You are on page 1of 8

‫زبيدة‬

‫زوجة الرشيد‬

‫إعداد‬
‫جنات عبد العزيز دنيا‬
‫زبيدة زوجة الرشيد‬
‫كانت زبيدة تتمنى بينها وبين نفسها أن تتزوج من ذلك الشاب‬
‫اليافع‪ ،‬وها قد تحقق حلمها الذي كانت تحلم به‪ ،‬فقد عاد ابن‬
‫عمها هارون الرشيد مع أبيه الخليفة "المهدى" من ميدان‬
‫المعركة بعد أن حققا النصر على الروم‪ ،‬نصبت الزينات وأقيمت‬
‫الولئم التي لم يشهدها أحد من قبل فى بلد العرب وتزوجت‬
‫زبيدة من هارون الرشيد‪ ،‬فمل الحب قلبيهما‪ ،‬واستطاعت‬
‫بذكائها ولباقتها أن تزيد من حبه لها حتى أصبح ليطيق فراقها‬
‫ول يمّل صحبتها‪ ،‬ول يرفض لها طلًبا‪.‬‬
‫ومرت اليام‪ ،‬وأنجبت زبيدة من هارون الرشيد ابنها "محمًدا”‬
‫المين‪ ،‬وكانت شديدة العطف عليه والرفق به لدرجة أنها بعثت‬
‫ذات يوم جاريتها إلى الكسائى مؤدبه ومعلمه‪،‬وكان شديًدا عليه‪،‬‬
‫تقول له ‪" :‬ترفق بالمين فهو ثمرة فؤادى وقرة عيني"‪.‬‬
‫وتولى هارون الرشيد الخلفة‪ ،‬فازداد الخير فى البلد‪ ،‬واتسع‬
‫ملكه‪ .‬وتأتي زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد من‬
‫طلئع النساء اللتي قمن بأعمال خيرية عملقة‪ ،‬وذلك من نفقتها الخاصة؛‬
‫ففي رحلتها للحج سنة )‪186‬هـ= ‪802‬م( رأت ما يعانيه أهل مكة المكرمة‬
‫من جهد في سبيل الحصول على الماء الصالح للشرب‪ ،‬فبادرت باستدعاء‬
‫خازن مالها وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلد ليجاد حل‬
‫سريع وفعال لهذه المشكلة ‪.‬‬
‫فأخبرها الخازن أن هناك صعوبات كبيرة في حل هذه المشكلة‪،‬‬
‫وأن إيجاد الماء العذب لمكة سيكلفها أموال طائلة‪ ،‬فما كان من‬
‫زبيدة إل أن أمرته بتنفيذ المشروع حتى لو كانت ضربة‬
‫المعول بدينار )أي أن تكون ضربة المعول بما يعادل ‪ 40‬دولرا‬
‫حاليا( وهو ما يؤكد صدق عزيمتها للقيام بهذا المشروع‪ .‬وقد‬
‫قام المهندسون والعمال بوصل منابع المياه من الجبال حتى‬
‫أوصلوها بعين حنين بمكة‪ ،‬وتم تمهيد الطريق للماء في كل‬
‫منخفض وسهل وجبل‪ ،‬وعرفت العين بعين زبيدة‪ ،‬وكان طولها‬
‫حوالي ‪ 10‬أميال‪ ،‬كما أقامت الكثير من البار والمنازل‬
‫والمساجد على الطريق بين بغداد ومكة‪.‬‬
‫وهذه العمال ل تقوم بها إل الدول‪ ،‬فإذا قامت به سيدة فاضلة‬
‫فهو دليل على قلبها العامر بالخير‪ ،‬وقدرتها على تنفيذ العمل‬
‫الجتماعي الخيري‪.‬‬
