You are on page 1of 105

^^^ TEXT ABOVE THIS LINE IS ADDED TO YOUR REQUEST ^^^

)‫ (توافق أم خداع‬Ticket #50030: new project from hasan sharawy title


Thank you for contacting Scribd Support. Your request has been automatically routed to our
Copyright department and will be processed as soon as possible.
Content on Scribd is uploaded and maintained by Scribd's users with no editorial intervention or
approval from Scribd employees. Scribd takes the rights of intellectual property owners very
seriously and complies as a service provider with all applicable provisions of the United States
Digital Millennium Copyright Act ("DMCA") of 1998. We expeditiously remove infringing material and
terminate repeat infringers when such action is deemed appropriate. Click here to read Scribd's
complete official copyright infringement removal policy.
If you have submitted a request to remove a copyright infringement, please make sure that your
request meets the basic criteria for validity as specified under the DMCA [17 USC 512(c)]. We have
created a template that makes it easy for you to submit a legally valid removal request. If your
request does not meet the legal criteria for validity, use this template to update your request.
Substitute all [bracketed] placeholders in the template with the required information. All information
is for legal purposes only and is kept strictly confidential. We typically process complete, valid
requests within two (2) business days.
You can update your request by replying to this email. You do not need a Scribd
account/password to access the template or to update your request.
Best regards,

Scribd Support, Copyright Desk

Questions? http://scribd.com/faq
Click here for a complete list of copyright-related resources, policies, and templates.

This email is a service from Scribd Support Desk

)‫(أعظم رحلة نجاح في العالم‬

‫خداع‬
ِ ْ‫توافُق أم‬
‫كتب‬

‫حسن شعراوي‬

‫حسن صالح أبو المعاطي محمد الشعراوي‬


hasansalehsharawy@yahoo.com
hsharawy2010@gmail.com

1
‫المقدمة‬

‫رؤية فيلسوف هندوسي معاصر لنبي اإلسالم‬


‫جماعية اإلنسان‪:‬‬
‫ولكن يوجد جانب آخر لهذه المسألة؛ فاإلنسان يعيش في المجتمع وترتبط حياتنا ـ شئنا أم أبينا‬
‫وبطريقة مباشرة وغير مباشرة ـ بحياة الكثيرين‪ ،‬فنحن جمي ًعــا نأكــل من ثمــرات تــزرع في نفس‬
‫األرض ونشرب المــاء من نفس النبــع ونستنشـقـ هــواء نفس الجـو‪ ،‬ومـع تمسـكنا الشــديد بآرائنـا‬
‫الشخصية فإنه سيكون من المفيد ــ ال لغــرض آخــر ســوى تشــجيع االنضــباط المناسب في البيئــة‬
‫المحيطة بنا ـ لو أننا عرفنا أيضًا بدرجة أو بأخرى كيــف يفكــر جارنا ومــا هي المنــابع األصــلية‬
‫لتصرفاته‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن زاوية الرؤية هذه تصبح محاولة المرء للتعـرف على جميـع أديـان العـالم شـيئا مرغوبًـا‬
‫فيه‪ ،‬وذلك بالروح الصحيحة‪ ،‬من أجــل تشــجيع التفــاهم المتبــادل والتقبــل األفضــل لجيراننــا على‬
‫المدى القريب والبعيد‪.‬‬

‫رحلة حياة البشر في الدنيا هي جملة من التفاعالت االجتماعية والمبادئـ والقيم‬


‫والتصرفات الفردية والجماعية‪ ،‬بل هي سلوكيات تترجم شخصية اإلنسان في الحياة‪ ،‬أو هي‬
‫مرآة تعكس وبوضوح الظاهر والمخبوء من حياة أي إنسان‪.‬‬
‫لقد سجل لنا التاريخ سير آالف المصلحين والزعماء الذين عاشوا مناضلين من أجل فكرة أو‬
‫مبدأ أفاد شعوبهمـ أو اإلنسانية عامة ولكن لم تجتمع كل المبادئ الطيبة إال في شخص رسول هللا‬

‫‪2‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم في البيت والقيادة واألخالقـ والعبادة والكثيرـ من أوجه الحياة التي استنارت‬
‫بمبعثه فصلوات هللا عليه في األولين واآلخرين‪.‬‬

‫ولما كانت رحلة حياة بعض النماذج البشرية محل نظر الناس من إعجاب وتقديرـ واتباع‪ ،‬كانت‬
‫هذه النماذج تمثل مثاًل عليا أو صورً ا مثالية يسعى الغالبية العظمى من الناس لالقتداء بها‬
‫والسير على نهجهم واتباع سنتهم‪.‬‬
‫ولم أجد رجالً تجتمع عليه كل اآلراء بل قل كل الناس العدو منهم قبل الصديق ويتوافقون على‬
‫رأي واحد هو أن هذا اإلنسان هو صاحب أعظم رحلة نجاح في العالم إال النبي الخاتم صلى هللا‬
‫عليه وسلم محمد ابن عبد هللا!‬
‫من هنا شرعت في البحث في أعظم رحلة نجاح في العالم‪ ،‬وبعد اطالع موفورـ على كتب‬
‫السيرة النبوية والتعرض لمواقفه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والتعرف عن قرب على مالمح هذه‬
‫الشخصية الثرية عن طريق عدد من الكتابات حول شخصه الكريم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن‬
‫زوايا وجوانب مختلفة وبأساليب وطرقـ عرض أيضً ا متباينة ألخرج بهذا البحث ليكون قيمة‬
‫تناسب صاحب الحوض المورود سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم وإخوانه السابقين من النبيين‪.‬‬
‫جاهدا لتصليت الضوء على نقاط التميز وأسس النجاح التي استند‬ ‫ً‬ ‫وقد سعيت في مادة هذا البحث‬
‫إليها هذا الرجل العظيم وإخوانه النبيين في أعظم رحلة نجاح في العالم‪ ،‬يحدونيـ في ذلك هدف‬
‫عظيم وهو الفخر بحب هذا النبي وإخوانه وبأننا من أمته صلى هللا عليه وسلمـ ونؤمن بإخوانه‬
‫عليهم السالم جمي ًعا‪ ،‬وهناك هدف آخر وهو إرشاد من هم على غير الملة من الغربيين وغيرهم‬
‫محمدا وإخوانه شخصية تستحق منهم االحترامـ والتقدير والتسليم لهم بالرسالة والنبوة؛‬ ‫ً‬ ‫إلى أن‬
‫وأنهم في حاجة إلى عمل مقارنة واعية بين هذا العمالق وبين أي أحد آخر؛ ذلك ليعيدواـ النظر‬
‫فيما يُقال من افتراءات وإساءات وليكونوا سهامًا نافذة لقلوب من يحاولون تشويه أو اإلساءة لهذا‬
‫المعلم العظيم!‬
‫كما ذكرت فلقد تناولت حياة خير البشر من منظورـ رجل عادي يستعرض أمامه ً‬
‫عددا من‬
‫النماذج البشرية وأحدث فيما بينهم مقارنة ليصل إلى أيهم نجحت رحلته في الحياة؛ لذا سميت‬
‫هذا البحث‬
‫(أعظم رحلة نجاح في العالم)‪.‬‬
‫وهللا أسأل أن تكون هذه المادة قد استوفت النيتين وأن يجزينا هللا عنها حسن ثواب الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫حسن شعراويـ‬
‫حسن صالح أبوالمعاطيـ محمد الشعراوي‬
‫كاتب مصري‬
‫‪ 1‬نوفمبرـ ‪2006‬‬

‫‪3‬‬
4
‫خالد محمد خالد‬

‫‪5‬‬
6
7
8
9
10
11
12
‫خالد محمد خالد‬

‫‪13‬‬
14
15
16
‫خالد محمد خالد ‪ /‬معًا على الطريق‬

‫‪17‬‬
‫مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬كما ذكرها القرآن‬

‫كتبه‪ /‬أحمد الشحات‬


‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬أما بعد؛‬
‫فإن الجدل في شخصية مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬يدور بين ط‪YY‬رفين ووس‪YY‬ط من البش‪YY‬ر؛ ففرق‪YY‬ة مِنَ الن‪YY‬اس غلت‬
‫‪Y‬درا للخ‪Y‬ير‬
‫فيه‪Y‬ا ح‪Y‬تى رفعته‪Y‬ا عن مرتب‪Y‬ة البش‪YY‬ر‪ ،‬فعب‪Y‬دتها من دون هللا ‪-‬تع‪Y‬الى‪ ،-‬وجعلته‪Y‬ا أ ًم‪Y‬ا لإلل‪Y‬ه ومص‪ً Y‬‬
‫والنماء‪ .‬وفرقة أخرى جفت فاتهمتها بتهم شنيعة ال تليق بامرأة كرمها هللا واصطفاها على نساء العالمين‪.‬‬
‫ووسط هذا الركام من الكفر يبزغ نجم أهل الحق واإليمان الذين رفعوا لواء التوحيد والعبودية هلل؛ ف‪YY‬أنزلوا‬
‫مريم وابنها ‪-‬عليهما السالم‪ -‬في منزلتهما الصحيحة‪.‬‬
‫والكالم عن مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬ال ينفك عن الكالم عن عيسى ‪-‬عليه السالم‪-‬؛ ألن الذي يض‪Y‬ل في عقيدت‪Y‬ه‬
‫في عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬يضل وال شك في عقيدته في مريم‪ ،‬والعكس صحيح؛ فاليهود الذين اتهموا م‪YY‬ريم‬
‫نجاه هللا منهم ورفع‪Y‬ه ح ًّي‪YY‬ا إلى‬
‫‪-‬عليها الس‪Y‬الم‪ -‬بالزن‪YY‬ا هم ال‪YY‬ذين ح‪Y‬اولوا قت‪Y‬ل عيس‪Y‬ى ‪-‬علي‪Y‬ه الس‪YY‬الم‪ -‬ح‪Y‬تى َّ‬
‫ألـهوا عيس‪YY‬ى ‪-‬علي‪YY‬ه الس‪YY‬الم‪ -‬وعب‪YY‬دوه من دون‬
‫السماء‪ ،‬والنصارى الذين غلوا في مريم ‪-‬عليه‪YY‬ا الس‪YY‬الم‪َّ -‬‬
‫هللا‪ ،‬فاالرتباط بينهما ‪-‬كما ترى‪ -‬وثيق وال ريب‪.‬‬
‫ولن نجد أصدق من القرآن يحدثنا عن هذه التفاصيل‪ ،‬ويعرض لنا بجالء عقيدة الض‪YY‬الين في م‪YY‬ريم وابنه‪YY‬ا‬
‫عيسى ‪-‬عليهما السالم‪ ،-‬ثم يفند هذه المزاعم الباطل‪YY‬ة‪ ،‬م‪YY‬ع تقري‪Y‬ر العقي‪YY‬دة الص‪YY‬حيحة بأدل‪YY‬ة ناص‪YY‬عة رائع‪YY‬ة‬
‫تثبت عقيدة المؤمن‪ ،‬وتعالج شبهات الكافر إن توافرت عنده الرغبة الصادقة في الهداية والرشاد‪.‬‬
‫‪ -1‬قصة ميالد مريم ‪-‬عليها السالم‪:-‬‬
‫فمع أن هذه القضية ليست بيت القصيد في مسألة تأليه عيسى ‪-‬عليه السالم‪-‬؛ ولكن ب‪YY‬دأ الق‪YY‬رآن به‪YY‬ا؛ لكي‬
‫يبرهن على أن مريم ‪-‬عليه‪YY‬ا الس‪YY‬الم‪ -‬لم تكن س‪YY‬وى مول‪YY‬ودة في بطن أ ٍّم من األمه‪YY‬ات‪ ،‬ب‪YY‬ل ج‪YY‬اءت والدته‪YY‬ا‬
‫طبيعية تما ًما كما يولد غيرها من األطف‪YY‬ال‪ ،‬فحكى الق‪YY‬رآن على لس‪YY‬ان أم م‪YY‬ريم ‪-‬عليه‪YY‬ا الس‪YY‬الم‪ -‬قوله‪YY‬ا‪( :‬إِ ْذ‬
‫الس‪Y‬مِي ُع ا ْل َعلِي ُم) (آل عم‪YY‬ران‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ت ا ْم َرأَتُ ِع ْم َرانَ َر ِّب إِ ِّني َن َذ ْرتُ لَ َك َم‪YY‬ا فِي َب ْطنِي ُم َح‪َّ Y‬ر ًرا َف َت َق َّبلْ ِم ِّني إِ َّن َك أَ ْنتَ‬
‫َقالَ ِ‬
‫‪ ،)35‬فها هي المرأة الناسكة العابدة تأخذ عه ًدا على نفسها أن توقف مولودها هلل ‪-‬ع‪YY‬ز وج‪YY‬ل‪ ،-‬وال تش‪YY‬غله‬
‫بشيء من أمور الحياة‪ ،‬ولكن وقعت المفاجأة أن صار هذا المولود أنثى‪ ،‬واألنثى ال تصلح لالنقطاع للعبادة‬
‫ض ‪ْ Y‬ع ُت َها أ ُ ْن َثى َوهَّللا ُ‬
‫ض َع ْت َها َق‪YY‬الَتْ َر ِّب إِ ِّني َو َ‬
‫لما جبلها هللا عليها من نقص في دينها‪ ،‬قال هللا ‪-‬تعالى‪َ ( :-‬فلَ َّما َو َ‬
‫يم)‬
‫ال‪Y‬ر ِج ِ‬
‫ان َّ‬‫الش‪ْ Y‬ي َط ِ‬ ‫الذ َك ُر َكاأل ُ ْن َثى َوإِ ِّني َ‬
‫س َّم ْي ُت َها َم ْر َي َم َوإِ ِّني أ ُ ِعي‪ُ Y‬ذهَا ِب‪َ Y‬ك َو ُذ ِّر َّي َت َه‪Y‬ا مِنَ َّ‬ ‫س َّ‬ ‫أَ ْعلَ ُم ِب َما َو َ‬
‫ض َعتْ َولَ ْي َ‬
‫(آل عمران‪.)36:‬‬
‫‪ -2‬فضل مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬على نساء العالمين‪:‬‬
‫وض ح القرآن أن مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬امرأة من البشر يجري عليها مثل ما يجري عليهم تما ًم‪YY‬ا‪ ،‬س‪YY‬وى أن‬
‫َّ‬
‫تفوقت بها على غيرها من النساء‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫صها ببعض المزايا التي َّ‬
‫هللا ‪-‬تعالى‪ -‬اصطفاها وخ َّ‬
‫أ‪ -‬ما جرى على يديها من الكرامات في شأن الطعام‪ :‬فك‪YY‬ان زكري‪YY‬ا ‪-‬وال‪YY‬ذي ك‪YY‬ان زوج خالته‪YY‬ا ومعلمه‪YY‬ا في‬
‫فسجل الق‪YY‬رآن تعجب‪YY‬ه ه‪YY‬ذا في‬ ‫َّ‬ ‫المحراب‪ ،‬عليه السالم‪ -‬يجد عندها فاكهة الصيف في وقت الشتاء والعكس‪،‬‬
‫اب َو َج َد عِ ْن َدهَا ِر ْز ًقا َقال َ َيا َم ْر َي ُم أَ َّنى لَكِ ه ََذا َقالَتْ ُه‪Yَ Y‬و مِنْ ِع ْن‪ِ YY‬د هَّللا ِ إِنَّ‬
‫قوله‪ُ ( :‬كلَّ َما َد َخل َ َعلَ ْي َها َز َك ِر َّيا ا ْلم ِْح َر َ‬

‫‪18‬‬
‫سا ٍ‬
‫ب) (آل عمران‪.)37:‬‬ ‫هَّللا َ َي ْر ُزقُ َمنْ َي َ‬
‫شا ُء ِب َغ ْي ِر ِح َ‬
‫‪Y‬ر َي ُم إِنَّ هَّللا َ ْ‬
‫اص‪َ Y‬ط َفاكِ َو َط َّه َركِ‬ ‫ت ا ْل َمالئِ َك‪ُ Y‬‬
‫‪Y‬ة َي‪YY‬ا َم‪ْ Y‬‬ ‫ب‪ -‬الوالي‪YY‬ة والق‪YY‬رب من هللا‪ :‬ق‪YY‬ال هللا ‪-‬ع‪YY‬ز وج‪YY‬ل‪َ ( :-‬وإِ ْذ َق‪YY‬الَ ِ‬
‫الرا ِكعِينَ ) (آل عمران‪.)43-42:‬‬ ‫اس ُجدِي َو ْار َكعِي َم َع َّ‬ ‫اص َط َفاكِ َعلَى نِسَاءِ ا ْل َعالَمِينَ ‪َ .‬يا َم ْر َي ُم ا ْق ُنتِي ل َِر ِّبكِ َو ْ‬
‫َو ْ‬
‫‪ -3‬قصة ميالد عيسى ‪-‬عليه السالم‪:-‬‬
‫تبدأ أحداث القصة ببشارة تلقتها مريم ‪-‬عليها السالم‪ -‬من المالئكة فحواها أن هللا سيرزقها بمولود مب‪YY‬ارك‬
‫ووض ‪Y‬حوا له‪YY‬ا أن وج‪YY‬ود ه‪YY‬ذا المول‪YY‬ود س‪YY‬يكون بكلم‪YY‬ة من هللا‪ ،‬وهي كلم‪YY‬ة‪" :‬كن"؛ ق‪YY‬ال هللا‬ ‫َّ‬ ‫كث‪YY‬ير الخ‪YY‬ير‪،‬‬
‫‪Y‬ر َي َم َو ِجي ًه‪YY‬ا فِي‬ ‫اس‪ُ Y‬م ُه ا ْل َم ِس‪Y‬ي ُح عِ َ‬
‫يس‪Y‬ى ا ْبنُ َم‪ْ Y‬‬ ‫ت ا ْل َمالئِ َك ُة َيا َم ْر َي ُم إِنَّ هَّللا َ ُي َب ِّ‬
‫ش ُركِ ِب َكلِ َم‪ٍ Y‬ة ِم ْن‪ُ Y‬ه ْ‬ ‫‪-‬تعالى‪( :-‬إِ ْذ َقالَ ِ‬
‫ال ُّد ْن َيا َواآلخ َِر ِة َومِنَ ا ْل ُم َق َّر ِبينَ ) (آل عمران‪ ،)45:‬ومع ذلك فق‪YY‬د استش‪YY‬كلت م‪YY‬ريم ‪-‬عليه‪YY‬ا الس‪YY‬الم‪ -‬ه‪YY‬ذا األم‪YY‬ر؛‬
‫ش ٌر) (آل عمران‪.)47:‬‬ ‫لغرابته وخروجه عن القاعدة‪ ،‬فقالت‪َ ( :‬ر ِّب أَ َّنى َي ُكونُ لِي َولَ ٌد َولَ ْم َي ْم َ‬
‫س ْسنِي َب َ‬
‫فجاء الرد الحاسم الدال على أن في األمر معجزة تفوق إمكانات البش‪Y‬ر‪ ،‬ثم ش‪Y‬رع الق‪Y‬رآن في ذك‪Y‬ر تفاص‪Y‬يل‬
‫الحمل بهذا المولود‪ ،‬والتي بدأت بتمثـُّل جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬في صورة إنسان كامل في مك‪YY‬ان منف‪YY‬رد عن‬
‫‪Y‬ر َي َم إِ ِذ ا ْن َت َب‪Yَ Y‬ذتْ‬ ‫الناس‪ ،‬وهو مكان خلوتها بنفسها لعبادة هللا ‪-‬تعالى‪-‬؛ فقال ‪-‬عز وجل‪َ ( :-‬و ْاذ ُك ْر فِي ا ْل ِك َتا ِ‬
‫ب َم‪ْ Y‬‬
‫س‪ِ Y‬و ًّيا ‪َ .‬ق‪YY‬الَتْ إِ ِّني‬ ‫وح َن‪YY‬ا َف َت َم َّثل َ لَ َه‪YY‬ا َب َ‬
‫ش‪ً Y‬را َ‬ ‫ش ْرقِ ًّيا ‪َ .‬فا َّت َخ َذتْ مِنْ دُونِ ِه ْم ح َِجا ًبا َفأ َ ْر َ‬
‫س ْل َنا إِلَ ْي َها ُر َ‬ ‫مِنْ أَهْ لِ َها َم َكا ًنا َ‬
‫َب لَكِ غُاَل ًما َز ِك ًّي‪YY‬ا ‪َ .‬ق‪YY‬الَتْ أَ َّنى َي ُك‪YY‬ونُ لِي ُغال ٌم‬ ‫سول ُ َر ِّبكِ ألَه َ‬ ‫الر ْح َم ِن ِم ْن َك إِنْ ُك ْنتَ َتقِ ًّيا ‪َ .‬قال َ إِ َّن َما أَ َنا َر ُ‬
‫أَ ُعو ُذ ِب َّ‬
‫اس َو َر ْح َم‪ً Y‬‬
‫‪Y‬ة ِم َّنا َو َك‪YY‬انَ‬ ‫ش ٌر َولَ ْم أَ ُك َب ِغ ًّيا ‪َ .‬قال َ َك‪َ Y‬ذلِكِ َق‪YY‬ال َ َر ُّبكِ ُه‪Yَ Y‬و َعلَ َّي َه ِّينٌ َولِ َن ْج َعلَ‪ُ Y‬ه آ َي‪ً Y‬‬
‫‪Y‬ة لِل َّن ِ‬ ‫َولَ ْم َي ْم َ‬
‫س ْسنِي َب َ‬
‫أَ ْم ًرا َم ْقضِ ًّيا) (مريم‪.)21-16:‬‬
‫ثم أمر هللا ‪-‬تعالى‪ -‬جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬فنفخ في جيب صدرها‪ ،‬فسرت النفخة إلى فرجها‪ ،‬فحملت بعيس‪YY‬ى‬
‫‪-‬بإذن هللا‪ ،-‬وخ‪YY‬رج ه‪YY‬ذا المول‪YY‬ود ال‪YY‬زكي الط‪YY‬اهر إلى ال‪YY‬دنيا ليب‪YY‬دأ حي‪YY‬اة جدي‪YY‬دة في ال‪YY‬دعوة إلى هللا والعم‪YY‬ل‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫‪ -4‬أحداث ما بعد الوالدة‪:‬‬
‫ك‪YY‬ان من الط‪YY‬بيعي في مجتم‪YY‬ع س‪YY‬ادت في‪YY‬ه الفاحش‪YY‬ة وانتش‪YY‬رت في‪YY‬ه الرذيل‪YY‬ة أن يح‪YY‬اول إلص‪YY‬اق التهم بأه‪YY‬ل‬
‫الص‪Y‬الح؛ لكي ي‪Y‬برروا ألنفس‪YY‬هم م‪YY‬ا هم علي‪Y‬ه من فس‪YY‬اد وانحالل‪ ،‬فم‪Y‬ا الظن بهم إذا وج‪Y‬دوا م‪YY‬ا يعينهم على‬
‫تثبيت التهمة بها وهي الوالدة بدون زوج؟!‬
‫فتولى اليه‪YY‬ود ‪-‬كالع‪Y‬ادة‪ Y-‬كِ‪Y‬بر ه‪YY‬ذه الم‪Y‬ؤامرة الخبيث‪Y‬ة‪ ،‬وراح‪YY‬وا يو ِّبخ‪Y‬ون م‪YY‬ريم في خبث بق‪YY‬ولهم‪َ ( :‬ي‪YY‬ا أ ُ ْختَ‬
‫س ْوءٍ َو َما َكا َنتْ أ ُ ُّمكِ َب ِغ ًّيا) (مريم‪ ،)28:‬وهنا تقع المعج‪YY‬زة اإللهي‪YY‬ة على ي‪YY‬د عيس‪YY‬ى‬
‫ام َرأَ َ‬
‫هَا ُرونَ َما َكانَ أَ ُبوكِ ْ‬
‫‪-‬عليه السالم‪-‬؛ ألن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬ما كان ليج‪Y‬ري على م‪Y‬ريم ‪-‬عليه‪Y‬ا الس‪Y‬الم‪ -‬مث‪Y‬ل ه‪Y‬ذه الكرام‪Y‬ة الخارق‪Y‬ة‬
‫دون أن يؤيدها بم‪YY‬ا يبرؤه‪YY‬ا من الظن الفاس‪YY‬د ال‪YY‬ذي ين‪YY‬ال مِنْ ش‪YY‬رفها وعرض‪YY‬ها‪ ،‬وهي ال‪YY‬تي وهبت نفس‪YY‬ها‬
‫ارتْ إِلَ ْي‪ِ Y‬ه َق‪YY‬الُوا َك ْي‪َ Y‬‬
‫‪Y‬ف ُن َكلِّ ُم َمنْ َك‪YY‬انَ‬ ‫للعبادة والنسك‪ ،‬وقد حكى القرآن هذه المساجلة الهامة في قوله‪َ ( :‬فأ َ َ‬
‫ش‪َ Y‬‬
‫ص‪Y‬انِي‬‫ار ًك‪YY‬ا أَ ْينَ َم‪YY‬ا ُك ْنتُ َوأَ ْو َ‬ ‫‪Y‬اب َو َج َعلَنِي َنبِ ًّي‪YY‬ا ‪َ .‬و َج َعلَنِي ُم َب َ‬ ‫ص‪Y‬بِ ًّيا ‪َ .‬ق‪YY‬ال َ إِ ِّني َع ْب‪ُ Y‬د هَّللا ِ آ َت‪YY‬ان َِي ا ْل ِك َت‪َ Y‬‬
‫فِي ا ْل َم ْه‪ِ Y‬د َ‬
‫سال ُم َعلَ َّي َي ْو َم ُولِدْ تُ َو َي ْو َم أَ ُموتُ‬ ‫شقِ ًّيا ‪َ .‬وال َّ‬
‫ارا َ‬ ‫الز َكا ِة َما ُد ْمتُ َح ًّيا ‪َ .‬و َب ًّرا ِب َوالِ َدتِي َولَ ْم َي ْج َع ْلنِي َج َّب ً‬ ‫الصال ِة َو َّ‬‫ِب َّ‬
‫َو َي ْو َم أ ُ ْب َع ُ‬
‫ث َح ًّيا) (مريم‪.)33-29:‬‬
‫قال ابن كثير ‪-‬رحمه هللا‪" :-‬في هذه اآلية إثبات من عيسى ‪-‬عليه الس‪YY‬الم‪ -‬العبودي‪YY‬ة هلل ‪-‬ع‪YY‬ز وج‪YY‬ل‪ ،-‬وأن‪YY‬ه‬

‫‪19‬‬
‫مخلوق من خلق هللا‪ ،‬يحيا ويموت‪ ،‬و ُيبعث كسائر الخالئق‪ ،‬ولكن له السالم في هذه األحوال التي هي أش‪YY‬د‬
‫ما يكون على ال ِع َباد"‪.‬‬
‫‪ -5‬وقفات مع حياة عيسى ‪-‬عليه السالم‪:-‬‬
‫بدأ عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬دعوته إلى هللا ‪-‬تعالى‪ -‬والتي كان عماده‪YY‬ا التوحي‪YY‬د هلل وإف‪YY‬راده بالعبودي‪YY‬ة‪ ،‬مثل‪YY‬ه‬
‫مثل غيره من األنبياء‪ ،‬فذكر القرآن نماذج من حواراته مع بني إسرائيل‪.‬‬
‫فمنها‪ :‬وصيته لهم بعبادة هللا ‪-‬تعالى‪ -‬وتحذيرهم من مغبة الشرك والضالل‪َ ( :‬و َقال َ ا ْل َمسِ ي ُح َيا َبنِي إِ ْس َرائِيل َ‬
‫ار)‬‫ص‪ٍ Y‬‬‫ش ِركْ ِباهَّلل ِ َف َقدْ َح َّر َم هَّللا ُ َع َل ْي ِه ا ْل َج َّن َة َو َم‪YY‬أْ َواهُ ال َّنا ُر َو َم‪YY‬ا لِل َّظالِمِينَ مِنْ أَ ْن َ‬
‫اع ُبدُوا هَّللا َ َر ِّبي َو َر َّب ُك ْم إِ َّن ُه َمنْ ُي ْ‬
‫ْ‬
‫(المائدة‪.)72Y:‬‬
‫اس‬ ‫‪Y‬ر َي َم أَأَ ْنتَ ُق ْلتَ لِل َّن ِ‬ ‫ِيس‪Y‬ى ا ْبنَ َم‪ْ Y‬‬ ‫ومنها‪ :‬شهادته على نفسه أنه عب‪Y‬د مرب‪Y‬وب هلل؛ فق‪YY‬ال‪َ ( :‬وإِ ْذ َق‪Y‬ال َ هَّللا ُ َي‪Y‬ا ع َ‬
‫س لِي ِب َح‪ Y‬قٍّ إِنْ ُك ْنتُ قُ ْل ُت‪ُ Y‬ه َف َق‪YY‬دْ‬ ‫س ْب َحا َن َك َم‪YY‬ا َي ُك‪YY‬ونُ لِي أَنْ أَقُ‪YY‬ول َ َم‪YY‬ا لَ ْي َ‬ ‫ُون هَّللا ِ َقال َ ُ‬
‫ا َّت ِخ ُذونِي َوأ ُ ِّم َي إِلَ َه ْي ِن مِنْ د ِ‬
‫‪Y‬ر َتنِي بِ‪ِ Y‬ه أَ ِن‬ ‫ب ‪َ .‬م‪YY‬ا ُق ْلتُ لَ ُه ْم إِال َم‪YY‬ا أَ َم‪ْ Y‬‬ ‫َعلِ ْم َت ُه َت ْعلَ ُم َما فِي َن ْفسِ ي َوال أَ ْعلَ ُم َما فِي َن ْف ِس‪َ Y‬ك إِ َّن َك أَ ْنتَ َعال ُم ا ْل ُغ ُي‪YY‬و ِ‬
‫اع ُبدُوا هَّللا َ َر ِّبي َو َر َّب ُك ْم) (المائدة‪.)117-116:‬‬
‫ْ‬
‫ومنها‪ :‬بيان أن المعجزات التي أجراها هللا على يد عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬هي مِنْ جملة النعم التي أنعم به‪YY‬ا‬
‫ُس ُت َكلِّ ُم‬‫وح ا ْل ُق‪Y‬د ِ‬ ‫َ‬
‫‪Y‬ر ن ِْع َمتِي َعلَ ْي‪َ Y‬ك َو َعلَى َوالِ‪Y‬دَ تِ َك إِ ْذ أ َّيدْ ُت َك ِب‪ُ Y‬ر ِ‬ ‫‪Y‬ر َي َم ْاذ ُك ْ‬
‫يس‪Y‬ى ا ْبنَ َم ْ‬ ‫عليه؛ فقال‪( :‬إِ ْذ َقال َ هَّللا ُ َيا ِع َ‬
‫‪Y‬ر‬‫الط ْي‪ِ Y‬‬‫ين َك َه ْي َئ‪ِ Y‬ة َّ‬ ‫‪Y‬ة َوال َّت ْو َرا َة َواإلِ ْن ِجي‪Y‬ل َ َوإِ ْذ َت ْخلُ‪YY‬قُ مِنَ ِّ‬
‫الط ِ‬ ‫‪Y‬اب َوا ْل ِح ْك َم‪َ Y‬‬‫اس فِي ا ْل َم ْه ِد َو َك ْهال َوإِ ْذ َعلَّ ْم ُت َك ا ْل ِك َت‪َ Y‬‬
‫ال َّن َ‬
‫‪Y‬و َتى ِب‪YY‬إ ِ ْذنِي) (المائ‪YY‬دة‪:‬‬ ‫ج ا ْل َم‪ْ Y‬‬‫ص بِ‪YY‬إِ ْذنِي َوإِ ْذ ُت ْخ‪ِ Y‬ر ُ‬
‫‪Y‬ر َ‬ ‫ئ األَ ْك َم‪َ Y‬ه َواألَ ْب‪َ Y‬‬ ‫‪Y‬ر ُ‬‫بِإِ ْذنِي َف َت ْنفُ ُخ فِي َها َف َت ُكونُ َط ْي ًرا ِب‪YY‬إِ ْذنِي َو ُت ْب‪ِ Y‬‬
‫‪.)110‬‬
‫ثم ذكر القرآن في تقرير واضح بشارة عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬بمحمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في قوله‪َ ( :‬وإِ ْذ‬
‫ول‬
‫س‪ٍ Y‬‬ ‫دَي مِنَ ال َّت ْو َرا ِة َو ُم َب ِّ‬
‫ش‪ً Y‬را ِب َر ُ‬ ‫سول ُ هَّللا ِ إِلَ ْي ُك ْم ُم َ‬
‫ص ِّد ًقا لِ َما َب ْينَ َي َّ‬ ‫َقال َ عِ ي َ‬
‫سى ا ْبنُ َم ْر َي َم َيا َبنِي إِ ْس َرائِيل َ إِ ِّني َر ُ‬
‫اس ُم ُه أَ ْح َم ُد) (الصف‪.)6:‬‬
‫َيأْتِي مِنْ َب ْعدِي ْ‬
‫تبجحا منهم وج‪YY‬رأة على‬
‫ً‬ ‫ثم ختمت حياة عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬على األرض بتآمر اليهود عليه؛ لكي يقتلوه‬
‫أنبياء هللا‪ ،‬ولكن هللا خ َّيب آمالهم‪ ،‬وحفظ عبده عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من القت‪YY‬ل‪ ،‬ورفع‪YY‬ه عن‪YY‬ده في الس‪YY‬ماء‪،‬‬
‫ش ِّب َه لَ ُه ْم) (النساء‪.)157:‬‬ ‫فقال ‪-‬عز وجل‪َ ( :-‬و َما َق َتلُوهُ َو َما َ‬
‫صلَ ُبوهُ َولَكِنْ ُ‬
‫فها أنت أخي الحبيب‪ :‬قد وضحت لك قصة عيسى ومريم ‪-‬عليهما السالم‪ -‬منذ ب‪Y‬دايتها؛ فكالهم‪Y‬ا بش‪Y‬ر عب‪Y‬د‬
‫صرح القرآن في أك‪YY‬ثر من موض‪YY‬ع كف‪YY‬ر‬ ‫هلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬لم يد ُع أي منهما إلى عبادة نفسه من دون هللا‪ ،‬بل َّ‬
‫‪Y‬ر الَّذِينَ َق‪YY‬الُوا إِنَّ هَّللا َ ُه‪Yَ Y‬و ا ْل َم ِس‪Y‬ي ُح ا ْبنُ‬
‫من اعتقد فيهما بخالف ما ذكره القرآن؛ فقال ‪-‬ع‪YY‬ز وج‪YY‬ل‪( :-‬لَ َق‪YY‬دْ َك َف‪َ Y‬‬
‫أيضا‪( :‬لَ َقدْ َك َف َر الَّذِينَ َقالُوا إِنَّ هَّللا َ َثال ُ‬
‫ِث َثال َث ٍة) (المائدة‪.)73:‬‬ ‫َم ْر َي َم) (المائدة‪ ،)72Y:‬وقال ً‬
‫وصلى هللا على محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫قيمة‪ ‬التسامح‪ ‬الديني‬

‫‪20‬‬
‫إن ما يجب تسليط الضوء عليه هو أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ذا بُعد ُوجودي‪ ،‬أي أنه ضروري‬

