‬والعجممزة مممن الرجممال والنسمماء‬
‫الذين ل يقممدرون علممى أى نمموع مممن أنممواع العمممل فممأولئك تكفلهممم‬
‫الدولة بل مقابل ‪.‬‬
‫وبممما أن الدولممة هممى – مممن الوجهممة العمليممة – المالممك الوحيممد‬
‫والمسيطر الوحيد علممى النتمماج ‪ ،‬فهممى الممتى تحممدد لكممل فممرد فممى‬
‫المجتمع نوع العمل الذى يقوم به ومكانه كذلك مقابل كفالة الدولة‬
‫له ‪ .‬وتحدد الدولة صلحية أى إنسان لنوع معين من العمل بحسممب‬
‫اختبارات تجريها على الفراد لتحديد مواهبهم وقدراتهم ‪ .‬أما مكممان‬
‫العمل فتحممدده الدولممة حسممب احتياجاتهمما بوصممفها المشممرفة علممى‬
‫النتاج كله ‪.‬‬
‫والمممرأة – كالرجممل – لبممد أن تعمممل فممى أممماكن العمممل خممارج‬
‫البيت ‪.‬‬
‫وكونها زوجة وأما ل يتعارض مع هذا المبممدأ ‪ .‬فهممى تأخممذ الجممازة‬
‫المقممررة فممى حممالت الحمممل والوضممع ‪ ،‬أممما الطفممال فتتممولهم‬
‫المحاضن ل المهات ‪.‬‬
‫ومن ثم فإن أى أم – بعد تمضية الجازة المقررة للوضممع – تأخممذ‬
‫وليدها إلى المحضن وتذهب هممى إلممى العمممل‪ ،‬حممتى تتسمملمه مممرة‬
‫أخرى بعد العودة من العمل ‪.‬‬
‫وتقوم المحاضن بتقديم الرعاية المطلوبة للطفال ‪ ،‬حممتى تنتهممى‬
‫أمهاتهم من العمل ‪ .‬حتى إذا كبروا تولت المدرسة ما كممانت تتمموله‬
‫المحاضن من قبل ‪.‬‬
‫وبذلك ل تشغل المرأة بشئون الطفال عن واجممب العمممل خممارج‬
‫البيت ‪.‬‬
‫وتتولى الدولة كفالة الفراد بتقديم الطعام لهممم مقابممل بطاقممات‬
‫تموينية موحدة ‪ ،‬وتقديم الملبس مرة فى الشتاء ومرة فى الصيف‬
‫على المنوال ذاته ‪ ،‬كما تعد سكنا لكممل فممرد ‪ .‬أممما الجنممس فتطلممق‬
‫فيه الحرية للفممراد ينشممئون علقمماتهم الجنسممية علممى النحممو الممذى‬
‫يحول لهم ‪ .‬وكانت النظرية قائمة فى الصل على أساس الشيوعية‬
‫الجنسية الكاملممة باعتبممار أن هممذه هممى الصممورة الممتى كممانت عليهمما‬
‫الشيوعية الولى ‪ ،‬وأن هذا هو الصل فممى العلقممات الجنسممية ‪ .‬ثممم‬
‫قام لنبين بتعممديل النظريممة فاسممتبدل بالشمميوعية الجنسممية الكاملممة‬
‫نظرية " الكوب " التى تقول إن الكوب الذى يشرب به كل إنسممان‬
‫يصبح ملوثا ‪ ،‬وكذلك الجنممس لبممد أن تنظممم علقمماته لكممى ل يصممبح‬
‫ملوثا كالكوب الذى يشرب به الجميممع ! ‪ 0‬وكممان هممذا بعممد الدعايممة‬
‫المضممادة الممتى قممامت ضممد الشمميوعية الجنسممية مممن المعسممكرات‬
‫المعاديممة ( فصممارت هنمماك مكمماتب للممزواج والطلق تقمموم فقممط‬
‫بتسجيل ما يحدث من الزيجات والنفصالت ‪ ،‬وفممى إممماكن أى زوج‬
‫من البشر ‪ :‬رجل وأمرأة ‪ ،‬أن يذهبا فى أى وقت إلى مكتب الزواج‬
‫ليسجل زواجهما ‪ ،‬كما أن فى إمكانهما فممى أى وقممت أن ذهبمما إلممى‬
‫مكتب الطلق ليثبتا انفصالهما ‪ ،‬ول يترتب علممى ذلممك أى إجممراءات‬
‫تقيد حرية العلقات الجنسية ‪.‬‬
‫‪ -4‬المساواة فى الجور ‪:‬‬
‫تقوم النظرية الشيوعية على أسمماس مبممدأ المسمماواة بيممن جميممع‬
‫الفممراد فممى المجتمممع ‪ ،‬لن هممذه هممى الصممورة الممتى كممانت عليهمما‬
‫البشممرية فممى الشمميوعية الولممى ‪ ،‬وهممى – عنممدهم – الصممل الممذى‬
‫تستمد منه كل المبادئ التى ينبغى أن تعود إليها البشرية ‪.‬‬
‫تقممول النظريممة إن أول صممورة للوجممود البشممرى هممى التعممبير‬
‫الطبيعى عن هذا الوجود ‪ ،‬وإن أى انحراف طرأ بعممد ذلممك ل ينبغممى‬
‫أن يعتد به ‪ ،‬بل ينبغى أن تعود البشرية فتصممحح أوضمماعها بممالرجوع‬
‫إلى الصورة الطبيعية التى كانت عليها أول مرة ‪.‬‬
‫وفى الشيوعية الولى كان جميع الفممراد متسمماوين فممى الحقمموق‬
‫والواجبات ‪ ،‬وفى المأكل والملبس والمسكن والجنس ‪ ،‬فينبغممى أن‬
‫تكون هذه هى الصورة الدائمة البشرية ‪ ،‬ولكن التطور الذى حممدث‬
‫بعد اكتشاف الزراعة غير هذا المبدأ الجميل ‪ ،‬وأخل بالمساواة التى‬
‫كانت قائممة فمى المجتمممع الشمميوعى الول ‪ .‬فأصممبح بعمض النماس‬
‫مالكين وبعضهم غيممر مممالكين ‪ ،‬فمماختلفت الحقمموق والواجبممات بيممن‬
‫الملكين وغيممر الممالكين ‪ ،‬وأصممبحت للممالكين امتيمازات اقتصمادية‬
‫) ومن ثم سياسية واجتماعية ( تميزهم عن غير المالكين ‪.‬‬
‫ولكن عدم المسمماواة ليممس أصممل مممن أصممول الوجممود البشممرى ‪،‬‬
‫ومن ثم فهو ظلم ينبغى إزالته ‪ .‬وطريقة إزالته – بعد إلغاء الملكيممة‬
‫الفردية وأيلولة الشراف على النتاج إلى الدولة – أن تسوى الدولة‬
‫بين أجور جميع العاملين ‪ ،‬لكى تتحقق المساواة التامة فى كل شئ‬
‫‪ ،‬ويزول الظلم الذى عاشت فيه البشرية عدة قرون‪.‬‬
‫ومن أجل تقرير هذه المساواة قررت وحده عمل إجباريممة ينبغممى‬
‫على كل قادر أن يقوم بها ‪ ،‬وتصرف للعامل بمقتضاها كممل حاجمماته‬
‫الساسية من مسكن وملبس ومطعم على قدم المساواة ‪.‬‬
‫وعلممى هممذا النحممو تحقممق الشمميوعية الثانيممة ممما كممان قائمممة مممن‬
‫المسمماواة فممى الشمميوعية الولممى ‪ ،‬وتلغممى الفمموارق والمتيممازات‬
‫الطبقية الممتى أحممدثتها فممترات الظلممم فممى الحيمماة البشممرية ‪ ،‬وهممى‬
‫فترات الرق والقطاع والرأسمالية ‪.‬‬
‫‪ -5‬إلغاء الدين ‪:‬‬
‫تعتبر الشيوعية الين أمرا واجب اللغاء من اعتبارات عدة ‪.‬‬
‫أحد العتبارات أنه خرافة ‪ ..‬ونحممن الن فممى عصممر العلممم ‪ .‬فقممد‬
‫كان الباعث الول على الدين هو جهل النسان بالطبيعة من حوله ‪،‬‬
‫وعجزه عن السيطرة عليها ‪ .‬فتخيل وجود قوى خفية تسيطر علممى‬
‫هذا الكون وتجرى الحداث فيه ‪ .‬وراح يسترضى هذه القوى ليدفع‬
‫أذاها عنه فتقرب إليها بالشعائر التعبدية وتقديم القرابين ‪.‬‬
‫ولما كانت البشرية اليوم قممد شممبت عممن الطمموق ‪ ،‬وتعلمممت مممن‬
‫العلم ما تعرف به قوانين الطبيعة وتسيطر به علممى الممبيئة فقممد آن‬
‫أن تتخلص من هذه الخرافة غير اللئقة بالنسان المتعلم ‪.‬‬
‫العتبممار الثممانى أنممه كممان ناشممئا مممن طبيعممة الوضممع المممادى‬
‫والقتصادى فى العهد الزراعى ‪ ،‬حيث كان جزء مممن عمليممة النتمماج‬
‫خارجا عن سيطرة النسان ‪ ،‬فتخيل وجممود قمموة غيبيممة نسممب إليهمما‬
‫الهيمنة على ذلك الجزء الخارج عن سيطرته وراح يتعبممدها لجتلب‬
‫رضاها وصرف أذاها وغصبها عنه ‪ ،‬وسماها الله ‪.‬‬
‫والن تغير الوضع المادى والقتصادى وأصبحت عملية النتاج كلها‬
‫منظورة وكلها تحت سيطرة العامل الذى يقوم بالنتمماج ‪ ،‬فلممم تعممد‬
‫هناك حاجة لفتراض تلك القوة الغيبية التى أصممبحت الن غيممر ذات‬
‫موضوع ‪.‬‬
‫العتبار الثالث أن الدين يخالف المعتقد الشمميوعى القممائم – فممى‬
‫نظرهم – على أسس علمية ‪ ،‬وهممو أن المممادى هممى الصممل ‪ ،‬وهممى‬
‫سابقة فى الوجممود علممى الفكممر ‪ .‬إذ يقمموم الممدين علممى أسمماس أن‬
‫المادة مخلوقة ‪ ،‬وبالتالى فليست هى الصل ‪ ،‬وليست سابقة علممى‬
‫الفكر ‪ ،‬ومن ثم وجب إلغاء الدين لنممه يصممادم التصممور الشمميوعى ‪،‬‬
‫الذى ينبغى أن يبقى وحده ويلغى كل ما سواه ‪.‬‬
‫العتبار الرابع أن " الدين أفيون الشعب " فقد كممان المسممتغلون‬
‫من القطاعيين والرأسممماليين يسممتخدمونه لتخممدير الجممماهير لكممى‬
‫ترضى بالظلم الواقع عليها ول تتمرد عليممه ‪ ،‬مقابممل الحصممول علممى‬
‫نعيممم الجنممة فممى الخممرة ‪ .‬وبصممفة عليهمما ول تتمممرد عليممه ‪ ،‬مقابممل‬
‫الحصول على نعيم الجنة فى الخرة ‪ .‬وبصفة خاصة فقد كان الدين‬
‫يستخدم ضد الشيوعية بالذات ‪ .‬فحيممن يقمموم الشمميوعيون بالممدعوة‬
‫إلى الشيوعية يستخدم الدين لوقف هذه الدعوة ومحاربتها ‪.‬‬
‫فالن بعد قيام المجتمع الشمميوعى الممذى ليممس فيممه مسممتغلون ‪،‬‬
‫ينبغى إلغاء ذلك المخدر الذى كممانوا يسممتخدمونه إذا لممم تعممد هنمماك‬
‫حاجة لستخدام المخدر ‪ .‬ومن جهة أخرى فقد وجمب القضمماء علممى‬
‫ذلك العدو اللدود الذى يستخدم ضممد " العقيممدة " الجديممدة ومحمموه‬
‫من الوجود ‪.‬‬
‫‪ -6‬من كل بحسب طاقته ولكل بحسب حاجته ‪:‬‬
‫كان هذا المبدأ من ضمن المبادئ النظرية التى وضممعت فممى أول‬
‫المر لتقوم الشيوعية عليها ‪ ..‬ومقتضى همذا المبمدأ أن النماس فممى‬
‫ظممل التطممبيق الشمميوعى سمميرتفعون بمشمماعرهم وسمملوكهم إلممى‬
‫صورة مثالية تجعل كل إنسان يبذل أقصى ما فى طمماقته مممن جهممد‬
‫من تلقاء نفسه دون ضغط عليه ول إلممزام ‪ ،‬ولكممن مممن جممراء حبممه‬
‫للنظام وللمزايا التى يحققها لممه ‪ ،‬وشممعوره بالسممتقرار والطمأنينممة‬
‫والسعادة فى ظله ‪ .‬وفى الوقت ذاتممه ل يأخممذ مممن النتمماج – الممذى‬
‫يشارك فيه الجميع ‪ ،‬كل بحسب طاقته – إل بمقدار ممما يحتمماج إليممه‬
‫فحسممب ‪ ،‬فل يزيممد عممن الحاجممة بممدافع الجشممع والطمممع الناشممئين‬
‫أساسمما مممن الحيمماة فممى مجتمممع طبقممى يمممارس الملكيممة الفرديممة‬
‫والصراع الطبقى ‪ .‬فإذا زالت السباب زالت العراض ‪ ..‬أى أنممه إذا‬
‫ألغيت الملكية الفردية وألغيت المتيازات الطبقيممة بإزالمة الطبقممات‬
‫كلها إل الطبقة الكادحممة فممإن الجشممع والطمممع يممزولن مممن نفمموس‬
‫الناس بزوال السباب الدافعة إليهما ‪ ،‬وعندئذ يأخذ كل إنسممان مممن‬
‫النتاج العام بقدر ما يحتاج إليه فحسب ‪ ،‬ويترك البماقى للمحتماجين‬
‫غيره من الناس ‪.‬‬
‫ولكن عند التطبيق تعدلت النظرية شيئا مممن التعممديل ‪ ،‬فلممم يلممغ‬
‫غيممر‬ ‫هذا المبدأ إلغاء كممامل ولكنممه أجممل إلممى أجممل‬
‫محدد بزمن معين ‪ ،‬ولكنه مرهون بزيادة النتمماج – بوسممائل التقممدم‬
‫العلمى – إلى الحد الذى يمكن معه تطبيق المبدأ ‪.‬‬
‫وقيل فى تفسير ذلك إننا بعد لم نصل إلى مرحلة الشيوعية إنممما‬
‫نحممن فممى مرحلممة التطممبيق الشممتراكى ‪ .‬ومممن أسممباب ذلممك أننمما‬
‫مشغولون بالمعركة الدائرة ضد أعداء الشمميوعية ‪ ،‬وهممذا يسممتوجب‬
‫توجيه جزء من النتاج إلممى إنتمماج حربممى لمنممع العممداء مممن التغلممب‬
‫علينا أو عرقلة خطواتنا ‪ ،‬وهذا يعوق زيادة النتمماج إلممى الحممد الممذى‬
‫يكفى كل احتياجات الناس ويفيض عليها ‪ ،‬بحيث ل يؤثر على عدالة‬
‫التوزيع أن يأخذ كل إنسان منه بقدر ممما يريممد ‪ ،‬ومممن ثممم فممإنه فممى‬
‫مرحلة التطبيق الشتراكى لبد أن تظل الدولة قائمة على التوزيع ‪.‬‬
‫لتعطى كل إنسان نصيبه من النتاج بحسب كمية النتمماج الموجممودة‬
‫بالفعل ‪ ،‬كما تشرف الدولة على النتمماج لتضمممن قيممام كممل إنسممان‬
‫بجهد المطلوب منه ‪.‬‬
‫ولكن حين تتحقق الشيوعية يتحقق ذلك المبدأ فيبذل كل إنسممان‬
‫ما فى طاقته من الجهد من تلقاء نفسه ‪ ،‬ويأخذ ما يحتماج إليمه مممن‬
‫النتاج ‪ ،‬مكتفيا من تلقاء نفسه بل رقيب ‪.‬‬
‫‪ -7‬إلغاء الصراع ‪:‬‬
‫حين تلغى الملكيممة الفرديممة ينتهممى الصممراع ‪ .‬تلممك مممن مقممررات‬
‫المادية الجدلية والتفسير المممادى للتاريممخ ‪ ..‬وقممد اشممرنا إلممى ذلممك‬
‫مرارا ‪ ،‬وما كان بنا من حاجة إلى إفراد هذه النقطممة بالحممديث بعممد‬
‫أن أشممرنا إليهمما عنممد الكلم علممى الملكيممة الفرديممة وموقعهمما مممن‬
‫النظرية الشيوعية ‪ .‬ولكنا نريممد أن نزيممد هنمما فممى هممذه العجالممة أن‬
‫النظرية الشيوعية تتنبأ بحلول هذا العهممد السممعيد الممذى يممزول فيممه‬
‫الصراع نهائيا من حياة البشمرية ويصمبح المجتممع البشمرى مجتمعما‬
‫ملئكيا يسوده الوئام والسملم ‪ ،‬وذلمك حيمن تنتشمر الشميوعية فمى‬
‫أرجاء الرض كلها ‪ ،‬وعنممدئذ يتحقممق الفممردوس المفقممود فممى واقممع‬
‫الرض وتستقر المور فى الرض إلى آخر الزمان ‪.‬‬
‫‪ -8‬إلغاء الحكومة ‪:‬‬
‫مممن تنبممؤات الشمميوعية كممذلك إلغمماء الحكومممة فممى مسممتقبل‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫ونظريتهم فى ذلك أن الحكومممة موجممودة الن لنهمما تممؤدى مهممام‬
‫معينة لبممد مممن أدائهمما فممى المجتمعممات الحاليممة‪ ،‬حممتى المجتمعممات‬
‫الشيوعية ذاتها ) أى الشتراكية باعتبار أننا لم نصل بعد إلى مرحلممة‬
‫الشيوعية الكاملة ( ولكن الحكومة ليست أصل من أصول المجتمممع‬
‫البشرى بحيث تلزمه فى جميع أطواره ‪ .‬وسيأتى اليوم الذى تلغممى‬
‫فيه الحكومة إلغاء تاما يوم تنتهى المهام التى تؤديها ‪.‬‬
‫فحين تعم الشيوعية الرض كلهمما وتصممبح هنمماك حكوميممة عالميممة‬
‫واحدة ‪ ،‬يأتى وقت ل تعود هممذه الحكومممة ذاتهمما لزمممة ‪ ،‬لن مهمممة‬
‫الدفاع عن الشيوعية ستنتهى ‪ ،‬وهى إحدى المهام التى تضطلع بهمما‬
‫الحكومة ‪.‬‬
‫ثم إنه لن يكون هناك صراع يحتمماج إلممى تممدخل الحكومممة بممالقوة‬
‫لحسمه ‪ ،‬فتسقط مهمة أخرى من مهام الحكومة الحالية ‪.‬‬
‫ثم يزيد النتاج فيصل إلى الحد الذى يجد فيه كممل إنسممان طلبتممه‬
‫دون أن يؤثر ذلك على احتياجات الخرين ‪ ،‬فل يعممود هنمماك ممموجب‬
‫لتدخل الحكومة فى التوزيع ‪.‬‬
‫وتكون مشاعر الناس قد ارتفعت بتأثير الحياة فى ظممل التطممبيق‬
‫الشيوعى‪ ،‬فيبذلون غايممة جهممدهم دون حاجممة إلممى رقابممة مفروضممة‬
‫عليهم من خارج ضمائرهم ‪.‬‬
‫وكذلك ل يتنازعون فيما بينهممم – بعممد إلغمماء السممبب الوحيممد فممى‬
‫النزاع والصراع ‪ ،‬وهممو الملكيممة الفرديممة – فيسممتتب ‪ ،‬لمممن تلقائيمما‬
‫نتيجة سيطرة مشاعر المحبة والخاء والتعاون بين الناس ‪.‬‬
‫وهكذا تسقط كل مهام الحكومة الحاضممرة ‪ ..‬فتسممقط إلممى غيممر‬
‫رجعة !‬
‫‪m m m‬‬
‫ذلك عرض موجز لهم المبممادئ والسممس التطبيقيممة الممتى تقمموم‬
‫عليها الشيوعية ‪ ،‬لم نر داعيا إلى التوسع فيممه بعممد ممما توسممعنا فممى‬
‫مناقشة السس الفكرية التى تقوم عليها النظرية ‪ .‬ويتبين من هممذا‬
‫العرض أن الشمميوعية ليسممت مممذهبا اقتصمماديا مجممردا يمكممن نزعممة‬
‫بمفرده وتركيبه فى أى نظام آخر ل يشترك معه فى قاعدة التصور‬
‫‪ .‬فقد تبين من هذه النقاط أنها ل تقتصر على المجممال القتصممادى ‪،‬‬
‫بل تمتد إلى المجال السياسى والجتماعى والدينى والفكرى ‪ ..‬الممخ‬
‫‪.‬‬
‫وبصمرف النظممر عممن قمولهم إن همذه المجمالت كلهما إن همى إل‬
‫انعكاس – حتمى – للوضممع القتصممادى ‪ ،‬وقولنمما إن هممذه المجممالت‬
‫كلها أوجه مختلفممة – ولكنهمما متلزمممة – لموقممف معيممن مممن قضممايا‬
‫اللوهية والكون والحياة والنسان ‪ ،‬فإن الشيوعية – على القولين –‬
‫لممم تكممن ولممن تكممون نظاممما اقتصمماديا بحتمما مقطمموع الصمملة ببقيممة‬
‫المجالت ‪ ،‬إنمما همى نظمام شمامل للقتصماد والسياسمة والجتمماع‬
‫والدين والفكر والفن ‪ ..‬مممترابط كلممه علممى أسمماس تصممور معيممن ‪..‬‬
‫مادى بحت ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫بين النظرية والتطبيق‬


‫نضرب الذكر صفحا عن التناقض بين سخرية الشمميوعيين بممالحق‬
‫والعدل الزليين ‪ ،‬وبين قولهم فممى النظريمة الشميوعية إن اسممتغلل‬
‫إنسان لنسان ظلم ينبغى إزالته ‪ ..‬وبين نفيهم أن هنمماك أصممل ثابتمما‬
‫للكيان البشرى ينبغى أن يرد إليممه ويقمماس بممه ‪ ،‬وقممولهم إن صممورة‬
‫الحياة فى الشيوعية الولى – بكممل ممما تحممويه مممن ملكيممة جماعيممة‬
‫ومساواة ول طبقية وتعاون ‪ ..‬الخ – هى الصل الذى ينبغى أن تعود‬
‫البشرية إليممه ‪ ،‬والممذى تسممعى الشمميوعية الثانيممة إلممى الرجمموع إليممه‬
‫لتعيش البشرية فى سلم !‬
‫نضرب صفحا عن ذلك التناقض لننا قلنا فممى مناقشممتنا للتفسممير‬
‫المادى للتاريخ إنه ليممس مبممادئ حقيقيممة يؤمنممون بهمما عممن اقتنمماع "‬
‫علمى " إنما هى مجرد وسائل لغايمات ‪ ،‬والغايمات همى المطلوبممة ‪،‬‬
‫والدلة تساق سوقا وتحشر إلى جانب بعضها البعممض حشممرا سممواء‬
‫كانت متناسقة مع الغايممات أو غيممر متناسممقة ‪ ..‬ول حممرج عليهممم أن‬
‫تتناقض الدلة ‪ ،‬فإذا كانت الغاية هى القول بأن الوضاع القتصممادية‬
‫هى الفاعلة وليس الحق والعدل قيل ذلممك ‪ ،‬وإذا كممانت الغايممة هممى‬
‫نفى الملكية الفردية بوصممفها نزعممة فطريممة قيممل إنممه ل فطممرة ول‬
‫أصل ثابتا للنسان ‪ ،‬وإذا كانت الغاية تبرير مجممئ الشمميوعية الثانيممة‬
‫قيل إن الشيوعية الولممى تمثممل الصممل الممذى ينبغممى أن تعممود إليممه‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ندع هذا جانبا ل]نه لن يزيد الصفحة سوءا ‪ .‬إنممما نشممير بممادئ ذى‬
‫بدء إلى أن النظرية الشيوعية – والتطبيق كذلك – قممد نقضمما كممل "‬
‫القشرة " السياسية والقتصممادية والجتماعيممة للرأسمممالية ‪ ،‬وأنشممأ‬
‫قشرة مختلفة عنها ‪ " 1‬فيما عدا أمريممن اثنيممن ‪ :‬إقصمماء الممدين عممن‬
‫الحياة ‪ ،‬والفوضى الجنسية ‪ ،‬فقممد رضمميت عنهممما الشمميوعية رضمماء‬
‫تاما وزادت فى جرعتهما حتى نصت على اللحاد نصا فممى الدسممتور‬
‫السوفيتى ‪ ،‬فقالت ‪ " :‬ل إله ‪ .‬والكون مادة " ونصت على الفوضى‬
‫الجنسية نصا ودافعت عنها ‪ . .‬وحين اضممطرت إلممى تممع=ديلهمما فممى‬
‫النظرية على عهد لنين فإنها لم تغير شيئا حقيقيا فى التطبيق ‪.‬‬
‫من هنا نفهم كيف أن الشيوعية خطوة تقدمية إلى المام !‬
‫ونأخذ الن فى الحديث عن التطممبيق الشمميوعى ‪ ،‬وممدى الممتزامه‬
‫بالنظرية من جهة ‪ ،‬ومدى " عدالة " هذا التطبيق من جهة أخرى ‪.‬‬
‫فأما من حيث إلغاء الملكية الفردية فقد تم ذلممك وبصممورة حممادة‬
‫فى المرحلة الولى من التطممبيق علممى عهممد لنيممن وجممزء مممن عهممد‬
‫سممتالين ‪ .‬أممما إحلل الملكيممة الجماعيممة محلهمما فقممد تكشممف عممن‬
‫أسممطورة ضممخمة ليممس لهمما وجممود حقيقممى ! فل أحممد مممن طبقممة‬
‫البروليتاريا يملك شمميئا فممى الحقيقممة أو يحممس بملكيممة شممئ ‪ .‬إنممما‬
‫الدولة – كما نصممت النظريممة – هممى المالممك الحقيقممى لكممل شممئ ‪.‬‬
‫والدولة – عند التطبيق – شئ والشعب شئ آخر ‪ .‬ومهما قيممل مممن‬
‫" نيابة " الدولة عن البروليتاريا فى الملكيممة والشممراف عليهمما فهممو‬
‫مجرد كلم للستهلك النظرى ‪ .‬أما الواقع فهممو أن الدولممة أصممبحت‬
‫كابوسا ثقيل بدكتاتوريتها البشعة الت ل تدع للناس فرص للحساس‬
‫بوجممودهم فضممل عممن أن يحسمموا بممأنهم يملكممون ششمميائ علممى‬
‫الطلق !‬
‫فجو الرهاب المدائم المذى تمارسمه الدولمة علمى الشمعب بحجمة‬
‫المحافظة على النظام من أعدائه ‪ ،‬وجو الجاسوسممية الممذى يعيممش‬
‫قلنا من قبل إن الختلف بين الرأسمالية والشيوعية هو اختلف فى القشرة وليس فى الجوهر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫فيه الشعب إلى حد أن الوالد ل يأمن ولده ول الممزوج يممأمن زوجتممه‬
‫ول الخ يممأمن أخمماه – ضمممانا أل يجتمممع اثنممان علممى سممر خشممية أن‬
‫يكون السر مؤامرة علممى " النظممام " – هممذا الجممو الممذى يمكممن أن‬
‫يؤخذ فيه النسان بالظنة فيحاكم ويحكم عليه بالعدام أو العتقممال‬
‫فى ثلوج سيبيريا أو بأى عقوبة أخرى " رادعة " ‪.‬ز هو جو ل يسمممح‬
‫بوجود " التعمماطف " بيممن الشممعب والدولممة ‪ ،‬ذلممك التعمماطف الممذى‬
‫يحس فيممه أن الدولممة نائبممة عنممه فممى الملكيممة والشممراف عليهمما ‪..‬‬
‫فالنيابة ل تكون بالحديممد والنممار والتجسممس ‪ ..‬إنممما يخضممع الشممعب‬
‫للدولة بعامل الرهاب المسلط عليه ‪ ،‬ويفقد فى النهايممة أى شممعور‬
‫بملكية شئ على الطلق ! ول يبقى له إل شعوره بالحرمان !‬
‫ول ينسى المصريون ما شهدوه فى أسمموان أيممام كممان " الخممبراء‬
‫الروس " يعملون فى السممد العممالى ‪ ،‬فقممد كممانوا يعيشممون بطبيعممة‬
‫الحال فى جو مختلف عن النظام الممذى ألفمموه فممى روسمميا ‪ .‬فكممان‬
‫أشد ما عجبت لممه زوجممات أولئك " الخممبراء " أن الشممراء حممر فممى‬
‫السواق ‪ ،‬وأن النسان يستطيع أن يشترى بقدر ما يريممد ‪ ،‬أو بقممدر‬
‫ما تتسع نقوده ‪ ..‬فكن يذهبن إلى بائعى الخضممر والفممواكه فيسممألن‬
‫فى عجب ‪ :‬هل نستطيع ‪ 7‬أن نأخذ بقدر ما نريد ؟! فإذا قيل لهممن ‪:‬‬
‫نعم ! لم يصدقن ! حتى وجدن بالممارسة الفعليممة أن ذلممك ممكممن‬
‫بالفعل !‬
‫وليسممت المسممألة هممى العجممب مممن اختلف النظممام ‪ ،‬فهممذا أمممر‬
‫طمبيعى وكمل إنسمان يفاجممأ بنظممام يختلممف عمما ألفممه وتعمود عليمه‬
‫سيعجب فى بادئ المر حتى يألف ‪ .‬ولكن المسألة هى اللهفة على‬
‫الشراء ‪ ،‬ودللته على مدى الحساس بالحرمان ‪ ،‬والفرحة الغممامرة‬
‫بالتخلص مممن هممذا الحرمممان ولممو إلممى أمممد محممدود ! وتكفممى هممذه‬
‫التجربة الواقعيممة للكشممف عممن حقممائق كممثيرة فممى آن واحممد ‪ ،‬عممن‬
‫الملكية الفردية والملكية الجماعية ‪ ..‬وعن النظام !‬
‫على أن الذى يعنينا هنا ليممس هممو البحممث فممى مممدى تحقممق تلممك‬
‫السطورة التى يطلق عليها اسم " الملكية الجماعية " حيممن تكممون‬
‫الدولة هى المالك الحقيقى ويكون الشعب كله محروما من الملكية‬
‫! إنما الذى يعنينا أكثر همو السممطورة الممتى تقممول إن تلممك الملكيممة‬
‫الجماعية المزعومة يمكن أن تحل محل الملكية الفردية ‪،‬‬
‫لقد زعمت النظرية الشيوعية أن الصل فى النسان هو الملكيممة‬
‫الجماعيمة ‪ ،‬وأن الملكيمة الفرديمة همى انحممراف شممرير وقعممت فيمه‬
‫البشرية بعد اكتشاف الزراعة ‪ ،‬وأن الشيوعية الثانية سارد النسان‬
‫إلممى أصممله " فيسممتمع " بالملكيممة الجماعيممة ‪ ،‬ويشممفى مممن هممذا‬
‫النحراف الخطير الذى أفسد إنسانيته وأشاع الظلممم فممى المجتمممع‬
‫البشرى لقرون عديدة من الزمان !‬
‫ثم فرضت " الدولة " المر فرضا بالحديد والنار ‪..‬‬
‫فهل شفيت النفوس من الداء وسلمت مممن النحممراف ‪ ،‬وارتممدت‬
‫إلى أصلها الملئكى المزعوم ؟!‬
‫إن الذى حدث بالفعل – وأشممرنا إليممه مممن قبممل – أن " النظممام "‬
‫تراجع فى عهد ستالين ثم فى عهد خروشوف عدة تراجعات ‪.‬‬
‫ففى المرحلة الثانية من عهد ستالين كان " النظام " فممى حاجممة‬
‫إلى زيادة النتاج ‪ ،‬ومن ثم أعلن ستالين أنه من أراد مممن العمممال –‬
‫بعد وحدة العمل الجبارية الولممى – أن يقمموم بوحممدة ثانيممة إضممافية‬
‫فسمميكون لممه عليهمما أجممر إضممافى يسممتطيع بممه أن يحسممن أحممواله‬
‫المعيشممية فيشممترى أنواعمما مممن الطعممام أفخممر ‪ ،‬أو كميممات اكممبر ‪،‬‬
‫وأنواعا من الملبس أرقى مما توفره وحدة العمل الجبارية ‪.‬‬
‫وموضوع الدللة أن الدولة حين احتاجت إلى زيادة النتاج لم تجد‬
‫وسيلة إليه إل إثارة الحافز الفردى واللتجاء إليه ‪ .‬ولو كانت تممرى –‬
‫أو تعتقد فى دخيلة نفسها – أنممه يمكممن زيممادة النتمماج دون اللتجمماء‬
‫للحافز الفردى لفعلت ‪ ،‬خاصة وهى تملك الحديد والنار وتستخدمها‬
‫– بإسراف – فى جميع المجالت ‪ ،‬ذلك أن اللتجاء للحممافز الفممردى‬
‫– أيا تكن مبرراته التى تلقى أمام الناس – هو تراجع عن أصل مممن‬
‫أصول النظرية ‪ ،‬وهو الصل القائل بأن الملكية الفردية ليست شيئا‬
‫فطريا وأن الصل فى الناس هو الملكية الجماعية !‬
‫موضع الدللة إذن أن كل بطش الدولة لم يستطع أن " يشممفى "‬
‫الناس من الحافز الفردى ويضع الحممافز الجممماعى مكممانه ‪ .‬ومعنممى‬
‫ذلك أن الحافز الفردى – الوثيق الصمملة بالملكيممة الفرديممة – عميممق‬
‫عميق فى الفطرة إلى حد ل يمكممن انممتزاعه ‪ ،‬ولممو اسممتخدمت فممى‬
‫انتزاعه كل وسائل البطش والرهاب ‪.‬‬
‫ثم حدث فى فترة حكم خروشمموف أن تزايممد نقصممان المحاصمميل‬
‫الزراعية ) وكان هذا التناقص قد بدأ فى عهد ستالين ذاته ولكنه لم‬
‫يكن محسوسا بالصورة الى ظهر عليها أيممام خروشمموف ( حممتى إن‬
‫روسيا بدأت تستورد القمح من أمريكا بكميات متزايدة ‪ .‬وكان علج‬
‫خروشوف للمر هو تمليك الفلحين جزءا من المحصول لنفسممهم ‪.‬‬
‫وتمليكهم الدار التى يسكنونها وما تحويه مممن الثمماث والدوات وممما‬
‫يمكن أن يشتروه لنفسهم من هذه الشياء ‪.‬‬
‫وهو تراجع صريح عن مبادئ الشمميوعية ‪ ،‬دللتممه واضممحة ‪ ..‬وهممى‬
‫أن الملكية الجماعية لممم تسممتطع – بكممل وسممائل القهممر – أن تحممل‬
‫محممل الملكيممة الفرديممة ‪ ..‬وإن العلج الوحيممد الممذى يضممطرون إليممه‬
‫جولة بعد جولة هو الذعان لهذا الممدافع الفطممرى الممذى نفمموا – فممى‬
‫النظرية – وجوده ‪ ،‬وجالوا بكل أنواع الجدل ليثبتمموا أنممه غيممر أصمميل‬
‫فى النفس البشرية ‪ ،‬وأنه " مرض " يمكن " الشفاء " منه !‬
‫والتجربة التى تمت – فى العالم لشيوعى ذاته وعلممى يممد الدولممة‬
‫الشيوعية ذاتها – تغنينا عن اللتفات إلممى كممل الجممدل الفممارغ الممذى‬
‫يجادل به الشيوعيون فى أمر الملكية الفردية والحافز الفردى ‪.‬‬
‫إما إنشاء مجتمع غير طبقى ‪ ،‬وإلغاء جميع الطبقات ماعدا طبقممة‬
‫البروليتاريا ‪ ،‬وإقامة دكتاتورية البروليتاريمما ‪ ..‬فقممد اختلممف التطممبيق‬
‫فيها اختلفا واسعا عن النظرية !‬
‫ولسنا نتحدث هنا عن " محاسن " إنشاء مجتمع غير طبقممى ‪ ،‬ول‬
‫كون هممذا المممر واجبمما أو غيممر واجممب ممكنمما أو غيممر ممكممن ‪ 1‬إنممما‬
‫نتحدث عن الواقع التطبيقى لنرى مقدار قربه أو بعممده عممن الشممئ‬
‫الذى قالوا إنه واجب أن يكون ‪.‬‬
‫لقد زالت طبقة القطاعيين نعممم ‪ ،‬وحممال تطممبيق الشمميوعية فممى‬
‫الدولتين الشمميوعيتين الكبيريممتين دون ظهممور الطبقممة الرأسمممالية ‪،‬‬
‫وما كان منها موجودا فى الممدول الخممرى الممتى اعتنقممت الشمميوعية‬
‫فقد أزيل إما بنزع الملكية الفردية وإما بالبادة الثورية ‪..‬‬
‫ولكن ما الذى حدث بعد ذلك ؟!‬
‫الممذى حممدث بالفعممل أن " طبقممة " جديممدة بكممل تعريممف الطبقممة‬
‫ومواصفاتها قممد بممرزت فممى المجتمممع الشمميوعى تحممت اسممم جديممد‬
‫بالمرة هو " الحزب " !‬
‫والفمارق بيمن أفمراد الحممزب – بممدرجاته المختلفمة – وبيمن أفمراد‬
‫الشعب هو ذات الفارق بين أية طبقة كانت مالكة وحاكمة من قبممل‬
‫وبين الشعب ! فممأدنى درجممات الحممزب – وهممى العضمموية العاديممة –‬
‫تنشئ لتوها فارقا ضخما فممى كممل شممئون الحيمماة ‪ ،‬وليسممت العممبرة‬
‫بوجود الملكية الفردية أو عدم وجودها ‪ ،‬فلم يكممن منشممأة الطبقيممة‬
‫فى المجتمعات الطبقية هو مجرد وجود الملكية الفرديممة كممما زعممم‬
‫التفسير الجاهلى للتاريخ ‪ ،‬إنممما كممان ممما يممترتب علممى الملكيممة مممن‬

‫نقول نحن إنه ممكن فى حالة واحدة فقط ‪ ،‬حين ينزع حق التشريع من البشر ويتحاكمون كلهم إلى شريعة الله ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫فعندئذ ل يكون لحد من البشر سلطة تشريعية يتمكن بها من رعاية مصالحه ومصالح طبقته على حساب بقية‬
‫الطبقات ‪ ،‬ول يهم فى هذه الحالة تفاوت الناس فى ثرواتهم لن هذا التفاوت يظل أمرا فرديا ل طبقيا ‪ .‬ول يتجاوز‬
‫حظ كل إنسان من " المتاع " فى الحياة الدنيا ‪ ..‬ولنا عود إلى الموضوع عند الحديث عن نظرة السلم ‪.‬‬
‫سلطان ونفوذ ‪ ،‬انطلقا من مبدأ أن الذى يملممك هممو الممذى يحكممم ‪،‬‬
‫أى أن الطبقية فى الواقع – وإن نبعت فى المجتمعات الجاهلية من‬
‫الملكيممة الفرديممة كممما يقممول التفسممير المممادى – إنممما هممى طبقيممة‬
‫السلطان والنفوذ ‪ ،‬التى تنبع من قدرة هذه الطبقممة علممى التشممريع‬
‫لحساب نفسها وإلزام الخرين بالخضوع لهذا التشريع ‪.‬‬
‫وقممد ألغيممت الملكيممة الفرديممة مممن المجتمممع الشمميوعى ‪ ،‬ولكممن‬
‫السلطان والنفوذ الذى تركز فى " الحممزب " قممد جعممل منممه طبقممة‬
‫متميزة ‪ ،‬لها كل سمات الطبقة ومميزاتها سواء فى نمموع المعيشممة‬
‫– أى المتاع – أو فى النفوذ والسلطان ‪.‬‬
‫فمع أن العنوان العام فى الشيوعية أنه ل أحد يملك شمميئا ملكيممة‬
‫فردية فإن هناك فارقا – ل شك – بين أن تكون أنت وأفراد أسممرتك‬
‫جميعا تسكنون فى غرفة واحدة فى مسممكن شممعبى بممدورات ميمماه‬
‫مشتركة ) وغالبا ما تكون بل أبواب ! ( وبين أن تكون سمماكنا فممى "‬
‫فيل " خاصة أو فى شقة كاملة فممى عمممارة ‪ ،‬حممتى ولممو كنممت غيممر‬
‫مالك للشقة أو ما فى داخلها من الثاث ملكية فردية !‬
‫هناك فارق فى نوع المتاع ودرجتممه ‪،‬وفمارق فممى مشماعرك حيمن‬
‫تكون هنا وحين تكون هناك ‪.‬‬
‫ولست أناقش هنا شرعية هذا المتاع أو عدم شرعيته ‪ ،‬إنما أقول‬
‫فقط إنه فى النظرية الشيوعية غير جممائز وغيممر شممرعى ‪ ،‬أممما فممى‬
‫التطبيق فهو موجود ‪ ،‬ويتسع الفارق كلما صممعد النسممان الممدرجات‬
‫‪،‬فى " الحزب " حتى يصبح عضوا فى اللجنة التنفيذية العليا أو مممن‬
‫العضاء البارزين فى الحزب ‪ ،‬فينقلب نعيمه ترفا ما كان يحلمن به‬
‫بعض القياصرة فى زمانهم ! والشممعب فممى " أكممواخه " العصممرية ‪،‬‬
‫السرة كلها فى غرفة واحدة تجمع الم والب والطفال بنين وبنات‬
‫ما ودون سن التكليممف ‪ ،‬وتجممرى فيهمما العلقممات الزوجيممة بيممن الم‬
‫والب – بححم المر الواقع – فى حضرة البنيممن والبنممات ‪ ،‬البممالغين‬
‫وغير البالغين !‬
‫وليس فارق المتمماع علممى أى حممال هممو الفممارق الهممم أو الفممارق‬
‫الوحيد ‪ ،‬إنما المهم فارق السلطان ‪.‬‬
‫إن مجرد انتقال النسان من كونه فردا مممن أفممراد الشممعب إلممى‬
‫كونه عضوا فى الحزب ‪ ،‬ينتقله من " شئ ‪ :‬ل وجممود لممه إلممى شممئ‬
‫آخر له وجود ملموس ‪ ،‬سواء فى نظر نفسه أو فمى نظمر المجتممع‬
‫من حوله ‪ ،‬لنه ينقله من طبقة المحكومين إلى طبقة الحكام الذين‬
‫يسيطرون على كل شئ فى المجتمع الشيوعى ‪ ،،‬حتى لو كان هممو‬
‫فى أسفل طبقة أولئك الحكام ‪.‬‬
‫إن تركيز النفوذ فممى " الحممزب " و " الدولممة " و " الزعيممم " هممو‬
‫الذى ينشئ ذلك الفممارق الضممخم بيممن " اللشمميئية " و " الشمميئية "‬
‫فى المجتمع الشيوعى ‪ ..‬ولذلك يصممبح أكممبر مطمممح للفممرد العممادى‬
‫فى المجتمع الشمميوعى أن يضممع قممدمه – مجممرد وضممع – ولممو علممى‬
‫أدنى درجة من درجات ذلك البناء الشاهق الممذى يمثممل السمملطان ‪،‬‬
‫فيتغير وجوده كله ‪ ،‬بل يصبح فى الحقيقة موجودا بعد أن لممم يكممن‬
‫له وجود ‪.‬‬
‫وسبيله إلى هذه النقلة الضممخمة الممتى يتشممهاها كممل طامممح إلممى‬
‫الوجود ل يخرج عن امر من ثلثة أمور ‪ ،‬أشرفها جميعا – وأنممدرها –‬
‫القيام بعمل غير عادى فى خدمة " الوطن " أما السممبيل الميسممرة‬
‫والمعتادة فهى الملق للحزب وللدولة وللزعيم ن والظهممور بمظهممر‬
‫التفانى فى حبهممم جميعمما ! أو التطمموع بالجاسوسممية وإلقمماء الشممبه‬
‫على البرياء تقرباب للسطان وإظهار للولء !‬
‫‪m m m‬‬

‫أما دكتاتوريممة البروليتاريمما فهممى شممئ بشممع إلممى أقصممى درجممات‬


‫البشاعة الممتى يتخيلهمما الخيممال ‪ .‬وبممالرغم مممن كممل المممبررات الممتى‬
‫تساق لتبرير النظام البوليسى القائم على الحديد والنار والتجسممس‬
‫فسممتبقى حقيقممة واحممدة ل سممبيل إلممى محوهمما ول إنكارهمما ‪ ،‬أن‬
‫الدكتاتورية القائمة ليست – كممما زعممموا – دكتاتوريممة البروليتاريمما ‪،‬‬
‫إنما هى الدكتاتورية الواقعة على البروليتاريا ‪.‬‬
‫إنه حجم الشممعب الروسممى – علممى وجممه التقريممب – هممو مائتممان‬
‫وخمسون مليونمما مممن البشممر والحممزب الشمميوعى يكممون منممه سممتة‬
‫مليين ‪ ،‬ستة مليين من المحظوظين – على درجممات مختلفممة مممن‬
‫الحظ فى وسط هذا الخضم الهائل من القطع الدميممة الممتى ل وزن‬
‫لها ول كيان ‪ .‬عملهمما أن تنتممج كاللممة ثممم تغممرق فممى حممماة الجنممس‬
‫كالحيوان ‪ ،‬وليس لها بين هذا وذاك قلوب ول مشاعر ول وجود ‪.‬‬
‫فممى الوضممع السياسممى هممم أولئك الصممفار الممذين ل يقممدمون ول‬
‫يؤخرون ول يقام لهم وزن ‪ .‬ول عبرة بمسرحية النتخابات ول بقول‬
‫الشيوعيين عن أنفسهم إنهم هم " الديمقراطية " الحقيقية !‬
‫ولسنا ندافع عممن المسممرحية الخممرى القائمممة فممى الديمقراطيممة‬
‫الليبرالية الرأسمالية ‪ ،‬فقد سبق أن عرضناها على حقيقتها ‪ ،‬ولكنها‬
‫تحمل على القل تقممدير " مظهممر " الحريممة و " مظهممر " الختيممار ‪،‬‬
‫وإن كانت الغالبية العظمى ممن يصلون إلى المجالس النيابيممة هممم‬
‫– كما بينا – أدوات الرأسمالية الحاكمة ‪ ،‬ول تستطيع هذه المجالس‬
‫‪ ،‬مهما قيل فيها من " كلم " أن تتخذ قرارا ضد المصالح الحقيقيممة‬
‫للرأسمالية الحاكمة ‪.‬‬
‫أما حين يكون الناس كلهم حزبا واحدا – بأمر الدولة – هممو حممزب‬
‫الدولة ‪ ،‬فإن المسرية تفقد حممتى ذلمك المظهممر المزيممف ‪ ،‬وتصممبح‬
‫سخرية ضخمة ل متعة فيها على الطلق !‬
‫ما الفرق بين أن تنتخب هذا الصفر أ هذا الصفر أو ذاك الصممفر ‪،‬‬
‫إذا كانوا كلهم أصفارا من جهة ‪ ،‬وكلهم يمثلممون وجهممة نظممر واحممدة‬
‫من جهة أخرى ‪ ،‬وكلهممم ل يملكممون الكلم إل بممإذن الدولممة وبالقممدر‬
‫الذى تأذن به الدولة من جهة ثالثة ؟!‬
‫إن المسممرحية كلهمما واحممدة ‪ ..‬نعممم ! ولكنممك ربممما تكممون علممى‬
‫استعداد لمشمماهدة المسممرحية والتلهممى بهمما حيممن يكممون الممثلممون‬
‫يؤدون دورهم المرسوم لهم وكأنهم يؤدونه من عنممد أنفسممهم ‪ ،‬أممما‬
‫حين تسمع صوت الملقن واضحا يملى على المثممل أقممواله وأفعمماله‬
‫فل شك أن المسرحية تكون فى حسممك سمممجة وغيممر مستسمماغة ‪،‬‬
‫وإن كتب عنها فى لوحة العلن أنها مسرحية الديمقراطية الحقيقة‬
‫!‬
‫وفى الوضمع القتصمادى همم أولئك الكممادحون ‪ ..‬كمانوا ومممازالو‪..‬‬
‫الذين يقومون بأشق الجهد وينالون أقل الجزاء ‪ ،‬ويستمتع غيرهم "‬
‫بفائق القيمة " لنهم أصحاب نفوذ وأصحاب سمملطان ! وليممس مممن‬
‫الضرورى أن يكون " فممائض القيمممة " نقممودا توضممع فممى الجيمموب ‪،‬‬
‫فغياب المظهر ل ينبغممى أن يخممدعنا عممن حقيقممة الجمموهر ‪ .‬ففممائض‬
‫القيمة هنا هو المتاع المموفر – بصمرف النظمر عمن الملكيمة – وهمو‬
‫السلطان والنفوذ !‬
‫حين يمرض الفرد من البروليتاريا يعالج بالدوية المحليممة ‪ ،‬وحيممن‬
‫يمرض الفمرد مممن الحممزب الحماكم يعالمج بالممدواء الجنمبى ! وحيمن‬
‫ينتقل الفرد من البروليتاريا يتنقل فى المركبة العامة التى ل تراعى‬
‫فيها أسباب الراحة ‪ ،‬بينما عضو الحزب يتنقل فى السيارة الخاصممة‬
‫– ولو لم يملكهمما ! – فممإن كممان عضمموا " كممبيرا " فممى الحممزب فلممه‬
‫السيارات الجنبيممة المريحممة المكيفممة ‪ ..‬وهممذا غيممر المسممكن الممذى‬
‫أشرنا إليه من قبل وغير صنوف الطعام ‪..‬‬
‫ممما الفممرق بيممن هممذا وبيممن التمتممع بفممائض القيمممة فممى المجتمممع‬
‫الطبقى الذى كانوا – ومازالوا – ينددون به ؟!‬
‫وفى الوضع الجتماعى هم أولئك الحجار المتراصة التى يبنى بها‬
‫البناء ليسكنه السكان ! السكان هم الحزب بدرجاته المختلفممة مممن‬
‫أول العضو العادى إلممى " الزعيممم " والبروليتاريمما مجممرد بنمماء مقممام‬
‫ليسكن فيه هؤلء ! هممل يحممس الحجممر مممن السمماكن ؟ أو يهمممه أن‬
‫يعرف ؟ أو يتغير وضعه بتغير السكان ؟!‬
‫كل ! إنهم أحجار !‬
‫على أن أبشع ما فى الوضع كله هو الرهاب البوليسى الذى يقممع‬
‫الشعب كله تحت وطأته ‪.‬‬
‫منذ الذى يجرؤ أن يقول كلمة واحدة فى نقد الحاكم ؟ سواء فى‬
‫سره أو فى العلنية ؟ أما فى العلنية فل يلممومن إل نفسممه إذا وجممد‬
‫رأسمه طمائرا عمن عنقمه ‪ ،‬ول يوجمد شمخص " عاقمل " يصمنع ذلمك‬
‫الصنيع !‬
‫وأما فى سره فالجاسوسية تكشف النقاب عنه ‪ ..‬ومجرد الخوف‬
‫من الجاسوسية يرهب القلوب ويكمم الفواه‪..‬‬
‫ومع ذلك كله تظهر بين الحيممن والحيممن فممى كممل نظممام شمميوعى‬
‫حركات التطهير التى يذهب ضحيتها المئات واللوف ‪.‬‬
‫وهذه " النكتة " من عهد خروشوف كافية لعطاء صورة الرهاب‬
‫‪ ..‬فى المؤتمر العشرين للحممزب الشمميوعى وقممف خروشمموف ينممدد‬
‫بستالين ن ويقول عنه إنه دكتاتور سفاح مجرم سممافل دنممئ ! وإنممه‬
‫غلطة ل ينبغممى أن تتكممرر ‪ ..‬وإنممه ارتكممب مممن الجممرائم البشممعة ممما‬
‫تقشعر له البدان ‪..‬‬
‫وقرأ خروشف الورقة – وكان حاضر البديهة حاضر النكتة – فقال‬
‫‪ :‬من الذى أرسل إلى هذه الورقة ؟! وبالطبع لم يجب أحد ! فقممال‬
‫خروشوف ‪ :‬الن قد عرفت السممبب ! لقممد كنممت خائفمما مثلممك فلممم‬
‫أنبس ببنت شفة !‬
‫وكون هذه نكتة ل يغير شيئا من الحقيقممة ‪ ،‬ول يخفممف شمميئا مممن‬
‫بشاعة الرهاب ‪ ..‬فهى نكتة ذات دللة على الواقع المرهوب ‪.‬‬
‫والمهم على أى حال أنهمما ليسممت " دكتاتوريممة البروليتاريمما " كممما‬
‫كانوا يزعمون فى النظرية ‪ ،‬إنما هى الدكتاتورية التى تعانى غصممتها‬
‫البروليتاريا المسحوقة تحت القممدام ‪ ،‬إنممما كممانت أسممطورة تمليممك‬
‫المصانع للعمال ‪ ،‬وأسطورة منممح السملطة للعمممل مجممرد إغممراءات‬
‫دعائية يقبل الناس على الفخ المنصوب !‬
‫‪m m m‬‬
‫أما كفالة الدولة لك ل فرد من أفراد المجتمع فهى الشئ الوحيد‬
‫الممذى بممرزت بممه الشمميوعية فممى عممالم الواقممع علممى كممل جاهليممات‬
‫التاريخ ‪.‬‬
‫ل يوجد فرد ل يأكل ول يلبس ول يسكن من كل أفممراد الشممعب ‪.‬‬
‫وهممذا هممو الممواجب الممذى نكلممت عنممه الدولممة القطاعيممة والدولممة‬
‫الرأسمالية على السواء ‪ ،‬وإذا كانت الدولة الرأسمالية الحديثممة قممد‬
‫اقممتربت مممن أداء هممذا الممواجب شمميئا مممن القممتراب بالضمممانات‬
‫الجتماعية والعانات التى تصرف للمتعطليممن مممن نقابمماتهم أو مممن‬
‫الدولة ‪ ،‬وبالرعاية الصحية المجانية ‪ ،‬وبالخدمات المجانية العامممة ‪..‬‬
‫الخ ‪ ،‬فإنها لم تبلغ بعد الحممد الممذى الممتزمت بممه الدولممة الشمميوعية ‪،‬‬
‫فضل عن كونها قد فعلت ما فعلت ل بممدافع إنسممانى ‪ ،‬ولكممن خوفمما‬
‫من الشيوعية ‪ ،‬فضل عن كونها فعلت ما فعلممت ل بممدافع إنسممانى ‪،‬‬
‫ولكن خوفا من الشيوعية من جهة ‪ ،‬وخوفا من الضرر الذى يلحقهمما‬
‫إذا لم تستجب لطلبات العمال المطالبين بهذه الحقوق ‪.‬‬
‫ولكن لنا على هذه الكفالة مجموعة من الملحظات ‪ .‬إذا قسناها‬
‫على الكفالة التى قررها السلم لكل فرد من أفراد المة قبل ذلمك‬
‫بثلثة عشر قرنا من الزمان !‬
‫تكفل الدولة الشيوعية أفرادها على الحممد الدنممى الممذى وصممفناه‬
‫من قبل ‪ ،‬ومع ذلك ل تكفلهم وهممم كرممماء علممى أنفسممهم ول علممى‬
‫دولتهممم ! ول نتحممدث الن عممن تكليفهممم بالعمممل – رجممال ونسمماء –‬
‫مقابل كفالتهم ‪ ،‬أى أن الدولة ل تتفضل عليهم بالكفالة ‪ ،‬إنممما هممى‬
‫تجندهم لحسابها ‪ ،‬وتستصفى جهدهم كله قبل أن تعطيهم ضرورات‬
‫حياتهم ‪ ،‬وتهددهم تهديدا صريحا بقوله ‪ ،‬من ل يعمل ل يأكل ‪..‬‬
‫ل نتحدث الن عن هذا ‪ ،‬فالعمممل علممى أى حممال هممو الصممل فممى‬
‫حياة النسان وليست البطالة هى الصل ‪ ..‬ولكنمما نقممول إن الدولممة‬
‫الشيوعية بإلغائها الملكية الفردية والعمل الحر ‪ ،‬وتحويل كل الناس‬
‫إلى إجممراء للدولممة ‪ ،‬إنممما تسممتذلهم فممى الواقممع بلقمممة الخممبر ‪ ،‬فل‬
‫يملكون أن يتوجهوا بكلمة نقد واحممدة للقممائمين بممالمر خوفمما علممى‬
‫لقمممة الخممبز أن تضمميع ‪ ..‬وذلممك بخلف الرهمماب بالحديممد والنممار‬
‫والتجسس ‪ ،‬الذى يزيممد مممن مذلممة النمماس وانكماشممهم وخضمموعهم‬
‫للظلم الواقع عليهم ‪ ،‬دون التفوه بكلمة أو إشارة تممدل علممى عممدم‬
‫الرتياح فضل عن الحتجاج الصريح ‪.‬‬
‫ولقممد زعمممت الشمميوعية أن الممذل الوحيممد فممى الرض هممو عمممل‬
‫النسان أجيرا لنسان آخر ‪ ،‬وزعمت أنها هى التى سممتخلص النمماس‬
‫من الظلممم … وتمنممع السممتغلل ‪ ،‬حيممن تمنممع تممأجير جهممد النسممان‬
‫لنسان آخر ‪.‬‬
‫نعم ‪ ..‬ولكن ما الفممرق بيممن تممأجير جهممد النسممان لنسممان آخممر ‪،‬‬
‫وتممأجيره " للدولممة " الممتى هممى شممخص معنمموى فممى الكلم فقممط ‪،‬‬
‫ولكنها فى الواقع مجموعة مممن البشممر يحملممون مممن السمملطان ممما‬
‫يجممبرون بممه النمماس علممى أداء العمممل الممذى يطلبممونه نهممم ‪ ،‬وممما‬
‫يعاقبونهم به إذا قصروا فى أدائه ؟ وأيهما أذل – فى عالم الواقممع –‬
‫الجير الذى يملك ولو ذرة واحدة من الحرية فى اختيار نوع العمممل‬
‫ومكانه ‪ ،‬واختيار شخص " السيد " الذى يبيع له جهده ‪ ،‬والمساومة‬
‫على زيادة هذا الجر ‪ ،‬والحتجاج علممى انخفاضممه إذا رأه كممذلك ‪ ،‬أو‬
‫الجير الذى ل يملك ذرة من الحرية فى تلك المور كلها ‪ ،‬ل اختيممار‬
‫نوع العمممل ول مكممانه ‪ ،‬ول اختيممار " السمميد " الممذى يخممدمه – فهممو‬
‫مفممروض عليممه بالحديممد والنممار – ول حممق الحتجمماج علممى الجممر‬
‫المنخفض ول طلب زيادته ‪ ..‬وإن فتح فمه بكلمة يموت جوعمما ‪ ،‬إن‬
‫لم يمت بوسيلة أخرى غير الجوع ؟!‬
‫وأية سفسطة تلك التى تقول إن الذل ل يكون قائما حين تحكون‬
‫" الدولة " هى التى تسخر الناس للعمل وهى التى تمنح الجممور ؟!‬
‫ما تعريف الذل ؟! وما اسم ذلمك الحسماس المذى يحسمه النسمان‬
‫حين يجد أنه ل يملك حريته فى أى أمر من المور ‪ ،‬وأن عليه أوامر‬
‫ينبغى أن يطيعها ‪ ،‬وواجبات ينبغى أن يؤديها ‪ ،‬دون أن يكون له حق‬
‫العتراض على شئ من الشياء ؟!‬
‫أم يحلونه عاما ويحرمونه عاما ؟!‬
‫يحلونه إذا كان صادرا منهممم ومحققمما لمصمملحتهم ‪ ،‬ويحرمممونه إذا‬
‫صدر من غيرهم أو لم يكن فى صالحهم ؟‬
‫‪m m m‬‬

‫قضية المساواة فممى الجممور ل تزيممد علممى أن تكممون واحممدة مممن‬


‫الساطير الكثيرة التى بددها التطبيق ‪.‬‬
‫فممى عهممد لنيممن والجممزء الول مممن عهممد سممتالين طبقممت روسمميا‬
‫بصممرامة مبممدأ المسمماواة فممى الجممور لجميممع العمممال فممى التحمماد‬
‫السوفيتى ‪ .‬ولكن هل كانت هناك مساواة عامة فى الجور بالنسمبة‬
‫لكل العاملين ؟‬
‫هممل كممان أجممر المهنممدس كممأجر العامممل ؟ وأجممر الطممبيب كممأجر‬
‫الممرض ؟ وأجر الجندى كأجر الضابط ؟‬
‫إن هذا بداهة مستحيل !‬
‫ومع استحالته فقممد ظلممت النظريممة الشمميوعية تنافممح عممن قضممية‬
‫المساواة وتندد بقضية التفاوت فى الرزاق ؟‬
‫ثم جاء اليوم الذى انهارت فيه المساواة حتى فى صفوف العمال‬
‫أنفسممهم ‪ ،‬بعممد أن كممانت منهممارة ممما بيممن العمممال وغيرهممم مممن‬
‫العاملين ‪ .‬فقد لجأ ستالين – كما أسمملفنا – إلممى إباحممة العمممل بعممد‬
‫الوحدة الجبارية الولى لقاء أجر إضافى ينفق فى " الكماليات " ‪..‬‬
‫وهكذا ضاعت المساواة تماما ولم يعد لها وجود !‬
‫ويقولون إن هناك أجور عالية جدا فى التحاد السوفيتى ‪.‬‬
‫وقد تحسب لول وهلة أنها أجور المهندسين ‪ ..‬أو علماء الممذرة ‪..‬‬
‫أو علماء الصواريخ ‪ ..‬أو الطباء )وكلهم من ذوى الجور العالية فممى‬
‫التحاد السوفيتى ( ولكنك تسمع الحقيقة المذهلة فى النهاية ! إنهمما‬
‫أجور المطربين والمطربات والراقصين والراقصات والملهين عاممة‬
‫والملهيات !‬
‫الجر على قدر الخدمة !‬
‫هل تعلم الخدمة الجليلة التى يقمموم بهمما المطربممون والمطربممات‬
‫والراقصممممون والراقصممممات والممثلممممون الممثلت فممممى اتحمممماد‬
‫السوفييتات ؟!‬
‫نعممم !! إنهمما " تلهيممة " الشممعب عممن الحسمماس بالضممغط البشممع‬
‫الواقع عليه ‪ ..‬لكى ينسى ‪ ..‬لكى ل ينفجر!‬
‫إن الضغط على الكائن البشرى من جميع منافذه أمممر غايممة فممى‬
‫الخطورة ! لنه يولد النفجار ‪..‬‬
‫ودكتاتوريمممة البروليتاريممما ل تسمممتغنى عمممن الضمممغط السياسمممى‬
‫والقتصادى والجتماعى والفكرى الممذى تمارسممه علممى البروليتاريمما‬
‫) التى تحكم باسمها ! ( وإل أفلت الزمام ‪ ،‬وتزلزلت الدولة وتزلزل‬
‫" النظام "!‬
‫فلبممد إذن مممن التنفيممس عممن النمماس فممى جممانب مممن الجمموانب‬
‫ليتسرب الغضب المكظوم قبل أن يكون التجمع الذى يولد النفجار‬
‫‪.‬‬
‫والمتنفس هو الشهوات ‪ ..‬والملهيات ‪..‬‬
‫فأما الجنس فيمارسه الناس لنفسهم أنى شاءوا وكيفممما شمماءوا‬
‫ل حجر عليهم ول تدخل فى " إرادتهم "!‬
‫وأممما التلهيممة فيقمموم بهمما الملهممون مممن المطربيممن والراقصممين‬
‫والممثلين من الرجال والنسمماء ‪ ..‬فينممالون " تقممدير " الدولممة علممى‬
‫خدمتهم الهائلة ‪ ،‬وينالون أعلى الجور !‬
‫المهم فى المر على أى حال أن المسمماواة أسممطورة غيممر قابلممة‬
‫للتطممبيق فممى الممدنيا الواقممع ‪ ..‬ومممع ذلممك فمممازلوا يتحممدثون عممن‬
‫المساواة فى النظرية ‪ ،‬ومازالوا ينممددون بالتفمماوت فممى كممل نظممام‬
‫يجدونه فيه !‬
‫لو قالوا منذ البدء نريد أن نقمرب الفموارق بيمن الفئات المختلفمة‬
‫من الناس نضمن حد أجنى معقول لكل الناس‪!..‬‬
‫لو قالوا لقلنا نعم ‪ ..‬للنظرية على القل بصرف النظر عممن واقممع‬
‫التطبيق !‬
‫‪m m m‬‬

‫يقول الشيوعيون في نظريتهم إن الحياة في الشيوعية الولي )‬


‫كما يتخيلونها ( هي الصل الذي ينبغي أن تعود البشرية إليممه ن وإن‬
‫الشيوعية الثانية هي التي سترددهم إلي هذا الصل الجميل ‪..‬‬
‫فيما عدا استثناء واحدا في أمر لم يرق لهم من الشيوعية الولي‬
‫فحذفوه !‬
‫ذلك هو الدين !‬
‫ففي الشيوعية الولي ) كما يتخيلونها ( كان عند البشممرية ديممن ‪.‬‬
‫وهنمما – فقممط‪ -‬قممالوا إن هممذا كممان بسممبب بممدواة البشممرية وقلممة‬
‫معلوماتها عن الكون المادي وعدم سيطرتها علي البيئة ! أممما فيممما‬
‫عدا ذلك فل دخل للبداواة في شئ علي الطلق !‬
‫ولما كانت الشمميوعية الثانيممة تممأتي مممن غيممر بممداوة ‪ ،‬فقممد وجممب‬
‫القضاء علي العنصر الوحيد الذي سببته البداوة وهو الدين !‬
‫وفي التطبيق أشتد الشيوعيون في محاربمة المدين ‪ .‬فلمم يكتفموا‬
‫بتحريم الحديث فيه ‪ ،‬ومعاقبة من يضمبط " متلبسما" بالحممديث فمي‬
‫الدين مع شاب أو فتاة دون الثانية عشرة ‪ ،‬بل بالغوا فممي الحتيمماط‬
‫فوضعوا في مناهجهم الدراسية درسا لللحاد في مكان درس الدين‬
‫! فحيث يضع البشر كلهممم درسمما للممدين فممي مدارسممهم – مممؤمنين‬
‫وغيممر مممؤمنين – يتحممدثون فيممه عممن اللممه ‪ ،‬يضممع الشمميوعيون فممي‬
‫مدارسهم درسا يقال للتلميذ فيه إنه ل إله ‪ .‬والكممون مممادة ) أي بل‬
‫خالق (‪.‬‬
‫ول مكان للمتدينين في الدولة الشيوعية ‪ .‬وقد قتل ستالين وحدة‬
‫ثلثة مليين ونصف مليون من المسلمين في عهده ‪ ،‬لن الشيوعية‬
‫كانت قد طلبت معونة المسلمين في الثورة ضد القيصر ‪ ،‬ووعدنهم‬
‫بأن تجعل لهم مكانة خاصة إذا نجحت الشيوعية ‪ ،‬وتترك لهم حريممة‬
‫ممارسة حيمماتهم السمملمية ‪ ،‬فلممما طممالبوا بتحقيممق الوعممد ‪ ،‬حققممه‬
‫ستالين لهم علي هذا النحو بالقتل والتعذيب والتشريد الجماعي ‪.‬‬
‫ولقممد اضممطرت الشمميوعية إلممي " الممتراجع " عممن قممرار البممادة‬
‫الجماعية الممذي كممان مقممررا مممن قبممل ‪ ،‬حيممن سممنحت لهممم فرصممة‬
‫النتشار والتوغل في العالم السلمي بعد الحرب العالميممة الثانيممة ‪،‬‬
‫فوجدوا أن قرار البادة سيعوق إنتشارهم ‪ ،‬ويفوت عليهم فرصة قد‬
‫ل تسنح من بعد ‪ ،‬فممأعلنوا أنهمما " متسممامحون" وأنهممم ل يتعرضممون‬
‫لصحاب العقائد الدينية باليذء ! ولعلهم كانوا قد ظنوا أنممه لممم يعممد‬
‫هناك خطر من " التسامح " بعد إبادة مممن أبممادوه ونفممي مممن نفمموه‬
‫وتشريد من شردوه ! ولكن دخممولهم أفغانسممتان لبممادة المسمملمين‬
‫هناك يدل علي أن تقديراتهم في هذا المر لم تكممن علممي صممواب !‬
‫فهممم اليمموم يضممربون المسمملمين الفغممان حممتي ل يتجمممع غممدا‬
‫المسلمون الروس !‬
‫وبصرف النظر عن وضع المسلمين في الممدول الشمميوعية ‪ ،‬فممإن‬
‫الشيوعية تكره الدين كراهيممة شممديدة كممما أسمملفنا ‪ ،‬وتحمماربه بكممل‬
‫وسائل الحرب ‪ ،‬وتتمني اليوم الذي يزول فيه من الوجود ‪.‬‬
‫وفي إمكاننا أن نستدل من هذه الحرب ذاتهمما علممي عمممق الممدين‬
‫في الفطرة ! فلول أنه عميق في الفطرة كل هذا العمق ما خممافت‬
‫الشيوعية من عودته كل هذا الخوف ولحاربته كل هذه الحرب ‪.‬‬
‫ولكنا لسنا في حاجة إلي السممتدلل عممن طريممق غيممر مباشممرة ‪.‬‬
‫فقد اغنانا حديث ط جاجارين" عممن ذلممك ‪ ،‬وشممهدت الفطممرة علممي‬
‫لسانه إنه ل إله إل الله ‪ . .‬وهو الذي ولممد وتربممي فممي ظممل اللحمماد‬
‫الرسمي والشعبي علي السواء !‬
‫‪m m m‬‬

‫إلي هنا كنا نتحدث عن " الواقممع" التطممبيقي للشمميوعية بالقيمماس‬


‫إلي النظرية ‪ ..‬ورأينا أن مبادئ كثيرة من التي تقوم عليها النظريممة‬
‫أثبتت عدم جديتها أو عدم واقعيتها عند التطممبيق ‪ ،‬كقضممية الملكيممة‬
‫الجماعيممة ‪ ،‬وإحللهمما محممل الملكيممة الفرديممة ‪ ،‬وقضممية البروليتاريمما‬
‫ووضممعها فممي مكممان السمملطة ‪ ،‬وقضممية الطبقممات وإلغائهمما وقضممية‬
‫المساواة التامة بين الجميع ‪.‬‬
‫ولكن بقيت في النظرية " وعود " لم تتحقممق بعممد ‪ ،‬ويتممذرعون –‬
‫لعدم تحقيقها – بشتي المعاذير ‪.‬‬
‫بقي المبدأ القائل بأنه يؤخذ من كل بحسب طمماقته ويعطممي كممل‬
‫بحسب حاجته ‪ ،‬وإلغاء الحكومة ‪ .‬وإلغاء الصراع‬
‫وهم يستخدمون بشأنها أسلوب الشاعر العربي ‪:‬‬
‫وإل فقد عشنا بها‬ ‫مني إن تكن حقا تكن أعذب المني‬
‫زمنا رغدا !‬
‫أي في الخيال والتمني !‬
‫وقد كان من حقنا أن ننفممض ايممدينا مممن هممذه الممماني ‪ ،‬ونقممول ‪:‬‬
‫دعونا حتي تقع بالفعل ! أو نقول إن ما مر مممن التجربممة الشمميوعية‬
‫في المور السابقة ل يبشر بتحقيممق شممئ مممن هممذه الوعممود ‪ ،‬فممإن‬
‫أمورا أكثر واقعية من هممذه بكممثير أثبتممت التجربممة عممدم واقعيتهمما أو‬
‫عدم دية الشيوعيين في الحديث عنها إل للدعاية والترغيب فحسب‬
‫!‬
‫ولكننا ننظر في طبيعة هذه المور فنجدها – بطبيعتها – غير قابلة‬
‫للتحقيق ! من كل حسب طاقته ‪ ،‬ولك حسممب حمماجته ! بل حكومممة‬
‫ول صراع !‬
‫ممتي كمان النماس بهممذه الملئكيمة حممتي نفمترض أنهمم يمكممن أن‬
‫يعودوا إليها في يوم من اليام ؟‬
‫أو ليسوا هم الممذين يقولممون إنممه بمجممرد اكتشمماف الزراعممة جنممح‬
‫الناس إلي الملكية الفردية ‪ ،‬وظهر الطمع والجشممع واختلممف وضممع‬
‫الناس في المجتمع ‪ ،‬وانتهت المساواة والتعاون والود والخاء وحل‬
‫محلها الصراع ؟!‬
‫أي بمجرد ظهور شئ يمكن امتلكه !‬
‫فما الذي تغير في طبائع البشر حتي يجئ عليهممم يمموم ل حكومممة‬
‫فيه ول رقابة ‪ ،‬ثم يبذل كل منهم طمماقته – حبمما فممي الحممق والعممدل‬
‫فقط ‪ ،‬أو حبا في النسانية ‪ ،‬أو حبا في أي قيمممة مممن القيممم العليمما‬
‫) التي ل وجود لها في ذاتها كما يقولممون !( – ثممم يأخممذ فقممط بقممدر‬
‫حاجته ‪ ،‬ويقدر هذه الحاجة بل طمع ول جشع ول إسراف ؟!‬
‫إن المثاليين الذين ينعممي الشمميوعيون عليهممم عممدم واقعيتهممم لممم‬
‫يبلغوا هذا الحد من السراف في الخيال !‬
‫ولقد وصل أفراد من البشر إلي هذا المستوي بالفعل مرة واحدة‬
‫في التاريخ ‪ ،‬علمي عهمد رسمول السملم صملي اللمه عليمه وسملم ‪،‬‬
‫فكان كل إنسان منهم يبذل أقصي ما في طاقته مممن الجهممد ابتغمماء‬
‫مرضاة الله فحسب ‪ ،‬ثم ل يجد في نفسه حاجممة مممما أوتممي ويممؤثر‬
‫أخاه علي نفسه ‪:‬‬
‫ف‬ ‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ضمماةِ الل ّمهِ َوالل ّم ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه اب ْت ِغَمماءَ َ‬ ‫س ُ‬‫ري ن َْف َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫}وَ ِ‬
‫ِبال ْعَِبادِ )‪] {(207‬سورة البقرة ‪[2/207‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫سه ِ ْ‬ ‫ن عََلى أن ُْف ِ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬
‫ة ِ‬‫ج ً‬ ‫حا َ‬‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫}َول ي َ ِ‬
‫ة{ ]سورة الحشر ‪[59/9‬‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬‫وَل َوْ َ‬
‫ولسنا نقول إن هذه الصورة حدثت مرة واحمدة وهمي غيمر قابلمة‬
‫للتكرار في أي جيل قادم من أجيال البشممرية ‪ ،‬ولكنمما نقممول أول إن‬
‫هذا – بالتجربة – لم يحدث إل ابتغاء مرضمماة اللممه ‪ ، -‬ول يمكممن لي‬
‫قيمممة أخممري مممن القيممم – غيممر اليمممان الصممدق بممالله – أن ترفممع‬
‫النسان إلي هذه الصورة الرفيعة الشفيفة العالية ‪ ،‬ونقول ثانيا إنممه‬
‫ليس كل الناس يرتفعون إي هذا المسممتوي السممامق الرفيممع ‪ .‬فقممد‬
‫كان إلي جوار هؤلء – في نفس الجيل ونفس الظروف – من قممال‬
‫فيهم رب العالمين ‪:‬‬
‫} َ َ‬
‫ل{‬ ‫خم ُ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ فَ ِ‬
‫من ْك ُم ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُقوا ِفي َ‬ ‫ن ل ُِتن ِ‬ ‫ؤلِء ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫م هَ ُ‬ ‫هاأن ْت ُ ْ‬
‫]سورة محمد ‪[47/38‬‬
‫والسلم في واقعيته ل يفترض أن كل الناس يصلون إلي القمة ‪،‬‬
‫وإن كان يدعو كل الناس أن يحاولوا الصعود إليها ‪ ،‬ثم يرضي منهم‬
‫بما يصلون إليه فممي محمماولتهم ممماداموا ل يهبطممون عممن المسممتوي‬
‫الذي حرم الله الهبوط عنه ‪ ،‬أو ماداموا ل يصرون علممي الهبمموط إذا‬
‫غلبتهم مرة دوافع الشر رغم المجاهدة والتطلع إلي الخير ‪:‬‬
‫مُلوا{ ]سورة النعام ‪[6/132‬‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫}وَل ِك ُ ّ‬
‫َ‬ ‫شمم ً َ‬
‫كممُروا الّلمم َ‬
‫ه‬ ‫م ذَ َ‬ ‫سممهُ ْ‬ ‫ممموا أن ُْف َ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلمموا َفا ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َواّلمم ِ‬
‫ممما‬ ‫ص مّروا عَل َممى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغِْفُر الذ ُّنو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ست َغَْفُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ت‬ ‫جن ّمما ٌ‬‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّهِ م ْ‬ ‫م ْ‬‫مغِْفَرةٌ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جَزاؤُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن )‪ (135‬أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫فَعَُلوا وَهُ ْ‬
‫خال ِمدين فيهمما ون ِع م َ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬
‫ن )‪{(136‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫ج مُر ال ْعَمما ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ َ ِ َ َ ْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫تَ ْ‬
‫]سورة آل ‪[136-3/135‬‬
‫أما حلم الملئكية العامة الشاملة التي ستعم البشممرية كلهمما ذات‬
‫يوم ‪ ،‬ودون أي احتياط لمكان الهبوط من أحد الناس أو كل الناس‬
‫) بإلغاء الحكومة التي يمكن أن تردع الهابطين ( فحلم أقل ما يقال‬
‫فيها إنممه ممما وضممع إل للتخممدير ليرضممي النمماس بالحرمممان والشممقاء‬
‫الحالي‪ ،‬والضغط الرهابي الذي لممم تشممهده حممتي قسمماوة القممرون‬
‫المظلمة ‪ ،‬علي أمل تحقق تلمك الجنمة الموعمودة فممي الرض فمي‬
‫يوم من أيام التاريخ‬
‫كممانوا يقولممون إن الممدين أفيممون الشممعوب ! لنممه يخممدرهم عممن‬
‫عذاباتهم الحاضرة بحلم الجنممة فممي الخممرة ! فممما القممول فممي هممذا‬
‫الفيون العجيب الذي تقدمه الشيوعية للكادحين ؟!‬
‫إن الدين – في صورته الكنسية التي اسممتخدمت بالفعممل لتخممدير‬
‫الشعوب – كان يحوي بعض الحقائق وبعض الباطيل ‪ .‬فوجممود اللممه‬
‫حق ‪ ،‬ووجود الخرة حق ‪ ،‬ووجود الجنة حق ‪ .‬أما رضاء الله بالظلم‬
‫‪ ،‬ودعوة الناس إلي الرضا بالظلم في الدنيا ليمنحهم الله الجنة في‬
‫الخره فباطل ‪ ،‬لن الله أمر الناس أن يرفضوا الظلم الناشممئ مممن‬
‫تحكيم شرائع غير شريعة الله ‪ ،‬وأمرهم أن يجاهدوا لتغيير المنكمر ‪.‬‬
‫وأما الذين يحتجون بأنهم كانوا مستضعفين في الرض وأنهم رضمموا‬
‫من أجل ذلك بممالظلم فيسممميهم اللممه " ظممالمي أنفسممهم " ويقممول‬
‫فيهم‪:‬‬
‫م َقمماُلوا‬ ‫َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م َقاُلوا ِفي َ‬
‫م ُ‬ ‫سه ِ ْ‬‫مي أنُف ِ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬‫م ال ْ َ‬‫ن ت َوَّفاهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ض الّلممهِ َوا ِ‬
‫سممعَ ً‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كمم ْ‬ ‫ض َقمماُلوا أَلمم ْ‬ ‫ن ِفممي ا ْلْر ِ‬ ‫ضممعَِفي ُ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ُّنمما ُ‬
‫صمميرا ً )‪] {(97‬سممورة‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جُروا ِفيَها فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫فَت َُها ِ‬
‫النساء ‪[4/97‬‬
‫نعم كان الدين الكنسي يحوي بعض الحقممائق وبعممض الباطيممل ‪..‬‬
‫فما القول في هذا المخدر الشيوعي الذي ل يحمل شيئا من الحممق‬
‫وكله أباطيل ! أي الفريقين – وكلهما علي باطل – أشد استخدامها‬
‫" للفيون" في تخدير الجماهير ؟!‬
‫بين الشيوعية والسلم‬
‫إن لن أن ننتهي من الحديث عن الشيوعية فممي كممل مجالتهمما ‪،‬‬
‫سمممواء فمممي الماديمممة الجدليمممة أو لممممادي التاريخيمممة أو الممممذهب‬
‫القتصممادي ‪ ..‬لممول أن بعممض المسمملمين – بممل بعممض الممدعاة مممن‬
‫المسلمين – يتحدثون عن " اشتراكية السلم" وعن إمكانية اللقمماء‬
‫بين الشيوعية – أو الشتراكية – وبين السلم‬
‫فنعمممود إلمممي ذات المقممماييس المممتي اسمممتخدمناها فيمممما بيمممن‬
‫الديمقراطية والسلم‬
‫‪ (1‬قضية المعبود‬
‫‪ (2‬قضية إنسانية النسان‬
‫إن الشبه العارض الذي يمكممن أن يكممون قائممما بيممن الشممتراكية‬
‫والسلم فممي مبممدأ كفالممة الدولممة لكممل أفرادهمما ‪ ،‬وتقريممب فمموارق‬
‫الفئات المختلفة من الناس ‪ ،‬ل يجوز أن ينسينا الختلف الجمموهري‬
‫في القاعدة التي يقوم عليها كل من النظامين‪ ,‬فضل عممن الختلف‬
‫حتي في هذا الشبه العارض في تكل الجزئيات ‪.‬‬
‫إن القضمميتين الرئيسمميتين فممي حيمماة النسممان كممما أشممرنا إليهممما‬
‫وشرحنا هما من قبل هما هاتان القضيتان ‪ :‬قضية اللوهيممة وقضممية‬
‫النسانية ‪ ،‬وكل ما بقي من المور فهي أمور ثانوية بالنسبة لهمماتين‬
‫القضيتين ‪ ،‬أو هي امور تتفرع – تلقائيا – من هاتين القضيتين ‪.‬‬
‫فأما المعبود في الشيوعية أو الشممتراكية فهممو ليممس اللممه قطعمما‬
‫بتصريحهم هممم بممأفواههم ‪ ":‬ل إلممه والكممون مممادة " )أي بلخممالق (‬
‫وقد يكون الله عندهم هو المادة ‪ .‬أو هو الدولة ‪ .‬أو هو الحممزب أو‬
‫هو النظام ‪ .‬أو هو الزعيم ‪ .‬ولكنه علي أي حال ليس اله ‪ .‬ومن هنمما‬
‫يستحيل اللقاء بين النظامين مهممما كممانت الشممباه العارضممة هنمما أو‬
‫هناك‬
‫وأما النسان فهذا وضعه في التصور الشيوعي وفي التطبيق‬
‫في التصور هو نتاج المادة ‪ ،‬وهو تلك الداة السلبية التي تحركهمما‬
‫الحتميات " مستقلة عن إرادتهممم " ! وفممي التطممبيق هممو تلممك اللممه‬
‫المنتجة في قسم من الوقت ‪ ،‬وهمو ذلمك الحيموان الغليمظ الحمس‬
‫في بقية الوقت ن وهو ذلك الصفر اللشيئي فممي كممل المموقت ‪ ..‬إل‬
‫أن يكون من اللهممة المحظمموظين ‪ ،‬عضمموا فممي الحممزب علممي أقممل‬
‫تقدير ‪ ،‬أو زعيما مقدسا علي أعلي تقدير !‬
‫أممما ذلممك الشممبه العممارض فممي مبممدأ الكفالممة الشمماملة وتقريممب‬
‫الفوارق بين الناس فهو أول ل يبرر اللقاء بين النظممامين مممع وجممود‬
‫ذلممك الختلف الجمموهري فممي قضممية اللوهيممة وقصممية إنسممانية‬
‫النسان ‪ ،‬وهو ثانيا شبه غير كامل حتي في الجزئيات ‪.‬‬
‫فالكفالة في السلم ليست مقابل لتكليممف النمماس بالعمممل علممي‬
‫طريقة من ل يعمل ل يأكل ‪ ،‬إنما هي حق إنسمماني بحممت لكممل مممن‬
‫يحتمماج إليممه بسممبب مممن السممباب ‪ .‬وكفالممة المممرأة بالممذات واجممب‬
‫مفروض في السلم علي الرجل لكي ل تنشغل أعصابها ول يممذهب‬
‫جهدها في العمل خارج المبيت علمي حسماب مهمتهما العظممي فمي‬
‫تنشئة الجيال ‪ ،‬كما أن الكفالة تتم في السلم بغيممر إذلل النمماس‬
‫بلقمة الخبز ‪ ،‬ودون دكتاتورية الدولممة الممتي ترهممق القلمموب وتخنممق‬
‫النفاس ‪.‬‬
‫إن السلم – دين الله الحق – قممد فمرض علممي الدولمة المسملمة‬
‫كفالة كل فرد فيها يحتاج إلي كفالة ‪ ..‬وجعل مهمة بيت المممال هممي‬
‫هذه الكفالة لمن يعجز عن كفالة نفسه بنفسه ‪ ،‬أو عجممزت أسممرته‬
‫القريبة عن كفالته ‪ .‬وجعل المجتمع كله مكلفا بال يكون فيه محتمماج‬
‫‪ 1‬وقد أشرنا من قبل إلي قوله عمر رضي الله عنه ‪ ،‬التي عبر فيهمما‬
‫عن مسئوليته ل عن الدميين فحسب ‪ ،‬بل عن كل كائن حي يحتمماج‬
‫إلي الكفالة حيث قال ‪ " :‬لوعثرت بغلممة ببغممداد ) أو قممال بصممنعاء (‬
‫لكنت مسؤول عنها لم لم أسو لها الطرق !‬
‫ولكن السلم فمي كفممالته للنمماس ل يسممتذلهم بلقممة الخممبز كمما‬
‫تصنع الشمميوعية ن بممل يكفلهممم وهممم كرممماء علممي أنفسممهم وعلممي‬
‫الناس ‪ .‬فهو يكلف الدولة المسلمة بهذه الكفالممة دون مقابممل علممي‬
‫الطلق ‪ ،‬ل العمممل ‪ ،‬ول الخضمموع المممذل للحممزب ول الدولممة ول‬
‫الزعيم !‬
‫إن المطلوب من المسلم – سممواء كفلتممه الدولممة أو كفممل نفسممه‬
‫بنفسه أو كفلته أسرته أو كفلممه القممادرون فممي المجتمممع – أن يعبممد‬
‫الله وحده ل شريك ‪ .‬وأن يقيم دين الله فممي نفسممه وفممي مجتمعممه‬
‫بإقامة شريعة الله والحكم بما أنممزل اللممه ‪ .‬والمطلمموب منممه – مممن‬
‫بين المطلوبات – أن يكون رقيبا علي ولي المممر ‪ ،‬لينظممر همل قمام‬
‫بواجبه في إقامممة الشممريعة علممي المموجه الصممحيح أم انحممراف فممي‬
‫التطبيق !‬
‫ولقد كان سلمان الفارسي ممن تجري عليهممم الدولممة السمملمية‬
‫نصيبا من بيت المال ‪ ..‬هو الذي قال لعمر رضي الله عنه ‪ :‬ل سمممع‬
‫لك اليوم علينا ول طاعة حتي تبين لنا من اين لمك همذا المبرد المذي‬
‫راجع الحديث عن مسئوولية الدولة المسلمة في كفالة جميع أفراد المجتمع في الفصل السابق‬ ‫‪1‬‬
‫ائتزرت به ! وهو كذلك الذي قال له ‪ :‬والله لو وجدنا فيك اعوجاحمما‬
‫لقومناه بحد السيف !‬
‫والسلم يحض علي العمل بكل وسائل الحممض ‪ ،‬ويوضممح للنمماس‬
‫أن النسممان خلممق ليقمموم بعمممارة الرض ‪ ،‬وليمشممي فممي مناكبهمما‬
‫ويبتغي من رزق الله ‪ ،‬وأن العمماطلين المتبطليممن ل يحبهممم اللممه ول‬
‫يحبهم رسوله صلي الله عليه وسمملم ‪ ..‬ومممع ذلممك فل يجعممل كفالممة‬
‫الدولة لفرادها مقابل قيامهم بالعمل ‪ ..‬إنما مقابل إنسانيتهم فقممط‬
‫ومقابل حاجتهم ! فكون النسان إنسانا وكونه محتاجا إلممي الكفالممة‬
‫هما كل مقومات كفالة الدولة للفرد في السمملم وهممذا هممو الفممرق‬
‫بين فضل الله وكرمه وبين كزارة البشر حين يكممون بأيممديهم المممال‬
‫والسلطان !‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫خ ْ‬
‫ش مي َ َ‬ ‫سمك ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ممةِ َرب ّممي ِإذا ً ل ْ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫خمَزائ ِ َ‬ ‫مل ِك ُممو َ‬
‫ن َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ل ل َموْ أنت ُم ْ‬‫}قُ ْ‬
‫ن قَُتورا ً )‪] {(100‬سورة السراء ‪[17/100‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ق وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫لنَفا ِ‬
‫ا ِ‬
‫ثم إن السلم في كرمه وتفصممله فممي حممض علممي العمممل ‪ ،‬نعممم‬
‫ولكنه لم يحوج المرأة إلي العمل خارج البيت مممن أجممل أن تحصممل‬
‫علي لقمة الخبز ! بل قرر لها الكفالة الكاملممة وهممي مسممتقرة فممي‬
‫بيتها ‪ ،‬عاملة فية‪ ،‬قائمة بأنبل مهمة يقمموم بهمما البشممر فممي الرض ‪،‬‬
‫وهي تنشئة الجيل الناشئ ليخرج إلي الحيمماة سممويا مسممتقيما علممي‬
‫أمر الله ‪.‬‬
‫فإين هذا من إكراه المرأة علممي العمممل خممارج الممبيت فممي كنممس‬
‫الشوارع وحمل المتعة في المطارات ومحطات السممكك الحديديممة‬
‫تحت هذا التهديد المرعب ‪ :‬من ل يعمل ل يأكل !‬
‫وهذا فضل عممما فممي إخراجهمما مممن مهمتهمما الفطريممة مممن إفسمماد‬
‫للفطرة وإفساد للنشء وإفساد للخلق!‬
‫وامر أخر يأتي بهذه المناسبة تتضح لنا حكمته في السمملم علممي‬
‫ضوء ما وقع في التطبيق الشيوعي‬
‫لقد قرر السلم مبدأ الملكية الفردية تقرير واضحا ل شبهة فيه ‪،‬‬
‫وإن كان قد وضع للملكية حدودا كثيرة تحقق الخيممر وتمنممع الشممر ‪.‬‬
‫وللسلم حكمته – بل حكمة في إقممرار الملكيممة الفرديمة علمي همذا‬
‫النحو ‪ /‬ولكن حكمة معينة تبدو لنا الن من خلل التطبيق الشيوعي‬
‫ربما لم تكن واضحة للناس من قبل ‪ ،‬هي حممرص السمملم علممي أن‬
‫تكون أرزاق الناس بأيممدهم – علممي قممدر المكممان – ل بيممد الدولممة !‬
‫وذلك حمتى ل يسمتذل النماس بلقممة الخمبز ! فحيمن يكمون العممل‬
‫حرا ‪ ،‬والسترزاق حرا ل يحس الناس بسطوة الدولة كممما يحسممون‬
‫بها لو كانوا كلهم أجراء للدولة كما هو حالهم في الشيوعية ‪.‬‬
‫وصحيح أن أولي العزم من البشر لن يحسوا بالمذلة للدولممة ولممو‬
‫كانت لقمة الخبز في أيديهم ولكن السلم فممي واقعيتممه ل يفممترض‬
‫في كل الناس أنهم من أولممي العممزم ‪ ،‬إنممما يتعامممل معهممم بحسممب‬
‫واقعهممم ‪ ،‬ويعلممم أنهممم عرضممة للعضممف أمممام الضممغوط الواقعممة‬
‫عليهم ‪.‬لذلك جعل التكافل في السرة والمجتمع هو الصممل الكممبير‬
‫الذي تقوم عليه الحياة في المجتمع السلمي ‪ ،‬وجعل كفالة الدولة‬
‫المباشرة هي الحتياط الخير الذي يسد الثغرات الممتي لممم تسممتطع‬
‫سدها السرة ول المجتمع ‪ .‬ويظل الناس بعيدين عن سطوة الدولة‬
‫بقدر المكان ليقوم التوازن السياسي في المجتمع السلمي ‪ ،‬ولي‬
‫المر له علي الناس السمع والطاعة ‪ ،‬والناس لهم علي ولي المممر‬
‫النصحية والمر بمالمعروف والنهمي عمن المنكمر ‪ ،‬أي الرقابمة علمي‬
‫تنفيذ شريعة الله‬
‫وعلي ضوء الخط المستقيم المتمثل في دين الله يبتين لنا مممدي‬
‫النحراف في الجاهليات ‪ ،‬وفي الجاهلية الشيوعية بالذات ‪.‬‬
‫أما تقريب الفمموارق بيممن النمماس فل يتممم فممي السمملم بمصممادمة‬
‫الفطرة وقتل الحافظ الفردي‬
‫إنما السلم دين الفطرة يتمشي معهمما ويرفعهمما إلممي أقصممي ممما‬
‫تطيق من درجات الرفعة ولكن دون مصادمة ل تجاهاتهمما الصمملية ‪.‬‬
‫ونم ثم ل يلغي السلم الملكيممة الفرديممة إنممما ينظمهمما علممي المموجه‬
‫الذي تستجيب فيه للفطرة دون أن يممترتب عليهمما الشممر ‪ ،‬ثممم يضممع‬
‫في يد ولي المر الصلحية الدائمة لتصحيح الوضاع إذا اختلت رغممم‬
‫كل التنظيمات والترتيبات ‪.‬‬
‫وتنظيمات السمملم وترتيبمماته تتضمممن أول نظافممة الوسممائل الممتي‬
‫يحصل بها النسان علي المممال ‪ ،‬فل غصممب ول نهممب ول سممرقة ول‬
‫غش ول ربا ول احتكار ول أكل حق الجير ‪.‬‬
‫وتتضمن ثانيا تزكيمة الممال بمإخراج زكماته المتي توضمع فمي بيمت‬
‫المممال لتقمموم الدولممة منهمما – ومممن الممموارد الخممري المشممروعة –‬
‫بكفالة من يحتاج إلي الكفالة من الناس ‪.‬‬
‫وتتضمن ثالثا ضرورة انفمماق المممال وعممدم حبسممه عممن التممداول ‪،‬‬
‫فإما أن يوظف المال في عمل نافع فيستفيد منه المجتمع ويستفيد‬
‫منه الفراد الذين يعملون فيه ‪ ،/‬وإما أن ينفممق إنفاقمما مباشممرا فممي‬
‫أبواب النفاق التي شرعها اللمه ‪ ،‬بممما يحقمق كفالمة القمادرين لغيممر‬
‫القادرين في المحتمع ‪.‬‬
‫وتتضمن رابعا تحريم النفاق في المعصية ‪ ،‬وكراهة النفمماق فممي‬
‫الترف والسرف كراهة تشبه التحريم‬
‫وتتضمن خامسا تنظيما دقيقا للمواريث يفتت الثروة علي الدوام‬
‫ويعيد توزيعها في كل جيل‬
‫وأخيرا تقرر الشريعة مبدأ " ل ضرر ول ضرار " ‪ ..‬فتضمع فمي يمد‬
‫ولممي المممر سمملطة التصممحيح كلممما وقممع ممما يمموجب التصممحيح دون‬
‫مصادمة للفطرة ول إعنات للناس‬
‫وليممس هنمما مجممال التفصمميل ‪ ،‬إنممما يطلممب ذلممك فممي الكتممب‬
‫المتخصصة في هذه المور ‪ ،‬ولكن تكفينمما هممذه الخطمموط العريضممة‬
‫لبيممان الفممارق بيممن السمملم والشمميوعية ا‪ ,‬الشممتراكية حممتي فممي‬
‫المواطن التي يبدو فيها وجود شبه عارض في بعض الجزئيات‬
‫إن السمملم نظممام متكامممل ‪ ،‬وأجهزتممه كلهمما تعمممل مممن داخلممه ‪،‬‬
‫وتعمل بواسائله الذاتية وليس في حاجة أني سممتعير أجهممزة أجنبيممة‬
‫عنه ‪ ،‬ول في المكان تركيب هذه الجهزة الجنبية لتممدور معممه فممي‬
‫دائرته ‪ ،‬لنها مممن مقمماس غيممر مقاسممه ‪ ،‬وتعمممل علممي قاعممدة غيممر‬
‫قاعدته‬
‫ليممس السمملم نظاممما اشممتراكيا كممما أنممه ليممس راسممماليا ول‬
‫ديمقراطيا ‪..‬‬
‫السلم هو السلم ‪ ..‬هو هو كما انزله الله‬
‫وإذا كنا نعتقد بصدق – أن الشتراكية تحمل مشممابه ممن السمملم‬
‫في بعض النقاط ‪ ،‬فلممماذا نأخممذها مممن الشممتراكية ول نأخممذها مممن‬
‫السلم ؟!‬
‫فلنكن صرحاء مع أنفسنا ‪ ،‬ولننف الهزيمة الداخلية من أرواحنمما –‬
‫أيا كانت أسبابها – ولنطلب السلم باسم السلم ن فهذا هو السم‬
‫عن ْمد َ الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬‫دي َ‬
‫ن ال م ّ‬
‫الممذي قممرره اللممه مممن فمموق سممبع سممماوات }إ ِ ّ‬
‫م{ ]سورة آل ‪[3/19‬‬ ‫سل ُ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫خ مَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُ موَ فِممي ال ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سلم ِ ِدينا ً فَل َ ْ‬
‫ن ي ُْقب َ َ‬ ‫ن ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫ن )‪] {(85‬سورة آل ‪[3/85‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬ ‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫‪m m m‬‬
‫العلمانية‬
‫" العلمانية" هي الترجمة العربيممة لكلمممة ‪Secularism, Secularite‬‬
‫في اللغات الوربية وهي ترجمة مضللة لنهمما تمموحي بممأن لهمما صمملة‬
‫بممالعلم ‪ ،‬بينممما هممي فممي لغاتهمما الصمملية ل صمملة لهمما بممالعلم ‪ ،‬بممل‬
‫المقصود بها في تلك اللغات هو إقامة الحياة بعيممدا عممن الممدين ‪ ،‬أو‬
‫الفصل الكامل بين الدين والحياة ‪.‬‬
‫تقمول دائرة المعمارف البريطانيمة فمي تعريمف كلممة ‪Secularism‬‬
‫هي حركة اجتماعية تهدف إلي صرف الناس عممن الهتمممام بممالخرة‬
‫إلي الهتمام بالحياة الدنيا وحدها ‪ ،‬ذلك أنممه كممان لممدي النمماس فممي‬
‫العصور الوسطي رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمممل فممي‬
‫الله واليمموم الخممر ‪ ،‬ومممن أجممل مقاومممة هممذه الرغبممة طفقممت الممم"‬
‫‪ " Secularism‬تعرض نفسها من خلل تنمية النزعة النسانية ‪ ،‬حيث‬
‫بدأ الناس في عصر النهضممة يظهممرون تعلقهممم الشممديد بالنجممازات‬
‫الثقافية البشممرية ‪ ،‬وبإمكانيممة تحقيممق طموحمماتهم فممي هممذه الحيمماة‬
‫القريبة ‪ .‬وظل التجاه إلمي المم ‪ Secularism‬يتطممور باسمتمرار خلل‬
‫التاريممخ الحممديث كلممه باعتبارهمما حركممة مضممادة للممدين ومضممادة‬
‫‪1‬‬
‫للمسيحية‬
‫وهكذا يتضممح أنممه ل علقممة للكلمممة بممالعلم ‪ ،‬إنممما علقتهمما قائمممة‬
‫بالممدين ولكممن علممي أسمماس سمملبي ‪ ،‬أي علممي أسمماس نفممي الممدين‬
‫والقيم الدينية عممن الحيمماة ‪ ،‬وأولممي الترجمممات بهمما فممي العربيممة أن‬
‫نسميها " اللدينية" بصممرف النظممر عممن دعمموي " العلمممانيين" فممي‬
‫الغرب بممأن " العلمانيممة " ل تعممادي الممدين ‪ ،‬إنممما تبعممده فقممط عممن‬
‫مجممالت الحيمماة الواقعيممة‪ ,‬السياسممية والقتصممادية والجتماعيممة‬
‫والفكرية ‪ ..‬إلخ ولكنها تترك للناس حرية " التدين" بالمعني الفردي‬
‫العتقادي ‪ ،‬علي أن يظل هممذا التممدين مزاجمما شخصممي ل دخممل لممه‬
‫بأمور الحياة العملية‬
‫بصرف النظر عن هممذا العممتراض الممذي سممنناقش مممدي حقيقتممه‬
‫بالنسبة للحياة الوربية ذاتها ‪ ،‬كممما سنناقشممه بالنسممبة لنتممبين مممدي‬
‫تطابقه أو عدم تطابقه مممع المفمماهيم السمملمية ‪ ،‬فممإن " اللدينيممة"‬
‫هي أقرب ترجمة تؤدي المقصود من الكلمممة عنممد أصممحابها ‪ ،‬ولكنمما‬
‫مع ذلك سنظل نستخدم المصطلح المعروف عند الناس – مع بيممان‬
‫بعممده عممن الدقممة – حممتي يتفممق الكتمماب علممي نبممذ هممذا المصممطلح‬
‫المضلل ‪ ،‬واستخدام الفظة الدق‬
‫‪1‬‬ ‫‪Encyc . Britanica V.Ixp.19‬‬
‫‪m m‬‬ ‫‪m‬‬

‫نبذ الدين واقصاؤه عن الحياة العملية هو لب العلمانية‬


‫وتبدو نشاة العلمانية في أوروبا أمممرا منطقيمما مممع سممير الحممداث‬
‫هناك ‪ ،‬إذا رجعنا إلي الظروف التي شر حناها من قبل في التمهيممد‬
‫الول من هذا الكتاب ‪ ،‬أي إلي عبث الكنيسممة بممدين اللممه المنممزل ‪،‬‬
‫وتحريفه وتشممويهه ‪ ،‬وتقممديمه للنمماس فممي صممورة منفممرة ‪ ،‬دون أن‬
‫يكون عند الناس مرجع يرجعون إليه لتصحيح هممذا العبممث وإرجمماعه‬
‫إلي أصوله الصحيحة المنزلة ‪ ،‬كما هو الحال مع القرآن ‪ ،‬المحفوظ‬
‫– بقدر الله ومشيئته – من كل عبث أو تحريف خلل القرون‬
‫فمن المعلوم أن النجيل المنزل من عند الله لم يدون علي عهممد‬
‫المسيح عليه السلم إنما تلقاه عنه حواريوه بالسممماع‪ ،‬ثممم تشممتتوا‬
‫تحت تأثير الضطهاد الذي وقع علي اصحاب الرسالة الجديدة سواء‬
‫من اليهود أو من الرومان ‪ ،‬فلما بدأ تممدوينه بعممد فممترة طويلممة مممن‬
‫نزوله كان قد اختلط في ذاكرة أصحابه ن كممما اختلطممت النصمموص‬
‫فيه بالشروح ‪ ،‬ثم غلبت الشروح علممي النصمموص ‪ ..‬ووقممع الختلف‬
‫والتحريف والتصحيف الذي يشير إليه كتاب التاريخ الوربي ومؤرخو‬
‫الكنيسة علي السواء ‪ ،‬واستبد رجال الدين بشرح ما سمي الناجيل‬
‫بالحتفاظ بعلم" السرار " الممتي نشممات مممن التحريممف والتصممحيف‬
‫والتي ل أصل لها في دين الله المنممزل ‪ ،‬ثممم زاد اسممتبدادهم – كممما‬
‫أسلفنا في ذلك التمهيد – فصار طغيانا شامل يشمممل كممل مجممالت‬
‫الفكممر والحيمماة ‪ :‬طغيانمما روحيمما وفكريمما وعلميمما وسياسمميا وماليمما‬
‫واجتماعيا ‪..‬وفي كل اتجاه‬
‫فحين يحدث نفور من الدين في مثل هذا الجو فهذا أمر منطقممي‬
‫مع سير الحداث ‪ ،‬وإن لم يكن منطقيا مع " النسان " فممي وضممعه‬
‫السوي ‪ ،‬فإذا كان النسان عابدا بفطرته ‪ ،‬وكممان الممدين جممزءا مممن‬
‫الفطرة أو هو طبيعة الفطرة فإن النسان الراشد في مثممل الوضممع‬
‫الذي وجدت فيه أوربمما كممان ينبغممي عيممه أن ينبممذ ذلممك الممدين الممذي‬
‫تحمموطه كممل تلممك التحريفممات فممي نصوصممه وشممرحه وكممل تلممك‬
‫النحرافات فى سلوك رجاله ‪ ،‬ثم يبحث عن الدين الصحيح فيعتنقه‬
‫‪ ،‬وقد فعلت أوربا المر الول فنبذت دين الكنسية بالفعممل ‪ ،‬ولكنهمما‬
‫لم تفعمل المممر الثمانى حمتى هممذه اللحظمة إل أفممرادا متنمماثرين لمم‬
‫يصبحوا بعد " ظاهرة " ملموسة ‪ .‬ومن هنا نقول إن الظروف الممتى‬
‫أحاطت بالدين فى أوروبا تفسر ول تممبرر ‪ . .‬تفسممر شممرود النمماس‬
‫فى أوروبا عن الدين ولكنها ل تبرره ‪ ..‬فإنهن ل شئ علممى الطلق‬
‫يممبرر بعممد النسممان عممن خممالقه ‪ ،‬ونبممذه لعبممادته علممى النحممو الممذى‬
‫افترضه على عباده ‪ ،‬سواء بالعتقاد بوحدانيته سممبحانه ‪ ،‬أو بتمموجيه‬
‫الشعائر التعبدية إليممه وحممده ‪ ،‬أو بتنفيممذ شممريعته ‪ ،‬فهممذا التصممرف‬
‫المنحرف من النسان الذى نبذ الذين وابتعممد عممن اللممه ‪ ،‬هممو الممذى‬
‫صمميَرةٌ )‪ (14‬وَل َموْ أ َل َْقممى‬ ‫س مه ِ ب َ ِ‬‫ن عَل َممى ن َْف ِ‬ ‫سمما ُ‬ ‫لن َ‬ ‫لا ِ‬ ‫قال الله فيه ‪} :‬ب َم ْ‬
‫مَعاِذيَرهُ )‪] {(15‬سممورة القيامممة ‪ [15-75/14‬أى أنممه ل يقبممل منممه‬ ‫َ‬
‫عذر فيه !‬
‫على أن الذى يعنينا الن ليس هو محاسبة أوروبا على انحرافاتهمما‬
‫فى مجال الدين والعقيدة ‪ ،‬فالخلق صائرون إلممى ربهممم وهممو الممذى‬
‫يحاسبهم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫س مي ْط ِرٍ )‪ (22‬إ ِل ّ َ‬ ‫م َ‬
‫م بِ ُ‬‫ت عَل َي ْهِ ْ‬‫س َ‬‫مذ َك ٌّر )‪ (21‬ل َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫}فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬
‫م)‬ ‫ب ال َك ْب َمَر )‪ (24‬إ ِ ّ‬
‫ن إ ِل َي ْن َمما إ ِي َمماب َهُ ْ‬ ‫ه ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬‫ت َوَّلى وَك ََفَر )‪ (23‬فَي ُعَذ ّب ُ ُ‬
‫م )‪] {(26‬سورة الغاشية ‪[26-88/21‬‬ ‫ساب َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن عَل َي َْنا ِ‬ ‫م إِ ّ‬‫‪ (25‬ث ُ ّ‬
‫ولكن الذى يعنينا هو شرح هذه النحرافممات وبيممان الصممورة الممتى‬
‫حدثت عليها ‪ ،‬والظروف التى أحاطت بها منذ مبممدئها حممتى صممارت‬
‫إلى ما صارت إليه ‪.‬‬
‫ونخطئ – من وجهة نظرنا السمملمية – إن قلنمما إن " العلمانيممة "‬
‫حدثت فقط بعد النهضة ‪ .‬فالحقيقة – من وجهة النظممر السمملمية –‬
‫أن الفصل بين الدين والحياة وقع مبكرا جدا فى الحيمماة الوروبيممة ‪،‬‬
‫أو أنممه – إن شممئت الدقممة – قممد وقممع منممذ بممدء اعتنمماق أوروبمما‬
‫للمسمميحية ‪ ،‬لن أوروبمما – كممما أسمملفنا فممى التمهيممد – قممد تلقممت‬
‫المسيحية عقيدة منفصلة عن الشريعة ) بصرف النظممر عممما حممدث‬
‫فى العقيدة ذاتهمما مممن تحريممف علممى أيممدى الكنيسممة ( ولممم تحكممم‬
‫الشريعة شيئا من حياة الناس فى أوربا إل ط ألحمموال الشخصممية "‬
‫فحسمممب ‪ ،‬أى أنهممما لمممم تحكمممم الحممموال السياسمممية ول الحممموال‬
‫القتصادية ول الحمموال الجتماعيممة فممى جملتهمما ‪ .‬وهممذا الوضممع هممو‬
‫علمانية كالة من وجهة النظر السلمية ‪1‬ولكن الذى تقصممده أوروبمما‬
‫بالعمانية “ ‪ ”Secularism‬ليس هذا ‪ ،‬لنها لم تألف الصورة الحقيقيممة‬
‫للدين أبداء فى يوم من اليام ! إنما الذى تقصده أوروبا حين تطلق‬
‫هذه الكلمة هممو إبعماد ممما فهمتممه همى مممن معنممى الممدين عممن واقممع‬
‫سنتحدث فى هذه النقطة تفصيل فى نهاية الفصل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الحياة ‪ ،‬متمثل فى " بعض " المفاهيم الدينية ‪ ،‬وفى تدخل " رجممال‬
‫الدين " باسممم الممدين فممى السياسممية والقتصمماد والجتممماع والفكممر‬
‫والعلم والدب والفن ‪ ..‬وكل مجممالت الحيمماة ‪ ،‬ثممم إقامممة هممذا كلممه‬
‫بعيدا عن نفوذ الكنيسة من جنة ‪ ،‬وبعيدا عن مفاهيم الدين كلها من‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬بصرف النظر عن وجود الكنيسة أو عدم وجودها ‪.‬‬
‫بعبارة أخرى نقول إن ما نبذته أوروبا حيممن أقممامت علمانيتهمما لممم‬
‫يكن هو حقيقية الدين – فهذه كانت منبوذة من أول لحظة ! – إنممما‬
‫كان بقايا الدين المتناثرة فى بعض مجالت الحياة الوروبيممة أو فممى‬
‫أفكممار النمماس ووجممداناتهم فجمماءت العلمانيممة فأقصممت هممذه البقايمما‬
‫إقصاء كامل من الحياة ‪ ،‬ولم تترك منها إل حرية مممن أراد أن يعتقممد‬
‫بوجود إله يؤدى له شعائر التعبد فى أن يصنع ذلممك علممى مسممئوليته‬
‫الخاصة ‪ ،‬وفى مقابلها حرية من أراد اللحاد والدعوة إليه أن يصممنع‬
‫ذلك بسند الدولة وضماناتها !‬
‫‪m m m‬‬

