You are on page 1of 72

‫منتدى‬

‫نور السلم‬
‫‪http://www.noor-alislam.com‬‬

‫يقدم لكم ‪...‬‬

‫سلسلة‬
‫‪21‬‬
‫أختاه ‪ ...‬متى اللتزام ؟!‬

‫جمع و ترتيب و تأليف‬


‫فريق عمل دار نشر نور السلم‬
‫‪http://daralnashr.noor-alislam.com‬‬

‫‪ 1‬سلسة ) أختاه ‪ ..‬متى اللتزام ؟! ( سلسلة تتكون من عدة موضوعات تواجه كل الخوات إل من رحم ربي و عصم‬
‫سنتناولها عن طريق قصة و أحداث حتى نزيح من عليها ستار الملل و ربما توجد من بين هذه الموضوعات ما يواجه‬
‫الخوة أيضًا و سيكون لهم سلسلة منفصلة بإذن ال اسمها ) أخي ‪ ..‬متى اللتزام ؟! ( قريبًا إن شاء ال تصدر من نور‬
‫السلم ‪ ..‬و إنما كان الهتمام بالخوات أوًل لما في ذلك من صلح المجتمع و إصلحه إن إلتزمن بعون ال و توفيقه ‪.‬‬
‫‪ 2‬من المصادر التي اعتمدنا عليها بعض البحاث الموجودة التي توجد بمكتبة صيد الفوائد و هي ‪ :‬الختلط بين الواقع‬
‫والتشريع و حكم الختلط و بعض المقالت الهامة في هذا الشأن و تم التحقق منها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تقديم نورالسلم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫‪2‬‬
‫الحمد ل رب العالمين و الصلة و السلم على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على‬
‫آله و صحبه و سلم ‪..‬‬
‫اخوتي و أخواتي القراء الكرام ‪ ..‬سلم ال عليكم و رحمته و بركاته ‪،،‬‬
‫قبل أن نقوم بالتقديم لهذه السلسلة‪ ،‬دعونا نتعرف سويًا على منتدى نور السلم‪..‬‬

‫‪ – 1‬من نحن؟‬
‫نور السلم منتدى إسلمي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف‬
‫الصالح – و نحمد ال على أن وفقنا لذلك‪ -‬و ينقسم المنتدى إلى ستة أقسام رئيسية و‬
‫هي‪:‬‬
‫مسجد نور السلم‬
‫مكتبة نور السلم‬
‫دار نشر نور السلم‬
‫إعلم نور السلم‬
‫دار إفتاء نور السلم‬
‫زهرات السلم ) قسم الخوات (‬
‫وتتجانس هذه القسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفًا دقيقًا للوصول بها إلى‬
‫أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة‪.‬‬
‫ل هامًا ‪..‬‬
‫و يأتي الن سؤا ً‬

‫‪ - 2‬لماذا سعينا لعمل ورشة تأليف للكتب في المنتدى ؟‬


‫إن السبب الرئيسي لنشاء مثل هذا القسم المتميز من نوعه و الذي يتفرد به نور‬
‫السلم – على ما نعلم – هو الهمة العالية التي يتمتع بها القائمين على المنتدى و‬
‫رغبتهم الصادقة في تسخير الطاقات المخزنة لدى الشباب في خدمة السلم و‬
‫المسلمين و لو كان من خلل عمل بسيط الذي هو سيكون بداية لعمال أكبر و أضخم‬
‫في المستقبل بإذن ال ‪.‬‬
‫‪ – 3‬ما هي أعمالنا الحالية أو المستقبلية ؟‬

‫‪3‬‬
‫قد تبنى نورالسلم في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء ال تعالى – و ندعو ال‬
‫تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا ال تعالى – و هي سلسلة )دعوة على‬
‫منهاج النبوة ( و الكتيب الذي بين أيدينا الن هو جزء من سلسلة جديدة اسمها‬
‫) أختاه ‪ ...‬متى اللتزام ؟! (‬
‫و تّبنى نور السلم إصدارات أخرى أيضًا سيقوم بإصدارها تباعًا إن شاء ال و‬
‫الفصاح عنها في وقتها المحدد‪.‬‬

‫‪ – 4‬كيف تنضم إلى قافلة نور السلم المباركة ؟‬


‫يمكنك الدخول على هذا الرابط ‪ http://www.noor-alislam.com :‬و التسجيل‬
‫معنا و أن تعرض علينا أفكارك و تشاركنا في أقسام نور السلم ‪ ..‬فنحن ننتظرك‬
‫بفارق الصبر و لبداء أي ملحظات يسعدنا أن نتلقاها على هذا البريد ‪:‬‬
‫‪noor-alislam.com@hotmail.com‬‬

‫مع تحيات‬
‫فريق عمل دار نشر نور السلم‬
‫‪http://daralnashr.noor-alislam.com‬‬

‫‪4‬‬
‫تـقـديـم السلسلة‬

‫‪5‬‬
‫‪3‬‬
‫مقدمة السلسلة‬

‫إلى حفيدات أسماء في العفة و الطهر و النقاء ‪ ..‬إلى السائرات على درب عائشة و‬
‫حفصة و سمية ‪ ..‬إلى الطاهرات النقيات التقيات العفيفات ‪..‬‬
‫إلى المغرورات بزخارف الغرب و الشرق الزائفة ‪ ..‬إلى المبهورات بحضارة‬
‫المتخلفين ‪ ..‬إلى كل من عصت ربها و شقت ستور خدرها فخرجت من بيتها كاسية‬
‫عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة أطلق صيحة التحذير و صرخة النذير ‪:‬‬

‫أختاه ‪ ...‬متى اللتزام ؟!‬


‫موت الفجأة يخطف الشاب قبل العجوز ‪ ..‬و اقترب يوم الحساب وحانت لحظة‬
‫الوعيد ‪ ..‬فأين أنت يا أختاه من ال الواحد القهار ‪..‬‬
‫سَراِبيُلُهْم‬
‫صَفاِد َ‬
‫ن ِفي اَل ْ‬
‫ن َيْوَمِئٍذ ُمَقّرِني َ‬
‫جِرِمي َ‬
‫حِد اْلَقّهاِر َوَتَرى اْلُم ْ‬
‫ل اْلَوا ِ‬
‫) ‪َ ...‬وَبَرُزوا ِّ‬
‫سِريُع‬
‫ل َ‬
‫ت أن ا َّ‬
‫سَب ْ‬
‫س َما َك َ‬
‫ل ُكّل َنْف ٍ‬
‫ي ا ُّ‬
‫جِز َ‬
‫جوَهُهْم الّناُر ِلَي ْ‬
‫شى ُو ُ‬
‫ن َوَتْغ َ‬
‫طَرا ٍ‬
‫ن َق ِ‬
‫ِم ْ‬
‫حٌد َوِلَيّذّكَر ُأْوُلوا‬
‫س َوِلُينَذُروا ِبِه َوِلَيْعَلُموا َأّنَما ُهَو ِإَلٌه َوا ِ‬
‫غ ِللّنا ِ‬
‫ب َهَذا َبل ٌ‬
‫سا ِ‬
‫ح َ‬
‫اْل ِ‬
‫‪4‬‬
‫ب(‬
‫اَلْلَبا ِ‬
‫ك هذه السلسة المتواضعة ‪ ..‬مستعينين‬
‫ألم تحن ساعة اللتزام يا أختاه ‪ ..‬نكتب إلي ِ‬
‫بال و قدرته أن يمن علينا و نكملها و ندعوال أن تنتفعي بها لتتوجهي إلى الطريق‬
‫السليم ‪.‬‬
‫فلنبدأ معًا أختاه ‪ ..‬قصتك و قصة أخواتك و قصة صديقاتك ‪ ...‬إنها تحدث في اليوم‬
‫ألف مرة بل و ربي أكثر ‪ ..‬إنه صراع الحق و الباطل إلى أن يشاء ربك ‪ ..‬فتمهلي‬
‫معنا أختاه ‪ ..‬و عيشي معنا هذه القصة ‪..‬‬

‫مع تحيات‬
‫فريق عمل دار نشر نور السلم‬
‫‪http://daralnashr.noor-alislam.com‬‬
‫وكـانت هذه البداية ‪...‬‬
‫‪ 3‬المقدمة مقتبسة من كتاب ) مناظرة مبهجة بين متحجبة و متبرجة ( لبراهيم فتحي عبد المقتدر و راجعه الشيخ ‪ /‬وحيد‬
‫عبد السلم بالي‬
‫‪ 4‬سورة إبراهيم ‪52 : 48‬‬

‫‪6‬‬
‫وقفت تختار من بين ملبسها ما تخرج به اليوم للسهرة مع زوجها محمد الذي كان‬
‫يعمل بدار الكتب ‪ ..‬ها هي أسماء تخرج فستان سهرتها و تقف أمام المرآة تعدل من‬
‫هندامها ‪..‬‬
‫ل ‪ :‬هلّمي يا أسماء تأخرنا على موعد الدرس ‪.‬‬
‫نادى عليها محمد قائ ً‬
‫فردت عليه أسماء ‪ :‬حسنًا يا محمد انتهيت من ارتداء النقاب فقط أثبته ‪.‬‬

‫و انطلقا الزوجان إلى درسهما مع الشيخ‪ .... / 5‬في مسجد ‪ ...‬و تكلم الدرس يومها‬
‫عن العفة و كيف كانت أمهات المؤمنين عفيفات طاهرات نقيات و تطرق الدرس‬
‫لمثال كثيرة من صحابيات رسول ال و نسائه صلى ال عليه و سلم فكان بحق درسًا‬
‫رائعًا ترقص له القلوب و يحلق العقل به في الحلم طمعًا في أن تنال تلك النجوم‬
‫العالية المتألقة في سماء العفة والطهر و النقاء ‪.‬‬

‫بعد انتهاء الدرس خرجت أسماء تنتظر محمد في السيارة وكانت الساعة تقترب من‬
‫العاشرة مساءًا ‪ ..‬فأخذت تقلب أسماء في الوجوه المارة أمامها من النساء فما‬
‫وجدت خيرًا قط ‪ ..‬فما وجدت إل متنمصة ‪ ..‬أو ملطخة وجهها بكل أنواع البويات ‪..‬‬
‫أو تاركة لشعرها العنان يطير أينما حركه الهواء ‪ ..‬و بينما هي على تلك الحال ‪،‬‬
‫فرأت منظرًا لم يكن يخطر ببالها ‪ ..‬إنها مروة صديقتها في الثانوية العامة‪ ..‬صديقة‬
‫عمرها ‪ ..‬إنها تقف في صحبة شاب من شباب ) الخنفسة (‪ 6‬تتحدث إليه و تضحك و‬
‫تتمايل ‪ ..‬فأبت نفس أسماء أن ترى هذا المشهد أمام ناظريها و تسكت عما فيه أختها‬
‫‪ ..‬و لكن كيف تحدثها و معها هذا المختل ‪ .‬فكرت لحظة ثم قفزت في عقلها فكرة ‪..‬‬
‫فأخرجت أسماء هاتفها النّقال ) المحمول ( و بحثت عن رقم الهاتف الخاص‬
‫بصديقتها مروة فقد تذكرت أن والد مروة اشترى لها هاتفًا كجائزة بعد نجاحها في‬
‫الثانوية العامة وأنها أعطتها الرقم حينها ‪ ..‬فطلبتها أسماء و انتظرت إلى أن أخرجت‬
‫مروة هاتفها النقال و ردت ‪...‬‬

‫‪ 5‬لن نذكر أيًة أسماء حقيقة لشيخ أو لمكان إل عند الستدلل به‬
‫‪ 6‬إذا قمنا باستخدام ألفاظ عامية أو شائعة سنقوم بوضعها بين أقواس هكذا ‪( ) ..‬‬

‫‪7‬‬
‫فقالت مروة ‪ ) :‬هاي مين معايا ؟!(‬
‫فقالت أسماء وهي مذهولة مما سمعت ‪ :‬السلم عليكم و رحمة ال و بركاته ‪ ،‬أنا‬
‫أسماء صديقتك من الثانوية العامة ‪..‬‬
‫فردت مروة و على وجهها الحيرة ‪ :‬أسماء ‪..‬أسماء من ؟!‬
‫قالت أسماء ‪ :‬أسماء صديقتك ‪>> ....‬و حكت لها موقفًا يذكرها بها<<‬
‫ك بي الن ‪ ..‬؟‬
‫ل ‪ ..‬ما الذي ذكر ِ‬
‫ل أه ً‬
‫فصاحت مروة ‪ :‬أسماء ‪ ..‬أه ً‬
‫فقالت أسماء ‪ :‬انظري الن أمامك ‪..‬‬
‫فالتفتت فما وجدت إل سيارة صغيرة تجلس بداخلها سيدة ترتدي نقابًا لونه أسود ‪..‬‬

‫ت برهة ‪..‬‬
‫فقالت أسماء ‪ :‬أنا التي في السيارة ‪ ..‬فهل قدم ِ‬

‫صعقت مروة بعد أن رأت أسماء على هذه الحال و هي تقول في نفسها ) ما الذي‬
‫أصابها لعلها جنت أو أجبرها أهلها على هذه الخيمة على رأسها ( ‪ ..‬فلما تقدمت‬
‫مروة تجاه السيارة قامت لها أسماء تقبلها و تسلم عليها ‪ ..‬و تبادل الحديث لبرهة و‬
‫اتفقت مروة مع أسماء على التقابل غدًا بمنزل أسماء و أعطتها العنوان ‪ ...‬و صعقت‬
‫أيضًا مروة عندما علمت بزواج أسماء رغم أنهما في نفس السن و هي لم تتزوج إلى‬
‫الن رغم ما قيل لها عن جمالها الفتان و عقلها الباهر و لسانها الفصيح ‪ ..‬كل هذا‬
‫يدور بمخيلتها بعد أن تركتها أسماء عندما حضر زوجها محمد و رحل إلى‬
‫منزلهما ‪..‬‬
‫و في الطريق إلى المنزل ظلت أسماء تتذكر منظر صديقة عمرها مروة وحالها‬
‫المزري الذي آلت إليه ‪ ..‬فلم تكن مروة على هذه الحال عندما دخلت مروة كلية ‪......‬‬
‫و انطلقت أسماء إلى تعلم العلوم الشرعية في كلية ‪ ......‬فكانت مروة ترتدي حجابًا‬
‫جيدًا إلى حد ما ‪ ،‬أما ما رأته أسماء من تبرج صريح و خلعة ظاهرة لم يكن ليخطر‬
‫ببالها فها هي مروة لطخت وجهها بكل أنواع البويات الموجودة في السوق و كشفت‬
‫عن شعرها بعد أن ذهبت إلى ) الكوافير ( لتمشطه و تسرحه بآخر الصيحات‬
‫العالمية‪ -‬تشبهًا بالكافرات‪ -‬والن أسماء تتذكر هذه الملبس المبهرجة المعطرة‬
‫المكشوفة الملونة التي رأتها على مروة ‪ ،‬هذا إضافة إلى التنمص الظاهر و غيره‬

‫‪8‬‬
‫من الــ ) بلوي ( التي لم ترد أسماء أن تفكر فيها ‪ .‬ظلت أسماء شاردة إلى أن عادت‬
‫إلى منزلها تفكر كيف تبدأ معها من الغد‪...‬‬

‫جاء اليوم التالي ‪ ،‬و حان موعد صلة الفجر فأيقظت أسماء زوجها‪ 7‬محمد‬
‫ليحضرالصلة في المسجد و قامت هي لتستعد للصلة‪.‬‬

‫و عندما حان موعد الشروق صعد محمد من المسجد حتى يتجهز للنزول إلى عمله ‪،‬‬
‫فأسرعت أسماء تحضر لزوجها ملبسه و ذهبت تعد له الفطار ‪..‬‬

‫نزل محمد إلى عمله بدار الكتب ‪ ،‬و ظلت أسماء تنظم البيت و ترتبه لحين حضور‬
‫الضيفة ‪ ،‬فانتظرت أسماء إلى أن سمعت ضوضاء كبيرة في الشارع التي كانت تقطن‬
‫فيه فإذا بسيارة يستقلها شاب و يشغل المذياع بأحد أشرطة الــ ) الكاسيت ( القذرة و‬
‫إذا بالباب ينفتح و تخرج منه مروة ‪ ..‬لم تصدق أسماء ما رأت فكانت صاعقة أشد‬
‫من سابقتها بالمس‪.‬‬

‫فإذا بالباب ُيطرق و ها هي مروة تدخل و ترحب بها أسماء كثيرًا ‪ ،‬و أخذت بيدها‬
‫لتدور بها في أنحاء البيت فها هي غرفة الجلوس و ها هو مطبخها و أخذت تطوف‬
‫بها في أنحاء البيت تريها منزل الزوجية إلى أن انتهيا إلى غرفة الجلوس الخاصة‬
‫بالنساء في منزل أسماء ‪.‬جلسا سويًا بعد أن أحضرت أسماء طعام الفطار‪ 8‬و هما‬
‫يتجاذبان أطراف الحديث ‪..‬‬

‫‪ 7‬هذه هي الزوجة التي تعين زوجها على طاعة ربه‬


‫‪ 8‬هذا هو المسلم يكرم ضيفه دون أن يستأذنه في إحضار الطعام أو ل مصداقًا لحديث رسول ال – صلى ال عليه و سلم‪" -‬‬
‫من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يؤذي جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه‪ ،‬ومن كان يؤمن بال‬
‫عَلْيِه‪.‬‬
‫ق َ‬
‫واليوم الخر فليقل خيرًا أو ليسكت" ُمّتَف ٌ‬

‫‪9‬‬
‫فسألت أسماء‪ -‬و على وجهها ابتسامة‪ -‬صديقتها مروة قائلة ‪ :‬من هو الشاب الوسيم‬
‫‪9‬‬
‫ك ؟!‬
‫ك اليوم إلى هنا يا مروة ؟! هل هو زوجك ؟! أم أخو ِ‬
‫الذي أوصل ِ‬

‫أظهرت مروة علمات العجب على وجهها و هي تقول ‪ :‬ل هذا و ل ذاك ‪ ...‬إنه‬
‫زميلي منذ أن كنا في الدراسة و عملنا سويًا بعد ذلك أيضًا ‪ ..‬تجمعنا صداقة بريئة‪..‬‬

‫‪ 9‬ل يجوز للمراة أن تخالط الرجال إل من ذوي المحارم أو ما شرع ال ‪ ..‬و هذا ما تم تحديده في الية الكريمة من سورة‬
‫النور )‪(31‬‬

‫‪10‬‬
‫)‪ (1‬الخـتــلط و‬
‫عــمــل الـمــرأة‬

‫انزعجت أسماء من إجابة مروة و توقفت عن الكل و قالت لها ‪ :‬ماذا ؟!! صداقة‬
‫بريئة ؟!! أتعملين ؟!!‬

‫قالت مروة و بكل برود ‪ :‬أجل و ما الخطأ في هذا ؟!!‬

‫حينها علمت أسماء من أين تبدأ مع صديقة عمرها ‪ ...‬فبدأت معها النقاش بجد و‬
‫حماس ‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫و قالت ‪ :‬لو لم يكن فيه خطأ لفعلته !! و لكني على يقين بخطورة الختلط و توابعه‪..‬‬

‫ت بهذه العقلية المتأخرة يا أسماء ‪ ..‬و‬


‫ضحكت مروة مستهزئة و هي تقول ‪ :‬أمازل ِ‬
‫ال ظننت أنك تقدمتي و فهمتي الدنيا على حقيقتها ‪ ..‬فلماذا كنا نتعلم إذن ‪ ..‬وا أسفاه‬
‫!!‬

‫فردت أسماء بقول الثابتة ‪ :‬و ال إن التأخر كل التأخر في مخالفة أمر ال تعالى و‬
‫رسوله ‪ ..‬و إنا ل و إنا إليه راجعون ‪..‬‬

‫سكتت مروة و كأنها ضربت بسلح في وجهها و لم تنطق بكلمة ‪..‬‬

‫إستمرت أسماء في حديثها قائلة بكلمات حانية ‪ :‬و ال يا أخيتي الغالية ‪ ..‬يا صديقة‬
‫ك ‪ ..‬إنك يا أخيتي‬
‫ك كما أخاف على نفسي ‪ ..‬و إني ناصحٌة إيا ِ‬
‫عمري إني لخاف علي ِ‬
‫في خطر كبير و يوم الموقف العظيم ليس ببعيد فإني أخشى أن يفوت الوقت دون أن‬
‫تعودي لرشدك ‪..‬‬