‫سنّة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على‬


‫ضرورة الوجود نفسه‪ .‬ولتوضيح ذلك يمكن اإللماع إلى أن ُ‬

‫األرض في شكل تج ّمعات بشرية‪ ،‬وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة األصل والحاجة إلى التج ّمع‬

‫والحرص على البقاء والرغبة في التّم ّكن من مق ّومات الحياة وال ّ‬


‫سعي في إقامة التمدّن والعمران والتَّوق إلى‬

‫االرتقاء والتقدّم فإنها قد تباينت في ما تتف ّرد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية‪ .‬وقد‬

‫ص ّرح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال‪{ :‬يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل‬

‫لتعارفوا} (‪.)1‬‬

‫صل إليه الحكماء والفالسفة من قَبل وأثبته الواقع التاريخي ال ُمشَاهد من أن‬
‫لقد أكدت اآلية ما كان قد تو َّ‬

‫اإلنسان َمدني بطبعه‪ ،‬بمعنى أنه ال تتحقّق حياته وال ينبني كيانه وال تكتمل ذاته وال يكتسب ما تصبو إليه قدراته‬

‫إالّ داخل وسط اجتماعي متشابك فيه الخير والشر‪ ،‬وفيه التحابُب والتباغض‪ ،‬وفيه التجانس والتنافر‪ ،‬وفيه األنا‬

‫واألنا اآلخر‪.‬‬

‫فاإلنسان ابن بيئته‪ ،‬فهي التي تنشئه وتكونه وتلونه‪ ،‬وهي التي توفر له ما تملك مما يفي بحاجاته األساسية‪،‬‬

‫كما أنها هي التي تَكفيه مع ما تقدّس من شعائر وتطبعه بما تقدر من عادات‪ ،‬وهي التي تأقلمه بشكل يجعل ما‬

‫هو من متعلقات ذاتيته يتناسق مع روحها العامة وينسجم مع ما لديها من غاية مشتركة‪.‬‬

‫من ذلك‪ ،‬نتبيّن أن التن ّوع بين الناس أفراداً وجماعات ما كان انحرافا ً وال شذوذاً وال ُمروقاً‪ ،‬بل كان من طبيعتهم‬

‫البشرية ومن أصل خلقتهم اآلدمية‪ ،‬فهو ظاهرة ضرورية اقتضتها الفطرة اإلنسانية واستلزمتها النشأة‬

‫االجتماعية‪.‬‬

‫إنه تن ّوع في الطبائع واألمزجة والمواهب والميول والمؤهالت والطموحات‪ .‬وإنه تن ّوع في أنماط الممارسات‬

‫االعتقادية وتباين في التمثّالت الطقوسية وتغاير في التجلّيات السلوكية وتمايز في المنطلقات الفكرية‪ .‬وإنه‬

‫تن ّوع إيجابي فيه ثراء وخصوبة وتالقح‪ ،‬يحفّز على االضطالع بالمسؤوليات الثّقال‪ ،‬ويدفع إلى جعل الوفاء‬

‫بالحاجات النفسية والعقلية والوجدانية واالجتماعية والحضارية واقعا ً مرئيا ً وخياراً متاحا ً أمام القدرات‬

‫والكفاءات‪.‬‬

‫وقد ألمع القرآن إلى ضرورة هذا االختالف النمطي‪ ،‬وإلى حتمية وجوده حتى يتم ّكن كل فرد وكل مجتمع من‬

‫العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يهواها ويرتضيها {ولو شاء ربّك لجعل الناس‬

‫أُمةً واحدةً وال يزالون مختلفين} (‪.)2‬‬

‫‪21‬‬
‫نلحظ‪ ،‬أن الغاية من اختالف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات و َمدَنيات إنما هو التعارف ال‬
‫وهكذا َ‬

‫التَّناكر‪ ،‬والتعايش ال االقتِتَال‪ ،‬والتعاون ال التَّطاحن‪ ،‬والتكامل ال التعارض‪ ،‬وبات واضحا ً أن أهمية التسامح‬

‫الديني تتمثّل في كونه ضروريا ً ضرورة الوجود نفسه‪.‬‬

‫مما تقدّم‪ ،‬نتبيّن أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يُق ّر االختالف ويقبل التن ّوع ويعترف بالتغاير ويحترم‬

‫ما يميز األفراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية ومخيال‪ ،‬ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية‬

‫امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله‪ ،‬هي سبب وجوده وس ّر بقائه وعنوان هويته و َمبعث‬

‫اعتزازه‪.‬‬

‫من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي التسليم‪  ‬بأنه إذ ا كان لهؤالء| وجود فألولئك‬

‫الحرمة نفسها‪ ،‬وإذا كان لهؤالء ُخصوصية ثقافية ال‬


‫وجود‪ ،‬وإذا كان لهؤالء دين له ُحرمته فألولئك دين له ُ‬

‫ترضى االنتهاك فألولئك ُخصوصية ثقافية ال تقبل الـ َم ّ‬


‫س أبداً‪.‬‬

‫إن التسامح الديني يُع ّد أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده‪ ،‬فالتعدّدية والديموقراطية وحرية‬

‫المعتقد وقبول االختالف في الرأي والفكر وثقافة اإلنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون‪،‬‬

‫خيارات استراتيجية وقيم إنسانية ناجزة ال تقبل التراجع وال التفريط وال المساومة‪ ،‬فالتسامح ‪-‬إذ ن‪ -‬عامل‬

‫ومشجع على تفعيل قواعده‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فاعل في بناء المجتمع المدني‪،‬‬

‫وهكذا‪ ،‬نستخلص أن التسامح يستوجب االحترام المتبادل‪ ،‬ويستلزم التقدير المشترك‪ ،‬ويدعو إلى أن تتعارف‬

‫ساس بدائرة الخصوصية من‬


‫الشعوب وتتقارب‪ ،‬ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون الم َ‬

‫لحرمة ذاتيتها‪ ،‬وهي دائرة تبادل المعارف والمنافع والمصالح الشَّراكة الفاعلة‬
‫غير إثارة لحساسيتها‪ ،‬وانتهاك ُ‬

‫التي يعود مردودها بالخير على الجميع‪.‬‬

‫موقف‪ ‬األديان‪ ‬من‪ ‬التسامح‪ ‬الديني‬

‫من البديهي أن األديان بحكم انتمائها إلى السماء‪ ،‬فإنها ال تأمر إالّ بالخير والحق والصالح وال تدعو إالّ بالبِ ّر‬

‫والحب والرحمة واإلحسان‪ ،‬وال توصي إالّ باألمن والسلم والسالم‪ ،‬وما كانت يوما ً في ح ِّد ذاتها عائقا ً أمام‬

‫التبادل والتالقح والتَّثاقف وال أمام التعايش والتعارف والحوار‪ ،‬وإنما العائق يكمن في الذين يتوهّمون أنهم‬

‫يمتلكون الحقيقة المطلقة ويستغلّون األديان في أقدار الناس ومصائرهم‪ ،‬تلك المهمة التي أبَى هللا تعالى أن‬

‫يمنحها ألنبيائه األخيار‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫إن اإلسالم من جهته يعترف بوجود (الغير) المخالف فرداً كان أو جماعة ويعترف بشرعية ما لهذا (الغير) من‬

‫وجهة نظر ذاتية في االعتقاد والتص ّور والممارسة تخالف ما يرتـئيه شكالً ومضموناً‪ .‬ويكفي أن نعلم أن القرآن‬

‫الكريم قد س ّمى الشِّرك دينا ً على الرغم من وضوح بطالنه‪ ،‬ال لشيء إالّ ألنه في وجدان معتنقيه دين (‪.)3‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فإن جريمة المشركين لم تكن في إعراضهم عن اإلسالم‪ ،‬وإنما في كونهم رفضوا أن يعيش دين جديد‬

‫بجوار دينهم‪ ،‬فق ّرروا َم ْحقَه واستئصاله من الوجود‪.‬‬

‫صل بعضهم اآليات الواردة في شأن احترام األديان األخرى واحترام خصوصيتها واتباعها إلى أكثر‬
‫هذا وقد أو َ‬

‫من مائة آية مو ّزعة في ست وثالثين سورة‪.‬‬

‫ولم يكتف القرآن بتشريع حرية التديّن‪ ،‬بل نجده قد وضع جملة من اآلداب‪ ،‬يمكن َعدّها بيداغوجية للتسامح‬

‫الديني‪ ،‬فقد دعا المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودّة وبِر وإحسان‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ال ينهاكم هللاُ‬

‫عن الذين لم يُقاتلُوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن هللا يحب المقسطين}(‬

‫‪.)4‬‬

‫ب المشركين وشتم‬
‫س ّ‬ ‫وإتساقا ً مع تلك الدعوة إلى ُحسن التعامل‪ ،‬نرى القرآن ّ‬
‫يحذر أتباعه ويَنهاهم عن َ‬

‫عقائدهم‪{ ،‬وال تسبّوا الذين يدعون من دون هللا فيسبّوا هللا َعدْواً بغير علم} (‪ .)5‬يشير مضمون اآلية إلى‬

‫كونها تلقين مستمر المدى حيث أوجب هللا تعالى في كل زمان ومكان االلتزام بهذا األدب وعدم شتم غيرهم‬

‫وعقائدهم (‪.)6‬‬

‫والواقع أن المرء إذ ا نظر إلى تلك المبادئ المتعلقة بموضوع حرية التديّن التي أَقَ َّرها القرآن بموضوعية‪ ،‬ال‬

‫يسعه إالّ االعتراف بأنها فعالً مبادئ التسامح الديني في أعمق معانيه وأروع صوره وأبعد قِيمه‪.‬‬

‫والصحيح أن اإلسالم لم يكن وحده في اشتماله على مبادئ التسامح‪ ،‬فالمسيحية التي تقول أناجيلها‪..‬‬

‫* لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ واألنف باألنف‪ ،‬وأنا أقول لكم‪ :‬ال تقاوموا الش ّر بالش ّر بل من ضرب خدّك‬

‫األيمن فح ّول إليه الخد األيسر ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك ومن ّ‬
‫سخرك لتسير معه ميالً فسر معه ميلين (‪.)7‬‬

‫* من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان (‪.)8‬‬

‫* عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم (‪.)9‬‬

‫هي بدورها تتض ّمن مبادئ التسامح في أَ ْجلى صوره‪ ،‬بل إنه تسامح يبدو أحيانا ً فوق الطاقة‪.‬‬

‫الصحيح كذلك أن اليهودية تدعو إلى التسامح فإذا نظرنا إلى مثل هذه الوصايا‪..‬‬

‫* كل ما تكرهُ أن يفعلهُ غيرك بك فإياك أن تفعلهُ أنت بغيرك (‪.)10‬‬

‫‪23‬‬
‫* اغتسلوا وتط ّهروا وأزيلوا ش َّر أفكاركم (‪ )...‬وكفّوا عن اإلساءة‪ .‬تعلّموا اإلحسان والتمسوا اإلنصاف (‪.)11‬‬

‫وهكذا بات واضحا ً أن التسامح الديني مطلب إنساني نبيل َدعَت إليه األديان كافة دون استثناء‪ ،‬وكيف ال تدعو‬

‫إليه وقد أرادته الحكمة اإللهية واقتضته الفِطرة اإلنسانية واستوجبته النشأة االجتماعية وفرضته المجتمعات‬

‫المدنية وتُحتّمه ثقافة العولمة وما تحتاج إليه من قِيَم حضارية و َمدنية نبيلة‪ .‬والمهم أيضاً‪ ،‬أن اإلشكال ليس في‬

‫األديان ذاتها وإنما هو كامن في عُقم إفهام بعض القائمين عليها وال زالت المفارقات بين المبادئ والممارسات‬

‫الواقعة هنا وهناك ال تُحصى‪ .‬أليس هناك إجماع على أن اإلسالم صالح لكل زمان ومكان ومع ذلك فإننا نجد من‬

‫التفاسير ما لم تحرص على شيء حرصها على إظهار اإلسالم في شكل ال يقدر على تطبيقه إالّ من أَلِفَ العيش‬

‫في مغاور جبال أفغانستان ؟‬

‫ألم يكن هناك إجماع على أن اإلسالم دين ينبذ الغلظة والفضاضة والجفاء ويحض على اللين وال ّرفق والسماحة‬

‫والتيسير ويأمر بالتحابُب والتوادُد والتراحم والتآلف ويعترف بوجود اآلخر ويُقر حقّه في التَّديّن ويُقدّر اختياره‬

‫ويدعو إلى احترام ما ارتضاه من خصوصية وإلى التعامل معه بلطف وإحسان وينهى عن سبّه والتح ّرش‬

‫بدينه‪ ،‬ولكن هل لدى الخطاب الديني المتشنّج من براعة سوى إمطار المخالفين من داخل دينه وخارجه‬

‫بالقذائف الجارحة التي ال تحصى وال تُعد ؟ إن التسامح الديني يتطلّب االحترام المتبادل ويقتضي التخلّي عن‬

‫صائية‪.‬‬
‫األساليب الدوغمائية واإلق َ‬

‫إن األقوال من قبيل‪ ..‬الحروب المقدسة والحروب الصليبية‪ ،‬نحن وحدنا على طريق الحق والخير‪ ،‬وغيرنا‬

‫شرير وفاسد‪ ،‬كافر‪ ،‬ملحد‪ ،‬مهرطق‪ ،‬الئكي‪ ،‬عَلماني‪ ..‬وغيرها‪ ،‬لغة ال يستسيغها التعامل المدني الراهن‬

‫(اليوم)‪ ،‬ومع ذلك قد استعملت حتى من قِبَل من كنّا نعدّهم حضاريين‪ .‬وعلى ُك ّل فإنها تنتمي إلى صراع حالك‬

‫من التاريخ‪ .‬وإذا كانت الغاية من دراسة التاريخ البحث ع ّما وقع فيه من إيجابيات‪ ،‬أليس حريّا ً بنا أن نتأ ّ‬
‫سى بما‬

‫حصل فيه من تجارب ُمشرقة‪.‬‬

‫لقد أفادنا التاريخ بأن المسلمين قد انفتحوا – أيام عطائهم الحضاري وازدهارهم الثقافي– على معارف وعلوم‬

‫وثقافات‪ ،‬وحرصوا على أن يفهموها ويستوعبوها ويستفيدوا منها‪ ،‬حتى أن التاريخ يؤكد أنهم ما استطاعوا أن‬

‫يُقيموا حضارتهم التي أقاموها إالّ بعد اطالعهم واستفادتهم مما وجدوا لدى غيرهم‪ .‬وقد شَرع ذلك االنفتاح‬

‫الكوني الذي سلكوه األبواب على مصاريعها أمام التع ّرف والتقارب والتبادل‪ ،‬وع ّزز األدوار اإليجابية الفاعلة‬

‫التي كانت تؤدّيها تلك المناظرات التي كانت تستقطب– عبر بيوت الحكمة التي تنافس أولو األمر في تأسيسها –‬

‫العلماء من مختلف األديان‪ ،‬وقد أقبَل المسلمون عليها بتلقائية وقَصد‪ ،‬وقبلوا فيها شرط االلتزام بعدم االستدالل‬

‫‪24‬‬
‫سنة نزوالً عند رغبة مناظريهم من اليهود والنصارى وحتى من البوذيّين‬
‫على َمقوالتهم ال بالكتاب وال بال ُّ‬

‫الخطَب‬
‫سكا ً بالعقالنية وتحقيقا ً للموضوعية وتطبيقاص للمنهجية العلمية التي ترفض ُ‬
‫والمجوس وغيرهم تم ّ‬

‫التقريرية والمقوالت المعلّبة الجاهزة‪.‬‬

‫إن المفارقات ليست مبرراً إطالقا ً سواء كانت صادرة من الشرق أو من الغرب‪ ،‬ومهما بلغت تداعياتها من‬

‫فداحة لم تكن َمدعاة لليأس واإلحباط بقدر ما هي حافز قوي يدعو قوى الخير في العالم إلى تفعيل قواعد‬

‫المجتمع المدني حتى يكون لها موقع من العولمة ثابتا ً و َمكيناً‪ .‬ثم إن العولمة ال تكون إرهاصا ً لمستقبل أكثر‬

‫سر هذا إالّ بتضامن‬


‫اطمئنانا ً وأشد تضامنا ً إالّ ببلورة القيم الكونية وتفعيلها واتخاذها ال ُمنطلق والمرجع‪ .‬وال يتي ّ‬

‫مبادئ األديان النبيلة‪ ،‬وتعاون جهود الثقافات الواعية القادرة على خلق فكر حضاري يتوارى– أمامه مذموماً‪،‬‬

‫مدحوراً – كل خطاب يُش ّوه المقدّس‪ ،‬ويغتال العقل ويُصادر الحرية ويجذب إلى الخلف ويتن ّكر للحداثة ويحاول‬

‫عبثا ً أن يلفت التاريخ إلى الوراء‪ .‬إن الحرص على خلق عالم جديد خال من حقد العنصرية العرقية‪ ،‬وبغضاء‬

‫التطاحن الديني هدف كوني نبيل يتطلّب مبادرات جادة وفاعلة‪.‬‬

‫يبقى أن القِيم الكونية تحتاج إلى تضامن ونضال دؤوب‪ ،‬وبرغم ما يُعيقه من صراع كريه تطفح تداعياته‬

‫البشعة على سطح الساحة العالمية‪ ،‬فإنه ليس بعزيز وال مستحيل على المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية‬

‫والجمعيات الحكومية وغير الحكومية في العالم إذ ا تَا َ ْن َ‬


‫سنَت أهدافها واتّفقت منطلقاتها وتكاتفت جهودها‪.‬‬

‫شهادة المسيح عيسى بن مريم ‪u‬‬

‫‪         ‬‬
‫وشهادة المسيح هنا مذكورة بشكل واضح وقاطع فى إنجيل متى ‪ ،‬وفى كل من إنجيلى مرقس‬
‫ولوقا بشكل مستتر قليال ‪ .‬وذلك من خالل مثل الكرامين القتلة الذى ضربه المسيح ‪ u‬لقومه‬
‫من بنى إسرائيل ‪ .‬وسوف أذكر المثل كامال كما ورد فى إنجيل متى ( ‪ 33 : 21‬ـ ‪ ) 44‬من‬
‫نسخة اآلباء اليسوعيين العربية طبعة ‪.1991‬‬

‫‪ ‬‬
‫قال المسيح ‪ u‬مخاطبا أحبار اليهود ‪ " :‬اسمعوا مثال آخر ‪ :‬غرس رب‪ ‬‬
‫بيت كرما ‪ ،‬وس َّي َج ُه وحفر فيه معصرة وبنى ُب ْرجا وآجره بعض الكرامين ثم سافر فلما حان‬
‫وقت الثمر ‪ ،‬أرسل خدمه إلى الكرامين ليأخذوا ثمره ‪ .‬فأمسك الكرامون خدمه فضربوا‬
‫أحدهم ‪ ،‬وقتلوا غيره ورجموا اآلخر فأرسل أيضا خدما آخرين أكثر عددا من األولين ففعلوا‬

‫‪25‬‬
‫بهم مثل ذلك ‪ .‬فأرسل إليهم ابنه آخر األمر وقال ‪ :‬سيهابون ابنى ‪ .‬فلما رأى الكرامون االبن ‪،‬‬
‫قال بعضهم لبعض هو ذا الوارث ‪ ،‬هل َّم نقتله ونأخذ ميراثه ‪ .‬فأمسكوه‪ ‬وألقوه فى خارج الكرم‬
‫وقتلوه ‪ .‬فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عند عودته ‪..‬؟ قالوا له ‪ :‬يهلك هؤالء األشرار‬
‫شر هالك ‪ ،‬ويؤجر الكرم كرامين آخرين يؤدون إليه الثمر فى وقته ‪ .‬قال لهم يسوع ‪ :‬أ َما‬
‫قرأتم قط فى الكتب " الحجر الذى رذله البناؤون هو الذى صار رأس الزاوية ‪ .‬من عند الرب‬
‫ب فى أعيننا ‪ .‬لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت هللا سينزع منكم‪ ‬ويعطى أل َّمة تثمر‬ ‫كان ذلك وهو َع َج ٌ‬
‫ثمره ‪ .‬من وقع على هذا الحجر تهشم ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه ‪ .‬فلما سمع عظماء‬
‫ض بهم فى كالمه فحاولوا أن ُي ْمسكوه ولكنهم خافوا‬ ‫الكهنة والفريسيون أمثاله أدركوا أنه ُي َع ِّر َ‬
‫النص ‪  .‬‬
‫ّ‬ ‫الجموع ألنهم كانوا يعدونه نبيا " انتهى‬
‫قلت جمال ‪ :‬نجد فى هذا المثل الرائع أنَّ صاحب هذا الكرم هو هللا سبحانه وتعالى ‪ .‬وأنَّ‬
‫ملكوت هللا هنا هو دين هللا ‪ ،‬قد شبه بهذا الكرم المجهز بكل ما يلزم لالنتفاع به ‪ .‬وأنَّ هذا‬
‫الكرم ـ الذى هو دين هللا ـ قد أحيط بسياج من أحكام‪ Y‬الشريعة وحدودها ‪ .‬والكرامون هنا هم‬
‫بنوإسرائيل وعلى رأسهم األحبار والرؤساء الذين استحفظوا على دين هللا ووصاياه ‪ .‬وأنَّ‬
‫عبيد صاحب الكرم هم األنبياء والمرسلين ‪ .‬وأنَّ ابن صاحب الكرم كناية عن المسيح )‪. u  (1‬‬
‫‪ ‬‬
‫قلت جمال ‪ :‬وتلك شهادة نعتز بها نحن المسلمون ‪ ،‬فالمسيح ‪ u‬كان حقا آخر رسل هللا إليهم‬
‫كما نؤمن به ‪.‬‬
‫‪  ‬لقد مكث بنوإسرائيل مدة طويلة متمتعين بنعم هللا عليهم التى ال تحصى وال تعد ومن أهمها‬
‫إكرامهم بدين هللا المنزل على موسى ‪ u‬واختصاصهم باألفضلية على العالمين ‪ ،‬ولكنهم‬
‫انحرفوا عن الطريق القويم‪ Y‬وقالوا بأنهم أبناء هللا وأحباؤه ‪ .‬ولكن هللا سبحانه وتعالى أرسل‬
‫إليهم األنبياء تترى ليعيدهم إلى حظيرة االيمان الحق ‪ " ‬فجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا‬
‫بعضا " ‪ .‬وأشربت قلوبهم بالعصيان والجحود وظنوا أنهم األوصياء على الدين بما استحفظوا‬
‫‪ .‬وكما قال بولس فى رسالته الرومية‪ " : ) 2 : 3 ( ‬واستؤمنوا على كالم هللا ووصاياه " ‪.‬‬
‫فأرسل هللا إليهم خاتمة أنبيائهم المسيح عيسى بن مريم ‪ u‬فكفروا به وهموا به كما فعلوا‬
‫باألنبياء السابقين ‪.‬‬
‫‪          ‬وهنا فى ذلك المثل نجد أنَّ المسيح ‪ u‬يقيم الحجة على أحبار اليهود حين ألزمهم‬
‫بقوله " فماذا يفعل صاحب الكرم مع هؤالء الكرامون ‪!..‬؟ فأجابوه قائلين ‪ :‬يهلكهم هالكا ثم‬
‫يعطى الكرم إلى كرامين آخرين ‪ .‬فألزمهم بقولهم الذى قالوه ‪ :‬لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت هللا‬
‫ينزع منكم ويعطى أل َّمة تعمل أثماره " ‪.‬‬
‫‪          ‬فواجههم عليه السالم بحقيقة المثل المضروب فى حقهم ‪ .‬إنَّ كل االمتيازات التى‬
‫أنعمها هللا عليكم سوف تنزع منكم وتعطى أل َّمة أخرى ‪ .‬ورغم وضوح المعنى لقومه اليهود إال‬
‫أنَّ األتباع المسيحيين ال يفهمون ذلك المثل لسيطرة التقاليد الكنسية على العقول‪ Y‬والقلوب ‪.‬‬
‫" إنَّ ملكوت هللا سينزع منكم ويعطى أل َّمة تثمر ثمره " ‪ ،‬وهم يعلمون جيدا أنَّ هذه األ َّمة هى‬
‫المشار إليها فى سفر التثنية ( ‪ ) 21 : 32‬وفى سفر أشعيا ( ‪ . ) 1 : 65‬ولكنهم هنا فى ذلك‬
‫الموضع يفسرون األ َّمة باألمم بصيغة الجمع ‪!!..‬‬
‫يقول متى هنرى فى شرحه إلنجيل متى عند هذه الفقرة ‪ ( " :‬ويعطى أل َّمة ) أى للعالم‬
‫األممى ‪ ( .‬تعمل أثماره ) أولئك الذين لم يكونوا شعبا ‪ ،‬وكانوا غير مرحومين ‪ .‬أصبحوا‬
‫أعزاء السماء ‪ . )2( "..‬ولكن قوله أولئك الذين لم يكونوا شعبا يفضحه ويدل على أنه يتكلم‬
‫عن األ َّمة األمية الجاهلة ‪!!..‬‬
‫وهناك من يتقيد منهم بالمعنى الحرفى وال يريد أن يفهم ‪ ،‬مثل الذى قال فى معنى قول المسيح‬
‫‪ u‬أل َّمة تؤدى ثمرا " ‪ ..‬ال نقصد هنا األمم أى الوثنيون بل مجموعة تشبه األ َّمة المقدسة التى‬
‫ورد ذكرها فى خروج ( ‪ . ) 6 : 19‬وسيسلم ملكوت هللا بعد اليوم إلى أ َّمة مقدسة جديدة هى‬
‫الكنيسة " (‪     !!.. )3‬‬

‫‪26‬‬
‫قلت جمال ‪:‬ومنذ متى كانت الكنيسة أ َّمة ‪!..‬؟ وإن كانت جدال أ َّمة فأى الكنائس يقصد ‪!..‬؟ وهل‬
‫يعترفون بأنَّ الكنيسة هى أ َّمة الحمقى عديمة الفهم‪ Y‬المنزوعة البصيرة كما وردت صفاتها فى‬
‫سفر التثنية ( ‪!.. ) 21 : 32‬؟‬
‫لقد استؤمن اليهود على أقوال هللا فخانوا وغدروا ( رومية ‪ . ) 2 : 3‬فانتهت وكالتهم‬
‫وامتيازاتهم ‪ ،‬وانتقلت النبوة والرسالة إلى أ َّمة العرب ‪ .‬لتكون هى حاملة لكالم هللا وكتابه‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫‪          ‬جاء فى التفسير الحديث لمجموعة الدكاترة القسس اإلنجيليين " أنَّ مجال عمل هللا‬
‫الخالصى لم يعد فى نطاق أ َّمة إسرائيل بل فى أ َّمة أخرى " (‪ . )4‬وقالوا أيضا " وليس‬
‫المقصود هنا األمم ألنَّ هذا يستلزم استخدام‪ Y‬الجمع ‪ ) ethnesin (          ‬وليس الفرد‬
‫(‪. )5( " ) ethnei ‬‬
‫قلت جمال ‪ :‬وهكذا لن تجد اتفاقا بين أقوالهم ألنها كلها تلفيق وتكذيب ‪ .‬وكما نقول فى المثل‬
‫الشعبى ( الكدب مالوش رجلين ) ‪!!..‬‬
‫فإن عملنا االسقاط التاريخى للواقع الملموس والمشا َهد ‪ ،‬وجمعنا بين الشهادات الثالثة‬
‫لألنبياء الثالثة موسى وأشعيا وعيسى عليهم من ربى أفضل السالم ‪ .‬سوف نجد هذه األ َّمة‬
‫واضحة جلية بدون تدخالت كنسية عفى عليها الزمان ‪ .‬إنها البركة اإللهية الممنوحة‬
‫النبى االسماعيلى‬ ‫ّ‬ ‫السماعيل وذريته ‪ ،‬والتى تحققت فى أجل صورها بالبعثة االسالمية وظهور‬
‫‪.r‬‬
‫جاء فى تكوين ( ‪ ) 20 : 17‬قول هللا البراهيم ‪ " : r‬وأ َّما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ‪ .‬ها أنا‬
‫أباركه وأثمره ‪ ،‬وأكثره كثيرا جدا ‪ ،‬اثنى عشر رئيسا يلد ‪ .‬وأجعله أ َّمة كبيرة " ‪ .‬وفى تكوين‬
‫( ‪ " ) 13 : 21‬وابن الجارية أيضا سأجعله أ َّمة ألنه من نسلك " ‪ .‬وفى تكوين ( ‪) 18 : 21‬‬
‫‪ " :‬سأجعله أ َّمة عظيمة " ‪.‬‬
‫وكونوا‪ Y‬ما‬‫وكونوا‪ Y‬قبائل متفرقة سكنت فى أرض شبه الجزيرة العربية َّ‬ ‫وكثر نسل إسماعيل َّ‬
‫يشبه الشعب وما هو بشعب ‪ ،‬ولم يصيروا أ َّمة واحدة أبدا إال من بعد ظهور االسالم ‪ .‬فكانوا‬
‫األ َّمة التى استأجرها هللا على كرمه وزرعه يؤدون ثمره يوم حصاده ] ومثلهم فى اإلنجيل‬
‫كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ‪ .‬وعد‬
‫هللا الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ‪ / 29 ([ ‬سورة الفتح ) ‪.‬‬
‫‪          ‬وأ َّما عن قول المسيح ‪ u‬لألحبار ‪ " :‬أ َما قرأتم قط فى الكتب ‪ :‬الحجر الذى رفضه‬
‫البناؤن هو الذى صار رأس الزاوية ‪ .‬من عند الرب كان ذلك وهو عجب فى أعيننا " ‪ .‬فإنه‬
‫النص فيه والذى منه استمد المسيح ‪u‬‬ ‫ّ‬ ‫يحيلنا إلى سفر المزامير ( ‪ 22 : 118‬ـ ‪ ) 24‬لنجد‬
‫قوله لهم ‪ " :‬إنَّ ملكوت هللا سينزع منكم ويعطى أل َّمة تثمر ثمره ‪َ .‬من وقع على هذا الحجر‬
‫تهشم ‪ ،‬و َمن وقع عليه هذا الحجر حطمه " ‪.‬‬
‫‪          ‬والمسيح ‪ u‬يذكرهم هنا بما هو مكتوب عندهم ‪ ،‬فأنبياء بنى إسرائيل شبهوا بأحجار‬
‫استخدمت فى بناء بيت ‪ .‬وأنَّ البناؤن اليهود قد رفضوا حجرا معينا لم يضعونه فى مكانه من‬
‫البناء ‪ .‬ولكن ذلك الحجر هو الذى صار رأس الزاوية فى البنيان ‪ .‬وهذا الحجر المرفوض هو‬
‫النبى المنتظر من نسل إسماعيل بن إبراهيم صلوات هللا عليهم ‪ .‬شبيه موسى ‪ u‬والذى هو‬ ‫ّ‬
‫من إخوتهم من العرب ‪.‬‬
‫جاء فى سفر التثنية ( ‪ ) 18 : 18‬من النسخة العبرانية ‪ " :‬أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم‪Y‬‬
‫مثلك وأجعل‪ Y‬كالمى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " ‪.‬‬
‫النبى لم يأت ولن يأت من بنى‬
‫ّ‬ ‫وجاء أيضا فى سفر التثنية ( ‪ ) 10 : 34‬ما يفيد بأنَّ ذلك‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫النص من النسختين العبرانية والسامرية ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ومنعا لسوء الفهم أذكر هنا‬
‫‪ ‬‬
‫التوراه السامرية‬ ‫التوراه العبرانية‬

‫‪27‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫نبى فى إسرائيل كموسى الذى ناجاه إله‬
‫وال يقوم أيضا ّ‬ ‫نبى فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب‬ ‫ولم يقم بعد ّ‬
‫شفاها ‪.‬‬ ‫وجها لوجه ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫النبى الذى رفضه بنو إسرائيل ‪ ,‬إنه حجر الزاوية الذى تختم به النبوة وتتم‬ ‫ّ‬ ‫‪          ‬ذلك هو‬
‫النبى‬
‫ّ‬ ‫به رساالت السماء ‪ .‬والغريب فى األمر أنَّ علماء المسيحية يقولون بأنَّ المسيح هو ذلك‬
‫النص التوراتى يصرح بأنه لن يكون من بنى‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬مع أنهم يرفضون نبوته عليه السالم ‪ ،‬كما أنَّ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬والمسيح يقول معلقا على ذلك بقوله ‪ " :‬وهو عجب فى أعيننا "‪ ‬لقد صار ذلك‬
‫النبى المنتظر هو رأس الزاوية فمن الطبيعى جدا حينذاك أن يقول المسيح ‪ " : u‬لذلك أقول‬ ‫ّ‬
‫لكم إن ملكوت هللا سينزع منكم ‪ ،‬ويعطى أل َّمة تثمر ثمره ‪ .‬من وقع على هذا الحجر تهشم ‪،‬‬
‫ومن وقع عليه هذا الحجر حطمه " ‪.‬‬
‫‪           ‬وهذا الوصف ال ينطبق على المسيح ‪ u‬بكل المقاييس ‪ .‬فلم يهشم أحدا ولم يحطم‬
‫أحدا ‪ ،‬تصديقا لما جاء فى إنجيل يوحنا ( ‪ " : ) 47 : 12‬وإن سمع أحد كالمى ولم يؤمن به‬
‫(‪ )6‬فأنا ال أدينه ألنى لم آت ألدين العالم بل ألخلص العالم " ‪.‬‬
‫العربى الخاتم‪ r‬حطم وهشم االمبراطوريتان الفارسية والرومانية ألنهما وقفتا أمام‬ ‫ّ‬ ‫النبى‬
‫ّ‬ ‫ولكن‬
‫نبى االسالم ‪ r‬فيما رواه عنه البخارى ومسلم فى صحيحيهما ‪" :‬‬ ‫دعوته ولم يؤمنا به ‪ .‬قال ّ‬
‫إنَّ مثلى ومثل األنبياء من قبلى ‪ ،‬كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إال موضع لبنة من‬
‫زاوية ‪ .‬فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون ‪ :‬هال وضعت هذه اللبنة ‪!..‬؟ قال ‪:‬‬
‫فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وقال ‪ " :r‬أنا دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى " ‪.‬‬
‫فهل بعد ذلك البيان بيان ‪!!..‬؟‬
‫قال تعالى ( آية رقم ‪ / 105‬األنبياء ) ] ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنَّ األرض يرثها‬
‫ِى الصالحون[ ‪ .‬وورث نسل إسماعيل األرض الموعودة ولم يرثها نسل إسحاق‬ ‫عِ ِعباد َ‬
‫ويعقوب ‪ .‬والواقع يشهد ‪ ،‬والعالم يشهد ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهكذا يصير اآلخرون أولين ‪ ،‬واألولون آخرين‬
‫‪         ‬‬
‫إنَّ المعنى العام للدين هو التسليم والطاعة هلل سبحانه وتعالى فى كل ما يريده من عباده على‬
‫لسان رسله ‪ .‬وأول أمر إلهى جاء إلى البشر بواسطة األنبياء والمرسلين هو إفراد العبادة هلل‬
‫وحده ] أمر أن ال تعبدوا إال إياه [ (‪ /40‬يوسف ) وعلى ذلك األمر بعث هللا النبيين مبشرين‬
‫ومنذرين ‪ .‬قال تعالى مخاطبا آخر أنبيائه ورسله ‪ ] : u‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إال‬
‫نوحى إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون [ ( ‪ / 25‬األنبياء ) ‪ .‬وقال ‪ " : u‬أفضل ما قلت أنا‬
‫والنبيين من قبلى ال إله إال هللا " ‪ .‬وبمثل ذلك المعنى قال المسيح ‪ " : u‬للرب إلهك تسجد‬
‫وإياه وحده تعبد " ( إنجيل متى ‪ . ) 10 : 4‬فتوحيد العبادة هلل أمر ال جدال فيه ‪ .‬واالعتراف‬
‫برسالة النبيين والمرسلين أمر ضل ّ فيه الكثيرون‪ ، ‬فإذا لم يتم االعتراف بالمرسلين فإنَّ توحيد‬
‫العبادة هلل يصبح أمرا عسيرا ‪.‬‬
‫‪          ‬يقول المسيح ‪ u‬كما جاء فى إنجيل يوحنا ( ‪: ) 3 : 17‬‬
‫" وهذه هى الحياة األبدية ‪ :‬أن يعرفوك أنت اإلله الحقيقى وحدك والمسيح عيسى (‬
‫‪ ) Ιησουνχριστον‬الذى أرسلته " ‪.‬فمن أراد‬
‫الحياة األبدية فى جنة الخلد فما عليه إال أن يمتلك مفتاحها ‪ .‬ومفتاحها هو معرفة أن ال إله إال‬
‫هللا وأنَّ المسيح عيسى رسول هللا ‪ .‬وحيث أنهم لم يعرفوا المسيح عيسى كرسول هلل فقد ضاع‬

