You are on page 1of 94

‫مفاتح تدبر القرآن‬

‫و‬
‫النجاح في الحياة‬

‫إعداد‬
‫د‪.‬خالد بن عبد الكريم اللحم‬
‫أستاذ القرآن وعلومه المساعد‬
‫بجامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية‬
‫ح خالد بن عبد الكريم اللحم ‪،‬‬
‫‪1425‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء‬
‫النشر‬
‫اللحم ‪ ،‬خالد عبد الكريم محمد‬
‫مفاتيح تدبر القرآن والنجاح في الحياة‬
‫‪/‬خالد بن عبد الكريم اللحم ‪ -‬الرياض ‪،‬‬
‫‪1425‬هـ‬
‫‪ 80‬ص ‪ 24 ،‬سم‬
‫ردمكـ ‪9960 _ 46 _ 021 - 5‬‬
‫أ‪-‬‬ ‫‪ -1‬القرآن ‪-‬مباحث عامة ‪ -2‬النجاح‬
‫العنوان‬
‫‪1425 -2878‬‬ ‫ديوي ‪229‬‬

‫رقم اليداع ‪- 2878 :‬‬


‫‪1425‬‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬
‫الطبعة الولى ‪1425‬هـ ‪ 2004 -‬م‬

‫يطلب الكتاب من الناشر على‬


‫العنوان ‪:‬‬
‫جوال ‪0505217570‬‬
‫فاكس ‪ ، 012312652‬بريد الكتروني‬
‫‪LAHIM@QURANLIFE.com‬‬
‫الرحمن الرحيم‬ ‫بسم الله‬
‫سبب تأليف الكتاب‬
‫بعد إحدى المحاضرات سألني أحدهم ‪:‬‬
‫كيف يكون النجاح بالقرآن ؟‬
‫فقلت له ‪ :‬هذا سؤال كبير ‪ ،‬وخاصة هذه اليام التي فتن‬
‫الناس فيها بهذا الفن مستندين في معظم طرحهم على‬
‫كتب حضارات غير إسلمية ‪ ،‬وصار المتسي ّد ُ للحديث فيه ل‬
‫يملكه إل من حصل على شهادات أو دورات هناك ‪ ،‬قلت‬
‫له ‪ :‬هذا سؤال كبير وأخشى إن أجبت عنه إجابة سريعة‬
‫أن أسيئ إلى القرآن ‪ ،‬فل بد من البيان المتكامل الواضح‬
‫الذي يربط المفاهيم والمصطلحات بالواقع ‪ ،‬ويوضح أن‬
‫الصل في تحقيق النجاح هو القرآن الكريم كلم رب‬
‫العالمين ‪ ،‬وما عداه ‪ :‬فإما أن يكون تابعا ً له ‪ ،‬وإل فهو‬
‫مرفوض ‪.‬‬
‫كان هذا السؤال هو سبب تأليف هذا الكتاب ‪ ،‬الذي‬
‫حاولت فيه أن أبين كيفية تحقيق القوة والنجاح بمفهومه‬
‫الشامل المتكامل لكل طبقات المجتمع ولجميع جوانب‬
‫حياتهم ‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫مقدمة‬

‫مقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده‬
‫الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن الوسيلة الولى لصلح النفس وتزكية القلب‬
‫والوقاية من المشكلت وعلجها هو العلم ‪ ،‬ووسيلته‬
‫الولى القراءة والكتاب ؛ لذلك نجد أن الله تعالى‬
‫لما أراد هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى‬
‫النور أنزل إليهم كتابا يقرأ ‪ ،‬وفي أول سورة نزلت‬
‫منه بدأت بكلمة عظيمة هي مفتاح الصلح لكل‬
‫الناس مهما اختلفت الزمان وتباينت البلدان إنها ‪} :‬‬
‫إقرأ { ‪ ،‬وعليه فمن أراد النجاح وأراد الزكاة‬
‫والصلح فل طريق له سوى الوحيين القرآن‬
‫والسنة ‪ :‬قراءة وحفظا وتعلما‪.‬‬
‫إن الحالة على كتاب يقرأ ويفهم ويطبق‬
‫هي الطريقة العملية للتغير والتطوير‪.‬‬
‫ولو تأملنا في حال سلفنا الصالح بدءا ً من النبي §‬
‫وانتهاًء بالمعاصرين من الصالحين لوجدنا أن القاسم‬
‫المشترك بينهم هو القيام بالقرآن وفي صلة الليل‬
‫خاصة ‪ ،‬والعمل المتفق عليه عندهم الذي ل يرون‬
‫التهاون به في أي حال هو الحزب اليومي من‬
‫القرآن ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب _ قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله §‪ " :‬من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه‬
‫فيما بين صلة الفجر وصلة الظهر كتب له كأنما‬
‫‪3‬‬ ‫مقدمة‬
‫قرأه من الليل")‪ (1‬إنه الحرص على عدم فواته مهما‬
‫حالت دونه الحوائل ‪ ،‬أو اعترضته العوارض ‪ ،‬لنهم‬
‫يعلمون يقينا أن هذا هو غذاء القلب الذي ل يحيا‬
‫بدونه ‪ ،‬إنهم يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء‬
‫البدن ‪ ،‬ويشعرون بالنقص متى حصل شئ من‬
‫ذلك ‪ ،‬بعكس المفرطين الذين ل يشعرون إل بجوع‬
‫أبدانهم وعطشها ‪ ،‬أو مرضها وألمها ‪ ،‬أما ألم‬
‫القلوب وعطشها وجوعها فل سبيل لهم إلى‬
‫الحساس به‪.‬‬
‫إن قراءة القرآن في صلة الليل هي أقوى‬
‫وسيلة لبقاء التوحيد واليمان غضا طريا‬
‫نديا في القلب ‪.‬‬
‫إنها المنطلق لكل عمل صالح آخر من صيام أو‬
‫صدقة أو جهاد وبر وصلة‪.‬‬
‫لما أراد الله سبحانه وتعالى تكليف نبيه محمد §‬
‫جهه‬ ‫ل جدا ً ؛ و ّ‬ ‫بواجب التبليغ والدعوة وهو حمل ثقي ٌ‬
‫َ‬
‫إلى ما يعينه عليه وهو القيام بالقرآن ‪َ} :‬يا أي َّها‬
‫ل إل ّ قَِليل ً ‡† ن ِصَف َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ه أوِ انُق ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ل َ‡† قُم ِ الل ّي ْ َ ِ‬ ‫م ُ‬‫مّز ّ‬‫ال ْ ُ‬
‫سن ُل ِْقي‬ ‫ن ت َْرِتيل ً ‡† إ ِّنا َ‬ ‫ل ال ُْقْرآ َ‬ ‫قَِليل ً ‡† أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ‬
‫طئا ً‬
‫شد ّ وَ ْ‬ ‫ي أَ َ‬
‫ل هِ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬
‫شئ َ َ‬
‫ن َنا ِ‬ ‫ك قَوْل ً ث َِقيل ً ‡† إ ِ ّ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ويل ً { ]‪7-1‬‬ ‫حا ط َ ِ‬ ‫ك ِفي َالن َّهارِ َ‬
‫سب ْ ً‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م ِقيل ً ‡† إ ِ ّ‬ ‫وَأقْوَ ُ‬
‫سورة المزمل[ ‪.‬‬
‫لقد كثر في زماننا هذا الحديث عن النجاح‬
‫والسعادة والتفوق والقوة‪ ،‬وكثرت فيه‬
‫المؤلفات وكل يدعي أن في كتابه أو برنامجه الدواء‬
‫الشافي ‪ ،‬والعلج الناجع ‪ ،‬وأنه الكتاب الذي ل تحتاج‬
‫‪ ()1‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 747)515‬صحيح ابن حبان ج ‪/6‬ص ‪2643) 369‬‬
‫( ‪ ،‬صحيح ابن خزيمة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1171) 195‬سنن النسائي الكبرى ج ‪/1‬ص‬
‫‪ ، (1464) 458‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1313)34‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص‬
‫‪ ، ( 1343) 426‬سنن الترمذي ج ‪/2‬ص ‪(581)474‬‬
‫‪4‬‬ ‫مقدمة‬
‫معه إلى غيره ‪ ،‬والحق أن هذا الوصف ل يجوز‬
‫أن يوصف به إل كتاب واحد هو القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ولعلج هذه المشكلة ‪ -‬أعني انصراف الناس عن‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬واشتغال بعضهم بتلك المؤلفات‬
‫بحثا عن السعادة والنجاح ‪ -‬يجئ هذا البحث ليسهم‬
‫في تبيين الحقائق وتوضيح الدقائق ‪ ،‬و رسم‬
‫الطريق الصحيح للمنهج السليم الذي ينبغي أن يتبعه‬
‫المسلم في حياته ‪.‬‬
‫إن العبد إذا تعلق قلبه بكتاب ربه فتيقن أن نجاحه و‬
‫نجاته وسعادته وقوته في قراءته وتدبره تكون‬
‫هذه البداية للنطلق في مراقي النجاح وسلم‬
‫الفلح في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هذا البحث يتحدث عن الوسائل العملية التي‬
‫تم ّ‬
‫كن ‪ -‬بعون الله تعالى ‪ -‬من النتفاع بالقرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وهذه القواعد هي التي كان يسلكها سلفنا‬
‫الصالح في تعاملهم مع القرآن الكريم ‪ ،‬التي بسبب‬
‫غفلة الكثيرين عنها أو بعضها أصبحوا ل يتأثرون ول‬
‫ينتفعون بما فيه من اليات والعظات ‪ ،‬والمثال‬
‫والحكم‪.‬‬
‫ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن‬
‫الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه‬
‫حتى ربما يمضى عليه وقت طويل ل يستطيع تجاوز‬
‫آية واحدة من كثرة المعاني التي تفتح عليه ‪ ،‬وقد‬
‫حصل هذا للسلف من قبلنا والخبار في هذا كثيرة‬
‫مشهورة‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد الله التستري ‪ " :‬لو أعطي العبد‬
‫بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة‬
‫أودع الله في آية من كتابه لنه كلم الله وكلمه‬
‫صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك ل نهاية لفهم‬
‫ل بمقدار ما يفتح الله‬ ‫كلمه ‪ ..‬وإنما يفهم ك ٌ‬
‫على قلبه ‪ ،‬وكلم الله غير مخلوق ‪ ،‬ول يبلغ إلى‬
‫نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة "اهـ)‪ ، (2‬وهذا كلم‬
‫صحيح والتجربة والواقع يشهد بذلك ‪ ،‬فإن الناس‬
‫يتفاوتون في فهمهم وإدراكهم ليات القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وتنزيلها على أمور حيــــــاتهم ‪ ،‬وأيضا فإن‬
‫الشخص نفسه قد ينفتح له فهم لبعض اليات ويتأثر‬
‫بها‪ ،‬ويأتي في وقت آخر يقف أمام الية وقد أغلقت‬
‫دونه ‪ ،‬يقف أمامها ويقول لقد تأثرت بهذه الية يوما‬
‫من اليام فأين ذاك التأثر ؟ وأين ذاك الفهم ؟‬
‫إن فهم القرآن وتدبره مواهب من الكريم الوهاب‬
‫يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك السباب‬
‫الموصلة إليها بجد واجتهاد ‪ ،‬أما المتكئ على‬
‫أريكته ‪ ،‬المشتغل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن‬
‫فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الماني‪.‬‬
‫مادة هذا البحث ليست مجموعة نظريات أو‬
‫فرضيات توضع كحلول للمشكلة المراد‬
‫علجها ‪ ،‬إنما هي خطوات عملية ‪ ،‬تحتاج‬
‫إلى تدرج وتكرار حتى يصل المتعلم فيها‬
‫إلى ما وصف من نتائج وثمار ‪ ،‬قال ثابت‬
‫البناني ‪" :‬كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به‬
‫عشرين سنة " اهـ ‪ ،‬وما قاله ثابت البناني حق ‪،‬‬
‫فقف عند الباب حتى يفتح لك ؛ إن كنت تدرك‬
‫عظمة ما تطلب فإنه متى فتح لك ستدخل إلى‬
‫عالم ل تستطيع الكلمات أن تصفه ول العبارات أن‬
‫تصور حقيقته ‪ ،‬أما إن استعجلت وانصرفت‬
‫‪ ()2‬مقدمة تفسير البسيط للواحدي )رسالة دكتوراه( ‪34-1 :‬‬
‫‪6‬‬ ‫مقدمة‬
‫فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد ل تدركها‬
‫فيما تبقى من عمرك‪.‬‬
‫كنت أحاول كتابة تفسير تربوي يركز في مضمونه‬
‫على ما يقوي اليمان ويزيد الخشوع دون استطراد‬
‫أو خروج عن هذا المسار ‪ ،‬ولكن بعد أن بدأت‬
‫بالشتراك مع الخ الدكتور إبراهيم بن سعيد‬
‫الدوسري بوضع منهج لهذا التفسير ‪ ،‬وتمت كتابة‬
‫المرحلة النظرية للبحث ‪ ،‬وبعد محاولة كتابة القسم‬
‫التطبيقي له ‪ ،‬تبين لي أني مهما كتبت ‪ ،‬أوكتب‬
‫غيري في هذا الميدان فلن يحقق المطلوب ‪،‬‬
‫والصواب في هذا المر أن كل إنسان ل بد أن‬
‫يغرف من المصب الرئيس وأن ينهل من النبع‬
‫) ( ‪،‬‬
‫مباشرة دون أية واسطة تبعده عن المقصود ‪3‬‬
‫تبين أن ما أبحث عنه هو منهج وقواعد لفهم القرآن‬
‫الكريم مباشرة والتأثر والنتفاع به ‪ ،‬فتأملت حال‬
‫السلف رحمهم الله في هذا المر ‪ ،‬ودرست‬
‫منهجهم في تعاملهم معه ‪ ،‬وقارنت بين حالنا‬
‫وحالهم فكانت مادة هذا البحث ومحتواه ‪ ،‬والله‬
‫الموفق والهادي إلى سواء الصراط ‪.‬‬
‫محور البحث ومشكلته‬
‫َ‬
‫نحن نؤمن ونصدق بقول الله تعالى ‪} :‬ل َوْ أنَزل َْنا هَ َ‬
‫ذا‬
‫َ‬
‫ة‬
‫شي َ ِ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫عا ّ‬ ‫صد ّ ً‬‫مت َ َ‬ ‫شًعا ّ‬‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل َّرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬‫ن عََلى َ‬ ‫ال ُْقْرآ َ‬
‫الل ّهِ وت ِل ْ َ َ‬
‫ن { ])‬ ‫م ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه ن َّز َ‬ ‫‪ (21‬سورة الحشر[ ‪ ،‬ونقرأ قول الله تعالى ‪} :‬الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫جُلود ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫شعِّر ِ‬ ‫ي ت َْق َ‬ ‫مَثان ِ َ‬
‫شاب ًِها ّ‬‫مت َ َ‬‫ث ك َِتاًبا ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫م إ َِلى‬ ‫م وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬‫م ت َِلي ُ‬‫م ثُ ّ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫من‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي ب ِهِ َ‬ ‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫ذِك ْرِ الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫‪ ()3‬وهذا في جانب تزكية القلوب ‪ ،‬وتربية النفوس ‪ ،‬أما الجوانب الخرى من‬
‫القرآن كالحكام مثل فيحتاج القارئ معها إلى ما يفصلها ويوضحها ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬
‫هاٍد{ ])‪ (23‬سورة الزمر[ ‪ ،‬وقوله‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ضل ِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل أي ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ي َُقو ُ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫سوَرةٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزِل َ ْ‬ ‫ذا َ‬‫تعالى ‪} :‬وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬‫مُنوا ْ فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫َزاد َت ْ ُ‬
‫ن { ])‪ (124‬سورة التوبة[ ‪ ،‬فهذا هو القرآن ‪،‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ونحن نقرؤه ‪ ،‬ولكن ما أخبر الله تعالى عنه من‬
‫تأثير فإننا ل نجده ! فلماذا ؟‬
‫القرآن هو القرآن ‪ ،‬وقد وصل والحمد لله إلينا‬
‫محفوظا تاما مصونا من الزيادة والنقص ‪.‬‬
‫أين الخلل ؟ وأين المشكلة ؟‬
‫في كل تأثير عندنا ثلثة أركان ‪ :‬المؤثر ‪،‬‬
‫والمتأثر ‪ ،‬والموصّل ‪.‬‬
‫فالمؤثر ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬أثره ثابت ل نشك فيه‪.‬‬
‫صل ‪،‬‬ ‫بقي الحتمال في المرين الخيرين ‪ :‬المو ّ‬
‫والمتأثر ‪.‬‬
‫صل ‪ :‬هو‬ ‫المتأثر ‪ :‬هو قلب المتلقي القارئ ‪ ،‬والمو ّ‬
‫القراءة والتدبر ‪.‬‬
‫والبحث يحاول استكشاف الخلل في الجهتين ‪،‬‬
‫ويقترح الحلول المبنية على تجارب الناجحين في‬
‫تحصيل التأثير والثر ‪.‬‬
‫أيضا ‪ :‬حالة الفتح والفهم في وقت وإغلقه في‬
‫وقت آخر ‪ -‬وقد سمعت الشكوى من هذه الحال‬
‫عند عدد من الشخاص ‪ -‬تقرأ الية في وقت فتتأثر‬
‫بها وتنفتح لك فيها معان ‪ ،‬ثم تعود إليها بعد فترة‬
‫فتقف أمامها ل تذكر شيئا من تلك المعاني ول‬
‫تحس بذلك الثر الذي حصل سابقا ! فما السر ؟‬
‫وما السباب؟‬
‫‪8‬‬ ‫مقدمة‬
‫هذا ما تحاول هذه الدراسة أن تجيب عنه ‪،‬‬
‫وتشخصه ‪ ،‬وتصف له العلج المناسب بإذن الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫خلصة البحث‬
‫يتكون البحث من تمهيد وعشرة مفاتيح ‪:‬‬
‫التمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته ‪ ،‬وبيان خطأ في‬
‫مفهومه ‪.‬‬
‫والمفتاح الول ‪ :‬فخلصته أن القلب آلة الفهم‬
‫والعقل والدراك ‪ ،‬وأن القلب بيد الله تعالى يقلبه‬
‫كيف شاء ‪ ،‬يفتحه متى شاء ويقفله متى شاء ‪ ،‬وفتح‬
‫القلب للقرآن يكون بأمرين ‪:‬الول ‪ :‬دوام التضرع‬
‫إلى الله تعالى وسؤاله ذلك ‪،‬والثاني ‪ :‬القراءة‬
‫المكثفة عن عظمة القرآن ‪ ،‬وأهميته ‪ ،‬وحال السلف‬
‫معه‪.‬‬
‫والمفتاح الثاني ‪ :‬مضمونه أنه ينبغي أن نعرف‬
‫قيمة القرآن وعظمته ‪ ،‬وأن نستحضر الهداف‬
‫والمقاصد التي من أجلها نقرؤه ‪ ،‬فدائما اسأل‬
‫نفسك‪ :‬لماذا أريد قراءة القرآن ؟ ولتكن الجابة‬
‫واضحة مفصلة ‪ ،‬وإن كانت مكتوبة فذاك أولى ‪،‬‬
‫والمقاصد الساسية لقراءة القرآن خمسة ‪ :‬العلم ‪،‬‬
‫والعمل ‪ ،‬والمناجاة ‪ ،‬والثواب ‪ ،‬والشفاء‪.‬‬
‫والمفتاح الثالث إلى العاشر ‪ :‬الحديث فيها‬
‫عن إجابة سؤال مهم ‪ :‬كيف نقرأ القرآن الكريم ؟‬
‫وكيف هنا متوجهة إلى ‪ :‬الحوال والكيفيات التي‬
‫تحقق أعلى قدر من التركيز والعمق في فهم‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬فكل واحد منها يعطي درجة في‬
‫التركيز والفهم ‪ ،‬وهذه المفاتيح هي ‪ :‬أن تكون‬
‫القراءة في صلة ‪ ،‬في ليل ‪ ،‬حفظا ‪ ،‬بترتيل ‪ ،‬وجهر‬
‫‪9‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪ ،‬وتكرار ‪ ،‬وربط ‪ ،‬مع ختم المقدار الذي يقرأ ويراد‬
‫حصول تدبره كل أسبوع ‪.‬‬
‫هذه خلصة هذا البحث ‪ ،‬نسأل الله تعالى أن يحقق‬
‫مقاصدنا ‪ ،‬وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ‪،‬‬
‫إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬والله أعلم وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫المفاتيح العشرة ‪:‬‬
‫مفاتيح تدبر القرآن عشرة ‪ ،‬مجموعة في قولك ‪) :‬‬
‫لصلح ترتجي (‬
‫)ل( لب وهو القلب ‪ :‬والمعنى أن القلب هو آلة فهم‬
‫القرآن ‪ ،‬والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء ‪،‬‬
‫والعبد مفتقر إلى ربه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على‬
‫خزائنه وكنوزه‬
‫)أ( أهداف ‪ ،‬أو أهمية ‪ :‬أي استحضار أهداف قراءة‬
‫القرآن ؟ أي لماذا تقرأ القرآن‬
‫)ص( صلة ‪ :‬أن تكون القراءة في صلة ‪.‬‬
‫)ل( ليل‪ :‬أن تكون القراءة والصلة في ليل ‪ ،‬أي‬
‫وقت الصفاء والتركيز‪.‬‬
‫)أ( أسبوع ‪ :‬أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل‬
‫أسبوع ‪ ،‬حتى لو لجزء منه ‪.‬‬
‫)ح( حفظا ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا عن ظهر قلب‬
‫بحيث يحصل التركيز التام وانطباع اليات عند‬
‫القراءة ‪.‬‬
‫)ت( تكرار ‪ :‬تكرار اليات وترديدها لتحقيق مزيد‬
‫من التثبيت ‪.‬‬
‫)ر( ربط ‪ :‬ربط اليات بواقعك اليومي وبنظرتك‬
‫للحياة ‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫مقدمة‬
‫)ت( ترتيل ‪ :‬الترتيل والترسل في القراءة ‪ ،‬وعدم‬
‫العجلة ‪ ،‬إذ المقصود هوالفهم وليس الكم ‪ ،‬وهذه‬
‫مشكلة الكثيرين ‪ ،‬وهم بهذا الستعجال يفوتون على‬
‫أنفسهم خيرا عظيما‪.‬‬
‫)ج( جهرا ‪ :‬الجهر بالقراءة ؛ ليقوى التركيز ويكون‬
‫التوصيل بجهتين بدل من واحدة ؛ أي الصورة‬
‫والصوت‪.‬‬
‫)ي( ‪......................................‬‬
‫فهذه وسائل وأدوات يكمل بعضها بعضا في تحقيق‬
‫وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬والنتفاع والتأثر بها ‪.‬‬
‫وإن مما يتأكد التنبيه عليه عدم قصر وحصر النجاح‬
‫في تدبر القرآن على هذه المفاتيح ‪ ،‬فما هي إل‬
‫أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء‬
‫ويمنعها من شاء ‪ ،‬فل يعني ‪ -‬مثل ‪ -‬إذا قلنا ‪ :‬من‬
‫مفاتيح تدبر القرآن ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل ؛ أن‬
‫قراءة النهار ل تفيد وملغاة ‪ ،‬وإذا قلنا ‪ :‬أن تكون‬
‫القراءة في صلة ؛ أن القراءة خارج الصلة ل تحقق‬
‫التدبر ‪ ،‬فالحصر والقصر غير صحيح ‪ ،‬بل القرآن كله‬
‫مؤثر ‪ ،‬يؤثر في كل وقت ‪ ،‬وعلى أي حال ‪ ،‬متى‬
‫شاء الله ذلك ‪ ،‬وما أقوله إن هي إل وسائل بحسب‬
‫الستقراء من النصوص وحال السلف ‪ ،‬وهي أسباب‬
‫يسلكها كل مريد للنتفاع بالقرآن بشكل أكبر‬
‫كر بها من حرم من‬ ‫وأعمق وأشمل ‪ ،‬وهي أسباب نذ ّ‬
‫تدبر القرآن وهو يريده ؛ نقول له اسلك هذه‬
‫السباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا المر‬
‫وعلم منك صدقك أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم‬
‫فيها في الدنيا قبل الخرة ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقدمة‬
‫إن التلذذ بالقرآن لمن فتحت له أبوابه ل‬
‫يعادله أي لذة أو متعة في هذه الحياة ولكن‬
‫أكثرالناس ل يعلمون ‪.‬‬
‫دعوة للتواصل عبر موقع ‪ :‬القرآن‬
‫والحياة‬
‫حينما كتبت هذا البحث حاولت الختصار ‪ ،‬واليجاز‬
‫قدر المكان لئل أخرج عن مقصوده ‪ ،‬فأصرف‬
‫القارئ عن النتفاع به ‪ ،‬وقد تضمن عددا ً من‬
‫القضايا المهمة التي تحتاج إلى نقاش وحوار ‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك فإني أقترح أن يتم التواصل بين الجميع‬
‫في النقاش العلمي الهادف عبر موقع ‪ ) :‬القرآن‬
‫والحياة ( على الرابط )‪، (www.quranlife.com‬‬
‫أتمنى من الخوة الكرام أن يتكرموا ببيان رأيهم في‬
‫القضايا التي تضمنها هذا الكتاب ليستفيد منها‬
‫الجميع ‪ ،‬وليكون الرأي أقرب للصواب ‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫د ‪ .‬خالد بن عبد‬
‫الكريم اللحم‬
‫بريد إلكتروني‪LAHIM@QUR :‬‬
‫‪ANLIFE.COM‬‬
‫‪12‬‬ ‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬

‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬


‫المسألة الولى‪ :‬معنى التدبر‬
‫قال الميداني ‪" :‬التدبر هو‪ :‬التفكر الشامل الواصل‬
‫إلى أواخر دللت الكلم ومراميه البعيدة "اهـ )‪، (4‬‬
‫ومعنى تدبر القرآن ‪ :‬هو التفكر والتأمل ليات‬
‫القرآن من أجل فهمه ‪ ،‬وإدارك معانيه ‪ ،‬وحكمه ‪،‬‬
‫والمراد منه ‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬علمات التدبر‬
‫ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علمات وصفات‬
‫تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلء من ذلك ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫م‬‫ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل إ َِلى الّر ُ‬ ‫مُعوا ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫حقّ ي َُقوُلو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما عََرُفوا ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مِع ِ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َِفي ُ‬
‫ما‬‫ن { ])‪ (83‬سورة المائدة[ ‪}،‬إ ِن ّ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫آ َ‬
‫ذا‬‫م وَإ ِ َ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن{‬‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫ماًنا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت ُل ِي َ ْ‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫سوَرةٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزِل َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫] )‪ (2‬سورة النفال [ ‪} ،‬وَإ ِ َ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫يُقو ُ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ] )‪ (124‬سورة التوبة[ ‪،‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫م ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ ّ‬ ‫مُنوا ْ ب ِهِ أوْ ل َ ت ُؤْ ِ‬ ‫لآ ِ‬ ‫}قُ ْ‬
‫خرو َ َ‬
‫دا ‡†‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫م يَ ِ ّ‬ ‫ذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫قَب ْل ِهِ إ ِ َ‬
‫ل‡†‬ ‫مْفُعو ً‬ ‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َرب َّنا ِإن َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬
‫عا{ ]‪109-107‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫وَي َ ِ ّ‬
‫خّروا‬ ‫من َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت الّر ْ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫‪:‬سورة السراء[ ‪ } ،‬إ ِ َ‬
‫ذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬
‫ت‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دا وَب ُك ِّيا*{ ])‪ (58‬سورة مريم[ ‪َ} ،‬وال ّ ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫مَياًنا{ ])‪ (73‬سورة الفرقان[ ‪،‬‬ ‫ما وَعُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫من ّرب َّنا إ ِّنا‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬ ‫ذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ه ن َّز َ‬
‫ل‬ ‫ن{ ])‪ (53‬سورة القصص [ ‪} ،‬الل ّ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫ك ُّنا ِ‬
‫‪ ()4‬قواعد التدبر المثل لكتاب الله عزوجل ‪10 :‬‬
‫‪13‬‬ ‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬
‫َ‬
‫جُلود ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شعِّر ِ‬ ‫ي ت َْق َ‬ ‫مَثان ِ َ‬‫شاب ًِها ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتاًبا ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫م إ َِلى‬ ‫م وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت َِلي ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫من‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫ذِك ْرِ الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫هاٍد{ ] )‪ (23‬سورة الزمر[ ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫فتحصل من اليات السابقة سبع علمات‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬اجتماع القلب والفكر حين القراءة ‪ ،‬ودليله‬
‫التوقف تعجبا وتعظيما‪.‬‬
‫‪ -2‬البكاء من خشية الله‪ -3 .‬زيادة لخشوع‪-4 .‬‬
‫زيادة اليمان ‪ ،‬ودليله التكرار العفوي لليات‪-5 .‬‬
‫الفرح والستبشار‪-6 .‬القشعريرة خوفا من الله‬
‫تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة ‪ -7 .‬السجود تعظيما‬
‫لله عز وجل ‪.‬‬
‫فمن وجد واحدة من هذه الصفات ‪ ،‬أو أكثر فقد‬
‫وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر ‪ ،‬أما من لم يحصل‬
‫أيا ً من هذه العلمات فهو محروم من تدبر القرآن ‪،‬‬
‫ولم يصل بعد إلى شئ من كنوزه وذخائره ‪ ،‬قال‬
‫إبراهيم التيمي ‪" :‬من أوتي من العلم ما ل يبكيه‬
‫لخليق أل يكون أوتي علما لن الله نعت العلماء‬
‫ن ُأوُتوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا ْ ب ِهِ أوْ ل َ ت ُؤْ ِ‬ ‫لآ ِ‬ ‫فقال ‪} :‬قُ ْ‬
‫خرو َ َ‬
‫دا‬
‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫م يَ ِ ّ‬ ‫ذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫من قَب ْل ِهِ إ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫مْفُعول ً‬ ‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َرب َّنا ِإن َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫‡† وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬
‫عا{ ])‪-107‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫‡† وَي َ ِ ّ‬
‫) (‬
‫‪ (109‬سورة السراء[ " ‪ ، 5‬وعن أسماء بنت أبي بكر ~‬
‫قالت‪ :‬كان أصحاب النبي § إذا قرئ عليهم القرآن‬
‫) (‬
‫‪،‬‬ ‫جلودهم" ‪6‬‬ ‫كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر‬
‫‪ ()5‬الزهد لبن المبارك ‪ ، 41 :‬حلية الولياء ‪88-5 :‬‬
‫‪ ()6‬تفسيرالقرطبي‪149-15 :‬‬
‫‪14‬‬ ‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬
‫إن كل يوم يمر بك ول يكون لك نصيب ورزق من‬
‫هذه العلمات ‪ ،‬فقد فاتك فيه ربح عظيم ‪ ،‬وهو يوم‬
‫حري أن يبكى على خسارته‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬مفهوم خاطئ لمعنى التدبر‬


‫إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن‬
‫‪ ،‬والتفكر فيه ‪ ،‬وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة ؛‬
‫إعتقادهم صعوبة فهم القرآن ‪ ،‬وهذا خطأ في‬
‫مفهوم تدبر القرآن ‪ ،‬وانصراف عن الغاية التي من‬
‫أجلها أنزل ‪ ،‬فالقرآن كتاب تربية وتعليم ‪ ،‬وكتاب‬
‫هداية وبصائر لكل الناس ‪ ،‬كتاب هدى ورحمة‬
‫سر الله تعالى فهمه‬ ‫ب قد ي ّ‬ ‫وبشرى للمؤمنين ‪ ،‬كتا ٌ‬
‫ن ِللذ ّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫سْرَنا ال ُْقْرآ َ‬‫وتدبره ‪،‬كما قال تعالى ‪} :‬وَل ََقد ْ ي َ ّ‬
‫مد ّك ِرٍ {] )‪ (17‬سورة القمر[ ‪.‬‬
‫من ّ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ل ِ‬
‫قال ابن هبيرة ’‪ " :‬ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد‬
‫الله من تدبر القرآن ‪ ،‬لعلمه أن الهدى واقع عند‬
‫التدبر ‪ ،‬فيقول هذه مخاطرة ‪ ،‬حتى يقول النسان‬
‫أنا ل أتكلم في القرآن تورعا ")‪ ، (7‬وقال الشاطبي‬
‫’‪ ":‬فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء ‪،‬‬
‫وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله ‪ ،‬فذلك ل يخرجه عن‬
‫كونه عربيا جاريا على أساليب كلم العرب ‪ ،‬ميسرا‬
‫للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى" اهـ)‪ ، (8‬قال ابن‬
‫القيم ’‪ " :‬من قال ‪ :‬إن له تأول ً لنفهمه ‪ ،‬ول‬
‫نعلمه ‪ ،‬وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ‪ ،‬ففي قلبه منه‬
‫حرج " اهـ)‪ ، (9‬ويقول الصنعاني ’‪ " :‬فإن من قرع‬
‫ر‬ ‫س ُ‬ ‫سمعه قوله تعالى ‪ } :‬وما ت َُقد ّموا َ‬
‫خي ْ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫لنُف ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫‪ ()7‬ذيل طبقات الحنابلة لبن رجب ‪273-3‬‬
‫‪ ()8‬الموافقات ‪805-3‬‬
‫‪ ()9‬التبيان في أقسام القرآن ‪144 :‬‬
‫‪15‬‬ ‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬
‫خيرا وأ َعْظ َ َ‬
‫ست َغِْفُروا‬
‫جًرا َوا ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ‬ ‫عند َ الل ّهِ هُوَ َ ْ ً َ‬ ‫دوهُ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫م{ ])‪ (20‬سورة المزمل[ يفهم معناه‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر ّر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫الل ّ َ‬
‫دون أن يعرف أن ) ما ( ‪ :‬كلمة شرط ‪ ،‬و‬
‫) تقدموا ( ‪ :‬مجزوم بها لنه شرطها ‪ ،‬و )تجدوه(‬
‫‪:‬مجزوم بها لنه جزاؤها ‪ ،‬ومثلها كثير ‪ ...‬فياليت‬
‫ص الكتاب والسنة بالمنع عن‬ ‫خ ّ‬ ‫شعري ! ما الذي َ‬
‫معرفة معانيها ‪ ،‬وفهم تراكيبها ‪ ،‬ومبانيها‪ ...‬حتى‬
‫جعلت كالمقصورات في الخيام ‪ ..‬ولم يبق لنا‬
‫) (‬
‫إلترديد ألفاظها وحروفها‪"...‬اهـ ‪10‬‬
‫إن الصحيح والحق في هذه المسألة‪ :‬أن القرآن‬
‫معظمه واضح ‪ ،‬وبين وظاهر لكل الناس ‪ ،‬كما قال‬
‫ابن عباس ‪" : ù‬التفسير على أربعة أوجه ‪ :‬وجه‬
‫تعرفه العرب من كلمها ‪ ،‬وتفسير ل يعذر أحد‬
‫بجهالته ‪ ،‬وتفسير يعلمه العلماء ‪ ،‬وتفسير ل يعلمه‬
‫إل الله ")‪ ، (11‬ومعظم القرآن من القسمين‬
‫الولين ‪.‬‬
‫إن عدد آيات الحكام في القرآن ‪ 500‬آية ‪ ،‬وعدد‬
‫آيات القرآن ‪ 6236‬آية‪.‬‬
‫إن فهم الوعد والوعيد ‪ ،‬والترغيب والترهيب ‪،‬‬
‫والعلم بالله واليوم الخر ؛ ل يشترط له فهم‬
‫المصطلحات العلمية الدقيقة ‪ ،‬من نحوية وبلغية‬
‫ن واضح‬ ‫وأصولية وفقهية ‪ .‬فمعظم القرآن بي ّ ٌ‬
‫ظاهر ‪ ،‬يدرك معناه الصغير والكبير ‪ ،‬والعالم والمي‬
‫‪ ،‬فحينما سمع العرابي قول الله تعالى ‪} :‬فَوََر ّ‬
‫ب‬
‫َ‬
‫ن{ ])‪(23‬‬‫م َتنط ُِقو َ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫حقّ ّ‬ ‫ه لَ َ‬‫ض إ ِن ّ ُ‬
‫ماء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫سورة الذاريات[ قال ‪ :‬من ذا الذي أغضب الجليل حتى‬
‫أقسم ‪ .‬وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل‬
‫‪ ()10‬إرشاد النقاد إلى تيسير الجتهاد ص ‪36‬‬
‫‪ ()11‬تفسير الطبري ‪ ، 1/75‬مقدمة ابن تيمية ‪115‬‬
‫‪16‬‬ ‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ب ِ‬‫ذا ُ‬ ‫م وَأَتاهُ ُ‬‫من فَوْقِهِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫سْق ُ‬
‫م ال ّ‬‫خّر عَل َي ْهِ ُ‬
‫} فَ َ‬
‫ن{ ])‪ (26‬سورة النحل [ قرأها ‪ :‬من تحتهم ‪،‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ث ل َ يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫َ‬
‫صوب له خطأه امرأة عجوز ل تقرأ ول تكتب ‪ ،‬إن‬
‫ن واضح ظاهر ‪ ،‬وفهمه وفقهه وتدبره‬ ‫القرآن بي ّ ٌ‬
‫ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ‪ ،‬ونعلق فهمه كله‬
‫بالرجوع إلى كتب التفسير ‪ ،‬فنعمم حكم القل‬
‫على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من‬
‫التسويف في تدبر القرآن وفهمه‪.‬‬
‫إن إغلق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة‬
‫تفسيره ‪ ،‬والكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل‬
‫الشيطان على العبد ليصرفه عن الهتداء به ‪.‬‬
‫وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والمنطق والحزم‬
‫والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر‬
‫وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها ل أن تغلق‬
‫عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة ‪.‬‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪17‬‬
‫المفتاح الول‪ :‬حب القرآن‬
‫المسألة الولى‪ :‬القلب آلة الفهم والعقل‬
‫الكلم في هذه المسألة ‪ -‬بإيجاز ‪ -‬من وجهين ‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن القلب هو آلة الفهم والعقل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن القلب بيد الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫فأما الوجه الول ‪:‬‬
‫فقد دل على ذلك نصوص كثيرة ‪ ،‬اليات القرآنية‬
‫منها تزيد على مائة آية‪ ،‬وسأكتفي في هذا المبحث‬
‫بذكر ثلث منها مما هي صريحة الدللة على‬
‫جعَل َْنا عََلى‬ ‫المسألة ‪ ،‬وهي‪ :‬قول الله تعالى ‪ } :‬إ ِّنا َ‬
‫ة َأن ي َْفَقُهوهُ { ])‪ (57‬سورة الكهف[ ‪ ،‬وقوله‬ ‫م أ َك ِن ّ ً‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ب‬‫م قُُلو ٌ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬‫سيُروا ِفي ال َْرض فَت َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫تعالى ‪} :‬أ َفَل َ‬
‫ِ‬
‫مى‬ ‫َْ َ‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها ِ ّ َ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫مُعو َ‬‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن ب َِها أ َوْ آ َ‬ ‫ي َعِْقُلو َ‬
‫َ‬
‫ر{ ])‪(46‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ب ال ِّتي ِفي ال ّ‬ ‫مى ال ُْقُلو ُ‬ ‫كن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَل َ ِ‬ ‫اْلب ْ َ‬
‫من‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ه ل َِر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬
‫ما َ‬ ‫سورة الحـج [ ‪،‬وقوله تعالى‪ّ } :‬‬
‫ْ‬
‫جوْفِهِ {])‪ (4‬سورة الحزاب[ ‪.‬‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قَلب َي ْ ِ‬
‫وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها ‪ ،‬وإنما‬
‫المقصود التذكير بأن القلب آلة الفهم والعقل‬
‫والدراك ‪ ،‬ومن ذلك فهم القرآن وتدبره ‪.‬‬
‫وأما الوجه الثاني ‪ :‬القلب بيد الله وحده ل شريك‬
‫له ‪ ،‬يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء ‪ ،‬بحكمته‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫وعلمه سبحانه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ} :‬واعْل َ ُ‬
‫ه{])‪ (24‬سورة النفال[ ‪ ،‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫مْرِء وَقَل ْب ِ َِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬‫حو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫} إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه {] )‪ (57‬سورة‬

‫الكهف [ ‪ ،‬وقال تعالى ‪}:‬سأصرف عن آياتي الذين‬


‫يتكبرون { ] )‪ (164‬سورة العراف [ ‪ ،‬وقد جعل لذلك أسبابا‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪18‬‬
‫ووسائل ‪ ،‬من سلكها وفق ‪ ،‬ومن تخلف عنها خذل‬
‫ويأتي بيان ذلك في المسائل التالية ‪.‬‬
‫فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله‬
‫تعالى ‪ ،‬وأن الله يحول بين المرء وقلبه ‪ ،‬فليست‬
‫العبرة بالطريقة والكيفية ؛ بل الفتح من الله وحده ‪،‬‬
‫وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله‬
‫تعالى تستوجب الشكر ل الفخر ‪ ،‬فمتى أعطاك الله‬
‫فهم القرآن ‪ ،‬وفتح لك معانيه ‪ ،‬فاحمد الله تعالى‬
‫واسأله المزيد ‪ ،‬وانسب هذه النعمة إليه وحده ‪،‬‬
‫واعترف بها ظاهرا وباطنا ‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬علقة حب القرآن بالتدبر‬
‫من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ‪،‬‬
‫واشتاق إليه ‪ ،‬وشغف به ‪ ،‬وانقطع عما سواه ‪،‬‬
‫والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته ‪ ،‬واجتمع على‬
‫فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ‪ ،‬والفهم‬
‫العميق ‪ ،‬وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال‬
‫القلب على القرآن يكون صعبا ‪ ،‬وانقياده إليه يكون‬
‫شاقا ل يحصل إل بمجاهدة ومغالبة ‪ ،‬وعليه فتحصيل‬
‫حب القرآن من أنفع السباب لحصول أقوى وأعلى‬
‫مستويات التدبر ‪.‬‬
‫والواقع يشهد لصحة ماذكرت ‪ ،‬فإننا مثل نجد أن‬
‫الطالب الذي لديه حماس ورغبة وحب لدراسته‬
‫يستوعب ما يقال له بسرعة فائقة وبقوة ‪ ،‬وينهي‬
‫متطلباته وواجباته في وقت وجيز ‪ ،‬بينما الخر ل‬
‫يكاد يعي ما يقال له إل بتكرار وإعادة ‪ ،‬وتجده‬
‫يذهب معظم وقته ولم ينجز شيئا من واجباته ‪.‬‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪19‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬علمات حب القلب للقرآن‬
‫حب القلب للقرآن له علمات منها ‪:‬‬
‫‪-1‬الفرح بلقائه ‪ -2 .‬الجلوس معه أوقاتا طويلة دون‬
‫ملل ‪ -3 .‬الشوق إليه متى بعد العهد عنه وحال دون‬
‫ذلك بعض الموانع ‪ ،‬وتمني لقائه والتطلع إليه‬
‫ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه‪-4 .‬كثرة‬
‫مشاورته والثقة بتوجيهاته والرجوع إليه فيما يشكل‬
‫من أمور الحياة صغيرها وكبيرها‪-5 .‬طاعته ‪ ،‬أمرا‬
‫ونهيا‪.‬‬
‫هذه أهم علمات حب القرآن وصحبته ‪ ،‬فمتى‬
‫ُوجدت فإن الحب موجود ‪ ،‬ومتى تخلفت فحب‬
‫القرآن مفقود ‪ ،‬ومتى تخلف شئ منها نقص حب‬
‫القرآن بقدر ذلك التخلف ‪.‬‬
‫إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا‬
‫السؤال‪ :‬هل أنا أحب القرآن؟‬
‫إنه سؤال مهم وخطير ‪ ،‬وإجابته أشد خطرا ‪،‬إنها‬
‫إجابة تحمل معان كثيرة‪.‬‬
‫وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلمات‬
‫التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها‬
‫الصواب من الخطأ ‪.‬‬
‫إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن ؟‬
‫يجيب ‪ :‬نعم أحب القرآن ‪ ،‬وكيف ل أحبه ؟ لكن هل‬
‫هو صادق في هذا لجواب ؟‬
‫كيف يحب القرآن وهو ل يطيق الجلوس‬
‫معه دقائق ‪ ،‬بينما تراه يجلس الساعات مع‬
‫ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة‪.‬‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪20‬‬
‫قال أبو عبيد ‪" :‬ل يسأل عبد عن نفسه إل بالقرآن‬
‫) (‬
‫فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله" ‪12‬‬
‫إننا ينبغي أن نعترف بالتقصير إذا لم توجد فينا‬
‫العلمات السابقة ‪ ،‬ثم نسعى في التغيير ‪ ،‬وهو ما‬
‫سيتم بيانه في المسألة التالية ‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬وسائل تحقيقه‬
‫الوسيلة الولى‪ :‬التوكل على الله تعالى والستعانة‬
‫به‪:‬‬
‫الستعانة بالله تعالى ‪ ،‬وسؤاله سبحانه أن يرزقك‬
‫)حب القرآن( ‪ ،‬ومن ذلك الدعاء العظيم عن ابن‬
‫مسعود _ قال ‪ :‬قال رسول الله § ‪" :‬ما قال عبد‬
‫قط إذا أصابه هم أو حزن ‪ :‬اللهم إني عبدك ابن‬
‫عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل‬
‫في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به‬
‫نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك‬
‫أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل‬
‫القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلء حزني‬
‫وذهاب همي إل أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه‬
‫فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه‬
‫الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن‬
‫) (‬
‫يتعلمهن" ‪13‬‬

‫‪ ()12‬مصنف ابن أبي شيبة ‪485-10‬‬


‫‪ ()13‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 3712) 391‬صحيح ابن حبان ج ‪/3‬ص‬
‫‪ ، ( 972)253‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/6‬ص ‪ ، (29318) 40‬المعجم الكبير ج‬
‫‪/10‬ص ‪ ، ( 10352) 169‬مسند أبي يعلى ج ‪/9‬ص ‪ ، ( 5296) 198‬مسند‬
‫البزار ج ‪/5‬ص ‪ ، ( 1994) 363‬مجمع الزوائد ج ‪/10‬ص ‪ ، 136‬الدعوات الكبير‬
‫ج ‪/1‬ص ‪ ، (164)124‬وصحح إسناده اللباني في السلسلة الصحيحة ج ‪/1‬ص‬
‫‪.(199) 236‬‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪21‬‬
‫فيكرره كل يوم ثلثا ‪ ،‬خمسا ‪ ،‬سبعا ‪ ،‬ويتحرى‬
‫مواطن الجابة ‪ ،‬ويجتهد أن يكون سؤاله بصدق ‪،‬‬
‫وبتضرع ‪ ،‬وإلحاح ‪ ،‬وشفقة ‪ ،‬وحرص شديد أن يجاب‬
‫وأن يعطى ‪ ،‬إن بعض الناس ل يعرف اللحاح في‬
‫المسألة إل في مطالبه الدنيوية المادية ‪ ،‬أما المور‬
‫الدينية فتجد سؤاله لها باردا باهتا ‪ ،‬هذا إن دعا‬
‫وسأل ‪.‬‬
‫ومن الستعانة بالله في حصول تدبر القرآن ما‬
‫شرع لقارئ القرآن من الستعاذة بالله تعالى من‬
‫الشيطان الرجيم ‪ ،‬ومن البسملة في أوائل السور‬
‫ففيها طلب العون من الله تعالى على تدبر القرآن‬
‫عامة والسورة التي يريد قراءتها خاصة ‪.‬‬
‫الوسيلة الثانية‪ :‬القراءة‪:‬‬
‫أي القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن‬
‫والسنة وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم‬
‫له ‪.‬‬
‫أقترح على كل راغب في تحصيل حب القرآن أن‬
‫يضع له برنامجا يتضمن نصوصا من القرآن والسنة‬
‫وأقوال السلف ‪ ،‬فيها بيان لعظمة القرآن ومكانته ‪،‬‬
‫ويرتبها على مستويين ‪ :‬متن ‪ ،‬وشرح ‪ ،‬فالمتن‬
‫يحفظ ويكرر ‪ ،‬والشرح يقرأ ويفهم ‪ ،‬ويتم ربط‬
‫المعاني التي تضمنها الشرح بألفاظ المتن)‪. (14‬‬
‫ويرجى بإذن الله تعالى لمن طبق هذا‬
‫البرنامج أن يرزقه الله حب القرآن‬
‫وتعظيمه ‪ ،‬الذي هو المفتاح الرئيس لتدبر‬
‫‪ ()14‬ومثل هذا العمل ل ينوب فيه أحد عن أحد بل على كل شخص أن يجمع‬
‫لنفسه كل نص يتأثر به ‪ ،‬ويرتب ما يجمع على الطريقة التي وصفتها ‪ .‬كما أن‬
‫تكرار قراءة هذا الكتاب أيضا يحقق لك هذا الهدف ‪.‬‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪22‬‬
‫القرآن وفهمه ‪ ،‬وكل كلم يقال في هذا‬
‫الموضوع فهو متوقف عليه ‪ ،‬وهذا السر‬
‫في أن الكثير منا يقرأ في هذا الموضوع‬
‫ول يخرج بأي نتائج إيجابية ‪.‬‬
‫فأكثر من القراءة عن القرآن ‪ ،‬اقرأ باستمرار عن‬
‫حال السلف مع القرآن وقصصهم في ذلك‬
‫وأخبارهم ‪.‬‬
‫ينبغي أن نعلم أن عدم حبنا للقرآن ‪ ،‬وعدم تعظيمنا‬
‫له سببه الجهل بقيمته ‪ ،‬مثل الطفل تعطيه‬
‫خمسمائة ريال فيرفض ويطلب ريال واحدا ‪ ،‬فكذلك‬
‫من ل يعرف قيمة القرآن يزهد فيه ويهجره ويشتغل‬
‫بما هو أدنى منه ‪.‬‬
‫لو أعلن عن كتاب من يختبر فيه وينجح يمنح عشرة‬
‫مليارات ؛ فكيف يكون حرص الناس وتعلقهم بهذا‬
‫الكتاب ؟ وكيف يكون الطلب عليه ‪ ،‬والشتغال‬
‫بمذاكرته ؟‬
‫إن القرآن كتاب من ينجح فيه يمنح‬
‫ملكا ل حدود له ‪.‬‬
‫إن الكثير من المسلمين تعظيمه للقرآن تعظيم‬
‫مجمل ‪ ،‬فحد علمهم ‪ :‬أنه كتاب منزل من عند الله ‪،‬‬
‫تعّبدنا بتلوته في الصلة ‪ ،‬ونقرأه على المرضى‬
‫للشفاء ‪ ،‬أما العلم التفصيلي بعظمة القرآن ومكانته‬
‫وما يحققه من نجاح للنسان في هذه الحياة فهو‬
‫محل جهل عند الكثيرين ‪ ،‬وأضرب لذلك مثال ‪ :‬لما‬
‫تسمع عن شخص عظيم له أثر في التاريخ يتكون‬
‫لديك صورة إجمالية عنه ‪ ،‬ويصبح له مكانة في‬
‫نفسك ‪ ،‬وعندما تقرأ كتابا من ‪ 600‬صفحة عن‬
‫المفتاح الول ‪ :‬حب القرآن‬
‫‪23‬‬
‫بطولته وتضحياته وقصص كرمه وبره للناس ‪ ،‬وما‬
‫حققه من إنجازات ‪ ،‬وما قام به من مرؤات ‪ ،‬تعيش‬
‫مع هذا الكتاب مدة شهر حرفا حرفا فبكل تأكيد أن‬
‫صورة هذا القائد أو المصلح ستزداد عمقا ‪ ،‬ويزداد‬
‫حبك وتعظيمك له ‪ ،‬وهذا التأثر أمر مشاهد ل يمكن‬
‫لحد إنكاره ‪ ،‬فلم ل نوظفه لزيادة حبنا وتعظيمنا‬
‫للقرآن الكريم وتعلقنا به ‪ ،‬فإذا فعلنا ذلك فإن هذا‬
‫الكتاب العظيم سيزيد حبنا وتعظيمنا لله عز وجل ‪،‬‬
‫وبهذا نصل إلى مرتبة ودرجة أولياء الله‬
‫المتقين ‪ ،‬الذين ل خوف عليهم ول هم‬
‫يخزنون ‪ ،‬الذين لو أقسم الواحد منهم على الله‬
‫لبره ‪ ،‬وحقق له أمنيته ‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬

‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬


‫تمهيد‪ :‬في التنبيه إلى استحضار أهداف قراءة القرآن‬
‫معظم الناس إذا سألته لماذا تقرأ القرآن ؟ يجيبك‬
‫لن تلوته أفضل العمال ‪ ،‬ولن الحرف بعشر‬
‫حسنات ‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬فيقصر نفسه‬
‫على هدف ومقصد الثواب فحسب ‪ ،‬أما المقاصد‬
‫والهداف الخرى فيغفل عنها ‪.‬‬
‫والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت‬
‫الحفظ ‪ ،‬الهدف تثبيت الحروف وصور الكلمات ‪،‬‬
‫فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فل ينتبه لها‬
‫‪ ،‬ول يحس ول يشعر بها ؛ لنه قصر همته وركز ذهنه‬
‫على الحروف وانصرف عن المعاني ؛ فلهذا‬
‫السبب تجد حافظا للقرآن غير عامل ول‬
‫متخلق به ‪.‬‬
‫وجمع الذهن بين نيات ومقاصد متعددة في وقت‬
‫واحد عملية تحتاج إلى انتباه وقصد وتركيز ‪.‬‬
‫وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت‬
‫كلما كان العمل أعظم أجرا وأكبر تأثيرا على العامل‬
‫‪ ،‬مثل الصدقة على ذي الرحم ‪ :‬صدقة وصلة ‪،‬‬
‫ومثل النفقة على الهل ‪ :‬نفقة وصدقة ‪.‬‬
‫وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها‬
‫عظيمة ‪ ،‬وكل واحدة منها كافية لن تدفع المسلم‬
‫ليسارع إلى قراءة القرآن ‪ ،‬ويكثر الشتغال به‬
‫وصحبته‪ .‬وأهداف قراءة القرآن مجموعة في‬
‫م شعّ ( ‪) :‬الثاء( ‪ :‬ثواب ‪) ،‬الميم( ‪:‬‬ ‫قولك ‪ ):‬ث ّ‬
‫مناجاة ‪ ،‬مسألة ‪) ،‬الشين( ‪ :‬شفاء ‪) ،‬العين( ‪:‬‬
‫علم ‪) ،‬العين( ‪ :‬عمل ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد‬
‫الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظــم ‪ ،‬وأجره‬
‫أكبر ‪ ،‬قال النبي §‪":‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل‬
‫امرئ ما نوى")‪ ، (15‬فمن قرأ القرآن يريد العلم‬
‫رزقه الله العلم ‪ ،‬ومن قرأه يريد الثواب فقط‬
‫أعطي الثواب ‪ ،‬قال ابن تيمية ’‪ " :‬من تدبر القرآن‬
‫طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق")‪ ، (16‬وقال‬
‫القرطبي ’‪ " :‬فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى‬
‫وسنة نبيه § بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه‬
‫كما يجب ‪ ،‬وجعل في قلبه نورا"اهـ)‪ (17‬ومن قرأ‬
‫القرآن يريد النجاح يسر الله له النجاح ‪.‬‬