‫كيف نشأت هذه العلمانية فى أوروبا ؟‬


‫أى كيف أقصيت بقايا الدين من الحياة الوروبية وصارت الحياة "‬
‫ل دينية " تماما فى كل مجالتها العملية؟‬
‫نحتاج أن نتذكر أول أنه فى الوقت الذى لم يكن للممدين الحقيقممى‬
‫وجود فى أوروبا – سواء فى صورة عقيدة صحيحة أو صورة شريعة‬
‫حاكمة – كان هناك نفوذ ضخم جدا يمارس باسم الدين فممى مجممال‬
‫العقيدة وفى مجالت الحياة العملية كلهمما مممن قبممل رجممال الممدين ‪،‬‬
‫ويتمثل فى حس الناس هناك على أنه هو " الدين " !‬
‫أى أن الصورة الواقعية للدين فممى أوروبمما كممانت تتمثممل أول فممى‬
‫عقيدة مأخوذة من " الناجيل " وشروحها تقول إن اللممه ثممالث ثلث‬
‫وإن الله هو المسيح ابن مريم ‪،‬وتتمثل ثانيا فى صمملوات وقداسممات‬
‫ومواعظ واحتفالت تقام فممى الكنممائس يمموم الحممد بصممفة خاصممة ‪،‬‬
‫وتتمثل أخيرا – وليس آخرا – فى نفوذ لرجال الممدين علممى الملمموك‬
‫وعلى عامة الناص ‪ ،‬فأممما نفمموذهم علممى الملمموك فيتضمممن أنهممم ل‬
‫يجلسممون علممى عروشممهم إل بممإذن البابمما ومبمماركته ‪ ،‬ول يتولممون‬
‫سلطانهم علمى شمعوبهم إل بتوليمة البابما لهمم ‪ ،‬وإذا غضمب عليهمم‬
‫البابا – غضبا شخصيا ل علقة له البتة بتحكيم شريعة الله – نبممذتهم‬
‫شعوبهم ولممم تممذعن لوامرهممم ‪ ،‬وأممما نفمموذهم علممى عامممة النمماس‬
‫فيتضمن أنهم ل يصبحون مسيحيين إل بتعميد الكاهن لهممم ‪ ،‬وليممس‬
‫لهم صلة إل بحضور الكاهن أمامهم فى مكان محدد هممو الكنيسممة ‪،‬‬
‫ول يموتون موتمما صممحيحا إل بإقامممة قممداس الجنممازة لهممم علممى يممد‬
‫الكاهن ‪ ،‬ول يعتقدون إل ممما يلقنهممم إيمماه رجممال الممدين مممن شممئون‬
‫العقيدة ‪ ،‬ول يفكرون إل فيما يسمح لهم رجال الدين بالتفكير فيه ‪،‬‬
‫وعلى النحو الذى يسمحون لهم به ‪ ،‬ول يتعلمون إل ما يسمممح لهممم‬
‫رجال الدين تعلمه ‪ ،‬ولرجال الدين فمموق ذلممك نفمموذ علممى أممموالهم‬
‫وعلى أجسادهم وعلى أرواحهم أشرنا إلى جوانب منه من قبل‪.‬‬
‫هذا الدين – بهذه الصورة – مخالف للدين المنزل مممن عنممد اللممه‬
‫فى أكثريته ‪ ..‬ولكنه ليممس خلمموا بممالمرة مممن حقئاق الممدين ‪ ،‬وهممذه‬
‫شهادة الله فيهم ‪:‬‬
‫ممما‬ ‫حظ ّما ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫م فَن َ ُ‬
‫سمموا َ‬ ‫ميث َمماقَهُ ْ‬ ‫صمماَرى أ َ َ‬
‫خمذ َْنا ِ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِن ّمما ن َ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬ ‫}وَ ِ‬
‫ه{ ]سورة المائدة ‪[5/14‬‬ ‫ذ ُك ُّروا ب ِ ِ‬
‫ففيه من حقائق الدين ان الله هو الذى خلممق الكممون كلممه ‪ ،‬وهممو‬
‫الذى خلق النسان على هذه الصورة النسانية وجعله عاقل مفكممرا‬
‫مريدا ‪ ،‬وكلفه المانة ‪ ،‬وكلفه عمارة الرض والهيمنة عليها ‪ ،‬وعرفه‬
‫أن هناك بعثا ونشورا وحسابا وثوابا وعقابا يوم القيامة ‪ ،‬وأن هنمماك‬
‫جنة ونار أبديتين يصير الناس إليهما كل بحسممب عملممه ‪ ،‬وفيممه مممن‬
‫حقممائق الممدين كممذلك أن اللممه حممرم القتممل والسممرة والزنمما والربمما‬
‫والكممذب والغممش والخيانممة ‪ ..‬وأوجممب علممى النمماس فممى حيمماتهم‬
‫أخلقيات معينة يتقيدون بها فممى تعمماملهم بعضممهم مممع بعممض ‪ ،‬وأن‬
‫الله شرع الزواج وحممرم علقممات الجنممس خممارجه ‪ ،‬وشممرع السممرة‬
‫وأوجب صيانتها وجعل للرجل القوامة عليهما ‪ ..‬إلممى آخمر ممما يجممرى‬
‫هذا المجرى من حقائق الدين ‪.‬‬
‫ولكن الدين المنزل من عند الله ليس فيممه أن اللممه هممو المسمميح‬
‫ابن مريم وأن الله ثالث ثلثة ‪ ،‬وليمس فيممه أن يشممرع رجمال المدين‬
‫) الحبار والرهبان ( من عند أنفسهم فيحلوا ويحرموا بغير ما أنممزل‬
‫الله ) كما أحلوا الخمر والخنزيممر وأبطلمموا الختممان ( وليممس فيممه أن‬
‫يطلب رجال الدين لنفسهم سلطانا يرهبممون بممه النمماس ويفرضممون‬
‫عليهم ما أحلوا هم وما حرموا من دون الله ‪ ،‬كما يفرضممون عليهممم‬
‫الخضمموع الكامممل لهمموائهم فممى المموقت الممذى ل يسممتخدمون فيممه‬
‫سلطانهم الرهيب فى فرض شممريعة اللممه علممى البمماطرة والملمموك‬
‫ليحكممموا بهمما بممدل مممن القممانون الرومممانى ‪ ،‬ويكتفممون بجعممل هممذه‬
‫الشريعة مجرد مواعظ خلقية وروحية مممن شمماء أن يتقيممد بهمما تقيممد‬
‫ومن شاء أن يتفلت منها فل سلطان لحد عليممه فممى الرض ‪ ،‬بينممما‬
‫القانون الرومممانى يعمماقب المخممالفون لممه بالقتممل أو الحبممس أو ممما‬
‫سوى ذلك م العقوبات !‬
‫وليس فى الدين المنزل أن الرض منبسطة وليست كروية ‪ ،‬وأن‬
‫من قال بكرويتها يحرق حيا فى النار !‬
‫وليممس فيممه أن يفممرض رجممال الممدين لنفسممهم – ل للفقممراء‬
‫والمساكين – عشور أموال الناس ‪ ،‬ول السخرة المجانية فممى أرض‬
‫الكنيسة ‪.‬‬
‫وليس فيه كل ما فعله رجال الدين من فضائح ومخاز ودنمماءات ‪..‬‬
‫كصكوك الغفران والفساد الخلقى بكممل أنممواعه ومناصممرة الكنيسممة‬
‫للمظمممالم السياسمممية والقتصمممادية والجتماعيمممة الواقعمممة علمممى‬
‫الشعوب !‬
‫ولكن أوروبا حين أنشأت علمانيتها نبذت الممدين كلممه ‪ ،‬لممم تفممرق‬
‫بين أباطيل الكنيسة وبين حقائق الدين!‬
‫وصحيح أن الدين الكنسى – بحقائقه وأباطيله – لممم يكممن صممالحا‬
‫للحياة ‪ ،‬ولم يكن مقبول عند الله ‪:‬‬
‫ممموا الت ّموَْراةَ‬
‫حت ّممى ت ُِقي ُ‬
‫يٍء َ‬ ‫م عَل َممى َ‬
‫شم ْ‬ ‫ب لَ ْ‬
‫س مت ُ ْ‬ ‫ل ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫ل ي َمما أ َهْ م َ‬‫}قُ م ْ‬
‫ُ‬
‫م{ ]سورة المائدة ‪[5/68‬‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ما أنزِ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬‫لن ِ‬
‫َوا ِ‬
‫ولكن أوروبا – كما أشممرنا مممن قبممل – حيممن نبممذت ديممن الكنيسممة‬
‫الفاسد لم تبحث عن الدين الصحيح ‪ ،‬الذى يصدق الحقممائق ويبطممل‬
‫الباطيل ‪.‬‬
‫*‪m m m‬‬
‫كان الدين الكنسى ذا سطوة عنيفة على كل مرافق الحيمماة فممى‬
‫أوروبا فى قرونها الوسطى المظلمة ‪ .‬وكان ذلك أمممرا سمميئا شممديد‬
‫السوء ‪ ،‬ل بسبب سيطرة " الدين " على الحيمماة كممما خيممل لوروبمما‬
‫بغباء فى جاهليتها المعاصرة ‪ ،‬ولكن بسب سيطرة الفسمماد الكممامن‬
‫فى ذلك الدين الكنسى على كل مرافق الحياة !‬
‫ولكن نستيقن من الحقيقة فى هذا المر ممما علينمما إل أن نراجممع‬
‫فترة مقابلة " وموازية " من التاريخ ‪ ،‬كممان فيهمما الممدين الصممحيح ذا‬
‫سيطرة عظيمة على كل مرافق الحياة ‪ ..‬تلممك هممى الفممترة الولممى‬
‫من حياة المسلمين التى امتدت حوالى سبعة قرون من الزمممان ‪. .‬‬
‫فكيف كانت ؟! كممان الهممدى ‪ .‬وكممان النممور ‪ .‬وكممان العلممم ‪ ،‬وكممانت‬
‫الحضارة التى عرفممت أوروبمما طرفمما منهمما فممى النممدلس والشمممال‬
‫الفريقي ‪ .‬وكان كل جميل من الفكار والمشاعر وأنممماط السمملوك‬
‫برغم كل النحراف الذى طرأ على حياة المسلمين فى تلك القرون‬
‫‪ ،‬سواء من جانب الحكام أو من جانب المحكومين !‬
‫فلم يكن " الدين " فى ذاتممه إذن هممو مصممدر السمموء فممى الحيمماة‬
‫الوروبية فى تلك الفترة ) ولنذكر أن أسبانيا – وهى جزء من أوروبا‬
‫– كانت مزدهرة فى نفس الوقت بتأثير الدين الصحيح ‪ ،‬كممما كممانت‬
‫صقلية وغيرها من الصقاع الوروبية التى دخل فيها السمملم ( إنممما‬
‫كان " فساد الدين " هو السبب فى ذلك الظلم الذى اكتنف أوروبمما‬
‫فى قرونها الوسطى المظلمة الحالكة السواد ‪.‬‬
‫وأوروبا ل تحب أن تصدق هذه الحقيقة فى جاهليتها المعاصممرة –‬
‫مع أنها حقيقة موضوعية بحتة يشهد بصحتها كل ما كتبه مؤرخمموهم‬
‫المنصفون عن الحضارة السلمية – لن مجرد تصديقها معناه أنهممم‬
‫كانوا مخطئين فممى نبممذه " الممدين " كلممه بحجممة فسمماد الممدين الممذى‬
‫قدمته الكنيسممة لهممم ‪ ،‬وأنهممم مممازالوا مخطئيممن إلممى هممذه اللحظممة‬
‫للسبب ذاته ‪ ..‬وهم ل يريدون أن يرجعوا إلى الدين بأى وسيلة مممن‬
‫وسائل الرجوع !‬
‫مرة أخرى ل تريد أن نحاسب أوروبا على انحرافاتهمما فممى مجممال‬
‫الدين والعقيدة ‪ ،‬إنما نشرح فقط خطوات ذلك النحراف ‪.‬‬
‫كانت سيطرة الدين الكنسى علممى الحيمماة الوروبيممة فممى قرونهمما‬
‫المظلمة أمرا سيئا كما قلنا – برغم سيطرة بعض الفضممائل الدينيممة‬
‫على الحياة وخاصة فى الريف الوربى – لن ذلك الممدين بممما حممواه‬
‫من انحرافات جذرية فى العقيدة من ناحيممة ‪ ،‬وفممى فصممل العقيممدة‬
‫عن الشريعة من ناحية أخرى ‪ ،‬وفى فساد ممثليه من رجممال الممدين‬
‫وجهالتهم مممن ناحيممة ثالثممة – كممان مفسممدا للحيمماة ومعطل لممدفعتها‬
‫الحية ‪ ،‬كما كان مفسدا للعقول ومعطل لها عن التفكير السليم ‪.‬‬
‫لذلك كان نبذ ذلك الدين والنسلخ منه أمممرا ضممروريا لوروبمما إذا‬
‫أرادت أن تتقدم وتتحضر وتعيش ‪..‬‬
‫ولكن البديل الذى اتخذته أوروبا بدل من دينها لم يكن أقل سمموءا‬
‫إن لم يكن أشد ‪ ،‬وإن كان قد أتاح لها كممل العلممم والتمكممن المممادى‬
‫الذى يطمح إليه البشر على الرض ‪ ،‬تحقيقا لسممنة مممن سممنن اللممه‬
‫التى تجهلها أوروبا وتجهل حكمتها ‪ ،‬لنها ل تؤمن بالله وما نزل مممن‬
‫الوحى ‪:‬‬
‫حت ّممى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬ ‫ب ك ُم ّ‬ ‫}فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫يٍء َ‬
‫شم ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْم َ‬
‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن )‪] {(44‬سممورة‬ ‫سممو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ذا هُم ْ‬ ‫ة ف َ مإ ِ َ‬‫م ب َغْت َم ً‬ ‫ما ُأوت ُمموا أ َ‬
‫خمذ َْناهُ ْ‬
‫َ‬
‫فَرِ ُ‬
‫حوا ب ِ َ‬
‫النعام ‪[6/44‬‬
‫نعم ! لم تكممن العبوديممة للحبممار والرهبممان مممن البممابوات ورجممال‬
‫الدين أمرا صالحا للحياة ولو كانوا هم أنفسهم من الصممالحين ‪ ،‬لن‬
‫العبودية لتصح إل للممه وحممده ‪ ،‬ول تصمملح الحيمماة إل إذا كممانت للممه‬
‫وحده ‪ ..‬فكيف وهؤلء الحبممار والرهبممان علممى ممما كممانوا عليممه مممن‬
‫الفساد والجهالة والبعد عن حقيقة الدين ؟!‬
‫ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ‬
‫ن‬
‫ح اب ْم َ‬
‫سممي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّمهِ َوال ْ َ‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫م أْرَباب ما ً ِ‬
‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫}ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ممما‬
‫ه عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سمب ْ َ‬‫ه إ ِل ّ هُموَ ُ‬ ‫حممدا ً ل إ ِل َم َ‬‫دوا إ َِلهما ً َوا ِ‬
‫ممُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫َ‬
‫ن )‪] {(31‬سورة التوبة ‪[9/31‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ولممم يكممن الممدين الممذى يحمموى كممل ذلممك القممدر مممن السمماطير ‪،‬‬
‫ويحارب العلممم ويحجممر علممى الفكممر ‪ ،‬ويفصممل بيممن الممدنيا والخممرة‬
‫فيهمل الدنيا وينبذها من أجل الخلص فى الخرة ‪ ،‬ويحتقممر الجسممد‬
‫ويعذبه من أجل خلص الروح ‪ ،‬ويبيح فى الوقت نفسه للقطمماعيين‬
‫أن يمتصوا دماء الفلحين ويكتنزوا بهمما ويممترفوا ويفسممدوا ‪ ،‬ويخممذل‬
‫الفلحين عن الثورة على هذا الظلم بحجممة الحصممول علممى رضمموان‬
‫الله وجنته فى الخرة إن رضوا بالمذلة والظلم فى الحياة الممدنيا ‪..‬‬
‫لممم يكممن ذلممك الممدين ليسمممح للحيمماة بالتقممدم ‪ ،‬وهممو يلفهمما بأغلفممة‬
‫سميكة من الظلم ‪.‬‬
‫ويقول التاريخ – الذى تكره أوروبا العتراف به إل القلة المنصممفة‬
‫– إن أوروبا بدأت تخرج من ظلمات قرونها الوسطى المظلمة حين‬
‫احتكممت بالمسمملمين فممى مشممارق الرض ومغاربهمما ‪ ،‬سممواء فممى‬
‫الحممروب الصممليبية أو البعمموث الممتى بعثتهمما للتعلممم فممى مممدارس‬
‫المسلمين فى النممدلس بصممفة خاصممة ‪ ،‬وفممى صممقلية وغيرهمما مممن‬
‫البلد التى نورها السلم ‪.‬‬
‫بل تقول الروايات التاريخية إن رجال الممدين المسمميحى أنفسممهم‬
‫كانوا يتعاطون الثقافة السلمية فى تلك المممدارس ‪ ،‬أو فيممما ينقممل‬
‫منهمما إلممى اللغممات الوروبيممة ‪ ،‬وإنهممم كممانوا يممترقون فممى مناصممب‬
‫الكليروس بقدر ما يحصلون عليه من تلك الثقافة ! "‬
‫ويقول روجر بيكون ) فى القرن الثالث عشممر الميلدى ( ‪ " :‬مممن‬
‫أراد أن يتعلم فليتعلم العربية لنها هى لغة العلم " ‪.‬‬
‫لقد وجدت أوروبا حين احتكت بالمسلمين عالممما عجيبمما بالنسممبة‬
‫إليها ‪ ،‬ليس فيه بابورات ول رجال دين ! وليست فيه أسرار عقيدية‬
‫يختص بعلهما فريق من الناس دون فريق ‪ ..‬وليممس فيممه " نبلء ! "‬
‫يستعبدون الناس فى إقطاعياتهم ‪ ..‬وليس فيه حجممر علممى العقممول‬
‫أن تفكر ‪ ،‬ول حجر على العلم أن يبحث ويجرب وينشر أبحاثه علممى‬
‫الناس ‪.‬‬
‫يقول " راندال " فممى كتممابه " تكمموين العقممل الحممديث " )ترجمممة‬
‫جورج طعمة ج ‪ 1‬ص ‪ 314‬من الترجمة العربية( ‪:‬‬
‫وبنوا )يقصممد المسمملمين ‪ ،‬وإن كممان يسممتخدم لفظممة " العممرب "‬
‫تحاشيا لذكر المسلمين !( فى القرن العاشر فى أسبانيا حضارة لم‬
‫يكن العلم فيها مجرد براعممة فحسممب ‪ ،‬بممل كممان علممما طبممق علممى‬
‫الفنون والصناعات الضرورية للحياة العملية ‪ ،‬وعلممى الجمممال كممان‬
‫العممرب يمثلممون فممى القممرون الوسممطى التفكيممر العلمممى والحيمماة‬
‫الصناعية العلمية اللذين تمثلهما فى أذهاننا اليوم ألمانيا الحديثة " ‪.‬‬
‫ويقول ليوبولد فممايس )محمممد أسممد( فممى كتممابه " السمملم علممى‬
‫مفترق الطرق " )ترجمة عمممر فممروخ ص ‪ 40 – 39‬مممن الترجمممة‬
‫العربي( ‪:‬‬
‫" إن العصور الوسطى قد أتلفت القمموى المنتجممة فممى أوروبممة ‪..‬‬
‫كانت العلوم فى ركود ‪ ،‬وكانت الخرافة سائدة ‪ ،‬والحياة الجتماعية‬
‫فطرية خشنة إلى حد من الصعب علينا أن نتخيله اليوم ‪ ،‬فممى ذلممك‬
‫الحين أخذ النفوذ السلمى فى العممالم – فممى بممادئ المممر بمغممادرة‬
‫الصليبيين إلى الشرق ‪ ،‬وبالجامعات السلمية الزاهرة فممى أسممبانيا‬
‫المسلمة فى الغرب ‪ ،‬ثم بالصلت التجارية المتزايدة الممتى أنشممأتها‬
‫جمهوريتنا جنوة والبندقية – أخذ هذا النفوذ يقرع البممواب الموصممدة‬
‫دون المدنية العربية ‪.‬‬
‫" وأمممام تلممك البصممار المشممدوهة ‪ ،‬أبصممار العلممماء والمفكريممن‬
‫الوروبييممن ‪ ،‬ظهممرت مدنيممة جديممدة ‪ ،‬مدنيممة مهذبممة راقيممة خفاقممة‬
‫بالحياة ‪ ،‬ذات كنوز ثقافية كانت قد ضاعت ثم أصبحت فممى أووربممة‬
‫من قبل نسيا منسيا ‪ .‬ولكن الذى صنعه العرب كان أكثر مممن بعممث‬
‫لعلوم اليونان القديمة ‪ ..‬لقممد خلقمموا لنفسممهم عالممما علميمما جديممدا‬
‫تمممام الجممدة ‪ ..‬لقممد وجممدوا طممرائق جديممدة للبحممث وعملمموا علممى‬
‫تحسينها ‪ ،‬ثم حملوا هذا كله بوسائط مختلفممة إلممى الغممرب ‪ .‬ولسممنا‬
‫نبالغ إذا قلنا إن العصر العلمى الحديث الذى نعيش فيممه لممم يدشممن‬
‫فى مممدن أوروبمما النصممرانية ‪ ،‬ولكممن فممى المراكممز السمملمية ‪ :‬فممى‬
‫دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة " ‪.‬‬
‫وتعلمت أوروبا كل العلم الذى وجدته عند المسلمين ‪ ،‬كما أخذت‬
‫كثيرا من الصول الحضارية المتى وجمدتها عنمدهم " ‪ "1‬ولكنهما لممر‬
‫رفضممت أن تأخممذ السمملم ‪ ،‬رغممم السممماحة الهائلممة الممتى لمسممها‬
‫" " انظر كتاب " شمس الله تشرق فوق الغرب " وانظر فصل بعنوان " المسلمون فى أسبانيا " فنونهم وصممناعاتهم‬ ‫‪1‬‬

‫وما كان لهم من فضل فى ثقافة أوروبا فى العصر الحديث " بقلم ج ‪ .‬ب ‪ .‬ترند ‪ G. B. Trend‬ص ‪ 760 – 729‬مممن‬
‫الترجمة العربية لكتاب " تاريخ العالم " نشر وزارة التربية والتعليم المصرية ‪.‬‬
‫المسيحيون من المسلمين فى الندلس ! وارتدت من جاهلية الدين‬
‫الكنسممى المحممرف إلممى جاهليممة ممما قبممل ذلممك الممدين ‪ ،‬الجاهليممة‬
‫الغريقيممة الرومانيممة ‪ Greco-Roman‬لتنشممئ علممى أساسممها جاهليممة‬
‫جديدة متقدمة كممل التقممدم فممى العلممم والتكنولوجيمما )علممى أسمماس‬
‫العلم الذى أخذته من المسمملمين ‪ ،‬والمنهممج التجريممبى فممى البحممث‬
‫العلمى الذى استمدته منهم( ومنتكسة أشد النتكاس فيما عدا ذلك‬
‫من جوانب الحياة ‪..‬‬
‫من الغريق أخذت عبادة العقل وعبادة الجسد فى صورة جمممال‬
‫حسى ‪.‬‬
‫ومممن الرومممان أخممذت عبممادة الجسممد فممى صممورة متمماع حسممى ‪،‬‬
‫وتزيين الحياة الدنيا بكل وسائل العمممارة الماديممة إلممى أن يسممتغرق‬
‫النسان فى المتمماع وينسممى " القيممم " الممتى تكممون النسممان ‪ .‬كممما‬
‫أخذت شممهوة التوسممع الحربممى واسممتعباد المممم الضممعيفة لحسمماب‬
‫الدولة " الم " فى صورة إمبراطوريات ‪.‬‬
‫والمهم – بالنسبة لبحثنا الحاضر – أنها بدأت تنبذ الدين !‬
‫‪m m m‬‬

‫قامت النهضة على أسس معادية للدين من أول لحظة ‪.‬‬


‫قامت على أصول " بشرية " بدل من الصممول الدينيممة أو اللهيممة‬
‫كما كانت تصورها لهم الكنيسة ‪.‬‬
‫كان الدين الذى قدمته لهم الكنيسة على أنممه الممدين اللهممى دينمما‬
‫أخرويا ل يقيم وزنا للحياة الدنيا ‪ ،‬بل يحتقرها ويزدريهمما ويممدعو إلممى‬
‫إهمالها وعدم اللتفات إليها فى سبيل الحصول علممى " الخلص " ‪،‬‬
‫خلص الروح ‪ ،‬الممذى ل يمكممن الوصممول إليممه إل بممالتجرد مممن متمماع‬
‫الرض ‪ ،‬والستعلء علممى مطممالب الجسممد ‪ ،‬والتطلممع إلممى ملكمموت‬
‫الرب الذى يتحقق فممى الخمرة ول سممبيل إلمى تحقيقممه فممى الحيماة‬
‫الدنيا ‪ .‬ومن ثم فإن " حركة التاريممخ " ومحاولمة تصمحيحها بتصممحيح‬
‫حركة المجتمع كما يقول ولفممرد كمانتول سمميث ‪Wilfred Cantwell‬‬
‫‪ Simth‬فى كتاب " السلم فممى التاريممخ الحممديث ‪Islam in Modern‬‬
‫‪ " History‬لم تكن فى حساب الكنيسة المسيحية ل أيام ضعفها فى‬
‫القرون الولى ول حين أصممبح لهمما السمملطان " ‪ "1‬إنممما يسممعى كممل‬
‫إنسان إلى خلصه الشخصى ‪ ،‬كالذى يسممير علممى معممبر دقيممق كممل‬
‫عمه أل يفقد توازنه فيقع فى الهاوية ‪ ،‬أو كالذى يسممير فممى الوحممل‬
‫" " ص ‪ – 30‬الطبعة الولى ‪ ،‬سنة ‪. 1957‬‬ ‫‪1‬‬
‫كل همه أن يشمر ثيابه ويلتفت إلى مواقع قدميه حتى ل ينزلممق أو‬
‫يتلطخ بالوحل ‪ ،‬ل يهمه أن يصحح مواضممع أقممدم الخريممن أو يقيهممم‬
‫من النزلق ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن هذا الدين فى صورته الكنسية تلك لم يكممن يسممعى‬
‫إلى تحسين أحوال البشر على الرض ‪ ،‬أو إزالة المظالم السياسية‬
‫والجتماعية والقتصادية التى تقع عليهم ‪ ،‬وإنما يدعو إلى الزهد فى‬
‫الحياة الدنيا برمتها ‪ ،‬وترك كل شئ علممى ممما هممو عليممه ‪ ،‬لن فممترة‬
‫الحيمماة الممدنيا أقصممر وأضممأل وزنمما مممن أن يحمماول النسممان تعممديل‬
‫أوضاعه فيها ‪ .‬إنما يسممعى جاهممدا إلممى الخلص منهمما دون أن يعلممق‬
‫بروحه شئ من الثممام ‪ .‬والمتمماع ذاتممه هممو مممن الثممام الممتى يحمماول‬
‫المتطهرون النجاة منها بالرهبنة واعتزال الحياة ‪.‬‬
‫بممل أكممثر مممن ذلممك ‪ :‬إن احتمممال المشممقة فممى الحيمماة الممدنيا ‪،‬‬
‫واحتمال ما يقع فيها من المظمالم همو لمون مممن التقممرب إلممى اللمه‬
‫يسمماعد علممى الخلص ‪ .‬ومممن ثممم دعممت الكنيسممة الفلحيممن للرضمما‬
‫بالمظالم التى كانت تقع فى ظل القطاع وعدم الثورة عليها لينالوا‬
‫رضوان الله فممى الخممرة ‪ ،‬وقممالت لهممم ‪ " :‬مممن خممدم سمميدين فممى‬
‫الحياة الدنيا خير ممن خدم سيدا واحدا " !‬
‫ومن جهة أخرى كان هذا الدين يحصر كيممان النسممان فممى نطمماق‬
‫محممدود محصممور أشممد الحصممر ‪ ،‬ليممبرز جممانب اللوهيممة فممى أكمممل‬
‫صورة ‪.‬‬
‫ألوهية الله فممى ذلممك الممدين معناهمما السمملبية الكاملممة للنسممان ‪،‬‬
‫وحصر دوره – ل فى العبادة بمعناها الواسع ‪ ،‬أى على النحممو الممذى‬
‫قممرره السمملم ‪ ،‬والممذى يشمممل عمممارة الرض بمقتضممى المنهممج‬
‫الربانى – إنما فى الخضوع لقدر اللممه القممائم ‪ ،‬وعممدم العمممل علممى‬
‫تغيير شئ من الواقع المحيط بالنسان ‪ ،‬لن محاولة التغييممر – ولممو‬
‫إلى الحسن – تحمل فى طياتها " عدم الرضا " بالمر الواقع ‪ ،‬وهو‬
‫لون من التمرد على إرادة الله ل يقره ذلك الدين ‪.‬‬
‫ومن ثم فإن فاعلية النسان محصورة فى الطاعة للوامر اللهية‬
‫– كما تعرضها الكنيسة بمالحق أو الباطمل – ل تتعمداها إلمى النشماء‬
‫لنه ‪ ،‬ليس للنسان أن ينشئ شيئا من عند نفسه ‪ ،‬ولو كممان يلممتزم‬
‫فى هذا النشاء بالهدى الربانى ‪ .‬ومن ثم كذلك كان ثبممات الوضمماع‬
‫فى أوروبا فى العصور الوسطى لفترة طويلة من الزمان بكممل ممما‬
‫تحمممل مممن ألمموان الفسمماد السياسممى والقتصممادى والجتممماعى‬
‫والفكرى والروحى ‪ ..‬على أساس أنها قدر الله الذى ل يجوز للناس‬
‫تغييره ‪ ،‬إنما ينبغى الخضوع له والمحافظة عليه تقربا إلى الله !‬
‫‪m m m‬‬

‫هذا الدين بصورته تلك لم يكن هو الدين المنزل مممن عنممد اللممه ‪،‬‬
‫ولممم يكممن – كممما أسمملفنا – صممالحا للحيمماة ‪ .‬كممان لبممد مممن نبممذه‬
‫والنسلخ منه لكى تسير دفعة الحياة فى خطها الصحيح ‪.‬‬
‫ولقد كان عرى مقربة من أوروبا – بل فى جزء من أرضها – دين‬
‫آخر يقدم المنهج الصحيح للحياة ‪ ،‬فل هو دين أخروى بحممت بمعنممى‬
‫إهمال الحياة الدنيا ‪ ،‬ول هممو الممدين الممذى يفممرض السمملبية الكاملممة‬
‫علممى النسممان ‪ ،‬ويفممرض عليممه الخضمموع " للمممر الواقممع " وعممدم‬
‫التفكير فى تغييره ‪.‬‬
‫إنه دين يعمل للخرة من خلل العمل فى الممدنيا " الممدنيا مزرعممة‬
‫الخرة " ‪.‬‬
‫ممما‬ ‫ويبين أن العمل للخرة ل يعنى إهمال الحياة الممدنيا }َواب ْت َمِغ ِفي َ‬
‫ن الد ّن َْيا{ ]سممورة القصممص‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫خَرةَ َول َتن َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫آَتا َ‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ج ل ِعِب َممادِهِ َوالط ّي ّب َمما ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي أ َ ْ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫‪} [28/77‬قُ ْ‬
‫ة{‬ ‫مم ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ة ي َموْ َ‬ ‫صم ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫حَياةِ ال مد ّن َْيا َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬
‫ل هِ َ‬ ‫ق قُ ْ‬ ‫الّرْز ِ‬
‫]سورة العراف ‪[7/32‬‬
‫وهو دين يعمل لصلح الحياة الدنيا بإقامة المنهممج الربممانى الممذى‬
‫يأمر بالعدل والقسط ‪ ،‬كممما يممدعو إلممى الجهمماد لقامممة هممذا المنهممج‬
‫ومنع النحراف عنه ‪ ،‬ذلك النحراف الذى يممؤدى إلممى فسمماد الحيمماة‬
‫وإلى وقوع الظلم على الناس ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن ل ِي َُقو َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫}ل ََقد ْ أْر َ‬
‫الناس بال ْقسط وأ َنزل ْنا ال ْحديد فيه بأ ْ‬
‫م‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٌ‬ ‫د‬‫دي‬‫ِ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫س‬
‫ٌ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ َ‬ ‫ّ ُ ِ ِ ْ ِ َ َْ َ‬
‫زي مٌز )‪] {(25‬سممورة‬ ‫ه قَ موِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صُرهُ وَُر ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫الل ّ ُ‬
‫الحديد ‪[57/25‬‬
‫وهو دين يجعل للنسان إيجابية واسعة فى الرض ‪.‬‬
‫فقد خلقه الله ابتداء ليكون خليفة فى الرض ‪:‬‬
‫ل فِممي ال َ‬
‫ة{ ]سممورة‬ ‫خِليَف م ً‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫عم ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِن ّممي َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫البقرة ‪[2/30‬‬
‫ومممن شممأن الخلفممة الهيمنممة علممى الرض والسمميطرة عليهمما ‪،‬‬
‫والنشمماء والتعميممري فيهمما ‪ ،‬واسممتغلل الطاقممات المممذخورة فممى‬
‫السماوات والرض ‪ ،‬التى سممخرها اللممه للنسممان مممن أجممل عمممارة‬
‫الرض ‪ ،‬والمشى فى منمماكب الرض لسممتخلص الرزاق المكنونممة‬
‫فيها والظاهرة ‪:‬‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫من ال َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫شأ َك ُ‬‫َ‬ ‫}هُو َ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ه{‬ ‫ميعما ً ِ‬
‫من ْم ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ممما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُم ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه{ ]سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِ ِ‬
‫بل إن المنهج الربانى ذاته يستدعى إيجابية النسان لتنفيذه ‪ ،‬فهو‬
‫ل ينطبممق انطباقمما آليمما علممى الحممداث والشممياء ‪ ،‬بممل النسممان‬
‫المستبصر بالهدى الربممانى هممو الممذى يطبقممه ويجتهممد بفكممره ليضممع‬
‫تفصيلت تنفيممذه ‪ ،‬خاصممة وهممو منهممج حيمماة كامممل ‪ ،‬يشمممل الثممابت‬
‫والمتغير فممى حيمماة النسممان ‪ ،‬فلبممد أن يجتهممد علممى الممدوام ليضممع‬
‫للمتغير حل مستمدا من المبادئ الثابتة فى هذا المنهممج ‪ ..‬ومممن ثممم‬
‫يعمل النسان بإيجابيته الكاملة فى التنفيذ ‪ ،‬سواء إيجابيممة العزيمممة‬
‫اللزمممة لقامممة المنهممج والجهمماد لقممراره فممى الرض ‪ ،‬أو إيجابيممة‬
‫التفكير فى الوسيلة المثلى لقامته ‪..‬‬
‫بممل إن قممدر اللممه ذاتممه يجممرى مممن خلل أعمممال النسمان بممالخير‬
‫والشر سواء ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ذيَقهُ ْ‬ ‫س ل ِي ُم ِ‬‫دي الن ّمما ِ‬ ‫ت أي ْم ِ‬ ‫س مب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫}ظ َهََر ال َْف َ‬
‫ن )‪] {(41‬سورة الروم ‪[30/41‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫ممم ْ‬ ‫غدا ً ِ‬ ‫ة ي َأِتيَها رِْزقَُها َر َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِن ّ ً‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬ ‫تآ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مث َل ً قَْري َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫}وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ف بِ َ‬ ‫خ مو ْ ِ‬ ‫جوِع َوال ْ َ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫ذاقََها الل ّ ُ‬ ‫ت ب ِأن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ‬ ‫ن فَك ََفَر ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن )‪] {(112‬سورة النحل ‪[16/112‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َمذ ُّبوا‬ ‫ض وَل َك ِم ْ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ب ََرك َمما ٍ‬ ‫حن َمما عَل َي ْهِ م ْ‬ ‫ض ل ََفت َ ْ‬ ‫َوا َلْر ِ‬
‫ن )‪] {(96‬سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫َ‬
‫م{ ]سورة الرعد‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ما ب ِأنُف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫ما ب َِقوْم ٍ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫‪[13/11‬‬
‫وهذا الدين المذى يعطمى التمموازن الصممحيح بيمن المدنيا والخمرة ‪،‬‬
‫وبين فاعلية قدر الله وفاعلية النسان ‪ ،‬وبين العبوديممة الكاملمة للمه‬
‫واليجابية السوية للنسان ‪ ،‬هو الدين الصحيح الذى تصلح به الحياة‬
‫فى الرض ‪ ،‬وتستقيم به خطى البشر فى الحياة الدنيا " ‪. "1‬‬
‫ولكن أوروبا – بدافع العصبية الصليبية – أعرضت عن هممذا الممدين‬
‫واتجهت إلى الجاهلية الغريقية الرومانية ‪ ،‬تنتقم بهمما مممن الكنيسممة‬
‫" " انظر فصل التوازن فى كتاب خصائص التصور السلمى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ودينها الفاسممد الممذى يهمممل الحيمماة الممدنيا ويلغممى الوجممود اليجممابى‬
‫للنسان ‪.‬‬
‫وغذ كانت النهضة فى مجموعها " رد فعل " للكبت الواقع على "‬
‫النسان " بفعل التصور الكنسى للدين ‪ ،‬والممارسمة الكنسممية لمه ‪،‬‬
‫وإذ كان الغالب على ردود الفعل هو النممدفاع ل التعقممل ول التبصممر‬
‫ول الروية ول التزان ‪ ..‬فقد اندفعت أوروبمما فممى نهضممتها تنممزع مممن‬
‫طريقها كل معلم مممن المعممالم اللهيممة )سممواء كممانت إلهيممة حقمما أو‬
‫مدعاة من قبممل الكنيسممة( وتضممع مكانهمما معممالم بشممرية مممن صممنع‬
‫النسان ‪ ،‬كما تنزع من طريقها كل ما يتصل بالخرة لتضع بدل منممه‬
‫ممما يتصممل بالحيمماة الممدنيا ‪ ..‬وكممانت هممذه هممى بدايممة " العلمانيممة "‬
‫بالتعريف الوروبى ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫لقد اصبح الطابع المميز للفكر الوروبى منمذ النهضمة همو التممرد‬
‫على الدين والتمرد على الله ‪ ،‬وكان ذلك نابعا مممن تممأثيرين فممى آن‬
‫واحممد ‪ .‬التممأثير الول هممو روح رد الفعممل الممذى قممام ضممد الممدين‬
‫والكنيسة ‪ ،‬والثممانى هممو تممأثير الجاهليممة الغريقيممة فممى هممذا الشممأن‬
‫بالذات ‪.‬‬
‫فأما رد الفعل فقد أخذ صورة الخروج على كل ما كان سائدا من‬
‫قبل فى فترة السيطرة الكنسية ‪.‬‬
‫كان السائد هو أل يفكر النسان لنفسه فى شئ من الشياء إنممما‬
‫يأخذ الفكار جاهزة من الكتب المقدسة وشروحها عن طريق رجال‬
‫الدين ‪ ،‬سواء كانت الفكار متصلة بالعقيدة أو بأمر من أمور الدنيا ‪،‬‬
‫أو حتى أمور العلم كقضية شكل الرض ‪.‬‬
‫وغنى عن البيان أن هذا ليس الموقف الصحيح للنسان فى ظممل‬
‫الدين الصحيح " ‪ "1‬ولكن هكممذا كممانت الممارسممة الدينيممة فممى ظممل‬
‫الجاهلية الكنسية المنحرفة ‪ ،‬والتى من جرائهمما كممان لرجممال الممدين‬
‫كل ذلك النفوذ على عقول الناس وأرواحهممم ‪ ،‬فهممم الوسممطاء بيممن‬
‫الناس وبين الدين ومفاهيمه ‪ ،‬بل هم الوسطاء بين الناس وبين الله‬
‫‪ ،‬والنمماس – علممماء أو غيممر علممماء – ل يبحثممون فممى أى شممأن مممن‬
‫الشممؤون ليكونمموا فيممه رأيمما أو موقفمما ‪ .‬إنممما يسممألون رجممال الممدين‬
‫ليدلوهم على الرأى أو الموقممف الممذى ينبغممى عليهممم اتخمماذه ‪ .‬هممذا‬
‫بالضافة إلى أن المور التى يسألون عنها هى أول وقبممل كممل شممئ‬
‫" " سنعاود الحديث فى هذه النقطة فى هذا الفصل وفى فصل " العقلنية " كذلك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أمور " الخلص " ‪ .‬الخلص من أدران الحياة الممدنيا للحصممول علممى‬
‫رضوان الله فى الخرة ‪.‬‬
‫وكان رد الفعل إن النسان هو الذى ينبغى أن يستشار فى المور‬
‫كلها وليس الدين ‪ ،‬وأن العقل البشممرى هممو الممذى ينبغممى أن يكممون‬
‫صاحب القرار وليس الله ‪ ..‬ولو كان المر متعلقا بالعقيدة أو المور‬
‫الخروية ‪ .‬وبمقدار ما كان العقل مكبوتمما ومحجممورا عليممه ‪ ،‬انطلممق‬
‫هممذا العقممل يريممد أن يقتحممم كممل ميممدان ولممو كممان خارجمما عممن‬
‫اختصاصه ! يقتحمه بروح أنه هو صاحب الحممق الممذى كممان ممنوعمما‬
‫من حقه فهو يريد أن يؤكد هذا الحممق ‪ .‬ويقتحمممه بممروح الشممك ‪ ،‬أو‬
‫روح المحو لكل ما كان موجودا مممن قبممل ولممم يشممترك فيممه ‪ ،‬فهممو‬
‫يريد أن ينشئه من جديد سواء وافق ممما كممان موجممودا مممن قبممل أو‬
‫خالفه ‪ ،‬والجدر به أن يخالفه لكى يثبت وجوده ‪.‬‬
‫بهذه الروح بدأ الكتاب و" المفكممرون الحممرار " يهمماجمون فكممرة‬
‫اللوهية وينفون الرسالت والوحى ‪ ،‬وينفون الحيمماة الخممرة والجنممة‬
‫والنار ‪ ..‬ويقولون إن هذه كلها أوهام تبنتها البشممرية فممى غيبممة مممن‬
‫العقل ‪ ،‬والن وقد صحا العقل فقد آن الوان لنبممذها وتركهمما للهمممج‬
‫المتممأخرين ‪ ..‬وربممما كممان خيممر ممثممل لهممذا التجمماه هممو " فولممتير "‬
‫الكاتب الفرنسى الملحد المشهور ‪.‬‬
‫أما التأثير الثانى الذى أشرنا إليممه فهممو تممأثير الجاهليممة الغريقيممة‬
‫التى تصور العلقة بين البشر واللهة علقة صراع وخصام ل يفممتر ‪:‬‬
‫اللهة تريد أن تقهر النسان وتكبته وتحطمه لكممى ل يطمممح فممى أن‬
‫يكون مقتدرا مثلها ‪ ،‬فل تفتأ كلممما حقممق نجاحمما أن تصممب الكمموارث‬
‫فوق رأسه لكمى ل يسمتمتع بثممرات نجماحه ‪ ،‬وهمو ممن جمانبه دائم‬
‫التحدى لللهة ‪ ،‬كلما وقع فى حفرة من حفائرها عاد يستجمع قممواه‬
‫ليصارعها من جديد ‪ .‬وتكفى أسمطورة بروميمثيوس الشمهيرة لبيمان‬
‫هذا المعنى بصورة مباشرة ‪ ،‬إذ تزعم تلك السطورة أن " زيزس "‬
‫إله اللهة خلق النسان من قبضة من طين الرض ثممم سممواه علممى‬
‫النار المقدسممة )الممتى ترمممز إلممى المعرفممة( ثممم وضممعه فممى الرض‬
‫محاطمما بممالظلم )الممذى يرمممز إلممى الجهممل( فأشممفق عليممه كممائن‬
‫أسطورى يسمى بروميثيوس ‪ ،‬فسرق له النار المقدسمة لكمى ينيمر‬
‫له ما حوله ‪ ،‬فغضب زيوس على النسان وعلى بروميثيوس كليهممما‬
‫‪ .‬فأما بروميثيوس فقد وكل به نسرا يأكل كبده بالنهار ثم تنبممت لممه‬
‫كبد جديدة بالليل يأكلها النسر بالنهار فى عذاب أبدى !‬
‫وأما النسان فقد أرسل له زيزس " بانممدورا " )الممتى ترمممز إلممى‬
‫حواء( لكى تؤنس وحشته )فى ظاهر المممر !( وأرسممل معهمما هديممة‬
‫عبارة عن علبة مقفلة ‪ ،‬فلما فتحها إذا هممة مملمموءة بالشممرور الممتى‬
‫قفزت من العلبة وتنمماثرت علممى سممطح الرض لتكممون عممدوا دائممما‬
‫وحزنا للنسان !‬
‫ويشير جوليان هكسلى إشارة صريحة إلممى هممذه السممطورة فممى‬
‫كتابه " النسان فى العالم الحديث ‪" Man in the Modern World‬‬
‫فيقول إن موقف النسان الحديث هو ذات الموقف الذى تمثله هذه‬
‫السطورة ‪ ،‬فقد كان النسممان يخضممع للممه بسممب الجهممل والعجممز ‪،‬‬
‫والن بعد أن تعلم وسمميطر علممى الممبيئة فقممد آن لممه أن يأخممذ علممى‬
‫عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل فممى عصممر الجهممل والعجممز علممى‬
‫عاتق الله ‪ ،‬ويصبح هوة الله !!‬
‫من هذين التأثيرين معا انطلق الفكر " المتحرر " يهمماجم الممدين ‪،‬‬
‫ويصفه بأنه الغلل التى تغل الفكر عن النطلق ‪ ،‬والممتى ينبغممى أن‬
‫تحطم لكى يثبممت النسممان وجمموده ‪ ،‬ويقمموم بممدوره الممذى يجممب أن‬
‫يقوم به فى الرض !‬
‫‪m m m‬‬

‫وفى نفس الوقت اتجه الفكر المنسلخ من الدين إلى البحث عن‬
‫مصدر آخر للقيم النسانية غير الدين ! ذلك أن أوروبا لممم تكممن قممد‬
‫انسلخت بعد من القيم ذاتها كما حدث فيما بعد ‪ ،‬حيممن امتممد الخممط‬
‫المنحرف فازداد بعممدا وانحرافمما ‪ ،‬أو لممم تكممن قممد سممنحت الفرصممة‬
‫للشريرين أن يعلنوا الحرب المنظمة على كل مقومات " النسان "‬
‫كما سنحت لهم بعد ظهور الداروينية وإعلن حيوانية النسان !‬
‫ففى تلك الفترة وجد " الفكر الحر ! " أنه إن أقر بأن الممدين هممو‬
‫مصدر القيم النسانية فقد وجب عليه أن يحممافظ عليممه ول يهمماجمه‬
‫ول يسعى إلممى تحطيمممه ! فينبغممى إذن أن يبحممث ذلممك الفكممر عممن‬
‫مصدر آخر يستمد منه القيم ويسندها إليه ‪ ،‬لكى ل يقول أحد إنممه ل‬
‫يمكن الستغناء عن الدين ! وعلى هذا الضوء يمكننا فهم فلسممفة "‬
‫أوجست كومت " من ناحية ‪ ،‬وأفكار جممان جمماك روسممو مممن ناحيممة‬
‫أخرى ‪ .‬فكلهممما يجهمد نفسمه ليقممول للممذين يقفمون ممدافعين عمن‬
‫الدين ‪ :‬ها قد وجدنا مصدرا آخممر تنبممع منممه القيممم الضممرورية لحيمماة‬
‫النسممان غيممر الممدين ‪ ،‬وجممدناه فممى " الطبيعممة " وفممى " النفممس‬
‫البشرية " وهو مصدر أفضل – فممى إنبممات القيممم وترسمميخها – مممن‬
‫الدين ‪ ..‬فدعونا إذن من الدين ‪ ،‬وتعالوا معنمما إلممى تلممك المصممادر "‬
‫الحرة " التى يقبل عليها النسممان إقبممال " طبيعيمما " و" ذاتيمما " دون‬
‫أن يحس بالقهر المفروض عليه من قوة أعلى منه !‬
‫وفى الوقت ذاته اتجه هذا " الفكر المتحرر " إلى عبادة الطبيعممة‬
‫بدل من عبادة الله ‪ ،‬ونسبة الخلق إليها بدل مممن اللممه ‪ .‬وقممد تحممدثنا‬
‫منق بل عن هذا المر بما فيه الكفاية فل نعممود إلممى الحممديث فيممه ‪،‬‬
‫ولكن نضعه فقط فى مكانه من التسلسل التاريخى ‪.‬‬
‫وفى ذات الوقت كله اتجه الفممن إلممى مناجمماة الطبيعممة بممدل مممن‬
‫مناجاة الله ‪ ،‬وتأليهها بدل من تأليه الله " ‪. "1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ومضى الزمن فى خطممواته ‪ ،‬وجمماءت الثممورة الصممناعية ‪ ..‬وجمماء‬


‫مزيد من إبعاد الدين عن الحياة ‪.‬‬
‫ففى العهد الزراعى – أو القطاعى كما يسمونه – كان ممما يممزال‬
‫للدين نفوذ كبير فى حياة الناس ‪.‬‬
‫كان الملوك قد استقلوا عممن سمملطان البابمما ‪ ،‬وقممامت " علمانيممة‬
‫الحكم " بفصل الدين عممن السياسممة )أى إقصمماء رجممال الممدين عممن‬
‫التدخل فممى شممؤون السياسممة( ولكممن الكنيسممة كممان ممما يممزال لهمما‬
‫سلطان ضممخم علممى أخلق الممماس وعمماداتهم وأفكممارهم رغممم كممل‬
‫الصراعات وكل العتبارات ‪.‬‬
‫ولكن الثورة الصناعية أحممدثت – أو أريممد لهمما أن تحممدث – هممزات‬
‫عنيفة فى حياة الناس ‪.‬‬
‫ولقمد ممر بنمما فممى الفصممول السمابقة تفصمميل ممما صممنعت الثممورة‬
‫الصناعية فى حياة أوروبا ‪ ،‬ومما بنما ممن حاجمة إلمى إعمادته ‪ .‬ولكنما‬
‫نذكر مجرد تذكير بإخراج المرأة إلى العمل وإفساد أخلقها وإفساد‬
‫أخلق الرجل معها ‪ ،‬واستغلل قضية المساواة مع الرجل فى الجر‬
‫لبممث روح الصممراع فممى نفممس المممرأة وإحممراج صممدرها مممن قوامممة‬
‫الرجل والعمل فى البيت والتفرغ للمومة ‪ ،‬وما نتمج عمن ذلمك كلمه‬
‫ممن تحطيمم السممرة وتشممريد الطفمال والفوضمى الجنسمية ‪ ..‬المخ‬
‫ونسبة ذلك إلى التطور الذى يهدم ممما يشمماء مممن القيممم ويلغممى ممما‬
‫يشاء !‬
‫وكانت الطامة العظمى هى الداروينية وإبعمماد النسممان ذاتممه مممن‬
‫" " ليست مناجاة الطبيعة فى ذاتها انحرافا عن السلوك القويم فى عممالم الفممن ‪ ،‬بممل العكممس همو الصممحيح ‪ .‬فممالفن‬ ‫‪1‬‬

‫السليم لبد أن يلتفت إلى الطبيعة ويتفاعل معها ‪ .‬ولقد لفت القرآن الكريم حس المسلمين لفتا شديدا إلممى الطبيعممة‬
‫فى شتى مظاهرها من الجبال والنهار والوديان والزروع والرعد والبرق والسحاب والمطر والريح والسماء والرض ‪..‬‬
‫ولكن المناجاة شئ والتأليه الذى مارسته الفنون الوروبية العلمانية شئ آخر ‪.‬‬
‫عالم النسان وإلحاقه بعالم الحيوان ! فعندئذ لممم تعممد هنمماك حاجممة‬
‫إلى القيم أصممل ‪ ..‬ل الممدين ول الخلق ول التقاليممد المسممتمدة مممن‬
‫الدين ‪ ..‬فما حاجممة النسممان إلممى شممئ مممن ذلممك وهممو عريممق فممى‬
‫الحيوانية مستقر فى عالم الحيوان ؟!‬
‫ثم أتى على النسان حين من الممدهر لممم يعممد حممتى حيوانمما ! بممل‬
‫هبط عن ذلك دركات فأصبح جزءا من عالم المادة الصماء !‬
‫‪m m m‬‬

‫لم نكن هنا نستعرض خطوات العلمانية بالتفصيل ‪ ،‬فسيأتى شئ‬


‫من ذلك فيممما بعممد حيممن نتحممدث عممن علمانيممة السياسممة وعلمانيممة‬
‫القتصاد والجتماع والعلم والخلق والفممن ‪ ..‬ولكنمما أردنمما فقممط أن‬
‫نلفت النظر إلى حقيقة واقعة هى استمرار " النسان " فى الهبوط‬
‫كلما أمعن فى السير على الخط العلمانى ‪.‬‬
‫وأيا تكن السباب التى أدت بأوروبا إلى العلمانيممة فهممى كممما قلنمما‬
‫من قبل تفسر العلمانية ول تبررهما ‪ ،‬ول تممبرر بمالطبع نتائجهمما المتى‬
‫أدت إليها ‪ ،‬والتى بممدأ المفكممرون الغربيممون أنفسممهم يتنبهممون إليهمما‬
‫وينذرون نتائجها ‪ ،‬ولكن دون أن يعرجوا علممى السممبب الحقيقممى ول‬
‫العلج الحقيقى !‬
‫ولئن كانت الكنيسة هى المعتدية على الملوك والعلماء فى بممادئ‬
‫المر ‪ ،‬ممما أسمفر عمن العمداء بيمن المدين والسياسمة وبيمن المدين‬
‫والعلم ‪ ،‬فلم تكن هممى المعتديممة ول المتسممببة حيممن أقممامت الثممورة‬
‫الصممناعية اقتصممادياتها علممى الربمما ولجممت فيممه ‪ ،‬وحيممن سممقطت "‬
‫الخلق " واحدا إثر الخر ن حتى الخلق الممتى أقرهمما " المفكممرون‬
‫الحرار " فى مبدأ عهدهم يناصبون الكنيسة العمداء ‪ ،‬ويبحثممون عمن‬
‫مصدر آخر للقيم غير الدين !‬
‫إنممما اسممتمرأ القمموم الفوضممى الخلقيممة وأمعنمموا فيهمما ل للممدوافع‬
‫القديمة التى دفعتهم للخروج على الدين أول مرة ‪ ،‬وكلن لن هممذه‬
‫هى طبيعة السير على المنزلق ‪ ..‬كل خطوة تصبح أشد هبوطا مممن‬
‫السممابقة ‪ ..‬وهممذه طبيعممة الحيمماة حيممن يكممف النمماس عممن المممر‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر ‪ ..‬يممزداد المنكممر وينتفممش ويسممتفحل‬
‫حتى يصبح هممو الصممل ‪ ،‬أو حممتى يصممبح المعممروف منكممرا والمنكممر‬
‫معروفا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ومن أجل ذلك‬
‫لعن الذين كفروا من بنى إسممرائيل علممى لسممان داود وعيسممى ابممن‬
‫مريم ‪:‬‬
‫سممى‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سمما ِ‬‫ل عَل َممى ل ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫}ل ُعِ َ‬
‫ن‬
‫ن ع َم ْ‬ ‫ن )‪ (78‬ك َمماُنوا ل ي َت َن َمماهَوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬‫وا وَ َ‬ ‫ص ْ‬‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ ِ‬
‫ن )‪] {(79‬سممورة المممائدة ‪-5/78‬‬ ‫كاُنوا ي َْفعَل ُممو َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫‪[79‬‬
‫ويجممدر بنمما الن علممى أى حممال أن نسممتعرض الصممورة الراهنممة‬
‫للعلمانية فممى أوروبمما فممى مجممالت الحيمماة المختلفمة ‪ ،‬ل علممى أنهمما‬
‫الصورة الخيرة التى ستقف عندها ! فهى ل تقف عند هذا الحد من‬
‫السوء ‪ ،‬وإن لم يكن فى وسع الخيال أن يتصور ما هو أسوأ ‪ ،‬ولكن‬
‫لنقيس المسافة بين الصل الذى كان ينبغى وبيممن ممما وصمملت إليممه‬
‫المور حين قال النسان لنفسه ‪ :‬لقد شب النسان عن الطوق ولم‬
‫يعد فى حاجة إلى وصاية الله !‬
‫)‪ (1‬فى السياسة ‪:‬‬
‫لم تكمن السياسمة ممن أول عهمدها فمى المبراطوريمة الرومانيمة‬
‫محكومة بالشريعة المنزلة مممن عنممد اللممه ‪ ،‬وإن وقعممت لفممترة مممن‬
‫الوقت تحت سلطان البابوات ورجال الدين ‪ ،‬يفرضون على الملوك‬
‫أن ينزلوا على إرادتهم على اعتبار أن إرادتهم من إرادة الله ‪.‬‬
‫فقد بينا من قبل أن الفصل بين الدين والسياسة كمان قائمما ممن‬
‫أول اعتناق الدولة الرومانية للمسيحية ‪ ،‬إذ اعتنقتها عقيممدة فقممط ‪،‬‬
‫ولم تأخذ من الشممريعة إل ممما يتعلممق بممالحوال الشخصممية ‪ ،‬وبقيممت‬
‫المور الجنائية والمور المدنية وعلقة الحاكم بالمحكوم وغيرها من‬
‫شممؤون الحيمماة الواقعممة يحكمهمما القممانون الرومممانى ول تحكمهمما‬
‫الشريعة المنزلة فى التوراة والمعدلة تعديل جزئيا بالنجيل ‪:‬‬
‫م‬ ‫ح مّر َ‬
‫ذي ُ‬ ‫ض ال ّم ِ‬ ‫م ب َعْ م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَل ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫}وَ ُ‬
‫م{ ]سورة آل ‪[3/50‬‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ل‬‫ممما َأن مَز َ‬‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫ل بِ َ‬‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬‫لا ِ‬ ‫م أ َهْ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫}وَل ْي َ ْ‬
‫ن )‪] {(47‬سورة المائدة ‪[5/47‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ولكن الكنيسة مع رضاها بهذا المر – المخمالف لممر اللمه – فمى‬
‫أيام ضعفها ‪ ،‬لم تحاول فى أيمام سملطانها وسمطوتها أن تعمود إلمى‬
‫الوضع الدينى الصحيح ‪ ،‬فتلممزم الملمموك والبمماطرة أن يحكممموا بممما‬
‫أنزل الله ‪ ،‬وهى تمارس عليهم من السمملطان مل يسممتطيعون معممه‬
‫مخالفتهمما أو الخممروج علممى أمرهمما ‪ ،‬بممل اسممتغلت سمملطانها فممى‬
‫إخضاعهم لهوائها الخاصة ‪ ،‬بينما تركتهم يحكمون بغير ما أنزل الله‬
‫وهى راضية عنهم كل الرضا ماداموا يخضعون لوامرهمما ‪ ،‬وهممذا هممو‬
‫الذى تسميه أوروبا الحكممم الممدينى أو الممثيوقراطى وممما أبعممده عممن‬
‫الدين !‬
‫صحيح أن إخضاع الكنيسة الملوك والباطرة لهوائها الذاتية كممان‬
‫يتم باسم الدين وتحت شعاراته ‪ ،‬ولكن هذا ل يكفى لعتباره حكممما‬
‫دينيمما ممما دام ل يحكممم بممما أنممزل اللممه ‪ .‬ولكممن الحممس الوروبممى‬
‫المضممطرب يخلممط بيممن الممدين ورجممال الممدين نتيجممة اتخمماذ الحبممار‬
‫والرهبان أربابا مممن دون اللممه ‪ ،‬واعتبممار أعمممالهم وأقمموالهم أعمممال‬
‫دينية وأقوال دينية ولو كانت بعيدة كل البعد عن حقيقة الدين !‬
‫مهما يكن من امممر فقممد اسممتطاعت الكنيسممة بنفوذهمما أن تجعممل‬
‫الملوك والباطرة طوع إرادتها ‪ .‬وأعلن البابا " نقممول الول " )‪858‬‬
‫– ‪867‬م( بيانا قال فيه ‪:‬‬
‫" إن ابن الله أنشأ الكنيسة بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس‬
‫لها ‪ .‬وإن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس فى تسلسل مسممتمر‬
‫متصل ‪) ..‬ولذلك( فإن البابا ممثل الله علممى ظهممر الرض يجممب أن‬
‫تكون له السيادة العليا والسلطان العظم على جميع المسمميحيين ‪،‬‬
‫حكاما كانوا أو محكومين " ‪.‬‬
‫وأعلن البابا جريجورى السابع )تولى البابوية ‪" (1085 – 1073‬‬
‫أن الكنيسة بوصفها نظاما إلهيا خليقة بممأن تكممون صمماحبة السمملطة‬
‫العالمية ‪ ،‬ومن حق البابا وواجبه – بصفته خليقة اللممه فممى أرضممه –‬
‫أن يخلع الملوك غيممر الصممالحين وأن يؤيممد أو يرفممض اختيممار البشممر‬
‫للحكام أو تنصيبهم حسب مقتضيات الحوال "‬
‫ولم يكن ذلك كلما فى الهواء ‪ ،‬إنما كان واقعا عاشته أوروبا عدة‬
‫قرون ‪..‬‬
‫وابممرز المثلممة الممتى يرويهمما التاريممخ الوروبممى ممما حممدث بيممن "‬
‫جريجورى السابع " هذا والمبراطور اللمانى " هنرى الرابممع " مممما‬
‫أشرنا إليه مممن قبممل ‪ " ،‬إذ أن خلفمما نشممب بينهممما حممول مسممألة "‬
‫التعيينات " أو ما يسمى " التقليد العلمانى " فحاول المممبراطور أن‬
‫يخلع البابا ‪ ،‬ورد البابا بخلع المبراطور وإصدار قرار حرمان ضممده ‪،‬‬
‫كما أحل اتباعه وأمراء مملكته من ولئهم لممه وألبهممم عليممه ‪ .‬فعقممد‬
‫المممراء مجمعمما قممرروا فيممه أنممه إذا لممم يحصممل المممبراطور علممى‬
‫المغفرة لدى وصول البابا إلى ألمانيا فإنه سيفقد عرشه إلى البد ‪،‬‬
‫فوجد المبراطور نفسه مضطرا إلى استرضاء البابا ‪ ،‬ولممم يسممتطع‬
‫أن ينتظر حتى يصل البابا إلى ألمانيا ‪ ،‬فسافر إليه فممى " كانوسمما "‬
‫وظل واقفا فى الثلج فى فناء القلعة ثلثة أيام فممى لبمماس الرهبممان‬
‫متدثرا بالخيش حافى القدمين عارى الراس حتى تعطف عليه البابا‬
‫ومنحه مغفرته !‬
‫وفممى بريطانيمما حصممل نممزاع بينالملممك " هنممرى الثممانى " وبيممن "‬
‫توماس بكت " رئيس أساقفة كنتربرى بسبب دستور رسمه الملممك‬
‫يقضى على كثير من الحصانات التى يتمتع بها رجال الدين ‪ ،‬ثممم إن‬
‫رئيس الساقفة اغتيل فثممارت المسمميحية علممى هنممرى الثممانى ثممورة‬
‫عنيفة ‪ ،‬فاعتزل الملك فى حجرته ثلثة أيام ل يذوق فيهمما الطعممام ‪،‬‬
‫ثم أصدر أمره بالقبض على القتلة وأعلن للبابا براءته من الجريمممة‬
‫وألغى الدستور ‪ ،‬ورد إلى الكنيسة كل حقوقهمما وأملكهمما ومممع ذلممك‬
‫لم يحصل على المغفرة حتى جاء إلى كنتربرى حاجا مظهرا ندمه ‪،‬‬
‫وسار الميال الثلثة الخيرة من الطريق على الحجر الصوان حافممة‬
‫القدمين حتى دميممت قممدماه ‪ ،‬ثممم اسممتلقى علممى الرض أمممام قممبر‬
‫رئس الساقفة المقتول وطلب من الرهبان أن يضممربوه بالسممياط ‪،‬‬
‫وتقبل ضممرباتهم وتحمممل كممل الهانممات فممى سممبيل استرضمماء البابمما‬
‫واتباعه " ‪"1‬‬
‫ولكن الملوك والبمماطرة أخممذوا آخممر المممر يتمممردون علممى ذلممك‬
‫السلطان القاهر الذى تستذلهم به الكنيسة ‪ ،‬ويطالبون " بالسمملطة‬
‫الزمنيممة " خالصممة لهممم علممى أن تقتصممر الكنيسممة علممى السمملطة‬
‫الروحية فحسب ‪ ،‬وكان مسممتندهم فممى ذلممك نظريممة الحممق اللهممى‬
‫المقدس ‪.‬‬
‫يقممول رنممدال )ج ‪ – 1‬ص ‪ 277‬مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب "‬
‫تكوين العقل الحديث " ( ‪:‬‬
‫" نشأت نظرية الحق اللهممى للملمموك فممى أول عهممدها كمحاولممة‬
‫لتحرير الحكومة المدنية ‪ ،‬أو العلمانية من رقابة البابا والكهنة ‪ .‬كما‬
‫أنها كانت ردا علممى دعممواه أن لممه حقهمما إلهيمما فممى السمميطرة علممى‬
‫المور الزمنية " ‪.‬‬
‫ونظرية الحق اللهى تستند بممدورها إلممى نظريممة رومانيممة قديمممة‬
‫تعرف بنظرية العقد الجتماعى ‪.‬‬
‫يقول راندال )ج ‪ – 1‬ص ‪ 281‬من الترجمة العربيممة مممن المصممدر‬
‫السابق( ‪:‬‬
‫" تعود أصول فكرة العقد الجتماعى إلى الفكمر الروممانى وفكمر‬
‫القرون الوسطى معا ‪ .‬وقممد كممانت المبراطوريممة الرومانيممة – كممما‬
‫ضمنت فى مجلة الحقوق المدنية – على القممول بممأن كممل السمملطة‬
‫وكل حق فى وضممع القمموانين يعممودان للشممعب الرومممانى ‪ ،‬غيممر أن‬
‫" " عن كتاب " قصة الحضارة " لول يورانت ترجمة محمد بدران ‪ ،‬ج ‪ – 15‬ص ‪. 197 ، 194‬‬ ‫‪1‬‬
‫الشعب تنازل بموجب قانون شهير عن هذه الحقمموق للمممبراطور ‪،‬‬
‫وهممو تفسممير طممبيعى لمجممرى التاريممخ الرومممانى ‪ ،‬فجميممع حقمموق‬
‫الشممعب الرومممانى وجميمع سملطاته انتقممت إلمى المممبراطور ‪ ،‬ولمه‬
‫وحده حق " إصدار " القمموانين وحممق تفسمميرها ‪ .‬وعنممدما تممم إحيمماء‬
‫القانون الرومانى فى القرون الوسطى ‪ ،‬انتبه المبراطور إلى هممذه‬
‫النظرية واتخذها سلحا ضد سميطرة الكنيسمة ‪ ،‬ثمم تبعمه فمى ذلمك‬
‫جميع المراء ‪ .‬وهكذا نشأت نظرية العقد الجتماعى القائلة بأن كل‬
‫سلطة مدنية ترتكز فممى أساسممها علممى الشممعب ‪ ،‬وأن الشممعب قممد‬
‫حولها إلى الحاكم ليمكنه مممن القيممام ببعممض الوظممائف الضممرورية ‪.‬‬
‫ومن الواضح أنهمما نظريممة ذات حممدين ‪ ..‬فقممد تفسممر لتأكيممد سمملطة‬
‫الحاكم الشاملة باعتباره مصدر جميع السمملطات ‪ ،‬أو لتأكيممد سمميادة‬
‫الشعب الساسية باعتباره المصدر الخير لتلك السلطة ‪" ..‬‬
‫وكان " مكيافيللى " و" هوبز " من أشممهر المممدافعين عممن الحممق‬
‫اللهى المقدس ‪ ،‬وعن استبدادية الحكام ‪.‬‬
‫ويهمنا مكيافيللىهنا أكثر ‪ ،‬لنه علم على اتجاه معين فى السياسة‬
‫الوروبية نلحظ آثاره بشدة فى أوروبا العلمانية المعاصرة ‪.‬‬
‫هناك حقيقة أكدناها مممرارا أن الحكممم بممما أنممزل اللممه لممم تعرفممه‬
‫أوروبا المسيحية فى أى يوم من اليام ‪ ،‬وأن علمانية الحكم – بهممذا‬
‫المعنى – قائمة فى أوروبا منذ اعتنقت المسمميحية ‪ .‬ولكممن هممذا لممم‬
‫ينممف – كممما بينمما مممرارا كممذلك – أنممه كممان للكنيسممة ورجالهمما نفمموذ‬
‫شخصممى علممى الملمموك والمممراء طيلممة اجتممماع السمملطة الزمنيممة‬
‫والسلطة الروحية فى يد الكنيسة ‪ .‬وفى تلك الفترة لم يكن الحكم‬
‫دينيا بمالمعنى الصمحيح – وإن سممته أوروبما كمذلك – لنمه لمم يكمن‬
‫يحكممم بممما أنممزل اللممه ل مممن قبممل الملمموك والمممراء ول مممن قبممل‬
‫الكنيسة المسيطرة عليهم ‪ .‬ومع ذلك فقد كان هممذا النفمموذ الممدينى‬
‫الذى تمارسه الكنيسة على الحكام يلزم هؤلء الحكام بشممئ مممن "‬
‫أخلقيات " المسيحية رضوا أم كرهوا ‪ ،‬عممن إيمممان حقيقممى أم عممن‬
‫ملق للروح المسيحية ونفاق ‪..‬‬
‫وليممس معنممى ذلممك أن الحكممام الممتزموا دائممما بتلممك الخلقيممات‬
‫المسمميحية ‪ ،‬فكممثيرا ممما كممانوا يخالفونهمما ‪ ،‬ولكنهممم كممانوا يحسممون‬
‫بالحرج من مخالفتها ‪ ،‬ويعتذرون دائما عن المخالفة بشتى المعاذير‬
‫‪.‬‬
‫فالذى صنعه ميكافيلى هو تعريممة " السياسممة " مممن ذلممك القنمماع‬
‫الخلقى المستمد من الدين ‪ ،‬وكشفها عارية من كممل أثممر لممدين أو‬
‫الخلق !‬
‫جاء يشرع الجريمممة السياسممية ويجعلهمما أصممل ينبغممى للحكممام أن‬
‫يتبعوه !س‬
‫ولقد كان الحكام – إل مممن رحممم ربممك – يسممرون فممى سياسممتهم‬
‫على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة ‪ ،‬والغاية طبعا هى غايتهم هم !‬
‫ولكنهممم كممانوا – حيممن يسممتخدمون الوسممائل غيممر النظيفممة لتحقيممق‬
‫غاياتهم غير النظيفة – يستترون وراء عبارات براقة تحوى كل نبيممل‬
‫منا لقيم والمبادئ والخلقيات ‪ ،‬أما مكيافيللىفإن الجديد الممذى أتممى‬
‫به – وهممو خطيممر فممى ذاتممه – أنممه أعطممى الوسممائل الخسيسممة فممى‬
‫السياسة شرعية صريحة ل مواربة فيها ول إنكار ‪.‬‬
‫ولقائل أن يقول ‪ :‬وماذا أضاف مكيافيللى من عنده إلى الواقع ؟‬
‫ألممم يكممن الواقممع خسيسمما فممى غايمماته ووسممائله ؟ فكممل ممما فعممل‬
‫مكيافيللى أنه كان صريحا بالدرجة التى كشف بها القناع عن الواقع‬
‫المزيف وجعله حقيقة واقعة !‬
‫نعم ‪ :‬ولكن الفارق – العملى – كبير !س‬
‫وقد ل يتضح الفرق فى البداية لن البدايممة تكممون مجممرد مطابقممة‬
‫النظرية للواقع الموجود بالفعل ‪ .‬ولكن الفارق يتبين – ويزداد – مممع‬
‫التطبيق ‪.‬‬
‫حيممن ترتكممب المنكممر وأنممت شمماعر بممأنه منكممر ‪ ،‬فستقتصممد فممى‬
‫ارتكابه فل تلجأ إليه إل تحت ضغط قاهر ‪ ،‬وستقف فى ارتكابه عنممد‬
‫الحد الذى ترى أنه ل يطيح بسمعتك كلها أمام الناس ‪ ،‬وقممد تحمماول‬
‫الرجوع عنه فى يوم من اليام ‪ .‬أما حين يكتسب المنكر فى حسك‬
‫الشرعية فلممماذا تقتصممد فممى ارتكممابه ‪ ،‬ولممماذا تقممف عنممد حممد مممن‬
‫الحدود ؟!‬
‫إنها هى ذاتها حكمة وقوع اللعنة على الذين ل يتناهون عن منكممر‬
‫فعلوه ‪ ..‬لنهم ل يقفون فى ارتكاب المنكر عند حد معلوم ‪.‬‬
‫وحقيقة إن كتاب " المير " الممذى ألفممه مكيممافيللى وأعطممى فيممه‬
‫الشرعية للوسممائل الخسيسممة الممتى يسممتخدمها الحمماكم مممن كممذب‬
‫وغش وخديعة وقتل وسفك دماء ‪.‬ز قد قوبل باستنكار عنيف وقممت‬
‫ظهوره ‪ ،‬لن أوروبا – كما أسلفنا – كانت نافرة من الدين منسمملخة‬
‫منه ‪ ،‬ولكنها ما تزال تعترف " بممالقيم " ‪ ،‬وتحمماول الحفمماظ عليهمما ‪،‬‬
‫ولكن بشرط العثور على منبع آخر لها غير الدين ‪ ..‬ومن ثم ظهرت‬
‫عدة نظريات تحاول أن تجعل للحكم " أخلقا " ولكنها غير مستمدة‬
‫من الدين ‪ ،‬كما فعل جان جاك روسو فى حديثه عممن نظريمة العقممد‬
‫الجتماعى وأوجست كومت فى فلسفته الوضعية ‪..‬‬
‫ولكن المنزلق " العلمممانى " كممان لبممد أن يأخممذ طريقممه ‪ ..‬فمنممذ‬
‫استقلت السياسة عن الدين واستقلت عن الخلق المسممتمدة مممن‬
‫معين الدين ‪ ،‬لم يكن من الممكن أن تظل لها أخلق !‬
‫والقرن – الجاهلى – العشرون خير نموذج لما نقول ‪ ،‬فقد قامت‬
‫فى هذا القرن أبشع دكتاتوريات التاريخ !‬
‫ونظرة إلى وقممع ايممام موسممولينى وهتلممر ‪ ،‬وممما وقممع فممى الممدول‬
‫الشيوعية منذ الثورة الشيوعية حتى اليوم ‪ ،‬كفيلة بأن ترينا إلمى أى‬
‫مدى انحدرت السياسة " العلمانيممة " فممى تممبرير الوسمميلة بالغايممة ‪،‬‬
‫وكلتا الوسيلة والغاية ما أنزل الله بها من سلطان !‬
‫فممى فاشممية موسممولينى ونازيممة هتلممر كممانت الغايممة هممى التجمممع‬
‫القومى والعزة القوميممة وإحلل قوميممة كممل منهممما مكانهمما " تحممت‬
‫الشمس " !‬
‫وفى سبيل هذه الغاية )الممتى قممد تكممون مشممروعة فممى ذاتهمما إذا‬
‫خلت من العدوان على الخرين( استباح كل من الرجليممن أن يقتممل‬
‫ألوفا ومئات اللوف من المعارضين باسممم " حركممات التطهيممر " و"‬
‫وحدة الصف " و" القضاء على الثورة المضممادة " و" القضمماء علممى‬
‫الطابور الخامس " وما أشبه ذلك من التعلت ‪ .‬وفتحت معسمكرات‬
‫التعذيب ‪ ،‬وذاق الشعب كله ويلت الجاسوية والرهاب ‪.‬‬
‫وفى التورة الشيوعية كانت الغايممة إزالممة الظلممم )!!( الممذى يقممع‬
‫على الناس من جراء الملكية الفرديممة والصممراع الطبقممى واسممتئثار‬
‫الطبقة المالكة بالحكم والسمملطان والمنممافع علممى سممحاب الطبقممة‬
‫الكادحة ! وقد مر بنا فى فصمل الشميوعية وصمف العمدل )!( المذى‬
‫طبقتممه الشمميوعية ‪ ،‬والوسممائل النبيلممة )!( الممتى طبقممت بهمما ذلممك‬
‫العدل ‪ ،‬ومن بينها ذبح ثلثة ملييممن ونصممف مليممون مممن المسمملمين‬
‫فى عهد رجل واحمد ‪ ..‬وإخضماع الشمعب كلمه للموان ممن الرهماب‬
‫نادرة فى التاريخ !‬
‫أما الديمقراطية اللبيرالية الرأسمممالية فهممى الممتى تبيممح احممتراف‬
‫المعارضة واحتراف التأييد بحسب موضع كل حزب منا لحكم ‪ :‬هممل‬
‫هو بداخله أم خارجه ‪ ،‬بصرف النظر عن الحممق والعممدل والمصمملحة‬
‫الوطنية أو القومية ‪ ..‬وتبيح الكذب من الساسة على شممعوبهم فممى‬
‫الدعاية النتخابية )وغير النتخابية( وتبيح اسممتخدام وسممائل اسممتراق‬
‫السمممع بحجممة المحافظممة علممى المممن ‪ ،‬وهممى تقمموم أساسمما علممى‬
‫مسمماندة الطبقممة الرأسمممالية فممى امتصمماص دممماء الكممادحين وإن‬
‫أخرجت ذلك كلممه فممى مسممرحية طريفممة اسمممها " الحريممة والخمماء‬
‫والمساواة " ! وهذا كله فى السياسة الداخلية ‪..‬‬
‫أما فى السياسة الخارجية فالمر أدهى وأمر ‪.‬‬
‫فالقرن الجاهلى العشرون هممو الممذى شممهد ابشممع حممالت قممانون‬
‫الغاب ‪ :‬القوى يأكل الضعيف !‬
‫فى حربين عالميتين متتاليتين شهد الناس أفظممع فنممون العممدوان‬
‫فى التاريخ ‪ ،‬من غازات سامة وقنابل محرقة وتدمير جماعى وقتممل‬
‫للنسمماء والطفممال والشمميوخ والمممدنيين غيممر المحمماربين ‪ ..‬إلممى أن‬
‫كانت القمة قنبلتى هيروشيما ونجازاكى الذريتين ‪ ،‬اللتين ما تممزالن‬
‫حتى اليوم بعد أربعين سنة من إلقائهما تنتجان أجنة مشمموهة بفعممل‬
‫الشعاع الذى السام ‪ ،‬وذلك غير الخراب المدمر الذى أحدثتاه وقت‬
‫إلقائهما فى مساحة كبيرة من الرض قتلتا فيها كل مممن عليهمما مممن‬
‫الحياء من البشر والدواب والشجر ‪ ،‬وحرمتا الحياة فيها لجممل غيممر‬
‫معلوم !‬
‫والقنبلة الذرية لعبة صغيرة إلى جوار المممدمرات الممتى اخممترعت‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬والتى تهدد الحياة فى أى حرب تالية تقوم بيممن الجيمموش‬
‫ويصلها الدميون !‬
‫وذلممك إلممى إباحممة الكممذب الممدولى والخيانممة علممى أنهممما عملممة "‬
‫شرعية " فى عالم السياسة الدولية !‬
‫تبرم المعاهدات لكى تنقض ! ويعلمم الممبرمون جميعما أنهما حمبر‬
‫على الوراق ! وأنه لن يتقيد بهمما أى طممرف إل ريثممما يجممد الفرصممة‬
‫السانحة للخروج عليها وإلقائها طعمة للنيران !‬
‫وتتكون عصبة للمم وهيئة للمم كلتاهما ستار للسياسة العدوانية‬
‫التى تتخذها " الدول العظمى " ضد الدول الصغار ! وانظممر موقممف‬
‫هيئة المم " الموقرة " من أية قضية يكون المسلمون طرفمما فيهمما‬
‫أمام غير المسلمين ! يقع العدوان علممى المسمملمين فممى أى مكممان‬
‫فمى الرض فتمممرره الهيئة المموقرة باحتجمماج شمفوى علمى أقصممى‬
‫تقدير ل يغير شيئا من الواقع ول يسمن ول يغنى مممن جمموع ! ويقممع‬
‫الدفاع من المسلمين ضد أى عدوان واقع عليهم فتجنممد هيئة المممم‬
‫قواتها لتأديب المدافعين ! لنهم تجرءوا فردوا على المعتدين !س‬
‫وذلك بخلف الوسائل الفردية التى تستخدمها " الدول العظمى !‬
‫" بطريقها المباشر لتنفيذ " غاياتها " النبيلة !‬
‫حين قامت ثورة المجر سممنة ‪ 1956‬ميلديممة وجممدت روسمميا فممى‬
‫نفسها من " النيل " ما تحرك به الدبابات الشاهقة تهدم به الممبيوت‬
‫على أصحابها أحياء وتردمهم فى الركممام لنهممم تجممرءوا فطلبمموا أن‬
‫يمنحوا حرية التصرف بأنفسهم فى أمر أنفسهم دون وصاية الدولممة‬
‫الروسية عليهم ‪ ..‬فهل تقمماوم الممردة إل بالقتممل الجممماعى ؟! إل أن‬
‫تكون ردة عن دين الله ! فما أشد همجية المقاتلين يومئذ إذا قاموا‬
‫يقاتلون المرتدين ويدعونهم إلى الرجوع فى دين الله !‬
‫كذلك حين قام الفغانيون يقولون نريد أن تكون لنمما الحريممة فممى‬
‫أن تكون مسملمين ! فممما " أنبممل " الجيموش الروسممية المتى تصمب‬
‫فوقهم القنابل السامة وقنابممل النابممالم والتممدمير الجممماعى للقممرى‬
‫وتحريق المزروعات مممن الجممو وحممرب الجراثيممم وكممل محممرم فممى‬
‫عرف " النسان " ‪..‬‬
‫أما المخممابرات المريكيممة فممالرض كلهمما مجممال لمؤامراتهمما بغيممر‬
‫حساب ‪..‬‬
‫نريد انقلبا هنا ‪ ..‬ونريد تغييرا هناك !‬
‫وسرعان ما تنقلب الرض وتتغير الحوال !س‬
‫وكل الوسائل حلل !‬
‫الكذب والغش والتصفية الجسدية وشراء الضمائر بالمال !‬
‫المهممم أن تنفممذ الغايممة ‪ ..‬والغايممة والوسمميلة كلتاهممما غارقممة فممى‬
‫الوحال !‬
‫يقول كاتب غربى مشيرا إلى هذه الحقائق بلسان ساخر ‪:‬‬
‫" بعض الناس يقض مضاجعهم ما يقترفه العالم الرأسمممالى مممن‬
‫جرائم وآثام ‪ ،‬فيظلون عميا ل يممرون جممرائم البلشممفية وإفلسممها ‪..‬‬
‫وكثير منهم يستغلون نقائض العممالم الغربممى ليصممرفوا النتبمماه عممن‬
‫فظائع موسكو البشعة ‪ ..‬أما أنا فأقول ‪ :‬لعن الله كليهما " " ‪"1‬‬
‫)‪ (2‬فى القتصاد ‪:‬‬
‫لم يكن النظام القطاعى متمشيا مع الدين الربممانى فممى صممورته‬
‫ومضمونه ‪ ،‬وال كانت فيه أى ذرة من العدل ‪ ،‬وإن كممانت الكنيسممة‬
‫أوهمت الناس أنه هو النظام الربانى الدائم الثممابت الممذى ل يتغيممر ‪،‬‬
‫لن أوضماع النمماس فيممه هممى الوضمماع الممتى قممدرها اللمه منممذ الزل‬
‫ورضى عنها ‪ ،‬واقتضت مشيئته أن يظممل النمماس عليهمما إلممى البممد !‬
‫وأنه من رضممى بممما فيممه مممن همموان ومذلممة وشمظف ومشممقة فقممد‬
‫استحق من الله الجنة والرضوان !‬
‫ولكممن النمماس حيممن خرجمموا مممن الممدين علممى خممط العلمانيممة لممم‬

‫" " من كلم " لويس فيشر " فى كتاب " الصنم الذى هوى " )ترجمة فؤاد حمودة( ‪ ،‬ص ‪ 274‬من الترجمة العربيممة(‬ ‫‪1‬‬

‫عن كتاب العلمانية تأليف ‪ :‬سفر عبد الرحمن الحوالى ‪.‬‬


‫يسممتبدلوا بالقطمماع ممما هممو خيممر منممه ‪ ،‬سممواء فممى الرأسمممالية أو‬
‫الشيوعية ‪ ،‬بل ظلوا ينتقلممون مممن جاهليممة إلممى جاهليممة حممتى هممذه‬
‫اللحظة ‪ ،‬وكلما حاولوا أن يصلحوا الظلم جاءوا بظلم جديممد ‪ .‬وهممذا‬
‫هو شأن البشممر دائممما حيممن يشممرعون لنفسممهم ويرفضممون الهممدى‬
‫الربانى ‪ ،‬ينقسمون أول إلى سادة وعبيد ‪ ،‬سادة فى أيممديهم المممال‬
‫والسلطان ‪ ،‬يشممرعون ‪ ،‬وحيممن يشممرعون فممإنهم يضممعون القمموانين‬
‫التى تضمن مصلحتهم وتسخر الخرين لهم ‪ ،‬وعبيد ليس فى أيديهم‬
‫مال ول سلطان ‪ ،‬فل يشرعون ‪ ،‬إنما يقع عليهم ممما يضممعه السممادة‬
‫مممن تشممريعات ‪ ،‬ويسممخرون – رضمموا أم أبمموا – لمصمملحة أصممحاب‬
‫السلطان ‪ ..‬ومن جهة أخرى يصيبهم الخبممل والضممطراب والتخبممط‬
‫نتيجة القصور البشرى والجهل البشرى والعجز عن الحاطة والعجز‬
‫عن رؤية المستقبل الذى ينبنى على الحاضر ‪ ،‬نعم ‪ ،‬ولكنه مع ذلممك‬
‫غيب ل يمكن التنبؤ به عن يقين ‪.‬‬
‫ولم يكن القطاع – كما أسلفنا – نظاما ربانيا ‪ ،‬ول كانت فيممه ذرة‬
‫من عدل ‪ ..‬ولكن النفوذ الذى كان للدين على القلوب – مع كل ممما‬
‫كان فى ذلك الدين من تحريفات ‪ ،‬وفى أهله من فساد – كممانت لممه‬
‫جملة من الثار فممى أهممل الريممف الووربممى الممذى يعيممش فممى ظممل‬
‫القطمماع ‪ .‬فمممن جهممة كممان عنممد النمماس " أخلق " يتعمماملون بهمما ‪،‬‬
‫مستمدة من تعاليم ذلك الدين ‪ ،‬وكانت هذه الخلق أبرز ممما تكممون‬
‫فى قضية العفة الجنسية وقدسية الرباط المقدس بيممن الزوجيممن ‪،‬‬
‫وكانت كذلك تشمل حسن الجوار وترابط أفراد المجتمع عن طريق‬
‫التزاور والمجاملت الجتماعية ‪ ،‬ومن جهة أخمرى كمان فمى نفموس‬
‫الناس رضى وقناعة تجعل الحمل العصبى الذى يعانونه محتمل فممى‬
‫النهاية رغم سوء الحوال القتصادية إلى أقصممى حممد ‪ ..‬وممما بنمما أن‬
‫ندافع عن الظلم المتمثل فى القطاع ‪ ،‬ول حتى عن الرضى الذليل‬
‫الذى كانت الكنيسة تطلبه من الفلحين مقابل الوعد بنعيم الخرة ‪،‬‬
‫فإن الدين الصممحيح يطلممب مممن النمماس أن يثمموروا علممى مثممل ذلممك‬
‫الظلم ويصححوه بتحكيم شريعة الله ‪ .‬ولكنا نقرر واقعا تاريخيا كان‬
‫قائما بالفعل بخطئه وصوابه ‪ ،‬لنقيس به الواقع التاريخى الممذى تله‬
‫على خط العلمانية حين خرج الناس مممن نفمموذ ذلممك الممدين ‪ ..‬فقممد‬
‫بقى الظلم – من يحممث المبممدأ – كممما هممو ‪ ،‬ولكممن ذهبممت الخلق ‪،‬‬
‫وذهب الرضى من نفمموس النمماس ! واصممبح الحمممل العصممبى الممذى‬
‫يعممانونه أبشممع مممن أن يطمماق ! فانتشممر الجنممون والقلممق والنتحممار‬
‫والحالت العصبية والنفسية وإدمان الخمر والمخدرات والجريمة ‪..‬‬
‫لممم تكممن " المكيافيلليممة " فممى الحقيقممة مقصممورة علممى عممالم‬
‫السياسة ‪ .‬إنما كانت دينا جديدا حل محل الممدين المخلمموع ! الغايممة‬
‫تبرر الوسيلة ‪ .‬ل فى السياسة فقط ‪ ،‬ولكن فى القتصاد والجتماع‬
‫كذلك ‪ ..‬بل فى كل شئ تدخل فيه الوسائل والغايات ‪..‬‬
‫يقممول " سممول " فممى كتمماب " المممذاهب القتصممادية الكممبرى "‬
‫)ترجمة الدكتور راشد البراوى ‪ ،‬ص ‪ 51 – 50‬من الترجمة العربية(‬
‫عن الفمترة المتى نبمذ فيهما المدين ولكمن ظلمت بقايما القيمم – قبمل‬
‫اندثارها – يبحث الناس لها عند سند غير الدين ‪:‬‬
‫" سيطرت فكرة الخممرة علممى المممذاهب السممائدة خلل العصممور‬
‫الوسطى وإن لم تسيطر على العادات والتقاليد ‪ ،‬والمجال الدنيوى‬
‫بما فيه الحياة النسانية نفسها ليس سوى مكان يستعد فيه النمماس‬
‫للحياة بعد الموت بما يشتمل عليه من ثواب وعقمماب ‪ ،‬فكممان علممى‬
‫المرء أن يتحمل اللم وهو عالم أنه ليس إا مقدمممة لممما يتوقممع فممى‬
‫حياة مستقبلية ‪ ..‬أما الدافع الفكرى على تقويم العادات الجتماعية‬
‫أو زيادة الرفاهية الدنيوية فكان ضئيل ‪ ،‬اللهم إل مممن حيممث الفممائدة‬
‫الروحية التى يمكن اجتناؤها ‪.‬‬
‫" والن تحول الهتمام فأصبح محصورا فى تحسمين الحيماة علمى‬
‫الرض ‪ ،‬وكشفت العلوم والمخترعات عن إمكانيات الرض لممذاتها ‪،‬‬
‫لقد كانت المكاسب المادية ظاهرة فى كل شئ ‪ ،‬وكممان ل حممد لهمما‬
‫من يحث وجود أساليب أفضل وأيسر لنتاج الشممياء ‪ ،‬وسممرت روح‬
‫المغامرة ‪.‬‬
‫" وهنا برز السؤال التالى ‪ :‬أليممس فممى وسممع الفلسممفة أن تعالممج‬
‫النظم البشرية بنفس الطريقة التى تدرس بها الشياء المادية ؟‬
‫" وكان الجممواب بالمكممان ‪ .‬ذلممك أن المطلمموب إنممما هممو تطممبيق‬
‫العقل على السماليب المتى يسمتخدمها النماس كيمما يعيشموا )فمى‬
‫الصممل ‪ :‬كيممما يعيشممون( معمما ‪ ،‬وراح الكممثيرون يصمموغون الخطممط‬
‫والمشروعات التى تكفل قيام الحياة المثالية أو اليوتوبيا ‪.‬‬
‫" وصار لزاما على الذين نبذوا اليمممان بمماله كليممة أن يبحثمموا عممن‬
‫بممديل لممذلك ‪ ،‬ووجممدوه فممى الطبيعممة ‪ ..‬أممما الممذين ظلمموا علممى‬
‫استمساكهم بالدين ولو باللسان – وإن لم يكن فى الواقممع كممما هممو‬
‫أغلبهم – فقد اعتقدوا أن الله يعبر عن إرادته عممن طريممق الطبيعممة‬
‫وقوانينها وليس بوسيلة مباشرة ‪ .‬وبذلك لم تعد الطبيعة مجرد شئ‬
‫له وجود فحسب ‪ ،‬وإنما هو شئ ينبغى أن يطاع ‪ ،‬وصارت مخالفتها‬
‫دليل على نقص فى التقوى والخلق " ‪.‬‬
‫ويقول راندال فممى كتمماب " تكمموين العقممل الحممديث " )ج ‪ ، 2‬ص‬
‫‪ 468‬من الترجمة العربية( عن الفترة التالية التى تم فيها النسمملخ‬
‫من القيم كلها بعد فقدان معينها الحقيقى وهو الدين ‪:‬‬
‫" هكذا كممان العلممم )يقصممد علممم القتصمماد السياسممى( يبممدو فممى‬
‫الظمماهر محاولممة مجممردة عممن المصمملحة ‪ ،‬للوصممول إلممى فيزيمماء‬
‫اجتماعية للثورة ‪ ،‬لكنه كان فممى الحقيقممة تممبريرا منظممما للمطممالب‬
‫التى تهدف إلى زيادة حرية جمع المال وتستعين بممالعلوم الجديممدة‬
‫البشرية والطبيعية "‬
‫ويقول " روبرت داونز " فى كتمماب " كتمب غيممرت وجممه العممالم "‬
‫)ترجمة أحمد صادق وزميله ‪ ،‬ص ‪ 73‬من الترجمة العربية( ‪:‬‬
‫" النظرية الساسية فى كتاب ثروة المم " ‪ "1‬نظريممة ذات نزعممة‬
‫مكيافللية ‪ ،‬وهى أن العامل الول فى نشاط النسان هممو المصمملحة‬
‫الشخصممية ‪ ،‬وأن العمممل علممى جمممع الممثروة ممما هممو إل مظهممر مممن‬
‫مظاهرها ‪ .‬وبذلك قرر أن النانية والمصلحة الشخصممية تكمممن وراء‬
‫كل نشاط للجنس البشرى ‪ .‬وصممارح النمماس باعتقمماده أنهمما ليسممت‬
‫صفات ممقوتة يجب البتعاد عنها ‪ ،‬وإنما هى على العكممس عوامممل‬
‫تحمل الخير إلممى المجتمممع برمتممه ‪ .‬وفممى رأيممه انممه إذا أريممد تمموفير‬
‫الرفاهيممة للمممة فلبممد مممن تممرك كممل فممد يسممتغل أقصممى إمكانيمماته‬
‫لتحسين مركزه بشكل ثابت منظم دون تقيد بأى قيود ‪ .‬فللحصممول‬
‫على غذائنا ل نعتمد علممى كممرم الخمممار " ‪ " 2‬أو الخبمماز أو الجممزار ‪،‬‬
‫وإنما هم يقدمونه لنا بدافع من مصمملحتهم الشخصممية ‪ ،‬وإنمما عنممدما‬
‫نخاطبهم ل نتجه إلى ما فيهم من دوافع إنسممانية ‪ ،‬وإنممما نتجممه إلممى‬
‫مصلحتهم المادية ‪ ،‬ول نكلمهم عن احتياجاتنا ‪ ،‬بل عما يعممود عليهممم‬
‫من نفع وفائدة " ‪.‬‬
‫هذه الصورة الماديممة البحتممة هممى الممتى شممكلت روح الرأسمممالية‬
‫ورسمت سمات الحياة فممى ظلهمما ‪ ،‬ففقممد النمماس آدميتهممم بالفعممل‬
‫وصاروا إلى ذلك المسخ الذى يعيش اليوم فى الغرب الرأسمالى ‪.‬‬
‫ينقل كنث لن فممى كتممابه " تطممور المجتمممع المريكممى " )ترجمممة‬
‫نعيممم موسممى – ص ‪ 112‬مممن الترجمممة العربيممة( مممن كلم جممروج‬
‫فيتزهيو ‪ ،‬أحممد الممذين سمماءهم وضممع الرأسمممالية فممى نهايممة القممرن‬
‫الماضى ما يلى ‪:‬‬
‫" إننمما جميعمما فممى الشمممال والجنمموب نعمممل فممى تجممارة الرقيممق‬
‫" " كتاب ثروة المم هو من تأليف " آدم سميث " فيلسوف الرأسمالية وإمامها الفكرى وقد كان لممه دوى هممائل فممى‬ ‫‪1‬‬

‫الغرب ‪.‬‬
‫" " لحظ أثر الجاهلية فى اعتبار الخمار واحدا من مقدمى الغذاء ‪ ..‬بل فى مقدمتهم !‬ ‫‪2‬‬
‫البيض ‪ .‬وبقدر نجاح الشخص فيها يزداد احممترامه ‪ ..‬وهممذه التجممارة‬
‫أشد قسوة من تجارة الرقيق السود لنها تفرض المزيد من العمل‬
‫على عبيدها ‪ ..‬وفى الوقت الذى ل تحميهم فيه ول تسوسهم برفممق‬
‫تفاخر بأنها تفرض المزيد )أى من العمل( ‪..‬‬
‫" نعم إنه )أى العامل( بعد انتهاء عمل اليوم يصممبح حممرا ‪ ،‬إل أنممه‬
‫يظل يممرزح تحممت عبممء العنايممة بعممائلته وبيتممه ‪ ،‬مممما يجعممل حريتممه‬
‫سخرية جوفاء باطلممة ‪ ،‬فممى حيممن يبقممى رب العمممل حممرا بالفعممل ‪،‬‬
‫ويسممتطيع أن يتمتممع بالربمماح الممتى جناهمما مممن عمممل الخريممن دون‬
‫اهتمام بمصلحتهم ورفاهيتهم "‪.‬‬
‫أما ما تل تلك الفترة حتى اليوم فى العالم الرأسممالى فمعمروف‬
‫ل يحتاج إلى بيان ‪ ..‬ففموارق المدخل بيمن العممال وأصمحاب رؤوس‬
‫الموال فوارق بشعة إلى حد مذهل ‪ ..‬ول يأتى هذا الربح المتضممخم‬
‫– كما أسلفنا فى فصل الديمقراطية – إل مممن الوسممائل الخسيسممة‬
‫التى تستخدمها الرأسمالية لتحقيق غاياتها الخسيسة ‪ ،‬وكلها محممرم‬
‫فى دين الله ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الربا ‪..‬‬
‫)‪ (2‬أكل مال الجير وعدم توفيته حقه ‪..‬‬
‫)‪ (3‬إفساد فطر الناس وأخلقهم ليقبلوا على منتجات ليس فيهمما‬
‫فائدة حقيقية لهم ‪ ،‬ولكنها تممدر علممى الرأسممماليين أرباحمما طائلممة ل‬
‫تدرها المنتجات الجادة الممتى يحتمماج إليهمما النمماس حقمما فممى حيمماتهم‬
‫النظيفة المستقيمة ‪.‬‬
‫)‪ (4‬وأخيرا الحتكار ‪..‬‬
‫والنتيجة الخيرة التى تحققها الرأسمممالية العلمانيممة مممن طرفيهمما‬
‫المتمثليممن فممى أصممحاب رؤوس الممموال والعمممال ‪ ،‬هممى الفسمماد‬
‫الخلقى الفاحش ‪ ،‬والقلق العصبى الذى يؤدى إلى النتحار والجنون‬
‫والخمممر والمخممدرات والجريمممة وتفكممك السممرة وتشممريد الطفممال‬
‫والهبوط المستمر بالنسان إلى عالم اللة وعالم الحيوان ‪..‬‬
‫أما الشيوعية فربما كانت أسوأ بديل عرفته البشرية إلى اليوم ‪..‬‬
‫حقيقة إن الشيوعية هى النظام الجاهلى الوحيممد – حممتى اليمموم –‬
‫الذى فرض على الدولة كفالة كل فرد يعيش فى ظلها ‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫– كما أسلفنا – لم يكن كرما إنسانيا منها ‪ ،‬فهممى تأخممذ مقابممل ذلممك‬
‫الجهد الفرد كله ‪ ،‬و" من ل يعمل ل يأكممل " علممى الحقيقممة ل علممى‬
‫المجاز ‪ .‬ثم إن الدولة تستذل النمماس بلقمممة الخممبز علممى نحممو غيممر‬
‫مسبوق فى كل النظم التى مرت بها الجاهلية البشرية علممى القممل‬
‫فى التاريخ الحديث ‪.‬‬
‫وربما كان من الحق أن الناس كانوا دائممما فممى جاهليممات التاريممخ‬
‫مستذلين بلقممة الخمبز ‪ ،‬يمبيعون مقابلهمما بعمض كرامتهممم أو كلهما ‪،‬‬
‫وبعض إنسانيتهم أو كلها ‪ ..‬ولكممن النظممام البوليسممى الصممارم الممذى‬
‫يحكم الناس بالحديد والنممار والتجسممس ‪ ،‬ويمنممع النمماس بممالرعب و‬
‫الرهاب أن يفتحوا أفواههم بكلمة نقد واحدة ضد الدولة أو الزعيممم‬
‫المقدس أو المذهب أو النظام ‪ ..‬إنه ليفرض على النمماس – مقابممل‬
‫لقمة الخبز – قدرا من الذل ومن ضياع الكرامممة النسممانية ل مثيممل‬
‫له – فى نوعه ودرجتممه – فممى كممل النظممم الممتى تزعممم أنهمما نظممم "‬
‫حضارية " على مدار التاريخ !‬
‫وهذا فوق التفرقة الضخمة فى كل جانب من جوانب الحياة بيممن‬
‫أن يكون النسان مجرد فرد فى القطيع ‪ ،‬وبين أن يكون عضوا فى‬
‫الحزب ولو فى أسفل درجاته فضل على الدرجات العليا ‪.‬‬
‫يقول " ميليوفان دجيلس " نائب الرئيممس " تيتممو " فممى كتمماب "‬
‫الطبقة الجديدة " ‪:‬‬
‫" إن الطبقة البيروقراطية الشيوعية الجديدة صمماحبة المتيممازات‬
‫الضخمة تستخدم جهاز الدولة كستار وأداة لتحقيق مآربها وأغراضها‬
‫الخاصة ‪ ..‬وإذا ما عدنا لدراسة الملكية فإننمما سممنجدها ليسممت أكممثر‬
‫من حقوق الربح وحرية السيطرة ‪ ،‬وإذا ما اتجه المممرء إلممى تحديممد‬
‫ربح الطبقممة مممن خلل هممذه الحقمموق فممى إطممار تلممك الحريممة فممإن‬
‫الشيوعية تتجه فى النهاية إلى خلق شكل جديد من أشكال الملكية‬
‫وخلق طبقة حاكمة مستثمرة جديدة‪.‬‬
‫" إن الطغيممان الشمميوعى والرهمماب فممى أسمماليب الحكممم هممما‬
‫الضمانة لمتيازات طبقة جديدة تبرز على المسرح السياسى " ‪.‬‬
‫" لقمد سمبق أن أعلمن سمتالين عمام ‪ 1936‬ممع صمدور الدسمتور‬
‫الجديد للتحاد السوفيتى أن الطبقة المستثمرة قد تم القضاء عليها‬
‫نهائيا ‪ ..‬وفى الحقيقة لقد تم فى المعسكر الشيوعى القضمماء التممام‬
‫على قوى الرأسمالية الوطنية التى استؤصلت تماممما مممن الجممذور ‪.‬‬
‫ولكن مع زوالها بدأت تممبرز فممى صمملب المجتمممع الشمميوعى طبقممة‬
‫جديدة لم يسبق للتاريخ أن رأى مثيل ‪.‬‬
‫" ولقد أكدت هذه الطبقة أنهمما أكممثر تسمملطا فممى الحكممم مممن أى‬
‫طبقة أخرى ظهرت على مسممرح التاريمخ ‪ ،‬كمما أثبتممت فمى المموقت‬
‫نفسه أنها تحمل أعظم الوهام ‪ ،‬وأنها تكرس أعتى أساليب الظلممم‬
‫فى مجتمع طبقى جديد‪.‬‬
‫" لقد تم تأميم المقدرات الماديممة إل أنممه لممم يجممر توزيعهمما علممى‬
‫أبناء الشعب ‪ ،‬بل أصبحت ملكا مكتسبا للطبقة الحاكمممة وللعضمماء‬
‫القياديين للحزب والبيروقراطيين السياسيين "‬
‫" لقممد حمماز العضمماء الكبممار مممن أفممراد النخبممة الممتممازة أفضممل‬
‫المسمماكن والممبيوت كممما شمميدت لهممم الحيمماء الخاصممة ومنممازل‬
‫الصطياف ‪ ،‬وحصل أمنمماء سممر الحممزب ورؤسمماء البمموليس السممرى‬
‫ليممس علممى السمملطة العليمما وحسممب ‪ ،‬إنممما علممى أجمممل المسمماكن‬
‫وأفخم السيارات وسواها من مظاهر البهة والعظمة والمتيممازات ‪،‬‬
‫أممما بقيممة العضمماء مممن دونهممم فقممد حممازوا امتيممازات متناسممبة مممع‬
‫مراكزهم الحزبية "‬
‫" وليس هناك أية طبقة أخرى فى التاريخ تشابه الطبقة الجديممدة‬
‫فى وحدة تماسكها ‪ ،‬ووحدة الفكر والعمل فى دفاعها عن نفسممها ‪،‬‬
‫وفممى قممدرتها علممى إحكممام القبضممة علممى كممل ممما هممو واقممع تحممت‬
‫سيطرتها منا لملكية الجماعية حتى السلطة الستبدادية المطلقممة "‬
‫" ‪"1‬‬
‫وأما " الخلق " فى ظل القتصاد العلمانى الشمميوعى فل مجممال‬
‫للحديث عنه بعممد الممذى فصمملناه فممى فصممل " الشمميوعية " ‪ .‬ولسممنا‬
‫نقول ‪ :‬إن هناك " أخلقا " أفضل منها فى ظممل القتصمماد العلمممانى‬
‫الرأسمالى ‪ .‬كلهما بل أخلق ‪ ،‬كل المعسكرين يهبط بالنسان إلممى‬
‫مرتبممة الحيمموان ‪ .‬فممإذا كممان هنمماك فممارق بيممن الحيوانممات السممائبة‬
‫والحيوانممات المقيممدة داخممل الحظيممرة فهممو الفممرق بيممن التسممييب‬
‫والتقييد ‪ ..‬وليس فارقا فى " نوع " الحيوان ‪..‬‬
‫)‪ (3‬فى الجتماع ‪:‬‬
‫كان القطاع ظالما كما قلنمما ‪ ،‬ولكممن بعممض الجمموانب الجتماعيممة‬
‫فيه كانت تحكمهمما أعممراف مسممتمدة مممن روح الممدين ‪ ..‬ومممن ذلممك‬
‫الحفاظ علممى السممرة ‪ ،‬والممزواج المبكممر ‪ ،‬وقوامممة الرجممل وقيممامه‬
‫بالنفمماق ‪ ،‬واسممتقرار المممرأة فممى بيتهمما ‪ ،‬وتفرغهمما للمومممة وتممدبير‬
‫المنزل ورعاية النشء ‪ ،‬ومحافظتها على عرضها قبل الزواج وبعممده‬
‫‪ ،‬واعتبار ذلك جزءا من مقومات السرة وركنا أساسيا من أركانها ‪،‬‬
‫والتعمماون بيممن أفممراد المجتمممع ‪ ..‬وممما إلممى ذلممك مممن العلقممات‬
‫الجتماعية القائمة على وصايا الدين ‪.‬‬
‫ولكن ذلك كله لم يعجب المنسلخين من الدين فقممرروا تغييممره ‪،‬‬
‫وإنشاء بديل منه ل يقوم على أساس الدين !‬
‫" " مقتطفات من الكتاب من صفحات ‪ 84 ، 83 ، 81 ، 78 ، 54 ، 51‬مأخوذة من كتاب " العلمانية " لسفر عبد‬ ‫‪1‬‬