‫‪28‬‬
‫منهم مفتاح المعرفة الذى ذكره لوقا فى إنجيله وقد سبق الكالم عنه تفصيال فى كتابى " معالم‬
‫أساسية فى الديانة المسيحية " ‪.‬‬
‫‪          ‬وحيث أنَّ دين هللا واحد لم يتغير فى يوم من األيام ‪ ،‬وإنما شكل العبادة وتوقيتاتها‬
‫وتشريعاتها من محرمات ومحلالت كل ذلك كان خاضعا لعصر كل رسالة ومتطلباتها وظروف‬
‫األ َّمة المعنية بالرسالة ‪ .‬فالدين الذى نادى به كليم هللا موسى‪ u‬هو ذات الدين الذى نادى به‬
‫األنبياء من قبله واألنبياء من بعده ‪.‬‬
‫فالمسيح ‪ u‬لم يأت بدين جديد إلى بنى إسرائيل ‪ ،‬وإنما جاء على شريعة التوراة مضافا إليها‬
‫ما آتاه هللا من علم وحكمة واإلنجيل ‪ ،‬وطوال فترة بعثته كان يصلى كما كان يصلى اليهود‬
‫ويصوم مثل صيامهم ويحج مثلهم وال يأكل إال الطيب ويبتعد عن خبيث الطعام وكل ذلك‬
‫موجود باألناجيل الحالية ‪.‬‬
‫وهذا الدين الذى جاء به المسيح ومن قبله من األنبياء والمرسلين صلوات هللا وسالمه عليه‬
‫هو ذات الدين الذى جاء به خليل الرحمن محمدا ‪ . r‬قال تعالى ] شرع لكم من الدين ما وصى‬
‫به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال‬
‫تتفرقوا فيه [ ( ‪ / 11‬الشورى ) ‪ .‬وقال تعالى ] وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا‬
‫لما بين يديه من التوراة وآتيناه اإلنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة‬
‫وهدى وموعظة للمتقين [ ( ‪ / 46‬المائدة ) ‪.‬‬
‫ص َّحت وورد بعضها فى األناجيل التى‬ ‫وهذا القول القرآنى يتطابق مع أقوال المسيح ‪ u‬التى َ‬
‫بين أيدينا اآلن مثل قوله ‪ u‬الوارد فى إنجيل متى ‪ " : ) 17 : 5 (   ‬ال تظنوا أنى جئت‬
‫ألنقض الناموس أو األنبياء ‪ .‬ما جئت ألنقض بل ألكمل " ‪ .‬وهذا معناه أنَّ الدين الذى نادى به‬
‫المسيح ‪ u‬هو هو ذات الدين الذى نادى به األنبياء من قبله ‪ .‬وما جاء إال ليكمل المشوار‬
‫ويصحح للناس أمور دينهم " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ‪ .‬ال ليكمل التوراة‬
‫وأحكامها بإلغاء حاللها وحرامها كما يزعمون ‪ .‬أليس هو القائل " الحق أقول لكم لن يزول‬
‫حرف أو نقطة من الناموس حتى يكون الكل " ( متى ‪   . ) 18 : 5‬‬
‫صرح بعض مترجمى األناجيل‬ ‫ولقد اختلفوا كثيرا فى معنى قوله ‪ " u‬حتى يكون الكل " حتى َّ‬
‫العربية بأنَّ " العبارة يصعب فهمها " (‪ . )8‬مع أنَّ المعنى واضح جدا ولكن القوم ال يؤمنون‬
‫بالشريعة الكل ‪!!..‬‬
‫‪          ‬وحيث أنَّ طريق الرساالت اإللهية واحد ‪ ،‬وركب البشرية سائر فيه يقودهم األنبياء‬
‫والمرسلون كل ٌ على رأس أ َّمته ‪ .‬ومحطات ذلك الطريق كثيرة بعدد األنبياء والمرسلين ‪ .‬فى‬
‫نبى أورسول مع من آمن من أ َّمته ‪ ،‬إلى أن نصل إلى المحطة‬ ‫كل محطة ينضم إلى الركب ّ‬
‫النبى الخاتم ‪ (    r‬الكل ) وأ َّمته إلى الركب ليقود البشرية إلى هللا ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخيرة حيث ينضم‬
‫(‪)9‬‬
‫فإن أخذنا مثال ركب موسى ‪ u‬ومن معه من بنى إسرائيل ومن تبعه من أنبيائهم كأولون‬
‫ساروا على الطريق ‪ .‬ثم جاء ركب المسيح ‪ u‬ومعه من آمن من قومه فانضموا إلى السائرين‬
‫النبى الخاتم ‪ ( u‬الكل ) ومن آمن معه من جميع شعوب‬ ‫ّ‬ ‫على الطريق من قبلهم ‪ .‬ثم جاء ركب‬
‫األرض كآخر ركب انضم إلى السائرين على الطريق فالمسلمون هنا هم اآلخرون توقيتا ‪.‬‬
‫قال تعالى ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم االسالم دينا [ ( ‪/ 3‬‬
‫المائدة ) ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫موكب المؤمنون السائرون إلى هللا‬
‫‪ ‬‬
‫‪- ‬‬ ‫‪- ‬‬ ‫اليهـــــود‬
‫‪- ‬‬ ‫‪..................... ‬‬ ‫النصـارى‬
‫‪.....................‬‬ ‫‪...................... ‬‬ ‫‪ ‬المسلمون‬
‫المؤمنون بالتوراة‬ ‫المؤمنون بالتوراة واإلنجيل‬ ‫المؤمنون بالتوراة‬ ‫‪ ‬‬

‫‪29‬‬
‫والقرآن‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫(‬
‫جاء فى الحديث الشريف عن النبى الخاتم ‪ r‬قوله " نحن اآلخرون ‪ ..‬السابقون يوم القيامة "‬
‫‪ . )10‬ومعنى السابقون هنا األولون كما بينه رسول هللا ‪ r‬فى عدة أحاديث أذكر منها هنا‬
‫الحديث الذى رواه اإلمام البخارى فى صحيحه أنه ‪ r‬قال ‪ " :‬إنما مثلكم ومثل اليهود‬
‫والنصارى كرجل استعمل عماال فقال ‪ :‬من لى إلى نصف النهار على قيراط‪ ‬قيراط ‪..‬؟‬
‫فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ‪ .‬ثم قال ‪ :‬من يعمل لى من نصف النهار إلى‬
‫صالة العصر على قيراط قيراط ‪..‬؟‬
‫فعملت النصارى من نصف النهار إلى صالة العصر على قيراط قيراط ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬من يعمل لى من صالة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ‪..‬؟ ‪ .‬أال‬
‫فأنتم الذين يعملون من صالة العصر إلى مغرب الشمس ‪ ،‬أال لكم األجر مرتين ‪ .‬فغضبت‬
‫اليهود والنصارى فقالوا ‪ :‬نحن أكثر عمال وأقل عطاء ‪ !!..‬قال هللا تعالى ‪ :‬فهل ظلمتكم من‬
‫حقكم شيئا ‪..‬؟ قالوا ‪ :‬ال ‪ ..‬قال هللا تعالى‪ ‬فإنه فضلى أعطيه من شئت " (‪. )11‬‬
‫قلت جمال ‪ :‬يفهم من ذلك الحديث الشريف أنَّ الثواب على األعمال ليس على قدر التعب وال‬
‫على جهة االستحقاق ولكنه فضل من هللا يؤتيه من يشاء من عباده ‪ .‬والمراد باليهود‬
‫والنصارى فى الحديث هم الذين ثبتوا على دين الحق ‪ .‬أى اليهود العاملون بأحكام التوراة‬
‫حتى زمن بعثة المسيح ‪ u‬والنصارى العاملون بأحكام التوراة واإلنجيل معا ً حتى زمن بعثة‬
‫النبى الخاتم ‪ . r‬هؤالء هم األجراء المؤمنون الذين يغبطون اآلخرون على فضل هللا ‪ .‬أ َّما عن‬ ‫ّ‬
‫اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح ‪ u‬وبإنجيله فهم غير معنيين هنا ‪ ،‬وأيضا النصارى الذين‬
‫بالنبى الخاتم ‪ . r‬فهؤالء كافرون بكتب هللا ورسله ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫آمنوا بالمسيح ‪ u‬ولم يؤمنوا‬
‫فاآلخرون األولون ‪ ..‬هم أتباع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب واألسباط وموسى‬
‫وعيسى و ُم َح َّمد وما أوتيه النبيون من ربهم ‪ .‬ال يفرقون بين أحد منهم ‪ .‬المؤمنون بصحف‬
‫إبراهيم وتوراة موسى وباإلنجيل والقرآن ] أولئك يؤتون أجرهم مرتين [ ( ‪ / 54‬القصص ) ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ ] :‬للذين أحسنوا منهم واتقوا‪ Y‬أجر عظيم [ ( ‪ / 172‬آل عمران ) ‪ .‬ويقول تعالى ]‬
‫نصيب برحمتنا من نشاء وال نضيع أجر المحسنين [ ( ‪ / 56‬يوسف ) ‪ .‬ويقول تعالى ] إنَّ‬
‫الذين يتلون كتاب هللا وأقاموا الصالة وأنفقوا‪ Y‬مما رزقناهم سرا وعالنية يرجون تجارة لن‬
‫تبور ‪ .‬ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ‪ .‬إنه غفور شكور [ ( ‪ / 30 ، 29‬فاطر ) ‪.‬‬
‫النبى الخاتم ‪ r‬أنهم ثالثة أنواع منهم ‪ .. " :‬رجل‬ ‫ّ‬ ‫وعن الذين يؤتون أجرهم مرتين ‪ ..‬فقد بين‬
‫)‪(12‬‬
‫" ‪ . u ..‬وذكر الرجال هنا للتغليب أى أنَّ النساء‬ ‫من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد‬
‫يسرى عليهن الحكم‪ Y‬أيضا ‪.‬‬
‫وقد ب َّين القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى ] ومن يقنت منكن هلل ورسوله وتعمل صالحا نؤتها‬
‫أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما [(‪ . )13‬فتضافرت األخبار قرآنا وسنة بأنَّ المؤمنين‬
‫والمؤمنات من هذه األ َّمة اإلسالمية ( اآلخرون توقيتا ) يؤتون أجرهم مرتين ليكونوا األولين‬
‫ثوابا عند هللا ‪ .‬إنهم المقربون السابقون ‪.‬‬
‫وبمثل تلك النصوص اإلسالمية جاءت أقوال المسيح‪ . u‬فالمشكاة واحدة‪ ‬واألنبياء جميعا‬
‫دعوتهم واحدة ‪ .‬ال يأخذ الالحق منهم من أقوال السابق ‪  .‬ولكنهم جميعا يأخذون من نبع واحد‬
‫وأصل واحد ‪ ،‬فتشابهت أقوالهم وأمثلتهم ألقوامهم ‪.‬‬
‫جاء فى إنجيل متى ( ‪ 1 : 20‬ـ ‪ ) 16‬من نسخة الكاثوليك ط ‪ 1994‬قول المسيح ‪" :‬‬
‫فملكوت السماوات كمثل صاحب كرم خرج مع الفجر ليستأجر عماال لكرمه ‪ .‬فاتفق مع العمال‬
‫على دينار فى اليوم وأرسلهم إلى كرمه ‪ .‬ثم خرج نحو الساعة التاسعة فرأى عماال آخرين‬
‫واقفين فى الساحة بطالين ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬إذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى وسأعطيكم ما يحق لكم ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫فذهبوا ‪ .‬وخرج أيضا نحو الظهر ثم نحو الساعة الثالثة وعمل الشىء نفسه ‪ .‬وخرج نحو‬
‫مساء ‪ ،‬فلقى عماال آخرين واقفين هناك ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬مالكم واقفين هنا كل النهار‬ ‫الخامسة مسا ًء‬
‫بطالين ‪..‬؟ قالوا له ‪ :‬ما استأجرنا أحد ‪ .‬قال لهم ‪ :‬إذهبوا أنتم أيضا إلى كرمى ‪ .‬ولما جاء‬
‫المساء قال صاحب الكرم لوكيله ‪ :‬ادع العمال كلهم وادفع لهم أجورهم مبتدئا باآلخرين حتى‬
‫مساء وأخذ كل واحد منهم دينارا ‪ .‬فلما‬ ‫تصل إلى األولين ‪ .‬فجاء الذين استأجرهم فى الخامسة مسا ًء‬
‫جاء األولون ‪ ،‬ظنوا أنهم سيأخذون زيادة‪ ‬فأخذوا هم أيضا دينارا لكل واحد منهم ‪ ،‬وكانوا‬
‫يأخذونه وهم يتذمرون على صاحب الكرم فيقولون ‪ :‬هؤالء اآلخرون عملوا ساعة واحدة‬
‫وحره ‪!..‬؟ فأجاب صاحب الكرم واحدا منهم ‪ :‬يا‬ ‫َّ‬ ‫فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار‬
‫صديقى أنا ما ظلمتك أما اتفقت معك على دينار ‪!..‬؟ خذ حقك وانصرف ‪ .‬فهذا الذى جاء فى‬
‫اآلخر أريد أن أعطيه مثلك أما يجوز لى أن أتصرف بمالى كيفما أريد ‪..‬؟ أم أنت حسود ألنى‬
‫أنا كريم ‪..‬؟‬
‫(‪)14‬‬
‫‪ :‬هكذا يصير اآلخرون أولين ‪ ،‬واألولون آخرين " ‪ .‬انتهى ‪.‬‬ ‫( وقال يسوع )‬
‫قلت جمال ‪:‬يعتبر هذا المثل اإلنجيلى من بقايا األقوال الصحيحة للمسيح التى تناثرت على‬
‫صفحات األناجيل مختلطة بأقوال الذين ال يعلمون ‪.‬‬
‫والمقصود باليوم هنا هو امتداد عمر الدنيا ‪ ،‬أى فترة أعمال العباد فى حقل ربهم ‪ .‬والمقصود‬
‫من قول المسيح ‪ " u‬ولما جاء المساء " كناية عن يوم الدين حيث يوفى العاملون أجورهم ‪.‬‬
‫وإن دققنا النظر فى المثل جيدا نجد أنَّ فئات األجراء العاملون فى الحقل ثالثة ‪ .‬كل فئة تشير‬
‫إلى أ َّمة من األمم ‪.‬‬
‫فالعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين الفجر وقبيل الظهر يشيرون إلى أ َّمة بعينها ‪.‬‬
‫والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة الواقعة بين الظهر وقبيل الساعة الخامسة ( عصرا )‬
‫يشيرون إلى أ َّمة ثانية ‪.‬‬
‫والعمال الذين تم جمعهم فى الفترة بين العصر ( الساعة الخامسة ) وقبيل المغرب ( المساء )‬
‫يشيرون إلى أ َّمة ثالثة ‪.‬‬
‫تلك مفاهيم عامة فى المثل ال يختلف عليها المتفكرون ‪ ،‬وال ينكرها إال كل غبى جاهل معاند‬
‫النص قد نختلف فيها‬
‫ّ‬ ‫للحق ‪ .‬وال مانع بعد ذلك من أن نفهم مواقف خاصة وخاصة جدا من‬
‫وعليها ‪ .‬ولكن بعد االعتراف بتلك المفاهيم العامة الجامعة والعكس غير صحيح ‪.‬‬
‫‪          ‬لقد خصص المفسرون اإلنجيليون عمال الفترة األولى والثانية ( من الفجر حتى‬
‫الظهر ‪ ،‬ومن الظهر حتى العصر ) بالدعوة إلى يهود بنى إسرائيل ‪ .‬ثم خصوا عمال الفترة‬
‫الثالثة ( من العصر حتى المغرب ) بالدعوة إلى األمم ‪ .‬مع أنَّ دعوة المسيح ‪ u‬لم تكن لغير‬
‫يهود بنى إسرائيل كما سيأتى بيانه تفصيال والبرهنة عليه ‪ .‬وسبب ذلك أنهم ال يعترفون بأنَّ‬
‫هناك دعوة جديدة قد ظهرت للعالم منذ ألف وخمسمائة عام يدعى أصحابها بالمسلمين ‪!!..‬‬
‫النص اإلنجيلى ولكن فى الذين ينظرون إليه وفى أعينهم خشبة المسيح ‪u‬‬ ‫ّ‬ ‫فالعيب ليس فى‬
‫التى أمرهم أن ينزعونها من أعينهم حتى يروا جيدا ‪.‬‬
‫وإلى اآلن لم يستطع الجهابذة من علماء المسيحية أن يتعرفوا على من ُرمِز إليهم فى المثل‬
‫بأنهم عمال محظوظون ‪.‬‬
‫نصه " والنقطة‬‫يقول أصحاب التفسير الحديث إلنجيل متى‪ ‬نشر دار الثقافة بالقاهرة ما ّ‬
‫الجوهرية فى هذا المثل ‪ ،‬هى أنَّ هذه السجايا ال تتوافر إال فى هللا وحده ‪ ،‬وأنَّ كرمه يسموا‬
‫على كرم كل فكر بشرى عن العدل ‪ .‬فلم يحصل أحد من العمال على أقل مما يستحقه ‪ ،‬بل إنَّ‬
‫البعض أخذ أضعاف أجره ‪ ،‬ولكن هذا الكرم كان جزاؤه بالطبع تذمر أولئك الذين لم يحصلوا‬
‫إال على األجر المستحق لهم فقط ‪ .‬فمن كان المقصود بهذا المثل ‪!..‬؟ هل نستطييع تعيين من‬
‫هم الذين رمز إليهم أنهم عمال محظوظون استئجروا فى وقت متأخر ‪ ،‬وكذلك الذين رمز إليهم‬
‫بالعمال المنتظمين الذين مألتهم الغيرة منهم ‪!..‬؟ " (‪ . )14‬‬

‫‪31‬‬
‫قلت جمال ‪ :‬قطعا اإلجابة الصحيحة على هذه األسئلة العويصة قد وصلت للقارىء ذى الفطرة‬
‫السليمة من النصوص السابقة ‪ .‬فالمسلمون هم األ َّمة األخيرة فعلة الساعة األخيرة ‪ .‬وهاهم‬
‫بشهادة المسيح نفسه اآلخرون فى الظهور إال أنهم األولون فى الدخول إلى ملكوت هللا أى‬
‫جنة هللا ‪ .‬جعل هللا لهم الحسنة بعشر أمثالها بل بسبعمائة ضعف والسيئة بواحدة ‪ .‬وجعل‬
‫التائب من الذنب كمن ال ذنب له ‪ .‬ومن كان آخر كالمه منهم ال إله إال هللا دخل الجنة ‪ .‬إضافة‬
‫إلى الكثير مما لم يكن عند من سبقهم من األمم ‪.‬‬
‫ولقد ذكر متى فى إنجيله ( ‪ 11 : 8‬ـ ‪ ) 13‬قول المسيح ‪ " :‬إنَّ كثيرين سيأتون من المشارق‬
‫والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب فى ملكوت السماوات (‪ . )15‬وأ َّما بنوا‬
‫الملكوت (‪ ( )16‬أى بنى إسرائيل الذين كفروا بالمسيح ومحمد وبين أيديهم التوراة واإلنجيل )‬
‫فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير األسنان ‪ .‬وأورد لوقا فى ( ‪: 13‬‬
‫‪ ) 28‬من إنجيله نصوصا مماثلة ‪ .‬ولم تأت أ َّمة من المشارق والمغارب تؤمن بكافة األنبياء‬
‫إال أ َّمة ُم َح َّم ٍد ‪ r‬وهى آخر أ َّمة أرسل إليها رسول ‪ .‬وهى األ َّمة المبشر بها فى التوراة واإلنجيل‬
‫كما سبق بيانه ‪.‬‬
‫قلت جمال ‪:‬‬
‫إنَّ المتدبر فى أقوال المسيح ‪ u‬والتى اتفق النقاد المسيحيون على صحتها ‪ .‬سوف يجدها‬
‫النبى الخاتم ( الكل ) ‪ . r‬ألنهما يأخذان من مشكاة واحدة هى مشكاة‬‫ّ‬ ‫متفقة تماما مع أقوال‬
‫رب العالمين عز وجل ‪ .‬كما أنَّ أقوال المسيح ‪ u‬المتفق على صحتها من قِ َبل النقاد لن يجد‬
‫فيها الباحث ما يتعارض مع نصوص اإلسالم ‪ .‬والخالف الوحيد بين نصوص اإلسالم ( قرآن‬
‫وسنة صحيحة ) وبين المسيحية لم يكن أبدا للمسيح ‪ u‬وأقواله يد فيه ‪ .‬وإنما وقع هذا‬
‫الخالف الدينى بين نصوص االسالم وبين أقوال ومعتقدات‪ Y‬رجال الكنائس المختلفة فيما بينها ‪.‬‬
‫فليفهم هذا جيدا ‪.‬‬
‫ونبى اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫وليحاول إخواننا فى المواطنة أن ينزعوا عنهم غاللة الحقد األسود تجاه اإلسالم‬
‫‪ r‬ليروا النور الذى جاء من أرض الجنوب ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ع ‪  .‬م ‪ /‬جمال الدين شرقاوى‬

‫هوامش‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫(‪ .. )1‬يقول ديفد هل (‪ )David Hill‬فى شرحه إلنجيل متى ما ترجمته ‪ " :‬أنَّ الكنيسة‬
‫األولى قد اعتبرت االبن‬
‫فى هذا المثل هو المسيح لكن الرأى االقتراحى األصلى فى المثل أن االبن يمثل ببساطة آخر‬
‫رسل هللا إليهم "‬
‫( تفسير القرن العشرين ـ إنجيل متى ص ‪) 299‬‬
‫(‪ .. )2‬شرح إنجيل متى ‪ /‬ترجمة القمص مرقس داود ج‪ 2‬ص ‪. 236‬‬
‫(‪ .. )3‬دراسة فى اإلنجيل كما رواه متى ص ‪ 63‬لألب اسطفان شربنيية ‪.‬‬
‫(‪ .. )4‬التفسير الحديث ‪ /‬إنجيل متى ص ‪. 344‬‬
‫(‪ .. )5‬وقد تم تغيير كلمة ( يؤمن به ) فى نسخة اآلباء إلى كلمة ( يحفظه ) ‪!!..‬‬
‫(‪ .. )6‬حديث صحيح رواه كل من أحمد والحاكم‪ Y‬والبيهقى عن العرباض بن سارية ‪ .‬راجع‬
‫تخريج أحاديث مشكاة‬
‫المصابيح لأللبانى ج‪ 3‬ص ‪. 127‬‬

‫‪32‬‬
‫(‪ .. )7‬هامش ص ‪ 48‬من إنجيل متى نسخة اآلباء اليسوعيين ط ‪. 1991‬‬
‫‪ ،‬ولكن القوم‪ Y‬ال)‪ .. (8‬فى الواقع أن هناك أنبياء كثيرون سبقوا موسى يعرفون إال موسى‬
‫نبى ‪ ،‬وهم‬
‫كأول ّ‬
‫‪        ‬معذورين فى ذلك ألنهم يسيرون خلف اليهود ‪ ،‬واليهود ال يعترفون بأنبياء قبل‬
‫موسى ‪ .‬وإبراهيم وإسحاق‬
‫‪        ‬ويعقوب عليهم السالم يعتبرونهم آباء وليسوا بأنبياء ‪!!..‬‬
‫(‪ .. )9‬مشكاة المصابيح بتحقيق األلبانى ج‪ 1‬ص ‪ 427‬حديث رقم ‪  1354‬؛ ‪. 1355‬‬
‫والحديث بطرقه رواه االمام‬
‫‪         ‬مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ .. )10‬مشكاة المصابيح بتحقيق األلبانى ج ‪ 3‬ص ‪ 1769‬حديث رقم ‪ 6274‬؛ وراجع أيضا‬
‫كل من ‪ :‬تحفة األحوذى‬
‫‪        ‬ج ‪ 8‬ص ‪ 176‬؛ الفتح الربانى ج‪ 23‬ص ‪. 204‬‬
‫(‪ .. )11‬رواه الشيخان فى صحيحيهما ‪ ،‬وباقى أصحاب السنن والمسانيد عن أبى موسى‬
‫األشعرى رضى هللا عنه ‪.‬‬
‫(‪ .. )12‬آية رقم ‪ / 31‬األحزاب ‪ .‬‬
‫(‪ .. )13‬عبارة ( وقال يسوع ) غير موجودة فى جميع النسخ العربية واإلنجليزية واليونانية ‪,‬‬
‫والكالم من بعدها من‬
‫‪         ‬قول صاحب الكرم أى هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫(‪ .. )14‬التفسير الحديث ـ إنجيل متى من ص ‪ 320‬إلى ص ‪. 321‬‬
‫(‪ .. )15‬ملكوت هنا بمعنى الجنة ‪ ,‬مأوى األنبياء والمرسلين والصالحين ‪.‬‬
‫(‪ .. )16‬والملكوت هنا بمعنى الدين ‪ ,‬وبنوا الملكوت أى‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪33‬‬
34
35
36
37
38
39
40
‫خالد محمد خالد‬

‫‪41‬‬
42
43
44
45
‫خالد محمد خالد ‪/‬معًا على الطريق محمد والمسيح‬

‫‪46‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪47‬‬
48
‫خالد محمد خالد‪ /‬م ًعا على الطريق‬

‫‪49‬‬
50
‫ولم يكن محمد صلى هللا عليه وسلم ببعيد عن إيذاء اليهود‬
‫اقرأ معي هذه األجزاء من كتاب (محمد واليهود) للدكتور بركات‬
‫أحمد‪:‬‬

‫‪51‬‬
52
53
54
55
56
‫وبعد‬

‫كيف يمكن للدين أن ينزع الخوف؟!‬


‫كتب‪:‬‬
‫عبدهللا المطيري‪4‬‬
‫(‪)abdullah@alwatan.com.sa‬‬
‫كيف يمكن نزع فتيل فتاوى‪ 4‬التكفير؟‬
‫شخصيا ال أرى أن في األفق ما يشير إلى انحسار أو تقلص فكر التكفير في الساحة الفكرية‬
‫في الثقافة اإلسالمية على المدى القريب‪ .‬وتعود‪ 4‬هذه النظرة إلى عدد من األسباب من أهمها‬
‫أن الجذر الفكري للتكفير في التراث اإلسالمي ممتد إلى مسافات بعيدة ويشكل أساسا مهما‬
‫في تشكيل المذاهب اإلسالمية منذ نشأتها األولى‪ .‬من يتصفح كتب العقائد األساسية يجد فيها‬
‫كما ً هائالً من التكفير المتبادل بين المذاهب المختلفة‪ .‬كل مذهب يكفر اآلخر بنفس الحجج‬
‫تقريبا‪ .‬االنحراف عن الدين القويم والسنة المطهرة كان دائما يمثل الحجج األقوى التي يستند‬
‫عليها التكفير‪ .‬تحت هذا الغطاء من الحجج يكمن الصراع األيديولوجي‪ 4‬كفاعل رئيس ومحرك‬
‫أساسي لحرب التكفير المتبادلة‪ .‬دراسات حديثة كشفت البعد األيديولوجي‪ 4‬خلف هذه‬
‫الصراعات بين طوائف الفرق اإلسالمية‪ ،‬السنة (األشاعرة وأهل الحديث) والشيعة بتنوعاتهم‬
‫والخوارج والمعتزلة‪ .‬من أهم هذه الدراسات مشروع‪ 4‬الدكتور‪ 4‬محمد عابد الجابري‪ 4‬ودراسات‬
‫هشام جعيط وفهمي‪ 4‬جدعان وغيرهم‬

‫يبدو جليا تأثر الكاتب المطيري بمحمد الجابري الذي غرر بمنصور النقيدان الى درجة ان‬
‫النقيدان انكر كفر النصارى واصبح النقيدان نبيا لدين جديد سماه دين االنسانية فلماذا يالم‬
‫العلماء على تكفير هذه االفكار‪ 4‬الخطير جدا !‬
‫إن كان األمر بهذا الشكل فإن مشكلة فتاوى‪ 4‬التكفير المستمرة تحتاج إلى عالج منبثق من‬
‫الحياة المعاصرة من قيم اإلنسانية اليوم‪ .‬يتمثل هذا العالج في محاولة تقليل فعالية الفتوى‬
‫التكفيرية‪،‬‬
‫الكاتب يريد ان ينثر فكره المخالف للدين فال بد من اسقاط من يضاد فكره واالطاحة بكل من‬
‫يحارب االفكار الفلسفية ولذلك الكاتب اعتبر مقاله رصاصة الرحمه التي يريد ان ينقذ بها‬
‫افكاره التي حاربها العلماء بك قوة ‪.‬‬
‫تقليص قدرتها‪ 4‬على العمل عن طريق رفع الحصانة عنها ونزع السلطة منها‪.‬‬
‫الكاتب يدعو الدولة لمحاربة فتاوي هيئة كبار العلماء التي اسقطت المذهاب المعاصرة مثل‬
‫الحداثية واللبرالية والعلمانية ولكن الحاكم يعلم قبل المفتي ان هذه المذاهب المعاصرة لها‬
‫عداوة مع الدين لذلك الحاكم هو من عين وهو من اوكل المهمه للعلماء لمحاربة االفكار‪4‬‬
‫الهدامه ‪.‬‬

‫هذه اإلجراءات هي الكفيلة بإعادة الفتوى إلى موقعها الحقيقي بوصفها رأيا ً ضمن جملة‬
‫اآلراء ال يلزم أحدا وال يجب على أحد االلتزام به‪.‬‬
‫ومن هو الذي الزم الكاتب بالفتوى‪ 4‬اال ان كان قد فهم ان فكره يكشف بهذه الفتاوى فالعلماء‬
‫لم يطرقوا على الناس ابوابهم‪ 4‬والزموهم‪ 4‬بالفتوى التي فيها تكفير للمذاهب الخطيرة على‬

‫‪57‬‬
‫العقيدة‬
‫والكاتب احس بغربة فكره بين المسلمين فسمى فأوحى‪ 4‬الكاتب في مقاله ان العلماء يجبرون‬
‫الناس على االستماع وهذا يجعلني متأكد بان الكاتب في ضنك وضيق‪ 4‬من العيش من هذه‬
‫الفتاوى التي تكشف خطر وزيغ هذه المذاهب ‪.‬‬

‫نعلم اليوم أن الفتاوى تحظى بحصانة متعددة أهمها الحصانة التي تولدت لدى الناس على‬
‫مرور الزمن بفعل التقرير والتأكيد‪ 4‬المستمر على عدم أحقية أحد في االعتراض على الفتاوى‬
‫أو نقدها‪.‬‬
‫هل الكاتب ناقش احد العلماء !‬
‫يقول مؤلف كتاب أصول الفقه للصف الثالث الثانوي‪ 4‬في درس الفتوى حين يعرّف المفتي‬
‫"المفتي هو العالم المبيّن لألحكام الشرعية لمن سأل عنها من غير إلزام بالحكم"‪ .‬ولكن‬
‫التفعيل األيديولوجي واالستغالل الحركي جعل من الفتوى عصا يضرب بها كل من يختلف‬
‫مع تلك األيديولوجيا في التوجه والرؤية‪.‬‬
‫بضاعة الكاتب كاسده ويريد‪ 4‬ان يروج لها فهل الزمه احد !‬

‫الكثير من األمور التي تغير في الواقع وتؤثر في حياة الناس تنتج عن فتاوى معيّنة مما‬
‫يح ّول الفتوى من رأي يعبر به صاحبه عن توجهه إلى أمر يلزم به الناس وهنا تكمن‬
‫اإلشكالية الكبرى‪ ،‬إشكالية سلطة المعرفة وتحولها من معرفة ذاتية بالضرورة إلى أمور عامة‬
‫يجبر الناس على االلتزام بها‪.‬‬

‫طول عمري لم يأتي الى احد ويقول هذه فتوى فالن وانت مجبر على هذه الفتوى فمن أين‬
‫اتى الكاتب باالجبار‪! 4‬‬
‫ان هذا المقال يحكي نفسية الكاتب الحرجة جدا وغير المتسامحه مع الرأي االخر‪.‬‬

‫حين تتحقق هذه الشروط‪ ،‬وهو أمر أعلم درجة صعوباته‪ ،‬فإن الفتوى ستعود إلى موقعها‪4‬‬
‫الحقيقي بوصفها رأيا ً ضمن اآلراء واجتهاداً ضمن االجتهادات مما سيحد كثيرا من الزخم‬
‫الذي تولّد لدى الناس عن الفتوى‪ .‬حين تتحقق هذه الشروط فإن الفتوى ستتعرض للنقد‬
‫الصريح والمباشر وسيتم الر ّد عليها وفحصها‪ 4‬دون خوف أو تهديد‪.‬‬
‫تهديد وخوف‪ 4‬من يهدد ومن يخوف‪! 4‬‬
‫هل الكاتب يريد ان ينحي الكتاب والسنة عندما قال خوف‪ 4‬تهديد !‬
‫اذا لماذا الخوف والتهديد‪! 4‬‬
‫تعمل فتاوى التطرف‪ 4‬والتكفير بشكل أكبر وأكثر‪ 4‬فاعلية في المجتمعات المختنقة‪ .‬المجتمعات‬
‫المنغلقة فكريا‪.‬‬
‫الكاتب هنا يوحي بأن الدولة السعودية مختنقة ومنغلقة والواقع يكذب ما ذهب اليه الكاتب‬
‫فالمملكة ترسل البعثات لتعلم الشباب في افضل الجامعات بل وتصرف‪ 4‬المملكة على المبتعثين‬
‫مبالغ طائلة وترعاهم وتحرص على تعلمهم فهل يقصد الكاتب ذلك ام يقصد السماح بولوج‬
‫المذهب العلماني واللبرالي والحداثي‪ ! 4‬اعتقد ان المذاهب هي التي يقصدها الكاتب ويربط‬
‫بلده بها حتى ولو اصبح لدينا علماء ذرة ووكاالت ابحاث فنحن في نظر الكاتب منغلقين‬
‫ومختنقين حتى نسمح لفكره بالتسلل الى عقول الناس وبدون (محاربة ) ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ال شيء يتسق مع العقل المنغلق أكثر من اتساق أفكار التطرف واإلقصاء واألحادية والنبذ‬
‫التي يعتبر التكفير أوجها األكبر‪.‬‬
‫صدقني‪ 4‬ان العقل الذي اليؤمن باهلل ربا وباالسالم‪ 4‬دينا وبمحمد‪ 4‬صلى هللا عليه وسلم هو الفكر‬
‫المنغلق المتكلس المتعفن ‪.‬‬
‫اإلنسان الذي تشكل وعيه على أنه فرد مستقل‪ ،‬فرد كامل األهلية‪ ،‬فرد يحمل مسؤولية‬
‫تفكيره‪ ،‬فرد يعيش استقالله ويقاوم‪ 4‬دونه‪.‬‬
‫ولكن لالسف ان كان هذا االنسان يؤمن وينصاع‪ 4‬للمذاهب الهدامه انما هو يغرر‪ 4‬بنفسه‬
‫ويضح عليها بأنه جنب قال هللا وقال رسوله واتخذ من الوساوس عقال معتقدا انه كامل العقل‬
‫‪.‬‬