‫الهدف الول ‪ :‬قراءة القرآن لجل العلم‬


‫المسألة الولى ‪ :‬أهمية هذا المقصد‪:‬‬
‫هذا هو المقصد المهم ‪ ،‬والمقصود العظم من‬
‫إنزال القرآن ‪ ،‬والمر بقراءته ‪ ،‬بل ومن ترتيب‬
‫ب‬‫الثواب على القراءة ‪ ،‬قال الله عزوجل ‪} :‬ك َِتا ٌ‬
‫ك ل ّي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر أ ُوُْلوا‬‫مَباَر ٌ‬ ‫ك ُ‬ ‫َأنَزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬
‫ن وَل َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن ال ُْقْرآ َ‬ ‫ب{ ])‪ (29‬سورة ص [ ‪} ،‬أفَل َ ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫را{ ])‪ (82‬سورة‬ ‫ً‬ ‫خت ِل ًَفا ك َِثي‬ ‫دوا ْ ِفيهِ ا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫عندِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م ي َأ ِ‬‫ما ل َ ْ‬‫هم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫م َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ي َد ّب ُّروا ال َْقوْ َ‬ ‫النساء[ ‪} ،‬أفَل َ ْ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن{ ])‪ (68‬سورة المؤمنون[ ‪} ،‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫م الوِّلي َ‬ ‫آَباءهُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫معَ وَهُ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب أوْ أل َْقى ال ّ‬ ‫ه قَل ْ ٌ‬‫ن لَ ُ‬‫كا َ‬‫من َ‬ ‫ل َذِك َْرى ل ِ َ‬
‫د{ ])‪ (37‬سورة ق [ ‪.‬‬ ‫شِهي ٌ‬ ‫َ‬

‫‪ ()15‬صحيح البخاري ج ‪/1‬ص ‪ ، (1) 3‬صحيح مسلم ج ‪/3‬ص ‪، ( 1907) 1515‬‬


‫سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 2201) 262‬سنن الترمذي ج ‪/4‬ص ‪(1647) 179‬‬
‫‪ ()16‬العقيدة الواسطية ‪103‬‬
‫‪ ()17‬تفسير القرطبي ‪176-11‬‬
‫‪26‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫قال ابن مسعود _ ‪ " :‬إذا أردتم العلم فانثروا هذا‬
‫القرآن فإن فيه علم الولين والخرين "اهـ)‪، (18‬‬
‫وقال الحسن بن علي ‪ " : ù‬إن من كان قبلكم رأوا‬
‫القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ‪،‬‬
‫ويتفقدونها في النهار "اهـ)‪ ، (19‬وقال مسروق بن‬
‫الجدع ’ ‪ -‬وهو من كبار تابعي الكوفة وأجمعهم لعلم‬
‫الصحابة ‪ " : -‬ما نسأل أصحاب محمد § عن‬
‫شئ إل وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا‬
‫عنه ")‪ ، (20‬وقال عبد الله بن عمر ‪ " : ù‬لقد عشنا‬
‫دهرا ً طويل ً وإن أحدنا يؤتى اليمان)‪ (21‬قبل القرآن‬
‫)‪ (22‬فتنزل السورة على محمد § فنتعلم حللها‬
‫وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده‬
‫منها ‪ ،‬ثم لقد رأيت رجال يؤتى أحدهم القرآن قبل‬
‫اليمان ‪ ،‬فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ل‬
‫يدري ما آمره ول زاجره وما ينبغي أن يقف عنده‬
‫منه ينثره نثر الدقل "اهـ ‪ ، 23‬وقال الحسن البصري‬
‫(‬ ‫)‬

‫’‪ " :‬ما أنزل الله آية إل وهو يحب أن يعلم‬


‫فيم أنزلت وما أراد بها " )‪ (24‬وعن عبد الله بن‬
‫عمر ‪ ù‬قال ‪ " :‬عليكم بالقرآن فتعلّموه‬
‫وعلّموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون ‪ ،‬وبه‬
‫تجزون ‪ ،‬وكفى به واعظاً لمن عقل‬
‫‪ ()18‬مصنف ابن أبي شيبة ‪ ، 126-6‬المعجم الكبير للطبراني ‪، 136-9 :‬‬
‫شعب اليمان للبيهقي ‪332-2 :‬‬
‫‪ ()19‬التبيان للنووي‪28 :‬‬
‫‪ ()20‬شعب اليمان للبيهقي ‪5/231 :‬‬
‫‪ ()21‬أي ما تضمنته اليات من العلم بالله واليوم الخر ‪.‬‬
‫‪ ()22‬أي مجرد قراءة اللفاظ ‪.‬‬
‫‪ 23‬المستدرك على الصحيحين ج ‪/1‬ص ‪ ، (101) 91‬سنن البيهقي الكبرى ج‬
‫)(‬

‫‪/3‬ص ‪. (5073)120‬‬
‫‪ ()24‬تفسير القرطبي ‪1/26 :‬‬
‫‪27‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫"اهـ)‪ ، (25‬وقال الحسن البصري ‪ " :ù‬قراء القرآن‬
‫ثلثة أصناف ‪ :‬صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به ‪،‬‬
‫وصنف أقاموا حروفه ‪ ،‬وضيعوا حدوده ‪ ،‬واستطالوا‬
‫به على أهل بلدهم ‪ ،‬واستدروا به الولة ‪ ،‬كثر هذا‬
‫الضرب من حملة القرآن ل كثرهم الله ‪ ،‬وصنف‬
‫عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء‬
‫قلوبهم ‪ ،‬فركدوا به في محاريبهم ‪ ،‬وحنوا به في‬
‫برانسهم ‪ ،‬واستشعروا الخوف ‪ ،‬فارتدوا الحزن ‪،‬‬
‫فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر‬
‫بهم علىالعداء ‪ ،‬والله لهؤلء الضرب في حملة‬
‫) (‬
‫القرآن أعز من الكبريت الحمر " اهـ ‪26‬‬
‫قال أحمد بن أبي الحواري ’‪" :‬إني لقرأ‬
‫القرآن وأنظر في آيه ‪ ،‬فيحير عقلي بها‪،‬‬
‫وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم‬
‫النوم ‪ ،‬ويسعهم أن يشتغلوا بشئ من الدنيا‬
‫وهم يتلون كلم الله ‪ ،‬أما إنهم لو فهموا ما‬
‫يتلون ‪ ،‬وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا‬
‫المناجاة لذهب عنهم النوم فرحاً بما قد‬
‫) (‬
‫رزقوا " ‪27‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬العلم الذي نريده من القرآن ‪:‬‬


‫ما العلم الذي نريده من القرآن ؟ أهو علم‬
‫الصناعة ؟ أو الزراعة ؟ الدارة ؟ علم الدين ؟ علم‬
‫الدنيا ؟‬

‫‪ ()25‬كنز العمال ‪ ، 23 :‬مشكل الثار للطحاوي ‪1/171 :‬‬


‫‪ ()26‬ابن الجوزي في العلل ‪ ، 1/110‬والكبريت الحمر ‪ :‬أي الذهب الخالص ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬لسان العرب ) كبر ( ‪5/125‬‬
‫‪ ()27‬لطائف المعارف ‪203‬‬
‫‪28‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫يجيب ابن القيم ’ على هذه المسألة المهمة بأبيات‬
‫جميلة يقول فيها ‪:‬‬
‫من‬ ‫والعلم أقسام ثلث ما لهـــــــــــــا‬
‫رابع والحق ذو تبيـــــــــان‬
‫وكذلك‬ ‫علم بأوصاف الله وفعلــــــــــــه‬
‫السماء للرحمـــــــــــــن‬
‫وجزاؤه‬ ‫والمر والنهي الذي هو دينــه‬
‫يوم المعاد الثــــــــــــاني‬
‫جاءت‬ ‫والكل في القـرآن والسنن التي‬
‫عن المبعوث بالقرآن‬
‫إننا نريد العلم الذي يحقق لنا النجاح في‬
‫الحياة ‪ ،‬يحقق لنا السعادة ‪ ،‬والحياة الطيبة ‪،‬‬
‫والنفس المطمئنة ‪ ،‬والرزق الحلل الواسع ‪ ،‬ويحقق‬
‫لنا المن في الدنيا والخرة ‪ ،‬نريد العلم الذي يولد‬
‫الرادة والعزيمة ‪ ،‬ويقضي على كل مظاهر الفشل‬
‫والخفاق في جميع مجالت الحياة ‪ ،‬إنه ‪ :‬العلم بالله‬
‫تعالى والعلم باليوم الخر ‪ ،‬العلم بالله تعالى أوله‬
‫العلم المقتضي لل ستغفار كما قال تعالى ‪َ} :‬فاعْل َ ْ‬
‫م‬
‫َ‬
‫ك{ ])‪ (19‬سورة محمد[ ‪،‬‬ ‫ذنب ِ َ‬
‫ست َغِْفْر ل ِ َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫فالعلم الذي يورث الستغفار ‪ ،‬ويدفع إليه هو العلم‬
‫المؤدي للنجاح ‪ ،‬وهذا العلم هو ‪ :‬علم ل إله ال الله ‪،‬‬
‫على وجه يحقق المقصود لفظا ومعنى ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ -ù‬في تفسير قول الله تعالى‪:‬‬
‫زيٌز‬
‫ه عَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل َ َ‬
‫ماء إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫غَُفوٌر{ ])‪ (28‬سورة فاطر [ ‪ :-‬هم الذين يعلمون أن الله‬
‫على كل شئ قدير‪.‬‬
‫ولفظ العلم مصطلح واسع جدا ً ‪ ،‬وإطلقاته كثيرة ‪،‬‬
‫وهو لفظ جذاب ‪ ،‬وكل يصطفيه لنفسه ويعتبر ما‬
‫‪29‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫عداه ليس بعلم ‪ ،‬ومن ذلك ‪ :‬أهل العلوم الدنيوية‬
‫يسمون معارفهم علما ‪ ،‬ويسمون العلوم الخرى ‪-‬‬
‫بما فيها علوم الدين‪ : -‬أدبا ‪...‬الخ ‪ ،‬وكل ذلك يعتبر‬
‫علما فكل معرفة علما ‪ ،‬لكن مجالته متعددة ‪،‬‬
‫ويقيد فيقال علم كذا ‪ ،‬أما إذا أطلق العلم عند‬
‫المسلمين وفي القرآن والسنة خاصة فيراد به‬
‫ماذكره ابن القيم ‪ ،‬وأيضا شاع بين الناس قصر هذا‬
‫العلم على قسم واحد منه وهو العلم بالحلل‬
‫والحرام ‪ ،‬وهذا خطأ شائع ‪ ،‬فيقصرون كل فضل‬
‫وارد في العلم في القرآن والسنة على علم الفروع‬
‫أي الفقه ‪ ،‬أو المسائل الخلفية من علم العتقاد ‪،‬‬
‫أما الصول المتفق عليها فيصرف اللفظ عنها ‪ ،‬وقد‬
‫تجد من يجادل في هذه الحقيقة ‪ ،‬فالصحيح أن‬
‫العالم حقا هو من يخشى الله تعالى ‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يعرف كتابة اسمه ‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬
‫ورأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن‬
‫يقال لقد رئستا‬
‫وقال ابن مسعود _ ‪ ":‬كفى بخشية الله علما وكفى‬
‫) (‬
‫بالغترار بالله جهل " ‪28‬‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬كيفية تحقيق هذا المقصد ‪:‬‬


‫إن مما يعين على تحقيق هذا المقصد أن تقرأ‬
‫القرآن كقراءة الطالب لكتابه ليلة المتحان ‪ ،‬قراءة‬
‫مركزة واعية ‪ ،‬قراءة من يستعد ليختبر فيه إختبارا ً‬
‫دقيقا ‪.‬‬
‫إننا في هذه الحياة مختبرون في القرآن ‪،‬‬
‫فمنا الجاد النشيط الذي يذاكر هذا الكتاب‬
‫‪ ()28‬مفتاح دار السعادة ‪1/51 :‬‬
‫‪30‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫باستمرار ‪ ،‬وأجوبته حاضرة وراسخة ‪ ،‬ومنا‬
‫المهمل المقصر اللعب الذي إذا سئل عن‬
‫شئ في القرآن قال ‪ :‬هاه هاه ! لأدري ‪.‬‬
‫أن تقرأ القرآن قراءة الداري للئحة النظام التي‬
‫تنظم عمله ‪ ،‬وتحدد الجابة عن كل معاملة ‪ ،‬ويحتاج‬
‫إلى الرجوع إليها يوميا ‪ ،‬إنه من المقرر أن الداري‬
‫الناجح هو من يحفظ اللئحة ويفهمها فهما دقيقا ً‬
‫شامل ً ‪ ،‬وبه يتفوق المتفوقون في الدارة والقيادة‪.‬‬
‫إن القرآن هو الذي يجب الرجوع إليه في كل‬
‫موقف من مواقف حياتنا ‪ ،‬وعليه فمن أراد أن يكون‬
‫شخصا ناجحا في الحياة فعليه بحفظه وفهم نصوصه‬
‫‪ ،‬ليمكنه الحصول على الجابات الفورية والسريعة‬
‫والصحيحة في كل حالة تمر به في حياته‪.‬‬
‫وقد ورد في القرآن الكريم عدد من الصور‬
‫والنماذج لهؤلء الناجحين‪:‬‬
‫من ذلك جواب النبي §لبي بكر _ إذ هما في الغار ‪:‬‬
‫معََنا { ] ) ‪ (40‬سورة التوبة [ ‪ ،‬وجواب‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫} ل َتَ ْ‬
‫دين{ ])‪(62‬‬
‫سي َهْ ِ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫مع ِ َ‬ ‫ن َ‬‫موسى ‪ À‬لقومه ‪ } :‬ك َل ّ إ ِ ّ‬
‫دعي للفحشاء ‪:‬‬ ‫سورة الشعراء[ ‪ ،‬وجواب يوسف ‪ À‬لما ُ‬
‫َ‬
‫ه ل َ ي ُْفل ِ ُ‬
‫ح‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬‫مث ْ َ‬‫ن َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫} َ‬
‫ن{ ])‪ (23‬سورة يوسف[ ‪ ،‬إنها ردود سريعة وحاضرة‬ ‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫وقوية في أصعب المواقف التي تمر بالنسان ‪،‬‬
‫وتطيش فيها عقول الرجال ‪ .‬إنه الثبات والرسوخ‬
‫ممن حفظوا كتاب ربهم ‪ ،‬وفقهوا ما فيه ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬من تطبيقات مقصد العلم‪:‬‬


‫أن تضع في ذهنك معاني وأسئلة محددة تريد البحث‬
‫عن جوابها في القرآن ‪ ،‬مثلك في هذا مثل ‪ :‬من‬
‫‪31‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫يسير في طريق وهو خالي الذهن ؛ أو من يسير‬
‫وهو يبحث عن هدف معين ‪ ،‬إنه من المشاهد ‪ -‬مثل‬
‫‪ -‬أننا نمر بالشارع مرار وتكرارا فل ننتبه لوجود‬
‫محل معين فيه إلى أن نحتاج إليه فنبدأ بالتركيز‬
‫والبحث فنكتشفه ‪ ،‬وقبل ذلك لو سئلنا هل يوجد‬
‫في الشارع الفلني مكتبة ؟ فنقول ل ‪ ،‬ونؤكد أنه ل‬
‫يوجد ‪ ،‬بينما هي موجودة ‪ ،‬لكن لم ننتبه مع أننا‬
‫مررنا بجوارها مئات المرات ‪.‬‬
‫إن كل موقف أو حدث أو حالة تمر بك تسأل نفسك‬
‫‪ :‬أين ذكرت في القرآن ؟ هل وردت في كتاب الله‬
‫عزوجل ؟‬
‫وكم قرأنا وسمعنا عمن يندهش لغياب معنى آية من‬
‫القرآن عن قلبه فتجده يقول‪ :‬أهذه آية في‬
‫القرآن ؟كأني أسمعها لول مرة)‪.(29‬‬
‫نعم إن قراءة معاني اليات أمر يختلف تماما‬
‫عن قراءة اللفاظ ‪ ،‬ونسيان المعاني وغيابها أمر‬
‫يحصل مع أن اللفظ موجود واللسان ينطق به‬
‫ويكرره ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬القرآن والبرمجة اللغوية‬
‫العصبية‪:‬‬
‫يقول الدكتور محمد التكريتي ‪ " :‬لو كان ملتون‬
‫أريكسون)‪ (30‬يعرف العربية ‪ ،‬وقرأ القرآن لوجد‬
‫ضالته المنشودة فيما حاول أن يصل إليه من‬
‫استخدام اللغة في التأثير اللشعوري في النسان ‪،‬‬
‫ذلك التأثير الذي يشبه السحر وما هو بسحر ‪ ،‬فقد‬

‫‪ ()29‬ارجع إلى شريط ) صيام قلب ( للدكتور خالد الجبير ‪.‬وفيه قوله ‪ " :‬آية‬
‫كنت أقرؤها وأسمعها منذ أربعين سنة ولم أفهمها إل اليوم ‪.‬‬
‫‪ ()30‬أحد رواد البرمجة اللغوية العصبية ‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫سحر العرب مؤمنهم وكافرهم على حد سواء ‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا في بداية المر يعرفون سببا ً لذلك "اهـ)‪.(31‬‬
‫وهنا دعوة أوجهها إلى كل من اشتغل بهذا العلم‬
‫بحثا عن السعادة والقوة والنجاح أن يبحث عنها في‬
‫القرآن ‪ ،‬وأن يركز جهوده وفكره لربط الناس‬
‫بالقرآن العظيم الذي ما أنزل إل من أجل تحقيق‬
‫القوة والسعادة للناس ‪ ،‬وتحريرهم من عبودية‬
‫الشهوات والهواء ‪ ،‬وجميع نقاط ضعفهم لينطلقوا‬
‫في درجات القوة والنجاح في أرقى أشكالها ‪،‬‬
‫وأعلى صورها ‪.‬‬
‫وليس مقصود البحث بسط الكلم في هذه المسألة‬
‫وإنما تعرضت لها لعلقتها بتدبر القرآن ‪ ،‬ولنها من‬
‫أبرز المظاهر التي تؤكد أهمية معرفة مفاتيح تدبر‬
‫القرآن والنتفاع به في الحياة ‪32‬‬
‫))‬

‫المسألة السادسة‪ :‬لم ل تكون الدعوة بالقرآن‪:‬‬


‫لو تأملنا في حوار النبي § مع المدعوين ‪ ،‬وماذا كان‬
‫يقول لهم ‪ ،‬لوجدنا أنه في كثير من المواقف يكتفي‬
‫بتلوة آيات من القرآن الكريم ‪ ،‬ويحدث هذا أثرا‬
‫عظيما في النفوس ‪ ،‬لقد كانت قراءة النبي § لية‬
‫من القرآن تشد الكافر والمنافق والمشرك و تبين‬
‫له الحق ‪ ،‬ول يقل أحد إن هذا خاص بالنبي § بل هو‬
‫ممكن لكل من سلك سبيله واقتدى به ‪ ،‬وهو بهذا‬
‫مستجيب لربه سبحانه وتعالى الذي أمره بذلك إذ‬
‫د{ ])‪ (45‬سورة‬‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬‫خا ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ن َ‬‫يقول ‪ } :‬فَذ َك ّْر ِبال ُْقْرآ ِ‬
‫ق[ ‪ ،‬وبقوله سبحانه ‪} :‬وإ َ‬
‫ن‬
‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫حد ٌ ّ‬‫نأ َ‬ ‫َِ ْ‬
‫‪ ()31‬آفاق بل حدود‪ :‬ص ‪201‬‬
‫‪ ()32‬قد خصصت لبيان هذه القضية رسالة بعنوان ‪ ) :‬البرمجة اللغوية العصبية‬
‫أو التزكية العلمية القلبية أي الطريقين أقرب للنجاح ( ‪ ،‬أسأل الله أن ييسر‬
‫كتابتها ‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫م الل ّهِ {‬ ‫استجار َ َ‬
‫])‪ (6‬سورة التوبة[‪،‬‬ ‫معَ ك َل َ َ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫جْرهُ َ‬ ‫ك فَأ ِ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ث‬ ‫مك ْ ٍ‬‫س عََلى ُ‬ ‫ِ‬ ‫}وَقُْرآنا ً فََرقَْناهُ ل ِت َْقَرأهُ عََلى الّنا‬
‫ل{ ])‪ (106‬سورة السراء[‪،‬وقوله ‪} :‬وأ َ َ‬
‫ن أت ْل ُ َ‬
‫و‬ ‫َ ْ‬ ‫زي ً‬‫وَن َّزل َْناهُ َتن ِ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫من َ‬ ‫سهِ وَ َ‬
‫دي ل ِن َْف ِ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬‫دى فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫مَ ِ‬ ‫ال ُْقْرآ َ‬
‫ن{ ])‪ (92‬سورة النمل[ ‪.‬‬ ‫منذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫فَُق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫فلم ل يكون حوارنا ‪ ،‬وتكون خطبنا ‪ ،‬ومواعظنا‬
‫تنطلق وتدور في فلك آيات القرآن الكريم ‪ ،‬نبدأ‬
‫بالستشهاد بها في كل ما نريد إيصاله إلى‬
‫المدعوين من تربية وتعليم ‪.‬‬
‫إن البعض قد يعتذر قائل ‪ :‬إن ما تدعو إليه صعب ‪،‬‬
‫ونحن نشاهد الناس يتأثرون بالقصص والمثلة‬
‫والنماذج الحية أكثر من تأثرهم بالقرآن ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬إن هذا هو أساس المشكلة التي نحاول‬
‫علجها في هذا البحث ‪ ،‬وهو لماذا نتأثر بالقصص‬
‫والحكايات ‪ ،‬ول نتأثر باليات ؟‬
‫إن بعض الدعاة ممن يكثر القصص يتعلل بقوله ‪ :‬إن‬
‫الناس ل يطيقون أو ل يفهمون ذلك ‪ ،‬فنحن نقرب‬
‫لهم المر بالقصص والحكايات والدبيات التي تؤثر‬
‫في نفوسهم ‪ ،‬وهذا غير صحيح ‪ ،‬فالعيب في الداعية‬
‫نفسه وليس في الطريقة أو المنهج ‪ ،‬وليس العيب‬
‫في الناس ‪ ،‬بل إنه متى استشعر الداعية عظمة‬
‫القرآن وكان معايشا له متعمقا فيه فإن أثر قراءته‬
‫لبضع آيات ل يقارن بأثر قصة أو طرفة أو مشهد‬
‫من هنا وهناك وجرب تجد ‪. 33‬‬
‫(‬ ‫)‬

‫‪ 33‬إن البعض يناقش في هذه المسألة مع شدة وضوحها وقوة ظهورها ‪ ،‬ومن‬
‫)(‬

‫ل يزال في ريب مما أقول فليقرأ كتاب ‪ :‬بالقرآن أسلم هؤلء – تأليف ‪ :‬عبد‬
‫العزيز سيد هاشم – نشر ‪ :‬دار القلم ‪ ،‬وليقرأ سيرة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وسير أصحابه بتمعن وعمق ليتبين له الحق ‪ ،‬إننا لما فرطنا في تطبيق‬
‫هذه المفاتيح حيل بيننا وبين القرآن فصرنا ل نتأثر به ول نستطيع أن نؤثر به‬
‫فسلكنا طريق القصة والقصيدة والفكاهة والمشهد الخ مما نسميه وسائل‬
‫الدعوة ‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫إنها كلمة أوجهها إلى المصلحين ‪ ،‬والمربين ‪،‬‬
‫والقائمين على مكاتب الدعوة ‪ ،‬وأقسام القوة‬
‫المعنوية في القطاعات العسكرية والمنية ‪،‬‬
‫وحلقات تحفيظ القرآن بأن يركزوا جهودهم على‬
‫هذا المر بألوان وأساليب متنوعة فيه تقريب‬
‫وتدريب وتعليم فردي يوصل المتلقي إلى هدف‬
‫إتقان هذه المفاتيح العشرة حسب الستطاعة ‪،‬‬
‫ففي هذا اقتداء بالنبي § وتوفير للوقات والجهود‬
‫والموال التي تصرف على الدعوة والصلح ‪ ،‬وفي‬
‫هذا علج قوي وسريع المفعول وطويل المد ‪.‬‬
‫إن أي وسيلة دعوية يجب أن تربط مباشرة بالقرآن‬
‫فإن كانت تحقق فهم القرآن والتأثر به حسن فعلها‬
‫وإل فتركها أولى وأحرى ‪.‬‬
‫إن انشغال الناس بمؤلفات الناس وطلبهم العافية‬
‫والشفاء النفسي والقوة المعنوية منها يشبه‬
‫أسلوبهم في التغذية البدنية الجسدية ؛ حيث‬
‫اقتصروا على أطعمة ترضي الذوق والمزاج بينما‬
‫هي تهدم الجسد وتهلكه‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬القرآن يحيى القلوب كما يحيى‬
‫الماء الرض‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ب َعْد َ‬‫حِيي الْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ْ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫قال الله تعالى ‪} :‬اعْل َ ُ‬
‫ن{ ])‪ (17‬سورة‬ ‫م ت َعِْقُلو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫موْت َِها قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫الحديد[ ‪ ،‬وقد جاءت هذه الية بعد قول الله تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬
‫م ل ِذِك ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مُنوا َأن ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬
‫َ‬
‫}أل َ ْ‬
‫كال ّذي ُ‬
‫ب‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫حقّ َول ي َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ن ََز َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م وَك َِثيٌر‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫مد ُ فََق َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬‫ل فَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن{ ])‪ (16‬سورة الحديد[ ‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى‬ ‫سُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫أن حياة القلوب تكون بذكر الله تعالى وما نزل من‬
‫‪35‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫الحق وهو القرآن مثل ما أن حياة الرض الميتة‬
‫يكون بالماء ‪ ،‬قال مالك بن دينار’‪ " :‬ما زرع‬
‫القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن ؟ إن‬
‫القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع‬
‫الرض " اهـ )‪ ، (34‬وهذا أمر مشاهد ظاهر للعيان ‪،‬‬
‫ومن المشاهدات في هذا المر ما نشاهده من زكاة‬
‫القلوب ورقتها في رمضان حين يتوالى عليها سماع‬
‫القرآن وقراءته ويكثر ذلك ‪ ،‬ثم إنك ترى هذه الحياة‬
‫التي حصلت للقلوب في رمضان تبدأ بالتلشي‬
‫بالتدريج بعد رمضان حين تنقطع عن القرآن‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫فمن أراد حياة قلبه فعليه بسقيه بربيع القلوب‬
‫القرآن وبكميات وكيفيات مناسبة لحداث الحياة كما‬
‫سيأتي تفصيله في ثنايا هذا البحث ‪.‬‬