‫توقف لسان مروة عن الكلم ‪ ..‬و لما استطاعت أن تتكلم لم تجد إل ‪ :‬ماذا تريدين يا‬
‫أسماء ؟‬

‫ردت عليها صديقتها الواثقة بما تقول ‪ :‬ما رأيك أن نتناقش في هذه القضية الخطيرة‬
‫لعلي أستطيع أن أجذبك معي إلى طريق الحق ‪ ...‬ما رأيك ؟!‬
‫‪10‬‬
‫ردت عليها مروة بتعجرف ‪ :‬ليس لدي مانع ‪ ..‬و لكني على يقين بأني لست مخطئة‬

‫ل ‪ :‬إذن هيا بنا أوًل لنصلي صلة الضحى‪ 11‬ثم نكمل‬


‫قالت أسماء و وجهها متهل ً‬
‫حديثنا ‪..‬‬

‫فقاما للصلة ‪ ..‬و بعد النتهاء منها توجها معًا لقاعة المكتبة‪ 12‬التي اعتنى محمد‬
‫بجمعها بحكم عمله في دار الكتب فكانت مكتبة قيمة تستحق المتابعة و القراءة ‪..‬‬

‫‪ 10‬هذا حال كل من علم أنه على معصية ‪ ،‬فعند مناصحته يتعجرف و يغضب و يزمجر و هويعلم أنه على خطأ إل من رحم‬
‫ربي و عصم ‪.‬‬
‫سّلم قال‪> :‬يصبح على كل سلمى من أحدكم صدقة‪ :‬فكل تسبيحة‬ ‫عَليِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫عنُه عن النبي َ‬
‫ل َ‬
‫ي ا ُّ‬
‫ضَ‬
‫‪ 11‬عن أبي ذر َر ِ‬
‫صدقة‪ ،‬وأمر بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهي عن المنكر صدقة‪ ،‬ويجزئ من ذلك ركعتان يركعةما من الضحى< َرَواُه ُمسِلٌم‪.‬‬
‫‪ 12‬تحتوي مكتبة محمد على كثير من الكتب الحديثة و القديمة من كتب السلف والمعاصرين‬

‫‪12‬‬
‫جلسا يحتسيان الشاي ‪ ..‬و دار النقاش بينهما ‪..‬‬

‫الشبهة الولى ‪ :‬السلم لم يمنع اختلط الجنسين !!‬

‫تقول مروة وهي تأرجح شعرها و تصففه بيدها ‪ :‬السلم لم يمنع اختلط الجنسين !!‬
‫بل كانوا يختلطون في المساجد والسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس‬
‫التشاور في أمور المسلمين يا أسماء فكيف بعد هذا تأتي و تقولي أن الختلط ل‬
‫يجوز و حرام و هذا الكلم الغريب !!‬

‫قالت أسماء في عزة و ثبات ‪ :‬إن ال تعالى شرع لمته ما يفيدها و ل يضرها ‪ ..‬و قد‬
‫شرع ال تعالى في شريعته أن الختلط محرم بكل وسائله ‪ ..‬و هاكي الدلة على‬
‫صدق ما أقول و أول هذه الدلة من القرآن الكريم ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪) :‬وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن‬
‫الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل‬
‫البيت ويطهركم تطهيرًا‪ ،‬واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة إن ال‬
‫كان لطيفًا خبيرًا(‪ ، 13‬حيث أمر سبحانه أمهات المؤمنين –وجميع المسلمات‬
‫والمؤمنات داخلت في ذلك‪ -‬بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن‬
‫عن وسائل الفساد‪ ،‬لن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى شرور عدة كالتبرج‬
‫والخلوة بالجنبي‪ ،‬ثم أمرهن بالعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر‪،‬‬
‫وذلك بإقامتهن الصلة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن ل ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والخرة‪ ،‬وذلك بأن يكن على اتصال‬
‫دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب‬
‫ويطهرها من الرجاس والنجاس ويرشد إلى الحق والصواب‪.‬‬
‫وقد سمى ال مكث المرأة في بيتها قرارًا‪ ،‬وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة‪،‬‬
‫ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها‪ ،‬وخروجها عن هذا القرار‬
‫يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما ل تحمد عقباه‪.‬‬
‫‪ -2‬وقوله تعالى‪) :‬يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين‬
‫عليهن من جلبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فل ُيؤذين وكان ال غفورًا رحيمًا(‪ ، 14‬حيث‬
‫أمر عز وجل نبيه عليه الصلة والسلم –وهو المبلغ عن ربه‪ -‬أن يقول لزواجه‬
‫وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن‪ ،‬وذلك يتضمن ستر باقي‬
‫أجسامهن بالجلبيب إذا أردن الخروج لحاجة لئل تحصل لهن الذية من مرضى‬
‫القلوب‪.‬‬
‫فإذا كان المر بهذه المثابة فما بالك بنـزولها إلى ميدان الرجال واختلطها‬
‫معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة‪ ،‬والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنـزل إلى‬
‫مستواهم‪ ،‬وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك النسجام بين الجنسين المختلفين‬
‫معنى وصورة‪.‬‬

‫‪ 13‬سورة الحزاب ‪34 - 33‬‬


‫‪ 14‬سورة الحزاب ‪59‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ -3‬وقوله تعالى‪) :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك‬
‫أزكى لهم إن ال خبير بما يصنعون‪ ،‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن‬
‫فروجهن ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن( ‪،15‬‬
‫حيث يأمر سبحانه نبيه عليه الصلة والسلم أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن‬
‫يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا‪ ،‬ثم أوضح سبحانه أن هذا المر أزكى‬
‫لهم‪ .‬ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها‪ ،‬ول شك أن‬
‫اختلط النساء بالرجال؛ والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها وإطلق البصر –‬
‫الذي هو من لوازم هذا الختلط‪ -‬من أعظم وسائل وقوع الفاحشة‪ ،‬وهذان المران‬
‫المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الجنبية كزميلة أو‬
‫مشاركة له في العمل في مختلف مجالته وميادينه‪ .‬فاقتحامها هذا الميدان أو اقتحامه‬
‫الميدان معها ل شك أنه من المور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج‬
‫والحصول على زكاة النفس وطهارتها‪.‬‬
‫وهكذا أمر ال المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إل ما‬
‫ظهر منها وأمرهن ال بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها‪،‬‬
‫لن الجيب محل الرأس والوجه‪ ،‬فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء‬
‫الزينة عند نزول المرأة إلى ميدان الرجال واختلطها معهم في العمال‪ ،‬والختلط‬
‫كفيل بالوقوع في هذه المحاذير‪ ،‬وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي‬
‫تسير مع الرجل الجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في العمال أو تساويه في‬
‫جميع ما يقوم به ؟!!‪.‬‬

‫والسلم يحرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى المور المحرمة‪ ،‬ولذلك‬
‫نجده حرم على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما‬
‫في قوله تعالى‪) :‬يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فل تخضعن بالقول‬

‫‪ 15‬سورة النور ‪31-30‬‬

‫‪15‬‬
‫فيطمع الذي في قلبه مرض( ‪ ،16‬يعني مرض الشهوة‪ ،‬فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع‬
‫الختلط؟!!‪.‬‬

‫ومن البديهي أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال لبد أن تكلمهم وأن‬
‫يكلموها‪ ،‬ولبد أن ترقق لهم الكلم وأن يرققوا لها الكلم‪ ،‬والشيطان من وراء ذلك‬
‫يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له‪ ،‬وال حكيم عليم حين أمر‬
‫المرأة بالحجاب والبعد عن الختلط‪ ،‬وما ذاك إل لن الناس فيهم البر والفاجر‬
‫والطاهر والعاهر‪ ،‬فالحجاب واجتناب الختلط يمنع بإذن ال من الفتنة ويحجز‬
‫دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء والبعد عن مظان التهمة‪.17‬‬

‫‪ -4‬وقوله تعالى‪) :‬وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم‬


‫أطهر لقلوبكم وقلوبهن( الية‪ ،18‬فهذا يدل على أن سؤال أي شيء من النساء‬
‫الجنبيات إنما يكون من خلف ستر يستر الرجال عن النساء والنساء عن الرجال‪.‬‬
‫وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها الذي يحجبها عن‬
‫الرجال الجانب؛ بحيث ل يروا شيئًا من جسدها‪ ،‬ول شيئًا من لباسها ول زينتها‬
‫الظاهرة ول الباطنة‪.‬‬

‫و قالت أسماء ‪ :‬وأما دليل ذلك من السنة يا مروة فهو ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها‪ ،‬وخير صفوف النساء آخرها‬
‫وشرها أولها"‪ ،19‬حيث يرشد هنا النبي صلى ال عليه وسلم إلى ضرورة إبعاد‬
‫الرجال عن النساء في الصلة التي أقرب ما يكون فيها المسلم إلى ربه‪ ،‬حيث تضعف‬
‫شهوات النفس وتخف وساوس الشيطان وإغوائه ويكون المسلم فيها والمسلمة أبعد‬

‫‪ 16‬سورة الحزاب ‪.32‬‬


‫‪ 17‬انظر‪ :‬سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –الرسائل والفتاوى النسائية ص ‪ ،22-20‬ط الولى ‪1409‬هـ‪ ،‬دار طيبة –‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 18‬سورة الحزاب ‪.53‬‬
‫‪ 19‬رواه المام مسلم في صحيحه في كتاب )الصلة(‪ ،‬باب )تسوية الصفوف وإقامتها( ج ‪/4‬ص ‪.159‬‬

‫‪16‬‬
‫عن مواضع الفتنة والريبة‪ ،‬فكيف في غير الصلة؟!!‪ ،‬فهذا مما يدل على ضرورة‬
‫منع الختلط بين الجنسين في ميادين العمل وغيرها‪.‬‬

‫‪ -2‬وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان‪ ،‬وأقرب ما تكون بروحة‬
‫ربها وهي في قعر بيتها"‪ ،20‬قال الطيبي‪" :‬والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها‬
‫لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس‪ ،‬فإذا خرجت طمع وأطمع‪ ،‬لنها حبائله‬
‫وأعظم فخوخه"‪ ،21‬وقال المنذري‪ :‬فيستشرفها الشيطان "أي ينتصب ويرفع بصره‬
‫إليها وَيهّم بها‪ ،‬لنها قد تعاطت سببًا من أسباب تسلطه عليها‪ ،‬وهو خروجها من‬
‫بيتها"‪.22‬‬

‫‪ -3‬وما روي عن أم حميد الساعدية رضي ال عنها أنها جاءت إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول ال إني أحب الصلة معك‪ ،‬فقال‪" :‬قد علمت‬
‫ك‪ ،‬وصلت ِ‬
‫ك‬ ‫ك في حجرت ِ‬
‫ك من صلت ِ‬
‫ك في بيتك خير ل ِ‬
‫أنك تحبين الصلة معي‪ ،‬وصلت ِ‬
‫ك في‬
‫ك من صلت ِ‬
‫ك خير ل ِ‬
‫ك في دار ِ‬
‫ك‪ ،‬وصلت ِ‬
‫ك في دار ِ‬
‫ك خير لك من صلت ِ‬
‫في حجرت ِ‬
‫ك في مسجدي"‪.23‬‬
‫ك من صلت ِ‬
‫ك خير ل ِ‬
‫ك في مسجد قوم ِ‬
‫ك‪ ،‬وصلت ِ‬
‫مسجد قوم ِ‬
‫فهذه الصحابية امرأة صالحة تقية ذات خلق ودين‪ ،‬ومع ذلك بّين لها صلى ال‬
‫عليه وسلم الحق والخير في أي الماكن تكون صلتها فيه أفضل وأبقى‪ ،‬وذكر لها‬
‫على الترتيب الماكن التي يتميز بعضها عن بعض في الخير‪ ،‬وهي‪ :‬بيتها‪ ،‬والمراد‬
‫به هنا‪ :‬المكان الذي تكون فيه المرأة أكثر سترًا وبعدًا عن أعين الناس‪ ،‬وهو مكان‬
‫مبيتها مع زوجها الذي ل يراها فيه أحد سواه‪ ،‬ثم حجرتها – ويظهر من الحديث أنها‬
‫أقل من البيت سترًا وصونًا‪ ،‬وبعد حجرتها دارها‪ ،‬وهي التي تكون فيه بعيدة عن‬
‫‪ 20‬رواه الترمذي في سننه في )أبواب الرضاع(‪ ،‬الباب رقم )‪ (18‬برقم )‪ ،(1183‬وقال‪" :‬حديث حسن صحيح غريب" ج‬
‫‪ / 2‬ص ‪ .319‬وقال كل من الهيثمي والمنذري‪ :‬رواه الطبراني في الوسط من حديث عبد ال بن عمر‪ ،‬ورجاله رجال‬
‫الصحيح‪ .‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد ج ‪ /4‬ص ‪ ،314‬والترغيب والترهيب ج ‪ /1‬ص ‪.304‬‬
‫‪ 21‬المناوي –فيض القدير ج ‪ /6‬ص ‪ ،266‬ط دار المعرفة‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ 22‬الترغيب والترهيب ج ‪ /1‬ص ‪.306‬‬
‫‪ 23‬رواه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب )المامة في الصلة(‪ ،‬الباب )‪ ،(177‬الحديث رقم )‪ (1689‬ج ‪ /3‬ص ‪ .95‬كما رواه‬
‫ابن حبان في صحيحه برقم )‪ (2214‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،318‬وعزاه الحافظ ابن حجر في )الفتح( إلى المام أحمد والطبراني‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"وإسناد أحمد حسن‪ ،‬وله شاهد من حديث أبي مسعود عند أبي داود" ج ‪ /2‬ص ‪.350‬‬

‫‪17‬‬
‫أنظار الرجال الجانب‪ ،‬وبعد الدار مسجد قومها‪ ،‬لنه أقرب المساجد إلى سكنها‪،‬‬
‫والنـزول إليه ل يقتضي منها السير كثيرًا‪ ،‬فاستشراف الشيطان لها فيه أقل في‬
‫المساحة والزمن‪ ،‬وبعد مسجد قومها يأتي مسجده صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو أبعد‬
‫فتضطر معه إلى السير لمسافة أطول‪ ،‬وحينئذ يكون استشراف الشيطان لها أطول‬
‫مدة وأشد تمكينًا‪ ،‬ولذا نصحها صلى ال عليه وسلم بالصلة في بيتها‪ ،‬لنه أشد‬
‫الماكن سترًا لها وبعدًا عن مخالطة الرجال الجانب‪ ،‬ومنه يتبين حرص النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم على صيانة المرأة إلى هذا الحد الذي ليس وراءه ما بعده‪ ،‬لنه مدرك‬
‫لما ينتج عن خروجها من بيتها من أخطار على الفرد والسرة والمجتمع‪.‬‬
‫وإذا كان خروج المرأة الصالحة التقية للصلة مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في مسجده غير مستحب‪ ،‬فما القول في خروج النساء إلى الندية وميادين‬
‫الدراسة والعمل وساحات السياسة ومسيرات الحتجاج وغيرها مما ينادي أصحاب‬
‫هذه الدعوى إلى خروج المرأة المسلمة إليها ؟!!‪.‬‬

‫‪ -4‬الحاديث التي يحذر فيها النبي صلى ال عليه وسلم من الدخول على‬
‫النساء والخلوة بهن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ما روي عن عتبة بن عامر رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬إياكم والدخول على النساء‪ ،‬فقال رجل من النصار‪ :‬أفرأيت الحمو‪24‬؟‬
‫قال‪ :‬الحمو الموت"‪.25‬‬
‫وما روي عن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال وعليه وسلم‪" :‬ل يخلون رجل بامرأة إل مع ذي محرم"‪.26‬‬
‫وما روي عن عامر بن ربيعة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬أل ل يخلون رجل بامرأة إل كان ثالثهما الشيطان"‪.27‬‬
‫‪ 24‬الحمو‪ :‬أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه‪.‬‬
‫‪ 25‬رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )النكاح(‪ ،‬الباب )‪ ،(111‬الحديث رقم )‪ (5232‬ج ‪ /9‬ص ‪ .330‬ورواه المام‬
‫مسلم في صحيحه في كتاب )السلم(‪ ،‬باب )تحريم الخلوة بالجنبية والدخول عليها( ج ‪ /14‬ص ‪.153‬‬
‫‪ 26‬رواه البخاري في صحيحه في كتاب )النكاح(‪ ،‬الباب )‪ ،(111‬الحديث رقم )‪ (5233‬ج ‪ /9‬ص ‪ .331-330‬ورواه مسلم في‬
‫صحيحه في كتاب )الحج(‪ ،‬باب )سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره( ج ‪ /9‬ص ‪.110-109‬‬
‫‪ 27‬رواه المام أحمد في المسند ج ‪ /3‬ص ‪ ،446‬ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي ال عنه في )أبوب الفتن(‪،‬‬
‫باب )ما جاء في لزوم الجماعة( برقم )‪ (2254‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،315‬وقال‪" :‬حديث حسن صحيح غريب"‪ .‬ورواه الحاكم في‬
‫المستدرك وقال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج ‪ /1‬ص ‪.198‬‬

‫‪18‬‬
‫ومن المعلوم لكل مجرب أنه يستحيل التحرز عن الوقوع فيما حذرت عنه هذه‬
‫الحاديث في تلك المجتمعات التي تجيز اختلط الجنسين ببعضهما في ميادين العمل‬
‫والتعليم ونحوها‪.‬‬

‫‪ -5‬الحاديث التي تأمر بغض البصر‪ ،‬وهي عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬


‫ما روي عن جرير ابن عبد ال رضي ال عنه أنه قال‪" :‬سألت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن نظرة الفجأة‪ ،‬فأمرني أن أصرف بصري"‪.28‬‬
‫وما روي عن بريدة رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لعلي ‪ " :‬يا علي ل تتبع النظرة النظرة‪ ،‬فإن لك الولى وليست لك الخرة"‪.29‬‬
‫وما روي عن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪" :‬كان الفضل بن‬
‫عباس رديف رسول ال صلى ال عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه‪ ،‬فجعل‬
‫الفضل ينظر إليها وتنظر إليه‪ ،‬فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصرف وجه‬
‫الفضل إلى الشق الخر"‪.30‬‬
‫وكذلك ما روي عن أم سلمة رضي ال عنها أنها قالت‪" :‬كنت عند رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وعنده ميمونة‪ ،‬فأقبل ابن أم مكتوم‪ ،‬وذلك بعد أن أمرنا‬
‫بالحجاب‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬احتجبا منه‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال أليس‬
‫أعمى ل يبصرنا ول يعرفنا؟‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أفعمياوان أنتما؟ ألستما‬
‫تبصرانه"‪.31‬‬
‫ومما ل شك فيه أنه لن يتسنى للرجال ول للنساء غض البصر في ظل إباحة‬
‫اختلطهما ببعضهما في ميادين العمل والتعليم وغيرها ولو كان ذلك بقصد تبليغ‬
‫الدعوة السلمية‪.‬‬
‫‪ 28‬رواه المام مسلم في صحيحه في كتاب )الداب(‪ ،‬باب )نظر الفجأة( ج ‪ /14‬ص ‪.139-138‬‬
‫‪ 29‬رواه المام أحمد في المسند ج ‪ /5‬ص ‪ .357 ،353‬ورواه أبو داود في سننه في كتاب )النكاح(‪ ،‬باب )ما يؤمر به من‬
‫غض البصر( ج ‪ /2‬ص ‪ ،246‬الحديث رقم )‪ .(2149‬ورواه الترمذي في سننه في )أبواب الستئذان والداب(‪ ،‬باب )ما جاء‬
‫في نظرة الفجاءة( ج ‪ /4‬ص ‪ ،191‬الحديث رقم )‪ ،(2927‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب"‪ .‬ورواه الحاكم في المستدرك‪،‬‬
‫وقال‪" :‬حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"‪ ،‬ج ‪ /2‬ص ‪.212‬‬
‫‪ 30‬رواه المام مسلم في صحيحه في كتاب )الحج(‪ ،‬باب )الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما( ج ‪ /9‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 31‬رواه المام أحمد في المسند ج ‪ /6‬ص ‪ .296‬وأبو داود في سننه في كتاب )اللباس(‪ ،‬باب )في قوله عز وجل‪ :‬وقل‬
‫للمؤمنات يغضضن من أبصارهن( ج ‪ /4‬ص ‪ ،64-63‬الحديث رقم )‪ .(4112‬والترمذي في سننه في )أبواب الستئذان‬
‫والداب(‪ ،‬باب )ما جاء في احتجاب النساء من الرجال(‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،192-191‬الحديث رقم )‪ ،(2928‬وقال‪" :‬حديث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فقالت مروة و هي مستهزئة ‪ :‬و لكنك إلى الن لم تردي على تساؤلي يا أسماء ‪..‬‬
‫أين الجابة ؟!‬
‫ك أخيتي ‪ ..‬فها هو الرد قادم ‪..‬‬
‫ردت أسماء بحلم و صبر و روية ‪ :‬رويد ِ‬