‫هذا اإلنسان يحمل في داخله حصانة ومناعة ضد كل فتوى‪ 4‬تسلب منه حقه في التفكير‬
‫وتمارس اإلرهاب في المجتمع‪.‬‬
‫هذه الحصانه وهذه المناعة ان لم تكن منضبطة بالكتاب والسنة فصدقني‪ 4‬انها ليست حصانه‬
‫وانما هي مس من الشيطان ‪.‬‬
‫طبعا ال يمكن أن يتشكل مثل هذا الوعي دون تحقق الكثير من الظروف التي تقود إلى تحقيق‬
‫موازنة تسمح بمجال من الحرية يسمح بإمكان تشكيل وعي حر مستقل‪ ،‬وعي يؤمن‬
‫باستحقاق اإلنسان لحريته في فكره واختياراته وآرائه ومواقفه مادامت ال تمثل خطرا حقيقيا‬
‫على شريكه في اإلنسانية‪ ،‬الفرد اآلخر‪.‬‬
‫الحمد هلل نحن في المملكة لدينا مساحة من الحرية ال بأس بها مالم يتم التطاول الى الكتاب‬
‫والسنة (هل يقصدها الكاتب !)‬
‫هنا يمكن نزع فتيل فتوى التكفير لتبقى في الهامش بوصفها فتوى‪ 4‬ضد الحياة وضد‪ 4‬اإلنسان‪،‬‬
‫فتوى تستغل مقدسات الناس لتشعل الحرائق بينهم‪ ،‬هذه الفتوى تسببت في سفك الكثير من‬
‫الدماء‪،‬‬
‫بما ان الكاتب لم يحدد من هو المفتي الذي يقصده هل هو معروف‪ 4‬بالعلم ام مجهول فيجب‬
‫ان يعلم ان الفتوى التكفر احدا بعينه ومن يكفر احدا بعينه هو ولي االمر واما تكفير وتبديع‬
‫االعتقادات في مطلب ضروري‪ 4‬وذلك لمحاربة هذه االفكار‪ 4‬التي غررت باهلها ‪ ،‬وال بد من‬
‫اخبار الناس من الفتوى التعني ان كل من هب ودب يجعل نفسه حاكما وهذا فعل الخوارج‬
‫وانما عليه ان يعلم ان هذا من اختصاص ولي االمر ‪.‬‬

‫تسببت في الكثير من الدمار‪ ،‬فرقت بين الناس‪ ،‬أثارت الحروب والصراعات األشد عنفا في‬
‫تاريخ البشرية ‪.‬ال سالح أقدر على مواجهة فتاوى التكفير من المزيد من الحرية‪ ،‬فذلك هو‬
‫سبيل االنعتاق من ورطة التكفير‪ ،‬الورطة التي تحيطنا‬
‫جميعا وتهددنا‪ 4‬جميعا‪ ،‬جميعا دون استثناء‪.‬‬

‫ورطة التكفير التي يقصدها الكاتب ليس الخاصه بالخوارج وانا على يقين من ان الكاتب‬
‫يقصد فتوى الشيخ الفوزان ولذلك اقول للكاتب ان الفتوى التهدد احدا الن هنالك ولي امر هو‬
‫من يأمر وينهى وهو من يتهم ويسجن ويقيم الحدود فال خوف وال تهديد بل ان كشف زيف‬
‫المذهاب المعاصرة هو من اهم مهمات العلماء ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫لماذا الخوف| من اإلسالم في أوروبا؟‬
‫‪ ‬‬

‫الخوف من تغيير صورة أوروبا ‪Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:‬‬

‫تجسد ازدياد الخوف من اإلسالم في أوروبا في نتائج االستفتاء األخيرة في سويسرا حول بناء المآذن‪ ،‬فهل‬
‫يشير ذلك إلى مشاعر الخوف من المتطرفين ومن سيطرة اإلسالم على القارة األوروبية‪ ،‬أم أنه مجرد خوف‬
‫من المجهول؟‬

‫تشابهت ردود الفعل األوروبية بعد اإلعالن عن نتائج االستفتاء في سويسرا‪ 4‬والتي ترفض بناء‬
‫المآذن فيها‪ .‬عدد كبير من الناس في ألمانيا وهولندا وبريطانيا وكذلك‪ 4‬في فرنسا‪ 4‬عبروا عن‬
‫استيائهم من نتائج االستفتاء‪ ،‬في وقت يتفهم فيه عدد من الخبراء والسياسيين أسباب خلفية هذه‬
‫النتائج التي تنطلق في رأيهم من تخوفات‪ 4‬المواطنين األصليين في أن يسيطر اإلسالم يوما ما على‬
‫محيطهم األوروبي فيصبحون مهمشين‪.‬‬

‫غير أن المراقب يالحظ أن حجم هذه التخوفات‪ 4‬األوروبية ال يتناسب مع نسبة المسلمين في‬
‫البلدان األوروبية المختلفة‪ .‬ففي فرنسا‪ ،‬توجد أكبر جالية مسلمة في أوروبا في حدود أربعة‬
‫ماليين مسلم فقط‪ ،‬أي حوالي ‪ 6‬بالمائة من مجموع‪ 4‬سكان البلد‪ ،‬كما يشكل المسلمون في بريطانيا‬
‫نسبة ‪ 3‬بالمائة من السكان وفي ألمانيا ‪ 5‬بالمائة من مجموع‪ 4‬السكان‪ .‬وهو ما جعل المواطن‬
‫اليهودي ميشيل فريدمان‪ ،‬أحد نجوم البرامج التلفزيونية األلمانية‪ ،‬يتساءل عن سبب هذا الخوف‪،‬‬
‫ويرجعه إلى غياب الثقة بالنفس لدى األغلبية المسيحية والتي تتخوف‪ 4‬من وجود‪ 5 4‬بالمائة فقط من‬
‫المواطنين المسلمين في ألمانيا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫المواقف المتطرفة‪  ‬تسيء إلى اإلسالم في أوروبا‬

‫‪60‬‬
‫‪Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der‬‬
‫‪   :Bildunterschrift‬التهديدات اإلرهابية تزيد من نشر الصور النمطية‬

‫السبب الحقيقي في هذا الوضع هو الخوف من المجهول‪ ،‬ويدخل في ذلك الجهل بديانة اآلخر‬
‫وما يروج له المتطرفونـ لدى الطرفين عند الحديث عن اإلسالم‪ ،‬وخصوصا ً منذ أحداث الحادي‬
‫عشر من سبتمبر‪/‬أيلول‪.‬ـ وبسبب عدم المعرفة بدين اآلخر‪ ،‬يخلط البعض بين اإلسالم‬
‫و"اإلسالموية" دون التفرقة بين المصطلحين‪ ،‬كما يوازي البعض بين اإلسالم واإلرهاب أو‬
‫على أقل تقدير بين اإلسالم وخرقـ حقوق اإلنسان إضافة إلى اتهام المسلمين بالرغبة في‬
‫"أسلمة" المجتمع الغربي تدريجياً‪.‬‬

‫غير أن األمين العام للمجلس األعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك‪  ‬يعتقد أن األسباب الحقيقية‬
‫في هذه التخوفاتـ ال تعود باألساس إلى المشاعر الدينية لألوروبيين بل إلى التصوراتـ التي‬
‫يعكسها هؤالء‪  ‬على مواطنيهمـ المسلمين‪ ،‬حيث ينظر إليهم في رأيه كـ"مبعوثين أو مرسلين من‬
‫البلدان اإلسالمية"‪ ،‬في حين أن هؤالء المسلمين هم أيضا مواطنون ألمان لهم نفس الحقوق‬
‫والواجبات كما هو األمر بالنسبة للمواطنين المسيحيين واليهود أو غيرهم‪  .‬‬

‫‪ ‬‬

‫هل يسعى المسلمون حقا إلى السيطرة الدينية على أوروبا؟‬

‫‪61‬‬
‫‪ :Bildunterschrift‬الخوف من دور العبادة قد ينمو حسب شكل البناء وحجمه رفض بناء‬
‫المآذن في سويسرا‪ 4‬ومن قبل ذلك الجدل الكبير حول بناء المساجد في ألمانيا يشير والشك إلى‬
‫مدى انزعاج بعض الناس عند رؤية أماكن للعبادة فقط بسبب أشكالها الهندسية المختلفة‪ .‬وكلما‬
‫كانت بنايات المساجد أكبر‪ ،‬كلما ازدادت مشاعر الخوف من أن يستحوذ اإلسالم كامال على‬
‫أوروبا‪ 4.‬وتأخذ هذه التصورات أشكاال مشوهة عندما يعلن مسلمون متطرفون في عدد من البلدان‬
‫اإلسالمية عن رغبتهم في نشر الدين اإلسالمي في أوروبا‪ 4‬وتطبيق قوانين الشريعة اإلسالمية فيها‬
‫كبديل عن الديمقراطية‪ .‬مثل هذه التصريحات يتم نشرها وتوظيفها كامال من الجهات المتطرفة‬
‫الرافضة لإلسالم والمسلمين‪ .‬غير أن األمين العام للمجلس األعلى للمسلمين مزيك يشير أن‬
‫التصريحات المتطرفة لبعض المسلمين ال تغدو أن تكون محاولة من طرف‪ 4‬بعض المغامرين‬
‫لتوظيف الدين ألهداف معينة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإنه ينتقد أيضا أولئك الذين يعملون على الترويج‬
‫لتلك‪ ‬التصريحات‪" 4‬رغم أنها تعبر عن موقف أقلية ضئيلة"‪.‬‬

‫التوظيف السياسي‪ 4‬لإلسالم ينعكس أيضا على المواقف‪ 4‬اليمينية المتطرفة في أوروبا‪ ،‬حيث يحذر‬
‫رئيس حزب الحرية اليميني في هولندا ‪ ،‬غيرت فيلدرس‪ ،‬من "مخاطر‪ 4‬اإلسالم" على القارة‬
‫األوروبية بسبب ارتفاع عدد المسلمين فيها‪  ‬وهو يدعو اآلن إلى أخذ "تدابير وقائية" قائال إنه‬
‫"يجب طرد الذين يرفضون القوانين والقيم والدستور‪ 4‬في البلدان األوروبية‪ ،‬حتى وإن اقتضى‬
‫األمر نزع الجنسية عن هؤالء األوروبيين الجدد"‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪62‬‬
‫الجالية المسلمة‪  ‬أصبحت جزءا من المجتمع األوروبي‬

‫‪Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der‬‬


‫‪   :Bildunterschrift‬وزير الداخلية االلماني سابقا فولفغانغ شويبلي‬

‫هذه التصريحات القوية التي يزداد الترحيب بها في أوروبا بشكل أكبر ال تأخذ بعين االعتبار‬
‫الجذور التاريخية للمسلمين مثال في بريطانيا وفرنسا وهولندا‪ 4‬أو ألمانيا‪ ،‬خصوصاً‪ 4‬وأنهم أصبحوا‬
‫جزءاً ال يتجزأ من المجتمع األوروبي‪ ،‬كما اعترف بذلك وزير‪ 4‬الداخلية األلماني السابق فولفغانغ‬
‫شويبله‪ ،‬عندما قال بشكل واضح‪" :‬اإلسالم أصبح يشكل في ألمانيا جزءاً من هذا البلد‪ ،‬كما أن‬
‫على المسلمين أن يشعروا بانتمائهم‪ 4‬لبلدنا ألمانيا"‪ .‬غير أنه يضيف‪  ‬في كل مناسبة أنه يجب على‬
‫هؤالء المواطنين المسلمين أيضا احترام‪ 4‬المحيط االجتماعي السائد‪  ‬في ألمانيا والقوانين القائمة‪ ‬‬
‫بما في ذلك المساواة بين المرأة والرجل‪.‬‬

‫‪ ‬الكاتب‪ :‬بيتر فيليب‪ /‬عبد الحي العلمي‬

‫مراجعة‪ :‬سمر كرم‬

‫الديني والسياسي في الواليات‬


‫المتحدة األمريكية‪ :‬عرض مقارن‪ ‬ألدبيات حديثة اإلصدار‬
‫‪ ‬‬
‫‪                                                                             ‬العرض إعداد‪   :‬‬
‫‪                                                                               ‬شيماء بهاءالدين‬
‫‪    ‬ماجدة إبراهيم‪   ‬‬
‫*تمهيد‪:‬‬
‫قد ُيظن أن عالقة ال ديني بالسياسي أمر قد حس مه الفكر والممارسة السياس ية اإلنس انية منذ‬
‫زمن‪ ،‬بيد أن إش كالية عالقة ال ديني بالسياسي تظل ملتبسة وحالة و متج ددة ‪ .‬ولعل النظ ام السياسي‬

‫‪63‬‬
‫والمجتمع األمريكي ‪ ،‬في بنيته وحركته وعالقاته الداخلية والخارجي ة‪ ،‬أصدق شاهد وأوضح نموذج‬
‫في هذا الصدد‪.‬‬
‫خالل هذا العرض المقارن السبعة كتب حديثه اإلصدار حول ال ديني والسياسي في الوالي ات‬
‫المتح دة األمريكية تتجمع رؤى وتفس يرات مختلفة ح ول ه ذه العالق ة‪ ،‬لكن الس مة الغالبة عليها‬
‫أحدا من هذه الكتب ال ينكر البتة عالقة الديني بالسياسي‪.‬‬
‫جميعا أن ً‬
‫ً‬
‫و تؤكد الكتب الس بعة على أن ت أثير ال ديني في السياسي في الوالي ات المتح دة من الث وابت‬
‫السياسية واالجتماعية هناك‪ .‬ومن ثم نجده يؤثر على عالقاتها مع العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬ال سيما‬
‫وأن أهم مح اور رؤيتهم لنا وعنا يحكمها ‪ ،‬إلى حد كب ير‪ ،‬المع اداة الكب يرة ال تي يكنها األص وليون‬
‫األمريك ان للع رب والمس لمين‪ .‬فض اًل عن ال دعم المس تمر إلس رائيل وض رورة تحويل الع الم إلى‬
‫اعتن اق المس يحية اإليفانجليكي ة‪ .‬ومن ثم فكل ذلك يصب في سياسة الوالي ات المتح دة تج اه الع الم‬
‫العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫وألن الع رض مق ارن ‪ ،‬فس يتناول أربعة مح اور أساس ية تمثل القواسم المش تركة والفواصل‬
‫المم يزة بين الكتب الس بعة ال تي بين أي دينا ‪ ،‬وذلك وفق أس لوب المقارنة األفقي ة‪  .‬و س تكون الخط وة‬
‫األولى متمثلة في تعريف الق ارئ الك ريم بمحت وى ومض مون كل كت اب من الس بعة كتب على ح دة‬
‫بشكل سريع ؛ حتى تتسنى له متابعة وتحديد أهم التساؤالت واإلشكاليات التي تعصف بها هذه الكتب‬
‫في ذهن الق ارئ ح ول أو في موض وع ال ديني والسياس ي‪ .‬ودواعي استعراض ها وفق األربعة مح اور‬
‫التي سيرد بيانها الحقاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬الجزء التمهيدي‪ :‬تعريف مختصر بمحتوى ومضمون مجموعة الكتب محل العرض‪:‬‬
‫‪    .1‬كت اب‪ :‬ال دين والسياسة في الوالي ات المتح دة‪ ،‬ت أليف‪" :‬مايكل ك وربت" و "جوليا‬
‫ميتشل ك وربت" ([‪ ،)]1‬وأهم ما يم يز ه ذا الكت اب أنه ثم رة جهد مش ترك للم ؤلفين ـ وهما زوج ان ـ‬
‫ال ذيَّن يق دمان خالله رؤية متخصصة في ال دين وفي السياس ة‪ ،‬ف الزوج (مايكل ك وربت) خب ير في‬
‫تدريس وطرق البحث في العلوم السياسية والرأي العام‪ ،‬أم الزوجة (جوليا كوربت) فهى خبيرة في‬
‫مج االت بحث وت دريس ال دين وال دين المق ارن‪ ،‬ومن ثم فقد خرجا لنا بكت اب يتم يز باتس اع وعمق‬
‫المضمون مع سهولة المنهج‪ .‬وقد انقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء تضم أبعاد عالقة ال ديني بالسياسي‬
‫في الخبرة األمريكية وهى على التوالي‪ :‬البعد التاريخي‪ ،‬مما قبل إنشاء المستعمرات األمريكية حتى‬
‫أواخر التس عينيات من الق رن العش رين‪ ،‬والبعد الق انوني الدس توري‪ ،‬حيث أوض حا س ياقات إق رار‬
‫التع ديل األول للدس تور األم ريكي لبن دي‪ :‬الكنيسة الرس مية ‪ ،‬وحرية ممارسة الش عائر الديني ة‪ ،‬وما‬
‫ص ار حولهما من ج داالت‪ .‬ثم ال دين وال رأي الع ام وكيف ي ؤثر في توجه ات ال رأي الع ام بين ش رائح‬

‫‪64‬‬
‫وفئات المجتمع األمريكي‪ .‬ثم البعد الخاص بنتائج المؤثرات الدينية على الممارسة والعملية السياسية‬
‫في النظام األمريكي‪ .‬هذا فض اًل عن دراسة نظرية اُستُ ِهل بها الكتاب‪ ،‬تناولت تأصيل لمفهومي الدين‬
‫والسياس ة‪ ،‬وبي ان الخص ائص واألبع اد المختلفة بينهم ا‪ .‬فك انت أش به بإط ار نظ ري للكت اب (وس يرد‬
‫إيض اح مختصر عن المفه ومين ‪ -‬ال دين والسياس ة‪ -‬وفقما وضح ه ذا الكت اب في المح ور األول من‬
‫ه ذا الع رض المق ارن) وك ان من أهم ما أكد عليه الكت اب أن الترابط والت داخل بين ال دين والسياسة‬
‫قائما على الرغم من تعدد أنماط العالقة بين الديني والسياسي([‪.)]2‬‬
‫سيظل ً‬
‫‪ ‬‬
‫([‪)]3‬‬
‫‪    .2‬كتاب‪ :‬كيف نفهم األصولية البروتستانتية واإليفانجليكية‪ ،‬للك اتب ج ورج م مارس دن‬
‫ال ذي يتتبع فيه ت اريخ األص ولية البروتس تانتية واإليفانجليكية ( وكل من ه ذه المف اهيم س يتم توض يحه‬
‫الحقًا خالل ه ذا الع رض في الج زء الخ اص ب التعريف بالمف اهيم ) ع بر الق رنين التاسع عشر‬
‫والعش رين ‪ ،‬مؤكدًا على أن تداخل ال ديني (اإليف انجليكي تحديدًا) في السياسي يُعد من ث وابت النظ ام‬
‫وي َفصِل عوامل وس ياقات تش كل ه ذا الت داخل‪ .‬ثم كيف انتهز األص وليون في‬
‫والمجتمع األم ريكي ُ‬
‫الوالي ات المتح دة الف رص التاريخية ـ رغم ما ل ديهم من تناقض ات ـ األمر ال ذي مكنهم من لعب دور‬
‫متن امٍ في أروقة السياسة األمريكي ة‪ ،‬مع تأكيد منه على مرونة األص وليين وق درتهم على التعامل مع‬
‫معطيات ومتغيرات العصر الحديث [‪. ]4‬‬
‫)‬ ‫(‬

‫‪ ‬‬
‫‪    .3‬كت اب أص ول التط رف‪ :‬اليمين المس يحي في أمريكا‪ ،‬وهو عب ارة عن مجموعة من‬
‫المقاالت والبحوث العلمية لباحثين متخصص ين في هذا المجال في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وقد‬
‫ح ررت الكت اب "كيم برلي بالكر"([‪ .)]5‬ومؤلفو الكت اب ذووا توجه لي برالي‪ ،‬ومن ثم فهم يق دمون رؤية‬
‫ألخط ار األص ولية المس يحية على النظ ام السياسي والمجتمع األم ريكي برمت ه‪ ،‬وذلك ببي ان آثارها‬
‫كل من المكتسبات الديمقراطية األمريكية‪ ،‬وعلى تشكيل وعي األجيال األمريكية القادمة‬
‫السلبية على ٍ‬
‫(تأثيرات األصولية على التربية وتعليم األطفال) ومن قبل على وضع المرأة‪ ،‬ثم بنظرة أوسع أخطار‬
‫األص ولية على المجتمع األم ريكي ككل و علىتماس كه‪ .‬إذ ي رى الكت اب أن األص ولية تن ذر بخطر‬
‫نش وب ص راعات قيمية داخل المجتمع األم ريكي إذا ما تم اإلفتئات على علمانية الدولة (وفق‬
‫التعديل الدستوري األول) باعتبار ذلك أمرًا إلهيًا (تسيس مفهوم العصمة)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    .4‬كت اب‪ :‬مقدمة في األص ولية المس يحية في أمريكا وال رئيس ال ذي اس تدعاه اهلل‬
‫الطبع ة الثالث ة‬ ‫([‪)]6‬‬
‫وانتخبه الش عب األم ريكي م رتين‪ ،‬اس تفتح الك اتب و الناشر "ع ادل المعلم"‬
‫للكت اب بتقرير من "النيوزويك" ال تي خصصت نصف ع ددها الص ادر في ‪ 15‬نوفمبر ‪ 2004‬لتحليل‬
‫نت ائج االنتخاب ات الرئاس ية األمريكية ودور األص ولية واإليفانجليكية في ال دفع الجم اهيري لص الح‬

‫‪65‬‬
‫ب وش االبن ال ذي ف از بف ارق ‪ 3‬ماليين صوتًا على المرشح ال ديمقراطي "ج ون ك يري" ‪ ,‬وأن ‪%22‬‬
‫من الناخبين كان محور اهتمامهم األساسي في االختيار "القيم األخالقية" ‪.‬‬
‫‪  ‬أما متن الكت اب فيتك ون من ج زئين أولهما عب ارة عن ثالثة فص ول‪ ،‬الفصل األول بعن وان "ح روب‬
‫الرحم ة" وهى ترجمة لمقالة نش رت في مجلة "دير ش بيجل األلمانية" في ‪( 17/2/2003‬قبيل الغ زو‬
‫األمريكي للعراق)‪ .‬توضح كيف يربط "بوش االبن" وإ دارته اليمينية بين المصالح القومية األمريكية‬
‫واألص ولية الدينية على نحو غ ير مس بوق وإ ن ك ان ال يمثل خروج اً عن مس لك س ابقيه من رؤس اء‬
‫الوالي ات المتح دة‪ ،‬إذ يرونها "بلد اهلل" ذات مهمة "جلب الس الم للع الم من خالل الح رب"‪ ،‬كما تتبعت‬
‫الس يرة الذاتية لب وش االبن مقارنة بحي اة أبي ه‪،...‬أما الفصل الث اني هو ترجمة لمقالة من مجلة‬
‫"نيوزويك" األمريكية عدد ‪( 10/3/2003‬أيضاً قبيل العدوان) بعنوان "بوش واهلل" وكيف يرى نفس ه‬
‫مبع وث العناية اإللهية في الع الم‪ ،...‬والفصل الث الث يمثل مقتطف ات من كت اب "ب وش االبن"‪" :‬مهمة‬
‫لألداء‪" :‬ألحقق إرادة خ القي" وهى مذكراته ال تي يش رح فيها س يرته الذاتية ورؤيته لمهمته ومهمة‬
‫بالده في الع الم‪ .‬ثم في الج زء الث اني من الكت اب ي أتي بي ان موقع األص ولية الدينية المس يحية‬
‫وارتباطاتها باألصولية اليهودية وكيف يؤثران في سياسات الواليات المتحدة ورؤيتها للعالم ولمنطقة‬
‫([‪)]7‬‬
‫الشرق األوسط‪.‬‬
‫‪ ،‬و المؤلف نفسه‬ ‫([‪)]8‬‬
‫‪    .5‬كت اب‪ :‬الكت اب المق دس واالس تعمار من ت أليف القس "مايكل بري ور"‬
‫يعت بر أهم ما يم يز ه ذا الكت اب؛ فهو ش اهد من أهلها يتكلم من منطلق المص داقية األخالقية وال واجب‬
‫المعنوي وضمير رجل دين آلى على نفسه كشف مخططات وتبريرات قوى "االستعمار"ـ ذلك المفهوم‬
‫ال ذي أعادته السياسة األمريكية بثقل إلى س احة العالق ات الدولية بعد أح دث ‪ ،11/9/2001‬ومن قبل‬
‫وم ازالت ت دعم إس رائيل في اس تعمارها االس تيطاني لفلس طين ـ ال تي توظف ال دين واألخالق وفق‬
‫ت أويالت مزعومة للنص وص المقدسة (وخاصة العهد الق ديم) ح ول ت راث األرض ال تي تع بر جميعها‬
‫عن أساس أيدلوجي واحد استندت إليه سياسات االستعمار في إذاللها وإ بادتها للشعوب األصليين‪.‬‬
‫‪        ‬مع اس تقراء من الك اتب لثالث ح االت اس تندت لتلك الت أويالت الدينية المزيفة واالنتقائية وهى‪:‬‬
‫االس تعمار األس باني والبرتغ الي ألمريكا ‪ ،‬االس تعمار الهولن دي لجن وب أفريقي ا‪ ،‬واالس تعمار‬
‫الصهيوني لفلسطين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   .6‬كت اب‪ :‬بلد اهلل‪ :‬ال دين في السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬ال ذي يمثل ترجمة لمق ال نشر في‬
‫مجلة "‪ "Foreign Affairs‬عدد سبتمبر‪ /‬أكتوبر ‪ ،2006‬وكاتب المقال (الكتيب بعد الترجمة) هو‬
‫أستاذ كرسي هنري كيسنجر للسياسة الخارجية األمريكية في مجلس العالقات‬ ‫([‪)]9‬‬
‫"والتر راسيل ميد"‬
‫الخارجية‪ .‬الذي يستجلي لنا خريطة توزيع البروتستانتية في الولايات المتحدة‪ ،‬وذلك باعتبارها عقيدة‬
‫األغلبي ة‪ ،‬ثم تأثيرها في السياسة الخارجية األمريكية ورؤاهم ح ول م دى إمكانية قي ام نظ ام ع المي‬

‫‪66‬‬
‫سلمى‪ .‬وكيف أفضت تغيرات هيكل توزيع القوى والتيارات الدينية في الواليات المتحدة إلى تغيرات‬
‫في السياسات األمريكية ـ السيما الخارجي منها‪  ‬ـ حيث كلما زاد انتشار تيار ديني ما‪ ،‬ثقلت معه كفة‬
‫الممثلين السياس يين له ذا التي ار‪ .‬ولعل إلق اء نظ رة على توجه ات سياس ات الوالي ات المتح دة خالل‬
‫الس تينيات وتوجهاتها بعد ع ام ‪ 2000‬يؤكد ه ذه الحقيقة الواقع ة‪ ،‬فاإليف انجليكيون – وهم طائفة من‬
‫البروتستانت ‪ ،‬ذووا التأثير األعلى في السياسة األمريكية باألخص الخارجية – ‪ ‬لهم توجهات معادية‬
‫لإلس الم كما يوضح الكت اب‪ ،‬لكنه يس تدرك مؤكدًا على أن طبيعة التعددية الدينية والفكرية في النظ ام‬
‫األمريكي فضاًل عن عدم جمود اإليفانجليكية نفسها ـ من وجهة نظره ـ كفيل بكبح جماح خطرهم على‬
‫السياسة األمريكية وباألخص السياسية الخارجية‪.‬‬
‫‪   .7‬كت اب‪ :‬ص عود البروتس تانتية اإليفانجليكية في أمريكا وت أثيره على الع الم اإلس المي‪،‬‬
‫من ت أليف د‪ /‬محمد ع ارف وهو م اليزي عمل كأس تاذ لالقتص اد السياسي في الوالي ات المتح دة لم دة‬
‫من زاوية ووجهة نظر مراقبة وفاحصة للش أن‬ ‫([‪)]10‬‬
‫ثالثة عق ود‪ ،‬ومن ثم فهو يأتينا به ذا الكت اب‬
‫األم ريكي موضحًا خالله أس باب وعوامل الص عود السياسي للبروتس تانتية اإليفانجليكية في الوالي ات‬
‫المتحدة‪ .‬وإ ن كان المؤلف قد بدء بحثه هذا بالعوامل والتفسيرات االقتصادية‪ ،‬فإنه استكمله باحثًا في‬
‫العوامل والمعطيات التاريخية واالجتماعية محاواًل تقديم تفسير متكامل حول هذا الصعود‪ .‬حيث تابع‬
‫تط ورات األص ولية البروتس تانتية اإليفانجليكية وكيف تغلغل تأثيرها وانصب على وس ائل اإلعالم‬
‫وتربية النشئ والقض ايا االجتماعي ة‪ ،‬وكيف واجهت كل من التي ارين الح داثي واللي برالي‪ ،‬واقتحامها‬
‫المباشر للعملية السياس ية منذ س بعينيات الق رن العش رين‪ ،‬وازده ار وازدي اد دورها منذ ت والي نج اح‬
‫مرشحي الحزب الجمهوري من "كارتر" حتى "بوش األب" ثم االبن‪ .‬ثم ينتقل الكتاب لتأثير صعود‬
‫البروتس تانتية اإليفانجليكية ه ذا على الع الم اإلس المي‪ ،‬ال س يما وأن نظ رتهم للع الم اإلس المي جام دة‬
‫ونمطية س لبية‪ ،‬شكَّلها اعتق ادهم في حتمية الص راع بل والح رب مع اآلخر الحض اري وال ديني‬
‫(هرمجدون)‪ ،‬لكنه ال يغفل مسئولية الجانب اإلسالمي في االستجابة لهذا التأثير‪ ،‬كما يقدم رؤية بديلة‬
‫عن رؤية الصدام الحضاري وهى "التطور الخالق"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪                   ‬الجزء الثاني‪:‬محاور العرض المقارن‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫إذن بعد ه ذا الع رض التع ريفي المختصر بكل من الكتب الس بعة موض وع ه ذا الع رض‬
‫المقارن‪ ،‬يجدر بنا تحديد مجموعة من اإلشكاليات والتساؤالت التي تثيرها القراءة في هذه الكتب في‬
‫موض وع ال ديني والسياسي في الوالي ات المتح دة وت أثيره على الع الم الع ربي واإلس المي وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪       -‬ما موقع الدين من السياسة األمريكية؟ هل هو موضوع أم أداة أم محرك لها؟‬

