Professional Documents
Culture Documents
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر
الئمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي )قدس ال سره( الجزء الخامس
عشر دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة
1403ه 1983 -م دار احياء التراث العربي بيروت -لبنان -بناية
كليوباترا -شارع دكاش -ص .ب 11 / 7957تلفون المستودع:
- 278766 - 273032 - 274696المنزل 830717 - 830711برقيا
" :التراث -تلكس le / 44632تراث
][1
بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل الذي أكرم سيد أنبيائه محمدا بالرسالة وشرفها
به ،شرائف الصلوات وكرائم التحيات والتسليمات عليه وعلى الفاخم
النجبين من عترته وآله .أما بعد فيقول الخاطئ القاصر العاثر محمد بن
محمد التقي المدعو بباقر عفا ال عن عثراتهما وحشرهما مع مواليهما
وساداتهما :هذا هو المجلد السادس من كتاب بحار النوار المشتمل على
تاريخ سيد البرار ،ونخبة الخيار ،زين الرسالة والنبوة ،وينبوع الحكمة
والفتوة (1) ،نبي النبياء وصفي الصفياء ،نجي ال ونجيبه ،وخليل ال
وحبيبه ،محمول الفلك ،ومخدوم الملك ،صاحب المقام المحمود ،وغاية
إيجاد كل موجود ،شمس سماء العرفان ،واس بناء اليمان ،شرف
الشراف ،وغرة ) (2عبد مناف ،بحر السخاء ،ومعدن الحياء ،رحمة
العباد ،وربيع البلد ،الذي به اكتسى الفخر فخرا " والشرف شرفا " ،وبه
تضمنت الجنان غرفا " ،والقصور شرفا " ،فركعت السماوات لعباء
نعمه ،وسجدت الرضون لموطئ قدمه ،وبنوره استضاءت النوار،
واستنارت الشموس والقمار ،وبظهوره تجلت السرار عن جلبيب
الستار ،إمام المرسلين ،وفخر العالمين ،ابى القاسم محمد بن عبد ال،
خاتم النبيين ،صلوات ال عليه وعلى أهل بيته الطهرين ،وبيان فضائله )
(2ومناقبه ومعجزاته ومكارمه وغزواته وسائر أحواله صلى ال عليه
وآله.
) (1الفتوة :السخاء والكرم .المروءة .ويقال بالفارسية )جوانمردى( وهو أنسب
باشتقاقه (2) .الغرة من كل شئ :أوله ومعظمه وطلعه ،ومن القوم:
شريفهم (3) .عطف على قوله :على تاريخ.
][2
)باب ) * (1بدء خلقه وما جرى له في الميثاق ،وبدء نوره وظهوره( * * )صلى
ال عليه وآله من لدن آدم عليه السلم ،وبيان حال )) * * ((1آبائه
العظام ،وأجداده الكرام ،ل سيما عبد المطلب و( * * )والديه عليهم
الصلة والسلم ،وبعض احوال العرب في( * * )الجاهلية ،وقصة الفيل،
وبعض النوادر( * اليات :آل عمران ) (3وإذ أخذ ال ميثاق النبيين لما
آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به
ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا
وأنا معكم من الشاهدين .81العراف ) (7وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن
تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من
قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 172و .173الشعراء
) (26الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين 118و .119الحزاب
) (33وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا " غليظا " * ليسأل الصادقين عن
صدقهم وأعد للكافرين عذابا " أليما " 7و .8تفسير :قال الطبرسي
رحمه ال في قوله تعالى) :وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم( :أي واذكر يا
محمد حين أخذ ال الميثاق من النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا
" ،ويتبع بعضهم بعضا " ،وقيل :أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا ال ،ويدعوا
إلى عبادة ال ،وأن يصدق
][3
بعضهم بعضا " ،وأن ينصحوا لقومهم )ومنك( يا محمد ،وإنما قدمه لفضله وشرفه
)ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم( خص هؤلء لنهم
أصحاب الشرائع )وأخذنا منهم ميثاقا " غليظا "( أي عهدا " شديدا "
على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة ،وتبليغ الشرائع ،وقيل :على أن
يعلنوا أن محمدا " رسول ال ،ويعلن محمد أن لنبي بعده )ليسأل
الصادقين عن صدقهم( قيل :معناه :إنما فعل ذلك ليسأل النبياء والمرسلين
ما الذي جاءت به اممكم ) (1وقيل :ليسأل الصادقين في توحيد ال وعدله
والشرائع )عن صدقهم( أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى ،فيقال لهم :هل
ظلم ال أحدا " ؟ هل جازى كل إنسان بفعله ؟ هل عذب بغير ذنب ؟ ونحو
ذلك ،فيقولون :نعم عدل في حكمه ،وجازى كل بفعله ،وقيل :معناه :ليسأل
الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم ،وقيل :ليسأل الصادقين ماذا
قصدتم بصدقكم ؟ وجه ال أو غيره ؟ ) (2أقول :سيأتي تفسير سائر
اليات ،وسنورد الخبار المتضمنة لتأويلها في هذا الباب وغيره- 1 .
فس :محمد بن الوليد ،عن محمد بن الفرات ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال) :الذي يراك حين تقوم( في النبوة )وتقلبك في الساجدين( قال :في
أصلب النبيين - 2 (3) .كنز :محمد بن العباس ،عن الحسين بن هارون،
عن علي بن مهزيار ،عن أخيه عن ابن أسباط ،عن عبد الرحمن بن حماد،
عن أبي الجارود قال :سألت أبا جعفر عليه السلم عن قوله عزوجل:
)وتقلبك في الساجدين( قال :يرى تقلبه في أصلب النبيين من نبي إلى نبي
حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه السلم) .
- 3 (4ير :بعض أصحابنا ،عن محمد بن الحسين ،عن علي بن أسباط،
عن علي بن معمر عن أبيه قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول
ال تبارك وتعالى) :هذا نذير من النذر الولى(
) (1في المصدر :ما الذى أجاب به اممكم ؟ وهو الصواب (2) .مجمع البيان :8
(3) .339تفسير القمى (4) .474 :مخطوط
][4
قال :يعني به محمدا " صلى ال عليه وآله حيث دعاهم إلى القرار بال في الذر
الول - 4 (1) .ل ،مع :الحاكم أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي،
عن محمد بن إبراهيم الجرجاني عن عبد الصمد بن يحيى الواسطي ،عن
الحسن بن علي المدني ،عن عبد ال بن المبارك ،عن سفيان الثوري ،عن
جعفر بن محمد الصادق ،عن أبيه ،عن جده ،عن أبيه ،عن علي بن أبي
طالب عليهم السلم أنه قال :إن ال تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى ال
عليه وآله قبل أن خلق ) (2السماوات والرض والعرش والكرسي واللوح
والقلم والجنة والنار وقبل أن خلق ) (3آدم ونوحا " وإبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان عليهم السلم وكل من
قال ال عزوجل في قوله) :ووهبنا له إسحاق ويعقوب( إلى قوله:
)وهديناهم إلى صراط مستقيم( وقبل أن خلق النبياء كلهم بأربع مائة ألف
سنة وأربع وعشرين ألف سنة ،وخلق عزوجل معه اثني عشر حجابا ":
حجاب القدرة ،وحجاب العظمة ،وحجاب المنة (4) ،وحجاب الرحمة،
وحجاب السعادة ،وحجاب الكرامة ،وحجاب المنزلة ،و حجاب الهداية،
وحجاب النبوة ،وحجاب الرفعة ،وحجاب الهيبة ،وحجاب الشفاعة .ثم
حبس نور محمد صلى ال عليه وآله في حجاب القدرة اثني عشر ألف
سنة ،وهو يقول) :سبحان ربي العلى( وفي حجاب العظمة إحدى عشر
ألف سنة ،وهو يقول) :سبحان عالم السر( وفي حجاب المنة عشرة آلف
سنة ،وهو يقول) :سبحان من هو قائم ل يلهو( وفي حجاب الرحمة تسعة
آلف سنة ،وهو يقول) :سبحان الرفيع العلى( وفي حجاب السعادة ثمانية
آلف سنة وهو يقول) :سبحان من هو دائم ل يسهو( وفي حجاب الكرامة
سبعة آلف سنة ،وهو يقول) :سبحان من هو غني ل يفتقر( وفي حجاب
المنزله ستة آلف سنة ،وهو يقول) :سبحان العليم الكريم ) ((5وفي
حجاب الهداية خمسة آلف سنة ،وهو يقول) :سبحان ذي العرش العظيم )
((6وفي حجاب النبوة أربعة آلف سنة وهو يقول) :سبحان رب
) (1بصائر الدرجات 2) .24 :و (3في نسخة :قبل أن يخلق (4) .وفي النوار على
ما يأتي )وحجاب العزة( ولعله أحسن (5) .في المصدر :سبحان ربى
العلى الكريم (6) .في المصدر :سبحان رب العرش العظيم.
][5
العزة عما يصفون( وفي حجاب الرفعة ثلثة آلف سنة ،وهو يقول) :سبحان ذي
الملك والملكوت( وفي حجاب الهيبة ألفي سنة ،وهو يقول) :سبحان ال
وبحمده( وفي حجاب الشفاعة ألف سنة ،وهو يقول) :سبحان ربي العظيم
وبحمده( ثم أظهر اسمه على اللوح فكان على اللوح منورا " أربعة آلف
سنة ،ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا " سبعة آلف
سنة ،إلى أن وضعه ال عزوجل في صلب آدم عليه السلم (1) ،ثم نقله
من صلب آدم عليه السلم إلى صلب نوح عليه السلم ،ثم من صلب إلى
صلب ) (2حتى أخرجه ال عز وجل من صلب عبد ال بن عبد المطلب،
فأكرمه بست كرامات :ألبسه قميص الرضا ،ورداه برداء الهيبة ،وتوجه
بتاج الهداية (3) ،وألبسه سراويل المعرفة ،وجعل تكته تكة المحبة ،يشد
بها سراويله ،وجعل نعله نعل الخوف ،وناوله عصا المنزلة .ثم قال :يا
محمد اذهب إلى الناس فقل لهم :قولوا :ل إله إل ال ،محمد رسول ال.
وكان أصل ذلك القميص من ستة أشياء :قامته من الياقوت ،وكماه من
اللؤلؤ ،ودخريصه من البلور الصفر ،وإبطاه من الزبرجد ،وجربانه من
المرجان الحمر ،وجيبه من نور الرب جل جلله ،فقبل ال عزوجل توبة
آدم عليه السلم بذلك القميص ،ورد خاتم سليمان عليه السلم به ورد
يوسف عليه السلم إلى يعقوب عليه السلم به ،ونجى يونس عليه السلم
من بطن الحوت به ،وكذلك سائر النبياء عليهم السلم أنجاهم من المحن
به ،ولم يكن ذلك القميص إل قميص محمد صلى ال عليه وآله(4) .
) (1في هامش المخطوط حاشية بخط المصنف وهى :لما كانوا عليهم السلم هم
المقصودون من خلق آدم عليه السلم وسائر ذريته فكان خلق آدم عليه
السلم من الطينة الطيبة ليكون قابل لخروج تلك الشخاص المقدسة
منه ،وربى تلك الطينة في الباء والمهات حتى كملت قابليتها في عبد
ال وأبى طالب ،فخلق المقدسين منهما ،فيحتمل أن يكون حفظ النور
وانتقاله من الصلب كناية عن انتقال تلك القابلية ،واستكمال هذا
الستعداد ،وما ورد أن كمالهم وفضلهم كان سبب الشتمال على أنوارهم
يستقيم على هذا ،وكذا ماضارعها من الخبار وال يعلم تلك السرار،
وحججه الخيار عليهم السلم .منه عفى عنه (2) .في المصدر :ثم جعل
يخرجه من صلب إلى صلب حتى أخرجه من صلب (3) .في المصدر:
رداه رداء الهيبة ،وتوجه تاج الهداية (4) .الخصال ،82 :1معاني
الخبار 88 :و .89
][6
بيان :قوله) :ثم حبس نور محمد صلى ال عليه وآله( ليس الغرض ذكر جميع
أحواله صلى ال عليه وآله في الذر لعدم موافقة العدد بل قد جرى على
نوره أحوال قبل تلك الحوال أو بعدها أو بينها لم تذكر في الخبر(1) .
والدخريص بالكسر :لبنة القميص .وجربان القميص -بضم الجيم والراء
وتشديد الباء -معرب كريبان - 5 .فر :عن جعفر بن محمد الفزاري
بإسناده ) (2عن قبيصة بن يزيد الجعفي ) (3قال :دخلت على الصادق
عليه السلم وعنده ابن ظبيان والقاسم الصيرفي (4) ،فسلمت وجلست
وقلت :يا ابن رسول ال ) (5أين كنتم قبل أن يخلق ال سماء مبنية،
وأرضا مدحية أو ظلمة أو نورا " ) (6قال :كنا أشباح نور حول العرش،
نسبح ال قبل أن يخلق آدم عليه السلم بخمسة عشر ألف عام ،فلما خلق
ال آدم عليه السلم فرغنا في صلبه ،فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى
رحم مطهر حتى بعث ال محمدا " صلى ال عليه وآله الخبر - 6 (7) .فر:
جعفر بن محمد بن بشرويه القطان ،بإسناده عن الوزاعي (8) ،عن
) (1وقد ذكر بعضها في خبر النوار كما يأتي (2) .في المصدر :باسناده معنعنا) .
(3في المصدر :فيضة بن يزيد الجعفي .وعلى أي فلم نجد ترجمته(4) .
في المصدر :وعنده البوس بن ابى الدوس ،وابن ظبيان والقاسم بن
الصيرفى .قلت :أما البوس فلم نجد ترجمته ،وابن ظبيان هو يونس بن
ظبيان المعروف ،والقاسم هو ابن عبد الرحمن الصيرفى (5) .في
المصدر :يا ابن رسول ال أتيتك مستفيدا " ،قال :سل واوجز ،قلت :أين
كنتم إه (6) .في المصدر :أو ظلمة ونورا " ،قال :يا فيضة لم سألتنا عن
هذا الحديث في مثل هذا الوقت ؟ أما علمت أن حبنا قد اكتتم ،وبغضنا قد
نشأ ،وان لنا أعداء من الجن يخرجون حديثنا ألى أعدائنا من النس وان
الحيطان لها آذان كآذان الناس ،قال :قلت :قد سألت عن ذلك ،قال :يا
فيضة كنا أشباح نور إه .قلت :قوله) :قد نشأ( لعله مصحف )قد نشر( أو
)قد فشا( أو المعنى أن بغضنا في حدوث وتجدد دائما ،لن أعداءنا لم يزل
يربون الناس ويسوقونهم على ذلك .قوله) :إن لنا اه( لعله تعريض
ببعض حاضرى المجلس وأنه من أعدائنا ،أو اشارة إلى لزوم التحفظ
وشدة التستر عن كشف أسرارهم (7) .تفسير فرات (8) .207 :في
المصدر :معنعنا عن الوزاعي.
][7
صعصعة بن صوحان والحنف بن قيس ،عن ابن عباس ) (1قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :خلقني ال نورا تحت العرش قبل أن يخلق آدم عليه
السلم باثني عشر ألف سنة ،فلما أن خلق ال آدم عليه السلم ألقى النور
في صلب آدم عليه السلم فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى
افترقنا في صلب عبد ال بن عبد المطلب وأبي طالب ،فخلقني ربي من ذلك
النور لكنه ل نبي بعدي - 7 (2) .ع :إبراهيم بن هارون ،عن محمد بن
أحمد بن أبي الثلح (3) ،عن عيسى بن مهران (4) ،عن منذر الشراك ،عن
إسماعيل بن علية ،عن أسلم بن ميسرة العجلي ،عن أنس بن مالك ،عن
معاذ بن جبل أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :إن ال خلقني وعليا و
فاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلف عام ،قلت:
فأين كنتم يا رسول ال ؟ قال :قدام العرش ،نسبح ال ونحمده ونقدسه
ونمجد ،قلت :على أي مثال ؟ قال :أشباح نور ،حتى إذا أراد ال عز وجل
أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ،ثم قذفنا في صلب آدم ،ثم أخرجنا إلى
اصلب الباء وأرحام المهات ،ول يصيبنا نجس الشرك ،ول سفاح الكفر،
يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون ،فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج
ذلك النور فشقه نصفين ،فجعل نصفه في عبد ال ،ونصفه في أبي طالب،
ثم أخرج الذي ) (5لي إلى آمنة ،والنصف إلى فاطمة بنت أسد ،فأخرجتني
آمنة ،و
) (1للحديث صدر يأتي في فضائل على عليه السلم (2) .تفسير فرات(3) .190 :
هكذا في النسختين المطبوعتين ،وفي المصدر :محمد بن احمد بن ابى
البلخ .وفي نسخة المصنف :محمد بن احمد بن أبى البلح -بالباء -وكلها
وهم ،والرجل هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد ال بن إسماعيل
الكاتب أبو بكر المعروف بابن أبى الثلج ،وأبو الثلج هو عبد ال بن
اسماعيل ،والرجل مذكور في تراجم الخاصة كلها ،وقد ذكره ابن حجر في
التقريب والتهذيب في جده محمد بن عبد ال ،وفي جميع التراجم )الثلج(
بالثاء مضافا الى تصريح العلمة بالضبط في اليضاح (4) .في نسخة من
المصدر :موسى بن مهران (5) .في المصدر :ثم أخرج النصف الذى لى.
][8
أخرجت فاطمة عليا ،ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ،ثم أعاد عز
وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين -يعني من النصفين
جميعا -فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ،وما كان من نوري
صار في ولد الحسين ،فهو ينتقل في الئمة من ولده إلى يوم القيامة(1) .
- 8فر :جعفر بن محمد الحمسي بإسناده ) (2عن أبي ذر الغفاري ،عن
النبي صلى ال عليه وآله في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن
قال - :قلت :يا ملئكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا ؟ فقالوا :يا نبي ال
وكيف ل نعرفكم وأنتم أول ما خلق ال ؟ ) (3خلقكم أشباح نور من نوره
في نور ) (4من سناء عزه ،ومن سناء ملكه ،ومن نور وجهه الكريم،
وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه ،وعرشه على الماء قبل أن تكون
السماء مبنية ،والرض مدحية (5) ،ثم خلق السماوات والرض في ستة
أيام ،ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه وأنتم أمام
عرشه تسبحون وتقدسون وتكبرون ،ثم خلق الملئكة من بدء ما أراد من
أنوار شتى ،وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون
وتمجدون و تقدسون ،فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم
وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم (6) ،فما انزل من ال
فإليكم وما صعد إلى ال فمن عندكم ،فلم ل نعرفكم ؟ اقرأ عليا منا السلم -
وساقه إلى أن قال :-ثم عرج بي إلى
) (1علل الشرائع 80 :قلت :قال المصنف :أكثر هذه الخبار تدل على تقدم خلق
الرواح على الجساد ،وبعضها على عالم المثال ،وال يعلم حقيقة الحال
انتهى .وقد أورد ما يناسب المقام من كلم الشيخ المفيد والسيد المرتضى
رضى ال عنهما في باب الطينة والميثاق من كتاب العدل راجع ج :5
(2) .276 - 260في المصدر :معنعنا عن أبى ذر (3) .في المصدر:
وأنتم أول خلق ال (4) .في المصدر :من نور في نور (5) .في المصدر
بعد قوله :مدحية زيادة هي :وهو في الموضع الذى ينوى فيه .وفيه:
خلق السماوات والرضين (6) .في المصدر :وانتم تقدسون وتهللون
وتكبرون وتسبحون وتمجدون فنسبح ونقدس و نمجد ونهلل بتسبيحكم
وتقديسكم وتهليلكم.
][9
السماء السابعة ،فسمعت الملئكة يقولون لما أن رأوني :الحمد ل الذي صدقنا
وعده ،ثم تلقوني وسلموا علي ،وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم ،فقلت :يا
ملئكة ربي سمعتكم تقولون :الحمد ل الذي صدقنا وعده (1) ،فما الذي
صدقكم ؟ قالوا :يا نبي ال إن ال تبارك وتعالى لما أن خلقكم أشباح نور
من سناء نوره ومن سناء عزه ،وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه
عرض وليتكم علينا (2) ،ورسخت في قلوبنا ،فشكونا محبتك إلى ال،
فوعد ربنا ) (3أن يريناك في السماء معنا ،وقد صدقنا وعده .الخبر9 (4) .
-خص :الحسين بن حمدان ،عن الحسين المقري الكوفي ،عن أحمد بن
زياد الدهقان عن المخول بن إبراهيم ،عن رشدة بن عبد ال ،عن خالد
المخزومي ،عن سلمان الفارسي رضي ال عنه في حديث طويل قال :قال
النبي صلى ال عليه وآله :يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الثنا
عشر الذين اختارهم ال للمامة بعدي ؟ فقلت :ال ورسوله أعلم ،قال :يا
سلمان خلقني ال من صفوة نوره ودعاني فأطعت ،وخلق من نوري عليا
فدعاه فأطاعه ،وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته ،وخلق
مني ومن علي وفاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه ،فسمانا
بالخمسة السماء من أسمائه :ال المحمود وأنا محمد ،وال العلي وهذا
علي ،وال الفاطر وهذه فاطمة ،وال ذو الحسان وهذا الحسن ،وال
المحسن وهذا الحسين ،ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم
فأطاعوه قبل أن يخلق ال سماء مبنية ،وأرضا مدحية ،أو هواء أو ماء أو
ملكا أو بشرا ،وكنا بعلمه نورا نسبحه ونسمع ونطيع .الخبر - 10 .كنز:
من كتاب الواحدة عن أبي محمد الحسن بن عبد ال الكوفي ،عن جعفر ابن
محمد البجلي ،عن أحمد بن حميد ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :قال أمير المؤمنين
) (1في المصدر :فقلت :ملئكة ربى سمعت وأنتم تقولون :الحمد ل الذى صدقنا
وعده و اورثنا الرض نتبوء من الجنة حيث نشاء (2) .في المصدر بعد
قوله :سلطانه :واشهدكم على عباده عرض وليتكم علينا (3) .في
المصدر :فوعدنا ربنا (4) .تفسير فرات .136 - 134 :والحديث طويل.
] [ 10
عليه السلم :إن ال تبارك وتعممالى أحممد واحممد تفممرد فممي وحممدانيته ،ثممم تكلممم بكلمممة
فصارت نورا " ،ثم خلممق مممن ذلممك النممور محمممدا " صمملى الم عليممه وآلممه
وخلقني وذريتي ،ثممم تكلممم بكلمممة فصمارت روحمما " ،فأسممكنه الم فممي ذلمك
النور ،وأسكنه في أبداننا ،فنحن روح ال وكلماته ،وبنا احتجب عن خلقمه،
فمازلنا في ظلة خضراء حيث ل شمس ول قمممر ولليممل ول نهممار ول عيممن
تطرف ،نعبده ونقدسه ونسبحه قبل أن يخلق الخلق .الخبر - 11 (1) .كنز:
عن محمد بن الحسن الطوسممي رحمممه الم فممي كتممابه مصممباح النمموار )(2
بإسناده عن أنس عن النبي صلى ال عليه وآله قال :إن ال خلقنممي وخلممق
عليمما وفاطمممة والحسممن و الحسممين قبممل أن يخلممق آدم عليممه السمملم حيممن
لسماء مبنية ،ول أرض مدحية ،ول ظلمة ول نور ول شمس ول قمممر ول
جنة ول نار ،فقال العباس :فكيف كان بدء خلقكم يا رسممول الم ؟ فقممال :يمما
عم لما أراد ال أن يخلقنا تكلممم بكلمممة خلممق منهمما نممورا " ،ثممم تكلممم بكلمممة
أخرى فخلق منها روحا " ،ثم مزج النور بمالروح ،فخلقنمي وخلمق عليما "
وفاطمة والحسن والحسين ،فكنا نسممبحه حيممن ل تسممبيح ،ونقدسممه حيممن ل
تقديس ،فلما أراد ال تعالى أن ينشئ خلقه فتق نمموري فخلممق منممه العممرش
فالعرش من نوري ،ونوري من نور المم ،ونمموري أفضممل مممن العممرش ،ثممم
فتق نور أخي علي فخلق منه الملئكة ،فالملئكة من نور علي ،ونور علي
من نور الم ،وعلممي أفضممل مممن الملئكممة ،ثممم فتممق نممور ابنممتي فخلممق منممه
السماوات والرض فالسماوات والرض من نور ابنتي فاطمة ،ونور ابنتي
فاطمة من نور ال ،وابنتي فاطمة أفضل من السممماوات والرض ،ثممم فتممق
نور ولدي الحسن فخلق منه الشمممس والقمممر ،فالشمممس والقمممر مممن نممور
ولدي الحسن ،ونور الحسن من نور ال ،والحسن أفضل من الشمس
) (1كنز جامع الفوائد مخطوط (2) .قال المصنف في الهامش :وجدته في المصباح
لكنه ليس من الشيخ كما مر في الفهرست انتهى .قلت :ذكر في الفصل
الول من مقدمة الكتاب أنه للشيخ هاشم بن محمد ،وقد ينسب إلى شيخ
الطائفة وهو خطأ ،وكثيرا ما يروى عن الشيخ شاذان بن جبرئيل القمى
وهو متأخر عن الشيخ بمراتب .راجع ج 21 :1قلت :كان الشيخ شاذان
في القرن السادس ،لنه ألف كتابه ازاحة العلة في سنة .558
] [ 11
والقمر ،ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين ،فالجنة والحور
العين من نور ولدي الحسين ،ونور ولدي الحسين من نور ال ،وولدي
الحسين أفضل من الجنة والحور العين .الخبر - 12 (1) .مع :القطان ،عن
الطالقاني (2) ،عن الحسن بن عرفة ،عن وكيع ،عن محمد بن إسرائيل،
عن أبي صالح ،عن أبي ذر رحمة ال عليه قال :سمعت رسول ال صلى
ال عليه وآله وهو يقول :خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد،
نسبح ال يمنة العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام ،فلما أن خلق ال آدم
عليه السلم جعل ذلك النور في صلبه ،ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه،
ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه ،ولقد ركب نوح عليه السلم السفينة
ونحن في صلبه ،ولقد قذف إبراهيم عليه السلم في النار ونحن في صلبه،
فلم يزل ينقلنا ال عزوجل من أصلب طاهرة ) (3إلى أرحام طاهرة حتى
انتهى بنا إلى عبد المطلب ،فقسمنا بنصفين ،فجعلني في صلب عبد ال،
وجعل عليا في صلب أبي طالب ،وجعل في النبوة والبركة ،وجعل في علي
الفصاحة والفروسية ،وشق لنا اسمين من أسمائه ،فذو العرش محمود
وأنا محمد ،وال العلى وهذا علي - 13 (4) .مع :المكتب ،عن الوراق،
عن بشر بن سعيد ،عن عبد الجبار بن كثير ،عن محمد بن حرب الهللي
أمير المدينة ،عن الصادق عليه السلم قال :إن محمدا " وعليا " صلوات
ال عليهما كانا نورا " بين يدي ال جل جلله قبل خلق الخلق بألفي عام،
وإن الملئكة لما رأت ذلك النور رأت له أصل " وقد انشعب ) (5منه
شعاع لمع ،فقالت :إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟
) (1كنز جامع الفوائد مخطوط (2) .هكذا في النسخ .وفيه وهم لن الموجود في
المعاني :ابو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد ابن عبيد النيسابوري
المروانى قال :حدثنا محمد بن اسحاق بن ابراهيم بن مهران السراج ،و
القطان كما عرفت في الفصل الرابع من مقدمة الكتاب أحمد بن الحسن،
والطالقاني هو محمد بن ابراهيم بن اسحاق وكلهما من مشائخ
الصدوق ،ل يروى أحدهما عن الخر (3) .في نسخة من المصدر:
أصلب طيبة (4) .معاني الخبار (5) .21 :في المصدر :قد انشعب.
] [ 12
فأوحى ال عزوجل إليهم :هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة ،فأما النبوة
) (1فلمحمد عبدي ورسولي ،وأما المامة فلعلي حجتي ووليي ،ولولهما
ما خلقت خلقي الخبر - 14 (2) .ما :المفيد ،عن علي بن الحسن البصري،
عن أحمد بن إبراهيم القمي (3) ،عن محمد بن علي الحمر ،عن نصر بن
علي (4) ،عن حميد ،عن أنس قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله
يقول :كنت أنا وعلي عن يمين العرش ،نسبح ال قبل أن يخلق آدم بألفي
عام ،فلما خلق آدم جعلنا في صلبه ،ثم نقلنا من صلب إلى صلب في
أصلب الطاهرين وأرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبد المطلب،
فقسمنا قسمين :فجعل في عبد ال نصفا " ،وفي أبي طالب نصفا "،
وجعل النبوة والرسالة في ،وجعل الوصية والقضية في علي ،ثم اختار لنا
اسمين اشتقهما من أسمائه :فال المحمود وأنا محمد ،وال العلي وهذا
علي ،فأنا للنبوة والرسالة ،وعلي للوصية والقضية - 15 (5) .ما :الفحام،
عن محمد بن أحمد الهاشمي ،عن عيسى بن أحمد بن عيسى ،عن أبي
الحسن العسكري (6) ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال:
قال النبي صلى ال عليه وآله:
) (1في المصدر :أما النبوة (2) .معاني الخبار (3) .100 :في المصدر :حدثنا أبو
بشر محمد بن ابراهيم القمى .والظاهر أنه سهو من النساخ ،لن أبا بشر
اسمه أحمد ،وأما توصيفه بالقمى فهو وهم ،والصحيح العمى بالعين،
والرجل هو أحمد بن ابراهيم بن أحمد بن المعلى بن أسد العمى البصري
أبو بشر ،والعمى نسبة إلى العم لقب مرة بن مالك بن حنظلة ابي قبيلة.
راجع ترجمته فهارس النجاشي والشيخ وابن النديم وخلصة العلمة
وغيره (4) .في المصدر :نصر بن على ،عن عبد الوهاب بن محمد ،عن
حميد (5) .امالي ابن الشيخ (6) .115 :في المصدر :أبو موسى عيسى
بن أحمد بن عيسى المنصوري قال :حدثنى المام على بن محمد قال:
حدثنى أبى محمد بن على إه .ثم ذكر الئمة إلى على عليهم السلم.
] [ 13
يا علي خلقني ال تعالى وأنت من نور ال حين خلق آدم ،فأفرغ ذلك النور في
صلبه ،فأفضى به إلى عبد المطلب ،ثم افترق من عبد المطلب أنا في عبد
ال ،وأنت في أبي طالب ،ل تصلح النبوة إل لي ،ول تصلح الوصية إل لك،
فمن جحد وصيتك جحد نبوتي ،ومن جحد نبوتي كبه ال ) (1على منخريه
في النار - 16 (2) .ما :بإسناده عن أنس بن مالك ) (3قال :قلت للنبي
صلى ال عليه وآله :يا رسول ال علي أخوك ؟ قال :نعم علي أخي ،قلت:
يا رسول ال صف لي كيف علي أخوك ؟ قال :إن ال عز وجل خلق ماء "
تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلثة آلف عام ،وأسكنه في لؤلؤة خضراء
في غامض علمه ) (4إلى أن خلق آدم ،فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من
اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم (5) ،إلى أن قبضه ال ،ثم نقله إلى صلب
شيث ،فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر ) (6حتى صار في عبد
المطلب ،ثم شقه ال عزوجل
) (1في المصدر :أكبه ال (2) .أمالى ابن الشيخ (3) .185 :الحديث مسند في
المصدر أخرجه المصنف مرسل للختصار ،والسناد هكذا :حدثنا الشيخ
السعيد الوالد رحمه ال قال :حدثنا محمد بن على بن خشيش قال :حدثنا
أبو الحسن على بن القاسم ابن يعقوب بن عيسى بن الحسن بن جعفر بن
ابراهيم القيسي الخزاز املء في منزله قال :حدثنا أبو زيد محمد بن
الحسين بن مطاع المسلمى املء ،قال :حدثنا أبو العباس أحمد بن حبر
القواس خال ابن كردى ،قال :حدثنا محمد بن سلمة الواسطي قال :حدثنا
يزيد بن هارون ،قال :حدثنا حماد بن سلمة قال :حدثنا ثابت ،عن أنس بن
مالك .ثم ذكر جمل يتعلق بالفضائل تركه المصنف واورده في موضعه.
قوله) :ابن خشيش( هكذا في مواضع ،وفي مواضع اخر )ابن خنيس(
بالخاء فالنون ثم الياء فالسين وظاهر المصنف في المقدمة أنه ابن
حشيش بالحاء فعلى أي نسبه في المالى 195 :هكذا :محمد بن على بن
خشيش بن نصر بن جعفر بن ابراهيم التميمي (4) .فيه اضطراب
وغموض ظاهر ،ولعل المراد أن محل لؤلؤة خضراء كان مخفيا عن
الملئكة وان كان ظاهرا في غامض علمه .والمراد من غامض علمه علم
لم يكن يظهره لغيره (5) .اجراء الماء في صلب آدم ايضا يحتمل أن
يكون كناية عن الستعداد لخروج تلك النوار منه كما عرفت منه رحمه
ال (6) .في المصدر :من طهر إلى طهر .وفيه :في صلب عبد المطلب.
] [ 14
نصفين :فصار نصفه في أبي عبد ال بن عبد المطلب ،ونصفه في أبي طالب ،فأنا
من نصف الماء وعلي من النصف الخر فعلي أخي في الدنيا والخرة .ثم
قرأ رسول ال صلى ال عليه وآله) :وهو الذي خلق من الماء بشرا "
فجعله نسبا " وصهرا " وكان ربك قديرا "( (1) .اقول :سيأتي الخبار
الكثيرة في بدء خلقه صلى ال عليه وآله في كتاب أحوال أمير المؤمنين
عليه السلم وكتاب المامة - 17 .ع :القطان ،عن ابن زكريا ،عن
البرمكي ،عن عبد ال بن داهر ،عن أبيه ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم :يا مفضل أما علمت أن ال
تبارك وتعالى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله وهو روح إلى النبياء
عليهم السلم وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ؟ قلت :بلى ،قال :أما
علمت أنه دعاهم إلى توحيد ال وطاعته و اتباع أمره ووعدهم الجنة على
ذلك ،وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار ؟ فقلت :بلى .الخبر(2) .
- 18مع :بإسناده عن ابن مسعود ) (3قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلم :لما خلق ال عز ذكره آدم ونفخ فيه
من روحه وأسجد له ملئكته وأسكنه جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه
نحو العرش فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات ،قال آدم :يا رب من هؤلء ؟
قال ال عز وجل له :هؤلء الذين إذا تشفع بهم إلي خلقي شفعتهم فقال
آدم :يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ قال :أما الول فأنا المحمود وهو
محمد ،و
) (1امالي ابن الشيخ 197 :و (2) .198علل الشرائع 65 :والحديث طويل يأتي
في محله (3) .الحديث في المصدر مسند ترك اسناده اختصارا والسناد
هذا :حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفى ،قال :حدثنا فرات
بن ابراهيم الكوفى ،قال حدثنا الحسن بن على بن الحسين بن محمد ،قال:
حدثنا ابراهيم بن الفضل بن جعفر بن على بن ابراهيم بن سليمان بن عبد
ال ابن العباس ،قال :حدثنا الحسن بن على الزعفراني البصري قال:
حدثنا سهل بن بشار )يسارخ ل( قال :حدثنا أبو جعفر محمد بن على
الطالقاني قال :حدثنا محمد بن عبد ال مولى بنى هاشم ،عن محمد ابن
اسحاق ،عن الواقدي ،عن الهذيل )الهذلى خ ل( عن مكحول ،عن
طاوس ،عن ابن مسعود.
] [ 15
الثاني فأنا العالي العلى ) (1وهذا علي ،والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة ،والرابع
فأنا المحسن وهذا حسن ،والخامس فأنا ذو الحسان وهذا حسين ،كل
يحمد ال عز وجل (2) .أقول :سيأتي في ذلك أخبار كثيرة في كتاب
المامة - 19 .ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن محمد بن على بن مهدي
وغيره ،عن محمد بن علي بن عمرو (3) ،عن أبيه ،عن جميل بن صالح،
عن أبي خالد الكابلي ،عن ابن نباتة قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم:
أل إني عبد ال وأخو رسوله ،وصديقه الول ،قد صدقته وآدم بين الروح
والجسد ،ثم إني صديقه الول في امتكم حقا " ،فنحن الولون و نحن
الخرون .الخبر - 20 (4) .فس :أبي ،عن النضر ،عن يحيى الحلبي عن
ابن سنان قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :أول من سبق من الرسل إلى
)بلى( رسول ال صلى ال عليه وآله ،وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى ال
تبارك وتعالى .الخبر - 21 (5) .ع :الصائغ (6) ،عن أحمد الهمداني ،عن
جعفر بن عبيدال ،عن ابن محبوب عن صالح بن سهل ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن بعض قريش قال لرسول ال صلى ال عليه وآله :بأي
شئ سبقت النبياء وفضلت عليهم وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال :إني
كنت أول من أقر بربي جل جلله ،وأول من أجاب ،حيث أخذ ال ميثاق
النبيين ،وأشهدهم
) (1المصدر خال عن قوله :العلى (2) .معاني الخبار (3) .21 :في المصدر:
عمرو بن طريف الحجرى (4) .المجالس والخبار 42 :والحديث طويل.
) (5تفسير القمى (6) .229 :الصائغ كما قال المصنف في الفصل الرابع
من مقدمة الكتاب هو عبد ال بن محمد ،و الموجود في المصدر :الحسن
بن على بن أحمد الصائغ ،فالظاهر أنه وهم فيه.
] [ 16
على أنفسهم :ألست بربكم ؟ قالوا :بلى ،فكنت أول نبي قال )بلى( فسبقتهم إلى
القرار بال عزوجل (1) .ير :ابن محبوب عن صالح مثله (2) .شى :عن
صالح مثله - 22 (3) .ع :ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن أحمد بن
محمد ،عن ابن محبوب ،عن عبد الرحمن بن كثير ،عن داود الرقي ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :لما أراد ال عزوجل أن يخلق الخلق خلقهم
ونشرهم بين يديه ،ثم قال لهم :من ربكم ؟ فأول من نطق رسول ال صلى
ال عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلم والئمة صلوات ال عليهم
أجمعين ،فقالوا :أنت ربنا ،فحملهم العلم والدين ،ثم قال للملئكة :هؤلء
حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي ،وهم المسؤولون ،ثم قال لبني آدم:
) (4أقروا ل بالربوبية ،ولهؤلء النفر بالطاعة والولية ،فقالوا :نعم ربنا
أقررنا ،فقال ال جل جلله للملئكة :اشهدوا ،فقالت الملئكة :شهدنا على
أن ل يقولوا غدا " :إنا كنا عن هذا غافلين ،أو يقولوا :إنما أشرك آباؤنا
من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ،يا داود النبياء
مؤكدة عليهم في الميثاق - 23 (5) .ير :علي بن إسماعيل ،عن محمد بن
إسماعيل ،عن سعدان ،عن صالح بن سهل (6) ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :سئل رسول ال صلى ال عليه وآله بأي شئ سبقت ولد آدم ؟
قال :إني أول من أقر ببلى ،إن ال أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على
أنفسهم :ألست بربكم ؟ قالوا :بلى ،فكنت أول من أجاب(7) .
