Professional Documents
Culture Documents
نور السلم
http://www.noor-alislam.com
سلسلة
21
أختاه ...متى اللتزام ؟!
1سلسة ) أختاه ..متى اللتزام ؟! ( سلسلة تتكون من عدة موضوعات تواجه كل الخوات إل من رحم ربي و عصم
سنتناولها عن طريق قصة و أحداث حتى نزيح من عليها ستار الملل و ربما توجد من بين هذه الموضوعات ما يواجه
الخوة أيضًا و سيكون لهم سلسلة منفصلة بإذن ال اسمها ) أخي ..متى اللتزام ؟! ( قريبًا إن شاء ال تصدر من نور
السلم ..و إنما كان الهتمام بالخوات أوًل لما في ذلك من صلح المجتمع و إصلحه إن إلتزمن بعون ال و توفيقه .
2من المصادر التي اعتمدنا عليها بعض البحاث الموجودة التي توجد بمكتبة صيد الفوائد و هي :الختلط بين الواقع
والتشريع و حكم الختلط و بعض المقالت الهامة في هذا الشأن و تم التحقق منها.
1
تقديم نورالسلم
2
الحمد ل رب العالمين و الصلة و السلم على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على
آله و صحبه و سلم ..
اخوتي و أخواتي القراء الكرام ..سلم ال عليكم و رحمته و بركاته ،،
قبل أن نقوم بالتقديم لهذه السلسلة ،دعونا نتعرف سويًا على منتدى نور السلم..
– 1من نحن؟
نور السلم منتدى إسلمي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف
الصالح – و نحمد ال على أن وفقنا لذلك -و ينقسم المنتدى إلى ستة أقسام رئيسية و
هي:
مسجد نور السلم
مكتبة نور السلم
دار نشر نور السلم
إعلم نور السلم
دار إفتاء نور السلم
زهرات السلم ) قسم الخوات (
وتتجانس هذه القسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفًا دقيقًا للوصول بها إلى
أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة.
ل هامًا ..
و يأتي الن سؤا ً
3
قد تبنى نورالسلم في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء ال تعالى – و ندعو ال
تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا ال تعالى – و هي سلسلة )دعوة على
منهاج النبوة ( و الكتيب الذي بين أيدينا الن هو جزء من سلسلة جديدة اسمها
) أختاه ...متى اللتزام ؟! (
و تّبنى نور السلم إصدارات أخرى أيضًا سيقوم بإصدارها تباعًا إن شاء ال و
الفصاح عنها في وقتها المحدد.
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور السلم
http://daralnashr.noor-alislam.com
4
تـقـديـم السلسلة
5
3
مقدمة السلسلة
إلى حفيدات أسماء في العفة و الطهر و النقاء ..إلى السائرات على درب عائشة و
حفصة و سمية ..إلى الطاهرات النقيات التقيات العفيفات ..
إلى المغرورات بزخارف الغرب و الشرق الزائفة ..إلى المبهورات بحضارة
المتخلفين ..إلى كل من عصت ربها و شقت ستور خدرها فخرجت من بيتها كاسية
عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة أطلق صيحة التحذير و صرخة النذير :
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور السلم
http://daralnashr.noor-alislam.com
وكـانت هذه البداية ...
3المقدمة مقتبسة من كتاب ) مناظرة مبهجة بين متحجبة و متبرجة ( لبراهيم فتحي عبد المقتدر و راجعه الشيخ /وحيد
عبد السلم بالي
4سورة إبراهيم 52 : 48
6
وقفت تختار من بين ملبسها ما تخرج به اليوم للسهرة مع زوجها محمد الذي كان
يعمل بدار الكتب ..ها هي أسماء تخرج فستان سهرتها و تقف أمام المرآة تعدل من
هندامها ..
ل :هلّمي يا أسماء تأخرنا على موعد الدرس .
نادى عليها محمد قائ ً
فردت عليه أسماء :حسنًا يا محمد انتهيت من ارتداء النقاب فقط أثبته .
و انطلقا الزوجان إلى درسهما مع الشيخ .... / 5في مسجد ...و تكلم الدرس يومها
عن العفة و كيف كانت أمهات المؤمنين عفيفات طاهرات نقيات و تطرق الدرس
لمثال كثيرة من صحابيات رسول ال و نسائه صلى ال عليه و سلم فكان بحق درسًا
رائعًا ترقص له القلوب و يحلق العقل به في الحلم طمعًا في أن تنال تلك النجوم
العالية المتألقة في سماء العفة والطهر و النقاء .
بعد انتهاء الدرس خرجت أسماء تنتظر محمد في السيارة وكانت الساعة تقترب من
العاشرة مساءًا ..فأخذت تقلب أسماء في الوجوه المارة أمامها من النساء فما
وجدت خيرًا قط ..فما وجدت إل متنمصة ..أو ملطخة وجهها بكل أنواع البويات ..
أو تاركة لشعرها العنان يطير أينما حركه الهواء ..و بينما هي على تلك الحال ،
فرأت منظرًا لم يكن يخطر ببالها ..إنها مروة صديقتها في الثانوية العامة ..صديقة
عمرها ..إنها تقف في صحبة شاب من شباب ) الخنفسة ( 6تتحدث إليه و تضحك و
تتمايل ..فأبت نفس أسماء أن ترى هذا المشهد أمام ناظريها و تسكت عما فيه أختها
..و لكن كيف تحدثها و معها هذا المختل .فكرت لحظة ثم قفزت في عقلها فكرة ..
فأخرجت أسماء هاتفها النّقال ) المحمول ( و بحثت عن رقم الهاتف الخاص
بصديقتها مروة فقد تذكرت أن والد مروة اشترى لها هاتفًا كجائزة بعد نجاحها في
الثانوية العامة وأنها أعطتها الرقم حينها ..فطلبتها أسماء و انتظرت إلى أن أخرجت
مروة هاتفها النقال و ردت ...
5لن نذكر أيًة أسماء حقيقة لشيخ أو لمكان إل عند الستدلل به
6إذا قمنا باستخدام ألفاظ عامية أو شائعة سنقوم بوضعها بين أقواس هكذا ( ) ..
7
فقالت مروة ) :هاي مين معايا ؟!(
فقالت أسماء وهي مذهولة مما سمعت :السلم عليكم و رحمة ال و بركاته ،أنا
أسماء صديقتك من الثانوية العامة ..
فردت مروة و على وجهها الحيرة :أسماء ..أسماء من ؟!
قالت أسماء :أسماء صديقتك >> ....و حكت لها موقفًا يذكرها بها<<
ك بي الن ..؟
ل ..ما الذي ذكر ِ
ل أه ً
فصاحت مروة :أسماء ..أه ً
فقالت أسماء :انظري الن أمامك ..
فالتفتت فما وجدت إل سيارة صغيرة تجلس بداخلها سيدة ترتدي نقابًا لونه أسود ..
ت برهة ..
فقالت أسماء :أنا التي في السيارة ..فهل قدم ِ
صعقت مروة بعد أن رأت أسماء على هذه الحال و هي تقول في نفسها ) ما الذي
أصابها لعلها جنت أو أجبرها أهلها على هذه الخيمة على رأسها ( ..فلما تقدمت
مروة تجاه السيارة قامت لها أسماء تقبلها و تسلم عليها ..و تبادل الحديث لبرهة و
اتفقت مروة مع أسماء على التقابل غدًا بمنزل أسماء و أعطتها العنوان ...و صعقت
أيضًا مروة عندما علمت بزواج أسماء رغم أنهما في نفس السن و هي لم تتزوج إلى
الن رغم ما قيل لها عن جمالها الفتان و عقلها الباهر و لسانها الفصيح ..كل هذا
يدور بمخيلتها بعد أن تركتها أسماء عندما حضر زوجها محمد و رحل إلى
منزلهما ..
و في الطريق إلى المنزل ظلت أسماء تتذكر منظر صديقة عمرها مروة وحالها
المزري الذي آلت إليه ..فلم تكن مروة على هذه الحال عندما دخلت مروة كلية ......
و انطلقت أسماء إلى تعلم العلوم الشرعية في كلية ......فكانت مروة ترتدي حجابًا
جيدًا إلى حد ما ،أما ما رأته أسماء من تبرج صريح و خلعة ظاهرة لم يكن ليخطر
ببالها فها هي مروة لطخت وجهها بكل أنواع البويات الموجودة في السوق و كشفت
عن شعرها بعد أن ذهبت إلى ) الكوافير ( لتمشطه و تسرحه بآخر الصيحات
العالمية -تشبهًا بالكافرات -والن أسماء تتذكر هذه الملبس المبهرجة المعطرة
المكشوفة الملونة التي رأتها على مروة ،هذا إضافة إلى التنمص الظاهر و غيره
8
من الــ ) بلوي ( التي لم ترد أسماء أن تفكر فيها .ظلت أسماء شاردة إلى أن عادت
إلى منزلها تفكر كيف تبدأ معها من الغد...
جاء اليوم التالي ،و حان موعد صلة الفجر فأيقظت أسماء زوجها 7محمد
ليحضرالصلة في المسجد و قامت هي لتستعد للصلة.
و عندما حان موعد الشروق صعد محمد من المسجد حتى يتجهز للنزول إلى عمله ،
فأسرعت أسماء تحضر لزوجها ملبسه و ذهبت تعد له الفطار ..
نزل محمد إلى عمله بدار الكتب ،و ظلت أسماء تنظم البيت و ترتبه لحين حضور
الضيفة ،فانتظرت أسماء إلى أن سمعت ضوضاء كبيرة في الشارع التي كانت تقطن
فيه فإذا بسيارة يستقلها شاب و يشغل المذياع بأحد أشرطة الــ ) الكاسيت ( القذرة و
إذا بالباب ينفتح و تخرج منه مروة ..لم تصدق أسماء ما رأت فكانت صاعقة أشد
من سابقتها بالمس.
فإذا بالباب ُيطرق و ها هي مروة تدخل و ترحب بها أسماء كثيرًا ،و أخذت بيدها
لتدور بها في أنحاء البيت فها هي غرفة الجلوس و ها هو مطبخها و أخذت تطوف
بها في أنحاء البيت تريها منزل الزوجية إلى أن انتهيا إلى غرفة الجلوس الخاصة
بالنساء في منزل أسماء .جلسا سويًا بعد أن أحضرت أسماء طعام الفطار 8و هما
يتجاذبان أطراف الحديث ..
9
فسألت أسماء -و على وجهها ابتسامة -صديقتها مروة قائلة :من هو الشاب الوسيم
9
ك ؟!
ك اليوم إلى هنا يا مروة ؟! هل هو زوجك ؟! أم أخو ِ
الذي أوصل ِ
أظهرت مروة علمات العجب على وجهها و هي تقول :ل هذا و ل ذاك ...إنه
زميلي منذ أن كنا في الدراسة و عملنا سويًا بعد ذلك أيضًا ..تجمعنا صداقة بريئة..
9ل يجوز للمراة أن تخالط الرجال إل من ذوي المحارم أو ما شرع ال ..و هذا ما تم تحديده في الية الكريمة من سورة
النور )(31
10
) (1الخـتــلط و
عــمــل الـمــرأة
انزعجت أسماء من إجابة مروة و توقفت عن الكل و قالت لها :ماذا ؟!! صداقة
بريئة ؟!! أتعملين ؟!!
حينها علمت أسماء من أين تبدأ مع صديقة عمرها ...فبدأت معها النقاش بجد و
حماس ..
11
و قالت :لو لم يكن فيه خطأ لفعلته !! و لكني على يقين بخطورة الختلط و توابعه..
فردت أسماء بقول الثابتة :و ال إن التأخر كل التأخر في مخالفة أمر ال تعالى و
رسوله ..و إنا ل و إنا إليه راجعون ..
إستمرت أسماء في حديثها قائلة بكلمات حانية :و ال يا أخيتي الغالية ..يا صديقة
ك ..إنك يا أخيتي
ك كما أخاف على نفسي ..و إني ناصحٌة إيا ِ
عمري إني لخاف علي ِ
في خطر كبير و يوم الموقف العظيم ليس ببعيد فإني أخشى أن يفوت الوقت دون أن
تعودي لرشدك ..
توقف لسان مروة عن الكلم ..و لما استطاعت أن تتكلم لم تجد إل :ماذا تريدين يا
أسماء ؟
ردت عليها صديقتها الواثقة بما تقول :ما رأيك أن نتناقش في هذه القضية الخطيرة
لعلي أستطيع أن أجذبك معي إلى طريق الحق ...ما رأيك ؟!
10
ردت عليها مروة بتعجرف :ليس لدي مانع ..و لكني على يقين بأني لست مخطئة
فقاما للصلة ..و بعد النتهاء منها توجها معًا لقاعة المكتبة 12التي اعتنى محمد
بجمعها بحكم عمله في دار الكتب فكانت مكتبة قيمة تستحق المتابعة و القراءة ..
10هذا حال كل من علم أنه على معصية ،فعند مناصحته يتعجرف و يغضب و يزمجر و هويعلم أنه على خطأ إل من رحم
ربي و عصم .
سّلم قال> :يصبح على كل سلمى من أحدكم صدقة :فكل تسبيحة عَليِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
عنُه عن النبي َ
ل َ
ي ا ُّ
ضَ
11عن أبي ذر َر ِ
صدقة ،وأمر بالمعروف صدقة ،ونهي عن المنكر صدقة ،ويجزئ من ذلك ركعتان يركعةما من الضحى< َرَواُه ُمسِلٌم.