‫الرحمن الحوالى ‪ ،‬وهو من أحسن ما كتب فى موضوع العلمانية ‪.‬‬


‫كممان التغييممر فممى المبممدأ هممو تغييممر " السممند " أو " المنبممع " مممع‬
‫محاولة المحافظة على شئ من الخلق ‪ ،‬أى البحث عن منبع آخممر‬
‫للقيم الجتماعية غير الدين ‪ ..‬فليكن هو " الطبيعممة " أو يكممن هممو "‬
‫النفس النسانية " ذاتهمما ‪ ..‬المهممم أل يكممون المنبممع هممو الممدين ‪ ،‬ول‬
‫يكون المرجع الذى تستمد منه القيم هو الوحى الربانى !‬
‫ولكن القيم لممم تكممن لتسممتمر فممى فاعليتهمما بعممد أن تنقطممع عممن‬
‫معينها الحقيقى وهو الدين والوحى الربانى ‪..‬‬
‫ثم إن الهزات العنيفة التى أحدثتها الثورة الصناعية جاءت والقيم‬
‫مهتزة بالفعل ‪ ،‬قائمة على غير أساس حقيقى يقيهمما مممن الهممزات ‪.‬‬
‫فإذا انهارت هذه القيم سريعا فل عجب ‪ ..‬وإذا أفلح الشريرون فممى‬
‫هممدمها بوسممائلهم الشممريرة بعممد أن استعصممت عليهممم خلل عممدد‬
‫متطاول من القرون فل عجب كممذلك ‪ ..‬فالجممدار القممائم علممى غيممر‬
‫أساس ينتظر من يهزه ليسقط إا لم يتداع من تلقمماء نفسممه ‪ ،‬بينممما‬
‫الجدار القائم على أساس متين ل يتزلزل إل بالجهد الجهيد ‪.‬‬
‫جمماءت الثممورة الصممناعية " فتحممررت " المممرأة ‪ ..‬أى اسممتعبدتها‬
‫)والرجل كذلك( لغراضها الخاصة ‪ .‬وكانت " أغراضممها " قممدرا مممن‬
‫الشر ل يخطر على بال إنسان ‪..‬‬
‫تحررت المرأة فتحلت من القيود كلها ‪ ،‬وفى مقدمتها قيود الدين‬
‫وقيود الخلق ‪.‬‬
‫وطالبت بالمساواة الكاملة مممع الرجممل فرفضممت أن يكممون قيممما‬
‫عليها لن القوامة ل تصلح بين النداد !‬
‫واشتغلت ‪ ،‬فانشغلت عن مهمتها الولى فى تربية النشء ‪..‬‬
‫وتفككت السرة وانحل البيت وتشممرد الطفممال ‪ ،‬وتكممونت منهممم‬
‫عصابات جانحة ترتكب الجرائم لمجرد سد الفراغ ‪.‬‬
‫وانحلت روابط المجتمع فصار كممل إنسممان يعيممش وحممده ‪ ..‬حممتى‬
‫السممرة ‪ ..‬الممزوج لممه عملممه ومغممامراته ‪ ،‬والزوجممة لهمما عملهمما‬
‫ومغامراتها ‪ ..‬والولد يغادرون البيت فى سن معينة ول يعودون بعد‬
‫ذلممك ‪ ،‬ول يربطهممم بممالب والم ربمماط ‪ ،‬إل زيممارات خاطفممة فممى‬
‫مناسبات متباعدة فممى أحسممن الحمموال ‪ ..‬ويكممبر البمموان فممى تلممك‬
‫العزلممة البمماردة فل يجممدان مممن يطممرق عليهممما البمماب ‪ ..‬فينشممدان‬
‫سلواهما فى الكلب !‬
‫وانتشمر الشمذوذ لسمباب كمثيرة ‪ ،‬ممن بينهما – كمما يقولمون همم‬
‫بأفواههم – رفض المرأة للقوامة وضياع سيطرة الب ‪..‬‬
‫وفى جانب آخر مممن الرض قممامت " فلسممفة " بشممرية مغممايرة ‪،‬‬
‫وإن كانت تشترك مع سابقتها فى كثير من السمات !‬
‫تشترك معها فى إخراج المرأة مممن الممبيت وشممغلها عممن السممرة‬
‫والولد ‪.‬‬
‫وتشترك معها فى تحطيم كيان السرة ‪..‬‬
‫وتشترك معها فى حل روابط المجتمع ‪..‬‬
‫ولكنها تختلف عنها فى الطريقة !‬
‫فى الولى يتم تحطيم المجتمع عن طريق تضممخيم الفممرد وجعلمه‬
‫هو الساس ‪ .‬فيتحطم المجتمع نتيجة المبالغة فممى إحسمماس الفممرد‬
‫بذاتيته الزائدة عن الحد ‪.‬‬
‫وأما الثانيممة فتجعممل المجممموع هممو السمماس إل الفممرد ‪ ،‬فتسممحق‬
‫الفرد من أجل المجموع ‪ ،‬ثم تعود فتحطممم المجتمممع نتيجممة تحممويله‬
‫إلى مجموعة من الصفار كل منهم بل مشاعر ول كيان !‬
‫)‪ (4‬فى العلم ‪:‬‬
‫بدأ الصراع بين الدين والعلم حين هاجمت الكنيسة العلماء الذين‬
‫قالوا بكروية الرض وهددتهم بالحرق أحيمماء فممى الفممران ‪ ..‬وكممانت‬
‫الكنيسة هى المعتدية بل شك ‪ ،‬وكانت حماقة شنيعة منهمما أن تقممف‬
‫هذا الموقف من أمور علمية بحتة ‪ ،‬يخطئ العلماء فيها أو يصمميبون‬
‫ولكنها تظممل فممى دائرة العلممم ل يتممدخل فيهمما " رجممال الممدين " لن‬
‫الدين الصحيح لم يحرم البحث العلمى ‪ ،‬وإنما لفت نظر البشر إلى‬
‫آيات الله فى الكون ‪ ،‬وقال لهم تفكروا فيها وتدبروا لتعرفوا قممدرة‬
‫الخالق العظيم ‪ ،‬دون أن يقيدهم بنظرية معينة فى تفسممير ظممواهر‬
‫الكون ‪ ،‬بل ترك ذلك للعقل البشرى يحاول فيه بقدر ما يطيق ‪..‬‬
‫ولكن الحتجاج بحماقة الكنيسة لفصل الممدين عممن العلممم أو بممذر‬
‫بذور العداء بين الدين والعلم كان فى ذاته حماقة أشد !‬
‫فلتكن الكنيسة حمقاء بقدر ما تكون ‪ ..‬ولكن الفطممرة السمموية ل‬
‫تفصل بين الدين والعلم ‪ ،‬لن كل منهما نزعة فطريممة سمموية لزمممة‬
‫للكيان البشرى ‪ ،‬ولزمة لمهمة الخلفة التى وجد النسان من أجلها‬
‫فى الرض ‪.‬‬
‫النسان عابد بطبعه ‪ ،‬راغب فى المعرفة بطبعه ‪..‬‬
‫ول تعممارض فممى الفطممرة السمموية بيممن نزعممة العبممادة ونزعممة‬
‫المعرفة ‪ ،‬ول بين اليمان بالغيب واليمان بما تدركه الحواس ‪.‬‬
‫ولقد خلق الله النسان ليعبده ‪:‬‬
‫ن )‪] {(56‬سممورة الممذاريات‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬
‫دو ِ‬ ‫لنم َ‬
‫ن َوا ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َْق ُ‬
‫ما َ‬‫}وَ َ‬
‫‪[51/56‬‬
‫وجعل من بين العبادة عمارة الرض ‪:‬‬
‫م ِفيَها{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫من ال َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫شأ َك ُ‬
‫َ‬ ‫}هُو َ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫َِ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه{ ]سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِ ِ‬
‫وجعل من الدوات المعينة على عمارة الرض العلم النظرى فممى‬
‫صممورة " معلومممات " عممن الكممون ‪ ،‬والعلممم التطممبيقى فممى صممورة‬
‫تسخير طاقات السماوات والرض للنسان ‪.‬‬
‫م )‪] {(5‬سممورة‬ ‫م ي َعْل َم ْ‬‫ممما ل َم ْ‬‫ن َ‬ ‫سمما َ‬ ‫لن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِبال َْقل َم ِ )‪ (4‬عَل ّ َ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫العلق ‪[5-96/4‬‬
‫جعَل ْن َمما آي َم َ‬
‫ة الن ّهَمماِر‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ة الل ّي ْم ِ‬
‫حوَْنا آي َم َ‬ ‫م َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر آي َت َي ْ ِ‬ ‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ل‬‫ب وَك ُ ّ‬‫سا َ‬ ‫ح َ‬‫ن َوال ْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫موا عَد َد َ ال ّ‬ ‫م وَل ِت َعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ً ِ‬ ‫صَرةً ل ِت َب ْت َُغوا فَ ْ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫صيل ً )‪] {(12‬سورة السراء ‪[17/12‬‬ ‫صل َْناهُ ت َْف ِ‬ ‫يٍء فَ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ميعمًا{ ]سممورة‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ممما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫الجاثية ‪[45/13‬‬
‫ومن هنا يكون العلم ذاته جزءا من العبادة المطلوبة من النسان‬
‫‪ ،‬يستوى فى ذلممك العلممم بممأمور الممدنيا والعلممم بممأمور الممدين ‪ ،‬فممإن‬
‫عمارة الرض بمقتضى المنهج الربانى تحتاج إلى هذا العلم وذاك ‪..‬‬
‫العلم الدنيوى من أجل العمارة المادية ‪ .‬والعلم الدينى لجعممل هممذه‬
‫العمارة المادية مستقيمة على المنهج الربانى ‪ ،‬وتلممك هممى الخلفممة‬
‫الراشدة المطلوبة من النسان ‪.‬‬
‫من أجل ذلك ل يوجد فى الدين الصحيح ول فى الفطممرة السمموية‬
‫تعارض ول تنازع ول خصومة بين الدين والعلممم ! إنممما تعمممل نزعممة‬
‫العبادة ونزعة المعرفة فى تناسق كامممل فممى النفممس السمموية دون‬
‫قلق ول حرج ول تصادم ول نزاع ‪..‬‬
‫وكذلك قممامت الحركممة العلميممة الهائلممة الممتى قممامت فممى العممالم‬
‫السلمى فى ظل العقيدة ‪ ،‬بل بدافع من العقيدة ! فمممن المعلمموم‬
‫من التاريخ أن المسلمين لم يصبحوا أمة علم إل بعد أن دخلوا فممى‬
‫السلم !‬
‫ولقممد كممان النممموذج السمملمى قائممما حممول أوروبمما مممن الشممرق‬
‫والغرب والجنوب ‪ ..‬بل إن أوروبا لم تعرف العلم الحقيقى إل حيممن‬
‫أرسمملت أبناءهمما يتعلمممون فممى مممدارس المسمملمين فممى النممدلس‬
‫والشمممال الفريقممى وصممقلية السمملمية ‪ ،‬فلئن كممانت الكنيسممة قممد‬
‫ارتكبت حماقتها بمعاداة العلم والعلماء ‪ ،‬فلقممد كممان الحممل هممو نبممذ‬
‫دين الكنيسة الفاسممد ل نبممذ الممدين كلممه ‪ ،‬وقممد رأوا نموذجمما مفلحمما‬
‫ومثمرا منمه فمى العمالم السملمى ‪ ..‬ولئن كمانت " المكايمدة " قمد‬
‫أصبحت هى العملة المتبادلة بين الكنيسممة مممن جهممة والعلممماء مممن‬
‫جهة ‪ ،‬فلقد كان المقتضى السليم لذلك هو أن يرد العلماء للكنيسة‬
‫إلهها الزئاف الذى تعذب العلممماء باسمممه وتطمماردهم ‪ ،‬ويفممروا إلممى‬
‫الله الحق الممذى وجممدوه معبممودا عنممد أولئك العلممماء الفممذاذ الممذين‬
‫تتلمذوا عليهم وتعلموا العلممم علممى أيممديهم ‪ ،‬والممذى وجممدوا العبممادة‬
‫الصحيحة له تخممرج مثممل هممؤلء الفممذاذ ‪ ،‬وتتيممح لهممم حريممة البحممث‬
‫العلمى بل قيود ‪.‬‬
‫ولكن رد الفعل للحماقة التى ارتكبتها الكنيسة كان حماقة جديدة‬
‫ارتكبها " العلماء " !‬
‫لقد كانوا معذورين فى أن يتشككوا فى كل حرف تقوله الكنيسة‬
‫وتزعم أنه من عند الله ‪ ،‬وفى أن يبدأوا العلم كله من نقطة الصفر‬
‫‪ ،‬ويجربوا لنفسهم ليثبتوا ‪ ..‬فهذا على أى حال هممو المنهممج العلمممى‬
‫الصحيح الذى تعلموه على أيدى أساتذتهم المسلمين ‪ .‬وكلنهم غيممر‬
‫معذورين حين تصل بهم حقائق العلممم إلممى رؤيممة القممدرة المعجممزة‬
‫للخالق ‪ ،‬فيلوون رؤوسهم فى كبر ‪ ،‬أو يهزون أكتافهم فى اسممتهتار‬
‫" غير علمى " ! ويقولون إنه ليس الله ‪ ،‬ولكنه الطبيعة !‬
‫هنا الحماقة التى ل يبررها شئ ‪ ..‬ل المانة العلميممة ول النسممانية‬
‫الحقيقية للنسان !‬
‫ولكن أوروبا بممدأت مممن هممذه الحماقممة ثممم لجممت فيهمما إلممى أبعممد‬
‫الحدود ‪..‬‬
‫مجرد ذكر اسممم اللممه فممى البحممث العلمممى يعتممبر إفسممادا للممروح‬
‫العلمية ‪ ،‬ومبررا لطرح النتائج العلمية كلها ولو كانت كلهمما صممحيحة‬
‫بمقياس العلم ذاته الذى جعلوه إلها من دون الله !‬
‫بل مجمرد العتقماد بوجمود اللمه ‪ ،‬وأنمه همو خمالق الخلمق وخمالق‬
‫الكون كفيل بإخراج العالم من دائرة العلماء الذين يعتد بهم ويؤخممذ‬
‫بآرائهم ولو كانت آراؤه صحيحة بمقيمماس البحممث العلمممى ‪ ،‬بممل إنممه‬
‫يحيط ذلممك العممالم بالرتيمماب والشممك فممى كممل ممما يقممول ‪ ،‬ويجعلممه‬
‫موضع الزراية مممن العلممماء " الحقيقييممن " ! الممذين لبممد أن يكونمموا‬
‫ملحدين لتكون آراؤهم موضع التسليم !‬
‫أى زراية بالعلم ذاته تؤدى إليه هذه الحماقة ؟!‬
‫بل أى روح " غير علمية " تلك التى تسيطر على " العلماء " فى‬
‫تلك الجاهلية التى تقوم باسم العلم ؟!‬
‫ما التعصب إذن ‪ ،‬وما فقدان " الروح العلمية " والمانممة العلميممة‬
‫إذا كان هذا علما وأمانة وروحا علمية؟‬
‫وأى انتكاسة فى عالم " القيم " وعالم " النسان " أكبر من تلك‬
‫النتكاسة الشنيعة التى ترفض " الحقائق " بمجرد الهواء ؟!‬
‫وكيف – كما قلنا مممن قبممل – كيممف يكممون الشممئ ذاتممه صممحيحا "‬
‫وعلميا " إذا نسب إلى الطبيعة وغير صحيح وغيممر علمممى إذا نسممب‬
‫إلى الله ؟! ويكون هذا هو الشرط الذى ل يقبل غيره للممدخول فممى‬
‫مجال العلم والعلماء ؟!‬
‫وكيف يتأتى لهذه الجاهلية أن تفصل – فى النفس الواحدة – بين‬
‫نزعتين فطريتين ‪ :‬نزعة العبادة ونزعة العلمم ‪ ،‬فتقمول للنماس ‪ :‬إذا‬
‫أردتم الله فاتركوا العلم وإذا أردتم العلم فاتركوا اله ‪ ،‬وتسمى هممذا‬
‫" علما " و" روحا علمية " ؟ وما الفرق بين هممذه الحماقممة وحماقممة‬
‫الكنيسة التى من أجلها حاربها العلماء ؟!‬
‫ألم تقل الكنيسة نفس القولة ولكن من الجممانب الخممر ؟! قممالت‬
‫ك إذا أردتم الله فاتركوا هممذا العلممم ‪ ،‬وإذا أردتممم هممذا العلممم فممأنتم‬
‫خارجون على الله !‬
‫وحين نستبدل حماقة بحماقة هل نكون راشدين ؟ وهل يحممق لنمما‬
‫أن نستعلى بحماقتنا على حماقة الخرين ؟!‬
‫على أن الحماقة البديلممة ل تقممف عنممد حممد تمزيممق البشممرية بيممن‬
‫نزعتيهمما الفطريممتين ‪ ،‬مممما يشممكل سممببا مممن السممباب الكممثيرة‬
‫للضممطراب والقلممق النفسممى والعصممبى الممذى تعممانيه الجاهليممة‬
‫المعاصممرة ‪ .‬إنممما يسممتخدم العلممم عممن قصممد فممى إفسمماد العقيممدة‬
‫وإفساد الخلق ‪..‬‬
‫فممبين الحيممن والحيممن تخممرج " أبحمماث علميممة " كاذبممة – ويعلممم‬
‫أصحابها أنهم كاذبون – تزعم أن النسان قد " خلق " الخلية الحيممة‬
‫فى المعمل ! وتسفر الحقيقة بعد الستفسار والتقصى أنهم أعممادوا‬
‫تركيب خلية حية فى المعمل من أجزاء حيممة أخممذت مممن مجموعممة‬
‫من الخليا الحية !!‬
‫ولكن هذا الدجل " العلمى " يمراد بمه أن يقمال للنماس همما همو ذا‬
‫النسان قد خلق فلم تعد هناك ضرورة للخالق ! أى يستخدم العلممم‬
‫الممزائف لنشممر اللحمماد فممى الرض ‪ ،‬وتتقبلممه المجلت " العلميممة "‬
‫الرصينة التى ترفض أى بحث علمى يذكر فيه اسم الله !‬
‫شم َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ن ب ِممال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُممو َ‬ ‫ب ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت قُل ُممو ُ‬‫مأّز ْ‬‫حد َهُ ا ْ َ‬ ‫ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه وَ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ن )‪] {(45‬سممورة الزمممر‬ ‫ش مُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫دون ِهِ إ ِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ذا ذ ُك َِر ال ّ ِ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫‪[39/45‬‬
‫وسيظل التحدى الربانى قائما فى وجه الملحدين ‪:‬‬
‫ن )‪] {(35‬سورة الطممور‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫خال ُِقو َ‬ ‫م هُ ْ‬
‫يٍء أ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫خل ُِقوا ِ‬
‫م ُ‬‫}أ ْ‬
‫‪[52/35‬‬
‫وكما يستخدم العلم الممزائف لنشممر اللحمماد تسممتخدم ثمممار العلممم‬
‫لفساد الخلق ‪ .‬وأوضح المثلة على ذلك حبوب منع الحمممل الممتىي‬
‫قول الطباء " المناء " – وقليل ما هم – إنها ليست مأمونة تماما ‪،‬‬
‫وإنهمما قممد تسممبب أضممرارا خطيممرة ن وإنهمما ينبغممى أل تسممتخدم إل‬
‫بإشراف الطبيب ‪ ..‬هذه الحبوب تباع فى الصيدليات بسعر منخفض‬
‫يكاد يساوى سعر التكلفة ‪ ،‬ويباع لى فتمماة تطلبمه – وتكممرره – دون‬
‫تذكرة طبية ‪ ..‬لنها – كما ل يخفى – أداة جبارة لنشر الفاحشة فممى‬
‫الرض ‪ ،‬لن الفتاة التى تستطيع أن تأمن نتممائج اتصممالتها الجنسممية‬
‫غير المشروعة أيسر انزلقا من التى تخشى حممدوث المتمماعب مممن‬
‫هذه التصالت ‪.‬‬
‫وذلك فضل عن صرف جهود كثيرة فى أبحمماث " علميممة " بقصممد‬
‫اختراع المدمرات البشعة بغير ممموجب حقيقممى ‪ ،‬فقممد كممان انتصممار‬
‫بعض البشر على بعض ممكنمما بغيممر كممل تلممك البشمماعة فممى أدوات‬
‫التدمير ‪"1 " ..‬‬
‫وهذا الشر العميق كله قد نشأ من " علمانيممة " العلممم ‪ ..‬أى مممن‬
‫ذلك المبدأ الملوث الشرير ‪ :‬مبدأ فصل الدين عن الحياة ‪..‬‬
‫)‪ (5‬الخلق ‪:‬‬
‫ربما لم يكن هناك مجال تأثر بالعلمانية بقدر ما تأثرت الخلق ‪..‬‬
‫ذلك أن الدين هو المنبع الطبيعى للخلق ‪ ،‬فإذا جفف هذا المنبممع‬
‫أو جف بسبب من السباب فلبد أن يتبعه حتما انهيار تممدريجى فممى‬
‫الخلق ينتهى إلى " اللأخلق " ‪.‬‬
‫ولقد كممانت " النهضممة " فممى أول عهممدها تعتقممد – ربممما بممإخلص‬
‫وحسن نية – أن فى إمكانها أن تجد للخلق منبعا آخر غير الممدين ‪..‬‬
‫من الطبيعة أو من النفس البشرية أو من أى مكان آخر ‪ ..‬والواقممع‬
‫أنهم كانوا فى أول مرحلة الفساد ‪ ،‬فكانوا هم أنفسهم ل يتصممورون‬
‫أن البشرية يمكن أن تعيش بل أخلق ‪ ،‬أو أنممه سمميأتى وقممت عليهمما‬
‫تكون عارية من الخلق ‪ .‬فكان المشكل بالنسممبة لهممم هممو محاولممة‬
‫البحممث عممن منبممع للخلق غيممر الممدين ‪ ،‬حممتى ل تتخممذ تلممك ثغممرة‬
‫يهاجمون منها من قبل ذوى الغيممرة علممى الخلق وهممم يممومئذ غيممر‬

‫" " حدث فيما بين صدور الطبعة الولى والطبعة الثانية من الكتاب حادث انفجار المفاعممل النممووى الروسممى ‪ ،‬الممذى‬ ‫‪1‬‬

‫تسربت منه الشعاعات المدمرة ‪ .‬وتعرض لخطرها مليين من البشر فى أوروبا ‪ .‬وهم فى حالة " سلم " ل حرب !‬
‫قليل ‪ ..‬ولكن المنبع البمديل – أيما كمان همو – قمد أثبمت عجمزه عمن‬
‫إنبات القيم التى يحتاج إليها النسان فممى حيمماته ‪ ،‬ككممل التصممورات‬
‫التى تخطر فى بال الفلسفة ول تتعدى أذهانهم إلى واقع الحياة !‬
‫ثم جاءت أجيال أكثر علمانية من السابقة ‪ ،‬لنها كانت قممد بعممدت‬
‫أكثر عن المنبع الحقيقى للقيم ‪ ،‬فبمدأت تنماقش مبمدأ القيمم ذاتمه ‪:‬‬
‫هل هى ضرورية حقا للحياة البشرية ؟ وهل هى حقممائق واقعيممة أم‬
‫مجرد مثل خيالية معلقممة فممى الفضمماء غيممر قابلممة للتطممبيق ؟ وإذن‬
‫فلماذا ل نكون " واقعيين " ونتعامل مع الواقممع البشممرى كممما هممو ؟‬
‫أى بغير مثل وبغير قيم ؟!‬
‫وكانت هذه بداية موجة جديدة من النحدار على المنزلق ‪ ..‬فإننمما‬
‫إذا سلمنا بالواقع الموجود اليوم على أنه هو الواقممع الممذى ل يمكممن‬
‫أن يوجد أفضل منه ‪ ،‬فما الذى يمنع هذا الواقع أن ينحممدر غممدا إلممى‬
‫هوة جديدة ‪ ،‬ثم ممما الممذى يمنعنمما مممن مجمماراته فممى الهبمموط بحجممة‬
‫الواقعية ؟!‬
‫إن الذى يمنع من هذا شئ واحد ‪ ،‬هو وجود القيممم الصمميلة الممتى‬
‫نقيس إليها أفعالنا ومستوانا ‪ ،‬لنعرف على ضوئها أهابطون نحممن أم‬
‫مرتفعون ‪ ..‬فإذا وجدنا أننا هبطنا حاولنمما أن نوقممف هبوطنمما ونصممعد‬
‫من جديد ‪ ..‬أما فى غياب الميزان فما المعيار ؟ إن الواقعية ليست‬
‫معيارا يقاس إليه أى شئ ‪ ،‬ما دامت تعتممبر الواقممع هممو المقيمماس !‬
‫والناس إذا أفلتت أيديهم من خيط الصعود الذى يشدهم إلى أعلممى‬
‫فلبد أن تهبط بهم ثقلة الشهوات وجممواذب الرض فيممزداد واقعهممم‬
‫هبوطا على الدوام ‪ ..‬وما دام معيارنا هو الواقع ‪ ،‬فسمميظل المعيممار‬
‫ذاته يهبط مع هبوط النسان ! ونظل نحن – بحجة الواقعيممة – نتممابع‬
‫الهبوط ‪.‬‬
‫لقد كان القرن التاسع عشر " واقعيا " فنبممذ القيممم الممتى سممماها‬
‫مثالية – بمعنى غير واقعية – واعتبرها ترفا عقليمما ل تطيقممه طبيعممة‬
‫الحياة ‪..‬‬
‫وكانت نتيجة ذلك هى القرن العشرين ! قرن التفلت مممن القيممود‬
‫كلها ‪ ،‬والهبوط إلى الحمأة التى يستعفف عنها الحيوان !‬
‫وذلممك أمممر معممروف مممن التاريممخ وإن جممادلت فيممه الجاهليممة‬
‫المعاصممرة ‪ ،‬وهممى ليسممت أول جاهليممة تجممادل فممى الحممق وتنكممر‬
‫البديهيات ! إن أى جيل من أجيال البشرية أنكر القيم النسممانية لممم‬
‫يقممف حيممث كممان يمموم أنكرهمما ‪ ،‬إنممما ازداد هبوطمما ‪ ..‬حممتى أدركممه‬
‫الدمار !‬
‫ولنسممتعرض خممط العلمانيممة مممع الخلق مممن أولممه لنعلممم مممدى‬
‫الهبوط ‪..‬‬
‫ولنبدأ بالمفهوم الحقيقى للخلق ‪ ،‬الذى كممانت تممؤمن بممه أوروبمما‬
‫ذات يمموم ثممم ظلممت تتخلممى عنممه خطمموة خطمموة وهممى تسممير مممع‬
‫الشيطان ‪.‬‬
‫إن الخلق " ميثاق " شامل ‪ ..‬يشمل كل أعمال النسان ‪.‬‬
‫ن ب ِعَْهممدِ الّلممهِ َول‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ُيوُفممو َ‬ ‫ب )‪ (19‬اّلمم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ممما ي ََتممذ َك ُّر أوُْلمموا الل َْبمما ِ‬ ‫}إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫صم َ‬‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِمهِ أ ْ‬ ‫ممَر الل ّم ُ‬ ‫ممما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صمُلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ميَثاقَ )‪َ (20‬وال ّم ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫َينُق ُ‬
‫صمب َُروا اب ْت ِغَمماءَ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪َ (21‬وال ّم ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَء ال ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م وَي َ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫س مّرا ً وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫علن ِي َم ً‬ ‫م ِ‬ ‫ممما َرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫صمملةَ وَأنَفُقمموا ِ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأقَمما ُ‬ ‫ج مهِ َرب ّهِ م ْ‬ ‫وَ ْ‬
‫ُ‬
‫دارِ )‪] {(22‬سممورة‬ ‫م عُْقب َممى ال م ّ‬ ‫ك ل َهُ م ْ‬ ‫ة أوْل َئ ِ َ‬ ‫س مي ّئ َ َ‬
‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫وَي َد َْرُءو َ‬
‫الرعد ‪[22-13/19‬‬
‫والميثاق هو أصل ميثاق مع الله ‪ ،‬تتفرع منه وتنممدرج تحتممه جميممع‬
‫المواثيق ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت إ ِل َممى أهْل ِهَمما وَإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫م ب َي ْم َ‬‫مت ُم ْ‬ ‫حك َ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مان َمما ِ‬ ‫دوا ال َ‬ ‫ن ت ُؤَ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ل{ ]سورة النساء ‪[4/58‬‬ ‫موا ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫الّنا ِ‬
‫وأول المانات هى المانة المؤداة إلى الله ‪ ،‬ثم تأتى بعدها جميممع‬
‫المانات التى أبرز سياق الية منها الحكم بين الناس بالعدل ‪..‬‬
‫وعلى هممذا السمماس يكممون للسياسممة أخلق ‪ ،‬وللقتصمماد أخلق ‪،‬‬
‫وللجتماع أخلق ‪ ،‬وللعلم أخلق ‪ ،‬ولكل شئ على الطلق أخلق ‪..‬‬
‫ول يكون هناك شئ واحد فى حياة النسان بل أخلق ‪..‬‬
‫ومنشأ الخلق ليس هو الفرض من الخممارج ‪ .‬فممى صممورة أوامممر‬
‫ونواه وزواجر من عند اللممه أو مممن عنممد غيممره ‪ ،‬إنممما اللممه سممبحانه‬
‫وتعالى هو الذى يحدد ما هو حلل وما هو حرام ‪ ،‬وما هو حسن وما‬
‫هو قبيح ‪ ،‬وما هو خير وما هو شر ‪ ..‬الممخ فيتبعممه المؤمنممون التزاممما‬
‫بما أنزل الله ‪ ،‬وأما غير المؤمنين فيستمدون ذلك كله من عند غيممر‬
‫الله ‪ .‬وفى الحالين ل يكممون هممذا هممو منشممأ " الخلق " عنممد هممؤلء‬
‫وهؤلء ‪ ..‬إنما يكون فقط هو منشأ " المعايير " التى تضبط الخلق‬
‫‪.‬‬
‫إنما تنشأ الخلق – كما قلنا منق بممل فممى أكممثر مممن موضممع فممى‬
‫الفصول السابقة – من طبيعة النسان ذاته ‪ ،‬ومن أن له طريقيممن ‪،‬‬
‫وأن له القدرة على التمييز والختيار بين الطريقين ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬
‫ح َ‬ ‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ها وَت َْق َ‬ ‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫}وَن َْف ٍ‬
‫ها )‪] {(10‬سممورة الشمممس ‪-91/7‬‬ ‫سمما َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خمما َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬‫َز ّ‬
‫‪[10‬‬
‫ومن ثم فالقيمة الخلقية لصقة بأعمال النسان بحكم طممبيعته ‪..‬‬
‫وإنما تختلف القيم باختلف واضعها ‪ :‬هل هو اله أم هم البشر ‪ .‬فإن‬
‫كانت من عند الله فهذه هى القيم الحقيقية الصالحة ‪ ،‬لنها من عند‬
‫خالق النسان العليم به وبما يصلح له وما يصلحه ‪:‬‬
‫ف ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خِبيمُر )‪] {(14‬سممورة الملممك‬ ‫خل َمقَ وَهُموَ الل ّ ِ‬
‫طيم ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫}أل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫‪[67/14‬‬
‫وإن كانت من عند البشر فهى عرضممة للهممواء وعرضممة للختلف‬
‫من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ‪ .‬وتاريخ البشرية فى جاهليتهمما‬
‫هو الدليل ‪ ،‬يستوى فى ذلك أن يكون الجمماهليون مممن الفلسممفة أو‬
‫من عامة الناس !‬
‫ولقد كان هممذا كلممه واضممحا لوروبمما المسمميحية فممى الفممترة الممتى‬
‫سيطر فيها الدين على قلوب الناس ‪ ،‬بصرف النظر عممما فممى ذلممك‬
‫الممدين الكنسممى مممن انحرافممات ‪ ..‬فقممد سممبق أن قلنمما إن وجممود‬
‫النحراف والتحريف فيه لم يمنممع وجممود بعممض الحقممائق لنهممم كممما‬
‫يقول الله عنهم ‪ " :‬فنسوا حظا مما ذكروا به " وبقى مما ذكروا بممه‬
‫بعض أشياء ‪ ..‬وكانت القيم الخلقية من بعض هذه الشياء ‪.‬‬
‫ثم زحفت العلمانية شيئا فشمميئا علممى الحيمماة الوروبيممة فأقصممت‬
‫الدين عن الحياة بقدر ما تمكنت هى من الحياة ‪ ..‬ومع إقصاء الدين‬
‫أقصيت الخلق ‪ ،‬لنها أصل مستمدة من الدين ‪.‬‬
‫وأول مجال أزيحممت الخلق عنممه هممو مجممال السياسممة منممذ قممال‬
‫مكيممافيللى ‪ :‬إن الغايممة تممبرر الوسمميلة ‪ ..‬ومعناهمما بصممريح العبممارة‬
‫إسممقاط الخلق مممن مجممال السياسممة ‪ ،‬وممارسممة السياسممة بل‬
‫أخلق !‬
‫ثم أزيحت الخلق من المجال القتصممادى منممذ الثممورة الصممناعية‬
‫بتحليل الربا ‪ ،‬وتحليل الغش والخداع والكممذب وسممرقة أجممر الجيممر‬
‫وشغل الناس بتوافه الشياء من أجل الربح ‪ ،‬وتحليل شن الحممروب‬
‫والستعمار من أجل إيجاد أسواق لتصريف البضائع ‪ ..‬إلممى آخممر ممما‬
‫قامت به الرأسمالية من حيل غير شريفة للستزادة من المال على‬
‫حساب البشرية ‪.‬‬
‫ثم أزيحت الخلق من مجال العلم ‪ ،‬فلم يعد هدف العلم البحممث‬
‫عن الحقيقة المجردة – له – إنما صارت تصاحبه المصممالح والهممواء‬
‫والشهوات التى أسلفنا نماذج منها فى إبعمماد اسممم اللممه عمممدا مممن‬
‫البحث العمى مع وضع بديل مزيف هو الطبيعة ‪ ،‬ل لن هذه حقيقممة‬
‫ولكن لنها تخدم هدفا معينمما فمى معركممة معينمة بيممن العلممماء وبيمن‬
‫الكنيسممة ! ومممن نشممر أبحمماث كاذبممة بقصممد نشممر اللحمماد ‪ .‬ومممن‬
‫استخدام ثمار العلم لفساد الخلق ‪ ..‬وغير ذلك مما كان مسممتحيل‬
‫أن يحدث فى ظل سيطرة الدين علممى مشمماعر النمماس ‪ ،‬ومممن ثممم‬
‫التزامهم بأخلقيات الدين ‪ ..‬ولكنه يحدث بسهولة فى ظل العلمانية‬
‫التى تفاخر بإقصاء الدين عن كل مجالت الحياة !‬
‫ثم أزيحت الخلق من مجال الفكر ‪ .‬فلم يعد يحممس المفكممر أنممه‬
‫ملممتزم بأمانممة معينممة هممى فممى أصمملها المانممة المممؤداة إلممى اللممه ‪..‬‬
‫فحفلممت وسممائل العلم جميعمما مممن أول لكتمماب إلممى التليفزيممون ‪،‬‬
‫مرورا بالصحيفة والمسرح والسينما والذاعة ‪ ،‬بكل صنوف التضليل‬
‫والكذب والخداع والغش وإفساد العقيدة وإفساد الخلق ‪.‬‬
‫ثم أزيحت من مجال العلقات الجنسية بصفة خاصة – وهممى أدق‬
‫مجالت الخلق – فقيل إن الجنس مسألة " بيولوجية " ل علقة لها‬
‫بالخلق ! أى مسألة ذكر وأنثى يجرى بينهما ممما يجممرى بيممن الممذكر‬
‫والنثى ‪ ..‬بل قيود ول أخلق ول ضمبط ول تصمعيد ‪ ..‬وكمانت الحممأة‬
‫الدنسة التى تردت فيها البشرية ‪ ،‬وكان السعار الجنسممى المجنممون‬
‫الذى ل يشبع ول يرتوى ول يفيق ‪..‬‬
‫وأخيرا أفرغت الخلق ذاتها من مضمونها حين قبل إنه ليممس لهمما‬
‫وجود ذاتى ‪ ،‬إنما هى انعكاس للوضاع المادية والقتصادية ‪ ،‬أو إنهمما‬
‫من مصنع العقل الجمعى وإنهمما تتغيممر علممى الممدوام ول تثبممت علممى‬
‫حال !‬
‫وسقط " النسان " بسقوط الخلق !‬
‫)‪ (6‬فى الفن ‪:‬‬
‫كان الفن فى أوروبا فى فترة الجاهلية الكنسية فنمما دينيمما بمعنممى‬
‫أنه موجه لخدمة الدين ‪ ،‬وكان يحمل كل ممما فممى العقيممدة الكنسممية‬
‫مممن انحممراف ‪ ،‬إذ كممان كلممه موجهمما لتمجيممد " الممرب " الممذى ألهتممه‬
‫الكنسية وهو المسيح عيسى بن مريم ‪ ،‬أو تمجممدي القممانيم الثلثممة‬
‫عامة ‪ :‬الب والبن وروح القديس ‪ ،‬مع مريم البتول ومجموعة مممن‬
‫القديسين ‪ ..‬سواء بالشممعر أو النممثر أو الرسممم أو التصمموير )بمعنممى‬
‫إقامة التماثيل( ‪.‬‬
‫وقممد لحظممت فممى كتمماب " جاهليممة القممرن العشممرين " ملحظممة‬
‫خاصة بالفن الوروبى ‪ ،‬وقلت إنها معروضممة للدراسممة لمممن أراد أن‬
‫يدرس ‪ ،‬تلك هى أن الفن الوروبى فى جميع أدواره التاريخية كممان‬
‫مشممغول بممالمعبود ‪ ..‬فحيممن كممان المعبممود فممى الجاهليممة الغريقيممة‬
‫مجموعة من اللهة المختلفة توجه الفن الغريقممى إلممى تلممك اللهممة‬
‫سممواء فممى السمماطير أو المسممرحيات أو التماثيممل ‪ .‬وحيممن انتقلممت‬
‫أوروبا إلى المسيحية عنى الفن بالله كما صورته الكنيسممة ‪ ،‬وحيممن‬
‫كفرت أوروبا بإله الكنيسة وألهت الطبيعة اتجه الفممن إلممى المعبممود‬
‫الجديد وخاصة فى الفترة الرومانسية ‪ ،‬وحيممن صممار المعبممود هممو "‬
‫النسان " اتجه الفن كله إلى دراسة النسان فى جميع أوضاعه ‪.‬‬
‫واليوم صارت المعبودات فوضى ‪ ،‬وتمثلممت الفوضممى كممذلك فممى‬
‫الفن الوروبى الحديث !‬
‫وهذه نقطة فنية على أى حال ليممس مجالهمما التفصمميلى فممى هممذا‬
‫الكتاب إنما ينبغى أن تدرس دراسة نقدية متخصصة ‪.‬‬
‫ثم إنى ألفت كتابا كامل هو " منهج الفن السلمى " لبين العلقة‬
‫بين الفممن الصممحيح والممدين الصممحيح ‪ ،‬وكيممف تكممون مجممالت الفممن‬
‫الملتزم بالدين ‪ ،‬وكيف أن ارتباط الفن بالدين ل يضيق مجالته كما‬
‫يفهم البعض ‪ ،‬ول يحوله إلى مواعظ دينية كما يفهم البعض الخر ن‬
‫إنممما يوسممع مجممالته فممى الحقيقممة ويعمقهمما ‪ ،‬ولكنممه ينظفهمما فقممط‬
‫ويطهرها من الرجاس ‪.‬‬
‫وليس هنا مجال إعادة الحديث فى هذه الموضوعات ‪..‬‬
‫إنما نحن هنا نتحدث فقط عن آثار العلمانية فى الفن الوروبى ‪..‬‬
‫فأول آثارها – فى التسلسل التاريخى – هممو عبممادة الطبيعممة فممى‬
‫الفترة الرومانسية ‪.‬‬
‫وليممس ثمممة عيممب – كممما قلنمما مممن قبممل – فممى مناجمماة الطبيعممة‬
‫والتفاعل معها والحفاوة بها ‪ ،‬فممذلك كلممه أمممر طممبيعى فممى النفممس‬
‫السمموية ‪ .‬ذلممك أن اللممه خلممق الكممون جميل ثممم جعممل فممى النفممس‬
‫البشرية حاسة تلتقط الجمال وتنفعممل بممه ‪ .‬والقممرآن يمموجه الحممس‬
‫توجيها صممريحا لرؤيممة الجمممال فممى الكممون والحسمماس بممه ‪ ،‬ل فممى‬
‫الورود والزهار والجبال والوديان فحسب ‪ ،‬بل فممى النعمام كمذلك ‪،‬‬
‫التى هى مظنة الفائدة وحدها ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن )‪ (5‬وَل َك ُم ْ‬ ‫من ْهَمما ت َمأك ُُلو َ‬ ‫من َممافِعُ وَ ِ‬ ‫فٌء وَ َ‬ ‫م ِفيَها دِ ْ‬ ‫خل ََقَها ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫}َوالن َْعا َ‬
‫ن )‪] {(6‬سممورة النحممل‬ ‫حو َ‬ ‫س مَر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حي م َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫حممو َ‬
‫ري ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫حي م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ممما ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ِفيهَمما َ‬
‫‪[6-16/5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جن َمما ب ِمهِ ن َب َمما َ‬‫خَر ْ‬ ‫جن َمما ب ِمهِ فَأ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي أنَز َ‬ ‫}وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كبا ً وَ ِ‬‫مت ََرا ِ‬‫حب ّا ً ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ضرا ً ن ُ ْ‬ ‫خ ِ‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫يٍء فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫شمت َِبها ً‬ ‫ة وجنمات مم َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ب َوالّزي ُْتمو َ‬ ‫ن أعْن َمما ٍ‬ ‫دان ِي َ ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ط َل ْعَِها قِن ْ َ‬
‫شابه انظ ُروا إَلى ث َمره إ َ َ‬
‫ت‬ ‫م لي َمما ٍ‬ ‫ن فِممي ذ َل ِك ُم ْ‬ ‫مَر وَي َن ْعِ مهِ إ ِ ّ‬ ‫ذا أث ْ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مت َ َ ِ ٍ‬ ‫وَغَي َْر ُ‬
‫ن )‪] {(99‬سورة النعام ‪[6/99‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ممماًء فَأن ْب َت ْن َمما‬
‫ماِء َ‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ض وَأنَز َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}أ ّ‬
‫م معَ الل ّمهِ ب َم ْ‬ ‫شجر َ َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬‫ها أئ ِل َ ٌ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ َ‬‫جةٍ َ‬ ‫ت ب َهْ َ‬
‫ذا َ‬‫دائ ِقَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫ن )‪] {(60‬سورة النمل ‪[27/60‬‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫هُ ْ‬
‫ولكن رؤية هذا الجمال والتفاعل معه والنفعال به تحدث به فممى‬
‫النفس السوية توجها إلى الله بالعبممادة لنممه هممو خممالق هممذا الكممون‬
‫الجميممل ومسممخره للنسممان ‪ ،‬وخممالق هممذه الحاسممة الجماليممة فممى‬
‫تركيب النسان ليستمتع بهذا الجمال ‪.‬‬
‫أما النكسة العلمانية فى الحس الوروبى المنسلخ من الدين فقد‬
‫ذهبت فى طريق آخر مخالف ‪ ،‬فجعلممت مممن هممذا الحممس الجمممالى‬
‫وثنية كاملة تعبد الطبيعممة بممدل مممن عبممادة اللممه ‪ .‬وقممد وردت كلمممة‬
‫الوثنية بالذات ورودا مكررا فى شممعر الرومانسمميين كأنممما هممو أمممر‬
‫مقصود !‬
‫بل إن الرومانسية فى الحقيقة هى التى يسرت للحس الوروبممى‬
‫النزلق إلى تلك المغالطة المكشوفة التى جعلت الطبيعة إلها بممدل‬
‫مممن اللممه ‪ ،‬حممتى سممرت هممذه المغالطممة إلممى " العلممماء " أنفسممهم‬
‫فتعاملوا معها كأنها حقيقة واقعة ‪ ..‬بل صاروا فى النهاية يقبلونهمما –‬
‫وحدها – على أنها هى العلم ‪ ،‬ويرفضون الحقيقة الصلية وهى كون‬
‫الله هو الخالق ‪ ،‬ويعتبرونها إفسادا لروح البحث العلمى !‬
‫ثم ذوت الرومانسية بعد فترة من الوقت وحلت محلهمما الواقعيممة‬
‫رد فعممل لهمما ‪ ،‬إذ كممانت الرومانسممية مغرقممة فممى الخيممال المغممرب‬
‫فجاءت الواقعية لترد الناس وترد الفن إلى الواقع ‪..‬‬
‫ولكن أى واقع هو الذى ارتد إليه الفن وارتد إليه الناس ؟!‬
‫إنه الواقع الصغير ‪ ..‬الهابط ‪ ..‬المنسلخ من الدين ‪ ..‬من القيممم ‪..‬‬
‫من الخلق !‬
‫ففممى الفممترة الممتى اسممتغرقتها الرومانسممية وارتممدت بعممدها إلممى‬
‫الواقع كان الناس قد ساروا خطوات على خط العلمانية المنسمملخة‬
‫من الدين فهبطوا ‪ ،‬فجاءت الواقعية لترصد واقعهم حيث هم ‪ ..‬ثممم‬
‫تقول هذا هو الواقع البشرى !‬
‫فأما كون هذا هو الواقع الذى كان عليه الناس وقتئذ فهذا حممق ل‬
‫شك فيه ‪ ،‬وأما أن هذا الواقممع البشممرى علممى إطلقممه فممأمر يكممذبه‬
‫التاريخ ‪ .‬تكذبه فترات الهدى فى حياة البشرية ‪ ،‬التى ارتفع النمماس‬
‫فيها إلى قمم تبدو – فى هممذا الواقممع المنحممرف – كأنهمما خيممالت ‪،‬‬
‫ولكنها كانت واقعا عاشه الناس بالفعممل ‪ ،‬وينبغممى أن يحمماولوا علممى‬
‫الدوام أن يعودوا إلى ذلك المستوى السامق أو يعودوا إلممى قريممب‬
‫منه ‪ .‬وليس المطلموب ممن الفمن المواقعى أن يمدارى علمى هبموط‬
‫الناس ول أن يصورهم فى صورة غير واقعية من أجل إرضاء المثل‬
‫العليا ! كل فالفن المزور ل يستطيع أن يعيممش ‪ .‬ولكممن هنمماك فرقمما‬
‫بين تصوير الواقع على أنه واقع نعممم ‪ ،‬ولكنممه منحممرف عممن الصممل‬
‫الذى كان ينبغى أن يكون عليه ‪ ،‬وبين تصويره على أنممه هممو الواقممع‬
‫النسانى الذى ل يمكن تعديله أو ل ينبغى تعديله أو ل يعنينا تعديله !‬
‫كلهما تصوير للواقع ‪ .‬وكلن أحدهما يصور الواقممع المنحممرف بممروح‬
‫النكار ‪ ،‬ويدعو إلى الرتفمماع عنممه ‪ ،‬والخممر يعطيمه شمرعية الوجمود‬
‫فتكون النتيجة الحتمية – دائما – مزيدا من الهبوط !‬
‫نموذج الواقعية الهادفة هو سورة يوسف فى القرآن الكريم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ب وَقَممال َ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت الب ْم َ‬ ‫سمهِ وَغَل َّقم ْ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت ِهَمما عَم ْ‬ ‫}وََراوَد َت ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫ح الظ ّممال ِ ُ‬ ‫ه ل ي ُْفل ِ ُ‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫هَي ْ َ‬
‫ف‬ ‫صمرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َمذ َل ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َرَأى ب ُْر َ‬ ‫ول أ ْ‬
‫َ‬
‫م ب َِها ل َ ْ‬ ‫ت ب ِهِ وَهَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ (23‬وَل ََقد ْ هَ ّ‬
‫ن )‪] {(24‬سممورة‬ ‫صممي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬‫عَبادِن َمما ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شمماَء إ ِن ّم ُ‬ ‫ح َ‬ ‫سمموَء َوال َْف ْ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫يوسف ‪[24-12/23‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مت ّك َمأ َوآت َم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت ل َهُ م ّ‬ ‫ن وَأعْت َمد َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫مك ْرِهِ ّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫مع َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫}فَل َ ّ‬
‫خمرج عَل َيهمن فَل َممما رأ َينم َ‬
‫ه‬ ‫ه أك ْب َْرن َم ُ‬ ‫ّ َ َْ ُ‬ ‫ِْ ّ‬ ‫تا ْ ُ ْ‬ ‫كينا ً وَقَممال َ ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫من ْهُم ّ‬ ‫حمد َةٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫مل َ ٌ‬ ‫وقَط ّع َ‬
‫م)‬ ‫ري ٌ‬ ‫ك كَ ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫شرا ً إ ِ ْ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ش ل ِل ّهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن وَقُل ْ َ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سمم ِ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫عمم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫مت ُن ِّنممي ِفيممهِ وَلَقممد ْ َراَودّتمم ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي ل ْ‬ ‫ّ‬
‫ن المم ِ‬ ‫ُ‬
‫ت َفممذ َل ِك ّ‬ ‫َ‬
‫‪َ (31‬قممال ْ‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫صمماِغ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن وَل َي َ ُ‬ ‫جن َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫مُرهُ ل َي ُ ْ‬ ‫ما آ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ي َْفعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫‪] {(32‬سورة يوسف ‪[32-12/31‬‬
‫ولكن هذه ليسممت اللقطممة الخيممرة ‪ ..‬إنممما اللقطممة الخيممرة هممى‬
‫الوبة والتوبة والترفع والرتفاع ‪:‬‬
‫ممما‬ ‫ش ل ِّلممهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫سهِ قُل ْ َ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ َراَودت ّ ّ‬ ‫خط ْب ُك ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫}َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح مقّ أن َمما‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صم َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫زي مزِ ال َ‬ ‫ِ‬ ‫م مَرأةُ ال ْعَ‬ ‫تا ْ‬ ‫سوٍء قَممال َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ِ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫خْنمم ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫م أّني ل َ ْ‬ ‫ك ل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن )‪ (51‬ذ َل ِ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫سهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫َراَودت ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫دي ك َي ْمد َ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سممي إ ِ ّ‬ ‫ممما أب َمّرئُ ن َْف ِ‬ ‫ن )‪ (52‬وَ َ‬ ‫خممائ ِِني َ‬ ‫ه ل ي َهْم ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب وَأ ّ‬ ‫ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪{(53‬‬ ‫حي م ٌ‬ ‫ن َرب ّممي غَُفمموٌر َر ِ‬ ‫م َرّبي إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ِ‬ ‫سوِء إ ِل ّ َ‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬ ‫سل ّ‬ ‫الن ّْف َ‬
‫]سورة يوسف ‪[53-12/51‬‬
‫ونموذج الواقعية الهابطة هو الدب الذى يدعى الواقعية وهو فممى‬
‫الواقع يدعو إلى الهبوط ! وهبه صادقا فممى ادعمماء الواقعيممة فلممماذا‬
‫يصر على التقاط اللحظات الهابطة وحدها ويتجنب لحظات الرتفاع‬
‫؟! ثم لماذا ل يسمى الهبوط باسمه الحقيقى وهو الهبوط ؟!‬
‫ثممم ‪ ..‬تبعممثرت التجاهممات الفنيممة فممى الفممترة الخيممرة ‪ ..‬ولكنهمما‬
‫حافظت على طابع واحد ‪ ..‬هو الهبوط !‬
‫من السريالية إلى الوجودية إلى اللمعقممول ‪ ..‬إلممى أدب الجنممس‬
‫المكشوف ‪..‬‬
‫أما السريالية فقد تتبعممت التلحيممل النفسممى الممذى أنشممأه فرويممد‬
‫وقال فيه إن حقيقة النفس النسممانية ليسممت فممى النفممس الواعيممة‬
‫التى تتعامل مع الواقع الخارجى ‪ ،‬إنما هى فى العقل الباطن الممذى‬
‫ل ترتيب فيه ول منطق ! فحاولت فى نماذج أقرب إلى الخبل منهمما‬
‫إلى العقل أن تبرز " حقيقة النفمس النسمانية " ! فلمم تصممنع شمميئا‬
‫فى الحقيقة إل بعثرة هذه النفس إلى قطع متناثرة ل دللممة لهمما ول‬
‫معنى ول طعم ‪.‬‬
‫وأممما اللمعقممول فقممد كممان هروبمما مممن " المعقممول " هروبمما مممن‬
‫العقلنية التى طغت على الفكر والحياة الوروبية ‪ ،‬ومحاولة للقممول‬
‫بأن الحياة ليست معقولة ‪ ..‬ليس لها هدف ‪..‬ليس لها نظام ‪ ..‬ليس‬
‫لها منطممق ‪ ..‬ليممس لهمما غايممة ‪ ..‬إنممما تحممدث فيهمما الحممداث لمجممرد‬
‫الحممدوث ! وحيممن تحممدث فممإنه يكممون لهمما ثقممل " الواقممع " ‪ .‬ولكممن‬
‫حدوثها وعدم حدوثها سيان ! وحدوثها على هممذه الصممورة وحممدوثها‬
‫علممى صممورة أخممرى سمميان ! لن كممل الصممور تتسمماوى فممى عممدم‬
‫المعقولية وفى الفتقار إلى معنى واضح وغاية واضحة ‪.‬‬
‫ولقد كان هذا تعبيرا باطنيا حقيقيا عممن أن الحيمماة فقممدت معناهمما‬
‫وفقدت غايتهما حيمن فقمدت الخيمط المذى ينظمهما جميعما وينظمهما‬
‫ويفسر غايتها ويفسر أحداثها ‪ ،‬وهو الدين ‪ ..‬ولكن الجاهلية ل تمدرك‬
‫ذلك ‪ ،‬وتأخذ المر على أنه مجرد فن ! أو إن أدركت فإنها تدرك أن‬
‫الحياة البشرية أصبحت فى حاجة إلممى " فلسممفة " جديممدة تعطيهمما‬
‫معنى وتعطيها غاية ‪ ،‬بشرط أل تكممون هممذه " الفلسممفة " مسممتمدة‬
‫من الدين !!‬
‫وأما الوجودية فهى أخبث من ذلك لكه ‪ ..‬ول تنس أن سممارتر – "‬
‫الكاتب النسانى الغظيم " – يهودى من أم يهودية ‪.‬‬
‫تقول وجودية سارتر إن الكون والحياة ل هدف لها ول غايممة ‪ ..‬ول‬
‫عدل فيها ول حق ‪ .‬إنما كلمه ضملل وعبمث ‪ .‬وإن الوجممود النسمانى‬
‫ضياع كله ‪ ،‬ومن المستحيل أن يحقق النسان فيه وجوده !‬
‫وإلى هنا نستطيع أن نقول إن هذا أيضا تعبير بمماطنى صممادق عممن‬
‫فقدان الحياة معناها وهدفها حين تفقد العنصر الذى يوجممد الممترابط‬
‫بن أجزائها ويعطى أحداثها تفسيرها ومعناها وهو الدين ‪.‬‬
‫ولكن وجودية سارتر ل تقف عند تسجيل الضياع والعبثية وفقدان‬
‫المعنى والغاية ‪ ..‬ولكنها تقدم حل للمشكلة ! وياله من حل !‬
‫الحل أن يعيش كل إنسان وحده ‪ ،‬وأن يحقق وجوده بأن يفعل م‬
‫يرى هو أنه حق وأنه واجب وأنه حسن !‬
‫فى مسرحيته " الجحيم هو الخرون " يرسم الجحيممم فممى نفممس‬
‫إنسان – إذا كان إنسانا ! – يتعذب من أول المسممرحية إلممى آخرهمما‬
‫من جود آخرين ل يكفون عن الوجود من حوله ‪ ،‬ويفرضون عليه أن‬
‫يكونوا موجودين معه ‪ ،‬فيمنعونه أن يكون نفسه ‪ ..‬أن يحس بذاتيته‬
‫‪ ..‬أن يفعل ما يمليممه عليممه هممواه الشخصممى ‪ .‬فيظممل سمماكنا سمماكتا‬
‫يتعمذب ‪ .‬يتطلمع إلمى اللحظمة المتى يمذهب فيهما عنمه " الخمرون "‬
‫لينطلممق بوجمموده الممذاتى ‪ ،‬ليحقممق ذاتممه ‪ ..‬وكلنهممم ل ينصممرفون ‪..‬‬
‫فيظل هو فى الجحيم !‬
‫أما أدب الجنس المكشوف – إن كان يسمى " أدبا " – فو واضممح‬
‫من أن يحتاج إلى تعليق !‬
‫وفى تاريخ البشرية كله ط آداب " تعالج الجنممس بقصممد الثممارة ‪،‬‬
‫أو تعبر عن تجارب هابطة لنسان شهوان ‪ ..‬ولكنها كانت تأخممذ فممى‬
‫عالم الدب مكانا منزويا ‪ ،‬يتستر بها صاحبها فممى الظلم ‪ ،‬ويسممقط‬
‫عمن يتعاطونها رداء التوقير والحترام ‪ ،‬ويقبل عليها ط المراهقممون‬
‫" مممن أى عمممر كممانوا ‪ ،‬فليسممت المراهقممة فممترة معينممة مممن عمممر‬
‫النسان كما هى فى اصطلح علم النفس ‪ ،‬إنممما هممى حالممة نفسممية‬
‫غير مستقرة وغير متزنة يمكن أن يصاب بها الفتى فى إبان طيشه‬
‫‪ ،‬ويمكن أن يصاب بها ابن السبعين ‪ ..‬فتخف أحلمه ويذهب وقمماره‬
‫وتذهب عنه قدرته على الحكم المتزن على الشياء ‪..‬‬
‫ولكممن الجديممد الممذى أحممدثه " التطممور " العلمممانى هممو إعطمماء "‬
‫الشرعية " لهذا الهبوط الحيمموانى ‪ ،‬وكشممفه فممى النممور ‪ ،‬وإعطمماؤه‬
‫صفة " الفن " ‪ ،‬ووضع منتجيه فى قائمة المشاهير ‪ ،‬بل فممى قائمممة‬
‫العظماء من الفنممانين ! وينشممغل النقمد الدبممى والنقممد الفنمى بتتبمع‬
‫آثممارهم وكشممف جمموانب العظمممة الفنيممة فيهممم ‪ ..‬بممل يتبجممح نقمماد‬
‫فيبحثون لهم عن عظات " نفسية " فى وسط الماخور الكبير الذى‬
‫يعيش فيه هؤلء وهؤلء من نقاد و" فنانين "‬
‫لقد سقط " النسان " كله إلى السراديب ‪ ،‬وقرر المقام هنمماك ‪،‬‬
‫وأضاء النوار على قاذوراتها وعرضها على أنها " البضاعة الحاضممرة‬
‫" ! ولم تعد سرا يستخفى منه ‪.‬لم تعممد قممذارة تسممتنكر ‪.‬ز لممم تعممد‬
‫شيئا يتقزز منه الناس ‪.‬‬
‫أرأيت إلى دودة الرض اللصقة بمالطين ؟! إنهمما تسمتروح أنسمام‬
‫المستنقع السن الذى تعيش فيه ‪ ،‬وترى أنه بالنسبة لها هو الوضممع‬
‫الطبيعى ‪ ..‬هو الصل الذى ينبغى أن تعيش فيه !‬
‫أرأيت لو أنك أردت أن ترفعها من الطين وتنظفها ؟‬
‫إنها تستنكر وترفض ‪ ..‬وتتفلت مممن بيممن أصممابعك لممتزداد لصمموقا‬
‫بالطين !‬
‫وهكذا لم يعد أدب الجنس المكشوف قذارة يممترفع عنهمما الفممن ‪.‬‬
‫إنما صار هو الفن الذى يتفنمن فيممه الكتماب ‪ ،‬يعرضمون مفماتنه – أو‬
‫بالحرى مباذله – فى تفصيل دقيق مكشوف ‪ ،‬ويعرضونه علممى أنممه‬
‫قاعدة الحياة أو قمة الحياة !‬
‫هل هى عدوى " فرويد " فى عالم الفن ؟‬
‫لشك أن فرويد مسممئول عممن البدايممة الممتى ابتممدأ بهمما هممذا الفممن‬
‫الهابط ‪ .‬وقد كانت البداية هى قصة " عشيق ليممدى تشمماترلى ‪Lady‬‬
‫‪ Chatterly’s Lover‬للقصمماص النجليممزى د ‪ .‬هممم ‪ .‬لممورنس ‪D. H.‬‬
‫‪ Lawrence‬المتتلمذ علممى فرويممد ‪ ،‬والممذى يعتممبر هممو نفسممه " حالممة‬
‫فرويدية " ‪ .‬تلك القصمة المتى صمودرت وصمودرت وصمودرت ‪ ..‬ثمم‬
‫أبيحت مع حذف الجزء الشديد الفحاش منها ‪ .‬ثم أبيحممت مممع جممزء‬
‫منه ‪ ..‬ثم أبيحت كاملة كما هى ‪ ..‬عارية من كل حياء ‪ ..‬وطبع منهمما‬
‫مليين !‬
‫ولكن فرويد وحده ل يكفى لتفسير كل ذلك الهبوط ‪..‬‬
‫إنه النسلخ من الدين ‪ ،‬الذى يسمى " العلمانية " !‬
‫ففرويد لم يكن يتصور – وإن تمنممى – أن تممأتى يمموم تعممرض فيممه‬
‫العملية الجنسية على المسرح بوصفها جمزءا ممن مسمرحية " فنيمة‬
‫" ! ثم ينقلهمما التليفزيمون علمى شاشمته ليراهمما الولد والبنمات فمى‬
‫البيوت !‬
‫وذلمممك إلمممى آلف وآلف ممممن المسمممرحيات والقصمممص والفلم‬
‫والغانى والصور والصحف والمجلت ‪ ،‬ل تعرض شمميئا إل الجنممس ‪،‬‬
‫ول تعرضه إلى وضع الحيوان ‪.‬‬
‫تلك هى العلمانية فى مجالت الحيمماة المختلفمة ‪ ..‬فممى السياسممة‬
‫والقتصاد والجتماع والعم والخلق والفن ‪ ..‬ولك نشمماط يمكممن أن‬
‫يصدر عن " النسان " إن كان قد بقى له بعد ذلمك كلمه مكمان فمى‬
‫عالم " النسان "!‬
‫وتقول العلمانية – الغربية علممى القممل – إنهمما ل تحممارب الممدين !‬
‫فمن شاء أن يتدين فليتدين ! وانظر حولك تجممد متممدينين بالفعممل ل‬
‫تتعرض لهم العلمانية من قريب ول من بعيد !‬
‫أرأيت لو أن إنسانا أطلق حولك كل أنواع الجراثيم الموجودة فى‬
‫الرض ‪ ،‬فى الهواء الممذى تتنفسممه ‪ .‬فممى الممماء الممذى تشممربه ‪ .‬فممى‬
‫الطعام الذى تأكله ‪ .‬فى الوجود الذى تلمسه ‪ .‬ثم قال لك إن أردت‬
‫أن تظل سليما معافى فكن كما شئت ‪ ،‬فنحن ل نتعممرض لممك ! كممم‬
‫يكون قوله مسخرة المساخر ‪ ،‬وكم يكون مغالطة مكشوفة ؟!‬
‫وذلك فضل عن أنه فى عرف نفسه ل يعتبر ما يطلقه من حولممك‬
‫جراثيم ‪ ..‬بل يعتبرك أنت الجرثومة التى يخشى منهمما علممى كيممانه ‪،‬‬
‫والتى لم يستطع أن يقضى عليها قضاء كامل فتركها وهممو يتمنممى –‬
‫من الشيطان – أن تزول !‬
‫واًء{ ]سممورة النسمماء‬ ‫سم َ‬
‫ن َ‬ ‫ممما ك ََفمُروا فَت َ ُ‬
‫كون ُممو َ‬ ‫دوا ل َوْ ت َك ُْفُرو َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫}وَ ّ‬
‫‪[4/89‬‬
‫إن الدين – حتى بمعناه الغربى المشوه – لم يعممد لممه مكممان فممى‬
‫العلمانية المعاصرة ‪.‬‬
‫فإذا كان قد أخرج من عالم القتصاد ومممن عممالم الجتممماع ومممن‬
‫عالم العلم ومن عالم الخلق ومن عالم الفن ‪ ..‬فماذا بقى له مممن‬
‫واقع الحياة وماذا بقى له من النفس النسانية ؟!‬
‫بقيت له ساعة فى الكنيسة من يوم الحد من كممل أسممبوع عنممد‬
‫أفراد من الناس !‬
‫نعم ‪ ..‬ولكن ما الدين حتى بالنسبة لهؤلء ؟‬
‫هل له واقع فى حياتهم ؟‬
‫هل يمنح قلوبهم الطمأنينممة اللزمممة لحيمماة النسممان ‪ ..‬الطمأنينممة‬
‫التى تتنع التمزق النفسى وتمنع القلق والضطراب ؟‬
‫هل يمنح وجودهم معنى يحميهم من الحساس بالضياع ؟‬
‫هل يمنحهم تصورا للكون والحياة والنسان غيممر التصممور المممادى‬
‫الذى تقدمه العلمانية الجاهلية ؟‬
‫لو سألت أولئك الخارجين من سمماع الموعظمة يمموم الحمد عممن‬
‫رأيهم المدينى فممى التعمماملت القتصمادية الربويممة اتممى تقموم عليهمما‬
‫حياتهم فهل تجد عند أحد منهم تحريما لها أو استنكارا لقيامهمما ؟ أم‬
‫يقول لك قائلهم ‪ :‬هذه مسألة اقتصادية ‪ ..‬ما علقة الدين بالقتصاد‬
‫؟!‬
‫ولو سألت أحدا منهم ‪ :‬ما رأيك فى كذب الساسممة بعضممهم علممى‬
‫بعممض فممى السياسممة الدوليممة ‪ ،‬وعلممى شممعوبهم فممى السياسممة‬
‫الداخليممة ؟ ومممت رأيممك فممى اللممتزام الحزبممى الممذى يلممزم صمماحبه‬
‫بالمعارضة أو التأييد حسب وضممع حزبممه مممن السمملطة ؟ وممما رأيممك‬
‫فيما تكتبه الصممحافة السياسممية بقصممد التشممويش علممى الحقممائق ل‬
‫بقصممد إظهممار الحممق ؟ أل يقممول لممك علممى الفممور إن هممذه مسممائل‬
‫سياسية ‪ ..‬ول دخل للدين بالسياسة ؟!‬
‫ولو سألت الفتاة وصديقها الخارجين مممن " الصمملة " ممما قولكممما‬
‫فى العلقة القائمة بينكما ؟ ألسي الممدين يحرمهمما ؟ أل يقممولن لممك‬
‫إن الدين مسألة اعتقادية ول علقة له بالعلقممات الجتماعيممة ؟! إن‬
‫لم يقول لك – كما يقول الكثيرون والكممثيرات – إن الجنممس مسممألة‬
‫بيولوجية بحتة ل علقة لها بالدين ول علقة لها بالخلق ؟!‬
‫كل ! ما يزيد " الدين " فى ظل العلمانيممة علممى أن يكممون مجممرد‬
‫وجدانات حائرة ل تلبث أن تتبدد وتضيع فى الدوامة العاتية المعادية‬
‫لكل ما يأتى من عند الله !‬
‫‪m m m‬‬

‫العلمانية والسلم‬
‫إذا صحت دعوى العلمانيين فى الغممرب بالنسممبة للممدين الكنسممى‬
‫أنهم يتعايشون معه ويتعممايش معهممم دون تممدخل مممن أحممدهما فممى‬
‫شؤون الخر – وهى كما رأينا ليسممت صممحيحة فممى الحقيقممة‪ -‬فإنهمما‬
‫بالنسبة للسلم ل تصح على الطلق !‬
‫لقد كان الدين الكنسممى منممذ اللحظممة الولممى دينمما يهتممم بممالخرة‬
‫ويدير ظهره للحياة الدنيا ‪ ،‬نتيجة ممما دخممل فيممه مممن تحريممف فصممل‬
‫الشريعة فيممه عممن العقيممدة ‪ ،‬وجعلممه عقيممدة صممرفا إل فيممما يتعلممق‬
‫بالحوال الشخصية ‪ ..‬ومع ذلك فقمد كمان العممل ممن أجمل الخمرة‬
‫يلقى أثره على الحياة الدنيا ‪ ،‬قصد النماس أم لمم يقصمدوا ‪ ،‬ووعموا‬
‫ذلك فى إدراكهم أم لم يعوه ‪ ،‬فكممان ذلممك الممدين – رغممم التحريممف‬
‫الضممخم فممى كممل جمموانبه – يعطممى أثممارا واقعيممة فممى حيمماة النمماس‬
‫وسلوكهم ‪ ،‬وتصوراتهم ومشمماعرهم ‪ ،‬وهممى الممتى جمماءت العلمانيممة‬
‫لتزحزحها من مكانها رويدا رويدا حتى أجلتها إجلء كامل ‪ ،‬فلممم يعممد‬
‫للدين عند الكثريممة العظمممى مممن النمماس فممى الجاهليممة المعاصممرة‬
‫مكان على الطلق ‪ ،‬وبقى عند القلية " المتدينممة " مجممرد مشمماعر‬
‫ووجدانات ‪ ،‬وعلممى الكممثر بعممض " العبممادات " ولكممن هممذه وتلممك ل‬
‫تحكم شيئا فى واقع الحياة ‪ .‬وبهذا وحممده – أى بمسممخ الممدين علممى‬
‫هذه الصورة المزرية – أصبحت العلمانية تتعايش – على مضض ! –‬
‫مع الدين ! وقد كان هذا مسخا بالنسبة للدين الكنسى ذاتممه ‪ ،‬الممذى‬
‫شوهته الكنيسة حتى قطعت صلته بالصل السماوى ‪ ..‬فكيف يكون‬
‫المر بالنسبة لدين الله الحق ؟!‬
‫إن الممدين احممق ل يمكممن ابتممداء أن يكممون عقيممدة مفصممولة عممن‬
‫الشريعة ‪ ..‬فاللتزام بالشريعة – فى دين الله الحمق – همو مقتضمى‬
‫العقيدة ذاتها ‪ .‬مقتضى شهادة أن ل إله إل الله وأن محمممدا رسممول‬
‫اللممه ‪ ..‬بحيممث ل تكممون الشممهادة صممحيحة وقائمممة إن لممم تممؤد عنممد‬
‫صاحبها هذا المعنى ‪ ،‬وهو اللتزام بما جاء من عند اللممه ‪ ،‬والتحمماكم‬
‫إلى شريعة الله ‪ ،‬ورفض التحاكم إلى أى شريعة سوى شريعة اللممه‬
‫‪.‬‬
‫دوا‬‫جمم ُ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م ل يَ ِ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫}َفل وََرب ّ َ‬
‫ك ل ي ُؤْ ِ‬
‫سمِليما ً )‪] {(65‬سممورة‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬‫س مل ّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضمي ْ َ‬‫ممما قَ َ‬
‫م ّ‬‫حَرجما ً ِ‬ ‫م َ‬‫س مه ِ ْ‬
‫ِفي أنُف ِ‬
‫النساء ‪[4/65‬‬
‫يقول ابن تيمية فى كتاب اليمان )ص ‪ 33‬من طبعة دار الطباعة‬
‫المحمدية بالقاهرة( ‪:‬‬
‫" والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمممى أسممماء‬
‫المور الواجبة كاسم اليمممان والسمملم والممدين والصمملة والطهممارة‬
‫والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب فى ذلك المسمى ‪ ..‬ومممن‬
‫هذا قوله تعالى )فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫ثم ل يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضمميت ويسمملموا تسممليما( فلممما‬
‫نفى اليمان حتى توجممد هممذه الغايممة دل ذلممك علممى أن هممذه الغايممة‬
‫فرض على الناس فمن تركها كان من أهل الوعيد " ‪.‬‬
‫لقد نممزل هممذا الممدين ليعطممى التصممور الصممحيح لحقيقممة اللوهيممة‬
‫وحقيقممة العبوديممة ‪ ،‬وليقيممم فممى عممالم البشممر واقعمما محكوممما بهممذا‬
‫التصممور ‪ ،‬منبثقمما عنممه ‪ ،‬مرتبطمما بممه ‪ ،‬متناسممقا معممه فممى كليمماته‬
‫وجزئياته ‪ ،‬ول يتصادم معه ول ينحرف عنه ‪.‬‬
‫فالله الخالق البارئ المصور ‪ ،‬الرازق المحيممى المميممت ‪ ،‬المممدبر‬
‫اللطيف الخممبير ‪ ،‬عممالم الغيممب والشممهادة ‪ ..‬بكممل أسمممائه وصممفاته‬
‫الواردة فى كتابه المنمزل ‪ ،‬همو المتفمرد باللوهيمة والربوبيمة ‪ ،‬وهمو‬
‫المستحق للعبادة وحده بغير شريك ‪..‬‬
‫وكل ما فى الكون وكل من فى الكون غيممره سممبحانه هممم خلقممه‬
‫وعباده ‪ ..‬واجبهم عبادته وحده بغير شريك ‪.‬‬
‫والنسان واحد من خلقه ‪ ..‬متميز ‪ ..‬نعم ‪ ..‬مكرم نعم ‪ ..‬ذو وعى‬
‫وإدراك وإرادة وفاعلية ‪ ..‬نعم ‪ .‬ولكنه مخلوق من مخلوقممات اللممه ‪،‬‬
‫واجبه ككل خلقه الخرين محصممور فممى عبممادة الخممالق وحممده بغيممر‬
‫شريك ‪.‬‬
‫ولقد كرمممه اللممه بممالوعى والدراك والرادة والفاعليممة ‪ ،‬وأعطمماه‬
‫قدرا من الحرية فى تصرفاته الرادية يملك به أن يسير فى طريممق‬
‫الطاعة وأن يسير فى رطيق العصيان ‪ ..‬ولكنه ل يرضى من عبمماده‬
‫إل أن يعبدوه ‪:‬‬
‫ضممى ل ِعِب َممادِهِ ال ْك ُْف مَر وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫م َول ي َْر َ‬ ‫ي عَن ْك ُم ْ‬ ‫ه غَن ِم ّ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫ن ت َك ُْفُروا فَإ ِ ّ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫م{ ]سورة الزمر ‪[39/7‬‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫شك ُُروا ي َْر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫والذى يقرر العبادة المفروضة على كممل كممائن مممن الكائنممات هممو‬
‫خالق الكائنات جميعا ‪ ،‬الذى خلقها وحده بغير شريك ‪ ،‬ومن تفممرده‬
‫بالخلق ينشأ انفراده بالحاكمية ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫}أل ل َ ُ‬
‫وبحق الحاكمية الناشئ من التفرد بالخلق أمر النسان أن يعبممده‬
‫وحده ويخلص العبادة له ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]سورة يوسف ‪[12/40‬‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّيا ُ‬ ‫مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ص{ ]سورة الزمر ‪[39/3‬‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫دي ُ‬‫}أل ل ِل ّهِ ال ّ‬
‫ل إني أ ُمرت أ َ َ‬
‫ن )‪] {(11‬سممورة‬ ‫دي َ‬ ‫ه الم ّ‬ ‫خِلصما ً َلم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن أعْب ُمد َ الل ّم َ‬ ‫ِ ْ ُ ْ‬ ‫}قُ ْ ِ ّ‬
‫الزمر ‪[39/11‬‬
‫وإخلص العبادة يقتضى العتقاد بوحدانية اللممه سممبحانه وتعممالى ‪،‬‬
‫ويقتضى توجيه الشعائر التعبدية له وحده ‪ ،‬ويقتضى كذلك التصديق‬
‫بكل ما جاء من عنده على لسان رسوله صمملى اللممه عليممه وسمملم ‪،‬‬
‫والحتكام إلى شريعته وحدها دون الشممرائع الجاهليممة الممتى يصممنعها‬
‫البشر من عند أنفسهم دون سلطان من اللممه والخلل بممأى واحممدة‬
‫من هذه الثلثة يوقع النسان فى الشرك ويخرجه من دائرة اليمان‬
‫‪:‬‬
‫َ‬
‫يءٍ‬‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دون ِمهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ما عَب َد َْنا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫كوا ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫يٍء{ ]سممورة النحممل‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دون ِمهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫من َمما ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ن َول آَباؤُن َمما َول َ‬ ‫حم ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪[16/35‬‬
‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ب )‪{(5‬‬ ‫جمما ٌ‬ ‫يٌء عُ َ‬
‫شم ْ‬ ‫ن هَ م َ‬ ‫حدا ً إ ِ ّ‬ ‫ة إ َِلها ً َوا ِ‬ ‫ل الل ِهَ َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫كما قالوا ‪} :‬أ َ‬
‫]سورة ص ‪[38/5‬‬
‫فهذه هى الثلثة التى أوقعتهممم – أساسمما – فممى الشممرك ‪ :‬تمموجيه‬
‫الشممعائر التعبديممة لغيممر اللممه ‪ ،‬والتحليممل والتحريممم مممن دون اللممه ‪،‬‬
‫والعتقاد بوجود آلهة مع اله ‪..‬‬
‫وكلها مجتمعة شرك ‪ ،‬وكل واحدة بمفردها شرك ل يستقيم معممه‬
‫إيمان ‪..‬‬
‫والمعاصى تقع من البشر جميعا ‪ :‬كل بنى آدم خطاء " ‪"1‬‬
‫ولكنها ل تخرجهم من اليمان باتفاق علماء المة ‪..‬‬
‫إل أن يجعلوهمما شممرعا فعنممدئذ يكفممرون بهمما ‪ .‬بممل هممم يكفممرون‬
‫بالتشريع ولو لم يرتكبوا المعصية بأنفسهم ‪ ..‬فالذى يقول – بلسانه‬
‫أو بفعله – إن الله أمممر بقطممع يممد السممارق ولكنممى أرى أن العقوبممة‬
‫المناسبة للسارق هى السجن – وهو ما تفعله العلمانيممة الجاهليممة –‬
‫فقد كفر بذلك وإن لم يسرق بنفسه ولم يفكر فى السرقة ‪.‬‬
‫والممذى يقممول – بلسممانه أو بفعلممه – إن اللممه أمممر برجممم الزانممى‬
‫المحصن وجلد الزانى غير المحصن ‪ ،‬ولكنى أرى أنه ل عقوبة علممى‬
‫الزنا إذا كان برضى الطرفين البالغين الراشدين )أى لم تكن الفتاة‬
‫قاصرا( ولم تقع شكوى من أحد الزوجين ؛ فإن كان هناك اغتصمماب‬
‫أو اشمتكى أحمد الزوجيمن فالعقوبمة همى السمجن – وهمو مما تفعلمه‬
‫العلمانية الجاهلية – فقد كفر بذلك وإن لم يرتكب الفاحشة بنفسممه‬
‫ولم يفكر فى ارتكابها ‪..‬‬
‫وكذلك كل شرع من شرع الله ‪..‬‬
‫من اعتقد بأفضلية غيره عليممه ‪ ،‬أو حممتي مسمماواته معممه ‪ ،‬فعممدل‬
‫عنه إلي غيره ‪ ،‬أورضي بغيره ولم يجاهده بيده أو بلسممانه أو بقلبممه‬
‫فقد خرج من دائرة اليمان ‪ ،‬وأن صلي وزعم أنه مسلم !‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ممم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬ ‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫}وَي َُقوُلو َ‬
‫ه‬
‫سممول ِ ِ‬ ‫ذا د ُعُمموا إ ِل َممى الل ّمهِ وََر ُ‬ ‫ن )‪ (47‬وَإ ِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك ب ِممال ْ ُ‬ ‫ممما أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫ق‬
‫حم ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ م ْ‬ ‫ن ي َك ُم ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضممو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ م ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذا فَ‬ ‫م إِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫نأ ْ‬ ‫خمماُفو َ‬ ‫م يَ َ‬‫م اْرَتاُبوا أ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (49‬أِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫ن‬ ‫ممما ك َمما َ‬ ‫ن )‪ (50‬إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظ ّممال ِ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ن ي َُقول ُمموا‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫حك ُم َ‬
‫م ب َي ْن َهُم ْ‬ ‫سممول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّمهِ وََر ُ‬ ‫ذا د ُ ُ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قَوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(51‬سورة النممور ‪-24/47‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫معَْنا وَأط َعَْنا وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫‪[51‬‬
‫ك{ ]سورة النساء ‪[4/65‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫}َفل وََرب ّ َ‬
‫" إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ‪ .‬فمممن كممرة فقممد‬
‫برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع "‬
‫" فمن جاهممدهم بيممده فهممو مممؤمن ‪ .‬ومممن جاهممدهم بلسممانه فهممو‬
‫مؤمن ‪ .‬ومممن جاهممدهم بقلبممه فهممو مممؤمن ‪ .‬وليممس وراء ذلممك مممن‬
‫اليمان حبه خردل "‬
‫فإذا كان هذا أمر الله ورسوله فأني يقول قائل إن السلم يمكن‬
‫" " رواه أحمد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أن يلتقي مع العلمانية التي تقول ‪ :‬ل دين في السياسة ول سياسممة‬
‫في الدين ؟! أو تقول إن القتصاد ل علقممة لممه بالممدين ‪ ..‬أو تفصممل‬
‫‪1‬‬
‫بين حكم الدين وبين أي شي في حياة النسان ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫أنظر تفصيل لهذه القضية في كتاب ‪ ،‬مفاهيم ينبغي أن تصحح‬ ‫‪1‬‬


‫العقلنية‬
‫العقلنية – بمعني التفسير العقلني لكل شئ في الوجممود ‪ ،‬أو‬
‫تمرير كل شئ في الوجود من قناة العقل لثبمماته أو نفيممه أو تحديممد‬
‫خصائصمه – ممذهب قمديم فممي البشمرية ‪ ،‬يمبرز أشممد ممما يممبرز فمي‬
‫الفلسممفة الغريقيممة القديمممة ‪ ،‬ويمثلممه أشممد ممما يمثلممه سممقراط و‬
‫أرسطو ‪.‬‬
‫ولقد ظلت التجاهات الفلسممفية الغريقيممة الممتي تمثممل العقلنيممة‬
‫قسممما بممارزا منهمما – تسمميطر علممي الفكممر الوربممي – حممتي جمماءت‬
‫المسحية الكنسية فغيرت مجري ذلك الفكممر الوربممي عممدة قممرون‪.‬‬
‫فلم يعد العقل هو المرجع في قضايا الوجود إنما صار هو المموحي –‬
‫كما تقدمه الكنيسة – وانحصرت مهمة العقل في خدمة ذلك الوحي‬
‫في صورته الكنسية تلك ‪ ،‬ومحاولة تقديمه في ثوب " معقول "‬
‫يقول الدكتور محمد البهي في كتابه " الفكممر السمملمي الحممديث‬
‫وصلته بالستعمار الغربي " ‪ " :‬كان الدين أ‪ ,‬النممص طمموال القممرون‬
‫الوسطي سائدا في توجيه النسان فممي سمملوكه وتنظيممم جممماعته ‪،‬‬
‫وفي فهمة للطبيعة ‪ ،‬وكان يقصد بالدين " المسمميحية " وكممان يممراد‬
‫من المسمميحية " الكتلكممة " وكممانت الكثلكممة تعممبر عممن " البابويممة "‬
‫والبابوية نظام كنسي ركممز " السمملطة العليمما " باسممم اللممه فممي يممد‬
‫الباب ‪ ،‬وقصر حق تفسير " الكتاب المقدس" علي البمماب وأعضمماء‬
‫مجلسة من الطبقة الروحية الكبري ‪ ،‬وسوي في العتبار بيممن نممص‬
‫‪1‬‬
‫الكتاب المقدس وأفهام الكنيسة الكاثوليكية "‬
‫وقممد نشممأت عممن ذلممك فممي الحيمماة الوروبيممة والفكممر الوروبممي‬
‫مجموعة من الختللت عرضنا لبعضها في الفصول السابقة ‪ ،‬وقممد‬
‫نعرض لها أو لغيرها مرة أخري في هممذا الفصممل ‪ ،‬ولكنمما نبممادر هنمما‬
‫فنقول إن هذه الختللت لم تنشأ – كما تصور الفكر الوروبممي فممي‬
‫مبدأ عصر النهضة – من إهمال الفلسفة والعلوم الغريقية واللتجاء‬
‫إلي الفكر " الديني " فلم يكن " الفكر الديني " من حيممث المبممدأ ‪،‬‬
‫ول إخضمماع العقممل للمموحي هممو مصممدر الخلممل فممي فكممر العصممور‬
‫الوسطي في أوروبا ‪ ،‬إنما كممان الخلممل كانمما فممي ذلممك الفكممر الممذي‬
‫قممدمته الكنيسممة باسممم الممدين ‪ ،‬وفممي إخضمماع العقممل لممما زعمممت‬
‫الكنيسة أنه الموحي ‪ ،‬بعمد تحريفهما مما حرفمت منمه ‪ ،‬وإضمافتها مما‬
‫أضافت إليه ‪ ،‬ومزج كله بعضه إلي بعض وتقديمه باسم الوحي ‪.‬‬
‫والفلسممفة الغريقيممة الممتي ظنممت أوروبمما فممي عصممر النهضممة أن‬
‫ص ‪ 279‬من الطبعة الثامنة‬ ‫‪1‬‬
‫ضللها في العصور الوسطي كان بسممبب إهمالهمما ‪ ،‬وأن العلج هممو‬
‫الرجوع إليها والستمداد منها ‪ ،‬لممم تكممن هممي فممي ذاتهمما برئيممة مممن‬
‫الخلل ول سليمة من العيوب ‪ ،‬ول كانت فممي صممورتها الممتي قممدمت‬
‫فلسممفة الغريممق القممدامي زادا صممالحا لحيمماة إنسممانية مسممتقيمة‬
‫راشدة ‪ ،‬علي الرغم من كل ما احتوته من إبداع فكممري فممي بعممض‬
‫جوانبها ‪ ..‬وإنما ظل الفكر الوربي في الحقيقة ينتقممل مممن جاهليممة‬
‫إلممي جاهليممة حممتي عصممره الحاضممر ‪ .‬فمممن الجاهليممة الغريقيممة‬
‫والرومانيممة‪ ،‬إلممي الجاهليممة الممدين الكنسممي المحممرف فممي العصممور‬
‫الوسطي ‪ ،‬إلي جاهلية عصر الحياء ‪ ،‬إلي جاهلية عصممر " التنمموير "‬
‫إلي جاهلية الفلسفة الوضعية ‪ ..‬إلي الجاهلية المعاصرة ‪.‬‬
‫وليس همنا في هذا الفصل أن نستعرض انحرافات الفكر الغربي‬
‫في جاهلياته المتتابعة ‪ ،‬إنما يهمنا فقط أن نتابع خممط العقلنيممة فممي‬
‫ذلك الفكر ‪ ،‬ثم نخص بالحديث العقلنية المعاصرة‬
‫‪m m m‬‬

‫كانت العقلنية الغريقية لونا من عبادة العقل وتممألهيه ‪ ،‬وإعطممائه‬


‫حجما مزيفا أكبر بكثير من حقيقته ‪ ،‬كممما كمانت فمي الموقت نفسمه‬
‫لونا من تحويل الوجود كله إلي " قضايا " تجريديممة مهممما يكممن مممن‬
‫صفائها وتبلورها فهي بل شك شئ مختلف عن الوجود ذاته ‪ ،‬حركته‬
‫الموارة الدائمة ‪ ،‬بمقدار ما يختلف " القانون " الذي يفسر الحركممة‬
‫عن الحركة ذاتها ‪ ،‬وبمقممدار ممما تخلممف البلممورة عممن السممائل الممذي‬
‫نتجت عنه ‪ ..‬قضايا تعالج معالجة كاملة فممي الممذهن بصممرف النظممر‬
‫عن وجودها الواقعي ! وبصرف النظر عممن كممون وجودهمما الممواقعي‬
‫يقبل ذلك التفسير العقلني في الواقع أو ل يقبله ‪ ،‬ويتمشي معه أ‪,‬‬
‫يخالفه !‬
‫وكان أشممد مايبممدو فيممه هممذا النحممراف معالجممة تلممك الفلسممفة "‬
‫لقضية "اللوهية و " قضية " الكون المممادي وممما بينهممما مممن علقممة‬
‫ويتشعب هذا النحراف شعبا كثيرة في وقت واحد ‪.‬‬
‫فأول انحراف هو محاولة اقحام العقل فيممما ليممس مممن شممأنه أن‬
‫يلم به فضل عن أن يحيط بكنهممة فممي قضممية الممذات اللهيممة ‪ ,‬فمممن‬
‫باب احترام العقل لذاته ومعرفته لطبيعة وحدود مقدرته ‪ ،‬وما كممان‬
‫لهذا العقممل أن يقتحممم ميممدانا ليممس بطممبيعته مممؤهل لقتحممامه ‪ ،‬ول‬
‫قدرة له علي الخوض فيه ‪.‬‬
‫وإن المحدود ل يتسني لممه أن يحيممط بغيممر المحممدود ‪ ،‬والفمماني ل‬
‫قدرة له علي الحاطة بحقيقة الزل والبد ‪ ،‬حيث ل بدايممة ول نهايممة‬
‫ول حدود ‪ .‬إنما يستطيع العقل أن " يتصور " ذلك لونا من التصور ‪،‬‬
‫وأن يدرك أنه يمكن أن يوجد علي هذه الصممورة ‪ ..‬أممما أن يحيممط "‬
‫بكنهة" علي أي نحو من النحمماء فقضممية أخممري خارجممة عممن نطمماق‬
‫العقل ‪ ،‬وهي التي نقول إن احترام العقل لممذاته ومعرفتممه لطممبيعته‬
‫وحدود مقدرته هي التي توجب عليه أن يتجنب الخوض فيها لنه لن‬
‫يصل فيها إلي شئ له اعتبار ‪.‬‬
‫وليس معني هذا أن" الدين " كله أمر خارج عن نطاق العقل ‪ ،‬أو‬
‫أن العتقاد في وجود الله ومعرفة صفاته أمر ل نصيب فيه للعقل ‪.‬‬
‫كل ‪ ..‬إنما يدخل العقل إلي هذا الميدان من بابن الذي هو مؤهممل‬
‫بطبيعته ان يممدخل منممه ‪ ،‬ل مممن البمماب الممذي ل يقممدر علممي فتحممه ‪،‬‬
‫والذي يضل فيه لو اقتحمه بغير أداتة ! يدخل من بمماب إدارك أثممارة‬
‫القدرة اللهية والستدلل من هذه الثار علي وجود اللممه ‪ ،‬ومعرفممة‬
‫صفاته التي تفرد بها دون الخلق ‪ ،‬ولكن ل يدخل من باب " الكنممة "‬
‫‪1‬‬
‫الذي ل يقدر عليه ول يصل إلي نتيجة فيه‬
‫أرايت لو أنك أدخلت مفتاحا في قفل أكبر منه ‪ ،‬فظل يممدور فممي‬
‫القفل ويدور دون أن يصممل إلممي فتحممة ‪ ،‬فهممل تظممل تقممول إن هممذا‬
‫المفتاح صالح لكل شمئ ‪ ،‬ول بمد أن تفتمح بمه جميمع البمواب ‪ ،‬ولمو‬
‫بقيت الممدهور تممدير المفتمماح فممي القفممل فل يفتممح لممك البمماب ؟! أم‬
‫تتواضع أمام المر الواقمع ‪ ،‬وتقمر بمأن همذا المفتماح ل يصملح لممذلك‬
‫الباب ‪ ،‬وتبحث له عن مفتاح أخر يناسبه ‪ ،‬وتحتفظ بمفتاحك للبمماب‬
‫الذي يحسن فتحه !‬
‫ليس العيب في القفل ول في المفتاح ! إنما العيب في إنك أنممت‬
‫تحاول أن تقتحم به باب ل يقدر علي اقتحامه !‪.‬‬
‫وحين اصرت الفلسممفة اليونانيمة – وممن تبعهما بعمد ممن فلسممفة‬
‫النصاري وفلسفة المسلمين – أن يقتحموا باب الكنة بمفتاح العقل‬
‫فقد وصلوا جميعا إلي ذلك التخبممط الممذي يمل كتممب الفلسممفة كلهمما‬
‫من أول التاريخ إلي آخر التاريخ !‬
‫ل جرم أن تجد ارسطو ‪ ،‬الذي يعتمبره دارسمو الفلسمفة اعظمم "‬
‫عقممل " فممي التاريممخ القممديم ‪ ،‬يصممف إلهممه – بعقلممه – علممي هممذه‬
‫الصورة ‪:‬‬
‫يقول " العقاد " في كتاب " حقائق السلم وأباطيل خصومه "‪:‬‬
‫" ومذهب أرسطو في الله أ‪،‬ه كائن أزلي أبدي مطلق الكمممال ل‬
‫سنعود غلي تفصيل هذه النقطة عند بسيط وجه النظر السلمية في قضية العقل والعقلنية‬ ‫‪1‬‬
‫أول له ول أخر ول عمل له ول إرادة ‪ .‬منممذ كممان العلممم طلبمما لشممئ‬
‫والله غني عممن كممل طلممب ‪ ،‬وقممد كممانت الرادة اختيمماربين أمريممن ‪،‬‬
‫والله قد اجتمع عنده الصلح والفضل من كممل كمممال فل حاجممة بممه‬
‫إلي الختيار بين صالح وغير صالح ول بين فاضممل ومفضممول وليممس‬
‫مما يناسب الله في رأي أرسطوا أن يبتدئ العمل فممي زمممان لنممه‬
‫أبدي سرمدي ل يطرأ عليه طارئ يممدعوه إلممي العمممل ‪ ،‬ول يسممتجد‬
‫عليه من جديممد فممي وجمموده المطلممق بل أول ول آخممر ول جديممد ول‬
‫قديم ‪ ،‬وكل ما يناسب كماله فهو السعادة بنعمة بقائه التي ل بغيممة‬
‫وراءها ول نعمة فوقها ول دونها ‪ ،‬ول تخرج عن نطاقها عناية تعنيه ‪.‬‬
‫" فالله الكامل المطلق الكمال ل يعنيه أن يخلق العالم أو يخلمق‬
‫مممادته الولممي وهممي " الهيممولي " ‪ ..‬ولكممن هممذه " الهيممولي " قابلممة‬
‫للوجود يخرجها مممن القمموة إلممي الفعممل شمموقها إلممي الوجممود الممذي‬
‫يفيض عليها من قبل الله ‪ ،‬فيدفعها هذا الشمموق إلممي الوجممود ‪ ،‬ثممم‬
‫يدفعها من النقص إلي الكمال المستطاع في حدودها ‪ ،‬فتتحرك بما‬
‫فيها من الشوق والقابلية ‪ ،‬ول يقال عنها إنها مممن خلقممه اللممه إل أن‬
‫‪1‬‬
‫تكون الخلقة علي هذا العتبار ‪..‬‬
‫ويعلق العقاد – بصدق – علي هذا التصور فيقول ‪:‬‬
‫" كمال مطلق ل يعمل ول يريد‬
‫" أو كمال مطلق يوشك أن يكون هو و العدم المطلق علي حممد‬
‫‪2‬‬
‫سواء‬
‫والنحراف الثاني هو تحويل الموضمموع كلممه إلممي قضممايا فلسممفية‬
‫ذهنية بحته ‪ ،‬تبدأ في العقل وتنتهي في العقل ‪ ،‬ويثبت ما يثبت منها‬
‫وينفي ما ينفي بالعقل ‪ ،‬فل تمس الوجدان البشممري ‪ ،‬ول تممؤثر فممي‬
‫سلوك النسان العملي ‪ ،‬فتفقد قيمتها في واقع الحياة ‪..‬‬
‫إن موضوع اللوهية ليس موضوعا فلسفيا بالصورة الممتي تتنمماوله‬
‫بها الفلسفة ‪ ،‬إنما هو موضمموع ط العقديممة " والممرق بيممن الفلسممفة‬
‫والعقيدة أن الفلسفة تخاطب الذهن وحده ‪ ،‬تبدأ من هنمماك وتنتهممي‬
‫هناك ‪ ..‬ول تتجاوز الذهن إلي الواقع الحي الذي يعيشه النسان في‬
‫الرض ‪ ,‬أما العقيدة فتخاطب الكيان النساني كله ‪ /‬عقله وجسمممه‬
‫وروحه وكل شئ فيه ‪ .‬إنها ل تسكن كما تسكن الفكرة في الذهن ‪،‬‬
‫ول تتحرك حول نفسها في الفراغ كما تتحرك الفكرة في الذهن أن‬
‫تحركت ‪ ،‬إنما هي دائما تدفع النسان إلممي " سملوك " معيممن ينبثممق‬
‫منهمما ويتناسممق معهمما ‪ ،‬وإلممي " حركممة " معينممة وجدانيممة وسمملوكية‬
‫ص ‪ 34-33‬من طبعة دار الهلل بالقاهرة سنة ‪1969‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪ 34‬من المرجع السابق‬ ‫‪2‬‬


‫وفكرية في عالم الواقع ‪.‬‬
‫ومن ثم لم تكن الفلسفة قط من وسائل الهدايممة للبشممرية ! إن‬
‫غاية ما يمكن أن تصل إليه هو نوع من المتعة العقلية عند هواة هذا‬
‫اللون من المتعة ‪ ،‬وهم بطبيعتهم محدودون ولكنهمما – وحممدها – لممم‬
‫تنشئ قط أمة ولم تحرك أمة ‪ ،‬والقليلون الذين يجدون فيها المتعة‬
‫العقلية ينتهي بهم المممر إلممي هممذا المتمماع الممذاتي ول زيممادة ‪ .‬أو أن‬
‫تحركموا فل تزيمد حركتهممم علممي محاولمة إحمداث همذه المتعمة عنممد‬
‫محموعة قليلة حولها ‪ .‬ول زيادة إنها ل تهدف إلي إحداث " سلوك"‬
‫معين في واقع حياة الناس ‪ ،‬ول تملك ذلك ونظرة سريعة إلي واقع‬
‫المجتمممع الغريقممي الممذي عمماش فيممه أولئك الفلسممفة والمفكريممن‬
‫الكبممار تممبين هممذه الحقيقممة بوضمموح ‪ ،‬فممما كممانت هنمماك صمملة علممي‬
‫الطلق بين " أفكار " هممؤلء الفلسممفة " و " واقممع " النماس هممؤلء‬
‫يتكلمون في " الحكمة " وفي السمملوك النسمماني " كممما ينبغممي أن‬
‫يكون " والمجتمع غارق فممي كممل أنممواع الفسممق والرذيلممة والفسمماد‬
‫والظلم ول يعني نفسه بشئ مما يمل " أذهان " أولئك المفكرين‬
‫أما العقيدة فلها شأن أخر‬
‫أنها تخاطب العقل فيما تخاطبه من كيان النسان ‪ ،‬ولكممن ل مممن‬
‫أجل المتعة العقلية كما تصنع الفلسفة ‪ ،‬بل من أجل إحداث الوعي‬
‫اللزم بحقيقة اللوهية ‪ ،‬الذي يترتب عليه الوعي بمماللتزام الممواجب‬
‫تجاه تلمك الحقيقممة ‪ ..‬أي اللمتزام بمقمام العبوديممة ‪ ،‬الممذي يسممتلزم‬
‫الحب والخشية والطاعة والستقامة علي أمر الله‬
‫ثم إنها تخاطب الوجدان ‪ ..‬أو قل إنها تركز خطابها مع الوجدان –‬
‫وإن كانت قط ل تهمل مخاطبة العقل – لن الوحممدان أن هممو الداة‬
‫المثل لتحويل قيم العقيدة ومبادئها إلممي سمملوك عملممي ‪ ،‬لنممه حممي‬
‫منفعل متحرك ‪ .‬فهو القدر علي تلقي الشحنة العقيدية ‪ ،‬هو القدر‬
‫علي ترجمتها في صورة واقعية حية ‪ ،‬لن من طبيعته أن ينفعل بما‬
‫يتلقي ‪ ،‬ويشع من هذا النفعال في داخل النفس يقينا اعتقاديمما مممن‬
‫جهة ‪ ،‬وتوجها متحركا يتناسق مع هذا اليقين من جهة أخري ‪.‬‬
‫ولذلك كانت العقدية الحية دائما هممي الممتي تنشممئ المممم وتحكممم‬
‫السلوك البشري ‪ ،‬وكانت دائما هي سبيل الهداية للبشرية ‪..‬‬
‫ويحدث ول شممك فتممور فممي العقيممدة فممي نفمموس المممر ونفمموس‬
‫الفراد ‪ ،‬ويحدث ول شك تفلت من المقتضمميات السمملوكية للعقيممدة‬
‫في صورة معاص وانحرافات ‪ ،‬ولكن يظل المممر فممي اسمموأ حممالته‬
‫مختلفا عن الشأن مع الفلسفة فمع العقيدة هناك ارتباط قوي فممي‬
‫أصله يمكن أن يطرأ عليه الضعف ‪ ،‬ومع الفلسممفة ل يوجممد ارتبمماط‬
‫علي الطلق ‪.‬‬
‫وموضوع الولهيمة همو أصمل موضموع عقيمدة ‪ ..‬أو همو موضموع "‬
‫العقيدة " باعتبار النسان كائنا معتقدا بطبعه ‪ ،‬عابدا بفطرته ‪ ،‬حتي‬
‫أن ضلت هذه الفطممرة عممن طريقهمما السمموي لسممبب مممن السممباب‬
‫وليس معني ذلك أنه محرم علي الفلسفة – أو الفكر – أن يتناوله ‪.‬‬
‫ولكنه حين يتناوله علي النحو الممذي تنمماولته بممه الفلسممفة الغريقيممة‬
‫العقلنية ‪ ،‬وتبعها فيممه فلسممفة النصمماري فيممما يعممرف " بمماللهوت"‬
‫وفلسفة المسلمين فيما يسمي " الفلسفة السلمية " أي التنمماول‬
‫الممذهني التجريممدي الخممالص ‪،‬يكممون قممد انحممرف بممه عممن طريقممه‬
‫الصيل ‪ ،‬وحوله إلي " كلم " و " أفكممار" ل تنشممئ سمملوكا واقعيمما ‪،‬‬
‫ول تغير شيئا في حياة الناس … فيتحول إلي زبد ل ينفع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ث فِممي‬‫مك ُم ُ‬
‫س فَي َ ْ‬
‫ممما َينَف معُ الن ّمما َ‬
‫ممما َ‬
‫جَفمماًء وَأ ّ‬ ‫ممما الّزب َمد ُ فَي َمذ ْهَ ُ‬
‫ب ُ‬ ‫}فَأ ّ‬
‫ض{ ]سورة الرعد ‪[13/17‬‬ ‫َ‬
‫الْر ِ‬
‫وأما النخراف الثالث الناشئ من التناول العقلني لقضية الوهية‬
‫‪ ،‬وعممدم الرجمموع فيهمما إلممي المصممدر اليقينممي الوحممد وهممو المموحي‬
‫الرباني ‪ ،‬فهو تخبط الفلسممفة فيممما بينهممم وتعممارض ممما يقمموله كممل‬
‫واحد منهم منع ما يقوله الخر ‪.‬‬
‫ول عجب في ذلممك ‪ ،‬فممما دام " العقممل " هممو المحكممم فممي هممذه‬
‫القضية ‪ ،‬فعقل من ؟! إن العقل المطلق أو العقل المثالي وتجريممد‬
‫ل وجود له في عالم الواقع ! إنما الموجود في الواقع هو عقل هممذا‬
‫المفكر وذاك المفكممر لكممل منهممم طريقتممه الخاصممة فممي " تعقممل "‬
‫المور ‪،‬ولكممل منهممم "نمموازعه " الخاصممة الممتي يحسممبها بعيممدة عممن‬
‫التأثير في عقلممه وهممو واهممم فممي حسممابه ‪ ،‬ولكممل منهممم اهتماممماته‬
‫الخاصة التي تجعله يركز علي أمور ويغفل غيرها من المور ‪.‬‬
‫ومن ثم ل تصبح تلك الفلسفة في هذه القضية بالذات أداة هداية‬
‫وإنما أداة تشتيت وأداة تضليل ‪.‬‬
‫وما نريد أن نتطرق لتقويم موقممف تلممك الفلسممفة العقلنيممة مممن‬
‫القضايا الخري غير قضممية اللوهيممة فقممد يكممون لهمما توفيقاتهمما فممي‬
‫بعض جوابها الفكر البشممري ‪ ،‬وقممد تكممون فائدتهمما الساسممية تنميممة‬
‫القدرة علي إدراك الكليات التي تحكم الجزئيات ‪ ،‬وتلممك مبمماحث ل‬
‫تبتغي في مثل بحثنا الحاضممر ‪ ..‬ولكننمما نشممير إشممارة ممموجزة هنمما ‪،‬‬
‫نعود إلي تفصيلها فيما بعد ‪ ،‬إلي أن هذه العقلنية تكاد تقممف نفممس‬
‫الموقف من قضية أخري ل تقل خطورة في حياة الناس عن قضية‬
‫اللوهية ‪ ،‬وهي قضية " منهج الحياة" الممذي ينبغممي أن يسممير عليممه‬
‫البشر فقد تخطبت تلك " الفلسفة " ‪ 1‬في تلك المسألة من اقصممي‬
‫اليميممن إلممي أقصممي الشمممال فضممل عممن كونهمما حولتهمما إلممي أحلم‬
‫طوباوية أو ذهنية ل علقة لها بواقع الحياة ‪ ،‬ومن ثم ل أثر لهمما فممي‬
‫واقع الحياة !‬
‫‪m m m‬‬

‫من هذه الجاهلية انتقل الفكر الوروبي إلي عصر " سيادة الممدين‬
‫"‬
‫وكممان المفممروض أن يخممرج ذلممك الفكممر إذن مممن الجاهليممة إلممي‬
‫النور ‪ ،‬ولكنه في الحقيقة دخل إلي ظلمات حالكة ليس فيهمما حممتي‬
‫ذلك " البريق" الذي تيمزت بممه الفلسممفة الغريقيممة فممي كممثير مممن‬
‫المواضع بصرف النظر عممن القيمممة الحقيقممة لممذلك الممبريق ‪ ،‬وعممن‬
‫كونه بريقا هاديا ام مضلل عن الطريق !‬
‫كان المفروض وقد التزم العقممل بممالوحي ‪ ،‬واسممتمد منممه اليقيممن‬
‫والهدي ‪ -0‬في المسائل التي ل يهتدي فيها وحده ول يسممتيقن فيهمما‬
‫بمفرده – أن ينطلق الفكر في ميادينه الصلية يبدع وينتج ‪ ،‬ويمممد "‬
‫النسان " بما يحتاج إليه في شئون " الخلفة " وعمارة الرض‬
‫ولكممن الكنيسممة الوروبيممة افسممدت ذلممك كلممه بممما أدخلتممه مممن‬
‫التحريف علي الوحي الرباني المنزل مممن السممماء لهدايممة البشممرية‬
‫علي الرض ‪ ،‬وتخبطت في قضية اللوهية تخبطمما مممن نمموع جديممد ‪،‬‬
‫حين قالت إن الله ثلثة أقانيم ‪ ،‬وإن المسيح ابن مريم عليه السلم‬
‫واحد من هذه القانيم الثلية ‪ ،‬وإنه ابن الله وفي الوقت ذاتممه إلممه ‪،‬‬
‫وشريط لله في تدبير شئون الكون ‪.‬‬
‫وفضل عن ذلك – أو ربما بسبب ذلك – حجر علي العقل البشري‬
‫أن يعمل وأن يفكر‬
‫فممإن هممذه اللغمماز الممتي ابتممدعتها المجممامع المقدسممة فممي شممأن‬
‫اللوهية لممم تكممن " معقولممة ط ول مستسمماغة ‪ .‬فممما يمكممن للعقممل‬
‫البشممري أن يتصممور ثلثممة أشممياء هممي ثلثممة وهممي واحممد فممي ذات‬
‫الوقت ‪ ،‬وما يمكن أن يتصور أن الله سممبحانه وتعممالي ظممل متفممردا‬
‫باللوهية وتدبير شأن هذا الكون مال يحصي من الزمان ‪ ،‬ثم إذا هو‬
‫– فجأة‪ -‬يوجد كائنا أخر ليكون شريكا له في اللوهية ومعينا له فممي‬

