You are on page 1of 356

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪15‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫الئمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي )قدس ال سره( الجزء الخامس‬
‫عشر دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة‬
‫‪‍ 1403‬ه ‪ 1983 -‬م دار احياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان ‪ -‬بناية‬
‫كليوباترا ‪ -‬شارع دكاش ‪ -‬ص‪ .‬ب ‪ 11 / 7957‬تلفون المستودع‪:‬‬
‫‪ - 278766 - 273032 - 274696‬المنزل ‪ 830717 - 830711‬برقيا‬
‫"‪ :‬التراث ‪ -‬تلكس ‪ le / 44632‬تراث‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل الذي أكرم سيد أنبيائه محمدا بالرسالة وشرفها‬
‫به‪ ،‬شرائف الصلوات وكرائم التحيات والتسليمات عليه وعلى الفاخم‬
‫النجبين من عترته وآله‪ .‬أما بعد فيقول الخاطئ القاصر العاثر محمد بن‬
‫محمد التقي المدعو بباقر عفا ال عن عثراتهما وحشرهما مع مواليهما‬
‫وساداتهما‪ :‬هذا هو المجلد السادس من كتاب بحار النوار المشتمل على‬
‫تاريخ سيد البرار‪ ،‬ونخبة الخيار‪ ،‬زين الرسالة والنبوة‪ ،‬وينبوع الحكمة‬
‫والفتوة‪ (1) ،‬نبي النبياء وصفي الصفياء‪ ،‬نجي ال ونجيبه‪ ،‬وخليل ال‬
‫وحبيبه‪ ،‬محمول الفلك‪ ،‬ومخدوم الملك‪ ،‬صاحب المقام المحمود‪ ،‬وغاية‬
‫إيجاد كل موجود‪ ،‬شمس سماء العرفان‪ ،‬واس بناء اليمان‪ ،‬شرف‬
‫الشراف‪ ،‬وغرة )‪ (2‬عبد مناف‪ ،‬بحر السخاء‪ ،‬ومعدن الحياء‪ ،‬رحمة‬
‫العباد‪ ،‬وربيع البلد‪ ،‬الذي به اكتسى الفخر فخرا " والشرف شرفا "‪ ،‬وبه‬
‫تضمنت الجنان غرفا "‪ ،‬والقصور شرفا "‪ ،‬فركعت السماوات لعباء‬
‫نعمه‪ ،‬وسجدت الرضون لموطئ قدمه‪ ،‬وبنوره استضاءت النوار‪،‬‬
‫واستنارت الشموس والقمار‪ ،‬وبظهوره تجلت السرار عن جلبيب‬
‫الستار‪ ،‬إمام المرسلين‪ ،‬وفخر العالمين‪ ،‬ابى القاسم محمد بن عبد ال‪،‬‬
‫خاتم النبيين‪ ،‬صلوات ال عليه وعلى أهل بيته الطهرين‪ ،‬وبيان فضائله )‬
‫‪ (2‬ومناقبه ومعجزاته ومكارمه وغزواته وسائر أحواله صلى ال عليه‬
‫وآله‪.‬‬
‫)‪ (1‬الفتوة‪ :‬السخاء والكرم‪ .‬المروءة‪ .‬ويقال بالفارسية )جوانمردى( وهو أنسب‬
‫باشتقاقه‪ (2) .‬الغرة من كل شئ‪ :‬أوله ومعظمه وطلعه‪ ،‬ومن القوم‪:‬‬
‫شريفهم‪ (3) .‬عطف على قوله‪ :‬على تاريخ‪.‬‬

‫]‪[2‬‬

‫)باب ‪) * (1‬بدء خلقه وما جرى له في الميثاق‪ ،‬وبدء نوره وظهوره( * * )صلى‬
‫ال عليه وآله من لدن آدم عليه السلم‪ ،‬وبيان حال )‪) * * ((1‬آبائه‬
‫العظام‪ ،‬وأجداده الكرام‪ ،‬ل سيما عبد المطلب و( * * )والديه عليهم‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وبعض احوال العرب في( * * )الجاهلية‪ ،‬وقصة الفيل‪،‬‬
‫وبعض النوادر( * اليات‪ :‬آل عمران )‪ (3‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيين لما‬
‫آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به‬
‫ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا‬
‫وأنا معكم من الشاهدين ‪ .81‬العراف )‪ (7‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من‬
‫ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن‬
‫تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من‬
‫قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ‪ 172‬و ‪ .173‬الشعراء‬
‫)‪ (26‬الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين ‪ 118‬و ‪ .119‬الحزاب‬
‫)‪ (33‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى‬
‫وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا " غليظا " * ليسأل الصادقين عن‬
‫صدقهم وأعد للكافرين عذابا " أليما " ‪ 7‬و ‪ .8‬تفسير‪ :‬قال الطبرسي‬
‫رحمه ال في قوله تعالى‪) :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم(‪ :‬أي واذكر يا‬
‫محمد حين أخذ ال الميثاق من النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا‬
‫"‪ ،‬ويتبع بعضهم بعضا "‪ ،‬وقيل‪ :‬أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا ال‪ ،‬ويدعوا‬
‫إلى عبادة ال‪ ،‬وأن يصدق‬

‫)‪ (1‬في النسختين المطبوعتين‪ :‬أحوال‪.‬‬

‫]‪[3‬‬

‫بعضهم بعضا "‪ ،‬وأن ينصحوا لقومهم )ومنك( يا محمد‪ ،‬وإنما قدمه لفضله وشرفه‬
‫)ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم( خص هؤلء لنهم‬
‫أصحاب الشرائع )وأخذنا منهم ميثاقا " غليظا "( أي عهدا " شديدا "‬
‫على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة‪ ،‬وتبليغ الشرائع‪ ،‬وقيل‪ :‬على أن‬
‫يعلنوا أن محمدا " رسول ال‪ ،‬ويعلن محمد أن لنبي بعده )ليسأل‬
‫الصادقين عن صدقهم( قيل‪ :‬معناه‪ :‬إنما فعل ذلك ليسأل النبياء والمرسلين‬
‫ما الذي جاءت به اممكم )‪ (1‬وقيل‪ :‬ليسأل الصادقين في توحيد ال وعدله‬
‫والشرائع )عن صدقهم( أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬هل‬
‫ظلم ال أحدا " ؟ هل جازى كل إنسان بفعله ؟ هل عذب بغير ذنب ؟ ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعم عدل في حكمه‪ ،‬وجازى كل بفعله‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه‪ :‬ليسأل‬
‫الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ليسأل الصادقين ماذا‬
‫قصدتم بصدقكم ؟ وجه ال أو غيره ؟ )‪ (2‬أقول‪ :‬سيأتي تفسير سائر‬
‫اليات‪ ،‬وسنورد الخبار المتضمنة لتأويلها في هذا الباب وغيره‪- 1 .‬‬
‫فس‪ :‬محمد بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الفرات‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪) :‬الذي يراك حين تقوم( في النبوة )وتقلبك في الساجدين( قال‪ :‬في‬
‫أصلب النبيين‪ - 2 (3) .‬كنز‪ :‬محمد بن العباس‪ ،‬عن الحسين بن هارون‪،‬‬
‫عن علي بن مهزيار‪ ،‬عن أخيه عن ابن أسباط‪ ،‬عن عبد الرحمن بن حماد‪،‬‬
‫عن أبي الجارود قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه السلم عن قوله عزوجل‪:‬‬
‫)وتقلبك في الساجدين( قال‪ :‬يرى تقلبه في أصلب النبيين من نبي إلى نبي‬
‫حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه السلم‪) .‬‬
‫‪ - 3 (4‬ير‪ :‬بعض أصحابنا‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن علي بن أسباط‪،‬‬
‫عن علي بن معمر عن أبيه قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول‬
‫ال تبارك وتعالى‪) :‬هذا نذير من النذر الولى(‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ما الذى أجاب به اممكم ؟ وهو الصواب‪ (2) .‬مجمع البيان ‪:8‬‬
‫‪ (3) .339‬تفسير القمى‪ (4) .474 :‬مخطوط‬

‫]‪[4‬‬

‫قال‪ :‬يعني به محمدا " صلى ال عليه وآله حيث دعاهم إلى القرار بال في الذر‬
‫الول‪ - 4 (1) .‬ل‪ ،‬مع‪ :‬الحاكم أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي‪،‬‬
‫عن محمد بن إبراهيم الجرجاني عن عبد الصمد بن يحيى الواسطي‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن علي المدني‪ ،‬عن عبد ال بن المبارك‪ ،‬عن سفيان الثوري‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫طالب عليهم السلم أنه قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى ال‬
‫عليه وآله قبل أن خلق )‪ (2‬السماوات والرض والعرش والكرسي واللوح‬
‫والقلم والجنة والنار وقبل أن خلق )‪ (3‬آدم ونوحا " وإبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان عليهم السلم وكل من‬
‫قال ال عزوجل في قوله‪) :‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب( إلى قوله‪:‬‬
‫)وهديناهم إلى صراط مستقيم( وقبل أن خلق النبياء كلهم بأربع مائة ألف‬
‫سنة وأربع وعشرين ألف سنة‪ ،‬وخلق عزوجل معه اثني عشر حجابا "‪:‬‬
‫حجاب القدرة‪ ،‬وحجاب العظمة‪ ،‬وحجاب المنة‪ (4) ،‬وحجاب الرحمة‪،‬‬
‫وحجاب السعادة‪ ،‬وحجاب الكرامة‪ ،‬وحجاب المنزلة‪ ،‬و حجاب الهداية‪،‬‬
‫وحجاب النبوة‪ ،‬وحجاب الرفعة‪ ،‬وحجاب الهيبة‪ ،‬وحجاب الشفاعة‪ .‬ثم‬
‫حبس نور محمد صلى ال عليه وآله في حجاب القدرة اثني عشر ألف‬
‫سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان ربي العلى( وفي حجاب العظمة إحدى عشر‬
‫ألف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان عالم السر( وفي حجاب المنة عشرة آلف‬
‫سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان من هو قائم ل يلهو( وفي حجاب الرحمة تسعة‬
‫آلف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان الرفيع العلى( وفي حجاب السعادة ثمانية‬
‫آلف سنة وهو يقول‪) :‬سبحان من هو دائم ل يسهو( وفي حجاب الكرامة‬
‫سبعة آلف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان من هو غني ل يفتقر( وفي حجاب‬
‫المنزله ستة آلف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان العليم الكريم )‪ ((5‬وفي‬
‫حجاب الهداية خمسة آلف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان ذي العرش العظيم )‬
‫‪ ((6‬وفي حجاب النبوة أربعة آلف سنة وهو يقول‪) :‬سبحان رب‬

‫)‪ (1‬بصائر الدرجات‪ 2) .24 :‬و ‪ (3‬في نسخة‪ :‬قبل أن يخلق‪ (4) .‬وفي النوار على‬
‫ما يأتي )وحجاب العزة( ولعله أحسن‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬سبحان ربى‬
‫العلى الكريم‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬سبحان رب العرش العظيم‪.‬‬

‫]‪[5‬‬

‫العزة عما يصفون( وفي حجاب الرفعة ثلثة آلف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان ذي‬
‫الملك والملكوت( وفي حجاب الهيبة ألفي سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان ال‬
‫وبحمده( وفي حجاب الشفاعة ألف سنة‪ ،‬وهو يقول‪) :‬سبحان ربي العظيم‬
‫وبحمده( ثم أظهر اسمه على اللوح فكان على اللوح منورا " أربعة آلف‬
‫سنة‪ ،‬ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا " سبعة آلف‬
‫سنة‪ ،‬إلى أن وضعه ال عزوجل في صلب آدم عليه السلم‪ (1) ،‬ثم نقله‬
‫من صلب آدم عليه السلم إلى صلب نوح عليه السلم‪ ،‬ثم من صلب إلى‬
‫صلب )‪ (2‬حتى أخرجه ال عز وجل من صلب عبد ال بن عبد المطلب‪،‬‬
‫فأكرمه بست كرامات‪ :‬ألبسه قميص الرضا‪ ،‬ورداه برداء الهيبة‪ ،‬وتوجه‬
‫بتاج الهداية‪ (3) ،‬وألبسه سراويل المعرفة‪ ،‬وجعل تكته تكة المحبة‪ ،‬يشد‬
‫بها سراويله‪ ،‬وجعل نعله نعل الخوف‪ ،‬وناوله عصا المنزلة‪ .‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫محمد اذهب إلى الناس فقل لهم‪ :‬قولوا‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪.‬‬
‫وكان أصل ذلك القميص من ستة أشياء‪ :‬قامته من الياقوت‪ ،‬وكماه من‬
‫اللؤلؤ‪ ،‬ودخريصه من البلور الصفر‪ ،‬وإبطاه من الزبرجد‪ ،‬وجربانه من‬
‫المرجان الحمر‪ ،‬وجيبه من نور الرب جل جلله‪ ،‬فقبل ال عزوجل توبة‬
‫آدم عليه السلم بذلك القميص‪ ،‬ورد خاتم سليمان عليه السلم به ورد‬
‫يوسف عليه السلم إلى يعقوب عليه السلم به‪ ،‬ونجى يونس عليه السلم‬
‫من بطن الحوت به‪ ،‬وكذلك سائر النبياء عليهم السلم أنجاهم من المحن‬
‫به‪ ،‬ولم يكن ذلك القميص إل قميص محمد صلى ال عليه وآله‪(4) .‬‬

‫)‪ (1‬في هامش المخطوط حاشية بخط المصنف وهى‪ :‬لما كانوا عليهم السلم هم‬
‫المقصودون من خلق آدم عليه السلم وسائر ذريته فكان خلق آدم عليه‬
‫السلم من الطينة الطيبة ليكون قابل لخروج تلك الشخاص المقدسة‬
‫منه‪ ،‬وربى تلك الطينة في الباء والمهات حتى كملت قابليتها في عبد‬
‫ال وأبى طالب‪ ،‬فخلق المقدسين منهما‪ ،‬فيحتمل أن يكون حفظ النور‬
‫وانتقاله من الصلب كناية عن انتقال تلك القابلية‪ ،‬واستكمال هذا‬
‫الستعداد‪ ،‬وما ورد أن كمالهم وفضلهم كان سبب الشتمال على أنوارهم‬
‫يستقيم على هذا‪ ،‬وكذا ماضارعها من الخبار وال يعلم تلك السرار‪،‬‬
‫وحججه الخيار عليهم السلم‪ .‬منه عفى عنه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ثم جعل‬
‫يخرجه من صلب إلى صلب حتى أخرجه من صلب‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫رداه رداء الهيبة‪ ،‬وتوجه تاج الهداية‪ (4) .‬الخصال ‪ ،82 :1‬معاني‬
‫الخبار‪ 88 :‬و ‪.89‬‬

‫]‪[6‬‬

‫بيان‪ :‬قوله‪) :‬ثم حبس نور محمد صلى ال عليه وآله( ليس الغرض ذكر جميع‬
‫أحواله صلى ال عليه وآله في الذر لعدم موافقة العدد بل قد جرى على‬
‫نوره أحوال قبل تلك الحوال أو بعدها أو بينها لم تذكر في الخبر‪(1) .‬‬
‫والدخريص بالكسر‪ :‬لبنة القميص‪ .‬وجربان القميص ‪ -‬بضم الجيم والراء‬
‫وتشديد الباء ‪ -‬معرب كريبان‪ - 5 .‬فر‪ :‬عن جعفر بن محمد الفزاري‬
‫بإسناده )‪ (2‬عن قبيصة بن يزيد الجعفي )‪ (3‬قال‪ :‬دخلت على الصادق‬
‫عليه السلم وعنده ابن ظبيان والقاسم الصيرفي‪ (4) ،‬فسلمت وجلست‬
‫وقلت‪ :‬يا ابن رسول ال )‪ (5‬أين كنتم قبل أن يخلق ال سماء مبنية‪،‬‬
‫وأرضا مدحية أو ظلمة أو نورا " )‪ (6‬قال‪ :‬كنا أشباح نور حول العرش‪،‬‬
‫نسبح ال قبل أن يخلق آدم عليه السلم بخمسة عشر ألف عام‪ ،‬فلما خلق‬
‫ال آدم عليه السلم فرغنا في صلبه‪ ،‬فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى‬
‫رحم مطهر حتى بعث ال محمدا " صلى ال عليه وآله الخبر‪ - 6 (7) .‬فر‪:‬‬
‫جعفر بن محمد بن بشرويه القطان‪ ،‬بإسناده عن الوزاعي‪ (8) ،‬عن‬

‫)‪ (1‬وقد ذكر بعضها في خبر النوار كما يأتي‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬باسناده معنعنا‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬فيضة بن يزيد الجعفي‪ .‬وعلى أي فلم نجد ترجمته‪(4) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬وعنده البوس بن ابى الدوس‪ ،‬وابن ظبيان والقاسم بن‬
‫الصيرفى‪ .‬قلت‪ :‬أما البوس فلم نجد ترجمته‪ ،‬وابن ظبيان هو يونس بن‬
‫ظبيان المعروف‪ ،‬والقاسم هو ابن عبد الرحمن الصيرفى‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬يا ابن رسول ال أتيتك مستفيدا "‪ ،‬قال‪ :‬سل واوجز‪ ،‬قلت‪ :‬أين‬
‫كنتم إ‍ه‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬أو ظلمة ونورا "‪ ،‬قال‪ :‬يا فيضة لم سألتنا عن‬
‫هذا الحديث في مثل هذا الوقت ؟ أما علمت أن حبنا قد اكتتم‪ ،‬وبغضنا قد‬
‫نشأ‪ ،‬وان لنا أعداء من الجن يخرجون حديثنا ألى أعدائنا من النس وان‬
‫الحيطان لها آذان كآذان الناس‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬قد سألت عن ذلك‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫فيضة كنا أشباح نور إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬قوله‪) :‬قد نشأ( لعله مصحف )قد نشر( أو‬
‫)قد فشا( أو المعنى أن بغضنا في حدوث وتجدد دائما‪ ،‬لن أعداءنا لم يزل‬
‫يربون الناس ويسوقونهم على ذلك‪ .‬قوله‪) :‬إن لنا ا‍ه( لعله تعريض‬
‫ببعض حاضرى المجلس وأنه من أعدائنا‪ ،‬أو اشارة إلى لزوم التحفظ‬
‫وشدة التستر عن كشف أسرارهم‪ (7) .‬تفسير فرات‪ (8) .207 :‬في‬
‫المصدر‪ :‬معنعنا عن الوزاعي‪.‬‬

‫]‪[7‬‬

‫صعصعة بن صوحان والحنف بن قيس‪ ،‬عن ابن عباس )‪ (1‬قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬خلقني ال نورا تحت العرش قبل أن يخلق آدم عليه‬
‫السلم باثني عشر ألف سنة‪ ،‬فلما أن خلق ال آدم عليه السلم ألقى النور‬
‫في صلب آدم عليه السلم فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى‬
‫افترقنا في صلب عبد ال بن عبد المطلب وأبي طالب‪ ،‬فخلقني ربي من ذلك‬
‫النور لكنه ل نبي بعدي‪ - 7 (2) .‬ع‪ :‬إبراهيم بن هارون‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أحمد بن أبي الثلح‪ (3) ،‬عن عيسى بن مهران‪ (4) ،‬عن منذر الشراك‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن علية‪ ،‬عن أسلم بن ميسرة العجلي‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن‬
‫معاذ بن جبل أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن ال خلقني وعليا و‬
‫فاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلف عام‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فأين كنتم يا رسول ال ؟ قال‪ :‬قدام العرش‪ ،‬نسبح ال ونحمده ونقدسه‬
‫ونمجد‪ ،‬قلت‪ :‬على أي مثال ؟ قال‪ :‬أشباح نور‪ ،‬حتى إذا أراد ال عز وجل‬
‫أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور‪ ،‬ثم قذفنا في صلب آدم‪ ،‬ثم أخرجنا إلى‬
‫اصلب الباء وأرحام المهات‪ ،‬ول يصيبنا نجس الشرك‪ ،‬ول سفاح الكفر‪،‬‬
‫يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون‪ ،‬فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج‬
‫ذلك النور فشقه نصفين‪ ،‬فجعل نصفه في عبد ال‪ ،‬ونصفه في أبي طالب‪،‬‬
‫ثم أخرج الذي )‪ (5‬لي إلى آمنة‪ ،‬والنصف إلى فاطمة بنت أسد‪ ،‬فأخرجتني‬
‫آمنة‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬للحديث صدر يأتي في فضائل على عليه السلم‪ (2) .‬تفسير فرات‪(3) .190 :‬‬
‫هكذا في النسختين المطبوعتين‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬محمد بن احمد بن ابى‬
‫البلخ‪ .‬وفي نسخة المصنف‪ :‬محمد بن احمد بن أبى البلح ‪ -‬بالباء ‪ -‬وكلها‬
‫وهم‪ ،‬والرجل هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد ال بن إسماعيل‬
‫الكاتب أبو بكر المعروف بابن أبى الثلج‪ ،‬وأبو الثلج هو عبد ال بن‬
‫اسماعيل‪ ،‬والرجل مذكور في تراجم الخاصة كلها‪ ،‬وقد ذكره ابن حجر في‬
‫التقريب والتهذيب في جده محمد بن عبد ال‪ ،‬وفي جميع التراجم )الثلج(‬
‫بالثاء مضافا الى تصريح العلمة بالضبط في اليضاح‪ (4) .‬في نسخة من‬
‫المصدر‪ :‬موسى بن مهران‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ثم أخرج النصف الذى لى‪.‬‬

‫]‪[8‬‬

‫أخرجت فاطمة عليا‪ ،‬ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة‪ ،‬ثم أعاد عز‬
‫وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين ‪ -‬يعني من النصفين‬
‫جميعا ‪ -‬فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن‪ ،‬وما كان من نوري‬
‫صار في ولد الحسين‪ ،‬فهو ينتقل في الئمة من ولده إلى يوم القيامة‪(1) .‬‬
‫‪ - 8‬فر‪ :‬جعفر بن محمد الحمسي بإسناده )‪ (2‬عن أبي ذر الغفاري‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن‬
‫قال‪ - :‬قلت‪ :‬يا ملئكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا ؟ فقالوا‪ :‬يا نبي ال‬
‫وكيف ل نعرفكم وأنتم أول ما خلق ال ؟ )‪ (3‬خلقكم أشباح نور من نوره‬
‫في نور )‪ (4‬من سناء عزه‪ ،‬ومن سناء ملكه‪ ،‬ومن نور وجهه الكريم‪،‬‬
‫وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه‪ ،‬وعرشه على الماء قبل أن تكون‬
‫السماء مبنية‪ ،‬والرض مدحية‪ (5) ،‬ثم خلق السماوات والرض في ستة‬
‫أيام‪ ،‬ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه وأنتم أمام‬
‫عرشه تسبحون وتقدسون وتكبرون‪ ،‬ثم خلق الملئكة من بدء ما أراد من‬
‫أنوار شتى‪ ،‬وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون‬
‫وتمجدون و تقدسون‪ ،‬فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم‬
‫وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم‪ (6) ،‬فما انزل من ال‬
‫فإليكم وما صعد إلى ال فمن عندكم‪ ،‬فلم ل نعرفكم ؟ اقرأ عليا منا السلم ‪-‬‬
‫وساقه إلى أن قال ‪ :-‬ثم عرج بي إلى‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ 80 :‬قلت‪ :‬قال المصنف‪ :‬أكثر هذه الخبار تدل على تقدم خلق‬
‫الرواح على الجساد‪ ،‬وبعضها على عالم المثال‪ ،‬وال يعلم حقيقة الحال‬
‫انتهى‪ .‬وقد أورد ما يناسب المقام من كلم الشيخ المفيد والسيد المرتضى‬
‫رضى ال عنهما في باب الطينة والميثاق من كتاب العدل راجع ج ‪:5‬‬
‫‪ (2) .276 - 260‬في المصدر‪ :‬معنعنا عن أبى ذر‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫وأنتم أول خلق ال‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬من نور في نور‪ (5) .‬في المصدر‬
‫بعد قوله‪ :‬مدحية زيادة هي‪ :‬وهو في الموضع الذى ينوى فيه‪ .‬وفيه‪:‬‬
‫خلق السماوات والرضين‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬وانتم تقدسون وتهللون‬
‫وتكبرون وتسبحون وتمجدون فنسبح ونقدس و نمجد ونهلل بتسبيحكم‬
‫وتقديسكم وتهليلكم‪.‬‬

‫]‪[9‬‬

‫السماء السابعة‪ ،‬فسمعت الملئكة يقولون لما أن رأوني‪ :‬الحمد ل الذي صدقنا‬
‫وعده‪ ،‬ثم تلقوني وسلموا علي‪ ،‬وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫ملئكة ربي سمعتكم تقولون‪ :‬الحمد ل الذي صدقنا وعده‪ (1) ،‬فما الذي‬
‫صدقكم ؟ قالوا‪ :‬يا نبي ال إن ال تبارك وتعالى لما أن خلقكم أشباح نور‬
‫من سناء نوره ومن سناء عزه‪ ،‬وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه‬
‫عرض وليتكم علينا‪ (2) ،‬ورسخت في قلوبنا‪ ،‬فشكونا محبتك إلى ال‪،‬‬
‫فوعد ربنا )‪ (3‬أن يريناك في السماء معنا‪ ،‬وقد صدقنا وعده‪ .‬الخبر‪9 (4) .‬‬
‫‪ -‬خص‪ :‬الحسين بن حمدان‪ ،‬عن الحسين المقري الكوفي‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫زياد الدهقان عن المخول بن إبراهيم‪ ،‬عن رشدة بن عبد ال‪ ،‬عن خالد‬
‫المخزومي‪ ،‬عن سلمان الفارسي رضي ال عنه في حديث طويل قال‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الثنا‬
‫عشر الذين اختارهم ال للمامة بعدي ؟ فقلت‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫سلمان خلقني ال من صفوة نوره ودعاني فأطعت‪ ،‬وخلق من نوري عليا‬
‫فدعاه فأطاعه‪ ،‬وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته‪ ،‬وخلق‬
‫مني ومن علي وفاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه‪ ،‬فسمانا‬
‫بالخمسة السماء من أسمائه‪ :‬ال المحمود وأنا محمد‪ ،‬وال العلي وهذا‬
‫علي‪ ،‬وال الفاطر وهذه فاطمة‪ ،‬وال ذو الحسان وهذا الحسن‪ ،‬وال‬
‫المحسن وهذا الحسين‪ ،‬ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم‬
‫فأطاعوه قبل أن يخلق ال سماء مبنية‪ ،‬وأرضا مدحية‪ ،‬أو هواء أو ماء أو‬
‫ملكا أو بشرا‪ ،‬وكنا بعلمه نورا نسبحه ونسمع ونطيع‪ .‬الخبر‪ - 10 .‬كنز‪:‬‬
‫من كتاب الواحدة عن أبي محمد الحسن بن عبد ال الكوفي‪ ،‬عن جعفر ابن‬
‫محمد البجلي‪ ،‬عن أحمد بن حميد‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فقلت‪ :‬ملئكة ربى سمعت وأنتم تقولون‪ :‬الحمد ل الذى صدقنا‬
‫وعده و اورثنا الرض نتبوء من الجنة حيث نشاء‪ (2) .‬في المصدر بعد‬
‫قوله‪ :‬سلطانه‪ :‬واشهدكم على عباده عرض وليتكم علينا‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فوعدنا ربنا‪ (4) .‬تفسير فرات‪ .136 - 134 :‬والحديث طويل‪.‬‬

‫] ‪[ 10‬‬
‫عليه السلم‪ :‬إن ال تبارك وتعممالى أحممد واحممد تفممرد فممي وحممدانيته‪ ،‬ثممم تكلممم بكلمممة‬
‫فصارت نورا "‪ ،‬ثم خلممق مممن ذلممك النممور محمممدا " صمملى الم عليممه وآلممه‬
‫وخلقني وذريتي‪ ،‬ثممم تكلممم بكلمممة فصمارت روحمما "‪ ،‬فأسممكنه الم فممي ذلمك‬
‫النور‪ ،‬وأسكنه في أبداننا‪ ،‬فنحن روح ال وكلماته‪ ،‬وبنا احتجب عن خلقمه‪،‬‬
‫فمازلنا في ظلة خضراء حيث ل شمس ول قمممر ولليممل ول نهممار ول عيممن‬
‫تطرف‪ ،‬نعبده ونقدسه ونسبحه قبل أن يخلق الخلق‪ .‬الخبر‪ - 11 (1) .‬كنز‪:‬‬
‫عن محمد بن الحسن الطوسممي رحمممه الم فممي كتممابه مصممباح النمموار )‪(2‬‬
‫بإسناده عن أنس عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن ال خلقنممي وخلممق‬
‫عليمما وفاطمممة والحسممن و الحسممين قبممل أن يخلممق آدم عليممه السمملم حيممن‬
‫لسماء مبنية‪ ،‬ول أرض مدحية‪ ،‬ول ظلمة ول نور ول شمس ول قمممر ول‬
‫جنة ول نار‪ ،‬فقال العباس‪ :‬فكيف كان بدء خلقكم يا رسممول الم ؟ فقممال‪ :‬يمما‬
‫عم لما أراد ال أن يخلقنا تكلممم بكلمممة خلممق منهمما نممورا "‪ ،‬ثممم تكلممم بكلمممة‬
‫أخرى فخلق منها روحا "‪ ،‬ثم مزج النور بمالروح‪ ،‬فخلقنمي وخلمق عليما "‬
‫وفاطمة والحسن والحسين‪ ،‬فكنا نسممبحه حيممن ل تسممبيح‪ ،‬ونقدسممه حيممن ل‬
‫تقديس‪ ،‬فلما أراد ال تعالى أن ينشئ خلقه فتق نمموري فخلممق منممه العممرش‬
‫فالعرش من نوري‪ ،‬ونوري من نور المم‪ ،‬ونمموري أفضممل مممن العممرش‪ ،‬ثممم‬
‫فتق نور أخي علي فخلق منه الملئكة‪ ،‬فالملئكة من نور علي‪ ،‬ونور علي‬
‫من نور الم‪ ،‬وعلممي أفضممل مممن الملئكممة‪ ،‬ثممم فتممق نممور ابنممتي فخلممق منممه‬
‫السماوات والرض فالسماوات والرض من نور ابنتي فاطمة‪ ،‬ونور ابنتي‬
‫فاطمة من نور ال‪ ،‬وابنتي فاطمة أفضل من السممماوات والرض‪ ،‬ثممم فتممق‬
‫نور ولدي الحسن فخلق منه الشمممس والقمممر‪ ،‬فالشمممس والقمممر مممن نممور‬
‫ولدي الحسن‪ ،‬ونور الحسن من نور ال‪ ،‬والحسن أفضل من الشمس‬

‫)‪ (1‬كنز جامع الفوائد مخطوط‪ (2) .‬قال المصنف في الهامش‪ :‬وجدته في المصباح‬
‫لكنه ليس من الشيخ كما مر في الفهرست انتهى‪ .‬قلت‪ :‬ذكر في الفصل‬
‫الول من مقدمة الكتاب أنه للشيخ هاشم بن محمد‪ ،‬وقد ينسب إلى شيخ‬
‫الطائفة وهو خطأ‪ ،‬وكثيرا ما يروى عن الشيخ شاذان بن جبرئيل القمى‬
‫وهو متأخر عن الشيخ بمراتب‪ .‬راجع ج ‪ 21 :1‬قلت‪ :‬كان الشيخ شاذان‬
‫في القرن السادس‪ ،‬لنه ألف كتابه ازاحة العلة في سنة ‪.558‬‬

‫] ‪[ 11‬‬

‫والقمر‪ ،‬ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين‪ ،‬فالجنة والحور‬
‫العين من نور ولدي الحسين‪ ،‬ونور ولدي الحسين من نور ال‪ ،‬وولدي‬
‫الحسين أفضل من الجنة والحور العين‪ .‬الخبر‪ - 12 (1) .‬مع‪ :‬القطان‪ ،‬عن‬
‫الطالقاني‪ (2) ،‬عن الحسن بن عرفة‪ ،‬عن وكيع‪ ،‬عن محمد بن إسرائيل‪،‬‬
‫عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي ذر رحمة ال عليه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وهو يقول‪ :‬خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد‪،‬‬
‫نسبح ال يمنة العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام‪ ،‬فلما أن خلق ال آدم‬
‫عليه السلم جعل ذلك النور في صلبه‪ ،‬ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه‪،‬‬
‫ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه‪ ،‬ولقد ركب نوح عليه السلم السفينة‬
‫ونحن في صلبه‪ ،‬ولقد قذف إبراهيم عليه السلم في النار ونحن في صلبه‪،‬‬
‫فلم يزل ينقلنا ال عزوجل من أصلب طاهرة )‪ (3‬إلى أرحام طاهرة حتى‬
‫انتهى بنا إلى عبد المطلب‪ ،‬فقسمنا بنصفين‪ ،‬فجعلني في صلب عبد ال‪،‬‬
‫وجعل عليا في صلب أبي طالب‪ ،‬وجعل في النبوة والبركة‪ ،‬وجعل في علي‬
‫الفصاحة والفروسية‪ ،‬وشق لنا اسمين من أسمائه‪ ،‬فذو العرش محمود‬
‫وأنا محمد‪ ،‬وال العلى وهذا علي‪ - 13 (4) .‬مع‪ :‬المكتب‪ ،‬عن الوراق‪،‬‬
‫عن بشر بن سعيد‪ ،‬عن عبد الجبار بن كثير‪ ،‬عن محمد بن حرب الهللي‬
‫أمير المدينة‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن محمدا " وعليا " صلوات‬
‫ال عليهما كانا نورا " بين يدي ال جل جلله قبل خلق الخلق بألفي عام‪،‬‬
‫وإن الملئكة لما رأت ذلك النور رأت له أصل " وقد انشعب )‪ (5‬منه‬
‫شعاع لمع‪ ،‬فقالت‪ :‬إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟‬

‫)‪ (1‬كنز جامع الفوائد مخطوط‪ (2) .‬هكذا في النسخ‪ .‬وفيه وهم لن الموجود في‬
‫المعاني‪ :‬ابو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد ابن عبيد النيسابوري‬
‫المروانى قال‪ :‬حدثنا محمد بن اسحاق بن ابراهيم بن مهران السراج‪ ،‬و‬
‫القطان كما عرفت في الفصل الرابع من مقدمة الكتاب أحمد بن الحسن‪،‬‬
‫والطالقاني هو محمد بن ابراهيم بن اسحاق وكلهما من مشائخ‬
‫الصدوق‪ ،‬ل يروى أحدهما عن الخر‪ (3) .‬في نسخة من المصدر‪:‬‬
‫أصلب طيبة‪ (4) .‬معاني الخبار‪ (5) .21 :‬في المصدر‪ :‬قد انشعب‪.‬‬

‫] ‪[ 12‬‬

‫فأوحى ال عزوجل إليهم‪ :‬هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة‪ ،‬فأما النبوة‬
‫)‪ (1‬فلمحمد عبدي ورسولي‪ ،‬وأما المامة فلعلي حجتي ووليي‪ ،‬ولولهما‬
‫ما خلقت خلقي الخبر‪ - 14 (2) .‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن علي بن الحسن البصري‪،‬‬
‫عن أحمد بن إبراهيم القمي‪ (3) ،‬عن محمد بن علي الحمر‪ ،‬عن نصر بن‬
‫علي‪ (4) ،‬عن حميد‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يقول‪ :‬كنت أنا وعلي عن يمين العرش‪ ،‬نسبح ال قبل أن يخلق آدم بألفي‬
‫عام‪ ،‬فلما خلق آدم جعلنا في صلبه‪ ،‬ثم نقلنا من صلب إلى صلب في‬
‫أصلب الطاهرين وأرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبد المطلب‪،‬‬
‫فقسمنا قسمين‪ :‬فجعل في عبد ال نصفا "‪ ،‬وفي أبي طالب نصفا "‪،‬‬
‫وجعل النبوة والرسالة في‪ ،‬وجعل الوصية والقضية في علي‪ ،‬ثم اختار لنا‬
‫اسمين اشتقهما من أسمائه‪ :‬فال المحمود وأنا محمد‪ ،‬وال العلي وهذا‬
‫علي‪ ،‬فأنا للنبوة والرسالة‪ ،‬وعلي للوصية والقضية‪ - 15 (5) .‬ما‪ :‬الفحام‪،‬‬
‫عن محمد بن أحمد الهاشمي‪ ،‬عن عيسى بن أحمد بن عيسى‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن العسكري‪ (6) ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أما النبوة‪ (2) .‬معاني الخبار‪ (3) .100 :‬في المصدر‪ :‬حدثنا أبو‬
‫بشر محمد بن ابراهيم القمى‪ .‬والظاهر أنه سهو من النساخ‪ ،‬لن أبا بشر‬
‫اسمه أحمد‪ ،‬وأما توصيفه بالقمى فهو وهم‪ ،‬والصحيح العمى بالعين‪،‬‬
‫والرجل هو أحمد بن ابراهيم بن أحمد بن المعلى بن أسد العمى البصري‬
‫أبو بشر‪ ،‬والعمى نسبة إلى العم لقب مرة بن مالك بن حنظلة ابي قبيلة‪.‬‬
‫راجع ترجمته فهارس النجاشي والشيخ وابن النديم وخلصة العلمة‬
‫وغيره‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬نصر بن على‪ ،‬عن عبد الوهاب بن محمد‪ ،‬عن‬
‫حميد‪ (5) .‬امالي ابن الشيخ‪ (6) .115 :‬في المصدر‪ :‬أبو موسى عيسى‬
‫بن أحمد بن عيسى المنصوري قال‪ :‬حدثنى المام على بن محمد قال‪:‬‬
‫حدثنى أبى محمد بن على إ‍ه‪ .‬ثم ذكر الئمة إلى على عليهم السلم‪.‬‬

‫] ‪[ 13‬‬

‫يا علي خلقني ال تعالى وأنت من نور ال حين خلق آدم‪ ،‬فأفرغ ذلك النور في‬
‫صلبه‪ ،‬فأفضى به إلى عبد المطلب‪ ،‬ثم افترق من عبد المطلب أنا في عبد‬
‫ال‪ ،‬وأنت في أبي طالب‪ ،‬ل تصلح النبوة إل لي‪ ،‬ول تصلح الوصية إل لك‪،‬‬
‫فمن جحد وصيتك جحد نبوتي‪ ،‬ومن جحد نبوتي كبه ال )‪ (1‬على منخريه‬
‫في النار‪ - 16 (2) .‬ما‪ :‬بإسناده عن أنس بن مالك )‪ (3‬قال‪ :‬قلت للنبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬يا رسول ال علي أخوك ؟ قال‪ :‬نعم علي أخي‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫يا رسول ال صف لي كيف علي أخوك ؟ قال‪ :‬إن ال عز وجل خلق ماء "‬
‫تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلثة آلف عام‪ ،‬وأسكنه في لؤلؤة خضراء‬
‫في غامض علمه )‪ (4‬إلى أن خلق آدم‪ ،‬فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من‬
‫اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم‪ (5) ،‬إلى أن قبضه ال‪ ،‬ثم نقله إلى صلب‬
‫شيث‪ ،‬فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر )‪ (6‬حتى صار في عبد‬
‫المطلب‪ ،‬ثم شقه ال عزوجل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أكبه ال‪ (2) .‬أمالى ابن الشيخ‪ (3) .185 :‬الحديث مسند في‬
‫المصدر أخرجه المصنف مرسل للختصار‪ ،‬والسناد هكذا‪ :‬حدثنا الشيخ‬
‫السعيد الوالد رحمه ال قال‪ :‬حدثنا محمد بن على بن خشيش قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو الحسن على بن القاسم ابن يعقوب بن عيسى بن الحسن بن جعفر بن‬
‫ابراهيم القيسي الخزاز املء في منزله قال‪ :‬حدثنا أبو زيد محمد بن‬
‫الحسين بن مطاع المسلمى املء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو العباس أحمد بن حبر‬
‫القواس خال ابن كردى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سلمة الواسطي قال‪ :‬حدثنا‬
‫يزيد بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة قال‪ :‬حدثنا ثابت‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك‪ .‬ثم ذكر جمل يتعلق بالفضائل تركه المصنف واورده في موضعه‪.‬‬
‫قوله‪) :‬ابن خشيش( هكذا في مواضع‪ ،‬وفي مواضع اخر )ابن خنيس(‬
‫بالخاء فالنون ثم الياء فالسين وظاهر المصنف في المقدمة أنه ابن‬
‫حشيش بالحاء فعلى أي نسبه في المالى‪ 195 :‬هكذا‪ :‬محمد بن على بن‬
‫خشيش بن نصر بن جعفر بن ابراهيم التميمي‪ (4) .‬فيه اضطراب‬
‫وغموض ظاهر‪ ،‬ولعل المراد أن محل لؤلؤة خضراء كان مخفيا عن‬
‫الملئكة وان كان ظاهرا في غامض علمه‪ .‬والمراد من غامض علمه علم‬
‫لم يكن يظهره لغيره‪ (5) .‬اجراء الماء في صلب آدم ايضا يحتمل أن‬
‫يكون كناية عن الستعداد لخروج تلك النوار منه كما عرفت منه رحمه‬
‫ال‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬من طهر إلى طهر‪ .‬وفيه‪ :‬في صلب عبد المطلب‪.‬‬

‫] ‪[ 14‬‬

‫نصفين‪ :‬فصار نصفه في أبي عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬ونصفه في أبي طالب‪ ،‬فأنا‬
‫من نصف الماء وعلي من النصف الخر فعلي أخي في الدنيا والخرة‪ .‬ثم‬
‫قرأ رسول ال صلى ال عليه وآله‪) :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا "‬
‫فجعله نسبا " وصهرا " وكان ربك قديرا "(‪ (1) .‬اقول‪ :‬سيأتي الخبار‬
‫الكثيرة في بدء خلقه صلى ال عليه وآله في كتاب أحوال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم وكتاب المامة‪ - 17 .‬ع‪ :‬القطان‪ ،‬عن ابن زكريا‪ ،‬عن‬
‫البرمكي‪ ،‬عن عبد ال بن داهر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫المفضل قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا مفضل أما علمت أن ال‬
‫تبارك وتعالى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله وهو روح إلى النبياء‬
‫عليهم السلم وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫علمت أنه دعاهم إلى توحيد ال وطاعته و اتباع أمره ووعدهم الجنة على‬
‫ذلك‪ ،‬وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار ؟ فقلت‪ :‬بلى‪ .‬الخبر‪(2) .‬‬
‫‪ - 18‬مع‪ :‬بإسناده عن ابن مسعود )‪ (3‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلم‪ :‬لما خلق ال عز ذكره آدم ونفخ فيه‬
‫من روحه وأسجد له ملئكته وأسكنه جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه‬
‫نحو العرش فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات‪ ،‬قال آدم‪ :‬يا رب من هؤلء ؟‬
‫قال ال عز وجل له‪ :‬هؤلء الذين إذا تشفع بهم إلي خلقي شفعتهم فقال‬
‫آدم‪ :‬يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ قال‪ :‬أما الول فأنا المحمود وهو‬
‫محمد‪ ،‬و‬
‫)‪ (1‬امالي ابن الشيخ‪ 197 :‬و ‪ (2) .198‬علل الشرائع‪ 65 :‬والحديث طويل يأتي‬
‫في محله‪ (3) .‬الحديث في المصدر مسند ترك اسناده اختصارا والسناد‬
‫هذا‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا فرات‬
‫بن ابراهيم الكوفى‪ ،‬قال حدثنا الحسن بن على بن الحسين بن محمد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا ابراهيم بن الفضل بن جعفر بن على بن ابراهيم بن سليمان بن عبد‬
‫ال ابن العباس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن على الزعفراني البصري قال‪:‬‬
‫حدثنا سهل بن بشار )يسارخ ل( قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر محمد بن على‬
‫الطالقاني قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال مولى بنى هاشم‪ ،‬عن محمد ابن‬
‫اسحاق‪ ،‬عن الواقدي‪ ،‬عن الهذيل )الهذلى خ ل( عن مكحول‪ ،‬عن‬
‫طاوس‪ ،‬عن ابن مسعود‪.‬‬

‫] ‪[ 15‬‬

‫الثاني فأنا العالي العلى )‪ (1‬وهذا علي‪ ،‬والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة‪ ،‬والرابع‬
‫فأنا المحسن وهذا حسن‪ ،‬والخامس فأنا ذو الحسان وهذا حسين‪ ،‬كل‬
‫يحمد ال عز وجل‪ (2) .‬أقول‪ :‬سيأتي في ذلك أخبار كثيرة في كتاب‬
‫المامة‪ - 19 .‬ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن محمد بن على بن مهدي‬
‫وغيره‪ ،‬عن محمد بن علي بن عمرو‪ (3) ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جميل بن صالح‪،‬‬
‫عن أبي خالد الكابلي‪ ،‬عن ابن نباتة قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪:‬‬
‫أل إني عبد ال وأخو رسوله‪ ،‬وصديقه الول‪ ،‬قد صدقته وآدم بين الروح‬
‫والجسد‪ ،‬ثم إني صديقه الول في امتكم حقا "‪ ،‬فنحن الولون و نحن‬
‫الخرون‪ .‬الخبر‪ - 20 (4) .‬فس‪ :‬أبي‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن يحيى الحلبي عن‬
‫ابن سنان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أول من سبق من الرسل إلى‬
‫)بلى( رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى ال‬
‫تبارك وتعالى‪ .‬الخبر‪ - 21 (5) .‬ع‪ :‬الصائغ‪ (6) ،‬عن أحمد الهمداني‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن عبيدال‪ ،‬عن ابن محبوب عن صالح بن سهل‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إن بعض قريش قال لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬بأي‬
‫شئ سبقت النبياء وفضلت عليهم وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال‪ :‬إني‬
‫كنت أول من أقر بربي جل جلله‪ ،‬وأول من أجاب‪ ،‬حيث أخذ ال ميثاق‬
‫النبيين‪ ،‬وأشهدهم‬

‫)‪ (1‬المصدر خال عن قوله‪ :‬العلى‪ (2) .‬معاني الخبار‪ (3) .21 :‬في المصدر‪:‬‬
‫عمرو بن طريف الحجرى‪ (4) .‬المجالس والخبار‪ 42 :‬والحديث طويل‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير القمى‪ (6) .229 :‬الصائغ كما قال المصنف في الفصل الرابع‬
‫من مقدمة الكتاب هو عبد ال بن محمد‪ ،‬و الموجود في المصدر‪ :‬الحسن‬
‫بن على بن أحمد الصائغ‪ ،‬فالظاهر أنه وهم فيه‪.‬‬
‫] ‪[ 16‬‬

‫على أنفسهم‪ :‬ألست بربكم ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فكنت أول نبي قال )بلى( فسبقتهم إلى‬
‫القرار بال عزوجل‪ (1) .‬ير‪ :‬ابن محبوب عن صالح مثله‪ (2) .‬شى‪ :‬عن‬
‫صالح مثله‪ - 22 (3) .‬ع‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كثير‪ ،‬عن داود الرقي‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لما أراد ال عزوجل أن يخلق الخلق خلقهم‬
‫ونشرهم بين يديه‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬من ربكم ؟ فأول من نطق رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلم والئمة صلوات ال عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنت ربنا‪ ،‬فحملهم العلم والدين‪ ،‬ثم قال للملئكة‪ :‬هؤلء‬
‫حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي‪ ،‬وهم المسؤولون‪ ،‬ثم قال لبني آدم‪:‬‬
‫)‪ (4‬أقروا ل بالربوبية‪ ،‬ولهؤلء النفر بالطاعة والولية‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم ربنا‬
‫أقررنا‪ ،‬فقال ال جل جلله للملئكة‪ :‬اشهدوا‪ ،‬فقالت الملئكة‪ :‬شهدنا على‬
‫أن ل يقولوا غدا "‪ :‬إنا كنا عن هذا غافلين‪ ،‬أو يقولوا‪ :‬إنما أشرك آباؤنا‬
‫من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون‪ ،‬يا داود النبياء‬
‫مؤكدة عليهم في الميثاق‪ - 23 (5) .‬ير‪ :‬علي بن إسماعيل‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسماعيل‪ ،‬عن سعدان‪ ،‬عن صالح بن سهل‪ (6) ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وآله بأي شئ سبقت ولد آدم ؟‬
‫قال‪ :‬إني أول من أقر ببلى‪ ،‬إن ال أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على‬
‫أنفسهم‪ :‬ألست بربكم ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فكنت أول من أجاب‪(7) .‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ 52 :‬و ‪ (2) .53‬بصائر الدرجات‪ (3) .24 :‬تفسير العياشي‬
‫مخطوط‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ثم قيل لبنى آدم‪ (5) .‬علل الشرائع‪ 50 :‬وفيه‪:‬‬
‫والنبياء مؤكدة ا‍ه‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬سعدان بن مسلم‪ ،‬عن سهل بن‬
‫صالح قلت‪ :‬هو مقلوب‪ ،‬والرجل هو صالح بن سهل الهمداني الذى رماه‬
‫ابن الغضائري بالكذب ووضع الحديث‪ .‬وتقدم الحديث عنه عن العلل‪(7) .‬‬
‫بصائر الدرجات‪.23 :‬‬

‫] ‪[ 17‬‬

‫‪ - 24‬شى‪ :‬عن زرارة قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال‪) :‬وإذ أخذ‬
‫ربك من بني آدم من ظهورهم( إلى )قالوا بلى )‪ ((1‬قال‪ :‬كان محمد عليه‬
‫وآله السلم أول من قال بلى )‪ - 25 .(2‬فس‪ :‬قال الصادق عليه السلم في‬
‫قوله تعالى‪) :‬وإذ أخذ ربك من بني آدم( الية‪ ،‬كان الميثاق مأخوذا "‬
‫عليهم ل بالربوبية‪ ،‬ولرسوله بالنبوة‪ ،‬ولمير المؤمنين والئمة بالمامة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ألست بربكم‪ ،‬ومحمد نبيكم‪ ،‬وعلي إمامكم‪ ،‬والئمة الهادون أئمتكم ؟‬
‫فقالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فقال ال‪) :‬أن تقولوا يوم القيامة( أي لئل تقولوا يوم القيامة‬
‫)إنا كنا عن هذا غافلين( فأول ما أخذ ال عز وجل الميثاق على النبياء له‬
‫بالربوبية وهو قوله‪) :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم( فذكر جملة النبياء ثم‬
‫أبرز أفضلهم بالسامي‪ ،‬فقال‪) :‬ومنك( يا محمد‪ ،‬فقدم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله لنه أفضلهم )ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم(‬
‫فهؤلء الخمسة أفضل النبياء‪ ،‬ورسول ال أفضلهم‪ ،‬ثم أخذ بعد ذلك ميثاق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله على النبياء )‪ (3‬باليمان به‪ ،‬وعلى أن‬
‫ينصروا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪) :‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيين لما آتيتكم من‬
‫كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم( يعني رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله )لتؤمنن به ولتنصرنه( يعني أمير المؤمنين عليه السلم‪،‬‬
‫تخبروا اممكم بخبره وخبر وليه والئمة )‪ - 26 .(4‬ع‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد‬
‫العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن عمر )‪ ،(5‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد القماط‪ ،‬عن بكير قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬هل تدري ما‬
‫كان الحجر ؟ قال‪ :‬قلت ل‪ ،‬قال‪ :‬كان ملكا " عظيما " من عظماء الملئكة‬
‫عند ال عزوجل‪ ،‬فلما أخذ ال‬

‫)‪ (1‬هكذا في نسخة المصنف وغيره‪ ،‬والصحيح كما في البرهان‪ ،‬إلى قوله‪) :‬قالوا‬
‫بلى(‪ (2) .‬تفسير العياشي‪ :‬مخطوط‪ .‬وقد أخرجه وغيره البحراني في‬
‫البرهان ‪ (3) .50 :2‬على النبياء له ‪ -‬خ ل‪ (4) .‬تفسير القمى‪ 229 :‬و‬
‫‪ ،230‬في المصدر‪ :‬وخبر وليه من الئمة‪ ،‬قلت‪ :‬قوله‪) :‬أمير المؤمنين(‬
‫تأويل للية‪ ،‬وال فالظاهر يخالفه‪ ،‬وعلى أي فالحديث مرسل كما ترى‪) .‬‬
‫‪ (5‬في المصدر‪ :‬موسى بن عمر )عمران خ ل(‪.‬‬

‫] ‪[ 18‬‬

‫الميثاق من الملئكة له بالربوبية ولمحمد صلى ال عليه وآله بالنبوة ولعلي‬


‫بالوصية اصطكت فرائص الملئكة‪ ،‬وأول من أسرع إلى القرار ذلك الملك‪،‬‬
‫ولم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد منه‪ ،‬فلذلك اختاره ال عزوجل من‬
‫بينهم‪ ،‬وألقمه الميثاق‪ ،‬فهو يجئ يوم القيامة وله لسان ناطق‪ ،‬وعين‬
‫ناظره‪ ،‬وليشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان‪ ،‬وحفظ الميثاق )‪ .(1‬أقول‪:‬‬
‫سيأتي الخبر بتمامه مع سائر الخبار في ذلك في كتاب المامة وكتاب‬
‫الحج إن شاء ال تعالى‪ - 27 .‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن طلحة‬
‫بن زيد‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما قبض ال نبيا " حتى أمره أن يوصي‬
‫إلى عشيرته من عصبته )‪ ،(2‬وأمرني أن اوصي‪ ،‬فقلت‪ :‬إلى من يا رب ؟‬
‫فقال‪ :‬أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب‪ ،‬فإني قد أثبته في‬
‫الكتب السالفة‪ ،‬وكتبت فيها أنه وصيك‪ ،‬وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلئق )‬
‫‪ (3‬ومواثيق أنبيائي ورسلي‪ ،‬أخذت مواثيقهم لي بالربوبية‪ ،‬ولك يا محمد‬
‫بالنبوة‪ ،‬ولعلي بن أبي طالب بالولية )‪ .(4‬أقول‪ :‬سيأتي سائر الخبار في‬
‫ذلك في كتاب المامة‪ ،‬فإن ذكرها في الموضعين يوجب التكرار‪ - 28 .‬كا‪:‬‬
‫أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الحسين بن عبيدال‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬ومحمد‬
‫بن عبد ال )‪ ،(5‬عن علي بن حديد‪ ،‬عن مرازم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬يا محمد إني خلقتك وعليا نورا " ‪-‬‬
‫يعني روحا " ‪ -‬بل بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ (2) .148 :‬في المصدر‪ :‬حتى أمره ال أن يوصى إلى أفضل‬
‫عشيرته من عصبته‪ (3) .‬الخلئف خ ل‪ (4) .‬أمالى ابن الشيخ‪ 63 :‬و‬
‫‪ (5) .64‬في الكافي‪ :‬الحسين بن عبد ال‪ ،‬عن محمد بن عيسى ومحمد‬
‫بن عبد الرحمن‪ ،‬وفي مرآة العقول‪ :‬الحسين بن عبيدال )عبد ال خ ل(‬
‫عن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد ال )عبد الرحمن خ ل(‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 19‬‬

‫وبحري‪ ،‬فلم تزل تهللني وتمجدني‪ ،‬ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة‪ ،‬فكانت‬
‫تمجدني وتقدسني وتهللني‪ ،‬ثم قسمتها ثنتين‪ ،‬وقسمت الثنتين ثنتين‪،‬‬
‫فصارت أربعة‪ :‬محمد واحد‪ ،‬وعلي واحد‪ ،‬والحسن والحسين ثنتان‪ ،‬ثم‬
‫خلق ال فاطمة من نور ابتدأها )‪ (1‬روحا " بل بدن‪ ،‬ثم مسحنا بيمينه )‪(2‬‬
‫فأفضى نوره فينا )‪ - 29 .(3‬كا‪ :‬الحسين بن محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن إدريس‪ ،‬عن محمد بن سنان قال‪ :‬كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‬
‫السلم فأجريت اختلف الشيعة‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد إن ال تبارك وتعالى لم يزل‬
‫متفردا بوحدانيته‪ ،‬ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف دهر‪ ،‬ثم خلق‬
‫جميع الشياء فأشهدهم خلقها )‪ ،(4‬وأجرى طاعتهم عليها‪ ،‬وفوض‬
‫امورها إليهم‪ ،‬فهم يحلون ما يشاؤون‪ ،‬ويحرمون ما يشاؤون‪ ،‬ولن‬
‫يشاؤوا إل أن يشاء ال تبارك وتعالى )‪ ،(5‬ثم قال‪ :‬يا محمد هذه الديانة‬
‫التي من تقدمها مرق‪ ،‬ومن تخلف عنها محق‪ ،‬ومن لزمها لحق‪ ،‬خذها‬
‫إليك يا محمد )‪ - 30 .(6‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن رجاء بن يحيى‪،‬‬
‫عن داود بن القاسم‪ ،‬عن عبد ال بن الفضل‪ ،‬عن هارون بن عيسى بن‬
‫بهلول‪ ،‬عن بكار بن محمد بن شعبة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بكر بن عبد الملك )‪،(7‬‬
‫عن علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪:‬‬
‫)‪ (1‬هذا يخالف بعض الحاديث السابقة‪ (2) .‬مسح ال باليمين كناية عن جعلهم ذا‬
‫اليمن والبركة‪ (3) .‬الصول ‪ (4) .440 :1‬أي خلقها بحضرتهم واطلعهم‬
‫على أطوار الخلق وأسراره‪ .‬قوله‪) :‬وأجرى( أي أوجب‪ (5) .‬سيأتي في‬
‫المجلد المامة في فصل بيان التفويض ومعانيه شرح من المصنف حول‬
‫الحديث‪ ،‬وسيأتى هنا لك تحقيق حول التفويض‪ (6) .‬الصول ‪) .441 :1‬‬
‫‪ (7‬في إسناد الحديث اختصار‪ ،‬وتفصيله كما في المصدر هكذا‪ :‬أخبرنا‬
‫جماعة عن أبى المفضل‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين‬
‫العبرتائى الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم أبى المفضل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبيدال بن الفضل أبو عيسى النبهاني بالقسطاس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫هارون ابن عيسى بن بهلول المصرى الدهان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بكار بن محمد‬
‫بن شعبة اليماني‪ ،‬قال‪ :‬أبى محمد ابن شعبة الذهلى قاضى اليمامة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنى بكر بن الملك العتق البصري‪.‬‬

‫] ‪[ 20‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يا علي خلق ال الناس من أشجار شتى‪،‬‬
‫وخلقني وأنت من شجرة واحدة‪ ،‬أنا أصلها وأنت فرعها‪ ،‬فطوبى لعبد‬
‫تمسك بأصلها‪ ،‬وأكل من فرعها )‪ - 31 .(1‬ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪،‬‬
‫عن عبد ال بن إسحاق بن إبراهيم المدائني )‪ ،(2‬عن عثمان بن عبد ال‪،‬‬
‫عن عبد ال بن لهيعة‪ ،‬عن أبي الزبير‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال‪ :‬بينا‬
‫النبي صلى ال عليه وآله بعرفات‪ ،‬وعلي عليه السلم تجاهه ونحن معه‪،‬‬
‫إذ أومأ النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم فقال‪ :‬ادن مني يا‬
‫علي‪ ،‬فدنا منه‪ ،‬فقال‪ :‬ضع خمسك ‪ -‬يعني كفك ‪ -‬في كفي‪ ،‬فأخذ بكفه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها‪ ،‬وأنت فرعها‪ ،‬والحسن‬
‫والحسين أغصانها‪ ،‬فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله ال الجنة )‪.(3‬‬
‫‪ - 32‬ما‪ :‬الغضائري‪ ،‬عن علي بن محمد العلوي‪ ،‬عن الحسن بن علي بن‬
‫صالح )‪ ،(4‬عن الكليني‪ ،‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن إسحاق بن إسماعيل‬
‫النيسابوري‪ ،‬عن الصادق عليه السلم عن آبائه عليهم السلم‪ ،‬عن الحسن‬
‫بن علي عليه السلم قال‪ :‬سمعت جدي رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يقول‪ :‬خلقت من نور ال عزوجل‪ ،‬وخلق أهل بيتي من نوري‪ ،‬وخلق‬
‫محبيهم من نورهم‪ ،‬وسائر الخلق في النار )‪ - 33 .(6) ،(5‬ما‪:‬‬
‫الغضائري‪ ،‬عن علي بن محمد العلوي‪ ،‬عن عبد ال بن محمد‪ ،‬عن‬
‫الحسين‪ ،‬عن أبي عبد ال بن أسباط‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن زياد العطار‪،‬‬
‫عن محمد بن مروان الغزال‪ ،‬عن عبيد بن يحيى‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن‬
‫الحسن‪ ،‬عن جده الحسن بن علي عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬إن في الفردوس لعينا " أحلى من الشهد‪ ،‬وألين من الزبد‪،‬‬
‫وأبرد من‬
‫)‪ (1‬المجالس والخبار‪ (2) .34 :‬في المصدر‪ :‬عبد ال بن إسحاق بن إبراهيم بن‬
‫حماد الخطيب المدائني قال‪ :‬حدثنا عثمان بن عبد ال أبو عمرو العثمان‪.‬‬
‫)‪ (3‬المجالس والخبار‪ (4) .34 :‬في المصدر‪ :‬الحسين بن صالح بن‬
‫شعيب الجوهرى‪ (5) .‬في نسخة‪ :‬من النار‪ (6) .‬المجالس والخبار‪.57 :‬‬

‫] ‪[ 21‬‬

‫الثلج‪ ،‬وأطيب من المسك‪ ،‬فيها طينة خلقنا ال عزوجل منها‪ ،‬وخلق شيعتنا منها‪،‬‬
‫فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ول من شيعتنا‪ ،‬وهي الميثاق الذي‬
‫أخذ ال عز وجل على ولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫)‪ - 34 .(1‬كتاب فضائل الشيعة بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬كنا‬
‫جلوسا " مع رسول ال صلى ال عليه وآله إذ أقبل إليه رجل فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال أخبرني عن قول ال عزوجل لبليس‪) :‬أستكبرت أم كنت من‬
‫العالين( فمن هم يا رسول ال ؟ الذين هم أعلى من الملئكة ؟ فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين‪ ،‬كنا في‬
‫سرادق العرش نسبح ال وتسبح الملئكة بتسبيحنا قبل أن يخلق ال‬
‫عزوجل آدم بألفي عام )‪ ،(2‬فلما خلق ال عز وجل آدم أمر الملئكة أن‬
‫يسجدوا له‪ ،‬ولم يأمرنا بالسجود‪ ،‬فسجدت الملئكة كلهم إل إبليس فإنه أبى‬
‫أن يسجد‪ ،‬فقال ال تبارك وتعالى‪) :‬أستكبرت أم كنت‬

‫)‪ (1‬المجالس والخبار‪ ،57 :‬في المصدر‪ :‬أخذ ال عليه ولية‪ ،‬وفي ذيل الحديث‪:‬‬
‫قال عبيد‪ :‬فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬صدقك يحيى بن‬
‫عبد ال‪ ،‬هكذا أخبرني أبى‪ ،‬عن جدى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬قال عبيد‪ :‬قلت‪ :‬أشتهى أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬أخبرني أبى‪ ،‬عن جدى‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن‬
‫ل تعالى ملكا رأسه تحت العرش‪ ،‬وقدماه في تخوم الرض السابعة‬
‫السفلى‪ ،‬بين عينيه راحة أحدكم‪ ،‬فإذا أراد ال عز وجل أن يخلق خلقا‬
‫على ولية على بن أبى طالب عليه السلم أمر ذلك الملك فأخذ من تلك‬
‫الطينة فرمى بها في النطفة‪ ،‬حتى تصير إلى الرحم‪ ،‬منها يخلق وهى‬
‫الميثاق والسلم إنتهى قلت‪ :‬قوله‪ :‬لمحمد بن الحسين‪ ،‬قد سقط )على(‬
‫من البين في الطبع‪ ،‬والصحيح لمحمد بن على بن الحسين عليهم السلم‪،‬‬
‫وقد ذكر الحديث تارة اخرى في المالى‪ 194 :‬باسناده عن أبى منصور‬
‫السكرى‪ ،‬عن جده علي بن عمر‪ ،‬عن ابي العباس اسحاق بن مروان‬
‫القطان‪ ،‬عن ابيه عبيد بن مهران العطار‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن‬
‫الحسن عن أبيه وعن جعفر بن محمد عليه السلم‪ ،‬وفي ذيله‪ :‬قال عبيد‪:‬‬
‫فذكرت ذلك لمحمد بن علي بن الحسين بن على عليهم السلم هذا الحديث‬
‫إ‍ه‪ .‬قوله‪ :‬إن في الجنة ا‍ه( يخالف الحديث الول وغيره حيث أن الحديث‬
‫الول يدل على أن خلقهم كان قبل الجنة والنار‪ ،‬ولعله يحمل على الخلق‬
‫في بعض مراتب الوجود‪ ،‬فالول يدل على الخلق في عالم النوار‪،‬‬
‫والثانى على خلق طينتهم ومادتهم بعد ما خلق أنوارهم من قبل‪ (2) .‬هذا‬
‫ل ينافى ما تقدم في الحديث الول من أن نور محمد صلى ال عليه وآله‬
‫خلق قبل آدم وقبل العرش بآلف سنة‪ ،‬لن نوره انتقل إلى سرادق العرش‬
‫بعد خلق العرش‪ ،‬وليس في الحديث )إنا خلقنا( بل فيه‪) :‬كنا(‪.‬‬

‫] ‪[ 22‬‬

‫من العالين( أي من هؤلء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش )‪35 .(1‬‬
‫‪ -‬ير‪ :‬ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن بشر بن أبي عقبة )‪ ،(2‬عن أبي‬
‫جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم قال‪ :‬إن ال خلق محمدا من طينة من‬
‫جوهرة تحت العرش‪ ،‬وإنه كان لطينته نضح )‪ ،(3‬فجبل طينة أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم من نضح طينة رسول ال صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلم نضح فجبل طينتنا من نضح طينة‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم )‪ ،(4‬وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من‬
‫نضح طينتنا‪ ،‬فقلوبهم تحن إلينا )‪ ،(5‬وقلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد‬
‫على الولد‪ ،‬ونحن خير لهم‪ ،‬وهم خير لنا‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫لنا خير ونحن له خير )‪ - 36 .(6‬ير‪ :‬محمد بن حماد‪ ،‬عن أخيه أحمد‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عبد الحميد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن الول عليه السلم قال‪:‬‬
‫سمعته يقول‪ :‬خلق ال النبياء والوصياء يوم الجمعة‪ ،‬وهو اليوم الذي‬
‫أخذ ال ميثاقهم‪ ،‬وقال‪ :‬خلقنا نحن وشيعتنا من طينة مخزونة ل يشذ منها‬
‫شاذ إلى يوم القيامة )‪ - 37 .(7‬ير‪ :‬احمد بن موسى‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫موسى‪ ،‬عن علي بن حسان‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كثير‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إن ال عز وجل خلق محمدا وعترته من طينة العرش )‬
‫‪ (8‬فل ينقص منهم واحد‪ ،‬ول يزيد منهم واحد )‪ - 38 .(9‬ير‪ :‬بعض‬
‫أصحابنا‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن عبد الرحمن‬

‫)‪ (1‬فضائل الشيعة‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬عن شيخ من أهل المدائن يسمى‬
‫بشر إ‍ه‪ (3) .‬النضح‪ :‬رشاش الماء‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬من فضل طينة‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم‪ (5) .‬أي تشتاق إلينا‪ (6) .‬بصائر الدرجات‪:‬‬
‫‪ (7) .5‬بصائر الدرجات‪ (8) .6 :‬هذا ل ينافي خلقهم قبل العرش‪ ،‬لن ذلك‬
‫يحمل على خلق مادتهم ل أنوارهم‪ (9) .‬بصائر الدرجات‪.6 :‬‬

‫] ‪[ 23‬‬
‫ابن الحجاج قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى خلق محمدا " وآل محمد من طينة عليين‪،‬‬
‫وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك‪ .‬الخبر )‪ - 39 .(1‬ك‪ :‬العطار‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن الشعري‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن أبي سعيد الغضنفري )‪ ،(2‬عن‬
‫عمرو بن ثابت‪ ،‬عن أبي حمزة قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم يقول‪ :‬إن ال عز وجل خلق محمدا " وعليا " والئمة الحد عشر‬
‫من نور عظمته أرواحا " في ضياء نوره )‪ ،(3‬يعبدونه قبل خلق الخلق‪،‬‬
‫يسبحون ال عز وجل ويقدسونه‪ ،‬وهم الئمة الهادية من آل محمد صلوات‬
‫ال عليهم أجمعين )‪ - 40 .(4‬ك‪ :‬ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسين بن زيد‪ ،‬عن الحسن بن موسى‪ ،‬عن علي بن سماعة‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسن بن رباط‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫إن ال تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا " قبل خلق الخلق بأربعة عشر‬
‫ألف عام‪ ،‬فهي أرواحنا‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا ابن رسول ال ومن الربعة عشر ؟‬
‫فقال‪ :‬محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والئمة من ولد الحسين‪،‬‬
‫آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال‪ ،‬ويطهر الرض من كل‬
‫جور وظلم )‪ - 41 .(5‬من رياض الجنان لفضل ال بن محمود الفارسي‬
‫بإسناده إلى جابر الجعفي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬يا جابر كان ال‬
‫ول شئ غيره‪ ،‬ل معلوم ول مجهول‪ ،‬فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق‬
‫محمدا صلى ال عليه وآله‪ ،‬وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته‪ ،‬فأوقفنا‬
‫أظلة خضراء بين يديه‪ ،‬حيث ل سماء ول أرض ول مكان‪ ،‬ول ليل ول‬
‫نهار‪ ،‬ول شمس ول قمر‪ ،‬الخبر )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬بصائر الدرجات‪ (2) .5 :‬في المصدر‪ :‬العصفرى‪ ،‬وروى الحديث الكليني في‬
‫اصول الكافي باب ما جاء في الثنى عشر ‪ 530 :1‬باسناده عن محمد بن‬
‫يحيى العطار وفيه‪ :‬العصفوري‪ (3) .‬في الكافي‪ :‬من نور عظمته‪ ،‬فاقامهم‬
‫أشباحا في ضياء نوره‪ (3) .‬في الكافي‪ :‬من نور عظمته‪ ،‬فاقامهم أشباحا‬
‫" في ضياء نوره‪ (4) .‬كمال الدين‪ (5) .184 :‬كمال الدين‪ 192 :‬و ‪.193‬‬
‫)‪ (6‬رياض الجنان‪ :‬مخطوط‪.‬‬

‫] ‪[ 24‬‬

‫‪ - 42‬وروى أحمد بن حنبل بإسناده عن رسول ال صلى ال عليه وآله إنه قال‪:‬‬
‫كنت أنا وعلي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر‬
‫ألف عام )‪ - 43 .(1‬وعن جابر بن عبد ال قال‪ :‬قلت لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬أول شئ خلق ال تعالى ما هو ؟ فقال‪ :‬نور نبيك يا جابر‪ ،‬خلقه‬
‫ال ثم خلق منه كل خير )‪ - 44 .(2‬وعن جابر أيضا قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أول ما خلق ال نوري‪ ،‬ابتدعه من نوره‪ ،‬واشتقه من‬
‫جلل عظمته )‪ .(3‬أقول‪ :‬سيأتي تمام هذه الخبار مع سائر الخبار الواردة‬
‫في بدء خلقهم عليهم السلم في كتاب المامة‪ - 45 .‬كا‪ :‬علي بن محمد‪،‬‬
‫عن سهل بن زياد‪ ،‬عن محمد بن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن علي ابن حماد‪ ،‬عن‬
‫المفضل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬كيف كنتم حيث كنتم في‬
‫الظلة ؟ فقال‪ :‬يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة‬
‫خضراء‪ ،‬نسبحه ونقدسه و نهلله ونمجده‪ ،‬وما من ملك مقرب ولذي روح‬
‫غيرنا حتى بدا له في خلق الشياء‪ ،‬فخلق ما شاء كيف شاء من الملئكة‬
‫وغيرهم‪ ،‬ثم أنهى )‪ (4‬علم ذلك إلينا )‪ - 46 .(5‬كا‪ :‬احمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن عبد ال الصغير‪ .‬عن محمد بن إبراهيم الجعفري‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫علي بن محمد بن عبد ال بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال كان إذ ل كان‪ ،‬فخلق الكان والمكان‪،‬‬
‫وخلق نور النوار الذي نورت منه النوار‪ ،‬وأجرى فيه من نوره الذي‬
‫نورت منه النوار‪ ،‬وهو النور الذي خلق منه محمدا " وعليا "‪ ،‬فلم يزال‬
‫نورين أولين إذ ل شئ كون قبلهما‪ ،‬فلم يزال يجريان طاهرين مطهرين في‬
‫الصلب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد ال وأبي طالب‬
‫عليهما السلم )‪.(6‬‬

‫)‪ (3 - 1‬رياض الجنان‪ :‬مخطوط‪ (4) .‬أي أعلمنا به‪ (5) .‬الصول ‪(6) .441 :1‬‬
‫الصول ‪ 441 :1‬و ‪.442‬‬

‫] ‪[ 25‬‬

‫بيان‪ .‬قوله‪) :‬إذ ل كان( لعله مصدر بمعنى الكون كالقال والقول‪ ،‬والمراد به‬
‫الحدوث‪ ،‬أي لم يحدث شئ بعد‪ ،‬أو هو بمعنى الكائن‪ ،‬ولعل المراد بنور‬
‫النوار أول " نور النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬إذ هو منور أرواح الخلئق‬
‫بالعلوم والهدايات والمعارف‪ ،‬بل سبب لوجود الموجودات‪ ،‬وعلة غائية‬
‫لها‪ ،‬وأجرى فيه‪ ،‬أي في نور النوار‪ ،‬من نوره‪ ،‬أي من نور ذاته‪ ،‬من‬
‫إفاضاته وهداياته التي نورت منها جميع النوار حتى نور النوار المذكور‬
‫أول "‪ .‬قوله‪) :‬وهو النور الذي( أي نور النوار المذكور أول "‪ ،‬وال يعلم‬
‫أسرار أهل بيت نبيه صلوات ال عليهم‪ - 47 .‬كا‪ :‬أحمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن عبد ال‪ ،‬عن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫المفضل‪ ،‬عن جابر بن يزيد قال‪ :‬قال لي أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا جابر إن‬
‫ال أول ما خلق خلق محمدا " وعترته الهداة المهتدين‪ ،‬فكانوا أشباح نور‬
‫بين يدي ال‪ ،‬قلت‪ :‬وما الشباح ؟ قال‪ :‬ظل النور‪ ،‬أبدان نورانية بل‬
‫أرواح‪ ،‬وكان مؤيدا " بروح واحد )‪ (1‬وهي روح القدس‪ ،‬فبه كان يعبد‬
‫ال وعترته‪ ،‬ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء‪ ،‬يعبدون ال بالصلة‬
‫والصوم والسجود والتسبيح والتهليل‪ ،‬ويصلون الصلوات‪ ،‬ويحجون‬
‫ويصومون )‪ .(2‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪) :‬أشباح نور( لعل الضافة‬
‫بيانية‪ ،‬أي أشباحا " نورانية‪ ،‬والمراد إما الجساد المثالية‪ ،‬فقوله‪) :‬بل‬
‫أرواح( لعله أراد به بل أرواح حيوانية‪ ،‬أو الرواح بنفسها‪ ،‬سواء كانت‬
‫مجردة أو مادية‪ ،‬لن الرواح إذا لم تتعلق بالبدان فهي مستقلة بنفسها‪،‬‬
‫أرواح من جهة وأجساد من جهة‪ ،‬فهي أبدان نورانية لم تتعلق بها أرواح‬
‫آخر‪ ،‬و ظل النور أيضا إضافته بيانية‪ ،‬وتسمى عالم الرواح والمثال بعالم‬
‫الظلل‪ ،‬لنها ظلل تلك العالم وتابعة لها‪ ،‬أو لنها لتجردها أو لعدم كثافتها‬
‫شبيهة بالظل‪ ،‬وعلى الحتمال الثاني يحتمل أن تكون الضافة لمية‪ ،‬بأن‬
‫يكون المراد بالنور نور ذاته تعالى‪ ،‬فإنها من آثار تلك النور‪ ،‬والمعنى‬
‫دقيق فتفطن‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬بروح واحدة‪ (2) .‬الصول ‪(*) .442 :1‬‬

‫] ‪[ 26‬‬

‫‪ - 48‬اقول‪ :‬قال الشيخ أبو الحسن البكري استاد الشهيد الثاني )‪ (1‬قدس ال‬
‫روحهما في كتابه المسمى بكتاب النوار‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة‬
‫لهذا الحديث عن أبي عمر النصاري سألت عن كعب الحبار )‪ (2‬ووهب‬
‫بن منبه وابن عباس قالوا جميعا "‪ :‬لما أراد ال أن يخلق محمدا " صلى‬
‫ال عليه وآله قال لملئكته‪ :‬إني اريد أن أخلق خلقا " أفضله واشرفه على‬
‫الخلئق أجمعين‪ ،‬وأجعله سيد الولين والخرين‪ ،‬واشفعه فيهم يوم الدين‪،‬‬
‫فلوله مازخرفت الجنان‪ ،‬ول سعرت النيران‪ ،‬فاعرفوا محله‪ ،‬وأكرموه‬
‫لكرامتي‪ ،‬وعظموه لعظمتي‪ (3) ،‬فقالت الملئكة‪ :‬إلهنا وسيدنا وما‬
‫اعتراض العبيد على مولهم ؟ ! )‪ (4‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬فعند ذلك أمر ال‬
‫تعالى جبرئيل )‪ (5‬وملئكة الصفيح العلى وحملة العرش فقبضوا تربة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله من‬

‫)‪ (1‬اسمه أحمد بن عبد ال على ما في الرياض وكشف الظنون‪ ،‬أو أحمد بن عبد‬
‫ال بن محمد على ما في لسان الميزان‪ ،‬وقد استشكل في صحة نسبة‬
‫كتاب النوار إلى أبى الحسن البكري استاذ الشهيد الثاني لمور‪ - 1 :‬ما‬
‫حكى صاحب الرياض عن بعض المؤرخين أنه رأى نسخة عتيقة منه‬
‫تاريخ كتابتها‪ - 2 ،696 :‬ما حكى عن ابن تيمية المتوفى سنة ‪ 728‬أنه‬
‫ذكر في كتاب منهاج السنة أن أبا الحسن البكري مؤلف النوار كان‬
‫أشعرى المذهب‪ ،‬وعن السمهودى في كتابه تاريخ المدينة المؤلف‪888 :‬‬
‫أن سيرة أبى الحسن البكري البطلن والكذب‪ ،‬قد ترجم ابن حجر المتوفى‬
‫‪ 852‬أبا الحسن البكري وعد من كتبه كتاب ضياء النوار‪ ،‬فعلى ذلك‬
‫فكيف يمكن القول بأنه من مشايخ الشهيد الثاني المستشهد سنة ‪،966‬‬
‫ولذا حكم بتعدد أبى الحسن البكري أحدهما صاحب النوار‪ ،‬ثانيهما‬
‫المترجم في شذرات الذهب بعنوان علء الدين أبى الحسن على بن جلل‬
‫الدين محمد البكري الصديقى الشافعي المحدث المتوفى بالقاهرة سنة‬
‫‪ 952‬وهو استاذ الشهيد الثاني فتأمل وراجع الذريعة ‪ 409 :2‬و ‪410‬‬
‫وأعيان الشيعة‪ :‬الجزء التاسع‪ .37 - 33 :‬قلت‪ :‬ونسخة من كتاب النوار‬
‫هذا عندنا موجودة‪ (2) .‬بالحاء المهملة‪ ،‬هو كعب بن ماتع الحميرى أبو‬
‫اسحاق‪ ،‬مخضرم‪ ،‬كان من أهل اليمن فسكن الشام ومات في خلفة‬
‫عثمان وقد زاد على المائة‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬و عظموه لتعظيمي‪(4) .‬‬
‫في المصدر بعد ذلك‪ :‬نعوذ بجللك أن نعصيك‪ ،‬سمعنا إ‍ه‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬أمر ال تعالى طاؤوس الملئكة وهو جبرئيل أن يأتيه بالطينة‬
‫المباركة‪ ،‬فهبط جبرئيل وملئكة الصفيح العلى إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬الصفيح‪:‬‬
‫السماء‪.‬‬

‫] ‪[ 27‬‬

‫موضع ضريحه‪ ،‬وقضى أن يخلقه من التراب‪ ،‬ويميته في التراب‪ ،‬ويحشره على‬


‫التراب‪ ،‬فقبضوا من تربة نفسه الطاهرة قبضة طاهرة )‪ (1‬لم يمش عليها‬
‫قدم مشت إلى المعاصي‪ ،‬فعرج بها المين جبرئيل فغمسها في عين‬
‫السلسبيل‪ ،‬حتى نقيت كالدرة البيضاء‪ ،‬فكانت تغمس كل يوم في نهر من‬
‫أنهار الجنة‪ ،‬وتعرض على الملئكة‪ ،‬فتشرق أنوارها فتستقبلها الملئكة‬
‫بالتحية والكرام‪ ،‬وكان يطوف بها جبرئيل في صفوف الملئكة‪ ،‬فإذا‬
‫نظروا إليها قالوا‪ :‬الهنا وسيدنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا‪ ،‬فقد اعترفت‬
‫الملئكة بفضله )‪ (2‬وشرفه قبل خلق آدم عليه السلم‪ ،‬ولما خلق ال آدم‬
‫عليه السلم سمع في ظهره نشيشا " )‪ (3‬كنشيش الطير‪ ،‬وتسبيحا "‬
‫وتقديسا "‪ ،‬فقال آدم‪ :‬يا رب وما هذا ؟ فقال‪ :‬يا آدم هذا تسبيح محمد‬
‫العربي‪ ،‬سيد الولين والخرين‪ ،‬فالسعادة لمن تبعه وأطاعه‪ ،‬والشقاء لمن‬
‫خالفه )‪ ،(4‬فخذ يا آدم بعهدي‪ ،‬ول تودعه إل الصلب الطاهرة من‬
‫الرجال‪ ،‬والرحام من النساء الطاهرات الطيبات العفيفات )‪ ،(5‬ثم قال آدم‬
‫عليه السلم‪ :‬يا رب لقد زدتني بهذا المولود شرفا " ونورا " وبهاء‬
‫ووقارا "‪ ،‬وكان نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرة آدم كالشمس‬
‫في دوران قبة الفلك‪ ،‬أو كالقمر في الليلة المظلمة‪ ،‬وقد أنارت منه‬
‫السماوات والرض والسرادقات والعرش والكرسي‪ ،‬وكان آدم عليه السلم‬
‫إذا أراد أن يغشى حواء أمرها أن تتطيب وتتطهر‪ ،‬ويقول لها‪ :‬ال يرزقك‬
‫هذا النور‪ ،‬ويخصك به‪ ،‬فهو وديعة ال وميثاقه‪ ،‬فل يزال نور رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله في غرة آدم عليه السلم‪ .‬فروي )‪ (6‬عن أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم قال‪ :‬كان ال ول شئ معه‪ ،‬فأول‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فقبضوا القبضة من تربة نقية طاهرة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وعرفت‬
‫الملئكة فضله‪ (3) .‬النشيش‪ :‬الصوت‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬والسعيد من‬
‫تبعه وأطاعه‪ ،‬والشقى من خالفه‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ول تودعه ال في‬
‫الصلب الطاهرة‪ ،‬قال آدم‪ :‬سمعت وأطعت وقبلت العهد والميثاق‪ ،‬فل‬
‫أودعه إل في الصلب الطاهرة من الرجال‪ ،‬والرحام المطهرة الزكية من‬
‫النساء الطاهرات الحافظات العفيفات‪ ،‬فقال آدم عليه السلم إ‍ه‪(6) .‬‬
‫النسخة المخطوطة من المصدر خال عن قوله‪ :‬فروى إلى ما يأتي بعد‬
‫صفحات من قصة ميلد شيث عليه السلم‪ ،‬فالحديث فيه هكذا‪ :‬فل يزال‬
‫نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرة آدم عليه السلم حتى حملت‬
‫حواء بشيث‪.‬‬

‫] ‪[ 28‬‬

‫ما خلق نور حبيبه محمد صلى ال عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي‬
‫والسماوات والرض و اللوح والقلم والجنة والنار والملئكة وآدم وحواء‬
‫بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام‪ ،‬فلما خلق ال تعالى نور نبينا محمد‬
‫صلى ال عليه وآله بقي ألف عام بين يدي ال عز وجل واقفا " يسبحه‬
‫ويحمده‪ ،‬والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول‪ :‬يا عبدي أنت المراد‬
‫والمريد‪ ،‬وأنت خيرتي من خلقي‪ ،‬وعزتي وجللي لولك ما خلقت الفلك‪،‬‬
‫من أحبك أحببته‪ ،‬ومن أبغضك أبغضته‪ ،‬فتلل نوره وارتفع شعاعه‪ ،‬فخلق‬
‫ال منه اثني عشر حجابا " أولها حجاب‪ ،‬القدرة‪ ،‬ثم حجاب العظمة‪ ،‬ثم‬
‫حجاب العزة‪ ،‬ثم حجاب الهيبة‪ ،‬ثم حجاب الجبروت‪ ،‬ثم حجاب الرحمة‪ ،‬ثم‬
‫حجاب النبوة‪ ،‬ثم حجاب الكبرياء )‪ ،(1‬ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة‪،‬‬
‫ثم حجاب السعادة‪ ،‬ثم حجاب الشفاعة‪ ،‬ثم إن ال تعالى أمر نور رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله أن يدخل في حجاب القدرة فدخل وهو يقول‪) :‬سبحان‬
‫العلي العلى( وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام‪ ،‬ثم أمره أن يدخل في‬
‫حجاب العظمة فدخل وهو يقول‪) :‬سبحان عالم السر وأخفى( أحد عشر‬
‫ألف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب العزة وهو يقول‪) :‬سبحان الملك المنان(‬
‫عشرة آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب الهيبة وهو يقول‪) :‬سبحان من هو‬
‫غني ل يفتقر( تسعة آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب الجبروت وهو يقول‪:‬‬
‫)سبحان الكريم الكرم( ثمانية آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب الرحمة وهو‬
‫يقول‪) :‬سبحان رب العرش العظيم( سبعة آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب‬
‫النبوة وهو يقول‪) :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون( ستة آلف عام‪ ،‬ثم‬
‫دخل في حجاب الكبرياء و هو يقول‪) :‬سبحان العظيم العظم( خمسة آلف‬
‫عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب المنزلة وهو يقول‪) :‬سبحان العليم الكريم( أربعة‬
‫آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب الرفعة وهو يقول‪) :‬سبحان ذى الملك‬
‫والملكوت( ثلثة آلف عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب السعادة وهو يقول‪:‬‬
‫)سبحان من يزيل الشياء ول يزول( ألفي عام‪ ،‬ثم دخل في حجاب الشفاعة‬
‫وهو يقول‪) :‬سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم( ألف عام‪.‬‬

‫)‪ (1‬حجاب الكرامة ‪ -‬خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 29‬‬

‫قال المام علي بن ابي طالب عليه السلم‪ :‬ثم إن ال تعالى خلق من نور محمد‬
‫صلى ال عليه وآله عشرين بحرا " من نور‪ ،‬في كل بحر علوم ل يعلمها‬
‫إل ال تعالى‪ ،‬ثم قال لنور محمد صلى ال عليه وآله‪ :‬أنزل في بحر العز‬
‫فنزل‪ ،‬ثم في بحر الصبر‪ ،‬ثم في بحر الخشوع‪ ،‬ثم في بحر التواضع‪ ،‬ثم في‬
‫بحر الرضا‪ ،‬ثم في بحر الوفاء‪ ،‬ثم في بحر الحلم‪ ،‬ثم في بحر التقى‪ ،‬ثم في‬
‫بحر الخشية‪ ،‬ثم في بحر النابة‪ ،‬ثم في بحر العمل‪ ،‬ثم في بحر المزيد‪ ،‬ثم‬
‫في بحر الهدى‪ ،‬ثم في بحر الصيانة‪ ،‬ثم في بحر الحياء‪ ،‬حتى تقلب في‬
‫عشرين بحرا "‪ ،‬فلما خرج من آخر البحر قال ال تعالى‪ :‬يا حبيبي ويا‬
‫سيد رسلي‪ ،‬ويا أول مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت الشفيع يوم المحشر‪،‬‬
‫فخر النور ساجدا "‪ ،‬ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف‬
‫وأربعة وعشرين ألف قطرة‪ ،‬فخلق ال تعالى من كل قطرة من نوره نبيا "‬
‫من النبياء‪ ،‬فلما تكاملت النوار صارت تطوف حول نور محمد صلى ال‬
‫عليه وآله كما تطوف الحجاج حول بيت ال الحرام‪ ،‬وهم يسبحون ال‬
‫ويحمدونه ويقولون‪) :‬سبحان من هو عالم ل يجهل‪ ،‬سبحان من هو حليم‬
‫ل يعجل‪ ،‬سبحان من هو غني ل يفتقر( فناداهم ال تعالى‪ :‬تعرفون من‬
‫أنا ؟ فسبق نور محمد صلى ال عليه وآله قبل النوار ونادى‪) :‬أنت ال‬
‫الذي ل إله إل أنت‪ ،‬وحدك ل شريك لك‪ ،‬رب الرباب‪ ،‬وملك الملوك( فإذا‬
‫بالنداء من قبل الحق‪ :‬أنت صفيي‪ ،‬وأنت حبيبي‪ ،‬وخير خلقي‪ ،‬امتك خير‬
‫امة اخرجت للناس‪ ،‬ثم خلق من نور محمد صلى ال عليه وآله جوهرة‪،‬‬
‫وقسمها قسمين‪ ،‬فنظر إلى القسم الول بعين الهيبة فصار ماء عذبا‪ ،‬ونظر‬
‫إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منها )‪ (1‬العرش فاستوى على وجه‬
‫الماء‪ ،‬فخلق الكرسي من نور العرش‪ ،‬وخلق من نور الكرسي اللوح‪،‬‬
‫وخلق من نور اللوح القلم‪ ،‬وقال له‪ :‬اكتب توحيدي‪ ،‬فبقي القلم ألف عام‬
‫سكران من كلم ال تعالى‪ ،‬فلما أفاق قال‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬يا رب وما أكتب ؟‬
‫قال‪ :‬اكتب‪) :‬لإله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال( فلما سمع القلم اسم محمد‬
‫صلى ال عليه وآله خر ساجدا "‪ ،‬وقال‪ :‬سبحان الواحد القهار‪ ،‬سبحان‬
‫العظيم العظم‪ ،‬ثم رفع رأسه من السجود وكتب‪) :‬ل إله إل ال‪ ،‬محمد‬
‫رسول ال( ثم قال‪ :‬يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره‬
‫بذكرك ؟ قال ال تعالى له‪ :‬يا قلم فلوله ما خلقتك‪ ،‬ول خلقت خلقي إل‬
‫لجله‪ ،‬فهو بشير ونذير‪،‬‬

‫)‪ (1‬فخلق منه ‪ -‬خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 30‬‬

‫وسراج منير‪ ،‬وشفيع وحبيب‪ ،‬فعند ذلك انشق القلم من حلوة ذكر محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬ثم قال القلم‪ :‬السلم عليك يا رسول ال‪ ،‬فقال ال تعالى‪ :‬وعليك‬
‫السلم مني ورحمة ال وبركاته‪ ،‬فلجل هذا صار السلم سنة‪ ،‬والرد‬
‫فريضة‪ ،‬ثم قال ال تعالى‪ :‬اكتب قضائي وقدري‪ ،‬وما أنا خالقه إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ثم خلق ال ملئكة يصلون على محمد وآل محمد‪ ،‬ويستغفرون‬
‫لمته إلى يوم القيامة‪ ،‬ثم خلق ال تعالى من نور محمد صلى ال عليه‬
‫وآله الجنة‪ ،‬وزينها بأربعة أشياء‪ :‬التعظيم‪ ،‬والجللة‪ ،‬والسخاء‪ ،‬والمانة‪،‬‬
‫وجعلها لوليائه وأهل طاعته‪ ،‬ثم نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة‬
‫فذابت‪ ،‬فخلق من دخانها السماوات‪ ،‬ومن زبدها الرضين‪ ،‬فلما خلق ال‬
‫تبارك وتعالى الرض صارت تموج بأهلها كالسفينة‪ ،‬فخلق ال الجبال‬
‫فأرساها )‪ (1‬بها‪ ،‬ثم خلق ملكا " من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت‬
‫الرض‪ ،‬ثم لم يكن لقدمي الملك قرار فخلق ال صخرة عظيمة وجعلها‬
‫تحت قدمي الملك‪ ،‬ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا " عظيما " لم‬
‫يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه‪ ،‬حتى لو وضعت البحار كلها‬
‫في إحدى منخريه ما كانت إل كخردلة ملقاة في أرض فلة‪ ،‬فدخل الثور‬
‫تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه‪ ،‬واسم ذلك الثور لهوتا‪ ،‬ثم لم‬
‫يكن لذلك الثور قرار فخلق ال له حوتا " عظيما "‪ ،‬واسم ذلك الحوت به‬
‫موت‪ .‬فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت )‪،(2‬‬
‫فالرض كلها على كاهل الملك‪ ،‬والملك على الصخرة‪،‬‬

‫)‪ (1‬من أرسى الوتد في الرض‪ :‬ضربه فيها‪ ،‬وذلك إشارة إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫)والجبال أوتادا(‪ ،‬أو المعنى أثبتها به‪ ،‬كما يثبت السفينة بالدسر‬
‫والمسامير لئل تنفسخ أجزاؤها‪ .‬وتتفرق كل جزء منها في الجو‪ (2) .‬قد‬
‫ورد هذا التفصيل في أخبار من العامة‪ ،‬ولعل مصنف النوار أخذه من‬
‫طريقهم‪ ،‬وهو يخالف العلم الحاصل لنا من القرآن العظيم وأخبار النبي‬
‫والولى عليهم صلوات ال وسلمه و غيرهما الذى يدل على أن الرض‬
‫قائمة بنفسها غير محمولة ول موضوعة على شئ‪ ،‬تتحرك في الفضاء‪،‬‬
‫كما يشير إليه قوله تعالى‪) :‬والجبال أوتادا( إذ لو كانت مثبتة على شئ‬
‫لما احتاجت إلى وتد‪ ،‬وكقوله تعالى‪) :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد‬
‫بكم( أو )أن تميد بهم( كما في سورة النبياء وكقوله تعالى‪) :‬ألم نجعل‬
‫الرض مهادا " والجبال أوتادا "( وغير ذلك من اليات الدالة على ذلك‪،‬‬
‫وكقول النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪) :‬نور السماوات والرضين‬
‫وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقهما فاستقرت الرضون بأوتادها‬
‫فوق الماء( وقال في دعاء وداع شهر رمضان‪) :‬وبسط الرض ‪< -‬‬

‫] ‪[ 31‬‬

‫والصخرة على الثور‪ ،‬والثور على الحوت‪ ،‬والحوت على الماء‪ ،‬والماء على‬
‫الهواء‪ ،‬والهواء على الظلمة‪ ،‬ثم انقطع علم الخلئق عما تحت الظلمة‪ ،‬ثم‬
‫خلق ال تعالى العرش من ضياءين‪ :‬أحدهما الفضل والثاني العدل‪ ،‬ثم أمر‬
‫الضياءين فانتفسا بنفسين‪ ،‬فخلق منهما أربعة أشياء‪ :‬العقل والحلم والعلم‬
‫والسخاء‪ ،‬ثم خلق من العقل الخوف‪ ،‬وخلق من العلم الرضا‪ ،‬ومن الحلم‬
‫المودة‪ ،‬ومن السخاء المحبة‪ ،‬ثم عجن هذه الشياء في طينة محمد صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امة محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬ثم خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء‬
‫والظلم وسائر الملئكة من نور محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما تكاملت‬
‫النوار سكن نور محمد تحت العرش ثلثة وسبعين ألف عام‪ ،‬ثم انتقل‬
‫نوره إلى الجنة فبقي سبعين ألف عام‪ ،‬ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي‬
‫سبعين ألف عام‪ ،‬ثم انتقل نوره إلى السماء السابعة‪ ،‬ثم إلى السماء‬
‫السادسة‪ ،‬ثم إلى السماء الخامسة‪ ،‬ثم إلى السماء الرابعة‪ ،‬ثم إلى السماء‬
‫الثالثة‪ ،‬ثم إلى السماء الثانية‪ ،‬ثم إلى السماء الدنيا‪ ،‬فبقي نوره في السماء‬
‫الدنيا إلى أن أراد ال تعالى أن يخلق آدم عليه السلم أمر جبرئيل عليه‬
‫السلم أن ينزل إلى الرض ويقبض منها قبضة‪ ،‬فنزل جبرئيل فسبقه‬
‫اللعين إبليس فقال للرض‪ :‬إن ال تعالى يريد أن يخلق منك خلقا " ويعذبه‬
‫بالنار‪ ،‬فإذا أتتك ملئكته فقولي‪ :‬أعوذ بال منكم أن تأخذوا مني شيئا يكون‬
‫للنار فيه نصيب )‪ ،(1‬فجاءها جبرئيل عليه السلم فقالت‪ :‬إني اعوذ بالذي‬
‫أرسلك أن تأخذ مني شيئا "‪ ،‬فرجع جبرئيل ولم يأخذ منها شيئا "‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا رب قد استعاذت بك مني فرحمتها‪ ،‬فبعث ميكائيل فعاد كذلك‪ ،‬ثم أمر‬
‫إسرافيل فرجع كذلك‪،‬‬

‫> ‪ -‬على الماء بل أركان( وقال على عليه السلم عند توصيفه خلق الرض‪:‬‬
‫)وأرساها على غير قرار‪ ،‬وأقامها بغير قوائم‪ ،‬ورفعها بغير دعائم( إلى‬
‫غير ذلك مما يدل عليه‪ ،‬وعلى أن الرض متحركة فان ذلك كله ينافى‬
‫استقرار الرض على جرم‪ ،‬ولذا ترى أن العلماء يؤولون هذا الخبر‬
‫ونحوه و يصرفونه عن ظاهره بما يأتي في محله‪ ،‬فعلى أي فالحديث يدل‬
‫إجمال على أن للرض قوة تجذبها عن السقوط‪ ،‬وأن لها حركة كحركة‬
‫الحوت في الماء‪ .‬والتعبير بالثور وغيره لو صح الحديث عنهم عليهم‬
‫السلم رمز وإشارات إلى معان هم أعلم بها‪ (1) .‬ل يخلو ذلك عن غرابة‪،‬‬
‫لن المعروف أن الشيطان لم يكن قبل آدم عليه السلم ضال مضل مخالفا‬
‫لما يعلم أن ال يريده‪ ،‬إل أن يكون ذلك للشفقة على الرض‪ ،‬ل لمخالفة‬
‫ال سبحانه‪.‬‬

‫] ‪[ 32‬‬

‫فبعث عزرائيل فقال‪ :‬وأنا أعوذ بعزة ال أن أعصي له أمرا "‪ ،‬فقبض قبضة من‬
‫أعلها و أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها )‪ ،(1‬فلذلك‬
‫اختلفت أخلقهم وألوانهم‪ ،‬فمنهم البيض والسود والصفر‪ ،‬فقال له‬
‫تعالى‪ :‬ألم تتعوذ منك الرض بي‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬لكن لم ألتفت له فيها‪،‬‬
‫وطاعتك يا مولي أولى من رحمتي لها‪ ،‬فقال له ال تعالى‪ :‬لم ل رحمتها‬
‫كما رحمها أصحابك ؟ قال‪ :‬طاعتك أولى‪ ،‬فقال‪ :‬اعلم أني اريد أن أخلق‬
‫منها خلقا " أنبياء وصالحين وغير ذلك‪ ،‬وأجعلك القابض لرواحهم‪ ،‬فبكى‬
‫عزرائيل عليه السلم فقال له الحق تعالى‪ :‬ما يبكيك ؟ قال‪ :‬إذا كنت كذلك‬
‫كرهوني هؤلء الخلئق‪ ،‬فقال‪ :‬ل تخف إني أخلق لهم علل فينسبون‬
‫الموت إلى تلك العلل‪ ،‬ثم بعد ذلك أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن‬
‫يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصل "‪ ،‬فأقبل جبرئيل عليه السلم‬
‫ومعه الملئكة الكروبيون والصافون والمسبحون‪ ،‬فقبضوها من موضع‬
‫ضريحه وهي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الرض‪ ،‬فأخذها جبرئيل‬
‫من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم )‪ (2‬وماء التعظيم وماء التكريم وماء‬
‫التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو‪ ،‬فخلق من الهداية رأسه‪،‬‬
‫ومن الشفقة صدره‪ ،‬ومن السخاء كفيه‪ ،‬ومن الصبر فؤاده‪ ،‬ومن العفة‬
‫فرجه‪ ،‬ومن الشرف قدميه‪ ،‬ومن اليقين قلبه‪ ،‬ومن الطيب أنفاسه‪ ،‬ثم‬
‫خلطها بطينة آدم عليه السلم‪ ،‬فلما خلق ال تعالى آدم عليه السلم أوحى‬
‫إلى الملئكة‪) :‬إني خالق بشرا " من طين فإذا سويته ونفخت فيه من‬
‫روحي فقعوا له ساجدين( فحملت الملئكة جسد آدم عليه السلم ووضعوه‬
‫على باب الجنة وهو جسد ل روح فيه‪ ،‬والملئكة ينتظرون متى يؤمرون‬
‫بالسجود‪ ،‬وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر‪ ،‬ثم إن ال تعالى أمر الملئكة‬
‫بالسجود لدم عليه السلم فسجدوا إل إبليس لعنه ال‪ ،‬ثم خلق ال بعد ذلك‬
‫الروح وقال لها‪ :‬ادخلي في هذا الجسم‪ ،‬فرأت الروح مدخل " ضيقا "‬
‫فوقفت‪ ،‬فقال لها‪ :‬ادخلي كرها "‪ ،‬واخرجي كرها "‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت الروح‬
‫في اليافوخ )‪ (3‬إلى العينين‪ ،‬فجعل ينظر إلى نفسه‪ ،‬فسمع تسبيح‬

‫)‪ (1‬أي الينها‪ (2) .‬تسنيم قيل‪ :‬هو عين في الجنة رفيعة القدر‪ ،‬وفسره في القرآن‬
‫بقوله‪) :‬عينا يشرب بها المقربون(‪ (3) .‬اليافوخ واليأفوخ‪ :‬الموضع‬
‫الذى يتحرك من رأس الطفل‪ ،‬وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها‬
‫وأعلها ل يلبث أن تلتقي فيه العظام‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 33‬‬

‫الملئكة‪ ،‬فلما وصلت إلى الخياشيم عطس آدم عليه السلم‪ ،‬فأنطقه ال تعالى‬
‫بالحمد‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد ل‪ ،‬وهي أول كلمة قالها آدم عليه السلم‪ ،‬فقال الحق‬
‫تعالى‪ :‬رحمك ال يا آدم‪ ،‬لهذا )‪ (1‬خلقتك‪ ،‬وهذا لك ولولدك أن قالوا مثل ما‬
‫قلت‪ ،‬فلذلك صار تسميت العاطس )‪ (2‬سنة‪ ،‬ولم يكن على إبليس أشد من‬
‫تسميت العاطس‪ ،‬ثم إن آدم عليه السلم فتح عينيه فرأى مكتوبا " على‬
‫العرش‪) :‬ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال( فلما وصلت الروح إلى ساقه قام‬
‫قبل أن تصل إلى قدميه فلم يطق فلذلك قال تعالى‪) :‬خلق النسان من‬
‫عجل(‪ .‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬كانت الروح في رأس آدم عليه السلم‬
‫مائة عام‪ ،‬وفي صدره مائة عام‪ ،‬وفي ظهره مائة عام‪ ،‬وفي فخذيه مائة‬
‫عام‪ ،‬وفي ساقيه وقدميه مائة عام )‪ ،(3‬فلما استوى آدم عليه السلم قائما‬
‫" أمر ال الملئكة بالسجود‪ ،‬وكان ذلك بعد الظهر يوم الجمعة‪ ،‬فلم تزل‬
‫في سجودها إلى العصر‪ ،‬فسمع آدم عليه السلم من ظهره نشيشا "‬
‫كنشيش الطير‪ ،‬وتسبيحا " و تقديسا "‪ ،‬فقال آدم‪ :‬يا رب وما هذا ؟ قال‪ :‬يا‬
‫آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد الولين و الخرين‪ ،‬ثم إن ال تبارك‬
‫وتعالى خلق من ضلعه العوج )‪ (4‬حواء وقد أنامه ال تعالى‪ ،‬فلما انتبه‬
‫رآها عند رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت ؟ قالت‪ :‬أنا حواء‪ ،‬خلقني ال لك‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫أحسن خلقتك ! فأوحى ال إليه‪ :‬هذه أمتي حواء وأنت عبدي آدم‪ ،‬خلقتكما‬
‫لدار اسمها جنتي‪ ،‬فسبحاني واحمداني‪ ،‬يا آدم اخطب حواء مني وادفع‬
‫مهرها إلي‪ ،‬فقال آدم‪ :‬وما مهرها يا رب ؟ قال‪ :‬تصلي على حبيبي محمد‬
‫صلى ال عليه وآله عشر مرات‪ ،‬فقال آدم‪ :‬جزاؤك يا رب على ذلك الحمد‬
‫والشكر ما بقيت‪ ،‬فتزوجها على ذلك‪ ،‬وكان القاضي الحق‪ ،‬و العاقد‬
‫جبرئيل‪ ،‬والزوجة حواء‪ ،‬والشهود الملئكة‪ ،‬فواصلها‪ ،‬وكانت الملئكة‬
‫يقفون من وراء آدم عليه السلم‪ ،‬قال آدم عليه السلم‪ :‬لي شئ يا رب‬
‫تقف الملئكة من ورائي ؟ فقال‪:‬‬
‫)‪ (1‬أي للرحمة بك‪ (2) .‬تسميت العاطس‪ :‬الدعاء له بقوله‪ :‬يرحمك ال أو نحوه‪) .‬‬
‫‪ (3‬الحديث منفرد بذلك التفصيل‪ ،‬وقد تقدم أخبار آدم عليه السلم في‬
‫المجلد ‪ 11‬ولم يكن فيه هذا التفصيل‪ (4) .‬تقدمت روايات فيما خلقت‬
‫حواء منه والخلف فيه‪ .‬راجع ج ‪ 11‬ص ‪ 116‬وقبله و ص ‪.222‬‬

‫] ‪[ 34‬‬

‫لينظروا إلى نور ولدك محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال‪ :‬يا رب اجعله أمامي حتى‬
‫تستقبلني الملئكة‪ ،‬فجعله في جبهته‪ ،‬فكانت الملئكة تقف قدامه صفوفا‪،‬‬
‫ثم سأل آدم عليه السلم ربه أن يجعله في مكان يراه آدم‪ ،‬فجعله في‬
‫الصبع السبابة‪ ،‬فكان نور محمد صلى ال عليه وآله فيها‪ ،‬ونور علي‬
‫عليه السلم في الصبع الوسطى‪ ،‬وفاطمة عليها السلم في التي تليها‪،‬‬
‫والحسن عليه السلم في الخنصر‪ ،‬والحسين عليه السلم في البهام‪،‬‬
‫وكانت أنوارهم كغرة الشمس في قبة الفلك‪ ،‬أو كالقمر في ليلة البدر‪ ،‬وكان‬
‫آدم عليه السلم إذا أراد أن يغشي حواء يأمرها أن تتطيب وتتطهر‪ ،‬ويقول‬
‫لها‪ :‬يا حواء ال يرزقك هذا النور ويخصك به‪ ،‬فهو وديعة ال وميثاقه‪،‬‬
‫فلم يزل نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرة آدم عليه السلم حتى‬
‫حملت حواء بشيث‪ ،‬وكانت الملئكة يأتون حواء ويهنؤنها‪ ،‬فلما وضعته‬
‫نظرت بين عينيه إلى نور رسول ال صلى ال عليه وآله يشتعل اشتعال‬
‫"‪ ،‬ففرحت بذلك‪ ،‬وضرب جبرئيل عليه السلم بينها وبينه حجابا " من‬
‫نور )‪ (1‬غلظه مقدار خمسمأة عام‪ ،‬فلم يزل محجوبا " محبوسا " حتى‬
‫بلغ شيث عليه السلم مبالغ الرجال‪ (2) ،‬والنور يشرق في غرته‪(3) ،‬‬
‫فلما علم آدم عليه السلم أن ولده شيث بلغ مبالغ الرجال قال له‪ :‬يا بني‬
‫إني مفارقك عن قريب‪ ،‬فادن مني حتى آخذ عليك العهد والميثاق كما أخذه‬
‫ال تعالى على من قبلك‪ ،‬ثم رفع آدم عليه السلم رأسه نحو السماء وقد‬
‫علم ال ما أراد‪ ،‬فأمر ال الملئكة أن يمسكوا عن التسبيح ولفت )‪(4‬‬
‫أجنحتها‪ ،‬وأشرفت سكان الجنان من غرفاتها‪ ،‬وسكن صرير أبوابها‪،‬‬
‫وجريان أنهارها‪ ،‬وتصفيق أوراق أشجارها‪ ،‬وتطاولت لستماع ما يقول‬
‫آدم عليه السلم‪ ،‬ونودي‪ :‬يا آدم قل ما أنت قائل‪ ،‬فقال آدم عليه السلم‪:‬‬
‫اللهم رب القدم قبل النفس‪ ،‬ومنير القمر والشمس‪ ،‬خلقتني كيف شئت‪ ،‬وقد‬
‫أودعتني هذا النور الذي أرى منه التشريف والكرامة )‪ ،(5‬وقد صار‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فضرب جبرئيل بينها وبين ابليس حجابا من نور غلظه خمسمأة‬
‫عام‪ ،‬فلم يزل ابليس محجوبا ا‍ه وكذا في اثبات الوصية‪ (2) .‬في المصدر‬
‫وفي اثبات الوصية‪ :‬حتى بلغ شيث سبع سنين‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬من‬
‫غرته إلى السماء‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فأمر ال الملئكة أن يمسكوا عن‬
‫التسبيح حتى يسمعوا ما يقول آدم‪ ،‬فهد الملئكة عن التسبيح ولفت‬
‫أجنحتها ا‍ه قلت‪ :‬فهد مصحف فهدء أي فسكن‪ ،‬واللف‪ :‬ضد النشر‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬أنالنى عنه التشريف والكرامة‪.‬‬

‫] ‪[ 35‬‬

‫لولدي شيث‪ ،‬وإني اريد أن آخذ عليه العهد والميثاق كما أخذته علي‪ ،‬اللهم وأنت‬
‫الشاهد عليه‪ ،‬وإذا بالنداء من قبل ال تعالى‪ :‬يا آدم خذ على ولدك شيث‬
‫العهد‪ ،‬وأشهد عليه جبرئيل وميكائيل والملئكة أجمعين‪ ،‬قال‪ :‬فأمر ال‬
‫تعالى جبرئيل عليه السلم أن يهبط إلى الرض في سبعين ألفا " من‬
‫الملئكة بأيديهم ألوية الحمد‪ ،‬وبيده حريرة بيضاء‪ ،‬و قلم مكون من مشية‬
‫ال )‪ (1‬رب العالمين‪ ،‬فأقبل جبرئيل على آدم عليه السلم‪ ،‬وقال له‪ :‬يا آدم‬
‫ربك يقرئك السلم ويقول لك‪ :‬اكتب على ولدك شيث كتابا )‪ ،(2‬وأشهد‬
‫عليه جبرئيل وميكائيل والملئكة أجمعين‪ ،‬فكتب الكتاب‪ ،‬وأشهد عليه‪،‬‬
‫وختمه جبرئيل بخاتمه‪ ،‬ودفعه إلى شيث‪ :‬وكسا قبل انصرافه حلتين )‪(3‬‬
‫حمراوين أضوء من نور الشمس‪ ،‬وأروق )‪ (4‬من السماء‪ ،‬لم يقطعا ولم‬
‫يفصل‪ ،‬بل قال لهما الجليل‪ :‬كونيا فكانتا‪ ،‬ثم تفرقا )‪ ،(5‬وقبل شيث العهد‬
‫وألزمه نفسه‪ ،‬ولم يزل ذلك النور بين عينيه حتى تزوج المحاولة )‪(6‬‬
‫البيضاء‪ ،‬وكانت بطول حواء‪ ،‬واقترن إليها بخطبة جبرئيل‪ ،‬فلما وطأها‬
‫حملت بأنوش‪ ،‬فلما حملت به سمعت مناديا " ينادي‪ :‬هنيئا " لك يا‬
‫بيضاء‪ ،‬لقد استودعك ال نور سيد المرسيلن‪ ،‬سيد الولين والخرين‪ ،‬فلما‬
‫ولدته أخذ عليه شيث العهد كما أخذ عليه‪ ،‬وانتقل إلى ولده قينان‪ ،‬ومنه‬
‫إلى مهلئيل‪ ،‬ومنه إلى ادد )‪ ،(7‬ومنه إلى اخنوخ وهو إدريس عليه‬
‫السلم‪ ،‬ثم أودعه إدريس ولده متوشلخ‪ ،‬وأخذ عليه العهد‪ ،‬ثم انتقل إلى‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقلم مكتوب في مشية ال‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬كتابا بالعهد‬
‫والميثاق‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وكسى شيث قبل انصرافهم عنه حلتين‬
‫حمراوتين أنور من الشمس وأرق من رقة الماء لم تقطع ولم تفصل‪(4) .‬‬
‫أي أصفى‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ثم تفرقا على ذلك‪ (6) .‬هكذا في النسخ‪،‬‬
‫وفي المصدر‪ :‬المخاولة بالخاء‪ .‬ولعله مصحف المخولة من خوله الشئ‪:‬‬
‫أعطاه إياه متفضل‪ ،‬وذلك لما تقدم في المجلد ‪ - 11 -‬إن ال أعطاه من‬
‫الجنة حورية اسمه نزلة أو غير ذلك على ما تقدم‪ (7) .‬في اثبات‬
‫الوصية‪ :‬اسمه بردا‪ ،‬والظاهر أنه مصحف يرد‪ ،‬ويقال له‪ :‬اليارد ايضا "‪.‬‬

‫] ‪[ 36‬‬
‫ملك )‪ ،(1‬ثم إلى نوح‪ ،‬ومن نوح إلى سام‪ ،‬ومن سام إلى ولده أرفخشد )‪ ،(2‬ثم إلى‬
‫ولده عابر )‪ ،(3‬ثم إلى قالع )‪ ،(4‬ثم إلى أرغو‪ ،‬ومنه إلى شارغ )‪ ،(5‬ومنه‬
‫إلى تاخور )‪ ،(6‬ثم انتقل إلى تارخ‪ ،‬ومنه إلى إبراهيم‪ ،‬ثم إلى إسماعيل‪ ،‬ثم‬
‫إلى قيذار )‪ ،(7‬ومنه إلى الهميسع )‪ ،(8‬ثم انتقل إلى نبت )‪ ،(9‬ثم إلى‬
‫يشحب‪ ،‬ومنه إلى ادد‪ ،‬ومنه إلى عدنان‪ ،‬ومنه إلى معد‪ ،‬ومنه إلى نزار‪،‬‬
‫ومنه إلى مضر‪ ،‬ومن مضر إلى إلياس )‪ ،(10‬ومن إلياس إلى مدركة‪،‬‬
‫ومنه إلى خزيمة‪ ،‬ومنه إلى كنانة‪ ،‬ومن كنانة إلى قصى )‪ ،(11‬ومن قصى‬
‫إلى لوي‪ ،‬ومن لوي إلى غالب‪ ،‬ومنه إلى فهر‪ ،‬ومن فهر إلى عبد مناف‪،‬‬
‫ومن عبدمناف إلى هاشم‪ ،‬وإنما سمي هاشما " لنه هشم الثريد لقومه‪،‬‬
‫وكان اسمه عمرو العلء‪،‬‬

‫)‪ (1‬هكذا في النسخ‪ ،‬وفي المصدر واثبات الوصية لمك وهو الصحيح‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ثم إلى ولده شالخ ثم إلى ولده عابر‪ ،‬وهو الصحيح كما في‬
‫سبائك الذهب وتاريخ اليعقوبي‪ (3) .‬وهو هود عليه السلم كما في اثبات‬
‫الوصيه وغيره‪ (4) .‬في تاريخ اليعقوبي واثبات الوصية وسبائك الذهب‪:‬‬
‫فالغ‪ ،‬وفي الخير‪ :‬ويقال‪ :‬فالخ بالخاء‪ ،‬وفى الطبري بالغ فهو فالج قال‪:‬‬
‫وتفسير بالغ القاسم بالسريانية لنه الذى قسم الرضين بين ولد آدم‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬شاروغ‪ ،‬وفي السبائك‪ :‬شاروخ‪ ،‬وفي اثبات الوصية‪:‬‬
‫سروع‪ ،‬وفي الطبري‪ :‬ساروغ‪ (6) .‬في اثبات الوصية والسبائك‪ :‬ناحور‬
‫وهو المشهور‪ (7) .‬في غير نسخة المصنف القيدار بالدال المهملة وهو‬
‫الموجود في اثبات الوصية و السبائك‪ (8) .‬قد أثبت في اثبات الوصية‬
‫والسبائك بين قيدار والهميسع حمل ونبت وسلمان‪ (9) .‬ولعله مقدم كما‬
‫عرفت‪ ،‬وعد المسعودي في اثبات الوصية بعد الهميسع اليسع وبعده ادد‪،‬‬
‫وفي السبائك بعد الهميسع ادد‪ (10) .‬بكسر الهمزة أو بفتحها على‬
‫اختلف‪ (11) .‬قد ذكر المسعودي في اثبات والسويدي في سبائك الذهب‬
‫والطبري في تاريخه بعد كنانة النضر‪ ،‬ثم مالك ثم فهر ثم غالب ثم لؤى‬
‫ثم كعب ثم مرة ثم كلب ثم قصى ثم عبد مناف‪ .‬و سيأتي مثل ذلك في باب‬
‫أجداده صلى ال عليه وآله‪.‬‬

‫] ‪[ 37‬‬

‫وكان نور رسول ال صلى ال عليه وآله في وجهه‪ ،‬إذا أقبل تضئ منه الكعبة‪،‬‬
‫وتكتسي من نوره نورا " شعشعانيا "‪ ،‬ويرتفع من وجهه نور إلى‬
‫السماء‪ ،‬وخرج من بطن امه عاتكة بنت مره‪ ،‬بنت فالج )‪ (1‬بن ذكوان‪،‬‬
‫وله ضفيرتان كضفيرتي إسماعيل عليه السلم‪ ،‬يتوقد نورهما إلى السماء‪،‬‬
‫فعجب أهل مكة من ذلك‪ ،‬وسارت إليه قبائل العرب من كل جانب‪ ،‬وماجت )‬
‫‪ (2‬منه الكهان‪ ،‬ونطقت الصنام بفضل النبي المختار‪ ،‬وكان هاشم ل يمر‬
‫بحجر ول مدر إل ويناديه ابشر يا هاشم فإنه سيظهر من ذريتك أكرم‬
‫الخلق على ال تعالى‪ ،‬و أشرف العالمين محمد خاتم النبيين‪ ،‬وكان هاشم‬
‫إذا مشى في الظلم أنارت منه الحنادس‪ (3) ،‬ويرى من حوله كما يرى من‬
‫ضوء المصباح‪ ،‬فلما حضرت عبد مناف الوفاة أخذ العهد على هاشم أن‬
‫يودع نور رسول ال صلى ال عليه وآله في الرحام الزكية من النساء )‬
‫‪ ،(4‬فقبل هاشم العهد وألزمه نفسه‪ ،‬وجعلت الملوك تتطاول إلى هاشم‬
‫ليتزوج منهم ويبذلون إليه الموال الجزيلة )‪ ،(5‬وهو يأبى عليهم‪ ،‬وكان‬
‫كل يوم يأتي الكعبة ويطوف بها سبعا "‪ ،‬ويتعلق بأستارها‪ ،‬وكان هاشم إذا‬
‫قصده قاصد أكرمه‪ ،‬وكان يكسو العريان‪ ،‬ويطعم الجائع‪ ،‬و يفرج عن‬
‫المعسر‪ ،‬ويوفي عن المديون‪ ،‬ومن اصيب بدم دفع عنه )‪ ،(6‬وكان بابه ل‬
‫يغلق عن صادر ول وارد‪ ،‬وإذا أولم وليمة أو اصطنع طعاما " لحد وفضل‬
‫منه شئ يأمر به أن يلقى إلى الوحش )‪ (7‬والطيور حتى تحدثوا به‬
‫وبجوده في الفاق‪ ،‬وسوده )‪ (8‬أهل مكة بأجمعهم وشرفوه وعظموه‪،‬‬
‫وسلموا إليه مفاتيح الكعبة والسقاية والحجابة والرفادة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬عالج‪ .‬وفي اليعقوبي‪ :‬فالج كما في المتن‪ (2) .‬أي اختلفت‬
‫امورهم واضطربت‪ (3) .‬الحنادس جمع الحندس‪ :‬الظلمة‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬أخذ العهد والميثاق على أنه ل يودع نور رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ال في الرحام الزكية من اكرم الناس‪ (5) .‬في المصدر‪:‬‬
‫ويبذلون له الجزيل من الموال‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ومن اصيب بذنب رفع‬
‫عنه ذنبه‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬الوحوش‪ (8) .‬أي جعلوه سيدا‪.‬‬

‫] ‪[ 38‬‬

‫ومصادر امور الناس ومواردها‪ ،‬وسلموا إليه لواء نزار‪ ،‬وقوس إسماعيل عليه‬
‫السلم‪ ،‬وقميص إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ونعل شيث عليه السلم‪ ،‬وخاتم نوح‬
‫عليه السلم‪ ،‬فلما احتوى على ذلك كله ظهر فخره ومجده‪ ،‬وكان يقوم‬
‫بالحاج )‪ (1‬ويرعاهم‪ ،‬ويتولي امورهم ويكرمهم‪ ،‬ول ينصرفون إل‬
‫شاكرين‪ .‬قال أبو الحسن البكري‪ :‬وكان هاشم إذا أهل )‪ (2‬هلل ذي الحجة‬
‫يأمر الناس بالجتماع إلى الكعبة‪ ،‬فإذا اجتمعوا قام خطيبا " )‪ (3‬ويقول‪:‬‬
‫)معاشر الناس إنكم جيران ال وجيران بيته‪ ،‬وإنه سيأتيكم في هذا الموسم‬
‫زوار بيت ال وهم أضياف ال‪ ،‬والضياف هم أولى بالكرامة‪ ،‬وقد خصكم‬
‫ال تعالى بهم وأكرمكم‪ ،‬وإنهم سيأتونكم شعثا " غبرا " من كل فج عميق‪،‬‬
‫ويقصدونكم من كل مكان سحيق‪ ،‬فاقروهم )‪ (4‬واحموهم وأكرموهم‬
‫يكرمكم ال تعالى( وكانت قريش تخرج المال الكثير من أموالهم‪ ،‬وكان‬
‫هاشم ينصب أحواض الديم )‪ ،(5‬ويجعل فيها ماء من ماء زمزم‪ ،‬ويملي‬
‫باقي الحياض من سائر البار بحيث تشرب الحاج )‪ ،(6‬وكان من عادته‬
‫أنه يطعمهم قبل التروية بيوم‪ ،‬وكان يحمل لهم الطعام إلى منى وعرفة‪،‬‬
‫وكان يثرد لهم اللحم والسمن والتمر‪ ،‬ويسقيهم اللبن إلى حيث )‪ (7‬تصدر‬
‫الناس من منى‪ ،‬ثم يقطع عنهم الضيافة‪ .‬قال أبو الحسن البكري‪ :‬بلغنا أنه‬
‫كان بأهل مكة ضيق وجدب وغلء‪ ،‬ولم يكن عندهم ما يزودون به الحاج‪،‬‬
‫فبعث هاشم إلى نحو الشام أباعر‪ ،‬فباعها واشترى بأثمانها‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وكان يقوم بالحجاج‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬إذ استهل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فإذا تكالموا قام فيهم خطيبا " ويقول‪ :‬يا معشر الناس‪(4) .‬‬
‫قرى الضيف‪ :‬أضافه‪ (5) .‬الديم‪ :‬الجلد المدبوغ‪ (6) .‬في المصدر‪:‬‬
‫ويجعل فيها ماء زمزم‪ ،‬ويملى في الحياض من ماء غير زمزم بل من‬
‫سائر البار حتى يشربون الحجاج‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬إلى حين‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 39‬‬

‫كعكا " )‪ (1‬وزيتا "‪ ،‬ولم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد‪ ،‬بل بذل ذلك كله‬
‫للحاج‪ ،‬فكفاهم جميعهم )‪ ،(2‬وصدر الناس يشكرونه في الفاق‪ ،‬وفيه يقول‬
‫الشاعر‪ :‬يا أيها الرجل المجدر حيله )‪ * (3‬هل مررت بدار عبد مناف ؟ !‬
‫ثكلتك امك لو مررت ببابهم * لعجبت من كرم ومن أوصاف‪ .‬عمرو العلء‬
‫هشم الثريد لقومه * والقوم فيها مسنتون )‪ (4‬عجاف بسطوا إليه‬
‫الرحلتين كليهما * عند الشتاء ورحلة الصياف قال‪ :‬فبلغ خبره إلى‬
‫النجاشي ملك الحبشة‪ ،‬وإلى قيصر ملك الروم‪ ،‬فكاتبوه و راسلوه أن يهدوا‬
‫له بناتهم رغبة في النور الذي في وجهه‪ ،‬وهو نور محمد صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬لن رهبانهم وكهانهم أعلموهم بأن ذلك النور نور رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬فأبى هاشم عن ذلك‪ ،‬وتزوج من نساء قومه‪ ،‬ورزق منهن‬
‫أولدا "‪ ،‬وكان أولده الذكور أسد ومضر )‪ (5‬وعمرو وصيفى‪ ،‬وأما‬
‫البنات فصعصعة )‪ (6‬ورقية وخلدة )‪ (7‬والشعثاء‪ ،‬فهذه جملة الذكور‬
‫والناث‪ ،‬و نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرته لم يزل‪ ،‬فعظم ذلك‬
‫عليه وكبر لديه‪ ،‬فلما كان في بعض الليالي وقد طاف بالبيت سأل ال تعالى‬
‫أن يرزقه ولدا " يكون فيه نور رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فأخذه‬
‫النعاس‪ ،‬فمال عن البيت‪ ،‬ثم اضطجع‪ ،‬فأتاه آت يقول في منامه‪ :‬عليك‬
‫بسلمى بنت عمرو فإنها طاهرة مطهرة الذيال‪ ،‬فخذها‪ ،‬وادفع لها )‪(8‬‬
‫المهر الجزيل‪ ،‬فلم تجد‬
‫)‪ (1‬الكعك‪ :‬خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬واشترى بأثمانها كعكا وزيتا‪ ،‬فلما قدم الحاج اطعمهم ما جرت‬
‫العادة‪ ،‬و لم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد‪ ،‬بل بذل ذلك كله إلى‬
‫الحاج‪ ،‬فألقى ذلك الطعام إلى الحاج كلهم‪ (3) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬وفي‬
‫المصدر قد سقطت الشعار‪ ،‬وفي تاريخ الطبري والسيرة الحلبية‪ :‬يا أيها‬
‫الرجل المحول رحله * أل نزلت بآل عبد مناف‪ (4) .‬من أسنت القوم‪:‬‬
‫أصابهم الجدب والقحط‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬نضر مكان مضر‪ ،‬وفي‬
‫السبائك‪ :‬نضلة‪ (6) .‬في نسخة‪ :‬صفية‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬خالدة‪ (8) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وادفع إليها‪.‬‬

‫] ‪[ 40‬‬

‫لها مشبها " من النساء‪ ،‬فإنك ترزق منها ولدا " يكون منه النبي صلى ال عليه‬
‫وآله فصاحبها ترشد‪ ،‬واسع )‪ (1‬إلى أخذ الكريمة عاجل "‪ ،‬قال‪ :‬فانتبه‬
‫هاشم فزعا " مرعوبا "‪ ،‬وأحضر بني عمه وأخاه المطلب‪ ،‬وأخبرهم بما‬
‫رآه في منامه وبما قال الهاتف‪ ،‬فقال له أخوه المطلب‪ :‬يابن ام إن المرأة‬
‫المعروفة في قومها‪ ،‬كبيرة في نفسها )‪ ،(2‬قد كملت عفة واعتدال )‪،(3‬‬
‫وهي سلمى بنت عمرو بن لبيد بن حداث بن )‪ (4‬زيد بن عامر بن غنم بن‬
‫مازن بن النجار‪ ،‬وهم أهل الضياف والعفاف‪ ،‬وأنت أشرف منهم حسبا "‪،‬‬
‫وأكرم منهم نسبا "‪ ،‬قد تطاولت إليك الملوك والجبابرة )‪ ،(5‬وإن شئت‬
‫فنحن لك خطابا "‪ ،‬فقال لهم‪ :‬الحاجة ل تقضى إل بصاحبها‪ ،‬وقد جمعت‬
‫فضلت وتجارة واريد أن أخرج إلى الشام للتجارة ولوصال هذه المرأة‪،‬‬
‫فقال له أصحابه )‪ :(6‬نحن نفرح لفرحك‪ ،‬ونسر لسرورك‪ ،‬وننظر ما يكون‬
‫من أمرك‪ ،‬ثم إن هاشما " خرج للسفر )‪ (7‬وخرج معه أصحابه بأسلحتهم‪،‬‬
‫وخرج معه العبيد يقودون الخيل والجمال‪ ،‬وعليها أحمال الديم‪ ،‬وعند‬
‫خروجه )‪ (8‬نادى في أهل مكة فخرجت معه السادات والكابر‪ ،‬وخرج معه‬
‫العبيد والنساء لتوديع هاشم‪ ،‬فأمرهم بالرجوع وسار هو‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬واسرع‪ (2) .‬زاد في المصدر‪ :‬طاهرة مطهرة‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫عقل مكان اعتدال‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬خداش بن زيد بن خزام بن عامر بن‬
‫تميم بن مازن بن النجار‪ ،‬وفي اليعقوبي‪ :‬عمرو بن زيد بن لبيد بن‬
‫خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار‪ ،‬وفي الطبري زيد بن عمرو‬
‫بن لبيد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدى بن النجار‪ ،‬وفي قول‪:‬‬
‫عمرو بن زيد بن لبيد الخزرجي‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬الملوك والكاسرة‬
‫والجبابرة‪ (6) .‬قالوا له أصحابه وبنوا عمه‪ :‬نحن لك ومعك‪ ،‬ونفرح‬
‫لفرحك‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬ثم ان هاشما أمرهم أن يتأهبوا للسفر فخرج‬
‫وخرجوا معه بسلحهم وتيجانهم ولبوسهم‪ ،‬وخرج معه العبيد إ‍ه‪(8) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬بعد قوله‪ :‬الديم‪ :‬ومعهم الدروع والبيض والجواشن‪،‬‬
‫وأخذوا معهم لواء نزار‪ ،‬وهم يومئذ أربعون سيدا من بنى عبد مناف‬
‫وعامر ومخزوم‪ ،‬وساروا القوم حوله‪ ،‬فلما خرج نادى‪.‬‬

‫] ‪[ 41‬‬

‫وبنو عمه وأخوه المطلب إلى يثرب كالسود طالبي بني النجار‪ .‬فلما وصلوا المدينة‬
‫أشرق بنور رسول ال صلى ال عليه وآله ذلك الوادي من غرة هاشم )‪(1‬‬
‫حتى دخل جملة البيوت‪ ،‬فلما رآهم أهل يثرب بادروا إليهم مسرعين‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬من أنتم أيها الناس ؟ فما رأينا أحسن منكم جمال "‪ ،‬ول سيما‬
‫صاحب هذا النور الساطع‪ ،‬والضياء اللمع‪ ،‬قال لهم المطلب‪ :‬نحن أهل‬
‫بيت ال‪ ،‬وسكان حرم ال‪ ،‬نحن بني لوي بن غالب )‪ ،(2‬وهذا أخونا هاشم‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬وقد جئناكم )‪ (3‬خاطبين‪ ،‬وفيكم راغبين‪ ،‬وقد علمتم أن‬
‫أخانا هذا خطبه الملوك والكابر‪ ،‬فما رغب إل فيكم‪ ،‬ونحب أن ترشدونا‬
‫إلى سلمى‪ ،‬وكان أبوها يسمع الخطاب‪ ،‬فقال لهم‪ :‬مرحبا " بكم‪ ،‬أنتم أرباب‬
‫الشرف و المفاخر‪ ،‬والعز والماثر‪ ،‬والسادات الكرام‪ ،‬والمطعمون الطعام )‬
‫‪ ،(4‬ونهاية الجود والكرام‪ ،‬ولكم عندنا ما تطلبون‪ ،‬غير أن المرأة )‪(5‬‬
‫التي خرجتم لجلها وجئتم لها طالبين هي ابنتي وقرة عيني‪ ،‬وهي مالكة‬
‫نفسها )‪ ،(6‬ومع ذلك إنها خرجت بالمس إلى سوق من أسواقنا مع نساء‬
‫من قومها يقال لها سوق بني قينقاع‪ ،‬فإن أقمتم عندنا فأنتم في العناية‬
‫والكلية‪ ،‬وإن أردتم أن تسيروا إليها ففي الرعاية‪ ،‬ومن الخاطب لها‬
‫والراغب فيها ؟ قالوا‪ :‬صاحب هذا النور الساطع‪ ،‬والضياء اللمع‪ ،‬سراج‬
‫بيت ال الحرام‪ ،‬ومصباح الظلم‪ ،‬الموصوف بالجود والكرام )‪ (7‬هاشم‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬صاحب رحلة اليلف‪ ،‬و ذروة الحقاف‪ ،‬فقال أبوها‪ :‬بخ بخ‬
‫لقد علونا وفخرنا بخطبتكم‪ ،‬اعلموا يا من حضر إني‬

‫)‪ (1‬في المصدر بعد قوله‪ :‬بنى النجار‪ :‬قال أبو الحسن البكري‪) :‬ثم ساروا حتى‬
‫أشرفوا على يثرب انقدح نور رسول ال صلى ال عليه وآله من غرة‬
‫هاشم حتى دخل المراقد والبيوت(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬بنى كعب بن لوى‬
‫بن غالب‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬قد جئنا إليكم خاطبين‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لنكم‬
‫أرباب العلء والمفاخر‪ ،‬والشرف والماثر‪ ،‬وكرام عظام‪ ،‬وسادات فخام‬
‫ومطعمين الطعام‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬فلكم ما تحبون‪ ،‬وحصل ما تطلبون‪،‬‬
‫إن المرأة ا‍ه‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬غير أنها مالكة نفسها‪ (7) .‬في المصدر‪:‬‬
‫والكرم‪.‬‬
‫] ‪[ 42‬‬

‫قد رغبت في هذا الرجل أكثر من رغبته )‪ (1‬فينا‪ ،‬غير أني اخبركم أن أمري دون‬
‫أمرها )‪ ،(2‬وها أنا أسير معكم إليها‪ ،‬فانزلوا يا خير زوار‪ ،‬ويا فخر بني‬
‫نزار‪ ،‬قال‪ :‬فنزل هاشم وأخوه وأصحابه وحطوا رحالهم ومتاعهم‪ ،‬وسبق‬
‫أبوها عمرو إلى قومه‪ ،‬ونحر لهم النحاير‪ ،‬وعقر لهم العقاير‪ ،‬وأصلح لهم‬
‫الطعام‪ ،‬وخرجت لهم العبيد بالجفان‪ ،‬فأكلت القوم منه حسب الحاجة‪ ،‬ولم‬
‫يبق من أهل يثرب أحد إل خرج ينظر إلى هاشم ونور وجهه‪ ،‬وخرج‬
‫الوس والخزرج والناس متعجبن من ذلك النور‪ ،‬وخرج اليهود‪ ،‬فلما‬
‫نظروا إليه عرفوه بالصفة التي وجدوها في التوراة والعلمات‪ ،‬فعظم ذلك‬
‫عليهم‪ ،‬وبكوا بكاء شديدا "‪ ،‬فقال بعض اليهود لحبر من أحبارهم‪ :‬ما‬
‫بكاءكم ؟ قال‪ :‬من هذا الرجل الذي يظهر منه سفك دمائكم )‪ (3‬وقد جاءكم‬
‫السفاك القتال الذي تقاتل معه الملك المعروف في كتبكم بالماحي‪ ،‬وهذه‬
‫أنواره قد ابتدرت‪ ،‬قال‪ :‬فبكى اليهود من قوله‪ ،‬وقالوا له‪ :‬يا ابانا فهل هذا‬
‫الذي ذكرت نصل إلى قتله‪ ،‬ونكفي شره ؟ فقال لهم‪ :‬هيهات حيل بينكم‬
‫وبين ما تشتهون‪ ،‬وعجزتم عما تأملون‪ ،‬إن هذا هو المولود الذي ذكرت‬
‫لكم‪ ،‬تقاتل معه الملك من الهواء‪ ،‬ويخاطب من السماء‪ ،‬ويقول‪ :‬قال‬
‫جبرئيل عن رب السماء )‪ ،(4‬فقالوا‪ :‬هذا تكون له هذه المنزلة ؟ قال‪ :‬أعز‬
‫)‪ (5‬من الولد عند الوالد‪ ،‬فإنه أكرم أهل الرض على ال تعالى‪ ،‬وأكرم أهل‬
‫السماوات‪ ،‬فقالوا‪ :‬أيها السيد الكريم نحن نسعى في إطفاء ضوء هذا‬
‫المصباح قبل أن يتمكن ويحدث علينا منه كل مكروه‪ ،‬وأضمر القوم لهاشم‬
‫العداوة‪ ،‬وكان بدء عداوة اليهود من ذلك اليوم لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬فلما أصبح هاشم أمر أصحابه أن يلبسوا أفخرج أثوابهم‪ ،‬وأن‬
‫يظهروا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬رغبتكم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬إن أمرها دون أمرى ولعله مصحف‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬من هذا الرجل الذى يظهر ما يكون منه خراب‬
‫دياركم‪ ،‬وقد جاءكم )‪ (4‬زاد في المصدر‪ :‬وامرت ونهيت‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فقالوا‪ :‬هذا يكون بمنزلة الولد فانه اكرم أهل الرض ا‍ه‪ .‬ولعل‬
‫فيه سقط وصوابه‪ :‬فقالوا‪ :‬هذا يكون بمنزلة الولد ؟ قال‪ :‬أعز من الولد‬
‫عند الوالد‪ ،‬فانه أكرم أهل الرض إ‍ه‪.‬‬

‫] ‪[ 43‬‬

‫زينتهم‪ ،‬فلبسوا ما كان عندهم من الثياب‪ ،‬وما قد أعدوه للزينة والجمال‪ ،‬وأظهروا‬
‫التيجان والجواشن والدروع والبيض‪ ،‬فأقبلوا يريدون سوق بني قينقاع‬
‫وقد شدوا لواء نزار على قناة‪ ،‬وأحاطوا بهاشم عن يمينه وشماله‪ ،‬ومشى‬
‫قدامه العبيد وأبو سلمى معهم وأكابر قومه‪ ،‬ومعهم جماعة من اليهود‪،‬‬
‫فلما أشرفوا على السوق وكان تجتمع إليه الناس من أقاصي البلد‬
‫وأقطارها )‪ (1‬وأهل الحضر وسكانها‪ ،‬فنظر القوم إلى هاشم وأصحابه‬
‫وتركوا معاشهم )‪ (2‬وأقبلوا ينظرون إلى هاشم ويتعجبون من حسنه‬
‫وجماله‪ ،‬وكان هاشم بين أصحابه كالبدر المنير بين الكواكب‪ ،‬وعليه‬
‫السكينة والوقار‪ ،‬فأذهل بجماله أهل السوق‪ ،‬وجعلوا ينظرون إلى النور‬
‫الذي بين عينيه‪ ،‬وكانت سلمى بنت عمرو واقفة مع الناس تنظر إلى هاشم‬
‫وحسنه وجماله وما عليه من الهيبة والوقار‪ ،‬إذ أقبل عليها أبوها وقال‬
‫لها‪ :‬يا سلمى ابشرك بما يسرك ول يضرك‪ ،‬وكانت معجبة بنفسها من‬
‫حسنها وجمالها‪ ،‬فلما نظرت إلى هاشم وجماله نسيت حسنها وجمالها )‬
‫‪ ،(3‬وقالت‪ :‬يا أبت بما تبشرني ؟ قال‪ :‬إن هذا الرجل‪ ،‬إليك خاطب‪ ،‬وفيك‬
‫راغب‪ ،‬وهو يا سلمى من أهل الكفاف والعفاف والجود والضياف هاشم‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬وإنه لم يخرج من الحرم لغير ذلك‪ ،‬فلما سمعت سلمى كلم‬
‫أبيها أعرضت عنه بوجهها وأدركها الحياء منه فأمسكت عن الكلم‪ ،‬ثم‬
‫قالت‪ :‬يا أبت إن النساء يفتخرون على الرجال بالحسن والجمال والقدر‬
‫والكمال‪ ،‬وإذا كان زوج المرأة سيدا " من سادات العرب وكان مليح‬
‫المنظر والمخبر فما أقول لك‪ ،‬وقد عرفت ما جرى بينى وبين احيحة بن‬
‫الجلح )‪ (4‬الوسي وحيلتي عليه حتى خلعت نفسي منه لما علمت أنه لم‬
‫يكن من الكرام‪ ،‬وإن هذا الرجل يدل عظمته ونور وجهه على مروته‪،‬‬
‫وإحسانه يدل على فخره‪ ،‬فإن يكن القوم كما ذكرت قد خطبونا ورغبوا فينا‬
‫فإنى فيهم راغبة‪،‬‬

‫)‪ (1‬أقفارها خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فلما أشرف هاشم على السوق وأصحابه‪،‬‬
‫ونظروا إلى هاشم وأصحابه تركوا معاشهم‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬نسيت‬
‫نفسها وانحقرت‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬الحلج‪.‬‬

‫] ‪[ 44‬‬

‫ولكن لبد أن أطلب منهم المهر )‪ ،(1‬ول اصغر نفسي )‪ ،(2‬وسيكون لنا ولهم‬
‫خطاب وجواب‪ ،‬وكان القول منها لحال أبيها لنها لم تصدق بذلك‪ ،‬حتى‬
‫نزل هاشم قريبا " من السوق واعتزل ناحية عنه‪ ،‬فأقبل أهل السوق إليه‬
‫مسرعين ينظرون إلى نوره حتى ضاع كثير من متاعهم ومعاشهم من‬
‫نظرهم إليه‪ ،‬وقد نصبت له خيمة من الحرير الحمر‪ ،‬و وضعت له‬
‫سرادقات )‪ ،(3‬فلما دخل هاشم وأصحابه الخيمة تفرق أهل السوق عنهم‪،‬‬
‫و جعل يسأل بعضهم بعضا " عن أمر هاشم وقومه‪ ،‬وما أقدمهم عليه )‪(4‬‬
‫من مكة‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه جاء خاطبا " لسلمى فحسدوها عليه‪ ،‬وكانت أجمل أهل‬
‫زمانها وأكملهم حسنا " وجمال "‪ ،‬وكانت جارية تامة معتدلة‪ ،‬لها منظر‬
‫ومخبر )‪ ،(5‬كاملة الوصاف‪ ،‬معتدلة الطراف )‪ ،(6‬سريعة الجواب‪،‬‬
‫حسنة الداب‪ ،‬عاقلة طريفة عفيفة لبيبة‪ ،‬طاهرة من الدناس‪ ،‬فحسدوها‬
‫كلهم على هاشم حتى حسدها إبليس لعنه ال وكان قد تصور لها في صورة‬
‫شيخ كبير )‪ (7‬وقال‪ :‬يا سلمى أنا من أصحاب هاشم قد جئتك ناصحا " لك‬
‫)‪ ،(8‬اعلمي أن لصاحبنا هذا من الحسن والجمال ما رأيت إل أنه رجل‬
‫ملول للنساء‪ ،‬ل تقيم المرأة عنده أكثر من شهرين إذا أراد‪ ،‬وإل فعشرة‬
‫أيام ل غير‪ ،‬وقد تزوج نساء كثيرة‪ ،‬ومع ذلك إنه جبان في الحروب‪ ،‬فقالت‬
‫سلمى‪ :‬إليك عني‪،‬‬

‫)‪ (1‬زاد في المصدر‪ :‬ما نستحقه‪ (2) .‬في نسخة وفي المصدر‪ :‬ول اصغر حالى‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬وكان القول منهم ‪ -‬مصحف منها ‪ -‬تجمل ومحال لبيها‪،‬‬
‫لنها لم تصدق بذلك حتى سمعت صحة الكلم‪ ،‬فلما نزل هاشم قريبا من‬
‫السوق واعتزل بناحية منه أقبلوا أهل السوق و اصحابه كلهم مسرعين‬
‫لينظرون إليه‪ .‬قال أبو الحسن البكري‪) :‬وقد بلغني أنه ضاع كثير من‬
‫معايشهم حتى اشتغلو بالنظر إلى هاشم‪ ،‬قال‪ :‬وضرب له خيمة من الخز‬
‫الحمر‪ ،‬ونصبت له سرادقات(‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وجعلوا يسألون بعضهم‬
‫بعضا‪ .‬وفيه‪ :‬وما أقدمهم عليهم‪ (5) .‬المخبر‪ :‬العلم بالشئ أو إدراكه‬
‫بالخبر أو الختيار ل بالنظر‪ ،‬خلف المنظر‪ (6) .‬العطاف خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬تامة‪ ،‬كاملة العقل‪ ،‬وكاملة الوصاف وسريعة الجواب و فيه‪:‬‬
‫ظريفة‪ (7) .‬زاد في المصدر‪ :‬ذى هيبة وحلية حسنة‪ (8) .‬في المصدر‪:‬‬
‫قد جئتك بخبره وهى نصيحة منى إليك‪ ،‬اعلمي‪.‬‬

‫] ‪[ 45‬‬

‫فو ال لو مل لي حصنا " من المال ما قبلته‪ ،‬ولو مل لي حصون خيبر ذهبا "‬
‫وفضة ما رغبت فيه لهذه الخصال التي ذكرت‪ ،‬ولقد كنت أجبته ورغبت‬
‫فيه وقد قلت رغبتي فيه لهذه الخصال‪ ،‬اذهب عني‪ ،‬فانصرف عنها وتركها‬
‫في همها وغمها‪ ،‬ثم إن إبليس لعنه ال تصور لها بصورة اخرى وزعم انه‬
‫من أصحاب هاشم وذكر لها مثل الول‪ ،‬فقالت‪ :‬أو ليس الذى قد أرسلتك‬
‫إليه أنه ل يرسل إلي رسول " بعد ذلك‪ ،‬فسكت إبليس لعنه ال‪ ،‬فقالت‪ :‬إن‬
‫أرسل رسول " بعدك أمرت بضرب عنقه‪ ،‬فخرج إبليس فرحا " مسرورا‬
‫" وقد ألقى في قلبها البغضة لهاشم‪ ،‬وظن أن هاشما " يرجع خائنا "‪،‬‬
‫فعند ذلك دخل عليها أبوها فوجدها في سكرتها وحيرتها‪ ،‬فقال‪ :‬يا سلمى ما‬
‫الذي حل بك هذا اليوم وهذا يوم سرورك ؟ ! فقالت‪ :‬يا أبت ل تزيدني كلما‬
‫"‪ ،‬فقد فضحتني وأشهرت أمري‪ ،‬أردت أن تزوجني برجل ملول للنساء‪،‬‬
‫كثير الطلق‪ ،‬جبان في الحروب‪ ،‬فضحك أبوها وقال‪ :‬يا سلمى وال ما لهذا‬
‫الرجل شئ من هذه الخصال الثلث‪ ،‬وإنه إلى كرمه الغاية‪ ،‬وإلى جوده‬
‫النهاية‪ ،‬وإنما سمي هاشما " لنه أول من هشم الثريد لقومه‪ ،‬وأما قولك‪:‬‬
‫كثير الطلق فإنه ما طلق امرأة قط‪ ،‬وأما قولك‪ :‬جبان فهو واحد أهل زمانه‬
‫في الشجاعة‪ ،‬وإنه لمعروف عند الناس بالجواب والخطاب والصواب )‪،(1‬‬
‫فقالت‪ :‬يا أبت لو أنه ما جائني عنه إل واحد كذبته وقلت‪ :‬إنه عدو‪ ،‬فقد‬
‫جاءني ثلثة نفر كل واحد منهم يقول مثل مقالة الخر‪ ،‬فقال أبوها‪ :‬ما‬
‫رأينا منه رسول ول جاءنا منه خبر‪ ،‬وكان الشيطان يظهر لهم في ذلك‬
‫الزمان ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬وقد صح عندها ما قاله الشيطان الرجيم وهي‬
‫تظن أنه من بني آدم‪ ،‬وهاشم ل يعلم شيئا " من ذلك )‪ ،(2‬وكان قد عول‬
‫على جمع من قومه في خطبتها )‪ ،(3‬ثم إن سلمى خرجت في بعض‬
‫حوائجها وهي تحب أن تنظر إلى هاشم‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ ،‬والضراب مكان والصواب‪ (2) .‬في المصدر‪ ،‬بعد قوله‪ :‬منه خبر‪:‬‬
‫وانى ورائك معلوم )كذا( الساعة‪ ،‬ثم خرج من عندها وتركها في همها‬
‫وغمها‪ ،‬وقد صح عندها قول الشيطان وأخذ بعقلها‪ ،‬وكان الشيطان في‬
‫ذلك الزمان يظهر لهم ويأخذ بعقولهم ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬ويظنون أنه من‬
‫بنى آدم‪ ،‬وهاشم ل يعلم شيئا من ذلك‪ (3) .‬وقد عول على خطبتها في غد‬
‫في جمع من ذلك خ ل ومثله ما في المصدر‪ .‬قوله‪ :‬عول أي جزم واعتمد‪.‬‬

‫] ‪[ 46‬‬

‫فجمع ال بينهما في الطريق‪ ،‬فوقع في قلبها أمر عظيم من محبته‪ ،‬وكان في ذلك‬
‫الزمان ل تستحي النساء من الرجال‪ ،‬ول يضرب بينهن )‪ (1‬حجاب إلى أن‬
‫بعث محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬و نزل طائفة من اليهود من جهة خيمه‬
‫هاشم‪ ،‬ولما اجتمعت سلمى بهاشم عرفته بالنور الذي في وجهه‪ ،‬وعرفها‬
‫أيضا هو‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا هاشم قد أحببتك )‪ (2‬وأردتك‪ ،‬فإذا كان غدا‬
‫فاخطبني من أبي‪ ،‬ول يعز عليك ما يطلب أبي منك‪ ،‬فإن لم تصله يدك‬
‫ساعدتك عليه‪ ،‬فلما أصبح تأهب هاشم للقاء القوم فتزينوا بزينتهم )‪،(3‬‬
‫وإذا أهل سلمى قد قدموا‪ ،‬فقام من كان في الخيمة إجلل " لهم‪ ،‬وجلس‬
‫هاشم وأخوه وبنو عمه في صدر الخيمة فتطاولت القوم إلى هاشم )‪،(4‬‬
‫فابتدأهم المطلب بالكلم‪ ،‬وقال‪ :‬يا أهل الشرف والكرام والفضل والنعام‪،‬‬
‫نحن وفد بيت ال الحرام‪ ،‬والمشاعر العظام )‪ ،(5‬وإلينا سعة القدام )‪،(6‬‬
‫وأنتم تعلمون شرفنا وسوددنا‪ ،‬وما قد خصصنا )‪ (7‬ال به من النور‬
‫الساطع‪ ،‬والضياء اللمع‪ ،‬ونحن بنو لوي بن غالب‪ ،‬قد انتقل هذا النور إلى‬
‫عبد مناف‪ ،‬ثم إلى أخينا هاشم‪ ،‬وهو معنا من آدم إلى أن صار إلى هاشم )‬
‫‪ ،(8‬وقد ساقه ال إليكم‪ ،‬وأقدمه عليكم‪ ،‬فنحن لكريمتكم خاطبون‪ ،‬وفيكم‬
‫راغبون‪ ،‬ثم أمسك عن الكلم‪ ،‬فقال عمرو أبو سلمى‪ :‬لكم التحية والكرام‬
‫والجابة والعظام‪ ،‬وقد قبلنا خطبتكم‪ ،‬وأجبنا دعوتكم‪ ،‬وأنتم تعرفون‬
‫عليتنا )‪ ،(9‬ول يخفى عليكم أحوالنا‪ ،‬ولبد من تقدير المهر كما كان سلفنا‬
‫و‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ول يضربن عليهن حجابا‪ (2) .‬قد أجبتك خ ل‪ (3) .‬زاد في‬
‫المصدر‪ :‬وأوصى أخاه المطلب أن يكون خطيبا‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬إلى‬
‫هاشم بالعناق‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وزمزم والمقام‪ .‬مكان والمشاعر‬
‫الغطام‪ (6) .‬زاد في المصدر‪ :‬والينا يرد الورى‪ (7) .‬خصنا ال خ ل‬
‫ومثله ما في المصدر‪ (8) .‬في المصدر زيادة‪ :‬يجرى من قنوات طاهرات‬
‫إلى بطون مطهرة‪ (9) .‬العلية بالضم والكسر‪ :‬بيت منفصل عن الرض‬
‫ببيت ونحوه‪ ،‬ويقال‪ :‬هو من علية قومه وعليتهم وعليهم وعليهم أي من‬
‫أهل الرفعة والشرف فيهم‪ .‬وفي هامش نسخة المصنف بخطه‪ :‬عليقتنا خ‬
‫ل‪.‬‬

‫] ‪[ 47‬‬

‫آباؤنا )‪ ،(1‬ولول ذلك ما واجهناكم بشئ من ذلك ول قابلناكم به أبدا "‪ ،‬فعند ذلك‬
‫قال المطلب‪ :‬لكم عندي مأة ناقة سود الحدق‪ ،‬حمر الوبر‪ ،‬لم يعلها جمل‪،‬‬
‫فبكى إبليس لعنه ال وكان من جملة من حضر‪ ،‬وجلس عند أبي سلمى‬
‫وأشار إليه أن اطلب الزيادة‪ ،‬فقال أبو سلمى‪ :‬معاشر السادات ما هذا ؟ هذا‬
‫قدر ابنتنا عندكم ؟ فقال المطلب‪ :‬ولكم ألف مثقال من الذهب الحمر‪ ،‬فغمز‬
‫إبليس لعنه ال أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة‪ ،‬فقال‪ :‬يافتى قصرت‬
‫في حقنا فيما قلت )‪ ،(2‬وأقللت فيما بذلت‪ ،‬فقال‪ :‬ولكم عندنا حمل عنبر‪،‬‬
‫وعشرة أثواب من قباطي مصر‪ ،‬وعشرة من أراضي العراق‪ ،‬فقد‬
‫أنصفناكم‪ ،‬فغمز إبليس لعنه ال أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا فتى قد قاربت وأجملت‪ ،‬قال له المطلب‪ :‬ولكم خمس وصايف‬
‫برسم الخدمة‪ ،‬فهل تريدون أكثر من ذلك ؟ فأشار إليه إبليس لعنه ال أن‬
‫اطلب الزيادة‪ ،‬فقال أبو سلمى‪ :‬يا فتى إن الذي بذلتموه لنا إليكم راجع‪،‬‬
‫فقال المطلب‪ :‬ولكم عشر أواق من المسك الذفر‪ ،‬وخمسة أقداح )‪ (3‬من‬
‫الكافور‪ ،‬فهل رضيتم أم ل ؟ فهم إبليس أن يغمز أبا سلمى فصاح به أبو‬
‫سلمى وقال له‪ :‬يا شيخ السوء اخرج لقد جئت شيئا " نكرا‪ ،‬فوال لقد‬
‫أخجلتني‪ ،‬فقال له المطلب‪ :‬اخرج يا شيخ السوء‪ ،‬فقام الشيطان وخرج‪،‬‬
‫وخرج اليهود معه‪ ،‬فقال إبليس‪ :‬يا عمرو إن الذي شرطته في مهر ابنتك‬
‫قليل‪ ،‬وإنما أردت أن أطلب من القوم ما تفتخر به ابنتك على سائر نسائها‬
‫وأهل زمانها‪ ،‬ولقد هممت أن أشرط عليه أن يبني لها قصرا طوله عشرة‬
‫فراسخ‪ ،‬وعرضه مثل ذلك‪ ،‬ويكون شاهقا " في الهواء‪ ،‬باسقا " في‬
‫السماء )‪ ،(4‬وفي أعله مجلس ينظر منه إلى أيوان كسرى‪ ،‬وينظر إلى‬
‫المراكب منحدرات في البحر‪ ،‬ثم يجلب إليه نهرا " من الدجلة والفرات‬
‫عرضه مأة ذراع‪ ،‬تجري فيه المراكب )‪ ،(5‬ثم يغرس حول النهر‬

‫)‪ (1‬وآباؤكم خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬سلفنا وسلفكم وآباؤنا وآباؤكم‪ (2) .‬في المصدر‪:‬‬
‫قصرت في حقنا مما بذلت‪ (3) .‬أواق خ ل‪ (4) .‬شهق الجبل‪ :‬ارتفع فهو‬
‫شاهق‪ .‬بسق النخل‪ :‬ارتفعت أغصانه وطال فهو باسق‪ (5) .‬في المصدر‪:‬‬
‫تجرى فيه المراكب منحدرات ومصعدات‪.‬‬

‫] ‪[ 48‬‬

‫نخلت معتدلت ل ينقطع ثمرها صيفا " ول شتاء "‪ ،‬قال المطلب‪ :‬يا ويلك ومن‬
‫يقدر على ذلك يا شيخ السوء ؟ فقد أسرفت فيما قلت‪ ،‬من يصل إلى ما‬
‫أردت ؟ )‪ (1‬فصاح به أبو سلمى والمطلب فأخذته الصيحة من كل مكان‪،‬‬
‫وكان مراد إبليس لعنه ال تفرق المجلس‪ ،‬ثم قال أرمون بن قيطون‪ :‬يا‬
‫قوم إن هذا الشيخ أحكم الحكماء‪ ،‬وهو معروف في بلدنا بالحكمة‪ ،‬وفي‬
‫الشام والعراق‪ ،‬وبعد ذلك إننا ما نزوج ابنتنا برجل غريب من غير بلدنا‪،‬‬
‫فقامت اليهود وهم أربع مأة يهودي وأهل الحرم أربعون سيدا " وجردوا‬
‫سيوفهم‪ ،‬وقال هاشم لصحابه‪ :‬دونكم القوم‪ ،‬فهذا تأويل رؤياي‪ ،‬فقامت‬
‫الصيحة فيهم فوثب المطلب على أرمون بن قيطون‪ ،‬ووثب هاشم على‬
‫إبليس لعنه ال فانحاز يريد الهرب فأدركه هاشم وقبضه ورفعه وجلد به‬
‫الرض )‪ ،(2‬فصرخ صرخة عظيمة لما غشاه )‪ (3‬نور رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وصار ريحا "‪ ،‬فالتفت هاشم إلى أخيه المطلب فوجده قد قتل‬
‫أرمون بن قيطون وقسمه نصفين‪ ،‬وقتل هاشم وأصحابه جمعا " كثيرا "‬
‫من اليهود‪ ،‬ووقعت الرجفة في المدينة‪ ،‬وخرج الرجال والنساء وانهزم‬
‫اليهود على وجوههم‪ ،‬ورجع أبو سلمى وقال لقومه‪ :‬مزجتم الفرح‬
‫بالترح ؟ وما كان سبب الفتنة إل من إبليس )‪ (4‬لعنه ال‪ ،‬فوضع )‪(5‬‬
‫السيف عن اليهود بعد أن قتل منهم سبعين )‪ (6‬رجل‪ ،‬وكانت عداوة‬
‫اليهود لرسول ال صلى ال عليه وآله من ذلك اليوم‪ ،‬ثم إن هاشما " قال‬
‫لصحابه‪ :‬هذا تأويل رؤياي‪ ،‬فافتقد اليهود الحبر فلم يجدوه )‪ ،(7‬فقال‬
‫هاشم‪ :‬يا معاشر اليهود إنما أغواكم الشيطان الرجيم‪ ،‬فانظروا إلى‬
‫صاحبكم‪ ،‬فإن وجدتموه فاعلموا أنه كما زعمتم حكيم من حكمائكم‪ ،‬وإن لم‬
‫تجدوه فقد حيل بينكم‬
‫)‪ (1‬من يصل إلى ما نطقت خ ل وكذا في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فأدركه هاشم‬
‫وقبض على مجامع طوقه وجذبه ورفعه فجلد به الرض إ‍ه قلت‪ :‬جلد به‬
‫الرض‪ :‬صرعه‪ (3) .‬غشيه خ ل‪ (4) .‬ال ابليس خ ل ومثله ما في‬
‫المصدر‪ (5) .‬فرع خ ل وكذا في المصدر‪ (6) .‬اثنين وسبعين خ ل وهكذا‬
‫في المصدر‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬ثم ان اليهود افتقدوا الحبر فلم‬
‫يجدوه‪.‬‬

‫] ‪[ 49‬‬

‫وبينه وظننتم أنه من أحباركم وما هو إل الشيطان أغواكم‪ ،‬ثم إن أبا سلمى عمد إلى‬
‫إصلح شأنه‪ ،‬ورجع القوم إلى أماكنهم وقد امتلؤا غيظا " على اليهود‪،‬‬
‫فأقبل هاشم إلى منزله واصلح الولئم )‪ ،(1‬وأمر العبيد أن يحملوا الجفان‬
‫المترعة باللبن ولحوم الضأن والبل‪ ،‬ثم إن عمروا " مضى إلى ابنته وقال‬
‫لها‪ :‬إن الرجل الذي يقول لك‪ :‬إن هاشما " لجبان قد نطق بالمحال‪ ،‬وال‬
‫لو ل أمسكته وأحلف عليه ما ترك من القوم واحدا "‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبت امض‬
‫معهم على كل حال ول ملمة للئم )‪ ،(2‬قال‪ :‬فلما أكلوا ورفعوا أيديهم قال‬
‫لهم أبو سلمى‪ :‬يا معاشر السادات اصرفوا عن قلبوكم الغيظ وكل هم‪،‬‬
‫فنحن لكم وابنتنا هدية‪ ،‬فقال له المطلب‪ :‬لك ما ذكرناه وزيادة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫أخي هاشم أرضيت بما تكلمت به عنك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فعند ذلك تصافحوا‪،‬‬
‫ومضى أبو سلمى وأخرج من كمه دنانير )‪ (3‬ودراهم فنثر الدنانير على‬
‫هاشم وأخيه المطلب‪ ،‬ونثر الدراهم على أصحابه‪ ،‬ونثر عليهم زرير‬
‫المسك الذفر‪ ،‬والكافور والعنبر‪ ،‬حتى غمر أطمارهم )‪ ،(4‬ثم قال‪ :‬يا هاشم‬
‫تحب الدخول على زوجتك هذه الليلة أو تصبر لها حتى تصلح لها شأنها )‬
‫‪ (5‬؟ قال‪ :‬بل أصبر حتى تصلح شأنها‪ ،‬فعند ذلك أمر بتقديم مطاياهم‪،‬‬
‫فركبوا وخرجوا‪ ،‬ثم إن هاشما " دفع إلى أخيه المطلب ما حضره من‬
‫المال‪ ،‬وأمره أن يدفعه إلى سلمى‪ ،‬فلما جائها المطلب فرحت به وبذلك‬
‫المال وقبلته‪ ،‬وقالت‪ :‬يا سيد الحرم وخير من مشى على قدم سلم على‬
‫أخيك وقل له‪ :‬ما الرغبة إل فيك )‪ ،(6‬فاحفظ منا ما حفظنا منك‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫قل )‪ (7‬له ما أقول لك‪ ،‬قال‪ :‬قولي ما بدا لك‪ ،‬قالت‪ :‬قل لخيك‪ :‬إني امرأة‬
‫كان لي رجل اسمه احيحة بن الجلح )‪ (8‬الوسي‪ ،‬وكان كثير المال‪ ،‬فلما‬
‫تزوجته اشترطت عليه أنه متى أساء إلي‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فلما جلس هاشم وأخوه وأصحابه مضى عمرو إلى منزله وأصلح‬
‫الولئم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ول تطمع ملمة اللئم‪ (3) .‬وخرج وفي كمه‬
‫دنانير خ ل ومثله ما في المصدر‪ (4) .‬الطمار جمع الطمر‪ :‬الثوب‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬حتى تصلح شأنها‪ (6) .‬في نسخة وفي المصدر‪ :‬ال فيه‪) .‬‬
‫‪ (7‬في المصدر‪ :‬تقول له‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬الحلج‪.‬‬

‫] ‪[ 50‬‬

‫فارقته‪ ،‬وكان من قصتي أني رزقت منه ولدا فأردت فراقه فأخذت خيطا " وربطته‬
‫في رجل الطفل‪ ،‬فجعل الطفل يبكي تلك الليلة حتى مضى من الليل ثلثه أو‬
‫نصفه‪ ،‬وقطعت الخيط من رجل الطفل‪ ،‬فنام الطفل وأبوه‪ ،‬فخرجت إلى‬
‫أهلي‪ ،‬فانتبه الرجل فلم يجدني فعلم أنها حيلة مني عليه‪ ،‬وأنا قد حدثتك‬
‫بهذا الحديث لتخبر به أخاك لكيل يخفى عليه شئ من أمري‪ ،‬ول يشتغل‬
‫عني بباقي نسائه‪ ،‬فقال المطلب عند ذلك‪ :‬اعلمي أن أخي قد تطاولت إليه‬
‫الملوك في خطبته‪ ،‬ورغبوا في تزويجه فأبى حتى أتاه آت في منامه‬
‫فأخبره بخبرك فرغب فيك‪ ،‬وأراد أن يستودعك هذا النور الذي استودعه‬
‫ال إياه بعد النبياء‪ ،‬فأسأل ال أن يتم لكم السرور‪ ،‬وأن يكفيكم كل محذور‬
‫)‪ ،(1‬ثم إنه خرج وهي تشيعه ومعها نساء من قومها‪ ،‬فمضى إلى أخيه‬
‫وأخبره بما قالت له سلمى‪ ،‬فضحك لذلك وقال له‪ :‬بلغت الرسالة‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫أقام هاشم أياما " ودخل على زوجته سلمى في مدينة يثرب وحضر‬
‫عرسها الحاضر والبادي من جميع الفاق‪ ،‬فلما دخل بها رأى ما يسره من‬
‫الحسن والجمال‪ ،‬والهيئة والكمال‪ ،‬ثم إن سلمى دفعت إليه جميع المال‬
‫الذي دفعه إليها وزادته أضعافا "‪ ،‬فلما واقعها حملت منه في ليلتها بعبد‬
‫المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وهذا حديث تزويج سلمى‬
‫بهاشم‪ ،‬وكان أهل يثرب يعملون الولئم‪ ،‬ويطعمون الناس إكراما " لهاشم‬
‫وأصحابه‪ ،‬وقد زاد سلمى حسنا " وجمال وصار أهل يثرب يهنؤنها بما‬
‫خصها ال تعالى به )‪ .(2‬قال‪ :‬أبو الحسن البكري‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا‬
‫الرواة لهذا الحديث أنه لما‬

‫)‪ (1‬وأن يقيكم شر كل محذور خ ل وفي المصدر‪ (2) .‬في المصدر بعد قوله‪) :‬جد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله(‪ :‬وأهل يثرب كل يوم يعملون الولئم‪،‬‬
‫ويطعمون الناس اكراما لهاشم وأصحابه‪ ،‬وسلمى قد زاد حسنها وجمالها‬
‫على سائر نساء يثرب‪ ،‬وهن تهنؤها بذلك الشرف العالي الذى خصها ال‬
‫عزوجل وخص قومها وافتخار هم بما يحدث الكهان والحبار عن صفات‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬وما يكون من أمر ولد هاشم‪ ،‬وما‬
‫يتم له من القتال مع اليهود‪ ،‬وسلمى وقومها يقتلون اليهود‪ ،‬ويرجعون‬
‫اليهود بالذلة والكسرة‪ ،‬ولم يقم هاشم عندها ال ليال قلئل ثم سافر غزة‬
‫الشام ومات بها‪ .‬تم الجزء الول والحمد ل رب العالمين‪ .‬قلت‪ :‬وفي‬
‫الحديث ما ل يخفى من الغرابة والرسال‪.‬‬
‫] ‪[ 51‬‬

‫تزوج هاشم بن عبد مناف بسلمى بنت عمرو النجارية ودخل بها حملت بعبد‬
‫المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وانتقل النور الذي كان في‬
‫وجهه إلى سلمى زادها حسنا " وجمال وبهجة وكمال حتى شاع حسنها‬
‫في الفاق‪ ،‬وكان يناديها الشجر )‪ (1‬والحجر والمدر بالتحية والكرام‪،‬‬
‫وتسمع قائل يقول عن يمينها‪ :‬السلم عليك يا خير البشر )‪ ،(2‬ولم تزل‬
‫تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها حتى إذا‬
‫كان ذات ليلة سمعت قائل )‪ (3‬يقول‪ :‬لك البشر إذ اوتيت أكرم من مشى *‬
‫وخير الناس من حضر وبادي وقال‪ :‬لما سمعت ذلك لم تدع هاشما "‬
‫يلمسها بعد ذلك )‪ .(4‬قال‪ :‬ثم إن هاشما " أقام في المدينة أياما " حتى‬
‫اشتهر حمل سلمى‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا سلمى )‪ (5‬إني أودعتك الوديعة التي‬
‫أودعها ال تعالى آدم عليه السلم‪ ،‬وأودعها آدم عليه السلم‪ ،‬ولدها شيثا‬
‫" عليه السلم‪ ،‬ولم يزالوا يتوارثونها من واحد إلى واحد إلى أن وصلت‬
‫إلينا‪ ،‬وشرفنا ال بهذا النور‪ ،‬وقد أودعته إياك‪ ،‬وها أنا آخذ عليك العهد‬
‫والميثاق بأن تقيه وتحفظيه‪ ،‬وإن أتيت به وأنا غائب عنك فليكن عندك‬
‫بمنزلة الحدقة من العين‪ ،‬والروح بين الجنبين‪ ،‬وإن قدرت على أن ل تراه‬
‫العيون فافعلي‪ ،‬فإن له حسادا " وأضدادا "‪ ،‬وأشد الناس عليه اليهود‪،‬‬
‫وقد رأيت ما جرى بيننا وبينهم يوم خطبتك‪ ،‬وإن لم أرجع من سفري هذا‬
‫أو سمعت أني قد هلكت فليكن عندك محفوظا " مكرما " إلى أن يترعرع )‬
‫‪ ،(6‬واحمليه إلى الحرم إلى عمومته في دار عزه ونصرته‪ ،‬ثم قال لها‪:‬‬
‫اسمعي واحفظي ما قلت لك‪ ،‬قالت‪ :‬نعم قد سمعت وأطعت ولقد أوجعتني‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬حتى كان الناس يتعجبون من حسنها وجمالها‪ ،‬وشاع حسن‬
‫سلمى في جميع الفاق‪ ،‬قال‪) :‬وكانت إذا مشت يناديها الشجر(‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬يا خير نساء البشر‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وهى نائمة إذ سمعت‬
‫قائل‪ (4) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬وهو كلم الهاتف ولعل يلمسها مصحف‬
‫تلمسك‪ .‬وفي المصدر‪ :‬فلما سمعت ذلك قالت‪ :‬لم أدع هاشما يل مسنى‬
‫ول يقربني بعد ذلك‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ثم انه عزم على الخروج إلى غزة‬
‫الشام وأوصى زوجته وقال‪ :‬يا سلمى‪ (6) .‬ترعرع الصبى‪ ،‬ونشأ وشب‪.‬‬

‫] ‪[ 52‬‬

‫بكلمك‪ ،‬فأنا أسأل ال العظيم أن يردك سالما "‪ ،‬ثم خرج هاشم وأخوه المطلب‬
‫وأصحابه وأقبل عليهم وقال‪ :‬يا بني أبي وعشيرتي من بني لوي إن الموت‬
‫سبيل لبد منه‪ ،‬وأنا غائب عنكم‪ ،‬ول أدري أني أرجع إليكم أم ل‪ ،‬وأنا‬
‫اوصيكم‪ :‬إياكم والتفرق والشتاة فتذهب حميتكم‪ ،‬وتقل قيمتكم‪ ،‬ويهين‬
‫قدركم عند الملوك‪ ،‬ويطمع فيكم الطامع‪ ،‬فهل أنت يا أخي لما أقول لك‬
‫سامع ؟ وإني مخلف فيكم ومقدم عليكم أخي المطلب دون إخوتي‪ ،‬لنه من‬
‫أبي وامي‪ ،‬وأعز الخلق عندي‪ ،‬وإن سمعتم وصيتي وقدمتموه وسلمتم إليه‬
‫مفاتيح الكعبة وسقاية الحاج ولواء نزار وكل ما كان من مكارم النبياء‬
‫سعدتم )‪ ،(1‬وإني أوصيكم بولدي الذي اشتملت عليه سلمى‪ ،‬فإنه سيكون‬
‫له شأن عظيم‪ ،‬ول تخالفوا قولي‪ ،‬قالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا غير أنك كسرت‬
‫قلوبنا بوصيتك‪ ،‬وأزعجت أفئدتنا بقولك‪ ،‬قال‪ :‬ثم إن هاشما " سافر إلى‬
‫غزة )‪ (2‬الشام فحضر موسمها وباع أمتعته وشرى ما كان يصلح له‪،‬‬
‫واشترى لسلمى طرفا " وتحفا "‪ ،‬ثم إنه تجهز للسفر فلما كان الليلة التي‬
‫عزم فيها على الرحيل طرقته حوادث الزمان‪ ،‬وأتته العلة‪ ،‬فأصبح مثقل‪،‬‬
‫وارتحل رفقاءه وبقي هاشم وعبيدة وأصحابه )‪ ،(3‬فقال لهم‪ :‬ألحقوا‬
‫بأصحابكم فإنى هالك ل محالة‪ ،‬وارجعوا إلى مكة وإن مررتم على يثرب )‬
‫‪ (4‬فاقرءوا زوجتي سلمى عني السلم‪ ،‬وأخبروها بخبري‪ ،‬وعزوها في‬
‫شخصي‪ ،‬وأوصوها بولدي‪ ،‬فهو أكبر همي‪ ،‬ولو له ما نلت أمري‪ ،‬فبكى‬
‫القوم بكاء شديدا " فقالوا‪ :‬ما نبرح عنك حتى ننظر ما يكون من أمرك‪،‬‬
‫وأقاموا يومهم )‪ ،(5‬فلما أصبحوا ترادفت )‪ (6‬عليه المراض‪ ،‬فقالوا له‪:‬‬
‫كيف تجد نفسك ؟ فقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ولواء نزار‪ ،‬ونعل شيث‪ ،‬وقميص ابراهيم‪ ،‬وقوس إسماعيل‪،‬‬
‫وخاتم نوح والحجابة والرفادة وكل ما كان من مكارم النبياء‪ ،‬وكل ما‬
‫كان لعبد مناف‪ ،‬فان فعلتم ذلك سعدتم‪ (2) .‬غزة بفتح أوله وتشديد ثانيه‬
‫وفتحه‪ :‬مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر‪ ،‬بينها و بين عسقلن‬
‫فرسخان أو أقل‪ ،‬وفيها مات هاشم وبها قبره ولذا يقال لها‪ :‬غزة هاشم‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬وغلمانه واصحابه‪ (4) .‬بيثرب خ ل وفي المصدر‪ :‬إلى‬
‫يثرب‪ (5) .‬ليلتهم خ ل‪ (6) .‬أي تتابعت‪.‬‬