‫ت يا مروة أن السلم لم يمنع الختلط و ها أنا قد‬


‫و استمرت أسماء قائلة ‪ :‬ذكر ِ‬
‫رددت على ذلك بالدلة ‪ ..‬فهل أنت مقتنعة ؟‬

‫تقول مروة ‪ :‬أجل و لكن إن كان هذا فكيف و قد كان هناك اختلط كما ذكرت في أمور‬
‫عدة كمجالس العلم و الجهاد و غيرها ‪ ..‬؟!!‬

‫ك نماذجًا‬
‫قالت أسماء ‪ :‬حسنًا ‪ ..‬نأتي الن للرد على هذه النقطة و قبل الرد سأذكر ل ِ‬
‫من الصحابة و الصحابيات رضوان ال عليهم أجمعين كيف أنهم كانوا يطبقون أوامر‬
‫الشريعة التي أمرت بتحريم الختلط و كل الوسائل المؤدية إليه ‪..‬‬

‫قالت مروة ‪ :‬تفضلي ‪ ..‬كلي آذان صاغية ‪..‬‬


‫بدأت أسماء في قوة ‪ :‬لقد فقه الصحابة رضوان ال تعالى عليهم الدلة الشرعية‬
‫الدالة على تحريم الختلط وامتثلوا لها‪ ،‬فاجتنبوا الختلط ومنعوه‪ .‬ومما ُنقل عنهم‬
‫في هذا الجانب ُيثبت هذا ويقرره‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬روي أنه دخلت على عائشة رضي ال عنها مولة لها‪ ،‬فقالت لها‪" :‬يا أم‬
‫ت بالبيت سبعًا واستلمت الركن مرتين أو ثلثًا‪ ،‬فقالت لها عائشة‪ :‬ل‬
‫المؤمنين طف ُ‬
‫ت ومررت"‪.32‬‬
‫ك ال‪ ،‬تدافعين الرجال؟!!‪ ،‬أل َكّبر ِ‬
‫ك ال‪ ،‬ل آجر ِ‬
‫آجر ِ‬

‫‪ -2‬كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه شديد الغيرة على النساء‪ ،‬فهو الذي‬
‫أشار على النبي صلى ال عليه وسلم بحجب نسائه فوافقه القرآن‪ ،‬فعن أنس بن مالك‬
‫رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال عمر رضي ال عنه‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال يدخل عليك البر‬

‫‪ 32‬رواه المام الشافعي في مسنده ص ‪ ،127‬ط الولى ‪1400‬هـ‪1980-‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫والفاجر‪ ،‬فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل ال آية الحجاب"‪ ،33‬وكان رضي‬
‫ال عنه "ينهى الرجال عن الدخول إلى المسجد من باب النساء"‪.34‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر رحمه ال‪" :‬روى الفاكهي من طريق زائدة عن‬
‫إبراهيم النخعي قال‪ :‬نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء‪ ،‬قال‪ :‬فرأى رجلً معهن‬
‫فضربه بالدرة"‪.35‬‬

‫‪ -3‬وعن ابن جريج أنه قال‪ :‬أخبرني عطاء –إذ منع ابن هشام النساء الطواف‬
‫مع الرجال‪ -‬قال‪ :‬كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى ال عليه وسلم مع‬
‫الرجال؟‪ ،‬قلت‪ :‬أبعد الحجاب أو قبل؟ قال‪ :‬أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫كيف يخالطن الرجال؟ قال‪ :‬لم يكن يخالطن‪ ،‬كانت عائشة رضي ال عنها تطوف‬
‫جرة‪36‬من الرجال ل تخالطهم‪ .37‬وهذا مما يدل على حرص النساء في صدر السلم‬
‫حْ‬‫َ‬
‫على عدم مزاحمة الرجال أو الختلط بهم حتى في المطاف بالمسجد الحرام‪.‬‬

‫‪ -4‬وروي أنه قيل لسودة رضي ال عنها‪" :‬أل تحجين وتعتمرين كما يفعل‬
‫أخواتك‪ ،‬فقالت‪ :‬قد حججت واعتمرت فأمرني ال أن أقّر في بيتي‪ .‬قال الراوي‪ :‬فوال‬
‫ما خرجت من باب حجرتها حتى ُأخرجت جنازتها رضوان ال عليها"‪.38‬‬

‫‪ -5‬وُأثر عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أنه قال مستنكرًا اختلط النساء‬
‫بالرجال‪" :‬أل تستحيون أل تغارون أن يخرج نساؤكم؟‪ ،‬فإنه بلغني أن نساءكم‬
‫يخرجن في السواق يزاحمن الُعلوج‪.40"39‬‬

‫‪ 33‬رواه البخاري في صحيحه في كتاب )التفسير(‪ ،‬الباب )‪ ،(8‬الحديث رقم )‪ (4790‬ج ‪ /8‬ص ‪.527‬‬
‫‪ 34‬عبد الوهاب الشعراني – كشف الغمة عن جميع المة ج ‪ /1‬ص ‪ ،104‬ط مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بمصر‪.‬‬
‫‪ 35‬فتح الباري ج ‪ /3‬ص ‪.480‬‬
‫‪ 36‬حجرة‪ :‬بفتح الحاء وسكون الجيم‪ ،‬أي ناحية‪ ،‬وهو مأخوذ من قولهم‪ :‬نزل فلن حجرة من الناس‪ ،‬أي‪ :‬معتزًل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة )حجر(‪.‬‬
‫‪ 37‬صحيح البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب )الحج(‪ ،‬الباب )‪ ،(64‬الحديث رقم )‪ ،(1618‬ج ‪ /3‬ص ‪.480-479‬‬
‫‪ 38‬القرطبي – الجامع لحكام القرآن ج ‪ /14‬ص ‪ .181-180‬والشوكاني‪ -‬فتح القدير ج ‪ /4‬ص ‪.281‬‬
‫‪ 39‬الُعلوج‪ :‬جمع عْلج‪ ،‬وهو الرجل من كفار العجم‪ ،‬أو الضخم القوي‪.‬‬
‫‪ 40‬ابن الجوزي –أحكام النساء ص ‪ ،34‬ط الثانية ‪1405‬هـ‪1985-‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -6‬وروي عن الزبير بن العوام رضي ال عنه أن زوجته عاتكة بنت زيد‬
‫شرطت عليه أل يمنعها الخروج إلى المسجد فأجابها‪ ،‬فلما أرادت الخروج إلى‬
‫المسجد للعشاء الخر شق ذلك عليه ولم يمنعها‪ ،‬فلما عيل صبره خرج ليلة إلى‬
‫العشاء وسبقها‪ ،‬وقعد لها على الطريق بحيث ل تراه‪ ،‬فلما مرت ضرب بيده على‬
‫جزها فنفرت من ذلك ولم تخرج بعُد‪.41‬‬
‫عُ‬‫َ‬

‫‪ -7‬وعن أبي عمر الشيباني أنه رأى عبد ال بن مسعود ُيخرج النساء من‬
‫ن"‪ .42‬وعنه رضي ال‬
‫المسجد يوم الجمعة ويقول‪ُ" :‬أخرجن إلى بيوتكن فهو خير لُك ّ‬
‫عنه أنه قال –حاثًا المرأة على قرارها في بيتها‪" :-‬إنما النساء عورة‪ ،‬وإن المرأة‬
‫لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان‪ ،‬فيقول‪ :‬إنك ل تمرين بأحد إل‬
‫أعجبته‪ ،‬وإن المرأة لتلبس ثيابها‪ ،‬فيقال‪ :‬أين تريدين؟‪ ،‬فتقول‪ :‬أعود مريضًا‪ ،‬أو‬
‫عَبدت امرأة ربها بمثل أن تعبده في بيتها"‪.43‬‬
‫أشهد جنازة‪ ،‬أو أصلي في مسجد‪ ،‬وما َ‬

‫وبعد‪ :‬فكيف يقال بعد كل ما تقدم إن السلم لم يمنع الختلط ولم يمنعه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ول صحابته الكرام؟!!‪ ،‬إن هذا إل محض افتراء ل ُيقبل صدوره‬
‫سَير الصدر الول‬
‫من مسلم عنده أدنى فقه لنصوص الشريعة وأحكامها ومعرفة ِل ِ‬
‫للسلم‪.‬‬
‫ثم تقول أسماء ‪ :‬نأتي الن إلى سؤالك يا مروة ‪ ..‬و هو أن المسلمين و المسلمات في‬
‫عهد النبي – صلى ال عليه و سلم – كانوا يختلطون في المساجد والسواق‬
‫ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين!!‬

‫تقول مروة في تكبر و غرور ‪ :‬نعم أنا أريد أن أعرف الرد ‪ ..‬من فضلك !!‬

‫‪ 41‬انظر‪ :‬ابن الثير الجزري –أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ‪ ،6/185‬ط دار الفكر‪ -‬بيروت‬
‫‪ 42‬رواه الطبراني في المعجم الكبير ج ‪ /9‬ص ‪ ،294‬الحديث رقم )‪ .(9475‬وروى البيهقي نحوه في السنن الكبرى عن سعد‬
‫بن إياس ج ‪ /3‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 43‬رواه الطبراني في )المعجم الكبير( برقم )‪ (9480‬ج ‪ /9‬ص ‪ ،294‬وقال الهيثمي‪" :‬رجاله ثقات" –مجمع الزوائد ج ‪/2‬‬
‫ص ‪ ،35‬وقال المنذري‪" :‬إسناده حسن"‪ -‬الترغيب والترهيب ج ‪ /1‬ص ‪.305‬‬

‫‪22‬‬
‫تستمر أسماء ‪ ،،،،،،،،، ،،،،،،، ،، ،،، :‬فلم يكن فيها‬
‫اختلط بين الرجال والنساء بالصورة التي يريدها دعاة الختلط‪ ،‬لن الرجال كانوا‬
‫صّلون في مقدمة المسجد والنساء في‬
‫في زمن النبي صلى ال عليه وسلم وصحابته ُي َ‬
‫مؤخرته مع عنايتهن بالحجاب والتحفظ من كل ما يثير الفتنة‪ ،‬وكان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يذهب إليهن في يوم العيد بعدما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن‬
‫عن سماع خطبته‪ ،‬فعن عبد الرحمن بن عابس أنه قال‪ :‬سمعت ابن عباس رضي ال‬
‫عنهما قيل له‪" :‬أشهدت العيد مع النبي صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولول مكاني‬
‫من الصغر ما شهدته‪ ،‬حتى أتى الَعَلم الذي عند دار كثير ابن الصامت فصلى ثم‬
‫خطب‪ ،‬ثم أتى النساء ومعه بلل فوعظهن وذّكرهن وأمرهن بالصدقة"‪.44‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪) :‬ثم أتى النساء( ُيشعر بأن النساء كن على حدة‬
‫من الرجال غير مختلطات بهم‪ ،‬وقوله )ومعه بلل( فيه أن الدب في مخاطبة النساء‬
‫في الموعظة أو الحكم أن ل يحضر من الرجال إل من تدعو الحاجة إليه من شاهد‬
‫ونحوه‪ ،‬لن بلًل كان خادم النبي صلى ال عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة‪ ،‬وأما‬
‫ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره"‪.45‬‬
‫ولم يقتصر منع الختلط بين الرجال والنساء على الجمع الكثير فحسب‪ ،‬بل‬
‫تناول ذلك المرأة الواحدة إذا صلت مع الرجال‪ ،‬فعن أنس رضي ال عنه أنه قال‪:‬‬
‫"صلى النبي صلى ال عليه وسلم في بيت أم سليم‪ ،‬فقمتُ ويتيم خلفه‪ ،‬وأم سليم‬
‫خلفنا"‪.46‬‬
‫وقد خصص صلى ال عليه وسلم في مسجده بابًا للنساء يدخلن ويخرجن منه‬
‫ل يخالطهن فيه الرجال‪ ،‬فقد ترجم أبو داود في سننه بابًا بقوله )باب اعتزال النساء‬
‫في المساجد عن الرجال(‪ ،‬ثم روى حديث عبد ال بن عمر رضي ال عنهما أنه قال‪:‬‬

‫‪ 44‬رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )العيدين(‪ ،‬الباب )‪ ،(18‬الحديث رقم )‪ (977‬ج ‪ /2‬ص ‪.465‬‬
‫‪ 45‬فتح الباري ج ‪ /2‬ص ‪.466‬‬
‫‪ 46‬رواه المام البخاري في صحيحه في كتاب )الذان(‪ ،‬الباب )‪ ،(164‬الحديث رقم )‪ ،(871‬ج ‪ /2‬ص ‪.351‬‬

‫‪23‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لو تركنا هذا الباب للنساء"‪ ،47‬قال نافع تلميذ‬
‫عبد ال بن عمر‪ :‬فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات"‪.‬‬
‫وكان الرجال في عهده صلى ال عليه وسلم يؤمرون بالتريث في النصراف‬
‫حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئل يختلط بهن الرجال في الطريق من‬
‫المسجد إلى البيت مع ما هم عليه جميعًا رجاًل ونساًء من اليمان والتقوى‪ .‬فعن هند‬
‫بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وسلم رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫سّلم قام النساء حين يقضي تسليمه‪،‬‬
‫"كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا َ‬
‫ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم‪ .‬قال المام الزهري رحمه ال‪َ :‬نَرى –وال‬
‫أعلم‪ -‬أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال"‪ .48‬وفي‬
‫سّلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من‬
‫رواية أخرى‪" :‬كان صلى ال عليه وسلم ُي َ‬
‫قبل أن ينصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.49‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر‪" :‬وفي الحديث الحتياط في اجتناب ما قد ُيفضي إلى‬
‫المحذور‪ ،‬وفيه اجتناب مواضع التهم‪ ،‬وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات‬
‫ل عن البيوت"‪.50‬‬
‫فض ً‬
‫ويقول ابن قدامة‪" :‬إذا كان مع المام رجال ونساء‪ ،‬فالمستحب أن يثبت هو‬
‫ل–‬
‫والرجال بقدر ما َيَرى أنهن قد انصرفن‪ ،‬ويقمن هن عقب تسليمه"‪ ،‬ثم يتابع قائ ً‬
‫عقب الستشهاد بالحديث المذكور آنفًا‪" :-‬لن الخلل بذلك من أحد الفريقين ُيفضي‬
‫إلى اختلط الرجال بالنساء"‪.51‬‬
‫وكان ُيْؤَذن للنساء في الخروج إلى المساجد في الليل لكونه أستر وأخفى‬
‫وأبعد عن الفتنة‪ .‬يقول صلى ال عليه وسلم‪" :‬ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد"‪،52‬‬
‫وُيروى عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪" :‬كن نساء المؤمنات يشهدن مع‬

‫‪ 47‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب )الصلة(‪ ،‬باب )في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال(‪ ،‬الحديث رقم )‪ ،(462‬ج ‪ /1‬ص ‪.126‬‬
‫وقد صحح الشيخ اللباني الحديث مرفوعًا إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك في )صحيح الجامع الصغير( ج ‪ /5‬ص‬
‫‪ ،61‬برقم )‪.(5134‬‬
‫‪ 48‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب )الذان(‪ ،‬الباب )‪ ،(164‬الحديث رقم )‪ (870‬ج ‪ /2‬ص ‪.351-350‬‬
‫‪ 49‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب )الذان(‪ ،‬الباب )‪ ،(157‬الحديث رقم )‪ (850‬ج ‪ /2‬ص ‪.334‬‬
‫‪ 50‬فتح الباري ج ‪ /2‬ص ‪.336‬‬
‫‪ 51‬المغني ج ‪ /2‬ص ‪.254‬‬
‫‪ 52‬رواه مسلم في صحيحه في كتاب )الصلة(‪ ،‬باب )خروج النساء إلى المساجد( ج ‪ /4‬ص ‪.162‬‬

‫‪24‬‬
‫رسول ال صلة الفجر متلفعات بمروطهن‪ ،‬ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين‬
‫الصلة‪ ،‬ل يعرفهن أحد من الغلس"‪.53‬‬
‫كما كان ُيطلب منهن اجتناب الطيب والزينة لكونهما من دواعي الفتنة‪ ،‬يقول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا شهدت إحداكن المسجد فل َتمسّ طيباً"‪ ،54‬ويقول‪" :‬أيما‬
‫امرأة أصابت بخورًا فل تشهد معنا العشاء الخرة"‪ .55‬ولقد تنبهت أم المؤمنين‬
‫عائشة رضي ال عنها إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت‪" :‬لو أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما ُمنعت‬
‫نساء بني إسرائيل"‪.56‬‬
‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن‬
‫بلزوم حافاته حذرًا من الختلط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضًا أثناء السير‬
‫في الطريق‪ ،‬فعن أبي ُأسيد النصاري رضي ال عنه أنه سمع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق‪:‬‬
‫"استأخرن‪ ،‬فإنه ليس لكن أن تحققن‪57‬الطريق‪ ،‬عليكن بحافات الطريق"‪ ،‬فكانت‬
‫المرأة تلصق بالجدار‪ ،‬حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به‪.58‬‬

‫‪ ، ،،،،، ،،،،، ،،،،‬فقد كان النساء في عهده صلى ال‬


‫عليه وسلم ل يختلطن فيه بالرجال الختلط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم وُيرشد‬
‫القرآن والسنة علماء المة إلى التحذير منه حذرًا من فتنته‪ ،‬فقد كن يجلسن –في‬
‫معزل عن الرجال‪ -‬في مؤخرة المسجد‪ ،59‬فيسمعن المواعظ والخطب ويتعلمن أحكام‬
‫دينهن‪ ،‬مع عنايتهن بالحجاب وإخفاء الزينة‪ ،‬فأين هذا مما ينادي به اليوم دعاة‬