‫‪67‬‬
‫‪       -‬إذا كانت الكتب التي بين أيدينا في هذا العرض ترصد ظاهرة صعود األصولية الدينية في الواليات‬
‫المتح دة‪ ،‬فما التفس يرات المختلفة له ذا الص عود؟ وما مآل ه؟ أي هل سيس تمر ه ذا ال بروز وه ذا ال دور‬
‫الكبير للدين في سياسات الواليات المتحدة؟ وما دالئل أو مؤشرات ذلك؟‬
‫‪       -‬ما تأثير هذا الصعود على السياسة الخارجية األمريكية؟ وباألخص تجاه العالم العربي واإلسالمي؟‬
‫‪       -‬وما الفارق بين رؤى ومنطلقات هذه الكتب؟ فعلى سبيل المثال ‪ ،‬كيف تختلف أو تتفق ك ٌل من الرؤية‬
‫الليبرالية الناقضة ( كتاب‪ :‬أصول التطرف‪ ,) ...‬والرؤية األصولية الناقدة (كتاب‪ :‬الكتاب المقدس‬
‫واالس تعمار)‪ ,‬ورؤية أحد المس لمين(كت اب ‪ :‬ص عود البروتس تانتية اإليفانجليكي ة‪ ,) ...‬مقارنة ببقية‬
‫الكتب؟‬
‫ه ذه التس اؤالت يمكن أن نتتبع إجابتها ونتتبع بها الكتب الس بعة ع بر مقارنتها وفق‬
‫المحاور األربعة التالي ذكرها‪:‬‬
‫‪       -‬أوالً‪ :‬التعريف باألصولية الدينية في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫‪       -‬ثانياً‪ :‬تأثير الدين في النظام السياسي والمجتمع األمريكي‪.‬‬
‫‪       -‬ثالثاً‪ :‬الدين والسياسة الخارجية األمريكية‪.‬‬
‫‪       -‬رابعاً‪ :‬الدين والسياسة األمريكية تجاه العالم العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫· أواًل التعريف باألصولية الدينية في الواليات المتحدة ‪ :‬أهم المفاهيم و التطورات‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬ينقسم هذا المحور إلى مستويين ‪ :‬أولهما تعريف بألهم المفاهيم المتعلقة بعالقة الديني بالسياسي‬
‫في الواليات المتحدة كما وردت في هذه المجموعة من الكتب‪ ،‬و ثانيهما حول تناول هذه الكتب أهم‬
‫التطورات التاريخية لألصولية الدينية بالواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪-)1( ‬حول المفاهيم الدينية المؤثرة في السياسة األمريكية ‪:‬‬
‫بعضا من المفاهيم الدينية التي ارتبطت بالممارسة السياسية في‬
‫‪  ‬تضم هذه المجموعة من‪  ‬الكتب ً‬
‫لكل من الدين والسياسة وبيان‬
‫النظام األمريكي نوضحها فيما يلي مستفتحين إياها بتعريف ٍ‬
‫الخصائص لمشتركة بينهما وفق ما بينت الدراسة االستهاللية النظرية (التي هى بمثابة اإلطار‬
‫النظري لدراسة عالقة الدين والسياسة‪  ‬باألخص في الواليات المتحدة) التي وردت بكتاب الدين‬
‫والسياسة في الواليات المتحدة‪" ،‬للزوجان كوربت" ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫*‪     ‬الدين‪ :‬عرفا الدين على أنه‪":‬نظام متكامل من المعتقدات ‪ ،‬وأسلوب حياة وشعائر و مؤسسات يمكن‬
‫مقدسا‬
‫ً‬ ‫لألفراد من خاللها أن يعطوا أو يجدوا معنى لحياتهم بالتوجه إلى – وااللتزام بما يعتبرونه‬
‫وافيا لهذا التعريف و صلته بالعلوم االجتماعية واإلنسانية ‪.‬‬
‫شرحا ً‬
‫أوله قيمة نهائية" ثم يقدمان ً‬
‫*‪    ‬السياسة‪ :‬مع اإلقرار من "الزوجان كوربت" بتعدد تعريفات السياسة و إدراجهما بعض منها‪ ،‬فإنهما‬
‫قد اعتمدا تعريف " ديفيد إيستون" المعروف ‪":‬تحديد السلطة لقيم المجتمع"‪ ،‬ليس فقط العتباره أكثر‬
‫أيضا ألنه أكثرها مالئمة لهذه الدراسة ؛ إذ‬
‫شيوعا وقبواًل في النظام األمريكي‪ ،‬لكن ً‬
‫ً‬ ‫تعريفات السياسة‬
‫عمليا للسياسة‪.‬‬
‫يقدم تعريفًا ً‬
‫*‪  ‬عالقة الدين بالسياسة ‪:‬تالزمية و تداخل في الخصائص و األدوار‪ :‬يستكمل "آل كوربت" توضيح‬
‫أبعاد عالقة الدين بالسياسة ببيان أنماط العالقة مؤكدين على عدم إمكانية تجنب التداخل بينهما بحكم‬
‫قائما – في أي مجتمع – على الرغم من تعدد‬
‫طبيعة كل منهما‪ ،‬و أن ذلك الترابط‪ ‬و التداخل سيظل ً‬
‫أنماط هذه العالقة؛ فنمطي الفصل التام بين الدين و السياسة بهيمنة الدولة على الدين ( القمع‬
‫العلماني للدين) وهيمنة الدين ( الكنيسة) على الدولة ( النموذج الثيوقراطي) كالهما ٍ‬
‫مغال في‬
‫اإلفراط أو التفريط‪ ،‬وأن نموذج النظام السياسي والمجتمع األمريكي بعيدان كل البعد عن هذين‬
‫النمطين ‪.‬‬
‫أما عن أهم نقاط االشتراك في الخصائص و األدوار بين الدين والسياسة التي يرصدها المؤلفان ‪:‬‬
‫دور الدين في بناء منظومة القيم في أي مجتمع ( وهو ما ‪ ‬يتجلى بشدة في المجتمع األمريكي ) ‪ ،‬أما‬
‫السياسة فإنها تتيح لألفراد التعبيرعن قيمهم – التي أسهم الدين في بنائها و تكوينها بشكل كبير‪ -‬و‬
‫السعي إلى تفعيلها فيما يتعلق بالشأن العام ‪ ،‬الدين والسياسة كذلك كالهما يعطي معنيً لحياة األفراد‪.‬‬
‫قيما‬
‫اهتمام كل من الدين والسياسة بهيمنة السلطة على حياة األفراد ؛ حيث إن الدين يغرس في الناس ً‬
‫معينة فتكون له سلطة على حياتهم ‪ ،‬والسياسة من جانبها تحدد القيم من حيث ما يصلح وما اليصلح‬
‫القيام به في المجتمع والشأن العام وفق قرارات سلطوية‪ .‬بقول إجمالي يستشهدان بمقولة ل"‬
‫تشيدستر"‪" :‬السياسة والدين هما بعدا التجربة اإلنسانية خالل ممارستها الهادفة للسلطة "‪ .‬بل وقد‬
‫رسميا داخل النظام السياسي المحدد مستمدة‬ ‫يصل التداخل بينهما إلى ٍ‬
‫حد تصبح معه القيم المحددة‬
‫ً‬
‫تعبيرا عن قيم دينية في المجتمع‪ ،‬إضافة إلى أن القيم التي ينشئها أو يؤيدها النظام‬
‫من الدين أو ً‬
‫السياسي قد تتخللها أراٌء دينية ‪ ،‬وفي بعض األحيان قد يوظف رجال السياسة الدين للحصول على‬
‫التأييد والشرعية الالزمة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫*األصولية ‪ :‬يوضح "عادل المعلم" كيف ظهر مصطلح األصولية على يد الصحفي المحافظ‪"  ‬‬
‫كيرتزلي لوز" الذي كان يعمل في الجريدة المعمدانية‪ "  " the Watch Examiner  ‬واصفًا بها‬
‫الذين كانوا على استعداد لدخول المعركة الكبرى من أجل األصول ‪  .‬ثم زاع صيت المفهوم ليعبر‬

‫‪69‬‬
‫عن وصف لجميع أنواع البروتستانت األمريكين الذين على استعداد ‪ ‬لشن "حرب إكليريكية"‬
‫والهوتية ‪ ‬ضد الحداثة في الالهوت و ضد التغيرات الثقافية التي رحب بها الحداثيون ‪ .‬وأن قوة‬
‫األصوليين قد وصلت ذروتها في عشرينيات القرن العشرين ؛ بفضل تحالفها مع البروتستانت‬
‫المحافظين ‪ .‬كما يوضح عالقاتها بالتيارات األصولية المسيحية و تحوالتها المهمة‪.‬‬
‫‪    ‬أما "مارسدن " فإنه يعرف األصولي باعتبار أنه " إيفانجيليكي مقاتل"‪  ،‬و أن األصولية نمت من‬
‫رحم اإليفانجليكية في ق ‪  ،19‬كما يرى أن كلًا من اإليفانجليكية واألصولية ليستا منظمتين قابلتين‬
‫للتحديد وإ نما بداخلهما العديد من التنويعات‪.‬‬
‫‪  ‬في حين فرق " ميد"‪ ،‬صاحب كتاب ‪ :‬بلد اهلل ‪ ،...‬بين األصوليين واإليفانجليكيين ‪ .‬وأنه إذا كانت‬
‫األصولية تدل على نوع من البروتستانت المقاتلين ‪ ،‬فإن اإليفانجليكية‪ -‬بحسبه‪ -‬تطلق على تحالف‬
‫أكبر بكثير!‬
‫‪  ‬وأكد " مارسدن"‪ ‬على أن األصولية على عكس ما ينظر لها كمعادية للعقالنية ‪ ،‬يثق أتباعها في‬
‫فلسفات التنوير‪ .‬كما اعتبر أن األصولية " نسخة من المسيحية تطابقت مع عصرها"‪ .‬أما األصولية‬
‫على مستواها األدائي العملي ‪ ،‬ففي الوقت الذي يحسب األصوليون في الجانب االقتصادي على‬
‫الفردية المطلقة ‪ ،‬فإنهم على الجانب اآلخر يمثلون من خالل الكنائس األصولية أحد أهم التجمعات‬
‫عبر العرقية‪  .‬‬
‫‪   ‬وأشار كتاب" بالكر" باألصولية إلى ٍ‬
‫كل من األصوليات المسيحية (البروتستانتية والكاثوليكية) و‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬بينما أغفل ذكراألصولية اليهودية‪ .‬وأكد على صعوبة وضع تعريف محدد ‪ ‬لألصولية‬
‫جميعا في سلة واحدة ‪ .‬وداخل هذا‬
‫ً‬ ‫فضاًل عن أنه ليس من اإلنصاف وضع األصوليين المسيحيين‬
‫الكتاب تم تحديد الخصائص الرئيسة لألصولية ومنها‪ :‬الرغبة في تدريس نظامهم العقائدي بالمدارس‬
‫‪ ،‬و التسلطية ‪،‬والتمسك بحرفية الكتاب المقدس ‪ .‬و قد فسر أسباب تنامي األصولية في العالم بشكل‬
‫ومرجعا‬
‫ً‬ ‫متتبعا تطورالصحوة الدينية الكبرى‬
‫ً‬ ‫تحديدا في الواليات المتحدة‬
‫ً‬ ‫عام واألصولية المسيحية‪ ‬‬
‫إياها إلى سببين أساسيين ‪ - :‬الفترات التي يعتصرها التغير االجتماعي ‪ ،‬و – التعطش لإلجابات‬
‫المبسطة‪                                                 .‬‬
‫أما " ميد" فقد اعتبر أن األصوليين والمسيحيين الليبراليين واإليفانجليكيين ما هم إال جزء من التيار‬
‫جميعا قد تأثروا بالجدل األصولي الحداثي مع مطلع القرن‬
‫ً‬ ‫التاريخي للبروتستانتية األمريكية ‪ ،‬و أنهم‬
‫العشرين ‪ .‬وأن األصولية انقسمت إلى شعبتين إحداهما آثرت االنفصال عن عالم السياسة والثقافة‬
‫واألخرى سعت إلى االنخراط في عالم السياسة ورأت ضرورة وجود روابط مع جميع دول العالم ‪،‬‬
‫وهؤالء عرفوا "باإليفانجليكيين الجدد" أما اآلن فيطلق عليهم "اإليفانجليكيين" فقط‪.‬‬
‫‪ ‬و كان مما ركز عليه" محمد عارف" في بيان تاريخ األصولية المسيحية بالواليات المتحدة ‪،‬‬
‫التجارب الثالث للصحوة الكبرى( حركات اإلحياء الديني) ‪ :‬األولى في ق‪18‬قبل االستقالل‬

‫‪70‬‬
‫محدودتي التأثير‪ ،‬والثالثة هى الحالية‬
‫ِّ‬ ‫األمريكي ‪ ،‬والثانية في ق‪ 19‬بعد االستقالل‪ ،‬واللتان كانتا‬
‫والممتدة و ذات التأثير المتصاعد منذ بدايات ق‪  20‬و التي تحظى بالنفوذ والقوة والعمق في المجتمع‬
‫األمريكي‪.‬‬
‫‪  ‬واختصر "مايكل وجوليا كوربت" قولهما في األصوليين بإشارتيهما إلى أن " القيم التقليدية" هى‬
‫القاسم المشترك بين أصوليو أمريكا ‪ ،‬و أنها هى الصيحة التي تحشد جماعات الضغط األصولية في‬
‫واشنطن ( ومن المعروف أنها تدافع عن األسرة التقليدية و الدين التقليدي واالستقامة األخالقية مقابل‬
‫مهاجمتهم النتشار الفن اإلباحي ‪،‬واإلجهاض‪ ،‬ودخول المرأة ميدان العمل ‪ ،‬والحقوق المتزايدة‬
‫أساسا للقانون‬
‫للشواذ )‪  ‬وأنهم مثل البيوريتانز القدامى ‪ ،‬يودون أن تكون قيم المسيحية التقليدية ً‬
‫المعمول به‪ .‬ويرون أن النخبة الحاكمة ‪ -‬في السلطة واإلعالم والمؤسسات التعليمية – تقر سياسات‬
‫عامة تفتقر إلى قيم األغلبية ‪،‬وأنه قد آن أوان إعادة قيم "األغلبية األخالقية" ‪.‬‬
‫*البروتستانتية‪  :‬مما يذكره " عادل المعلم" عنها أنها طائفة أو مذهب مسيحي ظهر في ألمانيا على‬
‫احتجاجا على الفساد الذي أصاب الكنيسة الكاثوليكية وقتها ويمثل‬
‫ً‬ ‫يد القس " مارتن لوثر" ‪ ،1516‬‬
‫مجازيا ‪ ،‬وإ نه البد‬
‫ً‬ ‫حجر الزاوية فيها المبدأ القائل بإن الكتاب المقدس صحيح كله ويفسر حرفيا وليس‬
‫أن يتاح‪  ‬لكل مسيحي أن يفسره ‪ ،‬وللبروتستانتية عالقة وثيقة باليهودية ؛ للتشابه الكبير بين سياقات‬
‫نشوء و حركة كل منهما ‪ ،‬فكما اضطهد فرعون مصر اليهود ففروا إلى أرض كنعان(أرض فلسطين‬
‫العربية) هاجر بعض البروتستانت (و هم البيوريتانز أو البيورريتانيون) فارين بمذهبهم هذا‬
‫إلىأمريكا فعتبروا أنفسهم شعب اهلل المختارالجديد في أرض الميعاد الجديدة ‪ .‬ولعل الجدير بالذكر في‬
‫هذا السياق مقولة مرجعية لديهم تنسب إلى " لوثر " ‪" :‬إن اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف‬
‫الغرباء"‪ ،‬كما استعادت البروتستانتية مقوالت وعقائد العهد القديم مثل‪ :‬شعب اهلل المختار‪،‬أرض‬
‫مرجعا أصياًل لديهم وصار قيام إسرائيل‪ -  ‬وفق هذا‬
‫ً‬ ‫الميعاد ‪ ،‬هرمجدون ‪،‬وبات العهد القديم‬
‫المعتقد‪ -‬بشارة بقدوم المسيح‪ .‬و عن تيارات البروتستانتية في ق‪ 20‬يذكرأنها تباينت بين ثالثة‬
‫حرفيا‪ ،‬و تيارمحافظ‬
‫ً‬ ‫تيارات فرعية‪ :‬التيار اإليفانجليكي الذي يرى بعصمة الكتاب المقدس و تأويله‬
‫لكن ال يأخذ بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس ‪ ،‬و التيار الليبرالي الذي يرى االكتفاء بخلقيات الكتاب‬
‫المقدس و ترجمتها في " اإلنجيل االجتماعي " الذي يعني برامج إصالح المجتمع ‪.‬‬
‫‪   ‬بينما كان تصنيف "ميد" البروتستانتية ‪ -‬إلى ثالث تيارات فرعية أساسية هم‪:‬األصوليون‬
‫‪،‬والليبراليون المسيحيون ‪ ،‬واإليفانجليكيون (أي أنه اعتبر األصولية فرعًا من البروتستانتية كما‬
‫سبقت‬
‫اإلشارة)‪                                                                                        .‬‬
‫‪                                                             ‬‬

‫‪71‬‬
‫‪* ‬البيوريتانز ‪ /‬البيوريتانيون‪ :‬مع تطورات البروتستانتية في أوربا ‪ ،‬ظهرت جماعة‪  ‬شديدة التدين‬
‫من البروتستانت عام‪ 1555‬في انجلترا رفضت أي سلطة أورقابة للدولة على الكنيسة ‪ ،‬وطالبوا‬
‫بتطهير البروتستانتية من كل الطقوس والعبادات غيرالواردة في الكتاب المقدس ‪ .‬و تطورت‬
‫أفكارالبيوريتانز وحدثت مواجهات عنيفة بينهم و بين الدولة البروتستانتية في انجلترا إبان حكم‬
‫الملكة إليزابث ‪ ،‬و تعرضوا للقمع و االضطهاد حتى هاجروا إلى هولندا ثم إلى أمريكا مع مطلع ق‬
‫‪ .17‬هذا وفق ماذكره كتاب "عادل المعلم" من التطور التاريخي لهم ‪ .‬و مما ذكره " الزوجان‬
‫كوربت" إضافة لرؤيتهم أنفسهم شعب اهلل المختار الجديد‪ ،‬أنهم كانوا شديدي التعصب ولم يؤمنوا‬
‫بالتسامح الديني وال بالتنوع ‪ ،‬و كيف رأوا أن الحرية هى بقاء اآلخرين بعيدين عنهم ‪ .‬لكن‬
‫البيوريتانز تآكلوا مع حلول ق‪ 18‬ليحل محلهم مذهبان دينيان هما ‪ :‬العقلي ‪ ،‬واإليفانجليكي( أو ما‬
‫سمي بالصحوة الكبرى وقتها) ‪ .‬و رغم دخول قيم قبول التنوع والتسامح الديني للمجتمع األمريكي ‪،‬‬
‫إال أن بعض من آثار البيوريتانية بقيت في الثقافة الجمعية األمريكي‪ ،‬مثل‪ :‬اعتبار الواليات المتحدة‬
‫المدينة الفاضلة –مدينة فوق التل – ذات قدر إلهي ومهمة خاصة‪  ‬بأن تكون مثااًل يحتذى به في‬
‫العالم أجمع ‪ .‬و األهم أن هذه الرؤية لم تنعكس فقط في فكر األصوليين و اليمين المسيحي هناك بل‬
‫استرشادا بالرؤية‬
‫ً‬ ‫ظهرت لدى الليبراليين في مثل خطاب " كلينتون" االفتتاحي ‪1997‬حينما قال ‪":‬‬
‫القديمة ألرض الميعاد ‪ ،‬دعونا نوجه أبصارنا إلى أرض ميعاد جديدة"‪...‬‬
‫و من إشارات "مارسدن" للبيوريتانية يذكرأنها أحد المصادر القوية للرؤى الثقافية األصولية والتي‬
‫غالبا ما اختلطت معتقداتها االجتماعية بالفلكلوراألمريكي ‪.‬‬
‫ً‬
‫*اإليفانجليكيون‪  :‬ذكر"عادل المعلم" في كتابه مقدمة في األصولية المسيحية ‪،...‬أنهم طائفة من‬
‫البروتستانت األصوليين تتمسك بالتأويل الحرفي للكتاب المقدس‪ ،‬و قد بلغت أوج تألقها بالواليات‬
‫مليونا في الواليات المتحدة ‪ .‬وهم شديدوا‬
‫ً‬ ‫حاليا ما بين ‪50 : 40‬‬
‫المتحدة في ق‪ ، 19‬و يبلغ عددهم ً‬
‫الكراهية لإلسالم ومن أهدافهم تحويل المسلمين إلى مسيحيين – بل و السعي إلى تحويل‬
‫المسيحيين من المذاهب المسيحية األخرى إلى إيفانجليكيين – و قد ابدوا رغبتهم هذه لبوش االبن‬
‫قبيل احتالله للعراق بحجة مساعدتهم لتمكين شعب مقهور من حرية العبادة لكن‪ " ‬بوش" رأى وقتها‬
‫– ربما العتبارات سياسية – أن ذلك أمر يجب تأجيل الخوض فيه وأنه من الضروري تهدئة‬
‫المسلمين‪ ،‬في حين أبدى إعجابه بالدين اإلسالمي‪ .‬واستكمل" المعلم" إيضاحه في مقدمته –كناشر‪-‬‬
‫ذاكرا بحجة موثقة نقاًل عن جريدة "الواشنطن‬
‫لكتاب "محمد عارف" ‪ :‬صعود البروتستانتية ‪ً ،...‬‬
‫بوست" في عددها الصادر في ‪ 23‬يونية ‪ 2005‬بعنوان " اإليفانجليكيون يبنون قاعدة في بغداد"‪،‬‬
‫ما مفاده أن جهود اإليفانجليكين لم تنقطع ‪ -‬منذ االحتالل األمريكي للعراق‪ -‬في تحويل كل من‬
‫المسلمين و الطوائف المسيحية إلى المسيحية اإليفانجليكية مما أثار شكاوى زعماء المسلمين و‬

‫‪72‬‬
‫المسيحيين في العراق‪ ،‬فضاًل عن أن اإليفانجليكيين يسعون إلفساد عالقة المسلمين والمسيحيين‬
‫في العراق‪.‬‬
‫ظاهريا من كونها حركة أو موجة متميزة ‪ ،‬إال‬
‫ً‬ ‫‪ ‬يذكر "مارسدن" أنه برغم ما قد يبدو على اإليفانجليكية‬
‫نوعا من اإليفانجليكية ‪ ،‬تتشارك جميعها في الكثير‬
‫أنه يمكننا اليوم أن نحدد ما ال يقل عن أبعة عشر ً‬
‫من العقائد لكنها تتنوع من حيث المواقف الموروثة تجاه السياسة والثقافة على وجه الخصوص ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬ويقترب "الزوجان كوربت " من الرأي السابق في قولهم بعدم وجود مجموعة متناغمة من‬
‫اإليفانجلكيين و تعدد دالالت وصف "إيفانجليكي " في الفكر البروتستانتي ‪ ،‬وأنه يتم استخدام هذا‬
‫أحيانا‬
‫الوصف إشارة إلى طائفة من البروتستانت ذوي التوجه المحافظ للدين دون نزعة عدائية‪ ،‬أو ً‬
‫انفصالية‪ ،‬كالتي تميز األصوليين‪ ،‬الذين يؤمنون بوجود أمرإ نجيلي بالعمل من أجل الفقراء‬
‫مكانا‬
‫وخارجيا‪ (  ‬و لعل هذا هو سبب ونتيجة الحتالل اإليفانجليكيين السود َ‬
‫ً‬ ‫داخليا‬
‫َ‬ ‫والمظلومين‬
‫متفردا في المنهاج اإليفانجليكي) ‪ .‬وقد تحالف اإليفانجليكيون مع األصوليين واليهود في بعض‬
‫ً‬
‫القضايا ‪ ،‬بينما أيدوا كاًل من البروتستانت الليبراليين والكاثوليك‪  ‬في القضايا االقتصادية و‬
‫االجتماعيةو قضايا نزع السالح و صنع السالم و ما شابهها ‪.‬‬
‫‪                                         ‬‬
‫*اليمين المسيحي الجديد‪  :‬يخبرنا "الزوجان كوربت" بعودة جذوره إلى الحقبة االستعمارية ‪ ،‬لكنه‬
‫بدأ في الظهورفي سبعينيات ق‪ ،20‬أسهم في ذلك وجود توجه ديني محافظ يؤكد صوته في السياسة‬
‫–أي التقاء الدين بالسياسة‪ -‬وتعددت التفسيرات حول ظهوراليمين المسيحي االجديد منها الالهوتي و‬
‫االجتماعي والسياسي ‪ ،‬وكيف يعتبر إرثًا للخالف األصولي الحداثي وما نتج عنه من انقسامات دينية‬
‫خيمت على الداخل األمريكي خالل عقد الخمسينيات من ق‪ 20‬تراجع على إثرها دورالدين في‬
‫فصاعدا – لعوامل عدة‬
‫ً‬ ‫السياسة األمريكية‪ ،‬ثم عودة الدين بثقل للتأثيرفي السياسة منذ الستينيات‬
‫داخلية وخارجية – فظهراليمين المسيحي الجديد وتوسع في السبعينيات والثمانينيات‪ ،‬فضال عن‬
‫توثيق صلته بالحزب الجمهوري‪ ،‬وتعمقت أبعاده المؤسساتية وقاعدته الشعبية في التسعينيات ‪،‬‬
‫وحاليا يتمتع اليمين المسيحي الجديد برسوخ منظماته ورسوخ عضويتها وامتالك أدوات‬
‫ً‬
‫العصروالقدرة على حشد األتباع و كسب االنتخابات ‪ ،‬مع بقاء ثوابت مهمة في ممارسته السياسية‬
‫يأتي على رأسها ‪ :‬تأييد وضع وبقاء الواليات المتحدة القوة العسكرية األولى في العالم‪ ،‬وهنا‬
‫تظهر أهم نقاط التماس بين اليمين المسيحي الجديد والعقيدة البيوريتانية التي تأسست الواليات‬
‫المتحدة على مقوالتها وأهدافها وفي مقدمتها اعتبارهم أن الواليات المتحدة أمة مختارة لتكون‬
‫مثااًل للحياة الورعة في الدنيا ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ ‬وفي فصل أفرده لبيان الصحيح عند اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬يذكر "محمد عارف" أهم خصائص و‬
‫مميزات ومسارات تطورهذا الرافد من األصولية المسيحية في الواليات المتحدة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬المرونة‬
‫و االستفادة من األخطاء السابقة ‪ ،‬وفهم آليات عمل النظام الديمقراطي الليبرالي والقدرة على التأثير‬
‫فيه‪ ،‬وماحققته الحركة من كفاءة في اجتياز منزلقات االختالفات الدينية التي مثلت نقطة ضعف‬
‫األصوليين الدينيين ؛ وذلك البتكارها صيغة " الحرب ضد عدومشترك" ومن ثم حشدت الكثيرين‬
‫وراء تحقيق أهداف مشتركة طويلة األجل‪.‬‬
‫*الدين المدني األمريكي ‪:  ‬هذا المفهوم ذائع االنتشار والتداول في الداخل األمريكي يشير" الزوجان‬
‫كوربت" في بيانهما له ‪ ،‬إلى النموذج األمريكي في عالقة الكنيسة والدولة ‪،‬واللذان يسميانه " نموذج‬
‫نظرا لتعاون الكنيسة والدولة من أجل تحقيق األهداف المشتركة بينهما على‬
‫التعاون والمشاركة"؛ ً‬
‫الرغم من كونهما مؤسستين متوازيتين ومستقلتين عن بعضهما البعض من الناحية المؤسسية‪ .‬و‬
‫بشكل عام وأبسط ‪ ،‬وإ ذا كان أشهر من كتب عنه هو عالم االجتماع "روبرت بلاله" في الستينيات فنبه‬
‫إليه عقول عامة األمريكان‪ ،  ‬فالدين المدني كلمة يقصد بها تجسد البعد الديني في مختلف‬
‫النشاطات و الممارسات العامة في الواليات المتحدة ‪ ،‬وتظهر رموزه ومظاهره في عدد من‬
‫الطقوس والعادات األعياد الرسمية لألمة األمريكية مثل‪ :‬استهالل الجلسات الحكومية بالصالة ‪،‬‬
‫استحضار المشاعر و العادات الدينية في األعياد القومية ‪ ،‬األغاني الوطنية مثل "فليبارك الرب‬
‫أمريكا" ‪ ،‬بعض العبارات الدينية المكتوبة على العملة األمريكية ‪ ،‬وأن بقاء مثل هذه العبارات يعني‬
‫نوعا من "الكنيسة الرسمية المرخصة"في الواليات المتحدة‪   .‬‬
‫أن الدين المدني يعد ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪ -) 2( ‬التطور التاريخي لألصولية الدينية في الواليات المتحدة‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫في هذا الجزء يتم توضيح تناول الكتب التي بين أيدينا للتطور التاريخي لألصولية الدينية‬
‫وأثارها على النظام السياسي والمجتمع األمريكي بشكل عام‪ ،‬وألن لكل كاتب وكتاب منها توجهه‬
‫ونظرته فإن مناط التركيز وأسلوب التناول قد يختلف على نحو ما سنرى ًتوا‪:‬‬
‫يتميز تناول د‪ /‬محمد عارف بتقديمه تفسيراً ألسباب تنامي األثر السياسي للمد األصولي‬
‫البروتستانتي اإليفانجليكي والذي كسر قاعدة االرتباط الطردي بين مدى تحقيق الرئيس الزدهار‬
‫اقتصادي وميل األمريكان النتخاب مرشح حزب ذلك الرئيس‪ ،‬بقول آخر‪ :‬يُرجع "عارف" أسباب‬
‫عدم فوز مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات‪( 2000‬آل جور) خلفًا عن "كلينتون" إلى عوامل‬
‫ناخبي الواليات الجنوبية‬
‫ّ‬ ‫"ما وراء االقتصاد"‪ ،‬أي عوامل تاريخية اجتماعية دينية في تفسير تمرد‬
‫(وهم األكثر التزاما دينياً وأخالقياً) ضد الحزب الديمقراطي نتيجة فضائحه األخالقية العديدة‪ ،‬مقابل‬
‫دعم اليمين المسيحي "بوش االبن"‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫فيبدأ "عارف" القصة من نشأة البروتستانتية في أوربا وهجرتهم إلى العالم الجديد وقيام‬
‫المجتمع األمريكي على القيم الدينية البروتستانتية ثم مولد "األصولية المسيحية" مع الهجرة الثانية‬
‫غير األصوليون‬
‫للواليات المتحدة في مرحلة التصنيع واحتدام الجدل "األصولي ـ الحداثي"‪ ،‬ثم كيف َ‬
‫استراتيجيتهم استجابة للمد والتحدي الليبرالي عبر توظيفهم شبكات اإلعالم لصالحهم وإ عداد جيل‬
‫متدين‪  ‬حتى جاء فوز "إيزنهاور" في ‪ ،1952‬فكان تركيزهم بعدها ولمدة نحو عقدين على القاعدة‬
‫المعرفية والثقافية لمواجهة الليبرالية‪ ،‬لينطلقوا في السبعينيات داخلين عالم السياسة بثقلهم فكان فوز‬
‫"كارتر" ( ذلك المسيحي الذي ولد من جديد ) ‪ 1976‬ودعم اإليفانجليكين الجدد لالقتصاديين‬
‫الراديكاليين‪.‬‬
‫ثم كيف وسع الجمهوريون من قاعدة تأييدهم الشعبية بإجتذاب مزيد من المنتمين لجناح‬
‫اليمين المسيحي وتحالف اإليفانجليكين مع بقية األصوليين من كافة الطوائف وهو ما تبلور في‬
‫مؤسسة "األغلبية األخالقية" التي أثبتت فاعليتها في انتخابات الرئاسة ‪ 1980‬بفوز "ريجان"‪ ،‬لكن‬
‫ترجيحه ألولوية القضايا االقتصادية على االجتماعية واألخالقية ثم حالة الركود االقتصادي الذي‬
‫عانته البالد‪ ،‬حتى نهاية والية بوش ‪ ،1992‬األمر الذي دفع أغلب األمريكيين ـ حتى اإليفانجليكين‬
‫منهم ـ إلى انتخاب المرشح الليبرالي الديمقراطي "كلينتون"‪ ،‬لكن رغم إعادة انتخابه إال أن األمريكيين‬
‫األصوليين والمتدنيين قد أعيتهم فضائحه األخالقية بينما وصل المد األصولي المسيحي مداه رافعًا‬
‫"بوش االبن" على أكتافه ليحقق استراتيجية اليمين المسيحي في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫لم يغفل "عارف" تخصيص جزء من كتابه لدراسة المضامين االجتماعية واالقتصادية‬
‫لألصولية المسيحية بدراسته ألسباب تركز األصولية في الجنوب األمريكي‪ ،‬فقدم بحجج إحصائية‬
‫إثباتًا لما يعانيه أهالي الواليات الجنوبية من مشكالت عدة مثل‪ :‬تدني مستوى التعليم‪ ،‬انخفاض‬
‫معدالت الدخل‪ ،‬ارتفاع معدالت الجريمة‪.‬‬
‫وكان تناول "مارسدن" مؤكدًا على أن تتبع التطور التاريخي لألصولية البروتستانتية‬
‫واإليفانجليكية يؤكد ويثبت فرضية مفادها أن التدخل الديني في السياسة ال ُيعد خروجًا على التقاليد‬
‫األمريكية‪ ،‬بل هو تراث أمريكي أصيل وإ حياء لتقاليد قديمة متجذرة في خبرة المجتمع والنظام‬
‫األمريكي ففي تتبعه في القسم األول من كتاب‪ :‬كيف نفهم األصولية ‪ ..‬لتاريخ األصولية في الواليات‬
‫المتحدة يبدأ تنقيبه التاريخي بفترة حكم اإليفانجليكية (من ‪ 1865‬ـ ‪ )1890‬ولجوءها إلى تكوين‬
‫منظمات تنادى بمثاليات وأخالقيات األصولية اإليفانجليكية (مثل رفض شرب الخمور‪ )...‬وبينما‬
‫عانت اإليفانجليكية من ذبول في الداخل‪ ،‬أينعت المسيحية البروتستانتية من الخارج وبدأت الدعوة‬
‫بأن الواليات المتحدة هي أمة مسيحية‪ .‬أما عن تفسير الكاتب لعوامل ثبات المد األصولي في‬
‫الواليات المتحدة ـ والذي يرجعه إلى السيطرة الثقافية لألصولية اإليفانجليكية ـ مقابل اجتياح المد‬
‫العلماني ألوربا‪ .‬وأنه على الرغم مما اعتصر األصولية البروتستانتية عمومًا من أزمة فكرية‬