12تحتوي مكتبة محمد على كثير من الكتب الحديثة و القديمة من كتب السلف والمعاصرين
12
جلسا يحتسيان الشاي ..و دار النقاش بينهما ..
تقول مروة وهي تأرجح شعرها و تصففه بيدها :السلم لم يمنع اختلط الجنسين !!
بل كانوا يختلطون في المساجد والسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس
التشاور في أمور المسلمين يا أسماء فكيف بعد هذا تأتي و تقولي أن الختلط ل
يجوز و حرام و هذا الكلم الغريب !!
قالت أسماء في عزة و ثبات :إن ال تعالى شرع لمته ما يفيدها و ل يضرها ..و قد
شرع ال تعالى في شريعته أن الختلط محرم بكل وسائله ..و هاكي الدلة على
صدق ما أقول و أول هذه الدلة من القرآن الكريم :
13
-1قوله تعالى) :وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن
الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرًا ،واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة إن ال
كان لطيفًا خبيرًا( ، 13حيث أمر سبحانه أمهات المؤمنين –وجميع المسلمات
والمؤمنات داخلت في ذلك -بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن
عن وسائل الفساد ،لن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى شرور عدة كالتبرج
والخلوة بالجنبي ،ثم أمرهن بالعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر،
وذلك بإقامتهن الصلة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن ل ولرسوله صلى ال عليه وسلم،
ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والخرة ،وذلك بأن يكن على اتصال
دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب
ويطهرها من الرجاس والنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.
وقد سمى ال مكث المرأة في بيتها قرارًا ،وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة،
ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها ،وخروجها عن هذا القرار
يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما ل تحمد عقباه.
-2وقوله تعالى) :يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين
عليهن من جلبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فل ُيؤذين وكان ال غفورًا رحيمًا( ، 14حيث
أمر عز وجل نبيه عليه الصلة والسلم –وهو المبلغ عن ربه -أن يقول لزواجه
وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن ،وذلك يتضمن ستر باقي
أجسامهن بالجلبيب إذا أردن الخروج لحاجة لئل تحصل لهن الذية من مرضى
القلوب.
فإذا كان المر بهذه المثابة فما بالك بنـزولها إلى ميدان الرجال واختلطها
معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة ،والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنـزل إلى
مستواهم ،وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك النسجام بين الجنسين المختلفين
معنى وصورة.
14
-3وقوله تعالى) :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك
أزكى لهم إن ال خبير بما يصنعون ،وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن( ،15
حيث يأمر سبحانه نبيه عليه الصلة والسلم أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن
يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ،ثم أوضح سبحانه أن هذا المر أزكى
لهم .ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ،ول شك أن
اختلط النساء بالرجال؛ والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها وإطلق البصر –
الذي هو من لوازم هذا الختلط -من أعظم وسائل وقوع الفاحشة ،وهذان المران
المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الجنبية كزميلة أو
مشاركة له في العمل في مختلف مجالته وميادينه .فاقتحامها هذا الميدان أو اقتحامه
الميدان معها ل شك أنه من المور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج
والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر ال المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إل ما
ظهر منها وأمرهن ال بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها،
لن الجيب محل الرأس والوجه ،فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء
الزينة عند نزول المرأة إلى ميدان الرجال واختلطها معهم في العمال ،والختلط
كفيل بالوقوع في هذه المحاذير ،وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي
تسير مع الرجل الجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في العمال أو تساويه في
جميع ما يقوم به ؟!!.
والسلم يحرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى المور المحرمة ،ولذلك
نجده حرم على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما
في قوله تعالى) :يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فل تخضعن بالقول
15
فيطمع الذي في قلبه مرض( ،16يعني مرض الشهوة ،فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع
الختلط؟!!.
ومن البديهي أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال لبد أن تكلمهم وأن
يكلموها ،ولبد أن ترقق لهم الكلم وأن يرققوا لها الكلم ،والشيطان من وراء ذلك
يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له ،وال حكيم عليم حين أمر
المرأة بالحجاب والبعد عن الختلط ،وما ذاك إل لن الناس فيهم البر والفاجر
والطاهر والعاهر ،فالحجاب واجتناب الختلط يمنع بإذن ال من الفتنة ويحجز
دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء والبعد عن مظان التهمة.17
و قالت أسماء :وأما دليل ذلك من السنة يا مروة فهو ما يلي :
-1عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ،وخير صفوف النساء آخرها
وشرها أولها" ،19حيث يرشد هنا النبي صلى ال عليه وسلم إلى ضرورة إبعاد
الرجال عن النساء في الصلة التي أقرب ما يكون فيها المسلم إلى ربه ،حيث تضعف
شهوات النفس وتخف وساوس الشيطان وإغوائه ويكون المسلم فيها والمسلمة أبعد
16
عن مواضع الفتنة والريبة ،فكيف في غير الصلة؟!! ،فهذا مما يدل على ضرورة
منع الختلط بين الجنسين في ميادين العمل وغيرها.
-2وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه أنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ،وأقرب ما تكون بروحة
ربها وهي في قعر بيتها" ،20قال الطيبي" :والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها
لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس ،فإذا خرجت طمع وأطمع ،لنها حبائله
وأعظم فخوخه" ،21وقال المنذري :فيستشرفها الشيطان "أي ينتصب ويرفع بصره
إليها وَيهّم بها ،لنها قد تعاطت سببًا من أسباب تسلطه عليها ،وهو خروجها من
بيتها".22
-3وما روي عن أم حميد الساعدية رضي ال عنها أنها جاءت إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول ال إني أحب الصلة معك ،فقال" :قد علمت
ك ،وصلت ِ
ك ك في حجرت ِ
ك من صلت ِ
ك في بيتك خير ل ِ
أنك تحبين الصلة معي ،وصلت ِ
ك في
ك من صلت ِ
ك خير ل ِ
ك في دار ِ
ك ،وصلت ِ
ك في دار ِ
ك خير لك من صلت ِ
في حجرت ِ
ك في مسجدي".23
ك من صلت ِ
ك خير ل ِ
ك في مسجد قوم ِ
ك ،وصلت ِ
مسجد قوم ِ
فهذه الصحابية امرأة صالحة تقية ذات خلق ودين ،ومع ذلك بّين لها صلى ال
عليه وسلم الحق والخير في أي الماكن تكون صلتها فيه أفضل وأبقى ،وذكر لها
على الترتيب الماكن التي يتميز بعضها عن بعض في الخير ،وهي :بيتها ،والمراد
به هنا :المكان الذي تكون فيه المرأة أكثر سترًا وبعدًا عن أعين الناس ،وهو مكان
مبيتها مع زوجها الذي ل يراها فيه أحد سواه ،ثم حجرتها – ويظهر من الحديث أنها
أقل من البيت سترًا وصونًا ،وبعد حجرتها دارها ،وهي التي تكون فيه بعيدة عن
20رواه الترمذي في سننه في )أبواب الرضاع( ،الباب رقم ) (18برقم ) ،(1183وقال" :حديث حسن صحيح غريب" ج
/ 2ص .319وقال كل من الهيثمي والمنذري :رواه الطبراني في الوسط من حديث عبد ال بن عمر ،ورجاله رجال
الصحيح .انظر :مجمع الزوائد ج /4ص ،314والترغيب والترهيب ج /1ص .304
21المناوي –فيض القدير ج /6ص ،266ط دار المعرفة ،بيروت – لبنان.
22الترغيب والترهيب ج /1ص .306
23رواه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب )المامة في الصلة( ،الباب ) ،(177الحديث رقم ) (1689ج /3ص .95كما رواه
ابن حبان في صحيحه برقم ) (2214ج /3ص ،318وعزاه الحافظ ابن حجر في )الفتح( إلى المام أحمد والطبراني ،وقال:
"وإسناد أحمد حسن ،وله شاهد من حديث أبي مسعود عند أبي داود" ج /2ص .350
17
أنظار الرجال الجانب ،وبعد الدار مسجد قومها ،لنه أقرب المساجد إلى سكنها،
والنـزول إليه ل يقتضي منها السير كثيرًا ،فاستشراف الشيطان لها فيه أقل في
المساحة والزمن ،وبعد مسجد قومها يأتي مسجده صلى ال عليه وسلم ،وهو أبعد
فتضطر معه إلى السير لمسافة أطول ،وحينئذ يكون استشراف الشيطان لها أطول
مدة وأشد تمكينًا ،ولذا نصحها صلى ال عليه وسلم بالصلة في بيتها ،لنه أشد
الماكن سترًا لها وبعدًا عن مخالطة الرجال الجانب ،ومنه يتبين حرص النبي صلى
ال عليه وسلم على صيانة المرأة إلى هذا الحد الذي ليس وراءه ما بعده ،لنه مدرك
لما ينتج عن خروجها من بيتها من أخطار على الفرد والسرة والمجتمع.
وإذا كان خروج المرأة الصالحة التقية للصلة مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم في مسجده غير مستحب ،فما القول في خروج النساء إلى الندية وميادين
الدراسة والعمل وساحات السياسة ومسيرات الحتجاج وغيرها مما ينادي أصحاب
هذه الدعوى إلى خروج المرأة المسلمة إليها ؟!!.
-4الحاديث التي يحذر فيها النبي صلى ال عليه وسلم من الدخول على
النساء والخلوة بهن ،ومن ذلك:
ما روي عن عتبة بن عامر رضي ال عنه أنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :إياكم والدخول على النساء ،فقال رجل من النصار :أفرأيت الحمو24؟
قال :الحمو الموت".25
وما روي عن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما أنه قال :قال رسول ال
صلى ال وعليه وسلم" :ل يخلون رجل بامرأة إل مع ذي محرم".26
وما روي عن عامر بن ربيعة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال" :أل ل يخلون رجل بامرأة إل كان ثالثهما الشيطان".27
24الحمو :أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه.
25رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )النكاح( ،الباب ) ،(111الحديث رقم ) (5232ج /9ص .330ورواه المام
مسلم في صحيحه في كتاب )السلم( ،باب )تحريم الخلوة بالجنبية والدخول عليها( ج /14ص .153
26رواه البخاري في صحيحه في كتاب )النكاح( ،الباب ) ،(111الحديث رقم ) (5233ج /9ص .331-330ورواه مسلم في
صحيحه في كتاب )الحج( ،باب )سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره( ج /9ص .110-109
27رواه المام أحمد في المسند ج /3ص ،446ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي ال عنه في )أبوب الفتن(،
باب )ما جاء في لزوم الجماعة( برقم ) (2254ج /3ص ،315وقال" :حديث حسن صحيح غريب" .ورواه الحاكم في
المستدرك وقال" :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج /1ص .198
18
ومن المعلوم لكل مجرب أنه يستحيل التحرز عن الوقوع فيما حذرت عنه هذه
الحاديث في تلك المجتمعات التي تجيز اختلط الجنسين ببعضهما في ميادين العمل
والتعليم ونحوها.
19
فقالت مروة و هي مستهزئة :و لكنك إلى الن لم تردي على تساؤلي يا أسماء ..
أين الجابة ؟!
ك أخيتي ..فها هو الرد قادم ..
ردت أسماء بحلم و صبر و روية :رويد ِ
تقول مروة :أجل و لكن إن كان هذا فكيف و قد كان هناك اختلط كما ذكرت في أمور
عدة كمجالس العلم و الجهاد و غيرها ..؟!!
ك نماذجًا
قالت أسماء :حسنًا ..نأتي الن للرد على هذه النقطة و قبل الرد سأذكر ل ِ
من الصحابة و الصحابيات رضوان ال عليهم أجمعين كيف أنهم كانوا يطبقون أوامر
الشريعة التي أمرت بتحريم الختلط و كل الوسائل المؤدية إليه ..
-1روي أنه دخلت على عائشة رضي ال عنها مولة لها ،فقالت لها" :يا أم
ت بالبيت سبعًا واستلمت الركن مرتين أو ثلثًا ،فقالت لها عائشة :ل
المؤمنين طف ُ
ت ومررت".32
ك ال ،تدافعين الرجال؟!! ،أل َكّبر ِ
ك ال ،ل آجر ِ
آجر ِ
-2كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه شديد الغيرة على النساء ،فهو الذي
أشار على النبي صلى ال عليه وسلم بحجب نسائه فوافقه القرآن ،فعن أنس بن مالك
رضي ال عنه أنه قال :قال عمر رضي ال عنه :قلت :يا رسول ال يدخل عليك البر
32رواه المام الشافعي في مسنده ص ،127ط الولى 1400هـ1980-م ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان.
20
والفاجر ،فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل ال آية الحجاب" ،33وكان رضي
ال عنه "ينهى الرجال عن الدخول إلى المسجد من باب النساء".34
وقال الحافظ ابن حجر رحمه ال" :روى الفاكهي من طريق زائدة عن
إبراهيم النخعي قال :نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ،قال :فرأى رجلً معهن
فضربه بالدرة".35
-3وعن ابن جريج أنه قال :أخبرني عطاء –إذ منع ابن هشام النساء الطواف
مع الرجال -قال :كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى ال عليه وسلم مع
الرجال؟ ،قلت :أبعد الحجاب أو قبل؟ قال :أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب ،قلت:
كيف يخالطن الرجال؟ قال :لم يكن يخالطن ،كانت عائشة رضي ال عنها تطوف
جرة36من الرجال ل تخالطهم .37وهذا مما يدل على حرص النساء في صدر السلم
حَْ
على عدم مزاحمة الرجال أو الختلط بهم حتى في المطاف بالمسجد الحرام.