‫‪ 53‬رواه البخاري في صحيحه في كتاب )مواقيت الصلة(‪ ،‬الباب )‪ ،(27‬الحديث رقم )‪ ،(578‬ج ‪ /2‬ص ‪ .54‬ورواه مسلم في‬
‫صحيحه في كتاب )المساجد ومواضع الصلة(‪ ،‬باب )استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها( ج ‪ /5‬ص ‪.144-143‬‬
‫‪ 54‬رواه مسلم في صحيحه في كتاب )الصلة(‪ ،‬باب )خروج النساء إلى المساجد( ج ‪ /4‬ص ‪.163‬‬
‫‪ 55‬رواه مسلم في صحيحه في الموضع السابق‪ ،‬ج ‪ /4‬ص ‪.163‬‬
‫‪ 56‬صحيح البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب )الذان(‪ ،‬الباب )‪ ،(163‬الحديث رقم )‪ ،(869‬ج ‪ /2‬ص ‪ .349‬ورواه مسلم في صحيحه‬
‫–واللفظ له‪ -‬في كتاب )الصلة(‪ ،‬باب )خروج النساء إلى المساجد( ج ‪ /4‬ص ‪.164-163‬‬
‫‪ 57‬تحققن الطريق‪ :‬أي تتوسطنه‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة )حقق(‪.‬‬
‫‪ 58‬رواه أبو داود في سننه في كتاب )الدب(‪ ،‬باب )في مشي النساء مع الرجال في الطريق(‪ ،‬الحديث رقم )‪ (5272‬ج ‪/4‬‬
‫ص ‪ ،369‬وقد حسنه اللباني في )صحيح الجامع الصغير( برقم )‪ (942‬ج ‪ /1‬ص ‪.317‬‬
‫‪ 59‬إلى الحد الذي يضطر معه النبي صلى ال عليه وسلم أحيانًا إلى القيام إليهن لعدم قدرتهن على سماع صوته لبعدهن‬
‫عنه‪ ،‬كما مر معنا قبل قليل ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫التحديث من اختلط الجنسين في التعليم وغيره؟‪ ،‬فكيف يجوز لمرئ يؤمن بال‬
‫واليوم الخر أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل‬
‫جلوس الصحابيات مع أخواتهن في مؤخرة المسجد لسماع الذكر وتعلم أحكام‬
‫الدين؟‪ ،‬هذا لو سلمنا بوجود الحجاب الشرعي المتضمن تغطية الوجه والكفين‪،‬‬
‫فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع كشف الوجه والكفين‬
‫وإظهار الزينة والمحاسن‪ ،‬وغير ذلك مما يجر إلى الفتنة وُيوقع في المحذور؟!!‪.‬‬
‫ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب‬
‫الفتنة‪ ،‬ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه ال للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين‬
‫زينتهن لغير من َبّيَنهم ال سبحانه في قوله‪) :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن‬
‫ن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على‬
‫ويحفظن فروجهن ول يبدين زينته ّ‬
‫جيوبهن ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو‬
‫أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت‬
‫أيمانهن أو التابعين غير أولي الربة من الرجال أول الطفل الذين لم يظهروا على‬
‫عورات النساء( الية‪.60‬‬
‫ن على‬
‫ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم‪ ،‬وأن يُك ّ‬
‫ن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير‬
‫حدة والشباب على حدة حتى َيتمك ّ‬
‫حجاب ول مشقة‪ ،‬لن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع‬
‫وأبعد لهن من أسباب الفتنة وأسلم للشباب من الفتنة‪ ،‬ولن انفراد الشباب في دور‬
‫التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم‬
‫وشغلهم بها وحسن الستماع إلى الساتذة وتلقي العلوم عنهم بعيدين عن ملحظة‬
‫الفتيات والنشغال بهن‪.61‬‬

‫‪ 60‬سورة النور ‪.31‬‬


‫‪ 61‬انظر‪ :‬سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –الرسائل والفتاوى النسائية ص ‪.37 ،32‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ ، ،،،،،، ،،،،، ،،،،‬فيجيب عنها سماحة الشيخ عبد العزيز بن‬
‫ل‪" :‬قد يتعلق بعض دعاة الختلط ببعض ظواهر النصوص‬
‫باز رحمه ال قائ ً‬
‫الشرعية التي ل يدرك مغزاها ومرماها إل من َنّور ال قلبه وتفقه في دين ال وضم‬
‫الدلة الشرعية بعضها إلى بعض‪ ،‬وكانت في تصوره وحدة ل يتجزأ بعضها عن‬
‫بعض‪ .‬ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى ال عليه وسلم في بعض‬
‫الغزوات‪ .‬والجواب عن ذلك‪ :‬أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة ل يترتب‬
‫عليه ما ُيخشى عليهن من الفساد‪ ،‬ليمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن‬
‫وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته‪ ،‬بخلف حال الكثير من نساء العصر‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تمامًا عن الحالة التي خرجن بها مع‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم في الغزو‪ ،‬فقياس هذه على تلك ُيعتبر قياسًا مع الفارق‪.‬‬
‫وأيضًا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم ل شك أدرى بمعاني النصوص‬
‫من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العلمي بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم؟‬
‫سُعوا الدائرة كما ُينادي دعاة‬
‫فما هو الذي ُنقل عنهم على مدار الزمن؟‪ ،‬هل َو ّ‬
‫الختلط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة‬
‫مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها‪ ،‬أم أنهم فهموا أن‬
‫تلك قضايا معينة ل تتعداها إلى غيرها؟‪ .‬وإذا استعرضنا الفتوحات السلمية‬
‫والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة‪.63"62‬‬

‫‪ ، ،،،،،،،، ،،،، ،، ،،،،،،، ،،،،، ،،،،‬فلم‬


‫ل‪ -‬لم تشارك الصحابة في‬
‫تكن المرأة قط عضوًا فيها في صدر السلم‪ ،‬فهي –مث ً‬
‫اجتماع سقيفة بني ساعدة إثر وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم للتشاور فيمن‬
‫يختارونه خليفة لهم‪ ،‬ولم يحدث أن جمع الخلفاء الراشدون النساء لستشارتهن في‬
‫قضايا الدولة وشؤون المسلمين كما كانوا يفعلون مع الرجال‪ ،‬ول نعلم في تاريخ‬

‫‪ 62‬يعني‪ :‬ظاهرة الختلط بين الرجال والنساء ‪.‬‬


‫‪ 63‬الرسائل والفتاوى النسائية ص ‪ .24 – 23‬وأشنع من ذلك أن يحتج البعض على جواز دخول المرأة للعسكرية بهذه‬
‫الحوادث الفردية المقيدة! انظر‪ :‬رسالة "القصيبي من القصص الموضوعة إلى الحاديث الصحيحة" لسليمان الخراشي‪،‬‬
‫منشورة في موقع )صيد الفوائد( على شبكة النترنت ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫السلم كله أن المرأة كانت تسير مع الرجل جنبًا إلى جنب في إدارة شؤون الدولة‬
‫وسياستها‪ ،‬وكل ما يرويه التاريخ لنا هو أن النبي صلى ال عليه وسلم أخذ بيعة‬
‫النساء يوم فتح مكة من دون أن يصافحهن‪.64‬‬
‫ومن زعم أن هذا يدل على اختلط النساء بالرجال في صدر السلم للمشاركة‬
‫حّمَل وقائع‬
‫في سياسة الدولة والسهام في حل قضايا المسلمين وشؤونهم فقد أخطأ و َ‬
‫التاريخ ما ل تحتمل‪.‬‬
‫نعم وقع في بعض أدوار التاريخ السلمي أن شاركت المرأة في بعض قضايا‬
‫الدولة وشؤونها‪ ،‬وكان لبعضهن مشورة في بعض أمور المسلمين‪ ،‬ولكن هذه‬
‫تصرفات ووقائع نادرة لمناسبات خاصة ُتَقّدر بقدرها ل ُيبنى عليها حكم ول تأخذ حكم‬
‫القاعدة‪ .‬وأحكام السلم إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب ال تعالى أو سنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو قياس صحيح عليهما‪ ،‬أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين‬
‫وعلماؤهم‪ ،‬وعليه فل يصح الستدلل بالتصرفات الفردية من آحاد الناس‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان أصحابها من الصحابة‪ 65‬رضوان ال عليهم أو التابعين من بعدهم‪ .‬فمن المقطوع‬
‫به أن تصرفات هؤلء جميعًا توزن بميزان الشرع السلمي‪ ،‬وليس الشرع هو الذي‬
‫يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم‪ ،‬ولذا فإن من مقررات علماء السلف قولهم‪) :‬ل‬
‫تعرف الحق بالرجال‪ ،‬اعرف الحق تعرف أهله(‪.‬‬
‫ل قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى‬
‫ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مث ً‬
‫العتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرضين للخطأ‪ ،‬ولوجب أن يكونوا‬
‫معصومين مثل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وليس هذا لحد إل للنبياء عليهم‬
‫وعلى خاتمهم الصلة والسلم‪ ،‬أما ما عداهم فحق عليهم قول رسول ال صلى ال‬
‫طاء"‪ ،66‬وإل فما بالنا ل نقول –مث ً‬
‫ل‪ِ -‬بحل شرب الخمر‪،‬‬ ‫عليه وسلم‪" :‬كل بني آدم خ ّ‬
‫وقد ُوجد فيمن سلف في القرون الخيرية من شربها؟!‬

‫‪ 64‬انظر‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي – المرأة بين الفقه والقانون ص ‪ ،151‬ط السادسة ‪1404‬هـ‪1984-‬م‪ ،‬المكتب السلمي –‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ 65‬هناك فرق بين "قول الصحابي" و"واقعة حال له" فتنبه لهذا‪.‬‬
‫‪ 66‬رواه المام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك‪ ،‬ج ‪ /3‬ص ‪ .198‬ورواه الدارمي في سننه في كتاب )الرقاق(‪ ،‬باب‬
‫)في التوبة( ج ‪ /2‬ص ‪ 213‬برقم )‪ .(2730‬كما رواه الترمذي في سننه في أبواب )صفة القيامة(‪ ،‬الباب )‪ ،(15‬الحديث رقم‬
‫)‪ (2616‬ج ‪ /4‬ص ‪ .70‬وحسنه اللباني في )صحيح الجامع الصغير( برقم )‪ (4391‬ج ‪ /4‬ص ‪ ،171‬وتتمة الحديث‪:‬‬
‫"وخير الخطائين التوابون"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فما رأيك يا مروة إذن ؟!!‬

‫تقول مروة و قد انكسرت حدة كلمها ‪ :‬حسنًا يا أسماء اقتنعت بما ذكرتِ متفضلة ‪..‬‬
‫و لكني أسمع فيما أسمع أن الختلط لم ُيمنع إل في المجتمعات السلمية النفصالية‬
‫التي ساد فيها النحطاط ‪..‬‬
‫سمعت أسماء قول مروة و ردت متعجبة ‪ :‬إنما هذا لفتراء محض يا أختاه ‪ ..‬و ليس‬
‫كل من قال صدق ‪ ..‬كيف لعاقل أن يقول هذا ؟!! ‪ ..‬فها نحن الن نعيش زمن انحطاط‬
‫في الخلق و القيم فهل سمعتي مرة عن حملة لمنع الختلط أم العكس حملة لتحرير‬
‫المرأة من رق السلم – كما يزعمون – عليهم من ال ما يستحقون‪..‬‬
‫إنما هو وهم و افتراء ُيستغرب صدوره من أي مسلم لديه معرفة –ولو يسيرة‪-‬‬
‫بتاريخ السلم وشرعه‪ ،‬فكيف ممن يمثل اتجاهًا إسلميًا محافظًا ويترأسه في بلد‬
‫عربي مسلم ؟‬
‫لقد ُمنع الختلط في السلم منذ نزول آيات الحجاب‪ ،‬ومنعه النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان‪ ،‬وما سقناه فيما سبق من الدلة‬
‫الشرعية والقوال والوقائع كاف لثبات ذلك‪ .‬ولم يخل عصر ول مصر من بلد‬
‫السلم والمسلمين من منع الختلط والتشدد في أمره؛ امتثاًل لمر ال تعالى‬
‫ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحرصًا من المخلصين الغيورين في مختلف الماكن‬
‫والزمان على تطبيق شريعة السلم‪ .‬ولن يستطيع أصحاب هذا الزعم الباطل –مهما‬
‫ل صحيحًا يبرهن على صحة ُمّدعاهم‪.‬‬
‫أجهدوا أنفسهم‪ -‬أن يقدموا دلي ً‬

‫وأما ربط منع الختلط بعصور النحطاط ففيه ما ل يخفى من الستهتار بكلم ال‬
‫ورسوله‪ ،‬والزدراء بما يدعو إليه المصلحون من منع الختلط والتحذير منه‪،‬‬
‫والتأثر بمقولت الغرب حول التقدم والتحضر والمدنية‪.‬‬
‫انتهت الشبهة الولى‬
‫الشبهة الثانية ‪) :‬وقرن في بيوتكن( هل هي موجهة لنساء النبي فقط ؟!‬

‫‪29‬‬
‫قالت مروة و هي تفتش في ذهنها عن أي شيء ينجدها فلمعت في رأسها شبهة‬
‫جديدة ‪ ..‬فتمايلت و قالت ‪ :‬حسنًا يا أسماء ‪ ..‬اقتنعت برأيك و لكن ماذا تقولين في ‪..‬‬
‫أن هذه الية ))وقرن في بيوتكن(( لم تكن موجهة إل لنساء النبي فقط ؟؟‬

‫ابتسمت أسماء ابتسامة الواثقة بال جل و عل و قالت ‪ :‬أقول و التوفيق من عند‬


‫ال ‪ ..‬يفهم علماء المة ومحققوها قديمًا وحديثًا من قوله تعالى‪) :‬وقرن في بيوتكن‬
‫ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى( ‪ 67‬وجوب لزوم المرأة المسلمة بيتها وعدم‬
‫خروجها منه إل عند الضرورة وتحريم اختلطها بالرجال الجانب عنها‪.‬‬

‫يقول عبد الرحمن بن الجوزي‪" :‬قال المفسرون‪ :‬ومعنى الية‪ :‬المر لهن بالتوقر‬
‫والسكون في بيوتهن وأن ل يخرجن"‪ .68‬ويقول الحافظ ابن كثير‪" :‬وقوله تعالى‬
‫)وقرن في بيوتكن( أي‪ :‬الزمن بيوتكن فل تخرجن لغير حاجة"‪ .69‬ويقول القاضي أبو‬
‫ن فيها ول تتحركن ول‬
‫بكر بن العربي‪" :‬قوله تعالى‪) :‬وقرن في بيوتكن( يعني‪ :‬اسك ّ‬
‫تبرحن منها"‪ .70‬ويقول أحمد مصطفى المراغي‪)" :‬وقرن في بيوتكن( أي‪ :‬الزمن‬
‫بيوتكن فل تخرجن لغير حاجة‪ ،‬وهو أمر لهن ولسائر النساء"‪ .71‬ويقول حسنين‬
‫محمد مخلوف‪)" :‬وقرن في بيوتكن(‪ :‬الزمنها فل تخرجن لغير حاجة مشروعة‪،‬‬
‫ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين"‪ .72‬ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي‪:‬‬
‫ن"‪ .73‬ويقول الشيخ أبو‬
‫")وقرن في بيوتكن( أي‪ :‬اقررن فيها‪ ،‬لنه أسلم وأحفظ لُك ّ‬
‫بكر الجزائري‪" :‬وقوله )وقرن في بيوتكن( أي‪ :‬اقررن فيها بمعنى اثبتن فيها ول‬
‫تخرجن إل لحاجة لبد منها"‪ .74‬ويقول أبو العلى المودودي – بعد حديثه عن دائرة‬
‫عمل المرأة ‪" : -‬صفوة القول أن خروج المرأة من البيت لم ُيحمد في حال من‬

‫‪ 67‬سورة الحزاب ‪.33‬‬


‫‪ 68‬زاد المسير في علم التفسير ج ‪ /6‬ص ‪ ،379‬ط الولى ‪1385‬هـ‪1965-‬م‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬دمشق وبيروت‪.‬‬
‫‪ 69‬تفسير القرآن العظيم ج ‪ /3‬ص ‪.482‬‬
‫‪ 70‬أحكام القرآن ج ‪ /3‬ص ‪ ،1535‬بتحقيق‪ :‬علي البجاوي‪ ،‬ط دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ 71‬تفسير المراغي ج ‪ /22‬ص ‪ ،6‬ط الثانية ‪1985‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪.‬‬
‫‪ 72‬صفوة البيان لمعاين القرآن ص ‪ ،531‬ط الثالثة ‪1407‬هـ‪1987-‬م‪ ،‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية – الكويت‪.‬‬
‫‪ 73‬تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ج ‪ /6‬ص ‪ ،219‬ط عام ‪1404‬هـ‪ -‬نشر الرئاسة العامة لدارات البحوث‬
‫العلمية والفتاء – الرياض‪.‬‬
‫‪ 74‬أيسر التفاسير لكلم العلي الكبير ج ‪ /3‬ص ‪ ،561‬ط الولى ‪1407‬هـ‪1987-‬م‪ ،‬بدون ذكر الناشر‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الحوال‪ ،‬وخير الهدي لها في السلم أن تلزم بيتها كما تدل عليه آية )وقرن في‬
‫بيوتكن( دللة واضحة"‪.75‬‬

‫وأما اختلف العلماء في معنى الية –حيث ذهب بعضهم إلى أنها من الوقار وهو‬
‫السكون‪ ،‬وذهب البعض الخر إلى أنها من القرار وهو البقاء‪ -‬فل ُيبطل صحة‬
‫الستدلل بالية على منع الختلط‪ ،‬لن كل المعنيين يدلن على ضرورة لزوم المرأة‬
‫بيتها وعدم خروجها منه إل لحاجة شرعية‪ ،‬وهو ما ذهب إليه المفسرون‪.‬‬

‫يقول – على سبيل المثال ‪ -‬المام القرطبي –بعد أن ساق القراءات الواردة في قوله‬
‫تعالى‪) :‬وقرن( وأقوال العلماء واللغويين في بيان معانيها‪" :-‬معنى هذه الية المر‬
‫بلزوم البيت‪ ،‬وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى ال عليه وسلم فقد دخل غيرهن‬
‫فيه بالمعنى‪ .‬هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء؛ كيف والشريعة طافحة بلزوم‬
‫النساء بيوتهن‪ ،‬والنكفاف عن الخروج منها إل لضرورة؛ على ما تقدم في غير‬
‫موضع"‪ .76‬ويقول الشوكاني – بعد أن ساق كذلك القراءات تلك وأقوال العلماء في‬
‫بيان معانيها‪" : -‬المراد بالية أمرهن بالسكون والستقرار في بيوتهن""‪ .77‬ويقول‬
‫أبو بكر الجصاص‪" :‬وقوله تعالى‪) :‬وقرن في بيوتكن( روى هشام عن محمد بن‬
‫سيرين قال‪ :‬قيل لسودة بنت زمعة‪ :‬أل تخرجين كما تخرج أخواتك؟ قالت‪ :‬وال لقد‬
‫حججت واعتمرت ثم أمرني ال أن أقر في بيتي‪ ،‬فوال ل أخرج‪ ،‬فما خرجت حتى‬
‫أخرجوا جنازتها‪ .‬وقيل‪ :‬إن معنى‪) :‬وقرن في بيوتكن( كن أهل وقار وهدوء وسكينة‪،‬‬
‫يقال‪َ :‬وَقر فلن في منـزله َيِقُر وُقُورًا إذا هدأ فيه واطمأن به‪ ،‬وفيه الدللة على أن‬
‫النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج"‪ .78‬ويقول أبو الثناء اللوسي –‬
‫بعد أن ذكر القراءات المتعددة لقوله تعالى‪) :‬وقرن(‪" :-‬والمراد على جميع القراءات‬
‫أمرهن رضي ال تعالى عنهن بملزمة البيوت‪ ،‬وهو أمر مطلوب من سائر‬
‫النساء"‪.79‬‬