‫] ‪[ 53‬‬

‫ل مقام لي معكم أكثر من يومي هذا‪ ،‬وغدا " توسدوني التراب )‪ ،(1‬فبكى القوم‬
‫بكاء " شديدا " وعلموا أنه مفارق الدنيا‪ ،‬ولم يزالوا يشاهدونه )‪ (2‬حتى‬
‫طلع الفجر الول‪ ،‬فاشتد به المر‪ ،‬فقال لهم‪ :‬اقعدوني وسندوني وآتوني‬
‫بدواة وقرطاس‪ ،‬فأتوه بما طلب‪ ،‬وجعل يكتب وأصابعه ترتعد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل‪ ،‬جائه أمر موله بالرحيل‪ ،‬أما بعد‬
‫فإني كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب‪ ،‬لنه ل لحد من‬
‫الموت مهرب )‪ ،(3‬وإني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية‪،‬‬
‫ول تنسوا البعيدة عنكم )‪ (4‬التي آخذت نوركم‪ ،‬وحوت عزكم سلمى‪،‬‬
‫واوصيكم بولدي الذي منها‪ ،‬وقولوا‪ :‬لخلدة )‪ (5‬وصفية ورقية يبكين‬
‫علي‪ ،‬ويندبن ندب الثاكلت‪ ،‬ثم بلغوا سلمى عني السلم وقولوا لها‪ :‬آه ثم‬
‫آه‪ ،‬إني لم أشبع من قربها‪ ،‬والنظر إليها وإلى ولدها‪ ،‬والسلم عليكم‬
‫ورحمة ال إلى يوم النشور‪ ،‬ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى اصحابه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬اضجعوني فأضجعوه‪ ،‬فشخص ببصره نحو السماء ثم قال‪ :‬رفقا "‬
‫" رفقا " أيها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى‪ ،‬وكأنه كان‬
‫مصباحا وانطفئ‪ ،‬ثم لما مات جهزوه ودفنوه وقبره معروف هناك‪ ،‬ثم عزم‬
‫عبيدة وغلمانه على الرحيل بأمواله وفيه يقول الشاعر‪ :‬اليوم هاشم قد‬
‫مضى لسبيله * يا عين جودي منك بالعبرات وابكي على البدر المنير‬
‫بحرقة * وابكي على الضرغام طول حياتي آه أبو كعب مضى لسبيله * يا‬
‫عين فابكى الجود بالعبرات صعب العريكة لبه لوم ول * فشل غداة الروع‬
‫والكربات يا عين ابكي غيث جود هاطل * أعني ابن عبد مناف ذي‬
‫الخيرات‬

‫)‪ (1‬أي تجعلون تحت رأسي تراب قبري‪ (2) .‬يساهروه خ ل وكذا في المصدر‪(3) .‬‬
‫وروحي بالموت تجذب ومالحد خ ل وكذا في المصدر وفيه‪ :‬مالحد منه‬
‫مهرب‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬البعيدة الغائبة عنكم‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬لخالدة‪.‬‬

‫] ‪[ 54‬‬

‫وابكى لكرم من مشى فوق الثرى * فلجله قد أردفت زفراتي قال‪ :‬وسار القوم‬
‫حتى أشرفوا على يثرب فبكو بكاء " شديدا "‪ ،‬ونادوا‪ :‬وا هاشماه‪،‬‬
‫واعزاه‪ ،‬وخرج الناس وخرجت سلمى وأبوها وعشيرتها فنظروا وإذا "‬
‫بخيل هاشم قد جزوا نواصيها وشعورها‪ ،‬وعبيد هاشم يبكون )‪ ،(1‬فلما‬
‫سمعت سلمى بموت هاشم مزقت أثوابها‪ ،‬ولطمت خدها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫واهاشماه‪ ،‬مات وال لفقدك الكرم والعز من بعدك‪ ،‬يا هاشماه يا نور عيني‬
‫من لولدك الذي لم تر عيناك ؟ قال‪ :‬فضج الناس بالبكاء والنحيب‪ ،‬ثم إن‬
‫سلمى أخذت سيفا " من سيوف هاشم وعطفت به على ركابه وعقرتها‬
‫عن آخرها‪ ،‬وحسبت ثمنها على نفسها‪ ،‬وقالت لوصي هاشم‪ :‬اقرء المطلب‬
‫عني السلم وقل له‪ :‬إني على عهد أخيه‪ ،‬وإن الرجال بعده علي حرام‪ ،‬ثم‬
‫إن العبيد والغلمان ساروا إلى مكة وقد سبقهم الناعي إلى أولده وعياله‪،‬‬
‫فأكثر أهل مكة البكاء والنحيب‪ ،‬وخرج الرجال وخرجت نساء قريش‬
‫منشرات الشعور‪ ،‬ومشققات الجيوب‪ ،‬وخرجت نساء سادات بني عبد‬
‫مناف‪ ،‬وتقدمت خلدة )‪ (2‬تلومهم حيث إنهم لم يحملوه إلى الحرم وأنشأت‬
‫تقول‪ :‬يا أيها الناعون أفضل من مشى * الفاضل بن الفاضل بن الفاضل‬
‫اسد الثرى ما زال يحمي أهله * من ظالم أو معتد بالباطل ماضي العزيمة‬
‫أروع ذي همة * عليا وجود كالسحاب الهاطل زين العشيرة كلها وعمادها‬
‫* عند الهزاهز طاعن بالذابل )‪ (3‬إن السميدع قد مضى )‪ (4‬في بلدة *‬
‫بالشام بين صحاصح وجنادل قال‪ :‬فلما فرغت من شعرها أتت إليهم بنته‬
‫الشعثاء فحثت التراب على وجههم‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وخرجت سلمى وأبوها وقومها فنظروا إلى مطايا هاشم قد قصوا‬
‫نواصيها و شعورها‪ ،‬وكل جنيبه ومطية عليها من أثواب هاشم‪ ،‬وعبيدة‬
‫واصحابه يبكون‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬خالدة بنت الورقاء‪ (3) .‬أي بالرمح‬
‫الدقيق‪ (4) .‬ان السميدع قد ثوى خ ل السميدع‪ :‬السيد الكريم‪ .‬الشريف‪.‬‬
‫الشجاع‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 55‬‬

‫وقالت‪ :‬بئس العشيرة أنتم ضيعوا سيدهم‪ ،‬وأسلموا عمادهم‪ ،‬أما كان هاشم مشفقا‬
‫" عليكم‪ ،‬إذا نزل به الموت أن تحملوه إلى بلده وعشيرته حتى نشاهده‪،‬‬
‫وأنشأت بعد ذلك تقول‪ :‬يا عين جودي وسحي )‪ (1‬دمعك الهطل * على‬
‫كريم ثوى في الشام ثم خل زين الورى ذاك الذي سن القرى * كرما " ولم‬
‫ير في يديه مذ نشا بخل قال‪ :‬فلما فرغت من شعرها أقبلت ابنة الطليعة‬
‫حليلة هاشم تقول )‪ :(2‬أل يا أيها الركب الذين تركتموا * كريمكم بالشام‬
‫رهن مقام ألم تعرفوا ما قدره وفخاره * أل إنكم أولى الورى بملم أيا‬
‫عبرتي سحي عليه فقد مضى * أخو الجود والضياف تحت رخام قال‪:‬‬
‫وكان آخر من رثاه من بناته رقية فإنها جعلت تندب وتقول‪ :‬عين جودي‬
‫بالبكاء والعويل * لخ الفضل والسخاء الفضيل طيب الصل في العزيمة‬
‫ماض * سمهري )‪ (3‬في النايبات أصيل قال‪ :‬فبكى القوم عند ذلك وفكوا‬
‫كتابه وقرءوه فجددوا حزنهم‪ ،‬ثم قدموا أخاه المطلب وسودوه عليهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن أخي عبد شمس أكبر مني وأحق بهذا المر‪ ،‬فقال عبد شمس‪:‬‬
‫وأيم ال إنك خليفة أخي هاشم‪ ،‬قال‪ :‬فرضوا أهل مكة بذلك‪ ،‬وسلموا له )‬
‫‪ (4‬لواء نزار‪ ،‬ومفاتيح الكعبة والسقاية والرفادة ودار الندوة‪ ،‬وقوس‬
‫إسماعيل عليه السلم‪ ،‬ونعل شيث عليه السلم‪ ،‬وقميص إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ ،‬وخاتم نوح عليه السلم‪ ،‬وما كان في أيديهم من مكارم النبياء‪،‬‬
‫وأقام المطلب أياما " )‪ ،(5‬فلما اشتد بسلمى الحمل وجائها المخاض وهى‬
‫ل تجد ألما " إذ سمعت هاتفا " يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬أي صبى صبا " متتابعا غزيرا‪ (2) .‬ابنته الصفية تقول خ ل‪ (3) .‬اسمهر‪:‬‬
‫اشتد وصلب‪ ،‬اعتدل كالرمح‪ ،‬يقال‪ :‬رمح سمهرى ورماح سمهرية‪ .‬قد‬
‫سمهري‪ :‬اعتدل‪ (4) .‬وسلموا إليه خ ل ومثله في المصدر‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬كمل الجزء الثاني بعون ال وحسن توفيقه ول حول ول قوة ال‬
‫بال العلى العظيم‪ .‬قال ابو الحسن البكري‪ :‬حدثنا أشيخانا وأسلفنا الرواة‬
‫لهذا الحديث قالوا‪ :‬ثم ان سلمى بها وقت حملها‪.‬‬

‫] ‪[ 56‬‬

‫يا زينة النساء من بني النجار * بال اسدلي عليه بالستار واحجبيه عن أعين‬
‫النظار * كي تسعدي في جملة القطار قال‪ :‬فلما سمعت شعر الهاتف‬
‫أغلقت بابها‪ ،‬وأسدلت سترها‪ ،‬وكتمت أمرها‪ ،‬فبينما هي تعالج نفسها إذ‬
‫نطرت إلى حجاب من نور قد ضرب عليها من البيت إلى عنان السماء‪،‬‬
‫وحبس ال عنها الشيطان الرجيم‪ ،‬فولدت شيبة الحمد‪ ،‬وقامت وتولت‬
‫أمرها )‪ ،(1‬ولما وضعته سطع منه )‪ (2‬نور شعشعاني‪ ،‬وكان ذلك النور‬
‫نور رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فضحك وتبسم )‪ ،(3‬فتعجبت امه من‬
‫ذلك‪ ،‬ثم نظرت إليه فإذا هي بشعرة بيضاء تلوح في رأسه‪ ،‬فقالت‪ :‬نعم أنت‬
‫شيبة كما سميت‪ ،‬ثم إن سلمى درجته في ثوب من صوف وقمطته وهيأته‬
‫ولم تعلم به أحدا " من قومها حتى مضت له أيام‪ ،‬وصارت تلعبه ويهش‬
‫إليها‪ ،‬فلما كمل له شهر علم الناس فأقبلت القوابل إليها فوجودها تلعبه )‬
‫‪ ،(4‬فلما صار له شهران مشى ولم يكن على اليهود أشد منه )‪ (5‬وأكثر‬
‫ضررا "‪ ،‬وكانوا إذا نظروا إليه امتلؤا غيظا " وخنقا " )‪ (6‬لما يعلمون‬
‫بما سيظهر منه من تدميرهم‪ ،‬وخراب أوطانم وديارهم‪ ،‬وقطع آثارهم )‪،(7‬‬
‫وكانت امه إذا ركبت ركب معها أبطال الوس والخزرج‪ ،‬وكانت مطاعة‬
‫بينهم )‪ ،(8‬وكان إذا خرج يلعب يقفون )‪ (9‬الناس من حوله يفرحون به‬
‫أولدهم )‪ ،(10‬وكانت امه ل تأمن عليه أحدا "‪ ،‬فلما تم له سبع سنين‬
‫اشتد حبله‪ ،‬وقوى بأسه‪ ،‬وتبين‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقامت من وقتها وساعتها وتولت نفسها‪ (2) .‬وسطع من غرته‬
‫نور شعشعانى خ ل ومثله ما في المصدر‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وإذا الطفل‬
‫قد ضحك وتبسم‪ (4) .‬فوجدوه يلعب امه خ ل ومثله ما في المصدر‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬أشد منه عداوة‪ (6) .‬وكمدا خ ل‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬لما‬
‫علموا سيظهر منه ما يدمرهم ويخرب ديارهم ويقطع آثارهم‪ (8) .‬مطاعة‬
‫فيهم خ ل‪ (9) .‬يقف خ ل‪ (10) .‬يفرحون به دون أولدهم خ ل ومثله في‬
‫المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 57‬‬
‫للناس فضله‪ ،‬وكان يحمل الشئ الثقيل‪ ،‬ويأخذ الصبي ويصرعه‪ ،‬فلم يشكوه إلى‬
‫امه وكان يهشم عظامهم‪ .‬قال أبو الحسن البكري‪ :‬بلغنا أن رجل من بني‬
‫الحارث دخل يثرب في حاجة )‪ (1‬فإذا هو بابن هاشم يلعب مع الصبيان قد‬
‫غمرهم بنوره‪ ،‬فوقف الرجل ينظر )‪ (2‬إلى الصبي وهو يقول‪ :‬ما أسعد من‬
‫أنت في ديارهم ساكن ؟ وكان يلعب وهو يقول‪ :‬أنا ابن زمزم والصفا‪ ،‬أنا‬
‫ابن هاشم وكفى‪ ،‬قال‪ :‬فناداه الرجل‪ :‬يا فتى‪ ،‬فأجاب وقال‪ :‬ما تريد يا عم ؟‬
‫قال‪ :‬ما اسمك ؟ قال‪ :‬شيبة بن هاشم بن عبد مناف‪ ،‬مات أبي وجفوني‬
‫عمومتي‪ ،‬وبقيت مع امي وأخوالي‪ ،‬فمن أين أقبلت يا عم ؟ قال‪ :‬من مكة‪،‬‬
‫قال‪ :‬وهل أنت متحمل لي رسالة )‪ (3‬ومتقلد لي أمانة ؟ قال الحارث‪ :‬وحق‬
‫ابي وأبيك إني فاعل ما تأمرني به‪ ،‬قال‪ :‬يا عم إذا رجعت إلى بلدك سالما "‬
‫ورأيت بني عبد مناف فاقرءهم مني السلم وقل لهم‪ :‬إن معي رسالة غلم‬
‫يتيم‪ ،‬مات أبوه‪ ،‬وجفوه عمومته‪ ،‬يا بني عبد مناف ما أسرع ما نسيتم‬
‫وصية هاشم‪ ،‬وضيعتم نسله‪ ،‬وإذا هبت الريح تحمل روائحكم إلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فبكى الرجل واستوى على مطيته وأرسل زمامها )‪ (4‬حتى قدم مكة‪ ،‬فلم‬
‫يكن له همة إل رسالة الغلم‪ ،‬ثم أتى مجلس بني عبد مناف فوجدهم جلوسا‬
‫" فأنعمهم صباحا‪ ،‬وقال‪ :‬يا أهل الفضل والشراف‪ ،‬يا بني عبد مناف‪،‬‬
‫أراكم قد غفلتم عن عزكم وتركتم مصباحكم يستضئ به غيركم‪ ،‬قالوا‪ :‬وما‬
‫ذلك ؟ فأخبرهم بوصية ابن أخيهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأيم ال ما ظننا أنه صار إلى‬
‫هذا المر‪ ،‬فقال لهم الحارث‪ :‬وإنه )‪ (5‬ليعجز الفصحاء عن فصاحته‪،‬‬
‫ويعجز اللبيب عن خطابه )‪ ،(6‬وإنه لفصيح اللسان‪ ،‬جري الجنان‪ ،‬يتحير‬
‫في كلمه اللبيب‪ ،‬فائق على العلماء‪ ،‬عاقل أديب‪ ،‬إلى عقله الكفاية‪ ،‬وإلى‬
‫جماله النهاية‪ ،‬فقال عمه المطلب بن عبد مناف‪ :‬شعرا "‪:‬‬

‫)‪ (1‬في حاجة له خ ل‪ (2) .‬يناظر إلى الصبى خ ل‪ (3) .‬متحمل منى رسالة خ ل‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬وأرخى زمامها‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وال أنه ليعجز‪(6) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬عن خطابته‪.‬‬

‫] ‪[ 58‬‬

‫أقسمت بالسلف الماضين من مضر * وهاشم الفاضل المشهور في المم لمضين‬


‫إليه الن مجتهدا * وأقطعن إليه البيد في الظلم السيد الماجد المشهور من‬
‫مضر * نور النام وأهل البيت والحرم قال‪ :‬وكان المطلب أشد أهل زمانه‬
‫بأسا " في الشجاعة‪ ،‬فقال له إخوته‪ :‬نخشي عليك إن علمت امه لم تدعه‬
‫يخرج معك )‪ ،(1‬لنها شرطت على أخيك ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا قوم إن لي في ذلك‬
‫أمرا " ادبره‪ ،‬ثم إنه تهيأ للخروج‪ ،‬وأفرغ على نفسه لمة )‪ (2‬حربه‪،‬‬
‫وركب مطيته وخرج وقد أخفى نفسه خوفا " أن يشعر به أحد فيخبر سلمى‬
‫ثم أقبل يجد السير حتى أقبل )‪ (3‬على مدينة يثرب وقد ضيق لثامه‪ ،‬ودخل‬
‫المدينة فوجد شيبة يلعب فعرفه بالنور الذي أودعه ال فيه‪ ،‬وهو قد رفع‬
‫صخرة عظيمة وقال‪ :‬أنا ابن هاشم المعروف بالعظائم‪ ،‬فلما سمع كلمه‬
‫عمه أناخ مطيته وناداه‪ :‬ادن مني يابن أخي‪ ،‬فأسرع إليه شيبة فقال له‪:‬‬
‫من أنت يا هذا ؟ فقد مال قلبي إليك وأظنك أحد عمومتي‪ ،‬فقال له‪ :‬أنا عمك‬
‫المطلب‪ ،‬وأسبل عبرته )‪ ،(4‬وجعل يقبله وقال‪ :‬يابن أخي احب أن تمضي‬
‫معي إلى بلد أبيك وعمومتك‪ ،‬وتكون في دار عزك‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فركب‬
‫المطلب‪ ،‬وركب شيبة معه وسارا‪ ،‬فقال له شيبة‪ :‬يا عم اسرع بنا لني‬
‫أخشى أن يعلموا )‪ (5‬بنا امي وعشيرتها فيلحقوا بنا )‪ (6‬فيأخذوني قهرا‬
‫"‪ ،‬أما علمت أنه يركب لركوبها أبطال الوس والخزرج‪ ،‬فقال له‪ :‬يابن‬
‫أخي في ال الكفاية )‪ ،(7‬ثم سارا وركبا الجادة الكبرى حتى أدركهم‬
‫المساء بذي الحليفة فنزل وسقيا مطيتهما‪ ،‬ثم إن المطلب ركب مطية )‪(8‬‬
‫وأخذ‬

‫)‪ (1‬يخرج معك الينا خ ل‪ (2) .‬اللمة‪ :‬الدرع‪ (3) .‬حتى اشرف خ ل‪ (4) .‬أسبل‬
‫الدمع‪ :‬أرخاه‪ .‬والعبرة‪ :‬الدمعة‪ (5) .‬أن تعلم خ ل‪ (6) .‬في المصدر‪:‬‬
‫فيلحقون بنا‪ (7) .‬في ال الكفاية من كل رزية‪ .‬ومثله في المصدر‪(8) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬ثم إن المطلب استوى على المطية‪.‬‬

‫] ‪[ 59‬‬

‫ابن أخيه شيبة قدامه وأرسل زمامها وسارا‪ ،‬فبينما هما كذلك إذ سمعا صهيل الخيل‬
‫و قعقعة )‪ (1‬اللجم وهمهمة الرجال في جوف الليل‪ ،‬فقال المطلب‪ :‬يابن‬
‫أخي دهينا )‪ (2‬ورب الكعبة فما نصنع ؟ قال شيبة‪ :‬ألم أقل لك إن القوم‬
‫يلحقون بنا‪ ،‬فانحرف بنا عن الجادة إلى الطريق السفلى‪ ،‬قال المطلب‪:‬‬
‫وكيف يخفى أمرنا عليهم ونورك يدل علينا قال‪ :‬أستر وجهي )‪ .(2‬فعسى‬
‫أن يخفى أمرنا عليهم‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ المطلب ثوبا " وطواه ثلث طيات وستر‬
‫به وجهه‪ ،‬وإذا بالنور عل من وجهه كما كان‪ ،‬فقال‪ :‬يابن أخي إن لك شأنا‬
‫" عظيما " عند ال‪ ،‬فإن الذي أعطاك هذا النور يصرف عنا )‪ (4‬كل‬
‫محذور‪ ،‬قال‪ :‬فبينا هو يخاطب ابن أخيه إذ أدركتهما الخيل وكانوا من‬
‫اليهود‪ ،‬فلما رأوا شيبة علموا أنه هو الذي يخرج من ذريته من يسومهم‬
‫سؤ العذاب‪ ،‬ويكون خراب ديارهم على يديه وقد بلغهم )‪ (5‬في ذلك اليوم‬
‫أن شيبة قد خرج هو وعمه ول ثالث لهما فأدركهم الطمع في قتله‪،‬‬
‫فخرجوا وخرج معهم سيد )‪ (6‬من سادات اليهود يقال له‪ :‬دحية‪ ،‬وكان له‬
‫ولد يقال له‪ :‬لطية‪ ،‬فخرج يوما " يلعب مع الصبيان فأخذ شيبة عظم بعير‬
‫وضرب به ابن دحية فهشم رأسه وشجه شجة موضحة )‪ ،(7‬وقال له‪ :‬يا‬
‫ابن اليهودية قد قرب أجلك )‪ ،(8‬و دنا خراب دياركم‪ ،‬فبلغ الخبر إلى أبيه‬
‫دحية فامتل غيظا "‪ ،‬فلما علم أنه قد خرج مع‬

‫)‪ (1‬أي صوت اللجم‪ (2) .‬أصبنا بداهية‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وكيف يخفى أمرنا‬
‫ونورك قد يدلوا علينا وقد أنار ما حولها‪ ،‬فقال يا عم استر وجهى‪(4) .‬‬
‫يصرف عنك خ ل ومثله في المصدر‪ (5) .‬في المصدر زيادة‪ :‬ويخفى‬
‫آثارهم وكان قد بلغهم‪ (6) .‬فخرجوا في أثره وكان قد خرج في جمعهم‬
‫سيد ا‍ه‪ (7) .‬هشم راسه‪ :‬كسره‪ .‬شج الرأس‪ :‬جرحه‪ .‬كسره‪ .‬قوله‪:‬‬
‫)موضحة( من أوضحت الشجة في الرأس‪ :‬كشف العظم‪ .‬وفي المصدر‪:‬‬
‫واضحة مكان موضحة‪ (8) .‬قربت آجالكم خ ل ومثله في المصدر وفيه‬
‫أيضا‪ ،‬ودنا قلع آثاركم مكان خراب دياركم‪ ،‬وفيه‪ :‬فامتلء غيظا عليه‬
‫وحنقا‪ ،‬فلما علم بخروجه مع عمه نادى بأعلى صوته‪ ،‬يا معاشر اليهود‪.‬‬

‫] ‪[ 60‬‬

‫عمه نادى‪ :‬يا معاشر اليهود‪ ،‬هذا الغلم الذى تخشونه قد خرج معه عمه وما لهما‬
‫ثالث فاسرعوا إليه واقتلوه‪ ،‬فخرجوا وكان عددهم سبعين فارسا "‪،‬‬
‫فلحقوا بشيبة وعمه‪ ،‬فقال لعمه شيبة‪ :‬يا عم انزلني حتى أراك قدرة ال‬
‫تعالى فأنزله عمه فقصده القوم )‪ (1‬فجثا على الطريق وجعل يمرغ وجهه‬
‫في التراب ويدعوا ويقول في دعائه‪) :‬يا رب الظلم الغامر‪ ،‬والفلك الدائر )‬
‫‪ ،(2‬يا رب السبع الطباق‪ ،‬يا مقسم الرزاق‪ ،‬أسألك بحق الشفيع المشفع‪،‬‬
‫والنور المستودع‪ ،‬أن ترد عنا كيد أعدائنا( فما استتم دعاؤه حتى كادت‬
‫الخيل تهجم عليهم‪ ،‬فوقفت الخيل‪ ،‬فقال ابن دحية لطية‪ :‬يابن هاشم )‪(3‬‬
‫اصرف عنا هذا الخطاب وكثرة الجواب‪ ،‬فنحن ل نشك فيك يا بن عبد‬
‫مناف‪ ،‬فأنتم السادات )‪ ،(4‬اعلموا أنا ما خرجنا طالبين كيدكم‪ ،‬ولكن‬
‫خرجنا كى نردك إلى امك‪ ،‬فلقد كنت مصباح بلدتنا‪ ،‬فقال شيبة‪ :‬أراكم‬
‫تنظرون إلي بعين مغضب‪ ،‬فكيف تكون في قلوبكم المحبة لي ؟ لكن لما‬
‫رأيتم قدرة ال تعالى قلتم‪ :‬هذا الكلم‪ ،‬وتركهم‪ ،‬وسار إلى عمه‪ ،‬فقال له‬
‫المطلب‪ :‬يابن أخي إن لك عند ال شأنا "‪ ،‬ثم جعل يقبله‪ ،‬وسارا وسار‬
‫القوم راجعين‪ ،‬قال لهم لطية )‪:(5‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فعسى أن نقتله ونصرف عنا شره قال‪) :‬فخرجوا مسرعين وكانوا‬
‫سبعين فارسا فأطلقوا العنة وقوموا ولحقوا بشيبة وعمه‪ ،‬ثم ان شيبة‬
‫قال لعمه ان اليهود لحقوابنا وهم أشد عداوة وما جاؤا ال في طلبى‪ ،‬فقال‬
‫له عمه‪ :‬يابن أخى ل تخف فوحق الكعبة الكبرى ل يصلون اليك بمكروه‬
‫أبدا "‪ ،‬فقال شيبة‪ :‬يا عم انزلني حتى أراك قدرة ال تعالى الذى خلقني‬
‫وجعل هذا النور في وجهى‪ ،‬قال‪ :‬فأنزله عمه‪ ،‬فلما وصل الرض قام‬
‫قائما فقصده القوم(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬والبحر الزاخر‪ .‬وأثبته المصنف‬
‫في الهامش عن نسخة‪ (3) .‬فوقف الخيل ل تقدر على المسير خ ل وفي‬
‫المصدر فبقيت الخيل في وحل ل تقدر على المسير‪ .‬وفيه‪ :‬فقال دحية‪ :‬يا‬
‫بن هاشم‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬صرف الخطاب‪ ،‬وكثرة الجواب فنحن ما نشك‬
‫فيه يابن عبد مناف فانتم السادات الشراف‪ (5) .‬في المصدر‪ ،‬يا دحية‬
‫اليهود‪ ،‬وشاة القرود‪ ،‬انكم تنظرون إلى بعين مقت‪ ،‬فكيف قدح في قلوبكم‬
‫المحبة لنا‪ ،‬فان ذلك محال‪ ،‬لكن لما رأيتم قدرة ال عز وجل وانكم ل‬
‫تصلون الينا و ان ال يحول بيننا وبينكم نطقتم بالوسواس‪ ،‬ثم تركهم‬
‫ومضى إلى ابن عمه‪ ،‬فقال له المطلب‪ :‬يا خير من مشى‪ ،‬ان لك عند ال‬
‫تعالى شأنا‪ ،‬ثم جعل يقبله ويقول‪ :‬ان لك عند ال حرمة عظيمة‪ ،‬قال‪ :‬وان‬
‫القوم لما ولوا عنهم ساقوا خيلهم راجعين‪ ،‬فقال لهم لطية‪.‬‬

‫] ‪[ 61‬‬

‫ألم تعلموا أن هؤلء معدن السحر ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬يا بني إسرائيل يا امة الكليم قد‬
‫سحركم هذا الغلم وعمه فدعونا نترجل‪ ،‬فاتبعوهم من ورائهم شاهرين‬
‫سيوفهم وقصدوا شيبة‪ ،‬فلما قربوا قال المطلب‪ :‬الن قد حققت الحقائق )‬
‫‪ ،(1‬وأخذ المطلب قوسه وجعل فيه سهما " ورمى )‪ (2‬بها اليهود فقتل‬
‫بها عبد لطية‪ ،‬فأتاه سيده وقد مات‪ ،‬و قد أخذ اخرى ورمى بها فأصابت‬
‫رجل آخر فقتله‪ ،‬فصاحوا بأجمعهم وهموا بالرجوع‪ ،‬فقال لهم لطية‪ :‬عار‬
‫عليكم الرجوع عن اثنين‪ ،‬فإلى متى يصيبون منا بنبلهم ؟ فل بد أن يفرغ‬
‫نبلهم ونقتلهم‪ ،‬ولم يكن )‪ (3‬في القوم أشجع منه‪ ،‬وكان من يهود خيبر‪،‬‬
‫فعند ذلك حملوا عليهما حملة رجل واحد‪ ،‬وجاء لطية إلى المطلب وقال‪:‬‬
‫قف لي اكلمك بما فيه المصلحة ونرجع )‪ (4‬عنكم‪ ،‬قال شيبة‪ :‬يا عم إن‬
‫القوم قد عزموا علينا‪ ،‬فقال المطلب‪ :‬يا معاشر اليهود ليس فيكم شفيق ول‬
‫حبيب‪ ،‬والمقام له بين عمومته خير له فانصرفوا راجعين‪ ،‬فقال لهم لطية‪:‬‬
‫كيف يرجع هذا الجمع خائبا " ونحن قد خرجنا ومرادنا أن نرده إلى أمه ؟‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬قد سحرنا هذا الغلم وعمه‪ ،‬وقد سحروا خيلنا‪ ،‬وان هذه المصيبة‬
‫الكبرى أن يرجع هذا الجمع العظيم خائبين وهم اثنين‪ ،‬قال‪ :‬فلما علموا‬
‫اليهود أن خيلهم ل تقدر على الوصول إليهم نزلوا عن خيلهم وجردوا‬
‫سيوفهم‪ ،‬ومشوا إليهم على أقدامهم‪ ،‬فلما قربوا من شيبة وعمه قال‬
‫المطلب‪ :‬الن حق الحقائق‪ ،‬وزالت العوائق‪ (2) .‬في المصدر زيادة‪:‬‬
‫وكان قوس اسماعيل عليه السلم‪ .‬وأتبة المصنف في الهامش عن‬
‫نسخة‪ .‬وفي المصدر‪ :‬وأخذ نبلة وجعلها في كبد القوس ورمى‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وجذب النبلة منه فأخرجها مع روحه‪ ،‬فبينا هم متحيرين في‬
‫أمرها هم فرماهم بآخر فاصاب رجل منهم في جبهته‪ ،‬فخرجت النبلة من‬
‫قفاه‪ ،‬فجاء اليهود إليه فوجدوه ميتا فصاحوا بأجمعهم وهموا بالرجوع‪،‬‬
‫فقال لهم ابن دحية‪ :‬هيهات قد كان رجوعكم ما كان بعد قتل هؤلء عار‬
‫عليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أيها السيد الكريم وما تراه من الحلية ؟ قال‪ :‬وكم يكون‬
‫النبل ؟ فعسى أن يكون عشرة فيصيب بها عشرة منا‪ ،‬وليس كلها تصيب‬
‫وتقتل‪ ،‬فإذا ظفرنا بهم قتلناه وقتلنا عمه‪ ،‬فعار علينا أن نتركهما وهما‬
‫اثنان ونحن سبعون فارسا‪ ،‬قال‪ :‬فحرصهم على القتال‪ ،‬ولم يكن ا‍ه‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫الظاهر أن كلمة ‪ -‬ابن ‪ -‬زائدة وصوابه دحية‪ ،‬لن ابنه كما تقدم قبل لم‬
‫يبلغ مبلغ الرجال‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فعند ذلك أخذوا سيفوفهم ودرقهم‬
‫وهموا أن يأخذوا شيبة وعمه المطلب‪ ،‬يقدمهم لطية بن دحية‪ ،‬ثم انه‬
‫زعق بهم وقال‪ :‬يا بن هاشم قف لى حتى اعلمك ما يكون فيه المصلحة‬
‫بيننا وبينكم ونرجع إلى أماكننا‪.‬‬

‫] ‪[ 62‬‬

‫فقال لهم المطلب‪ :‬أنتم قوم ظالمون )‪ ،(1‬لقد أكثرتم الكلم‪ ،‬وأطلتم الملم‪ ،‬ثم قال‬
‫المطلب‪ :‬إنما غرضي أن تمضي إلى عمومتك‪ ،‬فإن كنت تعرف من القوم‬
‫الصدق فارجع معهم حتى تكبر وتبلغ مبالغ الرجال‪ ،‬ثم تعود إلى بلد‬
‫عمومتك‪ ،‬قال‪ :‬يا عم ل يغرنك كلمهم‪ ،‬إنهم أعداءنا‪ ،‬قال عمه‪ :‬صدقت‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم إن المطلب قال لهم‪ :‬يا حزب الشيطان بنا تمكرون‪ ،‬وعلينا تحتالون‬
‫؟ إنما ساقكم إلينا آجالكم‪ ،‬فمن شاء )‪ (2‬منكم أن يبرز إلى القتال فليبرز‪،‬‬
‫فلما سمعوا كلم المطلب قال لهم لطية‪ :‬أما تعلمون أن هذا فارس بني عبد‬
‫مناف الذي يفرق العرب ؟ من يبرز إليه فله )‪ (3‬عندي مأة نخلة حاملة‬
‫ليس فيها ذكر‪ ،‬فقال له رجل يقال له‪) :‬جميع( من بني قريظة وكان للطية‬
‫عليه دين‪ :‬أنا أبرز إليه واترك دينك عني‪ ،‬قال‪ :‬نعم ولك مثله‪ ،‬فاشهدوا يا‬
‫من حضر‪ ،‬ثم خرج جميع إلى المطلب وهو ل يعلم به حتى قرب منه‪ ،‬فقال‬
‫له المطلب‪ :‬ل أشك أنه قد ساقك قصر أجلك‪ ،‬ثم ضربه بالسيف فقال‪ :‬خذها‬
‫وأنا المطلب بن عبد مناف‪ ،‬فمات من ساعته‪ ،‬فأقبل اليهود و أحاطوا به‪،‬‬
‫فلما رأى لطية ما حل باصحابه غضب غضبا " شديدا " وقال‪ :‬من يبرز‬
‫إليه فله )‪ (4‬عندي ما يريد‪ ،‬فقال له غلب‪ :‬ما لهذا البطل إل بطل مثله‪،‬‬
‫أبرز إليه أنت‪،‬‬

‫)‪ (1‬ضالون خ ل‪ ،‬قلت‪ :‬قد اختلف هنا المصدر مع ما نقل عنه في المتن‪ ،‬والظاهر‬
‫أن متن الكتاب مختصر منه‪ ،‬والموجود في المصدر بعد قوله‪) :‬قد عزموا‬
‫علينا( هكذا‪ :‬مما دهاهم منا‪ ،‬قال‪ :‬فناداهم المطلب وقال‪ :‬يا معاشر اليهود‬
‫ما كفاكم ما جرى لكم‪ ،‬ول شك أن آجالكم تسوقكم الينا‪ ،‬فان زعمتم أنكم‬
‫تطلبون ابن أخى فو ال لن تصلوا إليه حتى تقتلوني دونه‪ ،‬فقال له لطية‬
‫بن دحية‪ :‬يابن عبد مناف اعلم ما جئناكم ال شفقة عليكم‪ ،‬ومحبة في ابن‬
‫أخيك‪ ،‬لنه قد تربى في بلدنا ومع أولدنا‪ ،‬والثانى أن له علينا أياديا‬
‫واحسانا "‪ ،‬فأردنا أن نرده إلى امه‪ ،‬فقال لهم المطلب‪ :‬يا قوم ليس منكم‬
‫قريب ول شفيق ول حبيب‪ ،‬والمقام بين عمومته أحب إليه‪ ،‬فانصرفوا‬
‫راجعين‪ ،‬اليكم قاصدين‪ ،‬قالوا‪ :‬أردنا أن نردك إلى امك‪ ،‬فقال لهم المطلب‪:‬‬
‫أنتم قوم ضالون‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ثم ان المطلب اهتز في موضعه وكان‬
‫من الفرسان المعدودين والبطال المعروفين‪ ،‬وقد شد وسطه وعطف‬
‫نحوهم فقال لهم‪ :‬يا حزب الشيطان بنا تمكرون‪ ،‬وعلينا تحتالون و‬
‫تخدعون ؟ اعلموا ما ساقكم الينا في هذه الليلة ال قصر آجالكم‪ ،‬واعلموا‬
‫أن السد ل يقبضن بالخداع‪ ،‬والبحر ل يقاس بالذراع‪ ،‬فان كنتم عطف‬
‫ظنكم أن تصلون الينا بالخداع قبل قطع واختلف النفوس )كذا( وتتكلمون‬
‫بمكركم وخداعكم فهذا بعيد عنكم‪ ،‬فمن شاء ا‍ه‪ 3) .‬و ‪ (4‬وله عندي خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 63‬‬

‫قال‪ :‬نعم أنا أبرز إليه وجرد سيفه ودنا من المطلب فتقاتل من أول النهار حتى‬
‫مضى من الليل أكثره )‪ ،(1‬واليهود فرحون إذ برز لطية للمطلب هذا‪،‬‬
‫وعينا شيبة يهملن دموعا " خوفا " على عمه المطلب‪ ،‬فبيناهم كذلك‬
‫وإذا " بغبرة قد ثارت كأنها )‪ (2‬الليل المظلم )‪ (3‬وقد سدت الفق‪ ،‬وإذا‬
‫بصهيل الخيل‪ ،‬وقعقعة اللجم‪ ،‬واصطفاق السنة‪ ،‬وإذاهم أربعمأة وهم‬
‫فرسان الوس والخزرج قد أقبلوا من المدينة مع سلمى وأبيها‪ ،‬فلما نظرت‬
‫إلى اليهود مجتمعين على حرب المطلب صاحت بهم صيحة عظيمة وقالت‪:‬‬
‫يا ويلكم ما هذا الفعال ؟ فهم لطية بالهزيمة فقال له المطلب‪ :‬إلى أين يا‬
‫عدو ال‪ ،‬الفرار )‪ (4‬من الموت‪ ،‬ثم ضربه بالسيف على عاتقه فقسمه‬
‫نصفين‪ ،‬وعجل ال بروحه إلى النار وبئس القرار‪ ،‬وجالت الفرسان على‬
‫اليهود‪ ،‬فما كان إل قليل حتى باد )‪ (5‬جميع اليهود‪ ،‬فعند ذلك عطفوا على‬
‫المطلب والسيف مشهور في يده وقد دفع القوس إلى ابن أخيه‪ ،‬فلما جالت‬
‫الكتائب خافت سلمى على ولدها فأومأت إلى القوم وكانت مطاعة فيهم‬
‫فأمسكوا عن القتال‪ ،‬فتقدمت سلمى إلى المطلب ونادته وقالت‪ :‬من الهاجم‬
‫على مرابط السد والخاطف من اللبوة شبلها ؟ قال المطلب‪ :‬هو من يزيده‬
‫شرفا " على شرفه‪ ،‬وعزا " إلى عزه‪ ،‬وهو أشفق عليه منكم‪ ،‬وأنا أرجو‬
‫أن يكون صاحب الحرم‪ ،‬والمتولي على المم‪ ،‬وأنا عمه المطلب‪ ،‬فلما‬
‫سمعت كلمه قالت‪ :‬مرحبا " )‪ (6‬وأهل وسهل‪ ،‬ولم ل تستأذني في حملك‬
‫ولدنا‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذته الحمية‪ ،‬وغضب وتجرد من ثيابه‪ ،‬وركب‬
‫جواده‪ ،‬و أخذ درقته وسيفه وقد عزم على القتال‪ ،‬فلما رآه المطلب أقبل‬
‫مسرعا اليهما فأخذ المطلب بيد ابن أخيه ورجع إلى عدو ال قاصدا غير‬
‫طايش‪ ،‬فتقابل الكبشين وتناطحا وتجاول حتى مضى أكثر الليل ا‍ه‪ .‬قلت‪:‬‬
‫قد قدمنا أن الظاهر أن لطية مصحف داحية‪ (2) .‬في المصدر زيادة‪ :‬فلما‬
‫طال عليهما القتال وقد مل كل واحد منهما صاحبه وإذا هم بغبرة قد ثارت‬
‫عليهم كأنها ا‍ه‪ (3) .‬كأنها قطع الليل المظلم خ ل‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬أين‬
‫الفرار‪ .‬وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة‪ (5) .‬حتى أبادوا خ ل‪) .‬‬
‫‪ (6‬في المصدر زيادة‪ :‬ما أنا بعدو ول معاند انا عمه وجماله‪ ،‬فلما سمعت‬
‫كلمه سلمى قالت‪ ،‬من أنت من عمومته ؟ قال‪ :‬أنا الذى زوجتك من أبيك‪،‬‬
‫فقالت له عند ذلك‪ :‬مرحبا‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 64‬‬

‫من بلدنا‪ ،‬وأنا قد شرطت على أبيه إن رزقت منه ولدا " يكون عندي ول يفارقني‪،‬‬
‫فقال لها المطلب‪ :‬كان ذلك‪ ،‬ثم أقبلت على ولدها‪ ،‬وقالت‪ :‬يا ولدي خرجت‬
‫مع عمك وتركتني‪ ،‬والن إن أردت أن ترجع معي فارجع‪ ،‬وإن اخترت‬
‫عمك فامض راشدا "‪ ،‬فلما سمع كلم امه أطرق إلى الرض‪ ،‬فقالت له‬
‫امه‪ :‬يا بني لم تسكت وأنت طلق اللسان‪ ،‬جرئ الجنان ؟ فوحق أبيك إني ل‬
‫أمنعك عن شهوتك‪ ،‬وإن عز علي فراقك يا ولدي‪ ،‬فرفع رأسه وقد سبقته‬
‫العبرة فقال‪ :‬يا اماه أخشى مخالفتك لنه محرم علي عصياني لك‪ ،‬ولكن‬
‫احب مجاورة بيت ربي‪ ،‬وأنظر إلى عمومتي وعشيرتي‪ ،‬فإن أمرتني‬
‫بالمسير سرت وإل رجعت‪ ،‬فعند ذلك بكت وقالت له‪ :‬إذا كان كذلك فقد‬
‫سمحت لك برضى مني‪ ،‬و قد كنت مستأنسة بغرتك )‪ (1‬فل تنسني‪ ،‬ول‬
‫تقطع أخبارك عني‪ ،‬ثم قبلته وودعته‪ ،‬وقالت‪ :‬يابن عبد مناف قد سلمت‬
‫إليك الوديعة التي استودعنيها أخوك هاشم بالعهد والميثاق‪ ،‬فاحتفظ بها‪،‬‬
‫فإذا بلغ ولدي مبالغ الرجال ولم أكن حاضرة فانظروا بمن تزوجونه‪ ،‬فقال‬
‫لها المطلب‪ :‬تكرمت بما فعلت‪ ،‬وأجملت فيما وصفت )‪ ،(2‬ونحن ل ننسى‬
‫حقك ما حيينا‪ ،‬ثم عطف عليها يودعها فقالت سلمى‪ :‬خذوا من هذا الثياب‬
‫والخيل ما تريدون‪ ،‬فشكرها المطلب وأردف ابن أخيه وسارا حتى قربا من‬
‫مكة فأضاءت شعابها )‪ (3‬وأنارت الكعبة‪ ،‬فأقبلت الناس ينظرون إليه‪ ،‬وإذا‬
‫هم بالمطلب يحمل ابن أخيه‪ ،‬فسألوه عنه و قالوا‪ :‬من هذا يابن عبد مناف‬
‫الذي قد أضائت به البلد ؟ فقال لهم المطلب‪ :‬هذا عبد لي‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما أجمل‬
‫هذا العبد‪ ،‬فسموه الناس من ذلك عبد المطلب‪ ،‬وأقبل إلى منزله وكتم أمره‪،‬‬
‫وقد عجبت الناس منه ومن نوره وهم ل يعلمون أنه جد رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬ثم إنه ظهرت له )‪ (4‬آيات ومعجزات ومناقب ودللت تدل‬
‫على النبوة )‪.(5‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مستأنسة بقربك عمن مضى‪ (2) .‬فيما صنعت خ ل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فقال له المطلب‪ :‬يابن أخى انى كاتم أمرك حتى ارقيك في مرتبة‬
‫أبيك فدخل مكة وضاءت شعابها‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لعبد المطلب‪ (5) .‬هنا‬
‫تم الجزء الثالث وفي المصدر بعد ذلك‪ :‬الجزء الرابع من كتاب النوار‪.‬‬

‫] ‪[ 65‬‬

‫وقال أبو الحسن البكري‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث أنه لما قدم‬
‫المطلب وشيبة إلى الحرم وكان بين عينيه نور رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله كانت قريش تتبرك به‪ ،‬فإذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم نازلة‬
‫أودهمهم طارق )‪ (1‬أو نزل بهم قحط توسلوا بنور رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فيكشف ال عنهم ما نزل بهم‪ ،‬قال‪ :‬وكان أعجب نازلة نزلت بهم‬
‫وأعجب آية ظهرت لهم ما جرى من أصحاب الفيل وهو أبرهة بن الصباح‪،‬‬
‫وكان ملك اليمن‪ ،‬وقيل‪ :‬ملك الحبشة )‪ (2‬الذي ذكره ال في كتابه العزيز‪،‬‬
‫وكان قد أشرف منه أهل مكة على الهلك‪ ،‬وقد حلف أنه يقطع آثارهم‪،‬‬
‫ويهدم الكعبة‪ ،‬ويرمى بأحجارها في بحر جدة‪ ،‬ويحفر أساسها‪ ،‬فكشفه ال‬
‫عن البيت وأهله ببركة عبد المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬قال‬
‫صاحب الحديث‪ :‬فأما ما اجتمعت عليه الروايات وأصحاب الحديث أنه‬
‫نزلت جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارة فدخلوا في كنيسة من‬
‫كنائس النصارى‪ ،‬و أوقدوا بها نارا " يصطلون عليها‪ ،‬ويصلحون بها‬
‫طعاما " لهم ورحلوا لم يطفؤها فهبت ريح فأحرقت جميع ما في الكنيسة‪،‬‬
‫فلما دخلوا قالوا‪ :‬من فعل هذا ؟ قالوا‪ :‬كان )‪ (3‬بها تجار من عرب مكة‪،‬‬
‫فأخبروا بذلك النجاشي وكان ملك اليمن أو ملك الحبشة ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫ما أحرق معبدنا إل العرب‪ ،‬فغضب لذلك غضبا " شديدا "‪ ،‬وقال‪ :‬لحرقن‬
‫معبدهم كما أحرقوا معبدنا‪ ،‬فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح وأرسل معه‬
‫أربعمأة فيل‪ ،‬وأرسل معه مأة ألف مقاتل‪ ،‬وقال له‪ :‬امضى إلى كعبتهم‬
‫وانقضها حجرا " حجرا "‪ ،‬وارمها في بحر جدة‪ ،‬واقتل رجالهم‪ ،‬وانهب‬
‫أموالهم وذراريهم‪ ،‬ول تترك لهم رجال "‪ ،‬قال‪ :‬فأمر المنادي ينادي في‬
‫الجيوش بالمسير إلى مكة‪ ،‬واجتمعوا من كل جانب ومكان‪ ،‬وأعدوا ما‬
‫يصلح للسفر من الزاد والماء والعدد والسلح والدواب وأمرهم بالمسير‪،‬‬
‫قال‪ :‬فسار القوم وجعل في مقدمة الجيوش رجل من أخيار دولته يقال له‪:‬‬
‫السود بن مقصود )‪ ،(4‬وأمره بالمسير أمامه‪،‬‬

‫)‪ (1‬دهمهم‪ :‬غشيهم‪ .‬الطارق‪ :‬الداهية‪ (2) .‬في المصدر‪ ،‬وهو صاحب الفيل‪ .‬وذكره‬
‫المصنف في الهامش عن نسخة‪ (3) .‬كانوا خ ل‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬شمير‬
‫بن المقصود‪ ،‬وفي موضع‪ :‬شمر‪ ،‬وفي السيرة الحلبية السود كما في‬
‫المتن‪.‬‬

‫] ‪[ 66‬‬

‫ومعه عشرون ألف فارس‪ ،‬وقال‪ :‬امض بمن معك‪ ،‬وانزل على الكعبة‪ ،‬وخذ رجالها‬
‫ونسائها ول تقتل منهم أحدا " حتى آتيك‪ ،‬فإني اريد أن اعذبهم عذابا "‬
‫شديدا " لم يعذب به أحد من العالمين‪ ،‬قال‪ :‬فسار بجيشه سيرا " عنيفا "‬
‫يقطع الفيافي والقفار‪ ،‬ويجوز السهل والوعار‪ ،‬ولم يقروا ولم يهدءوا )‪(1‬‬
‫حتى نزلوا ببطن مكة‪ ،‬فلما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل‬
‫جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين من‬
‫أصحاب الفيل‪ ،‬فلما نظر إليهم عبد المطلب قال لهم‪ :‬يا قوم أيجمل منكم )‬
‫‪ (2‬هذا المر ؟ وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم‪ ،‬قالوا له‪ :‬إن الملك‬
‫أقسم بمعبوده أن لبد له من ذلك أن يهدم الكعبة‪ ،‬ويرمي أحجارها في‬
‫البحر‪ ،‬ويذبح أطفالها‪ ،‬ويرمل نسائها‪ ،‬ويقتل رجالها‪ ،‬فاتركنا نخرج قبل أن‬
‫يحل بنا الويل‪ ،‬فقال لهم عبد المطلب‪ :‬إن الكعبة ل يصلون إليها‪ ،‬لن لها‬
‫مانعا " يمنعهم عنها‪ ،‬وصادا " يصدهم عنها‪ ،‬فإن أنتم التجأتم إليها‬
‫واعتصمتم بها فهو خير لكم‪ ،‬فلم تطمئن القلوب )‪ (3‬إلى كلمه‪ ،‬وغلب‬
‫عليهم الخوف والجزع‪ ،‬وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب‪ ،‬ومنهم من طلب‬
‫الجبال‪ ،‬ومنهم من ركب البحر‪ ،‬قال‪ :‬فعند ذلك قالوا لعبد المطلب‪ :‬ما يمنعك‬
‫أن تهرب مع الناس ؟ قال‪ :‬أستحيي من ال أن أهرب عن بيته وحرمه‪،‬‬
‫فوال ل برحت من مكاني ول نأيت )‪ (4‬عن بيت ربي حتى يحكم ال بما‬
‫يشاء‪ ،‬قال‪ :‬ولم يبق يومئذ بمكة إل عبد المطلب وأقاربه وهم غير آمنين‬
‫على أنفسهم‪ ،‬فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية قال‪:‬‬
‫)اللهم أنت أنيس المستوحشين ول وحشة معك‪ ،‬فالبيت بيتك‪ ،‬والحرم‬
‫حرمك‪ ،‬والدار دارك‪ ،‬ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء )‪ ،(5‬ورب الدار‬
‫أولى بالدار( قال‪ :‬وأقام السود بن )‪(6‬‬

‫)‪ (1‬السهل‪ :‬الرض الممتدة المستقيم سطحها‪ .‬والوعر‪ :‬ضدها‪ .‬قوله‪) :‬لم يهدؤا(‬
‫أي لم يسكنوا‪ (2) .‬أيحمد بكم خ ل‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فلم يطمئن القوم‪.‬‬
‫وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ول باينت‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬من تشاء‪ ،‬وكذا في نسخة على ما اثبته المصنف في‬
‫الهامش‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬الشمر بن المقصود‪.‬‬

‫] ‪[ 67‬‬
‫مقصود بجيشه حتى ورد عليه أبرهة بن الصباح ومعه بقية الجيش وهم أربعمأة‬
‫فيل )‪ ،(1‬فكدر المياه‪ ،‬وحطم المراعي‪ ،‬وسد المسالك والفجاج )‪،(2‬‬
‫وحطموا الرض‪ ،‬فأضر بهم العطش والجوع لكثرتهم فشكوا ذلك إلى‬
‫أبرهة‪ ،‬فقال لهم‪ :‬سيروا إلى مكة مسرعين‪ ،‬فنزلوا بالبطح )‪ ،(3‬وساقوا‬
‫جميع المواشي‪ ،‬وكانت لعبد المطلب ثمانون ناقة حمراء فأخذها القوم‬
‫وتقاسموها )‪ ،(4‬وسبق بعض الرعاة فأخبر عبد المطلب بذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫)الحمد ل( هي مال ال‪ ،‬وضيافة لهل بيته وزواره وحجاجه‪ ،‬فإن سلمها )‬
‫‪ (5‬فهي له‪ ،‬وإن ردها إلينا فهي إحسانه‪ ،‬وهي عارية عندنا(‪ ،‬ثم إن عبد‬
‫المطلب لبس قميصه‪ ،‬وتردى برداء لوي‪ ،‬وتحزم )‪ (6‬بمنطقة الخليل عليه‬
‫السلم‪ ،‬وتنكب قوس إسماعيل عليه السلم‪ ،‬واستوى على مطيته وعزم‬
‫على الخروج‪ ،‬فقام إليه أقاربه وقالوا له‪ :‬أين تريد ؟ قال‪ :‬إلى )‪ (7‬هذا‬
‫الرجل الظالم الذي أخذ مال ال عز وجل‪ ،‬وتعرض لحرم ال‪ ،‬قالوا‪ :‬ما كنا‬
‫بالذي نطلق سبيلك حتى تمضي إليه لن هذا مثل البحر من دخله غرق‪،‬‬
‫وأنت اعتصمت برب الكعبة‪ ،‬واعتصمنا معك‪ ،‬ورضينا لنفسنا ما رضيت‬
‫لنفسك‪ ،‬أما الخروج من الحرم إلى شر المم فما نسمح لك بذلك‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫قوم إني أعلم من فضل ربي ما ل تعلمون‪ ،‬فخلوا سبيلي فإني سأرجع إليكم‬
‫عن قريب‪ ،‬فخلوا سبيله فمرت به مطيته كالريح‪ ،‬فلما أشرف على القوم‬
‫نظروا إليه من بعيد فإذا هو كالبدر إذا بدا‪ ،‬والصبح إذا أسفر‪ ،‬فلما عاينوه‬
‫من قريب بهتوا فيه فجاؤه وقد حبس ال أيديهم عنه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬من أنت‬
‫أيها الرجل الجميل الطلعة‪ ،‬المليح الغرة‪ ،‬من أنت يا ذا النور الساطع‪،‬‬
‫والضياء اللمع ؟ فإن كنت من هذه البلدة نسألك أن ترد‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬اربعمأة قبيلة‪ ،‬وكذا في نسخة على ما أثبته المصنف في الهامش‪.‬‬
‫)‪ (2‬في المصدر‪ :‬وكدروا وكذا ما بعدها من الفعال‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫فسار القوم إلى مكة مسرعين فنزلوا في البطح‪ (4) .‬وتقاسموا المواشى‬
‫خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬فان تسلمها‪ (6) .‬أي شد وسطه‪ (7) .‬آتى إلى هذا‬
‫لرجل الظالم خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 68‬‬

‫عن قربنا )‪ (1‬شفقة منا عليك‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إني اريد الملك‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن ملكنا قد‬
‫أقسم بمعبوده أن ل يترك من قومك أحدا "‪ ،‬فقال لهم عبد المطلب‪ :‬إني قد‬
‫أتيته قاصدا "‪ ،‬فعند ذلك تصارخت القوم وقال بعضهم لبعض‪ :‬ما رأينا مثل‬
‫هذا الرجل في الجمال و الكمال إل أنه ناقص العقل‪ ،‬نحن نقول‪ :‬إن ملكنا قد‬
‫أقسم بمعبوده أن ل يترك أحدا " من أهل هذه البلدة‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لبد لي‬
‫منه‪ ،‬قال‪ :‬فخلوا سبيله فمضى قاصدا " إلى الملك‪ ،‬فأوصلوا خبره إلى‬
‫الملك‪ ،‬وقالوا‪ :‬أيها الملك قد قدم علينا رجل صفته كذا وكذا من أهل مكة‬
‫ولم يفزع ولم يجزع‪ ،‬فقال الملك‪ :‬علي به‪ ،‬فوحق ما أعتقده من ديني لو‬
‫سألني أهل الرض ما قبلت فيه سؤال‪ ،‬قال‪ :‬فعند ذلك أقبلوا إلى عبد‬
‫المطلب ليأتوا به‪ ،‬فقال لهم عبد المطلب‪ :‬إني قادم إلى الملك بنفسي‪ ،‬فأمر‬
‫الملك قومه أن يشهروا السلح‪ ،‬ويجردوا السيوف‪ ،‬وجعل الملك على‬
‫رأسه تاجا "‪ ،‬وشد عمامته على جبينه‪ ،‬وأمر سياس الفيل أن يحضروه‬
‫فأحضروه‪ ،‬وكان فيهم فيل يقال له‪ :‬المذموم )‪ ،(2‬وكان قد ركبوا على‬
‫رأسه قرنين من حديد لو نطح جبل راسيا " بهما للقاه‪ ،‬وكانوا )‪ (3‬قد‬
‫علقوا على خرطومه سيفين هنديين وعلموه الحرب‪ ،‬ووقف سياسه من‬
‫ورائه‪ ،‬فقال لهم الملك‪ :‬إذا رأيتموني قد أشرت لكم )‪ (4‬عند دخول هذا‬
‫المكى فأطلقوه عليه حتى يدوسه بكلكله )‪ ،(5‬قال‪ :‬فدخل عليهم عبد‬
‫المطلب وهم صفوف ينظرون ما يأمرهم الملك في عبد المطلب وهم‬
‫باهتون‪ ،‬وهو ل يلتفت إلى أحد منهم حتى جاوز أصحاب الفيل‪ ،‬فأمرهم‬
‫الملك بإطلق الفيل فأطلقوه‪ ،‬فلما قرب من عبد المطلب برك الفيل إلى‬
‫الرض وجثا على ركبتيه وسكن ارتجاجه‪ ،‬وكان قبل ذلك إن أحضره‬
‫سياسه )‪ (6‬على القتال تحمر عيناه‪ ،‬ويضرب بخرطومه وفيه سيفان‪ ،‬فلما‬
‫قرب من عبد المطلب سكن ولم يفعل شيئا "‪ ،‬فتعجب الملك وأصحابه من‬
‫ذلك‪ ،‬وألقى ال‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أن ترد عن قريب‪ ،‬وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة‪(2) .‬‬
‫في سيرة ابن هشام سماه المحمود‪ (3) .‬وكان خ ل وفي المصدر‪ :‬لو‬
‫نطح جبل لرماه بهما وكان‪ (4) .‬أشرت إليكم خ ل‪ (5) .‬الكلكل‪ :‬الصدر‪) .‬‬
‫‪ (6‬في المصدر‪ :‬إذا أتوا به سياسه‪ .‬وأطلقوه لقتال‪.‬‬

‫] ‪[ 69‬‬

‫في قلبه الجزع والفزع‪ ،‬وارتعدت فرائصه‪ ،‬ورق قلبه‪ ،‬فأقبل على عبد المطلب حتى‬
‫أجلسه بجانبه‪ ،‬ورحب به‪ ،‬والتفت إلى السود بن مقصود‪ ،‬وقال‪ :‬أي شئ‬
‫يطلب هذا الرجل المكي فأقضي حاجته‪ .‬وقد كان الملك يحلف على هلكه‬
‫قبل ذلك‪ ،‬ثم قال له الملك‪ :‬من أنت وما اسمك ؟ فما رأيت أجمل منك وجها‬
‫"‪ ،‬ول أحسن منك بهجة‪ ،‬ولك عندي ما سألت‪ ،‬ولو سألتني الرجوع عن‬
‫بلدك لفعلت )‪ ،(1‬فقال له عبد المطلب‪ :‬ل أسألك في شئ من ذلك إل أن‬
‫قومك أغاروا علينا‪ ،‬وأخذوا لي ثمانين ناقة‪ ،‬وكنت قد أعددتها للحجاج‬
‫الذين يقصدوننا من جميع النواحي‪ ،‬فإن رأيت أن تردها علي فافعل‪ ،‬فأمر‬
‫الملك رجاله بإحضارهن )‪ ،(2‬ثم قال الملك‪ :‬هل لك من حاجة غيرها‬
‫فاسألني فيها )‪ (3‬؟ فقال عبد المطلب‪ :‬أيها الملك ما أريد غير هذه‪ ،‬فقال له‬
‫الملك‪ :‬فلم ل تسألني في بلدك )‪ (4‬فإني أقسمت لهدمن كعبتكم‪ ،‬وأقتل‬
‫رجالكم‪ ،‬لكن لعظم قدرك عندنا لو سألتني فيها قبلت سؤالك )‪ ،(5‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬ل أسألك في شئ من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ولم ذلك ؟ قال‪ :‬إن لها مانعا "‬
‫يمنعها غيري‪ ،‬فقال الملك‪ :‬اعلم يا عبد المطلب إني أخرج على أثرك‬
‫بجنودي ورجالي‪ ،‬فنخرب الكعبة ونواحيها‪ ،‬وأقتل سكانها‪ ،‬فقال له عبد‬
‫المطلب‪ :‬إن قدرت فافعل‪ ،‬قال‪ :‬فانصرف عبد المطلب ومر على الفيل‬
‫المذموم‪ ،‬فلما نظر الفيل إلى عبد المطلب سجد له‪ ،‬فقام الوزراء والحجاب‬
‫يلومون الملك في أمر عبد المطلب كيف خلى سبيله‪ ،‬فقال لهم الملك‪:‬‬
‫ويحكم ل تلوموني‪ ،‬ألم تروا كيف سجد له الفيل بين يديه ؟ وال لقد وقع‬
‫لهذا الرجل في قلبي هيبة عظيمة‪ ،‬ولكن أشيروا علي بما يكون من هذا‬
‫المر‪ ،‬فقالوا‪ :‬لبد لنا أن نسير إلى مكة فنخربها‪ ،‬ونرمي أحجارها في بحر‬
‫جدة‪ ،‬فعند ذلك أمر الملك بالجموع والجيوش أن تزحف إلى مكة )‪ ،(6‬ولما‬
‫وصل عبد المطلب بالنوق إلى‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬لرجعت‪ .‬قلت‪ :‬في الجملة الخيرة غرابة ظاهرة ينفرد بها‪(2) .‬‬
‫فاحضروا خ ل‪ (3) .‬تسألني فيها خ ل‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لم لم تسألني‬
‫الرجوع عن بلدك ؟ )‪ (5‬قد عرفت أن فيها غرابة وشذوذ‪ (6) .‬أي أن‬
‫تمشى إلى مكة‪ .‬وفي المصدر بعد ذلك‪ :‬قال‪) :‬وقدموا الفيل قدامهم‬
‫وساروا‪ ،‬فلما وصل(‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 70‬‬

‫مكة خرج إليه أقاربه وبنو عمه يهنؤنه بالسلمة‪ ،‬وقد كانوا آيسوا منه‪ ،‬فلما نظروا‬
‫إليه فرحوا به وجعلوا يتعلقون به ويقبلون يديه‪ ،‬وقالوا‪) :‬الحمد ل الذي‬
‫حماك وحفظك بهذا النور الحسن(‪ ،‬ثم سألوه عن الجيش فأخبرهم بقصته‬
‫وخبر الفيل‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما الذي تأمرنا به ؟ فقال‪ :‬يا قوم اخرجوا إلى جبل‬
‫أبي قبيس حتى ينفذ ال حكمه ومشيته‪ ،‬قال‪ :‬فخرج القوم بأولدهم‬
‫ونسائهم ودوابهم‪ ،‬وخرج عبد المطلب وبنو عمه وإخوته وأقاربه‪ ،‬وأخرج‬
‫مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس‪ ،‬وجعل يسير بهم إلى الصفا‪ ،‬ويدعو‬
‫ويبكي ويتوسل بنور محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬وجعل يقول‪) :‬يا رب إليك‬
‫المهرب‪ ،‬وأنت المطلب‪ ،‬أسألك بالكعبة العلياء ذات الحج والموقف العظيم‬
‫المقرب‪ ،‬يا رب ارم العادي بسهام العطب )‪ (1‬حتى يكونوا كالحصيد‬
‫المنقلب( ثم رجع وأتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول‪ :‬لهم إن‬
‫المرء يمنع رحله‪ ،‬فامنع رحالك )‪ * (2‬ل يغلبن صليبهم‪ ،‬ومحالهم عدوا "‬
‫)‪ (3‬محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا )‪ (4‬فأمر ما بدالك * جروا جميع‬
‫بلدهم‪ ،‬والفيل كي يسبوا عيالك عمدوا جمالك بكيدهم‪ ،‬جهل وما راقبوا‬
‫جللك * فانصر على آل الصليب‪ ،‬وعابديه اليوم آلك وقال أيضا " شعرا‬
‫"‪ :‬يا رب ل أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من‬
‫عاداكا * أمنعهم أن يخربوا قراكا وإذا بهاتف يسمع صوته ول يرى‬
‫شخصه وهو يقول‪ :‬قد أجبت دعوتك‪ ،‬وبلغت مسرتك إكراما " للنور الذي‬
‫في وجهك‪ ،‬فنظر يمينا " وشمال " فلم ير أحدا "‪ ،‬ثم قال لمن معه وهم‬
‫على جبل أبي قبيس وقد نشروا شعورهم وهم يبتهلون بالدعاء‬
‫ويستبشرون بالجابة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أبشروا فإني رأيت النور الذي في وجهي قد‬
‫عل‪ ،‬وإنما كان ذلك كاشفا " لما‬

‫)‪ (1‬العطب‪ :‬الهلك‪ (2) .‬ذكر ابن هشام في السيرة البيتين الوليين وفي رواية‬
‫منه‪ :‬فامنع حللك‪ .‬والحلل بالكسر جمع الحلة‪ :‬القوم النزول فيهم كثرة‪.‬‬
‫وجماعة البيوت‪ (3) .‬في السيرة‪ :‬غدوا بالغين المعجمة‪ .‬والمحال بكسر‬
‫الميم‪ :‬القوة والشدة‪ (4) .‬في السيرة‪ :‬وقبلتنا‪.‬‬

‫] ‪[ 71‬‬

‫طرقكم‪ ،‬ففرح القوم وتضرعوا إلى ال تعالى‪ ،‬فبينما هم كذلك إذا أشرفت عليهم‬
‫غبرة القوم )‪ ،(1‬وتقاربت الصفوف‪ ،‬ولح لهم بريق السنة‪ ،‬ثم انكشف‬
‫الغبار عن الفيل فنظروا إليه كأنه الجبل العظيم‪ ،‬وقد ألبسوه الحديد‪،‬‬
‫وزينوه بزينة‪ ،‬فاشتد قلقهم‪ ،‬وانهملت عبراتهم‪ ،‬وتضرع عبد المطلب‬
‫ودعا‪ ،‬فو ال ما أتم عبد المطلب دعائه وتضرعه حتى وقف الفيل مكانه‬
‫فصرخت عليه الفيالة )‪ ،(2‬وزجرته الساسة‪ ،‬فلم يلتفت إليهم‪ ،‬فوقفت‬
‫الجيوش ودهشوا‪ ،‬فقال السود بن مقصود وهو على الساقة‪ (3) :‬ما‬
‫الخبر ؟ قالوا‪ :‬إن الفيل قد وقف‪ ،‬فقال للساسة‪ :‬اضربوه‪ ،‬فضربوه فما حال‬
‫ول زال‪ ،‬فتعجبوا من ذلك‪ ،‬ثم أمرهم أن يعطفوا رأسه ففعلوا فهرول راجعا‬
‫"‪ ،‬فأمر برده فردوه فوقف‪ ،‬فقال السود‪ :‬سحروا فيلكم‪ ،‬ثم بعث إلى الملك‬
‫وأعلمه بذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬أشر علينا‪ ،‬فبعث أبرهة إلى ابن مقصود فقال‪ :‬ليس‬
‫من جرب كمن ل يجرب‪ ،‬ابعث للقوم رسول " )‪ (4‬واطلب الصلح‪ ،‬ول‬
‫تخبرهم بأمر الفيل لئل يكون طريقا " لطمعهم فيكم‪ ،‬واطلب منهم رجال‬
‫بعدد من قتل منا )‪ ،(5‬ويقومون لنا بما أفسدوا من كنيستنا‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‬
‫رجعنا عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فلما دخل رسوله أبرهة على السود وكان اسمه حناطة‬
‫الحميري )‪ ،(6‬وكان يهزم الجيوش وحده‪ ،‬وكان له خلقة هائلة فقال له‬
‫السود هل لك أن تكون أنت الرسول إليهم ؟ فعسى أن يكون الصلح على‬
‫يديك‪ ،‬فقال حناطة‪ :‬ها أنا سائر إليهم‪ ،‬فإن صالحونا وإل‬
‫)‪ (1‬غبرة الفيل والقوم خ ل‪ (2) .‬فيالة جمع الفيال‪ :‬صاحب الفيل وسياسة‪(3) .‬‬
‫على السيافة خ ل وفي المصدر‪ :‬على السياسة‪ (4) .‬رسول من عندك خ‬
‫ل‪ (5) .‬فيه غرابة لنه لم يسبق منهم ذكر مقتول‪ ،‬حتى يطلبون من عبد‬
‫المطلب قودا‪ ،‬ولم يكن عبد المطلب وقومه يحاربونهم حتى يدعونهم إلى‬
‫الصلح‪ ،‬وجاء ذكر حناطة يعمر بن نفاثة بن عدى بن الدئل بن بكر بن‬
‫مناة بن كنانة في السيرة ابن هشام لكنه ذكر أنه وعبد المطلب وخويلد‬
‫ابن واثلة ذهبوا إلى أبرهة فعرضوا عليه ثلث أموال تهامة على أن يرجع‬
‫عنهم ول يهدم البيت فأبى عليهم‪ ،‬وقال ابن هشام بعد ذلك‪ :‬وال أعلم‬
‫أكان ذلك أم ل‪ (6) .‬اليحمرى خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 72‬‬

‫رجعت برؤوسهم‪ ،‬ثم سارو هو معجب بنفسه فسأل عن سيد قريش‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو‬
‫الشيبة النجار )‪ ،(1‬وكان عبد المطلب قد رأه وعلم أنه رسول من القوم‪،‬‬
‫فلما نظر حناطة إلى عبد المطلب دهش وحار‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬ما‬
‫الذي أتى بك ؟ قال‪ :‬يا مولي إن أبرهة قد عرف فضلكم‪ ،‬ووهب لكم الحرم‬
‫والبيت‪ ،‬وقد أرسل إليك أن تقوم بدية من قتل له‪ ،‬أو تسلم من رجالك‬
‫بعددهم )‪ ،(2‬ثم تقوم له بثمن ما عدم من الكنيسة‪ ،‬فإذا فعلتم هذا رجع‬
‫عنكم )‪ ،(3‬فقال عبد المطلب‪ :‬أيؤخذ البرئ بالسقيم‪ ،‬ونحن من شميتنا‬
‫المانة والصيانة‪ ،‬ونقبض أيدينا عن المظالم‪ ،‬ونصرف جوارحنا )‪ (4‬عن‬
‫المآثم‪ ،‬فبلغ صاحبك عنا ذلك‪ ،‬وأما هذا البيت فقسبق مني القول فيه‪ :‬إن له‬
‫ربا " يمنع عنه‪ ،‬فوال ما كبر علي ما جمعتموه من الرجال‪ ،‬فإن أراد‬
‫صاحبك المسير فليسر‪ ،‬وإن أراد المقام فليقم‪ ،‬قال‪ :‬فلما سمع حناطة كلمه‬
‫غضب وأراد أن يقتل عبد المطلب‪ ،‬فظهر لعبد المطلب ما في وجهه فلم‬
‫يمهله دون أن قبض على محزمه ومراق بطنه وشاله )‪ (5‬وضرب به‬
‫الرض‪ ،‬وقال‪ :‬وعزة ربي لو ل أنك رسول لهلكتك قبل أن تأتي صاحبك‪،‬‬
‫فرجع حناطة إلى السود وأعلمه بما كان من أمره‪ ،‬ثم قال‪ :‬هؤلء قوم قد‬
‫غلت )‪ (6‬دماؤهم‪ ،‬والرأي عندي أن تراسل القوم بعد هذا‪ ،‬واعلم أن مكة‬
‫خلية من أهلها )‪ ،(7‬فاسرع إلى الغنيمة‪ .‬قال الراوي‪ :‬فأمر الجيوش‬
‫بالزحف فساروا نحو الحرم‪ ،‬فلما قربوا منه جاءهم أمر ال من حيث ل‬
‫يشعرون‪ ،‬وإذاهم بأفواج من الطير كالسحابة المترادفة يتبع بعضها بعضا‬
‫"‪ ،‬و هي كأمثال الخطاطيف‪ ،‬يحمل )‪ (8‬كل طير ثلثة أحجار‪ :‬أحدها في‬
‫منقاره‪ ،‬واثنين )‪(9‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الشيبة الفخار‪ .‬أثبته المصنف في الهامش عن نسخة‪ (2) .‬أو‬
‫ترجع له برجال بعددهم خ ل‪ (3) .‬في المصدر زيادة‪ :‬وأنتم له شاكرون‪) .‬‬
‫‪ (4‬جوانحنا خ ل‪ (5) .‬المحزم ما يشد به الوسط‪ .‬شاله‪ :‬رفعه‪ (6) .‬حلت‬
‫خ ل‪ (7) .‬عن أهلها خ ل‪ (8) .‬يحمل منها خ ل وفي المصدر‪ :‬يحمل كل‬
‫طير منها‪ (9) .‬في المصدر‪ :‬اثنتين‪.‬‬

‫] ‪[ 73‬‬

‫بين رجليه كالعدس‪ ،‬وكبيرها كالحمص‪ ،‬وقد تعالت الطيور‪ ،‬وارتفعت وامتدت فوق‬
‫العسكر )‪ ،(1‬وانتشرت بطولهم وعرضهم‪ ،‬فلما نظر القوم إلى ذلك خافوا‬
‫وقالوا‪ :‬ما هذه الطيور التي لم نر مثلها قبل هذا اليوم ؟ فقال السود‪ :‬ما‬
‫عليكم بأس‪ ،‬لنها طير تحمل رزقها لفراخها‪ ،‬ثم قال‪ :‬علي بقوسي ونبلي‬
‫حتى أردها عنكم‪ ،‬فأخذ قوسه و أراد الرمي فتصارخت الطيور مستأذنة‬
‫لربها في هلك القوم‪ ،‬فما أتمت )‪ (2‬صراخها حتى فتحت أبواب السماء‪،‬‬
‫وإذا بالنداء‪ :‬أيها الطيور المطيعة لربها افعلوا ما امرتم به‪ ،‬فقد اشتد‬
‫غضب الجبار على الكفار‪ ،‬ففتحت الطيور أفواهها‪ ،‬وكان أول حصاة وقعت‬
‫على رأس حناطة فنزلت من البيضة إلى الرأس إلى الحلقوم‪ ،‬ونزلت إلى‬
‫الصدر‪ ،‬وخرجت من دبره‪ ،‬ونزلت إلى الرض وغاصت فانقلب صريعا "‪،‬‬
‫فتناثرت )‪ (3‬القوم يمينا " وشمال و الطيور تتبعهم ل تحول ول تزول عن‬
‫الرجل حتى ترميه بالحصاة على رأسه‪ ،‬فتخرج من دبره ول يردها درقة )‬
‫‪ (4‬ول حديد‪ ،‬وإن أبرهة لما نظر إلى الطير وفعلها علم أنه قد احيط بهم‪،‬‬
‫فولى هاربا " على وجهه‪ ،‬وأما السود فإنه لما نظر إلى ما نزل بقومه‬
‫والحصى تتساقط عليهم وهم يقعون على وجوههم فإذا بطير قد ألقى )‪(5‬‬
‫حجرا " فوقع في فيه حتى خرج من دبره )‪ ،(6‬وأتاه آخر فضربه في‬
‫هامته فطلع من قفاه )‪ ،(7‬فخر صريعا "‪ ،‬وأعجب من ذلك أن رجل " من‬
‫حضرموت كان له أخ فسأله المسير معه فأبى‪ ،‬وقال‪ :‬ما أنا ممن يتعرض‬
‫لبيت ال‪ ،‬فلما نزل بهم البلء خرج هاربا " على وجهه والطير يتبعه‪ ،‬فلما‬
‫وصل إلى أخيه وصف له العذاب الذي حل بالقوم ورفع رأسه وإذا هو‬
‫بطير قد رماه بحصاة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وامتدت من فوق رؤس القوم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فماتت‪(3) .‬‬
‫فتنافرت خ ل‪ (4) .‬الدرقة‪ :‬الترس من جلود ليس فيه خشب ول عقب‪) .‬‬
‫‪ (5‬قد ألقى عليه خ ل‪ (6) .‬خرج من نقرة قفاه خ ل‪ (7) .‬من قفاه خ ل‬
‫وفي المصدر‪ :‬فخرج من نقرته‪.‬‬

‫] ‪[ 74‬‬
‫على هامته وخرجت من دبره‪ ،‬وأما أبرهة فإنه سار مجدا " على فرسه‪ ،‬إذ سقطت‬
‫يده اليمنى فتحير في أمره فسقطت يده اليسرى‪ ،‬ثم رجله اليمنى‪ ،‬ثم‬
‫اليسرى‪ ،‬فأتى منزله فحكى لهم جميع ما جرى لهم كلهم‪ ،‬فما أتم حديثه إل‬
‫ورأسه قد وقع‪ ،‬هذا ما جرى لهم‪ ،‬وأما عبد المطلب ومن معه فإنهم أقاموا‬
‫في ابتهال ودعاء وتضرع وقد استجيب لهم ببركة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وقالوا في دعائهم‪) :‬اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا اجعل‬
‫لنا من كل كيدهم فرجا " )‪ ،(1‬وانصرنا على أعداءنا( ونظروا هياكل‬
‫العداء على وجه الرض مطروحة‪ ،‬والفيل ولى هاربا "‪ ،‬وأما ما كان‬
‫ممن فر من أهل مكة وسمع بما نزل بأصحاب الفيل أتوا فرحين‬
‫مستبشرين‪ ،‬وأقاموا مدة ينقلون ال سلب والرحال )‪ (2‬وكان سعادتهم )‬
‫‪ (3‬وسرورهم ببركة رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬ثم إن عبد المطلب )‬
‫‪ (4‬كان ذات يوم نائما " في الحجر إذ أتاه آت فقال له‪ :‬احفر طيبة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقلت له‪ :‬وما طيبة ؟ فغاب عني إلى غد‪ ،‬فنمت في مكاني فأتى الهاتف‬
‫فقال‪ :‬احفر برة‪ ،‬فقلت‪ :‬وما برة ؟ فغاب عني‪ ،‬فنمت في اليوم الثالث فأتى‬
‫وقال‪ :‬احفر مضنونة‪ ،‬فقلت‪ :‬وما مضنونة ؟‪ ،‬فغاب عني‪ ،‬وأتاني في اليوم‬
‫الرابع وقال‪ :‬احفر زمزم‪ ،‬فقلت‪ :‬وما زمزم ؟ قال‪ :‬ل تنزف أبدا " ول تذم‪،‬‬
‫تسقي الحجيج العظم‪ ،‬عند قرية النمل‪ ،‬فلما دله على الموضع أخذ عبد‬
‫المطلب معوله وولده الحارث ولم يكن له يومئذ ولد غيره‪ ،‬فلما ظهر له‬
‫البناء وعلمت قريش بذلك قالوا له‪ :‬هذا بئر زمزم‪ ،‬بئر أبينا إسماعيل عليه‬
‫السلم و نحن فيه شركاء‪ ،‬قال‪ :‬ل أفعل لنه أمر خصصت به دونكم‪،‬‬
‫فتشاوروا على أن يجعلوا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فرجا ومخرجا‪ (2) .‬أسلب جمع السلب‪ :‬ما يسلب وينتزع من‬
‫القتيل‪ .‬الرحال جمع الرحل‪ :‬ما يستصحبه المسافر من الثاث في السفر‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬وكان ذلك سبب سعادتهم‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬قال الراوى‬
‫لهذا الحديث ثم ان عبد المطلب‪.‬‬

‫] ‪[ 75‬‬

‫بينهم حكما " وهو سعيد بن خثيمة )‪ ،(1‬وكان بأطراف الشام‪ ،‬فخرجوا حتى إذا‬
‫كانوا بمفازة بين الحجاز والشام بلغ بهم الجهد والعطش ولم يجدوا ماء‪،‬‬
‫فقالوا لعبد المطلب‪ :‬ما تفعل ؟ قال‪ :‬كل واحد منكم يحفر حفيرة لنفسه‬
‫ففعلوا‪ ،‬ثم ركب عبد المطلب راحلته وسار بها )‪ (2‬فنبع الماء من تحت‬
‫خفها فكبر وكبرت أصحابه وشربوا جميعهم وملؤا قربهم وحلفوا أن ل‬
‫يخالفوه في زمزم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الذي أسقاه الماء في هذه الفلة هو الذي‬
‫أعطاه زمزم‪ ،‬ورجعوا ومكنوه من الحفر )‪ .(3‬فلما تمادى على الحفر وجد‬
‫غزالين من ذهب وهما اللذان دفنهما جدهم‪ ،‬ووجد أسيافا " كثيرة ودروعا‬
‫"‪ ،‬فطلبوه بنصيبهم فيها‪ ،‬فقال لهم‪ :‬هلموا إلى من ينصف بيننا‪ ،‬فنضرب‬
‫القداح )‪ (4‬فنجعل للكعبة قدحين‪ ،‬ولي قدحين‪ ،‬ولكم قدحين‪ ،‬فمن خرج‬
‫قدحاه كان هذا له‪ ،‬قالوا‪ :‬أنصفت‪ ،‬فجعل قدحين أصفرين للكعبة‪ ،‬وقدحين‬
‫أسودين له‪ ،‬وقدحين أبيضين لقريش‪ ،‬ثم أعطاه لصاحب القداح )‪ (5‬وهو‬
‫عند هبل‪ ،‬وهبل صنم في الكعبة‪ ،‬فضرب بهما فخرج الصفران على‬
‫الغزالين‪ ،‬وخرج السودان على السياف والدروع لعبد المطلب‪ ،‬وتخلف‬
‫قدحا قريش‪ ،‬فضرب عبد المطلب السياف ما بين الكعبة‪ ،‬فضرب في الباب‬
‫الغزالين من الذهب‪ ،‬وأقام عبد المطلب بسقاية زمزم للحاج )‪ .(6‬وما كان‬
‫بمكة من يحسده ويضاده إل رجل واحد وهو عدي بن نوفل‪ ،‬وكان أيضا "‬
‫صاحب منعة )‪ (7‬وبسطة وطول يد‪ ،‬وكان المشار إليه قبل قدوم عبد‬
‫المطلب‪ ،‬فلما قدم‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬سعيد بن جندب‪ ،‬في سيرة لبن هشام‪ :‬كاهنة بنى سعد هذيم‪(2) .‬‬
‫وأشاربها خ ل‪ (3) .‬ذكره ابن هشام في السيرة ثم قال‪) :‬قال ابن اسحاق‪:‬‬
‫فهذا الذى بلغني من حديث على بن أبى طالب رضى ال عنه في زمزم(‪.‬‬
‫)‪ (4‬القدح بالكسر‪ :‬السهم الذى كانوا يقتسمون به‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ثم‬
‫أعطى لصاحب القداح أجرته وفي هامش نسخة المصنف‪ :‬ودفع إليه‬
‫اجرته خ ل‪ (6) .‬ذكره ايضا ابن هشام في السيرة ‪ (7) .158 :1‬المنعة‪:‬‬
‫العزة والقوة‪.‬‬

‫] ‪[ 76‬‬

‫عبد المطلب إلى مكة وسوده أهل مكة عليهم كبر ذلك على عدي بن نوفل‪ ،‬إذ مال‬
‫الناس إلى عبد المطلب وكبر ذلك عليه‪ ،‬فلما كان بعض اليام تناسبا )‪(1‬‬
‫وتقاول ووقع الخصام‪ ،‬فقال عدي بن نوفل لعبد المطلب‪ :‬أمسك عليك ما‬
‫أعطيناك‪ ،‬ول يغرنك ما خولناك‪ ،‬فإنما أنت غلم من غلمان قومك‪ ،‬ليس لك‬
‫ولد ول مساعد فبم تستطيل علينا ولقد كنت في يثرب وحيدا " حتى جاء‬
‫بك عمك إلينا‪ ،‬وقدم بك علينا‪ ،‬فصار لك كلم‪ ،‬فغضب عبد المطلب لذلك‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬يا ويلك تعيرني بقلة الولد‪ ،‬ل علي عهد وميثاق لزم‪ ،‬لن رزقني‬
‫ال عشرة أولد ذكورا " وزاد عليهم لنحرن أحدهم إكراما " وإجلل‬
‫لحقه‪ ،‬وطلبا " بثأري )‪ (2‬بالوفاء‪ ،‬اللهم فكثر لي العيال‪ ،‬ول تشمت بي‬
‫أحدا "‪ ،‬إنك أنت الفرد الصمد‪ ،‬ول أعاين بمثل قولك أبدا )‪ ،(3‬ثم مضى‬
‫وأخذ في خطبة النساء والتزويج حرصا " على الولد‪ ،‬ثم تزوج بست‬
‫نساء فرزق منهن عشرة أولد‪ ،‬وكل امرأة تزوجها هي كانت ذات حسن‬
‫وجمال وعز في قومها‪ ،‬منهن منعة بنت حباب الكلبية )‪ ،(4‬والطائفية )‬
‫‪ ،(5‬والطليقية بنت غيدق اسمها سمراء‪ ،‬وهاجرة الخزاعية‪ ،‬وسعدى بنت‬
‫حبيب الكلبية‪ ،‬وهالة بنت وهب‪ ،‬وفاطمة بنت عمرو المخزومية‪ ،‬وأما‬
‫منعة بنت الحباب فإنها ولدت له الغيداق واسمه الحجل‪ ،‬وإنما سمي‬
‫الغيداق لمروته وبذل ماله‪ ،‬وأما الفرعي )‪ (6‬فولدت له أبا لهب واسمه‬
‫عبد العزى‪ ،‬وأما سعدى )‪ (7‬فولدت له ولدين‪ :‬أحدهما ضرار‪ ،‬والخر‬
‫العباس‪ ،‬وأما فاطمة فولدت له ولدين‪ :‬أحدهما عبد مناف‪ ،‬ويقال له‪ :‬أبو‬
‫طالب‬

‫)‪ (1‬تسابا خ ل‪ (2) .‬لثارى خ ل‪ (3) .‬قوله أحدا خ ل‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬بغلة بنت‬
‫حسان الكلبية‪ :‬وفي تاريخ اليعقوبي‪ :‬ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل‬
‫الخزاعى‪ (5) .‬لم يذكر الطائفية في المصدر‪ (6) .‬لم تسبق قبل ذلك‬
‫ولعلها الخزاعية‪ .‬وذكر اليعقوبي أن اسمها لبنى بنت هاجر بن عبد مناف‬
‫بن ضاطر الخزاعى‪ (7) .‬في تاريخ اليعقوبي‪ :‬اسمها نتيلة بنت جناب بن‬
‫كليب بن النمر بن قاسط‪.‬‬

‫] ‪[ 77‬‬

‫والخر عبد ال أبو رسول ال صلى ال عليه وآله )‪ ،(1‬وكان عبد ال أصغر‬
‫أولده‪ ،‬وكان في وجهه نور رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فأولد عبد‬
‫المطلب الحارث وأبو لهب والعباس وضرار وحمزة والمقوم والحجل‬
‫والزبير وأبو طالب و عبد ال )‪ ،(2‬وكان عبد المطلب قائما " مجتهدا "‬
‫في خدمة الكعبة‪ ،‬وكان عبد المطلب نائما " في بعض الليالي قريبا " من‬
‫حائط الكعبة فرأى رؤيا " فانتبه فزعا " مرعوبا "‪ ،‬فقام يجر أذياله ويجر‬
‫ردائه إلى أن وقف على جماعته وهو يرتعد فزعا "‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما وراءك‬
‫يا أبا الحارث ؟ إنا نراك مرعوبا " طائشا "‪ ،‬فقال‪ :‬إني رأيت كأن قد خرج‬
‫من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة‪ ،‬يكاد ضوئها يخطف البصار‪ ،‬لها أربعة‬
‫أطراف‪ ،‬طرف منها قد بلغ المشرق‪ ،‬وطرف منها قد بلغ المغرب‪ ،‬وطرف‬
‫منها قد غاص تحت الثرى‪ ،‬وطرف منها قد بلغ عنان السماء‪ ،‬فنظرت )‪(3‬‬
‫وإذا رأيت تحتها شخصين عظيمين بهيين‪ ،‬فقلت لحدهما‪ :‬من أنت ؟ فقال‪:‬‬
‫أنا نوح نبي رب العالمين‪ ،‬وقلت للخر‪ :‬من أنت ؟ قال‪ :‬أنا إبراهيم الخليل‪،‬‬
‫جئنا نستظل بهذه الشجرة‪ ،‬فطوبى لمن استظل بها‪ ،‬والويل لمن تنحى‬
‫عنها‪ ،‬فانتبهت لذلك فزعا " مرعوبا " فقال له الكهنة‪ :‬يا أبا الحارث هذه‬
‫بشارة لك‪ ،‬وخير يصل إليك‪ ،‬ليس لحد فيها شئ‪ ،‬وإن صدقت رؤياك‬
‫ليخرجن من ظهرك من يدعو أهل المشرق والمغرب‪ ،‬ويكون رحمة لقوم‪،‬‬
‫وعذابا " على قوم‪ ،‬فانصرف عبد المطلب فرحا " مسرورا "‪ ،‬وقال في‬
‫نفسه‪ :‬ليت شعري من يقبض النور من ولدي‪ ،‬وكان يخرج كل يوم إلى‬
‫الصيد وحده‪ ،‬فأخذه ذات يوم العطش فنظر إلى ماء صاف في حجر معين‪،‬‬
‫فشرب منه فوجده أبرد من الثلج‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وأقبل من وقته‬
‫وغشى زوجته فاطمة بنت عمرو‪ ،‬فحملت بعبدال أبي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة‪ ،‬فما مرت‬
‫بها الليالي واليام حتى ولدت عبد ال أبا رسول ال صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫فانتقل النور إليه‪ ،‬فلما ولدته‬

‫)‪ (1‬وعد اليعقوبي في تاريخه من أولدها أيضا الزبير وعبد الكعبة وهو المقوم‪) .‬‬
‫‪ (2‬وأضاف اليعقوبي قثم‪ ،‬وذكر أن امه وام الحارث واحدة وهو صفية‬
‫بنت جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة‪.‬‬
‫)‪ (3‬في المصدر زيادة هي‪ :‬فبينما أنا أنظر إليها وإذا هي قد تحولت‬
‫شجرة بيضاء زاهرة‪ ،‬لها أغصان قد بلغت إلى عنان السماء‪ ،‬فنظرت‪.‬‬

‫] ‪[ 78‬‬

‫سطح النور في غرته )‪ (1‬حتى لحق عنان السماء )‪ ،(2‬فلما نظر إليه عبد المطلب‬
‫فرح )‪ (3‬فرحا " شديدا "‪ ،‬ولم يخف مولده على الكهنة والحبار‪ ،‬فأما‬
‫الكهنة فعظم أمره عليهم لبطال كهانتم‪ ،‬وأما أحبار اليهود فكانت معهم‬
‫جبة بيضاء وكانت جبة يحيى بن زكريا عليهما السلم‪ ،‬وكان الدم يابسا "‬
‫عليها قد غمست في دمه‪ ،‬وكان في كتبهم‪ :‬إن هذا الدم الذي في الجبة إذا‬
‫قطر منها قطرة واحدة من الدم يكون قد قرب خروج صاحب السيف‬
‫المسلول‪ ،‬فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوا الجبة‪ ،‬وإذا بها قد صارت رطبة‬
‫يقطر منها الدم )‪ ،(4‬فعلموا أنه قد دنا خروجه‪ ،‬فاغتموا لذلك غما " شديدا‬
‫"‪ ،‬وبعثوا إلى مكة رجال منهم يكشفون لهم عن الخبر‪ ،‬ويأتونهم بخبر‬
‫مولده‪ ،‬وكان عبد ال يشب في اليوم مثل ما يشب أولد الناس في السنة‪،‬‬
‫وكان الناس يزورونه ويتعجبون من حسنه وجماله وأنواره‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫لقى عبد ال في زمانه ما لقى يوسف الصديق في زمانه‪ ،‬وذلك من عداوة‬
‫اليهود‪ ،‬وجرت عليه امور عظيمة وأحوال جسيمة )‪ .(5‬فلما كملت لعبد‬
‫المطلب عشرة أولد ذكورا " وولد له الحارث )‪ (6‬فصاروا أحد عشر ولدا‬
‫" ذكرا " فذكر نذره الذي نذر‪ ،‬والعهد الذي عاهد‪ :‬لئن بلغت أولدي أحد‬
‫عشر ولدا " ذكورا " )‪ (7‬لقربن أحدهم لوجه ال تعالى‪ ،‬فجمع عبد‬
‫المطلب أولده بين يديه‪ ،‬وصنع لهم طعاما "‪ ،‬وجمعهم حوله‪ ،‬واغتم لذلك‬
‫غما " شديدا "‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬يا أولدي إنكم كنتم تعلمون )‪ (8‬أنكم عندي‬
‫بمنزلة واحدة‪ ،‬وأنتم الحدقة من العين‪ ،‬والروح بين الجنبين‪،‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬من غرته‪ (2) .‬بعنان السماء خ ل‪ (3) .‬فرح به خ ل‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوه قد صار رطبا يقطر منها دما‪.‬‬
‫فعلموا‪ .‬ونقله المصنف في الهامش عن نسخة‪ (5) .‬ذكر نحوه المسعودي‬
‫في اثبات الوصية‪ (6) .84 :‬قد سبق أن الحارث ولد قبلهم‪ ،‬فالصحيح كما‬
‫في المصدر‪ :‬وولده الحارث‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬عشرة‪ ،‬وذكر المصنف‬
‫عن نسخة في الهامش هكذا‪ :‬عشرة ذكورا ل نحرن‪ (8) .‬أنتم تعلمون خ‬
‫ل وهو الموجود في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 79‬‬

‫ولو أن أحدكم أصابته شوكة لساءني ذلك )‪ ،(1‬ولكن حق ال أوجب من حقكم )‪،(2‬‬
‫وقد عاهدته ونذرت له متى رزقني ال أحد عشر ولدا " ذكرا " لنحرن‬
‫أحدهم قربانا "‪ ،‬وقد أعطاني ما سألته‪ ،‬وبقي الن )‪ ،(3‬ما عاهدته‪ ،‬وقد‬
‫جمعتكم لشاوركم‪ ،‬فما أنتم قائلون ؟ فجعل بعضهم ينظر إلى بعض وهم‬
‫سكوت ل يتكلمون‪ ،‬فأول من تكلم منهم عبد ال أبو رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وكان أصغر أولده‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبت أنت الحاكم علينا‪ ،‬ونحن‬
‫أولدك وفي طوع يدك‪ ،‬وحق ال أوجب من حقنا‪ ،‬وأمره أوجب من أمرنا‪،‬‬
‫ونحن لك طائعون وصابرون على حكم ال وحكمك‪ ،‬وقد رضينا بأمر ال‬
‫وأمرك‪ ،‬وصبرنا على حكم ال و حكمك‪ ،‬ونعوذ بال من مخالفتك‪ ،‬فشكره‬
‫أبوه‪ ،‬وكان لعبد ال في ذلك اليوم إحدى عشر سنة‪ ،‬فلما سمع أبوه كلمه‬
‫بكى بكاء " شديدا " حتى بل لحيته من دموعه‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬يا أولدي ما‬
‫الذي تقولون ؟ فقالوا له‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬فافعل ما بدا لك‪ ،‬ولو نحرتنا عن‬
‫آخرنا فكيف واحدا " منا‪ ،‬فشكرهم على مقالتهم‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬يا بني‬
‫امضوا إلى امهاتكم وأخبروهن بما قلت لكم‪ ،‬وقولوا لهن يغسلنكم‬
‫ويكحلنكم ويطيبنكم‪ ،‬والبسوا أفخر ثيابكم‪ ،‬وودعوا امهاتكم وداع من ل‬
‫يرجع أبدا "‪ ،‬فتفرقوا إلى امهاتهم و وأخبروهن بما قال لهم أبوهم‪،‬‬
‫ففاضت لجل ذلك العيون‪ ،‬وترادفت الحزان )‪ ،(4‬قال‪ :‬ثم إن عبد المطلب‬
‫بات تلك الليلة مهموما " مغموما "‪ ،‬لم يطعم طعاما "‪ ،‬ولم يشرب شرابا‬
‫"‪ ،‬ولم يغمض عينا " حتى طلع الفجر )‪ ،(5‬ثم لبس أفخر أثوابه‪ ،‬وتردى‬
‫برداء آدم عليه السلم‪ ،‬وتنعل بنعل شيث عليه السلم‪ ،‬وتختم بخاتم نوح‬
‫عليه السلم‪ ،‬وأخذ بيده خنجرا " ماضيا " ليذبح به بعض أولده‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬ولو عرض لبعضكم عارض لذانى‪ .‬وأثبته المصنف‬
‫في الهامش عن نسخة‪ (2) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬ومكان ال أعظم‬
‫من مكانكم‪ .‬ونقله المصنف في الهامش عن نسخة‪ (3) .‬وبقى على الن‬
‫ما عاهدته خ ل‪ (4) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬وعقدن لفقد أولدهن‬
‫الماتم‪ (5) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬وهو مع ذلك قلقا مرعوبا لما يعلم‬
‫من أمر أولده وما يريد أن يفعل بهم‪ ،‬قال‪) :‬فاغتسل ولبس( ا‍ه‪ .‬قلت‪:‬‬
‫قوله‪) :‬قلقا( لعله مصحف قلق مرعوب‪.‬‬

‫] ‪[ 80‬‬

‫وخرج يناديهم من عند امهاتهم واحدا " واحدا "‪ ،‬فأقبلوا إليه مسرعين وقد تزينوا‬
‫)‪ (1‬بأحسن الزينة‪ ،‬فلم يتأخر )‪ (2‬غير عبد ال‪ ،‬لنه كان أصغرهم‪،‬‬
‫فسألهم عنه فقالوا‪ :‬ل نعلمه منهم أحد )‪ (3‬فخرج إليه بنفسه حتى ورد‬
‫منزل فاطمة زوجته‪ ،‬فأخذ بيده‪ ،‬فتعلقت به امه‪ ،‬فجعل أبوه يجذبه منها‪،‬‬
‫وهي تجذبه منه‪ ،‬وهو يريد أباه )‪ ،(4‬وهو يقول‪) :‬يا اماه اتركيني أمضي‬
‫مع أبي ليفعل بي ما يريد(‪ ،‬فتركته وشقت جيبها وصرخت وقالت‪) :‬لفعلك‬
‫يا أبا الحارث فعل لم يفعله أحد غيرك‪ ،‬فكيف تطيب نفسك بذبح ولدك ؟‬
‫وإن كان ول بد من ذلك فخل عبد ال لنه طفل صغير وارحمه لجل‬
‫صغره‪ ،‬ولجل هذا النور الذي في غرته )‪ ((5‬فلم يكترث بكلمها )‪ ،(6‬ثم‬
‫جذبه من يدها )‪ ،(7‬فقامت عند ذلك تودعه فضمته إلى صدرها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫)حاشاك يا رب أن يطفئ نورك‪ ،‬وقد قلت حيلتي فيك يا ولدي‪ ،‬واحزنا‬
‫عليك يا ولدي‪ ،‬ليتني قبل غيبتك عني وقبل ذبحك يا ولدي غيبت تحت‬
‫الثرى‪ ،‬لئل أرى فيك ما أرى‪ ،‬ولكن ذلك بالرغم مني ل بالرضا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقد تطيبوا وتزينوا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ولم يتأخر أحد منهم‪ .‬وفي‬
‫هامش الكتاب‪ :‬فلم يتأخر منهم أحد خ ل‪ (3) .‬فقالوا‪ :‬ما لنا به علم خ ل‬
‫وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬وهو يريد ابنه وهى تمنعه خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬وهو يريد أبيه وهى تمنعه وهو يقول‪ :‬يا أماه اتركيني أمضى‬
‫مع أبى ليمثل أمره وما عاهد ال عز وجل به‪ ،‬فأنا أعود إليك ان شاء ال‬
‫تعالى‪ ،‬فتركته وقالت‪) :‬يا أبا الحارث فعلك الذى عزمت عليه ما سبقك‬
‫إليه أحد من الناس‪ ،‬فكيف تطيب نفسك أن تذبح أولدك( ؟‪ (5) .‬ولهذا‬
‫النور الذى في غرته خ ل‪ .‬وفي المصدر‪ :‬في وجهه‪ ،‬وبعده‪ :‬فورب الكعبة‬
‫لن فعلت ببعض أولدك ما أنت عليه عازم تشمت بك الحساد‪ ،‬ول تطيب‬
‫نفسك أبدا‪ ،‬فقال لها عبد المطلب‪) :‬يا فاطمة ان عبد ال اجل اولدي‬
‫وأحبهم إلى‪ ،‬وأنا أرجو من ال تعالى أن ينجيه ويرحم صغر سنه(‪ ،‬قال‪:‬‬
‫)ثم ان عبد المطلب عزم على المسير به‪ ،‬فقامت امه تضمه إلى صدرها‬
‫وهى تقول‪ :‬أترى ورب الكعبة قضى بفراقك‪ ،‬وقدر على وحشتك حاشا‬
‫نور ال يطفأ ويذهب نور البطح والصفا‪ ،‬ولقد قلت حيلتى يا بنى(‪(6) .‬‬
‫أي لم يعبأ به ول يباليه‪ (7) .‬ثم جذبه بيده وأخذه خ ل‪.‬‬
‫] ‪[ 81‬‬

‫سوقك من عندي من غير اختياري )‪ ،((1‬فلما سمع ذلك أبوه بكى بكاء " شديدا "‬
‫حتى غشي عليه وتغير لونه‪ ،‬فقال عبد ال لمه‪ :‬دعيني أمضي مع أبي‪،‬‬
‫فإن اختارني )‪ (2‬ربي كنت راضيا " سامحا " ببذل روحي له‪ ،‬وإن كان‬
‫غير ذلك عدت إليك‪ ،‬فأطلقته امه فمشى وراء أبيه وجملة أولده )‪ (3‬إلى‬
‫الكعبة‪ ،‬فارتفعت الصوات من كل ناحية‪ ،‬وأقبلوا ينظرون ما يصنع عبد‬
‫المطلب بأولده‪ ،‬وأقبلت اليهود والكهنة وقالوا‪ :‬لعله يذبح الذي نخافه‪ ،‬ثم‬
‫عزم على القرعة بينهم وجاء بهم جميعا " للمنحر‪ ،‬وبيده خنجر يلوح‬
‫الموت من جوانبه‪ ،‬ثم نادى بأعل صوته يسمع القريب والبعيد وقال‪:‬‬
‫)اللهم رب هذا البيت والحرم والحطيم‪ ،‬وزمزم )‪ (4‬ورب الملئكة الكرام‪،‬‬
‫ورب جملة النام‪ ،‬اكشف عنا بنورك الظلم )‪ ،(5‬بحق ما جرى به القلم‪،‬‬
‫اللهم إنك خلقت الخلق بقدرتك‪ ،‬وأمرتهم بعبادتك‪ ،‬ل مانع منك إل أنت )‪،(6‬‬
‫وإنما يحتاج الضعيف إلى القوي‪ ،‬والفقير إلى الغني‪ ،‬يا رب وأنت تعلم أني‬
‫نذرت نذرا "‪ ،‬وعاهدتك عهدا " على إن وهبتني عشرة أولد ذكور لقربن‬
‫لوجهك الكريم واحدا " منهم‪ ،‬وها أنا وهم بين يديك‪ ،‬فاختر منهم من‬
‫أحببت‪ ،‬اللهم كما قضيت وأمضيت فاجعله في الكبار‪ ،‬ول تجعله في‬
‫الصغار‪ ،‬لن الكبير أصبر على البلء من الصغير‪،‬‬

‫)‪ (1‬بغير اختياري خ ل‪ (2) .‬في المصدر بعد ذلك‪ :‬يفعل بى ما يشاء‪ ،‬ويحكم ما‬
‫يريد‪ ،‬فان اختارني إ‍ه‪ (3) .‬مع جملة أولده خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬ومشى‬
‫وراء أبيه‪ ،‬وأقبل عبد المطلب وساق أولده بين يديه إلى الكعبة‪،‬‬
‫فارتفعت الصوات‪ ،‬وخرجت الرجال والنساء من كل جانب ومكان‪ ،‬و‬
‫جعلوا ينظرون إلى عبد المطلب وما يريد يصنع بأولده‪ ،‬وأقبلوا إليه‬
‫السحرة والكهنة واليهود ويقولون‪ :‬عسى أن يذبح الذى نخاف منه‪،‬‬
‫وكانوا اليهود يقولون‪ :‬هذا الذى يخرج منه ما تحذرون وقد قرب ذلك‬
‫منكم‪ ،‬فلما علموا أن عبد المطلب لبد أن يقارع بينهم فأى من وقعت‬
‫عليه القرعة يذبحه أقبلت الناس إلى المنحر وهم ينظرون إلى عبد‬
‫المطلب وأولده خلفه‪ ،‬فأقبل بهم نحو المنحر وبيده خنجر ماض فتطاولت‬
‫إليه العناق‪ ،‬ثم نادى إ‍ه‪ (4) .‬اللهم رب هذا البيت الحرام‪ ،‬والمشاعر‬
‫العظام وزمزم والمقام خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬الظلم‪ (6) .‬المصدر خال‬
‫عن قوله‪ :‬ال انت‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 82‬‬

‫والصغير أولى بالرحمة‪ ،‬اللهم رب البيت والستار‪ ،‬والركن والحجار‪ ،‬وساطح‬


‫الرض‪ ،‬ومجري البحار‪ ،‬ومرسل السحاب والمطار‪ ،‬اصرف البلء عن‬
‫الصغار( ثم دعا بصاحب الجرائد فقدها )‪ (1‬فقذفها وكتب على كل واحدة‬
‫اسم ولد‪ ،‬ثم دعا بصاحب القداح وهي الزلم )‪ (2‬التي ذكرها ال تعالى‪،‬‬
‫وكانوا يقسمون )‪ (3‬بها في الجاهلية‪ ،‬فأخذ الجرائد من يده‪ ،‬وساق أولد‬
‫عبد المطلب وقصد بهم الكعبة‪ ،‬فأخذت امهاتهم في الصراخ والنياح والشق‬
‫للجيوب )‪ ،(4‬كل واحدة تبكي على ولدها‪ ،‬وجميع الناس يبكون لبكائهم‪،‬‬
‫وجعل عبد المطلب يقوم )‪ (5‬مرة ويقعد اخرى‪ ،‬وهو يدعو )‪) :(6‬يا رب‬
‫اسرع في قضائك( فتطاولت العناق‪ ،‬وفاضت العبرات‪ ،‬واشتدت‬
‫الحسرات‪ ،‬فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب القداح قد خرج من الكعبة وهو‬
‫قابض على عبد ال أبي رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وقد جعل ردائه‬
‫في عنقه وهو يجره وقد زالت النضارة من وجهه‪ ،‬واصفر لونه‪ ،‬وارتعدت‬
‫فرائصه‪ ،‬وقال له‪ :‬يا عبد المطلب هذا ولدك قد خرج عليه السهم‪ ،‬فإن‬
‫شئت فاذبحه أو اتركه )‪ ،(7‬فلما سمع كلمه خر مغشيا " عليه‪ ،‬ووقع إلى‬
‫الرض )‪ ،(8‬وخرج بقية أولده من الكعبة وهم يبكون على أخيهم‪ ،‬وكان‬
‫أشدهم عليه حزنا " أبو طالب لنه شقيقه من امه وأبيه‪ ،‬وكان ل يصبر‬
‫عنه ساعة واحدة‪ ،‬وكان يقبل غرته وموضع النور من وجهه‪ ،‬ويقول‪ :‬يا‬
‫أخي ليتني ل أموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي فضله ال على‬
‫الخلق أجمعين )‪ ،(9‬الذي يغسل الرض من الدنس‪ ،‬ويزيل دولة الوثان‪،‬‬
‫ويبطل كهانة الكهان‪.‬‬

‫)‪ (1‬فقدرها خ ل وفي المصدر‪ :‬وقدر وفصله وكتب‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬القداح الذى‬
‫كانوا يضربون بها‪ ،‬وهى التى تسمى الزلم‪ (3) .‬يقتسمون خ ل وكذا في‬
‫المصدر‪ (4) .‬وشق الجيوب خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وقلق عبد المطلب‬
‫قلقا شديدا "‪ ،‬وجعل يقوم ا‍ه‪ .‬وزاد في الدعاء‪ :‬فانى راغب إليك‪(6) .‬‬
‫وهو يقول خ ل‪ (7) .‬وان شئت اتركه خ ل ومثله في المصدر‪ (8) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬على الرض‪ (9) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬وتقاتل معه الملئكة‬
‫المقربين‪.‬‬

‫] ‪[ 83‬‬

‫فلما ولد النبي صلى ال عليه وآله كان يحبه أبو طالب حبا " شديدا " )‪ ،(1‬ويقول‬
‫له‪ :‬فدتك نفسي يابن أخي‪ ،‬يابن الذبيحين إسماعيل وعبد ال‪ .‬رجعنا إلى‬
‫الحديث الول‪ :‬ثم لما أفاق عبد المطلب سمع البكاء من الرجال و النساء‬
‫من كل ناحية‪ ،‬فنظر وإذا فاطمة بنت عمرو ام عبد ال وهي تحثو التراب‬
‫على وجهها‪ ،‬وتضرب على صدرها‪ ،‬فلما نظر إليها عبد المطلب لم يجد‬
‫صبرا " وقبض )‪ (2‬على يد ولده‪ ،‬وأراد أن يذبحه فتعلقت به سادات‬
‫قريش وبنو عبد مناف فصاح بهم صيحة منكرة وقال‪ :‬يا ويلكم لستم أشفق‬
‫على ولدي مني‪ ،‬ولكن أمضي حكم ربي‪ ،‬وأبو طالب متعلق بأذيال عبد ال‬
‫وهو يبكي ويقول لبيه‪ :‬اترك أخي واذبحني مكانه فإني راض أن أكون )‬
‫‪ (3‬قربانك لربك‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬ما كنت بالذي أتعرض على ربي‪،‬‬
‫واخالف حكمه‪ ،‬فهو المر وأنا المأمور‪ ،‬ثم اجتمع أكابر قومه وعشيرته‬
‫وقالوا له‪ :‬يا عبد المطلب عد إلى صاحب القداح مرة ثانية فعسى أن يقع‬
‫السهم في غيره )‪ ،(4‬ويقضي ال ما فيه الفرج‪ ،‬فعاد ثانية فعاد السهم )‪(5‬‬
‫على عبد ال‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬قضي المر ورب الكعبة‪ ،‬ثم ساق ولده‬
‫عبد ال إلى المنحر والناس من وراءه صفوف‪ ،‬فلما وصل المنحر عقل‬
‫رجليه )‪ (6‬فعند ذلك ضربت امه وجهها‪ ،‬ونشرت شعرها‪ ،‬ومزقت أثوابها‪،‬‬
‫ثم أضجعه وهو ذاهل )‪ (7‬ل يدري ما يصنع مما بقلبه من الحزن‪ ،‬فلما‬
‫رأته امه أنه ل محالة عازم على ذبحه مضت مسرعة إلى قومها‪ ،‬وهي قد‬
‫اضطربت جوارحها لما رأت عبد المطلب قد أضجع‬

‫)‪ (1‬وكان يفتخر به خ ل وهو موجود في المصدر‪ (2) .‬لم يملك نفسه خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬فلما نظر عبد المطلب إلى فاطمة وشدة حزنها وعظم قلقها فلم‬
‫تحمل صبرا وقد اكملت الحزن ثم انه قبض‪ (3) .‬فقد رضيت أن أكون خ‬
‫ل وكذا في المصدر‪ (4) .‬على غيره خ ل وهكذا في المصدر‪ (5) .‬فعاد‬
‫فخرج السهم خ ل وفي المصدر وفعل فخرج السهم‪ (6) .‬عقل رجليه‬
‫بحبل خ ل وهكذا هو في المصدر‪ (7) .‬وهو داهش خ ل وهكذا هو في‬
‫المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 84‬‬

‫عبد ال ولده ليذبحه‪ ،‬وهو ل يسمع )‪ (1‬عذل عاذل‪ ،‬ول قول قائل‪ ،‬وضجت الملئكة‬
‫بالتسبيح‪ ،‬ونشرت أجنحتها‪ ،‬ونادى جبرئيل )‪ ،(2‬وتضرع إسرافيل وهم‬
‫يستغيثون إلى ربهم‪ ،‬فقال ال‪ :‬يا ملئكتي إني بكل شئ عليم‪ ،‬وقد ابتليت‬
‫عبدي لنظر صبره على حكمي‪ ،‬فبينما عبد المطلب كذالك إذ أتاه عشرة‬
‫رجال عراة حفاة‪ ،‬في أيديهم السيوف‪ ،‬وحالوا بينه وبين ولده‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫ما شأنكم ؟ قالوا له‪ :‬ل ندعك تذبح ابن اختنا ولو قتلتنا )‪ (3‬عن آخرنا‪،‬‬
‫ولقد كلفت هذه المرأة ما ل تطيق‪ ،‬ونحن أخواله من بني مخزوم‪ ،‬فلما‬
‫رآهم قد حالوا بينه وبين ولده رفع رأسه إلى السماء‪ ،‬وقال‪) :‬يا رب قد‬
‫منعوني أن أمضي حكمك‪ ،‬واوفي بعهدك‪ ،‬فاحكم بيني وبينهم بالحق وأنت‬
‫خير الحاكمين(‪ ،‬فبينما هم كذلك )‪ (4‬إذ أقبل عليهم رجل من كبار قومه‬
‫يقال له‪ :‬عكرمة بن عامر )‪ ،(5‬فأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫يا ابا الحارث اعلم أنك قد أصبحت سيد البطح‪ ،‬فلو فعلت بولدك هذا لصار‬
‫سنة بعدك يلزمك عارها وشنارها‪ ،‬وهذا ل يليق بك‪ ،‬فقال‪ :‬أترى يا عكرمة‬
‫أغضب ربي ؟ قال‪ :‬إني أدلك )‪ (6‬على ما فيه الصلح‪ ،‬قال‪ :‬ما هو يا‬
‫عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬إن معنا في بلدنا كاهنة )‪ (7‬عارفة ليس في الكهان أعرف‬
‫منها‪ ،‬تحدث بما يكون في ضمائر الناس وما يخفى في سرائرهم )‪،(8‬‬
‫وذلك أن لها صاحبا من الجن يخبرها بذلك‪ ،‬فلما سمع كلمه سكن ما به‬
‫فأجمع رأيهم )‪ (9‬على ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا الحارث لقد تكلم عكرمة‬
‫بالصواب‪ ،‬فأخذ عبد المطلب ولده وأقبل إلى منزله وأخذ‬

‫)‪ (1‬فلما حققت الحقائق‪ ،‬وأخذ الشفرة بيده وهو ل يسمع خ ل وفي المصدر‪ :‬وقد‬
‫اضطربت بما جرى عليها‪ ،‬وقد حققت الحقائق‪ ،‬وأخذ الشفرة بيده وهو ل‬
‫يسمع‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فابتهل جبرائيل‪ (3) .‬ولو قتلنا خ ل‪ (4) .‬في ذلك‬
‫خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وكان سيد قومه‪ (6) .‬في المصدر زيادة هي‪:‬‬
‫وأرضى عباده واخلف عهده‪ ،‬قال عكرمة‪ :‬هل أدلك‪ (7) .‬في المصدر‪:‬‬
‫قال عكرمة‪ :‬اعلم أيها السيد ان جوارنا كاهنة‪ (8) .‬وما يجول في‬
‫سرائرهم خ ل وفي المصدر‪ :‬وما يحول‪ (9) .‬فلما سمع كلمه أصغى إليه‬
‫وسكن‪ .‬وهكذا هو في المصدر‪ .‬وفيه‪ :‬فأجمعوا رأيهم‪.‬‬

‫] ‪[ 85‬‬

‫أهبة )‪ (1‬السفر إلى الكاهنة‪ ،‬وأخذ معه هدية عظيمة )‪ ،(2‬وكان اسم الكاهنة ام‬
‫ملخان‪ ،‬فلما كان بعد ثلثة أيام خرج عبد المطلب )‪ (3‬في قومه إلى‬
‫الكاهنة‪ ،‬فتقدم عبد المطلب إليها بعد أن دفع إليها الهدية‪ ،‬فسألها عن‬
‫أمره‪ ،‬فقالت‪ ،‬انزلوا‪ ،‬وغدا " أظهر لكم العجب‪ ،‬فلما كان غداة غد اجتمعوا‬
‫عندها فأنشأت تقول‪ :‬يا مرحبا بالفتية الخيار * الساكني البيت مع الستار‬
‫قد خلقوا من صلصل الفخار * ومن صميم العز والنوار خذوا بقولي صح‬
‫في الثار * انبئكم بالعلم والخبار أهل الضياء والنور والفخار * من هاشم‬
‫سماه في القدار قد رام من خالقه الجبار * أن يعطه عشرا " من الذكار‬
‫من غير ما نقص بإذن الباري * فواحد ينحره للنذار ثم إنها التفتت إلى‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وقالت له )‪ :(4‬أنت الناذر ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬جئناك لتنظري في‬
‫أمرنا‪ ،‬وتعملي الحيلة في ولدنا‪ ،‬فقالت‪ :‬ورب البنية )‪ ،(5‬وناصب الجبال‬
‫المرسية‪ ،‬وساطح الرض المدحية‪ ،‬إن هذا الفتى الذي ذكرتموه سوف‬
‫يعلو ذكره ويعظم‬

‫)‪ (1‬الهبة‪ :‬العدة وما يحتاج في السفر إليه‪ (2) .‬سنية خ ل‪ (3) .‬في بعض النسخ‬
‫هكذا‪ :‬فلما كان بعد ثلثة أيام خرج عبد المطلب في جماعة قومه من بنى‬
‫عبد مناف وبنى مخزوم فجعل يقول‪ :‬تملكني الهموم )قد ‪ -‬خ ل( فضقت‬
‫ذرعا * ولم أملك لما قد حل دفعا نذرت وكان نذر المرء دينا * وهل حر‬
‫يرى للنذر منعا ثم ان القوم ساروا طالبين للكاهنة فوجودها غائبة فسألوا‬
‫عنها‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬انها خرجت في طلب حاجة لها‪ ،‬فساروا قاصدين للمكان‬
‫الذى هي فيه‪ ،‬فتقدم إليها عبد المطلب بعد ما دفع إليها الهدية‪) .‬إلى آخر‬
‫ما في المتن(‪ .‬منه عفى عنه‪ .‬قلت‪ :‬ومثله ما في نسختنا ال أنه ترك‬
‫الشعر‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فقالت‪ :‬انزلوا استريحوا يومكم هذا‪ ،‬فان فرجكم‬
‫وجب‪ ،‬وغدا سيظهر لكم العجب قال‪ :‬فتفرقوا القوم عنها‪ ،‬فلما كان في‬
‫غداة غد اجتمعوا إليها‪ ،‬وعن خبرهم سألوها وما جاؤا فيه وقال‪ :‬ثم‬
‫نظرت إلى عبد المطلب وقالت له‪ (5) .‬فورب البرية خ ل ومثله في‬
‫المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 86‬‬

‫أمره‪ ،‬وإني سأرشدكم إلى خلصه‪ ،‬فكم الدية عندكم‪ ،‬قالوا‪ :‬عشرة )‪ (1‬من البل‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ارجعوا إلى بلدكم واستقسموا بالزلم على عشرة من البل وعلى‬
‫ولدكم‪ ،‬فإن خرج عليه السهم فزيدوا عشرة اخرى وارموا عليها بالسهام‪،‬‬
‫فإن خرج عليه دونها فزيدوا عشرة اخرى هكذا إلى المأة‪ ،‬فإن لم تخرج‬
‫على البل اذبحوا ولدكم‪ ،‬ففرح القوم ورجعوا إلى مكة‪ ،‬وأقبل )‪ (2‬عبد‬
‫المطلب على ولده يقبله‪ ،‬فقال عبد ال‪ :‬يعز علي يا أبتاه شقاءك من أجلي‪،‬‬
‫وحزنك علي‪ ،‬ثم أمر عبد المطلب أن يخرج كل ما معه من البل‪ ،‬فأحضرت‬
‫وأرسل إلى بني عمه أن يأتوا بالبل على قدر طاقتهم‪ ،‬وقال‪) :‬إن أراد ال‬
‫بي خيرا " وقاني في ولدي‪ ،‬وإن كان غير ذلك فحكمه ماض(‪ ،‬فجعل أهل‬
‫مكة يسوقون له كل ما معهم من البل‪ ،‬وأقبل عبد المطلب على فاطمة ام‬
‫عبد ال‪ ،‬وقد أقرحت عيناها بالبكاء فأخبرها بذلك ففرحت وقالت‪ :‬أرجو‬
‫من ربي أن يقبل مني الفداء‪ ،‬ويسامحني في ولدي‪ ،‬وكانت ذات يسار ومال‬
‫كثير‪ ،‬وكانت امها سرحانة زوجة عمرو المخزومي‪ ،‬وكانت كثيرة الموال‬
‫والذخائر‪ ،‬وكان لها جمال تسافر إلى العراق‪ ،‬وجمال تسافر إلى الشام‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬علي بمالي ومال أمي‪ ،‬ولو طلب مني ربي ألف )‪ (3‬ناقة لقدمتها‬
‫إليه وعلي الزيادة‪ ،‬فشكرها عبد المطلب وقال‪ :‬أرجو أن يكون في مالي ما‬
‫يرضى ربي‪ ،‬ويفرج كربي‪ ،‬وأما الناس بمكة ففي فرح وسرور )‪ ،(4‬وبات‬
‫عبد المطلب فرحا " مسرورا "‪ ،‬ثم أقبل إلى الكعبة وطاف بها سبعا "‪،‬‬
‫وهو يسأل ال تعالى أن يفرج عنه‪ ،‬فلما طلع الصباح )‪ (5‬أمر رعاة البل‬
‫أن يحضروها‪ ،‬فأحضروها )‪ ،(6‬وأخذ عبد المطلب ابنه فطيبه وزينه‬
‫وألبسه أفخر‬

‫)‪ (1‬مأة خ ل وفي المصدر‪ :‬عشرين‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قال‪) :‬ففرحوا القوم فرحا‬
‫شديدا ورجعوا إلى أهليهم مسرورين‪ ،‬فلما وصلوا مكة خرجوا أهلها‬
‫كلهم يسألون ما قالت الكاهنة‪ ،‬فأخبروهم بمقالها‪ ،‬وأقبل(‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ألفين‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وأما الناس فقد أمسوا بمكة في فرح‬
‫وسرور‪ (5) .‬أصبح الصباح خ ل‪ .‬وهكذا هو في المصدر‪ (6) .‬في‬
‫المصدر هنا زيادة هي هكذا‪ :‬وأتوا بنو عمه بما كان من المال فجمعوا‬
‫أموال كثيرة‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 87‬‬

‫أثوابه‪ ،‬وأقبل به إلى الكعبة‪ ،‬وفي يده الحبل والسكين‪ ،‬فلما رأته امه فاطمة قالت‪ :‬يا‬
‫عبد المطلب ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي‪ ،‬قال‪ :‬إني قاصد إلى ربي‬
‫أسأله أن يقبل مني الفداء في ولدي‪ ،‬فإن نفدت أموالي وأموال قومي ركبت‬
‫جوادي وخرجت إلى كسرى وقيصر )‪ (1‬وملوك الهند والصين مستطعما "‬
‫على وجهي حتى أرضى ربي )‪ ،(2‬وأنا أرجو أن يفديه كما فدا أبي‬
‫إسماعيل من الذبح‪ ،‬وسار إلى الكعبة والناس حوله ينظرون‪ ،‬فقال لهم‪) :‬يا‬
‫معاشر من حضر إياكم أن تعودوا إلي في ولدي كما فعلتم بالمس‪،‬‬
‫وتحولوا بيني وبين ذبح ولدي(‪ ،‬ثم إنه قدم )‪ (3‬عشرة من البل وأوقفها )‬
‫‪ (4‬وتعلق بأستار الكعبة‪ ،‬وقال‪) :‬اللهم أمرك نافذ(‪ ،‬ثم أمر صاحب القداح‬
‫أن يضربها فضربها‪ ،‬فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فقال عبد المطلب‪) :‬لربي‬
‫القضاء(‪ ،‬فزاد على البل عشرة‪ ،‬وأمر صاحب القداح أن يضربها‪،‬‬
‫فضربها فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فقال أشراف قريش‪ :‬لو قدمت غيرك‬
‫يا عبد المطلب لكان خيرا "‪ ،‬فإنا نخشى أن يكون ربك ساخطا " عليك‪،‬‬
‫فقال لهم‪ :‬إن كان المر كما زعمتم فالمسئ أولى بالعتذار‪ ،‬ثم قال‪) :‬اللهم‬
‫إن كان دعائي عنك قد حجب من كثرة الذنوب فإنك غفار الذنوب‪ ،‬كاشف‬
‫الكروب‪ ،‬تكرم علي بفضلك وإحسانك( ثم زاد عشرة اخرى من البل ورمق‬
‫بطرفه نحو السماء وقال‪) :‬اللهم أنت تعلم السر وأخفى‪ ،‬وأنت بالمنظر‬
‫العلى‪ ،‬اصرف عنا البلء كما صرفته عن إبراهيم الذي وفى( ثم أمر‬
‫صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقيصر الشام‪ ،‬وبطارقة الروم‪ ،‬وملوك الهند‪ (2) .‬فيه غرابة‪ :‬فان‬
‫الذى تقدم في قول كاهنة أن الفداء لم تجاوز عن المأة‪ ،‬فلو لم تخرج‬
‫الزلم بعد ذلك على البل بل خرجت على عبد ال فالمتعين قتله فعليه فل‬
‫معنى للخروج إلى كسرى وغيره‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬يا معاشر الناس انكم‬
‫تعلمون منزلة الولد‪ ،‬ل يقاس به أحد‪ ،‬لنها روح خرجت من روح‪ ،‬وما‬
‫أنتم بأشفق منى على ولدى‪ ،‬وقد كانت منكم بالمس بى زلة وفعلة‬
‫منكرة‪ ،‬وأياكم أن تعودوا لمثلها‪ ،‬وتحولون بينى وبين ولدى‪ ،‬فاتركوني‬
‫أناجي ربى‪ ،‬وأرجوه أن يتكرم على بولدى‪ ،‬فانه اهل الجود والكرم‪ ،‬ثم ان‬
‫عبد المطلب قدم‪ (4) .‬قد سقط من المصدر من هنا إلى قوله‪ :‬اتركوني‬
‫حتى أنفذ حكم ربى‪.‬‬

‫] ‪[ 88‬‬

‫عبد ال‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬إن هذا لشئ يراد‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعل بعد العسر يسرا "‪ ،‬ثم‬
‫أضاف إلى الثلثين عشرة اخرى فقال‪ :‬يا رب هذا البيت والعباد * إن بني‬
‫أقرب الولد وحبه في السمع والفؤاد * وامه صارخة تنادي فوقه من‬
‫شفرة الحداد * فانه كالبدر في البلد ثم أمر صاحب القداح أن يضربها‬
‫فضربها فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬كيف أبذل فيك يا‬
‫ولدي الفداء وقد حكم فيك الرب بما يشاء‪ ،‬ثم أضاف إلى الربعين عشرة‬
‫اخرى‪ ،‬وأمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد‬
‫ال‪ ،‬فقالت امه‪ :‬يا عبد المطلب اريد منك أن تتركني أسأل ال في ولدي‪،‬‬
‫فعسى أن يرحمني ويرحم ضعفي وحالتي هذه‪ ،‬فقامت فاطمة وأضافت إلى‬
‫الخمسين عشرة اخرى‪ .‬وقالت‪) :‬يا رب رزقتني ولدا " وقد حسدني عليه‬
‫أكثر الناس وعاندني فيه‪ ،‬وقد رجوته أن يكون لي سندا " وعضدا "‪ ،‬وأن‬
‫يوسدني في لحدي‪ ،‬ويكون ذكري بعدي‪ ،‬فعارضنني فيه أمرك وأنت تعلم يا‬
‫رب إنه أحب أولدي إلي‪ ،‬وأكرمهم لدي‪ ،‬وإني يا رب فديته بهذه الفداء‬
‫فاقبلها ول تشمت بي العداء(‪ ،‬ثم أمرت صاحب القداح أن يضربها‬
‫فضربها فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬إن لكل شئ دليل‬
‫ونهاية‪ ،‬وهذا المر ليس لي ول لك فيه حيلة‪ ،‬فل تعودي إلى التعرض في‬
‫أمري‪ ،‬ثم أضاف إلى الستين عشرة اخرى فقال‪) :‬اللهم منك المنع ومنك‬
‫العطاء‪ ،‬وأمرك نافذ كما تشاء‪ ،‬وقد تعرضت عليك بجهلي وقبيح عملي فل‬
‫تؤاخذني ول تخيب أملي( ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج‬
‫السهم على عبد ال‪ ،‬فعند ذلك ضج الناس بالبكاء والنحيب‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب‪) :‬ما بعد المنع إل العطاء‪ ،‬وما بعد الشدة إل الرخاء‪ ،‬وأنت عالم‬
‫السر وأخفى(‪ ،‬ثم ضم إلى السبعين عشرة أخرى وأمر صاحب القداح أن‬
‫يضربها‪ ،‬فضربها فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فأخذ عبد المطلب الحبل‬
‫والسكين بيده وهم الناس أن يمنعوه مثل المرة الولى فقال لهم‪ :‬أقسمت‬
‫بال إن عارضنني في ولدي أحد لضربن نفسي بهذا السكين و أذبح‬
‫نفسي‪ ،‬اتركوني حتى أنفذ حكم ربي فأنا عبده‪ ،‬وولدي عبده‪ ،‬يفعل بنا ما‬
‫يشاء‬

‫] ‪[ 89‬‬

‫ويحكم ما يريد‪ ،‬فأمسك الناس عنه‪ ،‬ثم أضاف إلى الثمانين عشرة وجعل يقول‪) :‬يا‬
‫رب إليك المرجع‪ ،‬وأنت ترى وتسمع( ثم أمر صاحب القداح أن يضربها‬
‫فضربها فخرج السهم على عبد ال‪ ،‬فوقع عبد المطلب مغشيا " عليه‪،‬‬
‫فلما أفاق قال‪) :‬واغوثاه إليك يا رب( وجذب ابنه للذبح وضجت الناس‬
‫بالبكاء والعويل رجال " ونساء "‪ ،‬فعند ذلك صاح عبد ال في وثاقه )‪(1‬‬
‫وقال‪ :‬يا أبت أما تستحيي من ال ؟ كم ترد أمره وتلح عليه ؟ هلم إلي‬
‫فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي‪ ،‬فإني صابر على‬
‫قضائه وحكمه‪ ،‬وإن كنت يا أبت ل تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا‬
‫ابتاه فخذ بيدي ورجلي واربطهما بعضهما إلى بعض‪ ،‬وغط وجهي لئل‬
‫ترى عينك عيني‪ ،‬واقبض ثيابك عن دمي لكيل تتلطخ بالدم‪ ،‬فتكون إذا‬
‫لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت‪ ،‬واوصيك يا أبتاه بامي خيرا "‪،‬‬
‫فإني أعلم أنها بعدي هالكة ل محالة من أجل حزنها علي فسكنها وسكن‬
‫دمعتها‪ ،‬وإني أعلم أنها ل تلتذ بعدي بعيش‪ ،‬وأوصيك بنفسك خيرا‪ ،‬فإن‬
‫خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا "‪ ،‬ثم قال عبد المطلب‪ :‬يعز‬
‫علي يا ولدي كلمك هذا‪ ،‬ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع‪ ،‬ثم قال‪) :‬يا‬
‫قوم ما تقولون ؟ كيف أتعرض على ربي في قضائه ؟ وإني أخاف أن ينتقم‬
‫مني )‪ ،(2‬ثم قام ونهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا " ودعا ال ومرغ‬
‫وجهه وزاد في دعائه‪ ،‬وقال‪) :‬يا رب امض أمرك فإني راغب في رضاك )‬
‫‪ ((2‬ثم زاد على البل عشرة فصارت مأة‪ ،‬وقال‪ :‬من أكثر قرع الباب يوشك‬
‫أن يفتح له‪ ،‬ثم قال‪) :‬رب ارحم تضرعي وتوسلي وكبري( ثم أمر صاحب‬
‫القداح أن يضربها‪ ،‬فضربها فخرج السهم على البل‪ ،‬فنزع الناس عبد ال‬
‫من يد أبيه‪ ،‬وأقبلت الناس من كل مكان يهنؤنه بالخلص‪ ،‬وأقبلت أمه‬
‫وهي تعثر )‪ (4‬في أذيالها فأخذت ولدها وقبلته وضمته إلى صدرها‪ ،‬ثم‬
‫قالت‪) :‬الحمد ل الذي لم يبتلني بذبحك‪،‬‬

‫)‪ (1‬الوثاق‪ :‬ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فانى أستحيى‬
‫اعاوده مرة اخرى فينتقم منى‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ما أنا راغب عن‬
‫قضائك‪ (4) .‬أي تسقط‪.‬‬

‫] ‪[ 90‬‬

‫ولم يشمت بي العداء وأهل العناد(‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا " من داخل‬
‫الكعبة وهو يقول‪) :‬قد قبل ال منكم الفداء‪ ،‬وقد قرب خروج المصطفى(‪،‬‬
‫فقالت قريش‪ :‬بخ بخ لك يا أبا الحارث‪ ،‬هتفت بك وبابنك الهواتف‪ ،‬وهم‬
‫الناس بذبح البل‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬مهل أراجع ربي مرة اخرى‪ ،‬فإن هذه‬
‫القداح تصيب وتخطئ‪ ،‬وقد خرجت على ولدي تسع مرات متواليات‪ ،‬وهذه‬
‫مرة واحدة‪ ،‬فل أدري ما يكون من الثانية )‪ ،(1‬اتركوني أعاود ربي مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬افعل ما تريد‪ ،‬ثم إنه استقبل الكعبة وقال‪) :‬اللهم سامع‬
‫الدعاء‪ ،‬وسابغ النعم‪ ،‬ومعدن الجود والكرم‪ ،‬فإن كنت يا مولي مننت علي‬
‫بولدي هبة منك فاظهرلنا برهانه مرة ثانية( ثم أمر صاحب القداح أن‬
‫يضربها فضربها فخرج السهم على البل‪ ،‬فأخذت فاطمة ولدها وذهبت به‬
‫إلى بيتها وأتى إليه الناس من كل جانب ومكان سحيق‪ ،‬وفج عميق )‪(2‬‬
‫يهنؤنها بمنة ال عليها‪ ،‬ثم أمر عبد المطلب أن تنحر البل فنحرت عن‬
‫آخرها وتناهبها الناس‪ ،‬وقال لهم‪ :‬ل تمنعوا منها الوحوش والطير )‪،(3‬‬
‫وانصرف فجرت سنة في الدية مأة من البل إلى هذا الزمان‪ ،‬ومضى عبد‬
‫المطلب وأولده‪ ،‬فلما رأته الكهنة والحبار وقد تخلص خاب أملهم‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬تعالوا نسع في هلكه )‪ (4‬من حيث ل يشعر به أحد‪ ،‬فقال‬
‫كبيرهم وكان يسمى ربيان وكانوا له سامعين فقال لهم‪ :‬اعملوا طعاما "‬
‫وضعوا فيه سما "‪ ،‬ثم ابعثوا به إلى عبد المطلب على حال الهدية إكراما‬
‫" لخلص ولده‪ ،‬فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما " ووضعو فيه سما‬
‫"‪ ،‬وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبد المطلب‪ ،‬وهن خافيات‬
‫أنفسهم بحيث ل تعلم إحداهن‪ ،‬فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة ورحبت‬
‫بهن‪ ،‬وقالت‪ :‬من أين أنتن ؟‬

‫)‪ (1‬في الثانية خ ل وهكذا في المصدر‪ (2) .‬السحيق‪ :‬البعيد‪ .‬وفج عميق‪ :‬طريق‬
‫بعيدة غامضة‪ (3) .‬يوجد ذكر القصة بتمامها في السيرة لبن هشام‪:1 :‬‬
‫‪ ،168 - 164‬وتاريخ الطبري‪ 5 :1 :‬وفيهما‪ :‬أن عبد المطلب ضرب على‬
‫البل وعلى ابنه عبد ال القداح ثلث مرات حين خرج القدح على البل‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬تعالوا نعمل حيلة في هلكه‪.‬‬

‫] ‪[ 91‬‬

‫قلن لها‪ :‬نحن من قرابتك من بني عبد مناف‪ ،‬دخل علينا السرور لخلص ابنك‪،‬‬
‫فأخذت فاطمة منهن الطعام )‪ ،(1‬وأقبلت إلى عبد المطلب‪ ،‬فقال‪ :‬من أين‬
‫هذا ؟ فذكرت له الخبر‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬هلموا إلى ما خصكم به قرابتكم‪،‬‬
‫فقاموا وأرادوا الكل منه‪ ،‬وإذا بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال‪ :‬ل‬
‫تأكلوا مني فإني مسموم‪ ،‬وكان هذا من دلئل نور رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون النساء فلم يروا لهن أثرا "‪،‬‬
‫فعلموا أنه مكيدة من ال " عداء‪ ،‬فحفروا للطعام حفيرة ووضعوه فيها )‬
‫‪ .(2‬وقال أبو الحسن البكري‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث‬
‫أنه لما قبل ال الفداء من عبد المطلب في ولده عبد ال فرح فرحا " شديدا‬
‫"‪ ،‬فلما لحق عبد ال ملحق الرجال تطاولت إليه الخطاب‪ ،‬وبذلوا في طلبه‬
‫الجزيل من المال )‪ ،(3‬كل ذلك رغبة في نور رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬ولم يكن في زمانه أجمل ول أبهى ول أكمل منه‪ ،‬وكان إذا مر بالناس‬
‫في النهار يشمون منه رائحة )‪ (4‬المسك الذفر والكافور والعنبر‪ ،‬وكان‬
‫إذا مر بهم ليل تضئ من نوره الحنادس والظلم‪ ،‬فسموه أهل مكة مصباح‬
‫الحرم‪ ،‬وأقام عبد المطلب وابنه عبد ال بمكة حتى تزوج عبد ال بآمنة‬
‫بنت وهب‪ ،‬وكان السبب في تزويجها به )‪ (5‬أن الحبار اجتمعوا بأرض‬
‫الشام‪ ،‬وتكلموا في مولد رسول ال صلى ال عليه وآله والدم الذي قد‬
‫جرى من جبة يحيى بن زكريا عليهما السلم كما تقدم ذكره‪ ،‬فلما أيقنوا أنه‬
‫قد قرب خروج صاحب السيف )‪ ،(6‬وظهرت أنواره تشاوروا فيما بينهم‬
‫وساروا إلى حبر لهم )‪ (7‬وكان في‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬دخل عليهن السرور بخلص ابن أخيهم وقد عملوا طعاما وليمة‬
‫وبعثوا إليكم بعضها‪ ،‬فأخذت منهن الطعام‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ثم أقام بعد‬
‫ذلك مدة وخرج وتزوج بآمنة بنت وهب ام رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬تم الجزء الرابع‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ (3) .‬وبذلوا في قربه‬
‫الجزيل من الموال خ ل‪ (4) .‬روائح خ ل وهكذا في المصدر‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬قال البكري‪ :‬وكان سبب تزويج آمنة بعبد ال أن الحبار‪(6) .‬‬
‫السيف المسلول‪ .‬وهكذا في المصدر‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬فتشاوروا بينهم‬
‫وعقدوا رأيهم على المسير إلى حبر لهم‪.‬‬

‫] ‪[ 92‬‬

‫قرية من قرى الردن‪ ،‬وكانوا يقتبسون من علمه‪ ،‬وكان ممن عمر في زمانه )‪،(1‬‬
‫فقصده القوم‪ ،‬فلما وصلوا إليه قال لهم‪ :‬ما الذي أزعجكم )‪ (2‬؟ قالوا له‪:‬‬
‫إنا نظرنا في كتبنا فوجدنا صفة هذا الرجل السفاك )‪ (3‬الذي تقاتل معه‬
‫الملك‪ ،‬وما نلقى عند ظهوره من الهوال والهلك )‪ ،(4‬وقد جئناك‬
‫نشاورك في أمره قبل ظهوره وعلو ذكره‪ ،‬قال‪ :‬يا قوم إن من أراد إبطال ما‬
‫أراد ال فهو جاهل مغرور‪ ،‬وإنه لكائن بكم‪ ،‬وهذا الذي ذكرتم قد سبق أمره‬
‫عند ال‪ ،‬فكيف تقدرون على إبطاله ؟ وهو مبطل كهانة الكهان‪ ،‬ومزيل‬
‫دولة الصلبان )‪ ،(5‬وسيكون له وزير وقريب )‪ ،(6‬فلما سمعوا كلمه‬
‫خافوا وحاروا‪ ،‬فقام حبر من أحبارهم يقال له‪ :‬هيوبا بن داحورا )‪،(7‬‬
‫وكان كافرا " متمردا " شديد البأس‪ ،‬فقال لهم‪ :‬هذا رجل قد كبر وخرف‬
‫وقل عقله فل تسمعوا من قوله )‪ ،(8‬ثم قال لهم‪ :‬أرأيتم الشجرة إذا قطعت‬
‫من أصلها فهل تعود خضرا " ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإن قتلتم صاحبكم هذا‬
‫الذي يخرج من صلبه هذا المولود فما الذي تخافون منه ؟ فقوموا هذه‬
‫الساعة وخذوا معكم تجارة وسيروا إلى البلد الذي هو فيها‪ ،‬يعني مكة‪،‬‬
‫فإذا وصلتم دبرتم الحيلة في هلكه فتبعوا قوله )‪ (9‬وقالوا له‪ :‬أنت سيدنا )‬
‫‪ ،(10‬قال لهم‪ :‬افعلوا ما آمركم به‪ ،‬وأنا معكم بسيفي ورمحي‪ ،‬ولكن ما‬
‫أسير معكم حتى تعاهدوني )‪ ،(11‬فيعمد كل واحد منكم إلى‬

‫)‪ (1‬وكان قد بلغ من العمر فوق مأة عام خ ل وفي المصدر‪ :‬وكان قد بلغ من العمر‬
‫مأة سنة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬ما الذي أقدم الحبار وعلماء المصار ؟‬
‫)‪ (2‬الهتاك خ ل وفي المصدر‪ :‬السفاك الهتاك‪ (4) .‬وقد قرب زمانه خ ل‬
‫وهو الموجود أيضا في المصدر‪ (5) .‬الصلبان جمع الصليب‪ (6) .‬قرين خ‬
‫ل‪ ،‬وهو الموجود في المصدر‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬هلو يابن داخور‪(8) .‬‬
‫واياكم أن تسمعوا منه خ ل‪ .‬وهو الموجود في المصدر‪ (9) .‬فصدقوا‬
‫قوله‪ ،‬ومثله الموجود في المصدر‪ (10) .‬سيدنا وعمادنا خ ل وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (11) .‬ول تخاذلوني خ ل‪ ،‬يوجد أيضا في المصدر‬
‫وفيه ايضا فليعمد‪ ،‬وفيه‪ :‬يسقيه‪.‬‬

‫] ‪[ 93‬‬

‫سيفه ليسقيه سما " فأجابوه إلى ذلك وافترقوا‪ ،‬ثم اجتمعوا بايلة )‪ ،(1‬وخرجوا‬
‫بجمالهم محملة بالتجارة‪ ،‬وساروا حتى وصلوا مكة‪ ،‬فلما دخلوها سمعوا‬
‫من ورائهم صوتا وهو يقول‪ :‬قصدتم لزر القوم في السر والجهر *‬
‫تريدون مكرا " بالمعظم في القدر ومن غالب الرحمن ل شك إنه *‬
‫سيرميه باريه بقاصمة الظهر ستضحون يا شر النام كأنكم * نعام اسيقت‬
‫للذباحة والنحر فلما سمعوا كلم الهاتف هالهم ذلك وهموا بالرجوع‪ ،‬فقال‬
‫لهم هيوبا‪ :‬ل تخافوا من كلم هذا الهاتف‪ ،‬فإن هذا الوادي قد كثر فيه‬
‫الكهان والشياطين‪ ،‬وإن هذا الهاتف هو شيطان قد علم قصدكم فعند ذلك‬
‫تبادر القوم‪ ،‬فكان كل من لقاهم يحدثهم بحسن عبد ال وجماله‪ ،‬فوقع في‬
‫قلوبهم الكمد )‪ (2‬والحسد‪ ،‬فجعلوا يسومون متاعهم ول يبيعون منه شيئا‬
‫"‪ ،‬وإنما يريدون بذلك المقام بمكة والحيلة في قتل عبد ال فأقبل يوما "‬
‫عبد المطلب وهو قابض على يده ولده عبد ال‪ ،‬ومر باليهود‪ ،‬وكان عبد‬
‫ال قد رأى رؤيا أفزعته‪ ،‬فخرج مرعوبا " إلى أبيه فقال‪ :‬ما أصابك يا بني‬
‫)‪ (3‬؟ قال‪ :‬رؤيا هالتني‪ ،‬قال‪ :‬رأيت سيوفا " مجردة في أيدي قردة وهم‬
‫قعود على أدبارهم‪ ،‬وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف ويشيرون بها‬
‫إلي فعلوت عنها )‪ (4‬في الهواء‪ ،‬فبينما أنا كذلك وإذا بنار قد نزلت من‬
‫السماء فزادتني خوفا‪ ،‬وقلت‪ :‬كيف خلصي منها ؟ فبينما أنا كذلك وإذا‬
‫بالنار قد وقعت على القردة فأحرقتهم عن آخرهم‪ ،‬فزادني ذلك رعبا "‪،‬‬
‫فقال له أبوه‪ :‬وقاك ال يا بني شر ما تحاذر من الحساد والضداد )‪ ،(5‬فإن‬
‫الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك‪ ،‬ولكن‬
‫)‪ (1‬ثم اجتمعوا إليه خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬وافترقوا على انهم يجتمعون بليلة‪(2) .‬‬
‫الكمد‪ :‬الحزن والغم الشديد‪ .‬وفي المصدر بعد ذلك‪ :‬إلى أن وصلوا مكة‪.‬‬
‫فلم يظهر عليهم أحد بما في نفوسهم‪ :‬وظنوا أنهم تجار‪ ،‬وجعلوا‬
‫يسومون‪ (3) .‬ما الذي بك يا بنى خ ل‪ ،‬وكذا في المصدر‪ ،‬وفيه بعد ذلك‪:‬‬
‫صرف ال عنك المحذور‪ ،‬و وقاك ما تخافه من الشرور‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فعلوت عنهم‪ (5) .‬وقاك ال يا بنى البلء خ ل وفي المصدر‪:‬‬
‫الرصاد مكان الضداد‪.‬‬

‫] ‪[ 94‬‬

‫لو اجتمعت أهل الرض إنسها وجنها لم يقدروا على شئ‪ ،‬لنه وديعة من ال عز‬
‫وجل لخاتم النبياء‪ ،‬وهاهنا أحبار اليهود من الشام وفيهم الحكمة‬
‫والمعرفة فقم معي حتى أقص عليهم رؤياك‪ ،‬فقبض عبد المطلب على يد‬
‫ولده عبد ال ودخل عليهم‪ ،‬فلما نظر إليه الحبار وهو كأنه البدر المنير‬
‫نظر بعضهم إلى بعض وقالوا‪ :‬هذا الذي نطلبه‪ ،‬فقال لهم عبد المطلب‪ :‬يا‬
‫معاشر اليهود )‪ (1‬جئنا إليكم نخبركم )‪ (2‬برؤيا رآها ولدي هذا‪ ،‬فقالوا له‪:‬‬
‫وماذا ؟ فقص عليهم الرؤيا‪ ،‬فزادهم حنقا " عليه‪ ،‬وقال له هيوبا‪ :‬أيها‬
‫السيد إنها أضغاث أحلم وأنتم سادات كرام‪ ،‬ليس لكم معاند ول مضاد‪ ،‬ثم‬
‫انصرف عبد المطلب بولده وأقاموا بعد ذلك أياما " يريدون الحيلة فلم‬
‫يجدوا إلى ذلك سبيل‪ ،‬وكان عبد ال مغرما بالصيد )‪ ،(3‬وكان إذا خرج إلى‬
‫الصيد ل يرجع إل ليل‪ ،‬وكان يخرج مع أبيه فلم يجدوا إلى ذلك سبيل حتى‬
‫خرج ذات يوم وحده )‪ (4‬فخرجوا ورائه من حيث ل يشعر بهم أحد )‪،(5‬‬
‫فقال لهم هيوبا‪ :‬ما انتظاركم وقد خرج الذي تطلبونه )‪ (6‬؟ فقالوا له‪ :‬إنا‬
‫نخاف من فتيان مكة )‪ (7‬وفرسان بني هاشم وهم ل يطاقون وقد ذلت لهم‬
‫العمالقة وغيرهم )‪ ،(8‬ونخشى أن يشعروا بنا )‪ ،(9‬فلما سمع هيوبا‬
‫مقالتهم قال‪ :‬خاب سعيكم‪ ،‬فإذا كنتم هكذا فما الذي أتى بكم إلى هاهنا ؟‬
‫فلبد من قتل هذا الغلم‪ ،‬ولو طال عليكم المقام‪ ،‬ولم تجدوا يوما " مثل هذا‬
‫اليوم‪ ،‬فإذا قتلناه وخفتم التهمة به )‪ (10‬فعلي ديته‪ ،‬وكانوا قد بعثوا عبدا‬
‫من‬

‫)‪ (1‬يا معاشر الحبار خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬جئنا اليكم تخبرونا بما‬
‫رآه ولدى في رؤياه خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬أي مولعا‪ .‬وفي‬
‫الهامش اضاف‪ :‬والقنص خ ل قلت‪ :‬القنص‪ :‬الصيد‪ (4) ..‬فوجدوه وحده‬
‫خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬حتى خرج ذات يوم وحده فطمعوا فيه وخرجوا‬
‫من حيث ل يشعر أحد متفرقين‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فاخرجوا وجدوا السير‬
‫حتى تظفروا به‪ (7) .‬من فتيان حرم خ ل وهو الموجود في المصدر‪(8) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬وهم رجال ل يطاقونهم أحد‪ ،‬وقد دانت لهم العمالقة‪،‬‬
‫وفزعت من سيوفهم الجبابرة‪ (9) .‬في المصدر‪ :‬فيخرجون وراءنا‪(10) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬فاتهمونا بقتله‪.‬‬

‫] ‪[ 95‬‬

‫عبيدهم ينظر إلى أين يتوجه عبد ال‪ ،‬فرجع العبد وأخبرهم أنه قد غاب بين الجبال‬
‫و الشعاب‪ ،‬وقد خرج من العمران‪ ،‬وليس عنده )‪ (1‬إنسان‪ ،‬فعزم القوم‬
‫على ما أملوه‪ ،‬وجعلوا نصفا عند المتعة‪ ،‬والنصف الخر أخذوا السيوف‬
‫تحت ثيابهم وخرجوا قاصدين عبد ال والعبد أمامهم حتى أوقفهم عليه )‬
‫‪ ،(2‬وكان عبد ال قد صاد حمار وحش وهو يسلخه فنظر إلى القوم وقد‬
‫أقبلوا عليه‪ ،‬فقال لهم هيوبا‪ :‬هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطانكم في في‬
‫طلبه‪ ،‬فما أحس عبد ال إل وقد أحاطوا به‪ ،‬وكانوا قد افترقوا فرقتين‪،‬‬
‫وقالوا للذين خلفوهم عند متاعهم‪ :‬إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين‪ ،‬فلما‬
‫أشرفوا على عبد ال وقد سدوا الطرقات )‪ ،(3‬وزعموا أنهم قد حكموا‬
‫عليه‪ ،‬فرفع عبد ال رأسه إلى السماء‪ ،‬ودعا ال تعالى وأقبل إليهم )‪(4‬‬
‫وقال‪ :‬يا قوم ما شأنكم ؟ فوال ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه أبدا‬
‫فتطالبوني به‪ ،‬ول غصبت مال " قط‪ ،‬ول قتلت احدا " فاقتل به‪ ،‬فما‬
‫حاجتكم ؟ فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فأخبروني حتى أعرفها‪،‬‬
‫واليهود يومئذ تلثموا ولم يبين منهم إل حماليق الحدق )‪ ،(5‬فلم يردوا‬
‫عليه جوابا "‪ ،‬وأشار بعضهم إلى بعض وهموا بالهجوم عليه‪ ،‬فجعل نبلة‬
‫في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فاصابت رجل منهم فوقع ميتا "‪ ،‬ثم‬
‫رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بانفسهم‪ ،‬فأخذ‬
‫الخامسه ليرميهم بها وأنشأ يقول‪ :‬ولي همه تعلو على كل همة * وقلب‬
‫صبور ل يروع من الحرب )‪ (6‬ولي نبلة أرمي بها كل ضيغم * فتنفذ في‬
‫اللبات والنحر والقلب فأربعة منها أصابت لربع * ولو كاثروني صلت‬
‫بالطعن والضرب أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها * فصارت كبرق لح في‬
‫خلل السحب‬

‫)‪ (1‬ليس معه خ ل‪ .‬وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فسار بهم حتى‬
‫أوقفهم عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا قوم دونكم وما كنتم تطلبون‪ (3) .‬الطريق خ ل‬
‫وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فاذاهم مجدين نحوه‪ ،‬فعلم‬
‫انهم يريدون )معدون خ( شرا فترك ما كان فيه و أقبل عليهم‪(5) .‬‬
‫حملق العين بالكسر والفتح وحملوقها‪ :‬باطن الجفان‪ ،‬والجمع‬
‫الحماليق‪ (6) .‬في الحرب خ ل‪.‬‬
‫] ‪[ 96‬‬

‫فلما سمعوا ذلك منه قال له هيوبا‪ :‬يا فتى احبس عنا نبالك فقد أسرفت في فعالك‪،‬‬
‫ولقد قتلت منا رجال من غير ذنب ول سابقة سبقت منا إليك‪ ،‬ونحن قوم‬
‫تجار‪ ،‬ونحن الذين وقفت علينا بالمس مع أبيك‪ ،‬وكان لنا عبد قد هرب‬
‫منا‪ ،‬فلما رأيناك أنكرناك‪ ،‬فعندما عرفناك أنك عبد ال فنحن ما لنا معك‬
‫طلبة‪ ،‬وأنك )‪ (1‬لعز الخلق علينا‪ ،‬و أكرمهم لدينا‪ ،‬فامض لسبيلك فقد‬
‫سمحنا لك بما فعلت فينا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا ويلكم ما الذي تبين لكم مني أني‬
‫عبدكم ؟ فهل عبدكم مثلي‪ ،‬أو صفته صفتي‪ ،‬أوله نور كنوري ؟ فقالوا له‪:‬‬
‫إنما دخلنا الشك وأنت متباعد عنا‪ ،‬فلما قربت منا وعرفناك‪ ،‬فاسمح لنا بما‬
‫كان منا إليك فإنا سمحنا لك بما كان وإن كان وأعظم من ذلك أنك قتلت )‪(2‬‬
‫منا رجال لذنب لهم‪ ،‬ونحن حيث أكلنا طعام أبيك وشربنا شرابه فنحن لك )‬
‫‪ (3‬شاكرون‪ ،‬وأنت أولى بكتمان ما كان اليوم )‪ (4‬منا‪ ،‬فلما سمع عبد ال‬
‫كلمهم زعم أنه حق وهو خديعة‪ ،‬ثم إنه ركب جواده وأخذ قوسه وعطف‬
‫إلى ناحية المضيق )‪ ،(5‬فلما رآه القوم قد أقبل عليهم يريد الخروج بادروا‬
‫إليه بأجمعهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقاموا إليه بالسيوف‪ ،‬فجعل يكر‬
‫فيهم كرة بعد كرة‪ ،‬فعند ذلك صاح فيهم هيوبا فتبادروا إليه بأجمعهم وهو‬
‫يكر فيهم يمينا " وشمال "‪ ،‬وكلما رمى رجل خر صريعا " ونزل عبد ال‬
‫عن فرسه واستند إلى المضيق‪ ،‬وقد أقبلوا إليه من كل جانب يرمونه‬
‫بالحجارة‪ ،‬فبينما هم في المعركة وإذا هم برجال قد أقبلوا بأيديهم السيوف‬
‫مشهورة وهم عراة مسرعون نحوهم‪ ،‬فإذاهم بنو هاشم‪ ،‬وأبو طالب )‪(6‬‬
‫وفتيان مكة وكان في أولهم أبو طالب وحمزة والعباس‪ ،‬فعند‬

‫)‪ (1‬انكم خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وان أعظم ما كان منك انك قتلت‪ (3) .‬له خ ل‪(4) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬ما كان اليوم واقع‪ (5) .‬المضيق الخر خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ (6) .‬بنو عبدمناف خ ل وفي المصدر‪ :‬فتأملوهم فاذاهم بنو‬
‫هاشم وبنو عبدمناف وفتيان مكة‪.‬‬

‫] ‪[ 97‬‬

‫ذلك ناداه أبوه فقال )‪ :(1‬يا بني هذا تأويل رؤياك من قبل‪ ،‬فما استتم كلمه حتى‬
‫أحاط بعبدال إخوته وأقاربه‪ .‬قال البكري‪ :‬وكان قد أخبرهم بالخبر رجل‬
‫يقال له‪ :‬وهب بن عبدمناف‪ ،‬لنه أشرف عليهم في المعركة )‪ ،(2‬فهم أن‬
‫ينزل فخاف على نفسه من كثرتهم‪ ،‬فأتى إلى الحرم )‪ (3‬ونادى في بني‬
‫هاشم )‪ ،(4‬فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلك وقالوا لعبدال‪ :‬إنما أردنا أن‬
‫نعلم حقيقة الحال‪ ،‬فقال لهم عبد ال‪ :‬هيهات لقد أجهدتم أنفسكم في‬
‫هلكي‪ ،‬فهرب منهم جماعة والتجؤا إلى جبل وظنوا أنهم قد نجوا‪ ،‬فإذا‬
‫أتاهم أمر ال فسقطت عليهم قطعة من الجبل فسدت )‪ (5‬عليهم المضيق‬
‫فلم يجدوا مهربا "‪ ،‬ولحقهم عبد المطلب وأصحابه‪ ،‬والفرقة التي كانت‬
‫من الجانب الخر مع هيوبا قتلوا منهم اناسا " كثيرة‪ ،‬وقال رجل منهم‪:‬‬
‫دعونا نصل مكة وافعلوا فينا ما تريدون‪ ،‬فإن لنا مع الناس أمتعة وأموال‬
‫" كنا قد أخفيناها وأنتم أحق بها‪ ،‬خذوها ول تقتلونا‪ ،‬فكتفوهم عن آخرهم‪،‬‬
‫وأقبلوا بهم إلى مكة وأقبل عبد المطلب على ولده يقبله ويقول‪) :‬يا ولدي‬
‫لول وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ماكنا علمنا‪ ،‬ولكن ال تعالى‬
‫يحفظك(‪ ،‬فلما أشرفوا على مكة خرج الناس يهنؤنهم بالسلمة‪ ،‬وإذا‬
‫باليهود مكتوفين‪ ،‬فجعل جملة الناس يرمونهم الحجارة‪ ،‬فقام لهم عبد‬
‫المطلب وقال‪ :‬ارسلوا بهم )‪ (6‬إلى دار وهب حتى يستقصوا على أموالهم‪،‬‬
‫ولم يبق لهم شئ فأرسلوهم إلى دار وهب‪ ،‬فلما كان في تلك الليلة أقبل‬
‫وهب على زوجته برة بنت عبد العزى وقال لها‪ :‬يا برة لقد رأيت اليوم‬
‫عجبا " من عبد ال ما رأيته من أحد‪ ،‬وهو يكر على هؤلء القوم‪ ،‬وكلما‬
‫رماهم بنبلة قتل منهم إنسانا "‪ ،‬وهو أجمل الناس وجها " مما )‪(7‬‬

‫)‪ (1‬وقال خ ل‪ (2) .‬وهم في المعركة خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬فأقبل‬
‫إلى الحرم خ ل‪ (4) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬فبادروا إليه بنو عبد المطلب‬
‫مسرعين‪ (5) .‬فسد خ ل‪ (6) .‬أرسلوا خ ل وكذلك في المصدر‪ (7) .‬لما قد‬
‫خصه ال خ ل وفي المصدر‪ :‬لما خصه ال به من النور الساطع والضياء‬
‫اللمع‪.‬‬

‫] ‪[ 98‬‬

‫خصه ال تعالى من الضياء الساطع‪ ،‬فامضي إلى أبيه واخطبيه ل بنتنا واعرضيها‬
‫عليه‪ ،‬فعسى أن يقبلها‪ ،‬فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة‪ ،‬قالت له يا وهب‪:‬‬
‫إن رؤساء مكة و أبطال الحرم وأشراف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن‬
‫ذلك‪ ،‬وقد كاتبه ملوك الشام والعراق على ذلك فأبى عليهم‪ ،‬فكيف يتزوج‬
‫بابنتنا وهي قليلة المال )‪ (1‬؟ قال لها‪ :‬إن لي عليهم اليد إنني أخبرتهم )‪(2‬‬
‫بأمر عبد ال مع هذا اليهود‪ ،‬ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها‬
‫وخرجت حتى أتت دار عبد المطلب فوجدته يحدث أولده بالخبر‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫أنعم ال مساءكم‪ ،‬ودامت نعماءكم‪ ،‬فرد عليها عبد المطلب التحية‬
‫والكرام‪ ،‬وقال لها‪ :‬لقد سلف )‪ (3‬لبعلك اليوم علينا يد ل نقدر أن نكافيه‬
‫أبدا "‪ ،‬وله أياد بالغة )‪ (4‬بذلك‪ ،‬وسنجازيه بما فعل إن شاء ال تعالى‪،‬‬
‫فطمعت برة في كلمه‪ ،‬ثم قال )‪ :(5‬بلغي بعلك عنا التحية والكرام وقولي‬
‫له‪ :‬إن كان له لدينا حاجة تقضى إن شاء ال مهما كانت‪ ،‬فقالت له برة‪ :‬يا‬
‫أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة‪ ،‬وقد علمنا أن ملوك الشام والعراق‬
‫وغيرهم تطاولت إليكم‪ ،‬وقد رغبوا في ولدكم يطلبون أولدكم وأنواركم‬
‫المضيئة‪ ،‬ونحن أيضا " طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد ال‪ ،‬ورجوناه‬
‫مثل من رجا )‪ .(6‬وقد رجا وهب أن يكون عبد ال بعل " لبنتنا‪ ،‬وقد‬
‫جئناكم طامعين وراغبين في النور الذي في وجه ولدكم عبد ال‪ ،‬ونسألكم‬
‫أن تقبلونا‪ ،‬فإن كان مالها قليل " فعلينا ما نجملها به )‪ (7‬وهي هدية منا‬
‫لبنك عبد ال‪ ،‬فلما سمع عبد المطلب كلمها نظر إلى ولده وكان قبل ذلك‬
‫إذا عرض عليه التزويج‬

‫)‪ (1‬سيئة الحال‪ :‬وفي المصدر‪ :‬سيئة الحال‪ ،‬قليلة المال‪ (2) .‬عليهم يدا لنى خ ل‬
‫وفي المصدر‪ :‬عليهم اليوم يدا بما أخبرتهم‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ودامت‬
‫نعماؤكم في المساء والصباح‪ ،‬فرد عليها عبد المطلب التحية والكرام‬
‫فقال‪ :‬وانت وقيت الذى في الصباح والمساء وجعلكم أهل الفلح‬
‫والنعماء‪ ،‬ولقد سلف ا‍ه‪ (4) .‬وله علينا أياد بالغة خ ل‪ (5) .‬قال لها خ ل‪.‬‬
‫)‪ (6‬في المصدر‪ :‬يطلبون أنواركم ورفعتكم على الخلق ومقداركم‪ ،‬وقد‬
‫طمعنا فيه كمثل من طمع ورجونا كمن رجا‪ (7) .‬فعلينا تجميلها خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 99‬‬

‫من بنات الملوك يظهر في وجهه المتناع‪ ،‬وقال أبوه‪ :‬ما تقول يا بني فيما سمعت ؟‬
‫فوال ما في بنات أهل مكة مثلها‪ ،‬لنها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة‪،‬‬
‫عاقلة دينة )‪ ،(1‬فسكت عبد ال ولم يرد جوابا "‪ ،‬فعلم أبوه أنه قد مال‬
‫إليها‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬قد قبلنا دعوتكم‪ ،‬وأجبنا ورضينا بابنتكم‪ ،‬قالت‬
‫فاطمة زوجة عبد المطلب‪ :‬أنا أمضي معك إليها )‪ (2‬حتى أنظر إلى آمنة‪،‬‬
‫فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها‪ ،‬فرجعت برة مسرورة بما سمعت‪ ،‬ثم‬
‫سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت ام آمنة هاتفا " في الطريق‬
‫يقول‪) :‬بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا‪ ،‬قد قرب خروج المصطفى(‪ ،‬فدخلت‬
‫على زوجها فقال‪ :‬وما وراءك ؟ قالت‪ :‬لقد سعدت سعادة عل قدرك في‬
‫جملة العالمين‪ ،‬اعلم أن عبد المطلب قد رضي بابنتك )‪ ،(3‬ولكن مع الفرح‬
‫ترحة‪ ،‬قال‪ :‬وما هي ؟ قالت‪ :‬إن فاطمة خارجة تنظر إلى ابنتك آمنة‪ ،‬فإن‬
‫رضيت بها وإل لم يكن شيئا )‪ ،(4‬وإني أخاف أن ل ترضى بها‪ ،‬فقال لها‬
‫وهب بن عبدمناف‪ :‬اخرجي هذه الساعة إلى ابنتك وزينيها وألبسيها أفخر‬
‫الثياب وقلديها أفخر ما عندك‪ ،‬فعسى ولعل‪ ،‬فعمدت برة إلى بنتها وألبستها‬
‫أفخر ما عندها من الثياب‪ ،‬والحلي‪ ،‬وضفرت شعرها )‪ ،(5‬وأرخت ذوائبها‬
‫)‪ (6‬على أكتافها‪ ،‬وقالت لها‪ :‬يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن‬
‫الدب‪ ،‬وارغبي في النور الذي في وجه ولدها عبد ال‪ ،‬فبينما هما في ذلك‬
‫إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل‪ ،‬وإذا بعبد المطلب )‪ (7‬فأدخلوا‬
‫فاطمة‪ ،‬فقامت لها آمنة إجلل " وتعظيما " ورحبت بها أحسن‬

‫)‪ (1‬أديبة خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬وأجبنا مسألتكم‪ ،‬ورضينا لعبد ال‬
‫ابنتكم وسأمضى إليها‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬قالت له‪ :‬يا هذا لقد سعدت‪،‬‬
‫وسعد جدك‪ ،‬وعل في الناس ذكرك ومجدك‪ ،‬وشاع فخرك وارتفع قدرك‪،‬‬
‫وقد رضى عبد المطلب ابنتك‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فان رضيت تمت‬
‫المصاهرة‪ ،‬وان لم ترضاها فما تمت المصاهرة‪ (5) .‬ضفر الشعر‪ :‬نسج‬
‫بعضها على بعض عريضا‪ (6) .‬الذوائب جمع الذؤابة‪ :‬شعر في مقدم‬
‫الرأس‪ (7) .‬وولده عبد ال خ ل وفي المصدر‪ :‬وإذا بعبدال ووالده‪.‬‬

‫] ‪[ 100‬‬

‫المرحب‪ ،‬فنظرت إليها فاطمة وإذا بها قد كساها ال جمال " ل يوصف )‪ ،(1‬فلما‬
‫رأت فاطمة ذلك الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس‪،‬‬
‫قالت فاطمة‪ :‬يا برة ما كنت عهدت أن آمنة على هذه الصورة ولقد رأيتها‬
‫قبل ذلك مرارا "‪ ،‬فقالت برة‪ :‬يا فاطمة كل ذلك ببركتم علينا‪ ،‬ثم خاطبت )‬
‫‪ (2‬فاطمة آمنة وإذا هي أفصح نساء أهل مكة‪ ،‬فقامت فاطمة وأتت إلى عبد‬
‫المطلب وعبد ال‪ ،‬وقالت‪ :‬يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا‪ ،‬ولقد‬
‫ارتضيتها‪ ،‬وإن ال تعالى ل يودع هذا النور إل في مثل هذه‪ .‬ولما وقع )‪(3‬‬
‫الحديث بين وهب وبين عبد المطلب في أمر ابنته آمنة‪ ،‬قال وهب‪ :‬يا أبا‬
‫الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل ول مؤجل‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب جزيت )‪ (4‬خيرا " ولبد من صداق‪ ،‬ويكون بيننا وبينك من يشهد‬
‫به من قومنا‪ ،‬ثم )‪ (5‬إن عبد المطلب هم أن يمد إليه شيئا " من المال‬
‫ليصلح به شأنها‪ ،‬إذ سمع همهمة وأصواتا " فوثب وهب وسيفه مسلول‬
‫ثم قاموا جميعا "‪ ،‬قال أبو الحسن البكري‪ :‬وكان سبب ذلك أن اليهود‬
‫الذين كانوا محبوسين في دار وهب خدعهم الشيطان‪ ،‬وزين لهم هيوبا إنكم‬
‫مقتولون ل محالة‪ ،‬فقوموا جميعا " وخاطروا بأنفسكم على عبد المطلب‬
‫وابنه عبد ال‪ ،‬فإن الموت قد وقع بكم‪ ،‬واهربوا على وجوهكم‪ ،‬ثم إن‬
‫هبوبا تمطى في كتافه فقطعه‪ ،‬ثم‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقد كساها ال عزوجل نورا " وجمال وزينها في عين فاطمة لما‬
‫سبق لها في علم ال عزوجل أن يخرج منها سيد النبياء وصفوة الرسل‪،‬‬
‫وخير الخلق محمد صلى ال عليه وآله وسلم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فأعجبتها‬
‫وقالت لمها‪ :‬ما كنت أظن أن آمنة بهذه الصفة‪ ،‬ولقد رأيتها مرارا "‬
‫كثيرة وما كانت بهذه الحالة فقالت امها‪ :‬يا فاطمة كل ما رأيت من حسنها‬
‫وجمالها فهو من بركتكم‪ .‬وقد خشيت أن ل ترضاها لولدها‪ ،‬قال‪ :‬فخاطبت‬
‫ا‍ه قلت‪) :‬لولدها مصحف لولدك(‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬يا ولدى ما في بنات‬
‫مكة أجمل ول أعقل ول أبهى من آمنة‪ ،‬فان ذلك من فضل ال تعالى‬
‫واحسانه إذ خصنا بأفضل معشر‪ ،‬وان ال ل يودع نور حبيبه وصفيه‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وسلم إل في أطهر وعاء وأعف أحشاء‪ .‬قال‪:‬‬
‫ولما وقع ا‍ه‪ (4) .‬جوزيت خ ل وكذا في المصدر‪ (5) .‬وقومك خ ل وكذا‬
‫في المصدر‪ ،‬وبعده‪ :‬قال‪ :‬ثم إ‍ه‪.‬‬

‫] ‪[ 101‬‬

‫حل جملة أصحابه )‪ ،(1‬فلما خلصهم قالوا‪ :‬بم نهجم عليهم وليس معنا سلح ؟ فقال‬
‫هيوبا‪ :‬نهجم عليهم بالحجارة هجمة رجل واحد‪ ،‬وهم غافلون‪ ،‬فسار القوم‬
‫وأقبلوا وعبد المطلب وولده عبد ال ووهب في دار وهب‪ ،‬والمصباح‬
‫عندهم )‪ ،(2‬واليهود يرونهم وهم ل يرون اليهود فرموهم بالحجارة التي‬
‫كانت معهم‪ ،‬فرد ال تعالى عليهم الحجارة فهشمت وجوههم‪ ،‬ومنهم من‬
‫وقع حجره في رأسه‪ ،‬ومنهم من وقع في صدره‪ ،‬وذلك بقدرة ال تعالى‬
‫لجل النور الذي في وجه عبد ال‪ ،‬فحمل عليهم عبد المطلب ومن كان معه‬
‫فقتلوهم عن آخرهم )‪ ،(3‬وكان عبد المطلب ل يفارقه سيفه حيث ما توجه‪،‬‬
‫وبعد ذلك خرج عبد المطلب وولده وزوجته إلى منزلهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا وهب‬
‫إذا كان في غداة غد جمعنا قومنا )‪ (4‬وقومك ليشهدون بما يكون من‬
‫الصداق‪ ،‬فقال‪ :‬جزاك ال خيرا "‪ ،‬فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلى‬
‫بني عمه ليحضروا خطبتهم‪ ،‬ولبس عبد المطلب )‪ (5‬افخر أثوابه‪ ،‬وجمع‬
‫وهب أيضا قرابته وبني عمه فاجتمعوا في البطح‪ ،‬فلما أشرف عليهم‬
‫الناس قاموا )‪ (6‬إجلل " لعبد المطلب وأولده‪ ،‬فلما استقر بهم المجلس‬
‫خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح‪ ،‬وقام عبد المطلب فيهم خطيبا "‬

‫)‪ (1‬جملة كتاف أصحابه خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وكان سبب ذلك أن اليهود الذين‬
‫كانوا محبوسين في دار وهب فزعوا و أخذهم الرعب‪ ،‬وكانوا في دار‬
‫خالية‪ ،‬فحركهم الشيطان لهلكهم‪ ،‬فقال لهم حبرهم هيوبا‪ :‬يا ويلكم انكم‬
‫مقتولون ل محالة فقوموا فخاطروا بنفوسكم‪ ،‬لعلكم تظفروا بهم فقتلوهم‬
‫جميعا وتخرجوا في هذه الليلة هاربين على وجوهكم‪ .‬قال‪ :‬فتمطى عدو‬
‫ال في كتافه فقطعه وكان من جلود‪ ،‬ثم حل عن أصحابه‪ ،‬فقالوا‪ :‬بما‬
‫تقتلونهم ما معنا سلح ؟ فقالوا‪ :‬نهجم عليهم بالحجارة وهم غافلون‪،‬‬
‫قال‪ :‬فعند ذلك تبادرت القوم وهيوبا في أوائلهم ومع كل واحد حجرات‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأقبلوا حتى وقفوا قريبا من عبد المطلب وولده و وهب‪ ،‬وهم قعود‬
‫في ضوء المصباح‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬بعد قوله‪ :‬بقدرة ال‪ :‬قال )فنظر‬
‫عبد المطلب إلى امر عظيم فتعجب من قدرة ال تعالى وصاحوا في‬
‫اليهود‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا أعداء ال ما رأيتم ما حل بكم بالمس‪ ،‬ولكن ال خذلكم‬
‫بانقطاع آجالكم‪ ،‬فحملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم‪ ،‬وكفاهم ال شرهم(‪.‬‬
‫)‪ (4‬من قومنا خ ل وكذا في المصدر‪ (5) .‬عبد ال خ ل وكذا في المصدر‪.‬‬
‫)‪ (6‬أشرفوا عليهم قاموا خ ل وفي المصدر‪ :‬فلما أشرفوا على الناس‬
‫قاموا الناس‪.‬‬