‫المسألة الثامنة‪ :‬وقفة مع آية ‪:‬‬


‫ن‬
‫مِني َ‬‫مؤ ِ‬ ‫ه عََلى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬‫وهي قول الله تعالى ‪} :‬ل ََقد ْ َ‬
‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫ه‬
‫م آَيات ِ ِ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬‫سه ِ ْ‬‫ن أنُف ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫إ ِذ ْ ب َعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬
‫من‬ ‫كاُنوا ْ ِ‬ ‫ة وَِإن َ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬‫مه ُ ُ‬‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫وَي َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬
‫ن{ ])‪ (164‬سورة آل عمران[ ‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬‫ل ّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل ل َِفي َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫إن تزكية النسان وإصلحه له جهتان ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬العلم والتعليم ‪ ،‬أو الفكر ‪ ،‬أوالمنطق ‪،‬‬
‫أوالقناع ‪ ،‬أوالمعتقدات ‪ ....‬الخ من المصطلحات‬
‫في هذا المعنى‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬العمل ‪ ،‬أو التربية ‪ ،‬أو التدريب ‪ ،‬أو السلوك‬
‫‪ ...‬الخ من المصطلحات ‪.‬‬

‫‪ ()34‬إحياء علوم الدين ج ‪/1‬ص ‪285‬‬


‫‪36‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫والقرآن الكريم يحقق المرين معا بأكمل وجه‬
‫وأحسن صورة لمن آمن به وسلك السباب الموصلة‬
‫لذلك‪.‬‬
‫إن القرآن الكريم بحق هو كتاب التربية والتعليم‬
‫الذي يغني عما سواه ‪ ،‬ول يغني عنه غيره ‪ ،‬ولقد‬
‫أجاد ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة في بيان‬
‫هاتين الجهتين والعلقة بينهما ‪ ،‬فمن المعلوم‬
‫المقرر أن سلوك النسان وتصرفاته ل تصدر بعفوية‬
‫أو عشوائية ‪ ،‬وإنما تقوم على فكر ومعتقد ‪،‬‬
‫وتراكمات علمية بنيت على مر اليام ‪ ،‬وعلى‬
‫خبرات تم تخزينها مع تكرار المواقف والتصرفات‬
‫منذ الطفولة إلى أن صار رجل ‪ ،‬فمتى أردت‬
‫الطريق المختصر لتغيير شخص فعليك بتغيير‬
‫معتقداته وأفكاره ‪ ،‬دون أن تتعب نفسك بملحقة‬
‫مفردات سلوكياته وتصرفاته ‪ ،‬وهذا ما يحققه‬
‫القرآن الكريم لمن أخذ بمفاتحه ‪.‬‬
‫الهدف الثاني ‪:‬قراءة القرآن بقصد العمل به‬
‫المسألة الولى‪ :‬أهمية هذا المقصد‪:‬‬
‫قال علي بن أبي طالب _ ‪ " :‬يا حملة القرآن أو‬
‫ياحملة العلم ؛ اعملوا به فإنما العالم من عمل بما‬
‫علم ‪ ،‬ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون‬
‫العلم ل يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم‬
‫وتخالف سريرتهم علنيتهم يجلسون حلقا ً يباهي‬
‫بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه‬
‫أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك ل تصعد أعمالهم‬
‫) (‬
‫في مجالسهم تلك إلى الله تعالى "اهـ ‪35‬‬

‫‪ ()35‬التبيان في آداب حملة القرآن ج ‪/1‬ص ‪ ، 20‬كنز العمال ج ‪/10‬ص ‪120‬‬


‫‪37‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫وعن الحسن البصري ’ قال ‪ ":‬أمر الناس أن يعملوا‬
‫بالقرآن فاتخذوا تلوته عمل")‪ ، (36‬وقال الحسن بن‬
‫علي ’‪" :‬إقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فليست‬
‫بقراءة")‪ ، (37‬وقال الحسن البصري ’‪" :‬إن أولى‬
‫الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن‬
‫قرأه)‪"(38‬اهـ)‪ ، (39‬وعن أبي عبد الرحمن السلمي ’‬
‫عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب ‪: è‬أن‬
‫رسول الله § كان يقرؤهم العشر ‪ ،‬فل يجاوزونها‬
‫إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ‪،‬‬
‫) (‬
‫جّري ’‬ ‫فتعلمنا القرآن والعمل جميعا" ‪ ، 40‬ويقول ال ُ‬
‫‪" :‬يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه همته متى أكون‬
‫من المتقين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى‬
‫أكون من الصابرين ؟ متى أزهد في الدنيا ؟ متى‬
‫أنهى نفسي عن الهوى ؟ "اهـ)‪ ، (41‬وقال الحسن‬
‫البصري ’ ‪ " :‬إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان‬
‫ل علم لهم بتأويله ‪ ، ...‬وما تدبر آياته إل باتباعه ‪،‬‬
‫وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ‪ ،‬حتى إن‬
‫أحدهم ليقول ‪ :‬لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت‬
‫منه حرفا ‪ ،‬وقد والله أسقطه كله ‪ ،‬ما يرى القرآن‬
‫له في خلق ول عمل ‪ ،‬حتى إن أحدهم ليقول ‪ :‬إني‬
‫لقرأ السورة في نفس ! والله ما هؤلء بالقراء ‪ ،‬ول‬
‫بالعلماء ‪ ،‬ول الحكماء ‪ ،‬ول الورعة ‪ ،‬متى كان القراء‬
‫‪ ()36‬تفسير السمعاني ج ‪/4‬ص ‪ ،119‬مدارج السالكين‪ ،451-1 :‬تلبيس‬
‫إبليس‪109 :‬‬
‫‪ ()37‬كنز العمال ‪2776-1 :‬‬
‫‪ ()38‬أي أنه ل يقدر على القراءة ‪ ،‬أما من قدر على قراءة القرآن فل يتصور‬
‫أنه ل يقرؤه ‪.‬‬
‫‪ ()39‬قاعدة في فضائل القرآن لشيخ السلم ابن تيمية ‪59 :‬‬
‫‪ ()40‬تفسيرالقرطبي ‪ ، 39-1 :‬تفسير الطبري ‪60-1 :‬‬
‫‪ ()41‬أخلق حملة القرآن ‪40 :‬‬
‫‪38‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫مثل هذا ؟ ل كثر الله في الناس مثل هؤلء‬
‫"اهـ)‪ ، (42‬وسئلت عائشة ~ عن قول الله تعالى‪:‬‬
‫م{])‪ (4‬سورة القلم[ ما كان خلق‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬
‫}وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬
‫ق عَ ِ‬
‫خل ٍ‬
‫رســــول الله ؟ فقالت‪ " :‬كان خلقه القرآن يغضب‬
‫لغضبه ويرضى لرضاه"اهـ)‪ ، (43‬جاء رجل بابنه إلى‬
‫أبي الدرداء _ فقال ‪ :‬إن ابني هذا قد جمع القرآن ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اللهم غَْفرا ً ‪ ،‬إنما جمع القرآن من سمع له‬
‫وأطاع "اهـ)‪ ، (44‬وعن حذيفة _ قال‪ " :‬يا معشر‬
‫القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا ‪ ،‬فإن أخذتم‬
‫) (‬
‫يمينا وشمال لقد ضللتم ضلل بعيدا"اهـ ‪. 45‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬مفهوم تطبيق هذا المقصد‬


‫وكيفيته‪:‬‬
‫أن يقرأ القرآن بنية العمل ‪ ،‬بنية البحث عن علم‬
‫ليعمل به ‪ ،‬فيقف عند آياته ينظر ماذا تطلب منه ‪،‬‬
‫هل أمر يؤمر به ‪ ،‬أو شئ ينهى عنه ‪ ،‬أو فضيلة‬
‫يدعى للتحلي بها ‪ ،‬أو خطر يحيق به يحذر منه ‪،‬‬
‫وهكذا فإن القرآن هو الدليل العملي لتشغيل‬
‫النفس وصيانتها ‪ ،‬ينبغي أن يكون قريبا من كل‬
‫مسلم يربي به نفسه ويهذبها ‪ ،‬أن تقرأ القرآن بنية‬
‫وقصد من يبحث عن حل لمشكــلة أو إصلح خـــلل‬
‫‪ ()42‬سنن سعيد بن منصور ‪ ، 420-2 :‬شعب اليمان للبيهقي ‪، 541-2 :‬‬
‫الزهد لبن المبارك ‪1/274 :‬‬
‫‪ ()43‬صحيح مسلم ‪ ، (746) :‬وبهذا اللفظ أخرجه ‪ :‬الطبري في تفسيره ‪:‬‬
‫‪ ، 18-29‬والطبراني في الوسط ‪ ، 30-1 :‬والبيهقي في الشعب ‪، 154-2 :‬‬
‫والمام أحمد في مسنده ‪ ، 216-6 :‬وتكلم عليه ابن كثير في تفسيره ‪:‬‬
‫‪ ، 4/403‬وابن حجر في فتح الباري ‪575-6 :‬‬
‫‪ ()44‬قاعدة في فضائل القرآن لبن تيمية‪59 :‬‬
‫‪ ()45‬صحيح البخاري ‪ (7282) :‬كتاب العتصام ‪ ،‬باب القتداء بسنن رسول‬
‫الله ‘‬
‫‪39‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫‪ ،‬يبحث عن تفسير لظاهرة أو علج لمرض ‪ ،‬أو‬
‫تحليل لحالة من الحالت‪.‬‬
‫أما إذا كنا نبحث عن علج مشكلتنا التربوية في‬
‫كتب فلن ‪ ،‬أوعلن ‪ ،‬أو في المجلت والصحف ‪ ،‬أو‬
‫القنوات الفضائية ‪ ،‬فإننا بهذا قد عطلنا هذا المقصد‬
‫المهم من مقاصد القرآن ‪ ،‬إن كل تربية ل تبنى‬
‫مباشرة على القرآن فهي تربية قاصرة ولو أثمرت‬
‫بعض الثمار مؤقتا استدارجا وابتلء ‪ ،‬إن تربية‬
‫الناشئة وتربية الشباب ل بد أن تبنى مباشرة على‬
‫القرآن بأساليب ووسائل مناسبة‪.‬‬
‫إن البعض منا لما تعلق بالدنيا ومكاسبها المادية‬
‫ابتلي وفتن بعلوم الغرب وأطروحاتهم ‪ ،‬وظن فيها‬
‫النجاح والسعادة ‪ ،‬والقوة الدارية والقتصادية ‪ ،‬وهو‬
‫يتأول لفعله هذا بشتى التأويلت ‪ ،‬ويحتج لتصرفه‬
‫بكثير من الحجج‪.‬‬
‫الهدف الثالث ‪ :‬قراءة القرآن بقصد مناجاة ال‬
‫عن أبي هريرة _ أنه سمع النبي § يقول‪ " :‬ما أذن‬
‫الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن‬
‫")‪ ، (46‬ومعنى أذن ‪ :‬أي استمع ‪ ،‬وعن فضالة بن‬
‫عبيد _ قال ‪ :‬قال رسول الله §‪ " :‬لله أشد أ ُ ُ‬
‫ذنا ً إلى‬
‫الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب‬
‫القينة إلى قينته")‪ ، (47‬وعن عبد الله بن المبارك’‬
‫قال ‪ :‬سألت سفيان الثوري’ قلت ‪ :‬الرجل إذا قام‬
‫إلى الصلة أي شئ ينوي بقراءته وصلته ؟ قال ‪:‬‬
‫ينوي أنه يناجي ربه ")‪ ، (48‬وعن البياضي _ أن‬
‫‪ ()46‬صحيح البخاري ج ‪/6‬ص ‪ ، ( 7105) 2743‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪) 545‬‬
‫‪ ، ( 792‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1473) 75‬سنن النسائي )المجتبى( ج‬
‫‪/2‬ص ‪( 1017) 180‬‬
‫‪ ()47‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪(330) 425‬‬
‫‪ ()48‬تعظيم قدر الصلة ‪92-1 :‬‬
‫‪40‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫رسول الله § خرج على الناس وهم يصلون ‪ ،‬وقد‬
‫علت أصواتهم بالقراءة فقال ‪ :‬إن المصلي يناجي‬
‫ربه عزوجل فلينظر ما يناجيه ‪ ،‬ول يجهر بعضكم‬
‫على بعض بالقرآن")‪، (49‬وقال قتادة’‪" :‬ما أكلت‬
‫الكراث منذ قرأت القرآن")‪ ، (50‬وقال أبو مالك’‪ :‬إن‬
‫أفواهكم طرق من طرق الله تعالى فنظفوها ما‬
‫استطعتم قال ‪ :‬فما أكلت البصل منذ قرأت‬
‫القرآن")‪. (51‬‬
‫فالمسلم عند قراءته للقرآن عليه أن يستحضر هذا‬
‫المقصد العظيم لكي يشعر بلذة القراءة حينما‬
‫يستحضر أن الله يراه ويستمع لقراءته وهو يقرأ‬
‫ويمدحه ويثني عليه ويباهي به ملئكته المقربين ‪ ،‬إن‬
‫أحدنا لو ظن أن رئيسه ‪ ،‬أو والده أو أميرا ينظر إلى‬
‫قراءته ويمدحه لجتهد في ذلك ‪ ،‬فكيف والذي‬
‫يستمع إليه ويثني عليه ملك الملوك الذي له ما في‬
‫السموات ومافي الرض وما بينهما وما تحت‬
‫الثرى ‪.‬‬
‫فالقارئ يستشعر أن الله يخاطبه مباشرة ‪ ،‬وأن الله‬
‫تعالى يسمع قراءته ‪ ،‬فإذا مر بآية فيها تسبيح‬
‫سبح ‪ ،‬وإذا مر بآية فيه وعيد استعاذ ‪ ،‬وإذا مر‬
‫بسؤال سأل ‪.‬‬
‫هذا ما أعنيه بالمناجاة ‪....‬عن حذيفة _ قال ‪" :‬‬
‫صليت مع النبي § ذات ليلة فافتتح البقرة ‪ ،‬فقلت‬
‫يركع عند المائة ثم مضى ‪ ،‬فقلت يصلي بها في‬

‫‪ ()49‬مسند المام أحمد ‪ ، 344-4 :‬وصححه أحمد شاكر‬


‫‪ ()50‬فضائل ابي عبيد ‪ ، 55‬التذكار ‪108‬‬
‫‪ ()51‬فضائل القرآن لبي عبيد ‪ ، 55‬الدر المنثور ج ‪/1‬ص ‪ ، 278‬تفسير‬
‫القرطبي ج ‪/1‬ص ‪ ، 27‬وانظر ‪ :‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪106‬‬
‫‪41‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫ركعة ‪ 52‬فمضى ‪ ،‬فقلت يركع بها ‪ ،‬ثم افتتح النساء‬ ‫(‬ ‫)‬

‫فقرأها ‪ ،‬ثم افتتح آل عمران فقرأها ‪ ،‬يقرأ مترسل ‪،‬‬


‫إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ‪ ،‬وإذا مر بسؤال سأل ‪،‬‬
‫وإذا مر بتعوذ تعوذ")‪. (53‬‬
‫هكذا تكون المناجاة بالقرآن ‪ ،‬إنها قراءة حية يعي‬
‫فيها العبد ماذا يقرأ ؟ ولماذا يقرأ ؟ ومن يخاطب‬
‫بقراءته ؟ وماذا يحتاج منه ؟ وما يجب له نحوه من‬
‫التعظيم والتقديس ‪.‬‬
‫تذكر دائما إذا مررت بصفة من صفات النجاح‬
‫والسعادة أن تسأل الله تعالى إياها ‪ ،‬وإذا مررت‬
‫بصفة من صفات الشقاء والفشل والنكد والضيق‬
‫أن تستعيذ بالله من شرها‪.‬‬
‫ثم إن تربية النفس على هذا المقصد يقوي فيها‬
‫مراقبة الله تعالى في حال النشاط وهي مقبلة‬
‫فيكون حاجزا لها عند الفتور والدبار‪.‬‬
‫قال ابن القيم’‪ " :‬إذا أردت النتفاع بالقرآن فاجمع‬
‫قلبك عند تلوته وسماعـــــه ‪ ،‬وألق سمعك ‪،‬‬
‫واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه‬
‫منه إليه ‪ ،‬فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله §‬
‫) (‬
‫"اهـ ‪54‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫كر أنه يجتمع لك في المناجاة بالقرآن خمس‬ ‫تذ ّ‬
‫معان مجموعة في قولك‪):‬حرس مع( الحاء ‪ :‬أن‬
‫الله يحبك حين تقرأ القرآن ‪ ،‬الراء ‪ :‬يراك ‪،‬‬
‫السين ‪ :‬يسمعك ‪ ،‬الميم‪ :‬يمدحك ‪ ،‬العين ‪:‬‬
‫‪ 52‬قوله ‪ " :‬يصلي بها في ركعة " أراد بالركعة الصلة كاملة والمعنى ‪ :‬يصلي‬
‫)(‬

‫بها في تسليمة ‪.‬‬


‫‪ ()53‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 772) 536‬سنن النسائي )المجتبى( ج ‪/3‬ص‬
‫‪(1664) 225‬‬
‫‪ ()54‬الفوائد‪1 :‬‬
‫‪42‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫يعطيك ‪ ،‬فاستحضر هذه المعاني حين القراءة ول‬
‫تدعها تفوت عليك ‪.‬‬

‫الهدف الرابع ‪ :‬قراءة القرآن بقصد الثواب‬


‫ورد في ترتيب الثواب على قراءة القرآن نصوص‬
‫كثيرة اذكر طرفا ً منها للتذكير بهذا المر المهم‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود _ قال قال رسول الله § ‪" :‬من‬
‫قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر‬
‫أمثالها ل أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولم‬
‫حرف وميم حرف")‪ ، (55‬وعن زيد بن أرقم _ أن‬
‫النبي § قال‪" :‬أل إني تارك فيكم ث ِْقلين ‪:‬أحدهما‬
‫‪:‬كتاب الله عزوجل ‪ ،‬هو حبل الله ‪ ،‬ومن اتبعه كان‬
‫على الهدى ومن تركه كان على ضللة")‪ ، (56‬وعن‬
‫أبي سعيد الخدري _ قال ‪ :‬قال رسول الله § ‪":‬‬
‫كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى‬
‫الرض ")‪ ، (57‬وعن جابر بن عبد الله ‪ ù‬قال ‪" :‬‬
‫كان النبي § يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في‬
‫ثوب واحد ثم يقول ‪ :‬أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا‬
‫دمه في اللحد ")‪ ، (58‬وعن‬ ‫أشير له إلى أحدهما ق ّ‬
‫عائشة~ قالت ‪ :‬قال رسول الله §‪ :‬الماهر بالقرآن‬
‫مع السفرة الكرام البررة ‪ ،‬والذي يقرأ القرآن‬
‫ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران")‪ ، (59‬وعن‬
‫عثمان _ قال ‪ :‬قال رسول الله § ‪":‬خيركم من تعلم‬
‫‪ ()55‬رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫‪ ()56‬صحيح مسلم ج ‪/4‬ص ‪ 1873‬رقم )‪(2408‬‬
‫‪ ()57‬سنن الترمذي‪ 663-5 :‬رقم ) ‪ ، ( 3788‬وقال حديث حسن غريب ‪،‬‬
‫وصححه اللباني‬
‫‪ ()58‬صحيح البخاري‪ ، 450-1:‬سنن أبي داود ‪، ( 3138 ) 196-3 :‬سنن‬
‫الترمذي ‪ ( 1036 ) 354 -3 :‬وقال حسن صحيح ‪ ،‬صحيح ابن حبان ‪-7 :‬‬
‫‪، 471‬سنن النسائي ‪ ، ( 1955 ) 62-4‬سنن ابن ماجه ‪، (1514 ) 485-1‬‬
‫وصححه اللباني‬
‫‪43‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫القرآن وعلمه")‪ ، (60‬وعن أبي هريرة _ قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله § ‪ ":‬تعلموا القرآن فاقرؤه وأقرئوه ‪،‬‬
‫فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقام به كمثل جراب‬
‫محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ‪ ،‬ومثل من‬
‫تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على‬
‫مسك ")‪ ، (61‬وعن أبي أمامة _ قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله § يقول‪ ":‬اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم‬
‫القيامة شفيعا لصحابه" )‪ ، (62‬وعن عبدالله بن‬
‫عمرو ‪ ù‬أن رسول الله § قال‪ " :‬الصيام والقرآن‬
‫يشفعان للعبد يوم القيامة ‪ ،‬يقول الصيام ‪ :‬أي رب‬
‫منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه‪،‬‬
‫ويقول القرآن‪ :‬منعته النوم بالليل فشعني فيه قال‬
‫فيشفعان")‪ ، (63‬وعن جابر _ عن النبي § ‪ ":‬القرآن‬
‫دق ‪ ،‬من جعله أمامه قاده‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫شافع مشفع ‪ ،‬وماح ٌ‬
‫ل ُ‬
‫إلى الجنة ‪ ،‬ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى‬
‫النار")‪ ، (64‬وعن النواس بن سمعان _ عن النبي‬
‫‪ ()59‬صحيح البخاري ‪ ،(4653) 1882-4‬وصحيح مسلم ‪، (798) 549-1:‬‬
‫وسنن أبي داود‪ ، (1454) 2/70 :‬وسنن الترمذي ‪ ، (2904) 171-5 :‬وسنن‬
‫ابن ماجه‪(3779) 1242-2 :‬‬
‫‪ ()60‬صحيح البخاري‪ ، (4739) 1919-4 :‬سنن أبي داود ‪، (1452) 70-2 :‬‬
‫سنن الترمذي‪ ، (2907) 173-5 :‬سنن ابن ماجه ‪ ، (211) 76-1 :‬سنن‬
‫الدارمي ‪ ، (3337) 528-2 :‬مسند المام أحمد ‪(405) 57-1 :‬‬
‫‪ ()61‬سنن الترمذي ‪ (2876) 156-5‬وقال حديث حسن ‪ ،‬وضعفه اللباني ‪،‬‬
‫صحيح ابن حبان ‪ (2126) 499-5 :‬قال شعيب الرناؤط ‪ :‬رجاله ثقات رجال‬
‫الصحيح غير عطاء مولى أبي أحمد ‪.‬‬
‫‪ ()62‬صحيح مسلم ‪ ، (804) 552-1 :‬وبنحوه في سنن الدارمي ‪) 522-2 :‬‬
‫‪ ، (3311‬مسندالمام أحمد ‪ ، (22200) 249-5‬صحيح ابن حبان ‪) 322-1 :‬‬
‫‪، (116‬المستدرك ‪ ، (2057) 747-1 :‬سنن البيهقي ‪(3862) 395-2 :‬‬
‫‪ ()63‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/2‬ص ‪ ، (6626) 174‬وصححه أحمد شاكر‪،‬‬
‫مستدرك الحاكم ‪ 470-1 :‬وقال صحيح على شرط مسلم ‪،‬مصنف ابن أبي‬
‫شيبة ج ‪/6‬ص ‪ ،( 30044)129‬صحيح الترغيب والترهيب لللباني ‪) 483-1:‬‬
‫‪.(969‬‬
‫‪ ()64‬صحيح ابن حبان ‪ ، (124) 331-1 :‬مصنف عبد الرزاق ‪) 372-3 :‬‬
‫‪ (6010‬شعب اليمان للبيهقي ‪(2010) 351-2 :‬‬
‫‪44‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫§قال ‪ :‬يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في‬
‫الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران")‪ ، (65‬وعن‬
‫ابن عباس _ قال ‪ :‬قال رسول الله § ‪":‬إن الذي‬
‫) (‬
‫ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب" ‪66‬‬
‫‪ ،‬وعن عمر _ قال ‪ :‬أما إن نبيكم § قد قال ‪" :‬إن‬
‫) (‬
‫الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" ‪67‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري _ قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫§ ‪ " :‬مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الترجة‬
‫ريحها طيب وطعمها طيب ‪ ،‬ومثل المؤمن الذي ل‬
‫يقرأ القرآن ‪ 68‬كمثل التمرة ل ريح لها وطعمها‬ ‫(‬ ‫)‬

‫حلو ‪ ،‬ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة‬


‫ريحها طيب وطعمها مر ‪ ،‬ومثل المنافق الذي ل‬
‫يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها‬
‫مر")‪ ، (69‬وعن أبي هريرة _ قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫§‪ " :‬ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون‬
‫كتاب الله ويتدارسونه بينهم إل نزلت عليهم السكينة‬
‫‪ ،‬وغشيتهم الرحمة ‪ ،‬وحفتهم الملئكة وذكرهم الله‬
‫فيمن عنده" )‪ ، (70‬وعن عبد الله بن مسعود _ ‪-‬‬
‫‪ ()65‬صحيح مسلم‪ ، (805 ) 554-1 :‬سنن الترمذي ‪. (2883 ) 160-5:‬‬
‫‪ ()66‬سنن الترمذي‪ (2913)177-5 :‬وقال حسن صحيح ‪ ،‬المستدرك ‪-1 :‬‬
‫‪ (2037) 741‬وقال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ ،‬سنن الدارمي ‪) 521-2 :‬‬
‫‪ ، (3306‬المعجم الكبير للطبراني ‪ ، (12619) 109-12 :‬مسند المام أحمد ‪:‬‬
‫‪(1947) 223-1‬‬
‫‪ ()67‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 817) 559‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪(218) 79‬‬
‫‪ 68‬يعني أنه أمي ل يقدر على القراءة ‪ ،‬وهو حريص على قراءة القرآن بدليل‬
‫)(‬

‫وصفه باليمان ‪ ،‬فل يتصور أبدا مؤمن يقدر على قراءة القرآن ويهجر قراءته ‪.‬‬
‫‪ ()69‬صحيح البخاري ج ‪/5‬ص ‪ ، ( 5111 ) 2070‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪) 549‬‬
‫‪ ، ( 797‬سنن أبي داود ج ‪/4‬ص ‪ ، ( 4829) 259‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪) 77‬‬
‫‪ ، ( 214‬سنن الترمذي ج ‪/5‬ص ‪ ، ( 2865) 150‬سنن النسائي ج ‪/8‬ص ‪) 124‬‬
‫‪(5038‬‬
‫‪ 70‬سنن أبي داود ‪ :‬ج ‪/2‬ص ‪ ، (1455) 71‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪(225) 82‬‬
‫)(‬