‫‪ 75‬الحجاب ص ‪ ،235‬دار الفكر‪.‬‬


‫‪ 76‬الجامع لحكام القرآن ج ‪ /14‬ص ‪.179‬‬
‫‪ 77‬فتح القدير ج ‪ /4‬ص ‪.278‬‬
‫‪ 78‬أحكام القرآن ج ‪ /3‬ص ‪ ،471‬ط الولى ‪1415‬هـ‪1994-‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ 79‬روح المعاني ج ‪ /22‬ص ‪ ،6‬ط دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وأما الحتجاج على عدم صحة الستدلل بالية على منع الختلط بإدعاء‬
‫الختلف في تعيين المخاطب بالية هل هن نساء النبي صلى ال عليه وسلم أم عامة‬
‫النساء‪ ،‬فليس بشيء‪ ،‬وذلك لما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬لن هذه الية والتي قبلها تحفهما قرائن قوية تدل على أن الحكام‬
‫الشرعية الموجودة فيها ليست خاصة بأمهات المؤمنين‪ ،‬وإنما هي عامة لجميع‬
‫النساء المسلمات‪ ،‬ذلك أن امتياز أمهات المؤمنين من غيرهن المذكور في قوله‬
‫تعالى‪) :‬يا نساء النبي لستن كأحد من النساء( ‪ ،80‬إنما هو خاص بما ُذكر قبله ل بما‬
‫ُذكَر بعده‪ ،‬بمعنى أنه خاص بالحكام المذكورة في قوله تعالى‪) :‬يا نساء النبي من‬
‫ن بفاحشة مبّينة ُيضاعف لها العذاب ضعفين( ‪81‬وقوله‪) :‬ومن يقنت منك ّ‬
‫نل‬ ‫يأت منك ّ‬
‫ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين( ‪ ،82‬دون الوامر والنواهي المذكورة‬
‫ض وقلن قوًل‬
‫بعده وهي قوله تعالى‪) :‬فل تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مر ٌ‬
‫معروفًا‪ ،‬وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبّرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين‬
‫الزكاة وأطعن ال ورسوله( ‪ ،83‬فتلك الوامر والنواهي موجهة للنساء عامة بدليل أنه‬
‫ل يجوز لحد أن يقول أنه يجوز للنساء المسلمات أن يخضعن بالقول ليطمع الذي في‬
‫قلبه مرض وأن ل يُقْلن قوًل معروفًا وأن ل يقرن في بيوتهن ويتبرجن تبرج‬
‫الجاهلية الولى ول ُيقمن الصلة ول يؤتين الزكاة ول يطعن ال ورسوله‪ .‬فهذه‬
‫الحكام ليست خاصة بأمهات المؤمنين لن عللها تجري في غيرهن أيضًا‪.‬‬
‫ن عليه من التقى والعفاف وقوة‬
‫‪ -2‬ولنه إذا كانت أمهات المؤمنين –مع ما ُك ّ‬
‫اليمان والبصيرة بالحق‪ -‬مأمورات بعدم الخضوع في القول والقرار في البيوت‬
‫وعدم التبرج‪ ،‬فغيرهن من النساء المسلمات مأمورات بذلك من باب أولى‪ ،‬ول سيما‬
‫في هذا العصر الذي َقّل فيه الوازع الديني عند كثير من الناس وكثرت فيه المفاسد‬
‫والفتن‪.‬‬

‫‪ 80‬سورة الحزاب ‪.32‬‬


‫‪ 81‬سورة الحزاب ‪.30‬‬
‫‪ 82‬سورة الحزاب ‪.31‬‬
‫‪ 83‬سورة الحزاب ‪.33-32‬‬

‫‪32‬‬
‫‪" -3‬ولن النصوص الواردة في الكتاب والسنة ل يجوز أن يخص بها أحد‬
‫من المة إل بدليل صحيح يدل على التخصيص‪ ،‬فهي عامة لجميع المة في عهده‬
‫صلى ال عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة‪ ،‬لنه سبحانه بعث رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل )قل يا أيها‬
‫الناس إني رسول ال إليكم جميعًا( ‪ ،84‬وقال سبحانه‪) :‬وما أرسلناك إل كافة للناس‬
‫بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس ل يعلمون( ‪ ،85‬وهكذا القرآن الكريم لم ينـزل لهل‬
‫عصره النبي صلى ال عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب ال‪،‬‬
‫غ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحٌد وليذكر أولوا‬
‫كما قال تعالى‪) :‬هذا بل ٌ‬
‫‪87‬‬
‫اللباب( ‪ ،86‬وقال عز وجل‪) :‬وأوحي إل ّ‬
‫ي هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ(‬
‫الية"‪.88‬‬
‫يقول الشيخ أبو العلى المودودي –في الرد على هذا الحتجاج‪" :-‬قد ذهب‬
‫بعض الناس إلى أن هذا المر خاص لزواج النبي صلى ال عليه وسلم لبتداء الية‬
‫بخطاب‪ :‬يا نساء النبي‪ ،‬ولكنا نسأل‪ :‬أي وصية من الوصايا الواردة في هذه الية‬
‫مخصوصة بأمهات المؤمنين دون سائر النساء؟‪ ،‬فقد قيل فيها‪) :‬إن اتقيتن فل‬
‫تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قوًل معروفًا‪ ،‬وقرن في بيوتكن ول‬
‫تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله إنما‬
‫يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا(‪ ، 89‬فتأمل كل هذه الوصايا‬
‫والوامر‪ ،‬وقل لي‪ :‬أي أمر منها ل يتصل بعامة النساء المسلمات؟‪ ،‬وهل النساء‬
‫المسلمات ل يجب عليهن أن يتقين؟ أو قد أبيح لهن أن يخضعن بالقول ويكلمن‬
‫الرجال كلمًا يغريهم ويشوقهم؟ أو يجوز لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟‪ ،‬ثم هل‬
‫ينبغي لهن أن يتركن الصلة والزكاة وُيعرضن عن طاعة ال ورسوله؟‪ ،‬وهل يريد‬
‫ال أن يتركهن في الرجس؟‪ ،‬وإذا كانت كل هذه الوامر والرشادات عامة لجميع‬

‫‪ 84‬سورة العراف ‪.158‬‬


‫‪ 85‬سورة سبأ ‪.28‬‬
‫‪ 86‬سورة إبراهيم ‪.52‬‬
‫‪ 87‬سورة النعام ‪.19‬‬
‫‪ 88‬سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –الرسائل والفتاوى النسائية ص ‪.34-33‬‬
‫‪ 89‬سورة الحزاب ‪.33-32‬‬

‫‪33‬‬
‫المسلمات فما المبرر لتخصيص كلمة )وقرن في بيوتكن( وحدها بأزواج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم؟!!‪.‬‬

‫إن مصدر الفهم الخاطيء في الحقيقة هو مبتدأ الية‪) :‬يا نساء النبي لستن‬
‫ل‪ -‬عن قولك لولد نجيب‪ :‬يا بني‬
‫كأحد من النساء(‪ ،‬ولكن هذا السلوب ل يختلف –مث ً‬
‫لست كأحد من عامة الولد حتى تطوف في الشوارع وتأتي بما ل يليق من‬
‫الحركات‪ ،‬فعليك بالدب واللياقة‪ ،‬فقولك هذا ل يعني أن سائر الولد ُيحمد فيهم‬
‫طواف الشوارع وإتيان الحركات السيئة ول ُيطلب منهم الدب واللياقة‪ ،‬بل المراد‬
‫بمثل قولك هذا تحديد معيار لمحاسن الخلق وفضائلها لكي يصبو إليها كل ولد يريد‬
‫أن يعيش كنجباء الولد فيسعد في بلوغه‪ .‬وقد اختار القرآن الكريم هذه الطريقة‬
‫لتوجيه النساء‪ ،‬لن نساء العرب في الجاهلية كن على مثل الحرية التي توجد في‬
‫نساء الغرب في هذا الزمان‪ ،‬وكان العمل جاريًا على تعويدهن الحضارة السلمية‬
‫بشيء من التدريج‪ ،‬وتعليمهن حدود الخلق والضوابط الجتماعية على يد النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ففي تلك الحوال عني السلم بضبط أمهات المؤمنين بضابطه‬
‫على وجه خاص حتى يكن أسوة لسائر النساء وُتتبع طريقتهن وعاداتهن في بيوت‬
‫عامة المسلمين‪.‬‬

‫هذا الرأي نفسه – وهو تعميم نساء المسلمين بالخطاب‪ -‬أبداه العلمة أبو بكر‬
‫الجصاص في كتابه )أحكام القرآن( فقال‪) :‬وهذا الحكم وإن نزل خاصًا في النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وأزواجه‪ ،‬فالمعنى عام فيه وفي غيره‪ ،‬إذ كنا مأمورين باتباعه‬
‫والقتداء به إل ما خصه ال تعالى به دون أمته(" ‪.90‬‬

‫ويؤكد الشيخ أبو بكر الجزائري على تعميم نساء المسلمين بالخطاب في قوله تعالى‪:‬‬
‫ل‪" :‬غير أن المبطلين لم يروا ذلك‪ ،‬فقالوا في هذه‬
‫)وقرن في بيوتكن(‪ ،‬ثم ُيتابع قائ ً‬
‫الية والتي قبلها‪) :‬أنها نزلت في نساء النبي صلى ال عليه وسلم وهي خاصة بهن‬
‫‪ 90‬الحجاب‪ ،‬هامش ص ‪.236-235‬‬

‫‪34‬‬
‫ول تعلق لها بغيرهن من نساء المؤمنين وبناتهم(‪ ،‬وهو قول مضحك عجيب …‪،‬‬
‫وهاتان اليتان مثلهما مثل إقسام ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم بأنه لو‬
‫أشرك لحبط عمله وكان من الخاسرين في آية الزمر‪ ،‬مع العلم أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم معصوم ل يتأتى منه الشرك ول غيره من الذنوب‪ ،‬ولكن الكلم من‬
‫باب )إياك أعني واسمعي يا جارة(‪ ،‬وعليه فإذا كان الرسول على جللته لو أشرك‬
‫لحبط عمله وخسر؛ فغيره من باب أولى‪ .‬كما أن الحجاب لو فرض على نساء النبي‬
‫وهن أمهات المؤمنين كان على غيرهن من باب أولى‪ ،‬ويبدو أنه لما كان الحجاب‬
‫مخالفًا لما كان عليه العرب في جاهليتهم ولم ُيشرع تدريجًا – إذ ل يمكن فيه التدريج‬
‫‪ -‬بدأ ال تعالى فيه بنساء رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى ل ُيقال – وما أكثر‬
‫من يقول يومئذ‪ ،‬والمدينة مليئة بالنفاق والمنافقين‪) : -‬انظروا كيف ألزم نساء الناس‬
‫البيوت والحجاب وترك نساءه وبناته غاديات رائحات ينعمن بالحياة…(‪ ،‬إلى آخر ما‬
‫يقول ذوو القلوب المرضى في كل زمان ومكان‪ ،‬فلما فرضه على نساء رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم لم يبق مجال لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن ترغب بنفسها عن‬
‫نساء الرسول صلى ال عليه وسلم فترى السفور لها ول تراه لزواج الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وبناته‪ ،‬وهذا ُيعرف عند علماء الصول بالقياس الجلي ومن باب‬
‫أولى كتحريم ضرب البوين قياسًا على تحريم التأفيف في قوله تعالى‪) :‬فل تقل لهما‬
‫ف ول تنهرهما وقل لهما قوًل كريمًا( ‪.92"91‬‬
‫أ ٍ‬
‫و بعد أن انتهت أسماء قالت بنظرة حانية ‪ :‬ما رأيك الن يا مروة ؟؟‬
‫ذهلت مروة من هذا العلم الذي يتدفق من لسان أسماء و علمت أن أسماء ل تتكلم‬
‫ك ال خيرًا يا أسماء ‪ ..‬و لكن ‪......‬‬
‫لمجرد الكلم فطأطأت رأسها و قالت ‪ :‬جزا ِ‬

‫انتهت الشبهة الثانية‬

‫‪ 91‬سورة السراء ‪.23‬‬


‫‪ 92‬فصل الخطاب في المرأة والحجاب ص ‪ ،38-37‬ط مطابع سحر – جدة ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الشبهة الثالثة ‪ :‬السلم يهدف إلى تطهير العلقات بين الجنسين عن طريق‬
‫التربية ل عن طريق سد الذرائع‬

‫قالت أسماء ‪ :‬و لكن ماذا يا مروة ‪ ..‬كلي آذان صاغية ؟‬


‫تستمر مروة قائلة ‪ :‬إن السلم يهدف إلى تطهير العلقات بين الجنسين عبر التربية‬
‫ل عن طريق سد الذرائع والحجز بين الجنسين أو حبس النساء في البيوت ‪ ..‬فهذا‬
‫يؤدي لكتئاب !!‬

‫‪36‬‬
‫ترد أسماء قائلة ‪ :‬القول بأن تعويل السلم في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير‬
‫العلقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية‬
‫العقائديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير…؛ قول غير سديد ول‬
‫دقيق‪.‬‬
‫تقول مروة ‪ :‬لماذا يا أسماء ؟!‬
‫تستمر أسماء قائلة ‪ :‬ل شك أن التوعية اليمانية والتربية العقدية والتعاون على‬
‫الخير هي من وسائل السلم الساسية في تطهير العلقات بين الجنسين من التحلل‬
‫والفساد‪ .‬غير أن شريعة السلم لم َتكل الناس إلى ضمائرهم فقط التي قد تهن‪ ،‬ول‬
‫سّنت تدابير وإجراءات وقائية ترد هذه الضمائر‬
‫إلى نفوسهم التي قد تضعف‪ ،‬ولكنها َ‬
‫إلى الستقامة إذا نزعت إلى التمرد‪ ،‬وتغلق على النفوس مداخل الشيطان وتوصد‬
‫مسارب الفساد إذا استشرفت هذه النفوس للفتن ولم ترتدع بوازع اليمان والتقوى‪.‬‬
‫توقف مروة أسماء سائلة ‪ :‬مثل ماذا إذن ؟!‬
‫ترد أسماء على مروة بحلم ‪ :‬منع الختلط بين الجنسين‪ ،‬وتحريم الخلوة بالمرأة‬
‫الجنبية‪ ،‬وتحريم التبرج وإظهار الزينة‪ ،‬والمر بغض البصر‪ ،‬وتحريم الخضوع‬
‫بالقول‪ ،‬وتحريم سفر المرأة بغير محرم‪ ،‬وتحريم الدخول إلى بيوت الخرين بغير‬
‫إذن… كل هذه الشياء تعتبر من الوسائل التي تغلق على النفوس مداخل الشيطان و‬
‫هذا هو مبدأ سد الذرائع في السلم ‪.‬‬
‫إن التوعية والتربية العقديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في‬
‫العلقات البشرية ل يكفي في تطهير العلقات بين الجنسين من التحلل والفساد‪ ،‬ما لم‬
‫ينضم إليه سد جميع أبواب الفتن وذرائع الفساد‪.‬‬
‫فنحن ل نعارض توعية الجنسين وتربيتهما تربية إسلمية عقدية‪ ،‬وإشاعة قيم‬
‫الطهر والخلق والفضيلة…‪ ،‬وإنما نعارض استغناء النساء بذلك عن القرار في‬
‫البيوت والبعد عن الختلط بالرجال الجانب في مجالت العمل والتعليم ونحوهما‪.‬‬
‫فنقصان التربية العقدية والقيم الخلقية من أحد الجنسين كاف في وقوع الفتنة عند‬
‫ل منهما على الخر ول نرد الشبهات التي تساورنا وإن‬
‫اختلطهما‪ ،‬فنحن نخاف ك ً‬

‫‪37‬‬
‫ردها غيرنا‪ ،‬وماذا يسعنا أن نقول عنا بعد ما قال نبي ال ورسوله يوسف عليه‬
‫ئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء( ‪ ،93‬ول در الشريف الرضي حينما‬
‫السلم )وما ُأبر ُ‬
‫قال‪:‬‬

‫ن أمي ُ‬
‫ن‬ ‫ظ ول الِمي ُ‬
‫ك الّلحا ُ‬
‫ِتل َ‬ ‫ك ُلّبُه‬
‫ن تْمل ُ‬
‫ف حي َ‬
‫ل العف ع ٌ‬

‫ومن جّراء ذلك لزم أن ل تسنح أي فرصة للجنسين وأن تسد طرقها‪ ،‬وفرض‬
‫الحجاب ومنع الختلط من هذه الوسائل ‪.‬‬

‫ثم قالت مروة مزمجرة في غضب ‪ :‬و لكن يا أسماء ‪ ..‬قرار النساء في البيوت هو‬
‫السجن بحق أليس هذا ظلمًا ؟؟‬

‫ظَلَمُهْم‬
‫سكتت أسماء هنيهة ثم قالت في روية ‪ :‬يا مروة إن ال ل يظلم أحدا ‪َ )..‬وَما َ‬
‫‪94‬‬
‫ن(‬
‫ظِلُمو َ‬
‫سُهْم َي ْ‬
‫ن َأْنُف َ‬
‫ل َوَلِك ْ‬
‫ا ُّ‬

‫قالت مروة و هي تلملم شعرها إلى الوراء ‪ :‬أستغفر ال العظيم ‪..‬‬

‫ردت أسماء في لطف ‪ :‬يا أخيتي ‪ ..‬اعتبار قرار النساء في البيوت أنه بمثابة تحويل‬
‫هذه البيوت إلى سجون للنساء والحكم عليهن جميعًا بما حكم به اللتي أتين‬
‫الفاحشة‪ ،‬هذا العتبار ينطوي على استخفاف بحكم ال ورسوله‪ ،‬وفيه تضليل‬
‫محض‪ ،‬لنه وإن كان الصل هو قرار المرأة في بيتها‪ ،‬فإن السلم ُيجيز لها الخروج‬
‫منه عند الحاجة إلى ذلك مع اللتزام بالحجاب الشرعي واجتناب مخالطة الرجال‪،‬‬
‫ل الخروج لزيارة الوالدين‪ ،‬ولصلة الرحام‪ ،‬وللحج مع محرم‪ ،‬ولطلب‬
‫فيجيز لها مث ً‬
‫علم‪ ،‬ولمراجعة طبيب‪ ،‬وللدلء بشهادة لدى القاضي‪ ،‬ولداء الصلوات في المسجد‬
‫إذا ُأمنت الفتنة‪ ،‬ولقضاء حاجة مشروعة ل تقضى إل بوجودها ونحو ذلك‪.‬‬
‫قالت مروة و هي خجلة من نفسها ‪ :‬معذرًة أخيتي على تسرعي و غضبي ‪ ..‬اللهم‬
‫اغفر لي ‪ ..‬اللهم اغفر لي ‪..‬‬

‫‪ 93‬سورة يوسف ‪.53‬‬


‫‪ 94‬سورة آل عمران ‪.117‬‬

‫‪38‬‬
‫ك أخيتي ‪ ...‬إن ال غفور رحيم ‪ ..‬استغفري ال ‪..‬‬
‫تقول أسماء و برفق ‪ :‬ل علي ِ‬

‫ثم نظرت أسماء إلى الساعة فوجدتها الثانية عشرة ‪ ..‬فاتفقت أسماء مع مروة أن‬
‫تعاود الزيارة بعد غد لتكملة النقاش حتى تستطيع أسماء أن تراعي لوازم بيتها من‬
‫إعداد المأكل و تحضير المسكن ‪ 95..‬و لكي تستطيع مروة تقديم طلب لجازة لمدة يوم‬
‫حتى تستطيع أن تكمل النقاش مع أسماء ‪.‬‬

‫انتهت الشبهة الثالثة‬

‫‪ 95‬هذه هي المرأة المسلمة ل يشغلها شاغل عن أمور بيتها و رعاية أفراد أسرتها ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫صـــراع داخـلـي‬

‫خرجت مروة من عند أسماء متجهة إلى بيتها و ما هي إل حوالي نصف ساعة إل و‬
‫فتحت مروة باب منزلها لتدخل بعد عناء يوم طويل ‪...‬‬

‫ظلت مروة مستغرقة في التفكير شاردة الذهن طوال ذلك اليوم و لم يكن بمقدورها أن‬
‫تواصل حياتها بشكل عادي بعد هذا اليوم و قد أثر هذا على شهيتها أيضًا فلم تعد‬
‫ترغب في الطعام و ل محادثة أحد كما أغلقت هاتفها النّقال ) المحمول ( لئل يطلبها‬
‫أحد من أصدقائها ‪.‬‬

‫و بينما هي على هذا الحال ‪ ،‬دق جرس الباب ‪..‬‬

‫فنادت مروة قائلة ‪ :‬من الطارق ؟‬

‫‪40‬‬
‫رد صوت من الخارج ‪ :‬نعم يا مروة ‪ ..‬أنا هاني ‪ ..‬افتحي ؟!‬

‫تلعثمت مروة و لم تدِر ما تفعل ‪ ..‬و لم يكن هذا حالها عندما كان يأتيها هاني قبل هذا‬
‫اليوم ‪ ..‬فقالت مروة ‪ :‬لحظة من فضلك ؟‬

‫و مر ما يزيد عن الخمس دقائق و لم تفتح مروة الباب تفكر تفكيرًا عميقًا فيما تفعل‬
‫إن الصراع الدائر بين عقلها و نفسها لم يحسمه طرف بعد على حساب الطرف الخر‬
‫‪ ..‬و ظلت هكذا إلى أن استسلم العقل للنفس و ذهبت مروة لتفتح الباب‪.‬‬