‫ويذكر أن زبيدة أنفقت في رحلة الحج تلك التي استمرت حوالي‬
‫‪ 60‬يوما ما يقرب من ‪ 54‬مليون درهم‪ ،‬وهو ما يشير إلى‬
‫حجم ثرائها الواسع وإنفاقها الكبير في وجوه الخير‪.‬‬
‫ت العديد من المساجد والمبانى‬
‫ف زبيدة بذلك‪ ،‬بل َبَن ْ‬
‫ولم تكت ِ‬
‫ت الكثير من البار والمنازل على‬ ‫المفيدة للمسلمين‪ ،‬وأقام ْ‬
‫طريق بغداد‪ ،‬حتى يستريح المسافرون‪.‬‬
‫وُيذكر لزبيدة أيضا أنه كان لها مائة جارية يحفظن القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وأنهن كن يقرأنه بالليل فكان ُيسمع من قصرها دوي‬
‫كدوي النحل من هذه القراءة‪ ،‬فقصرها كان أشبه بمدرسة أو‬
‫معهد راق لتعليم القرآن الكريم تتعلم فيه مائة فتاة من حافظات‬
‫القرآن القارئات له والمتعبدات به آناء الليل‪.‬‬
‫وأرادت زبيدة أن تولى ابنها المين الخلفة بعد أبيه‪ ،‬لكن‬
‫هارون الرشيد كان يرى أن المأمون وهو ابنه من زوجة أخرى‬
‫أحق بالخلفة لذكائه وحلمه‪ ،‬رغم أنه أصغر من المين؛‬
‫فدخلت زبيدة على الرشيد تعاتبه وتؤاخذه‪ ،‬فقال لها الرشيد ‪:‬‬
‫ويحك‪ ،‬إنما هي أمة محمد‪،‬ورعاية من استرعانى طوًقا بعنقى‪،‬‬
‫وقد عرفت ما بين ابنى‪ ،‬وابنك يا زبيدة‪ ،‬ابنك ليس أهل للخلفة‬
‫فقد زينه فى عينيك ما يزين الولد فى عين البوين‪ ،‬فاّتقى ال‬
‫ى‪ ،‬إل أنها الخلفة ل تصلح إل لمن كان‬ ‫فوال إن ابنك لحب إل ّ‬
‫أهل لها‪ ،‬ونحن مسئولون عن هذا الخلق ؛ فما أغنانا أنا نلقى‬
‫ب إليه بإثمهم فدعينى حتى أنظر فى أمرى‪.‬‬ ‫ال بِوْزِرِهْم‪ ،‬وننقل َ‬
‫وعلى الرغم من ذلك فقد عهد بولية العهد لبنه محمد المين‪،‬‬
‫ثم للمأمون من بعده‪.‬وحين دخل المأمون بغداد بعد مقتل المين‪،‬‬
‫وكان صراع قد شب بينهما حول منصب الخلفة استقبلْتُه‪،‬‬
‫ك‪،‬‬
‫ك‪ ،‬قبل أن أرا َ‬ ‫ت نفسى بها عن َ‬ ‫ك بخلفة قد هنأ ُ‬ ‫وقالت له‪ :‬أهني َ‬
‫ت ابًنا خليفة لم أِلْده‪،‬‬
‫ض ُ‬
‫عّو ْ‬
‫ت ابًنا خليفًة؛ لقد ُ‬
‫ت قد فقد ُ‬
‫ولئن كن ُ‬
‫وما خسر من اعتاض مثلك‪ ،‬ول ثكلت أم ملت يدها منك‪ ،‬وأنا‬
‫عا بما عوض ‪.‬فقال المأمون‪:‬‬ ‫أسأل ال أجًرا على ما أخذ‪ ،‬وإمتا ً‬
‫ما تلد النساء مثل هذه‪ .‬وماذا أبقت فى هذا الكلم لبلغاء الرجال‪.‬‬
‫وُتُوّفيت السيدة زبيدة فى بغداد سنة ‪216‬هـ بعد حياة حافلة‬
‫بالخير والبر‪ ،‬فرحمة ال عليها‪.‬‬
‫‪gannatdonya@gmail.com‬‬

You might also like