‫‪ ،‬سنن الترمذي ‪ :‬ج ‪/5‬ص ‪. (2945)195‬‬


‫‪45‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫مرفوعا‪ " -‬من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ‬
‫في المصحف ")‪ ، (71‬وقال ابن عباس ‪ " : ù‬لو أن‬
‫حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي له لحبهم الله‬
‫ولكن طلبوا به الدنيا فابغضهم الله وهانوا على‬
‫الناس"اهـ)‪ ، (72‬وعن ابن مسعود _ قال‪":‬إن هذا‬
‫القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم فإني ل‬
‫صفَر من خير من بيت ليس فيه من‬ ‫َ‬
‫أعلم شيئا أ ْ‬
‫كتاب الله شئ ‪ ،‬وإن القلب الذي ليس فيه من‬
‫كتاب الله شئ خرب كخراب البيت الذي ل ساكن‬
‫فيه ")‪ ، (73‬وقال أيضا _‪ " :‬إن هذه القلوب أوعية‬
‫فاشغلوها بالقرآن ول تشغلوها بغيره")‪ ، (74‬وقال‬
‫أبو هريرة _ ‪ " :‬البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثر‬
‫خيره وحضرته الملئكة وخرجت منه الشياطين‬
‫والبيت الذي ل يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله وقل‬
‫خيره وحضرته الشياطين وخرجت منه الملئكة‬
‫")‪ ، (75‬والنصوص في هذا الباب كثيرة وإنما قصدت‬
‫أل يخلو هذا البحث من طرف منها ليكون ترسيخا‬
‫لهذا الهدف من أهداف قراءة القرآن ‪ ،‬ومن أراد‬
‫التوسع فعليه بكتب السنة يقطف منها ما لذ وطاب‬
‫من الكلم المستطاب ؛ فما ذكرته هنا غيض من‬
‫فيض وقليل من كثير والله الهادي إلى سواء السبيل‬
‫‪.‬‬

‫‪ ()71‬الترغيب لبن شاهين ‪ :‬ق‪ ، 288-1-‬الكامل لبن عدي‪ ،111-2 :‬وإسناده‬


‫حسن كما قال اللباني في الصحيحة ‪452-5‬‬
‫‪ ()72‬تفسير القرطبي ج ‪/1‬ص ‪20‬‬
‫‪ ()73‬سنن الدارمي رقم ‪3173‬‬
‫‪ ()74‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/6‬ص ‪ ، ( 30011)126‬ج ‪/7‬ص ‪) 106‬‬
‫‪ ، ( 34551‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/2‬ص ‪( 6655) 177‬‬
‫‪ ()75‬الزهد لبن المبارك ج ‪/1‬ص ‪( 790) 273‬‬
‫‪46‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫الهدف الخامس‪ :‬قراءة القرآن بقصد الستشفاء به‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ} :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫دورِ وَهُ ً‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫شَفاء ل ّ َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن { ])‪ (57‬سورة يونس[ ‪ ،‬وقال تعالى }وَن ُن َّز ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ّل ُ‬
‫ْ‬
‫زيد ُ‬‫ن وَل َ ي َ ِ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬
‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫شَفاء وََر ْ‬ ‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ُْقْرآ ِ‬
‫ساًرا{ ])‪ (82‬سورة السراء[ ‪ ،‬وقال الله‬ ‫خ َ‬ ‫ن إ َل ّ َ‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫شَفاء َوال ّ ِ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ُ‬
‫مى أوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫م عَ ً‬ ‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ذان ِهِ ْ‬‫ن ِفي آ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫د{ ])‪ (44‬سورة فصلت[‪.‬‬ ‫ن ب َِعي ٍ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫من ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َُناد َوْ َ‬
‫فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات‬
‫والشهوات والوساوس كلها القهري منها‬
‫وغيره)‪ ، (76‬وشفاء للبدان من السقام ‪ ،‬فمتى‬
‫استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان‬
‫‪ :‬الشفاء العلمي المعنوي ‪ ،‬والشفاء المادي البدني‬
‫بإذن الله تعالى ‪ ،‬عن علي _ قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫§‪" :‬خير الدواء القرآن")‪ ، (77‬وعن عائشة ~ أن‬
‫رسول الله § دخل عليها وامرأة تعالجها ‪ ،‬أو ترقيها ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬عالجيها بكتاب الله ")‪ . (78‬والشفاء بالقرآن‬
‫يحصل بأمرين ‪ :‬الول ‪ :‬القيام به ‪ ،‬وخاصة في جوف‬
‫الليل الخر ‪ ،‬مع استحضار نية الشفاء ‪ ،‬والثاني ‪:‬‬
‫الرقية به)‪ ، (79‬فالريق الناتج من تلوة آيات القرآن‬
‫‪ ()76‬إن تطبيق مفاتح تدبر القرآن من أقوى الدوية في قطع الوساوس‬
‫المزعجة والتي تحدث القلق أو الكتئاب‪ ،‬وقد انتفع به كثير من الناس هدأت‬
‫نفوسهم واطمأنت قلوبهم ونزلت عليهم السكينة وحصل لهم السلم النفسي‬
‫بكل معانية ‪.‬‬
‫‪ ()77‬سلسلة الحاديث الصحيحة ‪931-4‬‬
‫‪ ()78‬صحيح ابن حبان ج ‪/13‬ص ‪ ، ( 6098) 464‬موارد الظمآن ج ‪/1‬ص ‪343‬‬
‫)‪ .(1419‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة برقم ) ‪. (1931‬‬
‫‪ 79‬والمسلم يوقن بهذا الثر للقرآن الكريم ‪ ،‬وهو أمر مشاهد محسوس ‪،‬‬
‫)(‬

‫وانتفاع المسلمين به متواتر على مر العصور ‪ ،‬ولسنا بحاجة لثبات ذلك‬


‫بالتجربة بل هو يقين علمي خبري ‪ ،‬لكن من أراد زيادة يقين فعليه بشريط ‪:‬‬
‫أسباب منسية ‪ ،‬للدكتور الجبير‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫الكريم له أثر عظيم في القوة والنشاط ‪ ،‬والصحة‬
‫والعافية ل يرقى إليه أي خلطة من خلطات‬
‫العشاب أو مركب من مركبات الصيادلة ‪ ،‬ول أظن‬
‫مسلما ينكر أثر النفث باليات في الشفاء والعلج ‪،‬‬
‫ولكن ليس من أي أحد ‪ ،‬وأيضا هو ممكن لكل أحد ‪،‬‬
‫ممن يأخذ بالسباب‪.‬‬
‫إننا ينبغي أن نتعامل مع القرآن مباشرة فهو ميسر‬
‫لكل من صدق في التعامل معه وجد في القيام به‪،‬‬
‫أما أن نجعل بيننا وبين القرآن وسطاء ونهمل‬
‫التعامل المباشر معه فهذا غاية الحرمان ‪ ،‬تجد‬
‫البعض حينما يصاب بمصيبة أو ينزل به مرض يجوب‬
‫الفاق ويطوف البلد بين القراء والمعالجين وما علم‬
‫أن المر أقرب من ذلك وأيسر‪ ،‬فالله سبحانه‬
‫وتعالى حينما يبتلينا بالشدائد والمصائب يريد منا أن‬
‫نتضرع وأن نستكين ونتذلل بين يديه سبحانه وتعالى‬
‫كما قال عزوجل ‪ } :‬ولقد أخذناهم بالعذاب فما‬
‫استكانوا لربهم وما يتضرعون { ] ‪ 76‬المؤمنون[‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك‬
‫فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون {‬
‫]النعام ‪ ، [42‬والقيام الطويل بالقرآن هو من أهم‬
‫صور التذلل لله تعالى والتضرع بين يديه كما يحصل‬
‫في صلة الكسوف وغيرها فالقيام بالقرآن من‬
‫أقوى أسباب العافية والشفاء ‪...‬‬
‫وليس هذا موضع بسط هذه المسألة ‪ ،‬وإنما المقصود‬
‫التذكير بأن يستحضر قارئ القرآن هذا المر العظيم‬
‫حين قراءته ليحصل على أعلى درجات التأثير والنفع ‪،‬‬
‫ومن اراد الستزادة فعليه بمراجعة كتاب الطب النبوي‬
‫‪48‬‬ ‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‬
‫لبن القيم فقد فصل وأجاد الحديث عن هذه المسألة‬
‫وفيه كلم نفيس يحسن الرجوع إليه ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫المفتاح الثالث ‪ :‬القيام بالقرآن‬
‫‪49‬‬
‫المفتاح الثالث‪ :‬القيام بالقرآن‬
‫إن هذا المفتاح من أهم مفاتح تدبر القرآن ‪،‬‬
‫وأعظمها شأنا ‪ ،‬وقد ورد عدد من النصوص تؤكد‬
‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫أهميته ‪ ،‬من ذلك قول الله تعالى ‪} :‬وَ ِ‬
‫ما‬ ‫مَقا ً‬ ‫ك َ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫سى َأن ي َب ْعَث َ َ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫د ب ِهِ َنافِل َ ً‬ ‫ج ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫فت َ َ‬ ‫َ‬
‫دا{ ])‪ (79‬سورة السراء[ ‪ ،‬وقول الله تعالى ‪َ} :‬يا‬ ‫مو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ل إل ّ قَِليل ً ‡† ن ِصَفه أوَ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫‡†‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫أَ‬
‫ْ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َْرِتيل ‡†‬ ‫ل الُقْرآ َ‬ ‫ه قَِليل ً ‡† أوْ زِد ْ عَلي ْهِ وََرت ّ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫انُق ْ‬
‫ك قَوْل ً ث َِقيل ً ‡† {]‪ 5-1‬سورة المزمل[ ‪،‬‬ ‫سن ُل ِْقي عَل َي ْ َ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واء ّ‬ ‫س َ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫وقول الله تعالى ‪} :‬ل َي ْ ُ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ آَناء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫قآئ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن{ ])‪ (113‬سورة آل عمران[ ‪ ،‬وقول الله تعالى ‪}:‬أ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫خَرةَ‬ ‫حذ َُر ال ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫قائ ِ ً‬ ‫و َ‬ ‫دا َ‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت آَناء الل ّي ْ ِ‬ ‫هُوَ َقان ِ ٌ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬ ‫ست َُ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ة َرب ّهِ قُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫جو َر ْ‬ ‫وَي َْر ُ‬
‫َ‬
‫ب{] )‪ (9‬سورة‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر أوُْلوا الل َْبا ِ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫الزمر[ ‪ ،‬وقال §‪" :‬ل حسد إل في اثنتين رجل أتاه الله‬
‫القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ‪ ،‬ورجل‬
‫آتاه الله مال فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ")‪، (80‬‬
‫فانظر إلى قوله ‪) :‬ينفقه( مع قوله )يقوم به(‬
‫فيؤخذ منه أن من آتاه الله القرآن ولم يقم به أي‬
‫لم يقرأه في صلة فهو مثل من آتاه الله مال ولم‬
‫ينفقه ‪ ،‬ويؤكد هذا الحديث التي ‪ :‬عن أبي هريرة _‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله §‪ " :‬تعلموا القرآن فاقَْرؤوه‬
‫رؤوه ‪ ،‬فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقام به‬ ‫وأقْ ِ‬
‫‪ ()80‬صحيح البخاري ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 73)39‬ج ‪/4‬ص ‪ ، ( 4737) 1919‬ج ‪/4‬ص‬
‫‪ ، ( 4738)1919‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪، ( 815) 559‬ج ‪/1‬ص ‪، ( 816) 559‬‬
‫صحيح ابن حبان ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 90)292‬سنن النسائي الكبرى ج ‪/5‬ص ‪) 27‬‬
‫‪ ، ( 8072‬سنن ابن ماجه ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 4208)1407‬سنن الترمذي ج ‪/4‬ص‬
‫‪( 1936) 330‬‬
‫المفتاح الثالث ‪ :‬القيام بالقرآن‬
‫‪50‬‬
‫كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان‬
‫‪ ،‬ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل‬
‫جراب أوكي على مسك")‪ (81‬فدل هذا الحديث على‬
‫أن من آتاه الله القرآن فرقد ولم يقم به فهو مثل‬
‫من اشترى طيبا وتركه مغلقا ولم يستخدمه ‪ ،‬ويبين‬
‫الحديث التالي الهدف من القيام بالقرآن ‪ ،‬وسبب‬
‫هذا الفرق الكبير بين من يقوم به ‪ ،‬ومن ل يقوم‬
‫به ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ù‬عن النبي § أنه قال‪ " :‬إذا‬
‫قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن‬
‫لم يقم به نسيه ")‪ ، (82‬فهذا هو بيت القصيد وهو‬
‫حجر الزاوية في تدبر القرآن والنتفاع به ؛ إنه تذكر‬
‫آيات القرآن الكريم ‪ ،‬وكونها حاضرة في القلب في‬
‫كل آن ‪ ،‬وخاصة في المواقف الصعبة في الحياة ‪،‬‬
‫مواقف الشدة والذهول ‪ ،‬المواقف التي يفتن فيها‬
‫المرء ويمتحن ويختبر ‪ ،‬فمن كان يقوم به آناء الليل‬
‫‪ ،‬وآناء النهار فتجد إجابته حاضرة وسريعة وقوية ‪،‬‬
‫تجده وقافا عند كتاب الله تعالى ‪ ،‬وأما من كان‬
‫مفرطا في استخدام هذا المفتاح فما أسرع ما‬
‫يسقط ويهوي ‪ ،‬ويدل لهذا المعنى قول الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬
‫صل َةِ إ ِ ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ْ ِبال ّ‬
‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫مُنوا ْ ا ْ‬
‫نآ َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{ ])‪ (153‬سورة البقرة[ ‪ ،‬فالصبر هو ثمرة العلم‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬والعلم وسيلته القراءة بتدبر ‪ ،‬وهو حاصل لمن قرأ‬
‫القرآن في صلة ‪ ،‬لذلك قرن الله تعالى بينهما في‬
‫‪ ()81‬سنن الترمذي ‪ (2876) 156-5‬وقال حديث حسن ‪ ،‬وضعفه اللباني ‪،‬‬
‫صحيح ابن حبان ‪ (2126) 499-5 :‬قال شعيب الرناؤط ‪ :‬رجاله ثقات رجال‬
‫الصحيح غير عطاء مولى أبي أحمد ‪.‬‬
‫‪ ()82‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪، ( 789) 544‬سنن النسائي الكبرى ج ‪/5‬ص ‪)20‬‬
‫‪ ، ( 8043‬مسند أبي عوانة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 3811) 456‬مسند أحمد بن حنبل ج‬
‫‪/2‬ص ‪(4923) 35‬‬
‫المفتاح الثالث ‪ :‬القيام بالقرآن‬
‫‪51‬‬
‫أكثر من موضع ‪ ،‬وكان النبي § إذا حزبه أمر فزع‬
‫إلى الصلة ‪ ،‬ويطيل فيها قراءة القرآن كما في‬
‫صلة الكسوف ‪ ،‬فمن يتربى على هذا المفتاح ‪-‬‬
‫وخاصة من الصغر ‪ -‬يسهل عليه النتفاع به في‬
‫الحياة ‪ ،‬أما من لم يترب عليه فإنه تضيق به الحياة‬
‫في حال الشدة ‪ ،‬وتضيع عليه الحياة حال الرخاء‪.‬‬
‫إن اجتماع القرآن مع الصلة يمكن أن يشبه باجتماع‬
‫الكسجين مع الهيدروجين حيث ينتج من تركيبهما‬
‫الماء الذي به حياة البدان ؛ فكذلك اجتماع القرآن‬
‫مع الصلة ينتج عنه ماء حياة القلب وصحته وقوته ‪،‬‬
‫ولذلك فل تعجب من كل هذا الفضل الذي رتب على‬
‫هذا العمل ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ù‬عن رسول‬
‫الله § أنه قال ‪ " :‬من قام بعشر آيات لم يكتب من‬
‫الغافلين ‪ ،‬ومن قام بمئة آية كتب من القانتين ‪،‬‬
‫ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين")‪ ، (83‬وعن‬
‫أبي هريرة _ قال ‪ :‬قال رسول الله §‪ :‬أيحب أحدكم‬
‫إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلث خلفات عظام‬
‫سمان ؟ قلنا ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فثلث آيات يقرأ بهن‬
‫أحدكم في صلة خير له من ثلث خلفات عظام‬
‫سمان")‪ ، (84‬وبالضافة إلى ما سبق ذكره فقد دلت‬
‫نصوص على أن العبد إذا دخل في الصلة فإنه يزداد‬
‫قربا من الله تعالى ‪ ،‬وأنه سبحانه يقبل عليه‬
‫بوجهه ‪ ،‬من ذلك ما جاء عن أنس _ أن النبي §‪ :‬قال‬
‫‪ ()83‬صحيح ابن حبان ج ‪/6‬ص ‪ ، 310‬صحيح ابن خزيمة ج ‪/2‬ص ‪(1144) 181‬‬
‫‪ ،‬موارد الظمآن ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 662) 172‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪( 1398) 57‬‬
‫‪ ()84‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 802) 552‬سنن ابن ماجه ج ‪/2‬ص ‪)1243‬‬
‫‪ ، ( 3782‬سنن الدارمي ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 3314) 523‬مسند أبي عوانة ج ‪/2‬ص‬
‫‪ ، ( 3777) 447‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/6‬ص ‪ ، ( 30073) 132‬مسند أحمد‬
‫بن حنبل ج ‪/2‬ص ‪( 9141)396‬‬
‫المفتاح الثالث ‪ :‬القيام بالقرآن‬
‫‪52‬‬
‫‪" :‬أيها الناس إن أحدكم إذا كان في الصلة فإنه‬
‫ج ربه ‪ ،‬وربه فيما بينه وبين القبلة ")‪ ، (85‬وعن‬
‫مَنا ٍ‬
‫ُ‬
‫أبي هريرة _ قال ‪ :‬قال رسول الله §‪":‬إذا كان‬
‫أحدكم في صلة فل يبزقن أمامه فإنه مستقبل‬
‫ربه")‪ ، (86‬قال ابن جريج ’ قلت لعطاء ’‪ :‬أيجعل‬
‫الرجل يده على أنفه أو ثوبه ؟ قال‪ :‬فل ‪ ،‬قلت من‬
‫أجل أنه يناجي ربه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وأحب أل يخمر‬
‫فاه")‪ ، (87‬قال عطاء ’‪":‬بلغنا أن الرب يقول ‪ :‬إلى‬
‫ي يا ابن آدم ؛ إني خير لك ممن‬ ‫أين تلتفت ؟ إل ّ‬
‫تلتفت إليه")‪ ، (88‬ولو لم يكن في القراءة داخل‬
‫الصلة إل النقطاع عن الشواغل والملهيات لكفى ‪،‬‬
‫فإن المصلي إذا دخل في الصلة حرم عليه الكلم‬
‫واللتفات والحركة من غير حاجة ‪ ،‬فهذا أعون على‬
‫التدبر والتفكر وأجمع للقلب ‪ ،‬وأيضا فإن من حوله‬
‫ل يقاطعه ول يشغله ما دام في صلته‪.‬‬

‫‪ ()85‬صحيح البخاري ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 1156)406‬سنن النسائي الكبرى ج ‪/1‬ص‬


‫‪ ، ( 528)191‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 763)251‬مسند أبي عوانة ج ‪/1‬ص‬
‫‪ ، ( 1198)336‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/2‬ص ‪( 7461)143‬‬
‫‪ ()86‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 551)390‬سنن الدارمي ج ‪/1‬ص ‪1397) 378‬‬
‫( ‪ ،‬المعجم الكبير ج ‪/8‬ص ‪ ، ( 8168)313‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/2‬ص ‪) 415‬‬
‫‪( 9355‬‬
‫‪ ()87‬تعظيم قدر الصلة ‪190-1 :‬‬
‫‪ ()88‬تعظيم قدر الصلة ‪190-1 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‬

‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‬


‫إن الليل ‪ -‬وخاصة وقت السحر‪ -‬من أفضل الوقات‬
‫للتذكر ‪ ،‬فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب‬
‫الهدوء والصفاء ‪ ،‬وبسبب بركة الوقت حيث النزول‬
‫اللهي ‪ ،‬وفتح أبواب السماء ‪ ،‬فأي أمر تريد تثبيته‬
‫في الذاكرة بحيث تتذكره خلل النهار فقم بمراجعته‬
‫في هذا الوقت ‪ ،‬وقد استفاد من هذا أهل الدنيا من‬
‫أهل السياسة والقتصاد وخاصة الغرب ؛ حيث ذكر‬
‫عدد منهم أنه يقوم بمراجعة لوائحة ‪ ،‬أو حساباته ‪،‬‬
‫أو معاملته وأوراقه في مثل هذا الوقت وأنه يوفق‬
‫للصواب في قراراته ‪ ،‬فأهل القرآن أهل الخرة‬
‫أولى باغتنام هذه الفرصة لتثبيت إيمانهم وعلمهم ‪،‬‬
‫وإن من الحقائق التاريخية الجديرة بالدراسة‬
‫والتأمل تلك العلقة بين قوة المسلمين وبين قيامهم‬
‫بالقرآن في الليل ‪ ،‬فمن خلل تأمل سريع تجد أن‬
‫انتصارات المسلمين وجدت حينما كانت جنوده‬
‫توصف بأنهم ‪) :‬رهبان بالليل فرسان في النهار ( ‪،‬‬
‫ومما يدل على كون القراءة في ليل أحد مفاتح‬
‫ه‬
‫جد ْ ب ِ ِ‬‫ل فَت َهَ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫التدبر قول الله عز وجل ‪} :‬وَ ِ‬
‫دا{ ])‪(79‬‬ ‫مو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫مَقا ً‬ ‫ك َ‬ ‫سى َأن ي َب ْعَث َ َ‬
‫ك َرب ّ َ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫ة لّ َ‬
‫َنافِل َ ً‬
‫ي‬‫ل هِ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬ ‫شئ َ َ‬‫ن َنا ِ‬ ‫سورة السراء[‪ ،‬وقول الله عزوجل ‪ }:‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫م ِقيل ً { ])‪ (6‬سورة المزمل[ قال ابن عباس‬ ‫طئا ً وَأقْوَ ُ‬
‫شد ّ وَ ْ‬
‫‪" : ù‬هو أجدر أن يفقه القرآن " ‪ ،‬ويقول ابن حجر ‪-‬‬
‫عن مدارسة جبريل ‪ À‬لرسول الله § في كل ليلة‬
‫من رمضان ‪ " :-‬المقصود من التلوة الحضور‬
‫والفهم ‪ ،‬لن الليل مظنة ذلك لما في النهار من‬
‫الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية "اهـ)‪، (89‬‬
‫‪ ()89‬فتح الباري ج ‪/9‬ص ‪45‬‬
‫‪54‬‬ ‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‬
‫ُ‬ ‫وقال الله تعالى ‪} :‬ل َيسوا ْ سواًء م َ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬‫بأ ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ن{ ])‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬‫ت الل ّهِ آَناء الل ّي ْ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬ ‫َقآئ ِ َ‬
‫م ٌ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ن هُوَ َقان ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ (113‬سورة آل عمران[ ‪ ،‬وقال الله تعالى ‪} :‬أ ّ‬
‫ة‬
‫م َ‬‫ح َ‬ ‫جو َر ْ‬ ‫خَرةَ وَي َْر ُ‬ ‫حذ َُر اْل ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫دا وََقائ ِ ً‬ ‫ج ً‬‫سا ِ‬
‫ل َ‬ ‫آَناء الل ّي ْ ِ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫مو َ‬‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫وي ال ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫َرب ّهِ قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب{ ] )‪ (9‬سورة الزمر[ ‪ ،‬وقال‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر أوُْلوا اْلل َْبا ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫الحسن بن علي ‪ " :ù‬إن من كان قبلكم رأوا القرآن‬
‫رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ‪ ،‬ويتفقدونها‬
‫في النهار "اهـ)‪ (90‬والشاهد قوله ‪" :‬يتدبرونها بالليل"‬
‫‪ ،‬وقال ابن عمر ‪" : ù‬أول ما ينقص من العبادة ‪:‬‬
‫التهجد بالليل ‪ ،‬ورفع الصوت فيها بالقراءة")‪، (91‬‬
‫وقال الشيخ عطيه سالم ’ ‪ -‬حاكيا ً عن شيخه‬
‫الشنقيطي ’ ‪ " :-‬وقد سمعت الشيخ يقول ‪ :‬ل‬
‫يثبت القرآن في الصدر ‪ ،‬ول يسهل حفظه‬
‫‪ ،‬وييسر فهمه إل القيام به في جوف الليل‬
‫"اهـ)‪ ، (92‬وقال السري السقطي’ ‪ " :‬رأيت‬
‫الفوائد ترد في ظلم الليل")‪ ، (93‬قال النووي‬
‫’‪" :‬ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في‬
‫الليل أكثر ‪ ،‬وفي صلة الليل أكثر ‪ ،‬والحاديث‬
‫والثار في هذا كثيرة ‪ ،‬وإنما رجحت صلة اليل‬
‫وقراءته لكونها أجمع للقلب ‪ ،‬وأبعد عن الشاغلت‬
‫والملهيات والتصرف في الحاجات ‪ ،‬وأصون عن‬
‫الرياء وغيره من المحبطات ‪ ،‬مع ماجاء به الشرع‬
‫من إيجاد الخيرات في الليل ‪ ،‬فإن السـراء‬