‫ت؟‬
‫قال هاني ‪ :‬ما كل هذا يا مروة ‪ ..‬أين كن ِ‬

‫قالت مروة متلعثمة ‪ :‬ل شيء ‪ ..‬اعتذر بشدة‬

‫دخل هاني المنزل و ما زال الصراع الدائر بداخل مروة مسيطرًا على تفكيرها ‪ ،‬جلس‬
‫هاني و ما زالت مروة أمام الباب فاستعجب هاني بشدة من حال مروة خاصة عندما‬
‫نظر إليها فوجدت عينيها الحائرتين بين الباب و بين مكان جلوس هاني ‪..‬‬

‫ك؟‬
‫فقطع هاني هذا الصمت ‪ :‬مروة ‪ ..‬ماذا ب ِ‬
‫فلم ترد مروة ‪ ..‬و ما زالت متوقفة عند الباب عقلها و نفسها يحاربان بعضهما‬
‫البعض هل تترك الباب مفتوحًا أم تغلقه كعادتها ‪..‬‬

‫ل ‪ :‬كنت أظنك ستأتي معنا اليوم مع الـ ) شلة ( بعد النتهاء من زيارة‬
‫أكمل هاني قائ ً‬
‫صديقتك ؟ فلهذا ذهبت لمنزل صديقتك لكي نذهب سويًا لنقابل الـ ) شلة ( !!‬

‫التفتت مروة فجأة لكلم هاني و قالت ‪ :‬ماذا ؟!! ذهبت لصديقتي ؟!!!!‬

‫فرد هاني ساخرًا ‪ :‬نعم ‪ ...‬و يا ليتني ما ذهبت‪.‬‬

‫قالت مروة في تعجب ‪ِ :‬لَم ؟!‬

‫‪41‬‬
‫رد و هو يضحك ‪ :‬لقد طرقت الباب على صديقتك تلك و وقفت منتظرًا أن يرد أحد فلم‬
‫يرد أحدا إل بعد أن طرقت مرة أخرى ‪ .‬فسألتني صديقتك بصوت جاد‪ 96‬كأنها تعمل‬
‫في الشرطة >> و أطلق ضحكة عالية <<‬

‫ل ‪ :‬فقالت لي من الطارق ؟ فقلت لها صديق مروة هاني هل تسمحي لي‬


‫ثم أكمل قائ ً‬
‫بالدخول ‪ ..‬فلم أكمل يا مروة الكلمة حتى سمعت الرد بكل جد فقالت ‪ :‬ل ‪ ..‬فرب‬
‫ي بعدها إل بكلمة‬
‫المنزل ليس موجود فسألتها و ما المانع في ذلك ؟ فلم ترد عل ّ‬
‫‪97‬‬
‫واحدة و هي ‪ :‬اعتذر فإن رب المنزل غير موجود‪.‬‬
‫ثم عقب هاني ضاحكًا ‪ :‬ما هذا التخلف ؟!!!! >> و أخذت ضحكته تدوي في أرجاء‬
‫المكان <<‬

‫عندها فقط حسمت مروة الصراع بين عقلها و نفسها لصالح عقلها و تركت الباب‬
‫مفتوحًا و ذهبت تجلس بعيدة بعض الشيء عن هاني ‪.‬‬
‫فلما رأى هاني منها هذا توقف عن الضحك مستعجبًا لعدم مشاركتها إياه في الضحك‬
‫و العبث كما كانا يفعلن دائمًا و متعجبًا من موقفها تجاه هذا الباب المفتوح‪.‬‬

‫و قبل أن يتحدث هاني بكلمة أخرى قالت مروة ‪ :‬اعتذر بشدة يا هاني فأنا مرهقة‬
‫بشدة و أحتاج إلى النوم‪.‬‬
‫ك يا مروة حسنًا أنصرف الن و أعود في المساء لكي نذهب سويًا‬
‫فرد هاني ‪ :‬ل علي ِ‬
‫لسهرة الليلة مع الـ ) شلة (‬
‫فردت مروة مسرعة دون تفكير ‪ :‬ل يا هاني اعتذر لي اليوم عند الـ )شلة ( و قل لهم‬
‫أني مرهقة و لن أستطيع الذهاب معهم اليوم ‪.‬‬
‫ك اليوم سأبلغهم ‪.‬‬
‫تعجب هاني و قال ‪ :‬حسنًا يا مروة و إن كانت ل تعجبني حالت ِ‬

‫ن َقْوًل ّمْعُروفًا ]الحزاب ‪[32 :‬‬


‫ض َوُقْل َ‬
‫طَمَع اّلِذي ِفي َقْلِبِه َمَر ٌ‬
‫ن ِباْلَقْوِل َفَي ْ‬
‫ضْع َ‬
‫خ َ‬
‫ل َت ْ‬
‫‪ 96‬مصداقًا لقوله تعالى ‪َ :‬ف َ‬
‫‪ 97‬هذه هي المرأة المسلمة تصون زوجها في نفسها فل تدخل أحدًا إلى منزلها من دون المحارم و النساء مصداقًا لقوله‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ ":‬أل ل يخلون رجل بامرأة إل كان ثالثهما الشيطان" إنظر التصحيح في النقطة ‪ 126‬من الحاشية‬
‫و قوله صلى ال عليه و سلم ‪" :‬ل يخلون رجل بامرأة إل مع ذي محرم" إنظر التصحيح في النقطة ‪ 26‬من الحاشية‬

‫‪42‬‬
‫خرج هاني و أغلق الباب المفتوح ورائه ‪ ..‬و ظلت مروة جالسة في مكانها لم تتحرك‬
‫بعد شاردة الذهن إلى أن غلبها النوم فقامت لتنال قسطًا من الراحة استعدادًا ليوم‬
‫عمل جديد ‪.‬‬

‫يــوم عـمـل جـديـد‬


‫‪43‬‬
‫و ما زال الصراع محتدمًا‬

‫استيقظت مروة كعادتها في الصباح الباكر للذهاب إلى العمل و لكنها ما زالت تعيش‬
‫هذا الصراع الداخلي الذي راودها بالمس و لم تستطع التخلص منه فقد ظنت أنه‬
‫بمجرد أن تنام و تطلع عليها الشمس أنه سينتهي المر و لكن خاب ظنها و لكنها لم‬
‫تستسلم له كثيرًا و انطلقت لكي تلحق بموعد العمل ‪.‬‬

‫تعمل مروة في مصلحة حكومية لخدمة المواطنين و يعمل زميلها هاني معها في‬
‫نفس المصلحة بل و نفس الغرفة في المصلحة ‪.‬‬

‫دخلت مروة من باب المصلحة و صعدت إلى المكتب فوجدت هاني منتظرًا إياها‬
‫ليطمئن عليها و لكنها عللت حالتها بالمس بأنه مجرد إرهاق بدني و سرعان ما‬
‫انتهى بالنوم و الراحة ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫لم تجلس مروة كثيرًا في المكتب فهي بضع دقائق كانت تكتب فيها طلب إجازة‬
‫عارضة للغد حتى تستعد لموعد أسماء المرتقب و عندما استعدت للخروج من‬
‫المكتب لحظ هاني استعدادًا مروة للرحيل‬

‫فسألها ‪ :‬إلى أين يا مروة ؟!!‬


‫فقالت ‪ :‬سأذهب إلى مكتب المدير ‪.‬‬
‫فرد مستعجبًا ‪ :‬و ِلَم ؟‬
‫ي موعد هام عليّ الوفاء به‬
‫فقالت ‪ :‬سأقدم طلب إجازة غدًا فلد ّ‬
‫فسألها ‪ :‬و هل لنا موعد الليلة أم ستعتذرين كالمس‬
‫قالت ‪ :‬ل بأس نتقابل الليلة ‪ ،‬أخبر الـ ) شلة ( و لكني لن أتأخر معكم اليوم فموعدي‬
‫في الصباح‬
‫فرد هاني و قد تهللت أساريره ‪ :‬حسنًا يا مروة سأخبرهم و سآتي اليوم لنذهب سويًا‬
‫إلى مكان السهرة ‪.‬‬

‫و خرجت مروة من مكتبها متجهة إلى مكتب المدير و قدمت طلبها و وافق عليه‬
‫المدير و قام بالتصديق عليه و خرجت مروة من المصلحة متجهة إلى المنزل و كان‬
‫هذا في تمام العاشرة صباحًا ‪.‬‬

‫دخلت مروة منزلها و أخدت ترتب المنزل و عندما بدأت في ترتيب غرفة الجلوس‬
‫وقع عينيها على شيء كأن عينيها لم تقع عليه من قبل ‪ ..‬إنها مكتبة والدها‪– 98‬‬
‫رحمه ال – التي جمعها في حياته ‪.‬‬

‫و كأن شيئًا بداخل مروة هاتفها أن تنظر إلى هذه المكتبة لعلها تجد ما يجيب عن‬
‫أسئلتها و صراعاتها الداخلية و يرخص لها فيما تفعله ‪.‬‬

‫‪ 98‬و مروة تعد من عائلة ميسورة الحال ترك لها والدها ماًل وفيرًا و هي تعيش في الصل مع والدتها و أخ وحيد و لكنهما‬
‫كانا يقضيان إجازة في أحد المدن الساحلية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫أخذت تبحث بين جنبات هذه المكتبة إلى أن وقعت يديها على كتيب من كتابات‬
‫شياطين النس إنه لحد دعاة تحرير المرأة و ما أن وقع الكتاب في يديها أخذت تقرأ‬
‫فيه بشغف شديد و كلما وجدت ما يوافق رغبتها الدفينة تتهلل أساريرها مهما كان‬
‫ى رائع في نفس مروة ‪ ...‬ظلت مروة‬
‫هذا الكلم ضد العقل و الفطرة إل أن له صد ً‬
‫تقرأ فيه دون انقطاع لفترة تجاوزت الثلث ساعات من القراءة الدقيقة المليئة‬
‫بالثارة كأنها تقرأ قصة من قصص الطفال حتى انتهت منه عن أخره و لسان حالها‬
‫يقول ‪ :‬إن غدًا لناظره قريب‬

‫و لما جاء موعد السهرة مع الـ ) شلة ( كانت مروة قد قضت على ما بداخلها من‬
‫صراعات فكانت سهرتها كسابقيها من اختلط و خلوة و ضحك و خضوع بالقول فما‬
‫قرأته في الكتاب أوهمها أنها على الحق المبين ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الموعــد المـرتقب‬

‫الشبهة الرابعة ‪ :‬ليس على الزوجة القيام بأعمال البيت و السرة‬

‫حان الموعد و انتظرت أسماء مروة في نفس الموعد المحدد بينهما ‪..‬إلى أن جاءت‬
‫الساعة التاسعة صباحًا ‪ ..‬و كانت أسماء تنتظر مروة في شرفة منزلها‪ 99‬إلى أن‬
‫حضرت مروة و دق جرس الباب ‪ ..‬فرحبت بها أسماء و انطلقا إلى حجرة النساء‬
‫ليستكمل حديثهما ‪.‬‬

‫قالت لها مروة ‪ :‬لنستكمل حديثنا يا أسماء ‪ ..‬فعندي أسئلة كثيرة و دلئل قوية بأن‬
‫الختلط ليس بحرام و أن عمل المرأة ضروري من أجل بناء المجتمع ‪ ..‬فقد أمضيت‬

‫‪ 99‬مرتدية الحجاب الكامل الذي يستر جميع بدنها ليس كما يفعل معظم النساء يخرجون دون حجاب و ربما بملبس النوم و‬
‫أنا ل و أنا إليه راجعون‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يومي كله بالمس أبحث و أقرأ و لم يغمض لي جفن لكي أجد الحقيقة و ما وجدت‬
‫من دلئل و آراء ألهب صدري و أشعل نار الحماسة في قلبي و أحسست أني بلغت‬
‫الطريق‪.‬‬

‫قالت أسماء ‪ :‬تفضلي أخيتي ‪ ..‬و دعينا نرى ‪..‬‬

‫قالت مروة ‪ :‬حسنًا يا أسماء ‪ ...‬بما أن المرأة ليس عليها القيام بأعمال البيت و‬
‫السرة فلماذا تقر في بيتها إذن ؟ إذ أنه ل يمكن أن تجلس المرأة طول اليوم هكذا بل‬
‫عمل ‪..‬‬

‫نظرت أسماء إلى مروة في ذهول ‪ ..‬و ظنت مروة أنها قد أوقعت أسماء في مأزق‬
‫صعب الخلص منه ‪..‬‬

‫قطعت أسماء هذا الظن و قالت ‪ :‬ما هذا الهراء يا مروة ‪ ..‬إني ل أعلم أحدا يقول‬
‫ك قلتيه ؟؟‬
‫بمثل هذا الكلم ‪ ..‬و لكن ِ‬

‫انقطعت فرحة مروة الزائفة لتقول في تلعثم ‪ِ :‬لَم إذن ‪ ..‬و أين الدليل على هذا من‬
‫الصل ؟!‬

‫قالت أسماء ‪ :‬لقد خلق ال عز وجل الرجل والمرأة وجعل بينهما فروقًا عديدة‪ ،‬منها‬
‫فروق جسدية تكوينية‪ ،‬وفروق عقلية سلوكية‪ ،‬وفروق نفسية وجدانية‪ ،‬وهذه‬
‫ل منهما مؤهل بخصائص وطاقات‬
‫الفروق تؤكد الختلف والتباين بينهما‪ ،‬وأن ك ً‬
‫تخدم مجاله وميدانه‪ ،‬فالختلف في التكوين والخصائص يقابله اختلف في التكليف‬
‫والوظائف‪.‬‬

‫فمن يقول أن المرأة مؤهلة للمساواة بالرجل فقد كذب و رب الكعبة ‪ ..‬فما هذا بقول‬
‫عاقل و ل بقول سديد إنما هو قول الشيطان يضل به أولياءه ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وطبيعة تكوين المرأة الجسدي والعقلي والنفسي يؤهلها لمهمتين أساسيتين‬
‫ووظيفتين حيويتين في الحياة النسانية نصت عليهما النصوص الشرعية‪ ،‬وهما‪:100‬‬
‫‪ -1‬وظيفة الزوجة‪:‬‬

‫س واحدٍة وجعل منها زوجها ليسكن‬


‫يقول عز وجل‪) :‬هو الذي خلقكم من نف ٍ‬
‫إليها( ‪ ،101‬ويقول سبحانه‪) :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها‬
‫وجعل بينكم مودة ورحمة( ‪ ،102‬ويقول كذلك )وال جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل‬
‫لكم من أزواجكم بنين وحفدة( ‪.103‬‬
‫وقانون الزوجية بموجب هذه اليات الكريمات يعتمد على أسس وأركان هامة‬
‫لبد للزوجة أن تدركها وتحاول قدر استطاعتها تحقيقها والقيام بها على الوجه‬
‫المثل بحكم طبيعتها واستعدادها ومواهبها الفطرية‪ ،‬وهي ‪ :‬تحقيق السكون الجنسي‬
‫"الجسدي"‪ ،‬والسكون النفسي العاطفي‪ ،‬والمودة والمحبة والتراحم بين الزوجين‬
‫وجميع أفراد السرة من بنين وحفدة‪ ،‬وأعظم من ذلك كله تحقيق ثمرة الزواج‪ ،‬وهي‬
‫تكاثر الجنس البشري واستدامته إلى أن يرث ال الرض ومن عليها‪.‬‬

‫‪ -2‬وظيفة المومة‪:‬‬

‫وهي أقدس وظيفة وأشرف مهمة تقوم بها المرأة‪ ،‬وبسببها جعل ال الم‬
‫أحق بالبر من الب‪ ،‬كما جعل إكرامها والحسان إليها أقرب سبيل إلى الجنة‪.‬‬
‫ووظيفة المومة تستلزم أربع مراحل أو أربعة أدوار متلحقة لها أثر بالغ في‬
‫حياة النسان‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫دور الحمل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دور الوضع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دور الرضاع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 100‬للستزادة في معرفة طبيعة هاتين الوظيفتين راجع كتاب )مشكلت المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب‬
‫والسنة( للدكتورة مكية مرزا ص ‪ 49‬وما بعدها‪ ،‬ط الولى ‪1410‬هـ‪1990-‬م‪ ،‬دار المجتمع‪.‬‬
‫‪ 101‬سورة العراف ‪.189‬‬
‫‪ 102‬سورة الروم ‪.21‬‬
‫‪ 103‬سورة النحل ‪.72‬‬

‫‪49‬‬
‫دور الحضانة والتربية ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يقول عز وجل في بيان هذه الدوار‪) :‬ووصينا النسان بوالديه إحسانًا حملته‬
‫أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلثون شهرًا( ‪ ،104‬ويقول‪) :‬ووصينا‬
‫النسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك‬
‫ي المصير( ‪ ،105‬ويقول أيضًا‪) :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد‬
‫إل ّ‬
‫أن يتم الرضاعة( ‪ ،106‬ويقول صلى ال عليه وسلم‪" :‬المرأة راعية على بيت بعلها‬
‫وولده وهي مسؤولة عنهم"‪.107‬‬

‫فالحمل هو الثمرة الطبيعية للقاء الزوجي بين الذكر والنثى‪ ،‬والرغبة في‬
‫المومة غريزة فطرية وأمر واقعي بالنسبة للمرأة نظرًا لتكوينها الجسمي والعقلي‬
‫والنفسي كما تقدم‪ .‬وتطول مدة الحمل إلى تسعة أشهر‪ ،‬والمرأة مسؤولة عنه‬
‫باعتباره روحًا وحياة جديدة تخلق في بطنها‪ ،‬وقد أخذ ال منها الميثاق بأل تقتله‬
‫عمدًا أو تتسبب في قتله‪ ،‬حيث يقول تعالى في آية بيعة النساء‪) :‬ول يقتلن أولدهن(‬
‫‪.108‬‬

‫وأما الوضع فهو المخاض المذكور في قوله تعالى‪) :‬فأجاءها المخاض إلى‬
‫ت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا( ‪ ،109‬والوضع عملية شاقة‬
‫جذع النخلة قالت يا ليتني م ّ‬
‫شديدة تفقد فيها المرأة كمية كبيرة من الدم‪ ،‬ثم تعقبها فترة النفاس التي تستمر‬
‫أربعين يومًا‪ ،‬تعاني فيها المرأة من الرهاق بعد الجهد الشاق الذي بذلته أثناء عملية‬
‫الوضع‪ ،‬وصدق ال حين قال‪) :‬حملته أمه كرهًا ووضعته كرها( ‪.110‬‬

‫‪ 104‬سورة الحقاف ‪.15‬‬


‫‪ 105‬سورة لقمان ‪.14‬‬
‫‪ 106‬سورة البقرة ‪.233‬‬
‫‪ 107‬تقدم تخريجه في ص ‪.361‬‬
‫‪ 108‬سورة الممتحنة ‪.12‬‬
‫‪ 109‬سورة مريم ‪.23‬‬
‫‪ 110‬سورة الحقاف ‪.15‬‬

‫‪50‬‬
‫وأما الرضاع فمدته سنتين كاملتين لقوله تعالى‪) :‬والوالدات ُيرضعن أولدهن‬
‫حولين كاملين(‪ ،‬أما حكمه بالنسبة للم فنجده في قوله تعالى‪) :‬ل تضار والدة‬
‫بولدها(‪ ،‬حيث يروي المام البخاري عن يونس عن الزهري أنه قال‪" :‬نهى ال أن‬
‫تضار والدة بولدها‪ ،‬وذلك أن تقول الوالدة‪ :‬لست مرضعته‪ ،‬وهي أمثُل له غذاًء‬
‫وأشفق عليه وأرفق به من غيرها‪ ،‬فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما‬
‫جعل ال عليه"‪.111‬‬
‫والحليب الممتص من ثدي الم هو الغذاء الطبيعي الملئم للطفل الوليد‪ ،‬وهو‬
‫أول وأهم ما يحتاجه عند قدومه إلى هذه الدنيا‪ ،‬ولذا ورد الحث عليه‪ ،‬حيث يقول‬
‫سبحانه‪) :‬وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه( ‪ ،112‬وعليه فل ُيقبل من الم المتناع‬
‫عن إرضاع طفلها بحجة انشغالها بالعمل خارج البيت‪ ،‬لنها تكون بذلك مقاومة لسنة‬
‫الفطرة وطبيعتها كأنثى مزودة بجهاز قد خلقه ال لهذا الغرض‪.‬‬