‫في هذه القضية في الحقيقة تحبطت كل الفلسفات كما سيأتي ذكره فيما بعد ‪ ،‬ولكن كل فلسفة كان لها في‬ ‫‪1‬‬

‫تخبطها مدخلها الخاص‬


‫تدبير الكون !!! تعالي الله عن ذلك علو كبيرا‬
‫ومن أجل كون هذا العبث " المقدس "! " الذي ابتدعته المجممامع‬
‫" المقدسة " ! وغير معقول ول مستساغ ‪ ،‬فقد سخرت الكنيسممة "‬
‫العقل " فممي محاولممة إخممراج هممذا المزيممج المتنممافر المتنمماقض فممي‬
‫صورة "فلسفية " مستساغة ) أو هم قالوا عنهمما إنهمما مستسمماغة !(‬
‫وفممي المموقت ذاتممه حجممرت علممي العقممل أن يناقشممها ‪ ،‬لئل تجممر‬
‫المناقشة إلي القول بأنها غير معقولة علي الرغم من كل الصممناعة‬
‫" العقلية" التي وضعت فيها !‬
‫ومن ثم نشأت في الكفر الوروبي تلك " المسلمات" أو العقممائد‬
‫المفروضة فرضا الممتي ل يجمموز مناقشممتها ‪، Dogmas‬ل لنهمما – فممي‬
‫حقيقتها – من المورالتي ينبغي للعقل أن يسلم بها دون مناقشة ممم‬
‫ولكن لنها مناقضة للعقل ‪ ،‬ومفروضة عليه فرضمما مممن قبممل رجممال‬
‫الدين ‪ ،‬الذين زعموا لنفسممهم حممق صممياغة العقممائد وفرضممها علممي‬
‫النسا بممالقوة دون أن يكممون لهممم حممق المناقشممة أو العممتراض وإل‬
‫كانوا مهرطقين مارقين ‪ ،‬يجوز فيهم كل حتي إهممدار الممدم وإزهمماق‬
‫الرواح – كما مر بنا مممن شممأن محمماكم التفممتيش الممتي قممال عنممه "‬
‫ويلز" في كتممابه " معممالم تاريممخ النسممانية ) ص ‪ 903 – 902‬مممن‬
‫الترجمة العربية (‬
‫" فأصبح قساوستها وأساقفتها علي التديممج رجممال مكيفيممن وفممق‬
‫مممذاهب واعتقاديممات حتيمممة ‪ Dogma‬وإجممراءات مكممررة وثابتممة ‪..‬‬
‫ونظرا لن كثير ا منهم كانوا علي الرجح يسرون الريبة في سمملمة‬
‫بينان مبادئهم الضخم المحكممم وصممحته المطلقمة لممم يسمممحوا بأيممة‬
‫مناقشة فيه ‪ ،‬كانوا ل يحتملون اسئلة ول يتسامحون فممي مخالفممة ‪،‬‬
‫ل لنهم علي ثقة من عقيدتهم ‪ ،‬بل كانوا غير واثقين فيها‬
‫" وقد تجلي في الكنيسمة عنمدما وافمي القمرن الثمالث عشمر مما‬
‫يساورها من قلممق قاتممل حممول الشممكوك الشممديدة الممتي تنخممر بنمماء‬
‫مدعياتها بأكلمه ‪ ،‬وقد تجعله أثر بعد عين ‪ ،‬فلممم تكممن تستشممعر أي‬
‫أطمئنان نفسي وكانت تتصيد الهراطقة في كممل مكممان كممما تبحممث‬
‫العجائز الخائفات –فيما يقال – عممن اللصمموص تحممت السممرة وفممي‬
‫الدواليب قبل الهجوع في فراشهن‬
‫ومن الدلة التاريخية التي تثبممت أن النصمماري – علممي الرغممم مممن‬
‫تشبثهم الشديد بمقررات المجامع المقدسة بشأن قضية اللوهية –‬
‫لم يكونوا يؤمنون بها في دخيله أنفسهم إلي درجة اليقين ‪ ،‬ماحدث‬
‫من وفد نصاري نجران مممع الرسممول صملي اللمه عليمه وسملم حيممن‬
‫دعاهم – بأمر ربه – إلي المباهلة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س مَنا‬ ‫سمماَءك ُ ْ‬
‫م وَأن ُْف َ‬ ‫سمماَءَنا وَن ِ َ‬ ‫وا ن َمد ْعُ أب َْناَءن َمما وَأب ْن َمماَءك ُ ْ‬
‫م وَن ِ َ‬ ‫ل ت َعَممال َ ْ‬‫}فَُقم ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(61‬سممورة‬ ‫ة الل ّهِ عَل َممى ال ْك َمماذِِبي َ‬ ‫ل ل َعْن َ َ‬
‫جع َ ْ‬ ‫ل فَن َ ْ‬
‫م ن َب ْت َهِ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫وَأن ُْف َ‬
‫آل ‪[3/61‬‬
‫فقد امتنعمموا عممن المباهلممة وانصممرفوا رغممم جممدالهم الشممديد مممع‬
‫رسول الله صلي الله عليه وسمل حول بنوة عيس لله وألوهيته مع‬
‫الله ‪ ..‬ولو كانوا علي يقين حاسم ما أمتنعوا !‬
‫وأيا كممان المممر فقممد اسممتخدمت الكنيسممة كممل طغيانهمما الروحممي‬
‫للحجر علي العقل ‪ ..‬وصنعت ذلك باسم " الدين " !‬
‫والدين الصحيح ليس في حاجة إلي شئ مممن ذلممك الممذي صممنعته‬
‫الكنيسة‬
‫حقيقة إ‪ ،‬في الدين الصحيح " مسملمات " ل تنمماقش ‪ ،‬تعتممبر ممن‬
‫أصول اليمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلم ‪:‬‬
‫" قال ‪ :‬فأخبرني عن اليمممان ؟ قممال ‪ :‬أن تممؤمن بممالله وملئكتممه‬
‫‪1‬‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره‬
‫وبعض هذه المور ليس للعقل سبيل إليها من ذات نفسممه ‪ ،‬إنممما‬
‫يتعرف عليها عممن طريممق المموحي ‪ ،‬ويسمملم بهمما تسممليما ‪ ،‬كاليمممان‬
‫بالملئكة واليوم الخر وما يشتمل عليه من بعممث ونشممور وحسمماب‬
‫وجزاء وجنة ونممار ‪ ..‬وكممان هممذا كلممه واردا فممي " مسمملمات "الممدين‬
‫الكنيسي ‪ ،‬ول اعتراض عليه ‪.‬‬

‫ولكممن هنمماك فارقمما أساسمميا بيممن " مسمملمات" الممدين الصممحيح‬


‫والمسلمات الكنسية الخري التي كانت تجممبر النمماس عليهمما إجبممارا‬
‫وتمنعهم ممن مناقشمتها فمي أممر صمحتها ‪ ،‬وتتهمهمم بمالمروق عمن‬
‫الدين إن خالفوها أو هموا مجرد هم بمناقشتها !‬
‫فالمدخل إلي هذه المسلمات في الدين الصحيح هو اليمان بالله‬
‫والتعرف علي صفاته التي ل يشاركه فيها أحممد‪ ،‬وفممي مقممدمتها انممه‬
‫هو الخالق وأنه علي كل شئ قدير ‪ ،‬واليمان بالرسممول المرسممل ‪e‬‬
‫وصدقه وأمانته ‪ ،2‬واليمان بأن ما يخممبر بممه عممن ربممه وحممي ل يممأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬وكل هممذه يممدعي العقممل دعمموة‬
‫صريحة إلي التفكير فيها ‪ ،‬والتأكد منها قبل اليمان بها ‪ ،‬وخممذ مثممال‬
‫علي ذلممك ممما جمماء فممي كتمماب اللممه مممن خطمماب للقمموم المممدعوين‬

‫رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬ ‫‪1‬‬

‫وهو بالنسبة للنصاري المسيح عيسي ابن مريم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫للسلم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(17‬سممورة النحممل‬ ‫خل ُمقُ أَفل ت َمذ َك ُّرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫خل ُقُ ك َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫}أفَ َ‬
‫‪[16/17‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َُقوا ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ما َ‬‫ن الل ّهِ أُروِني َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫}قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ذا أوْ أَثاَرةٍ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ت ا ِئ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫أ ْ‬
‫ن )‪] {(4‬سورة الحقاف ‪[46/4‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫ظمال ِ ُ‬ ‫دوِنمهِ َبم ْ‬ ‫ن ُ‬‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خل َقَ ال ّ ِ‬ ‫ذا َ‬‫ما َ‬ ‫خل ْقُ الل ّهِ فَأُروِني َ‬ ‫ذا َ‬ ‫}هَ َ‬
‫ن )‪] {(11‬سورة لقمان ‪[31/11‬‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ِفي َ‬
‫َ‬ ‫ممما أ َ ِ‬
‫م‬ ‫دى ث ُم ّ‬ ‫مث ْن َممى وَفُ مَرا َ‬ ‫ممموا ل ِل ّمهِ َ‬ ‫ن ت َُقو ُ‬ ‫ح مد َةٍ أ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عظ ُك ُم ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫}قُ م ْ‬
‫ة{ ]سورة سبأ ‪[34/46‬‬ ‫جن ّ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حب ِك ُ ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ت َت ََفك ُّروا َ‬
‫سد ََتا{ ]سورة النبياء ‪[21/22‬‬ ‫ه ل ََف َ‬ ‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫}ل َوْ َ‬
‫ممما‬ ‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ ِإذا ً ل َذ َهَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن وَل َدٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪{(91‬‬ ‫صمُفو َ‬ ‫ممما ي َ ِ‬ ‫ن الل ّمهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سمب ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫م عَلممى ب َعْم ٍ‬
‫ض مه ُ ْ َ‬ ‫خل َمقَ وَل ََعل ب َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/91‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫دوا ِفيم ِ‬ ‫جم ُ‬ ‫عن ْمدِ غَي ْمرِ الل ّمهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَل َموْ ك َمما َ‬ ‫ن ال ُْقْرآ َ‬ ‫}أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرا ً )‪] {(82‬سورة النساء ‪[4/82‬‬ ‫ا ْ‬
‫فإذا آمن النسان – وهو مدعو للتفكيممر والتممدبير وإعمممال العقممل‬
‫ليؤمن – بأن الله هو الخالق وهو علي كل شئ قدير ‪ ،‬وآمن بصممدق‬
‫الرسول المرسل ‪ ، e‬وأمن بأن ما يخبر به الرسول عن ربممه وحممي‬
‫ل شبهة فيه ‪ ،‬فقد أخبره الوحي بأمور ل سبيل للعقل أن يصل إليها‬
‫من تلقاء نفسه لنها ليست مما يقع في محيممط رؤيتممه ول تجربتممه ‪،‬‬
‫وطلب منه التسليم بهمما لنهمما آتيممة مممن المصممدر الحممق الممذي آمممن‬
‫بصدقه وصدق كل ما يجئ من عنده ‪ .‬وهي في الوقت نفسه مما ل‬
‫يملك العقل دليل حقيقيا ينفيها ‪ ..‬فوجب عليممه أن يسمملم بهمما وقممت‬
‫آمن بمقدماتها التي توصله إلي التسليم بها ‪.‬‬
‫هذا شأن المسلمات في الدين الصحيح ‪ :‬أمور ل يملك العقممل ان‬
‫يسممتدل عليهما ممن تلقماء نفسمه ‪ ،‬ول يملمك فممي الموقت ذاتممه دليل‬
‫حقيقيا ينفيهمما ‪ ،‬ثممم إنممه ل يممدعي إلممي التسممليم بهمما قبممل أن يسمملم‬
‫بالمقدمات التي توصل إليها عن طريق التفكر والتدبر والتأمل فممي‬
‫ملكوت السماوات والرض ‪.‬‬
‫أما المسلمات التي فرضتها الكنيسة فرضما وأرهبمت النماس ممن‬
‫مناقشتها فهي غير ذلك تماما ‪.‬‬
‫فحيث يتجه العقل والتدبر والتأمل إلي اليمان بأن الله واحد أحد‬
‫‪ ،‬وانه لو كان في السماوات والرض ألهه إل اللممه لفسممدتا ‪ ..‬تقممول‬
‫له الكنيسة إن الله ثلثة ‪ ،‬ثم تزيد المر تعقيدا فتقول لمه إن الثلثمة‬
‫واحد والواحد ثلثة ‪ ،‬ثم تمنعه من المناقشة عن طريق الرهاب ‪.‬‬
‫وحيث يتجه العقل – بوسائل تفكيره – إلي اليمان بأن الله الممذي‬
‫خلق كل شئ وقدره تقديرا هو في غني عن كل شريك لنممه) بيممده‬
‫ملكوت كل شئ ( ولنه يقول للشئ ) كن فيكممون ( ومممن ثممم فهممو‬
‫الجدير بالعبادة وحدة ‪ ..‬تقول له الكنيسة إن هنمماك شممريكا للممه هممو‬
‫المسيح عيسي ابن مريم عليه السلم ‪ ،‬هو إلممه مممع اللممه ‪ ،‬ومعبممود‬
‫كذلك مع الله ثم تمنعه من المناقشة وتتهمه بالمروق إن خالف ‪..‬‬
‫وحيث يتجه العقل – بمنطقة الذاتي – إلي اليمان بأن الله ليممس‬
‫في حاجة إلي اتخاذ الولد – والخلق كلهمم خلقمه ‪ ،‬خلقهممم بمشميئته‬
‫وهم عباد له – وليس من شأنه سبحانه أن يتخذ مال حاجممة لممه إلممي‬
‫اتخاذ ‪ ،‬وهو المهيمن الذي يدبر أمر الوجممود كلممه بمفممرده ‪ ،‬بلكلفممة‬
‫عليه سبحانه ول جهد ول حاجة إلي معيممن ‪ ..‬تقممول لممه الكنيسممة إن‬
‫الله ولدا‪ ،‬خلقه بمشيئته كما يخلممق كممل شممئ بمشمميئته ثممم تبنمماه –‬
‫سبحانه وتعالي عن ذلك علوا كبيرا – ليضعه بعد ذلك علي الصممليب‬
‫ويجرعه آلم الصلب ‪ ،‬فيكفر بذلك عن خطيئة لم يرتكبها ذلك البن‬
‫إنما أرتكبها آدم وحواء قبل ذلك بزمن ل يحصيه إل الله ! ثم تفرض‬
‫عليه ذلك فرضا وتقول له هذه هي العقيدة ‪ ..‬ومن لم يعتقدها فقممد‬
‫حلت عليه لعنة السماء ‪.‬‬
‫تلك هي المسلمات التي ل يمكن التسممليم بهمما لن العقممل يملممك‬
‫كمل دليمل ينفيهما ‪ ،‬ولنهما ل تسمتند إلمي شمئ إل قمرارات المجمامع‬
‫المقدسة التي تبتدعها من عند نفسها وتزعم مجممرد زعممم أنهمما مممن‬
‫عنممد اللممه ‪ ،‬بينممما النمماس يممرون رجممال الممدين فممي تلممك المجممامع‬
‫يتناقشون ويتحمماورون ‪ ،‬ويختلفممون فيممما بينهممم أشممد الختلف ‪ ،‬ثممم‬
‫يصدرون القرار من تفكيرهم الذاتي‪ -‬ولو كان وحيا سماويا للتزموا‬
‫به عقيدة ولم يجزلهم الختلف فيه – ثممم يممرون أسمموأ مممن هممذا أن‬
‫القلية تصدر القرار أو تفرضه فرضا علي الكثرية ثم تطرد الكثرية‬
‫بالقوة كما حدث في مجمع خلقدونيممة ‪ ..‬ول تطردهممم مممن المجمممع‬
‫فحسب ‪ ،‬بل تزعم كذلك أنها تطردهم من رحمة الله !‬
‫ومن أجل أن هذه المسلمات المزعومة ل يمكن للعقممل التسممليم‬
‫بها فقد حظرت الكنيسممة علممي العقممل أن يفكممر فهيمما او يناقشممها ‪،‬‬
‫وزعمممت النمماس أن التفكيممر فيهمما منمماف لليمممان ‪ ،‬وأن الموقممف‬
‫الصحيح للمؤمن هو التسليم بها بغير جدال ‪ ،‬وتفويض المممر فيهمما ل‬
‫– لله ! – بل " لقداسة " الباب ومن حوله من " كبار " رجال الدين‬
‫!‬
‫وفي ظل الرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشمماط‬
‫العقل الوربي وانحصر في التسمليم بمما تمليمه الكنيسمة والمجمامع‬
‫المقدسة ‪ ،‬ومحاولة التوفيق بينه وبين مقتضيات التفكيممر السممليم ‪،‬‬
‫فممي مغالطممات " فلسممفية " هممي أقممرب إلممي التلفيممق منهمما إلممي‬
‫التوفيق !‬
‫ومن ناحية أخممري انصممرف الفكممر الوربممي عممن النظممر فممي هممذا‬
‫العالم وفي الحيمماة الممدنيا بتممأثير أخممر مممن تممأثيرات الممدين الكنسممي‬
‫المحرف ‪ ،‬فقد أوحت المسيحية المحرفة إلي الناس بأن هذه الدنيا‬
‫ل سبيل إلي إصلحها أو تقويم معوجها لنهمما ناقصممة بطبيعتهمما ‪ .‬وأن‬
‫الطبيعة النسانية ناقصة كذلك ‪ ،‬ول سبيل إلي إصمملحها إل بصممرفها‬
‫عن الهتمام بالحياة الدنيا جملة ‪ ،‬وصرف اهتمامها إلي اليوم الخممر‬
‫كما المحنا في فصل " العلمانية "‪ ،‬وإنه بقدر ممما ينصممرف النسممان‬
‫عممن هممذا العممالم والتفكيممر فيممه – بالرهبانيممة – يكممون أقممرب إلممي‬
‫الصلح ‪ ،‬وأقرب إلي الفوز بملكوت الرب في العالم الخر ‪.‬‬
‫هذا اللون من التفكيممر صممرف التفكيممر الوربممي عممن النظممر فممي‬
‫شممئون العممالم الرضممي والكممون المممادي إل فممي أضمميق نطمماق‬
‫مستطاع ‪ .‬ففي أمور الحياة رضي الناس عامة – والمتدينون خاصة‬
‫– بعيش الكفاف ‪ 1‬ولم يتطلعوا إلممي زيممادة النتمماج أو تحسممينه ‪ ،‬لن‬
‫ذلك يخالف روح الدين ‪ ،‬ومن ثم لم يسممعوا إلممي زيممادة فممي العلممم‬
‫تمكنهم من زيادة النتاج أو تحسينه ‪.‬‬
‫كذلك لم يهتموا بزيادة معلوماتهم عن الكون المادي مممن حممولهم‬
‫من فلك أو رياضمميات أو كيميمماء أو فيزيمماء ‪..‬إلممخ ‪ ،‬لن المممر – فممي‬
‫حسممهم – ل يسممتحق الهتمممام مممن ناحيممة ‪ ،‬ولن المعلومممات الممتي‬
‫تقدمها المصادر " الدينية ط عن هممذا الكممون فيهمما كفايممة لهممم مممن‬
‫ناحية أخري ‪ ،‬ولم تكن تلك المعلومات تعدو أن اللممه خلممق الشممياء‬
‫علي صورتها لحكمة هو يعلمها ‪ ،‬ولغاية هو يريممديها ‪ ،‬وأن كممل شممئ‬
‫يجري علي النحو الذي أراده الله منذ الزل بل تغيير ‪ ،‬وهذا في ذاته‬
‫حق ول شك ‪ ،‬ولكنه ل يعطممي التفسممير التفصمميلي لظممواهر الكممون‬
‫المادي المحيط بالنسمان ! ول مما يحمدث ممن التحمول الممدائم فمي‬
‫الكون والحياة والنسان !‬
‫علي هذا النحو الضمميق المغلممق المحصممور كممان الفكممر الوروبممي‬
‫فيما يسمي – هناك – بالعصور الوسطي المظلمة ‪ ،‬الممتي اسممتمرت‬
‫ما عدا القطاعيين بطبيعة الحال ‪ ،‬ومع ذلك فقد كانت الكنيسة تساندهم – بكل جشعهم وظلمهم – لنها هي ذاتها‬ ‫‪1‬‬

‫كانت قد أصبحت من ذوات القطاع‬


‫زهاء عشرة قرون ‪ ،‬خيم فيها علي أوروبمما ظلم الجهممل والنحسممار‬
‫والنحصار ‪ ،‬في ظل الطغيان الكنيسي المتعممدد اللمموان المتشممعب‬
‫الطراف ‪.‬‬
‫فلما بدأت أوروبا في عصممر النهضمة نتيجممة احتكاكهمما بالمسملمين‬
‫في الحروب الصليبية من ناحية ‪ ،‬والتصال السمملمي بمراكممز العلممم‬
‫والثقافة في النممدلس والشمممال الفريقممي وصممقلية وغيرهمما ‪ ،‬كممان‬
‫العقل الوروبي في حالة تشوق عنيف لستيراد حريته في العمممل ‪،‬‬
‫أي حرية التفكيممر ‪ .‬ولكممن ‪ ،‬كممما اتسمممت فممترة العصممور الوسممطي‬
‫المظلمة بالتطرف في إلغاء دور العقل والحجر علي حرية الفكممر ‪،‬‬
‫كذلك اتسمت فترة النهضة وما بعدها التطرف في الجممانب الخممر ‪،‬‬
‫جانب إعمال الفكر في كل شئ ‪ ،‬سواء كان داخل في مجال العقل‬
‫اوغير داخل فيه ‪ ،‬وإعمال " بحرية " ل تقبل القيد ‪ ،‬سواء كان القيد‬
‫مشروعا أوغير مشروع !‬
‫كان عصر" الحياء " هو عصر العودة إلي الجاهلية الغريقية بكل‬
‫انحرافاتهمما ‪ ..‬مممع زيممادة انحممراف جديممد ‪ .‬هممو النفممور مممن الممدين ‪،‬‬
‫ومحاولة إبعاده عن كل مجال من مجالت الحياة ‪.‬‬
‫والحقيقممة أن الحيمماة الوروبيممة فممي تلممك الفممترة تسممتلزم نظممرة‬
‫فاحصة تفق علي التيارات والعوامل المختلفة التي كانت تمور في‬
‫كيانها ‪ ،‬والتي تمخضت فيما بعد عن الصممورة الحاليممة " للحضممارة "‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫لقد أخذت أوربا في نهضتها شيئا كثيرا من السلم والمسمملمين ‪،‬‬
‫ورفضت في الوقت ذاته أن تعتمد السلم دينا وعقيدة ومنهج حيمماة‬
‫– كما بينا في الفصل السممابق – وكممان مممن جممراء ذلممك أثممار بعيممدة‬
‫المدي في الحياة الوربية إل وقتنا الحاضر ‪.‬‬
‫فقد صحت أوربا من غفوتها الطويلة بالحتكاك الحربي والسلمي‬
‫بالمسلمين في الشرق والغرب ‪.‬‬
‫وتزعم أوروبا أنها لم تأخممذ عممن المسمملمين إل الممتراث الغريقممي‬
‫الذي كانت قد أضاعته في عصورها المظلمة‪ ،‬فوجدته محفوظا عند‬
‫المسلمين فاستردته ‪ ،‬وأقامت نهضتها علي أساسه ‪.‬‬
‫وفي هذا الزعم شئ قليل من الحممق وشممئ كممثير مممن المغالطممة‬
‫التي لم ينج منها إل عدد قليل من كتاب أوربا المنصفين ‪.‬‬
‫قأممما أن الممتراث الغرقممي الممذي فقممدته أوروبمما فممي عصممورها‬
‫المظلمممة كممان محفوظمما عنممد المسمملمين فيممما يسمممي " الفلسممفة‬
‫السلمية " وفي التراجم الممتي كممان المسمملمون قممد ترجموهمما عممن‬
‫الغريقيممة ‪ ،‬وان أوروبمما اسممتردته عممن طريممق التعلممم فممي مممدارس‬
‫المسلمين ‪ ،‬وأقامت جانبا من نهضتها عليه … فهذا صحيح ‪.‬‬
‫ولكن هذا التراث الغريقي ‪ ،‬علي كل اعتزاز أوربا به وتعصبها له‬
‫‪ ،‬لم يكن صالحا – وحممده – لقامممة النهضممة الوربيممة ‪ ،‬ول أي نهضممة‬
‫علي الطلق ‪ ،‬باعتباره مجموعة من " الفكممار" التجريديممة الذهنيممة‬
‫المنقطعممة عممن واقممع الحيمماة ‪ ،‬وهممو – بكممل لمعانممة الفكممري – لممم‬
‫يستطيع أن يداوم الحياة في بيئته الصلية التي أنبتته ‪ ،‬فضل عن أن‬
‫يكون – وحده – باعث نهضة جديدة علي اتسماع أوربمما كلهمما ‪،‬وعلمي‬
‫اتساع العالم كله في العصر الحديث !‬
‫نعم ‪ ،‬يوجد في هذه الفكار قيم ومبادئ يمكن أن تكون زاد لقوم‬
‫" يرغبون" في الحياة ‪ ،‬ويرغبون في إقامة نهضة شاملة ‪ ،‬ولكنهمما –‬
‫وحدها – ل تبعث فيهم هذه الرغبة ول تلك ‪.‬‬
‫إنما الرغبة في الحياة ‪ ،‬والرغبة في إقامة نهضممة شمماملة ‪ ،‬كممانت‬
‫هي الثر الذي أخذته أوربمما مممن احتكاكهمما بالمسمملمين ‪ ،‬وملمسممتها‬
‫للحياة الموارة في العالم السلمي ‪ ،‬وللنهضة الشاملة فيه ‪.‬‬
‫وليس هذا فقط ‪..‬‬
‫فإن أوروبا لم تغنممم مممن احتكاكهمما بالمسمملمين تلممك الرغبممة فممي‬
‫الحياة والحركة وإقامة النهضة الشاملة فحسب ‪ ،‬بل وجممدت كممذلك‬
‫" مومقات" تلك النهضة بكاملها موجودة عنمد المسملمين ‪ ،‬فأخمذت‬
‫منهما كمل مما وسمعها أخمذه ‪ ،‬والعنصمر المذي رفضمته أخمذه – وهمو‬
‫السلم – كان هو العنصر الوحيد القمين بترشيد تلك النهضة وإقالة‬
‫أوربا من عثرتها … ولكنها رفضت – بدافع من العصممبية الصممليبية –‬
‫فخسرت العنصممر الجمموهري ‪ ،‬وأقممامت نهضممة عرجمماء ‪ ..‬هممي الممتي‬
‫يعاني منها اليوم كل سكان الرض !‬
‫نعم ‪ ،‬لم تكن رغبممة الحيمماة ورغبممة النهمموض وحممدها هممي كممل ممما‬
‫أخذته أوربا عن المسلمين ‪.‬‬
‫لقممد كممانت أوروبمما فممي جهالممة تامممة مممن كممل علممم إل ممما تملكممه‬
‫الكنيسممة ورجممال دينهمما مممن معلومممات سممطحية معظمهمما محشممو‬
‫بالخطاء‬
‫وعند المسلمين وجدوا " العلم " ‪ ..‬في كل مجالت العلم ‪ ..‬فممي‬
‫الطب والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء ‪ ،‬إلممي جممانب العلمموم‬
‫الدينيممة السمملمية الممتي كممانت تممدرس – جنبمما إلممي جنممب – فممي‬
‫الجماعات السلمية ‪.‬‬
‫وقد مر بنا قممول " روجممر بيكممون " مممن أراد أن يتعلممم ‪ ،‬فليتعلممم‬
‫العربية ‪ ،‬فأنها هي لغة العلم "‬
‫ونضمميف هنمما قمموله " ألفممارو القرطممبي " قبممل ذلممك بقممرون فممي‬
‫الندلس ‪:‬‬
‫" يطرب إخممواني المسمميحيون بأشممعار العممرب وقصصممهم ‪ ،‬فهممم‬
‫يدرسممون كتممب الفقهمماء والفلسممفة المحمممديين ل لتفنيممدها ‪ ،‬بممل‬
‫للحصول علي أسلوب عربي صحيح رشيق ‪ ،‬فأين تجد اليوم علمانيا‬
‫يقرأ التعليقات اللتينيمة علمي الكتممب المقدسممة ؟ وأيمن ذلمك المذي‬
‫يممدرس النجيممل وكتممب النبيمماء والرسممل ؟ وأسممفاه ! إن شممباب‬
‫المسيحيين الذين هم أبرز الناس مممواهب ‪ ،‬ليسمموا علممي علممم بممأي‬
‫أدب ول أية لغة غير العربية ‪ ،‬فهم يقرأون كتب العممرب ويدرسممونها‬
‫بلهفة وشغف ‪ ،‬وهم يجمعون منهمما مكتبممات كاملممة تكلفهممم نفقممات‬
‫باهضة ن وإنهم ليترنمون في كل مكان بمدح تممراث العممرب‪ .‬وإنممك‬
‫لتراهم من الناحيممة الخممري يحتجممون فممي زرايممة إذا ذكممرت الكتممب‬
‫المسيحية بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم ‪ ،‬فممواحر قلبمماه !‬
‫لقد نسب المسيحيون لغتهم ‪ ،‬ول يكاد يوجد منهم واحد فممي اللممف‬
‫قادر علي إنشاء رسمالة إلمي صمديق بلتينيمة مسمتقيمة ! ولكمن إذا‬
‫استدعي المر كتابة العربية ن فكم منهم من يستطيع أن يعبر عممن‬
‫نفسممه فممي تلممك اللغممة بممأعظم ممما يكممون مممن الرشمماقة ‪ ،‬بممل لقممد‬
‫يقرضون من الشعر ما يفوق في صحة نظمه شعر العرب أنفسممهم‬
‫‪1‬‬

‫ولم يكن العلم وحده هو الذي اخذته أوروبا عن المسلمين بجانب‬


‫الرغبة في الحياة والرغبة في النهوض ‪ ،‬وإما أخممذت كممذلك المنهممج‬
‫الذي تقيم عيه العلم ‪ ،‬وهو المنهج التجريبي ‪.‬‬
‫يقول بريفولت في كتاب " بناء النسانية ‪: Making of Humanity‬‬
‫" فالعامل القديم – كما رأينا – لممم يكممن للعلممم فيممه وجممود ‪ .‬وعلممم‬
‫النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علوما أجنبيممة اسممتجلبوها مممن‬
‫خارج بلدهم وأخذوها عن سواهم ‪ ،‬ولم تتأقلم في يمموم مممن اليممام‬
‫فتمتزج امتزاجا كليا بالثقافة اليونانية ‪ .‬وقد نظمم اليونممان المممذاهب‬
‫وعمموا الحكام ووضعوا النظريات ولكن أساليب البحممث فممي دأب‬
‫وأناة ‪ ،‬وجمع المعلومات اليجابيممة وتركيزهمما ‪ ،‬والمناهممج التفصمميلية‬
‫للعلم ‪ ،‬والملحظة الدقيقة المستمرة ‪ ،‬والبحث التجريبي ‪ ،‬كل ذلك‬
‫كان غريبا تماما عن المزاج اليوناني ‪ ،‬أما ما ندعوه " العلممم " فقممد‬
‫ظهممر فممي أوروبمما نتيجممة لممروح مممن البحممث جديممدة ‪ ،‬ولطممرق مممن‬
‫حضارة السلم ‪ ،‬جرونيباوم ‪ ،‬ص ‪ 82 -81‬م الترجمة العربية‬ ‫‪1‬‬
‫الستقصاء مستحدثة ‪ ،‬من طرق التجربمة والملحظمة والمقمماييس ‪،‬‬
‫ولتطور الرياضيات إلي صورة لم يعرفهمما اليونممان ‪ ..‬وهممذه الممروح ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وتلك المناهج العلمية ‪ ،‬ادخلها العرب إلي العالم الوربي‬
‫كذلك لم يكن العلم وحده ول المنهج التجريبي وحممده ‪ ..‬يقممول ‪..‬‬
‫بريفولت ‪:‬‬
‫" لقد كممان العلممم أهممم ممما جممادت بممه الحضممارة العربيممة ) يقصممد‬
‫السلمية ( علي العالم الحديث ‪ ،‬ولكن ثماره كانت بطيئة النضج ‪..‬‬
‫عن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في أسبانيا ‪ ،‬لممم تنهممض فممي‬
‫عنفوانها إل بعد وقت طويل من اختفاء تلممك الحضممارة وراء سممحب‬
‫الظلم ‪ .‬ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوربا إلممي الحيمماة ‪ ،‬بممل‬
‫إن مؤثرات أخممري كممثيرة مممن مممؤثرات الحضممارة السمملمية بعثممت‬
‫باكورة أشعتها إلي الحياة الوربية فإنه علممي الرغممم مممن أنممه ليممس‬
‫ثمة ناحيممة واحممدة مممن نممواحي الزدهممار الوربممي إل ويمكممن إرجمماع‬
‫أصلها إلي مؤثرات الثقافة السمملمية بصممورة قاطعممة ممم‪ ،‬فممإن هممذه‬
‫المؤثرات توجد أوضح ممما تكممون وأهممم ممما تكممون ‪ ،‬فممي نشممأة تلممك‬
‫الطاقة التي تكون من للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة ‪ ،‬وفممي‬
‫المصدر القمموي لزدهمماره ‪ :‬أي فممي العلمموم الطبيعيممة وروح البحممث‬
‫‪2‬‬
‫العلمي‬
‫ويطول بنا الستطراد لو رحنا نحصي بالتفصميل مما اخمذته أوربما‬
‫في بدء نهضتها من السلم والمسلمين ‪ ،‬ولكنا نعود إلممي موضمموعنا‬
‫الصيل فنقول إن أوربا اخممذت ممما أخممذت ولكنهمما رفضممت أن تأخممذ‬
‫السلم ذاته عقيممدة ومنهممج حيمماة ‪ ،‬وعممادت إي الجاهليممة الغريقيممة‬
‫والرومانية تسممتمد منهممما بممدل مممن الممدين الكنسممي الممذي لفظتممه ‪،‬‬
‫والدين الصحيح الذي رفضت بدافع العصبية أن تدخل فيه ‪ ,‬ومن ثم‬
‫عادت – كما قلنا – إلي العقلنية اليونانية بزيادة انحممراف جديممد هممو‬
‫النفور من الدين ‪ ،‬والسعي إلي إخراجه من مجالت الفكر والحياة‪.‬‬
‫لقد كانت الجاهلية الغريقية جاهلية وثنية خالصة في واقع حياتهمما‬
‫‪ ،‬ولكن " المفكرين" و " الفلسفة " فكروا في الله سبحانه وتعالي‬
‫‪ ،‬وحمماولوا تصمموره علممي قممدر ممما اجتهممدت عقممولهم ‪ ،‬فاهتممدوا إلممي‬
‫وحدانيته وكماله وجللة ولكن تشعبت بهم الظنممون فممي متاهممات ل‬
‫قرار لها حين أخذوا يصفون كنه هذا الكمال وهذا الجلل كما مر بنا‬
‫من تصور أرسطو ‪.‬‬
‫أما جاهلية عصر الحياء وعصر النهضة فقد سخرت " عقلها" في‬
‫عن كتاب " تجديد الفكر الديني " تأليف محمد اقبال ‪ ،‬ترجمة عباس محمود ص ‪ 250‬من الترجمة العربية‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪149‬‬ ‫‪2‬‬


‫كيفية الستغناء عممن اللممه ‪ ،‬وإخممراج موضمموع اللوهيممة مممن ميممادين‬
‫الفكر والحياة واحدا إثر الخر ‪.‬‬
‫كان " التفكير الحر" معناه اللحاد ! ذلك أن التفكير الديني معناه‬
‫الخضوع للقيد الذي قيدت الكنيسة به العقل وحجرت عليه أن يفكر‬
‫‪ .‬فمعني الحرية الفكرية هو تحطيم ذلك القيد الذي يغل العقل مممن‬
‫التفكيممر ‪ ،‬ولممم يكممن أمممام أوربمما بعممد أن رفضممت السمملم إل ذلممك‬
‫السبيل الواحد إلي الحرية الفكرية ‪ ..‬وهو الخروج علي الدين !‬
‫يقول برنتون كما سممبق أن نقلنمما مممن كلمممه فممي كتمماب " منشممأ‬
‫الفكممر الحممديث ( ) ص ‪ 103‬مممن الترجمممة العربيممة – ترجمممة عبممد‬
‫الرحمن مراد (‬
‫" فالمذهب العقلي يتجه نحو إزالممة اللممه وممما فمموق الطبيعممة مممن‬
‫الكممون ‪ ..‬فممإن نمممو المعرفممة العلميممة وازديمماد السممتخدام البممارع‬
‫للسمماليب العلميممة يرتبممط بشممدة مممع نمممو الوضممع العقلممي نحممو‬
‫الكون ‪"..‬‬
‫ويقول عن قانون السببية الذي كشفه نيوتن ‪ ":‬إن السببية تهممدم‬
‫كمل مما بنتمه الخرافمات واللهاممات والمعتقمدات الخماطئة ) يقصمد‬
‫المعتقممدات الدينيممة ( فممي هممذا العممالم " ) ص ‪ 151‬مممن المرجممع‬
‫السابق (‬
‫ويقول ‪ " :‬الله في عرف نيوتن أشبه بصانع الساعة ولكن صممانع‬
‫هذه السمماعة الكونيممة ونعنممي بهمما الكممون ‪ ،‬لممم يلبممث أن شممد علممي‬
‫رباطها إلي البد ‪ ،‬فبإمكانة أن يجعلها تعمل حتي البد‪.‬‬
‫" أما الرجال علي هذه الرض فقد صممهم الله كأجزاء من آلتممه‬
‫الضخمة هذه ليجروا عليها ‪ .‬وإنه ليبممدو أن ليممس ثمممة داع او فممائدة‬
‫من الصلة إلي اللة صانع هذه الساعة الضممخمة الكونيممة ‪ ،‬الممذي ل‬
‫يستطيع إذا ما أراد التدخل في عمله " !!‬
‫ولنا وقفه عند هذه النصوص‬
‫إن التجاه الفكري النافر مممن الممدين ‪ ،‬المتجممه إلممي اللحمماد ‪ ،‬لممم‬
‫يكن رد فعل لخطأ واحد من اخطاء الكنيسة وهو الحجر علي العقل‬
‫خوفمما مممن مناقشممته " المسمملمات "المفروضممة ‪ ،‬إنممما كممان فممي‬
‫الحقيقممة رد فعممل أو نتيجممة لخطمماء متعممددة فممي وقممت واحممد ‪..‬‬
‫فالجهالة العلمية التي عانتها أوروبا عدة قرون فممي ظممل السمميطرة‬
‫الكنسية جعلت للعلم –حين بممدأت أوربمما تتعلممم – فتنممة ليسممت مممن‬
‫طبيعته في الحوال العادية وفي النفوس السوية ‪ ،‬فضل عن حممرب‬
‫الكنيسة للعلم والعلماء فمي عهمد النهضممة – باسمم الممدين – جعلمت‬
‫طريق البحث العلمي هو طريق معاداة الدين ‪.‬‬
‫إن الممدين والعلممم كممما بينمما فممي فصممل "العلمانيممة " ليسمما نممدين‬
‫متنافرين متعاديين كل منهما يسعي للسيطرة علممي حسمماب الخممر‬
‫ورغما عنه ! فنزعة العبادة ونزعة المعرفة كلتاهما نزعممة فطريممة ‪،‬‬
‫والفطرة – في النفس السوية – ل يتنممافر بعضممها مممع بعممض ‪ ،‬إنممما‬
‫تتعاون جوانبها المختلفة لبنمماء الشخصممية السمموية المتوازنممة ‪ .‬وقممد‬
‫تختل الشخصية لزيادة او نقص في أحد الجوانب بالقياس إلي حدة‬
‫المفروضة ‪ ،‬وبالقياس إلي الجوانب الخري في النفممس ‪ ،‬ولكنهمما ل‬
‫تختل قط من اجتماع جوانب الفطرة كلهمما فممي النفممس ‪ ،‬فهممذا هممو‬
‫المممر الطممبيعي الممذي ل تسممتقيم النفممي بممدونه ‪ ،‬بممل العكممس هممو‬
‫الصحيح ‪ ،‬تختل النفممس خلل مؤكممدا حيممن يممزاح جممانب مممن جمموانب‬
‫الفطرة أو يضمر ليحل محله جانب آخر ‪.‬‬
‫وفي العالم السلمي الذي استقت أوربا العلم منه ‪ ،‬كان هذا هو‬
‫المر الواقع ‪ /‬كان الدين والعلم يعيشان معا متساندين متعاونين بل‬
‫تنازع ول تنافر ولخصام ‪ .‬بل كان العلم في حقيقة المممر نابعمما مممن‬
‫العقدية منبثقا عنها ‪ ،‬يعمل فممي خممدمتها ‪ ،‬ومممع ذلممك كممان لممه ذلممك‬
‫المجال الواسع كله الذي يعمل فيممه ‪ ،‬والحريممة الممتي يمارسممها فممي‬
‫البحث وتحصيل النتائج وتدوينها والثمار العملية المفيدة الممتي تقمموم‬
‫عليها نهضة علمية زاهرة ‪.‬‬
‫ولم يكن للعلم في نفوس المسلمين فتنة !‬
‫ل هو فتنهم عن الدين ‪ ،‬ول صار في حسهم إلها مكان الله !‬
‫لنهم كمانوا يتنمماولونه كممما تتنمماوله الفطممرة السمموية ‪ ،‬الممتي تأخممذ‬
‫حظها من العبادة كما تأخذ حظهمما مممن المعرفممة العلميممة ‪ ،‬وتطلممب‬
‫هذه وتلك بل تنافر بينهما ول صدام !‬
‫وقد كان العالم الواحد – في كثير من الحيان – عالما في الطممب‬
‫أو الفلك أو الرياضيات ‪ ..‬إلممخ ‪ ،‬وعالممما بممالعلوم الدينيممة فممي نفممس‬
‫الوقت ‪ ،‬متبحرا في هذه وتلك ‪ ،‬متوازنا في ذات الوقت ‪ ،‬ل يصرفه‬
‫الدين عن العلم ول يصرفه العلم عن الدين‬
‫وكان الحسن بن الهيثم – علي سبيل المثال – الذي ظلممت أوربمما‬
‫تدرس نظريمماته فممي علممم الضمموء ) البصممريات ( إلممي بدايممة القممرن‬
‫التاسع عشر لتوفقها وتقدمها الباهر ‪ ،‬والممذي أثبممت ملحظممة كممانت‬
‫بالقياس إلي وقته من أعجب العجب ‪ ،‬وهي انحناء الشعاع الضوئي‬
‫عند ملمسته جسما منحنيا وعدم سيره في خممط مسممتقيم ‪ - 1‬كممان‬
‫وفسر بذلك أننا نري الشمس قبل ظهورها الحقيقي بدقائق ‪ ،‬ونظل نراها بعد غروبها بدقائق ! وفي القرن العشرين‬ ‫‪1‬‬

‫اكتشف انشئتين في الضوء في الكون الواسع ل يتخذ مسارا مستقيما بل ينحني حول الجرام السماوية بفعل‬
‫علي كل عبقريته العلميممة تلممك يقممدم انتاجممة العلمممي باسممم اللممه ‪،‬‬
‫ويحمد الله ويثني عليه ويشكره علي فيض نعمة عليه !‬
‫كل! لم يكن العلم عند المسمملمين مثممارا للفتنممة ‪ ،‬لنهممم صمماحبوه‬
‫عدة قرون علي رزانة وروية ‪ ،‬فلم يفاجئوا به كما فوجئت أوربا في‬
‫عصر النهضة ‪ ،‬ولن نبع في حياتهم من نبع الدين فلم يثر بينه وبيممن‬
‫الدين ذلك الخصام الممذي ثممار بيممن الممدين والعلممم فممي أوربمما ‪ ،‬ولن‬
‫المعرفة كلها في حس المسلم نفحة ربانية يفتح بهمما علممي عبممادة ‪،‬‬
‫فيكون جزاؤها في حسه مزيدا من التقرب إلي اللممه ‪ ،‬ل بعممدا عنممه‬
‫وازورارا عن عبادته ‪.‬‬
‫كذلك كان اكتشاف قانون السببية بالذات باعثا نم بواعث اللحاد‬
‫كما مر بنا من كلم " برنتون"‬
‫والمسئول في ذلك أيضا هو الكنيسة !‬
‫لقد ظلت الكنيسة تصرف الناس عن العلم عدة قرون ‪ ،‬وتمموحي‬
‫إليهم الكتفاء بما عندها من العلم ‪ ،‬الذي لم يكن يتجاوز – كما قلنمما‬
‫– إن الله خلق الشياء علي صورتها لحكمة يعلمها ولغاية يريممدها ‪..‬‬
‫أي ارجاع المور كلها والظواهر كلها إلي إرادة الله ومشمميئة ‪ .‬ومممن‬
‫شأن الدين أن يركز دائما علي هذا المعني ‪ ،‬انظر إلي بعض ما جاء‬
‫في القرآن الكريم في هذا الشأن ‪.‬‬
‫" وإلهكم إله واحد ل إله إل هممو الرحمممن الرحيممم ‪ ،‬إن فممي خلممق‬
‫السماوات والرض واختلف الليل والنهار والفلممك الممتي تجممري فممي‬
‫البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السممماء مممن ممماء فأحيمما بممه‬
‫الرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريمماح والسممحاب‬
‫المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون "‬
‫" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شممجر فيممه‬
‫تسيمون ‪ ،‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كممل‬
‫الثمممرات ‪ ،‬إن فممي ذلممك ليممة لقمموم يتفكممرون ‪ .‬وسممخر لكممم الليممل‬
‫والنهار والشمس والقمر ‪ .‬والنجوم مسخرات بأمره ‪ .‬أن فممي ذلممك‬
‫ليات لقوم يعقلون ‪ .‬ذرا لكممم فممي الرض مختلفمما ألمموانه ‪ .‬إن فممي‬
‫ذلك لية لقوم يذكرون ‪ .‬وهو الذي سممخر البحممر لتممأكلوا منممه لحممما‬
‫طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسممونها ‪ ،‬وتممري الفلممك مممواخر فيممه ‪،‬‬
‫ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ‪ ،‬وألقي في الرض رواسممي أن‬
‫تميد بكم ‪ .‬وأنهممارا وسممبل لعلكممم تهتممدون ‪ ،‬وعلمممات وبممالنجم هممم‬
‫يهتدون ‪ .‬أفمن يخلق كمن ل يخلق ؟ أفل تذكرون ؟ إن تعدوا نعمممة‬
‫الجاذبية‬
‫الله ل تحصوها ‪ .‬إن الله لغفور رحيم "‬
‫وحكمة ذلك واضحة ‪ " . .‬فالدين " يذكر النسان دائما بالله لكممي‬
‫يظل قلبه معلقا بالله في جميع حممالته ‪ ،‬فيحبممه ويخشمماه ‪ ،‬ويتطلممع‬
‫إليه في كممل أمممر مممن أممموره ‪.‬وبهممذا وحممده تصمملح نفممس النسممان‬
‫وتستقيم ‪ ..‬ولن النسان عرضه دائما أن ينسي فإن الدين الصحيح‬
‫يلح في تذكيره حتي ل تدركه الغفلة التي ينشممأ عنهمما كممل شممر فممي‬
‫حياة البشر علي الرض ‪.‬‬
‫ولكن هذا التركيز الشديد في الدين الصحيح علي رد المور كلهمما‬
‫إلي مشيئة الله ‪ ،‬لم يمنممع المسمملمين مممن البحممث عممن " السممباب‬
‫الظاهرة " في الكون المادي وفي الحياة البشرية ‪ ،‬بل تعارض فممي‬
‫حسهم بين هذا وذاك ‪.‬‬
‫ذلك أن الدين الصحيح –وقد رد كل شممئ بحممق إلممي مشمميئة اللممه‬
‫وقدرة ‪ - 1‬نبه البشر إلي أن هناك سننا كونية تعمممل إرادة اللممه مممن‬
‫خللها في الكممون المممادي ‪ ،‬كممما أن هنمماك سممننا أخممري تعمممل تلممك‬
‫الرادة من خللها في الحياة البشرية ‪ ،‬ودعاهم إلممي التعممرف علممي‬
‫هذه وتلك ‪ ،‬الولي ليقوموا بتعمير الرض – وهو جممزء مممن مهمممة "‬
‫الخلفممة "الممتي خلممق النسممان مممن أجلهمما – والخممري لتكممون هممذه‬
‫الخلفة راشدة حين يتم تعمير الرض بمقتضي المنهج الرباني ‪.‬‬
‫لقد ظل القرآن يلفممت نظممر النمماس إلممي آيممات اللممه فممي الكممون‬
‫انتظامها ورتابتها ودقتها وانضباطها‬
‫جعَل َْنا‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫كنا ً ث ُ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫شاَء ل َ َ‬ ‫ل وَل َوْ َ‬ ‫مد ّ الظ ّ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫م ت ََرى إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫سمميرا ً )‪{(46‬‬ ‫ضممَناهُ إ ِل َي َْنمما قَْبضمما ً ي َ ِ‬ ‫م قَب َ ْ‬ ‫س عَل َْيممهِ د َِليل ً )‪ُ (45‬ثمم ّ‬ ‫م َ‬ ‫شمم ْ‬ ‫ال ّ‬
‫]سورة الفرقان ‪[46-25/45‬‬
‫ْ‬
‫ن)‬ ‫ه ي َمأك ُُلو َ‬ ‫من ْ ُ‬‫حب ّا ً فَ ِ‬ ‫من َْها َ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ها وَأ َ ْ‬ ‫حي َي َْنا َ‬ ‫ةأ ْ‬
‫ة ل َهم ال َرض ال ْميت ُ َ‬
‫َ َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫}َوآي َ ٌ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن ال ْعُي ُممو ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫جْرَنا ِفيَها ِ‬ ‫ب وَفَ ّ‬ ‫ل وَأعَْنا ٍ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫جعَل َْنا ِفيَها َ‬ ‫‪ (33‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حا َ‬ ‫سمب ْ َ‬ ‫ن )‪ُ (35‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م أَفل ي َ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ه أي ْ ِ‬ ‫مل َت ْ ُ‬‫ما عَ ِ‬ ‫مرِهِ وَ َ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫‪ (34‬ل ِي َأك ُُلوا ِ‬
‫م ْ‬
‫خل َمق ال َزواج ك ُل ّهمما مممما تنبمت ال َرض ومم َ‬
‫ممما ل‬ ‫م ّ‬
‫م وَ ِ‬ ‫س مه ِ ْ‬ ‫ن أنُف ِ‬ ‫ْ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ِ ّ ُِْ ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّم ِ‬
‫ن)‬ ‫مممو َ‬ ‫مظ ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا هُ م ْ‬ ‫ه الن َّهاَر فَ مإ ِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م الل ّي ْ ُ‬ ‫ة ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪َ (36‬وآي َ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫زي مزِ ال ْعَِلي مم ِ )‪(38‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ك ت َْق م ِ‬ ‫ست ََقّر ل ََها ذ َل ِم َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫س تَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫‪َ (37‬وال ّ‬
‫س‬
‫م ُ‬ ‫شم ْ‬ ‫ديم ِ )‪ (39‬ل ال ّ‬ ‫ن ال َْق م ِ‬‫جو ِ‬ ‫كال ْعُْر ُ‬ ‫عاد َ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ل َ‬ ‫مَنازِ َ‬ ‫مَر قَد ّْرَناهُ َ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ل فِممي فَل َم ٍ‬ ‫سمماب ِقُ الن ّهَممارِ وَك ُم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ممَر َول الل ّي ْم ُ‬ ‫ك ال َْق َ‬ ‫ن ت ُمد ْرِ َ‬ ‫ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ‬
‫ن )‪] {(40‬سورة يممس ‪[40-36/33‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ص مُرو َ‬ ‫م أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫سمك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (20‬وَِفي أنُف ِ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫ض آَيا ٌ‬ ‫}وَِفي الْر ِ‬
‫يقول تعالي ‪ " :‬إنا كل شئ خلقناه بقدر " ) سورة القمر ‪( 49 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪] {(21‬سورة الذاريات ‪[21-51/20‬‬
‫وفهم المسلمون من هذه التوجيهات المتكممررة أن اللممه يممدعوهم‬
‫إلي التأمل في هذا الكون من حممولهم ‪ ،‬ليتعرفمموا علممي قممدرة اللممه‬
‫القادرة التي ل يعجزها شئ ‪ ،‬وليتعرفوا كذلك علي السممنن الربانيممة‬
‫التي أودعهمما فممي هممذا الكممون ‪ ،‬والطاقممات الممتي سممخرها لهممم فيممه‬
‫ليقوموا بعمارة الرض ‪ ،‬ويبتغوا من فضل الله‬
‫جعَل ْن َمما آي َم َ‬
‫ة الن ّهَمماِر‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ة الل ّي ْم ِ‬
‫حوَْنا آي َم َ‬ ‫م َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ل َوالن َّهاَر آي َت َي ْ ِ‬‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬
‫}وَ َ‬
‫ل‬‫ب وَك ُ ّ‬‫سا َ‬‫ح َ‬ ‫ن َوال ْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫موا عَد َد َ ال ّ‬ ‫م وَل ِت َعْل َ ُ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫ضل ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫صَرةً ل ِت َب ْت َُغوا فَ ْ‬‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫صيل ً )‪] {(12‬سورة السراء ‪[17/12‬‬ ‫ْ‬
‫صلَناهُ ت َْف ِ‬ ‫يٍء فَ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ل ت ََرى ِ‬ ‫صَر هَ ْ‬ ‫جعْ ال ْب َ َ‬‫ت َفاْر ِ‬ ‫ن ت ََفاوُ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ق الّر ْ‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫} َ‬
‫طورٍ )‪] {(3‬سورة الملك ‪[67/3‬‬ ‫فُ ُ‬
‫ومممن ثممم انطلقمموا " يدرسممون " هممذا الكممون ويتعرفممون علممي‬
‫أسراره ‪ ..‬فتقدم العلممم علممي أيممديهم تقممدما ضممخما ‪ ،‬فممي الفيزيمماء‬
‫والكيمياء والفلك والرياضيات والطب وغيرها مممن العلمموم النظريممة‬
‫والتجريبية ‪ ..‬وأكتشفوا –من بين ما اكتشفوا – أن هناك سممببا لكممل‬
‫شئ يحدث في الكون المادي ‪ ،‬من نور وظلم وكسوف وخسوف‬
‫‪ ،‬ورياح ومطر ‪ ،‬وجدب وخصب وزيادة ونقص ‪..‬إلخ‬
‫ولكن اكتشاف " السبب الظاهر " لممم يكممن فتنممة لهممم كممما كممان‬
‫بالنسبة لنيوتن ومن بعده من " العلماء " !‬
‫فلم يجعلوه بديل من السبب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعممالي ‪،‬‬
‫ولم يستغنوا به عن الله ‪ ،‬ولم يتصموروا أن لمه حتميمة تقيمد مشميئة‬
‫الله الطليقممة بحيممث يعجممز سممبحانه عممن التصممرف فممي الكممون بممما‬
‫يشاء ‪ ،‬كما توهم نيوتن ومن بعده ‪.‬‬
‫إنما عرفوا أن هذا " السبب الظاهر" هو " السنة الجارية " الممتي‬
‫تجري شئون الكون المادي من خللها ‪ ،‬ومن ثم فهممي ليسممت بممديل‬
‫من الله سبحانه وتعالي ‪ ،‬وهي جزء من مشمميئته ‪ ،‬ول تعممارض بيممن‬
‫تفسير أي أمر من أمور همذا الكمون بسمببه الظماهر وتفسميره بمأنه‬
‫راجع إلي مشيئة الله ‪ ،‬مادام السممبب الظمماهر أو" السممنة الجاريممة"‬
‫من مشيئة الله ‪ ،‬ومن ثم فل تعارض بين ماسموه " الطبيعة " وممما‬
‫سموه " ما وراء الطبيعة " بحيث يمتنممع عليممك اليمممان بهممذه وتلممك‬
‫في آن واحد كما توهمت عقلنية ما بعد النهضممة فممي أوربمما ‪ ،‬نتيجممة‬
‫أن ما وراء الطبيعية في ظل السيطرة الكنسية ولحجر علي العقل‬
‫كان ينفي السباب الظاهرة أو ل يعول عليها فممي تفسممير أمممر مممن‬
‫أمور الكممون ‪ ،‬وأن اكتشمماف " السممبب " جمماء فممي جممو مممن العممداء‬
‫للممدين والكنيسممة ‪ ،‬فوضممع – مممن ثممم – مناهضمما ومعاديمما لممما رواء‬
‫الطبيعية ‪ ،‬بالضافة إلي أن القوم هناك ظلمموا – فممي ظممل اليمممان‬
‫بما وراء الطبيعة علي الطريقة الكنسية – فممي جهممل مطبممق بكممثير‬
‫مما يحيط بهم في هذا الكون ‪ ،‬بينما جاء اكتشمماف السممبب الظمماهر‬
‫في وسط معلومات عن هذا الكون تبهر العقول !‬
‫كل ! لم يفتن المسمملمون باكتشمماف السممبب الظمماهر كممما فتنممت‬
‫أوربا في جاهلية ما بعد القرون الوسممطي ‪ ،‬المظلمممة عنممدهم ‪ ،‬بممل‬
‫ظلوا يكشفون كل يوم جديممد مممن أسممرار هممذا الكممون يحققممون بممه‬
‫تسخيرا جديممدا لطاقممات السممماوات والرض ‪ ،‬المسممخرة مممن اللممه‬
‫أصل للنسان ‪ ،‬والتي يحتاج تحقيق تسخيرها من قبل النسممان إلممي‬
‫جهد عقلي يتعرف به علي السممنن الربانيممة وجهممد عضمملي لتحويممل‬
‫المعرفة النظرية إلي واقع‬
‫ميعما ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫من ْم ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ممما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫سم َ‬ ‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُم ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ل ل َك ُم ْ‬
‫م‬ ‫شمْيئا ً وَ َ‬
‫جع َ م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مممو َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سممورة النحممل‬ ‫ش مك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫سم ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه{ ]سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِ ِ‬
‫ولم يتصور المسلمون في بلهة تلك الجاهلية " أنه ليس ثمة داع‬
‫أو فائدة من الصلة إلي الله صانع هذه الساعة الضخمة الكونيممة "‬
‫لمجرد أنهم عرفوا سرا من أسممرارها ‪ ،‬بممل أحسمموا – كممما بينمما مممن‬
‫قبل – أن العلم نفحة ربانية يمن الله بهمما علممي عبممادة ‪ ،‬فينبغممي أن‬
‫يشكروه عليها بإقامة الصلة ل بقطعها ‪ ،‬وإدامه التعبد والخشية لله‬
‫‪ .‬كما عرفوا أنهممم مهممما تعلممموا مممن أمممور الكممون فعلمهممم قليممل ‪،‬‬
‫وانهم في فقر دائم إلي الله واحتياج‪:‬‬
‫ماُء{ ]سورة فاطر ‪[35/28‬‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫}إ ِن ّ َ‬
‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِل ّ قَِليل ً )‪] {(85‬سورة السراء ‪[17/85‬‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ميمد ُ )‬ ‫ح ِ‬‫ي ال ْ َ‬
‫ه هُموَ ال ْغَن ِم ّ‬ ‫م ال ُْفَقَراُء إ ِل َممى الل ّمهِ َوالل ّم ُ‬ ‫س أن ْت ُ ْ‬ ‫}َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫‪] {(15‬سورة فاطر ‪[35/15‬‬
‫كذلك لم يتصمموروا فممي بلهممة أن اللممه عمماجز عممن التصممرف فممي‬
‫شئون الكون بمشيئته الطليقة لمجرد أنممه ثبممت سممنته الجاريممة كممما‬
‫تصور نيوتن ‪ " :‬ليس ثمة داع أو فائدة من الصلة إلممي اللممه صممانع‬
‫هذه الساعة الضخمة الكونية الممذي ل يسممتطيع إذا ممما أراد التممدخل‬
‫في عمله " ! ! ومن ثم لم ينكروا المعجممزات كممما أنكرتهمما عقلنيممة‬
‫النهضة وما بعدها ‪ .‬إنما عرفوا أن الله سبحانه وتعالي ثبت سممنته –‬
‫بمشيئته الطليقة – رحمة بالنسان ‪ ،‬وإعانممة لممه علممي القيممام بممدور‬
‫الخلفة ‪ .‬ولكنه سبحانه وتعالي طليق المشيئة يصنع في هذا الكون‬
‫ما يشاء ‪ ،‬ل يقيد مشيئته شئ عي الطلق ‪ ..‬و ثبوت سنته الجاريممة‬
‫‪1‬فإن شاء سبحانه وتعالي أن يغير شيئا من نظممام الكممون – لحكمممه‬
‫يريدها ليظهر للناس معجزة من معجزاته ‪ ،‬أو يغير نظام الكون كله‬
‫يوم القيامة كما أخبر عباده فممي كتبممه المنزليممة ‪ ،‬فلممن يقممف ثبمموت‬
‫السنة الجارية أمام مشيئة جل وعل ‪ ،‬إذا السنة الجارية من مشيئته‬
‫‪ ،‬والسنة الخارقة من مشيئته ‪ ،‬وهو سبحانه يستخدم هذه السمنة أو‬
‫تلممك وقتممما يشمماء وكيفممما يشمماء ل قيممد علممي مشمميئته يمنعممه مممن‬
‫التصرف كيف يشاء ‪.‬‬
‫و" المعجزة " كما نطلق عليها هي شئ خممارق للسممنة الجاريمة ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬ولكن " العجاز " في السنة الجارية هو العجاز في الخارقة‬
‫‪ .‬مصممدرهما واحممد وحوهرهممما واحممد ‪ ..‬هممو القممدرة اللهيممة الممتي ل‬
‫يعجزها شئ في السموات ول في الرض ‪ ..‬وإل فهممل خلممق الحيمماة‬
‫من الموات – الذي هو في حسنا من السنة الجارية – أقل روعة أو‬
‫أقل إعجازا من شق البحث بالعصا ‪ ،‬أو وقف دوره الشمممس لفممترة‬
‫من الوقت أو غير ذلك من المعجزات ؟ وهل الذي يخلق الكون كله‬
‫من العدم يعجز عن تصرف جزئ فممي هممذا الكممون تقتضمميه حكمتممه‬
‫سبحانه ؟!‬
‫وكممما لممم تكممن معرفممة المسمملمين المبكممرة بالسممباب الظمماهرة‬
‫وثبوت السنة الجارية مانعا لهم من اليمان بالمعجزات التي جمماءت‬
‫في الكتب المنزلة ‪ ،‬كذلك لم يكن إيمممانهم بممالمعجزات داعيمما إلممي‬
‫الخرافة ‪ ،‬ول العتقاد بأن الكون فوضي ل يضبطه ضابط ول يربطه‬
‫نظام و ط العلم " الذي أخرجوه هو البرهان علي ذلممك ‪ ،‬فقممد كممان‬
‫هذا العلمم ممن الدقمة والنضمباط – بحسمب المتماح فمي وقتمه ممن‬
‫الدوات – لدرجة شهد لها كل منصف في التاريممخ وكلمه شماهد بممأن‬
‫المسلمين كمانوا يتعماملون ممع همذا الكمون علممي أسماس أن هنماك‬
‫نظاما دقيقا يربطممه ‪ ،‬نظاممما مممن " السممباب" و" النتممائج " معجممزة‬
‫بدقته ‪ ،‬رائع بانضباطه‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫جعْ ال ْب َ َ‬
‫صَر هَ ْ‬
‫ل ت ََرى ِ‬ ‫ت َفاْر ِ‬
‫ن ت ََفاوُ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ق الّر ْ‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫} َ‬
‫طورٍ )‪] {(3‬سورة الملك ‪[67/3‬‬ ‫فُ ُ‬

‫راجع في ذلك فصل " التوازن " خصائص التصور السلمي ومقوماته‬ ‫‪1‬‬
‫إنما كانوا علي " التوازن" الذي علمهم أياه السلم‬
‫أما " عقلنيممة " النهضمة " ومما بعممدها فقممد خرجمت علممي النماس‬
‫بأمور " غير معقولة ط علي الطلق ‪ ..‬من نفي لوجود اللممه تممارة ‪،‬‬
‫ومن إثبات له تارة أخري مع نفي قدرته علي التصرف ‪ ،‬ومن جعممل‬
‫السممبب الظمماهر بممديل مممن السممبب الحقيقممي ‪ ،‬ومممن جعممل ثبمموت‬
‫السباب الظاهرة حتميات‪ 1‬تفرض نفسها علي مشيئة الله !‬
‫‪m m m‬‬

‫ودار الزمن دورة أخري فانتقلت أوروبا – فيما يقال – من‬


‫سيادة العقل إلي سميادة الطبيعمة ‪ ،‬حيمن كشمف العلمم مزيمدا ممن‬
‫أسرار الكون واقتنع " المفكرون" أن الصممل الممذي ينبغممي الرجمموع‬
‫إليه هو " الطبيعة " لنها هي التي تنقش في العقممل ممما يتولممد فيممه‬
‫من أفكار ‪ .‬فليممس مصممدر المعرفممة إذا هممو المموحي الربمماني – وقممد‬
‫نبذوه وراءهم ظهريا سممواء منممه ممما كممان حقيقيمما بل تحريممف ‪ ،‬وممما‬
‫اخترعته الكنيسة من عندها ‪ ،‬وقممالت إنممه مممن وحممي اللمه – ول همو‬
‫العقل ‪ ،‬الذي ل ينشئ – ول ينبغي له أن ينشئ – شيئا مممن عنممده –‬
‫إنما هو الطبيعة ‪ :‬هو عالم الحس ‪ ..‬هو الحقيقية الموضوعية ‪..‬‬
‫يقول الدكتور محمد البهي فممي تلخيصممه الجيممد الممذي نقلنمماه مممن‬
‫قبل عن الفلسفة الوضعية وتقديرها للطبيعة‬
‫" ومعنممي تقممديرها للطبيعممة علممي هممذا النحممو أن الطبيعممة – فممي‬
‫نظرها – هي التي تنقش الحقيقمة فمي ذهمن النسمان ‪ ،‬وهمي الممتي‬
‫توحي بها وترسم معالمها الواضحة ‪ ،‬هي التي تكون عقل النسان ‪،‬‬
‫والنسان – لهذا ل يملي عليه من خارج الطبيعة ‪ ،‬أي ل يملي عليممه‬
‫مما وراءها ‪ ،‬كما ل يملي عليه من ذاته الخاصة ‪ ،‬إذ ما يأتي من ممما‬
‫وراء الطبيعة خداع للحقيقة وليست )هي( حقيقة ايضا !‬
‫" وبناء علي ذلك يكون " الدين" – وهو وحي ) أي ما بعد الطبيعة‬
‫( – خداعا ! وهو وحي ذلك الموجود الممذي ل يحممده ول يمثلممه كممائن‬
‫من كائنات الطبيعة هو وحي الله الخارج عن هذه الطبيعة كلية ‪.‬‬
‫" وكذلك " المثالية العقلية " وهم ل يتصممل بحقيقممة هممذا الوجممود‬
‫الطبيعي ‪ ،‬إذ هي تصورات النسان من ) عند ( نفسه ‪ ،‬من غيممر ان‬
‫يستلم فيها الطبيعة المنثورة التي يعيش فيها وتدور حوله‬
‫" إن عقل النسان في منطممق هممذه الفلسممفة – أي ممما فيممه مممن‬
‫معرفممة – وليممد الطبيعممة الممتي تتمثممل فممي الوراثممة والممبيئة والحيمماة‬
‫ثاب العلم أخيرا إلي أه ل توجد " حتميات" فيما سموه " قوانين الطبعية " إنما هي " احتمالت"‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫القتصادية والجتماعية ‪ ،‬إنه مخلقو ‪ ،‬ولكن خالقه الوجود الحسي‬
‫ولقد يفهم من هذا لول وهلة أن العقلنيممة الممتي تتبعنمما أطوارهمما‬
‫في عصر النهضة وما بعدها قممد انتهممت وحممل محلهمما طممور جديممد ل‬
‫يمت لها بصلة ‪ ..‬ولكن هذا غير الواقع‬
‫لقد تغير الله المعبود عندهم بالفعل فلم يعد هممو العقممل ‪ ،‬وإنممما‬
‫صار هو الطبيعة التي قال عنها دوران " الطبيعة تخلق كل شممئ ول‬
‫حد لقدرتها علي الخلق"‬
‫ولكن الله الجديد لم يقتل الله الول ‪ ،‬ولم يخرجه مممن السمماحة‬
‫ليحل محله ‪ ،‬إنما قيده فقط بقيوده وأخضعه لشروط ه ‪ ،‬وإن كممان‬
‫قد شد علي يديه في حرارة مؤيدتا ومؤازرا في نقطة واحدة معينة‬
‫هممي نفممي اللممه الحقيقممي – سممبحانه وتعممالي‪ -‬واخراجممه نهائيمما مممن‬
‫السمماحة ) نسممتغفر اللممه ( وإن اختلفممت زوايمما الرصممد واختلممف "‬
‫المنطق " المستخدم فالله الول – العقل – ينبذه بحجة أنممه " غيممر‬
‫معقول" !! والله الثاني – الطبيعة – ينبذه لنه ل يدرك بممالحس ول‬
‫يخضع للتجربة في المعمل !! تعالي الله عما يقولون علوا كيرا ‪..‬‬
‫إن المنهج التجريبي الذي تعلمته أوربمما مممن المسمملمين لممم يممؤث‬
‫ثماره الظاهرة في ميدان العلم إل فمي القمرن التاسمع عشمر علمي‬
‫وجه التقريب ‪ ،‬ولكنه تحول عنممدهم إلممي فتنممة طاغيممة ‪ ،‬لن أوروبمما‬
‫أخذته دون أن تأخممذ اقاعممدة اليمانيممة الممتي كممان يقمموم عليهمما عنممد‬
‫المسلمين ‪ ،‬وهممي قاعممدته الصمملية ‪ ،‬فكممأنه نبممات انممتزع مممن بيئتممه‬
‫انتزاعا وغرس فممي بيئة أخممري ل تناسممب الولممي ‪ ،‬ول تشممبهها فممي‬
‫مكوناتها ومقوماتها ‪،‬فطال وارتفع ‪ ،‬ولكنه أثمر ثمارا شمميطانية غيممر‬
‫الثمار الطيبة التي كان يؤتيها من قبل ‪.‬‬
‫كان المنهج التجريبي عند المسلمين نابعا من التمموجيه السمملمي‬
‫اليماني ‪ ..‬نابعا من مثل هذه التوجيهات ‪:‬‬
‫ل‬ ‫صمَر َوال ُْفم َ‬
‫ؤاد َ ك ُم ّ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫سم ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْم ٌ‬ ‫ك ب ِمهِ ِ‬ ‫س ل َم َ‬‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫}َول ت َْق ُ‬
‫سُئول ً )‪] {(36‬سورة السراء ‪[17/36‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ت{ ]سورة البقرة ‪[2/189‬‬ ‫واِقي ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ن ال َهِل ّةِ قُ ْ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫}ي َ ْ‬
‫}وفي ال َرض آيات ل ِل ْموقِنين )‪ (20‬وفي َأنُفسمك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫ص مُرو َ‬ ‫م أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ْ ِ َ ٌ‬ ‫َ ِ‬
‫‪] {(21‬سورة الذاريات ‪[21-51/20‬‬
‫ج ب ِمهِ َزْرعما ً‬ ‫َ‬ ‫}أ َول َم يروا أ َ‬
‫خمرِ ُ‬‫جمُرزِ فَن ُ ْ‬ ‫ض ال ْ ُ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مى‬ ‫م‬‫ممماَء إ ِل َ‬‫َ‬ ‫سوقُ ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫َ ْ ََ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل من َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪] {(27‬سممورة السممجدة‬ ‫صمُرو َ‬ ‫م أَفل ي ُب ْ ِ‬ ‫س مه ُ ْ‬ ‫م وَأنُف ُ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫ه أن َْعا ُ‬ ‫ت َأك ُ ُ ِ ْ ُ‬
‫‪[32/27‬‬
‫‪ 298-299‬من كتاب " الفكر السلمي الحديث "‬ ‫‪2‬‬
‫" تداووا ‪ .‬عباد الله فإن الله تعالي لم يضع داء إل وضع لمه دواء ‪،‬‬
‫إل داء واحممد‪ :‬الهممرم " وغيرهمما ‪ ..‬وغيرهمما ‪ ..‬مممما جمماء فممي الكتمماب‬
‫والسنة ‪ ..‬كثير‬
‫وكانت هذه التوجيهات – التي حولت المسلمين من أمة ل اهتمام‬
‫لها بالعلم في جاهليتها إلي أمة عالمة في كل فروع العلممم المتاحممة‬
‫لها بحسب وقتها ‪ ،‬وحولت العلم من التجاه النظري الغريقي إلممي‬
‫التجاه العملي التجريبي – موجه إلي غايتين فممي آن واحممد " الفكممر‬
‫في أيات الله في الكون للتعممرف علممي قممدرته المعجممزة مممن أجممل‬
‫إخلص العبادة لمه وحمده ‪ ،‬والفكمر فمي تلمك اليمات للتعمرف علمي‬
‫السنن الكونية الربانية لتحقيق معني الخلفة وعمارة الرض‬
‫ومن ثم لم تفترق الغايتمان فمي حمس المسملمين كمما افترقتما –‬
‫وتعارضتا – في حس أوروبا !‬
‫لم يشعر المسلمون أن تفكرهم في آيممات اللممه فممي الكممون مممن‬
‫أجل إخلص العبادة له ‪ ،‬مانع لهم مممن البحممث عممن السممنن الكونيممة‬
‫الربانية من أجل عمارة الرض ولم يشممعروا كممذلك أن البحممث عممن‬
‫هذه السنن من أجل عمارة الرض مانع لهم من إخلص العبادة لله‬
‫‪ .‬لنه ل تعارض في الحقيقة ‪ .‬والله يقول لهم ‪:‬‬
‫ن المد ّن َْيا{‬‫مم ْ‬
‫ك ِ‬ ‫صمميب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬
‫خمَرةَ َول َتنم َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫}َواب ْت َِغ ِفي َ‬
‫]سورة القصص ‪[28/77‬‬
‫ويقول لهم ‪:‬‬
‫مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬
‫م ُ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫جع َ َ‬‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫شوُر )‪] {(15‬سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬
‫فالمشي في مناكب الرض والكل من رزق اللممه – المممؤدي إلممي‬
‫عمممارة الرض – يصممحبه فممي التمموجيه الربمماني التممذكير بممالخرة ‪،‬‬
‫وواجب إخلص العبادة لله من أجل النشممور ‪ ،‬يمموم يحاسممب النمماس‬
‫علي ما عملوا في الحياة الدنيا ‪ .‬فل العمل مممن أجممل الحيمماة الممدنيا‬
‫مانع من اخلص العبادة وتذكر النشور ‪ ،‬ول تذكر النشممور مممانع مممن‬
‫عمممارة الرض ‪ .‬وهكممذا يتمموازن " النسممان " بيممن مطممالب الجسممد‬
‫ومطالب الروح ‪ ،‬ومطالب الدنيا ومطالب الخرة … بممل هكممذا فممي‬
‫الواقع يصممبح النسممان إنسممان علممي الحقيقممة ل حيوانمما فممي صممورة‬
‫إنسان كما هو في الجاهلية المعاصرة ‪ .‬إنسان يسعي بكل فمماعليته‬
‫في واقع الرض لعمارتها والهيمنة عليها والنشاء والتغيير فيهمما بممما‬
‫يحقق معنممي الخلفممة ‪ ،‬وهممو فممي المموقت ذاتممه محكمموم " بممالقيم "‬
‫المرتبطة بيوم النشور ‪ ،‬النابعة كلها من إخلص العبادة للممه ‪ ،‬ونبممذ‬
‫الرباب المزعومة كلها ‪ ،‬المؤديممة إلممي عبممادة الشمميطان مممن سممبله‬
‫المتعددة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سب ُ َ‬‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫}وَأ ّ‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[6/153‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬‫عَ ْ‬
‫أما في الجاهلية المعاصرة فقد سارت المور في طريق آخر ‪..‬‬
‫ذلممك أن أوروبمما اسممتنبتت المنهممج التجريممبي الممذي أخممذته مممن‬
‫المسلمين ‪ ،‬في أرض سبخة يملؤها العداء للدين والفممرار مممن اللممه‬
‫بدل من الفرار إليه ‪:‬‬
‫معَ الل ّهِ‬ ‫جعَُلوا َ‬ ‫ن )‪َ (50‬ول ت َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ذيٌر ُ‬‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫}فَِفّروا إ َِلى الل ّهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫خَر‪] {...‬سورة الذاريات ‪[51-51/50‬‬ ‫إ َِلها ً آ َ‬
‫وكانت النتيجة أن أصبح المنهج التجريبي فتنة لوروبا ‪ ،‬كلممما فتممح‬
‫عينيها علي مزيد ممن أسمرار الكمون زادوا بعمدا عمن اللمه ! أو كمما‬
‫يقول جوليان هكسلي في كتابه " النسان فممي العممالم الحديممد " إن‬
‫النسان كان يعبد الله مممن قبممل فممي عصممر العجممز والجهممل بسممبب‬
‫عجزه وجهله ‪ .‬أما الن وقد تعلم وسيطر علي البيئة فقد ’ن لممه أن‬
‫يحمل علي عاتق نفسه ما كممان يلقيممه مممن قبممل فممي عصممر العجممز‬
‫والجهل علي عاتق الله ‪ ..‬ومن ثم يصبح هو الله !‬
‫ولم تكن الفتنة هي غرور النسان بنفسه وظنه أنه مسممتغن عممن‬
‫الله فحسب ‪ 1‬بل كمانت بالضمماقة إلممي ذلممك قتنممة بممالعلم وبالمنهممج‬
‫التجريبي ‪ ،‬فأصبحت التجربة الحسية المعملية هي " الميعار" الممذي‬
‫تقاس به " حقيقة " كل شئ ‪ ،‬ويرد إليه " صدق " كممل شممئ ! فممما‬
‫أمكممن إثبمماته عممن طريممق التجربممة المعمليممة فهممو الموجممود علممي‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهو الموثوق بصدقه ‪ ،‬وما ل يمكن إثباته عن هذا الطريممق‬
‫فهو إما شئ ل وجود له وإما شممئ سمماقط مممن الحسمماب ‪ .‬ودخلممت‬
‫في هذا القبيل قضية اللوهية بكاملهمما ‪ ،‬بكممل ممما حولهمما مممن وحممي‬
‫ورسل وكتب وبعث ونشور وحسمماب وجممزاء ‪ ..‬أو باختصممار ‪ :‬قضممية‬
‫‪2‬‬
‫اليمان‬
‫وإذا كانت عقلنية عصر النهضة وما بعدها قد اغلقممت كممل منافممذ‬
‫المعرفة إل العقل ‪ /،‬ولكنها تركته يسرح حيث يشاء ‪ ،‬ويشطح كيف‬
‫يشمماء ‪ ،‬فممإن " العقلنيممة التجريبيممة " الممتي سمميطرت علممي الفكممر‬
‫الوروبي منذ القرن التاسع عشر ‪ ،‬قد اغفلت كل منافممذ العقممل إل‬
‫التجربة والحس ! وتلك هي اللعنة التي نجمما منهمما الفكممر السمملمي‬
‫يقول رب العالمين جل وعل " كل ! إن النسان ليطغي ‪ ،‬ان رآه ستغني‬ ‫‪1‬‬

‫مر النص من حديث جبريل عليه السلم ‪ ":‬قال أخبرني عن اليمان قال أن نؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم‬ ‫‪2‬‬

‫الخر والقدر خيره وشره‬


‫الصيل ‪ 1‬وقت أن كممان المسمملمون مسممتقيمين علممي نهممج السمملم‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫لقممد كممانت المسمملمون – كممما بينمما – هممم الممذين أنشممأوا المنهممج‬
‫التجريبي في البحث العلمي ‪ .‬ولكنهم أدركوا ‪ -‬بداهة – أنه ليس كل‬
‫شئ يدخل المعمل للتجربة ! إنما الذي يصلح لممذلك هممو " المممادة "‬
‫والجسم " ولم يتوانوا هم في إدخال المادة والجسم معمل التجربة‬
‫‪ ،‬فتقممدمت الفيزيمماء والكيميمماء والطممب علممي أيممديهم تقممدما يعتممبر‬
‫بالنسبة إلي وقتهم فتوحات ‪.‬‬
‫ولكنهم – فيما عدا القلة الشاذة التي تممأثرت بممالفكر الغريقممي –‬
‫لم يغفلوا ‪.‬‬
‫كل منافذ المعرفة غير العقممل ثممم إنهممم – قممط لممم يغلقمموا كممل‬
‫‪2‬‬

‫منافذ العقل غير التجربة والحس‬


‫َ‬
‫صاُر وَهُوَ ي ُد ْرِ ُ‬
‫ك‬ ‫لقد أدركوا ‪ ،‬وصدقوا وآمنوا أن الله }ل ت ُد ْرِك ُ ُ‬
‫ه الب ْ َ‬
‫خِبيُر )‪] {(103‬سورة النعممام ‪ [6/103‬ومممن‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫صاَر وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫َ‬
‫الب ْ َ‬
‫ثم لم يجعلوا الذي يرجعون إليممه فممي إثبممات وجممود اللممه ووحممدانيته‬
‫وتفرده بصفاته التي يتصف بها هو التجربة الحسية ! إل مممن جممانب‬
‫واحد هو رؤية أثار قدرة الله في الكون ‪ ،‬والستدلل منهمما عممل كممل‬
‫ما تدل عليه من وجود اللممه ووحممدانيته وتفممرده ‪ .‬وهممذا هممو المنهممج‬
‫العلمي الصحيح الذي فاء إليه أخيرا نفرد من العلماء فممي الجاهليممة‬
‫‪3‬‬
‫المعاصرة في القرن العشرين‬
‫ثم إن المسلمين لم تكممن لممديهم كنيسممة تممدفعهم – بتصممرفاتها –‬
‫إلي حماقة عدم تسمية الله باسم الصممحيح ! ول إضممفاء اللممه علممي‬
‫إله آخر مزعوم أسمه الطبيعة ‪ ،‬أو اسمه المممادة ‪ ،‬لمجممرد الهممروب‬
‫من طغيان الكنيسة ‪ ..‬فإذا ذكر الله أشمأزت قلوبهم وإذا ذكر اللممه‬
‫المزعمموم إذا هممم يستبشممرون ! وإذ ظلمموا يعرفممون اللممه باسمممه‬
‫الصحيح ‪ ،‬ويعبدونه – من ثم – العبادة الصممحيحة ‪ ،‬فممإن السممبل لممم‬
‫تختلط عليهم ‪ ،‬ولم يجعلمموا قضممايا المموحي والرسممالة واليمموم الخممر‬
‫قضايا تجريبية ‪ ،‬إنما قضيا إيمانية يسلمون بها بعد أن تتأكد عقولهم‬
‫بكل وسائل الستدلل – من وجممود اللممه سممبحانه وتعممالي ‪ ،‬وقممدرته‬
‫التي ل تحدها حممدود ‪ ،‬وتتأكممد مممن صممدق الرسممول المرسممل إليهممم‬
‫صلي الله عليهم وسلم ‪ ،‬ومن أن ما يخبر به عن ربه وحممي ل شممك‬
‫في ‪.‬‬
‫أي الذي لم يتأثر بفكر أجنبي عن السلم‬ ‫‪1‬‬

‫وحتي هؤلء لم يصلوا إلي درجة العريق وإن كانوا تأثروا بهم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر الكتاب الله يتجلي في عصر العلم " لمحموعة منا لعلماء الغربيين‬ ‫‪3‬‬
‫ولم يتعارض في حسهم اليمان بما تممدركه الحممواس مممع اليمممان‬
‫بما ل تدركه الحواس ‪ ،‬أو اليمان بالغيب ‪ ،‬فهذا له قناة في الفطرة‬
‫وذاك له قتاة ‪ ،‬كلتاهما تمد النسان بلممون مممن المعرفممة غيممر الممذي‬
‫تمممده بممه الخممري ‪ ،‬ومممن مجموعهمما معمما تتكممون المعرفممة اللزمممة‬
‫للنسان‬
‫لم يغلقوا علممي أنفسممهم نافممذة الغيممب فممي سممبيل تأكيممد العممالم‬
‫المحسوس وتأكيد عرفتهم به ‪ .‬كما لم يغلقوا علممي انفسممهم نافممذة‬
‫المحسوس في سبيل تأكيد إيمممانهم بممالله وملئكتممه وكتبممه ورسممله‬
‫واليوم الخر والقدر خيره وشره‬
‫وبذلك تقدموا بالمنهج التجريبي ذلك التقدم الهائل الذي أحممرزوه‬
‫دون ان يحتاجوا إلي مسخ النسان وطمس بصمميرته وتعممتيم روحممه‬
‫علي النحو الكريه الذي صنعته الجاهليممة المعاصممرة ‪ ،‬فظلممت تهبممط‬
‫بالنسان دركا وراء درك حتي لتوشك أن تسلمه إلي الدمار‬
‫ونريد ان نتعرف علممي الموقممف الصممحيح للعقممل والعقلنيممة كممما‬
‫يقدمه السلم وكما مارسه المسمملمون وقممت أن كمانوا مسممتقيمين‬
‫علي المنهج الصحيح‬
‫ولكنمما ل نسممتطيع أن نختممم الحممديث عممن عقلنيممة الجاهليممة ‪،‬‬
‫والعقلنية المعاصرة بصفة خاصة قبممل أن نشممير إلممي قمموله عجيبممة‬
‫وردت في كتاب مممن كتممب سممارتر ‪ ،‬الكمماتب الوجممودي المعممروف ‪،‬‬
‫ذات صلة بالموضوع ‪ ،‬ودللة ل تحتاج إلي تعليق !‬
‫وسارتر يهودي وإن كان كثير مممن النمماس ل يعلمممون ذلممك ! فقممد‬
‫ورد في الدستور اليهودي أن اليهودي مممن كممانت أمممه يهوديممة ‪ ،‬وأم‬
‫سارتر يهودية كما ذكر هممو فممي هممذا الكتمماب المشممار إليممه ‪ ،‬والممذي‬
‫عنمموانه " تممأملت فممي المشممكلة اليهوديممة ‪Reflec – tions sur la‬‬
‫‪ question juive‬والذي أنصح بقراءته كل قارئ يملممك قراءتممه بلغتممه‬
‫الصلية الفرنسية – أو ترجمتممه بالنجليزيممة بعنمموان " ‪Anti- Srmite‬‬
‫‪ " and Jew‬ذلك أنه لم يترجم إلي الغربية فيما أعلم ‪.‬‬
‫صدر هذا الكتاب عممام ‪1946‬م بمناسممبة الحممديث عممن تقسمميم‬
‫فلسطين وإنشاء الدولة اليهوديممة ‪ ..‬وقيمتممه مممن وجهممة نظرنمما إنممه‬
‫يعترف بأفاعيل اليهود في إفساد البشرية في أثناء محاولته الممدفاع‬
‫عنهم ! ذلك أن طريقته في الدفاع عممن اليهممود هممي ن يممذكر التهممم‬
‫الموجهة إليه ‪ ،‬ثم يقول إنها صحيحة ! ولكنهم معذورون في إتيانهمما‬
‫بسبب كذا وكذا!‬
‫وسواء اقتنعت بوجاهة السباب أم لم تقتنع – وهي في مجموعها‬
‫متهافتة ل تقنع أحد – فإنها تؤكد التهمة ول تنفيها ! ويزيد مممن قيمممة‬
‫شممهادته أنممه " شمماهد مممن أهلهمما" ل يتهممم بالتعصممب ول التحيممز ول‬
‫التقول ول الفتئات !‬
‫يقول ‪ :‬إن اليهود متهمون بتهم ثلث كبري ‪ ،‬هي عبممادة الممذهب ‪،‬‬
‫وتعرية الجسم البشري ونشر العقلنيمة المضمادة لللهمام المديني ‪،‬‬
‫ويقول إن المتهم كلها صحيحة ! ثم يروح يقدم لكل منهمما ممما يقممدم‬
‫عليه من المعاذير‬
‫قال عن عبادة الذهب أن اليهود مضطهدون في كل الرض وكممل‬
‫التاريممخ ‪ ،‬وإنهممم لبممد ان يسممعوا إلممي امتلك القمموة ليقمماوموا هممذا‬
‫الضطهاد والوسيلة التي لجأوا إليها هي السعي إلي امتلك الممذهب‬
‫وتجميعه ليكون لهم عدة وقوة !‬
‫وقممال عممن تعريممة الجسممم البشممري أن اليهممود متهمممون بقبممح‬
‫اجسامهم وعدم اسممتقامتها ! فممأرادوا ان يثبتمموا للبشممرية أن القبممح‬
‫كمامن فمي الجسمم البشمري ذاتمه ل فمي اجسمام اليهمود وحمدهم !‬
‫فعملمموا علممي تعريممة الجسممم البشممري ليسممتيقن البشممر مممن هممذه‬
‫الحقيقة ! ) أرأيت إلي مدي السخف والتهافت ‪..‬؟!(‬
‫أما نشر العقلنية المضادة لللهام الديني ‪Rationalism as against‬‬
‫‪ ) in tuition‬كممما ورد فممي الترجمممة النجليزيممة ( فقممد كشممف فيممه‬
‫الغطاء دون مواربه ! قال ‪ :‬إنه طالما كان البشر يؤمنممون بالممدين ‪،‬‬
‫فيسظل يقع علي اليهود تمييز مجحف علي اعتبار أنهممم يهممود ‪ ،‬أممما‬
‫إذا زال الدين من الرض ‪ ،‬وتعامل البشممر بعقممولهم ‪ ،‬فعلممق اليهممود‬
‫كعقل غير اليهودي ‪ ،‬ويؤمئذ لن يتميممز اليهممود بكممونهم يهممودا ‪ ،‬ولممن‬
‫يقع عليهم التمييز المجحف م وسيعيشون في سلم مع غير اليهود )‬
‫أي بعممد أن يغطمموا علممي حقيقتهممم ويندسمموا فممي وسممط البشممرية‬
‫مبهمين بين الجموع !!(‬
‫ومهما يكن في هذا الكلم من المغالطات المكشوفة الممتي قصممد‬
‫بها التغطية علي الهداف الحقيقيممة لليهممود مممن وراء هممذه الفعممال‬
‫) وهممي نشممر الفسمماد فممي صممفوف الممييممن لفسمماد عقممائدهم‬
‫وأخلقهم بالضافة إلي سمب أموالهم ‪ ،‬لتيسير اسممتعبادهم للشممعب‬
‫الشرير ( فإن ثبوت التهمة بشهادة شاهد من أهلهمما أمممر غنممي عممن‬
‫‪1‬‬
‫التعليق‬
‫‪m m m‬‬

‫مما بلفت النظر في هذا الكتاب أيضا قول سارتر إن تقسيم فلسطين إلي دولة عربية ودولة يهودية لن يحل‬ ‫‪1‬‬

‫المشكلة اليهودية إنما الحل هو نشر الشيوعية العالمية وهو أيضا قول ل يحتاج إلي تعليق ‪.‬‬
‫ونعممود الن إلممي تممبين الموقممف الصممحيح للعقممل والعقلنيممة كممما‬
‫يرسمه السلم‬
‫يقدر السلم العقل باعتباره من أكبر النعممم الممتي أنعممم بهمما اللممه‬
‫شممْيئا ً‬ ‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫علي النسان ‪َ} :‬والل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سورة‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫جع َ َ‬
‫وَ َ‬
‫النحل ‪[16/78‬‬
‫ولكنه ل يبالغ في تقدير قيمممة العقممل كممما كممانت تفعممل العقلنيممة‬
‫الغريقية ومن ورثها من بعد ‪ ،‬بحيممث يجعلممه هممو المحكممم فممي كممل‬
‫شئ ‪ ،‬وهو المرجع الخير لكل شئ !‬
‫فهناك أمور ل يستطيع العقل من ذات نفسه أن يصل إليهمما لنهمما‬
‫ليست في محيممط تجربتممه ‪ ،‬ول تسممتطيع الدوات الممتي يحصممل بهمما‬
‫المعرفة وهي أدوات الحس أن تصل إليها لنهمما خارجممة عممن نطمماق‬
‫المحسوس ‪ ..‬وأن كان في إمكان العقل أن " يعقلهما " حيممن تمبين‬
‫له؛ فهذه تلقن للعقل تلقينا عن طريق الوحي ‪ ،‬ويكممون دور العقممل‬
‫فيهمما أن يعقلهمما ل بطريممق التجربممة المباشممرة ول بطريممق الحممس ‪،‬‬
‫ولكن عن طريق التيقن من صدق الخبر وصدق المخبر ‪ ،‬وهومممدعو‬
‫– كما أسلفنا – إلي القيام بعملية الممتيقن هممذه بكممل الوسممائل الممتي‬
‫يملكها ‪ ..‬وهي مؤدية إلي الغاية الصحيحة حين يستقيم العقل علممي‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫وهنا نقطة مهمة في الموضوع‬
‫فالعقل المجرد عن الهوي ‪ ،‬المتمحص لتمحيص الحائق ‪ ،‬المنممزه‬
‫عممن كممل شممابئه تشمموب التفكيممر أو تشمموب الحكممم وهممم تمموهمته‬
‫الفلسفة الغريقية كما توهمته مممن بعممدها كممل عقلنيمة بمالغت فمي‬
‫تقدير دور العقل وتقدير قدراته والواقع البشري الطويل يشهد بأحد‬
‫أمرين أو بهما معا في الحقيقة ‪ :‬أممما أن هممذا العقممل – فممي صممورته‬
‫المجردة تلك – لم يوجد قط في واقممع المممر ‪ ،‬وإممما أن البشممرية ل‬
‫تحكم عقلها في حميع أحوالها ‪ ،‬وكل المرين صحيح ! فل هذا العقل‬
‫المطلممق موجممود عنممد أحممد مممن البشممر العمماديين ول الفلسممفة ول‬
‫المفكرين ‪ ،‬ول البشرية تخضع لنداء العقل )_ علممي فممرض صممحته(‬
‫وتصيخ إليه ! إل من رحم ربك !‬
‫والدليل – العقلي – علي المر الول ‪ ،‬أنممه ل يكمماد ينطبممق عقلن‬
‫من عقول البشرية في تاريخها الطويل كله علي تصور واحد بجميممع‬
‫تفصيلته ‪ ،‬ولو كانت العقول – حتي عقول الفلسممفة والمفكريممن –‬
‫بالصورة الوهمية التي تصورها العقلنية لتلقت وتطابقت لن الحق‬
‫ل يتعدد‬
‫والدليل الثاني – العقلي كذلك – علي المر الثاني هو هذا الجنوح‬
‫الدائم والتخبممط الممذي يمارسممه البشممرية وتلممك الحممروب المجنونممة‬
‫وذلك التباع الجنوني للهوي والشممهوات ولممو كممانت البشممرية تصمميخ‬
‫لنداء العقممل فممي جميممع أحمموال ممما جنحممت ول تخبطممت ول أصممابها‬
‫الجنون !‬
‫أنما الحق – الذي تشير الدلئل كلها إليه – أن العقل – في خممارج‬
‫ميدانية الصيل – أداة طيعة لمن يسيطر عليه ! فإذا سيطرت عليه‬
‫الروح المهتدية استقام منطقممة واسممتقام تفكيممره ن وأصممبح خادممما‬
‫أمينا للهدي يسخر طاقمماته كلهمما فممي خممدمته ‪ ،‬وإذا سمميطرت عليممه‬
‫الممروح الضممالة ‪ ،‬أي سمميطر عليممه الهمموي والشممهوات ‪ ،‬فهممو خممادم‬
‫للضلل يسخر طاقته كلها في خدمته ‪ ،‬ويجادل أشممد الجممدل لتممبرير‬
‫موقفه ‪.‬‬
‫جد َل ً )‪] {(54‬سورة الكهف ‪[18/54‬‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن أ َك ْث ََر َ‬‫سا ُ‬‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ق{ ]سورة غافر ‪[40/5‬‬ ‫ضوا ب ِهِ ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫جاد َُلوا ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫}وَ َ‬
‫ن ب َِها{ ]سورة العراف ‪[7/179‬‬ ‫ب ل ي َْفَقُهو َ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫}ل َهُ ْ‬
‫ومعرفة هذه الحقيقة عن العقل ل تنقص من قدرة كأداة للتفكير‬
‫‪ ،‬بل أن هناك ميادين من الفكر هي خالصة للعقممل ل يشمماركه فيهمما‬
‫غيممره مممن أدوات التلقممي وأدوات تحصمميل المعرفممة ‪ ،‬كممما سمميجئ‬
‫بيانه ‪ .‬وإنما معرفة هذه الحقيقة تجعلنا نحتفممظ فقممط فممي تقممديرنا‬
‫للقيمة النهائية للعقل ‪ ،‬بحيث ل نجعله هو المحكممم فممي كممل شممئ ‪،‬‬
‫ول المرجع الخير لكل شئ ! إنما ننزله منزلة الحق ‪ ،‬فما كان فيممه‬
‫هو المرجع الوحيد أو المرجع النهائي وكلناه إليه كله ‪ ،‬وما كان فيممه‬
‫قمينا أن يضل إذا ترك وحده جعلنا له الصحبة التي تمنع ضللة وممما‬
‫كان عاجزا عن الوصول فيه إلي شئ لممم نفحمممه فيمه ‪ ..,‬وهممذا هممو‬
‫منهج السلم‬
‫يمنح السلم العقل مجال واسعا للعمل ‪ ،‬هو أوسع مجممال سممليم‬
‫للعقل منحه إياه نظممام مممن النظممم أو عقيممدة مممن العقممائد ‪ ,.‬وفممي‬
‫الوقت نفسه يمنعه من مجالت بعينها ويحظر عليممه التفكيممر فيهمما ‪،‬‬
‫أو ينكر عليه حق التفكير‪.‬‬
‫ونبدأ بالحديث عن الخيرة لنها – في الجاهلية المعاصممرة بصممفة‬
‫خاصة – مظنة الحجر علي العقل بغير موجب !‬
‫يحظر السلم علي العقل أمورا ثلثممة ‪ :‬التفكيممر فممي ذات اللممه ‪،‬‬
‫والتفكير في القدر ‪ .‬والتشريع من دون الله‬
‫"تفكروا في خلق ول تفكروا في الله "‬
‫" وإذا ذكر القدر فأمسكوا "‬
‫ن )‪{(44‬‬ ‫م ال ْك َممافُِرو َ‬ ‫ه فَمأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ه ُم ْ‬ ‫ممما َأنمَز َ‬
‫ل الّلم ُ‬ ‫حك ُم ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن ل َم ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫مم ْ‬
‫}وَ َ‬
‫]سورة المائدة ‪[5/44‬‬
‫وأما الولي والثانية فالحظر فيها ليس حجرا علي " حريممة الفكممر‬
‫" إنما هو صيانة لطاقممة العقممل أن تتبممدد فيممما ل طممائل وراءه ‪ ،‬وإل‬
‫فلننظر في " النتاج البشري " كلمه فيمما يتعلمق بمذات اللمه ‪ ،/‬فمي‬
‫الفلسممفة الغريقيممة واللهمموت المسمميحي وممما يسمممي بالفلسممفة‬
‫السلمية وعلم الكلم ‪ ,..‬إلي أي شئ وصل ؟! وإلي أي شممئ كممان‬
‫قمينا أن يصل‬
‫ل شئ !‬
‫لنه اقتحام بل أداة ‪ ..‬أو بغير الداة الصالحة للوصول‬
‫كالمفتاح الممذي يممدور فممي القفممل ويممدور ‪ ..‬والقممف ل يفتممح‪ ..‬لن‬
‫المفتاح أضأل من أن يفتح القفل !‬
‫كما قلنا من قبل ‪ :‬ليس العيب في القفل ول في المفتاح ‪ ،‬ولكنه‬
‫في إصرارنا نحن أن نفتح القفل بغير مفتاحه !‬
‫الروح هي أداة الوصول‬
‫ل نعرف نحن كيف تصل ‪ ..‬ولكنها تصل ! في لحظة الشممراف ‪..‬‬
‫في لحظة التوهج ‪ ..‬تصل ! وتحممس بالوصممول ! وتنعممم بالوصممول !‬
‫وليس معني ذلك – كما أوضحنا من قبل – أن العقممل ليممس لممه دور‬
‫في عملية اليمممان ‪ .‬كل ! إن لممه دوره المخصممص لممه لكممن اليمممان‬
‫بالله شئ ‪ ،‬والحاطة بكنة الذات اللهية – وهو ممما يحمماوله العقممل –‬
‫شئ أخر ل يمكن أن نصل إليه‬
‫والذي تصل إليه الروح ليس هو الحاطة بكنة الذات اللهية كذلك‬
‫‪ .‬إنما هو القرب الذي يتلقي النممور ويفيممض عليممه النممور ‪ ،‬فيسممتغني‬
‫عن " البحث " في الكنة ن الذي يحاوله العقل ول يصممل إلممي شممئ‬
‫منه ! وهذه المشاعر يملكها كل إنسان في لحظات التوجه الصادق‬
‫إلي الله ‪ .‬وإن كان النسان – بطممبيعته – ل يثبممت عليهمما كممما تثبممت‬
‫الملئكة الطهار ‪ ..‬ول هو مطلموب منمه أن يثبممت عليهما لن اللمه ل‬
‫يكلف كل نفس إل وسعها‬
‫شكا الصحابة رضوان الله عليهم إلي رسول اله صلي اللممه عليممه‬
‫وسلم أنهم حين يكونون معه يكونممون فممي حممال ‪ ،‬وإذا خرجمموا مممن‬
‫عنده وانساحوا في الحياة تغيرت بهم الحال ‪ .‬فقال لهم رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم ما معنمماه إنهممم لممو ظلمموا علممي حممالتهم الممتي‬
‫يكونون عليها وهم في صحبته لصافحتهم الملئكة !‬
‫ذلك هو الوصول الذي تقدر عليه الروح ‪ ..‬ول يسممتطيع العقممل أن‬
‫يمارسه لنه ليس من شأنه‬
‫وأما القدر فشأنه كذلك ‪..‬ليس للعقل فيه مجال ‪..‬‬
‫إنما يحتاج النسان لكي يممدرك كيممف يجممري اللممه قممدرة ‪ ،‬بخيممره‬
‫وشره ‪ ،‬إن يكون علي مستوي الله ! وذلك أمر لممن يكممون ‪ .‬فممالله‬
‫وحممده هممو المتفممرد باللوهيممة والعلممم المحيممط بالزمممان والمكممان‬
‫والشياء والشخاص والحداث‬
‫ومن ثم ضل " العقل " حيثما تكلم في القممدر ‪ ..‬واسممترح القلممب‬
‫المؤمن المطمئن بذكر الله‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ أل ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ن قُل ُمموب ُهُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫من ُمموا وَت َط ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ال ّم ِ‬
‫ب )‪] {(28‬سورة الرعد ‪[13/28‬‬ ‫ال ُْقُلو ُ‬
‫ومن لم يطمئن قلبه ‪ ..‬وسممعي "بعقلممه" أن يعقممل القممدر ‪ ..‬فلي‬
‫شئ وصل من خلل الفلسفة والفكر والكلم ؟!‬
‫كل ! لم يكن حجرا علي " حرية الفكر" إنما صيانة لطاقة العقممل‬
‫أن تتبدد فيممما ل طممائل وراءه ‪ ..‬ومممن أبممي أن يلممتزم بممالحظر فقممد‬
‫إنهك عقله ‪ ،‬وشقي ‪ ،‬ولم يجد في النهاية الظل الذي يفئ إليه مممن‬
‫لفحة الرمضاء ! وهي علي أي حال نصيحة يلتزم بهمما العاقممل فيجممد‬
‫فيها الخير ‪ ،‬ويتجنبها مممن يتجنبهمما فيلقممي جممزاء المخالفممة اضممطرابا‬
‫وحيرة ول تستقر ‪.‬‬
‫أما التشريع بغير ما انزل الله فليس المممر فيممه " نصمميحة" تمموجه‬
‫إلي الناس ‪ .‬إنما هي قضية كفر وإيمان‬
‫والقضية علي أي حال ذات شقين ‪ ،‬كلهما يتعلممق باللوهيممة وممما‬
‫ينبغي لها في شأن التشريع‬
‫الشق الول من القضية هو المتعلق بمقام اللوهية ‪ :‬من اللممه ؟‬
‫من المعبود ؟ من صاحب المممر ؟ وهممي كلهمما مترتبممة علممي سممؤال‬
‫أولممي ‪ :‬نممم الخممالق ؟ مممن المممدبر ؟ مممن المهيمممن ؟ مممن صمماحب‬
‫السلطان ؟ الله أم النسان؟‬
‫فإذا كان الله هو الخالق والنسان هو المخلوق ‪ ،‬فقد تحدد مقممام‬
‫اللوهية ومقام العبودية ‪ ،‬وأصبح صاحب الحق فممي أمممر التشممريع –‬
‫كما في كل أمر آخر – هو الله الخالق ل النسممان المخلمموق‪ ..‬إل أن‬
‫يأذن له صاحب المر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر{ ]سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫}أل ل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَل َك ِم ّ‬
‫ن‬ ‫ن ال َْقي ّم ُ‬
‫دي ُ‬‫ك الم ّ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َِلم َ‬
‫مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(40‬سورة يوسف ‪[12/40‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث ََر َالّنا ِ‬
‫ص{ ]سورة الزمر ‪[39/3‬‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫}أل ل ِل ّهِ ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫ن ب ِمهِ الل ّم ُ‬‫م ي َمأذ َ ْ‬ ‫ممما ل َم ْ‬
‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن الم ّ‬
‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُم ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫}أ ْ‬
‫]سورة الشورى ‪[42/21‬‬
‫وقضية الكفر واليمان – أو قضية الجاهلية والسلم – هممي دائممما‬
‫هذه القضية ‪ ،‬مصحوبة – في الغالب – بقضممية العبممادة بمعنممي أداء‬
‫الشعائر التعبدية‬
‫يءٍ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬‫دون ِمهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬‫ما عَب َد َْنا ِ‬‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫كوا ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫يٍء{ ]سممورة النحممل‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫دون ِمهِ ِ‬‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫من َمما ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ن َول آَباؤُن َمما َول َ‬ ‫حم ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪[16/35‬‬
‫فالولي متعلقة باللوهية ‪ :‬هل الله واحد أم آله شتي ؟ فإذا كممان‬
‫واحد فمن حقه أن يعبد وحده ‪ ،‬أي تقدم الشعائر التعبدية له وحده‪.‬‬
‫والثانية متعلقة بخصيصة من خصائص اللوهية وهي الحاكمممة ‪ :‬هممل‬
‫الله الذي يحكم ‪ ،‬فيحل ويحرم ‪ ،‬ويبيممح ويمنممع ‪ ،‬أم لممه شممركاء فممي‬
‫التشريع ‪ ،‬يقولون من عند أنفسهم ‪ :‬هممذا حلل وهممذا حممرام ‪ ،‬وهممذا‬
‫مباح وهذا غير مباح ‪ ،‬بغير سلطان مممن اللممه ؟ فممما دام اللممه واحممد‬
‫في أولهيته ‪ ،‬فالحاكمة – من ثم – له وحده لنها خصيصة اللوهية ‪.‬‬
‫واليمان هو التوحيد في هذه وتلك ‪ ،‬والكفر هو الشرك فممي هممذه‬
‫أو تلك أو فيهما جميعا‬
‫وقضية الجاهلية دائما هي الستكبار عن عبادة الله – سواء كانت‬
‫العبادة هي أداء الشعائر التعبدية لله وحده ‪ ،‬المترتب علي العتقمماد‬
‫القلبي بوحدانيممة اللممه ‪ ،‬أو كممانت هممي التحمماكم إلممي شممريعة اللممه ‪،‬‬
‫المترتب كذلك علي العتقاد القلبي بوحدانية الله ‪.‬‬
‫َ‬ ‫س مل ْ َ‬
‫ن فِممي‬ ‫م إِ ْ‬‫ن أت َمماهُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ت الل ّمهِ ب ِغَي ْمرِ ُ‬ ‫ن ِفي آي َمما ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ه{ ]سورة غافر ‪[40/56‬‬ ‫م ب َِبال ِِغي ِ‬‫ما هُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ُ‬
‫وفي الجاهليات القديمة كلها كممان النمماس يؤمنممون بممأن اللممه هممو‬
‫الخالق ‪ ،‬ولكنهممم يشممركون معممه إلهممه أخممري يضممفون عليهمما بعممض‬
‫صفات اللوهية ‪ .‬اما فممي قضممية التشممريع فكممان كممبراؤهم يتنكبممون‬
‫الطريق ‪ ،‬فيعطون لنفسم حقا من الحقوق المتعلقة باللوهية – هو‬
‫حق الحاكمية – فيشرعون بغير سمملطان مممن اللممه ‪ ،‬ويجعلممون مممن‬
‫أنفسممهم أربابمما مممع اللممه ‪ .‬وأممما المستضممعفون فيخضممعون لهممؤلء‬
‫الربمماب المزيفيممن بحكممم ممما فممي أيممديهم مممن السمملطان القمموي‬
‫فيعطونهم حق التشريع ‪ ،‬ويسممتعبدون أنفسممهم لهممم بالخضمموع لممما‬
‫يشمممرعونه ممممن تشمممريع … فيشمممترك المممذين اسمممتكبروا والمممذين‬
‫استضعفوا في شرك العبادة ‪ ،‬ثممم ينقسمممون بعممد ذلممك إلممي سممادة‬
‫وعبيمممد ‪ .‬السمممادة يملكمممون ويحكممممون ‪ ،‬والعبيمممد ل يملكمممون ول‬
‫يحكمون ‪..‬إنما يقع عليهم الذل والهوان والضياع والبؤس كشأن كل‬
‫جاهلية في الماضي ‪ ..‬وكل جاهلية أتية إلي قيام الساعة‬
‫أما الجاهلية المعاصممرة فقممد اسممتكبرت اسممتكبارا مممن نمموع آخممر‬
‫فنفت وجود الله أصل ‪ ،‬وزعمت أن الطبيعة أو المممادة هممي الخممالق‬
‫الزلي البدي ذو السلطان ‪ .‬ولكنها في قضية التشريع سارت علممي‬
‫ذات النمممط الممذي سممارت عليممه كممل جاهليممة مممن قبممل ‪ ،‬فاسممتأثر‬
‫بالتشريع ذوو السلطان ‪ ،‬وخضع لهممم العبيممد ‪ ،‬فاسممتوي بممذلك عهممد‬
‫الرق وعهد القطاع وعهد الرأسمالية وعهممد الشمميوعية علممي خلف‬
‫‪1‬‬
‫في الصورة ل يقدم ول يؤخر كثيرا في واقع المر‬
‫هذا هو الشق الول من قضية التشريع المتعلق بمقام اللوهيممة ‪.‬‬
‫أما الشق الخر فهو متعلق كذلك بقضية اللوهية ولكممن مممن جممانب‬
‫آخر ‪.‬‬
‫كان الشق الول مممن القضممية ‪ :‬مممن الممذي يحممق لممه أن يشممرع ‪،‬‬
‫الخالق أم المخلوق ؟ أما الشق الخر فهو ‪ :‬من الممذي يحممق لممه أن‬
‫يشرع ‪ ،‬العلم الخبير أم الذين ل يعلمون ؟‬
‫والنسان – في الجاهلية الخيممرة خاصممة – يزعممم أنممه هممو العليممم‬
‫الخبير ‪ ،‬ومن ثم فهو الذي يحق له أن يضع التشريع‬
‫وبصرف النظر عن أن الصل في القضية هو الستكبار عن عبادة‬
‫الله فلننظر في هذا النسان الذي يزعم أنه هو العليم الخبير ‪ ،‬كيف‬
‫يعالج شؤون حياته في معزل عن منهج الله !‬
‫كان العمال في الرأسمالية خاضممعين للظلممم الواقممع عليهممم مممن‬
‫أصممحاب رؤوس الممموال ‪ ،‬يسممرقون كممدحهم ويممأكلون جهممدهم ول‬
‫يعطونهم إل الكفمماف ‪ ..‬ففكممر " النسممان" فممي طريقممه لرفممع ذلممك‬
‫الظلم فابتدع الشيوعية ‪ ..‬فأزيلت الملكيممة الفرديممة كلهمما وأصممبحت‬
‫الدولة هي المالك الوحيد ‪ .‬فوقمع النماس جميعمما فممي المذل المهيمن‬
‫للمالك الجديممد ‪ ،‬يسممتعبدهم بلقمممة الخممبز ‪ ،‬فل يملكممون أن يفتحمموا‬
‫أفواههم بكلمة نقد واحدة للسيد المعبود!‬
‫وكانت المرأة فممي الجاهليممة الوروبيممة فممي عهممد القطمماع مهينممة‬
‫محقممرة ‪ ،‬تعيممر بأنهمما تحمممل وتلممد ‪ ،‬ول تعطممي وضممعها النسمماني‬
‫الكريم ‪ ،‬ففكر " النسان" في طريقه لرفع الظلم عممن المممرأة ورد‬
‫النسانية المفقودة إليها ‪..‬فكيممف فكممر وكممف قممدر ؟! أخرجهمما مممن‬
‫راجع فصلي الديمقراطي والشيوعية في هذا الكتاب‬ ‫‪1‬‬
‫الممبيت وشممغلها فممي المصممنع والمكتممب وجعلهمما تختلممط مممع الرجممل‬
‫‪،‬فاشتغل الرجل والمرأة كلهما بفتنممة الجنممس ‪ ،‬وفسممدت الخلق ‪،‬‬
‫وتحطمت السرة ‪،‬م وتشرد الطفممال ‪ ،‬وانتشممر الشممذوذ ‪ ،‬وفسممدت‬
‫الحياة !‬
‫وكانت الكنسية في العصور الوسطي تفسد الحيمماة كلهمما بإفسمماد‬
‫الدين ‪ ،‬ففكر " النسان " في طريقه للصلح ‪ ..‬فكيف فكر وكيممف‬
‫قدر ؟ ألغي الدين كله ‪ .‬بل نفي وجود اللممه أصممل ‪ ..‬ثممم راح يتخبممط‬
‫في الظلمات !‬
‫هذا هو النسممان " العلمممي الخممبير!" الممذي يزعممم أنممه شممب عممن‬
‫الطوق ولم يعد فممي حاجممة إلممي وصمماية اللممه ! وهممذه هممي طريقممة‬
‫تفكيره حين يضع لنفسه منهج الحياة !‬
‫إنممه يقممع فريسممة لقصممور العقممل البشممري ‪ ،‬وفريسممة للهمموي‬
‫والشهوات !‬
‫إنما يلزم لمن يضع للنسان منهج حيمماته أن يكممون بممادئ ذي بممدء‬
‫عالما بذلك " النسان " ليضع لممه منهجمما علممي قممده ‪ ،‬ويلممزم لممه أن‬
‫يكون محيط العلم بماضي ذلك النسان وحاضره ومسممتقبله ‪ ،‬لكيل‬
‫يعالج مشكلة بمشكلة جديدة ‪ ،‬ول يقوم انحرافمما بممانحراف جديممد ‪..‬‬
‫ويلزم له أن يكون منزها عن الغرض ‪ ،‬منزها عن الهوي والشهوات‬
‫‪ ،‬ليكون منهجه " موضوعيا " خالصا بالنسبة لحياة النسان‬
‫فهل كذلك النسان ؟! وهل يمكن أن يكون كممذلك فممي يمموم مممن‬
‫اليام !‬
‫يقول الكسس كاريل عن معرفة النسان بنفسه ‪:‬‬
‫" وفي الحق لقد بذل الجنس البشري مجهودا جبارا لكممي يعممرف‬
‫نفسه ‪ ،‬ولكنه بالرغم من أننا نملك كنزا من الملحظة التي كدسممها‬
‫العلماء والفلسفة والشممعور وكبممار العلممماء الروحممانيين فممي جميممع‬
‫الزمان ‪ ،‬فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقممط مممن أنفسممها ‪.‬‬
‫أننا ل نفهم النسان ككل ‪ .‬إننا نعممرف علممي أنممه مكممون مممن أجممزاء‬
‫مختلفة ‪ .‬وحتي هذه الجزاء ابتدعتها وسائلنا‪ ،‬فكل واحد منا مكون‬
‫من مكون من الشباح تسير في وسطها حقيقة مجهولة !‬
‫" وواقع المر أن جهلنا مطبق ‪ .‬فأغلب السئلة التي يلقيهمما علممي‬
‫‪1‬‬
‫أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بل جواب ‪"..‬‬
‫ومر بنا ممن نمماذج القصمور فمي رؤيمة النسمان وطريقمة علجمه‬
‫للمور ما يغنينا عن المزيد‬
‫كتاب النسان ذلك المجهول ص ‪ 16‬من الترجمة العربية ) تعريب شقيق أسعد فريد(‬ ‫‪1‬‬
‫إنما الله هو العليم الخبير ل النسان !‬
‫ف ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خِبيمُر )‪] {(14‬سممورة الملممك‬ ‫طيم ُ‬ ‫خل َمقَ وَهُموَ الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫}أل ي َعْل َ ُ‬
‫‪[67/14‬‬
‫شمْيئا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حب ّمموا َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫سممى أ ْ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫خي ْمٌر ل َك ُم ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫عسى أ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(216‬سممورة البقممرة‬ ‫مممو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُم ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫‪[2/216‬‬
‫عْلما ً )‪] {(12‬سورة الطلق ‪[65/12‬‬ ‫ط ب ِك ُ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫}قَد ْ أ َ‬
‫ي{ ]سورة فاطر ‪[35/15‬‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫ب‬ ‫م وَي َت ُممو َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُم ْ‬ ‫مم ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّم ِ‬ ‫س من َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َهْ مدِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُم ْ‬ ‫ه ل ِي ُب َي ّ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫}ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ريمد ُ‬‫ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُم ْ‬
‫م وَي ُ‬ ‫ن ي َت ُممو َ‬‫ريمد ُ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه يُ‬ ‫م )‪َ (26‬والل ّم ُ‬ ‫كيم ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ش مهوات أ َن تميل ُمموا ميل ً عَظيم ما ً )‪ (27‬يري مد الل ّم َ‬
‫ن‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ن ال ّ َ َ ِ ْ َ ِ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ضمِعيفا ً )‪]{(28‬سممورة النسمماء ‪-4/26‬‬ ‫ن َ‬ ‫سمما ُ‬ ‫لن َ‬ ‫خل ِمقَ ا ِ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ف عَن ْك ُ ْ‬ ‫خّف َ‬ ‫يُ َ‬
‫‪[28‬‬
‫من أي جانب إذن عالجت قضية التشريع ‪ ،‬فالتشريع هو حق الله‬
‫تبارك وتعالي ‪ ،‬وليممس النسممان مأذونمما ول هممو صممالح لوضممع منهممج‬
‫حياته ‪ ..‬إل ما إذن الله له فيه ‪ .‬وسنري في النقاط التالية بأي شممئ‬
‫أذن الله للنسان ‪ ،‬يعمل فيه عقله ويجتهد فيه ‪.‬‬
‫إذا جاوزنمما هممذه المممور الثلثممى ‪ ،‬الممتي نصممح العقممل أل يتناولهمما‬
‫كقضية الذات اللهية وقضية القدر ‪ ،‬أو منع منعا حازما منها كقضممية‬
‫التشريع ‪ ،‬فكل المجالت الخري مباحة للعقل ومتاحة له ‪ ،‬بل هو –‬
‫في السلم – مدعو إليها دعوة صريحة ‪ ،‬ويعتبر مقصرا إذا لمم يقمم‬
‫بها‬
‫وهناك خمسة مجالت رئيسية يدعي العقل للعمل فيها فممي ظممل‬
‫السلم ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬تممدبر آيممات اللممه فممي الكممون للتعممرف علممي قممدرة اللممه‬
‫المعجزة ‪ ،‬وتفرده بالخلق والتدبير والهيمنة والسمملطان‪ ،‬بممما يممؤدي‬
‫إلي إخلص العبادة له وحده سبحانه ‪ ،‬وطاعته فيما أمر به وما نهي‬
‫عنه‬
‫ثانيا ‪ :‬تدبر آيات الله في الكون للتعرف علي السنن الكونية التي‬
‫يجري بها قدر الله في الكون ‪ ،‬لتحقيممق التسممخير الربمماني لممما فممي‬
‫السموات وما في الرض للنسان ‪ ،‬من أجل تعميممر الرض والقيممام‬
‫بالخلفة بها‬
‫ثالثا ‪ :‬تدبر حكمة التشريع الرباني لحسممان تطممبيقه علممي المموجه‬
‫الكمل ‪ ،‬والجتهاد فيما أذن الله فيه بالجتهاد‬
‫رابعا ‪ :‬تدبر السنن الربانية التي تجري المور بمقتضاها في حيمماة‬
‫البشر ‪ ،‬لقامة المجتمع اليماني الراشد الذي يريده الله ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬تدبر التاريخ‬
‫ولنقل كلمة موجزة عن كل مجال من هذه المجالت‬
‫‪m m m‬‬