-4وروي أنه قيل لسودة رضي ال عنها" :أل تحجين وتعتمرين كما يفعل
أخواتك ،فقالت :قد حججت واعتمرت فأمرني ال أن أقّر في بيتي .قال الراوي :فوال
ما خرجت من باب حجرتها حتى ُأخرجت جنازتها رضوان ال عليها".38
-5وُأثر عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أنه قال مستنكرًا اختلط النساء
بالرجال" :أل تستحيون أل تغارون أن يخرج نساؤكم؟ ،فإنه بلغني أن نساءكم
يخرجن في السواق يزاحمن الُعلوج.40"39
33رواه البخاري في صحيحه في كتاب )التفسير( ،الباب ) ،(8الحديث رقم ) (4790ج /8ص .527
34عبد الوهاب الشعراني – كشف الغمة عن جميع المة ج /1ص ،104ط مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بمصر.
35فتح الباري ج /3ص .480
36حجرة :بفتح الحاء وسكون الجيم ،أي ناحية ،وهو مأخوذ من قولهم :نزل فلن حجرة من الناس ،أي :معتزًل .انظر:
لسان العرب ،مادة )حجر(.
37صحيح البخاري مع الفتح ،كتاب )الحج( ،الباب ) ،(64الحديث رقم ) ،(1618ج /3ص .480-479
38القرطبي – الجامع لحكام القرآن ج /14ص .181-180والشوكاني -فتح القدير ج /4ص .281
39الُعلوج :جمع عْلج ،وهو الرجل من كفار العجم ،أو الضخم القوي.
40ابن الجوزي –أحكام النساء ص ،34ط الثانية 1405هـ1985-م ،دار الكتب العلمية – بيروت.
21
-6وروي عن الزبير بن العوام رضي ال عنه أن زوجته عاتكة بنت زيد
شرطت عليه أل يمنعها الخروج إلى المسجد فأجابها ،فلما أرادت الخروج إلى
المسجد للعشاء الخر شق ذلك عليه ولم يمنعها ،فلما عيل صبره خرج ليلة إلى
العشاء وسبقها ،وقعد لها على الطريق بحيث ل تراه ،فلما مرت ضرب بيده على
جزها فنفرت من ذلك ولم تخرج بعُد.41
عَُ
-7وعن أبي عمر الشيباني أنه رأى عبد ال بن مسعود ُيخرج النساء من
ن" .42وعنه رضي ال
المسجد يوم الجمعة ويقولُ" :أخرجن إلى بيوتكن فهو خير لُك ّ
عنه أنه قال –حاثًا المرأة على قرارها في بيتها" :-إنما النساء عورة ،وإن المرأة
لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان ،فيقول :إنك ل تمرين بأحد إل
أعجبته ،وإن المرأة لتلبس ثيابها ،فيقال :أين تريدين؟ ،فتقول :أعود مريضًا ،أو
عَبدت امرأة ربها بمثل أن تعبده في بيتها".43
أشهد جنازة ،أو أصلي في مسجد ،وما َ
وبعد :فكيف يقال بعد كل ما تقدم إن السلم لم يمنع الختلط ولم يمنعه رسول ال
صلى ال عليه وسلم ول صحابته الكرام؟!! ،إن هذا إل محض افتراء ل ُيقبل صدوره
سَير الصدر الول
من مسلم عنده أدنى فقه لنصوص الشريعة وأحكامها ومعرفة ِل ِ
للسلم.
ثم تقول أسماء :نأتي الن إلى سؤالك يا مروة ..و هو أن المسلمين و المسلمات في
عهد النبي – صلى ال عليه و سلم – كانوا يختلطون في المساجد والسواق
ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين!!
تقول مروة في تكبر و غرور :نعم أنا أريد أن أعرف الرد ..من فضلك !!
41انظر :ابن الثير الجزري –أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ،6/185ط دار الفكر -بيروت
42رواه الطبراني في المعجم الكبير ج /9ص ،294الحديث رقم ) .(9475وروى البيهقي نحوه في السنن الكبرى عن سعد
بن إياس ج /3ص .186
43رواه الطبراني في )المعجم الكبير( برقم ) (9480ج /9ص ،294وقال الهيثمي" :رجاله ثقات" –مجمع الزوائد ج /2
ص ،35وقال المنذري" :إسناده حسن" -الترغيب والترهيب ج /1ص .305
22
تستمر أسماء ،،،،،،،،، ،،،،،،، ،، ،،، :فلم يكن فيها
اختلط بين الرجال والنساء بالصورة التي يريدها دعاة الختلط ،لن الرجال كانوا
صّلون في مقدمة المسجد والنساء في
في زمن النبي صلى ال عليه وسلم وصحابته ُي َ
مؤخرته مع عنايتهن بالحجاب والتحفظ من كل ما يثير الفتنة ،وكان النبي صلى ال
عليه وسلم يذهب إليهن في يوم العيد بعدما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن
عن سماع خطبته ،فعن عبد الرحمن بن عابس أنه قال :سمعت ابن عباس رضي ال
عنهما قيل له" :أشهدت العيد مع النبي صلى ال عليه وسلم؟ قال :نعم ،ولول مكاني
من الصغر ما شهدته ،حتى أتى الَعَلم الذي عند دار كثير ابن الصامت فصلى ثم
خطب ،ثم أتى النساء ومعه بلل فوعظهن وذّكرهن وأمرهن بالصدقة".44
قال الحافظ ابن حجر" :قوله) :ثم أتى النساء( ُيشعر بأن النساء كن على حدة
من الرجال غير مختلطات بهم ،وقوله )ومعه بلل( فيه أن الدب في مخاطبة النساء
في الموعظة أو الحكم أن ل يحضر من الرجال إل من تدعو الحاجة إليه من شاهد
ونحوه ،لن بلًل كان خادم النبي صلى ال عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة ،وأما
ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره".45
ولم يقتصر منع الختلط بين الرجال والنساء على الجمع الكثير فحسب ،بل
تناول ذلك المرأة الواحدة إذا صلت مع الرجال ،فعن أنس رضي ال عنه أنه قال:
"صلى النبي صلى ال عليه وسلم في بيت أم سليم ،فقمتُ ويتيم خلفه ،وأم سليم
خلفنا".46
وقد خصص صلى ال عليه وسلم في مسجده بابًا للنساء يدخلن ويخرجن منه
ل يخالطهن فيه الرجال ،فقد ترجم أبو داود في سننه بابًا بقوله )باب اعتزال النساء
في المساجد عن الرجال( ،ثم روى حديث عبد ال بن عمر رضي ال عنهما أنه قال:
44رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )العيدين( ،الباب ) ،(18الحديث رقم ) (977ج /2ص .465
45فتح الباري ج /2ص .466
46رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )الذان( ،الباب ) ،(164الحديث رقم ) ،(871ج /2ص .351
23
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :لو تركنا هذا الباب للنساء" ،47قال نافع تلميذ
عبد ال بن عمر :فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات".
وكان الرجال في عهده صلى ال عليه وسلم يؤمرون بالتريث في النصراف
حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئل يختلط بهن الرجال في الطريق من
المسجد إلى البيت مع ما هم عليه جميعًا رجاًل ونساًء من اليمان والتقوى .فعن هند
بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وسلم رضي ال عنها قالت:
سّلم قام النساء حين يقضي تسليمه،
"كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا َ
ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم .قال المام الزهري رحمه الَ :نَرى –وال
أعلم -أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال" .48وفي
سّلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من
رواية أخرى" :كان صلى ال عليه وسلم ُي َ
قبل أن ينصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم".49
يقول الحافظ ابن حجر" :وفي الحديث الحتياط في اجتناب ما قد ُيفضي إلى
المحذور ،وفيه اجتناب مواضع التهم ،وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات
ل عن البيوت".50
فض ً
ويقول ابن قدامة" :إذا كان مع المام رجال ونساء ،فالمستحب أن يثبت هو
ل–
والرجال بقدر ما َيَرى أنهن قد انصرفن ،ويقمن هن عقب تسليمه" ،ثم يتابع قائ ً
عقب الستشهاد بالحديث المذكور آنفًا" :-لن الخلل بذلك من أحد الفريقين ُيفضي
إلى اختلط الرجال بالنساء".51
وكان ُيْؤَذن للنساء في الخروج إلى المساجد في الليل لكونه أستر وأخفى
وأبعد عن الفتنة .يقول صلى ال عليه وسلم" :ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد"،52
وُيروى عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت" :كن نساء المؤمنات يشهدن مع
47سنن أبي داود ،كتاب )الصلة( ،باب )في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال( ،الحديث رقم ) ،(462ج /1ص .126
وقد صحح الشيخ اللباني الحديث مرفوعًا إلى النبي صلى ال عليه وسلم ،وذلك في )صحيح الجامع الصغير( ج /5ص
،61برقم ).(5134
48صحيح البخاري ،كتاب )الذان( ،الباب ) ،(164الحديث رقم ) (870ج /2ص .351-350
49صحيح البخاري ،كتاب )الذان( ،الباب ) ،(157الحديث رقم ) (850ج /2ص .334
50فتح الباري ج /2ص .336
51المغني ج /2ص .254
52رواه مسلم في صحيحه في كتاب )الصلة( ،باب )خروج النساء إلى المساجد( ج /4ص .162
24
رسول ال صلة الفجر متلفعات بمروطهن ،ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين
الصلة ،ل يعرفهن أحد من الغلس".53
كما كان ُيطلب منهن اجتناب الطيب والزينة لكونهما من دواعي الفتنة ،يقول
صلى ال عليه وسلم" :إذا شهدت إحداكن المسجد فل َتمسّ طيباً" ،54ويقول" :أيما
امرأة أصابت بخورًا فل تشهد معنا العشاء الخرة" .55ولقد تنبهت أم المؤمنين
عائشة رضي ال عنها إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت" :لو أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما ُمنعت
نساء بني إسرائيل".56
وكان النبي صلى ال عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن
بلزوم حافاته حذرًا من الختلط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضًا أثناء السير
في الطريق ،فعن أبي ُأسيد النصاري رضي ال عنه أنه سمع رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق:
"استأخرن ،فإنه ليس لكن أن تحققن57الطريق ،عليكن بحافات الطريق" ،فكانت
المرأة تلصق بالجدار ،حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.58
53رواه البخاري في صحيحه في كتاب )مواقيت الصلة( ،الباب ) ،(27الحديث رقم ) ،(578ج /2ص .54ورواه مسلم في
صحيحه في كتاب )المساجد ومواضع الصلة( ،باب )استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها( ج /5ص .144-143
54رواه مسلم في صحيحه في كتاب )الصلة( ،باب )خروج النساء إلى المساجد( ج /4ص .163
55رواه مسلم في صحيحه في الموضع السابق ،ج /4ص .163
56صحيح البخاري مع الفتح ،كتاب )الذان( ،الباب ) ،(163الحديث رقم ) ،(869ج /2ص .349ورواه مسلم في صحيحه
–واللفظ له -في كتاب )الصلة( ،باب )خروج النساء إلى المساجد( ج /4ص .164-163
57تحققن الطريق :أي تتوسطنه .انظر :لسان العرب ،مادة )حقق(.
58رواه أبو داود في سننه في كتاب )الدب( ،باب )في مشي النساء مع الرجال في الطريق( ،الحديث رقم ) (5272ج /4
ص ،369وقد حسنه اللباني في )صحيح الجامع الصغير( برقم ) (942ج /1ص .317
59إلى الحد الذي يضطر معه النبي صلى ال عليه وسلم أحيانًا إلى القيام إليهن لعدم قدرتهن على سماع صوته لبعدهن
عنه ،كما مر معنا قبل قليل .
25
التحديث من اختلط الجنسين في التعليم وغيره؟ ،فكيف يجوز لمرئ يؤمن بال
واليوم الخر أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل
جلوس الصحابيات مع أخواتهن في مؤخرة المسجد لسماع الذكر وتعلم أحكام
الدين؟ ،هذا لو سلمنا بوجود الحجاب الشرعي المتضمن تغطية الوجه والكفين،
فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع كشف الوجه والكفين
وإظهار الزينة والمحاسن ،وغير ذلك مما يجر إلى الفتنة وُيوقع في المحذور؟!!.
ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب
الفتنة ،ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه ال للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين
زينتهن لغير من َبّيَنهم ال سبحانه في قوله) :وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن
ن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على
ويحفظن فروجهن ول يبدين زينته ّ
جيوبهن ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو
أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت
أيمانهن أو التابعين غير أولي الربة من الرجال أول الطفل الذين لم يظهروا على
عورات النساء( الية.60
ن على
ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ،وأن يُك ّ
ن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير
حدة والشباب على حدة حتى َيتمك ّ
حجاب ول مشقة ،لن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع
وأبعد لهن من أسباب الفتنة وأسلم للشباب من الفتنة ،ولن انفراد الشباب في دور
التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم
وشغلهم بها وحسن الستماع إلى الساتذة وتلقي العلوم عنهم بعيدين عن ملحظة
الفتيات والنشغال بهن.61
26
، ،،،،،، ،،،،، ،،،،فيجيب عنها سماحة الشيخ عبد العزيز بن
ل" :قد يتعلق بعض دعاة الختلط ببعض ظواهر النصوص
باز رحمه ال قائ ً
الشرعية التي ل يدرك مغزاها ومرماها إل من َنّور ال قلبه وتفقه في دين ال وضم
الدلة الشرعية بعضها إلى بعض ،وكانت في تصوره وحدة ل يتجزأ بعضها عن
بعض .ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى ال عليه وسلم في بعض
الغزوات .والجواب عن ذلك :أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة ل يترتب
عليه ما ُيخشى عليهن من الفساد ،ليمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن
وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته ،بخلف حال الكثير من نساء العصر ،ومعلوم أن
خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تمامًا عن الحالة التي خرجن بها مع
الرسول صلى ال عليه وسلم في الغزو ،فقياس هذه على تلك ُيعتبر قياسًا مع الفارق.
وأيضًا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم ل شك أدرى بمعاني النصوص
من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العلمي بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم؟
سُعوا الدائرة كما ُينادي دعاة
فما هو الذي ُنقل عنهم على مدار الزمن؟ ،هل َو ّ
الختلط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة
مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها ،أم أنهم فهموا أن
تلك قضايا معينة ل تتعداها إلى غيرها؟ .وإذا استعرضنا الفتوحات السلمية
والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة.63"62
27
السلم كله أن المرأة كانت تسير مع الرجل جنبًا إلى جنب في إدارة شؤون الدولة
وسياستها ،وكل ما يرويه التاريخ لنا هو أن النبي صلى ال عليه وسلم أخذ بيعة
النساء يوم فتح مكة من دون أن يصافحهن.64
ومن زعم أن هذا يدل على اختلط النساء بالرجال في صدر السلم للمشاركة
حّمَل وقائع
في سياسة الدولة والسهام في حل قضايا المسلمين وشؤونهم فقد أخطأ و َ
التاريخ ما ل تحتمل.
نعم وقع في بعض أدوار التاريخ السلمي أن شاركت المرأة في بعض قضايا
الدولة وشؤونها ،وكان لبعضهن مشورة في بعض أمور المسلمين ،ولكن هذه
تصرفات ووقائع نادرة لمناسبات خاصة ُتَقّدر بقدرها ل ُيبنى عليها حكم ول تأخذ حكم
القاعدة .وأحكام السلم إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب ال تعالى أو سنة رسوله
صلى ال عليه وسلم ،أو قياس صحيح عليهما ،أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين
وعلماؤهم ،وعليه فل يصح الستدلل بالتصرفات الفردية من آحاد الناس ،حتى ولو
كان أصحابها من الصحابة 65رضوان ال عليهم أو التابعين من بعدهم .فمن المقطوع
به أن تصرفات هؤلء جميعًا توزن بميزان الشرع السلمي ،وليس الشرع هو الذي
يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم ،ولذا فإن من مقررات علماء السلف قولهم) :ل
تعرف الحق بالرجال ،اعرف الحق تعرف أهله(.
ل قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى
ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مث ً
العتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرضين للخطأ ،ولوجب أن يكونوا
معصومين مثل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وليس هذا لحد إل للنبياء عليهم
وعلى خاتمهم الصلة والسلم ،أما ما عداهم فحق عليهم قول رسول ال صلى ال
طاء" ،66وإل فما بالنا ل نقول –مث ً
لِ -بحل شرب الخمر، عليه وسلم" :كل بني آدم خ ّ
وقد ُوجد فيمن سلف في القرون الخيرية من شربها؟!
64انظر :د .مصطفى السباعي – المرأة بين الفقه والقانون ص ،151ط السادسة 1404هـ1984-م ،المكتب السلمي –
بيروت.
65هناك فرق بين "قول الصحابي" و"واقعة حال له" فتنبه لهذا.
66رواه المام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك ،ج /3ص .198ورواه الدارمي في سننه في كتاب )الرقاق( ،باب
)في التوبة( ج /2ص 213برقم ) .(2730كما رواه الترمذي في سننه في أبواب )صفة القيامة( ،الباب ) ،(15الحديث رقم
) (2616ج /4ص .70وحسنه اللباني في )صحيح الجامع الصغير( برقم ) (4391ج /4ص ،171وتتمة الحديث:
"وخير الخطائين التوابون".
28
فما رأيك يا مروة إذن ؟!!
تقول مروة و قد انكسرت حدة كلمها :حسنًا يا أسماء اقتنعت بما ذكرتِ متفضلة ..
و لكني أسمع فيما أسمع أن الختلط لم ُيمنع إل في المجتمعات السلمية النفصالية
التي ساد فيها النحطاط ..
سمعت أسماء قول مروة و ردت متعجبة :إنما هذا لفتراء محض يا أختاه ..و ليس
كل من قال صدق ..كيف لعاقل أن يقول هذا ؟!! ..فها نحن الن نعيش زمن انحطاط
في الخلق و القيم فهل سمعتي مرة عن حملة لمنع الختلط أم العكس حملة لتحرير
المرأة من رق السلم – كما يزعمون – عليهم من ال ما يستحقون..
إنما هو وهم و افتراء ُيستغرب صدوره من أي مسلم لديه معرفة –ولو يسيرة-
بتاريخ السلم وشرعه ،فكيف ممن يمثل اتجاهًا إسلميًا محافظًا ويترأسه في بلد
عربي مسلم ؟
لقد ُمنع الختلط في السلم منذ نزول آيات الحجاب ،ومنعه النبي صلى ال عليه
وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان ،وما سقناه فيما سبق من الدلة
الشرعية والقوال والوقائع كاف لثبات ذلك .ولم يخل عصر ول مصر من بلد
السلم والمسلمين من منع الختلط والتشدد في أمره؛ امتثاًل لمر ال تعالى
ورسوله صلى ال عليه وسلم ،وحرصًا من المخلصين الغيورين في مختلف الماكن
والزمان على تطبيق شريعة السلم .ولن يستطيع أصحاب هذا الزعم الباطل –مهما
ل صحيحًا يبرهن على صحة ُمّدعاهم.
أجهدوا أنفسهم -أن يقدموا دلي ً
وأما ربط منع الختلط بعصور النحطاط ففيه ما ل يخفى من الستهتار بكلم ال
ورسوله ،والزدراء بما يدعو إليه المصلحون من منع الختلط والتحذير منه،
والتأثر بمقولت الغرب حول التقدم والتحضر والمدنية.
انتهت الشبهة الولى
الشبهة الثانية ) :وقرن في بيوتكن( هل هي موجهة لنساء النبي فقط ؟!
29
قالت مروة و هي تفتش في ذهنها عن أي شيء ينجدها فلمعت في رأسها شبهة
جديدة ..فتمايلت و قالت :حسنًا يا أسماء ..اقتنعت برأيك و لكن ماذا تقولين في ..
أن هذه الية ))وقرن في بيوتكن(( لم تكن موجهة إل لنساء النبي فقط ؟؟
يقول عبد الرحمن بن الجوزي" :قال المفسرون :ومعنى الية :المر لهن بالتوقر
والسكون في بيوتهن وأن ل يخرجن" .68ويقول الحافظ ابن كثير" :وقوله تعالى
)وقرن في بيوتكن( أي :الزمن بيوتكن فل تخرجن لغير حاجة" .69ويقول القاضي أبو
ن فيها ول تتحركن ول
بكر بن العربي" :قوله تعالى) :وقرن في بيوتكن( يعني :اسك ّ
تبرحن منها" .70ويقول أحمد مصطفى المراغي)" :وقرن في بيوتكن( أي :الزمن
بيوتكن فل تخرجن لغير حاجة ،وهو أمر لهن ولسائر النساء" .71ويقول حسنين
محمد مخلوف)" :وقرن في بيوتكن( :الزمنها فل تخرجن لغير حاجة مشروعة،
ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين" .72ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:
ن" .73ويقول الشيخ أبو
")وقرن في بيوتكن( أي :اقررن فيها ،لنه أسلم وأحفظ لُك ّ
بكر الجزائري" :وقوله )وقرن في بيوتكن( أي :اقررن فيها بمعنى اثبتن فيها ول
تخرجن إل لحاجة لبد منها" .74ويقول أبو العلى المودودي – بعد حديثه عن دائرة
عمل المرأة " : -صفوة القول أن خروج المرأة من البيت لم ُيحمد في حال من
30
الحوال ،وخير الهدي لها في السلم أن تلزم بيتها كما تدل عليه آية )وقرن في
بيوتكن( دللة واضحة".75
وأما اختلف العلماء في معنى الية –حيث ذهب بعضهم إلى أنها من الوقار وهو
السكون ،وذهب البعض الخر إلى أنها من القرار وهو البقاء -فل ُيبطل صحة
الستدلل بالية على منع الختلط ،لن كل المعنيين يدلن على ضرورة لزوم المرأة
بيتها وعدم خروجها منه إل لحاجة شرعية ،وهو ما ذهب إليه المفسرون.
يقول – على سبيل المثال -المام القرطبي –بعد أن ساق القراءات الواردة في قوله
تعالى) :وقرن( وأقوال العلماء واللغويين في بيان معانيها" :-معنى هذه الية المر
بلزوم البيت ،وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى ال عليه وسلم فقد دخل غيرهن
فيه بالمعنى .هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء؛ كيف والشريعة طافحة بلزوم
النساء بيوتهن ،والنكفاف عن الخروج منها إل لضرورة؛ على ما تقدم في غير
موضع" .76ويقول الشوكاني – بعد أن ساق كذلك القراءات تلك وأقوال العلماء في
بيان معانيها" : -المراد بالية أمرهن بالسكون والستقرار في بيوتهن"" .77ويقول
أبو بكر الجصاص" :وقوله تعالى) :وقرن في بيوتكن( روى هشام عن محمد بن
سيرين قال :قيل لسودة بنت زمعة :أل تخرجين كما تخرج أخواتك؟ قالت :وال لقد
حججت واعتمرت ثم أمرني ال أن أقر في بيتي ،فوال ل أخرج ،فما خرجت حتى
أخرجوا جنازتها .وقيل :إن معنى) :وقرن في بيوتكن( كن أهل وقار وهدوء وسكينة،
يقالَ :وَقر فلن في منـزله َيِقُر وُقُورًا إذا هدأ فيه واطمأن به ،وفيه الدللة على أن
النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج" .78ويقول أبو الثناء اللوسي –
بعد أن ذكر القراءات المتعددة لقوله تعالى) :وقرن(" :-والمراد على جميع القراءات
أمرهن رضي ال تعالى عنهن بملزمة البيوت ،وهو أمر مطلوب من سائر
النساء".79
31
وأما الحتجاج على عدم صحة الستدلل بالية على منع الختلط بإدعاء
الختلف في تعيين المخاطب بالية هل هن نساء النبي صلى ال عليه وسلم أم عامة
النساء ،فليس بشيء ،وذلك لما يلي:
-1لن هذه الية والتي قبلها تحفهما قرائن قوية تدل على أن الحكام
الشرعية الموجودة فيها ليست خاصة بأمهات المؤمنين ،وإنما هي عامة لجميع
النساء المسلمات ،ذلك أن امتياز أمهات المؤمنين من غيرهن المذكور في قوله
تعالى) :يا نساء النبي لستن كأحد من النساء( ،80إنما هو خاص بما ُذكر قبله ل بما
ُذكَر بعده ،بمعنى أنه خاص بالحكام المذكورة في قوله تعالى) :يا نساء النبي من
ن بفاحشة مبّينة ُيضاعف لها العذاب ضعفين( 81وقوله) :ومن يقنت منك ّ
نل يأت منك ّ
ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين( ،82دون الوامر والنواهي المذكورة
ض وقلن قوًل
بعده وهي قوله تعالى) :فل تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مر ٌ
معروفًا ،وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبّرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين
الزكاة وأطعن ال ورسوله( ،83فتلك الوامر والنواهي موجهة للنساء عامة بدليل أنه
ل يجوز لحد أن يقول أنه يجوز للنساء المسلمات أن يخضعن بالقول ليطمع الذي في
قلبه مرض وأن ل يُقْلن قوًل معروفًا وأن ل يقرن في بيوتهن ويتبرجن تبرج
الجاهلية الولى ول ُيقمن الصلة ول يؤتين الزكاة ول يطعن ال ورسوله .فهذه
الحكام ليست خاصة بأمهات المؤمنين لن عللها تجري في غيرهن أيضًا.
ن عليه من التقى والعفاف وقوة
-2ولنه إذا كانت أمهات المؤمنين –مع ما ُك ّ
اليمان والبصيرة بالحق -مأمورات بعدم الخضوع في القول والقرار في البيوت
وعدم التبرج ،فغيرهن من النساء المسلمات مأمورات بذلك من باب أولى ،ول سيما
في هذا العصر الذي َقّل فيه الوازع الديني عند كثير من الناس وكثرت فيه المفاسد
والفتن.