‫] ‪[ 102‬‬

‫فقال‪) :‬الحمد ل حمد الشاكرين حمدا " أستوجبه بما أنعم علينا )‪ (1‬وأعطانا‪،‬‬
‫وجعلنا لبيته جيرانا "‪ ،‬ولحرمه سكانا "‪ ،‬وألقى محبتنا في قلوب عباده‪،‬‬
‫وشرفنا على جميع المم‪ ،‬ووقانا شر الفات والنقم‪ ،‬والحمد ل الذي أحل‬
‫لنا النكاح‪ ،‬وحرم علينا السفاح‪ ،‬وأمرنا بالتصال وحرم علينا الحرام )‪،(2‬‬
‫اعلموا أن ولدنا عبد ال هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق )‬
‫‪ (3‬معجل ومؤجل كذا وكذا‪ ،‬فهل رضيتم بذلك من ولدنا( ؟ قال وهب‪ :‬قد‬
‫رضينا منكم‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬اشهدوا يا من حضر‪ ،‬ثم تصافحوا وتهانوا‬
‫وتصافقوا وتعانقوا‪ ،‬وأولم عبد المطلب وليمة عظيمة‪ ،‬فيها )‪ (4‬جميع أهل‬
‫مكة وأوديتها وشعابها وسوادها‪ ،‬فأقام الناس في مكة أربعة أيام )‪ .(5‬قال‬
‫أبو الحسن البكري‪ :‬ولما تزوج عبد ال بآمنة أقامت معه زمانا "‪ ،‬والنور‬
‫في وجهه لم يزل حتى نفذت مشية ال تعالى وقدرته وأراد أن يخرج خيرة‬
‫خلقه محمدا " رسول ال وأن يشرف )‪ (6‬به الرض وينورها بعد ظلمها‪،‬‬
‫ويطهرها بعد تنجيسها )‪ ،(7‬أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن ينادي‬
‫في جنة المأوى أن ال جل جلله قد تمت كلمته ومشيته وأن الذي وعده‬
‫من ظهور البشير )‪ (8‬النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى‬
‫عن المنكر‪ ،‬ويدعو إلى ال وهو صاحب المانة والصيانة يظهر )‪ (9‬نوره‬
‫في البلد‪ ،‬ويكون‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أستوجبه به ما أنعم علينا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬زيادة هي‪ :‬وحلل لنا‬
‫الحلل‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬بكريمتكم التى ل تنكرونها بصداق‪ (4) .‬في‬
‫نسخة‪ :‬حضر فيها‪ .‬وفي المصدر‪ :‬حضروها أياما‪ (5) .‬قد ذكر تزويج‬
‫عبد ال بآمنة مختصرا " ابن هشام في سيرته والطبري في تاريخه‬
‫والمسعودي في اثبات الوصية وغيرهم في غيرها‪ (6) .‬أن يشرق خ ل‪) .‬‬
‫‪ (7‬تنجسها خ ل وفي المصدر‪ :‬ويطهرها من النجس والدنس‪ (8) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬قال‪ :‬فأمر ال تعالى جبرائيل أن ينادى في السماوات‪ ،‬فنادى‬
‫جبرئيل في صفوف الملئكة المقربين‪ ،‬وحملة العرش‪ ،‬وعند سدرة‬
‫المنتهى وفي جنة المأوى أن ال تبارك وتعالى قد تمت حكمته‪ ،‬ونفذت‬
‫مشيته‪ ،‬وأن وعده الحق‪ ،‬الذى وعد من ظهور نبيه البشير‪(9) .‬‬
‫وسيظهر خ ل وفي المصدر‪ .‬فيسظهر‪.‬‬

‫] ‪[ 103‬‬

‫رحمة على العباد‪ ،‬ومن أحبه بشر بالشرف والحباء )‪ ،(1‬ومن أبغضه بسوء‬
‫القضاء‪ ،‬وهو الذي عرض عليكم من قبل أن يخلق آدم عليه السلم الذي‬
‫يسمى في السماء أحمد )‪ ،(2‬وفي الرض محمدا " )‪ (2‬وفي الجنة أبا‬
‫القاسم )‪ ،(4‬فأجابته الملئكة بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير ل رب‬
‫العالمين‪ ،‬وفتحت أبواب الجنان‪ ،‬وغلقت أبواب النيران‪ ،‬وأشرفت الحور‬
‫العين )‪ ،(5‬وسبحت الطيار على رؤس الشجار‪ ،‬فلما فرغ جبريل من أهل‬
‫السماوات أمره ال أن ينزل في مأة ألف من الملئكة إلى أقطار الرض‪،‬‬
‫وإلى جبل قاف‪ ،‬وإلى خازن السحاب‪ ،‬وجملة ما خلق ال يبشرهم )‪(6‬‬
‫بخروج رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم نزل إلى الرض السابعة‬
‫فأخبرهم بخبره‪ ،‬ومن أراد ال به خيرا " ألهمه محبته‪ ،‬ومن أراد به شرا‬
‫" ألهمه بغضه‪ ،‬وزلزلت الشياطين‪ ،‬وصفدت )‪ (7‬وطردت عن الماكن‬
‫التي كانوا يسترقون فيها السمع‪ ،‬ورجموا بالشهب‪ .‬قال صاحب الحديث‪:‬‬
‫ولما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة وكان عبد ال قد خرج هو وإخوته‬
‫وأبوه‪ .‬فبينما هم سائرون وإذا بنهر عظيم فيه ماء زلل‪ ،‬ولم يكن قبل ذلك‬
‫اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب وأولده متعجبين‪ ،‬فبينما عبد ال كذلك )‬
‫‪ (8‬إذ نودي يا عبد ال اشرب من هذا النهر‪ ،‬فشرب منه‪ ،‬وإذا هو أبرد من‬
‫الثلج‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وأزكى من المسك‪ ،‬فنهض مسرعا " والتفت إلى‬
‫إخوته فلم يروا للنهر أثرا " فتعجبوا منه‪ ،‬ثم إن عبد ال مضى مسرعا "‬
‫إلى منزله فرءته آمنة طائشا "‪ ،‬فقالت له‪ :‬ما بالك )‪ (9‬؟ صرف ال عنك‬
‫الطوارق‪،‬‬

‫)‪ (1‬الحباء‪ :‬العطاء‪ (2) .‬واسمه في السماء أحمد خ ل وكذا في المصدر‪ (3) .‬محمد‬
‫خ ل وكذا في المصدر‪ (4) .‬أبو القاسم خ ل وكذا في المصدر‪(5) .‬‬
‫الحسان خ ل وفي المصدر‪ :‬وأشرفت الحور والولدان‪ (6) .‬في المصدر‪:‬‬
‫وإلى خازن السحاب والنهار والفيافي والقفار يبشرهم‪ (7) .‬صفده‪:‬‬
‫أوثقه وقيده بالحديد أو في الحديد وغيره‪ (8) .‬فبقى عبد ال متعجبا‬
‫متفكرا " ولم يجد طريقا وقد قطع عليه الجادة‪ ،‬فبينما هو كذلك إ‍ه‪ ،‬وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (9) .‬مالك خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 104‬‬
‫فقال لها‪ :‬قومي فتطهري وتطيبي وتعطري ‪ -‬واغتسلي خ ل ‪ ،-‬فعسى ال أن‬
‫يستودعك هذا النور‪ ،‬فقامت وفعلت ما أمرها‪ ،‬ثم جاءت إليه فغشيها تلك‬
‫الليلة المباركة‪ ،‬فحملت برسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فانتقل النور من‬
‫وجه عبد ال في ساعته إلى آمنة بنت وهب‪ ،‬قالت آمنة‪ :‬لما دنا مني ول‬
‫مسني )‪ (1‬أضاء منه نور ساطع‪ ،‬وضياء لمع‪ ،‬فأنارت منه السماء‬
‫والرض‪ ،‬فأدهشني ما رأيت‪ ،‬وكانت آمنة بعد ذلك يرى النور في وجهها‬
‫كأنه المرآت المضيئة )‪ .(2‬بيان‪ :‬النشيش‪ :‬صوت الماء وغيره إذا غل‪.‬‬
‫والراض بالكسر‪ :‬بساط ضخم من صوف أو وبر‪ .‬وانحاز عنه‪ :‬عدل‪،‬‬
‫وانحاز القوم‪ :‬تركوا مراكزهم‪ .‬والترح بالتحريك‪ :‬ضد الفرح‪ .‬والروع من‬
‫الرجال‪ :‬الذي يعجبك حسنه‪ .‬والذابل‪ :‬الرمح الرقيق‪ .‬والسميدع بالفتح‪:‬‬
‫السيد الموطأ الكناف‪ .‬والصحاصح‪ :‬جمع الصحصاح وهو المكان‬
‫المستوي‪ .‬والجندل‪ :‬الحجارة‪ .‬والسمهرار‪ :‬الصلبة والشدة‪ .‬قوله‪:‬‬
‫)دهينا(‪ ،‬أي أصابتنا الداهية‪ .‬والدرقة‪ :‬الترس‪ .‬والغيداق‪ :‬الكريم‪.‬‬
‫والضيغم‪ :‬السد‪ .‬أقول‪ :‬إنما أوردت هذا الخبر مع غرابته وإرساله‬
‫للعتماد على مؤلفه واشتماله على كثير من اليات والمعجزات التي ل‬
‫تنافيها سائر الخبار‪ ،‬بل تؤيدها وال تعالى يعلم‪ - 49 .‬قب‪ :‬محمد بن عبد‬
‫ال بن عبد المطلب سمي بذلك لن هاشما " )‪ (3‬دخل مكة وهو رديفه‪،‬‬
‫وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد بن هاشم )‪ ،(4‬سمي بذلك لنه هشم الثريد‬
‫للناس في أيام الغلء‪ ،‬وهو عمرو بن عبدمناف‪ ،‬سمي بذلك لنه عل‬
‫وأناف‪ ،‬واسمه المغيرة‬

‫)‪ (1‬ومسني خ ل وكذا في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬كأنه المرآة الصافية‪ .‬ثم‬
‫الجزؤ الخامس والحمد ل رب العالمين‪ .‬قلت‪) :‬يأتي بقية الحديث في‬
‫البواب التية(‪ (3) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬واستظهر المصنف في الهامش أن‬
‫الصحيح المطلب‪ .‬قلت‪) :‬المذكور في المصدر أيضا هو المطلب(‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬اسمه شيبة الحمل‪ ،‬لبياض كان في شعره بعد ما تولد ابن‬
‫هاشم‪.‬‬

‫] ‪[ 105‬‬

‫ابن قصي‪ ،‬واسمه زيدا‪ ،‬قصي عن دار قومه‪ ،‬لنه حمل من مكة في صغره إلى بلد‬
‫أزدشنوءة فسمي قصيا‪ ،‬ويلقب بالمجمع لنه جمع قبائل قريش بعد ما‬
‫كانوا في الجبال والشعاب‪ .‬وقسم بينهم المنازل بالبطحاء‪ ،‬ابن كلب بن‬
‫مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر وهو قريش‪،‬‬
‫وسمي النضر لن ال تعالى اختاره‪ ،‬والنضر النضرة )‪ ،(1‬ابن خزيمة‪،‬‬
‫وإنما سمى بذلك لنه خزم نور آبائه‪ ،‬ابن مدركة‪ ،‬لنهم أدركوا الشرف في‬
‫أيامه‪ ،‬وقيل‪ :‬لدراكه صيدا " لبيه‪ ،‬وسمي أبوه طابخة لطبخه لبيه‪ ،‬ابن‬
‫إلياس )‪ (2‬النبي عليه السلم‪ ،‬وسمي بذلك لنه جاء على أياس وانقطاع‪،‬‬
‫ابن مضر‪ ،‬وسمي بذلك لخذه بالقلوب‪ ،‬ولم يكن يراه أحد إل أحبه‪ ،‬ابن‬
‫نزار‪ ،‬واسمه عمرو‪ ،‬وسمي بذلك لن معد نظر إلى نور النبي صلى ال‬
‫عليه وآله في وجهه فقرب له قربانا " عظيما "‪ ،‬وقال له‪ :‬لقد استقللت‬
‫هذا القربان وإنه لقليل نزر‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه اسم أعجمي‪ ،‬وكان رجل " هزيل‬
‫"‪ ،‬فدخل على يستاسف فقال‪ :‬هذا نزار ابن معد‪ ،‬وسمي بذلك لنه كان‬
‫صاحب حروب وغارات على اليهود‪ ،‬وكان منصورا "‪ ،‬ابن عدنان‪ ،‬لن‬
‫أعين الحى كلها تنظر إليه‪ .‬وروي عنه صلى ال عليه وآله إذا بلغ نسبي‬
‫إلى عدنان فأمسكوا‪ .‬وعنه صلى ال عليه وآله كذب النسابون‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪) :‬وقرونا بين ذلك كثيرا "(‪ .‬قال القاضي عبد الجبار بن أحمد‪:‬‬
‫المراد بذلك أن اتصال النساب غير معلوم‪ ،‬فل يخلوا إما أن يكون كاذبا "‬
‫أو في حكم الكاذب‪ .‬وقد روي أنه انتسب إلى إبراهيم‪ .‬ام سلمة سمعت النبي‬
‫صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬معد بن عدنان بن أدد‪ ،‬وسمي ادد لنه كان ماد‬
‫الصوت‪ ،‬كثير الغر‪ ،‬ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى‪ .‬قالت ام سلمة‪ :‬زيد‬
‫هميسع‪ ،‬وثرا نبت‪ ،‬وأعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬قالت‪ :‬ثم قرء‬
‫عليه السلم )وعادا " وثمود وأصحاب الرس( الية‪ ،‬واعتمد النسابة‬
‫وأصحاب التواريخ أن عدنان هو ابن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن‬
‫سلمان بن نبت بن حمل‬

‫)‪ (1‬قد أثبت في السير والتواريخ بين النضر وخزيمة كنانة‪ (2) .‬بكسر الهمزة أو‬
‫فتحها على اختلف‪.‬‬

‫] ‪[ 106‬‬

‫ابن قيذار بن إسماعيل )‪ .(1‬وقال ابن بابويه‪ :‬عدنان بن أد بن ادد بن زيد بن يقدد‬
‫بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل‪ ،‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫عدنان بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع‪ ،‬و يقال‪ :‬ابن ياحين )‪ (2‬بن‬
‫يخشب )‪ (3‬بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن‬
‫إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ )‪ (4‬بن ارغو وهو‬
‫هود‪ ،‬ويقال‪ :‬بن قالغ بن غابر )‪ (5‬وهو هود بن أرفخشد بن متوشلخ بن‬
‫سام بن نوح بن لمك بن اخنوخ‪ ،‬ويقال‪ :‬احنوخ وهو إدريس بن مهليل )‬
‫‪ ،(6‬ويقال‪ :‬مهاييل بن زبارز )‪ ،(7‬ويقال‪ :‬مارد‪ ،‬ويقال أياد بن قينان بن‬
‫أنوش‪ ،‬ويقال‪ :‬قينان بن ادد بن أنوش بن شيث وهو هبة ال ابن آدم‪ .‬امه‬
‫آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة إلى آخر النسب‪،‬‬
‫)‪ (1‬ذكرت في الطبعة الحروفيه وفي هامش طبعة أمين الضرب أشعار خلت عنها‬
‫نسخة المصنف وسائر نسخ الكتاب ومصدره‪ ،‬والظاهر أنها من زيادة‬
‫النساخ‪ ،‬ونحن نذكرها هنا لتتميم الفائدة وهى‪ :‬هو ابن عبد ال نجل‬
‫الشيبة * هو ابن هاشم بدون الريبة عبد مناف جده نجل قصى * ابن‬
‫كلب مرة كعب لوى هو ابن غالب هو ابن فهر * هو ابن مالك هو ابن‬
‫النضر ابن كنانة بن أنجب الناس * خزيمة مدركة والياس هو ابن مضر‬
‫نزار معد * هو ابن عدنان وفى العهد هو ابن أدد بن هوا بن اليسع * ابن‬
‫سلمان من الهميسع‪ .‬حمل ابن قيذار بن إسماعيل * هو ابن ابراهيمنا‬
‫الخليل أولئك الطائب الكرام * لدم عليهم السلم )‪ (2‬يامين خ ل‪(3) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬يشخب‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ناحور بن شروغ‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬عابر‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ويقال‪ :‬اخنوخ هو إدريس بن مهلئيل‪.‬‬
‫)‪ (7‬في المصدر‪ :‬وقيل‪ :‬مهائيل بن زياد )ياذر ‪ -‬خ(‪.‬‬

‫] ‪[ 107‬‬

‫ويقال‪ :‬إنه ينسب إلى آدم بتسعة وأربعين أبا " )‪ - 50 .(1‬د‪ :‬رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله أبو القاسم محمد وأحمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم‬
‫بن عبد مناف بن قصي بن كلب بن مرة بن لوي )‪ (2‬بن غالب بن فهر بن‬
‫مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار‬
‫بن معد بن عدنان بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلمان بن النبت‬
‫بن حمل بن قيداد بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلم بن تارخ بن‬
‫ناخور بن شروغ بالشين المعجمة والغين المعجمة ابن ارغو بن فالغ‬
‫بالغين المعجمة فيهما بن عابر بفتح الباء والعين غير المعجمة ابن شالخ‬
‫بن ارفخشد بن سام بن نوح بن ملك بن متوشلخ بكسر اللم ابن اخنوخ بن‬
‫اليارذ بالذال المعجمة ابن مهليل بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه‬
‫السلم )‪ .(3‬وقال ابن بابويه‪ :‬عدنان بن أد بن ادد بن زيد بن يعدد بن يقدم‬
‫بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل )‪ .(4‬وقال ابن عباس‪ :‬عدنان‬
‫بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع‪ .‬ويقال‪ :‬ابن يامين بن يحشب بن منحد‬
‫بن صابوع بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ‬
‫بن سروع بن أرغو‪ ،‬وهو هود ويقال‪ :‬ابن قالع بن عامر بن أرفخشد بن‬
‫ناحور بن متوشلح بن سام بن نوح بن لمك بن احنوح‪ ،‬وهو إدريس بن‬
‫مهلئيل‪ ،‬ويقال‪ :‬مهائيل بن زياد‪ ،‬ويقال‪ :‬مارد‪ ،‬ويقال‪ :‬أياد بن قينان بن‬
‫أنوش‪ ،‬ويقال‪ :‬قينان بن‬

‫)‪ (1‬مناقب آل أبى طالب ‪ 106 :1‬و ‪ (2) .107‬في السير والتواريخ‪ :‬مرة بن كعب‬
‫لوى‪ (3) .‬هذا يوافق ما ذكره السويدي في سبائك الذهب ال أنه ضبط‬
‫بعض السماء على خلف ذلك مثل قيداد فانه قال‪) :‬قيدار( بالراء وهو‬
‫الصحيح كما في غيره‪ ،‬ومثل ناخور بن شروغ فانه قال‪) :‬ناحور بن‬
‫شاروخ( وذكر عن بعض شارغ وعن آخر شاروع‪ ،‬وملك فانه قال‪:‬‬
‫)لمك( وهو الصحيح كما في غيره‪ ،‬ومهليل فانه قال‪) :‬مهلئيل(‪ ،‬وفينان‬
‫فانه قال‪) :‬قينان(‪ ،‬بالقاف وهو الصحيح‪ ،‬وقد أسقط اليسع أيضا "‪(4) .‬‬
‫هذا يوافق ما ذكره الطبري عن بعض ال أن فيه يقدر مكان يعدد‪.‬‬

‫] ‪[ 108‬‬

‫أو دين أنوش بن شيث وهو هبة ال بن آدم عليهم السلم )‪ - 51 .(1‬ب‪ :‬السندي‬
‫بن محمد‪ ،‬عن صفوان الجمال‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إني مستوهب من ربي أربعة‪ ،‬وهو واهبهم‬
‫لي إن شاء ال‪ :‬آمنة بنت وهب‪ ،‬وعبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬وأبو طالب بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬ورجل من النصار جرت بيني وبينه ملحة )‪ .(2‬بيان‪ :‬قال‬
‫الفيروز آبادي‪ :‬بينهما ملح وملحة‪ :‬حرمة وحلف‪ ،‬وهذا الخبر يدل على‬
‫إيمان هؤلء فإن النبي صلى ال عليه وآله ل يستوهب ول يشفع لكافر‪،‬‬
‫وقد نهى ال عن موادة الكفار والشفاعة لهم والدعاء لهم كما دلت عليه‬
‫اليات الكثيرة‪ - 52 .‬مع‪ ،‬لى‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن علي بن‬
‫حسان‪ ،‬عن عبد الرحمن ابن كثير الهاشمي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال‬
‫الصادق عليه السلم يقول‪ :‬نزل جبريل على النبي صلى ال عليه وآله‬
‫فقال‪ :‬يا محمد إن ال جل جلله يقرءك السلم ويقول‪ :‬إني حرمت النار‬
‫على صلب أنزلك‪ ،‬وبطن حملك‪ ،‬وحجر كفلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا جبريل بين لي ذلك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أما الصلب الذي أنزلك فعبدال بن عبد المطلب‪ ،‬وأما البطن الذي‬
‫حملك فآمنة بنت وهب‪ ،‬وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب‬
‫وفاطمة بنت أسد )‪ .(2‬بيان‪ :‬هذا الخبر أيضا يدل على إيمان هؤلء‪ ،‬فإن‬
‫ال تعالى أوجب النار على جميع المشركين والكفار كما دلت عليه اليات‬
‫والخبار‪ - 53 .‬ع‪ ،‬مع‪ :‬محمد بن عمرو بن علي البصري‪ ،‬عن عبد السلم‬
‫بن محمد بن هارون الهاشمي‪ ،‬عن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني‪ ،‬عن‬
‫الخضر بن أبان‪ ،‬عن أبي هدية إبراهيم ابن هدية )‪ ،(4‬عن أنس بن مالك‬
‫قال‪ :‬أتى أبو ذر يوما " إلى مسجد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬قد اختلفوا أصحاب السير والتواريخ في نسبه صلى ال عليه وآله وسلم من‬
‫بعد عدنان اختلفا شديدا ل يعنى ذكره هنا فمن شاء الوقوف فليراجع‬
‫تاريخ اليعقوبي ‪ 97 :2‬وسيرة ابن هشام ‪ 1 :1‬و ‪ ،2‬ومروج الذهب ‪:2‬‬
‫‪ 272‬وتاريخ الطبري ‪ (2) .29 :2‬قرب السناد‪ (3) .27 :‬معاني الخبار‪:‬‬
‫‪ 45‬و ‪ ،46‬المالى‪ (4) .361 ،‬هكذا في الكتاب ومصدريه‪ ،‬وفيه وهم‪،‬‬
‫والصحيح‪ :‬أبى هدية ابراهيم بن هدبة بالباء الموحدة‪ ،‬كما في تاريخ‬
‫بغداد ولسان الميزان‪ ،‬والرجل هو ابراهيم بن هدبة‪ ،‬أبو هدبة الفارسى‪،‬‬
‫كان بالبصرة‪ ،‬تم خرج إلى اصبهان والرى‪ ،‬ووافى بغداد‪ ،‬وحدث عن‬
‫أنس بن مالك‪.‬‬

‫] ‪[ 109‬‬

‫ما رأيت كما رأيت البارحة‪ ،‬قالوا‪ :‬وما رأيت البارحة ؟ قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله ببابه‪ ،‬فخرج ليل " فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه‬
‫السلم‪ ،‬وخرجا إلى البقيع فمازلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل‬
‫إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين‪ ،‬فإذا بالقبر قد انشق و إذا بعبدال جالس‬
‫وهو يقول‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا " عبده ورسوله‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫من وليك يا أبه ؟ فقال‪ :‬وما الولي )‪ (1‬يا بني ؟ قال‪ :‬هو هذا علي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وإن عليا " وليي‪ ،‬قال‪ :‬فارجع إلى روضتك‪ ،‬ثم عدل إلى قبر امه )‪(2‬‬
‫فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد انشق فإذا هي تقول‪ :‬أشهد أن‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬وأنك نبي ال ورسوله‪ ،‬فقال لها من وليك يا اماه ؟ فقالت‪:‬‬
‫ومن الولي )‪ (3‬يا بني ؟ فقال‪ :‬هو هذا علي بن أبي طالب‪ ،‬فقالت‪ :‬إن عليا‬
‫وليي )‪ ،(4‬فقال‪ :‬ارجعي إلى حفرتك وروضتك‪ ،‬فكذبوه‪ ،‬ولببوه )‪،(5‬‬
‫وقالوا‪ :‬يا رسول ال كذب عليك اليوم‪ ،‬فقال‪ :‬وما كان من ذلك ؟ قالوا‪ :‬إن‬
‫جندب )‪ (6‬حكى عنك كيت وكيت )‪ ،(7‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ما‬
‫أظلت الخضراء ول أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر‪ .‬قال‬
‫عبد السلم بن محمد‪ :‬فعرضت هذا الخبر على الهجيمي )‪ (8‬محمد بن عبد‬
‫العلى فقال‪ :‬أما علمت أن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬أتاني جبرئيل‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬إن ال عزوجل حرم النار على ظهر أنزلك وبطن حملك‪،‬‬
‫وثدي أرضعك‪ ،‬وحجر كفلك )‪ .(9‬بيان‪ :‬هذا الخبر أيضا يدل على إيمان‬
‫والديه عليهما السلم إذ لو كانا ماتا على الشرك لم‬

‫)‪ (1‬ومن الولى خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬إلى قبر امه آمنة‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وما‬
‫الولية‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وان عليا وليى‪ (5) .‬لببوه‪ :‬أخذوا بتلبيبه‬
‫وجروه‪ ،‬والتلبيب‪ :‬ما في موضع اللبب من الثياب ويعرف بالطوق‪ ،‬ويقال‬
‫له بالفارسية‪) :‬يقه پيراهن(‪ (6) .‬اعلم المصنف على لفظة جندب كلمة‬
‫كذا‪ ،‬ولم نعرف وجهه‪ ،‬لن جندب هو أبو ذر‪ (7) .‬كيت وكيت يكنى بهما‬
‫عن الحديث والخبر‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬الجهمى‪ (9) .‬علل الشرائع‪ :‬ص‬
‫‪ .70‬معاني الخبار‪.55 :‬‬

‫] ‪[ 110‬‬
‫ينفعهم اليمان بعد الحياء‪ ،‬لن ال تعالى ختم على من مات على الكفر والشرك‬
‫دخول النار‪ ،‬فهو صلى ال عليه وآله إنما أحياهما ليدركا أيام نبوته‪،‬‬
‫ويشهدا برسالته وبإمامة وصيه‪ ،‬فيكمل بذلك إيمانهما‪ ،‬ويشهد له قوله‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬فارجع إلى روضتك‪ - 54 .‬فس‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬لو قمت المقام المحمود لشفعت لبي وامي )‪ (1‬وأخ كان‬
‫لي مواخيا " في الجاهلية )‪ - 55 .(2‬فس‪ :‬أبي‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫سيف بن عميرة وعبد ال بن سنان وأبي حمزة الثمالي قالوا‪ :‬سمعنا أبا‬
‫عبد ال جعفر بن محمد عليه السلم يقول‪ :‬لما حج رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله حجة الوداع نزل بالبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم‬
‫رفع يده إلى السماء وبكى بكاء " شديدا "‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رب إنك وعدتني في‬
‫أبي وامي وعمي أن ل تعذبهم )‪ (3‬قال فأوحى ال إليه إني آليت على‬
‫نفسي أن ل يدخل جنتي إل من شهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك عبدي‬
‫ورسولي‪ ،‬ولكن ائت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي‪،‬‬
‫فقام النبي صلى ال عليه وآله إلى الشعب فناداهم يا أبتاه ويا اماه ويا‬
‫عماه‪ ،‬فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬أل ترون إلى هذه )‪ (4‬الكرامة التي أكرمني ال بها‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫نشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسول ال حقا " حقا "‪ ،‬وأن جميع ما أتيت‬
‫به من عند ال فهو الحق‪ ،‬فقال‪ :‬ارجعوا إلى مضاجعكم‪ ،‬ودخل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله مكة )‪ ،(5‬و قدم عليه علي بن أبي طالب من اليمن‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أل ابشرك يا علي ؟ فقال له أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬بأبي أنت وامي لم تزل مبشرا "‪ ،‬فقال‪ :‬أل ترى إلى‬
‫ما رزقنا ال تبارك وتعالى في سفرنا هذا ؟ وأخبره الخبر‪ ،‬فقال على‪:‬‬
‫الحمد ل‪ ،‬قال‪ :‬فأشرك رسول ال صلى ال عليه وآله في بدنه )‪ (6‬أباه‬
‫وامه وعمه )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وامى وعمى‪ (2) .‬تفسير القمى‪ (3) .355 :‬أن ل تعذبهم بالنار خ‬
‫ل وكذا في المصدر‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ال ترون أن هذه‪ (5) .‬إلى مكة خ‬
‫ل‪ (6) .‬البدنة‪ :‬تقع على الجمل والناقة والبقرة‪ ،‬وهى بالبل أشبه‪(7) .‬‬
‫تفسير القمى‪ 355 :‬و ‪.356‬‬

‫] ‪[ 111‬‬

‫بيان‪ :‬هذا الخبر إما محمول على التقية‪ ،‬أو على أنه إنما فعل ذلك ليظهر للناس‬
‫إسلمهم‪ ،‬ثم اعلم أن هذه الخبار مخالفة لما اشتهر من أن والديه عليهما‬
‫السلم ماتا في غير مكة ويمكن الجمع بينهما بأن يكونوا نقلوهما بعد‬
‫موتهما إلى مكة كما ذكره بعض أهل السير‪ ،‬أو انتقل بعد ندائه صلى ال‬
‫عليه وآله بإعجازه إليها‪ - 56 .‬ص‪ :‬إن أباه توفى وامه حبلى‪ ،‬وقدمت امه‬
‫آمنة بنت وهب على أخواله من بني عدي من النجار بالمدينة‪ ،‬ثم رجعت‬
‫به حتى إذا كانت بالبواء )‪ (1‬ماتت‪ ،‬وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد‬
‫ال السعدية )‪ - 57 .(2‬يج‪ :‬روي أن عبد ال بن عبد المطلب لما ترعرع‬
‫ركب يوما " ليصيد‪ ،‬وقد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد‬
‫محمد صلى ال عليه وآله ليطفؤا نور ال فنظروا إلى عبد ال فرءوا حلية‬
‫ابوة النبوة فيه‪ ،‬فقصدوه وكانوا ثمانين نفرا " بالسيوف والسكاكين‪ ،‬وكان‬
‫وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة ام محمد صلى ال عليه وآله في‬
‫ذلك الصوب يصيد‪ ،‬وقد رأى عبد ال وقد صف به اليهود ليقتلوه‪ ،‬فقصد‬
‫أن يدفعهم عنه‪ ،‬وإذا " بكثير من الملئكة معهم السلحة طردوا عنه‬
‫اليهود )‪ ،(3‬فعجب من ذلك وانصرف‪ ،‬ودخل على عبد المطلب وقال‪:‬‬
‫ازوج بنتي آمنة من عبد ال‪ ،‬وعقد فولدت رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫)‪ - 58 .(4‬قب‪ :‬تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من‬
‫حال إسماعيل عليه السلم فنذر إنه متى رزق عشرة أولد ذكور أن ينحر‬
‫أحدهم للكعبة شكرا " لربه‪ ،‬فلما وجدهم عشرة قال لهم‪ ،‬يا بني ما تقولون‬
‫في نذري ؟ فقالوا‪ :‬المر إليك‪ ،‬ونحن بين يديك فقال‪ :‬لينطلق كل واحد‬
‫منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه ففعلوا وأتوه بالقداح فأخذها وقال‪:‬‬
‫عاهدته والن اوفي عهده * إذ كان مولي وكنت عبده‬

‫)‪ (1‬البواء بالفتح‪ :‬قرية من أعمال الفرع من المدينة‪ ،‬بينها وبين الجحفة مما يلى‬
‫المدينة ثلثة وعشرون ميل‪ (2) .‬قصص النبياء‪ :‬مخطوط‪ (3) .‬في‬
‫المصدر بعد قوله‪ :‬اليهود‪ :‬وكان ال قد كشف عن بصر وهب فعجب‪(4) .‬‬
‫الخرائج‪ .186 :‬وفيه‪ :‬فعقد العقد فحملت برسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم‪.‬‬

‫] ‪[ 112‬‬

‫نذرت نذرا " ل احب رده * ول احب أن أعيش بعده فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة‬
‫ونادى‪) :‬اللهم رب البلد الحرام )‪ ،(1‬والركن والمقام‪ ،‬ورب المشاعر‬
‫العظام‪ ،‬والملئكة الكرام‪ ،‬اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك‪ ،‬وأمرتهم‬
‫بعبادتك‪ ،‬ل حاجة منك في كلم له( ثم أمر بضرب القداح وقال‪) :‬اللهم إليك‬
‫أسلمتهم ولك أعطيتهم‪ ،‬فخذ من أحببت منهم فإني راض بما حكمت‪ ،‬وهب‬
‫لي أصغرهم سنا " فإنه أضعفهم ركنا "( ثم أنشأ يقول‪ :‬يا رب ل تخرج‬
‫عليه قدحي * واجعل له واقية من ذبحي فخرج السهم على عبد ال فأخذ‬
‫الشفرة وأتى عبد ال حتى أضجعه في الكعبة‪ ،‬وقال‪ :‬هذا بني قد اريد نحره‬
‫* وال ل يقدر شئ قدره فإن يؤخره يقبل عذره )‪ .(2‬وهم بذبحه فأمسك‬
‫أبو طالب يده وقال‪ :‬كل ورب البيت ذي النصاب )‪ * (3‬ما ذبح عبد ال‬
‫بالتلعاب )‪ (4‬ثم قال‪) :‬اللهم اجعلني فديته‪ ،‬وهب لي ذبحته(‪ ،‬ثم قال‪ :‬خذها‬
‫إليك هدية يا خالقي * روحي وأنت مليك هذا الخافق وعاونه أخواله من‬
‫بني مخزوم وقال بعضهم‪ :‬يا عجبا " من فعل عبد المطلب * وذبحه ابنا‬
‫كتمثال الذهب فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمان مأة رجل‬
‫وهو يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر البيت )البلد خ( الحرام‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فان تؤخره تقبل عذره‪) .‬‬
‫‪ (3‬النصاب جمع النصب‪ :‬العلم المنصوب‪ .‬وكل ما جعل علما‪ .‬ولعل‬
‫المراد من النصاب في الشعر هذا المعنى‪ ،‬أي صاحب أعلم وعلئم تدل‬
‫عليه‪ ،‬والمراد أعلم البيت أو العم‪ ،‬والنصاب ايضا‪ :‬حجارة كانت‬
‫للعرب حول البيت تعبدها وتذبح عليها‪ (4) .‬أي بلعب ومزاح‪.‬‬

‫] ‪[ 113‬‬

‫تعاورني )‪ (1‬أمر فضقت به ذرعا )‪ * (2‬ولم أستطع مما تجللني دفعا " نذرت ونذر‬
‫المرء دين ملزم * وما للفتى مما قضى ربه منعا " وعاهدته عشرا " إذا‬
‫ما تكملوا * اقرب )‪ (3‬منهم واحدا " ماله رجعا " فأكملهم عشرا " فلما‬
‫هممت أن * أفئ بذاك النذر ثار له )‪ (4‬جمعا " يصدونني عن أمر ربي‬
‫وإنني * سأرضيه مشكورا " ليلبسني نفعا " فلما دخلوا عليها قال‪ :‬يا رب‬
‫إني فاعل لما ترد )‪ * (5‬إن شئت ألهمت الصواب والرشد فقالت‪ :‬كم دية‬
‫الرجل عندكم ؟ قالوا‪ :‬عشرة من البل‪ ،‬قالت‪ :‬واضربوا على الغلم وعلى‬
‫البل القداح‪ ،‬فإن خرج القداح على البل فانحروها‪ ،‬وإن خرج عليه فزيدوا‬
‫في البل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم‪ ،‬وكانوا يضربون القداح على عبد‬
‫ال وعلى عشرة فيخرج السهم على عبد ال إلى أن جعلها مأة‪ ،‬وضرب‬
‫فخرج القدح على البل فكبر عبد المطلب وكبرت قريش‪ ،‬ووقع عبد‬
‫المطلب مغشيا " عليه‪ ،‬وتواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم‪ ،‬فلما‬
‫أفاق من غشيته قالوا‪ :‬قد قبل ال منك فداء ولدك‪ ،‬فبينا هم كذلك فإذا "‬
‫بهاتف يهتف في داخل البيت وهو يقول‪ :‬قبل الفداء‪ .‬ونفذ القضاء‪ ،‬وآن )‬
‫‪ (6‬ظهور محمد المصطفى‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬القداح تخطئ وتصيب حتى‬
‫أضرب ثلثا "‪ ،‬فلما ضربها خرج على البل فارتجز يقول‪ :‬دعوت ربي‬
‫مخلصا " وجهرا " * يا رب ل تنحر بني نحرا " فنحرها كلها فجرت‬
‫السنة في الدية بمأة من البل )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬تعاورنى أي تعاطونى وتداولني‪ .‬وفي المصدر‪ :‬تغادرني‪ (2) .‬أي لم أقدر عليه‪،‬‬
‫وضعف طاقتي في قباله‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬اقرر‪ (4) .‬أي هاج ووثب‬
‫عليه‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬تود‪ (6) .‬أي قرب وقته )‪ (7‬مناقب آل أبى طالب‬
‫‪ 15 :1‬و ‪.16‬‬

‫] ‪[ 114‬‬

‫‪ - 59‬قب‪ :‬كانت امرأة يقال لها‪ :‬فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب‪ ،‬فمر بها عبد ال‬
‫ابن عبد المطلب‪ ،‬فقالت‪ :‬أنت الذي فداك أبوك بمأة من البل ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬هل لك أن تقع علي مرة واعطيك من البل مأة ؟ فنظر إليها وأنشأ‪:‬‬
‫أما الحرام فالممات دونه * والحل ل حل فأستبينه فكيف بالمر الذي تبغينه‬
‫ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوما " وليلة‪ ،‬فحملت بالنبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم انصرف عبد ال فمر بها فلم يربها حرصا " على‬
‫ما قالت أول "‪ ،‬فقال لها عند ذلك مختبرا "‪ :‬هل لك فيما قلت لي فقلت‪:‬‬
‫ل ؟ قالت‪ :‬قد كان ذاك )‪ (1‬مرة فاليوم ل فذهبت كلمتاهما مثل "‪ .‬ثم قالت‪:‬‬
‫أي شئ صنعت بعدي ؟ قال‪ :‬زوجني أبي آمنة فبت عندها‪ ،‬فقالت‪ :‬ل ما‬
‫زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت ؟ وما تدري ثم قالت‪ :‬رأيت في وجهك نور‬
‫النبوة فأردت أن يكون في وأبي ال إل أن يضعه حيث يحب‪ ،‬ثم قالت‪ :‬بني‬
‫هاشم قد غادرت من أخيكم * امينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد‬
‫خبوه * فتائل قد شبت )‪ (2‬له بدخان وما كل ما يحوى الفتى من نصيبه *‬
‫بحرص ول ما فاته بتواني ويقال‪ :‬إنه مر بها وبين عينيه غرة كغرة‬
‫الفرس‪ ،‬وكان عند الحبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحي بن‬
‫زكريا عليه السلم وكانوا قد قرءوا في كتبهم إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما‬
‫" فاعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك‪ ،‬فلما رءوا ذلك من الجبة اغتموا‬
‫و‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ذلك‪ (2) .‬بثت خ ل‪ .‬شبت النار‪ :‬اتقدت‪ .‬وفي نسخة من المصدر‪:‬‬
‫ميثت من ماث موثا‪ :‬خلطه‪ .‬وذابه‪.‬‬

‫] ‪[ 115‬‬

‫اجتمع خلق على أن يقتلوا عبد ال‪ .‬فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في‬
‫الصيد فقصدوه‪ ،‬فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز )‪ (1‬منه فنظر‬
‫إلى رجال نزلوا من السماء وكشفوهم عنه‪ ،‬فزوج ابنته من عبد ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فمتن من نساء قريش مأتا امرءة غيرة‪ ،‬ويقال‪ :‬إن عبد ال كان في جبينه‬
‫نور يتلل‪ ،‬فلما قرب من حمل محمد صلى ال عليه وآله لم يطق أحد‬
‫رؤيته‪ ،‬وما مر بحجر ول شجر إل سجد له وسلم عليه‪ ،‬فنقل ال منه نوره‬
‫يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة )‪ .(2‬بيان‪ :‬قولها‪) :‬ما‬
‫زهرية(‪ ،‬المراد بالزهرية )‪ (3‬آمنة‪ ،‬أي آمنة ما سلبت ثوبيك فقط حين‬
‫قاربتها‪ ،‬ما سلبت ؟ أي أي شئ سلبت ؟ أي سلبت منك شيئا " عظيما "‪،‬‬
‫وهو نور النبوة‪ ،‬وما تدري‪ ،‬قولها‪) :‬قد غادرت(‪ ،‬أي تركت‪ ،‬قولها‪) :‬للباه‬
‫يعتلجان(‪ ،‬أي للجماع‪ ،‬يتصارعان وينضمان‪ ،‬والخبو‪ :‬النطفاء‪ ،‬قد شبت‬
‫له على بناء المجهول‪ ،‬أي أوقدت‪ ،‬والضمير للمصباح‪ ،‬والحاصل أنها‬
‫خاطبت بني هاشم أن آمنة ذهبت بالنور من عبد ال‪ ،‬كمصباح اطفئ فلم‬
‫يبق منه إل فتيلة فيها دخان‪ ،‬ثم ذكرت لنفسها عذرا " فيما فاتها بأن‬
‫الحرص ل يسوق شيئا " لم يقدر‪ ،‬وليس كل ما فات من النسان بالتواني‬
‫والتقصير‪ ،‬بل هو من تقدير الحكيم الخبير‪ - 60 .‬قب‪ :‬توفي أبوه صلى ال‬
‫عليه وآله وهو ابن شهرين‪ .‬الواقدي )‪ :(4‬وهو ابن سبعة أشهر‪ .‬الطبري‪:‬‬
‫توفي أبوه بالمدينة ودفن في دار النابغة‪ .‬ابن إسحاق‪ :‬توفي أبوه وامه‬
‫حامل به‪ ،‬وماتت امه وهو ابن أربع سنين‪ .‬الكلبي‪ :‬وهو ابن ثمانية‬
‫وعشرين شهرا "‪ .‬محمد بن إسحاق‪ :‬توفيت امه بالبواء منصرفة إلى‬
‫مكة وهو ابن ست‪ ،‬ورباه‬

‫)‪ (1‬فجأة خ ل‪ (2) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ (3) .19 :1‬لنها كانت من أولد ابن‬
‫زهرة‪ (4) .‬أي قال الواقدي وهكذا فيما يأتي بعده‪.‬‬

‫] ‪[ 116‬‬

‫عبد المطلب وتوفي عنه وهو ابن ثمانية )‪ (1‬سنين وشهرين وعشرة أيام فأوصى‬
‫به إلى أبي طالب فرباه )‪ - 61 .(2‬د‪ :‬قيل‪ :‬إنه لما شب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وترعرع وسعى ردته حليمة إلى امه فافتصلته )‪ (3‬وقدمت به‬
‫على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة‪ ،‬ثم رجعت به حتى إذا كان‬
‫بالبواء هلكت بها‪ ،‬فيتم )‪ (4‬رسول ال صلى ال عليه وآله وكان عمره‬
‫يومئذ ست سنين فرجعت به ام أيمن إلى مكة‪ ،‬وكانت تحضنه )‪ ،(5‬وورث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله من امه ام أيمن‪ ،‬وخمسة أجمال أوداك )‪،(6‬‬
‫وقطيعة غنم‪ ،‬فلما تزوج بخديجة أعتق ام أيمن‪ .‬وروي أن آمنة لما قدمت‬
‫برسول ال صلى ال عليه وآله المدينة نزلت به في دار النابغة رجل من‬
‫بني عدي بن النجار فأقامت بها شهرا "‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يذكر امورا " كانت في مقامه ذلك‪ ،‬فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬نظرت‬
‫إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إلي‪ ،‬ثم ينصرف عني‪ ،‬فلقيني يوما "‬
‫خاليا " فقال لي‪ :‬يا غلم ما اسمك ؟ قلت‪ :‬أحمد‪ ،‬فنظر إلى ظهري فأسمعه‬
‫يقول‪ :‬هذا نبي هذه المة‪ ،‬ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا امي‬
‫فخافت علي وخرجنا من المدينة‪ .‬وحدثت ام أيمن‪ :‬قالت‪ :‬أتاني رجلن من‬
‫اليهود يوما " نصف النهار بالمدينة فقال‪ :‬اخرجي لنا أحمد فأخرجته‪،‬‬
‫فنظرا إليه وقلباه مليا " ونظرا إلى سرته ثم قال أحدهما لصاحبه‪ :‬هذا نبي‬
‫هذه المة‪ ،‬وهذه دار هجرته‪ ،‬وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر‬
‫عظيم )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬ثمان خ ل‪ (2) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ (3) .119 :1‬افتصل الصبى عن الرضاع‪:‬‬
‫فطمه‪ (4) .‬يتم الصبى من أبيه أو امه‪ :‬صار يتيما‪ (5) .‬أي ترباه‪ (6) .‬في‬
‫هامش نسخة المصنف بخطه‪ :‬جمال أوارك ظ‪ .‬قلت‪ :‬رمز بقوله‪ :‬ظ إلى‬
‫أنه الظاهر‪ (7) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪.‬‬

‫] ‪[ 117‬‬

‫‪ - 62‬د‪ :‬عبد ال أنفذه أبوه يمتار )‪ (1‬له تمرا " من يثرب فتوفي بها )‪- 63 .(2‬‬
‫عد‪ :‬قال الشيخ أبو جعفر رضي ال عنه‪ :‬اعتقادنا في آباء النبي صلى ال‬
‫عليه وآله أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد ال‪ ،‬وأن أبا طالب كان‬
‫مسلما "‪ ،‬وآمنة بنت وهب بن عبد مناف ام رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫كانت مسلمة‪ ،‬وقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬خرجت من نكاح ولم أخرج‬
‫من سفاح من لدن آدم‪ .‬وقد روي أن عبد المطلب كان حجة‪ ،‬وأبو طالب )‬
‫‪ (3‬كان وصيه عليه السلم )‪ .(4‬بيان‪ :‬اتفقت المامية رضوان ال عليهم‬
‫على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم عليه السلم كانوا مسلمين‪ ،‬بل‬
‫كانوا من الصديقين‪ :‬إما أنبياء مرسلين‪ ،‬أو أوصياء معصومين‪ ،‬ولعل‬
‫بعضهم لم يظهر السلم لتقية أو لمصلحة دينية‪ .‬قال أمين الدين الطبرسي‬
‫رحمه ال في مجمع البيان‪ :‬قال أصحابنا‪ :‬إن آزر كان جد إبراهيم عليه‬
‫السلم لمه‪ ،‬أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى ال‬
‫عليه وآله إلى آدم كلهم كانوا موحدين‪ ،‬وأجمعت الطائفة على ذلك‪ ،‬ورووا‬
‫)‪ (5‬عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬لم يزل ينقلني ال من أصلب‬
‫الطاهرين إلى أرحام المطهرات‪ ،‬حتى أخرجني في عالمكم هذا‪ ،‬لم يدنسني‬
‫بدنس الجاهلية‪ .‬ولو كان في آبائه عليه السلم كافر لم يصف جميعهم‬
‫بالطهارة‪ ،‬مع قوله سبحانه‪) :‬إنما المشركون نجس( ولهم في ذلك أدلة‬
‫ليس هنا موضع ذكرها‪ .‬انتهى )‪ .(6‬وقال إمامهم الرازي في تفسيره‪ :‬قالت‬
‫الشيعة‪ :‬إن أحدا " من آباء الرسول صلى ال عليه وآله وأجداده ما كان‬
‫كافرا "‪ ،‬وأنكروا أن يقال‪ :‬إن والد إبراهيم كان كافرا " وذكروا أن آزر‬
‫كان عم إبراهيم عليه السلم‪ ،‬واحتجوا على قولهم بوجوه‪:‬‬

‫)‪ (1‬امتار لنفسه أو لعياله‪ :‬جمع الطعام والمؤنة‪ (2) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وأبا طالب‪ (4) .‬العتقادات‪ (5) .116 :‬في المصدر‪ :‬وروى‪) .‬‬
‫‪ (6‬مجمع البيان ‪.322 :4‬‬
‫] ‪[ 118‬‬

‫الولى‪ :‬أن آباء نبينا ما كانوا كفارا " ويدل عليه وجوه‪ :‬منها‪ :‬قوله تعالى‪) :‬الذي‬
‫يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين )‪ ((1‬قيل‪ :‬معناه إنه كان ينقل‬
‫روحه من ساجد إلى ساجد‪ ،‬وبهذا التقدير فالية دالة على أن جميع آباء‬
‫محمد صلى ال عليه وآله كانوا مسلمين‪ ،‬فيجب القطع )‪ (2‬بأن والد‬
‫إبراهيم كان مسلما "‪ ،‬ومما يدل على أن أحدا " من آباء محمد صلى ال‬
‫عليه وآله ما كانوا من المشركين قوله صلى ال عليه وآله‪) :‬لم أزل أنقل‬
‫من أصلب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات( وقال تعالى‪) :‬إنما المشركون‬
‫نجس(‪ .‬أقول‪ :‬ثم أورد بعض العتراضات والجوبة التي ل حاجة لنا إلى‬
‫إيرادها‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله كان كافرا "‪ ،‬وذكروا أن نص الكتاب في هذه الية تدل على أن‬
‫آزر كان كافرا "‪ ،‬وكان والد إبراهيم عليه السلم إلى آخر ما قال )‪،(3‬‬
‫وإنما أوردنا كلمه ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما "‪ ،‬بحيث‬
‫اشتهر بين المخالفين‪ .‬وأما المخالفون‪ :‬فذهب أكثرهم إلى كفر والدي‬
‫الرسول صلى ال عليه وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد‬
‫مناف صلوات ال عليهم أجمعين )‪ ،(4‬وإجماعنا وأخبارنا متضافرة‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ 118 :‬و ‪ (2) .119‬في المصدر‪ :‬فحينئذ يجب القطع‪ (3) .‬مفاتيح‬
‫الغيب ‪ (4) .103 :4‬وذهب بعضهم إلى ايمان والديه صلى ال عليه وآله‬
‫وأجداده‪ ،‬واستدلوا عليه بالكتاب والسنة‪ ،‬منهم السيوطي‪ ،‬قال في كتاب‬
‫مسالك الحنفاء‪ :17 :‬المسلك الثاني أنهما أي عبد ال وآمنة لم يثبت‬
‫عنهما شرك‪ ،‬بل كانا على الحنيفية دين جدهما ابراهيم على نبينا وعليه‬
‫الصلة والسلم كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن‬
‫نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما‪ ،‬وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم‬
‫المام فخر الدين الرازي فقال في كتابه أسرار التنزيل ما نصه‪ :‬قيل‪ :‬ان‬
‫آزر لم يكن والد ابراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه‪ :‬منها أن آباء‬
‫النبياء ما كانوا كفارا‪ ،‬ويدل عليه وجوه‪ :‬منها قوله تعالى‪) :‬الذى يراك‬
‫حين تقوم * وتقلبك في الساجدين( قيل‪ :‬معناه أنه كان ينقل نوره من‬
‫ساجد إلى ساجد‪ .‬وبهذا التقدير الية دالة على أن جميع أباء محمد صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم كانوا مسلمين‪ ،‬وحينئذ يجب القطع بأن والد ابراهيم‬
‫ما كان من الكافرين‪ ،‬انما ذاك عمه‪ ،‬أقصى ما في الباب أن يحمل قوله‬
‫تعالى‪) :‬وتقلبك في الساجدين( على وجوه ‪< -‬‬

‫] ‪[ 119‬‬
‫على خلفهم‪ ،‬وسيأتي الخبار الكثيرة الدالة على ذلك في سائر أبواب الكتاب‪.‬‬
‫ووجدت في بعض الكتب أن عبد المطلب اسمه شيبة‪ ،‬ويقال‪ :‬شيبة الحمد‪،‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن اسمه عامر‪ ،‬والصحيح الول‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه سمي شيبة لنه ولد‬
‫وفي رأسه‬

‫> ‪ -‬آخر‪ ،‬وإذا وردت الروايات بالكل ول منافاة بينهما وجب حمل الية على الكل‪،‬‬
‫ومتى صح ذلك ثبت أن والد ابراهيم ما كان من عبدة الوثان‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫ومما يدل على أن آباء محمد صلى ال عليه وآله ما كانوا مشركين قوله‬
‫عليه السلم‪) :‬لم ازل أنقل من أصلب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات(‬
‫وقال تعالى‪) :‬انما المشركون نجس( فوجب أن ل يكون أحد من أجداده‬
‫مشركا‪ .‬هذا كلم المام فخر الدين الرازي بحروفه‪ ،‬وناهيك به امامة‬
‫وجللة‪ ،‬فانه امام أهل السنة في زمانه‪ ،‬والقائم بالرد على الفرق‬
‫المبتدعة في وقته‪ .‬ثم قال‪ :‬وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه‬
‫المام فخر الدين أمور‪ :‬أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين‪ .‬الولى‪:‬‬
‫إن الحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من اصول النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم من آدم عليه السلم إلى أبيه عبد ال فهو خير أهل قرنه‬
‫وأفضلهم‪ ،‬ول أحد في قرنه ذلك خير منه ول أفضل‪ .‬الثانية‪ :‬إن الحاديث‬
‫والثار دلت على أنه لم تخل الرض من عهد نوح عليه السلم أو آدم‬
‫عليه السلم إلى بعثة النبي صلى ال عليه وآله إلى أن تقوم الساعة من‬
‫ناس على الفطرة يعبدون ال ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الرض‬
‫ولول هم لهلكت الرض ومن عليها‪ ،‬وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين‬
‫انتج منهما قطعا أن آباء النبي صلى ال عليه وآله لم يكن فيهم مشرك‪،‬‬
‫لنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه‪ ،‬فان كان الناس الذين على الفطرة‬
‫هم آباؤهم فهو المدعى‪ ،‬وإن كان غيرهم وهم على الشرك لزم أحد‬
‫المرين‪ :‬إما أن يكون المشرك خيرا " من المسلم وهو باطل بالجماع‪،‬‬
‫وإما أن يكون غيرهم خيرا " منهم وهو باطل لمخالفة الحاديث فوجب‬
‫قطعا " أن ل يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الرض في كل قرنه إ‍ه‪.‬‬
‫ثم ذكر أدلة لثبات المقدمة الولى منها‪ :‬ما أخرجه البخاري عن أبى‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬بعثت من خير قرون بنى‬
‫آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذى كنت فيه‪ .‬وما أخرجه البيهقى‬
‫في دلئل النبوة عن أنس أن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ما افترق‬
‫الناس فرقتين ال جعلني ال في خيرهما‪ .‬فأخرجت من بين أبوى فلم‬
‫يصبنى شئ من عهد الجاهلية‪ ،‬وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح‬
‫من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبى وامى فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا‪< - .‬‬

‫] ‪[ 120‬‬
‫شعرة بيضاء‪ ،‬ويكنى أبا الحارث‪ ،‬ويلقب الفياض لجوده‪ ،‬وإنما سمي عبد المطلب‬
‫لن أباه هاشما " مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل على عمرو بن زيد‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬زيد بن عمرو ابن خداش بن امية بن وليد بن غنم بن عدي بن‬
‫النجار‪ ،‬والراوي الول يقول‪ :‬عمرو‬

‫> ‪ -‬وما أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة من طرق عن ابن عباس قال‪ :‬قال النبي‬
‫صلى ال عليه و آله وسلم‪ :‬لم يزل ال ينقلني من الصلب الطيبة إلى‬
‫الرحام الطاهرة مصفى مهذبا ل تنشعب شعبتان الكنت في خيرهما‪ .‬وما‬
‫أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمى في فضائل العباس‬
‫من حديث واثلة بلفظ )إن ال اصطفى من ولد آدم ابراهيم واتخذه خليل‪،‬‬
‫واصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل‪ ،‬ثم اصطفى من ولد اسماعيل نزارا‪،‬‬
‫ثم اصطفى من ولد نزار مضر‪ ،‬ثم اصطفى من مضر كنانة‪ ،‬ثم اصطفى‬
‫من كنانة قريشا‪ ،‬ثم اصطفى من قريش بنى هاشم‪ ،‬ثم اصطفى من بنى‬
‫هاشم بنى عبد المطلب‪ ،‬ثم اصطفاني من بنى عبد المطلب(‪ .‬قال‪ :‬أورده‬
‫المحب الطبري في ذخائر العقبى‪ .‬ثم ذكر تسعة أحاديث اخرى تدل على‬
‫ذلك‪ .‬ثم ذكر أدلة لثبات المقدمة الثانية‪ :‬منها‪ :‬أحاديث تدل على أن‬
‫الرض لم تزل بعد نوح كان على وجهها مسلمون يعملون ل بطاعته‪،‬‬
‫ويدفع ال بهم عن أهل الرض فعدهم في بعضها سبعة‪ ،‬وفي اخرى‬
‫أربعة عشر‪ ،‬وفي ثالثة اثنى عشر‪ .‬ومنها‪ :‬أحاديث وردت في تفسير قوله‬
‫تعالى‪) :‬كان الناس امة واحدة( فيها أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون‬
‫كلهم على شريعة من الحق‪ ،‬وفيها‪ :‬أن ما بين نوح إلى آدم من الباء‬
‫كانوا على السلم‪ ،‬وفيها‪ :‬أن أولد نوح عليه السلم لم يزالوا على‬
‫السلم وهم ببابل حتى ملكهم نمرود ابن كوس فدعاهم إلى عبادة الوثان‬
‫ففعلوا‪ .‬ثم قال‪ :‬فعرف من مجموع هذه الثار أن أجداد النبي صلى ال‬
‫عليه وآله كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمرود‪ ،‬وفي زمنه كان‬
‫ابراهيم عليه السلم وآزر‪ ،‬فان كان آزر والد ابراهيم فيستثنى من سلسلة‬
‫النسب‪ ،‬وان كان عمه فل استثناء في هذا القول ‪ -‬أعنى أن آزر ليس أبا‬
‫ابراهيم ‪ -‬كما ورد عن جماعة من السلف‪ .‬ثم ذكر آثار أو أقوال تدل على‬
‫أن آزر كان عم ابراهيم ولم يكن أباه‪ .‬ثم قال‪ :‬ثم استمر التوحيد في ولد‬
‫ابراهيم واسماعيل‪ ،‬قال الشهرستاني في الملل والنحل‪ :‬كان دين ابراهيم‬
‫قائما والتوحيد في صدر العرب شائعا‪ ،‬واول من غيره واتخذ عبادة‬
‫الصنام عمرو بن لحى‪ ،‬وقال عماد الدين ابن كثير في تاريخه‪ :‬كانت‬
‫العرب على دين ابراهيم عليه السلم إلى أن ولى عمرو بن عامر‬
‫الخزاعى مكة‪ ،‬وانتزع ولية البيت من أجداد النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الصنام وشرع للعرب الضللت‪،‬‬
‫وتبعته العرب على الشرك‪ ،‬و فيهم بقايا من دين ابراهيم‪ ،‬وكانت مدة‬
‫ولية خزاعة على البيت ثلث مائة سنة وكانت وليتهم ‪< -‬‬
‫] ‪[ 121‬‬

‫ابن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار‪ ،‬وهو تيم ال بن‬
‫ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وهو المعتمد‪ ،‬فرأى ابنته سلمى فخطبها إليه‬
‫فزوجه إياها‪ ،‬وشرط عليه أنها إذا حملت أتى بها لتلد في دار قومها‪ ،‬وبنى‬
‫عليها هاشم بيثرب ومضى بها إلى مكة‪،‬‬

‫> ‪ -‬مشؤومة إلى أن جاء قصى جد النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقاتلهم وانتزع‬
‫ولية البيت عنهم‪ ،‬ال أن العرب بعد ذلك لم ترجع عما كان أحدثه عمرو‬
‫الخزاعى‪ .‬فثبت أن آباء النبي صلى ال عليه وآله من عهد ابراهيم عليه‬
‫السلم إلى زمان عمرو المذكور كلهم مؤمنون بيقين‪ ،‬ونأخذ الكلم على‬
‫الباقي‪ .‬ثم ذكر آياتا لثبات ذلك وعقبها بأحاديث منها‪ :‬ما ورد في تفسير‬
‫قوله تعالى‪) :‬وجعلها كلمة باقية في عقبه( تدل على أن التوحيد كان باقيا‬
‫في ذرية ابراهيم عليه السلم ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة‬
‫يعبدون ال تعالى حتى تقوم الساعة وأحاديث في تفسير قوله‪) :‬واجنبني‬
‫وبنى أن نعبد الصنام( تدل على أن ال استجاب لبراهيم عليه السلم‬
‫دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته‪ ،‬وحديثا في‬
‫تفسير قوله تعالى‪) :‬رب اجعلني مقيم الصلة ومن ذريني( يدل على أنه‬
‫لن تزال من ذرية ابراهيم ناس على الفطرة يعبدون ال تعالى‪ ،‬ثم ذكر‬
‫آثارا تدل على أن عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة والياس وكعب بن‬
‫لوى وغيرهم كانوا مسلما‪ ،‬ثم قال‪ :‬فحصل مما أوردناه أن آباء النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم من عهد ابراهيم إلى كعب بن لوى كانوا كلهم‬
‫على دين ابراهيم عليه السلم‪ ،‬وولده مرة بن كعب الظاهر أنه كذلك لن‬
‫أباه أوصاه باليمان‪ ،‬وبقى بينه وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلب‬
‫وقصى وعبد مناف وهاشم‪ ،‬ولم أظفر فيهم بنقل ل بهذا ول بهذا‪ ،‬وأما‬
‫عبد المطلب ففيه ثلثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنه لم تبلغه الدعوة‪ ،‬والثانى‪ :‬أنه‬
‫كان على التوحيد وملة ابراهيم وهو ظاهر عموم قول المام فخر الدين‬
‫وما تقدم من الحاديث‪ .‬والثالث‪ :‬أن ال أحياه بعد بعثة النبي عليه السلم‬
‫حتى آمن به وأسلم ثم مات‪ ،‬حكاه ابن سيد الناس‪ ،‬وهذا أضعف القوال‪،‬‬
‫ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلفا في عبد المطلب وأنه قد قيل‬
‫فيه‪ :‬مات مسلما لما رأى من الدلئل على نبوة محمد صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم وعلم انه ل يبعث ال بالتوحيد‪ ،‬وقال الشهرستاني في الملل‬
‫والنحل‪ :‬ظهر نور النبي صلى ال عليه وآله وسلم في اسارير عبد‬
‫المطلب بعض الظهور‪ ،‬وببركة ذلك النور الهم النذر في ذبح ولده‪،‬‬
‫وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغى‪ ،‬ويحثهم على مكارم الخلق‪،‬‬
‫وينهاهم عن دنيات المور‪ ،‬وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه‪ :‬انه‬
‫لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل‬
‫ظلوم لم تصبه عقوبة‪ ،‬فقيل بعبد المطلب في ذلك‪ ،‬ففكر في ذلك فقال‪:‬‬
‫وال وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن باحسانه‪ ،‬ويعاقب فيها‬
‫المسئ باساءته‪ ،‬وببركة ذلك النور قال لبرهة‪ :‬ان لهذا البيت ربا‬
‫يحفظه‪ ،‬ومنه قال وقد ‪< -‬‬

‫] ‪[ 122‬‬

‫فلما أثقلت أتى بها إلى يثرب في السفرة التي مات فيها وذهب إلى الشام فمات هناك‬
‫بغزة من أرض الشام‪ ،‬وولدت سلمى عبد المطلب وشب عند امه فمر به‬
‫رجل من بني الحارث بن عبد مناف‪ ،‬وهو مع صبيان يتناضلون )‪ (1‬فرآه‬
‫أجملهم وأحسنهم إصابة‪ ،‬وكلما رمى فاصاب‪ ،‬قال‪ :‬أنا ابن هاشم‪ ،‬أنا ابن‬
‫السيد البطحاء‪ ،‬فأعجب الرجل ما رأى منه ودنا إليه فقال‪ :‬من أنت ؟ قال‪:‬‬
‫أنا شيبة بن هاشم بن عبدمناف‪ ،‬قال‪ :‬بارك ال فيك‪ ،‬وكثر فينا مثلك‪ ،‬قال‪:‬‬

‫صعد أبا قبيس‪ :‬لهم ان المرء يمنع رحله فامنع حللك * ل يغلبن صليبهم ومحالهم‬
‫عدوا محالك فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك انتهى كلم‬
‫الشهرستاني‪ .‬ثم ذكر امورا " تدل على ايمان عبد المطلب إلى أن قال‪ :‬ثم‬
‫رأيت المام أبا الحسن الماوردى أشار إلى نحو ما ذكره المام فخر الدين‬
‫ال أنه لم يصرح كتصريحه‪ ،‬فقال في كتابه أعلم النبوة‪ :‬لما كان انبياء‬
‫ال صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلفهم من القيام بحقه والرشاد لخلقه‬
‫استخلصهم من أكرم العناصر‪ ،‬واجتباهم بمحكم الوامر فلم يكن لنسبهم‬
‫من قدح‪ ،‬ولمنصبهم من جرح‪ ،‬ليكون القلوب أصغى‪ ،‬والنفوس لهم‬
‫أوطأ‪ ،‬فيكون الناس إلى اجابتهم أسرع‪ ،‬ولوامرهم أطوع‪ ،‬وان ال‬
‫استخلص رسوله صلى ال عليه وآله من أطيب المناكح‪ ،‬وحماه من دنس‬
‫الفواحش‪ ،‬ونقله من اصلب طاهرة إلى أرحام منزهة‪ ،‬وقد قال ابن‬
‫عباس في تأويل قول ال تعالى‪) :‬وتقلبك في الساجدين(‪ :‬أي تقلبك من‬
‫أصلب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيا‪ ،‬فكان نور النبوة ظاهرا‬
‫" في آبائه‪ ،‬واذ اخبرت حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سللة‬
‫آباء كرام ليس في آبائه مسترذل و ل مغمور مسبل‪ ،‬بل كلهم سادة قادة‪،‬‬
‫وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة انتهى كلم الماوردى‬
‫بحروفه‪ ،‬قلت‪ :‬ثم فصل السيوطي الكلم حول ذلك وحول امهاته صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم وصنف أيضا في ذلك كتابه الدرج المنيفة في الباء‬
‫الشريفة‪ ،‬وكتابه المقامة السندسية في النسبة المصطفوية‪ ،‬وكتابه‬
‫التعظيم والمنة في أن أبوى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في‬
‫الجنة‪ ،‬و كتابه السبل الجلية في الباء العلية‪ ،‬وصنف كتاب نشر العلمين‬
‫المنيفين في احياء البوين الشريفين رد فيه على من جزم بأن الحديث‬
‫الذى ورد في احيائهما موضوع‪ ،‬وصنف كتاب أنباء الذكياء في حياة‬
‫النبياء عليهم السلم‪ .‬قلت‪ :‬وممن صرح بايمان عبد المطلب وغيره‬
‫المسعودي واليعقوبي وغيرهما‪ (1) .‬يتناضلون أي تباروا في النضال‬
‫وتراموا للسبق‪.‬‬

‫] ‪[ 123‬‬

‫من أنت يا عم ؟ قال‪ :‬رجل من قومك‪ ،‬قال‪ :‬حياك ال ومرحبا " بك‪ ،‬وسأله عن‬
‫أحواله وحاجته‪ ،‬فرأى الرجل منه ما أعجبه‪ ،‬فلما أتى مكة لم يبدء بشئ‬
‫حتى أتى المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا " في الحجر فخل به‬
‫وأخبره خبر الغلم وما رأى منه‪ ،‬فقال المطلب‪ :‬وال لقد أغفلته‪ ،‬ثم ركب‬
‫قلوصا " )‪ (1‬ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلم في‬
‫غلمان منهم‪ ،‬فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه‪ ،‬فأخبره بنفسه‪ ،‬وأنه جاء‬
‫للذهاب به‪ ،‬فما لبث أن جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص‬
‫ومضى به‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كانت امه قد علمت بمجئ المطلب ونازعته فغلبها‬
‫عليه‪ ،‬ومضى به إلى مكة وهو خلفه‪ ،‬فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت‬
‫عليه وقالوا‪ :‬من أين أقبلت ؟ قال‪ :‬من يثرب‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن هذا معك ؟ قال‪:‬‬
‫عبد ابتعته‪ ،‬فلما أتى محله اشترى له حلة فألبسه إياها وأتى به في مجلس‬
‫بني عبدمناف‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ابن أخيكم هاشم‪ ،‬وأخبرهم خبره‪ ،‬فغلب عليه عبد‬
‫المطلب لقول عمه‪ :‬إنه عبد ابتعته‪ ،‬وساد عبد المطلب قريشا "‪ ،‬وأذعنت‬
‫له سائر العرب بالسيادة والرياسة‪ ،‬وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل‪،‬‬
‫وحفر زمزم‪ ،‬وفي سقياه حين استسقى مرتين‪ :‬مرة لقريش‪ ،‬ومره لقيس‬
‫إلى غير ذلك من فضائله‪ ،‬و أخباره وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن‬
‫سبطه محمدا " نبي‪ ،‬وهو ابن هاشم‪ ،‬واسمه عمرو‪ ،‬و يقال له‪ :‬عمرو‬
‫العلى‪ ،‬ويكنى أبا نضله‪ ،‬وإنما سمي هاشما " لهشمه الثريد )‪ (2‬للحجاج‪،‬‬
‫وكانت إليه الوفادة والرفادة )‪ (3‬وهو الذي سن الرحلتين‪ :‬رحلة الشتاء‬
‫إلى اليمن و‬

‫)‪ (1‬القلوص من البل‪ :‬الطويلة القوائم‪ .‬الشابة منها أو الباقية على السير‪(2) .‬‬
‫هشم الثريد لقومه أي كسر الخبز وفنه وبله بالمرق فجعله ثريدا فهو‬
‫هاشم‪ (3) .‬قال ابن هشام‪ :‬كانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل‬
‫موسم من أموالها إلى قصى بن كلب فيصنع به طعاما للحاج‪ ،‬فيأكله من‬
‫لم يكن له سعة ول زاد‪ ،‬وذلك أن قصيا فرضه على قريش‪ ،‬فقال لهم حين‬
‫أمرهم به‪ :‬يا معشر قريش انكم جيران ال‪ ،‬واهل بيته‪ ،‬وأهل الحرم‪ ،‬وأن‬
‫الحجاج ضيف ال‪ ،‬و )أهله( وزوار بيته‪ ،‬وهم أحق الضيف بالكرامة‪،‬‬
‫فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا‪ ،‬فكانوا يخرجون لذلك‬
‫كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه‪ ،‬فيصنعه طعاما للناس أيام منى‬
‫إ‍ه‪.‬‬

‫] ‪[ 124‬‬

‫العراق‪ ،‬ورحلة الصيف إلى الشام ومات بغزة من أرض الشام وفيه يقول مطرود‬
‫بن كعب الخزاعي‪ :‬شعر‪ :‬عمرو العلى هشم الثريد لقومه * ورجال مكة‬
‫مسنتون عجاف )‪ .(1‬وكان هاشم يدعى القمر‪ ،‬ويسمى ذات الركب‪ ،‬وقد‬
‫سمي بهذا آخرون من قريش أيضا "‪ ،‬وهو ابن عبد مناف‪ ،‬واسمه‬
‫المغيرة‪ ،‬وإنما سمته عبد مناف امه‪ ،‬ومناف اسم صنم كان مستقبل الركن‬
‫السود‪ ،‬وكان أيضا " يدعى القمر لجماله‪ ،‬ويدعى السيد لشرفه وسودده‪،‬‬
‫وهو ابن قصي‪ ،‬واسمه زيد‪ ،‬وإنما سمى قصيا " لن امه فاطمة بنت سعد‬
‫بن سنبل الزدية )‪ (2‬من أزدشنوءه تزوجها بعد أبيه كلب ربيعة بن حزام‬
‫بن سعد بن زيد القضاعي‪ ،‬فمضى بها إلى قومه‪ ،‬وكان زهرة بن كلب‬
‫كبيرا "‪ ،‬فتركته عند قومه‪ ،‬وحملت زيدا " معها‪ ،‬لنه كان فطيما "‪،‬‬
‫فسمي قصيا " لنه أقصى عن داره‪ ،‬وشب في حجر ربيعة بن حزام‪ ،‬ل‬
‫يرى إل أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة‪ ،‬فقال له العذري‪:‬‬
‫الحق بقومك فإنك لست منا‪ ،‬قال‪ :‬وممن أنا ؟ قال‪ :‬سل امك تخبرك‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫أنت وال أكبر منهم نفسا " ووالدا " ونسبا "‪ ،‬أنت ابن كلب بن مرة‪،‬‬
‫وقومك آل ال في حرمه وعند بيته‪ ،‬فكره قصي المقام دون مكة‪ ،‬فأشارت‬
‫عليه امه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام‪ ،‬ثم يخرج مع حجاج قضاعة‬
‫ففعل‪ ،‬ولما صار إلى مكة تزوج إلى خليل بن الحبشية الخزاعي ابنته حيي‪،‬‬
‫وكان خليل يلي أمر الكعبة‪ ،‬وعظم أمر قصي حتى استخلص البيت من‬
‫خزاعة وحاربهم وأجلهم عن الحرم وصارت إليه السدانة والوفادة‬
‫والسقاية‪ ،‬وجمع قبائل قريش وكانت متفرقة‪ .‬وقال محمد بن مسعود‬
‫الكازروني في كتاب المنتقى‪ :‬ولد عبد ال لربع وعشرين سنة‬

‫)‪ (1‬في سيرة ابن هشام‪ :‬قوم بمكة مسنتين عجاف‪ .‬بعده‪ :‬سنت إليه الرحلتان‬
‫كلهما * سفر الشتاء ورحلة اليلف‪ .‬ويروى‪ :‬ورحلة الصياف‪ (2) .‬في‬
‫القاموس‪ :‬أزد بن الغوث أبوحى ومن أولده النصار كلهم ويقال‪:‬‬
‫أزدشنوءة‪ .‬والغزة بالغين والزاى المعجمتين‪ :‬بلد بفلسطين‪ ،‬وقال في‬
‫القاموس‪ :‬مات بها هاشم‪ .‬وعذرة بالذال المعجمة‪ :‬قبيلة باليمن‪ .‬منه عفى‬
‫عنه‪.‬‬

‫] ‪[ 125‬‬
‫مضت من ملك كسرى أنوشروان‪ ،‬فبلغ سبع عشرة سنة‪ ،‬ثم تزوج آمنة‪ ،‬فلما‬
‫حملت برسول ال صلى ال عليه وآله توفي‪ ،‬وذلك أن عبد ال بن عبد‬
‫المطلب خرج إلى الشام )‪ (1‬في عير من عيرات قريش‪ ،‬يحملون تجارات‪،‬‬
‫ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا‪ ،‬فمروا بالمدينة وعبد ال بن عبد‬
‫المطلب يومئذ مريض‪ ،‬فقال‪ :‬أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار‪،‬‬
‫فأقام عندهم مريضا " شهرا "‪ ،‬ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد‬
‫المطلب عن عبد ال‪ ،‬فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو‬
‫مريض‪ ،‬فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده )‪ (2‬الحارث فوجده قد توفي في‬
‫دار النابغة )‪ ،(3‬فرجع إلى أبيه فأخبره‪ ،‬فوجد )‪ (4‬عليه عبد المطلب‬
‫وإخوته وأخواته وجدا " شديدا "‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وآله يومئذ‬
‫حمل‪ ،‬ولعبد ال يوم توفي خمس وعشرون سنة‪ .‬وروي أنه توفي بعد ما‬
‫أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله ثمانية وعشرون شهرا "‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫سبعة أشهر‪ ،‬والول أصح‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ترك عبد ال أم أيمن وخمسة‬
‫جمال أوراك‪ ،‬يعني قد أكلت الراك‪ ،‬وقطيعة غنم‪ ،‬فورث رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وكانت أم أيمن تحضنه واسمها بركة )‪ - 64 .(5‬ن لى‪ :‬ابن‬
‫المتوكل‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الريان بن الصلت قال‪ :‬أنشدني الرضا‬
‫عليه السلم لعبد المطلب شعر )‪ :(6‬يعيب الناس كلهم زمانا * وما لزماننا‬
‫عيب سوانا نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بناهجانا )‪(7‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر زاد‪ :‬إلى غزة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬أكبر ولده‪ (3) .‬في المصدر زيادة‬
‫هي‪ :‬وهو رجل من بنى عدى بن النجار في الدار التى إذا دخلتها فالدويرة‬
‫عن يسارك‪ ،‬فأخبره أخواله بمرضه وبقيامهم عليه‪ ،‬وما ولوامن أمره‬
‫وانهم قبروه‪ ،‬فرجع ا‍ه‪ (4) .‬أي حزن‪ (5) ،‬المنتقى في مولود المصطفى‪:‬‬
‫الفصل الخامس من الباب الثامن من القسم الول‪ (6) .‬هكذا في نسخة‬
‫المصنف‪ ،‬والصحيح‪ :‬شعرا كما في المصدر‪ (7) .‬بها خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 126‬‬

‫وإن الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا " عيانا )‪ (1‬أقول‪ :‬سيأتي في باب‬
‫مولد النبي صلى ال عليه وآله بعض أخباره‪ - 65 .‬ل‪ :‬الفامي وابن‬
‫مسرور معا "‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن حماد‪،‬‬
‫عن حريز‪ ،‬عمن أخبره‪ ،‬عن أبي جعفر صلى ال عليه وآله قال‪ :‬أول من‬
‫سوهم عليه مريم بنت عمران‪ ،‬وهو قول ال‪) :‬وما كنت لديهم إذ يلقون‬
‫أقلمهم أيهم يكفل مريم( والسهام ستة‪ ،‬ثم استهموا في يونس عليه السلم‬
‫لما ركب مع القوم‪ ،‬فوقفت السفينة في اللجة‪ ،‬فاستهموا فوقع السهم على‬
‫يونس عليه السلم ثلث مرات‪ ،‬قال‪ :‬فمضى يونس عليه السلم إلى صدر‬
‫السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه‪ ،‬ثم كان عبد المطلب ولد له‬
‫تسعة فنذر في العاشر إن يرزقه ال غلما " أن يذبحه‪ ،‬قال‪ :‬فلما ولد عبد‬
‫ال لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول ال صلى ال عليه وآله في صلبه‪ ،‬فجاء‬
‫بعشر من البل وساهم عليها وعلى عبد ال فخرجت السهام على عبد ال‪،‬‬
‫فزاد عشرا "‪ ،‬فلم يزل السهام تخرج على عبد ال ويزيد عشرا "‪ ،‬فلما‬
‫بلغت مأة خرجت السهام على البل‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬ما أنصفت ربي‪،‬‬
‫فأعاد السهام ثلثا " فخرجت على البل‪ ،‬فقال‪ :‬الن علمت أن ربي قد‬
‫رضي‪ ،‬فنحرها )‪ - 66 .(2‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أبي محمد الفضل‬
‫اليماني‪ ،‬عن الحسن بن جمهور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن حديد‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن الحجاج‪ ،‬عن هارون بن خارجة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬هبط جبرئيل على رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا محمد إن‬
‫ال عزوجل قد شفعك )‪ (3‬في خمسة‪ :‬في بطن حملك وهي آمنة بنت وهب‬
‫بن عبد مناف‪ ،‬وفي صلب أنزلك وهو عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬وفي حجر‬
‫كفلك وهو عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد‬
‫المطلب أبو طالب‪ ،‬وفي أخ كان لك في الجاهلية‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار‪ ،306 :‬المالى‪ ،107 ،‬وفي العيون زيادة هي‪ :‬لبسنا للخدوع‬
‫مسوك طيب * وويل للغريب إذا اتانا )‪ (2‬الخصال ‪ (3) .75 :1‬أي قبل‬
‫شفاعتك فيهم‪.‬‬

‫] ‪[ 127‬‬

‫يا رسول ال من هذا الخ ؟ فقال رسول ال‪ :‬كان آنسي وكنت آنسه‪ ،‬وكان سخيا "‬
‫يطعم الطعام )‪ - 67 .(1‬ل‪ :‬محمد بن علي بن الشاه‪ ،‬عن أبي حامد‪ ،‬عن‬
‫أبي يزيد‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن صالح التميمي‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن أنس بن‬
‫محمد أبي مالك‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن‬
‫علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال في‬
‫وصيته له‪ :‬يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها‬
‫ال له في السلم‪ :‬حرم نساء الباء على البناء فأنزل ال عزوجل‪) :‬ول‬
‫تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء( ووجد كنزا " فأخرج منه الخمس‬
‫وتصدق به‪ ،‬فأنزل ال عزوجل‪) :‬واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن ل‬
‫خمسه( الية‪ ،‬ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل ال عز وجل‪:‬‬
‫)أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر(‬
‫الية‪ ،‬وسن في القتل مأة من البل فأجرى ال عزوجل ذلك في السلم‪،‬‬
‫ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط‪،‬‬
‫فأجرى ال ذلك في السلم‪ ،‬يا علي إن عبد المطلب كان ل يستقسم‬
‫بالزلم‪ ،‬ول يعبد الصنام‪ ،‬ول يأكل ما ذبح على النصب‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا على‬
‫دين أبي إبراهيم عليه السلم )‪ .(2‬بيان‪ :‬لعله عليه السلم فعل هذه المور‬
‫بإلهام من ال تعالى‪ ،‬أو كانت في ملة إبراهيم عليه السلم فتركتها قريش‬
‫فأجراها فيهم‪ ،‬فلما جاء السلم لم ينسخ هذه المور لما سنه عبد المطلب‪.‬‬
‫‪ - 68‬ل‪ :‬الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبان‬
‫الحمر قال‪ :‬سمعت جعفر بن محمد عليه السلم يحدث عن أبيه عليه‬
‫السلم قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال النصاري يقول‪ :‬سئل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله عن ولد عبد المطلب‪ ،‬فقال‪ :‬عشرة والعباس‪ .‬قال‬
‫الصدوق ره‪ :‬وهم عبد ال‪ ،‬وأبو طالب‪ ،‬والزبير‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والحارث‪ ،‬وهو‬
‫أسنهم والغيداق‪ ،‬والمقوم‪ ،‬وحجل‪ ،‬وعبد العزى وهو أبو لهب‪ ،‬وضرار‪،‬‬
‫والعباس‪ ،‬ومن الناس‬

‫)‪ (1‬الخصال ‪ ،141 :1‬قال الصدوق‪ ،‬اسم هذا الخ الحلس بن علقمة‪ (2) .‬الخصال‬
‫‪.150 :1‬‬

‫] ‪[ 128‬‬

‫من يقول‪ :‬إن المقوم هو حجل‪ .‬ولعبد المطلب عشرة أسماء )‪ ،(1‬تعرفه بها العرب‬
‫وملوك القياصرة وملوك العجم وملوك الحبشة‪ ،‬فمن أسمائه‪ :‬عامر‪،‬‬
‫وشيبة الحمد‪ ،‬وسيد البطحاء‪ ،‬وساقي الحجيج‪ ،‬وساقي الغيث‪ ،‬وغيث‬
‫الورى في العام الجدب‪ ،‬وأبو السادة العشرة‪ ،‬وعبد المطلب‪ ،‬وحافر زمزم‬
‫)‪ ،(2‬وليس ذلك لمن تقدمه )‪ - 69 .(3‬ن‪ :‬القطان‪ ،‬عن السدي )‪ ،(4‬عن‬
‫علي بن الحسن بن فضال‪ ،‬عن ابيه قال‪ :‬سألت أبا الحسن الرضا عليه‬
‫السلم عن معنى قول النبي صلى ال عليه وآله أنا ابن الذبيحين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلم‪ ،‬وعبد ال بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬أما إسماعيل فهو الغلم الحليم الذي بشر ال تعالى به إبراهيم‬
‫عليه السلم )فلما بلغ معه السعي( وهو لما عمل مثل عمله )قال يا بني‪:‬‬
‫إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى * قال يا أبت افعل ما‬
‫تؤمر( ولم يقل له‪ :‬يا أبت افعل ما رأيت )ستجدني إن شاء ال من‬
‫الصابرين( فلما عزم على ذبحه فداه ال تعالى بذبح عظيم بكبش أملح‪.‬‬
‫يأكل في سواد‪ ،‬ويشرب في سواد‪ ،‬وينظر في سواد‪ ،‬ويمشى في سواد‬
‫ويبول )‪ (5‬ويبعر في سواد‪ ،‬وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين‬
‫عاما‪ ،‬وما خرج من رحم انثى‪ ،‬وإنما قال ال عزوجل له‪:‬‬

‫)‪ (1‬اختاره اليعقوبي‪ ،‬وأضاف قثم مكانه وقال‪ :‬امه صفية بنت جندب بن حجير‪) .‬‬
‫‪ (2‬لم نجد العاشر في الكتاب ومصدره‪ ،‬ولعله ابراهيم الثاني على ما يقول‬
‫اليعقوبي‪ ،‬قال‪ :‬كانت قريش تقول عبد المطلب ابراهيم الثاني‪(3) .‬‬
‫الخصال ‪ 62 :1‬و ‪ (4) .63‬هكذا في نسخة المصنف وغيرها‪ ،‬والموجود‬
‫في المصدر‪ :‬أحمد بن الحسن القطان‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن سعيد‬
‫الكوفى‪ ،‬والظاهر أنه رحمه ال غفل عما قدمه في المجلد الول من أن‬
‫السدي في وسط السند مختصر أبى الحسين محمد بن جعفر السدي‪،‬‬
‫وذكر أنا نعبر عن أحمد بن محمد بن سعيد بأحمد الهمداني أو ابن عقدة‬
‫أو أحمد الكوفى‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ويبول في سواد‪ .‬قلت‪ :‬قال الجزرى‬
‫في النهاية‪ :‬وفيه أنه ضحى بكبش يطأ في سواد‪ ،‬وينظر في سواد‪،‬‬
‫ويبرك في سواد‪ ،‬أي أسود القوائم والمرابض والمحاجر انتهى‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ان المراد أنه كان مقيما في الحشيش والمرعى والخضرة إذا أشبعت‬
‫مالت إلى السواد‪ ،‬أو كان ذا ظل عظيم لسمنه وعظم جثته بحيث يمشى‬
‫فيه ويأكل وينظر ويبعر فيه مجازا " في السمن‪.‬‬

‫] ‪[ 129‬‬

‫كن فكان‪ ،‬ليفدي به إسماعيل‪ ،‬فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لسماعيل إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فهذا أحد الذبيحين‪ ،‬وأما الخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة‬
‫باب الكعبة ودعا ال عزوجل أن يرزقه عشرة بنين‪ ،‬ونذر ل عزوجل أن‬
‫يذبح واحدا " منهم متى أجاب ال دعوته‪ ،‬فلما بلغوا عشرة قال‪ :‬قد وفى‬
‫ال تعالى لي فلفين )‪ (1‬ل عزوجل فأدخل ولده الكعبة‪ ،‬وأسهم بينهم‪،‬‬
‫فخرج سهم عبد ال أبي رسول ال صلى ال عليه وآله وكان أحب ولده‬
‫إليه‪ ،‬ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد ال‪ ،‬ثم أجالها ثالثة‪ ،‬فخرج سهم عبد‬
‫ال فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه‪ ،‬فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك‪،‬‬
‫واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن‪ ،‬فقالت له ابنته عاتكة‪ :‬يا أبتاه‬
‫اعذر فيما بينك وبين ال عزوجل في قتل ابنك‪ ،‬قال‪ :‬وكيف اعذر يا بنية‬
‫فإنك مباركة ؟ قالت‪ :‬اعمد على تلك السوائم )‪ (3‬التي لك في الحرم‬
‫فاضرب بالقداح على ابنك وعلى البل واعط ربك حتى يرضى‪ ،‬فبعث عبد‬
‫المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشرا "‪ ،‬وضرب بالسهام فخرج‬
‫سهم عبد ال‪ ،‬فما زال يزيد عشرا " عشرا " حتى بلغت مأة‪ ،‬فضرب‬
‫فخرج السهم على البل‪ ،‬فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة‪،‬‬
‫فقال عبد المطلب‪ :‬ل حتى أضرب بالقداح ثلث مرات‪ ،‬فضرب ثلثا " كل‬
‫ذلك يخرج السهم على البل‪ ،‬فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب‬
‫وإخواتهما من تحت رجليه‪ ،‬فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على‬
‫الرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب‪ ،‬وأمر عبد‬
‫المطلب أن تنحر البل بالحزورة‪ ،‬ول يمنع أحد منها‪ ،‬وكانت مأة‪ ،‬فكانت‬
‫لعبد المطلب خمس من السنن أجراها ال عزوجل في السلم‪ :‬حرم نساء‬
‫الباء على البناء‪ ،‬وسن الدية في القتل مأة من البل‪ ،‬وكان يطوف بالبيت‬
‫سبعة أشواط‪ ،‬ووجد كنزا " فأخرج منه الخمس‪ ،‬وسمي زمزم حين حفرها‬
‫سقاية الحاج‪ ،‬ولول أن عبد المطلب كان حجة )‪ (3‬وأن عزمه على ذبح‬
‫ابنه عبد ال شبيه بعزم إبراهيم عليه السلم على ذبح ابنه إسماعيل لما‬
‫افتخر النبي صلى ال عليه وآله بالنتساب إليهما لجل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فلوفين‪ (2) .‬السوائم جمع السائمة‪ :‬الماشية والبل الراعية‪(3) .‬‬
‫في نسخة من المصدر‪ :‬ولول أن عمل عبد المطلب كان حجة‪.‬‬

‫] ‪[ 130‬‬

‫أنهما الذبيحان في قوله صلى ال عليه وآله‪ :‬أنا ابن الذبيحين‪ ،‬والعلة التي من‬
‫أجلها دفع ال عز و جل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها دفع‬
‫الذبح عن عبد ال‪ ،‬وهي كون النبي والئمة )‪ (1‬صلوات ال عليهم في‬
‫صلبيهما‪ ،‬فببركة النبي والئمة صلوات ال عليهم دفع ال الذبح عنهما‪،‬‬
‫فلم تجر السنة في الناس بقتل أولدهم‪ ،‬ولول ذلك لوجب على الناس كل‬
‫أضحى التقرب إلى ال تعالى ذكره بقتل أولدهم‪ ،‬كل ما يتقرب الناس به‬
‫إلى ال عز وجل من اضحية فهو فداء لسماعيل إلى يوم القيامة )‪70 .(2‬‬
‫‪ -‬جا‪ ،‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن علي بن بلل المهلبي‪ ،‬عن عبد الواحد بن عبد ال‬
‫بن يونس‪ ،‬عن الحسين بن محمد بن عامر‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن العمي )‪،(3‬‬
‫عن جعفر بن بشير‪ ،‬عن سليمان بن سماعة‪ ،‬عن عبد ال بن القاسم‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال جعفر بن محمد عليهما السلم‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم قال‪ :‬لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة‬
‫لهدم البيت )‪ (4‬تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحا " لعبد‬
‫المطلب بن هاشم‪ ،‬فجاء عبد المطلب فاستأذن عليه فأذن له وهو في قبة‬
‫ديباج على سرير له‪ :‬فسلم عليه‪ ،‬فرد أبرهة السلم وجعل ينظر في وجهه‬
‫فراقه حسنه وجماله وهيبته‪ ،‬فقال له‪ :‬هل كان في آبائك مثل هذا النور‬
‫الذي أراه لك والجمال ؟ قال‪ :‬نعم أيها الملك كل آبائي كان لهم هذا الجمال‬
‫والنور والبهاء‪ ،‬فقال له أبرهة‪ :‬لقد فقتم )‪ (6‬فخرا " وشرفا "‪ ،‬ويحق لك‬
‫أن تكون سيد قومك‪ ،‬ثم أجلسه معه على سريره‪ ،‬وقال لسائس فيله‬
‫العظم‪ :‬وكان فيل " أبيض عظيم الخلق‪ ،‬له نابان مرصعان بأنواع الدر‬
‫والجواهر‪ ،‬وكان الملك يباهي به ملوك الرض ‪ -‬اتيني به‪ ،‬فجاء به سائسه‬
‫وقد زين بكل زينة حسنة‪ ،‬فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له‪ ،‬ولم يكن‬
‫يسجد لملكه‪ ،‬وأطلق ال لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب‪ ،‬فلما رأى‬
‫الملك ذلك ارتاع‬
‫)‪ (1‬والئمة المعصومين خ ل‪ (2) .‬عيون الخبار‪ 117 :‬و ‪ (3) .118‬منسوب إلى‬
‫بنى العم من تميم‪ ،‬والرجل هو محمد بن جمهور العمى البصري‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬مكة لهدم البيت‪ (5) .‬السرح‪ :‬الماشية‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬لقد‬
‫فقتم الملوك‪.‬‬

‫] ‪[ 131‬‬

‫له وظنه سحرا "‪ ،‬فقال‪ :‬ردوا الفيل إلى مكانه‪ ،‬ثم قال لعبد المطلب‪ :‬فيم جئت ؟ فقد‬
‫بلغني سخاءك وكرمك وفضلك‪ ،‬ورأيت من هيبتك وجمالك وجللك ما‬
‫يقتضي أن أنظر في حاجتك‪ ،‬فسلني ما شئت‪ ،‬وهو يرى أنه يسأله في‬
‫الرجوع من مكة‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬إن أصحابك غدوا )‪ (1‬على سرح‬
‫لي فذهبوا به فمرهم برده علي‪ ،‬قال‪ :‬فتغيظ الحبشي من ذلك‪ ،‬وقال لعبد‬
‫المطلب‪ :‬لقد سقطت من عيني‪ ،‬جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت‬
‫لهدم شرفك‪ ،‬وشرف قومك‪ ،‬ومكرمكتم التي تتميزون بها من كل جيل وهو‬
‫البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الرض‪ ،‬فتركت مسألتي في ذلك‬
‫وسألتني في سرحك‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬لست برب البيت الذي قصدت‬
‫لهدمه‪ ،‬وأنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك‪ ،‬فجئت أسألك فيما أنا ربه‪،‬‬
‫وللبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم‪ ،‬وأولى به منهم‪ ،‬فقال الملك ردوا‬
‫عليه سرحه‪ ،‬وانصرف إلى مكة )‪ ،(2‬وأتبعه الملك بالفيل العظم مع‬
‫الجيش لهدم البيت‪ ،‬فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ‪ ،‬وإذا تركوه‬
‫رجع مهرول "‪ ،‬فقال عبد المطلب لغلمانه‪ :‬ادعوا إلي ابني‪ ،‬فجئ بالعباس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ليس هذا أريد‪ ،‬ادعوا إلي ابني‪ ،‬فجئ بأبي طالب فقال‪ :‬ليس هذا‬
‫اريد‪ ،‬ادعوا إلي ابني فجئ بعبدال أب النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما أقبل‬
‫إليه قال‪ :‬اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس‪ ،‬ثم اضرب ببصرك ناحية‬
‫البحر‪ ،‬فانظر أي شئ يجئ من هناك‪ ،‬وخبرني به‪ ،‬قال‪ :‬فصعد عبد ال أبا‬
‫قبيس فما لبث أن جاء بطير أبابيل )‪ (3‬مثل السيل والليل‪ ،‬فسقط على أبي‬
‫قبيس‪ ،‬ثم صار إلى البيت فطاف سبعا "‪ ،‬ثم صار إلى الصفا والمروة‬
‫فطاف بهما سبعا "‪ ،‬فجاء عبد ال إلى أبيه فأخبره الخبر‪ ،‬فقال‪ :‬انظر يا‬
‫بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به‪ ،‬فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو‬
‫عسكر الحبشة‪ ،‬فأخبر عبد المطلب بذلك‪ ،‬فخرج عبد المطلب وهو يقول‪ :‬يا‬
‫أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المجالس‪ :‬عدوا‪ (2) .‬في المجالس‪ :‬ردوا عليه سرحه‪ ،‬وازحفوا إلى البيت‬
‫فانفضوه حجرا " حجرا "‪ ،‬فأخذ عبد المطلب سرحه‪ ،‬وانصرف إلى مكة‪.‬‬
‫)‪ (3‬في المصدر‪ :‬أن جاء طير أبابيل‪.‬‬
‫] ‪[ 132‬‬

‫فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب النخرة‪ ،‬وليس من الطير إل ما معه ثلثة أحجار‬
‫في منقاره ويديه )‪ (1‬يقتل بكل حصاة منها واحدا " من القوم‪ ،‬فلما أتوا‬
‫على جميعهم انصرف الطير فلم ير قبل ذلك ول بعده‪ ،‬فلما هلك القوم‬
‫بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره وقال‪ :‬يا حابس الفيل‬
‫بذي المغمس * حبسته كأنه مكوس في مجلس )‪ (2‬تزهق فيه النفس‬
‫فانصرف وهو يقول في فرار قريش وجزعهم من الحبشة‪ :‬طارت قريش‬
‫إذا رأت خميسا * فظلت فردا " ل أرى أنيسا ول أحس منهم حسيسا * إل‬
‫أخا " لي ماجدا " نفيسا مسودا " في أهله رئيسا‪ (3) .‬بيان‪ :‬راقه‪:‬‬
‫أعجبه‪ ،‬قال الفيروز آبادي‪ :‬المغمس كمعظم ومحدث‪ :‬موضع بطريق‬
‫الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة ويرجم‪ ،‬وقال‪ :‬المكوس كمعظم‬
‫حمار‪ .‬أقول‪ :‬روي في كتاب العدد مثله إل أنه زاد فيه‪ :‬فحين قابل الفيل‬
‫وجه عبد المطلب سجد له‪ ،‬ولم يكن سجد لملكه وأطلق ال لسانه بالعربية‬
‫فسلم على عبد المطلب وقال بلسان فصيح‪ :‬يا نور خير البرية‪ ،‬ويا صاحب‬
‫البيت والسقاية‪ ،‬ويا جد سيد المرسيلن‪ ،‬السلم على نور الذي في ظهرك‪،‬‬
‫يا عبد المطلب معك العز والشرف‪ ،‬لن تذل ولن تغلب أبدا "‪ ،‬فلما رأى‬
‫الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا "‪ ،‬فقال‪ :‬ردوا الفيل إلى مكانه‪ ،‬ثم قال‬
‫لعبد المطلب‪ :‬فيم جئت ؟ فقد بلغني سخاءك وكرمك وفضلك‪ ،‬ورأيت من‬
‫هيبتك وجمالك وجللك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك‪ ،‬فسل ما شئت‪.‬‬
‫وساق الحديث إلى آخره )‪ - 71 .(4‬فس‪) :‬ألم تر( ألم تعلم يا محمد )كيف‬
‫فعل ربك بأصحاب الفيل( قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المالى‪ :‬ورجليه مكان يديه‪ ،‬والمجالس خلى عنهما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬في‬
‫محبس‪ (3) .‬مجالس المفيد‪ .186 - 184 :‬أمالى ابن الشيخ‪ 49 :‬و ‪) .50‬‬
‫‪ (4‬العدد‪ :‬مخطوط‪.‬‬

‫] ‪[ 133‬‬

‫نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة‪ ،‬فلما أدنوه )‪ (1‬من باب‬
‫المسجد قال له عبد المطلب‪ :‬تدري أين يأم بك ؟ قال برأسه‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أتوا‬
‫بك لتهدم كعبة ال‪ ،‬أتفعل ذلك ؟ فقال برأسه‪ :‬ل‪ ،‬فجهدت به الحبشة ليدخل‬
‫المسجد فأبى‪ ،‬فحملوا عليه بالسيوف وقطعوه‪) ،‬فأرسل )‪ (2‬عليهم طيرا "‬
‫أبابيل( قال‪ :‬بعضها على أثر بعض )ترميهم بحجارة من سجيل( قال‪ :‬كان‬
‫مع كل طير حجر )‪ (3‬في منقاره‪ ،‬وحجران في مخاليبه )‪ ،(4‬وكانت‬
‫ترفرف على رؤوسهم‪ ،‬وترمى في دماغهم )‪ (5‬فيدخل الحجر في دماغهم‪،‬‬
‫ويخرج من أدبارهم‪ ،‬وتنتفض )‪ (6‬أبدانهم فكانوا كما قال‪) (7) :‬فجعلهم‬
‫كعصف مأكول( قال‪ :‬العصف‪ :‬التبن‪ ،‬والمأكول هو الذي يبقى من فضله‪،‬‬
‫قال الصادق عليه السلم‪ :‬وأهل الجدري من ذلك )‪ (8‬الذي أصابهم في‬
‫زمانهم جدري )‪ .(9‬بيان‪ :‬قال الطبرسي ره‪ :‬أجمعت الرواة على أن ملك‬
‫اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح‪ ،‬وقيل‪ :‬إن كنيته أبو‬
‫يكسوم‪ ،‬قال الواقدي‪ :‬هو صاحب النجاشي جد النجاشي الذي كان على‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وقال محمد بن إسحاق‪ :‬أقبل تبع حتى‬
‫نزل على المدينة‪ ،‬فنزل بوادي قبا فحفر بها بئرا " تدعى اليوم ببئر الملك‪،‬‬
‫قال‪ :‬و بالمدينة إذ ذاك يهود والوس والخزرج فقاتلوه وجعلوا يقاتلونه‬
‫بالنهار‪ ،‬فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة‪ ،‬فاستحيى وأراد صلحهم‪ ،‬فخرج‬
‫إليه رجل من الوس يقال له‪ :‬احيحة‬

‫)‪ (1‬فلما دنوا خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬وفي المصدر‪:‬‬
‫وأرسل‪ ،‬وهو الصحيح على ما في المصحف الشريف‪ (3) ،‬ثلثة أحجار‪:‬‬
‫حجر خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬رجليه خ ل وفي المصدر‪:‬‬
‫مخالبه‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وترمى أدمغتهم‪ (6) .‬تنتقض خ ل‪ (7) .‬قال ال‬
‫خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (8) .‬وأهل الجدرى من ذلك أصابهم الذى‬
‫أصابهم في زمانهم جدري خ ل ‪ -‬صح‪ ،‬وهو الموجود في طبعة من‬
‫المصدر وفي نسخة مخطوطة عندي‪ ،‬قلت‪ :‬الجدرى بضم الجيم وفتحه‪:‬‬
‫مرض يسبب بثورا " جمرا " بيض الرؤوس تنتشر في البدن وتتقيح‬
‫سريعا وهو شديد العدوى‪ (9) .‬تفسير القمى‪ 739 :‬و ‪.740‬‬

‫] ‪[ 134‬‬

‫ابن الجلح‪ ،‬وخرج إليه من اليهود بنيامين القرطي )‪ ،(1‬فقال له احيحة‪ :‬أيها الملك‬
‫نحن قومك‪ ،‬وقال بنيامين‪ :‬هذه بلدة ل تقدر أن تدخلها ولو جهدت‪ .‬قال‪:‬‬
‫ولم ؟ قال‪ :‬لنها منزل نبي من النبياء يبعثه ال من قريش‪ ،‬قال‪ :‬ثم خرج‬
‫يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث ال عليه ريحا " قصفت )‪(2‬‬
‫يديه ورجليه‪ ،‬وشنجت )‪ (3‬جسده‪ ،‬فأرسل إلى من معه من اليهود فقال‪:‬‬
‫ويحكم ما هذا الذي أصابني ؟ قالوا‪ :‬حدثت نفسك بشئ ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وذكر‬
‫ما أجمع عليه من هدم البيت‪ ،‬وإصابة ما فيه‪ ،‬قالوا‪ :‬ذاك بيت ال الحرام‪،‬‬
‫ومن أراده هلك‪ ،‬قال‪ :‬ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه ؟ قالوا‪ :‬تحدث‬
‫نفسك بأن تطوف به وتكسوه وتهدي له‪ ،‬فحدث نفسه بذلك فأطلقه ال‪ ،‬ثم‬
‫سار حتى دخل مكة فطاف بالبيب‪ ،‬وسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬وكسى‬
‫البيت‪ ،‬وذكر الحديث في نحره بمكة وإطعامه الناس‪ ،‬ثم رجوعه إلى اليمن‬
‫وقتله وخروج ابنه إلي قيصر واستعانته به )‪ (4‬فيما فعل قومه بأبيه‪ ،‬وإن‬
‫قيصرا " كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث معه ستين‬
‫ألفا "‪ ،‬واستعمل عليهم روزبه حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه‪ ،‬ودخلوا صنعاء‬
‫فملكوها وملكوا اليمن‪ ،‬وكان في أصحاب روزبه رجل يقال له‪ :‬أبرهة وهو‬
‫أبو يكسوم‪ ،‬فقال لروزبه أنا أولى بهذا المر منك‪ ،‬وقتله مكرا "‪ ،‬وأرضى‬
‫النجاشي‪ ،‬ثم إنه بنى كعبة باليمن و جعل فيها قبابا " من ذهب‪ ،‬وأمر أهل‬
‫مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام‪ ،‬وإن رجل " من بني كنانة‬
‫خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها‪ ،‬ثم قعد فيها‪ - ،‬يعني لحاجة النسان ‪،-‬‬
‫فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها‪ ،‬فقال‪ :‬من اجترء علي بهذا ؟‬
‫ونصرانيتي لهدمن ذلك البيت حتى ل يحجه حاج أبدا "‪ ،‬فدعا بالفيل وأذن‬
‫قومه )‪ (5‬بالخروج‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬القرظى‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فقصفت‪ (3) .‬أي تقبض وتقلص‪(4) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬واستغاثته به‪ (5) .‬وأذن في قومه خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 135‬‬

‫ومن اتبعه من أهل اليمن‪ ،‬وكان أكثر من تبعه منهم عك )‪ (1‬والشعريون )‪(2‬‬
‫وخثعم قال‪ :‬ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجل " من بني‬
‫سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه‪ ،‬فتلقاه رجل من الخمس )‪ (3‬من‬
‫بني كنانة فقتله‪ ،‬فازداد بذلك حنقا "‪ ،‬وأحث السير والنطلق‪ ،‬وطلب من‬
‫أهل الطائف دليل "‪ ،‬فبعثوا معه رجل " من هذيل يقال له‪ :‬نفيل‪ ،‬فخرج‬
‫بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا وهو من مكة على ستة أميال‪،‬‬
‫فبعثوا مقدماتهم إلى مكة‪ .‬فخرجت قريش عباديد )‪ (4‬في رؤوس الجبال‬
‫وقالوا‪ :‬ل طاقة لنا اليوم بقتال هؤلء القوم‪ ،‬ولم يبق بمكة غير عبد‬
‫المطلب بن هاشم أقام على سقايته‪ ،‬وغير شيبة بن عثمان بن عبدالدار أقام‬
‫على حجابة البيت‪ ،‬فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول‪ :‬ل هم‬
‫إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك )‪ * (5‬ل يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدوا‬
‫" محالك إن يدخلوا البيت الحرام إذا " فأمر ما بدالك ثم إن مقدمات أبرهة‬
‫أصابت نعما " لقريش فأصابت فيها مأتي بعير لعبد المطلب ابن هاشم‪،‬‬
‫فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم‪ ،‬وكان حاجب أبرهة رجل " من‬
‫الشعريين )‪ ،(6‬وكانت له بعبد المطلب معرفة‪ ،‬فاستأذن له على الملك‬
‫وقال له‪ :‬أيها‬

‫)‪ (1‬عك‪ :‬بطن اختلف في نسبه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬بنوعك بن عدثان بن عبد ال بن‬
‫الزد من كهلن‪ ،‬من القحطانية‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنهم من العدنانية‪،‬‬
‫وعك أصغر من معد بن عدنان أبو العدنانية‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬انه عك بن‬
‫الديث بن عدنان بن ادد أخو معد بن عدنان‪ ،‬وكانت مواطنهم في نواحى‬
‫زبيد‪ ،‬وقطنوا مدينة الكدراء وغيرها من مدن اليمن التهامية‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬الشعرون وكذا فيما يأتي بعد ذلك‪ :‬وكلهما صحيح‪،‬‬
‫والشعريون من قبائل كهلن من القحطانية‪ ،‬وهم بنو الشعر بن ادد بن‬
‫زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلن بن سبأ‪ ،‬وكانت ديارهم من‬
‫حدود بنى مجيد بارض الشقاق فالى حليس فزبيد‪ .‬وخثعم‪ :‬قبيلة من‬
‫القحطانية‪ ،‬تنسب إلى خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن‬
‫نبت بن مالك بن زيد بن كهلن‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬الحمس بالحاء‬
‫المهملة‪ ،‬وهو بضم الحاء وسكون الميم‪ :‬قبائل من العرب‪ (4) .‬العباديد‪:‬‬
‫الفرق من الناس‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬حللك‪ .‬وتقدم معناه‪ (6) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬من الشعرين‪.‬‬

‫] ‪[ 136‬‬

‫الملك جائك سيد قريش‪ ،‬الذي يطعم إنسها في الحي )‪ ،(1‬ووحشها في الجبل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ائذن له‪ ،‬وكان عبد المطلب رجل " جسيما " جميل "‪ ،‬فلما رآه أبو‬
‫يكسوم أجله أن يجلسه تحته )‪ ،(2‬وكره أن يجلسه معه على سريره‪ ،‬فنزل‬
‫من سريره فجلس على الرض‪ ،‬و أجلس عبد المطلب معه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما‬
‫حاجتك ؟ قال‪ :‬حاجتي مأتا بعير لي أصابتها مقدمتك‪ ،‬فقال أبو يكسوم‪:‬‬
‫وال لقد رأيتك فأعجبتني‪ ،‬ثم تكلمت فزهدت فيك )‪ ،(3‬فقال‪ :‬ولم أيها الملك‬
‫؟ قال‪ :‬لني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم )‪ (4‬من العرب‪ ،‬وفضلكم في‬
‫الناس‪ ،‬وشرفكم عليهم‪ ،‬ودينكم الذي تعبدون‪ ،‬فجئت لكسره‪ ،‬واصيبت لك‬
‫مأتا بعير‪ ،‬فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك‪ ،‬ولم تطلب إلي في بيتكم‪،‬‬
‫فقال له عبد المطلب‪ :‬أيها الملك إنما اكلمك فيما لي )‪ ،(5‬ولهذا البيت رب‬
‫هو يمنعه‪ ،‬لست أنا منه في شئ‪ ،‬فراع ذلك أبا يكسوم‪ ،‬وأمر برد إبل عبد‬
‫المطلب عليه‪ ،‬ثم رجع وأمست ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها‪ ،‬كأنها‬
‫تكلمهم كلما " لقترابها منهم‪ ،‬فأحست نفوسهم بالعذاب‪ ،‬وخرج دليلهم‬
‫حتى دخل الحرم وتركهم‪ ،‬وقام الشعريون وخثعم وكسروا رماحهم و‬
‫سيوفهم‪ ،‬وبرءوا إلى ال أن يعينوا على هدم البيت‪ ،‬فباتوا كذلك بأخبث‬
‫ليلة‪ ،‬ثم أدلجوا بسحر )‪ ،(6‬فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة‪،‬‬
‫فوجهوه إلى مكة‪ ،‬فربض‪ ،‬فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن‬
‫يصبحوا‪ ،‬ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا‪ :‬لك ال أن ل نوجهك إلى مكة‪،‬‬
‫فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعا " فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه‬
‫منطلقأ حتى إذا ردوه إلى مكانه الول ربض‪ ،‬فلما رأوا ذلك عادوا إلى‬
‫القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان من طلوع الشمس طلعت‬
‫عليهم الطير‬
‫)‪ (1‬الحى‪ :‬محلة القوم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬أعظمه أن يجلسه تحته‪ (3) .‬أي رغبت‬
‫عنك‪ (4) .‬المنعة‪ :‬العز والقوة‪ (5) .‬في المصدر أنا اكلمك فيما لى‪(6) .‬‬
‫أي ساروا قريبا من السحر‪.‬‬

‫] ‪[ 137‬‬

‫معها الحجارة‪ ،‬فجعلت ترميهم‪ ،‬وكل طائر في منقاره حجر‪ ،‬وفي رجليه حجران‪،‬‬
‫وإذا رمت بتلك مضت‪ ،‬وطلعت اخرى‪ ،‬فل يقع حجر من حجارتهم تلك على‬
‫بطن إل خرقه‪ ،‬ول عظم إل أوهاه )‪ (1‬وثقبه‪ ،‬وثاب )‪ (2‬أبو يكسوم راجعا‬
‫" قد أصابته بعض الحجاره‪ ،‬فجعل كلما قدم أرضا " انقطع له فيها إرب )‬
‫‪ (4‬حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شئ إل أباده‪ (3) ،‬فلما قدمها انصدع‬
‫صدره‪ ،‬وانشق بطنه فهلك‪ ،‬ولم يصب من خثعم و الشعريين أحد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكان عبد المطلب يرتجز ويدعو على الحبشة يقول‪ :‬يا رب ل أرجو لهم‬
‫سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا * إنهم لم‬
‫يقهروا قواكا )‪ (5‬قال‪ :‬ولم تصب تلك الحجارة أحدا " إل هلك‪ ،‬وليس كل‬
‫القوم أصابت‪ ،‬وخرجوا هاربين‪ ،‬يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا‪،‬‬
‫ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق )‪ .(4‬وقال مقاتل‪ :‬السبب الذي جر‬
‫أصحاب الفيل إلى مكة هو أن فئة من قريش خرجوا تجارا " إلى أرض‬
‫النجاشي‪ ،‬فساروا حتى دنوا من ساحل البحر‪ ،‬وفي حقف من أحقافها بيعة‬
‫للنصارى تسميها قريش الهيكل‪ ،‬ويسميها النجاشي وأهل أرضه ما‬
‫سرخشان‪ ،‬فنزل القوم فجمعوا حطبا " ثم أججوا نارا " فاشتووا لحما "‪،‬‬
‫فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار‬
‫فاضطرم الهيكل نارا "‪ ،‬فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبه‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي كسره‪ (2) .‬أي عاد‪ (3) .‬الرب‪ :‬العضو‪ (4) .‬باده خ ل وهو الموجود في‬
‫المصدر‪ (5) .‬قراكا خ ل‪ (6) .‬في المصدر هنا أشعار أسقطها المصنف‬
‫وهى‪ :‬ردينة لو رأيت ولم ترينة * لدى جنب المحصب ما رأينا حمدت ال‬
‫إذ عاينت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل *‬
‫كأن على للحبشان دينا‬

‫] ‪[ 138‬‬

‫وروى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫أرسل ال على أهل الفيل )‪ (1‬طيرا " مثل الخطاف أو نحوه في منقاره‬
‫حجر مثل العدسة‪ ،‬فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجر‪ ،‬فيخرج من‬
‫دبره‪ ،‬فلم تزل بهم حتى أتت عليهم‪ ،‬قال‪ :‬فأفلت رجل منهم فجعل يخبر‬
‫الناس بالقصة‪ ،‬فبينا هو يخبرهم إذ ابصر طيرا " منها‪ ،‬فقال‪ :‬هذا هو منها‬
‫)‪ ،(2‬قال‪ :‬فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره‪ .‬وقال عبيد بن‬
‫عمير‪ :‬لما أراد ال أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا " نشأت من‬
‫البحر كأنها الخطاطيف‪ ،‬كل طير منها معه ثلثة أحجار‪ ،‬ثم جاءت حتى‬
‫صفت على رؤوسهم‪ ،‬ثم صاحت والقت ما في أرجلها ومناقيرها‪ ،‬فما من‬
‫حجر وقع منها على رجل إل خرج من الجانب الخر‪ ،‬إن وقع على رأسه‬
‫خرج من دبره‪ ،‬وإن وقع على شئ من جسده خرج من الجانب الخر‪ .‬وعن‬
‫ابن عباس‪ :‬قال‪ :‬دعا ال الطير البابيل فأعطاها حجارة سودا " عليها‬
‫الطين‪ ،‬فلما حاذت بهم رمتهم‪ ،‬فما بقي أحد منهم إل أخذته الحكة‪ ،‬فكان ل‬
‫يحك إنسان منهم جلده إل تساقط لحمه‪ ،‬قال‪ :‬وكانت الطير نشأت من قبل‬
‫البحر‪ ،‬لها خراطيم الطيور‪ ،‬ورؤوس السباع‪ ،‬لم تر قبل ذلك ول بعده‪ ،‬فقال‬
‫تعالى‪) :‬ألم تر( ألم تعلم )كيف فعل ربك بأصحاب الفيل( الذي قصدوا‬
‫تخريب الكعبة‪ ،‬وكان معهم فيل واحد اسمه محمود‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمانية أفيال‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬اثنا عشر فيل "‪ ،‬وإنما وحد لنه أراد الجنس‪ ،‬وكان ذلك في العام‬
‫الذي ولد فيه رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وعليه أكثر العلماء‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫كان أمر الفيل قبل مولده صلى ال عليه وآله بثلث وعشرين سنة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بأربعين سنة )‪) (3‬ألم يجعل كيدهم في تضليل( أي ضل سعيهم‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أصحاب الفيل‪ (2) .‬فقال‪ :‬مثل هذا هو منها خ ل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬والصحيح الول‪ ،‬ويدل عليه ما ذكر أن عبد الملك بن مروان‬
‫قال لعتاب بن أشيم الكنانى الليثى‪ ،‬يا عتاب أنت أكبر أم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله ؟ قال عتاب‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وآله أكبر منى وأنا‬
‫أسن منه‪ ،‬ولد رسول ال صلى ال عليه وآله و سلم عام الفيل‪ ،‬ووقعت‬
‫على روث الفيل‪ .‬وقالت عايشة‪ :‬رأيت قائد الفيل وسائقه بمكة أعميين‬
‫مقعدين يستطعمان‪.‬‬

‫] ‪[ 139‬‬

‫حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم )وأرسل عليهم طيرا " أبابيل( أي أقاطيع يتبع‬
‫بعضها بعضا " كالبل المؤبلة‪ ،‬وكانت لها خراطيم كخراطيم الطير‪ ،‬وأكف‬
‫كأكف الكلب‪ ،‬وقيل‪ :‬لها أنياب كأنياب السباع‪ ،‬وقيل‪ :‬طير خضر لها مناقير‬
‫صفر‪ ،‬وقيل‪ :‬طير سود بحرية تحمل في مناقيرها وأكفها الحجارة‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يكون بعضها خضرا "‪ ،‬وبعضها سودا " )ترميهم بحجارة من سجيل(‬
‫أي تقذفهم تلك الطير بحجاره صلبة شديدة‪ ،‬وقال موسى ابن عايشة‪ :‬كانت‬
‫أكبر من العدسة‪ ،‬وأصغر من الحمصة )‪ .(1‬وقال البيضاوي‪) :‬من سجيل(‬
‫من طين متحجر‪ ،‬معرب سنگ كل وقيل‪ :‬من السجل‪ ،‬وهو الدلو الكبير‪ ،‬أو‬
‫السجال وهو الرسال‪ ،‬أو من السجل ومعناه من جملة العذاب المكتوب‬
‫المدون‪) .‬فجعلهم كعصف مأكول( كورق زرع وقع فيه الكال وهو أن يأكله‬
‫الدود أو اكل حبه فبقي صفرا " منه‪ ،‬أو كتبن أكلته الدواب وراشته )‪.(2‬‬
‫‪ - 72‬كنز الكراجكى‪ :‬عن الحسين بن عبيدال الواسطي‪ ،‬عن التلعكبري‪،‬‬
‫عن محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا "‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن‬
‫جمهور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن عبد الرحمن بن الحجاج‪،‬‬
‫عن هارون بن خارجة‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬لما‬
‫ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده‪ ،‬يقال‬
‫لحدهما‪ :‬أبرهة‪ ،‬والخر أرباط‪ ،‬في عشرة من الفيلة‪ ،‬كل فيل في عشرة‬
‫آلف لهدم بيت ال الحرام‪ ،‬فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم‪،‬‬
‫واختلفوا فقتل أبرهة أرباط واستولى على الجيش‪ ،‬فلما قارب مكة طرد‬
‫أصحابه عيرا " لعبد المطلب بن هاشم‪ ،‬فصار عبد المطلب إلى أبرهة‪،‬‬
‫وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب‪ ،‬فقال‬
‫الترجمان لبرهة‪ :‬هذا سيد العرب وديانها فأجله وأعظمه‪ ،‬ثم قال لكاتبه‪:‬‬
‫سله ما حاجته ؟ فسأله فقال‪ :‬إن أصحاب الملك طردوا لي نعما "‪ ،‬فأمر‬
‫بردها‪ ،‬ثم أقبل على‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ .542 - 540 :10 :‬وفيه اختصار‪ (2) .‬أنوار التنزيل‪.619 :2 :‬‬
‫قوله‪ :‬راشته‪ :‬أي أكلته كثيرا‪.‬‬

‫] ‪[ 140‬‬

‫الترجمان فقال‪ :‬قل له‪ :‬عجبا " لقوم سودوك ورءسوك )‪ (1‬عليهم حيث تسألني في‬
‫عير لك وقد جئت لهدم شرفك ومجدك‪ ،‬ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت )‬
‫‪ ،(2‬فقال‪ :‬أيها الملك إن هذه العير لي وأنا ربها‪ ،‬فسألتك إطلقها‪ ،‬وإن‬
‫لهذه البنية ربا يدفع عنها‪ ،‬قال‪ :‬فإني عاد )‪ (3‬لهدمها حتى أنظر ماذا‬
‫يفعل‪ ،‬فلما انصرف عبد المطلب رحل ابرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في‬
‫السحر الكبر‪ :‬يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يمل الندار مل‬
‫الجفار‪ ،‬فعليهم لعنة الجبار‪ ،‬فأنشأ عبد المطلب يقول شعر )‪ .(4‬أيها الداعي‬
‫لقد أسمعتني * كل ما قلت وما بي من صمم إن للبيت لربا " مانعا " * من‬
‫يرده بأثام يصطلم رامه تبع في أجناده * حمير والحي من آل إرم هلكت‬
‫بالبغي فيهم جرهم * بعد طسم وحديس )‪ (5‬وجشم وكذاك المر فيمن كاده‬
‫* ليس أمر ال بالمر المم نحن آل ال فيما قد خل * لم يزل ذاك على‬
‫عهد إبرهم )‪ (6‬نعرف ال وفينا شيمة * صلة الرحم ونوفي بالذمم لم يزل‬
‫ل فينا حجة * يدفع ال بها عنها )‪ (7‬النقم ولنا في كل دور كرة * نعرف‬
‫الدين وطورا في العجم‬
‫)‪ (1‬أي جعلوك رئيسا‪ (2) .‬فيه تفرد وغرابة‪ (3) .‬في نسخة مخطوطة عندي‪ :‬غاد‪.‬‬
‫)‪ (4‬هكذا في النسخ‪ ،‬والظاهر أنه خبر لمبتدء محذوف أي هذا شعر‪،‬‬
‫وأيها الداعي مقول لقوله يقول‪ .‬أو هو مصحف شعرا‪ ،‬والمصدر خال‬
‫عنه‪ (5) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬وفي المصدر جديس بالجيم وهو الصحيح‬
‫وجديس كشريف‪ :‬قبيلة من العرب العاربة البائدة‪ ،‬كانت مساكنهم اليمامة‬
‫وقال في العبر‪ :‬كانت مساكنهم بالبحرين وكان يجاورهم في مساكنهم‬
‫طسم‪ ،‬وطسم‪ :‬قبيلة من العاربة‪ ،‬وهم بنو طسم بن لود بن سام بن نوح‪،‬‬
‫وذكر الجوهرى أنهم من عاد‪ ،‬وكانت منازلهم الحقاف من اليمن مع‬
‫جديس‪ ،‬وذكر في العبر‪ :‬أن ديارهم كانت اليمامة‪ ،‬وقد انقرضت‪ .‬وجشم‬
‫يطلق على بطون‪ .‬راجع نهاية الرب للقلقشندى‪ (6) .‬مخخف ابراهيم‪) .‬‬
‫‪ (7‬عنا خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 141‬‬

‫فإذا ما بلغ الدور إلى * منتهى الوقت أتى الطين فدم بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان‬
‫أحاديث المم فلما أصبح عبد المطلب جمع بنيه وأرسل الحارث ابنه الكبر‬
‫إلى أعلى أبي قبيس فقال‪ :‬انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم‬
‫ير شيئا "‪ ،‬فأرسل واحدا " بعد آخر من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر‬
‫بخبر‪ ،‬فدعا عبد ال وإنه لغلم حين أيفع )‪ ،(1‬وعليه ذؤابة تضرب إلى‬
‫عجزه‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب فداك أبي وامي‪ ،‬فاعل أبا قبيس فانظر ماذا ترى يجئ‬
‫من البحر‪ ،‬فنزل مسرعا " فقال‪ :‬يا سيد النادي )‪ (2‬رأيت سحابا " من قبل‬
‫البحر مقبل "‪ ،‬يستفل تارة‪ ،‬ويرتفع اخرى‪ ،‬إن قلت غيما " قلته‪ ،‬وإن قلت‬
‫جهاما " خلته‪ ،‬يرتفع تارة‪ ،‬وينحدر أخرى‪ ،‬فنادى عبد المطلب يا معشر‬
‫قريش ادخلوا منازلكم‪ ،‬فقد أتاكم ال بالنصر من عنده‪ ،‬فأقبلت الطير‬
‫البابيل في منقار كل طائر حجر‪ ،‬وفي رجليه حجران‪ ،‬فكان الطائر الواحد‬
‫يقتل ثلثة من أصحاب أبرهة‪ ،‬كان يلقي الحجر في قمة )‪ (3‬رأس الرجل‬
‫فيخرج من دبره‪ ،‬وقد قص ال تبارك وتعالى نبأهم في كتابه فقال سبحانه‪:‬‬
‫)ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل( السورة‪ ،‬السجيل‪ :‬الصلب من‬
‫الحجارة‪ .‬والعصف‪ :‬ورق الزرع‪ .‬ومأكول يعني كأنه قد اخذ ما فيه من‬
‫الحب فأكل وبقي ل حب فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الحجارة كانت إذا وقعت على‬
‫رؤوسهم وخرجت من أدبارهم بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون‬
‫الجسم كقشر الحنظلة )‪ .(4‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬العكة بالضم‪ :‬آنية‬
‫السمن‪ ،‬ورملة حميت عليها الشمس‪ ،‬وفورة الحر‪ .‬وعكة اسم بلد في‬
‫الثغور‪ .‬والجحفل‪ :‬الجيش‪ .‬والندر‪ :‬البيدر‪ .‬ولعل فيه تصحيفا " )‪(5‬‬
‫والجفار جمع جفر وهو من أولد الشاة ما عظم‪ ،‬وجمع جفرة وهي جوف‬
‫الصدر‪ ،‬وسعة في الرض مستديرة‪ .‬والمم محركة‪ :‬اليسير‪ .‬والفدم‪:‬‬
‫الحمر المشبع حمرة‪ ،‬ولعله‬
‫)‪ (1‬يفع وأيفع الغلم‪ :‬ترعرع وناهز البلوغ‪ (2) .‬النادى‪ :‬مجلس القوم ما داموا‬
‫مجتمعين فيه‪ (3) .‬القمة بالكسر‪ :‬أعلى كل شئ‪ (4) .‬كقشر الحنطة خ ل‬
‫كنز الكراجكى‪ 81 :‬و ‪ (5) 82‬لن في الصلب‪ :‬الندار‪.‬‬

‫] ‪[ 142‬‬

‫هنا كناية عن الدم‪ ،‬والجهام‪ :‬السحاب لماء فيه‪ - 73 .‬ع‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد‬
‫آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن جميل بن صالح‪ ،‬عن أبي مريم‪،‬‬
‫عن أبي جعفر عليه السلم في قوله‪) :‬وأرسل عليهم طيرا " أبابيل *‬
‫ترميهم بحجارة من سجيل( فقال‪ :‬هؤلء أهل مدينة كانت على ساحل البحر‬
‫إلى المشرق فيما بين اليمامة والبحرين‪ ،‬يخيفون السبيل‪ ،‬ويأتون المنكر‪،‬‬
‫فأرسل عليهم طيرا " جاءتهم من قبل البحر رؤوسها كأمثال رؤوس‬
‫السباع‪ ،‬وأبصارها كأبصار السباع )‪ ،(1‬مع كل طير ثلثة أحجار‪ :‬حجران‬
‫في مخاليبه )‪ ،(2‬وحجر في منقاره‪ ،‬فجعلت ترميهم بها حتى جدرت‬
‫أجسادهم‪ ،‬فقتلهم ال عزوجل بها‪ ،‬وما كانوا قبل ذلك رءوا شيئا " من ذلك‬
‫الطير ول شيئا " من الجدري‪ ،‬ومن أفلت منهم انطلقوا حتى بلغوا‬
‫حضرموت وادي باليمن أرسل ال عزوجل عليهم سيل " فغرقهم ولرءوا‬
‫في ذلك الوادي ماء قبل ذلك‪ ،‬فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه )‪.(3‬‬
‫بيان‪ :‬هذا حديث غريب مخالف لما مر‪ ،‬لم أره إل من هذا الطريق‪ ،‬ويمكن‬
‫أن تكون السورة إشارة إلى الواقعتين معا "‪ ،‬ويحتمل أن يكون الذين‬
‫أرادوا البيت هؤلء القوم‪ ،‬وسيأتي الخبر من الكافي بهذا السند )‪ (4‬بوجه‬
‫آخر ل يخالف شيئا " من الخبار )‪ - 74 .(5‬ك‪ :‬ابن موسى‪ ،‬عن ابن‬
‫زكريا القطان‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال ابن محمد‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن الهيثم بن عمرو المغربي )‪ ،(6‬عن إبراهيم بن عقيل الهذلي‪ ،‬عن‬
‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة‬
‫ل يجلس عليه أحد إل هو‪ ،‬إجلل " له‪ ،‬وكان بنوه يجلسون حوله حتى‬
‫يخرج عبد المطلب‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وآله يخرج وهو غلم‬
‫صبي فيجئ حتى يجلس على الفراش‪ ،‬فيعظم ذلك‬

‫)‪ (1‬كأبصار السباع من الطير خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪:‬‬
‫في مخالبه‪ (3) .‬علل الشرائع‪ :‬في مخالبه‪ (3) .‬علل الشرائع‪(4) .176 :‬‬
‫تحت رقم‪ (5) .89 :‬ان لم يسقط صدره‪ :‬ولكن الظاهر أنهما واحد قد‬
‫اسقط الكليني أو بعض الرواة صدره‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬المزني مكان‬
‫المغربي‪.‬‬
‫] ‪[ 143‬‬

‫أعمامه )‪ (1‬ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم‪ :‬دعوا‬
‫ابني‪ ،‬فو ال إن له لشأنا " عظيما "‪ ،‬إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو‬
‫سيدكم‪ ،‬إني أرى غرته غرة تسود الناس‪ ،‬ثم يحمله فيجلسه معه‪ ،‬ويمسح‬
‫ظهره ويقبله‪ ،‬ويقول‪ :‬ما رأيت قبلة أطيب منه‪ ،‬ول أطهر قط )‪ ،(2‬ول‬
‫جسدا " ألين منه ول أطيب‪ ،‬ثم يلتفت )‪ (3‬إلى أبى طالب ‪ -‬وذلك أن عبد‬
‫ال وأبا طالب لم واحدة ‪ -‬فيقول‪ :‬يا أبا طالب إن لهذا الغلم لشأنا "‬
‫عظيما " فاحفظه واستمسك به‪ ،‬فإنه فرد وحيد‪ ،‬وكن له كالم ل يصل إليه‬
‫شئ يكرهه‪ ،‬ثم يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعا "‪ ،‬وكان عبد المطلب‬
‫قد علم أنه يكره اللت والعزى فل يدخله عليهما‪ ،‬فلما تمت له ست سنين‬
‫ماتت امه آمنة بالبواء بين مكة والمدينة‪ ،‬وكانت قدمت به على أخواله‬
‫من بني عدي‪ ،‬فبقي رسول ال صلى ال عليه وآله يتيما " ل أب له ول‬
‫أم‪ ،‬فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا "‪ ،‬وكانت هذه حاله حتى أدرك عبد‬
‫المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات‬
‫الموت وهو يبكي‪ ،‬ويلتفت إلى أبي طالب ويقول‪ :‬يا أبا طالب انظر أن‬
‫تكون حافظا " لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه‪ ،‬ولم يذق شفقة امه‪،‬‬
‫انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك‪ ،‬فإني قد تركت بني‬
‫كلهم وأوصيتك به لنك من ام أبيه‪ ،‬يا أبا طالب إن أدركت أيامه تعلم )‪(4‬‬
‫أني كنت من أبصر الناس به‪ ،‬وأنظر الناس وأعلم )‪ ،(5‬فإن استطعت أن‬
‫تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك‪ ،‬فإنه وال سيسودكم ويملك ما لم‬
‫يملك أحد )‪ (6‬من بني آبائي‪ ،‬يا أبا طالب ما أعلم أحدا " من آبائك مات‬
‫عنه أبوه على حال ابيه‪ ،‬ول امه على حال امه‪ ،‬فاحفظه لوحدته‪ ،‬هل قبلت‬
‫وصيتي ؟ قال‪ :‬نعم قد قبلت وال علي بذلك‬

‫)‪ (1‬في نسخة من المصدر‪ :‬فيعظم ذلك على أعمامه خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ما‬
‫رأيت قبله من هو أطيب منه ول أطهر قط‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ثم التفت‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬فاعلم‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وأعلم الناس به‪ .‬وهو يخلو عن‬
‫قوله‪ :‬وأنظر‪ (6) .‬ما لم يملك كل واحد خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 144‬‬

‫شاهد )‪ ،(1‬فقال عبد المطلب‪ :‬فمد يدك إلي‪ ،‬فمد يده فضرب بيده إلى يده‪ ،‬ثم قال‬
‫عبد المطلب‪ :‬الن خفف علي الموت‪ ،‬ثم لم يزل يقبله ويقول‪ :‬أشهد أني لم‬
‫اقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا " منك‪ ،‬ول أحسن وجها " منك‪ ،‬ويتمنى‬
‫أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه‪ ،‬فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان‬
‫سنين‪ ،‬فضمه أبو طالب إلى نفسه ل يفارقه ساعة من ليل ولنهار‪ ،‬وكان‬
‫ينام معه حتى بلغ ل يأمن )‪ (2‬عليه أحدا )‪ - 75 .(3‬ك‪ :‬أحمد بن محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬عن محمد بن يعقوب الصم‪ ،‬عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي‪،‬‬
‫عن يونس بن بكير‪ ،‬عن محمد بن إسحاق بن بشار الهذلي )‪ ،(4‬عن‬
‫العباس بن عبد ال بن سعيد‪ ،‬عن بعض أهله قال‪ :‬كان يوضع لعبد المطلب‬
‫جد رسول ال صلى ال عليه وآله فراش في ظل الكعبة‪ ،‬وكان ل يجلس‬
‫عليه أحد من بنيه إجلل " له‪ ،‬وكان رسول ال صلى ال عليه وآله يأتي‬
‫حتى يجلس عليه‪ ،‬فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبد المطلب‪ :‬دعوا‬
‫ابني‪ ،‬فيمسح على ظهره ويقول‪ :‬إن لبني هذا لشأنا "‪ ،‬فتوفي عبد‬
‫المطلب والنبي صلى ال عليه وآله ابن ثمان سنين بعد الفيل بثمان سنين )‬
‫‪ - 76 .(5‬ك‪ :‬أحمد بن محمد الصائغ‪ ،‬عن محمد بن أيوب‪ ،‬عن صالح بن‬
‫أسباط‪ ،‬عن إسماعيل بن محمد‪ ،‬وعلي بن عبد ال‪ ،‬عن الربيع بن محمد‬
‫السلمي )‪ ،(6‬عن سعد بن طريف‪ ،‬عن الصبغ بن نباته قال‪ :‬سمعت أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬وال ما عبد أبي ول جدي عبد المطلب ول‬
‫هاشم ول عبدمناف صنما " قط‪ ،‬قيل‪ :‬فما كانوا يعبدون ؟ قال‪ :‬كانوا‬
‫يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلم متمسكين به )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وال على بذلك شهيد‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ل يأتمن عليه أحدا‪(3) .‬‬
‫كمال الدين‪ 102 :‬و ‪ (4) .103‬في المصدر‪ :‬المدنى‪ ،‬الظاهر أن بشار‬
‫مصحف يسار‪ ،‬فالرجل هو محمد بن اسحاق بن يسار أبو بكر المطلبى‬
‫مولهم المدنى‪ ،‬نزيل العراق‪ ،‬امام المغازى‪ (5) .‬كمال الدين‪.103 :‬‬
‫وفيه‪ :‬بعد عام الفيل‪ (6) .‬المسكى خ ل وهو الصحيح‪ (7) .‬كمال الدين‪:‬‬
‫‪.104‬‬

‫] ‪[ 145‬‬

‫‪ - 77‬يج‪ :‬من معجزات النبي صلى ال عليه وآله أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى‬
‫بيت ال الحرام ليهدمه قبل مبعثه‪ ،‬فقال عبد المطلب لبرهة وقد حضره‬
‫بعد أن عظم شأنه لسؤاله بعيره‪ :‬إن لهذا البيت ربا " يمنعه‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫أهل مكة فدعا عبد المطلب على أبي قبيس وأهل مكة قد صعدوا وتركوا‬
‫مكة‪ ،‬ثم قال لبي طالب )‪ :(1‬اخرج وانظر ماذا ترى في السماء‪ ،‬فرجع‬
‫قال‪ :‬طيورا " لم تكن في وليتنا‪ ،‬وقد أخبره سيف بن ذي يزن وغيره به‪،‬‬
‫فأرسل ال عليهم طيرا " أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها )‪ - 78 .(2‬قب‪:‬‬
‫لما قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬تعلمني في مأة بعير‪ ،‬وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه ؟ فقال‬
‫عبد المطلب‪ :‬أنا رب البل‪ ،‬وإن للبيت ربا " سيمنعه منك‪ ،‬فرد إليه إبله‪،‬‬
‫فانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر‪ ،‬وأخذ بحلقة الباب قائل "‪ :‬يا رب ل‬
‫أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا *‬
‫امنعهم أن يخربوا قراكا وله أيضا "‪ :‬ل هم إن المرء يمنع رحله فامنع‬
‫رحالك * ل يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا " محالك فانجلى نوره على‬
‫الكعبة فقال لقومه‪ :‬انصرفوا‪ ،‬فوال ما انجلى من جبيني هذا النور إل‬
‫ظفرت‪ ،‬والن قد انجلى عنه‪ ،‬وسجد الفيل له‪ ،‬فقال للفيل‪ :‬يا محمود‪،‬‬
‫فحرك الفيل رأسه‪ ،‬فقال له‪ :‬تدري لم جاءوا بك ؟ فقال الفيل برأسه‪ :‬ل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬جاءوا بك لتهدم بيت ربك‪ ،‬أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال الفيل برأسه‪ :‬ل )‬
‫‪ .(3‬بيان‪ :‬المحال بالكسر‪ :‬الكيد والقوة‪.‬‬

‫)‪ (1‬يخالف ما مر من أنه كان عبد ال‪ (2) .‬لم نجده في الخرائج المطبوع‪ :‬والظاهر‬
‫كما استفدنا من مواضع من بحار النوار أن نسخة الخرائج التى كانت‬
‫عند المصنف كانت أكمل من المطبوع‪ ،‬ولعلها كانت مطابقة للنسخة التى‬
‫ذكر الطهراني في الذريعة‪ :‬أنها تخالف المطبوع وأنها موجودة في مكتبة‬
‫سلطان العلماء‪ (3) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ 18 :1‬و ‪.19‬‬

‫] ‪[ 146‬‬

‫‪ - 79‬قب‪ :‬عكرمة قال‪ :‬كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة‪ ،‬ول يجلس‬
‫عليه أحد إجلل " له‪ ،‬وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج‪ ،‬فكان رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه‪ ،‬فيقول لهم‬
‫عبد المطلب‪ :‬دعوا ابني‪ ،‬فوال إن له لشأنا " عظيما "‪ ،‬إني أرى أنه‬
‫سيأتي عليكم وهو سيدكم‪ ،‬ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله‬
‫ويوصيه إلى ابي طالب )‪ - 80 .(1‬فض )‪ :(2‬قال الواقدي‪ :‬كان في زمان‬
‫عبد المطلب رجل يقال له‪ :‬سيف بن ذي يزن‪ ،‬وكان من ملوك اليمن‪ ،‬وقد‬
‫أنفذ ابنه إلى مكة واليا " من قبله‪ ،‬وتقدم إليه باستعمال العدل والنصاف‬
‫ففعل ما أمره به أبوه‪ ،‬ثم إن عبد المطلب دعا برؤوساء قريش مثل عتبة‬
‫ابن ربيعة‪ ،‬ومثل الوليد بن المغيرة‪ ،‬وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬وامية بن خلف‪،‬‬
‫ورؤساء بني هاشم‪ ،‬فاجتمعوا في دار الندوة )‪ ،(3‬فلما قعدوا وأخذوا‬
‫مراتبهم فتكلم عبد المطلب وقال‪ :‬اعلموا أني قد دبرت تدبيرا "‪ ،‬فقال‬
‫المشايخ‪ :‬وما دبرت يا رئيس قريش وكبير بني هاشم ؟ فقال‪ :‬يا قوم إنكم‬
‫تحتاجون أن تخرجوا معي نحو سيف بن ذي يزن لتهنيته في وليته وهلك‬
‫عدوه ليكون أرفق بنا‪ ،‬وأميل إلينا‪ ،‬فقالوا له بأجمعهم‪ :‬نعم ما رأيت‪ ،‬ونعم‬
‫ما دبرت‪ ،‬قال‪ :‬فخرج عبد المطلب ومعه سبعة وعشرون رجل " على‬
‫نوق جياد نحو اليمن‪ ،‬فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد أيام سألوا‬
‫عن الوصول إليه‪ ،‬قالوا لهم‪ :‬إن الملك في القصر الوردي‪ ،‬وكان من‬
‫عاداته )‪ (4‬في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان‪ ،‬ول يخرج إل بعد نيف‬
‫وأربعين يوما "‪ ،‬ول يصل إليه ذوحاجة ول زائر‪ ،‬وأنتم قصدتم الملك في‬
‫أيام الورد‪ ،‬فذهب عبد المطلب‬

‫)‪ (1‬مناقب آل أبى طالب‪ 24 :1 :‬و ‪ .25‬وفيه‪ :‬سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم‪ ،‬انى‬
‫أرى غرته غرة تسود الناس‪ ،‬ثم‪ (2) .‬هكذا في نسخة المصنف وسائر‬
‫النسخ المطبوعة والمخطوطة‪ ،‬و )فض( كما عرفت في المجلد الول رمز‬
‫لكتاب الروضة‪ ،‬وكتاب الروضة مقصور على ذكر فضائل على عليه‬
‫السلم وبعض الئمة‪ ،‬وليس فيه الحديث وما يشابهه‪ ،‬والحديث مذكور‬
‫في كتاب الفضائل‪ ،‬فلعل )فض( مصحف )يل( وقد غفل المصنف فوهم في‬
‫ذلك‪ (3) .‬في الفضائل زيادة هي‪ :‬وهى الدار الموصلة في مسجد الحرام‪.‬‬
‫)‪ (4‬في المصدر‪ :‬وكان من عادته‪.‬‬

‫] ‪[ 147‬‬

‫إلى باب بستانه‪ ،‬وكان لقصر غمدان في وسط البستان أبواب‪ ،‬وكان لهذا البستان‬
‫باب يفتح إلى البرية‪ ،‬وقد وكل بذلك البستان بوابا " واحدا "‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب لصحابه‪ :‬لعلنا يتهيئ لنا الدخول بحيلة‪ ،‬ول يتهيئ إل هي‪ ،‬فقال‬
‫القوم‪ :‬صدقت‪ ،‬قال الواقدي‪ :‬ثم إن عبد المطلب نزل وأخذ نحو الباب‪ ،‬فنظر‬
‫إلى البواب وسلم عليه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بواب دعني أن أدخل هذا البستان‪ ،‬فقال‬
‫البواب‪ :‬واعجبا " منك ! ما أقل فهمك‪ ،‬وأضعف رأيك ؟ أمصروع أنت ؟‬
‫فقال له عبد المطلب‪ :‬ما رأيت من جنوني ؟ فقال له البواب‪ :‬ما علمت أن‬
‫سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعدا " )‪ (1‬فإن بصر بك‬
‫في بستانه أمر بقتلك‪ ،‬وإن سفك دمك عنده أهون من شربة ماء‪ ،‬فقال له‬
‫عبد المطلب‪ :‬دعني أدخل ويكون من الملك إلي ما يكون‪ ،‬فقال له البواب‪:‬‬
‫يا مغلوب العقل إن الملك في القصر وعيناه للباب والبواب‪ ،‬إنه قدر ما‬
‫يرمق )‪ (2‬أن يأمر بقتلك‪ ،‬فقال عقيل بن أبي وقاص‪ :‬يا أبا الحارث أما‬
‫علمت أن المصابيح ل تضئ إل بالدهن ؟ فقال عبد المطلب‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬ثم إن عبد المطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار‪ ،‬وقال‪ :‬بعد‬
‫أن صب الكيس بين يدي البواب يا هذا إن تركتني أدخل البستان جعلت هذا‬
‫بري إليك‪ ،‬فاقبل صلتي‪ ،‬وخل سبيلي‪ ،‬فلما نظر البواب إلى الدرهم )‪ (3‬خر‬
‫مبهوتا " وقال له البواب‪ :‬يا شيخ إن دخلت ونظر إليك وسألك عن كيفية‬
‫دخولك ما أنت قائل ؟ قال عبد المطلب‪ :‬أقول له‪ :‬كان البواب نائما "‬
‫وشرط عليه عبد المطلب أن ل يكذبه إن دعاه الملك للمسألة فيقول‪ :‬غفوت‬
‫)‪ (4‬وليس لي بدخوله علم‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬إن كذبتني في هذا‬
‫صدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها‪ ،‬فقال له البواب‪ :‬ادخل يا شيخ‪،‬‬
‫فدخل عبد المطلب البستان‪ ،‬وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان‬
‫كأنه جنة من الجنان‪ ،‬قد حف بالورد والياسمين وأنواع الرياحين‬
‫والفواكه‪ ،‬وفيه أنهار جارية وسطه‪ ،‬وإذا سيف بن ذي يزن قد اتكأ على‬
‫عمود المنظرة من قصره‪ ،‬فلما نظر إلى عبد المطلب غضب‬

‫)‪ (1‬في الفضائل‪ :‬قاعد وهو الصحيح‪ (2) .‬رمقه‪ :‬أطال النظر إليه‪ .‬لحظه لحظا‬
‫خفيفا‪ .‬والمراد هنا المعنى الثاني‪ (3) .‬في الفضائل‪ :‬إلى الدراهم‪(4) .‬‬
‫غفى‪ :‬نعس‪ .‬نام نومة خفيفة‪.‬‬

‫] ‪[ 148‬‬

‫وقال لغلمانه‪ :‬من ذا الذي دخل علي بغير إذني ؟ ايتوني به سريعا "‪ ،‬فسعى إليه‬
‫الغلمان والخدم فاختطفوه من البستان‪ ،‬فلما دخل عبد المطلب عليه رأى‬
‫قصرا " مبنيا " على حجر‪ ،‬مطلى بطلء الوردي‪ ،‬منقشا " بنقش‬
‫اللزوردي‪ ،‬وورد على أمثال الورد‪ ،‬ورأى عن يمين الملك وعن شماله‬
‫وبين يديه من الجواري ما ل عدد لهن‪ ،‬ورأى بقرب الملك عمودا " من‬
‫عقيق أحمر‪ ،‬وله رأس من ياقوت أزرق‪ ،‬مجوف محشى بالمسك‪ ،‬ورأى‬
‫عن يساره تورا " )‪ (1‬من ذهب أحمر‪ ،‬وعلى فخذه سيف نقمته مكتوب‬
‫عليه بماء الذهب‪ .‬شعر‪ :‬رب ليث مدجج كان يحمي * ألف قرن منغمد‬
‫الغمادي وخميس ملفف بخميس * بدد )‪ (2‬الدهر جمعهم في البلد قال‬
‫الواقدي‪ :‬فوقف عبد المطلب بين يديه ولم يتكلم له الملك ول عبد المطلب‬
‫حتى كرع الملك في التور الذي بين يديه‪ ،‬فلما فرغ من شربه نظر إليه‬
‫وكان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا‪ ،‬ولكنه انكره حتى استنطقه‪،‬‬
‫فقال له الملك‪ :‬من الرجل ؟ فقال أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف بن‬
‫قصي بن كلب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬حتى بلغ آدم‬
‫عليه السلم‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬أنت ابن اختي ؟ فقال‪ :‬نعم أيها الملك أنا ابن‬
‫اختك‪ ،‬وذلك أن سيف بن ذي يزن كان من آل قحطان‪ ،‬وآل قحطان من‬
‫الخ‪ ،‬وآل إسماعيل من الخت‪ ،‬فعلم سيف بن ذي يزن أن عبد المطلب ابن‬
‫اخته‪ ،‬فقال سيف‪ :‬أهل " وسهل " وناقة " ورحل "‪ ،‬ومد الملك يده إلى‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وكذلك عبد المطلب إلى نحو الملك‪ ،‬فأمره الملك بالقعود‬
‫وكناه بأبي الحارث‪ ،‬أنتم معاشر أهل الشار‪ ،‬رجال الليل والنهار‪ ،‬وغيوث‬
‫الجدب والغلء‪ ،‬وليوث الحرب بضرب الطل‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا الحارث فيم‬
‫جئت ؟ فقال له عبد المطلب‪ :‬نحن جيران بيت ال الحرام‪ ،‬وسدنة البيت )‬
‫‪ ،(3‬وقد جئت إليك وأصحابي بالباب لنهنئك بوليتك وما فوضه ال تعالى‬
‫من النصر لك وأجراه على يديك من هلك عدوك‪ ،‬فالحمد ل الذي نصرك‪،‬‬
‫وأقر عينيك‪ ،‬وأفلج حجتك )‪ ،(4‬وأقر‬
‫)‪ (1‬التور‪ :‬اناء صغير‪ (2) .‬بدد‪ :‬فرق‪ (3) .‬سدنة‪ :‬جمع السادن‪ :‬خادم الكعبة‪(4) .‬‬
‫أي أظهرها وقدمها‪.‬‬

‫] ‪[ 149‬‬

‫عيوننا بخذلن عدوك‪ ،‬فأطال ال تعالى في سوابغ نعمه مدتك‪ ،‬وهنأك بما منحك‪،‬‬
‫ووصلها بالكرامة البدية‪ ،‬فل خيب دعائي فيك أيها الملك‪ ،‬ففرح سيف‬
‫بدعائه واستقر له بالمحبة بما سمع من تهنيته‪ ،‬ثم أمره أن يصير هو ومن‬
‫معه بالباب من أصحابه إلى دار الضيافة إلى أن يؤمر )‪ (1‬بإحضارهم بعد‬
‫هذا اليوم إلى مجلسه‪ ،‬فمضى وحجابه وخدمه بين يديه إلى حيث أمرهم‪،‬‬
‫وخرج عبد المطلب واستوى على جمله وأتبعه أصحابه وبين يديه غلمان‬
‫الملك وحوله حتى أنزلوه وأصحابه الدار‪ ،‬وبالغوا بالتوصية به وبأصحابه‪،‬‬
‫فأمر الملك أن يجري عليهم في كل يوم ألف درهم بيض‪ ،‬فبقي عبد المطلب‬
‫في دار الضيافة سريرا " )‪ (2‬حتى تصرمت أيام الورد‪ ،‬فلما كان في اليوم‬
‫الذي أراد فيه مجلسه للتسليم عليه والنظر في أمره ذكر عبد المطلب في‬
‫شطر من ليلته فأمر بإحضاره وحده‪ ،‬فدخل عليه الرسول فأمره وأعلمه‬
‫بمراد الملك منه‪ ،‬فقام معه إليه‪ ،‬فإذا الملك في مجلسه وحده‪ ،‬فقال لخدمه‪:‬‬
‫تباعدوا عنا‪ ،‬فلم يبق في المجلس غير الملك وعبد المطلب‪ ،‬وثالثهم رب‬
‫العزة تبارك وتعالى‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬يا أبا الحارث‪ ،‬إن من آرائي أن افوض‬
‫إليك علما " كنت كتمته عن غيرك‪ ،‬وأريد أن أضعه عندك‪ ،‬فإنك موضع‬
‫ذلك‪ ،‬وأريد أن تطويه وتكتمه إلى أن يظهره ال تعالى‪ ،‬فقال عبد المطلب‪:‬‬
‫السمع والطاعة للملك‪ ،‬وكذا الظن بك فقال الملك‪ :‬اعلم يا أبا الحارث إن‬
‫بأرضكم غلما " حسن الوجه والبدن‪ ،‬جميل القد والقامة‪ ،‬بين كتفيه شامة‬
‫)‪ ،(3‬المبعوث من تهامة‪ ،‬أنبت ال تعالى على رأسه شجرة النبوة‪ ،‬وظللته‬
‫الغمامة‪ ،‬صاحب الشفاعة يوم القيامة‪ ،‬مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه‬
‫سطران‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬والثاني محمد رسول ال‪ ،‬وال تعالى أمات امه‬
‫وأباه‪ ،‬وتكون تربيته على جده وعمه‪ ،‬وإني وجدت في كتب بني إسرائيل‬
‫صفته أبين وأشرح من القمر بين الكواكب‪ ،‬وإني أراك جده‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬أنا جده أيها الملك‪ ،‬فقال الملك‪ :‬مرحبا " بك وسهل " يا أبا‬
‫الحارث‪ ،‬ثم قال له الملك‪ :‬اشهدك على نفسي يا أبا الحارث إني مؤمن به‬
‫وبما يأتي‬

‫)‪ (1‬إلى أن يأمر خ ل‪ (2) .‬السرير‪ .‬الذى يسر اخوانه ويبرهم‪ ،‬وفي هامش نسخة‬
‫المصنف مكانه‪ :‬سرا " برا "‪ (3) .‬الشامة‪ :‬الخال‪.‬‬

‫] ‪[ 150‬‬
‫به من عند ربه‪ ،‬ثم تأوه سيف ثلث مرات بأن يراه فكان ينصره وينظره )‪،(1‬‬
‫يتعجب منه الطير في الهواء‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا الحارث عليك بكتمان ما ألقيت‬
‫عليك‪ ،‬ول تظهره إلى أن يظهره ال تعالى‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬السمع‬
‫والطاعة للملك‪ ،‬ونظر عبد المطلب في لحية سيف بن ذي يزن سوادا "‬
‫وبياضا "‪ ،‬وخرج من عنده وقد وعده في الحباء في غد ليرحلوا إلى أرض‬
‫الحرم إن شاء ال تعالى‪ ،‬فلما رجع إلى أصحابه وجدهم وجلين شاحبين )‬
‫‪ (2‬وقد أكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التى دعاه فيها‪،‬‬
‫فقالوا له‪ ،‬ما كان يريد الملك منك ؟ قال عبد المطلب‪ :‬يسألني عن رسوم‬
‫مكة وآثارها‪ ،‬ولم يخبر عبد المطلب أحدا بما كان بينه وبين الملك‪ ،‬وغدا‬
‫عليهم رسول الملك من غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا وتزينوا ودخلوا‬
‫القصر‪ ،‬وعبد المطلب يقدمهم‪ ،‬فدخلوا عليه فنظر عبد المطلب فإذا برأسه‬
‫ولحيته حالكا "‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬إني تركتك أبيض اللحية فما هذا ؟‬
‫فقال له الملك‪ :‬إني أستعمل الخضاب‪ ،‬فقال أصحاب عبد المطلب‪ :‬إن رأى‬
‫الملك أن يرانا أهل " لذلك الخضاب فليفعل‪ ،‬قال فأمر الملك أن يؤخذ بهم‬
‫إلى الحمام‪ ،‬وكان القوم بيض الرؤوس واللحاء‪ ،‬فخضبوا هناك فخرجوا‬
‫ولشعورهم بريق كأسود ما يكون من الشعر‪ ،‬ويقال‪ :‬إن سيفا " أول من‬
‫خضب رأسه ولحيته‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ثم إن الملك أمر لكل واحد منهم ببدرة‬
‫بيض‪ ،‬فحمل كل واحد منهم على دابة وبغل‪ ،‬وأمر لكل واحد منهم بجارية‬
‫وغلم وبتخت ثياب )‪ (3‬فاخرة‪ ،‬ولعبد المطلب بضعفي ما وهب لهم‪ ،‬ثم‬
‫دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته العضباء )‪ (4‬وقال يا أبا‬
‫الحارث‪ :‬إن الذي اسلمه إليك )‪ (5‬أمانة في عنقك تحفظها إلى‬

‫)‪ (1‬والظاهر أن بعد ذلك سقط ما يرتبط بين الجملتين‪ (2) .‬الشاحب‪ :‬المهزول أو‬
‫المتغير اللون‪ (3) .‬في الفضائل‪ :‬وغلم وثياب وبتخت ثياب‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫والتخت‪ :‬خزانة الثياب‪ (4) .‬العضباء بالعين المهملة والضاد المعجمة‪،‬‬
‫قال الجزرى‪ :‬فيه كان اسم ناقته العضباء‪ ،‬وهو علم لها منقول من‬
‫قولهم‪ :‬ناقة عضباء أي مشقوقة الذن‪ ،‬ولم تكن مشقوقة الذن‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم كانت مشقوقة الذن‪ ،‬والول أكثر‪ ،‬وقال الزمخشري‪ :‬هو منقول‬
‫من قولهم‪ :‬ناقة عضبا وهى القصيرة اليد‪ (5) .‬في الفضائل‪ :‬أسلمته‬
‫إليك‪.‬‬

‫] ‪[ 151‬‬

‫أن تسلمها إلى محمد صلى ال عليه وآله إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له‪ :‬اعلم أني ما‬
‫طلبت على ظهر هذه الفرس شيئا " إل وجدته‪ ،‬وما قصدني عدو وأنا‬
‫راكب عليها إل نجاني ال تعالى منه‪ ،‬وأما البغلة فإني كنت أقطع بها‬
‫الدكداك والجبال لحسن سيرها‪ ،‬ول أنزل عنها ليلي ونهاري‪ ،‬فأمره أن‬
‫يتحفظ ويجعلها لي تذكرة‪ ،‬وبلغه عني التحية الكثيرة‪ ،‬فقال عبد المطلب‪:‬‬
‫السمع والطاعة لمر الملك‪ ،‬ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا‬
‫مكة‪ ،‬فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم‪ ،‬فخرج الناس يستقبلونهم‪ ،‬وخرج‬
‫أولد عبد المطلب وقعد النبي على صخرة وقد ألقى كمه على وجهه لئل‬
‫تناله الشمس حتى تقارب عبد المطلب‪ ،‬فنظر أولده إليه وقالوا‪ :‬يا أبانا‬
‫خرجت إلى اليمن شيخا " ورجعت شابا "‪ ،‬قال‪ :‬نعم أيها الفتيان سأخبركم‬
‫بما ذكرتم‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬أين سيدي محمد ؟ فقالوا‪ :‬إنه قعد في بعض‬
‫الطريق ينتظركم‪ ،‬ثم إن عبد المطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع‬
‫أصحابه‪ ،‬فنزل عن مركوبه وعانقه وقبل ما بين عينيه‪ ،‬وقال له‪ :‬إن هذا‬
‫الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك سيف بن ذي يزن‪ ،‬ويقرء عليك التحية‬
‫الطيبة‪ ،‬ثم أمر أن يحمل رسول ال صلى ال عليه وآله على الفرس‪ ،‬فلما‬
‫استوى النبي صلى ال عليه وآله على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيل‬
‫" شديدا " فرحا " برسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬ونسب هذا الفرس إنه‬
‫عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن‬
‫موج بن ميمون بن ريح‪ ،‬أمر ال تعالى قال‪ :‬كن‪ ،‬فكان بأمره‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬وأخذ ابو طالب بلجام فرسه‪ ،‬وحف برسول صلى ال عليه وآله‬
‫أعمامه‪ ،‬فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬خلوا عني فإن ربي يحفظني ويكلني )‬
‫‪ ،(1‬فخلوا عنه‪ ،‬فدخل النبي صلى ال عليه وآله إلى مكة على حالته‪،‬‬
‫فشاع خبره في قريش وبني هاشم‪ ،‬فتعجب من أمره الخلق‪ ،‬وبقي النبي‬
‫صلى ال عليه وآله فرحا " مسرورا " عند عبد المطلب‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫ودب النبي صلى ال عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية أشهر‬
‫وثمانية أيام فعندها اعتل عبد المطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره‬
‫إلى عند البيت الحرام‪ ،‬وينصب هناك عند أستار الكعبة‪ ،‬وكان لعبد المطلب‬
‫سرير من خيزران أسود ورثه من جده عبد مناف‪ ،‬وكان السرير له شبكات‬
‫من عاج وآبنوس وصندل وعود أحسن ما يكون إحكاما "‬

‫)‪ (1‬كل ال فلنا‪ :‬حرسه وحفظه‪.‬‬

‫] ‪[ 152‬‬

‫وهيئة‪ ،‬وأمر عبد المطلب أن يزين السرير بألوان الفرش والديباج الرقاق‪ ،‬وأمر أن‬
‫ينصب فوق سريره فسطاط من ديباج أحمر‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬وحمل عبد المطلب‬
‫إلى بيت ال الحرام ونام على ذلك السرير المزين‪ ،‬وقعد حوله أولده‪،‬‬
‫وكان له من البنين عشرة أنفس‪ ،‬فمات منهم عبد ال‪ ،‬وبقى بعده تسعة‬
‫أنفس شجعان يعد كل واحد منهم بألف‪ ،‬وقعدوا حوله وحفوا بعبد المطلب‬
‫يبكون ودموعهم تتقاطر كالمطر‪ ،‬وقعد النبي صلى ال عليه وآله واجتمعت‬
‫عند عبد المطلب بطون العرب وكبار قريش مصطفون )‪ ،(1‬ما منهم أحد‬
‫إل وعيناه تهملن بالدموع‪ ،‬فعند ذلك ظهر أبو لهب لعنه ال وأخزاه وأخذ‬
‫برأس رسول ال صلى ال عليه وآله لينحيه عن عبد المطلب فصاح عبد‬
‫المطلب وانتهره )‪ ،(2‬وقال له‪ :‬مه يا عبد العزى أنت من عداوتك ل تنفك‬
‫من إظهارك ببغضك لولدي محمد‪ ،‬اقعد مكانك وأمسك )‪ (3‬عنه‪ ،‬وقام أبو‬
‫لهب وقعد عند رجل عبد المطلب خجل " مخذول "‪ ،‬لن أبا لهب كان من‬
‫الفراعنة المبغضين لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم مال عبد المطلب‬
‫إلى جنبه وأقبل بوجهه على أبي طالب لنه )‪ (4‬لم يكن في اولد عبد‬
‫المطلب أرفق منه برسول ال صلى ال عليه وآله ول أميل منه‪ ،‬ثم أنشأ‬
‫يقول ‪ -‬شعر ‪ :(5) -‬اوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فردي‬
‫فارقه وهو ضجيع المهدي * فكنت كالم له في الوجدي قد كنت ألصقه‬
‫الحشى والكبدي * حتى إذا خفت فراق الوحدي اوصيك أرجى أهلنا‬
‫بالرفدي * يابن الذي غيبته في اللحدي بالكره مني ثم ل بالعمدي * وخيرة‬
‫ال يشاء في العبدي ثم قال عبد المطلب‪ :‬يا أبا طالب إنني القي إليك بعد‬
‫وصيتي‪ ،‬قال أبو طالب‪ :‬ما هي ؟ قال‪ :‬يا بني اوصيك بعدي بقرة عيني‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وأنت تعلم محله مني‪ ،‬ومقامه لدي‪ ،‬فأكرمه‬
‫بأجل الكرامة‪ ،‬ويكون عندك ليله ونهاره ومادمت في الدنيا‪ ،‬ال ثم ال في‬
‫حبيبه‪ ،‬ثم‬

‫)‪ (1‬مصطفين خ ل‪ (2) .‬انتهره‪ :‬زجره‪ (3) .‬في الفضائل‪ :‬واسكت‪ (4) .‬في‬
‫الفضائل‪ :‬وأقبل بوجهه على أبى طالب وألقى إليه لنه‪ (5) .‬في الفضائل‪:‬‬
‫يقول شعرا‪،‬‬

‫] ‪[ 153‬‬

‫قال لولده‪ :‬اكرموا وجللوا محمدا " صلى ال عليه وآله‪ ،‬وكونوا عند إعزازه‬
‫وإكرامه‪ ،‬فسترون منه أمرا " عظيما " عليا "‪ ،‬وسترون آخر أمره ما أنا‬
‫أصفه لكم عند بلوغه‪ ،‬فقالوا بأجمعهم‪ :‬السمع والطاعة يا أبانا نفديه‬
‫بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية‪ ،‬قال أبو طالب‪ :‬قد أوصيتنا بمن هو أفضل‬
‫مني ومن إخواني‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ - ،‬ولم يكن في أعمام النبي صلى ال عليه‬
‫وآله أرفق من أبي طالب قديما " وحديثا " في أمر محمد صلى ال عليه‬
‫وآله ‪ ،-‬ثم قال‪ :‬إن نفسي ومالى دونه فداء )‪ (1‬انازع معاديه‪ :‬وأنصر‬
‫مواليه‪ ،‬فل يهمنك أمره‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ثم إن عبد المطلب غمض عينيه‬
‫وفتحهما ونظر قريشا " وقال‪ :‬يا قوم أليس حقي عليكم واجبا " ؟ فقالوا‬
‫بأجمعهم‪ :‬نعم حقك على الكبير والصغير واجب‪ ،‬فنعم القائد ونعم السائق‬
‫فينا كنت‪ ،‬فجزاك ال تعالى عنا خيرا "‪ ،‬ويهون عليك سكرات الموت‪،‬‬
‫وغفر لك ما سلف من ذنوبك‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬اوصيكم بولدي محمد بن‬
‫عبد ال صلى ال عليه وآله فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ول تجفوه‪،‬‬
‫ول تستقبلوه بما يكره‪ ،‬فقالوا بأجمعهم‪ :‬قد سمعنا منك وأطعناك فيه‪ ،‬ثم‬
‫قال لهم عبد المطلب‪ :‬إن الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة أبو‬
‫عبدالشمس بن أبي العاص بن نقية )‪ (2‬بن عبد شمس بن عبدمناف‪،‬‬
‫فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا‪ :‬قبلنا أمرك‪ ،‬فنعم ما رأيته رأيا "‪ ،‬ونعم ما‬
‫خلفته فينا بعدك‪ ،‬وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن‬
‫المغيرة‪ ،‬فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت أظافير يديه ورجليه‪،‬‬
‫ووقع على وجنتيه غبار الموت‪ ،‬يكثر التقلب من جنب إلى جنب‪ ،‬ومرة‬
‫يقبض رجل " ويبسط اخرى‪ ،‬والخلئق من قريش وبني هاشم حاضرون‪،‬‬
‫وقد صارت مكة في ضجة واحدة‪ ،‬وأراد النبي صلى ال عليه وآله أن يقوم‬
‫من عنده ففتح عبد المطلب عينيه وقال‪ :‬يا محمد تريد أن تقوم ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فقال عبد المطلب‪ :‬يا ولدي فإني وحق رب السماء لفي راحة مادمت‬
‫عندي‪ ،‬قال‪ :‬فقعد النبي صلى ال عليه وآله فما كان إل عن قليل حتى قضى‬
‫نحبه )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬في الفضائل‪ :‬فداه‪ (2) .‬هكذا في النسخ‪ ،‬واستظهر المصنف في الهامش أن‬
‫الصحيح امية‪ (3) .‬قضى فلن نحبه أي مات كان الموت نذر في عنقه‪.‬‬

‫] ‪[ 154‬‬

‫قال الواقدي‪ :‬ثم قاموا في تغسيله فغسلوه وكفنوه وحنطوه‪ ،‬وجعلوه في أعواد‬
‫المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا‪ ،‬وما بقي في مكة شيخ ول شاب ول حر ول‬
‫عبد من الرجال و النساء إل وقد ذهبوا إلى جنازته وعظموها ودفنوه‪،‬‬
‫فرجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة‪ ،‬فقالت عاتكة بنت عبد‬
‫المطلب ترثي أباها وتقول‪ :‬أل يا عين ويحك فاسعديني * بدمع واكف )‪(1‬‬
‫هطل غزير على رجل أجل الناس أصل * وفرعا " في المعالي والظهور‬
‫طويل الباع أروع شيظميا * أغر كغرة القمر المنير )‪ (2‬وقالت صفية ترثي‬
‫أباها‪ :‬أعيني جودا بالدموع السواكب * على خير شخص من لوي بن‬
‫غالب )‪ (3‬أعيني جودا عبرة بعد عبرة * على السد الضرغام محض‬
‫الضرائب )‪ (4‬وقالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه‪ :‬أعيني جودا‬
‫بالدموع الهواطل * على النحر مني )‪ (5‬مثل فيض الجداول ول تسأما أن‬
‫تبكيا كل ليلة * ويوم على مولى كريم الشمائل أبا الحارث الفياض ذو الباع‬
‫والندى * رئيس قريش كلها في القبائل فأسقى مليك الناس موضع قبره *‬
‫بنوء الثريا )‪ (6‬ديمة بعد وابل‬
‫)‪ (1‬وكف الدمع‪ :‬سال قليل قليل‪ .‬قوله‪ :‬هطل من هطل المطر‪ :‬نزل متتابعا متفرقا‬
‫عظيم القطر‪ (2) .‬في الفضائل هنا زيادة هي‪ :‬فقد فارقت ذا كرم وخير *‬
‫وبكى هاشم وبنى أبيه ثمار الناس في السنة الترور * وغيث للعرى في‬
‫كل أرض إذا ظن الغنى على الفقير )‪ (3‬في الفضائل هنا زيادة هي هذه‪:‬‬
‫اعينى ل تسحرا من بكاكما * على ماجد العراف عف المكاسب )‪ (4‬في‬
‫الفضائل بعده أبيات هي‪ :‬أبا الحارث الفياض ذى الحلم والبها * وذى‬
‫الباع والباعون زين المناسب وذو الماجد الغر الرفيع وذو الندى * وذو‬
‫العون عند المعضلت النوائب فان تبكياه تبكيا ذا مهابة * كريم المساعى‬
‫حمله غير عازب )‪ (5‬في الفضائل‪ :‬على البحر منى‪ (6) .‬قال الجزرى‪:‬‬
‫فيه ثلث من أمر الجاهلية‪ :‬الطعن في النساب‪ ،‬والنياحة‪ ،‬والنواء ‪< -‬‬

‫] ‪[ 155‬‬

‫وقالت أروى بنت عبد المطلب ترثي أباها‪ :‬أل يا عين ويحك فاسعديني * بويل‬
‫واكف من بعد ويل بدمع من دموعك ذو غروب * فقد فارقت ذا كرم ونبل‬
‫طويل الباع أروع ذي المعالي * أبوك الخير وارث كل فضل وقالت آمنة‬
‫بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه‪ :‬بكت عيني وحق لها البكاء * على‬
‫سمح السجية والحياء )‪ (1‬على سمح الخليقة أبطحي * كريم الخيم ينميه‬
‫العلء أقب الكشح أروع ذي اصول * له المجد المقدم والثناء )‪ (2‬وكان‬
‫هو الفتى كرما " وجودا " * وبأسا " حين يشتبك القناء )‪ (3‬بيان‪ :‬قال‬
‫الجزري‪ :‬فيه ذكر غمدان‪ ،‬هو بضم الغين وسكون الميم‪ :‬البناء العظيم‬
‫بناحية صنعاء اليمن‪ ،‬قيل‪ :‬هو من بناء سليمان عليه السلم انتهى‪.‬‬
‫والمدجج‪ :‬الذي دخل في سلحه‪ .‬والغماد جمع الغمد بالكسر وهو جفن‬
‫السيف‪ ،‬وغمده يغمده‪ :‬جعله في الغمد‪ .‬وكرع الماء‪ :‬تناوله بفيه من غير‬
‫أن يشرب بكفه ول بإناء كما تشرب البهائم‪ .‬والشارة والشيار‪ :‬الحسن‬
‫والجمال والهيئة واللباس والزينة‪ .‬والطل بالضم‪ :‬العناق‪.‬‬

‫> ‪ -‬قد تكرر ذكر النوء والنواء في الحديث‪ ،‬ومنه الحديث‪ :‬مطرنا بنوء كذا‪،‬‬
‫وحديث عمر‪ :‬كم بقى من نوء الثريا‪ ،‬والنواء هي ثمان وعشرون منزلة‬
‫ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪) :‬والقمر قدرناه‬
‫منازل( ويسقط في الغرب كل ثلث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر‪ ،‬و‬
‫تطلع اخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق‪ ،‬فتقضى جميعها مع انقضاء‬
‫السنة‪ ،‬وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون‬
‫مطر‪ ،‬وينسبونه إليها ويقولون‪ :‬مطرنا بنوء كذا‪ ،‬وانما غلظ النبي صلى‬
‫ال عليه وآله في أمر النواء لن العرب كانت تنسب المطر إليها فأما من‬
‫جعل المطر من فعل ال أراد بقوله‪ ،‬مطرنا بنوء كذا أي في وقت كذا‪(1) .‬‬
‫نسب ابن هشام في السيرة البيات إلى أروى‪ ،‬وفيه‪ :‬على سمح سجيته‬
‫الحياء‪ .‬وفيه‪ :‬على سهل الخليقة ابطحى * كريم الخيم نيته العلء )‪ (2‬في‬
‫السيرة‪ ،‬السناء‪ (3) .‬فضائل شاذان بن جبرئيل‪ .64 - 52 :‬قلت‪ :‬ذكر‬
‫المسعودي في مروج الذهب ‪ 83 :2‬وفود عبد المطلب على معدى كرب‬
‫بن سيف بن ذى يزن وذكر فيه نحو الحديث‪.‬‬

‫] ‪[ 156‬‬

‫ويقال‪ :‬رجل بر سر أي يبر ويسر‪ .‬والحالك‪ :‬السود الشديد السواد‪ .‬والدكداك من‬
‫الرمل‪ :‬ما التبد منه بالرض ولم يرتفع‪ .‬والشيظم‪ :‬الطويل الجسم‪.‬‬
‫والغروب‪ :‬مجاري الدمع‪ .‬والخيم بالكسر‪ :‬السجية والطبيعة ل واحد له من‬
‫لفظه‪ - 81 .‬د‪ :‬لما ماتت آمنة ضم عبد المطلب رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله إلى نفسه وكان يرق عليه ويحبه ويقربه إليه ويدنيه‪ ،‬وخرج رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله يوما " يلعب مع الغلمان حتى بلغ الردم )‪ (1‬فرآه‬
‫قوم من بني مدلج )‪ (2‬فدعوه فنظروا إلى قدميه وإلى أثره‪ ،‬ثم خرجوا في‬
‫أثره فصادفوا عبد المطلب قد اعتنقه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما هذا منك ؟ قال‪ :‬ابني‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬احتفظ به فإنا لم نر قدما " أشبه بالقدم التي في المقام منه‪ ،‬فقال‬
‫عبد المطلب لبي طالب‪ :‬اسمع ما يقول هذا‪ ،‬فكان أبو طالب يحتفظ به )‪.(3‬‬
‫‪ - 82‬روى كميل بن سعيد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬حججت في الجاهلية فإذا أنا‬
‫برجل يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول‪ :‬يا رب رد راكبي محمدا " * رد‬
‫إلي واصطنع عندي يدا " قال‪ :‬فقلت‪ :‬من هذا ؟ قيل‪ :‬هو عبد المطلب بن‬
‫هاشم‪ ،‬ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها‪ ،‬ولم يرسله في حاجة قط إل‬
‫جاء بها‪ ،‬وقد احتبس عليه‪ ،‬قال‪ :‬فما برحت أن جاء النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وجاء بالبل‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بني قد حزنت عليك حزنا " ل يفارقني أبدا‬
‫"‪ .‬وتوفي عبد المطلب والنبي صلى ال عليه وآله له ثمان سنين وشهران‬
‫وعشرة أيام‪ ،‬وكان خلف جنازته يبكي حتى دفن بالحجون )‪ ،(4‬فكفله أبو‬
‫طالب عمه وكان أخا عبد ال لبيه وامه )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الردم‪ :‬السد‪ ،‬وقيل‪ :‬الحاجز الحصين أكبر من السد‪ :‬ومنه الردم بمكة‪ ،‬وهو‬
‫حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ويعبر عنه الن بالمدعى قاله‬
‫الطريحي في المجمع‪ ،‬وقال ياقوت‪ :‬ردم بنى جمح بمكة‪ (2) .‬أي من بنى‬
‫مدلج بن مرة بن عبدمناف بن كنانة بن خزيمة‪ ،‬كان منهم من اختص‬
‫بعلم القيافة‪ ،‬وهو اصابة الفراسة في معرفة الشياء في الولد والقرابات‬
‫ومعرفة الثار‪ (3) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (4) .‬الحجون‪ :‬جبل بأعلى مكة فيه‬
‫مدافن أهلها‪ (5) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪.‬‬
‫] ‪[ 157‬‬