‫أول ‪ :‬في قضية اليمان‪ -‬كما أسلفنا – يخمماطب السمملم النسممان‬


‫كله ‪ ،‬بكممل جممانب مممن جمموانبه ويركممز علممي الجممانب الوجممداني لن‬
‫العقدية دائممما تخمماطب الوجممدان وتحيممي فيممه وتتحممرك بممه ‪ ،‬ولكنممه‬
‫يخاطب العقل كذلك في ذات الموقت ‪ ،‬ويستنهضمه للتفكمر والتمدبر‬
‫والتأمممل ‪ ،‬للتتممآزر جمموانب النسممان كلهمما للوصممول إلممي الحقيقممة ‪،‬‬
‫حقيقة اللوهية ‪ ،‬وما يترتب علممي معرفتهمما مممن التزامممات فممي كممل‬
‫مجالت الحياة والشعور والفكر والسلوك‬
‫يخاطبه ليتدبر في آيات الخلق ‪ ..‬خلممق الكممون وخلممق النسممان ‪..‬‬
‫هل من خالق غير الله ؟‬
‫خل َُقمموا‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَْيممرِ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (35‬أ ْ‬ ‫خممال ُِقو َ‬ ‫همم ْ‬ ‫م ُ‬‫يٍء أ ْ‬ ‫شمم ْ‬ ‫ممم ْ‬ ‫خل ُِقمموا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫ن )‪] {(36‬سورة الطور ‪[36-52/35‬‬ ‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫مدٍ ت ََروْن ََها وَأ َل َْقممى فِممي ال َْر‬
‫ن‬‫يأ ْ‬ ‫سم َ‬‫ض َرَوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء فَأن ْب َت ْن َمما ِفيهَمما‬‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مَ ْ‬‫داب ّةٍ وَأنَزل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫م وَب َ ّ‬ ‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫ن‬
‫ممم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خل َقَ ال ّ ِ‬‫ذا َ‬ ‫خل ْقُ الل ّهِ فَأُروِني َ‬
‫ما َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ريم ٍ )‪ (10‬هَ َ‬ ‫ج كَ ِ‬ ‫ل َزوْ ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪] {(11‬سممورة لقمممان ‪-31/10‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫دون ِهِ ب َ ْ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪[11‬‬
‫ومازال هذا التحدي قائممما ‪ ..‬وسمميظل قائممما إلممي أن يممرث اللممه‬
‫الرض وما عليها ‪ ..‬وكل محاولت الجاهلية المعاصرة أن تزيممغ عممن‬
‫مجابهة التحدي ‪ ،‬بالقول بالمصادقة تارة ‪ ،‬وبالخممالق الممذاتي تممارة ‪،‬‬
‫وبأي كلم تارة أخري إنما هي محاولت متهافتة ل يقبلها " العقممل "‬
‫لو تجرد للتفكممر بغيممر ضممغوط وبغيممر شممهوات ! والسمملم يخمماطب‬
‫العقل ليتجرد في تفكره ‪ ،‬وليصل إلي النتيجممة الموضموعية العلميمة‬
‫التي يدل عليها كل ما في السماوات والرض من شئ ويتخلي عممن‬
‫الهوي الذي يعمي وعن الكبر الذي يضل ‪ ..‬فيجد الحقيقة بارزة تمل‬
‫اليقين ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(17‬سممورة النحممل‬ ‫خل ُمقُ أَفل ت َمذ َك ُّرو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫خل ُقُ ك َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫}أفَ َ‬
‫‪[16/17‬‬
‫سد ََتا{ ]سورة النبياء ‪[21/22‬‬ ‫ه ل ََف َ‬ ‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫}ل َوْ َ‬
‫ض{ ]سممورة‬ ‫ض مه ُ ْ َ‬ ‫خل َمقَ وَل ََعل ب َعْ ُ‬ ‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫}ِإذا ً ل َذ َهَ َ‬
‫م عَلممى ب َعْم ٍ‬ ‫ما َ‬
‫المؤمنون ‪[23/91‬‬
‫وكما يخاطبه ليستيفن مممن حقيقممه اللوهيممة وتفممرد اللممه بممالخلق‬
‫والتممدبير ‪ – ..‬بطممرق اسممتدللته الخاصممة مممن اسممتقرار واسممتنباط‬
‫وقياس ومنطق ‪..‬إلخ – يخاطب ليرتب علي يقينه ذلك ممما يسممتتبعه‬
‫من نبعات ‪ ..‬فإذا كان الله متصفا بتلك الصفات التي اسممتدل عليهمما‬
‫وتيقن منها فمن الجدير بالعبادة غيره ‪ ،‬ومن الجدير بالطاعة غيره؟‬
‫كممذلك يخمماطبه ليسممتيقن الحممق الممذي خلقممت بممه السممماوات‬
‫والرض ‪ ،‬وما يستتبع هذا الحق ممن بعمث ونشمور وحسمماب وثممواب‬
‫وعقاب ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{(115‬‬ ‫جعُممو َ‬ ‫م إ ِل َي ْن َمما ل ت ُْر َ‬ ‫م عََبثما ً وَأن ّك ُم ْ‬ ‫خل َْقن َمماك ُ ْ‬ ‫ممما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سمب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫}أفَ َ‬
‫]سورة المؤمنون ‪[23/115‬‬
‫ن ال ّم ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ظ َم ّ‬ ‫ممما ب َمماط ِل ً ذ َل ِم َ‬ ‫ممما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫سم َ‬ ‫خل َْقَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ك ََفُروا‪] {...‬سورة ص ‪[38/27‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ل َوالن ّهَممارِ لي َمما ٍ‬ ‫ف الل ّي ْم ِ‬‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل م ِ‬
‫ن ِفي َ ْ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ه قَِياممما ً وَقُُعممودا ً وَعَل َممى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الل ّم َ‬ ‫ن ي َمذ ْك ُُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (190‬ال ّم ِ‬ ‫لول ِممي الل ْب َمما ِ‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫ت هَ م َ‬ ‫خل َْق م َ‬‫ممما َ‬ ‫ض َرب ّن َمما َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬
‫ن ِفي َ ْ‬ ‫م وَي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل الّناَر فََق مد ْ‬ ‫خ ْ‬‫ن ت ُد ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬‫ب الّنارِ )‪َ (191‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ك فَِقَنا عَ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫َباط ِل ً ُ‬
‫مَناِديا ً ي َُنمماِدي‬ ‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫أَ ْ‬
‫معَْنا ُ‬ ‫س ِ‬‫صارٍ )‪َ (192‬رب َّنا إ ِن َّنا َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫خَزي ْت َ ُ‬
‫ل ِليما َ‬
‫س مي َّئات َِنا‬ ‫مّنا َرب َّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َّفْر عَن ّمما َ‬ ‫م َفآ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫َ‬
‫خزِن َمما‬ ‫ك َول ت ُ ْ‬ ‫س مل ِ َ‬‫ما وَعَد ْت ََنا عَل َممى ُر ُ‬ ‫معَ الب َْرارِ )‪َ (193‬رب َّنا َوآت َِنا َ‬ ‫وَت َوَفَّنا َ‬
‫ميعَمماد َ )‪] {(194‬سممورة آل ‪-3/190‬‬ ‫ف ال ْ ِ‬‫خل ِم ُ‬ ‫ك ل تُ ْ‬ ‫م مةِ إ ِن ّم َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ي َموْ َ‬
‫‪[194‬‬
‫إن الله الذي صفاته هي تلك التي عرفها العقل واسممتيقن منهمما ل‬
‫يمكن – عقل – إن يخلق شيئا عبثا ‪ ،‬أوأن يخلممق شمميئا بمماطل ‪ ،‬إنممما‬
‫يخلق كل شئ بالحق ‪ ،‬والحق يقتضي أن يكون هناك يمموم يحاسممب‬
‫فيه الناس علي مما عملموه فمي الحيماة المدنيا ‪ ،‬لنمه ل يتمم الجمزاء‬
‫الحق في الحياة الدنيا كما يري النسان بنفسممه ‪ ..‬فكممم مممن ظممالم‬
‫ظل يظلم حتي مات ‪ ،‬وكم من مظلوم ظممل مظلوممما حممتي مممات ‪.‬‬
‫فلو كانت الحياة الدنيا هي نهاية المطمماف فممأين الحممق؟ إنممما يحممق‬
‫الحق حين يبعث الناس فيحاسبون علممي السمميئة والحسممنة ‪ ،‬ويأخممذ‬
‫كل إنسان جزاءه بالحق ‪..‬‬
‫وإذا كممان المممر علممي هممذه الصممورة فممإن " العقممل " يقتضممي أن‬
‫يحسب النسممان لهممذا اليمموم حسممابه ‪ ،‬وأن يعمممل مممن العمممال ممما‬
‫يقربه من لجنة ويبعممده عممن النممار ‪ ..‬وأل تفتنممة اللممذة العاجلممة عممن‬
‫النعيم المقيم ‪.‬‬
‫ة ال ْموت وإنما توفّو ُ‬
‫ن‬‫مم ْ‬‫ممةِ فَ َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م َيموْ َ‬ ‫جوَرك ُ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ذائ َِق ُ َ ْ ِ َ ِ ّ َ ُ َ ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫}ك ُ ّ‬
‫ل ن َْف‬
‫مت َمماعُ‬ ‫ممما ال ْ َ‬
‫حي َمماةُ المد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫ة فََقمد ْ فَمماَز وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جن ّم َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫حزِ َ‬
‫ُز ْ‬
‫ال ْغُُرورِ )‪] {(185‬سورة آل ‪[3/185‬‬
‫" كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ‪ ،‬فمن‬
‫زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فمماز ‪ ،‬وممما الحيمماة الممدنيا إل متمماع‬
‫الغرور ‪:‬‬
‫وهذا المور كلها يخمماطب فيهمما الوجممدان – مممع العقممل – لتممتربت‬
‫عليها حركة سمملوكية واقعيممة ‪ ،‬ولكممن نصمميب العقممل فيهمما واضممح ل‬
‫يحتاج إلي تأكيد‬
‫‪m m m‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يمموجه العقممل بعممد ذلممك إلممي تممدبير آيممات اللممه فممي الكممون‬
‫للتعرف علي أسراره ‪ .‬للتعرف علي خواص ذلممك الكممون ‪ ،‬لمكممان‬
‫تسخيرها لعمارة الرض ‪.‬‬
‫والتسخير قائم من عند الله ابتداء ‪:‬‬
‫ميعما ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫من ْم ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬
‫ممما فِممي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سم َ‬
‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُم ْ‬
‫م َ‬ ‫سم ّ‬
‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫ولكن تحقيق هذا التسخير في عممالم الواقممع ل يتممم بمجممرد رغبممة‬
‫النسان في ذلك ‪،‬فهو ليممس إلهمما يقممول للشممئ كممن فيكممون ‪ ،‬إنممما‬
‫يتحقق هذا التسخير بجهد معين يبذله النسان ‪ ،‬جهد عقلي يتعممرف‬
‫به النسان علي أساس الكون وخواصممه ‪ ،‬وجهممد عضمملي يطبممق بممه‬
‫النسان ثمار معرفته في صورة عمل منتج ‪.‬‬
‫وكل ذلك يوجه العقل لدائه ‪ .‬بل هو ميدانة الصيل الممذي تتجلممي‬
‫فيه كل عبقريته ‪ ،‬والذي ل يشاركه فيه غيره ‪ .‬وليس معني ذلك أنه‬
‫في هممذا الميممدان ل يخطممئ وليتمموهم ‪ ،‬فكممثير ممما يقممع فممي الخطممأ‬
‫والوهم كما بين تاريخ العلوم ‪ ،‬ولكممن معنمماه أن لممديه أوسممع فرصممة‬
‫ليصل إلي الحقيقة فيما قدر الله أن يكشف له من أمور هذا الكون‬
‫‪ .‬ولكنه يوجه إلي ذلممك بعممد أن يمموجه إلممي التعممرف علممي الخممالق ‪،‬‬
‫وعلي كل قضايا العقيدة‬
‫ولذلك حكمة واضحة‬
‫فالعقل البشري ما لم يعوقه معوق – كما كان من أمممر الكنيسممة‬
‫الوروبيممة وحجرهمما علممي العقممل أن يفكممر – مفطممور بطبعممه علممي‬
‫التفكير فيما حوله ‪ ،‬واستنباط الطرق التي تحقق للنسممان حاجمماته‬
‫‪ ،‬ثم تحسينها ومحاولممة الوصممول بهمما إلممي أقصممي حممد مممن التقممان‬
‫والفاعلية ‪ ،‬من أجل الحصول علي القدر من " المتاع" الذي قممدره‬
‫الله للنسان في الرض ‪.‬‬
‫ن )‪] {(36‬سورة البقممرة‬ ‫مَتاعٌ إ َِلى ِ‬ ‫}ول َك ُم ِفي ال َ‬
‫حي ٍ‬ ‫ست ََقّر وَ َ‬ ‫م ْ‬‫ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫‪[2/36‬‬
‫ولكن العبرة في حياة " النسان " ليست بمجرد العمارة الماديممة‬
‫للرض ‪ ،‬ول مجرد الحصول علي المتاع من أي لون ومن أي طريق‬
‫إنما " النسان" خلق لشئ أرفع من ذلك وأسممي ‪ ..‬خلممق لحمممل "‬
‫المانة" التي اشفقت من حملها السماوات والرض والجبال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت وال َ‬ ‫ضمَنا ال َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫ل فَمأب َي ْ َ‬ ‫ض َوال ْ ِ‬
‫جب َمما ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫س‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫مى‬ ‫م‬‫ة عَل َ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫}إ ِّنا عََر ْ‬
‫ن{ ]سورة الحزاب ‪[33/72‬‬ ‫سا ُ‬ ‫مل ََها ال ِن ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شَفْق َ‬‫مل ْن ََها وَأ َ ْ‬
‫ح ِ‬
‫يَ ْ‬
‫وحمل المانة ل يتم بمجرد العمارة المادية ول المتمماع الحسممي ‪..‬‬
‫إنممما يتممم بإقامممة ذلممك كلممه علممي أسمماس مممن " القيممم " ‪ ..‬والقيممم‬
‫الحقيقية هي التي حواهمما المنهممج الربمماني للحيمماة " وقممد رأينمما مممن‬
‫دراسممتنا السممابقة أن كممل ممما عممداها زائف ل يلبممث أن تعبممث بممه‬
‫العاصير " ومن ثم كان لبد من توجيه العقل أول‪ -‬والكيان النسان‬
‫كله في الحقيقة – للتعرف علي الله واليمان به وطاعته ‪ ،‬حممتي إذا‬
‫جاء العقل يتعرف علي الكون ‪ ،‬ويعمممل علممي تسممخير طاقمماته فممي‬
‫عمارة الرض ‪ ،‬كان مهتديا بالهممدي الربمماني ‪ ،‬فأقممام عمممارة الرض‬
‫علي أساس المنهج الرباني الذي به وحده تصلح الحياة ‪.‬‬
‫وقد مر بنا في هذا الفصممل وممما قبلممه كيممف صممارت الرض حيممن‬
‫قامت عمارتها المادية علي" قيم "أخري غير القيم التي قررها الله‬
‫وأمر بإقامتها فممي الرض ‪ ،‬وحاضممر الجاهليممة المعاصممرة غنممي عممن‬
‫الشارة وغني عن التعليق ‪.‬‬
‫فتوجيه العقل – في السلم – إلي التعرف علممي السممنن الكونيممة‬
‫من أجل عمارة الرض بعد توجيهه إلي اليمان بممالله ‪ ،‬وهممو المنهممج‬
‫الصحيح لتنشئة " النسان الصالح" الذي تسعي البشرية – نظريمما –‬
‫إلي تنشئة ‪ ،‬ولكنها تخفق دائما حين تتنكب المنهج الرباني ‪ ،‬وتنشئ‬
‫من عندها مناهج تؤدي إلي البوار ‪.‬‬
‫وإن كممان لممن مممن شممئ نممذكر بممه أو نعيممد التممذكير بممه فممي هممذا‬
‫المجال ‪ ،‬فهو أن المة المسلمة –ب تمموجيه السمملم –‪ 0‬هممي الممتي‬
‫أنشأت المنهج التجريبي في البحث العلمي ‪ ،‬الذي قامت عليممه كممل‬
‫نهضة أوروبا العلمية فيما بعد ‪ ،‬ولكنها تفردت في التاريخ بأنهمما هممي‬
‫التي أنشأت حضارة "إنسانية " حقيقية ‪ ،‬تمثممل " النسممان " كممل ل‬
‫جانبما واحمد ممن جموانبه ‪ ،‬وتمثلمه متوازنما كمما ينبغمي للنسمان ‪ ،‬ل‬
‫العمل في الدنيا يشغله عن الخرة ‪ ،‬ول المتاع الحسي يشغله عممن‬
‫المتاع الروحممي المتمثممل فممي العبمادة ‪ ،‬وفمي الجهمماد لقاممة الحممق‬
‫والعدل في الرض ‪ ،‬ول رؤية السباب الظمماهرة تفتنممة عممن السممبب‬
‫الحقيقي ‪ ،‬ول العلم يفتنه عن الممدين ‪ ..‬إلممي آخممر تلممك النحرافممات‬
‫التي وقعت فيهمما الجاهليممة الوروبيممة حيممن رفضممت الهممدي الربمماني‬
‫وجعلت " عقلها" يرسم لها الطريق !‬
‫‪m m m‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يوجه العقل في السلم إلي تدبر حكمة التشممريع لحسممان‬


‫تطبيقه ‪ ،‬ومن أجل الجتهاد فيما أذن الله فيهمما بالجتهمماد ‪ ،‬وحقيقممة‬
‫إن هذا في السلم فرض كفاية ل فرض عين ‪ ،‬لنممه ل يتيسممر لكممل‬
‫الناس – وإن كانوا مؤمنين – إن يتفقهوا فممي أحكممام الممدين مم‪ ،‬إنممما‬
‫الفقهاء لهم استعداد خاص ‪ ،‬ويحتاجون إلي دربة خاصة ل تتاح لكممل‬
‫إنسان ‪.‬‬
‫ولكن فرض الكفاية معناه أن يتخصص له فريق من المة – ممن‬
‫يحملون الستعداد وينالون الدربة – فيسقط التكليف عن الخريممن ‪،‬‬
‫فإن لم ينتدب له أحد من أفراد المة فهي كلها أثمة حتي تهيئ مممن‬
‫يقوم عنها بهذا المر ‪.‬‬
‫ن{‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُم ّ‬
‫ل فِْرقَمةٍ ِ‬ ‫}فَل َ ْ‬
‫دي ِ‬
‫ة ل ِي َت ََفّقهُمموا فِممي الم ّ‬
‫طائ َِفم ٌ‬ ‫من ْهُم ْ‬ ‫مم ْ‬
‫ول ن ََفمَر ِ‬
‫]سورة التوبة ‪[9/122‬‬
‫وأعمال العقل لتدبر حكمة التشريع أمر واضح الضممرورة وواضممح‬
‫الحكمة فالتشممريع أول ل ينطبممق انطباقمما آليمما علممي كممل حالممة مممن‬
‫الحالت التي تقع بين البشر‬
‫إنما يحتاج المر إلي إعمال العقممل لمعرفممة الحكممم الممذي ينبغممي‬
‫تطبيقه في الحالة المعينة المعروضممة للحكممم ‪ ،‬ولمعرفممة الطريقممة‬
‫الصحيحة لتطبيقه ‪.‬‬
‫ثم إن هذه التشريعة التي نزلت لتواكب حياة البشممرية كلهمما منممذ‬
‫نزولها إلي قيام الساعة ‪ ،‬قد روعي فيها أن تواجه الثممابت والمتغيممر‬
‫في حياة الناس‬
‫فأممما الثممابت – الممذي ل يتغيممر ‪ ،‬أو ل ينبغممي أن يتغيممر لن تغييممره‬
‫يحدث فسادا في الرض – فقد أتمت فيمه الشمريعة المسمتمدة ممن‬
‫كتاب الله وسنة رسمموله صمملي اللممه عليممه وسمملم بتفصمميلت وافيممة‬
‫تشمل الصول والفروع والكليات والجزئيات‪.‬‬
‫وأما المتغير – الذي يجد في حياة النمماس بحكممم التفاعممل الممدائم‬
‫بين العقل البشري والكون المادي وممما ينشممأ عممن ذلممك مممن علمموم‬
‫وتطبيقممات وتحممويرات فممي أنممماط الحيمماة ‪ ،‬والممذي أذن اللممه فيممه‬
‫بممالتغيير لن ثبمماته يجمممد الحيمماة ويوقممف نموهمما – هممذا المتغيممر لممم‬
‫تتناوله الشريعة بالتفصيل – بحكم تغييره الدائم – إنممما وضممعت لممه‬
‫السس التي ينمو نموا سليما في داخممل إطارهمما ن وتركممت للعقممل‬
‫المؤمن المهتدي بالهممدي الربمماني ‪ ،‬المتفقممة فممي أمممور الممدين ‪ ،‬أن‬
‫يسممتنبط لممه مممن السممس الثابتممة ممما يناسممبه فممي كممل طممور مممن‬
‫اطواره ‪.‬‬
‫لممذلك كممان الفقممة عمل دائم النمممو ل يتفممق ‪ ،‬ول يجمموز لممه أن‬
‫يتوقف ‪ ..‬لنه إذا توقف فليس لذلك من نتيجممة إل أن تجمممد الحيمماة‬
‫أو تخرج من إطار الشريعة الربانية الحكيمة‬
‫ولقد قام العقل السلمي في ميدان الفقة في فترة نشاط هممذه‬
‫المة وحيويتها بجهد رائع ‪ ،‬ما زال يعد تراثا إنسممانيا ثمينمما إلممي هممذه‬
‫اللحظة ‪ ،‬رغم ما أصاب الجيال المتأخرة من الجمود ‪ ،‬وممما أصمماب‬
‫الجيال الخيرة من العراض!‬
‫والذي يطلع علي هذا الفكممر يممدرك مممدي شمممول هممذه الشممريعة‬
‫وحيويتها وقدرتها علي مواكبة النمو البشري من جهة ‪ ،‬ويممدرك مممن‬
‫جهة أخري ما قام به العقل السلمي المفكر من فتوحات في هممذا‬
‫الباب ‪ ،‬كانت كلها وليدة توجيهات السلم ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫رابعا ‪ :‬ترد في كتاب الله مجموعة من السنن التي يجري الله بها‬
‫قدرة في حياة البشر ‪ ،‬وترد الشارة المكررة بأن سنة الله ل تتبدل‬
‫ول تتغير ‪ ،‬ول تتوقف محاباة لحد مممن الخلممق ‪ ،‬ويمموجه العقممل إلممي‬
‫تدبر هذه السنن من أجل غقامة المجتمع الصالح الذي يتمشممي مممع‬
‫مقتضياتها ول يصادمها ‪.‬‬
‫فالحياة البشرية ابتداء ليست فوضممي بل ضممبابط ‪ .‬إنممما يضممبطها‬
‫نظام رباني دقيق ‪ ،‬يسير بحسب سنن ثابتممة ‪ ،‬ترتممب نتممائج محممددة‬
‫علي السلوك البشري في جميع أحواله ‪ .‬ومن ثم يستطيع النسممان‬
‫أن يتبين السلوك الصائب الذي ينبغي أن يسلكه ‪ ،‬كما يتبين النتممائج‬
‫المتوقعة من سلوكه ‪ ،‬ل رجممما بممالغيب ‪ ،‬ولكممن تحقيقمما لسممنة اللممه‬
‫التي ل تتبدل ول تتغير ‪.‬‬
‫وهذه السنن تتنمماول حيمماة الجماعممة ‪ ،‬فهممي سممنن اجتماعيممة فممي‬
‫غالبها ‪ .‬أما ما يرد بشأن الفرد فغالبا ما يكون متعلقا بممالجزاء الممذي‬
‫يجزاه في الخرة لقاء عمله في الدنيا ‪ ،‬وإن كان بعض السنن يممأتي‬
‫فيه ذكر المفرد كقوله تعالي ‪:‬‬
‫}وم َ‬
‫م‬ ‫شُرهُ َيمموْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ضنكا ً " " وَن َ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫مى )‪] {(124‬سورة طمه ‪[20/124‬‬ ‫مةِ أعْ َ‬ ‫ال ِْقَيا َ‬
‫ونعرض هنمما بعممض هممذه السممنن علممي سممبيل المثممال ل الحصممر ‪،‬‬
‫فليس همنا تتبعها واستقصاءها ‪ ،‬إنما التنويه بعمل العقل إزاءها ‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ذيَقهُ ْ‬ ‫س ل ِي ُم ِ‬ ‫دي الن ّمما ِ‬ ‫ت أي ْم ِ‬ ‫س مب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫}ظ َهََر ال َْف َ‬
‫ن )‪] {(41‬سورة الروم ‪[30/41‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫َ‬
‫م{ ]سممورة‬ ‫س مه ِ ْ‬ ‫ممما ب ِأنُف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫ما ب َِقوْم ٍ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫الرعد ‪[13/11‬‬
‫َ‬ ‫}ذ َل َ َ‬
‫ما‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫مَها عََلى قَوْم ٍ َ‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مغَّيرا ً ن ِعْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫م{ ]سورة النفال ‪[8/53‬‬ ‫َ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫ب ِأنُف ِ‬
‫ذا‬ ‫حت ّممى إ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ك ُم ّ‬ ‫}فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫يٍء َ‬ ‫شم ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْم َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن )‪] {(44‬سممورة‬ ‫سممو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا هُم ْ‬ ‫ة ف َ مإ ِ َ‬ ‫م ب َغْت َم ً‬ ‫خمذ َْناهُ ْ‬ ‫ما ُأوت ُمموا أ َ‬
‫َ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫النعام ‪[6/44‬‬
‫ذابا ً ممن فَموقك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م أو ْ ِ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫م عَم َ ْ ِ ْ‬ ‫ث عَل َي ْك ُم ْ‬ ‫ن ي َب ْعَم َ‬ ‫ل هُوَ ال َْقادُِر عََلى أ ْ‬ ‫}قُ ْ‬
‫تحت أ َرجل ِك ُ َ‬
‫ض{ ]سممورة‬ ‫س ب َعْم ٍ‬ ‫م ب َمأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شَيعا ً وَي ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ ُ‬
‫النعام ‪[6/65‬‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫}وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َمذ ُّبوا‬ ‫ض وَل َك ِم ْ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ب ََرك َمما ٍ‬ ‫حن َمما عَل َي ْهِ م ْ‬ ‫ض ل ََفت َ ْ‬ ‫َوا َلْر ِ‬
‫ن )‪] {(96‬سورة العراف ‪[7/96‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫}أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن )‪ (2‬وَل ََقد ْ‬ ‫م ل ي ُْفت َُنو َ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫ن ي َُقوُلوا آ َ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن)‬ ‫كاذِِبي َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَت َّنا ال ّ ِ‬
‫‪] {(3‬سورة العنكبوت ‪[3-29/2‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م‬ ‫م ِفيَها وَهُ م ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫خ مَرةِ إ ِل ّ الن ّمماُر‬ ‫م فِممي ال ِ‬ ‫س ل َهُ م ْ‬ ‫ن ل َي ْم َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ِفيَها ل ي ُب ْ َ‬
‫ن )‪] {(16‬سممورة هممود‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫ما ك َمماُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪[16-11/15‬‬
‫َ‬
‫مت َْرُفوهَمما‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ إ ِل ّ قَمما َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪] {(23‬سممورة‬ ‫دو َ‬ ‫مْقت َم ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عَل َممى آث َممارِهِ ْ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫إ ِّنا وَ َ‬
‫الزخرف ‪[43/23‬‬
‫أي في الحياة الدنيا‬ ‫‪1‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ك ُّنا ب ِهِ ُ‬ ‫حد َهُ وَك ََفْرَنا ب ِ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫سَنا َقاُلوا آ َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫}فَل َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫خل َ ْ‬‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫سَنا ُ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ك ي َن َْفعُهُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫)‪ (84‬فَل َ ْ‬
‫ن )‪] {(85‬سورة غافر ‪[85-40/84‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫سَر هَُنال ِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ِفي ِ‬
‫ونفق وقفة قصيرة عند هذه السنة الربانية ‪:‬‬
‫س‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ن‬‫لل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫عل ُ‬ ‫جا‬ ‫مي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫}وإذ ْ ابتَلى إبراهيم ربه بك َلمات فَأ َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َِْ ِ َ َ ّ ُ ِ ِ َ ٍ‬ ‫َِ َْ‬
‫ن ) ‪] {(124‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫ل عَهْ ِ‬ ‫ل ل ي ََنا ُ‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ماما ً َقا َ‬ ‫إِ َ‬
‫البقرة ‪[2/124‬‬
‫فقد ابتلي الله إبراهيممم عليممه السمملم بجملممة ابتلءات صممبر فيهمما‬
‫صبرا جميل ‪ ،‬وكان قمة البتلءات أمره – فممي الرؤيمما – بذبممح ولممده‬
‫الحبيب إسماعيل واستسلمه وولده للمر الرباني ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ذا ت ََرى َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َفانظ ُْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ‬ ‫ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫}َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شمماَء الل ّم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫مُر َ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افْعَ ْ‬ ‫َيا أب َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (104‬قَ مد ْ‬ ‫هي م ُ‬ ‫ن ي َمما إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن )‪ (103‬وََناد َي ْن َمماهُ أ ْ‬ ‫جِبي ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫ما وَت َل ّ ُ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ت الّرؤَْيا{ ]سورة الصافات ‪[105-37/102‬‬ ‫صد ّقْ َ‬ ‫َ‬
‫ولقد أكرمه الله جزاء نجاحه البمماهر فممي هممذه البتلءات فاجتبمماه‬
‫واتخذه خليل ‪:‬‬
‫خِليل ً )‪] {(125‬سورة النساء ‪[4/125‬‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫}َوات ّ َ‬
‫وجعله للناس إماما ‪ ..‬وتلك نعمة كبري يمن الله بها علممي عبممادة‬
‫المقربين ‪ ..‬فلما نال تلك الحظوة عند الله تحركت رغبتممه البشممرية‬
‫الطبيعية في أن يكون هذا العهد ماضمميا فممي ذريتممه ‪ ،‬فيكونمموا أئمممة‬
‫للهدي ‪ ،‬يهدون الناس إلي اليمان ‪ ،‬فهل حممابه السممنة اللهيممة وهممو‬
‫في موضع التكريم والتقريممب والممترحيب ؟ كل ! لقممد كممان الجممواب‬
‫حاسما ‪ " :‬ل ينال عهدي الظممالمين " أي أن العهممد ممماض فيهممم إذا‬
‫هم استقاموا علي الطريق ‪ ،‬فمإذا ظلمموا فل عهمد لهمم عنمد اللمه ‪.‬‬
‫ذلك أن الله ل يمكن للناس في الرض لن أباءهم أو أجدادهم كانوا‬
‫مؤمنين ! بل حين يكونون هم بأنفسهم مستقيمين علي الطريممق ‪..‬‬
‫أممما الممذين يؤثممون العهممد وراثممة ‪ ،‬أو يرثممون كتمماب اللممه وراثممة – أي‬
‫يتخذونه تراثا !‪ -‬فيصبح في حسهم أنه كتاب البمماء والجممداد وليممس‬
‫كتابهم هم ‪ ،‬ولهم مكلفون بتطبيقه ‪ ،‬فأولئك يقول الله فيهمم وفمي‬
‫أمثالهم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذا الد ْن َممى‬ ‫ض هَ َ‬ ‫ن ْعََر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ي َأ ُ‬ ‫ف وَرُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫}فَ َ‬
‫ه‬‫مث ْل ُم ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫م عَمَر ٌ‬ ‫ن ي َمأت ِهِ ْ‬ ‫سمي ُغَْفُر ل َن َمما وَإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سمي ُغَْفُر ل َن َمما وَي َُقول ُممو َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ل ي َُقول ُمموا عَل َممى الل ّمهِ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بأ ْ‬ ‫ميث َمماقُ ال ْك ِت َمما ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْ عَل َي ْهِم ْ‬ ‫م ي ُؤْ َ‬ ‫ذوهُ أل َ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫خير ل ِل ّذين يتُقو َ‬
‫ن)‬ ‫ن أَفل ت َعِْقُلممو َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َّ‬ ‫خَرةُ َ ْ ٌ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جمَر‬ ‫ضمميعُ أ ْ‬ ‫صمملةَ إ ِن ّمما ل ن ُ ِ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ب وَأقَمما ُ‬ ‫ن ِبال ْك ِت َمما ِ‬ ‫كو َ‬ ‫سم ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ (169‬وال ّ ِ‬
‫ن )‪] {(170‬سورة العراف ‪[170-7/169‬‬ ‫حي َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫والذي يعنينا من هذه السنن هنا – كممما أسمملفنا – هممو دور العقممل‬
‫في تدبرها ‪ ،‬ل تدبرا نظريا فلسفيا يبدأ في العقل وينتهي في العقل‬
‫كما كان شأن عقلنية الغريق ‪ .‬إنما يتدبرها ليعمل – بوعي – علممي‬
‫إقامة المجتمع الصالح الذي يستحق التمكيممن فممي الرض يمقتضممي‬
‫الوعد الرباني ‪.‬‬
‫خل َِفن ُّهم فِممي‬ ‫س مت َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫}وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م ال ّم ِ‬ ‫ال َ‬
‫ذي‬ ‫م ِدين َهُم ْ‬ ‫ن ل َهُم ْ‬ ‫مك ّن َم ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِم ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّم ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ن ِبممي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دون َِني ل ي ُشرِكو َ‬ ‫منا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ‬ ‫ضى لهُ ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫شْيئًا‪] {...‬سورة النممور ‪[24/55‬‬ ‫َ‬
‫وليتجنب النذير الرباني ‪:‬‬
‫َ‬
‫م )‪{(38‬‬ ‫مث َممال َك ُ ْ‬ ‫كون ُمموا أ ْ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫م ث ُم ّ‬ ‫وم ما ً غَي َْرك ُم ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫}وَإ ِ ْ‬
‫]سورة محمد ‪[47/38‬‬
‫والنذير الخر‬
‫ة{ ]سورة النفال‬ ‫ص ً‬‫خا ّ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫صيب َ ّ‬ ‫ة ل تُ ِ‬ ‫}َوات ُّقوا فِت ْن َ ً‬
‫‪[8/25‬‬
‫لسكوتهم عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو قوام‬
‫خيرية هذه المة‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خير أ ُ‬
‫ن‬‫ن عَم ْ‬ ‫ف وَت َن ْهَموْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِممال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َمأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬‫م‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫لل‬‫ِ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫م َ َْ‬ ‫}ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فحين تسممكت المممة عممن المممر بممالمعروف والنهممي عممن المنكممر‬
‫تصممبيها الفتنممة ول تصمميب الممذين ظلممموا وحممدهم ‪ ،‬ولكممن تصمميب‬
‫المجممموع كلممه لتقصمميرة فممي مقمموم أصمميل مممن مقومممات الحيمماة‬
‫الجتماعية والسياسية‬
‫ول تقتصر " التوعيممة " السياسممية علممي قضممية المممر بممالمعروف‬
‫والنهممي عممن المنكممر ‪ ،‬إنممما تتعممداها إلممي التوعيممة بالممدور التمماريخي‬
‫والنساني لهذه المة ‪:‬‬
‫داَء عَل َ‬ ‫سطا ً‬ ‫ك جعل ْناك ُم أ ُ‬
‫ن‬ ‫س وَي َك ُممو َ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫مى‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا{ ]سورة البقرة ‪[2/143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫والتوعية بأعداء هذه المة ‪ ،‬ومخططاتهم ضدها ‪ ،‬وأهممدافهم مممن‬
‫هذه المخططات ‪ ،‬وواجبهما إزاءهم ‪ ،‬وطريقممة التعامممل معهممم فممي‬
‫السلم والحرب ‪ ،‬وقضية الولء ومع من يكون ‪ ،‬وما حدوده وطبيعته‬
‫‪ ..‬إلخ ‪ ..‬مما لمجممال لتفصمميلة هنمما ‪ ،‬فلممه مبمماحثه الخاصممة ‪ ،‬وإنممما‬
‫نتحدث هنا عن دور " العقل " في كل ذلك ‪ ..‬ودوره هو تدبر السنن‬
‫الربانية التي يتحصل منهمما المموعي الجتممماعي والمموعي السياسممي ‪،‬‬
‫وهو أمر واجب في السلم ليتممم تنفيممذ المنهممج الربمماني علممي وجممه‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬يوجه العقل إلي دراسة التاريخ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ظروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي ال َْرض َفان ْ ُ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫}قَد ْ َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪] {(137‬سورة آل ‪[3/137‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫سيُروا ِفي ال َْر‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّم ِ‬‫عاقِب َم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف ك َمما َ‬ ‫ض فََينظ ُُروا ك َي ْم َ‬ ‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫}أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ك َمماُنوا أ َ َ‬
‫ممما‬ ‫م ّ‬ ‫مُروهَمما أك ْث َمَر ِ‬ ‫ض وَعَ َ‬ ‫م قُ موّةً وَأث َمماُروا الْر َ‬ ‫من ْهُ م ْ‬ ‫ش مد ّ ِ‬ ‫قَب ْل ِهِ م ْ‬
‫ن‬‫م وَل َك ِم ْ‬ ‫مه ُ م ْ‬‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫ن الل ّم ُ‬ ‫ممما ك َمما َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫عَ َ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(9‬سورة الروم ‪[30/9‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫كاُنوا أنُف َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن ب ِهَمما أ َوْ آ َ‬ ‫ب ي َعِْقل ُممو َ‬ ‫م قُل ُممو ٌ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫سيُروا ِفي ال َْرض فَت َ ُ‬
‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫}أفَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ب ال ّت ِممي فِممي‬ ‫مممى ال ُْقل ُممو ُ‬ ‫َ‬
‫ن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَل َك ِم ْ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫دورِ )‪] {(46‬سورة الحمج ‪[22/46‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫وواضح أن دراسة التاريخ المطلوب هي للعبرة ل للتسلية وتزجية‬
‫الفراغ ! ولكن ينبغي أن نعرف موطن العبرة من دراسة التاريخ‬
‫أن السنن الربانية التي أشرنا إليها في الفقممرة السممابقة ‪ ،‬والممتي‬
‫يجري قدر الله بمقتضاها في حياة البشممرية ‪،‬والممتي قلنمما إن العقممل‬
‫البشري مدعو إلممي تممدبرها والتفكممر فيمما مممن أجمل إقاممة المجتمممع‬
‫الصالح القائم علي المنهج الرباني ‪ ..‬هذه السنن – بطبيعتها – نادرا‬
‫ممما تتحقممق بتمامهمما فممي داخممل عمممر الفممرد المحممدود ‪ ،‬لن السممنن‬
‫الجتماعيممة بطبيعتهمما تسممتغرق اجيممال متواليممة حممتي يتممم التحممول‬
‫الجتماعي سواء إلي الخير أو إلي الشر ) فيممما عممدا القلممة النممادرة‬
‫التي تقتضي حكمة الله فيها تحقيق سنة بكاملهمما فممي أمممد قصممير ‪،‬‬
‫تأييد لنبي أو تمكينا لجماعة مؤمنة ‪ ،‬كما حممدث مممع الرسممول صمملي‬
‫الله عليهم وسلم وبناء هذه المة الشامخة في سنوات قصار (‬
‫وأنظر مثل إلي هذه السنة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫حت ّممى إ ِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ك ُم ّ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْم َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ فَت َ ْ‬ ‫سوا َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫}فَل َ ّ‬
‫ن )‪] {(44‬سممورة‬ ‫سممو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬‫م ُ‬ ‫ذا هُم ْ‬ ‫ة ف َ مإ ِ َ‬ ‫م ب َغْت َم ً‬ ‫خمذ َْناهُ ْ‬ ‫ما ُأوت ُمموا أ َ َ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫النعام ‪[6/44‬‬
‫فالجزء الول من هممذه السممنة يمثممل الواقممع الوروبممي فممي وقتممه‬
‫الحاضر ‪ ..‬نسوا ما ذكروا به ‪ ،‬وكفروا وجحممدوا ‪ ،‬ففتممح اللممه عليهممم‬
‫أبواب كل شئ ‪ ،‬من قوة سياسية وقوة عسكرية وقوة علمية وقوة‬
‫أي بالتدمير عليهم لتكذيبهم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫تكنولوجية وقوة اقتصادية ‪ ..‬وكل ما يمكممن أن يممدخل فممي " أبممواب‬
‫كل شئ " وهذا الجزء وحده مممن هممذه السممنة قممد اسممتغرق قرنيممن‬
‫كاملين من الزمان ‪ ،‬ولد فيه أفراد – بممل أجيممال – قضمموا أعمممارهم‬
‫في هذه الحياة ورحلوا ‪ ،‬ولما تتحقق بقية السنة المذكورة في الية‬
‫‪ "،‬حتي إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هممم مبلسممون " ! بممل‬
‫توهم أناس في وقت من الوقات أن هذه البواب المفتوحة ستظل‬
‫مفتوحة إلي البد ل تغلق ول تتهدم علي أصحابها مهما ارتكبمموا مممن‬
‫آثام !‬
‫واليوم بدا مفكرو الغرب أنفسهم يدركون أن " حضممارتهم " آيلممة‬
‫إلي النهيار ‪ ..‬وبدأو ينذرون قممومهم إذا اسممتمروا فممي البعممد عممن "‬
‫‪1‬‬
‫القيم الروحية" كما يسمونها‬
‫أن يصمميبهم الممدمار الممذي أصمماب أمممما مممن قبلهممم ‪ ..‬ولكممن كممم‬
‫يستغرق ذلك من الزمان ؟ جيل أو اجيال كما استغرق تحقيق الجزء‬
‫الول من سنة الله !‬
‫لذلك يوجه الله " العقل " أن تتدبر التاريخ ! فالتاريخ هو المجممال‬
‫الواسع الذي تتحقق فيممه السممنن الربانيممة بأكملهمما ‪ ،‬سممواء منهمما ممما‬
‫يتحقق في عمر الفرد وما يتحقق في عمممر الجيممال ‪ .‬والغلممب هممو‬
‫الخير !‬
‫تدبر التاريخ إذن هو في الواقع تدبر السممنن الربانيممة فممي واقعهمما‬
‫التاريخي الذي يمتد خلل القرون ‪ ،‬ورؤيممة الطريقممة الواقعيممة الممتي‬
‫تتحقق بها تلك السممنن فممي حيمماة المممم والفممراد ‪ ،‬لتتحقممق العممبرة‬
‫الكاملة في نفوس الناس ‪ ،‬فيسممايروا هممذه السممنن ول يصممادموها ‪،‬‬
‫ول يقول قائل لنفسه – علي سبيل المثال – ها أنذا قد عشممت فممي‬
‫المجتمع الفاسد عمري كله وشاركته الفساد فل أنا أصممابني الممدمار‬
‫ول المجتمع الذي عشت فيه ! ول يقممول قممائل لنفسممه لممماذا أجهممد‬
‫نفممس فممي تقممويم المجتمممع مممن انحرافممه الخلقممي أو الفكممري أو‬
‫الروحممي ‪ ..‬ممما دام هممذا المجتمممع يملممك القمموة العسممكرية والقمموة‬
‫السياسية والقمموة القتصممادية الممتي تسممتند وتنعممه مممن الممدمار ! ول‬
‫يقول قائل لنفسه ‪ :‬ما قيمة "القيم " ؟ وما فائدة " الممدين " ؟ وممما‬
‫معني " الخلق " ؟ إذا كان يمكن للمجتمع أن يعيش متماسكا قويا‬
‫بغير ذلك كله عدة قرون ؟‬
‫تلك عبرة دراسة التاريخ ‪..‬‬
‫إن التاريممخ ل يممدرس – مممن وجهممة النظممر السمملمية – لتسممجيل‬
‫لنهم ما زالوا في جاهليتهم يكوهرون أن يذكروا الذين باسمه الصريح !‬ ‫‪1‬‬
‫انتصارات الجيوش وانكساراتها ‪ ،‬ونشاة الدولة وزوالها مجردة عممن‬
‫القيم المصاحبة لها ‪ ،‬وعن مجري السنن الربانية فيها ‪ ،‬إنما يممدرس‬
‫بادئ ذي بدء لتتبع حياة " النسان" في حالتيه ‪ :‬حالة الهممدي وحالممة‬
‫الضلل ‪ ،‬وما يجمري خلل كمل ممن الحماليتين ممن أحمداث ‪ ،‬ونتمائج‬
‫تترتب علي الحممداث ‪ ،‬مضممبوطة بالمعيممار الممذي ل يخطممئ ‪ ،‬معيممار‬
‫السنة الربانية الحتمية التحقيق ‪.‬‬
‫و" النسان" ابتداء هو ذلك المخلوق الذي خلقمه اللمه ممن قبضمة‬
‫من طين الرض ثم سواه ونفخ فيه من روحه ‪ ،‬ل " الحيوان " الذي‬
‫ابتدعه دارون ‪ ،‬ول " المادة" التي زعمها التفسير المادي للتاريممخ ‪..‬‬
‫ومقياس علوه وهبوطه ليس هممو النتمماج المممادي والعمممارة الماديممة‬
‫للرض ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬
‫} َ‬
‫مُروهَمما{ ]سممورة الممروم‬ ‫م قُوّةً وَأث َمماُروا الْر َ‬
‫ض وَعَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬
‫‪[30/9‬‬
‫ولكنهم كانوا جاهلين ‪ ،‬لنهم رفضوا الهدي الرباني ‪ ،‬وأصابهم في‬
‫النهاية ما يصيب الجاهلية من الدمار ‪ ،‬علممي الرغممم مممن كممل القمموة‬
‫التي يملكونها ‪ ،‬ومن إثارة الرض وعمارتها ‪.‬‬
‫إنما مقايس علو " النسان " او هبمموطه هممو مقيمماس " النسممانية‬
‫" ‪ ..‬مقياس التزامه بالهدي الرباني الذي يحقق – وحممده – إنسممانية‬
‫النسان ‪ ،‬والتزامه بمقتضيات الخلفة الراشممدة ‪ ،‬أي عمممارة الرض‬
‫بمقتضي المنهج الرباني ل بأي منهج سواه ‪.‬‬
‫وحين يتحقق هذه الوعي التاريخي – ل في صورة فلسفية ذهنيممة‬
‫تجريدية – ولكن في صورة وعي حركممي واقعممي ‪ ،‬يكممون هممذا عونمما‬
‫كبيرا للنسان الراشد ‪ ،‬يوجه إلي السلوك الناضج المستقيم ‪ ،‬الذي‬
‫يتحقق به الوجود العلي للنسان ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫تلممك عقلنيممة السمملم ‪ ..‬عقلنيممة سممليمة ناضممجة تمثممل الرشممد‬


‫البشري في أعلي حالته‬
‫عقلنية تعطي العقل مكانمة اللئق بمه ‪ ،‬بل إفمراط ول تفريمط ‪..‬‬
‫فل هي تغالي في تقدير قيمة العقل فتقحمه فيما ليس مممن شممئونه‬
‫أو تجعله المرجع الخير لكممل شممئ حممتي المموحي الربمماني ‪ ،‬ول هممي‬
‫تبخسه قدرة فتمنعه من مزاولة نشاطه في ميادينه الطبيعيممة الممتي‬
‫يصلح لها ويحسن العمل فيها ‪.‬‬
‫عقلنية تكل إلي العقل مهام خطيرة وواسعة ‪ ..‬تكل إليهمما مهمممة‬
‫حراسة الوحي الممذي تكفممل بحفظممه اللممه " ‪1‬مممن كممل تأويممل فاسممد‬
‫مضممل ‪ ،‬وحراسممة أحكممام اللممه مممن النحممراف بهمما عممن " مقاصممد‬
‫الشريعة " وحراسممة المجتمممع فممي الفممات الجتماعيممة والسياسممية‬
‫والفكرية والخلقية التي تؤدي إلي تممدميره ‪ ..‬كممما تكممل إليممه مهمممة‬
‫التقدم العلمي والبحث التجريبي وعمارة الرض ‪.‬‬
‫ولكنها ل تكل إليه – ول تسمح له – إن يحيد عممن المموحي الربمماني‬
‫والمنهج الرباني ‪ ،‬ول أن يجتهد من عنده ما لم يأذن بممه اللممه ‪ ،‬لنممه‬
‫عندئذ بجانب الصواب ‪ ،‬ويحيد عن الخير ‪ ،‬ويمكن للفساد ‪:‬‬
‫وتلك هي العقلنية المتوازنة ‪ ..‬أين منها عقلنية الغريق الغابرة ‪،‬‬
‫والعقلنية التجريبية التي يمارسها الغرب في جاهلية القرن التاسممع‬
‫عشر والقرن العشرين !‬
‫‪m m m‬‬

‫قال تعالي ‪ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ) سورة الحجر ‪(9‬‬ ‫‪1‬‬
‫القومية والوطنية‬
‫الوطنية معناها أن يشعر جميع أبناء الوطن الواحممد بممالولء لممذلك‬
‫المموطن ‪ ،‬والتعصممب لممه‪ ،‬أيمما كممانت أصممولها الممتي ينتمممون إليهمما ‪،‬‬
‫وأجناسهم الممتي انحممدروا منهمما ‪ .‬أي أن الممولء فيهمما للرض بصممرف‬
‫النظر عن القوم أو اللغة او الجنس ‪.‬‬
‫والقومية معناها أن أبناء الصل الواحد واللغة الواحممدة ينبغممي أن‬
‫يكون ولؤهم واحدات وإن تعددت أرضممهم وتفرقممت أوطممانهم ‪،‬وأن‬
‫كان معناها أيضا السعي في النهاية إلي توحيد الوطن بحيث تجتمممع‬
‫القومية الواحدة في وطن شامل ‪ ،‬فيكون الولء للقوميممة مصممحوبا‬
‫بالولء للرض ‪ ..‬ولكن الولء للقومية يظل هو الصل ولو لم تتحقق‬
‫وحدة الرض ‪.‬‬
‫وأيا كانت التعريفات النظريممة للقويمممة والوطنيممة ‪ ،‬فالممذي يهمنمما‬
‫بادئ ذي بدء أن نتعرف علممي منشممئها فممي أوربمما ‪ ،‬ثممم أثارهمما الممتي‬
‫ترتبت عليها في التاريخ البشري الحديث ‪.‬‬
‫كانت أوربا في وقت من الوقات وحدة سياسممية تجمممع قوميممات‬
‫ولغات وأجناسا شتي ‪ ،‬في ظل المبراطورية الرومانية ‪ .‬ولممم يكممن‬
‫هذا التجمع يشكل " أمة " بالمعني الحقيقي ‪ .‬فقد كانت الدولة الم‬
‫هي " المة" في نظر نفسها وفي نظر المستعمرات التي اسممتولت‬
‫عليها والحقتها بالمبراطورية ‪ ،‬كما كانت الدولة الم هممي " السمميدة‬
‫" والمستعمرات هي " العبيممد " ولممم تمممتزج شممعوب المبراطوريممة‬
‫قط في وحدة حقيقية كالتي جمعت المة السلمية – ‪ -‬أمة العقيدة‬
‫– الممتي انصممهرت القوميممات والجنمماس واللغممات فيهمما فممي بوتقممة‬
‫العقيدة فصممارت أمممة واحممدة علممي مسممتوي واحممد ‪ ،‬وهممي " المممة‬
‫السلمية "‬
‫في مجتمع المدينة كان بلل الحبشي وصهيب الرومي وسمملمان‬
‫الفارسي في القمة من ذلك المجتمممع ‪ ،‬مممع السممادة مممن قريممش ‪،‬‬
‫وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول " سلمان منا أهل الممبيت‬
‫" وكان عمر رضي الله عنه يقول ‪ " :‬ابو بكر سيدنا ‪ ،‬واعتق سيدنا"‬
‫إشارة إلي بلل رضي الله عنه ‪،‬فكانه – وهو في الذؤابة من قريش‬
‫– يقول عن بلل ‪ " :‬سيدنا بلل " وهي قمة لم تصل إليهمما البشممرية‬
‫في تاريخها كله إل في أمة العقيدة‪.‬‬
‫ثم انساح المسلمون فممي الرض وفتحمموا ممما فتحمموا مممن البلد ل‬
‫لينشئوا إمبراطورية ولكن لينشور العقيدة ‪ .‬لم تكن توسممعه الرض‬
‫قط هي التي تهمهم أو تدفعهم إلي الخروج من أرضهم ‪ ،‬ولممم يكممن‬
‫ضم موارد جديدة ‪ ،‬واستخدامها – أو تسخيرها – للدولممة الم لتغنممي‬
‫وتكتنز ‪ ،‬خاطرا يدفع قائدا من القواد أو جنديا من الجنود ‪ ،‬إنما كان‬
‫الدافع الصيل هو إزالة " الجاهلية " ليحل محلها السلم دون إكراه‬
‫للناس علي عقيدة السلم إزالة الجاهلية ممثلة فممي دول وجيمموش‬
‫ونظم ل تؤمن بالله ول تطبق المنهج الرباني ‪ ،‬ليحل محلهمما النظممام‬
‫السلمي ممثل في تطمبيق شمريعة اللمه ‪ ،‬وتطمبيق العمدل الربماني‬
‫والحكمة الربانية ‪ ،‬مع ترك الناس أحرارا في عقائدهم بإذن الدولممة‬
‫السلمية بل بحراستها وحمايتها !‬
‫إنها تجربة فريدة في التاريخ ‪ ،‬لمم تتكممرر ‪ ،‬وليممس ممن شمأنها أن‬
‫تتكرر مع أي نظام آخر ‪ /،‬إل أن يكممون نظاممما قائممما علممي العقيممدة‬
‫الصحيحة في الله ‪ ،‬مطبقا لشريعة الله‬
‫ومهما يكن من أمر فإن أوربا لم تعممرف هممذا اللممون مممن التجمممع‬
‫فممي تاريخهمما كلممه ‪ ،‬حممتي بعممد أن اعتنممق المممبراطور قسممطنطين‬
‫المسيحية – أو أدعي ذلك – وفرضها علي المبراطوريممة كلهمما عممام‬
‫‪325‬م‬
‫وقد كان المفروض حين تصبح المبراطورية مسيحية أن يجمعهمما‬
‫ذلك اللون من التجمع الذي وحده المة السلمية فيما بعد ‪ ،‬وصممهر‬
‫أجناسها وألوانها ولغايتها فممي كيممان واحممد متحممد ‪ ،‬ليممس فيممه اتبمماع‬
‫ومتبوعون ‪ ،‬بل فيه " مسلمون" علي قدم المساواة‬
‫ول شك أن دخول المبراطورية في المسيحية قد أنشممأ – لفممترة‬
‫من الوقت – لونا من التجمع الشعوري ‪ ..‬وقد كممان هممذا هممو هممدف‬
‫قسممطنطين الحقيقممي مممن دخمموله المسمميحية ‪ ،‬فلممم يكممن همممة "‬
‫العقيدة" إما كان همه توحيد المبراطورية التي كمانت توشمك علمي‬
‫التمزق والفتراق ‪ ..‬ولكن هذا التجمع لممم يرتممق قممط إلممي الصممورة‬
‫التي مارستها المة السلمية لكثر من سبب واحد ‪.‬‬
‫أحد السباب – أولعله السبب الرئيسي – أن الدين لم يصممل إلممي‬
‫المبراطورية في صورته الكاملة ‪ ،‬إنما وصل إليهمما ‪ -‬كممما بينمما فممي‬
‫التمهيد الول من هذا الكتاب – عقيدة مفصولة عن الشريعة ‪ ،‬وقممد‬
‫كان لتلك العقيدة سلطانها علي القلوب ول ريب ‪ ،‬ولكن ل يسممتوي‬
‫الدينان ‪ :‬دين متكامل يحكم مشمماعر القلممب وواقممع الحيمماة ‪ ،‬وديممن‬
‫ممسوخ ‪ ،‬يقبع فممي وجممدانات النمماس ‪ ،‬وقممد يحكممم بعمض سمملوكهم‬
‫الشخصي ‪ ،‬ولكنه عاجز عن حكم الواقع العملممي للنمماس ‪ ،‬يسممتكبر‬
‫عنه الباطرة فيحكمون بالقانون الروماني ول يحكمون بشرائع ذلك‬
‫الممدين ‪ ..‬ول يسممتوي الممدينان فممي أثرهممما علممي الواقممع ‪ ،‬ول فممي‬
‫قدرتهما علي تجميع الناس في صورة "أمة" موحدة ‪:‬‬
‫ل‬
‫جم ٍ‬‫سَلما ً ل َِر ُ‬
‫جل ً َ‬‫ن وََر ُ‬
‫سو َ‬ ‫مت َ َ‬
‫شاك ِ ُ‬ ‫شَر َ‬
‫كاُء ُ‬ ‫جل ً ِفيهِ ُ‬
‫مث َل ً َر ُ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫} َ‬
‫ل{ ]سورة الزمر ‪[39/29‬‬ ‫مث َ ً‬
‫ن َ‬ ‫ست َوَِيا ِ‬ ‫هَ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫والسبب الثاني أن العقيدة حين وصلت للمبراطورية الرومانية –‬
‫أو حين فرضها عليها المبراطور قسطنطين – لم تكن علممي صممورة‬
‫واحدة ‪ ،‬فقد كانت قد نقسمت إلي مذاهب ومعتقدات شتي‪ -‬ل في‬
‫الفروع كما هو شان المذاهب السلمية – إنما في أصممل العتقمماد ‪،‬‬
‫بحيث ل يمكن أن يلتقي أصحاب مذهب ومذهب علي شئ ‪ ،‬فالدين‬
‫قد انحصر في العقيدة ‪ ،‬والعقيدة أصبحت عقائد مختلفممة متعارضممة‬
‫متعادية ‪ ..‬ويكفي نموذج واحد من هذا التعارض والعداء ممم‪ ،‬وهممو ممما‬
‫كممان بيممن الدولممة الرومانيممة وأقبمماط مصممر ‪ ..‬فقممد كممانوا كلهممم "‬
‫مسيحيين " ولكن الخلف بين مممذهب الدولممة الكمماثوليكي ومممذهب‬
‫القباط الرثوذكسممي كممان مممن السممعة وعممدم اللتقمماء بحيممث كممان‬
‫القبمماط يسممامون الخسممف والعممذاب مممن أجممل عقيممدتهم ‪ ،‬حممتي‬
‫ليسممتخفون بهمما عممن أعيممن الدولممة ‪ ،‬ويقممام فممي الكنيسممة الواحممدة‬
‫عبادتان مختلفتان‪ ،‬إحداهما علوية ظاهرة والخمري سمفلية سمرية ‪،‬‬
‫كما كان الحال في كنيسة " مار " ‪ " 1‬جرجممس " حيممث كممانت تقممام‬
‫صلة علنية علي مذهب الدولة في أورقة الكنيسة العلوية الظمماهرة‬
‫وصلة أخري سرية في سراديب تختية خفية ت يختفي فيها القباط‬
‫عممن عيممون الدولممة الرومانيممة الممتي تتعقبهممم بالعممذاب والرهمماب ‪..‬‬
‫وشأن هذا الخلف ان يمممزق ويفممرق ل أن يجمممع الصممفوف ويوحممد‬
‫البناء‬
‫وصممحيح أن أوربمما فممي مجموعهمما كممانت كاثوليكيممة لعممدة قممرون‬
‫م‪،‬وكان اتحادها في المذهب عامل من عومل تجمعها ‪،‬م كممما سممنبين‬
‫بعد ‪ ،‬ولكن حجم هذا التجمع وتأثيره في حياة الناس كان يمكممن أن‬
‫يكون أكبر من واقعة الذي كان عليه ‪ ،‬لو كممان فيممء حممس أصممحابه‬
‫أن دينهم واحد في كل الرض ‪ ،‬وأنهم ليسوا مجدر قطاع‬
‫مممن هممذا الممدين – وإن يكممن القطمماع العظممم – تغممايره بقيممة‬
‫‪2‬‬
‫القطاعات في أصول العتقاد‬
‫فإذا اجتمع إلي هذين السببين أن اللتينية – لغة الكتاب المقممدس‬

‫" مار" جرجس أي الشهيد جرجس ‪ .‬وهي ليست ماري جرجس كما تجري علي ألسنة العامة في مصر‬ ‫‪1‬‬

‫الختلف الذي يمكن أن يقارن بذلك في العالم السلمي هو الخلف بين السنة والشيعة ولكن ينيغي أن نتذكر أن‬ ‫‪2‬‬

‫الشيعة والسنة لم يختلفوا في قضية اللوهية – وهي محور الخلف الرئيسي بين المذاهب المسيحية المختلفة – ول‬
‫في نبوة الرسول صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬إنما كان في مبدئه خلفا سياسيا جول خلفة علي بن أبي طالب كرم الله‬
‫وجه ثم تطور إلي أمور أخري ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫لم تكن قط لغة الكلم في المبراطوريممة الرومانيممة ‪ ،‬وإنممما لغممة‬


‫المثقفين ورجال الدين فقط ‪ ،‬إلي جانب كونهمما اللغممة "الرسمممية "‬
‫للدولة وإنما الشعوب داخل المبراطورية تتكلم لغات أخري يختلف‬
‫بعضها عن بعض اختلف رئيسيا ‪.‬‬
‫إذا اجتمعت هذه السباب كلها وضح لنا أن التجمع الممذي تممم فممي‬
‫ظل المبراطورية الرومانية المسيحية لم يكن في شأنه أن يرتقممي‬
‫إلي تكوين " أمة " واحدة علي النسق الذي تم بممه المممر فممي ظممل‬
‫السلم ‪ ،‬الذي لم تنفصل فيممه الشممريعة عممن العقيممدة ‪ ،‬والممذي لممم‬
‫تحدث فيه خلفات عقيدية تمزق وحدته ‪ ،‬والذي كانت لغته – لفترة‬
‫طويلة من الوقت – لغة واحدة هي لغة القرآن ؟‬
‫ومع ذلك كله فقد كان لسلطان العقيدة في نفمموس المسمميحيين‬
‫الوروبييممن ‪ ،‬وسمملطان الكنيسممة البابويممة مممن جهممة اخممري ‪ ،‬تممأثيرا‬
‫ملموسا ل شممك فيممه ‪ ،‬أوجممد لونمما مممن التجمممع والوحممدة رغممم كممل‬
‫أسباب الفرقة والخلف‪.‬‬
‫ولكممن حماقممات الكنسممية الممتي اشممرنا إليهمما فممي التمهيممد الول‬
‫مالبثت أن عملت علي تقويض ذلك التجمع من أكثر من باب‬
‫لقد كان طغيانها في كل جانب مثيرا لردود فعممل مختلفممة تلتقممي‬
‫كلها عند الرغبة في تخطيم نفوذ الكنيسة والتفلت منه ‪ ،‬فضل عممما‬
‫حدث فيما بعد من النفور من الدين ذاته والنسلخ منه‬
‫وإذا كان الدين ونفوذ الكنيسة هما الرباط الذي أوجد ذلك القممدر‬
‫مممن التجمممع فممي أوراب فلنمما أن توقممع أن يكممون أثممر ردود الفعممل‬
‫المشار إليها هو انفراط عقممد هممذا التجمممع وفصممم روايطممه ‪ .‬وذلممك‬
‫الذي كان !‬
‫كان تمرد الملوك علي طغيان الكنيسة السياسي أول بممادرة مممن‬
‫بوادر التمزق في الوحمدة الوروبيمة ولكمن همذا التممرد وحمده كمان‬
‫يمكن أن يظل محدود الثر لو لممم يصمماحبه فممي ذات الفممترة تقريبمما‬
‫تمرد من نوع آخر وفي جهة أخري ‪ ،‬هو أشد خطر علي الوحدة من‬
‫تمرد الملوك ‪ .‬ذلك هو تمرد رجال الدين ‪ ،‬المعروف باسم " حركممة‬
‫الصلح الديني "!‬
‫لقد كان تمرد الملوك نزاعا سياسيا علي السلطة الزمنية ‪ .‬البابمما‬
‫يدعي لنفسه السلطة الروحية والسلطة الزمنية كليهممما ‪ ،‬والملمموك‬
‫يطالبون بالسمملطة الزمنيممة أن تكممون فممي أيممديهم ‪ ،‬علممي أن تبقممي‬
‫كانت لغة الكتاب المقدس هي الغريقية واللتينية ولم تكن أيهما لغة شعبية‬ ‫‪3‬‬
‫السلطة الروحية وحدها في يممد البمماب ‪ ..‬وإلممي هنمما كممان يمكممن أن‬
‫يستقل الملوك بالسلطة الزمنية ولك تظل الوحدة الدينيممة قائمممة ‪،‬‬
‫ويظل السلطان الروحي للبابا قائما ‪ ،‬فتظل الدعامتان اللتان كونتمما‬
‫الوحدة الوربية قائمتين ‪.‬‬
‫ولكن حركة الصمملح الممديني كمانت موجهممة إلممي صممميم العقيممدة‬
‫الجامعة وهي العقيدة الكاثوليكية التي لم تكن – حتي ذلك الحين –‬
‫موضع نزاع في داخل أوروبا ‪.‬‬
‫كان من نتيجة الطغيان الروحممي للبابمما ورجممال دينممه أن رغبممت "‬
‫كنائس" مختلفة في أوربا أن تنفصل عن كنيسة روما وتستقل عنها‬
‫‪ ،‬متخذة في الغالب صورة خلف مذهبي مع الكاثوليكية التي كممانت‬
‫تخضممع لهمما كممل الكنممائس مممن قبممل ‪ ،‬فانفصمملت كنيسممة بريطانيممة‬
‫وكنيسممة ألمانيممة وتبعتهمما كنممائس أخممري ‪ ،‬وحممرص الملمموك علممي‬
‫السيطرة علي تلك الحركات ل رغبة في الصلح الديني الذي كانت‬
‫تنشق تلك الكنائس روما باسمه ‪ ،‬ول رغبممة فممي تنميممة روح التممدين‬
‫الحقيقية عند شعوبهم ‪ ،‬فليس شئ من ذلمك فمي صمالح السميطرة‬
‫السياسممية المطلقممة الممتي ادعوهمما لنفسممهم حيممن طممالبوا بفصممل‬
‫السلطة الزمنية عن السلطة الروميممة ‪ ،‬ولكممن ل‪ ،‬كممل حركممة تمممرد‬
‫علي الكنيسة البابوية مممن أي نمموع هممي كسممب لهممم فممي معركتهممم‬
‫ضدها ‪ ،‬لنها تضعفها وتضعف سلطانها ‪ ،‬فيسهل عليهم التخلص من‬
‫نفوذها‬
‫يقول ولز في كتاب " معالم تاريخ النسممانية " ) جمم ‪ 3‬مقتطفممات‬
‫من ص ‪ 991 – 989‬من الترجمة العربية (‬
‫" كانت الكنيسة تفقد سيطرتها علي ضمائر المراء وذوي اليسار‬
‫والقتدار من الناس ‪ ,‬وكذلك شرعت تفقد إيمان عامممة النمماس بهمما‬
‫وثقتهم فيهمما ‪ .‬وكممان مممن نتيجممة انحطمماط سمملطانها الروحممي علممي‬
‫الطبقة الولممي أن جعلتهممم ينكممرون تممدخلها فممي شممئونهم وقيودهمما‬
‫الخلقية عليهم ومدعياتها بالسيادة العليا فوقهم ‪.‬‬
‫وادعاءها الحق في فرض الضرائب وفي حل ارتباطممات الممولء ‪..‬‬
‫لذلك كفوا عن احترام مالها من سلطان وممتلكات‬
‫" و لقد ظل هذا الخروج عن الطاعة يصدر من المممراء والحكممام‬
‫طوال العصور الوسطي بأكملهمما‪ ،‬بيممد أن المممراء لممم يشممرعوا فممي‬
‫التفكير جديا في النفصال عن المذهب الكاثوليكي وإقامممة كنممائس‬
‫جزئية منفصلة إل عندما أخذت الكنيسة في القرن السممادس عشممر‬
‫تنضم علنا لخصمها القديم – المبراطور – عندما قدمت إليه التأييممد‬
‫وقبلممت منممه المسمماعدة فممي حملتهمما علممي الهراطقممة ‪ .‬وممما كممانوا‬
‫ليقدموا علي ذلك أبدا لول أنهممم أيقنمموا أن سمميطرة الكنيسممة علممي‬
‫آذهان الجماهير قد ضعفت ‪.‬‬
‫" ولمممما انفصممملت انجلمممترة ‪ ،‬واسمممكتلندة والسمممويد والنرويمممج‬
‫والدانمارك ‪ ،‬وشمال ألمانيا وبوهيميمما عممن الرتبمماط بروممما ‪ ،‬أظهممر‬
‫المراء وغيرها من المموزراء أقصممي بمموادر القلممق والهتمممام بحفممظ‬
‫زمام الحركة في أيديهم ‪ ..‬وذلك أنهم كانوا ل يسمحون من الصلح‬
‫إل بالقدر الذي يمكنهم من فصهم العلقة مع روما ‪ .‬فأما ممما تجمماوز‬
‫ذلك ‪ ،‬وأما أي انفصام خطر يتجه بالفكار إلي تعاليم يسوع البدائية‬
‫‪ ،‬أو التفسير الفج المباشر للكتاب المقدس فكانوا يقاومونها "‬
‫والذي يهمنا الن – بصممدد موضمموعنا الممذي نعممالجه – ان حركممات‬
‫النفصال هذه – أيمما كممان العنمموان الممذي قممامت تحتممه – كممانت هممي‬
‫البداية لظهور القوميات في أوروبا‬
‫يقول الستاد الندوي ) ص ‪ 212 – 211‬من كتاب " ممماذا خسممر‬
‫العالم بانحطاط المسلمين "‬
‫" والدين السماوي مهما تحرف وتغير ل يعرف الفرق المصطنعة‬
‫بين النسان والنسان ‪ ،‬والنسان ول يفرق بيممن الجنمماس واللمموان‬
‫والوطان ‪ ،‬فجمعت النصرانية المممم الوروبيممة تحممت لممواء الممدين ‪،‬‬
‫وجعلت من العالم النصراني عشمميرة واحممدة ‪ ،‬واخضممعت الشممعوب‬
‫الكثيرة الكنيسة اللتينية فقلت العصبية القومية والنعممرة الوطنيممة ‪،‬‬
‫وشغلت المم عنهمما لمممدة طويلمة ‪ ،‬ولكممن لممما قمام لموثر ) ‪-1483‬‬
‫‪ (1546‬بحركته الدينيممة الصمملحية الشممهيرة ضمد الكنيسمة اللتينيمة‬
‫رأي أن من مصلحة مهمته أن يستعين باللمان بني جنسممه ‪ ،‬ونجممح‬
‫في عمله نجاحا ل يستهان بقدره ‪ ،‬وانهزمت الكنيسممة اللتينيممة فممي‬
‫عاقبه المر فانفرط عقدها ‪ ،‬واستقلت المم ‪ ،‬واصممبحت ل تربطهمما‬
‫رابطة ولم تزل كل يوم تزداد استقلل في شئونها وتشتتا ‪ ،‬حتي إذا‬
‫اضمممحلت النصممرانية نفسممها فممي أوربمما قممويت العصممبية القوميممة‬
‫والوطنيممة ‪ .‬وكممان الممدين والقوميممة ككفممتي ميممزان ‪ ،‬كلممما رجحممت‬
‫واحدة طاشت الخري ‪ ..‬ومعلوم أن كفة الدين لم تممزل تخممف كممل‬
‫يوم ‪ ،‬ولم تزل كفة منافستها راجحة ‪ .‬وقد أشار إلي هممذه الحقيقممة‬
‫التاريخية النجليزية المعروف لورد لوثين – السفير البريطمماني فممي‬
‫أمريكا – في خطبته التي ألقاها في حفلة جامعة عليكرة فممي ينمماير‬
‫سنة ‪1938‬م‪.‬‬
‫وربما يعجب النسان لول وهلة حين يعرف أن " حركممة الصمملح‬
‫الديني " هذه كانت نابعة من مؤثرات إسلمية ‪ ،‬ومع ذلك لممم تممؤث‬
‫الثمار الطيبة التي كان يمكن أن تنشمأ عنهما ‪ .‬ولكمن العجمب يمزول‬
‫حيممن يممدرك النسممان أوربمما – وهممي تقتبممس جزئيممات مممن الحيمماة‬
‫السلمية – كانت ترفممض السمملم ذاتممه بممدافع العصممبية الصممليبية ‪،‬‬
‫ومن ثم يضيع الخير الجزئي الذي اقتبسته من السلم !‬
‫ولسنا هنا بصممدد رصممد المممؤثرات السمملمية الممتي انتجممت حركممة‬
‫الصممملح المممديني فمممي أوربممما ‪ ،‬وكيفينممما أن نشمممير إلمممي كلممممة‬
‫الفاروالقرطبي التي نقلناها في الفصممل السممابق عممن تممأثير شممباب‬
‫النصاري في الندلس بالوجود السلمي هناك ‪ ،‬إلي حد أنهممم كممانوا‬
‫ينظرون بزراية إلي كتب اللهوت المسيحي ويعتبرونها غيممر جممديرة‬
‫باللتفمات ‪ .‬ولنما أن نتوقمع أن تمأثيرات مشمابهة – ولمو كمانت علمي‬
‫درجة أقل – قد سرت في أوربا عند احتكاكها بالمسلمين سواء في‬
‫الحممروب الصممليبية أو فممي الحتكمماك السممملي حنممي بممدأت أوروبمما‬
‫مبعوثيها إلي مدارس المسلمين فممي النممدلس والشمممال الفريقممي‬
‫وصقلية وغيرها من البلد السلمية ليتعلموا العلم ‪ ،‬حيممث لممم يكممن‬
‫هناك علم في الرض إل عند المسلمين ‪.‬‬
‫وقد رأي النصاري عند احتكاكهم بالمسمممين عالممما مختلفمما تمممام‬
‫الختلف ‪ ،‬عالما ل كنيسة فيه ول " بابا " ول رجال دين ‪ ..‬إنمما فيمه‬
‫علماء يتفقهون في الدين ‪ ،‬وغالبا ما يتفقهون في علوم أخممري مممع‬
‫العلوم الدينية كممالطب أو الفلممك أو الرياضمميات ‪..‬إلممخ ‪ ..‬بل تعممارض‬
‫بين تفقههم هنا وهناك ‪ ..‬وليممس لهممم – مممع تفقههممم – كهانممة علممي‬
‫الناس ول سلطان إل توقير العلماء من أجممل علمهممم فحسممب ‪ ،‬ول‬
‫وساطة لهم بين الناس وبين ربهم الذي يعلمهممم أنممه ل وسممطاء ول‬
‫شفعاء عنده ‪ ،‬وأنه ما علي العباد إل أن يدعوه ‪ ،‬فيسممتجيب لهممم بل‬
‫وسيط ‪:‬‬
‫َ‬
‫م { ]سورة غافر ‪[40/60‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬
‫م اد ْ ُ‬ ‫}وََقا َ‬
‫عي إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫دا ِ‬
‫ب د َعْموَةَ الم ّ‬
‫جيم ُ‬
‫ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫عب َمماِدي عَن ّممي فَمإ ِّني قَ ِ‬
‫ريم ٌ‬ ‫ك ِ‬‫سأ َل َ َ‬‫ذا َ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫عاِني{ ]سورة البقرة ‪[2/186‬‬ ‫دَ َ‬
‫عندئذ تحركت نفوس الذين يرغبون في الصلح لمحاولممة إصمملح‬
‫مفاسد الكنيسة المتراكمة خلل القرون ‪ ،‬وخلع السلطان الطمماعي‬
‫الممذي فرضممه البمماب ورجمماله علممي النمماس باسممم الممدين ‪ ،‬ولكممن‬
‫محاولتهم كانت كالرقعة في الثوب الخلق بسبب رفضممهم الممدخول‬
‫في السلم ‪ ،‬وسعيهم إلي الصلح بغير عدته الحقيقية الممتي تممؤدي‬
‫إليممه ‪ ..‬واسممتغل الملمموك هممذه الحركممات لحسممابهم الخمماص كممما‬
‫أسلفنا ‪ ،‬ل يريدون الصلح الديني الحقيقممي ول يريممدون للنمماس أن‬
‫يستقيموا علي دين صحيح فيخرجوا علي طمماعتهم ! إنممما رأوا فيهمما‬
‫أداة تساعدهم علي النسلخ من سلطان الباب فاستغلوها في هذه‬
‫الحدود‬
‫ولم يكن الملوك وحممدهم وراء اللعبممة ‪ ،‬إنممما كممان وراءهمما كممذلك‬
‫اليهود ‪ ،‬المتربصون لية فرصممة تسممنح لهممم للنتقممال مممن النصمماري‬
‫الذي اضمطهدوهم وأذلموهم علممي أسماس أنهمم تسممببوا فمي صملب‬
‫السيد المسيح " ‪ 1‬فلما قامت حركات تؤذن بتفريق كلمممة النصمماري‬
‫وتشتيت سلطان الكنيسة ‪ ،‬كان من صالحهم ول شك أن يحتضممنوها‬
‫ويوجهوها خلسة أوعلنية لتوسيع الشقة بينها وبين الكنيسة الصلية‬
‫‪ ،‬وكل فرقة =‪ -‬سواء قامت باسم الصلح أو بهدف الفساد – هممي‬
‫في النهاية في صالح اليهود ما دامت ل تؤدي إلي إصمملح حقيقممي !‬
‫وإن صلة اليهود بالبروتستانتية بالذات لمر معلوم لكل مممن يممدرس‬
‫تاريخ تلك الحركة وإن انكر تلك الصلة هؤلء وهؤلء‬
‫هكذا كان مولد القوميات في أوربا‬
‫حركممات إصمملحية مبتممورة غيممر ناضممجة ‪ ،‬أسممتغلها ذوو الهممواء‬
‫لحسابهم الخاص ‪ ،‬فأفسدوها وحولوها إلي اتجاه شرير ‪.‬‬
‫إن القومية في ذاتها نزعة غير إنسانية ‪ ،‬ل يتوقع أن ينشأ منها إل‬
‫الشر ‪ ،‬إنها بادئ ذي بدء تحد عالم " النسان" فبممدل مممن أن يكممون‬
‫أفقه العالم والنسان ‪ ،‬إذا أفقه هو قومه ‪ ،‬والرقعممة الضممئيلة مممن‬
‫هذا العالم التي يسكن فيها قومه ‪ ،‬وهي مصالح مادية يتعارك عليها‬
‫مع غيره من الهابطين مثله إلمي دركمه ‪ ،‬كالمصمالح " المتي يتعمارك‬
‫عليها الحيوان ‪ ،‬من أرض وكل إذا كان من الضعاف أكلممه العشممب ‪،‬‬
‫أو أرض وصمميد إذا كممان مممن الوحمموش الممتي يفممترس القمموي منهمما‬
‫الضعيف !‬
‫ثم إنها تقيم تجمعها علي المور التي لخيار فيها للنسممان ‪ ..‬مممن‬
‫المولممد فممي أرض معينممة ‪ ،‬والكلم بلغممة الرض الممتي ولممد فيهمما ‪،‬‬
‫والمصالح المادية القاهرة ‪ ،‬في الوقت الممذي تنبممذ فيممه كممل المممور‬
‫التي يكون للنسان فيها الخيار ‪ ،‬والممتي يتفاضممل فيهمما إنسممان علممي‬
‫إنسان بناء علي ذلك الخيار ‪ ..‬تنبذ العقيممدة فممي اللممه ‪ ،‬الممتي يختممار‬
‫فيها النسان بين اليمان والكفر ‪ ،‬ويتفاضل الناس فيها علي أساس‬
‫يعلم المسلمون من القرآن أن المسيح عليه السلم لم يصلب ‪ ،‬لقوله تعالي ‪ :‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‬ ‫‪1‬‬

‫وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم ال ابتاع الظن وما قتلوه يقينا ‪ ،‬بل رفعة الله إليه وكان الله‬
‫عزيزا حكيما " ) سورة النساء ‪ (158-157‬ولكن هذا ل يعفي اليهود في الحقيقة من وصمة الجرام ‪ ،‬فقد ظلوا‬
‫يحرضون الحاكم الروماني ببلطس حتي اصدر حكمة بصلب المسيح فإذا كان الله قد رفعه إليه ولم يمكنهم من‬
‫صلبة فإن جريمة التحريض باقية تصمم اليهود بالكفر والحرام‬
‫اليمان والكفر ‪ ..‬وتنبذ القيم المنبثقممة مممن العقيممدة ‪ ،‬وهممي نظافممة‬
‫المشاعر ونظافةا لسلوك مع الصدقاء والعداء سواء ‪ ..‬أي الصدق‬
‫مع كل الناس ‪ ،‬والمانة مع كل الناس ‪ ،‬والعدل مع كل الناس ‪ ،‬ثممم‬
‫الحب في الله والبغض في اللمه ) ل للمصمالح الرضمية ( أي الحمب‬
‫لمن هو جدير بالحب بالفعل بالمقاييس النسانية الرفيعة ‪ ،‬والبغض‬
‫حقا بتلك المقماييس ‪ ..‬وهمي القيمم المتي يختمار فيهما النسمان بيمن‬
‫اللتزام وعدم اللتزام ‪ .‬أي بين الرفعة والهبوط ‪..‬‬
‫أنظر في مقابل ذلك هذه الية الكريمة من القرآن ‪:‬‬
‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬‫م ْ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫س إ ِّنا َ‬‫}َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬ ‫ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫م{ ]سورة الحجرات ‪[49/13‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أت َْقاك ُ ْ‬‫م ِ‬‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫فكون الناس شعوبا وقبائل ‪ ،‬هذه حقيقة واقعة ملموسممة ‪ ،‬وهممي‬
‫من إرادة الله لنه هو الذي " جعل " الناس كذلك ‪ ،‬ولكممن اللممه لممم‬
‫يشأ سبحانه أن ينحبس الناس في داخل شعوبهم وقبائلهم وينغلقوا‬
‫في حدودها وهو ما تفعله القوميات والوطنيممات بممادئ ذي بممدء ‪ ،‬ول‬
‫أراد للنمماس أن يلتقمموا مممن داخممل الطممار الممذي تشممكله شممعوبهم‬
‫وقبائلهم في عراك مع الشعوب والقبائل الخممري ‪ ،‬وهممو ممما تفعلممه‬
‫القوميات الوطنيات بعد ذلك أي بعد انحسارها في داخمل حمدودها ‪،‬‬
‫وبحثها عن " مصالحها القومية "!‬
‫إنما جعل الله الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ‪ ..‬يتعممارفو كممما بنممو‬
‫النسان ‪ ..‬لن الخطاب في الية كان للناس ‪ " :‬يا أيهمما النمماس ‪" ..‬‬
‫ل للوحوش ول للفاعي ول للحشرات ! ثم قرر الله قاعدة التعارف‬
‫التي تليق ببني النسان حني يتعارفون ‪ ،‬وهي التقوي " إن أكرمكممم‬
‫عند الله أتقاكم " وهي الكلمة الجامعة لكل ما في الحياة النسممانية‬
‫من معاني الخير ‪..‬‬
‫ولكن الجاهلية الوروبية ما كان لها أن تهتدي إلممي هممذه المعمماني‬
‫وهي ترفض أصل الهدي ومنبعه ‪ ،‬وهو السمملم ‪ ..‬ولممو اهتممدت إلممي‬
‫شئ من تلك المعاني ل ستصغرت الفق الممذي تجممور فيممه القوميممة‬
‫والوطنية وأحست نحوه بالزدراء ! ففممي اللحظممة الممتي تحممس أنممو‬
‫الرباط الحقيقي الذي يربط " نفسا إنسانية " بنفس أخري إنسممانية‬
‫ليممس هممو المصممالح الماديممة ‪ ،‬ليممس هممو الرض والكل والمتمماع‬
‫الحسبي ‪ ،‬وليس هو المور التي ل اختيار للنسان فيهمما مممن الرض‬
‫والمولد واللسان والدم ‪ ..‬إنما هو " المشاعر " التي ميزت النسان‬
‫من لحظة مولده عن سائر المخلوقممات مممن دونممه ‪ ،‬وهممي العقيممدة‬
‫الواعية في الله ‪،‬م والقيم المتعلقة بالعقيدة من نظافة سلوكية مممع‬
‫الناس ‪ ،‬وحب في الله وبغض في الله … فممي اللحظممة الممتي ترفممع‬
‫فيهمما إلممي ذلممك المسممتوي سممتحس علممي الفممور بممأن ممما تمارسممه‬
‫القوميممات والوطنيممات هبمموط ل يليممق " بالنسممان " ! ونكسممة إلممي‬
‫الوراء في ميزان " النسانية " وليس تقدما إلي المام !‬
‫وعلي الرغم من أن هذه الجاهليات قممد حمماولت أن تسممتعير مممن‬
‫السلم رقعة ترقع بها ثوبها الخلممق ‪ ،‬فيممما يسمممي بحركممة الصمملح‬
‫الديني ‪ ،‬فإن رفضها الساسي لصل الهمدي وقاعمدته الحقيقيمة قمد‬
‫جعل هذه الرقعة تضيع ضياعا كامل في ذلك الثوب ‪ ..‬وسممرعان ممما‬
‫بليت الرقعة كما بلي الثوب من قبل ‪ ،‬وألقممي صمماحب الثمموب ثمموبه‬
‫البالي كله ‪ ،‬وخرج من الدين ‪ ،‬واستبدل به قوميات علمانية ل صمملة‬
‫لها بالدين ‪ ،‬أقصي ما يتسع صدرها لممه ان تتسممامح فممي وجمموده فل‬
‫تنبذ أصحابه ول تطاردهم ‪ ،‬وإن كممانت كممثيرا ممما يضمميق صممدرها بممه‬
‫وبهم ‪ ،‬فتلفظهم لفظا وتلقي بهم خارج الساحة ‪ ،‬إن لم تفعل ماهو‬
‫أسوأ من ذلك كثيرا ‪ ،‬فتلقيهم في غياهب السجون !‬
‫علي أن الشر الذي نجم من القوميات والوطنيات لممم يكممن شممرا‬
‫شخصيا ينتهي أمره بهبوط أصحابه عممن إنسممانيتهم ‪ ،‬وقبمموعهم فممي‬
‫داخل حدودهم وهم متشحون بذلك الهبوط ‪.‬كل ! ليس ذلممك مممن "‬
‫شم " القوميات والوطنيمات ‪ ،‬إل أن تكممون فمي حالمة ممن الضمعف‬
‫الشممديد ل تقممدر فيهمما علممي العممدوان ! أممما أن كممانت فممي حالتهمما "‬
‫الطبيعيممة " أي تملممك وسممائل القمموة ‪ ،‬فممإن أول ممما تتجممه إليممه هممو‬
‫السعي إلي توسيع رقعتها علي حساب قومية اخري أضممعف منهمما ‪،‬‬
‫أو تظن فيها أنها أضعف منها ! كما يسعي الوحش إلي الصممدام مممع‬
‫من يتوسم فيه الضعف ليفترسه !‬
‫يقول الستاذ الندوي بعد النص الذي نقلناه ‪:‬‬
‫" لما قضت حركممة لمموثر الممتي تممدعي حركممة إصمملح الممدين علممي‬
‫وحدة أوروبا الثقافيممة والدينيممة انقسمممت هممذه القممارة فممي إمممارات‬
‫شعبية مختلفة ‪ ،‬وأصبحت منازعاتها ومنافسمماتها خطممرا خالممد علممي‬
‫‪1‬‬
‫أمن العالم‬
‫وبالفعممل نشممب صممراع عنيممف داخممل أوربمما بيممن هممذه القوميممات‬
‫الناشئة بعضها وبعض‬
‫ولنأخممذ مثممال واحممدا علممي ذلممك ممما يعممرف فممي التاريممخ الوربممي‬
‫بالحروب اليطالية‬
‫يقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي أسممتاذ التاريممخ الحممديث‬
‫ص ‪ 212‬من كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‬ ‫‪1‬‬
‫بقسم الدراسات العليا بكلية البنات السمملمية بجامعممة الزهممر فممي‬
‫كتابه " أوربا فممي مطلممع العصممور الحديثممة " تحممت عنمموان" تعريممف‬
‫بمصطلح الحروب اليطالية " ‪:‬‬
‫" الحممروب اليطاليممة هممي حممروب منقطعممة نشممبت بيممن فرنسمما‬
‫وأسممبانيا خلل فممترة اسممتطالت خمسممة وسممتين عاممما ) ‪-1494‬‬
‫‪ ( 1559‬وكانت هذه الحروب مظهرا من مظمماهر التنممافس الممدولي‬
‫بين هاتين الدولتين من أجل السيطرة والنفوذ في أوروبا ‪ ،‬والرغبممة‬
‫في التوسع القليمي داخل القارة ‪ ،‬وقد بدأ هذا التنافس بين فرنسا‬
‫وأسممبانيا قبممل أن يلفممظ القممرن الخممامس عشممر أنفاسممه الخيممرة‬
‫‪،‬واقترن بصراع حربي مرير خاضته الممدولتا ‪ ،‬وكممانت شممبه الجزيممرة‬
‫اليطاليممة ميممدانيا لتصممارع الجيمموش الفرنسممية والسممبانية خلل‬
‫المراحل الولي لهذه الحروب الممتي تطممورت بعممد ذلممك إلممي نضممال‬
‫أوربي استع نطاقه وانتقل إلي ميادين متعددة خارج شممبه الجزيممرة‬
‫‪1‬‬
‫اليطالية‬
‫ثم يقول بعد ذلك بصفحات تحت عنممون " الموقممف الممدولي عنممد‬
‫نشوب الحروب اليطالية‬
‫" كانت فرنسا وأسبانيا قد تطلعتا إلي إيطاليا واسممتهدفتا تحقيممق‬
‫غرضين هما ‪ :‬التوسع القليمي بالستيلء علي ممتلكات جديدة في‬
‫شبه الجزيرة اليطالية ‪ ،‬ثم السيطرة والتفوق السياسي في القارة‬
‫الوروبية ‪ .،‬كممانت كممل منهممما تمثممل الدولممة الملكيممة الموحممدة ذات‬
‫الحكومة المركزية ن وكانت كما منهممما أيضمما ‪ ) ،‬والقممرن الخممامس‬
‫عشر يلفظ أنفاسه الخيرة ( في طليعة الدول اللتينية والكاثوليكية‬
‫في غرب أوربا ‪ ،‬وقد بلغت كلتاهما مستوي من التقدم الحضمماري –‬
‫الثقافي والمادي – يفوق كثيرا المستوي السائد فممي شممرق أوربمما ‪،‬‬
‫وكان من المتوقع أن تركز هاتان الدولتان جهودهما لتنشمميط حركممة‬
‫البعوث الكشفية الجغرافية لتحقق مزيممد مممن النجمماح بعممد أن بممدت‬
‫تباشير اكتشاف عالم جديد يتيح أفاقا جديدة رحيبة للتجارة والممثراء‬
‫والقوة ولكن بدد ملوك أسبانيا وفرنسا قممواهم طمموال فممترة رحيبممة‬
‫للتجممارة والممثراء والقمموة ‪ ،‬ولكنبممدد ملمموك أسممبانيا وفرنسمما قممواهم‬
‫طوال فممترة امتممدت زهمماء خمسممة وسممتين عاممما فممي صممراع مريممر‬
‫استهدف السيطرة علي إيطاليا ‪ ،‬وأنظر بهم جميعا اضرار فادحممة ‪،‬‬
‫وأذل بلدا متحضرة شهدت مولد النهضة الوربية فممي فجممر التاريممخ‬
‫الحممديث ‪ ..‬وقممد أدي هممذا الصممراع إلممي أفممول النهضممة اليطاليممة ‪،‬‬

‫ص ‪ 154‬من الكتاب المشار إليه‬ ‫‪1‬‬


‫‪1‬‬
‫وخضوع إيطاليا لصرامة الحكم الجنبي‬
‫ولنستعرض فقط بعض عناوين الكتاب ذات الدللة علي الدوامممة‬
‫التي اجتاحت أوربمما فممي ذلممك الحيممن بسممبب التنافسممات القوميممة ‪:‬‬
‫أحلم شارل الثامن ملك فرنسا – مقدمات التممدخل الفرنسممي فممي‬
‫إيطاليا – الزحف الفرنسي الخاطف علي إيطاليمما – نحمماج انسممحاب‬
‫الجيش الفرنسي مممن إيطاليمما – هزيمممة ملكممة نممابولي – بابمما جديممد‬
‫يكتل نصف أوربمما ضممد جمهوريممة البندقيممة – الحلممف المقممدس ضممد‬
‫فرنسا سنة ‪ – 1511‬انتصممار الفرنسمميين فممي معرفكممة رافنمما سممنة‬
‫‪ -1512‬توسيع قاعدة الحلف المقدس ضد فرنسا – انتكاس فرنسا‬
‫عسكريا – انتقام البابا – اطماع البابا – عودة إلممي سياسممة الحلف‬
‫العسكرية – القوات السويسرية تحسم الموقف لصالح حلف مالين‬
‫– اطماع فرنسوا الول ملك فرنسمما – موقعممة مارينيممان ونتائجهمما –‬
‫اشممتداد المنافسممة بيممن ملكممي فرنسمما وأسممبانيا علممي منصممب‬
‫المبراطور – انتخاب ملك أسبانيا إمبراطورا – عممودة إلممي الصممدام‬
‫المسلح – عدوان ثلثي علي فرنسا – معركة باقي ) ‪ 24‬من فبراير‬
‫‪ – ( 1525‬الموقف الداخلي فممي فرنسمما بعممد كارثممة بمماقي – حملممة‬
‫سممنة ‪ – 1528‬فرنسمما تحممرز انتصممارات خاطفممة – جيممش فرنسممي‬
‫جنوبي إيطاليا يضطر إلي التسليم – هزيمة جيش فرنسا في شمال‬
‫إيطاليا وأسر قائدة – أسباب التعجيل في عقد الصلح تجدد الحممرب‬
‫ومعركة سيريزول – استمرار الصراع بين فرنسا وأسبانيا علي عهد‬
‫هنممري الثمماني – الصممدام السممملح بيممن فرنسمما والمبراطوريممة –‬
‫استمرار الصراع الحربي علي عهد فيليب الثاني – البابا يورط ملمك‬
‫فرنسا في صدام مسلح ضد ملك أسبانيا الجديممد – فرنسمما تتعممرض‬
‫لهزيمة محققة – فرنسا تنتزع ثغر كالية من انجلترا – نهاية الحروب‬
‫اليطالية !!‬
‫وهذه كلها حرب واحممدة مممن الحممروب العديممدة الممتي جممرت فممي‬
‫أوروبا علي فترات متتابعة ‪ ..‬وتكفي حممروب نممابليون الشممهيرة مثل‬
‫ثانيا علي تلك الروح الشريرة التي اجتاحت أوربا منممذ ظهممرت فيهمما‬
‫حمي القومية ‪ ،‬ولسنا في حاجة إلي تتبع تفصيلتها فلن يزيدنا ذلممك‬
‫معرفممة بتلممك الممروح التعسممة ‪ ،‬كممما أن قصمة نممابليون بصممفة عامممة‬
‫معروفة عند كثير من القراء ‪.‬‬
‫ثممم جممد عامممل جديممد زاد مممن حممدة الصممراع ‪ ..‬ذلممك هممو الثممورة‬
‫الصناعية ‪..‬‬