32
" -3ولن النصوص الواردة في الكتاب والسنة ل يجوز أن يخص بها أحد
من المة إل بدليل صحيح يدل على التخصيص ،فهي عامة لجميع المة في عهده
صلى ال عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة ،لنه سبحانه بعث رسوله صلى ال عليه
وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل )قل يا أيها
الناس إني رسول ال إليكم جميعًا( ،84وقال سبحانه) :وما أرسلناك إل كافة للناس
بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس ل يعلمون( ،85وهكذا القرآن الكريم لم ينـزل لهل
عصره النبي صلى ال عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب ال،
غ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحٌد وليذكر أولوا
كما قال تعالى) :هذا بل ٌ
87
اللباب( ،86وقال عز وجل) :وأوحي إل ّ
ي هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ(
الية".88
يقول الشيخ أبو العلى المودودي –في الرد على هذا الحتجاج" :-قد ذهب
بعض الناس إلى أن هذا المر خاص لزواج النبي صلى ال عليه وسلم لبتداء الية
بخطاب :يا نساء النبي ،ولكنا نسأل :أي وصية من الوصايا الواردة في هذه الية
مخصوصة بأمهات المؤمنين دون سائر النساء؟ ،فقد قيل فيها) :إن اتقيتن فل
تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قوًل معروفًا ،وقرن في بيوتكن ول
تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله إنما
يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا( ، 89فتأمل كل هذه الوصايا
والوامر ،وقل لي :أي أمر منها ل يتصل بعامة النساء المسلمات؟ ،وهل النساء
المسلمات ل يجب عليهن أن يتقين؟ أو قد أبيح لهن أن يخضعن بالقول ويكلمن
الرجال كلمًا يغريهم ويشوقهم؟ أو يجوز لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟ ،ثم هل
ينبغي لهن أن يتركن الصلة والزكاة وُيعرضن عن طاعة ال ورسوله؟ ،وهل يريد
ال أن يتركهن في الرجس؟ ،وإذا كانت كل هذه الوامر والرشادات عامة لجميع
33
المسلمات فما المبرر لتخصيص كلمة )وقرن في بيوتكن( وحدها بأزواج النبي صلى
ال عليه وسلم؟!!.
إن مصدر الفهم الخاطيء في الحقيقة هو مبتدأ الية) :يا نساء النبي لستن
ل -عن قولك لولد نجيب :يا بني
كأحد من النساء( ،ولكن هذا السلوب ل يختلف –مث ً
لست كأحد من عامة الولد حتى تطوف في الشوارع وتأتي بما ل يليق من
الحركات ،فعليك بالدب واللياقة ،فقولك هذا ل يعني أن سائر الولد ُيحمد فيهم
طواف الشوارع وإتيان الحركات السيئة ول ُيطلب منهم الدب واللياقة ،بل المراد
بمثل قولك هذا تحديد معيار لمحاسن الخلق وفضائلها لكي يصبو إليها كل ولد يريد
أن يعيش كنجباء الولد فيسعد في بلوغه .وقد اختار القرآن الكريم هذه الطريقة
لتوجيه النساء ،لن نساء العرب في الجاهلية كن على مثل الحرية التي توجد في
نساء الغرب في هذا الزمان ،وكان العمل جاريًا على تعويدهن الحضارة السلمية
بشيء من التدريج ،وتعليمهن حدود الخلق والضوابط الجتماعية على يد النبي
صلى ال عليه وسلم .ففي تلك الحوال عني السلم بضبط أمهات المؤمنين بضابطه
على وجه خاص حتى يكن أسوة لسائر النساء وُتتبع طريقتهن وعاداتهن في بيوت
عامة المسلمين.
هذا الرأي نفسه – وهو تعميم نساء المسلمين بالخطاب -أبداه العلمة أبو بكر
الجصاص في كتابه )أحكام القرآن( فقال) :وهذا الحكم وإن نزل خاصًا في النبي صلى
ال عليه وسلم وأزواجه ،فالمعنى عام فيه وفي غيره ،إذ كنا مأمورين باتباعه
والقتداء به إل ما خصه ال تعالى به دون أمته(" .90
ويؤكد الشيخ أبو بكر الجزائري على تعميم نساء المسلمين بالخطاب في قوله تعالى:
ل" :غير أن المبطلين لم يروا ذلك ،فقالوا في هذه
)وقرن في بيوتكن( ،ثم ُيتابع قائ ً
الية والتي قبلها) :أنها نزلت في نساء النبي صلى ال عليه وسلم وهي خاصة بهن
90الحجاب ،هامش ص .236-235
34
ول تعلق لها بغيرهن من نساء المؤمنين وبناتهم( ،وهو قول مضحك عجيب …،
وهاتان اليتان مثلهما مثل إقسام ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم بأنه لو
أشرك لحبط عمله وكان من الخاسرين في آية الزمر ،مع العلم أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم معصوم ل يتأتى منه الشرك ول غيره من الذنوب ،ولكن الكلم من
باب )إياك أعني واسمعي يا جارة( ،وعليه فإذا كان الرسول على جللته لو أشرك
لحبط عمله وخسر؛ فغيره من باب أولى .كما أن الحجاب لو فرض على نساء النبي
وهن أمهات المؤمنين كان على غيرهن من باب أولى ،ويبدو أنه لما كان الحجاب
مخالفًا لما كان عليه العرب في جاهليتهم ولم ُيشرع تدريجًا – إذ ل يمكن فيه التدريج
-بدأ ال تعالى فيه بنساء رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى ل ُيقال – وما أكثر
من يقول يومئذ ،والمدينة مليئة بالنفاق والمنافقين) : -انظروا كيف ألزم نساء الناس
البيوت والحجاب وترك نساءه وبناته غاديات رائحات ينعمن بالحياة…( ،إلى آخر ما
يقول ذوو القلوب المرضى في كل زمان ومكان ،فلما فرضه على نساء رسوله صلى
ال عليه وسلم لم يبق مجال لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن ترغب بنفسها عن
نساء الرسول صلى ال عليه وسلم فترى السفور لها ول تراه لزواج الرسول صلى
ال عليه وسلم وبناته ،وهذا ُيعرف عند علماء الصول بالقياس الجلي ومن باب
أولى كتحريم ضرب البوين قياسًا على تحريم التأفيف في قوله تعالى) :فل تقل لهما
ف ول تنهرهما وقل لهما قوًل كريمًا( .92"91
أ ٍ
و بعد أن انتهت أسماء قالت بنظرة حانية :ما رأيك الن يا مروة ؟؟
ذهلت مروة من هذا العلم الذي يتدفق من لسان أسماء و علمت أن أسماء ل تتكلم
ك ال خيرًا يا أسماء ..و لكن ......
لمجرد الكلم فطأطأت رأسها و قالت :جزا ِ
35
الشبهة الثالثة :السلم يهدف إلى تطهير العلقات بين الجنسين عن طريق
التربية ل عن طريق سد الذرائع
36
ترد أسماء قائلة :القول بأن تعويل السلم في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير
العلقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية
العقائديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير…؛ قول غير سديد ول
دقيق.
تقول مروة :لماذا يا أسماء ؟!
تستمر أسماء قائلة :ل شك أن التوعية اليمانية والتربية العقدية والتعاون على
الخير هي من وسائل السلم الساسية في تطهير العلقات بين الجنسين من التحلل
والفساد .غير أن شريعة السلم لم َتكل الناس إلى ضمائرهم فقط التي قد تهن ،ول
سّنت تدابير وإجراءات وقائية ترد هذه الضمائر
إلى نفوسهم التي قد تضعف ،ولكنها َ
إلى الستقامة إذا نزعت إلى التمرد ،وتغلق على النفوس مداخل الشيطان وتوصد
مسارب الفساد إذا استشرفت هذه النفوس للفتن ولم ترتدع بوازع اليمان والتقوى.
توقف مروة أسماء سائلة :مثل ماذا إذن ؟!
ترد أسماء على مروة بحلم :منع الختلط بين الجنسين ،وتحريم الخلوة بالمرأة
الجنبية ،وتحريم التبرج وإظهار الزينة ،والمر بغض البصر ،وتحريم الخضوع
بالقول ،وتحريم سفر المرأة بغير محرم ،وتحريم الدخول إلى بيوت الخرين بغير
إذن… كل هذه الشياء تعتبر من الوسائل التي تغلق على النفوس مداخل الشيطان و
هذا هو مبدأ سد الذرائع في السلم .
إن التوعية والتربية العقديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في
العلقات البشرية ل يكفي في تطهير العلقات بين الجنسين من التحلل والفساد ،ما لم
ينضم إليه سد جميع أبواب الفتن وذرائع الفساد.
فنحن ل نعارض توعية الجنسين وتربيتهما تربية إسلمية عقدية ،وإشاعة قيم
الطهر والخلق والفضيلة… ،وإنما نعارض استغناء النساء بذلك عن القرار في
البيوت والبعد عن الختلط بالرجال الجانب في مجالت العمل والتعليم ونحوهما.
فنقصان التربية العقدية والقيم الخلقية من أحد الجنسين كاف في وقوع الفتنة عند
ل منهما على الخر ول نرد الشبهات التي تساورنا وإن
اختلطهما ،فنحن نخاف ك ً
37
ردها غيرنا ،وماذا يسعنا أن نقول عنا بعد ما قال نبي ال ورسوله يوسف عليه
ئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء( ،93ول در الشريف الرضي حينما
السلم )وما ُأبر ُ
قال:
ن أمي ُ
ن ظ ول الِمي ُ
ك الّلحا ُ
ِتل َ ك ُلّبُه
ن تْمل ُ
ف حي َ
ل العف ع ٌ
ومن جّراء ذلك لزم أن ل تسنح أي فرصة للجنسين وأن تسد طرقها ،وفرض
الحجاب ومنع الختلط من هذه الوسائل .
ثم قالت مروة مزمجرة في غضب :و لكن يا أسماء ..قرار النساء في البيوت هو
السجن بحق أليس هذا ظلمًا ؟؟
ظَلَمُهْم
سكتت أسماء هنيهة ثم قالت في روية :يا مروة إن ال ل يظلم أحدا َ )..وَما َ
94
ن(
ظِلُمو َ
سُهْم َي ْ
ن َأْنُف َ
ل َوَلِك ْ
ا ُّ
ردت أسماء في لطف :يا أخيتي ..اعتبار قرار النساء في البيوت أنه بمثابة تحويل
هذه البيوت إلى سجون للنساء والحكم عليهن جميعًا بما حكم به اللتي أتين
الفاحشة ،هذا العتبار ينطوي على استخفاف بحكم ال ورسوله ،وفيه تضليل
محض ،لنه وإن كان الصل هو قرار المرأة في بيتها ،فإن السلم ُيجيز لها الخروج
منه عند الحاجة إلى ذلك مع اللتزام بالحجاب الشرعي واجتناب مخالطة الرجال،
ل الخروج لزيارة الوالدين ،ولصلة الرحام ،وللحج مع محرم ،ولطلب
فيجيز لها مث ً
علم ،ولمراجعة طبيب ،وللدلء بشهادة لدى القاضي ،ولداء الصلوات في المسجد
إذا ُأمنت الفتنة ،ولقضاء حاجة مشروعة ل تقضى إل بوجودها ونحو ذلك.
قالت مروة و هي خجلة من نفسها :معذرًة أخيتي على تسرعي و غضبي ..اللهم
اغفر لي ..اللهم اغفر لي ..
38
ك أخيتي ...إن ال غفور رحيم ..استغفري ال ..
تقول أسماء و برفق :ل علي ِ
ثم نظرت أسماء إلى الساعة فوجدتها الثانية عشرة ..فاتفقت أسماء مع مروة أن
تعاود الزيارة بعد غد لتكملة النقاش حتى تستطيع أسماء أن تراعي لوازم بيتها من
إعداد المأكل و تحضير المسكن 95..و لكي تستطيع مروة تقديم طلب لجازة لمدة يوم
حتى تستطيع أن تكمل النقاش مع أسماء .
95هذه هي المرأة المسلمة ل يشغلها شاغل عن أمور بيتها و رعاية أفراد أسرتها .
39
صـــراع داخـلـي
خرجت مروة من عند أسماء متجهة إلى بيتها و ما هي إل حوالي نصف ساعة إل و
فتحت مروة باب منزلها لتدخل بعد عناء يوم طويل ...
ظلت مروة مستغرقة في التفكير شاردة الذهن طوال ذلك اليوم و لم يكن بمقدورها أن
تواصل حياتها بشكل عادي بعد هذا اليوم و قد أثر هذا على شهيتها أيضًا فلم تعد
ترغب في الطعام و ل محادثة أحد كما أغلقت هاتفها النّقال ) المحمول ( لئل يطلبها
أحد من أصدقائها .
40
رد صوت من الخارج :نعم يا مروة ..أنا هاني ..افتحي ؟!
تلعثمت مروة و لم تدِر ما تفعل ..و لم يكن هذا حالها عندما كان يأتيها هاني قبل هذا
اليوم ..فقالت مروة :لحظة من فضلك ؟
و مر ما يزيد عن الخمس دقائق و لم تفتح مروة الباب تفكر تفكيرًا عميقًا فيما تفعل
إن الصراع الدائر بين عقلها و نفسها لم يحسمه طرف بعد على حساب الطرف الخر
..و ظلت هكذا إلى أن استسلم العقل للنفس و ذهبت مروة لتفتح الباب.