‫‪ - 83‬كنز الكراجكى‪ :‬روي أنه قيل لكثم بن صيفي وكان حكيم العرب وكان من‬
‫المعمرين‪ :‬إنك لعلم أهل زمانك وأحكمهم وأعقلهم وأحلمهم‪ ،‬فقال‪ :‬وكيف‬
‫ل أكون كذلك وقد جالست أبا طالب بن عبد المطلب دهره‪ ،‬وعبد المطلب‬
‫دهره‪ ،‬وهاشما " دهره‪ ،‬وعبد مناف دهره‪ ،‬وقصيا " دهره ؟ وكل هؤلء‬
‫سادات أبناء سادات فتخلقت بأخلقهم وتعلمت من حلمهم‪ ،‬واقتبست )‪(1‬‬
‫سوددهم‪ ،‬واتبعت آثارهم )‪ - 84 .(2‬كا‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن جميل‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي عبد ال صلى ال عليه‬
‫وآله قال‪ :‬يحشر عبد المطلب يوم القيامة امة وحده )‪ (3‬عليه سيماء‬
‫النبياء وهيبة الملوك )‪ .(4‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪ :‬امة وحده‪ ،‬أي إذا‬
‫حشر الناس فوجا " فوجا " هو يحشر وحده‪ ،‬لنه كان في زمانه متفردا‬
‫" بدين الحق من بين قومه‪ .‬قال في النهاية‪ :‬في حديث قس إنه يبعث يوم‬
‫القيامة امة واحدة‪ ،‬المة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى‪) :‬إن إبراهيم‬
‫كان امة(‪ - 85 .‬كا‪ :‬علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصم‪ ،‬عن الهيثم بن واقد‪ ،‬عن‬
‫مقرن‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن عبد المطلب أول من قال‪:‬‬
‫بالبداء يبعث يوم القيامة امة وحده )‪ ،(5‬عليه بهاء الملوك‪ ،‬وسيماء‬
‫النبياء )‪ - 86 .(6‬كا‪ :‬بعض أصحابنا‪ ،‬عن ابن جمهور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن عبد الرحمن بن الحجاج‪ ،‬عن محمد بن سنان‬
‫)‪ ،(7‬عن المفضل بن عمر‪ ،‬جميعا " عن أبي‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬واقتنيت من سوددهم‪ (2) .‬كنز الكراجكى‪ 84 :‬و ‪ (3) .85‬امة‬
‫واحدة خ ل‪ (4) .‬اصول الكافي ‪ 446 :1‬و ‪ (5) .447‬واحدة خ ل‪(6) .‬‬
‫اصول الكافي ‪ (7) .447 :1‬واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح‪:‬‬
‫ومحمد بن سنان قلت‪ :‬في المصدر‪ .‬أيضا و عن محمد بن سنان‪.‬‬

‫] ‪[ 158‬‬

‫عبد ال عليه السلم قال‪ ،‬يبعث عبد المطلب امة وحده عليه بهاء الملوك‪ ،‬وسيماء‬
‫النبياء‪ ،‬و ذلك أنه أول من قال بالبداء‪ ،‬قال‪ :‬وكان عبد المطلب أرسل‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله إلى رعاته في إبل )‪ (1‬قد ندت له )‪،(2‬‬
‫فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول‪ :‬يا رب أتهلك آلك‬
‫إن تفعل فأمر ما بدالك‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال عليه واله بالبل وقد‬
‫وجه عبد المطلب في كل طريق‪ ،‬وفي كل شعب في طلبه‪ ،‬وجعل يصيح‪ :‬يا‬
‫رب أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدالك‪ ،‬ولما رأى رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله أخذه فقبله‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني ل وجهتك بعد هذا في شئ‪ ،‬فإني أخاف أن‬
‫تغتال فتقتل‪ .(3) .‬توضيح‪ :‬قوله عليه السلم‪ :‬وذلك أنه تعليل لقوله‪ :‬عليه‬
‫سيماء النبياء‪ .‬وند البعير‪ :‬نفر وذهب على وجهه شاردا "‪ .‬قوله‪ :‬أتهلك‬
‫آلك‪ ،‬أي أتهلك من جعلته أهلك‪ ،‬ووعدت أنه سيصير نبيا "‪ ،‬ثم تفطن‬
‫بإمكان البداء فقال‪ :‬إن تفعل فأمر آخر بدالك فيه‪ ،‬فظهر أنه كان قائل "‬
‫بالبداء‪ ،‬ويمكن أن يقرأ بصيغة المر‪ ،‬أي فأمر ما بدالك في وأهلكني فإني‬
‫ل احب الحياة بعده‪ ،‬والول أظهر‪ .‬والغتيال‪ :‬هو أن يخدع ويقتل في‬
‫موضع ل يراه أحد‪ - 87 .‬كا‪ :‬العدة‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪،‬‬
‫عن محمد بن حمران‪ ،‬عن ابن تغلب قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬لما‬
‫أن وجه صاحب الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم البيت مروا بإبل لعبد‬
‫المطلب فساقوها‪ ،‬فبلغ ذلك عبد المطلب فأتى صاحب الحبشة فدخل الذن‬
‫فقال‪ :‬هذا عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬قال‪ :‬وما يشآء ؟ قال الترجمان‪ :‬جاء في‬
‫إبل له ساقوها يسألك ردها‪ ،‬فقال ملك الحبشة لصحابه‪ :‬هذا رئيس قوم‬
‫وزعيمهم‪ ،‬جئت إلى بيته الذي يعبده لهدمه وهو يسألني إطلق إبله‪ ،‬أما‬
‫لو سألني المساك عن هدمه لفعلت )‪ ،(4‬ردوا عليه إبله‪ ،‬فقال عبد المطلب‬
‫لترجمانه‪ :‬ما قال الملك ؟ فأخبره‪ ،‬فقال‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬إلى رعاية في إبل‪ (2) .‬وقد ندت له خ ل‪ (3) .‬اصول الكافي ‪:1‬‬
‫‪ (4) .447‬ذكرنا قبل ذلك أن هذا ل يخلو عن غرابة‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 159‬‬

‫عبد المطلب‪ :‬أنا رب البل‪ ،‬ولهذا البيت رب يمنعه‪ ،‬فردت عليه إبله‪ ،‬وانصرف عبد‬
‫المطلب نحو منزله فمر بالفيل في منصرفه فقال للفيل‪ :‬يا محمود‪ ،‬فحرك‬
‫الفيل رأسه‪ ،‬فقال له‪ :‬أتدري لم جاءوا بك ؟ فقال الفيل برأسه‪ :‬ل‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬جاءوا بك لتهدم بيت ربك‪ ،‬أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال برأسه‪ :‬ل‪،‬‬
‫فانصرف عبد المطلب إلى منزله‪ ،‬فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى‬
‫وامتنع عليهم‪ ،‬فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك‪ :‬اعل الجبل فانظر‬
‫ترى شيئا "‪ ،‬فقال‪ :‬أرى سوادا " من قبل البحر‪ ،‬فقال له‪ :‬يصيبه بصرك‬
‫أجمع ؟ فقال له‪ :‬ل‪ ،‬ولوشك أن يصيب‪ ،‬فلما أن قرب قال‪ :‬هو طير كثير‬
‫ول أعرفه يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون‬
‫حصاة الخذف‪ ،‬فقال عبد المطلب ورب عبد المطلب ما يريد إل القوم‪ ،‬حتى‬
‫لما صاروا فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كل حصاة على هامة‬
‫رجل فخرجت من دبره فقتلته‪ ،‬فما انفلت منهم إل رجل واحد يخبر الناس‪،‬‬
‫فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته )‪ - 88 .(1‬كا‪ :‬علي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن ابن أبي نصر‪ ،‬عن رفاعة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان عبد‬
‫المطلب يفرش له بفناء الكعبة ل يفرش لحد غيره‪ ،‬وكان له ولد يقومون‬
‫على رأسه فيمنعون من دنا منه‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله وهو‬
‫طفل يدرج )‪ (2‬حتى جلس على فخذيه‪ ،‬فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه‪،‬‬
‫فقال له عبد المطلب‪ :‬دع ابني فإن الملك قد أتاه )‪ - 89 .(3‬كا‪ :‬محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن جميل بن صالح‪ ،‬عن أبي‬
‫مريم‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سألته عن قول ال عزوجل‪:‬‬
‫)وأرسل عليهم طيرا " أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل( قال‪ :‬كان طير‬
‫ساف )‪ (4‬جاءهم من قبل البحر رؤوسها كأمثال رؤوس السباع‪ ،‬وأظفارها‬
‫كأظفار السباع من الطير‪ ،‬مع كل طائر ثلثة أحجار‪ :‬في رجليه حجران‪،‬‬
‫وفي منقاره حجر‪ ،‬فجعلت ترميهم بها حتى جدرت )‪(5‬‬

‫)‪ (1‬الصول ‪ 447 :1‬و ‪ (2) .448‬درج الصبى‪ :‬مشى قليل‪ (3) .‬الصول ‪.448 :1‬‬
‫)‪ (4‬سف الطائر‪ :‬مر على وجه الرض‪ (5) .‬أجدرت خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 160‬‬

‫أجسادهم فقتلهم )‪ (1‬بها‪ ،‬وما كان قبل ذلك رؤي شئ من الجدري‪ ،‬ول رءوا ذلك‬
‫من الطير قبل ذلك اليوم ول بعده‪ ،‬قال‪ :‬ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتى‬
‫إذا بلغوا حضرموت وهو واد دون اليمن‪ ،‬أرسل ال عليهم سيل " فغرقهم‬
‫أجمعين‪ ،‬قال‪ :‬وما رؤي في ذلك الوادي ماء )‪ (2‬قبل ذلك اليوم بخمسة‬
‫عشر سنة‪ ،‬قال‪ :‬فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه )‪ - 90 .(3‬ختص‪:‬‬
‫محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن الحسن‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أخي الصمعي‬
‫)‪ ،(4‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي الحسن )‪(5‬‬
‫مولى المنصور قال‪ :‬أخرج إلي بعض ولد سليمان بن علي كتابا " بخط‬
‫عبد المطلب وإذا شبيه بخط الصبيان )‪ :(6‬بسمك اللهم‪ ،‬ذكر حق عبد‬
‫المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلن بن فلن الحميري من أهل زول )‬
‫‪ (7‬صنعاء عليه ألف درهم فضة طيبة كيل " بالجديد‪ ،‬ومتى دعاه بها‬
‫أجابه‪ ،‬شهد ال والملكان )‪ - 91 .(8‬ما‪ :‬محمد بن أحمد بن شاذان‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن محمد المذاري‪ ،‬عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫يونس‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪ :‬سألته‬
‫عن القائم في طريق الغري )‪ ،(9‬فقال‪ :‬نعم إنه لما جازوا بسرير أمير‬
‫المؤمنين علي عليه السلم انحنى أسفا " وحزنا " على أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ ،‬وكذلك سرير أبرهة لما دخل عليه عبد المطلب انحنى ومال )‬
‫‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬فقتلتهم خ ل‪ (2) .‬ماء قط خ ل‪ (3) .‬الروضة‪ (4) .84 :‬في المصدر‪ :‬عن عمه‬
‫الصمعي‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬أبى الحسن جمهور‪ (6) .‬في بعض نسخ‬
‫المصدر‪ .‬بخط النساء‪ (7) .‬قال ياقوت‪ :‬الزول‪ :‬اسم مكان باليمن وجد‬
‫بخط عبداالمطلب بن هاشم‪ (8) .‬الختصاص‪ (9) .123 :‬في المصدر‪:‬‬
‫عن القائم المائل في طريق الغرى‪ (10) .‬المالى‪ 68 :‬و ‪.69‬‬

‫] ‪[ 161‬‬

‫‪ - 92‬د‪ :‬كان لهاشم خمسة بنين‪ :‬عبد المطلب وأسد‪ ،‬ونضلة‪ ،‬وصيفي‪ ،‬وأبو صيفي‬
‫)‪ ،(1‬وسمي هاشما " لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة )‪ ،(2‬وكنيته‬
‫أبو نضلة‪ ،‬واسمه عمرو العلى قال ابن الزبعري‪ :‬كانت قريش بيضة‬
‫فتقلقت )‪ * (3‬فالمخ خالصها لعبد مناف الرايشون وليس يوجد رايش *‬
‫والقائلون‪ :‬هلم للضياف والخالطون فقيرهم بغنيهم * حتى يكون فقيرهم‬
‫كالكافي عمرو العلى هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف ولد‬
‫هاشم وعبد شمس توأمان في بطن‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه اخرج أحدهما وإصبعه‬
‫ملتصقة بجبهة الخر‪ ،‬فلما ازيلت من موضعها أدميت‪ ،‬فقيل‪ :‬يكون بينهما‬
‫دم‪ ،‬وكان عبد مناف وصى إلى هاشم ودفع إليه مفتاح البيت وسقاية الحاج‬
‫وقوس إسماعيل‪ ،‬ومات هاشم بغزة من آخر عمل الشام‪ ،‬ومات عبد‬
‫المطلب بالطائف‪ ،‬وأسد من ولد هاشم انقرض عقبه إل من ابنته فاطمة ام‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم‪ ،‬وأبو صيفي انقرض عقبه إل من ابنته رفيقة‬
‫وهي ام مخزومة بن نوفل‪ ،‬وصيفي ل عقب له‪ ،‬ونضلة ل عقب له‪ ،‬والبقية‬
‫من سائر ولد هاشم من عبد المطلب‪ ،‬وعبد مناف‪ ،‬اسمه المغيرة بن قصي‪،‬‬
‫واسمه زيد‪ ،‬قصا عن دار قومه لنه حمل من مكة في صغره إلى بلد‬
‫أزدشنوءة وسمي قصيا "‪ ،‬ويلقب بالمجمع‪ ،‬لنه جمع قبايل قريش بن‬
‫كلب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر‪،‬‬
‫وسمي قريشا "‪ ،‬ابن خزيمة بن مدركة لنهم أدركوا الشرف في أيامه‪،‬‬
‫ابن إلياس‪ ،‬لنه جاء‬

‫)‪ (1‬في السيرة الهشامية‪ :‬فولد هاشم أربعة نفر وخمس نسوة‪ :‬عبد المطلب‪،‬‬
‫وأسد‪ ،‬وابا صيفي ونضلة‪ ،‬والشفاء‪ ،‬وخالدة‪ ،‬وضعيفة‪ ،‬ورقية‪ ،‬وحية‪،‬‬
‫فام عبد المطلب ورقية‪ :‬سلمى بنت عمرو ابن زيد بن لبيد ا‍ه وام أسد‪:‬‬
‫قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى‪ ،‬وام أبى صيفي وحية‪ :‬هند بنت عمرو‬
‫بن ثعلبة الخزرجية‪ ،‬وأم نضلة والشفاء‪ :‬امراة من قضاعة‪ ،‬وام خالدة‬
‫وضعيفة‪ :‬واقدة بنت أبى عدى المازنية‪ .‬قلت‪ :‬وذكره اليعقوبي في تاريخه‬
‫‪ 202 :1‬مع اختلف راجعه‪ (2) .‬المسغبة‪ :‬المجاعة‪ (3) .‬فتفلقت خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 162‬‬
‫على أياس وانقطاع‪ ،‬ابن مضر لخذه بالقلوب‪ ،‬ولم يكن يراه أحد إل أحبه‪ ،‬ابن نزار‬
‫واسمه عمرو بن معد بن عدنان‪ .‬بيان‪ :‬راش‪ :‬جمع المال والثاث‪،‬‬
‫والصديق‪ :‬أطعمه وسقاه وكساه وأصلح حاله‪ - 93 .‬أقول‪ :‬قال صاحب‬
‫المنتقى وغيره‪ :‬وروي عن ابن عباس وغير واحد قالوا‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله مع امه آمنة بنت وهب‪ ،‬فلما بلغ ست سنين خرجت به‬
‫إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به‪ ،‬ومعه ام أيمن‬
‫تحضنه‪ ،‬وهم على بعيرين‪ ،‬فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم‬
‫شهرا "‪ ،‬وكان قوم من اليهود يختلفون وينظرون )‪ ،(1‬قالت ام أيمن‪:‬‬
‫فسمعت أحدهم يقول‪ :‬هو نبي هذه المة‪ ،‬وهذه دار هجرته‪ ،‬ثم رجعت به‬
‫امه إلى مكة‪ ،‬فلما كانوا بالبواء توفيت امه آمنة‪ ،‬فقبرها هناك‪ ،‬فرجعت به‬
‫ام أيمن إلى مكة‪ ،‬ثم لما مر رسول ال صلى ال عليه واله في عمرة‬
‫الحديبية بالبواء قال‪ :‬إن ال قد أذن لي في زيارة قبر امي‪ ،‬فأتاه رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله‪ ،‬فقيل له فقال‪ :‬أدركتني رحمة رحمتها فبكيت‪.‬‬
‫وروي عن بريدة قال‪ :‬لما فتح رسول ال صلى ال عليه واله مكة أتى قبرا‬
‫" فجلس إليه وجلس الناس حوله‪ ،‬فجعل يتكلم كهيئة المخاطب‪ ،‬ثم قام‬
‫وهو يبكي فاستقبله عمر فقال‪ :‬يا رسول ال ما الذي أبكاك ؟ قال‪ :‬هذا قبر‬
‫امي سألت ربي الزيارة فأذن لي‪ .‬ثم قال في المنتقى‪ :‬وجه الجمع أنه يجوز‬
‫أنها توفيت بالبواء ثم حملت إلى مكة فدفنت بها‪ ،‬وأما عبد المطلب عليه‬
‫السلم فمات وللنبي صلى ال عليه وآله ثمان سنين وهو ابن ثنتين‬
‫وثمانين سنة‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن مأة وعشرين سنة‪ ،‬وسئل رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله أتذكر موت عبد المطلب ؟ فقال‪ :‬نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين‪،‬‬
‫قالت ام أيمن‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه واله يبكي خلف سرير عبد‬
‫المطلب‪ .‬وفي رواية‪ :‬توفي عبد المطلب وللنبي ثمانية وعشرون شهرا "‪،‬‬
‫والولى أصح‪ .‬وتوفي عبد المطلب في ملك هرمز بن أنوشيروان )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬وينظرون إليه خ ل‪ (2) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الفصل الثالث فيما كان‬
‫سنة ست من مولده صلى ال عليه و آله وسلم‪ ،‬والباب السادس فيما كان‬
‫من سنة ثمان إلى سنة احدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم‪.‬‬

‫] ‪[ 163‬‬

‫‪ - 94‬د‪ :‬كان لعبد المطلب عشرة أسماء‪ :‬عمر‪ ،‬وشيبة الحمد‪ ،‬وسيد البطحاء‪،‬‬
‫وساقي الحجيج‪ ،‬وساقي الغيث‪ ،‬وغيث الورى في العام الجدب‪ ،‬وأبو‬
‫السادة العشرة‪ ،‬وحافر زمزم‪ ،‬وعبد المطلب )‪ ،(1‬وله عشرة بنين‪:‬‬
‫الحارث‪ ،‬والزبير‪ ،‬وحجل وهو الغيداق‪ ،‬وضرار وهو نوفل‪ ،‬والمقوم‪ ،‬وأبو‬
‫لهب وهو عبد العزى‪ ،‬وعبد ال‪ ،‬وأبو طالب‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والعباس‪ ،‬وكانوا‬
‫من امهات شتى إل عبد ال وأبو طالب والزبير‪ ،‬فإن امهم فاطمة بنت‬
‫عمرو بن عايذ‪ ،‬وأعقب من البنين خمسة‪ :‬عبد ال أعقب محمدا " صلى‬
‫ال عليه وآله سيد البشر‪ ،‬وأبو طالب أعقب جعفرا " وعقيل " وعليا "‬
‫عليه السلم سيد الوصيين‪ ،‬والعباس أعقب عبد ال وقثم والفضل‬
‫وعبيدال‪ ،‬والحارث أعقب عتبة ومعتبة وعتيقا "‪ ،‬وكان لعبد المطلب ست‬
‫بنات‪ :‬عاتكة‪ ،‬واميمة‪ ،‬والبيضاء وهي ام حكيم‪ ،‬وبرة‪ ،‬وصفية وهي ام‬
‫الزبير‪ ،‬وأروى‪ ،‬ويقال‪ :‬وريدة‪ ،‬وأسلم من أعمام النبي صلى ال عليه وآله‬
‫أبو طالب وحمزة والعباس‪ ،‬ومن عماته صفية وأروى وعاتكة‪ ،‬وآخر من‬
‫مات من أعمامه العباس‪ ،‬ومن عماته صفية‪ - 95 .‬كا‪ :‬علي بن إبراهيم‬
‫وغيره رفعوه قال‪ :‬كان في الكعبة غزالن من ذهب وخمسة أسياف‪ ،‬فلما‬
‫غلبت خزاعة جرهم على الحرم ألقت جرهم السياف والغزالين في بئر‬
‫زمزم‪ ،‬وألقو فيها الحجارة وطموها )‪ (2‬وعموا أثرها‪ ،‬فلما غلبت قصي‬
‫على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها‪ ،‬فلما غلب عبد‬
‫المطلب وكان يفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لحد هناك غيره‪،‬‬
‫فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه أتاه آت فقال له‪ :‬احفر برة‪،‬‬
‫قال‪ :‬وما برة ؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال‪ :‬احفر طيبة‪ ،‬ثم أتاه في اليوم‬
‫الثالث فقال‪ :‬احفر المضنونة )‪ ،(3‬قال‪ :‬ثم أتاه في الرابع فقال‪ :‬احفر زمزم‬
‫ل تنزخ )‪ (4‬ول تذم لسقي )‪ (5‬الحجيج العظم‪ ،‬عند الغراب العصم‪ ،‬عند‬
‫قرية النمل‪ ،‬وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب‬
‫العصم في كل يوم يلتقط‬

‫)‪ (1‬سقط العاشر واحتملنا سابقا إنه إبراهيم الثاني‪ (2) .‬طم البئر‪ :‬سواها ودفنها‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬وما المضنونة ؟‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ل تبرح‪ ،‬وفي‬
‫نسخة مخطوطة عندي‪ :‬ل تنزح‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬تسقى‪.‬‬

‫] ‪[ 164‬‬

‫النمل‪ ،‬فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم‪ ،‬فقال لقريش‪ :‬إني عبرت )‪(1‬‬
‫في أربع ليال في حفر زمزم فهي مآثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها‪ ،‬فلم‬
‫يجيبوه إلى ذلك‪ ،‬فأقبل يحفرها هو بنفسه‪ ،‬وكان له ابن واحد وهو‬
‫الحارث‪ ،‬وكان يعينه على الحفر‪ ،‬فلما صعب ذلك عليه تقدم إلى باب الكعبة‬
‫ثم رفع يديه ودعا ال عزوجل‪ ،‬ونذر له إن رزقه عشر بنين أن ينحر‬
‫أحبهم إليه تقربا " إلى ال عزوجل‪ ،‬فلما حفر وبلغ الطوي طوي إسماعيل‬
‫وعلم أنه قد وقع على الماء كبر وكبرت قريش فقالوا‪ :‬يا أبا الحارث هذه‬
‫مآثرتنا ولنا فيها نصيب‪ ،‬قال لهم‪ :‬لم تعينوني على حفرها هي لي ولولدي‬
‫إلى آخر البد )‪ .(2‬تبيين‪ :‬عمى عليه المر‪ :‬التبس‪ ،‬قال الجزري‪ :‬في‬
‫حديث زمزم أتاه آت فقال‪ :‬احفر برة سماه برة لكثرة منافعها وسعة مائها‪،‬‬
‫وقال الفيروز آبادي‪ :‬طيبة بالكسر‪ :‬اسم زمزم‪ ،‬وقال الجزري‪ :‬فيه احفر‬
‫المضنونة‪ ،‬أي التي يضن بها لنفاستها وعزتها‪ ،‬وقال‪ :‬فيه أرى عبد‬
‫المطلب في منامه احفر زمزم ل تنزف ول تذم‪ ،‬أي ل يفنى ماءها على‬
‫كثرة الستسقاء‪ ،‬ول تذم‪ ،‬أي ل تعاب‪ ،‬أول تلفى مذموما " من أذممته‪ :‬إذا‬
‫وجدته مذموما "‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يوجد ماءها قليل " من قولهم‪ :‬بئر ذمة‪ :‬إذا‬
‫كانت قليلة الماء‪ :‬وقال‪ :‬الغراب العصم‪ :‬البيض الجناحين‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫البيض الرجلين انتهى‪ .‬والماثرة بفتح الثاء وضمها‪ :‬المكرمة‪ ،‬والطوي‬
‫على فعيل‪ :‬البئر المطوية بالحجارة‪ - 96 .‬كا‪ :‬عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد‪ ،‬عن القاسم بن يحيى‪ ،‬عن جده الحسن بن راشد قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫إبراهيم عليه السلم يقول‪ :‬لما احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها‬
‫خرجت عليه من أحد جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته فأبى أن ينثني )‪(3‬‬
‫وخرج ابنه الحارث عنه‪ ،‬ثم حفر حتى أمعن )‪ (4‬فوجد في قعرها عينا "‬
‫تخرج عليه برائحة المسك‪ ،‬ثم احتفر‬

‫)‪ (1‬قد عبرت خ ل وفي المصدر‪ :‬إنى امرت‪ (2) .‬فروع الكافي ‪ 225 :1‬و ‪) .226‬‬
‫‪ (3‬أي فأبى أن ينصرف‪ (4) .‬أمعن في الطلب‪ :‬أبعد وبالغ في الستقصاء‪.‬‬

‫] ‪[ 165‬‬

‫فلم يحفر إل ذراعا " حتى تجله النوم فرأى رجل " طويل الباع )‪ ،(1‬حسن‬
‫الشعر‪ ،‬جميل الوجه‪ ،‬جيد الثوب‪ ،‬طيب الرائحة يقول )‪ :(2‬احفر تغنم‪ ،‬وجد‬
‫تسلم‪ ،‬ول تذخرها للمقسم‪ ،‬السياف لغيرك‪ ،‬والتبر )‪ (3‬لك‪ ،‬أنت أعظم‬
‫العرب قدرا "‪ ،‬ومنك يخرج نبيها ووليها والسباط‪ ،‬والنجباء الحكماء‬
‫العلماء البصراء‪ ،‬والسيوف لهم‪ ،‬وليسوا اليوم منك ول لك‪ ،‬ولكن في‬
‫القرن الثاني منك‪ ،‬بهم ينير ال الرض‪ ،‬ويخرج الشياطين من أقطارها‪،‬‬
‫ويذلها في عزها‪ ،‬ويهلكها بعد قوتها‪ ،‬ويذل الوثان ويقتل عبادها حيث‬
‫كانوا‪ ،‬ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن‪ ،‬وقد‬
‫كان القادر على الوثان‪ ،‬ل يعصيه حرفا "‪ ،‬ول يكتمه شيئا "‪ ،‬ويشاوره‬
‫في كل أمر حجم عليه )‪ ،(4‬واستعيا عنها عبد المطلب فوجد ثلثة عشر‬
‫سيفا " مسندة إلى جنبه فأخذها‪ ،‬وأراد أن يبث )‪ (5‬فقال‪ :‬وكيف ولم أبلغ‬
‫الماء‪ ،‬ثم حفر فلم يحفر شبرا " )‪ (6‬حتى بداله قرن الغزال ورأسه‬
‫فاستخرجه وفيه طبع‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪ ،‬علي ولي ال‪ ،‬فلن‬
‫خليفة ال‪ ،‬فسألته فقلت‪ :‬فلن متى كان ؟ قبله أو بعده ؟ قال‪ :‬لم يجئ بعد‪،‬‬
‫ول جاء شئ من أشراطه )‪ ،(7‬فخرج عبد المطلب وقد استخرج الماء‬
‫وأدرك وهو يصعد‪ ،‬فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بدارا " إلى فوق‪،‬‬
‫فضربه فقطع أكثر ذنبه‪ ،‬ثم طلبه ففاته‪ ،‬وفلن قاتله إن شاء ال‪ ،‬ومن رأي‬
‫عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر‪ ،‬ويضرب السيوف صفايح‬
‫للبيت )‪ ،(8‬فأتاه ال بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبه فرأى ذلك الرجل‬
‫بعينه وهو يقول‪ :‬يا شيبة الحمد احمد ربك‪ ،‬فإنه سيجعلك‬

‫)‪ (1‬الباع‪ :‬قدر مد اليدين‪ ،‬يقال‪ :‬طويل الباع ورحب الباع‪ ،‬أي كريم مقتدر‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وهو يقول‪ (3) .‬البئر لك خ ل‪ (4) .‬هجم عليه‪ :‬انتهى إليه بغتة‬
‫على غفلة منه‪ (5) .‬أن يثب خ ل‪ ،‬وهو الموجود في المصدر‪ (6) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬إل شبرا‪ (7) .‬الشراط‪ :‬العلمات‪ (8) .‬مفاتيح للبيت خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬صفايح البيت‪.‬‬

‫] ‪[ 166‬‬

‫لسان الرض‪ ،‬ويتبعك قريش خوفا " ورهبة " وطمعا "‪ ،‬ضع السيوف في‬
‫مواضعها‪ ،‬فاستيقظ )‪ (1‬عبد المطلب فأجابه‪ :‬إنه يأتيني في النوم فإن يكن‬
‫من ربي فهو أحب إلي‪ ،‬وإن يكن من شيطان فأظنه مقطوع الذنب )‪ ،(2‬فلم‬
‫ير شيئا " ولم يسمع كلما "‪ ،‬فلما أن كان الليل أتاه في منامه بعدة من‬
‫رجال وصبيان فقالوا له‪ :‬نحن أتباع ولدك‪ ،‬ونحن من سكان السماء‬
‫السادسة‪ ،‬السيوف ليست لك‪ ،‬تزوج في مخزوم تقوي )‪ ،(3‬واضرب بعد‬
‫في بطون العرب فإن لم يكن معك مال فلك حسب‪ ،‬فادفع هذه الثلثة عشرة‬
‫)‪ (4‬سيفا " إلى ولد المخزومية ول بيان لك )‪ (5‬أكثر من هذا‪ ،‬وسيف لك‬
‫منها واحد يقع من يدك )‪ (6‬فل تجد له أثرا " إل أن يستجنه )‪ (7‬جبل كذا‬
‫وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد صلى ال عليه وعليهم‪ ،‬فانتبه عبد‬
‫المطلب وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد‬
‫منها سيفا " كان أرقها عنده‪ ،‬فيظهر من ثم‪ ،‬ثم دخل معتمرا " وطاف بها‬
‫على رقبته والغزالين )‪ (8‬إحدى عشر )‪ (9‬طوافا " وقريش تنظر إليه‬
‫وهو يقول‪ :‬اللهم صدق وعدك‪ ،‬فأثبت لي قولي‪ ،‬و انشر ذكري‪ ،‬وشد‬
‫عضدي‪ ،‬وكان هذا ترداد )‪ (10‬كلمه‪ ،‬وما طاف حول البيت بعد رؤياه في‬
‫البيت )‪ (11‬ببيت شعر حتى مات‪ ،‬ولكن قد ارتجز على بنيه يوم أراد نحر‬
‫عبد ال‪ ،‬فدفع السياف جميعها إلى بني المخزومية‪ :‬إلى الزبير‪ ،‬وإلى أبي‬
‫طالب‪ ،‬وإلى عبد ال‪،‬‬

‫)‪ (1‬واستيقظ خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬مقطع الذنب خ ل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬تقو‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬عشر‪ (5) .‬ول يبان لك خ ل وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ولك منها واحد سيقع من يدك‪) .‬‬
‫‪ (7‬يسجنه خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (8) .‬أي طاف بالسيوف حال‬
‫كونها على رقبته مع الغزالين‪ (9) .‬احدى وعشرين خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ (10) .‬الترداد‪ :‬التكرار‪ (11) .‬في البئر خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 167‬‬

‫فصار لبي طالب من ذلك أربعة أسياف‪ :‬سيف لبي طالب‪ ،‬وسيف لعلي‪ ،‬وسيف‬
‫لجعفر‪ ،‬وسيف لطالب‪ ،‬وكان للزبير سيفان‪ ،‬وكان لعبد ال سيفان‪ ،‬ثم‬
‫عادت فصار لعلي الربعة الباقية‪ :‬اثنين من فاطمة‪ ،‬واثنين من أولدها )‬
‫‪ ،(1‬فطاح )‪ (2‬سيف جعفر يوم أصيب فلم يدر في يد من وقع حتى‬
‫الساعة‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ل يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إل رجل يعين‬
‫به معنا إل صار فحما "‪ ،‬قال‪ :‬وإن منها لواحدا " في ناحية يخرج كما‬
‫تخرج الحية فيبين منه ذراع وما يشبهه فتبرق له الرض مرارا "‪ ،‬ثم‬
‫يغيب‪ ،‬فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دأبه حتى يجئ صاحبه ولو شئت‬
‫أن اسمى مكانه لسميته‪ ،‬ولكن أخاف عليكم من أن اسميه فتسموه فينسب‬
‫إلى غير ما هو عليه )‪ .(3‬بيان‪ :‬حتى تجله النوم‪ ،‬أي غشيه وغلب عليه‪،‬‬
‫وجد من الجود أو من الجد و الول أنسب بترك الذخيرة‪ ،‬والضمير في‬
‫قوله‪ :‬ول تذخرها راجع إلى الغنيمة المدلول عليها بقوله‪ :‬تغنم‪ ،‬والمقسم‬
‫مصدر ميمي بمعنى القسمة‪ ،‬أي ل تجعلها ذخيرة لن تقسم بعدك‪ ،‬والتبر‬
‫بالكسر‪ :‬الذهب والفضة‪ ،‬وفي بعض النسخ‪ :‬البئر‪ .‬قوله عليه السلم‪:‬‬
‫واستعيا عنها عبد المطلب‪ :‬لعلة من قولهم‪ :‬عيي‪ :‬إذا لم يهتد لوجهه‪ ،‬و‬
‫أعي الرجل في المشي وأعي عليه المر‪ ،‬والمعنى أنه تحير في المر ولم‬
‫يدر معنى ما رأى في منامه‪ ،‬أو ضعف وعجز عن البئر وحفرها‪ ،‬وفي‬
‫بعض النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة من قولهم‪ :‬غبى عليه الشئ‪:‬‬
‫إذا لم يعرفه‪ ،‬وهو قريب من الول‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬وأراد أن يبث أي‬
‫ينشر ويذكر خبر الرؤيا‪ ،‬فكتمه‪ ،‬أو يفرق السيوف على الناس فأخره‪ ،‬وفي‬
‫بعض النسخ‪ :‬يثب بتقديم المثلثة من الوثوب‪ ،‬أي يثب عليها فيتصرف‬
‫فيها‪ ،‬أو يثب على الناس بهذه السيوف‪ .‬قوله‪ :‬فلن خليفة ال‪ ،‬أي القائم‬
‫عليه السلم‪ ،‬والسود لعله كان الشيطان‪ ،‬والقائم عليه السلم يقتله كما‬
‫سيئاتي في كتاب الغيبة‪ ،‬ولذا قال عبد المطلب‪ :‬فأظنه مقطوع الذنب‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم‪ :‬ويضرب السيوف صفايح للبيت‪ ،‬أي يلصقها بباب البيت‪،‬‬
‫لتكون‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فصارت لعلى الربعة الباقية‪ :‬اثنان من فاطمة‪ ،‬واثنان من‬
‫أولدها‪ (2) .‬طاح‪ :‬سقط وهلك‪ (3) .‬فروع الكافي ‪.226 :1‬‬
‫] ‪[ 168‬‬

‫صفايح لها‪ ،‬أو يبيعها ويصنع من ثمنها صفايح البيت‪ ،‬وفي بعض النسخ‪ :‬مفاتيح‬
‫للبيت‪ ،‬فيحتمل أن يكون المراد أن يجاهد المشركين فيستولي عليهم‪،‬‬
‫ويخلص البيت من أيديهم‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬فأجابه‪ ،‬أي أجاب عبد‬
‫المطلب الرجل الذي كلمه في المنام‪ .‬قوله‪ :‬تزوج في مخزوم‪ ،‬تزوج عبد‬
‫المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم ام عبد ال والزبير‬
‫وأبي طالب‪ .‬قوله‪ :‬واضرب بعد في بطون العرب‪ :‬أي تزوج في أي بطن‬
‫منهم شئت‪ ،‬والحاصل أنك لبد لك أن تتزوج في بني مخزوم ليحصل والد‬
‫النبي والوصياء صلوات ال عليهم ويرثوا السيوف‪ ،‬وأما سائر القبائل‬
‫فالمر إليك‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد جاهد بطون العرب وقاتلهم‪ ،‬والول‬
‫أظهر‪ .‬قوله‪ :‬إل أن يستجنه‪ ،‬وفي بعض النسخ يسجنه‪ ،‬أي يخفيه ويستره‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فيظهر من ثم‪ ،‬أي يظهر في زمن القائم عليه السلم من هذا‬
‫الموضع الذي فقد فيه‪ ،‬أو من الجبل الذي تقدم ذكره‪ ،‬ولعله كان كل سيف‬
‫لمعصوم‪ ،‬وكان بعددهم‪ ،‬وسيف القائم عليه السلم أخفاه ال في هذا‬
‫المكان ليظهر له عند خروجه‪ .‬قوله‪ :‬فصار لعلي‪ ،‬يحتمل أن يكون المراد‬
‫بالربعة الباقية تتمة الثمانية المذكورة إلى اثني عشر‪ ،‬ويكون المراد‬
‫بفاطمة امه عليه السلم‪ ،‬أي صارت الربعة الباقية أيضا إلى علي عليه‬
‫السلم من قبل امه وإخوته‪ ،‬حيث وصل إليهم من جهة أبي طالب زايدا "‬
‫على ما تقدم‪ ،‬أو يكون المراد بفاطمة بنت النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬بأن‬
‫يكون النبي صلى ال عليه وآله أعطاها سيفين غير الثمانية‪ ،‬وأعطى‬
‫الحسنين عليهما السلم سيفين‪ ،‬ويحتمل أن يراد بالربعة سيوف الزبير‬
‫وعبد ال‪ ،‬فيكون الربعة الخرى مسكوتا " عنها‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬إل‬
‫صار فحما "‪ ،‬أي يسود ويبطل ول يأتي منه شئ حتى يرجع إلينا‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم‪ :‬وإن منها لواحدا "‪ ،‬لعله هو الذي فقد من عبد المطلب يظهر‬
‫هكذا عند ظهور القائم عليه السلم ليأخذه‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬فينسب إلى‬
‫غير ما هو عليه‪ ،‬أي يتغير مكانه‪ ،‬أو يأخذه غير القائم عليه السلم‪.‬‬

‫] ‪[ 169‬‬

‫أقول‪ :‬قال عبد الحميد بن أبي الحديد‪ :‬قال‪ :‬محمد بن إسحاق )‪ (1‬لما انبط )‪ (2‬عبد‬
‫المطلب الماء في زمزم حسدته قريش فقالت له‪ :‬يا عبد المطلب إنها بئر‬
‫أبينا إسماعيل‪ ،‬وإن لنا فيها حقا " فأشركنا معك‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا بفاعل‪ ،‬إن‬
‫هذا المر أمر خصصت به دونكم‪ ،‬واعطيته من بينكم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬فإنا غير‬
‫تاركيك حتى نخاصمك فيها‪ ،‬قال‪ :‬فاجعلوا بيني وبينكم حكما " احاكمكم‬
‫إليه‪ ،‬قالوا‪ :‬كاهنة بني سعد بن هزيم )‪ ،(3‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬وكانت بأشراف الشام‬
‫)‪ ،(4‬فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف‪ ،‬وخرج من كل قبيلة‬
‫من قبائل قريش قوم‪ ،‬والرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك‬
‫المفاوز بين الحجاز والشام نفد ما كان مع عبد المطلب وبني أبيه من الماء‬
‫وعطشوا عطشا " شديدا " فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم وقالوا‪:‬‬
‫نحن بمفازة ونخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم‪ ،‬فلما رأى عبد المطلب‬
‫ما صنع القوم وخاف على نفسه وأصحابه الهلك قال لصحابه ما ترون ؟‬
‫قالوا‪ :‬ما رأينا إل تبع لرأيك‪ ،‬فمرنا بما أحببت‪ ،‬قال‪ :‬فإني أرى أن يحفر كل‬
‫رجل منا حفرة لنفسه بما معه من القوة‪ ،‬فكلما مات رجل دفنه أصحابه في‬
‫حفرته حتى يكون آخركم رجل واحد‪ ،‬فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة‬
‫ركب‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم ما أشرت‪ ،‬فقام كل رجل منهم فحفر حفيرة لنفسه‪ ،‬وقعدوا‬
‫ينتظرون الموت‪ ،‬ثم إن عبد المطلب قال لصحابه‪ :‬وال إن إلقائنا بأيدينا‬
‫كذا للموت ل نضرب في الرض فنطلب الماء لعجز‪ ،‬فقوموا فعسى ال أن‬
‫يرزقنا ماء " ببعض الرض ارتحلوا‪ ،‬فارتحلوا ومن معهم من قبائل‬
‫قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون‪ ،‬فتقدم عبد المطلب إلى راحلته‬
‫فركبها‪ ،‬فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد‬
‫المطلب وكبر أصحابه‪،‬‬

‫)‪ (1‬ذكره عنه ايضا ابن هشام في السيرة ‪ 155 :1‬مع اختلف في ألفاظه‪ (2) .‬انبط‬
‫البئر‪ :‬استخرج ماءها‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬هذيم بالذال المعجمة والصحيح‪:‬‬
‫سعد هذيم‪ ،‬كما في السيرة الهشامية‪ ،‬قال القلقشندى في نهاية الرب‬
‫‪ :395‬بنو هذيم‪ :‬بطن من قضاعة وهم بنو سعد بن زيد بن ليث بن أسود‬
‫بن أسلم بن الحافى بن قضاعة‪ ،‬وهذيم عبد حبشي حضنه فعرف به فيقال‬
‫له‪ :‬سعد هذيم‪ (4) .‬بأطراف الشام خ ل‪ .‬قلت‪ :‬الشراف‪ :‬الطراف‪.‬‬

‫] ‪[ 170‬‬

‫ثم نزل فشرب وشرب أصحابه‪ ،‬واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم‪ ،‬ثم دعا القبائل من‬
‫قريش فقال لهم‪ :‬هلموا إلى الماء فقد سقانا ال فاشربوا واستقوا‪ ،‬فجاءوا‬
‫فشربوا واستقوا‪ ،‬ثم قالوا له قد وال قضي لك علينا‪ ،‬وال ل نخاصمك في‬
‫زمزم أبدا "‪ ،‬إن الذي سقاك هذا الماء بهذه المفازة هو سقاك زمزم‪،‬‬
‫فارجع إلى سقايتك راشدا "‪ ،‬فرجع ورجعوا معه لم يصلوا إلى الكاهنة‬
‫وخلوا بينه وبين زمزم )‪ - 97 .(1‬كا‪ :‬علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬ومحمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن أحمد بن محمد جميعا "‪ ،‬عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر‪ ،‬عن أبان‪،‬‬
‫عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لم يزل بنو إسماعيل ولة‬
‫البيت يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان‬
‫زمن عدنان ابن ادد فطال عليهم المد فقست قلوبهم‪ ،‬وافسدوا )‪(2‬‬
‫وأحدثوا في دينهم‪ ،‬وأخرج بعضهم بعضا "‪ ،‬فمنهم من خرج في طلب‬
‫المعيشة‪ ،‬ومنهم من خرج كراهية القتال وفي أيديهم أشياء كثيرة من‬
‫الحنيفية من تحريم المهات والبنات‪ ،‬وما حرم ال في النكاح إل أنهم كانوا‬
‫يستحلون امرأة الب وابنة الخت‪ ،‬والجمع بين الختين‪ ،‬وكان في أيديهم‬
‫الحج و التلبية والغسل من الجنابة إل ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من‬
‫الشرك‪ ،‬وكان فيما بين إسماعيل وعدنان بن ادد موسى عليه السلم‪،‬‬
‫وروى أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه )‪ ،(3‬وكان‬
‫أول من وضعها‪ ،‬ثم غلبت جرهم بمكة على ولية البيت فكان يلي منهم‬
‫كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة‪ ،‬واستحلوا حرمتها‪ ،‬وأكلوا مال الكعبة‬
‫وظلموا من دخل مكة وعتوا وبغوا‪ ،‬وكانت مكة في الجاهلية ل يظلم ول‬
‫يبغي فيها ول يستحل حرمتها ملك إل هلك مكانه‪ ،‬وكانت تسمى بكة لنها‬
‫تبك )‪ (4‬أعناق الباغين‬

‫)‪ (1‬شرح نهج البلغة لبن أبى الحديد ‪ ،465 :3‬قلت‪ :‬قال ابن هشام في السيرة‬
‫‪ 156 :1‬بعد ما ذكر الحديث قال ابن اسحاق‪ :‬فهذا الذى بلغني من حديث‬
‫على بن أبى طالب رضى ال عنه في زمزم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وفسدوا‪) .‬‬
‫‪ (3‬النصاب‪ :‬العلم المنصوبة التى يعرف بها الحرم‪ (4) .‬أي تدق‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 171‬‬

‫إذا بغوا فيها‪ ،‬وتسمى بساسة )‪ (1‬كانوا إذا ظلموا فيها بستهم وأهلكتهم‪ ،‬وسمي ام‬
‫رحم )‪ (2‬كانوا إذا لزموها رحموا‪ ،‬فلما بغت جرهم واستحلوا فيها بعث ال‬
‫عزوجل عليهم الرعاف والنمل‪ ،‬وأفناهم‪ ،‬فغلبت خزاعة‪ ،‬واجتمعت ليجلوا‬
‫من بقي من حرهم عن الحرم ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة )‪ (3‬بن‬
‫حارثة بن عمرو‪ ،‬ورئيس جرهم عمرو بن الحارث بن مصاص )‪(4‬‬
‫الجرهمي‪ ،‬فهزمت خزاعة جرهم‪ ،‬وخرج من بقي من جرهم إلى أرض من‬
‫أرض جهينة‪ ،‬فجاءهم سيل أتي لهم )‪ (5‬فذهب بهم‪ ،‬ووليت خزاعة البيت‬
‫فلم يزل في أيديهم حتى جاء قصي بن كلب‪ ،‬وأخرج خزاعة من الحرم‪،‬‬
‫وولى البيت وغلب عليه )‪ .(6‬بيان‪ :‬ادد كعمر بضمتين‪ ،‬والدرس‪:‬‬
‫النمحاء‪ ،‬وجرهم كقنفذ )‪ :(7‬حي من اليمن‪ .‬والرحم بالضم الرحمة‪،‬‬
‫والرعاف في بعض النسخ بالراء المهملة وهو بالضم‪ :‬خروج الدم من‬
‫النف‪ ،‬وفي بعضها بالمعجمة يقال‪ :‬موت زعاف‪ ،‬أي سريع‪ ،‬فالمراد به‬
‫الطاعون‪ .‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬النملة قروح في الجنب كالنمل‪ ،‬وبثر يخرج‬
‫في الجسد بالتهاب واحتراق‪ ،‬ويرم مكانها يسيرا " ويدب إلى موضع آخر‬
‫كالنملة‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬سيل أتي‬
‫)‪ (1‬في النهاية‪ :‬من أسماء مكة الباسة‪ ،‬سميت بها لنها تحطم من أخطأ فيها‪،‬‬
‫ويروى بالنون من النس‪ :‬الطرد قلت‪ :‬في السيرة الهشامية‪ :‬بالنون‪:‬‬
‫الناسة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وتسمى ام رحم‪ .‬قلت‪ :‬قال الجزرى في النهاية‬
‫‪ :77 :2‬وفي حديث مكة‪ :‬هي ام رحم أي اصل الرحمه‪ (3) .‬سعد خ ل‬
‫قلت‪ :‬الصحيح ما في الصلب‪ (4) .‬هكذا في الكتاب ومصدره الصحيح‪:،‬‬
‫مضاض كما في السيرة ونهاية الرب ومروج الذهب وغيرها‪ (5) .‬سيل‬
‫أتى بهم خ ل‪ (6) .‬فروع الكافي ‪ ،223 :1‬قلت‪ :‬ذكر ابن هشام ما وقع‬
‫بين جرهم وخزاعة وما وقع بين قصى وخزاعة في سيرته ‪- 123 :1‬‬
‫‪ ،131‬وذكره أيضا المسعودي في مروج الذهب ‪ 49 :2‬و ‪ 56‬و ‪(7) .58‬‬
‫قال القلقشندى في نهاية الرب‪ :‬بنوجرهم‪ :‬بطن من القحطانية‪ ،‬وكانت‬
‫منازل بنى قحطان اليمن‪ ،‬فلما ملك يعرب بن قحطان اليمن ولى أخاه‬
‫جرهم الحجاز فاستولى عليه وملكه‪.‬‬

‫] ‪[ 172‬‬

‫هو بالتشديد على وزن فعيل‪ :‬سيل جائك ولم يصبك مطره‪ ،‬والسيل التي أيضا "‪:‬‬
‫الغريب )‪ - 98 .(1‬كا‪ :‬أبو علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن سعيد العرج‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن العرب لم يزالوا على شئ من الحنيفية يصلون‬
‫الرحم ويقرون الضيف‪ ،‬ويحجون البيت‪ ،‬ويقولون‪ :‬اتقوا مال اليتيم فإن‬
‫مال اليتيم عقال‪ ،‬ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة‪ ،‬وكانوا ل‬
‫يملى لهم إذا انتهكوا المحارم‪ .‬وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم‬
‫فيعلقونه في أعناق البل فل يجترئ أحد أن يأخذ من تلك البل حيث ما‬
‫ذهبت‪ ،‬ول يجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم‪ ،‬أيهم فعل ذلك‬
‫عوقب‪ ،‬وأما اليوم فاملي لهم‪ .‬ولقد جاء أهل الشام فنصبوا المنجنيق على‬
‫أبي قبيسس فبعث ال عليهم سحابة كجناح الطير فأمطرت عليهم صاعقة‬
‫فأحرقت سبعين رجل " حول المنجنيق )‪ ،(2‬بيان‪ :‬القراء‪ :‬الضيافة‪.‬‬
‫والملء‪ :‬المهلة‪ .‬وانتهاك الحرمة‪ :‬تناولها بما ل يحل‪ .‬واللحاء بالكسر‬
‫ممدودا " ومقصورا "‪ :‬ما على العود من القشر‪ ،‬والظاهر أن نصب‬
‫المنجنيق كان لتخريب البيت‪ - 99 .‬كا‪ :‬الحسين بن محمد )‪ (3‬عن المعلى‪،‬‬
‫عن الوشاء‪ ،‬عن أحمد بن عائذ‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬سيل أتى‪ :‬يأتي من حيث ل يدرك‪ (2) .‬فروع الكافي ‪ 223 :1‬قلت‪ :‬ذكر‬
‫المسعودي ديانات العرب وآرائها في الجاهلية في مروج الذهب ‪126 :2‬‬
‫وبعده‪ ،‬وذكر اليعقوبي في تاريخه ‪ 7 :2‬جمل من آراء عبد المطلب و‬
‫فضائله نثبتها هناك حيث فاتنا ذكرها قبل قال‪ :‬ورفض عبادة الصنام‪،‬‬
‫ووحد ال عزوجل‪ ،‬ووفى بالنذر‪ ،‬وسن سننا نزل القرآن بأكثرها وجاءت‬
‫السنة من رسول ال صلى ال عليه وآله بها‪ ،‬وهى الوفاء باالنذور‪،‬‬
‫ومائة من البل في الدية‪ ،‬وأل تنكح ذات محرم‪ ،‬ول تؤتى البيوت من‬
‫ظهورها‪ ،‬وقطع يد السارق‪ ،‬والنهى عن قتل الموؤدة‪ ،‬والمباهلة‪ ،‬وتحريم‬
‫الخمر‪ ،‬وتحريم الزنا‪ ،‬والحد عليه‪ ،‬والقرعة‪ ،‬وأل يطوف أحد بالبيت‬
‫عريانا‪ ،‬واضافة الضيف‪ ،‬وأل ينفقوا إذا حجوا إل من طيب أموالهم‪،‬‬
‫وتعظيم الشهر الحرم‪ ،‬ونفى ذوات الرايات ا‍ه ثم ذكر قصة أصحاب‬
‫الفيل‪ (3) .‬اسناد الحديث في المصدر مبدو بالوشاء‪ ،‬وهو معلق على‬
‫سابقه‪ ،‬واسناد الحديث السابق هكذا‪ :‬الحسين بن محمد‪ ،‬عن معلى بن‬
‫محمد وعلى بن محمد‪ ،‬عن صالح بن أبى حماد جميعا عن الوشاء‪.‬‬

‫] ‪[ 173‬‬

‫أبي خديجة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وآله فقال‪ :‬إني ولدت بنتا " وربيتها حتى إذا بلغت فألبستها وحليتها‪ ،‬ثم‬
‫جئت بها إلى قليب )‪ (1‬فدفعتها في جوفه‪ ،‬وكان آخر ما سمعت منها وهي‬
‫تقول‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬فما كفارة ذلك ؟ قال‪ :‬ألك ام حية ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فلك خالة‬
‫حية ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فابررها فإنها بمنزلة الم تكفر عنك ما صنعت‪ ،‬قال‬
‫أبو خديجة‪ :‬فقلت لبي عبد ال عليه السلم متى كان هذا ؟ قال‪ :‬كان في‬
‫الجاهلية‪ ،‬وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين )‬
‫‪ - 100 .(2‬كنز الكراجكى‪ :‬عن الحسين بن عبيدال‪ ،‬عن هارون بن‬
‫موسى‪ ،‬عن محمد بن همام‪ ،‬عن الحسن بن جمهور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسن‬
‫بن محبوب‪ ،‬عن علي بن رئاب‪ ،‬عن مالك بن عطية قال‪ :‬لما حفر عبد‬
‫المطلب بن هاشم زمزم‪ ،‬وأنبط منها الماء أخرج منها غزالين من ذهب‬
‫وسيوفا " وأدراعا "‪ ،‬فجعل الغزالين زينة للكعبة‪ ،‬وأخذ السيوف‬
‫والدروع‪ ،‬وقال‪ :‬هذه وديعة كان أودعها مضاض الجرهمي بن الحارث بن‬
‫عمرو بن مضاض‪ ،‬والحارث الذي يقول‪) :‬شعر( )‪ :(3‬كأن لم يكن بين‬
‫الحجون إلى الصفا )‪ * (4‬أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها‬
‫فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر )‪ (5‬ويمنعنا من كل فج نريده *‬
‫أقب كسرحان الباءة ضامر وكل لجوج في الجراء طمرة * كعجزاء فتحاء‬
‫الجناحين كاسر‬

‫)‪ (1‬القليب‪ :‬البئر‪ (2) :‬الصول ‪ 162 :2‬و ‪ (3) .163‬المصدر خال عن لفظة‪:‬‬
‫شعر‪ .‬ونسب ابن هشام الشعار الى عمرو بن الحارث ] بن عمرو [ بن‬
‫مضاض‪ (4) .‬أولها‪ :‬وقائلة والدمع سكب مبادر * وقد شرقت بالدمع‬
‫منها المحاجر والحجون بفتح الحاء‪ :‬موضع بأعلى مكة‪ .‬وسمر‪ :‬تحدث‬
‫ليل‪ .‬بعده‪ :‬فقلت لها والقلب منى كأنما * يلجلجه بين الجناحين طائر‬
‫يلجلجه‪ :‬يحركه ويديره‪ (5) .‬صروف الليالى‪ :‬شدائدها ونوائبها‪ .‬والجدود‬
‫جمع الجد‪ :‬الحظ والبخت‪ .‬ويقال عثر جده أي تعس وهلك‪ ،‬والجدود‬
‫العواثر‪ :‬الحظوظ المهلكات والبخت النحس المتعس‪.‬‬

‫] ‪[ 174‬‬

‫والقصيدة طويلة‪ ،‬فحسدته قريش بذلك فقالوا‪ :‬نحن شركاءك فيها‪ ،‬فقال‪ :‬هذه‬
‫فضيلة بنت )‪ (1‬بها دونكم أريتها في منامي ثلث ليال تباعا "‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فحاكمنا إلى من شئت من حكام العرب‪ ،‬فخرجوا إلى الشام يريدن أحد‬
‫كهانها وعلمائها‪ ،‬فأصابهم عطش شديد فأوصى بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫فبيناهم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين‬
‫أخفافها‪ ،‬فشربوا وتزودوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا عبد المطلب إن الذي سقاك في هذه‬
‫البادية القفر هو الذي سقاك بمكة‪ ،‬فرجعوا وسلموا له هذه المآثرة )‪،(2‬‬
‫بيان‪ :‬القبب‪ :‬الضمر‪ ،‬وخمص البطن‪ .‬والباءة‪ :‬أجمة القصب‪ .‬والجرآء‬
‫بالكسر جمع الجر وهو بالضم والكسر‪ :‬ولد الكلب والسباع‪ .‬وفرس طمر‬
‫بالكسر وتشديد الراء وهو المستفز للوثب والعدو‪ .‬وعقاب عجزاء‪ :‬قصيرة‬
‫الذنب‪ ،‬ويقال‪ :‬كسر الطائر‪ :‬إذا ضم جناحيه حين ينقض‪ .‬والكاسر‪ :‬العقاب‪،‬‬
‫ذكرها الجوهري‪) .‬باب ‪) * (2‬البشائر بمولده ونبوته من النبياء‬
‫والوصياء صلوات ال عليه( * * )وعليهم وغيرهم من الكهنة وسائر‬
‫الخلق‪ ،‬وذكر بعض( * * )المؤمنين في الفترة( * اليات‪ :‬البقرة )‪ (2‬ولما‬
‫جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على‬
‫الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ‪.89‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم نبذ فريق من‬
‫الذين اوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون ‪ .101‬وقال‬
‫سبحانه‪ ..:‬وابعث فيهم رسول " منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب و‬
‫الحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ‪.129‬‬

‫)‪ (1‬هكذا في نسخة المصنف‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬نبئت‪ (2) .‬كنز الكراجكى‪ 106 :‬و‬
‫‪.107‬‬

‫] ‪[ 175‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا " منهم‬
‫ليكتمون الحق وهم يعلمون ‪ .147‬آل عمران )‪ :(3‬وإذ أخذ ال ميثاق‬
‫النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم‬
‫لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا‬
‫قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فاولئك هم‬
‫الفاسقون ‪ 81‬و ‪ .82‬وقال تعالى‪ :‬وإذا أخذ ال ميثاق الذين اوتوا الكتاب‬
‫لتبيننه للناس ول تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا " قليل‬
‫" فبئس ما يشترون * ل تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن‬
‫يحمدوا بما لم يفعلوا فل تحسبنهم بمفازة من العذاب و لهم عذاب أليم‬
‫‪ 187‬و ‪ .188‬العراف )‪ :(7‬الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي‬
‫يجدونه مكتوبا " عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم‬
‫عن المنكر ويحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم‬
‫والغلل التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه ونصروه واتبعوا‬
‫النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون ‪ .157‬وقال تعالى‪ :‬وإذ تأذن ربك‬
‫ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع‬
‫العقاب وإنه لغفور رحيم ‪ .167‬النبياء )‪ :(21‬ولقد كتبنا في الزبور من‬
‫بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالحون ‪ .105‬الشعراء )‪ :(26‬وإنه‬
‫لفي زبر الولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ‪ 196‬و‬
‫‪ .197‬القصص )‪ :(28‬وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى المر‬
‫وما كنت من الشاهدين‪ ] .‬إلى قوله تعالى [‪ :‬وما كنت بجانب الطور إذ‬
‫نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما " ما آتيهم من نذير من قبلك لعلهم‬
‫يتذكرون ‪ 45‬و ‪ .46‬الصف )‪ :(61‬وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل‬
‫إني رسول ال إليكم مصدقا "‬

‫] ‪[ 176‬‬

‫لما بين يدي من التوراة ومبشرا " برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم‬
‫بالبينات قالوا هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب وهو‬
‫يدعى إلى السلم وال ل يهدي القوم الظالمين ‪ 6‬و ‪ .7‬تفسير‪ :‬قال‬
‫الطبرسي رحمه ال في قوله تعالى‪) :‬ولما جاءهم كتاب من عند ال(‪ :‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬كانت اليهود )يستفتحون( أي يستنصرون على الوس‬
‫والخزرج برسول ال صلى ال عليه وآله قبل مبعثه‪ ،‬فلما بعثه ال من‬
‫العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه‪،‬‬
‫فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور‪ :‬يا معشر اليهود اتقوا‬
‫ال وأسلموا‪ ،‬فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك‬
‫وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث‪ ،‬فقال سلم بن مشكم )‪ (1‬أخو بني‬
‫النضير‪ :‬ما جاءنا بشئ نعرفه‪ ،‬وما هو بالذي كنا نذكر لكم‪ ،‬فأنزل ال‬
‫تعالى هذه الية )‪ .(2‬وفي قوله‪) :‬مصدق لما معهم(‪ :‬مصدق لكتبهم من‬
‫التوراة والنجيل‪ ،‬لنه جاء على الصفة التي تقدم بها البشارة )‪ .(3‬وفي‬
‫قوله‪) :‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيين(‪ :‬روي عن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫وابن عباس وقتادة أن ال تعالى أخذ الميثاق على النبياء قبل نبينا أن‬
‫يخبروا اممهم بمبعثه ونعته‪ ،‬ويبشروهم‪ ،‬به‪ ،‬ويأمروهم بتصديقه‪ ،‬وقال‬
‫طاؤوس‪ :‬أخذ ال الميثاق على النبياء على الول والخر‪ ،‬فأخذ ميثاق‬
‫الول بما جاء )‪ (4‬به الخر‪ .‬وقال الصادق عليه السلم‪ :‬تقديره وإذ أخذ‬
‫ال ميثاق امم النبين بتصديق نبيها‪ ،‬و العمل بما جاءهم به‪ ،‬وإنهم خالفوه‬
‫بعد ما جاء وما وفوا به‪ ،‬وتركوا كثيرا " من شرائعه‪ ،‬وحرفوا كثيرا "‬
‫منها‪ .‬والصر‪ :‬العهد )‪ .(5‬وفي قوله تعالى‪) :‬وإذ أخذ ال ميثاق الذين‬
‫اوتوا الكتاب( قيل‪ :‬أراد به اليهود‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬سلم بن مسلم‪ (2) .‬مجمع البيان ‪ (3) .158 :1‬مجمع البيان ‪:1‬‬
‫‪ 169‬وفيه تقدمت بها البشارة‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لتؤمنن بما جاء به‬
‫الخر‪ (5) .‬مجمع البيان ‪(*) .68 :2‬‬

‫] ‪[ 177‬‬

‫وقيل‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬وقيل‪ :‬كل من اوتي علما " بشئ من الكتب )لتبيننه‬
‫للناس( أي محمدا " صلى ال عليه وآله )‪ ،(1‬لن في كتابهم أنه رسول‬
‫ال‪ ،‬وقيل‪ :‬أي الكتاب فيدخل فيه بيان أمر النبي صلى ال عليه وآله )ل‬
‫تحسبن الذين يفرحون بما أتوا( قيل‪ :‬هم اليهود الذين فرحوا بكتمان أمر‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وأحبوا أن يحمدوا بأنهم أئمة وليسوا كذلك‪،‬‬
‫وقال البلخي‪ :‬إن اليهود قالوا‪ :‬نحن أبناء ال وأحباءه‪ ،‬وأهل الصلة‬
‫والصوم‪ ،‬وليسوا كذلك )‪ ،(2‬ولكنهم أهل الشرك والنفاق وهو المروي عن‬
‫الباقر عليه السلم‪ ،‬والقوى أن يكون المعني بالية من أخبر ال عنهم أنه‬
‫أخذ ميثاقهم في أن يبينوا أمر محمد صلى ال عليه وآله ول يكتموه )‪.(3‬‬
‫وفي قوله‪) :‬في التوراة والنجيل( معناه يجدون نعته وصفته ونبوته‬
‫مكتوبا " في التوراة في السفر الخامس‪ :‬إني ساقيم لهم نبيا " من إخوتهم‬
‫مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي في فيه‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬كل ما اوصيه به‪ .‬وفيها أيضا "‬
‫مكتوب‪ :‬وأما ابن المة )‪ (4‬فقد باركت عليه جدا " جدا "‪ ،‬وسيلد اثنى‬
‫عشر عظيما "‪ ،‬واؤخره لمة عظيمة‪ .‬وفيها أيضا‪ :‬أتانا ال من سيناء‪،‬‬
‫وأشرق من ساعير‪ ،‬واستعلن من جبال فاران )‪ .(5‬وفي النجيل بشارة‬
‫بالفار قليط في مواضع‪ :‬منها نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر‬
‫كله‪ .‬وفيه أيضا "‪ :‬قول المسيح للحواريين‪ :‬أنا أذهب وسيأتيكم‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أي لتظهرنه للناس‪ ،‬والهاء عائدة إلى محمد صلى ال عليه وآله‪.‬‬
‫)‪ (2‬في المصدر‪ :‬وليسوا من أولياء ال ول أحبائه ول أهل الصلة‬
‫والصوم‪ (3) .‬مجمع البيان ‪ 552 :2‬و ‪ 553‬و ‪ (4) .554‬والمراد به‬
‫اسماعيل عليه السلم‪ (5) .‬قال الحموى في المعجم‪ :‬ساعير‪ :‬اسم لجبال‬
‫فلسطين‪ ،‬وهو من حدود الروم وهو قرية من الناصرة بين طبرية وعكا‪،‬‬
‫وفاران كلمة عبرانية معربة وهى من أسماء مكة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو اسم لجبال‬
‫مكة‪ ،‬وقال ابن ماكول‪ :‬هي جبال الحجاز‪ ،‬وفي التوراة‪ :‬جاء ال من‬
‫سيناء‪ ،‬وأشرق من ساعير واستعلن من فاران‪ ،‬محيئه من سيناء تكليمه‬
‫لموسى عليه السلم‪ ،‬واشراقه من ساعير هو انزال النجيل على عيسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬واستعلنه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد صلى‬
‫ال عليه واله وسلم‬

‫] ‪[ 178‬‬

‫الفارقليط )‪ (1‬روح الحق الذي ل يتكلم من قبل نفسه‪ ،‬إنه نذيركم يجمع الحق‪ ،‬و‬
‫يخبركم بالمور المزمعة )‪ ،(2‬ويمدحني ويشهد لي‪ .‬وفيه أيضا "‪ :‬إنه إذا‬
‫جاء قيد أهل العالم‪ .‬قوله تعالى‪) :‬إصرهم( أي ثقلهم وهو التكاليف الشاقة‬
‫)والغلل التي كانت عليهم( أي العهود التي كانت في ذمتهم‪ ،‬وقيل‪ :‬يريد‬
‫بالغلل ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة وقرض ما يصيبه البول‬
‫من أجسادهم‪ ،‬وما أشبه ذلك )وعزروه( أي عظموه ووقروه )واتبعوا‬
‫النور الذي انزل معه( أي القرآن )‪ .(3‬أقول‪ :‬سيأتي في الروايات أنه أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ .‬وفي قوله تعالى‪) :‬وإذ تأذن ربك( أي آذن وأعلم‬
‫)ليبعثن عليهم( أي على اليهود )إلى يوم القيامة من يسومهم سوء‬
‫العذاب( أي من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب بالقتل وأخذ الجزية منهم‪،‬‬
‫والمعني به امة محمد صلى ال عليه واله عند جميع المفسرين‪ ،‬وهو‬
‫المروي عن أبي جعفر عليه السلم )‪ .(4‬وفي قوله تعالى‪) :‬ولقد كتبنا في‬
‫الزبور من بعد الذكر( قيل‪ :‬الزبور‪ :‬كتب النبياء‪ ،‬والذكر‪ :‬اللوح المحفوظ‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الزبور‪ :‬الكتب المنزلة بعد التوراة‪ ،‬والذكر‪ :‬التوراة‪ ،‬وقيل‪ :‬الزبور‬
‫كتاب داود عليه السلم‪ ،‬والذكر‪ :‬التوراة )أن الرض يرثها عبادي‬
‫الصالحون( أي أرض الجنة أو الرض المعروفة يرثها امة محمد صلى ال‬
‫عليه واله‪ ،‬وقال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬هم أصحاب المهدي في آخر‬
‫الزمان )‪ .(5‬وفي قوله سبحانه‪) :‬وإنه لفي زبر الولين( أي ذكر القرآن‬
‫وخبره في كتب الولين على وجه البشارة به وبمحمد صلى ال عليه واله‬
‫)أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني‬

‫)‪ (1‬فارقليط‪ :‬كلمة يونانية‪ ،‬معناها الذي يذكره الناس بالخير ويحمدونه‪ .‬وهو‬
‫مرادف لمحمد أو أحمد‪ (2) .‬أزمع المر وعليه وبه‪ :‬ثبت عليه وأظهر‬
‫فيه عزما‪ (3) .‬مجمع البيان ‪ (4) .488 :4‬مجمع البيان ‪(5) .494 :4‬‬
‫مجمع البيان ‪ .66 :7‬ثم ذكر أخبارا من العامة تدل على قول الخير‪.‬‬
‫] ‪[ 179‬‬

‫إسرائيل( أي أولم يكن علم علماء بني إسرائيل بمجيئه على ما تقدمت البشارة به‬
‫دللة لهم على صحة نبوته‪ ،‬وهم عبد ال بن سلم وأصحابه‪ ،‬وقيل‪ :‬هم‬
‫خمسة‪ :‬عبد ال بن سلم‪ ،‬وابن يامين‪ ،‬وثعلبة‪ ،‬وأسد‪ ،‬وأسيد )‪ .(1‬وفي‬
‫قوله تعالى‪) :‬وما كنت بجانب الغربي( أي في الجانب الغربي من الجبل‬
‫الذي كلم ال فيه موسى‪ ،‬وقيل‪ :‬بجانب الوادي الغربي )إذ قضينا إلى‬
‫موسى المر( أي عهدنا إليه بالرسالة‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد كلمه معه في وصف‬
‫نبينا محمد صلى ال عليه واله ونبوته )ولكن رحمة من ربك( أي ال‬
‫أعلمك ذلك‪ ،‬وعرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك‪ ،‬وهو أن بعثك نبيا‬
‫"‪ ،‬واختارك لنباء العلم بذلك معجزة لك‪ ،‬لتنذر العرب الذين لم يأتهم‬
‫رسول قبلك لكي يتفكروا ويعتبروا )‪ - 1 .(2‬شى‪ :‬عن حبيب )‪(3‬‬
‫السجستاني قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال‪) :‬وإذ أخذ ال‬
‫ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم‬
‫لتؤمنن به ولتنصرنه( فكيف يؤمن موسى عليه السلم بعيسى عليه السلم‬
‫وينصره ولم يدركه ؟ وكيف يومن عيسى عليه السلم بمحمد صلى ال‬
‫عليه واله وينصره ولم يدركه ؟ فقال‪ :‬يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي‬
‫كثيرة‪ ،‬ولم يزد فيه إل حروف أخطأت بها الكتبة‪ ،‬وتوهمتها الرجال‪ ،‬وهذا‬
‫وهم‪ ،‬فاقرءها‪) :‬وإذ أخذ ال ميثاق امم النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة‬
‫ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه(‪ ،‬هكذا أنزلها ال‬
‫يا حبيب‪ ،‬فو ال ماوفت امة من المم التي كانت قبل موسى بما أخذ ال‬
‫عليها من الميثاق لكل نبي بعثه ال بعد نبيها‪ ،‬ولقد كذبت المة التي جاءها‬
‫موسى لما جاءها موسى ولم يومنوا به ول نصروه‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ‪ ،204 :7‬اختصر المصنف ما في المصدر‪ ،‬وكذا فيما مر‪(2) .‬‬
‫مجمع البيان ‪ 256 ،7‬و ‪ (3) .257‬حبيب السجستاني لم يوثقه أصحاب‬
‫الرجال‪ ،‬والحديث مع الغض عن وثاقته وعدمها مرسل معارض لما عليه‬
‫اجماع المة من أن القران هو ما بين الدفتين لم يزد فيه ولم ينقص عنه‪،‬‬
‫وهو احد الثقلين الذى تاركه النبي صلى ال عليه وآله بين المة‪ ،‬وهو‬
‫باق إلى قيام الساعة مع أن ما في النقل الثاني لم يدفع إشكال الراوى‬
‫أيضا‪ ،‬إل أن يكون المراد من المم امة موسى وعيسى عليهما السلم‬
‫الموجودون في زمان النبي صلى ال عليه وآله‪.‬‬

‫] ‪[ 180‬‬

‫لما جاءها إل القليل منهم‪ ،‬ولقد كذبت امة عيسى عليه السلم بمحمد صلى ال عليه‬
‫واله ولم يؤمنوا به ول نصروه لما جاءهم إل القليل منهم‪ ،‬ولقد جحدت‬
‫هذه المة بما أخذ عليها رسول ال من الميثاق لعلي بن أبي طالب عليه‬
‫السلم يوم أقامه للناس ونصبه لهم ودعاهم إلى وليته وطاعته في حياته‪،‬‬
‫وأشهدهم بذلك على أنفسهم‪ ،‬فأي ميثاق أو كد من قول رسول ال صلى‬
‫ال عليه واله في علي بن أبي طالب عليه السلم ؟ فو ال ما وفوا به‪ ،‬بل‬
‫جحدوا وكذبوا )‪ - 2 .(1‬فس‪) :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون‬
‫أبناءهم( الية‪ ،‬فإن عمر بن الخطاب قال لعبد ال بن سلم‪ :‬هل تعرفون‬
‫محمدا " في كتابكم ؟ قال‪ :‬نعم وال نعرفه بالنعت الذي نعته ال لنا إذا‬
‫رأيناه فيكم‪ ،‬كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان‪ ،‬والذي يحلف به ابن‬
‫سلم لنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني‪ ،‬قال ال‪) :‬الذين خسروا‬
‫أنفسهم فهم ل يؤمنون( )‪ - 3 .(2‬نجم‪ :‬في كتاب دلئل النبوة جمع أبي‬
‫القاسم الحسين بن محمد السكوني‪ ،‬عن محمد بن علي بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫الحسن‪ ،‬عن عبد ال بن غانم‪ ،‬عن هناد‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن‬
‫صالح بن إبراهيم‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أسعد‪ ،‬عن ابن مسيب‪ ،‬عن حسان‬
‫ابن ثابت )‪ (3‬قال‪ :‬إني وال لغلم يفعاء )‪ (4‬ابن سبع أو ثمان سنين أعقل‬
‫كل ما سمعت‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬تفسير القمى‪ (3) .182 :‬الموجود في المصدر‬
‫هكذا‪ :‬ووجد في كتاب دلئل النبوة جمع أبى القاسم الحسين بن محمد‬
‫السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لثنتى عشرة‬
‫ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة‪ ،‬ونسخ من‬
‫أصل كتاب مصنفه‪ ،‬فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة‬
‫النبي صلوات ال عليه وآله فقال ما هذا لفظه‪ :‬حدثنى الشريف أبو عبد‬
‫ال محمد بن على بن الحسين بن على بن عبد الرحمن قال‪ :‬حدثنا الحسن‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن غانم قال حدثنا هناد قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ،‬عن ابى‬
‫اسحاق قال‪ :‬حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن يحيى‬
‫بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال‪ :‬حدثنا ابن شيث‪ ،‬عن رجال‬
‫قومه‪ ،‬عن حسان بن ثابت إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬الصحيح‪ :‬عن يحيى بن عبد ال‪،‬‬
‫ويحيى هذا هو يحيى بن عبد ال بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة‪،‬‬
‫راجع تهذيب التهذيب ‪ (4) .379 :4‬في المصدر‪ :‬لغلم يفقه‪.‬‬

‫] ‪[ 181‬‬

‫إذ سمعت يهوديا " وهو على أكمة )‪ (1‬يثرب يصرخ‪ :‬يا معشر اليهود‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا قالوا‪ :‬ويلك مالك ؟ قال‪ :‬طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة )‪.(2‬‬
‫‪ - 4‬ل‪ :‬ما جيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن علي بن الحسين الرقي‪،‬‬
‫عن عبد ال بن جبلة‪ ،‬عن الحسن بن عبد ال‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن جده الحسن‬
‫بن علي بن أبي طالب عليهم السلم في حديث طويل قال‪ :‬جاء نفر من‬
‫اليهود إلى رسول ال صلى ال عليه واله فسأله أعلمهم عن أشياء فأجابه‬
‫عليه السلم فأسلم وأخرج رقا " أبيض )‪ ،(3‬فيه جميع ما قال النبي صلى‬
‫ال عليه واله‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول ال والذي بعثك بالحق نبيا ما استنسختها‬
‫إل من اللواح التي كتب ال عزوجل لموسى بن عمران عليه السلم‪ ،‬ولقد‬
‫قرأت في التوراة فضلك حتى شككت فيه يا محمد‪ ،‬ولقد كنت أمحو اسمك‬
‫منذ اربعين سنة من التوراة‪ ،‬وكلما محوته وجدته مثبتا " فيها‪ ،‬ولقد قرأت‬
‫في التوراة أن هذه المسائل ل يخرجها غيرك‪ ،‬وإن في الساعة التي ترد‬
‫عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك‪ ،‬وميكائيل عن يسارك‪،‬‬
‫ووصيك بين يديك‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬صدقت‪ ،‬هذا‬
‫جبرئيل عن يمني‪ ،‬وميكائيل عن يساري )‪ ،(4‬ووصيي علي بن أبي طالب‬
‫بين يدي‪ ،‬فآمن اليهودي وحسن إسلمه )‪ - 5 .(5‬ك‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الحسن بن علي‪ ،‬عن عمر ابن أبان رفعه )‬
‫‪ (6‬أن تبع )‪ (7‬قال في مسيره )‪:(8‬‬

‫)‪ (1‬أكمة‪ :‬التل‪ .‬وفي المصدر وهو على اطمة يثرب يصيح ا‍ه‪ .‬والطم‪ :‬الحصن‪) .‬‬
‫‪ (2‬فرج المهموم‪ (3) .29 :‬الرق‪ :‬جلد رقيق يكتب فيه‪ (4) .‬عن شمالى‬
‫خ ل‪ (5) .‬الخصال ‪ (6) .9 :2‬في المصدر‪ :‬عمر بن أبان‪ ،‬عن أبان رفعه‪.‬‬
‫)‪ (7‬هو تبع بن حسان بن بحيلة بن كلى كرب بن تبع القرن‪ ،‬وهو أسعد‬
‫أبو كرب على ما في تاريخ اليعقوبي‪ ،‬وفي سيرة ابن هشام‪ :‬حسان بن‬
‫تبان أسعد أبى كرب )وتبان أسعد‪ :‬هو تبع الخر( ابن كلى كرب بن زيد‬
‫)وزيد‪ :‬هو تبع الول( بن عمرو ذى الذعار بن أبرهة ذى المنار بن‬
‫الريش ويقال‪ :‬الرائش‪ .‬وقد فصل اليعقوبي وابن هشام والمسعودي‬
‫والطبري وابن الثير أخباره وقد تقدم طرف من أخباره في باب بعض‬
‫أحوال ملوك الرض في المجلد ‪ 14‬من طبعنا هذا‪ (8) .‬في نسخة من‬
‫المصدر‪ :‬قال في شعره‪.‬‬

‫] ‪[ 182‬‬

‫حتى أتاني من قريظة عالم * حبر لعمرك في اليهود مسدد قال‪ :‬ازدجر عن قرية‬
‫محجوبة * لنبي مكة من قريش مهتد فعفوت عنهم عفو غير مثرب )‪* (1‬‬
‫وتركتهم لعقاب يوم سرمد وتركتها ل أرجو عفوه * يوم الحساب من‬
‫الحميم الموقد )‪ (2‬فلقد تركت له بها من قومنا * نفرا " اولي حسب وممن‬
‫يحمد نفرا " يكون النصر في أعقابهم * أرجو بذاك ثواب رب محمد ما‬
‫كنت أحسب أن بيتا " طاهرا " )‪ * (3‬ل في بطحاء مكة يعبد قالوا‪ :‬بمكة‬
‫بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد فأردت أمرا " حال ربي دونه *‬
‫وال يدفع عن خراب المسجد فتركت ما أملته فيه لهم * وتركتهم مثل "‬
‫لهل المشهد )‪ (4‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬كان الخبر )‪ (5‬أنه سيخرج‬
‫من هذه يعني مكة نبي يكون مهاجره يثرب‪ ،‬فأخذ قوما " من اليمن‬
‫فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج‪ ،‬وفي ذلك يقول‪ :‬شهدت على أحمد‬
‫أنه * رسول من ال بارئ النسم فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا "‬
‫له وابن عم وكنت عذابا " على المشركين * أسقيهم كأس حتف وغم )‪(6‬‬
‫‪ - 6‬ك‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد‬
‫الحميد عن الوليد بن صبيح‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن تبع قال‬
‫للوس والخزرج‪ .‬كونوا‬

‫)‪ (1‬ثربة وثرب عليه‪ :‬لمه‪ ،‬قبح عليه فعله‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬من الجحيم الموقد‪) .‬‬
‫‪ (3‬في نسخة وفي الصدر‪ :‬ظاهرا‪ (4) .‬البيات من قصيدة طويلة‬
‫مطلعها‪ :‬ما بال عينك ل تنام كأنما * كحلت مآقيها بسم السود )‪ (5‬في‬
‫المصدر‪ :‬قد أخبر‪ (6) .‬كمال الدين‪.101 :‬‬

‫] ‪[ 183‬‬

‫ها هنا حتى يخرج هذا النبي‪ ،‬فأما أنا فلو أدركته لخدمته وخرجت معه )‪ - 7 .(1‬ك‪:‬‬
‫أحمد بن محمد بن الحسين البزاز‪ ،‬عن محمد بن يعقوب الصم‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن عبد الجبار‪ ،‬عن يونس بن بكر )‪ ،(2‬عن زكريا بن يحيى‪ ،‬عن عكرمة‬
‫قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬ل يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما "‬
‫)‪ .(3‬بيان‪ :‬اختلف في تبع هل كان مسلما " أم ل‪ ،‬وهذه الروايات تدل على‬
‫إسلمه‪ .‬قال الطبرسي رحمه ال في قوله تعالى‪) :‬أهم خير أم قوم تبع( أي‬
‫أمشركوا قريش أظهر نعمة‪ ،‬وأكثر أموال "‪ ،‬وأعز في القوة والقدرة أم‬
‫قوم تبع الحميري‪ ،‬الذي سار بالجيوش حتى حير الحيرة‪ ،‬وأتى سمرقند‬
‫فهدمها ثم بناها‪ ،‬وكان إذا كتب كتب‪) :‬بسم الذي ملك برا " وبحرا "‪،‬‬
‫وضحا " وريحا " )‪ ،((4‬عن قتادة‪ ،‬سمي تبعا " لكثرة أتباعه من الناس‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬لنه تبع من قبله من ملوك اليمن‪ ،‬والتبابعة‪ :‬اسم ملوك اليمن‪ ،‬فتبع‬
‫لقب له كما يقال‪ :‬خاقان لملك الترك‪ ،‬وقيصر لملك الروم‪ ،‬واسمه أسعد أبو‬
‫كرب‪ ،‬وروى سهل بن سعد‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه واله أنه قال‪) :‬ل‬
‫تسبوا تبعا " فإنه كان قد أسلم( قال كعب‪ :‬نعم الرجل الصالح‪ ،‬ذم ال قومه‬
‫ولم يذمه )‪ .(5‬وقال البيضاوي‪ :‬وكان مؤمنا " وقومه كافرين‪ ،‬ولذلك‬
‫ذمهم دونه‪ ،‬وعنه عليه السلم‪ :‬ما أدري أكان تبع نبيا " أو غير نبي )‪.(6‬‬
‫‪ - 8‬ك‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن العلء‪ ،‬عن‬
‫محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬بينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا‬
‫عليه‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من القوم ؟ قالوا‪ :‬وفد من بكر‬
‫بن‬

‫)‪ (1‬كمال الدين‪ 101 :‬و ‪ (2) .102‬في المصدر‪ :‬يونس بن بكير‪ (3) .‬كمال الدين‪:‬‬
‫‪ (4) .102‬الضح‪ :‬الشمس‪ ،‬وقولهم‪ :‬جاء فلن بالضح والريح أي بما‬
‫طلعت عليه الشمس‪ ،‬وما جرت عليه الريح‪ ،‬يعنى من الكثرة‪ (5) .‬مجمع‬
‫البيان ‪ (6) .66 :9‬أنوار التنزيل ‪.419 :2‬‬

‫] ‪[ 184‬‬

‫وائل )‪ ،(1‬قال‪ :‬فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة اليادي ؟ قالوا‪ :‬نعم يا‬
‫رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬فما فعل ؟ قالوا‪ :‬مات‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬الحمد ل رب الموت‪ ،‬ورب الحياة‪ ،‬كل نفس ذائقة الموت‪ ،‬كأني أنظر‬
‫إلى قس بن ساعدة اليادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر‪ ،‬وهو‬
‫يخطب الناس ويقول‪ :‬اجتمعوا أيها الناس )‪ ،(2‬فإذا اجتمعتم فأنصتوا‪ ،‬فإذا‬
‫أنصتم فاستمعوا‪ ،‬فإذا اسمعتم )‪ (3‬فعوا‪ ،‬فإذا وعيتم فاحفظوا‪ ،‬فإذا حفظتم‬
‫فاصدقوا‪ ،‬أل إن من عاش مات‪ ،‬ومن مات فات‪ ،‬ومن فات فليس بآت‪ ،‬إن‬
‫في السماء خبرا "‪ ،‬وفي الرض عبرا "‪ ،‬سقف مرفوع‪ ،‬ومهاد موضوع‪،‬‬
‫ونجوم تمور‪ ،‬وليل يدور‪ ،‬وبحار ماء ل تغور )‪ ،(4‬يحلف قس ما هذا بلعب‬
‫)‪ ،(5‬وإن من وراء هذا لعجبا "‪ ،‬ما لي أرى الناس يذهبون فل يرجعون ؟‬
‫أرضوا بالمقام فأقاموا‪ ،‬أم تركوا فناموا ؟ يحلف قس يمينا " غير كاذبة إن‬
‫ل دينا " هو خير من الدين الذي أنتم عليه‪ ،‬ثم قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬رحم ال قسا " يحشر يوم القيامة امة واحدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل فيكم‬
‫أحد يحسن من شعره شيئا " ؟ فقال بعضهم‪ :‬سمعته يقول‪ :‬في الولين‬
‫الذاهبين من القرون لنا بصائر * لما رأيت مواردا " للموت ليس لها‬
‫مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي الكابر والصاغر * ل يرجع الماضي‬
‫إلي ول من الباقين غابر أيقنت أني ل محالة حيث صار القوم صائر وبلغ‬
‫من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى ال عليه واله كان يسأل‬
‫من يقدم عليه من إياد )‪ (6‬عن حكمته ويصغى إليها )‪ - 9 .(7‬كنز‬
‫الكراجكى‪ :‬عن أسد بن إبراهيم السلمي‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن موسى‪،‬‬

‫)‪ (1‬بنو بكر بن وائل‪ :‬قبيلة عظيمة من العدنانية تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط‬
‫بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن نزار بن معد بن‬
‫عدنان‪ ،‬فيها الشهرة والعدد‪ ،‬كانت ديارها من اليمامة إلى البحرين‪ ،‬إلى‬
‫سيف كاظمة‪ ،‬إلى البحرين فأطراف سواد العراق فالبلة فهيت‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬أيها الناس اجتمعوا‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فإذا سمعتم‪ (4) .‬غار‬
‫الماء‪ :‬ذهب في الرض‪ .‬وفي المصدر‪ :‬وبحار ماء تغور‪ (5) .‬في المصدر‬
‫زيادة وهى‪ :‬والناس يلعب‪ (6) .‬اياد‪ :‬بطن عظيم من العدنانية وهم بنو‬
‫إياد بن نزار بن معد بن عدنان‪ (7) .‬كمال الدين‪ 99 :‬و ‪.100‬‬

‫] ‪[ 185‬‬

‫عن عبد ال بن محمد )‪ ،(1‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن محمد بن حسان‪ ،‬عن محمد‬
‫بن الحجاج )‪ ،(2‬عن مجالد‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن ابن عباس مثله إلى قوله‪:‬‬
‫حيث صار القوم صائر )‪ .(2‬بيان‪ :‬مار الشئ يمور مورا "‪ :‬تحرك وجاء‬
‫وذهب‪ - 10 .‬ك‪ :‬الحسن بن عبد ال‪ ،‬عن الحسين بن الحسن بن علي بن‬
‫إسماعيل )‪ ،(4‬عن محمد بن زكريا‪ ،‬عن عبد ال بن الضحاك‪ ،‬عن هشام‪،‬‬
‫عن أبيه أن وفدا " من إياد قدموا على رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫فسألهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا‪ :‬قال قس شعرا "‪ :‬يا ناعي الموت‬
‫والموات في جدث * عليهم من بقايا تربهم )‪ (5‬خرق دعهم فإن لهم يوما‬
‫" يصاح بهم * كما ينبه من نوماته الصعق منهم عرات ومنهم في ثيابهم‬
‫* منها جديد ومنها الن ذوالخلق )‪ (6‬مطر ونبات وآباء وامهات‪ ،‬وذاهب‬
‫وآت‪ ،‬وآيات في أثر آيات‪ ،‬وأموات بعد أموات‪ ،‬وضوء وظلم‪ ،‬وليال وأيام‪،‬‬
‫وفقير وغني‪ ،‬وسعيد وشقي‪ ،‬ومحسن ومسئ‪ ،‬أين الرباب الفعلة ؟‬
‫ليصلحن كل عامل عمله‪ ،‬كل بل هو ال واحدا " )‪ (7‬ليس بمولود ول‬
‫والد‪ ،‬أعاد وابدئ‪ ،‬وإليه المآب غدا "‪ ،‬أما بعد يا معشر إياد أين ثمود‬
‫وعاد ؟ وأين الباء والجداد ؟ أين الحسن الذي لم يشكر‪ ،‬والقبيح الذي لم‬
‫ينقم‪ ،‬كل ورب الكعبة ليعودن ما بدا‪ ،‬ولئن ذهب يوما " )‪ (8‬ليعودن يوما‬
‫"‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ابو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن ابراهيم البابسيرى الحنظلي‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو محمد عبد ال بن محمد من ولد عمر بن الخطاب‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬اللخمى‪ (3) .‬كنز الكراجكى‪ 255 :‬فيه اختصار واختلف لفظي‬
‫راجعه‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬حدثنا الحسن بن عبد ال بن سعيد قال‪ :‬أخبرنا‬
‫ابو الحسن على بن الحسين بن اسماعيل‪ (5) .‬بزهم خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬منها الجديد ومنها الورق الخلق‪ .‬وبعده‪:‬‬
‫حتى يعودوا بحال غير حالتهم * خلق جديد وخلق بعدهم خلقوا )‪ (7‬في‬
‫المصدر‪ :‬هو ال واحد‪ (8) .‬يوم خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 186‬‬
‫وهو قس بن ساعدة بن حداق بن زهر بن إياد بن نزار‪ ،‬أول من آمن بالبعث من‬
‫أهل الجاهلية‪ ،‬وأول من توكأ على عصا "‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه عاش ست مأة‬
‫سنة‪ ،‬وكان يعرف النبي باسمه ونسبه‪ ،‬ويبشر الناس بخروجه وكان‬
‫يستعمل التقية‪ ،‬ويأمر بها في خلل ما يعظ به الناس )‪ .(1‬بيان‪ :‬الترب‬
‫يحتمل أن يكون بالمثلثه يقال‪ :‬ثرب المريض‪ :‬نزع عنه ثوبه‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون تصحيف ثوبهم‪ ،‬وفي بعض النسخ بزهم وهو أظهر‪ .‬أقول‪ :‬سيأتي‬
‫وصية قس في أبواب المواعظ‪ ،‬وفي باب كونهم أفضل من النبياء في‬
‫كتاب المامة‪ - 11 .‬ك‪ :‬ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن علي بن‬
‫حكيم‪ ،‬عن عمرو بن بكار العبسي‪ ،‬عن محمد بن السائب‪ ،‬عن أبى صالح‪،‬‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬وعن محمد بن علي بن حاتم البرمكي‪ ،(2) ،‬عن محمد بن‬
‫أحمد بن أزهر‪ ،‬عن محمد بن إسحاق البصري‪ ،‬عن علي بن حرب‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن عثمان بن حكيم‪ ،‬عن عمرو بن بكير )‪ ،(3‬عن أحمد بن القاسم‪،‬‬
‫عن محمد بن السائب‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما ظفر سيف‬
‫بن ذي يزن )‪ (4‬بالحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى ال عليه واله بسنتين‬
‫أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراءها لتهنئه وتمدحه‪ ،‬وتذكر ما كان من‬
‫بلئه )‪ (5‬وطلبه بثار قومه‪ ،‬فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن‬
‫هاشم وامية بن عبد شمس‪ ،‬وعبد ال بن جذعان‪ ،‬وأسد بن خويلد بن عبد‬
‫العزى )‪ ،(6‬ووهب بن عبد مناف في اناس من وجوه قريش‪ ،‬فقدموا عليه‬

‫)‪ (1‬كمال الدين‪ 100 :‬و ‪ (2) .101‬في المصدر‪ :‬البوفكى )النوفلي خ(‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬عمرو بن بكر‪ .‬وفي الكنز‪ :‬عمر بن بكر‪ (4) .‬في الكنز‪ :‬واسمها‬
‫النعمان بن قيس‪ (5) .‬حسن بلئه خ ل‪ .‬وهو الموجود في الكنز‪(6) .‬‬
‫هكذا في نسخة المصنف وكمال الدين واعلم الورى‪ ،‬والظاهر أنه وهم‬
‫والصحيح كما في الكنز ومروج الذهب‪ .‬خويلد بن أسد بن عبد العزى‪.‬‬

‫] ‪[ 187‬‬

‫صنعاء فاستأذنوا‪ ،‬فإذا هو في رأس قصر يقال له‪ :‬غمدان‪ ،‬وهو الذي يقول فيه‬
‫امية بن أبي الصلت‪ :‬اشرب هنيئا " عليك التاج مرتفقا " )‪ * (1‬في رأس‬
‫غمدان دارا " منك محلل )‪ (2‬فدخل عليه الذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم‪،‬‬
‫فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه فاستأذنه في الكلم‪ ،‬فقال له‪ :‬إن كنت‬
‫ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك‪ .‬قال‪ :‬فقال عبد المطلب‪ :‬إن ال‬
‫أحلك أيها الملك محل رفيعا " صعبا " منيعا " شامخا " باذخا "‪ ،‬وأنبتك‬
‫منبتا " طابت ارومته‪ ،‬وعذبت جرثومته )‪ ،(3‬وثبت أصله‪ ،‬وبسق فرعه‪،‬‬
‫في أكرم موطن‪ ،‬وأطيب معدن‪ ،‬فأنت أبيت اللعن ملك العرب‪ ،‬وربيعها الذي‬
‫تخصب به‪ ،‬وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد‪ ،‬وعمودها الذي‬
‫عليه العماد‪ ،‬ومعقلها )‪ (4‬الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف‪ ،‬وأنت لنا‬
‫منهم خير خلف‪ ،‬فلن يخمل من أنت سلفه )‪ ،(5‬ولن يهلك من أنت خلفه‪،‬‬
‫نحن أيها الملك أهل حرم ال وسدنة بيته‪ ،‬أشخصنا إليك الذي أبهجنا من‬
‫كشفك الكرب الذي فدحنا )‪ ،(6‬فنحن وفد التهنئة‪ ،‬ل وفد المرزئة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال‪ :‬أنا عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬قال‪ :‬ابن اختنا ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ادن )‪ (7‬فأدناه‪ ،‬ثم أقبل على القوم وعليه فقال‪ :‬مرحبا "‬
‫وأهل "‪ ،‬وناقة " )‪ (8‬ورحل "‪ ،‬ومستناخا "‬

‫)‪ (1‬مرتفعا خ ل وهو الموجود في المصادر كلها‪ (2) .‬القصيدة طويلة أوردها ابن‬
‫هشام في السيرة ‪ 69 :1‬و ‪ 70‬والمسعودي بعضها في مروج الذهب ‪:2‬‬
‫‪ 84‬و ‪ (3) .85‬وعزت جرثومته خ ل وهو الموجود في الكنز‪(4) .‬‬
‫المعقل‪ :‬الملجأ‪ (5) .‬من هم سلفه خ ل وهو الموجود في الكنز‪ ،‬قوله‪ :‬فلن‬
‫يخمل‪ ،‬أي فلن يخفى‪ (6) .‬في كمال الدين‪ :‬من كشف الكرب‪ :‬وفى الكنز‪:‬‬
‫لكشف الكرب‪ .‬قوله‪ :‬فدحنا أي أثقلنا وبهظنا‪ (7) .‬ادنه خ ل‪ ،‬وفي كمال‬
‫الدين‪ :‬قال‪ :‬ادن فدنا منه‪ (8) .‬ناقة خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 188‬‬

‫سهل "‪ ،‬وملكا وربحل )‪ ،(1‬يعطى عطاء جزل‪ ،‬قد سمع الملك مقالتكم‪ ،‬وعرف‬
‫قرابتكم‪ ،‬وقبل وسيلتكم‪ ،‬وأنتم )‪ (2‬أهل الليل‪ ،‬وأهل النهار‪ ،‬ولكم الكرامة‬
‫ما أقمتم‪ ،‬والحباء )‪ (3‬إذا ظعنتم‪ ،‬قال‪ :‬ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود‬
‫فأقاموا شهرا " ل يصلون إليه‪ ،‬ول يأذن لهم بالنصراف‪ ،‬ثم انتبه لهم‬
‫انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخله )‪ ،(4‬ثم قال‪ :‬أيا عبد‬
‫المطلب )‪ (5‬إني مفوض إليك من سر علمي أمرا " لو كان )‪ (6‬غيرك لم‬
‫أبح له به )‪ ،(7‬ولكني رأيتك معدنه فأطلعك عليه طلعة )‪ (8‬فليكن عندك‬
‫مطويا " حتى يأذن ال فيه‪ ،‬فإن ال بالغ أمره‪ ،‬إني أجد في الكتاب‬
‫المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لنفسنا وأخبرناه )‪ (9‬دون غيرنا‬
‫خبرا " عظيما "‪ ،‬وخطرا " جسيما "‪ ،‬فيه شرف الحياة‪ ،‬وفضيلة الوفاة‪،‬‬
‫للناس عامة‪ ،‬ولرهطك كافة‪ ،‬ولك خاصة‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬مثلك أيها‬
‫الملك من سر وبر )‪ ،(10‬فما هو فداك أهل الوبر زمرا " بعد زمر )‪ (11‬؟‬
‫فقال‪ :‬إذا ولد بتهامة‪ ،‬غلم بين كتفيه شامة‪ ،‬كانت له المامة‪ ،‬ولكم به‬
‫الزعامة )‪ (12‬إلى يوم القيامة‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬أبيت اللعن لقد ابت )‬
‫‪ (13‬بخير ما آب بمثله وافد‪ ،‬ولول هيبة الملك وإجلله وإعظامه‬

‫)‪ (1‬هكذا في نسخة المصنف‪ ،‬ولعله مصحف‪ :‬ونحل كما في كمال الدين والكنز‪،‬‬
‫وفي كمال الدين بعد ذلك‪ :‬يعنى عطاء جزيل‪ .‬وفي الكنز‪ :‬يعنى يعطى‬
‫عطاء جزيل‪ (2) .‬في كمال الدين والكنز‪ :‬فأنتم‪ (3) .‬الحباء‪ :‬العطية‪(4) .‬‬
‫فأدناه وأخله خ ل‪ ،‬وفي كمال الدين‪ :‬فأدنى مجلسه وأخله‪ (5) .‬في كمال‬
‫الدين‪ :‬يا عبد المطلب‪ (6) .‬في كمال الدين‪ :‬من سر على أمر ما لو كان‪.‬‬
‫وفي الكنز‪ :‬من سر علمي ما لو يكون‪ (7) .‬أي لم أظهره‪ (8) .‬أطلعه على‬
‫سره‪ :‬أظهره له‪ .‬وفي كمال الدين والكنز‪ .‬فأطلعتك عليه‪ (9) .‬في هامش‬
‫نسخة المصنف‪ :‬واختبيناه خ ل واحتجناه خ ل الكراجكى‪ .‬قلت‪ :‬الموجود‬
‫في كمال الدين‪ .‬وحجبناه وفي الكنز‪ :‬واحتجبناه‪ .‬والظاهر أن الخير‬
‫مصحف لن احتجب لم يستعمل متعديا‪ ،‬وأما واحتجناه لعله من احتجن‬
‫الشى‪ :‬جذبه‪ ،‬والمال‪ :‬ضمه إلى نفسه واحتواه‪ (10) .‬المصدر خال عن‬
‫كلمة من‪ ،‬يقال‪ :‬رجل سر برأى يسر ويبر‪ (11) .‬زمنا من بعد زمن خ ل‪.‬‬
‫)‪ (12‬في المصدر‪ :‬الدعامة‪ :‬والدعامة‪ :‬عماد البيت‪ ،‬ودعامة القوم‪:‬‬
‫سيدهم‪ (13) .‬أي رجعت‪.‬‬

‫] ‪[ 189‬‬

‫لسألته من أسراره ما أزداد به سرورا " )‪ ،(1‬فقال ابن ذي يزن‪ :‬هذا حينه الذي‬
‫يولد فيه‪ ،‬أو قد ولد فيه‪ ،‬اسمه محمد‪ ،‬يموت أبوه وامه‪ ،‬ويكفله جده‬
‫وعمه‪ ،‬وقد ولداه سرارا " )‪ (2‬وال باعثه جهارا "‪ ،‬وجاعل له منا‬
‫أنصارا "‪ ،‬يعز بهم أوليائه‪ ،‬ويذل بهم أعدائه‪ ،‬يضرب بهم الناس عن‬
‫عرض‪ (3) ،‬ويستفتح بهم )‪ (4‬كرائم الرض‪ ،‬يكسر الوثان‪ ،‬ويخمد‬
‫النيران‪ ،‬ويعبد الرحمن‪ ،‬ويزجر )‪ (5‬الشيطان‪ ،‬قوله فصل‪ ،‬وحكمه عدل‪،‬‬
‫يأمر بالمعروف ويفعله‪ ،‬وينهى عن المنكر ويبطله‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬أيها‬
‫الملك عز جدك )‪ ،(6‬وعل كعبك‪ ،‬ودام ملكك‪ ،‬وطال عمرك‪ ،‬فهل الملك‬
‫ساري بإفصاح )‪ (7‬فقد أوضح لي بعض اليضاح ؟ فقال ابن ذى يزن‪:‬‬
‫والبيت ذي الحجب‪ ،‬والعلمات على البيت )‪ ،(8‬إنك يا عبد المطلب لجده‬
‫غير كذب‪ ،‬قال‪ :‬فخر عبد المطلب ساجدا "‪ ،‬فقال له‪ :‬ارفع رأسك‪ ،‬ثلج‬
‫صدرك‪ ،‬وعل أمرك‪ ،‬فهل أحسست شيئا " مما ذكرته لك‪ ،‬فقال )‪ :(9‬كان‬
‫لي ابن وكنت به معجبا "‪ ،‬وعليه رفيقا )‪ ،(10‬فزوجته كريمة من كرائم‬
‫قومي‪ :‬آمنة بنت وهب‪ ،‬فجاءت بغلم فسميته محمدا "‪ ،‬مات أبوه وأمه‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬لسألته عن مسارة أياى ما ازداد به سرورا‪ .‬ونسخة من كمال‬
‫الدين يوافق المتن‪ (2) .‬ولدناه مرارا خ ل الكراجكى‪ .‬قلت‪ :‬في كمال‬
‫الدين‪ ،‬وقد ولد سرارا‪ .‬وفي نسختنا المخطوطة‪ :‬فقال ابن ذى يزن‪ :‬نبى‬
‫يبعث من عقبك‪ ،‬ورسول من فرعك‪ ،‬اسمه محمد )أحمد خ ل( هذا حينه‬
‫الذى يولد فيه أوقد ولد فيه‪ ،‬اسمه محمد‪ ،‬يموت أبوه وامه‪ ،‬ويكفله جده‬
‫وعمه‪ ،‬وقد ولد اسرارا "‪ (3) .‬يقال‪ :‬خرجوا يضربون الناس عن‬
‫عرض‪ :‬أي عن شقة وناحية كيفما اتفق ل يبايون من ضربوا‪(4) .‬‬
‫يستبيح به خ ل‪ ،‬وهو الموجود في الكنز وفي كمال الدين‪ :‬تستبيح‪(5) .‬‬
‫ويدحر خ ل وهو الموجود في الكنز وفي نسختنا المخطوطة من كمال‬
‫الدين‪ ،‬ودحره‪ :‬طرحه وأبعده‪ (6) .‬عز جارك خ ل )‪ (7‬بايضاح خ ل‪(8) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬على النصب‪ (9) .‬بعد ذلك في نسختنا المخطوطة من كمال‬
‫الدين‪ :‬فقال عبد المطلب‪ :‬نعم أيها الملك‪ ،‬كان إ‍ه‪ (10) .‬وبه شفيقا خ ل‬
‫قلت‪ :‬في الكنز‪ :‬وعليه شفيقا‪.‬‬

‫] ‪[ 190‬‬

‫وكفلته أنا وعمه )‪ ،(1‬فقال ابن ذي يزن‪ :‬إن الذي قلت لك كما قلت )‪ (2‬فاحتفظ‬
‫بابنك‪ ،‬واحذر عليه اليهود‪ ،‬فإنهم له أعداء‪ ،‬ولن يجعل ال لهم عليه‬
‫سبيل‪ ،‬واطو ما ذكرت لك دون هؤلء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن‬
‫تدخلهم النفاسة أن تكون له الرئاسة )‪ (3‬فيطلبون له الغوائل‪ ،‬وينصبون‬
‫له الحبائل‪ ،‬وهم فاعلون أو أبنائهم )‪ ،(4‬ولول علمي بأن الموت مجتاحي‬
‫قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى صرت )‪ (5‬بيثرب دار ملكه نصرة له‪،‬‬
‫لكني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق )‪ (6‬أن يثرب دار ملكه‪ ،‬وبها‬
‫استحكام أمره‪ ،‬وأهل نصرته‪ ،‬وموضع قبره‪ ،‬ولول أني أخاف فيه العاهات‪،‬‬
‫وأحذر عليه العاهات لعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت‪،‬‬
‫ولوطأت أسنان العرب عقبه‪ ،‬ولكني صارف إليك عن ذلك غير تقصير )‪(7‬‬
‫مني بمن معك‪ ،‬قال‪ :‬ثم أمر لكل رجل من القوم بعشرة أعبد‪ ،‬وعشر إماء‪،‬‬
‫وحلتين من البرود‪ ،‬ومأة من البل‪ ،‬وخمسة أرطال ذهب‪ ،‬وعشرة أرطال‬
‫فضة‪ ،‬وكرش )‪ (8‬مملوة عنبرا "‪ ،‬وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إذا حال الحول فأتني‪ ،‬فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكان عبد المطلب كثيرا " ما يقول‪ :‬يا معشر قريش ل يغبطني رجل منكم‬
‫بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد‪ ،‬ولكن يغبطني )‪ (9‬بما يبقى لي‬
‫ولعقبي من بعدي ذكره وفخره‬

‫)‪ (1‬في هامش نسخة المصنف نقل عن الكنز زيادة‪ :‬بين كتفيه شامة‪ ،‬وكل ما‬
‫ذكرت من علمته‪ .‬قلت‪ :‬هو موجود في الكنز أيضا‪ (2) .‬في كمال الدين‪:‬‬
‫كما قلت لك‪ (3) .‬أن تكون لك الرياسة خ ل وهو الموجود في الكنز‪(4) .‬‬
‫في الكنز‪ :‬لو أنبأتهم‪ ،‬ونقله المصنف في الهامش عنه أيضا‪ .‬وفي الكنز‬
‫وكمال الدين‪ :‬ولول أنى أعلم أن الموت مجتاحى إ‍ه‪ (5) .‬حتى أصير خ ل‬
‫وهو الموجود في المصدر‪ (6) .‬الباسق خ ل وهو الموجود في الكنز‪(7) .‬‬
‫ولكني صارف ذلك اليك من غير تقصير خ ل‪ (8) .‬الكرش‪ :‬وعاء الطيب‬
‫والثوب‪ (9) .‬ليغبطني‪.‬‬
‫] ‪[ 191‬‬

‫وشرفه‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬متى ذلك )‪ (1‬؟ قال‪ :‬ستعلمن نبأ ما أقول ولو بعد حين‪ ،‬وفي ذلك‬
‫يقول امية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن‪ :‬جلبنا الضح )‪(2‬‬
‫تحمله المطايا * على أكوار أجمال ونوق مغلغلة مرافقها )‪ (3‬تعالى * إلى‬
‫صنعاء من فج عميق تؤم بنا ابن ذي يزن وتهدى * ذوات بطونها أم‬
‫الطريق وتزجى )‪ (4‬من مخائله بروقا * مواصلة الوميض إلى بروق فلما‬
‫وافقت صنعاء صارت )‪ * (5‬بدار الملك والحسب العريق إلى ملك يدر لنا‬
‫العطايا * بحسن بشاشة الوجه الطليق )‪ - 12 (6‬عم‪ :‬عن أبي صالح‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس مثله‪ ،‬ثم قال‪ :‬روى هذا الحديث الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين‬
‫البيهقي في كتاب دلئل النبوة من طريقين )‪ - 13 .(7‬كنز الكراجكى‪ :‬عن‬
‫الحسين بن عبيدال الواسطي‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن محمد بن همام وأحمد‬
‫بن هوذه‪ ،‬عن الحسين بن محمد بن جمهور‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن حرب‬
‫مثله )‪ .(8‬ايضاح‪ :‬قوله‪ :‬مرتفقا‪ ،‬قال الجزري‪ .‬المرتفق‪ :‬المتكئ على‬
‫المرفقة وهي كالوسادة‪ ،‬ومنه حديث ابن ذي يزن‪ :‬اشرب هنيئا عليك التاج‬
‫مرتفقا‪ .‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬روضة محلل‪ :‬تحل كثيرا "‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫)‪ (1‬فإذا قيل له‪ :‬وما ذلك ؟ خ ل وهو الموجود في الكنز‪ (2) .‬النصح خ ل وفي‬
‫كمال الدين‪ :‬جلينا النصح‪ ،‬وفي الكنز‪ :‬جليبا النصح‪ (3) .‬مراقعها خ ل‬
‫وهو الموجود في الكنز‪ (4) .‬وترعى خ ل وهو الموجود في الكنز‪(5) .‬‬
‫في الكنز‪ :‬حلت‪ (6) .‬كمال الدين‪ (7) .107 - 105 :‬اعلم الورى‪ 10 :‬و‬
‫‪ .11‬وفيه اختصار واختلف لفظي‪ (8) .‬كنز الكراجكى‪ .84 - 82 :‬قلت‪:‬‬
‫ذكره المسعودي ملخصا في مروج الذهب في وفود عبد المطلب على‬
‫معدى كرب بن سيف بن ذى يزن‪.‬‬

‫] ‪[ 192‬‬

‫والرومة بالفتح‪ :‬أصل الشجرة‪ .‬قوله‪ :‬وعذبت في أكثر النسخ بالباء الموحدة‪ ،‬وفي‬
‫بعضها بالمثناة من العذاة‪ :‬الرض الطيبة البعيدة من الماء والسباخ‪ ،‬وفي‬
‫بعضها عزت‪ ،‬وفي بعضها عظمت‪ .‬والجرثومة بالضم‪ :‬الصل‪ .‬وبسق‬
‫النخل‪ :‬طال‪ .‬قوله‪ :‬أبيت اللعن‪ ،‬قال الجزري‪ :‬كان هذا في تحايا الملوك في‬
‫الجاهلية والدعاء لهم‪ ،‬معناه أبيت أن تفعل فعل تلعن بسببه وتذم انتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أي أجارك ال أن تفعل ما تلعن به والسدنة جمع السادن وهو‬
‫الخادم‪ :‬وأشخصنا‪ ،‬أي أخرجنا وأتى بنا‪ .‬وأبهجنا أي أفرحنا‪ .‬وفدحنا أي‬
‫ثقل علينا‪ .‬والمرزئة‪ :‬المصيبة‪ .‬والربحل بكسر الراء‪ ،‬وفتح الباء الواسع‬
‫العطاء‪ .‬والجزل‪ :‬العظيم‪ .‬قوله‪ :‬وأنتم أهل الليل‪ ،‬وأهل النهار‪ ،‬أي نصحبكم‬
‫ونأنس بكم في الليل والنهار‪ .‬والحباء‪ :‬العطاء‪ ،‬والظعن‪ :‬الرتحال‪ .‬قوله‪:‬‬
‫انتبه لهم‪ ،‬أي ذكرهم مفاجاة‪ .‬قوله‪ :‬أخبرناه‪ ،‬في بعض النسخ‪ :‬اختبيناه‪،‬‬
‫أي أخفيناه‪ ،‬وفي روايات العامة‪ :‬احتجناه بالحاء المهملة‪ ،‬ثم التاء‪ ،‬ثم‬
‫الجيم‪ ،‬ثم النون المشددة‪ ،‬قال الجزري‪ :‬الحتجان جمع الشئ وضمه إليك‪،‬‬
‫ومنه حديث ابن ذي يزن واحتجناه دون غيرنا‪ .‬والشأمة )‪ (1‬بالهمزة وقد‬
‫يخفف‪ :‬الخال في الجسد‪ ،‬والمراد بها هنا خاتم النبوة‪ .‬والزعامة‪ :‬الشرف‬
‫والرئاسة‪ .‬قوله‪ :‬ولداه سرارا‪ ،‬في بعض الروايات‪ :‬وقد ولدناه مرارا‪ ،‬أي‬
‫كانت غير واحدة من جداته من قبيلتنا من اليمن‪ .‬قوله‪ :‬عن عرض‪،‬‬
‫بالضم‪ ،‬أي من اعترض لهم من أي ناحية وجانب كان‪ ،‬يعني إذا لم يوافقهم‬
‫في دينهم‪ ،‬قال الفيروز آبادي‪ :‬ويضربون الناس عن عرض‪ :‬ل يبالون من‬
‫يضربون‪ .‬وقال‪ :‬الكعب‪ :‬الشرف والمجد‪ .‬وقال الجزرى‪ :‬ل يزال كعبك‬
‫عاليا "‪ ،‬أي ل تزال شريفا " مرتفعا " على من يعاديك‪ .‬قوله‪ :‬والعلمات‬
‫على البيت‪ ،‬في بعض الروايات على النصب‪ ،‬وفسر بحجارة كانوا يذبحون‬
‫عليها للصنام‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد أنصاب الحرم‪ .‬وقال الجزرى‪:‬‬
‫ثلجت نفسي بالمر‪ :‬إذا اطمأنت إليه وسكنت‪ .‬وثبت فيها ووثقت به‪ ،‬ومنه‬
‫حديث ابن‬

‫)‪ (1‬بل الظاهر أنه أجوف ياتي من شام يشيم‪ ،‬ظهرت في جلده شامة‪.‬‬

‫] ‪[ 193‬‬

‫ذي يزن‪ :‬وثلج صدرك‪ .‬والمراد بالنفاسة‪ :‬الحسد‪ ،‬وفي الصل بمعنى البخل‪ ،‬و‬
‫الستبداد بالشئ‪ ،‬والرغبة فيه‪ .‬والغوائل جمع الغائلة وهي الشر‪.‬‬
‫والحبائل‪ :‬المصائد‪ .‬والجتياح‪ :‬الهلك والستيصال‪ .‬وقال الجزري‪ :‬في‬
‫حديث ابن ذي يزن‪ :‬لوطئن أسنان العرب كعبه‪ ،‬يريد ذوي أسنانهم وهم‬
‫الكابر والشراف انتهى‪ ،‬أي لرفعته على أشرافهم‪ ،‬وجعلتهم موضع قدمه‪.‬‬
‫وقال الجزري‪ :‬فيه يكون رسول ال في الضح والريح‪ ،‬قال الهروي‪ :‬أراد‬
‫كثرة الخيل والجيش‪ ،‬يقال‪ :‬جاء فلن بالضح والريح‪ ،‬أي بما طلعت عليه‬
‫الشمس‪ ،‬وهبت عليه الريح‪ ،‬يعنون المال الكثير‪ ،‬وقال‪ :‬الكوار جمع كور‬
‫بالضم وهو رحل الناقة بأداته‪ ،‬وقال‪ :‬في حديث ابن ذي يزن‪ :‬مغلغلة‬
‫مغالقها تعالى * إلى صنعاء من فج عميق‪ .‬المغلغلة بفتح الغينين‪ :‬الرسالة‬
‫المحمولة من بلد إلى بلد‪ ،‬وبكسر الثانية‪ :‬المسرعة من الغلغلة‪ :‬سرعة‬
‫السير‪ .‬قوله‪ :‬تعالى‪ ،‬أي تتصاعد وتذهب‪ ،‬قوله‪ :‬وتهدى في أكثر الروايات‪،‬‬
‫وتفرى أي تقطع‪ .‬وام الطريق‪ :‬معظمه‪ .‬والزجاء‪ :‬السوق‪ ،‬والدفع‪.‬‬
‫والمخائل جمع المخيلة وهي السحابة التي تحسبها ماطرة‪ .‬والوميض‪:‬‬
‫لمعان البرق‪ - 14 .‬ك‪ :‬القطان وابن موسى ومحمد بن أحمد الشيباني )‪(1‬‬
‫جميعا "‪ ،‬عن ابن زكريا القطان‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الهيثم‪ ،‬عن محمد بن السائب‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس‪ ،‬عن أبيه العباس بن عبد المطلب‪ ،‬عن أبي طالب قال‪ :‬خرجت‬
‫إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولد رسول ال صلى ال عليه واله‪،‬‬
‫وكان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال‬
‫قومي )‪ :(2‬ما تريد أن تفعل بمحمد ؟ وعلى من تخلفه ؟ فقلت‪ :‬ل اريد أن‬
‫اخلفه على أحد‪ ،‬يكون معي‪ ،‬فقيل‪ :‬صغير في حر )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬السنانى خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قال لى رجال من قومي‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ل‬
‫اريد أن اخلفه على أحد من الناس‪ ،‬أريد أن يكون معى‪ ،‬فقيل‪ :‬غلم صغير‬
‫في حر‪.‬‬

‫] ‪[ 194‬‬

‫مثل هذا تخرجه معك ؟ فقلت‪ :‬وال ل يفارقني حيث توجهت أبدا "‪ ،‬وإني ل وطئ‬
‫له الرحل‪ ،‬فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكنا ركبانا " كثيرا " )‪ ،(1‬فكان‬
‫وال البعير الذي عليه محمد أمامي ل يفارقني وكان يسبق الركب كلهم‪،‬‬
‫وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف‬
‫على رأسه ول تفارقه‪ ،‬وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه‬
‫وهي تسير معنا‪ ،‬وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا ل نصيب قربة إل‬
‫بدينارين‪ ،‬وكنا حيث ما نزلنا تمتلي الحياض‪ ،‬ويكثر الماء وتخضر‬
‫الرض‪ ،‬فكنا في كل خصب وطيب من الخير‪ ،‬وكان فينا )‪ (2‬قوم قد وقفت‬
‫جمالهم فمشى إليها رسول ال ومسح عليها فسارت )‪ ،(3‬فلما قربنا من‬
‫بصرى )‪ (4‬إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة‬
‫حتى إذا قربت منا وقفت‪ ،‬فإذا فيها راهب وكانت السحابة ل تفارق رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله ساعة واحدة‪ ،‬وكان الراهب ل يكلم الناس‪ ،‬ول‬
‫يدري ما الركب‪ ،‬وما فيه من التجار )‪ ،(5‬فلما نظر إلى النبي صلى ال‬
‫عليه واله عرفه‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬إن كان أحد فأنت أنت‪ ،‬قال‪ :‬فنزلنا تحت‬
‫شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الغصان‪ ،‬ليس لها حمل‪ ،‬وكان‬
‫الركب ينزل تحتها‪ ،‬فلما نزلها رسول ال صلى ال عليه واله اهتزت‬
‫الشجرة‪ ،‬وألقت أغصانها على رسول ال‪ ،‬وحملت من ثلثة أنواع من‬
‫الفاكهة‪ :‬فاكهتان للصيف‪ ،‬وفاكهة للشتاء‪ ،‬فتعجب جميع من معنا من ذلك‪،‬‬
‫فلما رأى بحيراء )‪ (6‬الراهب ذهب فاتخذ طعاما " لرسول ال بقدر ما‬
‫يكفيه‪ ،‬ثم جاء وقال‪ :‬من يتولى أمر هذا الغلم ؟ فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬فقال‪ ،‬أي شئ‬
‫تكون منه ؟ فقلت‪ :‬أنا عمه‪ ،‬فقال‪ :‬يا هذا إن له أعماما "‪ ،‬فأي العمام أنت‬
‫؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة‪،‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فحشوت له حشية كساء وكتانا وكنا ركبانا كثيرا "‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وكان معنا‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فمسح يده عليها فسارت‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬بصرى الشام‪ .‬قلت‪ :‬بصرى بالضم والقصر‪ :‬من أعمال دمشق‪،‬‬
‫وهى قصبة كورة حوران‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ول ما فيه من التجارة‪(6) .‬‬
‫في سيرة ابن هشام والقاموس‪ :‬بحيرى بالقصر‪ ،‬وظاهر المصدر ونسخة‬
‫المصنف بالمد حيث أنه اثبت فيهما باللف‪.‬‬

‫] ‪[ 195‬‬

‫فقال‪ :‬أشهد أنه هو وإل فلست بحيراء‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام‬
‫منه ليأكله‪ ،‬فقلت له‪ :‬قربه إليه )‪ ،(1‬فالتفت إلى النبي صلى ال عليه واله‬
‫فقلت )‪ (2‬له‪ :‬يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل‪ ،‬فقال‪ :‬هو لي دون أصحابي‬
‫؟ فقال بحيراء‪ :‬نعم هو لك خاصة‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه واله‪ :‬فإني ل‬
‫آكل دون هؤلء‪ ،‬فقال بحيراء‪ :‬إنه لم يكن عندي أكثر من هذا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أفتأذن يا بحيراء أن يأكلوا معي ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬بسم ال )‪ ،(3‬فأكل و‬
‫أكلنا معه‪ ،‬فو ال لقد كنا مأة وسبعين رجل "‪ ،‬وأكل )‪ (4‬كل واحد منا حتى‬
‫شبع و تجشأ‪ ،‬وبحيراء قائم على رأس رسول ال صلى ال عليه واله يذب‬
‫عنه‪ ،‬ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام‪ ،‬وفي كل ساعة يقبل رأسه‬
‫ويافوخه )‪ ،(5‬ويقول‪ :‬هو هو ورب المسيح‪ ،‬والناس ل يفقهون )‪ ،(6‬فقال‬
‫رجل من الركب‪ :‬إن لك لشأنا "‪ ،‬وقد كنا نمر بك قبل اليوم فل تفعل بنا هذا‬
‫البر‪ ،‬فقال بحيراء‪ :‬وال إن لي لشأنا " وشأنا "‪ ،‬وإني لرى مال ترون‪،‬‬
‫وأعلم ما ل تعلمون‪ ،‬وإن تحت هذه الشجرة لغلما " لو كنتم تعلمون منه‬
‫ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه‪ ،‬وال ما أكرمتكم إل‬
‫له‪ ،‬ولقد رأيت )‪ (7‬وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والرض‪ ،‬ولقد‬
‫رأيت رجال " في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه‪ ،‬وآخرين‬
‫ينثرون عليه أنواع الفواكه‪ ،‬ثم هذه السحابة ل تفارقه‪ ،‬وصومعتي )‪(8‬‬
‫مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها‪ ،‬ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة‬
‫قليلة الغصان وقد كثرت أغصانها واهتزت و‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬بعد ذلك‪ :‬ورأيته كارها لذلك والتفت‪ (2) .‬فقال له خ ل‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فعليه فيكون ما قبله فالتقت بصيغة الغائب‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬كلو بسم‬
‫ال‪ (4) .‬فأكل خ ل‪ (5) .‬اليافوخ‪ :‬الموضع الذى يتحرك من رأس الطفل‪،‬‬
‫وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها وأعلها ل يلبث أن تلتقي فيه‬
‫العظام‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ل يفهمون‪ (7) .‬ولقد رأيته خ ل‪ (8) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ثم صومعتي‪.‬‬
‫] ‪[ 196‬‬

‫حملت ثلثة أنواع من الفواكه‪ :‬فاكهتان للصيف‪ ،‬وفاكهة للشتاء‪ ،‬ثم هذه الحياض‬
‫التي غارت وذهب ماءها أيام تمرج )‪ (1‬بني اسرائيل بعد الحواريين حين‬
‫وردوا )‪ (2‬عليهم‪ ،‬فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت‬
‫وذهب ماءها‪ ،‬ثم قال‪ :‬متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء‬
‫فاعلموا أنه لجل نبي يخرج في أرض تهامة‪ ،‬مهاجره إلى المدينة‪ ،‬اسمه‬
‫في قومه المين‪ ،‬وفي السماء أحمد‪ ،‬وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم‬
‫لصلبه‪ ،‬فو ال إنه لهو‪ ،‬ثم قال بحيراء‪ :‬يا غلم أسألك عن ثلث خصال‬
‫بحق اللت والعزى إل ما أخبر تنيها‪ ،‬فغضب رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله عند ذكر اللت والعزى‪ ،‬وقال‪ :‬ل تسألني بهما‪ ،‬فو ال ما أبغضت‬
‫شيئا " كبغضهما‪ ،‬إنهما صنمان من حجارة لقومي‪ ،‬فقال بحيراء‪ :‬هذه‬
‫واحدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬فبال إل ما أخبرتني‪ ،‬فقال‪ :‬سل عما بدالك فإنك قد سألتني‬
‫بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ‪ ،‬فقال‪ :‬أسالك عن نومك ويقظتك‪،‬‬
‫فأخبره عن نومه و يقظته واموره وجميع شأنه )‪ ،(3‬فوافق ذلك ما عند‬
‫بحيراء )‪ ،(4‬فأكب عليه بحيراء يقبل رجليه ويقول‪ :‬يا بني ما اطيب ريحك‬
‫؟ يا أكثر النبيين أتباعا "‪ ،‬يا من بهاء نور الدنيا من نوره‪ ،‬يا من بذكره‬
‫تعمر المساجد‪ ،‬كأنني بك قد قدت )‪ (5‬الجناد والخيل الجياد‪ ،‬وتبعك العرب‬
‫والعجم طوعا " وكرها "‪ ،‬وكأنني باللت والعزي وقد كسرتهما‪ ،‬وقد صار‬
‫البيت العتيق ل يملكه غيرك‪ ،‬تضع مفاتيحه حيث تريد‪ ،‬كم من بطل من‬
‫قريش والعرب تصرعه ؟ ! معك مفاتيح الجنان والنيران‪ ،‬معك الذبح )‪(6‬‬
‫الكبر وهلك الصنام‪ ،‬أنت الذي ل تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها‬
‫في دينك صاغرة قمئة‪ ،‬فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول‪ :‬لئن‬
‫أدركت زمانك لضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند‪ ،‬أنت سيد ولد‬
‫آدم‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬أي أيام فسادهم واضطرابهم‪ (2) .‬ردوا خ ل ظ‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أسألك عن‬
‫نومك وهيأتك وامورك ويقظتك‪ ،‬فأخبره عن نومه‪ .‬وهيأته واموره‬
‫وجميع شأنه‪ (4) .‬فوافق ما عند بحيراء من صفة التى عنده خ ل‪ ،‬وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (5) .‬من قاد الدابة‪ ،‬مشى أمامها آخذ بقيادها‪ .‬وقاد‬
‫الجيش‪ :‬كان رئيسا عليهم‪ (6) .‬الريح خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 197‬‬

‫سيد المرسلين‪ ،‬وإمام المتقين‪ ،‬وخاتم النبيين‪ ،‬وال لقد ضحكت الرض يوم ولدت‬
‫فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا " بك‪ ،‬وال لقد بكت البيع والصنام‪،‬‬
‫والشياطين )‪ (1‬فهي باكية إلى يوم القيامة‪ ،‬أنت بدعوة إبراهيم )‪،(2‬‬
‫وبشارة عيسى‪ ،‬أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية‪ ،‬ثم التفت إلى‬
‫أبي طالب فقال‪ :‬ما يكون هذا الغلم )‪ (3‬منك فإني أراك ل تفارقه ؟ فقال‬
‫أبو طالب‪ :‬هو أبني‪ ،‬فقال‪ :‬ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغلم أن يكون‬
‫والده الذي ولده حيا " ول امه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ابن أخي وقد مات أبوه وامه‬
‫حاملة به‪ ،‬و ماتت امه وهو ابن ست سنين‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت هكذا هو‪ ،‬ولكني‬
‫أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه‪ ،‬فإنه ما بقي على ظهر الرض‬
‫يهودي ول نصراني ول صاحب كتاب إل وقد علم بولدة هذا الغلم‪ ،‬ولئن‬
‫رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا " )‪ ،(4‬وأكثر ذلك من‬
‫اليهود‪ ،‬فقال أبو طالب‪ :‬ولم ذلك ؟ قال‪ :‬لنه كائن لبن أخيك الرسالة‬
‫والنبوة‪ ،‬ويأتيه الناموس الكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى‪ ،‬فقال أبو‬
‫طالب‪ :‬كل إن شاء ال لم يكن ال ليضيعه‪ ،‬ثم خرجنا به إلى الشام فلما‬
‫قربنا من الشام رأيت وال قصور الشامات كلها قد اهتزت‪ ،‬وعل منها نور‬
‫أعظم من نور الشمس‪ ،‬فلما توسطت )‪ (5‬الشام ما قدرنا أن نجوز سوق‬
‫الشام من كثرة ما ازدحم الناس ينظرون إلى وجه رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ ،‬وذهب الخبر إلى جميع الشامات حتى ما بقى فيها حبر ول‬
‫راهب إل اجتمع عليه‪ ،‬فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس مقابله‬
‫ينظر إليه ول يكلمه بشئ‪ ،‬حتى فعل ذلك ثلثة أيام متوالية‪ ،‬فلما كانت‬
‫الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا "‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا راهب كأنك تريد منه شيئا " ؟ قال‪ :‬أجل إني اريد منه شيئا "‪ ،‬ما‬
‫اسمه ؟ قلت‪ :‬محمد بن عبد ال‪ ،‬فتغير وال لونه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬والشياطين يوم ولدت‪ (2) .‬أنت دعوة إبراهيم خ ل‪ ،‬وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (3) .‬قد سأل عن ذلك قبل ذلك ولعله وهم من قبل‬
‫النساخ‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ل بتغوه شرا‪ (5) .‬توسطنا خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 198‬‬

‫فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لنظر إليه ؟ فكشف عن ظهره فلما رأى‬
‫الخاتم أكب عليه )‪ (1‬يقبله ويبكي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا هذا اسرع برد هذا الغلم إلى‬
‫موضعه الذي ولد فيه‪ ،‬فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي‬
‫تقدمه معك‪ ،‬فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام‪ ،‬فلما خرجنا‬
‫منها أتاه بقميص من عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني‬
‫به ؟ فلم يقبله‪ ،‬ورأيته كارها " لذلك‪ ،‬فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم‪،‬‬
‫وقلت‪ :‬أنا البسه‪ ،‬وعجلت به حتى رددته إلى مكة‪ ،‬فو ال ما بقي بمكة‬
‫يومئذ امرأة ول كهل ول شاب ول صغير ول كبير إل استقبله )‪ (2‬شوقا "‬
‫إليه ما خل أبو جهل )‪ (3‬لعنه ال‪ ،‬فإنه كان فاتكا " ماجنا " قد ثمل من‬
‫السكر )‪ .(4‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬حشية زكتأ الزكت‪ :‬المل‪ ،‬وفي بعض النسخ دكتأ )‬
‫‪ ،(5‬ولم أعرف له معنى‪ ،‬وفي بعضها ريشا " وكتانا " كثيرا "‪ ،‬وهو‬
‫أصوب‪ .‬قوله وضاق الماء بنا‪ ،‬لعل المراد به في غير هذه المرة أو أول "‪.‬‬
‫والمرج بالتحريك‪ :‬الفساد والغلق والضطراب‪ .‬قوله قمئة أي ذليلة‪.‬‬
‫والزند‪ :‬الذي يقدح به النار‪ .‬والفاتك‪ :‬الذي يرتكب ما دعت إليه النفس‪.‬‬
‫والجري )‪ :(6‬الشجاع‪ .‬والماجن‪ :‬الذي ل يبالي قول " وفعل "‪ .‬والثمل‪:‬‬
‫السكر‪ ،‬يقال‪ :‬ثمل كفرح‪ .‬والمراد هنا شدته‪ ،‬أو السكر بالتحريك‪ ،‬وهو‬
‫الخمر‪ ،‬ونبيذ يتخذ من التمر‪ - 15 .‬ك‪ :‬بالسناد المتقدم عن عبد ال بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وعبد الرحمن بن محمد‪ ،‬عن محمد ابن عبد ال بن أبي‬
‫بكر بن عمرو بن هرثم )‪ ،(7‬عن أبيه‪ ،‬عن جده أن أبا طالب قال‪ :‬لما فارقه‬
‫بحيراء بكى بكاء شديدا " وأخذ يقول‪ :‬ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب‬
‫بوترها‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬انكب عليه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ال استقبلوه‪ (3) .‬ما خل أبا جهل‬
‫ظ‪ (4) .‬كمال الدين‪ (5) .110 - 107 :‬الصحيح‪ :‬وكتأ بالواو وهو أيضا‬
‫بمعنى الملء‪ (6) .‬لم تكن في الحديث لفظة جرى‪ (7) .‬في المصدر‪:‬‬
‫المطبوع‪ :‬أبى عمرو بن هرثم‪ ،‬وفي نسختنا المخطوطة‪ :‬أبى عمرو بن‬
‫خزيم‪.‬‬

‫] ‪[ 199‬‬

‫وقد قطعك القارب‪ ،‬ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الولد‪ ،‬ثم التفت إلي وقال‪ :‬أما‬
‫أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة‪ ،‬واحفظ فيه وصية أبيك‪ ،‬فإن قريشا‬
‫" ستهجرك فيه‪ ،‬فل تبال فإني أعلم أنك ل تؤمن به )‪ ،(1‬ولكن‪ ،‬سيؤمن به‬
‫ولد تلده‪ ،‬وسينصره نصرا " عزيزا "‪ ،‬اسمه في السماوات البطل‬
‫الهاصر‪ ،‬والشجاع القرع )‪ ،(2‬منه الفرخان المستشهدان‪ ،‬وهو سيد‬
‫العرب ورئيسها )‪ ،(3‬وذو قرنيها‪ ،‬وهو في الكتب أعرف من أصحاب‬
‫عيسى عليه السلم‪ ،‬فقال أبو طالب‪ :‬قد رأيت وال كل الذي وصفه بحيراء‬
‫وأكثر )‪ - 16 .(4‬عم‪ :‬أورد محمد بن إسحاق بن يسار‪ ،‬وساق مثل هذا‬
‫الخبر ثم قال‪ :‬وفي ذلك يقول أبو طالب في قصيدته الدالية أوردها محمد‬
‫بن إسحق بن يسار‪ :‬إن ابن آمنة النبي محمدا " * عندي بمثل منازل‬
‫الولد لما تعلق بالزمام )‪ (5‬رحمته * والعيس قد قلصن بالزواد فارفض‬
‫من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرد الفراد )‪ (6‬راعيت فيه قرابة‬
‫موصولة * وحفظت فيه وصية الجداد وأمرته بالسير بين عمومة * بيض‬
‫الوجوه مصالت النجاد ساروا لبعد طية معلومة * ولقد تباعد طية المرتاد‬
‫حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لقوا على شرف من المرصاد‬
‫)‪ (1‬في المصدر المطبوع‪ :‬فل تبالي‪ ،‬وإنى أعلم أنك ل تؤمن به ظاهرا‪ ،‬وستؤمن‬
‫به باطنا‪ .‬و مثله في نسختنا المخطوطة ال أنه قال‪ :‬وتؤمن باطنا‪ .‬فعلى‬
‫ذلك فقوله بعد ذلك‪ :‬ولكن سيؤمن به ولد تلده أي سيؤمن به ظاهرا‬
‫وباطنا‪ (2) .‬النزع خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫رئيسها وزينها‪ (4) .‬كمال الدين‪ (5) .110 :‬ايعاز إلى ما في حديث محمد‬
‫بن اسحاق‪ :‬فلما تهيأ أبو طالب للرحيل وأجمع المسير انتصب )أوصب به‬
‫كما في السيرة( له رسول ال صلى ال عليه وآله فأخذ بزمام ناقته وقال‪:‬‬
‫يا عم إلى من تكلني ؟‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬مفرق الفراد‪.‬‬

‫] ‪[ 200‬‬

‫حبرا " فأخبرهم حديثا " صادقا " * عنه ورد معاشر الحساد قوما " يهودا "‬
‫قدرءوا ما قد رأى * ظل الغمام وعز ذي الكباد ساروا لقتل محمد فنهاهم‬
‫* عنه وأجهد أحسن الجهاد )‪ (1‬بيان ‪ :-‬البطل‪ :‬الشجاع‪ ،‬والهاصر‪ :‬السد‬
‫الشديد الذي يفترس ويكسر‪ ،‬والقرع المراد به الصلع‪ ،‬وأما قوله‪ :‬أعلم‬
‫أنك ل تؤمن به المراد به اليمان الظاهري‪ (2) ،‬والعيس بالكسر‪ :‬البل‬
‫البيض يخالط بياضها شئ من الشقرة‪ .‬قوله‪ :‬قد قلصن‪ ،‬أي اجتمعن‬
‫وانضممن‪ ،‬والزواد جمع الزاد وهو الطعام المتخذ للسفر‪ ،‬والجمان هو‬
‫اللؤلؤ الصغار‪ ،‬وقيل‪ :‬حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ‪ ،‬والمصالت جمع‬
‫المصلت بالكسر وهو الماضي في المور‪ ،‬والنجاد جمع نجد بالفتح وهو‬
‫الشجاع‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬قال الخليل‪ :‬الطية تكون منزل‪ ،‬وتكون منتأى )‬
‫‪ ،(3‬تقول‪ :‬من مضى لطية أي لنيته التي انتواها‪ ،‬وبعدت عنا طيتة‪ ،‬وهو‬
‫المنزل الذي انتواه‪ - 17 .‬ك‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪،‬‬
‫عن أبان بن عثمان يرفعه قال‪ :‬لما بلغ رسول ال صلى ال عليه واله أراد‬
‫أبو طالب يخرج إلى الشام في عير قريش‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله وتشبث بالزمام وقال‪ :‬يا عم على من تخلفني ؟ ل على ام‪ ،‬ول على‬
‫أب وقد كانت امه توفيت‪ ،‬فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه‪ ،‬وكانوا‬
‫إذا ساروا‬

‫)‪ (1‬اعلم الورى‪ ،13 - 11 :‬وقد ذكره أيضا ابن هشام ‪ (2) .197 - 194 :1‬قد‬
‫عرفت أن نسخة المصنف كان ناقصا‪ ،‬وأن الموجود في المصدر‪ :‬إنك ل‬
‫تؤمن به ظاهر أو ستؤمن به باطنا‪ .‬وعلى أي فاجماع جمهور المامية‬
‫على أن أبا طالب كان مؤمنا ولم يكن يظهر إيمانه لمصلحة تعود إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وفي مواضع من نفس ذلك الحديث ايضا‬
‫دللت على ايمانه كقوله‪ :‬النبي محمدا "‪ ،‬وقوله‪ :‬حبرا فأخبرهم حديثا‬
‫صادقا‪ ،‬وذمه اليهود ووصفه إياهم بالحساد‪ ،‬بل نفس الخبار بتلك الدلئل‬
‫والمعاجزات دللة ظاهرة على ايمانه به صلى ال عليه وآله وسلم‪ .‬أضف‬
‫إلى ذلك كله روايات كثيرة وردت في ذلك وأشعاره التى تدل صريحا على‬
‫ايمانه بال ورسوله‪ ،‬ونفيه النداد وما كان يعبد من دون ال قومه‪،‬‬
‫وسيوافيك طرف من ذلك انشاء ال في محله‪ (3) .‬المنتأى‪ :‬الموضع‬
‫البعيد‪.‬‬

‫] ‪[ 201‬‬

‫تسير على رأس رسول ال الغمامة تظله من الشمس‪ ،‬فمروا في طريقهم برجل‬
‫يقال له‪ :‬بحيراء‪ ،‬فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته‪ ،‬فأخذ‬
‫لقريش طعاما " وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه فأتوه‪ ،‬وخلفوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله في الرحل‪ ،‬فنظر بحيراء إلى الغمامة قائمة‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫هل بقي منكم أحد لم يأتني ؟ فقالوا‪ :‬ما بقي منا إل غلم حدث خلفناه في‬
‫الرحل‪ ،‬فقال‪ :‬ل ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم‪ ،‬فبعثوا إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله فلما أقبل أقبلت الغمامة‪ ،‬فلما نظر إليه بحيراء قال‪:‬‬
‫من هذا الغلم ؟ قالوا‪ :‬ابن هذا‪ ،‬وأشاروا إلى أبي طالب‪ ،‬فقال له بحيراء‪:‬‬
‫هذا ابنك ؟ فقال أبو طالب‪ :‬هذا ابن أخي‪ ،‬قال‪ :‬ما فعل ابوه ؟ قال‪ :‬توفي‬
‫وهو حمل‪ ،‬فقال بحيراء لبي طالب‪ :‬رد هذا الغلم في بلده‪ ،‬فإنه إن علمت‬
‫منه اليهود ما أعلم منه قتلوه‪ ،‬فإن لهذا شأنا " من الشأن‪ ،‬هذا نبي هذه‬
‫المة‪ ،‬هذا نبي السيف )‪ - 18 .(1‬ك‪ :‬القطان وابن موسى والسناني جميعا‬
‫"‪ ،‬عن ابن زكريا القطان‪ ،‬عن محمد ابن إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال بن محمد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبي وحدثني الهيثم بن عمر المزني‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن يعلى‬
‫النسابة قال‪ :‬خرج خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق ابن أبي سفيان بن‬
‫امية تجارا " إلى الشام سنة خرج رسول ال صلى ال عليه واله فيها‪،‬‬
‫فكانا معه‪ ،‬وكانا يحكيان أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش‬
‫والطير‪ ،‬فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا‬
‫متغيري اللوان‪ ،‬كأن على وجوهم الزعفران نرى منهم الرعد )‪ ،(2‬فقالوا‪:‬‬
‫يجب )‪ (3‬أن تأتوا أكبرنا‪ ،‬فإنه هاهنا قريب في الكنيسة العظمى‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما‬
‫لنا ولكم ؟ فقالوا‪ :‬ليس يضركم من هذا شئ‪ ،‬ولعلنا نكرمكم‪ ،‬وظنوا أن‬
‫واحد منا محمد‪ ،‬فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان‪،‬‬
‫فإذا " كبيرهم قد توسطهم وحوله تلمذته‪ ،‬وقد نشر كتابا " في يده )‪،(4‬‬
‫فأخذ ينظر‬

‫)‪ (1‬كمال الذين‪ (2) .110 :‬في المصدر‪ :‬ترى منهم الرعدة‪ (3) .‬نحب خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬نحب أن تأتوا كبيرنا‪ (4) .‬في المصدر المطبوع‪ :‬في يديه‪ ،‬وفي‬
‫نسختنا المخطوطة‪ :‬بين يديه‪.‬‬
‫] ‪[ 202‬‬

‫إلينا مرة‪ ،‬وفي الكتاب مرة‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬ما صنعتم شيئا "‪ ،‬لم تأتوني بالذي‬
‫اريد‪ ،‬وهو الن هاهنا‪ ،‬ثم قال لنا‪ :‬من أنتم ؟ قلنا‪ :‬رهط من قريش‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من أي قريش ؟ فقلنا‪ :‬من بني عبد شمس‪ ،‬فقال لنا‪ :‬معكم غيركم ؟ فقلنا‪:‬‬
‫نعم شاب من بني هاشم‪ ،‬نسميه يتيم بني عبد المطلب‪ ،‬فو ال لقد نخر‬
‫نخرة )‪ (1‬كاد أن يغشى عليه‪ ،‬ثم وثب فقال‪ :‬أوه أوه هلكت النصرانية‬
‫والمسيح‪ ،‬ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه وهو مفكر وحوله ثمانون‬
‫رجل " من البطارقة والتلمذة‪ ،‬فقال لنا‪ :‬فيخف عليكم أن ترونيه ؟ فقلنا‬
‫له‪ :‬نعم‪ ،‬فجاء معنا‪ ،‬فإذا " نحن بمحمد‪ ،‬قائم في سوق بصرى‪ ،‬وال لكأنا‬
‫لم نر وجهه إل يومئذ‪ ،‬كان هلل " يتلل من وجهه‪ ،‬قد ربح الكثير‪،‬‬
‫واشترى الكثير فأردنا أن نقول للقين )‪ :(2‬هو هذا‪ ،‬فإذا " هو قد سبقنا‬
‫فقال‪ :‬هو )‪ (3‬قد عرفته والمسيح فدنا منه‪ ،‬وقبل رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬أنت‬
‫المقدس‪ ،‬ثم أخذ يسأله عن أشياء من علماته فأخذ النبي صلى ال عليه‬
‫واله يخبره فسمعناه يقول‪ :‬لئن أدركت زمانك لعطين السيف حقه‪ ،‬ثم قال‬
‫لنا‪ :‬أتعلمون ما معه معه الحياة والموت ؟ من تعلق به حيي طويل "‪ ،‬ومن‬
‫زاغ عنه مات موتا " ل يحي بعده أبدا "‪ ،‬هو الذي معه الربح العظم‪ ،‬ثم‬
‫قبل وجهه )‪ (4‬ورجع راجعا " )‪ .(5‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬للقين‪ :‬القين العبد‪،‬‬
‫ولعلهم أرادوا أن يغلطوه ويكذبوه فأرادوا أن يشيروا إلى عبد أنه هو‬
‫فعرفه قبل ذلك‪ ،‬وفي بعض النسخ للقس وهو الظاهر‪ - 19 .‬ك‪ :‬القطان‬
‫وابن موسى والسناني جميعا "‪ ،‬عن ابن زكريا القطان‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وقيس بن سعد الدئلي‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن بحير الفقعسي )‪ ،(6‬عن بكر بن عبد ال الشجعي‪ ،‬عن آبائه‬
‫قالوا‪ :‬خرج سنة خرج‬

‫)‪ (1‬نخر النسان‪ :‬مد الصوت والنفس في خياشمه‪ (2) .‬للقس خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر المطبوع والمخطوط‪ (3) .‬في المصدر المطبوع‪ :‬هو هو‪(4) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬هذا الذى معه الذبح العظم ثم قبل راسه‪ (5) .‬كمال الدين‪:‬‬
‫‪ (6) .111‬الفقعسى بفتح الول ثم السكون ثم الفتح‪ :‬نسبة إلى فقعس بن‬
‫الحارث بن ثعلبة بن داود ابن أسد بن خزيمة‪.‬‬

‫] ‪[ 203‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله إلى الشام عبد مناة بن كنانة‪ ،‬ونوفل بن معاوية بن‬
‫عروة بن صخر بن نعمان بن عدى تجارا " إلى الشام‪ ،‬فلقاهما أبو‬
‫چالمويهب الراهب فقال لهما‪ :‬من أنتما ؟ قال‪ :‬نحن تجار من أهل الحرم‬
‫من قريش‪ ،‬فقال لهما‪ :‬من أي قريش ؟ فاخبراه‪ ،‬فقال لهما‪ :‬هل قدم معكما‬
‫من قريش غيركما ؟ قال‪ :‬نعم شاب مع بني هاشم اسمه محمد‪ ،‬فقال أبو‬
‫المويهب‪ :‬إياه وال أردت‪ ،‬فقال‪ :‬وال ما في قريش أخمل )‪ (1‬منه ذكرا‬
‫"‪ ،‬إنما يسمونه بيتيم )‪ (2‬قريش‪ ،‬وهو أجير لمرأة منا يقال لها‪ :‬خديجة‪،‬‬
‫فما حاجتك إليه ؟ فأخذ يحرك راسه ويقول‪ :‬هو هو‪ ،‬فقال لهما‪ :‬تدلني‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪ :‬تركناه في سوق بصرى‪ ،‬فبيناهم في الكلم إذ طلع )‪ (3‬رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله‪ ،‬فقال‪ :‬هو هذا‪ ،‬فخل به ساعة يناجيه و يكلمه‪ ،‬ثم‬
‫أخذ يقبل بين عينيه‪ ،‬وأخرج شيئا " من كمه ل ندرى ما هو ورسول ال‬
‫صلى ال عليه واله يأبى أن يقبله‪ ،‬فلما فارقه قال لنا‪ :‬تسمعان مني ؟ هذا‬
‫وال )‪ (4‬نبي آخر الزمان‪ ،‬وال سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة‬
‫أن ل إله إل ال فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل ولد لعمه أبي طالب ولد‬
‫يقال له‪ :‬علي ؟ فقلنا‪ :‬ل‪ ،‬فقال‪ :‬إما أن يكون قد ولد‪ ،‬أو يولد في سنته‪ ،‬هو‬
‫أول من يؤمن به‪ ،‬نعرفه‪ ،‬وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة‬
‫محمد بالنبوة‪ ،‬وإنه سيد العرب وربانيها )‪ (5‬وذو قرنيها‪ ،‬يعطي السيف‬
‫حقه‪ ،‬اسمه في المل العلى علي‪ ،‬وهو أعلى الخلئق يوم القيامة بعد‬
‫النبياء ذكرا "‪ ،‬وتسميه الملئكة البطل الزهر المفلح ل يتوجه إلى وجه‬
‫إل أفلح وظفر‪ ،‬وال هو‬

‫)‪ (1‬خمل ذكره‪ :‬خفى‪ (2) .‬يتيم خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬طلع عليهم خ‬
‫ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬في نسخة من المصدر‪ :‬قال لنا شمعان‪:‬‬
‫نبى هذا وال‪ (5) .‬قال الجزرى‪ :‬الربانى منسوب إلى الرب بزيادة اللف‬
‫والنون للمبالغة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو من الرب بمعنى التربية‪ ،‬كانوا يربون‬
‫المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها‪ ،‬والربانى‪ :‬العالم الراسخ في العلم‬
‫والدين‪ ،‬أو الذى يطلب بعلمه وجه ال تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬العالم العامل المعلم‬
‫انتهى وقيل‪ :‬هو المتأله العارف بال‪.‬‬

‫] ‪[ 204‬‬

‫أعرف بين أصحابه في السماء )‪ (1‬من الشمس الطالعة )‪ - 20 .(2‬ك‪ :‬أحمد بن‬
‫محمد بن الحسين‪ ،‬عن محمد بن يعقوب بن يوسف‪ ،‬عن أحمد بن عبد‬
‫الجبار العطاردي‪ ،‬عن يونس بن بكير‪ ،‬عن محمد بن إسحاق بن بشار‬
‫المدني )‪ (3‬قال‪ :‬كان زيد بن عمرو بن نفيل )‪ (4‬أجمع على الخروج من‬
‫مكة يضرب في الرض‪ ،‬ويطلب الحنيفية دين إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وكانت‬
‫امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده‬
‫آذنت به الخطاب بن نفيل )‪ ،(5‬فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل‬
‫الكتاب )‪ (6‬دين إبراهيم عليه السلم ويسأل عنه‪ ،‬فلم يزل في ذلك فيما‬
‫يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها‪ ،‬ثم أقبل حتى أتى الشام فجال‬
‫فيها حتى أتى راهبا " من أهل البلقاء فتبعه‪ ،‬كان ينتهي إليه علم‬
‫النصرانية فيما يزعمون‪ ،‬فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلم‬
‫فقال له الراهب‪ :‬إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم‪،‬‬
‫لقد درس علمه‪ ،‬وذهب من كان يعرفه‪ ،‬ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث‬
‫بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية‪ ،‬فعليك ببلدك فإنه‬
‫مبعوث‪ ،‬الن هذا زمانه )‪ ،(7‬ولقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم‬
‫يرض شيئا " منهما‪ ،‬فخرج مسرعا " حين قال له الراهب ما قال يريد‬
‫مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه‪ ،‬فقال ورقة بن نوفل )‪(8‬‬
‫وكان قد اتبع مثل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬هو أعرف من بين أصحابه في السماوات‪ (2) .‬كمال الدين‪111 :‬‬
‫و ‪ (3) 112‬في المصدر‪ :‬المدينى‪ ،‬والصحيح‪ :‬محمد بن اسحاق بن يسار‬
‫بالياء والسين المهملة‪ ،‬وهو مؤلف السيرة التى ينقل عنه ابن هشام في‬
‫سيرته كثيرا‪ (4) .‬هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد ال‬
‫بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدى بن كعب بن لوى‪ (5) .‬وكان الخطاب‬
‫بن نفيل عمه وأخاه لمه‪ ،‬وكان يعاتبه على فراق دين قومه‪ ،‬وكان‬
‫الخطاب قد وكل صفية به وقال‪ :‬إذا رأيته قد هم بأمر فاذنيني به‪ .‬قال ابن‬
‫هشام في السيرة‪ (6) .‬الكتاب الول خ ل وهو الموجود في المصدر‪(7) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬أل ان هذا زمانه‪ (8) .‬هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد‬
‫العزى بن قصى بن كلب بن مرة بن كعب بن لوى‪ ،‬وكان ممن رفض‬
‫الجاهلية‪ ،‬يلتمس الحنيفية من دين ابراهيم عليه السلم‪ ،‬وترك عبادة‬
‫الوثان والصنام‪.‬‬

‫] ‪[ 205‬‬

‫رأي زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل فبكاه ورقة وقال فيه‪ :‬رشدت وأنعمت ابن عمرو‬
‫وإنما * تجنبت تنورا " من النار حاميا بدينك ربا " ليس رب كمثله *‬
‫وتركك أوثان الطواغي كما هيا )‪ (1‬وقد تدرك النسان رحمة ربه * ولو‬
‫كان تحت الرض ستين واديا )‪ - 21 (2‬قب‪ :‬عن محمد بن إسحاق مثله )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬شام اليهودية‪ ،‬بتشديد الميم‪ ،‬قال الجزري‪ :‬يقال شاممت‬
‫فلنا "‪ :‬إذا قاربته وتعرفت ما عنده بالختبار والكشف‪ ،‬وهي مفاعلة من‬
‫الشم‪ ،‬كأنك تشم ما عندك‪ ،‬ويشم ما عنده لتعمل بمقتضى ذلك انتهى‪.‬‬
‫واللخم بالتحريك‪ :‬وادبا لحجاز‪ ،‬بسكون الخاء بللم حي باليمن‪ - 22 .‬ك‪:‬‬
‫بهذا السناد عن محمد بن إسحاق بن بشار المدني )‪ ،(4‬عن محمد بن‬
‫جعفر بن الثير‪ ،‬ومحمد بن عبد الرحمان بن عبد ال بن الحصين التميمي‬
‫أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قال‪ :‬يا رسول ال تستغفر لزيد )‪ (5‬؟‬
‫قال‪ :‬نعم فاستغفروا له‪ ،‬إنه يبعث امة واحدة )‪ - 23 .(6‬ك‪ :‬بالسناد‬
‫المتقدم عن يونس بن بكير‪ ،‬عن المسعودي‪ ،‬عن نفيل بن هشام‪ ،‬عن أبيه‬
‫أن جده سعيد بن زيد سأل رسول ال صلى ال عليه واله عن أبيه زيد بن‬
‫عمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‬

‫)‪ (1‬بعده وادراكك الدين الذى قد طلبته * ولم تك عن توحيد ربك ساهيا‪ .‬فأصبحت‬
‫في دار كريم مقامها * تعلل فيها بالكرامة لهيا‪ .‬تلقى خليل ال فيها ولم‬
‫تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا )‪ (2‬كمال الدين‪ 115 :‬وفيه‪ :‬وقد‬
‫يدرك النسان‪ (3) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ ،11 :1‬والحكاية توجد في سيرة‬
‫ابن هشام نقل عن محمد بن اسحاق راجع ج ‪ (4) .250 - 247 :1‬قد‬
‫عرفت آنفا أن بشار مصحف يسار‪ ،‬وهذا الحديث رواه ابن هشام في‬
‫السيرة عن محمد بن اسحاق بن يسار‪ (5) .‬في المصدر والسيرة‪:‬‬
‫أنستغفر لزيد ؟‪ (6) .‬كمال الدين‪ ،115 :‬وفيه‪ :‬فانه يبعث يوم القيامة امة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫] ‪[ 206‬‬

‫ال إن بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك لمن بك )‪ ،(1‬فأستغفر له ؟‬
‫قال‪ :‬نعم فاستغفر له‪ ،‬وقال‪ :‬إنه يجئ يوم القيامة امة واحدة‪ ،‬وكان فيما‬
‫ذكروا أنه يطلب الدين فمات وهو في طلبه )‪ - 24 .(2‬ك‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير والبزنطي معا "‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن‬
‫أبان بن تغلب‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما دعا رسول ال صلى‬
‫ال عليه واله بكعب بن أسد ليضرب عنقه فاخرج )‪ (3‬وذلك في غزوة بني‬
‫قريظة نظر إليه رسول ال صلى ال عليه واله فقال له‪ :‬يا كعب أما نفعك‬
‫وصية ابن حواش الحبر المقبل من الشام )‪ (4‬؟ فقال‪) :‬تركت الخمر‬
‫والخمير‪ ،‬وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث‪ ،‬هذا أوان خروجه‪ ،‬يكون‬
‫مخرجه بمكة‪ ،‬وهذه دار هجرته‪ ،‬وهو الضحوك القتال‪ ،‬يجتزئ بالكسرة و‬
‫التميرات‪ ،‬ويركب الحمار العاري‪ ،‬في عينيه حمرة‪ ،‬وبين كتفيه خاتم‬
‫النبوة‪ ،‬يضع سيفه على عاتقة‪ ،‬ل يبالي بمن لقى‪ ،‬يبلغ سلطانه منقطع‬
‫الخف والحافر( قال كعب‪ :‬قد كان ذلك يا محمد‪ ،‬ولول أن اليهود تعيرني‬
‫أني جبنت )‪ (5‬عند القتل لمنت بك وصدقتك‪ ،‬ولكني على دين اليهودية‬
‫عليه أحي وعليه أموت‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬قدموه‬
‫واضربوا عنقه‪ ،‬فقدم وضربت عنقه )‪ - 25 .(6‬ص‪ :‬بالسناد إلى الصدوق‬
‫بإسناده إلى ابن اورمة‪ ،‬عن عيسى بن العباس‪ ،‬عن محمد بن عبد الكريم‬
‫التفليسي‪ ،‬عن عبد المؤمن بن محمد رفعه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬أوحى ال تعالى جلت عظمته إلى عيسى عليه السلم‪ :‬جد في‬
‫أمري ول تترك‪ ،‬إني خلقتك من غير فحل آية للعالمين‪ ،‬أخبرهم آمنوا بي‬
‫وبرسولي النبي المي نسله من مباركة‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فلو أدركك كان آمن بك‪ (2) .‬كمال الدين‪ (3) .115 :‬في المصدر‪:‬‬
‫واخرج‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬الحبر الذى أقبل من الشام‪ (5) .‬جئثت خ ل‬
‫وفى هامش نسخة المصنف بخطه‪ :‬جئث كفرح‪ :‬ثقل عند القيام‪ ،‬أو حمل‬
‫شئ ثقيل‪ ،‬وكزهى جؤثا‪ :‬فزع ق‪ .‬قلت‪ :‬في المصدر‪ :‬خشيت‪ (6) .‬كمال‬
‫الدين‪ 114 ،‬و ‪.115‬‬

‫] ‪[ 207‬‬

‫وهي مع امك في الجنة طوبى لمن سمع كلمه‪ ،‬وأدرك زمانه‪ ،‬وشهد أيامه‪ :‬قال‬
‫عيسى‪ :‬يا رب وما طوبى ؟ قال‪ :‬شجرة في الجنة تحتها عين‪ ،‬من شرب‬
‫منها شربة لم يظمأ بعدها أبدا "‪ ،‬قال عيسى‪ :‬يا رب اسقني منها شربة ؟‬
‫قال‪ :‬كل يا عيسى‪ ،‬إن تلك العين محرمة على النبياء حتى يشربها ذلك‬
‫النبي‪ ،‬وتلك الجنة محرمة على المم حتى يدخلها امة ذلك النبي )‪- 26 .(1‬‬
‫يج‪ :‬فصل ونذكر هاهنا شيئا " مما في الكتب المتقدمة من ذكر نبينا‪ ،‬و‬
‫كيف بشرت النبياء قبله بألفاظهم‪ ،‬منها ألفاظ التوراة في هذا الباب في‬
‫السفر الول منه‪ :‬إن الملك نزل على إبراهيم فقال له‪ :‬إنه يولد في هذا‬
‫العالم لك غلم اسمه إسحاق فقال إبراهيم‪ :‬ليت إسماعيل يعيش بين أيديك‬
‫يخدمنك )‪ ،(2‬فقال ال لبراهيم‪ :‬لك ذلك‪ ،‬قداستجيب في إسماعيل وإني‬
‫ابركه وآمنه )‪ (3‬واعظمه بما استجبت فيه‪ ،‬وتفسير هذا الحرف محمد‪،‬‬
‫ويلد اثنى عشر عظيما "‪ ،‬واصيره لمة كثيرة‪ .‬وقال في التوراة‪ :‬إن الملك‬
‫نزل على هاجر ام إسماعيل وقد كانت خرجت مغاضبة لسارة وهي تبكي‪،‬‬
‫فقال لها‪ :‬ارجعي واخدمي مولتك‪ ،‬واعلمي أنك تلدين غلما " يسمى‬
‫إسماعيل‪ ،‬وهو يكون معظما " في المم‪ ،‬ويده على كل يد‪ .‬ولم يكن ذلك‬
‫لسماعيل ول لحد من ولده غير نبينا‪ .‬وقال في التوراة‪ :‬إن إبراهيم لما‬
‫أخرج إسماعيل وامه هاجر اصابهما عطش‪ ،‬فنزل عليهما ملك وقال لها‪ :‬ل‬
‫تهاوني بالغلم‪ ،‬وشدي يديك به‪ ،‬فإني اريد أن اصيره لمر عظيم‪ .‬فإن قيل‪:‬‬
‫هذا تبشير بملك وليس فيه ذكر نبوة‪ ،‬قلنا‪ :‬الملك ملكان‪ :‬ملك كفر وملك‬
‫هدى‪ ،‬ول يجوز أن يبشر ال إبراهيم عليه السلم وهاجر بظهور الكفر في‬
‫ولدهما‪ ،‬و يصفه بالعظم‪.‬‬

‫)‪ (1‬قصص النبياء‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬يخدمك خ ل‪ (3) .‬ائتمنه خ ل‪.‬‬


‫] ‪[ 208‬‬

‫وقال في التوراة‪ :‬أقبل من سيناء )‪ ،(1‬وتجلى من ساعير‪ ،‬وظهر من جبل فاران‪.‬‬


‫فسيناء‪ :‬جبل كلم ال عليه موسى‪ ،‬وساعير هو الجبل الذي بالشام كان فيه‬
‫عيسى‪ ،‬وجبل فاران مكة‪ .‬وفي التوراة‪ :‬إن إسماعيل سكن برية فاران‪،‬‬
‫ونشأ فيها‪ ،‬وتعلم الرمي‪ .‬فذكر ال )‪ (2‬مع طور سيناء وساعير التي جاء‬
‫منها بأنبيائه‪ ،‬ومجئ ال إتيان دينه وأحكامه‪ ،‬فلقد ظهر دين ال من مكة‬
‫وهي فاران‪ ،‬فأتم ال تعالى هذه المواعيد لبراهيم عليه السلم بمحمد‬
‫صلى ال عليه واله‪ ،‬فظهر دين ال في مكة بالحج إليها‪ ،‬واستعلن ذكره‬
‫بصراخ أصحابه بالتلبية على رؤوس الجبال وبطون الودية‪ ،‬ولم يكن‬
‫موجودا " إل بمجئ محمد صلى ال عليه واله وغيره من ولد إسماعيل‬
‫عباد أصنام‪ ،‬فلم يظهر ال بهم تبجيله )‪ .(3‬ويدل على تأويلنا ما قال في‬
‫كتاب حيقوق‪ :‬سيد يجئ من اليمن‪ ،‬يقدس )‪ (4‬من جبل فاران‪ ،‬يغطي )‪(5‬‬
‫السماء بهاء "‪ ،‬ويمل الرض نورا "‪ ،‬ويسيل الموت )‪ (6‬بين يديه‪ ،‬وينقر‬
‫الطير بموضع قدميه‪ .‬وقال في كتاب حزقيل النبي لبني إسرائيل‪ :‬إني مؤيد‬
‫بني قيدار بالملئكة‪ - ،‬و قيدار جد العرب ابن إسماعيل لصلبه ‪ -‬وأجعل‬
‫الدين تحت أقدامهم فيريثونكم )‪ (7‬بدينهم‪ ،‬وليشمون أنفسكم بالحمية‬
‫والغضب‪ ،‬ول ترفعون )‪ (8‬أبصاركم ول تنظرون إليهم‪ ،‬و جميع رضاي‬
‫يصنعونه بكم‪ .‬وإن محمدا " اخرج إليهم بمن أطاعه من بني قيدار فيقتل )‬
‫‪ (9‬مقاتليهم‪ ،‬وأيدهم ال‬

‫)‪ (1‬طور سيناء خ ل‪ (2) .‬فذكره ال خ ل‪ (3) .‬فلم يظهر ال بهم قبله خ ل‪(4) .‬‬
‫ويقدس خ ل‪ (5) .‬في نسخة مخطوطة‪ :‬يعطى‪ (6) .‬ويسير الموت خ ل‪) .‬‬
‫‪ (7‬فيدينونكم خ ل‪ (8) .‬ول ترفضون خ ل‪ (9) .‬فقتل خ ل صح‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 209‬‬

‫بالملئكة في بدر والخندق وحنين‪ .‬وقال في التوراة في السفر الخامس‪ :‬إني اقيم‬
‫لبني إسرائيل نبيا " من إخوتهم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي على فمه‪ .‬وإخوة بني‬
‫إسرائيل ولد إسماعيل‪ ،‬ولم يكن في بني إسماعيل نبي مثل موسى‪ ،‬ول أتى‬
‫بكتاب ككتاب موسى غير نبينا صلى ال عليه واله‪ .‬ومن قول حيقوق النبي‬
‫ومن قول دانيال‪ :‬جاء ال )‪ (1‬من اليمن‪ ،‬والتقديس من جبال فاران‪،‬‬
‫فامتلت الرض من تحميد أحمد وتقديسه‪ ،‬وملك الرض بهيبته‪ .‬وقال‬
‫أيضا "‪ :‬يضئ له نوره الرض‪ ،‬وتحمل )‪ (2‬خيله في البر والبحر‪ .‬وقال‬
‫أيضا‪ :‬سننزع في قبيك أغرافا " )‪ ،(3‬وترتوي السهام بأمرك‪ ،‬يا محمد‬
‫ارتواء "‪ .‬وهذا إيضاح باسمه وصفاته‪ .‬وفي كتاب شعيا النبي‪ :‬عبدي‬
‫خيرتي من خلقي‪ ،‬رضي نفسي أفيض عليه روحي‪ ،‬أو قال‪ :‬أنزل فيظهر‬
‫في المم عدلي‪ ،‬ل يسمع صوته في السواق‪ ،‬يفتح العيون العور‪ ،‬ويسمع‬
‫الذان الصم‪ ،‬ول يميل إلى اللهو‪ ،‬ركن المتواضعين‪ ،‬وهو نور ال الذي ل‬
‫يطفئ حتى تثبت في الرض حجتي‪ ،‬وينقطع به العذر‪ .‬وقال في الفصل‬
‫الخامس‪ :‬أثر سلطانه على كتفه‪ .‬يعني علمة النبوة‪ ،‬وكان على كتفه خاتم‬
‫النبوة‪ .‬وأعلمه في الزبور‪ :‬قال داود في الزبور‪ :‬سبحوا الرب تسبيحا "‬
‫حديثا "‪ ،‬وليفرح إسرائيل بخالقه ونبوءة صهيون‪ ،‬من أجل أن ال‬
‫اصطفى له امته‪ ،‬وأعطاه النصر‪ ،‬وسدد الصالحين منهم بالكرامة‪،‬‬
‫يسبحونه على مضاجعهم‪ ،‬وبأيديهم سيوف ذات شفرتين )‪ .(4‬لينتقم ال‬
‫تعالى من المم الذين ل يعبدونه‪.‬‬

‫)‪ (1‬جاء به ال خ ل‪ (2) .‬ويجيل خ ل‪ (3) .‬غرقا خ ل‪ (4) .‬الشفرة‪ :‬حد السيف‪.‬‬

‫] ‪[ 210‬‬

‫وفي مرموز آخر من الزبور‪ :‬تقلد أيها الخيار السيف‪ ،‬فإن ناموسك وشرائعك‬
‫مقرونة بهيبة يمينك‪ ،‬وسهامك مشنونة )‪ ،(1‬والمم يجرون تحتك‪ .‬وفي‬
‫مرموز آخر‪ :‬إن ال أظهر من صهيون )‪ (2‬إكليل " محمودا "‪ .‬ضرب‬
‫الكليل مثل " للرئاسة والمامة‪ ،‬ومحمود هو محمد صلى ال عليه واله‪.‬‬
‫وذكر أيضا " في صفته‪ :‬ويجوز من البحر إلى البحر من لدن النهار إلى‬
‫مقطع الرض‪ ،‬وإنه ليخر أهل الخزائن )‪ (3‬بين يديه‪ ،‬يأتيه ملوك الفرس‪،‬‬
‫وتسجد له وتدين له المم بالطاعة‪ ،‬ينقذ الضعيف‪ ،‬ويرق )‪ (4‬بالمساكين‪.‬‬
‫وفي مرموز آخر‪ :‬اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر‪ .‬هذا‬
‫إخبار عن محمد يخبر الناس أن المسيح بشر‪ .‬وفي كتاب شعيا النبي‪ :‬قيل‬
‫لي‪ :‬قم نظارا " فانظر ماذا ترى فخبر به‪ ،‬فقلت‪ :‬أرى راكبين مقبلين‪:‬‬
‫أحدهما على حمار‪ ،‬والخر على جمل‪ ،‬يقول أحدهما لصاحبه‪ :‬سقطت بإبل‬
‫وأصنامها‪ .‬فكل أهل الكتاب يؤمن بهذه الكتب‪ ،‬وتنفرد النصارى بالنجيل‪،‬‬
‫وأعلمه في النجيل‪ :‬قال المسيح للحواريين‪ :‬أنا أذهب وسيأتيكم الفار‬
‫قليط بروح الحق الذي ل يتكلم من قبل نفسه‪ ،‬إنما هو كما يقال له‪ ،‬ويشهد‬
‫)‪ (5‬علي وأنتم تشهدون‪ ،‬لنكم معه من قبل الناس‪ ،‬وكل شئ أعده ال لكم‬
‫يخبركم به‪ ،‬وفي حكاية يوحنا عن المسيح قال‪ :‬الفار قليط ل يجيئكم ما لم‬
‫أذهب‪ ،‬فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة‪ ،‬ول يقول من تلقاء نفسه‪ ،‬ولكنه‬
‫يكلمكم مما يسمع‪ ،‬وسيؤتيكم‬

‫)‪ (1‬لعل المعنى‪ :‬وسهامك متوجهة من كل جانب‪ .‬وفي هامش نسخة المصنف‪.‬‬
‫مكانه‪ :‬مسنونه‪ ،‬ولعله أصح‪ ،‬وهو من سن الرمح‪ :‬ركب فيه السنان‪(2) .‬‬
‫صهيون كبرذون‪ :‬بيت المقدس أو موضع به‪ ،‬وال كليل‪ :‬التاج‪ ،‬والمراد‬
‫به الملك و السلطان أو ما يشمل النبوة‪ (3) .‬الجزائر خ ل‪ (4) .‬يرؤف خ‬
‫ل‪ (5) .‬ويشهده خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 211‬‬

‫بالحق‪ ،‬ويخبركم بالحوادث والغيوب‪ .‬وقال في حكاية اخرى‪ :‬الفار قليط روح الحق‬
‫الذي يرسله )‪ (1‬باسمي‪ ،‬هو يعلمكم كل شئ‪ .‬وقال‪ :‬إني سائل ربي أن‬
‫يبعث إليكم فارقليط آخر يكون معكم إلى البد‪ ،‬وهو يعلمكم كل شئ‪ .‬وقال‬
‫في حكاية اخرى‪ :‬ابن البشر )‪ (2‬ذاهب‪ ،‬والفار قليط يأتي بعده‪ ،‬يحيي )‪(3‬‬
‫لكم السرار‪ ،‬ويفسر لكم كل شئ‪ ،‬وهو يشهد لي كما شهدت له‪ ،‬فإني‬
‫أجيئكم بالمثال‪ ،‬وهو يجيئكم بالتأويل‪ .‬ومن أعلمه في النجيل إنه لما‬
‫حبس يحي بن زكريا ليقتل بعث بتلميذه إلى المسيح وقال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬أنت‬
‫هو التي أو نتوقع غيرك ؟ فأجابه المسيح وقال‪ :‬الحق اليقين أقول لكم‪:‬‬
‫إنه لم تقم النساء على أفضل )‪ (4‬من يحي بن زكريا‪ ،‬وإن التوراة وكتب‬
‫النبياء يتلو بعضها بعضا " بالنبوة والوحي حتى جاء يحي‪ ،‬فأما الن فإن‬
‫شئتم فاقبلوا أن الليا متوقع أن يأتي‪ ،‬فمن كانت له أذنان سامعتان‬
‫فليسمع‪ .‬روي أنه كان فيه‪ :‬إن أحمد متوقع فغيروا السم وجعلوا إليا‬
‫لقوله‪) :‬يحرفون الكلم عن مواضعه( وإليا هو علي بن ابي طالب عليه‬
‫السلم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنما ذكر إليا لن عليا " قدام محمد صلى ال عليه واله في‬
‫كل حرب وفي كل حال حتى يوم القيامة‪ ،‬فإنه صاحب رايته‪ ،‬و كان اسم‬
‫محمد بالسريانية مشفحا "‪ ،‬ومشفح هو محمد بالعربية‪ ،‬وإنهم يقولون‪:‬‬
‫شفح للها‪ :‬إذا أرادوا أن يقولوا‪ :‬الحمد ل‪ ،‬وإذا كان الشفح الحمد فمشفح‬
‫محمد‪ .‬وفي كتاب شعيا في ذكر الحج‪ :‬ستمتلي البادية فتصفر )‪ (5‬لهم من‬
‫أقاصي الرض‬

‫)‪ (1‬أرسله خ ل‪ (2) .‬ابن البر خ ل‪ (3) .‬يجلى خ ل‪ (4) .‬عن افضل خ ل‪(5) .‬‬
‫فيظفر بهم‪.‬‬