‫ص ‪ 174-173‬من المرجع السابق‬ ‫‪1‬‬


‫إن " أخلق " الثممورة الصممناعية هممي " الخلق " اليهوديممة – أن‬
‫سميت هذه أخلقا – أي السعي إلي الربح بكل وسيلة مشممروعة أو‬
‫غير مشروعة ‪ ،‬ولم يكممن غيريبمما أن تتخلممق الثممورة الصممناعية بهممذه‬
‫الخلق الهابطة ‪ ،‬منذ كانت خاضعة للسيطرة اليهودية منذ نشأتها ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كما بينا في التمهيد الثاني من هذا الكتاب‬
‫ولما كانت القوميات قد اتجهممت اساسمما إلممي تحقيممق " المصممالح‬
‫القومية " بصرف النظممر تماممما عممن " المصممالح النسممانية " ‪ ..‬وإذا‬
‫كانت المصالح القومية مصالح مادية بالدرجة الولي ‪ ..‬فنستطيع أن‬
‫نتصور الحال حين تدخل القوميممات بصممراعاتها الماديممة فممي دوامممة‬
‫الثممورة الصممناعية ‪ ،‬فممإن هممذه الصممراعات لبممد أن تتضمماعف عممدة‬
‫مرات ‪ ،‬ول بد أن تأخذ صورة الصراع المادي البحت ‪..‬‬
‫وكانت " الفلسفة " التي قام عليها هذا الصراع – إن سميت هذه‬
‫فلسفة – هي الفلسفة الرأسمالية المتذرعممة بقممول الداروينيممة "‪" :‬‬
‫البقاء للصلح " ‪ 2‬ولممما كممانت كممل قوميممة تزعممم لنفسممها أنهمما هممي‬
‫الجدر بالبقاء ‪ ،‬وتريد أن تثبت ذلك بالفعممل ‪ ،‬فلنمما أن نتصممور كيممف‬
‫يعنف الصراع بين القوميات المختلفممة ويصممل إلممي حممد الوحشممية !‬
‫وتممموت فممي دوامممة الصممراع الوحشممي كممل المعمماني " النسممانية "‬
‫ويسمي هذا " تقدما" حسب التفسير الدارويني للحيمماة ‪ ،‬والتفسممير‬
‫المادي للتاريخ !‬
‫ومممع الثممورة الصممناعية الرأسمممالية المتلبسممة فممي ذات المموقت‬
‫بالقومية ‪ ،‬اتسعت رقعة " الستعمار ‪:‬‬
‫لقد كان الستعمال الوربي في منشئة دفعة صليبية بحتة‬
‫فحين سقطت الندلس في يممد المسمميحيين أصممدر البمماب قممرارا‬
‫بتقسيم أرض " الكفار " – أي المسلمين !‪ -‬إلي دولتين هما أسممبانيا‬
‫والبرتغال ‪ 3‬وقامت محاكم التفتيش بمجهود وحشي ضممخم للقضمماء‬
‫علي بقايا السلم في الندلس ‪ ،‬فاستخدمت أبشع وسائل التعممذيب‬
‫التي عفها التاريخ لمطاردة السلم في كل شبر من أرض ممما صممار‬
‫يسمي أسبانيا والبرتغممال ‪ ،‬حممتي صممارت الهينمممة فممي جمموف الليممل‬
‫مبررا لدخول رجال التفتيش أي بيت تسع فيه ‪ ،‬لنهمما مظنممة قممراءة‬
‫القرآن سرا في هداه الليل ‪ ،‬وصار وجود حمام في أي بيممت يممدخل‬
‫راجع فصل " دور اليهود في إفساد أوربا‬ ‫‪1‬‬

‫تفهم هذه العبارة خطأ علي أن " الصلح" هو الصلح خلقيا أو معنويا أو علي أساس أية قم رفيعة ‪ ،‬والتعبير في لغته‬ ‫‪2‬‬

‫الصلية ل يحمل شيئا من هذه المعاني فكلمة ‪ Fittest‬معناها ‪ :‬النسب " أي الذي يحمل المواصفات التي تجعله‬
‫يتفوق في الصراع الدائر بين الكائنات وبين البينة ‪ ،‬لن هذه المواصفات هي النسب للظروف البينية المحيطة فحين‬
‫يحدث الجفاف مثل يكون الكائن " النسب " هو النبات أو الحيوان الذي يحتمل العطش أكثر من غيره ‪ ..‬ولكنها‬
‫حملت معني " الصلح " من إيحاءات الداروينية العامة ‪.‬‬
‫كلمة البرتغال ‪ :‬برتقال هي كلمة عربية فقد كان المسلمون يسمون هذه المنطقة أرض البرتقال !‬ ‫‪3‬‬
‫رجال التفتيش مبررا لصمب أفظمع ألموان التعمذيب علمي اهلمه ‪،‬لن‬
‫الحمامممات داخممل الممبيوت كممانت فممي ذلممك المموقت خصيصممة مممن‬
‫خصائص المسلمين ! ومع ذلك كله فقداسممتغرق المممر مممائتي عممام‬
‫حتي أفلح التعذيب الوحشي في تنصير النممدلس كلهمما ‪ ،‬ومحممو كممل‬
‫أثر السلم فيها ‪.‬‬
‫ولما تم " رسميا" إزالممة الحكممم السمملمي – أي منممذ ‪ 1492‬م –‬
‫شجع الباب النصاري علي متابعة المسمملمين خممارج النممدلس ‪ ،‬فممي‬
‫حرب صليبية جديدة ‪ ،‬بغية القضاء علممي السمملم فممي كممل الرض ‪.‬‬
‫ولكن وجود الدولة العثمانية القوية في الشرق ‪ ،‬التي أزلت الدولممة‬
‫البيزنطية باستيلئها علي القسطنطينية عام ‪1453‬م ‪ ،‬لم يكن يتيممح‬
‫للحرب الصليبية الجديدة أن تتجه إلي الشممرق نحممو بيممت المقممدس‬
‫كما اتجهت الحروب الصليبية الولممي الفاشمملة ‪ ،‬فحمماولت الممدور أن‬
‫حول العالم السلمي من جهة الغرب ‪ ،‬وكممانت البرتغممال أول دولممة‬
‫استجابت للتحريض البابوي وسارعت إلي تنفيذ ‪.‬‬
‫في عام ‪ 1497‬قام فاسكودادجاما برحلته الشهيرة الممتي كشممف‬
‫فيها للوربيين طريق رأس الرجاء الصالح ‪ 1‬وبمعاونة البحار العربممي‬
‫المسلم " ابن ماجممد" وعلممي هممذي الخممرائط السمملمية للشممواطئ‬
‫الفريقية والسيوية ‪ ، 2‬دار فاسكوداجاما حممول افريقيمما متجهمما إلممي‬
‫الشرق حتي وصممل إلممي جممزر الهنممد الشممرقية ‪ ،‬وهنمما كقممال قممولته‬
‫الصليبية المشهورة ‪ ،‬التي تقطع بأن رحلته كما قيل عنها ‪ ،‬فقد قال‬
‫عند وصله إلي تلك الجزر " الن طوقن عنق السلم ‪ ،‬ولممم يبممق إل‬
‫جذب الحبل ليختنق فيموت !‬
‫وبعد ذلك تتابعت ‪ ":‬الكشوف " " وتتممابعت " الممرحلت العلميممة "‬
‫التي مهدت للستعمار الصليبي للعالم السلمي ‪..‬‬
‫ولما برزت القوميممات فممي أوربمما تلبسممت بممالروح الصممليبية تجمماه‬
‫المسلمين ن فأصممبح التنممافس يتمثممل – مممن بيممن ممما يتمثممل – فممي‬
‫التنافس علي استعمار العالم السلمي ‪ ،‬ومحاولة تنصير أهلممه عممن‬
‫طريق الحملت التبشيرية التي صاحبت الستعمار الصممليبي دائممما ‪،‬‬
‫ممهدة له أحيانا ‪ ،‬ومستندة إلي وجوده أحيانا ‪ ،‬ولكنهمما مصمماحبة لممه‬
‫علي الدوام !‬
‫وحتي حين أصبحت تلك القوميات "علمانية " تماما لم يؤثر ذلممك‬
‫في صليبية الحملت الستعمارية ول قللت مقممدار ذرة نممم النشمماط‬
‫كان هذا الطريق معروفا للمسلمين قبل ذلك بعدة قرون !‬ ‫‪1‬‬

‫كان لدي المسلمين خرائط دقيقة للشواطئ السيوية والفريقية يستخدمونها في رحلتهم التجارية من شوائط‬ ‫‪2‬‬

‫الصين شرقا إلي بريطانيا غربا وشمال‬


‫التبشيري المصاحب للستعمار الصليبي ‪.‬‬
‫وقد يبدو ذلك تناقضا لول وهلة ‪ ..‬فكيف تهمممل أوروبمما " الممدين"‬
‫في حياتها الخاصة ‪ ،‬ثم تتذكره في الهجوم علي العالم السمملمي ؟‬
‫الواقع أن الذي تذكرته أوروبا – ول تزال إلي هذه اللحظة تتذكره –‬
‫تجاه العالم السلمي ليس هو " الروح الدينية " فقد انسلخت أوربا‬
‫من دينها تماما ‪ ..‬إنما هو " الروح الصمليبية " الممتي كمانت ذات يمموم‬
‫متلبسة بالدين ‪ ،‬ولكنها ظلممت علممي ضممراوتها حممتي بعممد أن فقممدت‬
‫منبعهمما الصمملى ‪ ،‬وصممارت شمميئا قائممما بممذلته ‪ ،‬ل علقممة لممه بتممدين‬
‫أصحابه ‪ ..‬إنما هى كراهيممة وحقممد ومقممت للسمملم والمسمملمين ‪ ،‬ل‬
‫لحساب النصرانية كدين ‪ ،‬ولكن لحساب الوروبيين بوصفهم أعممداء‬
‫للمسلمين ‪.‬‬
‫يقول ليوبلدفايس )محمد أسد( فى كتابه " السلم علممى مفممترق‬
‫الطرق " ‪:‬‬
‫إن الصطدام العنيف الول بين أوروبة المتحدة مممن جممانب وبيممن‬
‫السلم من جانب آخر – أى الحروب الصليبية – يتفق مع بزوغ فجر‬
‫المدنية الوروبية ‪ .‬فى ذلك الحين أخممذت هممذه المدينممة – وكممانت ل‬
‫تزال على اتصال بالكنيسة – تشق سبيلها بعد تلك القرون المظلمة‬
‫التى تبعت انحلل رومية ‪ .‬حينذاك بممدأت آداب أوروبممة ربيعمما منممورا‬
‫جديدا ‪ .‬وكممانت الفنممون الجميلممة قممد بممدأت بالسممتيقاظ ببطممء مممن‬
‫سممبات خلفتممه هجممرات الغممزو الممتى قممام بهمما القمموط والهممون‬
‫والفاريون ‪ .‬ولقد استطاعت أوروبمما أن تتملممص مممن تلممك الحمموال‬
‫الخشنة فى أوائل القرون الوسطى ‪ ،‬ثم اكتسبت وعيا ثقافيا جديدا‬
‫‪ ،‬وعن طريق ذلك الوعى كسممبت أيضمما حسمما مرهفمما ‪ .‬ولممما كممانت‬
‫أوروبة فى وسط هذا المأزق الحرج حملتها الحروب الصليبية علممى‬
‫ذلك اللقاء العدائى بالعالم السمملمى ‪ ..‬إن الحممروب الصممليبية هممى‬
‫التى عينممت فممى المقممام الول والمقممام الهممم موقممف أوروبممة مممن‬
‫السلم لبضعة قرون تتلو ‪ ،‬فى العهممد الممذى كممانت فيممه الخصممائص‬
‫الثقافية الخاصة قد أخذت تعرض نفسها " ‪ ، "1‬وكانت ل تممزال فممى‬
‫طور تشكلها ‪ .‬والشعوب كالفراد ‪ ،‬إذا اعتبرنا أن المؤثرات العنيفة‬
‫التى تحدث فى أوائل الطفولة تظل مستمرا ظاهرا أو باطنمما مممدى‬
‫الحياة التالية ‪ ،‬وتظل تلك المؤثرات محفورة حفرا عميقا ‪ ،‬حتى إنه‬
‫ل يمكن للتجارب العقلية فى الدور المتأخر مممن الحيمماة ‪ ،‬والمتسممم‬
‫بالتفكير أكثر من اتسامه بالعاطفممة الممتى تمحوهمما إل بصممعوبة ‪ ،‬ثممم‬

‫" " يقصد ‪ :‬أخذت تظهر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫يندر أن تزول آثارها تماما ‪ .‬وهكممذا كممان شممأن الحممروب الصممليبية ‪،‬‬
‫فإنهمما أحممدثت أثممرا مممن أعمممق الثممار وأبقاهمما فممى نفسممية الشممعب‬
‫الوروبى ‪ .‬وإن الحمية الجاهلية العامممة الممتى أثارتهمما تلممك الحممروب‬
‫فى زمنها ل يمكن أن تقارن بشئ خبرته أوروبة ممن قبمل ول اتفمق‬
‫لها من بعد ‪..‬‬
‫" ومع هذا كله فإن أوروبة قد استفادت كثيرا من هذا النزاع ‪ .‬إن‬
‫" النهضة " أو إحياء الفنون والعلمموم الوروبيممة باسممتمدادها الواسممع‬
‫من المصادر السمملمية والعربيممة علممى الخممص ‪ ،‬كممانت تعممزى فممى‬
‫الكثر إلى التصممال المممادى بيممن الشممرق والغممرب ‪ .‬لقممد اسممتفادت‬
‫أوروبة أكثر مما استفاد العالم السلمى ‪ ،‬ولكنهمما لممم تعممترف بهممذا‬
‫الجميل ‪ :‬وذلك بأن تنقص من بغضائها للسلم ‪ ،‬بل كان المر على‬
‫العكس ‪ ،‬فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن ‪ ،‬ثم اسممتحالت‬
‫عادة ‪ .‬ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشممعبى كلممما ذكممرت‬
‫كلمة " مسلم " ولقد دخلت فى المثال السائرة عندهم حتى نزلت‬
‫فى قلب كل أوروبى ‪ ،‬رجل كان أم امرأة ‪ .‬وأغرب من هذا كله أنها‬
‫ظلت حية بعد جميع أدوار التبممدل الثقممافى ‪ .‬ثمم جمماء عهممد الصمملح‬
‫الدينى حينما انقسمت أوروبممة شميعا ‪ ،‬ووقفمت كممل شميعة مدججممة‬
‫بسلحها فى وجه كل شيعة أخرى ‪ ،‬ولكن العداء للسلم كان عاممما‬
‫فيها كلها ‪ .‬وبعدئذ جاء زمن أخممذ الشممعور الممدينى فيممه يخبممو ولكممن‬
‫العداء للسلم استمر ‪.‬‬
‫" ولقد يتساءل بعضهم فيقول ‪ :‬كيف يتفق أن نفممورا قممديما مثممل‬
‫هذا – وقد كان دينيا فى أساسه وممكنا فى زمانه بسبب السمميطرة‬
‫الروحية للكنيسممة النصممرانية – يسممتمر فممى أوربممة فممى زمممن ليممس‬
‫الشعور الدينى فيه إل قضية من قضايا الماضى !‬
‫" ليست مثل هذه المعضمملت موضممع اسممتغراب أبممدا ‪ ،‬فممإنه مممن‬
‫المشهور فى علم النفس أن النسممان قممد يفقممد جميممع العتقممادات‬
‫الدينيممة الممتى تلقنهمما أثنمماء طفممولته ‪ ،‬بينممما تظممل بعممض الخرافممات‬
‫الخاصممة – والممتى كممانت مممن قبممل تممدور حممول هممذه العتقممادات‬
‫المهجورة – فى قوتها تتحدى كل تعليل عقلى فى جميع أدوار ذلممك‬
‫النسان ‪ ،‬وهذه حال الوروبيين مع السمملم ‪ .‬فعلممى الرغممم مممن أن‬
‫الشعور الدينى الذى كان السبب فى النفور من السمملم قممد أخلممى‬
‫مكانه فى هذه الثنمماء لستشممراف علممى الحيمماة أكممثر ماديممة ‪ ،‬فممإن‬
‫النفور القديم نفسه قد بقى عنصرا من الوعى الباطنى فممى عقممول‬
‫الوروبيين ‪ .‬وأما درجة هذا النفور فإنها تختلف بل شك بيمن شمخص‬
‫وآخر ‪ ،‬ولكن وجوده ل ريب فيممه ‪ .‬إن روح الحممرب الصممليبية – فممى‬
‫شكل مصغر على كل حال – ما زال يتسكع فوق أوروبة ‪ ،‬ول تممزال‬
‫مدنيتها تقف من العالم السملمى موقفمما يحممل آثمارا واضممحة ممن‬
‫ذلك الشبح المستميت فى القتال " " ‪. "1‬‬
‫ويقول " ولفرد كممانتول سممميث " المستشممرق الكنممدى المعاصممر‬
‫فى كتاب " السلم فى التاريخ الحديث ‪: Islam in Modern History‬‬
‫" إلى أن قام كارل ماركس وقامت الشيوعية ‪ ،‬كان النبى )يقصد‬
‫السلم( هو التحدى الحقيقى الوحيد للحضارة الغربية الذى واجهتممه‬
‫فى تاريخها كله ‪ ،‬وإنه لمن المهم أن نتممذكر كممم كممان هممذا التحممدى‬
‫حقيقيا ‪ ،‬وكم كان يبدو فى يوم من اليام تهديدا خطيرا حقا ‪.‬‬
‫" لقد كان الهجوم مباشرا ‪ ،‬فى كل الميدانين الحربى والعقيدى ‪،‬‬
‫وكان قويا جمدا ‪ .‬ول شمك أنمه بالنسمبة للمسملمين يبممدو أنمه الحممق‬
‫والصواب ‪ ،‬والمر الطبيعى المحتوم ‪ ،‬أن يمتد السمملم كممما امتممد ‪.‬‬
‫ولكن المر كان مختلفا بالنسبة لشخص الواقع خارج نطاق السلم‬
‫‪ ،‬الذى لم يكن يرى فيه شيئا مممن ذلممك كلممه ‪ ،‬والممذى كممان التوسممع‬
‫السلمى يقع على حسابه ‪ .‬وقد كان هذا التوسع إلى حد كبير على‬
‫حسمماب الغممرب ‪ .‬فقممد فقممدت المسمميحية دفعممة واحممدة " أجمممل‬
‫مقاطعات المبراطورية الرومانية " لتتسلمها منها القموة الجديمدة ‪،‬‬
‫وكانت فى خطر من ضياع المبراطورية بكاملها ‪ .‬وعلى الرغم مممن‬
‫أن القسطنطينية لم تقممع – تماممما – فممى يممد الجيمموش العربيممة كممما‬
‫وقعت مصر وسوريا ‪ ،‬فقد استمر الضغط عليها فترة طويلة ‪ .‬وفممى‬
‫موجة التوسع السلمى الثانيممة وقعممت القسممطنطينية بالفعممل سممنة‬
‫‪ ، 1453‬وفى قلب أوروبا المفزعة ذاتها أحمماط الحصممار بفينمما سممنة‬
‫‪ 1529‬بينما ظممل الزحممف الممذى بممدأ عنيممدا ل يليممن ‪ ،‬مسممتمرا فممى‬
‫طريقه ‪ .‬وحدث ذلك مرة أخرى فى وقت قريب لممم يتطمماول عليممه‬
‫العهممد فممى سممنة ‪ ، 1683‬وإن وقمموع تشيكوسمملوفاكيا فممى قبضممة‬
‫الشيوعية عام ‪ 1948‬لم يكن له قط فى العصر الحديث ذلك الفزع‬
‫فى نفوس الغرب المتهيب ‪ ،‬كما كان لذلك الزحممف المسممتمر قرنمما‬
‫بعد قرن ‪ ،‬من تلك القوة الضممخمة المهممددة الممتى كممان ل تكممف ول‬
‫تهدأ ويتكرر انتصارها مرة بعد مرة ‪.‬‬
‫" وكما هو المر ممع الشميوعية كمذلك كمان التهديمد والنتصمارات‬
‫)السلمية( قائمين فى عالم القيم والفكار أيضا ‪ .‬فقد كان الهجوم‬
‫السلمى موجها إلى عالم النظريات كما هو موجه إلى عالم الواقع‬
‫" " السلم على مفترق الطرق ‪ ،‬ترجمة عمر فروخ ‪ ،‬مقتطفات من ص ‪. 59 – 52‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ..‬وقد عملت العقيدة الجديدة بإصرار علممى إنكممار المبممدأ الرئيسمى‬
‫للعقيدة المسيحية ‪ ،‬التى كممانت بالنسممبة لوروبمما العقيممدة السممامية‬
‫التى أخذت فى بطء تبنى حولها حضارتها ‪ ..‬وكان التهديد السمملمى‬
‫موجهمما بقمموة وعنممف وكممان ناجحمما ومكتسممحا فممى نصممف العممالم‬
‫المسمميحى تقريبمما ‪ ..‬والسمملم هممو القمموة اليجابيممة الوحيممدة الممتى‬
‫انتزعت من بين المسيحيين أناسا دخلوا فى الدين الجديد وآمنوا به‬
‫‪ ..‬بعشرات المليين ‪ .‬وهو القوة الوحيممدة الممتى أعلنممت أن العقيممدة‬
‫المسمميحية ليسممت مزيفممة فحسممب ‪ ،‬بممل إنهمما تممدعو إلممى التقممزز‬
‫والنفور ‪.‬‬
‫" وإنه لمن المشكوك فيه أن يكون الغربيون – حتى أولئك الذين‬
‫ل يدركون إطلقا أنهم اشتبكوا فى مثل هذه المور – قد تغلبوا قط‬
‫على آثمار ذلمك الصمراع الرئيسمى المتطماول الممد ‪ ..‬أو علمى آثمار‬
‫الحروب الصليبية التى استغرقت قرنيممن مممن الحممرب " العقيديممة "‬
‫العدوانية المريرة " " ‪. "1‬‬
‫وفى هذا وذاك تفسير لهذه الظاهرة التى تبدو غريبة لول وهلة ‪،‬‬
‫وهى أن أوروبا قد أهملت الدين فى حياتها ‪ ،‬ولكنها لم تنس الممروح‬
‫الصليبية التى أججتها ظممروف الحممرب والصممراع فممى نفوسممهم مممن‬
‫قديم ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وحين قامت الثورة الصناعية اتسم " الستعمار " عامممة بالصممبغة‬
‫القتصادية لنه كان بحثا عن الموارد الرخيصة من جهة ‪ ،‬والسممواق‬
‫المضمونة لتوزيع فائض النتاج من جهة أخرى ‪ ..‬وشمممل السممتعمار‬
‫كل أرض مستضعفة سواء كممانت أرضمما إسمملمية أو غيممر إسمملمية ‪.‬‬
‫ومع ذلك لممم ينممس الصممليبيون صممليبيتهم إزاء المسمملمين ‪ .‬فحيثممما‬
‫كممانت الرض المسممتعمرة غيممر إسمملمية اكتفممى السممتعمار بنهممب‬
‫الخيرات وتوزيع فممائض النتمماج ‪ ..‬أممما حيممث تكممون الرض إسمملمية‬
‫فالعناية الولى موجهة لمحممو السمملم عممن طريممق التبشممير والغممزو‬
‫الفكممرى ومناهممج التعليممم الممتى تفممرض علممى المسمملمين ووسممائل‬
‫العلم التى توجه إليهم ‪ .‬ثم يأتى بعممد ذلممك نهممب الخيممرات وتوزيمع‬
‫فائض النتاج ‪ .‬وخير مثال لذلك اسممتعمار البريطممانيين للهنممد ‪ .‬فقممد‬
‫كان أول عمل لهم هناك هو إزالة الحكم السلمى فممى الهنممد ‪ .‬ثممم‬
‫تركمموا الهنممود لمعتقممداتهم وعمماداتهم وتقاليممدهم لممم يتعرضمموا لهممم‬
‫" " ص ‪ 110 – 109‬من الصل النجليزى الطبعة الولى سنة ‪1957‬م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫بشئ ‪ ،‬ووجهت الحرب الضارية ضد المسلمين وحدهم ‪ ،‬فصممودرت‬
‫الوقمماف المرصممودة للتعليممم السمملمى فجفممت منممابعه ‪ ،‬وحممورب‬
‫المسلمون فى الوظائف العامة وأعطيممت للمموثنيين الهنممود ‪ ،‬ووجممه‬
‫الغزو الفكرى ضد المسلمين لخراجهم من حقبة السلم !‬
‫وأيا ما كان المر فقد ارتبطت القوميممات فممى أوروبمما بالسممتعمار‬
‫بكممل سممفالته ‪ ،‬وكممل بشمماعاته ‪ ،‬ونشممبت الحممروب بيممن القوميممات‬
‫المختلفة أبشممع ممما تكممون ‪ ..‬وصممارت نهايممة المممر حروبمما عالميممة ‪،‬‬
‫تشترك فيها كل القوميات ‪ ،‬ويصلها العالم كله بذنب وبغير ذنب ‪.‬‬
‫فى الحرب الكبرى الولى التى استمرت مممن ‪1918 – 1914‬م‬
‫قتل عشرة ملييممن شمماب ‪ ،‬غيممر الممذين شمموهوا أو أصمميبوا إصممابات‬
‫تقعدهم عن العمل ‪ ،‬واستخدمت الغازات السامة والقنابل المحرقة‬
‫وغيرها من الوسائل الجرامية ‪ ،‬التى لم تجممد أوروبمما فممى ضممميرها‬
‫حرجمما مممن اسممتخدامها ‪ ،‬لن الغايمة تممبرر الوسمميلة ‪ ،‬ولن المصممالح‬
‫القومية مقدمة على كل اعتبار !‬
‫صحيح أنه كان هناك تكتممل بيممن مجموعممة مممن القوميممات سمممت‬
‫نفسها " الحلفاء " لنهمما – فممى لحظممة مممن اللحظممات – وجممدت أن‬
‫مصالحها القوميممة – رغممم اختلفهمما فيممما بينهمما وتنافسممها – تقتضممى‬
‫التجمع لتحقيق هدف مشترك ‪ ..‬وكان الهممدف فممى الحممرب الولممى‬
‫مزدوجا ‪ :‬القضاء على الدولة العثمانيممة والخلفممة السمملمية – لمممر‬
‫يراد " ‪ - "1‬والقضاء على القومية اللمانية التى تطممالب بممأن يكممون‬
‫لها مستعمرات كما لبقية القوميات مستعمرات ‪!! ..‬‬
‫وربما يظن النسان لول وهلة أن أوروبا قد فطنممت إلممى حماقممة‬
‫التجمممع القممومى وممما يممؤدى إليممه مممن فسمماد فممى الرض وتقطيممع‬
‫للروابط النسانية فأنشممأت تجمعمما جديممدا علممى أسمماس المبممادئ ل‬
‫على أساس القوميات ‪ ..‬أو هكذا قممالوا هممم فممى دعايمماتهم ! ولكممن‬
‫الحقيقة أن التجمع الجديد كان هو أيضمما تجمممع مصممالح يتسممتر وراء‬
‫المبادئ ‪ ،‬ويريد لمجموعة من الشعوب ‪ ،‬أو مجموعة من القوميات‬
‫على الصح ‪ ،‬أن يكون لها السيطرة على العالم ‪ ،‬وحممدها مممن دون‬
‫العالمين ‪ ..‬لمر يراد !‬
‫وتم – على أى حال – لهذا التجمع ما أريد له مممن السمميطرة فممى‬
‫الرض ما يقرب من عشرين عاما ‪ ،‬حممتى قممامت الحممرب العظمممى‬
‫الثانية ‪ ،‬التى استمرت مممن عممام ‪ 1939‬إلممى عممام ‪1945‬م ‪ ،‬وقتممل‬
‫فيهمما أربعممون مليونمما مممن الشممباب ‪ ،‬غيممر المممدن الممتى دمممرت ‪،‬‬
‫" " سيأتى بيان هذا المر فى سياق الحديث ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫والمدنيين الذين قتلوا فى الغارات الجوية ‪ ..‬وغير قنبلتى هيروشيما‬
‫ونجازاكى الذريتين ‪ ،‬اللتين قضتا على الوجود الحى كلممه مممن نبممات‬
‫وحيوان وإنسان فى مسمماحة واسممعة مممن الرض ‪ ،‬وممما تممزال تولممد‬
‫أجنممة مشمموهة مممن أثممر الشممعاع الممذرى السممام الممذى انتشممر مممن‬
‫القنبلتين فى أماكن بعيدة عن مكان النفجممار ‪ ،‬بعممد ممما يقممرب مممن‬
‫أربعين عاما من الحدث البربرى الفظيممع ‪ ،‬الممذى سمممح بممه الضمممير‬
‫المريكى بل تحرج ول تأثم تأمينا " لمصالح " ذلك التجمع الشممرير !‬
‫وما كان التجمع الخممر الممذى انهممزم بأقممل شممرا ول خبثمما ول انعممدام‬
‫إنسانية عن التجمع الذى انتصر ! فلو أن هتلر سبق إلممى اسممتكمال‬
‫القنبلممة الذريممة قبممل أن يممداهمه " الحلفمماء " ويسممرقوا " العلممماء "‬
‫الذين يعملون فى صنعها ‪ ،‬لكان قمينا أن يفعل بها مثل ما فعلمموا أو‬
‫أشد !‬
‫وبرز من الحرب الثانية " معسكران " مختلفان ‪ ،‬هممما المعسممكر‬
‫الشمميوعى والمعسممكر الرأسمممالى ‪ ،‬يبممدو فممى ظمماهر المممر أنهممما‬
‫تجمعان قائمممان علممى " مبممادئ " مختلفممة ‪ ..‬خاصممة وأن الشمميوعية‬
‫على القل تحمل مبادئ محددة ‪ ،‬وتحمل دعوة عالميممة لنشممر هممذه‬
‫المبادئ فى الرض ‪.‬‬
‫وقد مر بنا الرأى فى هذا الختلف وهل هو فى الجوهر الحقيقممى‬
‫أم فى القشممرة القتصممادية والسياسممية والجتماعيممة ‪ ..‬ولكممن هممذا‬
‫ليس معرض حديثنا هنا ‪ ..‬إنما نتكلم عن " المبادئ النسانية " التى‬
‫تقوم عليها هذه المجتمعات أو تزعم أنها تقوم عليها !‬
‫تعلممن الشمميوعية – دائممما – أن الممدين ل يجمموز أن يكممون أساسمما‬
‫للتجمع ! إنما هو الثار البالية التى أحممدثتها عصممور الممرق والقطمماع‬
‫والرأسمالية ‪ ..‬وأن تصحيح الوضاع الذى تحممدثه الشمميوعية يقضممى‬
‫على تلك الثار البالية ‪ ،‬ويقيم مجتمعا إنسانيا " حممرا " ل تقمموم فيممه‬
‫التفرقممة علممى أسمماس الممدين ‪ ..‬وطالممما أبممدت رأيهمما صممريحا فممى‬
‫استنكار رغبة المسلمين فى شبه القارة الهندية فى إنشمماء دولممة "‬
‫إسلمية " وقالت إن هذه اتجاهات رجعية ل ينبغى تشجيعها ‪.‬‬
‫ثم قامت الدولممة اليهوديممة عممام ‪1948‬م ‪ ،‬علممى أسمماس الممدين ‪،‬‬
‫فهى من منشئها ‪ ،‬أو من منشأ الدعاية لها وطن " لليهود " ودولة "‬
‫لليهود " وتجمع " لليهود " ‪.‬‬
‫وفى منتصف الليل ‪ ،‬بتوقيت المنطقة الممتى أقيمممت فيهمما الدولممة‬
‫اليهوديممة ‪ ،‬أعلنممت أمريكمما اعترافهمما بالدولممة ‪ ،‬وبعممد عشممر دقممائق‬
‫اعترفت روسيا ! روسيا القائمة على أساس " المبادئ " التى تنكممر‬
‫قيام أى تجمع على أساس الدين !‬
‫ومنذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظممة ‪ ،‬تجتمممع أمريكمما الرأسمممالية‬
‫المبريالية التوسعية الرجعية ‪ ،‬وروسيا الشيوعية العقائدية التقدمية‬
‫علممى الوقمموف فممى صممف إسممرائيل وعممدوانها المسممتمر الممذى لممم‬
‫ينقطع ‪ ،‬ضد العرب والمسلمين !‬
‫ثم تختصم روسيا وأمريكا فى كل شئ عدا ذلك ‪ ،‬ففممى أى شممئ‬
‫تختصمان ؟!‬
‫على إقامة الحق والعدل فى الرض ؟!‬
‫على تقرير حرية الشعوب فى اختيار مصيرها ؟!‬
‫كذلك تقول الدعاية المستمرة من الجممانبين ‪ ..‬ولكممن ممما حقيقممة‬
‫الواقع ؟‬
‫ما الذى يحدث حين تمس المصالح القومية لمريكا أو لروسمميا ‪..‬‬
‫أو يقف حائل دون " التوسع " و" السيطرة " و" السلطان " ؟!‬
‫إنهما تختصمان على توزيمع " منماطق النفموذ " فمى العمالم ‪ ..‬أى‬
‫تختصمان على توزيع " المستضعفين فى الرض " هل يكونون فممى‬
‫هممذا المعسممكر أم ذاك المعسممكر ‪ ،‬وكلتاهممما ل تسمممح لحممد مممن "‬
‫الخاضعين لنفوذها " أن يتحرر ويقرر لنفسه مصيره ‪.‬‬
‫كيممف فعلممت روسمميا فممى المجممر حيممن أرادت الخيممرة أن تختممار‬
‫مصيرها بنفسها وترجع عن الشيوعية عممام ‪1956‬م ؟ كيممف هممدمت‬
‫الدبابات الروسية البيوت علممى أصممحابها تأديبمما لهممم علممى تجرؤهممم‬
‫على هذا العمل الشنيع الذى ارتكبوه ؟‬
‫وكيف فعلت حين أراد العمل فى بولندا ‪ ،‬الذين تزعممم الشمميوعية‬
‫أنها قمت لتحريرهممم ورد الحقمموق المغتصممبة إليهممم ‪ ..‬كيممف فعلممت‬
‫حين أراد هؤلء العمال أن يعلنوا أن الشيوعية لم تحقق مطممالبهم ‪،‬‬
‫ولممم تممرد إليهممم إنسممانيتهم الضممائعة ‪ ،‬وأنهممم فممى ظلهمما مقهممورون‬
‫مظلومون مسحوقون ‪،‬وأن لهم " مطممالب " يريممدون تحقيقهمما فممى‬
‫مقدمتها ممارسة الحرية ‪ ،‬والمشاركة فى إدارة دفة المور ؟!‬
‫أما أمريكا ودورها الستعمارى ‪ ،‬ودور أجهزتهمما الخفيممة فممى نشممر‬
‫الفساد فى الرض عممن طريممق النقلبممات العسممكرية ‪ ،‬الممتى يختممار‬
‫أصحابها من غلظ الكباد قساة القلمموب المرضممى بجنممون العظمممة‬
‫المتعطشين إلى السلطة لينفذوا لها مخططاتها فى إذلل الشعوب‬
‫وجرها إلى العبودية ‪ ..‬فأمر غنى عن البيان ‪ .‬وإن كممان الممذى يغيممب‬
‫عن أذهان كثير من الناس مداراة كل من المعسكرين علممى عميممل‬
‫المعسممكر الخممر ومممده بالمسمماعدة حيممن يكممون دوره هممو تذبيممح‬
‫المسلمين والقضاء على حركات البعث السلمى !‬
‫وتلممك هممى المجتمعممات الممتى قممامت فممى العممالم علممى أسمماس‬
‫قومى ‪ ..‬وإن تسترت أحيانا وراء مختلف العناوين !‬
‫‪m m m‬‬

‫إلى هنا كنا نتحدث عن القوميات والوطنيممات فممى أوروبمما ‪ ،‬كيممف‬


‫نشأت وكيف تطورت خلل التاريخ الحديث والمعاصر ‪ ،‬وما كان من‬
‫آثارهمما الشممريرة فممى حيمماة العممالم كلممه ‪ ،‬حيممن صممارت " المصممالح‬
‫القومية " هى الصل المعترف به فى حيمماة النمماس ‪ ،‬علممى حسمماب‬
‫القيم والمبادئ وكل ومعنى من معانى " النسانية " عرفته البشرية‬
‫فى يوم من اليام ‪..‬‬
‫ولكن هناك جانبا من الموضوع ما زال فى حاجة إلى بيان ‪ ..‬ذلك‬
‫هو " تصدير " دعاوى القومية والوطنية إلى الشرق السلمى !‬
‫ولممن نتحممدث عنمما عممن " العممدوى " الممتى جمماءت إلممى المعممالم‬
‫السلمى من أوروبا حين ضمعف المسملمون وتخلموا عمن مقوممات‬
‫حياتهم الصيلة ‪ ،‬وانبهرا بما عند الغرب ‪ ،‬وتابعوه فى انحرافاته ظنا‬
‫منهم أن هذا هو الطريمق المذى يخلصمهم ممن ضمعفهم وتخلفهمم ‪..‬‬
‫فذلك مبحث آخر نعالجه فى غير هذا الكتاب " ‪ "1‬ولكن نتحدث عن‬
‫التصدير المتعمد لهذه التيارات من أوروبا إلى العالم السلمى ‪.‬‬
‫حين وقع لويس التاسع فى السر فى الحممروب الصممليبية الولممى‬
‫وسجن فى سجن المنصورة أيام الملك الصالح نجم الممدين أيمموب ‪،‬‬
‫جعل يتفكر فى سجنه ويتدبر ‪ ..‬فلممما فممك أسممره وعمماد إلممى قممومه‬
‫حدثهم بما هداه إليه فكره ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬إن التغلب على المسلمين‬
‫بالسلح وحده أمر غير ممكن ‪ ..‬وإن إلممى أوروبمما إذا أرادت التغلممب‬
‫على المسلمين أن تحاربهم من داخل نفوسهم ‪ ،‬وأن تقتلع العقيممدة‬
‫السلمية من قلوبهم ‪ ..‬فهذا هو الطريق !‬
‫ووعى الصليبيون المحدثون نصميحة الصمليبى القمديم حيمن بمدأوا‬
‫جولتهم الصليبية الثانية ضد العالم السلمى ‪ .‬فجمماءوا – ل بالسمملح‬
‫وحده كما جاؤوا فى المرة الولى – ولكن بما هو أخطممر منممه كممثيرا‬
‫وأشد فاعلية ‪ ،‬ذلك هو " الغمزو الفكمرى " المذى يهمدف إلمى اقتلع‬
‫العقيدة من قلوب المسلمين ‪ ،‬وتحويلهم عن صراط اله المسممتقيم‬
‫إلى سبل الشيطان ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬
‫سب ُ َ‬ ‫م ْ‬
‫طي ُ‬‫صَرا ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫}وَأ ّ‬
‫" " انظر كتاب " واقعنا المعاصر " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[6/153‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬
‫ن َ‬
‫عَ ْ‬
‫يقول شاتلييه فى مقدمة كتاب " الغارة على العممالم السمملمى "‬
‫)تعريب محب الدين الخطيب( ‪:‬‬
‫" ول شك فى أن إرساليات التبشير مممن بروتسممتانتية وكاثوليكيممة‬
‫تعجز عن أن تزحزح العقيدة السلمية من نفوس منتحليهمما ول يتممم‬
‫ذلك إل ببث الفكار التى تتسرب مممع اللغممات الوروبيممة ‪ .‬فبنشممرها‬
‫اللغات النجليزية واللمانيممة والهولنديممة والفرنسممية يحتممك السمملم‬
‫بصحف أوروبمما ‪ ،‬وتتمهممد السممبيل لتقممدم إسمملمى مممادى ‪ ،‬وتقضممى‬
‫إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية السلمية التى لممم‬
‫تحفظ كيانها وقوتها إل بعزلتها وانفرادها " ‪.‬‬
‫وقد كممانت دعمماوى القوميممة والوطنيممة المصممدرة عممن عمممد إلممى‬
‫العالم السلمى ‪ ،‬من بين وسممائل الغممزو الفكممرى الممذى اسممتخدمه‬
‫الصليبيون المحدثون فممى " غممزو العممالم السمملمى " كممما سمممى "‬
‫شاتلييه " كتابه السالف الذكر " ‪. " 1‬‬
‫والهدف ممن ذلمك واضمح ول شمك ‪ ..‬فطالمما كمان المسملمون "‬
‫مسلمين " فسيصعب على الغممزاة ابتلعهممم مهممما كممانوا عليممه مممن‬
‫الضعف والتخلف ‪ .‬ذلك أن العقيممدة السمملمية عقيممدة جهمماد ‪ .‬وقممد‬
‫ذاق الفرنسمميون فممى الشمممال الفريقممى وذاق النجليممز فممى الهنممد‬
‫وغيرها من أقطار أفريقيا وآسيا من عقيدة الجهاد هممذه ممما ل يممزال‬
‫عالقمما بنفوسممهم برغممم كممل الضممعف والتخلممف الممذى كممان عليممه‬
‫المسلمون ‪ .‬فاقتلع هذه العقيدة واستبدال غيرها بها أمر ذو أهميممة‬
‫بالغممة ‪ ،‬وسمماء مممن وجهممة النظممر لصممليبية أو مممن وجهممة النظممر‬
‫الستعمارية البحتة ‪ ،‬فالمسلمون ل يقبلون الستعمار ول يرضممخون‬
‫له طالما كانوا " مسلمين " ‪ .‬فإذا اجتمعممت وجهممة النظممر الصممليبية‬
‫ووجهة النظر السممتعمارية تجمماه السمملم – كممما هممو واقممع المممر –‬
‫كانت الرغبة فى اقتلع هذه العقيممدة أكممد ‪ ،‬والعمممل علممى اسممتبدال‬
‫غرها بها أعنف وأشد ‪.‬‬
‫وبالفعل بذرت بذور الوطنية أول فى العممالم السمملمى ‪ .‬ثممم جمماء‬
‫دور القومية بعد ذلك )لظروف سنبينها بعد قليل( فحققت أكثر مممن‬
‫هدف فى وقت واحد ‪..‬‬
‫كممان الهممدف الول هممو تحويممل حركممات الجهمماد السمملمى ضممد‬
‫الستعمار الصليبى إلى حركات وطنية ‪ ،‬كما فعل سعد زغلممول فممى‬
‫مصر وغيره من الزعماء " الوطنيين " على اتساع العالم السلمى‬
‫" " الكتاب فى أصله الفرنسى يسمى " ‪ " La Conquette du Monde Musulman‬أى غزو العالم السلمى ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪1‬‬

‫المعرب اختار له اسم " الغارة على العالم السلمى " ‪.‬‬
‫‪ .‬والحركة الوطنية تفترق عن حركة الجهاد السلمى بممادئ ذى بممدء‬
‫فى أنها ل تنظر إلى " العدو " على أنه " صممليبى مسممتعمر " ولكممن‬
‫علممى أنممه " مسممتعمر " فقممط ‪ ..‬وفممرق واضممح فممى درجممة العممداء‬
‫وطريقة المجاهدة بين أن يكون العدو منظورا إليممه علممى حقيقتممه ‪،‬‬
‫وبين أن يكون مغلفا برداء الستعمار فحسب ‪.‬‬
‫والهدف الثانى هو تحويل حركات الجهاد السلمى إلى حركممات "‬
‫سياسية " عن طريق تحويلها إلى حركات وطنية ‪ ..‬فالعدو غير قادر‬
‫على " التفاهم " مع الحركات السلمية ‪ :‬لنه ل سبيل إلى التفمماهم‬
‫معها فى الحقيقة إل بإخراج ذلمك العمدو خمارج البلد ‪ ،‬ومممن ثممم فل‬
‫سبيل إلى استعمال " السياسة " من جممانب العممدو ‪ .‬أممما الحركممات‬
‫الوطنيممة فالتفمماهم معهمما سممهل وممكممن ! وعممود مممن المسممتعمر‬
‫بالجلء ‪ ،‬ويأتى الوقت الموعود فيتذرع المسممتعمر بشممتى المعمماذير‬
‫لتأجيل جلئه ‪ ،‬ويعطى وعودا جديدة يعتر عنها بدورها إذا جاء دورها‬
‫‪ ..‬والساسة " الوطنيون " يغضبون – أو يتظاهرون بالغضب لرضمماء‬
‫الجماهير ! – والجماهير تثور ثورة صاخبة – لكنها فارغممة – سممرعان‬
‫ما تنطفى بعد الستماع إلى خطبة رنانة مممن الزعيممم المموطنى يعممد‬
‫فيها بأنه لم يفرط فى شبر من الرض ‪ ،‬ولممم يرضممى بغيممر " الجلء‬
‫التام أو الموت الزؤام " ! " ‪ "1‬وبين هذا وذاك تجرى " مفاوضات "‬
‫بن السياسة والستعمار تنتهى إلى أشياء تافهة يلعممب بهمما الساسممة‬
‫على عقول الجماهير فيوهمونها أنها " مكاسب وطنية " وقد تنتهممى‬
‫إلى غير شئ على الطلق ‪ ،‬ومع ذلك يقول زعيممم يعتممبر مممن كبممار‬
‫الزعماء الوطنيين فى العممالم السمملمى فممى العصممر الحممديث وهممو‬
‫سعد زغلول ‪ " :‬خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة النجليز ! " ويقول‬
‫" النجليز خصوم شرفاء معقولون " !! وهو شئ ما كممان يمكممن أن‬
‫يحدث لو بقيت حركة الجهاد السلمية كما كانت فى مبممدئها ‪ ،‬ولممم‬
‫تتحول إلى حركة وطنية على يد الزعيم الكبير !‬
‫والهدف الثالث هو تيسممير عمليممة " التغريممب " مممن خلل تحويممل‬
‫حركة الجهاد السلمى إلى حركممة وطنيممة سياسممية ‪ ..‬فحيممن تقمموم‬
‫حركة الجهاد على أساس إسلمى يكممون البمماب موصممدا تماممما بيممن‬
‫المجاهممدين وعممدوهم ‪ ،‬ل يأخممذون شمميئا مممن فكممره ول عقممائده ول‬
‫تقاليده ول أنماط سلوكه المنافية للسلم ‪ .‬أما حين يتحممول الجهمماد‬
‫إلى حركة وطنية سياسية فالحاجز أرق ‪ ،‬يسمممح بالخممذ ‪ ..‬ومعمماذير‬
‫الخذ كثيرة ‪ ،‬فقد قال " أستاذ الجيل " لطفى السمميد ‪ :‬إن النجليممز‬

‫" " كانت تلك من هتافات الحركة الوطنية فى مصر !‬ ‫‪1‬‬


‫هم أولياء أمورنا فى الوقت الحاضر ‪ .‬وليس السممبيل أن نحمماربهم ‪،‬‬
‫بل السبيل أن نتعلم منهم ‪ ،‬ثم نتفاهم معهم!!" ‪"1‬‬
‫وأى شئ تعلم المصريون من النجليز ؟ هل تعلموا منهم جلممدهم‬
‫على العمممل وانضممباطهم فيممه ؟ أم تعلممموا منهممم السممكر والعربممدة‬
‫وفساد الخلق ؟‬
‫إنممما يتعلممم الولممى " المجاهممد " لن المجاهممد يتعلممم مممن عممدوه‬
‫فضائله إن كانت له فضائل ‪ ،‬أما " السياسى " المتسمميب فممالرذائل‬
‫أفرب إلى قلبه لنها سهلة ل تكلف جهدا ول تحتاج إلى مجاهدة !‬
‫وعملية التغريب – أو الغزو الفكرى – كانت أهم ما يحممرص عليممه‬
‫الصليبى المستعمر ‪ ..‬فحين يفقد المسلم شخصيته السمملمية فممإنه‬
‫يفقد فى الحقيقة نقطة ارتكازه ‪ ..‬ومن ثم فإنه يتهاوى ويضيع ‪.‬‬
‫حين يظل المسلم مسلما فإنه يمكن أن " يسممتعير " مممن العممالم‬
‫حوله ما يحس أنه فى حاجة إليممه ‪ ،‬دون أن يفقممد شخصمميته ‪ ،‬ودون‬
‫أن يفقد استعلءه الذى يستمده من اليمان ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{(139‬‬ ‫ممؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ُْتم ْ‬ ‫م ال َعَْلموْ َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫حَزُنموا وَأن ُْتم ْ‬
‫}َول ت َهُِنموا َول ت َ ْ‬
‫]سورة آل ‪[3/139‬‬
‫وذلك ما فعله المسلمون الوائل حين بدأوا ينشممئون حضممارتهم ‪،‬‬
‫فقد كانوا فى حاجة إلى أشياء ل سابقة لهم بها وهى عند عدوهم –‬
‫البيزنطى أو الفارسى – فلم يجدوا فى أنفسهم حرجا على الطلق‬
‫أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من هنا ومن هناك ‪ ،‬ولكممن فممى اسممتعلء‬
‫المؤمن الواثق المطمئن ‪ .‬فأخذوا ما رأوا أنه نافع لهممم ‪ ،‬وأعرضمموا‬
‫عن كثير مما وجدوه عند أعدائهم ‪ ،‬لنهم نظروا إليه بعيممن المسمملم‬
‫فأنكروه ‪ .‬وهذا يفسر لنا لماذا أخذوا العلوم الغريقيممة ولممم يأخممذوا‬
‫الساطير !‬
‫أما حين " يستغرب " المسلم فإنه يفقد – أول ما يفقممد – إيمممانه‬
‫بممأنه هممو العلممى بعقيممدته الصممحيحة ونظممامه الربممانى وأخلقيمماته‬
‫المتطهرة وقياسه كل شئ بالمقياس الربانى ‪ ..‬وينظممر إلممى عممدوه‬
‫نظرة الكبار والجلل ‪ ،‬فينقل عنه كل شئ بل تحرز ‪ ،‬بل ينقل عنممه‬
‫ما يضر وما يفسد فى حين يعجز عن نقل ما ينفممع ‪ ،‬لنممه " واهممن "‬
‫بعد فقدانه اليمان ‪ ،‬والواهن ل يقدر على بممذل الجهممد الممذى يحتمماج‬
‫إليه تعلم النافع من المور " ‪. " 2‬‬
‫" " ل يمكن لمسلم ‪ ،‬فضل عن مسلم مجاهد أن يقول عن عدو دينه إنه ولى أمره مهما تغلب الخير عليه فى معركة‬ ‫‪1‬‬

‫السلح وقهره ‪ .‬أما الزعيم السياسى فما أيسر عليه أن يقول ذلك !‬
‫" " يقول القسيس المبشر " زويمر " الذى كان له نشاط تبشيرى ضخم فى العالم العربى فيما ينقل عنه كتاب "‬ ‫‪2‬‬

‫الغارة على العالم السلمى " فى خطاب للمبشرين ‪ " :‬إنكم أعددتم نشئا )فى بلد المسلمين( ل يعرف الصلة‬
‫بالله ‪ ،‬ول يريد أن يعرفها ‪ ،‬وأخرجتم المسلم من السلم ولم تدخلوه فى المسيحية ‪ ،‬وبالتالى جاء النشء السلمى‬
‫لذلك لم يتعلم " المستغربون " من الغربيين قط قدرتهم الفائقة‬
‫على " التنظيم " ول جلدهم الشممديد علممى " العمممل " ول الممتزامهم‬
‫الشديد " بالنضممباط " فممى كممل شممئ ‪ .‬إنممما تعلممموا اللهممو والعبممث‬
‫والمجون والرطانة بلغة العاجم ‪ ..‬وتعلموا – أسوأ من ذلممك كلممه –‬
‫التباهى بالنسلخ من الدين والعرض والخلق الدينية المتطهرة من‬
‫الرجس ‪.‬‬
‫وكان ذلك هو التنفيذ الدقيق لوصممية الصممليبى القممديم للصممليبيين‬
‫المحدثين ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أما القومية العربية فقد كان لها دور أخبث وأشد ‪..‬‬
‫لقد كنا حتى اللحظة نتكلم عن الصليبى المستعمر ‪..‬‬
‫ولكن دخل معه ‪ -‬على نفممس خطممه – عممدو آخممر ‪ ،‬هممو اليهممودى‬
‫المستعمر ‪ ،‬لغرض آخر خاص به ‪ ،‬ولكنه يلتقى معه فى النهاية فممى‬
‫بغض السلم ‪ ،‬والرغبة فى القضاء على الكيان السلمى ‪.‬‬
‫فممى عممام ‪ 1897‬عقممد هرتممزل – ابممو الصممهيونية كممما يسمممونه –‬
‫مؤتمره الشهير فى مدينة " بال " بسويسممرا ‪ ،‬ذلممك المممؤتمر الممذى‬
‫قممرر فيممه زعممماء اليهممود ضممرورة إنشمماء الدولممة الصممهيونية خلل‬
‫خمسين عاما فى فلسطين ‪.‬‬
‫وذهب هرتزل إلى السلطان المسلم عبد الحميد يعرض عليه كل‬
‫المغريات التى يطمع فيها حاكم أرضى ‪ .‬ذهب يعرض عليممه إنعمماش‬
‫القتصاد العثمانى وكمان متمدهورا بسممبب ممما تنفقممه الدولمة لخمماد‬
‫المناوشات المستمرة التى يقوم بها العداء لحراج الدولة العثمانية‬
‫أو " الرجل المريض " كما أطلقوا عليها فى أواخر أيامها ‪ .‬ويعممرض‬
‫عليممه قروضمما طويلممة الجممل ويعممرض عليممه التوسممط لممدى روسمميا‬
‫وبريطانيا بالكف عن إثارة القليات ‪ ،‬فقد كانت روسيا تتعهد بإثارة‬
‫القليممات الرثوذكسممية وخاصممة الرمممن وكممانت بريطانيمما تتكفممل‬
‫ل=بإثارة بقيممة القليممات ! وكممان ذلممك مممن أشممد ممما يزعممج الدولممة‬
‫ويعرض ميزانيتها للخراب ‪ ..‬وفى مقابل هممذا العممرض السممخى كلممه‬
‫طلب هرتزل منح اليهود وطنا قوميا لهم فى فلسطين ‪.‬‬
‫وكان من المتوقع منأى رجل يحرص على المدنيا ‪ ،‬ويحمرص علممى‬
‫السمملطان المسممتبد " ‪ "1‬أن يتقبممل العممرض ويسممتجيب للمغريممات ‪.‬‬
‫طبقا لما أراده الستعمار المسيحى ل يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ‪ ،‬ول يصرف همه إل فى الشهوات ‪ ،‬فإذا‬
‫تعلم فللشهوات ‪ ،‬وإذا جمع المال فللشهوات ‪ ،‬وإن تبوأ أسمى المراكز ففى سبيل الشهوات يجود بكل شئ " ‪.‬‬
‫" " هكذا تصف الدعاية المغرضة السلطان المسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ولكن السمملطان المسمملم رفممض ذلممك لكممه ‪ ،‬وقممال لهرتممزل قممولته‬
‫الشممهيرة " إن هممذه ليسمت أرضمى ولكنهمما أرض المسملمين ‪ ،‬وقممد‬
‫رووها بدمائهم ول أملك أن أتنازل عن شبر واحد منها " " ‪."1‬‬
‫عندئذ وقعت الواقعة ‪ ،‬ودبر اليهود لخلع السلطان عبممد الحميممد ‪،‬‬
‫ثم لزالة الخلفة كلها على يد اليهودى المتمسلم كمال أتاتورك ‪.‬‬
‫وكانت الوسيلة لكل ذلك هى " القومية "‪.‬‬
‫فاليهود المتمسلمون ‪ ،‬المعروفون بيهود الدونما ‪ ،‬الممذين همماجروا‬
‫من المغرب واستوطنوا البلقممان ‪ ،‬كممانوا هممم المنظميممن الحقيقييممن‬
‫لحزب التحاد والترقى ‪ ،‬الذى نادى بالقومية الطورانية )وهى قومية‬
‫التراك فى جاهليتهم قبل دخولهم فى السلم( ورفع شممعار الممذنب‬
‫الغبر )وهو معبود التراك فى جاهليتهم( كما نادى بضرورة " تتريك‬
‫" الدولممة ‪ ،‬أى جعممل المناصممب فيهمما وقفمما علممى التممراك وحممدهم ‪.‬‬
‫ومعنممى ذلممك – كممما حممدث بالفعممل – أن يحممس " العممرب " أنهممم‬
‫مظلومون فى ظل الحكم التركى وأنهم مهضومو الحقوق ‪ ..‬عنممدئذ‬
‫تلقفتهممم الصممليبية – حليفممة اليهوديممة فممى الحممرب ضممد السمملم –‬
‫فأرسلت إليهم " لورنس " ليؤجج فيهم روح " القومية العربية " ردا‬
‫على القومية الطورانية ‪ ..‬ويؤلممف " الثممورة العربيممة الكممبرى " ضممد‬
‫دولة الخلفة !‬
‫وببساطة تم المر ‪ ..‬فى غفلة من " المسلمين " !‬
‫يقول التاريخ إن أول من نادى بالقومية العربية هم نصارى لبنممان‬
‫وسمموريا وانضممم إليهممم " المسمملمون " الممذين تربمموا فممى مممدارس‬
‫التبشير ‪ ..‬ثم انضم إليهممم المسممتغفلون مممن المسمملمين الممذين لممم‬
‫يجدوا تعارضا بين السلم والعروبممة علممى أسمماس أن العروبممة هممى‬
‫عصمب السملم ‪ ،‬وأن العمرب همم المذين حملموا السملم إلمى كمل‬
‫البشرية !‬
‫والنصارى فى لبنان وسوريا كانوا جزءا من أدوات أوروبمما لزعمماج‬
‫" الرجممل المريممض " وإربمماكه ‪ ،‬بغيممة تسممهيل القضمماء عليممه وتوزيممع‬
‫تركته بين المتربصين الممذين ينتظممرون السمماعة " العظمممى " الممتى‬
‫يقضون فيها على بقايا السلم ‪.‬‬
‫وممما كممان نصممارى لبنممان وسمموريا فممى تلممك الفممترة يجممرؤون أن‬
‫يخرجوا على الحكممم السمملمى علنيممة وبالسممم الصممريح للخممروج ‪،‬‬
‫فقممد كممانوا أقليممة محوطممة بأكثريممة مسمملمة ‪ ،‬تممدين بممالولء القلممبى‬
‫والسياسى لدولة الخلفة ‪ ،‬ول تتصور لنفسها حكومة غيمر الحكوممة‬
‫" " وذلك هو سر كراهية اليهود له وتشنيعهم به ونشر الدعايات المغرضة ضده ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫السلمية ‪ .‬فلم يكن فى وسممع أولئك النصممارى أن يقولمموا ‪ :‬ل نريممد‬
‫حكم السلم علينا ول نريد حكممم الخلفممة السمملمية ! ولممذلك كممان‬
‫نشاطهم سريا من جهممة ‪ ،‬وباسممم غيممر اسممم الخممروج علممى الحكممم‬
‫السملمى ممن جهمة أخمرى ‪ ..‬كمان نشماطهم يقموم باسمم العروبمة‬
‫والقوميممة العربيممة ‪ ،‬وهممو شممعار يمكممن أن يلتبممس فيممه المممر علممى‬
‫المسلمين العرب ‪ ،‬ول يروا – لغفلتهم – أنه ممموجه ضممد السمملم ‪..‬‬
‫وضدهم هم !‬
‫كانت دعوى القومية الطورنية تحز فى نفوس العرب المسمملمين‬
‫فينفخ الشياطين فى الحزازة لتشتعل ‪ .‬وكممان يقممال لولئك العممرب‬
‫المسمملمين أنتممم أولممى بالخلفممة مممن أولئك الطممورانيين ! فلممماذا‬
‫تسكتون على الظلم ؟ لماذا ل تثورون وتستقلوا عن التراك ؟‬
‫وكان عبد الحميد يقظا للعبة كلها " ‪ "1‬ولكن أحوال دولة الخلفممة‬
‫يومئذ وأحوال المسلمين جميعا فى العالم السلمى ‪ ،‬كانت أضعف‬
‫من أن تصمد للكيد ‪ ..‬فمضى الكيد فى سبيله حتى بلغ غايته ‪.‬‬
‫" ولسنا هنمما نممؤرخ لتلممك الفممترة " ‪ .. " 2‬إنممما نحممن نتحممدث عممن‬
‫القوميات والوطنيات ‪ ،‬ودورها فى اللعبة التى أريد بها القضاء على‬
‫السلم ‪ ،‬وإنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين ‪.‬‬
‫كممان عبممد الحميممد يطممارد تلممك الجماعممات السممرية الممتى تنممادى‬
‫بالعروبة والقومية العربية كما يضيق على النشمماط السممرى لحممزب‬
‫التحاد والترفى ‪ ،‬لدراكه المقصود من ورائهما ‪ ،‬فيتخذ ذلممك ذريعممة‬
‫لمزيد من الكيد ضده ويتهم بالدكتاتورية والطغيان فى داخل تركيا ‪،‬‬
‫وباضطهاد القليات خارجها ! وتصنع مممن هممذه وتلممك مممادة للدعايممة‬
‫ضده ونشر البغض والكراهية له ‪ ،‬تمهيممدا لممما يخطممط مممن عزلممه ‪،‬‬
‫عقابا له على عدم موافقته على إنشاء الدولة اليهودية !‬
‫وجرت المور فى مجراها المقدر فممى علممم اللممه ‪ ،‬ولكممن بسممبب‬
‫من غفلة المسلمين الممتى مكنممت العممداء مممن تنفيممذ مخططمماتهم ‪،‬‬
‫والله يحذرهم فى كتابه المنزل ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خب َممال ً‬‫م َ‬‫م ل ي َمأُلون َك ُ ْ‬ ‫دون ِك ُم ْ‬‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ذوا ب ِ َ‬
‫طان َ ً‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضمماُء مم َ‬
‫م‬‫دوُرهُ ْ‬ ‫صم ُ‬ ‫خِفممي ُ‬ ‫ممما ت ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أف ْ م َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫ن )‪] {(118‬سممورة آل‬ ‫ُ‬
‫م ت َعِْقلممو َ‬ ‫ن ك ُن ُْتمم ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م الَيمما ِ‬ ‫كمم ْ‬ ‫أ َك َْبممُر َقممد ْ ب َي ّّنمما ل ُ‬
‫َ‬
‫‪[3/118‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ض مه ُ ْ‬
‫صمماَرى أوْل ِي َمماَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ال ْي َهُممود َ َوالن ّ َ‬ ‫خم ُ‬‫من ُمموا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّم ِ‬
‫أَ‬
‫م{ ]سورة المائدة ‪[5/51‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫يا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬
‫" " كما تدل على ذلك مذكراته ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " راجع إن شئت مذكرات السلطان عبد الحميد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ومع ذلك التحذير فقد كممان مسمملمون يتولممون اليهممود فممى حممزب‬
‫التحاد والترقى ‪ ،‬ومسلمون آخرون يتولون النصارى فى الجمعيمات‬
‫السرية القائمة باسم العروبة والقومية العربية ‪ .‬ومسلمون آخممرون‬
‫يتولون " لورنس العرب ! " ويتبعونه وهو يدعوهم إلممى قتممال دولممة‬
‫الخلفة التى ظلت تحميهم من الغزو الصليبى قرابة أربعة قرون !‬
‫يقو لورد أللنبى ‪ ،‬قائد الجيش " العربى " الذى حممارب الخلفممة !‬
‫لول مساعدة الجيش العربى والعمال العرب ما استطعنا أن نتغلممب‬
‫على تركيا !!‬
‫ولقد كانت الحرب العظمى الولى تدبيرا يهوديا نصممرانيا للقضمماء‬
‫على دولة الخلفممة ‪ ،‬وتقسمميم تركممة " الرجممل المريممض " والتمهيممد‬
‫لنشاء الدولة اليهودية فى المممد الممذى حممدده مممؤتمر هرتممزل سممنة‬
‫‪1897‬م ‪ ..‬فى غفلة من " المسلمين " ! إلى جممانب الهممدف الخممر‬
‫الذى تحقق كممذلك مممن تلممك الحممرب ‪ ،‬وهممو القضمماء علممى القوميممة‬
‫اللمانية لحساب القوميممة البريطانيممة والقوميممة الفرنسممية ‪ ..‬ولكممن‬
‫الهممدف العظممم مممن هممذه الحممرب كممان ول شممك تممدمير الخلفممة‬
‫السمملمية لحسمماب اليهممود والنصممارى مجتمعيممن ‪ ،‬وحسمماب اليهممود‬
‫بصفة خاصة !‬
‫ووزعت السلب بن بريطانيا وفرنسا ‪ ،‬صممديقتى اليهممود يممومئذ ‪،‬‬
‫ووضممعت فلسممطين بصممفة خاصممة تحممت النتممداب البريطممانى ‪،‬‬
‫والنتداب درجة أسوأ من الحماية ‪ ،‬والحماية درجة أسوأ من مجممرد‬
‫الستعمار ‪ ..‬كان ذلك بعد وعد بلفور الشهير ‪ ،‬الذى صدر عن وزيممر‬
‫خارجية بريطانيا اليهممودى " اللممورد بلفممور " سممنة ‪ 1917‬فممى أثنمماء‬
‫الحرب ‪ ،‬وبدأت دولة النتممداب فممى تنفيممذه عقممب الحممرب مباشممرة‬
‫تحت إشراف المندوب السامى البريطانى اليهودى السممير صمممويل‬
‫هور !‬
‫وخلل خمسين عاما من مممؤتمر هرتممزل قممامت الدولممة اليهوديممة‬
‫سنة ‪ " 1 " 1947‬ولكن المر احتاج إلى حرب " عظمى " ثانية !‬
‫وسوء كانت الحرب الثانية " طبيعية " نتيجة القهر العنيممف الممذى‬
‫وقممع علممى القوميممة اللمانيممة مممن القوميممة البريطانيممة والقوميممة‬
‫الفرنسية ‪ ،‬ونزوع القومية الولممى للنتقممام لنفسممها مممن القوميممتين‬
‫الخريين – كما نعتقد نحممن – أو كممانت تممدبيرا خالصمما لليهممود – كممما‬
‫يعتقد " وليم كار " فى كتاب " أحجار على رقعممة الشممطرنج " " ‪" 2‬‬
‫" " قامت الدولة واقعيا سنة ‪ 1947‬ولكنها لم تعلن رسميا إل عام ‪ 1948‬بعد مسرحيات الحرب التى مثلتها الجيوش‬ ‫‪1‬‬

‫العربية حسب مخطط متفق عليه ‪.‬‬


‫" " يبالغ وليم كار فى نسبة كل أحداث العالم الكبرى إلى اليهود ‪ ،‬ول نوافقه فى ذلك رغم إخلصه فى كتابته ‪..‬‬ ‫‪2‬‬

‫راجع فصل ط دور اليهود فى إفساد أوروبا " ‪.‬‬


‫فقد اسممتغلها اليهممود اسممتغلل واسممعا لصممالحهم ‪ ،‬لسممتدرار عطممف‬
‫العالم كله عليهم – بوصفهم من ضحايا النازية – ليوافق عممن طيممب‬
‫خاطر على سلب العرب جزءا من وطنهممم لقامممة الدولممة اليهوديممة‬
‫فيه ‪ .‬وقد سبقت الشارة إلى الكاتبة اللمانية التى تقول فى كتابها‬
‫إن اليهود هم الذين دبروا عملية تعذيب النازى لهممم ليتخممذوها مممادة‬
‫دعاية لعممم علممى أنهممم المظلومممون المضممطهدون المشممردون فممى‬
‫الرض ‪ ،‬الممذين يبحثممون عممن مممأوى يقيهممم مممن التشممريد والظلممم‬
‫والطغيان ‪ ،‬وأن حجم التعذيب – الذى دبروا له تدبيرا – كممان أضممأل‬
‫بكثير مممما قيممل فممى الدعايممة اليهوديممة العالميممة الممتى ظلممت طيلممة‬
‫سنوات الحرب تجلجممل فممى كممل أرجمماء الرض لتصممل إلممى الهممدف‬
‫المطلوب ‪.‬‬
‫وأيا كان المر فقد تم لليهود ما أرادوا بمناصرة الصليبية العالمية‬
‫لهم ‪ ،‬وبغفلة المسلمين ‪..‬‬
‫وقد كان التدبير اليهودى الصليبى ما بين الحربين الولى والثانيممة‬
‫محكما فى الحقيقة ‪.‬‬
‫فقد قسم العالم العربممى إلممى دويلت ضممعيفة مسمملوبة القمموة ل‬
‫حول لها ول طممول ‪ .‬فممالقوة السياسممية والعسممكرية ذهبممت بممذهاب‬
‫دولة الخلفة وصار حكام تلك الدويلت يعتمدون اعتمادا كامل علممى‬
‫بريطانيمما وفرنسمما – صممديقتى اليهممود – وصممارت جيوشممها جيمموش‬
‫اسممتعراض وزينممة ل جيمموش قتممال حقيقممى ‪ ،‬تعتمممد فممى سمملحها‬
‫وذخيرتها اعتمادا كليا على بريطانيا وفرنسا ‪ ،‬واقتصادياتها غاية فممى‬
‫التخلف ‪ ..‬أما شباب الشعوب – وهو قمموة خطممرة إذا وجممد التمموجيه‬
‫الجاد – فقد سلط عليه " التغريب " يقتلعه مممن إسمملمه ومممن روح‬
‫الجهمماد السمملمية ‪ ،‬وسمملطت عليممه السممينما والذاعممة والمسممرح‬
‫والقصة والصحيفة والشواطئ العاريممة ‪ ..‬كلهمما تصممب الميوعممة فممى‬
‫نفسه وتصممرفه عممن الهتمامممات الجممادة ‪ ،‬وتفسممد أخلقممه وتشممغله‬
‫بفتنة الجنس ‪ ..‬فوق انشغال كل بلممد بقضمماياه ومشمماكله الخاصممة ‪،‬‬
‫وفوق بذر بذور البغضاء بين كل بلد والخر حتى ل تجتمع كلها علممى‬
‫قضية واحدة ول أمر واحد مشترك ‪.‬‬
‫وفى ظل ذلك قامت الدولة اليهودية بعد مسرحية " الحرب " ثم‬
‫الهدنممة ‪ ..‬ثممم الحممرب ثممم الهدنممة الثانيممة بعممد وقمموف الجيمموش "‬
‫المتحاربة " عند خط التقسيم المتفق عليه ! ولكن أمممرا حممدث لممم‬
‫يكن على خاطر الصليبيين واليهود ‪ ..‬فوجئوا بممه جميعمما مفاجممأة لممم‬
‫تكن فى الحسبان ‪ ..‬فقد اشترك فممى القتممال فممدائيون مسمملمون ‪،‬‬
‫يحرصون على الموت حرص أعدائهم على الحيمماة ‪ .‬وحيممن عركهممم‬
‫اليهمممود وعرفممموا حقيقتهمممم ‪ ،‬كمممانوا إذا جمممابهوهم يفمممرون عمممن‬
‫مسمممتعمراتهم ‪ ،‬تممماركين أسممملحتهم وذخيرتهمممم ومئونتهمممم لينجممموا‬
‫بجلودهم !‬
‫كانت المفاجأة من جهتين ‪..‬‬
‫فقد كان الصليبيون واليهود يظنون أن السلم كله قد شمماخ ولممم‬
‫يعد بوسعه أن يخرج مثل هذه العينات من البشر ‪ ،‬وكانت المفاجأة‬
‫الثانية أنهم ظنوا أن مصر بالممذات المتى عممل الصمليبيون علمى دك‬
‫معاقلها السلمية منذ وقت مبكر ‪ ،‬منذ الحملة الصممليبية الفرنسممية‬
‫بقيادة نابليون ‪ ،‬ل يمكن أن تخرج هذه العينممات الصمملبة المسممتميتة‬
‫فى القتال بروح جهمماد إسمملمية خالصممة ل يريممدون بممذلك جممزاء ول‬
‫شكورا ‪.‬‬
‫عندئذ تقر أمران فى وقت واحد ‪..‬‬
‫المر الول ضرورة القضمماء علممى حركممة البعممث السمملمى الممتى‬
‫أخرجت مثل هؤلء المجاهدين ‪ .‬والمر الثممانى ضممرورة إيجمماد بممديل‬
‫من الراية السلمية التى أخرجت أولئك المقاتلين وتوشك أن تمتممد‬
‫ظللها من مصر إلى البلد العربية الخرى ‪..‬‬
‫وكان البديل هو " القومية العربية " ‪.‬‬
‫يقول جممورج كيممرك " ‪ "George Kirk‬مؤلممف كتمماب ممموجز تاريممخ‬
‫الشرق الوسط " ‪ "A short History of the Middle East‬إن القومية‬
‫العربية ولدت فى دار المندوب السامى البريطانى !!‬
‫ولقد كانت بريطانيمما قممد فكممرت مممن قبممل فممى إيجمماد " الجامعممة‬
‫العربية " على مسممتوى الحكومممات ‪ ،‬فطممار " أنتمونى إيممدن " وزيممر‬
‫الخارجيممة البريطممانى إلممى القمماهرة عممام ‪1946‬م ودعمما الملمموك‬
‫والرؤسمماء العممرب إلممى الجتممماع بممه هنمماك ‪ ،‬وعممرض عليهممم فممى‬
‫الجتماع فكرة إنشاء الجامعممة العربيممة فممى القمماهرة لتتبنممى قضممايا‬
‫العرب وتدافع عن مصالحهم !! ولكن ذلك لم يكن كافيا ‪ ،‬فقد كممان‬
‫لبد من رفع راية " القومية العربية " على مستوى الجماهير !‬
‫فلما ورثت أمريكا بريطانيا وفرنسا بعد الحرب وبسممطت نفوذهمما‬
‫علممى " الشممرق الوسممط " " ‪ "1‬أقممامت – عممن طريممق النقلبممات‬
‫العسممكرية – زعامممات كاملممة تممدافع عممن " القوميممة العربيممة " فممى‬
‫الوقت الذى تحممارب فيممه السمملم والمسمملمين ! وقممالت الدعايممة –‬
‫" " كلمة " الشرق الوسط " ذاتها كلمة دخيلة من تخطيط العداء من أجل تسويغ إقامة الدولة اليهودية فى‬ ‫‪1‬‬

‫المنطقة ‪ .‬فإنها لو بقيت فى التسمية منطقة إسلمية أو حتى عربية فكيف تقوم فيها دولة لليهود ؟ أما حين تصبح‬
‫منطقة جغرافية ل انتماء لها فكل شئ ممكن !‬
‫التى أقامتها أمريكمما وإسممرائيل – إن أمريكمما وإسممرائيل ل تخشمميان‬
‫شيئا خشيتهما للقومية العربية ‪ ،‬ول تخشيان أحدا خشمميتهما لزعيممم‬
‫القومية العربية !‬
‫وفممى ظممل القوميممة العربيممة الممتى أقامتهمما الصممليبية العالميممة ‪،‬‬
‫توسعت إسرائيل وتوسعت حتى توشك أن تبتلممع فلسممطين كلهمما ‪..‬‬
‫وتتطلع إلى المزيد !‬
‫لقد كانت " القوميمة " المتى صممدرت إلممى العمالم السمملمى همى‬
‫القومية المأكولة ل القومية الكلة التى قامت فى أصلها هناك !‬
‫‪m m m‬‬

‫ليس هنا مجال التفصيل للظروف الممتى أحمماطت " بالمسمملمين "‬
‫وأدت بهم إلى هذا الضياع كله وهذا الهوان ‪ ..‬إنما نقممول فممى ختممام‬
‫هذا الفصل إن السلم ل يعرف تلك الممدعاوى الزائفمة الممتى روحهمما‬
‫أعممداء السمملم بغيممة القضمماء عليممه ‪ ،‬وتشممربها " المسمملمون " فمما‬
‫غفلتهم ‪ ،‬غافلين عما فيها من السموم ‪.‬‬
‫إن السمملم ل يغيممر انتممماء النمماس إلممى أرضممهم ول شممعوبهم ول‬
‫قبمائلهم ‪ ،‬لن همذا أممر مممادى حسممى واقمع ل سمبيل إلمى تغييمره ‪،‬‬
‫فالذى يولد فى الرض المصرية مصرى بحكم مولده والذى يود فى‬
‫الرض العراقيممة عراقممى بحكممم مولممده ‪ .‬والممذى يولممد فممى الرض‬
‫الباكستانية باكستانى بحكم مولده ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬
‫ولكن السلم ينكر أن تكون صلة التجمع شيئا غير السلم ! غيممر‬
‫العقيممدة الصممحيحة فممى اللممه ! ل الممدم ول الرض ول اللغممة ول "‬
‫المصالح " الرضية ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫شمميَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُم ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خم َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب ْن َمماؤُك ُ ْ‬ ‫ن آب َمماؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫}قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫وَأ ْ‬
‫ْ‬
‫ي الّلم ُ‬
‫ه‬ ‫حّتمى َيمأت ِ َ‬ ‫صموا َ‬ ‫سمِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(24‬سورة التوبة ‪[9/24‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫وانظر إلى قصة نوح مع ابنه ‪:‬‬
‫ن فِممي‬ ‫ه وَك َمما َ‬ ‫ح اب ْن َم ُ‬ ‫دى ن ُممو ٌ‬ ‫ل وَن َمما َ‬ ‫جب َمما ِ‬ ‫كال ْ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫مو ْ ٍ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ري ب ِهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫}وَهِ َ‬
‫سآِوي إ َِلى‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (42‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫معََنا َول ت َك ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ي اْرك َ ْ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫معْزِ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ممرِ الل ّمهِ إ ِل ّ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َموْ َ‬ ‫صم َ‬ ‫عا ِ‬ ‫لل َ‬ ‫ماِء َقا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ض‬‫ل ي َمما أْر ُ‬ ‫ن )‪ (43‬وَِقي م َ‬ ‫مغَْرِقي م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫حا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫سمت َوَ ْ‬ ‫ممُر َوا ْ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ضم َ‬ ‫ممماُء وَقُ ِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ماُء أقْل ِعِممي وَِغيم َ‬ ‫س َ‬ ‫ك وََيا َ‬ ‫ماَء ِ‬ ‫اب ْل َِعي َ‬
‫ل‬ ‫ه فََقا َ‬ ‫ح َرب ّ ُ‬ ‫دى ُنو ٌ‬ ‫ن )‪ (44‬وََنا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ب ُْعدا ً ل ِل َْقوْم ال ّ‬ ‫جودِيّ وَِقي َ‬ ‫عََلى ال ْ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫رب إن ابِني م َ‬
‫ن ) ‪(45‬‬ ‫مي َ َ‬‫حاك ِ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك َ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ن وَعْد َ َ‬ ‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ّ ِ ّ ْ‬
‫َ‬
‫ممما‬‫سمأل ِْني َ‬ ‫ح َفل ت َ ْ‬ ‫ل غَي ْمُر َ‬
‫صممال ِ ٍ‬ ‫مم ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ن أهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪ (46‬قَمما َ‬ ‫جمماهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عظ ُ َ‬ ‫م إ ِّني أ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َي ْ‬
‫مِنممي‬ ‫ح ْ‬‫م وَإ ِل ّ ت َغِْفْر ِلي وَت َْر َ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َل َ َ‬‫نأ ْ‬
‫ك أَ َ‬
‫عوذ ُ ب ِ َ ْ‬ ‫إ ِّني أ َ ُ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(47‬سورة هود ‪[47-11/42‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫أك ُ ْ‬
‫لقد وعد الله نوحا أن ينجو أهله معه ‪ ،‬إل من سبق عليه القول ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫جي ْم ِ‬‫ل َزوْ َ‬ ‫ن ك ُم ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِفيهَمما ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬‫مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫} َ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال َْقوْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَأهْل َ َ‬
‫معَم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مم َ‬‫ممما آ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مم َ‬‫نآ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫اث ْن َي ْ ِ‬
‫ل )‪] {(40‬سورة هود ‪[11/40‬‬ ‫قَِلي ٌ‬
‫فلما رأى ابنه فى معزل ناداه ليركب معه سفينة النجاة ‪ ..‬ولكنممه‬
‫عصى وقال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء ‪ ..‬وكانت عاقبته أن‬
‫غرق مع المهلكين ‪.‬‬
‫ولما قضى المر ونجا مممن نجمما وهلممك مممن هلممك راح نمموح – فممى‬
‫مرارة الفقد التى تشوب فرحة النجاة – ينمماجى ربممه ‪ ،‬ويسممأل عممن‬
‫تفسير ما حدث ‪ :‬لقد وعده الله بنجاة أهله ‪ ،‬وابنه من أهلممه ‪ ،‬ومممع‬
‫ذلك كان من الهالكين !‬
‫وكان الرد الربانى ‪ " :‬إنه ليس من أهلك ! إنممه عمممل غيممر صممالح‬
‫"‪.‬‬
‫ذلك أن الصرة الحقيقية التى تجعله من أهلك ليست هى رابطممة‬
‫الدم التى تجمع بينه وبينك ‪ .‬إنما هى رابطممة العقيممدة ‪ .‬وقممد رفممض‬
‫البن أن يكون على العقيدة الصحيحة فانفصم ما بينه وبن أبيه مممن‬
‫رباط ‪ ،‬لنه " عمل غير صالح" !‬
‫ذلك هو ميزان السلم ‪.‬‬
‫وقد مرت بنا الية الممتى تجعممل البمماء والبنمماء والخمموان والزواج‬
‫والعشيرة ‪ ،‬والموال والتجارة والرض وهى مقومات القوميممة كلهمما‬
‫فى كفة ‪ ،‬وفى الكفة الخرى حب اله ورسوله والجهمماد فممى سممبيل‬
‫الله ‪ ..‬والمفاضلة الكاملة بين هذه وتلك ‪.‬‬
‫وليس معنى ذلك أن السلم يحرم كل تلك الروابط !‬
‫كل ! إنما يجيزها كلها حين تقع تحت رابطة العقيدة وداخلها ‪:‬‬
‫ه{ ]سممورة‬ ‫ب الل ّم ِ‬ ‫ض فِممي ك ِت َمما ِ‬ ‫ض مه ُ ْ َ َ‬ ‫}وَأوُْلوا ال َْر َ‬
‫ُ‬
‫م أوْلممى ب ِب َعْم ٍ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬
‫النفال ‪[8/75‬‬
‫أى حين يكونون كلهم مؤمنين ‪.‬‬
‫أما حين تكون تلك الروابط حاجزا يحجممز بيممن المممؤمن والمممؤمن‬
‫بسبب رباط الدم أو اللغة أو الرض أو المصالح ‪ ..‬فهممذه الممتى قممال‬
‫فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " " ‪. " 1‬‬
‫فكيف إذا كانت تلك القومية تقول لك فممى صممراحة إن المشممرك‬
‫الذى يشاركك فى قوميتك أقرب إليك من المسلم الذى ينتمى إلى‬
‫قومية أخرى !‬
‫هذه ‪ ..‬ما ميزانها فى كتاب الله ؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫النسانية‬
‫النسانية – أو العالمية كما يدعونها أحيانا – دعمموى براقممة‪ ،‬تظهممر‬
‫بين الحين والحيممن ‪ ،‬ثممم تختفممى لتعممود مممن جديممد ! يمما أخممى ! كممن‬
‫إنسممانى النزعممة ‪ ..‬وجممه قلبممك ومشمماعرك للنسممانية جمعمماء ‪ ..‬دع‬
‫الدين جانبا فهو أمر شخصى ‪ ..‬علقة خاصة بينا لعبد والرب محلهمما‬
‫القلب ‪ ..‬لكن ل تجعلهمما تشممكل مشمماعرك وسمملوكك نحممو الخريممن‬
‫الذين يخالفونك فممى الممدين ‪ ..‬فممإنه ل ينبغممى للممدين أن يفممرق بيممن‬
‫البشر ‪ ..‬بين الخوة فى النسانية ! تعال نصنع الخير لكممل البشممرية‬
‫غير ناظرين إلى جنس أو ولون أو وطن أو دين !‬
‫دعوى براقة كما ترى ‪ ..‬يخيل إليك حين تستمع إليها أنها تممدعوك‬
‫للرتفاع فوق كممل الحممواجز الممتى تفممرق بيممن البشممر علممى الرض ‪.‬‬
‫تدعوك لممترفرف فممى عممالم النممور ‪ ..‬تممدعوك لتكممون كممبير القلمب ‪،‬‬
‫واسع الفق ‪ ،‬كريم المشاعر ‪ ..‬تنظر بعين إنسممانية م م وتفكممر بفكممر‬
‫عالمى ‪ ،‬وتعطى من نفسك الرحبة لكل البشر على السواء ‪ ،‬بدافع‬
‫الحب النسانى الكبير !‬
‫أى رفعة ‪ ،‬وأى سمو ‪ ،‬وأى نبل ‪ ،‬وأى عظمة فى القلممب والفكممر‬
‫والشعور !‬
‫ولكممن مهل ! انتظممر حممتى يخفممت الرنيممن الممذى تحممدثه الكلمممات‬
‫والعبارات وفتش عن الحقيقممة بعيممدا عممن العواطممف والنفعممالت ‪،‬‬
‫وانظر أين تجد هذه الشعارات مطبقة فى واقممع الرض ؟! هممل لهمما‬
‫رصيد حقيقى من الواقع أم أنها شعارات زائفة ترفع لمر يراد ؟!‬
‫ثم انظر إلى تلك العبارة الماسونية " اخلع عقيممدتك علممى البمماب‬
‫كما تخلع نعليك " !‬
‫أل ترى شبها بين هذه الدعوة وتلك ؟ أما ترى أنهما قريبتان ؟ بل‬
‫شقيقتان ؟!‬
‫" اخلع عقيدتك على الباب )أى عند دخولك الماسونية( كما تخلممع‬
‫" " رواه البخارى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫نعليك ‪ " ..‬وادخل بل عقيدة ‪ ..‬فهكذا يريدك الشياطين ليسممتعبدونك‬
‫‪ ..‬ليسخروك لمصالحهم !‬
‫" المميون هم الحميممر الممذين خلقهممم اللممه ليركبهممم شممعب اللممه‬
‫المختار " ‪..‬‬
‫والحمار الدمى هو ذلك الذى خلع عقيدته على البمماب كممما يخلممع‬
‫نعليممه ‪ ..‬ودخممل ‪ ،‬حيممث أريممد لممه أن يممدخل ‪ ..‬بل ديممن ومممن ثممم بل‬
‫أخلق !‬
‫وفى القديم ‪ ،‬حين كان الدين قويا ل يقوون علممى مممواجهته ‪ ،‬لممم‬
‫يكونوا يجرؤون على التلفظ بمثل هذه العبارة ‪ ،‬بممل كممانوا ينممافقون‬
‫ليصلوا إلى أغراضهم من " إغواء " الخرين ‪..‬‬
‫م قَمماُلوا‬‫طين ِهِ ْ‬ ‫وا إ ِل َممى َ‬
‫ش مَيا ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫مُنوا َقاُلوا آ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ذا ل َُقوا ال ّ ِ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ن )‪] {(14‬سورة البقرة ‪[2/14‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ل عَل َممى ال ّم ِ‬‫ذي أ ُن ْمزِ َ‬‫من ُمموا ِبال ّم ِ‬ ‫بآ ِ‬ ‫ل ال ْك ِت َمما ِ‬
‫ةم َ‬
‫ن أه ْ ِ‬‫طائ َِف ٌ ِ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫}وََقال َ ْ‬
‫ن )‪] {(72‬سممورة آل‬ ‫جعُممو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫خ مَرهُ ل َعَل ّهُ م ْ‬ ‫ه الن َّهارِ َواك ُْفُروا آ ِ‬ ‫ج َ‬‫مُنوا وَ ْ‬ ‫آ َ‬
‫‪[3/72‬‬
‫ولكنهم اليوم آمنون ‪ ،‬فل حاجممة بهممم إلممى التظمماهر باليمممان بممما‬
‫أنزل هل المؤمنين ‪ ..‬بل إنهم لينشرون اللحاد اليمموم بجسممارة فممى‬
‫كممل الرض ‪ ..‬ولكنممه بضمماعة للتصممدير فقممط ! يصممدرونها للممييممن‬
‫لغوائهم عن الدين ‪ ،‬ولكن ل يسممتخدمونها بيممن أنفسممهم ‪ .‬فالهممدف‬
‫الخير من التخطيط كله هو محممو كممل ديممن لممدى الممييممن ‪ ،‬لكممى‬
‫يبقى اليهود وحدهم فى الرض أصحاب الدين ! وهم على جبلتهم ل‬
‫يغيرونها ‪ ..‬يتظاهرون أمام الناس بشئ ‪ ،‬فإذا خلوا إلممى شممياطينهم‬
‫قالوا ‪ :‬إنا معكم إنما نحن مستهزئون !‬
‫وهزأة اليوم هى هذه الدعوة ‪ " :‬اخلع عقيممدتك علممى البمماب كممما‬
‫تخلع نعليك ! " فإذا صدقها المميون وخلعوا عقيدتهم كممما يخلعممون‬
‫نعالهم ‪ ،‬فرك الشياطين أيديهم سرورا حين يخلو بعضهم إلى بعض‬
‫‪ ،‬قال بعضهم لبعض ‪ :‬إنا معكم ‪ ،‬ممما نممزال علمى ديمن الشممياطين ‪..‬‬
‫إنما نحن نهزأ بالمميين !‬
‫والفارق بين دعوى النسانية ودعوى الماسونية ضئيل ‪..‬‬
‫الفارق أنه فى تعبير الماسونية الخشن المتوقح يوضع الدين جنبا‬
‫إلى جنب مع النعال ‪ ،‬لن المقبل على الماسونية ل يقبممل عليهمما إل‬
‫وقد خلع دينممه بالفعممل أو أوشممك علممى خلعممه ‪ ،‬فالكلمممة الخشممنة ل‬
‫تؤذيه ‪ ،‬بل قد تكون منه موضع ترحيب ! فهى كلمممه لتوكيممد ‪ ..‬وقممد‬
‫تكون للتهديممد ! تهديممد مممن بقيممت فممى قلبممه بقيممة خفيممة مممن بقايمما‬
‫الدين ‪ ..‬فليتنبه وليخلعها قبل الدخول !‬
‫أما فى دعوى النسانية فالتعبير للترغيب والتحبيب ‪ ،‬ومن ثم فهو‬
‫مهذب لطيف يبتلعه من يبتلعه وهو مسرور ن أو قل إنه يبتلعه وهو‬
‫أشبه بالمخدور ‪.‬‬
‫ولكن هذا وذاك يدعوك فى النهاية أن تترك دينك وتممواجه الحيمماة‬
‫بل دين ! فإذا فعلت ذلك اجتالتك الشياطين!‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكن أناسا قد يخدعون بممدعوى النسممانية لممما فيهمما مممن بريممق ‪،‬‬
‫فيؤمنممون بهمما أو يممدعون إليهمما غممافلين عممن الحقيقممة الممتى تنطمموى‬
‫عليها ‪ .‬وقد ل يصدقون أصل أنها دعوة إلى التحلل مممن الممدين يبثهمما‬
‫الشياطين فى الرض لمر يراد ‪.‬‬
‫فلندق – مؤقت – أنها دعوى مخلصة للرتفاع بالنسممان عممن كممل‬
‫عصبية تلون فكره أو سلوكه أو مشماعره ‪ ،‬ليلتقمى بالنسمانية كلهما‬
‫لقاء الصديق المخلص الذى يحب الخير للجميع ‪..‬‬
‫فلنصدق ذلك فى عالم المثل ‪ ..‬فممى عممالم الحلم ‪ ..‬فممما رصمميد‬
‫هذه الدعوى فى عالم الواقع ؟!‬
‫ممما رصمميدها فممى العممالم الممذى تحتمماجه القوميممات مممن جممانب ‪،‬‬
‫والعصممبيات العرقيممة والدينيممة والسياسممية والجتماعيممة مممن كممل‬
‫جانب ؟‬
‫فلنأخذ مثال واحد من العالم المعاصر ‪ ..‬منا لمعاملة الممتى يلقاهمما‬
‫المسلمون فى كل مكممان فممى الرض يقعممون فيممه فممى حمموزة غيممر‬
‫المسلمين ‪ ،‬أو فى دائرة نفوذهم من قريب أو من بعيد ‪..‬‬
‫فلننظر إلى " النسانية " التى يعمماملون بهما و" السممماحة " الممتى‬
‫يقابلون بها ‪ " ،‬وسعة الصدر " و" حب الخيممر " الممذى ينهممال عليهممم‬
‫من كل مكان !‬
‫خذ مثال الحبشة ‪..‬‬
‫يبلغ المسلمون فيها ‪ %55‬على القل من مجموع السكان وذلممك‬
‫قبل ضم إريتريا – عنوة – إليهمما ‪ ،‬وإريتريمما كلهمما مسمملمون ‪ ،‬فكيممف‬
‫تعاملهم الدولة المسيحية المتسلطة عليهم ؟‬
‫ل يوجد فى الدولة وزير مسلم واحممد يمثممل أغلبيممة السممكان ! ول‬
‫موظف واحد من كبار الموظفين ! ومدارس الدولة ل تعلم القممرآن‬
‫لبنمماء المسمملمين ول تلقنهممم مبممادئ دينهممم " ‪ ، "1‬وحيممن يفتممح‬
‫" " فى مصر يدرس للتلميذ القباط مبادئ دينهم على يد مدرسين مسيحيين ‪ ،‬وتوضع دروسهم فى الجدول الرسمى‬ ‫‪1‬‬
‫المسلمون " كتاتيب " لتعليم القرآن لبنائهم على نفقتهم الخاصة ‪،‬‬
‫تظممل الدولممة تفممرض عليهمما مممن الضممرائب ممما يثقممل كمماهلهم حممتى‬
‫يغلقوها ! " ‪ " 1‬ويحرم عليهم أن يتلقوا أى معونات مممن المسمملمين‬
‫من الخارج ! " ‪ " 2‬وإلى عهد غير بعيد كان المسمملم الممذى يسممتدين‬
‫من مسيحى حبشى ويعجز عن وفاء دينممه يسممترق لممدائنه ! ووقممف‬
‫هيلسلسى عممام ‪ 1962‬فممى هيئة المممم فممألقى خطابمما " ضممافيا "‬
‫أعلن فيه أنه فى خلل اثنى عشر عاممما لممن يكممون فممى الحبشممة إل‬
‫دين واحد ! ولم يرتفع صوت واحد فى تلك " المؤسسة النسانية "‬
‫يستنكر ذلك التصريح !‬
‫والفلبين كانت ذات يموم أرضما إسملمية فغزاهمما الصمليبيون " ‪" 3‬‬
‫وحكموها قهرا عن أصحابها ‪ ،‬فكيف عاملوا المسلمين فيها ؟‬
‫لقد ظلوا يطاردونهم ويخرجونهم من أرضمهم وديمارهم وأمموالهم‬
‫حتى حصروهم فى قطاع من أصل أرضهم ‪ ،‬ثم سموهم " متمردين‬
‫" فاسممتباحوا لنفسممهم قتلهممم ‪ ،‬قتممالهم ‪ ،‬وتحريممق مزارعهممم ‪ ،‬بممل‬
‫تحريقهممم هممم أنفسممهم شممفاء للحقممد الصممليبى المتأصممل فممى‬
‫نفوسممهم ‪..‬ول يتحممرك واحممد فممى الرض كلهمما ليممرد البلد عممن‬
‫المسلمين ‪ ،‬ويكف عدوان المعتدين !‬
‫والهند حكمها المسلمون ثمانيممة قممرون فلممم يكرهمموا أهلهمما علممى‬
‫السلم ‪ ،‬ولم يضممطهدوهم وهممم يعبممدون البقممر ويعبممدون الوثممان ‪،‬‬
‫فلما حكمها الهنود فانظر كيف يعاملون المسلمين ‪:‬‬
‫ل تنقطممع أخبممار " الشممغب " كممما تسممميه الدولممة والصممحافة ‪..‬‬
‫وخلصتها أن يهجم الهندوس على القرى السلمية فيحرقوها علممى‬
‫أصممحابها ويقتلمموا منهمما مممن تطمموله أيممديهم ‪ ..‬فيحتممج المسمملمون ‪،‬‬
‫ويخرجممون لممرد العممدوان فتعتقلهممم الشممرطة بتهمممة إثممارة الشممغب‬
‫وتودعهم فى السجون ! هذا وحكومة الهند حكومممة " علمانيممة " أى‬
‫أنها ل تقيم حكمها على الدين ‪ ،‬ول تتعرض لصممحاب الممدين ! ومممن‬
‫سنوات غير بعيممدة صممرح نهممرو تصممريحا عجبمما قممال فيممه إن تقريممر‬
‫المصير حق لكل الناس ‪ ..‬إل فى كشمير ! ! ولم يستنكر ذلك أحممد‬
‫فى العالمين!‬

‫للدراسة وتعطى لهم الحرية الكاملة يقولون فى دروسهم كل ما يريدون بل رقيب عليهم ‪..‬‬
‫" " وفى مصر يفتح القباط – بجانب الدروس الدينية الرسمية التى يتلقونها فى مدارس الدولة – مدارس دينية‬ ‫‪1‬‬

‫خاصة تسمى " مدارس الحد " ل تتعرض لها الدولة أى نوع من التعرض ‪.‬‬
‫" " وفى مصر يتلقى القباط المعونات من الدول المسيحية والهيئات والفراد فل تسألهم الدولة من أين يأخذون ول‬ ‫‪2‬‬

‫قيم ينفقون ‪.‬‬


‫" " كان " ماجلن " الذى يطلق عليه لقب " الرحالة العظيم " ممن قاموا بغزوة صليبية على افلبين بعد إلحاح شديد‬ ‫‪3‬‬

‫على " البابا " أن يأذن له فى فتح تلك البلد وضمها إلى المسيحية ‪ .‬وقد قتله الهالى فى المعركة التى جرت على‬
‫أثر تجرؤه على رفع الصليب عى أرض بلدهم السلمية فسموا " المتبربرين " ‪.‬‬
‫وفلسطين ظلت أربعة عشر قرنا من الزمان أرضا إسلمية ‪ ..‬ثم‬
‫جاء اليهود ليقيمموا عليهما دولمة يهوديمة ‪ ..‬ولمم يسمتنكر أحمد ممن "‬
‫النسانيين " طرد السكان الصليين وإجلءهم عن أرضممهم بالقنابممل‬
‫والمدافع ‪ ،‬بل يشق بطممون الحوامممل والتلهممى بممالتراهن علممى نمموع‬
‫الجنين كما فعلت العصابات اليهودية التى كان رأس إحداهما مناحم‬
‫بيجن ‪ ..‬وإنما استنكرت مممن المسمملمين أن يطممالبوا بأرضممهم ‪ ،‬وأل‬
‫يخلوها عن طيب خاطر للغاصبين !‬
‫ويطول المر بنا لو رحنمما نسممتعرض أحمموال المسمملمين الممواقعين‬
‫فممى قبضممة غيممر المسمملمين ‪ ،‬أو الممذين يتعرضممون لعممدوان غيممر‬
‫المسلمين فى كل مكان فى الرض ‪ ..‬فممى روسمميا الشمميوعية الممتى‬
‫قتلت ما يقرب من أربعة مليين مممن المسمملمين ‪ ،‬وفممى يوغسمملفيا‬
‫التى قتلت ثلثة أرباع مليون منهم ‪ ،‬وفى أفغانستان الممتى تسممتخدم‬
‫فيها السلحة المحرمممة " دوليمما " و" قانونيمما " و" إنسممانيا ! " وفممى‬
‫أوغندا ‪ ،‬وفى تنزانيا ‪ ،‬وفى ‪ ..‬وفى ‪ ..‬وفى ‪ ..‬وفى‪..‬‬
‫فما بممال " النسممانيين " ؟ ممما بممالهم ل يتحركممون ؟! ممما بممالهم ل‬
‫يصرخون فى وجه الظلم الكافر الذى ل قلب له ول ضمير ؟!‬
‫إنما توجه دعوى " النسانية " فقط ضد أصحاب الدين !‬
‫فمن كان متمسكا بدينه فهو " المتعصب " " ضيق الفممق "الممذى‬
‫يفرق بين البشر على أساس المدين ‪ ،‬ول يتسمع قلبمه " للنسمانية "‬
‫فيتعامل معها بل حواجز فى القلب أو فى الفكر أو فى السلوك !‬
‫أو قممل علممى وجممه التحديممد إن الممذين يحمماربون اليمموم بممدعوى "‬
‫النسانية " هم المسلمون !‬
‫يحاربون بها من طريقين ‪ ،‬أو من أجل هدفين ‪ :‬الهدف الول هممو‬
‫إزالة استعلء المسلم الحق بإيمانه ‪ ،‬الناشئ من إحساسممه بممالتميز‬
‫عن الجاهلية المحيطممة بممه فممى كممل الرض ‪ ،‬لكممى تنبهممم شخصمميته‬
‫وتتميع ؛ والهدف الثانى همو إزالمة روح الجهماد ممن قلبمه ‪ ..‬ليطمئن‬
‫العداء ويستريحوا !!‬
‫فمممى الهمممدف الول المستشمممرق النمسممماوى المعاصمممر " فمممون‬
‫جرونيبمماوم ‪ " Von Grunebaum‬فممى كتمماب لممه يسمممى " السمملم‬
‫الحديث " " ‪ " Modern Islam "1‬إن الحاجز الذى يحجز المسلم عن‬
‫" التغريب ‪ " Westernization‬هو استعلؤه بإيمممانه ‪ ،‬وإنممه لبممد مممن‬
‫تحطيم ذلك الحاجز لكى تتم عملية التغريب!‬
‫" " ل يتسع المجال هنا للتعليق على عنوان الكتاب الذى يقصد به أن السلم ليس شيئا ثابتا محدد المعالم ‪ ،‬وإنما‬ ‫‪1‬‬

‫هو شئ دائم التغير ! فالسلم الول شئ ‪ ،‬وإسلم القرون الوسطى )وهذا عنوان كتاب آخر لنفس المؤلف( شئ آخر‬
‫‪ ،‬والسلم الحديث شئ ثالث ! وهذه القضية ذاتها من وسائل الحرب التى يستخدمها المستشرقون ضد السلم !‬
‫أرأيت ! إنه هدف مقصود لممذاته ‪ ..‬أل يشممعر المسمملم بالسممتعلء‬
‫باليمان ! يراد له أن تممذوب شخصمميته وتتميممع ‪ ،‬ول تكممون لهمما تلممك‬
‫السمة المميزة التى أرادها الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫س وَي َك ُممو َ‬
‫ن‬ ‫داَء عَلممى الن ّمما ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫ة وَ َ‬
‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا{ ]سورة البقرة ‪[2/143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سو ُ‬
‫الّر ُ‬
‫إن أعداء السلم لممن يسممتريحوا حممتى يزيلمموا ذلممك التميممز الممذى‬
‫يحسه المؤمن ‪:‬‬
‫عوا{‬ ‫طا ُ‬ ‫س مت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُم ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫م عَم ْ‬‫دوك ُم ْ‬‫حّتى ي َُر ّ‬ ‫ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫}َول ي ََزاُلو َ‬
‫]سورة البقرة ‪[2/217‬‬
‫وتلك قضية قديمة عمرها الن أكثر مممن أربعممة عشممر قرنمما ‪ ..‬أى‬
‫منذ وجد المجتمممع السمملمى فممى المدينممة ‪ ..‬ولكممن وسممائل القتممال‬
‫تتغير ‪ ،‬ومن بينها اليوم ما نسميه " الغزو الفكرى " ومن بين الغممزو‬
‫الفكرى هذه الدعوى ‪ ..‬دعوى النسانية !‬
‫فباسم النسانية يقال للمسلم الحق ‪ :‬يا أخممى ل تعممتزل النمماس !‬
‫إن النسانية كلها أسرة واحدة ‪ ،‬فتعامل مع السرة كفرد منهمما ‪ ،‬ول‬
‫تميز نفسممك عنهمما ! وشممارك فممى النشمماط " النسممانى " و مظمماهر‬
‫الحضارة " النسانية " !‬
‫ول نقممول لهممؤلء ‪ :‬هممل تعمماملون أنتممم المسمملمين كممأفراد مممن‬
‫أسرتكم " النسانية " " العالمية "فتعطونهم حقهم بوصفهم أفممرادا‬
‫فممى تلممك السممرة ‪ ،‬فل تطمماردونهم ‪ ،‬ول تنبممذونهم ‪ ،‬ول تتعصممبون‬
‫ضدهم ‪ ،‬ول تتجمعون على أذاهم ؟!‬
‫ل نقول لهم ذلك لنه ل فائدة من جدالهم ‪ .‬ولكممن نقممول " شممهد‬
‫شاهد من أهلها " فهو غير متهم فيما يشهد به ! ذلك هو " توينبى "‬
‫المؤرخ المعاصر المشهور ‪ ،‬وتعصبه ضد السمملم والمسمملمين أمممر‬
‫كذلك مشهور!‬
‫يقول فى محاضرة له باسم السلم والغرب والمسممتقبل بعممد أن‬
‫قسم العالم تجاه عملية " التغريب " إلى متحمسين بغير عقل " ‪"1‬‬
‫‪ ،‬ومقلدين بل تحفظ ‪ ،‬وبعد أن امتدح حركة كمال أتمماتورك المقلممدة‬
‫للغرب ‪:‬‬
‫" ويجب على المراقب الغربى أن يراعى حدود اللياقة ول يسخر‬
‫" " ‪ " 2‬لن ما يحاول )المقلدون( التراك القيام به هو تغيير وطنهم‬
‫وممواطنيهم ممما همم فيممه إلمى حالمة كنما نحممن منممذ التقمماء الغممرب‬

‫" " يقصد بهم – بصفة خاصة – المسلمين المحافظين على إسلمهم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " هذا اعتراف من المؤلف بأن الغربيين يسخرون من التراك بعد أن تغربوا وتركوا إسلمهم !‬ ‫‪2‬‬
‫بالسلم ننتقدهم لعدم وجودها طبيعة فيهم ‪ .‬وها هم حمماولوا – ولممو‬
‫متأخرين – إقامة صورة طبق الصل لدولة غربية وشعب غربى ‪.‬‬
‫" وعنممدما نممدرك تماممما هممدفهم الممذى رممموا إليممه ل نسممتطيع إل‬
‫التساؤل بحيرة ‪ :‬هل يبرر هذا الهدف حقمما الجهممد الممذى بممذلوه فممى‬
‫صراعهم لبلوغه " " ‪ " 1‬؟!‬
‫" من المؤكد أننا لم نكن نحممب الممتركى التقليممدى المسمملم الممذى‬
‫كممان يممثير حنقنمما عنممدما ينظممر إلينمما مممن عممل علممى أانمما فريسمميون‬
‫زناديق ! ويحمد اللمه علممى أنمه لممم يجعلمه مثلنما ‪ .‬وبممما أن الممتركى‬
‫التقليدى القديم كان يعتبر نفسه من طينة خاصة ‪ ،‬حاولنمما أن نحممط‬
‫من كبريائه بتصوير هممذه الطينممة الخاصممة شمميئا ممقوتمما وسممميناه "‬
‫التركى النكرة " ‪ ..‬إلى أن استطعنا أخيرا أن نحطم سلحه النفسى‬
‫وحرضناه على القيام بهممذه الثممورة )المقلممدة( الممتى اسممتهلكها الن‬
‫أمام أعيننا ‪. " 2 " ..‬‬
‫" والن ‪ ،‬وبعد أن تغير التركى بتحريضنا ورقابتنا ‪ ،‬وبعد أن أصممبح‬
‫يفتش عن كل وسيلة لجعل نفسممه مممماثل لنمما ‪ ،‬وللشممعوب الغربيممة‬
‫مممن حمموله ‪ ،‬الن نحممس نحممن بالضمميق والحممرج ‪ ،‬بممل ونميممل إلممى‬
‫الشعور بالسخط والحنق ‪ ،‬تماما كما شعر صموئيل عنممدما اعممترف‬
‫بنو إسرائيل بفظاظة غايتهم ورغبوا فى وجود ملك ‪..‬‬
‫" لذلك فإن شكوانا الجديدة ممن التمراك فمى همذا الظمرف أممر‬
‫أقل ما يقال فيه إنه غير لئق " ‪ ، " 3‬وبإمكان التركى أن يجيبنمما أنممه‬
‫مهما فعل فهو مخطئ فى نظرنا ‪..‬‬
‫" على كل حال ‪ ،‬قد يكون انتقادنا للتراك فظا وغير لئق ‪ ،‬ولكن‬
‫ليس فيه أى تحامل " ‪ " 4‬ول هو خارج عن الموضمموع ‪ ،‬إذ ممما الممذى‬
‫سيكسبه التراث الحضارى ‪ ،‬فممى حالممة عممدم ذهمماب جهممود التممراك‬
‫سدى ؟ أى فمى حالمة نجماحهم – فرضما – النجماح المرجمو ؟ وهمذه‬
‫النقطة تكشف حركة المقلدين عن نقطتى ضعفها الصيلتين فيها ‪:‬‬
‫" أولهما ‪ :‬أن الحركة مقلدة متبعة ‪ ،‬وليست مخترعة ‪ ،‬لذا ففممى‬
‫حالة نجاحها – جدل – لن تزيد إل فى كمية المصنوعات التى تنتجهمما‬
‫اللة فى المجتمعممات المقلممدة ‪ ،‬بممدل أن تطلممق شمميئا مممن الطاقممة‬
‫المبدعة فى النفس البشرية ‪.‬‬