ت؟
قال هاني :ما كل هذا يا مروة ..أين كن ِ
دخل هاني المنزل و ما زال الصراع الدائر بداخل مروة مسيطرًا على تفكيرها ،جلس
هاني و ما زالت مروة أمام الباب فاستعجب هاني بشدة من حال مروة خاصة عندما
نظر إليها فوجدت عينيها الحائرتين بين الباب و بين مكان جلوس هاني ..
ك؟
فقطع هاني هذا الصمت :مروة ..ماذا ب ِ
فلم ترد مروة ..و ما زالت متوقفة عند الباب عقلها و نفسها يحاربان بعضهما
البعض هل تترك الباب مفتوحًا أم تغلقه كعادتها ..
ل :كنت أظنك ستأتي معنا اليوم مع الـ ) شلة ( بعد النتهاء من زيارة
أكمل هاني قائ ً
صديقتك ؟ فلهذا ذهبت لمنزل صديقتك لكي نذهب سويًا لنقابل الـ ) شلة ( !!
التفتت مروة فجأة لكلم هاني و قالت :ماذا ؟!! ذهبت لصديقتي ؟!!!!
41
رد و هو يضحك :لقد طرقت الباب على صديقتك تلك و وقفت منتظرًا أن يرد أحد فلم
يرد أحدا إل بعد أن طرقت مرة أخرى .فسألتني صديقتك بصوت جاد 96كأنها تعمل
في الشرطة >> و أطلق ضحكة عالية <<
عندها فقط حسمت مروة الصراع بين عقلها و نفسها لصالح عقلها و تركت الباب
مفتوحًا و ذهبت تجلس بعيدة بعض الشيء عن هاني .
فلما رأى هاني منها هذا توقف عن الضحك مستعجبًا لعدم مشاركتها إياه في الضحك
و العبث كما كانا يفعلن دائمًا و متعجبًا من موقفها تجاه هذا الباب المفتوح.
و قبل أن يتحدث هاني بكلمة أخرى قالت مروة :اعتذر بشدة يا هاني فأنا مرهقة
بشدة و أحتاج إلى النوم.
ك يا مروة حسنًا أنصرف الن و أعود في المساء لكي نذهب سويًا
فرد هاني :ل علي ِ
لسهرة الليلة مع الـ ) شلة (
فردت مروة مسرعة دون تفكير :ل يا هاني اعتذر لي اليوم عند الـ )شلة ( و قل لهم
أني مرهقة و لن أستطيع الذهاب معهم اليوم .
ك اليوم سأبلغهم .
تعجب هاني و قال :حسنًا يا مروة و إن كانت ل تعجبني حالت ِ
42
خرج هاني و أغلق الباب المفتوح ورائه ..و ظلت مروة جالسة في مكانها لم تتحرك
بعد شاردة الذهن إلى أن غلبها النوم فقامت لتنال قسطًا من الراحة استعدادًا ليوم
عمل جديد .
استيقظت مروة كعادتها في الصباح الباكر للذهاب إلى العمل و لكنها ما زالت تعيش
هذا الصراع الداخلي الذي راودها بالمس و لم تستطع التخلص منه فقد ظنت أنه
بمجرد أن تنام و تطلع عليها الشمس أنه سينتهي المر و لكن خاب ظنها و لكنها لم
تستسلم له كثيرًا و انطلقت لكي تلحق بموعد العمل .
تعمل مروة في مصلحة حكومية لخدمة المواطنين و يعمل زميلها هاني معها في
نفس المصلحة بل و نفس الغرفة في المصلحة .
دخلت مروة من باب المصلحة و صعدت إلى المكتب فوجدت هاني منتظرًا إياها
ليطمئن عليها و لكنها عللت حالتها بالمس بأنه مجرد إرهاق بدني و سرعان ما
انتهى بالنوم و الراحة .
44
لم تجلس مروة كثيرًا في المكتب فهي بضع دقائق كانت تكتب فيها طلب إجازة
عارضة للغد حتى تستعد لموعد أسماء المرتقب و عندما استعدت للخروج من
المكتب لحظ هاني استعدادًا مروة للرحيل
و خرجت مروة من مكتبها متجهة إلى مكتب المدير و قدمت طلبها و وافق عليه
المدير و قام بالتصديق عليه و خرجت مروة من المصلحة متجهة إلى المنزل و كان
هذا في تمام العاشرة صباحًا .
دخلت مروة منزلها و أخدت ترتب المنزل و عندما بدأت في ترتيب غرفة الجلوس
وقع عينيها على شيء كأن عينيها لم تقع عليه من قبل ..إنها مكتبة والدها– 98
رحمه ال – التي جمعها في حياته .
و كأن شيئًا بداخل مروة هاتفها أن تنظر إلى هذه المكتبة لعلها تجد ما يجيب عن
أسئلتها و صراعاتها الداخلية و يرخص لها فيما تفعله .
98و مروة تعد من عائلة ميسورة الحال ترك لها والدها ماًل وفيرًا و هي تعيش في الصل مع والدتها و أخ وحيد و لكنهما
كانا يقضيان إجازة في أحد المدن الساحلية.
45
أخذت تبحث بين جنبات هذه المكتبة إلى أن وقعت يديها على كتيب من كتابات
شياطين النس إنه لحد دعاة تحرير المرأة و ما أن وقع الكتاب في يديها أخذت تقرأ
فيه بشغف شديد و كلما وجدت ما يوافق رغبتها الدفينة تتهلل أساريرها مهما كان
ى رائع في نفس مروة ...ظلت مروة
هذا الكلم ضد العقل و الفطرة إل أن له صد ً
تقرأ فيه دون انقطاع لفترة تجاوزت الثلث ساعات من القراءة الدقيقة المليئة
بالثارة كأنها تقرأ قصة من قصص الطفال حتى انتهت منه عن أخره و لسان حالها
يقول :إن غدًا لناظره قريب
و لما جاء موعد السهرة مع الـ ) شلة ( كانت مروة قد قضت على ما بداخلها من
صراعات فكانت سهرتها كسابقيها من اختلط و خلوة و ضحك و خضوع بالقول فما
قرأته في الكتاب أوهمها أنها على الحق المبين .
46
الموعــد المـرتقب
حان الموعد و انتظرت أسماء مروة في نفس الموعد المحدد بينهما ..إلى أن جاءت
الساعة التاسعة صباحًا ..و كانت أسماء تنتظر مروة في شرفة منزلها 99إلى أن
حضرت مروة و دق جرس الباب ..فرحبت بها أسماء و انطلقا إلى حجرة النساء
ليستكمل حديثهما .
قالت لها مروة :لنستكمل حديثنا يا أسماء ..فعندي أسئلة كثيرة و دلئل قوية بأن
الختلط ليس بحرام و أن عمل المرأة ضروري من أجل بناء المجتمع ..فقد أمضيت
99مرتدية الحجاب الكامل الذي يستر جميع بدنها ليس كما يفعل معظم النساء يخرجون دون حجاب و ربما بملبس النوم و
أنا ل و أنا إليه راجعون.
47
يومي كله بالمس أبحث و أقرأ و لم يغمض لي جفن لكي أجد الحقيقة و ما وجدت
من دلئل و آراء ألهب صدري و أشعل نار الحماسة في قلبي و أحسست أني بلغت
الطريق.
قالت مروة :حسنًا يا أسماء ...بما أن المرأة ليس عليها القيام بأعمال البيت و
السرة فلماذا تقر في بيتها إذن ؟ إذ أنه ل يمكن أن تجلس المرأة طول اليوم هكذا بل
عمل ..
نظرت أسماء إلى مروة في ذهول ..و ظنت مروة أنها قد أوقعت أسماء في مأزق
صعب الخلص منه ..
قطعت أسماء هذا الظن و قالت :ما هذا الهراء يا مروة ..إني ل أعلم أحدا يقول
ك قلتيه ؟؟
بمثل هذا الكلم ..و لكن ِ
انقطعت فرحة مروة الزائفة لتقول في تلعثم ِ :لَم إذن ..و أين الدليل على هذا من
الصل ؟!
قالت أسماء :لقد خلق ال عز وجل الرجل والمرأة وجعل بينهما فروقًا عديدة ،منها
فروق جسدية تكوينية ،وفروق عقلية سلوكية ،وفروق نفسية وجدانية ،وهذه
ل منهما مؤهل بخصائص وطاقات
الفروق تؤكد الختلف والتباين بينهما ،وأن ك ً
تخدم مجاله وميدانه ،فالختلف في التكوين والخصائص يقابله اختلف في التكليف
والوظائف.
فمن يقول أن المرأة مؤهلة للمساواة بالرجل فقد كذب و رب الكعبة ..فما هذا بقول
عاقل و ل بقول سديد إنما هو قول الشيطان يضل به أولياءه .
48
وطبيعة تكوين المرأة الجسدي والعقلي والنفسي يؤهلها لمهمتين أساسيتين
ووظيفتين حيويتين في الحياة النسانية نصت عليهما النصوص الشرعية ،وهما:100
-1وظيفة الزوجة:
-2وظيفة المومة:
وهي أقدس وظيفة وأشرف مهمة تقوم بها المرأة ،وبسببها جعل ال الم
أحق بالبر من الب ،كما جعل إكرامها والحسان إليها أقرب سبيل إلى الجنة.
ووظيفة المومة تستلزم أربع مراحل أو أربعة أدوار متلحقة لها أثر بالغ في
حياة النسان ،وهي:
دور الحمل.
دور الوضع.
دور الرضاع.
100للستزادة في معرفة طبيعة هاتين الوظيفتين راجع كتاب )مشكلت المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب
والسنة( للدكتورة مكية مرزا ص 49وما بعدها ،ط الولى 1410هـ1990-م ،دار المجتمع.
101سورة العراف .189
102سورة الروم .21
103سورة النحل .72
49
دور الحضانة والتربية .
يقول عز وجل في بيان هذه الدوار) :ووصينا النسان بوالديه إحسانًا حملته
أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلثون شهرًا( ،104ويقول) :ووصينا
النسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك
ي المصير( ،105ويقول أيضًا) :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد
إل ّ
أن يتم الرضاعة( ،106ويقول صلى ال عليه وسلم" :المرأة راعية على بيت بعلها
وولده وهي مسؤولة عنهم".107
فالحمل هو الثمرة الطبيعية للقاء الزوجي بين الذكر والنثى ،والرغبة في
المومة غريزة فطرية وأمر واقعي بالنسبة للمرأة نظرًا لتكوينها الجسمي والعقلي
والنفسي كما تقدم .وتطول مدة الحمل إلى تسعة أشهر ،والمرأة مسؤولة عنه
باعتباره روحًا وحياة جديدة تخلق في بطنها ،وقد أخذ ال منها الميثاق بأل تقتله
عمدًا أو تتسبب في قتله ،حيث يقول تعالى في آية بيعة النساء) :ول يقتلن أولدهن(
.108
وأما الوضع فهو المخاض المذكور في قوله تعالى) :فأجاءها المخاض إلى
ت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا( ،109والوضع عملية شاقة
جذع النخلة قالت يا ليتني م ّ
شديدة تفقد فيها المرأة كمية كبيرة من الدم ،ثم تعقبها فترة النفاس التي تستمر
أربعين يومًا ،تعاني فيها المرأة من الرهاق بعد الجهد الشاق الذي بذلته أثناء عملية
الوضع ،وصدق ال حين قال) :حملته أمه كرهًا ووضعته كرها( .110
50
وأما الرضاع فمدته سنتين كاملتين لقوله تعالى) :والوالدات ُيرضعن أولدهن
حولين كاملين( ،أما حكمه بالنسبة للم فنجده في قوله تعالى) :ل تضار والدة
بولدها( ،حيث يروي المام البخاري عن يونس عن الزهري أنه قال" :نهى ال أن
تضار والدة بولدها ،وذلك أن تقول الوالدة :لست مرضعته ،وهي أمثُل له غذاًء
وأشفق عليه وأرفق به من غيرها ،فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما
جعل ال عليه".111
والحليب الممتص من ثدي الم هو الغذاء الطبيعي الملئم للطفل الوليد ،وهو
أول وأهم ما يحتاجه عند قدومه إلى هذه الدنيا ،ولذا ورد الحث عليه ،حيث يقول
سبحانه) :وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه( ،112وعليه فل ُيقبل من الم المتناع
عن إرضاع طفلها بحجة انشغالها بالعمل خارج البيت ،لنها تكون بذلك مقاومة لسنة
الفطرة وطبيعتها كأنثى مزودة بجهاز قد خلقه ال لهذا الغرض.
وأما الحضانة والتربية فهي أمر له شأن عظيم وأثر كبير في حياة الطفل،
ولذا جعله ال عز وجل من أعظم حقوق البناء على الباء ،وهو حق واجب في ذمة
البوين معًا ،وتقوم به الم بالدرجة الولى ،لنها المدرسة الولى التي يتعلم فيها
البناء ،أول دروس الحياة ،وهي القدرة المثلى أمامهم ،فأول ما تتفتح عليه عينا
الطفل هي أمه ،فتحتضنه وتحنو عليه ،وتجتهد في تربيته تربية إسلمية صحيحة،
فيشعر بالمان والطمئنان ،وتكون هي بذلك قد قامت بواجب من استرعاها ال إياه
وحّملها مسؤوليته.