‫] ‪[ 212‬‬

‫فإذاهم سراع يأتون‪ ،‬يبثون تسبيحه في البر والبحر‪ ،‬يأتون من المشرق كالصعيد‬
‫كثرة‪ .‬وقال شعيا‪ :‬قال الرب‪ :‬ها أناذا مؤسس بصهيون من بيت ال حجرا‬
‫"‪ ،‬وفي رواية‪ :‬مكرمة "‪ ،‬فمن كان مؤمنا " فل يستعجلنا‪ .‬وقال دانيال في‬
‫الرؤيا التي رآها بخت نصر ملك بابل وعبرها‪ :‬أيها الملك رأيت رؤيا "‬
‫هائلة‪ ،‬رأيت صنما " بارع الجمال‪ ،‬قائما " بين يديك‪ ،‬رأسه من الذهب‪،‬‬
‫وساعده من الفضة‪ ،‬وبطنه وفخذه نحاس‪ ،‬وساقاه حديد‪ ،‬وبعض رجليه‬
‫خزف‪ ،‬ورأيت حجرا " صك رجلي ذلك الصنم فدقهما دقا " شديدا "‪،‬‬
‫فتفتت ذلك الصنم كله حديده ونحاسه وفضته وذهبه‪ ،‬وصار رفاتا " كدقاق‬
‫البيدر‪ ،‬وعصفته الريح فلم يوجد له أثر‪ ،‬وصار ذلك الحجر الذي دق الصنم‬
‫جبل " عاليا " امتلت منه الرض‪ ،‬فهذه رؤياك‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم عبرها له‬
‫فقال‪ :‬إن الرأس الذي رأيت من الذهب مملكتك‪ ،‬فتقوم بعدك مملكة اخرى‬
‫دونك‪ ،‬والمملكة الثالثة التى تشبه النحاس تتسلط على الرض كلها‪،‬‬
‫والمملكة الرابعة قوتها قوة الحديد كما أن الحديد يدق كل شئ‪ ،‬وأما الرجل‬
‫الذي كان بعضها من حديد‪ ،‬وبعضها من خزف‪ ،‬فإن بعض تلك المملكة‬
‫يكون عزا "‪ ،‬وبعضها ذل "‪ ،‬ويكون كلمة أهل المملكة متشتتة‪ ،‬ويقيم إله‬
‫السماء في تلك اليام ملكا " عظيما " دائما " أبديا "‪ ،‬ل يتغير ول يتبدل‬
‫ول يزول‪ ،‬ول يدع لغيره من المم سلطانا "‪ ،‬ويقوم دهر الداهرين‪ .‬فتأويل‬
‫الرؤيا بعث محمد‪ ،‬تمزقت الجنود لنبوته‪ ،‬ولم ينتقض مملكة فارس لحد‬
‫قبله‪ ،‬وكان ملكها أعز ملوك الرض وأشدها شوكة‪ ،‬وكان أول ما بدا فيه‬
‫انتقاص قتل شيروية بن أبرويز أباه‪ ،‬ثم ظهر الطاعون في مملكته وهلك‬
‫فيه‪ ،‬ثم هلك ابنه أردشير‪ ،‬ثم ملك رجل ليس من أهل بيت الملك فقتلته‬
‫بوران بنت كسرى‪ ،‬ثم ملك بعده رجل يقال له‪ :‬كسرى ابن قباد ولد بأرض‬
‫الترك‪ ،‬ثم ملكت بوران بنت كسرى‪ ،‬فبلغ رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫ملكها فقال‪) :‬لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة(‪ ،‬ثم ملكت بنت اخرى‬
‫لكسرى فسمت وماتت‪ ،‬ثم ملك رجل ثم قتل‪ ،‬فلما راى أهل فارس ما هم‬
‫فيه من النتشار امر )‪ (1‬ابن لكسرى يقال له‪ :‬يزدجرد فملكوه عليهم‪،‬‬
‫فأقام بالمدائن على النتشار ثماني‬

‫)‪ (1‬أمره‪ :‬وله المارة وحكمه‪.‬‬

‫] ‪[ 213‬‬

‫سنين‪ ،‬وبعث إلى الصين بأمواله‪ ،‬وخلف أخا " بالمدائن لرستم فأتى لقتال‬
‫المسلمين‪ ،‬ونزل بالقادسية‪ ،‬وقتل بها‪ ،‬فبلغ ذلك يزدجرد فهرب إلى‬
‫سجستان وقتل هناك‪ .‬وقال في التوراة‪ :‬أحمد عبدي المختار‪ ،‬لفظ ول‬
‫غليظ ول صخاب )‪ (1‬في السواق‪ ،‬ول يجزئ بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو‬
‫ويغفر‪ ،‬مولده بمكة‪ ،‬وهجرته طيبة‪ ،‬وملكه بالشام‪ ،‬وامته الحامدون‪،‬‬
‫يحمدون ال على كل نجد )‪ ،(2‬ويسبحونه في كل منزل‪ ،‬ويقومون على‬
‫أطرافهم وهم رعاة الشمس )‪ ،(3‬مودتهم في جو السماء )‪ ،(4‬صفهم في‬
‫الصلة وصفهم في القتال سوآء‪ ،‬رهبان بالليل‪ ،‬اسد بالنهار‪ ،‬لهم دوي‬
‫كدوي النحل‪ ،‬يصلون الصلة حيثما أدركهم الصلة‪ .‬ومما أوحى ال إلى‬
‫آدم‪ :‬أنا ال ذو بكة‪ ،‬أهلها جيرتي‪ ،‬وزوارها وفدي وأضيافي‪ ،‬أعمره بأهل‬
‫السماء وأهل الرض‪ ،‬يأتونه أفواجا " شعثا " غبرا‪ ،‬يعجون بالتكبير‬
‫والتلبية‪ ،‬فمن اعتمره ل يريد غيره فقد زارني‪ ،‬وهو وفد لي‪ ،‬ونزل بي‪،‬‬
‫وحق لي أن اتحفه بكرامتي‪ ،‬أجعل ذلك البيت ذكره وشرفه ومجده وسنائه‬
‫لنبي من ولدك يقال له‪ :‬إبراهيم‪ ،‬أبني له قواعده‪ ،‬وأجري على يديه‬
‫عمارته‪ ،‬وأنبط له سقايته‪ ،‬واريه حله وحرمه‪ ،‬واعلمه مشاعره‪ ،‬ثم يعمره‬
‫المم والقرون حتى ينتهي إلى نبي من ولدك يقال له‪ :‬محمد وهو خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬فأجعله من سكانه وولته )‪ .(5‬ومن أعلمه اسمه‪ ،‬إن ال حفظ‬
‫اسمه حتى لم يسم باسمه أحد قبله صيانة من ال لسمه‪ ،‬ومنع منه )‪(6‬‬
‫كما فعل بيحي بن زكريا‪) ،‬لم نجعل له من قبل سميا(‪ ،‬وكما‬

‫)‪ (1‬الفظ‪ :‬الغليظ السئ الخلق الخشن الكلم الصخاب‪ :‬الشديد الصياح‪ (2) .‬النجد‪:‬‬
‫ما أشرف من الرض وارتفع‪ (3) .‬أي هم يرقبون الشمس متى تزول‬
‫فيصلون‪ .‬والمراد المحافظة على مواقيت الصلة‪ (4) .‬يرونها في جو‬
‫السماء خ ل ظ‪ (5) .‬الخرائج‪ ..‬لم نجدها فيه بتفصيله‪ :‬نعم فيه‪ :‬منها )أي‬
‫من المعجزات( ما وجدت في كتب النبياء قبله من تصديقه ووصفه‬
‫بصفاته وإظهار علماته‪ ،‬والدللة على وقته ومكانه وولدته وأحوال‬
‫آبائه وامهاته ا‍ه ولم يذكر بعد ذلك تفصيلها‪ ،‬والظاهر أن النسخة‬
‫المطبوعة ناقصة وكانت النسخة التى عند المصنف تامة‪ ،‬وذكر العلمة‬
‫الرازي في الذريعة أنه رأى نسخة في مكتبة سلطان العلماء بطهران‬
‫تخالف المطبوع‪ (6) .‬ومنعه منه خ ل‪:‬‬

‫] ‪[ 214‬‬

‫فعل بإبراهيم وإسحاق ويعقوب وصالح وأنبياء كثيرة منع من مسماتهم )‪ (1‬قبل‬
‫مبعثهم ليعرفوا به إذا جاءوا‪ ،‬ويكون ذلك أحد أعلمهم )‪ .(2‬وعن سراقة‬
‫بن جعشم )‪ (3‬قال‪ :‬خرجت رابع أربعة‪ ،‬فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير‬
‫فيه شجرات وقربه قائم )‪ (4‬لديراني‪ ،‬فأشرف علينا قال‪ :‬من أنتم ؟ قلنا‪:‬‬
‫قوم من مضر‪ ،‬قال‪ :‬من أي المضرين ؟ قلنا‪ :‬من خندف‪ ،‬قال‪ :‬أما إنه‬
‫سيبعث فيكم وشيكا )‪ (5‬نبي اسمه محمد‪ ،‬فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل‬
‫رجل منا غلم فسماه محمدا "‪ ،‬وهذا ايضا " من أعلمه‪ - 27 .‬يج‪ :‬روي‬
‫أن تبع بن حسان )‪ (6‬سار إلى يثرب وقتل من اليهود ثلثمائة وخمسين‬
‫رجل " صبرا "‪ ،‬وأراد خرابها )‪ (7‬فقام إليه رجل من اليهود له مأتان‬
‫وخمسون سنة‪ ،‬وقال‪ :‬أيها الملك مثلك ل يقبل قول الزور‪ ،‬ول يقتل على‬
‫الغضب‪ ،‬وإنك ل تستطيع أن تخرب هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬ولم ؟ قال‪ :‬لنه يخرج‬
‫منها من ولد إسماعيل نبي يظهر من هذه البنية ‪ -‬يعني البيت الحرام ‪-‬‬
‫فكف تبع ومضى يريد مكة ومعه اليهود‪ ،‬وكسا البيت وأطعم الناس‪ ،‬وهو‬
‫القائل‪ :‬شهدت على أحمد إنه * رسول من ال بارئ النسم فلو مد عمري‬
‫إلى عمره * لكنت وزيرا " له وابن عم ويقال‪ :‬هو تبع الصغر‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬
‫الوسط‪ - 28 .‬يج‪ :‬روي عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬فنشأ رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله في حجر ابي طالب‬

‫)‪ (1‬منع من أسمائهم خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬من مسمياتهم‪ (3) .‬الخرائج‪(3) .184 :‬‬
‫بضم الجيم والشين وبينهما العين الساكنة‪ (4) .‬القائم‪ :‬البناء‪(5) .‬‬
‫الوشيك‪ :‬السريع‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬حسان بن تبع وهو الصحيح‪(7) .‬‬
‫إخرابها خ ل‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 215‬‬

‫فبينما هو غلم يجئ بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب فقال‪ :‬ما‬
‫اسمك ؟ قال‪ :‬اسمي محمد‪ ،‬قال‪ :‬ابن من ؟ قال‪ :‬ابن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ابن‬
‫من ؟ قال‪ :‬ابن عبد المطلب‪ ،‬قال‪ :‬فما اسم هذه ؟ وأشار إلى السماء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫السماء‪ ،‬قال‪ :‬فما اسم هذه ؟ وأشار إلى الرض‪ ،‬قال‪ :‬الرض‪ ،‬قال‪ :‬فمن‬
‫ربهما ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهل لهما رب غيره ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ثم إن أبا طالب خرج‬
‫به معه إلى الشام في تجارة قريش فلما انتهى به إلى بصرى وفيها راهب‬
‫لم يكلم أهل مكة‪ ،‬إذا مروا به‪ ،‬ورأى علمة رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫في الركب‪ ،‬فإنه راى غمامة تظله في مسيره‪ ،‬ونزل تحت شجرة قريبة من‬
‫صومعته‪ ،‬فثنيت )‪ (1‬أغصان الشجرة عليه‪ ،‬والغمامة على رأسه بحالها‪،‬‬
‫فصنع لهم طعاما "‪ ،‬واجتمعوا إليه‪ ،‬وتخلف النبي محمد‪ ،‬فلما نظر بحيراء‬
‫الراهب إليهم ولم ير الصفة التي يعرف قال‪ ::‬فهل تخلف منكم أحد ؟ قالوا‪:‬‬
‫ل واللت والعزى إل صبي‪ ،‬فاستحضره فلما لحظ إليه نظر إلى أشياء من‬
‫جسده قد كان يعرفها من صفته‪ ،‬فلما تفرقوا قال‪ :‬يا غلم أتخبرني عن‬
‫أشياء أسألك عنها ؟ قال‪ :‬سل‪ ،‬قال‪ :‬أنشدك باللت والعزى إل أخبرتني عما‬
‫أسألك عنه‪ ،‬وإنما أراد أن يعرف‪ ،‬لنه سمعهم يحلفون بهما‪ ،‬فذكروا أن‬
‫النبي قال له‪ :‬ل تسألني باللت والعزى‪ ،‬فإني وال لم أبغض بغضهما شيئا‬
‫" قط‪ ،‬قال‪ :‬فو ال لخبرتني )‪ (2‬عما أسألك عنه ؟ قال‪ :‬فجعل يسأله عن‬
‫حاله في نومه وهيئته في اموره )‪ (3‬فجعل رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫يخبره‪ ،‬فكان يجدها موافقة لما عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬اكشف عن ظهرك‪ ،‬فكشف‬
‫عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الموضع الذي يجده عنده‪،‬‬
‫فأخذه الفكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال‪ :‬من أبو هذا الغلم ؟ قال‬
‫أبو طالب‪ :‬هو ابني‪ ،‬قال‪ :‬ل وال ل يكون أبوه حيا "‪ ،‬قال أبو طالب‪ :‬إنه‬
‫هو ابن أخي‪ ،‬قال‪ :‬فما فعل أبوه ؟ قال‪ :‬مات وهو ابن شهرين قال‪ :‬صدقت‪،‬‬
‫فارجع بابن أخيك إلى بلدك‪ ،‬واحذر عليه اليهود‪ ،‬فو ال لئن رأته وعرفوا‬
‫منه الذي عرفته ليبغنه شرا "‪ ،‬فخرج أبو طالب فرده إلى مكة‬

‫)‪ (1‬فنبتت خ ل‪ (2) .‬ال أخبرتني خ ل‪ (3) .‬ويقظته واموره خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 216‬‬

‫‪ - 29‬يج‪ :‬روى أن قريشا " أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب‬
‫إلى اليهود‪ ،‬فقالوا لهما‪ :‬إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه‪ ،‬فلما قدما‬
‫سألوهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬صفوا لنا صفته‪ ،‬فوصفوه‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن تبعه ؟ قالوا‪:‬‬
‫سفلتنا‪ ،‬فصاح حبر منهم ثم قال‪ :‬هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة‪،‬‬
‫ونجد قومه أشد الناس عداوة له‪ - 30 .‬يج‪ :‬روى أن سيف بن ذي يزن‬
‫حين ظهر بالحبشة وفد عليهم قريش‪ ،‬وفيهم عبد المطلب‪ ،‬فسأله عن‬
‫محمد سرا "‪ ،‬فأخبره به‪ ،‬ثم بعد مدة طويلة دخلوا عليه فسألهم عنه‬
‫ووصف لهم صفته فأقروا جميعا " أن هذه الصفة في محمد‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫أوان مبعثه‪ ،‬ومستقره يثرب‪ ،‬وموته بها‪ - 31 .‬يج‪ :‬روى عن أبي عبيدة‬
‫بن عبد ال بن مسعود‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬إن ال أمر نبيه أن يدخل الكنيسة‬
‫ليدخل رجل الجنة‪ ،‬فلما دخلها ومعه جماعة فإذا هو بيهود يقرؤون‬
‫التوراة‪ ،‬وقد وصلوا إلى صفة النبي صلى ال عليه واله‪ ،‬فلما رأوه‬
‫أمسكوا‪ ،‬وفي ناحية الكنيسة رجل مريض‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫ما لكم أمسكتم ؟ فقال المريض‪ :‬إنهم أتوا على صفة النبي صلى ال عليه‬
‫واله فأمسكوا‪ ،‬ثم جاء المريض يجثو )‪ (1‬حتى أخذ التوراة فقرءها حتى‬
‫أتى على آخر صفة النبي وامته‪ ،‬فقال هذه صفتك وصفة امتك‪ ،‬وأنا أشهد‬
‫أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسول ال‪ ،‬ثم مات‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫ولوا أخاكم )‪ - 32 .(2‬يج‪ :‬روى عن بعضهم قال‪ :‬حضرت سوق بصرى‬
‫فإذا راهب في صومعة يقول‪ :‬سلوا أهل هذا الموسم هل فيكم أحد من أهل‬
‫الحرم ؟ قالوا نعم‪ ،‬فقالوا‪ :‬سلوه هل ظهر أحمد بن عبد المطلب ؟ فهذا هو‬
‫الشهر الذي يخرج فيه‪ ،‬وهو آخر النبياء‪ ،‬ومخرجه من الحرم‪ ،‬ومهاجرته‬
‫إلى نخل وحرة وسباخ )‪ .(3‬قال الراوى‪ :‬فلما رجعت إلى مكة قلت‪ :‬هل‬
‫هاهنا من حدث ؟ قالوا‪ :‬أتانا محمد بن عبد ال المين )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬جثا‪ :‬جلس على ركبتيه‪ ،‬أو قام على أطراف أصابعه‪ (2) .‬صلوا على أخيكم خ‬
‫ل‪ (3) .‬أرض حرة‪ :‬لرمل فيها‪ .‬رملة حرة‪ :‬لطين فيها‪ .‬والحرة‪ :‬الرض‬
‫ذات حجارة نخرة سود كأنها أحرقت بالنار‪ .‬السباح من الرض‪ :‬ما لم‬
‫يحرث ولم يعمر‪ (4) .‬محمد بن عبد ال بن عبد المطلب المين خ ل‪.‬‬
‫] ‪[ 217‬‬

‫‪ - 33‬يج‪ :‬روى عن زيد بن سلم أن جده أبا سلم حدثه أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله بينما هو في البطحاء قبل النبوة فإذا هو برجلين عليهما ثياب‬
‫سفر‪ ،‬فقال‪ :‬السلم عليك‪ ،‬فقال لهما النبي صلى ال عليه واله‪ :‬وعليكما‬
‫السلم‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬ل إله إل ال ما لقيت أحدا منذ ولدتني امي‬
‫يرد السلم قبلك‪ ،‬وقال الخر‪ :‬سبحان ال ما لقيت رجل " يسلم منذ‬
‫ولدتني امي‪ ،‬فقال له الراكب‪ :‬هل في القرية رجل )‪ (1‬يدعى أحمد ؟ فقال‪:‬‬
‫ما فيها أحمد ول محمد غيرى‪ ،‬قال‪ :‬من أهلها أنت ؟ قال‪ :‬نعم من أهلها‪،‬‬
‫وولدت فيها‪ ،‬فضرب ذراع راحلته وأناخها‪ ،‬ثم كشف عن كتف رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله حتى نظر إلى الخاتم الذى بين كتفيه‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد أنك‬
‫رسول ال‪ ،‬وتبعث بضرب رقاب قومك‪ ،‬فهل من زاد تزودني ؟ فأتاه بخبز‬
‫وتميرات‪ ،‬فجعلهن في ثوبه حتى أتى صاحبه‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد ل الذى لم‬
‫يمتني حتى حمل لي نبي ال الزاد في ثوبه‪ ،‬ثم قال النبي صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬هل من حاجة سوى هذا ؟ قال‪ :‬تدعو ال أن يعرف بيني وبينك يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فدعا له‪ ،‬ثم انطلق‪ .‬وفي كتب ال المتقدمة‪ :‬لما خلق ال آدم ونفخ‬
‫فيه من روحه عطس‪ ،‬فقال له ربه‪ :‬قل الحمد ل‪ ،‬ثم قال له ربه )‪:(2‬‬
‫يرحمك ربك )‪ ،(3‬ائت أولئك المل من الملئكة وقل لهم‪ :‬السلم عليكم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬وعليك السلم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬ثم قال له ربه‪ :‬هذه تحيتك و‬
‫تحية ذريتك‪ - 34 .‬يج‪ :‬روي أنه سئل ابن عباس‪ :‬بلغنا أنك تذكر سطيحا "‬
‫وتزعم أن ال خلقه ولم يخلق من ولد آدم شيئا " يشبهه‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن ال‬
‫خلق سطيحا " الغساني لحما " على وضم‪ ،‬والوضم شرائج )‪ (4‬من‬
‫جرائد النخل‪ ،‬وكان يحمل على وضم‪ ،‬ويؤتى به حيث يشاء‪ ،‬ولم يكن فيه‬
‫عظم ول عصب إل الجمجمة والعنق‪ ،‬وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته‪،‬‬
‫كما يطوى الثوب‪ ،‬ولم يكن يتحرك منه شئ سوى لسانه‪ ،‬فلما أراد الخروج‬

‫)‪ (1‬من رجل خ ل‪ (2) .‬فلما قال قال له ربه خ ل‪ (3) .‬يرحمك ال خ ل‪(4) .‬‬
‫الشرائج جمع الشريجة‪ :‬جوالق كالخرج ينسج من سعف النخل‪.‬‬

‫] ‪[ 218‬‬

‫إلى مكة حمل على وضمة فأتي به مكة‪ ،‬فخرج إليه أربعة من قريش فقالوا‪ :‬أتيناك‬
‫لنزورك لما بلغنا من علمك‪ ،‬فأخبرنا عما يكون في زماننا‪ ،‬وما يكون من‬
‫بعد‪ ،‬قال‪ :‬يا معشر العرب ل علم عندكم )‪ (1‬ول فهم‪ ،‬وينشأ من عقبكم‬
‫دهم‪ ،‬يطلبون )‪ (2‬أنواع العلم‪ ،‬يكسرون الصنم‪ ،‬ويقتلون العجم‪ ،‬ويطلبون‬
‫المغنم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا سطيح من يكونون اولئك ؟ قال‪ :‬و البيت ذي الركان‬
‫لينشان من عقبكم ولدان يوحدون الرحمان‪ ،‬ويتركون عبادة الشيطان‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فمن نسل من يكونون اولئك ؟ قال‪ :‬أشرف الشراف من عبد مناف‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬من أي بلدة يخرج ؟ قال‪ :‬والباقي البد )‪ (3‬ليخرجن من ذا البلد )‬
‫‪ ،(4‬يهدي إلى الرشد‪ ،‬يعبد ربا " انفرد )‪ .(5‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬الوضم‪:‬‬
‫كل شئ يجعل عليه اللحم من خشب أوبارية يوقى به من الرض وقال‪:‬‬
‫الدهم‪ :‬العدد الكثير‪ - 35 .‬يج‪ :‬روي أن عبد المطلب قدم )‪ (6‬اليمن فقال له‬
‫حبر من أهل الزبور‪ :‬أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال‪ :‬نعم إل إلى‬
‫عورة‪ ،‬ففتح إحدى منخريه فنظر فيه‪ ،‬ثم نظر في الخرى‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد أن‬
‫في إحدى يديك الملك‪ ،‬وفي الخرى النبوة‪ ،‬وإنا نجد في بني زهرة فكيف‬
‫ذلك )‪ ،(7‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ل أدري قال‪ :‬هل من شاعة ؟ قلت‪ :‬ما الشاعة ؟ قال‪:‬‬
‫الزوجة‪ ،‬قال‪ :‬فإذا رجعت فتزوج منهم‪ ،‬فرجع إلى مكة فتزوج هالة بنت‬
‫وهب بن عبد مناف بن زهرة‪ - 36 .‬يج‪ :‬روي أن بعد مولد النبي صلى ال‬
‫عليه واله بسنتين أتت أشراف العرب سيف بن ذي يزن الحميري‪ ،‬لما‬
‫ظهر على الحبشة‪ ،‬وفد عليه قريش للتهنئة‪ ،‬وفيهم عبد المطلب‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ل علم لكم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وينشأ من عقبكم وهم يطلبون‪(3) .‬‬
‫والباقى في البد خ ل‪ .‬وفي المصدر‪ :‬إلى البد‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬من ذى‬
‫البلد وهو الصحيح‪ (5) .‬الخرائج‪ (6) .186 :‬ليخرجن خ ل‪ (7) .‬فكيف‬
‫يكون ذلك خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 219‬‬

‫قال‪ :‬أيها الملك سلفك خير سلف‪ ،‬وأنت لنا خير خلف‪ ،‬قال‪ :‬من أنت ؟ قال‪ :‬عبد‬
‫المطلب ابن هاشم‪ ،‬قال‪ :‬ابن اختنا‪ ،‬ثم أدناه‪ ،‬وقال‪ :‬إني مفض إليك خيرا "‬
‫)‪ (1‬عظيما "‪ ،‬يولد نبي اوقد ولد‪ ،‬اسمه محمد‪ ،‬ال باعثه جهارا "‪،‬‬
‫وجاعل له منا أنصارا "‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬كان لي ابن زوجته كريمة‬
‫فجائت بغلم سميته محمدا "‪ ،‬ثم أمر لكل قرشي بنعمة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬و لعبد‬
‫المطلب بأضعافها عشرة‪ ،‬وهم يغبطونه بها‪ ،‬فقال‪ :‬لو علمتم بفخري‬
‫وذكري لغبطتم به )‪ - 37 .(2‬يج‪ :‬روي أن جبير بن مطعم قال‪ :‬كنت آذى )‬
‫‪ (3‬قريش بمحمد‪ ،‬فلما ظننت أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير‪،‬‬
‫فأقاموا لي الضيافة ثلثا "‪ ،‬فلما رأوني ل أخرج قالوا‪ :‬إن لك لشأنا " ؟‬
‫قلت‪ ،‬إني من قرية إبراهيم )‪ ،(4‬وابن عمي يزعم أنه نبي‪ ،‬فآذاه قومه‬
‫فأرادوا قتله فخرجت لئل أشهد ذلك‪ ،‬فأخرجوا إلى صورة‪ ،‬قلت‪ :‬ما رأيت‬
‫شيئا " أشبه بشئ من هذه الصورة بمحمد‪ ،‬كأنه طوله وجسمه‪ ،‬وبعد ما‬
‫بين منكبيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يقتلونه‪ ،‬وليقتلن من يريد قتله‪ ،‬وإنه لنبي‪،‬‬
‫وليظهرنه ال‪ ،‬فلما قدمت مكة إذا هو خرج إلى المدينة‪ ،‬وسئلوا )‪ (5‬من‬
‫أين لكم هذه الصورة ؟ قالوا‪ :‬إن آدم عليه السلم سال ربه أن يريه النبياء‬
‫من ولده‪ ،‬فأنزل عليه صورهم‪ ،‬وكان في خزانة آدم عند مغرب الشمس‬
‫فاستخرجها ذو القرنين من هناك فدفعها إلى دانيال‪ - 38 .‬يج‪ :‬من‬
‫معجزاته صلى ال عليه واله حديث كعب بن مانع )‪ (7‬بينما هو في مجلس‬
‫و‬

‫)‪ (1‬خبرا خ ل‪ (2) .‬يوجد في الخرائج‪ 274 :‬حديثا نحوه مع اختلف كثير لفظا‬
‫ومعنى‪ ،‬وأما الحديث بألفاظه فلم نجده فيه‪ (3) .‬أدنى خ ل‪ .‬قوله‪ :‬آذى‪،‬‬
‫من أذى يأذى‪ :‬اصيب بأذى‪ (4) .‬أي من مكة‪ (5) .‬وسألتهم خ ل‪(6) .‬‬
‫الصحيح ماتع بالتاء على ما ضبطه في تهذيب السماء واللغات‪ ،‬وظاهر‬
‫التقريب والجمع بين رجالى الصحيحين‪ ،‬والرجل هو كعب بن ماتع‬
‫الحميرى أبو إسحاق المعروف بكعب الحبار‪ ،‬مخضرم‪ ،‬كان من أهل‬
‫اليمن فسكن الشام‪ ،‬ومات في خلفة عثمان وقد زاد على المائة‪.‬‬

‫] ‪[ 220‬‬

‫رجل من القوم معهم يحدث أصحابه يقول‪ :‬رأيت في النوم أن الناس حشروا‪ ،‬وأن‬
‫المم تمركل امة مع نبيها‪ ،‬ومع كل نبي نوران يمشي بينهما‪ ،‬ومع كل من‬
‫اتبعه نور يمشى به حتى مر محمد صلى ال عليه واله في امته‪ ،‬فإذا ليس‬
‫معه شعرة إل وفيها نوران من رأسه وجلده‪ ،‬ول من اتبعه من امته إل‬
‫ومعه نوران مثل النبياء فقال كعب‪ :‬والتفت إليهما )‪ (1‬ما هذا الذي يحدث‬
‫به ؟ فقال‪ :‬رؤيا رأيتها‪ ،‬فقال )‪ :(2‬والذي بعث محمدا صلى ال عليه واله‬
‫بالحق إنه لفي كتاب ال كما رأيت‪ - 39 .‬يج‪ :‬روي أن زيد بن عمرو بن‬
‫نفيل وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب‬
‫بالموصل‪ ،‬فقال لزيد‪ :‬من أين أقبلت يا صاحب البعير ؟ قال‪ :‬من بنية‬
‫إبراهيم قال‪ :‬وما تلتمس ؟ قال‪ :‬الدين‪ ،‬قال‪ :‬ارجع فإنه يوشك أن يظهر‬
‫الذي )‪ (3‬تطلب في أرضك‪ ،‬فرجع يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا‬
‫عليه فقتلوه‪ ،‬وكان يقول‪ :‬أنا على دين إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وأنا ساجد‬
‫على نحو البنية التي بناها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إنا ننتظر نبيا‬
‫" من ولد إسماعيل من ولد عبد المطلب‪ - 40 .‬يج‪ :‬روي عن جرير بن‬
‫عبد ال البجلي قال‪ :‬بعثني النبي صلى ال عليه واله بكتابه إلى ذي الكلع‬
‫وقومه‪ ،‬فدخلت عليه فعظم كتابه وتجهز وخرج في جيش عظيم‪ ،‬وخرجت‬
‫معه‪ ،‬فبينما نسير إذ رفع إلينا دير راهب‪ ،‬فقال‪ :‬اريد هذا الراهب‪ ،‬فلما‬
‫دخلنا عليه سأله أين تريد ؟ قال‪ :‬هذا النبي الذي خرج في قريش‪ ،‬وهذا‬
‫رسوله‪ ،‬قال الراهب‪ :‬لقد مات هذا الرسول‪ ،‬فقلت‪ :‬من أين علمت بوفاته ؟‬
‫قال‪ :‬إنكم قبل أن تصلوا إلي كنت أنظر في كتاب دانيال‪ ،‬مررت بصفة محمد‬
‫ونعته وأيامه وأجله‪ ،‬فوجدت أنه توفي في هذه الساعة‪ ،‬فقال ذو الكلع‪:‬‬
‫أنا أنصرف‪ ،‬قال جرير‪ :‬فرجعت فإذا رسول ال توفي ذلك اليوم )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬أي إلى القائل ومخاطبه‪ (2) .‬أي كعب بن ماتع‪ (3) .‬الدين الذى خ ل‪(4) .‬‬
‫الخرائج‪- .222 :‬‬

‫] ‪[ 221‬‬

‫‪ - 41‬قب‪ :‬قال داود في زبوره‪ :‬اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة‪ .‬وقال عيسى في‬
‫النجيل‪ :‬إن البر ذاهب‪ ،‬والبار قليطا جائي )‪ (1‬من بعده‪ ،‬وهو يخفف‬
‫الصار )‪ ،(2‬ويفسر لكم كل شئ ويشهد لي كما شهدت له‪ ،‬أنا جئتكم‬
‫بالمثال‪ ،‬وهو يأتيكم بالتأويل )‪ - 42 .(3‬د‪ ،‬قب‪ :‬كان كعب بن لوي بن‬
‫غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة‪ ،‬وكانوا يسمونها عروبة‪ ،‬فسماه‬
‫كعب يوم الجمعة‪ ،‬وكان يخطب فيه الناس ويذكر فيه خبر النبي آخر خطبته‬
‫كلما خطب‪ ،‬وبين موته والفيل خمسمأة وعشرون سنة فقال‪ :‬أم وال لو‬
‫كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل‪ ،‬ولرقلت‬
‫فيها إرقال الفحل‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ليتني شاهد فحوى )‪ (4‬دعوته * حين‬
‫العشيرة تبغي الحق خذلنا )‪ (5‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬لتنصبت‪ ،‬أي حملت النصب‬
‫والتعب‪ ،‬أو انتصبت وقمت بخدمته‪ .‬و الرقال‪ :‬السراع‪ - 43 .‬وروى‬
‫محمد بن مسعود الكازروني في كتاب المنتقى بإسناده )‪ (6‬عن أبي سلمة‬
‫قال‪ :‬كان كعب بن لوي بن غالب يجمع قومه يوم الجمعة‪ ،‬وكانت قريش‬
‫تسمي الجمعة عروبة‪ ،‬فيخطبهم فيقول‪ :‬أما بعد فاسمعوا وتعلموا‪ ،‬وافهموا‬
‫واعلموا‪ ،‬ليل ساج‪ ،‬ونهار ضاح )‪ (7‬والرض مهاد‪ ،‬والسماء بناء )‪(8‬‬
‫والجبال أوتاد‪ ،‬والنجوم أعلم‪ ،‬والولون كالخرين‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر جاء‪ (2) .‬الصار جمع الصر بتثليت الهمزة‪ :‬الذنب‪ (3) .‬مناقب آل‬
‫أبى طالب ‪ (4) .11 :1‬الفحوى من الكلم‪ :‬مذهبه ومعناه‪ .‬وفي تاريخ‬
‫اليعقوبي‪ :‬شاهد نجوى دعوته‪ (5) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪ ،‬مناقب آل ابى طالب‬
‫‪ (6) .11 :1‬والسناد مذكور في المنتقى‪ ،‬وذكره بطوله )‪ (7‬في تاريخ‬
‫اليعقوبي‪ :‬إن الليل ساج والنهار ضاح‪ (8) .‬في تاريخ اليعقوبي‪ :‬والسماء‬
‫عماد‪.‬‬

‫] ‪[ 222‬‬

‫والنثى والذكر زوج )‪ ،(1‬فصلوا أرحامكم‪ ،‬واحفظوا أصهاركم‪ ،‬وثمروا أولدكم )‬


‫‪ ،(2‬فهل رأيتم من هالك رجع ؟ أو ميت نشر ؟ الدار أمامكم‪ ،‬وأظن )‪(3‬‬
‫غير ما تقولون‪ ،‬عليكم بحرمكم زينوه وعظموه وتمسكوا به‪ ،‬فسيأتي له‬
‫نبأ عظيم‪ ،‬وسيخرج منه نبي كريم‪ ،‬ثم يقول‪ :‬نهار وليل كل أوب بحادث *‬
‫سوآء علينا ليلها ونهارها يؤبان بالحداث حين تأوبا * وما للفم الضافي‬
‫عليها ستورها )‪ (4‬على غفلة يأتي النبي محمد * فيخبر أخبارا " صدوقا‬
‫" خبيرها )‪ (5‬ثم يقول‪ :‬وال لو كنت فيها لتنصبت فيها تنصب الجمل‪،‬‬
‫وأرقلت فيها إرقال الفحل‪ ،‬قال أهل العلم‪ :‬إنما ذكر كعب صفة النبي صلى‬
‫ال عليه واله ونبوته من صحف إبراهيم عليه السلم )‪ - 44 .(6‬د‪ ،‬قب‪:‬‬
‫كان تبع الول )‪ (7‬من الخمسة التي كانت لهم الدنيا )‪ (8‬بأسرها‪،‬‬

‫)‪ (1‬في تاريخ اليعقوبي‪ :‬والبناء ذكر‪ (2) .‬ثمروا‪ :‬كثروا‪ ،‬وفي تاريخ اليعقوبي‪:‬‬
‫ثمروا أموالكم‪ (3) .‬في تاريخ اليعقوبي‪ :‬والظن غير ما تقولون‪ (4) .‬في‬
‫تاريخ اليعقوبي‪ :‬وبالنعم الضافى علينا ستورها‪ .‬وفيه بعده‪ :‬صروف‬
‫وأنباء تغلب أهلها * لها عقد ما يستحل مريرها‪ .‬وفي هامش نسخة‬
‫المصنف بخطه‪ :‬الضفو‪ :‬السبوغ‪ ،‬وثوب ضاف‪ :‬سابغ‪ ،‬ووضفا المال‪:‬‬
‫كثر‪ ،‬ورجل ضافى الرأس أي كثير شعر الرأس‪ .‬ص‪ (5) .‬في تاريخ‬
‫اليعقوبي بعد ذلك‪ :‬ثم يقول‪ :‬يا ليتني شاهد نجوى دعوته‪ ،‬لو كنت ذا‬
‫سمع وذا بصر ويد ورجل لتنصبت له تنصب البل‪ ،‬ول رقلت ارقال‬
‫الفحل‪ ،‬فرحا بدعوته‪ ،‬جذل بصرخته‪ (6) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪:‬‬
‫الباب الثاني من القسم الول‪ ،‬وذكره اليعقوبي في تاريخه‪ 194 :‬و ‪.195‬‬
‫)‪ (7‬ذكر ابن هشام في سيرته أن تبع الول هو زيد بن عمر‪ ،‬وأما من قدم‬
‫المدينة وأراد إهلك اهلها هو تبان أسعد أبى كرب بن كلى كرب بن زيد‬
‫بن عمرو‪ ،‬وهو تبع الخر‪ ،‬وذكر فيه قصته مفصل‪ .‬راجع السيرة ‪14 :1‬‬
‫‪ 21 -‬وراجع أيضا تاريخ اليعقوبي ‪ (8) .160 :1‬من الخمسة الذين ملكوا‬
‫الدنيا خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 223‬‬

‫فسار في الفاق‪ ،‬وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم فلما وصل إلى‬
‫مكة كان معه أربعة آلف رجل من العلماء‪ ،‬فلم يعظمه أهل مكة‪ ،‬فغضب‬
‫عليهم وقال لوزيره عمياريسا " في ذلك‪ ،‬فقال الوزير‪ :‬إنهم جاهلون‬
‫ويعجبون بهذا البيت‪ ،‬فعزم الملك في نفسه أن يخربها ويقتل أهلها‪ ،‬فأخذه‬
‫ال بالصدام‪ ،‬وفتح عن عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا " عجزت‬
‫الطباء عنه‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا أمر سماوي‪ ،‬وتفرقوا‪ .‬فلما أمسى جاء عالم إلى‬
‫وزيره وأسر إليه إن صدق المير بنيته عالجته‪ ،‬فاستأذن الوزير له فلما‬
‫خل به قال له‪ :‬هل أنت نويت في هذا البيت أمرا " ؟ قال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال‬
‫العالم‪ :‬تب من ذلك ولك خير الدنيا والخرة‪ ،‬فقال‪ :‬قد تبت مما كنت نويت‬
‫فعوفي في الحال‪ ،‬فآمن بال‪ ،‬وبإبراهيم الخليل عليه السلم‪ ،‬و خلع على‬
‫الكعبة سبعة أثواب‪ ،‬وهو أول من كسا الكعبة‪ ،‬وخرج إلى يثرب‪ ،‬ويثرب‬
‫هي أرض فيها عين ماء‪ ،‬فاعتزل من بين أربعة آلف رجل عالم أربعمأة‬
‫رجل عالم على أنهم يسكنون فيها‪ ،‬وجاءوا إلى باب الملك‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنا‬
‫خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا " وجئنا إلى هذا المكان ونريد‬
‫المقام إلى أن نموت فيه‪ ،‬فقال الوزير‪ :‬ما الحكمة في ذلك ؟ قالوا‪ :‬اعلم‬
‫أيها الوزير أن شرف هذا البيت بشرف محمد صاحب القرآن والقبلة‬
‫واللواء والمنبر‪ .‬مولده بمكة‪ ،‬وهجرته إلى هاهنا‪ ،‬إنا على رجاء أن ندركه‬
‫أو تدركه أولدنا‪ ،‬فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء " أن‬
‫يدرك محمدا " صلى ال عليه واله‪ ،‬وأمر أن يبنوا أربع مأة دار لكل واحد‬
‫دار‪ ،‬وزوج كل واحد منهم بجارية معتقة‪ ،‬وأعطى لكل واحد منهم مال "‬
‫حزيل "‪ (1) .‬بيان‪ :‬قال الفيروز آبادي‪ :‬الصدام ككتاب‪ :‬داء في رؤوس‬
‫الدواب‪ - 45 .‬د‪ ،‬قب‪ :‬روى ابن بابويه في كتاب النبوة أنه قال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن تبعا قال للوس والخزرج‪ :‬كونوا هاهنا حتى يخرج هذا‬
‫النبي‪ ،‬أما أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه‪ .‬وروى أنه قال‪ :‬قالوا بمكة‬
‫بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد بادرت أمرا " حال ربي دونه *‬
‫وال يدفع عن خراب المسجد فتركت فيه من رجالي عصبة * نجباء ذوي‬
‫حسب ورب محمد‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ ،‬مناقب آل أبى طالب ‪ 11 :1‬و ‪.12‬‬

‫] ‪[ 224‬‬

‫وكتب كتاب إلى النبي صلى ال عليه واله يذكر فيه إيمانه وإسلمه‪ ،‬وأنه من امته‬
‫فليجعله تحت شفاعته‪ ،‬وعنوان الكتاب‪ :‬إلى محمد بن عبد ال‪ ،‬خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬ورسول رب العالمين من تبع الول‪ ،‬ودفع الكتاب إلى العالم الذي‬
‫نصح له‪ ،‬وسار حتى مات بغلسان بلد من بلد الهند‪ ،‬وكان بين موته‬
‫ومولد النبي صلى ال عليه واله ألف سنة‪ ،‬ثم إن النبي لما بعث وآمن به‬
‫أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد ابي ليلى‪ ،‬فوجد النبي صلى ال‬
‫عليه واله في قبيلة بني سليم فعرفه رسول ال صلى ال عليه واله‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬أنت أبو ليلى ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ومعك كتاب تبع الول ؟ فتحير الرجل ؟‬
‫فقال‪ :‬هات الكتاب‪ ،‬فأخرجه ودفعه إلى رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫فدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب عليه السلم فقرأه عليه‪ ،‬فلما سمع‬
‫النبي صلى ال عليه واله كلم تبع قال‪ :‬مرحبا " بالخ الصالح ثلث‬
‫مرات‪ ،‬وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة )‪ - 46 .(1‬قب‪ :‬أبو بكر البيهقي‬
‫في دلئل النبوة أنه قال‪ :‬قال راهب لطلحة في سوق بصرى‪ :‬هل ظهر أحمد‬
‫فهذا شهره الذي يظهر فيه‪ ،‬في كلم له‪ .‬وقال عفكلن الحميري لعبد‬
‫الرحمان بن عوف‪ :‬أل ابشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة ؟ انبئك‬
‫بالمعجبة وابشرك بالمرغبة‪ ،‬إن ال قد بعث في الشهر الول من قومك نبيا‬
‫" ارتضاه وصفيا "‪ ،‬أنزل عليه كتابا "‪ ،‬جعل له ثوابا "‪ ،‬ينهى عن‬
‫الصنام‪ ،‬ويدعو إلى السلم أخف الوقفة‪ ،‬وعجل الرجعة‪ ،‬وكتب إلى النبي‬
‫صلى ال عليه واله‪ .‬أشهد بال رب موسى * أنك ارسلت بالبطاح فكن‬
‫شفيعي إلى مليك * يدعو البرايا إلى الفلح فلما دخل على النبي صلى ال‬
‫عليه واله قال‪ :‬أحملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة ؟ فهاتها‪.‬‬
‫وبشر أوس بن حارثة بن ثعلبة قبل مبعثه بثلثمائة عام‪ ،‬وأوصى أهله‬
‫باتباعه في حديث طويل‪ ،‬وهو القائل‪ :‬إذا بعث المبعوث من آل غالب *‬
‫بمكة فيما بين زمزم والحجر‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ ،‬مناقب آل ابى طالب‪.12 :‬‬

‫] ‪[ 225‬‬

‫هنالك فاشروا نصره ببلدكم )‪ * (1‬بني عامر إن السعادة في النصر وفيه يقول‬
‫النبي صلى ال عليه واله‪ :‬رحم ال أوسا " مات في الحنيفية‪ ،‬وحث على‬
‫نصرتنا في الجاهلية )‪ .(2‬د‪ :‬وبشر أوس بن حارثة وذكر نحوه‪47 .(3) .‬‬
‫‪ -‬قب‪ :‬ذكر الماوردي أن عبد المطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره‬
‫سلسله بيضاء‪ ،‬لها أربعة أطراف‪ :‬طرف قد أخذ المغرب‪ ،‬وطرف أخذ‬
‫المشرق‪ ،‬وطرف لحق بأعنان السماء‪ ،‬وطرف لحق بثرى الرض‪ ،‬فبينما‬
‫هو يتعجب إذ التفت النوار فصارت شجرة خضراء‪ ،‬مجتمعة الغصان‪،‬‬
‫متدلية الثمار‪ ،‬كثيرة الوراق‪ ،‬قد أخذ أغصانها أقطار الرض في الطول‬
‫والعرض‪ ،‬ولها نور قد أخذ الخافقين‪ ،‬وكأني قد جلست تحت الشجرة‬
‫وبإزاي شخصان بهيان وهما نوح وإبراهيم عليهما السلم‪ ،‬قد استظل به‪،‬‬
‫فقص ذلك على كاهن فسره بولدة النبي صلى ال عليه واله )‪- 48 .(4‬‬
‫قب‪ :‬المفسرون عن عبد ال بن عباس في قوله‪) :‬ليلف قريش( أنه كانت‬
‫لهم في كل سنة رحلتان باليمن والشام‪ ،‬فكان من وقاية أبي طالب أنه عزم‬
‫على الخروج في ركب من قريش إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولده‪،‬‬
‫أخذ النبي صلى ال عليه واله بزمام ناقته وقال‪ :‬يا عم على من تخلفني ول‬
‫أب لي ول ام ؟ وكان قيل لي )‪ :(5‬ما يفعل به في هذا الحر وهو غلم‬
‫صغير ؟ ! فقال‪ :‬وال لخرجن به ول افارقه أبدا )‪ - 49 .(6‬شى‪ :‬عن أبي‬
‫بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في قوله‪) :‬وكانوا من قبل يستفتحون‬
‫على الذين كفروا( فقال‪ :‬كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلى‬
‫ال عليه واله‬
‫)‪ (1‬بقلدكم خ ل‪ (2) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ 16 :1‬و ‪ (3) .17‬العدد‪ :‬مخطوط‪(4) .‬‬
‫مناقب آل أبى طالب ‪ 17 :1‬و ‪ (5) .18‬قيل له خ ل‪ (6) .‬مناقب آل أبى‬
‫طالب ‪.27 :1‬‬

‫] ‪[ 226‬‬

‫ما بين عير واحد )‪ ،(1‬فخرجوا يطلبون الموضع‪ ،‬فمروا بجبل تسمى حداد )‪،(2‬‬
‫فقالوا‪ :‬حداد واحد سواء‪ ،‬فتفرقوا عنده‪ ،‬فنزل بعضهم بفدك‪ ،‬وبعضهم‬
‫بخيبر‪ ،‬وبعضهم بتيمآء‪ ،‬فاشياق الذين بتيمآء إلى بعض إخوانهم‪ ،‬فمر بهم‬
‫أعرابي من قيس فتكاروا منه‪ ،‬وقال لهم‪ :‬أمر بكم ما بين عير واحد‪ ،‬فقالوا‬
‫له‪ :‬إذا مررت بهما فارناهما‪ ،‬فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم‪ :‬ذاك‬
‫عير‪ ،‬وهذا احد‪ ،‬فنزلوا عن ظهر إبله فقالوا له‪ :‬قد أصبنا بغيتنا فل حاجة‬
‫لنا في إبلك‪ ،‬فاذهب حيث شئت‪ ،‬وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا‬
‫قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا‪ ،‬فكتبوا إليهم‪ :‬أنا قد استقرت بنا الدار‪،‬‬
‫واتخذنا الموال‪ ،‬وما أقربنا منكم‪ ،‬وإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم‪ ،‬فاتخذوا‬
‫بأرض المدينة الموال‪ ،‬فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه‬
‫فحاصرهم‪ ،‬وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع فيلقون إليهم بالليل التمر‬
‫والشعير‪ ،‬فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم‪ ،‬فنزلوا إليه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إني قد‬
‫استطبت بلدكم ول أراني إل مقيما " فيكم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إنه ليس ذلك لك‪،‬‬
‫إنها مهاجر نبي‪ ،‬وليس ذالك لحد حتى يكون ذالك‪ ،‬فقال لهم‪ :‬فإني مخلف‬
‫فيكم من اسرتي )‪ (3‬من إذا كان ذالك ساعده ونصره‪ ،‬فخلف فيهم حين‬
‫بوأهم الوس والخزرج )‪ ،(4‬فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود‪،‬‬
‫فكانت اليهود يقول لهم‪ :‬أما لو بعث محمد لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا‪،‬‬
‫فلما بعث ال محمدا " عليه الصلة والسلم آمنت به النصار‪ ،‬وكفرت به‬
‫اليهود‪ ،‬وهو قول ال‪:‬‬

‫)‪ (1‬قال الحموى‪ :‬العير‪ :‬جبل بالحجاز‪ ،‬قال عرام‪ :‬عير جبلن احمران من عن‬
‫يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة‪ ،‬ومن عن يسارك شوران وهو جبل‬
‫مطل على السد‪ ،‬وذكر لى بعض اهل الحجاز أن بالمدينة جبلين يقال‬
‫لحدهما‪ :‬عير الوارد‪ ،‬وللخر عير الصادر‪ ،‬وهما متقاربان‪ ،‬وهذا موافق‬
‫لقول عرام‪ ،‬وقال نصر‪ :‬عير جبل مقابل الثنية المعروفة بشعب الخوز‪.‬‬
‫وقال‪ :‬احد‪ :‬اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة احد‪ ،‬وهو جبل أحمر‪ ،‬ليس‬
‫بذى شناخيب‪ ،‬وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها‪ (2) .‬لم نجده‪،‬‬
‫ولعله مصحف حدد‪ ،‬وحدد كمال قال الحموى‪ :‬جبل مطل على تيماء‪ ،‬وقال‬
‫ابن السكيت‪ :‬أرض لكلب‪ .‬وتيماء‪ :‬بليد في اطراف الشام‪ ،‬بين الشام‬
‫ووادى القرى‪ ،‬على طريق حاج الشام ودمشق‪ (3) .‬اسرة الرجل‪ :‬رهطه‬
‫الدنون‪ (4) .‬في الكافي‪ :‬فخلف حيين‪ :‬الوس والخزرج‪.‬‬

‫] ‪[ 227‬‬

‫)وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ‪ -‬إلى ‪ -‬فلعنة ال على الكافرين(‪(1) .‬‬
‫كا‪ :‬محمد بن يحي‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الهوازي‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن‬
‫زرعة‪ ،‬عن أبى بصير مثله )‪ 50 .(2‬شى‪ :‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قوله‪) :‬يجدونه( يعني اليهود والنصارى صفة محمد‬
‫واسمه )مكتوبا " عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم‬
‫عن المنكر )‪ - 51 .((3‬جا‪ :‬الحسين بن محمد التمار‪ ،‬عن محمد بن القاسم‬
‫النباري‪ ،‬عن حميد بن محمد بن حميد‪ ،‬عن محمد بن نعيم العبدي‪ ،‬عن‬
‫أبي علي الرواسي عبد ال )‪ ،(4‬عن عبيد بن سميع‪ ،‬عن الكلبي‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما قدم على النبي صلى ال عليه واله وفد إياد‬
‫قال لهم‪ :‬ما فعل قس بن ساعدة ؟ كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل‬
‫أورق‪ ،‬وهو يتكلم بكلم عليه حلوة ما أجدني أحفظه )‪ ،(5‬فقال رجل من‬
‫القوم‪ :‬أنا أحفظه يا رسول ال‪ ،‬سمعته وهو يقول بسوق عكاظ‪ :‬أيها الناس‬
‫اسمعوا وعوا‪ ،‬واحفظوا‪ ،‬من عاش مات‪ ،‬ومن مات فات‪ ،‬وكل ما هو آت‬
‫آت‪ ،‬ليل داج‪ ،‬وسماء ذات أبراج‪ ،‬وبحار ترجرج )‪ ،(6‬ونجوم تزهر‪ ،‬ومطر‬
‫ونبات‪ ،‬وآباء وامهات‪ ،‬وذاهب وآت‪ ،‬وضوء وظلم‪ ،‬وبر وأثام‪ ،‬ولباس‬
‫ورياش‪ ،‬ومركب ومطعم ومشرب‪ .‬إن في السماء لخبرا "‪ ،‬وإن في الرض‬
‫لعبرا "‪ ،‬ما لي أرى الناس يذهبون ول يرجعون‪ ،‬أرضوا بالمقام هناك‬
‫فأقاموا‪ ،‬أم تركوا فناموا ؟ يقسم بال قس بن ساعدة قسما " برا ل إثم فيه‬
‫ما ل على الرض دين أحب إليه من دين‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬روضة الكافي‪ (3) .310 - 308 :‬تفسير‬
‫العياشي‪ :‬مخطوط‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ابن عبد ال‪ (5) .‬استظهر المصنف‬
‫في الهامش أن الصحيح‪ :‬من يحفظه‪ .‬قلت‪ :‬في المصدر‪ :‬ما أجدني حفظه‪.‬‬
‫)‪ (6‬أي تحرك واضطرب‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 228‬‬

‫قد أظلكم زمانه‪ ،‬وأدرككم أوانه‪ ،‬طوبى لمن أدرك صاحبه فبايعه )‪ ،(1‬وويل لمن‬
‫أدركه ففارقه‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪ :‬في الذاهبين الولين من القرون لنا بصائر *‬
‫لما رأيت مواردا " للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي‬
‫الصاغر والكابر * ل يرجع الماضي إليك ول من الماضين غابر أيقنت‬
‫أني ل محالة حيث صار القوم صائر فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫يرحم ال قس بن ساعدة‪ ،‬إني لرجو أن يأتي يوم القيامة امة وحده )‪،(2‬‬
‫فقال رجل من القوم‪ :‬يا رسول ال لقد رأيت من قس عجبا "‪ ،‬قال‪ :‬وما‬
‫الذي رأيت ؟ قال‪ :‬بينما انا يوما بجبل " في ناحيتنا يقال له‪ :‬سمعان في‬
‫يوم قائظ )‪ (3‬شديد الحر إذا انا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين‬
‫ماء‪ ،‬وإذا حواليه سباع كثيرة‪ ،‬وقد وردت حتى تشرب من الماء‪ ،‬وإذا زأر‬
‫سبع منها على صاحبه ضربه بيده‪ ،‬وقال‪ :‬كف حتى يشرب الذي ورد قبلك‪،‬‬
‫فلما رأيته وما حوله من السباع هالني ذلك ودخلني رعب شديد‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫ل بأس عليك‪ ،‬ل تخف إن شاء ال‪ ،‬وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد‪ ،‬فلما‬
‫آنست به قلت‪ :‬ما هذان القبران ؟ قال‪ :‬قبر أخوين كانا لي يعبدان ال في‬
‫هذا الموضع معي‪ ،‬فماتا فدفنتهما في هذا الموضع‪ ،‬واتخذت فيما بينهما )‬
‫‪ (4‬مسجدا " أعبد ال فيه حتى ألحق بهما‪ ،‬ثم ذكر أيامهما وفعالهما فبكى‬
‫ثم قال‪ :‬خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما ل تقضيان كراكما ألم تعلما‬
‫أني بسمعان مفرد * وما لي بها ممن حببت سواكما اقيم على قبريكما‬
‫لست بارحا " * طوال الليالي أو يجيب صداكما ابكيكما طول الحياة وما‬
‫الذي * يرد على ذي عولة إن بكاكما كأنكما والموت أقرب غاية * بروحي‬
‫في قبري كما قد أتاكما‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وبايعه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬واحدة‪ (3) .‬قاظ اليوم‪ :‬اشتد حره‪ .‬ويوم‬
‫قائظ‪ :‬شديد الحر‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ما بينهما‪.‬‬

‫] ‪[ 229‬‬

‫فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسي أن أكون فداكما )‪ .(1‬بيان‪ :‬قوله صلى‬
‫ال عليه واله‪ :‬ما أجدني لعله كان في الصل ما أجودني فصحف‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن يكون قال ذلك على جهة المصلحة ليسمع الناس من القوم )‪،(2‬‬
‫والزئير‪ :‬صوت السد من صدره‪ ،‬وقد زأر كضرب ومنع وسمع‪ ،‬والهب‪:‬‬
‫النتباه من النوم‪ ،‬ونشاط كل سائر وسرعته‪ .‬والكرى‪ :‬النوم‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬الصدى‪ :‬الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫صم صداه‪ ،‬وأصم ال صداه أي أهلكه‪ ،‬لن الرجل إذا مات لم يسمع الصدى‬
‫منه شيئا " فيجيبه‪ .‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬الصدى‪ :‬الجسد من الدمي بعد‬
‫موته‪ .‬وطائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية انتهى‪ .‬وما‬
‫في البيت يحتمل المعنيين‪ ،‬وعلى التقديرين )أو( بمعى )إلى أن( أي أقيم‬
‫على قبريكما إلى أن تحييا وتجيباني‪ - 52 .‬نجم‪ :‬وجدت في كتاب درة‬
‫الكليل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين القطيعي في الجزء‬
‫الثالث منه عند قوله‪ :‬مفاريد السماء علي التقييد‪ ،‬فذكر في ترجمة عبد‬
‫الول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الصل الهروي‬
‫المولد الصوفي الشيخ الثقة أبي الوقت بن أبي عبد ال )‪ (3‬حديث دللة‬
‫النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة نبينا محمد صلوات ال عليه وعلى‬
‫آله‪ ،‬والحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد‪ (2) .203 - 201 :‬ويحتمل أنه صلى ال عليه وآله لم يحفظه‬
‫لشتماله على الشعر والرجز لمصلحة‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬انه إذا تمثل ببيت شعر‬
‫يكسره‪ ،‬أو كان يجرى على لسانه منكسرا‪ ،‬كما روى أنه كان يتمثل بهذا‬
‫البيت‪ :‬كفى السلم والشيب للمرء ناهيا‪ ،‬فقيل له يا رسول ال‪ :‬انما قال‬
‫الشاعر‪ :‬كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا‪ ،‬وروى انه كان يتمثل يقول‬
‫الشاعر‪ :‬ستبدى لك اليام ما كنت جاهل * ويأتيك بالخبار من لم تزود‬
‫فجعل يقول‪ :‬يأتيك من لم تزود بالخبار‪ ،‬فقيل له‪ :‬ليس هكذا يا رسول‬
‫ال‪ ،‬فيقول‪ :‬انى لست بشاعر وما ينبغي لى‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬الشيخ‬
‫المعمر الثقة الموقت ابن ابى عبد ال‪ .‬قلت‪ :‬الموقت‪ :‬الذى يراعى‬
‫الوقات والهلة‪.‬‬

‫] ‪[ 230‬‬

‫عن صفات النبي صلى ال عليه واله‪ ،‬ولفظ كتاب النبي صلى ال عليه واله إلى‬
‫هرقل‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما هذا لفظه‪ :‬وكان ابن الناطور صاحب إيليا وهرقل اسقفا‬
‫" على نصارى الشام يحدث )‪ (1‬أن هرقل حين قدم إيليا )‪ (2‬أصبح يوما "‬
‫خبيث النفس‪ ،‬فقال بعض بطارقته‪ :‬قد استنكرنا )‪ (3‬هيئتك‪ ،‬ابن الناطور‪:‬‬
‫وكان هرقل جيدا " ينظر في النجوم )‪ ،(4‬فقال لهم حين سألوه‪ :‬إني رأيت‬
‫الليلة حين نظرت ملك قد ظهر من مختتن هذه المة )‪ ،(5‬قالوا‪ :‬ليس‬
‫مختتن إل اليهود فل يهمنك شأنهم‪ ،‬واكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من بهم‬
‫)‪ (6‬من اليهود‪ ،‬فبينا هم على أمرهم إذ أتى هرقل برجل أرسل إليه ملك‬
‫غسان يخبر عن رسول ال صلى ال عليه واله )‪ ،(7‬فلما استخبره هرقل‬
‫قال‪ :‬اذهبوا فانظروا أمختتن )‪ (8‬هو أم ل‪ ،‬فنظروا فحدثوه أنه مختتن‪،‬‬
‫وسأله عن العرب فقال‪ :‬هم يختتنون )‪ ،(9‬فقال هرقل‪ :‬هذا ملك هذه المة‬
‫قد ظهر‪ ،‬ثم كتب إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم‪ ،‬وسار هرقل‬
‫إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل‬
‫على خروج النبي صلى ال عليه واله أنه نبي )‪ ،(10‬فأذن هرقل لعظماء‬
‫الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت‪ ،‬ثم أطلع )‪ (11‬فقال‪ :‬يا‬
‫معشر الروم هل لكم في الفلح والرشد وأن يثبت ملككم )‪ (12‬فبايعوا هذا‬
‫الرجل‪،‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أشفقا على نصارى الشام فحدث‪ .‬وفيه‪ :‬ايلياء بالمد وكذا فيما‬
‫يأتي بعد ذلك‪ ،‬وايلياء‪ :‬اسم مدينة بيت المقدس‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬حين‬
‫فقد ايلياء‪ .‬ولعله مصحف‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أنكرنا‪ (4) .‬في المصدر‪:‬‬
‫جيد النظر في علم النجوم‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬انى نظرت الليلة في النجوم‬
‫فرايت ملكا يظهر في من يختتن من هذه المة‪ (6) .‬بها خ ل ظ وفى‬
‫المصدر‪ :‬فيها‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬يخبره بخبر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬أيختتن‪ (9) .‬في المصدر‪ :‬فسألهم عن العرب‬
‫فقالوا‪ :‬انهم يختتنون‪ (10) .‬في المصدر‪ :‬وانه نبى‪ (11) .‬في المصدر‪:‬‬
‫ثم اطلع عليهم‪ (12) .‬في المصدر‪ :‬بعد ذلك‪ :‬قالو‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬بايعوا هذا‬
‫النبي‪.‬‬

‫] ‪[ 231‬‬

‫فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب فوجدوها قد غلقت )‪ ،(1‬فلما رأى هرقل‬
‫نفرتهم وآيس من اليمان قال‪ :‬ردوهم علي‪ ،‬وقال )‪ :(2‬إني قلت مقالتي‬
‫آنفا " أختبر بها شدتكم على دينكم وقد رأيت )‪ ،(3‬فسجدوا له ورضوا‬
‫عنه‪ ،‬فكان ذلك آخر شأن هرقل )‪ .(4‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬فلم يرم حمص‪ ،‬أي لم‬
‫يبرحه ولم يزل عنه‪ ،‬من رام يريم‪ ،‬والدسكرة‪ :‬القرية‪ ،‬والصومعة‪ .‬وحاص‬
‫عنه يحيص حيصا " وحيصة‪ :‬عدل وحاد‪ - 53 .‬كا‪ :‬علي عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫صفوان بن يحي‪ ،‬عن إسحاق بن عمار قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫عن قول ال تبارك وتعالى‪) :‬وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا‬
‫فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( قال‪ :‬كان قوم فيما بين محمد صلى ال‬
‫عليه واله وعيسى عليه السلم و كانوا يتوعدون أهل الصنام بالنبي صلى‬
‫ال عليه واله‪ ،‬ويقولون‪ :‬ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم‪ ،‬وليفعلن بكم‬
‫وليفعلن‪ ،‬فلما خرج رسول ال صلى ال عليه واله كفروا به )‪ - 54 .(5‬د‪:‬‬
‫البشائر به‪ :‬من ذلك بشائر موسى في السفر الول‪ ،‬وبشائر إبراهيم عليه‬
‫السلم في السفر الثاني‪ ،‬وفي السفر الخامس عشر‪ ،‬وفي الثالث‬
‫والخمسين من مزامير داود عليه السلم‪ ،‬وبشائر عويديا )‪ (6‬وحيقوق‬
‫وحزقيل ودانيال وشعيا‪ ،‬وقال داود في زبوره‪ :‬اللهم ابعث مقيم السنة بعد‬
‫الفترة‪ .‬وقال عيسى عليه السلم في النجيل‪ :‬إن البر ذاهب‪ ،‬والبار قليطا‬
‫جائي من بعده‪ ،‬وهو يخفف الصار‪ ،‬ويفسر كل شئ‪ ،‬ويشهد لي كما‬
‫شهدت له‪ ،‬أنا جئتكم بالمثال‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فوجدوها مغلقة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فلما ردوهم قال لهم‪ :‬انى قلت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في المصدر‪ :‬وقد رأيت ما اعجبني‪ (4) .‬فرج المهموم‪ 30 :‬و ‪) .31‬‬
‫‪ (5‬روضة الكافي‪ (6) .310 :‬هكذا في النسخ‪ ،‬وفي قاموس التوراة‪:‬‬
‫عوبدياء بالباء والمد‪ :‬أحد أنبياء بنى اسرائيل‪ ،‬كان في سنة ‪ 578‬قبل‬
‫ميلد المسيح تقريبا‪ ،‬ويظن انه كان معاصر الرمياء وحزقيل‪ ،‬وله كتاب‬
‫بعد من كتب العهد القديم‪.‬‬

‫] ‪[ 232‬‬

‫وهو يأتيكم بالتأويل )‪ - 55 .(1‬كنز الكراجكى‪ :‬قال‪ :‬ذكر الرواة من أهل العلم أن‬
‫ربيعة بن نصر )‪ (2‬رأى رؤيا " هالته )‪ ،(3‬فبعث في أهل مملكته فلم يدع‬
‫كاهنا " ول ساحرا " ول فائفا " ول منجما " إل أحضره إليه‪ ،‬فلما‬
‫جمعهم قال لهم‪ :‬إني قد رأيت رؤيا " هالتني‪ ،‬فأخبروني بتأويلها‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها‪ ،‬قال‪ :‬إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى‬
‫خبركم عن تأويلها‪ ،‬إنه ل يعرف تأويلها إل من يعرفها قبل أن اخبره بها‪،‬‬
‫فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم‪ :‬إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى‬
‫سطيح وشق )‪ ،(4‬فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما يخبرانك بما سألت‪ ،‬فلما‬
‫قيل له ذلك بعث إليهما‪ ،‬فقدم عليه سطيح قبل شق‪ ،‬ولم يكن في زمانهما‬
‫مثلهما من الكهان‪ ،‬فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له‪ :‬يا سطيح إني قد‬
‫رأيت رؤيا " هالتني و فظعت بها‪ ،‬فأخبرني بها‪ ،‬فإنك إن أصبتها أصبت‬
‫تأويلها‪ ،‬قال‪ :‬أفعل‪ ،‬رأيت جمجمة )‪ (5‬خرجت من ظلمة فوقعت )‪ (6‬بأرض‬
‫تهمة‪ ،‬فأكلت منها كل ذات جمجمة )‪ ،(7‬قال له الملك‪ :‬ما أخطأت منها شيئا‬
‫" يا سطيح‪ ،‬فما عندك في تأويلها ؟ فقال‪ :‬أحلف بما بين الحرتين من‬
‫حنش‪ ،‬ليهبطن أرضكم الحبش‪ ،‬فليمكن ما بين أنين )‪ (8‬إلى جرش‪ ،‬قال له‬
‫الملك‪ :‬وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع‪ ،‬فمتى هو كائن يا سطيح ؟‬
‫أفي زماني أم بعده ؟ قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬أحد ملوك اليمن من ملوك التبايعة‪ ،‬وكان من أجداد نعمان‬
‫بن المنذر المشهور‪ (3) .‬في المصدر بعد ذلك‪ :‬وقطع بها‪ ،‬فلما رآها بعث‪.‬‬
‫)‪ (4‬سطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدى بن‬
‫مازن غسان‪ .‬وشق‪ :‬ابن صعب بن يشكر بن رهم بن افرك بن قيس بن‬
‫عبقر بن أنمار بن نزار‪ .‬على ما في السيرة‪ ،‬و أوردهما المسعودي في‬
‫مروج الذهب مع اختلف في أجداد شق‪ (5) .‬هكذا في الكتاب ومصدره‪،‬‬
‫وفي السيرة‪ :‬حممة‪ .‬بالحاء المهملة وهى قطعة من النار‪ ،‬وهى الفحمة‬
‫ايضا‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فرفعت‪ (7) .‬الجمجمة‪ :‬عظم الرأس المشتمل‬
‫على الدماغ‪ (8) .‬هكذا في الكتاب‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬اثنين‪ ،‬وفي سيرة ابن‬
‫هشام‪ :‬أبين‪ .‬قال الحموى في معجم البلدان‪ :‬أبين بوزن أحمر‪ :‬مخلف‬
‫باليمن‪ ،‬منه عدن‪ ،‬قلت‪ :‬المخلف‪ :‬الكورة من البلد )*(‬
‫] ‪[ 233‬‬

‫لبل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين‪ ،‬ثم يقتلون بها‬
‫أجمعون )‪ (1‬ويخرجون منها هاربين‪ ،‬قال الملك‪ :‬من ذا الذي يلي ذلك من‬
‫قتلهم وإخراجهم ؟ قال‪ :‬يليه إرم ذي )‪ (2‬يزن‪ ،‬يخرج عليهم من عدن‪ ،‬فل‬
‫يترك منهم أحدا باليمن‪ ،‬قال‪ :‬أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع ؟ قال‪ :‬بل‬
‫ينقطع قال‪ :‬ومن يقطعه ؟ قال‪ :‬نبي زكي‪ ،‬يأتيه الوحي من قبل العلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وممن هذا النبي ؟ قال‪ :‬رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر‪،‬‬
‫يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر‪ ،‬قال‪ :‬وهل للدهر يا سطيح من آخر ؟‬
‫قال‪ :‬نعم يوم يجمع فيه الولون والخرون‪ ،‬ويسعد فيه المحسنون‪ ،‬ويشقى‬
‫فيه المسيئون‪ ،‬قال‪ :‬أحق ما تخبرنا يا سطيح ؟ قال‪ :‬نعم والشفق والفلق )‬
‫‪ ،(3‬والليل إذا اتسق‪ ،‬إن ما أنبأتك به لحق‪ ،‬فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه‬
‫فقال له‪ :‬يا شق إني رأيت رؤيا " هالتني وفظعت بها‪ ،‬فأخبرني عنها‪،‬‬
‫فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها كما قال لسطيح‪ ،‬وقد كتمه ما قال سطيح‬
‫لينظر أيتفقان أم يختلفان‪ ،‬قال‪ :‬نعم رأيت جمجمة )‪ (4‬خرجت من ظلمة‬
‫فوقعت بين روضة وأكمة‪ ،‬فأكلت منها كل ذات نسمة‪ ،‬قال له الملك‪ :‬ما‬
‫أخطأت منها‪ ،‬فما عندك في تأويلها ؟ قال‪ :‬أحلف بما بين الحرتين من‬
‫إنسان‪ ،‬لينزلن أرضكم الحبشان )‪ ،(5‬فليغلبن على كل طفلة البنان‪،‬‬
‫وليملكن ما بين أنين )‪ (6‬إلى نجران‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬و أبيك إن هذا لنا‬
‫لغائظ موجع‪ ،‬فمتى كائن افي زماني أم بعده ؟ قال‪ :‬بعده بزمان‪ ،‬ثم‬
‫يستنقذكم منهم عظيم الشأن‪ .‬ويذيقهم أشد الهوان‪ ،‬قال‪ :‬ومن هذا العظيم‬
‫الشأن ؟ قال‪ :‬غلم ليس بدني ول مدن‪ ،‬يخرج من بيت ذي يزن‪ ،‬قال‪ :‬فهل‬
‫يدوم سلطانه أو ينقطع ؟‬

‫)‪ (1‬أجمعين خ ل وفي المصدر‪ :‬ثم يقبلون بها أجمعون‪ ،‬وفي سيرة ابن هشام بعد‬
‫قوله‪ :‬السنين‪ :‬قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬بل ينقطع‬
‫لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين‪ (2) .‬في‬
‫السيرة‪ :‬ارم بن ذى يزن‪ (3) .‬في السيرة‪ :‬والشفق والغسق‪ ،‬والفلق إذا‬
‫التسق‪ (4) .‬في السيرة‪ :‬حممة كما تقدم‪ (5) .‬في السيرة‪ :‬السودان‪(6) .‬‬
‫تقدم آنفا أن الصحيح‪ :‬أبين‪.‬‬

‫] ‪[ 234‬‬

‫قال‪ :‬بل ينقطع برسول مرسل‪ ،‬يأتي بالحق والعدل‪ ،‬بين أهل الدين والفضل‪ ،‬يكون‬
‫الملك في قومه إلى يوم الفصل‪ ،‬قال‪ :‬وما يوم الفصل ؟ قال‪ :‬يوم يجزى فيه‬
‫الولة‪ ،‬يدعى فيه من السماء بدعوات‪ ،‬يسمع منها الحياء والموات‪،‬‬
‫ويجمع الناس للميقات‪ ،‬يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات‪ ،‬قال‪ :‬أحق ما‬
‫تقول ياشق ؟ قال‪ :‬إي ورب السماء والرض‪ ،‬وما بينهما من رفع‬
‫وخفض‪ ،‬إنما أنبأتك لحق ما فيه أمض )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬قيل‪:‬‬
‫الحنش‪ :‬ما أشبه رأسه رؤوس الحيات من الوزغ و الحرباء وغيرهما‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الحناش‪ :‬هو ام الرض‪ ،‬ومنه حديث سطيح‪ :‬أحلف بما بين‬
‫الحرتين من حنش‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬الجرش‪ :‬بالتحريك‪ :‬بلد بالردن‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أمض كفرح‪ :‬لم يبال من المعاتبة‪ ،‬وعزيمته ماضية في قلبه‪ ،‬وكذا إذا أبدى‬
‫لسانه غير ما يريده )‪ - 56 .(2‬كنز الكراجكى‪ :‬روى أن رجل " حدث‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله فقال في حديثه‪ :‬خرجت في طلب بعير لي‬
‫ضل‪ ،‬فوجدته في ظل شجرة يهش من ورقها‪ ،‬فدنوت منه فزممته‬
‫واستويت على كوره )‪ ،(3‬ثم اقتحمت واديا فإذا " أنا بعين خرارة )‪،(4‬‬
‫وروضة مدهامة )‪ ،(5‬وشجرة عادية )‪ ،(6‬وإذا أنا بقس قائما " يصلي‬
‫بين قبرين‪ ،‬قد اتخذ له بينهما مسجدا "‪ ،‬قال‪ :‬فلما انفتل )‪ (7‬من صلته‬
‫قلت له‪ :‬ما هذان القبران ؟ فقال‪ :‬هذان قبرا أخوين كانا لي‪ ،‬يعبدان ال‬
‫عزوجل معي في هذا المكان‪ ،‬فأنا أ عبد ال بينهما إلى أن ألحق بهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم التفت إلى القبرين فجعل يبكي وهو يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬كنز الكراجكى‪ ،86 - 85 :‬وأخرجه ايضا ابن هشام في سيرته ‪) .13 - 11 :1‬‬
‫‪ (2‬قال ابن هشام في السيرة‪ :‬أمض يعنى شكا‪ ،‬هذا بلغة حمير‪ ،‬وقال أبو‬
‫عمرو‪ :‬أمض أي باطل‪ (3) .‬الكور‪ :‬رحل البعير‪ ،‬أو الرحل بأداته‪(4) .‬‬
‫الخرارة‪ :‬الكثير الخرير‪ ،‬والخرير‪ :‬صوت الماء‪ (5) .‬أي خضراء تضرب‬
‫إلى السواد نعمة وريا‪ (6) .‬أي مرتفعة بحيث تجاوزت عن حدها‪ (7) .‬أي‬
‫انصرف‪.‬‬

‫] ‪[ 235‬‬

‫خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما أم تقضيان كراكما أرى خلل " في الجلد‬
‫والعظم منكما * كأن الذي يسقي العقار سقاكما ألم تعلما أني بسمعان مفرد‬
‫* ومالي بسمعان حبيب سواكما )‪ (1‬فلو جعلت نفس لنفس فدائها * لجدت‬
‫بنفسي أن تكون فداكما )‪ (2‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬فلم ل تلحق بقومك فتكون معهم‬
‫في خيرهم وشرهم ؟ فقال‪ :‬ثكلتك امك‪ ،‬أما علمت أن ولد إسماعيل تركوا‬
‫دين أبيهم‪ ،‬واتبعوا الضداد‪ ،‬و عظموا النداد‪ ،‬قلت‪ :‬فما هذه الصلة التي‬
‫ل تعرفها العرب ؟ فقال‪ :‬اصليها لله السماء فقلت‪ :‬وللسماء إله غير اللت‬
‫والعزى ؟ فأسقط )‪ (3‬وامتقع لونه‪ ،‬وقال‪ :‬إليك )‪ (4‬عني يا أخا إياد‪ ،‬إن‬
‫للسماء إلها هو الذي خلقها‪ ،‬وبالكواكب زينها‪ ،‬وبالقمر المنير أشرقها‪،‬‬
‫أظلم ليلها )‪ ،(5‬وأضحى نهارها‪ ،‬وسوف تعمهم من هذه الرحمة ‪ -‬وأومأ‬
‫بيده نحو مكة ‪ -‬برجل أبلج من ولد لوي بن غالب يقال له‪ :‬محمد‪ ،‬يدعو‬
‫إلى كلمة الخلص‪ ،‬ما أظن أني ادركه‪ ،‬ولو أدركت أيامه لصفقت بكفي‬
‫على كفه‪ ،‬ولسعيت معه حيث يسعى‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫رحم ال أخي قسا " يحشر يوم القيامة امة وحده )‪ .(6‬بيان‪ :‬قال في‬
‫النهاية‪ :‬في حديث قس ذكر العقار‪ ،‬وهو بالضم من أسماء الخمر‪ ،‬وفي‬
‫القاموس‪ :‬العقار بالضم‪ :‬الخمر لمعاقرته‪ ،‬أي ملزمته الدن‪ ،‬أو لعقرها‬
‫شاربها عن المشي‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر بعده‪ :‬مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالى أو يجيب‬
‫صداكما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬أن أكون فداكما‪ .‬وتقدمت الشعار عن‬
‫المجالس آنفا باختلف راجعها‪ (3) .‬هكذا في الكتاب‪ ،‬وفي المصدر‪:‬‬
‫فامتقط‪ .‬قلت‪ :‬أي تغيظ‪ ،‬وامتقع لونه أي تغير لونه من حزن أو فزع أو‬
‫ريبة‪ (4) .‬إليك‪ :‬اسم فعل بمعنى أبعد‪ (5) .‬أي جعلها مظلما‪ (6) .‬كنز‬
‫الكراجكى‪ 255 :‬و ‪.256‬‬

‫] ‪[ 236‬‬

‫‪ - 57‬أقول‪ :‬وجدت في كتاب سليم بن قيس عن أبان بن أبي عياش )‪ (1‬عنه قال‪:‬‬
‫أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلم فنزل العسكر قريبا " من‬
‫دير نصراني‪ ،‬إذ خرج علينا من الدير شيخ جميل )‪ (2‬حسن الوجه‪ ،‬حسن‬
‫الهيئة والسمت‪ ،‬معه كتاب في يده‪ ،‬حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫فسلم عليه بالخلفة‪ ،‬فقال له علي عليه السلم‪ :‬مرحبا " يا أخي شمعون‬
‫بن حمون‪ ،‬كيف حالك رحمك ال ؟ فقال‪ :‬بخير يا أمير المؤمنين‪ ،‬وسيد‬
‫المسلمين‪ ،‬ووصي رسول رب العالمين‪ ،‬إني من نسل رجل من )‪(3‬‬
‫حواري عيسى بن مريم عليه السلم‪ .‬وفي رواية اخرى‪ :‬أنا من نسل‬
‫حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلم‪ .‬من نسل شمعون بن يوحنا‪،‬‬
‫وكان أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلم الثنى عشر‪ ،‬وأحبهم‬
‫إليه‪ ،‬وآثرهم عنده‪ ،‬وإليه أوصى عيسى عليه السلم‪ ،‬وإليه دفع كتبه علمه‬
‫وحكمته‪ ،‬فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين عليه )‪ (4‬لم يكفروا ولم‬
‫يبدلوا ولم يغيروا‪ ،‬و تلك الكتب عندي إملء عيسى بن مريم عليه السلم‪،‬‬
‫وخط أبينا بيده‪ ،‬وفيه كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك وما يملك‪ ،‬وما‬
‫يكون في زمان كل ملك منهم حتى يبعت ال رجل " من العرب من ولد‬
‫إسماعيل بن إبراهيم خليل ال‪ ،‬من أرض تدعى تهامة‪ ،‬من قرية يقال لها‪:‬‬
‫مكة‪ ،‬يقال له‪ :‬أحمد‪ ،‬النجل )‪ (5‬العينين‪ ،‬المقرون الحاجبين‪ ،‬صاحب‬
‫الناقة والحمار‪ ،‬والقضيب والتاج‪ ،‬يعني العمامة‪ ،‬له اثنا عشر اسما "‪ ،‬ثم‬
‫ذكر مبعثه ومولده وهجرته‪ ،‬ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه‪ ،‬وكم‬
‫يعيش‪ ،‬وما تلقى امته بعده إلى أن ينزل ال عيسى بن مريم عليه السلم‬
‫من السماء‪ ،‬فذكر في ذلك الكتاب ثلثة عشر رجل " )‪(6‬‬

‫)‪ (1‬تقدم إسناد الكتاب في ج ‪ 1‬ص ‪ ،76‬وأوعزنا نحن هناك في الذيل أن كتاب‬
‫سليم من أقدم الكتب المصنفة في السلم‪ ،‬وترجمنا مؤلفه في المقدمة‪:‬‬
‫‪ ،156‬وأشرنا هناك إلى أنه من الصول المعتبرة التى ترجع إليه الشيعة‬
‫في كل عصر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬شيخ كبير جميل‪ (3) .‬المصدر خال عن‬
‫قوله‪ :‬رجل من‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬متمسكين بملته‪ (5) .‬نجل الرجل‪:‬‬
‫وسعت عينه وحسنت فهو أنجل‪ (6) .‬وهم النبي صلى ال عليه وآله‬
‫والئمة الثنا عشر عليهم السلم‪.‬‬

‫] ‪[ 237‬‬

‫من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل ال صلى ال عليهم هم خير من خلق ال‪ ،‬وأحب‬
‫من خلق ال إلى ال‪ ،‬وإن ال ولي من والهم‪ ،‬وعدو من عاداهم‪ ،‬من‬
‫أطاعهم اهتدى‪ ،‬ومن عصاهم ضل‪ ،‬طاعتهم ل طاعة ومعصيتهم ل‬
‫معصية‪ ،‬مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم‪ ،‬وكم يعيش كل رجل منهم‬
‫واحد بعد واحد )‪ ،(1‬وكم رجل منهم يستر أدلة للناس حتى ينزل )‪ (2‬ال‬
‫عيسى عليه السلم على آخرهم‪ ،‬فيصلي عيسى عليه السلم خلفه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫إنكم أئمة ل ينبغي لحد أن يتقدمكم‪ ،‬فيتقدم فيصلي بالناس‪ ،‬وعيسى عليه‬
‫السلم خلفه في الصف )‪ ،(2‬أولهم وأفضلهم وخيرهم‪ ،‬له مثل اجورهم‪،‬‬
‫واجور من أطاعهم‪ ،‬واهتدى بهداهم‪ ،‬أحمد )‪ (4‬رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬واسمه محمد‪ ،‬وياسين‪ ،‬والفتاح‪ ،‬والختام )‪ ،(5‬والحاشر‪ ،‬و العاقب‪،‬‬
‫والماحي‪ .‬وفي نسخة اخرى‪ :‬مكان الماحي الفتاح والقائد‪ ،‬وهو نبى ال‪،‬‬
‫وخليل ال‪ ،‬و حبيب ال‪ ،‬وصفية وأمينه وخيرته‪ ،‬يرى تقلبه في الساجدين‪.‬‬
‫وفي نسخة اخرى‪ :‬يراه تقلبه في الساجدين‪ ،‬يعني في أصلب النبيين‪.‬‬
‫ويكلمه برحمته‪ ،‬فيذكر إذا ذكرو هو اكرم خلق ال على ال‪ ،‬وأحبهم إلى‬
‫ال‪ ،‬لم يخلق ال خلقا " ملكا مقربا " ول نبيا " مرسل آدم فمن سواه‬
‫خيرا " عند ال ول أحب إلى ال منه‪ ،‬يقعده يوم القيامة على عرشه‪،‬‬
‫ويشفعه في كل من شفع فيه‪ ،‬باسمه جرى القلم في في اللوح المحفوظ‪،‬‬
‫في ام الكتاب‪ ،‬ثم أخوه صاحب اللواء إلى يوم المحشر الكبر‪ ،‬ووصيه‬
‫ووزيره وخليفته في امته‪ ،‬وأحب خلق ال إلى ال بعده على بن أبي طالب‬
‫عليه السلم‪ .‬ولي كل مؤمن بعده‪ ،‬ثم أحد عشر إماما " من ولد محمد وولد‬
‫الول )‪ :(6‬اثنان منهم سميا ابني هارون‪ :‬شبر وشبير‪.‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬واحدا بعد واحد‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وكم رجل منهم يستر بدينه‬
‫ويكتمه من قومه ومن يظهر حتى ينزل‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬في الصف‬
‫الول‪ (4) .‬هو وما يأتي بعده تفسير لقوله‪ :‬ثلثة عشر‪ (5) .‬في المصدر‪:‬‬
‫والخاتم‪ (6) .‬أي أول الئمة وهو على بن ابى طالب عليه السلم في‬
‫المصدر‪ :‬ولد أول الثنى عشر‪.‬‬

‫] ‪[ 238‬‬

‫وفي نسخة اخرى‪ :‬ثم أحد عشر من ولد ولده )‪ :(1‬أولهم شبر‪ ،‬والثاني شبير‪،‬‬
‫وتسعة من شبير‪ ،‬واحد بعد واحد )‪ .(2‬وفي نسخة الولى‪ :‬وتسعة من ولد‬
‫أصغرهما وهو الحسين‪ ،‬واحد بعد واحد )‪ ،(3‬آخرهم الذي يصلي عيسى‬
‫بن مريم عليه السلم خلفه‪ ،‬فيه تسمية كل من يملك منهم‪ ،‬ومن يستتر‬
‫بدينه‪ ،‬ومن يظهر‪ ،‬فأول من يظهر منهم يمل جميع بلد ال قسطا "‬
‫وعدل‪ ،‬ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره ال على الديان كلها‪.‬‬
‫فلما بعث النبي صلى ال عليه واله وأبي حي صدق به وآمن به‪ ،‬وشهد أنه‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ ،‬وكان شيخا " كبيرا " لم يكن به شخوص‬
‫فمات‪ ،‬وقال‪ :‬يا بني إن وصي محمد صلى ال عليه واله وخليفته الذي‬
‫اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمر بك إذا مضى ثلثة من أئمة الضللة‪،‬‬
‫يسمون بأسمائهم وقبائلهم‪ ،‬فلن وفلن وفلن‪ ،‬ونعتهم‪ ،‬وكم يملك كل‬
‫واحد منهم‪ ،‬فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه‪ ،‬فان الجهاد‬
‫معه كالجهاد مع محمد صلى ال عليه واله‪ ،‬والموالي له كالموالي لمحمد‬
‫صلى ال عليه واله‪ ،‬والمعادي له كالمعادي لمحمد صلى ال عليه واله‪،‬‬
‫وفي هذا الكتاب يا أمير المؤمنين اثنى عشر )‪ (4‬إماما " من قريش‪ ،‬ومن‬
‫قومه )‪ (5‬من أئمة الضللة يعادون أهل بيته‪ ،‬ويدعون حقهم‪ ،‬ويمنعونهم‬
‫منه‪ ،‬ويطردونهم ويحرمونهم‪ ،‬ويتبرؤن منهم‪ ،‬ويخيفونهم‪ ،‬مسمون واحدا‬
‫" واحدا " بأسمائهم ونعتهم‪ ،‬وكم يملك كل واحد منهم وما يلقى منهم‬
‫ولدك وأنصارك و شيعتك من القتل والحرب والبلء والخوف‪ ،‬وكيف‬
‫يديلكم )‪ (6‬ال منهم ومن أوليائهم وأنصارهم‪ ،‬وما يلقون )‪ (7‬من الذل‬
‫والحرب والبلء والخزي والقتل والخوف منكم )‪(8‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬من ولده وولد ولده‪ 2) .‬و ‪ (3‬في المصدر‪ :‬واحدا " بعد واحد‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬إن اثنى عشر‪ (5) .‬في المصدر وطبعة أمين الضرب‬
‫والحروفية‪ :‬ومن قومه معه‪ (6) .‬ادال ال بنى فلن من عدوهم‪ :‬جعل‬
‫الكرة لهم عليه‪ .‬ال زيدا من عمرو‪ :‬نزع الدولة من عمرو وحولها إلى‬
‫زيد‪ (7) .‬تلقون خ ل‪ (8) .‬منهم خ ل‪.‬‬
‫] ‪[ 239‬‬

‫أهل البيت‪ ،‬يا أمير المؤمنين ابسط يدك ابايعك بأني )‪ (1‬أشهد أن ل إله إل ال‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله‪ ،‬وأشهد أنك خليفة رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله في امته‪ ،‬ووصيه وشاهده على خلقه‪ ،‬وحجته في أرضه‪ ،‬وأن‬
‫السلم دين ال‪ ،‬وأني أبرء من كل دين خالف دين السلم‪ ،‬فإنه دين ال‬
‫الذي اصطفاه لنفسه‪ ،‬ورضيه لوليائه‪ ،‬وإنه دين عيسى ابن مريم عليه‬
‫السلم ومن كان قبله من أنبياء ال ورسله‪ ،‬وهو الذي دان به من مضى‬
‫من آبائي‪ ،‬وإني أتولك وأتولى أوليائك‪ ،‬وأبرء من عدوك‪ ،‬وأتولى الئمة‬
‫من ولدك‪ ،‬وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرئ منهم وادعى حقهم‪،‬‬
‫وظلمهم من الولين والخرين‪ ،‬ثم تناول يده فبايعه‪ ،‬ثم قال له أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬ناولني كتابك‪ ،‬فناوله إياه‪ ،‬وقال علي عليه السلم‬
‫لرجل من أصحابه‪ :‬قم مع الرجل فأحضر ترجمانا يفهم كلمه فلينسخه لك‬
‫بالعربية‪ ،‬فلما أتاه به قال لبنه الحسن‪ :‬يا بني ايتني بالكتاب الذي دفعته‬
‫إليك‪ ،‬يا بني اقرأه‪ ،‬وانظر أنت يا فلن في نسخة هذا الكتاب فإنه خطي‬
‫بيدي‪ ،‬وإملء رسول ال صلى ال عليه واله‪ ،‬فقرأه فما خالف حرفا "‬
‫واحدا " ليس فيه تقديم ول تأخير‪ ،‬كأنه إملء رجل واحد على رجلين‪،‬‬
‫فحمد ال وأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد ل الذي لو شاء لم تختلف المة ولم‬
‫تفترق‪ ،‬والحمد ل الذي لم ينسني‪ ،‬ولم يضع أمري‪ ،‬ولم يخمل ذكري عنده‬
‫وعند أوليائه‪ ،‬إذ صغر وخمل عنده ذكر أولياء الشيطان وحزبه‪ ،‬ففرح‬
‫بذلك من حضر من شيعة علي عليه السلم وشكر )‪ (2‬كثير ممن حوله‬
‫حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم )‪ - 58 .(3‬وقال السيد ابن طاوس‬
‫روح ال روحه في كتاب سعد السعود‪ :‬وجدت في صحف إدريس النبي‬
‫عليه السلم فيما خاطب ال به إبليس وأنظره إلى يوم الوقت المعلوم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫و انتخبت لذلك الوقت عبادا " لي امتحنت قلوبهم لليمان ‪ -‬إلى أن قال ‪:-‬‬
‫اولئك أوليائي‪ ،‬اخترت لهم نبيا " مصطفى‪ ،‬وأمينا " مرتضى‪ ،‬فجعلته لهم‬
‫نبيا " ورسول "‪ ،‬وجعلتهم له أولياء وأنصارا "‪ ،‬تلك امة اخترتها لنبيي‬
‫المصطفى‪ ،‬وأميني المرتضى‪ ،‬ثم قال‪ :‬ونظر آدم إلى‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فانى‪ (2) .‬وشكروا كثيرا خ ل وفي المصدر‪ :‬وشكر وساء ذلك‬
‫كثير ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم‪ (3) .‬كتاب سليم‬
‫بن قيس‪.125 - 122 :‬‬

‫] ‪[ 240‬‬

‫طائفة من ذريته يتلل نورهم‪ ،‬قال آدم‪ :‬ما هؤلء ؟ قال‪ :‬هؤلء النبياء من ذريتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا رب فما بال نور هذا الخير ساطعا " على نورهم جميعا " ؟ قال‪:‬‬
‫لفضله عليهم جميعا "‪ ،‬قال‪ :‬ومن هذا النبي يا رب ؟ وما اسمه ؟ قال‪ :‬هذا‬
‫محمد نبي ورسولي وأميني ونجيبي ونجيي وخيرتي وصفوتي وخالصتي‬
‫وحبيبي وخليلي وأكرم خلقي علي‪ ،‬وأحبهم إلي‪ ،‬وآثرهم عندي‪ ،‬وأقربهم‬
‫مني‪ ،‬وأعرفهم لي‪ ،‬وأرجحهم حلما " وعلما " وإيمانا " ويقينا " وصدقا‬
‫" وبرا " وعفافا " وعبادة وخشوعا " وورعا " وسلما " وإسلما "‪،‬‬
‫أخدت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم من خلئقي في السماوات‬
‫والرض باليمان به‪ ،‬والقرار بنبوته‪ ،‬فآمن به يا آدم تزدد )‪ (1‬مني قربة‬
‫ومنزلة وفضل " ونورا " ووقارا "‪ ،‬قال‪ :‬آمنت بال‪ ،‬ورسوله محمد‬
‫صلى ال عليه واله‪ ،‬قال ال‪ :‬قد أوجبت لك يا آدم وقد زدتك فضل وكرامة‪،‬‬
‫وأنت يا آدم أول النبياء والرسل‪ ،‬و ابنك محمد خاتم النبياء والرسل‪،‬‬
‫وأول من تنشق عنه الرض يوم القيامة‪ ،‬وأول من يكسى ويحمل إلى‬
‫الموقف‪ ،‬وأول شافع‪ ،‬وأول مشفع‪ ،‬وأول قارع لبواب الجنان‪ ،‬وأول من‬
‫يفتح له‪ ،‬وأول من يدخل الجنة‪ ،‬وقد كنيتك به‪ ،‬فأنت أبو محمد‪ ،‬فقال آدم‪:‬‬
‫الحمد ل الذي جعل من ذريتي من فضله بهذه الفضائل‪ ،‬وسبقني إلى‬
‫الجنة‪ ،‬ول أحسده‪ ،‬ثم ذكرما نقله الراوندي عن التوراة والنجيل‪ ،‬وبسط‬
‫الكلم فيها‪ ،‬وإنما تركناه مخافة التطويل‪ ،‬ثم قال‪ :‬رأيت في السورة السابعة‬
‫عشر من الزبور‪ :‬داود اسمع ما أقول‪ ،‬و مر سليمان يقول بعدك‪ :‬إن‬
‫الرض أورثها محمد وامته‪ ،‬وهم خلفكم‪ ،‬ول تكون صلتهم بالطنابير‪ ،‬ول‬
‫يقدسون الوتار‪ ،‬فازدد من تقديسك‪ ،‬وإذا زمرتم )‪ (2‬بتقديسي فأكثروا‬
‫البكاء بكل ساعة‪ ،‬وساعة ل تذكرني فيها عدمتها من ساعة‪ .‬انتهي )‪.(3‬‬
‫‪ - 59‬أقول‪ :‬وروى محمد بن مسعود الكازروني بإسناده )‪ (4‬إلى العمش‪،‬‬
‫عن أبي صالح‪ ،‬عن كعب قال‪ :‬نجد مكتوبا " محمد رسول ال‪ ،‬لفظ ول‬
‫غليظ‪ ،‬ول صخاب بالسواق‪،‬‬

‫)‪ (1‬تزرد خ ل‪ (2) .‬زمر‪ :‬غنى بالنفخ في القصب ونحوه‪ .‬وفي المصدر‪ :‬زفرتم‪) .‬‬
‫‪ (3‬سعد السعود‪ 36 - 34 :‬و ‪ (4) .48‬ترك المصنف إسناد الحديث‬
‫للختصار‪ ،‬وفي المصدر مسند‪.‬‬

‫] ‪[ 241‬‬

‫ول يجزي بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬امته الحامدون‪ ،‬يكبرون ال على كل‬
‫نجد‪ ،‬ويحمدونه في كل منزل‪ ،‬يتأزرون على أنصافهم‪ ،‬ويتوضؤون على‬
‫أطرافهم‪ ،‬مناديهم يناديهم في جو السماء‪ ،‬صفهم في القتال وصفهم في‬
‫الصلة سوآء‪ ،‬لهم بالليل دوي كدوي النحل‪ ،‬مولده بمكة‪ ،‬ومهاجره بطابة‪،‬‬
‫وملكه بالشام )‪ .(1‬أقول‪ :‬وذكر بشائر كثيرة في كتابه لنطيل الكلم‬
‫بإيرادها‪ ،‬وفي ما ذكرناه كفاية‪ - 60 .‬مقتضب الثر في النص على الثنى‬
‫عشر لحمد بن محمد بن عياش‪ ،‬عن محمد بن لحق بن سابق النباري‪،‬‬
‫عن جده سابق بن قرين‪ ،‬عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن الشرقي بن قطامي‪ ،‬عن تميم بن وهلة المري‪ ،‬عن الجارود بن المنذر‬
‫العبدي )‪ (2‬وكان نصرانيا " فأسلم عام الحديبية وحسن إسلمه‪ ،‬وكان‬
‫قارئا " للكتب‪ ،‬عالما " بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر‪ ،‬بصيرا‬
‫" بالفلسفة والطب‪ ،‬ذا رأي أصيل‪ ،‬ووجه جميل‪ ،‬أنشأ يحدثنا في إمارة‬
‫عمر بن الخطاب قال‪ :‬وفدت على رسول ال صلى ال عليه واله في رجال‬
‫من عبد القيس ذوي أحلم وأسنان‪ ،‬فصاحة وبيان‪ ،‬وحجة وبرهان‪ ،‬فلما‬
‫بصروا به صلى ال عليه واله راعهم منظره ومحضره‪ ،‬وأفحموا عن‬
‫بيانهم وعن بهم العروآء )‪ (3‬في أبدانهم‪ ،‬فقال زعيم القوم لي‪ :‬دونك من‬
‫أقمت بنا أممه )‪ ،(4‬فما نستطيع كلمة )‪ ،(5‬فاستقدمت دونهم إليه ووقفت‬
‫بين يديه‪ ،‬وقلت‪ :‬السلم عليك يا نبي ال‪ ،‬بأبي أنت وامي‪ ،‬ثم أنشأت أقول‬
‫)شعر(‪:‬‬

‫)‪ (1‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الثاني‪ .‬قوله‪ :‬ملكه بالشام ل يخلو عن‬
‫غرابة‪ ،‬وكعب الحبار متهم في ذلك‪ (2) .‬هكذا في الكتاب ومصدره‪ ،‬وفي‬
‫سيرة ابن هشام‪ :‬قال ابن اسحاق‪ :‬وقدم على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس‪ ،‬قال ابن هشام‪:‬‬
‫الجارود‪ :‬ابن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس‪ ،‬وكان نصرانيا ا‍ه قلت‪:‬‬
‫وقال اليعقوبي في تاريخه‪ :‬وقدمت عبد القيس ورئيسهم الشبح‬
‫العصرى‪ ،‬ثم وفد الجارود بن المعلى‪ (3) .‬عزلهم العرواء خ ل‪ .‬وفي‬
‫المصدر وكنز الكراجكى‪ :‬اعتراهم العرواء‪ .‬والعرواء بالضم‪ :‬مس‬
‫الحمى‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬دونك من أقمت بنا أقمه فما نستطيع أن نكلمه‪.‬‬
‫)‪ (5‬أن نكلمه خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 242‬‬

‫يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت قردد " ا وآل " فآل )‪ (1‬جابت البيد والمهامة‬
‫حتى * غالها من طوي السري ما غال قطعت دونك الصحاصح )‪ (2‬تهوى‬
‫* ل تعد الكلل فيك كلل كل دهناء )‪ (3‬تقصر الطرف عنها * أرقلتها )‪(4‬‬
‫قلصنا )‪ (5‬إرقال وطوتها العتاق تجمح )‪ (6‬فيها * بكماة مثل النجوم تلل‬
‫ثم لما رأتك أحسن مرأى * أفحمت عنك هيبة وجلل تتقي شر بأس يوم‬
‫عصيب * هائل أو جل القلوب وهال ونداء " لمحشر الناس طرا " *‬
‫وحسابا " لمن تأدى )‪ (7‬ضلل نحو نور من الله وبرهان * وبز )‪(78‬‬
‫ونعمة لن تنال )‪ (9‬وأمان منه لدى الحشر والنشر * إذ الخلق ل يطيق‬
‫السؤال فلك الحوض والشفاعة والكوثر * والفضل إذ ينص السؤال فلك‬
‫الحوض خصك يابن آمنة )‪ * (10‬الخير إذا ما تلت سجال سجال )‪ 119‬أنبأ‬
‫الولون باسمك فينا * وباسماء بعده تتتال )‪(12‬‬

‫)‪ (1‬قال الجزرى‪ :‬في حديث قس بن ساعدة‪ :‬قطعت مهمها وآل فال‪ ،‬الل‪ :‬السراب‪،‬‬
‫و المهمة‪ :‬القفر‪ .‬وقال‪ :‬قردد‪ :‬الموضع المرتع من الرض‪ ،‬ويقال‬
‫للرض المستوية أيضا قردد‪ ،‬ومنه حديث قس والجارود‪ :‬قطعت قرددا‪) .‬‬
‫‪ (2‬الصحاصح جمع الصحصح‪ :‬ما استوى من الرض وكان أجرد‪(3) .‬‬
‫الدهناء‪ :‬الفلت )‪ (4‬ارقل المفازة‪ :‬قطعها‪ (5) .‬القلص جمع القلوص‪،‬‬
‫من البل‪ :‬الطويلة القوائم‪ .‬الشابة منها أو الباقية على السير‪ (6) .‬جمح‬
‫الفرس‪ :‬تغلب على راكبه وذهب به ل ينثنى‪ (7) .‬يأوى خ ل وفي المصدر‬
‫والكنز‪ :‬تمادى‪ ،‬وهو الصحيح )‪ (8‬هكذا في النسخ‪ ،‬والظاهر أنه‬
‫مصحف‪ :‬وبركما في المصدر وفي الكنز‪ (9) .‬أن تنال خ ل‪ (10) .‬في‬
‫المصدر والكنز‪ :‬خصك ال يابن آمنة الخير‪ (11) .‬السجال جع السجل‪:‬‬
‫الدلو العظيمة فيها ماء قل أو كثر‪ (12) .‬في المصدر والكنز‪ :‬تتلل‪.‬‬

‫] ‪[ 243‬‬

‫فأقبل )‪ (1‬علي رسول ال بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء " لمعا "‬
‫ساطعا " كوميض )‪ (2‬البرق‪ ،‬فقال‪ :‬يا حارود لقد تأخر بك وبقومك الوعد‬
‫)‪ - (3‬وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته‪ ،‬وآتيته‬
‫في عام الحديبية ‪ -‬فقلت‪ :‬يا رسول ال بأبي أنت ما كان إبطائي عنك إل أن‬
‫جلة قومي أبطاؤا عن إجابتي حتى ساقها ال إليك لما أراد لها به إليك من‬
‫الخير‪ ،‬فأما من تأخر )‪ (4‬فحظه فات منك‪ ،‬فتلك أعظم حوبة )‪ ،(5‬وأكبر‬
‫عقوبة‪ ،‬ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك‪ ،‬فإن برهان الحق‬
‫في مشهدك محتدك )‪ ،(6‬وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك‬
‫الولى‪ ،‬فها أنا تاركه بين يديك‪ ،‬إذ ذلك مما يعظم الجر‪ ،‬ويمحو المآثم‬
‫والحوب‪ ،‬ويرضى الرب عن المربوب‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬أنا ضامن لك يا جارود‪ ،‬قلت‪ :‬أعلم يا رسول ال أنك مذ كنت ضمين‬
‫قمين )‪ ،(7‬قال‪ :‬فدن الن بالوحدانية‪ ،‬ودع عنك النصرانية‪ ،‬قلت‪ :‬أشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأنك عبده ورسوله‪ ،‬ولقد أسلمت على‬
‫علم بك ونباء فيك‪ ،‬علمته من قبل‪ ،‬فتبسم صلى ال عليه واله كأنه علم ما‬
‫أردته من النباء فيه‪ ،‬فأقبل علي وعلى قومي‪ ،‬فقال‪ :‬أفيكم من يعرف قس‬
‫بن ساعدة اليادي ؟ قلت‪ :‬يا رسول ال كلنا نعرفه‪ ،‬غير أني من بينهم‬
‫عارف بخبره‪ ،‬واقف على أثره‪ ،‬كان قس بن ساعدة يا رسول ال سبطا "‬
‫من أسباط العرب‪ ،‬عمر خمسمأة عام‪ ،‬تقفر منها في البراري خمسة‬
‫أعمار‪ ،‬يضج بالتسبيح على منهاج المسيح‪ ،‬ل يقره قرار‪ ،‬ول يكنه جدار‪،‬‬
‫ول يستمع )‪ (8‬منه جار‪ ،‬ل يفتر من‬

‫)‪ (1‬في المصدر والكنز‪ :‬قال‪ :‬فأقبل‪ (2) .‬وميض البرق‪ :‬لمعانه‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫الموعد‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لما أرادها به من الخير لديك‪ ،‬فأما من تأخر‬
‫عنه‪ (5) .‬الحوبة‪ :‬الثم‪ (6) .‬المحتد‪ :‬الصل‪ (7) .‬القمين‪ :‬الخليق الجدير‪.‬‬
‫وفى المصدر‪ :‬إنك بذلك ضمين قمين‪ (8) .‬واستظهر المصنف في‬
‫الهامش أن الصحيح‪ :‬ل يستمتع‪ .‬قلت‪ :‬هو كذلك في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 244‬‬

‫الرهبانية‪ ،‬ويدين ال بالوحدانية‪ ،‬يلبس المسوح )‪ (1‬ويتحسى في سياحته بيض‬


‫النعام‪ ،‬ويعتبر بالنور والظلم‪ ،‬يبصر فيتفكر ويفكر فيختبر‪ ،‬يضرب بحكمته‬
‫المثال‪ ،‬أدرك رأس الحواريين شمعون‪ ،‬وأدرك لوقا ويوحنا‪ ،‬وفقه منهم )‬
‫‪ ،(2‬تحوب )‪ (3‬الدهر‪ ،‬وجانب الكفر‪ ،‬وهو القائل بسوق عكاظ وذى المجاز‬
‫)‪ :(4‬شرق وغرب‪ ،‬ويابس ورطب‪ ،‬واجاج وعذب‪ ،‬وحب ونبات‪ ،‬وجمع‬
‫واشتات‪ ،‬وذهاب وممات‪ ،‬وآباء وامهات‪ ،‬وسرور مولود‪ ،‬ورزء مفقود نبأ‬
‫لرباب الغفلة‪ ،‬ليصلحن العامل عمله قبل أن يفقد أجله‪ ،‬كل بل هو ال‬
‫الواحد‪ ،‬ليس بمولود ول والد‪ ،‬أمات وأحيا‪ ،‬وخلق الذكر والنثى‪ ،‬وهو رب‬
‫الخرة والولى‪ ،‬ثم أنشد شعر )‪ (5‬كلمة له‪ :‬ذكر القلب من جواه اذكار )‪(6‬‬
‫* وليال خل لهن نهار وشموس تحتها قمر * الليل وكل متابع موار وجبال‬
‫شوامخ راسيات * وبحار مياههن غزار وصغير وأشمط )‪ (7‬ورضيع *‬
‫كلهم في الصعيد يوما " بوار كل هذا هو الدليل على ال * ففيه لنا هدى‬
‫واعتبار ثم صاح‪ :‬يا معشر إياد فأين ثمود ؟ وأين عاد ؟ وأين الباء‬
‫والجداد ؟ وأين العليل‬

‫)‪ (1‬المسوح جمع المسح‪ :‬الكساء من شعر‪ ،‬ما يلبس من نسيج الشعر على البدن‬
‫تقشعا وقهرا للجسد‪ .‬وتحسى المرق‪ :‬شربه شيئا بعد شئ‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ويوحنا وأمثالهم ففقه كلمهم ونقل منهم‪ (3) .‬تحوب‪ ،‬اجتنب‬
‫الثم‪ (4) .‬قال اليعقوبي في تاريخه ‪ :227 :1‬سوق عكاظ بأعلى نجد‪،‬‬
‫يقوم في ذى القعدة‪ ،‬وينزلها قريش وسائر العرب‪ ،‬ال ان أكثرها مضر‪،‬‬
‫وبها كانت مفاخرة العرب وجمالتهم ومهادناتهم‪ ،‬ثم سوق ذى المجاز‪،‬‬
‫وكانت ترتحل من سوق عكاظ‪ ،‬وسوق ذى المجاز إلى مكة من لحجهم‪) .‬‬
‫‪ (5‬هكذا في نسخة المصنف‪ ،‬والظاهر أن لفظة )شعر( زائدة‪ ،‬أو هو‬
‫مصحف‪ :‬أنشد كلمة له شعرا كما في المصدر‪ (6) .‬ادكار ليال خ ل وفي‬
‫المصدر‪ ،‬إدكار‪ ،‬وليال‪ (7) .‬شمط‪ :‬خالط بياض رأسه سواد فهو أشمط‪.‬‬
‫] ‪[ 245‬‬

‫والعواد ؟ وأين الطالبون والرواد ؟ كل له )‪ (1‬معاد‪ ،‬أقسم قس برب العباد‪ ،‬وساطح‬


‫المهاد‪ ،‬وخالق سبع الشداد‪ ،‬سماوات بل عماد‪ ،‬ليحشرن على النفرد‪،‬‬
‫وعلى قرب وبعاد‪ ،‬إذا نفخ في الصور‪ ،‬ونقر في الناقور‪ ،‬وأشرقت الرض‬
‫بالنور‪ ،‬فقد وعظ الواعظ‪ ،‬وانتبه القايظ )‪ ،(2‬وأبصر اللحظ‪ ،‬ولفظ اللفظ‪،‬‬
‫فويل لمن صدف عن الحق الشهر‪ ،‬وكذب بيوم المحشر‪ ،‬والسراج الزهر‪،‬‬
‫في يوم الفصل‪ ،‬وميزان العدل‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪) :‬شعر )‪ :((3‬يا ناعي الموت‬
‫والموات في جدث * عليهم من بقايا بزهم خرق منهم عرات وموتى في‬
‫ثيابهم * منها الجديد ومنها الورق الخلق دعهم فإن لهم يوما " يصاح‬
‫بهم * كما ينبه من رقداته الصعق حتى يجيئوا بحال غير حالهم * خلق‬
‫مضوا ثم ماذا بعد ذاك لقوا ثم أقبلت على اصحابه فقلت‪ :‬على علم به آمنتم‬
‫قبل مبعثه‪ ،‬كما آمنت به أنا‪ ،‬فنصت إلى رجل منهم وأشارت إليه وقالوا‪:‬‬
‫هذا صاحبه وطالبه على وجه الدهر‪ ،‬وسالف العصر‪ ،‬وليس فينا خير منه‪،‬‬
‫ول أفضل‪ ،‬فبصرت به أغر أبلج‪ ،‬قد وقذته الحكمة‪ ،‬أعرف ذلك في أسارير‬
‫)‪ (4‬وجهه‪ ،‬وإن لم أحط علما " بكنهه‪ ،‬قلت‪ :‬ومن هو ؟ قالوا‪ :‬هذا سلمان‬
‫الفارسي‪ ،‬ذو البرهان العظيم‪ ،‬والشأن القديم‪ ،‬فقال سلمان‪ :‬عرفته يا أخا‬
‫عبد القيس من قبل إتيانه‪ ،‬فأقبلت على رسول ال صلى ال عليه واله وهو‬
‫يتلل ويشرق وجهه نورا " وسرورا "‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال إن قسا "‬
‫كان ينتظر زمانك‪ ،‬ويتوكف إبانك )‪ ،(5‬ويهتف باسمك وأبيك )‪(6‬‬

‫)‪ (1‬كل لهن خ ل‪ (2) .‬هكذا في الكتاب ومصدره ولعله مصحف‪ :‬يقظه‪ ،‬واستظهر‬
‫المصنف في الهامش أنه الياقظ‪ (3) .‬هكذا في النسخة‪ ،‬والمصدر خال‬
‫عن قوله‪ :‬شعر‪ .‬وهو خبر لمبتداء محذوف أي هذا شعر‪ (4) .‬السارير‪:‬‬
‫الخطوط في الجبهة‪ .‬محاسن الوجه‪ (5) .‬توكف الخبر‪ :‬انتظر ظهوره‪.‬‬
‫إبان الشئ بكسر الهمزة وتشديد الباء‪ :‬أوله‪ .‬حينه‪ (6) .‬في المصدر‪:‬‬
‫وباسم أبيك‪.‬‬

‫] ‪[ 246‬‬

‫وامك‪ ،‬وبأسماء لست اصيبها معك‪ ،‬ول أراها فيمن اتبعك‪ ،‬قال سلمان‪ :‬فأخبرنا‬
‫فأنشأت احدثهم ورسول ال صلى ال عليه واله يسمع والقوم سامعون‬
‫واعون‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال لقد شهدت قسا " خرج من ناد من أندية إياد‪،‬‬
‫إلى صحيح ذي قتاد‪ ،‬وسمرة وعتاد )‪ (1‬وهو مشتمل بنجاد‪ ،‬فوقف في‬
‫أضحيان )‪ (2‬ليل كالشمس‪ ،‬رافعا " إلي السماء وجهه وإصبعه فدنوت‬
‫منه فسمعته يقول‪ :‬أللهم رب هذه السبعة ال رقعة )‪ ،(2‬والرضين‬
‫الممرعة )‪ ،(4‬وبمحمد والثلثة المحامدة معه‪ ،‬والعليين الربعة‪ ،‬وسبطيه‬
‫التبعة )‪ (5‬والرفعة الفرعة‪ ،‬والسري اللمعة )‪ ،(6‬وسمي الكليم الضرعة‬
‫)‪ (7‬اولئك النقباء الشفعة‪ ،‬والطريق المهيعة‪ ،‬درسة النجيل‪ ،‬وحفظة‬
‫التنزيل‪ ،‬على عدد النقباء من بني إسرائيل‪ ،‬محاة الضاليل‪ ،‬ونفاة‬
‫الباطيل‪ ،‬الصادقوا القيل‪ ،‬عليهم تقوم الساعة‪ ،‬وبهم تنال الشفاعة‪ ،‬ولهم‬
‫من ال فرض الطاعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لي من عمري‬
‫ومحياي‪ ،‬ثم أنشأ يقول )شعر(‪ (8) :‬متى أنا قبل الموت للحق مدرك * وإن‬
‫كان لي من بعد هاتيك مهلك وإن غالني الدهر الخؤون بغوله * فقد غال‬
‫من قبلي ومن وبعد يوشك فل غرو إني سالك مسلك الولى * وشيكا ومن‬
‫ذا للردى ليس يسلك ثم آب يكفكف )‪ (9‬دمعه‪ ،‬ويرن رنين البكرة )‪،(10‬‬
‫وقد برئت ببراة وهو يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬الصحصح تقدم معناه‪ .‬والقتاد‪ :‬شجر صلب له شوك كالبر‪ .‬والسمر‪ :‬شجر من‬
‫العضاه‪ ،‬و ليس في العضاه أجود خشبا منه‪ :‬والعضاه‪ :‬كل شجر يعظم‬
‫وله شوك‪ .‬والعتاد‪ :‬ما اعد لمر ما‪ .‬كل ما هيئ من سلح ودواب وآلة‬
‫حرب‪ .‬القدح الضخم‪ (2) .‬ليلة إضحيانة واضحية‪ :‬مضيئة‪ (3) .‬ال رقعة‬
‫جمع الرقيع‪ :‬السماء عموما‪ ،‬أو السماء الولى في عرف ال قدمين‪(4) .‬‬
‫أمرع المكان‪ :‬أخصب‪ (5) .‬النبعة خ ل وفي المصدر‪ :‬وسبطيه النبعة ال‬
‫رفعة القرعة‪ (6) .‬اللمعة خ ل‪ (7) .‬في المصدر والكنز بعد ذلك‪:‬‬
‫والحسن ذى الرفعة‪ (8) .‬المصدر خال عن كلمة شعر‪ (9) .‬كفكف الدمع‪:‬‬
‫مسحه مرة بعد مرة‪ (10) .‬البكرة والبكرة‪ :‬آلة مستديرة في وسطها محز‬
‫يمر عليها حبل لرفع الثقال‪.‬‬

‫] ‪[ 247‬‬

‫أقسم قس قسما "‪ ،‬ليس به مكتتما )‪ * (1‬لو عاش ألفي سنة )‪ ،(2‬لم يلق منها‬
‫سأما حتى يلقي أحمدا "‪ ،‬والنقباء الحكماء * هم أوصياء أحمد‪ ،‬أكرم من‬
‫تحت السماء يعمي العباد عنهم وهم جلء للعمى * ليس )‪ (3‬بناس ذكرهم‬
‫حتى احل الرجما )‪ (4‬ثم قلت‪ :‬يا رسول ال أنبئني أنبأك ال بخير عن هذه‬
‫السماء التي لم نشهدها و أشهدنا قس ذكرها‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى ال عزوجل إلي أن‬
‫سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا‪ ،‬فقلت‪ :‬على ما بعثتم ؟‬
‫قالوا‪ :‬على نبوتك‪ ،‬وولية علي بن أبي طالب والئمة منكما‪ ،‬ثم أوحى إلي‬
‫أن التفت عن يمين العرش‪ ،‬فالتفت فإذا علي‪ ،‬والحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬وعلي‬
‫بن الحسين‪ ،‬ومحمد بن علي‪ ،‬وجعفر بن محمد‪ ،‬وموسى بن جعفر‪ ،‬وعلي‬
‫بن موسى‪ ،‬ومحمد بن علي‪ ،‬وعلي بن محمد‪ ،‬والحسن بن علي‪،‬‬
‫والمهدي‪ ،‬في ضحضاح من نور يصلون‪ ،‬فقال الرب تعالى‪ :‬هؤلء الحجج‬
‫لوليائي‪ ،‬وهذا المنتقم من أعدائي‪ ،‬قال الجارود‪ :‬فقال )‪ (5‬سلمان‪ :‬يا‬
‫جارود هؤلء المذكورون في التوراة والنجيل والزبور كذلك‪ ،‬فانصرفت‬
‫بقومي وقلت في توجهي إلى قومي )شعر )‪ :((6‬أتيتك يا بن آمنة الرسول‬
‫* لكي بك أهتدي النهج السبيل فقلت وكان قولك قول حق * وصدق ما‬
‫بدالك أن تقول وبصرت العمى من عبد قيس * وكل كان من عمه ضليل‬
‫وأنبأناك عن قس اليادي * مقال فيك ظلت به جديل وأسماء عمت عنا‬
‫فآلت * إلى علم وكن بها )‪ (7‬جهول )‪(8‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مكتما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬والكنز ألفى عمر‪ (3) .‬في المصدر‬
‫والكنز‪ :‬لست‪ (4) .‬الرجم‪ :‬القبر‪ (5) .‬في المصدر والكنز‪ :‬فقال لى‪(6) .‬‬
‫لفظة )شعر( ليست موجودا في المصدر‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬وكنت به‬
‫جهول‪ (8) .‬مقتضب الثر‪ ،43 - 37 :‬وأخرجه أيضا الكراجكى في كنز‬
‫الفوائد‪.258 - 256 :‬‬

‫] ‪[ 248‬‬

‫بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬العروآء مثال الغلواء‪ :‬قرة الحمى‪ ،‬ومسها في أول ما تأخذ‬
‫بالرعدة‪ ،‬وفلن قمين بكذا أي جدير خليق‪ ،‬وفلن يتحوب من كذا‪ ،‬أي‬
‫يتأثم‪ .‬و التحوب أيضا " التوجع والتحزن‪ .‬قوله‪ :‬قد وقذته الحكمة أي‬
‫أثرت فيه وبانت فيه آثارها‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬وقذه يقذه وقذا‪ :‬ضربه حتى‬
‫استرخى وأشرف على الموت‪ ،‬ويقال‪ :‬وقذه النعاس‪ :‬إذا غلبه‪ ،‬وفي‬
‫النهاية‪ :‬فيه فيقذه الورع أي يسكنه ويمنعه من انتهاك مال يحل ول يحمد‪،‬‬
‫يقال‪ :‬وقذه الحلم‪ :‬إذا سكته‪ .‬أقول‪ :‬سيأتي الخبر مختصرا " مع شرح‬
‫بعض أجزائه في باب المعراج‪) .‬باب ‪) * (3‬تاريخ ولدته صلى ال عليه‬
‫وآله وما يتعلق بها‪ ،‬وما ظهر( * * )عندها من المعجزات والكرامات‬
‫والمنامات( * اعلم أنه اتفقت المامية إل من شذ منهم على أن ولدته‬
‫صلى ال عليه واله في سابع عشر شهر ربيع الول‪ ،‬وذهب أكثر‬
‫المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه‪ ،‬واختاره الكليني رحمه ال‬
‫على ما سيأتي إما اختيارا "‪ ،‬أو تقية‪ ،‬وذهب شاذ من المخالفين إلى أنه‬
‫ولد في شهر رمضان )‪ ،(1‬لنهم اتفقوا على أن بدء الحمل به صلى ال‬
‫عليه واله كان في عشية عرفة‪،‬‬

‫)‪ (1‬ذكر المقريزى في امتاع السماع‪ :3 :‬جماع أقوالهم في ولدته صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم فقال‪ :‬ولد محمد صلى ال عليه وآله وسلم بمكة في دار‬
‫عرفت بدار ابن يوسف من شعب بنى هاشم يوم الثنين لثنتى عشرة‬
‫خلت من ربيع الول‪ ،‬وقيل‪ :‬لليلتين خلتا منه‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد ثالثه‪ ،‬وقيل‪ :‬في‬
‫عاشره‪ ،‬وقيل‪ :‬في ثامنه‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد يوم الثنين لثنتى عشرة مضت من‬
‫رمضان حين طلع الفجر‪ ،‬وقد شذ بذلك الزبير بن بكار‪ ،‬ال انه موافق‬
‫لقوله‪ :‬إن امه صلى ال عليه وآله وسلم حملت به أيام التشريق‪ ،‬فيكون‬
‫حملها مدة تسعة أشهر على العادة الغالبة‪ ،‬وذلك عام الفيل‪ ،‬قيل‪ :‬بعد‬
‫قدوم الفيل مكة بخمسين يوما‪ ،‬وقيل‪ ،‬بشهر‪ ،‬وقيل‪ :‬بأربعين يوما‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫قدم الفيل للنصف من المحرم قبل مولده صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫بشهرين ال أياما‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد بعد الفيل بثمانية و ‪< -‬‬

‫] ‪[ 249‬‬

‫أو أوسط أيام التشريق‪ ،‬واشتهر بينهم أن مدة الحمل كانت تسعة أشهر‪ ،‬فيلزم أن‬
‫تكون الولدة في شهر رمضان‪ ،‬وسيأتي الكلم فيه‪ ،‬وذهب شرذمة منهم‬
‫إلى أن الولدة كانت في ثامن ربيع الول‪ ،‬فأما يوم الولدة فالمشهور بين‬
‫علمائنا ومدلول أخبارنا أنه كان يوم الجمعة‪ ،‬والمشهور بين المخالفين‬
‫يوم الثنين‪ ،‬ثم الشهر بيننا وبينهم أنه صلى ال عليه واله ولد بعد طلوع‬
‫الفجر‪ ،‬وقيل‪ :‬عند الزوال‪ ،‬وذكر جماعة من المؤرخين وأرباب السير أنه‬
‫كان في ساعة الولدة غفر )‪ (1‬من منازل القمر طالعا "‪ ،‬وكان اليوم‬
‫موافقا " للعشرين أو للثامن و العشرين أو الغرة من شهر نيسان الرومي‪،‬‬
‫والسابع عشر من دي ماه بحساب الفرس‪ ،‬و كانت في عهد كسرى‬
‫أنوشيروان بعد مضي اثنين وأربعين من ملكه‪ ،‬وبعد مضي اثنين وثمانين‬
‫وثمانمأة من وفات إسكندر الرومي‪ ،‬وكان في عام الفيل بعد مضي خمس‬
‫وخمسين‪ ،‬أو أربعين من الواقعة‪ ،‬وقيل‪ :‬في يوم الواقعة‪ ،‬وقيل‪ :‬بعد ثلثين‬
‫سنة منها‪ ،‬وقيل‪ :‬بعد أربعين منها‪ ،‬والصح أنها كانت في تلك العام‪ .‬وذكر‬
‫أبو معشر البلخي )‪ (2‬من المنجمين أنه كان طالع ولدته صلى ال عليه‬
‫واله الدرجة العشرون من الجدي‪ ،‬وكان الزحل والمشتري في العقرب‪،‬‬
‫والمريخ في بيته في الحمل‪ ،‬و‬

‫> ‪ -‬خمسين يوما‪ ،‬وقيل‪ :‬بعده بعشر سنين‪ ،‬وقيل‪ :‬بعده بثلثين عاما‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد‬
‫قبل الفيل بخمس عشرة سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬قبله بأربعين عاما‪ ،‬وقيل‪ :‬ولديوم‬
‫الفيل‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد سنة ثلث وعشرين للفيل‪ .‬وقيل‪ :‬ولد في صفر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يوم عاشوراء‪ ،‬وقيل‪ :‬في ربيع الخر‪ ،‬الراجح أنه ولد عام الفيل في‬
‫الثانية والربعين من ملك كسرى أنوشروان‪ ،‬وهى سنة احدى وثمانين‬
‫وثمانمائة لغلبة السكندر بن فيلبس المجدونى على دارا‪ ،‬وهى سنة الف‬
‫وثلثمائة وستة عشر لبتداء ملك بخت نصر‪ ،‬ووافق يوم مولده‬
‫العشرون من نيسان‪ ،‬وولده بالغفر من المنازل وهو مولد النبياء‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬كان طالعه برج السد والقمر فيه‪ (1) .‬الغفر من منازل القمر قال‬
‫البيرونى‪ :‬وتقول العرب‪ :‬إنه خير المنازل‪ ،‬وقيل‪ :‬إن مواليد النبياء قد‬
‫اتفقت فيه ول اظن ذلك حقا‪ (2) .‬قال اليعقوبي ‪ 4 :2‬وولد على ما قال‬
‫أصحاب الحساب بقران العقرب‪ ،‬قال ما شاء ال المنجم‪ :‬كان طالع السنة‬
‫التى كان فيها القران الذى دل على مولد رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫الميزان اثنين وعشرين درجة حد الزهرة وبيتها‪ ،‬والمشترى في العقرب‬
‫ثلث درجات وثلثا وعشرين ‪< -‬‬

‫] ‪[ 250‬‬

‫الشمس في الحمل في الشرف‪ ،‬والزهرة في الحوت في الشرف‪ ،‬والعطارد أيضا "‬


‫في الحوت‪ ،‬والقمر في أول الميزان‪ ،‬والرأس في الجوزاء‪ ،‬والذنب في‬
‫القوس‪ ،‬وكانت في الدار المعروف بدار محمد بن يوسف‪ ،‬وكان للنبي‬
‫صلى ال عليه واله فوهبه لعقيل بن أبي طالب‪ ،‬فباعه أولده محمد بن‬
‫يوسف أخا الحجاج فأدخله في داره‪ ،‬فلما كان زمن هارون أخذته خيزران‬
‫امه فأخرجته و جعلته مسجدا "‪ ،‬وهو الن معروف يزار ويصلى فيه‪،‬‬
‫وسنذكر الخبار والقوال في تفاصيل تلك الحوال‪ - 1 .‬د‪ :‬في كتاب أسماء‬
‫حجج ال‪ :‬ولد صلى ال عليه واله سابع عشرة ليلة من شهر ربيع الول‬
‫في عام الفيل‪ ،‬في كتاب الدر الصحيح‪ :‬أنه ولد صلى ال عليه واله عند‬
‫طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الول بعد خمس‬
‫وخمسين يوما " من هلك أصحاب الفيل‪ ،‬وقال العامة‪ :‬يوم الثنين الثامن‬
‫أو العاشر من ربيع الول لسبع بقين من ملك أنوشيروان‪ ،‬و يقال‪ :‬في ملك‬
‫هرمز بن أنوشيروان‪ ،‬وذكر الطبري أن مولده صلى ال عليه واله كان‬
‫لثنتي وأربعين سنة من ملك أنوشيروان وهو الصحيح‪ ،‬لقوله صلى ال‬
‫عليه واله‪) :‬ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان( ووافق شهر الروم‬
‫العشرين من سباط )‪ .(1‬في كتاب مواليد الئمة عليهم السلم‪ :‬ولد النبي‬
‫صلى ال عليه واله لثلث عشرة بقيت من شهر ربيع الول في عام الفيل‬
‫يوم الجمعة مع الزوال‪ ،‬وروي عند طلوع الفجر قبل المبعث بأربعين‬

‫> ‪ -‬دقيقه‪ ،‬وزحل في العقرب ست درجات وثلثا وعشرين دقيقة راجعا‪ ،‬وهما في‬
‫الثاني من الطوالع‪ ،‬والشمس في نظير الطالع في الحمل أول دقيقة‪،‬‬
‫والزهرة في الحمل على درجة وست وخمسين دقيقة‪ ،‬وعطارد في الحمل‬
‫على ثمانى عشرة درجة وست عشرة دقيقة‪ ،‬والقمر وسط السماء في‬
‫السرطان درجة وعشرين دقيقة‪ ،‬وقال الخوارزمي‪ :‬ثمانى عشرة درجة‬
‫وست عشرة وست عشرة دقيقة‪ ،‬والقمر وسط السماء في السرطان‬
‫درجة وعشرين دقيقة‪ ،‬وقال الخوارزمي‪ :‬كانت الشمس يوم ولد في الثور‬
‫درجة والقمر في السد على ثمانى عشرة درجة وعشر دقائق‪ ،‬وزحل في‬
‫العقرب تسع درجات وأربعين دقيقة راجعا‪ ،‬والمشترى في العقرب‬
‫درجتين وعشر دقائق راجعا‪ ،‬والمريخ في السرطان درجتين وخمسين‬
‫دقيقة‪ ،‬والزهرة في الثور اثنتى عشرة درجة وعشر دقائق‪ (1) .‬يقال‪:‬‬
‫سباط وشباط‪ :‬شهر من الشهر الشمسية‪ ،‬بين كانون الثاني وأذار‪ ،‬أيامه‬
‫‪ 29‬في السنة الكبيسة و ‪ 28‬في سواها‪.‬‬

‫] ‪[ 251‬‬

‫سنة‪ ،‬وحملت به امه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى‪ ،‬وكانت في منزل عبد‬
‫ال بن عبد المطلب‪ ،‬وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف‬
‫في الزاوية القصوى‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد يوم الثنين آخر النهار ثاني عشر شهر‬
‫ربيع الول سنة ثمان وتسعمأة للسكندر في شعب أبي طالب في ملك‬
‫أنوشيروان )‪ - 2 (1‬قل‪ :‬ذكر محمد بن بابويه رضوان ال عليه في الجزء‬
‫الرابع من كتاب النبوة حديث )‪ (2‬أن الحمل بسيدنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله كان ليلة الجمعة لثنتى عشرة ليلة بقيت )‪ (3‬من جميدي الخرة‬
‫)‪ - 3 .(4‬قل‪ :‬إن الذين أدركناهم من العلماء كان عملهم على أن ولدته‬
‫المقدسة صلى ال عليه واله كان يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الول‬
‫في عام الفيل عند طلوع فجره )‪ - 4 .(5‬وذكر شيخنا المفيد في كتاب‬
‫حدائق الرياض‪ :‬السابع عشر منه مولد سيدنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله عند طلوع الفجر من يوم الجمعة عام الفيل )‪ ،(6‬وقال رحمه ال في‬
‫كتاب التواريخ الشرعية‪ :‬نحوه )‪ - 5 .(7‬كا‪ :‬ولد النبي صلى ال عليه واله‬
‫لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الول في عام الفيل يوم الجمعة مع‬
‫الزوال‪ ،‬وروي أيضا "‪ ،‬عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة‪،‬‬
‫وحملت به امه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى‪ ،‬وكانت في منزل‬
‫عبد ال بن عبد المطلب‪،‬‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬أضاف الحديث إلى ما بعده‪ (3) .‬قال المصنف في‬
‫الهامش‪ :‬الظاهر )مضت( مكان )بقيت ليوافق ما هو المشهور من كون‬
‫الحمل في أيام التشريق انتهى كلمه قدس ال أسراره‪ ،‬قلت‪ :‬القول بأن‬
‫حمله كان في ايام التشريق يوافق القول بولدته في رمضان كما عرفت‬
‫في كلم المقريزى‪ (4) .‬القبال‪ (5) .623 :‬القبال‪ (6) .603 :‬حدائق‬
‫الرياض‪ :‬مخطوط‪ (7) .‬مسار الشيعة‪.24 :‬‬

‫] ‪[ 252‬‬
‫وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن‬
‫يسارك وأنت داخل )‪ ،(1‬وقد أخرجت الخيزران )‪ (2‬ذلك البيت فصيرته‬
‫مسجدا " يصلي الناس فيه )‪ .(3‬بيان‪ :‬اعلم أن هاهنا أشكال مشهورا "‬
‫أورده الشهيد الثاني رحمه ال وجماعة‪ ،‬وهو أنه يلزم على ما ذكره‬
‫الكليني رحمه ال من كون الحمل به صلى ال عليه واله في أيام التشريق‬
‫و ولدته في ربيع الول أن يكون مدة حمله إما ثلثة أشهر‪ ،‬أو سنة وثلثة‬
‫أشهر‪ ،‬مع أن الصحاب اتفقوا على أنه ل يكون الحمل أقل من ستة أشهر‪،‬‬
‫ول أكثر من سنة‪ ،‬ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه‪،‬‬
‫والجواب أن ذلك مبني على النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية‪ ،‬وقد‬
‫نهى ال تعالى عنه‪ ،‬وقال‪) :‬إنما النسئ زيادة في الكفر(‪ .‬قال الشيخ‬
‫الطبرسي رحمه ال في تفسير هذه الية نقل عن مجاهد‪ :‬كان المشركون‬
‫يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين‪ ،‬ثم حجوا في‬
‫المحرم عامين‪ ،‬وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة‬
‫الوداع في ذي القعدة‪ ،‬ثم حج النبي صلى ال عليه واله في العام القابل‬
‫حجة الوداع فوافقت ذا الحجة‪ ،‬فقال في خطبته‪ :‬أل وإن الزمان قد استدار‬
‫كهيئته يوم خلق ال السماوات والرض‪ ،‬السنة اثنى عشر شهرا "‪ ،‬منها‬
‫أربعة حرم‪ :‬ثلثة متواليات‪ :‬ذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪ ،‬ومحرم‪ ،‬ورجب‪،‬‬
‫مضر بين جميدي و شعبان )‪ ،(4‬أراد بذلك أن أشهر الحرم رجعت إلى‬
‫مواضعها‪ ،‬وعاد الحج إلى ذي الحجة‪ ،‬وبطل النسئ انتهى )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وأنت داخل الدار‪ (2) .‬قال المصنف في الهامش‪ :‬الخيزران ام‬
‫الهادي والرشيد‪ ،‬قال المؤرخون كانت هذه الدار للنبى صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم ووهبها عقيل بن أبى طالب‪ ،‬ثم باعها أولد عقيل بعد أبيهم‬
‫محمد بن يوسف وهو أخو الحجاج فاشتهرت بدار محمد بن يوسف‪،‬‬
‫فأدخلها محمد في قصره الذى كانوا يسمونه البيضاء‪ ،‬ثم بعد انقضاء‬
‫دولة بنى امية حجت خيزران فأفرزتها من القصر وجعلتها مسجدا‪(3) .‬‬
‫الصول ‪ (4) .439 :1‬في المصدر‪ :‬ورجب الذى بين جمادى وشعبان‪) .‬‬
‫‪ (5‬مجمع البيان ‪.29 :5‬‬

‫] ‪[ 253‬‬

‫إذا عرفت هذا فقيل‪ :‬إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده صلى ال عليه‬
‫واله في جميدي الولى‪ ،‬لنه صلى ال عليه واله توفي وهو ابن ثلث‬
‫وستين سنة‪ ،‬ودورة النسئ أربعة و عشرون سنة ضعف عدد الشهور‪،‬‬
‫فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامس عشر‬
‫ابتداء الدورة‪ ،‬لنه إذا نقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون تبقى أربعة‬
‫عشر‪ ،‬الثنتان الخيرتان منها لذي القعدة‪ ،‬واثنتان قبلهما لشوال‪ ،‬وهكذا‬
‫فتكون الوليان منها لجميدي الولى‪ ،‬فكان الحج عام مولد النبي صلى ال‬
‫عليه واله وهو عام الفيل في جميدي الولى‪ ،‬فإذا فرض أنه صلى ال عليه‬
‫واله حملت به امه في الثاني عشر منه‪ ،‬ووضعت في الثاني عشر من ربيع‬
‫الول تكون مدة الحمل عشرة أشهر بل مزيد ول نقيصة‪ .‬أقول‪ :‬ويرد عليه‬
‫أنه قد أخطأ رحمه ال في حساب الدورة‪ ،‬وجعلها أربعة و عشرين سنة‪،‬‬
‫إذا الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة وعشرين سنة‪ ،‬إذ في كل سنتين‬
‫يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسئ‪ ،‬ففي كل خمسة وعشرين سنة‬
‫تحصل أربعة وعشرون حجة تمام الدورة‪ ،‬وأيضا على ما ذكره يكون مدة‬
‫الحمل أحد عشر شهرا "‪ ،‬إذ لما كان عام مولده أول حج في جمادي‬
‫الولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني‪ ،‬فالصواب أن يقال‪ :‬كان‬
‫في عام حمله صلى ال عليه واله الحج في جمادي الولى‪ ،‬وفي عام مولده‬
‫في جمادي الثانية‪ ،‬فعلى ما ذكرنا يتم من عام مولده إلى خمسين سنة من‬
‫عمره صلى ال عليه واله دورتان في الحادية والخمسين‪ ،‬تبتدئ الدورة‬
‫الثالثة من جمادي الثانية‪ ،‬وتكون لكل شهر حجتان إلى أن ينتهي إلى‬
‫الحادية والستين والثانية والستين‪ ،‬فيكون الحج فيهما في ذي القعدة‪،‬‬
‫ويكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة‪ ،‬فتكون مدة الحمل عشرة‬
‫أشهر‪ .‬فإن قلت‪ :‬على ما قررت من أن في كل دورة متأخر سنة ففي نصف‬
‫الدورة تتأخر ستة أشهر‪ ،‬ومن ربيع الول الذي هو شهر المولد إلى‬
‫جميدي الثانية التي هي شهر الحج نحو من ثلثة أشهر‪ ،‬فكيف يستقيم‬
‫الحساب على ما ذكرت ؟ قلت‪ :‬تاريخ السنة محسوبة من شهر الولدة‪،‬‬
‫فمن ربيع الول من سنة الولدة إلى مثله من سنة ثلث وستين تتم ثنتان‬
‫وستون‪ ،‬ويكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث والستين‪ ،‬وفي الشهر‬
‫لعاشر من تلك السنة أعني ذي الحجة وقع الحج الحادي والستون‪ ،‬وتوفي‬
‫قبل إتمام‬

‫] ‪[ 254‬‬

‫تلك السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما "‪ ،‬فصار عمره صلى ال‬
‫عليه واله ثلثا " وستين إل تلك اليام المعدودة‪ ،‬وأما ما رواه في كتاب‬
‫النبوة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة وقع الحج في جميدي الثانية‪،‬‬
‫ومن سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع وستون سنة‪ ،‬وفي الخمسين‬
‫تمام الدورتين‪ ،‬وتبتدئ الثالثة من جميدي الثانية‪ ،‬ويكون في حجة الوداع‪،‬‬
‫والتي قبلها الحج في ذي الحجة‪ ،‬ول يخالف شيئا " إل ما مر عن مجاهد‬
‫أن حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة‪ ،‬وقوله غير معتمد في‬
‫مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبرا "‪ ،‬وتكون مدة الحمل على هذا تسعة‬
‫أشهر إل يوما "‪ ،‬فيوافق ما هو المشهور في مدة حمله صلى ال عليه‬
‫واله عند المخالفين‪ - 6 .‬ص‪ :‬روي أنه صلى ال عليه واله ولد في السابع‬
‫عشر من شهر ربيع الول عام الفيل يوم الثنين‪ ،‬وقيل‪ :‬يوم الجمعة‪ ،‬وقال‬
‫صلى ال عليه واله‪) :‬ولدت في زمن الملك العادل( يعني أنوشيروان بن‬
‫قباد قاتل مزدك والزنادقة )‪ - 7 .(1‬ك‪ ،‬لى‪ :‬الدقاق‪ ،‬عن ابن ذكريا القطان‪،‬‬
‫عن البرمكي‪ ،‬عن عبد ال بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن خالد بن إلياس‪ ،‬عن‬
‫أبي بكر بن عبد ال بن أبي جهم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬سمعت أبا طالب‬
‫حدث )‪ (2‬عن عبد المطلب قال‪ :‬بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا "‬
‫هالتني‪ ،‬فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز‪ ،‬وجمتي تضرب منكبي‪ ،‬فلما‬
‫نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ما شأن سيد العرب متغير اللون ؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب ؟ فقلت‬
‫لها‪ :‬بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر‪ ،‬كأن شجرة قد نبتت على‬
‫ظهري قد نال رأسها السماء‪ ،‬وضربت بأغصانها الشرق والغرب‪ ،‬ورأيت‬
‫نورا " يزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا‪ ،‬ورأيت العرب‬
‫والعجم ساجدة لها‪ ،‬وهي كل يوم تزداد عظما " ونورا "‪ ،‬ورأيت رهطا "‬
‫من قريش يريدون قطعها‪ ،‬فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس‬
‫وجها "‪ ،‬وأنظفهم ثيابا "‪ ،‬فيأخذهم ويكسر ظهورهم‪ ،‬ويقلع أعينهم‪،‬‬
‫فرفعت يدي ل تناول غصنا " من أغصانها‪ ،‬فصاح بي الشاب وقال‪ :‬مهل‬
‫"‬

‫)‪ (1‬قصص النبياء‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يحدث‪.‬‬

‫] ‪[ 255‬‬

‫ليس لك منها نصيب‪ ،‬فقلت‪ :‬لمن النصيب والشجرة مني ؟ فقال‪ :‬النصيب لهؤلء‬
‫الذين قد تعلقوا بها وسيعود إليها‪ ،‬فانتبهت مذعورا " فزعا " متغير‬
‫اللون‪ ،‬فرأيت لون الكاهنة قد تغير‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لئن صدقت ليخرجن من‬
‫صلبك ولد يملك الشرق والغرب‪ ،‬وينبأ )‪ (1‬في الناس‪ ،‬فتسري )‪ (2‬عني‬
‫غمي‪ ،‬فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت‪ ،‬وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث‬
‫والنبى صلى ال عليه واله قد خرج‪ ،‬ويقول‪ :‬كانت الشجرة وال أبا القاسم‬
‫المين )‪ .(3‬توضيح‪ :‬قال الجزري‪ :‬المطرف بكسر الميم وفتحها وضمها‪:‬‬
‫الثوب الذي في طرفيه علمان‪ ،‬وقال‪ :‬الجمة من شعر الرأس‪ :‬ما سقط على‬
‫المنكبين‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬هي بالضم مجتمع شعر الرأس‪ .‬أقول‪ :‬لعل ذكر‬
‫هذا إما لبيان شرافته بأن يكون إرسال الجمة من خواص الشرفاء‪ ،‬أو‬
‫اضطرابه وارتعاده‪ ،‬والريب‪ :‬نازلة الدهر‪ .‬ورابه أمر‪ :‬رأى منه ما يكره‪،‬‬
‫قوله‪ :‬وسيعود إليها‪ ،‬يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها الذين‬
‫يريدون قلعها‪ ،‬ويكون قوله‪ :‬وستعود بالتاء‪ ،‬أي ستعود تلك الجماعة بعد‬
‫منازعتهم ومحاربتهم إلى هذه الشجرة‪ ،‬ويؤمنون بها‪ ،‬فيكون لهم النصيب‬
‫منها‪ ،‬أو بالياء فيكون المستتر راجعا " إلى الرسول صلى ال عليه واله‪،‬‬
‫والبارز في منها إلى الجماعة‪ ،‬أي سيعود النبي صلى ال عليه واله إليهم‬
‫بعد إخراجهم له فيؤمنون به‪ ،‬فيكون إشاره إلى فتح مكة‪ ،‬أو يكون المستتر‬
‫راجعا " إلى الشاب‪ ،‬والبارز إلى الشجرة‪ ،‬أي سيرجع هذا الشاب إلى‬
‫الشجرة في اليقظة‪ ،‬كما تعلق بها في النوم‪ ،‬و على هذا يحتمل أن يكون‬
‫المراد بالذين تعلقوا بها أبا طالب وأضرابه ممن لم يذكروا قبل‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون المستتر راجعا " إلي النصيب‪ ،‬والبارز إلي الشجرة‪ ،‬إي يكون له‬
‫صلى ال عليه واله ثواب إسلمهم‪ ،‬ويحتمل أن يكون ستعود بصيغة‬
‫الخطاب‪ ،‬أي ستعود يا عبد المطلب إليه صلى ال عليه واله عند ولدته‪،‬‬
‫لكن ل تبلغ ول تدرك وقت نبوته‪ ،‬قوله‪ :‬لعلك تكون أنت‪ ،‬أي ذلك الشاب‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون الشاب أمير المؤمنين عليه السلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬في كمال الدين‪ :‬يتنبأ‪ ،‬وفيه‪ :‬فسرى‪ .‬وفيه‪ :‬يا ابا طالب‪ (2) .‬سرى عنه أو عن‬
‫قلبه‪ :‬كشف عنه الهم‪ (3) .‬كمال الدين‪ ،103 :‬المالى‪.158 :‬‬

‫] ‪[ 256‬‬

‫‪ - 8‬ك‪ ،‬لى‪ :‬القطان‪ ،‬عن ابن زكريا القطان‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫أبي صالح‪ ،‬عن أبيه‪ .‬عن ابن عباس قال‪ :‬سمعت أبي العباس يحدث قال‪:‬‬
‫ولد لبي عبد المطلب عبد ال‪ ،‬فرأينا في وجهه نورا " يزهر كنور‬
‫الشمس‪ ،‬فقال أبي‪ :‬إن لهذا الغلم شأنا " عظيما "‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت في منامي‬
‫أنه خرج من منخره طائر أبيض‪ ،‬فطار فبلغ المشرق والمغرب‪ ،‬ثم رجع‬
‫راجعا " حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها‪ ،‬فبينما الناس‬
‫يتأملونه إذ صار نورا " بين السماء والرض‪ ،‬وامتد حتى بلغ المشرق‬
‫والمغرب‪ ،‬فلما انتهبت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت‪ :‬يا عباس لئن‬
‫صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا "‬
‫له‪ ،‬قال أبي‪ :‬فهمني أمر عبد ال إلى أن تزوج بآمنة‪ ،‬وكانت من أجمل‬
‫نساء قريش وأتمها خلقا "‪ ،‬فلما مات عبد ال وولدت آمنة رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر‪ ،‬فحملته وتفرست‬
‫في وجهه فوجدت منه ريح المسك‪ ،‬وصرت كأني قطعة مسك من شدة‬
‫ريحي‪ ،‬فحدثتني آمنة وقالت لي‪ :‬إنه لما أخذني الطلق‪ ،‬واشتد بي المر‬
‫سمعت جلبة " وكلمل " ل يشبه كلم الدميين‪ ،‬ورأيت علما " من‬
‫سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والرض‪ ،‬ورأيت نورا‬
‫" يسطع من رأسه حتى بلغ السماء‪ ،‬ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة‬
‫نار نورا "‪ ،‬ورأيت حولي من القطاة أمرا " عظيما قد نشرت )‪ (1‬أجنحتها‬
‫حولي‪ ،‬ورأيت شعيرة السدية قد مرت وهى تقول‪ :‬آمنة ما لقيت الكهان‬
‫والصنام من ولدك ؟ ورأيت رجل " شابا من أتم الناس طول "‪ ،‬و أشدهم‬
‫بياضا "‪ ،‬وأحسنهم ثيابا " ما ظننته إل عبد المطلب قد دنا مني فأخذ‬
‫المولود فتفل في فيه‪ ،‬ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد‪ ،‬ومشط من‬
‫ذهب‪ ،‬فشق بطنه شقا "‪ ،‬ثم أخرج قلبه فشقه‪ ،‬فأخرج منه نكته سوداء‬
‫فرمى بها )‪ (1‬ثم‪ ،‬أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها‪ ،‬فإذا " فيها‬
‫كالذريرة البيضاء فحشاه‪ ،‬ثم رده إلى ما كان‪ ،‬ومسح على بطنه واستنطقه‬
‫فنطق‬

‫)‪ (1‬وقد نشرت خ ل وهو الموجود في المالى‪ (2) .‬الحديث كما ترى مروى من‬
‫طرق العامة‪ ،‬متضمن ما يخالف مذهب المامية‪ ،‬وهو شق القلب وإخراج‬
‫نكتة سوداء‪ ،‬وقد ورد ذلك في أخبارهم‪.‬‬

‫] ‪[ 257‬‬

‫فلم أفهم ما قال إل أنه قال‪ :‬في أمان ال وحفظه وكلئته‪ ،‬قد حشوت قلبك إيمانا "‬
‫وعلما " و حلما " ويقينا " وعقل " وشجاعة )‪ ،(1‬أنت خير البشر‪،‬‬
‫طوبى لمن اتبعك‪ ،‬وويل لمن تخلف عنك‪ ،‬ثم أخرج صرة اخرى من حريرة‬
‫بيضاء ففتحها فإذا " فيها خاتم فضرب على كتفيه )‪ ،(2‬ثم قال‪ :‬أمرني‬
‫ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه‪ ،‬وألبسه قميصا "‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫أمانك من آفات الدنيا‪ ،‬فهذا ما رأيت يا عباس بعيني‪ ،‬قال العباس‪ :‬وأنا‬
‫يومئذ أقرء )‪ (3‬فكشفت عن ثوبه فإذا " خاتم النبوة بين كتفيه‪ ،‬فلم أزل‬
‫أكتم شأنه وأنسيت )‪ (4‬الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلمي حتى ذكرني‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله )‪ .(5‬بيان‪ :‬الجلبة‪ :‬اختلط الصوات‪.‬‬
‫والسندس بالضم‪ :‬ما رق من الديباج و رفع )‪ - 9 .(6‬لى‪ :‬ابن البرقي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫الصادق صلى ال عليه واله قال‪ :‬كان إبليس لعنه ال يخترق السماوات‬
‫السبع‪ ،‬فلما ولد عيسى عليه السلم حجب عن ثلث سماوات‪ ،‬وكان‬
‫يخترق أربع سماوات‪ ،‬فلما ولد رسول ال صلى ال عليه واله حجب عن‬
‫السبع كلها‪ ،‬ورميت الشياطين بالنجوم‪ ،‬وقالت قريش‪ :‬هذا قيام الساعة‬
‫الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه‪ ،‬وقال عمرو بن امية‪ :‬وكان من أزجر‬
‫أهل الجاهلية‪ :‬انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها‪ ،‬ويعرف بها أزمان‬
‫الشتاء والصيف‪ ،‬فإن كان رمي بها فهو هلك كل شئ‪ ،‬وإن كانت ثبتت‬
‫ورمي بغيرها فهو أمر حدث‪ ،‬وأصبحت الصنام كلها صبيحة ولد النبي‬
‫صلى ال عليه واله ليس منها صنم إل وهو منكب على وجهه‪ ،‬وارتجس‬
‫في تلك الليلة أيوان كسرى‪ ،‬وسقطت منه أربعة عشر شرفة‪ ،‬وغاضت‬
‫بحيرة ساوة‪ ،‬وفاض وادي السماوة‪،‬‬

‫)‪ (1‬في كمال الدين‪ :‬وحكما‪ ،‬مكان وعقل‪ (2) .‬بين كتفيه خ ل وفي المصدر‪:‬‬
‫فضرب به على كتفيه‪ (3) .‬وعمى العباس في أواخر عمره‪ (4) .‬في كمال‬
‫الدين‪ :‬نسيت‪ .‬قلت‪ :‬حديث النسيان ل يخلو عن غرابة‪ (5) .‬كمال الدين‪:‬‬
‫‪ 104‬و ‪ ،105‬المالى‪ 158 :‬و ‪ (6) .159‬رفع الثوب‪ :‬خلف غلظ‪.‬‬

‫] ‪[ 258‬‬

‫وخمدت نيران فارس‪ ،‬ولم تخمد قبل ذلك بألف عام‪ ،‬ورأى المؤبذان في تلك الليلة‬
‫في المنام إبل " صعابا " تقود خيل " عرابا " )‪ ،(1‬قد قطعت دجلة‪،‬‬
‫وانسربت في بلدهم‪ ،‬وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه‪ ،‬وانخرقت‬
‫عليه دجلة العوراء‪ ،‬وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار‬
‫حتى بلغ المشرق‪ ،‬ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إل أصبح منكوسا‬
‫"‪ ،‬والملك مخرسا " ل يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة‪ ،‬وبطل سحر‬
‫السحرة‪ ،‬ولم تبق كاهنة في العرب إل حجبت عن صاحبها‪ ،‬وعظمت قريش‬
‫في العرب‪ ،‬وسموا آل ال عزوجل‪ .‬قال أبو عبد ال الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫إنما سموا آل ال لنهم في بيت ال الحرام‪ ،‬وقالت آمنة‪ :‬إن إبني وال‬
‫سقط فاتقى الرض بيده‪ ،‬ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها‪ ،‬ثم خرج‬
‫مني نور أضاء له كل شئ‪ ،‬وسمعت في الضوء قائل " يقول‪ :‬إنك قد ولدت‬
‫سيد الناس فسميه محمدا "‪ ،‬وأتي به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما‬
‫قالت امه‪ ،‬فأخذه فوضعه في حجره ثم قال‪ :‬الحمد ل الذي أعطاني‪ ،‬هذا‬
‫الغلم الطيب الردان‪ ،‬قد ساد في المهد على الغلمان‪ .‬ثم عوذه بأركان‬
‫الكعبة‪ ،‬وقال فيه أشعارا "‪ ،‬قال‪ :‬وصاح إبليس لعنه ال في أبالسته‬
‫فاجتمعوا إليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم‪ :‬ويلكم لقد‬
‫أنكرت السماء والرض منذ الليلة‪ ،‬لقد حدث في الرض حدث عظيم ما‬
‫حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلم‪ ،‬فاخرجوا وانظروا ما هذا‬
‫الحدث الذي قد حدث‪ ،‬فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا‪ :‬ما وجدنا شيئا "‪،‬‬
‫فقال إبليس لعنه ال‪ :‬أنا لهذا المر‪ ،‬ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى‬
‫إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملئكة‪ ،‬فذهب ليدخل فصاحوا به‪ ،‬فرجع‬
‫ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى )‪ ،(2‬فقال له‬
‫جبرئيل‪ :‬وراك لعنك ال‪ ،‬فقال له‪ :‬حرف أسألك عنه يا جبرئيل‪ ،‬ما هذا‬
‫الحدث الذي حدث منذ الليلة في الرض ؟‬
‫)‪ (1‬خيل عراب‪ :‬كرائم سالمه من الهجنة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬حراء‪ ،‬وهو بالكسر‬
‫والمد وهو الصح من القصر‪.‬‬

‫] ‪[ 259‬‬

‫فقال له‪ :‬ولد محمد صلى ال عليه واله‪ ،‬فقال له‪ :‬هل لي فيه نصيب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ففي امته ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬رضيت )‪ .(1‬توضيح‪ :‬الزجر بالفتح‪ :‬العيافة‬
‫وهو نوع من التكهن‪ ،‬تقول‪ :‬زجرت أنه يكون كذا‪ .‬والرتجاس‪ :‬الضطراب‬
‫والتزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد‪ .‬وغاض الماء بالغين والضاد‬
‫المعجمتين‪ ،‬أي قل ونضب‪ ،‬قال الجزري‪ :‬ومنه حديث سطيح وغاضت‬
‫بحيرة ساوة‪ ،‬أي غار ماءها وذهب‪ .‬والسماوة بالفتح‪ :‬موضع بين الكوفة‬
‫والشام‪ ،‬وقال الخليل في العين‪ :‬هي فلة بالبادية تتصل بالشام‪ .‬والمؤبذان‬
‫بضم الميم وفتح الباء‪ :‬فقيه الفرس وحاكم المجوس كالمؤبذ ذكره الفيروز‬
‫آبادى‪ .‬وقال الجزرى‪ :‬في حديث سطيح فأرسل كسرى إلى المؤبذان‪،‬‬
‫المؤبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلين‪ ،‬والمؤبذ كالقاضي‪ .‬وانسرب‬
‫الثعلب في حجره أي دخل‪ .‬قوله عليه السلم‪ :‬وانخرقت عليه دجلة العوراء‬
‫يظهر مما سيأتي أن كسرى كان سكر )‪ (2‬بعض الدجلة وبنى عليها بناء‪،‬‬
‫فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء )‪ (3‬لنه عور وطم )‪ (4‬بعضها‬
‫فانخرقت عليه‪ ،‬وانهدم بنيانه‪ ،‬ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة‬
‫من إضافة الموصوف إلى الصفة‪ ،‬أي العميقة‪ .‬والردان جمع الردن‬
‫بالضم‪ ،‬وهو أصل الكم‪ ،‬ولعله إنما خصها بالطيب لن الرائحة الخبيثة‬
‫غالبا " تكون فيها لمجاورتها للباط‪ ،‬قال الشاعر‪ :‬وعمرة من سروات‬
‫النساء * تنفح بالمسك أردانها قوله‪ :‬ثم عوذه بأركان الكعبة‪ ،‬أي مسحه‬
‫بها‪ ،‬أو دعا له عندها‪ ،‬أو كتب أسمائها وعلقه عليه صلى ال عليه واله‬
‫وسلم‪ .‬قال الفيروز آبادى‪ :‬الصر‪ :‬طائر كالعصفور أصفر‪ ،‬وقال الجزرى‪:‬‬
‫هو عصفور‬

‫)‪ (1‬المالى‪ 171 :‬و ‪ (2) .172‬سكر النهر‪ :‬جعل له سدا‪ (3) .‬في معجم البلدان ‪:4‬‬
‫‪ :167‬دجلة العوراء‪ :‬دجلة البصرة‪ (4) .‬عارت عين الماء‪ :‬دفنت‬
‫فانسدت عيونها‪ ،‬والطم بمعناه‪.‬‬

‫] ‪[ 260‬‬

‫أو طائر في قده‪ ،‬أصفر اللون‪ ،‬وفي بعض النسخ والعصفور‪ ،‬وقال الفيروز آبادى‪:‬‬
‫حرى كعلى‪ :‬جبل بمكة‪ ،‬معروف فيه الغار‪ ،‬وقال الجوهرى وغيره‪ :‬إنه‬
‫بالكسر والمد‪ - 10 .‬ما‪ :‬الجعابي )‪ ،(1‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن أحمد بن يوسف‬
‫الجعفي‪ ،‬عن محمد بن حسان‪ ،‬عن حفص بن راشد الهللي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عباد‪ ،‬عن سريع )‪ (2‬البارقي قال‪ :‬سمعت جعفر بن محمد عليهما السلم‬
‫يقول‪ :‬لما ولد النبي عليه السلم ولد ليل " فأتى رجل من أهل الكتاب إلى‬
‫المل من قريش وهم مجتمعون‪ :‬هشام بن المغيرة‪ ،‬والوليد بن المغيرة‪ ،‬و‬
‫عتبة‪ ،‬وشيبة‪ ،‬فقال‪ :‬أولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا‪ :‬ل وما ذاك‪ ،‬قال‪ :‬لقد‬
‫ولد فيكم الليلة أو بفلسطين مولود اسمه أحمد‪ ،‬به شامة‪ ،‬يكون هلك أهل‬
‫الكتاب على يديه‪ ،‬فسألوا فأخبروا فطلبوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬لقد ولد فينا غلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قبل أن انبئكم أو بعد ؟ قالوا‪ :‬قبل‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقوا معي أنظر إليه‪ ،‬فأتوا امه‬
‫وهو معهم فأخبرتهم كيف سقط‪ ،‬و ما رأت من النور‪ ،‬قال اليهودي‪:‬‬
‫فاخرجيه‪ ،‬فنظر إليه‪ ،‬ونظر إلى الشامة فخر مغشيا " عليه‪ ،‬فأدخلته امه‪،‬‬
‫فلما أفاق قالوا له‪ :‬ويلك مالك ؟ قال‪ :‬ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬هذا وال مبيرهم‪ ،‬ففرحت قريش بذلك‪ ،‬فلما راى فرحهم قال‪ :‬وال‬
‫ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل الشرق وأهل الغرب )‪ .(3‬بيان‪:‬‬
‫فلسطين بكسر الفاء وفتح اللم‪ :‬الكورة المعروفة ما بين الردن وديار‬
‫مصر‪ ،‬وام بلدها بيت المقدس‪ ،‬ولعل ترديده لنه راى علمة ولدة نبي‬
‫فشك أنه خاتم النبياء فيكون مولده بمكة أو غيره‪ ،‬فيكون في بيت‬
‫المقدس‪ ،‬أو لم يكن يتبين له أن مولد خاتم النبياء مكة‪ ،‬أو فلسطين‪،‬‬
‫والسطو‪ :‬القهر والبطش‪ ،‬يقال‪ :‬سطا به وعليه‪ - 11 .‬ج‪ :‬عن موسى بن‬
‫جعفر عليها السلم في خبر اليهودي الذى سأل أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫عن معجزات الرسول عليه السلم قال‪ :‬فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون‬
‫أنه تكلم في المهد‬

‫)‪ (1‬فيه وهم فان الشيخ الطوسى ل يروى عن الجعابى بغير واسطة‪ ،‬بل يروى عنه‬
‫بواسطة المفيد فالصحيح كما في المصدر‪ :‬محمد بن محمد عن الجعابى‪.‬‬
‫)‪ (2‬في المصدر‪ :‬محمد بن عباد بن سريع البارقى‪ ،‬وهو الصحيح‪،‬‬
‫والرجل مذكور في رجال الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلم‪(2) .‬‬
‫المالى‪.90 :‬‬

‫] ‪[ 261‬‬

‫صبيا "‪ ،‬قال له علي عليه السلم‪ :‬لقد كان كذلك‪ ،‬ومحمد صلى ال عليه واله سقط‬
‫من بطن امه واضعا " يده اليسرى على الرض‪ ،‬ورافعا " يده اليمنى إلى‬
‫السماء‪ ،‬ويحرك شفتيه بالتوحيد‪ ،‬وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه‬
‫قصور بصرى من الشام وما يليها‪ ،‬والقصور الحمر من أرض اليمن وما‬
‫يليها‪ ،‬والقصور البيض من إصطخر وما يليها‪ ،‬ولقد أضائت الدنيا ليلة ولد‬
‫النبي صلى ال عليه واله حتى فزعت الجن والنس والشياطين وقالوا‪:‬‬
‫يحدث )‪ (1‬في الرض حدث‪ ،‬ولقد رأت الملئكة ليلة ولد تصعد وتنزل‪،‬‬
‫وتسبح وتقدس‪ ،‬وتضطرب النجوم وتتساقط النجوم علمات لميلده‪ ،‬ولقد‬
‫هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من العاجيب في تلك الليلة‪ ،‬وكان‬
‫له مقعد في السماء الثالثة‪ ،‬والشياطين يسترقون السمع‪ ،‬فلما رأوا‬
‫العاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع‪ ،‬فإذاهم قد حجبوا من السماوات كلها‪،‬‬
‫ورموا بالشهب دللة لنبوته صلى ال عليه واله )‪ .(2‬بيان‪ :‬بصرى‪ :‬بلد‬
‫بالشام‪ ،‬وإصطخر بالفارس معروف‪ ،‬قوله عليه السلم‪ :‬ولقد رأت‬
‫الملئكة‪ ،‬أي الشياطين رأوهم‪ - 12 .‬لى‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن زياد بن المنذر‪ ،‬عن ليث بن سعد قال‪ :‬قلت لكعب‬
‫وهو عند معاوية‪ :‬كيف تجدون صفة مولد النبي صلى ال عليه واله ؟‬
‫وهل تجدون لعترته فضل " ؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه‪،‬‬
‫فأجرى ال عزوجل على لسانه فقال‪ :‬هات يا أبا إسحاق رحمك ال ما‬
‫عندك‪ ،‬فقال كعب‪ :‬إني قد قرأت اثنين وسبعين كتابا " كلها انزلت من‬
‫السماء‪ ،‬وقرأت صحف دانيال كلها‪ ،‬ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد‬
‫عترته‪ ،‬وإن اسمه لمعروف وإنه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملئكة ما‬
‫خل عيسى وأحمد صلوات ال عليهما‪ ،‬وما ضرب على آدمية حجب الجنة‬
‫غير مريم وآمنة ام أحمد صلى ال عليه واله‪ ،‬وما وكلت الملئكة بانثى‬
‫حملت غير مريم ام المسيح عليه السلم وآمنة ام أحمد صلى ال عليه‬
‫واله‪ ،‬وكان من علمة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به صلى‬
‫ال عليه واله‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬حدث‪ (2) .‬الحتجاج‪ 118 :‬و ‪ .119‬والحديث طويل أخرجه‬
‫المصنف في كتاب الحتجاجات‪ ،‬راجع ج‪.49 - 28 :10 :‬‬

‫] ‪[ 262‬‬

‫نادى مناد في السماوات السبع‪ :‬أبشروا‪ ،‬فقد حمل الليلة بأحمد‪ ،‬وفي الرضين كذلك‬
‫حتى في البحور‪ ،‬وما بقي يومئذ في الرض دابة تدب ول طائر يطير إل‬
‫علم بمولده‪ ،‬ولقد بني في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت‬
‫أحمر‪ ،‬وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب‪ ،‬فقيل‪ :‬هذه قصور الولدة‪،‬‬
‫ونجدت )‪ (1‬الجنان‪ ،‬وقيل لها‪ :‬اهتزي وتزيني‪ ،‬فإن نبي أوليائك قد ولد‪،‬‬
‫فضحكت الجنه يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة‪ ،‬وبلغني أن حوتا " )‬
‫‪ (2‬من حيتان البحر يقال له‪ :‬طموسا وهو سيد الحيتان له سبعمأة ألف‬
‫ذنب‪ ،‬يمشي على ظهره سبعمأة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا‪ ،‬لكل‬
‫ثور سبعمأة ألف قرن من زمرد أخضر‪ ،‬ل يشعر بهن‪ ،‬اضطرب فرحا "‬
‫بمولده‪ ،‬ولو ل أن ال تبارك وتعالى ثبته لجعل عاليها سافلها‪ ،‬ولقد بلغني‬
‫أن يومئذ ما بقي جبل إل نادى صاحبه بالبشارة‪ ،‬ويقول‪ :‬ل إله إل ال‪،‬‬
‫ولقد خضعت الجبال كلها لبي قبيس كرامة لمحمد صلى ال عليه واله‪،‬‬
‫ولقد قدست الشجار أربعين يوما " بأنواع أفنانها وثمارها فرحا " بمولده‬
‫صلى ال عليه واله‪ ،‬ولقد ضرب بين السماء والرض سبعون عمودا "‬
‫من أنواع النوار ل يشبه كل واحد صاحبه‪ ،‬وقد بشر آدم عليه السلم‬
‫بمولده فزيد في حسنه سبعين صنفا " )‪ ،(3‬وكان قد وجد مرارة الموت و‬
‫كان قد مسه ذلك فسري عنه ذلك‪ ،‬ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة‬
‫واهتز فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا " لمولد‬
‫محمد صلى ال عليه واله‪ ،‬ولقد زم إبليس وكبل والقي في الحصن أربعين‬
‫يوما "‪ ،‬وغرق عرشه أربعين يوما "‪ ،‬ولقد تنكست الصنام كلها وصاحت‬
‫وولولت‪ ،‬ولقد سمعوا صوتا " من الكعبة‪ :‬يا آل قريش قد جاءكم البشير‪،‬‬
‫جاءكم النذير‪ ،‬معه العز البد‪ ،‬والربح الكبر‪ ،‬وهو خاتم النبياء‪ ،‬ونجد في‬
‫الكتب أن عترته خير الناس بعده‪ ،‬وأنه ل يزال الناس في أمان من العذاب‬
‫مادام من عتره في دار الدنيا‬

‫)‪ (1‬أي زينت‪ (2) .‬هذا من أعاجيب قصص كعب الحبار وهو من رواة العامة‪،‬‬
‫يقول ذلك ول يشعر بان ذلك الحوت الذى على ظهره سبعمائة ألف ثور‬
‫الواحد منها أكبر من الدنيا يحتاج إلى مكان يكون أوسع من الدنيا‬
‫بأضعاف كثيرة‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون في بحر من الدنيا ؟ ! ان قلت‪ :‬إن‬
‫مراده أنه في بحر من الجنة‪ ،‬قلت‪ :‬فما معنى لقوله‪ :‬جعل عاليها سافلها ؟‬
‫!‪ (3) .‬ضعفا خ ل وهو الموجود في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 263‬‬

‫خلق يمشي‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬يا أبا إسحاق ومن عترته ؟ قال كعب‪ :‬ولد فاطمة‪ ،‬فعبس‬
‫وجهه‪ ،‬وعض على شفييه‪ ،‬وأخذ يعبث بلحيته‪ ،‬فقال كعب‪ :‬وإنا نجد صفة‬
‫الفرخين المستشهدين‪ ،‬وهما فرخا فاطمة عليها السلم‪ ،‬يقتلهما شر‬
‫البرية‪ ،‬قال‪ :‬فمن يقتلهما ؟ قال‪ :‬رجل من قريش‪ ،‬فقام معاوية وقال‪ :‬قوموا‬
‫إن شئتم فقمنا )‪ .(1‬بيان‪ :‬التنجيد‪ :‬التزيين‪ ،‬الفنان‪ :‬الغصان‪ ،‬وسري‬
‫عنه الهم بالتشديد على بناء المفعول أي انكشف‪ ،‬والزم‪ :‬الشد‪ ،‬والكبل‪:‬‬
‫القيد الضخم‪ ،‬يقال‪ :‬كبلت السير وكبلته‪ - 13 .‬مع‪ :‬الدقاق‪ ،‬عن الكليني‪،‬‬
‫عن الحسن بن محمد‪ ،‬عن محمد بن يحيى الفارسي عن أبي حنيفة محمد‬
‫بن يحيى‪ ،‬عن الوليد بن أبان‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن مسكان‪ ،‬عن أبيه‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن فاطمة بنت أسد رحمها ال جاءت‬
‫إلى أبي طالب رحمه ال تبشره )‪ (2‬بمولد النبي صلى ال عليه واله فقال‬
‫لها أبو طالب‪ :‬اصبري لي سبتا " آتيك بمثله إل النبوة‪ ،‬وقال‪ :‬السبت‪:‬‬
‫ثلثون سنة‪ ،‬وكان بين رسول ال صلى ال عليه واله وأمير المؤمنين‬
‫عليه السلم ثلثون سنة )‪ .(3‬بيان‪ :‬قال الجوهري والفيروز آبادي‪:‬‬
‫السبت‪ :‬الدهر‪ - 14 .‬ك‪ :‬أحمد بن محمد بن رزمة‪ ،‬عن الحسن بن علي بن‬
‫نصر‪ ،‬عن علي بن حرب الموصلي‪ ،‬عن يعلى بن عمران‪ ،‬عن ولد جرير )‬
‫‪ (4‬بن عبد ال‪ ،‬عن مخزوم بن هاني‪ ،‬عن أبيه وأتت له مأة وخمسون‬
‫سنة‪ ،‬قال‪ :‬لما كانت ليلة ولد )‪ (5‬فيها رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫ارتجس إيوان كسرى‪ ،‬وسقطت منه أربعة عشر شرفة‪ ،‬وغاضت بحيرة‬
‫ساوة‪ ،‬وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة‪ ،‬ورأى المؤبذان إبل‬
‫صعابا " تقود خيل " عرابا " قد قطعت دجلة )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬المالى‪ 357 :‬و ‪ (2) .356‬مبشرة خ ل‪ (3) .‬معاني الخبار‪ (4) .114 :‬في‬
‫المصدر‪ :‬من ولد جرير‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬الليلة التى ولد‪ (6) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬الدجلة‪.‬‬

‫] ‪[ 264‬‬

‫وانتشرت في بلدها‪ ،‬فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصير عليها )‪ (1‬تشجعا "‪،‬‬
‫ثم رأى أن ل يسر ذلك عن وزرائه فلبس تاجه‪ ،‬وجلس على سريره‪،‬‬
‫وجمعهم فأخبرهم بما رأى‪ ،‬فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار‬
‫)‪ (2‬فازداد غما " إلى غمه‪ ،‬فقال المؤبذان‪ :‬وأنا أصلح ال الملك قد رأيت‬
‫في هذه الليلة‪ ،‬ثم قص عليه رؤياه في البل والخيل‪ ،‬فقال‪ :‬أي شئ يكون‬
‫هذا يا مؤبذان ؟ وكان أعلمهم في أنفسهم‪ ،‬فقال‪ :‬حادث يكون في ناحية‬
‫المغرب‪ ،‬فكتب عند ذلك‪ :‬من كسرى الملك )‪ (3‬إلى النعمان بن المنذر‪ ،‬أما‬
‫بعد فتوجه )‪ (4‬إلي برجل عالم بما اريد أن أسأله عنه‪ ،‬فوجه إليه بعبد‬
‫المسيح بن عمرو بن حيان بن تغلبة )‪ (5‬الغساني‪ ،‬فلما قدم عليه قال‪:‬‬
‫عندك )‪ (6‬علم ما اريد أن أسألك عنه ؟ قال‪ :‬ليسئلني الملك ويخبرني )‪،(7‬‬
‫فإن كان عندي علم منه وإل أخبرته من يعلمه )‪ ،(8‬فأخبره بما رأى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف )‪ (9‬الشارم يقال له‪ :‬سطيح‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأته فاسئله وأخبرني بما يرد عليك‪ ،‬فخرج عبدالمسيح حتى ورد على‬
‫سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه‪ ،‬فلم يرد عليه سطيح‬
‫جوابا "‪ ،‬فأنشأ عبدالمسيح يقول‪ :‬أصم أم يسمع غطريف )‪ (10‬اليمن * أم‬
‫فاز )‪ (11‬فازلم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن * وكاشف‬
‫الكربة في الوجه الغضن‬

‫)‪ (1‬هكذا في النسخة‪ ،‬والصحيح‪ :‬فتصبر عليها‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬فنصبر عليها وهو‬
‫مصحف‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬نار فارس‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ملك الملوك‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬فوجه‪ (5) .‬نفيلة خ ل وهو الموجود في المصدر‪(6) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬أعندك‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬أو ليخبرني‪ (8) .‬بمن يعلمه خ ل‬
‫وهو الموجود في المصدر‪ (9) .‬بمشارق خ ل‪ (10) .‬الغطريف‪ :‬السيد‬
‫الحسن‪ .‬السرى‪ (11) .‬فاد خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 265‬‬

‫أتاك شيخ الحي من آل سنن )‪ * (1‬وامه من آل ذئب بن حجن أزرق )‪ (2‬ضخم‬


‫الناب صرار الذن * أبيض فضفاض الرداء والبدن رسول قيل العجم‬
‫كسرى للوسن * ل يرهب الرعد ول ريب الزمن تجوب في )‪ (3‬الرض‬
‫علنداة شجن * ترفعني طورا " وتهوي بي دجن حتى أتى عاري الجآجئ‬
‫والقطن * تلفه في الريح بوغاء الدمن فلما سمع سطيح شعره فتح عينيه‬
‫فقال‪ :‬عبدالمسيح على‪ ،‬جميل يسيح‪ ،‬إلى سطيح‪ ،‬وقد أوفى على الضريح‬
‫)‪ ،(4‬بعثك ملك بني ساسان‪ ،‬لرتجاس اليوان )‪ ،(5‬وخمود النيران‪،‬‬
‫ورؤيا المؤبذان‪ ،‬رأى إبل صعابا "‪ ،‬تقود خيل عرابا "‪ ،‬قد قطعت دجلة‪،‬‬
‫وانتشرت في بلدها‪ ،‬وغاض بحيرة ساوة‪ ،‬فقل يا عبدالمسيح‪ :‬إذا كثرت‬
‫التلوة‪ ،‬وبعث صاحب الهراوة‪ ،‬وفاض وادي السماوة‪ ،‬وغاضت بحيرة‬
‫ساوة‪ ،‬فليس الشام لسطيح شاما "‪ ،‬يملك منهم ملوك وملكات‪ ،‬على عدد‬
‫الشرفات‪ ،‬وكل ما هو آت آت‪ ،‬ثم قضى سطيح مكانه‪ ،‬فنهض عبدالمسيح‬
‫إلى رحله وهو يقول‪ :‬شمر فإنك ماضي العزم شمير * ل يفزعنك تفريق‬
‫وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * فإن ذا الدهر أطوار دهارير‬
‫وربما كان قد أصخو )‪ (6‬بمنزلة * تهاب صولهم )‪ (7‬السد المهاصير‬
‫فيهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وسابور وسابور والناس‬
‫أولد علت فمن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور وهم بنو الم إما )‬
‫‪ (8‬إن رأوا نشبا " * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور‬