‫" " لحظ سخرية المؤلف بالتراك ‪ ،‬مع أنه ينصح الغربيين بعدم السخرية بهم !‬ ‫‪1‬‬

‫" " يلتقى الصليبيون جميعا فى كراهيتهم لهذا " السلح النفسى " وهو استعلء المسلم بإيمانه ‪ .‬راجع قوله "‬ ‫‪2‬‬

‫جرونيبام " المشار إليها آنفا ‪.‬‬


‫" " وهذا اعتراف بأن سخرية الغرب بالتراك المقلدين تصل إلى حد " عدم اللياقة " أى سوء الدب !‬ ‫‪3‬‬

‫" " يعود إلى سخريته – على طريقته الخاصة – فيقول إن سخرية الغرب بالتراك المقلدين ليس فيها أى تحامل !‬ ‫‪4‬‬

‫يعنى أنهم يستحقون ذلك !‬


‫" وثانيهما ‪ :‬فمى حالمة النجماح البماهت – المفمترض – همذا ‪ ،‬وهمو‬
‫أقصى ما يمكن للمقلممدين الوصممول إليممه ‪ ،‬سمميكون هنمماك خلص –‬
‫مجرد خلص – لقلية ضئيلة فى أى مجتمممع تبنممى طريقممة التقليممد ‪،‬‬
‫لن الغالبية ل تأمل فى التحممول إلممى أعضمماء فممى الطبقممة الحاكمممة‬
‫للحضارة المقلدة ‪ ،‬ومال هذه الغالبيممة هممو تضممخيم عممدد بروليتاريمما‬
‫الحضارة المقلدة ‪.‬‬
‫" كانت ملحظممة موسممولينى ملحظممة حممادة عنممدما قممال ‪ :‬هنمماك‬
‫شممعوب بروليتاريممة " ‪ "1‬مثلممما هنمماك طبقممات بروليتاريممة وأفممراد‬
‫بروليتاريون " ‪. " 2‬‬
‫تلك هى القضية ! إن تمسك المسلم بإسلمه شممئ يغيممظ أعممداء‬
‫السلم بصورة جنونية ‪ ..‬ول يهدأ لهممم بممال حممتى يممذهبوا عنممه ذلممك‬
‫التمسك ويميعوه )ومن وسائل ذلممك كممما أسمملفنا دعمموى النسممانية‬
‫والعالميممة( فممإذا تميممع بالفعممل ‪ ،‬ولممم تعممد لممه سمممته المميممزة لممه ‪،‬‬
‫احتقروه كما احتقرت أوروبا التراك بعد أن أزال أتمماتورك إسمملمهم‬
‫و" فرنجهم " و" غربهم " ! بينما يقول أحد المبشممرين فممى كتمماب "‬
‫الغارة فى العالم السلمى " إن أوروبمما كممانت تفممزع مممن " الرجممل‬
‫المريممض " )وهممو مريممض( لن وراءه ثلثمممائة مليممون مممن البشممر‬
‫مستعدون أن يقاتلوا بإشارة من يده " ‪ " 3‬وهذا النص الخير يممدخل‬
‫بنمما إلممى النقطممة الثانيممة أو الهممدف الثممانى مممن اسممتخدام دعمموى "‬
‫النسانية " فى محاربة المسلمين ‪.‬‬
‫إن أشد ما يخشمماه أعممداء السمملم مممن السمملم هممو روح الجهمماد‬
‫الكامنة فيه !‬
‫وقممد مممر بنمما فممى الفصممل الماضممى كلم المستشممرق الكنممدى‬
‫المعاصممر " ولفممرد كممانتول سممميث " الممذى يقممرر فيممه أن أوروبمما ل‬
‫تستطيع أن تنسى الفزع الذى ظلت تزاوله عممدة قممرون مممن الفتممح‬
‫السلمى ‪ ،‬وأن هذا الفزع ل يدانيه شئ فى العصممر الحممديث ‪ ،‬وال‬
‫" " أى شعوب ذليلة تابعة مقدر عليها الذل والتبعية ل فكاك لها منها !‬ ‫‪1‬‬

‫" " تعريب الدكتور نبيل صبحى باسم " السلم … والغرب ‪ ..‬والمستقبل " ص ‪. 53 – 51‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " ظهر فى بريطانيا فى أوائل الستينات كتاب بعنوان " معضلة الرجل البيض " ‪ The White Man's Dilemma‬شرح‬ ‫‪3‬‬

‫فيه مؤلفه موقف الرجل البيض من الرجل الملون ‪ ،‬وخلصة فكرة الكتاب أن الرجل البيض يتصايح اليوم بضرورة‬
‫تحديد نسل الرجل الملون ‪ ،‬ويحاول إقناع الرجل الملون بتحديد نسله بشتى الوسائل على أساس أن أقوات الرض‬
‫ل تكفى لمواجهة " النفجار السكانى " فى المستقبل ‪ .‬ويناقش المؤلف هذا الزعم ‪ ،‬ويثبت أن موارد الرض لم‬
‫تستثمر كلها بعد ‪ ،‬فضل عن أن موارد البحر تعتبر غير مستثمرة أصل ‪ .‬وأن الرض – بيابسها ومياهها – تحمل من‬
‫القوات ما يكفى أضعاف أضعاف العدد الحالى من البشر ‪ .‬ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذه الصيحة أن الرجل البيض‬
‫يخشى على سيادته وسيطرته ورفاهيته الناعمة من يقظة الرجل الملون الذى سلب الرجل البيض خيراته عن طريق‬
‫السيطرة والستعمار ‪ .‬فإذا ظل نسل الرجل الملون يتزايد بنسبته الحالية – بينما نسل الرجل البيض يتناقص بسبب‬
‫عمل المرأة وانشغالها بالمحافظة على رشاقتها وانشغالها بملذاتها عن الحمل والمومة – فسيستيقظ الرجل الملون‬
‫إلى الحقيقة الواقعة ‪ ،‬وهى أن خيراته التى تشتد حاجته إليها بسبب تزايد أعداده مسلوبة بيد الرجل البيض ‪ .‬وعندئذ‬
‫سيثور على الرجل البيض لسترداد خيراته المسلوبة ‪ ،‬فيفقد الرجل البيض سلطانه ورفاهيته ‪ ..‬ومن أجل ذلك‬
‫ينصحه بتحديد نسله ويخوفه بالجوع !!‬
‫فممزع أوروبمما مممن اسممتيلء الشمميوعية علممى تشيكوسمملوفاكيا سممنة‬
‫‪! 1948‬‬
‫وهذا هو المستشرق المريكى " روبرت بين ‪ Robert Payne‬يقول‬
‫فى مقدمة كتابه السيف المقدس ‪: The Sacred Sword‬‬
‫" إن لدينا أسبابا قوية لدراسة العرب والتعرف علممى طريقتهممم ‪.‬‬
‫فقد غزوا الدنيا كلها من قبل ‪ .‬وقممد يفعلونهمما مممرة ثانيممة ! إن النممار‬
‫الممتى أشممعلها محمممد ممما تممزال تشممتعل بقمموة ‪ ،‬وهنمماك ألممف سممبب‬
‫للعتقاد بأنها شعلة غير قابلة للنطفاء " !‬
‫ولنترك المستقبل لعلم الله ‪ ..‬فممما نممدرى ممماذا يكممون مممن أمممر‬
‫المسلمين غدا ‪ .‬ولكنا ننظر إلى الحاضممر ذاتممه فنلمممح السممبب فممى‬
‫فزع أعداء السلم من روح الجهاد الكامنة فيه ‪..‬‬
‫إن أوروبا لم تتضخم كما تضخمت اليوم ‪ ،‬ولم تصل إلى الرفاهية‬
‫الناعمة التى تعيش فيها إل باستعمار العالم السلمى ونهب خيراته‬
‫واستعباد أهله وإخضاعهم لنفوذها ‪ .‬فماذا يكون إذا اسممتيقظت فممى‬
‫المسلمين روح الجاد فطممردوا ذلممك السممتعمار بكممل أنممواعه اخفيممة‬
‫والظمماهرة ‪ ،‬العسممكرى منهمما والسياسممى والقتصممادى ‪ ،‬واسممتردوا‬
‫سيادتهم على أرضهم وأرواحهم وأفكارهم وضمائرهم ؟!‬
‫ماذا يحدث لوروبا لو تم ذلك ؟ ومممن أيممن لهمما الرفاهيممة الناعمممة‬
‫التى تعيش فيها اليوم ‪ ،‬إذا احتفظ المسلمون بخيراتهممم لنفسممهم ‪،‬‬
‫أو باعوهما لوروبما بيعما حمرا بالسمعر الحقيقمى المذى تسمتحقه فمى‬
‫التجارة الحرة المتكافئة ؟ ومن أين لها التضخم الذى تمارسه اليوم‬
‫‪ ،‬سممواء التضممخم العسممكرى أو العلمممى أو المممادى ‪ ،‬إذا انحسممرت‬
‫مواردها وكسدت بضاعتها التى توزعهمما اليمموم علممى " المتخلفيممن "‬
‫وتربح فيها بغير حساب ؟!‬
‫كل ! ما يحب أعداء السلم قط أن تستيقظ روح الجهاد الكامنممة‬
‫فيه ‪ ،‬ولو لم يتحقق شممئ مممن كلم روبممرت بيممن ‪ ،‬الممذى يزعممج بممه‬
‫أعصاب الغرب ليشتدوا فى الضغط على المسلمين ول يتيحوا لهممم‬
‫أى فرصممة لنهمموض ‪ ..‬أو – علممى وجممه التحديممد – ل يممتيحوا لهممم أى‬
‫فرصة للرجوع إلى حقيقة السلم التى فقممدوها بعمليممة " التغريممب‬
‫"!‬
‫ودعوى النسانية من أسمملحة الحممرب الموجهممة ضممد روح الجهمماد‬
‫عند المسلمين ‪.‬‬
‫يا أخى ! لقد تغيرت الدنيا ! ل نتكلم عن الجهاد ! أو إن كنت لبد‬
‫فاعل فتكلم عن الجهاد الممدفاعى فحسممب ! ول تتكلممم عنممه إل فممى‬
‫أضيق الحدود ! فهذا الذى يتناسب اليوم مع " النسانية المتحضممرة‬
‫" ! لقد كمانت للجهمماد ظممروف تاريخيممة وانقضممت ! أممما اليمموم فقممد‬
‫أصبحت النسانية أسرة واحدة ! وهناك قانون دولممى وهيئات دوليممة‬
‫تنظممر فممى حقممك وتحممل قضمماياك بممالطرق " الدبلوماسممية " ! فممإذا‬
‫فشلت تلك الهيئات فى رد حقممك المغتصممب فعنممدئذ لممك أن تقاتممل‬
‫دون حقك ولكن ل تسمه جهادا ! ‪ ..‬فالجهاد قد مضممى وقتممه ! إنممما‬
‫سمه دفاعا عن حقوقك المشروعة !!‬
‫أما نشر الدعوة فإياك أن تتحدث فيه عممن الجهمماد ! هنمماك اليمموم‬
‫وسائل " إنسانية " لنشر الدعوة فاسلكها إن شئت ‪ ..‬هناك الكتمماب‬
‫والمذياع والتلفاز والمحاضرة والدرس ‪ ..‬إياك إياك أن تتحممدث عممن‬
‫الجهاد فتكون مضغة فى أفواه المتحضرين !‬
‫ول نقول لهؤلء ‪ :‬أين هى الهيئات الدولية فى قضممية فلسممطين ؟‬
‫وفى قضية الفلبين ؟ وفى قضية كشمير ؟ وفى قضية أفغانستان ؟‬
‫وفى كل قضية كان المسلمون طرفا فيها ؟ أين هى الحقمموق الممتى‬
‫ترد بالطرق الدولية أو العدوان الذى يصد ؟!‬
‫ول نقول لهم ‪ :‬ما قيمممة هممذه الهيئات الدوليممة والقممانون الممدولى‬
‫وكل الجراءات الدولية ‪ ،‬إذا كان هممذا القممانون يعممترف رسممميا بممأن‬
‫هنمماك جبممابرة خمسممة فممى الرض هممم الحممق – الشممرعى ! ! – أن‬
‫يوقفوا أى إجراء ل يوافممق أهممواءهم ومطممامعهم العدوانيممة – مهممما‬
‫يكن عادل فى ذاته – عن طريق " الفيتو " )حق العتراض ( ؟!‬
‫ل نقول لهم ذلك لنه ا فممائدة مممن جممدالهم ! إنممما نقممول لهممم إن‬
‫إسممرائيل تضممرب بقممرارات هيئة المممم المتحممدة ومجلسممي المممن‬
‫عرض لحائط ‪ ،‬وتعلن فى تبجممح – وهممى المعتديممة دائممما – أنهمما لممن‬
‫تخضع لهذه القمرارات ولممن تلمتزم بهمما ‪ ،‬ول يتحممرك " النسمانيون "‬
‫لتأديبها ‪ ..‬إنما يشهر سلح ط النسانية " فى وجه المسلمين فقممط‬
‫حين يطالبون بحقهم المشروع!‬
‫‪m m m‬‬

‫السلم – دين الله – صريح غاية الصراحة ‪ ،‬حاسم كممل الحسممم ‪،‬‬
‫ل يداور ول يناور ‪ ،‬ول يتاجر بالشعارات ‪.‬‬
‫ن{ ]سممورة التغممابن‬ ‫م مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُم ْ‬
‫م ك َممافٌِر وَ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫م فَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫‪[64/2‬‬
‫ن{ ]سمورة الزممر‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مممو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّم ِ‬
‫ممو َ‬‫ن ي َعْل َ ُ‬
‫ذي َ‬‫وي اّلم ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫}هَ ْ‬
‫‪[39/9‬‬
‫َ‬
‫ت َول الن ّمموُر )‪(20‬‬ ‫ممما ُ‬ ‫صيُر )‪َ (19‬ول الظ ّل ُ َ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫ت{ ]سممورة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َول ال ْ َ‬ ‫َول الظ ّ ّ‬
‫وا ُ‬ ‫م َ‬‫حَياُء َول ال ْ‬ ‫وي ال ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫حُروُر )‪ (21‬وَ َ‬
‫فاطر ‪[22-35/19‬‬
‫ويقرر فممى صممراحة حاسمممة أن ولء المسمملم هممو للممه ولرسمموله‬
‫وللمؤمنين ‪ ،‬ويحرم الولء فيما وراء ذلك ‪:‬‬
‫من ُمموا‪] {....‬سممورة المممائدة‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّم ِ‬ ‫سممول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّم ُ‬ ‫ممما وَل ِي ّك ُم ْ‬ ‫}إ ِن ّ َ‬
‫‪[5/55‬‬
‫َ‬
‫ن ي َْفعَ ْ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫خذ ْ ال ْ ُ‬ ‫}ل ي َت ّ ِ‬
‫يٍء{ ]سورة آل ‪[3/28‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ض مه ُ ْ‬
‫صمماَرى أوْل ِي َمماَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ال ْي َهُممود َ َوالن ّ َ‬ ‫خم ُ‬ ‫من ُمموا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّم ِ‬
‫أَ‬
‫م{ ]سورة المائدة ‪[5/51‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬
‫ويقرر فى صراحة حاسمة كذلك أن الجهمماد لنشممر الممدعوة ممماض‬
‫إلى يوم القيامة ‪:‬‬
‫ه{ ]سممورة‬ ‫ه ل ِّلم ِ‬ ‫ن ك ُّلم ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن الم ّ‬ ‫ة وَي َك ُممو َ‬ ‫ن فِت ْن َم ٌ‬ ‫حّتى ل ت َك ُممو َ‬ ‫م َ‬ ‫}وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫النفال ‪[8/39‬‬
‫ولكنه ل يقاتل من أجل فرض عقيدته على الناس وهم كممارهون ‪.‬‬
‫إنما يقاتل كما قلنا من قبل لزالة القوى الجاهلية التى تمنع وصممول‬
‫الحق للناس دون حواجز نفسية أو حسية مادية ‪ ،‬ممثلممة فممى نظممم‬
‫جاهلية لها فى حممس النمماس ثقممل " المممر الواقممع " وجيمموش ودول‬
‫تحمى تلك النظم الجاهلية وتعطيها ثقلها فممى الرض ‪ ،‬فممإذا أزيلممت‬
‫الحواجز فل إكراه فى الدين ‪:‬‬
‫ي‪] {...‬سممورة البقممرة‬ ‫ن الغَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن قَد ْ ت َب َي ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫}ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ‬
‫‪[2/256‬‬
‫إنما يقام العدل الربانى ليستمتع به الناس ويعيشوا فى ظله ولممو‬
‫كانوا ل يعتنقون عقيدة السلم ‪.‬‬
‫وقد فتح المسلمون مصر وكان سكانها على دين النصرانية ‪ ،‬فلم‬
‫يكرههم السلمون على اعتناق السلم ‪ .‬ولممو كممان هنمماك إكممراه ممما‬
‫بقى القباط على دينهم حتى هذه اللحظة !‬
‫إنممما أقممام المسمملمون العممدل الربممانى كممما أمرهممم اللممه فممردوا‬
‫للقباط كرامتهممم النسممانية المفقممودة الممتى سمملبهم إياهمما حكممامهم‬
‫الرومان وهم على نفس الدين ولكممن علممى مممذهب مخممالف ‪ .‬فقممد‬
‫كان الرومان يلهبون ظهور القباط بالسياط لمخممالفتهم إيمماهم فممى‬
‫المذهب فل يتحرك القباط لرد العممدوان ‪،‬ول يجممدون ملجممأ يلجئون‬
‫إليه يمنحهم الحرية العتقادية ويمنحهم العدل والكرامة ‪ .‬فلما جمماء‬
‫المسملمون منحموهم كممل ذلمك ‪ .‬وقصمة القبطممى المذى ذهمب إلممى‬
‫المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطاب ضربة العصا التى وقعت علممى‬
‫ظهر ابنه من ابن عمرو بممن العمماص شممهيرة ل تحتمماج إلممى إعممادة ‪.‬‬
‫ولكممن دللتهمما وضمماحة ‪ ،‬فهممذا القبطممى الممذى كممان يتلقممى سممياط‬
‫الرومان ول يشكو ول يثأر لكرامته المسلوبة ‪ ،‬يسمافر همذه الرحلمة‬
‫الطويلممة طلبمما للعممدل ‪ ،‬لن السمملم رد لممه كرامتممه فصممار يسممتنكر‬
‫الظلم ويطلب العدل ‪ ،‬ولن السلم أوجد له ملجأ حقيقيا يسممتحقق‬
‫له العدل فيه فطلبه هناك ‪.‬‬
‫ومن أجمل همذا يقاتمل المسملمون يقاتمل المسملمون ‪ ،‬ل لفمرض‬
‫عقيممدتهم ‪،‬ول للتوسممع السممتعمارى ‪ ،‬ول لسمملب أقمموات النمماس‬
‫والسممتئثار بهمما لنفسممهم ‪ ،‬ول لى فممائدة أرضممية مممن الممتى تسممعى‬
‫الدول إليها ‪ ،‬ولكن قياما بأمر الله ‪ ،‬ونشرا لهذا العدل الربممانى فممى‬
‫الرض ‪.‬‬
‫وفتح المسلمون النممدلس ‪ ،‬وظلمموا هنالممك ثمانيممة قممرون ‪ ..‬فلممم‬
‫يفرضوا عقيدة السلم على نصارى الندلس ‪ ،‬بل دخممل منهممم مممن‬
‫دخل السلم حبا فيه وإيمانا بصدقه ‪ ،‬وبقى النصممارى نصممارى حممتى‬
‫ردوا للمسلمين الجميل بطردهم من الندلس مع التعذيب والتنكيل‬
‫والتشريد على أبشع صورة وعاها التاريخ ‪ .‬ونشر المسمملمون النممور‬
‫فممى النممدلس وغيرهمما مممن البلد عممن طريممق مدارسممها وجامعاتهمما‬
‫وأسمماتذتها وكتبهمما وعلومهمما وحضممارتها ‪ ،‬الممتى مممرت شممهادات‬
‫الشاهدين بها من منصفى الغرب على قلتهم ! وكانت الندلس هى‬
‫الملذ المن لليهود والنصارى على السواء ‪ ،‬يشممعرون فيهمما بممالمن‬
‫الكامل فى ظل الحكم السلمى ‪ ،‬بينما أوروبا كلها تضممطهد اليهممود‬
‫وتنكل بهم ‪ ،‬وبينما النصارى المخالفون لمممذهب الكنيسممة يعيشممون‬
‫فى رعب دائم من الرهاب ‪.‬‬
‫وفتح المسلمون الهند ‪ ،‬وحكموها ثمانيممة قممرون ‪ ..‬فلممم يفرضمموا‬
‫العقيدة السلمية على الوثنيين الهنود ‪ ،‬بمل تركموهم لعقمائدهم ممع‬
‫أن فيها مل يعقله عاقل ‪ ،‬من عبادة للبقر ‪ ،‬وتبرك بروثهمما وبولهمما ‪..‬‬
‫وإنما فرضوا عليهم فقط أن يكفوا عن بعض عاداتهم الوحشية التى‬
‫كانوا يمارسونها من دفن الرملة حية مع زوجها المتوفى ‪ ،‬أو حرقها‬
‫حية ‪ ..‬من أجممل رفممع هممؤلء النمماس إلممى درجممة الدميممة فممى بعممض‬
‫تصممرفاتهم دون المسمماس بعقممائدهم ‪ .‬وظممل الهنممدوس محممافظين‬
‫على عقائدهم وتقاليدهم فى ظممل الحكممم السمملمى حممتى تسمملموا‬
‫حكم الهند بمساعدة الصليبيين النجليز ‪ ،‬فردوا الجميممل للمسمملمين‬
‫بالعدوان المسممتمر عليهممم وتحريممق قراهممم وتعمممد الثممارة الدائمممة‬
‫لهم ‪ ،‬والتهييج الدائم لخواطرهم ‪.‬‬
‫كممذلك كممان فتممح المسمملمين للرض ‪ ..‬ومممن أجممل هممذه المعممانى‬
‫الرفيعة أمرهم الله بالقتال لنشر الدعوة ‪ ..‬ومع ذلك فهم ل يبدأون‬
‫بالقتال ‪ ،‬إنما يبدأون بعرض السلم ‪ ،‬فإن لم يقبل منهم فالجزيممة ‪،‬‬
‫فإن لم تقبل فالقتال من أجل إخراج الناس مممن ظلمممات الجاهليممة‬
‫وظلمها إلى عدل السلم وسماحته ‪ ،‬على النحو الذى تم بممه المممر‬
‫فى واقع التاريخ ‪.‬‬
‫وللحرب مع ذلك تقاليد ‪ ..‬بل قل إنها أخلقيات السمملم فممى كممل‬
‫شئ حتى مع المشركين المعاندين ‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليممه وسملم لجيشمه يعلممه أخلقيمات‬
‫الحرب فى السلم " اغزوا باسممم اللممه ‪ ،‬وقمماتلوا مممن كفممر بممالله ‪،‬‬
‫اغزوا فل تغلوا ول تغدروا ول مثلوا ول تقتلوا وليدا ‪ " ..‬الحديث " ‪"1‬‬
‫‪.‬‬
‫ثم إن أعطوا العداء عهدا أو موثقا فالله يأمرهم أن يوفوا بالعهد‬
‫ول ينقضوا الميثاق ن تحت أى ظرف من الظروف ولى هدف مممن‬
‫الهداف ز فإن خافوا منهم خيانة فلينبذوا إليهممم عهممدهم علنيممة ول‬
‫يغدروا ول يفاجئوا عدوهم بالقتال قبل انقضاء العهد ‪:‬‬
‫ها وَقَد ْ‬ ‫كيدِ َ‬ ‫ن ب َعْد َ ت َوْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ضوا الي ْ َ‬ ‫م َول َتنُق ُ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫}وَأ َوُْفوا ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ‬
‫كون ُمموا‬ ‫ن )‪َ (91‬ول ت َ ُ‬ ‫ممما ت َْفعَل ُممو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َم ُ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫م ك َِفيل ً إ ِ ّ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م الل ّ َ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫كاثا ً ت َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كمم ْ‬‫خل ً ب َي ْن َ ُ‬ ‫م دَ َ‬ ‫مممان َك ُ ْ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ب َعْدِ قُوّةٍ أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت غَْزل ََها ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫كال ِّتي ن ََق َ‬ ‫َ‬
‫ة هي أ َربى م ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م ي َموْ َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ه ب ِهِ وَل َي ُب َي ّن َ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما ي َب ُْلوك ُ ْ‬ ‫مةٍ إ ِن ّ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫م ٌ ِ َ ْ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن تَ ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫شاَء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ‬ ‫ن )‪ (92‬وَل َوْ َ‬
‫حد َةً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ُ َ َ ْ‬ ‫خت َل ُِفو َ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مة ِ َ‬ ‫ال ِْقَيا َ‬
‫شاُء ول َتسأ َ‬
‫ن)‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ ْ ّ‬‫ل‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫خ ُ َ‬
‫ذوُقوا‬ ‫م ب َعْمد َ ث ُُبوت ِهَمما وَت َم ُ‬ ‫ل قَمد َ ٌ‬ ‫م فَت َمزِ ّ‬ ‫خل ً ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م دَ َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬
‫ذوا أي ْ َ‬ ‫‪َ (93‬ول ت َت ّ ِ‬
‫م )‪] {(94‬سورة‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد َد ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سوَء ب ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫النحل ‪[94-16/91‬‬
‫هل‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫واٍء إ ِ ّ‬ ‫سم َ‬ ‫م عَل َممى َ‬ ‫ة َفان ْب ِمذ ْ إ ِل َي ْهِم ْ‬ ‫خَيان َم ً‬ ‫ن قَوْم ٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خافَ ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫}وَإ ِ ّ‬
‫ن )‪] {(58‬سورة النفال ‪[8/58‬‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ولقد كان معاوية قممد أعطممى عهممدا للممروم إلممى أمممد محممدد ‪ ،‬ثممم‬
‫جاءته عيونه تخبره أن القوم يستغلون الهدنة للستعداد للنقضمماض‬
‫علمممى المسممملمين ‪ ،‬فمممأراد أن يبممماغتهم ‪ ،‬فاستشمممار فمممأبى عليمممه‬
‫مستشاروه ‪ ،‬وقالوا له إما أن تنبذ إليهم عهدهم على سواء وإما أن‬
‫" " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫تنتظر إلى نهاية العهد ‪ ،‬والله ينصرك بالطاعة ‪ .‬فانتظر حممتى نهايممة‬
‫العهد وانتصر بإذن الله ‪.‬‬
‫ويروى التاريممخ كيممف غممدر الصممليبيون بعهممدهم مممع صمملح الممدين‬
‫وفاجئوا المسملمين المنيممن علممى بغتمة فمماحتموا بالمسممجد فمدخلوا‬
‫عليهم المسجد وأعملوا فيهم القتل حتى غاصت الخيممل إلممى ركبهمما‬
‫فى الدماء ‪ ..‬فلما دارت الدورة وانتصر صلح الممدين أبممى أن ينتقممم‬
‫منهم – سماحة – ولم يغدر قط بميثاق واحد أعطاهم إياه ‪.‬‬
‫وظل وفماء المسملمين بممواثيقهم فمى السملم والحمرب مضمرب‬
‫المثل خلل التاريخ ‪ ،‬اتباعا لتعاليم السلم ‪ ،‬وتخلقا بأخلق ل إله إل‬
‫الله ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫والسلم صريح فى توجيه اتباعه إلى التميز عن أحوال الجاهلية ‪،‬‬


‫التميز بنظافة السمت ونظافة الخلق ونظافة السلوك ‪،‬والسممتعلء‬
‫باليمان على كل مصممدر ليممس إسمملميا أو متعممارض مممع السمملم ‪،‬‬
‫حتى لو لحقت بهم هزيمة مؤقتة أو ضعف طارئ ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{(139‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ممؤْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ُْتم ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م ال َعَْلموْ َ‬ ‫حَزُنموا وَأن ُْتم ْ‬ ‫}َول ت َهُِنموا َول ت َ ْ‬
‫]سورة آل ‪[3/139‬‬
‫ومصدر التميز هممو الحسمماس بممأنهم علممى الهممدى وغيرهممم علممى‬
‫الضلل ‪ ،‬وأن المنهج الذى يعيشون به هو المنهج العلى لنه المنهج‬
‫الربانى‪ ،‬والذى يعيمش عليمه غيرهمم همو المنهمج الدنمى لنمه منهمج‬
‫جاهلى ‪ .‬فهو ليس تميزا مبنيا على الجنممس ول اللممون ول الجمماه ول‬
‫الغنى ول القوة ول أى معنى مممن المعممانى الرضممية الممتى تعممتز بهمما‬
‫الجاهلية وتستعلى بها على الناس ‪ .‬إنما التميز المستمد من معرفة‬
‫المنهج الربانى واتباعه ‪..‬‬
‫ومممع ذلممك كلممه فكيممف يكممون التعامممل السمملمى مممع غيممر‬
‫المسلمين ؟!‬
‫م‬ ‫جمموك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َم ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال م ّ‬ ‫م ي َُقات ُِلوك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫}ل ي َن َْهاك ُ ْ‬
‫من ديارك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫طي َ‬
‫سمم ِ‬ ‫مْق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حمم ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م وَت ُْق ِ‬ ‫ن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ َِ ِ ْ‬
‫‪] {(8‬سورة الممتحنة ‪[60/8‬‬
‫}وط َعممام اّلممذي ُ‬
‫ل ل َُهمم ْ‬
‫م‬ ‫حمم ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫م وَط ََعمما ُ‬ ‫كمم ْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫حمم ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتمموا ال ْك َِتمما َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ممم ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ت َوال ْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫َوال ْ ُ‬
‫ذا آتيتموهُ ُ‬
‫ذي‬ ‫خم ِ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن َول ُ‬ ‫حي َ‬ ‫سممافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَي ْمَر ُ‬ ‫صمِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫جمموَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م إِ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫ن{ ]سورة المائدة ‪[5/5‬‬ ‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫كما أنه ليس مقتضى التميز والستعلء هو " مخاصمممة " كممل ممما‬
‫يأتى من مصدر غير إسلمى ‪ ،‬إن كان شمميئا نافعمما فممى ذاتممه ‪ ،‬ولممم‬
‫يكممن متعارضمما مممع السمملم ‪ ،‬فقممد أخممذ المسمملمون الوائل مممن‬
‫الحضممارة الفارسممية والحضممارة البيزنطيممة ممما رأوه نافعمما لهممم ول‬
‫يتعارض مع عقيدتهم وأخلقهممم وأفكممارهم وتصمموراتهم السمملمية ‪.‬‬
‫إنما مقتضى ذلك أل يأخممذوا مممن مصممدر غيممر إسمملمى أمممرا يتصممل‬
‫بالعقيدة مأو يتصل بالقيم أو يتصل بالشريعة أو يتصممل بممالخلق لن‬
‫مرجعهم فى ذلك كله هو كتاب اللممه وسممنة رسمموله ‪ ،‬وهممو حسممبهم‬
‫وفيممه كممل ممما يحتمماجون إليممه فممى هممذه المممور ‪ .‬أممما " الدوات "‬
‫الحضارية ‪ ،‬وأما " العلممم " وأممما " التجممارب " النافعممة فل خصممومة‬
‫معها ‪ ،‬ول عداء ما دامت ل تصادم أصل من أصول السلم ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ذلك هو الواقع السلمى ‪ ..‬وخلصته أن " النسانية " الحقيقيممة "‬


‫والسماحة " الحقيقة هى السلم !‬
‫فحيث تكون دعاوى النسانية والعالمية والتسامح فى كل النظممم‬
‫مجرد شعارات ل رصيد لهمما مممن الواقممع ‪ ،‬فإنهمما فممى السمملم واقممع‬
‫حقيقى ‪ ،‬ل دعاوى ول شعارات مرفوعة بغير رصيد ‪.‬‬
‫والسلم دين الله الحق ‪ ،‬وكل أمممر فيممه – بممما فممى ذلممك الجهمماد‬
‫لنشر الدعوة ‪ ،‬والتميز والستعلء باليمان ‪،‬واعتزال أدران الجاهلية‬
‫وعدم المشاركة فيها – هو أمر ربانى ‪ ،‬لممم يبتممدعه المسمملمون مممن‬
‫عند أنفسهم ‪ ،‬ول قاموا به لصالح أنفسهم ‪ ،‬إنما تنفيممذا المممر لمممر‬
‫اللممه ‪ ،‬سممواء نممالهم منممه فممى الرض الغنممم أو الغممرم – بالمقمماييس‬
‫البشرية المحدودة – إنما يصنعونه ابتغاء مرضاة الله ‪ ،‬وطمعمما فممى‬
‫الجزاء فى الخرة ‪.‬‬
‫ولكممن غيممر المسمملمين ل يؤمنممون بممذلك بطبيعممة الحممال ‪ ،‬فل‬
‫نناقشهم بمنطق اليمان الذى ل يلزمهم ‪ .‬بل نفممترض – جممدل – أن‬
‫كل النظم ذات حق متساو فى الوجود وفى النتشممار فممى الرض ‪..‬‬
‫فلننظممر فممى الواقممع التمماريخى نظممرة " علميممة " " موضمموعية " "‬
‫مجردة " ‪ .‬أى النظم مارس حقممه فممى الوجممود وفممى النتشممار فممى‬
‫الرض بممروح إنسممانية حقيقيممة ‪ ،‬وأيهمما مممارس الوجممود والنتشممار‬
‫بسلوك خال من القيم النسانية هابط إلى الحضيض ؟!‬
‫فمن كان فى شك فلينظر إلى الواقع المعاصر وما يتمم فيمه ممن‬
‫ألوان من البربرية الوحشية ل تخطر على البال ‪ ،‬وألوان من نقممض‬
‫المواثيق ل تخطر على البال ‪ ،‬وألوان من العبث بكرامات الشعوب‬
‫والستخفاف " بحقوق النسان " ل تخطر على البال !‬
‫وذلمك رغممم كمل الشمعارات المرفوعمة ‪ ،‬والقيمم المسمطرة فممى‬
‫ديباجات الدساتير والمعاهدات والمواثيق !‬
‫أما السلم فل يممداور ول ينمماور ‪ ،‬ول يرفممع الشمعارات البراقممة بل‬
‫رصيد ‪ .‬إنما هو رغم الصراحة الحاسمة التى يعالج بها كل أمر ‪ ،‬هممو‬
‫الممذى يطبممق الممروح النسممانية الحقيقيممة والتسممامح الحقيقممى ‪ ..‬ول‬
‫عجب فى ذلك ‪ ،‬فإنما هو المنهج الربانى الحق ل يأتيه الباطممل مممن‬
‫بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬وهو الصراط المستقيم الذى ل عوج فيه ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫اللحاد‬
‫اللحاد – بمعنى إنكمار وجمود اللمه ‪ ،‬والقمول بمأن الكمون وجمد بل‬
‫خالق أو أن المادة الزلية أبدية ‪،‬وهممى الخممالق والمخلمموق فممى ذات‬
‫الوقت – بدعة جديدة فى الضللة فيما أحسب ‪ ،‬لم توجد مممن قبممل‬
‫فى جاهليات التاريخ السابقة ‪ ،‬ومن المؤكد علممى أى حممال أنهمما لممم‬
‫توجمممد بهمممذه الصمممورة وبهمممذا التسمماع المممذى تمارسمممه الجاهليمممة‬
‫المعاصرة ‪ ،‬فى أى فترة سابقة من فترات التاريخ ‪.‬‬
‫حَيات ُن َمما‬‫ي إ ِل ّ َ‬‫ممما هِ م َ‬ ‫وبعض الناس يشير إلى الية الكريمة‪} :‬وََقاُلوا َ‬
‫ممما ي ُهْل ِك ُن َمما إ ِل ّ ال مد ّهُْر{ ]سممورة الجاثيممة ‪[45/24‬‬ ‫حَيا وَ َ‬‫ت وَن َ ْ‬‫مو ُ‬ ‫الد ّن َْيا ن َ ُ‬
‫ويستدلون منها على أنه وجد فممى الجاهليممة العربيممة )وبالتممالى فممى‬
‫غيرها ( من ينكر وجود الله ‪ ،‬وأن هؤلء الدهريين كما أطلق عليهممم‬
‫هم صنو القائلين بالطبيعة ‪ ،‬المنكرين لوجود الله ‪.‬‬
‫والية – فيما أرى – ل تعطى هذه الدللة بصممورة قاطعممة ‪ ،‬فإنهمما‬
‫تقطع فقط بأن القوم المشار إليهم ينكرون البعث ‪ ،‬ولكنها ل تقطع‬
‫بأنهم ينكرون وجود الله ‪.‬‬
‫وما لم يثبت من مصدر يقينى " ‪ " 1‬أنه وجممد فممى العممرب أو فممى‬
‫غيرهم من المم من قبل من ينكر وجود الله ‪ ،‬فأغلب الظن عنممدى‬
‫أن هؤلء القوم المشار إليهم فى الية هم الذين يؤمنون بوجود الله‬
‫وبأنه هو الخالق المدبر ثم ينكرون قدرته سبحانه وتعالى على بعث‬
‫َ‬
‫خل َم َ‬
‫ق‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م َ‬ ‫سمأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الموتى بعممد أن يصمميروا ترابمما وعظاممما ‪} :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ه{ ]سورة لقمان ‪[31/25‬‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ض ل َي َُقول ُ ّ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ل ِل ّم ِ‬ ‫سمي َُقوُلو َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن )‪َ (84‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ِفيَها إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ض وَ َ‬ ‫ن الْر ُ‬ ‫م ْ‬‫ل لِ َ‬‫}قُ ْ‬
‫" " أى حديث مقطوع بصحته ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫س مب ْع وََر ّ ْ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫ش‬ ‫ب العَ مْر ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (85‬قُ ْ‬ ‫ل أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪ (87‬قُ م ْ‬ ‫ال ْعظي مم )‪ (86‬س ميُقوُلون ل ِل ّمه قُ م ْ َ‬
‫ه‬
‫ن ب ِي َمدِ ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل أَفل ت َت ُّقممو َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مممو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫جمماُر عَل َي ْمهِ إ ِ ْ‬ ‫جيُر َول ي ُ َ‬ ‫يٍء وَهُوَ ي ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل َ‬
‫ش‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ قُ ْ‬
‫ن )‪] {(89‬سممورة المؤمنممون ‪-23/84‬‬ ‫حُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل فَأّنا ت ُ ْ‬ ‫سي َُقوُلو َ‬ ‫َ‬
‫‪[89‬‬
‫ومع إقرارهم بذلك كله فقد كممانوا ينكممرون البعممث إنكممارا شممديدا‬
‫ل‬ ‫جمم ٍ‬ ‫م عََلى َر ُ‬ ‫ل ن َد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا هَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ويعجبون ممن يقول به ‪} :‬وََقا َ‬
‫ديدٍ )‪َ (7‬أافْت َمَرى عَل َممى‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬
‫م ل َِفي َ ْ‬ ‫ق إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫مّزقْت ُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫خَرةِ فِممي ال ْعَ م َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ب ِممال ِ‬ ‫من ُممو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّم ِ‬ ‫ة ب َم ْ‬ ‫جن ّم ٌ‬ ‫م ب ِمهِ ِ‬ ‫ذبا ً أ ْ‬ ‫الل ّمهِ ك َم ِ‬
‫ل ال ْب َِعيدِ )‪] {(8‬سورة سبأ ‪[8-34/7‬‬ ‫ضل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫فتكذيبهم بالبعث لم يكن ناشئا من إنكارهم لوجود الله ‪ ،‬إنما من‬
‫إنكارهم قدرته سبحانه وتعالى على إحيمماء " الممموتى بعممد ان بليممت‬
‫ض أ َئ ِن ّمما‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ض مل َل َْنا فِممي ال َ‬ ‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫أجسادهم وضلوا فممى الرض ‪} :‬وقَمماُلوا أ َ‬
‫َ‬
‫د{ ]سورة السجدة ‪[32/10‬‬ ‫دي ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ل َِفي َ ْ‬
‫خل ٍ‬
‫ولذلك كان الجدل معهم فى هذا الموضوع يدور كله حممول معنممى‬
‫واحد هو أن الذى خلق الخلممق مممن العممدم أول مممرة قممادر علممى أن‬
‫ينشئهم مرة أخرى ‪:‬‬
‫م)‬ ‫ميمم ٌ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫م وَهِ َ‬ ‫ظا َ‬ ‫ي ال ْعِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫خل َْق ُ‬ ‫ي َ‬ ‫س ََ‬ ‫مث َل ً وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫}وَ َ‬
‫ل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(79‬‬ ‫ق عَِلي م ٌ‬ ‫خل م ٍ‬ ‫م مّرةٍ وَهُ موَ ب ِك ُم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ها أوّ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫ذي أن َ‬ ‫حِييَها ال ّ ِ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫‪ (78‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ضرِ َنارا ً فَإ ِ َ‬ ‫جرِ ال َ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُتوقِ م ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا أن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مث ْل َهُم ْ‬ ‫خل ُمقَ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ض ب َِقممادِرٍ عَل َممى أ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫أوَل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ذا أ ََراد َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل ل َم ُ‬ ‫ن ي َُقممو َ‬ ‫شمْيئا ً أ ْ‬ ‫ممُرهُ إ ِ َ‬ ‫ممما أ ْ‬ ‫م )‪ (81‬إ ِن ّ َ‬ ‫خل ّقُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫ب ََلى وَهُوَ ال ْ َ‬
‫يءٍ وَإ ِل َي ْم ِ‬
‫ه‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ك ُم ّ‬ ‫مل َك ُممو ُ‬ ‫ذي ب ِي َمدِهِ َ‬ ‫ن ال ّم ِ‬ ‫حا َ‬ ‫س مب ْ َ‬ ‫ن )‪ (82‬فَ ُ‬ ‫ن فَي َك ُممو ُ‬ ‫ك ُم ْ‬
‫ن )‪] {(83‬سورة يممس ‪[83-36/78‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ديممدا ً )‪(98‬‬ ‫َ‬ ‫}وََقاُلوا أ َئ ِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫خْلق ما ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫مب ُْعوث ُممو َ‬ ‫ظاما ً وَُرَفات ما ً أئ ِن ّمما ل َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ذا ك ُّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خُلمم َ‬
‫ق‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ض َقادٌِر عََلى أ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م ََ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫ن إ ِل ّ ك ُُفممورا ً )‪{(99‬‬ ‫ب ِفيهِ فَأَبى ال ّ‬ ‫ل ل َه َ‬
‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫جل ً ل َري ْ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جع َ َ ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مث ْل َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫]سورة السراء ‪[99-17/98‬‬
‫َ‬ ‫ذي ي َب ْمد َأ ُ ال ْ َ‬
‫ل‬ ‫مث َم ُ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ن عَل َي ْمهِ وَل َم ُ‬ ‫م ي ُِعيمد ُهُ وَهُموَ أهْموَ ُ‬ ‫خل ْمقَ ث ُم ّ‬ ‫}وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫زي مُز ال ْ َ‬ ‫ت وال َ‬ ‫ال َعْ َ‬
‫م )‪] {(27‬سممورة‬ ‫كي م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ض وَهُ موَ ال ْعَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫لى‬
‫الروم ‪[30/27‬‬
‫والذين أطلق عليهم اسم " الدهريين " قوم ينكرون البعث إنكارا‬
‫مطلقا ‪ ،‬ويقولون إن هى إل حياتنا الممدنيا ‪ ،‬أى ل توجممد حيمماة أخممرى‬
‫بعدها ‪ .‬يموت منا من يموت ويحيا منا من يحيا ‪ ،‬وما يهلكنا إل مرور‬
‫الزمن ‪ .‬فكلما مر الزمن ماتت نفوس ‪ ..‬ولكن ل بعث وراء ذلك ول‬
‫حياة ‪ .‬أما إنكارهم لوجود اللممه فاسممتدلل ل تممدل عليممه اليممة دللممة‬
‫صريحة ول دللة لزمة ‪ .‬والقوم إنممما نسممبوا إلممى الممدهر – أى إلممى‬
‫مرور الزمن – أنه هو الذى يهلكهم ‪ ،‬ولكنهم لم يقولوا إن الدهر هو‬
‫الذى خلقهم أو هو الذى منحهم الحيمماة ‪ .‬أى أنهممم لممم يتخممذوه إلهمما‬
‫بدل من الله ! وحممتى لممو فرضممنا جممدل – بغيممر دليممل يقينممى – أنهممم‬
‫أنكروا وجود الله ‪ ،‬فليس هناك من يقول إنهم كممانوا كممثرة يحسممب‬
‫لها حساب نول إنهم كانوا هم الصورة الغالبممة للجاهليممة ‪ .‬أممما إنكممار‬
‫وجود الله على النحو الذى تتبجح به الجاهلية المعاصممرة ‪ ،‬وبالسممعة‬
‫الممتى تمممارس بهمما ذلممك التبجممح ‪ ،‬فممأمر غيممر مسممبوق فممى تاريممخ‬
‫البشرية ‪..‬‬
‫ذلك ان الفكرة بذاتها تعرف وجود الله ‪ ،‬وتتجه إليه اتجاها فطريا‬
‫بالعبممادة علمى نحمو ممن النحمماء ‪..‬ولمو ضملت الطريممق ! ولمم يكممن‬
‫الضلل الغالب على البشرية فى جاهلياتهمما هممو إنكممار وجممود اللممه ‪،‬‬
‫إنما كان الضلل الغالب هو الشرك ‪ ،‬وتصور الله على غير حقيقته ‪.‬‬
‫فقد يتصورون أنه هو الشمس أو هو القمر أو هو النجممم أو ممما إلممى‬
‫مُر ل‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫ل َوالن َّهاُر َوال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ذلك من المخلوقات ‪} .‬وَ ِ‬
‫م إ ِي ّمماهُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خل ََقهُ ّ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫دوا ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫مرِ َوا ْ‬ ‫س َول ل ِل َْق َ‬‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫دوا ِلل ّ‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪] {(37‬سورة فصلت ‪[41/37‬‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫شعَْرى )‪] {(49‬سورة النجم ‪[53/49‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ه هُوَ َر ّ‬ ‫}وَأن ّ ُ‬
‫أو يتصورونه آلهة متعددة متعادلة فى القوة والسطوة كإله الخير‬
‫وإله الشر عند الفرس ‪ ،‬يتنازعان أبدا ول يغلممب أحممدهما الخممر ‪ ،‬أو‬
‫غير متعادلة كما كان الرومان والغريق يؤمنون بوجود إله كممبير هممو‬
‫رب الرباب ‪ ،‬ودونه آلهة شممتى ‪ ،‬وكممما كممان العممرب فممى جمماهليتهم‬
‫يؤمنون بأن الله هممو رب الربمماب الخممالق الممرازق المهيمممن ‪ ،‬وثمممة‬
‫آلهة أخرى يشاركونه فى بعض المر فيعبدونهم ليقربوهم إلممى اللممه‬
‫زلفى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م إ ِل ّ ل ِي َُقّرُبون َمما إ ِل َممى الل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫ما ن َعْب ُمد ُهُ ْ‬ ‫دون ِهِ أوْل َِياَء َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫}َوال ّ ِ‬
‫ُزل َْفى{ ]سورة الزمر ‪[39/3‬‬
‫ولممم يبعممث اللممه رسممول ول نبيمما ليقممول للنمماس إن هنمماك إلهمما ‪،‬‬
‫فالفطرة تعرف ذلممك بغيممر رسممول ! ول ليقممول لهممم إن هنمماك إلهمما‬
‫فاعبممدوه ‪ .‬فممالفطرة تتجممه بالعبممادة تلقائيمما إلممى اللممه الممذى تعتقممد‬
‫بوجوده بغير رسول ! فقد أودع الله ذلك كله فممى الفطممرة والبشممر‬
‫ما زالوا فى عالم الذر ‪:‬‬
‫م عََلممى‬ ‫شممهَد َهُ ْ‬‫م وَأ َ ْ‬
‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬‫ن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ب َِني آد َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫شهِد َْنا{ ]سورة العراف ‪[7/172‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫إنما الذى أرسل به الرسل جميعا هو " التوحيد " ‪.‬‬
‫}َفاعْل َ َ‬
‫ه{ ]سورة محمد ‪[47/19‬‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه{ ]سورة هود ‪[11/61‬‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْر ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫}اعْب ُ ُ‬
‫وذلك لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطممرة مممما تقممع فيممه مممن‬
‫الضلل ‪ ،‬ل لنشاء العقيدة ابتداء وإثبات وجود الله ‪:‬‬
‫ق الل ّمهِ ذ َل ِم َ‬
‫ك‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل م ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س عَل َي ْهَمما ل ت َب ْم ِ‬ ‫}فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط َمَر الن ّمما َ‬
‫المدين ال َْقيمم ول َكم َ‬
‫ن )‪] {(30‬سممورة الممروم‬ ‫مممو َ‬‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث َمَر الن ّمما ِ‬ ‫ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫‪[30/30‬‬
‫نعم ‪ ..‬تعرف الفطرة بذاتها وجود الله ‪ ،‬وتتجه إليممه بالعبممادة منممذ‬
‫أن أخممذ اللممه مممن بنممى آدم مممن ظهممورهم ذريتهممم وأشممهدهم علممى‬
‫أنفسهم أنه ربهم ‪..‬‬
‫ول ندرى نحن كيف تم ذلك ‪..‬‬
‫ولكنا نلحظ من أحوال الفطرة مصداق تلك الحقيقة ‪.‬‬
‫هنمما منافممذ فممى الفطممرة تتلقممى إيقاعممات مممن الكممون والحيمماة ‪،‬‬
‫فتستيقظ من غفلتها ‪ ،‬إن كانت غافلممة ! فممتروح تتسمماءل ‪ :‬ممما وراء‬
‫ذلك ؟ ومن وراء ذلك ؟ ‪ ..‬فتهتدى إلى وجود اله ثممم تتصمموره علممى‬
‫حقيقته ‪ ،‬فردا صمدا خالقمما رازقمما مممدبرا مهيمنمما ‪ ..‬فتعبممده العبممادة‬
‫الحقة وتخلص له العبممادة ‪ ،‬أو تضممل فتتصمموره علممى غيممر حقيقتممه ‪،‬‬
‫وتشممرك معممه آلهممة أخممرى ‪ .‬ولكنهمما فممى الحممالين تعممرف وجمموده ‪،‬‬
‫وتتوجه إليه بالعبادة على نحو من النحاء ‪.‬‬
‫هنمماك بممادئ ذى بممدء هممذا الكممون الهممائل ‪ ،‬الممذى يممروع الحممس‬
‫بضخامته المعجزة ‪.‬‬
‫وبغير الدوات التى استحدثها النسان لتزيد بصره حدة ‪ ،‬وتجعلممه‬
‫ينفذ فى آماد الكون المتطاولممة الممتى ل تنفممذ إليهمما النظممرة بممالعين‬
‫المجردة ‪ ،‬كان النسان يحس بضممخامة الكممون وسممعته المعجممزة ‪،‬‬
‫من رؤية السماء التى ل يحيط بها بصره ‪ ،‬ورؤية الشمس والقمممر ‪،‬‬
‫ورؤية العدد الهائل مممن النجمموم الممتى يعجممز عممن إحصممائها ‪ ..‬وكممان‬
‫يروعه ذلك كله ويسترعى انتباهه فيظل يفكر فيممه ‪ ،‬ويتسمماءل ‪ ..‬أو‬
‫تتساءل فطرته ‪ ،‬من وراء ذلممك ؟ وممماذا وراء ذلممك ‪ ..‬فيهتممدى إلممى‬
‫الله الحق ن أو يضل فيتصور الشمس هى الله ‪ ،‬أو القمر هو الله ‪،‬‬
‫أو النجم هو الله ‪ ..‬أو أنها جميعا آلهة فى وقممت واحممد ‪ .‬ولكنممه فممى‬
‫كل حالة يعلم أن هنمماك خالقمما لهممذا الكممون الهممائل ‪ ،‬فيتخيلممه علممى‬
‫صورة من الصور ‪ ،‬ويعبممده لونمما مممن العبممادة ‪ ،‬يحتمموى علممى ركمموع‬
‫وسجود ‪ ،‬وشعائر أخرى والتزامات ‪.‬‬
‫وحين مد النسان ببصره إلممى داخممل الكممون مممن خلل المنمماظير‬
‫رأى عجبا يأخذ باللباب !‬
‫رأى أن الشمس كلها والمجموعة الشمسية من حولها ليسممت إل‬
‫" نجما " واحدا من نجوم ل تحصممى فممى مجموعممة واحممدة تعممرف "‬
‫بالمجرة " وأن المجممرة الممتى فيهمما شمسممنا ليسممت إل واحممدة مممن‬
‫مجرات أخرى غيرها فى الكون تعد بالمليين ! كلها ذات نجوم تعممد‬
‫بالمليين !‬
‫ورأى أن هناك نجوما تبعممد عنمما عممدة آلف ‪..‬ل مممن الميممال ‪ ..‬ول‬
‫من ألوف الميال )أى ألوف اللوف( ولكن مممن السممنين الضمموئية !‬
‫أى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة وهى رقم فلكممى ل‬
‫يتعامل به البشر على سطح الرض ‪.‬‬
‫‪= 365.25 × 24 × 60 × 60 × 186000‬‬
‫‪ 5.869.713.600.000‬ميل تقريبا ‪.‬‬
‫ورأى مممن حيممث الحجممم أن هنمماك نجوممما تبلممغ أضممعاف حجممم‬
‫شمسنا ‪ ،‬التى ل نراها بطبيعة الحال فى حجمها الطبيعى لنها تبعممد‬
‫عنا حوالى ‪ 93‬مليون ميل ‪ ،‬وأن هذه النجوم تبممدو لنمما مجممرد نقممط‬
‫فى الفضاء رغم حجمها الهائل ذلك ‪ ،‬لن مسافتها منا شئ مذهل ‪،‬‬
‫ل يقاس إليه بعد شمسنا منا ‪ ..‬وأن المسمافة بيمن نجمم ونجمم فمى‬
‫هذا الفضاء ل يكاد يتصمورها العقممل ‪ ..‬فممما بممال الفضمماء كلمه ؟ كمم‬
‫حجمه ؟ ما أبعاده ؟ هل هو منته أم ممتد بل انتهاء !‬
‫وعلم – من طريق المناظير – أن الكممون المممرئى كلممه إن هممو إل‬
‫جزء من الكون فحسب ‪ ،‬وأن نسبته إلى الكل أمر ل يمكن تحدده ‪،‬‬
‫لنه لم يمكن بعد تحديد مقدار ذلممك " الكممل " ‪ ..‬لنمه كلممما اخممتراع‬
‫النسان آلة أبعد ‪ ..‬بدا له من الكون مزيد لم يكن يممراه مممن قبممل ‪،‬‬
‫ولم يكن يحسب أنه كائن فى الوجود !‬
‫ومع هذه الضخامة المعجزة يلحظ الحممس البشممرى دقممة معجممزة‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫ومن قبل أن يتوصل النسان إلى الجهزة الدقيقمة البالغمة الدقمة‬
‫ليقيس بها مقدار الدقة فى هذا الكون ‪ ،‬كمان يممرى ممما يممروع حسممه‬
‫ويستغرق انتباهه ‪.‬‬
‫كان يرى الدقة العجيبة فى تتابع الليل والنهار بمواعيممد مضممبوطة‬
‫على مدار العام ‪ ،‬والدقة العجيبة فى مسار الظل وتغيره يوممما عممن‬
‫يوم حتى يعود إلى نفس مكانه بعد عام كامل من كل يمموم ‪ ..‬ومممن‬
‫هنا نبتت فكرة المزولممة ثممم فكممرة السمماعة وكممان يممرى الدقممة فممى‬
‫مسار القمر وتغير أوجهه ليلة بعد ليلة حتى يعود إلى نفممس وضممعه‬
‫بعد شهر كامل من كل يوم يرصد فيه ‪ ..‬وكان يرى دورة النبات من‬
‫البذرة المغمورة فى الرض ‪ ،‬إلى الشممطأ الممذى يخممرج منهمما ‪ ،‬إلممى‬
‫الساق والغصان والوراق ‪ ،‬إلى الزهرة والثمرة والبذرة فممى نهايممة‬
‫المطاف ‪ ..‬وكممان يممرى الزهممرة الملونممة تتكممون مممن خيمموط دقيقممة‬
‫ومساحات دقيقة من اللون يعجز الرسام الممماهر أن يرسممها بهممذه‬
‫الدقة ‪ ،‬ويعجز عن تكرارها بنفس الصورة فى رسم آخر فضممل عممن‬
‫ألوف ومليين ؛ ولكنها فى الطبيعة تبرز ملونة بهذه الدقة فممى كممل‬
‫زهرة دون جهد مبذول ‪ .‬ويرى ريشة الطائر الملون مكونة من عدد‬
‫ل يحصى من الخطوط والخيوط ن كل يحمل نصيبا دقيقا من اللون‬
‫يعجز الرسام أن يرسم مثله فى دقته ‪ ،‬ثم يحدث مممن تجمعهمما فممى‬
‫الريشة ذك المنظر البهيج الذى يروع النظر ويممروع الحممس ‪ .‬وكممان‬
‫يرى دقة دخول الليل فى النهار حتى يتلشى الضوء ‪ ،‬ودقممة دخممول‬
‫النهار فى الليل حممتى يتلشممى الظلم ‪ ..‬وكممان يممرى أشممياء وأشممياء‬
‫توقظ فطرته إن كانت غافلممة يتسمماءل ‪ :‬هممل يمكممن أن توجممد هممذه‬
‫الدقة العجيبمة كلهما بغيمر موجمد ؟ ثمم يمروح يتطلمع إلمى الموجمد ‪،‬‬
‫فيهتدى إلى أنه حقيقة ل تدركها البصار فيؤمن بالله علممى بصمميرة ‪،‬‬
‫ويعبده علممى بصمميرة ‪ ،‬أو يضممل فيتصممور أنممه الشمممس أو القمممر أو‬
‫النجوم أو الروح الساكنة فى التمثال الذى ينحته بيديه ‪ ..‬ولكنه فممى‬
‫كل حال يعلم أنه لبد من خالق خلق هذا الوجود بتلممك الدقممة الممتى‬
‫يلحظها فى تلك الكائنات حوله ‪.‬‬
‫ثم مد النسان ببصره إلى داخل هذا الكمون المعجمز عمن طريمق‬
‫الدوات التى استحدثها فرأى عجبا لممم يكممن يخطممر لممه علممى بممال !‬
‫رأى هذا الكون العجيب كله مكونا مممن ذرات متناهيممة فممى الدقممة ل‬
‫تراهمما العيممن المجممردة ‪ ،‬إنممما ترسمممها الدوات الممتى اسممتحدثها‬
‫النسان ‪ ،‬فى صورة شمس تدور حولهمما كممواكب علممى ذات النمممط‬
‫الذى تتكون منممه المجموعممة الشمسممية ولكممن فممى دقممة متناهيممة ل‬
‫يدركها الحس ‪ .‬وفى كل قطعة صغيرة من المممادة ملييممن وملييممن‬
‫من هذه الذرات متراكبا بعضممها مممع بعممض ‪ ،‬ومشممدودا بعضممها إلممى‬
‫بعض ‪ ،‬بممذات القمموة الممتى تمسممك الكممون كلممه بعضممه إلممى بعممض ‪،‬‬
‫وتسمح له بالحركة الدائبة دون أن يصطدم أو يتناثر ‪ ،‬والممتى أطلممق‬
‫عليها اسم " قوة الجاذبية " ‪.‬‬
‫بل رأى أعجب من ذلك حين فتت الممذرة وأطلممق منهمما " الطاقممة‬
‫"‪.‬‬
‫إن الذرة ليست " مممادة " مصمممتة كممما كممان يتخيممل أول المممر ‪،‬‬
‫وليست هممى الصممورة النهائيممة " لمممادة " ولكنهمما جسمميمات كهربيممة‬
‫موجبممة وسممالبة ومتعادلممة ‪ ،‬يمكممن تفتيتهمما وتفكيكهمما فتتحممول إلممى‬
‫طاقة ‪ ،‬والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة ‪ .‬ول يوجد ذلممك الحمماجز‬
‫الذى كان يتخيله بيممن المممادة وبيممن الطاقممة ‪ ..‬والكممون فممى النهايممة‬
‫طاقة تأخذ صورا شتى ‪ .‬صمورة متكتلممة فمى هيئة الممادة ‪ ،‬وصمورة‬
‫منطلقة فى هيئة شعاع ضوئى ‪ ،‬وصممورة منطلقممة فممى هيئة جاذبيممة‬
‫مغناطيسية ‪ ،‬أو مغناطيسية كهربية تصير اللباب !‬
‫ورأى مممن بيممن ممما رأى عجبمما عاجبمما فممى تكمموين الجنيممن ونممموه‬
‫المتتابع حتى يصبح خلقا تام التكوين ‪.‬‬
‫فهو فى أصله بويضة ملقحة وحيممدة الخليممة ‪ ،‬تتكمماثر عممن طريممق‬
‫النقسام المستمر إلى خليا جديممدة متشممابهة فممى التكمموين ولكنهمما‬
‫متخصصة ‪ .‬وإلى أن تكون مضغة ل يظهممر للعيممن ذلممك التخصممص ‪.‬‬
‫ولكن فى وقت معين مقدر محدد ‪ ،‬تصدر لكل خليممة أوامممر خفيممة ‪.‬‬
‫فهذه الخلية يصدر لها أمر أن تكون هى النف ‪ ،‬وتلك الخلية يصممدر‬
‫لها أمر أن تكون هى العين ‪ ،‬وثالثة يصمدر لهما الممر أن تكمون همى‬
‫القلب ز ثم تتكاثر كل منهمما علممى النحممو المقممدور لهمما فيتكممون مممن‬
‫تكاثرها أنف وعين وقلب وبقية العضاء ‪..‬‬
‫ثممم هنمماك " الجينممات " أو " المورثممات " متناهيممة فممى الصممغر‬
‫كالذرات ‪ ..‬عجيبة كل العجب فى شأنها كله ‪.‬‬
‫فكمممل جنمممس ممممن أجنممماس الكائنمممات لمممه عمممدد محمممدد ممممن "‬
‫الكروموسومات " حماملت الصممفات الوراثيممة ل يتجاوزهما فمى كمل‬
‫فممرد مممن أفممراده ‪ ،‬تحممدد لممه خصائصممه كلهمما مممن أعضمماء وقممدرات‬
‫وأعمال ‪ ،‬فالكلب له عدد من " الكروموسومات " معين ‪ ،‬والحصان‬
‫له عدد معين والقرد له عدد معين ‪ ..‬والنسممان هممو أكثرهمما عممددا ‪..‬‬
‫ول يتجاوز كل جنس حدوده إلممى جنممس آخممر ‪ ،‬محكوممما بعممدد هممذه‬
‫الكروموسومات وما تحمله فى داخلها من الخصائص ‪ ..‬فل يستطيع‬
‫القرد أن يكون غنمانا فى يوم من اليام ول فى جيل من الجيال !‬
‫ثم هذا النسان ‪ ،‬أعجب مخلوقات الله واشدها إعجازا ‪ ،‬وإن كان‬
‫الخلق كله معجزا بالنسبة إلينا ‪ ،‬وهينا بالنسبة للخممالق الممذى يقممول‬
‫للشممئ كممن فيكممون ‪ ،‬ول يتعممب فممى تشممكيله وتكمموينه كممما تتعممب‬
‫المخلوقات !‬
‫عممدد " الكروموسممومات " بالنسممبة للنسمان كلممه واحممد ‪ ..‬ولكممن‬
‫النسان أكثر كائنات الخلق تعددا فى صوره وأشكاله ‪ .‬فهممذا قصممير‬
‫وهذا طويل ‪ ،‬وهذا أبيض وهذا أسود ‪ ،‬وهذا أزرق العينين وهذا داكن‬
‫‪ ..‬وهذا عبقرى وهذا خامل ‪ ..‬وهذا موهوب فى ألدب وهذا موهمموب‬
‫فى الرياضيات ‪ ..‬وهذا جلد صبور وهذا مستثار حممائر ‪ ..‬كممل إنسممان‬
‫تركيبة وحده ‪ ،‬وهو مكون من ذات العناصممر ‪ ..‬مممن ذات العممدد مممن‬
‫حلملت الصفات الوراثية التى يحملهمما "النسممان" ولكنهمما فممى كممل‬
‫فرد غيرها فى الفرد الخر ‪ ،‬فل يكاد يتماثل اثنان فى مليين البشممر‬
‫فمى الجيمل الواحمد ول فمى جميمع الجيمال ‪ .‬بمل تصمل الدقمة فمى‬
‫بصمات الصابع إلى حد تصبح معه من وسائل التعرف لنها ل تتكرر‬
‫فى فردين اثنين من بين مليين الفراد !‬
‫كيف يحدث ذلك كله ؟ كيف تحدث هذه العجائب التى ل ينقضممى‬
‫العجب منها سواء فى تكوين المادة أو فى تكمموين الكممون كلممه ‪ ،‬أو‬
‫فى المادة الحية من أول الكممائن الوحيممد الخليممة إلممى النسممان ‪ ،‬أو‬
‫التناسق و" التوازن " فى بنية الكون ‪ ،‬وخاصة ذلك التمموازن الكممائن‬
‫فممى تلممك المجموعممة الشمسممية الممتى منهمما اضممرنا ‪ ،‬والممتى يتبممدى‬
‫التنسيق الدقيق فيها بحيث لو اختممل عنصممر واحممد منهمما ممما أمكنممت‬
‫الحياة على صورتها الحالية ول أمكن استمرار الحياة ‪ ..‬لممو اقممتربت‬
‫الرض من الشمس أكثر تحترق الكائنممات الحيممة ولممو ابتعممدت أكممثر‬
‫تهلك من الصقيع ‪ ..‬لو اقترب القمممر مممن الرض أكممثر لرتفممع المممد‬
‫حتى يغرق كل الرض ‪ .‬ولو زاد الكسجين لشممتعلت الكائنممات ولممو‬
‫قل لم تجد كفايتها للحياة ‪.‬‬
‫كيف يحدث ذلك كله ؟ من غير خالق مدبر حكيم ؟‬
‫‪m m m‬‬

‫ويتلقى الحس البشرى إيقاعممات مممن الحيمماة مممن حمموله ‪ .‬الحيمماة‬


‫ذاتها إعجاز ‪..‬‬
‫كيف تكونت الحياة أول مرة من الموات ؟‬
‫ثم كيف تعددت على هذا النحممو الممذى نممراه ‪ ،‬مممن نبممات وحيمموان‬
‫وإنسان ؟ ثم فى أنواع النبات المختلفممة وأنممواع الحيمموان المختلفممة‬
‫وأشكال النسان المختلفة ؟‬
‫ما الحياة ؟ وما سرها ؟ ومن واهبها ؟ وكيف يهبها ؟‬
‫كيف " ينمو " الكائن الحى وتتغير أحواله من طور إلى طور ‪ ..‬؟‬
‫والكائن البشرى بالذات ‪..‬المعجز فممى كممل تفصمميلته ‪..‬كيممف تتممم‬
‫عمليات النمو المختلفة فيه ‪ ..‬كيف يتعلم الكلم ؟‬
‫إن الكلم ذاته معجممزة ل يحيممط بهمما العقممل البشممرى ! كيممف تممم‬
‫للبشر أن ينطقوا بلغة ذات رموز وتراكيممب ؟ كيممف تممأتى للصمموات‬
‫المبهمة أن تكون ألفاظا محددة ‪ ،‬وكيممف تممم لللفمماظ أن تعمبر عممن‬
‫المعانى ‪..‬وكيف تعددت اللغات التى تعبر عن ذات المعانى ممما بيممن‬
‫شعب من البشر وشممعب ‪ ،‬وكلهممم " نمموعه " واحممد ‪ ،‬يعممانى تجربممة‬
‫واحدة هى تجربة الحياة فى هذه الرض ؟!‬
‫وهذه المعانى ‪ ..‬هذه الفكار المجردة ‪ ..‬كيف تمت ؟‬
‫وعملية التفكير ذاتها ‪..‬وعملية التذكر ‪ ..‬كيف تتم هذه وتلك ؟‬
‫وكيف " ينمو " هذا كله مع نمو الطفل ‪ ..‬كيف تنمو قممدرته علممى‬
‫الكلم ‪ ،‬وقدرته على التفكير والتذكر؟‬
‫وكيف اختص " النسمان " – دون مقمدمات ممن الكائنمات الدنمى‬
‫منه –بخاصية التفكيممر المجممرد ‪ ،‬وخاصممية الرمممز للفكممار بالكلمممات‬
‫ذات الصممموات والحمممروف والمقمماطع ‪ ،‬وخاصممة البمممداع المممادى‬
‫والمعنوى ‪ ،‬فصارت له حضارة وصار له تاريخ ؟!‬
‫ثم ‪ ..‬ذلك الجانب الخر من " الحياة " الذى يسمى " الموت "‬
‫ما سره ؟ وكيف يحدث ؟ من الذى يملكه ؟‬
‫إن الطفل – لفرط حيويته – يتخيل الوجممود كلممه " حيمما " مثلممه ‪..‬‬
‫ويتخيل أن الحياة هى المر الطممبيعى لكممل الشممياء ‪ ..‬فيتعامممل مممع‬
‫اللعبة التى يلعب بها ‪ ،‬كممما يتعامممل مممع البمماب والنافممذة والكرسممى‬
‫والعصا على أنها كائنات حية ‪ ،‬تفهم عنه لغته التى لممم تتبلممور بعممد ‪،‬‬
‫وتتجاوب معه وإن لم تنطق بحرف !‬
‫ثم ينمو إدراكه ويعرف بطبيعة الحال أن هنمماك أحيمماء حقيقييممن ‪،‬‬
‫وأشياء أخرى ل حياة فيها ‪ ،‬كان هو يخلممع الحيمماة عليهمما فممى طمموره‬
‫السابق ‪ ،‬واليوم يعلم أنهمما ل تتحممرك مممن ذات نفسممها ول تأكممل ول‬
‫تشرب ول تتغير حالها كما تتغير أحمموال الحيمماء ‪ ،‬ولكنممه مممن فممرط‬
‫حيويته ل يممزال يخلممع عليهمما الحيمماة وهممو عممالم بأنهمما غيممر حيممة فممى‬
‫حقيقتها ‪ ،‬ويكلمها ويتخيل أنها ترد عليه ‪ ،‬ويضربها أو يربممت عليهمما ‪،‬‬
‫ويتخيل أنها تتألم وتبكى أو تسر وتفرح ‪ ،‬كممما يتخيممل الشمماعر فيممما‬
‫بعد وهو يكلم الطلل ويستوحيها ويناجى " الطبيعممة " ويتخيممل أنهمما‬
‫ترد عليه !‬
‫ثم ينضج فى يوم من اليممام حممتى يممدرك إدراكمما ل لبممس فيممه أن‬
‫هناك فارقا حاسما بين الحياء وغير الحياء من الكائنات ‪،‬ولكنه بعممد‬
‫يفممترض أن الحيمماة دائمممة فممى الحيمماء كممما أن الجمممود دائم فممى‬
‫الجوامد من الشياء ‪.‬‬
‫ولكنه ذات يوم يفاجمأ بحقيقممة الممموت ‪ ،‬وبمأن " الحيماة " ليسمت‬
‫دائمة عما كان يظن ‪ .‬ذلك حيممن يممموت أمممامه كممائن حممى يعرفممه ‪،‬‬
‫سواء كان القطة التى كان يلهو بها ن أو العصفور الذى يممراه يقفممز‬
‫فوق الغصان ن أو قريبا له كان يحبمه ويتعلمق بمه ‪ ..‬وعنممدئذ تفعمل‬
‫المفاجأة فعلها فى نفسه ‪ ،‬فتهزه من أعماقه وتثير السى فى قلبه‬
‫‪ ..‬ويظل التأثر بالموت يصاحبه كلما جد له داع من دواعيممه ‪ ..‬حممتى‬
‫يأخذ دوره فى الركب الراحل عن الحياة ‪..‬‬
‫وتظل الظاهرتان معا ‪ ،‬ظاهرة الممموت وظمماهرة الحيمماة ‪ ،‬تهممزان‬
‫كيانه ‪ ،‬وتبعثانه يتساءل ‪ :‬من وراء ذلممك ؟ مممن وراء الحيمماة يخلقهمما‬
‫بكل مظاهرها ‪ ،‬ومن وراء الموت الذى ينهى الحيمماة ويقممف دفعتهمما‬
‫عن السممريان ؟! ويهتممدى فيعممرف اللممه علممى حقيقتممه ن وأنممه هممو‬
‫المحيى المميت ‪ ،‬أو يضل فينسب الحياة إلى مصممدر والممموت إلممى‬
‫مصدر آخر كما يفعل " الدهريون " ‪ ،‬أو ينسبهما معا إلى آلهة أخرى‬
‫غير الله ‪ .‬وكلنه يعلم – علممى القممل – أن واهممب الحيمماة هممو خممالق‬
‫الخلق فيتعبده ويترضاه ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ويتلقى الحس البشرى إيقاعات كذلك مممن جريممان الحممداث مممن‬


‫حوله ‪.‬‬
‫فهذا الوجود حوله ليس ساكنا فى أى حالة من حالته ‪.‬‬
‫فهناك الليل والنهار حركة يومية دائبة تنقل الشياء كلها منا لنممور‬
‫إلى الظلمة ومممن الظلمممة إلممى النممور ‪ ،‬وهنمماك دورة الفلممك حركممة‬
‫سمنوية دائمممة تنقمل الشمياء كلهما مممن الربيممع إلمى الصمميف ‪ ،‬وممن‬
‫الصيف إلممى الخريممف ومممن الخريممف إلممى الشممتاء ومممن الشممتاء إل‬
‫الربيممع ‪ ،‬مممع ممما يصممحب ذلممك مممن اختلف مسممتمر فممى الحممرارة‬
‫والممبرودة والجفمماف والرطوبممة واخضممرار الممزرع وجفممافه وإينمماعه‬
‫وإثماره ونضجه وسممقوطه ‪ ،‬واختلف مسممتمر فممى نشمماط النسممان‬
‫وأحواله بما يناسب الجو وأحواله والعمل وأحواله ‪.‬‬
‫وهناك حركة الحياة والممموت فممى الحيمماء ل بوصممفها " ظمماهرة "‬
‫ولكن بوصفها حركة تنتج عنها أحداث ‪ .‬هذا يولد وهذا يموت ‪ ،‬وهممذا‬
‫يكون صغيرا فينمو ‪ ،‬وصحيحا فيمرض أو مريضا فيصح ‪ .‬وهذا غنممى‬
‫فيفتقر أو فقير فيغنى ‪ .‬وتدول دول وتولد أخممرى ‪ ،‬وتحممدث حممروب‬
‫وسلم ‪ ،‬وهزيمة ونصر ‪ ،‬ورفع فممى مكانممة النمماس وخفممض ‪ ،‬وتقممدم‬
‫وتأخر ‪ ،‬وعز وذل ‪..‬‬
‫وتشد الحداث انتباه الناس وتهزهم ‪ ،‬فيروحون يتسمماءلون ‪ :‬هممل‬
‫هناك " رابط " بين الحداث ؟ وهل هناك " نظام " ؟ أم إنها تحدث‬
‫كيفما اتفق ؟ وهل وراءها غاية أم يسممير الوجممود كلممه بل هممدف ول‬
‫غاية ؟ وما الغاية إن اكن هناك ؟ ومن صمماحب الغايممة ؟ ومممن يممدبر‬
‫الحداث ؟ ويهتدى النسان إلى الحقيقة ‪ ،‬فيعلم أن مممدبر الحممداث‬
‫هو خالق الكمون ‪ ،‬وأنمه يجمرى الحمداث بمشميئته وقمدره ‪ ،‬وأن لمه‬
‫حكمة من وراء ذلك يعلمها البشر أحيانا ويجهلونها أحيانا ‪ ..‬أو يضممل‬
‫فل يعرف الغايممة ول يعممرف الحكمممة ويحسممب المممور تجممرى خبممط‬
‫عشواء ‪ ..‬ولكنه فى كل حالة يعلم أن هناك مشيئة تجرى بمقتضاها‬
‫الحداث ن وأنها ليست مشيئة البشر إنما مشمميئة كممائن أعلممى مممن‬
‫البشر ‪ ،‬فيشعر نحوه بالرهبة وقد يشعر نحوه بالجلل ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ويتلقى حس النسان إيقاعات " ذاتية " دائمة من شعوره الممدائم‬


‫بالعجز ‪ ..‬يولد الطفل عاجزا تمام العجز ل يقدر على شممئ ‪ ..‬ولممول‬
‫رعاية الذين يحيطونه وإمدادهم له بالغذاء وقضاؤهم له حاجمماته ممما‬
‫استطاع أن يعيش ‪ .‬رويدا رويدا يقدر علممى شممئ مممن الحركممة وهممو‬
‫محمول فى حضن والديه أو المكلفين برعايته ‪ ،‬حممتى يسممتطيع فممى‬
‫وقت من الوقات أن يجلس مسممتقل بعممض الشممئ ‪ .‬وفممى اللحظممة‬
‫التى " يقدر " فيها على الجلوس يحممس " بممالعجز " عممن المشممى !‬
‫ويجاهد حتى يتمكن أخيرا من الحبو على الرض ‪.‬‬
‫وفممى اللحظممة الممتى يقممدر فيهمما علممى الحبممو يحممس بالرغبممة فممى‬
‫الوقوف والعجز عن تحقيق تلك الرغبة ! وفى مرحلمة تاليمة يتمكمن‬
‫من الوقوف ولكنه يحاول المشى فيقع على الرض ويحممس بممالعجز‬
‫عن تحقيممق ممما يريممد ‪ ..‬وتمضممى اليممام والسممنون فيمشممى ويجممرى‬
‫ويخرج إلى الطريق ويتعلم العلم ويحممس " بالقممدرة " علممى أشممياء‬
‫كثيرة لم يكن يقدر عليها من قبل ‪..‬‬
‫فهل تنقضى رغباته ؟ وهل يكف عن الشعور بالعجز ؟‬
‫كل ! إنه هكذا ركب فى طممبيعته ‪ ..‬كلممما حقممق حلممما راح يشممتاق‬
‫جديدا ‪ ،‬ولم يقنع بما وصل إلى تحقيقممه بالفعممل ‪ ،‬حممتى حيممن ركممب‬
‫الصاروخ ووصل إلى القمر ونزل على سطحه ‪ ..‬حتى حيممن سمميطر‬
‫على كثير من شئون البيئة من حوله ونظمهمما حسممبما يريممد ‪ ..‬حممتى‬
‫حين اخترع من اللت ما صار يحقق فى جممزء مممن الثانيممة ممما كممان‬
‫يستغرق منه الساعات واليممام والشممهور ول يحكممم تنفيممذه ‪ ..‬حممتى‬
‫حين وصل إلى ذلك كله فهل رضمميت نفسممه ‪ ،‬وقممال ‪ :‬لقممد حققممت‬
‫وجودى كامل فما أرغب المزيد ؟!‬
‫كل ! إنه يريممد فممى حقيقممة المممر شمميئا ل يقممدر عليممه ‪ ،‬ويحممس "‬
‫بالعجز " الدائم عن تحقيقه ‪ ،‬يريد أن يسيطر على الكون ‪ .‬يريد أن‬
‫يقول للشئ كن فيكون !‬
‫ويعلم النسان فى دخيلة نفسه أنه عاجز عن تحقيق ذلممك ‪ .‬وأنممه‬
‫مهما أوتى من القدرة والسيطرة على بعض جوانب الوجممود ‪ ،‬فممإن‬
‫بينه وبين السيطرة الحقيقية التى يحلم بهمما أمممدا ل يمكممن بلمموغه ‪،‬‬
‫لن مدى قدرته محدود بحدود ‪ ،‬ومدى عمره محدود بحدود ‪ ،‬ومدى‬
‫تمتعه – فى عممره المحمدود – بالصمحة والقموة والنشماط والقمدرة‬
‫محدود بحدود !‬
‫وهكذا يشعر النسان بالعجز كلممما شممعر بالقممدرة ! ول يصممفو لممه‬
‫قط الشعور بالقدرة الكاملة التى يحكم بها فى كل مراحل عمممره ‪،‬‬
‫فضل عن مأنواع العجز التى يعلم أنها مفروضة عليه ل محالة ‪ ،‬ومن‬
‫بينها الموت الذى يعجزه عن الخلود !‬
‫ومن شعور النسان بالعجز الدائم الذى يلحقه حممتى آخممر لحظممة‬
‫من حياته يلتفت الحممس البشممرى إلممى الكممائن ل يعجممزه شممئ فممى‬
‫السماوات ول فى الرض !‬
‫كل شئ يعجز عنممه هممو يقممدر عليممه ذلممك الكممائن الممذى ل يعجممزه‬
‫شئ !‬
‫الخلق من العدم بادئ ذى بممدء ‪ ،‬والسمميطرة المطلقممة علممى كممل‬
‫شئ ‪،‬والتسخير المطلق كل شئ ‪ ،‬والقوة التى ل يقهرها شئ وهى‬
‫تقهر كل شئ ‪ ،‬والمشيئة التى تحقق كل شئ فى لمح البصممر لنهمما‬
‫تقول للشئ كن فيكون ‪..‬‬
‫والخلود الولى البدى صفة يتفرد بها ذلك الكائن الممذى ل يعجممزه‬
‫شئ ‪ ..‬وكل ما عداه يفنى ويزول ‪..‬‬
‫عنممدئذ يتحممول الحممس إلممى ذلممك الكممائن الممذى قممدرته ل تحممد ‪..‬‬
‫فيهتدى ‪ ،‬ويعرف الله علممى حقيقتممه ويعبممده حممق عبممادته ؛ أو يضممل‬
‫فيظن ذلك الكائن هو الشمس أو القمر أو النجم أو الروح القمماطن‬
‫فى الوثن الذى ينحته بيديه ‪ ..‬ولكنه يعلم فى كل حالممة أنممه هنمماك ‪.‬‬
‫أنه موجود ‪ ،‬وأنه إله ‪ ،‬وأنه معبود ‪ ،‬فيتقدم إليممه بالشممعائر ‪ ،‬ويلممتزم‬
‫نحوه بلون معين من السلوك ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫رغبة أخرى من رغبات النسان ل تقل عمقا فى نفسه عن رغبممة‬
‫السيطرة ورغبة الخلود ‪ ،‬يحس فيها النسان بالعجز المطلممق الممذى‬
‫ل تحده حدود ‪ ،‬تلك هى رغبته فى استكناه الغيب !‬
‫الرغبممة فممى معرفممة الغيممب قديمممة قممدم النسممان علممى الرض‬
‫‪..‬وستظل تصاحبه طالما كان هناك بشر يعيشون فى الرض !‬
‫يريد النسان أن " يطمئن " على حياته ‪.‬‬
‫كيف سيعيش ؟‬
‫هل يسلم من الحداث ؟‬
‫هل يستمتع بالقوة والصحة والنشاط والحيوية فيما قممدر لممه مممن‬
‫العمر ؟‬
‫هل يحقق أحلمه ؟ يتزوج ويسعد ويحصل على الممثروة والجمماه ‪..‬‬
‫أو يكون بطل مجاهدا ‪ ..‬أو يكون زعيما قائدا ‪ ..‬أو ‪..‬‬
‫ماذا يكسب غدا ؟‬
‫بأى أرض يموت ؟‬
‫عشرات من التساؤلت ومئات ‪ ..‬يريد أن يعرفها " ليطمئن " ‪..‬‬
‫ويروح يستكنه الغيب فل يقدر ‪..‬‬
‫ل غيممب السممنوات القادمممة ول الشممهور ول اليممام ‪ ..‬بممل غيممب‬
‫الساعات القليلة القادمة ‪ ..‬بل غيب اللحظة المقدمممة عليممه ‪ ،‬الممتى‬
‫دخل أولها من الباب وما زال آخرها محجوبا بحجاب !‬
‫كيف يقدر والغيب وراء الستار ؟!‬
‫هل تنزاح الستار ؟!‬
‫يمضى النسان – فى جاهليته – نحو الكاهن والعراف ‪ ،‬يسممتلهمه‬
‫أمر الغيب ‪ ،‬ويتعلق بكل كلمة تخرج من شفتيه كأنها أسرار الغيممب‬
‫الحقيقى ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬هل يستيقن ؟ هل " يطمئن " ؟‬
‫وحين يهتدى يعرف أن الكاهن والعراف والمنجم وضارب الرمممل‬
‫والشياطين والجن كلهم محجوبون مثلممه عممن الغيممب ‪ ،‬فكيممف عممن‬
‫لطب الغيمب منهمم ‪ ،‬ولكمن همل تغمادره الرغبمة فمى أن يعلمم سمر‬
‫الغيب ‪ ،‬ويطمئن على نفسه ومن يحبهم من حوله ويخاف عليهم ؟‬
‫يروح يتلهممم حسممه البمماطن ‪ ..‬ويسممتلهم الممرؤى ‪ ..‬ويسممتلهم تلممك‬
‫القوة الخفية فى نفسه التى تقدر علممى الستشممفاف ‪ ..‬ولكممن هممل‬
‫يستيقن ؟ هل " يطمئن " ؟‬
‫كل ! إنه يشعر بالعجز الكامممل عممن النفمماذ وراء السممتار ‪ ،‬ويظممل‬
‫الغيب المحجوب ملفعا بالحجاب ‪..‬‬
‫عندئذ يتحول الحس إلى الكممائن الممذى ل يعممزب عنممه مثقممال ذرة‬
‫فى السماوات ول فى الرض ‪ ،‬لنه هو العليم بكل شئ ‪ ،‬وهو خالق‬
‫الحداث والشياء وكل شممئ سممائر بمشمميئته وحممده ل بمشمميئة أحممد‬
‫سواه ‪.‬‬
‫ويهتدى فيعرف أن اللممه الحممق علم الغيمموم ‪ ،‬أو أو يضممل فيظنممه‬
‫كائنا آخر ‪ ..‬ولكنممه يعلممم دائممما أن أسممرار الغيممب مكشمموفة للكممائن‬
‫العلوى الذى يخلق ويبدع وينتهى إليه مصير كل شئ ‪ ،‬فيعبممده لونمما‬
‫من العبادة ‪ ،‬ويلتزم نحوه بلون من السلوك ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫تلك بعض منافذ الفطرة الممتى تتلقممى إيقاعممات الكممون والحيمماة ‪،‬‬
‫فتستيقظ من غفلتها إن كانت غافلة ‪ ،‬فتروح تبحث عن اللممه سممواء‬
‫اهتدت إلى الله الحق أم ضلت فى الطريق ‪..‬‬
‫لذلك فإن لفطرة دائما تعرف وجود الله ‪ ،‬وتؤمن بممه فممى داخممل‬
‫أعماقها ‪ ،‬وإن ضلت عن الهدى فتصورت الله على غيممر حقيقتممه أو‬
‫أشركت به آلهة مزعومة ليس لها وجود ‪.‬‬
‫أما أن تنكر الفطرة وجود الله أصل ‪ ،‬وتقول إن الخلممق قممد وجممد‬
‫بل خالق ‪ ..‬فبدعة فى الضلل غير مسبوقة فى التاريخ ‪.‬‬
‫صحيح أن الحس البشرى بحكم اللف أو العادة يتبلد ‪..‬‬
‫يتبلد على المنظر المكمرور فل يعمود يهمزه كمما همزه أول ممرة ‪.‬‬
‫ويتبلد على المعنى المكرور أو الحدث المكرور فل يعممود يسممتجيش‬
‫مشاعره كما استجاشها أول مرة ‪ .‬فيعيش فى وسط اليممات غممافل‬
‫عن دللتها ‪ ،‬ويموت قلبه فل يتحرك لمعنى اللوهية كما ينبغى‬
‫له أن يتحرك ‪ ..‬فيعيش كما تعيش السائمة ‪:‬‬
‫ن )‪] {(179‬سممورة‬ ‫م ال ْغَممافُِلو َ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ م ْ‬ ‫ضم ّ‬ ‫ل هُ م َ‬
‫مأ َ‬‫ْ‬ ‫كال َن ْعَممام ِ ب َم ْ‬
‫} َ‬
‫العراف ‪[7/179‬‬
‫وصحيح أن البشرية حين يطول عليها المد " تتعب " من اليمممان‬
‫بممما ل تممدركه الحممواس ‪ ،‬وتتجممه إلممى المحسمموس ‪ ،‬فتنشممئ آلهممة‬
‫محسوسة تعبدها من دون الله أو تعبدها مع الله ‪ ،‬فى صورة أوثممان‬
‫وأصممنام ‪ ،‬أو فممى صممورة بشممر ‪ ،‬أو فممى صممورة أفلك ‪ ..‬وذلممك لن‬
‫اليمان بما ل تدركه الحواس يستلزم أن يكون النسان فممى وضممعه‬
‫الطبيعى – أو الفطرى – كممما خلقممه اللممه ‪ ،‬تعمممل كممل أجهزتممه فممى‬
‫وقمت واحمد ‪ ،‬فتعممل أجهمزة الدراك الحسمى جنبما إلمى جنمب ممع‬
‫أجهممزة اليمممان المعنمموى أو اليمممان بممما ا تممدركه الحممواس ‪ ،‬عمل‬
‫فطريا طبيعيا متناسقا ينتج عنه اليمان بالله عن طريق رؤيممة آيمماته‬
‫فى الكون ‪ ،‬واليمان به إيمانا مباشرا عممن طريممق الممروح ‪ ،‬فيعمممق‬
‫كل منهما الخر فيصل إلى درجة اليقين ‪.‬‬
‫فممإذا طممال علممى البشممرية المممد يحممدث " هبمموط " فممى كيممان‬
‫النسمان ‪ ،‬يعطمل أجهمزة الدراك المعنموى تعطيل جزئيمما أو كمامل ‪،‬‬
‫وتبقى أجهزة الدراك الحسى هى التى تعمل ‪ ،‬وعلممى قممدر الهبمموط‬
‫يكون نوع الشرك ودرجته ‪ ..‬فيظل صاحبه مؤمنا بممالله ويشممرك بممه‬
‫آلهة محسوسة ‪ ،‬أو يؤمن باللهة المحسوسة وحدها من دون الله‪.‬‬
‫وصممحيح أن البشممرية فممى حالممة هبوطهمما تجنممح إلممى ثقلممة الرض‬
‫فتشدها الشهوات إلى أسفل ‪ ،‬فتتفلت من تكاليف الدين والتزاماته‬
‫‪ .‬تتفلت مممن " قيممد النسممان " الممذى تصمماحبه " حريممة النسممان " ‪،‬‬
‫وتجنممح إلممى " حريممة الحيمموان " الممتى تصمماحبها قيممود الحيمموان " ‪"1‬‬
‫ولكنها – فى مبدأ أمرها على القممل – تحممب أن تسممند هممذا التفلممت‬
‫بأمر شرعى !‬
‫َ‬
‫مَرَنما ب َِهما{‬ ‫هأ َ‬ ‫جمد َْنا عَل َي َْهما آَباَءَنما َوالّلم ُ‬ ‫ة َقماُلوا وَ َ‬ ‫شم ً‬ ‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلوا َفا ِ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫]سورة العراف ‪[7/28‬‬
‫ورويدا رويدا تحتاج إلى اختراع آلهة تسند إليها ذلك التفلت ‪ ،‬مممن‬
‫البشر أو غير البشر ‪ ،‬تتخذ أربابا مع الله أو من دون الله ‪:‬‬
‫ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ‬
‫ن‬
‫ح اب ْم َ‬
‫سممي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّمهِ َوال ْ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫م أْرَباب ما ً ِ‬‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫}ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ممما‬
‫ه عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سمب ْ َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُموَ ُ‬ ‫حممدا ً ل إ ِل َم َ‬‫دوا إ َِلهما ً َوا ِ‬
‫ممُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫َ‬
‫ن )‪] {(31‬سورة التوبة ‪[9/31‬‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫وصممحيح أن الطغمماة فممى الرض يضمميقون بالقيممد الربممانى الممذى‬
‫يجعلهم عبيدا لله ككل العبيد ‪ ،‬خاضمعين لممره منفمذين لشمريعته ‪،‬‬
‫ويريدون أن يكون لهم السلطان الطاغى فى الرض ‪ ،‬ويريممدون أن‬
‫يكون الولء لهم ل لله ‪ .‬فيضيقون دائما بديانممة التوحيممد ‪ ،‬وبممإخلص‬
‫العبادة ه وحممده ‪ ،‬فيفرضممون أنفسممهم بممالقوة الغاشمممة وبالرهمماب‬
‫أربابا من دونا لله أو ممع اللمه ‪ ،‬همم المذين يشمرعون ‪ ،‬وهمم المذين‬
‫يفرضون التشريع ‪ ،‬وهم الذين يعاقبون " عبيدهم " إذا خرجوا على‬
‫ذلك التشريع ‪.‬‬
‫وفى هذه الحالت كلها يقع الشرك الذى تجنح إليه البشرية كلممما‬
‫ضلت الطريق ‪ .‬ولكنها فى كل حالتها السابقة لم تكن تنكممر وجممود‬
‫الله ‪.‬‬
‫" " انظر الفصل القادم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫ب ال َْعممال َ ِ‬ ‫ما َر ّ‬ ‫وحتى فرعون حين قال لموسى عليه السلم }وَ َ‬
‫)‪] {(23‬سورة الشعراء ‪[26/23‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫س مَبا َ‬‫صْرحا ً ل َعَّلي أب ْل ُمغُ ال ْ‬ ‫ن ِلي َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ها َ‬
‫وحين قال لهامان ‪َ} :‬يا َ‬
‫كاِذبمًا{‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫سمى وَإ ِّنمي لظ ُّنم ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت فَأط ّل ِعَ إ َِلى إ ِل َهِ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬‫سَبا َ‬
‫)‪ (36‬أ ْ‬
‫]سورة غافر ‪[37-40/36‬‬
‫ري{ ]سممورة‬ ‫ن إ ِل َمهٍ غَي ْم ِ‬‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬ ‫مم ُ‬ ‫ممما عَل ِ ْ‬ ‫وحين قال لقممومه ‪َ } :‬‬
‫القصص ‪[28/38‬‬
‫م ال َعَْلى )‪] {(24‬سممورة النازعممات‬ ‫َ‬
‫وحين قال قال لهم ‪} :‬أَنا َرب ّك ُ ْ‬
‫‪[79/24‬‬
‫لم يكن ينكر وجود إله خالق لهذا الكون ‪ ،‬ولم يكن يقصد أنه هممو‬
‫الله الخالق ‪ ،‬والدليل على ذلك قول الملمن قومه له ‪:‬‬
‫ك َوآل ِهَت َ َ‬ ‫ض وَي َذ ََر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك{ ]سورة‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫ه ل ِي ُْف ِ‬
‫م ُ‬‫سى وَقَوْ َ‬‫مو َ‬‫}أت َذ َُر ُ‬
‫العراف ‪[7/127‬‬
‫فقد كان له هو إله يعبده ‪ ،‬هو الذى يؤمن بممأنه خممالق السممماوات‬
‫والرض وخالق الكون كله " ‪ . "1‬وعلى الرغم من أنه – كما سجلت‬
‫الثار الفرعونية – كان يدعى " اللممه ابممن اللممه " وكممانت تقممدم لممه‬
‫شعائر التعبد من ركوع وسجود كما كانت تقدم لقيصر وكسرى ‪ ،‬إل‬
‫أن ألوهيته وبنوته للله الكبر كانت فى حسه كما هممى فممى حممس "‬
‫الجماهير " من قومه ألوهية مجازيممة ل حقيقيممة ‪ .‬وكممان يقصممد مممن‬
‫أقواله لموسى وهامان ولقومه أمرين فى آن واحد ‪ .‬المر الول أن‬
‫الله المذى يتحمدث عنمه موسمى ‪ ،‬ويقمول إنمه مرسمل ممن عنمده ‪،‬‬
‫ويعطى نفسممه بنمماء علممى ذلممك سمملطانا يممأمر بممه فرعممون وينهمماه ‪،‬‬
‫ويطلب منممه أن يطلممق سممراح بنممى إسممرائيل ‪ .‬هممذا اللممه الموجممود‬
‫حقيقممة هممو اللممه الممذى يعبممده هممو وقممومه ‪ ،‬وينحتممون لممه التماثيممل‬
‫ويرسمممون لممه الرسمموم ‪ ،‬اللممه المحسمموس الممذى تعبممده الجاهليممة‬
‫هبوطا منها عن اليمان بما ل تدركه الحواس ‪ ،‬والمر الثانى – وهممو‬
‫مشتق من الول – أنه يقممول لقممومه خاصممة ‪ :‬ممما علمممت لكممم مممن‬
‫سلطة تأمر فتطاع إل سلطتى ‪ ،‬فأطيعونى ول تطيعوا ذلممك الخممارج‬
‫علممى سمملطانى ‪ ،‬الممذى يزعممم أنممه صمماحب الكلمممة الممتى ينبغممى أن‬
‫تطاع !‬
‫وحتى النمرود حيممن حمماج إبراهيممم فممى ربممه يممرى نفسممه ملكمما ذا‬
‫سلطان وإبراهيم فرد من أفراد " الشعب " ل يحممق لممه أن ينمماقش‬
‫صاحب السلطان ول يامره ول ينهاه ‪ ..‬لم يكن يعتقممد أنممه هممو اللممه‬
‫" " هو الله " آمون " الذى يرمزون له بقرض الشمس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الخالق ‪ ،‬إنما كان يصدر عن كبر أجوف بإزاء إبراهيم عليه السلم ‪،‬‬
‫ولكن فى حماقة أشد من حماقة فرعون الذى كان يعلن على المل‬
‫أن له إلها يعبده هو وقومه ‪ ..‬أما النمرود فقد جره السممتكبار علممى‬
‫إبراهيم إلى الدعاء بأن له سلطانا فى الرض يشبه سمملطان اللممه ‪،‬‬
‫وأنه – مثل االه – يحيى ويميت ! حتى حاجه إبراهيممم عليممه السمملم‬
‫فأخرسه ‪:‬‬
‫مل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ك إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫ن آَتاهُ الل ّ ُ‬‫م ِفي َرب ّهِ أ ْ‬ ‫هي َ‬
‫ج إ ِب َْرا ِ‬
‫حا ّ‬
‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫م‬ ‫ت قَمما َ‬ ‫ُ‬ ‫إبراهيم ربي ال ّذي يحيي ويميت َقا َ َ ُ‬
‫هي م ُ‬‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ميمم ُ‬‫حِيي وَأ ِ‬ ‫ل أَنا أ ْ‬ ‫َُ ِ ُ‬ ‫ِ ُ ْ ِ‬ ‫َِْ ِ ُ َ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ب فَب ُهِم َ‬ ‫مغْمرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مم ْ‬‫ت ب ِهَمما ِ‬‫ق فَأ ِ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫م ِ‬ ‫ه ي َأِتي ِبال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ذي ك ََفَر{ ]سورة البقرة ‪[2/258‬‬ ‫ال ّ ِ‬
‫‪m m m‬‬