) (1معاني الخبار 52 :و (2) .53بصائر الدرجات (3) .24 :تفسير العياشي
مخطوط (4) .في المصدر :ثم قيل لبنى آدم (5) .علل الشرائع 50 :وفيه:
والنبياء مؤكدة اه (6) .في المصدر :سعدان بن مسلم ،عن سهل بن
صالح قلت :هو مقلوب ،والرجل هو صالح بن سهل الهمداني الذى رماه
ابن الغضائري بالكذب ووضع الحديث .وتقدم الحديث عنه عن العلل(7) .
بصائر الدرجات.23 :
] [ 17
- 24شى :عن زرارة قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال) :وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم( إلى )قالوا بلى ) ((1قال :كان محمد عليه
وآله السلم أول من قال بلى ) - 25 .(2فس :قال الصادق عليه السلم في
قوله تعالى) :وإذ أخذ ربك من بني آدم( الية ،كان الميثاق مأخوذا "
عليهم ل بالربوبية ،ولرسوله بالنبوة ،ولمير المؤمنين والئمة بالمامة،
فقال :ألست بربكم ،ومحمد نبيكم ،وعلي إمامكم ،والئمة الهادون أئمتكم ؟
فقالوا :بلى ،فقال ال) :أن تقولوا يوم القيامة( أي لئل تقولوا يوم القيامة
)إنا كنا عن هذا غافلين( فأول ما أخذ ال عز وجل الميثاق على النبياء له
بالربوبية وهو قوله) :وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم( فذكر جملة النبياء ثم
أبرز أفضلهم بالسامي ،فقال) :ومنك( يا محمد ،فقدم رسول ال صلى ال
عليه وآله لنه أفضلهم )ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم(
فهؤلء الخمسة أفضل النبياء ،ورسول ال أفضلهم ،ثم أخذ بعد ذلك ميثاق
رسول ال صلى ال عليه وآله على النبياء ) (3باليمان به ،وعلى أن
ينصروا أمير المؤمنين ،فقال) :وإذ أخذ ال ميثاق النبيين لما آتيتكم من
كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم( يعني رسول ال صلى ال
عليه وآله )لتؤمنن به ولتنصرنه( يعني أمير المؤمنين عليه السلم،
تخبروا اممكم بخبره وخبر وليه والئمة ) - 26 .(4ع :أبي ،عن محمد
العطار ،عن الشعري ،عن موسى بن عمر ) ،(5عن ابن سنان ،عن أبي
سعيد القماط ،عن بكير قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم :هل تدري ما
كان الحجر ؟ قال :قلت ل ،قال :كان ملكا " عظيما " من عظماء الملئكة
عند ال عزوجل ،فلما أخذ ال
) (1هكذا في نسخة المصنف وغيره ،والصحيح كما في البرهان ،إلى قوله) :قالوا
بلى( (2) .تفسير العياشي :مخطوط .وقد أخرجه وغيره البحراني في
البرهان (3) .50 :2على النبياء له -خ ل (4) .تفسير القمى 229 :و
،230في المصدر :وخبر وليه من الئمة ،قلت :قوله) :أمير المؤمنين(
تأويل للية ،وال فالظاهر يخالفه ،وعلى أي فالحديث مرسل كما ترى) .
(5في المصدر :موسى بن عمر )عمران خ ل(.
] [ 18
) (1علل الشرائع (2) .148 :في المصدر :حتى أمره ال أن يوصى إلى أفضل
عشيرته من عصبته (3) .الخلئف خ ل (4) .أمالى ابن الشيخ 63 :و
(5) .64في الكافي :الحسين بن عبد ال ،عن محمد بن عيسى ومحمد
بن عبد الرحمن ،وفي مرآة العقول :الحسين بن عبيدال )عبد ال خ ل(
عن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد ال )عبد الرحمن خ ل((*) .
] [ 19
وبحري ،فلم تزل تهللني وتمجدني ،ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة ،فكانت
تمجدني وتقدسني وتهللني ،ثم قسمتها ثنتين ،وقسمت الثنتين ثنتين،
فصارت أربعة :محمد واحد ،وعلي واحد ،والحسن والحسين ثنتان ،ثم
خلق ال فاطمة من نور ابتدأها ) (1روحا " بل بدن ،ثم مسحنا بيمينه )(2
فأفضى نوره فينا ) - 29 .(3كا :الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن عبد
ال بن إدريس ،عن محمد بن سنان قال :كنت عند أبي جعفر الثاني عليه
السلم فأجريت اختلف الشيعة ،فقال :يا محمد إن ال تبارك وتعالى لم يزل
متفردا بوحدانيته ،ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف دهر ،ثم خلق
جميع الشياء فأشهدهم خلقها ) ،(4وأجرى طاعتهم عليها ،وفوض
امورها إليهم ،فهم يحلون ما يشاؤون ،ويحرمون ما يشاؤون ،ولن
يشاؤوا إل أن يشاء ال تبارك وتعالى ) ،(5ثم قال :يا محمد هذه الديانة
التي من تقدمها مرق ،ومن تخلف عنها محق ،ومن لزمها لحق ،خذها
إليك يا محمد ) - 30 .(6ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن رجاء بن يحيى،
عن داود بن القاسم ،عن عبد ال بن الفضل ،عن هارون بن عيسى بن
بهلول ،عن بكار بن محمد بن شعبة ،عن أبيه ،عن بكر بن عبد الملك )،(7
عن علي بن الحسين ،عن أبيه ،عن جده أمير المؤمنين عليهم السلم قال:
) (1هذا يخالف بعض الحاديث السابقة (2) .مسح ال باليمين كناية عن جعلهم ذا
اليمن والبركة (3) .الصول (4) .440 :1أي خلقها بحضرتهم واطلعهم
على أطوار الخلق وأسراره .قوله) :وأجرى( أي أوجب (5) .سيأتي في
المجلد المامة في فصل بيان التفويض ومعانيه شرح من المصنف حول
الحديث ،وسيأتى هنا لك تحقيق حول التفويض (6) .الصول ) .441 :1
(7في إسناد الحديث اختصار ،وتفصيله كما في المصدر هكذا :أخبرنا
جماعة عن أبى المفضل ،قال :أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين
العبرتائى الكاتب ،قال :حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم أبى المفضل ،قال:
حدثنا عبيدال بن الفضل أبو عيسى النبهاني بالقسطاس ،قال :حدثنا
هارون ابن عيسى بن بهلول المصرى الدهان ،قال :حدثنا بكار بن محمد
بن شعبة اليماني ،قال :أبى محمد ابن شعبة الذهلى قاضى اليمامة ،قال:
حدثنى بكر بن الملك العتق البصري.
] [ 20
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يا علي خلق ال الناس من أشجار شتى،
وخلقني وأنت من شجرة واحدة ،أنا أصلها وأنت فرعها ،فطوبى لعبد
تمسك بأصلها ،وأكل من فرعها ) - 31 .(1ما :جماعة ،عن أبي المفضل،
عن عبد ال بن إسحاق بن إبراهيم المدائني ) ،(2عن عثمان بن عبد ال،
عن عبد ال بن لهيعة ،عن أبي الزبير ،عن جابر بن عبد ال قال :بينا
النبي صلى ال عليه وآله بعرفات ،وعلي عليه السلم تجاهه ونحن معه،
إذ أومأ النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم فقال :ادن مني يا
علي ،فدنا منه ،فقال :ضع خمسك -يعني كفك -في كفي ،فأخذ بكفه،
فقال :يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها ،وأنت فرعها ،والحسن
والحسين أغصانها ،فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله ال الجنة ).(3
- 32ما :الغضائري ،عن علي بن محمد العلوي ،عن الحسن بن علي بن
صالح ) ،(4عن الكليني ،عن علي بن محمد ،عن إسحاق بن إسماعيل
النيسابوري ،عن الصادق عليه السلم عن آبائه عليهم السلم ،عن الحسن
بن علي عليه السلم قال :سمعت جدي رسول ال صلى ال عليه وآله
يقول :خلقت من نور ال عزوجل ،وخلق أهل بيتي من نوري ،وخلق
محبيهم من نورهم ،وسائر الخلق في النار ) - 33 .(6) ،(5ما:
الغضائري ،عن علي بن محمد العلوي ،عن عبد ال بن محمد ،عن
الحسين ،عن أبي عبد ال بن أسباط ،عن أحمد بن محمد بن زياد العطار،
عن محمد بن مروان الغزال ،عن عبيد بن يحيى ،عن يحيى بن عبد ال بن
الحسن ،عن جده الحسن بن علي عليه السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :إن في الفردوس لعينا " أحلى من الشهد ،وألين من الزبد،
وأبرد من
) (1المجالس والخبار (2) .34 :في المصدر :عبد ال بن إسحاق بن إبراهيم بن
حماد الخطيب المدائني قال :حدثنا عثمان بن عبد ال أبو عمرو العثمان.
) (3المجالس والخبار (4) .34 :في المصدر :الحسين بن صالح بن
شعيب الجوهرى (5) .في نسخة :من النار (6) .المجالس والخبار.57 :
] [ 21
الثلج ،وأطيب من المسك ،فيها طينة خلقنا ال عزوجل منها ،وخلق شيعتنا منها،
فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ول من شيعتنا ،وهي الميثاق الذي
أخذ ال عز وجل على ولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم
) - 34 .(1كتاب فضائل الشيعة بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال :كنا
جلوسا " مع رسول ال صلى ال عليه وآله إذ أقبل إليه رجل فقال :يا
رسول ال أخبرني عن قول ال عزوجل لبليس) :أستكبرت أم كنت من
العالين( فمن هم يا رسول ال ؟ الذين هم أعلى من الملئكة ؟ فقال رسول
ال صلى ال عليه وآله :أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ،كنا في
سرادق العرش نسبح ال وتسبح الملئكة بتسبيحنا قبل أن يخلق ال
عزوجل آدم بألفي عام ) ،(2فلما خلق ال عز وجل آدم أمر الملئكة أن
يسجدوا له ،ولم يأمرنا بالسجود ،فسجدت الملئكة كلهم إل إبليس فإنه أبى
أن يسجد ،فقال ال تبارك وتعالى) :أستكبرت أم كنت
) (1المجالس والخبار ،57 :في المصدر :أخذ ال عليه ولية ،وفي ذيل الحديث:
قال عبيد :فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث ،فقال :صدقك يحيى بن
عبد ال ،هكذا أخبرني أبى ،عن جدى ،عن أبيه ،عن النبي صلى ال عليه
وآله ،قال عبيد :قلت :أشتهى أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير ،قال:
نعم ،أخبرني أبى ،عن جدى ،عن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :إن
ل تعالى ملكا رأسه تحت العرش ،وقدماه في تخوم الرض السابعة
السفلى ،بين عينيه راحة أحدكم ،فإذا أراد ال عز وجل أن يخلق خلقا
على ولية على بن أبى طالب عليه السلم أمر ذلك الملك فأخذ من تلك
الطينة فرمى بها في النطفة ،حتى تصير إلى الرحم ،منها يخلق وهى
الميثاق والسلم إنتهى قلت :قوله :لمحمد بن الحسين ،قد سقط )على(
من البين في الطبع ،والصحيح لمحمد بن على بن الحسين عليهم السلم،
وقد ذكر الحديث تارة اخرى في المالى 194 :باسناده عن أبى منصور
السكرى ،عن جده علي بن عمر ،عن ابي العباس اسحاق بن مروان
القطان ،عن ابيه عبيد بن مهران العطار ،عن يحيى بن عبد ال بن
الحسن عن أبيه وعن جعفر بن محمد عليه السلم ،وفي ذيله :قال عبيد:
فذكرت ذلك لمحمد بن علي بن الحسين بن على عليهم السلم هذا الحديث
إه .قوله :إن في الجنة اه( يخالف الحديث الول وغيره حيث أن الحديث
الول يدل على أن خلقهم كان قبل الجنة والنار ،ولعله يحمل على الخلق
في بعض مراتب الوجود ،فالول يدل على الخلق في عالم النوار،
والثانى على خلق طينتهم ومادتهم بعد ما خلق أنوارهم من قبل (2) .هذا
ل ينافى ما تقدم في الحديث الول من أن نور محمد صلى ال عليه وآله
خلق قبل آدم وقبل العرش بآلف سنة ،لن نوره انتقل إلى سرادق العرش
بعد خلق العرش ،وليس في الحديث )إنا خلقنا( بل فيه) :كنا(.
] [ 22
من العالين( أي من هؤلء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش )35 .(1
-ير :ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن بشر بن أبي عقبة ) ،(2عن أبي
جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم قال :إن ال خلق محمدا من طينة من
جوهرة تحت العرش ،وإنه كان لطينته نضح ) ،(3فجبل طينة أمير
المؤمنين عليه السلم من نضح طينة رسول ال صلى ال عليه وآله،
وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلم نضح فجبل طينتنا من نضح طينة
أمير المؤمنين عليه السلم ) ،(4وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من
نضح طينتنا ،فقلوبهم تحن إلينا ) ،(5وقلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد
على الولد ،ونحن خير لهم ،وهم خير لنا ،ورسول ال صلى ال عليه وآله
لنا خير ونحن له خير ) - 36 .(6ير :محمد بن حماد ،عن أخيه أحمد ،عن
إبراهيم بن عبد الحميد ،عن أبيه ،عن أبي الحسن الول عليه السلم قال:
سمعته يقول :خلق ال النبياء والوصياء يوم الجمعة ،وهو اليوم الذي
أخذ ال ميثاقهم ،وقال :خلقنا نحن وشيعتنا من طينة مخزونة ل يشذ منها
شاذ إلى يوم القيامة ) - 37 .(7ير :احمد بن موسى ،عن الحسن بن
موسى ،عن علي بن حسان ،عن عبد الرحمن بن كثير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن ال عز وجل خلق محمدا وعترته من طينة العرش )
(8فل ينقص منهم واحد ،ول يزيد منهم واحد ) - 38 .(9ير :بعض
أصحابنا ،عن محمد بن الحسين ،عن عثمان بن عيسى ،عن عبد الرحمن
) (1فضائل الشيعة :مخطوط (2) .في المصدر :عن شيخ من أهل المدائن يسمى
بشر إه (3) .النضح :رشاش الماء (4) .في المصدر :من فضل طينة
أمير المؤمنين عليه السلم (5) .أي تشتاق إلينا (6) .بصائر الدرجات:
(7) .5بصائر الدرجات (8) .6 :هذا ل ينافي خلقهم قبل العرش ،لن ذلك
يحمل على خلق مادتهم ل أنوارهم (9) .بصائر الدرجات.6 :
] [ 23
ابن الحجاج قال :إن ال تبارك وتعالى خلق محمدا " وآل محمد من طينة عليين،
وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك .الخبر ) - 39 .(1ك :العطار ،عن أبيه،
عن الشعري ،عن ابن أبي الخطاب ،عن أبي سعيد الغضنفري ) ،(2عن
عمرو بن ثابت ،عن أبي حمزة قال :سمعت علي بن الحسين عليهما
السلم يقول :إن ال عز وجل خلق محمدا " وعليا " والئمة الحد عشر
من نور عظمته أرواحا " في ضياء نوره ) ،(3يعبدونه قبل خلق الخلق،
يسبحون ال عز وجل ويقدسونه ،وهم الئمة الهادية من آل محمد صلوات
ال عليهم أجمعين ) - 40 .(4ك :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن محمد بن
الحسين بن زيد ،عن الحسن بن موسى ،عن علي بن سماعة ،عن علي بن
الحسن بن رباط ،عن أبيه ،عن المفضل ،قال :قال الصادق عليه السلم:
إن ال تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا " قبل خلق الخلق بأربعة عشر
ألف عام ،فهي أرواحنا ،فقيل له :يا ابن رسول ال ومن الربعة عشر ؟
فقال :محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والئمة من ولد الحسين،
آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ،ويطهر الرض من كل
جور وظلم ) - 41 .(5من رياض الجنان لفضل ال بن محمود الفارسي
بإسناده إلى جابر الجعفي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :يا جابر كان ال
ول شئ غيره ،ل معلوم ول مجهول ،فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق
محمدا صلى ال عليه وآله ،وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته ،فأوقفنا
أظلة خضراء بين يديه ،حيث ل سماء ول أرض ول مكان ،ول ليل ول
نهار ،ول شمس ول قمر ،الخبر ).(6
) (1بصائر الدرجات (2) .5 :في المصدر :العصفرى ،وروى الحديث الكليني في
اصول الكافي باب ما جاء في الثنى عشر 530 :1باسناده عن محمد بن
يحيى العطار وفيه :العصفوري (3) .في الكافي :من نور عظمته ،فاقامهم
أشباحا في ضياء نوره (3) .في الكافي :من نور عظمته ،فاقامهم أشباحا
" في ضياء نوره (4) .كمال الدين (5) .184 :كمال الدين 192 :و .193
) (6رياض الجنان :مخطوط.
] [ 24
- 42وروى أحمد بن حنبل بإسناده عن رسول ال صلى ال عليه وآله إنه قال:
كنت أنا وعلي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر
ألف عام ) - 43 .(1وعن جابر بن عبد ال قال :قلت لرسول ال صلى ال
عليه وآله :أول شئ خلق ال تعالى ما هو ؟ فقال :نور نبيك يا جابر ،خلقه
ال ثم خلق منه كل خير ) - 44 .(2وعن جابر أيضا قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :أول ما خلق ال نوري ،ابتدعه من نوره ،واشتقه من
جلل عظمته ) .(3أقول :سيأتي تمام هذه الخبار مع سائر الخبار الواردة
في بدء خلقهم عليهم السلم في كتاب المامة - 45 .كا :علي بن محمد،
عن سهل بن زياد ،عن محمد بن علي بن إبراهيم ،عن علي ابن حماد ،عن
المفضل قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :كيف كنتم حيث كنتم في
الظلة ؟ فقال :يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة
خضراء ،نسبحه ونقدسه و نهلله ونمجده ،وما من ملك مقرب ولذي روح
غيرنا حتى بدا له في خلق الشياء ،فخلق ما شاء كيف شاء من الملئكة
وغيرهم ،ثم أنهى ) (4علم ذلك إلينا ) - 46 .(5كا :احمد بن إدريس ،عن
الحسين بن عبد ال الصغير .عن محمد بن إبراهيم الجعفري ،عن أحمد بن
علي بن محمد بن عبد ال بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلم ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال كان إذ ل كان ،فخلق الكان والمكان،
وخلق نور النوار الذي نورت منه النوار ،وأجرى فيه من نوره الذي
نورت منه النوار ،وهو النور الذي خلق منه محمدا " وعليا " ،فلم يزال
نورين أولين إذ ل شئ كون قبلهما ،فلم يزال يجريان طاهرين مطهرين في
الصلب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد ال وأبي طالب
عليهما السلم ).(6
) (3 - 1رياض الجنان :مخطوط (4) .أي أعلمنا به (5) .الصول (6) .441 :1
الصول 441 :1و .442
] [ 25
بيان .قوله) :إذ ل كان( لعله مصدر بمعنى الكون كالقال والقول ،والمراد به
الحدوث ،أي لم يحدث شئ بعد ،أو هو بمعنى الكائن ،ولعل المراد بنور
النوار أول " نور النبي صلى ال عليه وآله ،إذ هو منور أرواح الخلئق
بالعلوم والهدايات والمعارف ،بل سبب لوجود الموجودات ،وعلة غائية
لها ،وأجرى فيه ،أي في نور النوار ،من نوره ،أي من نور ذاته ،من
إفاضاته وهداياته التي نورت منها جميع النوار حتى نور النوار المذكور
أول " .قوله) :وهو النور الذي( أي نور النوار المذكور أول " ،وال يعلم
أسرار أهل بيت نبيه صلوات ال عليهم - 47 .كا :أحمد بن إدريس ،عن
الحسين بن عبد ال ،عن محمد بن عبد ال ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل ،عن جابر بن يزيد قال :قال لي أبو جعفر عليه السلم :يا جابر إن
ال أول ما خلق خلق محمدا " وعترته الهداة المهتدين ،فكانوا أشباح نور
بين يدي ال ،قلت :وما الشباح ؟ قال :ظل النور ،أبدان نورانية بل
أرواح ،وكان مؤيدا " بروح واحد ) (1وهي روح القدس ،فبه كان يعبد
ال وعترته ،ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء ،يعبدون ال بالصلة
والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ،ويصلون الصلوات ،ويحجون
ويصومون ) .(2بيان :قوله عليه السلم) :أشباح نور( لعل الضافة
بيانية ،أي أشباحا " نورانية ،والمراد إما الجساد المثالية ،فقوله) :بل
أرواح( لعله أراد به بل أرواح حيوانية ،أو الرواح بنفسها ،سواء كانت
مجردة أو مادية ،لن الرواح إذا لم تتعلق بالبدان فهي مستقلة بنفسها،
أرواح من جهة وأجساد من جهة ،فهي أبدان نورانية لم تتعلق بها أرواح
آخر ،و ظل النور أيضا إضافته بيانية ،وتسمى عالم الرواح والمثال بعالم
الظلل ،لنها ظلل تلك العالم وتابعة لها ،أو لنها لتجردها أو لعدم كثافتها
شبيهة بالظل ،وعلى الحتمال الثاني يحتمل أن تكون الضافة لمية ،بأن
يكون المراد بالنور نور ذاته تعالى ،فإنها من آثار تلك النور ،والمعنى
دقيق فتفطن.
) (1في المصدر :بروح واحدة (2) .الصول (*) .442 :1
] [ 26
- 48اقول :قال الشيخ أبو الحسن البكري استاد الشهيد الثاني ) (1قدس ال
روحهما في كتابه المسمى بكتاب النوار :حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة
لهذا الحديث عن أبي عمر النصاري سألت عن كعب الحبار ) (2ووهب
بن منبه وابن عباس قالوا جميعا " :لما أراد ال أن يخلق محمدا " صلى
ال عليه وآله قال لملئكته :إني اريد أن أخلق خلقا " أفضله واشرفه على
الخلئق أجمعين ،وأجعله سيد الولين والخرين ،واشفعه فيهم يوم الدين،
فلوله مازخرفت الجنان ،ول سعرت النيران ،فاعرفوا محله ،وأكرموه
لكرامتي ،وعظموه لعظمتي (3) ،فقالت الملئكة :إلهنا وسيدنا وما
اعتراض العبيد على مولهم ؟ ! ) (4سمعنا وأطعنا ،فعند ذلك أمر ال
تعالى جبرئيل ) (5وملئكة الصفيح العلى وحملة العرش فقبضوا تربة
رسول ال صلى ال عليه وآله من
) (1اسمه أحمد بن عبد ال على ما في الرياض وكشف الظنون ،أو أحمد بن عبد
ال بن محمد على ما في لسان الميزان ،وقد استشكل في صحة نسبة
كتاب النوار إلى أبى الحسن البكري استاذ الشهيد الثاني لمور - 1 :ما
حكى صاحب الرياض عن بعض المؤرخين أنه رأى نسخة عتيقة منه
تاريخ كتابتها - 2 ،696 :ما حكى عن ابن تيمية المتوفى سنة 728أنه
ذكر في كتاب منهاج السنة أن أبا الحسن البكري مؤلف النوار كان
أشعرى المذهب ،وعن السمهودى في كتابه تاريخ المدينة المؤلف888 :
أن سيرة أبى الحسن البكري البطلن والكذب ،قد ترجم ابن حجر المتوفى
852أبا الحسن البكري وعد من كتبه كتاب ضياء النوار ،فعلى ذلك
فكيف يمكن القول بأنه من مشايخ الشهيد الثاني المستشهد سنة ،966
ولذا حكم بتعدد أبى الحسن البكري أحدهما صاحب النوار ،ثانيهما
المترجم في شذرات الذهب بعنوان علء الدين أبى الحسن على بن جلل
الدين محمد البكري الصديقى الشافعي المحدث المتوفى بالقاهرة سنة
952وهو استاذ الشهيد الثاني فتأمل وراجع الذريعة 409 :2و 410
وأعيان الشيعة :الجزء التاسع .37 - 33 :قلت :ونسخة من كتاب النوار
هذا عندنا موجودة (2) .بالحاء المهملة ،هو كعب بن ماتع الحميرى أبو
اسحاق ،مخضرم ،كان من أهل اليمن فسكن الشام ومات في خلفة
عثمان وقد زاد على المائة (3) .في المصدر :و عظموه لتعظيمي(4) .
في المصدر بعد ذلك :نعوذ بجللك أن نعصيك ،سمعنا إه (5) .في
المصدر :أمر ال تعالى طاؤوس الملئكة وهو جبرئيل أن يأتيه بالطينة
المباركة ،فهبط جبرئيل وملئكة الصفيح العلى إه .قلت :الصفيح:
السماء.
] [ 27
) (1في المصدر :فقبضوا القبضة من تربة نقية طاهرة (2) .في المصدر :وعرفت
الملئكة فضله (3) .النشيش :الصوت (4) .في المصدر :والسعيد من
تبعه وأطاعه ،والشقى من خالفه (5) .في المصدر :ول تودعه ال في
الصلب الطاهرة ،قال آدم :سمعت وأطعت وقبلت العهد والميثاق ،فل
أودعه إل في الصلب الطاهرة من الرجال ،والرحام المطهرة الزكية من
النساء الطاهرات الحافظات العفيفات ،فقال آدم عليه السلم إه(6) .
النسخة المخطوطة من المصدر خال عن قوله :فروى إلى ما يأتي بعد
صفحات من قصة ميلد شيث عليه السلم ،فالحديث فيه هكذا :فل يزال
نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرة آدم عليه السلم حتى حملت
حواء بشيث.
] [ 28
ما خلق نور حبيبه محمد صلى ال عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي
والسماوات والرض و اللوح والقلم والجنة والنار والملئكة وآدم وحواء
بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام ،فلما خلق ال تعالى نور نبينا محمد
صلى ال عليه وآله بقي ألف عام بين يدي ال عز وجل واقفا " يسبحه
ويحمده ،والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول :يا عبدي أنت المراد
والمريد ،وأنت خيرتي من خلقي ،وعزتي وجللي لولك ما خلقت الفلك،
من أحبك أحببته ،ومن أبغضك أبغضته ،فتلل نوره وارتفع شعاعه ،فخلق
ال منه اثني عشر حجابا " أولها حجاب ،القدرة ،ثم حجاب العظمة ،ثم
حجاب العزة ،ثم حجاب الهيبة ،ثم حجاب الجبروت ،ثم حجاب الرحمة ،ثم
حجاب النبوة ،ثم حجاب الكبرياء ) ،(1ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة،
ثم حجاب السعادة ،ثم حجاب الشفاعة ،ثم إن ال تعالى أمر نور رسول ال
صلى ال عليه وآله أن يدخل في حجاب القدرة فدخل وهو يقول) :سبحان
العلي العلى( وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام ،ثم أمره أن يدخل في
حجاب العظمة فدخل وهو يقول) :سبحان عالم السر وأخفى( أحد عشر
ألف عام ،ثم دخل في حجاب العزة وهو يقول) :سبحان الملك المنان(
عشرة آلف عام ،ثم دخل في حجاب الهيبة وهو يقول) :سبحان من هو
غني ل يفتقر( تسعة آلف عام ،ثم دخل في حجاب الجبروت وهو يقول:
)سبحان الكريم الكرم( ثمانية آلف عام ،ثم دخل في حجاب الرحمة وهو
يقول) :سبحان رب العرش العظيم( سبعة آلف عام ،ثم دخل في حجاب
النبوة وهو يقول) :سبحان ربك رب العزة عما يصفون( ستة آلف عام ،ثم
دخل في حجاب الكبرياء و هو يقول) :سبحان العظيم العظم( خمسة آلف
عام ،ثم دخل في حجاب المنزلة وهو يقول) :سبحان العليم الكريم( أربعة
آلف عام ،ثم دخل في حجاب الرفعة وهو يقول) :سبحان ذى الملك
والملكوت( ثلثة آلف عام ،ثم دخل في حجاب السعادة وهو يقول:
)سبحان من يزيل الشياء ول يزول( ألفي عام ،ثم دخل في حجاب الشفاعة
وهو يقول) :سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم( ألف عام.
] [ 29
قال المام علي بن ابي طالب عليه السلم :ثم إن ال تعالى خلق من نور محمد
صلى ال عليه وآله عشرين بحرا " من نور ،في كل بحر علوم ل يعلمها
إل ال تعالى ،ثم قال لنور محمد صلى ال عليه وآله :أنزل في بحر العز
فنزل ،ثم في بحر الصبر ،ثم في بحر الخشوع ،ثم في بحر التواضع ،ثم في
بحر الرضا ،ثم في بحر الوفاء ،ثم في بحر الحلم ،ثم في بحر التقى ،ثم في
بحر الخشية ،ثم في بحر النابة ،ثم في بحر العمل ،ثم في بحر المزيد ،ثم
في بحر الهدى ،ثم في بحر الصيانة ،ثم في بحر الحياء ،حتى تقلب في
عشرين بحرا " ،فلما خرج من آخر البحر قال ال تعالى :يا حبيبي ويا
سيد رسلي ،ويا أول مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت الشفيع يوم المحشر،
فخر النور ساجدا " ،ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف
وأربعة وعشرين ألف قطرة ،فخلق ال تعالى من كل قطرة من نوره نبيا "
من النبياء ،فلما تكاملت النوار صارت تطوف حول نور محمد صلى ال
عليه وآله كما تطوف الحجاج حول بيت ال الحرام ،وهم يسبحون ال
ويحمدونه ويقولون) :سبحان من هو عالم ل يجهل ،سبحان من هو حليم
ل يعجل ،سبحان من هو غني ل يفتقر( فناداهم ال تعالى :تعرفون من
أنا ؟ فسبق نور محمد صلى ال عليه وآله قبل النوار ونادى) :أنت ال
الذي ل إله إل أنت ،وحدك ل شريك لك ،رب الرباب ،وملك الملوك( فإذا
بالنداء من قبل الحق :أنت صفيي ،وأنت حبيبي ،وخير خلقي ،امتك خير
امة اخرجت للناس ،ثم خلق من نور محمد صلى ال عليه وآله جوهرة،
وقسمها قسمين ،فنظر إلى القسم الول بعين الهيبة فصار ماء عذبا ،ونظر
إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منها ) (1العرش فاستوى على وجه
الماء ،فخلق الكرسي من نور العرش ،وخلق من نور الكرسي اللوح،
وخلق من نور اللوح القلم ،وقال له :اكتب توحيدي ،فبقي القلم ألف عام
سكران من كلم ال تعالى ،فلما أفاق قال :اكتب ،قال :يا رب وما أكتب ؟
قال :اكتب) :لإله إل ال ،محمد رسول ال( فلما سمع القلم اسم محمد
صلى ال عليه وآله خر ساجدا " ،وقال :سبحان الواحد القهار ،سبحان
العظيم العظم ،ثم رفع رأسه من السجود وكتب) :ل إله إل ال ،محمد
رسول ال( ثم قال :يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره
بذكرك ؟ قال ال تعالى له :يا قلم فلوله ما خلقتك ،ول خلقت خلقي إل
لجله ،فهو بشير ونذير،
] [ 30
وسراج منير ،وشفيع وحبيب ،فعند ذلك انشق القلم من حلوة ذكر محمد صلى ال
عليه وآله ،ثم قال القلم :السلم عليك يا رسول ال ،فقال ال تعالى :وعليك
السلم مني ورحمة ال وبركاته ،فلجل هذا صار السلم سنة ،والرد
فريضة ،ثم قال ال تعالى :اكتب قضائي وقدري ،وما أنا خالقه إلى يوم
القيامة ،ثم خلق ال ملئكة يصلون على محمد وآل محمد ،ويستغفرون
لمته إلى يوم القيامة ،ثم خلق ال تعالى من نور محمد صلى ال عليه
وآله الجنة ،وزينها بأربعة أشياء :التعظيم ،والجللة ،والسخاء ،والمانة،
وجعلها لوليائه وأهل طاعته ،ثم نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة
فذابت ،فخلق من دخانها السماوات ،ومن زبدها الرضين ،فلما خلق ال
تبارك وتعالى الرض صارت تموج بأهلها كالسفينة ،فخلق ال الجبال
فأرساها ) (1بها ،ثم خلق ملكا " من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت
الرض ،ثم لم يكن لقدمي الملك قرار فخلق ال صخرة عظيمة وجعلها
تحت قدمي الملك ،ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا " عظيما " لم
يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه ،حتى لو وضعت البحار كلها
في إحدى منخريه ما كانت إل كخردلة ملقاة في أرض فلة ،فدخل الثور
تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه ،واسم ذلك الثور لهوتا ،ثم لم
يكن لذلك الثور قرار فخلق ال له حوتا " عظيما " ،واسم ذلك الحوت به
موت .فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت )،(2
فالرض كلها على كاهل الملك ،والملك على الصخرة،
) (1من أرسى الوتد في الرض :ضربه فيها ،وذلك إشارة إلى قوله تعالى:
)والجبال أوتادا( ،أو المعنى أثبتها به ،كما يثبت السفينة بالدسر
والمسامير لئل تنفسخ أجزاؤها .وتتفرق كل جزء منها في الجو (2) .قد
ورد هذا التفصيل في أخبار من العامة ،ولعل مصنف النوار أخذه من
طريقهم ،وهو يخالف العلم الحاصل لنا من القرآن العظيم وأخبار النبي
والولى عليهم صلوات ال وسلمه و غيرهما الذى يدل على أن الرض
قائمة بنفسها غير محمولة ول موضوعة على شئ ،تتحرك في الفضاء،
كما يشير إليه قوله تعالى) :والجبال أوتادا( إذ لو كانت مثبتة على شئ
لما احتاجت إلى وتد ،وكقوله تعالى) :وألقى في الرض رواسي أن تميد
بكم( أو )أن تميد بهم( كما في سورة النبياء وكقوله تعالى) :ألم نجعل
الرض مهادا " والجبال أوتادا "( وغير ذلك من اليات الدالة على ذلك،
وكقول النبي صلى ال عليه وآله وسلم) :نور السماوات والرضين
وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقهما فاستقرت الرضون بأوتادها
فوق الماء( وقال في دعاء وداع شهر رمضان) :وبسط الرض < -
] [ 31
والصخرة على الثور ،والثور على الحوت ،والحوت على الماء ،والماء على
الهواء ،والهواء على الظلمة ،ثم انقطع علم الخلئق عما تحت الظلمة ،ثم
خلق ال تعالى العرش من ضياءين :أحدهما الفضل والثاني العدل ،ثم أمر
الضياءين فانتفسا بنفسين ،فخلق منهما أربعة أشياء :العقل والحلم والعلم
والسخاء ،ثم خلق من العقل الخوف ،وخلق من العلم الرضا ،ومن الحلم
المودة ،ومن السخاء المحبة ،ثم عجن هذه الشياء في طينة محمد صلى
ال عليه وآله ،ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امة محمد صلى ال
عليه وآله ،ثم خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء
والظلم وسائر الملئكة من نور محمد صلى ال عليه وآله ،فلما تكاملت
النوار سكن نور محمد تحت العرش ثلثة وسبعين ألف عام ،ثم انتقل
نوره إلى الجنة فبقي سبعين ألف عام ،ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي
سبعين ألف عام ،ثم انتقل نوره إلى السماء السابعة ،ثم إلى السماء
السادسة ،ثم إلى السماء الخامسة ،ثم إلى السماء الرابعة ،ثم إلى السماء
الثالثة ،ثم إلى السماء الثانية ،ثم إلى السماء الدنيا ،فبقي نوره في السماء
الدنيا إلى أن أراد ال تعالى أن يخلق آدم عليه السلم أمر جبرئيل عليه
السلم أن ينزل إلى الرض ويقبض منها قبضة ،فنزل جبرئيل فسبقه
اللعين إبليس فقال للرض :إن ال تعالى يريد أن يخلق منك خلقا " ويعذبه
بالنار ،فإذا أتتك ملئكته فقولي :أعوذ بال منكم أن تأخذوا مني شيئا يكون
للنار فيه نصيب ) ،(1فجاءها جبرئيل عليه السلم فقالت :إني اعوذ بالذي
أرسلك أن تأخذ مني شيئا " ،فرجع جبرئيل ولم يأخذ منها شيئا " ،فقال:
يا رب قد استعاذت بك مني فرحمتها ،فبعث ميكائيل فعاد كذلك ،ثم أمر
إسرافيل فرجع كذلك،
> -على الماء بل أركان( وقال على عليه السلم عند توصيفه خلق الرض:
)وأرساها على غير قرار ،وأقامها بغير قوائم ،ورفعها بغير دعائم( إلى
غير ذلك مما يدل عليه ،وعلى أن الرض متحركة فان ذلك كله ينافى
استقرار الرض على جرم ،ولذا ترى أن العلماء يؤولون هذا الخبر
ونحوه و يصرفونه عن ظاهره بما يأتي في محله ،فعلى أي فالحديث يدل
إجمال على أن للرض قوة تجذبها عن السقوط ،وأن لها حركة كحركة
الحوت في الماء .والتعبير بالثور وغيره لو صح الحديث عنهم عليهم
السلم رمز وإشارات إلى معان هم أعلم بها (1) .ل يخلو ذلك عن غرابة،
لن المعروف أن الشيطان لم يكن قبل آدم عليه السلم ضال مضل مخالفا
لما يعلم أن ال يريده ،إل أن يكون ذلك للشفقة على الرض ،ل لمخالفة
ال سبحانه.
] [ 32
فبعث عزرائيل فقال :وأنا أعوذ بعزة ال أن أعصي له أمرا " ،فقبض قبضة من
أعلها و أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها ) ،(1فلذلك
اختلفت أخلقهم وألوانهم ،فمنهم البيض والسود والصفر ،فقال له
تعالى :ألم تتعوذ منك الرض بي ،فقال :نعم ،لكن لم ألتفت له فيها،
وطاعتك يا مولي أولى من رحمتي لها ،فقال له ال تعالى :لم ل رحمتها
كما رحمها أصحابك ؟ قال :طاعتك أولى ،فقال :اعلم أني اريد أن أخلق
منها خلقا " أنبياء وصالحين وغير ذلك ،وأجعلك القابض لرواحهم ،فبكى
عزرائيل عليه السلم فقال له الحق تعالى :ما يبكيك ؟ قال :إذا كنت كذلك
كرهوني هؤلء الخلئق ،فقال :ل تخف إني أخلق لهم علل فينسبون
الموت إلى تلك العلل ،ثم بعد ذلك أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن
يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصل " ،فأقبل جبرئيل عليه السلم
ومعه الملئكة الكروبيون والصافون والمسبحون ،فقبضوها من موضع
ضريحه وهي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الرض ،فأخذها جبرئيل
من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم ) (2وماء التعظيم وماء التكريم وماء
التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو ،فخلق من الهداية رأسه،
ومن الشفقة صدره ،ومن السخاء كفيه ،ومن الصبر فؤاده ،ومن العفة
فرجه ،ومن الشرف قدميه ،ومن اليقين قلبه ،ومن الطيب أنفاسه ،ثم
خلطها بطينة آدم عليه السلم ،فلما خلق ال تعالى آدم عليه السلم أوحى
إلى الملئكة) :إني خالق بشرا " من طين فإذا سويته ونفخت فيه من
روحي فقعوا له ساجدين( فحملت الملئكة جسد آدم عليه السلم ووضعوه
على باب الجنة وهو جسد ل روح فيه ،والملئكة ينتظرون متى يؤمرون
بالسجود ،وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر ،ثم إن ال تعالى أمر الملئكة
بالسجود لدم عليه السلم فسجدوا إل إبليس لعنه ال ،ثم خلق ال بعد ذلك
الروح وقال لها :ادخلي في هذا الجسم ،فرأت الروح مدخل " ضيقا "
فوقفت ،فقال لها :ادخلي كرها " ،واخرجي كرها " ،قال :فدخلت الروح
في اليافوخ ) (3إلى العينين ،فجعل ينظر إلى نفسه ،فسمع تسبيح
) (1أي الينها (2) .تسنيم قيل :هو عين في الجنة رفيعة القدر ،وفسره في القرآن
بقوله) :عينا يشرب بها المقربون( (3) .اليافوخ واليأفوخ :الموضع
الذى يتحرك من رأس الطفل ،وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها
وأعلها ل يلبث أن تلتقي فيه العظام(*) .