‫)‪ (1‬في تاريخ اليعقوبي‪ :‬من آل يزن‪ .‬وفي المصدر‪ :‬من آل ستن‪ (2) .‬في المصدر‪:‬‬
‫أورق‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬تجوب في الرض‪ (4) .‬في تاريخ اليعقوبي‪:‬‬
‫على جمل مشيح‪ ،‬نحو سطيح‪ ،‬حين أشفى على الضريح‪ (5) .‬في تاريخ‬
‫اليعقوبي‪ :‬لهدم اليوان‪ (6) .‬هكذا في النسخة والمصدر‪ .‬ولعله مصحف‬
‫أضحوا‪ ،‬كما في نسختنا المخطوطة من المصدر‪ (7) .‬في المصدر‪:‬‬
‫صولتهم‪ (8) .‬لما خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 266‬‬
‫والخير والشر مقرونان في قرن * والخير متبع والشر محذور قال‪ :‬فلما قدم على‬
‫كسرى أخبره بما قال سطيح‪ ،‬فقال‪ :‬إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا " قد‬
‫كانت امور‪ ،‬قال‪ :‬فملك منهم عشرة في أربع سنين‪ ،‬وملك الباقون إلى‬
‫أمارة عثمان‪ ،‬وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس‪،‬‬
‫وذلك أكثر من ثلثين قرنا "‪ ،‬وكان مسكنه بالبحرين‪ ،‬فتزعم عبد القيس‬
‫أنه منهم‪ ،‬وتزعم الزد أنه منهم‪ ،‬وأكثر المحدثين قالوا‪ :‬إنه من الزد‪ ،‬ول‬
‫يدرى ممن هو غير أن عقبه يقولون‪ :‬نحن من الزد )‪ .(1‬ايضاح‪ :‬قال في‬
‫النهاية‪ :‬المشارف‪ :‬القرى التي تقرب من المدن‪ ،‬وقيل‪ :‬القرى التي بين‬
‫بلد الريف وجزيرة العرب‪ ،‬قيل لها ذلك لنها أشرفت على السواد‪.‬‬
‫والغطريف بالكسر‪ :‬السيد‪ ،‬وقال الجزري‪ :‬فاز يفوز فوزا "‪ :‬مات‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫يردى بالدال بمعناه‪ ،‬وقال‪ :‬ازلم أي ذهب مسرعا "‪ ،‬وأصله ازلم فحذفت‬
‫الهمزة تخفيفا "‪ ،‬والشأو‪ :‬السبق والغاية‪ ،‬والعنن‪ :‬اعتراض‪ ،‬وشأو‬
‫العنن‪ :‬اعتراض الموت وسبقه‪ ،‬وقيل‪ :‬ازلم‪ :‬قبض‪ ،‬والعنن‪ :‬الموت‪ ،‬أي‬
‫عرض له الموت فقبضه‪ ،‬قوله‪ :‬يا فاصل الخطة‪ ،‬الفاصل‪ :‬المبين‪ .‬الحاكم‪.‬‬
‫والخطة بضم الخاء‪ ،‬وتشديد الطآء‪ :‬الخطب‪ ،‬والمر‪ ،‬والحال‪ ،‬اي يا من‬
‫يبين ويظهر امورا " أعيت وأعجزت‪ ،‬من ومن‪ ،‬أي جماعة كثيرة‪ ،‬قال في‬
‫الفائق‪ :‬أراد أن تلك الخطة لصعوبتها أعجزت من الحكماء والبصراء من‬
‫جل قدره‪ ،‬فحذفت الصلة‪ ،‬كما حذفت في قولهم‪ :‬بعد اللتيا والتي‪ ،‬إيذانا "‬
‫بأن ذلك مما تقصر العبارة عنه لعظمه‪ .‬وقال الجزري‪ :‬الوجه الغضن هو‬
‫الوجه الذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم والكرب الذي نزل به‪،‬‬
‫والزرق‪ :‬صفة البعير ولونه‪ ،‬وفي بعض الكتب أورق‪ ،‬وهو أيضا " لون‪،‬‬
‫وفي بعضها‪ :‬أصك أي الذي يصطك قدماه‪ .‬قوله‪ :‬ضخم الناب‪ :‬في بعض‬
‫الروايات‪ :‬مهم الناب‪ ،‬قيل‪ :‬أي تام السن‪ ،‬و قال الجزري‪ :‬في حديث سطيح‬
‫أزرق مهم الناب‪ ،‬صرار الذن‪ ،‬أي حديد الناب‪ ،‬قال الزهري‪ :‬هكذا روي‪،‬‬
‫وأظنه مهو الناب بالواو‪ ،‬يقال‪ :‬سيف مهو‪ ،‬أي حديد ماض‪،‬‬

‫)‪ (1‬كمال الدين‪ 112 :‬و ‪ .113‬وأخرج اليعقوبي مثله مختصرا في التاريخ ‪ 4 :2‬و‬
‫‪5‬‬

‫] ‪[ 267‬‬

‫وأورده الزمخشري ممهي الناب‪ ،‬وقال‪ :‬الممهي‪ :‬المحدد‪ ،‬من أمهيت الحديدة إذا‬
‫حددتها‪ ،‬شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه‪ ،‬وسرعة سيره‪ ،‬وقال‪ :‬صر أذنه‬
‫وصررها‪ :‬سواها‪ ،‬ونصبها‪ ،‬والصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في‬
‫سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب فإنه فيها بعد قوله‪ :‬والقطن‪.‬‬
‫والفضفاض‪ :‬الواسع‪ ،‬والبدن‪ :‬الدرع‪ ،‬قال الجزري‪ :‬يريد به كثرة العطاء‪،‬‬
‫وقال غيره‪ :‬كناية عن سعة الصدر‪ ،‬والقيل بالفتح‪ :‬الملك قوله‪ :‬للوسن‪،‬‬
‫أي لشأن الرؤيا التى رآها الملك‪ ،‬وفي بعض النسخ )يسري( بدل )كسرى(‬
‫أي يجري‪ ،‬ل يرهب الرعد‪ ،‬في بعض الروايات ل يرهب الدهر‪ ،‬وتجوب‬
‫أي تقطع‪ ،‬والعلنداة‪ :‬الناقة الصلبة القوية‪ ،‬والشجن بالتحريك‪ :‬الناقة‬
‫المتداخلة الخلق‪ ،‬كأنها شجرة متشجنة‪ :‬أي متصلة الغصان‪ ،‬وفي بعض‬
‫الروايات‪ :‬شزن‪ ،‬أي تمشي من نشاطها على جانب‪ ،‬وشزن فلن‪ :‬إذ نشط‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الشزن‪ :‬الذي أعيى من الجفاء‪ ،‬وقيل‪ :‬الغليظ المرتفع‪ ،‬كأنه مصدر‪،‬‬
‫أي ذات شجن‪ ،‬ويقال‪ :‬بات فلن على شزن‪ ،‬أي على قلق يتقلب من جنب‬
‫إلى جنب‪ ،‬وأشزان الخيل‪ :‬ضروب نشاطها‪ .‬قوله‪ :‬ترفعني طورا "‪ ،‬في‬
‫الفائق والنهاية وغيرهما‪ :‬ترفعني وجنا "‪ ،‬وتهوي بي وجن‪ .‬وفي بعض‬
‫الكتب‪ :‬وجنآء تهوي من وجن‪ ،‬والوجن والوجن جمع الوجين وهو الرض‬
‫الغليظة‪ ،‬والوجناء‪ :‬الناقة الشديدة‪ ،‬أي لم تزل الناقة التي هذه صفتها‬
‫ترفعني مرة في الرض بهذه الصفة‪ ،‬وتخفضني أخرى‪ ،‬وفي أكثر نسخ‬
‫الكتاب‪ :‬دجن بالدال المهملة‪ .‬والدجنة‪ :‬الظلمة‪ ،‬ولعله تصحيف‪ .‬والجآجي‬
‫جمع الجؤجؤ‪ ،‬وهو الصدر‪ ،‬والقطن بالتحريك‪ :‬ما بين الوركين‪ ،‬يعني أن‬
‫السير قد هزلها‪ ،‬وذهب بلحمها‪ ،‬وفي بعض الروايات عالي الجآجي‪ ،‬وهو‬
‫قريب من العاري‪ ،‬لن العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعا " عاليا "‪،‬‬
‫والبوغآء‪ :‬التراب الناعم‪ ،‬والدمن بكسر الدال وفتح الميم‪ :‬ما تجمع وتلبد‬
‫منه‪ ،‬قال الجزري‪ :‬كأنه من المقلوب‪ ،‬تقديره تلفه الريح في بوغآء الدمن‪،‬‬
‫وتشهد له الرواية الخرى‪:‬‬

‫] ‪[ 268‬‬

‫تلفه الريح ببوغاء الدمن‪ .‬وفي الفائق والنهاية وغيرها بعدها‪ :‬كأنما حثحث من‬
‫حضني تكن )‪ .(1‬حثحث‪ :‬أسرع وحث‪ ،‬والحضن‪ :‬الجانب‪ ،‬وتكن‪ :‬اسم جبل‬
‫حجازي‪ ،‬والمعنى أن من كثرة التراب والغبار الذي أصابه في سرعة سيره‬
‫كأنما أعجل من هذا الموضع الذى اجتمع فيه التراب الكثير‪ .‬قوله‪ :‬على‬
‫جمل يسيح‪ ،‬في سائر الكتب على جمل مشيح‪ ،‬جاء إلى سطيح‪ ،‬والمشيح‬
‫بضم الميم والحاء المهملة‪ :‬الجاد المسرع‪ ،‬وقد أوفى أي أشرف‪،‬‬
‫والضريح‪ :‬القبر‪ ،‬أي قرب أن يدخل القبر‪ .‬قوله‪ :‬إذا كثرت التلوة‪ ،‬أي‬
‫تلوة القرآن‪ ،‬والهراوة‪ :‬العصا‪ ،‬وصاحب الهراوة النبي صلى ال عليه‬
‫واله لنه كان يأخذ العنزة )‪ (2‬بيده ويصلي إليها‪ .‬قوله‪ :‬فليس الشام‬
‫لسطيح شاما "‪ ،‬أي لم يبق حينئذ سطيح‪ ،‬أو يتغير أحوال الشام‪ ،‬وفي‬
‫بعض الروايات بعد قوله على عدد الشرفات‪ :‬ثم تكون هنات وهنات‪ ،‬أي‬
‫شدائد وامور عظام‪ ،‬والشمير‪ :‬الشديد التشمير‪ .‬قوله‪ :‬تفريق وتغيير‪ ،‬في‬
‫بعض الروايات‪ :‬تشريد وتغرير‪ .‬قوله‪ :‬أفرطهم‪ ،‬على صيغة الماضي‪ ،‬أي‬
‫تركهم وزال عنهم‪ ،‬والطوار‪ :‬الحالت‪ .‬قوله‪ :‬دهارير‪ ،‬قال الجزري‪ :‬حكى‬
‫الهروي عن الزهرى أن الدهارير جمع الدهور‪ ،‬أراد أن الدهر ذو حالتين‪:‬‬
‫من بؤس ونعم‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬يقال‪ :‬دهر دهارير‪ ،‬أي شديد‪ ،‬كقولهم‪:‬‬
‫يوم أيوم‪ ،‬وقال الزمخشري‪ :‬الدهارير‪ :‬تصاريف الدهر ونوائبه‪ ،‬مشتق من‬
‫لفظ الدهر‪ ،‬ليس له واحد من لفظه‪ ،‬كعباديد‪ .‬والمهاصير‪ :‬جمع المهصار‪،‬‬
‫وهو الشديد الذى يفترس‪ .‬والصرح‪ :‬القصر‪ .‬قوله‪ :‬أولد علت‪ ،‬أي من‬
‫امهات شتى‪ ،‬كناية عن عدم اللفة والمحبة بينهم‪ .‬قوله‪ :‬أن قد أقل‪ ،‬أي‬
‫افتقر وقل ما في يده‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصرع موجود في المصدر ولكن فيه‪ :‬من حضنى حصن‪ (2) .‬العنزة‪ :‬شبيه‬
‫العكازة لها زج من أسفلها‪.‬‬

‫] ‪[ 269‬‬

‫قوله‪ :‬وهم بنو الم‪ ،‬أي يعطف بعضهم على بعض‪ ،‬كما هو شأن أولد ام واحدة‪.‬‬
‫والنشب بالتحريك‪ :‬المال والعقار‪ ،‬وكلمة إما زائدة‪ ،‬وفي بعض النسخ لما‪،‬‬
‫وهو أظهر‪ - 15 .‬ك‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫أبان بن عثمان يرفعه بإسناده قال‪ :‬لما بلغ عبد ال بن عبد المطلب زوجه‬
‫عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري‪ ،‬فلما تزوجها )‪ (1‬حملت برسول ال‬
‫صلى ال عليه واله‪ ،‬فروي عنها أنها قالت‪ :‬لما حملت برسول ال صلى‬
‫ال عليه واله لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل‬
‫الحمل‪ ،‬ورأيت في نومي كأن آتيا " أتاني وقال لي‪ :‬قد حملت بخير النام‪،‬‬
‫فلما حان وقت الولدة خف ذلك علي حتى وضعته صلى ال عليه واله‪،‬‬
‫وهو يتقي الرض بيديه )‪ ،(2‬وسمعت قائل " يقول‪ :‬وضعت خير البشر‪،‬‬
‫فعوذيه بالواحد الصمد‪ ،‬من شر كل باغ وحاسد‪ ،‬فولدت )‪ (3‬رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله عام الفيل لثنتى عشرة ليلة من شهر ربيع الول يوم‬
‫الثنين‪ ،‬فقالت آمنة‪ :‬لما سقط إلى الرض اتقى الرض بيديه وركبتيه‪،‬‬
‫ورفع رأسه إلى السماء‪ ،‬وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والرض‪،‬‬
‫ورميت الشياطين بالنجوم‪ ،‬وحجبوا عن السماء‪ ،‬ورأت قريش الشهب‬
‫والنجوم تسير في السماء‪ ،‬ففزعوا لذلك وقالوا‪ :‬هذا قيام الساعة‪،‬‬
‫واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك‪ ،‬وكان شيخا " كبيرا "‬
‫مجربا "‪ ،‬فقال‪ :‬انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى بها )‪ (4‬في البر‬
‫والبحر‪ ،‬فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة‪ ،‬وإن كانت هذه ثابتة فهو‬
‫لمر قد حدث‪ ،‬وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم‬
‫قد منعوا من السماء‪ ،‬ورموا بالشهب‪ ،‬فقال‪ :‬اطلبوا‪ ،‬فإن أمرا " قد حدث‪،‬‬
‫فجالوا في الدنيا ورجعوا فقالوا‪ :‬لم نر شيئا "‪ ،‬فقال‪ :‬أنا لهذا‪ ،‬فخرق ما‬
‫بين المشرق والمغرب فانتهى )‪ (5‬إلى الحرم‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فلما تزوج بها‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬بيده وركبتيه‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫فولد‪ .‬وفيه‪ :‬لثنتي عشر ليلة مضت‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬تهتدوا بها‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬فلما انتهى‪.‬‬

‫] ‪[ 270‬‬

‫فوجد الحرم محفوفا " بالملئكة‪ ،‬فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل فقال‪ :‬اخسأ يا‬
‫ملعون‪ ،‬فجاء من قبل حراء فصار مثل الصر قال‪ :‬يا جبرئيل ما هذا ؟ قال‪:‬‬
‫هذا نبي قد ولد وهو خير النبياء‪ ،‬قال‪ :‬هل لي فيه نصيب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ففي امته ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد رضيت‪ ،‬قال‪ :‬وكان بمكة يهودي‪ ،‬يقال له‪:‬‬
‫يوسف‪ ،‬فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك قال‪ :‬هذا نبي قد ولد في هذه‬
‫الليلة‪ ،‬وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر النبياء رجمت‬
‫الشياطين‪ ،‬وحجبوا عن السماء‪ ،‬فلما أصبح جاء إلى نادي )‪ (1‬قريش‬
‫وقال‪ :‬يا معشر قريش هل ولد فيكه الليلة مولود ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أخطأكم )‬
‫‪ (2‬والتوراة‪ ،‬ولد إذا " بفلسطين‪ ،‬وهو آخر النبياء وأفضلهم‪ ،‬فتفرق‬
‫القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل أهله بما قال اليهودي‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫لقد ولد لعبد ال بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة‪ ،‬فأخبروا بذلك يوسف‬
‫اليهودي‪ ،‬فقال‪ :‬قبل أن أسألكم أو بعده‪ ،‬فقالوا‪ :‬قبل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فأعرضوه‬
‫علي‪ ،‬فمشوا إلى باب آمنة )‪ (3‬فقالوا‪ :‬اخرجي ابنك ينظر إليه هذا‬
‫اليهودي‪ ،‬فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه‪ ،‬وكشف عن كتفيه‪ ،‬فرأى‬
‫شامة سوداء بين كتفيه‪ ،‬عليها شعرات‪ ،‬فلما نظر إليه وقع إلى الرض‬
‫مغشيا " عليه‪ ،‬فتعجبت منه قريش و ضحكوا )‪ ،(4‬فقال‪ :‬أتضحكون يا‬
‫معشر قريش‪ ،‬هذا نبي السيف ليبيرنكم )‪ ،(5‬وقد ذهبت النبوة من بني‬
‫إسرائيل إلى آخر البد‪ ،‬وتفرق الناس يتحدثون بما أخبر اليهودي‪ ،‬ونشأ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليوم كما ينشأ )‪ (6‬غيره في الجمعة‪،‬‬
‫وينشأ في الجمعة كما ينشأ )‪ (7‬غيره في الشهر )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬النادى‪ :‬المجلس‪ (2) .‬أخطأتم خ ل وهو الموجود في المصدر‪ .‬والمعنى أي‬
‫صرف عنكم هذا المولود العظيم إلى غيركم‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬إلى باب‬
‫بيت آمنة‪ (4) .‬في المصدر المطبوع‪ :‬وضحكوا عليه‪ ،‬وفي المخطوط‪:‬‬
‫وضحكوا منه‪ (5) .‬أي ليهلكنكم‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬ليبترنكم أي ليصيرنكم‬
‫أبترا‪ ،‬والبتر‪ :‬المقطوع‪ .‬من ل عقب له‪ 6) .‬و ‪ (7‬في المصدر‪ :‬ينشؤ‪،‬‬
‫وكلهما صحيح‪ (8) .‬كمال الدين‪ 113 :‬و ‪ ،114‬وأورد اليعقوبي‬
‫مختصره في تاريخه ‪.5 :2‬‬

‫] ‪[ 271‬‬
‫فس‪ :‬روي عن آمنة ام النبي صلى ال عليه واله أنها قالت‪ :‬لما حملت برسول ال‬
‫صلى ال عليه واله لم أشعر بالحمل‪ .‬وساق الحديث إلى آخره بأدنى تغيير‬
‫في اللفظ والترتيب ولم يذكر فيه التاريخ )‪ - 16 .(1‬يج‪ :‬روي عن الصادق‬
‫عليه السلم أنه قال‪ :‬لما ولد رسول ال صلى ال عليه واله قال إبليس‬
‫البالسة‪ :‬قد أنكرت الليلة الرض‪ ،‬فصاح في البالسة فاجتمعوا إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اخرجوا فانظروا ما هذا المر الذي حدث‪ ،‬فذهبوا ثم رجعوا وقالوا‪ :‬ما‬
‫وجدنا شيئا "‪ ،‬قال‪ :‬أنا لها‪ ،‬ثم ضرب بذنبه على قذاله ثم اغتمس في الدنيا‬
‫حتى انتهى إلى الحرم‪ ،‬فوجده منطبقا " بالملئكة‪ ،‬فذهب ليدخل فصاح به‬
‫جبرئيل عليه السلم فقال‪ :‬ورائك‪ ،‬فقال‪ :‬حرف أسألك عنه إلي فيه‬
‫نصيب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬في امته ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما أصبحوا أقبل رجل من أهل‬
‫الكتاب إلى المل من قريش قال‪ :‬أولد فيكم مولود الليلة ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فولد إذا " بفلسطين غلم اسمه أحمد‪ ،‬به شامة كلون الخز الدكن‪ ،‬فتفرق‬
‫القوم فبلغهم أنه ولد لعبدال بن عبد المطلب غلم‪ ،‬قالوا‪ :‬فطلبناه وقلنا له‪:‬‬
‫إنه ولد فينا غلم‪ ،‬قال‪ :‬قبل أن قلت لكم أو بعده ؟ قالوا‪ :‬قبل‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقوا‬
‫بنا ننظر إليه‪ ،‬فانطلقوا فقالوا لمه‪ :‬اخرجي ابنك حتى ننظر إليه‪ ،‬قالت‪ :‬إن‬
‫ابني وال لقد سقط‪ ،‬فما سقط كما تسقط الصبيان‪ ،‬لقد اتقى الرض بيده‪،‬‬
‫ثم رفع راسه إلى السماء فنظر إليها‪ ،‬ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى‬
‫قصور بصرى‪ ،‬وسمعت هاتفا " يقول‪ :‬قد ولدته سيد هذه المة‪ ،‬فإذا‬
‫وضعته فقولي‪ :‬اعيذه بالواحد * من شر كل حاسد * وكل خلق مارد *‬
‫يأخذ بالمراصد * في طرق الموارد * من قائم وقاعد وسميه محمدا "‪،‬‬
‫فأخرجته فنظر إليه وإلى الشامة التي بين كتفيه‪ ،‬فخر مغشيا " عليه‪،‬‬
‫فأخذوا الغلم وردوه إلى امه‪ ،‬وقالوا‪ :‬بارك ال لك فيه‪ ،‬فلما أفاق قالت له‪:‬‬
‫مالك ؟ قال‪ :‬ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة‪ ،‬هذا وال الغلم الذي‬
‫يبيرهم‪ ،‬ثم قال لقريش أفرحتم ؟ أما وال ليسطون بكم سطوة يتحدث بها‬
‫أهل المشرق والمغرب‪ ،‬فكان‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ 349 :‬و ‪.350‬‬

‫] ‪[ 272‬‬

‫أبو سفيان يقول‪ :‬إنما يسطو بمضر‪ ،‬واتي به عبد المطلب فأخذه ووضعه في حجره‬
‫فقال‪ :‬الحمد ل الذي أعطاني * هذا الغلم الطيب الردان قد ساد في المهد‬
‫على الغلمان )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الفيروز آبادي‪ :‬القذال كسحاب‪ :‬جماع مؤخر‬
‫الرأس‪ ،‬ومقعد العذار من الفرس خلف الناصية‪ .‬وقال‪ :‬الدكنة بالضم‪ :‬لون‬
‫إلى السواد‪ - 17 .‬قب‪ :‬أبان بن عثمان رفعه بإسناده قالت آمنة رضي ال‬
‫عنها‪ :‬لما قربت ولدة رسول ال صلى ال عليه واله رأيت جناح طائر‬
‫أبيض قد مسح على فؤادي‪ ،‬فذهب الرعب عني‪ ،‬و اتيت بشربة بيضاء‪،‬‬
‫وكنت عطشى فشربتها‪ ،‬فأصابني نور عال‪ ،‬ثم رأيت نسوة كالنخل طوال‬
‫تحدثني‪ ،‬وسمعت كلما " ل يشبه كلم الدميين‪ ،‬حتى رأيت كالديباج‬
‫البيض‪ ،‬قد مل بين السماء والرض‪ ،‬وقائل يقول‪ :‬خذوه من أعز الناس‪،‬‬
‫ورأيت رجال " وقوفا " في الهواء بأيديهم أباريق‪ ،‬ورأيت مشارق‬
‫الرض ومغاربها‪ ،‬ورأيت علما " من سندس على قضيب من ياقوتة قد‬
‫ضرب بين السماء والرض في ظهر الكعبة‪ ،‬فخرج رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله رافعا " إصبعه إلى السماء ورأيت سحابة بيضاء تنزل من‬
‫السماء حتى غشيته فسمعت نداء "‪ :‬طوفوا بمحمد شرق الرض وغربها‬
‫والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته‪ ،‬ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنابه‬
‫في ثوب أبيض من اللبن‪ ،‬وتحته حريرة خضراء‪ ،‬وقد قبض على ثلثة‬
‫مفاتيح من اللؤلؤ الرطب‪ ،‬و قائل يقول‪ :‬قبض محمد على مفاتيح النصرة‬
‫والريح )‪ (2‬والنبوة‪ ،‬ثم أقبلت سحابة اخرى فغيبته عن وجهي أطول من‬
‫المرة الولى‪ ،‬وسمعت نداء "‪ :‬طوفوا بمحمد الشرق والغرب‪ ،‬واعرضوه‬
‫على روحاني الجن والنس‪ ،‬والطير والسباع‪ ،‬وأعطوه صفاء آدم‪ ،‬ورقة‬
‫نوح‪ ،‬وخلة إبراهيم‪ ،‬ولسان إسماعيل‪ ،‬وكمال يوسف وبشرى يعقوب‪،‬‬
‫وصوت داود‪ ،‬وزهد يحيى‪ ،‬وكرم عيسى‪ ،‬ثم انكشف عنه فإذا أنابه وبيده‬
‫حريرة بيضاء قد طويت طيا " شديدا " وقد قبض عليها‪ ،‬وقائل يقول‪ :‬قد‬
‫قبض محمد على الدنيا كلها‪ ،‬فلم يبق شئ إل دخل في قبضته‪ ،‬ثم إن ثلثة‬
‫نفر كأن الشمس‬

‫)‪ (1‬لم نجده في الخرائج‪ ،‬وذكرنا آنفا أن الظاهر اختلف نسخة المطبوعة مع‬
‫نسخة المصنف‪ (2) .‬الربح خ ل وكذا في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 273‬‬

‫تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ونافجة )‪ (1‬مسك‪ ،‬وفي يد الثاني‬


‫طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب‪ ،‬من كل جانب لؤلؤة بيضاء‪،‬‬
‫وقائل يقول‪ :‬هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب ال‪ ،‬فقبض على وسطها‪،‬‬
‫وقائل يقول‪ :‬قبض الكعبة‪ ،‬وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها‪.‬‬
‫فأخرج منها خاتما " تحار )‪ (2‬أبصار الناظرين فيه‪ ،‬فغسل بذلك الماء من‬
‫البريق سبع مرات‪ ،‬ثم ضرب الخاتم على كتفيه‪ ،‬وتفل في فيه‪ ،‬فاستنطقه‬
‫فنطق فلم أفهم ما قال إل أنه قال‪ :‬في أمان ال وحفظه وكلئته‪ ،‬قد حشوت‬
‫قلبك إيمانا " و علما " ويقينا " وعقل " وشجاعة‪ ،‬أنت خير البشر‪،‬‬
‫طوبى لمن اتبعك‪ ،‬وويل لمن تخلف عنك‪ ،‬ثم ادخل بين اجنحتهم ساعة‪،‬‬
‫وكان الفاعل به هذا رضوان‪ ،‬ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول‪ :‬أبشر يا‬
‫عز الدنيا والخرة‪ (3) ،‬ورأيت نورا " يسطع من رأسه حتى بلغ السماء‪،‬‬
‫ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا "‪ ،‬ورأيت حولي من القطا )‬
‫‪ (4‬أمرا " عظيما " قد نشرت أجنحتها )‪ - 18 .(5‬قب‪ :‬المفضل بن عمر‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬لما ولد رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله فتح لمنة بياض فارس )‪ ،(6‬وقصور الشام‪ ،‬فجائت فاطمة بنت‬
‫أسد إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنه‪ ،‬فقال لها ابو‬
‫طالب‪ :‬وتتعجبين من هذا ؟ إنك تحبلين و وتلدين بوصيه ووزيره )‪19 .(7‬‬
‫‪ -‬قب‪ :‬قال عبد المطلب‪ :‬لما انتصفت تلك الليلة إذا أنا ببيت ال قد اشتمل‬
‫بجوانبه الربعة‪ ،‬وخر ساجدا " في مقام إبراهيم‪ ،‬ثم استوى البيت مناديا‬
‫"‪ :‬ال أكبر رب محمد المصطفى‪،‬‬

‫)‪ (1‬النافجة‪ :‬وعا المسك‪ (2) .‬تحار‪ :‬تحير‪ ،‬حورت العين‪ :‬اشتد بياض بيضها‬
‫وسواد سوادها فهى حوراء‪ ،‬وصاحبها أحور‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فأبشر‬
‫بعز الدنيا والخرة‪ (4) .‬القطا جمع القطاة‪ :‬طائر في حجم الحمام‪(5) .‬‬
‫مناقب آل أبى طالب ‪ 20 :1‬و ‪ (6) .21‬المراد‪ :‬القصور البيض من‬
‫إصطخر كما تقدم‪ (7) .‬مناقب آل ابى طالب ‪.23 :1‬‬

‫] ‪[ 274‬‬

‫الن قد طهرني ربي من أنجاس المشركين‪ ،‬وأرجاس الكافرين‪ ،‬ثم انتقضت‬


‫الصنام‪ ،‬وخرت على وجوهها‪ ،‬وإذا أنا بطير الرض حاشرة إليها‪ ،‬وإذا‬
‫جبال مكة مشرفة عليها‪ ،‬و وإذا " بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها فأتيتها‬
‫وقلت‪ :‬أنا نائم أو يقظان ؟ قالت‪ :‬بل يقظان‪ ،‬قلت فأين نور جبهتك ؟ قالت‪:‬‬
‫قد وضعته‪ ،‬وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها )‪،(1‬‬
‫وهذه السحاب تظلني لذلك )‪ ،(2‬قلت‪ :‬فهاتيه أنظر إليه‪ ،‬قالت‪ :‬حيل بينك‬
‫وبينه إلى ثلثة أيام‪ ،‬فسللت سيفى وقلت‪ :‬لتخرجنه أو لقتلنك‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫شأنك وإياه‪ ،‬فلما هممت أن ألج البيت بدر )‪ (3‬إلي من داخل البيت رجل‪،‬‬
‫وقال لي‪ :‬ارجع وراك‪ ،‬فل سبيل لحد من ولد آدم إلى رؤيته أو أن تنقضي‬
‫زيارة الملئكة‪ ،‬فارتعدت و وخرجت )‪ - 20 .(4‬قب‪ :‬عن أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم قال‪ :‬لما ولد رسول ال صلى ال عليه واله القيت الصنام في‬
‫الكعبة على وجوهها‪ ،‬فلما أمسى سمع صيحة من السماء‪ :‬جاء الحق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا‪ .‬وورد أنه أضاء تلك الليلة جميع‬
‫الدنيا‪ ،‬وضحك كل حجر ومدر وشجر‪ ،‬وسبح كل شئ في السماوات‬
‫والرض ل عزوجل‪ ،‬وانهزم الشيطان وهو يقول‪ :‬خير المم‪ ،‬وخير‬
‫الخلق‪ ،‬وأكرم العبيد‪ ،‬وأعظم العالم محمد صلى ال عليه واله )‪- 21 .(5‬‬
‫قب‪ :‬من إبانة ابن بطة )‪ (6‬قال‪ :‬ولد النبي صلى ال عليه واله مختونا "‬
‫مسرورا "‪ ،‬فحكي ذلك عند جده عبد المطلب‪ ،‬فقال‪ :‬ليكونن لبني هذا شأن‬
‫)‪ - 22 .(7‬قب‪ :‬قال المأمون للحكيم إيزد خواه ما شاء ال لما صحح عنده‬
‫إحكاما "‪ :‬لم‬

‫)‪ (1‬العشاش جمع العش بالفتح والضم‪ :‬موضع الطائر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وهذه‬
‫السحاب تسألني كذلك‪ (3) .‬أي أسرع إلى‪ (4) .‬مناقب آل أبى طالب‪.21 :‬‬
‫)‪ (5‬مناقب آل أبى طالب ‪ 22 :1‬و ‪ (6) .23‬أي من كتاب إبانة لبن بطة‪.‬‬
‫)‪ (7‬مناقب آل أبى طالب ‪.23 :1‬‬

‫] ‪[ 275‬‬

‫ل تؤمن بنبينا وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة ؟ فقال‪ :‬كيف اؤمن واصدق‬
‫كاذبا " و أنا أعلم كذبه‪ ،‬والنبي ل يكذب ؟ فقال المأمون‪ :‬كيف ؟ قال‪:‬‬
‫قوله‪ :‬أنا آخر نبي وخاتم النبياء‪ ،‬ول يكون بعدي نبى أبدا "‪ ،‬وهو الذي )‬
‫‪ (1‬قال في علمي كذب ل محالة‪ ،‬لنه ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود‬
‫لبد أن يكو نبيا " )‪ ،(2‬فظهر لي بهذا كذبه‪ ،‬إذ قال‪ :‬لنبي بعدي‪ ،‬فكيف‬
‫اؤمن به واصدقه ؟ فخجل المأمون من ذلك‪ ،‬وتحير الفقهاء‪ ،‬فقال متكلم‪:‬‬
‫من هاهنا قلنا‪ :‬إنه صادق‪ ،‬وإنه خاتم النبياء لن الحكماء كلهم اجتمعوا‬
‫على أن نجمه صلى ال عليه واله كان المشتري وعطارد والزهرة‬
‫والمريخ‪ ،‬ول يولد بها ولد إل ويموت من ساعته‪ ،‬وإن عاش فيموت ل‬
‫محالة‪ ،‬ول يجاوز يوم السابع‪ ،‬وهو قد عاش وبقي ثلثا " وستين سنة‪،‬‬
‫فصح أنه آية‪ ،‬وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله أحد قبله ول‬
‫بعده‪ ،‬فأقر إيزدخواه‪ ،‬وأسلم‪ ،‬فسمي ما شاء ال الحكيم‪ ،‬فمن نظر‬
‫المشتري له العلم والحكمة والفطنة والسياسة والرئاسة‪ ،‬ومن نظر عطارد‬
‫اللطافة والظرافة والملحة والفصاحة والحلوة‪ ،‬ومن نظر الزهرة‬
‫الصباحة والهشاشة )‪ (3‬والبشاشة والحسن والطيب والجمال والبهاء‬
‫والغنج والدلل‪ ،‬ومن نظر المريخ السيف والجلدة والقتال والقهر والغلبة‬
‫والمحاربة‪ ،‬فجمع ال فيه جميع المدائح‪ .‬وقال بعض المنجمين‪ :‬موالد‬
‫النبياء السنبلة والميزان‪ ،‬وكان طالع النبي صلى ال عليه واله‪ :‬الميزان‪،‬‬
‫وقال صلى ال عليه واله‪ :‬ولدت بالسماك‪ ،‬وفي حساب المنجمين أنه‬
‫السماك )‪ (4‬الرامح )‪ - 23 .(5‬قب‪ :‬حملت به امه في أيام التشريق‪ ،‬عند‬
‫جمرة العقبة الوسطى‪ ،‬في منزل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وهذا الذى قال‪ (2) .‬أراد‪ :‬ولم يظهر دليل على أنه ل يلد مولود‬
‫بعد بهذا الطالع‪ ،‬فيمكن أن يولد فيكون نبيا "‪ ،‬فكيف يقول بتا "‪ :‬لنبى‬
‫بعده ؟‪ (3) .‬الهشاشة‪ :‬الرتياح والنشاط‪ (4) .‬السماك الرامح‪ :‬نجم نير‪،‬‬
‫ويقال له‪ :‬الرامح لن أمامه كوكبا صغيرا يقال له‪ :‬راية السماك ورمحه‪،‬‬
‫بخلف السماك الغزل‪ ،‬فانه ليس أمامه شئ‪ (5) .‬مناقب آل أبى طالب ‪:1‬‬
‫‪.95 - 94‬‬

‫] ‪[ 276‬‬

‫عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬وولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر‬
‫من شهر ربيع الول‪ ،‬بعد خمس وخمسين يوما " من هلك أصحاب الفيل‪،‬‬
‫وقالت العامة‪ :‬يوم الثنين الثاني )‪ (1‬أو العاشر منه‪ ،‬لسبع بقين من ملك‬
‫أنوشيروان‪ ،‬ويقال‪ :‬في ملك هرمز لثمان سنين وثمانية أشهر مضت من‬
‫ملك عمرو بن هند ملك العرب‪ ،‬ووافق شهر الروم العشرين من شباط في‬
‫السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان )‪ ،(2‬والول هو الصحيح‬
‫لقوله‪) :‬ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان(‪ .‬قال الكليني‪ :‬في شعب‬
‫أبي طالب‪ ،‬في دار محمد بن يوسف‪ ،‬في الزاوية القصوى عن يسارك‪،‬‬
‫وأنت داخل الدار‪ .‬وقال الطبري‪ :‬في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار‬
‫يوسف )‪ ،(3‬وهو أخو الحجاج ابن يوسف‪ ،‬وكان قد اشتراها من عقيل‪،‬‬
‫وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران واتخذته مسجدا " يصلى‬
‫فيه )‪ .(4‬الزهرة‪ ،‬عن أبي عبد ال الطرابلسي‪ :‬البيت الذي ولد فيه رسول‬
‫ال في دار محمد بن يوسف )‪ 24 .(5‬نجم‪ :‬حدثنا )‪ (6‬ابن حميد‪ ،‬عن‬
‫سلمة‪ ،‬عن محمد بن إسحاق قال‪ :‬كان من حديث كسرى كما حدثني )‪ (7‬به‬
‫بعض أصحابي عن وهب بن منبة‪ :‬كان سكر )‪ (8‬دجلة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الثامن‪ (2) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬وذكر الطبري أن مولده‬
‫كان لثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان‪ :‬وهو الصحيح إ‍ه‪(3) .‬‬
‫هكذا في النسخة وغيرها‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬محمد بن يوسف وهو الصحيح‪.‬‬
‫)‪ (4‬في المصدر‪ :‬يصلى فيه الناس‪ (5) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ 118 :1‬و‬
‫‪ (6) .119‬اخرج ابن طاوس ذلك عن تاريخ الطبري‪ ،‬فالقائل لقوله‪:‬‬
‫حدثنا هو الطبري‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬ما حدثنى‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬إن‬
‫كسرى كان سكر دجلة العوراء ا‍ه وتقدم الكلم في ضبط العوراء عن‬
‫المصنف‪.‬‬

‫] ‪[ 277‬‬

‫الغورآء‪ ،‬وأنفق عليها من الموال ما يدرى ما هو‪ ،‬وكان طاق مجلسه قد بنى بنيانا‬
‫" لم ير مثله‪ ،‬وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس‪ ،‬وكان عنده‬
‫ستون وثلث مائة رجل من العلماء من بين كاهن وساحر ومنجم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكان فيهم رجل من العرب يقال له‪ :‬السائب‪ ،‬يعتاف اعتياف )‪ (1‬العرب‪،‬‬
‫قلما يخطئ‪ ،‬بعث إليه باذان )‪ (2‬من اليمن‪ ،‬وكان كسرى إذا حزنه أمر‬
‫جمع كهانه وسحاره ومنجميه وقال‪ :‬انظروا في هذا المر ما هو‪ ،‬فلما أن‬
‫بعث ال نبيه محمدا " صلى ال عليه واله أصبح كسرى ذات غداة وقد‬
‫انقضت طاق ملكه من وسطها‪ ،‬وانخرقت عليه دجلة الغوراء )‪ ،(3‬فلما‬
‫رأى ذلك حزنه‪ ،‬وقال‪ :‬انقضت طاق ملكي من وسطها من غير ثقل‪،‬‬
‫وانخرقت دجلة الغوراء )شاه بشكست )‪ ((4‬يقول‪ :‬الملك انكسر‪ ،‬ثم دعا‬
‫بكهانه وسحاره ومنجمه ودعا السائب معهم وقال‪ :‬انقضت طاق ملكي من‬
‫غير ثقل‪ ،‬وانخرقت دجلة الغوراء )شاه بشكست( انظروا في هذا المر ما‬
‫هو‪ ،‬فخرجوا من عنده فنظروا في أمره فاخذ عليهم بأقطار السماء‪،‬‬
‫وأظلمت )‪ (5‬عليهم الرض‪ ،‬وتسكعوا في علمهم‪ ،‬فل يمضي لساحر‬
‫سحره‪ ،‬ول لكاهن كهانته‪ ،‬ول يستقيم لمنجم علم نجومه‪ ،‬وبات السائب في‬
‫ليلة ظل )‪ (6‬على ربوة من الرض يرمق برقا " نشأ من قبل الحجاز‪ ،‬ثم‬
‫استطار حتى بلغ المشرق‪ ،‬فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا "‬
‫روضة خضراء‪ ،‬فقال فيما يعتاف‪ :‬لئن صدق )‪ (7‬ليخرجن من الحجاز‬
‫سلطان يبلغ المشرق‪ ،‬يخصب )‪ (8‬عنه الرض كأفضل ما أخصبت عن‬
‫ملك كان قبله‪ ،‬فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما‬
‫قد أصابهم ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض‪ :‬تعلمون ؟ وال‬

‫)‪ (1‬العتياف‪ :‬عمل العيافة أي زجر الطير‪ ،‬والتشأم أو التفأل بطيرانها‪ (2) .‬هو‬
‫باذان بن ساسان‪ ،‬عده المسعودي من ملوك اليمن‪ ،‬راجع مروج الذهب‬
‫‪ (3) .87 :2‬في المصدر والطبري‪ :‬العوراء‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬شاه‬
‫بشكسته‪ .‬قلت‪ :‬أي وخرج من الدجلة صوتا فيه‪ :‬شاه بشكسته‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وضاقت‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ظل فيها‪ .‬وفي تاريخ الطبري‪:‬‬
‫ظلماء‪ (7) .‬في المصدر والطبري‪ :‬لئن صدق ما أرى‪ (8) .‬في المصدر‪:‬‬
‫وتاريخ الطبري‪ :‬تخصب‪.‬‬

‫] ‪[ 278‬‬

‫ما حيل بينكم وبين علمكم إل لمر جاء من السماء‪ ،‬وإنه لنبي قد بعث أو هو‬
‫مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره‪ ،‬ولئن نفيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم‪،‬‬
‫فأقيموا بينكم أمرا " تقولونه حتى تؤخرونه عنكم إلى أمر ما شاع )‪،(1‬‬
‫فجاؤا إلى كسرى فقالوا له‪ :‬قد نظرنا في هذا المر فوجدنا حسابك الذي‬
‫وضعت به طاق ملكك وسكرت دجلة الغوراء وضعوه على النحوس‪ ،‬فلما‬
‫اختلف عليهم )‪ (2‬الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها‪ ،‬فذلك كل‬
‫وضع عليها )‪ ،(3‬وإنا سنحسب )‪ (4‬لك حسابا " تضع عليه بنيانك فل‬
‫تزول‪ ،‬قال‪ :‬فاحسبوا‪ ،‬فحسبوا له‪ ،‬ثم قالوا له‪ :‬ابنه‪ ،‬فبنى فعمل في دجلة‬
‫ثمانية أشهر‪ ،‬وأنفق فيها من الموال ما ل يدرى ما هو حتى إذا فرغ‪ ،‬قال‬
‫لهم‪ :‬أجلس على سورها ؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فأمر البسط )‪ (5‬والفرش والرياحين‬
‫فوضعت عليها‪ ،‬وأمر بالمرازبة فجمعوا إليه النقابون‪ ،‬ثم خرج حتى جلس‬
‫عليها‪ ،‬فبينا هو هنالك إذ انتسفت دجلة بالبنيان من تحته فلم يخرج إل‬
‫بآخر رمق‪ ،‬فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقتل منهم قريبا "‬
‫من مائة‪ ،‬وقال‪ :‬نميتكم )‪ (6‬وأدنيتكم دون الناس فأجريت عليكم أرزاقي‬
‫تلعبون بي ؟ قالوا‪ :‬أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا‪ ،‬ولكنا سنحسب‬
‫حسابا " فنبينه حتى تضعها على الوثاق من السعود‪ ،‬قال‪ :‬انظروا ما‬
‫تقولون‪ ،‬قالوا‪ :‬فإنا نفعل‪ ،‬قال‪ :‬فاحسبوا‪ ،‬فحسبوا ثم قالوا له‪ :‬ابنه فبنى‬
‫وأنفق من الموال ما ل يدرى ما هو ثمانية أشهر )‪ ،(7‬فلما فرغوا قال‪:‬‬
‫أفأخرج وأقعد )‪ (8‬عليها ؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فهاب الجلوس عليها‪ ،‬وركب برذونا‬
‫" له‪ ،‬وخرج يسير عليها‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فاقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة‪) .‬‬
‫‪ (2‬في المصدر‪ :‬عليه‪ ،‬وفي تاريخ الطبري‪ :‬عليهما‪ .‬أي على الطاق‬
‫ودجلة‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فدك كل ما وضع عليها‪ .‬وفي تاريخ الطبري‪:‬‬
‫فزال كل ما وضع عليهما‪ (4) .‬سأحسب خ ل‪ (5) .‬في الصمدر والطبري‪:‬‬
‫بالبسط‪ (6) .‬هكذا في النسخة‪ ،‬وفي الصدر‪ :‬سميكم‪ .‬قلت‪ :‬هو مصحف‬
‫سمنتكم كما في تاريخ الطبري‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬ثمانية أشهر كذى قبل‪.‬‬
‫وفي تاريخ الطبري‪ :‬من ذى قبل وبعده‪ :‬ثم قالوا‪ :‬قد فرغنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أفأخرج‪ (8) .‬أقصد خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 279‬‬

‫فبينا هو يسير إذا انتسفت دجلة بالبنيان فلم يدرك إل بآخر رمق‪ ،‬فدعاهم فقال‪:‬‬
‫وال لمرن على آخركم‪ ،‬ولنزعن أكتافكم‪ ،‬ولطرحنكم تحت أيدي الفيلة‪،‬‬
‫أو لتصدقني ما هذا المر الذى تلفقون علي ؟ قالوا ل نكذبنك أيها الملك‪،‬‬
‫أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانقضت )‪ (1‬عليك طاق مجلسك من غير‬
‫ثقل أن ننظر في علمنا )‪ ،(2‬فأظلمت علينا بأقطار السماء )‪ (3‬فتردد علمنا‬
‫في أيدينا‪ ،‬فل يستقيم لساحر سحره‪ ،‬ول لكاهن كهانته‪ ،‬ول لمنجم علم‬
‫نجومه فعرفنا أن هذا المر حدث من السماء‪ ،‬وأنه قد بعث نبي أو هو‬
‫مبعوث‪ ،‬فلذلك حيل بيننا وبين علمنا‪ ،‬فخشينا إن نفينا )‪ (4‬إليك ملكك أن‬
‫تقتلنا‪ ،‬فكرهنا من الموت ما يكره الناس فعللناك عن أنفسنا بما رأيت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ويحكم فهل يكون بينتم لي هذا فأرى فيه رأيي ؟ ! قالوا‪ :‬منعنا من ذلك ما‬
‫تخوفنا منك‪ ،‬فتركهم ولها " عن دجلة حين غلبته )‪ .(5‬بيان‪ :‬التسكع‪:‬‬
‫التحير والتمادي في الباطل‪ .‬والمرازبة‪ :‬رؤساء الفرس وامراءهم‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫نميته تنمية أي رفعته‪ ،‬ولفق الحديث‪ :‬زخرفه‪ ،‬ثم الظاهر إن قوله‪ :‬فلما أن‬
‫بعث ال نبيه‪ ،‬من سهو الرواة أو الكتاب‪ ،‬وكان مكانه فلما ولد النبي صلى‬
‫ال عليه واله كما عرفت في الخبار السابقة‪ ،‬على أنه يحتمل وقوع مثل‬
‫هذا في الوقتين معا "‪ - 25 .‬عم‪ :‬ولد صلى ال عليه واله يوم الجمعة عند‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬السابع عشر من شهر ربيع الول عام الفيل‪ ،‬وفي رواية‬
‫العامة ولد صلى ال عليه واله يوم الثنين‪ ،‬ثم اختلفوا فمن قائل يقول‪:‬‬
‫لليلتين من شهر ربيع الول‪ ،‬ومن قائل يقول‪ :‬لعشر ليال خلون منه‪ ،‬وذلك‬
‫لربع وثلثين سنة وثمانية أشهر مضت من ملك كسرى أنوشيروان بن‬
‫قباد‪ ،‬وهو قاتل مزدك والزنادقة ومبيرهم‪ ،‬وهو الذى عنى رسول ال صلى‬
‫ال عليه واله على ما يزعمون ولدت في زمان الملك الصالح )‪،(6‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر وتاريخ الطبري‪ :‬وانقصمت‪ (2) .‬في المصدر وتاريخ الطبري‪ :‬أن‬
‫ننظر في علمنا لم ذلك‪ ،‬فنظرنا فأظلمت‪ (3) .‬في تاريخ الطبري‪ :‬فأظلمت‬
‫علينا الرض‪ ،‬وأخذ علينا بأقطار السماء فتردد علينا علمنا في أيدينا‬
‫وفي المصدر‪ :‬فتردى علمنا وسقط في أيدينا‪ (4) .‬في المصدرو تاريخ‬
‫الطبري‪ :‬إن نعينا‪ (5) .‬فرج المهموم‪ .35 - 32 :‬والرواية توجد في‬
‫الطبري ‪ (6) .598 - 596 :1‬في المصدر‪ :‬الملك العادل الصالح‪.‬‬

‫] ‪[ 280‬‬

‫ولثماني سنين وثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب‪ ،‬وكنيته أبو‬
‫القاسم‪ ،‬وروى أنس بن مالك قال‪ :‬لما ولد إبراهيم بن النبي صلى ال عليه‬
‫واله من مارية أتاه جبرئيل فقال‪ :‬السلم عليك أبا إبراهيم‪ ،‬أو يا أبا‬
‫إبراهيم‪ ،‬ونسبه محمد بن عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬واسمه شيبة الحمد بن‬
‫هاشم‪ ،‬واسمه عمرو بن عبد مناف‪ ،‬واسمه المغيرة بن قصي‪ ،‬واسمه زيد‬
‫بن كلب ابن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر‪،‬‬
‫وهو قريش بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن‬
‫معد بن عدنان‪ ،‬روي عنه صلى ال عليه واله أنه قال‪ :‬إذا بلغ نسبي‬
‫عدنان فأمسكوا‪ .‬وروي عن ام سلمة زوج النبي صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫قالت‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه واله يقول‪ :‬معد بن عدنان بن ادد بن‬
‫زيد بن ثرا بن أعراق الثرى‪ ،‬قالت ام سلمة‪ :‬زيد هميسع‪ ،‬وثرا نبت‪،‬‬
‫وأعراق الثرى‪ ،‬إسماعيل بن إبراهيم عليه السلم‪ ،‬قالت‪ :‬ثم قرأ رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله‪) :‬وعادا " وثمود وأصحاب الرس وقرونا " بين ذلك‬
‫كثيرا "( ل يعلمهم إل ال‪ .‬وذكر الشيخ أبو جعفر بن بابويه رضي ال‬
‫عنه‪ :‬عدنان بن أد بن ادد بن يامين بن يشجب بن منحر بن صابوغ بن‬
‫الهميسع‪ ،‬وفي رواية اخرى‪ :‬عدنان بن ادد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن‬
‫الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل عليه السلم )‪ .(1‬وقيل‪ :‬الصح )‬
‫‪ (2‬الذي اعتمد عليه أكثر النساب وأصحاب التواريخ أن عدنان هو أد بن‬
‫ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلمان بن نبت بن حمل بن قيذار بن‬
‫إسماعيل بن إبراهيم عليه السلم بن تارخ بن ناحور بن ساروع )‪ (3‬بن‬
‫ارغوا بن فالع )‪ (4‬بن عابر ‪ -‬وهو هود عليه السلم ‪ -‬بن شالح بن‬
‫أرفخشد ابن سام بن نوح بن ملك بن متوشلح بن اخنوخ ‪ -‬ويقال‪ :‬احنوخ‬
‫وهو إدريس عليه السلم ‪ -‬ابن يازد )‪ (5‬بن هليل )‪ (6‬بن قينان بن أنوش‬
‫بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلم )‪ ،(7‬وامه آمنة‬

‫)‪ (1‬ابن ابراهيم عليه السلم خ ل‪ (2) .‬هو الذى خ ل وهو الموجود في المصدر‪) .‬‬
‫‪ (3‬ساروغ خ‪ (4) .‬فالغ خ‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬يارد‪ .‬وهو الصحيح كما‬
‫تقدم‪ (6) .‬مهليل خ ل‪ (7) .‬تقدم الكلم في نسبه صلى ال عليه وآله‬
‫وفي أجداده وضبطهم هنا وفي كتاب النبوات ولم نكرر الكلم فيه‬
‫اختصارا‪.‬‬

‫] ‪[ 281‬‬

‫بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب‪،‬‬
‫وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد ال بن الحارث بن شجنة السعدية‪ ،‬من‬
‫بني سعد بن بكر بن هوازن‪ ،‬وكانت ثويبة مولة أبي لهب بن عبد المطلب‬
‫أرضعته أيضا " بلبن ابنها مسروح‪ ،‬وذلك قبل أن تقدم حليمة‪ ،‬وتوفيت‬
‫ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة‪ ،‬ومات ابنها قبلها‪ ،‬وكانت قد أرضعت‬
‫ثويبة قبل حمزة بن عبد المطلب عمه‪ ،‬فلذلك قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله لبنة حمزة‪ :‬إنها ابنة أخي من الرضاعة‪ ،‬وكان حمزة أسن من رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله بأربع سنين‪ ،‬وأما جدته ام أبيه عبد ال فهي‬
‫فاطمة بنت عمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم‪ ،‬وام عبد المطلب سلمى‬
‫بنت عمرة )‪ (1‬من بني النجار‪ ،‬وام هاشم عاتكة بنت مرة بن هلل من بني‬
‫سليم‪ ،‬وام قصي وزهرة فاطمة بنت سعد من أزد السراة )‪ ،(2‬وصدع صلى‬
‫ال عليه وآله بالرسالة )‪ (3‬يوم السابع والعشرين من رجب‪ ،‬وله يومئذ‬
‫أربعون سنة‪ ،‬وقبض صلى ال عليه وآله يوم الثنين لليلتين بقيتا من‬
‫صفر سنة عشرين من الهجرة )‪ (4‬وهو ابن ثلث وستين سنة )‪- 26 .(5‬‬
‫نجم‪ :‬ذكر الزمخشري في ربيع البرار أنه قال بعض المنجمين‪ :‬إن مواليد‬
‫النبياء السنبلة والميزان‪ ،‬وكان طالع النبي صلى ال عليه وآله الميزان‪،‬‬
‫وقال‪ :‬صلى ال عليه وآله‪ :‬ولدت بالسماك‪ ،‬وفي حساب المنجمين أنه‬
‫السماك الرامح‪ ،‬وكان في ثاني طالعه زحل‪ .‬فلم يكن له ملك ول عقار )‪.(6‬‬
‫‪ - 27‬يل‪ :‬قال الواقدي‪ :‬أول ما افتتح به عقيل بن أبي وقاص أن قال‪ :‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل الذي جعلنا من نسل إبراهيم‪ ،‬ومن شجرة‬
‫إسماعيل‪ ،‬ومن غصن نزار‪ ،‬ومن ثمرة عبد مناف‪ ،‬ثم أثنى على ال تعالى‬
‫ثناء " بليغا "‪ ،‬وقال فيه جميل "‪ ،‬وأثنى‬

‫)‪ (1‬الصحيح‪ ::‬عمرو‪ ،‬كما تقدم في أوائل الكتاب‪ (2) .‬ذكر اليعقوبي في تاريخه ‪:2‬‬
‫‪ 101 - 97‬امهاته صلى ال عليه وآله إلى ابراهيم عليه السلم‪ ،‬وذكر‬
‫العواتك والفواطم اللتى ولدنه‪ (3) .‬صدع بالرسالة‪ :‬تكلم بها جهارا‬
‫بينها‪ (4) .‬هكذا في النسخ وهو غريب‪ ،‬والصحيح كما في المصدر‪ :‬احدى‬
‫عشر‪ (5) .‬إعلم الورى‪ 4 :‬و ‪ (6) .5‬فرج المهموم في تاريخ علماء‬
‫النجوم‪ 113 :‬و ‪.114‬‬

‫] ‪[ 282‬‬

‫على اللت والعزى‪ ،‬وذكرهم بالجميل‪ ،‬وعقد النكاح‪ ،‬ونظر إلى وهب‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبا‬
‫الوداح زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة‬
‫آلف درهم بيض هجرية جياد‪ ،‬وخمس مائة مثقال ذهب احمر ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا عبد ال قبلت هذا الصداق يا أيها السيد الخاطب ؟ قال نعم‪ ،‬ثم‬
‫دعا لهما بالخير والكرامة‪ ،‬ثم أمر وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة‬
‫خضرة فاتي من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا وشربوا‪،‬‬
‫قال‪ :‬ونثر عبد المطلب على ولده قيمة ألف درهم من النثار‪ ،‬وكان متخذا "‬
‫من مسك بنادق‪ ،‬ومن عنبر ومن سكر ومن كافور‪ ،‬ونثر وهب بقيمة ألف‬
‫درهم عنبرا "‪ ،‬وفرح الخلق بذلك فرحا " شديدا "‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما‬
‫فرغوا من ذلك نظر عبد المطلب إلى وهب وقال‪ :‬ورب السماء إني ل‬
‫افارق هذا السقف أو اؤلف بين ولدي وحليلته‪ ،‬فقال وهب‪ :‬بهذه السرعة‬
‫ل يكون‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬لبد من ذلك‪ ،‬فقام وهب ودخل على امرأته برة‬
‫وقال لها‪ :‬اعلمي أن عبد المطلب قد حلف برب السماء أنه ل يفارق هذا‬
‫السقف أو يؤلف بين ولده عبد ال وبين زوجته آمنة‪ ،‬فقامت المرأة من‬
‫وقتها ودعت بعشر من المشاطات وأمرتهن أن يأخذن في زينة آمنة‪،‬‬
‫فقعدن حول آمنة‪ ،‬فواحدة منهن تنقش يديها‪ ،‬وواحدة تخضب‪ ،‬وواحدة‬
‫تسرح ذؤابتها )‪ ،(1‬فلما كان عند غروب الشمس وقد فرغن من زينتها‬
‫نصبوا سريرا " من الخيزران‪ ،‬وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج‬
‫والوشي )‪ ،(2‬وقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا "‪،‬‬
‫وعلى جبينيها إكليل‪ ،‬وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر‪ ،‬وتخوتمت‬
‫بأنواع الخواتيم‪ ،‬وجاء وهب وقال لعبد المطلب‪ :‬يا سيدي اقدم على‬
‫العروس )‪ ،(2‬فقام عبد المطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من‬
‫حسنها‪ ،‬وتقدم عبد المطلب إلى السرير وقبله وقبل عين العروس‪ ،‬فقال‬
‫عبد المطلب لولده عبد ال‪ :‬اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح‬
‫برؤيتها‪ ،‬قال‪ :‬فرفع عبد ال قدمه وصعد إلى السرير‪ ،‬وقعد إلى جنب‬
‫العروس‪ ،‬وفرح عبد المطلب‪ ،‬وكان من عبد ال إلى أهله ما يكون من‬
‫الرجال إلى النساء‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر زيادة هي‪ :‬وواحدة تمسها بالماء‪ (2) .‬الوشى‪ :‬الثياب المنقوشة‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬إلى العروس‪.‬‬

‫] ‪[ 283‬‬

‫فواقعها‪ ،‬فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين‪ ،‬وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر‬
‫إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه‪ ،‬وبقي عليه من أثر النور‬
‫كالدرهم الصحيح‪ ،‬وذهب النور إلى ثدي آمنة‪ ،‬فقام عبد المطلب إلى عند‬
‫آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبد ال بل أنور‪ ،‬فذهب‬
‫عبد المطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك‪ ،‬فقال حبيب‪ :‬اعلم أن‬
‫هذا النور هو صاحب النور بعينه‪ ،‬وصار في بطن امه‪ ،‬فقام عبد المطلب‬
‫وخرج مع الرجل وبقي عبد ال عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه‪،‬‬
‫وذلك أن العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم خضبوا أيديهم بالحناء‪ ،‬ول‬
‫يخرجون من عندهم وعلى أيديهم أثر من الحنآء‪ ،‬وبقي عبد ال أربعين‬
‫يوما "‪ ،‬وخرج ونظر أهل مكة إلى عبد ال والنور قد فارق موضعه‪،‬‬
‫فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله شهر واحد في بطن امه‪ ،‬ونادت الجبال بعضها بعضا "‪ ،‬والشجار‬
‫بعضها بعضا " والسماوات بعضها بعضا "‪ ،‬يستبشرون ويقولون‪ :‬أل إن‬
‫محمدا " قد وقع في رحم امه آمنة‪ ،‬وقد أتى عليه شهر ففرح )‪ (1‬بذلك‬
‫الجبال والبحار والسماوات والرضون‪ ،‬فورد )‪ (2‬عليه كتاب من يثرب‬
‫بموت فاطمة بنت عبد المطلب‪ ،‬وكان في الكتاب أنها ورثت مال " كثيرا "‬
‫خطيرا "‪ ،‬فأخرج أسرع ما تقدر عليه‪ ،‬فقال عبد المطلب لولده عبد ال‪ :‬يا‬
‫ولدي لبد لك أن تجئ معي إلى المدينة‪ ،‬فسافر مع أبيه ودخل مدينة يثرب‪،‬‬
‫وقبض عبد المطلب المال‪ ،‬ولما مضى من دخولهما المدينة عشرة أيام‬
‫اعتل عبد ال علة شديدة‪ ،‬وبقي خمسة عشر يوما "‪ ،‬فلما كان اليوم‬
‫السادس عشر مات عبد ال‪ ،‬فبكى عليه أبوه عبد المطلب بكاء شديدا "‪،‬‬
‫وشق سقف البيت لجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب‪ ،‬وإذا " بهاتف‬
‫يهتف ويقول‪ :‬قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين‪ ،‬وأي نفر ل يموت ؟‬
‫فقام عبد المطلب‪ :‬فغسله و كفنه ودفنه في سكة يقال لها‪ :‬شين‪ ،‬وبنى على‬
‫قبره قبة عظيمة من جص وآجر‪ ،‬ورجع إلى مكة‪ ،‬واستقبلته رؤساء‬
‫قريش وبنو هاشم‪ ،‬واتصل الخبر إلى آمنة بوفات زوجها‪ ،‬فبكت ونتفت‬
‫شعرها‪ ،‬وخدشت وجهها‪ ،‬ومزقت جيبها‪ ،‬ودعت بالنائحات ينحن على‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فتفرح‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ثم إن ال تعالى أراد قضاه على فاطمة‬
‫بنت عبد المطلب فورد إ‍ه‪.‬‬

‫] ‪[ 284‬‬

‫عبد ال‪ ،‬فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها‪ ،‬ووهب لها في ذلك‬
‫الوقت ألف درهم بيض‪ ،‬وتاجين قد اتخذهما عبدمناف لبعض بناته‪ ،‬وقال‬
‫لها‪ :‬يا آمنة ل تحزني فإنك عندي جليلة‪ ،‬لجل من في بطنك ورحمك‪ ،‬فل‬
‫تهتك )‪ (1‬أمرك‪ ،‬فسكتت )‪ (2‬وطيب قلبها‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه شهران أمر ال تعالى مناديا "‬
‫في سماواته وأرضه أن ناد )‪ (3‬في السماوات والرض والملئكة‪ :‬أن‬
‫استغفروا لمحمد صلى ال عليه وآله وامته‪ ،‬كل هذا ببركة النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في‬
‫بطن امه ثلثة أشهر كان أبو قحافة راجعا " من الشام‪ ،‬فلما بلغ قريبا "‬
‫من مكة وضعت ناقته جمجمتها على الرض ساجدة "‪ ،‬و كان بيد أبي‬
‫قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب‪ ،‬فلم ترفع رأسها‪ ،‬فقال أبو قحافة‪ :‬فما‬
‫أرى ناقة تركت صاحبها‪ ،‬وإذا " بهاتف يهتف ويقول‪ :‬ل تضرب يا أبا‬
‫قحافة من ل يطعيك‪ ،‬أل ترى أن الجبال والبحار والشجار سوى الدميين‬
‫سجدوا ل‪ ،‬فقال أبو قحافة‪ :‬يا هاتف وما السبب في ذلك ؟ قال اعلم أن‬
‫النبي المي قد أتى عليه في بطن امه ثلثة أشهر‪ ،‬قال أبو قحافة‪ :‬ومتى‬
‫يكون خروجه ؟ قال‪ :‬سترى يا أبا قحافة إن شاء ال تعالى‪ ،‬فالويل كل‬
‫الويل لعبدة الصنام من سيفه وسيف أصحابه‪ ،‬فقال أبو قحافة‪ :‬فوقفت‬
‫ساعة حتى رفعت الناقة رأسها‪ ،‬وجئت إلى عبد المطلب فأخبرته‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله أربعة أشهر كان‬
‫زاهد على الطريق من الطائف‪ ،‬وكان له صومعة بمكة على مرحلة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا‪ ،‬فجاء إلى بعض أصدقائه بمكة‪ ،‬فلما بلغ‬
‫أرض الموقف‪ ،‬إذا " بصبي قد وضع جبينه على الرض‪ ،‬وقد سجد على‬
‫جمجمته‪ ،‬قال حبيب‪ :‬فدنوت منه فأخذته‪ ،‬وإذا " بهاتف يهتف و يقول‪ :‬خل‬
‫عنه يا حبيب‪ ،‬أل ترى إلى الخلئق من البر والبحر والسهل والجبل قد‬

‫)‪ (1‬فل يهمنك خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فسكنت‪ (3) .‬أن نادى خ ل وهو الموجود في‬
‫المصدر‪.‬‬
‫] ‪[ 285‬‬

‫سجدوا ل شكرا " لما أتى على النبي الزكي الرضي المرضي في بطن امه خمسة‬
‫أشهر )‪ ،(1‬وهذا الصبي قد سجد ل‪ ،‬قال حبيب‪ :‬فتركت الصبي ودخلت‬
‫مكة وبينت ذلك لعبد المطلب‪ ،‬وعبد المطلب يقول‪ :‬اكتم هذا السم‪ ،‬فإن‬
‫لهذا السم أعداء‪ ،‬قال‪ :‬وذهب حبيب إلى صومعته فإذا الصومعة تهتز ول‬
‫تستقر‪ ،‬وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب‪ :‬يا أهل البيع‬
‫والصوامع آمنوا بال وبرسوله محمد بن عبد ال‪ ،‬فقد آن خروجه‪ ،‬فطوبى‬
‫ثم طوبى لمن آمن به‪ ،‬والويل كل الويل لمن كفر به‪ ،‬ورد عليه حرفا " مما‬
‫يأتي به من عند ربه‪ ،‬قال حبيب‪ :‬فقلت‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬إني لمؤمن‬
‫وطائع غير منكر‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله في بطن امه ستة أشهر خرج أهل المدينة واليمن إلى العيد‪ ،‬وكان‬
‫رسمهم أنهم يمرون في كل سنة ستة أعياد‪ ،‬وكانوا يذهبون عند شجرة‬
‫عظيمة يقال لها‪ :‬ذات أنواط‪ ،‬وهي التي سماها ال تعالى في كتابه )ومناة‬
‫الثالثة الخرى( فذهبوا في ذلك وأكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من‬
‫الشجرة‪ ،‬وإذا " بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول )‪:(2‬‬
‫يا أهل اليمن‪ ،‬ويا أهل اليمامة‪ ،‬ويا أهل البحرين‪ ،‬ويا من عبد الصنام‪ ،‬ويا‬
‫من سجد للوثان‪ ،‬جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا‪ ،‬يا قوم‬
‫قد جاءكم الهلك‪ ،‬قد جاءكم التلف‪ ،‬قد جاءكم الويل والثبور‪ ،‬قال‪ :‬ففزعوا‬
‫من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه سبعة‬
‫أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب‪ ،‬وقال له‪ :‬اعلم با أبا الحارث‬
‫أني كنت البارحة بين النوم واليقظة‪ ،‬فرأيت أبواب السماء مفتحة‪ ،‬ورأيت‬
‫الملئكة ينزلون إلى الرض‪ ،‬معهم ألوان الثياب يقولون‪ :‬زينوا الرض فقد‬
‫قرب خروج من اسمه محمد‪ ،‬وهو نافلة )‪ (3‬عبد المطلب رسول ال‬

‫)‪ (1‬هكذا في الكتاب ومصدره‪ ،‬وقال المصنف في هامش الكتاب‪ :‬الظاهر أنه سقطت‬
‫قصة الربعة أشهر أو الخمسة من بين الكلم‪ ،‬وكانت النسخة هكذا‪(2) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬يقول‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله الية‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يا أهل اليمن إ‍ه‪ (3) .‬النافلة‪ :‬ولد الولد‪.‬‬

‫] ‪[ 286‬‬

‫إلى الرض‪ ،‬وإلى السود والحمر والصفر‪ ،‬وإلى الصغير والكبير والذكر والنثى‪،‬‬
‫صاحب السيف القاطع‪ ،‬والسهم النافذ‪ ،‬فقلت لبعض الملئكة‪ :‬من هذا‬
‫تزعمون ؟ فقال‪ :‬ويلك )‪ (1‬هذا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم‬
‫بن عبدمناف‪ ،‬فهذا ما رأيت‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬اكتم الرؤيا ول تخبر به‬
‫أحدا " لننظر ما يكون‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى على النبي صلى ال عليه‬
‫وآله في بطن امه ثمانية أشهر كان في بحر الهواء حوتة يقال لها‪:‬‬
‫طينوسا )‪ ،(2‬وهي سيدة الحيتان‪ ،‬فتحركت الحيتان‪ ،‬وتحركت الحوتة‪،‬‬
‫واستوت قائمة على ذنبها‪ ،‬وارتفعت وارتقع المواج عنها‪ ،‬فقالت‬
‫الملئكة‪ :‬إلهنا وسيدنا ترى إلى ما تفعل طينوسا ول تطيعنا‪ ،‬وليس لنا بها‬
‫قوة‪ ،‬قال‪ :‬فصاح إستحيائيل الملك صيحة عظيمة‪ ،‬وقال لها‪ :‬قري يا‬
‫طينوسا أل تعرفين من تحتك‪ ،‬فقالت طينوسا‪ :‬يا إستحيائيل أمر ربي يوم‬
‫خلقني إذا ولد محمد بن عبد ال استغفري له ولمته‪ ،‬والن سمعت‬
‫الملئكة يبشر بعضهم بعضا " فلذلك قمت وتحركت‪ ،‬فناداها استحيائيل‬
‫قري واستغفري‪ ،‬فإن محمدا " قد ولد‪ ،‬فلذلك انبطحت )‪ (3‬في البحر‪،‬‬
‫وأخذت في التسبيح والتهليل والتكبير والثنآء على رب العالمين‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه تسعة‬
‫أشهر أوحى ال إلى الملئكة في كل سماء‪ :‬أن اهبطوا إلى الرض‪ ،‬فهبط‬
‫عشرة آلف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بل دهن‪ ،‬مكتوب على كل‬
‫قنديل‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪ ،‬يقرأه كل عربي كاتب‪ ،‬ووقفوا حول‬
‫مكة في المفاوز‪ ،‬وإذا " بهاتف يهتف ويقول‪ :‬هذا نور محمد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال‪ :‬فورد الخبر على عبد المطلب فأمر بكتمانه إلى‬
‫أن يكون‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما كملت تسعة أشهر لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله صار ل يستقر كوكب في السماء إل من موضع إلى موضع يبشرون‬
‫بعضهم بعضا " )‪ ،(4‬والناس ينظرون إلى الكواكب‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ويحك‪ (2) .‬لعل هذه الحوتة أيضا من مختلقات الواقدي‪ ،‬كما تقدم‬
‫أغرب منها عن كعب الحبار‪ (3) .‬انبطح الرجل‪ ،‬انطرح على وجهه‪(4) .‬‬
‫لعل المراد أن سكان النجوم يبشر بعضهم بعضا‪.‬‬

‫] ‪[ 287‬‬

‫في السماء مسيرات ل يستقرون‪ ،‬فأقام ذلك ثلثين يوما "‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما تم‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وآله تسعة أشهر نظرت ام رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله آمنة إلى امها برة وقالت‪ :‬يا اماه إني احب أن أدخل البيت فأبكي‬
‫على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه‪ ،‬فإذا دخلت‬
‫البيت وحدي فل يدخل علي أحد‪ ،‬فقالت لها برة‪ :‬ادخلي يا آمنة فابكي‪،‬‬
‫فحق لك البكاء‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت آمنة البيت وحدها وقعدت وبكت وبين يديها‬
‫شمع يشتعل‪ ،‬وبيدها مغزل من آبنوس‪ ،‬وعلى مغزلها فلقة )‪ (1‬من عقيق‬
‫أحمر‪ ،‬وآمنة تبكي وتنوح إذا أصابها الطلق‪ ،‬فوثبت إلي الباب لتفتحه فلم‬
‫ينفتح‪ ،‬فرجعت إلى مكانها‪ ،‬وقالت‪ :‬واوحدتاه‪ ،‬وأخذها الطلق والنفاس‪،‬‬
‫وما شعرت بشئ حتى انشق السقف‪ ،‬ونزلت من فوق أربع حوريات‪،‬‬
‫وأضاء البيت لنور وجوههن‪ ،‬وقلن لمنة‪ :‬ل بأس عليك يا جارية إنا‬
‫جئناك لنخدمك‪ ،‬فل يهمنك )‪ (2‬أمرك‪ ،‬وقعدت الحوريات واحدة على‬
‫يمينها‪ ،‬وواحدة على شمالها‪ ،‬وواحدة بين يديها‪ ،‬وواحدة من ورائها‪،‬‬
‫فهومت عين آمنة وغفت غفوة‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬ما كان من أمر ام الصبي‬
‫)‪ (3‬إل أنها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها‪ ،‬فانتبهت ام النبي‬
‫صلى ال عليه وآله فإذا النبي تحت ذيلها‪ ،‬قد وضع جبينه على الرض‬
‫ساجدا " ل‪ ،‬ورفع سبابتيه مشيرا " بهما ل إله إل ال‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ولد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر‬
‫ربيع الول لسبعة عشر )‪ (4‬منه في سنة تسعة آلف سنة وتسعمأة وأربعة‬
‫أشهر وسبعة أيام من وفاة آدم عليه السلم‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ونظرت امه آمنة‬
‫إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله فإذا هو مكتحل العينين‪ ،‬منقط‬
‫الجبين والذقن‪ ،‬وأشرق من وجنتي النبي صلى ال عليه وآله نور ساطع‬
‫في ظلمة الليل‪ ،‬ومر‬

‫)‪ (1‬الفلقة‪ :‬القطعة‪ (2) .‬في نسخة من المصدر‪ :‬فل يهتمك‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أم‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ليلة سبعة عشر‪.‬‬

‫] ‪[ 288‬‬

‫في سقف البيت‪ ،‬وشق السقف‪ ،‬ورأت آمنة من نور وجهه كل منظر حسن وقصر‬
‫بالحرم‪ ،‬وسط في تلك الليلة أربعة وعشرون )‪ (1‬شرفا " من أيوان‬
‫كسرى‪ ،‬وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس‪ ،‬وأبرق في تلك الليلة برق‬
‫ساطع في كل بيت‪ ،‬وغرفة في الدنيا ممن قد علم ال تعالى وسبق في‬
‫علمه أنهم يؤمنون بال ورسوله محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ولم يسطع في‬
‫بقاع الكفر بأمر ال تعالى‪ ،‬وما بقي في مشارق الرض ومغاربها صنم ول‬
‫وثن إل وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة‪ ،‬وذلك كله إجلل‬
‫للنبي صلى ال عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما رأى إبليس لعنه ال تعالى‬
‫وأخزاه ذلك وضع التراب على رأسه وجمع أولده وقال لهم‪ :‬يا أولدي‬
‫اعلموا أنني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هذه‬
‫المصيبة ؟ قال‪ :‬اعلموا أنه قد ولد في هذه الليلة مولود اسمه محمد بن‬
‫عبد ال صلى ال عليه وآله يبطل عبادة الوثان‪ ،‬ويمنع السجود للصنام‪،‬‬
‫ويدعو الناس إلى عبادة الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬فنثروا التراب على رؤوسهم‪،‬‬
‫ودخل إبليس لعنه ال تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولده‬
‫مكروبين أربعين يوما "‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فعند ذلك أخذت الحوريات محمدا "‬
‫صلى ال عليه وآله ولففنه في منديل رومي‪ ،‬ووضعنه بين يدي آمنة‪،‬‬
‫ورجعن إلى الجنة يبشرون الملئكة في السماوات بمولد النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلم ودخل البيت على صورة‬
‫الدميين وهما شابان‪ ،‬ومع جبرئيل طشت من ذهب‪ ،‬ومع ميكائيل إبريق‬
‫من عقيق أحمر‪ ،‬فأخذ جبرئيل رسول ال صلى ال عليه وآله وغسله‪،‬‬
‫وميكائيل يصب الماء عليه فغسله‪ ،‬وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة‬
‫مبهوتة‪ ،‬فقال لها جبرئيل‪ :‬يا آمنة ل نغسله من النجاسة‪ ،‬فإنه لم يكن‬
‫نجسا "‪ ،‬ولكن نغسله من ظلمات بطنك‪ ،‬فلما فرغوا من غسله وكحلوا‬
‫عينيه ونقطوا جبينيه بورقة كانت معهم مسك وعنبر وكافور مسحوق‬
‫بعضه ببعض فذروه فوق رأسه صلى ال عليه وآله قالت آمنة‪ :‬وسمعت‬
‫جلبة )‪ (8‬وكلما " على الباب‪ ،‬فذهب جبرئيل إلى الباب فنظر ورجع إلى‬
‫البيت وقال‪ :‬ملئكة سبع سماوات يريدون السلم على النبي صلى ال عليه‬
‫وآله فاتسع البيت ودخلوا عليه‬

‫)‪ (1‬تقدم قبل أنه سقط أربعة عشر شرفا‪ (2) .‬الجلبة‪ :‬اختلط الصوات والصياح‪.‬‬

‫] ‪[ 289‬‬

‫موكب بعد موكب وسلموا عليه‪ ،‬وقالوا‪ :‬السلم عليك يا محمد‪ ،‬السلم عليك يا‬
‫محمود‪ ،‬السلم عليك يا أحمد‪ ،‬السلم عليك يا حامد‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما‬
‫دخل )‪ (1‬من الليل ثلثه أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن يحمل من‬
‫الجنة أربعة أعلم‪ ،‬فحمل جبرئيل العلم ونزل إلى الدنيا‪ ،‬ونصب علما "‬
‫أخضر على جبل قاف مكتوبا " )‪ (1‬عليه بالبياض سطران‪ :‬ل إله إل ال‪،‬‬
‫محمد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬ونصب علما " آخر على جبل أبي‬
‫قبيس له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وفي‬
‫الثانية‪ :‬لدين إل دين محمد بن عبد ال‪ ،‬ونصب علما " آخر على سطح‬
‫بيت ال الحرام له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما‪ :‬طوبى لمن آمن بال‬
‫وبمحمد‪ ،‬والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا " مما يأتي به من عند ربه‪،‬‬
‫ونصب علما " آخر على ضراح )‪ (3‬بيت ال المقدس وهو أبيض عليه‬
‫خطان مكتوبان بالسواد‪ ،‬الول‪ :‬ل غالب إل ال‪ ،‬والثاني‪ :‬النصر ل‬
‫ولمحمد صلى ال عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬وذهب إستحيائيل ووقف على‬
‫ركن جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته‪ :‬يا أهل مكة آمنوا بال ورسوله‪،‬‬
‫والنور الذي أنزلنا‪ ،‬وأمر ال غمامة أن ترفع فوق بيت ال الحرام‪ ،‬وتنثر‬
‫على البيت الحرام ريش الزعفران والمسك والعنبر‪ ،‬وتمطر على البيت‪،‬‬
‫فلما أصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنبر‪ ،‬وارتفعت الغمامة‬
‫وأمطرت على البيت‪ ،‬وخرجت الصنام من بيت ال الحرام‪ ،‬وجاؤا إلى عند‬
‫الحجر وانكبوا على وجوههم‪ ،‬وجاء جبرئيل بقنديل أحمر له سلسلة من‬
‫جزع أصفر‪ ،‬وهو يشتعل بل دهن بقدرة ال تعالى‪ .‬قال الواقدي‪ :‬وبرق من‬
‫وجه النبي صلى ال عليه وآله برق وذهب في الهواء حتى التزق بعنان‬
‫السماء‪ ،‬وما بقي بمكة دار ول منظر إل دخله ذلك النور‪ ،‬ممن سبق في‬
‫قدر ال تعالى وعلمه أنه يؤمن بال‪ ،‬وبرسوله محمد صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة والنجيل والزبور ومما كان فيه‬
‫اسمه صلى ال عليه وآله أو نعته إل وقطر تحت اسمه قطرة دم‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬مضى خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬مكتوب وهو الصحيح‪ (3) .‬سطح خ ل‪ ،‬وفي‬
‫المصدر‪ :‬صريح‪ .‬قلت‪ :‬ولعله مصحف ضريح‪.‬‬

‫] ‪[ 290‬‬

‫لن ال تعالى بعثه بالسيف‪ ،‬وما بقي في تلك الليلة دير ول صومعة إل وكتب على‬
‫محاريبها اسم محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى‬
‫قرء الرهبانية والديرانية )‪ ،(1‬وعلموا أن النبي المي صلى ال عليه وآله‬
‫قد ولد‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فعندها قامت آمنة رضي ال عنها وفتحت الباب‪،‬‬
‫وصاحت صيحة وغشي عليها‪ ،‬ثم دعت بامها برة وأبيها وهب وقالت‪:‬‬
‫ويحكما أين أنتما ؟ فما رأيتما ما جرى علي ؟ إني وضعت ولدي‪ ،‬وكان كذا‬
‫وكذا‪ ،‬تصف لهما ما رأته‪ ،‬قال‪ :‬فقام وهب ودعا بغلم وقال‪ :‬اذهب إلى عبد‬
‫المطلب وبشره‪ ،‬وأهل مكة على المغاير )‪ (2‬قد صعدوا والصروح ينظرون‬
‫إلى العجائب ول يدرون ما الخبر‪ ،‬وكذلك عبد المطلب قد صعد مع أولده‬
‫فما شعروا بشئ حتى قرع الغلم الباب‪ ،‬ودخل على عبد المطلب وقال‪ :‬يا‬
‫سيدنا أبشر فإن آمنة قد وضعت ولدا " ذكرا "‪ ،‬فاستبشر بذلك‪ ،‬وقال‪ :‬قد‬
‫علمت أن هذه براهين ودلئل لمولودي‪ ،‬فذهب عبد المطلب إلى آمنة مع‬
‫أولده ونظروا إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله ووجهه كالقمر ليلة‬
‫البدر يسبح ويكبر في نفسه‪ ،‬فتعجب منه عبد المطلب‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫فأصبح أهل مكة يوم الثاني )‪ (3‬ونظروا إلى القنديل وإلى السلسلة وإلى‬
‫ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة‪ ،‬وإلى الصنام وقد خرجن‬
‫منكبات على وجوههن )‪ ،(4‬وبقى الخلق على ذلك‪ ،‬وجاء إبليس أخزاه ال‬
‫على صورة شيخ زاهد وقال‪ :‬يا أهل مكة ل يهمنكم )‪ (5‬أمر هذا فإنما‬
‫أخرج الصنام الليل العفاريت والمردة‪ ،‬وسجدوا لهن‪ ،‬فل يهمنكم‪ ،‬وأمر‬
‫إبليس لعنه ال أن تدخل الصنام إلى جوف بيت ال الحرام ففعلوا ذلك‪،‬‬
‫وإذا " بهاتف يهتف ويقول‪ :‬جاء الحق وزهق الباطل‪ ،،‬إن الباطل كان‬
‫زهوقا‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فأرسل ال تعالى إلى البيت جلل " من الديباج‬
‫البيض مكتوب عليها‬
‫)‪ (1‬في العبارة تصحيف‪ ،‬لن الرهبانية طريقة الرهبان‪ ،‬ولعل الصحيح الرهابنة أو‬
‫الرهبانة‪ (2) .‬المنابر خ ل‪ ،‬قلت‪ :‬لم نعرف معنى المغاير‪ ،‬وفي المصدر‪:‬‬
‫وأهل مكة على المنابر قد صعدوا العروج‪ .‬وعلى أي فالعبارتين ل تخلوان‬
‫عن اضطراب‪ ،‬ولعل العاطف قبل والصروح زائد‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬يوم‬
‫الثاني صبيحة يوم الثلثاء‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وينظرون إلى الصنام وقد‬
‫خرجوا من مراكزهن منكبات على وجوههن‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ل‬
‫يهتمنكم‪.‬‬

‫] ‪[ 291‬‬

‫بخط أسود‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ :‬يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " ومبشرا "‬
‫ونذيرا " وداعيا " إلى ال بإذنه وسراجا " منيرا‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فتعجب‬
‫الناس من ذلك وبقيت الجلل على البيت أربعين يوما "‪ ،‬فذهب رجل من آل‬
‫إدريس وكان بيده مد سمنا )‪ (1‬فتمسح بذلك الجلل والتحف به فارتفع‬
‫الجلل من ليلته‪ ،‬ولو لم يلتحف به لبقي على بيت ال الحرام هذا الديباح‬
‫إلى يوم القيامة‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فاجتمع رؤساء بني هاشم وذهبوا إلى حبيب‬
‫الراهب وقالوا‪ :‬يا حبيب بين لنا خبر هذا الجلل وإخراج الصنام من جوف‬
‫بيت ال الحرام‪ ،‬والكواكب السائرات‪ ،‬والبرق الذى برق في هذه الليلة‪،‬‬
‫والجلبات التي سمعنا مما هي )‪ ،(2‬فقال حبيب‪ :‬أنتم تعلمون أن ديني ليس‬
‫دينكم‪ ،‬وأنا أقول الحق‪ ،‬إن شئتم قاقبلوا‪ ،‬وإن شئتم ل تقبلوا‪ ،‬ما هذه‬
‫العلمات إل علمات نبي مرسل في زمانكم‪ ،‬ونحن وجدنا في التوراة ذكر‬
‫وصفه وفي النجيل نعته‪ ،‬وفي الزبور اسمه‪ ،‬واسمه في الصحف‪ ،‬وهو‬
‫الذي يبطل عبادة الوثان والصنام‪ ،‬ويدعو إلى عبادة الرحمن‪ ،‬ويكون‬
‫على العلم قاطع السيف‪ ،‬طاعن الرمح )‪ ،(3‬نافذ السهم‪ ،‬تخضع له ملوك‬
‫الدنيا وجبابرتها‪ ،‬فالويل الويل لهل الكفر والطغيان‪ ،‬وعبدة الوثان من‬
‫سيفه ورمحه وسهمه‪ .‬فمن آمن به نجا‪ ،‬ومن كفر به هلك‪ ،‬فقام الخلق من‬
‫عنده مغمومين مكروبين‪ ،‬ورجعوا إلى مكة محزونين‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫وأصبح عبد المطلب اليوم الثاني ودعا بآمنة وقال لها‪ :‬هاتي ولدي‪ ،‬وقرة‬
‫عيني‪ ،‬وثمرة فؤادي‪ ،‬فجائت آمنة ومحمد على ساعدها‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬اكتميه يا آمنة ول تبديه لحد‪ ،‬فإن قريشا " وبني امية يرصدون‬
‫في أمره‪ ،‬قالت آمنة‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬فجاء عبد المطلب ومحمد على‬
‫ساعده‪ ،‬وأتى به إلى بيت ال الحرام‪ ،‬وأراد أن يمسح بدنه باللت و العزى‬
‫لتسكن دمدمة )‪ (4‬قريش وبني هاشم )‪ ،(5‬ودخل عبد المطلب بيت ال‬
‫الحرام‪ ،‬فلما وضع‬
‫)‪ (1‬يده مدسما خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فماهى‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬طاعن بالرمح‪) .‬‬
‫‪ (4‬في المصدر‪ :‬الدمدمة‪ :‬الغضب‪ (5) .‬وبنو هاشم خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ ،‬أي لتسكن بنو هاشم ول يظهرون على قريش أمرا يوجب‬
‫البغض والعداوة‪.‬‬

‫] ‪[ 292‬‬

‫رجله في البيت سمع النبي صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬بسم ال وبال‪ ،‬وإذا البيت‬
‫يقول‪ :‬السلم عليك يا محمد ورحمة ال وبركاته‪ ،‬وإذا بهاتف يهتف‬
‫ويقول‪ :‬جاء الحق وزهق الباطل‪ ،‬إن الباطل كان زهوقا "‪ ،‬فتعجب عبد‬
‫المطلب من صغر سنه وكلمه ومما قال له البيت‪ ،‬فأمر عبد المطلب خزنة‬
‫البيت أن يكتموا ما سمعوا من البيت ومن محمد صلى ال عليه وآله‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬فتقدم عبد المطلب إلى اللت والعزي وأراد أن يمسح بدن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله باللت والعزى فجذب من ورائه‪ ،‬فالتفت إلى ورائه فلم‬
‫ير احدا‪ ،‬فتقدم ثانية فجذبه من ورائه جاذب‪ ،‬فنظر إلى ورائه فلم ير أحدا‪،‬‬
‫ثم تقدم ثالثة فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى أقعده على عجزه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫أبا الحارث أتمسح بدنا " طاهرا " ببدن نجس ؟ ! قال الواقدي‪ :‬فعند ذلك‬
‫وقف عبد المطلب على باب بيت ال الحرام والنبي على ساعده وأنشأ‬
‫يقول‪ :‬الحمد ل الذي أعطاني * هذا الغلم طيب الرداني قد ساد في المهد‬
‫على الغلماني * اعيذه بالبيت ذي الركاني حتى أراه مبلغ الغشياني )‪* (1‬‬
‫اعيذه من كل ذي شنآني )‪ (2‬من حاسد ذي طرف العيناني قال‪ :‬وخرج عبد‬
‫المطلب متفكرا " مما سمع‪ ،‬ورأى من محمد صلى ال عليه وآله إلى امه‪،‬‬
‫وقد وقعت الدمدمة في قريش وبين )‪ (3‬بني هاشم بسبب محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما كان اليوم الثالث اشترى عبد المطلب مهدا‬
‫من خيزران أسود‪ ،‬له شبكات من عاج‪ ،‬مرصع بالذهب الحمر‪ ،‬وله‬
‫بركتان من فضة بيضاء‪ ،‬ولونه من جزع أصفر‪ ،‬وغشاه بجلل ديباج‬
‫أبيض‪ ،‬مكوكب بذهب‪ ،‬وبعث إليها من الدر واللؤلؤ الكبار الذي تلعب به‬
‫الصبيان في المهد بألوان الخرز )‪ ،(4‬وكان النبي صلى ال عليه وآله إذا‬
‫انتبه من نومه‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مبلغ الغلمانى‪ (2) .‬الشنآن‪ :‬البغض والعداوة‪ .‬وفي المصدر بعد‬
‫ذلك مصرع هو‪ :‬حتى يكون بلغة الغشيانى‪ (3) .‬المصدر خال عن كلمة‬
‫بين‪ (4) .‬الخرز‪ :‬ما ينظم في السلك من الجذع والودع‪ .‬الحب المثقوب‬
‫من الزجاج ونحوه‪ .‬فصوص من حجارة‪.‬‬

‫] ‪[ 293‬‬
‫يسبح ال تعالى بتلك الخرز‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب‬
‫)‪ (1‬إلى عبد المطلب‪ ،‬و كان عبد المطلب قاعدا على باب بيت ال الحرام‬
‫وقد حف به قريش وبنو هاشم‪ ،‬فدنا سواد بن قارب وقال‪ :‬يا أبا الحارث‬
‫اعلم أني قد سمعت أنه قد ولد لعبد ال ذكر‪ ،‬وأنهم يقولون فيه‪ :‬عجائب‪،‬‬
‫فاريد أن أنظر إلى وجهه هنيئة‪ ،‬وكان سواد بن قارب رجل إذا تكلم سمع‬
‫منه‪ ،‬وكان رجل " صدوقا "‪ ،‬فقام عبد المطلب ومعه سواد بن قارب‬
‫وجاء إلى دار آمنة رضي ال عنها ودخل جميعا " والنبي صلى ال عليه‬
‫وآله نائم‪ ،‬فلما دخل القبة قال عبد المطلب‪ :‬اسكت يا سواد حتى ينتبه من‬
‫نومه‪ ،‬فسكت فدخل قليل قليل حتى دخل القبة‪ ،‬ونظر إلى وجه النبي صلى‬
‫ال عليه وآله وهو في مهده نائم‪ ،‬وعليه هيئة النبياء‪ ،‬فلما كشف الغطاء‬
‫عن وجهه برق من وجهه برق شق السقف بنوره‪ ،‬والتزق بأعنان )‪(2‬‬
‫السماء‪ ،‬فالقى عبد المطلب وسواد أكمامهما على وجهيهما من شدة‬
‫الضوء‪ ،‬فعندها انكب سواد على النبي صلى ال عليه وآله وقال لعبد‬
‫المطلب‪ :‬اشهدك على نفسي أني آمنت بهذا الغلم‪ ،‬وبما يأتي به من عند‬
‫ربه‪ ،‬ثم قبل وجنات )‪ (3‬النبي صلى ال عليه وآله وخرجا جميعا "‪ ،‬ورجع‬
‫سواد إلى موضعه‪ ،‬وبقي عبد المطلب فرحا " نشيطا‪ .‬قال محمد بن عمر‬
‫الواقدي‪ :‬فلما أتى على النبي صلى ال عليه وآله شهر كان إذا نظر إليه‬
‫الناظرون توهموا أنه من أبناء سنة لوقارة جسمه‪ ،‬وتمام فهمه‪ ،‬وكانوا‬
‫يسمعون من مهده التسبيح والتحميد والثنآء على ال تعالى‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله شهران مات وهب جده أبو‬
‫أمه آمنة‪ ،‬وجاء عبد المطلب وجماعة من قريش وبني هاشم وغسلوا وهبا‬
‫وحنطوه وكفنوه ودفنوه على ذيل الصفا )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬هو سواد بن قارب الزدي الدوسى أو السدوسى‪ ،‬وكان كاهنا في الجاهلية‪ ،‬له‬
‫صحبة‪ ،‬وكان شاعرا‪ ،‬قاله ابن الثير في اسد الغابة ‪ (2) .375 :2 -‬في‬
‫المصدر‪ :‬في عنان السماء‪ .‬قلت‪ :‬عنان السماء‪ :‬ما ارتفع منها وما بدالك‬
‫منها إذا نظرتها‪ ،‬وأعنانها‪ :‬نواصيها وما اعترض من أقطارها‪(3) .‬‬
‫الوجنة‪ :‬ما ارتفع من الخدين‪ (4) .‬الفضائل‪.31 - 15 :‬‬

‫] ‪[ 294‬‬

‫بيان‪ :‬المخانق‪ :‬جمع المخنقة كمكنسة وهي القلدة‪ .‬والتهويم‪ :‬هز الرأس من‬
‫النعاس‪ .‬وغفت‪ :‬نامت‪ .‬والصرح‪ :‬القصر وكل بناء عال‪ - 28 .‬كا‪ :‬علي بن‬
‫محمد بن بندار‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق الحمر‪ ،‬عن أحمد بن الحسين )‬
‫‪ ،(1‬عن أبي العباس‪ ،‬عن جعفر بن إسماعيل‪ ،‬عن إدريس‪ ،‬عن أبي‬
‫السائب‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬عق أبو طالب عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله يوم السابع ودعا آل أبى طالب فقالوا‪ :‬ما‬
‫هذه ؟ فقال‪ :‬هذه عقيقة أحمد‪ ،‬قالوا‪ :‬لي شئ سميته أحمد ؟ قال‪ :‬سميته‬
‫أحمد لمحمدة أهل السماء والرض )‪ - 29 .(2‬كا‪ :‬علي عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫البزنطي‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لما‬
‫ولد النبي صلى ال عليه وآله جاء رجل من أهل الكتاب إلى مل من قريش‪،‬‬
‫فيهم هشام ابن المغيرة والوليد بن المغيرة‪ ،‬والعاص بن هشام‪ ،‬وابو وجزة‬
‫بن أبي عمرو بن امية وعتبة ابن ربيعة‪ ،‬فقال‪ .‬أولد فيكم مولد الليلة ؟‬
‫فقالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال فولد إذا بفلسطين غلم اسمه أحمد‪ ،‬به شامة كلون الخز‬
‫الدكن‪ ،‬ويكون هلك أهل الكتاب واليهود على يديه‪ ،‬قد أخطأكم وال يا‬
‫معشر قريش‪ ،‬فتفرقوا وسألوا فاخبروا أنه ولد لعبدال بن عبد المطلب‬
‫غلم‪ ،‬فطلبوا الرجل فلقوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه قد ولد فينا وال غلم‪ ،‬قال‪ :‬قبل أن‬
‫أقول لكم أو بعد ما قلت لكم ؟ قالوا‪ :‬قبل أن تقول لنا‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقوا بنا إليه‬
‫حتى ننظر إليه‪ ،‬فانطلقوا حتى أتوا امه فقالوا‪ :‬اخرجي ابنك حتى ننظر‬
‫إليه‪ ،‬فقالت‪ :‬إن ابني وال لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان‪ ،‬لقد اتقى‬
‫الرض بيديه‪ ،‬ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها‪ ،‬ثم خرج منه نور حتى‬
‫نظرت إلى قصور بصري‪ ،‬وسمعت هاتفا " في الجو يقول‪ :‬لقد ولدتيه سيد‬
‫المة‪ ،‬فإذا وضعتيه فقولي‪ :‬اعيذه بالواحد‪ ،‬من شر كل حاسد‪ ،‬وسميه‬
‫محمدا‪ ،‬قال الرجل‪ :‬فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه‬
‫فخر مغشيا " عليه‪ ،‬فأخذوا الغلم فأدخلوه إلى أمه وقالوا‪ :‬بارك ال لك‬
‫فيه‪ ،‬فلما خرجوا أفاق‪ ،‬فقالوا له‪ :‬مالك ويلك ؟ قال‪ :‬ذهبت نبوة بني‬
‫إسرائيل إلى يوم القيامة‪ ،‬هذا وال من يبيرهم‪ ،‬ففرحت قريش‬

‫)‪ (1‬الحسن خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬الفروع‪ :‬ج ‪ :2‬ص ‪.91‬‬

‫] ‪[ 295‬‬

‫بذلك‪ ،‬فلما رآهم قد فرحوا قال‪ :‬فرحتم‪ ،‬أما وال ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬وكان أبو سفيان يقول‪ :‬يسطو بمصره )‪ - 30 .(1‬كا‪:‬‬
‫حميد بن زياد‪ ،‬عن محمد بن أيوب‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن أسباط بن‬
‫سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان حيث طلقت آمنة بنت وهب‬
‫وأخذها المخاض بالنبي صلى ال عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد‬
‫امرأة أبي طالب‪ ،‬فلم تزل معها حتى وضعت‪ ،‬فقالت إحداهما للخرى‪ :‬هل‬
‫ترين ما أرى ؟ فقالت‪ :‬وما ترين ؟ قالت‪ :‬هذا النور الذي قد سطع ما بين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما‪ :‬ما‬
‫لكما ؟ من أي شئ تعجبان ؟ فاخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت‪ .‬فقال لها‬
‫أبو طالب‪ :‬أل ابشرك ؟ فقالت‪ :‬بلى‪ ،‬فقال‪ :‬أما إنك ستلدين غلما يكون‬
‫وصي هذا المولود )‪ - 31 .(2‬كا‪ :‬الحسين بن محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن ابن مسعود‪ ،‬عن عبد ال بن إبراهيم‬
‫الجعفري قال‪ :‬سمعت إسحاق بن جعفر يقول‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬الوصياء‬
‫إذا حملت بهم امهاتهم أصابها فترة شبه الغشية‪ ،‬فأقامت في ذلك يومها‬
‫ذلك إن كان نهارا "‪ ،‬أو ليلتها إن كان ليل "‪ ،‬ثم ترى في منامها رجل‬
‫يبشرها بغلم عليم حليم فتفرح لذلك‪ ،‬ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها‬
‫اليمن في جانب البيت صوتا يقول‪ :‬حملت بخير‪ ،‬وتصيرين إلى خير‪،‬‬
‫وجئت بجير‪ ،‬أبشري بغلم حليم عليم‪ ،‬وتجد خفة في بدنها‪ ،‬ثم تجد )‪(3‬‬
‫بعد ذلك اتساعا " من جنبيها وبطنها‪ ،‬فإذا كان لتسع من شهورها سمعت‬
‫في البيت حسا " شديدا "‪ ،‬فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في‬
‫البيت نور تراه ل يراه غيرها‬

‫)‪ (1‬الروضة‪ 300 :‬و ‪ ،301‬وفي بعض نسخه‪ :‬يسطو بمضره‪ .‬قال المصنف في‬
‫شرح الحديث‪ :‬قوله‪ :‬يسطو بمصره‪ ،‬الظاهر أنه قال ذلك على الهزء‬
‫والنكار‪ ،‬أي كيف يقدر على أن يسطو بمصره‪ ،‬أو كيف يسطو بقومه‬
‫وعشيرته‪ ،‬ويحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الذعان في ذلك الوقت‪،‬‬
‫أو كان يقول ذلك بعد خبر الراهب‪ ،‬وفيما رواه قطب الدين الراوندي في‬
‫الخرائج‪ :‬فكان أبو سفيان يقول‪ :‬انما يسطو بمضره‪ ،‬أي بقبيلة مضر‪ ،‬أو‬
‫بها وبأضرابها من القبائل الخارجة عن مكة‪ (2) .‬الروضة‪(3) .302 :‬‬
‫في نسخة من المصدر‪ :‬ثم لم تجد بعد ذلك امتناعا من جنبيها وبطنها‪.‬‬

‫] ‪[ 296‬‬

‫إل أبوه‪ ،‬فإذا ولدته ولدته قاعدا "‪ ،‬وتفتحت له حتى يخرج متربعا "‪ ،‬ثم )‪(1‬‬
‫يستدير بعد وقوعه إلى الرض‪ ،‬فل يخطئ القبلة حيث كانت بوجهه‪ ،‬ثم‬
‫يعطس ثلثا " يشير بإصبعه بالتحميد‪ ،‬ويقع مسرورا " )‪ (2‬مختونا "‪،‬‬
‫ورباعيتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه‪ ،‬ومن بين يديه مثل سبيكة‬
‫الذهب نور‪ ،‬ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا )‪ ،(3‬وكذلك النبياء إذا‬
‫ولدوا‪ ،‬وإنما الوصياء أعلق من النبياء )‪ .(4‬أقول‪ :‬سيأتي شرح الخبر‬
‫مع سائر الخبار في ذلك في كتاب المامة‪ - 32 .‬ن‪ :‬في خبر الشامي أنه‬
‫سأل أمير المؤمنين عليه السلم من خلق ال من النبياء مختونا " ؟ قال‪:‬‬
‫خلق ال عزوجل آدم عليه السلم مختونا "‪ ،‬وولد شيث عليه السلم‬
‫مختونا "‪ ،‬وإدريس ونوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط‪،‬‬
‫وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد‪ ،‬صلوات ال عليهم )‪ - 33 .(5‬د‪:‬‬
‫روي أن قريشا " كانت في جدب شديد‪ ،‬وضيق من الزمان‪ ،‬فلما حملت‬
‫آمنة بنت وهب برسول ال صلى ال عليه وآله اخضرت لهم الرض‪،‬‬
‫وحملت لهم الشجار‪ ،‬وأتاهم الوفد من كل مكان‪ ،‬فأخصب أهل مكة خصبا‬
‫عظيما "‪ ،‬فسميت السنه التي حمل فيها برسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫سنة الفتح والستيفاء والبتهاج‪ ،‬ولم تبق كاهنة إل حجبت عن صاحبها )‬
‫‪،(6‬‬

‫)‪ (1‬المصدر خال عن كلمة‪ :‬ثم‪ (2) .‬أي مقطوع السرة‪ ،‬من سررت الصبى أسره‬
‫سرا‪ ،‬إذا قطعت سرره‪ ،‬والسرر بكسر السين وفتحتها لغة بالسر بالضم‪،‬‬
‫وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبى‪ (3) .‬قال المصنف‪ :‬والرباعية‬
‫كثمانية‪ :‬السن التى بين الثنية والناب وهو بين الرباعية والضاحك‪،‬‬
‫وتقدير الكلم‪ :‬ومعه رباعيتاه ونابه‪ ،‬وكان نبات خصوص تلك لمزيد‬
‫مدخليتها في الجمال‪ ،‬وعدم نبات الثنايا لمزيد إضرارها بثدى الم‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد نبات كل السنان‪ ،‬والتخصيص بالذكر على‬
‫المثال‪ ،‬مثل سبيكة الذهب أي نور أصفر وأحمر شبيه بها‪ ،‬وسيلن‬
‫الذهب عن يديه أيضا كناية عن اضاءتهما ولمعانهما وبريقهما وسطوع‬
‫النور الصفر منهما‪ ،‬والعلق جمع العلق بالكسر وهو النفيس من كل‬
‫شئ‪ ،‬أي أشرف أولدهم‪ ،‬أو خلقوا من أشرف أجزائهم وطينتهم‪ ،‬أو هم‬
‫أشرف شئ اختاروه لمتهم‪ (4) .‬الصول ‪ 387 :1‬و ‪ (5) .388‬عيون‬
‫الخبار‪ (6) .134 :‬أي صاحبها من الجن‪.‬‬

‫] ‪[ 297‬‬

‫وانتزع علم الكهنة‪ ،‬وبطل سحر السحرة‪ ،‬ولم يبق سرير لملك من الملوك إل أصبح‬
‫منكوسا "‪ ،‬والملك مخرسا " ل يتكلم يومه ذلك‪ ،‬وفي كل شهر من‬
‫الشهور ندآء من السماء أن أبشروا فقد آن لمحمد أن يخرج إلى الرض‬
‫ميمونا " مباركا " )‪ - 34 .(1‬د‪ :‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سمعت‬
‫آبائي يحدثون‪ :‬كانت لقريش كاهنة يقال لها‪ :‬جرهمانية‪ ،‬وكان لها ابن من‬
‫أشد قريش عبادة للصنام‪ ،‬فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله جاءت إليها تابعتها )‪ ،(2‬وقالت لها جرهمانية‪ :‬حيل بيني‬
‫وبينك‪ ،‬جاء النور الممدود الذي من دخل في نوره نجا‪ ،‬ومن تخلف عن‬
‫نوره هلك‪ ،‬أحمد صاحب اللواء الكبر‪ ،‬والعز البدي‪ ،‬وابنها يسمع‪ ،‬فلما‬
‫كانت الليلة الثانية عاد بمثل قوله‪ ،‬ثم مر )‪ ،(3‬فلما كانت الليلة الثالثة عاد‬
‫بمثل قوله )‪ (4‬فقالت‪ :‬ويحك ومن أحمد ؟ قالت‪ :‬ابن عبد ال بن عبد‬
‫المطلب يتيم قريش صاحب الغرة الحجلء‪ ،‬والنور الساطع‪ ،‬فلما تكلمت‬
‫بهذا الكلم نظرت إلى صنمها يمشي مرة ويعدو مرة‪ ،‬ويقول‪ :‬ويلي من‬
‫هذا المولود‪ ،‬هلكت الصنام‪ ،‬قال‪ :‬فكانت الجرهمانية تنوح على نفسها‬
‫بهذا الحديث )‪ - 35 .(5‬د‪ :‬قيل‪ :‬لما ولد رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫قال‪ :‬أبو طالب لفاطمة بنت أسد‪ :‬أي شئ خبرتك به آمنة أنها رأت حين‬
‫ولدت هذا المولود ؟ قالت‪ :‬خبرتني أنها لما ولدته خرج معتمدا " على يده‬
‫اليمنى‪ ،‬رافعا " رأسه إلى السماء‪ ،‬يصعد منه نور في الهواء حتى مل‬
‫الفق‪ ،‬فقال لها أبو طالب‪ :‬استري هذا‪ ،‬ول تعلمي به أحدا "‪ ،‬أما إنك‬
‫ستلدين مولودا " يكون وصيه )‪ - 36 .(6‬كا‪ :‬علي بن محمد‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن إسحاق العلوى‪ ،‬عن محمد بن زيد الرزامي‪ ،‬عن محمد بن سليمان‬
‫الديلمي‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير قال‪ :‬حججنا مع أبي عبد‬
‫ال‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬أي صاحبها من الجن‪ (3) .‬واستظهر المصنف في هامش‬
‫النسخة أن الصحيح‪ :‬عادت بمثل قولها ثم مرت‪ (4) .‬واستظهر المصنف‬
‫في الهامش أن الصحيح‪ :‬عادت بمثل قولها‪ 5) .‬و ‪ (6‬العدد‪ :‬مخطوط‪.‬‬
‫)*(‬

‫] ‪[ 298‬‬

‫عليه السلم السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلم ‪ -‬وساق الحديث إلى أن‬
‫قال ‪ :-‬وذكرت حميدة أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا " يده على‬
‫الرض‪ ،‬رافعا " رأسه إلى السماء‪ ،‬فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬وأمارة الوصي عليه السلم من بعده )‪ ،(1‬فقال لي‪:‬‬
‫إنه لما كانت الليلة التي علق )‪ (2‬فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه‬
‫شربة أرق من الماء‪ ،‬وألين من الزبد‪ ،‬وأحلى من الشهد‪ ،‬وأبرد من الثلج‪،‬‬
‫وأبيض من اللبن‪ ،‬فسقاه إياه وأمره بالجماع‪ ،‬فقام فجامع فعلق بجدي‪،‬‬
‫ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتي آت جدي فسقاه كما سقى جد‬
‫أبي وأمره بمثل الذي أمره‪ ،‬فقام فجامع فعلق بأبي‪ ،‬ولما أن كانت الليلة‬
‫التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم‪ ،‬وأمره بالذي أمرهم به‪،‬‬
‫فقام فجامع فعلق بي‪ ،‬ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت‬
‫كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم‪ ،‬فقمت بعلم ال‪ ،‬وإني مسرور بما يهب ال‬
‫لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود‪ ،‬فدونكم‪ ،‬فهو وال صاحبكم من‬
‫بعدي‪ ،‬وإن نطفة المام مما أخبرتك‪ ،‬وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة‬
‫أشهر وانشئ فيها الروح بعث ال تبارك وتعالى ملكا " يقال له‪ :‬حيوان‬
‫فكتب على عضده اليمن‪) :‬وتمت كلمة ربك صدقا " وعدل " ل مبدل‬
‫لكلماته وهو السميع العليم( ولذا وقع من بطن امه وقع واضعا " يديه‬
‫على الرض‪ ،‬رافعا " رأسه إلى السماء‪ ،‬فأما وضعه يديه على الرض‬
‫فإنه يقبض كل علم ل أنزله من السماء إلى الرض‪ ،‬وأما رفعه رأسه إلى‬
‫السماء فإن مناديا " ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من‬
‫الفق العلى باسمه واسم أبيه‪ ،‬يقول‪ :‬يا فلن بن فلن اثبت تثبت )‪،(3‬‬
‫فلعظيم ما‬

‫)‪ (1‬في المصدر وهنا زيادة هي‪ :‬فقلت‪ :‬جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله و أمارة الوصي من بعده‪ ،‬فقال لى ا‍ه‪ (2) .‬علقت‬
‫المرأة وكل انثى بالولد‪ :‬حبلت‪ (3) .‬اثبت‪ ،‬أمر من باب نصر‪ ،‬أي كن على‬
‫علم ويقين وبصيرة‪ ،‬ثابتا على الحق في جميع أقوالك وأفعالك‪ ،‬تثبت‪،‬‬
‫جواب للمر‪ ،‬وهو اما على بناء الفاعل من التفعيل‪ ،‬أي لتثبت غيرك على‬
‫الحق‪ ،‬أو على بناء المفعول منه‪ ،‬أي يثبتك ال عليها‪ ،‬أو على بناء‬
‫المفعول من الفعال‪ ،‬أي لتثبت إمامتك بذلك عند الناس‪ ،‬والثبات أيضا‪:‬‬
‫المعرفة‪ ،‬أي تكن معروفا بالمامة بين الناس‪ .‬قاله المصنف في مرآت‬
‫العقول ‪.290 :1‬‬

‫] ‪[ 299‬‬

‫خلقتك‪ ،‬أنت صفوتي من خلقي‪ ،‬وموضع سرى‪ ،‬وعيبة )‪ (1‬علمي‪ ،‬وأميني على‬
‫وحيي‪ ،‬وخليفتي في أرضي‪ ،‬لك ولمن تولك أوجبت رحمتي‪ ،‬ومنحت‬
‫جناني‪ ،‬وأحللت جواري‪ ،‬ثم وعزتي وجللي لصلين )‪ (2‬من عاداك أشد‬
‫عذابي‪ ،‬وإن وسعت عليه في دنياى من سعة رزقي‪ ،‬فإذا انقضي الصوت‬
‫صوت المنادي أجابه هو واضعا " يديه‪ ،‬رافعا " رأسه إلى السماء يقول‪:‬‬
‫)شهد ال أنه ل إله إل هو‪ ،‬والملئكة واولوا العلم قائما " بالقسط ل إله إل‬
‫هو العزيز الحكيم( قال‪ :‬فإذا قال ذلك أعطاه ال العلم الول والعلم الخر‪،‬‬
‫واستحق زيارة الروح في ليلة القدر )‪ - 37 .(3‬أقول‪ :‬روى )‪ (4‬الشيخ أبو‬
‫الحسن البكري في كتاب النوار عن أبي عمرو الشيباني وجماعة من أهل‬
‫الحديث أن السحرة والكهنة والشياطين والمردة والجان قبل مولد )‪(5‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله كانوا يظهرون العجائب ويأتون بالغرائب‪،‬‬
‫ويحدثون الناس بما يخفون من السرائر‪ ،‬ويكتمون في الضمائر‪ ،‬وتنطق‬
‫السحرة والكهنة على ألسنة الجن والشياطين والمردة بما يسترقون من‬
‫السمع من الملئكة‪ ،‬ولم تحجب السماء عن الشياطين حتى بعث النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ .‬قال البكري‪ :‬ولقد بلغنا أنه كان بأرض اليمامة كاهنان‬
‫عظيمان فاقا على أهل زمانهما في الكهانة ويتحدث الناس بهما في كل‬
‫مكان‪ ،‬وكان أحدهما اسمه ربيعة بن مازن )‪ (6‬ويعرف بسطيح‪ ،‬وهو أعلم‬
‫الكهان‪ ،‬والخر اسمه وشق )‪ (7‬بن باهلة اليماني‪ ،‬فأما سطيح فإن ال‬
‫تعالى قد خلقه قطعة لحم بل عظم ول عصب سوى جمجمة رأسه‪ ،‬وكان‬
‫يطوى كما‬
‫)‪ (1‬العيبة‪ :‬الزنبيل من ادم‪ .‬ما تجعل فيه الثياب كالصندوق‪ (2) .‬صلى وأصلى فلنا‬
‫النار‪ :‬أدخله إياها وأثواه فيها‪ (3) .‬الصول ‪ 385 :1‬و ‪ (4) .386‬من هنا‬
‫أول الجزء السادس من كتاب النوار على نسختي‪ (5) .‬مبعث خ ل‪ ،‬وهو‬
‫الموجود في نسختي‪ (6) .‬ابن غسان خ ل وهو الموجود في نسختي‪،‬‬
‫وتقدم قبل ذلك نسبه‪ (7) .‬شق خ ل في جميع المواضع‪ ،‬وهو الصحيح‪،‬‬
‫وقد تقدمنا ذكر نسبه راجعه‪.‬‬

‫] ‪[ 300‬‬

‫يطوى الثوب‪ ،‬وينشر ويجعل على وضمة )‪ (1‬كما يجعل اللحم على وضمة‬
‫القصاب‪ ،‬ل ينام من الليل إل اليسير‪ ،‬يقلب طرفه إلى السماء‪ ،‬وينظر إلى‬
‫النجوم الزاهرات‪ ،‬والفلك الدائرات‪ ،‬والبروق اللمعات‪ ،‬ويحمل على‬
‫وضمه إلى المصار‪ ،‬ويرفع إلى الملوك في تلك العصار )‪ ،(2‬يسألونه‬
‫عن غوامض الخبار‪ ،‬وينبئهم بما في قلوبهم من السرار‪ ،‬و يخبر بما‬
‫يحدث في الزمان من العجائب )‪ ،(3‬وهو ملقى على ظهره )‪ ،(4‬شاخص‬
‫ببصره‪ ،‬ل يتحرك منه غير عينيه ولسانه‪ ،‬وقد لبث دهرا " طويل على‬
‫هذه الحالة‪ ،‬فبينا هو كذلك ذات ليلة شاخصا " إلى السماء إذ لحت له‬
‫برقة مما يلي مكة ملت القطار )‪ ،(5‬ثم رأى الكواكب قد عل منها‬
‫النيران‪ ،‬فظهر بها دخان‪ ،‬وتصادم بعضها ببعض‪ ،‬واحد بعد واحد )‪.(6‬‬
‫حتى غابت في الثرى‪ ،‬فلم يرلها نور ول ضياء )‪ ،(7‬فلما نظر سطيح إلى‬
‫ذلك دهش وحار وأيقن بالهلك والدمار‪ ،‬وقال‪ :‬كواكب تظهر بالنهار‪،‬‬
‫وبرق يلمع )‪ (8‬بالنوار‪ ،‬يدل على عجائب وأخبار‪ ،‬وظل يومه ذلك حتى‬
‫انقضى النهار‪ ،‬فلما أدركه الليل )‪ (9‬أمر غلمانه أن يحملونه إلى موضع‬
‫فيه جبل هناك‪ ،‬وكان شامخا " في الجبال )‪ ،(10‬فأمرهم أن يرفعوه عليه‪،‬‬
‫فجعل يقلب طرفه يمينا وشمال "‪ ،‬فإذا هو بنور ساطع‪ ،‬وضياء لمع‪ ،‬قد‬
‫عل على النوار‪ ،‬وأحاط على القطار‪ ،‬ومل الفاق‪ ،‬فقال لغلمانه‪ :‬انزلوني‬
‫فإن‬

‫)‪ (1‬الوضم‪ :‬الخشبة الجزاز التى يقطع عليها اللحم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬في جميع‬
‫القطار‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ويخبر بما يأتي وبما يظهر من الفات وبما‬
‫يكون‪ ،‬وهو ملقى على ظهره‪ (4) .‬على وضمه خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪:‬‬
‫مما يلي مكة قد نزلت من عنان السماء‪ ،‬ولمعت بأنور الضياء‪ ،‬وملت‬
‫القطار‪ ،‬ثم رأى الكواكب قد عل نورها بالزهار‪ ،‬ومدح بينها النيران‪،‬‬
‫وتصادم بعضها ببعض فظهر منهما دخان‪ ،‬ثم طوت واحدة في أثر واحدة‬
‫حتى غابت في الثرى‪ (6) .‬واحدة بعد واحدة خ ل‪ (7) .‬نورا ولضياء خ‬
‫ل‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬وبرقة تلمع‪ (9) .‬في المصدر‪ :‬وبقى يومه ذلك‬
‫متفكرا فيما عاينه حتى انقضى النهار‪ ،‬فلما أتى الليل‪ (10) .‬في المصدر‪:‬‬
‫شامخا عاليا على الجبال‪.‬‬

‫] ‪[ 301‬‬

‫عقلي قد طار‪ ،‬ولبي قد حار‪ ،‬من أجل هذه النوار‪ ،‬وإني أرى أمرا " جليل‪ ،‬وقد دنا‬
‫مني الرحيل‪ ،‬بل شك عن قليل‪ ،‬قالوا له‪ :‬وكيف ظهر لك ذلك يا سطيح ؟‬
‫قال‪ :‬يا ويلكم إني رأيت أنوارا " قد نزلت من السماء إلى الرض‪ ،‬وأرى‬
‫الكواكب قد تساقطت إلى الرض وتهافتت )‪ ،(1‬وإني أظن أن خروج‬
‫الهاشمي قد دنا‪ ،‬فإن كان المر كذلك فالسلم على الوطن )‪ (2‬من أهل‬
‫المصار واليمن‪ ،‬إلى آخر الزمن‪ ،‬فحار غلمانه من كلمه‪ ،‬وأنزلوه‪ ،‬وقد‬
‫أرق )‪ (3‬تلك الليلة أرقا "‪ ،‬وأصبح قلقا "‪ ،‬لم يتهنأ برقاد‪ ،‬ولم يوطأ له‬
‫مهاد‪ ،‬كثير الفكر والسهاد )‪ ،(4‬وجمع قومه وعشيرته وقال لهم‪ :‬إني أرى‬
‫أمرا " عظيما "‪ ،‬وخطبا " جسيما "‪ ،‬وقد غاب عني خبره‪ ،‬وخفي علي‬
‫أثره‪ ،‬وسأبعث إلى جميع إخواني من الكهان‪ ،‬فكتب إلى سائر البلدان‪،‬‬
‫وكتب )‪ (5‬إلى وشق يخبره )‪ (6‬عن الحال‪ ،‬وبشرح له المقال‪ ،‬فرد عليه‬
‫الجواب‪ ،‬قد ظهر عندي بعض الذي ذكرت‪ ،‬وسيظهر نور الذي وصفت‪،‬‬
‫غير أني ل علم لي فيه‪ ،‬ول أعرف شيئا " من دواعيه‪ ،‬فعند ذلك كتب إلى‬
‫الزرقاء ملكة اليمن‪ ،‬وكانت من أعظم الكهنة والسحرة )‪ ،(7‬قد ملكت‬
‫قومها بشرها وسحرها‪ ،‬وكان المجاورون لها آمنين في معايشهم‪ ،‬ل‬
‫يخافون من عدو‪ ،‬ول يجزعون من احد‪ ،‬وكانت حادة البصر‪ ،‬عظيمة‬
‫الخطر‪ ،‬تنظر من مسيرة ثلثة أيام‪ ،‬كما ينظر النسان الذي بين يديه‪ ،‬وإذ‬
‫أراد أحد من أعدائها الخروج إلى بلدها تخبر قومها‪ ،‬وتقول‪ :‬احذروا فقد‬
‫جاءكم عدوكم من جهة كذا وكذا‪ ،‬فيجدون المر كما ذكرت‪ .‬قال أبو الحسن‬
‫البكري‪ :‬ولقد بلغني أن أهل اليمامة قتلوا قتيل من غسان وكان قد قتل‬
‫منهم رجل قبل ذلك فبلغ قومه قتله فاجمعوا أن يكبسوا )‪ (8‬قومها في‬
‫أربعة آلف‬

‫)‪ (1‬أي تساقطت‪ (2) .‬على الوطن وعلى اليمن خ ل ومثله موجود في المصدر‪ ،‬ال‬
‫أن فيه‪ :‬واليمن‪ (3) .‬أرق‪ :‬ذهب عنه النوم في الليل‪ (4) .‬الرقاد‪ :‬النوم‪.‬‬
‫والسهاد‪ :‬اليقظة والرق‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬فلما أصبح جمع قومه إ‍ه‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬وإلى سائر البلدان‪ ،‬فكتب ا‍ه‪ (6) .‬يسأله خ ل وهو الموجود في‬
‫المصدر‪ (7) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬عظيمة الشر‪ ،‬بعيدة الخير‪(8) .‬‬
‫أي يهجموا عليهم فجأة‪.‬‬

‫] ‪[ 302‬‬
‫مدرع‪ ،‬وقال لهم سيدهم من غسان‪ :‬يا ويحكم أتطمعون في الدخول إلى اليمامة‬
‫وفيها الزرقاء ؟ أما تعلمون أنها تنظر إلى الوافدين‪ ،‬وتعاين‪ ،‬الواردين من‬
‫البعد ؟ فكيف إذا رأت ركائبكم )‪ (1‬قد أقبلت فتخبر قومها ويأخذون حذرهم‬
‫)‪ (2‬وأنشأ يقول‪ :‬إني أخاف من الزرقاء وصولتها * إذا رأت جمعكم‬
‫يسري إلى البلد ترميكم باسود ل قوام لكم * بشرها ثم ل تبقي على أحد كم‬
‫من جموع أتوها قاصدين لها * فراح جمعهم بالخوف والنكد فقالوا‪ :‬ما‬
‫الذي تشير به علينا ؟ قال‪ :‬رأيت رأيا وأنا أرجو أن يكون فيه الظفر إن‬
‫ساعدني فيه القدر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما ذلك ؟ قال‪ :‬إني أقول لكم‪ :‬انزلوا عن خيلكم‪،‬‬
‫ثم اعمدوا إلى الشجر‪ ،‬فيقطع )‪ (3‬كل واحد منكم ما يستره ثم تحملونه في‬
‫أيديكم‪ ،‬ثم تقودون خيلكم‪ ،‬وتسيرون في ظل الشجر‪ ،‬فعسى أن يتغير عليها‬
‫النظر‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم الرأي ما رأيت‪ ،‬ففعلوا ما قال حتى بقي )‪ (4‬بينهم وبين‬
‫اليمامة ثلثة أيام‪ ،‬جعلوا أمامهم رجل معه كتف بعير يلوح )‪ (5‬به‪ ،‬ونعل‬
‫يخصفه‪ ،‬لينكر عليها )‪ (6‬النظر‪ ،‬فلما نظرت إليهم الزرقاء وكانت في‬
‫صومعتها صاحت بأعل صوتها وقالت‪ :‬يا أهل اليمامة أقبلوا‪ ،‬فأقبل إليها‬
‫الناس وقالوا‪ :‬ما عندك من )‪ (7‬خبر ؟ قالت‪ :‬إني رأيت )‪ (8‬عجبا "‬
‫عجبيبا "‪ ،‬وأظن أن الملبسة تسير إلينا في ظل الشجر‪ ،‬وهم جمع كثير‪،‬‬
‫يتقدمهم رجل في يده كتف بعير‪ ،‬ومعه‬

‫)‪ (1‬الركائب جمع الركاب‪ :‬البل وفي الصمدر بعد أقبلت‪ :‬ومراكبكم قد أشرفت‪(2) .‬‬
‫الحذر‪ :‬ما فيه الحذر من السلح وغيره‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬اشير عليكم أن‬
‫تنزلون عن خيلكم‪ ،‬ثم تعمدون إلى الشجر‪ ،‬وتقطعون‪ (4) .‬في المصدر‪:‬‬
‫قالوا له‪ :‬الرأى ما رأيت‪ ،‬ثم نزلوا عن خيلهم وفعلوا ما أمرهم سيدهم‬
‫وجدوا السير‪ ،‬فلما بقى‪ (5) .‬أي يرفعه ويحركه ليلوح للناظر‪ (6) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ليتغير عليها النظر‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬يا أهل اليمامة أقبلوا إلى‬
‫قبل أن تحل بكم الندامة‪ ،‬فأقبلوا إليها يهرعون من جانب ومكان ينسلون‪،‬‬
‫فأخذوا بصومعتها‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما وراءك‪ ،‬وما الذى دهاك ؟ قالت‪ :‬أني ارى‬
‫عجبا عجبا اه لو إقلت لعل الصحيح‪ :‬من كل جانب‪ (8) .‬أرى خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 303‬‬

‫نعل يخصفه تارة "‪ ،‬وتارة " يلوح بكتف البعير‪ ،‬فلما سمعوا كلمها أعرضوا عنها‬
‫وقال بعضهم لبعض‪ :‬إن الزرقاء قد خرفت‪ ،‬وتغير نظرها‪ ،‬فهل رأيتم شجرا‬
‫" يسير‪ ،‬ورجل " يلوح بكتف بعير ؟‪ ،‬إن هذا وسواس )‪ (1‬وجنون قد‬
‫عارضها‪ ،‬فلما سمعت منهم ذلك أغلقت صومعتها‪ ،‬وكان ل يقدر عليها أحد‬
‫قط‪ ،‬فلم يلبثوا بعد ذلك إل قليل حتى كبسوا اليمامة‪ ،‬وهدموا البنيان‪،‬‬
‫وسبوا النسوان‪ ،‬وقتلوا الرجال‪ ،‬وأخذوا الموال‪ ،‬ثم ولوا راجعين‪ ،‬فوقع‬
‫بقومها الندامة‪ ،‬وأعقبتهم الملمة حيث لم يسمعوا منها وخالفوها‪ .‬ثم إن‬
‫سطيحا " كتب إليها كتابا " يقول فيه‪ :‬باسمك اللهم من سطيح‪ ،‬صاحب‬
‫القول الفصيح )‪ ،(2‬إلى فتاة اليمامة‪ ،‬المنعوتة بالشهامة )‪ (3‬من سطيح‬
‫الغساني‪ ،‬الذي ليس له في عصره ثاني‪ ،‬أما بعد فإني كتبت إليك كتابي وأنا‬
‫في هموم وسكرات‪ ،‬وغموم و خطرات‪ ،‬وقد تعلمين ما الذي يحل بنا من‬
‫الدمار )‪ (4‬والهلك‪ ،‬من خروج التهامي الهاشمي البطحي العربي المكي‬
‫المدنى السفاك للدماء‪ ،‬وقد رأيت برقة لمعت‪ ،‬و كواكبا " سطعت )‪ (5‬وإني‬
‫أظن أن ذلك من علماته‪ ،‬ول شك أنه قرب أوانه‪ ،‬وما كتبت إليك إل بما‬
‫أرى عندك من التحصيل‪ ،‬وما في نساء عصرنا لك من مثيل‪ ،‬فإذاورد‬
‫رسولي إليك وقدم كتابي عليك ردي جوابي بما عندك من الخطاب‪ ،‬وما‬
‫ترينه من الصواب‪ ،‬فإنه ل يقر لي قرار‪ ،‬لفي الليل ول في النهار‪ ،‬ولم‬
‫أقف )‪ (6‬على هذه الدلئل والثار والسلم‪ .‬ثم دعا بغلم له اسمه صبيح‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬سر بهذا الكتاب إلى اليمامة )‪ ،(7‬وأتني‬

‫)‪ (1‬ال وسواس خ ل فعليه فان نافية‪ (2) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬والقول النجيح‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬بالكهانة‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬من التدمير‪ (5) .‬سقطت خ ل‬
‫وفي المصدر‪ :‬قد تساقطت‪ .‬وفيه‪ :‬ول شك أن أوانه قد أتى‪ ،‬وخروجه قد‬
‫دنا‪ (6) .‬حتى أقف خ ل وفي المصدر‪ :‬قد وقعت علي‪ (7) .‬في المصدر‬
‫زيادة هي‪ :‬وأوصله الزرقاء‪.‬‬

‫] ‪[ 304‬‬

‫بالجواب‪ ،‬فأخذ صبيح الكتاب ومضى به حتى صار بينه وبين اليمامة ثلثة أيام‬
‫فرمقته )‪ (1‬الزرقاء والكتاب في طي عمامته‪ ،‬فصاحت في قومها قد جاءكم‬
‫راكب قاصد‪ ،‬إلى بلدكم وارد‪ ،‬قد أرسل زمام ناقته‪ ،‬والكتاب )‪ (2‬في طي‬
‫عمامته‪ ،‬فجعل القوم يرتقبونه إلى أن وصل بعد ثلثة أيام‪ ،‬فلما رأتة‬
‫انحدرت إليه‪ ،‬وفتحت الباب )‪ ،(3‬فدفع إليها الكتاب‪ ،‬فقرأته ثم قالت‪ :‬خبر‬
‫قبيح‪ ،‬أتانا به صبيح‪ ،‬من كاهن اليمن سطيح‪ ،‬يسأل عن نور ساطع‪،‬‬
‫وضيآء لمع‪ ،‬ذلك ورب الكعبة من دلئل خراب )‪ (4‬الطلل‪ ،‬ويتم )‪(5‬‬
‫الطفال‪ ،‬فإنه يظهر من عبد مناف‪ ،‬محمد النبي بل خلف‪ ،‬قال صبيح‪:‬‬
‫فتعجبت من كلمها‪ ،‬وطلبت الجواب‪ ،‬فكتبت‪ :‬إلى سطيح يقول‪ :‬بسم ال من‬
‫الزرقاء )‪ (6‬الذي ليس عليها )‪ (7‬شئ يخفى‪ ،‬إلى سيد غسان‪ ،‬وأفضل‬
‫الكهان‪ ،‬المعروف بسطيح‪ ،‬صاحب القول الفصيح‪ ،‬أما بعد فإنه ورد كتابك‬
‫علي‪ ،‬وقدم رسولك لدي‪ ،‬تذكر أمرا " عظيما "‪ ،‬قد هجس بقلبك )‪،(8‬‬
‫واختلج بلبك‪ ،،‬أما نزول الكواكب فكأنك بآيات )‪ (9‬الهاشمي قد قربت‪ ،‬فإذا‬
‫قرأت كتابي فأيقظ نفسك‪ ،‬واحذر من الغفلة والتقصير‪ ،‬وبادر إلى التشمير‬
‫والمسير لنلتقي بمكة‪ ،‬فإني راحلة إليها لعرف هذا المر على حقيقته‪،‬‬
‫فلعلنا نتساعد على هذا المولود‪ ،‬فنعمل فيه الحيلة عسى أن نظفر بهلكه‪،‬‬
‫ونخمد نوره قبل إشراقه‪ ،‬فلما قرء كتابها انتحب وبكى بكاء " شديدا "‪،‬‬
‫ثم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬ثم أخذ الكتاب ومضى يجد السير‪ ،‬حتى بقى بينه وبين قصر‬
‫الزرقاء يومين‪ ،‬رمقته ا‍ه‪ ،‬قلت‪ :‬يومين مصحف‪ ،‬يدل عليه بعده‪(2) .‬‬
‫يلوح خ ل‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فلما قدم صبيح إلى اليمامة استدل على‬
‫قصر الزرقاء‪ ،‬فارشده إليه‪ ،‬فلما رأته قريبا منها انحدرت وفتحت له‬
‫الباب‪ (4) .‬مخرب خ ل‪ (5) .‬ميتم خ ل‪ (6) .‬بسم اله الزرقاء خ ل‪(7) .‬‬
‫عليه خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (8) .‬هجس في صدره‪ :‬خطر بباله‪.‬‬
‫وفي المصدر‪ :‬هجم بقلبك‪ (9) .‬فانك ترى آيات خ ل وهو الموجود في‬
‫المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 305‬‬

‫ل صبر ل صبر أضحى بعد معرفة )‪ * (1‬تعذو الجلدة كالمستضعف الوهن إن كان‬
‫حقا " خروج الهاشمي دنا * فارحل بنفسك ل تبكي على اليمن ثم اجعل‬
‫القفر أوطانا " تقيم بها * واغد عن الهل ثم الدار والوطن فالعيش في‬
‫مهمه )‪ (2‬من غير ما جزع * أهنأ من العيش في ذل وفي حزن قال‪ :‬ثم‬
‫أخذ في اهبة السفر‪ ،‬وخرج من ساعته إلى مكة‪ ،‬وقال لقومه‪ :‬إني سائر‬
‫إلى نار قد تأججت‪ ،‬فإن أدركت إخمادها رجعت إليكم‪ ،‬وإن كانت الخرى‬
‫فالسلم مني عليكم‪ ،‬فإني لحق بالشام اقيم بها حتى أموت‪ ،‬فلما وصل مكة‬
‫أقبل )‪ (3‬إلى سطيح رجال من قريش‪ ،‬وفيهم أبو جهل وأخوه أبوالبختري‬
‫وشيبة وعتبة بن أبي معيط والعاص بن وائل‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا سطيح ما قدمت‬
‫إل لمر عظيم‪ ،‬ألك حاجة فتقضى ؟ فقال لهم‪ :‬بورك فيكم‪ ،‬ما لي يديكم‬
‫حاجة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬تمضي معنا إلى منازلنا ؟ فقال‪ :‬بل أنزل عند من إليهم‬
‫قصدت‪ ،‬ونحوهم أردت‪ ،‬وبفنائهم أنخت‪ ،‬وقد علمتم فضلي‪ ،‬وقد جئتكم‬
‫احدثكم بما كان وما يكون إلهاما " ألهمني ال بالصواب‪ ،‬وأنطقني‬
‫بالجواب‪ ،‬فأين المتقدمون في العهد ومن لهم السابقة في الحمد والمجد ؟‬
‫لقد أردت أفضل قريش من بني عبد مناف‪ ،‬فأنا لهم المبشر بالبشير النذير‪،‬‬
‫والقمر المستنير‪ ،‬فقد قرب ما ذكرته‪ ،‬فأين عبد المطلب وسللته الشبال‪،‬‬
‫فعظم ذلك على أبي جهل وتفرقوا )‪ (4‬عنه يمينا " وشمال "‪ ،‬واتصل‬
‫الخبر إلى بني عبد مناف‪ ،‬فجمع أبو طالب إخوته‪ :‬عبد ال والعباس‬
‫وحمزة وعبد العزى‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إن هذا القادم عليكم هو كاهن اليمن و‬
‫)‪ (1‬منزلة خ ل‪ (2) .‬المهمه‪ :‬المفازة البعيدة‪ .‬البلد المقفر‪ (3) .‬في المصدر بعد‬
‫قوله‪ :‬أموت‪ :‬قال‪ :‬ثم وطأله غلمه راحلته‪ ،‬وسار حتى ادرك مكة‪ ،‬فأتى‪،‬‬
‫به إلى الكعبة‪ ،‬قال‪ :‬فتسامعت به قريش فأتوا يهرعون إليه من كل جانب‬
‫ومكان‪ ،‬فلما اجتمعوا حوله زعم أن رسول ال صلى ال عليه وآله فيهم‬
‫وقد ولد‪ ،‬وكانت امه آمنة قد حملت به‪ ،‬قال‪ :‬فاقبلت إلى سطيح‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ونفروا عنه‪.‬‬

‫] ‪[ 306‬‬

‫وسيدها‪ ،‬وكان قديما " ورد على أبيكم وأخبره بمولود يخرج من ظهره‪ ،‬مبارك في‬
‫عمره‪ ،‬يملك القطار‪ ،‬ويدعو إلى عبادة الملك الجبار )‪ ،(1‬فساروا إليه‪،‬‬
‫وقال لهم‪ :‬انكروه أنسابكم‪ ،‬ول تعرفن )‪ (2‬أحسابكم‪ ،‬ثم إن أبا طالب سار‬
‫في إخوته حتى وردوا إليه‪ ،‬وكان في ظل الكعبة جالسا "‪ ،‬والناس حوله )‬
‫‪ ،(3‬فلما نظر إليهم فرح بهم‪ ،‬ثم دفع أبو طالب سيفه ورمحه إلى غلمه‬
‫وقال )‪ :(4‬هذه هدية مني إلى سطيح‪ ،‬فإنه لواجب الحق علينا‪ ،‬ثم انحرف‬
‫إليه من قبل أن يخبره غلمه‪ ،‬فلما وصل إليه قال‪ :‬حييت )‪ (5‬بالكرامة‪،‬‬
‫وخلدت في النعمة‪ ،‬فإنا قد أتيناك زائرين‪ ،‬ولواجب حقك غير منكرين )‪،(6‬‬
‫فقال سطيح‪ :‬حييتم بالسلم‪ ،‬وأتحفتم بالنعام‪ ،‬فمن أي العرب أنتم ؟ فأراد‬
‫أبو طالب أن يعلم مقدار علمه‪ ،‬قال‪ :‬نحن قوم من بني جمح‪ ،‬فقال سطيح‪:‬‬
‫ادن مني أيها الشيخ وضع يدك على وجهي‪ ،‬فإن لي في ذلك حاجة‪ ،‬فدنا‬
‫منه‪ ،‬ووضع يده على وجهه‪ ،‬فقال سطيح‪ :‬وعلم السرار‪ ،‬المحتجب عن‬
‫البصار‪ ،‬الغافر للخطيئة‪ ،‬وكاشف البلية إنك صاحب الذمم الرفيعة‪،‬‬
‫والخلق المرضية‪ ،‬والمسلم إلى غلمي الهدية‪ :‬قناة خطية‪ ،‬وصفيحة )‪(7‬‬
‫هندية‪ ،‬وإنكم لشرف البرية‪ ،‬وإن لك ولخيك أشرف الذرية‪ ،‬وإنك ومن‬
‫أتى معك من سللة هاشم الخيار‪ ،‬وإنك لشك عم نبي المختار‪ ،‬المنعوت‬
‫في الكتب والخبار‪ ،‬فل تكتم نسبك فإني عارف بنسبكم‪ ،‬فتعجب أبو طالب‬
‫من كلمه وقال له‪ :‬يا شيخ لقد صدقت في المقال‪ ،‬وأحسنت الخصال فنريد‬
‫أن تخبرنا بما يكون في زماننا‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر بعد قوله‪ :‬الجبار‪ :‬فأراه قد قدم علينا‪ ،‬فانطلقوا بنا إليه لنأخذ المر‬
‫منه على حقيقته‪ ،‬فان يكن صادقا فقد استوجب الحسان‪ ،‬وان يكن كاذبا‬
‫رميناه بالهوان‪ ،‬ولكن انكروه أنسابكم‪ ،‬ول تعرفوه أحسابكم‪ (2) .‬ول‬
‫تعرفوه خ ل‪ (3) .‬من حوله خ ل‪ (4) .‬وقال له خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪:‬‬
‫جئت‪ (6) .‬والواجب علينا إكرامك خ ل‪ (7) .‬الصفيحة‪ :‬السيف العريض‪.‬‬

‫] ‪[ 307‬‬
‫وما يجري علينا‪ ،‬فقال سطيح‪ :‬والدائم البد‪ ،‬ورافع السماء بل عمد‪ ،‬الواحد الحد‪،‬‬
‫الفرد الصمد‪ ،‬ليبعثن من هذا ‪ -‬وأشار إلى عبد ال ‪ -‬عن قريب المد‪ ،‬نبي‬
‫يهدي إلى الرشد‪ ،‬يدمر كل صنم‪ ،‬ويهلك كل من لها عبد‪ ،‬ل يرفع سيفه عن‬
‫أحد‪ ،‬يدعو إلى عبادة ال الحد‪ ،‬يعينه على ذلك معين‪ ،‬هو ابن عمه له‬
‫قرين‪ ،‬صاحب صولت عظام‪ ،‬وضربات بالحسام‪ ،‬أبوه لشك هذا ‪ -‬وأشار‬
‫بيده إلى أبي طالب ‪ -‬فقالوا له‪ :‬يا شيخ نحب أن تصف لنا هذا النبي‪ ،‬وتبين‬
‫لنا نعته‪ ،‬فقال‪ :‬اسمعوا مني كامل " صحيحا "‪ ،‬سيظهر منكم عن قليل‬
‫شخص نبيل‪ ،‬وهو رسول الملك الجليل‪ ،‬وإن لسان سطيح عنه )‪ (1‬لكليل‪،‬‬
‫وهو رجل ل بالقصير اللصق‪ ،‬ول بالطويل الشاهق‪ ،‬حسن القامة‪ ،‬مدور‬
‫الهامة‪ ،‬بين كتفيه علمة‪ ،‬على رأسه عمامة‪ ،‬تقوم له الدعامة )‪ ،(2‬إلى‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ذلك وال سيد تهامة‪ ،‬يزهر وجهه في الدجى‪ ،‬وإذا تبسم‬
‫أشرقت الرض بالضيآء‪ ،‬أحسن من مشى‪ ،‬وأكرم من نشأ‪ ،‬حلو الكلم‪،‬‬
‫طلق اللسان‪ ،‬نقي زاهد‪ ،‬خاشع عابد‪ ،‬ل متجبر ول متكبر‪ ،‬إن نطق أصاب‪،‬‬
‫وإن سئل أجاب‪ ،‬طاهر الميلد‪ ،‬برئ من الفساد‪ ،‬رحمة على العباد‪ ،‬بالنور‬
‫محفوف‪ ،‬وبالمؤمنين رؤف‪ ،‬وعلى أصحابه عطوف‪ ،‬اسمه في التوراة‬
‫والنجيل معروف‪ ،‬يجير الملهوف‪ ،‬وبالكرامة موصوف‪ ،‬اسمه في السماء‬
‫أحمد‪ ،‬وفي الرض محمد صلى ال عليه وآله‪ .‬فقال له ابو طالب‪ :‬يا سطيح‬
‫هذا الشخص الذي ذكرت أنه يعينه‪ ،‬ويقاربه في حسبه ونسبه انعته لنا كما‬
‫نعت لنا هذا‪ ،‬فقال‪ :‬إنه همام‪ ،‬وليث ضرغام‪ ،‬وأسد قمقام‪ ،‬وقائد مقدام‪،‬‬
‫كثير النتقام‪ ،‬يسقى كأس الحمام‪ ،‬عظيم الجولة‪ ،‬شديد الصولة‪ ،‬كثير الذكر‬
‫في المل‪ ،‬يكون لمحمد صلى ال عليه وآله وزيرا "‪ ،‬ويدعى بعد )‪ (3‬موته‬
‫أميرا "‪ ،‬اسمه في التوراة برءيا‪ ،‬وفي النجيل إليا )‪ ،(4‬وعند قومه عليا‪،‬‬
‫ثم أمسك مليا " كأنه قد سلب عقله‪ ،‬وهو متفكر في أمره )‪ ،(5‬والناس‬
‫ينظرون إليه‪ ،‬ثم التفت إلى أبي طالب وقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬عن نعته خ ل‪ ،‬وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬تكون له الزعامة خ ل‪ (3) .‬قبل‬
‫خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬اديا خ ل وفي المصدر‪ :‬اسمه في‬
‫التوراة‪ :‬بريا وفي النجيل‪ :‬أريا‪ (5) .‬في فعله خ ل وهو الموجود في‬
‫المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 308‬‬

‫أيها السيد رد يدك على وجهي ثانية‪ ،‬ففعل أبو طالب‪ ،‬فلما حس )‪ (1‬سطيح بيد أبي‬
‫طالب تنفس الصعداء‪ ،‬وأن كمدا " )‪ (2‬وقال‪ :‬يا أبا طالب خذ بيد أخيك عبد‬
‫ال )‪ (3‬فقد ظهر سعدكما‪ ،‬فأبشرا بعلو مجدكما‪ ،‬فالغصنان من شجرتكما‪،‬‬
‫محمد لخيك‪ ،‬وعلي لك‪ ،‬فبهت أبو طالب من كلمه‪ ،‬وشاع في قريش ما‬
‫قاله سطيح‪ ،‬فعند ذلك قال أبو جهل لعنه ال‪ :‬معاشر الناس من قريش ليس‬
‫هذه )‪ (4‬بأول حادثة نزلت بنا من بني هاشم‪ ،‬فقد سمعتم من سطيح من‬
‫ظهور هذا الرجل الذي يفسد أدياننا‪ ،‬ومن يشاركه من ولد أبي طالب‪،‬‬
‫فبيناهم كذلك إذ جاء أبو طالب ووقف وسط الناس ونادى بأعلى صوته‪ :‬يا‬
‫معاشر قريش اصرفوا عن قلوبكم الطيش‪ (5) ،‬ول تنكروا ما سمعتم‪،‬‬
‫فنحن بالقدمة أولى‪ ،‬وعلى )‪ (6‬يدنا نبعت زمزم‪ ،‬وال ما سطيح بكاذب‪ ،‬بل‬
‫إنه )‪ (7‬في كلمه لصائب‪ ،‬وما نطق بكلمة إل ظهر برهانها‪ ،‬أليس هو‬
‫القائل لكم بأنه يطلع عليكم )‪ (8‬سيف ل يترك منكم أحدا " في بلد اليمن‪،‬‬
‫فلم يكن إل كرقدة النائم )‪ ،(9‬وإذا قد ظهر ما قال‪ ،‬وعن قليل سيظهر ما‬
‫ذكر على رغم من يعاديه‪ ،‬ثم إن أبا طالب أمر بسطيح أن يرفع إلى منزله‬
‫فأكرمه وحباه وقربه‪ ،‬وخلع عليه وكساه‪ ،‬وباتت مكة تموج تلك الليلة‪،‬‬
‫فلما برق الصباح فأول‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أحس‪ (2) .‬أن‪ :‬صوت ل لم وتأوه‪ .‬الكمد‪ :‬الحزن والغم الشديد‪) .‬‬
‫‪ (3‬وأشار إلى عبد ال خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬في المصدر‪.‬‬
‫معاشر قريش ليس هذا‪ (5) .‬الطيش‪ :‬النزق والخفة‪ .‬ذهاب العقل‪ (6) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فنحن أولى بالقدمة من كعبة ال‪ ،‬ودفع الذى عن حرم ال‪،‬‬
‫وعلى أيدينا نبعت زمزم‪ (7) .‬وإنه خ ل‪ (8) .‬رجل اسمه خ ل وفي‬
‫المصدر‪ :‬أليس هو القائل لكم‪ :‬بين الحرمين لتطأ أرضكم رايات الجيش‪،‬‬
‫فما مضت أيام حتى رأيناها نزلت بنا وعايناها ؟ قالوا‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‪ :‬أو‬
‫ليس هو القائل لكم‪ :‬بين الحرمين يطلع عليكم رجل اسمه سيف ل يترك‬
‫منهم أحد في بلد اليمن‪ ،‬فلن يكون ال كعطفة حتى رأيتم ذلك‪ ،‬وأورد‬
‫قومنا الهلك‪ ،‬وعن قليل سيظهر ا‍ه‪ .‬قلت‪ :‬قوله‪ :‬فلن يكون وقوله‪:‬‬
‫كعطفة لعله مصحف‪ :‬فلم يكن وكغفوة النائم‪ (9) .‬ال كغفوة النائم حتى‬
‫رأيتم ذلك خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 309‬‬

‫من خرج إلى البطح أبو جهل‪ ،‬ثم بعث عبيده إلى سادات قريش فقدموا عليه‪ ،‬فلما‬
‫ارتفع النهار ضاق البطح من كل جانب‪ ،‬فقام أبو جهل ونادى‪ :‬يا آل‬
‫غالب‪ ،‬يا آل طالب‪ ،‬يا ذوي العل )‪ (1‬والمراتب‪ ،‬أترضون لنفسكم أن‬
‫ترموا بالمناكب‪ ،‬كما ذكر أبو طالب ؟ إن هذا من العجائب‪ ،‬لنقل جلميد‬
‫الصفا إلى البحر القصى أيسر مما ذكر سطيح‪ :‬أنه سيظهر من بني عبد‬
‫مناف نبي عن قليل‪ ،‬يرمينا بالبوار والتنكيل )‪ ،(2‬تبا لكم إن كانت أنفسكم‬
‫بما ذكره راضية‪ ،‬وإلى ما أخبر به واعية )‪ ،(3‬فإن رضيتم بذلك فمن الن‬
‫عليكم مني السلم‪ ،‬وأنا راحل عنكم خارج عن أرضكم‪ ،‬فمجاورة الترك )‬
‫‪ (4‬أحب إلي من المقام عندكم‪ ،‬ثم تركهم ومضى‪ ،‬فضجت المحافل‪ ،‬وبقي‬
‫البطح يموج بأهله‪ ،‬فمضوا إليه وقالوا له‪ :‬يا أبا الحكم أنت السيد فينا )‬
‫‪ ،(5‬وإن رأينا رأيك‪ ،‬وأمرنا إليك‪ ،‬فقال‪ :‬إني أرى من الرأي أن تحضروا‬
‫منزل )‪ (6‬أبي طالب‪ ،‬وتخاطبوه في قول هذا الكاهن‪ ،‬لئل يكون سبب‬
‫العداوة بيننا وبينه‪ ،‬فإما أن يسلم إلينا سطيحا "‪ ،‬أو يخرجه من أرضنا‪،‬‬
‫فإن أبى كان السيف أمضى‪ ،‬والموت أقضى‪ ،‬وأنشد شعرا "‪ :‬لضرب عنقي‬
‫بسيفي‪ ،‬يا قوم عمدا " بكفي * وقطع أحجار أرض‪ ،‬إلى قرار بخسف أولى‬
‫وأهون عندي‪ ،‬من أن ارام بعسف فلما بلغ أبا طالب مقالة أبي جهل جمع‬
‫إخوته وأقاربه وقال‪ :‬تجللوا بالسلح‪ ،‬واستعدوا للكفاح )‪ ،(7‬وقال‪ :‬إني‬
‫أرى دماء " قد غلت‪ ،‬وآجال " قد قربت‪ ،‬ثم سار‬

‫)‪ (1‬هكذا في الكتاب‪ ،‬ولعله مصحف العلء أو العلى‪ (2) .‬في المصدر زيادة هي‪:‬‬
‫ويوعدنا بالذل الطويل‪ (3) .‬داعية خ ل‪ (4) .‬الشوك خ ل‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬من المقام في هذه الدار التى يحل لنا فيها الذلة والصغار‬
‫والقلة‪ ،‬ثم تركهم ومضى إلى منزله‪ ،‬وعزم على الرحيل‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫أبا الحكم ما هذا الذى قد حولت‪ ،‬والحال الذى عزمت ؟ فانت السيد فينا‪) .‬‬
‫‪ (6‬مجلس خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (7) .‬الكفاح‪ :‬المواجهة‬
‫للحرب‪.‬‬

‫] ‪[ 310‬‬

‫حتى قدم البطح‪ ،‬فشخصت إليهم البصار‪ ،‬وخرست اللسن‪ ،‬وجلس كل قائم هيبة‬
‫لبي طالب )‪ (1‬ثم تحظى القبائل‪ ،‬حتى توسط الناس‪ ،‬ثم رفع صوته وقال‪:‬‬
‫يا سكان زمزم والصفا‪ ،‬وأبي قبيس وحرى‪ ،‬من الثالب لبني عبد المطلب‬
‫منكم ؟ وإني اذكركم بهذا اليوم العبوس )‪ ،(2‬الذي تقطع فيه الرؤوس‪،‬‬
‫ويكون بأيدينا هذه النفوس‪ ،‬وإني قائل لكم‪ :‬وحق إله الحرم‪ ،‬وبارئ النسم‪،‬‬
‫أني لعلم عن قليل ليظهرن المنعوت في التوراة والنجيل الموصوف‬
‫بالكرم والتفضيل‪ ،‬الذي ليس له في عصره )‪ (3‬مثيل‪ ،‬ولقد تواترت‬
‫الخبار‪ ،‬أنه يبعث في هذه العصار‪ ،‬رسول الملك الجبار‪ ،‬المتوج بالنوار‪،‬‬
‫ثم قصد الكعبة وأتى الناس ورائه إل أبا جهل وحده‪ ،‬وقد حلت به الذلة‬
‫والصغار‪ ،‬والذل والنكسار‪ ،‬فلما دنا أبو طالب من الكعبة قال‪ :‬اللهم رب‬
‫هذه الكعبة اليمانية‪ ،‬والرض المدحية‪ ،‬والجبال المرسيه‪ ،‬إن كان قد سبق‬
‫في حكمك‪ ،‬وغامض علمك‪ ،‬أن تزيدنا شرفا " فوق شرفنا‪ ،‬وعزا " فوق‬
‫عزنا بالنبي المشفع الذي بشر به سطيح فأظهر اللهم يا رب تبيانه‪ ،‬وعجل‬
‫برهانه‪ ،‬واصرف عنا كيد المعاندين‪ ،‬يا أرحم الرحمين‪ .‬ثم جلس أبو طالب‬
‫والناس حوله فوثب إليه منبه بن الحجاج وكان جسورا " عليه‪ ،‬فقام‬
‫وتطاولت الناس تنظر ما يقول له‪ ،‬فنادى برفيع صوته‪ :‬يا أبا طالب ظهرت‬
‫عزتك‪ ،‬وأنارت طلعتك‪ ،‬وابتهج شكرك )‪ (5‬بالكرم السني‪ ،‬والشرف العلي‪،‬‬
‫وقد علمت رؤساؤكم من القبائل وأهل النهى والفضائل‪ ،‬أنكم أهل الشرف‬
‫الصيل‪ ،‬وأنت سيد مطاع قاهر‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فعندها خرس كل فصيح‪ ،‬وجلس كل قائم‪ ،‬واستوى كل نائم‪ ،‬هيبة‬
‫لبي طالب‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ومن منكم الثالب‪ ،‬لبنى عبد المطلب ذى‬
‫المكرمات والمناقب ؟ حتى أجلله الويل والحزن‪ ،‬وأما أنا ل أعرف من‬
‫امه وأبيه حين أنكره وأحجده‪ ،‬وأنا اذكركم بيوم عبوس‪ (3) .‬في عصرنا‬
‫خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ثم تركهم وهم خمود‪،‬‬
‫كأنهم من أوس وقرود‪ ،‬لم يجرء يرد عليه أحد منهم جوابا‪ ،‬ول تشافهه‬
‫خطابا‪ ،‬ثم قصد )‪ (5‬ذكرك خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 311‬‬

‫ولكن ليس لمثلك أن يسمع ما قاله كاهن‪ ،‬وأنت تعلم أنهم أوعية الشيطان‪ ،‬يأتون‬
‫بالكذب والبهتان‪ ،‬فلعلك أن تصيره )‪ (1‬إلينا ولعله يظهر شيئا " مما قاله‪،‬‬
‫فإن النبوة لها دلئل وآثار‪ ،‬ل تخفى على العاقل‪ ،‬فأمر أبو طالب أن يحضر‬
‫سطيح‪ ،‬فلما وضعوه على الرض نادى سطيح‪ :‬يا معاشر قريش لقد أكثرتم‬
‫الختلف‪ ،‬وزادت قلوبكم بالرتجاف )‪ ،(2‬بذيتم بألسنتكم على آل عبد‬
‫مناف‪ ،‬تكذبونه فيما نطق‪ ،‬وتلومونه إذا صدق )‪ ،(3‬وقد أرسلتم إلي‬
‫تسألوني عن الحال الظاهر‪ ،‬وعن أمر النبي الطاهر‪ ،‬صاحب البرهان‪،‬‬
‫وقاصم الوثان‪ ،‬ومذل الكهان‪ ،‬وأيم ال ما فرحنا بظهوره‪ ،‬لن الكهانة عند‬
‫ولدته تزول‪ ،‬ولكني أقول‪ :‬إذا كان ذلك فل خير لسطيح في الحياة‪ ،‬وعندها‬
‫يتمني الوفاة‪ ،‬فإنه قد قرب )‪ ،(4‬فأتوني بامهاتكم ونسائكم لترون العجب‬
‫العجيب‪ ،‬الذي ليس فيه تكذيب‪ ،‬حتى أوقفكم هذه الساعة‪ ،‬وأعرفكم أيتهن‬
‫الحامل به‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أتعلم الغيب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن لي صاحب من الجن‬
‫يخبرني ويسترق السمع‪ ،‬ثم إن القوم افترقوا إلى منازلهم‪ ،‬وأتوا بنسائهم‪،‬‬
‫ولم تبق واحدة من النساء إل جاؤا بها‪ ،‬فأقبل أبو طالب وقال لخيه‪ :‬أمسك‬
‫زوجك ول تحضرها‪ ،‬وأمسك هو زوجته فاطمة رضي ال عنها وأقبلت‬
‫النسوان جمع‪ ،‬فنظر إليهن‪ ،‬ثم قال اعزلوا النساء عن الرجال‪ ،‬ثم أمر‬
‫النساء أن يتقدمن إليه‪ ،‬فجعل سطيح ينظر إليهن بعينه ول يتكلم‪ ،‬قالوا له‪:‬‬
‫خرس لسانك‪ ،‬وخاب ظنك‪ ،‬فقال‪ :‬وال ما خاب ظني‪ ،‬ورفع رأسه وطرفه‬
‫إلى السماء‪ ،‬وقال‪ :‬وحق الحرمين لقد تركتم من نسائكم اثنتين‪ ،‬الواحدة‬
‫منهن الحامل بالمولود الهادي إلى الرشاد محمد‪ ،‬والخرى ستحمل عن‬
‫قريب‪ ،‬وتلد غلما أمينا " يدعى بأمير المؤمنين‪ ،‬وسيد الوصيين‪ ،‬ووارث‬
‫علوم النبياء والمرسلين‪ ،‬فلما سمع العرب منه ذلك دهشوا وخابوا‪،‬‬
‫وانطلق أبو طالب إلى منزله وعنده إخوته‪ ،‬وأتى بزوجته فاطمة بنت أسد‪،‬‬
‫وآمنة زوجة أخيه عبد ال‪ ،‬فلما وصلتا بجمع الناس )‪ (5‬من النساء صاح‬
‫سطيح بأعلى صوته‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر تحضره‪ .‬وفيه‪ :‬ولعله يظهر شيئا نستدل به على صدقه‪ (2) .‬في‬
‫قلوبكم الرتجاف خ ل قلت‪ :‬بذى عليه‪ :‬تكلم بالفحش‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫تكذبوه فيما صدق‪ ،‬وتلومونه فيما نطق‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬مولده عن‬
‫قريب يكون‪ (5) .‬إلى مجمع النساء خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 312‬‬

‫وجعل يبكى ويقول‪ :‬يا ذوي الشرف‪ ،‬هذه وال الحاملة بالنبي المختار رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما دنت آمنة منه قال لها‪ :‬ألست حاملة ؟ قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فالتفت عند ذلك إلى قريش‪ ،‬وقال الن شهد قلبي‪ ،‬وثبت لبي‪ ،‬وصدقني‬
‫صاحباي )‪ ،(1‬هذه سيدة نساء العرب والعجم‪ ،‬وهي الحامل بأفضل المم‪،‬‬
‫ومبيد كل وثن وصنم‪ ،‬يا ويح العرب منه‪ ،‬قد دنا ظهوره‪ ،‬ولح نوره‪،‬‬
‫وكأني )‪ (2‬أرى من يخالفه قتيل‪ ،‬وفي التراب جديل )‪ ،(3‬وطوبى لمن‬
‫صدق منكم بنبوته‪ ،‬وآمن برسالته‪ ،‬ثم طوبى له قد أخذ الرض‪ ،‬ورجعت له‬
‫بالمن طولها والعرض )‪ ،(4‬ثم التفت إلى فاطمة وصاح صيحة‪ ،‬وشهق‬
‫شهقة‪ ،‬وخر مغشيا " عليه‪ ،‬فلما أفاق من غشيته انتحب وبكى‪ ،‬وقال‬
‫بأعلى صوته‪ :‬هذه وال فاطمة بنت أسد‪ ،‬ام المام الذي يكسر الصنام )‬
‫‪ ،(5‬وهو المير الذي ليس في عقله طيش‪ ،‬قاتل الشجعان‪ ،‬ومبيد القران‪،‬‬
‫الفارس الكمي‪ ،‬والضيغم القوي‪ ،‬المسمى )‪ (6‬بأمير المؤمنين علي‪ ،‬ابن‬
‫عم النبي عليهما أفضل الصلة والسلم‪ ،‬آه ثم آه‪ ،‬كم ترى عيني من بطل‬
‫مكبوب‪ .‬وفارس منهوب‪ ،‬فلما سمع قريش كلم سطيح وثبوا عليه‬
‫بالسيوف ليقتلوه‪ ،‬فمنعهم بنو هاشم وجميع قريش )‪ ،(7‬ونادى أبو جهل‬
‫لعنه ال‪ :‬افسحوا لي عن هذا الكاهن‪ ،‬فلبد لنا من قتله حتى نشتفي منه‪،‬‬
‫وإن حلتم دونه لجعلن لكم الدمار‪ ،‬ولردنكم البوار )‪ (8‬فالتفت أبو طالب‬
‫إليه‬

‫)‪ (1‬صاحبي خ ل م وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يا ويح العرب‪،‬‬
‫من شدة قد دنا أو آن ظهور محمد المين‪ ،‬يدعو إلى دين رب العالمين‪،‬‬
‫وكأني ا‍ه‪ (3) .‬هكذا في النسخة‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬جليل ولعله أظهر‪ ،‬وهو‬
‫من جلل الشئ‪ ،‬غطاه‪ .‬وزاد في المصدر‪ :‬إني أرى أن عزكم يزول‪،‬‬
‫شرفكم يحول‪ ،‬فطوبى ا‍ه‪ (4) .‬في المصدر مكان قوله‪ :‬ثم طوبى )إلى(‬
‫والعرض‪ :‬ثم طوبى له فلقد أخذ بالمر الوثيق‪ ،‬ونجا من كل ضيق‪(5) .‬‬
‫في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬ويبيد الوثان‪ (6) .‬الموجود في المصدر‬
‫هكذا‪ :‬وهو المين الذى لفى عقله طيش‪ ،‬يخرب أطللكم‪ ،‬وييتم أطفالكم‪،‬‬
‫سيفه في رؤوسكم مغمود‪ ،‬وشره عنكم غير مردود‪ ،‬قاتل الشجعان‪،‬‬
‫المسمى بعلى‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬واجتمع قريش‪ (8) .‬لنعجلن بكم الدمار‪،‬‬
‫ولنوردن عليكم البوار خ ل قلت‪ :‬والمصدر خال عنه وعما في الصلب‪.‬‬

‫] ‪[ 313‬‬

‫وقال له‪ :‬ويحك يا أخس العرب وأذلها‪ ،‬إني أراك تحب فراق العشيرة‪ ،‬مثلك من‬
‫يتكلم بهذا الكلم وأنت أخس اللئام )‪ (1‬؟ ثم عاجله بضربة‪ ،‬وحالوا بينه‬
‫وبينه فلحقه بعض السيف فشجه شجة موضحة )‪ ،(2‬وصار الدم يسيل‬
‫على وجهه‪ ،‬فنادى أبو جهل‪ :‬يا آل المحافل‪ ،‬ورؤساء القبائل‪ ،‬أترضون أن‬
‫تحملوا العار‪ ،‬وترموا بالشنار‪ ،‬اقتلوا سطيحا " وآمنة وفاطمة بنت أسد‬
‫وبني هاشم جميعا "‪ ،‬واخمدوا نارهم‪ ،‬واطفؤا شرارهم‪ ،‬فحمل قريش‬
‫بأجمعهم على سطيح‪ ،‬ولم يكن لبني هاشم طاقة‪ ،‬فالتجأت النساء بالكعبة‪،‬‬
‫وثار الغبار‪ ،‬وطار الشرار‪ ،‬وكثرت الزعقات )‪ ،(2‬وارتجت الرض بطولها‬
‫والعرض‪ .‬ويروى عن آمنة ام النبي صلى ال عليه وآله قالت‪ :‬حين رأيت‬
‫السيوف قد دارت حولي ذهلت في أمري‪ ،‬والقوم يريدون قتلي‪ ،‬فبينا أنا‬
‫كذلك إذ اضطرب الجنين في بطني‪ ،‬وسمعت شيئا " كالنين‪ ،‬وإذا بالقوم قد‬
‫صيح بهم صيحة من السماء‪ ،‬وصرخ بهم صارخ من الهواء‪ ،‬فذهلت‬
‫العقول‪ ،‬وسقطت الرجال والنساء على الوجوه صرعى‪ ،‬كأنهم موتى‪ ،‬قالت‬
‫آمنة‪ :‬فرفعت بصري نحو السماء فرأيت أبواب السماء قد فتحت‪ ،‬وإذا أنا‬
‫بفارس في يده حربة من نار‪ ،‬وهو ينادي ويقول‪ :‬ل سبيل لكم إلى رسول‬
‫الملك الجليل‪ ،‬وأنا أخوه جبرئيل‪ ،‬قالت‪ :‬فعند ذلك سكن قلبي‪ ،‬ورجع إلي‬
‫جناني‪ ،‬وتحققت دلئل النبوة لولدي محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم انصرفنا‬
‫إلى منازلنا‪ ،‬وأقبل أبو طالب آخذا بيد أخيه عبد ال‪ ،‬وجلسا بفناء الكعبة‬
‫يهنئان أنفسهما بما رزقا من الكرامة والنصر‪ ،‬والقوم صرعى‪ ،‬فلبثوا كذلك‬
‫ثلث ساعات من النهار‪ ،‬ثم قاموا كأنهم سكارى‪ ،‬ثم تقدم منبه بن الحجاج‪،‬‬
‫ووقف إلى جانب أبي طالب‪ ،‬وقال‪ :‬إنك لم تزل عاليا " في المراتب ولمن‬
‫ناواك غالبا " لكن نريد منك أن تصرف عنا سطيحا "‪ ،‬فإن كان ما تكلم به‬
‫صحيحا " فنحن أولى بأن نعاضده‪ ،‬وأنشأ يقول‪ :‬أبا طالب إنا إليك عصابة‬
‫* لنرجوك فارحم من أتى لك راجيا " ونحن فجيران لكم ومعاضد * على‬
‫كل من أضحى وأمسى معاديا‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أخس النام‪ (2) .‬أي جرحه جراحة كشف عظم رأسه‪(3) .‬‬
‫الزعقة‪ :‬الصيحة‪.‬‬

‫] ‪[ 314‬‬

‫أبا طالب حييت بالرشد )‪ (1‬والحبا * ووقيت ريب الدهر ما دمت باقيا فإن كان رب‬
‫العرش يرسل منكم * إلينا رسول وهو للحق هاديا )‪ (2‬فنحن لنرجو أحمدا‬
‫" في زماننا * نجالد عنه بالسيوف العاديا )‪ (3‬أبا طالب فاصرف سطيحا‬
‫" فإنه * أتى منه آت بالذى والدواهيا ودع عنك حرب الهل والطف تكرما‬
‫* ول تتركن الدم في الرض جاريا فرق أبو طالب رحمة " لقريش‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حبا " وكرامة "‪ ،‬سأصرفه عنكم إذا كرهتموه ولكن سوف تعلمون صحة‬
‫ما ذكر لكم‪ ،‬ثم أمر بسطيح أن يحضر‪ ،‬فلما حضر قال‪ :‬أتدري لماذا‬
‫أحضرتك ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬لقد سألوني )‪ (4‬الخروج عن مكانهم )‪،(5‬‬
‫والنتزاح عن بلدهم‪ ،‬وأنا عازم )‪ ،(6‬ثم قال‪ :‬إذا ظهر فيكم البشير النذير‬
‫فاقرأوه مني السلم الكثير‪ ،‬وقولوا له‪ :‬إن سطيحا " أخبرنا بخروجك‬
‫فكذبناه‪ ،‬ومن جوارك طردناه‪ ،‬وستأتيكم مبشرة عندها من العلم أكثر مما‬
‫عندي‪ ،‬ول شك أنها قد دخلت بلدكم‪ ،‬وحلت بساحتكم‪ ،‬ثم إن سطيحا "‬
‫عزم على الخروج‪ ،‬ورفعوه على بعيره‪ ،‬وأحاط به بنو هاشم ليودعوه‪،‬‬
‫فبينما هم كذلك إذ أشرفت راحلة تركض براكبها‪ ،‬والغبار يطير من تحت‬
‫أخفافها )‪ (7‬فنظر إليها عمرو بن عامر وقال‪ :‬يا سادات مكة أتتكم الداهية‬
‫الدهيآء زرقاء اليمامة بنت مرهل )‪ ،(8‬كاهنة اليمامة‪ ،‬فما استتم كلمه‬
‫وإذا بها قد صارت في أوساطهم‪ ،‬ونادت بأعلى صوتها‪:‬‬

‫)‪ (1‬جللت بالرفد خ ل‪ (2) .‬داعيا خ ل‪ (3) .‬المواضيا خ ل‪ (4) .‬سألتموني خ ل‪.‬‬
‫وفي المصدر‪ :‬تسألونى الخروج عن مكانكم‪ (5) .‬مكانكم خ ل‪ (6) .‬عن‬
‫بلدكم‪ ،‬وأنا على ما اردتموه عازم خ ل وهو الموجود في المصدر‪(7) .‬‬
‫في المصدر بعده‪ :‬فتطاول إليها العناق‪ ،‬وشخصت إليها الحداق‪ ،‬فكان‬
‫أول من أتاها أبو قحافة عمر بن عامر‪ ،‬فلما نظرها عرفها‪ ،‬ونادى يا أهل‬
‫البطح وسادات الحرم أتتكم إ‍ه قلت‪ :‬فيه وهم‪ ،‬لن ابا قحافة اسمه‬
‫عثمان‪ ،‬واسم أبيه عامر‪ ،‬واسم جده عمرو فالصحيح‪ :‬أبو قحافة بن‬
‫عامر بن عمرو‪ ،‬أو كلمة أبو قحافة زائدة‪ (8) .‬مرقل خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 315‬‬

‫يا معاشر قريش حييتم بالكثار‪ ،‬وعمرت بكم الديار‪ ،‬فإني فارقت أهلي وخرجت من‬
‫أوطاني‪ ،‬وجعلت قصدي إليكم لخبركم عن أشياء قد دنت وقربت‪ ،‬وسوف‬
‫يظهر في دياركم عن قريب العجب العجيب‪ ،‬فإن أذنتم لي بالنزول نزلت‪،‬‬
‫وإن أحببتم الرحيل رحلت‪ ،‬ثم قالت شعرا "‪ :‬إني لعلم ما ياتي من العجب‬
‫* بأرضكم هذه يا معشر العرب لقد دنا وقت مبعوث لمته * محمد‬
‫المصطفى المنعوت في الكتب فعن قليل سيأتي وقت بعثته * يرمي معانده‬
‫بالذل والحرب يدعو إلى دين غير اللت مجتهدا " * ول يقول بأصنام ول‬
‫نصب وقد أتيت لخبركم ببينة * مما رأيت من النوار والشهب عما قليل‬
‫ترى النيران مضرمة )‪ * (1‬ببطن مكة ترمي الجمع باللهب فإن أذنتم وإل‬
‫رحت راجعة * وتندمون إذا ما جاء بالعطب وآخر بذباب )‪ (2‬السيف‬
‫يعضده * قرن يدانيه في الحساب والنسب فلما سمع قريش كلمها‬
‫وشعرها أمروها بالنزول‪ ،‬فنزلت‪ ،‬وقالوا‪ :‬هل تنطق بما نطق به سطيح أم‬
‫ل ؟ فقال لها عتبة )‪ :(3‬ما الذي راع سيدة اليمامة ؟ هل لك من حاجة‬
‫فتقضى ؟ فقالت‪ :‬إني لست ذات فقر ول إقلل‪ ،‬ول محتاجة‪ ،‬إلى رفد ول‬
‫مال‪ ،‬بل جئتكم ببشارة ابشركم‪ ،‬وحذر احذركم‪ ،‬وليست البشارة لي‪ ،‬بل هي‬
‫وبال علي )‪ ،(4‬فقال عتبة‪ :‬يا زرقاء وما هذا الكلم ؟ أراك توعدين نفسك‬
‫وإيانا بالبوار والدمار‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا الوليد‪ ،‬ومن هو بالمرصاد‪ ،‬ليخرجن‬
‫من هذا الواد‪ ،‬نبي يدعو إلى الرشاد‪ ،‬وينهى عن‬

‫)‪ (1‬ضارمة خ ل قلت‪ :‬ضرم النار‪ :‬اشتعلت‪ .‬وأضرم النار‪ :‬أوقدها وأشعلها‪.‬‬
‫وألهبها‪ (2) .‬ذباب السيف‪ :‬طرفه الذى يضرب به‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬قال‪:‬‬
‫فلما سمعوا قولها أمروها بالنزول والجلوس عندهم‪ ،‬ليعلموا ما عندها‪،‬‬
‫ويتحققون علمها‪ ،‬وهل تنطق بمثل ما نطق به سطيح أم ل‪ ،‬فقالوا‪ :‬أيتها‬
‫الزرقاء انزلى عندنا بالرحب والسعة‪ ،‬فنزلت عن البعير‪ ،‬وجلست في‬
‫أوساطهم‪ ،‬فقال لها عتبة بن ربيعة‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وبال على وعليكم‪،‬‬
‫وهلكي وهلك من كان مثلى‪.‬‬