‫وأما الحضانة والتربية فهي أمر له شأن عظيم وأثر كبير في حياة الطفل‪،‬‬
‫ولذا جعله ال عز وجل من أعظم حقوق البناء على الباء‪ ،‬وهو حق واجب في ذمة‬
‫البوين معًا‪ ،‬وتقوم به الم بالدرجة الولى‪ ،‬لنها المدرسة الولى التي يتعلم فيها‬
‫البناء‪ ،‬أول دروس الحياة‪ ،‬وهي القدرة المثلى أمامهم‪ ،‬فأول ما تتفتح عليه عينا‬
‫الطفل هي أمه‪ ،‬فتحتضنه وتحنو عليه‪ ،‬وتجتهد في تربيته تربية إسلمية صحيحة‪،‬‬
‫فيشعر بالمان والطمئنان‪ ،‬وتكون هي بذلك قد قامت بواجب من استرعاها ال إياه‬
‫وحّملها مسؤوليته‪.‬‬

‫فوظيفة الزوجية ووظيفة المومة أهم وأعظم الوظائف التي تختص بالمرأة‪،‬‬
‫وقد حددتهما النصوص الشرعية‪ ،‬فهما من أوجب الواجبات عليها‪ ،‬والخلل أو‬
‫التقصير في أدائهما من غير عذر يقع فيه الوزر عليها‪ ،‬وينشأ عنه الثر السيئ على‬
‫الفراد والمجتمعات‪ .‬وهذا من أهم السباب التي من أجلها شرع السلم للمرأة القرار‬
‫في البيت وأمر الرجل بالنفاق عليها وتلبية حاجاتها ومطالبها‪.‬‬
‫‪ 111‬صحيح البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب )النفقات(‪ ،‬الباب )‪ ،(4‬ج ‪ /9‬ص ‪.504‬‬
‫‪ 112‬سورة القصص ‪.7‬‬

‫‪51‬‬
‫إل أنه ربما تحتاج المرأة إلى العمل خارج بيتها لظروف وأحوال عديدة‪ ،‬كأن تضطر‬
‫إلى ذلك لعالة نفسها وأولدها إن لم يكن لها من يعولها ويعول أولدها‪ ،‬وكأن تقوم‬
‫بأعمال تمس الحاجة فيها إلى المرأة خاصة كالتوليد والتمريض ومعالجة المراض‬
‫النسائية‪ ،‬والتعليم في مدارس البنات‪ ،‬والعمل في دور الرعاية الجتماعية النسائية‬
‫والجمعيات النسائية الخيرية‪ ،‬ونحو ذلك من المرافق التي يحتاج المجتمع فيها إلى‬
‫طائفة من النساء لسد حاجته منها‪ ،‬فإنه والحالة هذه يجيز لها السلم العمل خارج‬
‫بيتها وفق الضوابط الشرعية التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إذن وليها لها بالخروج للعمل‪ ،‬سواء كان الولي أبًا أو زوجًا‪.‬‬
‫‪ -2‬خلو مقر عملها من الختلط والخلوة بالرجال الجانب عنها‪.‬‬
‫‪ -3‬التزامها بالحجاب الشرعي والحشمة والوقار‪ ،‬واجتنابها الطيب والزينة‪.‬‬
‫‪ -4‬أل يستغرق العمل جهدها ووقتها‪ ،‬فإذا ما استنفدت طاقتها وجهدها في العمل‬
‫خارج منـزلها‪ ،‬فإن ذلك سيخل – بل شك‪ -‬بأدائها لوظيفتها الساسية داخل المنـزل‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يتناسب العمل مع طبيعة تكوينها وفطرتها‪ ،‬بحيث ل ُتوكل إليها العمال الشاقة‬
‫التي تتطلب الخشونة وبذل الجهد العضلي‪ ،‬كأعمال الحفر والبناء والنقل وشق‬
‫الطرق وإقامة السدود وأعمال مصانع الليات الثقيلة‪.‬‬

‫وأختم هنا في هذه النطقة يا مروة بكلمة جامعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن‬
‫باز رحمه ال فيها رد بليغ على دعاة خروج المرأة من بيتها ومشاركتها الرجل في‬
‫ميدان عمله‪ ،‬حيث يقول تغمده ال بواسع رحمته‪" :‬إن الدعوة إلى نزول المرأة‬
‫للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الختلط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو‬
‫التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له‬
‫تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية‪،‬‬
‫التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالعمال التي تخصها في بيتها ونحوه‪.‬‬
‫ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الختلط من المفاسد التي ل تحصى فلينظر إلى‬
‫تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلء العظيم اختيارًا أو اضطرارًا بإنصاف من‬
‫نفسه وتجرد للحق عما عداه‪ ،‬يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي والتحسر‬

‫‪52‬‬
‫على انفلت المرأة من بيتها وتفكك السر‪ ،‬ونجد ذلك واضحًا على لسان الكثير من‬
‫الُكّتاب‪ ،‬بل في جميع وسائل العلم وما ذلك إل لن هذا هدم للمجتمع وتقويض‬
‫لبنائه‪.‬‬
‫والدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالجنبية وتحريم النظر‬
‫إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حّرم ال أدلة كثيرة قاضية بتحريم‬
‫الختلط لنه يؤدي إلى ما ل تحمد عقباه‪.‬‬
‫وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة‬
‫إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها ال عليها‪ ،‬فالدعوة إلى نزول‬
‫المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع السلمي‪ ،‬ومن أعظم‬
‫آثاره الختلط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه‬
‫وأخلقه‪.‬‬
‫ومعلوم أن ال تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبًا خاصًا يختلف تمامًا عن‬
‫تركيب الرجل‪ ،‬هيأها بها للقيام بالعمال التي في داخل بيتها والعمال التي بين بنات‬
‫جنسها‪.‬‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجًا لها عن‬
‫تركيبها وطبيعتها‪ ،‬وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم‪،‬‬
‫ويتعدى ذلك إلى أولد الجيل من ذكور وإناث‪ ،‬إذ أنهم يفقدون التربية والحنان‬
‫عزلت تمامًا عن مملكتها‬
‫والعطف‪ ،‬فالذي يقوم بهذا الدور وهو الم قد فصلت منه و ُ‬
‫التي ل يمكن أن تجد الراحة والستقرار والطمأنينة إل فيها‪ ،‬وواقع المجتمعات التي‬
‫تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول‪ .‬والسلم جعل لكل من الزوجين واجبات‬
‫خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت‬
‫وخارجه‪ ،‬فالرجل يقوم بالنفقة والكتساب‪ ،‬والمرأة تقوم بتربية الولد والعطف‬
‫والحنان والرضاعة والحضانة والعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن‬
‫والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من العمال المختصة بالنساء‪ ،‬فترك واجبات‬
‫البيت من ِقَبْل المرأة يعتبر ضياعًا للبيت بمن فيه‪ ،‬ويترتب عليه تفكك السرة حسيًا‬

‫‪53‬‬
‫ل وصورة ل حقيقة ومعنى‪ .‬قال ال جل‬
‫ومعنويًا‪ ،‬وعند ذلك يصبح المجتمع شك ً‬
‫ض وبما أنفقوا من‬
‫ضل ال بعضهم على بع ٍ‬
‫وعل‪) :‬الرجال قّوامون على النساء بما ف ّ‬
‫أموالهم( ‪ ،113‬فسنة ال في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة؛ وللرجل فضل عليها‬
‫كما دلت الية الكريمة على ذلك‪.‬‬
‫وأمر ال سبحانه المرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه‪ :‬النهي عن‬
‫الختلط وهو اجتماع الرجال بالنساء الجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع‬
‫أو الشراء أو النـزهة أو السفر أو نحو ذلك‪ ،‬لن اقتحام المرأة لهذا الميدان يؤدي بها‬
‫إلى الوقوع في المنهي عنه‪ ،‬وفي ذلك مخالفة لمر ال وتضييع لحقوق ال المطلوب‬
‫شرعًا من المسلمة أن تقوم بها"‪.‬‬

‫و بعد أن انهت أسماء كلمها قالت ‪ :‬ها ‪ ..‬يا مروة ‪ ...‬ما رأيك ؟‬
‫ل من نفسها ‪ ..‬و شعرت أنها اقتحمت عرين السد فما‬
‫سكتت مروة و لم ترد خج ً‬
‫جاءت بشبهة إل و كانت حجة عليها ‪..‬‬
‫ك لم تعلمي بعد ما في جعبتي‬
‫ثم قطعت مروة هذا الصمت قائلة ‪ :‬حسنًا يا أسماء و لكن ِ‬
‫من أدلة و براهين ‪..‬‬
‫ابتسمت أسماء ابتسامة حانية و قالت ‪ :‬هاتي ما عندك أخيتي ‪..‬‬

‫انتهت الشبهة الرابعة‬

‫‪ 113‬سورة النساء ‪.34‬‬

‫‪54‬‬
‫الشبهة الخامسة ‪ :‬قصة يوسف عليه السلم‬

‫بدأت مروة في الكلم فقالت ‪ :‬ما رأيك في قصة سيدنا يوسف عليه السلم أليست‬
‫ت ِإَلْيِهنّ‬
‫سَل ْ‬
‫ن َأْر َ‬
‫سِمَعتْ ِبَمْكِرِه ّ‬
‫ل كافيًا على الختلط في قوله تعالى ‪َ ) :‬فَلّما َ‬
‫دلي ً‬
‫ن َفَلّما َرَأْيَنهُ َأْكَبْرَنُه‬
‫عَلْيِه ّ‬
‫ج َ‬
‫خُر ْ‬
‫سّكينًا َوَقاَلتْ ا ْ‬
‫ن ِ‬
‫حَدٍة ِمْنُه ّ‬
‫ت ُكّل َوا ِ‬
‫ن ُمّتَكًأ َوآَت ْ‬
‫ت َلُه ّ‬
‫عَتَد ْ‬
‫َوَأ ْ‬
‫ك َكِريٌم (‪ 114‬؟‬
‫شرًا أن َهَذا ِإّل َمَل ٌ‬
‫ل َما َهَذا َب َ‬
‫ش ِّ‬
‫حا َ‬
‫ن َ‬
‫ن َوُقْل َ‬
‫ن َأْيِدَيُه ّ‬
‫طْع َ‬
‫َوَق ّ‬

‫ردت أسماء قائلة ‪ :‬من تأمل هذه الية وما جاء قبلها وبعدها جزم بأنه ليصح‬
‫الستدلل بها على جواز الختلط‪ ،‬بل اليات حجة عند النظر والتأمل لمن منع من‬
‫الدخول على النساء ومخالطتهن‪:‬‬
‫فيوسف عليه السلم اشتراه عزيز مصر‪ ،‬وكان في بيته وكان خروجه بأمر ربة‬
‫البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة‪ ،‬خاصة وأنه ليعلم لماذا ُدعي‪ ،‬فغاية‬
‫ما في القصة الستدلل بفعل النسوة أو امرأة العزيز‪ ،‬وهذا استدلل بفعل من كان‬
‫على الشرك‪ ،‬ومع ذلك فإن اليات في سياق القصة وما تبعها من فتنة حصلت للنساء‬

‫‪ 114‬سورة يوسف ‪31‬‬

‫‪55‬‬
‫بل ولمرأة العزيز من قبل دليل على حرمة الختلط‪ ،‬فمن حلل الختلط بقصة‬
‫يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من سورة يوسف‪ ،‬ولو فقهه لحرم الختلط به‪،‬‬
‫فانظر إلى الفتنة التي حصلت إثر الدخول على النساء ولئن عصم ال يوسف عليه‬
‫السلم فأراه برهان ربه لكونه من المخلصين‪ ،‬فمن الذي يضمن هداية من تقحم‬
‫الفتن وعرض نفسه لها؟ فـ"إياكم والدخول على النساء"‪ ،‬كما قال نبينا صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.115‬‬

‫انتهت الشبهة الخامسة‬

‫الشبهة السادسة ‪ :‬نبأ موسى مع المرأتين‬

‫ردت مروة قائلة في غيظ شديد ‪ :‬إذن و ما رأيك في قصة سيدنا موسى و المرأتين ‪..‬‬
‫ل كافيًا بل و قويًا جدًا لمن يكابر و يقول أن الختلط غير جائز ‪..‬‬
‫أليست دلي ً‬

‫ردت أسماء في رفق ‪ :‬ليس في هذه القصة أي حجة على جواز الختلط بل هو دليل‬
‫آخر على المنع‪ ،‬فموسى لما رأى ُأّمة من الناس يسقون‪ ،‬ووجد من دونهم امرأتين‬
‫تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم‪ ،‬منعزلتان لتسقيان مع الناس‪ ،‬لم يرضه‬
‫موقفهما واستغربه ولهذا سألهما بعبارة مختصرة‪ :‬ما خطبكما؟ فكان الجواب بأوجز‬
‫عبارة وبقدر الحاجة‪) :‬لنسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)‪.116‬‬

‫والسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا القتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص‬
‫القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا الغنم؟ أليس عن‬
‫الختلط بغنم القوم؟ ثم أليس الولى لهما أن تعجل؟ جواب ذلك في القول باستقرار‬

‫‪ 115‬البخاري ‪ ،5/2005‬ومسلم ‪.4/1711‬‬


‫‪ 116‬سورة القصص ‪23‬‬

‫‪56‬‬
‫المنع من الختلط عندهما ولهذا قالتا‪( :‬ل نسقي حتى يصدر الرعاء‪ ، )117‬وقد ذكر‬
‫بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهًا في القصة انتزع منها الدللة على منع‬
‫الختلط‪ .‬وآخر ذكر تسعة عشر مظهرًا من مظاهر العفة في القصة‪.‬‬

‫انتهت الشبهة السادسة‬

‫الشبهة السابعة ‪ :‬الستدلل بأخبار سمراء والشفاء رضي ال عنهما‬

‫اشتاطت مروة غيظًا ‪ ..‬كلما جاءت بشبهة لتثبت لكبرها أنها المنتصرة عادت بخفي‬
‫حنين ‪ ..‬فقالت ‪ :‬إذن ما رأيك في أخبار سمراء و الشفاء رضي ال عنهما ‪ ..‬؟‬
‫قالت أسماء ‪ :‬مما أشكل على بعض المضللين و دعاة الختلط و تحرير المرأة و‬
‫الفجور خبر مفاده تولية النبي صلى ال عليه وسلم سمراء بنت نهيك أمر السوق‪،‬‬
‫وحديث سمراء بنت نهيك الذي أخرجه الطبراني في الكبير‪ ،‬صححه بعض أهل‬
‫العلم‪ ،118‬وفيه أن يحيى بن أبي سليم قال‪" :‬رأيت سمراء بنت نهيك ‪-‬وكانت قد‬
‫أدركت النبي صلى ال عليه وسلم‪ -‬عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب‬
‫الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"‪ ،119‬وهو كما ترى ليس فيه ذكر لولية‬
‫بل ولسوق! ثم إن الحتمالت ترد على معناه وغاية ما فيه أنه – ابن أبي سليم ‪-‬‬
‫ل أو وليته منصبًا‪ ،‬فربما كانت‬
‫رأى سمراء تأمر وتنهى‪ ،‬ولم يقل أنها اتخذت ذلك عم ً‬
‫خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها‪ ،‬وهذا دأب عباد ال الصالحين‪ ،‬ولعل‬
‫‪ 117‬سورة القصص ‪23‬‬
‫‪ 118‬قال العلمة اللباني في الرد المفحم‪" :‬أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ) ‪ (311 / 24‬بإسناد جيد‪ ،‬قال الهيثمي )‬
‫‪ (9/264‬ورجاله ثقات"‪ ،‬وقد ذكر سمراء بنت نهيك المام ابن عبد البر في الستيعاب )‪ (4/1863‬وذكر نحو هذا الثر‪ ،‬أما‬
‫ابن حجر –رحمه ال‪ -‬فقد ذكرها ثم قال في الصابة )‪" : (7/712‬تأتي في القسم الثالث" فما أتت‪ ،‬وكأنه نسيها‪ ،‬وممن‬
‫أشار إلى صحبتها صاحب تاريخ واسط ‪ ،1/42‬ولعل الثر مختلف فيه لختلفهم في ابن أبي سليم‪ ،‬ولكن ليس فيه أنها وليت‬
‫السوق‪.‬‬
‫‪ 119‬المعجم الكبير ‪.24/311‬‬

‫‪57‬‬
‫صبًا لكان معروفًا‬
‫مما يجعل هذا الحتمال وجيهًا هو عدم نقل غيره له ولو كان َمن ِ‬
‫مشهورًا منقوًل عن غيره‪ ،‬ولسيما لو كان منصبًا في محل عام يرده ويصدر عنه‬
‫الفئام‪ ،‬بل ندر من لتكون له حاجة فيه‪ .‬وأهل العلم ليحرمون خروج المرأة للحاجة‬
‫أو الضرورة وإن تكرر الخروج‪ ،‬فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع‬
‫في خروجها‪ ،‬فل حرج عليها‪ ،‬فإذا رأت منكرًا وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره‪،‬‬
‫وهذا غاية ما في أثر بنت نهيك‪.‬‬
‫ولُيعرف من أشار إلى توليتها السوق منصبًا‪ ،‬وإنما ُذكر عن عمر – رضي ال‬
‫عنه‪ -‬أنه وّلى أم سليمان بن أبي حثمة الشفاء بنت عبدال العدوية القرشية شيئًا من‬
‫أمر السوق‪ ،‬وقد كانت موصوفة بفضل وعقل وهي من المهاجرات الوائل رضي ال‬
‫عنهن جميعًا‪ ،‬ولعل خبر توليتها السوق ليس له سنٌد ُيعّول عليه‪ ،‬كما أن ظاهر كلم‬
‫أهل العلم يفهم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن‪ ،‬فقد ذكرها الحافظ‬
‫المزي فقال‪ " :‬وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما‬
‫ولها شيئًا من أمر السوق ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر"‪ 120‬ونقله نحوه ابن حزم‬
‫في المحلى‪ 121‬ولكن الزرقاني أشار إلى أن من ُوّلي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة‪،‬‬
‫قال‪ " :‬وقال )أبو( عمر رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلء المسلمين‬
‫وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان"‪،122‬‬
‫وكلم الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبدالبر كما في الستيعاب‪ ،123‬وقد نقله‬
‫الحافظ ابن حجر في الصابة‪ ،‬وقال‪ " :‬قلت هذا كله كلم مصعب الزبيري وذكره عنه‬
‫الزبير بن بكار"‪.124‬‬
‫فغاية ما في هذا إن ثبت – فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلثين ومائتين وبينه‬
‫وبين عمر مفاوز‪ -‬أن عمر رضي ال عنه ولها شيئًا من أمر السوق مع ابنها‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك وال‬

‫‪ 120‬انظر تهذيب الكمال )‪.(25/207‬‬


‫‪.9/429 121‬‬
‫‪ 122‬انظر شرح الزرقاني ‪.1/286‬‬

‫‪.2/649 123‬‬
‫‪3/242 124‬‬

‫‪58‬‬
‫أعلم‪ ،‬وهذا الصنيع له وجهه الذي ليخفى فإن شؤون النساء قد ليناسب مباشرة‬
‫بعض حالت احتسابها رجال‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬

‫وأخيرًا هناك من يذكر خبرًا عن شخصية يسمونها خولة بنت الزور ويذكرون‬
‫قصة إنقاذ أخيها ضرار –وهو صحابي معروف‪ -‬من السر‪ ،‬ول أصل لهذه القصة فل‬
‫ل عن القصة‪.‬‬
‫يوقف معها‪ ،‬بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظر فض ً‬

‫انتهت الشبهة السابعة‬

‫هنا توقف لسان مروة عن الحديث ‪ ..‬فلم يعد في جعبتها بعد أن فندت أسماء كل‬
‫أدلتها الواهية شيئًا ‪..‬‬
‫فانهارت و أخذت تبكي بكاءًا له نحيب ‪..‬‬

‫لم تفهم أسماء ماذا حدث فأخذت تربت على كتفيها و تهدئها ‪ ..‬إلى أن هدئت ‪..‬‬

‫ك في شيء ؟ صارحيني ‪..‬‬


‫فسألتها أسماء ‪ :‬ماذا حدث يا مروة ‪ ..‬هل آذيت شعور ِ‬

‫فردت عليها مروة ‪ :‬ل يا أسماء أبدًا ‪ ..‬أنا فقط أصابني الرهاق فقط من كثرة النقاش‬
‫و ليس لدي القدرة على المواصلة ‪.‬‬