] [ 33
الملئكة ،فلما وصلت إلى الخياشيم عطس آدم عليه السلم ،فأنطقه ال تعالى
بالحمد ،فقال :الحمد ل ،وهي أول كلمة قالها آدم عليه السلم ،فقال الحق
تعالى :رحمك ال يا آدم ،لهذا ) (1خلقتك ،وهذا لك ولولدك أن قالوا مثل ما
قلت ،فلذلك صار تسميت العاطس ) (2سنة ،ولم يكن على إبليس أشد من
تسميت العاطس ،ثم إن آدم عليه السلم فتح عينيه فرأى مكتوبا " على
العرش) :ل إله إل ال ،محمد رسول ال( فلما وصلت الروح إلى ساقه قام
قبل أن تصل إلى قدميه فلم يطق فلذلك قال تعالى) :خلق النسان من
عجل( .قال الصادق عليه السلم :كانت الروح في رأس آدم عليه السلم
مائة عام ،وفي صدره مائة عام ،وفي ظهره مائة عام ،وفي فخذيه مائة
عام ،وفي ساقيه وقدميه مائة عام ) ،(3فلما استوى آدم عليه السلم قائما
" أمر ال الملئكة بالسجود ،وكان ذلك بعد الظهر يوم الجمعة ،فلم تزل
في سجودها إلى العصر ،فسمع آدم عليه السلم من ظهره نشيشا "
كنشيش الطير ،وتسبيحا " و تقديسا " ،فقال آدم :يا رب وما هذا ؟ قال :يا
آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد الولين و الخرين ،ثم إن ال تبارك
وتعالى خلق من ضلعه العوج ) (4حواء وقد أنامه ال تعالى ،فلما انتبه
رآها عند رأسه ،فقال :من أنت ؟ قالت :أنا حواء ،خلقني ال لك ،قال :ما
أحسن خلقتك ! فأوحى ال إليه :هذه أمتي حواء وأنت عبدي آدم ،خلقتكما
لدار اسمها جنتي ،فسبحاني واحمداني ،يا آدم اخطب حواء مني وادفع
مهرها إلي ،فقال آدم :وما مهرها يا رب ؟ قال :تصلي على حبيبي محمد
صلى ال عليه وآله عشر مرات ،فقال آدم :جزاؤك يا رب على ذلك الحمد
والشكر ما بقيت ،فتزوجها على ذلك ،وكان القاضي الحق ،و العاقد
جبرئيل ،والزوجة حواء ،والشهود الملئكة ،فواصلها ،وكانت الملئكة
يقفون من وراء آدم عليه السلم ،قال آدم عليه السلم :لي شئ يا رب
تقف الملئكة من ورائي ؟ فقال:
) (1أي للرحمة بك (2) .تسميت العاطس :الدعاء له بقوله :يرحمك ال أو نحوه) .
(3الحديث منفرد بذلك التفصيل ،وقد تقدم أخبار آدم عليه السلم في
المجلد 11ولم يكن فيه هذا التفصيل (4) .تقدمت روايات فيما خلقت
حواء منه والخلف فيه .راجع ج 11ص 116وقبله و ص .222
] [ 34
لينظروا إلى نور ولدك محمد صلى ال عليه وآله ،قال :يا رب اجعله أمامي حتى
تستقبلني الملئكة ،فجعله في جبهته ،فكانت الملئكة تقف قدامه صفوفا،
ثم سأل آدم عليه السلم ربه أن يجعله في مكان يراه آدم ،فجعله في
الصبع السبابة ،فكان نور محمد صلى ال عليه وآله فيها ،ونور علي
عليه السلم في الصبع الوسطى ،وفاطمة عليها السلم في التي تليها،
والحسن عليه السلم في الخنصر ،والحسين عليه السلم في البهام،
وكانت أنوارهم كغرة الشمس في قبة الفلك ،أو كالقمر في ليلة البدر ،وكان
آدم عليه السلم إذا أراد أن يغشي حواء يأمرها أن تتطيب وتتطهر ،ويقول
لها :يا حواء ال يرزقك هذا النور ويخصك به ،فهو وديعة ال وميثاقه،
فلم يزل نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرة آدم عليه السلم حتى
حملت حواء بشيث ،وكانت الملئكة يأتون حواء ويهنؤنها ،فلما وضعته
نظرت بين عينيه إلى نور رسول ال صلى ال عليه وآله يشتعل اشتعال
" ،ففرحت بذلك ،وضرب جبرئيل عليه السلم بينها وبينه حجابا " من
نور ) (1غلظه مقدار خمسمأة عام ،فلم يزل محجوبا " محبوسا " حتى
بلغ شيث عليه السلم مبالغ الرجال (2) ،والنور يشرق في غرته(3) ،
فلما علم آدم عليه السلم أن ولده شيث بلغ مبالغ الرجال قال له :يا بني
إني مفارقك عن قريب ،فادن مني حتى آخذ عليك العهد والميثاق كما أخذه
ال تعالى على من قبلك ،ثم رفع آدم عليه السلم رأسه نحو السماء وقد
علم ال ما أراد ،فأمر ال الملئكة أن يمسكوا عن التسبيح ولفت )(4
أجنحتها ،وأشرفت سكان الجنان من غرفاتها ،وسكن صرير أبوابها،
وجريان أنهارها ،وتصفيق أوراق أشجارها ،وتطاولت لستماع ما يقول
آدم عليه السلم ،ونودي :يا آدم قل ما أنت قائل ،فقال آدم عليه السلم:
اللهم رب القدم قبل النفس ،ومنير القمر والشمس ،خلقتني كيف شئت ،وقد
أودعتني هذا النور الذي أرى منه التشريف والكرامة ) ،(5وقد صار
) (1في المصدر :فضرب جبرئيل بينها وبين ابليس حجابا من نور غلظه خمسمأة
عام ،فلم يزل ابليس محجوبا اه وكذا في اثبات الوصية (2) .في المصدر
وفي اثبات الوصية :حتى بلغ شيث سبع سنين (3) .في المصدر :من
غرته إلى السماء (4) .في المصدر :فأمر ال الملئكة أن يمسكوا عن
التسبيح حتى يسمعوا ما يقول آدم ،فهد الملئكة عن التسبيح ولفت
أجنحتها اه قلت :فهد مصحف فهدء أي فسكن ،واللف :ضد النشر(5) .
في المصدر :أنالنى عنه التشريف والكرامة.
] [ 35
لولدي شيث ،وإني اريد أن آخذ عليه العهد والميثاق كما أخذته علي ،اللهم وأنت
الشاهد عليه ،وإذا بالنداء من قبل ال تعالى :يا آدم خذ على ولدك شيث
العهد ،وأشهد عليه جبرئيل وميكائيل والملئكة أجمعين ،قال :فأمر ال
تعالى جبرئيل عليه السلم أن يهبط إلى الرض في سبعين ألفا " من
الملئكة بأيديهم ألوية الحمد ،وبيده حريرة بيضاء ،و قلم مكون من مشية
ال ) (1رب العالمين ،فأقبل جبرئيل على آدم عليه السلم ،وقال له :يا آدم
ربك يقرئك السلم ويقول لك :اكتب على ولدك شيث كتابا ) ،(2وأشهد
عليه جبرئيل وميكائيل والملئكة أجمعين ،فكتب الكتاب ،وأشهد عليه،
وختمه جبرئيل بخاتمه ،ودفعه إلى شيث :وكسا قبل انصرافه حلتين )(3
حمراوين أضوء من نور الشمس ،وأروق ) (4من السماء ،لم يقطعا ولم
يفصل ،بل قال لهما الجليل :كونيا فكانتا ،ثم تفرقا ) ،(5وقبل شيث العهد
وألزمه نفسه ،ولم يزل ذلك النور بين عينيه حتى تزوج المحاولة )(6
البيضاء ،وكانت بطول حواء ،واقترن إليها بخطبة جبرئيل ،فلما وطأها
حملت بأنوش ،فلما حملت به سمعت مناديا " ينادي :هنيئا " لك يا
بيضاء ،لقد استودعك ال نور سيد المرسيلن ،سيد الولين والخرين ،فلما
ولدته أخذ عليه شيث العهد كما أخذ عليه ،وانتقل إلى ولده قينان ،ومنه
إلى مهلئيل ،ومنه إلى ادد ) ،(7ومنه إلى اخنوخ وهو إدريس عليه
السلم ،ثم أودعه إدريس ولده متوشلخ ،وأخذ عليه العهد ،ثم انتقل إلى
) (1في المصدر :وقلم مكتوب في مشية ال (2) .في المصدر :كتابا بالعهد
والميثاق (3) .في المصدر :وكسى شيث قبل انصرافهم عنه حلتين
حمراوتين أنور من الشمس وأرق من رقة الماء لم تقطع ولم تفصل(4) .
أي أصفى (5) .في المصدر :ثم تفرقا على ذلك (6) .هكذا في النسخ،
وفي المصدر :المخاولة بالخاء .ولعله مصحف المخولة من خوله الشئ:
أعطاه إياه متفضل ،وذلك لما تقدم في المجلد - 11 -إن ال أعطاه من
الجنة حورية اسمه نزلة أو غير ذلك على ما تقدم (7) .في اثبات
الوصية :اسمه بردا ،والظاهر أنه مصحف يرد ،ويقال له :اليارد ايضا ".
] [ 36
ملك ) ،(1ثم إلى نوح ،ومن نوح إلى سام ،ومن سام إلى ولده أرفخشد ) ،(2ثم إلى
ولده عابر ) ،(3ثم إلى قالع ) ،(4ثم إلى أرغو ،ومنه إلى شارغ ) ،(5ومنه
إلى تاخور ) ،(6ثم انتقل إلى تارخ ،ومنه إلى إبراهيم ،ثم إلى إسماعيل ،ثم
إلى قيذار ) ،(7ومنه إلى الهميسع ) ،(8ثم انتقل إلى نبت ) ،(9ثم إلى
يشحب ،ومنه إلى ادد ،ومنه إلى عدنان ،ومنه إلى معد ،ومنه إلى نزار،
ومنه إلى مضر ،ومن مضر إلى إلياس ) ،(10ومن إلياس إلى مدركة،
ومنه إلى خزيمة ،ومنه إلى كنانة ،ومن كنانة إلى قصى ) ،(11ومن قصى
إلى لوي ،ومن لوي إلى غالب ،ومنه إلى فهر ،ومن فهر إلى عبد مناف،
ومن عبدمناف إلى هاشم ،وإنما سمي هاشما " لنه هشم الثريد لقومه،
وكان اسمه عمرو العلء،
) (1هكذا في النسخ ،وفي المصدر واثبات الوصية لمك وهو الصحيح (2) .في
المصدر :ثم إلى ولده شالخ ثم إلى ولده عابر ،وهو الصحيح كما في
سبائك الذهب وتاريخ اليعقوبي (3) .وهو هود عليه السلم كما في اثبات
الوصيه وغيره (4) .في تاريخ اليعقوبي واثبات الوصية وسبائك الذهب:
فالغ ،وفي الخير :ويقال :فالخ بالخاء ،وفى الطبري بالغ فهو فالج قال:
وتفسير بالغ القاسم بالسريانية لنه الذى قسم الرضين بين ولد آدم(5) .
في المصدر :شاروغ ،وفي السبائك :شاروخ ،وفي اثبات الوصية:
سروع ،وفي الطبري :ساروغ (6) .في اثبات الوصية والسبائك :ناحور
وهو المشهور (7) .في غير نسخة المصنف القيدار بالدال المهملة وهو
الموجود في اثبات الوصية و السبائك (8) .قد أثبت في اثبات الوصية
والسبائك بين قيدار والهميسع حمل ونبت وسلمان (9) .ولعله مقدم كما
عرفت ،وعد المسعودي في اثبات الوصية بعد الهميسع اليسع وبعده ادد،
وفي السبائك بعد الهميسع ادد (10) .بكسر الهمزة أو بفتحها على
اختلف (11) .قد ذكر المسعودي في اثبات والسويدي في سبائك الذهب
والطبري في تاريخه بعد كنانة النضر ،ثم مالك ثم فهر ثم غالب ثم لؤى
ثم كعب ثم مرة ثم كلب ثم قصى ثم عبد مناف .و سيأتي مثل ذلك في باب
أجداده صلى ال عليه وآله.
] [ 37
وكان نور رسول ال صلى ال عليه وآله في وجهه ،إذا أقبل تضئ منه الكعبة،
وتكتسي من نوره نورا " شعشعانيا " ،ويرتفع من وجهه نور إلى
السماء ،وخرج من بطن امه عاتكة بنت مره ،بنت فالج ) (1بن ذكوان،
وله ضفيرتان كضفيرتي إسماعيل عليه السلم ،يتوقد نورهما إلى السماء،
فعجب أهل مكة من ذلك ،وسارت إليه قبائل العرب من كل جانب ،وماجت )
(2منه الكهان ،ونطقت الصنام بفضل النبي المختار ،وكان هاشم ل يمر
بحجر ول مدر إل ويناديه ابشر يا هاشم فإنه سيظهر من ذريتك أكرم
الخلق على ال تعالى ،و أشرف العالمين محمد خاتم النبيين ،وكان هاشم
إذا مشى في الظلم أنارت منه الحنادس (3) ،ويرى من حوله كما يرى من
ضوء المصباح ،فلما حضرت عبد مناف الوفاة أخذ العهد على هاشم أن
يودع نور رسول ال صلى ال عليه وآله في الرحام الزكية من النساء )
،(4فقبل هاشم العهد وألزمه نفسه ،وجعلت الملوك تتطاول إلى هاشم
ليتزوج منهم ويبذلون إليه الموال الجزيلة ) ،(5وهو يأبى عليهم ،وكان
كل يوم يأتي الكعبة ويطوف بها سبعا " ،ويتعلق بأستارها ،وكان هاشم إذا
قصده قاصد أكرمه ،وكان يكسو العريان ،ويطعم الجائع ،و يفرج عن
المعسر ،ويوفي عن المديون ،ومن اصيب بدم دفع عنه ) ،(6وكان بابه ل
يغلق عن صادر ول وارد ،وإذا أولم وليمة أو اصطنع طعاما " لحد وفضل
منه شئ يأمر به أن يلقى إلى الوحش ) (7والطيور حتى تحدثوا به
وبجوده في الفاق ،وسوده ) (8أهل مكة بأجمعهم وشرفوه وعظموه،
وسلموا إليه مفاتيح الكعبة والسقاية والحجابة والرفادة
) (1في المصدر :عالج .وفي اليعقوبي :فالج كما في المتن (2) .أي اختلفت
امورهم واضطربت (3) .الحنادس جمع الحندس :الظلمة (4) .في
المصدر :أخذ العهد والميثاق على أنه ل يودع نور رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ال في الرحام الزكية من اكرم الناس (5) .في المصدر:
ويبذلون له الجزيل من الموال (6) .في المصدر :ومن اصيب بذنب رفع
عنه ذنبه (7) .في المصدر :الوحوش (8) .أي جعلوه سيدا.
] [ 38
ومصادر امور الناس ومواردها ،وسلموا إليه لواء نزار ،وقوس إسماعيل عليه
السلم ،وقميص إبراهيم عليه السلم ،ونعل شيث عليه السلم ،وخاتم نوح
عليه السلم ،فلما احتوى على ذلك كله ظهر فخره ومجده ،وكان يقوم
بالحاج ) (1ويرعاهم ،ويتولي امورهم ويكرمهم ،ول ينصرفون إل
شاكرين .قال أبو الحسن البكري :وكان هاشم إذا أهل ) (2هلل ذي الحجة
يأمر الناس بالجتماع إلى الكعبة ،فإذا اجتمعوا قام خطيبا " ) (3ويقول:
)معاشر الناس إنكم جيران ال وجيران بيته ،وإنه سيأتيكم في هذا الموسم
زوار بيت ال وهم أضياف ال ،والضياف هم أولى بالكرامة ،وقد خصكم
ال تعالى بهم وأكرمكم ،وإنهم سيأتونكم شعثا " غبرا " من كل فج عميق،
ويقصدونكم من كل مكان سحيق ،فاقروهم ) (4واحموهم وأكرموهم
يكرمكم ال تعالى( وكانت قريش تخرج المال الكثير من أموالهم ،وكان
هاشم ينصب أحواض الديم ) ،(5ويجعل فيها ماء من ماء زمزم ،ويملي
باقي الحياض من سائر البار بحيث تشرب الحاج ) ،(6وكان من عادته
أنه يطعمهم قبل التروية بيوم ،وكان يحمل لهم الطعام إلى منى وعرفة،
وكان يثرد لهم اللحم والسمن والتمر ،ويسقيهم اللبن إلى حيث ) (7تصدر
الناس من منى ،ثم يقطع عنهم الضيافة .قال أبو الحسن البكري :بلغنا أنه
كان بأهل مكة ضيق وجدب وغلء ،ولم يكن عندهم ما يزودون به الحاج،
فبعث هاشم إلى نحو الشام أباعر ،فباعها واشترى بأثمانها
) (1في المصدر :وكان يقوم بالحجاج (2) .في المصدر :إذ استهل (3) .في
المصدر :فإذا تكالموا قام فيهم خطيبا " ويقول :يا معشر الناس(4) .
قرى الضيف :أضافه (5) .الديم :الجلد المدبوغ (6) .في المصدر:
ويجعل فيها ماء زمزم ،ويملى في الحياض من ماء غير زمزم بل من
سائر البار حتى يشربون الحجاج (7) .في المصدر :إلى حين(*) .
] [ 39
كعكا " ) (1وزيتا " ،ولم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد ،بل بذل ذلك كله
للحاج ،فكفاهم جميعهم ) ،(2وصدر الناس يشكرونه في الفاق ،وفيه يقول
الشاعر :يا أيها الرجل المجدر حيله ) * (3هل مررت بدار عبد مناف ؟ !
ثكلتك امك لو مررت ببابهم * لعجبت من كرم ومن أوصاف .عمرو العلء
هشم الثريد لقومه * والقوم فيها مسنتون ) (4عجاف بسطوا إليه
الرحلتين كليهما * عند الشتاء ورحلة الصياف قال :فبلغ خبره إلى
النجاشي ملك الحبشة ،وإلى قيصر ملك الروم ،فكاتبوه و راسلوه أن يهدوا
له بناتهم رغبة في النور الذي في وجهه ،وهو نور محمد صلى ال عليه
وآله ،لن رهبانهم وكهانهم أعلموهم بأن ذلك النور نور رسول ال صلى
ال عليه وآله ،فأبى هاشم عن ذلك ،وتزوج من نساء قومه ،ورزق منهن
أولدا " ،وكان أولده الذكور أسد ومضر ) (5وعمرو وصيفى ،وأما
البنات فصعصعة ) (6ورقية وخلدة ) (7والشعثاء ،فهذه جملة الذكور
والناث ،و نور رسول ال صلى ال عليه وآله في غرته لم يزل ،فعظم ذلك
عليه وكبر لديه ،فلما كان في بعض الليالي وقد طاف بالبيت سأل ال تعالى
أن يرزقه ولدا " يكون فيه نور رسول ال صلى ال عليه وآله ،فأخذه
النعاس ،فمال عن البيت ،ثم اضطجع ،فأتاه آت يقول في منامه :عليك
بسلمى بنت عمرو فإنها طاهرة مطهرة الذيال ،فخذها ،وادفع لها )(8
المهر الجزيل ،فلم تجد
) (1الكعك :خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك (2) .في
المصدر :واشترى بأثمانها كعكا وزيتا ،فلما قدم الحاج اطعمهم ما جرت
العادة ،و لم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد ،بل بذل ذلك كله إلى
الحاج ،فألقى ذلك الطعام إلى الحاج كلهم (3) .هكذا في النسخ ،وفي
المصدر قد سقطت الشعار ،وفي تاريخ الطبري والسيرة الحلبية :يا أيها
الرجل المحول رحله * أل نزلت بآل عبد مناف (4) .من أسنت القوم:
أصابهم الجدب والقحط (5) .في المصدر :نضر مكان مضر ،وفي
السبائك :نضلة (6) .في نسخة :صفية (7) .في المصدر :خالدة (8) .في
المصدر :وادفع إليها.
] [ 40
لها مشبها " من النساء ،فإنك ترزق منها ولدا " يكون منه النبي صلى ال عليه
وآله فصاحبها ترشد ،واسع ) (1إلى أخذ الكريمة عاجل " ،قال :فانتبه
هاشم فزعا " مرعوبا " ،وأحضر بني عمه وأخاه المطلب ،وأخبرهم بما
رآه في منامه وبما قال الهاتف ،فقال له أخوه المطلب :يابن ام إن المرأة
المعروفة في قومها ،كبيرة في نفسها ) ،(2قد كملت عفة واعتدال )،(3
وهي سلمى بنت عمرو بن لبيد بن حداث بن ) (4زيد بن عامر بن غنم بن
مازن بن النجار ،وهم أهل الضياف والعفاف ،وأنت أشرف منهم حسبا "،
وأكرم منهم نسبا " ،قد تطاولت إليك الملوك والجبابرة ) ،(5وإن شئت
فنحن لك خطابا " ،فقال لهم :الحاجة ل تقضى إل بصاحبها ،وقد جمعت
فضلت وتجارة واريد أن أخرج إلى الشام للتجارة ولوصال هذه المرأة،
فقال له أصحابه ) :(6نحن نفرح لفرحك ،ونسر لسرورك ،وننظر ما يكون
من أمرك ،ثم إن هاشما " خرج للسفر ) (7وخرج معه أصحابه بأسلحتهم،
وخرج معه العبيد يقودون الخيل والجمال ،وعليها أحمال الديم ،وعند
خروجه ) (8نادى في أهل مكة فخرجت معه السادات والكابر ،وخرج معه
العبيد والنساء لتوديع هاشم ،فأمرهم بالرجوع وسار هو
) (1في المصدر :واسرع (2) .زاد في المصدر :طاهرة مطهرة (3) .في المصدر:
عقل مكان اعتدال (4) .في المصدر :خداش بن زيد بن خزام بن عامر بن
تميم بن مازن بن النجار ،وفي اليعقوبي :عمرو بن زيد بن لبيد بن
خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار ،وفي الطبري زيد بن عمرو
بن لبيد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدى بن النجار ،وفي قول:
عمرو بن زيد بن لبيد الخزرجي (5) .في المصدر :الملوك والكاسرة
والجبابرة (6) .قالوا له أصحابه وبنوا عمه :نحن لك ومعك ،ونفرح
لفرحك (7) .في المصدر :ثم ان هاشما أمرهم أن يتأهبوا للسفر فخرج
وخرجوا معه بسلحهم وتيجانهم ولبوسهم ،وخرج معه العبيد إه(8) .
في المصدر :بعد قوله :الديم :ومعهم الدروع والبيض والجواشن،
وأخذوا معهم لواء نزار ،وهم يومئذ أربعون سيدا من بنى عبد مناف
وعامر ومخزوم ،وساروا القوم حوله ،فلما خرج نادى.
] [ 41
وبنو عمه وأخوه المطلب إلى يثرب كالسود طالبي بني النجار .فلما وصلوا المدينة
أشرق بنور رسول ال صلى ال عليه وآله ذلك الوادي من غرة هاشم )(1
حتى دخل جملة البيوت ،فلما رآهم أهل يثرب بادروا إليهم مسرعين،
وقالوا :من أنتم أيها الناس ؟ فما رأينا أحسن منكم جمال " ،ول سيما
صاحب هذا النور الساطع ،والضياء اللمع ،قال لهم المطلب :نحن أهل
بيت ال ،وسكان حرم ال ،نحن بني لوي بن غالب ) ،(2وهذا أخونا هاشم
بن عبد مناف ،وقد جئناكم ) (3خاطبين ،وفيكم راغبين ،وقد علمتم أن
أخانا هذا خطبه الملوك والكابر ،فما رغب إل فيكم ،ونحب أن ترشدونا
إلى سلمى ،وكان أبوها يسمع الخطاب ،فقال لهم :مرحبا " بكم ،أنتم أرباب
الشرف و المفاخر ،والعز والماثر ،والسادات الكرام ،والمطعمون الطعام )
،(4ونهاية الجود والكرام ،ولكم عندنا ما تطلبون ،غير أن المرأة )(5
التي خرجتم لجلها وجئتم لها طالبين هي ابنتي وقرة عيني ،وهي مالكة
نفسها ) ،(6ومع ذلك إنها خرجت بالمس إلى سوق من أسواقنا مع نساء
من قومها يقال لها سوق بني قينقاع ،فإن أقمتم عندنا فأنتم في العناية
والكلية ،وإن أردتم أن تسيروا إليها ففي الرعاية ،ومن الخاطب لها
والراغب فيها ؟ قالوا :صاحب هذا النور الساطع ،والضياء اللمع ،سراج
بيت ال الحرام ،ومصباح الظلم ،الموصوف بالجود والكرام ) (7هاشم
بن عبد مناف ،صاحب رحلة اليلف ،و ذروة الحقاف ،فقال أبوها :بخ بخ
لقد علونا وفخرنا بخطبتكم ،اعلموا يا من حضر إني
) (1في المصدر بعد قوله :بنى النجار :قال أبو الحسن البكري) :ثم ساروا حتى
أشرفوا على يثرب انقدح نور رسول ال صلى ال عليه وآله من غرة
هاشم حتى دخل المراقد والبيوت( (2) .في المصدر :بنى كعب بن لوى
بن غالب (3) .في المصدر :قد جئنا إليكم خاطبين (4) .في المصدر :لنكم
أرباب العلء والمفاخر ،والشرف والماثر ،وكرام عظام ،وسادات فخام
ومطعمين الطعام (5) .في المصدر :فلكم ما تحبون ،وحصل ما تطلبون،
إن المرأة اه (6) .في المصدر :غير أنها مالكة نفسها (7) .في المصدر:
والكرم.
] [ 42
قد رغبت في هذا الرجل أكثر من رغبته ) (1فينا ،غير أني اخبركم أن أمري دون
أمرها ) ،(2وها أنا أسير معكم إليها ،فانزلوا يا خير زوار ،ويا فخر بني
نزار ،قال :فنزل هاشم وأخوه وأصحابه وحطوا رحالهم ومتاعهم ،وسبق
أبوها عمرو إلى قومه ،ونحر لهم النحاير ،وعقر لهم العقاير ،وأصلح لهم
الطعام ،وخرجت لهم العبيد بالجفان ،فأكلت القوم منه حسب الحاجة ،ولم
يبق من أهل يثرب أحد إل خرج ينظر إلى هاشم ونور وجهه ،وخرج
الوس والخزرج والناس متعجبن من ذلك النور ،وخرج اليهود ،فلما
نظروا إليه عرفوه بالصفة التي وجدوها في التوراة والعلمات ،فعظم ذلك
عليهم ،وبكوا بكاء شديدا " ،فقال بعض اليهود لحبر من أحبارهم :ما
بكاءكم ؟ قال :من هذا الرجل الذي يظهر منه سفك دمائكم ) (3وقد جاءكم
السفاك القتال الذي تقاتل معه الملك المعروف في كتبكم بالماحي ،وهذه
أنواره قد ابتدرت ،قال :فبكى اليهود من قوله ،وقالوا له :يا ابانا فهل هذا
الذي ذكرت نصل إلى قتله ،ونكفي شره ؟ فقال لهم :هيهات حيل بينكم
وبين ما تشتهون ،وعجزتم عما تأملون ،إن هذا هو المولود الذي ذكرت
لكم ،تقاتل معه الملك من الهواء ،ويخاطب من السماء ،ويقول :قال
جبرئيل عن رب السماء ) ،(4فقالوا :هذا تكون له هذه المنزلة ؟ قال :أعز
) (5من الولد عند الوالد ،فإنه أكرم أهل الرض على ال تعالى ،وأكرم أهل
السماوات ،فقالوا :أيها السيد الكريم نحن نسعى في إطفاء ضوء هذا
المصباح قبل أن يتمكن ويحدث علينا منه كل مكروه ،وأضمر القوم لهاشم
العداوة ،وكان بدء عداوة اليهود من ذلك اليوم لرسول ال صلى ال عليه
وآله ،فلما أصبح هاشم أمر أصحابه أن يلبسوا أفخرج أثوابهم ،وأن
يظهروا
) (1في المصدر :رغبتكم (2) .في المصدر :إن أمرها دون أمرى ولعله مصحف) .
(3في المصدر :قال :من هذا الرجل الذى يظهر ما يكون منه خراب
دياركم ،وقد جاءكم ) (4زاد في المصدر :وامرت ونهيت (5) .في
المصدر :فقالوا :هذا يكون بمنزلة الولد فانه اكرم أهل الرض اه .ولعل
فيه سقط وصوابه :فقالوا :هذا يكون بمنزلة الولد ؟ قال :أعز من الولد
عند الوالد ،فانه أكرم أهل الرض إه.
] [ 43
زينتهم ،فلبسوا ما كان عندهم من الثياب ،وما قد أعدوه للزينة والجمال ،وأظهروا
التيجان والجواشن والدروع والبيض ،فأقبلوا يريدون سوق بني قينقاع
وقد شدوا لواء نزار على قناة ،وأحاطوا بهاشم عن يمينه وشماله ،ومشى
قدامه العبيد وأبو سلمى معهم وأكابر قومه ،ومعهم جماعة من اليهود،
فلما أشرفوا على السوق وكان تجتمع إليه الناس من أقاصي البلد
وأقطارها ) (1وأهل الحضر وسكانها ،فنظر القوم إلى هاشم وأصحابه
وتركوا معاشهم ) (2وأقبلوا ينظرون إلى هاشم ويتعجبون من حسنه
وجماله ،وكان هاشم بين أصحابه كالبدر المنير بين الكواكب ،وعليه
السكينة والوقار ،فأذهل بجماله أهل السوق ،وجعلوا ينظرون إلى النور
الذي بين عينيه ،وكانت سلمى بنت عمرو واقفة مع الناس تنظر إلى هاشم
وحسنه وجماله وما عليه من الهيبة والوقار ،إذ أقبل عليها أبوها وقال
لها :يا سلمى ابشرك بما يسرك ول يضرك ،وكانت معجبة بنفسها من
حسنها وجمالها ،فلما نظرت إلى هاشم وجماله نسيت حسنها وجمالها )
،(3وقالت :يا أبت بما تبشرني ؟ قال :إن هذا الرجل ،إليك خاطب ،وفيك
راغب ،وهو يا سلمى من أهل الكفاف والعفاف والجود والضياف هاشم
بن عبد مناف ،وإنه لم يخرج من الحرم لغير ذلك ،فلما سمعت سلمى كلم
أبيها أعرضت عنه بوجهها وأدركها الحياء منه فأمسكت عن الكلم ،ثم
قالت :يا أبت إن النساء يفتخرون على الرجال بالحسن والجمال والقدر
والكمال ،وإذا كان زوج المرأة سيدا " من سادات العرب وكان مليح
المنظر والمخبر فما أقول لك ،وقد عرفت ما جرى بينى وبين احيحة بن
الجلح ) (4الوسي وحيلتي عليه حتى خلعت نفسي منه لما علمت أنه لم
يكن من الكرام ،وإن هذا الرجل يدل عظمته ونور وجهه على مروته،
وإحسانه يدل على فخره ،فإن يكن القوم كما ذكرت قد خطبونا ورغبوا فينا
فإنى فيهم راغبة،
) (1أقفارها خ ل (2) .في المصدر :فلما أشرف هاشم على السوق وأصحابه،
ونظروا إلى هاشم وأصحابه تركوا معاشهم (3) .في المصدر :نسيت
نفسها وانحقرت (4) .في المصدر :الحلج.
] [ 44
ولكن لبد أن أطلب منهم المهر ) ،(1ول اصغر نفسي ) ،(2وسيكون لنا ولهم
خطاب وجواب ،وكان القول منها لحال أبيها لنها لم تصدق بذلك ،حتى
نزل هاشم قريبا " من السوق واعتزل ناحية عنه ،فأقبل أهل السوق إليه
مسرعين ينظرون إلى نوره حتى ضاع كثير من متاعهم ومعاشهم من
نظرهم إليه ،وقد نصبت له خيمة من الحرير الحمر ،و وضعت له
سرادقات ) ،(3فلما دخل هاشم وأصحابه الخيمة تفرق أهل السوق عنهم،
و جعل يسأل بعضهم بعضا " عن أمر هاشم وقومه ،وما أقدمهم عليه )(4
من مكة ،فقيل :إنه جاء خاطبا " لسلمى فحسدوها عليه ،وكانت أجمل أهل
زمانها وأكملهم حسنا " وجمال " ،وكانت جارية تامة معتدلة ،لها منظر
ومخبر ) ،(5كاملة الوصاف ،معتدلة الطراف ) ،(6سريعة الجواب،
حسنة الداب ،عاقلة طريفة عفيفة لبيبة ،طاهرة من الدناس ،فحسدوها
كلهم على هاشم حتى حسدها إبليس لعنه ال وكان قد تصور لها في صورة
شيخ كبير ) (7وقال :يا سلمى أنا من أصحاب هاشم قد جئتك ناصحا " لك
) ،(8اعلمي أن لصاحبنا هذا من الحسن والجمال ما رأيت إل أنه رجل
ملول للنساء ،ل تقيم المرأة عنده أكثر من شهرين إذا أراد ،وإل فعشرة
أيام ل غير ،وقد تزوج نساء كثيرة ،ومع ذلك إنه جبان في الحروب ،فقالت
سلمى :إليك عني،
) (1زاد في المصدر :ما نستحقه (2) .في نسخة وفي المصدر :ول اصغر حالى) .
(3في المصدر :وكان القول منهم -مصحف منها -تجمل ومحال لبيها،
لنها لم تصدق بذلك حتى سمعت صحة الكلم ،فلما نزل هاشم قريبا من
السوق واعتزل بناحية منه أقبلوا أهل السوق و اصحابه كلهم مسرعين
لينظرون إليه .قال أبو الحسن البكري) :وقد بلغني أنه ضاع كثير من
معايشهم حتى اشتغلو بالنظر إلى هاشم ،قال :وضرب له خيمة من الخز
الحمر ،ونصبت له سرادقات( (4) .في المصدر :وجعلوا يسألون بعضهم
بعضا .وفيه :وما أقدمهم عليهم (5) .المخبر :العلم بالشئ أو إدراكه
بالخبر أو الختيار ل بالنظر ،خلف المنظر (6) .العطاف خ ل وفي
المصدر :تامة ،كاملة العقل ،وكاملة الوصاف وسريعة الجواب و فيه:
ظريفة (7) .زاد في المصدر :ذى هيبة وحلية حسنة (8) .في المصدر:
قد جئتك بخبره وهى نصيحة منى إليك ،اعلمي.
] [ 45
فو ال لو مل لي حصنا " من المال ما قبلته ،ولو مل لي حصون خيبر ذهبا "
وفضة ما رغبت فيه لهذه الخصال التي ذكرت ،ولقد كنت أجبته ورغبت
فيه وقد قلت رغبتي فيه لهذه الخصال ،اذهب عني ،فانصرف عنها وتركها
في همها وغمها ،ثم إن إبليس لعنه ال تصور لها بصورة اخرى وزعم انه
من أصحاب هاشم وذكر لها مثل الول ،فقالت :أو ليس الذى قد أرسلتك
إليه أنه ل يرسل إلي رسول " بعد ذلك ،فسكت إبليس لعنه ال ،فقالت :إن
أرسل رسول " بعدك أمرت بضرب عنقه ،فخرج إبليس فرحا " مسرورا
" وقد ألقى في قلبها البغضة لهاشم ،وظن أن هاشما " يرجع خائنا "،
فعند ذلك دخل عليها أبوها فوجدها في سكرتها وحيرتها ،فقال :يا سلمى ما
الذي حل بك هذا اليوم وهذا يوم سرورك ؟ ! فقالت :يا أبت ل تزيدني كلما
" ،فقد فضحتني وأشهرت أمري ،أردت أن تزوجني برجل ملول للنساء،
كثير الطلق ،جبان في الحروب ،فضحك أبوها وقال :يا سلمى وال ما لهذا
الرجل شئ من هذه الخصال الثلث ،وإنه إلى كرمه الغاية ،وإلى جوده
النهاية ،وإنما سمي هاشما " لنه أول من هشم الثريد لقومه ،وأما قولك:
كثير الطلق فإنه ما طلق امرأة قط ،وأما قولك :جبان فهو واحد أهل زمانه
في الشجاعة ،وإنه لمعروف عند الناس بالجواب والخطاب والصواب )،(1
فقالت :يا أبت لو أنه ما جائني عنه إل واحد كذبته وقلت :إنه عدو ،فقد
جاءني ثلثة نفر كل واحد منهم يقول مثل مقالة الخر ،فقال أبوها :ما
رأينا منه رسول ول جاءنا منه خبر ،وكان الشيطان يظهر لهم في ذلك
الزمان ويأمرهم وينهاهم ،وقد صح عندها ما قاله الشيطان الرجيم وهي
تظن أنه من بني آدم ،وهاشم ل يعلم شيئا " من ذلك ) ،(2وكان قد عول
على جمع من قومه في خطبتها ) ،(3ثم إن سلمى خرجت في بعض
حوائجها وهي تحب أن تنظر إلى هاشم،
) (1في المصدر ،والضراب مكان والصواب (2) .في المصدر ،بعد قوله :منه خبر:
وانى ورائك معلوم )كذا( الساعة ،ثم خرج من عندها وتركها في همها
وغمها ،وقد صح عندها قول الشيطان وأخذ بعقلها ،وكان الشيطان في
ذلك الزمان يظهر لهم ويأخذ بعقولهم ويأمرهم وينهاهم ،ويظنون أنه من
بنى آدم ،وهاشم ل يعلم شيئا من ذلك (3) .وقد عول على خطبتها في غد
في جمع من ذلك خ ل ومثله ما في المصدر .قوله :عول أي جزم واعتمد.