‫التبيان في آداب حملة القرآن ج ‪/1‬ص ‪29‬‬ ‫‪()90‬‬


‫خلق أفعال العباد ج ‪/1‬ص ‪111‬‬ ‫‪()91‬‬
‫مقدمة أضواء البيان‪4:‬‬ ‫‪()92‬‬
‫رهبان الليل للعفاني ‪526-1‬‬ ‫‪()93‬‬
‫‪55‬‬ ‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‬
‫بالرسول § كان ليل "اهـ)‪ ، (94‬وعن عمر بن‬
‫الخطاب _ قال ‪ :‬قال رسول الله § ‪ " :‬من نام عن‬
‫حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلة الفجر‬
‫) (‬
‫وصلة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"اهـ ‪95‬‬
‫وفي هذا دللة واضحة على أن الصل في القيام‬
‫بالحزب من القرآن هو الليل ‪ ،‬وفي حالة العذر فإنه‬
‫يعطى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار ‪ ،‬قال أبو‬
‫داود الجفري ’ ‪ :‬دخلت على كرز بن وبرة ’ في‬
‫بيته ‪ ،‬فإذا هو يبكي ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يبكيك ؟ قال ‪ :‬إن‬
‫بابي مغلق وإن ستري لمسبل ومنعت حزبي أن‬
‫أقرأه البارحـة ‪ ،‬وما هو إل ذنب أحدثته ")‪. (96‬‬
‫إن القراءة للقلب مثل السقي للنبات ‪،‬‬
‫فالسقي ل يكون في حر الشمس فإن هذا يضعف‬
‫أثره خاصة مع قلة الماء فإنه يتبخر ‪ ،‬وكذلك قراءة‬
‫القرآن إذا كانت قليلة ‪ ،‬وكانت في النهار وقت‬
‫الضجيج والمشغلت ‪ ،‬فإن ما يرد على القلب من‬
‫المعاني يتبخر ول يؤثر فيه ‪ ،‬وهذا يجيب على تساؤل‬
‫البعض إذ يقول ‪ :‬إني أكثر قراءة القرآن لكن ل‬
‫أتأثر به ؟ فلما سألته ‪ :‬متى تقرأ القرآن ؟ تبين أن‬
‫كل قراءته في النهار ‪ ،‬وفي وقت الضجيج ‪ ،‬وبشئ‬
‫من المكابدة لحصول التركيز فكيف سيتأثر ؟‬
‫إن القراءة في الليل يحصل معها الصفاء والهدوء‬
‫حيث ل أصوات تشغل الذن ول صور تشغل العين‬
‫فيحصل التركيز التام وهو يؤدي إلى قوة التدبر‬
‫‪ ()94‬التبيان في آداب حملة القرآن ج ‪/1‬ص ‪34‬‬
‫‪ ()95‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 747)515‬صحيح ابن حبان ج ‪/6‬ص ‪) 369‬‬
‫‪ ، ( 2643‬صحيح ابن خزيمة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1171) 195‬سنن النسائي الكبرى ج‬
‫‪/1‬ص ‪ ، (1464) 458‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1313)34‬سنن ابن ماجه ج‬
‫‪/1‬ص ‪ ، ( 1343) 426‬سنن الترمذي ج ‪/2‬ص ‪(581)474‬‬
‫‪ ()96‬حلية الولياء ‪ :‬ج ‪-5‬ص ‪79‬‬
‫‪56‬‬ ‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‬
‫والتفكر وقوة الحفظ والرسوخ للفاظ القرآن‬
‫ومعانية ‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬

‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬


‫للقرآن‬
‫المسألة الولى ‪ :‬أهميته‬
‫القرآن أنزل ليعمل به ‪ ،‬ووسيلة العمل به العلم به‬
‫أول ‪ ،‬وهو يحصل بقراءته وتدبره ‪ ،‬وكلما تقاربت‬
‫أوقات القراءة ‪ ،‬وكلما كثر التكرار كان أقوى في‬
‫رسوخ معاني القرآن الكريم ‪ ،‬ومن أجل ذلك كان‬
‫السلف يواظبون على قراءة القرآن ‪ ،‬ويحرصون‬
‫على كثرة تلوته وتكرارها ‪ ،‬ومن ظن أنهم يقرأونه‬
‫من أجل ثواب القراءة فحسب فقد قصر فهمه في‬
‫هذا الباب ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب _ قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله § ‪" :‬من نام عن حزبه أو عن شيء منه‬
‫فقرأه فيما بين صلة الفجر وصلة الظهر كتب له‬
‫كأنما قرأه من الليل")‪ ، (97‬وقال عقبة بن عامر‬
‫الجهني _ ‪" :‬ما تركت حزب سورة من القرآن من‬
‫ليلتها منذ قرأت القرآن ")‪ (98‬وعن المغيرة بن‬
‫شعبة _ قال ‪ " :‬استأذن رجل على رسول الله وهو‬
‫بين مكة والمدينة فقال ‪ :‬قد فاتني الليلة حزبي من‬
‫القرآن وإني ل أوثر عليه شيئا")‪ ، (99‬وعن خيثمة ’‬
‫قال ‪ " :‬انتهيت إليه ‪ -‬يعني ‪ :‬عبد الله بن عمرو ‪- ù‬‬
‫وهو يقرأ في المصحف فقال ‪ :‬هذا حزبي الذي أريد‬
‫أن أقوم به الليلة")‪ ، (100‬وعن القاسم ’ قال ‪ :‬كنا‬
‫‪ ()97‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 747)515‬صحيح ابن حبان ج ‪/6‬ص ‪) 369‬‬
‫‪ ، ( 2643‬صحيح ابن خزيمة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1171) 195‬سنن النسائي الكبرى ج‬
‫‪/1‬ص ‪ ، (1464) 458‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1313)34‬سنن ابن ماجه ج‬
‫‪/1‬ص ‪ ، ( 1343) 426‬سنن الترمذي ج ‪/2‬ص ‪(581) 474‬‬
‫‪ ()98‬فضائل القرآن لبي عبيد ‪95‬‬
‫‪ ()99‬كنز العمال ج ‪/2‬ص ‪(4137)141‬‬
‫‪ ()100‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/2‬ص ‪( 8559)240‬‬
‫‪58‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬
‫نأتي عائشة ~ قبل صلة الفجر ‪ ،‬فأتيناها ذات‬
‫يوم ‪ ، 101‬فإذا هي تصلي ‪ ،‬فقالت نمت عن حزبي‬ ‫(‬ ‫)‬

‫في هذه الليلة فلم أكن لدعه")‪ ، (102‬وعن أبي بكر‬


‫بن عمرو بن حزم ’ ‪ :‬أن رجل ً استأذن على عمر _‬
‫بالهاجرة فحجبه طويل ‪ ،‬ثم أذن له فقال ‪ :‬إني كنت‬
‫نمت عن حزبي فكنت أقضيه")‪ ، (103‬وعن ابن الهاد‬
‫’ قال سألني نافع بن جبير بن مطعم ’ فقال لي ‪:‬‬
‫في كم تقرأ القرآن؟ فقلت‪ :‬ما أحزبه ‪،‬‬
‫فقال لي نافع ‪ :‬ل تقل ما أحزبه ‪ ،‬فإن‬
‫جزءا من القرآن‬ ‫ً‬ ‫رسول الله § قال ‪ :‬قرأت‬
‫")‪ ، (104‬فهذه النصوص وغيرها مما نقل عن السلف‬
‫في هذه القضية المهمة تؤكد على ضرورة تحزيب‬
‫القرآن والمحافظة على ما يتم تحزيبه ‪ ،‬وأن يكون‬
‫له الولوية الولى في كل وقت ‪.‬‬
‫ينبغي أن يوجد الحرص التام عليه وأن يقدم على‬
‫كل عمل ‪ ،‬وأل يهدأ لك بال حتى تقوم به ‪ ،‬حتى‬
‫تؤديه في وقته ‪ ،‬أو تقضيه إن فات أداؤه في وقته ‪،‬‬
‫إن العمل الذي ل تقضيه إذا فات يعني تساوي‬
‫الفعل والترك عندك ‪ ،‬وهذا دليل على عدم أهميته‬
‫لديك ‪ ،‬متى وجد هذا الحرص فهو مفتاح‬
‫ح ل نحتاج إلى‬ ‫النجاح في الحياة ‪ ،‬إنه مفتا ٌ‬
‫إثبات نجاحه بالتجربة ‪ ،‬فهو ثابت بالخبر عن‬
‫الله تعالى وعن رسوله § ‪ ،‬كما قال الله تعالى‪:‬‬
‫} فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى { ])‪ (123‬سورة طه [‬

‫‪ ،‬وهل يعقل أو يتصور أن يوجد اتباع دون قراءة‬


‫‪ 101‬يفهم من السياق أن مجيئهم هذه المرة بعد طلوع الشمس ‪ ،‬أو أن‬
‫)(‬

‫صواب العبارة ) بعد صلة الفجر ( ‪.‬‬


‫‪ ()102‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/1‬ص ‪(4784)416‬‬
‫‪ ()103‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/1‬ص ‪416‬‬
‫‪ ()104‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪( 1392)55‬‬
‫‪59‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬
‫مستمرة ‪ ،‬دون مذاكرة لقواعده وتوجيهاته ‪ ،‬كما‬
‫سبق البيان أننا في واقع الحياة نجد أن الداري‬
‫الذي ل يحفظ اللئحة ول يعي ما فيها هو إداري‬
‫فاشل ‪ ،‬والطالب الذي ل يذاكر دروسه كذلك ‪،‬‬
‫ومتى علم الله منك صدق الرغبة والحرص على هذا‬
‫الغذاء فإنه يفتح لك أبوابه ويبارك لك فيه ‪ ،‬ويمتد‬
‫أثره ليشمل جميع جوانب حياتك ‪ ،‬ل أقول إن‬
‫التجربة تشهد لذلك ‪ ،‬فثبات نتائج هذا العمل‬
‫أقوى وأصدق من أن تخضع للتجربة ‪ ،‬وما‬
‫يوجد في حياتنا من نقص إنما هو بسبب ترك‬
‫وإهمال هذا العمل اليسير على من يسره الله‬
‫عليه ‪ ،‬العظيم في نفعه وأثره الشامل في تحقيق‬
‫النجاح الكامل لكل من أخذ به بدقة ‪ ،‬وهو مجاني ل‬
‫يحتاج إلى دورات ول رسوم ول مدرب ‪.‬‬
‫إن عادات النجاح ليست سبعا ول عشراً بل‬
‫هي عادةٌ واحدة ‪ ،‬إنها المحافظة على قراءة‬
‫حزبك من القرآن ‪ ،‬بل هي عبادة وليست عادة ‪ ،‬من‬
‫يسر الله له المحافظة عليها حصلت له كل معاني‬
‫النجاح الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬كيفية تحــزيب القرآن ومدة الخــتم‬


‫قراءة القرآن مثل العلج ل بد أن يكون بمقدار‬
‫معين ل يزيد عليه ول ينقص حتى يحدث أثره ‪ ،‬مثل‬
‫المضاد الحيوي إن طالت المدة ضعف أثره ‪ ،‬وإن‬
‫تقارب أكثر من المناسب أضر بالبدن ‪ ،‬فكذلك‬
‫قراءة القرآن المدة التي أقرها النبي §لمته ‪ ،‬لمن‬
‫رغب في الخير هي سبعة أيام إلى شهر ‪ ،‬ونهى عن‬
‫‪60‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬
‫أقل من ثلث ‪ ،‬وجاءت نصوص في النهي عن هجر‬
‫القرآن أكثر من أربعين يوما‪.‬‬
‫عن أوس بن حذيفة الثقفي _ قال ‪ :‬قدمنا على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف‬
‫فنزلوا الحلف على المغيرة بن شعبة _‪ ،‬وأنزل‬
‫رسول الله § بني مالك في قبة له فكان يأتينا كل‬
‫ليلة بعد العشاء فيحدثنا قائما على رجليه حتى‬
‫يراوح بين رجليه وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه‬
‫من قريش ويقول ‪ :‬ول سواء كنا مستضعفين‬
‫مستذلين فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال‬
‫الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا فلما‬
‫كان ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه‬
‫فقلت ‪ :‬يار سول الله لقد أبطأت علينا الليلة قال ‪:‬‬
‫فإنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أخرج‬
‫حتى أتمه قال أوس بن حذيفة سألت أصحاب‬
‫رسول الله كيف يحزبون القرآن ؟ قالوا ‪ :‬ثلث‬
‫وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلث عشرة‬
‫وحزب المفصل " )‪ ، (105‬وذكر عن عثمان _ أنه‬
‫كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة ويختم ليلة الخميس ‪،‬‬
‫وعن عائشة ~ قالت ‪" :‬إني لقرأ جزئي أو قالت‬
‫سبعي وأنا جالسة على فراشي أو على‬
‫سريري")‪ ، (106‬وقال عبدالله ابن مسعود _ ‪ ":‬ل‬
‫يقرأ القرآن في أقل من ثلث اقرأوه في سبع‬

‫‪ ()105‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1393) 55‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪) 427‬‬
‫‪، ( 1345‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/4‬ص ‪ ، (16211) 9‬مصنف ابن أبي شيبة ج‬
‫‪/2‬ص ‪ ، ( 8583) 242‬المعجم الكبير ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 599)220‬مسند الطيالسي‬
‫ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 1108) 151‬المغني عن حمل السفار ج ‪/1‬ص ‪ ( 875)225‬وقال‬
‫حديث حسن ‪ ،‬فتاوى ابن تيمية ج ‪/13‬ص ‪ ، 408‬لتذكار ‪104‬‬
‫‪ ()106‬مصنف ابن أبي شية ‪(30182. )143‬‬
‫‪61‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬
‫ويحافظ الرجل على حزبه" )‪ ، (107‬قال النووي ’ ‪-‬‬
‫عن الختم في سبع ‪" :-‬فعل الكثرين من السلف" ‪،‬‬
‫وقال السيوطي ’‪ " :‬وهذا أوسط المور ‪ ،‬و‬
‫أحسنها ‪ ،‬وهو فعل الكثر من الصحابة وغيرهم " ‪.‬‬
‫الولى أن يكون تحزيب القرآن وتقسيمه على‬
‫السور‪ -‬قدر المكان ‪ -‬بمعنى أن تقرأ السورة في‬
‫الليلة الواحدة كاملة ‪ ،‬وأن يكون التقسيم والتوزيع‬
‫متوافقا مع نهايات السور ‪ ،‬وهذا هو السنة ‪ ،‬وعليه‬
‫عمل الصحابة والتابعين ‪ ،‬أما الحزاب والجزاء‬
‫والثمان المعروفة اليوم فلم تأت إل متأخرة ‪ ،‬علوة‬
‫على ما فيها من بتر للمعاني وتقطيع للسور ‪ ،‬ومن‬
‫أراد تفصيل القول في هذه المسألة فليراجع ما كتبه‬
‫شيخ السلم ابن تيمية في الفتاوى الجزء الثالث‬
‫عشر‪.‬‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬كيفية تطبيق هذا المفتاح‬


‫القيام بالقرآن كامل في كل أسبوع يحتاج الوصول‬
‫إليه إلى التدرج والتدريب شيئا فشيئا ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫تطبيق قاعدة ‪ ) :‬أدومه وإن قل( ‪ ،‬فمن الممكن أن‬
‫تكون البداية بالمفصل يحزبه سبعة أحزاب لكل يوم‬
‫من أيام السبوع حزب ‪ ،‬أو من الممكن أن تكون‬
‫البداية بجزء )عم( يقسمه سبعة أقسام وكل ليلة‬
‫يقرأ بقسم ‪ ،‬يكرر هذا كل أسبوع ‪ ،‬ثم ينظر‬
‫النتيجة كيف تكون ؟ وعندما يرى الثر والفائدة‬
‫فإن هذا سيدفعه إلى الزيادة ‪ ،‬ولتكن بالتدريج ‪،‬‬
‫فيزيد المقدار وبنفس الطريقة يتم توزيع المقدار‬
‫الجديد إلى سبعة أقسام كل قسم منها يقرأ في‬
‫‪ ()107‬انظر ‪ :‬مجمع الزوائد ج ‪/2‬ص ‪269‬رواه الطبراني في الكبير ورجاله‬
‫رجال الصحيح‬
‫‪62‬‬ ‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي‬
‫ليلة ‪ ،‬بحيث يختم المقدار كل أسبوع حتى يرسخ ‪،‬‬
‫حتى تثبت اليات في القلب بصورة قوية يسهل‬
‫استدعاؤها في مواقف الحياة اليومية ‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬

‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة‬


‫حفظا‬
‫المسألة الولى‪ :‬أهمية هذا المفتاح‬
‫مثل حافظ القرآن وغير الحافظ ؛ مثل اثنين في‬
‫سفر ‪ ،‬الول‪ :‬زاده التمر ‪ ،‬والثاني‪ :‬زاده الدقيق ‪،‬‬
‫فالول‪ :‬يأكل متى شاء وهو على راحلته‪ ،‬والثاني‪ :‬ل‬
‫بد له من نزول ‪ ،‬وعجن ‪ ،‬وإيقاد نار ‪ ،‬وخبز ‪،‬‬
‫وانتظار نضج ‪.‬‬
‫والعلم مثل الدواء ل يؤثر حتى يدخل الجوف ‪،‬‬
‫ويختلط بالدم ‪ ،‬وما لم يكن كذلك فإن أثره مؤقت ‪،‬‬
‫ومثل الجهاز المزود ببطارية والجهاز الذي ليس‬
‫كذلك ‪ ،‬الول يمكن أن يشتغل في أي مكان أما‬
‫الثاني فل بد من مصدر كهرباء ‪.‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ù‬قال‪ :‬قال رسول الله §‪" :‬إن الذي‬
‫ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب‬
‫")‪ ، (108‬وقال ابن تيمية ’ ‪ ":‬أنا جنتي وبستاني في‬
‫ت فهي معي" ‪ ،‬وهو يريد بذلك‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬‫صدري أّنى ُر ْ‬
‫القرآن والسنة التي في صدره تثبته وتزيده يقينا ‪،‬‬
‫وقال سهل بن عبدالله ’‪ :‬لحد طلبه ‪:‬‬
‫أتحفظ القرآن ؟ قال ‪ :‬ل ؟ قال ‪ :‬واغوثاه‬
‫لمؤمن ل يحفظ القرآن ! فبم يترنم؟ فبم‬
‫يتنعم ؟ فبم يناجي ربه ؟ ‪ ،‬ويقول أبو عبد الله‬
‫بن بشر القطان ’‪" :‬ما رأيت رجل أحسن انتزاعا لما‬
‫أراد من آي القرآن من أبي سهل بن زياد ’ ‪ ،‬وكان‬
‫جارنا ‪ ،‬وكان يديم صلة الليل ‪ ،‬وتلوة القرآن ‪،‬‬
‫‪ ()108‬سنن الترمذي‪ (2913)177-5 :‬وقال حسن صحيح ‪ ،‬المستدرك ‪-1 :‬‬
‫‪ (2037) 741‬وقال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ ،‬سنن الدارمي ‪) 521-2 :‬‬
‫‪ ، (3306‬المعجم الكبير للطبراني ‪ ، (12619) 109-12 :‬مسند المام أحمد ‪:‬‬
‫‪223-1‬‬
‫‪64‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫فلكثرة درسه صار القرآن كأنه بين عينينه ينتزع منه‬
‫ما شاء من غير تعب ")‪ ، (109‬وهذا المقصود من‬
‫كون الحفظ أحد مفاتح التدبر لنه متى كانت الية‬
‫محفوظة فتكون حاضرة ‪ ،‬ويتم تنزيلها على النوازل‬
‫والمواقف التي تمر بالشخص في الحياة اليومية‬
‫بشكل سريع ومباشر ‪ ،‬أما إذا كان القرآن في‬
‫الرفوف فقط ؛ فكيف يمكن لنا أن نطبقه على‬
‫حياتنا ؟‬
‫المسألة الثانية‪ :‬توضيح أثر الحفظ على الفهم والتدبر‬
‫إن علج أي مشكلة له ثلث صور ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬المعالجة الذهنية المجردة الشفهية من غير‬
‫تحرير ول ترتيب للحلول ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬المعالجة المكتوبة المحررة المرتبة ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬المعالجة الذهنية لشئ مكتوب مسبقا ‪،‬‬
‫ومحرر بمعنى حفظ ما تم التوصل إليه في علج‬
‫المشكلة كتابيا ‪.‬‬
‫والصورة الثالثة هي أقواها ‪ ،‬تليها الثانية ‪ ،‬ثم‬
‫الولى ‪ ،‬وحفظ القرآن وتكرار قراءته هو من النوع‬
‫الثالث ‪ ،‬فترديد الية والتفكر فيها وهي محفوظة‬
‫أفضل من تكرارها نظرا ‪ ،‬لن مفعول الطريقة‬
‫الثالثة يستمر ‪ ،‬بينما الثانية يقف عند إغلق‬
‫المصحف‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬لماذا نحفظ القرآن ؟‬
‫بناء على ما تقرر ذكره في المفاتيح السابقة فإن الهدف‬
‫الول لحفظ القرآن هو ‪ :‬القيام به آناء الليل وآناء النهار ‪،‬‬
‫والهدف من القيام به حفظ ما تضمنه من العلم بالله‬
‫واليوم الخر ‪ ،‬ذلكم العلم الذي يحقق السعادة والحياة‬
‫الطيبة للنسان ‪ ،‬ويحقق له الثبات في الزمات ‪ ،‬والقوة‬
‫‪ ()109‬تاريخ بغداد ‪ ، 45-5 :‬سير أعلم النبلء ‪521-15 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫للمة في مواجهة أعدائها ‪ ،‬هذا هو الهدف الهم لحفظ‬
‫القرآن والذي ينبغي أن يركز عليه القائمون على التربية ‪.‬‬
‫إن حفظ اللفاظ وسيلة وليس غاية ‪ ،‬وسيلة إلى حفظ‬
‫المعاني ‪ ،‬والنتفاع بها في الحياة ‪ ،‬أما القتصار على حفظ‬
‫اللفاظ فهو قصور في حق القرآن العظيم ‪ ،‬وهو انحراف‬
‫عن الصراط المستقيم في رعايته والنتفاع به في الحياة‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬كيف نحفظ القرآن الكريم ) الحفظ التربوي(‬


‫بناء على ما تقرر في المسألة السابقة ‪ ،‬وما تقرر‬
‫في المفتاح الخامس ؛ أقول‪ :‬إن حفظ القرآن حفظا‬
‫تربوياً يتلخص في الخطوات التالية)‪:(110‬‬
‫‪ -1‬تكون بداية حفظ القرآن من سورة الناس ثم‬
‫الفلق بعكس ترتيب القرآن ‪ ،‬فهذا التجاه يحقق‬
‫التدرج والسهولة ‪ ،‬ويحقق ثبات السير في مشـروع‬
‫سّهل التدريب على القيام‬ ‫حفظ القرآن ‪ ،‬ويُ َ‬
‫به)‪ ، (111‬سواء كان الطالب صغيرا أو كبيرا ‪ ،‬وهو‬
‫بع وناجح في مدارس تحفيظ القرآن الكريم‬ ‫مُّت ٌ‬
‫بوزارة التربية والتعليم ‪ ،‬وهو على التحزيب بالسور‬
‫سهل ميسور ‪ ،‬أما على التحزيب بالجزاء والثمان‬
‫فهو عسير ‪ ،‬فالذين يتبعون الجزاء والثمان ل يرون‬
‫أن يكون سير الحفظ من قصار السور لنه يناقض‬
‫الجزاء والثمان ‪ ،‬ولو جربوا التقسيم بالسور‬
‫لتنفسوا الصعداء وتخلصوا من عبودية تلك‬
‫الطريقة ‪ ،‬ولذاقوا لذة المرونة في الحفظ ‪.‬‬
‫‪ -2‬يقسم الحفظ إلى قسمين ‪ :‬الول‪) :‬حفظ‬
‫الجديد( ‪ ،‬الثاني‪) :‬القيام بالقرآن( ‪.‬‬
‫‪ 110‬ما ذكرته هنا هو الثمرة العملية والخلصة لبحث مستقل عن ) الحفظ‬
‫)(‬

‫القرآن التربوي للقرآن وصناعة النسان ( ‪.‬‬


‫‪ ()111‬سيأتي مزيد إيضاح وتفصيل لهذه المسائل في كتاب ‪) :‬مفاتح تدبر‬
‫السنة والعمل بها في الحياة( الذي يصدر بإذن الله قريبا‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫‪ -4‬يخصص النهار وهو من الفجر إلى المغرب‬
‫لـ)حفظ الجديد(‪.‬‬
‫‪ -5‬يخصص الليل وهو من آذان المغرب إلى آذان‬
‫الفجر لـ)القيام بالقرآن( مع تطبيق بقية مفاتيح‬
‫التدبر العشرة‪.‬‬
‫‪ -6‬ينقسم )حفظ الجديد( إلى قسمين ‪ :‬الول ‪:‬‬
‫)الحفظ( ‪ ،‬الثاني ‪) :‬التكرار( ‪ ،‬أما )الحفظ( فيحدد‬
‫له موعد بعد الفجر ‪ ،‬وموعد بعد العصر ‪ ،‬وأما‬
‫)التكرار( فيكون في صلةِ نافلة أو فريضة خلل‬
‫ساعات النهار‪.‬‬
‫‪ -7‬تقليل مقدار )الحفظ الجديد( والتركيز أكثر على‬
‫)التكرار( لما تم حفظه ‪.‬‬
‫‪ -8‬يقسم ما يتم حفظه إلى سبعة أقسام عدد أيام‬
‫السبوع ‪ ،‬فيقوم كل ليلة بقسم ‪ ،‬وهذا القسم‬
‫الثاني الذي سميته ) القيام بالقرآن ( وهو ما يعرف‬
‫بالمراجعة‪.‬‬
‫‪ -9‬كلما زاد المقدار المحفوظ يتم إعادة توزيع‬
‫التقسيم السبوعي ليتناسب مع الزيادة ‪ ،‬مع‬
‫ملحظة أن أيام السبوع الولى يكون مقدارها أقل‬
‫لنه لم يرسخ بعد ‪.‬‬
‫‪ -10‬يكون الحفظ سورة سورة ‪ ،‬ويكون حفظ‬
‫السورة لول مرة بالتقسيط ‪ ،‬فيمكن تقسيم‬
‫السورة إلى عدد من اليات حسب موضوعاتها ‪،‬‬
‫وبعض الموضوعات الطويلة يمكن أن تقسم إلى‬
‫مقطعين أو أكثر ‪ ،‬ويمكن جمع أكثر من موضوع في‬
‫مقطع واحد إن كانت قصيرة ؛ فبعض الموضوعات‬
‫تكون في آية واحدة فقط ؛ بل بعض اليات تتضمن‬
‫عددا من الموضوعات ‪ ،‬المهم ألّ يكون التقسيم‬
‫‪67‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫عشوائيا ‪ ،‬ول حسب الوجه ‪ ،‬ول حسب‬
‫الثمان)‪. (112‬‬
‫‪ -11‬ل يصلح ول يسوغ أبداً تجاوز أي سورة حتى‬
‫يحفظها جملة ‪ ،‬مهما كانت طـويلة ‪ ،‬ويكررها ‪ -‬بعد‬
‫ة ‪ -‬عدداً من المرات ‪ ،‬وفي أكثر من‬ ‫حفظها جمل ً‬
‫يوم ‪.‬‬
‫‪ -12‬من المفيد جدا تسميع ما ستقوم به الليلة على‬
‫شخص آخر ‪ ،‬والولى أن يكون من السرة ليحصل‬
‫التواصي به ‪ ،‬والتعاون عليه ‪.‬‬
‫‪ -13‬إذا تبين ضعف حفظ بعض السور أثناء ) القيام‬
‫بالقرآن ( ليلً فتتم مراجعته وضبطه في نهار اليوم‬
‫التالي له ‪ ،‬ول يصح أن يبدأ بحفظ جديد والحالة هذه‬
‫‪ ،‬وغالبا ما يكون هذا في أيام السبوع الولى التي‬
‫تتضمن ما تم حفظه أخيرا ‪.‬‬
‫‪ -14‬من المهم جدا تطبيق المفاتيح العشرة بما في‬
‫ذلك مفتاح الترتيل ‪ ،‬ومفتاح الجهر ‪ ،‬ول يحسن‬
‫السرعة والعجلة حين قراءة القرآن ‪ -‬حتى في‬
‫حفظ الجديد ‪ -‬بحجة ضبط الحفظ ‪ ،‬فالسرعة تعني‬
‫نسيان أهداف قراءة القرآن ‪ ،‬وهو المفتاح الثاني‬
‫من المفاتيح العشرة ‪ ،‬وعند وجود هذه الحالة يعاد‬
‫التذكير به من خلل قراءته في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫‪ -15‬هذه الطريقة تعطي الحافظ الطمأنينة‬
‫والسكينة إذا اقتنع بها وتربى عليها فل عجلة ول‬
‫خوف نسيان ‪ ،‬بل وضوح تام لمقصود الحفظ ‪،‬‬
‫واستثمار له من البداية‬