‫وهذا الشرك – الذى ينجم عن مثممل السممباب الممتى ذكرناهمما فممى‬


‫الفقرة السابقة – هو الذى يبعث الرسل لتقويمه وتصحيحه ‪ ،‬ويوقع‬
‫المموحى الربممانى علممى ذات الوتممار الممتى خلقهمما اللممه فممى الفطممرة‬
‫‪،‬وجعلها تعتز ليقاعمات الكمون والحيماة ‪ ،‬فتسمتيقظ ممن غفلتهما إن‬
‫كانت غافلة ‪ ،‬وتروح تبحث عن الله لتعبده وتخشاه ‪.‬‬
‫فعن الكون بضخامته المعجزة ودقته المعجزة وما يحدث فيه من‬
‫حركة معجزة يقول الوحى الربانى ‪:‬‬
‫ك‬ ‫ل َوالن ّهَممارِ َوال ُْفل ْم ِ‬ ‫ف الل ّي ْم ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوال َْر‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِ‬
‫خل ْ‬‫ن ِفي َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ما َينَفعُ الّنا َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ِّتي ت َ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ري ِ‬ ‫صم ِ‬ ‫داّبمةٍ وَت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كم ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ث ِفيَهما ِ‬ ‫موْت َِهما وََبم ّ‬ ‫ض ب َْعمد َ َ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماٍء فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫ت ل َِق موْم ٍ ي َعِْقل ُممو َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خرِ ب َي ْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َوال ّ‬ ‫الّرَيا ِ‬
‫)‪] {(164‬سورة البقرة ‪[2/164‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س مت ّةِ أي ّممام ٍ ث ُم ّ‬ ‫ض فِممي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سم َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫شم ْ‬ ‫حِثيثما ً َوال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الن ّهَمماَر ي َط ْل ُب ُم ُ‬ ‫شممي الل ّي ْم َ‬ ‫ش ي ُغْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وى عَل َممى ال ْعَمْر‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫ن )‪] {(54‬سورة العراف ‪[7/54‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬ ‫مدٍ ت ََروْن ََها وَأ َل َْقممى فِممي ال َْر‬
‫ن‬ ‫يأ ْ‬ ‫سم َ‬ ‫ض َرَوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء فَأن ْب َت ْن َمما ِفيهَمما‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫داب ّةٍ وَأنَزل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫م وَب َ ّ‬ ‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫ريم ٍ )‪] {(10‬سورة لقمان ‪[31/10‬‬ ‫ج كَ ِ‬ ‫ل َزوْ ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫كنا ً ث ُ ّ‬‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫شاَء ل َ َ‬ ‫ل وَل َوْ َ‬ ‫مد ّ الظ ّ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َي ْ َ‬ ‫م ت ََرى إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫سمميرا ً )‪{(46‬‬ ‫ضممَناهُ إ ِل َي َْنمما قَْبضمما ً ي َ ِ‬ ‫م قَب َ ْ‬ ‫س عَل َْيممهِ د َِليل ً )‪ُ (45‬ثمم ّ‬ ‫م َ‬ ‫شمم ْ‬ ‫ال ّ‬
‫]سورة الفرقان ‪[46-25/45‬‬
‫وعن قدرة اللممه ل فممى الخلممق فحسممب ‪ ،‬بممل فممى تنويممع الخلئق‬
‫كذلك ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫ت‬ ‫جن َمما ب ِمهِ ن َب َمما َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫جن َمما ب ِمهِ فَأ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫}وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كبا ً وَ ِ‬ ‫مت ََرا ِ‬ ‫حب ّا ً ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ضرا ً ن ُ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫يٍء فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫شمت َِبها ً‬ ‫ة وجنمات مم َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ممما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ب َوالّزي ُْتمو َ‬ ‫ن أعْن َمما ٍ‬ ‫دان ِي َ ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ط َل ْعَِها قِن ْ َ‬
‫شابه انظ ُروا إَلى ث َمره إ َ َ‬
‫ت‬ ‫م لي َمما ٍ‬ ‫ن فِممي ذ َل ِك ُم ْ‬ ‫مَر وَي َن ْعِ مهِ إ ِ ّ‬ ‫ذا أث ْ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مت َ َ ِ ٍ‬ ‫وَغَي َْر ُ‬
‫ن )‪] {(99‬سورة النعام ‪[6/99‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫ل‬ ‫خي م ٌ‬ ‫ب وََزْرعٌ وَن َ ِ‬ ‫}وفي ال َرض قط َع متجمماورات وجنممات م م َ‬
‫ن أعْن َمما ٍ‬ ‫ْ ِ ِ ٌ ُ َ َ َِ ٌ َ َ ّ ٌ ِ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ضم ُ‬ ‫ن وَغَي ُْر ِ‬
‫ضمَها عَلممى ب َعْم ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫حمدٍ وَن َُف ّ‬ ‫ماٍء َوا ِ‬ ‫سَقى ب ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫صن ْ َ‬
‫ُ‬
‫وا ٌ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪] {(4‬سممورة الرعممد‬ ‫ت ل َِق موْم ٍ ي َعِْقل ُممو َ‬ ‫ك لي َمما ٍ‬ ‫ن فِممي ذ َل ِم َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ِفي الك ُ ِ‬
‫‪[13/4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ممَرا ٍ‬ ‫جن َمما ب ِمهِ ث َ َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ممماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه أن ْمَز َ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫م ت َمَرى أ ّ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫ختل ِ ٌ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫وان َُها وَغََراِبي ُ‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫م ْ َ‬ ‫مٌر ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض وَ ُ‬ ‫جد َد ٌ ِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وان َُها وَ ِ‬ ‫خت َِلفا ً أل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه ك َمذ َل ِ َ‬ ‫وان ُ ُ‬ ‫ف أل ْم َ‬ ‫خت َل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َوالن َْعام ِ ُ‬ ‫س َوالد َّوا ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سود ٌ )‪ (27‬وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫زي مٌز غَُفمموٌر )‪] {(28‬سممورة‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّم َ‬ ‫ماُء إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فاطر ‪[28-35/27‬‬
‫وفى أطوار الجنين ‪:‬‬
‫ة‬‫جعَل ْن َمماهُ ن ُط َْف م ً‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (12‬ث ُ ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫خل َْقَنا ا ِ‬ ‫}وَل ََقد ْ َ‬
‫ة‬ ‫ض مغ َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫خل َْقن َمما ال ْعَل ََق م َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ة عَل ََق ً‬ ‫خل َْقَنا الن ّط َْف َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كي‬ ‫م ِ‬ ‫ِفي قََرارٍ َ‬
‫ْ‬ ‫م َأن َ‬
‫خ مَر‬ ‫خْلق ما ً آ َ‬ ‫ش مأَناهُ َ‬ ‫حما ً ث ُ ّ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ظا َ‬ ‫سوَْنا ال ْعِ َ‬ ‫ظاما ً فَك َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َْقَنا ال ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪] {(14‬سورة المؤمنون ‪[14-23/12‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ َ‬ ‫فَت ََباَر َ‬
‫خال ِِقي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫وفى عجائب الخلق فى الرض عامة وفى النسان خاصة ‪:‬‬
‫}وفي ال َرض آيات ل ِل ْموقِنين )‪ (20‬وفي َأنُفسمك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫ص مُرو َ‬ ‫م أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ْ ِ َ ٌ‬ ‫َ ِ‬
‫‪] {(21‬سورة الذاريات ‪[21-51/20‬‬
‫وفى الموت والحياة ‪:‬‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر ) ‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ذي ب ِي َدِهِ ال ْ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫}ت ََباَر َ‬
‫زيممُز ال ْغَُفمموُر )‪{(2‬‬ ‫ال ْموت وال ْحياةَ ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫مل ً وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬
‫]سورة الملك ‪[2-67/1‬‬
‫َ‬
‫مهَمما‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ت فِممي َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫موْت ِهَمما َوال ّت ِممي َلم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حيم َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ي َت َموَّفى الن ُْفم َ‬ ‫}الّلم ُ‬
‫َ‬ ‫ل ال ُ ْ‬
‫مى‬ ‫سم ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫جم ٍ‬ ‫خَرى إ َِلى أ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت وَي ُْر ِ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ضى عَل َي َْها ال ْ َ‬ ‫ك ال ِّتي قَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫فَي ُ ْ‬
‫ن )‪] {(42‬سورة الزمر ‪[39/42‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كممو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫ت فَإ ِ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ي وَي ُ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫)‪] {(68‬سورة غافر ‪[40/68‬‬
‫وفى جريان الحداث ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ممم ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫شاُء وَت َن ْزِعُ ال ْ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫}قُ ْ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شاُء ب ِي َدِ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شاُء وَت ُذِ ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَت ُعِّز َ‬ ‫تَ َ‬
‫ج‬ ‫خ مرِ ُ‬ ‫ل وَت ُ ْ‬ ‫ج الن ّهَمماَر فِممي الل ّي ْم ِ‬ ‫ل فِممي الن ّهَممارِ وَُتول ِم ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫ديٌر )‪ُ (26‬تول ِ ُ‬ ‫قَ ِ‬
‫ر‬
‫شمماُء ب ِغَي ْم ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ي وَت َمْرُزقُ َ‬ ‫حم ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَت ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب )‪] {(27‬سورة آل ‪[27-3/26‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫وفىالعجز البشرى مقابل القدرة اللهية ‪:‬‬
‫خل َُقمموا‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَْيممرِ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (35‬أ ْ‬ ‫خممال ُِقو َ‬ ‫همم ْ‬ ‫م ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫شمم ْ‬ ‫ممم ْ‬ ‫خل ُِقمموا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫م‬ ‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ت َوال َْر‬
‫م هُ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (36‬أ ْ‬ ‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س مت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن ِفي مهِ فَل ْي َمأ ِ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س مت َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫س مل ّ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (37‬أ ْ‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سمأل ُهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (39‬أ ْ‬ ‫م ال ْب َن ُممو َ‬ ‫ت وَل َك ُم ْ‬ ‫ه ال ْب َن َمما ُ‬ ‫م َلم ُ‬ ‫ن )‪ (38‬أ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبيم‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫م ي َك ْت ُب ُممو َ‬ ‫ب فَهُم ْ‬ ‫م ال ْغَي ْم ُ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (40‬أ ْ‬ ‫مث َْقُلو َ‬ ‫مغَْرم ٍ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جرا ً فَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫م إ َِلم ٌ‬ ‫م ل َُهم ْ‬ ‫ن )‪ (42‬أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫كيم ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ك ََفُروا هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ك َْيدا ً َفال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫‪ (41‬أ ْ‬
‫ن )‪] {(43‬سممورة الطممور ‪-52/35‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫غَي ُْر الل ّهِ ُ‬
‫‪[43‬‬
‫وفى علم الغيب خاصة ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل‬ ‫داد ُ وَك ُم ّ‬ ‫ممما ت َمْز َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ض ال َْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أنَثى وَ َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫}الل ّ ُ‬
‫مت َعَمماِلي )‪(9‬‬ ‫شَهاد َةِ ال ْك َِبي مُر ال ْ ُ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫دارٍ )‪َ (8‬‬ ‫مْق َ‬ ‫عن ْد َهُ ب ِ ِ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ف ِبالل ّي ْم ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫س مت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ه ُ مو َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سّر ال َْقوْ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫حَفظممون َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫خلِفهِ ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫معَّقَبا ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب ِبالن َّهارِ )‪ (10‬ل ُ‬ ‫سارِ ٌ‬
‫َ‬
‫وَ َ‬
‫ه{ ]سورة الرعد ‪[11-13/8‬‬ ‫مرِ الل ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ماءِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫مم‬ ‫ل ِ‬ ‫ممما َين مزِ ُ‬ ‫من ْهَمما وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ج ِفي الْر‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫}ي َعْل َ ُ‬
‫ن ك ََف مُروا ل ت َأ ِْتين َمما‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّم ِ‬ ‫م ال ْغَُفوُر )‪ (2‬وَقَمما َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِفيَها وَهُوَ الّر ِ‬ ‫ما ي َعُْر ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬
‫ل ذ َّر ٍ‬
‫ة‬ ‫مث َْقا ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬ ‫ب ل ي َعُْز ُ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ب ََلى وََرّبي ل َت َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ة قُ ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ك َول أ َك ْب َمُر إ ِل ّ فِممي‬ ‫ن ذ َل ِم َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ص مغَُر ِ‬ ‫ض َول أ ْ‬
‫َ‬
‫ت َول فِممي الْر ِ‬
‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ن )‪] {(3‬سورة سبأ ‪[3-34/2‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫حممام ِ‬ ‫ممما فِممي ال َْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ث وَي َعْل َ ُ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬ ‫ساعَةِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫عن ْد َهُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مممو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬ ‫س ب ِمأيّ أْر ٍ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َْف م ٌ‬ ‫غدا ً وَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذا ت َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َْف ٌ‬ ‫وَ َ‬
‫خِبيٌر )‪] {(34‬سورة لقمان ‪[31/34‬‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ر‬
‫حم ِ‬ ‫ممما فِممي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَها إ ِل ّ هُوَ وَي َعْل َ ُ‬ ‫ب ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ح ال ْغَي ْ ِ‬ ‫مَفات ِ ُ‬ ‫عن ْد َهُ َ‬ ‫}وَ ِ‬
‫َ‬
‫ض َول‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ممما ِ‬ ‫حب ّمةٍ فِممي ظ ُل ُ َ‬ ‫مهَمما َول َ‬ ‫ن وََرَقمةٍ إ ِل ّ ي َعْل َ ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫سمُق ُ‬ ‫ممما ت َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪] {(59‬سورة النعام ‪[6/59‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫َرط ْ ٍ‬
‫والقرآن كله فى الحقيقممة توقيعممات علممى أوتممار القلممب البشممرى‬
‫لقتلع كل دواعى الشرك واستنبات بذرة اليمان‪.‬‬
‫فأممما الغفلممة الممتى تريممن علممى القلممب بحكممم اللممف والعممادة ‪،‬‬
‫فالقرآن يستعرض آيات اللممه فممى الكممون بطريقممة موحيممة تعرضممها‬
‫كأنما يشهدها الحس لول مممرة ‪ ،‬فيتلقممى شممحنتها كاملممة ‪ ،‬ويممتيقظ‬
‫لدللتها يقظة كاملة‪ .‬فإذا استثير الوجدان باليممات المعروضممة علممى‬
‫هذا النسق الفريد ‪،‬م قال له الحقيقة المطلوبة ‪ " :‬ذلكم اللممه ربكممم‬
‫فأنى تؤفكون " فيتلقى الوجدان الحقيقممة حيممة متحركممة تزيممل عنممه‬
‫الغفلة وتذهب عنه " الران " ‪ ..‬فيتطلممع القلممب إلممى اللممه ‪ ،‬شمماعرا‬
‫بعظمتممه ‪ ،‬مقممرا بممألوهيته وربمموبيته ‪ ،‬مسممتيقنا بوحممدانيته ‪ ،‬فيعبممده‬
‫وحده بل شريك ‪.‬‬
‫وأما الهبوط الذى تهبممط بممه البشممرية عممن اليمممان بممما ل تممدركه‬
‫الحواس ‪ ،‬فإن القرآن يعيد الروح البشرية إلى طلقتها وإشممراقها ‪،‬‬
‫تارة بعممرض سممعة الكممون الهائلممة وإحاطممة قممدرة اللممه بهمما ‪ ،‬وتممارة‬
‫بعمرض الدقممة المعجمزة فممى الكممون وارتباطهمما بقممدرة المه ‪ ،‬وتممارة‬
‫بعرض إحاطة علم الله بكممل ممما فممى الكممون مممن أشممياء وأشممخاص‬
‫وأحداث ‪ ،‬وتارة بعرض مشاهد القيامة حية مجسمممة كأنهمما الحاضممر‬
‫الذى يعيشه النسان فى هذه اللحظة ‪ ،‬والحيمماة الممدنيا كأنهمما ممماض‬
‫كان منذ زمممان سممحيق ‪ ،‬وتممارة باستجاشممة الوجممدان بآيممات رحمممة‬
‫بالنسان ورعايته له فى سرائه وضرائه ‪ ،‬وتارة بعممرض هيمنممة اللممه‬
‫المطلقة على كل شئ فى هذا الكون ‪ ،‬سماواته وأرضممه وأفلكممه ‪،‬‬
‫وناسمه وأحمداثه ‪ ،‬سمواء فمى الحيماة المدنيا أو الخمرة ‪ ،‬يموم يبعمث‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬‫ن َفل ت َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ِللّر ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫ص َ‬
‫ت ال ْ‬ ‫خ َ‬
‫شعَ ْ‬ ‫الموتى ويعرضون للحساب }وَ َ‬
‫ي‬‫حم ّ‬ ‫جمموهُ ل ِل ْ َ‬‫ت ال ْوُ ُ‬ ‫مسا ً )‪] {(108‬سممورة طمممه ‪} [20/108‬وَعَن َم ْ‬ ‫إ ِل ّ هَ ْ‬
‫م{ ]سورة طمه ‪[20/111‬‬ ‫ْ‬
‫الَقّيو ِ‬
‫وحين يخاطب القرآن " النسان " كله ‪ ،‬من جميع جوانبه ‪ ،‬وفممى‬
‫كل حالته ‪ ،‬يعود إلممى وضممعه الفطممرى ‪ ،‬فتعمممل أجهزتممه كلهمما فممى‬
‫وقت واحد ‪ ،‬فتعود لجهزة اليمممان بممما ل تممدركه الحممواس حيويتهمما‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫صاُر وَهُ موَ ي ُمد ْرِ ُ‬ ‫ه الب ْ َ‬ ‫الطبيعية ‪ ،‬فيؤمن النسان بالله الذى }ل ت ُد ْرِك ُ ُ‬
‫خِبيمُر )‪] {(103‬سممورة النعممام ‪ [6/103‬بممل‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طيم ُ‬ ‫صاَر وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫الب ْ َ‬
‫جهد يبذله فى ذلك اليمان ‪ ،‬بل بشممعور عميممق بالطمأنينممة والرضمما‬
‫والسترواح والسكينة التى تغمر القلوب ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ أل ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ن قُل ُمموب ُهُ ْ‬
‫مئ ِ ّ‬‫من ُمموا وَت َط ْ َ‬
‫نآ َ‬ ‫}ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب )‪] {(28‬سورة الرعد ‪[13/28‬‬ ‫ال ُْقُلو ُ‬
‫فتصبح لحظات القلق هى لحظات البعد عن النور اللهى الفياض‬
‫وساعات الرضا هى ساعات القتراب ‪.‬‬
‫وأما ثقلة الشهوات الممتى تجنممح بالنسممان إلممى التفلممت مممن أمممر‬
‫الله ‪ ،‬وتؤدى به فى النهاية إلى ألمموان مختلفممة مممن الشممرك ‪ ،‬فممإن‬
‫القرآن يرفع النسان عنها بتوسيع آفاقه ‪ ،‬ورفع اهتماماته ‪ ،‬وتمموجيه‬
‫طاقاته إلى جوانب الخيممر فممى الحيمماة ‪ ،‬فيحممدث " التسممامى " أو "‬
‫التصعيد " الذى يطهر النفس من الرجاس ‪:‬‬
‫ر‬
‫طي ِ‬ ‫ن َوال َْقَنمما ِ‬ ‫سمماِء َوال ْب َِنيمم َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ممم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شممهَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حمم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِللّنمما‬ ‫}ُزّيمم َ‬
‫ث‬ ‫ح مْر ِ‬ ‫مةِ َوال َن ْعَممام ِ َوال ْ َ‬ ‫س مو ّ َ‬‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَقن ْط ََرةِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عنده حسمن ال ْمممآب )‪ (14‬قُم ْ َ‬
‫م‬ ‫ل أؤُن َب ّئ ُك ُم ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ه ِ ْ َ ُ ُ ْ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫حت ِهَمما ال َن ْهَمماُر‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬
‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّمهِ َوالل ّم ُ‬ ‫مم ْ‬
‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ضم َ‬ ‫مط َهّ مَرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنمما وَقَِنمما‬ ‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪ (15‬ال ّ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن‬ ‫من ِْفِقيمم َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْقممان ِِتي َ‬ ‫صممادِِقي َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫ب الّنممارِ )‪ (16‬ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫عمم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حارِ )‪] {(17‬سورة آل ‪[17-3/14‬‬ ‫س َ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َغِْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫وحين تصل النفس إلى هذه الرقعة فإنهمما ل تعممود تسممتنكر القيممد‬
‫الربانى وتسعى إلى التفلت منه ‪ ،‬بل تحممس أنممه القيممد الممذى يمنممح‬
‫النسان الحرية اللئقة به ‪ ..‬حرية النسممان ‪ .‬وتعممود تنفممر مممن ذلممك‬
‫الهبوط الذى كانت تتشهاه من قبل ‪ ،‬وتلمممس فيممه القيممود الكريهممة‬
‫التى لم تكن تراها من قبل ‪ ..‬قيود الحيوان ‪ ..‬وعندئذ تقبممل النفممس‬
‫على الله راضية بعبادته وحده دون سواه ‪.‬‬
‫وأما الطغاة الذين يستعبدون الناس فممى الرض ‪ ،‬ويصممنعون مممن‬
‫أنفسهم أربابمما مممع اللممه أو مممن دون اللممه ‪ ،‬ويسمموقون النمماس إلممى‬
‫الشرك فى نهاية المطاف ‪ ،‬فالوحى الربانى يجند النفوس المؤمنممة‬
‫لجهادهم وإجلئهم من الرض على أساس من إخلص العبادة للممه ‪،‬‬
‫ذلك الخلص الذى يتضمن العتقاد اليقينى فى القلب بوحدانية الله‬
‫‪ ،‬والتوجه بالشعائر التعبدية لله وحده ‪ ،‬وتحكيم شريعة الله وحدها ‪،‬‬
‫ورفض أى شريعة أخرى لم يأذن بها الله ‪.‬‬
‫وبهذه الوسائل كلها مجتمعة تفممئ الفطممرة إلممى سمموائها ‪ ،‬وتعممود‬
‫إلى صفائها ‪ ،‬ويصبح النسان فى أحسن تقويم ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ولقممد كممانت " مممؤهلت " الشممرك كلهمما قائمممة فممى الجاهليممة‬
‫المعاصممرة منممذ " النهضممة الوروبيممة " إلممى اليمموم ‪ ،‬مممما ران علممى‬
‫القلوب من غفلة ‪ ،‬ومن الهبوط الذى يعطمل أجهمزة اليممان بمما ل‬
‫تممدركه الحممواس ‪ ،‬ومممن الهبمموط الخلقممى واتبمماع الشممهوات ‪ ،‬ومممن‬
‫تحكيم غير شريعة الله ‪.‬‬
‫ولكن لمر ما لم تؤد هممذه " المممؤهلت " بأوروبمما إلممى الشممرك –‬
‫كما كان شأنها فى الجاهليات السابقة – ولكنها أدت بها إلى اللحاد‬
‫!‬
‫ولبد من وقفة دراسة هذا المر الذى ل مثيل له من قبل فى كل‬
‫جاهليات التاريخ ‪.‬‬
‫الكنيسة الوروبية – بحماقاتها – هى المسؤول الول عن ذلك ول‬
‫شك ‪.‬‬
‫فهذه الحماقات هى التى أدت إلى جعل العلم بممديل مممن الممدين ‪،‬‬
‫وجعل السبب الظاهر بديل من السممبب الحقيقممى ‪ ،‬وجعممل الطبيعممة‬
‫بديل من الله ‪..‬‬
‫فالعلم – فى وضعه الطبيعى – ليس بممديل مممن الممدين ! إنممما هممو‬
‫نافذة من نوافذ المعرفة التى تؤدى فى النهاية إلى المعرفة الحقممة‬
‫بالله ‪ ،‬ومن ثم إلى إخلص العبادة له ‪ ،‬حين يممدرك العقممل البشممرى‬
‫عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التى تحير اللباب ‪:‬‬
‫ماُء{ ]سورة فاطر ‪[35/28‬‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫شى الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫خ َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫} إ ِن ّ َ‬
‫وحين قالت أوروبا أن الدين قد أخلى مكانه للعلم وإن العلممم هممو‬
‫البديل من الدين ‪ ،‬لم تكن تتحدث عن حقيقة موضمموعية ول حقيقممة‬
‫مطلقة ‪ ..‬إنما كانت تتحدث عن " واقع " حممدث فممى أوروبمما بسممبب‬
‫حماقة الكنيسة حين حاربت ا لعلممم والعلممماء ‪ ،‬وخيرتهمم بيممن اتبماع‬
‫الخرافة للمحافظة على " الممدين " – دينهمما الممذى ابتممدعته وشممكلته‬
‫على حسب أهوائها – وبين اتباع العلممم والخممروج مممن الممدين ‪ .‬وقممد‬
‫اختار العلماء اتباع العلم لنهم يعرفون قممدره ‪ ،‬ويعلمممون أنممه أحممق‬
‫بالتباع من الخرافة ‪ .‬فلممما طردتهممم الكنيسممة مممن " الممدين " كممان‬
‫العلم – بالنسبة إليهم – هو البديل من الدين ‪ .‬ل لنممه فممى الحقيقممة‬
‫بديل عنه ‪ ،‬ول لنه بطبيعته يغنى عنه ‪ ،‬ولكممن لن حماقممة الكنيسممة‬
‫وضعت المور فى هذا الوضع ‪.‬‬
‫واسبب الظاهر ليس بديل عن السبب الحقيقى ‪ ،‬لنه يفسر فقط‬
‫كيف تحدث الشياء على النحممو المذى تحمدث بمه ‪ ،‬ولكنممه بما يفسممر‬
‫لماذا كانت الشياء على هذا النحو !‬
‫فقممانون السممببية مثل يفسممر كيممف يتحممول الممماء إلممى بخممار‬
‫بالتسخين ‪ ،‬ولكنه ل يفسر لماذا كان التسخين يحول الماء إلى بخار‬
‫! فلول أن الله خلق الماء على النحو الذى يجعله التسممخين يتحممول‬
‫إلى بخار ما تحول !‬
‫بعبارة أخرى ‪ :‬إن العلم بخواص المادة يفسر لنمما الظممواهر الممتى‬
‫تحدث فى عالم المادة ‪ ،‬ولكنممه ل يفسمر لمماذا كمانت الممادة بهمذه‬
‫الصورة وبهذه الخواص ‪ .‬ذلك أن هذه الصورة ليست هممى الصممورة‬
‫الوحيدة الممكنة عقل ‪ ..‬بل هى إحدى الصممور الممكنممة ‪ ،‬وقممد كممان‬
‫يمكن – لو أراد اللمه – أن تكممون علممى صممورة أخممرى وذات خممواص‬
‫مختلفة ‪ .‬فالذى جعلها على هذه الصورة ‪ ،‬وأعطاهمما هممذه الخممواص‬
‫هو مشيئة لله وحدها ‪ .‬وهذا هو السبب الحقيقى الذى ل يغنممى عنممه‬
‫معرفة السبب الظاهر ‪ ،‬وإلى ذلك تشير سورة الواقعة ‪:‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫خل ُُقممون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫خممال ُِقو َ‬ ‫حم ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (58‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫}أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ن ن ُب َمد ّ َ‬ ‫ن )‪ (60‬عَل َممى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫س مُبوِقي‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫حم‬‫ما ن َ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ُ‬
‫شأةَ الوَلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الن ّ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (61‬وَل ََقد ْ عَل ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫شئ َك ُ ْ‬ ‫م وَن ُن ْ ِ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫عون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬‫هأ ْ‬ ‫م ت َْزَر ُ َ ُ‬ ‫ن )‪ (63‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (62‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫ول َتذك ُّرو َ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن )‪ (65‬إ ِن ّمما‬ ‫م ت َت ََفك ّهُممو َ‬ ‫طاما ً فَظ َل َل ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُ‬ ‫شاُء ل َ َ‬ ‫ن )‪ (64‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫عو َ‬ ‫الّزارِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ممماءَ اّلمم ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ن )‪ (67‬أفََرأي ُْتمم ْ‬ ‫مممو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حمم ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن )‪َ (66‬بمم ْ‬ ‫مممو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫شربون )‪ (68‬أ َأ َنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ‬
‫ن )‪ (69‬ل َم ْ‬
‫و‬ ‫منزُِلو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ُْ ْ َ ُ ُ ُ ِ ْ‬ ‫تَ ْ َ ُ َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪] {(70‬سممورة الواقعممة ‪-56/58‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫جاجا ً فَل َ ْ‬ ‫جعَل َْناهُ أ َ‬ ‫شاُء َ‬ ‫نَ َ‬
‫‪[70‬‬
‫وحين قال علمءا أوروبا فى عصممر النهضممة وممما بعممده إن السممب‬
‫الظاهر بديل من السبب الغيبى ‪ ،‬أو مممن " الطبيعممة " بممديل عممما "‬
‫وراء الطبيعة " لم يكن ذلك حقيقة موضوعية ول حقيقممة مطلقممة ‪..‬‬
‫إنما كان " واقعمما " عاشممته أوروبمما بسممبب حماقممة الكنيسممة ‪ ،‬الممتى‬
‫كانت تمنعهم – أو ل تتيممح لهممم – أن يبحثمموا عممن السممبب الظمماهر ‪،‬‬
‫وتبرز لهم السبب الغيبى وحمده ممع إبقمائهم فممى ظلممات الجهمل ‪،‬‬
‫فلما اكتشفوا السبب الظاهر ‪ ،‬وانبهروا " بالعلم " الذى كشف لهممم‬
‫– عن طريق معرفة السبب الظاهر – آفاقا لم يكونوا يعرفونها مممن‬
‫قبل ‪ ،‬كان المر الواقع بالنسبة إليهم أن السبب الظمماهر هممو الممذى‬
‫علمهم ؛ ومن ثم كان وضع السبب الظاهر بديل من السبب الغممبيى‬
‫هو النسب لهم والكسب ! فقالوا قولتهم من واقعهم الضيق الممذى‬
‫عاشوه ‪ ،‬وخيل إليهم فى بهرة " العلم " أن ما يقولونه هو الصواب‬
‫!‬
‫وحين جعلت أوروبا الطبعة بديل من الله لم يكن ذلك – كممما بينمما‬
‫فى فصول الكتاب الولى – إل مهربا من إله الكنيسة الذى تسممتعبد‬
‫الناس باسمه وتفرض عليهم التاوات والعشممور ‪ ،‬والخضمموع المممذل‬
‫لرجال الدين ‪ ،‬مع محاربة العلم ‪ ،‬والحجر على حريممة الفكممر ‪ ،‬ومممع‬
‫الوقوف الظالم مع رجال القطاع ضممد المطمالبين بالصمملح ‪ ..‬ولممم‬
‫يكن قط حقيقة علميممة ‪ ،‬وإن بلممغ الحمممق " بالعلممماء " أن يصممدقوا‬
‫الخرافة ‪ ،‬ويقدموها على الحقيقة ‪ ،‬ويصنعوا ذلك باسم "العلم"!‬
‫ولكن هذا كله على أى حال كان إلحاد " العلماء " و" الفلسممفة "‬
‫و" المفكرين " ‪ ..‬أما الجماهير فكانت ما تممزال تممؤمن " بالممدين " ‪.‬‬
‫ول نتعرض هنا لما كان فى ذلك الدين الذى آمنت به الجممماهير مممن‬
‫تحريف وتشويه وخرافة ‪ ..‬وإنممما نتحممدث عنممه باعتبممار أنممه " ديممن "‬
‫يحوى علىاقل تقدير إيمانا بوجود الله وإيمانا بالوحى ‪ ،‬وإيمانا باليوم‬
‫الخر ‪ ،‬فى مقابمل " اللديممن " ‪ ..‬فمى مقابممل اللحمماد بمعنممى إنكممار‬
‫وجود الله ‪ ،‬وإنكار الوحى ‪ ،‬وإنكار اليوم الخر ‪..‬‬
‫كيف انتقلت الجماهير من الدين إلى اللدين ؟‬
‫الكنيسة هى المسئول الول ما تزال ‪..‬‬
‫والفتنة بالعلم من السباب ‪..‬‬
‫والعممودة إلممى " الحضممارة الغريقيممة " أو بممالحرى " الجاهليممة "‬
‫الغريقية الوثنية هى كذلك من السباب ‪ ،‬فقد كممانت تلممك الجاهليممة‬
‫بالذات تصمور العلقمة بيمن النسمان واللهمة علقمة صمراع وخصمام‬
‫متبادل ‪ .‬اللهة تريد أن تقهر النسان وتسممتذله ‪ ،‬وتتشممفى فممى كممل‬
‫مصيبة يقع فيها ‪ ،‬والنسان يريد أن يلقممى عنممه نيممر اللهممة وينطلممق‬
‫بفاعليته دون قيود"‪. "1‬‬
‫والعممودة إلممى " الحضممارة " الرومانيممة أو بممالحرى " الجاهليممة "‬
‫الرومانية هى كذلك من السبابا ‪ ،‬فقد كانت تلممك الجاهليممة بالممذات‬
‫تزين للنسان لذائذ الحس ‪ ،‬والفتنة بها إلى حد الستغراق مممع كممل‬
‫ما تبدعه فى الرض من رقى مادى وتنظيم ‪.‬‬
‫ولكن هذه السباب كلها مجتمعة كان يمكن أن تؤدى إلى الشرك‬
‫– كما أدت إليه فى كل جاهلية سابقة – ولم يكممن مممن الضممرورى –‬
‫ول من الطبيعى – أن تؤدى إلى اللحاد بين الجماهير ‪..‬‬
‫إنما الى نشر اللحاد فممى الرض – تأسيسمما علممى هممذه السممباب‬
‫كلها ‪ ،‬واستغلل لها – كانوا هم اليهود !‬
‫كتب اليهود فممى " الممبروتوكولت " " ‪ "2‬أنهممم سينشممرون اللحمماد‬
‫فى الرض ‪ ..‬وقد نشروه بالفعل ‪..‬‬
‫" " راجع أسطورة " بروميثيوس " سارق النار المقدسة ‪ ،‬وانظر ان شئت ملخصا لها فى كتاب " قبسات من‬ ‫‪1‬‬

‫الرسول " ‪.‬‬


‫" " بعض الذين يتمسكون " بالمنهج العلمى " يشككون فى حجية كتاب " البروتوكولت " كوثيقة ‪ ،‬ويضعون فى‬ ‫‪2‬‬

‫الحتمال أن يكون بعض الناس قد تقولوا عليهم ما جاء فى البروتوكولت ‪ .‬ونحن ل نقطع بصحة الكتاب من الناحية‬
‫الوثائقية البحتة ‪ ،‬ولكن ذلك – فى نظرنا – ل يؤثر فى صدق ما جاء فى ثنايا الكتاب ! لنه سواء كان هذا الكلم كلم‬
‫اليهود بالفعل أو كلم إنسان أتيح له أن يطلع على فكر اليهود ويترجمه فى هذه الصورة ‪ ،‬فإن كل ما جاء فيه قد نفذ‬
‫بالفعل ! جاء فيه أنهم سينشرون اللحاد ونشروه ‪ .‬وجاء فيه أنهم سينشرون الشيوعية ونشروها ‪ .‬وجاء فيه أنهم‬
‫سيضحكون على المميين بشعار الحرية والخاء والمساواة وضحكوا بالفعل ‪ .‬فسواء كان هذا كلمهم أو كان ترجمة‬
‫أفكارهم فالنتيجة الخيرة واحدة ‪ :‬أن هذه مخططاتهم وقد نفذوها بالفعل فى غفلة من المميين !‬
‫الثورة الفرنسية ‪ ..‬الداروينية ‪ ..‬الثممورة الصممناعية ‪ ..‬النظريممات "‬
‫العلمية " التى تهاجم الدين والخلق والتقاليممد ‪ ..‬إنشمماء مجتمممع بل‬
‫دين ول أخلق ‪..‬‬
‫ما بن من حاجة لن نعيد شيئا مما قلنمماه مممن قبممل " ‪ .. " 1‬وإنممما‬
‫نذكر فقط بهذه الحقيقة ‪ :‬أن اليهود استغلوا الحممداث الممتى هيأتهمما‬
‫لهم حماقة الكنيسة ‪ ،‬وردود الفعل التى نشأت من تلممك الحماقممة ‪،‬‬
‫فركبمموا الموجممة إلممى نهايتهمما ‪ ،‬ونفممذوا كممل ممما فممى جعبتهممم مممن‬
‫مخططات الفسمماد فممى الرض ‪ ،‬لسممتحمار الممييممن واسممتعبادهم‬
‫لصالح الشعب الشرير ‪.‬‬
‫واللحاد بالذات هدف أساسى مممن أهممداف المخطممط الشممرير ‪..‬‬
‫فالهدف الخر من المخطممط كلممه هممو إزالمة كممل ديممن فممى الرض ‪،‬‬
‫ليبقى اليهود وحدهم فى الرض أصحاب الدين !‬
‫إن اليهود فى هذه المرة لم يفسدوا عقممائد الممييممن كممما كممانت‬
‫محاولتهم السابقة فى التاريخ ‪ ،‬إنما أفسدوا فطرتهم ‪ .‬وقد أسمملفنا‬
‫القول بأن الفطرة – وإن ضلت – ل تتجه إلى اللحمماد بمعنممى إنكممار‬
‫وجود الله ‪ ،‬وإنممما تتجممه إلممى الشممرك ‪ .‬فاتجاههمما إلممى اللحمماد فممى‬
‫الجاهلية المعاصرة ليس مجرد ضلل ككل ضمملل سممابق ‪ ،‬إنممما هممو‬
‫فساد فى أعماق الفطرة قام به اليهود اسممتغلل للرضممية الفاسممدة‬
‫التنى كانت قائمة فى أوروبا منذ " النهضممة " ‪ .‬وسممواء كممان الجهممد‬
‫الذى بذلوه فى هذا الشأن عسيرا أو ميسرا فقممد اسممتغرقوا قرابممة‬
‫قرنين من الزمان حتى وصلوا به إلممى صممورته الشمماملة الموجممودة‬
‫اليوم فى الرض ‪ ،‬سواء فى المعسكر الشرقى حيث يفرض اللحاد‬
‫فرضا فى مناهممج التعليممم ووسممائل العلم ‪ ،‬ويعمماقب مممن يضممبط "‬
‫متلبسا " بمجرد الحديث فى الدين لفتى أو فتاة دون سن الرشد ‪..‬‬
‫أو المعسكر الغربى حيث ل يفرض اللحاد على الناس بتلك الصورة‬
‫ولكن يشجع الناس عليه بكل وسائل التشجيع !‬
‫واللحاد ل يستحق منا مناقشممة " علميممة " جممادة لنممه ليممس مممن‬
‫المممور الجممادة الممتى عرضممت للبشممرية فممى مسمميرتها علممى هممذه‬
‫الرض ‪ ،‬إنما هو عبث صنعه الشياطين ‪ ،‬وأوقعموا فيمه المسمتغفلين‬
‫َ‬
‫ت‬‫ست َن ِْفَرةٌ )‪ (50‬فَّر ْ‬
‫م ْ‬
‫مٌر ُ‬
‫ح ُ‬ ‫من المميين فى فترة كانوا فيها }ك َأن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫سوََرةٍ )‪] {(51‬سورة المدثر ‪ [51-74/50‬ولقد كانت " الحمر‬ ‫ن قَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫" فارة من طغيان الكنيسة وحماقاتها ‪ ،‬فأسرع الشياطين فركبوهمما‬
‫وألهبوا ظهورها بالسياط لتجرى إلى آخر المشمموار ‪ ،‬بممدجل مممن أن‬
‫" " راجع فصل " دور اليهود فى إفساد أوروبا " فى أوائل الكتاب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫تفيق من نفرتها المجنونة وتفئ إلى الدين الصححي الممذى يخلصممها‬
‫مممن كممل ممما كممانت تشممكو منممه مممن مشممكلت أو انحرافممات أو‬
‫حماقات ‪..‬‬
‫وقد تحدثنا فى مقدمة هذا الفصل عن بعض منافذ الفطممرة الممتى‬
‫توصلها إلى اليمان بوجود الخالق المدبر المهيمن المسيطر ‪ ،‬سواء‬
‫عرفته علممى حقيقتممه فعبممدته العبممادة الحقممة أم تصممورته علممى غيممر‬
‫حقيقته وأشركت به آلةو أخرى ‪ ،‬وما بنا من حاجممة إلممى مزيممد فممى‬
‫مثل بحثنا الحاضر ‪ .‬ولكنا هنا – فى هذا الفصل – بصدد شممئ واحممد‬
‫هو التأكيد على هذه الحقيقة ‪ :‬أن اللحاد ليممس مممن شممأن الفطممرة‬
‫حتى فى حالة ضللها ‪ ،‬وأنه أمر مصطنع ‪ ،‬ل تصل إليه الفطرة مممن‬
‫تلقاء نفسها مهما وصل بها الحال من الضلل ‪.‬‬
‫ونكتفى بالتعرض لنقطة واحدة مما جاء فى التممواءات الجمماهليين‬
‫المعاصريين فى شأن الدين ‪ ،‬أو فى شأن اللحاد ‪.‬‬
‫تلك هى قولة جوليان هكسلى فممى كتممابه " النسممان فممى العممالم‬
‫الحديث ‪ " Man in the Modern World‬إن النسان قد خضع له بسب‬
‫عجزه وجهله ن والن وقد تعلم وسيطر على البيئة ‪ .‬فقد آن لممه أن‬
‫يأخذ على عاتق نفسه ممما كممان يلقيممه مممن قبممل فممى عصممر الجهممل‬
‫والعجز على عاتق الله ‪ ،‬ومن ثم يصبح هو الله ‪.‬‬
‫نعوذ بالله ‪.‬‬
‫طا َ‬
‫ن فِممي‬ ‫م إِ ْ‬ ‫س مل ْ َ ٍ‬
‫ن أت َمماهُ ْ‬ ‫ت الل ّمهِ ب ِغَي ْمرِ ُ‬ ‫ن ِفي آي َمما ِ‬ ‫جادُِلو َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫}إ ِ ّ‬
‫ميعُ ال ْب َ ِ‬
‫صمميُر‬ ‫سم ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫م ب َِبال ِِغيهِ َفا ْ‬
‫ما هُ ْ‬‫م إ ِل ّ ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ُ‬
‫)‪] {(56‬سورة غافر ‪[40/56‬‬
‫نفترض جدل أن العجز والجهممل – وحممدهما – هممما سممبب خضمموع‬
‫النسان له فى صورة دين وعقيممدة وعبممادة ‪ ..‬فممما الممذى تغيممر فممى‬
‫حياة النسان المعاصر ليخرجه من الخضوع لله ؟!‬
‫تلك القشور من العلم التى وصل إليها ‪،‬وهذا القممدر الضممئيل مممن‬
‫السيطرة على " البيئة " ؟!‬
‫فأما العلم فندع " ول ديورانت " الفيلسوف المعاصر يتحدث عنه‬
‫فى كتاب " مباهج الفلسفة " ‪.‬‬
‫" ممما طبيعممة العممالم ؟ وممما مممادته وممما صممورته ؟ وممما مكونمماته‬
‫وهيكله ؟ وما مواده الولى وقوانينه ؟ وما المادة فى كيفها البمماطن‬
‫وفى جوهر وجودها الغامض ؟ وما العقل ؟ أهو على الممدوام متميممز‬
‫عن المادة وذو سلطان عليها ؟ أم هو أحممد مشممتقات المممادة وعبممد‬
‫لها ؟ أيكون كل العالمين ‪ :‬الخارجى الذى ندركه بممالحس والبمماطنى‬
‫الذى نحسه فى الشعور ‪ ،‬عرضة لقوانين ميكانيكيممة أو حتميممة كممما‬
‫قال الشاعر " ما يكتبه الخممالق فممى مطلممع النهممار نقممرؤه فممى آخممر‬
‫النهار " ؟ أم ثمة فى المادة ‪ ،‬أو فى العقل ‪ ،‬أو فى كليهما ‪ ،‬عنصممر‬
‫ممن التفماق والتلقائيمة والحريمة ؟ ‪ ..‬همذه أسمئلة يسمألها قلمة ممن‬
‫الناس ‪ ،‬ويجيب عليها جميع الناس ‪ .‬وهى منابع فلسممفاتنا الخيممرة ‪،‬‬
‫التى يجب أن يعتمد عليها فى نهاية المر كل شئ آخر ‪ ،‬وفى نظام‬
‫متماسك من الفكر ‪ ..‬إننا نؤثر معرفممة الجابممات عممن هممذه السممئلة‬
‫على امتلك سائر خيرات الرض ‪.‬‬
‫" ولنسلم أنفسنا فى الحال لخفمماق ممما منمماص منممه ‪ .‬ل لن هممذا‬
‫الباب من الفلسفة يحتاج فممى إتقممانه إلممى معرفممة كاملممة ومناسممبة‬
‫بالرياضيات والفلممك والطبيعممة والكيميمماء والميكانيكمما وعلممم الحيمماة‬
‫وعلم النفس فقط ‪ ،‬بل لنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجممزء‬
‫أن يفهممم الكممل ‪ ..‬فهممذه النظممرة الكليممة – وهممى فتنتنمما فممى هممذه‬
‫المغامرات اللطيفة – ستبعد عممن فكرنمما جميممع الفخمماخ والمفمماتن ‪.‬‬
‫ويكفى أن نأخذ أنفسنا بقليل من التواضع وشئ من المانة ‪ ،‬لنتأكممد‬
‫أن الحياة فى غاية من التعقيد والدقممة بحيممث يصممعب علممى عقولنمما‬
‫الحبيسة إدراكهما ‪ .‬وأكبر الظممن أن أكممثر نظرياتنمما تبجيل قممد يكممون‬
‫موضع السخرية والسف عند اللهة العليمة بكل شئ " ‪ . "1‬فكل ما‬
‫نستطيع أن نفعله هو أن نفخر باكتشاف مهاوى جهلنما ! وكلمما كمثر‬
‫علمنا قلت معرفتنا ‪ ،‬لن كل خطوة نتقممدمها تكشممف عممن غمموامض‬
‫جديممدة ‪ ،‬وشممكوك جديممدة ‪ " .‬فممالجزئ " يتكشممف عممن " الممذرة "‬
‫والممذرة عممن اللكممترون )الكهممرب( واللكممترون عممن الكوانتمموم "‬
‫‪) "Quantum‬الكويميمممة( ‪ .‬ويتحمممدى الكوانتممموم سمممائر مقولتنممما "‬
‫‪ "Categories‬وقوانينمما وينطمموى عليهممما ‪ .‬والتعليممم تجديممد فىالعقممائد‬
‫وتقدم فى الشك ‪ ،‬وآلتنا كما ترى مرتبطة بالمادة وحواسنا بالعقممل‬
‫‪ ..‬وفى خلل هذا الضباب يجب علينا نحن " الزغممب " علممى الممماء ‪،‬‬
‫أن نفهم البحر ! " ‪" 2‬‬
‫وعن تقلب " العلم " يقول ‪:‬‬
‫" إلى أى نجم بعيممد ذهبممت نظريتنمما السممديمية المشممهورة ؟ هممل‬
‫يؤيدها علم الفلك الحديث أو يسخر من وجهها المغبر ؟‬
‫" وأيممن ذهبممت قمموانين نيمموتن العظيممم حيممن قلممب أينشممتين‬
‫وميكوفسكى وغيرهما الكون راسا على عقب بمذهب النسبية غيممر‬
‫المفهوم ؟‬
‫" " انظر أثر الجاهلية الغريقية فى انحرافات الفكر الغربى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " ص ‪ 62 – 61‬من الترجمة العربية " ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الهوانى " ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫" وأين مكان نظرية عدم فناء المادة وبقاء الطاقممة فممى الفيزيقمما‬
‫المعاصرة ‪ ،‬وما يكتنفها من فوضى وتنازع ؟‬
‫" وأيممن إقليممدس المسممكين اليمموم ‪ ،‬وهممو أعظممم مؤلممف لمراجممع‬
‫العلمية ‪ ،‬ليممرى كيممف يصمموغ الرياضمميون لنمما أبعممادا جديممدة بحسممب‬
‫أهوائهم ‪ ،‬ويبتدعون ل متناهيات يحتوى أحممدهما الخممر كجممزء منممه ‪،‬‬
‫ويثبتون فى الفيزيقيا – والسياسة كذلك – أن الخمط المسمتقيم همو‬
‫أطول مسافة بين نقطتين ؟!‬
‫" وأين علم الجنة ليرى أن " البيئة الناشئة " تحل محل " الوراثة‬
‫" التى كانت إله العلم " ‪ " 1‬؟ وأين " جوريجورى " و" منممدل " الن‬
‫ليشهدا انصراف علممماء الوراثممة عممن " وحممدة الصممفات " ؟ وأيممن "‬
‫دارويممن " الهممدام الممدقيق ليممرى كيممف حلممت طريقممة " التغيممرات‬
‫السريعة " محل " الختلفات الذاتية والمتصلة " فى التطور ؟ وهل‬
‫هممذه التغيممرات هممى الثمممرة المشممروعة لختلط الهجممائن ؟ وهممل‬
‫نضطر إلى الرجوع فى تفسيرنا للتطممور إلممى المموراء عنممد نظريممة "‬
‫انتقال الصفات المكتسبة " ؟ أنجد أنفسنا وقد عدنا مرة أخرى أكثر‬
‫من قرن إلى الماضى نعانق رقبة زرافة " لمارك " ؟‬
‫" وماذا نصنع اليوم بمعمل الستاذ فونط " ‪ " Wundt‬وباختبممارات‬
‫" اسممتانلى هممول " حيممن ل يسممتطيع أى عممالم نفسممانى مممن اتبمماع‬
‫السلوكيين أن يكتب صحيفة واحدة فى علممم النفممس الحممديث دون‬
‫أن يلقى بمخلفات أسلفه فى الهواء ؟!‬
‫" وأين علم التاريخ الحديث اليوم حيث يضع كل عالم فممى تاريممخ‬
‫قدماء المصريين كشفا بالسرات وتواريخها على هواه ‪ ،‬ول يختلممف‬
‫عمن كشمموف غيمره إل ببضممعة آلف مممن السممنين ؟! ويحممث يسمخر‬
‫علممماء الجنمماس مممن " تيلممور " و" وسممتر مممارك " و" سبنسممر " ؟‬
‫وحيث يجهل " فريزر " كل شئ عن " الدين البدائى " لنه قد رحل‬
‫إلى العالم الخر ؟!‬
‫فماذا أصاب علومنا ؟ هل فقممدت فجممأة قداسممتها وممما فيهمما مممن‬
‫حقائق أزلية ؟ أيمكن أن تكممون " قمموانين الطبيعممة " ليسممت سمموى‬
‫فروض إنسانية ؟ ألم يعد هناك يقين أو استقرار فى العلم ؟ " ‪. "2‬‬
‫وعن " حقيقة " المادة يقول ‪:‬‬
‫" وأول شئ نكشفه هو أن المممادة القديمممة غيممر المتحركممة الممتى‬
‫وصفتها طبيعيات القرن التاسع عشر قد ذهبممت ‪ .‬وكممانت " مممادة "‬
‫تندال وهكسلى غير فاسدة ‪ .‬فهى تقعد وتنام أنمى وضمعتها ‪ ،‬كمذلك‬
‫" " انظر إلى أثر الجاهلية الغريقية مرة أخرى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " ص ‪ 24 – 23‬من الترجمة العربة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫الصبى البدين فى قصة " أوراق بكويك " " ‪ " 1‬وهى تقاوم بكممل ممما‬
‫فيها من وقار الحجم والثقممل كممل جهممد لتحريكهمما ‪ ،‬أو لتغييممر وجهممة‬
‫حركتها متى أخذت فى الحركة ‪ .‬وبين " برجسون " فى يسر شديد‬
‫أن مادة فى مثل هذا الخمود ل يمكن أبدا أن تفسر الحركة ‪ ،‬ومممن‬
‫باب أولى ل تحدث الحياة والعقل ‪ .‬ولكن رجال الطبيعة مممع ذلممك ‪،‬‬
‫كما كتممب برجسممون ‪ ،‬كممانوا فممى سممبيلهم إلممى هجممر تصممور المممادة‬
‫خامممدة ‪،‬وإلممى الكشممف فيهمما عممن حيويممة ل ريممب فيهمما ‪ .‬فهممذه مثل‬
‫الكهرباء ل يمكن تفسيرها فى صيغ من الخمود والذرات ‪ .‬فما هممذه‬
‫القوة الخفية التى تضاف إلممى الكتلممة فتزيممد فممى طاقتهمما ولكنهمما ل‬
‫تضيف شيئا إلى أبعادها وثقلها ؟ وكيف تسرى الشحنة الكهربية فى‬
‫سلك أو الهواء اللسلكى ؟ أهممى شممئ يتحممرك فممى تلممك الموجممات‬
‫الكهربية التى تكاد تبلغ فممى سممرعتها سممرعة الضمموء نفسممه ؟ أهممى‬
‫الذرات ؟ أو " الثير " أو ل شئ ؟ وفممى أشممعة إكممس ‪ ،‬عنممدما تمممر‬
‫شرارة كهربية فى فراغ باعثة أشعة تنفذ من جدران النبوبة وتغيممر‬
‫من اللوح الحساس كيميائيمما ‪ ،‬فممما هممذا الممذى يمممر خلل الفممراغ أو‬
‫الجدران ؟ وعندما بدت المادة نشيطة ل تفرغ ‪ ،‬كما هو الحممال فممى‬
‫الراديوم ‪ ،‬وبدت الذرات )التى ل يمكن أن تنقسم( منقسمة إلى ما‬
‫ل نهاية ‪ ،‬وأصبحت كمل ذرة نظامما كوكبيما ممن الشمحنات الكهربيمة‬
‫تدور حول شئ ل يزيممد جمموهره عممن شممحنة كهربيممة أخممرى ‪ ..‬فممأى‬
‫مأزق وقعت المادة فيه حين فقدت كتلتها ووزنها وطولهمما وعرضممها‬
‫وعمقها وعدم قابليتها للنفاذ ‪ ،‬وسائر تلممك الخصممائص الثقيلممة الممتى‬
‫ظفرت باحترام كل مفكر واقعى ؟ أكان الخمود أسطورة ؟ أيمكممن‬
‫أن تكون المادة حية ؟ " ‪" 2‬‬
‫" لقد كانت هناك دلئل مممن قبممل علممى وجممود هممذه الطاقممة فممى‬
‫المادة ‪ .‬فالتماسممك والتممآلف ‪ ،‬والتنممافر ‪ ،‬كممانت تمموحى بهمما ‪ .‬ويبممدو‬
‫اليمموم مممن المحتمممل أن تكممون هممذه الصممفات وكممذلك الكهربيممة‬
‫والمغناطيسية صورا من " الطاقة الذرية " وهى ظواهر ترجممع إلممى‬
‫حركة اللكترونات الدائبة فى الذرة ‪ ..‬ولكن ‪ ،‬ممما اللكممترون ؟ أهممو‬
‫جزء من " المادة " يظهر فى ثوب من الطاقة ؟ أو همو مقممدار مممن‬
‫الطاقة منفصل تمام النفصال عن أى جوهر مممادى ؟ ول يمكممن أن‬
‫نتصور الفرض الخيممر ! ويقممول ليبممون " قممد يمكممن ول ريممب لعقممل‬
‫أسمى من عقلنا أن يتصممور الطاقممة بغيممر مممادة ‪ ..‬ولكممن مثممل هممذا‬
‫" " قصة مشهورة لشارل ديكنز ‪ ،‬وكان مستر بكويك بطل القصة " المترجم " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " انظر المحاولة الملتوية للتخلص من التحدى القائم فى نشأة الحياة من الموات ‪ ،‬وهو التحدى الذى يؤدى –‬ ‫‪2‬‬

‫فطرة – إلى اليمان بالله ‪.‬‬


‫التصور فى غير مقممدورنا ‪ .‬فنحنممن ل نسممتطيع أن نفهممم الشممياء إل‬
‫بوضعها فى الطار المشترك لفكارنمما ‪ .‬ولممما كممانت ماهيممة الطاقممة‬
‫مجهولة فنحن مضطرون إلى صوغها صياغة مادية حتى نفكر فيها "‬
‫‪ .‬فنحن كما يقول برجسون ماديون بالطبع ‪ ،‬فقد ألفنا التعامممل مممع‬
‫المادة والمور الميكانيكية ‪ .‬ولذا لممم ننصممرف عنهمما كممى ننظممر فممى‬
‫أنفسنا فإننا نتصور كل شئ كآلة مادية ‪ .‬ومع ذلممك فممإن أوسممتولد "‬
‫‪ "Ostwald‬يصف المادة على أنها صورة من الطاقة وحسممب ‪ .‬ويممرد‬
‫رذرفورد الذرة إلممى وحممدات الكهربمماء الموجبممة والسممالبة ‪ .‬ويعتقممد‬
‫لودج أن اللكترون ل يشتمل علممى نممواة ماديممة أكممثر مممن شممحنته ‪.‬‬
‫ويقول ليبون ببساطة ‪ " :‬المادة صورة مختلفة من الطاقة " ويقول‬
‫ج ‪ .‬ب ‪ .‬س ‪ .‬هالدين ‪ " :‬يعتبر بعض الناس من أقدر المفكرين فى‬
‫العالم اليوم المادة كمجرد ضرب خمماص مممن الضممطراب التممموجى‬
‫" ‪ .‬ويقول إدنجتون ‪ " :‬إن المادة مركبة من بروتونات وإلكترونات ‪،‬‬
‫أى شحنات موجبة وسالبة من الكهرباء ‪ .‬فمماللوح هممو فممى الحقيقممة‬
‫مكان فارغ مشممتمل علمى شمحنات كهربيمة مبعمثرة هنما وهنماك " ‪.‬‬
‫ويقممول هواريتهيممد ‪ " :‬إن مفهمموم الكتلممة فممى طريقممه إلممى فقممدان‬
‫امتيممازه الوحيممد ‪ ،‬باعتبارهمما المقممدار الواحممد الممدائم فممى النهايممة ‪..‬‬
‫فالكتلممة الن اسممم لكميممة مممن الطاقممة فممى علقتهمما ببعممض آثارهمما‬
‫الديناميكية " ‪ .‬وإلى هذه المرتبة لوضيعة سقط الجبار ورجعنا إلممى‬
‫بوسممكوفيتش " ‪ "1 " " Boscovich‬الجزويممتى القممديم ‪ ،‬إلممى تلممك‬
‫العبممارة غيممر المفهومممة ‪ :‬مممن أن المممادة الممتى تشممغل " المكممان "‬
‫مركبة من نقط ل وجود لها ! وفى ذلك يقممول نيتشممه ‪ " :‬لقممد كممان‬
‫بوسكوفتش وكوبرنيق حممتى الن أعظممم خصمممين وأكثرهممما نجاحمما‬
‫فى دحض شهادة العيان " ‪ .‬فل غرابة أن يستنتج ديوى أن " مفهوم‬
‫المادة الذى يوجد بالفعل فى تطبيق العلم ل يمت بصلة إلممى مممادة‬
‫الماديين " !‬
‫" أيمكن أن يكون شئ أكثر غموضا وغرابة من هذا القممول الممذى‬
‫يقوله علماء الطبيعة من أن " المادة " بمعنى " الجمموهر المتحيممز "‬
‫" ‪ " Spatial‬قد بطلت عممن الوجممود ؟ فهممم يقولممون إن اللكترونممات‬
‫ليممس فيهمما شممئ مممن خصممائص المممادة ‪ ،‬فهممى ليسممت صمملبة ‪ ،‬ول‬
‫سائلة ‪ ،‬ول غازية ‪ ،‬وهممى ليسممت كتلممة ‪ ،‬أو صممورة ‪ ،‬وانحللهمما إلممى‬
‫نشاط إشعاعى يلقى شكوكا على أعز عقيممدة فممى العلممم الييممدث ‪،‬‬
‫أى عدم قابلية المادة للفناء ‪..‬ولنسمع رأى أحد علماء الطبيعة مممرة‬

‫" " فيلسوف يوغسلفى من دلماشيا أذاع فى بلده فلسفة نيوتن " المترجم " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أخرى " إن عناصر الذرات التى تنحل تفنى تماما ‪ ،‬فهممى تفقممد كممل‬
‫صفة للمادة ‪ ،‬بما فى ذلك الثقل وهو أكمثر صممفاتها أساسممية ‪ .‬ذلممك‬
‫أن الميزتان يعجز عن وزنها ول شئ يستطيع أن يعيممدها إلممى حالممة‬
‫المادة ‪ ،‬فقد اختفت فى عظمة الثير ‪ ..‬والحرارة والكهرباء والضوء‬
‫إلى غير ذلك ‪ ..‬تمثل آخر مراحل المادة قبل اختفائها فممى الثيممر ‪..‬‬
‫والمادة التى تنحل تخرج عن ماديتهمما بمرورهما فمى حمالت متتابعممة‬
‫تنتزع منها تدريجيا صفاتها المادية ‪ ،‬حتى تعود فى النهاية إلى الثيممر‬
‫الذى ل يمكن وزنه ‪ ،‬ذلك الثير الذى يبدو أنها نشأت عنه ‪.‬‬
‫" الثير ؟ ‪ ..‬ولكن ما هو الثير ؟ ل أحد يعرف ! ليممس الممثير فيممما‬
‫يقممول لممورد سالسممبورى إل اسممما علممى الفعممل " يتممموج " والثيممر‬
‫خرافة ابتدعت لخفاء الجهل المثقف للعلم الحممديث ‪ .‬فهممو غممامض‬
‫غموض الشبح أو الروح ! وافترض أينشتين وجود الثيممر حيممن أعمماد‬
‫تفسير الجاذبية ‪ ،‬وعزم أخيرا أن يدخره إلى حين مع تحديد سلطانه‬
‫! وكلما يعجز عالم من علماء الطبيعة ويتحير يقول ‪ " :‬الثير " !‬
‫" ويقول الستاذ إدنجتون أحدث حجة فى هذا الموضوع ‪ " :‬لسي‬
‫الثير نوعا من المادة ‪ ،‬فهو ل مادى ‪.‬‬
‫" ومعنى ذلك أن شيئا ل ماديا يحيممل نفسممه إلممى مممادة بوسمماطة‬
‫بعض اللتممواءات " ‪) " Contortions‬دوامممات ‪ " Vortices‬كممما سممماها‬
‫كيلفن( ويصبح ذلك الذى لم يكن له بعد أو ثقل ‪ ،‬بإضافة أجزاء منه‬
‫بعضا إلى بعض ‪ ،‬مادة متحيزة ‪،‬ويمكن أن توزن ‪ .‬أهو اللهمموت قممد‬
‫أعيد ؟ أم هو علم مسيحى جديد ؟ أم هو صورة من البحث العلمى‬
‫؟ وفى الوقت الذى يحاول علم النفس بكل سبيل أن يتخلص من "‬
‫الشعور " حتى يرد " العقممل " للمممادة " يأسممف علممم الطبيعممة فممى‬
‫تقريره أنا لمادة ل توجد ! ولقد قال نيوتن متعجبا ‪ " :‬أيتها الطبيعممة‬
‫احفظينى مما بعد الطبيعة " الميتافيزيقا " ‪ .‬فيمما للسممف لممن تقممدر‬
‫الطبيعة أن تفعل أكثر من ذلك !‬
‫" يقول برتراندرسل ‪ " :‬يقترب علم الطبيعة مممن المرحلممة الممتى‬
‫يبلغ فيها الكمال " وجميع الدلئل تدل على العكس من ذلممك ‪ ..‬أممما‬
‫هنممرى بوانكمماريه فيممرى أن علممم الطبيعممة الحممديث فممى حالممة مممن‬
‫الفوضى ‪ ،‬فهو يعيد بناء جميع أسسه ‪ ،‬وفى أثناء ذلك ل يكاد يعرف‬
‫أين يقف ‪ .‬وقد تغيرت الفكار الساسية عن الطبيعة تغيرا تاما فممى‬
‫العشرين السنة الخيرة فيما يختص بالمادة والحركة كلتيهما ‪ .‬ولممم‬
‫تسمح أعمال كورى ورذرفورد وسدى وأينشتين ومينكوفسممكى لى‬
‫تصور قديم عممن الطبيعممة النيوتونيممة بالبقمماء ‪ .‬وكممان لبلس يحسممد‬
‫نيوتن لنه كشف النظام الوحيد للعالم وحزن على عدم وجود نظممم‬
‫أخرى تكشف ! ولكن عالم نيوتن قد انتحى اليمموم جانبمما ‪ .‬ولممم يعممد‬
‫التثاقممل " ‪ " Gravitation‬مسممألة جاذبيممة " ‪ " Attraction‬وتمزقممت "‬
‫قوانين " الحركة فى كل جهة بنظرية النسبية ‪ .‬وقد كانت الفلسممفة‬
‫تبحث ذات يوم فى " الشباح " والمجردات ‪ ،‬وكان العلم يبحث فى‬
‫" المادة " و" المحسوس " و" الحقائق الواقعممة " ‪ .‬أممما الن فلعممم‬
‫الطبيعة مجموعة مستورة " ‪ " Esoteric‬مممن القمموانين المجممردة ‪" .‬‬
‫وفكرة المادة مفقودة بالكلية فى الدوائر العلمية " " ‪ . "1‬كان على‬
‫الفلسفة أن تتنحممى جانبمما _ول يممزال بعممض النمماس يتوقعممون موتهمما‬
‫خلل خمسين عاما( أما العلم فعليه أن يحمل مشممكلتنا ‪ .‬والن فممى‬
‫الوقت الذى يحمل رجل الشارع العلم والعلماء جميع أفكار اللهممام‬
‫واليقين التى كانت متصلة ذات يوم بالنجيل والكنيسة " ‪ ، " 2‬يقممال‬
‫لنا فى تواضع إن ‪ " :‬البحث العلمممى ل يفضممى إلممى معرفممة طبيعممة‬
‫الشياء الباطنة " " ‪) " 3‬ص ‪ 73 – 68‬من الترجمة العربية( ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وأممما السمميطرة – أو قممل العجممز – فقممد تحممدثنا عنممه فممى إحممدى‬


‫فقرات هذا الفصل ‪ ،‬وبينا أنه عجز دائم أصيل ل يؤثر فيه ول ينقص‬
‫منه هذا القممدر مممن السمميطرة الممذى يحققممه النسممان " بممالعلم " "‬
‫والتكنولوجيا " وإن فتت الذرة وأطلق طاقتها ‪ ،‬وإن ركب الصواريخ‬
‫وطاف بها فى أرجاء الكون ‪ ،‬لن الذى يرغب فيه النسان ‪ ،‬ويحس‬
‫بالعجز عن تحقيقممه هممو أمممر بالنسممبة إليممه مسممتحيل التحقيممق ‪ :‬أن‬
‫يسيطر سيطرة كاملة على الكون ‪ .‬أن يقممول للشممئ كممن فيكممون ‪.‬‬
‫أن يخلممد فممى الرض ‪ .‬أن يعلممم الغيممب ‪ .‬وبعممض هممذه كممان مممن‬
‫المغريات التى أغرى بها الشيطان آدم منذ بدء الخليقة ‪:‬‬
‫ن أ َْو‬ ‫كون َمما َ َ‬
‫ملك َي ْم ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬
‫جَرةِ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن هَذِهِ ال ّ‬
‫شم َ‬ ‫ما َرب ّك ُ َ‬
‫ما عَ ْ‬ ‫ما ن ََهاك ُ َ‬ ‫ل َ‬‫}وََقا َ‬
‫ن )‪] {(20‬سورة العراف ‪[7/20‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫كوَنا ِ‬
‫ومن هنا فإن الشعور بالعجز شعور دائم ملزم للنسان فممى كممل‬
‫أحواله وفى جميع أوضاعه ‪ .‬وليس إنسان العصر الحديث ناجيا منممه‬
‫حتى يقول جوليان هكسلى إنه قد آن للنسان أن يأخذ علممى عمماتق‬
‫نفسه ما كان يلقيه من قبل فى عصممر الجهممل والعجممز علممى عمماتق‬
‫الله ‪ ،‬ومن ثم يصبح هو الله ‪:‬‬
‫" " ادنجتون ص ‪. 274‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " يقصد الدين ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫" " ادنجتون ص ‪. 303‬‬ ‫‪3‬‬


‫ن)‬ ‫م غَممافُِلو َ‬ ‫خمَرةِ هُم ْ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هرا ً ِ‬ ‫ظا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫}ي َعْل َ ُ‬
‫‪] {(7‬سورة الروم ‪[30/7‬‬
‫ونحب أن نضيف إلى ذلك أن النسان السوى يعلم أن ما يحققممه‬
‫من تسخير طاقات السماوات والرض ليس " اغتصممابا " مممن اللممه‬
‫كما تصور ذلك السمماطير الغريقيممة المجنونممة ‪ ،‬حممتى يكممون مممبررا‬
‫للخروج على طاعة الله ‪ ،‬بل التبجممح بإنكممار وجممود اللممه كممما تفعممل‬
‫الجاهلية المعاصرة ‪ ،‬إنما هو من قممدر اللممه للنسممان ‪ ،‬ومممن رحمممة‬
‫الله بالنسان ‪ ،‬ومن فضل اله على النسان ‪ ،‬لنه هو الممذى سممخره‬
‫ابتداء للنسان ‪ ،‬ثم أعانه على تحقيقه ‪:‬‬
‫ميعما ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫من ْم ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ممما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سم َ‬ ‫ممما فِممي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُم ْ‬ ‫سم ّ‬ ‫}وَ َ‬
‫]سورة الجاثية ‪[45/13‬‬
‫ماَء ك ُل َّها{ ]سورة البقرة ‪[2/31‬‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫}وَعَل ّ َ‬
‫طو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُم ْ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫شمْيئا ً وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مممو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن بُ ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫}َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(78‬سممورة النحممل‬ ‫ش مك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫سم ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪[16/78‬‬
‫مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ذ َُلول ً َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ال ّ ِ‬
‫شوُر )‪] {(15‬سورة الملك ‪[67/15‬‬ ‫رِْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫ت َوال َْر‬
‫ج‬ ‫خَر َ‬ ‫ماءً فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬ ‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫}الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مرِ ِ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫جرِيَ ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫م ال ُْفل ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت رِْزقا ً ل َك ُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫َ‬
‫خَر‬ ‫سمم ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دائ ِب َي ْ ِ‬
‫مَر َ‬ ‫س َوال َْق َ‬ ‫م ََ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م النَهاَر )‪ (32‬وَ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‬
‫ممم َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫موهُ وَإ ِ ْ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َوالن َّهاَر )‪َ (33‬وآَتاك ُ ْ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م ك َّفمماٌر )‪] {(34‬سممورة إبراهيممم‬ ‫ن ل َظ َل ُممو ٌ‬ ‫سمما َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صممو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الل ّهِ ل ت ُ ْ‬
‫‪[34-14/32‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وأخيرا ‪ ،‬فنحن نزعم أن الدين من الفطممرة ‪ ،‬وهممم يزعمممون أنممه‬


‫طلل بال ينبغى أن تزال آثاره ‪ ،‬ليحل محله " العلم " و" اللحاد " ‪.‬‬
‫ونحن نستشهد عليهم من أنفسهم كما أشرنا من قبل ‪.‬‬
‫نستشهد عليهم برائد الفضاء الول " يورى جاجارين " الذى قممال‬
‫بعد هبوطه من الفضاء فى المممؤتمر الصممحفى العممالمى الممذى أعممد‬
‫لسممتقباله ‪ " :‬حيممن صممعدت إلممى الفضمماء أخممذتنى روعممة الكممون‬
‫فمضيت أبحث عن الله " !‬
‫ول عبرة " بالتصحيح " الذى أضافته ادولة على تصريحه أو أمرته‬
‫أن يضيفه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" فمضيت أبحث عن الله فلم أجده " !‬
‫إنه تمحل واضح ‪..‬‬
‫ول يمكن أن يكون " جاجارين " قد قاله ابتداء ! فما الذى يجعلممه‬
‫يتحممدث عممن اللممه ابتممداء إذا كممان قصممده هممو النفممى ‪ ،‬ول أحممد مممن‬
‫الحاضرين قد أثار القضية حتى يتعرض لنفيهمما ؟! إنممما المعقممول أن‬
‫يكون ذكره لله ابتداء للثبات ل للنفى ‪ .‬لثبات استجابة " الفطرة "‬
‫الطبيعيممة لعظمممة الكممون وروعتممه حيممن رآه لول مممرة مممن خممارج‬
‫الغلف الجوى ‪ ،‬فرآه فى صورة مختلفة عما تبلد عليه حسه بحكممم‬
‫اللممف والعممادة ‪ ..‬فمماتجهت الفطممرة اتجاهمما تلقائيمما إلممى فمماطر‬
‫السماوات والرض ‪ ،‬رغم كممل " اللحمماد " الممذى صممبته الدولممة فممى‬
‫قلبه وفكره منذ مولده إلى لحظة انطلقه فى الفضاء !‬
‫وهى شهادة " أفلتت " من المعسكر الملحد بغيممر قصممد منممه ول‬
‫تدبير ‪:‬‬
‫ه‬ ‫}سنريهم آيات ِنما فمي الفَمماق وفمي أ َنُفسمهم حتمى يتبيمن ل َهم َ‬
‫م أّنم ُ‬
‫َََّ َ ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ َ ّ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ َ َ ِ‬
‫ق{ ]سورة فصلت ‪[41/53‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫ونستشهد عليهم بما يقوله " علماء " من علمائهم ‪ ،‬تربمموا فممى "‬
‫اللحاد العلمى " ! فألجأهم " العلم " ذاته إلى اليمان بوجود اللممه ‪،‬‬
‫ونكتفى بهذه المقتطفمات ممن كتماب " العلمم يمدعو لليممان " " ‪"1‬‬
‫وكتاب " الله يتجلى فى عصر العلم " " ‪ " 2‬فهى تغنينا عن المزيد ‪.‬‬
‫يقمممول " أ ‪ .‬كريسمممى موريسمممون " رئيمممس أكاديميمممة العلممموم‬
‫بنيويورك ‪:‬‬
‫" فى خليط الخلق قد أتيح لكثير من المخلوقات أن تبممدى درجممة‬
‫عليممة مممن أشممكال معينممة مممن الغريممزة أو الممذكاء أو ممما ل نممدرى ‪..‬‬
‫فالممدبور مثل يصمميد الجنممدب النطمماط ‪ ،‬ويحفممر حفممرة فممى الرض ‪،‬‬
‫ويخز الجندب فى المكان المناسب تماما حتى يفقممد وعيممه ‪ ،‬ولكنممه‬
‫يعيش كنوع مممن اللحممم المحفمموظ ‪ .‬وأنممثى الممدبور تضممع بيضمما فممى‬
‫المكان المناسب بالضبط ‪ ،‬ولعلها ل تدرى أن صغارها حيممن تفقممس‬
‫يمكنها أن تتغذى دون أن تقتل الحشممرة الممتى هممى غممذاؤها فيكممون‬
‫ذلك خطرا على وجودها ‪ .‬ولبد أن يكون الدبور قمد فعمل ذلمك ممن‬
‫البداية وكرره دائما ‪ ،‬وإل ما بقيت زنابير على وجه الرض ‪ ..‬والعلم‬
‫ل يجد تفسيرا لهذه الظاهرة الخفية ؛ ولكنهمما مممع ذلممك ل يمكممن أن‬
‫تنسب إلى المصادفة !‬

‫" " تأليف كريسى مويسون ترجمة محمود صالح الفكلى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " تأليف جماعة من العلماء ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫" وإن أنممثى الممدبور تغطممى حفممرة فممى الرض وترحممل فرحمما ثممم‬
‫تموت ‪ .‬فل هى ول أسلفها قد فكرت فى هذه العملية وهى ل تعلم‬
‫ماذا يحدث لصغارها ؛ أو أن هناك شيئا يسمممى صممغارا ‪ .‬بممل إنهمما ل‬
‫تدرى أنها عاشت وعملت لحفظ نوعها ! " " ‪. " 1‬‬
‫" وفى بعض أنممواع النمممل يممأتى العملممة بحبمموب صممغيرة لطعممام‬
‫غيرها من النمممل فممى خلل فصممل الشممتاء ‪ ،‬وينشممئ النمممل ممما هممو‬
‫معروف " بمخزون الطحن " وفيه يقمموم النمممل الممذى أوتممى فكاكمما‬
‫كبيرة معدة للطحن ‪ ،‬بإعداد الطعام للمستعمرة ‪ .‬وهذا هو شمماغلها‬
‫الوحيد ‪ .‬وحين يأتى الخريف ‪،‬وتكممون الحبمموب كلهمما طحنممت فممإن "‬
‫أعظم خري لكبر عدد " يتطلب حفظ تلك المؤونممة مممن الطعممام ‪..‬‬
‫وما دام الجيل الجديد سينتظم كثيرا من النمل الطحان ‪ ،‬فإن جنممود‬
‫النمممل تقتممل النمممل الطمماحن الموجممود ‪،‬ولعلهمما ترضممى ضممميرها‬
‫الحشممرى بممأن ذلممك النمممل قممد نممال جممزاءه الكممافى ‪ ،‬إذ كممانت لممه‬
‫الفرصة الولى فى الفادة من الغذاء أثناء طحنه !‬
‫" وهناك أنواع من النمل تدفعها الغريزة أو التفكير )واختر منهممما‬
‫ممما يحلممو لممك( إلممى زرع أعشمماش للطعممام فيممما يمكممن تسممميته "‬
‫بحدائق العشاش " وتصيد أنواعا معينة من الدود والرق أو اليرق ‪،‬‬
‫)وهممى حشممرات صممغيرة تسممبب آفممة النممدوة العسمملية( فهممذه‬
‫المخلوقات هى بقر النمل وعنزاتهمما ! ومنهمما يأخممذ النمممل إفممرازات‬
‫معينة تشبه العسل ليكون طعاما له ‪.‬‬
‫" والنمل يأسر طوائف منه ويسترقها ‪ .‬وبعض النمل حيممن يصممنع‬
‫أعشاشه يقطممع الوراق مطابقممة للحكممم المطلمموب ‪ ..‬وبينممما تضممع‬
‫بعض عملة النمل الطراف فى مكانهمما ‪ ،‬تسممتخدم صممغارها – الممتى‬
‫تقدر أن تغزل الحرير وهى فى الدور اليرقى – لحياكتها معا ! وربما‬
‫حرم طفل النمل عمل شرنقة لنفسه ولكنه قد خدم الجماعة !‬
‫" فكيف يتاح لذرات المادة التى تتكون منها النملة أن تقوم بهذه‬
‫العمليات المعقدة ؟‬
‫" لشك أن هناك خالقا أرشدها إلى كل ذلك " " ‪. "2‬‬
‫ويقول عالم الطبيعة " فرانك ألن " ‪.‬‬
‫" ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل علممى أن مكونممات الكممون‬
‫تفقد حرارتها تدريجيا وأنها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه الجسممام‬
‫تحت درجممة مممن الحممرارة بالغممة النخفمماض هممى الصممفر المطلممق ‪،‬‬
‫ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ‪ ..‬ول مناص من حدوث هممذه‬
‫" " ص ‪ – 129‬ص ‪ 130‬من كتاب " العلم يدعو لليمان " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " مقتطفات من كتاب " العلم يدعو لليمان " ص ‪. 132 – 131‬‬ ‫‪2‬‬
‫الحالة من انعدام الطاقة عندما تصممل درجممة حممرارة الجسممام إلممى‬
‫الصفر المطلق بمضى الوقت ‪.‬‬
‫" أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والرض الغنية بأنواع‬
‫الحياة فكلها دليمل واضمح علمى أن أصمل الكمون أو أساسمه يرتبمط‬
‫بزمان بدأ من لحظة معينة ‪ ،‬فهو إذن حممدث مممن الحممداث ‪،‬ومعنممى‬
‫ذلك أنه لبد لصل الكون من خالق أزلممى لممه بدايممة ‪ ،‬عليممم محيممط‬
‫بكل شئ ‪ ،‬قوى ليست لقدرته حدود ‪ .‬ولبممد أن يكممون هممذا الكممون‬
‫من صنع يديه"‪."1‬‬
‫ونكتفى بهذه المقتطفات ول نحتاج إلى المزيد ‪ .‬فهى كلها ناطقة‬
‫بمممدى سممخف تلممك البدعممة الضممالة الممتى نشممرها الشممياطين فممى‬
‫الجاهلية المعاصممرة ‪ .‬حيممن يسممرت لهممم " الحمممر المسممتنفرة " أن‬
‫يركبوها ويهيموا بها فى وديان الضلل !‬
‫أما الذين يحسون اليوم أن " وجودهم الذاتى " أو مجدهم الذاتى‬
‫مرتبط باعتناق اللحاد بدل من اعتناق الدين ‪ ،‬فهم فقاقيع سممتنفثئ‬
‫غممدا حيممت تعممود البشممرية إلممى رشممدها ‪ ..‬ونحسممب أنهمما – بحكممم‬
‫الظروف كلها – عائدة إليه ‪ ،‬ما لم يكتب اله عليها الفناء ! " ‪. " 2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مك ُم ُ‬
‫ث فِممي‬ ‫س فَي َ ْ‬
‫ممما َينَف معُ الن ّمما َ‬
‫ممما َ‬
‫جَفمماًء وَأ ّ‬ ‫ممما الّزب َمد ُ فَي َمذ ْهَ ُ‬
‫ب ُ‬ ‫}فَأ ّ‬
‫ض{ ]سورة الرعد ‪[13/17‬‬ ‫ر‬ ‫ال َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫‪m m m‬‬

‫" " من كتاب " اله يتجلى فى عصر العلم " ص ‪. 6 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫" " انظر الفصل القادم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫السلم ومستقبل البشرية‬
‫تفزع أوروبا من الدين كما يفزع الملممدوغ مممن الحبممل ‪..‬ولممو كممان‬
‫بالنسبة إليه حبل النجاة !‬
‫وأوروبمما تسمميطر اليمموم بقوتهمما السياسممية والعسممكرية والعلميممة‬
‫والقتصادية والتكنولوجية على العالم كله ‪ .‬وتجر البشرية معها إلى‬
‫الهاوية بسبب ذلك الموقف الحمق لمفزع من الدين !‬
‫ولقد زعمت الجاهلية المعاصرة فى أول أمرها فى عصر النهضممة‬
‫أنها تستطيع أن تدير ظهرها للدين ثم تظل تمممارس الحيمماة بصممورة‬
‫طبيعية ل يعتورها نقص ول اختلل ‪ .‬بل زعمت أنها حين تتخلص من‬
‫الدين فستعالج ما كان فى حياتها مممن نقممص واختلل ! ولقممد كممانت‬
‫ظروفها كما بينا من قبل تؤدى بهمما إلممى النسمملخ مممن ذلممك الممدين‬
‫الذى يعكر صفو الحية ‪ ،‬ويعطممل دفعتهمما ‪ ،‬وينشممر الجهالممة ‪،‬ويحجممز‬
‫على الفكر ‪ ،‬ويحجب عن البشرية النور ‪.‬‬
‫وحين بدأت أوروبما تنسملخ ممن دينهما لمم يكمن فمى مقمدورها أن‬
‫تنسلخ دفعة واحدة من " القيم " التى كانت تصمماحب ذلممك الممدين ‪،‬‬
‫وربما لم يكن ذلك فى نيتها فى مبدأ المر ‪.,‬‬
‫فراح القوم – مخلصين فيما نحسممب – يبحثممون عممن مصممدر آخممر‬
‫للقيم التى ل يمكن أن تعيش بدونها البشرية ‪.‬‬
‫ولكن التجربة العلمية أثبتت أنه ل يوجد مصدر حقيقى للقيم غيممر‬
‫الدين !‬
‫قالوا العقل ‪ ..‬وقالوا الطبيعة ‪ ..‬وقالوا النفس البشممرية ‪ ..‬وقممالوا‬
‫العلم ‪ ..‬وقالوا الفلسممفة ‪ ..‬وقممالوا كممل ممما يخطممر فممى بممالهم ‪ .‬ثممم‬
‫خرجوا من ذلك كله بممما وصمملوا إليممه آخممر المممر ‪ :‬القلممق والجنممون‬
‫والضياع والحيممرة والمممراض النفسممية والعصممبية والنتحممار والخمممر‬
‫والمخممدرات والجريمممة والنحلل والمسممخ الممذى يشمموه الفطممرة ‪..‬‬
‫والهبمموط الخلقممى والفكممرى والروحممى فممى كممل ميممادين الحيمماة‬
‫السياسمممية والقتصمممادية والجتماعيمممة ‪ ..‬علمممى مسمممتوى الفمممراد‬
‫والجماعات والشعوب والدول كلها على السممواء ! وتحممول النسممان‬
‫إلى آلة للنتاج المادى فى صباحه ‪ ،‬وحيوان همائج فمى الليممل يبحممث‬
‫عن المتاع الحسى الغليظ ‪ ،‬ويبحث عنه أحيانا فى تبذل يتعفف عنه‬
‫بعض أنواع الحيوان !‬
‫وتلك نهاية طبيعية لبعد الناس عن الدين ‪ ،‬وهممى تجربممة مكممرورة‬
‫فى تاريخ البشرية وإن ظنت الجاهلية المعاصرة أنها تجربممة " رائدة‬
‫" تخوضها البشرية لول مرة ‪ ،‬لنهم – فى جهالتهم " العلمية " – ل‬
‫يقرأون التاريخ ‪ ،‬أو ل يحبون أن يأخذوا العبرة من التاريخ !‬
‫َ‬
‫ت َوالن ّمذ ُُر‬
‫ما ت ُغِْني الي َمما ُ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ذا ِفي ال ّ‬ ‫ل ان ْظ ُُروا َ‬
‫ما َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ن )‪] {(101‬سورة يونس ‪[10/101‬‬ ‫ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫عَ ْ‬
‫‪m m m‬‬

‫ثم إن النسان عابد بطبعمه كمما بينما فمى الفصمول السمابقة ممن‬
‫الكتاب ‪ ،‬فل تستطيع أن تحول النسان من العبادة إلممى " اللعبممادة‬
‫" ‪ .‬إنما تستطيع أن تحوله من نوع من العبادة إلى نوع آخر ‪ .‬وليس‬
‫الخيار – كما خيل للجاهلية المعاصرة – بين العبادة وعممدم العبممادة ‪،‬‬
‫إنما الخيار فقط فى المعبممود ‪ ..‬هممل يكممون هممو اللممه جممل جللممه أم‬
‫يكون شيئا آخر غير الله ‪.‬‬
‫الخيار – بالتعير القرآنمى الحاسمم – همو بيمن عبمادة اللمه وعبمادة‬
‫الشيطان ‪.‬‬
‫َ‬ ‫}أ َل َ َ‬
‫م عَمد ُّو‬ ‫ه ل َك ُم ْ‬
‫ن إ ِن ّم ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫م َيا ب َِني آد َ َ‬ ‫م أعْهَد ْ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م )‪] {(61‬سورة يممممس‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫دوِني هَ َ‬ ‫َ‬
‫ست َِقي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ن )‪ (60‬وَأ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ُ‬
‫‪[61-36/60‬‬
‫وصراط الله المستقيم واحد ‪،‬ولكن سبل الشيطان كثيرة متعددة‬
‫‪:‬‬
‫َ‬
‫ل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫م ْ‬‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫}وَأ ّ‬
‫ه{ ]سورة النعام ‪[6/153‬‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫والمعبودات فىالجاهلية المعاصرة شتى ‪،‬والسممبل إليهمما متعممددة ‪،‬‬
‫من عبادة " الدولر " إلى عبادة الهوى والشهوات ‪ ،‬مرورا " بالنتاج‬
‫" و" المصممالح القوميممة " و" العلممم " و" العقممل " و" التقممدم " و"‬
‫التطممور " و" الحريممة الشخصممية " و" الطبيعممة " و" النسممانية " ‪..‬‬
‫ولكل معبود من هذه المعبودات تكاليفه والتزاممماته الممتى ينبغممى أن‬
‫تطاع ‪..‬‬
‫فأين يذهب النسان حين يخرج من الدين ‪ ،‬أى من عبادة الله ؟‬
‫تقول الجاهلية المعاصرة إنه " يتحر " من " القيد " ‪.‬‬
‫نعم ! يتحرر من " القيد النسانى " ليقع فى قيود الحيوان !‬
‫فالقضمية كمما قلمت ممرة فمى كتماب " فمى النفمس والمجتممع "‬
‫ليست خيارا بين القيد والحرية كما يتمموهم النمماس لول وهلممة حيممن‬
‫ينفلتون من الدين والقيم المصاحبة له ‪ .‬إنما الخيار هو بين قيد مممن‬
‫نوع معين يصاحبه نوع معين من الحرية ‪ ،‬وبين حرية مممن نمموع آخممر‬
‫يصاحبها نوع آخر من القيود ‪ .‬قيد النسان ومعه حرية النسممان ‪ ،‬أو‬
‫حرية الحيوان ومعها قيد الحيوان " ‪. "1‬‬
‫الدين قيد ل شك فيممه ‪ ،‬لنممه الممتزام بممما أنممزل اللممه ‪ ..‬قيممد علممى‬
‫شهوات النفس ‪ ،‬وقيد على أهواء النسان ‪ ..‬ولكنه فى الوقت ذاتممه‬
‫يحرر النسان من ضغط الشمهوات وثقلمة الرض والخضمموع المممذل‬
‫للقوى التى تقهممر النسممان فممى الرض ممثلممة فممى بشممر يسممتبدون‬
‫بالبشر ‪ ،‬أو ضغوط مادية واقتصادية تسحق كرامة النسان ‪.‬‬
‫والنفلت من الدين والقيم المصاحبة له هو " تحرر " دون شك ‪.‬‬
‫تحرر من القيممود الممتى فرضممها اللممه علممى النسممان فممى تصممرفاته ‪،‬‬
‫دود ُ الل ّمهِ َفل‬‫حم ُ‬
‫ك ُ‬‫والحممدود الممتى رسمممها للنمماس وقممال لهممم ‪} :‬ت ِل ْم َ‬
‫دود ُ الل ّمهِ َفل ت َْقَرُبوهَمما{‬
‫حم ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ها{ ]سممورة البقممرة ‪} [2/229‬ت ِل ْم َ‬ ‫دو َ‬‫ت َعْت َ ُ‬
‫]سورة البقرة ‪ .[2/187‬ولكنه فممى المموقت نفسممه يمسمك النسممان‬
‫مممن خطممامه ‪ ،‬ويجممره مممن حبممل الشممهوات أو مممن حبممل الضممغوط‬
‫القاهرة فل يملك أل يستجيب !‬
‫وحين انفلت الناس فى الجاهليممة المعاصممرة مممن قيممد " الممدين "‬
‫فقد وقعوا فممى عبوديممات ل حممدود لهمما ‪ ،‬سممواء للحمماكمين عليهممم ‪،‬‬
‫الممذين ل يحكمممون بممما أنممزل اللممه ‪ ،‬فيتخممذون مممن أنفسممهم أربابمما‬
‫يشرعون للناس ‪ ،‬ويخضعونهم لهم بالسطان القاهر ‪ ،‬أو لشممهواتهم‬
‫التى ل يملكون الفكاك منها ‪ ،‬أو لعممراف وقيممم وممموازين ممما أنممزل‬
‫الله بها من سلطان ‪ ،‬كلها تهبط بالنسان ممن مكمانه الكريمم المذى‬
‫كرمه الله به يوم خلقه ‪ ،‬وتمرغه فى الوحال ‪.‬‬
‫فهل همذه همى " الكراممة " المتى يحققهما النسمان لنفسمه حيمن‬
‫يتمرد على الدين ويخرج من عبادة الله ؟‬
‫كل ! وممما تسممتطيع البشممرية أن تسممتمر فممى الحيمماة علممى هممذه‬
‫الصورة ‪.‬‬
‫فمن ناحية تظل أمراضممها الرئيسممية تتضمماعف لنهمما تعممرض عممن‬
‫تناول الدواء ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى تصيبها السنة الحتمية التى ل تتبممدل ول تتخلممف‬
‫ول يتغير مجراها على مر الدهور ‪:‬‬
‫حت ّممى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬ ‫ب ك ُم ّ‬ ‫}فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫يٍء َ‬
‫شم ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْم َ‬‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن )‪ (44‬فَُقط ِمعَ َ‬
‫داب ِمُر‬ ‫سممو َ‬‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬
‫ذا هُ م ْ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ما ُأوُتوا أ َ‬
‫َ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫ن )‪] {(45‬سورة النعممام‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫موا َوال ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪[45-6/44‬‬
‫ولقد مضت السممنة الربانيممة مممع أوروبمما فممى جاهليتهمما المعاصممرة‬
‫" " انظر – ان شئت – فصل " القيد والحرية " من كتاب فى النفس والمجتمع ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫خطوة خطوة ‪ :‬نسوا ما ذكروا به ففتح عليهم أبواب كل شئ ‪ ،‬مممن‬
‫قمموة اقتصممادية وعلميممة وتكنولوجيممة وعسممكرية وسياسممية ‪ ..‬الممخ‬
‫ففرحمموا بممما أوتمموا ن أى طغمموا الرض بغيممر الحممق ‪ ،‬ولممم تبممق إل‬
‫الخطوة الخيرة حممتى تتممم السممنة بتمامهمما ‪ ،‬وهممى أخممذهم بغتممة إذا‬
‫أصروا على ممما هممم فيممه ‪ .‬والبغتممة هممى دائممما بغتممة وإن رأى بعممض‬
‫الناس بوادرها وتوقعوا حدوثها ‪.‬‬
‫ض أ َْو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫}أ َفَمأ َ‬
‫م الْر َ‬ ‫ف الّلم ُ‬
‫ه ب ِهِم ْ‬ ‫سم َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫تأ ْ‬ ‫سمي َّئا ِ‬
‫كمُروا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫مف َ‬ ‫م ِفي ت ََقلب ِهِ ْ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (45‬أوْ ي َأ ُ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ْ‬
‫م‬‫حيمم ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م ل ََرُءو ٌ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫ف فَإ ِ ّ‬‫خو ّ ٍ‬ ‫م عََلى ت َ َ‬ ‫ن )‪ (46‬أ َوْ ي َأ ُ‬
‫خذ َهُ ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مع ْ ِ‬‫م بِ ُ‬ ‫هُ ْ‬
‫)‪] {(47‬سورة النحل ‪[47-16/45‬‬
‫" والعقلء " فى الجاهلية المعاصرة بدأوا يتخوفون على أقوامهم‬
‫من الدمار المؤكد إن لم يغيروا حياتهم من قواعدها ‪.‬‬
‫قال الفيلسوف النجليزى المعاصر " برتراند رسل ط فى تصريح‬
‫له ‪:‬‬
‫" لقد انتهى العصر الذى يسود فيه الرجممل البيممض ‪ ..‬وبقمماء تلممك‬
‫السيادة إلى البد ليس قانونا من قمموانين الطبيعممة " ‪ "1‬واعتقممد أن‬
‫الرجل البيض لم يلقى أياما رضية التى لقيها خلل أربعة قرون ‪" ..‬‬
‫"‪" 2‬‬
‫وقال " جون فوستر دالس " وزير خارجيممة أمريكمما فممى كتمماب "‬
‫حرب أم سلم " ‪:‬‬
‫" إن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ فى أمتنمما ‪ ،‬وإل لممما أبحنمما‬
‫فى هذا الحرج ‪ ،‬وفى هذه الحالة النفسممية ‪ .‬ول يجممدر بنمما أن نأخممذ‬
‫موقفا دفاعيا )لعله يقصد تبريريا( وأن يتملكنا الذعر ‪ ..‬إن ذلك أمممر‬
‫جديد فى تاريخنا!‬
‫" إن المر ل يتعلق بالماديات ‪ ،‬فلممدينا أعظممم إنتمماج عممالمى فممى‬
‫الشياء المادية ‪ .‬إن ما ينقصنا هو إيمان صحيح قوى ‪ .‬فبدونه يكممون‬
‫ممما لممدينا قليل ‪ ..‬وهممذا النقممص ل يعوضممه السياسمميون مهممما بلغممت‬
‫قدرتهم ‪ ،‬أو الدبلوماسيون مهمما كمانت فطنتهمم ‪ ،‬أو العلمماء مهممما‬
‫كممثرت اختراعمماتهم ‪ ،‬أو القنابممل مهممما بلغممت قوتهمما ! فمممتى شممعر‬
‫الناس بالحاجة إلى العتماد على الشياء المادية فإن النتائج السيئة‬
‫تصبح أمرا حتميا ‪.‬‬
‫" وفى بلدنا ل تجتذب نظمنا الخلص الروحى اللزم للدفاع عنها‬

‫" " ل يريد الرجل أن يقول " السنن الربانية " فيسميها – بفعل الجاهلية – قوانين الطبيعة !‬ ‫‪1‬‬

‫" " عن المستقبل لهذا الدين )ص ‪. (55‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪ .‬وهناك حيرة فى عقول الناس وتأكل لرواحهم ‪ .‬وذلك يجعل أمتنمما‬
‫معرضة للتغلغل المعادى – كما كشف عنه نشاط الجواسيس الذين‬
‫تم كشفهم حتى الن – ولن تسممتطيع أى إدارة لمكافحممة التجسممس‬
‫أن تقوم بحمايتنا فى هذه الظروف " " ‪. " 1‬‬
‫وقال " ألكسيس كاريل " فى كتاب " النسان ذلك المجهول " ‪:‬‬
‫" إن هدف هممذا الكتمماب هممو أن يضممع تحممت تصممرف كممل شممخص‬
‫مجموعة من المعلومات العلمية الممتى تتعلممق بالكائنممات الحيممة فممى‬
‫عصممرنا ‪ .‬فقممد بممدأنا نممردك ممممدى ممما فممى حضممارتنا مممن ضممعف ‪..‬‬
‫وكثيرون يرغبون فى أن يلقوا عنهممم التعمماليم الممتى فرضممها عليهممم‬
‫المجتمع الحديث ‪ .‬ولهؤلء أكتب هذا لكتمماب ‪ ..‬كممذلك كتبممت لولئك‬
‫الذين يجممدون مممن أنفسممهم شممجاعة كافيممة ليممدركوا – ليممس فقممط‬
‫ضممرورة إحممداث تغييممرات عقليممة وسياسممية واجتماعيممة – بممل أيضمما‬
‫ضممرورة قلممب الحضممارة الصممناعية وظهممور فكممرة أخممرى للتقممدم‬
‫البشرى " )ص ‪ 12 – 11‬من الترجمة العربية لشفيق أسعد فريد(‪.‬‬
‫" إن الحضارة الغربية تجد نفسها فى موقف صعب لنها ل تلئمنا‬
‫‪ .‬فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقة ‪ ،‬إذ أنها تولممدت مممن‬
‫خيالت الكتشافات العلمية وشهوات النمماس وأوهممامهم ونظريمماتهم‬
‫ورغباتهم ‪ .‬وعلممى الرغممم مممن أنهمما أنشممئت بمجوداتهمما إل أنهمما غيممر‬
‫صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا ‪) " ..‬ص ‪. (38‬‬
‫" يجب أن يكون النسان مقياسا لكل شئ ‪ ،‬ولكن الواقع هو عك‬
‫ذلك ‪ .‬فهو غريب فى العالم الذى ابتدعه ‪ ،‬وأنه لم يستطع أن ينظم‬
‫دنياه بنفسه ‪ ،‬لنه ل يملك معرفمة عمليمة بطمبيعته ‪ .‬وممن ثمم فمإن‬
‫التقدم الهائل الممذى أحرزتممه علمموم الجممماد علممى علمموم الحيمماة هممو‬
‫إحدى الكمموارث الممتى عممانت منهمما لنسممانية ‪ ..‬فممالبيئة الممتى ولممدتها‬
‫عقولنمما واختراعاتنمما غيممر صممالحة ل بالنسممبة لقوامنمما ول بالنسممبة‬
‫لهيئتنا ‪ ..‬إننا قمموم تعسمماء ‪ ،‬ننحممط أخلقيمما وعقليمما ‪ ..‬إن الجماعممات‬
‫والمم التى بلغت فيها الحضارة الصممناعية أعظممم نمممو وتقممدم هممى‬
‫على وجممه الدقممة الجماعممات والمممم الخممذة فممى الضممعف ‪ ،‬والممتى‬
‫ستكون عودتها إلممى البربريممة والهمجيممة أسممرع مممن غيرهمما إليهمما ‪..‬‬
‫ولكنها ل تدرك ذلك ‪ ،‬إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية‬
‫التى شيدها العلم حولها ‪ ..‬وحقيقة المر أن مممدنيتنا مثممل المممدنيات‬
‫التى سبقتها أوجدت أحوال معينة لحياة من شأنها أن تجعممل الحيمماة‬
‫نفسممها مسممتحيلة ‪ ،‬وذلممك لسممباب ل تممزال غامضممة ‪ ..‬إن القلممق‬
‫" " عن المستقبل لهذا الدين )ص ‪. (83‬‬ ‫‪1‬‬
‫والهموم التى يعانى منها سكان المدن العصرية تتولممد عممن نظمهممم‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية ‪) " ..‬ص ‪. (44‬‬
‫" النسان نتيجة الوراثمة والممبيئة ‪ ،‬وعممادات الحيمماة واتفكيممر الممتى‬
‫يفرضممها عليممه المجتمممع العصممرى ‪ ..‬ولقممد وصممفنا كيممف تممؤثر هممذه‬
‫العادات فى حسه وشعوره ‪ ..‬وعرفنا أنه ل يسممتطيع تكييممف نفسممه‬
‫بالسنبة للبيئة الممتى خلقتهمما " التكنولوجيمما ط وأن مثممل هممذه الممبيئة‬
‫تؤدى إلى انحلله ‪ ،‬وأن العلم والميكانيكا ليسا مسئولين عن حممالته‬
‫الراهنة ‪ ،‬وإنما نحن المسئولون لننا لم نستطع التمييز بين الممنوع‬
‫والمشروع ‪ ..‬لقد نقضنا قوانين الطبيعة " ‪ "1‬فارتكبنا بذلك الخطيئة‬
‫العظمى ‪ .‬الخطيئة التى يعاقب مرتكبها دائما ‪ ..‬إن مبممادئ " الممدين‬
‫العلمممى " و" الداب الصممناعية " قممد سممقطت تحممت وطممأة غممزو‬
‫الحقيقة " البيولوجية " ‪ .‬فالحيمماة ل تعطممى إل إجابممة واحممدة حينممما‬
‫تستأذن فى السماح بارتياد " الرض المحرمة " ‪ ..‬تضعف السائل !‬
‫ولهذا فإن الحضارة آخذة فى النهيار ‪ " ..‬ص ‪. " 2 " " 322‬‬
‫ولكن تخوف هذه القلة القليلة من " العقلء " فى خضم الجاهلية‬
‫المجنونة لن ينقذها من الدمار إل أن تصيخ لصوت العقل وتعود إلى‬
‫الله !‬
‫‪m m m‬‬

‫ولقممد كممان الممدين الممذى انسمملخت منممه الجاهليممة المعاصممرة دينمما‬


‫فاسدا ‪ ،‬لنه من صنع البشر ‪ ..‬دينا ل يصلح للحيمماة ‪ .‬ولقممد كممانت –‬
‫وهى تنسلخ منه – على مشارف الرشد ‪ ..‬ولكنها ضلت الطريق ‪..‬‬
‫وعلى البشرية اليوم – إن أرادت النجاة من الهاويممة المحتومممة –‬
‫أن تبحث عن الدين الحق ‪ .‬الدين الذى يؤمن العقيدة الصحيحة فى‬
‫الله ‪ ،‬والمنهج الصالح للحياة ‪.‬‬
‫الدين الذى ل يوجد فصاما مصطنعا بين اليمان بممالغيب واليمممان‬
‫بالمحسوس ‪ .‬بين اليمممان بالعقيممدة واليمممان بممالعلم ‪ .‬بيممن نشمماط‬
‫الروح ونشاط الجسد‪ .‬بين الدنيا والخرة ‪ .‬بين لعمل والعبادة ‪ .‬بين‬
‫التقدم المادى والحضارى واللتزام بممالقيم " النسممانية " ‪ ..‬ول بيممن‬
‫أى جانب من الكيان البشرى السوى وجانب آخر ‪.‬‬
‫الدين الذى يقيم حضرة " إنسمانية " متكاملممة لنممه يأخمذ النسمان‬
‫كله ول يهمل جانبا منه ‪ .‬ل يهممل قبضممة الطيممن مممن أجمل إشمراقة‬

‫" " انظر كيف يتأثر الرجل بالعرف الجاهلى رغم كل ثورته على الجاهلية المعاصرة !‬ ‫‪1‬‬

‫" " عن " المستقبل لهذا الدين " ص ‪. 75 – 72‬‬ ‫‪2‬‬


‫الروح ‪ ،‬ول يهمل إشراقة الروح م‪ ،‬أجممل قبضممة الطيممن ‪ .‬ول يهمممل‬
‫عمارة الرض فى جميع جوانبها وأشكالها من أجمل الفموز بمالخلص‬
‫فى الخرة ‪ ،‬ول يهمممل أمممر الخلص فممى الخممرة مممن أجممل عمممارة‬
‫الرض ‪ .‬ل يهمل المشاعر الدينية الشفافة الرفيعممة المرفرفممة مممن‬
‫أج النظممر العلمممى والتجربممة العلميممة ‪ ،‬ول يهمممل النظممر العلمممى‬
‫والتجربة العلمية من أجل شفافية المشاعر الدينية ‪ .‬ل يهمل القيممم‬
‫الخلقيممة مممن أجممل " النجمماح " فممى الرض ‪ ،‬ول يهمممل النجمماح فممى‬
‫الرض من أجل القيم الخلقية ‪..‬‬
‫الدين الذى يؤمن العممدل السياسممى والعممدل الجتممماعى والعممدل‬
‫القتصادى ‪ ،‬والذى يؤمن فى الوقت ذاته التجدد والنمو فممى الحيمماة‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫الدين الذى ينشئ الحضارة التى تليق بالنسان ‪ ،‬الذى صوره الله‬
‫فى أحسن صورة ‪ ،‬وكرمه وفضله على كثير ممن خلق ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ص موَّرك ُ ْ‬ ‫ماَء ب َِنمماًء وَ َ‬ ‫سمم َ‬ ‫ض َقممَرارا ً َوال ّ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُم ْ‬ ‫جع َ م َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ م ِ‬ ‫}الل ّم ُ‬
‫َ‬
‫ك الل ّم ُ‬
‫ه‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬
‫م فَت َب َمماَر َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ت ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وََرَزقَك ُ ْ‬ ‫صوََرك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ن )‪] {(64‬سورة غافر ‪[40/64‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫}وَل ََقد ْ ك َّر ْ‬
‫ضمميل ً )‪] {(70‬سممورة‬ ‫خل َْقن َمما ت َْف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫م ّ‬‫م عََلى ك َِثي مرٍ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫السراء ‪[17/70‬‬
‫ولن يكون هذ الدين إل السلم ‪ ،‬فهو عند الله هو الدين ‪:‬‬
‫م{ ]سورة آل ‪[3/19‬‬ ‫سل ُ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫وهو الذى تمت به نعمة الله على البشممر واكتمممل بممه شممرع اللممه‬
‫ومنهجه ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُم ْ‬ ‫ضمي ُ‬ ‫مِتمي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫كم ْ‬‫ت عَل َي ْ ُ‬ ‫مم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫}ال ْي َوْ َ‬
‫م ِدينًا{ ]سورة المائدة ‪[5/3‬‬ ‫سل َ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫وهو الذى يشهد واقعه – وقت أن طبممق فممى عممالم الواقممع – أنممه‬
‫أنشأ تلك الحضارة " النسانية " المتكاملة التى شملت كل جمموانب‬
‫الحياة وكل جوانب النفس البشممرية ‪ .‬والممتى كممانت للنسممانية كلهمما‬
‫نورا وهداية ‪ ،‬والممتى اسممتمدت منهمما أوروبمما العلممم والحضممارة حيممن‬
‫انبعثت – بعد احتكاكها بالمسلمين – تطلب النهوض ‪.‬‬
‫وحين تعتنق أوروبا هذا الدين فلن تحتاج أن تتخلى عن شممئ مممن‬
‫تقممدمها العلمممى والمممادى ولتكنولمموجى ‪ ،‬ول شممئ مممن عبقريتهمما‬
‫التنظيمية ‪ ،‬ول شئ من جلدها الدؤوب على العمل والنتمماج ‪ ،‬وهممى‬
‫العوامل التى حفظت لها بقاءها حممتى هممذه اللحظممة ‪ ،‬وإن كممانت –‬
‫كما أشار جون فوستر دالس – ل تسممتطيع أن تحميهمما مممن الممدمار‬
‫الحتمى الذى يجره عليها غياب " الروح " ‪..‬‬
‫كل ! ل تحتاج أن تتخلى عن شئ من ذلك ‪ ،‬إنممما تحتمماج فقممط أن‬
‫تقيم ذلك لكه علىق اعدته الصممححية ‪ ،‬وهممى اليمممان بمماله وتطممبيق‬
‫منهجممه فممى الرض ‪ ،‬كممما تحتمماج أن تتخلممى عممن عبوديتهمما للمممادة‬
‫وعبوديتها للشهوات ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫والمسلمون بطيبعة الحال يحملون المسممئولية الكممبرى فممى هممذا‬


‫الشأن ‪ ،‬فهم الذين أخرجهم الله ليكونوا هداة البشممرية فممى الحيمماة‬
‫الدنيا ‪ ،‬والشاهدين عليها يوم القيامة ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ن عَم ْ‬ ‫ف وَت َن ْهَموْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِممال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫س ت َمأ ُ‬ ‫ت ِللن ّمما ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫}ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]سورة آل ‪[3/110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫}ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ن‬‫ف وَي َن َْهمموْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن )‪] {(104‬سورة آل ‪[3/104‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫من ْك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫س وَي َك ُممو َ‬‫داَء عَلممى الن ّمما ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ‬
‫شِهيدًا{ ]سورة البقرة ‪[2/143‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ولن يكونوا شهداء على الناس يوم القيامة حممتى يممؤدوا الشممهادة‬
‫فىالدنيا لهذا الدين ‪ ،‬بإقامته فى الرض كما أمر الله ‪ ،‬والدعوة إليممه‬
‫كما أمر الله ‪ ،‬فتقوم الحجة على الناس إن قبلوه فقد اهتدوا ‪ ،‬وإن‬
‫اعرضمموا فقممد أعممذرت المممة السمملمية إلممى ربهمما ‪ ،‬ويمموم القيامممة‬
‫يشهدون على الناس أمام ربهم ‪ :‬لقد اقمنا الدين علممى الرض كممما‬
‫أمرتنمما ‪ ،‬ودعونمما النمماس إليممه كممما أمرتنمما ‪ ،‬فاعرضمموا فحممق عليهممم‬
‫الجزاء ‪..‬‬
‫والمسمملمون اليمموم فممى حضمميض مممن الذلممة ولهمموان والضممعف‬
‫والتلخف لم يهبطوا إلى مثله فى تاريخهم كله بسممبب تخلفهممم عممن‬
‫هذا الدين ‪ ،‬وإضمماعة عقممائده وأحكممامه ‪ ،‬والغفلممة عنممه ‪ ،‬والتفريممط‬
‫فيه ‪.‬‬
‫ولكنهم يحملون مسئوليتهم مع ذلك ‪ ..‬مسئوليتهم نحو أنفسممهم ‪،‬‬
‫ومسئوليتهم نحو البشرية ‪ ،‬ل يعفيهم منهمما كممل ممما وقعمموا فيممه مممن‬
‫الهوان والذلة ‪ ،‬بل إن ذلممك كلممه ليضمماعف مسممئوليتهم ‪ ،‬فممإنهم ممما‬
‫وقعوا فيه إل تفريطهم فى هذا الدين الذى قال الله فيه ‪:‬‬
‫سمت َِقيم ٍ )‪(43‬‬ ‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫صمَرا ٍ‬ ‫ك عَل َممى ِ‬ ‫ك إ ِن ّم َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬‫ذي ُأو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫}َفا ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪] {(44‬سمورة الزخمرف‬ ‫سمأُلو َ‬ ‫ف تُ ْ‬ ‫سموْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مم َ‬ ‫ك وَل َِقوْ ِ‬ ‫ه ل َذِك ٌْر َلم َ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫‪[44-43/43‬‬
‫فماذا هم قائلون لربهم غدا حين يسألهم ؟!‬
‫وأى وزر يحملونه إذا احتاجت إليهم البشرية غدا فلم تجدهم فممى‬
‫المكان الذى ينبغى أن يكونوا فيه ‪ ،‬مكان المة الممتى تحمممل الهممدى‬
‫الربانى وتبينه للناس ؟!‬
‫فأما الله سبحانه وتعالى فلن يعجزه تخاذل الذين يحملممون اسممم‬
‫السلم اليوم وهم غافلون عنه ‪ ،‬إذا أراد أن يهدى البشرية غدا إلى‬
‫الدين الحق ‪ ،‬فقد قال سبحانه يحذر المسلمين من قبل ‪:‬‬
‫َ‬
‫م )‪{(38‬‬ ‫مث َممال َك ُ ْ‬
‫كون ُمموا أ ْ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫م ث ُم ّ‬‫وم ما ً غَي َْرك ُم ْ‬ ‫ل قَ ْ‬‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫}وَإ ِ ْ‬
‫]سورة محمد ‪[47/38‬‬
‫فإذا أراد الله للبشرية الهممدى فسمميقيض لهممذا الممدين مممن يحملممه‬
‫وينافح عنه كما قال سبحانه ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف ي َمأِتي الل ّم ُ‬
‫ه‬ ‫س مو ْ َ‬ ‫ن ِدين ِمهِ فَ َ‬ ‫م عَم ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬‫م ْ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫ري َ‬‫عمّزةٍ عَل َممى ال ْك َممافِ ِ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫مِني َ‬‫م مؤ ْ ِ‬‫ه أذِل ّمةٍ عَل َممى ال ْ ُ‬
‫حبممون َ‬
‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬ ‫حب ّهُم ْ‬ ‫ب َِقموْم ٍ ي ُ ِ‬
‫ل الل ّهِ ي ُمؤِْتي ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬‫ن ل َوْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬‫يُ َ‬
‫م )‪] {(54‬سورة المائدة ‪[5/54‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وإنمما لنممرى بممواكير هممذا الفضممل الربممانى فممى حركممات البعممث‬
‫الغسلمى التى تنبعث اليوم من كل مكان فى الرض ‪ ،‬تسعى إلممى‬
‫تحقيق الغسلم فى الواقع ‪ ،‬وتجاهد فى سبيل اللممه ل تخمماف لومممة‬
‫لئم ‪ ،‬وتتعرض لبشع ألوان التعممذيب الوحشممى ‪ ،‬ثممم تظممل صممامدة‬
‫فى سعيها إلى إقامة هذا الدين فى الرض كما أمر الله ‪ .‬كممما نممرى‬
‫بواكير هذا الفضل فيمن يدخلون فى هذا الدين فى أوروبمما وأمريكمما‬
‫من البيض والسود بعشرات اللوف ويتزايدون على الدوام ‪.‬‬
‫أما البشرية قد بدأت طلئعها على القل تضيق بالضمياع والحيمرة‬
‫وتتلمس الطريق إلى النور ‪ ..‬والنور هو دين السلم ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫يقول " توينبى " فى محاضرته التى أشرنا إليها من قبل ‪:‬‬
‫" صحيح أنا لوحممدة السمملمية نائمممة ‪ .‬وكلممن يجممب أن نضممع فممى‬
‫حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثممارت الربوليتاريمما العالميممة لعممالم‬
‫المتغرب " ‪ "1‬ضد السيطرة الغربية ونادت بزعامة معادية للغممرب ‪.‬‬
‫فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية ل حصممر لهمما فممى إيقمماظ الممروح‬
‫النضالية للسلم ‪ ،‬حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف ‪ ،‬غذ يمكممن‬
‫" " يقصد الدول الخاضعة للنفوذ الغربى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولى للسلم ‪.‬‬
‫" وهنمماك مناسممبتان تالريخيتممان كممان السمملم فيهممما رمممز سمممو‬
‫المجتمع الشرقى فى انتصاره على الدخيل الغربى‪:‬‬
‫" ففى عهد الخلفاء الراشدين ‪ ،‬بعد الرسول حرر السلم سورية‬
‫ومصر من السيطرة اليونانية اغلتى اثقلت كاهلهما مممدة ألممف عممام‬
‫تقريبا ‪.‬‬
‫" وفىعهممد نممور الممدين وصمملح الممدين والمماليممك احتفممظ السمملم‬
‫بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول ‪.‬‬
‫" فإذا سبب الوضع الدولى الن حربا عنصرية فيمكن للسلم أن‬
‫يتحرك ليلعب دوره التاريخى مرة اخرى ‪ ..‬وأرجو أل يتحقممق ذلممك !‬
‫""‪."1‬‬
‫أما نحن فنرجو أن يتحقق ذلك ! ل علممى أسمماس حممرب عنصممرية‬
‫كما يقول ‪ ،‬توينبى ‪ ،‬الذى يحصر تصوراته فى حدود التفكير الغربممى‬
‫الضمميق الفقممث ‪ ،‬بممل علممى أسمماس الصممراع الصممححي بيممن الحممق‬
‫والباطل الذى قال الله فيه ‪:‬‬
‫ع‬
‫معُ وَب ِي َم ٌ‬ ‫وا ِ‬
‫صم َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬‫ض ل َهُ مد ّ َ‬‫م ب ِب َعْ م ٍ‬‫ض مه ُ ْ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْ معُ الل ّمهِ الن ّمما َ‬ ‫}وَل َم ْ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّم ُ‬ ‫ص مَر ّ‬ ‫م الل ّمهِ ك َِثيممرا ً وَل ََين ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيهَمما ا ْ‬
‫سم ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫زي مٌز )‪ (40‬ال ّم ِ‬ ‫ه ل ََق موِيّ عَ‬
‫ض‬ ‫م فِممي الْر ِ‬ ‫مك ّن ّمماهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ِ‬ ‫ن الل ّم َ‬‫ص مُرهُ إ ِ ّ‬ ‫َين ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْك َرِ وَل ِّلمم ِ‬
‫ه‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ْ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬‫وا الّز َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫أَقا ُ‬
‫مورِ )‪] {(41‬سورة الحمج ‪[41-22/40‬‬ ‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫ة ال ُ‬ ‫َ‬
‫نرجو أن يتحقق ذلك ل بوصفنا مسلمين فحسب ‪ ،‬بل انطلقا من‬
‫كل الحب الذى نكنه للبشرية ‪ ..‬لكى تهتدى إلى النور ‪..‬‬
‫}والل ّه غَممال ِب عَل َممى أ َم مره ول َك م َ‬
‫ن )‪{(21‬‬ ‫مممو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث َمَر الن ّمما ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫]سورة يوسف ‪[12/21‬‬

‫‪m m‬‬ ‫‪m‬‬

‫" " ص ‪ 73‬من الترجمة العربية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

You might also like