] [ 46
فجمع ال بينهما في الطريق ،فوقع في قلبها أمر عظيم من محبته ،وكان في ذلك
الزمان ل تستحي النساء من الرجال ،ول يضرب بينهن ) (1حجاب إلى أن
بعث محمد صلى ال عليه وآله ،و نزل طائفة من اليهود من جهة خيمه
هاشم ،ولما اجتمعت سلمى بهاشم عرفته بالنور الذي في وجهه ،وعرفها
أيضا هو ،فقالت له :يا هاشم قد أحببتك ) (2وأردتك ،فإذا كان غدا
فاخطبني من أبي ،ول يعز عليك ما يطلب أبي منك ،فإن لم تصله يدك
ساعدتك عليه ،فلما أصبح تأهب هاشم للقاء القوم فتزينوا بزينتهم )،(3
وإذا أهل سلمى قد قدموا ،فقام من كان في الخيمة إجلل " لهم ،وجلس
هاشم وأخوه وبنو عمه في صدر الخيمة فتطاولت القوم إلى هاشم )،(4
فابتدأهم المطلب بالكلم ،وقال :يا أهل الشرف والكرام والفضل والنعام،
نحن وفد بيت ال الحرام ،والمشاعر العظام ) ،(5وإلينا سعة القدام )،(6
وأنتم تعلمون شرفنا وسوددنا ،وما قد خصصنا ) (7ال به من النور
الساطع ،والضياء اللمع ،ونحن بنو لوي بن غالب ،قد انتقل هذا النور إلى
عبد مناف ،ثم إلى أخينا هاشم ،وهو معنا من آدم إلى أن صار إلى هاشم )
،(8وقد ساقه ال إليكم ،وأقدمه عليكم ،فنحن لكريمتكم خاطبون ،وفيكم
راغبون ،ثم أمسك عن الكلم ،فقال عمرو أبو سلمى :لكم التحية والكرام
والجابة والعظام ،وقد قبلنا خطبتكم ،وأجبنا دعوتكم ،وأنتم تعرفون
عليتنا ) ،(9ول يخفى عليكم أحوالنا ،ولبد من تقدير المهر كما كان سلفنا
و
) (1في المصدر :ول يضربن عليهن حجابا (2) .قد أجبتك خ ل (3) .زاد في
المصدر :وأوصى أخاه المطلب أن يكون خطيبا (4) .في المصدر :إلى
هاشم بالعناق (5) .في المصدر :وزمزم والمقام .مكان والمشاعر
الغطام (6) .زاد في المصدر :والينا يرد الورى (7) .خصنا ال خ ل
ومثله ما في المصدر (8) .في المصدر زيادة :يجرى من قنوات طاهرات
إلى بطون مطهرة (9) .العلية بالضم والكسر :بيت منفصل عن الرض
ببيت ونحوه ،ويقال :هو من علية قومه وعليتهم وعليهم وعليهم أي من
أهل الرفعة والشرف فيهم .وفي هامش نسخة المصنف بخطه :عليقتنا خ
ل.
] [ 47
آباؤنا ) ،(1ولول ذلك ما واجهناكم بشئ من ذلك ول قابلناكم به أبدا " ،فعند ذلك
قال المطلب :لكم عندي مأة ناقة سود الحدق ،حمر الوبر ،لم يعلها جمل،
فبكى إبليس لعنه ال وكان من جملة من حضر ،وجلس عند أبي سلمى
وأشار إليه أن اطلب الزيادة ،فقال أبو سلمى :معاشر السادات ما هذا ؟ هذا
قدر ابنتنا عندكم ؟ فقال المطلب :ولكم ألف مثقال من الذهب الحمر ،فغمز
إبليس لعنه ال أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة ،فقال :يافتى قصرت
في حقنا فيما قلت ) ،(2وأقللت فيما بذلت ،فقال :ولكم عندنا حمل عنبر،
وعشرة أثواب من قباطي مصر ،وعشرة من أراضي العراق ،فقد
أنصفناكم ،فغمز إبليس لعنه ال أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة،
فقال :يا فتى قد قاربت وأجملت ،قال له المطلب :ولكم خمس وصايف
برسم الخدمة ،فهل تريدون أكثر من ذلك ؟ فأشار إليه إبليس لعنه ال أن
اطلب الزيادة ،فقال أبو سلمى :يا فتى إن الذي بذلتموه لنا إليكم راجع،
فقال المطلب :ولكم عشر أواق من المسك الذفر ،وخمسة أقداح ) (3من
الكافور ،فهل رضيتم أم ل ؟ فهم إبليس أن يغمز أبا سلمى فصاح به أبو
سلمى وقال له :يا شيخ السوء اخرج لقد جئت شيئا " نكرا ،فوال لقد
أخجلتني ،فقال له المطلب :اخرج يا شيخ السوء ،فقام الشيطان وخرج،
وخرج اليهود معه ،فقال إبليس :يا عمرو إن الذي شرطته في مهر ابنتك
قليل ،وإنما أردت أن أطلب من القوم ما تفتخر به ابنتك على سائر نسائها
وأهل زمانها ،ولقد هممت أن أشرط عليه أن يبني لها قصرا طوله عشرة
فراسخ ،وعرضه مثل ذلك ،ويكون شاهقا " في الهواء ،باسقا " في
السماء ) ،(4وفي أعله مجلس ينظر منه إلى أيوان كسرى ،وينظر إلى
المراكب منحدرات في البحر ،ثم يجلب إليه نهرا " من الدجلة والفرات
عرضه مأة ذراع ،تجري فيه المراكب ) ،(5ثم يغرس حول النهر
) (1وآباؤكم خ ل ،وفي المصدر :سلفنا وسلفكم وآباؤنا وآباؤكم (2) .في المصدر:
قصرت في حقنا مما بذلت (3) .أواق خ ل (4) .شهق الجبل :ارتفع فهو
شاهق .بسق النخل :ارتفعت أغصانه وطال فهو باسق (5) .في المصدر:
تجرى فيه المراكب منحدرات ومصعدات.
] [ 48
نخلت معتدلت ل ينقطع ثمرها صيفا " ول شتاء " ،قال المطلب :يا ويلك ومن
يقدر على ذلك يا شيخ السوء ؟ فقد أسرفت فيما قلت ،من يصل إلى ما
أردت ؟ ) (1فصاح به أبو سلمى والمطلب فأخذته الصيحة من كل مكان،
وكان مراد إبليس لعنه ال تفرق المجلس ،ثم قال أرمون بن قيطون :يا
قوم إن هذا الشيخ أحكم الحكماء ،وهو معروف في بلدنا بالحكمة ،وفي
الشام والعراق ،وبعد ذلك إننا ما نزوج ابنتنا برجل غريب من غير بلدنا،
فقامت اليهود وهم أربع مأة يهودي وأهل الحرم أربعون سيدا " وجردوا
سيوفهم ،وقال هاشم لصحابه :دونكم القوم ،فهذا تأويل رؤياي ،فقامت
الصيحة فيهم فوثب المطلب على أرمون بن قيطون ،ووثب هاشم على
إبليس لعنه ال فانحاز يريد الهرب فأدركه هاشم وقبضه ورفعه وجلد به
الرض ) ،(2فصرخ صرخة عظيمة لما غشاه ) (3نور رسول ال صلى
ال عليه وآله وصار ريحا " ،فالتفت هاشم إلى أخيه المطلب فوجده قد قتل
أرمون بن قيطون وقسمه نصفين ،وقتل هاشم وأصحابه جمعا " كثيرا "
من اليهود ،ووقعت الرجفة في المدينة ،وخرج الرجال والنساء وانهزم
اليهود على وجوههم ،ورجع أبو سلمى وقال لقومه :مزجتم الفرح
بالترح ؟ وما كان سبب الفتنة إل من إبليس ) (4لعنه ال ،فوضع )(5
السيف عن اليهود بعد أن قتل منهم سبعين ) (6رجل ،وكانت عداوة
اليهود لرسول ال صلى ال عليه وآله من ذلك اليوم ،ثم إن هاشما " قال
لصحابه :هذا تأويل رؤياي ،فافتقد اليهود الحبر فلم يجدوه ) ،(7فقال
هاشم :يا معاشر اليهود إنما أغواكم الشيطان الرجيم ،فانظروا إلى
صاحبكم ،فإن وجدتموه فاعلموا أنه كما زعمتم حكيم من حكمائكم ،وإن لم
تجدوه فقد حيل بينكم
) (1من يصل إلى ما نطقت خ ل وكذا في المصدر (2) .في المصدر :فأدركه هاشم
وقبض على مجامع طوقه وجذبه ورفعه فجلد به الرض إه قلت :جلد به
الرض :صرعه (3) .غشيه خ ل (4) .ال ابليس خ ل ومثله ما في
المصدر (5) .فرع خ ل وكذا في المصدر (6) .اثنين وسبعين خ ل وهكذا
في المصدر (7) .في المصدر :قال :ثم ان اليهود افتقدوا الحبر فلم
يجدوه.
] [ 49
وبينه وظننتم أنه من أحباركم وما هو إل الشيطان أغواكم ،ثم إن أبا سلمى عمد إلى
إصلح شأنه ،ورجع القوم إلى أماكنهم وقد امتلؤا غيظا " على اليهود،
فأقبل هاشم إلى منزله واصلح الولئم ) ،(1وأمر العبيد أن يحملوا الجفان
المترعة باللبن ولحوم الضأن والبل ،ثم إن عمروا " مضى إلى ابنته وقال
لها :إن الرجل الذي يقول لك :إن هاشما " لجبان قد نطق بالمحال ،وال
لو ل أمسكته وأحلف عليه ما ترك من القوم واحدا " ،فقالت :يا أبت امض
معهم على كل حال ول ملمة للئم ) ،(2قال :فلما أكلوا ورفعوا أيديهم قال
لهم أبو سلمى :يا معاشر السادات اصرفوا عن قلبوكم الغيظ وكل هم،
فنحن لكم وابنتنا هدية ،فقال له المطلب :لك ما ذكرناه وزيادة ،ثم قال :يا
أخي هاشم أرضيت بما تكلمت به عنك ؟ قال :نعم ،فعند ذلك تصافحوا،
ومضى أبو سلمى وأخرج من كمه دنانير ) (3ودراهم فنثر الدنانير على
هاشم وأخيه المطلب ،ونثر الدراهم على أصحابه ،ونثر عليهم زرير
المسك الذفر ،والكافور والعنبر ،حتى غمر أطمارهم ) ،(4ثم قال :يا هاشم
تحب الدخول على زوجتك هذه الليلة أو تصبر لها حتى تصلح لها شأنها )
(5؟ قال :بل أصبر حتى تصلح شأنها ،فعند ذلك أمر بتقديم مطاياهم،
فركبوا وخرجوا ،ثم إن هاشما " دفع إلى أخيه المطلب ما حضره من
المال ،وأمره أن يدفعه إلى سلمى ،فلما جائها المطلب فرحت به وبذلك
المال وقبلته ،وقالت :يا سيد الحرم وخير من مشى على قدم سلم على
أخيك وقل له :ما الرغبة إل فيك ) ،(6فاحفظ منا ما حفظنا منك ،ثم قالت:
قل ) (7له ما أقول لك ،قال :قولي ما بدا لك ،قالت :قل لخيك :إني امرأة
كان لي رجل اسمه احيحة بن الجلح ) (8الوسي ،وكان كثير المال ،فلما
تزوجته اشترطت عليه أنه متى أساء إلي
) (1في المصدر :فلما جلس هاشم وأخوه وأصحابه مضى عمرو إلى منزله وأصلح
الولئم (2) .في المصدر :ول تطمع ملمة اللئم (3) .وخرج وفي كمه
دنانير خ ل ومثله ما في المصدر (4) .الطمار جمع الطمر :الثوب(5) .
في المصدر :حتى تصلح شأنها (6) .في نسخة وفي المصدر :ال فيه) .
(7في المصدر :تقول له (8) .في المصدر :الحلج.
] [ 50
فارقته ،وكان من قصتي أني رزقت منه ولدا فأردت فراقه فأخذت خيطا " وربطته
في رجل الطفل ،فجعل الطفل يبكي تلك الليلة حتى مضى من الليل ثلثه أو
نصفه ،وقطعت الخيط من رجل الطفل ،فنام الطفل وأبوه ،فخرجت إلى
أهلي ،فانتبه الرجل فلم يجدني فعلم أنها حيلة مني عليه ،وأنا قد حدثتك
بهذا الحديث لتخبر به أخاك لكيل يخفى عليه شئ من أمري ،ول يشتغل
عني بباقي نسائه ،فقال المطلب عند ذلك :اعلمي أن أخي قد تطاولت إليه
الملوك في خطبته ،ورغبوا في تزويجه فأبى حتى أتاه آت في منامه
فأخبره بخبرك فرغب فيك ،وأراد أن يستودعك هذا النور الذي استودعه
ال إياه بعد النبياء ،فأسأل ال أن يتم لكم السرور ،وأن يكفيكم كل محذور
) ،(1ثم إنه خرج وهي تشيعه ومعها نساء من قومها ،فمضى إلى أخيه
وأخبره بما قالت له سلمى ،فضحك لذلك وقال له :بلغت الرسالة ،قال :ثم
أقام هاشم أياما " ودخل على زوجته سلمى في مدينة يثرب وحضر
عرسها الحاضر والبادي من جميع الفاق ،فلما دخل بها رأى ما يسره من
الحسن والجمال ،والهيئة والكمال ،ثم إن سلمى دفعت إليه جميع المال
الذي دفعه إليها وزادته أضعافا " ،فلما واقعها حملت منه في ليلتها بعبد
المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله ،وهذا حديث تزويج سلمى
بهاشم ،وكان أهل يثرب يعملون الولئم ،ويطعمون الناس إكراما " لهاشم
وأصحابه ،وقد زاد سلمى حسنا " وجمال وصار أهل يثرب يهنؤنها بما
خصها ال تعالى به ) .(2قال :أبو الحسن البكري :حدثنا أشياخنا وأسلفنا
الرواة لهذا الحديث أنه لما
) (1وأن يقيكم شر كل محذور خ ل وفي المصدر (2) .في المصدر بعد قوله) :جد
رسول ال صلى ال عليه وآله( :وأهل يثرب كل يوم يعملون الولئم،
ويطعمون الناس اكراما لهاشم وأصحابه ،وسلمى قد زاد حسنها وجمالها
على سائر نساء يثرب ،وهن تهنؤها بذلك الشرف العالي الذى خصها ال
عزوجل وخص قومها وافتخار هم بما يحدث الكهان والحبار عن صفات
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ،وما يكون من أمر ولد هاشم ،وما
يتم له من القتال مع اليهود ،وسلمى وقومها يقتلون اليهود ،ويرجعون
اليهود بالذلة والكسرة ،ولم يقم هاشم عندها ال ليال قلئل ثم سافر غزة
الشام ومات بها .تم الجزء الول والحمد ل رب العالمين .قلت :وفي
الحديث ما ل يخفى من الغرابة والرسال.
] [ 51
تزوج هاشم بن عبد مناف بسلمى بنت عمرو النجارية ودخل بها حملت بعبد
المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله ،وانتقل النور الذي كان في
وجهه إلى سلمى زادها حسنا " وجمال وبهجة وكمال حتى شاع حسنها
في الفاق ،وكان يناديها الشجر ) (1والحجر والمدر بالتحية والكرام،
وتسمع قائل يقول عن يمينها :السلم عليك يا خير البشر ) ،(2ولم تزل
تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها حتى إذا
كان ذات ليلة سمعت قائل ) (3يقول :لك البشر إذ اوتيت أكرم من مشى *
وخير الناس من حضر وبادي وقال :لما سمعت ذلك لم تدع هاشما "
يلمسها بعد ذلك ) .(4قال :ثم إن هاشما " أقام في المدينة أياما " حتى
اشتهر حمل سلمى ،فقال لها :يا سلمى ) (5إني أودعتك الوديعة التي
أودعها ال تعالى آدم عليه السلم ،وأودعها آدم عليه السلم ،ولدها شيثا
" عليه السلم ،ولم يزالوا يتوارثونها من واحد إلى واحد إلى أن وصلت
إلينا ،وشرفنا ال بهذا النور ،وقد أودعته إياك ،وها أنا آخذ عليك العهد
والميثاق بأن تقيه وتحفظيه ،وإن أتيت به وأنا غائب عنك فليكن عندك
بمنزلة الحدقة من العين ،والروح بين الجنبين ،وإن قدرت على أن ل تراه
العيون فافعلي ،فإن له حسادا " وأضدادا " ،وأشد الناس عليه اليهود،
وقد رأيت ما جرى بيننا وبينهم يوم خطبتك ،وإن لم أرجع من سفري هذا
أو سمعت أني قد هلكت فليكن عندك محفوظا " مكرما " إلى أن يترعرع )
،(6واحمليه إلى الحرم إلى عمومته في دار عزه ونصرته ،ثم قال لها:
اسمعي واحفظي ما قلت لك ،قالت :نعم قد سمعت وأطعت ولقد أوجعتني
) (1في المصدر :حتى كان الناس يتعجبون من حسنها وجمالها ،وشاع حسن
سلمى في جميع الفاق ،قال) :وكانت إذا مشت يناديها الشجر( (2) .في
المصدر :يا خير نساء البشر (3) .في المصدر :وهى نائمة إذ سمعت
قائل (4) .هكذا في النسخ ،وهو كلم الهاتف ولعل يلمسها مصحف
تلمسك .وفي المصدر :فلما سمعت ذلك قالت :لم أدع هاشما يل مسنى
ول يقربني بعد ذلك (5) .في المصدر :ثم انه عزم على الخروج إلى غزة
الشام وأوصى زوجته وقال :يا سلمى (6) .ترعرع الصبى ،ونشأ وشب.
] [ 52
بكلمك ،فأنا أسأل ال العظيم أن يردك سالما " ،ثم خرج هاشم وأخوه المطلب
وأصحابه وأقبل عليهم وقال :يا بني أبي وعشيرتي من بني لوي إن الموت
سبيل لبد منه ،وأنا غائب عنكم ،ول أدري أني أرجع إليكم أم ل ،وأنا
اوصيكم :إياكم والتفرق والشتاة فتذهب حميتكم ،وتقل قيمتكم ،ويهين
قدركم عند الملوك ،ويطمع فيكم الطامع ،فهل أنت يا أخي لما أقول لك
سامع ؟ وإني مخلف فيكم ومقدم عليكم أخي المطلب دون إخوتي ،لنه من
أبي وامي ،وأعز الخلق عندي ،وإن سمعتم وصيتي وقدمتموه وسلمتم إليه
مفاتيح الكعبة وسقاية الحاج ولواء نزار وكل ما كان من مكارم النبياء
سعدتم ) ،(1وإني أوصيكم بولدي الذي اشتملت عليه سلمى ،فإنه سيكون
له شأن عظيم ،ول تخالفوا قولي ،قالوا :سمعنا وأطعنا غير أنك كسرت
قلوبنا بوصيتك ،وأزعجت أفئدتنا بقولك ،قال :ثم إن هاشما " سافر إلى
غزة ) (2الشام فحضر موسمها وباع أمتعته وشرى ما كان يصلح له،
واشترى لسلمى طرفا " وتحفا " ،ثم إنه تجهز للسفر فلما كان الليلة التي
عزم فيها على الرحيل طرقته حوادث الزمان ،وأتته العلة ،فأصبح مثقل،
وارتحل رفقاءه وبقي هاشم وعبيدة وأصحابه ) ،(3فقال لهم :ألحقوا
بأصحابكم فإنى هالك ل محالة ،وارجعوا إلى مكة وإن مررتم على يثرب )
(4فاقرءوا زوجتي سلمى عني السلم ،وأخبروها بخبري ،وعزوها في
شخصي ،وأوصوها بولدي ،فهو أكبر همي ،ولو له ما نلت أمري ،فبكى
القوم بكاء شديدا " فقالوا :ما نبرح عنك حتى ننظر ما يكون من أمرك،
وأقاموا يومهم ) ،(5فلما أصبحوا ترادفت ) (6عليه المراض ،فقالوا له:
كيف تجد نفسك ؟ فقال:
) (1في المصدر :ولواء نزار ،ونعل شيث ،وقميص ابراهيم ،وقوس إسماعيل،
وخاتم نوح والحجابة والرفادة وكل ما كان من مكارم النبياء ،وكل ما
كان لعبد مناف ،فان فعلتم ذلك سعدتم (2) .غزة بفتح أوله وتشديد ثانيه
وفتحه :مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر ،بينها و بين عسقلن
فرسخان أو أقل ،وفيها مات هاشم وبها قبره ولذا يقال لها :غزة هاشم) .
(3في المصدر :وغلمانه واصحابه (4) .بيثرب خ ل وفي المصدر :إلى
يثرب (5) .ليلتهم خ ل (6) .أي تتابعت.
] [ 53
ل مقام لي معكم أكثر من يومي هذا ،وغدا " توسدوني التراب ) ،(1فبكى القوم
بكاء " شديدا " وعلموا أنه مفارق الدنيا ،ولم يزالوا يشاهدونه ) (2حتى
طلع الفجر الول ،فاشتد به المر ،فقال لهم :اقعدوني وسندوني وآتوني
بدواة وقرطاس ،فأتوه بما طلب ،وجعل يكتب وأصابعه ترتعد ،فقال:
باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل ،جائه أمر موله بالرحيل ،أما بعد
فإني كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب ،لنه ل لحد من
الموت مهرب ) ،(3وإني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية،
ول تنسوا البعيدة عنكم ) (4التي آخذت نوركم ،وحوت عزكم سلمى،
واوصيكم بولدي الذي منها ،وقولوا :لخلدة ) (5وصفية ورقية يبكين
علي ،ويندبن ندب الثاكلت ،ثم بلغوا سلمى عني السلم وقولوا لها :آه ثم
آه ،إني لم أشبع من قربها ،والنظر إليها وإلى ولدها ،والسلم عليكم
ورحمة ال إلى يوم النشور ،ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى اصحابه،
وقال :اضجعوني فأضجعوه ،فشخص ببصره نحو السماء ثم قال :رفقا "
" رفقا " أيها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى ،وكأنه كان
مصباحا وانطفئ ،ثم لما مات جهزوه ودفنوه وقبره معروف هناك ،ثم عزم
عبيدة وغلمانه على الرحيل بأمواله وفيه يقول الشاعر :اليوم هاشم قد
مضى لسبيله * يا عين جودي منك بالعبرات وابكي على البدر المنير
بحرقة * وابكي على الضرغام طول حياتي آه أبو كعب مضى لسبيله * يا
عين فابكى الجود بالعبرات صعب العريكة لبه لوم ول * فشل غداة الروع
والكربات يا عين ابكي غيث جود هاطل * أعني ابن عبد مناف ذي
الخيرات
) (1أي تجعلون تحت رأسي تراب قبري (2) .يساهروه خ ل وكذا في المصدر(3) .
وروحي بالموت تجذب ومالحد خ ل وكذا في المصدر وفيه :مالحد منه
مهرب (4) .في المصدر :البعيدة الغائبة عنكم (5) .في المصدر :لخالدة.
] [ 54
وابكى لكرم من مشى فوق الثرى * فلجله قد أردفت زفراتي قال :وسار القوم
حتى أشرفوا على يثرب فبكو بكاء " شديدا " ،ونادوا :وا هاشماه،
واعزاه ،وخرج الناس وخرجت سلمى وأبوها وعشيرتها فنظروا وإذا "
بخيل هاشم قد جزوا نواصيها وشعورها ،وعبيد هاشم يبكون ) ،(1فلما
سمعت سلمى بموت هاشم مزقت أثوابها ،ولطمت خدها ،وقالت:
واهاشماه ،مات وال لفقدك الكرم والعز من بعدك ،يا هاشماه يا نور عيني
من لولدك الذي لم تر عيناك ؟ قال :فضج الناس بالبكاء والنحيب ،ثم إن
سلمى أخذت سيفا " من سيوف هاشم وعطفت به على ركابه وعقرتها
عن آخرها ،وحسبت ثمنها على نفسها ،وقالت لوصي هاشم :اقرء المطلب
عني السلم وقل له :إني على عهد أخيه ،وإن الرجال بعده علي حرام ،ثم
إن العبيد والغلمان ساروا إلى مكة وقد سبقهم الناعي إلى أولده وعياله،
فأكثر أهل مكة البكاء والنحيب ،وخرج الرجال وخرجت نساء قريش
منشرات الشعور ،ومشققات الجيوب ،وخرجت نساء سادات بني عبد
مناف ،وتقدمت خلدة ) (2تلومهم حيث إنهم لم يحملوه إلى الحرم وأنشأت
تقول :يا أيها الناعون أفضل من مشى * الفاضل بن الفاضل بن الفاضل
اسد الثرى ما زال يحمي أهله * من ظالم أو معتد بالباطل ماضي العزيمة
أروع ذي همة * عليا وجود كالسحاب الهاطل زين العشيرة كلها وعمادها
* عند الهزاهز طاعن بالذابل ) (3إن السميدع قد مضى ) (4في بلدة *
بالشام بين صحاصح وجنادل قال :فلما فرغت من شعرها أتت إليهم بنته
الشعثاء فحثت التراب على وجههم،
) (1في المصدر :وخرجت سلمى وأبوها وقومها فنظروا إلى مطايا هاشم قد قصوا
نواصيها و شعورها ،وكل جنيبه ومطية عليها من أثواب هاشم ،وعبيدة
واصحابه يبكون (2) .في المصدر :خالدة بنت الورقاء (3) .أي بالرمح
الدقيق (4) .ان السميدع قد ثوى خ ل السميدع :السيد الكريم .الشريف.
الشجاع(*) .
] [ 55
وقالت :بئس العشيرة أنتم ضيعوا سيدهم ،وأسلموا عمادهم ،أما كان هاشم مشفقا
" عليكم ،إذا نزل به الموت أن تحملوه إلى بلده وعشيرته حتى نشاهده،
وأنشأت بعد ذلك تقول :يا عين جودي وسحي ) (1دمعك الهطل * على
كريم ثوى في الشام ثم خل زين الورى ذاك الذي سن القرى * كرما " ولم
ير في يديه مذ نشا بخل قال :فلما فرغت من شعرها أقبلت ابنة الطليعة
حليلة هاشم تقول ) :(2أل يا أيها الركب الذين تركتموا * كريمكم بالشام
رهن مقام ألم تعرفوا ما قدره وفخاره * أل إنكم أولى الورى بملم أيا
عبرتي سحي عليه فقد مضى * أخو الجود والضياف تحت رخام قال:
وكان آخر من رثاه من بناته رقية فإنها جعلت تندب وتقول :عين جودي
بالبكاء والعويل * لخ الفضل والسخاء الفضيل طيب الصل في العزيمة
ماض * سمهري ) (3في النايبات أصيل قال :فبكى القوم عند ذلك وفكوا
كتابه وقرءوه فجددوا حزنهم ،ثم قدموا أخاه المطلب وسودوه عليهم،
فقال :إن أخي عبد شمس أكبر مني وأحق بهذا المر ،فقال عبد شمس:
وأيم ال إنك خليفة أخي هاشم ،قال :فرضوا أهل مكة بذلك ،وسلموا له )
(4لواء نزار ،ومفاتيح الكعبة والسقاية والرفادة ودار الندوة ،وقوس
إسماعيل عليه السلم ،ونعل شيث عليه السلم ،وقميص إبراهيم عليه
السلم ،وخاتم نوح عليه السلم ،وما كان في أيديهم من مكارم النبياء،
وأقام المطلب أياما " ) ،(5فلما اشتد بسلمى الحمل وجائها المخاض وهى
ل تجد ألما " إذ سمعت هاتفا " يقول:
) (1أي صبى صبا " متتابعا غزيرا (2) .ابنته الصفية تقول خ ل (3) .اسمهر:
اشتد وصلب ،اعتدل كالرمح ،يقال :رمح سمهرى ورماح سمهرية .قد
سمهري :اعتدل (4) .وسلموا إليه خ ل ومثله في المصدر (5) .في
المصدر :كمل الجزء الثاني بعون ال وحسن توفيقه ول حول ول قوة ال
بال العلى العظيم .قال ابو الحسن البكري :حدثنا أشيخانا وأسلفنا الرواة
لهذا الحديث قالوا :ثم ان سلمى بها وقت حملها.
] [ 56
يا زينة النساء من بني النجار * بال اسدلي عليه بالستار واحجبيه عن أعين
النظار * كي تسعدي في جملة القطار قال :فلما سمعت شعر الهاتف
أغلقت بابها ،وأسدلت سترها ،وكتمت أمرها ،فبينما هي تعالج نفسها إذ
نطرت إلى حجاب من نور قد ضرب عليها من البيت إلى عنان السماء،
وحبس ال عنها الشيطان الرجيم ،فولدت شيبة الحمد ،وقامت وتولت
أمرها ) ،(1ولما وضعته سطع منه ) (2نور شعشعاني ،وكان ذلك النور
نور رسول ال صلى ال عليه وآله ،فضحك وتبسم ) ،(3فتعجبت امه من
ذلك ،ثم نظرت إليه فإذا هي بشعرة بيضاء تلوح في رأسه ،فقالت :نعم أنت
شيبة كما سميت ،ثم إن سلمى درجته في ثوب من صوف وقمطته وهيأته
ولم تعلم به أحدا " من قومها حتى مضت له أيام ،وصارت تلعبه ويهش
إليها ،فلما كمل له شهر علم الناس فأقبلت القوابل إليها فوجودها تلعبه )
،(4فلما صار له شهران مشى ولم يكن على اليهود أشد منه ) (5وأكثر
ضررا " ،وكانوا إذا نظروا إليه امتلؤا غيظا " وخنقا " ) (6لما يعلمون
بما سيظهر منه من تدميرهم ،وخراب أوطانم وديارهم ،وقطع آثارهم )،(7
وكانت امه إذا ركبت ركب معها أبطال الوس والخزرج ،وكانت مطاعة
بينهم ) ،(8وكان إذا خرج يلعب يقفون ) (9الناس من حوله يفرحون به
أولدهم ) ،(10وكانت امه ل تأمن عليه أحدا " ،فلما تم له سبع سنين
اشتد حبله ،وقوى بأسه ،وتبين
) (1في المصدر :وقامت من وقتها وساعتها وتولت نفسها (2) .وسطع من غرته
نور شعشعانى خ ل ومثله ما في المصدر (3) .في المصدر :وإذا الطفل
قد ضحك وتبسم (4) .فوجدوه يلعب امه خ ل ومثله ما في المصدر(5) .
في المصدر :أشد منه عداوة (6) .وكمدا خ ل (7) .في المصدر :لما
علموا سيظهر منه ما يدمرهم ويخرب ديارهم ويقطع آثارهم (8) .مطاعة
فيهم خ ل (9) .يقف خ ل (10) .يفرحون به دون أولدهم خ ل ومثله في
المصدر.
] [ 57
للناس فضله ،وكان يحمل الشئ الثقيل ،ويأخذ الصبي ويصرعه ،فلم يشكوه إلى
امه وكان يهشم عظامهم .قال أبو الحسن البكري :بلغنا أن رجل من بني
الحارث دخل يثرب في حاجة ) (1فإذا هو بابن هاشم يلعب مع الصبيان قد
غمرهم بنوره ،فوقف الرجل ينظر ) (2إلى الصبي وهو يقول :ما أسعد من
أنت في ديارهم ساكن ؟ وكان يلعب وهو يقول :أنا ابن زمزم والصفا ،أنا
ابن هاشم وكفى ،قال :فناداه الرجل :يا فتى ،فأجاب وقال :ما تريد يا عم ؟
قال :ما اسمك ؟ قال :شيبة بن هاشم بن عبد مناف ،مات أبي وجفوني
عمومتي ،وبقيت مع امي وأخوالي ،فمن أين أقبلت يا عم ؟ قال :من مكة،
قال :وهل أنت متحمل لي رسالة ) (3ومتقلد لي أمانة ؟ قال الحارث :وحق
ابي وأبيك إني فاعل ما تأمرني به ،قال :يا عم إذا رجعت إلى بلدك سالما "
ورأيت بني عبد مناف فاقرءهم مني السلم وقل لهم :إن معي رسالة غلم
يتيم ،مات أبوه ،وجفوه عمومته ،يا بني عبد مناف ما أسرع ما نسيتم
وصية هاشم ،وضيعتم نسله ،وإذا هبت الريح تحمل روائحكم إلي ،قال:
فبكى الرجل واستوى على مطيته وأرسل زمامها ) (4حتى قدم مكة ،فلم
يكن له همة إل رسالة الغلم ،ثم أتى مجلس بني عبد مناف فوجدهم جلوسا
" فأنعمهم صباحا ،وقال :يا أهل الفضل والشراف ،يا بني عبد مناف،
أراكم قد غفلتم عن عزكم وتركتم مصباحكم يستضئ به غيركم ،قالوا :وما
ذلك ؟ فأخبرهم بوصية ابن أخيهم ،فقالوا :وأيم ال ما ظننا أنه صار إلى
هذا المر ،فقال لهم الحارث :وإنه ) (5ليعجز الفصحاء عن فصاحته،
ويعجز اللبيب عن خطابه ) ،(6وإنه لفصيح اللسان ،جري الجنان ،يتحير
في كلمه اللبيب ،فائق على العلماء ،عاقل أديب ،إلى عقله الكفاية ،وإلى
جماله النهاية ،فقال عمه المطلب بن عبد مناف :شعرا ":
) (1في حاجة له خ ل (2) .يناظر إلى الصبى خ ل (3) .متحمل منى رسالة خ ل) .
(4في المصدر :وأرخى زمامها (5) .في المصدر :وال أنه ليعجز(6) .
في المصدر :عن خطابته.
] [ 58
) (1يخرج معك الينا خ ل (2) .اللمة :الدرع (3) .حتى اشرف خ ل (4) .أسبل
الدمع :أرخاه .والعبرة :الدمعة (5) .أن تعلم خ ل (6) .في المصدر:
فيلحقون بنا (7) .في ال الكفاية من كل رزية .ومثله في المصدر(8) .
في المصدر :ثم إن المطلب استوى على المطية.
] [ 59
ابن أخيه شيبة قدامه وأرسل زمامها وسارا ،فبينما هما كذلك إذ سمعا صهيل الخيل
و قعقعة ) (1اللجم وهمهمة الرجال في جوف الليل ،فقال المطلب :يابن
أخي دهينا ) (2ورب الكعبة فما نصنع ؟ قال شيبة :ألم أقل لك إن القوم
يلحقون بنا ،فانحرف بنا عن الجادة إلى الطريق السفلى ،قال المطلب:
وكيف يخفى أمرنا عليهم ونورك يدل علينا قال :أستر وجهي ) .(2فعسى
أن يخفى أمرنا عليهم ،قال :فأخذ المطلب ثوبا " وطواه ثلث طيات وستر
به وجهه ،وإذا بالنور عل من وجهه كما كان ،فقال :يابن أخي إن لك شأنا
" عظيما " عند ال ،فإن الذي أعطاك هذا النور يصرف عنا ) (4كل
محذور ،قال :فبينا هو يخاطب ابن أخيه إذ أدركتهما الخيل وكانوا من
اليهود ،فلما رأوا شيبة علموا أنه هو الذي يخرج من ذريته من يسومهم
سؤ العذاب ،ويكون خراب ديارهم على يديه وقد بلغهم ) (5في ذلك اليوم
أن شيبة قد خرج هو وعمه ول ثالث لهما فأدركهم الطمع في قتله،
فخرجوا وخرج معهم سيد ) (6من سادات اليهود يقال له :دحية ،وكان له
ولد يقال له :لطية ،فخرج يوما " يلعب مع الصبيان فأخذ شيبة عظم بعير
وضرب به ابن دحية فهشم رأسه وشجه شجة موضحة ) ،(7وقال له :يا
ابن اليهودية قد قرب أجلك ) ،(8و دنا خراب دياركم ،فبلغ الخبر إلى أبيه
دحية فامتل غيظا " ،فلما علم أنه قد خرج مع
) (1أي صوت اللجم (2) .أصبنا بداهية (3) .في المصدر :وكيف يخفى أمرنا
ونورك قد يدلوا علينا وقد أنار ما حولها ،فقال يا عم استر وجهى(4) .
يصرف عنك خ ل ومثله في المصدر (5) .في المصدر زيادة :ويخفى
آثارهم وكان قد بلغهم (6) .فخرجوا في أثره وكان قد خرج في جمعهم
سيد اه (7) .هشم راسه :كسره .شج الرأس :جرحه .كسره .قوله:
)موضحة( من أوضحت الشجة في الرأس :كشف العظم .وفي المصدر:
واضحة مكان موضحة (8) .قربت آجالكم خ ل ومثله في المصدر وفيه
أيضا ،ودنا قلع آثاركم مكان خراب دياركم ،وفيه :فامتلء غيظا عليه
وحنقا ،فلما علم بخروجه مع عمه نادى بأعلى صوته ،يا معاشر اليهود.
] [ 60
عمه نادى :يا معاشر اليهود ،هذا الغلم الذى تخشونه قد خرج معه عمه وما لهما
ثالث فاسرعوا إليه واقتلوه ،فخرجوا وكان عددهم سبعين فارسا "،
فلحقوا بشيبة وعمه ،فقال لعمه شيبة :يا عم انزلني حتى أراك قدرة ال
تعالى فأنزله عمه فقصده القوم ) (1فجثا على الطريق وجعل يمرغ وجهه
في التراب ويدعوا ويقول في دعائه) :يا رب الظلم الغامر ،والفلك الدائر )
،(2يا رب السبع الطباق ،يا مقسم الرزاق ،أسألك بحق الشفيع المشفع،
والنور المستودع ،أن ترد عنا كيد أعدائنا( فما استتم دعاؤه حتى كادت
الخيل تهجم عليهم ،فوقفت الخيل ،فقال ابن دحية لطية :يابن هاشم )(3
اصرف عنا هذا الخطاب وكثرة الجواب ،فنحن ل نشك فيك يا بن عبد
مناف ،فأنتم السادات ) ،(4اعلموا أنا ما خرجنا طالبين كيدكم ،ولكن
خرجنا كى نردك إلى امك ،فلقد كنت مصباح بلدتنا ،فقال شيبة :أراكم
تنظرون إلي بعين مغضب ،فكيف تكون في قلوبكم المحبة لي ؟ لكن لما
رأيتم قدرة ال تعالى قلتم :هذا الكلم ،وتركهم ،وسار إلى عمه ،فقال له
المطلب :يابن أخي إن لك عند ال شأنا " ،ثم جعل يقبله ،وسارا وسار
القوم راجعين ،قال لهم لطية ):(5
) (1في المصدر :فعسى أن نقتله ونصرف عنا شره قال) :فخرجوا مسرعين وكانوا
سبعين فارسا فأطلقوا العنة وقوموا ولحقوا بشيبة وعمه ،ثم ان شيبة
قال لعمه ان اليهود لحقوابنا وهم أشد عداوة وما جاؤا ال في طلبى ،فقال
له عمه :يابن أخى ل تخف فوحق الكعبة الكبرى ل يصلون اليك بمكروه
أبدا " ،فقال شيبة :يا عم انزلني حتى أراك قدرة ال تعالى الذى خلقني
وجعل هذا النور في وجهى ،قال :فأنزله عمه ،فلما وصل الرض قام
قائما فقصده القوم( (2) .في المصدر :والبحر الزاخر .وأثبته المصنف
في الهامش عن نسخة (3) .فوقف الخيل ل تقدر على المسير خ ل وفي
المصدر فبقيت الخيل في وحل ل تقدر على المسير .وفيه :فقال دحية :يا
بن هاشم (4) .في المصدر :صرف الخطاب ،وكثرة الجواب فنحن ما نشك
فيه يابن عبد مناف فانتم السادات الشراف (5) .في المصدر ،يا دحية
اليهود ،وشاة القرود ،انكم تنظرون إلى بعين مقت ،فكيف قدح في قلوبكم
المحبة لنا ،فان ذلك محال ،لكن لما رأيتم قدرة ال عز وجل وانكم ل
تصلون الينا و ان ال يحول بيننا وبينكم نطقتم بالوسواس ،ثم تركهم
ومضى إلى ابن عمه ،فقال له المطلب :يا خير من مشى ،ان لك عند ال
تعالى شأنا ،ثم جعل يقبله ويقول :ان لك عند ال حرمة عظيمة ،قال :وان
القوم لما ولوا عنهم ساقوا خيلهم راجعين ،فقال لهم لطية.