‫فهّدأت أسماء من روع مروة ‪ ..‬و انصرفا إلى حديث آخر لعلها تهدأ و اتفقا على‬
‫موعد آخر في صباح بعد غد‪ -‬وكان يوم جمعة‪ -‬لستكمال الحديث‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫خرجت مروة من بيت أسماء متجهًة إلى منزلها فبدأت تنزل الدرج شاردة الذهن فيما‬
‫علمته من الحق و لكنها تكابر حتى تثبت أنها على صواب ‪ ..‬و بينما هي كذلك تذكرت‬
‫أنها على موعد خلل بضع دقائق مع صديقها هاني ‪ ..‬و لم تدر ما تفعل ‪ ..‬هل تخرج‬
‫معه بعد الحق الذي علمته أم ماذا ؟!‬
‫و بعد التفكير لم تستطع مروة أن تهزم تكبرها على الحق ‪ ..‬و قررت الخروج مع‬
‫هاني و كأن شيئًا لم يكن ‪ ..‬و لحظات حتى جاءت سيارة هاني في المكان المتفق‬
‫عليه للقاء و كان بقرب بيت أسماء و جاءت السيارة بنفس الصخب الذي جاءت به‬
‫أول مرة ‪ ،‬لتستقل مروة السيارة مع صديقها – كما تزعم – هاني ‪....‬‬

‫سارت السيارة بسرعة جنونية متجهة إلى هدفها و هو أحد المقاهي التي انتشرت في‬
‫الونة الخيرة تحت عنوان ) كوفي شوب ( و في الطريق لحظ هاني شرود مروة و‬
‫استغراقها في التفكير ‪..‬‬

‫ل ‪ :‬ما الذي أصابك يا مروة ؟! هل حدث شيء ؟!‬


‫فبادر بالسؤال قائ ً‬

‫انتبهت مروة لكلم هاني الذي قطع عليها حبال تفكيرها‬

‫‪60‬‬
‫فقالت ‪ :‬ل شيء ‪ ..‬ل عليك يا هاني ‪.‬‬

‫سكت هاني و لم يسأل مرة ثانية و كأنه لم يسأل و استغرق في سماع الموسيقى‬
‫الصاخبة و استغرقت مروة في التفكير من جديد ‪..‬‬

‫و عندما وصلت السيارة إلى هدفها استقرت أمام الـ ) كوفي شوب ( و نزلت مروة‬
‫بصحبة هاني لمقابلة الـ ) شلة ( التي كانت تتكون من فتاتين و شابين بالضافة إلى‬
‫مروة و هاني ‪..‬‬
‫دخل هاني بصحبة مروة إلى الـ ) كوفي شوب ( و إذا بهما أمام الـ ) شلة ( التي‬
‫كانت جالسة على إحدى الطاولت الموجودة بالمكان فاتجها إليهم ‪ ..‬و جلسا بعد‬
‫الترحيب ‪ ..‬و ما زالت الحقيقة تتقلب في رأس مروة مما أدى إلى استغراقها في‬
‫التفكير ‪ ..‬و صمتها التام ‪ ..‬لحظ ذلك أفراد الـ ) شلة (‬

‫فسألوا مروة مستهزئين‪ : 125‬ماذا يا مروة ‪ ،‬هل تفكرين باختراع الذرة ؟ >> و‬
‫تعالت الضحكات>>‬

‫فردت مروة ‪ :‬بل أفكر في مصيري ‪ ..‬هل أبقى معكم في هذه الـ ) شلة ( الغبراء أم‬
‫ل ؟!‬

‫خيم الصمت على المكان ‪ ..‬و حل الوجوم بأهله ‪ ..‬و كأن الصاعقة قد حلت عليهم ‪..‬‬

‫‪ 125‬كعادة تلك الخروجات المذمومة و الصداقات المحرمة ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫حــــوار ســاخــن‬

‫‪62‬‬
‫لم يصدق أحدا من أفراد الـ ) شلة ( هذه الكلمات التي انطلقت من لسان مروة‬
‫كطلقات الرصاص و لم تدرك مروة ما قالت ‪ ..‬فلم تجد تفسيرًا واحدًا لهذا الكلم إل‬
‫أن كلم أسماء و حديثها قد أثر فيها تأثيرًا بالغًا ‪..‬‬

‫فسأل هاني مستعجبًا منزعجًا ‪ :‬مروة ‪ ..‬هل تمزحين ؟!‬

‫لم يكمل هاني سؤاله حتى عاد بالجواب من لسان مروة ‪ :‬ل بالطبع أنا أفكر قطعيًا‬
‫بترككم للبد ‪..‬‬

‫فقالوا ‪ِ :‬لَم ؟ هل صدر منا ما يزعجك ؟‬

‫قالت مروة ‪ :‬ل بل على العكس تمامًا ‪ ..‬قضيت معكم أيامًا لن أنساها طيلة حياتي إلى‬
‫مماتي ‪ ..‬و لكنها كانت أيامًا مليئة بالمعاصي و الذنوب ‪ ..‬اشتد ظلمها من هول ما‬
‫كنا نفعل ‪ ..‬فكيف لي أن أنسى مكوثي مع هاني طيلة النهار نطوف في الشوارع أو‬
‫في المقاهي منفردين ‪ ..‬و لم أعي بقلبي ما قاله حبيبي لي ‪..‬‬

‫قالوا وسط ذهول الجميع ‪ :‬حبيبك ؟! من ؟! هل تحبين من ورائنا ؟! <<و تعالت‬


‫الضحكات>>‬

‫‪63‬‬
‫قالت و لم تدر كيف قالت ‪ :‬حبيبي رسول ال ‪ ..‬قال ‪ " :‬أل ل يخلون رجل بامرأة إل‬
‫كان ثالثهما الشيطان" ‪ 126‬و استمرت قائلة وسط ذهول الحاضرين ‪ ..‬أود أن أطرح‬
‫عليكم سؤاًل و بال عليكم أجيبوني بكل صراحة ‪..‬‬

‫قالوا في عجب ‪ :‬تفضلي ؟!‬


‫قالت ‪ :‬ما رأيكم إذا عرفتم أن أخواتكم أو بناتكم أو نساء من أهل بيتكم خرجن مع‬
‫شباب غير محارم لهن متسكعات في الشوارع و المقاهي ؟!‬

‫سكت الجميع و لم يلفظ أحد منهم بكلمة واحدة ‪ ..‬فأعادت عليهم مروة السؤال و لكن‬
‫بنبرة أشد حدة من ذي قبل و كأنها تؤنبهم ‪..‬‬

‫فلم يرد أحد ‪ ..‬لن الجابة لم تكن بمستحيلة و لكنها صعبة على القلوب ثقيلة على‬
‫اللسان معروفة في الذهان ‪ ..‬و تركت لهم المقهى و انصرفت ‪...‬‬
‫انصرفت مروة و دموعها ل تتوقف كالنهر الجارف ‪ ..‬متجهة إلى منزلها مستغرقة‬
‫ي ‪ ..‬يا هل ترى‬
‫في أفكارها ‪ ..‬و تقول في نفسها ‪ :‬من أين أتت هذه القوة بين جانب ّ‬
‫هل بدأ الحق يسطع في قلبي ‪ ..‬؟!‬

‫نامت مروة دامعة العينين ‪ ..‬لتستعد ليوم جديد ‪ ..‬و لربما علقة جديدة مع ربها ‪..‬‬

‫وجاء اليوم التالي ‪ ..‬و حان وقت العمل ‪ ..‬و لكن مروة لم تكن تطيق لترى هذه‬
‫الوجوه التي تركتها بالمس فاتصلت برئيسها في العمل تطلب منه إجازة عارضة‬
‫لهذا اليوم أيضًا فوافق بعد أن أنذرها أن هذه هي آخر إجازة يمكن أن تطلبها في هذه‬
‫الفترة ‪.‬‬
‫‪ 126‬رواه المام أحمد في المسند ج ‪ /3‬ص ‪ ،446‬ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي ال عنه في )أبوب الفتن(‪،‬‬
‫باب )ما جاء في لزوم الجماعة( برقم )‪ (2254‬ج ‪ /3‬ص ‪ ،315‬وقال‪" :‬حديث حسن صحيح غريب"‪ .‬ورواه الحاكم في‬
‫المستدرك وقال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج ‪ /1‬ص ‪.198‬‬

‫‪64‬‬
‫لم تعلم ماذا تفعل مروة فموعدها مازال مع أسماء غدًا ‪ ..‬و إذا هي كذلك ‪ ..‬دق جرس‬
‫ق أي‬
‫الهاتف النّقال ) المحمول ( فإذا به هاني ‪ ..‬فأغلقت مروة الهاتف و لم تتل َ‬
‫مكالمة هاتفية على هاتف المنزل و ظلت شاردة حزينة بين بكاء و صمت إلى أن دقت‬
‫الساعة الرابعة عصرًا ‪.‬‬

‫و دقت حينها أجراس الحقيقة في قلب مروة فقامت للوضوء و استعدت لصلة العصر‬
‫و في الصلة أخذت تدعو ال بحرارة شديدة و بكاء مرير أن يلهمها الحق و أن‬
‫يرزقها إتباعه فلم تعد تقوى على ما هي فيه ‪..‬‬

‫فبعد الصلة أحست مروة بالراحة و الطمأنينه و شعرت مروة أن الحل في الصلة و‬
‫قد تعلمت مروة في مدرستها أن ال تعالى ينزل إلى السماء الدنيا نزوًل يليق بجلله‬
‫في الثلث الخير من الليل و يقول هل من مستغفر لغفر له هل من تائب لتوب‬
‫عليه ؟!‬

‫هنا عقدت مروة العزم على أل تفوت الليلة هذه المقابلة الهامة جدًا بينها و بين ال‬
‫عز و جل لتطلب منه عز و جل التوفيق و السداد لما فيه الخير و الصلح لدنياها و‬
‫آخرتها ‪.‬‬

‫قامت مروة و هي نشيطة سعيدة لتتناول وجبة الغداء و بعد ما انتهت منها نامت قلي ً‬
‫ل‬
‫لتستعد لموعدها الهام الليلة ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مـــوعـــد هـــــام‬
‫و انتظار بالجابة‬

‫‪66‬‬
‫دق جرس المنبه لتقوم مروة إلى موعدها الهام في الثلث الخير من الليل فقامت و‬
‫توضأت و أحسنت الوضوء و استعدت للقاء خالقها و مصورها و بارئها و أمسكت‬
‫المصحف و بدأت في الصلة ‪..‬‬

‫ففي أول ركعة قرأت ‪:‬‬


‫ك َيُتو ُ‬
‫ب‬ ‫ب َفُأْوَلـِئ َ‬
‫ن ِمن َقِري ٍ‬
‫جَهاَلٍة ُثّم َيُتوُبو َ‬
‫سَوَء ِب َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ل ِلّلِذي َ‬
‫عَلى ا ّ‬
‫)ِإّنَما الّتْوَبُة َ‬
‫حّتى ِإَذا‬
‫سّيَئاتِ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ت الّتْوَبُة ِلّلِذي َ‬
‫س ِ‬
‫حِكيمًا × َوَلْي َ‬
‫عِليمًا َ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫عَلْيِهْم َوَكا َ‬
‫ل َ‬
‫ا ّ‬
‫عَتْدَنا َلُهْم‬
‫ك َأ ْ‬
‫ن َوُهْم ُكّفاٌر ُأْوَلـِئ َ‬
‫ن َيُموُتو َ‬
‫ن َوَل اّلِذي َ‬
‫ت ال َ‬
‫ت َقاَل ِإّني ُتْب ُ‬
‫حَدُهُم اْلَمْو ُ‬
‫ضَر َأ َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫‪127‬‬
‫عَذابًا َأِليمًا(‬
‫َ‬

‫و في الركعة الثانية قرأت ‪:‬‬


‫ق َوَل َيُكوُنوا َكاّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ل َوَما َنَزَل ِم َ‬
‫شَع ُقُلوُبُهْم ِلِذْكِر ا ِّ‬
‫خ َ‬
‫ن آَمُنوا أن َت ْ‬
‫ن ِلّلِذي َ‬
‫)َأَلْم َيْأ ِ‬
‫عَلُموا‬
‫ن×ا ْ‬
‫سُقو َ‬
‫ت ُقُلوُبُهْم َوَكِثيٌر ّمْنُهْم َفا ِ‬
‫س ْ‬
‫عَلْيِهُم اَْلَمُد َفَق َ‬
‫طاَل َ‬
‫ب ِمن َقْبُل َف َ‬
‫ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬
‫‪128‬‬
‫ن(‬
‫ت َلَعّلُكْم َتْعِقُلو َ‬
‫لَيا ِ‬
‫ض َبْعَد َمْوِتَها َقْد َبّيّنا َلُكُم ا ْ‬
‫حِيي اَْلْر َ‬
‫ل ُي ْ‬
‫أن ا َّ‬

‫و في كل ركعة تخر إلى ال ساجدة داعية باكية منيبة طائعة ‪ ،‬تدعو بحرقة شديدة‬
‫بصوت يخرج من العماق أن يمن ال عليها بالحق و أن يتوب عليها و يجنبها‬
‫الباطل و الكبر و التمادي في الضلل ‪.‬‬

‫‪ 127‬سورة النساء ‪18-17‬‬


‫‪ 128‬سورة الحديد ‪17- 16‬‬

‫‪67‬‬
‫و بعد أن انتهت من صلتها و سلمت ‪ ..‬أخذت تستغفر و تدعو بإصرار و عزيمة‬
‫شديدين إلى أن أذن المؤذن لذان الفجر فقامت و صلت و دعت ال تعالى أن يكتبها‬
‫من عباده التائبين‬

‫قـــــرار مـفــاجــئ‬

‫‪68‬‬
‫جاء اليوم التالي ‪ ،‬و دقت الساعة الثامنة صباحًا و كان هذا يوم الجمعة ‪ ..‬و كانت قد‬
‫اتفقت مروة مع أسماء على أن يكون موعدهما من الساعة التاسعة إلى صلة‬
‫الجمعة‪.‬‬

‫عندما دقت الساعة الثامنة و النصف بدأت مروة في التحرك من بيتها حتى تدرك‬
‫موعدها مع أسماء و ل تتأخر عليها و حال مروة بين المس و اليوم شتان الفارق‬
‫شتان ‪ ..‬كانت صافية النفس ‪ ،‬تملها العزيمة و الرادة و لم يكن يعلم أحد بما يدور‬
‫في رأس مروة إل ال ‪ ،‬و يبدو على وجهها أنها إتخذت قرار ما و قريبًا جدًا تنفيذه‪.‬‬

‫دقت الساعة التاسعة و دق جرس الباب و إذا بمروة تقف على باب بيت أسماء‬
‫فرحبت بها أسماء و أدخلتها إلى غرفة النساء ‪..‬‬

‫لحظت أسماء التغير على وجه مروة و النور الذي يشع من وجهها فاستبشرت خيرًا‬

‫ك على حال غير الحال يا مروة ؟‬


‫و سألتها و هي متهللة الوجه ‪ :‬مالي أرا ِ‬

‫ردت مروة و ابتسامتها تمل شفتيها ‪ :‬أحمد ال على ذلك يا أسماء فوال لقد عشت‬
‫ليلة لم أعشها من قبل و أحسست بأني أملك الرض و ما فيها ‪.‬‬

‫تعجبت أسماء و قالت ‪ :‬كيف ؟!‬

‫‪69‬‬
‫فقالت مروة ‪ :‬عشت ليلة يا أسماء ما أحسست أني فيها خاضعة ذليلة إل فيها ‪..‬‬
‫عشت ليلة لم أشعر في حياتي بمثلها ‪ ...‬عشت ليلة لو ملكت الرض كلها بدًل من‬
‫هذه الليلة ما أشبعتني كما فعلت تلك الليلة ‪.‬‬

‫ردت أسماء في لهفة ‪ :‬و ما هي هذه الليلة و ماذا فعلتي شوقتيني يا مروة ؟‬

‫فردت مروة في سرور ‪ :‬لقد عشت ليلة مع ال‬

‫وقفت أسماء تنظر إلى مروة و عينيها تلمعان من تجمع الدموع فيها ‪..‬‬

‫و سألت أسماء مرة أخرى ‪ :‬مع من ؟‬

‫ي ال إلى أمر سيغير مجرى حياتي يا‬


‫قالت مروة مرة أخرى ‪ :‬مع ال ‪ ..‬و قد هدان َ‬
‫ك به !!‬
‫أسماء أود أن أشارك ِ‬
‫قالت أسماء و هي تحبس دموعها ‪ :‬بالطبع يا مروة ما هو ؟‬

‫ردت مروة ‪ :‬لقد قررت أن أقطع علقتي بكل من حولي من الرجال و أن أستقيل من‬
‫عملي يا أسماء ‪..‬‬

‫لم تتمالك أسماء نفسها فبكت بشدة فرحًا بما قالته مروة ‪ ..‬و لم تتمالك مروة أن ترى‬
‫‪129‬‬
‫صديقة عمرها في هذه الحالة فبكت معها من شدة التأثر ‪..‬‬

‫فلما هدأت أسماء قالت ‪ :‬و ال نعم القرار يا أخيتي نعم القرار !!‬

‫‪ 129‬يكون العبد في قمة التأثر و الخضوع و الذل إلى ال و رقة القلب في حال التوبة من ذنب عظيم و يكون همه كبير في‬
‫تحصيل طاعات ال من أجل أن يبدل سيئاته حسنات‬

‫‪70‬‬
‫ي بهذا القرار يا أختي الحمد‬
‫ردت مروة و هي متؤثرة بشدة ‪ :‬الحمد ل الذي من عل ّ‬
‫ي بأخت مثلك تنصحني و تتحمل سخافاتي و مضايقاتي الحمد ل‬
‫ل الذي أنعم عل ّ‬
‫الحمد ل ‪.‬‬

‫قالت أسماء ‪ :‬و متى التنفيذ يا أختي ؟‬


‫ضحكت مروة و قالت ‪ :‬من الغد بإذن ال سأذهب لتقديم استقالتي لتفرغ لربي و‬
‫بيتي و زوجي الذي أدعو ال أن يرزقني إياه ‪..‬‬

‫فدعت لها أسماء و بكت من شدة الفرح و انخرطا في حديث آخر إلى أن حان موعد‬
‫إنصراف مروة فعانقت أسماء بشدة و هي تشكرها و اتفقا على موعد آخر بعد أن‬
‫تقدم مروة استقالتها لكي تطمئن أسماء عليها ‪.‬‬

‫في اليوم التالي ‪:‬‬

‫ذهبت مروة إلى مقر عملها و على محياها علمات الجد و العزيمة ‪ ..‬و استئذنت في‬
‫الدخول على رئيسها في العمل و لكن بصحبة إحدى صديقاتها‪ 130‬و عندما دخلت‬
‫أعطت المدير ورقة صغيرة‬

‫و قالت ‪ :‬سيدي المدير أنا اعتذر بشدة فأنا أقدم استقالتي إليكم و أرجو منكم قبولها‪.‬‬

‫تعجب المدير و قال ‪ِ :‬لَم ؟‬

‫قالت ‪ :‬ستجد السبب في الورقة يا سيدي ‪.‬‬

‫و تركت المكتب و انصرفت من المصلحة بل رجعة ‪ ..‬فلما انصرفت قام رئيسها بفتح‬
‫الورقة فلم يجد بها إل سطر واحد ‪..‬‬

‫‪ 130‬حتى ل تحدث خلوة بينها و بين رئيسها في العمل‬

‫‪71‬‬
‫‪131‬‬
‫تركت العمل طاعة ل و رسوله‬

‫‪ 131‬و كانت هذه نهاية الجزء الول من قصتنا ‪ :‬أختاه متى اللتزام ‪ ..‬و التي تناولنا فيها ‪ :‬الختلط و عمل المرأة داعين ال‬
‫أن يوفقنا لما فيه الخير و الصلح و إلى اللقاء في الجزء الثاني لنرى ماذا حدث عندما قابلت مروة أسماء ‪..‬‬

‫‪72‬‬

You might also like