‫] ‪[ 316‬‬

‫الفساد )‪ ،(1‬نوره في وجهه يتردد‪ ،‬واسمه محمد عليه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬كأني‬
‫به عن قريب يولد‪ ،‬يساعده على ذلك مساعد‪ ،‬ويعاضده معاضد‪ ،‬يقاربه في‬
‫الحسب‪ ،‬ويدانيه في النسب‪ ،‬مبيد القران‪ ،‬ومجدل الشجعان‪ ،‬أسد ضرغام‪،‬‬
‫وسيف قصام‪ ،‬جسور في الغمرات‪ ،‬هزبر في الفلوات‪ ،‬له ساعد قوي‪،‬‬
‫وقلب جرئ‪ ،‬واسمه أمير المؤمنين علي‪ ،‬ثم قالت‪ :‬آه ثم آه‪ ،‬من يوم‬
‫سألقاه‪ ،‬وأعظم )‪ (2‬مصيبتاه ستكون لي قصة عجيبة‪ ،‬ومصيبة وأي‬
‫مصيبة‪ ،‬فلو أردت النجاة سارعت إلى إجابته‪ ،‬وتركت ما أنا عليه من‬
‫مكائدته‪ ،‬ولكن أرى خوض البحار‪ ،‬والعرض على النار أيسر من الذل )‪(3‬‬
‫والصغار‪ ،‬ول أنا شارية )‪ (4‬بعزي ذل "‪ ،‬ول بعلمي جهل "‪ ،‬ثم أنشأت‬
‫تقول‪ :‬ذوي القبائل والسادات ويحكم * إني أقول مقال " كالجلميد لو كنت‬
‫من هاشم أو عبد مطلب * أو عبد شمس ذوي الفخر الصناديد أو من لوي‬
‫سراة الناس كلهم * ذوي السماحة والفضال والجود أو من بني نوفل أو‬
‫من بني أسد * أو من بني زهرة الغر الماجيد لكنت أول من يحظى )‪(5‬‬
‫بصاحبكم * إذا جرى ماؤه في يابس العود لكن أرى أجلي قد حان مدته *‬
‫لما دنا مولد يا خير مولود ثم قالت‪ :‬هيهات‪ ،‬ل جزع مما هو آت )‪،(6‬‬
‫وخالق الشمس والقمر‪ ،‬ومن إليه مصير البشر‪ ،‬لقد صدقكم سطيح الخبر‪،‬‬
‫فلما سمعوا ما قالت حاروا‪ ،‬ثم نظرت إلى أبي طالب وأخيه عبد ال‪ ،‬وكانت‬
‫عارفة بعبدال قبل ذلك‪ ،‬لنه كان مسافرا " إلى نحو اليمن قبل أن‬

‫)‪ (1‬في المصدر بعده‪ ،‬ويقتل العادي‪ ،‬سفاك الدماء‪ ،‬نوره يتجدد‪ ،‬ونور أعدائه‬
‫يخمد‪ ،‬نوره في وجهه يتردد‪ (2) .‬يا أعظم خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬ومن‬
‫عظم‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ولكن أرى خوض البحار ونقل الحجار والتلوح‬
‫على النار أيسير عن الذل‪ (4) .‬مشترية خ ل‪ (5) .‬أي أول من ينال منه‬
‫حظا‪ (6) .‬دهر يحول‪ ،‬وميت ومقتول خ م‪.‬‬

‫] ‪[ 317‬‬

‫يتزوج بآمنة بنت وهب‪ ،‬وكان نور النبي صلى ال عليه وآله في وجهه‪ ،‬وأن‬
‫الزرقاء نظرت إليه وقد نزل بقصر من قصور اليمامة‪ ،‬وذهب أبوه عبد‬
‫المطلب في حاجة وتركه عند متاعه وسيفه عند رأسه‪ ،‬فنزلت الزرقاء‬
‫مسرعة‪ ،‬وفي يدها كيس من الورق‪ ،‬فوثبت عليه )‪ (1‬ثم قالت له‪ :‬يا فتى‬
‫حياك ال بالسلم‪ ،‬وجللك بالنعام‪ ،‬من أي العرب أنت ؟ فما رأيت أحسن‬
‫منك وجها "‪ ،‬قال‪ :‬أنا عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف‪،‬‬
‫سيد الشراف‪ ،‬ومطعم الضياف‪ ،‬سادات الحرم‪ ،‬ومن لهم السابقة في‬
‫القدم‪ ،‬فقالت‪ :‬فهل لك يا سيدي من فرحتين عاجلتين ؟ قال‪ :‬وما هما ؟‬
‫قالت‪ :‬تجامعني الساعة‪ ،‬وتأخذ هذه الدراهم‪ ،‬وأبذل لك مأة من البل محملة‬
‫تمرا " وبسرا " وسمنا "‪ ،‬فلما استتم كلمها قال‪ :‬إليك عني‪ ،‬فما أقبح‬
‫صورتك يا ويلك )‪ ،(2‬أما علمت أنا قوم ل نركب الثام )‪ ،(3‬اذهبي‪،‬‬
‫وتناول سيفا " كان عنده فانهزمت ورجعت خائبة‪ ،‬فأقبل أبوه فوجده‬
‫وسيفه مسلول وهو يقول شعرا "‪ :‬أنرتكب الحرام بغير حل * ونحن ذووا‬
‫المكارم في النام إذا ذكر الحرام فنحن قوم * جوارحنا تصان عن الحرام‬
‫فقال له أبوه‪ :‬يا ولدي ما جرى )‪ (4‬عليك بعدي ؟ فأخبره بخبره‪ ،‬ووصف‬
‫له صفاتها فعرفها‪ ،‬وقال له‪ :‬يا بني هذه زرقاء اليمامة )‪ ،(5‬قد نظرت إلى‬
‫النور الذى في وجهك يلوح‪ ،‬فعرفت أنه الشرف الوكيد‪ ،‬والعز الذى ل يبيد‪،‬‬
‫فأرادت أن تسلبه منك‪ ،‬والحمد ل الذي عصمك عنها‪ ،‬ثم رحل به إلى مكة‪،‬‬
‫وزوجه بآمنة بنت وهب‪ ،‬فلما رأته الزرقاء عرفته‪ ،‬وعلمت أنه تزوج‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬ألست صاحبي باليمامة في يوم كذا ؟ قال لها‪:‬‬

‫)‪ (1‬فوقفت عنه رأسه خ ل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬اليك عنى‪ ،‬فما أشر غرتك‪ ،‬وأقبح‬
‫طلعتك وخطابك ؟ مالك ولهذا الكلم ؟ أما علمت‪ (3) .‬في المصدر زيادة‬
‫هي‪ :‬ول نحب الحرام‪ ،‬اذهبي بالذلة والرغام‪ ،‬إنى أظنك من نسل اللئام‪،‬‬
‫فقالت له‪ :‬يا هذا انى أزيد لك المال النوال )كذا(‪ ،‬وأبذل لك النوال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فلما سمع كلمها وأنها ل تنتهى عماهى عليه قبض على سيفه‪ ،‬وهم أن‬
‫يضربها به فوثبت هاربة‪ ،‬ورجعت خائبة‪ (4) .‬وما خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪:‬‬
‫فما جرى لك من بعدي ؟ )‪ (5‬في المصدر‪ :‬كاهنة اليمامة‪.‬‬

‫] ‪[ 318‬‬

‫نعم‪ ،‬فل أهل " بك ول سهل "‪ ،‬يا ابنة اللخناء )‪ ،(1‬قالت‪ :‬أين نور الذى كان في‬
‫غرتك ؟ قال‪ :‬في بطن زوجتي آمنة بنت وهب‪ ،‬قالت‪ :‬ل شك أنها لذلك أهل‪،‬‬
‫ثم نادت برفيع صوتها‪ :‬يا ذوي العز والمراتب إن الوقت متقارب‪ ،‬وإن‬
‫المر لواقع‪ ،‬ما له من دافع‪ ،‬فتفرقوا عني‪ ،‬فقد جاء المساء‪ ،‬وفي الصباح‬
‫يسمع مني الخبار‪ ،‬وأوقفكم على حقيقة الثار‪ ،‬فتفرقوا عنها‪ .‬قال‪ :‬فلما‬
‫مضى من الليل شطره مضت إلى سطيح‪ ،‬وقد خرج من مكة فقالت له‪ :‬ما‬
‫ترى ؟ قال‪ :‬أرى العجب‪ ،‬والوقت قد قرب‪ ،‬وحدثها بما قد جرى من قريش‪،‬‬
‫قالت له‪ :‬ما تشير به علي ؟ قال لها‪ :‬أما أنا فقد كبر سني ولول خيفة العار‬
‫لمرت من يريحني من الحياة‪ ،‬ولكني سأذهب إلى الشام‪ ،‬واقيم بها حتى‬
‫يأتيني الحمام‪ ،‬فإنه ل طاقة لي به‪ ،‬فإنه المؤيد المنصور‪ ،‬ومن يعاديه‬
‫مقهور‪ ،‬قالت‪ :‬يا سطيح وأين أعوانك ؟ لم ل يساعدونك على هذا المر‪ ،‬و‬
‫يعينونك على هلك آمنة قبل أن يخرج من الحشاء ؟ قال لها‪ :‬يا زرقاء‬
‫وهل يقدر أحد أن يتعرض لمنة‪ ،‬فإن من تعرض لها عاجله التدمير‪ ،‬من‬
‫اللطيف الخبير‪ ،‬أما أنا وأصحابي فل نتعرض لها‪ ،‬والن أنصحك‪ ،‬فإياك أن‬
‫تصلي إلى آمنة‪ ،‬فإن حافظها رب السماوات والرض‪ ،‬فإن لم تقبلي‪،‬‬
‫نصيحتي فدعيني وما أنا عليه‪ ،‬فلعلي )‪ (2‬أموت الليلة أو غدا "‪ ،‬فلما‬
‫سمعت مقالته أعرضت عنه‪ ،‬وباتت ليلتها ساهرة‪ ،‬فلما أصبح الصباح‬
‫أقبلت إلى بني هاشم‪ ،‬وقالت‪ :‬أنعم ال لكم الصباح‪ ،‬لقد أشرفت بكم المحافل‬
‫)‪ ،(3‬ووفقتم‪ ،‬إذ ظهر فيكم المنعوت في التوراة والنجيل والزبور‬
‫والفرقان‪ ،‬فياويل من يعاديه )‪،(4‬‬

‫)‪ (1‬بعده في المصدر‪ :‬قالت‪ :‬فما فعل النور الذى كان في وجهك‪ ،‬فقال‪ :‬جزاك ال‪،‬‬
‫ان أبى زوجني بآمنة بنت وهب‪ ،‬وانتقل النور إليها‪ ،‬وانها لذلك أهل‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬صدقت‪ ،‬ول شك فيما ذكرت‪ ،‬فنادت بأعلى صوتها‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فل نتعرض لهذا المر‪ ،‬ل ننا ل نقدر عليه‪ ،‬ول نجد فيه حيلة‪،‬‬
‫والن قد أعلمتك ونصحتك‪ ،‬فاقبلي نصيحتي‪ ،‬فانك ل تصلين إلى آمنة‬
‫وحافظها ربها‪ ،‬ول يقدر عليها أحد‪ ،‬فان لم تقبلي نصيحتي فدعيني وما‬
‫أنا عليه من البل‪ ،‬وضعف القوى‪ ،‬فلعلي إ‍ه‪ (3) .‬البطاح خ ل فقلت‪:‬‬
‫البطاح جمع البطحاء‪ (4) .‬عائدة خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 319‬‬

‫وطوبى لمن اتبعه )‪ ،(1‬فلم يبق أحد من بني هاشم إل فرح بما ذكرت الزرقاء‪،‬‬
‫ووعدوها بخير )‪ ،(2‬فقالت لهم‪ :‬لست محتاجة إلى مال ول رفاد‪ ،‬ولكن‬
‫ماجئت من القطار إل لخبركم بحقيقة الخبار )‪ ،(3‬فقال أبو طالب‪ :‬قد‬
‫وجب حقك علينا‪ ،‬فهل لك من حاجة ؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬اريد أن تجمع بيني وبين‬
‫آمنة حتى أتحقق ما اخبركم به‪ ،‬قال‪ :‬سمعا " وطاعة "‪ ،‬فجاء بها إلى‬
‫منزل آمنة‪ ،‬فطرق الباب‪ ،‬فقامت آمنة لفتح الباب فلح من وجهها نور‬
‫ساطع‪ ،‬وضيآء لمع فسقطت )‪ (4‬الزرقاء حسدا "‪ ،‬وأظهرت تجلدا "‪،‬‬
‫فلما دخلت المنزل أتوها بطعام فلم تأكل‪ ،‬وقالت‪ :‬سوف يكون لمولود كم‬
‫هذا عجب عجيب‪ ،‬وسوف تسقط الصنام‪ ،‬وتخمد الزلم‪ ،‬وينزل على‬
‫عبادها الدمار‪ ،‬ويحل بهم البوار )‪ ،(5‬ثم إنها خرجت من المنزل متفكرة‬
‫في قتل آمنة‪ ،‬وكيف تعمل الحيلة‪ ،‬وجعلت تتردد إلى سطيح وتطلب منه‬
‫المساعدة‪ ،‬فلم يلتفت إليها ول إلى قولها‪ ،‬فأقبلت حتى نزلت على امرأة من‬
‫الخزرج اسمها تكنا )‪ ،(6‬وكانت ما شطة لمنة‪ ،‬فلما كان في بعض الليالي‬
‫استيقظت تكنا فرأت عند رأس الزرقاء شخصا " يحدثها‪ ،‬ويقول‪ :‬كاهنة‬
‫اليمامة * جاءت بذي تهامة‬

‫)‪ (1‬لمن اتبعه وعاضده خ ل‪ .‬وفي المصدر‪ :‬طوبى لمن تبعه وعاضده‪ ،‬والويل لمن‬
‫خالفه وعانده‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬بما قالت الزرقاء ووعدها خيرا‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فقالت لهم‪ :‬ما أنا ذات فقر ول إملق‪ ،‬وإني لكثير المال‪ ،‬جاهى‬
‫طويل‪ ،‬ومالى جزيل‪ ،‬وما أزعجني عن الوطان واتاني إلى هذا المكان ال‬
‫أبشركم‪ (4) .‬فتقطعت خ ل وفي المصدر‪ :‬فقطعت‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬فلما‬
‫دخلت المنزل واستقربها الجلوس أتوها بالطعام فأبت أن تأكل‪ ،‬وقال ما‬
‫آكل زادكم‪ ،‬ول أخرج من بلدكم حتى أنظر ما يكون من ولدكم‪ ،‬وسترون‬
‫ما يظهر عند مولده من العجائب‪ ،‬من سقوط الصنام‪ ،‬وما ينزل بمعاديه‬
‫من الدمار‪ (6) .‬هكذا في النسخة‪ .‬وفي المصدر‪ ،‬وكذا فيما يأتي‪،‬‬
‫والصحيح تكنى‪ ،‬قال الفيروز آبادي‪ :‬تكنى بالضم‪ :‬اسم امرأة‪.‬‬
‫] ‪[ 320‬‬

‫ستدرك الندامة * إذا أتاها من له العمامة )‪ (1‬فلما سمعت الزرقاء ذلك‪ ،‬وثبت‬
‫قائمة‪ ،‬وقالت له‪ :‬لقد كنت صاحب الوفاء‪ ،‬فلم حبست نفسك عني هذه‬
‫المدة‪ ،‬فإني في هموم متواترات‪ ،‬وأهوال وكربات‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا ويلك يا‬
‫زرقاء لقد نزل بنا أمر عظيم‪ ،‬لقد كنا نصعد إلى السماء السابعة‪ ،‬ونسترق‬
‫السمع‪ ،‬فلما كان في هذه اليام القليلة طردنا من السماء‪ ،‬وسمعنا مناديا "‬
‫ينادي في السماوات‪ :‬إن ال قد أراد أن يظهر المكسر للصنام‪ ،‬ومظهر‬
‫عبادة الرحمن‪ ،‬فامتنعوا جملة الشياطين من السماء‪ ،‬وتحدرت علينا‬
‫ملئكة بأيديهم شهب من نار‪ ،‬فسقطنا كأننا جذوع النخل‪ ،‬وقد جئتك‬
‫لحذرك‪ ،‬فلما سمعت كلمه قالت له‪ :‬انصرف عني‪ ،‬فلبد أن أجتهد غاية‬
‫المجهود‪ ،‬في قتل هذا المولود‪ ،‬فراح عنها )‪ (2‬وهو يقول‪ :‬إني نصحتك‬
‫بالنصيحة جاهدا " * فخذي لنفسك واسمعي من ناصح ل تطلبي أمرا "‬
‫عليك وباله * فلقد أتيتك باليقين الواضح هيهات أن تصلى إلى ما تطلبي *‬
‫من دون ذلك عظم أمر فادح )‪ (3‬فال ينصر )‪ (4‬عبده ورسوله * من شر‬
‫ساحرة وخطب فاضح عودي إلى أرض اليمامة واحذري * من شر يوم‬
‫سوف يأتي كادح ثم إنه طار عنها‪ ،‬وتكنا )‪ (5‬تسمع ما جرى بينهما‪،‬‬
‫وكأنها لم تسمع ما جرى‪،‬‬

‫)‪ (1‬الشعر في بعض النسخ هكذا‪ .‬أمامة جاءت من اليمامة * أزعجها ذوهمة‬
‫وهامة لما رأت النور على أمامه * ذاك ل ظهار النبي علمة محمد‬
‫الموصوف بالكرامة * ستدرك الزرقاء به ندامة لهفى على سيدة اليمامة‬
‫* إذا أتاها صاحب الغمامة وفي بعض النسخ صاحب العلمة‪ .‬منه رحمه‬
‫ال‪ .‬قلت‪ :‬والشعار ساقطة عن نسختي من المصدر‪ ،‬وكذا جملة مما‬
‫بعدها إلى قوله‪ :‬فقالت‪ :‬يا اختاه‪ (2) .‬أي ذهب ورجع عنها‪ (3) .‬الفادح‪:‬‬
‫الصعب المثقل‪ (4) .‬يحفظ خ ل‪ (5) .‬الصحيح‪ :‬تكنى كما تقدم‪.‬‬

‫] ‪[ 321‬‬

‫فلما أصبحت جلست بين يدي الزرقاء فقالت‪ :‬ما لي أراك مغمومة ؟ قالت لها‪ :‬يا‬
‫اختاه إن الذي نزل بي من الهموم والغموم لخروجي من الوطان‪ ،‬وذهابي‬
‫من البلدان‪ ،‬وتشتتي في كل مكان‪ ،‬وتفردي عن الخلن‪ ،‬قالت لها‪ :‬ولم ذلك‬
‫؟ قالت لها‪ :‬يا ويلك من حامل مولود )‪ ،(1‬يدعو إلى أكرم معبود‪ ،‬يكسر‬
‫الصنام‪ ،‬ويذل السحرة والكهان‪ ،‬يخرب الديار‪ ،‬ول يترك بمكة أحدا " من‬
‫ذوي البصار‪ ،‬وأنت تعلمين أن القعود )‪ (2‬على النار‪ ،‬أيسر من الذل‬
‫والصغار‪ ،‬فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له المنا‪ ،‬وأعطيته‬
‫الغنا )‪ ،(3‬وعمدت إلى كيس )‪ (4‬كان معها فأفرغته بين يدي تكنا )‪،(5‬‬
‫وكان مال " جزيل "‪ ،‬فلما نظرت تكنا )‪ (6‬إلى المال لعب بقلبها‪ ،‬وأخذ‬
‫بعقلها )‪ ،(7‬وقالت لها‪ :‬يا زرقاء لقد ذكرت أمرا " عظيما "‪ ،‬وخطبا "‬
‫جسيما "‪ ،‬والوصول إليه بعيد‪ ،‬وإني ماشطة لجملة نساء بني هاشم‪ ،‬ول‬
‫يدخل عليهن غيري‪ ،‬ولكن سوف افكر لك فيما ذكرت‪ ،‬وكيف اجسر على‬
‫ما وصف‪ ،‬والوصول إلى ما ذكرت‪ ،‬قالت الزرقاء‪ :‬إذا دخلت على آمنة‬
‫وجلست عندها فاقبضي على ذؤائبها‪ ،‬واضربيها بهذا الخنجر‪ ،‬فإنه‬
‫مسموم‪ ،‬فإذا اختلط الدم بالسم هلكت‪ ،‬فإذا وقع عليك تهمة‪ ،‬أو وجب عليك‬
‫دية فأنا أقوم بخلصك‪ ،‬وأدفع عنك عشر ديات غير الذي دفعته إليك في‬
‫وقتي هذا‪ ،‬فما أنت قائلة ؟ قالت‪ :‬إني اجبتك‪ ،‬لكن اريد منك الحيلة بأن‬
‫تشغلي بني هاشم عني‪ ،‬قالت الزرقاء‪ :‬إني هذه الساعة )‪ (8‬آمر عبيدي أن‬
‫يذبحوا الذبائح‪ ،‬ويعملوا الخمور‪ ،‬ويطرحوها في الجفان‪ ،‬فإذا أكلوا‬
‫وشربوا من ذلك ظفرت بحاجتك‪ ،‬قالت لها تكنا )‪ :(9‬الن تمت الحيلة‪،‬‬
‫فافعلي ما ذكرت‪ ،‬فصنعت‬

‫)‪ (1‬من حاملة بمولود خ ل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬من جهة مولود‪ (2) .‬التلوح خ ل وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬بذلت له الغنا‪ ،‬وأعطيت المنا‪.‬‬
‫قلت في عبارة الكتاب ومصدره تصحيف‪ ،‬والصحيح‪ :‬المنى‪ ،‬والغنا اما‬
‫مصحف الغناء أو الغنى‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬إلى مزود‪ ،‬قلت‪ :‬المزود‪ :‬ما‬
‫يوضع فيه الزاد‪ 5) .‬و ‪ (6‬قد عرفت أن الصحيح‪ :‬تكنى‪ (7) .‬أخذ‬
‫الشيطان بقلبها خ ل وفي المصدر‪ :‬لما نظرت تكنى إلى المال أخذ لبها‬
‫وعقلها‪ (8) .‬اريد هذه الساعة خ ل‪ (9) .‬قد عرفت ان الصحيح‪ :‬تكنى‪.‬‬

‫] ‪[ 322‬‬

‫الزرقاء ما ذكرت‪ ،‬وأمرت عبيدها ينادون )‪ (1‬في شوارع مكة أن )‪ (2‬يجمعوا‬


‫الناس‪ ،‬فلم يبق أحد إل وحضر وليمتها من أهل مكة‪ ،‬فلما أكلوا وشربوا‬
‫وعلمت أن القوم قد خالط عقولهم الشراب أقبلت إلى تكنا وقالت‪ :‬قومي‬
‫إلى حاجتك‪ ،‬فقامت تكنا )‪ (3‬و جاءت بالخنجر ورشت في جوانبه السم‪،‬‬
‫ودخلت على آمنة فرحبت بها آمنة )‪ ،(4‬و سألتها عن حالها‪ ،‬وقالت‪ :‬يا‬
‫تكنا ما عودتيني بالجفاء )‪ (5‬فقالت‪ :‬اشتغلت بهمي و حزني‪ ،‬ولول أياديكم‬
‫الباسطة علينا لكنا بأقبح حال‪ ،‬ول أحد أعز علي منك‪ ،‬هلمي )‪ (6‬يا بنية‬
‫إلي حتى ازينك‪ ،‬فجائت آمنة وجلست بين يدي تكنا‪ ،‬فلما فرغت من تسريح‬
‫شعرها عمدت إلى الخنجر وهمت أن تضربها به‪ ،‬فحست تكنا كأن أحدا "‬
‫قبض )‪ (7‬على قلبها فغشى على بصرها‪ ،‬وكأن ضاربا " ضرب على يدها‬
‫فسقط الخنجر من يدها إلى الرض‪ ،‬فصاحت‪ :‬واحزناه‪ ،‬فالتفتت آمنة إليها‬
‫وإذا الخنجر قد سقط من يد تكنا‪ ،‬فصاحت آمنة فتبادرت النسوان إليها‪،‬‬
‫وقلن لها‪ :‬ما دهاك )‪ (8‬؟ قالت‪ :‬يا ويلكن أما ترين ما جرى علي من تكنا‪،‬‬
‫كادت أن تقتلني بهذا الخنجر‪ ،‬فقلن‪ :‬يا تكنا ما أصابك ؟ ويلك تريدين أن‬
‫تقتلي آمنة على أي جرم ؟ فقالت‪ :‬يا ويلكن قد أردت قتل آمنة‪ ،‬و الحمد ل‬
‫الذي صرف عنها البلء‪ ،‬فقالت‪ :‬الحمد ل على السلمة من كيدك يا تكنا‪،‬‬
‫فقالت لها النساء‪ :‬يا تكنا ما حملك على ذلك ؟ قالت‪ :‬ل تلوموني )‪،(9‬‬
‫حملني طمع الدنيا الغرور‪ ،‬ثم أخبرتهن بالقصة‪ ،‬وقالت لهن‪ :‬ويحكن‬
‫دونكن الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكن‪ ،‬ثم سقطت ميتة‪ ،‬فصاحت النسوان‬
‫صيحة عالية‪ ،‬فأقبل بنو هاشم إلى منزل آمنة‪ ،‬فإذا‬

‫)‪ (1‬أن ينادوا خ ل‪ (2) .‬وأن يجمعوا خ ل‪ (3) .‬هو وما قبله مصحف‪ ،‬والصحيح‪:‬‬
‫تكنى‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فلما رأتها آمنة رحبت بها‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وما‬
‫تعودت منك هذا الجفاء‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ول أجد ما أتقرب إلى بعلك ال‬
‫بزينتك‪ ،‬لما أعلم به من محبتك‪ ،‬هلمى‪ (7) .‬كان قد خ ل‪ (8) .‬أي ما‬
‫أصابك من داهية ؟‪ (9) .‬ل تلممنى خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 323‬‬

‫بتكنا )‪ (1‬ميتة‪ ،‬وقد تجلل نور آمنة‪ ،‬ونظروا إلى الخنجر‪ ،‬وحكوا )‪ (2‬لهم القصة‪،‬‬
‫فخرج أبو طالب ينادي‪ :‬أدركوا الزرقاء وقد وصلها الخبر‪ ،‬فخرجت هاربة‬
‫فتبعها الناس من بني هاشم وغيرهم فلم يدركوها ولم يلحقوها‪ ،‬فسمع أبو‬
‫جهل ذلك فقال‪ :‬وددت أنها قتلت آمنة‪ ،‬ولكن حاد عنها أجلها‪ ،‬وأرجوا‬
‫بسطيح أن يعمل أحسن مما عملت الزرقاء‪ ،‬فلما سمع سطيح بخبر الزرقاء‬
‫أمر غلمانه أن يحملوه على راحلته‪ ،‬وسافر إلى الشام )‪ .(3‬فلما ولد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله لم يبق صنم إل سقط )‪ .(4‬وغارت بحيرة ساوة‪،‬‬
‫وفاض وادي سماوة‪ ،‬وخمدت نيران فارس‪ ،‬وارتج إيوان كسرى وهو‬
‫جالس‪ ،‬ووقع )‪ (5‬منه أربع عشرة شرفة‪ ،‬فلما أصبح كسرى نظر إلى ذلك‬
‫وهاله‪ ،‬فدعا )‪ (6‬بوزرائه وقال لهم‪ :‬ما هذا الذي حدث في هذه البلد ؟‬
‫فهل عندكم من علم ؟ فقال المؤبذان‪ :‬أيها الملك العظيم الشأن لقد رأيت إبل‬
‫" صعابا " تقودها‪ ،‬خيل عراب‪ ،‬وقد خاضت في الوادي‪ ،‬وانتشرت في‬
‫البلد‪ ،‬وماذاك إل لمر عظيم‪ ،‬فبينما هم كذلك إذا ورد عليهم كتاب بخمود‬
‫النيران كلها‪ ،‬فزادهم هما " وغما "‪ ،‬ثم أتاه بعد ذلك خبر البحيرة والوادي‬
‫)‪ ،(7‬فأقبل على المؤبذان فقال‪ :‬إنا ل نعلم أحدا " من العلماء نسأله )‪(8‬‬
‫عن ذلك‪ ،‬فقال المؤبذان‪ :‬إنا نكتب إلى النعمان بن المنذر كتابا " لعله‬
‫يعرف أحدا " يعلم ذلك‪ ،‬فكتب إلى النعمان كتابا " فأرسل إليه رجل اسمه‬
‫عبد المسيح‪ ،‬وكان ابن اخت سطيح‪ ،‬فقال له كسرى‪ :‬هل عندك علم مما‬
‫أريد أن أسألك عنه ؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن لي خال اسمه سطيح‪ ،‬يسكن في‬
‫مشارف الشام‪ ،‬يعرف خبرك‪ ،‬ويعرف ما تريد‪ ،‬فقال له كسرى‪ :‬اخرج إليه‬
‫واسأله عما اريد أن أسألك عنه‪،‬‬

‫)‪ (1‬تقدم مكررا أن الصحيح‪ :‬تكنى وكذا فيما قبلها‪ (2) .‬وحكين خ ل صح‪(3) .‬‬
‫حتى لحق بها خ‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬ال وأصبح مكبوبا على وجهه‪(5) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬وانشق ووقع‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فهاله ودعا‪ (7) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬بحيرة بالوادي‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬أحدا عالما نسأله‪.‬‬

‫] ‪[ 324‬‬

‫فإن أجاب عد إلي بالجواب‪ ،‬أجزل لك الجائزة والنوال‪ ،‬ثم خرج عبد المسيح إلى أن‬
‫وصل إلى الشام‪ ،‬فوجد سطيحا " يجود بنفسه‪ ،‬ويعالج سكرات الحمام‪،‬‬
‫فسلم عليه‪ ،‬فلم يرد عليه السلم‪ ،‬فلما كان بعد ساعة فتح عينيه وقال‪ :‬جاء‬
‫عبدالمسيح‪ ،‬على جمل يسيح‪ ،‬من عند كسرى يصيح‪ ،‬بلسان فصيح‪،‬‬
‫مرسول إلى سطيح‪ ،‬سيد بني غسان‪ ،‬يسأل عن ارتجاع )‪ (1‬اليوان‪،‬‬
‫وخمود النيران‪ ،‬ورؤيا المؤبذان‪ ،‬كان إبل " صعابا " تقودها خيل عراب‪،‬‬
‫وقد قطعت الوادي‪ ،‬وانتشرت في البلد‪ ،‬ذلك وال ما كنا نتوقع من خروج‬
‫السفاك‪ ،‬ومالك الملك‪ ،‬يا عبدالمسيح أقول لك‪ :‬قول " صحيحا " )‪،(2‬‬
‫إذا فاض وادي سماوة‪ ،‬وغارت بحيرة ساوة‪ ،‬فليست الشام لسطيح بشام‪،‬‬
‫تظهر الدللت ويملك منهم ملوك على عدد الشرفات المتساقطات‪ ،‬وكل ما‬
‫هو آت آت ويكون الراحة لسطيح في الممات‪ ،‬ثم صرخ صرخة ومات‪ ،‬ثم‬
‫إن عبدالمسيح خرج إلى كسرى فأخبره بما قاله سطيح‪ ،‬فأعطاه وأنعم‬
‫عليه لما اخبر بأن )‪ (3‬يملك منهم أربعة عشر ملكا "‪ .‬قال أبو الحسن‬
‫البكري‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث‪ ،‬أنه لما تتابعت أشهر‬
‫آمنة سمعت مناديا " )‪ (4‬ينادي من السماء‪ :‬مضى لحبيب ال كذا وكذا‪ ،‬و‬
‫كان تهتف بآمنة الهواتف في الليل والنهار‪ ،‬وتخبر زوجها عبد ال بذلك‪،‬‬
‫فيقول لها‪ :‬اكتمي أمرك عن كل أحد )‪ ،(5‬فلما مضى لها ستة أشهر لم تجد‬
‫ثقل )‪ ،(6‬ولما كان الشهر‬

‫)‪ (1‬انفجاج خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬بقول صحيح خ ل‪ (3) .‬بانه خ ل‪.‬‬
‫)‪ (4‬في المصدر‪ :‬فما من شهر يمضى ال وتسمع مناديا‪ (5) .‬في بعض‬
‫النسخ‪ :‬فلما أتى عليها شهر أتاها آدم عليه السلم فقال لها‪ :‬بشراك يا‬
‫آمنة‪ ،‬فقد حملت بسيد النام‪ ،‬وفي الشهر الثاني أتاها إدريس عليه السلم‬
‫وقال لها‪ :‬قد حملت بالنبي النفيس‪ ،‬وفي الشهر الثالث جاءها نوح عليه‬
‫السلم وقال‪ :‬قد حملت بصاحب الفتوح‪ ،‬وفي الشهر الرابع جاءها‬
‫ابراهيم الخليل عليه السلم وقال لها‪ :‬بشراك بالنبي الجليل‪ ،‬وفي الشهر‬
‫الخامس جاءها داود عليه السلم وقال لها‪ :‬بشراك بصاحب المحمود‪،‬‬
‫وفي الشهر السادس جاءها اسماعيل عليه السلم وقال لها‪ :‬بشراك‬
‫بصاحب التبجيل‪ ،‬وفي الشهر السابع جاءها سليمان )بن داود ظ( عليهما‬
‫السلم و قال لها‪ :‬بشراك بصاحب البرهان‪ ،‬وفي الشهر الثامن جاءها‬
‫موسى الكليم عليه السلم وقال لها ليهنئك النبي الكريم‪ ،‬وفي الشهر‬
‫التاسع جاءها المسيح عليه السلم وبشرها بصاحب القول الصحيح‬
‫واللسان الفصيح‪ ،‬وكان ذلك في شهر ربيع الول‪ ،‬وقيل‪ :‬فلما مضى لها‬
‫ستة أشهر إلى آخر ما في المتن‪ .‬منه عفى عنه‪ .‬قلت‪ :‬نسختي من‬
‫المصدر خال عنه‪ ،‬وهو ل يخلو عن غرابة‪ ،‬خصوصا مطابقتهم صفاته‬
‫صلى ال عليه وآله مع أسمائهم سجعا‪ (6) .‬في المصدر زيادة هي‪:‬‬
‫وكانت كل يوم تزداد حسنا وجمال وبهجة وكمال‪ .‬فلما دخلت في الشهر‬
‫السابع‪.‬‬

‫] ‪[ 325‬‬

‫السابع دعا عبد المطلب ولده عبد ال وقال‪ :‬يا بني إنه قرب ولدة آمنة‪ ،‬ونحن نريد‬
‫أن نعمل وليمة‪ ،‬وليس عندنا شئ‪ ،‬فامض إلى يثرب واشترلنا منها ما‬
‫يصلح لذلك‪ ،‬فخرج عبد ال من وقته‪ ،‬وسافر حتى وصل إلى يثرب‪،‬‬
‫وطرقته حوادث الزمان فمات )‪ (1‬بها‪ ،‬ووصل خبره إلى مكة‪ ،‬فعظم عليهم‬
‫ذلك‪ ،‬وبكى أهل مكة جميعا " عليه‪ ،‬واقيمت المآتم في كل ناحية‪ ،‬وناح‬
‫عليه أبوه وآمنة وإخوته‪ ،‬وكان مصابا " هائل " فظيعا "‪ ،‬فلما كان‬
‫الشهر التاسع أراد ال تعالى خروج النبي صلى ال عليه وآله وهي لم‬
‫يظهر لها أثر الحمل‪ ،‬ول ما تعتاده النساء‪ ،‬وكانت تحدث نفسها كيف‬
‫وضعي‪ ،‬ولم يعلم بي أحد من قومي ؟ وكانت دار آمنة )‪ (2‬وحدها‪ ،‬فبينما‬
‫هي كذلك إذ سمعت وجبة )‪ (3‬عظيمة ففزعت من ذلك‪ ،‬فإذا قد دخل عليها‬
‫طير أبيض‪ ،‬ومسح بجناحه على بطنها‪ ،‬فزال عنها ما كانت تجده من‬
‫الخوف‪ ،‬فبينما هي كذلك إذ دخل عليها نسوان طوال‪ ،‬يفوح منهن رائحة‬
‫المسك والعنبر‪ ،‬وقد تنقبن بأطمارهن )‪ ،(4‬وكانت من العبقري الحمر‪،‬‬
‫وبأيديهن أكواب من البلور البيض‪ ،‬قالت آمنة‪ :‬فقلن لي‪ :‬اشربي يا آمنة‬
‫من هذا الشراب‪ ،‬فلما شربت أضاء نور وجهي‪ ،‬و عله نور ساطع‪،‬‬
‫وضيآء لمع‪ ،‬وجعلت أقول‪ :‬من أين دخلن علي هذه النسوة‪ ،‬وكنت قد‬
‫أغلقت الباب ؟ فجعلت أنظر إليهن ولم أعرفهن ثم قلن‪ :‬يا آمنة اشربي من‬
‫هذا الشراب‪ ،‬وابشري بسيد الولين والخرين محمد المصطفى صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وسمعت قائل يقول‪ :‬صلى الله وكل عبد صالح * والطيبون‬
‫على السراج الواضح المصطفى خير النام محمد * الطاهر العلم الضيآء‬
‫اللئح زين النام المصطفى علم الهدى * الصادق البر التقي الناصح صلى‬
‫عليه ال ما هب الصبا * وتجاوبت ورق الحمام النائح‬
‫)‪ (1‬قد روى خروجه لغير ذلك كما تقدم في أخبار اخر‪ (2) .‬وكانت آمنة في دار‬
‫وحدها خ ل‪ (3) .‬الوجبة‪ :‬السقطة مع الهدة أو صوت الساقط‪ (4) .‬بأرياط‬
‫لهن خ ل‪ ،‬قلت‪ :‬الريطة‪ :‬الملءة إذا كانت قطعة واحدة ونسجا واحدا‪ .‬كل‬
‫ثوب يشبه الملحفة‪.‬‬

‫] ‪[ 326‬‬

‫ثم قمن النسوة وخرجن‪ ،‬فإذا أنا بأثواب من الديباج قد نشرت بين السماء والرض‬
‫وسمعت قائل " يقول‪ :‬خذوه وغيبوه عن أعين الناظرين والحاسدين‪ ،‬فإنه‬
‫ولي )‪ (1‬رب العالمين‪ ،‬قالت آمنة‪ :‬فداخلني الجزع والفزع‪ ،‬وإذا أنا‬
‫بخفقان )‪ (2‬أجنحة الملئكة‪ ،‬وإذا بهاتف قد نزل‪ ،‬وسمعت تسبيحا "‬
‫وتقديسا " وأرياشا " مختلفة )‪ (3‬هذا ولم يكن في البيت أحد إل أنا‪،‬‬
‫فبينما أنا أقول في نفسي‪ :‬أنا نائمة أو يقظانة ؟ إذ لمع نور أضاء لهل‬
‫السماء والرض حتى شق سقف البيت‪ ،‬وسمعت تسبيح الملئكة‪ ،‬فبينما‬
‫أنا متعجبة من ذلك إذ وضعت ولدي محمدا " صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما‬
‫سقط إلي الرض سجد تلقاء الكعبة رافعا " يديه إلى السماء كالمتضرع‬
‫إلى ربه‪ ،‬وسمعت من داخل البيت جلبة عظيمة‪ ،‬وقائل " يقول شعرا "‪:‬‬
‫كم آية من أجله ظهرت فما * تخفى وزادت في النام ظهورا ورأته آمنة‬
‫يسبح ساجدا " * عند الولدة للسماء مشيرا قالت آمنة‪ :‬وسمعت أصواتا‬
‫" مختلفة‪ ،‬وإذا بسحابة بيضاء قد نزلت على ولدي‪ ،‬فأخذته وغيبته عني‪،‬‬
‫فلم أره فصحت خوفا " على ولدي‪ ،‬وإذا بقائل يقول لي‪ :‬ل تخافي‪ ،‬و‬
‫سمعت قائل " يقول‪ :‬طوفوا بمحمد مشارق )‪ (4‬الرض ومغاربها‪ ،‬وبرها‪،‬‬
‫وبحرها‪ ،‬ووعرها )‪ ،(5‬واعرضوه على الجن والنس‪ ،‬ليعرفوا نعته‪ ،‬قالت‬
‫آمنة‪ :‬كان ما بين غيبته ورجوعه أسرع من طرفة عين‪ ،‬وإذا هو قد جاؤا‬
‫به إلي وهو مدرج في ثوب أبيض من صوف )‪ ،(6‬وهو قابض على مفاتيح‬
‫ثلثة‪ ،‬ورجل قائم على رأسه وهو يقول‪ :‬قبض محمد على مفاتيح النصر‪،‬‬
‫و مفاتيح النبوة‪ ،‬ومفاتيح الكعبة‪ ،‬فبينا أنا كذلك وإذا أنا بسحابة اخرى‬
‫أعظم من الولى‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬حبيب‪ (2) .‬أي صوت أجنحتها‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أرباش مختلفة‬
‫اللوان‪ ،‬حمر المناقير‪ (4) .‬على مشارق خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وسهلها‬
‫وجبلها‪ (6) .‬وهو مكحل مختون مدهون خ‪.‬‬

‫] ‪[ 327‬‬
‫وسمعت منها تسبيحا " )‪ (1‬وخفقان أجنحة الملئكة‪ ،‬فنزلت وأخذت ولدي فدمعت‬
‫عيني‪ ،‬ورجف قلبي‪ ،‬وإذا أنا بقائل يقول‪ :‬طوفوا بمحمد على مولد النبيين‪،‬‬
‫وأعرضوه على سائر المرسلين‪ ،‬واعطوه صفوة آدم عليه السلم‪ ،‬ورأفة‬
‫نوح عليه السلم‪ ،‬وحلم إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ولسان إسماعيل عليه‬
‫السلم‪ ،‬وجمال يوسف عليه السلم‪ ،‬وصبر أيوب عليه السلم )‪،(2‬‬
‫وصوت داود عليه السلم‪ ،‬وزهد يحي عليه السلم‪ ،‬وكرم عيسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬وشجاعة موسى عليه السلم‪ ،‬وأعطوه من أخلق النبياء‪ ،‬قالت‬
‫آمنة‪ :‬ورأيته قابضا " على حريرة بيضاء مطوية طيا " شديدا "‪ ،‬والماء‬
‫يخرج منها‪ ،‬وقائل يقول‪ :‬قبض محمد على الدنيا بأسرها‪ ،‬ولم يبق شيئا "‬
‫إل وقد دخل في قبضته‪ ،‬قالت‪ :‬فبينما أنا كذلك وإذا أنا بثلثة نفر قد دخلوا‬
‫علي والنور يظهر )‪ (3‬من وجوههم‪ ،‬يكاد نورهم يخطف البصار‪ ،‬في يد‬
‫أحدهم إبريق من فضة‪ ،‬وفي يد آخر طست من زبرجد أخضر‪ ،‬فوضع‬
‫الطست بين يديه وقال له‪ :‬يا حبيب ال اقبض من حيث شئت‪ ،‬قالت آمنة‪:‬‬
‫فنظرت إلى موضع قبضته‪ ،‬فإذا هو قد قبض على وسطها‪ ،‬قالت‪ :‬فسمعت‬
‫قائل " يقول‪ :‬قبض محمد على الكعبة وما حولها‪ ،‬ورأيت في يد الثالث‬
‫حريرة مطوية‪ ،‬وإذا بخاتم من نور يشرق كالشمس‪ ،‬ثم حمل ولدي فناوله‬
‫صاحب الطست‪ ،‬وصب عليه الخر من البريق سبع مرات‪ ،‬ثم ختم بذلك‬
‫الخاتم بين كتفيه‪ ،‬ثم لفه تحت جناحه‪ ،‬وغيبه عني‪ ،‬وكان ذلك رضوان‬
‫خازن الجنان‪ ،‬ثم أخرجه وتكلم في اذنه بكلم ل أفهمه‪ ،‬ثم قبله‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أبشر يا محمد فإنك سيد الولين والخرين‪ ،‬وأنت الشفيع فيهم يوم الدين‪،‬‬
‫ثم خرجوا و تركوه‪ ،‬ثم رأيت ثلثة أعلم منصوبة‪ :‬واحد بالمشرق‪ ،‬وواحد‬
‫بالمغرب‪ ،‬والثالث على الكعبة )‪ ،(4‬وتلك العلم من النور )‪ (5‬مثل قوس‬
‫السحاب‪ .‬قالت آمنة‪ :‬ثم رأيت بعد ذلك غمامة بيضاء قد نزلت من السماء‬
‫على ولدي‪ ،‬و غيبته عني ساعة طويلة‪ ،‬فلم أره‪ ،‬فحن عليه قلبي‪ ،‬وقد‬
‫حيل بيني وبينه‪ ،‬وكأني نائمة مما جرى عليه‪ ،‬فبينا أنا كذلك وإذا بولدي قد‬
‫ردوه علي‪ ،‬وإذا به مكحول مقمط بقماط‬

‫)‪ (1‬تصهيل خ ل‪ .‬وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وصبر يعقوب‪(3) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬يزهر‪ (4) .‬فكشف ال عن بصرى فرأيت ما هناك خ‪ ،‬وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (5) .‬قائمة بين السماء والرض خ‪ ،‬وفي المصدر‪:‬‬
‫ورأيت علما من نور قائم بين السماء والرض‬

‫] ‪[ 328‬‬

‫من حرير الجنة‪ ،‬تفوح منه رائحة المسك الذفر‪ .‬قال عبد المطلب‪ :‬كنت في الساعة‬
‫التي ولد فيها رسول ال صلى ال عليه وآله أطوف بالكعبة‪ ،‬وإذا "‬
‫بالصنام قد تساقطت وتناثرت‪ ،‬والصنم الكبير سقط على وجهه‪ ،‬وسمعت‬
‫قائل " يقول‪ :‬الن )‪ (1‬آمنة قد ولدت رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما‬
‫رأيت ما حل بالصنام تلجلج لساني‪ ،‬وتحير عقلي‪ ،‬وخفق فؤادي حتى‬
‫صرت لم أستطع الكلم‪ ،‬فخرجت مسرعا " اريد باب بني شيبة‪ ،‬وإذا الصفا‬
‫والمروة يركضان بالنور فرحا "‪ ،‬ولم أزل مسرعا " إلى أن قربت من‬
‫منزل آمنة‪ ،‬وإذا " بغمامة بيضاء قد عمت منزلها‪ ،‬فقربت من الباب وإذا‬
‫روائح المسك الذفر والند والعنبر قد عبقت )‪ (2‬بكل مكان حتى عمتني‬
‫الرائحة‪ ،‬فدخلت على آمنة وإذا بها قاعدة‪ ،‬وليس عليها أثر النفاس‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أين مولودك اريد أن أنظر إليه ؟ قالت‪ :‬قد حيل بيني وبينه‪ ،‬ولقد سمعت‬
‫مناديا " ينادي‪ :‬ل تخافي على مولودك‪ ،‬وسيرد عليك بعد ثلثة أيام )‪،(3‬‬
‫فسل عبد المطلب سيفه وقال اخرجي لي ولدي هذه الساعة وإل علوتك به‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬إنهم قد دخلوا به هذه الدار‪ ،‬قال عبد المطلب‪ :‬فهممت بالدخول إلى‬
‫الدار إذ برزلي شخص من داخل الدار كأنه النخلة السحوق‪ ،‬لم أر أهول‬
‫منه‪ ،‬وبيده سيف وقال لي‪ :‬ارجع ليس لك إلى ذلك من سبيل‪ ،‬ول لغيرك‬
‫حتى تنقضي زيارة الملئكة‪ ،‬فخرجت خائفا " مما رأيت من الهوال‪ .‬قال‬
‫صاحب الحديث‪ :‬بلغنا أن الساعة التي ولد فيها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله طردت الشياطين والمردة هاربين‪ ،‬ومنهم من غمي عليه )‪ ،(4‬ومنهم‬
‫من مات‪ ،‬وأما سطيح ووشق )‪ (5‬فماتا في تلك الليلة‪ ،‬وأما زرقاء اليمامة‬
‫فإنها كانت جالسة مع خدمها وجواريها إذ صرخت‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أل أن‪ (2) .‬قد أعبقت خ وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وقد أتانى آت فقال لى‪ :‬يا آمنة ل تجزعي ول تحزني ول‬
‫تخرجي هذا المولود إلى ثلثة أيام‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وخرجوا هاربين‪،‬‬
‫ومن الجن من غمى عليه‪ (5) .‬ذكرنا قبل ذلك ان الصحيح‪ :‬شق‪.‬‬

‫] ‪[ 329‬‬

‫صرخة عظيمة وغشي عليها‪ ،‬فلما أفاقت أنشأت تقول‪ :‬أما المحال فقد مضى لسبيله‬
‫* ومضت كهانة معشر الكهان جاء البشير فكيف لي بهلكه * هيهات جاء‬
‫الوحي )‪ (1‬بالعلن فلما تمت له ثلثة أيام دخل عليه جده عبد المطلب‬
‫فلما نظر إليه قبله‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد ل الذي أخرجك إلينا‪ ،‬حيث وعدنا )‪(2‬‬
‫بقدومك‪ ،‬فبعد هذا اليوم ل ابالي أصابني الموت أم ل‪ ،‬ثم دفعه إلى آمنة‬
‫فجعل يهش )‪ (3‬ويضحك لجده وامه‪ ،‬كأنه ابن سنة‪ ،‬قال عبد المطلب‪ :‬يا‬
‫آمنة احفظي ولدي هذا‪ ،‬فسوف يكون له شأن عظيم‪ ،‬وأقبل الناس من كل‬
‫فج عميق يهنؤن عبد المطلب‪ ،‬وجائت جملة النساء إلى آمنة وقلن لها‪ :‬لم‬
‫لم ترسلي إلينا ؟ فهنؤنها بالمولود وقد عبقت بهن جمع رائحة المسك‪،‬‬
‫فكان يقول الرجل لزوجته‪ :‬من أين لك هذا ؟ فتقول‪ :‬هذا من طيب مولود‬
‫آمنة‪ ،‬فأقبلت القوابل ليقطعن سرته فوجدنه مقطوع السرة‪ ،‬فقلن لمنة ما‬
‫كفاك إنك وضعت به حتى قطعت سرته بنفسك ؟ فقالت لهن‪ :‬وال لم أره إل‬
‫على هذه الحالة )‪ ،(4‬فتعجبت القوابل من ذلك‪ ،‬وكانت تأتيها القوابل بعد‬
‫ذلك وإذا " به مكحول‪ ،‬مقموطا " )‪ ،(5‬فيتعجبن منه‪ ،‬فلما مضى له من‬
‫الوضع سبعة أيام أولم عبد المطلب وليمة عظيمة وذبح الغنام‪ ،‬ونحر‬
‫البل‪ ،‬وأكل الناس ثلثة أيام‪ ،‬ثم التمس له مرضعة تربيه )‪ (6‬على عادة‬
‫أهل مكة )‪ .(7‬ايضاح‪ :‬الطلل جمع الطلل بالتحريك‪ ،‬وهو ما شخص من‬
‫آثار الدار‪ .‬والهمام‬

‫)‪ (1‬المر خ ل‪ (2) .‬أوعدنا خ ل‪ (3) .‬هش‪ :‬تبسم‪ .‬وارتاح ونشط‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬وال ما مسته ول رأيته إل كما ترون‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬مقمطا‪.‬‬
‫)‪ (6‬في المصدر‪ :‬وأكل الناس ثلثة أيام‪ ،‬وما فضل من ذلك الطعام رمى‬
‫به في البرية فأكلته الوحوش والسباع والطيور‪ ،‬قال‪ :‬فلما كان بعد ثلثة‬
‫ايام التمس له مرضعة تربيه‪ .‬كمل الجزء السادس والحمد ل رب‬
‫العالمين‪ (7) .‬النوار‪ :‬مخطوط‪ ،‬ونسخته عندي موجود فيها اختلفات‬
‫وزوائد‪ ،‬وقد ذكرت بعضها في الذيل‪.‬‬

‫] ‪[ 330‬‬

‫بالضم وتخفيف الميم‪ :‬الملك العظيم الهمة‪ .‬والضرغام بالكسر‪ :‬السد‪ .‬والقمقام‬
‫بالفتح‪ :‬السيد‪ .‬والمقدام بالكسر‪ :‬الرجل الكثير القدام على العدو‪ .‬والحمام‬
‫بالكسر‪ :‬الموت‪ .‬والمناكب لعله من النكبة بمعنى المصيبة‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫كافحوهم‪ :‬إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس ولغيره‪.‬‬
‫والكمي‪ :‬الشجاع‪ .‬وذباب السيف بالضم‪ :‬طرفه الذي يضرب به‪ .‬والقصم‪:‬‬
‫الكسر‪ .‬والهزبر بكسر الهاء وفتح الزاء‪ :‬السد‪ .‬والجلميد جمع الجلمود‬
‫وهو الصخر‪ .‬والسراة بالضم جمع سري وهو الشريف‪ .‬قولها‪ :‬من يحظى‬
‫هو على بناء المجهول من الحظوة وهي القدر والمنزلة‪ .‬وقال الجوهري‪:‬‬
‫لخن السقاء بالكسر أي أنتن‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬أمة لخنآء‪ ،‬ويقال‪ :‬اللخنآء‪:‬‬
‫التي لم تختن انتهي‪ .‬والورق بالضم جمع الورق‪ ،‬وهو الذي في لونه‬
‫بياض إلى سواد‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الند‪ :‬طيب معروف أو العنبر‪ .‬والسحوق‬
‫من النخل‪ :‬الطويلة‪ ،‬وغمي على المريض واغمي مضمومتين‪ :‬غشي عليه‬
‫ثم أفاق‪ .‬تتمة مفيدة‪ :‬اعلم أن ظاهر أخبار المولد السعيد أن الشهب لم تكن‬
‫قبله‪ ،‬وإنما حدثت في هذا الوقت‪ ،‬وهو خلف المشهور‪ ،‬ويمكن أن تكون‬
‫كثرتها إنما حدثت عند ذلك‪ ،‬وكانت قبل ذلك نادرة‪ .‬قال الرازي في تفسير‬
‫قوله سبحانه‪) :‬فمن يستمع الن يجد له شهابا " رصدا "( ما ملخصه‪:‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث‪ ،‬لن جميع الفلسفة‬
‫تكلموا في أسباب انقضاضها وقد جاء وصفها في شعر الجاهلية‪ ،‬وقد روي‬
‫عن ابن عباس أيضا " ما يدل على كونها في الجاهلية‪ ،‬فما معنى‬
‫تخصيصها بمبعثه صلى ال عليه وآله ؟ ثم أجاب بوجهين‪ :‬الول أنها ما‬
‫كانت قبل المبعث‪ ،‬وهذا قول ابن عباس وابي بن كعب وجماعة‪ ،‬وهؤلء‬
‫زعموا أن كتب الوائل قد توالت عليها التحريفات‪ ،‬فلعل المتأخرين ألحقوا‬
‫هذه المسألة طعنا " منهم في هذه المعجزة‪ ،‬وكذا الشعار المنسوبة إلى‬
‫أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم ومنحولة‪ ،‬والخبر غير ثابت‪ .‬والثاني‬
‫وهو القرب إلى الصواب أنها كانت موجودة إل أنها زيدت بعد المبعث‪،‬‬

‫] ‪[ 331‬‬

‫وجعلت أكبر وأقوى انتهى )‪ .(1‬وأقول‪ :‬يحتمل وجه ثالث وهو أن تكون هذه‬
‫موجودة قبل السلم بمدة‪ ،‬ثم ارتفعت وزالت مدة مديدة‪ ،‬ثم حدثت بعد‬
‫الولدة أو البعثة‪ ،‬ويؤيده ما روي عن أبي ابن كعب أنه قال‪ :‬لم يرم بنجم‬
‫منذ رفع عيسى عليه السلم حتى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫وسيأتي مزيد تحقيق في كتاب السماء والعالم إن شاء ال تعالى‪) .‬باب ‪(4‬‬
‫* )منشأه ورضاعه وما ظهر من اعجازه عند ذلك( * * )إلى نبوته صلى‬
‫ال عليه وآله( * ‪ - 1‬يج‪ :‬روي أنه لما ولد النبي صلى ال عليه وآله‬
‫قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس‬
‫الرضعآء بمكة‪ ،‬قالت‪ :‬فخرجت معهن على أتان ومعي زوجي‪ ،‬ومعنا‬
‫شارف لنا ما بيض )‪ (2‬بقطرة من لبن‪ ،‬ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله‬
‫به وما نام ليلتا جوعا "‪ ،‬فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إل عرض عليها‬
‫محمد فكرهناه فقلنا‪ :‬يتيم‪ ،‬وإنما يكرم الظئر )‪ (3‬الوالد‪ ،‬فكل صواحبي‬
‫أخذن رضيعا " ولم آخذ شيئا "‪ ،‬فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته‬
‫فأتيت به الرحل )‪ (4‬فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت‬
‫ولدي أيضا "‪ ،‬وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده‪ ،‬فإذا هي حافل‪،‬‬
‫فحلبها وأرواني من لبنها‪ ،‬وروى الغلمان‪ ،‬فقال‪ :‬يا حليمة لقد أصبنا نسمة‬
‫مباركة‪ ،‬فبتنا بخير ورجعنا‪ ،‬فركبت أتانى )‪ (5‬ثم حملت محمدا " معي‪،‬‬
‫فوالذي نفس حليمة بيده لقت طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن‪ :‬يا حليمة‬
‫امسكي علينا‪ ،‬أهذه أتانك التي خرجت عليها ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ما شأنها ؟ قلن‪:‬‬
‫حملت غلما " مباركا "‪ ،‬ويزيدنا ال كل يوم وليلة خيرا "‪ ،‬والبلد‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب ‪ (2) .241 :8‬ما تبض خ ل ظ‪ (3) .‬الظئر‪ :‬المرضعة‪(4) .‬‬
‫الرحل‪ :‬المنزل والمأوى‪ (5) .‬التان‪ :‬الحمارة‪.‬‬
‫] ‪[ 332‬‬

‫قحط‪ ،‬والرعاة يسرحون‪ ،‬ثم يريحون‪ ،‬فتروح أغنام بني سعد جياعا "‪ ،‬وتروح‬
‫غنمي شباعا " بطانا " حفلء فتحلب وتشرب )‪ .(1‬بيان‪ :‬الشارف‪:‬‬
‫المسنة من النوق‪ .‬قوله‪ :‬ما بيض أي الناء‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬بيضت الناء‪:‬‬
‫أي ملته من الماء‪ ،‬أو اللبن‪ ،‬والصوب أنه ما تبض بالتاء‪ ،‬ثم الباء‬
‫التحتانية الموحدة المكسورة‪ ،‬ثم الضاد المشددة‪ ،‬قال الجزري‪ :‬فيه ما‬
‫تبض ببلل أي ما يقطر منها لبن‪ ،‬يقال‪ :‬بض الماء‪ :‬إذا قطر وسال‪ ،‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬ضرع حافل‪ ،‬أي ممتلئ لبنا "‪ - 2 .‬قب‪ :‬ذكرت حليمة بنت أبي‬
‫ذؤيب عبد ال بن الحارث )‪ (2‬من مضر زوجة الحارث ابن عبد العزى )‪(3‬‬
‫المضري أن البوادي أجدبت‪ ،‬وحملنا الجهد على دخول البلد‪ ،‬فدخلت مكة‪،‬‬
‫ونساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن‪ ،‬فسألت مرضعا " فدلوني على‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وذكر أن له مولودا " يحتاج إلى مرضع له‪ ،‬فأتيت إليه فقال‪:‬‬
‫يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد‪ ،‬فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما‬
‫فسطع منهما نور‪ ،‬فشرب من ثديي اليمن ساعة‪ ،‬ولم يرغب في اليسر‬
‫أصل "‪ ،‬واستعمل في رضاعه عدل "‪ ،‬فناصف فيه شريكه‪ ،‬واختار‬
‫اليمين اليمين‪ ،‬وكان ابني ل يشرب حتى يشرب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬فحملته على التان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر‬
‫سائر الحمر إسراعا " قوة ونشاطا "‪ ،‬واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلث‬
‫مرات‪ ،‬وقالت‪ :‬برئت من مرضي‪ ،‬وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين‪،‬‬
‫وخاتم النبيين وخير الولين والخرين‪ ،‬فكان الناس يتعجبون منها ومن‬
‫سمني وبرئي ودر لبني‪ ،‬فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتللؤ نوره إلى‬
‫عنان السماء وسلم عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إن ال تعالى وكلني برعايته‪ ،‬وقابلنا ظبأ‬
‫وقلن‪ :‬يا حليمة‬

‫)‪ (1‬ذكره مفصل أيضا ابن هشام في السيرة ‪ (2) .175 - 173 :1‬هو عبد ال بن‬
‫حارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصربن سعد‬
‫بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلن‬
‫على ما في سيرة ابن هشام وامتاع السماع‪ ،‬وكانت حليمة تكنى ام كبشة‬
‫على ما في الخير‪ (3) .‬هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملن بن‬
‫ناصرة بن فصية‪ .‬إلى آخر ما مر من النسب‪.‬‬

‫] ‪[ 333‬‬

‫ل تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين‪ ،‬وأطهر الطاهرين‪ ،‬وما علونا تلعة )‪ (1‬ول‬
‫هبطنا واديا " إل سلموا عليه‪ ،‬فعرفت )‪ (2‬البركة والزيادة في معاشنا‬
‫ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا‪ ،‬ولم يحدث في ثيابه‪ ،‬ولم تبد‬
‫عورته‪ ،‬ولم يحتج في يوم إل مرة‪ ،‬وكان مسرورا " مختونا "‪ ،‬وكنت‬
‫أرى شابا " على فراشه يعد له ثيابه‪ ،‬فربيته خمس سنين ويومين‪ ،‬فقال‬
‫لي يوما "‪ :‬أين يذهب إخواني كل يوم ؟ قلت‪ :‬يرعون غنما " فقال‪ :‬إنني‬
‫اليوم اوافقهم )‪ ،(3‬فلما ذهب معهم أخذه ملئكة وعلوه على قلة جبل‪،‬‬
‫وقاموا بغسله وتنظيفه‪ ،‬فأتاني ابني وقال‪ :‬ادركي محمدا " فإنه قد سلب‪،‬‬
‫فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السماء فقبلته فقلت‪ :‬ما أصابك ؟ قال‪ :‬ل‬
‫تحزني إن ال معنا‪ ،‬وقص عليها قصته‪ ،‬فانتشر منه فوح مسك أذفر‪ ،‬وقال‬
‫الناس‪ :‬غلبت عليه الشياطين‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ما أصابني شئ‪ ،‬وما علي من‬
‫بأس‪ ،‬فرآه كاهن وصاح وقال‪ :‬هذا الذي يقهر الملوك‪ ،‬ويفرق العرب )‪.(4‬‬
‫ايضاح‪ :‬قوله‪ :‬واختار اليمين‪ ،‬أي صاحب اليمن والبركة‪ ،‬والغث‪:‬‬
‫المهزول‪ ،‬والمراد هنا المصدر‪ ،‬ويقال‪ :‬أثرى الرجل‪ :‬إذا كثرت أمواله‪- 3 .‬‬
‫قب‪ :‬روي عن حليمة أنه جلس محمد وهو ابن ثلثة أشهر‪ ،‬ولعب مع‬
‫الصبيان وهو ابن تسعة‪ ،‬وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن‬
‫عشرة‪ ،‬وناضل )‪ (5‬الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر‪ ،‬وصارع الغلمان‬
‫وهو ابن ثلثين‪ ،‬ثم رددته إلى جده‪ .‬ابن عباس‪ :‬إنه كان يقرب إلى‬
‫الصبيان تصبيحهم فيخلسون )‪ (6‬ويكف‪ ،‬ويصبح الصبيان غمصا " رمصا‬
‫"‪ ،‬ويصبح صقيل دهينا "‪ ،‬ونادى شيخ على الكعبة‪ :‬يا عبد المطلب إن‬
‫حليمة امرأة عربية‪ ،‬وقد فقدت ابنا " )‪ (7‬اسمه محمد‪ ،‬فغضب عبد‬
‫المطلب وكان إذا غضب خاف‬

‫)‪ (1‬التلعة‪ :‬ما عل من الرض‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فعرفنا‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ارافقهم‪.‬‬
‫)‪ (4‬مناقب آل أبى طالب ‪ 23 :1‬و ‪ (5) .24‬ناضلة‪ :‬باراه في رمى‬
‫السهام‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فيختلسون‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬ابنها‪.‬‬

‫] ‪[ 334‬‬

‫الناس منه‪ ،‬فنادى‪ :‬يا بني هاشم‪ ،‬ويا بني غالب اركبوا فقد محمد‪ ،‬وحلف أن ل‬
‫أنزل حتى أجد محمدا "‪ ،‬أو أقتل ألف أعرابي ومأة قرشي‪ ،‬وكان يطوف‬
‫حول الكعبة‪ ،‬وينشد أشعارا " منها‪ :‬يا رب رد راكبي محمدا " * رد إلي‬
‫واتخذ )‪ (1‬عندي يدا " يا رب إن محمدا " لن يوجدا * تصبح قريش كلهم‬
‫مبددا فسمع نداء‪ :‬إن ال ل يضيع محمدا "‪ ،‬فقال‪ :‬أين هو ؟ قال‪ :‬في‬
‫وادي فلن‪ ،‬تحت شجرة ام غيلن‪ ،‬قال ابن مسعود )‪ :(2‬فأتينا الوادي‬
‫فرأيناه يأكل الرطب من ام غيلن‪ ،‬وحوله شابان‪ ،‬فلما قربنا منه ذهب‬
‫الشابان وكانا جبرئيل وميكائيل عليهما السلم‪ ،‬فسألناه من أنت ؟ وماذا‬
‫تصنع ؟ قال‪ :‬أنا بن عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬فحمله عبد المطلب على‬
‫عنقه وطاف به حول الكعبة‪ ،‬وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على‬
‫مصيبته‪ ،‬فلما رآها تمسك بها‪ ،‬وما التفت إلى أحد‪ .‬وكان عبد المطلب‬
‫أرسل رسول ال صلى ال عليه وآله إلى رعاته في إبل قد ندت له )‪(3‬‬
‫يجمعها‪ ،‬فلما أبطأ عليه نفذ ورائه في كل طريق وكل شعب‪ ،‬وأخذ بحلقة‬
‫باب الكعبة وهو يقول‪ :‬يا رب إن تهلك )‪ (4‬آلك‪ ،‬إن تفعل فأمر ما بدا لك‪،‬‬
‫فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله بالبل‪ ،‬فلما رآه أخذه فقبله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بأبي لوجهتك بعد هذا في شئ‪ ،‬فإني أخاف أن تغتال فتقتل )‪ .(5‬بيان‪ :‬قال‬
‫الجزري‪ :‬في حديث المولد أنه كان يتيما " في حجر أبي طالب‪ ،‬وكان‬
‫يقرب إلى الصبيان تصبيحهم فيختلسون ويكف‪ ،‬أي غدائهم‪ ،‬وهو اسم‬
‫على تفعيل كالترغيب‬

‫)‪ (1‬في نسخة من المصدر‪ :‬واصطنع‪ (2) .‬فيه وهم ظاهر‪ ،‬لن ابن مسعود مات في‬
‫سنة ‪) 32‬أو( ‪ ،33‬وكان عمره يوم توفى بضعا وستين سنة‪ ،‬فعليه فكان‬
‫عمر النبي حين ولد ابن مسعود قريبا من عشرين سنة‪ ،‬فكيف رأى النبي‬
‫و هو صلى ال عليه وآله كان طفل ؟‪ (3) .‬ند البعير‪ :‬نفر وذهب شاردا‪) .‬‬
‫‪ (4‬أتهلك ؟‪ (5) .‬مناقب آل أبى طالب ‪(*) .24 :1‬‬

‫] ‪[ 335‬‬

‫والتنوير‪ ،‬وقال‪ :‬في حديث ابن عباس كان الصبيان غمصا " رمصا "‪ ،‬ويصبح‬
‫رسول ال صقيل دهينا " )‪ ،(1‬يقال‪ :‬غمصت عينيه مثل رمصت‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫غمصت العين ورمصت من الغمص والرمص‪ ،‬وهو البياض الذي يجمع‬
‫في زوايا الجفان‪ ،‬فالرمص‪ :‬الرطب‪ ،‬والغمص‪ :‬اليابس‪ ،‬والغمص‬
‫والرمص جمع أغمص وأرمص‪ ،‬وانتصبا على الحال ل على الخبر‪ ،‬لن‬
‫أصبح تامة وهي بمعنى الدخول في الصباح‪ ،‬قاله الزمخشري‪ - 4 .‬قب‪:‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال أبو طالب لخيه‪ :‬يا عباس اخبرك عن محمد أني‬
‫ضممته فلم افارقه ساعة من ليل أو نهار‪ ،‬فلم أئتمن أحدا " حتى نومته في‬
‫فراشي‪ ،‬فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي‪ ،‬فرأيت في وجهه الكراهية‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬ولم ذاك ؟ فقال‪ :‬ل ينبغي لحد أن ينظر إلى جسدي‪ ،‬فتعجبت من قوله‬
‫وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه‪ ،‬فإذا دخلت أنا الفراش إذا بيني‬
‫وبينه ثوب‪ ،‬وال ما أدخلته في فراشي‪ ،‬فأمسه فإذا هو ألين ثوب‪ ،‬ثم‬
‫شممته كأنه غمس في مسك‪ ،‬وكنت إذا أصبحت فقدت الثوب‪ ،‬فكان هذا‬
‫دأبي ودأبه‪ ،‬وكنت كثيرا " ما أفتقده في فراشي‪ ،‬فإذا قمت لطلبه بادرني‬
‫من فراشي‪ ،‬ها أناذا يا عم فارجع إلى مكانك‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه‬
‫وآله يأتي زمزم فيشرب منها شربة‪ ،‬فربما عرض عليه أبو طالب الغداء‬
‫فيقول ل اريده أنا شبعان‪ .‬وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولده أو‬
‫يغديهم يقول‪ :‬كما أنتم حتى يحضر ابني‪ ،‬فيأتي رسول ال فيأكل معهم‬
‫فيبقى الطعام )‪ - 5 .(2‬قب‪ :‬القاضي المعتمد في تفسيره قال أبو طالب‪ :‬لقد‬
‫كنت كثيرا " ما أسمع منه إذا ذهب من الليل كلما " يعجبني‪ ،‬وكنا ل‬
‫نسمي على الطعام ول على الشراب حتى سمعته يقول‪ :‬بسم ال الحد‪ ،‬ثم‬
‫يأكل‪ ،‬فإذا فرغ من طعامه قال‪ :‬الحمد ل كثيرا "‪،‬‬

‫)‪ (1‬وحكى عن ابن سعد أنه روى‪ :‬وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا‪ ،‬ويصبح‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله دهينا كحيل‪ (2) .‬مناقب آل أبى طالب ‪:1‬‬
‫‪ 25‬و ‪.26‬‬

‫] ‪[ 336‬‬

‫فتعجبت منه‪ ،‬وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ‬
‫السماء‪ ،‬ثم لم أر منه كذبة قط‪ ،‬ول جاهلية قط‪ ،‬ول رأيته يضحك في‬
‫موضع )‪ (1‬الضحك‪ ،‬ول وقف مع صبيان في لعب‪ ،‬ول التفت إليهم‪ ،‬وكان‬
‫الوحدة أحب إليه والتواضع‪ .‬وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود‪:‬‬
‫وجدنا في كتبنا أن محمدا " يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه‪،‬‬
‫فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة‪ ،‬فكانت قريش يأكلون منها‪ ،‬والرسول‬
‫تعدل يده عنها‪ ،‬فقالوا‪ :‬مالك ؟ قال‪ :‬أراها حراما " يصونني ربي عنها‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬هي حلل فنلقمك‪ ،‬قال‪ :‬فافعلوا إن قدرتم‪ ،‬فكانت أيديهم يعدل بها‬
‫إلى الجهات‪ ،‬فجاؤه بدجاجة اخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن‬
‫يؤدوا ثمنها إذا جاء‪ ،‬فتناول منها لقمة فسقطت من يده‪ ،‬فقال عليه السلم‪:‬‬
‫وما أراها إل من شبهة يصونني ربي عنها‪ ،‬فقالوا‪ :‬نلقمك منها‪ ،‬فكلما‬
‫تناولوا منها ثقلت في أيديهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لهذا شأن عظيم‪ .‬ولما ظهر أمره‬
‫صلى ال عليه وآله عاداه أبو جهل‪ ،‬وجمع صبيان بني مخزوم وقال‪ :‬أنا‬
‫أميركم‪ ،‬وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبد المطلب على النبي وقالوا‪ :‬أنت‬
‫المير‪ ،‬قالت ام علي عليه السلم‪ :‬وكان في صحن داري شجرة قد يبست‬
‫وخاست‪ ،‬ولها زمان يابسة‪ ،‬فأتى النبي صلى ال عليه وآله يوما " إلى‬
‫الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء‪ ،‬وحملت الرطب‪،‬‬
‫فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة‪ ،‬فإذا كانت وقت ضاحي النهار‬
‫يدخل يقول‪ :‬يا اماه أعطيني ديوان العسكر‪ ،‬وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج‬
‫ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم‪ ،‬فلما كان بعض اليام دخل وقال‪ :‬يا‬
‫اماه أعطيني ديوان العسكر‪ ،‬فقلت‪ :‬يا ولدي اعلم أن النخلة ما اعطتنا اليوم‬
‫شيئا "‪ ،‬قالت‪ :‬فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخله وتكلم‬
‫بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار راسها عنده‪ ،‬فأخذ من الرطب ما‬
‫أراد‪ ،‬ثم عادت النخلة إلى ما كانت‪ ،‬فمن ذلك اليوم قلت‪ :‬اللهم رب السماء‬
‫ارزقني ولدا " ذكرا " يكون أخا " لمحمد‪ ،‬ففي تلك الليلة واقعني أبو‬
‫طالب فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته‪ ،‬فما كان يقرب صنما " ول يسجد‬
‫لوثن‪ ،‬كل ذلك ببركة محمد صلى ال عليه وآله )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬غير موضع خ ل‪ (2) .‬مناقب آل أبى طالب ‪ 26 :1‬و ‪.27‬‬

‫] ‪[ 337‬‬

‫بيان‪ :‬خاست أي لم تثمر‪ ،‬من قولهم‪ :‬خاس بوعده‪ :‬إذا أخلفه‪ ،‬أو فسدت من قولهم‪:‬‬
‫خاس الشئ‪ :‬إذا فسد‪ .‬والدوخلة‪ :‬بالتشديد كالزنبيل يعمل من الخوص‪.‬‬
‫والقوصرة‪ :‬يترك فيها التمر وغيره‪ ،‬وفي الخبر غرابة من جهة أن الحمل‬
‫بأمير المؤمنين عليه السلم إنما كان بعد ثلثين من سنه صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬ويظهر منه أنه كان في صباه‪ - 6 .‬قب‪ :‬كتاب العروس وتاريخ‬
‫الطبري إنه أرضعته ثويبة مولة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما "‪،‬‬
‫وتوفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة‪ ،‬ومات ابنها قبلها‪ ،‬ثم أرضعته‬
‫حليمة السعدية فلبث فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله حمزة وبعده‬
‫أبا سلمة المخزومي‪ ،‬وخرج مع أبي طالب في تجارته وهو ابن تسع‬
‫سنين‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن اثنتى عشرة سنة‪ ،‬وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة‬
‫وله خمس وعشرون سنة )‪ - 7 .(1‬كا‪ :‬محمد بن يحي‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن سعيد بن عبد ال العرج‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن قريشا " في الجاهلية هدموا البيت‪ ،‬فلما أرادوا‬
‫بنائه حيل بينهم وبينه‪ ،‬والقي في روعهم )‪ (2‬حتى قال قائل منهم‪ :‬ليأتي‬
‫كل رجل منكم بأطيب ماله‪ ،‬ول تأتوا بمال اكسبتموه من قطيعة رحم‪ ،‬أو‬
‫حرام‪ ،‬ففعلوا فخلى بينهم وبين بنائه‪ ،‬فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر‬
‫السود فتشاجروا فيهم أيهم يضع الحجر السود في موضعة‪ ،‬حتى كاد أن‬
‫يكون بينهم شر‪ ،‬فحكموا )‪ (3‬أول من يدخل من باب المسجد‪ ،‬فدخل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في‬
‫وسطه‪ ،‬ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه‪ ،‬ثم تناوله صلى ال عليه‬
‫وآله فوضعه في موضعه‪ ،‬فخصه ال به )‪ - 8 .(4‬كا‪ :‬علي بن إبراهيم‬
‫وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه قالوا‪ :‬إنما هدمت قريش‬

‫)‪ (1‬مناقب آل أبى طالب ‪ (2) .119 :1‬في المصدر‪ :‬والقى في روعهم الرعب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الروع‪ :‬سواد القلب‪ .‬وقيل‪ :‬موضع الفزع منه‪ (3) .‬أي فوضوا إليه‬
‫الحكم‪ (4) .‬الفروع‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.225‬‬
‫] ‪[ 338‬‬

‫الكعبة لن السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت‪ ،‬وسرق من الكعبة‬
‫غزال من ذهب رجله جوهر )‪ ،(1‬وكان حائطها )‪ (2‬قصيرا "‪ ،‬وكان ذلك‬
‫قبل مبعث النبي صلى ال عليه وآله بثلثين سنة‪ ،‬فأرادت قريش أن‬
‫يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرصتها‪ ،‬ثم أشفقوا من ذلك وخافوا‬
‫إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة‪ ،‬فقال الوليد بن المغيرة‪:‬‬
‫دعوني أبدأ فإن كان ل رضى لم يصبني شئ )‪ ،(3‬وإن كان غير ذلك كففت‬
‫)‪ ،(4‬فصعد على الكعبة‪ ،‬وحرك منها حجرا "‪ ،‬فخرجت عليه حية‪،‬‬
‫وانكسفت الشمس‪ ،‬فلما رأوا ذلك بكوا و تضرعوا وقالوا‪ :‬اللهم إنا ل نريد‬
‫إل الصلح‪ ،‬فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا‬
‫القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فلما أرادوا أن يزيدوا في‬
‫عرصته وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلم أصابتهم زلزلة‬
‫شديدة وظلمة فكفوا عنه‪ ،‬وكان بنيان إبراهيم عليه السلم الطول ثلثون‬
‫ذراعا "‪ ،‬والعرض اثنان وعشرون ذراعا "‪ ،‬والسمك )‪ (5‬تسعة أذرع‪،‬‬
‫فقالت قريش‪ :‬نزيد في سمكها‪ ،‬فبنوها فلما بلغ البنآء إلى موضع الحجر‬
‫السود تشاجرت قريش في وضعه‪ ،‬قال )‪ (6‬كل قبيلة‪ :‬نحن أولى به‪،‬‬
‫ونحن نضعه‪ ،‬فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة‪،‬‬
‫فطلع رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا المين قد جاء فحكموه‪،‬‬
‫فبسط ردائه ‪ -‬وقال بعضهم‪ :‬كساء طاروني كان له ‪ -‬ووضع الحجر فيه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬يأتي من كل ربع من قريش رجل‪ ،‬فكانوا عتبة بن ربيعة من عبد‬
‫شمس‪ ،‬والسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى‪ ،‬وأبو حذيفة بن‬
‫المغيرة من بني مخزوم‪ ،‬وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه‪ ،‬ووضعه‬
‫النبي صلى ال عليه وآله في موضعه‪ ،‬وقد كان بعث ملك الروم بسفينة‬
‫فيها سقوف وآلت وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬من جوهر‪ (2) .‬حائطا خ ل‪ (3) .‬بشئ خ ل‪ (4) .‬كففنا خ ل وهو‬
‫الموجود في المصدر‪ (5) .‬السمك‪ :‬أعلى البيت إلى أسفله‪ .‬القامة من كل‬
‫شئ‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فقال‪.‬‬

‫] ‪[ 339‬‬

‫هناك بيعة فطرحتها الريح إلى ساحل الشريعة فبطحت‪ ،‬فبلغ قريشا " خبرها‬
‫فخرجوا إلى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك‬
‫فابتاعوه وصاروا به إلى إلى مكة‪ ،‬فوافق ذلك ذرع الخشب البنآء )‪ (1‬ما‬
‫خل الحجر‪ ،‬فلما بنوها كسوها الوصائل )‪ (2‬وهي الردية )‪ .(3‬بيان‪:‬‬
‫الطاروني‪ :‬ضرب من الخز‪ .‬والربع‪ :‬المحلة‪ ،‬ويحتمل الضم‪ .‬قوله عليه‬
‫السلم‪ :‬فبطحت على بناء المجهول‪ ،‬أي انقلبت‪ ،‬يقال‪ :‬بطحه‪ ،‬أي ألقاه‬
‫على وجهه‪ ،‬وقوله‪ :‬ذرع الخشب بيان لقوله‪ :‬ذلك‪ ،‬والبناء مفعول وافق‪،‬‬
‫وقوله‪ :‬ما خل الحجر‪ ،‬ولعل المراد به الحجار المنصوبة في ظاهر البيت‪،‬‬
‫أي كان طول الخشب موافقا " لطول بناء البيت إل بقدر الحجر المنصوب‬
‫في الجانبين‪ ،‬لئل تظهر رؤوس الخشاب من خارج‪ ،‬ويحتمل على بعد أن‬
‫يقرء الحجر بالكسر‪ ،‬أي لم يكن حجر إسماعيل داخل في طول الخشب‪.‬‬
‫وقال الجوهري‪ :‬الوصائل‪ :‬ثياب مخططة يمانية‪ ،‬وفي بعض النسخ بالدال‪،‬‬
‫أي الثياب المنسوجة‪ .‬قال في القاموس‪ :‬الوصد محركة‪ :‬النسج‪ ،‬والول‬
‫أظهر‪ - 9 .‬كا‪ :‬علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي‬
‫نصر‪ ،‬عن داود بن سرحان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله ساهم قريشا " في بناء البيت‪ ،‬فصار لرسول ال‬
‫من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر السود‪ .‬وفي‬
‫رواية اخرى‪ :‬كان لبني هاشم من الحجر السود إلي الركن الشامي )‪.(4‬‬
‫بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪ :‬ما بين الركن اليماني‪ ،‬أي إلى منتصف الضلع‬
‫الذي بين الركن اليماني والحجر‪ ،‬والرواية الخرى تنافي ذلك‪ ،‬إذ لو كان‬
‫المراد جميع بني هاشم فكان ينبغي أن يدخل فيه جميع ما كان للنبي صلى‬
‫ال عليه وآله مع أنه ل يدخل فيه إل ما‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فوافق ذراع ذلك الخشب البناء‪ (2) .‬الوصائد خ ل‪ ،‬وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ (3) .‬الفروع‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .225‬الفروع‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.225‬‬

‫] ‪[ 340‬‬

‫كان منه بين الحجر والباب‪ ،‬وإن كان المراد سائر بني هاشم غيره صلى ال عليه‬
‫وآله فكان ينبغي أن ل يدخل فيه مابين الحجر إلى الباب إل أن يتكلف بأنهم‬
‫كانوا أشركوه مع بني هاشم في هذا الضلع‪ ،‬وخصوه من الضلع الخر‬
‫بالنصف‪ ،‬فجعل بنو هاشم له صلى ال عليه وآله ما بين الحجر والباب‪،‬‬
‫وفي بعض النسخ بدل الشامي اليماني‪ ،‬والشكال والتوجيه مشتركان‪10 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن‬
‫رئاب‪ ،‬عن أبي عبيدة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ل تنكح‬
‫المرأة على عمتها ول على خالتها ول على اختها من الرضاعة‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬
‫عليا " عليه السلم ذكر لرسول ال صلى ال عليه وآله ابنة حمزة‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة‪،‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وآله وعمه حمزة عليه السلم قد رضعا )‬
‫‪ (1‬من امرأة )‪ - 11 .(2‬كا‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن محمد الثقفي‪ ،‬عن علي بن المعلى‪ ،‬عن أخيه محمد‪ ،‬عن درست‬
‫بن أبي منصور‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬لما ولد النبي صلى ال عليه وآله مكث أياما " ليس له‬
‫لبن‪ ،‬فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه‪ ،‬فأنزل ال فيه لبنا " فرضع منه‬
‫أياما " حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها )‪ .(3‬قب‪ :‬عنه‬
‫عليه السلم مثله )‪ - 12 .(4‬د‪ :‬قالت حليمة السعدية‪ :‬كانت في بني سعد‬
‫شجرة يابسة ما حملت قط‪ ،‬فنزلنا يوما " عندها ورسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله في حجري فما قمت حتى اخضرت وأثمرت ببركة منه‪ ،‬وما أعلم‬
‫أني جلست موضعا " قط إل كان له أثر‪ ،‬إما نبات‪ ،‬وإما خصب‪ ،‬ولقد دخلت‬
‫على‬

‫)‪ (1‬ارضعا خ ل‪ (2) .‬الفروع ‪ 41 :2‬و ‪ (3) .42‬الصول ‪ ،448 :1‬والحديث ل‬


‫تخلو عن غرابة‪ ،‬وفي إسناده جماعة ل يحتج بحديثهم‪ (4) .‬مناقب آل‬
‫أبى طالب ‪.23 :1‬‬

‫] ‪[ 341‬‬

‫امرأة من بني سعد يقال لها‪ :‬أم مسكين وكانت سيئة الحال‪ ،‬فحملته فأدخلته منزلها‪،‬‬
‫فإذا هي قد أخصبت وحسن حالها‪ ،‬فكانت تجئ كل يوم فتقبل رأسه‪ .‬قالت‬
‫حليمة‪ :‬ما نظرت في وجه رسول ال صلى ال عليه وآله وهو نائم إل‬
‫ورأيت عينيه مفتوحتين كأنه يضحك‪ ،‬وكان ل يصيبه حر ول برد‪ .‬قالت‬
‫حليمة‪ :‬ما تمنيت شيئا " قط في منزلي إل اعطيته من الغد‪ ،‬ولقد أخذ ذئب‬
‫عنيزة " لي فتداخلني من ذلك حزن شديد‪ ،‬فرأيت النبي صلى ال عليه‬
‫وآله رافعا " رأسه إلى السماء‪ ،‬فما شعرت إل والذئب والعنيزة على ظهره‬
‫قد ردها علي ما عقر )‪ (1‬منها شيئا "‪ .‬قالت حليمة‪ :‬ما أخرجته قط في‬
‫شمس إل وسحابة تظله‪ ،‬ول في مطر إل وسحابة تكنه )‪ (2‬من المطر‪.‬‬
‫قالت حليمة‪ :‬فما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء والرض‪ ،‬ولقد‬
‫كان الناس بصيبهم الحر والبرد فما أصابني حر ول برد منذ كان عندي‪،‬‬
‫ولقد هممت يوما " أن أغسل رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيب‪،‬‬
‫وما غسلت له ثوبا " قط‪ ،‬وكلما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت‬
‫عليه ثوبا " غيره جديدا "‪ .‬قالت‪ :‬ما كنت أخرج لمحمد ثديي إل وسمعت‬
‫له نغمة‪ ،‬ول شرب قط إل وسمعته ينطق بشئ‪ ،‬فتعجبت منه حتى إذا نطق‬
‫وعقد كان يقول‪ :‬بسم ال رب محمد إذا أكل‪ ،‬و في آخر ما يفرغ من أكله‬
‫وشربه يقول‪ :‬الحمد ل رب محمد )‪ - 13 .(3‬يل‪ :‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وآله أربعة أشهر ماتت امه آمنة رضي ال‬
‫عنها‪ ،‬فبقي صلى ال عليه وآله بل أب ول ام‪ ،‬وهو من أبناء أربعة أشهر‪،‬‬
‫فبقي يتيما " في حجر جده عبد المطلب‪ ،‬فاشتد عليه )‪ (4‬موت آمنة ليتم‬
‫محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ولم يأكل ولم يشرب ثلثة ايام‪ ،‬فبعث عبد‬
‫المطلب إلى بنتيه‪ ،‬عاتكة وصفية وقال لهما‪ :‬خذ محمدا " صلى ال عليه‬
‫وآله‪،‬‬

‫)‪ (1‬عقره‪ :‬جرحه‪ (2) .‬أي تستره‪ (3) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬على عبد‬
‫المطلب‪.‬‬

‫] ‪[ 342‬‬

‫والنبي صلى ال عليه وآله ل يزداد إل بكاء ول يسكن‪ ،‬وكانت عاتكة تلعقه )‪(1‬‬
‫عسل صافيا " مع الثريد‪ ،‬وهو ل يزداد إل تماديا " في البكاء‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬فضجر عبد المطلب )‪ (2‬فقال لعاتكة‪ :‬فلعله يقبل ثدي واحدة‬
‫منهن ويرضعن ولدي وقرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو‬
‫نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلى رضاع النبي صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من بنات‬
‫صناديد قريش )‪ ،(3‬فتقدمت كل واحدة منهن ووضعن ثديهن في فم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله فما قبل منهن أحدا "‪ ،‬وبقين متحيرات‪ ،‬وكان عبد‬
‫المطلب جالسا " فأمر بإخراجهن والنبي صلى ال عليه وآله ل يزداد إل‬
‫بكاء وحزنا "‪ ،‬فخرج عبد المطلب مهموما " وقعد عند ستارة )‪ (4‬الكعبة‬
‫ورأسه بين ركبتيه‪ ،‬كأنه امرأه ثكلء‪ ،‬وإذا بعقيل بن أبي وقاص وقد أقبل‬
‫وهو شيخ قريش وأسنهم‪ ،‬فلما رأى عبد المطلب مغموما " قال له‪ :‬يا أبا‬
‫الحارث‪ ،‬ما لي أراك مغموما " ؟ قال‪ :‬يا سيد قريش إن نافلتي يبكي ول‬
‫يسكن شوقا " إلى اللبن من حين ماتت امه‪ ،‬و أنا ل أتهنأ بطعام ول شراب‬
‫)‪ ،(5‬وعرضت عليه نساء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي واحدة منهن )‬
‫‪ ،(6‬فتحيرت وانقطعت حيلتي‪ ،‬فقال عقيل‪ :‬يا أبا الحارث إني لعرف في‬
‫أربعة وأربعين صنديدا " من صناديد العرب امرأة عاقلة هي أفصح لسانا‬
‫"‪ ،‬وأصبح وجها "‪ ،‬وأرفع‬

‫)‪ (1‬ألعق ولعق فلنا العسل‪ :‬جعله يلعقه‪ ،‬أي يؤاكله العسل بأصبعه‪ (2) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فضجر عبد المطلب ول يتهنأ أن ينظر إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وهو في تلك الحال‪ ،‬فقال لبنته عاتكة‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬صناديد‬
‫قريش وأصل بنى هاشم‪ ،‬فتقدمت كل واحد منهن ورفعن أكمامهن عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬ووضعن خلف ثديهن في فم رسول‬
‫ال ا‍ه قلت‪ :‬الخلف بالكسر‪ :‬حلمة الضرع‪ (4) .‬الستار جمع السترة‪ :‬ما‬
‫يستر به‪ .‬وفي المصدر‪ :‬فخرج عبد المطلب من الدار مهموما مغموما‬
‫وقر عند الكعبة‪ ،‬وقعد عند ستارها‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ول بشراب محزونا‬
‫على ولدى محمد‪ (6) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬وذلك أنه ما من امرأة إل‬
‫وبها عيب‪ ،‬وإن محمدا ل يقبل ثدى من بها عيب‪ ،‬فلهذا امتنع فتحيرت‪.‬‬

‫] ‪[ 343‬‬

‫حسبا " ونسبا "‪ ،‬وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد ال بن الحارث بن سخنة )‪(1‬‬
‫بن ناصر بن سعد بن بكر بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس بن‬
‫غيلن )‪ (2‬بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ابن اكدد )‪ (3‬بن يشخب بن‬
‫يعرب بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن )‪ ،(4‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬يا سيد قريش لقد نبهتني لمر عظيم وفرجت عني‪ ،‬ثم دعا عبد‬
‫المطلب بغلم اسمه شمردل وقال له‪ :‬قم يا غلم واركب ناقتك‪ ،‬واخرج نحو‬
‫حي بني سعد بن بكر‪ ،‬وادع لي أبا ذؤيب عبد ال بن الحارث العدوي‪،‬‬
‫فذهب الغلم واستوى على ظهر ناقته‪ ،‬وكان حي بني سعد من مكة على‬
‫ثمانية عشر ميل في طريق جدة‪ ،‬قال‪ :‬فذهب الغلم نحو حي بني سعد‬
‫فلحق بهم وإذا خيمتهم من مسح )‪ (5‬وخوص‪ ،‬وكذلك خيم العراب‬
‫والبوادي‪ ،‬فدخل شمردل الحي وسأل عن خيمة عبد ال ابن الحارث‬
‫فأعطوه الثر‪ ،‬فذهب شمردل إلى الخيمة فإذا بخيمة عظيمة‪ ،‬وإذا على باب‬
‫الخيمة غلم أسود‪ ،‬فاستأذن شمردل في الدخول )‪ (6‬فدخل الغلم وقال‪:‬‬
‫أنعم صباحا " يا أبا ذؤيب‪ ،‬قال‪ :‬فحياه عبد ال‪ ،‬وقال له‪ :‬ما الخبر يا‬
‫شمردل ؟ فقال‪ :‬اعلم يا سيدي إن مولي أبا الحارث عبد المطلب قد‬
‫وجهني نحوك‪ ،‬وهو يدعوك‪ ،‬فإن رأيت يا سيدي أن تجيبه فافعل‪ ،‬قال عبد‬
‫ال‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬و قام عبد ال من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة‬
‫فأعطي المفتاح‪ .‬ففتح باب الخزانة‪ ،‬وأخرج منها جوشنه فأفرغها على‬
‫نفسه‪ ،‬وأخرج بعد ذلك درعا " فاضل فأفرغه على نفسه فوق جوشنه‪،‬‬
‫واستخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه‪ ،‬وتقلد بسيفين‪ ،‬واعتقل رمحا "‪،‬‬
‫ودعا بنجيب فركبه‪ ،‬وجاء نحو عبد المطلب‪ ،‬فلما دخل تقدم شمردل وأخبر‬
‫عبد المطلب‪،‬‬

‫)‪ (1‬هكذا في الصل ومصدره‪ ،‬وتقدم في كلم ابن هشام والمقريزي‪ :‬شجنة‪(2) .‬‬
‫هكذا في الصل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬غلن‪ ،‬وكلهما مصحفان‪ ،‬والصحيح‬
‫عيلن بالعين المهملة راجع نهاية الرب‪ 369 :‬وغيره‪ (3) .‬ادد خ ل‬
‫وهو الصحيح والموجود في المصدر‪ (4) .‬أخرجنا قبل ذلك نسبه عن‬
‫السيرة وإمتاع السماع‪ ،‬وفيه اختلف مع هذا‪ (5) .‬المسح بالكسر‪:‬‬
‫البلس‪ .‬الكساء من الشعر‪ .‬والخوص‪ :‬ورق النخل‪ (6) .‬في المصدر‪:‬‬
‫فأستأذن شمردل فأذن له في الدخول‪.‬‬
‫] ‪[ 344‬‬

‫وكان جالسا " مع رؤساء مكة‪ ،‬مثل عتبة بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن عتبة‪ ،‬وعقبة بن‬
‫أبي معيط‪ ،‬وجماعة من قريش‪ ،‬فلما رأى عبد المطلب عبد ال قام على‬
‫قدميه واستقبله وعانقه وصافحه وأقعده إلى جنبه‪ ،‬وألزق ركبتيه بركبتيه‪،‬‬
‫ولم يتكلم حتى استراح‪ ،‬ثم قال له عبد المطلب‪ :‬يا أبا ذؤيب أتدري بما‬
‫دعوتك ؟ قال‪ :‬يا سيدى وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى تقول فأسمع‬
‫منك وأعمل بأحسنه‪ ،‬قال اعلم‪ :‬يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبد ال‬
‫مات أبوه‪ ،‬ولم يبن عليه أثره‪ ،‬ثم ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر‪ ،‬وهو ل‬
‫يسكن من البكاء عيمة " إلى اللبن‪ ،‬وقد أحضرت عنده )‪ (1‬أربعمائة‬
‫وستين جارية من أشرف )‪ (2‬وأجل بني هاشم‪ ،‬فلم يقبل من واحدة منهن‬
‫لبنا "‪ ،‬والن سمعنا أن لك بنتا " ذات لبن‪ ،‬فإن رأيت أن تنفذها لترضع‬
‫ولدي محمدا "‪ ،‬فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها‪ ،‬وعلي غناك‬
‫وغنى أهلك وعشيرتك‪ ،‬وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء‬
‫غيرها فافعل‪ ،‬ففرح عبد ال فرحا " شديدا "‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا الحارث إن لي‬
‫بنتين‪ ،‬فأيتهما تريد ؟ قال عبد المطلب‪ :‬اريد أكملهما عقل‪ ،‬وأكثرهما لبنا‬
‫"‪ ،‬وأصونهما عرضا "‪ ،‬فقال عبد ال‪ :‬هاتيك حليمة لم تكن كأخواتها‪ ،‬بل‬
‫خلقها ال تعالى أكمل عقل‪ ،‬وأتم فهما "‪ ،‬وأفصح لسانا "‪ ،‬وأثج لبنا "‪،‬‬
‫وأصدق لهجة‪ ،‬وأرحم قلبا " منهن جمع‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فقال عبد المطلب‬
‫إني ورب السماء ما اريد‪ ،‬إل ذلك‪ ،‬فقال عبد ال‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬فقام من‬
‫ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو بني سعد )‪ (3‬بعد أن أضافه‪،‬‬
‫فلما أن وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال لها‪ :‬أبشري فقد‬
‫جاءتك الدنيا بأسرها‪ ،‬فقالت حليمة‪ :‬ما الخبر ؟ قال عبد ال‪ :‬أعلمي أن‬
‫عبد المطلب رئيس قريش وسيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي‬
‫ولده‪ ،‬وتبشري بالعطاء الجزيل‪ ،‬ففرحت حليمة بذلك‪ ،‬وقامت من وقتها‬
‫وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت من زينتها‪ ،‬فلما ذهب من‬
‫الليل نصفه قام عبد ال وزين ناقته فركبت عليها حليمة‪ ،‬وركب‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقد عرضت عليه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬من أشرف قريش‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬نحو حى بنى سعد‪.‬‬

‫] ‪[ 345‬‬

‫عبد ال فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدي‪ ،‬وخرجوا من دارهم في داج من‬
‫الليل‪ ،‬فلما أصبحوا كانوا على باب مكة ودخلوها‪ ،‬وذهبت )‪ (1‬إلى دار‬
‫عاتكة‪ ،‬وكانت تلطف محمدا " وتلعقه العسل والزبد الطري‪ ،‬فلما دخلت‬
‫الدار وسمع عبد المطلب بمجيئها جاء من ساعته ودخل الدار‪ ،‬ووقف بين‬
‫يدي حليمة‪ ،‬ففتحت حليمه جيبها وأخرجت ثديها اليسر‪ ،‬وأخذت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله فوضعته في حجرها ووضعت ثديها في فمه‪،‬‬
‫والنبي صلى ال عليه وآله ترك ثديها اليسر واضطرب إلى ثديها اليمن‪،‬‬
‫فأخذت حليمة ثديها اليمن من يد النبي صلى ال عليه وآله ووضعت ثديها‬
‫اليسر في فمه‪ ،‬وذلك أن ثديها اليمن كان جهاما " )‪ (2‬لم يكن فيه لبن‪،‬‬
‫وخافت حليمة أن النبي صلى ال عليه وآله إذا مص الثدي )‪ (3‬ولم يجد‬
‫فيه شيئا " ل يأخذ بعده اليسر‪ ،‬فيأمر عبد المطلب بإخراجها من الدار‪،‬‬
‫فلما ألحت على النبي صلى ال عليه وآله أن يأخذ اليسر والنبي يميل إلى‬
‫اليمن فصاحت عليه وقالت‪ :‬يا ولدي مص اليمن حتى تعلم أنه جهام‬
‫يابس ل شئ فيه‪ ،‬قال‪ :‬فلما مص النبي اليمن امتل فانفتح باللبن حتى مل‬
‫شدقيه )‪ (4‬بأمر ال تعالى وببركته‪ ،‬فضجت حليمة وقالت‪ :‬واعجباه منك يا‬
‫ولدي‪ ،‬وحق رب السماء ربيت بثدي اليسر اثنى عشر ولدا "‪ ،‬وما ذاقوا‬
‫من ثديي اليمن شيئا " والن قد انفتح ببركتك‪ ،‬وأخبرت بذلك عبد ال‬
‫فأمرها بكتمان ذلك‪ ،‬فقال )‪ (5‬عبد المطلب‪ :‬تكونين عندي فأمر لك بإفراغ‬
‫قصر بجنب قصري‪ ،‬واعطيك كل شهر ألف درهم بيض‪ ،‬ودست ثياب‬
‫رومية‪ ،‬وكل يوم عشرة أمنان خبز حوارى ولحما " مشويا "‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫سمع أبوها عبد ال ذلك أوحى لها أن ل تقيمي عنده‪ ،‬قالت‪ :‬يا أبا الحارث‬
‫لو جعلت لي مال الدنيا ما أقمت عندك ول تركت الزوج والولد‪ ،‬قال عبد‬
‫المطلب‪ :‬فإن كان هكذا فأدفع إليك محمدا " على شرطين‪ ،‬قالت‪ :‬وما‬
‫الشرطين ؟ قال عبد المطلب‪ :‬أن تحسني إليه‪ ،‬وتنوميه إلى جنبك‪ ،‬وتدثريه‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وذهبت حليمة‪ (2) .‬أي كان خاليا من اللبن ولم يكن يدر به‪،‬‬
‫والجهام‪ :‬السحاب لماء فيه‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬الثدى اليمن‪ (4) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬حتى امتل شدقيه كفم رأس الزق بأمر ال‪ (5) .‬في المصدر هنا‬
‫زيادة هي‪ :‬فلما شبع النبي صلى ال عليه وآله ترك الخلف من ساعته‪،‬‬
‫فقال‪.‬‬

‫] ‪[ 346‬‬

‫بيمينك‪ ،‬وتوسديه بيسارك‪ ،‬ول تنبذيه وراء ظهرك‪ ،‬قالت حليمة‪ :‬وحق رب السماء‬
‫إني منذ وقع عليه نظري قد ثبت حبه في فؤادي‪ ،‬فلك السمع والطاعة يا أبا‬
‫الحارث‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأما الشرط الثاني أن تحمليه إلي في كل جمعة حتى‬
‫أتمتع برؤيته‪ ،‬فإني ل أقدر على مفارقته‪ ،‬قالت‪ :‬أفعل ذلك إن شاء ال‬
‫تعالى‪ ،‬فأمر عبد المطلب أن تغسل رأس محمد صلى ال عليه وآله فغسلت‬
‫رأسه‪ ،‬ولففته في خرق السندس‪ ،‬ثم إن عبد المطلب دفعه إليها وأخذ أربعة‬
‫آلف درهم‪ ،‬وقال لها‪ :‬يا حليمة )‪ (1‬نمضي إلى بيت ال حتى اسلمه إليك‬
‫فيه‪ ،‬فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبي صلى ال عليه وآله سبعا "‬
‫وهو على ساعده ملففا " بخرق السندس‪ ،‬ثم إنه دفعه إليها وأربعة الف‬
‫درهم بيض‪ ،‬وأربعين ثوبا " من خواص كسوته‪ ،‬ووهب لها أربع جوار‬
‫رومية‪ ،‬وحلل سندس‪ ،‬ثم إن عبد ال بن الحارث أتى بالناقة فركبتها‬
‫حليمة‪ ،‬وأخذت رسول ال صلى ال عليه وآله في حجرها وشيعه عبد‬
‫المطلب إلى خارج مكة‪ ،‬ثم أخذت حليمة رسول ال صلى ال عليه وآله إلى‬
‫جنبها من داخل خمارها‪ ،‬فلما بلغت حليمة حي بني سعد كشفت عن وجه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهواء‬
‫طول وعرضا " إلى أعنان السماء )‪ .(2‬قال الواقدي‪ :‬فلما رأى الخلق ذلك‬
‫لم يبق في حي بني سعد صغير ول كبير ول شيخ ول شاب إل استقبلوا‬
‫حليمة وهنأوها بما رزقها ال تعالى من الكرامة الكبرى‪ ،‬فذهبت حليمة إلى‬
‫باب خيمتها وبركت الناقة والنبي صلى ال عليه وآله في حجرها‪ ،‬فما‬
‫وضعته عند الصغير إل حمله الكبير‪ ،‬وما وضعته عند الكبير إل وأخذه‬
‫الصغير‪ ،‬وذلك كله لمحبة النبي صلى ال عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فبقي‬
‫النبي صلى ال عليه وآله عند حليمة ترضعه وكانت تقول‪ :‬يا ولدي ورب‬
‫السماء إنك لعندي أعز من ولدي ضمرة وقرة عيني‪ ،‬أترى أعيش حتى‬
‫أراك كبيرا " كما رأتيك صغيرا " ؟ وكانت تؤثر محمدا " على أولدها جدا‬
‫"‪ ،‬ول تفارقه ساعة )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬تعالى يا حليمة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬حتى التزق بأعنان السماء‪(3) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬ول تفارق محمدا عن عينيها‪.‬‬

‫] ‪[ 347‬‬

‫قال الواقدي‪ :‬قالت حليمة‪ :‬وال ما غسلت لمحمد ثوبا " من بول ول غائط‪ ،‬بل كان‬
‫إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه‬
‫و تخدمه حتى تقضي )‪ (1‬حاجته‪ ،‬ول شممت ورب السماء من محمد‬
‫رائحة النتن قط‪ ،‬بل كان إذا خرج من قبله أو دبره شئ يفوح منه رائحة‬
‫المسك والكافور‪ ،‬قالت حليمة‪ :‬فلما أتى على النبي صلى ال عليه وآله‬
‫تسعة أشهر ما رأيث ما يخرج من دبره )‪ ،(2‬لن الرض كانت تبتلع ما‬
‫يخرج منه فلهذا لم أره‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ولما كملت له عشرة أشهر قامت‬
‫حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة لنتباه النبي صلى ال‬
‫عليه وآله لتزينه وتحمله إلى عند جده عبد المطلب‪ ،‬قال‪ :‬فلم ينتبه النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة‪ ،‬فلم يخرج إل‬
‫بعد أربع ساعات‪ ،‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وآله مغسول الرأس‪،‬‬
‫مسرح الذوائب‪ ،‬وقد زوق جبينه وذقنه‪ ،‬وعليه ألوان الثياب من السندس‬
‫والستبرق‪ ،‬فتعجبت حليمة من زينة النبي صلى ال عليه وآله ومن لباسه‬
‫مما رأت عليه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة‬
‫الكاملة ؟ فقال لها محمد صلى ال عليه وآله‪ :‬أما الثياب فمن الجنة‪ ،‬وأما‬
‫الزينة فمن الملئكة )‪ ،(3‬قال‪ :‬فتعجبت حليمة من ذلك عجبا " شديدا "‪،‬‬
‫ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة‪ ،‬فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه‬
‫واعتنقه‪ ،‬وأخذه إلى حجره‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ولدي من أين لك هذه الثياب‬
‫الفاخرة والزينة الكاملة ؟ فقال له النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬يا جد استخبر‬
‫ذلك من حليمة‪ ،‬فكلمته حليمة و قالت‪ :‬ليس ذلك من أفعالنا‪ ،‬فأمر عبد‬
‫المطلب حليمة أن تكتم ذلك‪ ،‬وأمر لها بألف درهم بيض‪ ،‬وعشرة دسوت )‬
‫‪ (4‬ثياب‪ ،‬وجارية رومية‪ ،‬فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى‬
‫حيها‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فلما أتى على النبي خمسة عشر شهرا " كان إذا نظر‬
‫إليه الناظر يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لتمام وقارة جسمه وملحة‬
‫بدنه‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬يقضى‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ما رايت ما يخرج من دبره نتنا‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬فمن أفعال الملئكة‪ (4) .‬دسوت جمع الدست والدست من‬
‫الثياب‪ :‬ما يلبسه النسان من الثياب‪.‬‬

‫] ‪[ 348‬‬

‫قال الواقدي‪ :‬فلما حملت حليمة النبي صلى ال عليه وآله إلى حيها حين أخذته من‬
‫عند عبد المطلب وكان لها اثنان وعشرون رأسا " من المواشي فوضعت‬
‫في تلك السنة كل شاة توأما " ببركة النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وخرج من‬
‫عندها ولها ألف وثلثون رأسا " من الشاغية والراغية‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫وكان لرسول ال صلى ال عليه وآله إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار‬
‫إلى الرعاية ويعودون بالليل إلى منازلهم‪ ،‬فرجعوا ذات ليلة مغمومين‪ ،‬فلما‬
‫دخلوا الدار قالت لهم حليمة‪ :‬مالي أراكم مغمومين ؟ قالوا‪ :‬يا امنا إن في‬
‫هذا اليوم جاء ذئب وأخذ شاتين من شياهنا وذهب بهما‪ ،‬فقالت حليمة‪:‬‬
‫الخلف والخير على ال تعالى‪ ،‬فسمع النبي قولهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ل عليكم‪،‬‬
‫فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية ال تعالى‪ ،‬فقال ضمرة‪ :‬واعجبا "‬
‫منك يا أخي قد أخذهما بالمس‪ ،‬فكيف تسترجعهما باليوم ؟ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إنه صغير في قدرة ال تعالى‪ ،‬فلما أصبحوا قام‬
‫ضمرة وأخذ رسول ال على كتفه فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬مر بي‬
‫إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين‪ ،‬قال‪ :‬فذهب برسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله إلى ذلك الموضع‪ ،‬فعند ذلك نزل النبي صلى ال عليه وآله عن‬
‫كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة ل تعالى وقال‪ :‬الهي وسيدي ومولي تعلم‬
‫حق حليمة علي‪ ،‬وقد تعدى ذئب على مواشيها‪ ،‬فأسألك أن تلزم الذئب برد‬
‫المواشى إلي‪ ،‬قال‪ :‬فما استتم دعائه حتى أوحى ال تعالى إلى الذئب‪ :‬أن‬
‫يرد المواشي إلى صاحبها‪ .‬قال الواقدي‪ :‬إن الذئب لما ذهب بالشاتين حين‬
‫أخذهما نادى مناد‪ :‬يا أيها الذئب احذر ال وبأسه )‪ (1‬وعقوبته‪ ،‬واحفظ‬
‫الشاتين اللتين أخذتهما حتى تردهما على خير النبياء والمرسلين‪ ،‬محمد‬
‫بن عبد ال بن عبد المطلب صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما سمع الذئب النداء‬
‫تحير ودهش‪ ،‬ووكل بهما راعيا " يرعاهما إلى الصباح‪ ،‬فلما حضر النبي‬
‫عليه السلم ودعا بدعائه قام الذئب وردهما‪ ،‬وقبل قدم النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وقال‪ :‬يا محمد اعذرني فإني لم أعلم أنهما لك‪ ،‬فأخذ ضمرة‬
‫الشاتين‪ ،‬ولم ينقص منهما شئ فقال ضمرة‪ :‬يا محمد ما أعجب شأنك ؟‬
‫وأنفذ أمرك ؟ فبلغ ذلك عبد المطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أن‬
‫يحسده قريش )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬من بأسه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬مخافة أن يأخذوه قريش ويعملون في‬
‫دمه‪.‬‬

‫] ‪[ 349‬‬

‫قال الواقدي‪ :‬فبقي رسول ال صلى ال عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال‬
‫لها‪ :‬مالي ل أرى إخوتي بالنهار وأراهم بالليل ؟ فقالت له‪ :‬يا سيدي‬
‫سألتني عن إخوتك وهم يخرجون في النهار إلى الرعاء‪ ،‬فقال لها النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬يا أماه احب أن أخرج معهم إلى الرعاء‪ ،‬وأنظر إلى‬
‫البر والسهل والجبل‪ ،‬وأنظر إلى البل كيف تشرب اللبن من امهاتها‪،‬‬
‫وأنظر إلى القطائع )‪ ،(1‬وإلى عجائب ال تعالى في أرضه‪ ،‬وأعتبر من‬
‫ذلك‪ ،‬وأعرف المنفعة من المضرة‪ ،‬فقالت له حليمة‪ :‬أفتحب يا ولدي ذلك ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬وسرحت شعره‪ ،‬ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا " فاخرة‪،‬‬
‫وجعلت في رجليه نعلين من حذى )‪ (2‬مكة‪ ،‬وعمدت إلى سلة وجعلت فيها‬
‫أطعمة جيدة‪ ،‬وبعثته مع أولدها‪ ،‬وقالت لهم‪ :‬يا أولدي اوصيكم بسيدي‬
‫محمد صلى ال عليه وآله أن تحفظوه‪ ،‬وإذا جاع فأطعموه‪ ،‬وإذا عطش‬
‫فاسقوه‪ ،‬فإذا عي )‪ (3‬فأقعدوه حتى يستريح‪ ،‬فخرج النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وعلى يمينه عبد ال بن الحارث‪ ،‬وعن يساره ضمرة‪ ،‬وقرة قدامه‪،‬‬
‫والنبي صلى ال عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم‪ ،‬فما بقي حجر ول مدر‬
‫إل وهم ينادون‪ :‬السلم عليك يا محمد‪ ،‬السلم عليك يا أحمد‪ ،‬السلم عليك‬
‫يا حامد‪ ،‬السلم عليك يا محمود‪ ،‬السلم عليك يا صاحب القول العدل‪ :‬ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪ ،‬طوبى لمن آمن بك‪ ،‬والويل لمن كفر بك‪ ،‬ورد‬
‫عليك حرفا " تأتي به من عند ربك‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وآله يرد عليهم‬
‫السلم‪ ،‬وقد تحير الذين معه مما يرون من العجائب‪ ،‬ثم إن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله أصابه حر الشمس‪ ،‬فأوحى ال تعالى إلى إستحيائيل‪ :‬أن مد‬
‫فوق رأس محمد صلى ال عليه وآله سحابة بيضاء‪ ،‬فمدها فأرسلت‬
‫عزاليها )‪ (4‬كأفواه القرب‪ ،‬ورش القطر على السهل والجبل‪ ،‬ولم تقطر‬
‫على رأس‬

‫)‪ (1‬القطائع‪ :‬طائفة من الغنم والنعم وسواها )‪ (2‬الحذاء بالمد‪ :‬النعل‪ (3) .‬أي عجز‬
‫عن المشى‪ .‬وفي المصدر بعد قوله‪ :‬يستريح‪ :‬فقبلوا وصيتها أولدها‪،‬‬
‫فقالوا لها‪ :‬يا امنا إن محمدا صلى ال عليه وآله ل عزنا وهو أخونا‪،‬‬
‫ونفذت معهم عبد ال بن الحارث‪ ،‬ويسارة وزوجها ابن بكير بن سعد‪،‬‬
‫فخرج النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬ا‍ه قلت‪ :‬قوله‪ :‬ابن بكير تصحيف من‬
‫الناسخ‪ ،‬والصحيح‪ :‬بكر بن سعد كما تقدم‪ ،‬وتقدم في الحديث الثاني أن‬
‫زوجها الحارث بن عبد العزى‪ (4) .‬قال الجزرى‪ :‬العزالى جمع العزلء‬
‫وهو فم المزادة السفل‪ ،‬فشبه اتساع المطر واندفاقه بالذى يخرج من فم‬
‫المزادة ومنه الحديث‪ :‬فأرسلت السماء عزاليها‪ .‬قلت‪ :‬المزادة‪ :‬الرواية‪.‬‬

‫] ‪[ 350‬‬

‫محمد صلى ال عليه وآله قطرة‪ ،‬وسالت من ذلك المطر الودية‪ ،‬وصار الوحل في‬
‫الرض ما خل طريق محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬وكان ينزل من تلك‬
‫السحابة )‪ (1‬ريش الزعفران‪ ،‬وسنابل المسك‪ ،‬وكان في تلك البرية نخلة‬
‫يابسة عادية )‪ (2‬قد يبست أغصانها‪ ،‬وتناثرت أوراقها منذ سنتين‪ ،‬فاستند‬
‫النبي صلى ال عليه وآله إليها فأورقت وأرطبت وأثمرت وأرسلت ثمارها‬
‫من ثلثة أجناس‪ :‬أخضر‪ ،‬وأحمر‪ ،‬واصفر‪ ،‬وقعد النبي صلى ال عليه وآله‬
‫هنالك يكلم إخوته ورأى النبي صلى ال عليه وآله روضة خضراء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا إخوتي اريد أن أمر بهذه الروضة‪ ،‬وكان وراء الروضة تل كؤود )‪،(3‬‬
‫وعليه أنواع )‪ (4‬النباتات‪ ،‬فقال‪ :‬يا إخوتي ما ذلك التل ؟ فقالوا له‪ :‬يا‬
‫محمد وراء ذلك التل البراري والمفاوز‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‬
‫إني قد اشتهيت أن أنظر إليه‪ ،‬فقال القوم‪ :‬نحن نمضي معك إليه‪ ،‬فقال لهم‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم‪ ،‬وأنا أمضي وحدي و‬
‫أرجع إليكم سريعا " إن شاء ال تعالى‪ ،‬فقالوا جميعا "‪ :‬مر )‪ (5‬يا محمد‬
‫فإن قلوبنا متفكرة بسببك‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ثم إن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫مر في تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك البراري والمفاوز‪ ،‬وهو يعتبر‬
‫ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل‪ ،‬ونظر إلى جبل شاهق في الهواء‬
‫كالحائط ول يتهيأ له صعوده لعتداله وارتفاعه في الهواء‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله في نفسه‪ :‬إني اريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما‬
‫ورائه من العجائب‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فأراد النبي صلى ال عليه وآله أن يصعد‬
‫الجبل فلم يتهيأ له ذلك لستوائه في الهواء فصاح إستحيائيل في الجبل‬
‫صيحة أرعشته فاهتز اهتزازا "‪ ،‬وقال له‪ :‬أيها الجبل ويحك أطع محمدا "‬
‫صلى ال عليه وآله خير المرسلين‪ ،‬فإنه يريد أن يصعد عليك‪ ،‬ففرح الجبل‬
‫وتراكم بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار‪ ،‬فصعد النبي صلى ال‬
‫عليه وآله أعله‪ ،‬وكانت تحت‬

‫)‪ (1‬في هامش المصدر‪ :‬فقد نبت من تلك السحابة ظ‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وكانت في‬
‫تلك البرية شجرة طويلة عايشة عادية‪ (3) .‬كؤود‪ :‬صعب شاق المصعد‪.‬‬
‫)‪ (4‬في المصدر‪ :‬ألوان‪ (5) .‬في نسخة من المصدر‪ :‬سر‪.‬‬

‫] ‪[ 351‬‬

‫هذا الجبل حيات كثيرة من ألوان شتى‪ ،‬وعقارب كالبغال‪ ،‬فلما هم النبي صلى ال‬
‫عليه وآله بالنزول إلى تحت الجبل صاح الملك استحيائيل صيحة عظيمة‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أيتها الحيات والعقارب غيبوا أنفسكم في جحوركم )‪ (1‬وتحت‬
‫صخوركم ل يراكم سيد الولين والخرين‪ ،‬فسارع الحيات والعقارب إلى ما‬
‫أمرهم استحيائيل‪ ،‬وغيبوا أنفسهم في كل جحر وتحت كل حجر‪ ،‬ونزل‬
‫النبي صلى ال عليه وآله من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل‬
‫وألين من الزبد‪ ،‬فقعد النبي صلى ال عليه وآله عند العين‪ ،‬فنزل جبرئيل‬
‫عليه السلم في ذلك الموضع وميكائيل وإسرافيل ودردائيل‪ ،‬فقال جبرئيل‪:‬‬
‫السلم عليك يا محمد‪ ،‬السلم عليك يا أحمد‪ ،‬السلم عليك يا حامد‪ ،‬السلم‬
‫عليك يا محمود‪ ،‬السلم عليك ياطه‪ :‬السلم عليك يا أيها المدثر‪ ،‬السلم‬
‫عليك يا أيها المليح‪ ،‬السلم عليك يا طاب طاب )‪ ،(2‬السلم عليك يا سيد يا‬
‫سيد‪ ،‬السلم عليك يا فارقليط‪ ،‬السلم عليك يا طس‪ ،‬السلم عليك يا طسم‪،‬‬
‫السلم عليك يا شمس الدنيا‪ ،‬السلم عليك يا قمر الخرة‪ ،‬السلم عليك يا‬
‫نور الدنيا والخرة‪ ،‬السلم عليك يا شمس القيامة‪ ،‬السلم عليك يا خاتم‬
‫النبيين‪ ،‬السلم عليك يا زهرة الملئكة‪ ،‬السلم عليك يا شفيع المذنبين )‬
‫‪ ،(3‬السلم عليك يا صاحب التاج والهراوة )‪ ،(4‬السلم عليك يا صاحب‬
‫القرآن والناقة‪ ،‬السلم عليك يا صاحب الحج والزيارة‪ ،‬السلم عليك يا‬
‫صاحب الركن والمقام‪ ،‬السلم عليك يا صاحب السيف القاطع‪ ،‬السلم عليك‬
‫يا صاحب الرمح الطاعن‪ ،‬السلم عليك يا صاحب السهم النافذ‪ ،‬السلم‬
‫عليك يا صاحب المساعي‪ ،‬السلم عليك يا أبا القاسم‪ ،‬السلم عليك يا‬
‫مفتاح الجنة‪ ،‬السلم عليك يا مصباح الدين‪ ،‬السلم عليك يا صاحب‬
‫الحوض المورود‪ ،‬السلم عليك يا قائد المسلمين‪ ،‬السلم عليك يا مبطل‬
‫عبادة الوثان‪ ،‬السلم عليك يا قائد المرسلين‪ ،‬السلم عليك يا مظهر‬
‫السلم‪ ،‬السلم عليك يا يا صاحب قول ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪،‬‬
‫طوبى لمن آمن بك‪ ،‬والويل لمن كفر بك‪ ،‬ورد عليك حرفا " مما تأتي به‬
‫من عند ربك‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وآله يرد عليه السلم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬من‬

‫)‪ (1‬الجحور جمع الجحر بالضم فالسكون‪ :‬مكان تحتفرها السباع والهوام ل نفسها‪.‬‬
‫)‪ (2‬يا طاب خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (3) .‬في المصدر زيادة‬
‫هناهى‪ :‬السلم عليك يا صاحب القضيت والناقة‪ (4) .‬الهراوة بالكسر‪:‬‬
‫العصا‪.‬‬

‫] ‪[ 352‬‬

‫أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن عباد ال‪ ،‬وقعدوا حوله‪ ،‬قال‪ :‬فنظر النبي صلى ال عليه وآله إلى‬
‫جبرائيل عليه السلم قال‪ :‬ما اسمك ؟ قال‪ :‬عبد ال‪ ،‬ونظر إلى إسرافيل‬
‫وقال له‪ :‬ما اسمك ؟ قال‪ :‬اسمي عبد ال‪ ،‬ونظر إلى ميكائيل وقال له‪ :‬ما‬
‫اسمك ؟ قال‪ :‬عبد الجبار‪ ،‬ونظر إلى دردائيل وقال له‪ :‬ما اسمك ؟ قال‪ :‬عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وآله كلنا عباد ال‪ ،‬وكان مع جبرئيل‬
‫طست من ياقوت أحمر‪ ،‬ومع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر وفي البريق‬
‫ماء من الجنة‪ ،‬فتقدم جبرئيل عليه السلم ووضع فمه على فم محمد صلى‬
‫ال عليه وآله إلى أن ذهبت ثلث ساعات من النهار‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد اعلم‬
‫وافهم ما بينته لك‪ ،‬قال‪ :‬نعم إن شاء ال تعالى‪ ،‬وقد مل جوفه علما "‬
‫وفهما " وحكما " وبرهانا "‪ ،‬وزاد ال تعالى في نور وجهه سبعة‬
‫وسبعين ضعفا "‪ ،‬فلم يتهيأ لحد أن يمل بصره من رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬فقال له جبرائيل عليه السلم‪ :‬ل تخف يا محمد‪ ،‬فقال له النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ومثلي من يخاف ؟ وعزة ربي وجلله وجوده وكرمه‬
‫وارتفاعه في علو مكانه لو علمت شيئا " )‪ (1‬دون جلل عظمته لقلت‪ :‬لم‬
‫أعرف ربي قط‪ ،‬قال‪ :‬ونزل جبرائيل )‪ (2‬إلى ميكائيل وقال‪ :‬حق لربنا أن‬
‫يتخذ مثل هذا حبيبا "‪ ،‬ويجعله سيد ولد آدم‪ ،‬ثم إن جبرائيل عليه السلم‬
‫ألقى رسول ال صلى ال عليه وآله على قفاه ورفع أثوابه‪ ،‬فقال له النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ما تريد تصنع يا أخي جبرائيل ؟ فقال جبرائيل‪ :‬ل‬
‫بأس عليك‪ ،‬فأخرج جناحه )‪ ،(3‬وشق بطن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وأدخل جناحه في بطنه‪ ،‬وخرق قلبه‪ ،‬وشق المقلبة وأظهر نكتة سوداء‬
‫فأخذها جبرائيل عليه السلم فغسلها‪ ،‬وميكائيل يصب الماء عليه‪ ،‬فنادى‬
‫مناد من السماء يقول‪ :‬يا جبرائيل ل تقشر قلب محمد صلى ال عليه وآله‬
‫فتوجعه‪ ،‬ولكن اغسله بزغبك ‪ -‬والزغب‪ ،‬هو الريش الذي تحت الجناح ‪-‬‬
‫فأخذ جبرئيل زغبة وغسل بها قلب محمد صلى ال عليه وآله ثم‪ ،‬رد‬
‫المقلبة إلى القلب‪ ،‬والقلب إلى الصدر‪ ،‬فقال عبد ال بن العباس‪ :‬ذات يوم‬
‫والنبي صلى ال عليه وآله قد بلغ مبلغ الرجال‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه‬
‫وآله بأي شئ غسل قلبك يا رسول ال ؟ ومن أي شئ ؟ قال‪ :‬غسل من‬
‫الشك واليقين )‪ (4‬ل من الكفر‪ ،‬فإني لم أكن كافرا " قط‪ ،‬لني كنت مؤمنا‬
‫" بال من قبل أن‬

‫)‪ (1‬في هامش المصدر‪ :‬لو أني اخاف شيئا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬جبرئيل‪ ،‬وكذا فيما‬
‫يأتي )‪ (3‬في المصدر‪ :‬جناحه الخضر‪ (4) .‬هكذا في الصل ومصدره‪،‬‬
‫واستظهر المصنف في الهامش أنه مصحف الفتن‪.‬‬

‫] ‪[ 353‬‬

‫أكون في صلب آدم عليه السلم )‪ (1‬فقال له عمر بن الخطاب‪ :‬متى نبئت يا رسول‬
‫ال ؟ قال‪ :‬يا أبا حفص نبئت وآدم بين الروح والجسد‪ .‬قال الواقدي‪ :‬فقال‬
‫إسرافيل )‪ (2‬لمحمد صلى ال عليه وآله‪ :‬ما اسمك يافتى ؟ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن‬
‫عبدمناف ولي اسم غير هذا‪ ،‬قال إسرافيل‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬ولكني امرت‬
‫بأمر فأفعل‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬افعل ما امرت به‪ ،‬فقام إسرافيل‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وحل أزار قميصه‪ ،‬وألقاه على قفاه )‬
‫‪ ،(3‬وأخرج خاتما " كان معه وعليه سطران‪ :‬الول ل إله إل ال‪ ،‬والثاني‬
‫محمد رسول ال‪ ،‬وذلك خاتم النبوة‪ ،‬فوضع الخاتم بين كتفي النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬فصار الخاتم بين كتفيه كالهلل الطالع بجسمه‪ ،‬واستبان‬
‫السطران بين كتفيه كالشامة يقرئهما كل عربي كاتب )‪ ،(4‬ثم دنا دردائيل‬
‫وقال‪ :‬يا محمد تنام الساعة‪ ،‬فقال له‪ :‬نعم‪ ،‬فوضع النبي صلى ال عليه‬
‫وآله رأسه في حجر دردائيل وغفا )‪ (5‬غفوة فرأى في المنام كأن شجرة‬
‫نابتة فوق رأسه‪ ،‬وعلى الشجرة أغصان غلظ مستويات كلها‪ ،‬وعلى كل‬
‫غصن من أغصانها غصن وغصنان وثلثة وأربعة أغصان‪ ،‬ورأى عند‬
‫ساق الشجرة من الحشيش ما ل يتهيأ وصفه‪ ،‬وكانت الشجرة عظيمة‬
‫غليظة الساق ذاهبة في الهواء‪ ،‬ثابتة الصل‪ ،‬باسقة الفرع )‪ ،(6‬فنادى‬
‫مناديا "‪ :‬يا محمد ! أتدري ما هذه الشجرة ؟ فقال‬

‫)‪ (1‬قصة شق بطنه صلى ال عليه وآله من مرويات العامة التى لم يصححها حديث‬
‫ول اعتبار‪ ،‬والخاصة برآء من تلك وأمثالها‪ ،‬وهذا الحديث أيضا كما ترى‬
‫من أحاديث العامة رواه الواقدي‪ ،‬وهو مشتمل على غرائب اخرى تقدمت‬
‫قبل وتأتى بعد كقصة الميزان‪ (2) .‬في المصدر زيادة هي هكذا‪ :‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬وأما ما كان من أمر النبي صلى ال عليه وآله وسلم أن جبرئيل‬
‫قام وصب الماء على أرض قزوين فحصل من ذلك لرض قزوين أمر‬
‫عظيم‪ ،‬قال‪ :‬وعرج جبرئيل عليه السلم وميكائيل إلى السماء‪ ،‬فقال‬
‫اسرافيل إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬فيه غرابة جدا‪ ،‬ولعله لذلك أسقطه المصنف‪ (3) .‬هكذا‬
‫في الصل ومصدره‪ ،‬واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح‪ :‬على‬
‫وجهه‪ (4) .‬في المصدر زيادة هي هكذا‪ :‬وفرغ إسرافيل من عمله وجاء‬
‫بين يدى النبي صلى ال عليه و آله وسلم‪ (5) .‬غفا‪ :‬نعس‪ .‬نام نومة‬
‫خفيفة‪ (6) .‬بسق النخل‪ :‬ارتفعت اغصانه وطال‪.‬‬

‫] ‪[ 354‬‬

‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يا أخي‪ ،‬قال‪ :‬اعلم أن هذه الشجرة أنت‪ ،‬والغصان‬
‫أهل بيتك‪ ،‬والذي تحتها محبوك ومواليك‪ ،‬فأبشر يا محمد بالنبوة الثيرة )‬
‫‪ ،(1‬والرئاسة الخطيرة‪ ،‬ثم إن دردائيل أخرج ميزانا " عظيما " كل كفة‬
‫منه ما بين السماء والرض‪ ،‬فأخذ النبي صلى ال عليه وآله ووضعه في‬
‫كفه‪ ،‬ووضع مأة من أصحابه في كفه فرجح بهم النبي صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫ثم عمد إلى ألف رجل من خواص امته فوضعهم في الكفة الثانية فرجح‬
‫بهم النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم عمد إلى أربعة آلف رجل من امته‬
‫فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم عمد إلى نصف‬
‫امته فرجح بهم النبي‪ ،‬ثم عمد إلى امته كلهم النبياء والمرسلين ثم‬
‫الملئكة كلهم أجمعين ثم الجبال والبحار ثم الرمال ثم الشجار ثم المطار‬
‫ثم جميع ما خلق ال تعالى فوزن بهم النبي صلى ال عليه وآله فلم‬
‫يعدلوه‪ ،‬ورجح النبي صلى ال عليه وآله بهم‪ ،‬فلهذا قال‪ :‬خير الخلق محمد‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬لنه رجح بالخلق أجمعين‪ ،‬وهذا كله يراه بين النوم‬
‫واليقظة‪ ،‬فقال دردائيل‪ :‬يا محمد طوبى لك‪ ،‬ثم طوبى لك ولمتك‪ ،‬وحسن‬
‫مآب‪ ،‬والويل كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا " مما تأتي به من عند‬
‫ربك‪ ،‬ثم عرج الملئكة إلى السماء )‪ .(2‬قال الواقدي‪ :‬فلما طال مكث النبي‬
‫طلبه في تلك المفاوز إخوته أولد حليمة‪ ،‬فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة‬
‫فأعلموها بقصته‪ ،‬فقامت ذاهلة العقل‪ ،‬تصيح في حي بني سعد‪ ،‬فوقعت‬
‫الصيحة في حي بني سعد أن محمدا " قد افتقد‪ ،‬فقامت حليمة ومزقت‬
‫أثوابها‪ ،‬وخدشت وجهها‪ ،‬وكشفت شعرها )‪ (3‬وهي تعدو في البراري‬
‫والمفاوز والقفار حافية القدم‪ ،‬والشوك يدخل في رجليها‪ ،‬والدم يسيل‬
‫منهما‪ ،‬وهي تنادي‪ :‬واولداه‪ ،‬واقرة عيناه‪ ،‬واثمرة فؤاداه‪ ،‬ومعها نساء‬
‫بني سعد يبكين معها‪ ،‬مكشفات الشعور‪ ،‬مخدشات الوجوه‪ ،‬وحليمة‬

‫)‪ (1‬الئيره‪ :‬المكرمة‪ (2) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬فأتت تلك الشجرة التى رآها‬
‫في النوم على وصفها‪ ،‬ونشرت أغصانها‪ ،‬وزجت أوراقها‪ ،‬وأرسلت‬
‫أثمارها بامر ال تعالى‪ ،‬وعليها كل ثمرة من لون‪ ،‬واجتمع صفرة‬
‫الشمس واختلطت بحمرة الورق‪ ،‬واللوان مختلطة بعضها ببعض‪ .‬قلت‬
‫فيه‪ :‬اضطراب بين‪ ،‬ولعل لذلك أسقطها المصنف‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫نقشت شعرها‪ ،‬أي نتفتها‪.‬‬

‫] ‪[ 355‬‬

‫تسقط مرة‪ ،‬وتقوم اخرى‪ ،‬وما بقي في الحي شيخ ول شاب ول حر ول عبد إل‬
‫يعدوا في البرية في طلب محمد صلى ال عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب‬
‫محترق‪ ،‬وركب عبد ال بن الحارث وركب معه آل بني سعد‪ ،‬وحلف إن ل‬
‫وجدت محمدا " صلى ال عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد‬
‫وغطفان‪ ،‬وأقتلهم عن آخرهم‪ ،‬وأطلب بدم محمد صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكة ودخلها‪ ،‬وكان عبد‬
‫المطلب قاعدا " عند أستار الكعبة مع روسآء قريش وبني هاشم‪ ،‬فلما نظر‬
‫إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال‪ :‬ما الخبر ؟ فقالت‬
‫حليمة‪ :‬اعلم أن محمدا " قد فقدناه منذ أمس‪ ،‬وقد تفرق آل سعد في طلبه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فغشي عليه ساعة‪ ،‬ثم أفاق وقال كلمة ل يخذل قائلها‪ :‬ل حول ول قوة‬
‫إل بال العلي العظيم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا غلم هات فرسي وسيفي وجوشني‪ ،‬فقام‬
‫عبد المطلب وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى‪ :‬يا آل غالب‪ ،‬يا آل عدنان‪ ،‬يا‬
‫آل فهر‪ ،‬يا آل نزار‪ ،‬يا آل كنانة‪ ،‬يا آل مضر‪ ،‬يا آل مالك‪ ،‬فاجتمع عليه‬
‫بطون العرب ورؤوساء بني هاشم وقالوا له‪ :‬ما الخبر يا سيدنا ؟ فقال لهم‬
‫عبد المطلب‪ :‬إن محمدا " صلى ال عليه وآله ل يرى منذ أمس فاركبوا‬
‫وتسلحوا‪ ،‬فركب ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلف رجل‪ ،‬فبكى الخلق‬
‫كلهم رحمة لعبد المطلب‪ ،‬وقامت الصيحة والبكاء في كل جانب حتى‬
‫المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي بني‬
‫سعد‪ ،‬وسائر الطراف‪ ،‬وانجذب )‪ (1‬عبد المطلب نحو حي عبد ال بن‬
‫الحارث وأصحابه باكين العيون‪ ،‬ممزقين الثياب‪ ،‬فلما نظر عبد ال إلى عبد‬
‫المطلب رفع صوته بالبكاء وقال‪ :‬يا أبا الحارث واللت والعزى واثاف )‪(2‬‬
‫ونائلة إن لم أجد محمدا "‬

‫)‪ (1‬انجذب في السير‪ :‬أسرع أوصار فيه بعيدا "‪ (2) .‬هكذا في الصل‪ ،‬وهو‬
‫مصحف‪ ،‬وفى المطبوع‪ :‬اساف بالسين وهو الصحيح‪ ،‬واساف ككتاب‬
‫وسحاب‪ :‬وصنم وضعها عمرو بن لحى على الصفا‪ ،‬ونائلة على المروة‪،‬‬
‫وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة‪ ،‬وقال اليعقوبي‪ :‬أول صنم وضع بمكة‬
‫هبل‪ ،‬قدم به مكة عمرو بن لحى من الشام‪ ،‬ثم وضعوا به اساف ونائلة‬
‫كل واحد منهما على ركن من أركان البيت‪ ،‬فكان الطائف إذا طاف بدأ‬
‫باساف فقبله وختم به انتهى وقال ابن إسحاق‪ :‬وضعوهما على موضع‬
‫زمزم ينحرون عندهما‪ .‬واللت مشددة التاء من اللت وهو المزج والخلط‪،‬‬
‫ثم خففت‪ :‬صنم بالطائف‪ ،‬أحدث من مناة كانت صخرة مربعة‪ ،‬وكان‬
‫يهودى يلت السويق عندها‪ ،‬قد بنوا أمامها بيتا‪ ،‬وكانت قريش وجميع‬
‫العرب تعظمها‪ ،‬وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف على ما في‬
‫السيرة‪ ،‬أو بنى عتاب بن مالك على ما قاله الكلبى‪< - .‬‬

‫] ‪[ 356‬‬

‫وضعت سيفي في حي بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم‪ ،‬قال‪ :‬فرق قلب عبد‬
‫المطلب على حي آل سعد وقال‪ :‬ارجعوا أنتم إلى حيكم إن لم أجد محمدا "‬
‫الساعة رجعت إلى مكة ول أدع فيها يهوديا " ول يهودية‪ ،‬ول أحدا "‬
‫ممن أتهمه بمحمد‪ ،‬فأمدهم )‪ (1‬تحت سيفي مد " طلبا " لدم محمد صلى‬
‫ال عليه وآله‪ .‬قال الواقدي‪ :‬وأقبل من اليمن أبو مسعود الثقفي وورقة بن‬
‫نوفل وعقيل بن أبي وقاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وإذا بشجرة نابتة في الوادي‪ ،‬فقال ورقة لبي مسعود‪ :‬إني‬
‫سلكت هذا الطريق ثلثين مرة‪ ،‬وما رأيت قط هاهنا هذه الشجرة‪ ،‬قال‬
‫عقيل‪ :‬صدقت‪ ،‬فمروا بنا حتى ننظر ما هي‪ ،‬قال‪ :‬فذهبوا جميعا " وتركوا‬
‫الطريق الول‪ ،‬فلما قربوا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلما " أمرد ما‬
‫رأى الراؤون مثله‪ ،‬كأنه قمر‪ ،‬فقال عقيل وورقة‪ :‬ما هو إل جني ! فقال‬
‫أبو مسعود‪ :‬ما هو إل من الملئكة وهم يقولون والنبي صلى ال عليه وآله‬
‫يسمع كلمهم‪ ،‬فاستوى قاعدا " فرأى القوم وراءه‪ ،‬فقال أبو مسعود‪ :‬من‬
‫أنت يا غلم ؟ أجني أنت أم إنسي ؟ فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬بل أنا‬
‫إنسي‪ ،‬فقال‪ :‬ما اسمك ؟ قال‪ :‬محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم‬
‫بن عبدمناف‪ ،‬فقال أبو مسعود‪ :‬أنت نافلة عبد المطلب ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كيف وقعت هاهنا ؟ فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها‪ ،‬فنزل أبو‬
‫مسعود عن ظهر ناقته وقال له‪ :‬أتريد أن أمر بك إلى جدك ؟ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا " حتى‬
‫بلغوا قريبا " من حي بني سعد‪ ،‬فنظر النبي صلى ال عليه وآله في البرية‬
‫فرأى جده عبد المطلب وأصحابه ل يرونه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا محمد إنا ل نراه‪،‬‬
‫وذلك أن نظرته نظرة النبياء عليهم السلم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬مروا حتى أراكم‪،‬‬
‫فمروا وإذا عبد المطلب مقبل هو وأصحابه‪ ،‬فلما نظر عبد المطلب إلى‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وثب عن فرسه‪ ،‬وأخذ‬

‫> ‪ -‬والعزى‪ :‬صنم من أعظم أصنام العرب‪ ،‬كانت بواد النخلة الشامية يقال له‪:‬‬
‫حراض‪ ،‬بازاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة‪ ،‬فبنى عليها‬
‫بيت وكانوا يسمعون فيه الصوت‪ ،‬وكانت أعظم الصنام عند قريش وبنى‬
‫كنانة‪ ،‬كانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح‪ ،‬وكان‬
‫سدنتها وحجابها بنى شيبان من سليم حلفاء بنى هاشم قاله ابن هشام‬
‫والكلبي‪ ،‬وقال اليعقوبي‪ :‬كانت لغطفان‪ (1) .‬فأقد هم تحت سيفى قدا خ ل‪.‬‬

‫] ‪[ 357‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وآله إلى سرجه‪ ،‬وقال له‪ :‬أين كنت يا ولدي ؟ وقد كنت‬
‫عزمت أن أقتل أهل مكة جميعا "‪ ،‬فقص النبي صلى ال عليه وآله القصة‬
‫على جده من أولها إلى آخرها‪ ،‬ففرح عبد المطلب فرحا " شديدا "‪،‬‬
‫وخرج من خيله ورجله ودخل مكة‪ ،‬ودفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة‪ ،‬و‬
‫إلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة‪ ،‬قال‪ :‬وذهبت حليمة إلى عبد المطلب‬
‫وقالت له‪ :‬ادفع إلي محمدا " صلى ال عليه وآله‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬يا‬
‫حليمة إني أحببت أن تكوني معنا بمكة وإل ما كنت بالذي اسلمه إليك مرة‬
‫اخرى‪ ،‬فوهب لعبد ال بن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب أحمر‪ ،‬و عشرة‬
‫آلف درهم بيض‪ ،‬ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن‪ ،‬ووهب لخوان‬
‫النبي صلى ال عليه وآله أولد حليمة وهما ضمرة وقرة أخواه من‬
‫الرضاعة مأتي ناقة‪ ،‬وأذن لهم بالرجوع إلى حيهم )‪ .(1‬بيان‪ :‬اعتقل رمحه‬
‫أي جعله بين ركابه وساقه‪ .‬والعيمة‪ :‬شهوة اللبن‪ .‬والثج‪ :‬السيلن‪.‬‬
‫والجهام بالفتح‪ :‬السحاب ل ماء فيه‪ .‬والحواري بالضم وتشديد الواو‬
‫والرآء المفتوحة‪ :‬ما حور من الطعام أي بيض‪ .‬والوحي‪ :‬الشارة والكلم‬
‫الخفي‪ .‬والتزويق‪ :‬التزيين والتحسين والنقش‪ .‬والثاغية‪ :‬الشاة‪ .‬والراغية‪:‬‬
‫البعير‪ ،‬ولعل المقبلة ما في جوف القلب ولم أجده في كتب اللغة‪ .‬والثيرة‪:‬‬
‫المكرمة المختارة‪ .‬اقول‪ :‬هذا الخبر وإن لم نعتمد عليه كثيرا " لكونه من‬
‫طرق المخالفين إنما أوردته لما فيه من الغرائب )‪ (2‬التي ل تأبى عنها‬
‫العقول‪ ،‬ولذكره في مؤلفات أصحابنا‪ - 14 .‬د‪ :‬عن آمنة بنت أبى سعيد‬
‫السهمي قالت‪ :‬امتنع أبو طالب من إتيان اللت‬

‫)‪ (1‬الفضائل‪ (2) .52 - 31 :‬وإن كنا ل نحتاج في إثبات عظمته إليها بعد ما ملت‬
‫فضائله الفاق‪ ،‬وطار صيت جللته في الخافقين‪ ،‬وبعد ما اعترف‬
‫الموافق والمخالف نبوغه وأنه رجل عالمى نشأ من بين قوم كانوا في‬
‫أحط مراتب الرقى والمدنية‪ ،‬وجاء بقوانين ل يمكن أن يأتي بها أكبر‬
‫رجالت الملل المترقية و إن بلغوا أقصى مدارج العلم والفضيلة‪ ،‬وأسس‬
‫دولة عظيمة في امة ضعيفة كانت فاقدة لجميع شئون الحضارة‪ ،‬متصفة‬
‫بصفات الجاهلية‪ ،‬مرتطمة في أوحال الفوضى والهمجية‪ ،‬امة ضعيقه‬
‫تشتمل على قبائل متعادية متباغضة‪ ،‬معتقدة للوهام والخرافة‪ ،‬ل تعرف‬
‫شرعة ول نظاما‪ ،‬وبالجملة فنحن في غنى من أن نسرد فضائله على نحو‬
‫تنطبق على قانون المعجزة وخارق العادة‪ ،‬كما نرى كاتبى سيرته صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم من القدماء يمشون على تلك الطريقة‪.‬‬

‫] ‪[ 358‬‬

‫والعزى بعد رجوعه من الشام في المرة الولى حتى وقع بينه وبين قريش كلم‬
‫كثير‪ ،‬فقال لهم أبو طالب‪ :‬إنه ل يمكنني أن افارق هذا الغلم ول مخالفته‪،‬‬
‫وإنه يأبى أن يصير إليهما‪ ،‬ول يقدر أن يسمع بذكرهما‪ ،‬ويكره أن آتيهما‬
‫أنا‪ ،‬قالوا‪ :‬فل تدعه وأدبه حتى يفعل ويعتاد عبادتهما‪ ،‬فقال أبو طالب‪:‬‬
‫هيهات ما أظنكم تجدونه ول ترونه يفعل هذا أبدا "‪ ،‬قالوا‪ :‬ولم ذاك ؟ قال‪:‬‬
‫لني سمعت بالشام جميع الرهبان يقولون‪ :‬هلك الصنام على يد هذا‬
‫الغلم‪ ،‬قالوا‪ :‬فهل رأيت يا أبا طالب منه شيئا " غير هذا الذي تحكيه عن‬
‫الرهبان ؟ فإنه غير كائن أبدا " أو نهلك جميعا "‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬نزلنا تحت‬
‫شجرة يابسة فاخضرت وأثمرت‪ ،‬فلما ارتحلنا وسرنا نثرت على رأسه‬
‫جميع ثمرها ونطقت‪ ،‬فما رأيت شجرة قط تنطق قبلها وهي تقول يا أطيب‬
‫الناس فرعا "‪ ،‬وأزكاهم عودا "‪ ،‬امسح بيديك المباركتين على لبقي‬
‫خضراء إلى يوم القيامة‪ ،‬قال‪ :‬فمسح يده عليها فازدادت الضعف نورا "‬
‫وخضرة‪ ،‬فلما رجعنا للنصراف ومررنا عليها ونزلنا تحتها فإذا كل طير‬
‫على ظهر الرض له فيها عش )‪ (1‬وفرخ‪ ،‬ولها بعدد كل صنف من الطير‬
‫أغصان كأعظم الشجار على ظهور الرضين‪ ،‬قال‪ :‬فما بقي طير إل‬
‫استقبله يمد جناحه على رأسه‪ ،‬قال‪ :‬فسمعت صوتا " من فوقها وهي‬
‫تقول‪ :‬ببركتك يا سيد النبيين والمرسلين قد صارت هذه الشجرة لنا مأوى‪،‬‬
‫فهذا ما رأيت‪ ،‬فضحكت قريش في وجهه‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬أترى يطمع أبو‬
‫طالب أن يكون ابن أخيه ملك هذا الزمان )‪ - 15 .(2‬د‪ :‬عن أبي جعفر‬
‫محمد الباقر عليه السلم قال‪ :‬لما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫اثنان وعشرون شهرا " من يوم ولدته رمدت عيناه‪ ،‬فقال عبد المطلب‬
‫لبي طالب‪ :‬اذهب بابن أخيك إلى عراف الجحفة وكان بها راهب طبيب في‬
‫صومعته‪ ،‬فحمله غلم له في سفط هندي حتى أتى به الراهب فوضعه تحت‬
‫الصومعة‪ ،‬ثم ناداه أبو طالب‪ :‬يا راهب‪ ،‬فأشرف عليه فنظر حول الصومعة‬
‫إلى نور ساطع‪ ،‬وسمع حفيف أجنحة الملئكة‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت ؟ قال‪ :‬أبو‬
‫طالب بن عبد المطلب‪ ،‬جئتك بابن أخي لتداوي عينه‪ ،‬فقال‪ :‬وأين هو ؟‬
‫قال‪ :‬في السفط قد غطيته من الشمس‪ ،‬قال‪ :‬اكشف عنه‪ ،‬فكشف عنه‪ ،‬فإذا‬
‫هو بنور ساطع‬
‫)‪ (1‬العش‪ :‬موضع الطائر‪ (2) .‬العدد‪ :‬مخطوط‪ ،‬والحديث يتضمن ما ل يخلو عن‬
‫غرابة‪ ،‬واشكال‪.‬‬

‫] ‪[ 359‬‬

‫في وجهه قد أذعر الراهب‪ ،‬فقال له‪ :‬غطه فغطاه‪ ،‬ثم أدخل الراهب رأسه في‬
‫صومعته فقال‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسول ال حقا " حقا‪ ،‬وأنك‬
‫الذي بشر به في التوراة والنجيل على لسان موسى وعيسى عليهما‬
‫السلم‪ ،‬فأشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسوله‪ ،‬ثم أخرج رأسه و قال‪ :‬يا‬
‫بني انطلق به فليس عليه بأس‪ ،‬فقال له أبو طالب‪ :‬ويلك يا راهب لقد‬
‫سمعت منك قول " عظيما "‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني شأن ابن أخيك أعظم مما‬
‫سمعت مني‪ ،‬وأنت معينه على ذلك ومانعه ممن يريد قتله من قريش‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأتى أبو طالب عبد المطلب فأخبره بذلك‪ ،‬فقال له عبد المطلب‪ :‬اسكت يا‬
‫بني ل يسمع هذا الكلم منك أحد‪ ،‬فوال ما يموت محمد حتى يسود العرب‬
‫والعجم )‪ - 61 .(1‬د‪ :‬حدث بكر بن عبد ال الشجعي‪ ،‬عن آبائه قالوا‪:‬‬
‫خرج سنة خرج رسول ال صلى ال عليه وآله إلى الشام عبد مناف بن‬
‫كنانة ونوفل بن معاوية بن عروة تجارا " إلى الشام‪ ،‬فلقاهما أبوالمويهب‬
‫الراهب فقال لهما‪ :‬من أنتما ؟ قال‪ :‬نحن تجار من أهل الحرم من قريش‪،‬‬
‫قال لهما‪ :‬من أي قريش ؟ فأخبراه‪ ،‬فقال لهما‪ :‬هل قدم معكما من قريش‬
‫غيركما ؟ قال‪ :‬نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد‪ ،‬فقال أبوالمويهب‪ :‬إياه‬
‫وال أردت‪ ،‬فقال‪ :‬وال ما في قريش أخمل ذكرا " منه‪ ،‬إنما يسمونه يتيم‬
‫قريش‪ ،‬وهو أجير لمرأة منا يقال لها‪ :‬خديجة‪ ،‬فما حاجتك إليه ؟ فأخذ‬
‫يحرك رأسه ويقول‪ :‬هو هو‪ ،‬فقال لهما‪ :‬تدلني عليه‪ ،‬فقال‪ :‬تركناه في‬
‫سوق بصرى‪ ،‬فبينما هم في الكلم إذ طلع عليهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله فقال‪ :‬هو هذا‪ ،‬فخل به ساعة يناجيه ويكلمه‪ ،‬ثم أخذ يقبل بين عينيه‪،‬‬
‫و أخرج شيئا " من كمه ل ندري ما هو ورسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يأبى أن يقبله‪ ،‬فلما فارقه قال لنا‪ :‬تسمعان مني‪ ،‬هذا وال نبي هذا الزمان‪،‬‬
‫سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك‬
‫فاتبعوه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له‪ :‬علي ؟ فقلنا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته‪ ،‬وهو أول من يؤمن به‪ ،‬نعرفه‪ ،‬وإنما‬
‫لنجد صفته عندنا في الوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة‪ ،‬وإنه سيد‬
‫العرب وربانيها وذو قرينها‪ ،‬يعطي السيف حقه‪ ،‬اسمه في المل العلى‬
‫علي‪ ،‬هو أعلى الخلئق يوم‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪.‬‬


‫] ‪[ 360‬‬

‫القيامة بعد النبياء ذكرا "‪ ،‬وتسميه الملئكة البطل الزهر المفلح‪ ،‬ل يتوجه إلى‬
‫وجه إل أفلح وظفر‪ ،‬وال لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من‬
‫الشمس الطالعة‪ .‬وحدث العباس‪ ،‬عن أبي طالب قال أبو طالب‪ :‬يا عباس أل‬
‫اخبرك عن محمد صلى ال عليه وآله بما رأيت منه ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬إني‬
‫ضممته إلي فلم افارقه في ليل ول نهار‪ ،‬وكنت أنومه في فراشي‪ ،‬وآمره‬
‫أن يخلع ثيابه وينام معي‪ ،‬فرأيت في وجهه الكراهة‪ ،‬وكره أن يخالفني‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي‪ ،‬قلت‬
‫له‪ :‬ولم ذلك ؟ قال‪ :‬ل ينبغي لحد من الناس أن ينظر إلى جسدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتعجبت من ذلك‪ ،‬و صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه‪ ،‬فلما دخلت أنا‬
‫الفراش إذا بيني وبينه ثوب ألين ثوب مسسته قط‪ ،‬ثم شممته فإذا كأنه قد‬
‫غمس في المسك‪ ،‬فكنت إذا أصبحت افتقدت الثوب فلم أجده‪ ،‬فكان هذا‬
‫دأبي ودأبه‪ ،‬فجهدت وتعمدت أن أنظر إلى جسده‪ ،‬فو ال ما رأيت له جسدا‬
‫"‪ ،‬ولقد كنت كثيرا " ما أسمع إذا ذهب من الليل شئ كلما " يعجبني‪،‬‬
‫وكنت ربما آتيته غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ‬
‫السماء‪ ،‬فهذا ما رأيت يا عباس‪ .‬قال ليث بن أبي نعيم‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬عن‬
‫جدي‪ ،‬عن أبي طالب قال‪ :‬كنا ل نسمي على الطعام ول على الشراب‪ ،‬ول‬
‫ندري ما هو حتى ضممت محمدا " صلى ال عليه وآله إلي‪ ،‬فأول ما‬
‫سمعته يقول‪ :‬بسم ال الحد‪ ،‬ثم يأكل‪ ،‬فإذا فرغ من طعامه قال‪ :‬الحمد ل‬
‫كثيرا "‪ ،‬فتعجبنا منه‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ما رأيت جسد محمد قط‪ ،‬وكان ل‬
‫يفارقني الليل والنهار‪ ،‬وكان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه‪ ،‬فإذا‬
‫قمت لطلبه بادرني من فراشه فيقول‪ :‬ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك‪ ،‬ولقد‬
‫رأيت ذئبا " يوما قد جائه وشمه وبصبص )‪ (1‬حوله‪ .‬ثم ربض )‪ (2‬بين‬
‫يديه‪ ،‬ثم انصرف عنه‪ ،‬ولقد دخل ليل البيت فأضاء ما حوله‪ ،‬ولم أرمنه‬
‫نجوا )‪ (3‬قط‪ ،‬ول رأيته يضحك في غير موضع الضحك‪ ،‬ول وقف مع‬
‫صبيان في لعب ول التفت إليهم‪ ،‬وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع‪ ،‬ولقد‬
‫كنت أرى أحيانا " رجل أحسن الناس وجها " يجئ حتى‬

‫)‪ (1‬بصبص الذئب‪ .‬حرك ذنبه‪ (2) .‬ربض‪ :‬استناخ وهو أن تلصق الدابة صدره‬
‫بالرض‪ (3) .‬النجو‪ :‬ما يخرج من البطن من ريح أو غائط‪.‬‬

‫] ‪[ 361‬‬

‫يمسح على رأسه ويدعو له ثم يغيب‪ ،‬ولقد رأيت رؤيا " في أمره ما رأيتها قط‪،‬‬
‫رأيته وكأن الدنيا قد سيقت إليه‪ ،‬وجميع الناس يذكرونه‪ ،‬ورأيته وقد رفع‬
‫فوق الناس كلهم‪ ،‬وهو يدخل في السماء‪ ،‬ولقد غاب عني يوما " فذهبت‬
‫في طلبه‪ ،‬فإذا أنا به يجئ ومعه رجل لم أر مثله قط‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا بني أليس‬
‫قد نهيتك أن تفارقني ؟ فقال الرجل‪ :‬إذا فارقك كنت أنا معه أحفظه‪ ،‬فلم أر‬
‫منه في كل يوم إل ما احب حتى شب‪ ،‬وخرج يدعو إلى الدين )‪- 17 .(1‬‬
‫سر‪ :‬من جامع البزنطي عن زرارة قال‪ :‬سمعت أبا جعفر وأبا عبد ال‬
‫عليهما السلم )‪ (2‬يقولن‪ :‬حج رسول ال صلى ال عليه وآله عشرين‬
‫حجة مستسرا "‪ ،‬منها عشرة حجج‪ ،‬أو قال‪ :‬سبعة )‪ - (3‬الوهم من‬
‫الراوي ‪ -‬قبل النبوة‪ ،‬وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين‪ ،‬وهو مع‬
‫أبي طالب في أرض بصرى‪ ،‬وهو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة )‬
‫‪ - 18 .(4‬نهج‪ :‬في وصف الرسول صلى ال عليه وآله‪ :‬ولقد قرن ال به‬
‫من لدن كان فطيما " أعظم ملك من ملئكته‪ ،‬يسلك به طريق المكارم‬
‫ومحاسن أخلق العالم ليله ونهاره‪ ،‬ولقد كنت معه أتبعه اتباع الفصيل )‪(5‬‬
‫أثر امه‪ ،‬يرفع لي في كل يوم علما " من أخلقه )‪ ،(6‬و يأمرني بالقتداء‬
‫به‪ ،‬ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ول يراه غيري‪ ،‬ولم يجمع‬
‫بيت واحد يومئذ في السلم غير رسول ال وخديجة وأنا ثالثهما‪ ،‬أرى‬
‫نور الوحي و الرسالة‪ ،‬وأشم ريح النبوة )‪ .(7‬اقول‪ :‬قال عبد الحميد بن‬
‫أبي الحديد‪ :‬روي أن بعض أصحاب ابي جعفر محمد ابن علي الباقر‬
‫عليهما السلم سأله عن قول ال تعالى‪) :‬إل من ارتضى من رسول فإنه‬
‫يسلك من بين‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وأبا عبد ال من بعده‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫تسعة‪ (4) .‬السرائر‪ (5) .469 :‬الفصيل‪ :‬ولد الناقة‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬من‬
‫أخلقه علما‪ (7) .‬نهج البلغة‪ :‬القسم الول‪ 416 :‬و ‪.417‬‬

‫] ‪[ 362‬‬

‫يديه ومن خلفه رصدا "( فقال عليه السلم‪ :‬يوكل ال تعالى بأنبيآئه ملئكة‬
‫يحصون أعمالهم‪ ،‬ويؤدون إليهم تبليغهم الرسالة‪ ،‬ووكل بمحمد ملكا "‬
‫عظيما " منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات‪ ،‬ومكارم الخلق‪،‬‬
‫ويصده عن الشر ومساوي الخلق‪ ،‬وهو الذى كان يناديه‪ :‬السلم عليك يا‬
‫محمد يا رسول ال‪ ،‬وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد‪ ،‬فيظن أن ذلك‬
‫من الحجر والرض‪ ،‬فيتأمل فل يرى شيئا "‪ .‬وروى الطبري في التاريخ‬
‫عن محمد بن الحنفية‪ ،‬عن أبيه علي عليه السلم قال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬ما هممت بشئ مما كان أهل الجاهلية يعملون‬
‫به غير مرتين‪ ،‬كل ذلك يحول ال بيني وبين ما اريد من ذلك‪ ،‬ثم ما هممت‬
‫بسوء حتى أكرمني ال برسالته‪ ،‬قلت ليلة لغلم من قريش كان يرعى معي‬
‫بأعلى مكة‪ :‬لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر )‪ (1‬بها كما يسمر‬
‫الشباب‪ ،‬فخرجت اريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا‬
‫" )‪ (2‬بالدف والمزامير‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا ؟ قالوا‪ :‬هذا فلن تزوج ابنة فلن‪،‬‬
‫فجلست أنظر إليهم‪ ،‬فضرب ال على اذني‪ ،‬فكنت )‪ (3‬فما أيقظني إل مس‬
‫الشمس‪ ،‬فجئت )‪ (4‬إلى صاحبي فقال‪ :‬ما فعلت ؟ فقلت‪ :‬ما صنعت شيئا "‬
‫ثم أخبرته الخبر‪ ،‬ثم قلت له ليلة اخرى‪ :‬مثل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬افعل‪ ،‬فخرجت‬
‫فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة‪ ،‬فجلست‬
‫أنظر فضرب ال على اذني‪ ،‬فما أيقظني إل مس الشمس‪ ،‬فرجعت إلى‬
‫صاحبي فأخبرته الخبر‪ ،‬ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني ال‬
‫برسالته‪ .‬وروى محمد بن حبيب في أماليه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬أذكر وأنا غلم ابن سبع سنين‪ ،‬وقد بنى ابن جذعان دارا " له‬
‫بمكة‪ ،‬فجئت مع الغلمان نأخذ التراب والمدر في حجورنا فننقله فملت‬
‫حجري ترابا "‪ ،‬فانكشفت عورتي فسمعت نداء من فوق رأسي‪ :‬يا‬

‫)‪ (1‬سمر‪ :‬لم ينم وتحدث ليل‪ (2) .‬العزف‪ :‬صوت الدف والطنبور والعود وغيرها‬
‫من آلت الطرب‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فنمت‪ .‬وهو الموجود في تاريخ‬
‫الطبري أيضا‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فرجعت‪ .‬وفي الطبري فجئت‪ .‬راجع‬
‫تاريخ الطبري ‪.34 :2‬‬

‫] ‪[ 363‬‬

‫محمد أرخ إزارك‪ ،‬فجعلت أرفع رأسي فل أرى شيئا " إل أني أسمع الصوت‪،‬‬
‫فتماسكت لم ارخه‪ ،‬فكأن إنسانا " ضربني على ظهري فخررت لوجهي‬
‫وانحل إزاري وسقط )‪ (1‬التراب إلى الرض‪ ،‬فقمت إلى دار أبي طالب‬
‫عمي ولم أعد‪ .‬فأما حديث مجاورته صلى ال عليه وآله بحراء فمشهور‪،‬‬
‫وقد ورد في الكتب الصحاح أنه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا "‪،‬‬
‫وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين‪ ،‬فإذا قضى جواره من‬
‫حراء كان أول ما يبدؤ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل‬
‫بيته فيطوف بها سبعا " أو ما شاء ال من ذلك‪ ،‬ثم يرجع إلى بيته حتى‬
‫جاءت السنة التي أكرمه ال تعالى فيها بالرسالة فجاور في حراء في شهر‬
‫رمضان ومعه أهله خديجة و على بن أبي طالب وخادم لهم‪ ،‬فجاءه جبرئيل‬
‫بالرسالة‪ ،‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬جاءني وأنا نائم بنمط )‪ (2‬فيه كتاب‬
‫فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قلت‪ :‬ما أقرأ ؟ ففتني )‪ (3‬حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني‬
‫فقال‪) :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق( إلى قوله‪) :‬علم النسان ما لم يعلم(‬
‫فقرأته ثم انصرف عني‪ ،‬فهببت )‪ (4‬من نومي‪ ،‬وكأنما كتب في قلبي كتاب‪،‬‬
‫وذكر تمام الحديث‪ .‬وأما حديث إن السلم لم يجتمع عليه بيت واحد يومئذ‬
‫إل النبي وهو )‪ (5‬عليهما السلم وخديجة فخبر عفيف الكندي مشهور )‬
‫‪ ،(6‬وقد ذكرناه من قبل‪ ،‬وأن أبا طالب قال له‪ :‬أتدري من هذا ؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬هذا محمد )‪ (7‬بن عبد ال بن عبد المطلب‪ ،‬وهذا ابني علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬وهذه المرأة خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمدا بن أخي‪ ،‬وأيم‬
‫ال ما أعلم على الرض كلها أحدا " على هذا الذين غير هؤلء الثلثة )‬
‫‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وانحل ازارى فسترني وسقط‪ (2) .‬النمط‪ :‬ضرب من البسط‪.‬‬
‫وعاء كالسفط‪ ،‬والظاهر أن المراد هنا الثاني‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فغتنى‬
‫بالغين أي خنقني‪ (4) .‬أي فاستيقظت‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬فانتبهت‪ (5) .‬أي‬
‫على عليه السلم‪ (6) .‬هذا الحديث مشهور بين العامة والخاصة‪ ،‬بل‬
‫متواتر‪ ،‬وعليه أصحابنا المامية من سالف الزمان إلى الن‪ ،‬وتقدم ذلك‬
‫وياتى في أحاديث كثيرة في محله‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬هذا ابن أخى محمد‪.‬‬
‫)‪ (8‬شرح نهج البلغة ‪ 253 :3‬و ‪.254‬‬

‫] ‪[ 364‬‬

‫وقال أيضا "‪ :‬روى محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة النبوية‪ ،‬ورواه‬
‫أيضا " محمد ابن جرير الطبري في تاريخه قال‪ :‬كانت حليمة بنت أبي‬
‫ذؤيب السعدية ام رسول ال صلى ال عليه وآله التي أرضعته تحدث أنها‬
‫خرجت من بلدها ومعها زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد‬
‫بن بكر يلتمس الرضعاء بمكة في سنة شهباء لم تبق شيئا "‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فخرجت على أتان لنا قمرآء عجفآء‪ ،‬ومعنا شارف لنا ما تبض )‪ (1‬بقطرة‪،‬‬
‫ول ننام ليلنا أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع‪ ،‬ما في ثديي ما‬
‫يغنيه‪ ،‬ول في شارفنا )‪ (2‬ما يغذيه‪ ،‬ولكنا نرجوا الغيث والفرج‪ ،‬فخرجت‬
‫على اتاني تلك ولقد راثت بالركب ضعفا " و عجفا " حتى شق ذلك‬
‫عليهم‪ ،‬حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء )‪ ،(3‬فما منا امرأة إل وقد عرض‬
‫عليها محمد فتأباه إذا قيل لها‪ :‬إنه يتيم‪ ،‬وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف‬
‫من أبي الصبي‪ ،‬فكنا نقول‪ :‬يتيم‪ ،‬ما عسى أن تصنع امه وجده‪ ،‬فكنا نكرهه‬
‫لذلك‪ ،‬فما بقيت امرأة ذهبت معي إل أخذت رضيعا " غيري‪ ،‬فلما اجتمعنا‬
‫للنطلق قلت لصاحبي‪ :‬وال إني لكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ‬
‫رضيعا "‪ ،‬وال لذهبن إلى ذلك اليتيم فلخذنه‪ ،‬قال‪ :‬ل عليك أن تفعلي‪،‬‬
‫وعسى ال أن يجعل لنا فيه بركة‪ ،‬فذهبت إليه فأخذته وما يحملني على‬
‫أخذه إل أني لم أجد غيره‪ ،‬قالت‪ :‬فلما أخذته رجعت إلى رحلي فلما وضعته‬
‫في حجري أقبل عليه ثدياي بما شآء من لبن‪ ،‬فرضع حتى روى‪ ،‬وشرب‬
‫معه أخوه حتى روى‪ ،‬وما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا "‪ ،‬فنام‬
‫وقام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب‬
‫وشربت حتى انتهينا ريا " وشبعا "‪ ،‬فبتنا بخير ليلة‪ ،‬قالت‪ :‬يقول صاحبي‬
‫حين أصبحنا‪ :‬تعلمين )‪ (4‬وال يا حلمية لقد أخذت نسمة مباركة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫وال إني لرجو ذلك‪ ،‬ثم خرجنا وركبت أتاني تلك وحملته معي عليها‪ ،‬فو‬
‫ال لقطعت بالركب ما يقدر عليها شئ من حميرهم حتى أن صواحبي ليقلن‬
‫لي‪:‬‬

‫)‪ (1‬قال الجزرى‪ :‬ما تبض ببلل أي ما يقطر منها بلبن‪ ،‬يقال‪ :‬بض الماء‪ :‬إذا قطر‬
‫وسال‪ (2) .‬الشارف‪ :‬المسنة من النوق‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬الرضاع‪(4) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬أتعلمين ؟‪.‬‬

‫] ‪[ 365‬‬

‫ويحك يا بنت أبي ذؤيب اربعي )‪ (1‬علينا‪ ،‬أليس هذه أتانك التي كنت خرجت‬
‫عليها ؟ فأقول لهن‪ :‬بلى وال‪ ،‬إنها لهي‪ ،‬فيقلن‪ :‬وال إن لها لشأنا "‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ثم قدمنا منازلنا من بلد بني سعد وما أعلم أرضا " من أرض‬
‫العرب أجدب منها‪ ،‬فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا ملء‬
‫لبنا )‪ ،(2‬فكنا نحتلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن‪ ،‬ول يجدها في‬
‫ضرع حتى أن الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم‪ :‬ويلكم اسرحوا حيث‬
‫يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب‪ ،‬فيفعلون فيروح أغنامهم جياعا " ما تبض‬
‫بقطرة‪ ،‬وتروح غنمي شباعا لبنا "‪ ،‬فلم نزل نعرف من ال الزيادة والخير‬
‫به حتى مضت سنتاه وفصلته )‪ ،(3‬فكان يشب شبابا " ل يشبه الغلمان‬
‫حتى كان غلما " جفرا فقدمنا به على امه آمنة بنت وهب ونحن أحرص‬
‫شئ على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته‪ ،‬فكلمنا أمه وقلنا لها‪ :‬لو تركتيه‬
‫)‪ (4‬عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة‪ ،‬فلم نزل بها حتى ردتة‬
‫معنا فرجعنا به إلى بلد بني سعد‪ ،‬فو ال إنه لبعد ما قدمنا بأشهر مع أخيه‬
‫في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشد )‪ (5‬فقال لي ولبيه‪ :‬ها هو ذاك‬
‫أخي القرشي قد جاءه رجلن عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فهما‬
‫يسوطانه‪ ،‬قالت‪ :‬فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما " منتقعا "‬
‫وجهه‪ ،‬فالتزمته والتزمه أبوه وقلنا‪ :‬مالك يا بني ؟ قال‪ :‬جائني رجلن‬
‫عليهما ثياب بيض فأضحعاني‪ ،‬ثم شقا بطني‪ ،‬فالتمسا فيه شيئا " ل أدري‬
‫ما هو‪ ،‬قالت‪ :‬فرجعنا به إلى خبائنا‪ ،‬وقال لي أبوه‪ :‬يا حليمة لقد خشيت أن‬
‫يكون هذا الغلم قد اصيب )‪ (6‬فألحقيه بأهله )‪ ،(7‬قالت‪ :‬فاحتملته حتى‬
‫قدمت به على امه‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أقدمك به يا ظئر )‪ (8‬وقد كنت حريصة عليه‬
‫وعلى مكثه عندك ؟ فقلت لها‪ :‬قد‬
‫)‪ (1‬أي اقيمي وانتظري‪ ،‬ويقال‪ :‬ربع فلن على فلن‪ :‬إذا أقام وانتظره‪ (2) .‬في‬
‫السيرة‪ :‬شباعا لبنا‪ .‬قلت‪ :‬أي غزيرات اللبن‪ (3) .‬فصل الصبى عن‬
‫الرضاع‪ :‬فطمه‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لو تركته‪ .‬وفي السيرة وتاريخ‬
‫الطبري‪ :‬لو تركت بنى عندي‪ (5) .‬يشتد خ ل‪ .‬وهو الموجود في السيرة‬
‫والتاريخ‪ (6) .‬أي أصابه الجن‪ ،‬أو طرف من الجنون‪ (7) .‬في السيرة‬
‫وتاريخ الطبري‪ :‬فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به‪ (8) .‬الظئر‪ :‬المرأة‬
‫المرضعة‪.‬‬

‫] ‪[ 366‬‬

‫بلغ ال بابني وقضيت الذي علي‪ ،‬وتخوفت عليه الحداث‪ ،‬وأديته إليك كما تحبين‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك‪ ،‬قالت‪ :‬فلم تدعني حتى أخبرتها‬
‫الخبر‪ ،‬قالت‪ :‬أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬كل وال ما‬
‫للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا "‪ ،‬أفل أخبرك خبره ؟ قلت‪ :‬بلى‪،‬‬
‫قالت‪ :‬رأيته )‪ (1‬حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت له قصور‬
‫بصرى من الشام‪ ،‬ثم حملت به فو ال ما رأيت حمل قط كان أخف ول أيسر‬
‫منه‪ ،‬ثم وقع حين ولدته وإنه واضع يديه بالرض‪ ،‬ورافع رأسه إلى‬
‫السماء‪ ،‬دعيه عنك‪ ،‬وانطلقي راشدة )‪ .(2‬وروى الطبري في تاريخه عن‬
‫شداد بن أوس قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يحدث عن نفسه‬
‫ويذكر ما جرى له وهو طفل في أرض بني سعد بن بكر‪ ،‬قال‪ :‬لما ولدت‬
‫استرضعت في بني سعد‪ ،‬فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي في بطن واد مع‬
‫أتراب )‪ (3‬لي من الصبيان نتقاذف بالجلة إذ أتاني رهط ثلثة‪ ،‬معهم طست‬
‫من ذهب مملوة ثلجا "‪ ،‬فأخذوني من بين أصحابي‪ ،‬فخرج أصحابي هرابا‬
‫" حتى انتهوا إلى شفير )‪ (4‬الوادي‪ ،‬ثم عادوا إلى الرهط فقالوا‪ :‬ما رابكم‬
‫إلى هذا الغلم فإنه ليس منا‪ ،‬هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا غلم‬
‫يتيم ليس له أب‪ ،‬فماذا يرد عليكم قتله ؟ وماذا تصيبون من ذلك ؟ ولكن إن‬
‫كنتم لبد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه‪ ،‬ودعوا هذا الغلم‪،‬‬
‫فإنه يتيم‪ ،‬فلما رأى الصبيان أن القوم ل يحيرون لهم جوابا " )‪ (5‬انطلقوا‬
‫هرابا " مسرعين إلى الحي يؤذنوهم ويستصرخونهم على القوم‪ ،‬فعمد‬
‫أحدهم فأضجعني إضجاعا " لطيفا "‪ ،‬ثم شق ما بين مفرق صدري إلى‬
‫منتهى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك مسا )‪ ،(6‬ثم أخرج‬

‫)‪ (1‬في المصدر والسيرة والتاريخ‪ :‬رأيت‪ (2) .‬شرح نهج البلغة ‪ 252 :3‬و‬
‫‪ ،253‬السيرة لبن هشام ‪ ،177 - 173 :1‬تاريخ الطبري ‪- 573 :1‬‬
‫‪ (3) .579‬أتراب‪ :‬أصدقاء‪ .‬أو من ولد معه‪ (4) .‬شفير الوادي‪ :‬ناحيته‬
‫من أعله‪ (5) .‬أحار الجواب‪ :‬رده‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ولم اجد لذلك حسا‪.‬‬
‫] ‪[ 367‬‬