] [ 61
ألم تعلموا أن هؤلء معدن السحر ؟ قالوا :بلى ،قال :يا بني إسرائيل يا امة الكليم قد
سحركم هذا الغلم وعمه فدعونا نترجل ،فاتبعوهم من ورائهم شاهرين
سيوفهم وقصدوا شيبة ،فلما قربوا قال المطلب :الن قد حققت الحقائق )
،(1وأخذ المطلب قوسه وجعل فيه سهما " ورمى ) (2بها اليهود فقتل
بها عبد لطية ،فأتاه سيده وقد مات ،و قد أخذ اخرى ورمى بها فأصابت
رجل آخر فقتله ،فصاحوا بأجمعهم وهموا بالرجوع ،فقال لهم لطية :عار
عليكم الرجوع عن اثنين ،فإلى متى يصيبون منا بنبلهم ؟ فل بد أن يفرغ
نبلهم ونقتلهم ،ولم يكن ) (3في القوم أشجع منه ،وكان من يهود خيبر،
فعند ذلك حملوا عليهما حملة رجل واحد ،وجاء لطية إلى المطلب وقال:
قف لي اكلمك بما فيه المصلحة ونرجع ) (4عنكم ،قال شيبة :يا عم إن
القوم قد عزموا علينا ،فقال المطلب :يا معاشر اليهود ليس فيكم شفيق ول
حبيب ،والمقام له بين عمومته خير له فانصرفوا راجعين ،فقال لهم لطية:
كيف يرجع هذا الجمع خائبا " ونحن قد خرجنا ومرادنا أن نرده إلى أمه ؟
) (1في المصدر :قد سحرنا هذا الغلم وعمه ،وقد سحروا خيلنا ،وان هذه المصيبة
الكبرى أن يرجع هذا الجمع العظيم خائبين وهم اثنين ،قال :فلما علموا
اليهود أن خيلهم ل تقدر على الوصول إليهم نزلوا عن خيلهم وجردوا
سيوفهم ،ومشوا إليهم على أقدامهم ،فلما قربوا من شيبة وعمه قال
المطلب :الن حق الحقائق ،وزالت العوائق (2) .في المصدر زيادة:
وكان قوس اسماعيل عليه السلم .وأتبة المصنف في الهامش عن
نسخة .وفي المصدر :وأخذ نبلة وجعلها في كبد القوس ورمى (3) .في
المصدر :وجذب النبلة منه فأخرجها مع روحه ،فبينا هم متحيرين في
أمرها هم فرماهم بآخر فاصاب رجل منهم في جبهته ،فخرجت النبلة من
قفاه ،فجاء اليهود إليه فوجدوه ميتا فصاحوا بأجمعهم وهموا بالرجوع،
فقال لهم ابن دحية :هيهات قد كان رجوعكم ما كان بعد قتل هؤلء عار
عليكم ،فقالوا :أيها السيد الكريم وما تراه من الحلية ؟ قال :وكم يكون
النبل ؟ فعسى أن يكون عشرة فيصيب بها عشرة منا ،وليس كلها تصيب
وتقتل ،فإذا ظفرنا بهم قتلناه وقتلنا عمه ،فعار علينا أن نتركهما وهما
اثنان ونحن سبعون فارسا ،قال :فحرصهم على القتال ،ولم يكن اه ،قلت:
الظاهر أن كلمة -ابن -زائدة وصوابه دحية ،لن ابنه كما تقدم قبل لم
يبلغ مبلغ الرجال (4) .في المصدر :فعند ذلك أخذوا سيفوفهم ودرقهم
وهموا أن يأخذوا شيبة وعمه المطلب ،يقدمهم لطية بن دحية ،ثم انه
زعق بهم وقال :يا بن هاشم قف لى حتى اعلمك ما يكون فيه المصلحة
بيننا وبينكم ونرجع إلى أماكننا.
] [ 62
فقال لهم المطلب :أنتم قوم ظالمون ) ،(1لقد أكثرتم الكلم ،وأطلتم الملم ،ثم قال
المطلب :إنما غرضي أن تمضي إلى عمومتك ،فإن كنت تعرف من القوم
الصدق فارجع معهم حتى تكبر وتبلغ مبالغ الرجال ،ثم تعود إلى بلد
عمومتك ،قال :يا عم ل يغرنك كلمهم ،إنهم أعداءنا ،قال عمه :صدقت،
قال :ثم إن المطلب قال لهم :يا حزب الشيطان بنا تمكرون ،وعلينا تحتالون
؟ إنما ساقكم إلينا آجالكم ،فمن شاء ) (2منكم أن يبرز إلى القتال فليبرز،
فلما سمعوا كلم المطلب قال لهم لطية :أما تعلمون أن هذا فارس بني عبد
مناف الذي يفرق العرب ؟ من يبرز إليه فله ) (3عندي مأة نخلة حاملة
ليس فيها ذكر ،فقال له رجل يقال له) :جميع( من بني قريظة وكان للطية
عليه دين :أنا أبرز إليه واترك دينك عني ،قال :نعم ولك مثله ،فاشهدوا يا
من حضر ،ثم خرج جميع إلى المطلب وهو ل يعلم به حتى قرب منه ،فقال
له المطلب :ل أشك أنه قد ساقك قصر أجلك ،ثم ضربه بالسيف فقال :خذها
وأنا المطلب بن عبد مناف ،فمات من ساعته ،فأقبل اليهود و أحاطوا به،
فلما رأى لطية ما حل باصحابه غضب غضبا " شديدا " وقال :من يبرز
إليه فله ) (4عندي ما يريد ،فقال له غلب :ما لهذا البطل إل بطل مثله،
أبرز إليه أنت،
) (1ضالون خ ل ،قلت :قد اختلف هنا المصدر مع ما نقل عنه في المتن ،والظاهر
أن متن الكتاب مختصر منه ،والموجود في المصدر بعد قوله) :قد عزموا
علينا( هكذا :مما دهاهم منا ،قال :فناداهم المطلب وقال :يا معاشر اليهود
ما كفاكم ما جرى لكم ،ول شك أن آجالكم تسوقكم الينا ،فان زعمتم أنكم
تطلبون ابن أخى فو ال لن تصلوا إليه حتى تقتلوني دونه ،فقال له لطية
بن دحية :يابن عبد مناف اعلم ما جئناكم ال شفقة عليكم ،ومحبة في ابن
أخيك ،لنه قد تربى في بلدنا ومع أولدنا ،والثانى أن له علينا أياديا
واحسانا " ،فأردنا أن نرده إلى امه ،فقال لهم المطلب :يا قوم ليس منكم
قريب ول شفيق ول حبيب ،والمقام بين عمومته أحب إليه ،فانصرفوا
راجعين ،اليكم قاصدين ،قالوا :أردنا أن نردك إلى امك ،فقال لهم المطلب:
أنتم قوم ضالون (2) .في المصدر :ثم ان المطلب اهتز في موضعه وكان
من الفرسان المعدودين والبطال المعروفين ،وقد شد وسطه وعطف
نحوهم فقال لهم :يا حزب الشيطان بنا تمكرون ،وعلينا تحتالون و
تخدعون ؟ اعلموا ما ساقكم الينا في هذه الليلة ال قصر آجالكم ،واعلموا
أن السد ل يقبضن بالخداع ،والبحر ل يقاس بالذراع ،فان كنتم عطف
ظنكم أن تصلون الينا بالخداع قبل قطع واختلف النفوس )كذا( وتتكلمون
بمكركم وخداعكم فهذا بعيد عنكم ،فمن شاء اه 3) .و (4وله عندي خ ل.
] [ 63
قال :نعم أنا أبرز إليه وجرد سيفه ودنا من المطلب فتقاتل من أول النهار حتى
مضى من الليل أكثره ) ،(1واليهود فرحون إذ برز لطية للمطلب هذا،
وعينا شيبة يهملن دموعا " خوفا " على عمه المطلب ،فبيناهم كذلك
وإذا " بغبرة قد ثارت كأنها ) (2الليل المظلم ) (3وقد سدت الفق ،وإذا
بصهيل الخيل ،وقعقعة اللجم ،واصطفاق السنة ،وإذاهم أربعمأة وهم
فرسان الوس والخزرج قد أقبلوا من المدينة مع سلمى وأبيها ،فلما نظرت
إلى اليهود مجتمعين على حرب المطلب صاحت بهم صيحة عظيمة وقالت:
يا ويلكم ما هذا الفعال ؟ فهم لطية بالهزيمة فقال له المطلب :إلى أين يا
عدو ال ،الفرار ) (4من الموت ،ثم ضربه بالسيف على عاتقه فقسمه
نصفين ،وعجل ال بروحه إلى النار وبئس القرار ،وجالت الفرسان على
اليهود ،فما كان إل قليل حتى باد ) (5جميع اليهود ،فعند ذلك عطفوا على
المطلب والسيف مشهور في يده وقد دفع القوس إلى ابن أخيه ،فلما جالت
الكتائب خافت سلمى على ولدها فأومأت إلى القوم وكانت مطاعة فيهم
فأمسكوا عن القتال ،فتقدمت سلمى إلى المطلب ونادته وقالت :من الهاجم
على مرابط السد والخاطف من اللبوة شبلها ؟ قال المطلب :هو من يزيده
شرفا " على شرفه ،وعزا " إلى عزه ،وهو أشفق عليه منكم ،وأنا أرجو
أن يكون صاحب الحرم ،والمتولي على المم ،وأنا عمه المطلب ،فلما
سمعت كلمه قالت :مرحبا " ) (6وأهل وسهل ،ولم ل تستأذني في حملك
ولدنا
) (1في المصدر :فقال :نعم ،فأخذته الحمية ،وغضب وتجرد من ثيابه ،وركب
جواده ،و أخذ درقته وسيفه وقد عزم على القتال ،فلما رآه المطلب أقبل
مسرعا اليهما فأخذ المطلب بيد ابن أخيه ورجع إلى عدو ال قاصدا غير
طايش ،فتقابل الكبشين وتناطحا وتجاول حتى مضى أكثر الليل اه .قلت:
قد قدمنا أن الظاهر أن لطية مصحف داحية (2) .في المصدر زيادة :فلما
طال عليهما القتال وقد مل كل واحد منهما صاحبه وإذا هم بغبرة قد ثارت
عليهم كأنها اه (3) .كأنها قطع الليل المظلم خ ل (4) .في المصدر :أين
الفرار .وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة (5) .حتى أبادوا خ ل) .
(6في المصدر زيادة :ما أنا بعدو ول معاند انا عمه وجماله ،فلما سمعت
كلمه سلمى قالت ،من أنت من عمومته ؟ قال :أنا الذى زوجتك من أبيك،
فقالت له عند ذلك :مرحبا(*) .
] [ 64
من بلدنا ،وأنا قد شرطت على أبيه إن رزقت منه ولدا " يكون عندي ول يفارقني،
فقال لها المطلب :كان ذلك ،ثم أقبلت على ولدها ،وقالت :يا ولدي خرجت
مع عمك وتركتني ،والن إن أردت أن ترجع معي فارجع ،وإن اخترت
عمك فامض راشدا " ،فلما سمع كلم امه أطرق إلى الرض ،فقالت له
امه :يا بني لم تسكت وأنت طلق اللسان ،جرئ الجنان ؟ فوحق أبيك إني ل
أمنعك عن شهوتك ،وإن عز علي فراقك يا ولدي ،فرفع رأسه وقد سبقته
العبرة فقال :يا اماه أخشى مخالفتك لنه محرم علي عصياني لك ،ولكن
احب مجاورة بيت ربي ،وأنظر إلى عمومتي وعشيرتي ،فإن أمرتني
بالمسير سرت وإل رجعت ،فعند ذلك بكت وقالت له :إذا كان كذلك فقد
سمحت لك برضى مني ،و قد كنت مستأنسة بغرتك ) (1فل تنسني ،ول
تقطع أخبارك عني ،ثم قبلته وودعته ،وقالت :يابن عبد مناف قد سلمت
إليك الوديعة التي استودعنيها أخوك هاشم بالعهد والميثاق ،فاحتفظ بها،
فإذا بلغ ولدي مبالغ الرجال ولم أكن حاضرة فانظروا بمن تزوجونه ،فقال
لها المطلب :تكرمت بما فعلت ،وأجملت فيما وصفت ) ،(2ونحن ل ننسى
حقك ما حيينا ،ثم عطف عليها يودعها فقالت سلمى :خذوا من هذا الثياب
والخيل ما تريدون ،فشكرها المطلب وأردف ابن أخيه وسارا حتى قربا من
مكة فأضاءت شعابها ) (3وأنارت الكعبة ،فأقبلت الناس ينظرون إليه ،وإذا
هم بالمطلب يحمل ابن أخيه ،فسألوه عنه و قالوا :من هذا يابن عبد مناف
الذي قد أضائت به البلد ؟ فقال لهم المطلب :هذا عبد لي ،فقالوا :ما أجمل
هذا العبد ،فسموه الناس من ذلك عبد المطلب ،وأقبل إلى منزله وكتم أمره،
وقد عجبت الناس منه ومن نوره وهم ل يعلمون أنه جد رسول ال صلى
ال عليه وآله ،ثم إنه ظهرت له ) (4آيات ومعجزات ومناقب ودللت تدل
على النبوة ).(5
) (1في المصدر :مستأنسة بقربك عمن مضى (2) .فيما صنعت خ ل (3) .في
المصدر :فقال له المطلب :يابن أخى انى كاتم أمرك حتى ارقيك في مرتبة
أبيك فدخل مكة وضاءت شعابها (4) .في المصدر :لعبد المطلب (5) .هنا
تم الجزء الثالث وفي المصدر بعد ذلك :الجزء الرابع من كتاب النوار.
] [ 65
وقال أبو الحسن البكري :حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث أنه لما قدم
المطلب وشيبة إلى الحرم وكان بين عينيه نور رسول ال صلى ال عليه
وآله كانت قريش تتبرك به ،فإذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم نازلة
أودهمهم طارق ) (1أو نزل بهم قحط توسلوا بنور رسول ال صلى ال
عليه وآله فيكشف ال عنهم ما نزل بهم ،قال :وكان أعجب نازلة نزلت بهم
وأعجب آية ظهرت لهم ما جرى من أصحاب الفيل وهو أبرهة بن الصباح،
وكان ملك اليمن ،وقيل :ملك الحبشة ) (2الذي ذكره ال في كتابه العزيز،
وكان قد أشرف منه أهل مكة على الهلك ،وقد حلف أنه يقطع آثارهم،
ويهدم الكعبة ،ويرمى بأحجارها في بحر جدة ،ويحفر أساسها ،فكشفه ال
عن البيت وأهله ببركة عبد المطلب جد رسول ال صلى ال عليه وآله .قال
صاحب الحديث :فأما ما اجتمعت عليه الروايات وأصحاب الحديث أنه
نزلت جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارة فدخلوا في كنيسة من
كنائس النصارى ،و أوقدوا بها نارا " يصطلون عليها ،ويصلحون بها
طعاما " لهم ورحلوا لم يطفؤها فهبت ريح فأحرقت جميع ما في الكنيسة،
فلما دخلوا قالوا :من فعل هذا ؟ قالوا :كان ) (3بها تجار من عرب مكة،
فأخبروا بذلك النجاشي وكان ملك اليمن أو ملك الحبشة -وال أعلم -قال:
ما أحرق معبدنا إل العرب ،فغضب لذلك غضبا " شديدا " ،وقال :لحرقن
معبدهم كما أحرقوا معبدنا ،فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح وأرسل معه
أربعمأة فيل ،وأرسل معه مأة ألف مقاتل ،وقال له :امضى إلى كعبتهم
وانقضها حجرا " حجرا " ،وارمها في بحر جدة ،واقتل رجالهم ،وانهب
أموالهم وذراريهم ،ول تترك لهم رجال " ،قال :فأمر المنادي ينادي في
الجيوش بالمسير إلى مكة ،واجتمعوا من كل جانب ومكان ،وأعدوا ما
يصلح للسفر من الزاد والماء والعدد والسلح والدواب وأمرهم بالمسير،
قال :فسار القوم وجعل في مقدمة الجيوش رجل من أخيار دولته يقال له:
السود بن مقصود ) ،(4وأمره بالمسير أمامه،
) (1دهمهم :غشيهم .الطارق :الداهية (2) .في المصدر ،وهو صاحب الفيل .وذكره
المصنف في الهامش عن نسخة (3) .كانوا خ ل (4) .في المصدر :شمير
بن المقصود ،وفي موضع :شمر ،وفي السيرة الحلبية السود كما في
المتن.
] [ 66
ومعه عشرون ألف فارس ،وقال :امض بمن معك ،وانزل على الكعبة ،وخذ رجالها
ونسائها ول تقتل منهم أحدا " حتى آتيك ،فإني اريد أن اعذبهم عذابا "
شديدا " لم يعذب به أحد من العالمين ،قال :فسار بجيشه سيرا " عنيفا "
يقطع الفيافي والقفار ،ويجوز السهل والوعار ،ولم يقروا ولم يهدءوا )(1
حتى نزلوا ببطن مكة ،فلما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل
جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين من
أصحاب الفيل ،فلما نظر إليهم عبد المطلب قال لهم :يا قوم أيجمل منكم )
(2هذا المر ؟ وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم ،قالوا له :إن الملك
أقسم بمعبوده أن لبد له من ذلك أن يهدم الكعبة ،ويرمي أحجارها في
البحر ،ويذبح أطفالها ،ويرمل نسائها ،ويقتل رجالها ،فاتركنا نخرج قبل أن
يحل بنا الويل ،فقال لهم عبد المطلب :إن الكعبة ل يصلون إليها ،لن لها
مانعا " يمنعهم عنها ،وصادا " يصدهم عنها ،فإن أنتم التجأتم إليها
واعتصمتم بها فهو خير لكم ،فلم تطمئن القلوب ) (3إلى كلمه ،وغلب
عليهم الخوف والجزع ،وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب ،ومنهم من طلب
الجبال ،ومنهم من ركب البحر ،قال :فعند ذلك قالوا لعبد المطلب :ما يمنعك
أن تهرب مع الناس ؟ قال :أستحيي من ال أن أهرب عن بيته وحرمه،
فوال ل برحت من مكاني ول نأيت ) (4عن بيت ربي حتى يحكم ال بما
يشاء ،قال :ولم يبق يومئذ بمكة إل عبد المطلب وأقاربه وهم غير آمنين
على أنفسهم ،فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية قال:
)اللهم أنت أنيس المستوحشين ول وحشة معك ،فالبيت بيتك ،والحرم
حرمك ،والدار دارك ،ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء ) ،(5ورب الدار
أولى بالدار( قال :وأقام السود بن )(6
) (1السهل :الرض الممتدة المستقيم سطحها .والوعر :ضدها .قوله) :لم يهدؤا(
أي لم يسكنوا (2) .أيحمد بكم خ ل (3) .في المصدر :فلم يطمئن القوم.
وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة (4) .في المصدر :ول باينت(5) .
في المصدر :من تشاء ،وكذا في نسخة على ما اثبته المصنف في
الهامش (6) .في المصدر :الشمر بن المقصود.
] [ 67
مقصود بجيشه حتى ورد عليه أبرهة بن الصباح ومعه بقية الجيش وهم أربعمأة
فيل ) ،(1فكدر المياه ،وحطم المراعي ،وسد المسالك والفجاج )،(2
وحطموا الرض ،فأضر بهم العطش والجوع لكثرتهم فشكوا ذلك إلى
أبرهة ،فقال لهم :سيروا إلى مكة مسرعين ،فنزلوا بالبطح ) ،(3وساقوا
جميع المواشي ،وكانت لعبد المطلب ثمانون ناقة حمراء فأخذها القوم
وتقاسموها ) ،(4وسبق بعض الرعاة فأخبر عبد المطلب بذلك ،فقال:
)الحمد ل( هي مال ال ،وضيافة لهل بيته وزواره وحجاجه ،فإن سلمها )
(5فهي له ،وإن ردها إلينا فهي إحسانه ،وهي عارية عندنا( ،ثم إن عبد
المطلب لبس قميصه ،وتردى برداء لوي ،وتحزم ) (6بمنطقة الخليل عليه
السلم ،وتنكب قوس إسماعيل عليه السلم ،واستوى على مطيته وعزم
على الخروج ،فقام إليه أقاربه وقالوا له :أين تريد ؟ قال :إلى ) (7هذا
الرجل الظالم الذي أخذ مال ال عز وجل ،وتعرض لحرم ال ،قالوا :ما كنا
بالذي نطلق سبيلك حتى تمضي إليه لن هذا مثل البحر من دخله غرق،
وأنت اعتصمت برب الكعبة ،واعتصمنا معك ،ورضينا لنفسنا ما رضيت
لنفسك ،أما الخروج من الحرم إلى شر المم فما نسمح لك بذلك ،قال :يا
قوم إني أعلم من فضل ربي ما ل تعلمون ،فخلوا سبيلي فإني سأرجع إليكم
عن قريب ،فخلوا سبيله فمرت به مطيته كالريح ،فلما أشرف على القوم
نظروا إليه من بعيد فإذا هو كالبدر إذا بدا ،والصبح إذا أسفر ،فلما عاينوه
من قريب بهتوا فيه فجاؤه وقد حبس ال أيديهم عنه ،فقالوا له :من أنت
أيها الرجل الجميل الطلعة ،المليح الغرة ،من أنت يا ذا النور الساطع،
والضياء اللمع ؟ فإن كنت من هذه البلدة نسألك أن ترد
) (1في المصدر :اربعمأة قبيلة ،وكذا في نسخة على ما أثبته المصنف في الهامش.
) (2في المصدر :وكدروا وكذا ما بعدها من الفعال (3) .في المصدر:
فسار القوم إلى مكة مسرعين فنزلوا في البطح (4) .وتقاسموا المواشى
خ ل (5) .في المصدر :فان تسلمها (6) .أي شد وسطه (7) .آتى إلى هذا
لرجل الظالم خ ل.
] [ 68
عن قربنا ) (1شفقة منا عليك ،فقال لهم :إني اريد الملك ،فقالوا له :إن ملكنا قد
أقسم بمعبوده أن ل يترك من قومك أحدا " ،فقال لهم عبد المطلب :إني قد
أتيته قاصدا " ،فعند ذلك تصارخت القوم وقال بعضهم لبعض :ما رأينا مثل
هذا الرجل في الجمال و الكمال إل أنه ناقص العقل ،نحن نقول :إن ملكنا قد
أقسم بمعبوده أن ل يترك أحدا " من أهل هذه البلدة ،وهو يقول :لبد لي
منه ،قال :فخلوا سبيله فمضى قاصدا " إلى الملك ،فأوصلوا خبره إلى
الملك ،وقالوا :أيها الملك قد قدم علينا رجل صفته كذا وكذا من أهل مكة
ولم يفزع ولم يجزع ،فقال الملك :علي به ،فوحق ما أعتقده من ديني لو
سألني أهل الرض ما قبلت فيه سؤال ،قال :فعند ذلك أقبلوا إلى عبد
المطلب ليأتوا به ،فقال لهم عبد المطلب :إني قادم إلى الملك بنفسي ،فأمر
الملك قومه أن يشهروا السلح ،ويجردوا السيوف ،وجعل الملك على
رأسه تاجا " ،وشد عمامته على جبينه ،وأمر سياس الفيل أن يحضروه
فأحضروه ،وكان فيهم فيل يقال له :المذموم ) ،(2وكان قد ركبوا على
رأسه قرنين من حديد لو نطح جبل راسيا " بهما للقاه ،وكانوا ) (3قد
علقوا على خرطومه سيفين هنديين وعلموه الحرب ،ووقف سياسه من
ورائه ،فقال لهم الملك :إذا رأيتموني قد أشرت لكم ) (4عند دخول هذا
المكى فأطلقوه عليه حتى يدوسه بكلكله ) ،(5قال :فدخل عليهم عبد
المطلب وهم صفوف ينظرون ما يأمرهم الملك في عبد المطلب وهم
باهتون ،وهو ل يلتفت إلى أحد منهم حتى جاوز أصحاب الفيل ،فأمرهم
الملك بإطلق الفيل فأطلقوه ،فلما قرب من عبد المطلب برك الفيل إلى
الرض وجثا على ركبتيه وسكن ارتجاجه ،وكان قبل ذلك إن أحضره
سياسه ) (6على القتال تحمر عيناه ،ويضرب بخرطومه وفيه سيفان ،فلما
قرب من عبد المطلب سكن ولم يفعل شيئا " ،فتعجب الملك وأصحابه من
ذلك ،وألقى ال
) (1في المصدر :أن ترد عن قريب ،وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة(2) .
في سيرة ابن هشام سماه المحمود (3) .وكان خ ل وفي المصدر :لو
نطح جبل لرماه بهما وكان (4) .أشرت إليكم خ ل (5) .الكلكل :الصدر) .
(6في المصدر :إذا أتوا به سياسه .وأطلقوه لقتال.
] [ 69
في قلبه الجزع والفزع ،وارتعدت فرائصه ،ورق قلبه ،فأقبل على عبد المطلب حتى
أجلسه بجانبه ،ورحب به ،والتفت إلى السود بن مقصود ،وقال :أي شئ
يطلب هذا الرجل المكي فأقضي حاجته .وقد كان الملك يحلف على هلكه
قبل ذلك ،ثم قال له الملك :من أنت وما اسمك ؟ فما رأيت أجمل منك وجها
" ،ول أحسن منك بهجة ،ولك عندي ما سألت ،ولو سألتني الرجوع عن
بلدك لفعلت ) ،(1فقال له عبد المطلب :ل أسألك في شئ من ذلك إل أن
قومك أغاروا علينا ،وأخذوا لي ثمانين ناقة ،وكنت قد أعددتها للحجاج
الذين يقصدوننا من جميع النواحي ،فإن رأيت أن تردها علي فافعل ،فأمر
الملك رجاله بإحضارهن ) ،(2ثم قال الملك :هل لك من حاجة غيرها
فاسألني فيها ) (3؟ فقال عبد المطلب :أيها الملك ما أريد غير هذه ،فقال له
الملك :فلم ل تسألني في بلدك ) (4فإني أقسمت لهدمن كعبتكم ،وأقتل
رجالكم ،لكن لعظم قدرك عندنا لو سألتني فيها قبلت سؤالك ) ،(5فقال عبد
المطلب :ل أسألك في شئ من ذلك ،قال :ولم ذلك ؟ قال :إن لها مانعا "
يمنعها غيري ،فقال الملك :اعلم يا عبد المطلب إني أخرج على أثرك
بجنودي ورجالي ،فنخرب الكعبة ونواحيها ،وأقتل سكانها ،فقال له عبد
المطلب :إن قدرت فافعل ،قال :فانصرف عبد المطلب ومر على الفيل
المذموم ،فلما نظر الفيل إلى عبد المطلب سجد له ،فقام الوزراء والحجاب
يلومون الملك في أمر عبد المطلب كيف خلى سبيله ،فقال لهم الملك:
ويحكم ل تلوموني ،ألم تروا كيف سجد له الفيل بين يديه ؟ وال لقد وقع
لهذا الرجل في قلبي هيبة عظيمة ،ولكن أشيروا علي بما يكون من هذا
المر ،فقالوا :لبد لنا أن نسير إلى مكة فنخربها ،ونرمي أحجارها في بحر
جدة ،فعند ذلك أمر الملك بالجموع والجيوش أن تزحف إلى مكة ) ،(6ولما
وصل عبد المطلب بالنوق إلى
) (1في المصدر :لرجعت .قلت :في الجملة الخيرة غرابة ظاهرة ينفرد بها(2) .
فاحضروا خ ل (3) .تسألني فيها خ ل (4) .في المصدر :لم لم تسألني
الرجوع عن بلدك ؟ ) (5قد عرفت أن فيها غرابة وشذوذ (6) .أي أن
تمشى إلى مكة .وفي المصدر بعد ذلك :قال) :وقدموا الفيل قدامهم
وساروا ،فلما وصل((*) .
] [ 70
مكة خرج إليه أقاربه وبنو عمه يهنؤنه بالسلمة ،وقد كانوا آيسوا منه ،فلما نظروا
إليه فرحوا به وجعلوا يتعلقون به ويقبلون يديه ،وقالوا) :الحمد ل الذي
حماك وحفظك بهذا النور الحسن( ،ثم سألوه عن الجيش فأخبرهم بقصته
وخبر الفيل ،فقالوا له :ما الذي تأمرنا به ؟ فقال :يا قوم اخرجوا إلى جبل
أبي قبيس حتى ينفذ ال حكمه ومشيته ،قال :فخرج القوم بأولدهم
ونسائهم ودوابهم ،وخرج عبد المطلب وبنو عمه وإخوته وأقاربه ،وأخرج
مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس ،وجعل يسير بهم إلى الصفا ،ويدعو
ويبكي ويتوسل بنور محمد صلى ال عليه وآله ،وجعل يقول) :يا رب إليك
المهرب ،وأنت المطلب ،أسألك بالكعبة العلياء ذات الحج والموقف العظيم
المقرب ،يا رب ارم العادي بسهام العطب ) (1حتى يكونوا كالحصيد
المنقلب( ثم رجع وأتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول :لهم إن
المرء يمنع رحله ،فامنع رحالك ) * (2ل يغلبن صليبهم ،ومحالهم عدوا "
) (3محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا ) (4فأمر ما بدالك * جروا جميع
بلدهم ،والفيل كي يسبوا عيالك عمدوا جمالك بكيدهم ،جهل وما راقبوا
جللك * فانصر على آل الصليب ،وعابديه اليوم آلك وقال أيضا " شعرا
" :يا رب ل أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من
عاداكا * أمنعهم أن يخربوا قراكا وإذا بهاتف يسمع صوته ول يرى
شخصه وهو يقول :قد أجبت دعوتك ،وبلغت مسرتك إكراما " للنور الذي
في وجهك ،فنظر يمينا " وشمال " فلم ير أحدا " ،ثم قال لمن معه وهم
على جبل أبي قبيس وقد نشروا شعورهم وهم يبتهلون بالدعاء
ويستبشرون بالجابة ،ثم قال :أبشروا فإني رأيت النور الذي في وجهي قد
عل ،وإنما كان ذلك كاشفا " لما
) (1العطب :الهلك (2) .ذكر ابن هشام في السيرة البيتين الوليين وفي رواية
منه :فامنع حللك .والحلل بالكسر جمع الحلة :القوم النزول فيهم كثرة.
وجماعة البيوت (3) .في السيرة :غدوا بالغين المعجمة .والمحال بكسر
الميم :القوة والشدة (4) .في السيرة :وقبلتنا.
] [ 71
طرقكم ،ففرح القوم وتضرعوا إلى ال تعالى ،فبينما هم كذلك إذا أشرفت عليهم
غبرة القوم ) ،(1وتقاربت الصفوف ،ولح لهم بريق السنة ،ثم انكشف
الغبار عن الفيل فنظروا إليه كأنه الجبل العظيم ،وقد ألبسوه الحديد،
وزينوه بزينة ،فاشتد قلقهم ،وانهملت عبراتهم ،وتضرع عبد المطلب
ودعا ،فو ال ما أتم عبد المطلب دعائه وتضرعه حتى وقف الفيل مكانه
فصرخت عليه الفيالة ) ،(2وزجرته الساسة ،فلم يلتفت إليهم ،فوقفت
الجيوش ودهشوا ،فقال السود بن مقصود وهو على الساقة (3) :ما
الخبر ؟ قالوا :إن الفيل قد وقف ،فقال للساسة :اضربوه ،فضربوه فما حال
ول زال ،فتعجبوا من ذلك ،ثم أمرهم أن يعطفوا رأسه ففعلوا فهرول راجعا
" ،فأمر برده فردوه فوقف ،فقال السود :سحروا فيلكم ،ثم بعث إلى الملك
وأعلمه بذلك ،فقال له :أشر علينا ،فبعث أبرهة إلى ابن مقصود فقال :ليس
من جرب كمن ل يجرب ،ابعث للقوم رسول " ) (4واطلب الصلح ،ول
تخبرهم بأمر الفيل لئل يكون طريقا " لطمعهم فيكم ،واطلب منهم رجال
بعدد من قتل منا ) ،(5ويقومون لنا بما أفسدوا من كنيستنا ،فإذا فعلوا ذلك
رجعنا عنهم ،قال :فلما دخل رسوله أبرهة على السود وكان اسمه حناطة
الحميري ) ،(6وكان يهزم الجيوش وحده ،وكان له خلقة هائلة فقال له
السود هل لك أن تكون أنت الرسول إليهم ؟ فعسى أن يكون الصلح على
يديك ،فقال حناطة :ها أنا سائر إليهم ،فإن صالحونا وإل
) (1غبرة الفيل والقوم خ ل (2) .فيالة جمع الفيال :صاحب الفيل وسياسة(3) .
على السيافة خ ل وفي المصدر :على السياسة (4) .رسول من عندك خ
ل (5) .فيه غرابة لنه لم يسبق منهم ذكر مقتول ،حتى يطلبون من عبد
المطلب قودا ،ولم يكن عبد المطلب وقومه يحاربونهم حتى يدعونهم إلى
الصلح ،وجاء ذكر حناطة يعمر بن نفاثة بن عدى بن الدئل بن بكر بن
مناة بن كنانة في السيرة ابن هشام لكنه ذكر أنه وعبد المطلب وخويلد
ابن واثلة ذهبوا إلى أبرهة فعرضوا عليه ثلث أموال تهامة على أن يرجع
عنهم ول يهدم البيت فأبى عليهم ،وقال ابن هشام بعد ذلك :وال أعلم
أكان ذلك أم ل (6) .اليحمرى خ ل.
] [ 72
رجعت برؤوسهم ،ثم سارو هو معجب بنفسه فسأل عن سيد قريش ،فقالوا :هو
الشيبة النجار ) ،(1وكان عبد المطلب قد رأه وعلم أنه رسول من القوم،
فلما نظر حناطة إلى عبد المطلب دهش وحار ،فقال له عبد المطلب :ما
الذي أتى بك ؟ قال :يا مولي إن أبرهة قد عرف فضلكم ،ووهب لكم الحرم
والبيت ،وقد أرسل إليك أن تقوم بدية من قتل له ،أو تسلم من رجالك
بعددهم ) ،(2ثم تقوم له بثمن ما عدم من الكنيسة ،فإذا فعلتم هذا رجع
عنكم ) ،(3فقال عبد المطلب :أيؤخذ البرئ بالسقيم ،ونحن من شميتنا
المانة والصيانة ،ونقبض أيدينا عن المظالم ،ونصرف جوارحنا ) (4عن
المآثم ،فبلغ صاحبك عنا ذلك ،وأما هذا البيت فقسبق مني القول فيه :إن له
ربا " يمنع عنه ،فوال ما كبر علي ما جمعتموه من الرجال ،فإن أراد
صاحبك المسير فليسر ،وإن أراد المقام فليقم ،قال :فلما سمع حناطة كلمه
غضب وأراد أن يقتل عبد المطلب ،فظهر لعبد المطلب ما في وجهه فلم
يمهله دون أن قبض على محزمه ومراق بطنه وشاله ) (5وضرب به
الرض ،وقال :وعزة ربي لو ل أنك رسول لهلكتك قبل أن تأتي صاحبك،
فرجع حناطة إلى السود وأعلمه بما كان من أمره ،ثم قال :هؤلء قوم قد
غلت ) (6دماؤهم ،والرأي عندي أن تراسل القوم بعد هذا ،واعلم أن مكة
خلية من أهلها ) ،(7فاسرع إلى الغنيمة .قال الراوي :فأمر الجيوش
بالزحف فساروا نحو الحرم ،فلما قربوا منه جاءهم أمر ال من حيث ل
يشعرون ،وإذاهم بأفواج من الطير كالسحابة المترادفة يتبع بعضها بعضا
" ،و هي كأمثال الخطاطيف ،يحمل ) (8كل طير ثلثة أحجار :أحدها في
منقاره ،واثنين )(9
) (1في المصدر :الشيبة الفخار .أثبته المصنف في الهامش عن نسخة (2) .أو
ترجع له برجال بعددهم خ ل (3) .في المصدر زيادة :وأنتم له شاكرون) .
(4جوانحنا خ ل (5) .المحزم ما يشد به الوسط .شاله :رفعه (6) .حلت
خ ل (7) .عن أهلها خ ل (8) .يحمل منها خ ل وفي المصدر :يحمل كل
طير منها (9) .في المصدر :اثنتين.
] [ 73
بين رجليه كالعدس ،وكبيرها كالحمص ،وقد تعالت الطيور ،وارتفعت وامتدت فوق
العسكر ) ،(1وانتشرت بطولهم وعرضهم ،فلما نظر القوم إلى ذلك خافوا
وقالوا :ما هذه الطيور التي لم نر مثلها قبل هذا اليوم ؟ فقال السود :ما
عليكم بأس ،لنها طير تحمل رزقها لفراخها ،ثم قال :علي بقوسي ونبلي
حتى أردها عنكم ،فأخذ قوسه و أراد الرمي فتصارخت الطيور مستأذنة
لربها في هلك القوم ،فما أتمت ) (2صراخها حتى فتحت أبواب السماء،
وإذا بالنداء :أيها الطيور المطيعة لربها افعلوا ما امرتم به ،فقد اشتد
غضب الجبار على الكفار ،ففتحت الطيور أفواهها ،وكان أول حصاة وقعت
على رأس حناطة فنزلت من البيضة إلى الرأس إلى الحلقوم ،ونزلت إلى
الصدر ،وخرجت من دبره ،ونزلت إلى الرض وغاصت فانقلب صريعا "،
فتناثرت ) (3القوم يمينا " وشمال و الطيور تتبعهم ل تحول ول تزول عن
الرجل حتى ترميه بالحصاة على رأسه ،فتخرج من دبره ول يردها درقة )
(4ول حديد ،وإن أبرهة لما نظر إلى الطير وفعلها علم أنه قد احيط بهم،
فولى هاربا " على وجهه ،وأما السود فإنه لما نظر إلى ما نزل بقومه
والحصى تتساقط عليهم وهم يقعون على وجوههم فإذا بطير قد ألقى )(5
حجرا " فوقع في فيه حتى خرج من دبره ) ،(6وأتاه آخر فضربه في
هامته فطلع من قفاه ) ،(7فخر صريعا " ،وأعجب من ذلك أن رجل " من
حضرموت كان له أخ فسأله المسير معه فأبى ،وقال :ما أنا ممن يتعرض
لبيت ال ،فلما نزل بهم البلء خرج هاربا " على وجهه والطير يتبعه ،فلما
وصل إلى أخيه وصف له العذاب الذي حل بالقوم ورفع رأسه وإذا هو
بطير قد رماه بحصاة
) (1في المصدر :وامتدت من فوق رؤس القوم (2) .في المصدر :فماتت(3) .
فتنافرت خ ل (4) .الدرقة :الترس من جلود ليس فيه خشب ول عقب) .
(5قد ألقى عليه خ ل (6) .خرج من نقرة قفاه خ ل (7) .من قفاه خ ل
وفي المصدر :فخرج من نقرته.