‫‪75‬‬
‫واجتماعية فيما بعد لحرب األهلية األمريكية‪ ،‬وما توالى عليها من عوامل ومظاهر االنقسام على إثر‬
‫الهجرة الكاثوليكية للواليات المتحدة‪ ،‬وظهور المدن الصناعية الكبرى في مرحلة التصنيع‪ ،‬وانفصال‬
‫فروع العلوم المختلفة عن تعاليم الكتاب المقدس‪ ،  ‬إال أن البروتستانتية أثبتت نجاحًا في المواجهة‪.‬‬
‫وإ ن كان على مستوى ظاهري شخصي تمثل في ظاهرة ما أطلق عليهم "مارسدن"‪" :‬الدعاة النجوم"‬
‫مثل " فيليب بروكس " و" هنري وارد بيتشر "‪.‬‬
‫ومع مطلع القرن العشرين تجلى االنقسام بين طائفة "البروتستانت اإليفانجليكين" بين تيارين‬
‫أحدهما " ليبرالي الهوتي" واآلخر "محافظ" وكان لكل فريق منهما ـ بحركاته الفرعية ـ استجابات‬
‫مختلفة للتغيرات العلمية واالجتماعية‪ .‬ثم كيف أطُلقت العلمانية من عقالها مع الواليات المتحدة مع‬
‫دخول الحرب العالمية األولى‪ ،‬بينما زادت حدة االنشقاقات بين الكنائس وفي خضم ذلك كله ظهر‬
‫مفهوم األصولية ‪ Fundamentalism‬في الواليات المتحدة ـ كما سبق اإليضاح ـ وبروز الجدل‬
‫الحداثي ـ األصولي‪ .‬وهنا يرفض "مارسدن" افتراض البعض انتهاء األصولية ـ باعتبارهم إياها نتاج‬
‫"ثقافة األرياف" ـ مع انتشار التعليم‪ ،‬إذ يرى أن فاعلية األصولية قد زادت على المستوى المحلي‪ ،‬بل‬
‫وأن األصولية قد استمدت قوة في مواجهة التيار الحداثي بتحالف األصولية البروتستانتية مع‬
‫أصوليات من معتقدات أخرى‪ ،‬وتنظيم حمالت منظمة ضد قضايا وأفكار حداثية مثل "الداروينية" ـ‬
‫وكيف أحسنت األصولية استغالل التطورات المتالحقة ؛ فقد استغلوا ظهور الراديو والتليفزيون منذ‬
‫األربعينيات‪ ،‬وكذا ظهور قضايا جديدة في المجتمع ليثبتوا قوتهم رغم ما انتابهم من انقسامات‬
‫متوالية‪ .‬ثم كيف اندمج األصوليون في الحياة السياسية بتأسيس "فالويل" منظمة "األغلبية األخالقية"‬
‫في أواخر السبعينيات‪ ،‬وعلى الرغم من قدرتهم في اجتذاب أجنحة الحزب الجمهوري الذي تأسس‬
‫على فكرة تنظيم المجتمع وفق المبادئ المسيحية حتى ويعد دخول "ريجان" البيت األبيض ظلت‬
‫األمور تسير بأقل بكثير مما رمت إليه األصولية اإليفانجليكية من تصور مثالي ألمريكا المسيحية‪.‬‬
‫في الجزئين األوليين من كتاب الدين والسياسة في الواليات المتحدة يتناول "الزوجان‬
‫كوربت" محورين أساسيين لتطور وأثر عالقة الدين بالسياسة في الواليات المتحدة‪ ،‬أولهما حول‬
‫الدين والتاريخ مما قبل تأسيس الدولة األمريكية حيث المستعمرات وهجرة البيورتانيين لها وتعدهم‬
‫إقامة حكم على أساس القانون إلإلهي عرفانًا بنجاتهم إذا اعتبروا أنفسهم شعب اهلل المختار الجديد‪...‬‬
‫ثم كيف تتجلى آثار هذه األفكار في الثقافة األمريكية عامة وليس فقط لدى األصوليين حيث ظهرت‬
‫في خطاب كلينتون االفتتاحي عام ‪ 1997‬حينما قال‪ :‬استرشاداً بالرؤية القديمة‪  ‬ألرض الميعاد‪،‬‬
‫دعونا نوجه أبصارنا إلى أرض ميعاد جديدة‪ ,‬ثم بيان أهداف المؤسسين األوائل فيما يتعلق بعالقة‬
‫الفرد والكنيسة والدولة وأن الجميع كانت لديه رؤية للدمج بين الدين والسياسة‪ ،‬لكن اختلفت الرؤى‬
‫والمذاهب في إعالن االستقالل في الدستور دون تحديد كنيسة رسمية كحل برجماتي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ ‬وينتقل "الزوجان كوربت" من تناول اإلطار الثقافي والديني والسياسي المؤسس للروابط‬
‫الدينية والسياسة بالواليات المتحدة‪،‬ليتناوال آثار الدين والجماعات الدينية على العمل السياسي‬
‫والحركات السياسية في الواليات المتحدة بعد االستقالل ثم في الفترة من مطلع تسعينيات القرن‬
‫العشرين الذي جاء بتغيرات اجتماعية جذرية مثل‪ :‬حركة الحقوق المعدنية للسود ثم ما تبعها من‬
‫حركات مماثلة‪ ،‬تداعيات حرب فيتنام على الداخل األمريكي‪ ،‬التطور التكنولوجي‪ ،‬تعاظم أهمية‬
‫جماعات الضغط الدينية في واشنطن ‪ ...‬كل هذه التغيرات تتابعت حتى أواخر التسعينيات متضمنة‬
‫ظهور وتطور اليمين المسيحي الجديد وفق التحوالت الثقافية سواء في المجتمع األمريكي عمومًا أو‬
‫في داخل جناح اليمين المسيحي‪ ,‬وكيف أن هذه التطورات يتوقع استمرارها في المستقبل‪ ,‬وأن‬
‫الائتالف المتزايد بين الجماعات الدينية بعضها بعضا‪ ,‬وبينها وبين األحزاب السياسية يمثل نمطًا‬
‫ُيتوقع استمراره في النظام األمريكي‪ ,‬كما يؤكد "آل كوربت" أيضا على ما اعتبراه "حتمية" تتمثل‬
‫في أن تاريخ وحركة التيارالمحافظ الديني في الواليات المتحدة أكدت على مرونةهذا التيار و قدرته‬
‫على التكيف ‪ ،‬و أنه يبدوو يتوقع أن يحتل موقعًا جيدًا يؤهله لالستمرار في القيام بدورٍ بارز في‬
‫الربط بين السياسة والدين في القرن الحادي و العشرين‪.‬‬
‫وعلي المحور الثاني يتناول "الزوجان كوربت" العالقة القانونية بين الدين والسياسة في‬
‫الواليات المتحدة خالل بيان عالقة الدين بالتعديل األول للدستور في نهايات القرن الثامن عشر بعد‬
‫حرب االستقالل‪ ,‬مؤكدين علي أن بند الكنيسة الرسمية الذي أقر عدم وجود كنيسة رسمية للدولة وأن‬
‫مسألة الفصل القانوني هذه بين الدولة والدين إنما تعني أال تقدم الحكومة أي دعم للدين علي اإلطالق‪,‬‬
‫بينما أقرت أحكام المحكمة العليا في هذا الصدد على عدم إمكانية تجنب وجود عالقة بين الدين‬
‫والدولة‪ ,‬فضاًل عن إقرارها أهمية الدين في حياة الناس وفي الشأن العام لألمة األمريكية‪ ,‬أما البند‬
‫الثاني من التعديل األول للدستور والخاص بحرية الممارسة الدينية ‪ ،‬فإنه بمثابة نوع من التوازن‬
‫الديناميكي يسمح ببقاء دور كبير ومهم للدين في النظام والمجتمع األمريكي رغم التنظيم العلماني‪.‬‬
‫هذا وإ ذا كانت تغطية "عادل المعلم" لهذا المستوى حول التطور التاريخي لألصولية الدينية‬
‫في المجتمع األمريكي‪ ,‬قد اعتمدت باألساس علي كل من كتابي "مارسدن" و "الزوجان كوربت"‬
‫آنفا ) إال أن تميز تناوله في هذا الصدد تمثل في إفراده فصلًا عن العالقة‬
‫(اللذان تم استعراضهما ً‬
‫الوثيقة بين األصولية اليهودية واألصولية البروتستانتية (شعب اهلل المختار‪ ,‬أرض الميعاد‪ ,‬معركة‬
‫هرمجدون‪ )...‬ثم في فصل عن األصولية المسيحية وبيانه‪ -‬اعتمادا علي آل كوربت‪ -‬كيف كان‬
‫الحل األنسب لدى المؤسسين األوائل للواليات المتحدة عند اختيار الكنيسة المؤسسة هو أال توجد‬
‫كنيسة مؤسسة‪ .‬أي أن فصل الكنيسة عن الدولة في الواليات المتحدة كان مجرد " استراتيجية‬
‫برجماتية" لتفادي إثارة القضايا الدينية وسط سياق خارجي متربص بدولتهم الناشئة‪ ,‬أو كما يقول‬

‫‪77‬‬
‫"لونجلي" ‪" :‬إذا كانت الواليات المتحدة ولدت وهي تعتقد أنها شعب اهلل المختار‪ ,‬فمن الصعب أن‬
‫نراها في الوقت نفسه باعتبارها علمانية تماما"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫·‪       ‬ثانيا‪ :‬تأثير األصولية الدينية على المجتمع والنظام األمريكي‪:‬‬
‫لم يقتصر تأثير الدين في السياسة داخل الواليات المتحدة على الخبرة التاريخية بل أمتد مع‬
‫تطور المجتمع األمريكي وعوامل تغيره ليعود التأثير األقوى لألصولية الدينية ليطفو على مجمل‬
‫أبعاد النظام السياسي والمجتمع األمريكي ‪.‬‬
‫يتابع "الزوجان كوربت" عالقة الديني بالسياسي في الواليات المتحدة ويتنقالن من األبعاد‬
‫القانونية والدستورية التي أقُرت وفق التعديل األول‪ ،‬إلى جزء آخر يتناوالن به عالقة وأثر الدين‬
‫على الرأي العام‪ .‬مؤكدين على الطبيعة الملتبسة والناقضة لتوجهات الرأي العام األمريكي تجاه‬
‫عالقة الدين بالدولة ‪ ،‬والتي قد تصل إلى حد التناقض سواء بين صفوة المجتمع األمريكي ( علماء‬
‫السياسة والدين باألساس) أو بين فئات العامة مع اختالفات نسبية في معدل الميل لتوجه معين لدى‬
‫فئة منه‪ .‬حيث وجدا ثمة ارتباط طردي بين االلتزام الديني والتمسك بحرفية الكتاب المقدس وبين‬
‫كون الشخص يحمل توجهات محافظة سياسيًا وتجاه القضايا غير االقتصادية السيما في القضايا‬
‫االجتماعية‪ .‬في حين أن الذين هم أقل التزامًا دين ًيا (بين البيض) هم أكثر ليبرالية سياسيًا‪.‬أما بين‬
‫األمريكيين السود‪ ،‬فإن إدراكهم لكل من الدين والسياسية ذات اختالفات عميقة عن مثيلاتها‬
‫لدىالبيض؛ ذلك وفقًا الختالف دور الدين في الخبرة والذاكرة التاريخية واالجتماعية لألمريكان‬
‫السود ‪,.‬حيث اضطلعت كنيسة السود بمسئولية االنخراط في تحقيق الحرية الكاملة لهم وتقوية‬
‫مجتمعهم بإنقاذهم من أسر العبودية ثم من الظروف االجتماعية واالقتصادية القاسية (انخفاض‬
‫مستويات الدخل والتعليم بينهم)‪ .‬وعليه فقد ثبت االلتزام الديني األكبر لدى السود سواء مسيحيين‬
‫كانوا أو مسلمين‪ ،‬وأن المسيحيين منهم أكثرهم بروتستانت وإ يفانجليكين‪ .‬وفي السياسة نجد‬
‫أكثرهم ديمقراطيين ليبراليين رغم توجهم المحافظ فيما يخص القضايا المجتمعية مثل اإلجهاض‬
‫والصالة في المدارس العامة‪.‬‬
‫بيد أن عالقة الديني بالسياسي في الواليات المتحدة ال يكفي لتوضيحها ودراستها دراسة‬
‫توجهات الرأي العام‪ ،‬ولذلك فقد تناول "الزوجان كوربت" مستويات أخرى‪ .‬ففي الجزء الرابع‬
‫واألخير من كتابهما يرصدا نتائج المؤثرات الدينية على السياسة على مستويين‪ :‬جماعات الدينية‬
‫باعتبارها جماعات مصالح سياسية موضحين أهداف‪ ،‬ووسائل‪ ،‬وأنواع جماعات المصالح الدينية في‬
‫الواليات المتحدة ‪ ،‬وكيف تميزت بسمات فريدة ومهمة‪ ،‬وبيان آليات عملها ‪ ،‬مع تركيز خاص على‬
‫جماعة "االئتالف المسيحي" الممثلة لتيار اليمين المسيحي الجديد في الواليات المتحدة‪ ،‬ويؤكدان على‬

‫‪78‬‬
‫أن واقع خبرة مشاركة جماعات المصالح الدينية في السياسة في الواليات المتحدة لم يشكل أية خطر‬
‫أو عقبة في عملها الذي يجمع بين التعددية السياسية والدينية‪ .‬أما المستوىالثاني من نتائج المؤثرات‬
‫خلص‬
‫الدينية على السياسة في الواليات المتحدة فهو الجدل حول دور الدين في الحياة العامة‪ ،‬وقد ُ‬
‫عال مطلق‬
‫"الزوجان كوربت" إلى نتيجة مفادها أن كثيرًا من المنظرين ال يريدون وجود جدار ٍ‬
‫للفصل بين السياسي والديني كما ال يريدون هدم الفواصل بينهما‪.‬‬
‫ثم يخلُص الزوجان " كوريت " إلى نتيجة عامة لكتابهما تنفي إمكانية الجزم بأن الواليات‬
‫عالمي السياسة‬
‫ِ‬ ‫المتحدة األمريكية دولة علمانية أو حتى دينية (بالمعنى الثيوقراطي)؛ بسبب اختلاط‬
‫والدين فيها منذ ما قبل بداية تاريخها وحتى وقتنا الراهن‪ .‬فعلى الرغم من أن مؤشرات علمانية‬
‫الدولة األمريكية ( مثل‪ :‬عدم وجود كنيسة رسمية‪ ،‬وعدم تمويل المنظمات الدينية من أموال‬
‫الضرائب) إال أن األمة األمريكية "أمة دينية" إذ يتغلغل الدين في المجتمع األمريكي‪ ،‬ولذلك أيضًا‬
‫عدة مؤشرات ( لعل أكثرها مالحظة ‪ :‬أن الكتب الدينية هى األكثر مبيعًا في الواليات المتحدة ‪ ،‬وأن‬
‫أغلب مواطنيها متدينون)‪.‬‬
‫يتناول كتاب أصول التطرف ‪( ...‬تحرير ‪ :‬كيبمرلي بالكر) المخاوف واألخطار التي يراها‬
‫مجموعة من الليبراليين العلمانيين في الواليات المتحدة على الديمقراطية األمريكية ومكتسبات‬
‫التعديل األول للدستور – الذي أُقر منذ أواخر القرن الثامن عشر ‪ -‬عدم وجود كنيسة رسمية‪،‬‬
‫وحرية ممارسة الشعائر الدينية كما سبق وأوضحنا ‪ ،‬وأن سمة معاداة التعددية التي بحسب رؤى‬
‫العلمانيين – هى صفة أصيلة في األصوليين منذ أدعى أسالفُهم أن الواليات المتحدة هى "أمة‬
‫مسيحية" ‪ ،‬تمثل خطرًا على النظام األمريكي وأن األمر قد زاد سوًء بعد أحداث الحادي عشر من‬
‫سبتمبر ‪ 2001‬فيما يتعلق بقضايا العالقة بين الكنيسة والدولة‪ ،‬والتي منها الجوهري ومنها دون‬
‫ذلك‪ ،‬أما األخيرة فيركز عليها األصوليون لصرف أنظار الناس عن القضايا الجوهرية‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫حماية لتعديل األول ليست بالمهمة السهلة خاصة وأن الجهود المبذولة لاللتفاف على التعديل األول‬
‫يفوق التزام بقية المجتمع بالدفاع عنه‪ .‬السيما وأن هدف اليمين المسيحي – وفق هذه الرؤية – لم يعد‬
‫يقتصر على إضفاء الطابع المسيحي على الدولة‪ ،‬بل أضحى األصوليون يرون أن عليهم إلزام من‬
‫الرب لتحقيق ذلك الهدف‪ .‬وال‪ ‬يتوقع أن تتم مواجهة األصوليين بكفاءة إال بفهم أهدافهم‬
‫واستراتيجياتهم ومن أهمها المنظمات مثل‪" :‬معبد البناء" و"التحالف المسيحي" الذي كان لديه نفوذ‬
‫قوي في الحزب الجمهوري بفضل ما يملكه من قدرات إعالمية وتمويلية‪.‬‬
‫و يخوض الكتاب في أبعاد تأثير أخطار األصولية على النظام والمجتمع األمريكي خالل‬
‫استعراض لذلك األثر على قضايا محددة مثل‪ :‬الديمقراطية إذ يرى مؤلفو الكتاب تلهف األصوليين‬
‫على السيطرة على عقول الشباب والمجتمع األمريكي عبر ما يملكونه من وسائل إعالم وتهديدات‬

‫‪79‬‬
‫بالمالحقات القضائية‪ .‬حيث يضرب المثل بما تمارسه الكنيسة الكاثوليكية من إرهاب ضد أي أراء ال‬
‫توافقها‪ ،‬ذلك فضاًل عن الغموض الذي يكتنف التمويل الخاص بالمنظمات األصولية‪.‬‬
‫ويوضح الكتاب كيف يمثل التعليم هدفًا عرف األصوليون أهميته فيما يدعم مسعاهم إلى تأييد‬
‫نظام "الكوبونات الدراسية" الذي يصب في صالح المدارس الدينية على حساب المدارس العامة‪،‬‬
‫عالوة على آلية الحرب الثقافية‪ ،‬وتأييدهم لبعض الرؤساء مثل "ريجان"‪ ،‬بينما يظل الهدف األساس‬
‫لدىاألصوليين متمثاًل في رغبتهم في إحالل الحكم الديني محل الديمقراطية‪ .‬ومن ثم يرى مؤلفو‬
‫الكتاب ضرورة مواجهة األصوليين واالنتصارعليهم‪.‬‬
‫وتتجلى أخطار األصولية على التربية والتعليم‪ ،‬وفق هذا الكتاب‪ ،‬في سعي األصوليين إلي أدلجة‬
‫التعليم الذي يتلقاه األطفال – وهنا يشبه الكتاب األصولية المسيحية باألصولية اإلسالمية في هذه‬
‫الجزئية – بهدف إعداد كوادر ال تقيم وزنًا للديمقراطية إلي جانب التسبب في خلق مشاكل كالتعصب‬
‫وعدم التسامح‪ .‬كما يتطرق في جانب التربية إلى رؤية األصولية لطريقة التعامل مع األطفال‪ ،‬حيث‬
‫يعزون سلوكهم العنيف ضد األطفال إلى إقرار الكتاب المقدس بالعقاب البدني‪ .‬ويستند الكتاب في‬
‫هذا االدعاء على األصوليين إلى دراسات تثبت ذلك األمر‪ .‬وعلى جانب أخر يشير إلى موقف‬
‫األصوليين من بعض القضايا الدراسية كالداروينية والتثقيف الجنسي ومشكلتهم مع دراسة التاريخ إن‬
‫لم يتفق مع تحيزاتهم‪ ،‬وكيف يؤثِر األصوليون فرض نظامهم الخاص وأهدافهم باللجوء إلى المدارس‬
‫الدينية‪ -‬والتي تزيد فيها احتماالت االنتهاكات – أو اللجوء إلى التعليم المنزلي – الذي يؤدي إلى‬
‫عدم عمق الخبرة االجتماعية لدى الناشئة من األصوليين وقلة مهاراتهم‪ ،‬ومن ثم يكمن الخطر من‬
‫ذلك كله في جعل أطفال األصوليين يدخلون عالم الكبار كالعبيد‪ ،‬بحسب زعم الكتاب‪.‬‬
‫وفيما يخص قضية المرأة فيتناول الكتاب ما تتعرض له المرأة داخل األسر األصولية من‬
‫خضوع‪ ،‬وما تتعرض له الحركات النسائية من عرقلة اليمين المسيحي للمطالبة بالتعديل الذي أجازه‬
‫الكونجرس الذي يمنع المساواة على أساس النوع‪.‬‬
‫ويحذر الكتاب من أن هذه المعتقدات يتجاوز تأثيرها األسر األصولية ليمتد إلى المجتمع‬
‫األمريكي بأسره‪ ،‬وأن موقفهم المحافظ على سبيل المثال من مسألة اإلجهاض ينعكس على المجتمع‬
‫األمريكي كله بشكل عام‪ .‬وأن تطبيق معتقدات األصوليين في المجتمع األمريكي سيكون له عواقب‬
‫وخيمة يراها مؤلفو الكتاب متمثلة في‪ :‬زيادة معدالت الفقر‪ ،‬تدني مستويات التعليم‪ ،‬ارتفاع معدالت‬
‫الجريمة‪ ،‬ونشوب "حرب قيمية" في الداخل األمريكي يتصارع فيها كل طرف لفرض قيمه‬
‫وأخالقياته‪ .‬ثم يقدم الكتاب الحل‪ -‬وفق رؤية مؤلفيه – متمثاًل في "العلمانية"‪ .‬وذلك بوضع برنامج‬
‫لها تتلخص أهم نقاطه في‪    -1:‬دعم البحث العلمي‪    -2.‬دعم المدارس العامة‪    -3.‬احترام التفكير‬
‫العقالني‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ويعتقد مؤلفو الكتاب أن األصولية قد تتراجع مع خلع بعض أنصارها عباءتها‪ ،‬ال سيما وأن‬
‫بعض المتدينين يرون فيها خطرًا على الدين نفسه‪ .‬وفي األخير يحث مؤلفو الكتاب‪ -‬علمانيو‬
‫التوجه‪ -‬على االنخراط في العمل السياسي لمواجهة األصوليين‪ ،‬حيث إن الخالص – بحسبهم –‬
‫يكمن في الحكومة والمجتمع العلمانيين وإ ال ستكون تكلفة الفشل باهظة‪.‬‬
‫يركز كتاب‪ :‬مقدمة في األصولية المسيحية‪ ......‬لـ عادل المعلم‪  ‬على زاوية أثر األصولية‬
‫على اختيار األمريكيين لمرشح الرئاسة‪ ،‬وأثرها على رؤية اإلدارة للمصالح القومية األمريكية‪،‬‬
‫وعلى توجهات ورؤى رؤساء الواليات المتحدة‪ -‬فلقد كان فوز" بوش االبن" للمرة الثانية في‬
‫انتخابات الرئاسة ‪ – 2004‬وحسبما نشرت مجلة "النيوزويك" األمريكية في عددها الصادر في ‪15‬‬
‫نوفمبر‪ 2004‬والذي خصصت نصفه لتحليل نتائج االنتخابات الرئاسية – بفارق ثالثة ماليين صوت‬
‫عن منافسه الديمقراطي "كيري"‪ ،‬وأن غالبية من انتخبوا " بوش" من الملتزمين دينيًا وأخالقيًا‬
‫وباألخص من إاليفانجليكيين‪ .‬وكانت نتائج استطالعات الرأي حول اتجاهات اهتمام الناخبين تشير‬
‫إلي أن ‪ %22‬من الناخبين وضعوا األهمية القصوى للقيم األخالقية مقابل ‪ %19‬لإلرهاب و‪%15‬‬
‫للعراق‪ .‬وقد تضمن الكتاب كذلك ترجمة لمقالة مطولة نشرتها مجلة "دير شبيجل" األلمانية في‬
‫‪ ، 17/2/2003‬أي قبيل الغزو األمريكي للعراق ‪ ,‬أكدت هذه المقالة على ربط "بوش االبن" بين‬
‫المصالح القومية األمريكية واألصولية على نحو غير مسبوق في الواليات المتحدة‪ ،‬وإ ن لم يكن هو‬
‫مبتدعه‪ ,‬حيث سلك سابقوه ذات المسلك بأشكال تبدو مختلفة لكن جوهرها واحد‪ ,‬وعلي سبيل المثال‬
‫حاول "كارتر" (ذلك اإليفانجيلكي المتدين) تقديم مؤقت لسياسة نشر حقوق اإلنسان على سياسة‬
‫المصالح‪ ,‬كما يوضح "المعلم" في ختام كتابه بشكل تفصيلي التوجه الديني لدى كل من "كارتر" و‬
‫"ريجان" ثم "بوش االبن"‪ ,‬وخلص إلى أن بوش ال ُيمثِل استثناءً عن القاعدة بل هو ابن السياق‬
‫األمريكي؛ إذ يرى األمريكان أنفسهم شعب اهلل المختار الجديد وأنهم ‪ -‬وكما تذكر "مجلة نيوزويك"‬
‫في تقرير لها في ‪ 10‬مارس ‪ 2003‬والذي وردت ترجمته في هذا الكتاب تحت عنوان "بوش واهلل"‬
‫– وقتها وصفهم كاتب بريطاني "أمة بروح الكنيسة" يبدو كل رئيس من رؤسائها في بعض األوقات‬
‫كراعي الكنيسة‪ ,‬إال أن إدارة بوش االبن تبدو هى أكثر اإلدارات األمريكية ‪ -‬في التاريخ الحديث‬
‫‪-‬تأسيسًا على عقيدة دينية راسخة‪ ,‬يؤيدها في ذلك قساوسة الحركة اإليفانجليكية الذين يشكلون غالبية‬
‫أعضاء الحزب الجمهوري‪.‬‬
‫‪  ‬‬
‫*ثالثاً‪ :‬الدين والسياسة الخارجية األمريكية‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫يُسهم الدين في تكوين أفكار ورؤى األمريكيين عن العالم حولهم وعن مهمة الواليات‬
‫المتحدة في العالم‪ ،‬كما يؤثر في استجابتهم لما يحدث خارج بالدهم انطالقاً من رؤيتهم ألنفسهم كأمة‬
‫مختارة‪ ،‬وكثير ما تسترشد األحزاب األمريكية بالمبادئ الدينية لدعم السياسة الخارجية‪.‬‬
‫فيأتي كتاب‪ :‬بلد اهلل‪.........‬لـ " والتر راسيل ميد" ليرسم خرائط التيارات البروتستانتية‬
‫بالواليات المتحدة( الليبرالية المسيحية‪ ،‬اإليفانجليكية واألصولية) وكيف أثرت رؤية كل منها للعالم‬
‫ولدور الواليات المتحدة في العالم الخارجي في السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬وذلك إيماناً من‬
‫وغني عن البيان أنه ركز علي‬
‫ٌ‬ ‫صاحب الكتاب في أن االختالفات الالهوتية يكون لها تبعات سياسية‪.‬‬
‫البروتستانتية العتبارها عقيدة األغلبية في الواليات المتحدة‪ .‬وقد تمثلت االختالفات بين تلك‬
‫التيارات البروتستانتية‪ -‬وفق تصنيف المؤلف‪ -‬حول رؤية العالم والسياسة الخارجية فيما يلي ‪:‬‬
‫‪   -1‬األصوليون ‪:‬‬
‫‪  ‬لهم رؤية متشائمة إزاء إمكانية قيام نظام عالمي مستنير وسلمي‪ .‬إذ وضعوا الكتاب المقدس في‬
‫مرتبة عالية وطالبوا بفصل المؤمنين أنفسهم عن العالم غير المسيحي‪ ،‬ووجهوا اهتمامهم لما يتعرض‬
‫له المسيحيين في الخارج من اضطهاد‪ .‬كما كانوا من قبل ضد إقامة" األمم المتحدة" ‪،‬إلى جانب‬
‫التزامهم بسفر الرؤيا فيما يخص نهاية العالم‪.‬‬
‫‪   -2‬الليبراليون المسيحيون‪:‬‬
‫‪   ‬تفاءل الليبراليون بشأن قيام نظام عالمي مسالم ورأوا الفروق بين المسيحيين وغيرهم بشكل أقل‬
‫حدة ‪ .‬بل رأوا أن المسيحية هى دعوة بالداخل والخارج‪ ،‬حيث إن األخالق واحدة بالعالم‪ .‬وقد‬
‫هيمنت هذه الرؤية على المنظور السياسي الدولي بالواليات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية‬
‫والحرب الباردة‪ ،‬لكن الليبرالية المسيحية قد واجهت في السنوات األخيرة خطر الذوبان في العلمانية‬
‫واالنفصال عن المسارات الدينية‪.‬‬
‫‪   -3‬اإليفانجليكيون‪:‬‬
‫ًا؛ إذ تأثروا بتفاؤل الليبراليين إزاء إقامة نظام عالمي سلمي ورأوا ضرورة‬
‫‪   ‬وقد مثلوا اتجاها وسط ً‬
‫تطوير رؤية مسيحية عالمية‪ ،‬وعلى جانب آخر اتفقوا مع األصوليين حول أولوية العقائد علىاألخالق‬
‫‪ ،‬ويؤمنون بنبوءات الكتاب المقدس حول نهاية العالم ورؤى ما قبل األلفية‪.‬‬
‫‪   ‬ويمكن القول إن ما يجمع التيارات الثالثة ‪ -‬على األقل رسميًا ‪ -‬هو إظهار مشاعر الحب و‬
‫الرحمة تجاه كل إنسان مسيحيًا أم غير مسيحي‪.‬‬
‫‪   ‬وينوه الكاتب إلى ما يحدث من تغير في موازين القوى الدينية‪ .‬األمر الذي يؤثر علي السياسة‬
‫القومية األمريكية وبالتالي السياسة الخارجية‪ ,‬فعلى سبيل المثال وصلت عضوية الكنائس الليبرالية‬
‫إلى ذروتها في ستينيات القرن العشرين إال أنه بين عامي ‪ 2003-1960‬قام المعمدانيون الجنوبيون‬
‫بضم أعضاء جدد إليهم حتى فاق عددهم غيرهم من الطوائف‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪  ‬وقد كان لهذه االتجاهات أثرها على السياسة القومية حيث حصل " بوش" علي ‪ %68‬من أصوات‬
‫اإليفانجليكيين في انتخابات الرئاسة عام ‪ 2000‬وارتفعت النسبة إلى ‪ %78‬في انتخابات ‪.2004‬‬
‫‪   ‬وقد كان لهذا النفوذ المتنامي للإيفانجليكية أثره على السياسة الخارجية األمريكية وقد تجلى هذا في‬
‫موقفهم من عدة قضايا كاألتي‪:‬‬
‫‪     -1‬الدفاع عن حقوق اإلنسان وإن لم يتبعوا األجندة الليبرالية بل كانت الحرية الدينية هى محور‬
‫اهتمامهم‪ .‬ويُوجِه الكاتب في هذا الصدد الشكر لإليفانجليكيين لجعلهم " الكونجرس " يمرر ‪ " ‬قانون‬
‫الحرية الدينية العالمية "خالل عقد التسعينيات ‪.‬‬
‫‪ُ     -2‬تعد السياسة األمريكية تجاه إسرائيل منطقة أخرى يظهر فيها النفوذ اإليفانجليكي وهو ما ُيرجِعه‬
‫الكاتب إلى الالهوت اإليفانجليكي من رؤية منفردة لدور الشعب اليهودي‪ ،‬ولذلك فإن أي نقد يوجه‬
‫لهذه السياسات إنما يزيد اإليمان اإليفانجليكي‪ .‬هذا على عكس الليبراليين المسيحيين الذين يتعاملون‬
‫مع الشعب اليهودي كأي قومية أخرى‪.‬‬
‫ويُح اوِل الكاتب تبديد الخوف أو الرعب من السيطرة اإليفانجليكية ‪ -‬الذي تزايد بعد أحداث‬
‫الح ادي عشر من س بتمبر ‪ ،2001‬تحس ًبا لمطالبة اإلنف اجليكيين بح رب مقدسة ضد اإلس الم ‪ -‬بحجة‬
‫أن التع دد ال ديني بالوالي ات المتح دة يجعل من الص عب على أي تي ار منف ردًا أن يف رض س لطته‪ .‬في‬
‫حين يؤكد وجهة نظره في ه ذا الص دد ب أن التص ريحات المعادية لإلس الم ص درت من بعض الق ادة‬
‫األص وليين وأنه تم ل ومهم على ذلك‪ .‬ويرى الك اتب أيض ًا أن الخ وف من أن تحبس اإلنفانجليكية‬
‫الواليات المتحدة داخل قوالب جامدة هو مضيعة للوقت‪.‬‬
‫ويؤكد "مي د" أن اإلنف اجليكيين يمكنهم االتص ال بغ يرهم فهم قد عمل وا مع الكاثوليك ضد‬
‫اإلجه اض وتع اونوا مع اليه ود والعلم انيين ل دعم إس رائيل ويمكنهم التواصل اآلن مع المس لمين علي‬
‫خلفية القض ايا المش تركة ك الفقر وأفريقيا كما تواص لوا معهم س ابقًا ع بر المستش فيات والم دارس‬
‫التبشيرية‪.‬‬
‫رجح الكاتب أن يولي اإلنفاجيليكيون مزيداً من التركيز على االستثنائية األمريكية‬
‫ويُ ِ‬
‫والجوانب األخالقية بالسياسة الخارجية األمريكية‪ .‬فهو يراهم مؤهلين للتعامل مع متاهات الموقف‬
‫الدولي في هذا العالم الشرير‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬ولعل الخطوة الشجاعة للقس" مايكل بريور" في كتابه" الكتاب المقدس واالستعمار" والتي ُتوضِح‬
‫كيف تعتبر أهم استراتيجيات االستعمار توظيف نصوص الكتاب المقدس حول تراث األرض‬
‫بتأويالت حرفية تنتفي معها المصداقية األخالقية‪ .‬وأن استراتيجية إدارة "بوش االبن" التي توظف‬
‫الكتاب المقدس تحت شعار التحرير وتحقيق مهمة إلهية في األرض‪ .‬وتضيف – وفق ما ذكر ‪-‬إلى‬
‫دوافع تأليفه هذا الكتاب دوافع إلعادة نشره وطبعه للغات أخرى‪  ‬لتدعوا لكشف ذلك التستر في‬