فوظيفة الزوجية ووظيفة المومة أهم وأعظم الوظائف التي تختص بالمرأة،
وقد حددتهما النصوص الشرعية ،فهما من أوجب الواجبات عليها ،والخلل أو
التقصير في أدائهما من غير عذر يقع فيه الوزر عليها ،وينشأ عنه الثر السيئ على
الفراد والمجتمعات .وهذا من أهم السباب التي من أجلها شرع السلم للمرأة القرار
في البيت وأمر الرجل بالنفاق عليها وتلبية حاجاتها ومطالبها.
111صحيح البخاري مع الفتح ،كتاب )النفقات( ،الباب ) ،(4ج /9ص .504
112سورة القصص .7
51
إل أنه ربما تحتاج المرأة إلى العمل خارج بيتها لظروف وأحوال عديدة ،كأن تضطر
إلى ذلك لعالة نفسها وأولدها إن لم يكن لها من يعولها ويعول أولدها ،وكأن تقوم
بأعمال تمس الحاجة فيها إلى المرأة خاصة كالتوليد والتمريض ومعالجة المراض
النسائية ،والتعليم في مدارس البنات ،والعمل في دور الرعاية الجتماعية النسائية
والجمعيات النسائية الخيرية ،ونحو ذلك من المرافق التي يحتاج المجتمع فيها إلى
طائفة من النساء لسد حاجته منها ،فإنه والحالة هذه يجيز لها السلم العمل خارج
بيتها وفق الضوابط الشرعية التالية:
-1إذن وليها لها بالخروج للعمل ،سواء كان الولي أبًا أو زوجًا.
-2خلو مقر عملها من الختلط والخلوة بالرجال الجانب عنها.
-3التزامها بالحجاب الشرعي والحشمة والوقار ،واجتنابها الطيب والزينة.
-4أل يستغرق العمل جهدها ووقتها ،فإذا ما استنفدت طاقتها وجهدها في العمل
خارج منـزلها ،فإن ذلك سيخل – بل شك -بأدائها لوظيفتها الساسية داخل المنـزل.
-5أن يتناسب العمل مع طبيعة تكوينها وفطرتها ،بحيث ل ُتوكل إليها العمال الشاقة
التي تتطلب الخشونة وبذل الجهد العضلي ،كأعمال الحفر والبناء والنقل وشق
الطرق وإقامة السدود وأعمال مصانع الليات الثقيلة.
وأختم هنا في هذه النطقة يا مروة بكلمة جامعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن
باز رحمه ال فيها رد بليغ على دعاة خروج المرأة من بيتها ومشاركتها الرجل في
ميدان عمله ،حيث يقول تغمده ال بواسع رحمته" :إن الدعوة إلى نزول المرأة
للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الختلط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو
التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له
تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية،
التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.
ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الختلط من المفاسد التي ل تحصى فلينظر إلى
تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلء العظيم اختيارًا أو اضطرارًا بإنصاف من
نفسه وتجرد للحق عما عداه ،يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي والتحسر
52
على انفلت المرأة من بيتها وتفكك السر ،ونجد ذلك واضحًا على لسان الكثير من
الُكّتاب ،بل في جميع وسائل العلم وما ذلك إل لن هذا هدم للمجتمع وتقويض
لبنائه.
والدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالجنبية وتحريم النظر
إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حّرم ال أدلة كثيرة قاضية بتحريم
الختلط لنه يؤدي إلى ما ل تحمد عقباه.
وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة
إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها ال عليها ،فالدعوة إلى نزول
المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع السلمي ،ومن أعظم
آثاره الختلط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه
وأخلقه.
ومعلوم أن ال تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبًا خاصًا يختلف تمامًا عن
تركيب الرجل ،هيأها بها للقيام بالعمال التي في داخل بيتها والعمال التي بين بنات
جنسها.
ومعنى هذا :أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجًا لها عن
تركيبها وطبيعتها ،وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم،
ويتعدى ذلك إلى أولد الجيل من ذكور وإناث ،إذ أنهم يفقدون التربية والحنان
عزلت تمامًا عن مملكتها
والعطف ،فالذي يقوم بهذا الدور وهو الم قد فصلت منه و ُ
التي ل يمكن أن تجد الراحة والستقرار والطمأنينة إل فيها ،وواقع المجتمعات التي
تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول .والسلم جعل لكل من الزوجين واجبات
خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت
وخارجه ،فالرجل يقوم بالنفقة والكتساب ،والمرأة تقوم بتربية الولد والعطف
والحنان والرضاعة والحضانة والعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن
والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من العمال المختصة بالنساء ،فترك واجبات
البيت من ِقَبْل المرأة يعتبر ضياعًا للبيت بمن فيه ،ويترتب عليه تفكك السرة حسيًا
53
ل وصورة ل حقيقة ومعنى .قال ال جل
ومعنويًا ،وعند ذلك يصبح المجتمع شك ً
ض وبما أنفقوا من
ضل ال بعضهم على بع ٍ
وعل) :الرجال قّوامون على النساء بما ف ّ
أموالهم( ،113فسنة ال في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة؛ وللرجل فضل عليها
كما دلت الية الكريمة على ذلك.
وأمر ال سبحانه المرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه :النهي عن
الختلط وهو اجتماع الرجال بالنساء الجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع
أو الشراء أو النـزهة أو السفر أو نحو ذلك ،لن اقتحام المرأة لهذا الميدان يؤدي بها
إلى الوقوع في المنهي عنه ،وفي ذلك مخالفة لمر ال وتضييع لحقوق ال المطلوب
شرعًا من المسلمة أن تقوم بها".
و بعد أن انهت أسماء كلمها قالت :ها ..يا مروة ...ما رأيك ؟
ل من نفسها ..و شعرت أنها اقتحمت عرين السد فما
سكتت مروة و لم ترد خج ً
جاءت بشبهة إل و كانت حجة عليها ..
ك لم تعلمي بعد ما في جعبتي
ثم قطعت مروة هذا الصمت قائلة :حسنًا يا أسماء و لكن ِ
من أدلة و براهين ..
ابتسمت أسماء ابتسامة حانية و قالت :هاتي ما عندك أخيتي ..
54
الشبهة الخامسة :قصة يوسف عليه السلم
بدأت مروة في الكلم فقالت :ما رأيك في قصة سيدنا يوسف عليه السلم أليست
ت ِإَلْيِهنّ
سَل ْ
ن َأْر َ
سِمَعتْ ِبَمْكِرِه ّ
ل كافيًا على الختلط في قوله تعالى َ ) :فَلّما َ
دلي ً
ن َفَلّما َرَأْيَنهُ َأْكَبْرَنُه
عَلْيِه ّ
ج َ
خُر ْ
سّكينًا َوَقاَلتْ ا ْ
ن ِ
حَدٍة ِمْنُه ّ
ت ُكّل َوا ِ
ن ُمّتَكًأ َوآَت ْ
ت َلُه ّ
عَتَد ْ
َوَأ ْ
ك َكِريٌم ( 114؟
شرًا أن َهَذا ِإّل َمَل ٌ
ل َما َهَذا َب َ
ش ِّ
حا َ
ن َ
ن َوُقْل َ
ن َأْيِدَيُه ّ
طْع َ
َوَق ّ
ردت أسماء قائلة :من تأمل هذه الية وما جاء قبلها وبعدها جزم بأنه ليصح
الستدلل بها على جواز الختلط ،بل اليات حجة عند النظر والتأمل لمن منع من
الدخول على النساء ومخالطتهن:
فيوسف عليه السلم اشتراه عزيز مصر ،وكان في بيته وكان خروجه بأمر ربة
البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة ،خاصة وأنه ليعلم لماذا ُدعي ،فغاية
ما في القصة الستدلل بفعل النسوة أو امرأة العزيز ،وهذا استدلل بفعل من كان
على الشرك ،ومع ذلك فإن اليات في سياق القصة وما تبعها من فتنة حصلت للنساء
55
بل ولمرأة العزيز من قبل دليل على حرمة الختلط ،فمن حلل الختلط بقصة
يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من سورة يوسف ،ولو فقهه لحرم الختلط به،
فانظر إلى الفتنة التي حصلت إثر الدخول على النساء ولئن عصم ال يوسف عليه
السلم فأراه برهان ربه لكونه من المخلصين ،فمن الذي يضمن هداية من تقحم
الفتن وعرض نفسه لها؟ فـ"إياكم والدخول على النساء" ،كما قال نبينا صلى ال
عليه وسلم.115
ردت مروة قائلة في غيظ شديد :إذن و ما رأيك في قصة سيدنا موسى و المرأتين ..
ل كافيًا بل و قويًا جدًا لمن يكابر و يقول أن الختلط غير جائز ..
أليست دلي ً
ردت أسماء في رفق :ليس في هذه القصة أي حجة على جواز الختلط بل هو دليل
آخر على المنع ،فموسى لما رأى ُأّمة من الناس يسقون ،ووجد من دونهم امرأتين
تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم ،منعزلتان لتسقيان مع الناس ،لم يرضه
موقفهما واستغربه ولهذا سألهما بعبارة مختصرة :ما خطبكما؟ فكان الجواب بأوجز
عبارة وبقدر الحاجة) :لنسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).116
والسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا القتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص
القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا الغنم؟ أليس عن
الختلط بغنم القوم؟ ثم أليس الولى لهما أن تعجل؟ جواب ذلك في القول باستقرار
56
المنع من الختلط عندهما ولهذا قالتا( :ل نسقي حتى يصدر الرعاء ، )117وقد ذكر
بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهًا في القصة انتزع منها الدللة على منع
الختلط .وآخر ذكر تسعة عشر مظهرًا من مظاهر العفة في القصة.
اشتاطت مروة غيظًا ..كلما جاءت بشبهة لتثبت لكبرها أنها المنتصرة عادت بخفي
حنين ..فقالت :إذن ما رأيك في أخبار سمراء و الشفاء رضي ال عنهما ..؟
قالت أسماء :مما أشكل على بعض المضللين و دعاة الختلط و تحرير المرأة و
الفجور خبر مفاده تولية النبي صلى ال عليه وسلم سمراء بنت نهيك أمر السوق،
وحديث سمراء بنت نهيك الذي أخرجه الطبراني في الكبير ،صححه بعض أهل
العلم ،118وفيه أن يحيى بن أبي سليم قال" :رأيت سمراء بنت نهيك -وكانت قد
أدركت النبي صلى ال عليه وسلم -عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب
الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر" ،119وهو كما ترى ليس فيه ذكر لولية
بل ولسوق! ثم إن الحتمالت ترد على معناه وغاية ما فيه أنه – ابن أبي سليم -
ل أو وليته منصبًا ،فربما كانت
رأى سمراء تأمر وتنهى ،ولم يقل أنها اتخذت ذلك عم ً
خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها ،وهذا دأب عباد ال الصالحين ،ولعل
117سورة القصص 23
118قال العلمة اللباني في الرد المفحم" :أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ) (311 / 24بإسناد جيد ،قال الهيثمي )
(9/264ورجاله ثقات" ،وقد ذكر سمراء بنت نهيك المام ابن عبد البر في الستيعاب ) (4/1863وذكر نحو هذا الثر ،أما
ابن حجر –رحمه ال -فقد ذكرها ثم قال في الصابة )" : (7/712تأتي في القسم الثالث" فما أتت ،وكأنه نسيها ،وممن
أشار إلى صحبتها صاحب تاريخ واسط ،1/42ولعل الثر مختلف فيه لختلفهم في ابن أبي سليم ،ولكن ليس فيه أنها وليت
السوق.
119المعجم الكبير .24/311
57
صبًا لكان معروفًا
مما يجعل هذا الحتمال وجيهًا هو عدم نقل غيره له ولو كان َمن ِ
مشهورًا منقوًل عن غيره ،ولسيما لو كان منصبًا في محل عام يرده ويصدر عنه
الفئام ،بل ندر من لتكون له حاجة فيه .وأهل العلم ليحرمون خروج المرأة للحاجة
أو الضرورة وإن تكرر الخروج ،فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع
في خروجها ،فل حرج عليها ،فإذا رأت منكرًا وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره،
وهذا غاية ما في أثر بنت نهيك.
ولُيعرف من أشار إلى توليتها السوق منصبًا ،وإنما ُذكر عن عمر – رضي ال
عنه -أنه وّلى أم سليمان بن أبي حثمة الشفاء بنت عبدال العدوية القرشية شيئًا من
أمر السوق ،وقد كانت موصوفة بفضل وعقل وهي من المهاجرات الوائل رضي ال
عنهن جميعًا ،ولعل خبر توليتها السوق ليس له سنٌد ُيعّول عليه ،كما أن ظاهر كلم
أهل العلم يفهم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن ،فقد ذكرها الحافظ
المزي فقال " :وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما
ولها شيئًا من أمر السوق ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر" 120ونقله نحوه ابن حزم
في المحلى 121ولكن الزرقاني أشار إلى أن من ُوّلي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة،
قال " :وقال )أبو( عمر رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلء المسلمين
وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان"،122
وكلم الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبدالبر كما في الستيعاب ،123وقد نقله
الحافظ ابن حجر في الصابة ،وقال " :قلت هذا كله كلم مصعب الزبيري وذكره عنه
الزبير بن بكار".124
فغاية ما في هذا إن ثبت – فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلثين ومائتين وبينه
وبين عمر مفاوز -أن عمر رضي ال عنه ولها شيئًا من أمر السوق مع ابنها ،ولعل
ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك وال
.2/649 123
3/242 124
58
أعلم ،وهذا الصنيع له وجهه الذي ليخفى فإن شؤون النساء قد ليناسب مباشرة
بعض حالت احتسابها رجال ،وهذا ظاهر.