‫‪ 112‬إن أي تقسيم ل يراعي الموضوع يعني التركيز على اللفاظ ونسيان‬


‫)(‬

‫المعاني وقد جربت هذه الطرق مرارا ‪ ،‬وثبت لدي ما نصحت به ‪ ،‬ويمكن لي‬
‫مشتغل بحفظ القرآن أن يجرب بنفسه ثم يحكم ‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫‪ -16‬هذه الطريقة تقوم على مبدأ ‪):‬الحفظ‬
‫التربوي( ‪ ،‬أما طريقة‪):‬احفظ وانس( فهي كما قال‬
‫العمش ’‪ " :‬مثل من يقدم له الطعام ثم يأخذ‬
‫باللقمة تلو اللقمة ويرميها وراء ظهره ول يدخلها‬
‫إلى جوفه ")‪. (113‬‬
‫‪ -17‬فيها توفير للوقت والجهد ‪ ،‬إذ أنك تحفظ‬
‫السورة مرة واحدة في العمر ‪ ،‬ثم تستثمر حفظها‬
‫وتنتفع به ‪ ،‬أما تعاقب الحفظ والنسيان فهذا‬
‫يستهلك الوقت والجهد ‪ ،‬ويحرم من التنعم بالقرآن‬
‫في الحياة ‪ ،‬بل يوجد النزاع والخصام بين حفظ‬
‫الجديد والمراجعة لما تم حفظه ‪ ،‬وأيضا يوجد القلق‬
‫والحرج عند من حفظ شيئا من القرآن ثم نسيه ‪،‬‬
‫وربما كان سببا في اليأس من الحفظ‬
‫وتركه‪.‬‬
‫‪ -18‬يمكن تربية السرة على )الحفظ التربوي(‬
‫بوضع جدول أسبوعي لكل منهم وتسميعه لهم في‬
‫النهار ‪ ،‬وتذكيرهم به ‪ ،‬وحثهم على القيام به في‬
‫الليل ‪ ،‬ومكافأتهم عليه ‪ ،‬حتى يتدربوا ‪ ،‬ويشبوا‬
‫عليه ‪ ،‬ويكون مصاحبا لهم ل ينفكون عنه ‪ ،‬ول‬
‫يطيقون فراقه ‪ ،‬ويكون مصباحا يضيئ لهم طريق‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫‪ -19‬من يقرأ ما يحفظه ‪ -‬ولو كان سورة واحدة ‪-‬‬
‫كل أسبوع خيرٌ ممن يقرأ مائة سورة كل شهر ‪،‬‬
‫الول يقرأ السورة كل سبعة أيام ‪ ،‬والثاني يقرأ‬
‫السورة كل ثلثين يوما)‪ (114‬فأيهما سيكون حفظه‬
‫للمعاني أثبت ‪ ،‬وأقوى ‪ ،‬وأقرب للذكر والعمل ‪ ،‬ل‬
‫‪ 113‬انظر ‪ :‬الجامع لخلق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ‪.‬‬
‫)(‬

‫‪ 114‬فالنسبة بينهما تعادل ‪ 1/4‬أي قوة ما يقرا كل أسبوع تعادل أربعة‬


‫)(‬

‫أضعاف ما يقرأ كل شهر ‪ ،‬ومن كان في شك فليجرب ‪.‬‬


‫‪69‬‬ ‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‬
‫عبرة للكثرة مقابل القوة ؛ فقليل قوى خير من كثير‬
‫ضعيف ‪ ،‬وهذا يذكرني بما جاء في سنن أبي‬
‫داود)‪ (115‬من حديث ثوبان _ قال قال رسول الله §‬
‫‪ " :‬يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة‬
‫إلى قصعتها ‪ ،‬فقال قائل‪ :‬ومن قلة نحن يومئذ ؟‬
‫قال بل أنتم يومئذ كثير ‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل ‪،‬‬
‫ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ‪،‬‬
‫وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن ‪ ،‬فقال قائل ‪ :‬يا‬
‫رسول الله وما الوهن ؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية‬
‫الموت" ‪ ،‬وعليه فليس الهدف حفظ ألفاظ كثيرة‬
‫من القرآن ‪ ،‬بل الهدف ‪ :‬تكرار محفوظ من‬
‫القرآن كل سبعة أيام في صلة بنية التدبر‬
‫أيًا كان هذا المحفوظ‬‫ليتم الشفاء من الوهن ‪ّ ،‬‬
‫حتى لو سورة واحدة ‪ ،‬فهو خير ألف مرة من حفظ‬
‫كثير ل يتصف بما ذكر ‪ ،‬فإن وجد حفظٌ كثير أو‬
‫القرآن كامل بحسب ما ذكر فهو أولى وأقوى من‬
‫القليل ‪ ،‬فالمهم القاعدة السابقة ‪ ،‬ومتى رأيت أن‬
‫الوقت يضيق فعليك بتقليل المقدار مع بقاء‬
‫التكرار ‪.‬‬

‫‪ 115‬ج ‪/4‬ص ‪111‬‬


‫)(‬
‫‪70‬‬ ‫المفتاح السابع ‪ :‬تكرار اليات‬

‫المفتاح السابع ‪ :‬تكرار اليات‬


‫إن الهدف من التكرار هو التوقف لستحضار‬
‫المعاني ‪ ،‬وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني‬
‫التي تفهم من النص ‪ ،‬والتكرار ‪ -‬أيضا ‪ -‬قد يحصل ل‬
‫إراديا تعظيما أو إعجابا بما قرأ ‪ ،‬وهذا مشاهد في‬
‫واقع الناس حينما يعجب أحدهم بجملة أو قصة فإنه‬
‫يكثر من تكرارها على نفسه أو غيره ‪ ،‬التكرار ‪:‬‬
‫نتيجة وثمرة للفهم والتدبر ‪ ،‬وهو أيضا وسيلة إليه‬
‫حينما ل يوجد ‪ ،‬قال ابن مسعود _ ‪" :‬ل تهذوه هذ‬
‫الشعر ول تنثروه نثر الدقل ‪ ،‬قفوا عند عجائبه‬
‫م أحدكم آخر السورة‬ ‫وحركوا به القلوب‪ ،‬ول يكن هَ ّ‬
‫")‪ ، (116‬وقال أبو ذر _ ‪" :‬قام النبي § بآية حتى‬
‫عَباد ُ َ‬
‫ك وَِإن ت َغِْفْر‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫أصبح يرددها }ِإن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫ل َهم فَإن َ َ‬
‫م{ ])‪ (118‬سورة المائدة[")‪، (117‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬‫ك أن َ‬ ‫ُ ْ ِّ‬
‫وعن عباد بن حمزة ’ قال‪ " :‬دخلت على أسماء ~‬
‫ن الله علينا ووقانا عذاب‬ ‫م ّ‬ ‫وهي تقرأ‪ } :‬فَ َ‬
‫السموم {])‪ (27‬سورة الطور[ قال‪ :‬فوقفت عليها فجعلت‬
‫تستعيذ وتدعو ‪ ،‬قال عباد‪ :‬فذهبت إلى السوق‬
‫فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي فيها بعد تستعيذ‬
‫وتدعو" )‪ ، (118‬وعن القاسم بن أبي أيوب ’ أن‬
‫سعيد بن جبير ’ رد ّد َ هذه الية ‪ }:‬واتقوا يوما‬
‫ترجعون فيه إلى الله { ] )‪ (281‬سورة البقرة [ بضعا‬

‫‪ ()116‬تفسير البغوي ‪ ، 407-4‬شعب اليمان للبيهقي ‪ ، 344-1‬أخلق حملة‬


‫القرآن ‪19‬‬
‫‪ ()117‬سنن ابن ماجه ج ‪/1‬ص ‪ ، (1389)429‬قال في مصباح الزجاجة إسناده‬
‫صحيح ‪ ،‬سنن النسائي )المجتبى( ‪ ، 177-1‬مستدرك الحاكم ‪ 241-1‬وصححه‬
‫ووافقه الذهبي ‪ ،‬وحسنه اللباني في سنن النسائي ‪ ،‬وحسنه الرناؤط في‬
‫مختصر منهاج القاصدين‬
‫‪ ()118‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/2‬ص ‪(6037) 25‬‬
‫‪71‬‬ ‫المفتاح السابع ‪ :‬تكرار اليات‬
‫وعشرين مرة)‪ ، (119‬وقال محمد بن كعب القرظي‬
‫’ ‪ :‬لن أقرأ ) إذا زلزلت الرض زلزالها ( و )القارعة‬
‫( أرددهما وأتفكر فيهما أحب من أن أبيت أ َهُذ ّ‬
‫القرآن")‪ ، (120‬ورد ّد َ ‪ -‬الحسن البصري ’ ‪ -‬ليلة‬
‫ه ل َغَُفوٌر‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬ ‫دوا ْ ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫}وَِإن ت َعُ ّ‬
‫م{ ])‪ (18‬سورة النحل[ حتى أصبح ‪ ،‬فقيل له في ذلك ‪،‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ّر ِ‬
‫فقال ‪ :‬إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ول نرده إل‬
‫(‬ ‫)‬
‫وقع علىنعمة ‪ ,‬وما ل نعلمه من نعم الله أكثر " ‪121‬‬
‫ب‬ ‫ً‬
‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬‫‪ ،‬وقام تميم الداري _ بآية حتى أصبح }أ ْ‬
‫ّ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫ت أن ن ّ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما‬
‫ساء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫هم وَ َ‬ ‫حَيا ُ‬ ‫م ْ‬‫واء ّ‬ ‫س َ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ن{ ])‪ (21‬سورة الجاثية[ )‪ ، (122‬قال ابن القيم ’ ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذه عادة السلف يردد أحدهم الية إلى الصبح "‬
‫)‪ ، (123‬قال النووي ’ ‪ " :‬وقد بات جماعة من‬
‫السلف يتلو الواحد منهم الية الواحدة ليلة كاملة أو‬
‫معظمها يتدبرها عند القراءة " )‪ ، (124‬وقال ابن‬
‫قدامة ’‪ " :‬وليعلم أن ما يقرأه ليس كلم بشر وأن‬
‫يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلمه فإن‬
‫التدبر هو المقصود من القراءة وإن لم يحصل التدبر‬
‫إل بترديد الية فليرددها")‪. (125‬‬

‫مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/7‬ص ‪203‬‬ ‫‪()119‬‬


‫الزهد لبن المبارك ‪97‬‬ ‫‪()120‬‬
‫مختصر قيام الليل للمروزي ‪151‬‬ ‫‪()121‬‬
‫مختصر منهاج القاصدين ‪68 :‬‬ ‫‪()122‬‬
‫مفتاح دار السعادة ‪222-1‬‬ ‫‪()123‬‬
‫الذكار ‪50‬‬ ‫‪()124‬‬
‫مختصر منهاج القاصدين‪68 :‬‬ ‫‪()125‬‬
‫‪72‬‬ ‫المفتاح الثامن ‪ :‬ربط اللفاظ بالمعاني‬

‫المفتاح الثامن ‪ :‬ربط اللفاظ بالمعاني‬


‫المسألة الولى‪ :‬مفهوم هذا المفتاح‬
‫هو ‪ :‬ربط اللفظ بالمعنى ؛ أي ‪ :‬حفظ المعاني ‪،‬‬
‫وهو أيضا‪ :‬ربط الية بالواقع ؛ أي‪ :‬تنزيل الية على‬
‫المواقف والحوال اليومية التي تمر بالشخص ‪ ،‬هو‬
‫التمثل بالقرآن في كل حدث يحصل في اليوم‬
‫والليلة ‪ ،‬بحيث يبقى القرآن حي ّا ً في القلب تؤخذ منه‬
‫الجابات والتفسيرات للحياة ‪ ،‬وتؤخذ منه التوجيهات‬
‫والنظمة في كل صغيرة وكبيرة ‪ ،‬وهذا الربط‬
‫يعرف عند علماء النفس بالقتران الشرطي ‪،‬‬
‫ويعرف بالوقت الحاضر عند علماء البرمجة‬
‫بالرساء ‪ ،‬وهو ما يعرف في القرآن والسنة بالذكر‬
‫أو التذكر ‪ ،‬وهو يعني تداعي المعاني ‪ ،‬كما قال‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ف ّ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ ٌ‬ ‫سه ُ ْ‬‫م ّ‬ ‫ن ات َّقوا ْ إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى؛}إ ِ ّ‬
‫ن{ ])‪ (201‬سورة العراف[ ‪.‬‬‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬
‫هم ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن ت َذ َك ُّروا ْ فَإ ِ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫المسألة الثانية‪ :‬أنواعه‬
‫الربط أو التداعي نوعان ‪ :‬عفوي وقصدي ‪،‬‬
‫فالعفوي إلهامات وفتوحات يفتحها الله تعالى على‬
‫من يشاء من عباده ‪ ،‬وقصدي ‪ :‬وهو أن تقوم‬
‫بالربط ثم التكرار حتى يرسخ ويثبت ‪ ،‬والتكرار الذي‬
‫يحقق الربط نوعان ‪ :‬الول ‪ :‬التكرار الني ‪ ،‬و‬
‫الثاني ‪ :‬التكرار السبوعي ‪ ،‬أما التكرار الني فسبق‬
‫بيانه في المفتاح السابع ‪ ،‬وأما التكرار السبوعي‬
‫فسبق بيانه في المفتاح الخامس ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬كيفية الربط‬
‫أن تكرر اللفظ مع استحضار معنى جديد في كل‬
‫مرة ‪ ،‬حتى تمر على كل المعاني التي يمكن أن‬
‫تتذكرها من النص أو اللفظ ‪ ،‬وقد سبق ذكر كلم‬
‫‪73‬‬ ‫المفتاح الثامن ‪ :‬ربط اللفاظ بالمعاني‬
‫الحسن البصري ’ حين قام الليل كله يكرر قول الله‬
‫تعالى ‪ } :‬وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها{ فلما‬
‫قيل له ؟ قال ‪ :‬إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ول‬
‫نرده إل وقع علىنعمة‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬حسابات اللفاظ والكلمات‬


‫اللفاظ قوالب المعاني وحساباتها البنكية ‪ ،‬فكلمة‬
‫عند شخص لها خمسة معاني ‪ ،‬وعند آخر سبعة‬
‫معاني ‪ ،‬وعند ثالث ‪ :‬صفر خالية ل تعني له شيئا ‪.‬‬
‫إن إدارك ووعي الناس ليات القرآن يتفاوت تفاوتا‬
‫كبيرا مع أن الية هي الية يقرؤها هذا ويقرؤها هذا‬
‫وإن ما بينهما في عمق فهم الية أو الجملة كما بين‬
‫المشرقين ‪.‬‬
‫‪74‬‬ ‫المفتاح التاسع ‪ :‬الترتيل‬

‫المفتاح التاسع ‪ :‬الترتيل‬


‫الترتيل يعني الترسل والتمهل ‪ ،‬ومن ذلك مراعاة‬
‫المقاطع والمبادئ وتمام المعنى ‪ ،‬بحيث يكون‬
‫القارئ متفكرا فيما يقرأ ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ورتل‬
‫القرآن ترتيل { ]‪ 4‬المزمل [ ‪ ،‬قال ابن كثير ‪ :‬أي‬
‫اقرأه على تمهل فإنه يكون عونا على فهم القرآن‬
‫وتدبره )‪ ،(126‬وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬قالت عائشة رضي الله عنها ‪ " :‬كان يقرأ‬
‫السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها‬
‫")‪ (127‬وعن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬كانت مدا‬
‫يمد بسم الله ‪ ،‬ويمد الرحمن ‪ ،‬ويمد الرحيم‬
‫")‪ ، (128‬وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت‬
‫عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالت ‪ :‬كان يقطع قراءته آية آية } بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن‬
‫الرحيم * مالك يوم الدين {)‪. (129‬‬
‫قال الحسن البصري ’ ‪ :‬يا ابن آدم كيف يرق قلبك‬
‫وإنما همتك آخر السورة " )‪ (130‬وقد أنكر ابن‬
‫مسعود _ على نهيك بن سنان ’ سرعته في القراءة‬
‫حين قال ‪ :‬قرأت المفصل البارحة فقال عبد لله _ ‪:‬‬
‫"هذ ّا ً كهذ ّ الشعر ! إنا قد سمعنا القراءة وإني‬
‫لحفظ الُقَرناء التي يقرأ بهن النبي §")‪ ، (131‬وقال‬

‫تفسير ابن كثير ‪1453 :‬‬ ‫‪()126‬‬


‫صحيح مسلم ‪4/507‬‬ ‫‪()127‬‬
‫فتح الباري ‪8/709‬‬ ‫‪()128‬‬
‫مسند أحمد ‪ ، 6/302‬سنن أبي داود ‪ ، 4/294‬تحفة الحوذي ‪8/241‬‬ ‫‪()129‬‬
‫مختصر قيام الليل المروزي ‪150 :‬‬ ‫‪()130‬‬
‫‪75‬‬ ‫المفتاح التاسع ‪ :‬الترتيل‬
‫جل في القراءة ‪" :-‬‬ ‫ابن مسعود _ لعلقمة ’ ‪-‬وقد عَ ِ‬
‫ن القرآن " )‪ ، (132‬قال‬ ‫فداك أبي وأمي رتل فإنه َزي ْ ُ‬
‫ابن مفلح ’‪" :‬أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن‬
‫عن البانة وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها‬
‫")‪ ، (133‬وصفة قراءة القرآن التي نقلت إلينا عن‬
‫النبي § وصحابته ‪ è‬تدل على أهمية الترسل وتزيين‬
‫الصوت بالقراءة ‪ ،‬فمن ينظر إلى أي كتاب في‬
‫التجويد يدرك هذه الحقيقة بجلء ووضوح ‪ ،‬ولم‬
‫ينقل ذلك إل للقرآن ‪ ،‬فالحاديث ولخطب والمواعظ‬
‫لم ينقل فيها شئ من ذلك ‪ ،‬وإنه لفرق كبير في‬
‫التمهل والتأني بين من يطبق أحكام التجويد ومن ل‬
‫يطبقها بل يهذ القراءة هذ ّا ً ‪.‬‬
‫عن حذيفة _ قال ‪ " :‬صليت مع النبي § ذات ليلة‬
‫فافتتح البقرة فقرأها ‪ ،‬ثم النساء فقرأها ‪ ،‬ثم آل‬
‫عمران فقرأها ‪ ،‬يقرأ مترسل ‪ ،‬إذا مر بآية فيها‬
‫تسبيح سبح ‪ ،‬وإذا مر بسؤال سأل ‪ ،‬وإذا مر بتعوذ‬
‫(‬ ‫)‬
‫تعوذ " ‪134‬‬
‫وإذا تعارض مقدار القراءة مع صفتها قدمت الصفة‬
‫‪ ،‬سئل زيد بن ثابت _ ‪ :‬كيف ترى في قراءة القرآن‬
‫في سبع ؟ قال ‪ :‬حسن ‪ ،‬ولن أقرأه في نصف شهر‬
‫أو عشر أحب إلي ‪ ،‬وسلني لم ذلك ؟ قال‪ :‬فإني‬
‫أسألك ‪ ،‬قال ‪ :‬لكي أتدبره وأقف عليه " اهـ )‪، (135‬‬
‫قال ابن حجر ’ ‪" :‬إن من رتل وتأمل كمن تصدق‬
‫‪ ()132‬سنن البيهقي الكبرى ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 2259) 54‬سنن سعيد بن منصور )‬
‫‪ (2‬ج ‪/1‬ص ‪، ( 54)225‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 8724)255‬ج ‪/6‬ص‬
‫‪( 30152)140‬‬
‫‪ ()133‬الداب الشرعية ‪2/297‬‬
‫‪ ()134‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 772) 536‬سنن النسائي )المجتبى( ج ‪/3‬ص‬
‫‪(1664) 225‬‬
‫‪ ()135‬الموطأ ‪201-1‬‬
‫‪76‬‬ ‫المفتاح التاسع ‪ :‬الترتيل‬
‫بجوهرة واحدة ثمينة ‪ ،‬ومن أسرع كمن تصدق بعدة‬
‫جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة ‪ ،‬وقد تكون قيمة‬
‫الواحدة أكثر من قيمة الخريات وقد يكون العكس"‬
‫اهـ )‪ ، (136‬والصحيح‪ :‬أن من أسرع فقد اقتصر على‬
‫مقصد واحد من مقاصد قراءة القرآن وهو ‪ :‬ثواب‬
‫القراءة ‪ ،‬ومن رتل وتأمل فقد حقق المقاصد كلها‬
‫وكمل انتفاعه بالقرآن ‪ ،‬واتبع هدي النبي §وصحابته‬
‫الكرام ‪. è‬‬

‫‪ ()136‬فتح الباري ‪ 89-3‬وذكر نحوه السيوطي في التقان ‪.‬‬


‫‪77‬‬ ‫المفتاح العاشر ‪ :‬الجهر بالقراءة‬

‫المفتاح العاشر ‪ :‬الجهر والتغني بالقراءة‬


‫عن أبي هريرة _ قال §‪ " :‬ليس منا من لم يتغن بالقرآن‬
‫(‬ ‫)‬
‫يجهر به " ‪ ، 137‬وعنه أيضا _ أنه سمع النبي § يقول‪":‬‬
‫ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر‬
‫(‬ ‫)‬
‫بالقرآن " ‪ ، 138‬وعن أبي موسى _ قال ‪ :‬قال النبي § ‪:‬‬
‫"إني لعرف أصوات رفقة الشعريين بالقرآن حين‬
‫يدخلون بالليل ‪ ،‬وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن‬
‫(‬ ‫)‬
‫بالليل ؛ وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار " ‪139‬‬
‫‪ ،‬وعن أم هانئ ~ قالت ‪" :‬كنت أسمع قراءة النبي § وأنا‬
‫(‬ ‫)‬
‫على عريشي" ‪ ، 140‬وعن أبي قتادة _ أن النبي § خرج‬
‫ليلة فإذا بأبي بكر _ يصلي يخفض صوته ‪ ،‬ومَرّ على عمر‬
‫بن الخطاب _ وهو يصلي رافعا صوته ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما اجتمعا‬
‫عند النبي § قال‪ :‬يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض‬
‫ت يارسول‬ ‫من صوتك ؟ قال ‪ :‬قد أسمعت من ناجَيْ ُ‬
‫الله ‪ ،‬وقال لعمر ‪ :‬مررت بك وأنت تصلي ترفع صوتك ؟‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله أوقظ الوسنان ‪ ،‬وأطرد الشيطان ‪،‬‬
‫فقال النبي §‪ :‬يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا ‪ ،‬وقال لعمر‪:‬‬

‫‪ ()137‬صحيح البخاري ج ‪/6‬ص ‪ ، ( 7089)2737‬المستدرك على الصحيحين‬


‫ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 2091)758‬صحيح ابن حبان ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 120) 326‬سنن البيهقي‬
‫الصغرى ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 1024) 558‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1469) 74‬سنن‬
‫البيهقي الكبرى ج ‪/2‬ص ‪. ( 2257)54‬‬
‫‪ ()138‬صحيح البخاري ج ‪/6‬ص ‪ ، ( 7105) 2743‬صحيح مسلم ج ‪/1‬ص ‪) 545‬‬
‫‪ ، ( 792‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1473) 75‬سنن النسائي )المجتبى( ج‬
‫‪/2‬ص ‪. ( 1017) 180‬‬
‫‪ ()139‬صحيح البخاري ج ‪/4‬ص ‪ ، ( 3991)1547‬صحيح مسلم ج ‪/4‬ص ‪)1944‬‬
‫‪ ، (2499‬مسند أبي عوانة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 3829) 459‬مسند أبي يعلى ج ‪/13‬ص‬
‫‪. ( 7318)305‬‬
‫‪ ()140‬سنن النسائي )المجتبى( ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1013)178‬سنن ابن ماجه ج‬
‫‪/1‬ص ‪ ، ( 1349)429‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 3672) 321‬مسند‬
‫أحمد بن حنبل ج ‪/6‬ص ‪ ، (26939)341‬وحسنه اللباني في صحيح سنن‬
‫النسائي‬
‫‪78‬‬ ‫المفتاح العاشر ‪ :‬الجهر بالقراءة‬
‫اخفض من صوتك شيئا ")‪ (141‬وسئل ابن عباس ‪ ù‬عن‬
‫جهر النبي § بالقراءة بالليل فقال ‪":‬كان يقرأ في حجرته‬
‫قراءة لو أراد حافظ أن يحفظها فعل ")‪ ، (142‬وقال ابن‬
‫عباس ‪ - ù‬لرجل ذكر له أنه سريع القراءة ‪ ": -‬إن كنت‬
‫فاعل فاقرأ قراءة تسمعها أذنك ‪ ،‬ويعيها قلبك "اهـ)‪، 143‬‬
‫(‬

‫وعن ابن أبي ليلى ’ قال‪ ":‬إذا قرأت فاسمع أذنيك فإن‬
‫القلب عدل بين اللسان والذن")‪. (144‬‬
‫إن الجهر بما يدور في القلب أعون على التركيز والنتباه‬
‫ولذلك تجد النسان يلجأ إليه قسرا عندما تتعقد المور‬
‫ويصعب التفكير‪.‬‬
‫البعض عند قراءته للقرآن يسر بقراءته طلبا للسرعة‬
‫وقراءة أكبر قدر ممكن وهذا خطأ ومن الواضح غياب قصد‬
‫التدبر في مثل هذه الحالة‪.‬‬
‫إن الجهر درجات أدناها أن يسمع المرء نفسه وتحريك‬
‫أدوات النطق من لسان وشفتين ‪ ،‬وأعلها أن يسمع من‬
‫قرب منه ‪ ،‬فما دونه ليس بجهر وما فوقه يعيق التدبر‬
‫ويرهق القارئ ويؤذي السامع ‪.‬‬
‫ومن فوائد الجهر استماع الملئكة الموكلة بسماع الذكر‬
‫لقراءة القارئ ‪ ،‬وهرب وفرار الشياطين عن القارئ‬
‫والمكان الذي يقرأ فيه ‪ ،‬وفي ذلك تطهير للبيت وتعطير له‬
‫وجعله بيئة صالحة للتربية والتعليم ‪.‬‬

‫‪ ()141‬سنن أبي داود ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1329)37‬سنن الترمذي ج ‪/2‬ص ‪) 309‬‬