‫أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج‪ ،‬فأنعم غسلها )‪ (1‬ثم أعادها مكانها‪ ،‬ثم قام الثاني‬
‫منهم فقال لصاحبه‪ :‬تنح‪ ،‬فنحاه عني‪ ،‬ثم أدخل يده في جوفي وأخرج قلبي‬
‫وأنا أنظر إليه فصدعه‪ ،‬ثم أخرج منه مضغة سوداء فرماها‪ ،‬ثم قال بيده‪:‬‬
‫يمنة منه‪ ،‬وكأنه يتناول شيئا " فإذا في يده خاتم من نور تحار أبصار‬
‫الناظرين دونه‪ ،‬فختم به قلبي‪ ،‬ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في‬
‫قلبي دهرا "‪ ،‬ثم قال الثالث لصاحبه‪ :‬تنح عنه‪ ،‬فأمر يده ما بين مفرق‬
‫صدري إلى منتهى عانتي‪ ،‬فالتأم ذلك الشق‪ ،‬ثم أخذ بيدي فأنهضني من‬
‫مكاني إنهاضا " لطيفا "‪ ،‬وقال للول الذي شق بطني‪ :‬زنه بعشرة من‬
‫امته‪ ،‬فوزنني بهم فرجحتهم‪ ،‬فقال‪ :‬دعوه فلو وزنتموه بامته كلها‬
‫لرجحهم‪ ،‬ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا‬
‫حبيب )‪ (2‬ل ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك فبينا أنا‬
‫كذلك إذا أنا بالحي قد جاؤا بحذافيرهم‪ ،‬وإذا امي وهي ظئري أمام الحي‬
‫تهتف بأعلى صوتها وتقول‪ :‬يا ضعيفاه‪ ،‬فانكب علي اولئك الرهط فقبلو‬
‫رأسي وبين عيني وقالوا‪ :‬حبذاء أنت من ضعيف‪ ،‬ثم قالت ظئري‪ :‬يا‬
‫وحيداه‪ ،‬فانكبوا على وضموني إلى صدورهم وقبلوا راسي وبين عيني ثم‬
‫قالوا‪ :‬حبذا أنت من وحيد‪ ،‬وما أنت بوحيد‪ ،‬إن ال وملئكته معك‬
‫والمؤمنين من أهل الرض‪ ،‬ثم قالت ظئري‪ :‬يا يتيماه إستضعفت من بين‬
‫أصحابك فقتلت لضعفك‪ ،‬فانكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي‬
‫وما بين عيني وقالوا‪ :‬حبذا أنت من يتيم‪ ،‬ما أكرمك على ال‪ ،‬لو تعلم ما‬
‫يراد بك من الخير‪ ،‬قال‪ :‬فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي امي‬
‫وهي ظئري قالت‪ :‬يا بنى ل أراك حيا بعد )‪ ،(3‬فجاءت حتى انكبت علي‬
‫وضمتني إلى صدرها‪ ،‬فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها‬
‫وإن يدي لفي يد بعضهم‪ ،‬فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم‪،‬‬
‫فإذاهم ل يبصرونهم‪ ،‬فيقول بعض القوم‪ :‬إن هذا الغلم قد أصابه لمم أو‬
‫طائف من الجن‪ ،‬فانطلقوا به إلى كاهن بني فلن حتى ينظر إليه ويداويه‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ما‬

‫)‪ (1‬أي بالغ في ذلك وأجاد‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يا حبيب ال‪ (3) .‬في المصدر وتاريخ‬
‫الطبري أل أراك حيا بعد‪.‬‬

‫] ‪[ 368‬‬

‫بي شئ مما يذكر‪ ،‬إن نفسي سليمة )‪ ،(1‬وإن فؤادي صحيح ليست بي قلبة‪ ،‬فقال‬
‫أبى وهو زوج ظئري‪ :‬أل ترون كلمه صحيحا " ؟ إني لرجو أن ل يكون‬
‫على ابني بأس‪ ،‬فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن‪ ،‬فاحتملوني حتى‬
‫ذهبوا بي إليه‪ ،‬فقصوا عليه قصتي‪ ،‬فقال‪ :‬اسكتوا حتى أسمع من الغلم‬
‫فهو أعلم بأمره منكم‪ ،‬فسألني فقصصت عليه أمري وأنا يومئذ ابن خمس‬
‫سنين‪ ،‬فلما سمع قولي وثب وقال‪ :‬يا للعرب اقتلوا هذا الغلم‪ ،‬فهو واللت‬
‫والعزى لئن عاش ليبدلن دينكم‪ ،‬وليخالفن أمركم‪ ،‬وليأتينكم بما لم تسمعوا‬
‫به قط‪ ،‬فانتزعتني ظئري من حجره‪ ،‬وقالت‪ :‬لو علمت )‪ (2‬أن هذا يكون‬
‫من قولك ما أتيتك به )‪ ،(3‬ثم احتملوني‪ ،‬فأصبحت وقد صار في جسدي‬
‫أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك )‪ .(4‬بيان‪ :‬أقول‪:‬‬
‫رواه الكازروني في المنتقى بأسانيد )‪ (5‬ولنشرح بعض ألفاظها‪ :‬الرضعاء‬
‫جمع رضيع‪ ،‬وقال الجزري‪ :‬في حديث حليمة في سنة شهباء أي ذات قحط‬
‫وجدب‪ ،‬وقال‪ :‬القمراء‪ :‬الشديدة البياض‪ .‬قولها‪ :‬راثت من الريث بمعنى‬
‫البطاء‪ ،‬وفي أكثر رواياتهم‪ :‬ولقد أذمت‪ ،‬قال الجزري‪ :‬ومنه حديث حليمة‬
‫فلقد أذمت بالركب‪ ،‬أي حبستهم لنقطاع سيرها‪ ،‬كأنها حملت الناس على‬
‫ذمها انتهى‪ .‬والعجف‪ :‬الهزال‪ .‬حتى انتهينا ريا أي بلغنا غايته‪ .‬لقطعت‬
‫بالركب أي من سرعة سيرها وشدة تقدمها انقطع الركب عنها‪.‬‬

‫)‪ (1‬في تاريخ الطبري‪ :‬ان آرائى صحيحة‪ (2) .‬في تاريخ الطبري‪ :‬فاقتصصت عليه‬
‫أمرى ما بين أوله وآخره‪ ،‬فلما سمع وثب إلى فضمني إلى صدره ثم نادى‬
‫بأعلى صوته‪ :‬يا للعرب يا للعرب اقتلوا هذا الغلم واقتلوني معه‪ ،‬فواللت‬
‫والعزى لئن تركتموه وأدرك ليبدلن دينكم‪ ،‬وليسفهن عقولكم وعقول‬
‫آبائكم‪ ،‬وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله قط‪ ،‬فعمدت‬
‫ظئرى فانتزعتني من حجره‪ ،‬وقالت‪ :‬لنت أعته وأجن من ابني هذا‪ ،‬فلو‬
‫علمت‪ (3) .‬في تاريخ الطبري بعد ذلك‪ :‬فاطلب لنفسك من يقتلك‪ ،‬فانا غير‬
‫قاتلي هذا الغلم‪ ،‬ثم احتملوني فأدوني إلى أهلى‪ ،‬فأصبحت مفزعا مما‬
‫فعل بى‪ ،‬وأصبح أثر الشق إ‍ه‪ (4) .‬شرح نهج البلغة ‪ ،253 :3‬وتايخ‬
‫الطبري ‪ (5) .577 - 575 :1‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الثاني‬
‫والثالث من القسم الثاني‪ .‬قلت‪ :‬ذكرت سابقا أن حديث شق الصدر مما‬
‫رواه العامة‪ ،‬والمامية ل يقول به‪ ،‬وهذا أيضا كما ترى من مروياتهم‪.‬‬

‫] ‪[ 369‬‬

‫واربعي أي ارفقي بنا‪ ،‬وانتظري بنا‪ .‬واللبن بمعنى اللبون‪ .‬وقال الجزري‪ :‬في حديث‬
‫حليمة كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر فبلغ ستا " وهو جفر‪،‬‬
‫استجفر الصبي‪ :‬إذا قوى على الكل‪ ،‬وأصله في أولد المعز إذ بلغ أربعة‬
‫أشهر وفصل عن امه وأخذ في الرعي‪ ،‬قيل له‪ :‬جفر‪ ،‬والنثى جفره انتهى‪.‬‬
‫والبهم جمع بهمة وهي أولد الضأن‪ .‬والسوط‪ :‬خلط الشئ بعضه ببعض‪،‬‬
‫والمسواط‪ :‬ما يساط به القدر ليختلط بعضه ببعض‪ .‬قوله‪ :‬منتقعا " أي‬
‫متغيرا "‪ .‬والجلة بالفتح‪ :‬البعر‪ .‬قوله‪ :‬ما رابكم )‪ (1‬أي ما شككم‪ ،‬ومعناه‬
‫هاهنا‪ :‬ما دعاكم إلى أخذ هذا‪ .‬قوله‪ :‬ماذا يرد عليكم‪ ،‬أي ما ينفعكم ذلك‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فأنعم غسلها‪ ،‬أي بالغ فيه‪ .‬قوله‪ :‬ثم قال بيده يمنة‪ ،‬أي أشار بيده‪،‬‬
‫أو مدها إلى جانب يمينه‪ .‬والقلبة‪ :‬الداء‪ - 19 .‬د‪ :‬كتاب التذكرة ولد صلى‬
‫ال عليه وآله مختونا " مسرورا "‪ ،‬فأعجب جده عبد المطلب وقال‪:‬‬
‫ليكونن لبني هذا شأن‪ ،‬فكان له أعظم شأن وأرفعه‪ ،‬امه آمنة بنت وهب‬
‫بن عبد مناف بن زهير )‪ (2‬بن كلب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب‪،‬‬
‫شهد الفجار )‪ (3‬وهي حرب كانت بين قريش وقيس وهو ابن عشرين‬
‫سنة‪ ،‬وبنيت الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة سنة فرضيت به قريش في‬
‫نصب الحجر السود‪ ،‬وكان طول الكعبة قبل ذلك تسعة أذرع ولم تكن‬
‫تسقف فبنتها قريش ثمانية عشر ذراعا " وسقفتها‪ ،‬وكان يدعى في‬
‫قريش بالصادق المين‪ ،‬وخرج مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام وله‬
‫تسع سنين‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنتى عشر سنة‪ ،‬ونظر إليه بحيرا )‪ (4‬الراهب فقال‪:‬‬
‫احفظوا به فإنه نبي‪ ،‬وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد وله‬
‫خمس وعشرون سنة‪ ،‬وتزوجها بعد ذلك بشهرين‬

‫)‪ (1‬في المصدر وتاريخ الطبري‪ :‬ما إربكم‪ (2) .‬الصحيح‪ :‬زهرة كما تقدم‪(3) .‬‬
‫فجار بالكسر بمعنى المفاجرة‪ ،‬وهى حرب وقعت بين قريش ومن معها‬
‫من كنانة وبين قيس عيلن في الشهر الحرام‪ ،‬ولذا سمى حراما‪ ،‬وشهد‬
‫النبي صلى ال عليه وآله بعض أيامه‪ ،‬أخرجه أعمامه معهم‪ ،‬وكانت‬
‫للعرب فجارات اخرى منها الفجار الول وقد حضره النبي صلى ال عليه‬
‫وآله فكان عمره فيه عشر سنين‪ .‬وقد ذكر الفجارات وسببها أصحاب‬
‫السيرة في كتبهم‪ (4) .‬الصحيح‪ :‬بحيرى‪.‬‬

‫] ‪[ 370‬‬

‫وأيام‪ ،‬ودفعه جده عبد المطلب إلي الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج‬
‫حليمة التي أرضعته‪ ،‬وهي بنت أبي ذؤيب عبد ال بن الحارث‪ ،‬واخته‬
‫أسماء )‪ ،(1‬وهي التي كانت تحضنه‪ ،‬وسبيت يوم حنين‪ ،‬ومات عبد‬
‫المطلب وله ثمان سنين‪ ،‬وأوصى به إلى أبي طالب‪ ،‬ودخل الشعب مع بني‬
‫هاشم بعد خمس سنين من مبعثه‪ ،‬وقيل‪ :‬بعد سبع‪ ،‬لما حصرتهم قريش‪،‬‬
‫وخرج منه سنة تسع من مبعثه‪ ،‬ثم رجع إلى مكة في جوار مطعم بن‬
‫عدي‪ ،‬ثم كانت بيعة العقبة من النصار‪ ،‬ثم كان من حديثها أنه خرج في‬
‫موسم من المواسم يعرض نفسه ويدعو الناس إلى السلم‪ ،‬فلقى ستة نفر‬
‫من النصار‪ ،‬وهم‪ :‬أبو أمامة أسعد بن زرارة‪ ،‬وعقبة بن عامر بن ناي )‬
‫‪ ،(2‬وقطنة بن عامر‪ ،‬وعون بن الحارث‪ ،‬ورافع بن مالك‪ ،‬وجابر بن عبد‬
‫ال‪ ،‬ثم كانت بيعة العقبة الولى بايعه اثنا عشر رجل منهم‪ ،‬ثم بيعة العقبة‬
‫الثانية و كانوا سبعين رجل‪ ،‬وامرأتين‪ ،‬واختار صلى ال عليه وآله منهم‬
‫اثنى عشر نقيبا " ليكونوا كفلء قومه‪ :‬جابر بن عبد ال‪ ،‬والبراء بن‬
‫معرور‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وعبد ال بن عمرو بن حزام‪ ،‬وأبو ساعدة‬
‫سعد بن عبادة‪ ،‬والمنذر بن عمرو‪ ،‬وعبد ال بن رواحة‪ ،‬وسعد بن الربيع‪،‬‬
‫ورافع بن مالك العجلن‪ ،‬وأبو عبد الشهل أسيد بن حضير‪ ،‬وأبو الهثيم بن‬
‫التيهان حليف بني عمرو ابن عوف‪ ،‬وسعد بن خثيمة‪ ،‬فكانوا تسعة من‬
‫الخزرج‪ ،‬وثلثة من الوس‪ ،‬وأول من بايع منهم البراء بن معرور‪ ،‬ثم‬
‫تبايع الناس‪ ،‬ثم هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهر مولى أبي‬
‫بكر وعبد ال بن اريقط‪ ،‬وخلف علي بن أبي طالب آخر ليلة من صفر‪،‬‬
‫وأقام في الغار ثلثة أيام‪ ،‬ودخوله إلى المدينة يوم الثنين لثنتي عشرة‬
‫ليلة خلت من ربيع الول‪ ،‬فنزل بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم‬
‫بن الهرم )‪ ،(3‬فأقام إلى يوم الجمعة‪ ،‬ودخل المدينة فجمع )‪ (4‬في بني‬
‫سالم‪ ،‬فكانت أول جمعة جمعها صلى ال عليه وآله في السلم‪ ،‬ويقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬هكذا في الصل‪ ،‬والصحيح‪ :‬الشيماء كما في تاريخ اليعقوبي والسيرة والمتاع‬
‫وغيرها‪ (2) .‬في السيرة والمتاع‪ :‬نابى‪ .‬وفيهما‪ :‬قطبة بن عامر وعوف‬
‫بن الحارث‪ (3) .‬هكذا في الصل وفيه تصحيف‪ ،‬والصحيح كلثوم بن‬
‫الهدم بالدال وهو ابن امرء القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن‬
‫مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الوس النصاري‪ ،‬قاله‬
‫المقريزى في المتاع‪ (4) .‬أي أقامت صلة الجمعة‪.‬‬

‫] ‪[ 371‬‬

‫إنهم كانوا مائة رجل‪ ،‬ويقال‪ :‬بل كانوا أربعين‪ ،‬ثم نزل على أبي أيوب النصاري‪،‬‬
‫فأقام عنده سبعة أيام‪ ،‬ثم بنى المسجد فكان يبنيه بنفسه‪ ،‬ويبني معه‬
‫المهاجرون والنصار‪ ،‬ثم بنى البيوت‪ ،‬وكان يصلي حين قدم المدينة‬
‫ركعتين ركعتين‪ ،‬فأمر بإتمام أربع للمقيم وذلك في يوم الثلثاء لثنتي عشرة‬
‫ليلة خلت من ربيع الثاني بعد مقدمه بشهر )‪ - 20 .(1‬أقول‪ :‬قال أبو‬
‫الحسن البكري في كتاب النوار‪ :‬حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذه‬
‫الحاديث أنه كان من عادة أهل مكة إذا تم للمولود سبعة )‪ (2‬أيام التمسوا‬
‫له مرضعة ترضعه‪ ،‬فذكر الناس لعبد المطلب انظر )‪ (3‬لبنك مرضعة‬
‫ترضعه‪ ،‬فتطاولت النساء لرضاعته وتربيته‪ ،‬وكانت آمنة يوما " نائمة إلى‬
‫جانب ولدها فهتف بها هاتف )‪ :(4‬يا آمنة إن أردت مرضعة لبنك ففي‬
‫نساء بني سعد امرأة تسمى حليمة بنت أبي ذؤيب‪ ،‬فتطاولت آمنة إلى ذلك‪،‬‬
‫وكان كلما أتتها من النساء تسألهن عن أسمائهن فلم تسمع بذكر حليمة‬
‫بنت أبي ذؤيب‪ ،‬وكان سبب تحريك حليمة لرضاعة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله أن البلد التي تلي مكة أصابها قحط وجدب إل مكة‪ ،‬فإنها كانت‬
‫مخصبة زاهرة ببركة رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وكانت العرب تدخل‬
‫)‪ (5‬وتنزل بنواحيها من كل مكان‪ ،‬فخرجت حليمة مع نساء من بني سعد )‬
‫‪ ،(6‬قالت حليمة‪ :‬كنا نبقي اليوم واليومين ل نقتات فيه )‪ (7‬بشئ‪ ،‬وكنا قد‬
‫شاركنا المواشي في مراعيها‪ ،‬فكنت ذات ليلة بين النوم واليقظة وإذا قد‬
‫أتاني آت ورماني في نهر ماء أبيض من اللبن‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وقال‬
‫لي‪ :‬اشربي فشربت‪،‬‬

‫)‪ (1‬العدد‪ :‬مخطوط‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ثلثة أيام يلتمسون له مرضعة تربية‪(3) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬التمس لولدك مرضعة فانت اليوم كافله والمتولي أمره ومن‬
‫مات منا أبوه فانت له خلف‪ ،‬قال‪ :‬سأنظر من يصلح له‪ ،‬فتطاولت‬
‫النسوان إ‍ه‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬هاتف يقول‪ :‬أيتها العالية العظيمة الفاضلة‬
‫الكريمة‪ ،‬ان اردت ان ترضعي صاحب السكينة ففى نساء بنى سعد‬
‫حليمة‪ ،‬فتطاولت ا‍ه‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬ترحل إليها‪ (6) .‬في المصدر هنا‬
‫زيادة هي‪ :‬يجمعن نبات الرض يقتاتون به‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬كنا نقيم‬
‫اليوم واليومين والثلثة ما نفطر على طعام‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 372‬‬

‫ثم ردني إلى مكاني‪ ،‬وقال لي يا حليمة‪ :‬عليك ببطحاء مكة‪ ،‬فإن لك بها رزقا "‬
‫واسعا "‪ ،‬وسوف تسعدين ببركة مولود ولد بها‪ ،‬وضرب بيده على‬
‫صدري‪ ،‬وقال‪ :‬أدر ال لك اللبن )‪ ،(1‬وجنبك المحق والمحن‪ ،‬قالت حليمة‪:‬‬
‫فانتبهت وأنا ل اطيق حمل ثديي من كثرة اللبن )‪ ،(2‬واكتسيت حسنا "‬
‫وجمال "‪ ،‬وأصبحت بحالة غير الحالة الولى )‪ ،(3‬ففزعت إلي نساء‬
‫قومي وقلن‪ :‬يا حليمة قد عجبنا من حالك‪ ،‬فما الذي حل بك ؟ ومن أين لك‬
‫هذا الحسن والجمال الذي ظهر فيك ؟ قالت‪ :‬فكتمت أمري عليهن فتركنني‬
‫وهن أحسد الناس لي‪ ،‬ثم بعد يومين هتف بي هاتف فسمعه بنو سعد عن‬
‫آخرهم وهو يقول‪ :‬يا نساء بني سعد نزلت عليكم البركات‪ ،‬وزالت عنكم‬
‫الترحات )‪ (4‬برضاعة مولود )‪ (5‬ولد بمكة‪ ،‬فضله الواحد الحد‪ ،‬فهنيئا "‬
‫لمن له قصد‪ ،‬فلما سمعوا ما قاله الهاتف قالوا‪ :‬إن لهذا المولود شأنا "‬
‫عظيما "‪ ،‬فرحل بنو سعد عن آخرهم إلى مكة )‪ ،(6‬قالت حليمة‪ :‬ولم يبق‬
‫أحد إل وقد خرج إلى مكة‪ ،‬قالت‪ :‬وكنا أهل بيت فقر ولم يكن عندنا شئ‬
‫نحمل عليه‪ ،‬وقد ماتت مواشينا من القحط‪ ،‬وكانت )‪ (7‬حليمة من أطهر‬
‫نساء قومها و أعفهن‪ ،‬ولذلك ارتضاها ال تعالى لترضع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬وكانت النساء إذا دخلن على آمنة تسألهن عن أسمائهن‪،‬‬
‫فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول‪ :‬ولدي يتيم ل أب له ول مال‪ ،‬فيذهبن‬
‫عنها‪ ،‬فأقبلت حليمة مع بعلها ودخلت مكة وخلفت بعلها خارج البلد وقالت‬
‫له‪ :‬مكانك حتى أدخل مكة‪ ،‬وأسأل عن هذا المولود الذي بشرنا به‪ ،‬فلما‬
‫دخلت حليمة مكة أرشدها‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬إذهبي در ال لك اللبن إ‍ه قلت‪ :‬أدر اله اللبن أي أكثره‪ (2) .‬في‬
‫المصدر بعد ذلك‪ :‬وبقيا كأنهما الجرتان العظيمتان يقطر منهما اللبن‪،‬‬
‫وامتلء جسمي لحما وشحما‪ ،‬وكسبت حسنا إ‍ه‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬غير‬
‫الحالة التى كنت فيها بالمس‪ (4) .‬الترح‪ :‬الحزن والهم والفقر‪ (5) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬ببركه مولود‪ (6) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬طالبين الرزق‬
‫والفضل لما سمعوا من الهاتف‪ ،‬فمن كان له قوة من القوم حمل زوجته‬
‫على حمار وفرس‪ .‬قالت إ‍ه‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬قال صاحب الحديث‪:‬‬
‫وكانت‪.‬‬

‫] ‪[ 373‬‬

‫ال تعالى إلى أن دخلت على عبد المطلب وهو جالس بالصفا‪ ،‬وكان له سرير‬
‫منصوب عند الكعبة يجلس عليه للقضاء بين الناس‪ ،‬فلما أتته قالت له‪:‬‬
‫نعمت صباحا " أيها السيد‪ ،‬فقال لها‪ :‬من أين أنت أيتها المرأة ؟ قالت‪ :‬من‬
‫بني سعد أتينا نطلب رضيعا " نتعيش من اجرته‪ ،‬وقد ارشدت إليك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نعم عندي ولد لم تلد النساء مثله أبدا "‪ ،‬غير أنه يتيم من أبيه وأنا جده‬
‫أقوم مقام أبيه‪ ،‬فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك وأعطيتك كفايتك‪ ،‬فلما‬
‫سمعت ذلك أمسكت عن الكلم‪ ،‬ثم قالت‪ :‬يا سيد بني عبدمناف لي بعل‬
‫بظهر مكة وهو مالك أمري وأنا أرجع إليه اشاوره في ذلك‪ ،‬فإن أمرني‬
‫بأخذه رجعت إليه و أخذته‪ ،‬فقال لها عبد المطلب‪ :‬شأنك‪ ،‬فوصلت إلى‬
‫بعلها وقالت له‪ :‬إني وردت على عبد المطلب فقال‪ :‬عندي مولود أبوه‬
‫ميت‪ ،‬وأنا أقوم مقامه‪ ،‬فما تقول ؟ قال‪ :‬يرجعن نساء بني سعد بالحسان‬
‫والكرام وترجعين أنت بصبي يتيم ؟ وكانت جملة نساء بني سعد قد دخلن‬
‫مكة‪ ،‬فمنهن من حصل لها رضيع‪ ،‬ومنهن من لم يحصل لها شئ‪ ،‬فقالت‬
‫حليمة‪ :‬ترجع نساء بني سعد بالغنائم )‪ ،(1‬وأرجع أنا خائبة ؟ وأسبلت )‪(2‬‬
‫عبرتها‪ ،‬فقال بعلها‪ :‬ارجعي إلى هذا الطفل اليتيم وخذيه فعسى أن يجعل‬
‫ال فيه خيرا " كثيرا "‪ ،‬فإن جده مشكور بالحسان‪ ،‬فرجعت حليمة‬
‫فوجدته في مكانه الول فذكرت له قول زوجها‪ ،‬فقام عبد المطلب ومضى‬
‫بها إلى منزل آمنة وأخبرها بذلك وأعلمها باسمها وقومها‪ ،‬فقالت‪ :‬هذه‬
‫التي امرت أن أدفع إليها ولدي‪ ،‬فقالت لها آمنة‪ :‬أبشري يا حليمة بولدي‬
‫هذا )‪ ،(3‬فو ال ما أخصبت بلدنا إل ببركة ولدي هذا‪ ،‬ثم أدخلتها آمنة‬
‫البيت الذى فيه المصطفى صلى ال عليه وآله‪ ،‬فقالت حليمة‪ :‬أتوقدين يا‬
‫آمنة مع ولدك المصباح في النهار ؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬فو ال من حيث ولد ما‬
‫أوقدت عنده النار‪ ،‬بل هو يغنيني عن المصباح‪ ،‬فنظرت حليمة إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وهو ملفوف في ثوب من صوف أبيض‪ ،‬يفوح منه‬
‫رائحة المسك والعنبر‪ ،‬فوقعت في قلبها محبة محمد صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫وفرحت وسرت به سرورا " عظيما "‪ ،‬وكان نائما " فأشفقت عليه أن‬
‫توقظه من‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬بالمراضع‪ (2) .‬أسبلت عبرتها‪ :‬أرسلها والعبرة‪ :‬الدمعة‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬أبشرى يا حليمة فانك تسعدين بولدى هذا‪.‬‬

‫] ‪[ 374‬‬

‫نومه فأمسكت عنه ساعة‪ ،‬فخشيت أن تبطئ على بعلها فمدت يدها إليه لتوقظه‬
‫ففتح عينيه وجعل يهش لها )‪ (1‬ويضحك في وجهها‪ ،‬فخرج من فمه نور‬
‫فتعجبت حليمة من ذلك‪ ،‬ثم ناولته ثديها اليمنى فرضع‪ ،‬فناولته الخرى فلم‬
‫يرضع‪ ،‬وكان ذلك إلهاما " من ال عزوجل‪ ،‬ألهمه العدل والنصاف من‬
‫صغره‪ ،‬إذ كان لها ابن ترضعه‪ ،‬وكان ل يرضع حتى يرضع أخوه ضمرة‪،‬‬
‫فرجعت حليمة بمحمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬فقال لها عبد المطلب‪ :‬مهل "‬
‫يا حليمة حتى نزودك‪ ،‬قالت‪ :‬حسبي من الزاد هذا المولود‪ ،‬وهو أحب إلي‬
‫من الذهب والفضة ومن جميع الطعمة‪ ،‬وأعطاها من المال والزاد‬
‫والكسوة فوق الطاقة والكفاية‪ ،‬و أعطتها آمنة كذلك‪ ،‬فأخذت عند ذلك آمنة‬
‫ولدها وقبلته وبكت لفراقه‪ ،‬فربط ال على قلبها )‪ ،(2‬فدفعته إلى حليمة‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬يا حليمة احفظي نور عيني وثمرة فؤادي‪ ،‬ثم خرجت حليمة من‬
‫بيت آمنة وشيعها عبد المطلب‪ ،‬قالت حليمة‪ :‬وال ما مررت بحجر ول مدر‬
‫إل ويهنئني بما وصل إلي‪ ،‬فلما أقبلت على بعلها نظر إلى النور يشرق في‬
‫غرته )‪ (3‬فتعجب من ذلك‪ ،‬وألقى ال في قلبه الرحمة له‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا‬
‫حليمة قد فضلنا ال بهذا المولود على سائر العالم‪ ،‬فل شك أنه من أبناء‬
‫الملوك‪ ،‬فلما ارتحلت القافلة ركبت حليمة على أتان وجعلت تقول لزوجها‪:‬‬
‫لقد سعدنا بهذا المولود سعادة الدنيا والخرة‪ .‬وسمعت آمنة هاتفا " يقول‪:‬‬
‫قفي ساعة حتى نشاهد حسنه * قليل ونمسي في وصال وفي قرب فأين‬
‫ذهاب الركب عن ساكن الحمى * وأين رواح الصب )‪ (4‬عن ساكن الشعب‬
‫إذا جئت واديه وجئت خيامه * وعاينت بدر الحسن في طيبه )‪ (5‬قف بي‬
‫وطف بالمطايا حول حجرة حسنة * وعند )‪ (6‬طواف العيس يا صاحبي‬
‫طف بي‬
‫)‪ (1‬هش له‪ :‬تبسم وارتاح له واشتهاء‪ (2) .‬أي قواها وصبرها‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬
‫من غرته‪ (4) .‬الصب‪ :‬العاشق وذو الولع الشديد‪ (5) .‬في وجه خ ل‪(6) .‬‬
‫وبعد خ ل‪ ،‬قلت‪ :‬العيس‪ :‬البل البيض يخالط بياضها سواد خفيف‪،‬‬
‫والعيس أيضا‪ :‬كرام البل‪.‬‬

‫] ‪[ 375‬‬

‫فعند مليح اللون مهجتي التي * براها السى )‪ (1‬وجدا " كما عنده قلبي قفي يا‬
‫حليمة ساعة فلعلني * اناشده إذ كان ذاشخصه )‪ (2‬قربي إذا طفت يا عيني‬
‫)‪ (3‬اليمين )‪ (4‬تقربا " * إلى ال يوم الحج يا مهجتي طف بي طواف‬
‫شجي )‪ (5‬القلب ل شئ مثله * فإن دموعي جاريات من السحب أل أيها‬
‫الركب الميمم )‪ (6‬قاصدا " * إلى ساكن )‪ (7‬الحباب هل عندكم حبي قالت‬
‫حليمة‪ :‬فصارت التان تمر كالريح العاصف‪ ،‬فبينا نحن سائرون إذ مررنا‬
‫على أربعين راهبا " من نصارى نجران‪ ،‬وإذا بواحد يصف لهم النبي صلى‬
‫ال عليه وآله )‪ (8‬ويقول‪ :‬إنه يظهر في هذا الزمان أو قد ظهر بمكة‬
‫مولود من صفاته كذا وكذا‪ ،‬يكون )‪ (9‬على يده خراب دياركم‪ ،‬وقطع‬
‫آثاركم‪ ،‬وإذا إبليس قد تصور لهم في صورة إنسان وقال لهم‪ :‬الذي‬
‫تذكرونه مع هذه المرئة التي مرت بكم‪ ،‬قالت حليمة‪ :‬فقاموا إليه ونظروا‬
‫وإذا النور يخرج من وجهه‪ ،‬ثم زعق بهم الشيطان وقال لهم‪ :‬اقتلوه‪،‬‬
‫فشهروا )‪ (10‬سيوفهم وقصدوني‪ ،‬فرفع ولدي محمد رأسه إلى السماء‬
‫شاخصا " فإذا هم بداهية عظيمة كالرعد العاصف نزلت إلى الرض‪،‬‬
‫وفتحت أبواب السماء‪ ،‬ونزلت منها نيران‪ ،‬وإذا " بهاتف يقول‪ :‬خاب‬
‫سعي الكهان )‪ ،(11‬قالت حليمة‪ :‬فعاينت نارا " قد نزلت فخفت على ولدي‬
‫منها‪ ،‬فنزلت على واديهم فأحرقته ومن فيه عن آخرهم‪ ،‬فخفت وكدت أن‬
‫أسقط عن التان‪ ،‬وكان ذلك‬

‫)‪ (1‬برى السهم والقلم‪ :‬نحته‪ :‬برى الشخص‪ :‬هزله وأضعفه‪ .‬والسى‪ :‬الحزن‪(2) .‬‬
‫في شخصه خ ل‪ (3) .‬يا عين خ ل‪ (4) .‬اليمنى خ ل‪ (5) .‬الشجى‪:‬‬
‫الحزين‪ .‬المشغول البال‪ (6) .‬الميمم‪ :‬الظافر بمطالبه‪ (7) .‬مسكن خ ل‪) .‬‬
‫‪ (8‬في المصدر‪ :‬من نصارى نجران مع حبرهم ويصف لهم مولد النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ (9) .‬في المصدر‪ :‬فإذا ظهر يكون‪ (10) .‬شهر وشهر‬
‫السيف‪ :‬سله فرفعه‪ (11) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬ونزلت نار من عند‬
‫الجبار على من يبغض المختار‪.‬‬

‫] ‪[ 376‬‬
‫أول ما ظهر من فضائله صلى ال عليه وآله )‪ .(1‬قال صاحب الحديث‪ :‬إن أول ليلة‬
‫نزل رسول ال صلى ال عليه وآله بحي بني سعد أخضرت أرضهم‪،‬‬
‫وأثمرت أشجارهم‪ ،‬وكانوا في قحط عظيم‪ ،‬وكانوا يحبونه لذلك محبه‬
‫عظيمة‪ .‬وكان إذا مرض منهم مريض يأتون به إليه فيشفى )‪ ،(2‬وكثرت‬
‫معجزاته‪ ،‬فكان بنو سعد يقولون‪ :‬يا حليمة لقد أسعدنا ال بولدك هذا‪،‬‬
‫قالت‪ :‬وال ما غسلت )‪ (3‬له ثوبا " قط من من نجاسة‪ ،‬وكان له وقت‬
‫يتوضأ فيه ول يعود إل إلى الغداة وكنت أسمع منه الحكمة‪ ،‬فلما كبر‬
‫وترعرع )‪ (4‬كان يقول‪ :‬الحمد ل الذي أخرجني من أفضل نبات‪ ،‬من‬
‫الشجرة التي خلق منها النبياء‪ ،‬وكنت أتعجب منه ومن كلمه‪ ،‬وكان‬
‫يصبح صغيرا "‪ ،‬ويمسي كبيرا " )‪ ،(5‬ويزيد في اليوم مثل ما يزيد غيره‬
‫في الشهر‪ ،‬ويزيد في الشهر مثل ما يزيد غيره في السنة حتى كبر ونشأ‪،‬‬
‫ولم يكن في زمانه أحسن منه خلقا "‪ ،‬ول أيسر منه مؤونة‪ ،‬و لقد كنا‬
‫نجعل القليل من الطعام قدامنا ونجتمع عليه ونأخذ يده ونضعها فيه فنأكل‪،‬‬
‫ويبقى أكثر الطعام‪ ،‬فلما صار ابن سبع سنين قال لمه حليمة‪ :‬يا امي أين‬
‫إخوتي ؟ قالت‪ :‬يا بني إنهم يرعون الغنم التي رزقنا ال إياها ببركتك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يا اماه ما أنصفتني‪ ،‬قالت‪ :‬كيف ذلك يا ولدي ؟ قال‪ :‬أكون أنا في الظل‬
‫وإخوتى في الشمس و الحر الشديد‪ ،‬وأنا أشرب منها اللبن )‪ (6‬قالت‪ :‬يا‬
‫بني أخشى عليك من الحساد‪ ،‬وأخاف أن يطرقك طارق‪ ،‬فيطلبني بك جدك‪،‬‬
‫قال لها‪ :‬ل تخشى علي يا أماه من شئ‪ ،‬ولكن إذا كان غداة غد أخرج مع‬
‫إخوتي‪ ،‬فلما رأته وقد عزم على الخروج وهي خائفة عليه‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬هنا زيادة هي‪ :‬فوصلت الحى به وأنا مرعوبة من الخوف‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ان لهذا الغلم ربا عظيما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يأتون به إليه فإذا وضع يده‬
‫على المريض منهم شفى من ساعته‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ولقد كنت معه في‬
‫كل وقت وحين ما غسلت‪ (4) .‬ترعرع الصبى‪ :‬تحرك ونشأ‪ (5) .‬في‬
‫المصدر وكنت اتعجب منه ومن عقله ويشب شبابا مسرعا‪ ،‬وكان يمسى‬
‫صغيرا " ويصبح كبيرا‪ (6) .‬في المصدر وإخوتى في الحر يرعون‬
‫أغنامهم وأنا أشرب الماء واللبن وهم في البرد والحر‪.‬‬

‫] ‪[ 377‬‬

‫عمدت إليه وشدته من وسطه‪ ،‬وجعلت في رجليه نعلين‪ ،‬وأخذ بيده عكازا " )‪،(1‬‬
‫وخرج مع إخوته‪ ،‬فلما رأى أهل الحى أتوا مسرعين إلى حليمة‪ ،‬فقالوا‬
‫لها‪ :‬كيف يطيب )‪ (2‬قلبك بخروج هذا البدر وما يصلح له الرعاية ؟ قالت‪:‬‬
‫يا قوم ما الذي تأمرونني به ولقد نهيته فلم ينته‪ ،‬فأسأل ال تعالى أن‬
‫يصرف عنه السوء‪ ،‬ثم قالت‪ :‬شعرا "‪ .‬يا رب بارك في الغلم الفاضل *‬
‫محمد سليل ذي الفاضل وابلغه في العوام غير آفل )‪ * (3‬حتى يكون سيد‬
‫)‪ (4‬المحافل فلما كان )‪ (5‬وقت العشاء أقبل مع إخوته كأنه البدر الطالع )‬
‫‪ ،(6‬فقالت له‪ :‬يا ولدي لقد اشتغلت قلبي بخروجك عني في هذه البرية‪،‬‬
‫قالت حليمة‪ :‬وكان في الغنم شاة قد ضربها ولدي ضمرة فكسر رجلها‪،‬‬
‫فأقبلت إلى ولدي محمد صلى ال عليه وآله تلوذ به كأنها تشكوا إليه‪،‬‬
‫فمسح عليها بيده‪ ،‬وجعل يتكلم عليها حتى انطلقت مع الغنام كأنها غزال‬
‫)‪ ،(7‬وكان كل يوم يظهر منه آيات ومعجزات‪ ،‬وكان إذا قال للغنم )‪:(8‬‬
‫سيري سارت‪ ،‬وإذا أمرها بالوقوف وقفت‪ ،‬وهي مطيعة له‪ ،‬فخرج في‬
‫بعض اليام مع إخوته وقد وصلوا إلى واد عشيب )‪ ،(9‬وكانت الرعاة‬
‫تهابه لكثرة سباعه )‪ ،(10‬وإذا قد أقبل عليهم أسد وهو يزمجر )‪،(11‬‬

‫)‪ (1‬العكاز‪ :‬عصا ذات زج في أسفلها‪ ،‬يتوكأ عليها الرجل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬تطيب‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬وما تصلح‪ (3) .‬ومشرق النوار غير آفل خ ل‪ (4) .‬قاضى خ ل‪) .‬‬
‫‪ (5‬في المصدر‪ :‬قال‪ :‬ثم انه مضى مع اخوته فلما كان إ‍ه‪ (6) .‬في‬
‫المصدر بعد ذلك‪ :‬يشرق منه نور ساطع‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا ولدى كيف ظل‬
‫يومك هذا ولقد ظل قلبى مشغول بك‪ ،‬وأنا أرجو من ال عزوجل أن يقيك‬
‫شر ما احاذره عليك‪ ،‬قالت‪ :‬وكان في الغنم إ‍ه‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬كأنها‬
‫غزال مسرعة لم يصبها شئ ابدا‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬وكانت الغنم مطيعة‪،‬‬
‫له‪ ،‬إذا أمرها بالمسير سارت‪ ،‬وإذا أمرها بالوقوف وقفت‪ ،‬قالت حليمة‪:‬‬
‫وإنه سرح ذات يوم مع إخوته يرعون وقد وصلوا إلى وادى عشب إ‍ه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬سرح الرجل‪ :‬خرج في اموره‪ (9) .‬عشيب خ ل‪ .‬قلت‪ :‬عشب‬
‫وعشيب‪ :‬ذو العشب‪ .‬كثير العشب‪ ،‬والعشب‪ :‬الكلء الرطب‪ (10) .‬في‬
‫المصدر بعد ذلك‪ :‬قالت حليمة‪ :‬ثم إن محمدا أمر إخوته أن يدخلوا ذلك‬
‫الوادي بغنمهم إذ اقبل عليهم أسد عظيم الخلقة‪ ،‬هائل المنظر‪ ،‬فلما طلع‬
‫على أغنامهم فتح فاه‪ (11) .‬أي يردد الزئير‪.‬‬

‫] ‪[ 378‬‬

‫هائل الخلقة‪ ،‬فلما وصل إلى الغنام فتح فاه وهم أن يهجم عليها‪ ،‬فتقدم إليه محمد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما نظر إليه السد نكس رأسه وولى‬
‫هاربا " )‪ ،(1‬فعند ذلك تقدم إخوته إليه فقال لهم‪ :‬ما شأنكم ؟ قالوا‪ :‬لقد‬
‫خفنا عليك من هذا السد‪ ،‬وأنت ما خفت منه وكنت تكلمه‪ ،‬قال‪ :‬نعم كنت‬
‫أقول له‪ :‬ل تعود بقرب هذا الوادي بعد هذا اليوم‪ ،‬فلما كان بعد ذلك رأت‬
‫حليمة رؤيا " وانتبهت فزعة مرعوبة‪ ،‬وقالت لبعلها‪ :‬إن سمعت مني‬
‫أحمل محمدا " إلى جده‪ ،‬فإني أخشى أن يطرقه طارق‪ ،‬فيعظم مصيبتنا عند‬
‫جده‪ ،‬ولقد رأيت كأن ولدي محمدا " مع إخوته كما كان يخرج كل يوم إذ‬
‫أتاه رجلن عظيمان لم أر أعظم منهما‪ ،‬عليهما ثياب من إستبرق‪،‬‬
‫وقصداه‪ ،‬فجاءه واحد منهما بخنجر وشق به جوفه‪ ،‬فانتبهت فزعة‬
‫مرعوبة‪ ،‬والرأي عندي أن تحمله إلى جده‪ ،‬فقال لها‪ :‬إن الذي تذكرينه في‬
‫حق محمد ممتنع‪ ،‬فإنه معصوم من ال تعالى )‪ ،(2‬ولقد رأيت الرهبان‬
‫والسد وغيره‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن لكل شئ آخر ونهاية )‪ ،(3‬فكم كبير مات‪،‬‬
‫وصغير عاش )‪ ،(4‬فقال لها‪ :‬إن منامك الذي رأيتها أضغاث أحلم‪ ،‬ثم لما‬
‫أصبح الصباح وأراد محمد صلى ال عليه وآله أن يخرج مع إخوته على‬
‫العادة قالت‪ :‬ل تخرج اليوم يا قرة عيني‪ ،‬فاني أحب أن تكون معي هذا‬
‫اليوم حتى أشبع من النظر إليك‪ ،‬فانك في كل يوم تخرج بكرة ول تأتي إل‬
‫عشية‪ ،‬فقال لها‪ :‬وكيف ذلك يا اماه وأي شئ خفت علي منه‪ ،‬ل تخافي‬
‫علي من شئ‪ ،‬فلم يقدر أحد أن يصل إلي بسوء ول ضر ول نفع إل ال‬
‫ربي‪ ،‬فخرج مع إخوته‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬نكس رأسه وذبذب بذنبه وولى هاربا‪ .‬قلت‪ :‬ذبذب أي حرك‪(2) .‬‬
‫في المصدر‪ :‬بعد ذلك‪ :‬ل يقدر أحد يصل إليه بسوء ول مكروه ول بأذية‪،‬‬
‫لن له رب يحميه ويكفيه‪ ،‬وأنت رأيت فعل ربه باعدائه نصارى نجران‬
‫حيث هموا بأذيته أرسل ال عليهم نارا أحرقتهم عن آخرهم‪ ،‬وقد رأيت‬
‫ليلة غارة فزارة‪ ،‬قال‪ :‬وكانت فزارة قد كبسوا حى بنى سعد ليل فلما‬
‫قربوا من البيوت التى فيها بيت حليمة رجعت الخيل على أعقابها‬
‫وانكسروا‪ ،‬وغنموهم بنى سعد وقتلوهم عن آخرهم‪ ،‬ورد ال كيدهم في‬
‫نحورهم قالت‪ :‬لقد رأيت ذلك كله‪ ،‬إل أن لكل شئ غاية ونهاية ا‍ه‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وغنموهم بنى سعد لعله مصحف‪ :‬وغنم منهم بنو سعد‪ (3) .‬لكل شئء‬
‫غاية ودليل ونهاية‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فكم صغير مات‪ ،‬وكبير عاش‪.‬‬

‫] ‪[ 379‬‬

‫وهي راعبة عليه‪ ،‬فلما كان وقت القائلة أقبل أولد حليمة يبكون‪ ،‬فخرجت حليمة‬
‫تعثر في أذيالها حيث سمعت أولدها يبكون‪ ،‬وحثت التراب )‪ (1‬على‬
‫وجهها وشعرها‪ ،‬وشهرت بنفسها‪ ،‬فقالت‪ :‬ما الذي دهاكم ؟ أخبروني‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬خرجنا نحن وأخونا محمد صلى ال عليه وآله وجلسنا تحت شجرة‪،‬‬
‫وإذا قد أقبل عليه رجلن عظيمان لم نر مثلهما‪ ،‬فلما وصل إلينا أخذا أخانا‬
‫" محمدا صلى ال عليه وآله من بيننا‪ ،‬ومضيا به إلى أعلى الجبل‬
‫فأضجعه واحد منهما‪ ،‬وأخذ سكينا "‪ ،‬وشق بطنه‪ ،‬وأخرج قلبه وأمعائه‪،‬‬
‫ول شك أنك ل تلحقيه إل هالكا "‪ ،‬فعند ذلك لطمت خدها‪ ،‬وقالت‪ :‬هذا‬
‫تأويل رؤياي البارحة‪ ،‬وا أسفي عليك يا محمداه‪ ،‬واجزعي عليك يا ولداه‬
‫يا قرة عيني‪ ،‬ثم صرخت في الحي وخرجت وخرج بنو سعد كلهم في‬
‫أثرها‪ ،‬وخرج زوجها الحارث يجر قناته وبيده حربة‪ ،‬فلما أشرفوا على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وجدوه جالسا "‪ ،‬والغنام حوله محيطة‬
‫به‪ ،‬فتبادر القوم إليه ورفعوه وأتوا به وهم يقولون‪ :‬كل شئ تلقاه نحن‬
‫وأولدنا وأموالنا فداك )‪ ،(2‬فجائت إليه حليمة وأخذته وقبلته وهي تبكي‬
‫بكاء " عظيما "‪ ،‬وكشفت عن بطنه فلم تر أثرا " فيه‪ ،‬ولم تر في أثوابه‬
‫دما "‪ ،‬فرجعت إلى أولدها وقالت‪ :‬كيف كذبتم على أخيكم ؟ فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تلوميهم )‪ (3‬فإني كنت عندهم إذ أتاني رجلن‪،‬‬
‫وأخذاني وأضجعاني‪ ،‬وأخذ واحد منهما سكينا " فشق بها فؤادي‪ ،‬وأخرج‬
‫منه نكتة سوداء ورمى بها‪ ،‬وقال لي‪ :‬هذا حظ الشيطان منك يا محمد‪ ،‬ثم‬
‫غسل فؤادي بالماء وأعاداه كما كان‪ ،‬ثم أخرج أحدهما خاتما " يشرق منه‬
‫النور فختم به فؤادي‪ ،‬ثم مسح على ما شقه فعاد كما كان‪ ،‬ثم قال )‪ (4‬لي‪:‬‬
‫يا محمد لو علمت ما ل عليك من السابقة )‪ (5‬لقرت عيناك‪ ،‬ثم قال أحدهما‬
‫للخر‪ :‬زنه‪ ،‬فوزنني بعشره من امتي‬

‫)‪ (1‬أي صبته على وجهها‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬كل سوء يلقاك يكون في أولدنا يا‬
‫محمد‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فرجعت إلى أولدها تضربهم بالحجارة وقالت‬
‫لهم‪ :‬كيف كذبتم على أخيكم فقال لهم النبي‪ :‬ل تضربيهم ول تكذبيهم‪(4) .‬‬
‫ثم قال خ ل‪ (5) .‬من الشفقة خ‪.‬‬

‫] ‪[ 380‬‬

‫فرجحت بهم‪ ،‬ثم زاد عشرة فرجحت بهم‪ ،‬ثم قال )‪ :(1‬لو وزنته بجميع المم )‪(2‬‬
‫لرجح بهم‪ ،‬ثم عرجا نحو السماء وأنا أنظر إليهما‪ ،‬فقالت حليمة لبعلها‪:‬‬
‫الرأي أنا نحمل محمدا " إلى جده‪ ،‬فقال‪ :‬يمنعني من ذلك خبث نفسي من‬
‫فراقنا )‪ (3‬له‪ ،‬وإنه أعز عندنا من الولد‪ ،‬فلما سمعت كلم بعلها قالت‪ :‬ما‬
‫يوصل هذا الصبي إلى جده إل أنا بنفسي‪ ،‬ثم أقبلت إليه وقالت‪ :‬يا ولدي إن‬
‫جدك إليك مشتاق وعمومتك‪ ،‬فهل لك أن تسير إليهم ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقامت‬
‫حليمة وشدت على راحلتها وركبت‪ ،‬وأخذت محمدا " قدامها وسارت‬
‫طالبة مكة‪ ،‬وكان عبد المطلب قد أنفذ إليها أن تحمل ولده إليه‪ ،‬فكانت إذا‬
‫نزلت في هبوط ضمته إليها‪ ،‬وإذا رأت راكبا " غمته )‪ (4‬خوفا " عليه إلى‬
‫أن وصلت حيا " من أحياء العرب‪ ،‬وكان عندهم كاهن وقد سقط حاجباه‬
‫على عينيه من طول السنين‪ ،‬والناس عاكفون عليه‪ ،‬فلما جازت عليهم‬
‫غشي عليه‪ ،‬فلما أفاق قال‪ :‬يا ويلكم بادروا إلى المرأة التي مرت راكبة‪،‬‬
‫وخذوا منها الصبي الذي عندها واقتلوه قبل أن يخرب بلدكم‪ ،‬قالت حليمة‪:‬‬
‫وإذا أنا بالرجال قد أقبلوا إلي‪ ،‬فوقعت عليهم ريح صرعتهم في الحال‪،‬‬
‫فسرت عنهم ولم أحفل بهم )‪ ،(5‬وجعلت أسير حتى بلغت إلى مكة‪،‬‬
‫فوضعت ولدي محمدا " صلى ال عليه وآله عند اناس جلوس‪ ،‬ومضيت‬
‫عنه ناحية لحاجة‪ ،‬فسمعت وجبة وصوتا " عاليا "‪ ،‬فالتفت إلى ولدي فلم‬
‫أره‪ ،‬فسألت عنه القوم الذين كانوا جلوسا " قالوا‪ :‬ما رأيناه‪ ،‬فسألوني عن‬
‫اسمه‪ ،‬فقلت‪ :‬محمد بن عبد ال ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وحق الكعبة والمقام لئن لم أجده رميت بنفسي من أعلى هذا الحائط‬
‫حتى أموت‪ ،‬وسألتهم وأخذت في جد السؤال فلم تعط خبرا "‪ ،‬فأخذت‬
‫جيبها‪ ،‬ومزقت أثوابها )‪ ،(6‬ولطمت وجهها‪ ،‬وبكت وأكثرت البكاء‪ ،‬وحثت‬
‫التراب على‬

‫)‪ (1‬ثم قال له صاحبه خ لو وهو الموجود في المصدر‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬بالمة‪) .‬‬
‫‪ (3‬في المصدر‪ :‬ثم أقبلت حليمة على بعلها وقالت له‪ :‬الراى المبارك أن‬
‫توصل هذا الغلم إلى جده‪ ،‬فقال لها‪ :‬دعينى من ذلك‪ ،‬فما تطيب نفسي‬
‫بمفارقته‪ (4) .‬غيبته خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (5) .‬أي لم ابال بهم‬
‫ول أهتم لهم‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬فلما سمعت كلمهم وضعت يدها في‬
‫أطواقها‪ ،‬ومزقت ثيابها‪.‬‬

‫] ‪[ 381‬‬

‫رأسها‪ ،‬وجعلت تقول‪ :‬واولداه‪ ،‬واقرة عيناه‪ ،‬واثمرة فؤاداه‪ ،‬وا محمداه‪ :‬فبينا هي‬
‫كذلك إذ خرج إليها شيخ كبير يتوكأ على عصا‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما قصتك أيتها‬
‫المرأة ؟ فقالت‪ :‬فقدت ولدي محمدا "‪ ،‬ولم أدر أين مضى‪ ،‬قال لها‪ :‬ل‬
‫تبكين‪ ،‬أنا أدلك على من يعلم أين ذهب‪ ،‬قالت‪ :‬افعل يا سيدي‪ ،‬فمضى‬
‫قدامها إلى أن أتى الكعبة‪ ،‬وطاف على صنم يقال له‪ :‬هبل‪ ،‬وقال‪ :‬يا هبل‬
‫أين محمد ؟ فسقط الصنم لما ذكر محمدا "‪ ،‬فخرج الرجل خائفا "‪ ،‬قالت‬
‫حليمة‪ :‬فحسست في نفسي أنه قد أخذه آخذ وذهب به إلى جده‪ ،‬فقصدته‬
‫مسرعة‪ ،‬فلما رآني قال‪ :‬ما قصتك ؟ قلت‪ :‬ولدك محمد أتيت به ووضعته‬
‫على باب مكة أقضي حاجة فرجعت فلم أره‪ ،‬فقال )‪ :(1‬إنى أخشى أن يكون‬
‫أخذه بعض الكهان‪ ،‬فنادى عبد المطلب‪ :‬يا آل غالب‪ ،‬وكانوا يتباركون بهذه‬
‫الكلمة‪ ،‬فلما سمع قريش صوت عبد المطلب أجابوه من كل مكان )‪ ،(2‬فقال‬
‫لهم‪ :‬إن حليمة قد أقبلت بولدي محمد‪ ،‬وطرحته على باب الكعبة )‪،(3‬‬
‫ومضت لقضاء حاجة لها وعادت فلم تره‪ ،‬وأنا أخاف عليه أن يغتاله ساحر‬
‫أو كاهن‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن معك سربنا أين شئت‪ ،‬إن خضت بحرا " خضناه‪،‬‬
‫وإن ركبت برا " ركبناه‪ ،‬ثم ركبوا وساروا فلم يقفوا له على خبر‪ ،‬فأتى‬
‫عبد المطلب إلى الكعبة وطاف بها سبعا "‪ ،‬وتعلق بأستارها‪ ،‬ثم دعا‬
‫وتضرع في دعائه‪ ،‬فسمع هاتفا يقول‪ :‬يا عبد المطلب ل تخف على ولدك )‬
‫‪ ،(4‬ولكن اطلبه بوادي دعاية )‪ (5‬عند شجرة الموز‪ ،‬فمضى عبد المطلب‬
‫إلى المكان المذكور فوجده قاعدا " تحت الشجرة‪ ،‬وقد تدلت عليه أثمارها‬
‫)‪ ،(6‬فبادر إليه جده‪ ،‬فأخذه وقبله‪ ،‬وقال له‪ :‬يا ولدي من أتي بك إلى هذا‬
‫الموضع ؟ قال‪ :‬اختطف بى طير )‪ (7‬أبيض‪ ،‬وحملنى على‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ومضيت ل قضى حاجتى فجئت فلم أجده ول وقفت له على خبر‪،‬‬
‫فقال‪ (2) .‬في المصدر بعد ذلك‪ :‬وقالوا‪ :‬ما الذى نزل بك ؟ فقال‪ (3) .‬في‬
‫المصدر فنزلت عند باب الكعبة‪ (4) .‬في المصدر بعد ذلك‪ :‬ول تحزن‪ ،‬فان‬
‫له ربا ل يضيعه‪ ،‬فقال عبد المطلب‪ :‬واين اطلبه يا هاتف ؟ قال اطلبه‪) .‬‬
‫‪ (5‬رعانة خ ل وفي المصدر‪ :‬دهانة‪ (6) .‬بأثمارها خ ل‪ (7) .‬اختطفني‬
‫طائر خ ل‪ ،‬وهو الموجود في المصدر‪(*) .‬‬

‫] ‪[ 382‬‬

‫جناحه‪ ،‬وأتى بى إلى هاهنا‪ ،‬وقد جعت وعطشت فأكلت من ثمرة هذه الشجرة‪،‬‬
‫وشربت من الماء‪ ،‬وكان الطائر جبرئيل عليه السلم )‪ .(1‬ثم إن )‪ (2‬حليمة‬
‫قالت لعبد المطلب‪ :‬إن ولدك قد صار )‪ (3‬له عندنا كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬يا حليمة‬
‫ل بأس عليك‪ ،‬إمضي إلى امه وأخبريها بذلك‪ ،‬فإنها أخبرتني يوم ولد أنه‬
‫سطع منه نور صعد إلى السماء‪ .‬وذلك قوله )‪ (4‬تعالى‪) :‬ألم نشرح لك‬
‫صدرك( الية‪ .‬ثم إن عبد المطلب كفل النبي صلى ال عليه وآله إلى )‪(5‬‬
‫أن رمد النبي صلى ال عليه وآله رمدة شديدة وكان بالجحفة طبيب فوطأله‬
‫جده راحلة وسار به إلى الجحفة‪ ،‬فلما دخل صاح عبد المطلب أيها الطبيب‬
‫عندي غلم اريد أن تطب عينه‪ ،‬فرفع )‪ (6‬رأسه وقال له‪ :‬اكشف لي عن‬
‫وجهه‪ ،‬فلما كشف عن وجهه سقطت )‪ (7‬الصومعة‪ ،‬فرفع )‪ (8‬الراهب‬
‫رأسه ونادى بالشهادتين والقرار بنبوة محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وما عسى أن أقول فيه ل بأس عليه مما نزل به‪ ،‬ولكن أيها الشيخ اسمع‬
‫ما أقول لك‪ ،‬إنه سيد العرب‪ ،‬بل سيد الولين والخرين‪ ،‬والمشفع فيهم يوم‬
‫الدين‪ ،‬تنصره الملئكة المقربون‪ ،‬ويأمره ال أن يقاتل من يخالفه‪،‬‬
‫وينصره ال نصرا " عزيزا "‪ ،‬وأشد الناس عليه قومه‪ ،‬فقال عبد‬
‫المطلب‪ :‬يا راهب ما تقول ؟ فقال‪ :‬والذي ل إله إل هو‪ ،‬لئن أدركت زمانه‬
‫لنصرنه‪ ،‬فاحفظ ولدك‪ ،‬فرجع بولده )‪ (9‬إلى مكة‬

‫)‪ (1‬الظاهر أن البكري اخذ ذلك عن مصادر العامة‪ ،‬ويخرج المصنف قريبا عن‬
‫دلئل النبوة لبي نعيم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قال ابو الحسن البكري‪ :‬ثم ان‬
‫حليمة ا‍ه‪ (3) .‬قد عرض خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (4) .‬لعل ذلك‬
‫من كلم البكري‪ ،‬يريد ان الية اشارة إلى شق صدره وما وقع بعد ذلك‬
‫فتأمل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬إلى حين كبر‪ ،‬قال‪ :‬ثم ان النبي صلى ال عليه‬
‫وآله رمد رمدا شديدا‪ (6) .‬فأخرج خ ل‪ (7) .‬تزلزلت خ ل وهو الموجود‬
‫في المصدر‪ (8) .‬فرد خ ل وهو الموجود في المصدر‪ (9) .‬بالنبي خ ل‬
‫وهو الموجود في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 383‬‬

‫فأقام بها حتى حضرته الوفاة‪ ،‬فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبو طالب‪،‬‬
‫وأقبل به إلى منزله‪ ،‬ودعا بزوجته فاطمة بنت أسد‪ ،‬وكانت شديدة المحبة‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬شفيقة عليه‪ ،‬فقال لها أبو طالب‪ :‬اعلمي‬
‫أن هذا )‪ (1‬ابن أخي‪ ،‬وهو اعز عندي من نفسي ومالي‪ ،‬و إياك أن‬
‫يتعرض عليه )‪ (2‬أحد فيما يريد‪ ،‬فتبسمت فاطمة من قوله‪ ،‬وكانت تؤثره‬
‫على سائر أولدها‪ ،‬وكان لها عقيل وجعفر‪ ،‬فقالت له‪ :‬توصيني في ولدي‬
‫محمد وإنه أحب إلي من نفسي وأولدي‪ ،‬ففرح أبو طالب بذلك‪ ،‬فجعلت‬
‫تكرمه على جملة أولدها‪ ،‬ول تجعله يخرج عنها طرفة عين أبدا "‪ ،‬وكان‬
‫يطعم من يريد فل يمنع‪ ،‬وقد كان يشب في اليوم ما يشب غيره في السنة‬
‫وينمو‪ ،‬فتعجب )‪ (3‬أهل مكة من ذلك وحسنه وجماله‪ ،‬فلما نظر أبو طالب‬
‫إلى حسنه وجماله قال‪ :‬شعرا "‪ :‬نور وجهك الذي فاق في الحسن * على‬
‫نور شمسنا والهلل أنت وال يا مناي وسؤلي * الذي فاق نوره المتعالي‬
‫أنت نور النام من هاشم الغر * فقت كل العل وكل الكمال وعلو الفخار‬
‫والمجد أيضا * ولقد فقت أهل كل المعالي )‪ (4‬ثم بعد ذلك شاع ذكره في‬
‫البلد )‪ ،(5‬ثم إنه توجه يوما " إلى نحو الكعبة وأهل مكة حولها‪ ،‬وكان قد‬
‫عمروا فيها عمارة‪ ،‬وشالوا )‪ (6‬الحجر السود من مكانه‪ ،‬فلما عزموا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬إن هذا ولدى محمد هو قرة عينى‪ ،‬وامره في منزلي كأمرى‪،‬‬
‫ونهيه كنهيى فل يتعرض عليه احد فيما يريده‪ (2) .‬له خ ل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬احب إلى من نفسي ومما طلعت عليه الشمس أو غربت والمال‬
‫والولد‪ ،‬فعند ذلك فرح ابو طالب بمقالتها‪ ،‬ثم قالت‪ :‬وال ل قدمنه على‬
‫سائر اولدي‪ ،‬وجعلت تكرمه‪ ،‬ول تخليه يغيب عنها طرفة عين‪ ،‬وكان‬
‫يطعم من يريد‪ ،‬ويضيف من يريد‪ ،‬ول يمنعه من ذلك مانع‪ ،‬ول يعارضه‬
‫معارض فيما يريد‪ ،‬وقد يشب وينمو‪ ،‬وقد تعجب‪ (4) .‬ولقد ارتقيت أعلى‬
‫المعالى خ ل‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬قال الراوى لهذا الحديث‪ :‬وعل قدره حتى‬
‫سموه الصادق المين‪ ،‬وشاع ذكره في المشرق والمغرب‪ (6) .‬أي‬
‫ارتفعوا‪.‬‬

‫] ‪[ 384‬‬
‫أن يردوه إلى مكانه الول اختلفوا فيمن يرده‪ ،‬فكان كل منهم يقول‪ :‬أنا أرده‪ ،‬يريد‬
‫الفخر لنفسه‪ ،‬فقال لهم ابن المغيرة‪ :‬يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من‬
‫هذا الباب‪ ،‬وأجمعوا على ذلك )‪ ،(1‬وإذا بالنبي صلى ال عليه وآله قد اقبل‬
‫عليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا محمد‪ ،‬نعم الصادق المين‪ ،‬ذو الشرف الصيل )‪ ،(2‬ثم‬
‫نادوه فأقبل عليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد حكمناك في أمرنا‪ ،‬من يحمل الحجر السود‬
‫إلى محله ؟ فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬هذه فتنة‪ ،‬ايتوني بثوب )‪ ،(3‬فأتوه‬
‫به‪ ،‬فقال‪ :‬ضعوا الحجر فوقه‪ ،‬وارفعوه من كل طرف قبيلة‪ ،‬فرفعوه إلى‬
‫مكانه‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وآله هو الذي وضعه في مكانه )‪ ،(4‬فتعجبت‬
‫القبائل من فعله‪ .‬بيان‪ :‬الزعرق‪ :‬الصياح والزمجرة‪ :‬الصوت‪ .‬قوله‪ :‬غمته‬
‫أي غطته )‪ - 21 .(5‬أقول‪ :‬روى الكاذروني‪ :‬في المنتقى عن برة قال‪ :‬أول‬
‫من أرضع رسول ال صلى ال عليه وآله ثويبة بلبن ابن لها يقال له‪:‬‬
‫مسروح أياما " قبل أن تقدم حليمة‪ ،‬وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد السد المخزومي‪ ،‬وكانت تدخل‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وآله فيكرمها‪ ،‬وكان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فقال لهم ابن المغيرة‪ :‬يا قوم حكموا في أمركم كل الرجل المقبل‬
‫ليحكم فيما أنتم فيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬الداخل علينا من هذا الباب حكمناه في أمرنا‬
‫إن كان حرا أو عبدا‪ ،‬ذكرا أو انثى‪ ،‬فنظروا إذا هم بالنبي صلى ال عليه‬
‫وآله إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬حكمه في المر‪ :‬فوض إليه الحكم فيه‪ .‬وابن المغيرة‪ :‬هو‬
‫ابو امية حذيفة بن المغيرة بن عبد ال بن عمر بن مخزوم‪ ،‬وهو والد أم‬
‫سلمة وكان اسن القوم‪ (2) .‬في المصدر زيادة هي‪ :‬الفاضل العاقل محمد‬
‫بن عبد ال‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬فلما دنا منهم رآهم كل واحد منهم يريد‬
‫لنفسه الشرف والفخار فقال‪ :‬هذه فتنة فاريد أن اخمدها‪ ،‬قال‪ :‬يا قوم‬
‫ايتونى بثوب‪ (4) .‬في المصدر هنا زيادة هي‪ :‬وانقطع الشر بينهم‪ ،‬وكان‬
‫أحدهم المغيرة‪ ،‬والثانى ربيعة‪ ،‬و الثالث حريز بن امية‪ ،‬والرابع السود‬
‫بن عبد العزى‪ ،‬فرجعوا الحجر إلى مكانه‪ ،‬والنبى صلى ال عليه وآله‬
‫وضعه في موضعه إ‍ه‪ .‬قلت‪ :‬في السماء تصحيف‪ ،‬والموجود في تاريخ‬
‫اليعقوبي‪ :‬عتبة ابن ربيعة‪ ،‬وفي غيره عبد مناف عتبة بن ربيعة ‪ -‬وأبو‬
‫زمعة بن السود‪ ،‬وأبو حذيفة بن المغيرة‪ ،‬وقيس بن عدى السهمي وفي‬
‫غيره زمعة مكان أبى زمعة‪ ،‬وفيما تقدم عن الكافي‪ :‬السود بن المطلب‬
‫من بنى أسد بن عبد العزى‪ (5) .‬النوار‪ :‬مخطوط‪ :‬ونسخته موجودة‬
‫عندي‪ ،‬فيها اختلف وزيادات على نسخة المصنف أوردت بعضها في‬
‫الذيل‪.‬‬

‫] ‪[ 385‬‬
‫وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر )‪ - 22 .(1‬وأورد الحافظ أبو القاسم الصبهاني )‪(2‬‬
‫في دلئل النبوة مسندا " عن العباس بن عبد المطلب قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك‪ ،‬رأيتك في المهد تناغي )‪(3‬‬
‫القمر‪ ،‬وتشير إليه بإصبعك‪ ،‬فحيث أشرت إليه مال‪ ،‬قال‪ :‬إني كنت احدثه‬
‫ويحدثني ويلهيني عن البكاء‪ ،‬وأسمع وجبته يسجد تحت الكرسي )‪.(4‬‬
‫قوله‪ :‬وجبته أي سقطته‪ - 23 .‬وروى عن مجاهد قال‪ :‬قلت لبن عباس‪:‬‬
‫وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد صلى ال عليه وآله ؟ قال‪ :‬إي وال‪،‬‬
‫وكل نساء الجن‪ ،‬وذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى الملك في سماء‬
‫الدنيا‪ :‬هذا محمد سيد النبياء‪ ،‬فطوبي لثدي أرضعته‪ ،‬فتنافست الطير‬
‫والجن‪ ،‬في رضاعه‪ ،‬قال‪ :‬فنوديت )‪ (5‬كلها‪ :‬أن كفوا‪ ،‬فقد أجرى ال ذلك‬
‫علي أيدي النس‪ ،‬فخص ال بذلك حليمة )‪ - 24 .(6‬وروي أنه لما مضى‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وآله شهران وهو عند حليمة ترضعه خرج‬
‫عبد المطلب فأتى إليها فقال لها‪ :‬ادفعي إلي ابني‪ :‬فقالت له‪ :‬جعلني ال‬
‫فداك يا عبد المطلب دعه عندي فإنه قد الفني‪ ،‬قال‪ :‬كيف لم تريديه قبل‬
‫اليوم وتمتسكين به الن ؟ قالت‪ :‬لنه وال نسمة مباركة‪ ،‬قد بورك لنا في‬
‫جميع أبداننا وأموالنا‪ ،‬فدعه عندي ل اريد منك عليه شيئا " أبدا "‪ ،‬فتركه‬
‫عندها‪ ،‬وانصرف عبد المطلب‪ ،‬فمكثت حليمة ل تدخل في الليل إلى بيتها‬
‫إل ونظرت إلى الستر قد انفجر ونزل عليه القمر يناغيه‪ ،‬فيقول زوجها‪ :‬إن‬
‫لهذا الغلم لشأنا " عظيما "‪ ،‬ليسودن العرب كلها‪ - 25 .‬وروى حديث‬
‫حليمة برواية اخرى عن ابن عباس أوردتها أيضا " لفوائد فيها‪،‬‬

‫)‪ (1‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الول من القسم الثاني‪ (2) .‬اسماعيل بن‬
‫محمد بن الفضل على ما في المصدر‪ (3) .‬ناغى الصبى‪ :‬كلمه بما يعجبه‬
‫ويسره‪ (4) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الول من القسم الثاني‪.‬‬
‫)‪ (5‬أي الطير والجن‪ (6) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الثاني من‬
‫القسم الثاني‪.‬‬

‫] ‪[ 386‬‬

‫وهي أنه روي أنه كان من سببها أن ال أجدب البلد والزمان‪ ،‬فدخل ذلك على‬
‫عامة الناس‪ ،‬وكانت حليمة تحدث عن زمانها وتقول‪ :‬كان الناس في زمان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله في جهد شديد‪ ،‬وكنا اهل بيت مجدبين‪،‬‬
‫وكنت امرأة طوافة‪ ،‬أطوف البراري والجبال‪ ،‬ألتمس الحشيش والنبات‪،‬‬
‫فكنت ل أمر على شئ من النبات إل قلت‪ :‬الحمد ل الذي أنزل بي هذا‬
‫الجهد والبلء‪ ،‬ولما ولد النبي صلى ال عليه وآله خرجت إلى ناحية مكة‬
‫ولم أكن ذقت شيئا " منذ ثلثة أيام‪ ،‬وكنت التوي كما تلتوي الحية‪ ،‬وكنت‬
‫ولدت ليلتي تلك غلما " فلم أدر أجهد الولدة أشكو أم جهد نفسي‪ ،‬فلما‬
‫بت ليلتي تلك أتاني رجل في منامي فحملني حتى قذفني في ماء أشد بياضا‬
‫" من اللبن‪ ،‬وقال‪ :‬يا حليمة أكثري من شرب هذا الماء ليكثر لبنك‪ ،‬فقد‬
‫أتاك العز وغناء الدهر‪ ،‬تعرفينني ؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال أنا الحمد ل الذي كنت‬
‫تحمدينه في سرائك وضرائك‪ ،‬فانطلقي إلى بطحاء مكة‪ ،‬فإن لك فيها رزقا‬
‫" واسعا "‪ ،‬واكتمي شأنك ول تخبري أحدا "‪ ،‬ثم ضرب بيده على‬
‫صدري‪ ،‬فقال‪ :‬أدر ال لك اللبن‪ ،‬وأكثر لك الرزق‪ ،‬فانتبهت وأنا أجمل نساء‬
‫بني سعد‪ ،‬ل اطيق أن أسبل )‪ (1‬ثديي‪ ،‬كأنهما الجر العظيم‪ ،‬يتسيب )‪(2‬‬
‫منهما لبن‪ ،‬وأرى الناس حولي من نساء بني سعد ورجالهم في جهد من‬
‫العيش‪ ،‬إنما كنا نرى البطون لزقة بالظهور‪ ،‬واللوان شاحبة )‪ (3‬متغيرة‪،‬‬
‫ل نرى في الجبال الراسيات شيئا "‪ ،‬ول في الرض شجرا "‪ ،‬وإنما كنا‬
‫نسمع من كل جانب أنينا " كأنين المرضى‪ ،‬وكادت العرب أن تهلك هزال "‬
‫وجوعا "‪ ،‬فلما أصبحت حليمة وإنها لفي جهد من العيش وتغير من‬
‫الحال‪ ،‬وقد أصبحت اليوم تشبه بنات الملوك‪ ،‬قلن‪ :‬إ لها شأنا " عظيما "‪،‬‬
‫ثم احدقن بي يسألنني عن قصتي‪ ،‬فكنت ل احير جوابا "‪ ،‬فكتمت شأني‬
‫لني بذلك كنت امرت‪ ،‬ولم تبق امرأه في بني سعد ذات زوج إل وضعت‬
‫غلما "‪ ،‬ورأيت الرؤوس المشتعلة بالشيب قد عادت سودا " لبركة مولد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا " ينادي‪:‬‬
‫أل إن قريشا " قد وضعت العام كل بطونها‪ ،‬وإن ال قد‬

‫)‪ (1‬أسبل الدمع‪ :‬أرسله‪ .‬الماء‪ :‬صبه‪ (2) .‬هكذا في الصل‪ ،‬وفي المصدر‪ :‬يتسبسب‬
‫وهو الصحيح أي يسيل‪ (3) .‬شحب لونه‪ :‬تغير من جوع أو مرض‬
‫ونحوهما‪.‬‬

‫] ‪[ 387‬‬

‫حرم على نساء العام أن يلدن البنات من أجل مولد في قريش‪ ،‬وشمس النهار‪،‬‬
‫وقمر الليل‪ ،‬فطوبى لثدي أرضعته‪ ،‬أل فبادرن إليه يا نساء بني سعد‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فنزلنا في جبل و عزمنا على الخروج إلى مكة‪ ،‬فخرج نساء بني‬
‫سعد على جهد منهن ومخمصة )‪ ،(1‬وخرجت أنا مع بني لي على أتان لي‬
‫معناق )‪ (2‬تسمع لها في جوفها خضخضة )‪ ،(3‬قد بدأ عظامها من سوء‬
‫حالها‪ ،‬وكانت تخفضني طورا "‪ ،‬وترفعني آخر‪ ،‬ومعي زوجي‪ ،‬فكنت في‬
‫طريقي أسمع العجائب من كل ناحية‪ ،‬ل أمر بشئ إل استطال إلي فرحا "‪،‬‬
‫وقال لي‪ :‬طوبى لثديك يا حليمة‪ ،‬انطلقي فإنك ستأتين بالنور الساطع‪،‬‬
‫والهلل البدري‪ ،‬فاكتمي شأنك وكوني من وراء القوم‪ ،‬فقد نزلت بشاراتك‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فكنت أقول لصاحبي‪ :‬تسمع ما أسمع ؟ فيقول‪ :‬ل‪ ،‬مالي أراك‬
‫كالخائفة الوجلة تلتفتين يمنة " ويسرة "‪ ،‬مري أمامك‪ ،‬فقد تقدم نساء‬
‫بني سعد‪ ،‬وإني أخاف أن يسبقني إلى كل مولود بمكة‪ ،‬قالت‪ :‬فجعلنا نجد‬
‫في المسير والتان كأنها تنزع حوافرها من الظهر نزعا "‪ ،‬فبينا أنا في‬
‫مسيري إذا أنا برجل في بياض الثلج‪ ،‬وطول النخلة الباسقة‪ ،‬ينادي من‬
‫الجبل‪ :‬يا حليمة مري أمامك‪ ،‬فقد أمرني ال عزوجل أن أدفع عنك كل‬
‫شيطان رجيم‪ ،‬قالت‪ :‬حتى إذا صرنا على فرسخين من مكة بتنا ليلتنا تلك‪،‬‬
‫فرأيت في منامي كان على رأسي شجرة خضراء‪ ،‬قد ألقت بأغصانها‬
‫حولي‪ ،‬ورأيت في فروعها شجرة كالنخلة‪ ،‬قد حملت من أنواع الرطب‪ ،‬و‬
‫كان جميع من خرج معي من نساء بني سعد حولي‪ ،‬فقلن‪ :‬يا حليمة أنت‬
‫الملكة علينا‪ ،‬فبينا أنا كذلك إذ سقطت من تلك الشجرة في حجري تمرة‬
‫فتناولتها ووضعتها في فمي‪ ،‬فوجدت لها حلوة كحلوة العسل‪ ،‬فلم أزل‬
‫أجد طعم ذلك )‪ (4‬في فمي حتي فارقني رسول ال صلى ال عليه وآله‪،‬‬
‫فلما أصبحت كتمت شأني‪ ،‬قلت‪ :‬إن قضى ال لي أمرا " فسوف يكون‪ ،‬ثم‬
‫ارتحلنا حتى نزلنا مكة يوم الثنين وقد سبقني نساء بني سعد‪ ،‬وكان‬
‫الصبي الذي معي قد ولدته ل يبكي ول يتحرك ول يطلب لبنا "‪ ،‬فكنت أقول‬
‫لصاحبي‪ :‬هذا الصبي ميت‬

‫)‪ (1‬المخمصة‪ :‬خلء البطن من الطعام‪ .‬مجاعة تورث خمص البطن وضموره‪(2) .‬‬
‫هكذا في الصل والمصدر‪ ،‬والمعناق‪ :‬الدابة السريع السير‪ .‬طويل العنق‪.‬‬
‫)‪ (3‬الخضخضة‪ :‬الحركة‪ (4) .‬أي في يقظتي بعد‪.‬‬

‫] ‪[ 388‬‬

‫ل محالة‪ ،‬فكنت إذا قلت ذلك يلتفت إلي الصبي فيفتح عينية ويضحك في وجهي‪،‬‬
‫وأنا متعجبة من ذلك‪ ،‬فلما توسطنا مكة قلت‪ :‬لصاحبي‪ :‬سل من أعظم‬
‫الناس قدرا " بمكة‪ ،‬فسأل عن ذلك فقيل له‪ :‬عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬سل من أعظم قريش ممن ولد له في عامه هذا‪ ،‬فقيل لي‪ :‬آل مخزوم‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فأجلست صاحبي في الرحل وانطلقت إلى بني مخزوم‪ ،‬فإذا أنا بجميع‬
‫نساء بني سعد قد سبقننى إلى كل مولود بمكة‪ ،‬فبقيت ل أدري ما أقول‪،‬‬
‫وندمت على دخولي مكة‪ ،‬فبينا أنا كذلك إذا بعبد المطلب‪ ،‬وجمته )‪(1‬‬
‫تضرب منكبه‪ ،‬ينادي بنفسه بأعلى صوته‪ :‬هل بقي من الرضاع أحد‪ ،‬فإن‬
‫عندي بنيا " لي يتيما " وما عند اليتيم من الخير‪ ،‬إنما يلتمس كرامة‬
‫الباء‪ ،‬قالت‪ :‬فوقفت لعبد المطلب وهو يومئذ كالنخلة طول‪ ،‬فقلت‪ :‬أنعم‬
‫صباحا " أيها الملك المنادي‪ ،‬عندك رضيع ارضعه‪ ،‬فقال هلمي‪ ،‬فدنوت‬
‫منه‪ ،‬فقال لي‪ :‬من أين أنت ؟ فقلت‪ :‬امرأة من بني سعد‪ ،‬فقال لي‪ :‬إيه إيه )‬
‫‪ (2‬كرم وزجر‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬ما اسمك ؟ فقلت‪ :‬حليمة‪ ،‬فضحك وقال‪ :‬بخ بخ‬
‫خلتان حسنتان‪ :‬سعد وحلم‪ ،‬هاتان خلتان فيها غنى الدهر‪ ،‬ويحك يا حليمة‬
‫عندي بني لي يتيم اسمه محمد‪ ،‬وقد عرضته على جميع نساء بني سعد‬
‫فأبين أن يقبلنه‪ ،‬وأنا أرجو أن تسعدي به‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت له‪ :‬إني منطلقة إلى‬
‫صاحبي ومشاورته في ذلك‪ ،‬قال لي‪ :‬إنك لترضعين غير كارهة‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫قلت‪ :‬بال لرجعن إليك‪ ،‬قالت‪ :‬فرجعت إلى صاحبي فلما أخبرته الخبر كأن‬
‫ال قد قذف في قلبه فرحا "‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬يا حليمة بادري إليه ل يسبقك‬
‫إليه أحد‪ ،‬قالت‪ :‬وكان معي ابن اخت لي يتيم‪ ،‬قال‪ :‬هيهات إني أراكم ل‬
‫تصيبون في سفركم هذا خيرا "‪ ،‬هؤلء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع‬
‫والشرف‪ ،‬وترجعون أنتم باليتيم‪ ،‬قالت‪ :‬فأردت وال لرجع )‪ (3‬إليه‪ ،‬فكأن‬
‫ال قذف في قلبي إن فارقك محمد ل تفلحين‪ ،‬وأخذتني الحمية وقلت‪:‬‬
‫هؤلء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف‪ ،‬وأرجع أنا بل رضاع ؟‬
‫وال لخذنه وإن كان يتيما "‪ ،‬فلعل ال أن يجعل فيه خيرا "‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فرجعت إلى عبد المطلب‪ ،‬فقلت له‪:‬‬

‫)‪ (1‬الجمة‪ :‬من شعرا الرأس ما سقط على المنكبين‪ (2) .‬إيه‪ :‬اسم فعل للستزادة‬
‫من حديث أو فعل‪ (3) .‬هكذا في الصل‪ ،‬والصحيح كما في المصدر‪ :‬ل‬
‫أرجع‪.‬‬

‫] ‪[ 389‬‬

‫أيها الملك الكريم هلم الصبي‪ ،‬قال‪ :‬هل نشطت لخذه ؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فخر عبد‬
‫المطلب ساجدا "‪ ،‬ورفع رأسه إلى السماء وهو يقول‪ :‬اللهم رب المروة‬
‫والحطيم‪ ،‬اسعدها بمحمد‪ ،‬ثم مر بين يدي يجر حلته فرحا " حتى دخل بي‬
‫على آمنة ام رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فإذا أنا بامرأة ما رأيت في‬
‫الدميين أجمل وجها منها‪ ،‬هللية بدرية‪ ،‬فلما نظرت إلى ضحكت في‬
‫وجهي‪ ،‬وقالت‪ :‬ادخلي يا حليمة‪ ،‬فدخلت الدار فأخذت بيدي‪ ،‬فأدخلتني بيتا‬
‫" كان فيه رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فإذا أنا به ووجهه كالشمس إذا‬
‫طلعت في يوم ديجانها )‪ ،(1‬فلما رأيته على هذه الصفة استدر )‪ (2‬كل‬
‫عرق في جسدي بالضربان‪ ،‬فناولتني النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلما أن‬
‫وضعته في حجري فتح عينيه لينظر إلى فسطع منهما نور كنور البرق إذا‬
‫خرج من خلل السحاب فألقمته ثديي اليمن فشرب منه ساعة‪ ،‬ثم حولته‬
‫إلى اليسر فلم يقبله‪ ،‬و جعل يميل إلى اليمنى ‪ -‬فكان ابن عباس يقول‪:‬‬
‫الهم العدل في رضاعه‪ ،‬علم أن له شريكا "‪ ،‬فناصفه عدل ‪ -‬وكانت الثدي‬
‫اليمنى تدر لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬والثدي اليسرى تدر لبني‪،‬‬
‫وكان ابني ل يشرب حتى ينظر إلى محمد صلى ال عليه وآله قد شرب‪،‬‬
‫وكنت كثيرا " ما أسبق إلى مسح شفتيه‪ ،‬فكنت أسبق إلى ذلك فنام في‬
‫حجري‪ ،‬فجعلت أنظر إلى وجهه‪ ،‬فرأيت عينيه مفتوحتين‪ ،‬وهو كالنائم‪ ،‬فلم‬
‫أتمالك فرحا "‪ ،‬وأخذتني العجلة بالرجوع إلى صاحبي‪ ،‬فلما أن نظر إليه‬
‫صاحبي لم يتمالك أن قام وسجد‪ ،‬وقال‪ :‬يا حليمة ما رأيت في الدميين‬
‫أجمل وجها " من هذا‪ ،‬قالت‪ :‬فلما كان في الليل وطاب النوم وهدأت‬
‫الصوات انتبهت فإذا به وقد خرج منه نور متللئ‪ ،‬وإذا أنا برجل قائم عند‬
‫رأسه عليه ثوب أخضر‪ ،‬فانبهت صاحبي وقلت‪ :‬ويحك أل ترى إلى هذا‬
‫المولود ؟ قالت‪ :‬فرفع رأسه فلما نظر إليه قال لي يا حليمة اكتمي شأنه‪،‬‬
‫فقد أخذت شجرة " كريمة " ل يذهب رسمها أبدا "‪ ،‬قالت‪ :‬فأقمنا بمكة‬
‫سبعة أيام بلياليهن ما من يوم إل وأنا أدخل على آمنة‪ ،‬فلما عزمنا على‬
‫الخروج دعتني آمنة فقالت‪ :‬ل تخرجي من بطحاء مكة حتى تعلميني‪ ،‬فإن‬
‫لي فيك وصايا اوصيك بها‪ ،‬قالت‪ :‬فبتنا فلما كان في بعض الليل انتبهت‬
‫لقضي حاجة‪ ،‬فإذا برجل عليه ثياب خضر‬

‫)‪ (1‬أي في يوم غيوم مظلم‪ (2) .‬استدرت العروق‪ :‬امتلت دما‪.‬‬

‫] ‪[ 390‬‬

‫قاعد عند رأسه يقبل بين عينيه‪ ،‬فانبهت صاحبي رويدا " فقلت‪ :‬انظر إلى العجب‬
‫العجيب‪ ،‬قال‪ :‬اسكتي واكتمي شأنك‪ ،‬فمنذ ولد هذا الغلم قد أصبحت أحبار‬
‫الدنيا على أقدامها قياما "‪ ،‬ل يهنؤها عيش النهار‪ ،‬ول نوم الليل‪ ،‬وما‬
‫رجع أحد من البلد أغنى منا‪ ،‬فلما أصبحنا من الغد وعزمنا على الخروج‬
‫ركبت أتاني وحملت بين يدي محمدا " صلى ال عليه وآله‪ ،‬وخرجت معي‬
‫آمنة تشيعني‪ ،‬فجعلت التان تضرب بيدها ورجلها الرض وترفع رأسها‬
‫إلى السماء فرحة مستبشرة‪ ،‬ثم تحولت بي نحو الكعبة‪ ،‬فسجدت ثلث‬
‫سجدات‪ ،‬حتى استوينا مع الركب سبقت التان كل دوابهم‪ ،‬فقالت نساء بني‬
‫سعد‪ :‬يا بنت أبي ذؤيب أليس هذا أتانك التي كانت تخفضك طورا "‬
‫وترفعك آخر ؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقلن‪ :‬بال إن لها لشأنا " عظيما "‪ ،‬فكنت‬
‫أسمع التان تقول‪ :‬إي وال وإن لي لشأنا "‪ ،‬ثم شأنا "‪ ،‬أحياني ال‬
‫عزوجل بعد موتي‪ ،‬ورد علي سمني بعد هزالي‪ ،‬ويحكن يا نساء بني سعد‬
‫إنكن لفي غفلة‪ ،‬أتدرين من حملت ؟ حملت سيد العرب محمدا " رسول ال‬
‫رب العالمين )‪ ،(1‬هذا ربيع الدنيا وزهرة الخرة‪ ،‬وأنا أنادي من كل جانب‪:‬‬
‫استغنيت يا حليمة آخر دهرك‪ ،‬فأنت سيدة نساء بني سعد‪ ،‬قالت‪ :‬فمررت‬
‫براع يرعى غنما " له‪ ،‬فلما نظرت الغنم إلي جعلن يستقبلن وتعدو إلي كما‬
‫تعدو سخالها )‪ ،(2‬فسمعت من بينها قائل يقول‪ :‬أقر ال عينك يا حليمة‪،‬‬
‫أتدرين ما حملت ؟ هذا محمد رسول رب العالمين‪ ،‬إلى كل ولد آدم من‬
‫الولين والخرين‪ ،‬قالت‪ :‬فشيعتني امه ساعة وأوصتني فيه بوصايا‪،‬‬
‫ورجعت كالباكية‪ ،‬قالت‪ :‬وليس كل الذي رأيت في طريقي احسن وصفه‪ ،‬إل‬
‫أني لم أنزل منزل إل أنبت ال عزوجل فيه عشبا "‪ ،‬وخيرا " كثيرا "‪،‬‬
‫وأشجارا " قد حملت من أنواع الثمر‪ ،‬حتى أتيت به منزل بني سعد‪ ،‬وما‬
‫نعلم وال أن أرضا " كانت أجدب منها‪ ،‬ول أقل خيرا "‪ ،‬وكانت لنا‬
‫غنيمات دبرات )‪ (3‬مهزولت‪ ،‬فلما صار رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫في منزلي صارت غنمي تروح شباعا " حافلة‪ ،‬تحمل وتضع وتدر وتحلب‪،‬‬
‫ول تدر في بني سعد لحد من الناس غيري‪ ،‬فجمعت بنو سعد رعاتها‬

‫)‪ (1‬في المصدر زيادة بعد ذلك هي‪ :‬صنوان وغير صنوان‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬إلى‬
‫سخولها‪ .‬قلت‪ :‬السخال‪ :‬ولد الشاة‪ (3) .‬الدبر‪ :‬المصاب بالدبرة‪ :‬قرحة‬
‫الدابة تحدث من الرجل ونحوه‪.‬‬

‫] ‪[ 391‬‬

‫وقالوا لهم‪ :‬ما بال أغنام حليمة بنت أبي ذؤيب تحمل وتضع وتدر وتحلب‪ ،‬وأغنامنا‬
‫ل تحمل ول تضع ول تأتي بخير ؟ اسرحوا حيث تسرح رعاة بنت أبي‬
‫ذؤيب حتى تروح غنمكم )‪ (1‬شباعا " حافلة‪ ،‬قالت‪ :‬فلم نزل نتعرف من‬
‫ال الزيادة والبركة والفضل والخير ببركة النبي صلى ال عليه وآله حتى‬
‫كنا نتفضل على قومنا‪ ،‬وصاروا يعيشون في أكنافنا‪ ،‬فكنت أرى من يومه )‬
‫‪ (2‬عجبا "‪ ،‬ما رأيت له بول قط‪ ،‬ول غسلت له وضوءا " قط‪ ،‬طهارة‬
‫ونظافة‪ ،‬وذلك أني كنت اسبق إلى ذلك‪ ،‬وكان له في كل يوم وقت واحد‬
‫يتوضأ فيه ول يعود إلى وقته من الغد‪ ،‬ولم يكن شئ أبغض إليه من أن‬
‫يرى جسده مكشوفا "‪ ،‬فكنت إذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستر عليه‪،‬‬
‫فانتبهت ليلة من الليالي فسمعته يتكلم بكلم لم أسمع كلما " قط أحسن‬
‫منه‪ ،‬يقول‪) :‬ل إله إل ال قدوسا " قدوسا "‪ ،‬وقد نامت العيون والرحمن‬
‫ل تأخذه سنة ول نوم( وهو عند أول ما تكلم‪ ،‬فكنت أتعجب من ذلك‪ ،‬وكان‬
‫يشب شبابا " ل يشبه الغلمان‪ ،‬ولم يبك قط‪ ،‬ولم يسئ خلقه‪ ،‬ولم يتناول‬
‫بيساره‪ ،‬وكان يتناول بيمينه‪ ،‬فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا " إل قال‪:‬‬
‫)بسم ال( فكنت معه في كل دعة )‪ (3‬وعيش وسرور‪ ،‬وكنت قد اجتنبت‬
‫الزوج ل أغتسل منه هيبة " لرسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬حتى تمت له‬
‫سنتان كاملتان‪ ،‬وقد ثمر )‪ (4‬ال لنا الموال‪ ،‬وأكثر لنا من الخير‪ ،‬فكانت‬
‫تحمل لنا الغنام‪ ،‬وتنبت لنا الرض‪ ،‬وقد ألقى ال محبته على كل من رآه‪،‬‬
‫فبينا هو قاعد في حجري إذا مرت )‪ (5‬به غنيماتي فأقبلت شاة من الغنم‬
‫حتى سجدت له‪ ،‬وقبلت رأسه‪ ،‬فرجعت إلى صويحباتها‪ ،‬وكان ينزل عليه‬
‫في كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلي عنه‪ ،‬وكان أخواه من‬
‫الرضاعة يخرجان فيمران بالغلمان فيلعبان معهم‪ ،‬وإذا رآهم محمد صلى‬
‫ال عليه وآله اجتنبهم وأخذ بيد أخويه ثم قال لهما‪ :‬إنا لم نخلق لهذا‪ ،‬فلما‬

‫)‪ (1‬في نسخة الصل‪ :‬عنكم والتصويب من نسخة أمين الضرب وغيرها ومن‬
‫المصدر‪ (2) .‬في نسخة‪ :‬من نومه‪ ،‬وفي اخرى‪ :‬من ثوبه‪ (3) .‬الدعة‪:‬‬
‫السكينة‪ .‬الراحة وخفض العيش‪ (4) .‬أي كثرها ال‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬إذ‬
‫مرت‪.‬‬

‫] ‪[ 392‬‬

‫تم له ثلث سنين قال لي يوما "‪ ،‬يا اماه مالي ل أرى أخوي بالنهار ؟ قلت له‪ :‬يا‬
‫بنى إنهما يرعيان غنيمات‪ ،‬قال‪ :‬فما لي ل أخرج معهما ؟ قلت له‪ :‬تحب‬
‫ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا " فيه‬
‫جزع يمانية‪ ،‬فنزعها ثم قال لي‪ :‬مهل يا اماه فإن معي من يحفظني‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ثم دعوت با بني فقلت لهما‪ :‬اوصيكما بمحمد خيرا "‪ ،‬ل تفارقاه‪ ،‬وليكن‬
‫نصب أعينكما‪ ،‬قالت‪ :‬فخرج مع أخويه في الغنم‪ ،‬فبيناهم يترامون بالجلة‬
‫يعني البعر إذ هبط جبرائيل وميكائيل ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج‬
‫فاستخرجاه من الغنم والصبية فأضجعاه وشقا بطنه‪ ،‬وشرحا صدره‪،‬‬
‫فاستخرجا منه نكتة سوداء وغسله بذلك الماء والثلج‪ ،‬وحشيا بطنه نورا‬
‫"‪ ،‬ومسحا عليه فعاد كما كان‪ ،‬قالت‪ :‬فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما‬
‫اسمه ضمرة يعدو وقد عله النفس وهو يقول‪ :‬يا امه أدركي أخي محمدا "‬
‫وما أراك تدركينه‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬وما ذاك ؟ قال‪ :‬أتاه رجلن عليهما ثياب‬
‫خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه‪ ،‬وهما‬
‫يتوطئانه‪ ،‬قالت‪ :‬فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحى فإذا أنا به قائما "‬
‫ينظر إلى السماء‪ ،‬كأن الشمس تطلع من وجهه‪ ،‬فالتزمته والتزمه أبوه‪،‬‬
‫ووال لكأنما غمس في المسك غمسة‪ ،‬وقال له أبوه‪ :‬يا بنى مالك ؟ قال‪:‬‬
‫خير يا أبه‪ ،‬أتاني رجلن انقضا على من السماء كما ينقض الطير )‪(1‬‬
‫فأضجعاني وشقا بطني‪ ،‬وحشياه بشئ كان معهما‪ ،‬ما رأيت ألين منه‪ ،‬ول‬
‫أطيب ريحا " ومسحا على بطني‪ ،‬فعدت كما كنت‪ ،‬ثم وزناني بعشرة من‬
‫امتي فرجحتهم‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬فلو وزنته بامته كلها لرجح‪ ،‬وطارا كذلك‬
‫حتى دخل السماء‪ ،‬قالت‪ :‬فحملناه إلى خيم لنا‪ ،‬فقال الناس‪ :‬اذهبوا به إلى‬
‫كاهن حتى ينظر إليه ويداويه‪ ،‬فقال محمد‪ :‬ما بي شئ مما تذكرون‪ ،‬وإني‬
‫أرى نفسي سليمة‪ ،‬وفؤادي صحيحا " بحمد ال‪ ،‬فقال الناس‪ :‬أصابه لمم‬
‫أو طائف )‪ (2‬من الجن‪.‬‬
‫)‪ (1‬انقض الطير‪ :‬هوى ليقع‪ (2) .‬اللمم‪ :‬طرف من الجنون يلم النسان أي يقرب‬
‫منه ويعتريه‪ .‬والطائف ما يطوف حول الشئ‪ ،‬ومنه استعير الطائف من‬
‫الجن والخيال والحادثة وغيرها‪ ،‬قال ال تعالى‪) :‬إذا مسهم طائف من‬
‫الشيطان( وهو الذى يدور على النسان من الشيطان يريد اقتناصه‪.‬‬

‫] ‪[ 393‬‬

‫قالت‪ :‬فغلبوني على رأيي حتى انطلقت به إلى كاهن‪ ،‬فقصصت قصته‪ ،‬قال‪ :‬دعيني‬
‫أن أسمع من الغلم ؟ فإن الغلم أبصر بأمره منكم‪ ،‬تكلم يا غلم‪ ،‬قالت‬
‫حليمة‪ :‬فقص ابني محمد صلى ال عليه وآله قصته من أولها إلى آخرها‪،‬‬
‫فوثب الكاهن قائما " على قدميه وضمه إلى صدره ونادى بأعلى صوته‪:‬‬
‫يا آل العرب يا آل العرب‪ ،‬من شر قد اقترب‪ ،‬اقتلوا هذا الغلم و اقتلوني‬
‫معه‪ ،‬فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلمكم‪ ،‬وليبدلن‬
‫أديانكم‪ ،‬وليدعونكم إلى رب ل تعرفونه‪ ،‬ودين تنكرونه‪ ،‬قالت‪ :‬فلما سمعت‬
‫مقالته انتزعته من يده وقلت‪ :‬أنت أعته )‪ (1‬وأجن من ابني‪ ،‬ولو علمت‬
‫أن هذا يكون منك ما أتيتك به‪ ،‬اطلب لنفسك من يقتلك فإنا ل نقتل محمدا‬
‫"‪ ،‬فاحتملته واتيت به منزلي‪ ،‬فما بقي يومئذ في بني سعد بيت إل ووجد‬
‫منه ريح المسك‪ .‬وكان ينقض عليه كل يوم طيران أبيضان يغيبان في ثيابه‬
‫ول يظهران‪ ،‬فلما رأى أبوه ذلك قال لي‪ :‬يا حليمة إنا ل نأمن على هذا‬
‫الغلم‪ ،‬وقد خشيت عليه من تباع )‪ (2‬الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه‬
‫عندنا شئ‪ ،‬قالت‪ :‬فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا " في جوف الليل‬
‫ينادي‪ :‬ذهب ربيع الخير‪ ،‬وأمان بني سعد‪ ،‬هنيئا " لبطحاء مكة إذا كان‬
‫مثلك فيها يا محمد‪ ،‬فالن قد أمنت أن تخرب‪ ،‬أو يصيبها بؤس بدخولك‬
‫إليها يا خير البشر‪ ،‬قالت‪ :‬فلما أصبحت ركبت أتاني ووضعت النبي صلى‬
‫ال عليه وآله بين يدي‪ ،‬فلم أكن أقدر افارقه مما كنت انادي يمنة ويسرة‬
‫حتى انتهيت به إلى الباب العظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون‪،‬‬
‫فنزلت لقضي حاجة وأنزلت النبي صلى ال عليه وآله فغشيتني كالسحابة‬
‫البيضاء و سمعت وجبة شديدة‪ ،‬ففزعت‪ ،‬وجعلت ألتفت يمنة ويسرة‬
‫ونظرت فلم أر النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬فصحت‪ :‬يا معشر قريش الغلم‬
‫الغلم‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن الغلم ؟ قلت‪ :‬محمد بن آمنة‪ ،‬قالو‪ :‬ومن أين كان معك‬
‫محمد لعلك تحلمين )‪ (3‬أو منك هذيان ؟ قلت‪ :‬ل وال ما حلمت وإني لفي‬
‫يقين من أمري‪ ،‬فجعلت أبكي وانادي‪ :‬وا محمداه‪ ،‬فبينا أنا كذلك إذا أنا‬
‫بشيخ كبير فقال لي‪ :‬أيتها السعدية‬
‫)‪ (1‬عنه‪ :‬نقص عقله‪ .‬دهش من غير مس جنون‪ ،‬فهو معتوه‪ (2) .‬التباع جمع‬
‫التابع‪ :‬الجنى‪ .‬من سار في أثر غيره‪ ،‬أو عمل عمله‪ (3) .‬حلم‪ :‬رأى في‬
‫منامه رؤيا‪.‬‬

‫] ‪[ 394‬‬

‫إن لك لقصة عجيبة‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬إي وال لقصتي عجيبة‪ ،‬محمد بن آمنة أرضعته‬
‫ثلثة أحوال )‪ (1‬ل افارقه ليله ونهاره‪ ،‬فنعشني )‪ (2‬ال به‪ ،‬وأنضر وجهي‬
‫)‪ ،(3‬ومن علي‪ ،‬و أفضل ببركته حتى إذا ظننت أني قد بلغت به الغاية أديت‬
‫إلى امه المانة لخرج من عهدي وأمانتي‪ ،‬فاختلس مني اختلسا " قبل‬
‫أن يمس قدمه الرض‪ ،‬وإني أحلف بإله إبراهيم لئن لم أجده لرمين بنفسي‬
‫من حالق )‪ (4‬الجبل‪ ،‬قالت‪ :‬وقال لي الشيخ‪ :‬ل تبكي أيتها السعدية ادخلي‬
‫على هبل‪ ،‬فتضرعي إليه فلعله يرده عليك فإنه القوي على ذلك العالم‬
‫بأمره‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت له‪ :‬أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولدة محمد ليلة ولد ما‬
‫نزل باللت والعزى ؟ فقال لي‪ :‬أيتها السعدية إني أراك جزعة‪ ،‬فأنا أدخل‬
‫على هبل وأذكر أمرك له‪ ،‬فقد قطعت أكبادنا ببكائك‪ ،‬ما لحد من الناس‬
‫على هذا صبر‪ ،‬قالت‪ :‬فقعدت مكاني متحيرة‪ ،‬ودخل الشيخ على هبل‬
‫وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويل‪ ،‬وطاف به اسبوعا "‪ ،‬ثم نادى‪ :‬يا‬
‫عظيم المن‪ ،‬يا قويا " في المور‪ ،‬إن منتك على قريش لكثيرة‪ ،‬وهذه‬
‫السعدية رضيعة محمد تبكي‪ ،‬قد قطع بكائها النياط )‪ ،(5‬وأبرز العذارى‪،‬‬
‫فإن رأيت أن ترده عليها إن شئت‪ ،‬قالت‪ :‬فارتج وال الصنم‪ ،‬وتنكس‬
‫ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا " يقول‪ :‬أيها الشيخ أنت في غرور‪،‬‬
‫مالي ولمحمد‪ ،‬وإنما يكون هلكنا على يديه‪ ،‬وإن رب محمد لم يكن‬
‫ليضيعه ويحفظه‪ ،‬أبلغ عبدة الوثان أن معه الذبح الكبر‪ ،‬أل أن يدخلوا في‬
‫دينه‪ ،‬قالت‪ :‬فخرج الشيخ فزعا " مرعوبا "‪ ،‬نسمع لسنه قعقعة )‪،(6‬‬
‫ولركبتيه )‪ (7‬اصطكاكا " يقول )‪ (8‬لي‪ :‬يا حليمة ما رأيت من هبل مثل‬
‫هذا‪ ،‬فاطلبي‬

‫)‪ (1‬الحوال‪ :‬السنون‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فعيشني ال به‪ (3) .‬أي صير ال وجهى‬
‫ناضرا والناضر‪ :‬من حسن وكان جميل‪ (4) .‬الحالق من الجبال‪ :‬المنيف‬
‫المرتفع ل نبات فيه كأنه حلق‪ ،‬يقال‪ :‬جاء من حالق‪ :‬أي من مكان‬
‫مشرف‪ (5) .‬النياط جمع النياط‪ :‬عرق غليظ متصل بالقلب يموت صاحبه‬
‫بقطعه‪ (6) .‬القعقعة‪ :‬صريف السنان وصوتها‪ (7) .‬اصطكت ركبتاه‪:‬‬
‫اضطربتا وضربت احداهما الخرى عند المشى‪ (8) .‬في المصدر‪:‬‬
‫ولركبتيه اصطكاك‪ ،‬كأنه يقول لى‪.‬‬
‫] ‪[ 395‬‬

‫ابنك‪ ،‬إني أرى لهذا الغلم شأنا " عظيما "‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت لنفسي‪ :‬كم تكتم من أمره‬
‫عبد المطلب‪ ،‬أبلغه الخبر قبل أن يأتيه من غيري‪ ،‬قالت‪ :‬فدخلت على عبد‬
‫المطلب‪ ،‬فلما نظر إلي قال لي‪ :‬يا حليمة مالي أراك جزعة باكية‪ ،‬ول أرى‬
‫معك محمدا " ؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا أبا الحارث جئت بمحمد أسر ما كان‪ ،‬فلما‬
‫صرت على الباب العظم من أبواب مكة نزلت لقضي حاجة فاختلس منى‬
‫اختلسا " قبل أن يمس قدمه الرض‪ ،‬فقال لي‪ :‬اقعدي يا حليمة‪ ،‬قالت‪ :‬ثم‬
‫عل الصفا فنادى‪ :‬يا آل غالب‪ ،‬يعني يا آل قريش‪ ،‬فاجتمع إليه الرجال‬
‫فقالوا له‪ :‬قل يا أبا الحارث فقد أجبناك‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن ابني محمدا " قد‬
‫فقد‪ ،‬قالوا له‪ :‬فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك‪ ،‬قالت‪ :‬فدعا عبد‬
‫المطلب براحلته فركبها‪ ،‬و ركب الناس معه‪ ،‬فأخذ أعلى مكة وانحدر على‬
‫أسفلها‪ .‬فلما أن لم ير شيئا " ترك الناس واتزر بثوب‪ ،‬وارتدى بآخر‪،‬‬
‫وأقبل إلى البيت الحرام فطاف به اسبوعا " وأنشأ يقول‪) :‬شعر( يا رب رد‬
‫راكبي محمدا " * رد إلي واتخذ عندي يدا " أنت الذي جعلته لي عضدا "‬
‫* يا رب إن محمدا " لم يوجدا فجمع قومي كلهم تبددا " )‪ (1‬قال‪ :‬فسمعنا‬
‫مناديا " ينادي من جو الهواء‪ :‬معاشر الناس‪ ،‬ل تضجوا‪ ،‬فإن لمحمد ربا‬
‫" ل يضيعه ول يخذله‪ ،‬قال عبد المطلب‪ :‬يا ايها الهاتف من لنابه ؟ وأين‬
‫هو ؟ قال‪ :‬بوادي تهامة‪ ،‬فأقبل عبد المطلب راكبا " متسلحا "‪ ،‬فلما صار‬
‫في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا " يسيران‪ ،‬فبينما هم‬
‫كذلك إذا النبي صلى ال عليه وآله تحت شجرة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬بينا أبو‬
‫مسعود الثقفي وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما إذا هما برسول ال‬
‫قائما " عند شجرة الطلحة وهي الموز يتناول من ورقها‪ ،‬فقال أبو مسعود‬
‫لعمرو‪ :‬شأنك بالغلم‪ ،‬فأقبل إليه عمرو وهو ل يعرفه‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت يا‬
‫غلم ؟ فقال‪ :‬أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ابن هاشم‪ ،‬فاحتمله بين‬
‫يديه على الراحلة حتى أتى به عبد المطلب‪ .‬قال إسحاق‪ :‬فحدثني سلمة‪،‬‬
‫عن محمد‪ ،‬عن يزيد‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال‪ :‬لما أن رد ال محمدا " على‬
‫عبد المطلب تصدق ذلك اليوم على فقراء قريش بألف ناقة كومآء )‪ ،(2‬و‬

‫)‪ (1‬التبدد‪ :‬التفرق‪ ،‬أي مجمع قومي يصيرون متفرقا ومتبددا‪ (2) .‬كوماء‪ :‬الناقة‬
‫الضخم السنام‪.‬‬

‫] ‪[ 396‬‬

‫خمسين رطل من ذهب‪ ،‬ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز )‪ - 26 .(1‬وروي أنه لما‬
‫سلمته امه إلى حليمة السعدية لترضعه‪ ،‬وقامت سوق عكاظ‪ ،‬انطلقت به‬
‫إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم‪ ،‬فلما نظر إليه صاح‪ :‬يا معشر‬
‫هذيل‪ ،‬يا معشر العرب‪ ،‬فاجتمع الناس من أهل المواسم‪ ،‬فقال‪ :‬اقتلوا هذا‬
‫الصبي‪ ،‬فانسلت به حليمة‪ ،‬فجعل الناس يقولون‪ :‬أي صبي ؟ فيقول‪ :‬هذا‬
‫الصبي‪ ،‬فل يرون شيئا " قد انطلقت به امه‪ ،‬فيقال‪ :‬ما هو ؟ فيقول‪ :‬رأيت‬
‫غلما " وآلهته ليقتلن أهل دينكم‪ ،‬وليكسرن آلهتكم‪ ،‬وليظهرن أمره‬
‫عليكم‪ ،‬فطلب بعكاظ فلم يوجد‪ ،‬ورجعت به حليمة إلى منزلها فكانت بعد ل‬
‫تعرضه لعراف ول لحد من الناس‪ - 27 .‬وروي بإسناد )‪ (2‬ذكره عن‬
‫شداد بن أوس قال‪ :‬بينا رسول ال صلى ال عليه وآله يحدثنا على باب‬
‫الحجرات إذ أقبل شيخ من بني عامر هو مدرة قومه وسيدهم‪ ،‬شيخ كبير‬
‫يتوكأ على عصاه‪ ،‬فمثل بين يدي رسول ال صلى ال عليه وآله ونسبه‬
‫إلى جده‪ ،‬فقال‪ :‬يا بن عبد المطلب إني انبئت أنك رسول ال إلى الناس‪،‬‬
‫أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من النبياء عليهم‬
‫السلم‪ ،‬أل وإنك تفوهت بعظيم‪ ،‬إنما كانت النبياء والخلفاء في بيتين من‬
‫بيوت بني إسرائيل‪ :‬بيت خلفة‪ ،‬وبيت نبوة‪ ،‬فل أنت من أهل هذا البيت‪،‬‬
‫ول من أهل هذا البيت‪ ،‬إنما أنت رجل من العرب‪ ،‬ممن كان يعبد هذه‬
‫الحجارة والوثان‪ ،‬فمالك و للنبوة ؟ ولكن لكل قول حقيقة فأتني بحقيقة‬
‫قولك‪ ،‬وبدؤ شأنك‪ ،‬فأعجب النبي صلى ال عليه وآله مسائلته‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫أخا بني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ فاجلس فسل‪ ،‬فثنى رجله )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الثاني من القسم الثاني‪ (2) .‬والسناد‬
‫هكذا‪ :‬أبو عبد ال محمد بن احمد بن تمام بن حسان الصالحي‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي‪ ،‬حدثنا ابو الفرج يحيى بن‬
‫محمود بن سعد الثقفى حدثنا ابو على الحسن بن أحمد الحداد‪ ،‬حدثنا‬
‫الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد ال بن أحمد بن إسحاق‪ ،‬حدثنا أبو محمد‬
‫عبد ال بن محمد بن جعفر بن حيان‪ ،‬حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة‪،‬‬
‫حدثنا رزق ال بن موسى‪ ،‬حدثنا محمد بن يعلى الكوفى‪ ،‬حدثنا عمر بن‬
‫صبيح‪ ،‬عن ثور بن يزيد‪ ،‬عن مكحول‪ ،‬عن شداد بن أوس‪ (3) .‬في‬
‫المصدر‪ :‬رجليه‪.‬‬

‫] ‪[ 397‬‬

‫وبرك كما يبرك البعير‪ ،‬فاستقبله رسول ال صلى ال عليه وآله بالحديث‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدؤ شأني أني دعوة إبراهيم عليه السلم‪،‬‬
‫وبشرى أخي عيسى بن مريم عليه السلم و وإني كنت بكر امي‪ ،‬وإنها‬
‫حملتني كأثقل ما تحمل النساء حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما‬
‫تجد‪ ،‬ثم إن امي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور حتى أضاءت له‬
‫مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬ثم إنها ولدتني‪ ،‬فلما نشأت بغضت إلي الوثان‪،‬‬
‫وبغض إلي الشعر‪ ،‬وكنت مسترضعا " في بني بكر‪ ،‬فبينا أنا ذات يوم مع‬
‫أتراب )‪ (1‬لي من الصبيان في بطن واد وإذا أنا برهط معهم طشت من‬
‫ذهب ملن ثلجا "‪ ،‬فأخذوني من بين أصحابي‪ ،‬وانطلقوا أصحابي هرابا "‬
‫حتى إذا انتهوا إلى شفير الوادي أقبلوا على الرهط‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما رابكم إلى‬
‫هذا الغلم‪ ،‬فإنه ليس منا‪ ،‬هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلم‬
‫ليس له أب ول ام‪ ،‬فماذا يرد عليكم قتله‪ ،‬وما تصيبون من ذلك ؟ فإن كنتم‬
‫لبد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه‪ ،‬ودعوا هذا الغلم‪ ،‬فلما‬
‫رأى الصبيان أن القوم ل يحيرون إليهم جوابا " انطلقوا هرابا " مسرعين‬
‫إلى الحي‪ ،‬يؤذنونهم بي ويستصرخونهم على القوم‪ ،‬فعمد أحدهم‬
‫فأضجعني على الرض إضجاعا " لطيفا "‪ ،‬ثم شق ما بين مفرق صدري‬
‫إلى منتهى عانتي‪ ،‬وأنا أنظر إليه‪ ،‬ل أجد لذلك مسا "‪ ،‬ثم أخرج أحشاء‬
‫بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها‪ ،‬ثم أعادها مكانها‪ ،‬ثم قام الثاني‬
‫منهم فقال لصاحبه‪ :‬تنح‪ ،‬فنحاه عني‪ ،‬ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي‬
‫فصدعه‪ ،‬فأخرج منه مضغة سوداء فرمى بها‪ ،‬ثم قال بيده‪ :‬يمنة منه‪ ،‬كأنه‬
‫تناول شيئا "‪ ،‬فإذا أنا في يده بخاتم نور تحار أبصار الناظرين دونه‪ ،‬فختم‬
‫به قلبي فامتلء نورا "‪ ،‬وذلك نور النبوة والحكمة‪ ،‬ثم أعاده إلى مكانه‬
‫فوجدت برد ذلك الخاتم‪ ،‬ثم قام الثالث منهم فقال لصاحبه‪ :‬تنح‪ ،‬فنحاه عني‬
‫و أمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن‬
‫ال عزوجل‪ ،‬ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا " لطيفا "‪ ،‬ثم قال‬
‫للول الذي شق بطني‪ :‬زنه بعشرة من امته‪ ،‬فوزنني بهم فرجحتهم‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬زنه بمأة من امته‪ ،‬فوزنني بهم فرجحتهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬زنه بألف من امته‬
‫فوزنني بهم فرجحتهم‪ ،‬فقال‪ :‬دعوه فلو وزنتموه بامته كلها‬

‫)‪ (1‬أي مع من كان على سنى‪.‬‬

‫] ‪[ 398‬‬

‫رجحهم‪ ،‬ثم انكبوا علي فضموني إلى صدورهم فقبلوا رأسي وما بين عيني‪ ،‬ثم‬
‫قالوا‪ :‬يا حبيب لم ترع‪ ،‬إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك‬
‫فبينا نحن كذلك إذا نحن بالحي قد جاؤا بحذافيرهم‪ ،‬وإذا امي وهى ظئري‬
‫أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول‪ :‬يا ضعيفاه استضعفت من بين‬
‫أصحابك فقتلت لضعفك‪ ،‬فانكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي‬
‫وما بين عيني وقالوا‪ :‬حبذا أنت من ضعيف‪ ،‬قالت ظئري‪ :‬يا وحيداه‪،‬‬
‫فانكبوا علي وقالوا‪ :‬حبذا أنت من وحيد‪ ،‬وما أنت بوحيد‪ ،‬إن ال عزوجل‬
‫معك‪ ،‬والملئكة والمؤمنون من أهل الرض‪ ،‬ثم قالت ظئرى‪ :‬يا يتيماه‪،‬‬
‫فانكبوا علي و قالوا‪ :‬حبذا أنت من يتيم‪ ،‬ما أكرمك على ال عزوجل‪ ،‬ولو‬
‫تدري ما يراد بك من الخير‪ ،‬فلما بصرت بي امي وهي ظئري قالت‪ :‬يا بني‬
‫ل أراك )‪ (1‬حيا " بعد ؟ فجائت فأخذتني وضمتني إلى صدرها‪ ،‬وأجلستني‬
‫في حجرها‪ ،‬فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها‪ ،‬وإن يدي لفي يد‬
‫بعضهم‪ :‬فجعلت أتلفت إليهم فظننت أنهم يبصرونهم‪ ،‬فإذاهم ل يبصرونهم‪،‬‬
‫فيقول بعض القوم‪ :‬قد أصاب هذا الغلم لمم أو طيف )‪ (2‬من الجن‪،‬‬
‫فاذهبوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا هذا ما بي شئ مما‬
‫تذكرون‪ ،‬إني لرى نفسي سليمة‪ ،‬وفؤادي صحيحا "‪ ،‬ليس بي قلبة‪ ،‬فقال‬
‫أبي وهو زوج ظئري‪ :‬أل ترون إلى كلمه صحيحا " ؟ إني لرجو أن ل‬
‫يكون با بني بأس‪ ،‬فأتوا بي كاهنهم فقصوا عليه قصتي‪ ،‬فقال‪ :‬اسكتوا‬
‫حتى أسمع من الغلم أمره‪ ،‬فهو أعلم بأمره منكم‪ ،‬فسألني فقصصت عليه‬
‫أمري من أوله إلى آخره‪ ،‬فوثب إلي وضمني إلى صدره‪ ،‬ثم نادى بأعلى‬
‫صوته‪ :‬يا للعرب‪ ،‬مرتين‪ ،‬اقتلوا هذا الغلم واقتلوني معه‪ ،‬فواللت والعزي‬
‫لئن تركتموه وأدرك ليخالفن أمركم‪ ،‬و ليسفهن عقولكم وعقول آبائكم‪،‬‬
‫وليبدلن دينكم‪ ،‬وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله‪ ،‬فعمدت ظئري فانتزعتني‬
‫من حجره وقالت‪ :‬لنت أعته )‪ (3‬وأجن من ابني هذا‪ ،‬ولو علمت‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أل أراك‪ (2) .‬الطيف خيال الشئ وصورته المترائى له في المنام‬
‫أو اليقظة‪ ،‬وقال الجزرى‪ :‬أي عرض له عارض منهم‪ (3) .‬تقدم قريبا‬
‫معناه‪.‬‬

‫] ‪[ 399‬‬

‫أن هذا قولك ما آتيتك به‪ ،‬فاطلب لنفسك من يقتلك‪ ،‬فإنا غير قاتل هذا الغلم‪ ،‬ثم‬
‫احتملوني فأدوني إلى أهلي‪ ،‬وأصبحت معرى )‪ (1‬مما فعل بي‪ ،‬وأصبح أثر‬
‫الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك‪ ،‬فذاك يا أخا‬
‫بني عامر حقيقة أمري‪ ،‬وبدؤ نشأتي‪ .‬فقال العامري‪ :‬أشهد بال الذي ل إله‬
‫غيره أن أمرك حق‪ ،‬فانبئني عن أشياء أسألك عنها‪ ،‬قال‪ :‬سل عنك‪ ،‬كلمه‬
‫بلغة عامر‪ ،‬قال‪ :‬يابن عبد المطلب ماذا يزيد في العلم قال‪ :‬التعلم‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫يزيد في الشر ؟ قال‪ :‬التمادي‪ ،‬قال‪ :‬هل ينفع البر بعد الفجور ؟ قال‪ :‬نعم‬
‫التوبة تغسل الحوبة‪ ،‬والحسنات يذهبن السيئات‪ ،‬وإذا ذكر العبد ربه عز‬
‫وجل في الرخاء أجابه عند البلء‪ ،‬قال يابن عبد المطلب‪ :‬وكيف ذاك ؟ قال‪:‬‬
‫لن ال عز وجل يقول‪ :‬وعزتي وجللي ل أجمع أبدا " لعبدي أمنين‪ ،‬ول‬
‫أجمع عليه أبدا " خوفين‪ ،‬إن هو آمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه‬
‫عبادي لميقات يوم معلوم‪ ،‬فيدوم له خوفه‪ ،‬وإن هو خافني في الدنيا آمنني‬
‫يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس‪ ،‬فيدوم له أمنه‪ ،‬ول أمحقه فيمن‬
‫أمحق‪ ،‬قال‪ :‬يابن عبد المطلب فإلى ما تدعو ؟ قال‪ :‬أدعو إلى عبادة ال‬
‫عزو جل‪ ،‬وحده ل شريك له‪ ،‬وأن تخلع النداد‪ ،‬وتكفر باللت والعزي‪،‬‬
‫وتقر بما جاء به ال )‪ (2‬عزوجل من كتاب أو رسول‪ ،‬وتصلي الصلوات‬
‫الخمس بحقائقهن‪ ،‬وتؤدى زكاة مالك يطهرك ال عزوجل‪ ،‬ويطهر لك‬
‫مالك‪ ،‬وتصوم شهرا " من السنة‪ ،‬وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيل "‪،‬‬
‫وتغتسل من الجنابة‪ ،‬وتؤمن بالموت‪ ،‬وبالبعث بعد الموت‪ ،‬وبالجنة والنار‪،‬‬
‫قال‪ :‬يابن عبد المطلب فإذا فعلت ذلك فمالي ؟ قال‪ :‬جنات عدن تجري من‬
‫تحتها النهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى‪ ،‬قال‪ :‬يابن عبد المطلب‬
‫فهل مع هذا شئ من الدنيا ؟ فإنه يعجبني الوطأة في العيش‪ ،‬قال‪ :‬نعم‬
‫النصر والتمكين في البلد‪ ،‬فأجاب وأناب‪.‬‬

‫)‪ (1‬هكذا في الصل ومصدره‪ ،‬وفي تاريخ الطبري‪ :‬مفزعا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬جاء‬
‫من ال‪.‬‬

‫] ‪[ 400‬‬

‫هذا حديث حسن غريب بهذا السياق يعد في إفراد محمد بن يعلى )‪ .(1‬ومدرة‬
‫القوم‪ :‬خطيبهم‪ ،‬والمتكلم عنهم‪ .‬وقوله‪ :‬فمثل‪ ،‬أي قام‪ ،‬وتفوهت أي تكلمت‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬دعوة إبراهيم هي قول ال عزوجل عن إبراهيم عليه السلم‪) :‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول منهم( وقوله تعالى‪) :‬قال‪ :‬ومن ذريتي(‪ .‬وقوله‪ :‬إني‬
‫كنت بكر امي‪ ،‬أي أول ولد ولدته‪ ،‬وفي نسخة‪ :‬كنت في بطن امي وقوله‪:‬‬
‫مارابكم أي ما شكككم‪ ،‬ومعناه هاهنا‪ :‬ما دعاكم إلى أخذ هذا الغلم‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫فماذا يرد عليكم قتله ؟ أي ما ينفعكم ذلك‪ .‬ول يحيرون أي ل يرجعون ول‬
‫يردون‪ .‬ويؤذنونهم‪ :‬يعلمونهم‪ .‬ويستصرخون أي يستغيثون بهم‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫فأنعم غسلها‪ ،‬أي بالغ فيه‪ .‬وقوله‪ :‬فصدعه‪ ،‬أي فشقه‪ .‬وقوله‪ :‬ثم قال بيده‬
‫يمنة منه‪ ،‬أي أشار بيده إلى جانب يمينه‪ .‬قوله‪ :‬فإذا أنا في يده بخاتم نور‪،‬‬
‫أي رأيت حينئذ ذلك في يده‪ .‬وقوله‪ :‬رجحهم )‪ ،(2‬أي رجح بهم وعليهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لم ترع‪ ،‬أي ل تخف‪ .‬وجواب قوله‪) :‬ولو تدري ما يراد بك( في‬
‫المرة الخيرة محذوف‪ ،‬تقديره‪ :‬لقرت عينك‪ .‬والقلبة‪ :‬الداء‪ .‬واللم في يا‬
‫للعرب للستغاثة‪ .‬وقوله‪ :‬معرى من العروآء وهي الرعدة‪ .‬وقوله‪ :‬سل‬
‫عنك‪ ،‬وفي رواية اخرى قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وآله يقول للسائلين‬
‫قبل ذلك‪ :‬سل عما شئت وعما بدالك‪ ،‬فقال للعامري‪ :‬سل عنك‪ ،‬لنها لغة‬
‫بنى عامر‪ ،‬فكلمه بما يعرف‪ .‬قوله‪ :‬فأتيني بحقيقة ذلك وفي رواية‪:‬‬
‫فأنبئني‪ .‬والحوبة‪ :‬الثم‪ .‬و الوطأ‪ :‬النعمة )‪ - 28 .(3‬كنز الكراجكى‪ :‬روي‬
‫عن حليمة السعدية قالت‪ :‬لما تمت للنبي صلى ال عليه وآله‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وكان يلقب بزنبور‪ ،‬وليس بذاك‪ ،‬ولمكحول عن شداد أحاديث غير‬
‫انها مرسلة‪ .‬انتهى‪ .‬قلت‪ :‬محمد بن يعلى ضعفه ابن حجر في التقريب‪،‬‬
‫وحكى عن ابى حاتم أنه قال‪ :‬متروك‪ ،‬وقال الخطيب‪ :‬يتكلم فيه وهو ذاهب‬
‫توفى سنة ‪ (2) .205‬في المصدر‪ :‬فرجحتهم‪ .‬وهو الصحيح كما تقدم‪.‬‬
‫فعليه فالصحيح في التفسير أي رجحت بهم وعليهم‪ (3) .‬المنتقى في‬
‫مولود المصطفى‪ :‬الباب الثالث من القسم الثاني‪ ،‬قلت‪ :‬والحديث أيضا‬
‫موجود في تاريخ الطبري ‪ ،575 :1‬وقد أخرج ابن أبي الحديد مختصره‬
‫في شرحه على نهج البلغة كما رواه المصنف قبل ذلك‪.‬‬

‫] ‪[ 401‬‬

‫سنة تكلم بكلم لم أسمع أحسن منه‪ ،‬سمعته يقول‪) :‬قدوس قدوس‪ ،‬نامت العيون و‬
‫الرحمن ل تأخذه سنة ول نوم( ولقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة‬
‫فناولته منه وهو ابن ثلث سنين فرده علي‪ ،‬وقال‪ :‬يا امه ل تأكلي‬
‫الصدقة‪ ،‬فقد عظمت نعمتك‪ ،‬وكثر خيرك‪ ،‬فإني ل آكل الصدقة‪ ،‬قالت‪ :‬فو‬
‫ال ما قبلتها بعد ذلك )‪ - 29 .(1‬ثم قال الكاذروني‪ :‬روي أن شق صدره‬
‫صلى ال عليه وآله كان في سنة ثلث من مولده وقيل‪ :‬في سنة أربع على‬
‫ما روي عن محمد بن سعد‪ ،‬عن محمد بن عمر‪ ،‬عن أصحابه قال‪ :‬مكث‬
‫صلى ال عليه وآله عندهم سنتين حتى فطم‪ ،‬وكان ابن أربع سنين فقدموا‬
‫به على امه زائرين لها به‪ ،‬وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته‪،‬‬
‫فقالت آمنة )‪ :(2‬ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة‪ ،‬فو ال ليكونن‬
‫له شأن‪ ،‬فرجعت به‪ ،‬ولما بلغ أربع سنين أتاه الملكان فشقا بطنه‪ ،‬ثم نزلت‬
‫به إلى آمنة وأخبرتها خبره‪ ،‬ثم رجعت به أيضا "‪ ،‬وكان عندها سنة‬
‫ونحوها )‪ (3‬ل تدعه يذهب مكانا " بعيدا "‪ ،‬ثم رأت غمامة تظله إذا وقف‬
‫وقفت‪ ،‬وإذا سار سارت‪ ،‬فأفزعها ذلك أيضا " من أمره‪ ،‬فقدمت به إلى امه‬
‫لترده وهو ابن خمس سنين‪ ،‬فأضلته في الناس فالتمسته فلم تجده‪ ،‬وذكر‬
‫نحو ما تقدم )‪ .(4‬وقد روي أن عبد المطلب بعثه صلى ال عليه وآله في‬
‫حاجة وضاع )‪ ،(5‬وفي الخبار أن حليمة قدمت على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله بمكة وقد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلد وهلك الماشية‬
‫فكلم رسول ال صلى ال عليه وآله خديجة‪ ،‬فأعطتها أربعين شاة وبعيرا‬
‫"‪ ،‬وانصرفت إلى أهلها‪ ،‬ثم قدمت عليه صلى ال عليه وآله بعد السلم‬
‫فأسلمت هي وزوجها )‪ .(6‬وروي في الحديث‪ :‬استأذنت امرأة على النبي‬
‫صلى ال عليه وآله كانت أرضعته‪ ،‬فلما دخلت‬

‫)‪ (1‬كنز الفوائد‪ 72 :‬وفيه‪ :‬ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين‪ (2) .‬تقدم قبل‬
‫أن حليمة استدعت ذلك‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أو نحوها‪ (4) .‬في المصدر‬
‫نحو ما تقدم في الختلس منها‪ (5) .‬في المصدر بعد قوله‪ :‬وضاع‪ :‬فقال‪:‬‬
‫اللهم رد راكبي محمدا‪ .‬القصة كما مرت‪ (6) .‬زاد في المصدر‪ :‬وبايعهما‪.‬‬

‫] ‪[ 402‬‬

‫عليه قال‪ :‬امي امي‪ ،‬وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه )‪ .(1‬وروى عن أبي‬
‫حازم قال‪ :‬قدم كاهن مكة ورسول ال ابن خمس سنين‪ ،‬وقد قدمت به ظئره‬
‫إلى عبد المطلب‪ ،‬وكانت تأتيه به في كل عام‪ ،‬فنظر إليه الكاهن مع عبد‬
‫المطلب فقال‪ :‬يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبي )‪ (2‬فإنه يفرقكم ويقتلكم‪،‬‬
‫فهرب به عبد المطلب فلم يزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن‬
‫حذرهم من أمره )‪ .(3‬وفي سنة ست من مولده صلى ال عليه وآله ماتت‬
‫امه كما مر ذكره )‪ .(4‬ولنذكر ما حدث في سنة سبع من مولده صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬روي عن نافع بن حسين )‪ (5‬قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يكون مع امه آمنة فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب‪،‬‬
‫وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده‪ ،‬وكان يقربه منه ويدنيه‪،‬‬
‫ويدخل عليه إذا خل وإذا نام‪ ،‬وكان يجلس على فراشه‪ ،‬فيقول عبد المطلب‬
‫إذا رأى ذلك‪ :‬دعوا ابني فإنه يؤنس )‪ (6‬ملكا‪ ،‬وقال قوم‪ :‬من بني مدلج )‬
‫‪ (7‬لعبد المطلب احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه‪،‬‬
‫فقال عبد المطلب لبي طالب‪ :‬اسمع ما يقول هؤلء‪ ،‬فكان أبو طالب‬
‫يحتفظه )‪ ،(8‬وقال عبد المطلب لم أيمن وكانت تحضن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬يا بركة ل تغفلي عن ابني‪ ،‬فإن أهل الكتاب يزعمون أن‬
‫ابني نبي هذه المة‪ ،‬وكان عبد المطلب ل يأكل الطعام ال قال‪ :‬علي بابني‪،‬‬
‫فيؤتى به إليه )‪ ،(9‬فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وحياطته‪ .‬ومما وقع في تلك السنة ما روي‬
‫أنه أصاب رسول ال صلى ال عليه وآله رمد شديد فعولج بمكة‬

‫)‪ (1‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الرابع من القسم الثاني‪ (2) .‬في المصدر‪:‬‬
‫هذا الغلم‪ (3) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الفصل الثاني‪ :‬فيما كان‬
‫سنة خمس من مولده صلى ال عليه وآله‪ (4) .‬المصدر‪ :‬الفصل الثالث‬
‫فيما كان سنة ست من مولده صلى ال عليه وآله )‪ (5‬في المصدر‪ :‬نافع‬
‫بن جبير ولعله الصحيح‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ليؤنس‪ (7) .‬وكانوا معروفين‬
‫بعلم القيافة‪ (8) .‬في المصدر‪ :‬يحتفظ به‪ (9) .‬المصدر خال عن لفظة‬
‫إليه‪.‬‬

‫] ‪[ 403‬‬
‫فلم يغن عنه‪ ،‬فقيل لعبد المطلب‪ :‬إن في ناحية عكاظ راهبا " يعالج العين‪ ،‬فركب‬
‫إليه فناداه وديره مغلق فلم يجب‪ ،‬فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط‬
‫عليه‪ ،‬فخرج مبادرا " فقال‪ :‬يا عبد المطلب إن هذا الغلم نبي هذه المة‪،‬‬
‫ولو لم أخرج إليك لخر علي ديري فارجع به واحفظه ل يغتاله بعض أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬ثم عالجه وأعطاه ما يعالج به‪ ،‬وألقى ال له المحبة في قلوب‬
‫قومه وكل من يراه‪ .‬ومن ذلك خروج عبد المطلب برسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يستسقون كما روي بإسناد ذكره )‪ (1‬عن رقيقة بنت صيفي بن‬
‫هاشم قالت‪ :‬تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع‪ ،‬وأرمت العظم ‪-‬‬
‫ويروى وأرقت وأدقت ‪ -‬فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة ومعي صنوي فإذا‬
‫أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول‪ :‬يا معشر قريش إن هذا النبي‬
‫المبعوث منكم هذا إبان نجومه‪ ،‬فحي هل بالحيا والخصب‪ ،‬أل فانظروا‬
‫رجل " منكم طوال " عظاما "‪ ،‬أبيض بضا "‪ ،‬أشم العرنين‪ ،‬سهل‬
‫الخدين‪ ،‬له فخر‪ ،‬يكظم عليه‪ .‬ويروى‪ :‬رجل وسيطا " عظاما " )‪(2‬‬
‫جساما " أوطف الهداب‪ ،‬أل فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن‬
‫رجل‪ ،‬أل فليشنوا من الماء‪ ،‬وليمسوا من الطيب‪ ،‬وليطوفوا بالبيت سبعا‬
‫"‪ ،‬أل وفيهم الطيب الطاهر لداته‪ ،‬أل فليستسق الرجل وليؤمن )‪ (3‬القوم‪،‬‬
‫أل فغثتم إذا ما شئتم وعشتم‪،‬‬

‫)‪ (1‬والسناد هكذا‪ :‬أخبرنا شيخنا بدر الدين أبو محمد عبد ال بن الحسين بن أبى‬
‫التائب الدمشقي قال‪ :‬أخبرنا أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسين‬
‫العراقى‪ ،‬أخبرنا شهده بنت أحمد بن الفرج ال برى الكاتب‪ ،‬أخبرنا طراد‬
‫بن محمد‪ ،‬أخبرنا على بن محمد بن بشران‪ ،‬حدثنا الحسين بن صفوان‪،‬‬
‫حدثنا عبد ال بن محمد القرشى‪ ،‬حدثنى زكريا بن يحيى الطائى‪ ،‬حدثنى‬
‫زخر بن حصن‪ ،‬عن جده حبيب بن منهب قال‪ :‬قال عمى عروة بن‬
‫مضرس يحدث عن محزمة بن نفيل عن امه رقيقة بنت صيفي بن هاشم ‪-‬‬
‫قلت‪ :‬زخر مصحف زحر بالحاء المهملة‪ ،‬على ما في تهذيب التهذيب ‪:3‬‬
‫‪ ،337‬واسد الغابة ‪ ،454 :5‬أو بالجيم كما في لسان الميزان ‪،473 :2‬‬
‫وعلى أي فهو ل يعرف‪ .‬وحبيب مصحف حميد‪ ،‬على ما في تهذيب‬
‫التهذيب‪ ،‬والصابة ‪ 296 :4‬واسد الغابة‪ ،‬وفي الخيرين‪ :‬مخرمة بن‬
‫نوفل‪ ،‬وأخرج الحديث ابن اثير في اسد الغابة ‪ 454 :5‬والحلبي في‬
‫السيرة ‪ 131 :1‬وابن حجر في الصابة ‪ ،296 :4‬فعلى أي فالحديث‬
‫مروى من طرق العامة كغيره مما تقدم ويأتى‪ (2) .‬العظام والعظام‪:‬‬
‫العظيم‪ .‬والجسام‪ :‬العظيم والضخيم‪ (3) .‬أمن‪ :‬قال‪ :‬آمين‪.‬‬

‫] ‪[ 404‬‬
‫قالت‪ :‬فأصبحت مذعوره قد قف جلدي‪ ،‬ودله عقلي‪ ،‬واقتصصت رؤياي فو الحرمة‬
‫والحرم إن بقي أبطحي إل قال‪ :‬هذا شيبة الحمد‪ ،‬وتتامت عنده قريش‪،‬‬
‫وانقض إليه من كل بطن رجل فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا‪ ،‬ثم ارتقوا‬
‫أبا قبيس‪ ،‬وطفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قروا‬
‫بذروة الجبل‪ ،‬واستكفوا جنابيه‪ ،‬فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمدا‬
‫" فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلم قد أيفع أو كرب‪ ،‬ثم قال‪) :‬اللهم ساد‬
‫الخلة )‪ ،(1‬وكاشف الكربة‪ ،‬أنت عالم غير معلم‪ ،‬مسئول غير مبخل‪ ،‬وهذه‬
‫عبداؤك‪ ،‬وإماؤك‪ ،‬بعذرات حرمك يشكون )‪ (2‬إليك سنتهم التي أذهبت‬
‫الخف والظلف )‪ ،(3‬فاسمعن اللهم‪ ،‬وأمطرن علينا غيثا " مريعا " مغدقا‬
‫" )‪ ((4‬فما راموا البيت حتى انفجرت السماء بماءها‪ ،‬وكظ الوادي‬
‫بثجيجه‪ ،‬فسمعت شيخان العرب وجلها‪ :‬عبد ال بن جدعان وحرب بن امية‬
‫وشهاب بن المغيرة يقولون لعبد المطلب‪ :‬هنيئا " لك أبا البطحاء ! وفي‬
‫ذلك قالت رقيقة‪) :‬شعر(‪ :‬بشيبة الحمد أسقى ال بلدتنا * فقد فقدنا الحيا‬
‫واجلو ذالمطر فجاد بالمآء جوني له سبل * سحا " فعاشت به النعام‬
‫والشجر منا " من ال بالميمون طائره * وخير من بشرت يوما " به‬
‫مضر مبارك السم يستسقى الغمام به * ما في النام له عدل ول خطر‬
‫قوله‪ :‬أقحلت من قحل قحول‪ :‬إذ يبس‪ .‬راقدة أي نائمة‪ .‬مهمومة يقال‪ :‬هوم‬
‫أي هز رأسه من النعاس‪ .‬صيت فيعل من صات يصوت كالميت من مات‪.‬‬
‫والصحل‪ :‬الذي في صوته ما يذهب بحدته من بحة وهو مستلذ في السمع‪.‬‬
‫إبان نجومه‪ :‬وقت‬

‫)‪ (1‬الخلة‪ :‬الثقبة‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يشتكون‪ (3) .‬الخف للبعير والنعام كالحافر‬
‫لغيرهما وهو بمنزلة القدم للنسان والظلف‪ :‬هو لما اجتر من الحيوانات‬
‫كالبقرة والظبى‪ .‬وهما كناية عن البعير والبقرة وغيرهما‪ ،‬أي يشتكون‬
‫سنتهم التى أذهبت أباعرهم وأباقرهم وسائر حيواناتهم‪ (4) .‬المريع‪:‬‬
‫المخصب الناجع‪ .‬المغدق فعيل من الغدق‪ :‬المطر الكبار القطر‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫اغدق المطر أي كثر قطره‪ .‬فهو مغدق‪.‬‬

‫] ‪[ 405‬‬

‫ظهوره‪ ،‬وهو فعلن من آب الشئ‪ :‬إذا تهيأ‪ .‬وحي هل أي ابدأ به واعجل بذكره‪.‬‬
‫والحيا بفتح الحاء مقصورا "‪ :‬المطر لنه حياة الرض‪ .‬وطوال مبالغة في‬
‫طويل‪ ،‬وكذا عظام وجسام‪ ،‬وفعال مبالغة في فعيل‪ ،‬وفعال أبلغ منه‪ ،‬نحو‬
‫كرام وكرام‪ .‬والكظم المساك وترك البداء‪ ،‬أي إنه من ذوي الحسب‬
‫والفخر وهو ل يبدي ذلك‪ .‬والبض بالباء الموحدة المفتوحة‪ ،‬والضاد‬
‫المعجمة‪ ،‬من البضاضة وهو رقة اللون وصفآء البشرة‪ .‬والعرنين بالكسر‪:‬‬
‫النف‪ ،‬وقيل‪ :‬رأسه‪ .‬والوسيط‪ :‬أفضل القوم من الوسط‪ .‬أوطف الهداب‪:‬‬
‫طويلها‪ .‬فليخلص أي فليتميز هو وولده من الناس من قوله تعالى‪:‬‬
‫)خلصوا نجيا(‪ .‬وليدلف إليه وليقبل إليه من الدليف وهو المشي الرويد‪،‬‬
‫والتقدم في رفق‪ .‬وشن الماء‪ :‬صبه على رأسه‪ ،‬وقيل‪ :‬الشن‪ :‬صب الماء‬
‫متفرقا "‪ .‬قوله‪ :‬لداته على وجهين‪ :‬أن يكون جمع لدة مصدر ولد نحو‬
‫عدة وزنة‪ ،‬يعني أن مولده ومواليد من مضى من آبائه كلها موصوف‬
‫بالطهر والذكاء‪ ،‬وأن يراد أترابه )‪ ،(1‬وذكر التراب اسلوب من أساليهم‬
‫في تثبيت الصفة وتمكينها‪ ،‬لنه إذا جعل من جماعة وأقران ذوي طهارة‬
‫فذاك أثبت لطهارته وأدل على قدسه‪ .‬غثتم‪ :‬مطرتم بكسر الغين‪ ،‬أو بضمه‪.‬‬
‫قف‪ :‬تقبض )‪ (2‬واقشعر‪ .‬و القفة‪ :‬الرعدة‪ .‬دله‪ :‬دهش وتحير‪ .‬شيبة‬
‫الحمد‪ :‬اسم لعبد المطلب عامر‪ ،‬وإنما قيل له‪ :‬شيبة لشيبة كانت في رأسه‬
‫حين ولد‪ ،‬وقد مر سبب تسميته بعبد المطلب‪ .‬تتامت التتام‪ :‬التوافر‪ .‬يدفون‬
‫الدفيف‪ :‬المر السريع‪ .‬والمهل بالسكان‪ :‬التوءده‪ .‬استكفوا‪ :‬أحدقوا من‬
‫الكفة وهى ما استدار ككفة الميزان‪ .‬جنابيه أي جانبيه‪ .‬أيفع‪ :‬ارتفع‪ .‬كرب‪:‬‬
‫قرب من اليقاع‪ ،‬ومنه الكروبيون‪ :‬المقربون من الملئكة‪ .‬والعبداء‬
‫والعبدى بالمد والقصر‪ :‬العبيد‪ .‬والعذرة‪ :‬الفناء‪ .‬وكظيظ الوادي‪ :‬امتلؤه‪.‬‬
‫والثجيج‪ :‬الماء المثجوج‪ ،‬أي المصبوب‪ .‬والشيخان‪ :‬جمع شيخ كالضيفان‬
‫في ضيف‪ .‬وقيل له‪ :‬أبو البطحاء لن أهلها عاشوا به و انتعشوا‪ ،‬كما يقال‬
‫للطعام )‪ :(3‬أبو الضياف‪ .‬واجلوذ أي كثر وامتد‪ .‬جوني‪ :‬سحاب‬

‫)‪ (1‬فيكون من ألدى إلداء‪ :‬كثرت لداته أي أترابه‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬انقبض‪(3) .‬‬
‫المطعام خ ل وهو الموجود في المصدر‪.‬‬

‫] ‪[ 406‬‬

‫أسود‪ ،‬وسبل )‪ :(1‬جار‪ .‬سحا أي منصبا‪ .‬والعدل‪ :‬المثل‪ ،‬وكذلك الخطر‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫ومن ذلك خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن كما حدثنا إسماعيل‬
‫بن المظفر بإسناده )‪ (2‬عن عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن قال‪ :‬لما‬
‫ظفر جدي سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى ال عليه وآله‬
‫بسنتين أتت وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئته‪ ،‬وتذكر ما كان من‬
‫بلئه وطلبه ثبار قومه‪ .‬أقول‪ :‬وساق الحديث مثل ما تقدم برواية الصدوق‬
‫في باب البشائر‪ .‬ثم قال‪ :‬هذا الحديث دال على أن الوفادة إلى ابن ذي يزن‬
‫كان في سنة ثلث من مولد رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬والصح أنها‬
‫كانت سنة سبع‪ ،‬لنه يقول عبد المطلب‪ :‬توفي أبوه وامه وكفلته أنا وعمه‪،‬‬
‫وام رسول ال صلى ال عليه وآله لم تمت حتى بلغ ست سنين )‪ .(3‬ثم‬
‫قال‪ :‬وأما ما كان سنة ثمان من مولده صلى ال عليه وآله فمن ذلك موت‬
‫عبد المطلب رضي ال عنه‪ ،‬وكان يوصي برسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫عمه أبا طالب‪ ،‬وذلك أن أبا طالب وعبد ال أبا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله كانا لم‪ ،‬وكان الزبير من امهما أيضا "‪ ،‬لكن كانت كفالة أبي طالب له‬
‫بسبب‪ ،‬فيه ثلثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬وصية عبد المطلب لبي طالب‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫أنهما اقترعا فخرجت القرعة لبي طالب‪ .‬والثالث‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله اختاره‪ ،‬ومات عبد المطلب وهو يومئذ ابن ثنتين وثمانين سنة‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬ابن مائة وعشرين سنة‪.‬‬

‫)‪ (1‬السبل‪ :‬المطر النازل من السحاب قبل أن يصل إلى الرض‪ (2) .‬السناد هكذا‪:‬‬
‫أخبرنا شيخنا أبو الفضائل اسماعيل بن المظفر بن محمد‪ ،‬أخبرنا علء‬
‫الدين المجتبى بن محمد المجتبى الحسينى‪ ،‬أخبرنا أبو موسى محمد بن‬
‫أبى بكر بن أبى عيسى المدينى‪ ،‬أخبرنا أبو عبد ال محمد بن ابراهيم بن‬
‫محمد التاجر‪ ،‬أخبرنا أبو القاسم بن محمد بن إسحاق‪ ،‬أخبرنا والدى‪،‬‬
‫أخبرنا أبو عبد ال الحافظ‪ ،‬أخبرنا ابراهيم بن عبد ال بن محمد بن عبد‬
‫العزيز ابن عفير بن عبد العزيز ابن السفر بن عفير بن زرعة بن سيف‬
‫بن ذى يزن يكنى أبا يزن‪ ،‬حدثنا عمى أبو رحى أحمد بن خنبش ابن عبد‬
‫العزيز‪ ،‬حدثنى محمد بن عبد العزيز حدثنى أبى عبد العزيز بن عفير‪،‬‬
‫حدثنى ابى عفير بن عبد العزيز‪ ،‬حدثنى عبد العزيز بن السفر‪ ،‬حدثنى‬
‫أبى السفر بن عفير‪ ،‬عن أبيه عفير‪ ،‬عن أبيه زرعة بن سيف بن ذى يزن‬
‫الحميرى‪ (3) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب الخامس في ما كان‬
‫سنة سبع من مولده صلى ال عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫] ‪[ 407‬‬

‫ومن ذلك كفالة أبي طالب رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬قالوا‪ :‬لما توفي عبد‬
‫المطلب قبض أبو طالب رسول ال صلى ال عليه وآله إليه‪ ،‬فكان يكون‬
‫معه‪ ،‬وكان أبو طالب لمال له وكان يحبه حبا " شديدا " ل يحب ولده‬
‫كذلك‪ ،‬وكان ل ينام إل إلى جنبه‪ ،‬ويخرج فيخرج معه‪ ،‬وقد كان يخصه‬
‫بالطعام‪ ،‬وإذا أكل عيال أبي طالب )‪ (1‬جميعا " أو فرادى لم يشبعوا‪ ،‬وإذا‬
‫أكل معهم رسول ال صلى ال عليه وآله شبعوا‪ ،‬فكان إذا أراد أن يغديهم‬
‫قال‪ :‬كما أنتم حتى يحضر ابني‪ ،‬فيأتي رسول ال صلى ال عليه وآله فيأكل‬
‫معهم‪ ،‬وكانوا يفضلون من طعامهم‪ ،‬وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا‪ ،‬فيقول‬
‫ابو طالب‪ :‬إنك لمبارك‪ ،‬وكان الصبيان يصبحون رمضا " شعثا "‪ ،‬ويصبح‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله دهينا " كحيل‪ ،(2) ،‬وكان أبو طالب يلقى‬
‫له وسادة يقعد عليها‪ ،‬فجاء النبي صلى ال عليه وآله فقعد عليها‪ ،‬فقال أبو‬
‫طالب‪ :‬وآله ربيعة )‪ (3‬إن ابن أخي ليحس بنعيم‪ .‬وروي عن عمرو بن‬
‫سعيد أن أبا طالب قال‪ :‬كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬فأدركني العطش فشكوت إليه‪ ،‬فقلت‪ :‬يابن أخي قد عطشت‪،‬‬
‫وما قلت له وأنا أرى أن عنده شيئا " إل " الجزع‪ ،‬قال‪ :‬فثنى وركه ثم‬
‫برك‪ ،‬فقال‪ :‬يا عم أعطشت ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فأهوى بعقبيه إلى الرض فإذا‬
‫" بالمآء‪ ،‬فقال‪ :‬اشرب يا عم‪ ،‬فشربت‪ .‬ومن ذلك هلك حاتم الذي يضرب‬
‫به المثل في الجود والكرم‪ .‬ومن ذلك موت كسرى أنوشيروان وولية ابنه‬
‫هرمز‪ .‬ومما كان في سنة تسع من مولده صلى ال عليه وآله ما روي في‬
‫بعض الروايات أن أبا طالب خرج برسول ال صلى ال عليه وآله إلى‬
‫بصرى وهو ابن تسع سنين‪ .‬ومما كان سنة عشر من مولده صلى ال‬
‫عليه وآله الفجار الول‪ ،‬وهو قتال وقع بعكاظ‪ ،‬وكانت الحرب فيه ثلثة‬
‫أيام‪.‬‬

‫)‪ (1‬في نسخة الصل‪ :‬أبو طالب‪ ،‬والظاهر أنه وهم من الكاتب‪ (2) .‬الرمص‪ :‬ما‬
‫يجتمع في زوايا العين من وسخ أبيض رطب‪ .‬والغمص‪ :‬اليابس منه‪.‬‬
‫وشعث الشعر‪ :‬كان مغبرا متلبدا فصاحبه أشعث والجمع الشعث‪ .‬ودهن‬
‫الرأس‪ :‬طله بزيت أو طيب أو نحوهما فهو دهين‪ .‬وكحل العين‪ :‬جعل‬
‫فيها الكحل‪ .‬يقال‪ :‬عين كحيل‪ (3) .‬المصدر خلى عن قوله‪ :‬واله ربيعة‪.‬‬

‫] ‪[ 408‬‬

‫ومما كان سنة إحدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله ما روي عن ابي بن‬
‫كعب قال‪ :‬إن أبا هريرة سأل رسول ال صلى ال عليه وآله ما أول ما‬
‫رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى جالسا " وقال‪ :‬لقد سألت يا أبا هريرة إني‬
‫لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر‪ ،‬وإذا بكلم فوق رأسي‪ ،‬وإذا رجل‬
‫يقول لرجل‪ :‬أهو هو ؟ فاستقبلني بوجوه لم أرها لخلق قط‪ ،‬وأرواح لم‬
‫أجدها من خلق قط‪ ،‬وثياب لم أرها على خلق قط‪ ،‬فأقبل إلي يمشيان حتى‬
‫أخذ كل واحد منهما بعضدي ل أجد لخذهما مسا "‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪:‬‬
‫اضجعه‪ ،‬فأضجعاني بل قصر ول هصر )‪ ،(1‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬افلق‬
‫صدره‪ ،‬ففلق أحدهما صدري بل دم ول وجع‪ ،‬فقال له‪ :‬اخرج الغل‬
‫والحسد‪ ،‬فأخرج شيئا " كرصة العلقة‪ ،‬ثم نبذها فطرحها‪ ،‬ثم قال له‪ :‬ادخل‬
‫الرأفة والرحمة‪ ،‬فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة‪ ،‬ثم هز أبهام رجلي‬
‫فقال‪ :‬اعدوا )‪ (2‬بنبيكم‪ ،‬فرجعت بهما أعدوا )‪ (3‬بهما رأفة على الصغير‬
‫ورحمة للكبير )‪ .(4‬وأما ما كان سنة اثنتى عشرة من مولده صلى ال‬
‫عليه وآله إلى ثلث عشرة منه فخروجه صلى ال عليه وآله مع أبي طالب‬
‫إلى الشام‪ ،‬روي أنه لما أتت لرسول ال صلى ال عليه وآله اثنتى عشرة‬
‫سنة وشهران و عشرة أيام ارتحل به أبو طالب للخروج إلى الشام‪ ،‬وذلك‬
‫أنه لما تهيأ للخروج أضب به رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فرق له أبو‬
‫طالب‪ ،‬وفي رواية‪ :‬لما تهيأ أبو طالب للرحيل وأجمع على السير هب )‪(5‬‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وآله فأخذ بزمام ناقته‪ ،‬وقال‪ :‬يا عم إلى من‬
‫تكلني ؟ ل أب لي‪ ،‬ول ام‪ ،‬فرق‪ ،‬فقال‪ :‬وال لخرجن به معي‪ ،‬ول يفارقني‬
‫ول افارقه أبدا "‪ ،‬فخرج به معه‪ ،‬فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام‬
‫وبها راهب يقال له‪ :‬بحيرا في صومعة له‬

‫)‪ (1‬أي من دون حبس وكسر‪ ،‬ويجوز أن يكون القصر بمعنى القهر والغلبة من‬
‫القسر بالسين فابدل صادا وهما يتبادلن في كثير من الكلم‪ (2) .‬اغدوا خ‬
‫ل وهو الموجود في المصدر‪ .‬ولعل الصحيح‪ :‬اغد بينكم أي انطلق بين‬
‫الناس‪ (3) .‬اغدوا خ ل وهو الموجود في المصدر‪ ،‬ولعل الصحيح‪ :‬أغدو‬
‫على صيغة المتكلم أي أنطلق قوله‪ :‬بهما أي بالرأفة والرحمة‪(4) .‬‬
‫المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب السادس فيما كان من سنة ثمان إلى‬
‫سنة إحدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله‪ (5) .‬هب الرجل من‬
‫النوم‪ :‬انتبه واستيقظ‪ .‬هب‪ :‬نشط وأسرع‪.‬‬

‫] ‪[ 409‬‬

‫وكان ذا علم في النصرانية‪ ،‬ولم يزل في تلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم من‬
‫كتاب فيما يزعمون يتوارثون كابرا " عن كابر‪ .‬يقال‪ :‬أضب على ما في‬
‫نفسه‪ :‬إذا أخرجه‪ ،‬وأضب‪ :‬تكلم‪ ،‬ويقال‪ :‬جاء فلن يضب لسانه أي اشتد‬
‫حرصه‪ .‬وروي )‪ (1‬عن داود بن الحصين قال‪ :‬لما خرج أبو طالب إلى‬
‫الشام وخرج معه رسول ال صلى ال عليه وآله في المرة الولى وهو ابن‬
‫اثنتى عشرة سنة‪ ،‬فلما نزل الركب بصرى الشام وبها راهب يقال له‪:‬‬
‫بحيرا في صومعة له‪ ،‬وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة‬
‫يتوارثونها عن كتاب يدرسونه‪ ،‬فلما نزلوا ببحيرا وكان كثيرا " ما يمرون‬
‫به ل يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزل " قريبا " من صومعته‪.‬‬
‫قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا‪ ،‬فصنع لهم طعاما " ثم دعاهم‪ ،‬وإنما‬
‫حمله على دعاءهم أنه رأى حين طلعوا غمامة تظل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة‪ ،‬ثم نظر إلى تلك الغمامة‬
‫أظلت تلك الشجرة‪ ،‬وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى ال عليه‬
‫وآله حين استظل تحتها‪ ،‬فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك‬
‫الطعام فاتي به‪ ،‬فأرسل إليهم فقال‪ :‬إني قد صنعت لكم طعاما " يا معشر‬
‫قريس‪ ،‬وأنا احب أن تحضروه كلكم ول تخلفون )‪ (2‬منكم صغيرا " ول‬
‫كبيرا "‪ ،‬حرا " ول عبدا "‪ ،‬فإن هذا شئ تكرموني به‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬إن‬
‫لك لشأنا " يا بحيرا‪ ،‬ما كنت تصنع بنا هذا‪ ،‬فما شأنك اليوم ؟ قال‪ :‬فإنى‬
‫أحببت أن اكرمكم ولكم حق‪ ،‬فاجتمعوا إليه وتخلف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله من بين القوم لحداثة سنه‪ ،‬ليس في القوم أصغر منه في رحالهم‬
‫تحت الشجرة‪ ،‬فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها‬
‫عنده‪ ،‬وجعل ينظر فل يرى الغمامة على أحد من القوم‪ ،‬ويراها متخلفة‬
‫على رأس رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال بحيرا‪ :‬يا معشر قريش ل‬
‫يتخلفن أحد منكم عن طعامي‪ ،‬قالوا‪ :‬ما تخلف أحد إل غلم هو أحدث القوم‬
‫سنا " في رحالهم‪ ،‬فقال‪ :‬ادعوه فليحضر طعامي‪ ،‬فما أقبح أن تحضروا‬
‫ويتخلف رجل واحد‪ ،‬مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم‪ :‬هو وال‬

‫)‪ (1‬والحديث في الصمدر مسند يطول ذكر إسناده‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬ول تخلفوا‪.‬‬

‫] ‪[ 410‬‬

‫أوسطنا نسبا "‪ ،‬وهو ابن أخي هذا الرجل‪ ،‬يعنون أبا طالب‪ ،‬وهو من ولد عبد‬
‫المطلب‪ ،‬فقام الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وقال‪ :‬وال أن كان بنا‬
‫للوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا‪ ،‬ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به‬
‫حتى أجلسه على الطعام‪ ،‬والغمامة تسير على رأسه‪ ،‬وجعل بحيرا يلحظه‬
‫لحظا " شديدا "‪ ،‬وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من‬
‫صفته‪ ،‬فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال‪ :‬يا غلم أسألك بحق‬
‫اللت و العزى إل أخبرتني عما أسألك‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ل تسألني بالت والعزى‪ ،‬فوال ما أبغضت شيئا " بغضهما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بال إل ما أخبرتني عما أسألك عنه‪ ،‬قال‪ :‬سلني عما بدالك‪ ،‬فجعل يسأله‬
‫عن أشياء من حاله حتى نومه‪ ،‬فجعل رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يخبره فيوافق ذلك ما عنده‪ ،‬ثم جعل ينظر بين عينيه‪ ،‬ثم كشف عن ظهره‬
‫فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده‪ ،‬فقبل موضع‬
‫الخاتم‪ ،‬وقالت قريش‪ :‬إن لمحمد صلى ال عليه وآله عند هذا الراهب لقدرا‬
‫"‪ ،‬وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه‪ ،‬قال الراهب‬
‫لبي طالب‪ :‬ما هذا الغلم منك ؟ قال أبو طالب‪ :‬ابني‪ ،‬قال‪ :‬ما هو ابنك‪ ،‬وما‬
‫ينبغي لهذا الغلم أن يكون أبوه حيا "‪ ،‬قال‪ :‬فابن أخي‪ ،‬قال‪ :‬فما فعل‬
‫أبوه ؟ قال‪ :‬هلك وامه حبلى به‪ ،‬قال‪ :‬فما فعلت امه ؟ قال‪ :‬توفيت قريبا "‪،‬‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬ارجع بابن أخيك إلى بلده‪ ،‬واحذر عليه اليهود‪ ،‬فو ال لئن‬
‫رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبلعنه )‪ (1‬غثا "‪ ،‬فإنه كائن لبن أخيك هذا‬
‫شأن عظيم‪ ،‬نجده في كتبنا‪ ،‬وما روينا عن آبائنا‪ ،‬واعلم أني قد أديت إليك‬
‫النصيحة‪ ،‬فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا "‪ ،‬وكان رجال من‬
‫يهود قد رأوا رسول ال صلى ال عليه وآله وعرفوا صفته فأرادو أن‬
‫يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره‪ ،‬فنهاهم أشد النهي‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬
‫أتجدون صفته ؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فما لكم إليه سبيل‪ ،‬فصدقوه وتركوه‪،‬‬
‫ورجع به أبو طالب‪ ،‬فما خرج به سفرا " بعد ذلك خوفا " عليه‪ .‬وكان في‬
‫سنة أربع عشرة من مولده صلى ال عليه وآله الفجار الخر بين هوازن‬
‫وقريش‪ ،‬وحضره رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬وفي سنة سبع عشرة‬
‫وثبت العظماء والشراف بالمدائن فخلعوا هرمز‪ ،‬وسملوا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ليبغنه غبنا‪ .‬قلت‪ :‬لعله من بغى الشئ‪ :‬طلبه‪ ،‬والغبن‪ :‬المكر‬
‫والخديعة‪.‬‬

‫] ‪[ 411‬‬

‫عينيه )‪ (1‬وتركوه‪ .‬وفي سنة تسع عشرة قتلوا هرمز بعد خلعه‪ ،‬وفيها ولى ابنه‬
‫برويز وكان يسمى كسرى‪ .‬وفي سنة ثلث وعشرين كان هدم الكعبة‬
‫وبنيانها في قول بعض العلماء )‪ .(2‬وفي سنة خمس وعشرين كان تزويج‬
‫خديجة رضي ال عنها كما سيأتي شرحه‪ .‬وفي سنة خمس وثلثين من‬
‫مولده صلى ال عليه وآله هدمت قريش الكعبة على الصح‪ .‬قال ابن‬
‫إسحاق‪ :‬كانت الكعبة رضمة فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها‪،‬‬
‫وكان نفر من قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة‪ ،‬وكان يكون في بئر في‬
‫جوف الكعبة فهدموها لذلك وذلك في سنة خمس وثلثين من مولده صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬وقيل في سبب هدمها‪ :‬إنه كان الجرف يطل على مكة‪،‬‬
‫وكان السيل يدخل من أعلها حتى يدخل البيت فانصدع‪ ،‬فخافوا أن ينهدم‪،‬‬
‫وسرق منه حلية وغزال من ذهب كان عليه در وجوهر‪ ،‬ولذلك هدم البيت‪،‬‬
‫ثم إن سفينة أقبلت في البحر من الروم‪ ،‬ورأسهم باقوم وكان بانيا "‪،‬‬
‫فتحطمت السفينة بنواحي جده‪ ،‬فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش‬
‫إلى السفينة فابتاعوا خشبها‪ ،‬وكلموا الرومي باقوم فقدم معهم وقالوا‪ :‬لو‬
‫بنينا بيت ربنا‪ ،‬فامروا بالحجارة فجمعت‪ ،‬فبينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله ينقل معهم وهو يومئذ ابن خمس وثلثين سنة وكانوا يضعون ازرهم‬
‫على عواتقهم ويحملون الحجارة‪ ،‬ففعل ذلك رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫فلبط به ونودي‪ :‬عورتك‪ ،‬وكان ذلك أول ما نودي‪ ،‬فقال له أبو طالب‪ :‬يابن‬
‫اخي اجعل إزارك على رأسك‪ ،‬قال‪ :‬ما أصابني ما أصابني إل في التعري‪،‬‬
‫فما رئيت لرسول ال صلى ال عليه وآله عورة‪ .‬وفي البخاري عن جابر‬
‫بن عبد ال قال‪ :‬لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى ال عليه وآله وعباس‬
‫ينقلن الحجارة‪ ،‬فقال العباس للنبي‪ :‬إجعل إزراك على رقبتك من الحجارة‪،‬‬
‫فخر إلى الرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق‪ ،‬فقال‪ ،‬إزاري إزاري‪،‬‬
‫فشد عليه إزاره‪ ،‬ثم‬
‫)‪ (1‬سمل عينه‪ :‬فقأه‪ (2) .‬المنتقى في مولود المصطفى‪ :‬الباب السابع فيما كان من‬
‫سنة اثنتى عشرة إلى سنة ثلث و عشرين من مولده صلى ال عليه‬
‫وآله‪.‬‬

‫] ‪[ 412‬‬

‫إنهم أخذوا في بنائها‪ ،‬وميزوا البيت‪ ،‬واقترعوا عليه فوقع لعبد مناف وزهرة ما‬
‫بين الركن السود إلى ركن الحجر وجه البيت‪ ،‬ووقع لبني أسد بن عبد‬
‫العزى وبني عبدالدار ما بين الحجر إلى ركن الحجر الخر‪ ،‬ووقع لتيم ما‬
‫بين ركن الحجر إلى الركن اليماني‪ ،‬ووقع لسهم وجمح وعدي وعامر بن‬
‫لؤى ما بين الركن اليماني إلى الركن السود‪ ،‬فبنوا‪ ،‬فلما انتهوا إلى حيث‬
‫موضع الركن من البيت قالت كل قبيلة‪ :‬نحن أحق بوضعه‪ ،‬فاختلفوا حتى‬
‫خافوا القتال‪ ،‬ثم جعلوا بينهم أول رجل يدخل من باب بني شيبة فيكون هو‬
‫الذي يضعه‪ ،‬فقالوا‪ :‬رضينا وسلمنا‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أول من دخل من باب بني شيبة‪ ،‬فلما رأوه قالوا‪ :‬هذا المين قد رضينا بما‬
‫قضى بيننا‪ ،‬ثم أخبروه الخبر‪ ،‬فوضع رسول ال صلى ال عليه وآله ردائه‬
‫وبسطه في الرض ثم وضع الركن فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ليأت من كل ربع من أرباع‬
‫قريش رجل‪ ،‬وكان في ربع عبد مناف عتبة بن ربيعة‪ ،‬وكان في الربع‬
‫الثاني أبو زمعة‪ ،‬وكان في الربع الثالث أبو حذيفة ابن المغيرة‪ ،‬وكان في‬
‫الربع الرابع قيس بن عدي‪ ،‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ليأخذ‬
‫كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب‪ ،‬ثم ارفعوه جميعا " فرفعوه‪ ،‬ثم‬
‫وضعه رسول ال صلى ال عليه وآله بيده في موضعه ذلك‪ ،‬فذهب رجل‬
‫من أهل نجد ليناول النبي صلى ال عليه وآله حجرا يسد به الركن‪ ،‬فقال‬
‫العباس بن عبد المطلب‪ :‬ل ونحاه‪ ،‬وناول العباس رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله حجرا " فسد به الركن‪ ،‬فغضب النجدي حين نحي‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنه ليس يبني معنا في البيت إل منا‪ ،‬ثم بنوا حتى‬
‫انتهوا إلى موضع الخشب‪ ،‬وسقفوا البيت‪ ،‬وبنوه على ستة أعمدة‪،‬‬
‫وأخرجوا الحجر من البيت‪ .‬وفي هذه السنة ولدت فاطمة عليها السلم بنت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وفيها مات زيد بن عمرو بن نفيل )‪.(1‬‬
‫وروي عن عامر بن ربيعة قال‪ :‬كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الدين‬
‫وكره‬

‫)‪ (1‬هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد ال بن قرط بن رياح بن‬
‫رزاح بن عدى بن كعب ابن لؤى وهو القائل في قصيدة‪ .‬أربا واحدا " أم‬
‫ألف رب * أدين إذا تقسمت المور عزلت اللت والعزى جميعا * كذلك‬
‫يفعل الجلد الصبور وقد تقدم بعض أخباره‪.‬‬
‫] ‪[ 413‬‬

‫النصرانية واليهودية وعبادة الوثان والحجارة‪ ،‬وأظهر خلف قومه‪ ،‬واعتزل‬


‫آلهتهم‪ ،‬وما كان يعبد آباؤهم‪ ،‬ول يأكل ذبائحهم‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا عامر إني‬
‫خالفت قومي‪ ،‬واتبعت ملة إبراهيم عليه السلم وما كان يعبده وإسماعيل‬
‫عليه السلم من بعده‪ ،‬فقال‪ :‬وكانوا يصلون إلى هذه القبلة‪ ،‬وأنا أنتظر نبيا‬
‫" من ولد إسماعيل عليه السلم يبعث‪ ،‬ل أراني أدركه‪ ،‬وأنا اؤمن به‬
‫واصدقه‪ ،‬وأشهد أنه نبي‪ ،‬فإن طالت بك مدة فرأيته فاقرأه مني السلم‪ ،‬قال‬
‫عامر‪ :‬فلما نبئ رسول ال صلى ال عليه وآله أسلمت وأخبرته بقول زيد‪،‬‬
‫وأقرأته منه السلم‪ ،‬فرد عليه رسول ال صلى ال عليه وآله السلم‬
‫وترحم عليه‪ ،‬وقال‪ :‬قد رأيته في الجنة يسحب ذيول )‪ (1‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وأما ما كان سنة ثمان وثلثين من مولده صلى ال عليه وآله ففي هذه‬
‫السنة رأى الضوء والنور‪ ،‬وكان يسمع الصوت ول يدري ما هو‪ .‬وأما‬
‫سنة أربعين من مولده صلى ال عليه وآله ففي هذه السنة قتل كسرى‬
‫برويز النعمان بن المنذر لغضب كان له عليه‪ ،‬قتله قبل المبعث بسبعة‬
‫أشهر )‪ .(2‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬ليحس بنعيم‪ ،‬أي يرى ويعلم أن له ملكا " ونعيما‬
‫"‪ .‬والهصر‪ :‬الجذب‪ ،‬والمالة‪ ،‬والكسر‪ ،‬والدفع‪ ،‬والدناء‪ ،‬وعطف شئ‬
‫رطب‪ ،‬ويقال‪ :‬هصر ظهره‪ ،‬أي ثناه إلى الركوع‪ .‬كرصة العلقة أي كعلقة‬
‫ارتص والتزق بعضها ببعض‪ ،‬أو التزقت بشئ‪ .‬وهب أي نهض وأسرع‪.‬‬
‫وفي القاموس‪ :‬الخضل ككتف وصاحب كل ندى يترشف نداه‪ ،‬واخضأل‬
‫الشجر كاطمأن واخضال كاحمار‪ :‬كثرت أغصانها‪ .‬ليبلعنه بالعين المهملة‪،‬‬
‫غثا بالغين المعجمة‪ ،‬والثأ المثلثة أي وإن كان مهزول‪ ،‬أو بالتاء المثناة‬
‫من غت الماء‪ :‬إذا شرب جرعا " بعد جرع من غير إبانة الناء عن فمه‪،‬‬
‫وفي بعض النسخ ليبلغنه عنتا "‪ ،‬وهو ظاهر‪ .‬وقال الجزري‪ :‬الرضمة‬
‫واحدة الرضم والرضام‪ ،‬وهى دون الهضاب )‪،(3‬‬

‫)‪ (1‬أي يجره على الرض‪ .‬يقال‪ :‬جاء يسحب ذيله أي يمشى متبخترا‪ (2) .‬المنتقى‬
‫في مولود المصطفى‪ :‬الباب التاسع فيما كان من سنة خمس وثلثين إلى‬
‫سنة أربعين من مولده صلى ال عليه وآله‪ (3) .‬الهضاب جمع الهضبة‪:‬‬
‫الجبل المنبسط على وجه الرض‪ .‬وقيل‪ :‬الجبل الطويل الممتنع المنفرد‪.‬‬
‫ما ارتفع من الرض‪.‬‬

‫] ‪[ 414‬‬

‫وقيل‪ :‬صخور بعضها على بعض‪ .‬قوله‪ :‬فلبط به على بناء المجهول‪ ،‬أي صرع‬
‫وسقط إلى الرض‪ .‬اقول‪ :‬إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق‬
‫عليها )‪ ،(1‬لشتمالها على تعيين أوقات ما أسلفناه في الخبار المتفرقة‪،‬‬
‫وكونها موضحة لبعض ما ابهم فيها )‪ * * * .(2‬نشكر الباري جل وعل‬
‫لما وفقنا من الشراف على طبع هذا المجلد أعني الجزء الخامس عشر‬
‫من كتاب بحار النوار من هذه الطبعة النفيسة‪ .‬وهو الجزء الول من‬
‫المجلد السادس حسب تجزئة المؤلف )قده( وهو مشتمل على ‪ 226‬حديثا‬
‫" في أربعة أبواب‪ ،‬والمجهودات الواسعة التي بذلناها في تصحيح هذا‬
‫الكتاب بمرئى ومنظر من المطالع الكريم ومع ذلك فانا بتأييد من ال‬
‫لباستعداد بذل المجهود أكثر فأكثر في المجلدات التية ومنه التوفيق وعليه‬
‫التكلن‪ .‬دار التصحيح والترجمة ج ‪‍ 1379 - 2‬ه‬

‫)‪ (1‬لنها رويت بأسانيد عامة لم يتبين لنا وثوق رجالها‪ ،‬مع أنها مشتملة على‬
‫غرائب ونوادر‪ (2) .‬إلى هنا تم الباب الرابع من تاريخ سيدنا خير‬
‫المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬ويتلوه الباب‬
‫الخامس في تزوجه بخديجة رضى ال عنها ونبذة من فضائلها )‪(3‬‬
‫الهضاب جمع الهضبة‪ :‬الجبل المنبسط على وجه الرض‪ .‬وقيل‪ :‬الجبل‬
‫الطويل الممتنع المنفرد‪ .‬ما ارتفع من الرض‪.‬‬

‫] ‪[ 414‬‬

‫وقيل‪ :‬صخور بعضها على بعض‪ .‬قوله‪ :‬فلبط به على بناء المجهول‪ ،‬أي صرع‬
‫وسقط إلى الرض‪ .‬اقول‪ :‬إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق‬
‫عليها )‪ ،(1‬لشتمالها على تعيين أوقات ما أسلفناه في الخبار المتفرقة‪،‬‬
‫وكونها موضحة لبعض ما ابهم فيها )‪ * * * .(2‬نشكر الباري جل وعل‬
‫لما وفقنا من الشراف على طبع هذا المجلد أعني الجزء الخامس عشر‬
‫من كتاب بحار النوار من هذه الطبعة النفيسة‪ .‬وهو الجزء الول من‬
‫المجلد السادس حسب تجزئة المؤلف )قده( وهو مشتمل على ‪ 226‬حديثا‬
‫" في أربعة أبواب‪ ،‬والمجهودات الواسعة التي بذلناها في تصحيح هذا‬
‫الكتاب بمرئى ومنظر من المطالع الكريم ومع ذلك فانا بتأييد من ال‬
‫لباستعداد بذل المجهود أكثر فأكثر في المجلدات التية ومنه التوفيق وعليه‬
‫التكلن‪ .‬دار التصحيح والترجمة ج ‪‍ 1379 - 2‬ه‬

‫)‪ (1‬لنها رويت بأسانيد عامة لم يتبين لنا وثوق رجالها‪ ،‬مع أنها مشتملة على‬
‫غرائب ونوادر‪ (2) .‬إلى هنا تم الباب الرابع من تاريخ سيدنا خير‬
‫المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬ويتلوه الباب‬
‫الخامس في تزوجه بخديجة رضى ال عنها ونبذة من فضائلها وبعض‬
‫أحوالها‪ .‬والحمد ل أول وآخرا "‪ .‬خادم العلم والشريعة‪ :‬عبد الرحيم‬
‫الربانى الشيرازي عفى عنه وعن والديه‪(*) .‬‬
‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like