] [ 74
على هامته وخرجت من دبره ،وأما أبرهة فإنه سار مجدا " على فرسه ،إذ سقطت
يده اليمنى فتحير في أمره فسقطت يده اليسرى ،ثم رجله اليمنى ،ثم
اليسرى ،فأتى منزله فحكى لهم جميع ما جرى لهم كلهم ،فما أتم حديثه إل
ورأسه قد وقع ،هذا ما جرى لهم ،وأما عبد المطلب ومن معه فإنهم أقاموا
في ابتهال ودعاء وتضرع وقد استجيب لهم ببركة رسول ال صلى ال
عليه وآله ،وقالوا في دعائهم) :اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا اجعل
لنا من كل كيدهم فرجا " ) ،(1وانصرنا على أعداءنا( ونظروا هياكل
العداء على وجه الرض مطروحة ،والفيل ولى هاربا " ،وأما ما كان
ممن فر من أهل مكة وسمع بما نزل بأصحاب الفيل أتوا فرحين
مستبشرين ،وأقاموا مدة ينقلون ال سلب والرحال ) (2وكان سعادتهم )
(3وسرورهم ببركة رسول ال صلى ال عليه وآله .ثم إن عبد المطلب )
(4كان ذات يوم نائما " في الحجر إذ أتاه آت فقال له :احفر طيبة ،قال:
فقلت له :وما طيبة ؟ فغاب عني إلى غد ،فنمت في مكاني فأتى الهاتف
فقال :احفر برة ،فقلت :وما برة ؟ فغاب عني ،فنمت في اليوم الثالث فأتى
وقال :احفر مضنونة ،فقلت :وما مضنونة ؟ ،فغاب عني ،وأتاني في اليوم
الرابع وقال :احفر زمزم ،فقلت :وما زمزم ؟ قال :ل تنزف أبدا " ول تذم،
تسقي الحجيج العظم ،عند قرية النمل ،فلما دله على الموضع أخذ عبد
المطلب معوله وولده الحارث ولم يكن له يومئذ ولد غيره ،فلما ظهر له
البناء وعلمت قريش بذلك قالوا له :هذا بئر زمزم ،بئر أبينا إسماعيل عليه
السلم و نحن فيه شركاء ،قال :ل أفعل لنه أمر خصصت به دونكم،
فتشاوروا على أن يجعلوا
) (1في المصدر :فرجا ومخرجا (2) .أسلب جمع السلب :ما يسلب وينتزع من
القتيل .الرحال جمع الرحل :ما يستصحبه المسافر من الثاث في السفر) .
(3في المصدر :وكان ذلك سبب سعادتهم (4) .في المصدر :قال الراوى
لهذا الحديث ثم ان عبد المطلب.
] [ 75
بينهم حكما " وهو سعيد بن خثيمة ) ،(1وكان بأطراف الشام ،فخرجوا حتى إذا
كانوا بمفازة بين الحجاز والشام بلغ بهم الجهد والعطش ولم يجدوا ماء،
فقالوا لعبد المطلب :ما تفعل ؟ قال :كل واحد منكم يحفر حفيرة لنفسه
ففعلوا ،ثم ركب عبد المطلب راحلته وسار بها ) (2فنبع الماء من تحت
خفها فكبر وكبرت أصحابه وشربوا جميعهم وملؤا قربهم وحلفوا أن ل
يخالفوه في زمزم ،فقالوا :إن الذي أسقاه الماء في هذه الفلة هو الذي
أعطاه زمزم ،ورجعوا ومكنوه من الحفر ) .(3فلما تمادى على الحفر وجد
غزالين من ذهب وهما اللذان دفنهما جدهم ،ووجد أسيافا " كثيرة ودروعا
" ،فطلبوه بنصيبهم فيها ،فقال لهم :هلموا إلى من ينصف بيننا ،فنضرب
القداح ) (4فنجعل للكعبة قدحين ،ولي قدحين ،ولكم قدحين ،فمن خرج
قدحاه كان هذا له ،قالوا :أنصفت ،فجعل قدحين أصفرين للكعبة ،وقدحين
أسودين له ،وقدحين أبيضين لقريش ،ثم أعطاه لصاحب القداح ) (5وهو
عند هبل ،وهبل صنم في الكعبة ،فضرب بهما فخرج الصفران على
الغزالين ،وخرج السودان على السياف والدروع لعبد المطلب ،وتخلف
قدحا قريش ،فضرب عبد المطلب السياف ما بين الكعبة ،فضرب في الباب
الغزالين من الذهب ،وأقام عبد المطلب بسقاية زمزم للحاج ) .(6وما كان
بمكة من يحسده ويضاده إل رجل واحد وهو عدي بن نوفل ،وكان أيضا "
صاحب منعة ) (7وبسطة وطول يد ،وكان المشار إليه قبل قدوم عبد
المطلب ،فلما قدم
) (1في المصدر :سعيد بن جندب ،في سيرة لبن هشام :كاهنة بنى سعد هذيم(2) .
وأشاربها خ ل (3) .ذكره ابن هشام في السيرة ثم قال) :قال ابن اسحاق:
فهذا الذى بلغني من حديث على بن أبى طالب رضى ال عنه في زمزم(.
) (4القدح بالكسر :السهم الذى كانوا يقتسمون به (5) .في المصدر :ثم
أعطى لصاحب القداح أجرته وفي هامش نسخة المصنف :ودفع إليه
اجرته خ ل (6) .ذكره ايضا ابن هشام في السيرة (7) .158 :1المنعة:
العزة والقوة.
] [ 76
عبد المطلب إلى مكة وسوده أهل مكة عليهم كبر ذلك على عدي بن نوفل ،إذ مال
الناس إلى عبد المطلب وكبر ذلك عليه ،فلما كان بعض اليام تناسبا )(1
وتقاول ووقع الخصام ،فقال عدي بن نوفل لعبد المطلب :أمسك عليك ما
أعطيناك ،ول يغرنك ما خولناك ،فإنما أنت غلم من غلمان قومك ،ليس لك
ولد ول مساعد فبم تستطيل علينا ولقد كنت في يثرب وحيدا " حتى جاء
بك عمك إلينا ،وقدم بك علينا ،فصار لك كلم ،فغضب عبد المطلب لذلك،
وقال له :يا ويلك تعيرني بقلة الولد ،ل علي عهد وميثاق لزم ،لن رزقني
ال عشرة أولد ذكورا " وزاد عليهم لنحرن أحدهم إكراما " وإجلل
لحقه ،وطلبا " بثأري ) (2بالوفاء ،اللهم فكثر لي العيال ،ول تشمت بي
أحدا " ،إنك أنت الفرد الصمد ،ول أعاين بمثل قولك أبدا ) ،(3ثم مضى
وأخذ في خطبة النساء والتزويج حرصا " على الولد ،ثم تزوج بست
نساء فرزق منهن عشرة أولد ،وكل امرأة تزوجها هي كانت ذات حسن
وجمال وعز في قومها ،منهن منعة بنت حباب الكلبية ) ،(4والطائفية )
،(5والطليقية بنت غيدق اسمها سمراء ،وهاجرة الخزاعية ،وسعدى بنت
حبيب الكلبية ،وهالة بنت وهب ،وفاطمة بنت عمرو المخزومية ،وأما
منعة بنت الحباب فإنها ولدت له الغيداق واسمه الحجل ،وإنما سمي
الغيداق لمروته وبذل ماله ،وأما الفرعي ) (6فولدت له أبا لهب واسمه
عبد العزى ،وأما سعدى ) (7فولدت له ولدين :أحدهما ضرار ،والخر
العباس ،وأما فاطمة فولدت له ولدين :أحدهما عبد مناف ،ويقال له :أبو
طالب
) (1تسابا خ ل (2) .لثارى خ ل (3) .قوله أحدا خ ل (4) .في المصدر :بغلة بنت
حسان الكلبية :وفي تاريخ اليعقوبي :ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل
الخزاعى (5) .لم يذكر الطائفية في المصدر (6) .لم تسبق قبل ذلك
ولعلها الخزاعية .وذكر اليعقوبي أن اسمها لبنى بنت هاجر بن عبد مناف
بن ضاطر الخزاعى (7) .في تاريخ اليعقوبي :اسمها نتيلة بنت جناب بن
كليب بن النمر بن قاسط.
] [ 77
والخر عبد ال أبو رسول ال صلى ال عليه وآله ) ،(1وكان عبد ال أصغر
أولده ،وكان في وجهه نور رسول ال صلى ال عليه وآله ،فأولد عبد
المطلب الحارث وأبو لهب والعباس وضرار وحمزة والمقوم والحجل
والزبير وأبو طالب و عبد ال ) ،(2وكان عبد المطلب قائما " مجتهدا "
في خدمة الكعبة ،وكان عبد المطلب نائما " في بعض الليالي قريبا " من
حائط الكعبة فرأى رؤيا " فانتبه فزعا " مرعوبا " ،فقام يجر أذياله ويجر
ردائه إلى أن وقف على جماعته وهو يرتعد فزعا " ،فقالوا له :ما وراءك
يا أبا الحارث ؟ إنا نراك مرعوبا " طائشا " ،فقال :إني رأيت كأن قد خرج
من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة ،يكاد ضوئها يخطف البصار ،لها أربعة
أطراف ،طرف منها قد بلغ المشرق ،وطرف منها قد بلغ المغرب ،وطرف
منها قد غاص تحت الثرى ،وطرف منها قد بلغ عنان السماء ،فنظرت )(3
وإذا رأيت تحتها شخصين عظيمين بهيين ،فقلت لحدهما :من أنت ؟ فقال:
أنا نوح نبي رب العالمين ،وقلت للخر :من أنت ؟ قال :أنا إبراهيم الخليل،
جئنا نستظل بهذه الشجرة ،فطوبى لمن استظل بها ،والويل لمن تنحى
عنها ،فانتبهت لذلك فزعا " مرعوبا " فقال له الكهنة :يا أبا الحارث هذه
بشارة لك ،وخير يصل إليك ،ليس لحد فيها شئ ،وإن صدقت رؤياك
ليخرجن من ظهرك من يدعو أهل المشرق والمغرب ،ويكون رحمة لقوم،
وعذابا " على قوم ،فانصرف عبد المطلب فرحا " مسرورا " ،وقال في
نفسه :ليت شعري من يقبض النور من ولدي ،وكان يخرج كل يوم إلى
الصيد وحده ،فأخذه ذات يوم العطش فنظر إلى ماء صاف في حجر معين،
فشرب منه فوجده أبرد من الثلج ،وأحلى من العسل ،وأقبل من وقته
وغشى زوجته فاطمة بنت عمرو ،فحملت بعبدال أبي رسول ال صلى ال
عليه وآله ،فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة ،فما مرت
بها الليالي واليام حتى ولدت عبد ال أبا رسول ال صلى ال عليه وآله،
فانتقل النور إليه ،فلما ولدته
) (1وعد اليعقوبي في تاريخه من أولدها أيضا الزبير وعبد الكعبة وهو المقوم) .
(2وأضاف اليعقوبي قثم ،وذكر أن امه وام الحارث واحدة وهو صفية
بنت جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة.
) (3في المصدر زيادة هي :فبينما أنا أنظر إليها وإذا هي قد تحولت
شجرة بيضاء زاهرة ،لها أغصان قد بلغت إلى عنان السماء ،فنظرت.
] [ 78
سطح النور في غرته ) (1حتى لحق عنان السماء ) ،(2فلما نظر إليه عبد المطلب
فرح ) (3فرحا " شديدا " ،ولم يخف مولده على الكهنة والحبار ،فأما
الكهنة فعظم أمره عليهم لبطال كهانتم ،وأما أحبار اليهود فكانت معهم
جبة بيضاء وكانت جبة يحيى بن زكريا عليهما السلم ،وكان الدم يابسا "
عليها قد غمست في دمه ،وكان في كتبهم :إن هذا الدم الذي في الجبة إذا
قطر منها قطرة واحدة من الدم يكون قد قرب خروج صاحب السيف
المسلول ،فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوا الجبة ،وإذا بها قد صارت رطبة
يقطر منها الدم ) ،(4فعلموا أنه قد دنا خروجه ،فاغتموا لذلك غما " شديدا
" ،وبعثوا إلى مكة رجال منهم يكشفون لهم عن الخبر ،ويأتونهم بخبر
مولده ،وكان عبد ال يشب في اليوم مثل ما يشب أولد الناس في السنة،
وكان الناس يزورونه ويتعجبون من حسنه وجماله وأنواره ،وقيل :إنه
لقى عبد ال في زمانه ما لقى يوسف الصديق في زمانه ،وذلك من عداوة
اليهود ،وجرت عليه امور عظيمة وأحوال جسيمة ) .(5فلما كملت لعبد
المطلب عشرة أولد ذكورا " وولد له الحارث ) (6فصاروا أحد عشر ولدا
" ذكرا " فذكر نذره الذي نذر ،والعهد الذي عاهد :لئن بلغت أولدي أحد
عشر ولدا " ذكورا " ) (7لقربن أحدهم لوجه ال تعالى ،فجمع عبد
المطلب أولده بين يديه ،وصنع لهم طعاما " ،وجمعهم حوله ،واغتم لذلك
غما " شديدا " ،ثم قال لهم :يا أولدي إنكم كنتم تعلمون ) (8أنكم عندي
بمنزلة واحدة ،وأنتم الحدقة من العين ،والروح بين الجنبين،
) (1في المصدر :من غرته (2) .بعنان السماء خ ل (3) .فرح به خ ل (4) .في
المصدر :فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوه قد صار رطبا يقطر منها دما.
فعلموا .ونقله المصنف في الهامش عن نسخة (5) .ذكر نحوه المسعودي
في اثبات الوصية (6) .84 :قد سبق أن الحارث ولد قبلهم ،فالصحيح كما
في المصدر :وولده الحارث (7) .في المصدر :عشرة ،وذكر المصنف
عن نسخة في الهامش هكذا :عشرة ذكورا ل نحرن (8) .أنتم تعلمون خ
ل وهو الموجود في المصدر.
] [ 79
ولو أن أحدكم أصابته شوكة لساءني ذلك ) ،(1ولكن حق ال أوجب من حقكم )،(2
وقد عاهدته ونذرت له متى رزقني ال أحد عشر ولدا " ذكرا " لنحرن
أحدهم قربانا " ،وقد أعطاني ما سألته ،وبقي الن ) ،(3ما عاهدته ،وقد
جمعتكم لشاوركم ،فما أنتم قائلون ؟ فجعل بعضهم ينظر إلى بعض وهم
سكوت ل يتكلمون ،فأول من تكلم منهم عبد ال أبو رسول ال صلى ال
عليه وآله وكان أصغر أولده ،فقال :يا أبت أنت الحاكم علينا ،ونحن
أولدك وفي طوع يدك ،وحق ال أوجب من حقنا ،وأمره أوجب من أمرنا،
ونحن لك طائعون وصابرون على حكم ال وحكمك ،وقد رضينا بأمر ال
وأمرك ،وصبرنا على حكم ال و حكمك ،ونعوذ بال من مخالفتك ،فشكره
أبوه ،وكان لعبد ال في ذلك اليوم إحدى عشر سنة ،فلما سمع أبوه كلمه
بكى بكاء " شديدا " حتى بل لحيته من دموعه ،ثم قال لهم :يا أولدي ما
الذي تقولون ؟ فقالوا له :سمعنا وأطعنا ،فافعل ما بدا لك ،ولو نحرتنا عن
آخرنا فكيف واحدا " منا ،فشكرهم على مقالتهم ،ثم قال لهم :يا بني
امضوا إلى امهاتكم وأخبروهن بما قلت لكم ،وقولوا لهن يغسلنكم
ويكحلنكم ويطيبنكم ،والبسوا أفخر ثيابكم ،وودعوا امهاتكم وداع من ل
يرجع أبدا " ،فتفرقوا إلى امهاتهم و وأخبروهن بما قال لهم أبوهم،
ففاضت لجل ذلك العيون ،وترادفت الحزان ) ،(4قال :ثم إن عبد المطلب
بات تلك الليلة مهموما " مغموما " ،لم يطعم طعاما " ،ولم يشرب شرابا
" ،ولم يغمض عينا " حتى طلع الفجر ) ،(5ثم لبس أفخر أثوابه ،وتردى
برداء آدم عليه السلم ،وتنعل بنعل شيث عليه السلم ،وتختم بخاتم نوح
عليه السلم ،وأخذ بيده خنجرا " ماضيا " ليذبح به بعض أولده،
) (1في المصدر هنا زيادة هي :ولو عرض لبعضكم عارض لذانى .وأثبته المصنف
في الهامش عن نسخة (2) .في المصدر هنا زيادة هي :ومكان ال أعظم
من مكانكم .ونقله المصنف في الهامش عن نسخة (3) .وبقى على الن
ما عاهدته خ ل (4) .في المصدر هنا زيادة هي :وعقدن لفقد أولدهن
الماتم (5) .في المصدر هنا زيادة هي :وهو مع ذلك قلقا مرعوبا لما يعلم
من أمر أولده وما يريد أن يفعل بهم ،قال) :فاغتسل ولبس( اه .قلت:
قوله) :قلقا( لعله مصحف قلق مرعوب.
] [ 80
وخرج يناديهم من عند امهاتهم واحدا " واحدا " ،فأقبلوا إليه مسرعين وقد تزينوا
) (1بأحسن الزينة ،فلم يتأخر ) (2غير عبد ال ،لنه كان أصغرهم،
فسألهم عنه فقالوا :ل نعلمه منهم أحد ) (3فخرج إليه بنفسه حتى ورد
منزل فاطمة زوجته ،فأخذ بيده ،فتعلقت به امه ،فجعل أبوه يجذبه منها،
وهي تجذبه منه ،وهو يريد أباه ) ،(4وهو يقول) :يا اماه اتركيني أمضي
مع أبي ليفعل بي ما يريد( ،فتركته وشقت جيبها وصرخت وقالت) :لفعلك
يا أبا الحارث فعل لم يفعله أحد غيرك ،فكيف تطيب نفسك بذبح ولدك ؟
وإن كان ول بد من ذلك فخل عبد ال لنه طفل صغير وارحمه لجل
صغره ،ولجل هذا النور الذي في غرته ) ((5فلم يكترث بكلمها ) ،(6ثم
جذبه من يدها ) ،(7فقامت عند ذلك تودعه فضمته إلى صدرها ،وقالت:
)حاشاك يا رب أن يطفئ نورك ،وقد قلت حيلتي فيك يا ولدي ،واحزنا
عليك يا ولدي ،ليتني قبل غيبتك عني وقبل ذبحك يا ولدي غيبت تحت
الثرى ،لئل أرى فيك ما أرى ،ولكن ذلك بالرغم مني ل بالرضا
) (1في المصدر :وقد تطيبوا وتزينوا (2) .في المصدر :ولم يتأخر أحد منهم .وفي
هامش الكتاب :فلم يتأخر منهم أحد خ ل (3) .فقالوا :ما لنا به علم خ ل
وهو الموجود في المصدر (4) .وهو يريد ابنه وهى تمنعه خ ل وفي
المصدر :وهو يريد أبيه وهى تمنعه وهو يقول :يا أماه اتركيني أمضى
مع أبى ليمثل أمره وما عاهد ال عز وجل به ،فأنا أعود إليك ان شاء ال
تعالى ،فتركته وقالت) :يا أبا الحارث فعلك الذى عزمت عليه ما سبقك
إليه أحد من الناس ،فكيف تطيب نفسك أن تذبح أولدك( ؟ (5) .ولهذا
النور الذى في غرته خ ل .وفي المصدر :في وجهه ،وبعده :فورب الكعبة
لن فعلت ببعض أولدك ما أنت عليه عازم تشمت بك الحساد ،ول تطيب
نفسك أبدا ،فقال لها عبد المطلب) :يا فاطمة ان عبد ال اجل اولدي
وأحبهم إلى ،وأنا أرجو من ال تعالى أن ينجيه ويرحم صغر سنه( ،قال:
)ثم ان عبد المطلب عزم على المسير به ،فقامت امه تضمه إلى صدرها
وهى تقول :أترى ورب الكعبة قضى بفراقك ،وقدر على وحشتك حاشا
نور ال يطفأ ويذهب نور البطح والصفا ،ولقد قلت حيلتى يا بنى((6) .
أي لم يعبأ به ول يباليه (7) .ثم جذبه بيده وأخذه خ ل.
] [ 81
سوقك من عندي من غير اختياري ) ،((1فلما سمع ذلك أبوه بكى بكاء " شديدا "
حتى غشي عليه وتغير لونه ،فقال عبد ال لمه :دعيني أمضي مع أبي،
فإن اختارني ) (2ربي كنت راضيا " سامحا " ببذل روحي له ،وإن كان
غير ذلك عدت إليك ،فأطلقته امه فمشى وراء أبيه وجملة أولده ) (3إلى
الكعبة ،فارتفعت الصوات من كل ناحية ،وأقبلوا ينظرون ما يصنع عبد
المطلب بأولده ،وأقبلت اليهود والكهنة وقالوا :لعله يذبح الذي نخافه ،ثم
عزم على القرعة بينهم وجاء بهم جميعا " للمنحر ،وبيده خنجر يلوح
الموت من جوانبه ،ثم نادى بأعل صوته يسمع القريب والبعيد وقال:
)اللهم رب هذا البيت والحرم والحطيم ،وزمزم ) (4ورب الملئكة الكرام،
ورب جملة النام ،اكشف عنا بنورك الظلم ) ،(5بحق ما جرى به القلم،
اللهم إنك خلقت الخلق بقدرتك ،وأمرتهم بعبادتك ،ل مانع منك إل أنت )،(6
وإنما يحتاج الضعيف إلى القوي ،والفقير إلى الغني ،يا رب وأنت تعلم أني
نذرت نذرا " ،وعاهدتك عهدا " على إن وهبتني عشرة أولد ذكور لقربن
لوجهك الكريم واحدا " منهم ،وها أنا وهم بين يديك ،فاختر منهم من
أحببت ،اللهم كما قضيت وأمضيت فاجعله في الكبار ،ول تجعله في
الصغار ،لن الكبير أصبر على البلء من الصغير،
) (1بغير اختياري خ ل (2) .في المصدر بعد ذلك :يفعل بى ما يشاء ،ويحكم ما
يريد ،فان اختارني إه (3) .مع جملة أولده خ ل ،وفي المصدر :ومشى
وراء أبيه ،وأقبل عبد المطلب وساق أولده بين يديه إلى الكعبة،
فارتفعت الصوات ،وخرجت الرجال والنساء من كل جانب ومكان ،و
جعلوا ينظرون إلى عبد المطلب وما يريد يصنع بأولده ،وأقبلوا إليه
السحرة والكهنة واليهود ويقولون :عسى أن يذبح الذى نخاف منه،
وكانوا اليهود يقولون :هذا الذى يخرج منه ما تحذرون وقد قرب ذلك
منكم ،فلما علموا أن عبد المطلب لبد أن يقارع بينهم فأى من وقعت
عليه القرعة يذبحه أقبلت الناس إلى المنحر وهم ينظرون إلى عبد
المطلب وأولده خلفه ،فأقبل بهم نحو المنحر وبيده خنجر ماض فتطاولت
إليه العناق ،ثم نادى إه (4) .اللهم رب هذا البيت الحرام ،والمشاعر
العظام وزمزم والمقام خ ل (5) .في المصدر :الظلم (6) .المصدر خال
عن قوله :ال انت(*) .
] [ 82
) (1فقدرها خ ل وفي المصدر :وقدر وفصله وكتب (2) .في المصدر :القداح الذى
كانوا يضربون بها ،وهى التى تسمى الزلم (3) .يقتسمون خ ل وكذا في
المصدر (4) .وشق الجيوب خ ل (5) .في المصدر :وقلق عبد المطلب
قلقا شديدا " ،وجعل يقوم اه .وزاد في الدعاء :فانى راغب إليك(6) .
وهو يقول خ ل (7) .وان شئت اتركه خ ل ومثله في المصدر (8) .في
المصدر :على الرض (9) .في المصدر زيادة هي :وتقاتل معه الملئكة
المقربين.
] [ 83
فلما ولد النبي صلى ال عليه وآله كان يحبه أبو طالب حبا " شديدا " ) ،(1ويقول
له :فدتك نفسي يابن أخي ،يابن الذبيحين إسماعيل وعبد ال .رجعنا إلى
الحديث الول :ثم لما أفاق عبد المطلب سمع البكاء من الرجال و النساء
من كل ناحية ،فنظر وإذا فاطمة بنت عمرو ام عبد ال وهي تحثو التراب
على وجهها ،وتضرب على صدرها ،فلما نظر إليها عبد المطلب لم يجد
صبرا " وقبض ) (2على يد ولده ،وأراد أن يذبحه فتعلقت به سادات
قريش وبنو عبد مناف فصاح بهم صيحة منكرة وقال :يا ويلكم لستم أشفق
على ولدي مني ،ولكن أمضي حكم ربي ،وأبو طالب متعلق بأذيال عبد ال
وهو يبكي ويقول لبيه :اترك أخي واذبحني مكانه فإني راض أن أكون )
(3قربانك لربك ،فقال عبد المطلب :ما كنت بالذي أتعرض على ربي،
واخالف حكمه ،فهو المر وأنا المأمور ،ثم اجتمع أكابر قومه وعشيرته
وقالوا له :يا عبد المطلب عد إلى صاحب القداح مرة ثانية فعسى أن يقع
السهم في غيره ) ،(4ويقضي ال ما فيه الفرج ،فعاد ثانية فعاد السهم )(5
على عبد ال ،فقال عبد المطلب :قضي المر ورب الكعبة ،ثم ساق ولده
عبد ال إلى المنحر والناس من وراءه صفوف ،فلما وصل المنحر عقل
رجليه ) (6فعند ذلك ضربت امه وجهها ،ونشرت شعرها ،ومزقت أثوابها،
ثم أضجعه وهو ذاهل ) (7ل يدري ما يصنع مما بقلبه من الحزن ،فلما
رأته امه أنه ل محالة عازم على ذبحه مضت مسرعة إلى قومها ،وهي قد
اضطربت جوارحها لما رأت عبد المطلب قد أضجع
) (1وكان يفتخر به خ ل وهو موجود في المصدر (2) .لم يملك نفسه خ ل وفي
المصدر :فلما نظر عبد المطلب إلى فاطمة وشدة حزنها وعظم قلقها فلم
تحمل صبرا وقد اكملت الحزن ثم انه قبض (3) .فقد رضيت أن أكون خ
ل وكذا في المصدر (4) .على غيره خ ل وهكذا في المصدر (5) .فعاد
فخرج السهم خ ل وفي المصدر وفعل فخرج السهم (6) .عقل رجليه
بحبل خ ل وهكذا هو في المصدر (7) .وهو داهش خ ل وهكذا هو في
المصدر.
] [ 84
عبد ال ولده ليذبحه ،وهو ل يسمع ) (1عذل عاذل ،ول قول قائل ،وضجت الملئكة
بالتسبيح ،ونشرت أجنحتها ،ونادى جبرئيل ) ،(2وتضرع إسرافيل وهم
يستغيثون إلى ربهم ،فقال ال :يا ملئكتي إني بكل شئ عليم ،وقد ابتليت
عبدي لنظر صبره على حكمي ،فبينما عبد المطلب كذالك إذ أتاه عشرة
رجال عراة حفاة ،في أيديهم السيوف ،وحالوا بينه وبين ولده ،فقال لهم:
ما شأنكم ؟ قالوا له :ل ندعك تذبح ابن اختنا ولو قتلتنا ) (3عن آخرنا،
ولقد كلفت هذه المرأة ما ل تطيق ،ونحن أخواله من بني مخزوم ،فلما
رآهم قد حالوا بينه وبين ولده رفع رأسه إلى السماء ،وقال) :يا رب قد
منعوني أن أمضي حكمك ،واوفي بعهدك ،فاحكم بيني وبينهم بالحق وأنت
خير الحاكمين( ،فبينما هم كذلك ) (4إذ أقبل عليهم رجل من كبار قومه
يقال له :عكرمة بن عامر ) ،(5فأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا ،ثم قال:
يا ابا الحارث اعلم أنك قد أصبحت سيد البطح ،فلو فعلت بولدك هذا لصار
سنة بعدك يلزمك عارها وشنارها ،وهذا ل يليق بك ،فقال :أترى يا عكرمة
أغضب ربي ؟ قال :إني أدلك ) (6على ما فيه الصلح ،قال :ما هو يا
عكرمة ،قال :إن معنا في بلدنا كاهنة ) (7عارفة ليس في الكهان أعرف
منها ،تحدث بما يكون في ضمائر الناس وما يخفى في سرائرهم )،(8
وذلك أن لها صاحبا من الجن يخبرها بذلك ،فلما سمع كلمه سكن ما به
فأجمع رأيهم ) (9على ذلك ،فقالوا :يا أبا الحارث لقد تكلم عكرمة
بالصواب ،فأخذ عبد المطلب ولده وأقبل إلى منزله وأخذ
) (1فلما حققت الحقائق ،وأخذ الشفرة بيده وهو ل يسمع خ ل وفي المصدر :وقد
اضطربت بما جرى عليها ،وقد حققت الحقائق ،وأخذ الشفرة بيده وهو ل
يسمع (2) .في المصدر :فابتهل جبرائيل (3) .ولو قتلنا خ ل (4) .في ذلك
خ ل (5) .في المصدر :وكان سيد قومه (6) .في المصدر زيادة هي:
وأرضى عباده واخلف عهده ،قال عكرمة :هل أدلك (7) .في المصدر:
قال عكرمة :اعلم أيها السيد ان جوارنا كاهنة (8) .وما يجول في
سرائرهم خ ل وفي المصدر :وما يحول (9) .فلما سمع كلمه أصغى إليه
وسكن .وهكذا هو في المصدر .وفيه :فأجمعوا رأيهم.
] [ 85
أهبة ) (1السفر إلى الكاهنة ،وأخذ معه هدية عظيمة ) ،(2وكان اسم الكاهنة ام
ملخان ،فلما كان بعد ثلثة أيام خرج عبد المطلب ) (3في قومه إلى
الكاهنة ،فتقدم عبد المطلب إليها بعد أن دفع إليها الهدية ،فسألها عن
أمره ،فقالت ،انزلوا ،وغدا " أظهر لكم العجب ،فلما كان غداة غد اجتمعوا
عندها فأنشأت تقول :يا مرحبا بالفتية الخيار * الساكني البيت مع الستار
قد خلقوا من صلصل الفخار * ومن صميم العز والنوار خذوا بقولي صح
في الثار * انبئكم بالعلم والخبار أهل الضياء والنور والفخار * من هاشم
سماه في القدار قد رام من خالقه الجبار * أن يعطه عشرا " من الذكار
من غير ما نقص بإذن الباري * فواحد ينحره للنذار ثم إنها التفتت إلى
عبد المطلب ،وقالت له ) :(4أنت الناذر ؟ قال :نعم ،جئناك لتنظري في
أمرنا ،وتعملي الحيلة في ولدنا ،فقالت :ورب البنية ) ،(5وناصب الجبال
المرسية ،وساطح الرض المدحية ،إن هذا الفتى الذي ذكرتموه سوف
يعلو ذكره ويعظم
) (1الهبة :العدة وما يحتاج في السفر إليه (2) .سنية خ ل (3) .في بعض النسخ
هكذا :فلما كان بعد ثلثة أيام خرج عبد المطلب في جماعة قومه من بنى
عبد مناف وبنى مخزوم فجعل يقول :تملكني الهموم )قد -خ ل( فضقت
ذرعا * ولم أملك لما قد حل دفعا نذرت وكان نذر المرء دينا * وهل حر
يرى للنذر منعا ثم ان القوم ساروا طالبين للكاهنة فوجودها غائبة فسألوا
عنها ،فقيل لهم :انها خرجت في طلب حاجة لها ،فساروا قاصدين للمكان
الذى هي فيه ،فتقدم إليها عبد المطلب بعد ما دفع إليها الهدية) .إلى آخر
ما في المتن( .منه عفى عنه .قلت :ومثله ما في نسختنا ال أنه ترك
الشعر (4) .في المصدر :فقالت :انزلوا استريحوا يومكم هذا ،فان فرجكم
وجب ،وغدا سيظهر لكم العجب قال :فتفرقوا القوم عنها ،فلما كان في
غداة غد اجتمعوا إليها ،وعن خبرهم سألوها وما جاؤا فيه وقال :ثم
نظرت إلى عبد المطلب وقالت له (5) .فورب البرية خ ل ومثله في
المصدر.
] [ 86
أمره ،وإني سأرشدكم إلى خلصه ،فكم الدية عندكم ،قالوا :عشرة ) (1من البل،
قالت :ارجعوا إلى بلدكم واستقسموا بالزلم على عشرة من البل وعلى
ولدكم ،فإن خرج عليه السهم فزيدوا عشرة اخرى وارموا عليها بالسهام،
فإن خرج عليه دونها فزيدوا عشرة اخرى هكذا إلى المأة ،فإن لم تخرج
على البل اذبحوا ولدكم ،ففرح القوم ورجعوا إلى مكة ،وأقبل ) (2عبد
المطلب على ولده يقبله ،فقال عبد ال :يعز علي يا أبتاه شقاءك من أجلي،
وحزنك علي ،ثم أمر عبد المطلب أن يخرج كل ما معه من البل ،فأحضرت
وأرسل إلى بني عمه أن يأتوا بالبل على قدر طاقتهم ،وقال) :إن أراد ال
بي خيرا " وقاني في ولدي ،وإن كان غير ذلك فحكمه ماض( ،فجعل أهل
مكة يسوقون له كل ما معهم من البل ،وأقبل عبد المطلب على فاطمة ام
عبد ال ،وقد أقرحت عيناها بالبكاء فأخبرها بذلك ففرحت وقالت :أرجو
من ربي أن يقبل مني الفداء ،ويسامحني في ولدي ،وكانت ذات يسار ومال
كثير ،وكانت امها سرحانة زوجة عمرو المخزومي ،وكانت كثيرة الموال
والذخائر ،وكان لها جمال تسافر إلى العراق ،وجمال تسافر إلى الشام،
فقالت :علي بمالي ومال أمي ،ولو طلب مني ربي ألف ) (3ناقة لقدمتها
إليه وعلي الزيادة ،فشكرها عبد المطلب وقال :أرجو أن يكون في مالي ما
يرضى ربي ،ويفرج كربي ،وأما الناس بمكة ففي فرح وسرور ) ،(4وبات
عبد المطلب فرحا " مسرورا " ،ثم أقبل إلى الكعبة وطاف بها سبعا "،
وهو يسأل ال تعالى أن يفرج عنه ،فلما طلع الصباح ) (5أمر رعاة البل
أن يحضروها ،فأحضروها ) ،(6وأخذ عبد المطلب ابنه فطيبه وزينه
وألبسه أفخر
) (1مأة خ ل وفي المصدر :عشرين (2) .في المصدر :قال) :ففرحوا القوم فرحا
شديدا ورجعوا إلى أهليهم مسرورين ،فلما وصلوا مكة خرجوا أهلها
كلهم يسألون ما قالت الكاهنة ،فأخبروهم بمقالها ،وأقبل( (3) .في
المصدر :ألفين (4) .في المصدر :وأما الناس فقد أمسوا بمكة في فرح
وسرور (5) .أصبح الصباح خ ل .وهكذا هو في المصدر (6) .في
المصدر هنا زيادة هي هكذا :وأتوا بنو عمه بما كان من المال فجمعوا
أموال كثيرة(*) .
] [ 87
أثوابه ،وأقبل به إلى الكعبة ،وفي يده الحبل والسكين ،فلما رأته امه فاطمة قالت :يا
عبد المطلب ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي ،قال :إني قاصد إلى ربي
أسأله أن يقبل مني الفداء في ولدي ،فإن نفدت أموالي وأموال قومي ركبت
جوادي وخرجت إلى كسرى وقيصر ) (1وملوك الهند والصين مستطعما "
على وجهي حتى أرضى ربي ) ،(2وأنا أرجو أن يفديه كما فدا أبي
إسماعيل من الذبح ،وسار إلى الكعبة والناس حوله ينظرون ،فقال لهم) :يا
معاشر من حضر إياكم أن تعودوا إلي في ولدي كما فعلتم بالمس،
وتحولوا بيني وبين ذبح ولدي( ،ثم إنه قدم ) (3عشرة من البل وأوقفها )
(4وتعلق بأستار الكعبة ،وقال) :اللهم أمرك نافذ( ،ثم أمر صاحب القداح
أن يضربها فضربها ،فخرج السهم على عبد ال ،فقال عبد المطلب) :لربي
القضاء( ،فزاد على البل عشرة ،وأمر صاحب القداح أن يضربها،
فضربها فخرج السهم على عبد ال ،فقال أشراف قريش :لو قدمت غيرك
يا عبد المطلب لكان خيرا " ،فإنا نخشى أن يكون ربك ساخطا " عليك،
فقال لهم :إن كان المر كما زعمتم فالمسئ أولى بالعتذار ،ثم قال) :اللهم
إن كان دعائي عنك قد حجب من كثرة الذنوب فإنك غفار الذنوب ،كاشف
الكروب ،تكرم علي بفضلك وإحسانك( ثم زاد عشرة اخرى من البل ورمق
بطرفه نحو السماء وقال) :اللهم أنت تعلم السر وأخفى ،وأنت بالمنظر
العلى ،اصرف عنا البلء كما صرفته عن إبراهيم الذي وفى( ثم أمر
صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على
) (1في المصدر :وقيصر الشام ،وبطارقة الروم ،وملوك الهند (2) .فيه غرابة :فان
الذى تقدم في قول كاهنة أن الفداء لم تجاوز عن المأة ،فلو لم تخرج
الزلم بعد ذلك على البل بل خرجت على عبد ال فالمتعين قتله فعليه فل
معنى للخروج إلى كسرى وغيره (3) .في المصدر :يا معاشر الناس انكم
تعلمون منزلة الولد ،ل يقاس به أحد ،لنها روح خرجت من روح ،وما
أنتم بأشفق منى على ولدى ،وقد كانت منكم بالمس بى زلة وفعلة
منكرة ،وأياكم أن تعودوا لمثلها ،وتحولون بينى وبين ولدى ،فاتركوني
أناجي ربى ،وأرجوه أن يتكرم على بولدى ،فانه اهل الجود والكرم ،ثم ان
عبد المطلب قدم (4) .قد سقط من المصدر من هنا إلى قوله :اتركوني
حتى أنفذ حكم ربى.