وأخيرًا هناك من يذكر خبرًا عن شخصية يسمونها خولة بنت الزور ويذكرون
قصة إنقاذ أخيها ضرار –وهو صحابي معروف -من السر ،ول أصل لهذه القصة فل
ل عن القصة.
يوقف معها ،بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظر فض ً
هنا توقف لسان مروة عن الحديث ..فلم يعد في جعبتها بعد أن فندت أسماء كل
أدلتها الواهية شيئًا ..
فانهارت و أخذت تبكي بكاءًا له نحيب ..
لم تفهم أسماء ماذا حدث فأخذت تربت على كتفيها و تهدئها ..إلى أن هدئت ..
فردت عليها مروة :ل يا أسماء أبدًا ..أنا فقط أصابني الرهاق فقط من كثرة النقاش
و ليس لدي القدرة على المواصلة .
فهّدأت أسماء من روع مروة ..و انصرفا إلى حديث آخر لعلها تهدأ و اتفقا على
موعد آخر في صباح بعد غد -وكان يوم جمعة -لستكمال الحديث.
59
خرجت مروة من بيت أسماء متجهًة إلى منزلها فبدأت تنزل الدرج شاردة الذهن فيما
علمته من الحق و لكنها تكابر حتى تثبت أنها على صواب ..و بينما هي كذلك تذكرت
أنها على موعد خلل بضع دقائق مع صديقها هاني ..و لم تدر ما تفعل ..هل تخرج
معه بعد الحق الذي علمته أم ماذا ؟!
و بعد التفكير لم تستطع مروة أن تهزم تكبرها على الحق ..و قررت الخروج مع
هاني و كأن شيئًا لم يكن ..و لحظات حتى جاءت سيارة هاني في المكان المتفق
عليه للقاء و كان بقرب بيت أسماء و جاءت السيارة بنفس الصخب الذي جاءت به
أول مرة ،لتستقل مروة السيارة مع صديقها – كما تزعم – هاني ....
سارت السيارة بسرعة جنونية متجهة إلى هدفها و هو أحد المقاهي التي انتشرت في
الونة الخيرة تحت عنوان ) كوفي شوب ( و في الطريق لحظ هاني شرود مروة و
استغراقها في التفكير ..
60
فقالت :ل شيء ..ل عليك يا هاني .
سكت هاني و لم يسأل مرة ثانية و كأنه لم يسأل و استغرق في سماع الموسيقى
الصاخبة و استغرقت مروة في التفكير من جديد ..
و عندما وصلت السيارة إلى هدفها استقرت أمام الـ ) كوفي شوب ( و نزلت مروة
بصحبة هاني لمقابلة الـ ) شلة ( التي كانت تتكون من فتاتين و شابين بالضافة إلى
مروة و هاني ..
دخل هاني بصحبة مروة إلى الـ ) كوفي شوب ( و إذا بهما أمام الـ ) شلة ( التي
كانت جالسة على إحدى الطاولت الموجودة بالمكان فاتجها إليهم ..و جلسا بعد
الترحيب ..و ما زالت الحقيقة تتقلب في رأس مروة مما أدى إلى استغراقها في
التفكير ..و صمتها التام ..لحظ ذلك أفراد الـ ) شلة (
فسألوا مروة مستهزئين : 125ماذا يا مروة ،هل تفكرين باختراع الذرة ؟ >> و
تعالت الضحكات>>
فردت مروة :بل أفكر في مصيري ..هل أبقى معكم في هذه الـ ) شلة ( الغبراء أم
ل ؟!
خيم الصمت على المكان ..و حل الوجوم بأهله ..و كأن الصاعقة قد حلت عليهم ..
61
حــــوار ســاخــن
62
لم يصدق أحدا من أفراد الـ ) شلة ( هذه الكلمات التي انطلقت من لسان مروة
كطلقات الرصاص و لم تدرك مروة ما قالت ..فلم تجد تفسيرًا واحدًا لهذا الكلم إل
أن كلم أسماء و حديثها قد أثر فيها تأثيرًا بالغًا ..
لم يكمل هاني سؤاله حتى عاد بالجواب من لسان مروة :ل بالطبع أنا أفكر قطعيًا
بترككم للبد ..
قالت مروة :ل بل على العكس تمامًا ..قضيت معكم أيامًا لن أنساها طيلة حياتي إلى
مماتي ..و لكنها كانت أيامًا مليئة بالمعاصي و الذنوب ..اشتد ظلمها من هول ما
كنا نفعل ..فكيف لي أن أنسى مكوثي مع هاني طيلة النهار نطوف في الشوارع أو
في المقاهي منفردين ..و لم أعي بقلبي ما قاله حبيبي لي ..
63
قالت و لم تدر كيف قالت :حبيبي رسول ال ..قال " :أل ل يخلون رجل بامرأة إل
كان ثالثهما الشيطان" 126و استمرت قائلة وسط ذهول الحاضرين ..أود أن أطرح
عليكم سؤاًل و بال عليكم أجيبوني بكل صراحة ..
سكت الجميع و لم يلفظ أحد منهم بكلمة واحدة ..فأعادت عليهم مروة السؤال و لكن
بنبرة أشد حدة من ذي قبل و كأنها تؤنبهم ..
فلم يرد أحد ..لن الجابة لم تكن بمستحيلة و لكنها صعبة على القلوب ثقيلة على
اللسان معروفة في الذهان ..و تركت لهم المقهى و انصرفت ...
انصرفت مروة و دموعها ل تتوقف كالنهر الجارف ..متجهة إلى منزلها مستغرقة
ي ..يا هل ترى
في أفكارها ..و تقول في نفسها :من أين أتت هذه القوة بين جانب ّ
هل بدأ الحق يسطع في قلبي ..؟!
نامت مروة دامعة العينين ..لتستعد ليوم جديد ..و لربما علقة جديدة مع ربها ..
وجاء اليوم التالي ..و حان وقت العمل ..و لكن مروة لم تكن تطيق لترى هذه
الوجوه التي تركتها بالمس فاتصلت برئيسها في العمل تطلب منه إجازة عارضة
لهذا اليوم أيضًا فوافق بعد أن أنذرها أن هذه هي آخر إجازة يمكن أن تطلبها في هذه
الفترة .
126رواه المام أحمد في المسند ج /3ص ،446ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي ال عنه في )أبوب الفتن(،
باب )ما جاء في لزوم الجماعة( برقم ) (2254ج /3ص ،315وقال" :حديث حسن صحيح غريب" .ورواه الحاكم في
المستدرك وقال" :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج /1ص .198
64
لم تعلم ماذا تفعل مروة فموعدها مازال مع أسماء غدًا ..و إذا هي كذلك ..دق جرس
ق أي
الهاتف النّقال ) المحمول ( فإذا به هاني ..فأغلقت مروة الهاتف و لم تتل َ
مكالمة هاتفية على هاتف المنزل و ظلت شاردة حزينة بين بكاء و صمت إلى أن دقت
الساعة الرابعة عصرًا .
و دقت حينها أجراس الحقيقة في قلب مروة فقامت للوضوء و استعدت لصلة العصر
و في الصلة أخذت تدعو ال بحرارة شديدة و بكاء مرير أن يلهمها الحق و أن
يرزقها إتباعه فلم تعد تقوى على ما هي فيه ..
فبعد الصلة أحست مروة بالراحة و الطمأنينه و شعرت مروة أن الحل في الصلة و
قد تعلمت مروة في مدرستها أن ال تعالى ينزل إلى السماء الدنيا نزوًل يليق بجلله
في الثلث الخير من الليل و يقول هل من مستغفر لغفر له هل من تائب لتوب
عليه ؟!
هنا عقدت مروة العزم على أل تفوت الليلة هذه المقابلة الهامة جدًا بينها و بين ال
عز و جل لتطلب منه عز و جل التوفيق و السداد لما فيه الخير و الصلح لدنياها و
آخرتها .
قامت مروة و هي نشيطة سعيدة لتتناول وجبة الغداء و بعد ما انتهت منها نامت قلي ً
ل
لتستعد لموعدها الهام الليلة .
65
مـــوعـــد هـــــام
و انتظار بالجابة
66
دق جرس المنبه لتقوم مروة إلى موعدها الهام في الثلث الخير من الليل فقامت و
توضأت و أحسنت الوضوء و استعدت للقاء خالقها و مصورها و بارئها و أمسكت
المصحف و بدأت في الصلة ..
و في كل ركعة تخر إلى ال ساجدة داعية باكية منيبة طائعة ،تدعو بحرقة شديدة
بصوت يخرج من العماق أن يمن ال عليها بالحق و أن يتوب عليها و يجنبها
الباطل و الكبر و التمادي في الضلل .
67
و بعد أن انتهت من صلتها و سلمت ..أخذت تستغفر و تدعو بإصرار و عزيمة
شديدين إلى أن أذن المؤذن لذان الفجر فقامت و صلت و دعت ال تعالى أن يكتبها
من عباده التائبين
قـــــرار مـفــاجــئ
68
جاء اليوم التالي ،و دقت الساعة الثامنة صباحًا و كان هذا يوم الجمعة ..و كانت قد
اتفقت مروة مع أسماء على أن يكون موعدهما من الساعة التاسعة إلى صلة
الجمعة.
عندما دقت الساعة الثامنة و النصف بدأت مروة في التحرك من بيتها حتى تدرك
موعدها مع أسماء و ل تتأخر عليها و حال مروة بين المس و اليوم شتان الفارق
شتان ..كانت صافية النفس ،تملها العزيمة و الرادة و لم يكن يعلم أحد بما يدور
في رأس مروة إل ال ،و يبدو على وجهها أنها إتخذت قرار ما و قريبًا جدًا تنفيذه.
دقت الساعة التاسعة و دق جرس الباب و إذا بمروة تقف على باب بيت أسماء
فرحبت بها أسماء و أدخلتها إلى غرفة النساء ..
لحظت أسماء التغير على وجه مروة و النور الذي يشع من وجهها فاستبشرت خيرًا
ردت مروة و ابتسامتها تمل شفتيها :أحمد ال على ذلك يا أسماء فوال لقد عشت
ليلة لم أعشها من قبل و أحسست بأني أملك الرض و ما فيها .
69
فقالت مروة :عشت ليلة يا أسماء ما أحسست أني فيها خاضعة ذليلة إل فيها ..
عشت ليلة لم أشعر في حياتي بمثلها ...عشت ليلة لو ملكت الرض كلها بدًل من
هذه الليلة ما أشبعتني كما فعلت تلك الليلة .
ردت أسماء في لهفة :و ما هي هذه الليلة و ماذا فعلتي شوقتيني يا مروة ؟
وقفت أسماء تنظر إلى مروة و عينيها تلمعان من تجمع الدموع فيها ..
ردت مروة :لقد قررت أن أقطع علقتي بكل من حولي من الرجال و أن أستقيل من
عملي يا أسماء ..
لم تتمالك أسماء نفسها فبكت بشدة فرحًا بما قالته مروة ..و لم تتمالك مروة أن ترى
129
صديقة عمرها في هذه الحالة فبكت معها من شدة التأثر ..
فلما هدأت أسماء قالت :و ال نعم القرار يا أخيتي نعم القرار !!
129يكون العبد في قمة التأثر و الخضوع و الذل إلى ال و رقة القلب في حال التوبة من ذنب عظيم و يكون همه كبير في
تحصيل طاعات ال من أجل أن يبدل سيئاته حسنات
70
ي بهذا القرار يا أختي الحمد
ردت مروة و هي متؤثرة بشدة :الحمد ل الذي من عل ّ
ي بأخت مثلك تنصحني و تتحمل سخافاتي و مضايقاتي الحمد ل
ل الذي أنعم عل ّ
الحمد ل .
فدعت لها أسماء و بكت من شدة الفرح و انخرطا في حديث آخر إلى أن حان موعد
إنصراف مروة فعانقت أسماء بشدة و هي تشكرها و اتفقا على موعد آخر بعد أن
تقدم مروة استقالتها لكي تطمئن أسماء عليها .
ذهبت مروة إلى مقر عملها و على محياها علمات الجد و العزيمة ..و استئذنت في
الدخول على رئيسها في العمل و لكن بصحبة إحدى صديقاتها 130و عندما دخلت
أعطت المدير ورقة صغيرة
و قالت :سيدي المدير أنا اعتذر بشدة فأنا أقدم استقالتي إليكم و أرجو منكم قبولها.
و تركت المكتب و انصرفت من المصلحة بل رجعة ..فلما انصرفت قام رئيسها بفتح
الورقة فلم يجد بها إل سطر واحد ..
71
131
تركت العمل طاعة ل و رسوله
131و كانت هذه نهاية الجزء الول من قصتنا :أختاه متى اللتزام ..و التي تناولنا فيها :الختلط و عمل المرأة داعين ال
أن يوفقنا لما فيه الخير و الصلح و إلى اللقاء في الجزء الثاني لنرى ماذا حدث عندما قابلت مروة أسماء ..
72