‫‪83‬‬
‫عباءة الدين لخدمة أشكال القمع واإلذالل للشعوب األخرى وتدمير ونزع كل ما هو إنساني جراء‬
‫االستعمار‪ ،‬السيما مع عودة مفهوم االستعمار التقليدي على يد السياسة الخارجية األمريكية في العالم‬
‫ما بعد ‪ ،11/9‬إضافة إلى االستعمار االستيطاني الصهيوني لفلسطين المدعوم من الواليات المتحدة‪.‬‬
‫إذ تأتي شهادة القس" بريور" صارخة ومعلنة عن ضرورة تعديل زاوية ومدخل دراسة‬
‫المتخصصين والباحثين في الكتاب المقدس أو كما يقول" بريور"‪ :‬رؤية نصوص الكتاب المقدس‬
‫من وجهة نظر الضحايا "بأعين الكنعانيين " ‪ -‬والكنعانيون هنا ال تشير إلى العرب والفلسطينيين‬
‫وحدهم‪ ،‬بل تشير إلى كل الشعوب األصليين الذين أُ ِذلوا وشردوا من جراء توظيف االستعمار‬
‫للكتاب المقدس‪ ،‬الكنعانيون إذن هم‪ :‬الهنود الحمر‪ ،‬األفارقة في جنوب أفريقيا‪ ،‬الفلسطينيون‬
‫واألفغانيون والعراقيون‪ )...‬وذلك على عكس ما اعتادت عليه دوائر البحث الالهوتي الغربي من‬
‫ترك مساحة كبيرة للرؤى الصهيونية‪ ،‬وإ همال المسألة األخالقية في التأويالت الكتابية األوروبية‬
‫واألمريكية‪ .‬هذا وإن كان إنجاز دراسات نقدية وتصحيحية في هذا الصدد يحتاج إلى مشروع أو‬
‫مشروعات بحثية تجمع عدة تخصصات‪ ،‬فإن على كل باحث الهوتي أمين أن يعتبرها واجبًامعنويًا‬
‫علىالمستوى الشخصي‪.‬‬
‫وخالل استعراضه لموضوع األرض في نصوص الكتاب المقدس( وباألخص أسفار‪:‬‬
‫التكوين والخروج والتثنية والعدد ويسوع والالوين) يوضح نقاط الغموض وااللتباس التي اكتنفت‬
‫طريقة تفسير استقرار بني إسرائيل على أرض كنعان( فلسطين) مما افرز ومازال يفرز عواقب‬
‫وخيمة حول دالالت ومضامين مفاهيم مثل‪ :‬اهلل‪ ،‬عالقة اهلل بشعب إسرائيل وبشعوب أخرى‬
‫كالكنعانيين‪ ،‬وعدم وجود وجهة نظر واحدة متناسقة حول موضوع" األرض" في الكتاب المقدس‪.‬‬
‫وأن مفسري الكتاب المقدس من اليهود والمسيحيين لم يكونوا مهتمين بمسألة األرض إال‬
‫مؤخرًا( السكوت عنها لمدة ما يقرب من عشرين قرنًا!) وأن أسباب هذا االهتمام الحالي باألرض‬
‫واضحة للغاية‪ -‬على حد تعبيره‪ -‬حيث بات مستقر في أذهان اليهود والمسيحيين الصهاينة أن‬
‫الكتاب المقدس يعطي الحق لقيام ثم بقاء إسرائيل‪ ،‬وصار أي تيار فكري الهوتي يحاول دراسة‬
‫خطورة هذه األفكار يواجه بمعارضة فورية‪.‬‬
‫‪   ‬أما عن خبرة الثالثة نماذج من االستعمار التي وظفت النصوص المقدسة ‪ ،‬والتي فصل الكاتب‬
‫في بيانها بحجج تاريخية واستشهادات لرجال دين ولضحايا كثيرين‪ ،‬فإن لسان حال شعوب األصليين‬
‫الذين تم تشريدهم وارتكاب جرائم إبادات عرقية وجماعية ضدهم ( وهم الهنود الحمر في أمريكا‬
‫الالتينية واألفارقة في جنوب أفريقيا والفلسطينيون على أرض فلسطين العربية) جميعهم يردد مع‬
‫شاعر المايا الالتيني بيت شعره الذي استشهد به" بريور"‪" :‬لكي يسمحوا لوردهم بالعيش ‪...‬‬
‫اتلفوا ورودنا وابتلعوها"‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪   ‬ودون إغفال من الكاتب الختالفات السياقات التاريخية واالجتماعية لكل نموذج من النماذج‬
‫االستعمارية الثالثة‪ ،‬فإن النماذج الثالثة جميعها‪ -‬مثلها مثل نموذج العراق وأفغانستان معهم اآلن‪-‬‬
‫تشير إلى خدمة استغالل الشعوب وإ ذاللهم باسم الكتاب المقدس وتقسيمهم طبقًا للعرق إلى من هم‬
‫شعب اهلل المختار ومن يستحقوا اللعنة أبد الدهر‪ .‬واستغالل قوى االستعمار وتسخيرها لمجاالت‬
‫بحثية لصالحها مثل التاريخ واألنثروبولوجي لبناء أساطير من قبيل" أسطورة األصول" التي‬
‫انبنىعليها الفصل العنصري( األبارتهيد)‪ ،‬و جوهرها هو ذاته ما سعى إليه" هرتزل"‪ ،‬مؤسس‬
‫الصهيونية ‪ ،‬لإنشاء دولة يهودية خالصة تتماشى مع هويتهم اليهودية ‪.‬‬
‫‪   ‬هكذا إذا كان لالستعمار الصهيوني خصائص يشترك فيها مع غيره من أشكال االستعمار‪ ،‬فإن أهم‬
‫ما يميزه أن أغلب المراجع الالهوتية المتخصصة‪ -‬في المذهب البروتستانتي وااليفانجليكي اليانع‬
‫في الواليات المتحدة والحاكم لنظرتها للعالم الخارجي باألساس‪ -‬تؤكد علي أن قيام إسرائيل( اتحاد‬
‫األرض والشعب) يسهم في دفع العالم في اتجاه مملكة اهلل‪ ،‬وان ما تقوم به من استيطان وسرقة‬
‫وانتزاع أراضي أهل فلسطين والعدوان عليهم إنما هو بمقتضى أمر الهي!‪ ،...‬منتهيًا إلى أن‬
‫إنجازات الصهيونية المقدسة( المزعومة)‪ -‬مثلها مثل االحتالل والتدخل العسكري في دول أخرى‬
‫ألسباب مزيفة ومزعومة‪ -‬تظل ملطخة بقائمة من األعمال الوحشية والنفي والتدمير والتعذيب ضد‬
‫الشعوب األصليين‪.‬‬
‫يوضح األستاذ "عادل المعلم" في كتابه‪" :‬مقدمة في األصولية ‪ "...‬كيف أن رؤية رؤساء‬
‫الواليات المتحدة للعالم ولمهمتهم ومهمة بالدهم في العالم ال تنفصل عن رؤية األمريكان لبالدهم‬
‫باعتبارها " بلد اهلل" ‪ ‬الذي عليه مهمة جلب السالم للعالم من خالل الحرب‪ ،‬وأنه وفق هذه الصبغة‬
‫المسيطرة على السياسة الخارجية األمريكية ذهبت إدارة بوش تروج لعدوانها على العراق وفق‬
‫إدعاءات مزعومة من عالقة صدام ببن الدن إلى حوزته أسلحة دمار شامل‪ ،...‬ومن ثم رأى" بوش"‬
‫أن الحرب علىالعراق هى" حرب عادلة" وفق مصطلحات كبار مفكري المسيحية( لوثر‪ ،‬كالفن‪ ،‬توما‬
‫الإكويني)‪ ،‬ولم يكن" المعلم" في هذا مدعياً أو متحفزاً؛ ألن هذا ما ورد في مقالتين أولهما‪ -‬كما سبق‬
‫وأشرنا‪ -‬من "النيوزويك" واألخرى من مجلة ألمانية تم ترجمتهما في هذا الكتاب‪ ،‬وكالهما تضيف‬
‫عمليا إلى ما يسمى‪:‬‬
‫إلى ما سبق بيان لسيرة "بوش االبن" الذاتية‪ ،‬وكيف تحول من سكير وفاشل ً‬
‫"مسيحي ولد من جديد" يرى نفسه محملًا بمهمة ربانية لمحاربة محور الشر في العالم رافعًا شعار"‬
‫من ليس معنا فهو ضدنا"‪ ،‬ذلك الشعار الذي يمثل مبدأ حاكمًا في العقل الجمعي األمريكي ال سيما‬
‫األصولية واليمين المسيحي باألساس‪ .‬أكد ذلك ما خطه بوش بيده في مذكراته المعنونة بـ" مهمة‬
‫لألداء‪ :‬لأحقق إرادة خالقي" والتي يؤكد فيها علىأن سعيه ألن يكون رئيسًا للواليات المتحدة ونجاحه‬
‫فيه إنما كان تحقيقًا لخطة إلهية تكلف بها واستدعاه الرب لها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫كذلك يرى األمريكيون أنفسهم بأنهم أمة محملة بمهمة إلهية في العالم‪.‬فمنذ هجرة‬
‫"البيورتيانز" إلى العالم الجديد وإقامتهم حكمًا ذا طابع ديني في أمريكا وفقًا لما عاهدوا الرب عليه إذا‬
‫أمنهم في الوصول إلى العالم الجديد‪ ،‬اعتبروا أمريكا " مدينة فوق التل" أي مدينة فاضلة وفق مجاز‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬واعتبروا أنفسهم يحملون مهمة خاصة ونموذجًا يجب احتذاؤه في(من ِقبل ) سائر‬
‫العالم ‪ .‬وهذه هى ذاتها األفكار التي أعيد إحيائها في تسعينيات القرن العشرين في فكر اليمين‬
‫المسيحي الجديد في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫وال يظن أن عالقة الدين بالسياسة الخارجية‪ -‬وفق الطرح السابق‪ -‬أحادية االتجاه‪ ،‬بقول‬
‫آخر‪ :‬قد تأثرت الطوائف المسيحية بالواليات المتحدة إثر تدخل الواليات المتحدة في الحربين‬
‫العالميتين‪ ،‬وباألخص طائفة " البروستانت البيض" التي لم تتعافى من هذه اآلثار إال بعد الحرب‬
‫الثانية؛ حيث بدت هذه الطائفة بعدها كما لم تكن عليه‪ .‬من جهة أخرى كان للدين دور في التعبئة‬
‫لصالح دخول الواليات المتحدة الحرب؛ حيث اعتبروا الحرب العالمية األولى حرب الحضارة‬
‫المسيحية( حرب صليبية جديدة)‪ ،‬أما الحرب العالمية الثانية فقد أيدتها الطوائف الدينية باعتبار‬
‫الحلفاء كانوا يخلصون "يهوذا" من األتراك وأن على األمريكان دعم قيام إسرائيل‪.‬‬
‫‪  ‬هكذا يؤكد" المعلم" على أنه ال يوجد ثمة شك في تأثير الدين في السياسة الخارجية األمريكية ليس‬
‫فقط في حالة وجود إدارة يمنية كإدارة بوش االبن‪ ،‬ولكن حتى مجيء رئيس ديمقراطي للبيت‬
‫األبيض ال يعني البتة انعدام تأثير أو وجود تيار قوي من اليمين المسيحي المحافظ أو األصوليين‬
‫المسيحيين في الواليات المتحدة‪ ،‬وال يعني تراجع تأييد أمريكا إلسرائيل‪ ،‬فقد كان " كيري"( المرشح‬
‫الديمقراطي في االنتخابات الرئاسية السابقة أمام بوش االبن) يؤكد علي تأييده إلسرائيل في كل‬
‫فرصة تسنح له‪ ،‬وأنه رغم تعدد التفسيرات حول ذلك إال أن التفسير األكيد أن" كيري" تأثر‪ -‬مثل‬
‫غيره من األمريكان‪ -‬بالثقافة السائدة فيما يخص شعب اهلل المختار واألرض الموعودة وعودة‬
‫المسيح‪ ،‬كما يوضح التأثير األعظم للإيفانجليكيين على السياسة الخارجية األمريكية تجاه الشرق‬
‫األوسط ‪ -‬وذلك اعتمادًا من المؤلف هنا على كتاب" مارسدن"‪ :‬كيف نفهماألصولية‪ - ...‬حيث برز‬
‫دورهم في الخمسين سنة األخيرة في توسيع القاعدة الشعبية لدعم إسرائيل وبشكل ثابت وغير قابل‬
‫للتحول‪ ،‬و قناعتهم بأن إسرائيل سوف تلعب دورًا محوريًا فيما يسمونه" خطة اهلل الخاصة باآلخرة"‪،‬‬
‫ولهذا االعتقاد شعبية جارفة في الداخل األمريكي‪ .‬ثم يختم" المعلم" متسائلًا‪ ":‬أين وجودنا نحن‪-‬‬
‫العرب‪  ‬و المسلمين ‪ -‬من كل ذلك؟!"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ *       ‬رابعاً‪ :‬الدين وسياسة الواليات المتحدة تجاه العالم العربي واإلسالمي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪86‬‬
‫تؤكد الخلفية التاريخية للواليات المتحدة وشعبها تغلغل كثير من قيم األصولية اليهودية في‬
‫عقلهم الجمعي‪ ،‬يوضح ذلك ويفسره ما ذكره كتاب أمريكان باألساس حول ذلك فيما استعرضناه في‬
‫المستويات السابقة من هذا العرض‪ ،‬والتي يجمعها ويلخصها" عادل المعلم" في توضيحه لألساس‬
‫النظري الذي يحكم نظرة األمريكان لليهود مقابل نظرتهم للعرب والمسلمين‪ ،‬والتي ترتكز علي‬
‫مقوالت العهد القديم التي تحكي القصة الشهيرة لولدي سيدنا نوح‪ ":‬كنعان" و" سام"‪ ،‬إذ ترى األول‬
‫عبيدا "لسام"( أبو اليهود) وذريته ‪ ،‬فضاًل عن‬
‫"كنعان" (أبو العرب) استحق اللعنة وأن يكون هو وبنيه ً‬
‫المقوالت الخاصة بوعد اهلل بني إسرائيل بأرض الميعاد( فلسطين حسب زعمهم) واعتبارهم أن اهلل‬
‫قد حثهم على قتل غيرهم من األمم وتدمير ما يدخلونه من مدنهم ‪ ،...‬ثم كيف كانت إقامة دولة‬
‫إسرائيل التطبيق العملي لتلك المقوالت‪ ،‬مقابل اعتبارهم أن العرب والمسلمين ما هم إال همج‬
‫ملعونون ال يستحقوا الرحمة‪.‬‬
‫من زاوية أخرى يقترب د‪ /‬محمد عارف‪ ،‬في كتابة‪ :‬صعود البروتستانتية‪ ،...‬من عالقة‬
‫وأثر األصولية علي السياسة الخارجية األمريكية تجاه العالم اإلسالمين‪ ،‬والتي بدأها بتوضيح ذات‬
‫الحقائق الثابتة لديهم عن العالم عمومًا واإلسالمي بشكل خاص‪ ،‬ثم ينطلق لينتقد الرؤية الصراعية‬
‫لعالقة اإلسالم بالمسيحية واليهودية‪ ،‬ويطرح رؤيته حول كيفية مقاومة ودفع العالم اإلسالمي في‬
‫التعامل مع السياسة الخارجية األمريكية بما تحمله من تأثير طاغٍ لألصولية المسيحية عليها‪ .‬هذا‬
‫الطرح الذي استغرق كتاب" عارف"يستحق مزيداً من التفصيل والبيان علي النحو التالي‪:‬‬
‫يذهب الكاتب تحت عنوان‪ ":‬األصولية والعالم اإلسالمي" إلى بحث العالقة بين األصولية‬
‫بشكل عام والتي‬
‫ٍ‬ ‫والعالم اإلسالمي والتي يناقشها من خالل اإلشارة إلى رؤية العالم عند األصوليين‬
‫هي نتائج عقيدتهم كاعتقادهم بأن نهاية العالم وشيكة واقتراب هرمجدون‪ .‬وبعد أن فشلت تلك‬
‫النبوءات الدينية جاء اإلحياء العلماني لها في أطروحة" صدام الحضارات"‪ .‬وقد جاءت أحداث ‪11‬‬
‫سبتمبر لتؤجج نيران الغضب تجاه اإلسالم إال أن د‪ /‬عارف ال يغفل مسئولية العالم اإلسالمي‪ .‬كما‬
‫يشير عارف إلى أن رؤية األصولية للعالم ال تقوم علي مجرد صراع وإ نما حرب عالمية استناداً إلى‬
‫تأويالت معينة للكتاب المقدس دائماً ما تتغير مع الوقت كتغير ازدواجية موقف" لوثر" من العبودية‬
‫والقول بأن الكتاب المقدس يدعم التمييز العنصري‪ .‬ويميز الكاتب بين نموذجين لتفسير الكتاب‬
‫المقدس‪:‬األول‪ ،‬يركز علي نظرية المؤامرة ‪ .‬والثاني‪ ،‬يقوم علي الشغف بفك شفرات الكتاب‬
‫المقدس‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وحول " رؤية األخر" ‪ ،‬التي يراها الكاتب أمرَا أساسيًا عند مناقشة أي عقيدة مختلفة‪ ،‬فيراها‬
‫قد تميزت في أغلب األحيان بالطابع السلبي منذ فجر التاريخ بداية ‪ ،‬في مثل‪ :‬موقف فرعون مصر‬
‫من اليهود وموقف الرومان من المسيحيين ويوضح الكاتب كيف كان موقف اإلسالم من اليهود‬

‫‪87‬‬
‫والمسيحيين إذ لم يكن األمر مقصوراً علي الحرية الدينية بل الإرتقاء في السلم االجتماعي وكيف‬
‫يختلف عن نماذج أخرى كتصريحات بعض الإيفانجليكيين المشبعة بالكراهية ضد اإلسالم والتي ال‬
‫يراها معبرة عن الغرب برمته‪.‬‬
‫ذجا‬
‫وبناء على ما سبق ينتقد أطروحة" هنتجتون" ( صدام الحضارات)ويضع في المقابل نمو ً‬
‫ً‬
‫قائمًا على البنية الواضحة للعالقات "عبر الحضارية"‪ .‬وجدير بالذكر أن الكاتب يرفض الافتراض‬
‫االحتياج األمريكي لدول البترول ويرى أن الواليات المتحدة قادرة علي إيجاد بديل‪ .‬كما يرجع عدم‬
‫اهتمام صانع القرار األمريكي بالعالم اإلسالمي إلى " فقدان الرؤية المشتركة"‪.‬‬
‫ويشبه الكاتب العالقة بين الحضارات والتي أصبحت قائمة علي الخوف بحالة الخوف من‬
‫االستثمار التي انتابت المستثمرين أثناء الكساد االقتصادي العالمي ويري أنها تحتاج إلى" اتفاقية‬
‫جديدة" كتلك التي تقدم بها" روزفلت" لتشجيع االستثمار وكسر حاجز الخوف‪ .‬لذلك يقدم د‪ /‬عارف‬
‫رؤية بديلة تتمثل في" التطور الخالق" حيث يرفض المنهجية الصراعية لهنتنجتون ويضع في مقابلها‬
‫تصوره عن " التطور الخالق" الذي يضمن التعلم اإلنساني من خالل اإلرشاد اإللهي والتجربة‬
‫الحظ أن الكاتب يعود وينقد فكرة األمريكتين التي قال بها في موضع سابق من كتابه‪،‬‬
‫اإلنسانية‪ .‬ويُ َ‬
‫انطالقًا من رفضه لفكرة‪ /‬منهجية الصراع‪.‬‬
‫ويختم الكتاب بفصل يناقش‪ :‬مستقبل المسلمين" انطالقاً من حاضرهم إذ يري الكاتب‬
‫ضرورة عدم الوقوع في أسر" نظرية المؤامرة"‪ .‬كما ينبه إلى ضرورة تطوير المسلمين فهماً علمياً‬
‫للمجتمع األمريكي وكيفية تأثير األصولية المسيحية في السياسة الخارجية األمريكية مما يستلزم‬
‫تأسيس برامج ومؤسسات بحثية متخصصة‪ .‬ويحدد الكاتب عدة عوامل تساعد في فهم أفضل للغرب‬
‫أهمها‪   -1:‬فهم طبيعة الديمقراطية الغربية‪   -2.‬االبتعاد عن ردود الفعل المتطرفة‪   -3.‬استشفاف كيفية‬
‫عمل وسائل اإلعالم الغربية‪.‬‬
‫ويفترض د‪ /‬عارف عدم وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪ 2001‬وما إذا كان هذا‬
‫سيجعل الحضارة اإلسالمية مزدهرة أم ال‪ .‬إال أنه يري أن الواقع يثبت عدم قدرة المسلمين حل‬
‫صراعاتهم سلمياً وبالتالي فليس التدخل الخارجي هو ما أدى إلى العنف‪.‬‬
‫أيضاً يؤكد الكاتب علي خطورة تدهور األوضاع االقتصادية التي تجعل العالم اإلسالمي‬
‫أرضاً خصبة لإلرساليات التبشيرية التي تكون مواجهتها بعدم خلق األحول التي تجعل جماهير‬
‫المسلمين هدفاً سهالً لها‪ .‬كما يحذر من عواقب االستخفاف بقضايا اإلرهاب الذي يستهدف الدخل‬
‫اإلسالمي كما يستهدف العالم الخارجي‪ .‬ويقدم في المقابل" ماليزيا" كنموذج يجب أن ُيحتذي ويحث‬
‫المفكرين اإلسالميين علي استغالل الضغوط األمريكية علي النظم لتحقيق الديمقراطية الحقيقية‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ويشير كذلك إلى أهمية دور المسلمين بالواليات المتحدة سواء كانوا أمريكيين أم ال إذ عليهم‬
‫التكيف مع الديمقراطية األمريكية ليكون لهم دور أكثر فاعلية بما يسهم في تذويب الصورة النمطية‬
‫عن المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫*علي سبيل الختام ‪:‬‬
‫يمكننا اآلن استجالء بعض النتائج والمالحظات حول عالقة الديني والسياسي في الواليات‬
‫المتحدة في إطار ما تم طرحه من تساؤالت حول هذه اإلشكالية في مقدمة هذا العرض المقارن‪.‬‬
‫لقد اقتربت مجموعة الكتب المتناولة في هذا العرض في تأكيد كل منها على وثاقة عالقة‬
‫الديني بالسياسي في الواليات المتحدة وتداخلهما سواء على مستوى السياسات الداخلية أو الخارجية‪،‬‬
‫ذلك وفقًا لما قد بينه كل كتاب من حجج تاريخية وسياسيةو اجتماعية لهذا الترابط بين السياسي‬
‫والديني ‪ ،‬مع اختالف نسبي بينهم في مدى تنوع حجج أخرى من قانونية دستورية و دينية و فلسفية‬
‫وإ حصائية‪.‬وكيف أن كل ذلك جاء تأكيداً على تنوع شكل العالقة بين الديني والسياسي في الواليات‬
‫المتحدة؛ فكما هو الدين موضوع للسياسة وفي قلب اهتمامها( مثل‪ :‬التعديل األول للدستور‪ ،‬وحركة‬
‫الحقوق المدنية‪ )...‬هو أيضًا أداة لها يستخدمها السياسيون لتبرير وترويج سياساتهم الداخلية و‬
‫الخارجية‪ ،‬فضاًل عن كونه محركًا للسياسة( مثلما يتجلى في الدعم األمريكي إلسرائيل‪ ،‬واعتقاد‬
‫اليمين الديني واألصوليين في حتمية قيام حرب حضارية" هرمجدون"‪.)...‬‬
‫وعن تفسيرات البروز القوي للدين ولألصولية الدينية واليمين المسيحي الجديد في سياسة‬
‫الواليات المتحدة سواء داخلياً أو خارجياً وباألخص تجاه العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬فإنها تفسيرات‬
‫عدة ومتعددة األبعاد تناولها بعض أصحاب الكتب الماثلة في هذا العرض باعتبارها عملية إحياء‬
‫للتراث األمريكي( مارسدن)‪ ،‬والبعض األخر اعتبرها أمرًا طبيعيًا عند محاولة الفهم الدقيق لطبيعة‬
‫وآليات عمل النظام األمريكي( عارف)‪ ،‬بينما حاول آخر الوقوف علي جزء من األسباب مثل‪:‬‬
‫انفراد الواليات المتحدة كقوة عظمى على قمة هيكل النظام الدولي وموافقة ذلك لرؤى اليمين‬
‫المسيحي الجديد بضرورة تفرد الواليات المتحدة كقوة عسكرية عظمي في العالم( كوربت)‪ ،‬أو‬
‫حتمية دعم أمريكا إلسرائيل وحتمية وقوع" هرمجدون" ( ك ٌل من‪ ":‬المعلم" و" بريور")‪.‬‬
‫لكن األمر الذي يبدو أكثر أهمية من تفسير ذلك الصعود بالنسبة لنا كعالم عربي‪ -‬إسالمي‬
‫هو‪ :‬مآل هذا التأثير العميق للدين في السياسة األمريكية‪ ،‬ومدى استمراريته ولعل إجابة‪":‬آل كوربت"‬
‫عن هذا السؤال كانت واضحة في سياق هذا العرض‪.‬‬
‫تبقى مالحظة أخيرة ‪ ،‬حيث خصت الكتب السبعة التي تناولناها في هذا العرض مفهوم‬
‫كل منها‪،‬‬
‫األصولية “ ‪ ”Fundamentalism‬بالذكر والبيان ضمًنا أو مباشرة في متن أو عنوان ٍ‬

‫‪89‬‬
‫لكن المعنى الذي اعتمده هؤالء المؤلفين لمفهوم" األصولية"‪ -‬وكما وضحنا في جزء المفاهيم في‬
‫المحور األول من هذا العرض‪ -‬إنما يشير إلى خبرة المجتمع األمريكي والبروتستانتية األمريكية‬
‫والذي يختلف تمامًا عما تشير له دالالت ومضامين الكلمة في المعنى والخبرة اإلسالميين‪ .‬وهذا‬
‫ليس مجرد زعم يزعمه باحث أو قارئ مسلم لهذه الكتب وإ نما يؤكده أيضًا ما ذكره" جون إسبوزيتو"‬
‫في كتابه‪ ":‬التهديد اإلسالمي خرافة أم حقيقة" في هذا الصدد إذ يقول‪ ":‬إن فهمنا ومفاهيمنا لألصولية‬
‫متأثرة كثيراً بالبروتستانتية األمريكية"‪ ،‬وكيف صارت كلمة" أصولي" كلمة تحط من قدر المرء‬
‫الحرْفيين الذين‬
‫وتدينه(‪)...‬وأن" النظرة الشعبية" والصورة النمطية لهذا الوصف تشير إلى أولئك َ‬
‫يريدون أن يعيدوا الماضي ويعيدوا استنساخه‪ ،‬فصار المفهوم مثقاًل بالمزاعم المسيحية المسبقة‬
‫واألنماط الغربية وبدا يتضمن مغزى التهديد الكلي الذي ال وجود له ( اسبوريتو ص ‪.)25 :23‬‬
‫ومن ثم يظهر لنا خطر إسقاط الخبرة الغربية على اإلسالمية وتلبيس المفاهيم‪ .‬بقول أخر ‪:‬ووفقاً لما‬
‫أشار له" اسبوريتو" كذلك‪ ،‬يصير مفهوم" األصولية" في هذه الحالة يتضمن كل المسلمين العابدين‬
‫الذين يقبلون القرآن باعتباره كلمة اهلل وسنة النبي محمد ‪ -‬صلي اهلل عليه وسلمّ ‪ -‬باعتبارها نموذج‬
‫حياة‪.‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫*الهوامش‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫([‪ )]1‬مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت‪ ،‬الدين والسياسة في الواليات المتحدة‪ ،‬ترجمة‪ :‬مجموعة م‪44‬ترجمين‪،‬‬
‫ط‪ ، 3‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية ‪ 510( ،2006 ،‬صفحة من القطع المتوسط)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  )]2[( ‬كتاب الدين والسياسة في الواليات المتحدة أضيف له ملحق خاص عن لمح‪44‬ات مختص‪44‬رة عن الجماع‪44‬ات‬
‫الدينية‪ 4‬في الواليات المتحدة‪ ،‬والملحق تم فيه تفصيل البيان عن وضع المسلمين هناك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪ )]3‬جورج م‪.‬مارسدن‪ ،‬كيف نفهم األصولية البروتستانتية واإليفانجليكية‪ ،‬ترجمة‪ :‬نشأت جعفر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتب‪44‬ة‬
‫الشروق الدولية‪ 177( ،2005 ،‬صفحة من القطع المتوسط)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[‪]4‬‬
‫( )‪ ‬كت‪44‬اب كي‪44‬ف نفهم األص‪44‬ولية‪ ، ..‬ه‪44‬و اآلخ‪44‬ر مزي‪44‬ل بملح‪44‬ق مهم يوض‪44‬ح الطوائ‪44‬ف المس‪44‬يحية والمص‪44‬طلحات‬
‫المسيحية‪ ،‬وذلك باالعتماد على أكثر من مصدر باللغتين العربية واإلنجليزية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  )]5[(  ‬كيمبرلي بالكر (محرر)‪ ،‬أصول التطرف‪ :‬اليمين المسيحي في أمريك|ا‪ ،‬ترجمة‪:‬هب‪44‬ة رؤوف وت‪44‬امر عب‪44‬د‬
‫الوهاب‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ 426( ،2005 ،‬صفحة من القطع المتوسط)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪  )]6‬عادل المعلم‪ ،‬مقدمة في األصوليين المس||يحية في أمريك||ا وال||رئيس ال||ذي اس||تدعاه هللا وانتخب||ه الش||عب‬
‫األمريكي مرتين‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪181( .2004 ،‬صفحة من القطع المتوسط)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪  )]7‬الكتاب ملحق بجدول مقتبس من كتاب‪" :‬المسيح اليهودي" للصحفي" رضا هالل"‪ .‬الجدول يوضح توزيع‬
‫األديان في الواليات المتح‪44‬دة والمجموع‪44‬ات الكنس‪44‬ية المس‪44‬يحية والبروتس‪44‬تانتية‪ ،‬ومؤش‪44‬رات الت‪44‬دين األم‪44‬ريكي في‬
‫الثمانينيات والتسعينيات‪ ،‬وكذا قدر استهالك اإلعالم المسيحي في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪90‬‬
‫([‪ )]8‬مايكل بريور‪ ،‬الكتاب المق||دس واالس||تعمار‪ ،‬ترجمة‪ :‬وف‪44‬اء بج‪44‬اوي‪ ،‬ومراجع‪44‬ة وتق‪44‬ديم ‪ :‬أحم‪44‬د الش‪44‬يخ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬يوليو ‪ 211( ،2006‬صفحة من القطع المتوسطة)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪ )]9‬والتر راسيل ميد‪ ،‬بلد هللا‪ :‬الدين في السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬حمدي عب‪44‬اس ‪ ،‬ط‪ ،1‬الق‪4‬اهرة‪:‬‬
‫مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬يناير ‪54( ،2007‬صفحة من القطع الصغير)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪  )]10‬محمد عارف ‪ ،‬صعود البروتستانتية اإليفانجليكية في أمريكا وتأثيرة على العالم اإلسالمي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رانية‬
‫خالف‪ ،‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬يناير ‪ ،291( ،2006‬صفحة من القطع المتوسط)‪.‬‬
‫دور الدين والقضاء على الفقر‬
‫نقالً عن موقع إسالم أون الين‬

‫يقول أ‪.‬د‪.‬عصام البشير األمين العام للمركز العالمي للوسطية ‪:‬‬


‫يهدف اإلسالم في بنائه للمجتمعات إلى إقامة روابط اإلخاء بين أفراد المجتمع على أساس التعارف والتعاون‬
‫وبا َوقَ َب ِائ َل ِلتَ َع َارفُوا إِ َّن‬ ‫اس إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َوأُْنثَى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ‬
‫ش ُع ً‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫والتكافل‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى‪َ { :‬يا أَي َ‬
‫بر َوالتَّ ْق َوى َوالَ تَ َع َاو ُنوا َعلَى‬ ‫اهلل أَتْقَا ُك ْم } (الحجرات‪ ، ).13 :‬ويقول عز وجل‪َ { :‬وتَ َع َاو ُنوا َعلَى ا ْل ِّ‬ ‫أَ ْكرم ُكم ِع ْن َد ِ‬
‫ََ ْ‬
‫ان } (المائدة‪ ،).2 :‬ويقول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬ ‫اإلثِْم َوا ْل ُع ْد َو ِ‬
‫ِ‬
‫وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (صحيح مسلم)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هم يضطلع به األشخاص والمجتمع والدولة‪ ..‬يتعاونون ويتكاتفون لتحقيق مجتمع‬
‫ومحاربة الفقر في اإلسالم ّ‬
‫الكفاية والعدالة‪..‬والزكاة وسيلة أساسية في محاربة الفقر تعاونها وسائل أخرى مثل الصدقات التطوعية‪،‬‬
‫والكفارات‪ ،‬وقوانين المعامالت الشرعية من أداء لألمانات‪ ،‬واستيفاء للعقود‪ ،‬وتحريم للربا والميسر والتطفيف‬
‫واالحتكار واالكتناز والغرر‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وهي تسهم مساهمة كبيرة في إزالة آثار الفقر على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫إزالة آثار الفقر االقتصادية‬
‫‪ .1‬تعمل الزكاة على القضاء على الفقر في المجتمع المسلم؛إذ إنها تستهدف الفقراء في المقام‬
‫األول‪ ،‬وتذهب لسد الحاجات األولية لهم؛ بل إن المهمة األولى للزكاة هي عالج مشكلة الفقر عالجا جذريا‬
‫أصيال ال يعتمد على المسكنات الوقتية‪ ،‬أو المداواة السطحية الظاهرية‪ ،‬حتى إن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫لم يذكر في بعض األحيان هدفا للزكاة غير ذلك‪ ،‬كما في حديثه لمعاذ حين أرسله لليمن‪ ،‬وأمره أن يعلم من أسلم‬
‫منهم أن "اهلل افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقد اختلف العلماء في تفسير الفقراء والمساكين الوارد ذكرهم في آية مصارف الزكاة‪ ،‬وخلص الدكتور يوسف‬
‫القرضاوي إلى أن مستحق الزكاة من الفقراء والمساكين أحد ثالثة‪:‬‬
‫(أ) من ال مال له وال كسب أصال‪.‬‬
‫(ب) من له مال وكسب ال يبلغ نصف كفايته‪.‬‬
‫(ج) من له مال أو كسب يسد نصف كفايته‪ ،‬ولكن ال يجد تمام الكفاية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪91‬‬
‫والمراد بالكفاية عند المالكية والحنابلة كفاية السنة‪ ،‬وعند الشافعية كفاية العمر‪ ،‬والرأي الغالب عند الفقهاء‬
‫هو إعطاء الفقير والمسكين ما يكفيهما تمام الكفاية دون تحديد بقدر معين من المال‪ ،‬استنادا إلى أن مقصود‬
‫الشارع هو القضاء على الفقر والعوز‪ ،‬كما في حديث قبيصة بن مخارق الذي أتى الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫الث‪َ :‬ر ُج ٍل تَ َح َّم َل‬ ‫وسلم‪ -‬طالبا للمعونة في حمالته فقال له‪" :‬إِ َّن ا ْلمسأَلَ َة ال تَصلُح ‪-‬وقَا َل م َّرةً حِّرم ْت‪ -‬إِال ِفي ثَ ٍ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ش َه َد لَ ُه ثَالثَ ٌة م ْن َذ ِوي ا ْلح َجا‬ ‫اج ٌة َوفَاقَ ٌة َحتَّى َي ْ‬ ‫َص َابتْ ُه َح َ‬ ‫ِّي َها ثُ َّم ُي ْمس َك‪َ ،‬و َر ُج ٍل أ َ‬ ‫سأَلَ ُة َحتَّى ُي َؤد َ‬ ‫ِب َح َمالَة َحلَّ ْت لَ ُه ا ْل َم ْ‬
‫ش َه َد لَ ُه أ َْو َي َكلَّ َم ثَالثَ ٌة ِم ْن َذ ِوي ا ْل ِح َجا ِم ْن قَ ْو ِم ِه أ ََّن ُه‬
‫اج ٌة َحتَّى َي ْ‬ ‫َص َابتْ ُه فَاقَ ٌة أ َْو َح َ‬
‫ِ‬
‫م ْن قَ ْو ِمه‪َ ،‬وقَا َل َم َّرةً‪َ :‬ر ُج ٍل أ َ‬
‫ِ‬
‫ش‪ -‬ثُ َّم‬ ‫ادا ِم ْن َع ْي ٍ‬ ‫ش ‪-‬أ َْو ِس َد ً‬ ‫اما ِم ْن َع ْي ٍ‬‫يب ق َو ً‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫سأَ ُل َحتَّى ُي َ‬ ‫اج ٌة أ َْو فَاقَ ٌة إِال قَ ْد َحلَّ ْت لَ ُه ا ْل َم ْ‬
‫سأَلَ ُة فَ َي ْ‬ ‫َص َابتْ ُه َح َ‬‫قَ ْد أ َ‬
‫ادا ِم ْن‬ ‫س َد ً‬‫ش أ َْو َ‬‫اما ِم ْن َع ْي ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫سأَ ُل َحتَّى ُي َ‬
‫يب ق َو ً‬ ‫اح ْت َمالَ ُه َحلَّ ْت لَ ُه ا ْل َم ْ‬
‫سأَلَ ُة فَ َي ْ‬ ‫اجتَ َ‬ ‫َص َابتْ ُه َج ِائ َح ٌة ْ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْمس َك‪َ ،‬و َر ُج ٍل أ َ‬
‫ت " (رواه أحمد)‪.‬‬ ‫س ْح ٌ‬ ‫ان ِسوى َذِل َك ِم ْن ا ْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْي ٍ‬
‫سأَلَة ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ش ثُ َّم ُي ْمس َك‪َ ،‬و َما َك َ َ‬
‫‪ ‬‬
‫جوز المسألة حتى يصيب صاحب الفاقة قواما من عيش؛‬ ‫وجه الداللة هنا أن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ّ -‬‬
‫أي يجد ما يكفي حاجته‪ ،‬وقد قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬حين أوصى عماله على‬
‫الصدقة‪" :‬إذا أعطيتم فأغنوا‪ ،‬كرروا عليهم الصدقة وإ ن راح على أحدهم مائة من اإلبل" (أخرجه عبد الرزاق‪،‬‬
‫وابن أبي شيبة‪ ،‬والبيهقي)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ .2‬الزكاة تضمن توزيع العائد االقتصادي‪ ،‬وتحقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬حتى ال يكون المال متداوال‬
‫اء ِم ْن ُك ْم} (الحشر‪ .)7 :‬يقول الدكتور أحمد مجذوب‪" :‬الزكاة هي‬
‫ون ُدولَ ًة ب ْي َن األ ْغ ِني ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بين األغنياء فقط { َك ْي الَ َي ُك َ‬
‫أداة التوزيع األساسية في النظام اإلسالمي‪ ،‬ولضمان استمراريتها والدقة في تنفيذها جعلها اهلل تعالى أحد‬
‫أركان الدين حتى ال تُترك للقرارات االقتصادية والظروف االجتماعية واألهواء الشخصية‪ ،‬وهي بهذا تتميز‬
‫باالستمرارية وعدم االنقطاع؛ ألنها حق ثابت في المال يجب إخراجه عند استيفاء شروطه" ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫والزكاة بهذا ال تحارب الفقر بمعونة مؤقتة أو دورية‪ ،‬وإ نما بوسيلة وقائية توسع فيها دائرة التمليك وتكثر عدد‬
‫المالك؛ "ذلك أن هدف الزكاة إغناء الفقير بقدر ما تسمح به حصيلتها‪ ،‬وإ خراجه من دائرة الحاجة إلى دائرة‬
‫ويملَّك‬
‫الكفاية الدائمة‪ ،‬وذلك بتمليك كل محتاج ما يناسبه ويغنيه كأن ُيملَّك التاجر متجرا وما يلزمه ويتبعه‪ُ ،‬‬
‫ويملَّك المحترف آالت حرفته‪ ،‬وما يلزمها ويتبعها؛ فهي بهذا العمل تعمل‬
‫الزارع ضيعة وما يلزمها ويتبعها‪ُ ،‬‬
‫على تحقيق ٍ‬
‫هدف عظيم‪ :‬هو التقليل من عدد األجراء والزيادة من عدد المالك" ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ .3‬الزكاة تعمل على تخصيص الموارد االقتصادية‪ ،‬وتوزيعها بين مجاالت االستثمار المختلفة‬
‫االستثمارية واالستهالكية للقطاع العام أو الخاص للجيل الحاضر أو المستقبلي على المدى الطويل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومن أهم آثار الزكاة على تخصيص األموال ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬األثر المباشر في تخصيص الموارد‪ :‬فمصارف الزكاة الثمانية تتوزع بين مجاالت الضمان االجتماعي‬
‫(الفقراء والمساكين وابن السبيل) والنشاط العسكري (في سبيل اهلل)‪ ،‬وتأمين النشاط اإلنتاجي والتعامل‬
‫االئتماني (الغارمين)‪ ،‬والنشاط الدعوي (المؤلفة قلوبهم) ونحوه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ب‪ .‬األثر غير المباشر في تخصيص الموارد‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬أثر الزكاة على االستهالك ‪ :‬فالمعلوم أن الفقراء ذوو ميل حدي عال لالستهالك‪ ،‬واألغنياء ذوو ميل حدي‬
‫منخفض لالستهالك‪ ،‬والزكاة تعمل على زيادة الطلب االستهالكي ألنها تؤخذ من الفئات ذات الميل الحدي‬
‫المنخفض لالستهالك وتعطى للفئات ذات الميل الحدي العالي لالستهالك‪ ،‬وهذه الزيادة تنعكس على العرض؛‬
‫حيث يتحرك ليسد الفجوة في اإلنتاج‪ ,‬ولكن الزيادة المتوقعة تكون لزيادة إنتاج سلع االستهالك الضروري التي‬
‫يستخدمها الفقراء والمساكين ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬أثر الزكاة على االدخار ‪ :‬إن اهتمام الدول بالزكاة وتحصيلها من كل األموال الخاضعة لها سيرفع حصيلة‬
‫الزكاة‪ ،‬وسيعالج مشاكل الفقراء والمساكين‪ ،‬وسيساهم في مصروفات األمن والدفاع‪ ،‬وبالتالي سيكون له أثر‬
‫مباشر في توفير اإليراد العام (الذي هو ادخار إجباري) لتستفيد منه الدولة في تمويل النفقات التي ال يمكن‬
‫تمويلها من حصيلة الزكاة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫تشجع على االستثمار ‪ ،‬ألنها تجب في المال المرصود للنماء بالفعل كالحيوانات التي تنمو‬
‫‪ .4‬الزكاة ّ‬
‫وتلد‪ ،‬واألرض التي تُزرع وتُحصد‪ ،‬والمرصود للنماء بالقوة كالدراهم والدنانير‪ ..‬فالزكاة تُجبر صاحب المال‬
‫على أال يترك ماله مخزنا معطال عن االستثمار‪ ،‬وإ ال صار في تناقص مستمر كما في الحديث "أالَ َمن ولي يتيما‬
‫له مال فليتجر فيه وال يتركه حتى تأكله الصدقة" (سنن الترمذي)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ .5‬الزكاة تحريك للنمو االقتصادي‪ ،‬وبناء للموارد البشرية؛ألنها حرب على العطالة والتسول‪ ..‬فمن‬
‫أموالها يمكن إعطاء القادر العاطل ما يمكنه من حرفته من أدوات أو رأس مال‪ ،‬ومنها يمكن أن يدرب على‬
‫عمل مهني يحترفه ويعيش منه‪ ،‬ومنها يمكن إقامة مشروعات جماعية يشتغل فيها العاطلون‪ ،‬وتكون ملكا لهم‬
‫باالشتراك‪ ،‬كلها أو بعضها ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ .6‬الزكاة أداة لتحقيق االستقرار االقتصادي‪:‬إذ تعتبر أداة لالستقرار الذاتي؛ أي األساليب الكامنة في‬
‫النظام المالي‪ ،‬التي تؤدي إلى حدوث فائض أو عجز بحسب الظروف االقتصادية‪ ،‬ودون تدخل من الدولة باتخاذ‬
‫إجراءات مالية من شأنها إحداث ذلك‪ ،‬انطالقا من ثبات معدلها والنصاب المفروضة عليه؛ فحصيلة الزكاة‬
‫تعكس الحالة االقتصادية السائدة‪ ،‬وتتقلب هذه الحصيلة ارتفاعا وانخفاضا مع تقلبات الدخل من غير أن يكون‬
‫لهذه التقلبات أثر في الجباية‪ ،‬كما يمكن استخدام حصيلة الزكاة المتجمعة كسياسة مالية تقديرية مثل ما‬
‫تستخدم المدفوعات التحويلية أو برامج اإلنفاق الحكومي الشامل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ .7‬الزكاة تعمل على توفير اإلدارات والبيانات الالزمة ألجهزة التخطيط والتنظيم‪:‬فالمعلوم أن‬
‫مباشرة الدولة لجباية الزكاة وتوزيعها تؤدي إلى توفير جهاز إداري ذي كفاءة عالية وشبكة اتصاالت قوية‬
‫يحيط بكل األموال التي تجب فيها الزكاة من زروع وثروة حيوانية وركاز في كل األقاليم والمدن والقرى‪،‬‬
‫ويحيط كذلك بأحوال المواطنين األغنياء والفقراء‪ ،‬ويلم بالكثير من اإلحصاءات ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إزالة آثار الفقر االجتماعية‬