] [ 88
عبد ال ،فقال عبد المطلب :إن هذا لشئ يراد ،ثم قال :لعل بعد العسر يسرا " ،ثم
أضاف إلى الثلثين عشرة اخرى فقال :يا رب هذا البيت والعباد * إن بني
أقرب الولد وحبه في السمع والفؤاد * وامه صارخة تنادي فوقه من
شفرة الحداد * فانه كالبدر في البلد ثم أمر صاحب القداح أن يضربها
فضربها فخرج السهم على عبد ال ،فقال عبد المطلب :كيف أبذل فيك يا
ولدي الفداء وقد حكم فيك الرب بما يشاء ،ثم أضاف إلى الربعين عشرة
اخرى ،وأمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد
ال ،فقالت امه :يا عبد المطلب اريد منك أن تتركني أسأل ال في ولدي،
فعسى أن يرحمني ويرحم ضعفي وحالتي هذه ،فقامت فاطمة وأضافت إلى
الخمسين عشرة اخرى .وقالت) :يا رب رزقتني ولدا " وقد حسدني عليه
أكثر الناس وعاندني فيه ،وقد رجوته أن يكون لي سندا " وعضدا " ،وأن
يوسدني في لحدي ،ويكون ذكري بعدي ،فعارضنني فيه أمرك وأنت تعلم يا
رب إنه أحب أولدي إلي ،وأكرمهم لدي ،وإني يا رب فديته بهذه الفداء
فاقبلها ول تشمت بي العداء( ،ثم أمرت صاحب القداح أن يضربها
فضربها فخرج السهم على عبد ال ،فقال عبد المطلب :إن لكل شئ دليل
ونهاية ،وهذا المر ليس لي ول لك فيه حيلة ،فل تعودي إلى التعرض في
أمري ،ثم أضاف إلى الستين عشرة اخرى فقال) :اللهم منك المنع ومنك
العطاء ،وأمرك نافذ كما تشاء ،وقد تعرضت عليك بجهلي وقبيح عملي فل
تؤاخذني ول تخيب أملي( ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج
السهم على عبد ال ،فعند ذلك ضج الناس بالبكاء والنحيب ،فقال عبد
المطلب) :ما بعد المنع إل العطاء ،وما بعد الشدة إل الرخاء ،وأنت عالم
السر وأخفى( ،ثم ضم إلى السبعين عشرة أخرى وأمر صاحب القداح أن
يضربها ،فضربها فخرج السهم على عبد ال ،فأخذ عبد المطلب الحبل
والسكين بيده وهم الناس أن يمنعوه مثل المرة الولى فقال لهم :أقسمت
بال إن عارضنني في ولدي أحد لضربن نفسي بهذا السكين و أذبح
نفسي ،اتركوني حتى أنفذ حكم ربي فأنا عبده ،وولدي عبده ،يفعل بنا ما
يشاء
] [ 89
ويحكم ما يريد ،فأمسك الناس عنه ،ثم أضاف إلى الثمانين عشرة وجعل يقول) :يا
رب إليك المرجع ،وأنت ترى وتسمع( ثم أمر صاحب القداح أن يضربها
فضربها فخرج السهم على عبد ال ،فوقع عبد المطلب مغشيا " عليه،
فلما أفاق قال) :واغوثاه إليك يا رب( وجذب ابنه للذبح وضجت الناس
بالبكاء والعويل رجال " ونساء " ،فعند ذلك صاح عبد ال في وثاقه )(1
وقال :يا أبت أما تستحيي من ال ؟ كم ترد أمره وتلح عليه ؟ هلم إلي
فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي ،فإني صابر على
قضائه وحكمه ،وإن كنت يا أبت ل تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا
ابتاه فخذ بيدي ورجلي واربطهما بعضهما إلى بعض ،وغط وجهي لئل
ترى عينك عيني ،واقبض ثيابك عن دمي لكيل تتلطخ بالدم ،فتكون إذا
لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت ،واوصيك يا أبتاه بامي خيرا "،
فإني أعلم أنها بعدي هالكة ل محالة من أجل حزنها علي فسكنها وسكن
دمعتها ،وإني أعلم أنها ل تلتذ بعدي بعيش ،وأوصيك بنفسك خيرا ،فإن
خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا " ،ثم قال عبد المطلب :يعز
علي يا ولدي كلمك هذا ،ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ،ثم قال) :يا
قوم ما تقولون ؟ كيف أتعرض على ربي في قضائه ؟ وإني أخاف أن ينتقم
مني ) ،(2ثم قام ونهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا " ودعا ال ومرغ
وجهه وزاد في دعائه ،وقال) :يا رب امض أمرك فإني راغب في رضاك )
((2ثم زاد على البل عشرة فصارت مأة ،وقال :من أكثر قرع الباب يوشك
أن يفتح له ،ثم قال) :رب ارحم تضرعي وتوسلي وكبري( ثم أمر صاحب
القداح أن يضربها ،فضربها فخرج السهم على البل ،فنزع الناس عبد ال
من يد أبيه ،وأقبلت الناس من كل مكان يهنؤنه بالخلص ،وأقبلت أمه
وهي تعثر ) (4في أذيالها فأخذت ولدها وقبلته وضمته إلى صدرها ،ثم
قالت) :الحمد ل الذي لم يبتلني بذبحك،
) (1الوثاق :ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما (2) .في المصدر :فانى أستحيى
اعاوده مرة اخرى فينتقم منى (3) .في المصدر :ما أنا راغب عن
قضائك (4) .أي تسقط.
] [ 90
ولم يشمت بي العداء وأهل العناد( ،فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا " من داخل
الكعبة وهو يقول) :قد قبل ال منكم الفداء ،وقد قرب خروج المصطفى(،
فقالت قريش :بخ بخ لك يا أبا الحارث ،هتفت بك وبابنك الهواتف ،وهم
الناس بذبح البل ،فقال عبد المطلب :مهل أراجع ربي مرة اخرى ،فإن هذه
القداح تصيب وتخطئ ،وقد خرجت على ولدي تسع مرات متواليات ،وهذه
مرة واحدة ،فل أدري ما يكون من الثانية ) ،(1اتركوني أعاود ربي مرة
واحدة ،فقالوا له :افعل ما تريد ،ثم إنه استقبل الكعبة وقال) :اللهم سامع
الدعاء ،وسابغ النعم ،ومعدن الجود والكرم ،فإن كنت يا مولي مننت علي
بولدي هبة منك فاظهرلنا برهانه مرة ثانية( ثم أمر صاحب القداح أن
يضربها فضربها فخرج السهم على البل ،فأخذت فاطمة ولدها وذهبت به
إلى بيتها وأتى إليه الناس من كل جانب ومكان سحيق ،وفج عميق )(2
يهنؤنها بمنة ال عليها ،ثم أمر عبد المطلب أن تنحر البل فنحرت عن
آخرها وتناهبها الناس ،وقال لهم :ل تمنعوا منها الوحوش والطير )،(3
وانصرف فجرت سنة في الدية مأة من البل إلى هذا الزمان ،ومضى عبد
المطلب وأولده ،فلما رأته الكهنة والحبار وقد تخلص خاب أملهم ،فقال
بعضهم لبعض :تعالوا نسع في هلكه ) (4من حيث ل يشعر به أحد ،فقال
كبيرهم وكان يسمى ربيان وكانوا له سامعين فقال لهم :اعملوا طعاما "
وضعوا فيه سما " ،ثم ابعثوا به إلى عبد المطلب على حال الهدية إكراما
" لخلص ولده ،فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما " ووضعو فيه سما
" ،وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبد المطلب ،وهن خافيات
أنفسهم بحيث ل تعلم إحداهن ،فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة ورحبت
بهن ،وقالت :من أين أنتن ؟
) (1في الثانية خ ل وهكذا في المصدر (2) .السحيق :البعيد .وفج عميق :طريق
بعيدة غامضة (3) .يوجد ذكر القصة بتمامها في السيرة لبن هشام:1 :
،168 - 164وتاريخ الطبري 5 :1 :وفيهما :أن عبد المطلب ضرب على
البل وعلى ابنه عبد ال القداح ثلث مرات حين خرج القدح على البل) .
(4في المصدر :تعالوا نعمل حيلة في هلكه.
] [ 91
قلن لها :نحن من قرابتك من بني عبد مناف ،دخل علينا السرور لخلص ابنك،
فأخذت فاطمة منهن الطعام ) ،(1وأقبلت إلى عبد المطلب ،فقال :من أين
هذا ؟ فذكرت له الخبر ،فقال عبد المطلب :هلموا إلى ما خصكم به قرابتكم،
فقاموا وأرادوا الكل منه ،وإذا بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال :ل
تأكلوا مني فإني مسموم ،وكان هذا من دلئل نور رسول ال صلى ال
عليه وآله ،فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون النساء فلم يروا لهن أثرا "،
فعلموا أنه مكيدة من ال " عداء ،فحفروا للطعام حفيرة ووضعوه فيها )
.(2وقال أبو الحسن البكري :حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث
أنه لما قبل ال الفداء من عبد المطلب في ولده عبد ال فرح فرحا " شديدا
" ،فلما لحق عبد ال ملحق الرجال تطاولت إليه الخطاب ،وبذلوا في طلبه
الجزيل من المال ) ،(3كل ذلك رغبة في نور رسول ال صلى ال عليه
وآله ،ولم يكن في زمانه أجمل ول أبهى ول أكمل منه ،وكان إذا مر بالناس
في النهار يشمون منه رائحة ) (4المسك الذفر والكافور والعنبر ،وكان
إذا مر بهم ليل تضئ من نوره الحنادس والظلم ،فسموه أهل مكة مصباح
الحرم ،وأقام عبد المطلب وابنه عبد ال بمكة حتى تزوج عبد ال بآمنة
بنت وهب ،وكان السبب في تزويجها به ) (5أن الحبار اجتمعوا بأرض
الشام ،وتكلموا في مولد رسول ال صلى ال عليه وآله والدم الذي قد
جرى من جبة يحيى بن زكريا عليهما السلم كما تقدم ذكره ،فلما أيقنوا أنه
قد قرب خروج صاحب السيف ) ،(6وظهرت أنواره تشاوروا فيما بينهم
وساروا إلى حبر لهم ) (7وكان في
) (1في المصدر :دخل عليهن السرور بخلص ابن أخيهم وقد عملوا طعاما وليمة
وبعثوا إليكم بعضها ،فأخذت منهن الطعام (2) .في المصدر :ثم أقام بعد
ذلك مدة وخرج وتزوج بآمنة بنت وهب ام رسول ال صلى ال عليه
وآله ،تم الجزء الرابع ،والحمد ل رب العالمين (3) .وبذلوا في قربه
الجزيل من الموال خ ل (4) .روائح خ ل وهكذا في المصدر (5) .في
المصدر :قال البكري :وكان سبب تزويج آمنة بعبد ال أن الحبار(6) .
السيف المسلول .وهكذا في المصدر (7) .في المصدر :فتشاوروا بينهم
وعقدوا رأيهم على المسير إلى حبر لهم.
] [ 92
قرية من قرى الردن ،وكانوا يقتبسون من علمه ،وكان ممن عمر في زمانه )،(1
فقصده القوم ،فلما وصلوا إليه قال لهم :ما الذي أزعجكم ) (2؟ قالوا له:
إنا نظرنا في كتبنا فوجدنا صفة هذا الرجل السفاك ) (3الذي تقاتل معه
الملك ،وما نلقى عند ظهوره من الهوال والهلك ) ،(4وقد جئناك
نشاورك في أمره قبل ظهوره وعلو ذكره ،قال :يا قوم إن من أراد إبطال ما
أراد ال فهو جاهل مغرور ،وإنه لكائن بكم ،وهذا الذي ذكرتم قد سبق أمره
عند ال ،فكيف تقدرون على إبطاله ؟ وهو مبطل كهانة الكهان ،ومزيل
دولة الصلبان ) ،(5وسيكون له وزير وقريب ) ،(6فلما سمعوا كلمه
خافوا وحاروا ،فقام حبر من أحبارهم يقال له :هيوبا بن داحورا )،(7
وكان كافرا " متمردا " شديد البأس ،فقال لهم :هذا رجل قد كبر وخرف
وقل عقله فل تسمعوا من قوله ) ،(8ثم قال لهم :أرأيتم الشجرة إذا قطعت
من أصلها فهل تعود خضرا " ؟ قالوا :ل ،قال :فإن قتلتم صاحبكم هذا
الذي يخرج من صلبه هذا المولود فما الذي تخافون منه ؟ فقوموا هذه
الساعة وخذوا معكم تجارة وسيروا إلى البلد الذي هو فيها ،يعني مكة،
فإذا وصلتم دبرتم الحيلة في هلكه فتبعوا قوله ) (9وقالوا له :أنت سيدنا )
،(10قال لهم :افعلوا ما آمركم به ،وأنا معكم بسيفي ورمحي ،ولكن ما
أسير معكم حتى تعاهدوني ) ،(11فيعمد كل واحد منكم إلى
) (1وكان قد بلغ من العمر فوق مأة عام خ ل وفي المصدر :وكان قد بلغ من العمر
مأة سنة (2) .في المصدر :قال :ما الذي أقدم الحبار وعلماء المصار ؟
) (2الهتاك خ ل وفي المصدر :السفاك الهتاك (4) .وقد قرب زمانه خ ل
وهو الموجود أيضا في المصدر (5) .الصلبان جمع الصليب (6) .قرين خ
ل ،وهو الموجود في المصدر (7) .في المصدر :هلو يابن داخور(8) .
واياكم أن تسمعوا منه خ ل .وهو الموجود في المصدر (9) .فصدقوا
قوله ،ومثله الموجود في المصدر (10) .سيدنا وعمادنا خ ل وهو
الموجود في المصدر (11) .ول تخاذلوني خ ل ،يوجد أيضا في المصدر
وفيه ايضا فليعمد ،وفيه :يسقيه.
] [ 93
سيفه ليسقيه سما " فأجابوه إلى ذلك وافترقوا ،ثم اجتمعوا بايلة ) ،(1وخرجوا
بجمالهم محملة بالتجارة ،وساروا حتى وصلوا مكة ،فلما دخلوها سمعوا
من ورائهم صوتا وهو يقول :قصدتم لزر القوم في السر والجهر *
تريدون مكرا " بالمعظم في القدر ومن غالب الرحمن ل شك إنه *
سيرميه باريه بقاصمة الظهر ستضحون يا شر النام كأنكم * نعام اسيقت
للذباحة والنحر فلما سمعوا كلم الهاتف هالهم ذلك وهموا بالرجوع ،فقال
لهم هيوبا :ل تخافوا من كلم هذا الهاتف ،فإن هذا الوادي قد كثر فيه
الكهان والشياطين ،وإن هذا الهاتف هو شيطان قد علم قصدكم فعند ذلك
تبادر القوم ،فكان كل من لقاهم يحدثهم بحسن عبد ال وجماله ،فوقع في
قلوبهم الكمد ) (2والحسد ،فجعلوا يسومون متاعهم ول يبيعون منه شيئا
" ،وإنما يريدون بذلك المقام بمكة والحيلة في قتل عبد ال فأقبل يوما "
عبد المطلب وهو قابض على يده ولده عبد ال ،ومر باليهود ،وكان عبد
ال قد رأى رؤيا أفزعته ،فخرج مرعوبا " إلى أبيه فقال :ما أصابك يا بني
) (3؟ قال :رؤيا هالتني ،قال :رأيت سيوفا " مجردة في أيدي قردة وهم
قعود على أدبارهم ،وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف ويشيرون بها
إلي فعلوت عنها ) (4في الهواء ،فبينما أنا كذلك وإذا بنار قد نزلت من
السماء فزادتني خوفا ،وقلت :كيف خلصي منها ؟ فبينما أنا كذلك وإذا
بالنار قد وقعت على القردة فأحرقتهم عن آخرهم ،فزادني ذلك رعبا "،
فقال له أبوه :وقاك ال يا بني شر ما تحاذر من الحساد والضداد ) ،(5فإن
الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك ،ولكن
) (1ثم اجتمعوا إليه خ ل ،وفي المصدر :وافترقوا على انهم يجتمعون بليلة(2) .
الكمد :الحزن والغم الشديد .وفي المصدر بعد ذلك :إلى أن وصلوا مكة.
فلم يظهر عليهم أحد بما في نفوسهم :وظنوا أنهم تجار ،وجعلوا
يسومون (3) .ما الذي بك يا بنى خ ل ،وكذا في المصدر ،وفيه بعد ذلك:
صرف ال عنك المحذور ،و وقاك ما تخافه من الشرور (4) .في
المصدر :فعلوت عنهم (5) .وقاك ال يا بنى البلء خ ل وفي المصدر:
الرصاد مكان الضداد.
] [ 94
لو اجتمعت أهل الرض إنسها وجنها لم يقدروا على شئ ،لنه وديعة من ال عز
وجل لخاتم النبياء ،وهاهنا أحبار اليهود من الشام وفيهم الحكمة
والمعرفة فقم معي حتى أقص عليهم رؤياك ،فقبض عبد المطلب على يد
ولده عبد ال ودخل عليهم ،فلما نظر إليه الحبار وهو كأنه البدر المنير
نظر بعضهم إلى بعض وقالوا :هذا الذي نطلبه ،فقال لهم عبد المطلب :يا
معاشر اليهود ) (1جئنا إليكم نخبركم ) (2برؤيا رآها ولدي هذا ،فقالوا له:
وماذا ؟ فقص عليهم الرؤيا ،فزادهم حنقا " عليه ،وقال له هيوبا :أيها
السيد إنها أضغاث أحلم وأنتم سادات كرام ،ليس لكم معاند ول مضاد ،ثم
انصرف عبد المطلب بولده وأقاموا بعد ذلك أياما " يريدون الحيلة فلم
يجدوا إلى ذلك سبيل ،وكان عبد ال مغرما بالصيد ) ،(3وكان إذا خرج إلى
الصيد ل يرجع إل ليل ،وكان يخرج مع أبيه فلم يجدوا إلى ذلك سبيل حتى
خرج ذات يوم وحده ) (4فخرجوا ورائه من حيث ل يشعر بهم أحد )،(5
فقال لهم هيوبا :ما انتظاركم وقد خرج الذي تطلبونه ) (6؟ فقالوا له :إنا
نخاف من فتيان مكة ) (7وفرسان بني هاشم وهم ل يطاقون وقد ذلت لهم
العمالقة وغيرهم ) ،(8ونخشى أن يشعروا بنا ) ،(9فلما سمع هيوبا
مقالتهم قال :خاب سعيكم ،فإذا كنتم هكذا فما الذي أتى بكم إلى هاهنا ؟
فلبد من قتل هذا الغلم ،ولو طال عليكم المقام ،ولم تجدوا يوما " مثل هذا
اليوم ،فإذا قتلناه وخفتم التهمة به ) (10فعلي ديته ،وكانوا قد بعثوا عبدا
من
) (1يا معاشر الحبار خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .جئنا اليكم تخبرونا بما
رآه ولدى في رؤياه خ ل وهو الموجود في المصدر (3) .أي مولعا .وفي
الهامش اضاف :والقنص خ ل قلت :القنص :الصيد (4) ..فوجدوه وحده
خ ل (5) .في المصدر :حتى خرج ذات يوم وحده فطمعوا فيه وخرجوا
من حيث ل يشعر أحد متفرقين (6) .في المصدر :فاخرجوا وجدوا السير
حتى تظفروا به (7) .من فتيان حرم خ ل وهو الموجود في المصدر(8) .
في المصدر :وهم رجال ل يطاقونهم أحد ،وقد دانت لهم العمالقة،
وفزعت من سيوفهم الجبابرة (9) .في المصدر :فيخرجون وراءنا(10) .
في المصدر :فاتهمونا بقتله.
] [ 95
عبيدهم ينظر إلى أين يتوجه عبد ال ،فرجع العبد وأخبرهم أنه قد غاب بين الجبال
و الشعاب ،وقد خرج من العمران ،وليس عنده ) (1إنسان ،فعزم القوم
على ما أملوه ،وجعلوا نصفا عند المتعة ،والنصف الخر أخذوا السيوف
تحت ثيابهم وخرجوا قاصدين عبد ال والعبد أمامهم حتى أوقفهم عليه )
،(2وكان عبد ال قد صاد حمار وحش وهو يسلخه فنظر إلى القوم وقد
أقبلوا عليه ،فقال لهم هيوبا :هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطانكم في في
طلبه ،فما أحس عبد ال إل وقد أحاطوا به ،وكانوا قد افترقوا فرقتين،
وقالوا للذين خلفوهم عند متاعهم :إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين ،فلما
أشرفوا على عبد ال وقد سدوا الطرقات ) ،(3وزعموا أنهم قد حكموا
عليه ،فرفع عبد ال رأسه إلى السماء ،ودعا ال تعالى وأقبل إليهم )(4
وقال :يا قوم ما شأنكم ؟ فوال ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه أبدا
فتطالبوني به ،ول غصبت مال " قط ،ول قتلت احدا " فاقتل به ،فما
حاجتكم ؟ فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فأخبروني حتى أعرفها،
واليهود يومئذ تلثموا ولم يبين منهم إل حماليق الحدق ) ،(5فلم يردوا
عليه جوابا " ،وأشار بعضهم إلى بعض وهموا بالهجوم عليه ،فجعل نبلة
في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فاصابت رجل منهم فوقع ميتا " ،ثم
رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بانفسهم ،فأخذ
الخامسه ليرميهم بها وأنشأ يقول :ولي همه تعلو على كل همة * وقلب
صبور ل يروع من الحرب ) (6ولي نبلة أرمي بها كل ضيغم * فتنفذ في
اللبات والنحر والقلب فأربعة منها أصابت لربع * ولو كاثروني صلت
بالطعن والضرب أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها * فصارت كبرق لح في
خلل السحب
) (1ليس معه خ ل .وهو الموجود في المصدر (2) .في المصدر :فسار بهم حتى
أوقفهم عليه ،ثم قال :يا قوم دونكم وما كنتم تطلبون (3) .الطريق خ ل
وهو الموجود في المصدر (4) .في المصدر :فاذاهم مجدين نحوه ،فعلم
انهم يريدون )معدون خ( شرا فترك ما كان فيه و أقبل عليهم(5) .
حملق العين بالكسر والفتح وحملوقها :باطن الجفان ،والجمع
الحماليق (6) .في الحرب خ ل.
] [ 96
فلما سمعوا ذلك منه قال له هيوبا :يا فتى احبس عنا نبالك فقد أسرفت في فعالك،
ولقد قتلت منا رجال من غير ذنب ول سابقة سبقت منا إليك ،ونحن قوم
تجار ،ونحن الذين وقفت علينا بالمس مع أبيك ،وكان لنا عبد قد هرب
منا ،فلما رأيناك أنكرناك ،فعندما عرفناك أنك عبد ال فنحن ما لنا معك
طلبة ،وأنك ) (1لعز الخلق علينا ،و أكرمهم لدينا ،فامض لسبيلك فقد
سمحنا لك بما فعلت فينا ،فقال لهم :يا ويلكم ما الذي تبين لكم مني أني
عبدكم ؟ فهل عبدكم مثلي ،أو صفته صفتي ،أوله نور كنوري ؟ فقالوا له:
إنما دخلنا الشك وأنت متباعد عنا ،فلما قربت منا وعرفناك ،فاسمح لنا بما
كان منا إليك فإنا سمحنا لك بما كان وإن كان وأعظم من ذلك أنك قتلت )(2
منا رجال لذنب لهم ،ونحن حيث أكلنا طعام أبيك وشربنا شرابه فنحن لك )
(3شاكرون ،وأنت أولى بكتمان ما كان اليوم ) (4منا ،فلما سمع عبد ال
كلمهم زعم أنه حق وهو خديعة ،ثم إنه ركب جواده وأخذ قوسه وعطف
إلى ناحية المضيق ) ،(5فلما رآه القوم قد أقبل عليهم يريد الخروج بادروا
إليه بأجمعهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقاموا إليه بالسيوف ،فجعل يكر
فيهم كرة بعد كرة ،فعند ذلك صاح فيهم هيوبا فتبادروا إليه بأجمعهم وهو
يكر فيهم يمينا " وشمال " ،وكلما رمى رجل خر صريعا " ونزل عبد ال
عن فرسه واستند إلى المضيق ،وقد أقبلوا إليه من كل جانب يرمونه
بالحجارة ،فبينما هم في المعركة وإذا هم برجال قد أقبلوا بأيديهم السيوف
مشهورة وهم عراة مسرعون نحوهم ،فإذاهم بنو هاشم ،وأبو طالب )(6
وفتيان مكة وكان في أولهم أبو طالب وحمزة والعباس ،فعند
) (1انكم خ ل (2) .في المصدر :وان أعظم ما كان منك انك قتلت (3) .له خ ل(4) .
في المصدر :ما كان اليوم واقع (5) .المضيق الخر خ ل وهو الموجود
في المصدر (6) .بنو عبدمناف خ ل وفي المصدر :فتأملوهم فاذاهم بنو
هاشم وبنو عبدمناف وفتيان مكة.
] [ 97
ذلك ناداه أبوه فقال ) :(1يا بني هذا تأويل رؤياك من قبل ،فما استتم كلمه حتى
أحاط بعبدال إخوته وأقاربه .قال البكري :وكان قد أخبرهم بالخبر رجل
يقال له :وهب بن عبدمناف ،لنه أشرف عليهم في المعركة ) ،(2فهم أن
ينزل فخاف على نفسه من كثرتهم ،فأتى إلى الحرم ) (3ونادى في بني
هاشم ) ،(4فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلك وقالوا لعبدال :إنما أردنا أن
نعلم حقيقة الحال ،فقال لهم عبد ال :هيهات لقد أجهدتم أنفسكم في
هلكي ،فهرب منهم جماعة والتجؤا إلى جبل وظنوا أنهم قد نجوا ،فإذا
أتاهم أمر ال فسقطت عليهم قطعة من الجبل فسدت ) (5عليهم المضيق
فلم يجدوا مهربا " ،ولحقهم عبد المطلب وأصحابه ،والفرقة التي كانت
من الجانب الخر مع هيوبا قتلوا منهم اناسا " كثيرة ،وقال رجل منهم:
دعونا نصل مكة وافعلوا فينا ما تريدون ،فإن لنا مع الناس أمتعة وأموال
" كنا قد أخفيناها وأنتم أحق بها ،خذوها ول تقتلونا ،فكتفوهم عن آخرهم،
وأقبلوا بهم إلى مكة وأقبل عبد المطلب على ولده يقبله ويقول) :يا ولدي
لول وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ماكنا علمنا ،ولكن ال تعالى
يحفظك( ،فلما أشرفوا على مكة خرج الناس يهنؤنهم بالسلمة ،وإذا
باليهود مكتوفين ،فجعل جملة الناس يرمونهم الحجارة ،فقام لهم عبد
المطلب وقال :ارسلوا بهم ) (6إلى دار وهب حتى يستقصوا على أموالهم،
ولم يبق لهم شئ فأرسلوهم إلى دار وهب ،فلما كان في تلك الليلة أقبل
وهب على زوجته برة بنت عبد العزى وقال لها :يا برة لقد رأيت اليوم
عجبا " من عبد ال ما رأيته من أحد ،وهو يكر على هؤلء القوم ،وكلما
رماهم بنبلة قتل منهم إنسانا " ،وهو أجمل الناس وجها " مما )(7
) (1وقال خ ل (2) .وهم في المعركة خ ل وهو الموجود في المصدر (3) .فأقبل
إلى الحرم خ ل (4) .في المصدر زيادة هي :فبادروا إليه بنو عبد المطلب
مسرعين (5) .فسد خ ل (6) .أرسلوا خ ل وكذلك في المصدر (7) .لما قد
خصه ال خ ل وفي المصدر :لما خصه ال به من النور الساطع والضياء
اللمع.
] [ 98
خصه ال تعالى من الضياء الساطع ،فامضي إلى أبيه واخطبيه ل بنتنا واعرضيها
عليه ،فعسى أن يقبلها ،فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة ،قالت له يا وهب:
إن رؤساء مكة و أبطال الحرم وأشراف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن
ذلك ،وقد كاتبه ملوك الشام والعراق على ذلك فأبى عليهم ،فكيف يتزوج
بابنتنا وهي قليلة المال ) (1؟ قال لها :إن لي عليهم اليد إنني أخبرتهم )(2
بأمر عبد ال مع هذا اليهود ،ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها
وخرجت حتى أتت دار عبد المطلب فوجدته يحدث أولده بالخبر ،فقالت:
أنعم ال مساءكم ،ودامت نعماءكم ،فرد عليها عبد المطلب التحية
والكرام ،وقال لها :لقد سلف ) (3لبعلك اليوم علينا يد ل نقدر أن نكافيه
أبدا " ،وله أياد بالغة ) (4بذلك ،وسنجازيه بما فعل إن شاء ال تعالى،
فطمعت برة في كلمه ،ثم قال ) :(5بلغي بعلك عنا التحية والكرام وقولي
له :إن كان له لدينا حاجة تقضى إن شاء ال مهما كانت ،فقالت له برة :يا
أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة ،وقد علمنا أن ملوك الشام والعراق
وغيرهم تطاولت إليكم ،وقد رغبوا في ولدكم يطلبون أولدكم وأنواركم
المضيئة ،ونحن أيضا " طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد ال ،ورجوناه
مثل من رجا ) .(6وقد رجا وهب أن يكون عبد ال بعل " لبنتنا ،وقد
جئناكم طامعين وراغبين في النور الذي في وجه ولدكم عبد ال ،ونسألكم
أن تقبلونا ،فإن كان مالها قليل " فعلينا ما نجملها به ) (7وهي هدية منا
لبنك عبد ال ،فلما سمع عبد المطلب كلمها نظر إلى ولده وكان قبل ذلك
إذا عرض عليه التزويج
) (1سيئة الحال :وفي المصدر :سيئة الحال ،قليلة المال (2) .عليهم يدا لنى خ ل
وفي المصدر :عليهم اليوم يدا بما أخبرتهم (3) .في المصدر :ودامت
نعماؤكم في المساء والصباح ،فرد عليها عبد المطلب التحية والكرام
فقال :وانت وقيت الذى في الصباح والمساء وجعلكم أهل الفلح
والنعماء ،ولقد سلف اه (4) .وله علينا أياد بالغة خ ل (5) .قال لها خ ل.
) (6في المصدر :يطلبون أنواركم ورفعتكم على الخلق ومقداركم ،وقد
طمعنا فيه كمثل من طمع ورجونا كمن رجا (7) .فعلينا تجميلها خ ل.
] [ 99
من بنات الملوك يظهر في وجهه المتناع ،وقال أبوه :ما تقول يا بني فيما سمعت ؟
فوال ما في بنات أهل مكة مثلها ،لنها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة،
عاقلة دينة ) ،(1فسكت عبد ال ولم يرد جوابا " ،فعلم أبوه أنه قد مال
إليها ،فقال عبد المطلب :قد قبلنا دعوتكم ،وأجبنا ورضينا بابنتكم ،قالت
فاطمة زوجة عبد المطلب :أنا أمضي معك إليها ) (2حتى أنظر إلى آمنة،
فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها ،فرجعت برة مسرورة بما سمعت ،ثم
سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت ام آمنة هاتفا " في الطريق
يقول) :بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا ،قد قرب خروج المصطفى( ،فدخلت
على زوجها فقال :وما وراءك ؟ قالت :لقد سعدت سعادة عل قدرك في
جملة العالمين ،اعلم أن عبد المطلب قد رضي بابنتك ) ،(3ولكن مع الفرح
ترحة ،قال :وما هي ؟ قالت :إن فاطمة خارجة تنظر إلى ابنتك آمنة ،فإن
رضيت بها وإل لم يكن شيئا ) ،(4وإني أخاف أن ل ترضى بها ،فقال لها
وهب بن عبدمناف :اخرجي هذه الساعة إلى ابنتك وزينيها وألبسيها أفخر
الثياب وقلديها أفخر ما عندك ،فعسى ولعل ،فعمدت برة إلى بنتها وألبستها
أفخر ما عندها من الثياب ،والحلي ،وضفرت شعرها ) ،(5وأرخت ذوائبها
) (6على أكتافها ،وقالت لها :يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن
الدب ،وارغبي في النور الذي في وجه ولدها عبد ال ،فبينما هما في ذلك
إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل ،وإذا بعبد المطلب ) (7فأدخلوا
فاطمة ،فقامت لها آمنة إجلل " وتعظيما " ورحبت بها أحسن
) (1أديبة خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .وأجبنا مسألتكم ،ورضينا لعبد ال
ابنتكم وسأمضى إليها (3) .في المصدر :قالت له :يا هذا لقد سعدت،
وسعد جدك ،وعل في الناس ذكرك ومجدك ،وشاع فخرك وارتفع قدرك،
وقد رضى عبد المطلب ابنتك (4) .في المصدر :فان رضيت تمت
المصاهرة ،وان لم ترضاها فما تمت المصاهرة (5) .ضفر الشعر :نسج
بعضها على بعض عريضا (6) .الذوائب جمع الذؤابة :شعر في مقدم
الرأس (7) .وولده عبد ال خ ل وفي المصدر :وإذا بعبدال ووالده.
] [ 100
المرحب ،فنظرت إليها فاطمة وإذا بها قد كساها ال جمال " ل يوصف ) ،(1فلما
رأت فاطمة ذلك الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس،
قالت فاطمة :يا برة ما كنت عهدت أن آمنة على هذه الصورة ولقد رأيتها
قبل ذلك مرارا " ،فقالت برة :يا فاطمة كل ذلك ببركتم علينا ،ثم خاطبت )
(2فاطمة آمنة وإذا هي أفصح نساء أهل مكة ،فقامت فاطمة وأتت إلى عبد
المطلب وعبد ال ،وقالت :يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا ،ولقد
ارتضيتها ،وإن ال تعالى ل يودع هذا النور إل في مثل هذه .ولما وقع )(3
الحديث بين وهب وبين عبد المطلب في أمر ابنته آمنة ،قال وهب :يا أبا
الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل ول مؤجل ،فقال عبد
المطلب جزيت ) (4خيرا " ولبد من صداق ،ويكون بيننا وبينك من يشهد
به من قومنا ،ثم ) (5إن عبد المطلب هم أن يمد إليه شيئا " من المال
ليصلح به شأنها ،إذ سمع همهمة وأصواتا " فوثب وهب وسيفه مسلول
ثم قاموا جميعا " ،قال أبو الحسن البكري :وكان سبب ذلك أن اليهود
الذين كانوا محبوسين في دار وهب خدعهم الشيطان ،وزين لهم هيوبا إنكم
مقتولون ل محالة ،فقوموا جميعا " وخاطروا بأنفسكم على عبد المطلب
وابنه عبد ال ،فإن الموت قد وقع بكم ،واهربوا على وجوهكم ،ثم إن
هبوبا تمطى في كتافه فقطعه ،ثم
) (1في المصدر :وقد كساها ال عزوجل نورا " وجمال وزينها في عين فاطمة لما
سبق لها في علم ال عزوجل أن يخرج منها سيد النبياء وصفوة الرسل،
وخير الخلق محمد صلى ال عليه وآله وسلم (2) .في المصدر :فأعجبتها
وقالت لمها :ما كنت أظن أن آمنة بهذه الصفة ،ولقد رأيتها مرارا "
كثيرة وما كانت بهذه الحالة فقالت امها :يا فاطمة كل ما رأيت من حسنها
وجمالها فهو من بركتكم .وقد خشيت أن ل ترضاها لولدها ،قال :فخاطبت
اه قلت) :لولدها مصحف لولدك( (3) .في المصدر :يا ولدى ما في بنات
مكة أجمل ول أعقل ول أبهى من آمنة ،فان ذلك من فضل ال تعالى
واحسانه إذ خصنا بأفضل معشر ،وان ال ل يودع نور حبيبه وصفيه
محمد صلى ال عليه وآله وسلم إل في أطهر وعاء وأعف أحشاء .قال:
ولما وقع اه (4) .جوزيت خ ل وكذا في المصدر (5) .وقومك خ ل وكذا
في المصدر ،وبعده :قال :ثم إه.
] [ 101
حل جملة أصحابه ) ،(1فلما خلصهم قالوا :بم نهجم عليهم وليس معنا سلح ؟ فقال
هيوبا :نهجم عليهم بالحجارة هجمة رجل واحد ،وهم غافلون ،فسار القوم
وأقبلوا وعبد المطلب وولده عبد ال ووهب في دار وهب ،والمصباح
عندهم ) ،(2واليهود يرونهم وهم ل يرون اليهود فرموهم بالحجارة التي
كانت معهم ،فرد ال تعالى عليهم الحجارة فهشمت وجوههم ،ومنهم من
وقع حجره في رأسه ،ومنهم من وقع في صدره ،وذلك بقدرة ال تعالى
لجل النور الذي في وجه عبد ال ،فحمل عليهم عبد المطلب ومن كان معه
فقتلوهم عن آخرهم ) ،(3وكان عبد المطلب ل يفارقه سيفه حيث ما توجه،
وبعد ذلك خرج عبد المطلب وولده وزوجته إلى منزلهم ،وقالوا :يا وهب
إذا كان في غداة غد جمعنا قومنا ) (4وقومك ليشهدون بما يكون من
الصداق ،فقال :جزاك ال خيرا " ،فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلى
بني عمه ليحضروا خطبتهم ،ولبس عبد المطلب ) (5افخر أثوابه ،وجمع
وهب أيضا قرابته وبني عمه فاجتمعوا في البطح ،فلما أشرف عليهم
الناس قاموا ) (6إجلل " لعبد المطلب وأولده ،فلما استقر بهم المجلس
خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح ،وقام عبد المطلب فيهم خطيبا "
) (1جملة كتاف أصحابه خ ل (2) .في المصدر :وكان سبب ذلك أن اليهود الذين
كانوا محبوسين في دار وهب فزعوا و أخذهم الرعب ،وكانوا في دار
خالية ،فحركهم الشيطان لهلكهم ،فقال لهم حبرهم هيوبا :يا ويلكم انكم
مقتولون ل محالة فقوموا فخاطروا بنفوسكم ،لعلكم تظفروا بهم فقتلوهم
جميعا وتخرجوا في هذه الليلة هاربين على وجوهكم .قال :فتمطى عدو
ال في كتافه فقطعه وكان من جلود ،ثم حل عن أصحابه ،فقالوا :بما
تقتلونهم ما معنا سلح ؟ فقالوا :نهجم عليهم بالحجارة وهم غافلون،
قال :فعند ذلك تبادرت القوم وهيوبا في أوائلهم ومع كل واحد حجرات،
قال :فأقبلوا حتى وقفوا قريبا من عبد المطلب وولده و وهب ،وهم قعود
في ضوء المصباح (3) .في المصدر :بعد قوله :بقدرة ال :قال )فنظر
عبد المطلب إلى امر عظيم فتعجب من قدرة ال تعالى وصاحوا في
اليهود ،وقالوا :يا أعداء ال ما رأيتم ما حل بكم بالمس ،ولكن ال خذلكم
بانقطاع آجالكم ،فحملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم ،وكفاهم ال شرهم(.
) (4من قومنا خ ل وكذا في المصدر (5) .عبد ال خ ل وكذا في المصدر.
) (6أشرفوا عليهم قاموا خ ل وفي المصدر :فلما أشرفوا على الناس
قاموا الناس.
] [ 102
فقال) :الحمد ل حمد الشاكرين حمدا " أستوجبه بما أنعم علينا ) (1وأعطانا،
وجعلنا لبيته جيرانا " ،ولحرمه سكانا " ،وألقى محبتنا في قلوب عباده،
وشرفنا على جميع المم ،ووقانا شر الفات والنقم ،والحمد ل الذي أحل
لنا النكاح ،وحرم علينا السفاح ،وأمرنا بالتصال وحرم علينا الحرام )،(2
اعلموا أن ولدنا عبد ال هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق )
(3معجل ومؤجل كذا وكذا ،فهل رضيتم بذلك من ولدنا( ؟ قال وهب :قد
رضينا منكم ،فقال عبد المطلب :اشهدوا يا من حضر ،ثم تصافحوا وتهانوا
وتصافقوا وتعانقوا ،وأولم عبد المطلب وليمة عظيمة ،فيها ) (4جميع أهل
مكة وأوديتها وشعابها وسوادها ،فأقام الناس في مكة أربعة أيام ) .(5قال
أبو الحسن البكري :ولما تزوج عبد ال بآمنة أقامت معه زمانا " ،والنور
في وجهه لم يزل حتى نفذت مشية ال تعالى وقدرته وأراد أن يخرج خيرة
خلقه محمدا " رسول ال وأن يشرف ) (6به الرض وينورها بعد ظلمها،
ويطهرها بعد تنجيسها ) ،(7أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن ينادي
في جنة المأوى أن ال جل جلله قد تمت كلمته ومشيته وأن الذي وعده
من ظهور البشير ) (8النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف ،وينهى
عن المنكر ،ويدعو إلى ال وهو صاحب المانة والصيانة يظهر ) (9نوره
في البلد ،ويكون
) (1في المصدر :أستوجبه به ما أنعم علينا (2) .في المصدر :زيادة هي :وحلل لنا
الحلل (3) .في المصدر :بكريمتكم التى ل تنكرونها بصداق (4) .في
نسخة :حضر فيها .وفي المصدر :حضروها أياما (5) .قد ذكر تزويج
عبد ال بآمنة مختصرا " ابن هشام في سيرته والطبري في تاريخه
والمسعودي في اثبات الوصية وغيرهم في غيرها (6) .أن يشرق خ ل) .
(7تنجسها خ ل وفي المصدر :ويطهرها من النجس والدنس (8) .في
المصدر :قال :فأمر ال تعالى جبرائيل أن ينادى في السماوات ،فنادى
جبرئيل في صفوف الملئكة المقربين ،وحملة العرش ،وعند سدرة
المنتهى وفي جنة المأوى أن ال تبارك وتعالى قد تمت حكمته ،ونفذت
مشيته ،وأن وعده الحق ،الذى وعد من ظهور نبيه البشير(9) .