‫‪ ، ( 447‬صحيح ابن خزيمة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1161) 189‬مصنف عبد الرزاق ج‬
‫‪/2‬ص ‪ ، ( 4210) 496‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/1‬ص ‪ ، ( 865)109‬صحيح ابن‬
‫خزيمة ج ‪/2‬ص ‪ ، ( 1161) 189‬صحيح ابن حبان ج ‪/3‬ص ‪ ، ( 733)6‬وصححه‬
‫النووي في المجموع ‪ ، 391-3‬والحاكم ووافقه الذهبي واللباني في صفة‬
‫صلة النبي §ص ‪. 109‬‬
‫‪ ()142‬مختصر قيام الليل للمروزي ‪.133 :‬‬
‫‪ ()143‬سنن البيهقي الكبرى ج ‪/2‬ص ‪, ( 2759)168‬فتح الباري ‪. 89-9 :‬‬
‫‪ ()144‬مصنف ابن أبي شيبة ج ‪/1‬ص ‪. (3670) 321‬‬
‫‪79‬‬ ‫المفتاح العاشر ‪ :‬الجهر بالقراءة‬
‫إن بيتاً يكثر فيه الجهر بالقرآن هو بيت ‪ -‬كما قال أبو‬
‫هريرة _ ‪ -‬كثر خيره وحضرته الملئكة وخرجت منه‬
‫الشياطين والبيت الذي ل يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله‬
‫وقل خيره وحضرته الشياطين وخرجت منه الملئكة"‬
‫(‬ ‫)‬
‫‪145‬‬

‫‪ ()145‬الزهد لبن المبارك ج ‪/1‬ص ‪. ( 790) 273‬‬


‫‪80‬‬ ‫خاتمة البحث‬

‫خاتمة البحث‬
‫أخي المسلم بفعلك لما سبق ذكره من مفاتح التدبر‬
‫تكون كمن استعمل منظارا لتقريب وتكبير الصور ‪،‬‬
‫وهذا ما يحصل تماما لقارئ القرآن بهذه الكيفية‬
‫فإنه تكبر في نظره المعاني ‪ ،‬وتزداد عمقا ‪ ،‬ويغزر‬
‫فهمه لمضامينها حتى إنه لينتبه إلى معان لم يكن‬
‫يدركها من قبل ‪ ،‬وألفاظ كان يمر بها دون أن يشعر‬
‫‪ ،‬حتى إنه ليقول ‪ :‬سبحان الله ! لقد كنت أقرأ هذه‬
‫السورة ‪ ،‬أو الية منذ سنوات ؛ لكن لم أفهمها كما‬
‫فهمتها اليوم ؟‬
‫إن البعض منا يريد أن يتدبر القرآن ‪ ،‬ويتأثر به ‪ ،‬وهو‬
‫لم يهيئ السباب والوسائل المساعدة على فهمه‬
‫وفقهه ‪ ،‬حتى أدنى درجات التركيز والهدوء ل‬
‫يوجدها حين قراءته للقرآن ‪ ،‬لماذا ؟ لنه قصر همته‬
‫على نطق اللفاظ ‪ ،‬وما يحصل من حسنات مقابل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫إن من يواظب على قراءة القرآن كما تم‬
‫بيانه ووصفه من حال السلف فإن هذا‬
‫سيؤدي إلى حياة قلبه ‪ ،‬وقوة ذاكرته ‪،‬‬
‫وصحة نفسه ‪ ،‬وعلو همته ‪ ،‬وقوة إرادته ‪،‬‬
‫وهذه هي مرتكزات النجاح الحقيقية ‪،‬‬
‫ذلكم النجاح الشامل المتكامل الثابت في‬
‫حال الشدة كما هو حاصل في حال‬
‫الرخاء‪.‬‬
‫إن من يطبق هذه المفاتيح العشرة‬
‫فسيرى بأم قلبه نور القرآن ‪ ،‬ويصبح من‬
‫أولياء الله الذين ل خوف عليهم ول هم‬
‫‪81‬‬ ‫خاتمة البحث‬
‫يحزنون ‪ ،‬الذين مدحهم بقوله سبحانه ‪} :‬‬
‫إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا‬
‫وبكيا {])‪ (58‬سورة مريم[ ‪ ،‬نسأل الله الكريم بمنه وفضله‬
‫أن يجعلنا منهم ‪ ،‬والله الموفق والهادي إلى‬
‫الصراط المستقيم ‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫ملحقات البحث‬

‫ملحق )‪ : (1‬رحلتي مع الكتاب‬


‫بدأت رحلتي مع هذا الكتاب منذ أن عقلت وأدركت‬
‫أن الحياة مجاهدة ‪ ،‬ومصابرة ‪ ،‬وصراع بين الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬والخير والشر ‪ ،‬وأن الثبات على الحق‬
‫وتحصيل الخير ل بد له من جهد ‪ ،‬ومن عمل ‪.‬‬
‫كانت البداية مع كتاب الجواب الكافي أقرؤه كلما‬
‫أحسست بضعف السيطرة على النفس ‪ ،‬وضعف‬
‫الرادة والوقوع في النقائص ‪ ،‬فكنت أجد فيه العلج‬
‫وانتفع به حينا من الدهر ‪ ،‬ثم انتقلت إلى كتب‬
‫المثقفين والمفكرين المعاصرين أمثال ‪ :‬قوارب‬
‫النجاة ‪ ،‬وحديث الشيخ ‪ ،‬وتربيتنا الروحية ‪ ،‬وجدد‬
‫حياتك ‪ ،‬وغيرها من كتب جعلتها قريبة مني أقرؤها‬
‫لخذ منها الزاد الروحي ‪ -‬على حد تعبير أولئك‬
‫الكّتاب ‪.‬‬
‫ثم جاءت فترة تعلقت بكتاب إحياء علوم الدين‬
‫للغزالي ومختصر منهاج القاصدين لبن قدامه ‪.‬‬
‫وفي المرحلة الجامعية كان التوجه نحو كتب الغرب‬
‫والتي بدأت تغزو السواق ‪ ،‬من ذلك ‪ :‬كيف تكسب‬
‫الصدقاء ‪ ،‬دع القلق وابدأ الحياة ‪ ،‬سيطر على‬
‫نفسك ‪ ،‬سلطان الرادة وغيرها ‪ ،‬فكنت أرجع إليها‬
‫كلما حصلت مشكلة أو احتجت لعلج مسألة ‪ ،‬وكنت‬
‫قرأتها أكثر من مرة ولخصت ما فيها على شكل‬
‫قواعد وأصول ‪ ،‬وفي حينها كان يتردد على خاطري‬
‫سؤال محير ‪ :‬كيف يكون العلج والتغيير في مثل‬
‫هذه الكتب ول يكون في القرآن ؟‬
‫ثم تلتها مرحلة أخرى تعلقت بكتاب مدارج السالكين‬
‫وخاصة بعدما طبع تهذيبه في مجلد واحد فكان‬
‫‪83‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫رفيقي في السفر والحضر أقرأ فيه بهدف تقوية‬
‫العزيمة ومجاهدة النفس ‪.‬‬
‫ثم جاءت مرحلة لم يمض عليها سوى سنوات‬
‫اتجهت إلى كتب وأشرطة القوة وتطوير الذات‬
‫والتي بدأت تتنافس في جذب الناس ‪ ،‬فاشتغلت‬
‫في الكثير منها طلبا للتطوير والترقية ‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫كتاب العادات السبع ‪ ،‬أيقظ قواك الخفية ‪ ،‬إدارة‬
‫الولويات ‪ ،‬القراءة السريعة ‪ ،‬كيف تضاعف ذكائك ‪،‬‬
‫المفاتيح العشرة للنجاح ‪ ،‬البرمجة اللغوية العصبية ‪،‬‬
‫كيف تقوي ذاكرتك ‪..‬كن مطمئنا ‪ ،‬السعادة في ثلثة‬
‫شهور ‪ ،‬كيف تصبح متفائل ‪ ،‬أيقظ العملق ‪ ....‬الخ‬
‫من قائمة ل تنتهي ‪ ،‬كنت أقرؤها ‪ ،‬أو أسمعها بكل‬
‫دقة وأناة باحثا فيها عما عساه يغير من الواقع‬
‫شيئا ‪ ،‬ويحصل به النطلق والتخلص من نقاط‬
‫الضعف ‪ ،‬ولكن دون جدوى ‪ ،‬وأحمد الله تعالى أنها‬
‫كانت دون جدوى ‪ ،‬وأني نجوت من الفتنة بهذه‬
‫المصادر البشرية للنجاح ‪ ،‬فكيف سيكون حالي لو‬
‫كنت حصلت على النجاح من تلك الكتب ونسيت‬
‫كتاب ربي إلى أن فارقت الحياة ؟‬
‫إن السؤال المحير ‪ ،‬والذي يدعو للعجب‬
‫والستغراب ‪ :‬هل كان مثل هذا التخبط حصل من‬
‫شخص يعيش في مجاهل أفريقيا ؟ أو أدغال آسيا‬
‫ولم يبلغه القرآن ؟ أو أنه حصل من شخص يحفظ‬
‫القرآن وهو في المرحلة المتوسطة ومع هذا لم‬
‫ينتفع به لنه نسي هذه المفاتيح ‪.‬‬
‫هذا هو السؤال المحير الذي كنت أبحث عن‬
‫إجابته ؟ فوجدتها والحمد لله وضمنتها هذا الكتاب ‪،‬‬
‫فإياك ‪ -‬أخي المسلم ‪ -‬أن ترحل من هذه الدنيا ولم‬
‫‪84‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫تذق ألذ وأطيب ما فيها إنه القرآن كلم الله ‪ ،‬الذي‬
‫ل يشبه التنعم به أي نعيم على الطلق ‪ ،‬وهو‬
‫حاصل بإذن الله تعالى لمن أخذ بهذه المفاتيح التي‬
‫هدي إليها سلفنا الصالح ‪ ،‬ففتحت لهم كنوز القرآن ‪،‬‬
‫وبها فتحت لهم كنوز الرض وخيراتها فكانوا خير أمة‬
‫أخرجت للناس ‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫ملحقات البحث‬

‫ملحق )‪ : (2‬أفضل هدية يقدمها والد إلى‬


‫ولده‬
‫إن أعظم هدية يقدمها والد إلى ولده ‪ ،‬وأعظم إحسان‬
‫يسديه إليه ؛ أن يربيه على مفاتح تدبر القرآن ‪ -‬التي ذكرتها‬
‫عن السلف ‪ -‬منذ الصغر حتى يتسلح بالقرآن في هذه العصر‬
‫الذي كثرت فيه الفتن ‪ ،‬وانتشر فيه القلق والملل ‪ ،‬وزادت‬
‫المراض النفسية ‪ ،‬وضعفت النفوس عن تحمل المصائب ‪،‬‬
‫وصار الناس يبحثون عن التسلية والترويح عن النفس بوسائل‬
‫شتى ‪ ،‬حتى أرهقتهم بدنيا وماليا ووصلوا معها إلى طريق‬
‫مسدود وصدق عليهم قول الشاعر‪:‬‬
‫وأخرى تداويت منها بها‬ ‫وكأس شربت على لذة‬
‫إن من ينشأ على القيام بالقرآن ‪ ،‬يقرؤه كما وصفت ‪ ،‬فإنه‬
‫ينشأ قوي النفس ‪ ،‬قــــوي البدن ‪ ،‬ثابت الخطى ‪ ،‬يشق‬
‫طريقه في الحياة بل مخاوف ‪ ،‬ول مشاكل بإذن الله تعالى‬
‫‪،‬لنه يجد التفسير الواضح الثابت لكل المواقف التي يمر بها ‪،‬‬
‫ولكل المناهج والطروحات التي تتنافس في إثبات وجودها ‪،‬‬
‫وما زلت أسمع وأرى صورا ً ومآسي ل نحرافات‬
‫فكرية وخلقية تحصل من أبناء المسلمين ‪ ،‬وماذاك‬
‫إل بسبب التفريط في الربط بالقرآن حبل الله‬
‫المتين ‪ ،‬الذي ما ضل من تمسك به ‪ ،‬والتمسك به ل‬
‫يكون أبدا ً إل بما سبق بيانه من وسائل ومفاتيح ‪.‬‬
‫إن هذا أسهل وأخصر الطرق في تربية الولد لمن وفق إليه‬
‫وقدر عليه ‪ ،‬أما من حرمه فإنه سيظل حبيس تجارب وطرق‬
‫وأفكار ل أول لها ول آخر ‪ ،‬تجارب ووسائل متباينة ومكلفة‬
‫وصعبة التطبيق ‪ ،‬وضعيفة النتائج ‪ ،‬وهشة البناء ل تصمد‬
‫للمواقف الصعبة واللحظات الحرجة ‪.‬‬
‫تذكر أنك حين تربي ابنك منذ الصغر على القرآن بالطريقة‬
‫التي وصفتها فإنك تثبت في قلبه رقيبا يصحبه أينما ذهب‬
‫وفي كل وقت وحينها ل تحتاج أبدا إلى مراقبته ومتابعته لن‬
‫رقيبه مثبت في صدره وبقوة ؛ فتنام بذلك قرير العين وتجني‬
‫ثمرة ما زرعته في قلبه في سنوات حياته الولى ‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫ملحقات البحث‬

‫ملحق )‪ : (3‬القرآن والصيام‬


‫عن عبد الله بن عمرو ‪ ù‬أن رسول الله § قال ‪" :‬الصيام‬
‫والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام ‪ :‬أي رب ‪،‬‬
‫منعته الطعام والشهوات بالنهــار فشفعني فيه ‪ ،‬ويقول‬
‫(‬ ‫)‬
‫القرآن ‪ :‬منعته النوم بالليل فشعني فيه قال فيشفعان " ‪146‬‬
‫‪.‬‬
‫إن بين القرآن والصيام علقة متينة ‪ ،‬فمن أعظم وأهم الحكم‬
‫من مشروعية صيام نهار رمضان تهيئة القلب لتدبر القرآن‬
‫حين القيام به في الليل ‪ ،‬والمشاهد أن كثيرا من الناس‬
‫وتون على أنفسهم هذه المصلحة العظيمة حينما يسرفون‬ ‫ُيف ّ‬
‫في الطعام والشراب وقت الفطار والعشاء ‪.‬‬
‫لقد أثبت الطب الحديث ‪ ،‬والطب البديل أهمية الصيام لصفاء‬
‫القلب وقيامه بوظائفه المادية والمعنوية ‪ ،‬ول أريد التفصيل‬
‫في هذه القضية فالمقام ل يسمح لكني أرشد إلى بعض‬
‫المراجع)‪ (147‬وإن كنت على يقين من حكمة تشريع الصيام‬
‫بدون عناء الرجوع إلى تلك الكتب وصرف الوقت والجهد في‬
‫قراءتها يكفينا في هذا قول الله تعالى ‪ } :‬وأن تصوموا خير‬
‫لكم إن كنتم تعلمون { ] )‪ (184‬سورة البقرة [ ‪ ،‬إنها رسالة من‬
‫رب العالمين تحمل الكثير والكثير من الشارات والرشادات ‪،‬‬
‫إن الله تعالى يقرر لنا هذه القاعدة العظيمة ‪ :‬أن الصيام خير‬
‫لنا ‪ ،‬وإن من بعض خيره ما تم إثباته بالتجارب المخبرية ومن‬
‫تجارب العلماء الذين يؤكدون على أهمية هذه العلقة بين‬
‫الصيام وبين التفكير والفهم والتدبر ‪ ،‬إن شواهد صحتها‬

‫‪ ()146‬مسند أحمد بن حنبل ج ‪/2‬ص ‪ ، (6626) 174‬وصححه أحمد شاكر‪،‬‬


‫مستدرك الحاكم ‪ 470-1 :‬وقال صحيح على شرط مسلم ‪،‬مصنف ابن أبي‬
‫شيبة ج ‪/6‬ص ‪ ،( 30044)129‬صحيح الترغيب والترهيب لللباني ‪) 483-1:‬‬
‫‪.(969‬‬
‫‪ 147‬من ذلك ‪ :‬كتاب ريجيم الصوم نشر ‪ :‬دار طويق ‪ ،‬الصوم والصحة ‪ ،‬نجيب‬
‫)(‬

‫الكيلني ‪ ،‬صوموا تصحوا – دراسة علمية لفوائد الصوم ‪ :‬الشيخ سعيد الحمري‬
‫– دار المعارف ‪ ،‬عالج نفسك بالصيام ‪ :‬محيي الدين عبد الحميد ‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫وأقوال أهل التجربة وأحوالهم من علماء المسلمين وغير‬
‫المسلمين ل يتسع له كتاب وما لم ينقل عنهم من أقوال‬
‫وأحوال أكثر وأكثر ‪ ،‬فالقليل منهم ع َّبر عن حاله ‪ ،‬وذكر ما‬
‫وجد ‪ ،‬وغيرهم كثير وجد ولم يذكر‪.‬‬
‫فإن أردت حقا تدبر القرآن ‪ ،‬والتأثر به ‪ ،‬فعليك بهذا المفتاح‬
‫العجيب ‪ ،‬وخاصة في رمضان إنه الصيام ‪ ،‬الصيام الصحيح‬
‫الذي يحرص فيه الصائم على تطبيق ما جاء في حديثِ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو َ‬‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب قا َ‬ ‫دي كرِ َ‬ ‫معْ ِ‬‫دام بن َ‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬‫ال ِ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م ِوعاًء َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬
‫ن ب َط ٍ‬ ‫م ْ‬
‫شّرا ِ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل ‪ » :‬مامل اب ْ ُ‬ ‫عليه وسلم ي ُ‬
‫ة‪،‬‬ ‫حا َل َ َ‬ ‫م َ‬
‫ن كان ل َ‬ ‫ه ‪ ،‬فإ ِ ْ‬ ‫صل ْب َ ُ‬‫ن ُ‬ ‫م َ‬‫ق ْ‬ ‫تي ِ‬
‫قيما ٌ‬ ‫م لُ َ‬‫ن آد َ َ‬ ‫ب اب ْ ِ‬
‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫‪،‬ب ِ َ‬
‫سهِ « رواه المام أحمد‬ ‫ف ِ‬‫ث ل ِن َ َ‬ ‫شراب ِهِ وِث َل ُ ٌ‬ ‫مهِ وَث ُل ُ ٌ‬
‫ث لِ َ‬ ‫طعا ِ‬ ‫ث لِ َ‬ ‫فَث ُل ُ ٌ‬
‫والترمذى والنسائى وابن ماجه وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫وهذا الحديث أصل جامع لصول الطب كلها ‪ ،‬وقد روى أن ابن‬
‫أبي ماسويه الطبيب ‪ -‬لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي‬
‫خيثمة ’ ‪ -‬قال ‪ " :‬لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من‬
‫المراض والسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة"‪.‬‬
‫ليس معنى الصوم أن تمسك عن الطعام والشراب مدة ثم‬
‫تلتهم أضعاف ما أمسكت عنه ؛ هذا بكل تأكيد ليس صوما‬
‫نافعا ‪ ،‬إن الصوم الذي ينفع صاحبه هو ما يقترن معه عدم‬
‫الشبع حال الفطار ‪ ،‬إن بعض الشباب يقول قد صمت فما‬
‫وجدت الوجاء الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬نعم إن كنت في وقت فطرك تتقاضى من وقت‬
‫صومك وترد الصاع صاعين فهذا ليس بصوم على الحقيقة بل‬
‫هو إرهاق للبدن وتعذيب له ‪ ،‬لن الهدف من الصوم حماية‬
‫الجسد عامة والقلب خاصة من سموم الطعمة والشربة ‪،‬‬
‫وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنه له وجاء "‬
‫؛ ذلك أن القلب إذا استراح من سموم الطعمه صفا ورق ‪.‬‬
‫‪88‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫قال المروزي ’ ‪ :‬قلت لبي عبدالله ‪ -‬يعني المام أحمد ’‪" : -‬‬
‫يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع قال ‪ :‬ما أرى" ‪ ،‬وعن نافع‬
‫’ عن ابن عمر ‪ ù‬قال ‪ " :‬ماشبعت منذ أسلمت "‪ ،‬وعن‬
‫عمُه فهم وأفهم‬ ‫محمد بن واسع ’ قال ‪ " :‬من قل طُ ْ‬
‫وصفا ورق ‪ ،‬وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما‬
‫يريد " ‪ ،‬وعن أبي سليمان الداراني ’ قال ‪" :‬إذا أردت حاجة‬
‫من حوائج الدنيا والخرة فل تأكل حتى تقضيها ‪ ،‬فإن الكل‬
‫يغير العقل " ‪ ،‬وعن قثم العابد ’ قال ‪" :‬كان يقال‪ :‬ما قل‬
‫طعم امريء قط إل رق قلبه ونديت عيناه " ‪ ،‬وعن‬
‫أبي عمران الجوني ’ قال ‪":‬كان يقال من أحب أن ينور قلبه‬
‫ي‬
‫فليقل طعمه " ‪ ،‬وعن عثمان بن زائدة ’ قال‪ ":‬كتب إل ّ‬
‫ل نومك‬‫ق ّ‬
‫ح جسمك ويَ ِ‬ ‫ص ّ‬
‫سفيان الثوري ’ ‪ :‬إن أردت أن َي ِ‬
‫فأقلل من الكل " ‪ ،‬وعن إبراهيم بن أدهم ’ قال ‪" :‬من ضبط‬
‫بطنه ضبط دينه ‪ ،‬ومن ملك جوعه ملك الخلق الصالحة" ‪،‬‬
‫وقال الحسن بن يحيىالخشني ’ ‪ :‬من أراد أن يغزر دموعه‬
‫ويرق قلبه فليأكل وليشرب في نصف بطنه ‪ ،‬وقال أحمد بن‬
‫أبي الحواري ’‪ :‬فحدثت بهذا أبا سليمان فقال ‪ :‬إنما جاء‬
‫الحديث " ثلث طعام وثلث شراب " ‪ ،‬وأرى هؤلء قد حاسبوا‬
‫أنفسهم فربحوا سدسا ً ‪ ،‬وعن الشافعي ’ قال ‪ :‬ما شبعت منذ‬
‫ستة عشر سنة إل شبعة أطرحها ‪ ،‬لن الشبع يثقل البدن‬
‫ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة ‪،‬‬
‫وقالت عائشة ~ ‪ " :‬أول بدعة حدثت بعد رسول الله § ‪:‬‬
‫الشبع ‪ ،‬إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بها نفوسهم إلى‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫رسالة إلى كل معلم ومعلمة في العالم‬
‫علمة ‪ :‬يا من يسر الله لكَِ قلوب‬ ‫علم أختي المُ ّ‬
‫أخي المُ ّ‬
‫دس كلمك ‪ ،‬وترى فيك‬ ‫ق ّ‬
‫وت ِ‬
‫الناشئة ‪ ،‬تسمع لك وتطيع ‪ُ ،‬‬
‫القدوة الحسنة ‪ ،‬والمثل الذي يحتذى ‪ ،‬إليك أوجه هذه‬
‫الرسالة ‪ :‬وهي أن تسعى جاهداً في توصيل ما تضمنه هذا‬
‫الكتاب من أمور علمية وعملية بأسلوبك وطريقتك الخاصة ‪،‬‬
‫بحيث يترسّخ لدى الناشئة علماً وعملً أن نجاحهم وسعادتهم‬
‫جههم إلى كيفية القيام‬‫وقوتهم بهــذا القرآن العظيم ‪َ ،‬و ّ‬
‫بالقرآن ‪ ،‬وعّلمهم أنه الطريق لتثبيت معانيه العظيمه في‬
‫القـلوب ‪ ،‬عّلمهم كيف يدعون الله تعالى أن يرزقهم حب‬
‫وضحْ‬
‫ّ‬ ‫القرآن ‪ ،‬وأن يفتح لهم كنوزه ‪ ،‬وأن يضيئ لهم أنواره ‪،‬‬
‫لهم بتفصيل واستمرار أن الحياة بدون القرآن العظيم شقاء‬
‫وضلل وضياع ‪ ،‬وأن الله تعالى أنزل هذا القرآن العظيم رحمة‬
‫وهدى للعالمين ‪.‬‬
‫احتوى الكتاب على عدد من اليات ‪ ،‬والحاديث ‪ ،‬وأقوال‬
‫السلف ‪ ،‬مما يبين كيفية التعامل مع القرآن العظيم ‪ ،‬والنتفاع‬
‫سْرها واشرحها لهم ‪ ،‬واجعلهم يحفظون منها‬ ‫به ‪ ،‬فَ ّ‬
‫مايستطيعون ليكون حافزا لهم للعمل بها ‪.‬‬
‫تفقدهم بين الحين والخر ‪ ،‬وراقب تفاعلهم مع ما تعلمهم إياه‬
‫في هذا المر المهم في حياتهم ‪ ،‬إنهم بذلك يكونون حسنة من‬
‫حسناتك ‪ ،‬وغرسا من غراسك ‪ ،‬تسعد وتسر حين تراهم‬
‫سعداء ‪ ،‬تراهم نافعين مؤثرين في أمتهم ‪.‬‬
‫أرجو منك الحتساب في توصيل مادة الكتاب ‪ ،‬لمن تحت يدك‬
‫من فلذات أكبادنا ‪ ،‬الذين يؤلمنا واقعهم المأسوي ‪ ،‬وما يعانيه‬
‫الكثير منهم من قلق ‪ ،‬وضياع فكري وخلقي ‪ ،‬في زمن كثر‬
‫فيه قطاع الطريق وتنوعت أطماع الطامعين ووسائلهم ‪،‬‬
‫وتخبط الكثيرون في البحث عن القوة والتطوير وتحقيق‬
‫النجاح في الحياة ‪ ،‬وهو في أيديهم ‪ ،‬في هذا القرآن العظيم ‪.‬‬
‫إن الكتاب يرسم الطريق المختصر والمن والقوي للتربية‬
‫والصلح ‪ ،‬ولكن المر يحتاج إلى توضيح وبيان لمن لم يستطع‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫ملحقات البحث‬
‫أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلك مفتاحا من مفاتيح‬
‫القوة والنجاح للمة ‪ ،‬وأن يحقق على يديك النصر للسلم‬
‫والمسلمين ‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫ملحقات البحث‬

‫المحتويات‬
‫مقدمة‪5......................................................................‬‬
‫دعوة للتواصل عبر موقع ‪ :‬القرآن والحياة‪13.................................‬‬
‫تمهيد ‪ :‬في معنى التدبر وعلماته‪14.........................................‬‬
‫المفتاح الول‪ :‬حب القرآن‪19................................................‬‬
‫المفتاح الثاني ‪ :‬أهداف قراءة القرآن‪25.......................................‬‬
‫المفتاح الثالث‪ :‬القيام بالقرآن‪47..............................................‬‬
‫المفتاح الرابع ‪ :‬أن تكون القراءة في ليل‪51...................................‬‬
‫المفتاح الخامس ‪ :‬التكرار السبوعي للقرآن أو بعضه‪54.....................‬‬
‫المفتاح السادس ‪ :‬أن تكون القراءة حفظا‪59..................................‬‬
‫المفتاح السابع ‪ :‬تكرار اليات‪65.............................................‬‬
‫المفتاح الثامن ‪ :‬ربط اللفاظ بالمعاني‪67......................................‬‬
‫المفتاح التاسع ‪ :‬الترتيل‪69...................................................‬‬
‫المفتاح العاشر ‪ :‬الجهر بالقراءة‪71...........................................‬‬
‫خاتمة البحث‪73.............................................................‬‬
‫ملحق ) ‪ : (1‬رحلتي مع الكتاب‪74...........................................‬‬
‫ملحق )‪ : (2‬أفضل هدية يقدمها والد إلى ولده‪76..............................‬‬
‫‪77‬‬ ‫ملحق )‪ : (3‬القرآن والصيام ‪:‬‬

You might also like