‫‪93‬‬
‫‪ -1‬الزكاة بتوفيرها لمصدر رزق مستقر لعائل األسرة تعمل على حفظ العالقات األسرية‪ ،‬وتو ِجد المحضن‬
‫المناسب لألبناء لينشئوا في كنف ذويهم في جو نفسي مساعد وبيئة مادية مناسبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬الزكاة ضمان اجتماعي رفيع لم يعرف له التاريخ مثيال‪ ،‬وحصن حصين ضد تقلبات األيام‪ ،‬وعون وسند‬
‫للمضطرين‪ ،‬ويمكن إيجاز دور الزكاة في الضمان االجتماعي في النقاط التــالية‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬هي عون للعاجزين جسمانيا من المعوقين‪ ،‬والمرضى بأمراض مزمنة‪ ،‬وصغار السن الذين ال عائل لهم‬
‫(اليتامى) وسائر األسباب البدنية التي يبتلى المرء بها وال يملك إلى التغلب عليها سبيال‪ ،‬فهذا يعطى من مال‬
‫الزكاة ما يغنيه جبرا لضعفه ورحمة لعجزه‪ ،‬حتى ال يكون المجتمع عونا للزمن عليه‪ ،‬وإ ن كان باإلمكان تدريب‬
‫بعض ذوي العاهات كالصم والمكفوفين ونحوهم على أنواع من العمل تناسبهم‪ ،‬وتسد حاجتهم؛ "فال بأس‬
‫باإلنفاق على تعليمهم وتدريبهم من مال الزكاة" ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬هي عون للعاجزين عن الكسب من أصحاب القوة الجسدية الذين انسدت أبواب الكسب الحالل في وجوههم‪،‬‬
‫فهؤالء في حكم العاجزين جسديا‪ ،‬إذ أنهم أقوياء غير مكتسبين‪ ..‬وال يصح فيهما ما رواه اإلمام أحمد في شأن‬
‫الرجلين الذين جاءا يسأالن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من الصدقة فرفع فيهما البصر وخفضه فوجدهما‬
‫جلدين قويين فقال لهما‪" :‬إن شئتما أعطيتكما‪ ،‬وال حظ فيها لغني وال لقوي مكتسب"؛ إذ إنهم غير مكتسبين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬هي عون لذوي الحاجات الطارئة ‪-‬وإ ن كانوا في األصل أغنياء قادرين‪ -‬من الغارمين (الذين اضطروا‬
‫لالستدانة ولم يستطيعوا الوفاء‪ ،‬ومن اجتاحتهم جوائح السيول والحرائق ونحوه فذهبت بمالهم)‪ ،‬وأبناء السبيل‬
‫من الغرباء المنقطعين عن أهلهم ووطنهم؛ فهؤالء لهم الحق في مال الزكاة بنص القرآن في مصارف الزكاة‬
‫الثمانية‪ ..‬وأصحاب الكوارث عموما ممن عضهم الدهر بنابه فتركهم فقراء بعد غنى‪ ،‬وأذالء بعد عز‪،‬‬
‫ومضطرين بعد طمأنينة‪ ..‬لهم في سهم الغارمين مندوحة‪..‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -3‬الزكاة حل لمشاكل الفقراء االجتماعية ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬مشكلة العزوبة‪:‬من فضل اهلل وعونه الذي وعد به كل مؤمن يريد إعفاف نفسه بالزواج أن يمد المجتمع‬
‫‪-‬ممثال في الحكومة أو مؤسسة الزكاة‪ -‬يده إليه بالمساعدة في المهر ونفقات الزواج إن كان من أهل الحاجة‪،‬‬
‫حتى يستطيع أن يستجيب لنداء اإلسالم في غض البصر‪ ،‬وإ حصان الفرج‪ ،‬وإ قامة األسرة المسلمة‪ ،‬ومعرفة آية‬
‫ِ‬ ‫آي ِات ِه أ ْ‬
‫اجا لِّتَ ْ‬
‫س ُك ُنوا إِلَ ْي َها‬ ‫ق لَ ُكم ِّم ْن أَ ْنفُس ُك ْم أ َْز َو ً‬
‫َن َخلَ َ‬ ‫{و ِم ْن َ‬
‫اهلل البينة التي نبه إليها عباده ممتنا عليهم بقوله‪َ :‬‬
‫ون } (الروم – ‪.)21‬‬ ‫وجع َل ب ْي َن ُكم َّمو َّدةً ور ْحم ًة إِ َّن ِفي َذِل َك آلَي ٍ‬
‫ات لِّقَ ْوٍم َيتَفَ َّك ُر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬مشكلة المشردين واللقطاء‪:‬يقول الدكتور القرضاوي‪" :‬إن من المعاصرين من صرف معنى ابن السبيل‬
‫إلى اللقيط‪ ،‬وال ُبعد في ذلك؛ فمن الواجب أن يكون لهم حظ في مال الزكاة؛ ترعى به شئونهم‪ ،‬وينفق منه على‬
‫حسن تربيتهم‪ ،‬وإ عدادهم لغد طاهر مستقيم‪ .‬والذين ال يدخلون اللقيط في (ابن السبيل) يدخلونه قطعا في‬
‫الفقراء والمساكين؛ فهو من مصارف الزكاة بال نزاع ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪94‬‬
‫إزالة اآلثار الثقافية للفقر‬
‫‪ -1‬تساهم الزكاة مساهمة مقدرة في دعم معاهد القرآن والجامعات الدينية والتخصصية‪ ،‬إضافة لدورها الكبير‬
‫في كفالة طالب العلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬محو األمية ونشر العلم يحدان من انتشار العقائد الفاسدة واألفكار المنحرفة‪ ,‬والزكاة مورد دعم لمحو‬
‫األمية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إزالة اآلثار السياسية للفقر‬
‫‪ -1‬الزكاة مصدر من مصادر دعم الجهاد (سهم في سبيل اهلل)‪ ،‬وتقوية الحكومات حتى ال تخضع لالستعمار‬
‫السياسي‪ ،‬والسيطرة األجنبية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬الزكاة مصدر من مصادر االستقرار السياسي بما تحققه من تكافل اجتماعي‪ ،‬وتواصل بين األغنياء‬
‫والفقراء‪ ،‬واالستقرار االجتماعي يؤدي الستقرار الحياة عموما‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫فاعلية الزكاة في معالجة الفقر في صدر اإلسالم‬
‫لقد أثبتت الزكاة فاعليتها في عالج الفقر في تاريخ السلف الصالح؛ إذ كانت تؤخذ بتمام حقها وتصرف إلى‬
‫مستحقيها‪ ..‬فأدت إلى القضاء على الفقر في وقت وجيز‪ ..‬وتواترت قصص وأخبار صحيحة عن أن بعض ديار‬
‫المسلمين خلت من الفقراء‪ ..‬من هذه األخبار‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫ما رواه أبو عبيد عن أن عمر بن الخطاب أنكر على معاذ بن جبل أن بعث إليه بثلث صدقة أهل الجند باليمن‬
‫فقال له‪ :‬لم أبعثك جابيا وال ِ‬
‫آخ َذ جزية‪ ،‬ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم‪ .‬فرد معاذ‬
‫بقوله‪ :‬ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني‪ ،‬فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا‬
‫بمثل ذلك‪ ،‬فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها‪ ،‬وكانت حجة معاذ أيضا‪ :‬ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا (كنز‬
‫العمال) ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ما رواه البيهقي عن عمر بن أسيد أن عمر بن عبد العزيز قد أغنى الناس حتى ال يجدون من يأخذ منهم مال‬
‫الصدقة‪ ،‬وشهد بذلك يحيى بن سعيد حين قال‪ :‬بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية (منطقة تونس)‪،‬‬
‫فجمعتها وطلبت الفقراء أعطيها لهم‪ ،‬فلم أجد فقيرا يقبل أن يأخذ مني صدقة بيت المال‪ ،‬فاشتريت بها رقابا‬
‫وأعتقتهم بعد أن جعلت والءهم للمسلمين ‪.‬‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الدين والقضايا النفسية‬


‫العالج النفسي الديني للقلق‬

‫نزل القرآن الكريم أساسا ً لهداية الناس أجمعين ? ولدعوتهم إلى عقيدة التوحيد ? ولتعليمهم قيما ً‬

‫‪95‬‬
‫وأساليب في التفكير والحياة ? وإلرشادهم إلى ممارسة السلوك السوي ? بما فيه من صالح‬
‫اإلنسان وخير المجتمع ? كما أوضح القرآن الكريم لبني البشر الطرق الصحيحة لتربية النفس‬
‫وتقويمها وتنشأتها تنشئة سليمة ? تؤدي بها إلى بلوغ الكمال اإلنساني ? الذي تتحقق به سعادة‬
‫اإلنسان في الحياة الدنيا واآلخرة ? قال تعالى ‪ " :‬إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقومـ ويبشر‬
‫المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً " () وقالـ أيضا ً ‪ " :‬بل اإلنسان على نفسه‬
‫بصيرة ولو ألقى معاذيره " () ‪.‬‬

‫وال شك أن في القرآن الكريم طاقة روحية هائلة ? ذات تأثير بالغ الشأن في نفس اإلنسان ?‬
‫فهو يهز وجدانه ? ويرهف أحاسيسه ومشاعره ? ويصقل روحه ? ويوقظ إدراكه وتفكيره ?‬
‫ويجلّي بصيرته ? فإذا باإلنسان يصبح إنسانا ً جديداً كأنه خلق خلقا ً جديداً ‪.‬‬

‫لقد بذلت في اآلونة األخيرة جهود مضنية في ميدان العالج النفسي ? للمصابين في‬
‫االضطرابات الشخصية واألمراض النفسية ? غير أنها لم تحقق المرجو منها وهو القضاء على‬
‫األمراض النفسية والوقاية منها ? كما بدأت كذلك تظهر حديثا ً اتجاهات جديدة في ميدان العالج‬
‫النفسي ? تنادي بأهمية الدين في الصحة النفسية ? وفيـ عالج األمراض النفسية‪ ،‬وترى أن في‬
‫اإليمان باهلل تعالى قوة خارقة تمد اإلنسان (المحافظ دينيا ً ) بطاقة روحية هائلة ? تعينه على‬
‫تحمل مشاق الحياة ? وتجنبه القلق والوساوس التي يتعرض لها كثير من الناس الذين يعاركون‬
‫الحياة المعاصرة ? والتي تسيطرـ على جميع مظاهرها المختلفة االهتمام الكبير بماديتها‬
‫البرّ اقة ? التي تفتقر في نفس الوقت إلى الغذاء الروحي ? مما سبّب لإلنسان المعاصر كثيراً من‬
‫ً‬
‫وعرضة لإلصابة باألمراض النفسية () ‪.‬‬ ‫ألوان الضغط والتوترـ النفسي ? وجعله نهيبا ً للقلق ?‬

‫رأي علماء النفس غير المسلمين‬

‫نعرض فيما يلي بعضا ً من أقوال أصحاب الفكر من غير المسلمين حول العالج الديني للقلق‬
‫() ‪:‬‬

‫‪ -1‬يقول دائيل كارنجي في كتابه ( دع القلق واستمتع بالحياة ) ‪ :‬إن بين من نادى ( وليم جيمس‬
‫) ‪ William James‬فقد قال ‪ :‬إن أعظم عالج للقلق وال شك هو اإليمان ‪ -2،‬وقال أيضا ً ‪:‬‬
‫اإليمان من القوى التي البد من توفرها لمعاونة المرء على العيش ‪ -3،‬وفقده نذير بالعجز عن‬
‫معاناة الحياة ‪ -4،‬وقال أيضا ً ‪ :‬إن بيننا وبين هللا رابطة ال تنفصل ‪ -5،‬فإذا نحن أخضعنا أنفسنا‬
‫إلشرافه تعالى تحقق كل أمانياتنا وآمالنا ‪ -6،‬وقال أيضا‪ :‬إن أمواج المحيط المصطحبة المتقلبة‬
‫ال تعكر قط طمأنينة التقلبات المؤقتة ‪.‬‬

‫‪ -7‬قال كارل بونج ‪ : C. Jung‬استشارني خالل األعوام الثالثين الماضية أشخاص من‬
‫مختلف شعوب العالم المتحضر ‪ -8،‬وعالجت مئات كثيرة من المرضى ‪ ..‬فلم أجد مريضا ً‬
‫واحداً من مرضايـ الذين في المنتصفـ الثاني من عمرهم ممن لم تكن مشكلته في أساسها هي‬
‫افتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة ‪ -9،‬وأستطيع القول إن كل منهم قد وقع فريسة المرض‬
‫ألنه فقد ذلك الشيء الذي تمنحه األديان القائمة في كل عصر ألتباعها ‪ -10،‬وأنه لم يتم شفاء‬
‫أحد منهم حقيقة إالّ بعد أن استعاد نظرته الدينية في الحياة ‪.‬‬
‫‪ -11‬يقول ?‪ .?.‬برين ‪ A.A.Brin‬المحلل النفسي ‪ :‬إن المرء المتدين حقا ً ال يعاني قط مرضا ً‬
‫نفسيا ً ‪.‬‬
‫‪ -12‬ذكر هنري لنيك ‪ Hnery Link‬العالم النفسي األمريكي في كتابه ( العودة إلى اإليمان ) ‪:‬‬
‫أنه وجد نتيجة خبرته الطويلة في تطبيق االختبارات النفسية على العمال في عمليتي االختبارـ‬

‫‪96‬‬
‫المهني والتوجيه المهني أن األشخاص المتدينين والذي يترددون على دور العبادة يتمتعون‬
‫بشخصية أقوى وأفضل ممن ال دين لهم أو ال يقومون بأية عبادة ‪.‬‬
‫‪ -13‬كما أشار كثير من المفكرين الغربيين المحدثين إلى أن أزمة اإلنسان المعاصر إنما ترجع‬
‫أساسا ً إلى افتقار اإلنسان إلى الدين والقيم الروحية ?‪ -14‬فقد أشار المؤرخ أرنولد توينبيـ ‪A.‬‬
‫‪ Twinby‬إلى أن األزمة التي يعاني منها األوروبيون في العصر الحديث إنما ترجع في أساسها‬
‫إلى الفقر الروحي ?‪ -15‬وأن العالج الوحيد لهذا التمزق الذي يعانون منه هو الرجوع إلى‬
‫الدين ‪.‬‬

‫آن األوان‪..‬‬

‫خادم الحرمين في األمم المتحدة‪ :‬آن األوان أن نتعلم من دروس الماضي وأن نجتمع على‬
‫األخالق والمثل العليا التي نؤمن بها‬

‫الملك عبد هللا للقادة ورؤساء الوفود بمؤتمر حوار أتباع الديانات‪ :‬سنمد أيدينا لكل محبي‬
‫السالم والعدل والتسامح‬

‫يلقي كلمته أمام مؤتمر حوار اتباع الديانات في نيويورك‬


‫الشريفين لدى مشاركته في جلسة أمس للجمعية العامة‬
‫حوار أتباع الديانات والحضارات (واس)‬
‫نيويورك‪:‬ـ «الشرق األوسط»‬
‫أكد خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك عبد هللا بن عبد العزيز‪ ،‬أمام القادة ورؤساءـ وفود الدول في‬
‫اجتماع الحوار بين اتباع الديانات والثقافات والحضارات في الجمعية العامة لألمم المتحد امس‪،‬‬
‫أن «األديان التي أراد بها هللا عز وجل إسعاد البشر ال ينبغي ان تكون من أسباب شقائهم‪ ،‬وان‬
‫اإلنسان نظير اإلنسان وشريكه على هذا الكوكب‪ ،‬فإما أن يعيشا معا ً في سالم وصفاء‪ ،‬وإما أن‬
‫ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية»‪ .‬وقال الملك عبد هللا‪ ،‬في كلمته‪« ،‬إن التركيزـ عبر‬
‫التاريخ على نقاط الخالف بين أتباع األديان والثقافات قاد إلى التعصب‪ ،‬وبسبب ذلك قامت‬
‫حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم‪ ،‬وقد آن األوان‬
‫ألن نتعلم من دروس الماضي القاسية‪ ،‬وأن نجتمع على األخالق والمثل العليا التي نؤمن بها‬
‫جميعاً‪ ،‬وما نختلف عليه سيفصل فيه الرب‪ ،‬سبحانه وتعالى‪ ،‬يوم الحساب»‪ .‬وشكر خادم‬

‫‪97‬‬
‫الحرمين الشريفين رئيس الجمعية العامة لألمم المتحدة على تنظيم هذا اللقاء‪ ،‬وقال «‪ ..‬وأشكر‬
‫أصدقائيـ من زعماء العالم وقادته على حضورهمـ من مشارقـ األرض ومغاربها‪ ،‬معتزاً‬
‫بصداقتهمـ ومشاركتهم‪ ،‬واسمحوا لي أن أدعو المتحاورين في مدريدـ إلى اختيار لجنة منهم تتولى‬
‫مسؤولية الحوار في األيام واألعوام القادمة‪ ،‬مؤكداً لهم ولمختلفـ دول شعوب العالم أن اهتمامنا‬
‫بالحوار ينطلق من ديننا وقيمنا اإلسالمية‪ ،‬وخوفنا على العالم اإلنساني وإننا سنتابع ما بدأنا‪،‬‬
‫وسنمد أيدينا لكل محبي السالم والعدل والتسامح»‪.‬‬

‫وكان اجتماع الحوار بين أتباع األديان والثقافات والحضارات المعتبرة قد بدأ في مقر األمم‬
‫المتحدة بنيويورك أمس بمشاركة خادم الحرمين الشريفين والملوك وقادة ورؤساء الحكومات في‬
‫عدد من دول العالم ورؤساء الهيئات الدولية‪.‬‬

‫وعند وصولـ الملك إلى مقر األمم المتحدة كان في استقباله األمين العام لألمم المتحدة بان كي‬
‫مون وكبار المسؤولينـ في المنظمة ومندوب المملكة الدائم لدى األمم المتحدة خالد النفيسي‪.‬‬

‫وبعد إلقاء كلمته توجه خادم الحرمين الشريفين واألمين العام لألمم المتحدة بان كي مون إلى‬
‫مكتب االخير بمقر المنظمة حيث التقطت الصور التذكارية‪ .‬ثم وقع خادم الحرمين الشريفين في‬
‫سجل الزيارات‪.‬‬

‫عقب ذلك تمت مناقشة عدد من الموضوعات المتعلقة باجتماع الحوار بين أتباع األديان‬
‫والحضارات‪ .‬ثم قام خادم الحرمين الشريفين بزيارة لرئيس الجمعية العامة لألمم المتحدة في‬
‫دورتها الحالية ميجيل بروكمان في مكتبه‪.‬‬

‫وقد ألقى خادم الحرمين الشريفين خالل االجتماع الكلمة التالية‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم أصحاب الجاللة والفخامة والسموـ صاحب المعالي رئيس الجمعية العامة‬
‫لألمم المتحدة أيها الحضور الكرام‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ـ أمام هذا الجمع من قادة‬
‫العالم‪ ،‬ومن الجمعية العامة ضمير األمم المتحدة‪ ،‬نقول اليوم بصوت واحد إن األديان التي أراد‬
‫بها هللا عز وجل إسعاد البشر ال ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم‪ ،‬وان اإلنسان نظير اإلنسان‬
‫وشريكه على هذا الكوكب‪ ،‬فإما أن يعيشا معا ً في سالم وصفاء‪ ،‬وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم‬
‫والحقد والكراهية‪ .‬إن التركيزـ عبر التاريخ على نقاط الخالف بين أتباع األديان والثقافات قاد‬
‫إلى التعصب‪ ،‬وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبررـ من‬
‫منطق أو فكر سليم‪ ،‬وقد آن األوان ألن نتعلم من دروس الماضي القاسية‪ ،‬وأن نجتمع على‬
‫األخالق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعاً‪ ،‬وما نختلف عليه سيفصل فيه الرب‪ ،‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬يوم الحساب‪ ،‬إن كل مأساة يشهدهاـ العالم اليوم ناتجة عن التخلي عن مبدأ عظيم من‬
‫المبادئ التي نادت بها كل األديان والثقافات فمشاكل العالم كلها ال تعني سوى تنكر البشر لمبدأ‬
‫العدالة‪.‬‬

‫إن اإلرهاب واإلجرام عدوا هللا وكل دين وحضارة‪ ،‬وما كانا ليظهرا لوال غياب مبدأ التسامح‪،‬‬
‫والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب‪.‬‬

‫كما أن المخدرات والجريمة‪ ،‬لم تنتشر إال بعد انهيار روابط األسرة التي أرادها هللا عز وجل‬
‫ثابتة قوية‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫إن حوارناـ الذي سيتم بطريقة حضارية كفيل ـ بإذن هللا ـ بإحياء القيم السامية‪ ،‬وترسيخهاـ في‬
‫نفوس الشعوب واألمم‪ .‬وال شك بإذن هللا أن ذلك سوف يمثل انتصاراًـ باهراً ألحسن ما في‬
‫اإلنسان على أسوأ ما فيه ويمنح اإلنسانية األمل في مستقبل يسودـ فيه العدل واألمن والحياة‬
‫الكريمة على الظلم والخوف والفقر‪.‬‬

‫أيها األصدقاء‪:‬‬

‫أشكر معالي رئيس الجمعية العامة على تنظيم هذا اللقاء‪ ،‬وأشكرـ أصدقائيـ من زعماء العالم‬
‫وقادته على حضورهمـ من مشارقـ األرض ومغاربها‪ ،‬معتزاً بصداقتهم ومشاركتهم‪ ،‬واسمحواـ‬
‫لي أن أدعو المتحاورين في مدريد إلى اختيار لجنة منهم تتولى مسؤولية الحوار في األيام‬
‫واألعوام القادمة‪ .‬مؤكداًـ لهم ولمختلف دول شعوب العالم أن اهتمامنا بالحوار ينطلق من ديننا‬
‫وقيمنا اإلسالمية‪ ،‬وخوفنا على العالم اإلنساني وإننا سنتابع ما بدأنا‪ ،‬وسنمدـ أيدينا لكل محبي‬
‫السالم والعدل والتسامح‪.‬‬

‫وختاما ً أذكركم ونفسي بما جاء في القرآن الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوباًـ وقبائل لتعارفواـ إن أكرمكمـ عند هللا أتقاكم)‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته وشكراً لكم بعد ذلك توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد‬
‫هللا بن عبد العزيز آل سعود واألمين العام لألمم المتحدة بان كي مون إلى مكتب االمين العام‬
‫بمقر المنظمة حيث التقطت الصور التذكارية‪.‬‬

‫ثم وقع خادم الحرمين الشريفين في سجل الزيارات‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أهم المراجع التي تم االستناد إليها في مادة البحث‪:‬‬
‫‪ -‬سيرة ابن هشام‬
‫‪ -‬تاريخ الطبري‬
‫‪ -‬الواقدي‬
‫‪ -‬البخاري‬
‫‪ -‬القرآن الكريم‬
‫‪ -‬خالد محمد خالد ‪/‬م ًعا على الطريق‬
‫‪ -‬محمد واليهود د‪ .‬بركات أحمد‬
‫‪ -‬موقع إسالم ويب على الشبكة اإللكترونية‬
‫‪ -‬موقع جوجل للبحث عن الوثايق‪Y‬‬

‫‪100‬‬
‫المؤلف في سطور‬
‫حسن شعراوي‬

‫‪ ‬‬
‫‪Hasansalehsharawy@yahoo.com‬‬
‫ســــــــــيرة ذاتيـــة‬
‫‪ ‬‬
‫االسم ‪                 :‬حسن صالح أبو المعاطي محمد الشعراويـ‬
‫كاتب وشاعر مصري‬
‫‪ alhaqaeq.net‬‬
‫(صاحب ديوان الزورق‪ 4‬المثقوب)‬
‫كافة حقوق نشره لشركة ‪scribd.com‬‬
‫عضو اتحاد الكتاب واألدباء العرب‬
‫‪WATA.CC‬‬

‫عضو اتحاد المترجمين الدوليين‬


‫‪ATA‬‬
‫‪www.atanet.org‬‬

‫عضو اتحاد القُرَّاء‬


‫(القرآن الكريم)‬
‫‪http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=souraview&qid=1376&rid=1‬‬

‫السن وتاريخ الميالد‪ 34    :‬عامًا‪3/6/1976                  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الحالة االجتماعية‪                           :‬أعزب‬
‫‪ ‬‬
‫الموقف من التجنيد‪          :‬معفى نهائ ًّيا‬
‫‪ ‬‬
‫العنوان‪            :‬قرية ميت راضي – بنها – قليوبية‪ -‬مصـر‬
‫‪ ‬‬
‫الهاتف‪                   :‬منزل‪002/013/3881380 :‬‬

‫‪101‬‬
‫البريد اإللكتروني‪        :‬‬
‫‪hasansalehsharawy@yahoo.com‬‬
‫‪hsharawy2010@gmail.com ‬‬

‫‪ ‬‬
‫المؤهل وسنة التخرج‪     :‬ليسانس آداب لغة عربية‪1998   ‬م‬
‫‪ ‬‬
‫العمل‪          :‬محرر وباحث لغوي حُــــرّ‬
‫المهارات‪:‬‬
‫اللغة اإلنجليزية‪         :‬التحدث والكتابة بتقدير جيد‬
‫‪ ‬‬
‫الكمبيــوتر‪             :‬خبرة في العمل على جهاز الكمبيوترـ بإصدارات ويندوزـ المختلفة‬
‫( ويندوزـ ‪ 95‬وحتى ويندوزـ‪ )Xp‬و ‪ Adobe Acrobat‬و ‪ html‬و‪  ‬‬
‫‪                                    vss‬و ‪sdlx‬‬
‫الخــــــبرة العملية‪:‬‬
‫خبرة في مجال التحرير الصحفي والتصحيحـ والبحث اللغوي بكبرى دور النشر‪ ،‬والصحف‬
‫ودور الترجمة‪.‬‬
‫ومن طبيعة العمل تحرير وتصحيح المؤلفات والمترجمات نحو ًّيا وإمالئ ًّيا ولغو ًّياـ وأسلوب ّياـً‬
‫وضبط تشكيلها‪ ،‬والحكم على المترجمات وتقييمها من ناحية األسلوب والقدرة على توصيل‬
‫الفكرة‪ ،‬ومقارنة النص العربي بالنص اإلنجليزيـ ومدى توافق هذه الفكرة المترجمة‪ ‬مع قيمناـ‬
‫وديننا الحنيف‪.‬‬
‫‪ -‬خبرة في التحرير الصحفي على شبكة اإلنترنت‪.‬‬
‫‪ -‬خبرة في عمل (بروفريدينج) للمترجمات إلى العربية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقدـ جاوزتـ هذه الخبرة ‪10‬سنوات) تم خاللها مراجعة عدد كبير من الكتب في شتى صنوف‬
‫المعرفة‪ ،‬فتنوعت ما بين كتب في إدارة األعمال‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وبرامج الكمبيوتر‪ ،‬وكتب‬
‫التراث اإلسالمي‪ ،‬ومواقعـ اإلنترنت والمشاركة في بناء المعاجم اللغوية المتخصصة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الهوايات‪:‬‬
‫‪      1‬كتابة الشعر‬
‫‪      2‬تأليف القصة القصيرة‬
‫‪      3‬كتابة السيناريو‬
‫‪      4‬الغناء اإلسالمي واالبتهاالت‬
‫‪      5‬المشاركة في الحوارات األدبية والمنتديات‬
‫‪ – 6‬الفروسية| وتربية الخيل‬
‫‪/http://www.equestriancentre.nsw.gov.au‬‬

‫‪ -      7‬الترجمة‬

‫‪ ‬‬

‫‪102‬‬
The author: Hasan Saleh sharawy
Name: Hassan Saleh Abou El-Maati Mohamed al
Shaarawi

Egyptian writer and poet


 alhaqaeq.net
scribd.com
Name and professional journalist Hassan Shaarawi
AMEMBER OF WATA,

WATA.CC

ATA

www.atanet.org

AND

READERS OF THE HOLY QURN

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=souraview&qid=1376&rid=1

Age and date of birth, 34, 3/6/1976

Marital status: Single

Military Status: Exempt final

Address: village of Meet Radi - Banha - Qalubia - Egypt

Phone:

House 02/013 \ 3883180

E-mail

hasansalehsharawy@yahoo.com

hsharawy2010@gmail.com

103
Qualifications and year of graduation: Bachelor of Arts in 1998 Arab language

Occupation: Editor and researcher for language

:Skills

English: speaking and writing good grade

Computer: the experience of working on the computer and Windows versions


different

and Adobe Acrobat, html, vss and sdlx )Windows 95 and even Windows Xp(

:Work experience

Experience in the field of editorial content, e-language debugging and configuration


of automated content and linguistic research with major publishing houses,
newspapers and the role of translation. E-publishing companies

:It is the nature of work

Editorial content of the e -

Patch linguistic heritage of the literature and translators grammatically and spelling, -
linguistically and stylistically

Adjust the full composition of the structure of the floor -

Revision and evaluation of translators in terms of style and ability to deliver the -
idea, compared to the Arabic text and English text and the compatibility of this idea
.compiled with our values and our religion

Experience in the editorial on the Internet .. And update the site

.Experience in the work (Provredenj) for interpreters into Arabic -

This experience has exceeded 10 years) during which a review of a large number of
books in various forms of knowledge, Vtnoat between books in business
administration, psychology, computer programs, and Islamic heritage books, web
.sites and participate in building specialized dictionaries

Preparation of research and specialized studies in the literature and criticism and as -

Other trades

Peasant farms more than 20 years experience _

104
Horse trainer and horsemanship -
MEMBER
/http://www.equestriancentre.nsw.gov.au

105

You might also like