وسيظهر خ ل وفي المصدر .فيسظهر.
] [ 103
رحمة على العباد ،ومن أحبه بشر بالشرف والحباء ) ،(1ومن أبغضه بسوء
القضاء ،وهو الذي عرض عليكم من قبل أن يخلق آدم عليه السلم الذي
يسمى في السماء أحمد ) ،(2وفي الرض محمدا " ) (2وفي الجنة أبا
القاسم ) ،(4فأجابته الملئكة بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير ل رب
العالمين ،وفتحت أبواب الجنان ،وغلقت أبواب النيران ،وأشرفت الحور
العين ) ،(5وسبحت الطيار على رؤس الشجار ،فلما فرغ جبريل من أهل
السماوات أمره ال أن ينزل في مأة ألف من الملئكة إلى أقطار الرض،
وإلى جبل قاف ،وإلى خازن السحاب ،وجملة ما خلق ال يبشرهم )(6
بخروج رسول ال صلى ال عليه وآله ،ثم نزل إلى الرض السابعة
فأخبرهم بخبره ،ومن أراد ال به خيرا " ألهمه محبته ،ومن أراد به شرا
" ألهمه بغضه ،وزلزلت الشياطين ،وصفدت ) (7وطردت عن الماكن
التي كانوا يسترقون فيها السمع ،ورجموا بالشهب .قال صاحب الحديث:
ولما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة وكان عبد ال قد خرج هو وإخوته
وأبوه .فبينما هم سائرون وإذا بنهر عظيم فيه ماء زلل ،ولم يكن قبل ذلك
اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب وأولده متعجبين ،فبينما عبد ال كذلك )
(8إذ نودي يا عبد ال اشرب من هذا النهر ،فشرب منه ،وإذا هو أبرد من
الثلج ،وأحلى من العسل ،وأزكى من المسك ،فنهض مسرعا " والتفت إلى
إخوته فلم يروا للنهر أثرا " فتعجبوا منه ،ثم إن عبد ال مضى مسرعا "
إلى منزله فرءته آمنة طائشا " ،فقالت له :ما بالك ) (9؟ صرف ال عنك
الطوارق،
) (1الحباء :العطاء (2) .واسمه في السماء أحمد خ ل وكذا في المصدر (3) .محمد
خ ل وكذا في المصدر (4) .أبو القاسم خ ل وكذا في المصدر(5) .
الحسان خ ل وفي المصدر :وأشرفت الحور والولدان (6) .في المصدر:
وإلى خازن السحاب والنهار والفيافي والقفار يبشرهم (7) .صفده:
أوثقه وقيده بالحديد أو في الحديد وغيره (8) .فبقى عبد ال متعجبا
متفكرا " ولم يجد طريقا وقد قطع عليه الجادة ،فبينما هو كذلك إه ،وهو
الموجود في المصدر (9) .مالك خ ل.
] [ 104
فقال لها :قومي فتطهري وتطيبي وتعطري -واغتسلي خ ل ،-فعسى ال أن
يستودعك هذا النور ،فقامت وفعلت ما أمرها ،ثم جاءت إليه فغشيها تلك
الليلة المباركة ،فحملت برسول ال صلى ال عليه وآله ،فانتقل النور من
وجه عبد ال في ساعته إلى آمنة بنت وهب ،قالت آمنة :لما دنا مني ول
مسني ) (1أضاء منه نور ساطع ،وضياء لمع ،فأنارت منه السماء
والرض ،فأدهشني ما رأيت ،وكانت آمنة بعد ذلك يرى النور في وجهها
كأنه المرآت المضيئة ) .(2بيان :النشيش :صوت الماء وغيره إذا غل.
والراض بالكسر :بساط ضخم من صوف أو وبر .وانحاز عنه :عدل،
وانحاز القوم :تركوا مراكزهم .والترح بالتحريك :ضد الفرح .والروع من
الرجال :الذي يعجبك حسنه .والذابل :الرمح الرقيق .والسميدع بالفتح:
السيد الموطأ الكناف .والصحاصح :جمع الصحصاح وهو المكان
المستوي .والجندل :الحجارة .والسمهرار :الصلبة والشدة .قوله:
)دهينا( ،أي أصابتنا الداهية .والدرقة :الترس .والغيداق :الكريم.
والضيغم :السد .أقول :إنما أوردت هذا الخبر مع غرابته وإرساله
للعتماد على مؤلفه واشتماله على كثير من اليات والمعجزات التي ل
تنافيها سائر الخبار ،بل تؤيدها وال تعالى يعلم - 49 .قب :محمد بن عبد
ال بن عبد المطلب سمي بذلك لن هاشما " ) (3دخل مكة وهو رديفه،
وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد بن هاشم ) ،(4سمي بذلك لنه هشم الثريد
للناس في أيام الغلء ،وهو عمرو بن عبدمناف ،سمي بذلك لنه عل
وأناف ،واسمه المغيرة
) (1ومسني خ ل وكذا في المصدر (2) .في المصدر :كأنه المرآة الصافية .ثم
الجزؤ الخامس والحمد ل رب العالمين .قلت) :يأتي بقية الحديث في
البواب التية( (3) .هكذا في النسخ ،واستظهر المصنف في الهامش أن
الصحيح المطلب .قلت) :المذكور في المصدر أيضا هو المطلب( (4) .في
المصدر :اسمه شيبة الحمل ،لبياض كان في شعره بعد ما تولد ابن
هاشم.
] [ 105
ابن قصي ،واسمه زيدا ،قصي عن دار قومه ،لنه حمل من مكة في صغره إلى بلد
أزدشنوءة فسمي قصيا ،ويلقب بالمجمع لنه جمع قبائل قريش بعد ما
كانوا في الجبال والشعاب .وقسم بينهم المنازل بالبطحاء ،ابن كلب بن
مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر وهو قريش،
وسمي النضر لن ال تعالى اختاره ،والنضر النضرة ) ،(1ابن خزيمة،
وإنما سمى بذلك لنه خزم نور آبائه ،ابن مدركة ،لنهم أدركوا الشرف في
أيامه ،وقيل :لدراكه صيدا " لبيه ،وسمي أبوه طابخة لطبخه لبيه ،ابن
إلياس ) (2النبي عليه السلم ،وسمي بذلك لنه جاء على أياس وانقطاع،
ابن مضر ،وسمي بذلك لخذه بالقلوب ،ولم يكن يراه أحد إل أحبه ،ابن
نزار ،واسمه عمرو ،وسمي بذلك لن معد نظر إلى نور النبي صلى ال
عليه وآله في وجهه فقرب له قربانا " عظيما " ،وقال له :لقد استقللت
هذا القربان وإنه لقليل نزر ،ويقال :إنه اسم أعجمي ،وكان رجل " هزيل
" ،فدخل على يستاسف فقال :هذا نزار ابن معد ،وسمي بذلك لنه كان
صاحب حروب وغارات على اليهود ،وكان منصورا " ،ابن عدنان ،لن
أعين الحى كلها تنظر إليه .وروي عنه صلى ال عليه وآله إذا بلغ نسبي
إلى عدنان فأمسكوا .وعنه صلى ال عليه وآله كذب النسابون ،قال ال
تعالى) :وقرونا بين ذلك كثيرا "( .قال القاضي عبد الجبار بن أحمد:
المراد بذلك أن اتصال النساب غير معلوم ،فل يخلوا إما أن يكون كاذبا "
أو في حكم الكاذب .وقد روي أنه انتسب إلى إبراهيم .ام سلمة سمعت النبي
صلى ال عليه وآله يقول :معد بن عدنان بن أدد ،وسمي ادد لنه كان ماد
الصوت ،كثير الغر ،ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى .قالت ام سلمة :زيد
هميسع ،وثرا نبت ،وأعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم ،قالت :ثم قرء
عليه السلم )وعادا " وثمود وأصحاب الرس( الية ،واعتمد النسابة
وأصحاب التواريخ أن عدنان هو ابن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن
سلمان بن نبت بن حمل
) (1قد أثبت في السير والتواريخ بين النضر وخزيمة كنانة (2) .بكسر الهمزة أو
فتحها على اختلف.
] [ 106
ابن قيذار بن إسماعيل ) .(1وقال ابن بابويه :عدنان بن أد بن ادد بن زيد بن يقدد
بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل ،وقال ابن عباس:
عدنان بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع ،و يقال :ابن ياحين ) (2بن
يخشب ) (3بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن
إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ ) (4بن ارغو وهو
هود ،ويقال :بن قالغ بن غابر ) (5وهو هود بن أرفخشد بن متوشلخ بن
سام بن نوح بن لمك بن اخنوخ ،ويقال :احنوخ وهو إدريس بن مهليل )
،(6ويقال :مهاييل بن زبارز ) ،(7ويقال :مارد ،ويقال أياد بن قينان بن
أنوش ،ويقال :قينان بن ادد بن أنوش بن شيث وهو هبة ال ابن آدم .امه
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة إلى آخر النسب،
) (1ذكرت في الطبعة الحروفيه وفي هامش طبعة أمين الضرب أشعار خلت عنها
نسخة المصنف وسائر نسخ الكتاب ومصدره ،والظاهر أنها من زيادة
النساخ ،ونحن نذكرها هنا لتتميم الفائدة وهى :هو ابن عبد ال نجل
الشيبة * هو ابن هاشم بدون الريبة عبد مناف جده نجل قصى * ابن
كلب مرة كعب لوى هو ابن غالب هو ابن فهر * هو ابن مالك هو ابن
النضر ابن كنانة بن أنجب الناس * خزيمة مدركة والياس هو ابن مضر
نزار معد * هو ابن عدنان وفى العهد هو ابن أدد بن هوا بن اليسع * ابن
سلمان من الهميسع .حمل ابن قيذار بن إسماعيل * هو ابن ابراهيمنا
الخليل أولئك الطائب الكرام * لدم عليهم السلم ) (2يامين خ ل(3) .
في المصدر :يشخب (4) .في المصدر :ناحور بن شروغ (5) .في
المصدر :عابر (6) .في المصدر :ويقال :اخنوخ هو إدريس بن مهلئيل.
) (7في المصدر :وقيل :مهائيل بن زياد )ياذر -خ(.
] [ 107
ويقال :إنه ينسب إلى آدم بتسعة وأربعين أبا " ) - 50 .(1د :رسول ال صلى ال
عليه وآله أبو القاسم محمد وأحمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم
بن عبد مناف بن قصي بن كلب بن مرة بن لوي ) (2بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار
بن معد بن عدنان بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلمان بن النبت
بن حمل بن قيداد بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم السلم بن تارخ بن
ناخور بن شروغ بالشين المعجمة والغين المعجمة ابن ارغو بن فالغ
بالغين المعجمة فيهما بن عابر بفتح الباء والعين غير المعجمة ابن شالخ
بن ارفخشد بن سام بن نوح بن ملك بن متوشلخ بكسر اللم ابن اخنوخ بن
اليارذ بالذال المعجمة ابن مهليل بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه
السلم ) .(3وقال ابن بابويه :عدنان بن أد بن ادد بن زيد بن يعدد بن يقدم
بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل ) .(4وقال ابن عباس :عدنان
بن أد بن ادد بن اليسع بن الهميسع .ويقال :ابن يامين بن يحشب بن منحد
بن صابوع بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ
بن سروع بن أرغو ،وهو هود ويقال :ابن قالع بن عامر بن أرفخشد بن
ناحور بن متوشلح بن سام بن نوح بن لمك بن احنوح ،وهو إدريس بن
مهلئيل ،ويقال :مهائيل بن زياد ،ويقال :مارد ،ويقال :أياد بن قينان بن
أنوش ،ويقال :قينان بن
) (1مناقب آل أبى طالب 106 :1و (2) .107في السير والتواريخ :مرة بن كعب
لوى (3) .هذا يوافق ما ذكره السويدي في سبائك الذهب ال أنه ضبط
بعض السماء على خلف ذلك مثل قيداد فانه قال) :قيدار( بالراء وهو
الصحيح كما في غيره ،ومثل ناخور بن شروغ فانه قال) :ناحور بن
شاروخ( وذكر عن بعض شارغ وعن آخر شاروع ،وملك فانه قال:
)لمك( وهو الصحيح كما في غيره ،ومهليل فانه قال) :مهلئيل( ،وفينان
فانه قال) :قينان( ،بالقاف وهو الصحيح ،وقد أسقط اليسع أيضا "(4) .
هذا يوافق ما ذكره الطبري عن بعض ال أن فيه يقدر مكان يعدد.
] [ 108
أو دين أنوش بن شيث وهو هبة ال بن آدم عليهم السلم ) - 51 .(1ب :السندي
بن محمد ،عن صفوان الجمال ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إني مستوهب من ربي أربعة ،وهو واهبهم
لي إن شاء ال :آمنة بنت وهب ،وعبد ال بن عبد المطلب ،وأبو طالب بن
عبد المطلب ،ورجل من النصار جرت بيني وبينه ملحة ) .(2بيان :قال
الفيروز آبادي :بينهما ملح وملحة :حرمة وحلف ،وهذا الخبر يدل على
إيمان هؤلء فإن النبي صلى ال عليه وآله ل يستوهب ول يشفع لكافر،
وقد نهى ال عن موادة الكفار والشفاعة لهم والدعاء لهم كما دلت عليه
اليات الكثيرة - 52 .مع ،لى :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن علي بن
حسان ،عن عبد الرحمن ابن كثير الهاشمي قال :سمعت أبا عبد ال
الصادق عليه السلم يقول :نزل جبريل على النبي صلى ال عليه وآله
فقال :يا محمد إن ال جل جلله يقرءك السلم ويقول :إني حرمت النار
على صلب أنزلك ،وبطن حملك ،وحجر كفلك ،فقال :يا جبريل بين لي ذلك،
فقال :أما الصلب الذي أنزلك فعبدال بن عبد المطلب ،وأما البطن الذي
حملك فآمنة بنت وهب ،وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب
وفاطمة بنت أسد ) .(2بيان :هذا الخبر أيضا يدل على إيمان هؤلء ،فإن
ال تعالى أوجب النار على جميع المشركين والكفار كما دلت عليه اليات
والخبار - 53 .ع ،مع :محمد بن عمرو بن علي البصري ،عن عبد السلم
بن محمد بن هارون الهاشمي ،عن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني ،عن
الخضر بن أبان ،عن أبي هدية إبراهيم ابن هدية ) ،(4عن أنس بن مالك
قال :أتى أبو ذر يوما " إلى مسجد رسول ال صلى ال عليه وآله ،فقال:
) (1قد اختلفوا أصحاب السير والتواريخ في نسبه صلى ال عليه وآله وسلم من
بعد عدنان اختلفا شديدا ل يعنى ذكره هنا فمن شاء الوقوف فليراجع
تاريخ اليعقوبي 97 :2وسيرة ابن هشام 1 :1و ،2ومروج الذهب :2
272وتاريخ الطبري (2) .29 :2قرب السناد (3) .27 :معاني الخبار:
45و ،46المالى (4) .361 ،هكذا في الكتاب ومصدريه ،وفيه وهم،
والصحيح :أبى هدية ابراهيم بن هدبة بالباء الموحدة ،كما في تاريخ
بغداد ولسان الميزان ،والرجل هو ابراهيم بن هدبة ،أبو هدبة الفارسى،
كان بالبصرة ،تم خرج إلى اصبهان والرى ،ووافى بغداد ،وحدث عن
أنس بن مالك.
] [ 109
ما رأيت كما رأيت البارحة ،قالوا :وما رأيت البارحة ؟ قال :رأيت رسول ال صلى
ال عليه وآله ببابه ،فخرج ليل " فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه
السلم ،وخرجا إلى البقيع فمازلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل
إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين ،فإذا بالقبر قد انشق و إذا بعبدال جالس
وهو يقول :أشهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا " عبده ورسوله ،فقال له:
من وليك يا أبه ؟ فقال :وما الولي ) (1يا بني ؟ قال :هو هذا علي ،قال:
وإن عليا " وليي ،قال :فارجع إلى روضتك ،ثم عدل إلى قبر امه )(2
فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد انشق فإذا هي تقول :أشهد أن
ل إله إل ال ،وأنك نبي ال ورسوله ،فقال لها من وليك يا اماه ؟ فقالت:
ومن الولي ) (3يا بني ؟ فقال :هو هذا علي بن أبي طالب ،فقالت :إن عليا
وليي ) ،(4فقال :ارجعي إلى حفرتك وروضتك ،فكذبوه ،ولببوه )،(5
وقالوا :يا رسول ال كذب عليك اليوم ،فقال :وما كان من ذلك ؟ قالوا :إن
جندب ) (6حكى عنك كيت وكيت ) ،(7فقال النبي صلى ال عليه وآله :ما
أظلت الخضراء ول أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر .قال
عبد السلم بن محمد :فعرضت هذا الخبر على الهجيمي ) (8محمد بن عبد
العلى فقال :أما علمت أن النبي صلى ال عليه وآله قال :أتاني جبرئيل
عليه السلم فقال :إن ال عزوجل حرم النار على ظهر أنزلك وبطن حملك،
وثدي أرضعك ،وحجر كفلك ) .(9بيان :هذا الخبر أيضا يدل على إيمان
والديه عليهما السلم إذ لو كانا ماتا على الشرك لم
) (1ومن الولى خ ل (2) .في المصدر :إلى قبر امه آمنة (3) .في المصدر :وما
الولية (4) .في المصدر :وان عليا وليى (5) .لببوه :أخذوا بتلبيبه
وجروه ،والتلبيب :ما في موضع اللبب من الثياب ويعرف بالطوق ،ويقال
له بالفارسية) :يقه پيراهن( (6) .اعلم المصنف على لفظة جندب كلمة
كذا ،ولم نعرف وجهه ،لن جندب هو أبو ذر (7) .كيت وكيت يكنى بهما
عن الحديث والخبر (8) .في المصدر :الجهمى (9) .علل الشرائع :ص
.70معاني الخبار.55 :
] [ 110
ينفعهم اليمان بعد الحياء ،لن ال تعالى ختم على من مات على الكفر والشرك
دخول النار ،فهو صلى ال عليه وآله إنما أحياهما ليدركا أيام نبوته،
ويشهدا برسالته وبإمامة وصيه ،فيكمل بذلك إيمانهما ،ويشهد له قوله
صلى ال عليه وآله :فارجع إلى روضتك - 54 .فس :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :لو قمت المقام المحمود لشفعت لبي وامي ) (1وأخ كان
لي مواخيا " في الجاهلية ) - 55 .(2فس :أبي ،عن ابن أبي عمير ،عن
سيف بن عميرة وعبد ال بن سنان وأبي حمزة الثمالي قالوا :سمعنا أبا
عبد ال جعفر بن محمد عليه السلم يقول :لما حج رسول ال صلى ال
عليه وآله حجة الوداع نزل بالبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم
رفع يده إلى السماء وبكى بكاء " شديدا " ،ثم قال :يا رب إنك وعدتني في
أبي وامي وعمي أن ل تعذبهم ) (3قال فأوحى ال إليه إني آليت على
نفسي أن ل يدخل جنتي إل من شهد أن ل إله إل ال ،وأنك عبدي
ورسولي ،ولكن ائت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي،
فقام النبي صلى ال عليه وآله إلى الشعب فناداهم يا أبتاه ويا اماه ويا
عماه ،فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ،فقال لهم رسول ال صلى
ال عليه وآله :أل ترون إلى هذه ) (4الكرامة التي أكرمني ال بها ،فقالوا:
نشهد أن ل إله إل ال ،وأنك رسول ال حقا " حقا " ،وأن جميع ما أتيت
به من عند ال فهو الحق ،فقال :ارجعوا إلى مضاجعكم ،ودخل رسول ال
صلى ال عليه وآله مكة ) ،(5و قدم عليه علي بن أبي طالب من اليمن،
فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :أل ابشرك يا علي ؟ فقال له أمير
المؤمنين عليه السلم :بأبي أنت وامي لم تزل مبشرا " ،فقال :أل ترى إلى
ما رزقنا ال تبارك وتعالى في سفرنا هذا ؟ وأخبره الخبر ،فقال على:
الحمد ل ،قال :فأشرك رسول ال صلى ال عليه وآله في بدنه ) (6أباه
وامه وعمه ).(7
) (1في المصدر :وامى وعمى (2) .تفسير القمى (3) .355 :أن ل تعذبهم بالنار خ
ل وكذا في المصدر (4) .في المصدر :ال ترون أن هذه (5) .إلى مكة خ
ل (6) .البدنة :تقع على الجمل والناقة والبقرة ،وهى بالبل أشبه(7) .
تفسير القمى 355 :و .356
] [ 111
بيان :هذا الخبر إما محمول على التقية ،أو على أنه إنما فعل ذلك ليظهر للناس
إسلمهم ،ثم اعلم أن هذه الخبار مخالفة لما اشتهر من أن والديه عليهما
السلم ماتا في غير مكة ويمكن الجمع بينهما بأن يكونوا نقلوهما بعد
موتهما إلى مكة كما ذكره بعض أهل السير ،أو انتقل بعد ندائه صلى ال
عليه وآله بإعجازه إليها - 56 .ص :إن أباه توفى وامه حبلى ،وقدمت امه
آمنة بنت وهب على أخواله من بني عدي من النجار بالمدينة ،ثم رجعت
به حتى إذا كانت بالبواء ) (1ماتت ،وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد
ال السعدية ) - 57 .(2يج :روي أن عبد ال بن عبد المطلب لما ترعرع
ركب يوما " ليصيد ،وقد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد
محمد صلى ال عليه وآله ليطفؤا نور ال فنظروا إلى عبد ال فرءوا حلية
ابوة النبوة فيه ،فقصدوه وكانوا ثمانين نفرا " بالسيوف والسكاكين ،وكان
وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة ام محمد صلى ال عليه وآله في
ذلك الصوب يصيد ،وقد رأى عبد ال وقد صف به اليهود ليقتلوه ،فقصد
أن يدفعهم عنه ،وإذا " بكثير من الملئكة معهم السلحة طردوا عنه
اليهود ) ،(3فعجب من ذلك وانصرف ،ودخل على عبد المطلب وقال:
ازوج بنتي آمنة من عبد ال ،وعقد فولدت رسول ال صلى ال عليه وآله
) - 58 .(4قب :تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من
حال إسماعيل عليه السلم فنذر إنه متى رزق عشرة أولد ذكور أن ينحر
أحدهم للكعبة شكرا " لربه ،فلما وجدهم عشرة قال لهم ،يا بني ما تقولون
في نذري ؟ فقالوا :المر إليك ،ونحن بين يديك فقال :لينطلق كل واحد
منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه ففعلوا وأتوه بالقداح فأخذها وقال:
عاهدته والن اوفي عهده * إذ كان مولي وكنت عبده
) (1البواء بالفتح :قرية من أعمال الفرع من المدينة ،بينها وبين الجحفة مما يلى
المدينة ثلثة وعشرون ميل (2) .قصص النبياء :مخطوط (3) .في
المصدر بعد قوله :اليهود :وكان ال قد كشف عن بصر وهب فعجب(4) .
الخرائج .186 :وفيه :فعقد العقد فحملت برسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم.
] [ 112
نذرت نذرا " ل احب رده * ول احب أن أعيش بعده فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة
ونادى) :اللهم رب البلد الحرام ) ،(1والركن والمقام ،ورب المشاعر
العظام ،والملئكة الكرام ،اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك ،وأمرتهم
بعبادتك ،ل حاجة منك في كلم له( ثم أمر بضرب القداح وقال) :اللهم إليك
أسلمتهم ولك أعطيتهم ،فخذ من أحببت منهم فإني راض بما حكمت ،وهب
لي أصغرهم سنا " فإنه أضعفهم ركنا "( ثم أنشأ يقول :يا رب ل تخرج
عليه قدحي * واجعل له واقية من ذبحي فخرج السهم على عبد ال فأخذ
الشفرة وأتى عبد ال حتى أضجعه في الكعبة ،وقال :هذا بني قد اريد نحره
* وال ل يقدر شئ قدره فإن يؤخره يقبل عذره ) .(2وهم بذبحه فأمسك
أبو طالب يده وقال :كل ورب البيت ذي النصاب ) * (3ما ذبح عبد ال
بالتلعاب ) (4ثم قال) :اللهم اجعلني فديته ،وهب لي ذبحته( ،ثم قال :خذها
إليك هدية يا خالقي * روحي وأنت مليك هذا الخافق وعاونه أخواله من
بني مخزوم وقال بعضهم :يا عجبا " من فعل عبد المطلب * وذبحه ابنا
كتمثال الذهب فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمان مأة رجل
وهو يقول:
) (1في المصدر البيت )البلد خ( الحرام (2) .في المصدر :فان تؤخره تقبل عذره) .
(3النصاب جمع النصب :العلم المنصوب .وكل ما جعل علما .ولعل
المراد من النصاب في الشعر هذا المعنى ،أي صاحب أعلم وعلئم تدل
عليه ،والمراد أعلم البيت أو العم ،والنصاب ايضا :حجارة كانت
للعرب حول البيت تعبدها وتذبح عليها (4) .أي بلعب ومزاح.
] [ 113
تعاورني ) (1أمر فضقت به ذرعا ) * (2ولم أستطع مما تجللني دفعا " نذرت ونذر
المرء دين ملزم * وما للفتى مما قضى ربه منعا " وعاهدته عشرا " إذا
ما تكملوا * اقرب ) (3منهم واحدا " ماله رجعا " فأكملهم عشرا " فلما
هممت أن * أفئ بذاك النذر ثار له ) (4جمعا " يصدونني عن أمر ربي
وإنني * سأرضيه مشكورا " ليلبسني نفعا " فلما دخلوا عليها قال :يا رب
إني فاعل لما ترد ) * (5إن شئت ألهمت الصواب والرشد فقالت :كم دية
الرجل عندكم ؟ قالوا :عشرة من البل ،قالت :واضربوا على الغلم وعلى
البل القداح ،فإن خرج القداح على البل فانحروها ،وإن خرج عليه فزيدوا
في البل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم ،وكانوا يضربون القداح على عبد
ال وعلى عشرة فيخرج السهم على عبد ال إلى أن جعلها مأة ،وضرب
فخرج القدح على البل فكبر عبد المطلب وكبرت قريش ،ووقع عبد
المطلب مغشيا " عليه ،وتواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم ،فلما
أفاق من غشيته قالوا :قد قبل ال منك فداء ولدك ،فبينا هم كذلك فإذا "
بهاتف يهتف في داخل البيت وهو يقول :قبل الفداء .ونفذ القضاء ،وآن )
(6ظهور محمد المصطفى ،فقال عبد المطلب :القداح تخطئ وتصيب حتى
أضرب ثلثا " ،فلما ضربها خرج على البل فارتجز يقول :دعوت ربي
مخلصا " وجهرا " * يا رب ل تنحر بني نحرا " فنحرها كلها فجرت
السنة في الدية بمأة من البل ).(7
) (1تعاورنى أي تعاطونى وتداولني .وفي المصدر :تغادرني (2) .أي لم أقدر عليه،
وضعف طاقتي في قباله (3) .في المصدر :اقرر (4) .أي هاج ووثب
عليه (5) .في المصدر :تود (6) .أي قرب وقته ) (7مناقب آل أبى طالب
15 :1و .16
] [ 114
- 59قب :كانت امرأة يقال لها :فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب ،فمر بها عبد ال
ابن عبد المطلب ،فقالت :أنت الذي فداك أبوك بمأة من البل ؟ قال :نعم،
فقالت :هل لك أن تقع علي مرة واعطيك من البل مأة ؟ فنظر إليها وأنشأ:
أما الحرام فالممات دونه * والحل ل حل فأستبينه فكيف بالمر الذي تبغينه
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوما " وليلة ،فحملت بالنبي
صلى ال عليه وآله ،ثم انصرف عبد ال فمر بها فلم يربها حرصا " على
ما قالت أول " ،فقال لها عند ذلك مختبرا " :هل لك فيما قلت لي فقلت:
ل ؟ قالت :قد كان ذاك ) (1مرة فاليوم ل فذهبت كلمتاهما مثل " .ثم قالت:
أي شئ صنعت بعدي ؟ قال :زوجني أبي آمنة فبت عندها ،فقالت :ل ما
زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت ؟ وما تدري ثم قالت :رأيت في وجهك نور
النبوة فأردت أن يكون في وأبي ال إل أن يضعه حيث يحب ،ثم قالت :بني
هاشم قد غادرت من أخيكم * امينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد
خبوه * فتائل قد شبت ) (2له بدخان وما كل ما يحوى الفتى من نصيبه *
بحرص ول ما فاته بتواني ويقال :إنه مر بها وبين عينيه غرة كغرة
الفرس ،وكان عند الحبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحي بن
زكريا عليه السلم وكانوا قد قرءوا في كتبهم إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما
" فاعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك ،فلما رءوا ذلك من الجبة اغتموا
و
) (1في المصدر :ذلك (2) .بثت خ ل .شبت النار :اتقدت .وفي نسخة من المصدر:
ميثت من ماث موثا :خلطه .وذابه.
] [ 115
اجتمع خلق على أن يقتلوا عبد ال .فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في
الصيد فقصدوه ،فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز ) (1منه فنظر
إلى رجال نزلوا من السماء وكشفوهم عنه ،فزوج ابنته من عبد ال ،قال:
فمتن من نساء قريش مأتا امرءة غيرة ،ويقال :إن عبد ال كان في جبينه
نور يتلل ،فلما قرب من حمل محمد صلى ال عليه وآله لم يطق أحد
رؤيته ،وما مر بحجر ول شجر إل سجد له وسلم عليه ،فنقل ال منه نوره
يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة ) .(2بيان :قولها) :ما
زهرية( ،المراد بالزهرية ) (3آمنة ،أي آمنة ما سلبت ثوبيك فقط حين
قاربتها ،ما سلبت ؟ أي أي شئ سلبت ؟ أي سلبت منك شيئا " عظيما "،
وهو نور النبوة ،وما تدري ،قولها) :قد غادرت( ،أي تركت ،قولها) :للباه
يعتلجان( ،أي للجماع ،يتصارعان وينضمان ،والخبو :النطفاء ،قد شبت
له على بناء المجهول ،أي أوقدت ،والضمير للمصباح ،والحاصل أنها
خاطبت بني هاشم أن آمنة ذهبت بالنور من عبد ال ،كمصباح اطفئ فلم
يبق منه إل فتيلة فيها دخان ،ثم ذكرت لنفسها عذرا " فيما فاتها بأن
الحرص ل يسوق شيئا " لم يقدر ،وليس كل ما فات من النسان بالتواني
والتقصير ،بل هو من تقدير الحكيم الخبير - 60 .قب :توفي أبوه صلى ال
عليه وآله وهو ابن شهرين .الواقدي ) :(4وهو ابن سبعة أشهر .الطبري:
توفي أبوه بالمدينة ودفن في دار النابغة .ابن إسحاق :توفي أبوه وامه
حامل به ،وماتت امه وهو ابن أربع سنين .الكلبي :وهو ابن ثمانية
وعشرين شهرا " .محمد بن إسحاق :توفيت امه بالبواء منصرفة إلى
مكة وهو ابن ست ،ورباه
) (1فجأة خ ل (2) .مناقب آل أبى طالب (3) .19 :1لنها كانت من أولد ابن
زهرة (4) .أي قال الواقدي وهكذا فيما يأتي بعده.
] [ 116
عبد المطلب وتوفي عنه وهو ابن ثمانية ) (1سنين وشهرين وعشرة أيام فأوصى
به إلى أبي طالب فرباه ) - 61 .(2د :قيل :إنه لما شب رسول ال صلى ال
عليه وآله وترعرع وسعى ردته حليمة إلى امه فافتصلته ) (3وقدمت به
على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة ،ثم رجعت به حتى إذا كان
بالبواء هلكت بها ،فيتم ) (4رسول ال صلى ال عليه وآله وكان عمره
يومئذ ست سنين فرجعت به ام أيمن إلى مكة ،وكانت تحضنه ) ،(5وورث
رسول ال صلى ال عليه وآله من امه ام أيمن ،وخمسة أجمال أوداك )،(6
وقطيعة غنم ،فلما تزوج بخديجة أعتق ام أيمن .وروي أن آمنة لما قدمت
برسول ال صلى ال عليه وآله المدينة نزلت به في دار النابغة رجل من
بني عدي بن النجار فأقامت بها شهرا " ،فكان رسول ال صلى ال عليه
وآله يذكر امورا " كانت في مقامه ذلك ،فقال صلى ال عليه وآله :نظرت
إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إلي ،ثم ينصرف عني ،فلقيني يوما "
خاليا " فقال لي :يا غلم ما اسمك ؟ قلت :أحمد ،فنظر إلى ظهري فأسمعه
يقول :هذا نبي هذه المة ،ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا امي
فخافت علي وخرجنا من المدينة .وحدثت ام أيمن :قالت :أتاني رجلن من
اليهود يوما " نصف النهار بالمدينة فقال :اخرجي لنا أحمد فأخرجته،
فنظرا إليه وقلباه مليا " ونظرا إلى سرته ثم قال أحدهما لصاحبه :هذا نبي
هذه المة ،وهذه دار هجرته ،وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر
عظيم ).(7
) (1ثمان خ ل (2) .مناقب آل أبى طالب (3) .119 :1افتصل الصبى عن الرضاع:
فطمه (4) .يتم الصبى من أبيه أو امه :صار يتيما (5) .أي ترباه (6) .في
هامش نسخة المصنف بخطه :جمال أوارك ظ .قلت :رمز بقوله :ظ إلى
أنه الظاهر (7) .العدد :مخطوط.
] [ 117
- 62د :عبد ال أنفذه أبوه يمتار ) (1له تمرا " من يثرب فتوفي بها )- 63 .(2
عد :قال الشيخ أبو جعفر رضي ال عنه :اعتقادنا في آباء النبي صلى ال
عليه وآله أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد ال ،وأن أبا طالب كان
مسلما " ،وآمنة بنت وهب بن عبد مناف ام رسول ال صلى ال عليه وآله
كانت مسلمة ،وقال النبي صلى ال عليه وآله :خرجت من نكاح ولم أخرج
من سفاح من لدن آدم .وقد روي أن عبد المطلب كان حجة ،وأبو طالب )
(3كان وصيه عليه السلم ) .(4بيان :اتفقت المامية رضوان ال عليهم
على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم عليه السلم كانوا مسلمين ،بل
كانوا من الصديقين :إما أنبياء مرسلين ،أو أوصياء معصومين ،ولعل
بعضهم لم يظهر السلم لتقية أو لمصلحة دينية .قال أمين الدين الطبرسي
رحمه ال في مجمع البيان :قال أصحابنا :إن آزر كان جد إبراهيم عليه
السلم لمه ،أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى ال
عليه وآله إلى آدم كلهم كانوا موحدين ،وأجمعت الطائفة على ذلك ،ورووا
) (5عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال :لم يزل ينقلني ال من أصلب
الطاهرين إلى أرحام المطهرات ،حتى أخرجني في عالمكم هذا ،لم يدنسني
بدنس الجاهلية .ولو كان في آبائه عليه السلم كافر لم يصف جميعهم
بالطهارة ،مع قوله سبحانه) :إنما المشركون نجس( ولهم في ذلك أدلة
ليس هنا موضع ذكرها .انتهى ) .(6وقال إمامهم الرازي في تفسيره :قالت
الشيعة :إن أحدا " من آباء الرسول صلى ال عليه وآله وأجداده ما كان
كافرا " ،وأنكروا أن يقال :إن والد إبراهيم كان كافرا " وذكروا أن آزر
كان عم إبراهيم عليه السلم ،واحتجوا على قولهم بوجوه:
) (1امتار لنفسه أو لعياله :جمع الطعام والمؤنة (2) .العدد :مخطوط (3) .في
المصدر :وأبا طالب (4) .العتقادات (5) .116 :في المصدر :وروى) .
(6مجمع البيان .322 :4
] [ 118
الولى :أن آباء نبينا ما كانوا كفارا " ويدل عليه وجوه :منها :قوله تعالى) :الذي
يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين ) ((1قيل :معناه إنه كان ينقل
روحه من ساجد إلى ساجد ،وبهذا التقدير فالية دالة على أن جميع آباء
محمد صلى ال عليه وآله كانوا مسلمين ،فيجب القطع ) (2بأن والد
إبراهيم كان مسلما " ،ومما يدل على أن أحدا " من آباء محمد صلى ال
عليه وآله ما كانوا من المشركين قوله صلى ال عليه وآله) :لم أزل أنقل
من أصلب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات( وقال تعالى) :إنما المشركون
نجس( .أقول :ثم أورد بعض العتراضات والجوبة التي ل حاجة لنا إلى
إيرادها ،ثم قال :وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول ال صلى ال
عليه وآله كان كافرا " ،وذكروا أن نص الكتاب في هذه الية تدل على أن
آزر كان كافرا " ،وكان والد إبراهيم عليه السلم إلى آخر ما قال )،(3
وإنما أوردنا كلمه ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما " ،بحيث
اشتهر بين المخالفين .وأما المخالفون :فذهب أكثرهم إلى كفر والدي
الرسول صلى ال عليه وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد
مناف صلوات ال عليهم أجمعين ) ،(4وإجماعنا وأخبارنا متضافرة
) (1الشعراء 118 :و (2) .119في المصدر :فحينئذ يجب القطع (3) .مفاتيح
الغيب (4) .103 :4وذهب بعضهم إلى ايمان والديه صلى ال عليه وآله
وأجداده ،واستدلوا عليه بالكتاب والسنة ،منهم السيوطي ،قال في كتاب
مسالك الحنفاء :17 :المسلك الثاني أنهما أي عبد ال وآمنة لم يثبت
عنهما شرك ،بل كانا على الحنيفية دين جدهما ابراهيم على نبينا وعليه
الصلة والسلم كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن
نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما ،وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم
المام فخر الدين الرازي فقال في كتابه أسرار التنزيل ما نصه :قيل :ان
آزر لم يكن والد ابراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه :منها أن آباء
النبياء ما كانوا كفارا ،ويدل عليه وجوه :منها قوله تعالى) :الذى يراك
حين تقوم * وتقلبك في الساجدين( قيل :معناه أنه كان ينقل نوره من
ساجد إلى ساجد .وبهذا التقدير الية دالة على أن جميع أباء محمد صلى
ال عليه وآله وسلم كانوا مسلمين ،وحينئذ يجب القطع بأن والد ابراهيم
ما كان من الكافرين ،انما ذاك عمه ،أقصى ما في الباب أن يحمل قوله
تعالى) :وتقلبك في الساجدين( على وجوه < -
] [ 119
على خلفهم ،وسيأتي الخبار الكثيرة الدالة على ذلك في سائر أبواب الكتاب.
ووجدت في بعض الكتب أن عبد المطلب اسمه شيبة ،ويقال :شيبة الحمد،
وقد قيل :إن اسمه عامر ،والصحيح الول ،ويقال :إنه سمي شيبة لنه ولد
وفي رأسه
> -آخر ،وإذا وردت الروايات بالكل ول منافاة بينهما وجب حمل الية على الكل،
ومتى صح ذلك ثبت أن والد ابراهيم ما كان من عبدة الوثان .ثم قال:
ومما يدل على أن آباء محمد صلى ال عليه وآله ما كانوا مشركين قوله
عليه السلم) :لم ازل أنقل من أصلب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات(
وقال تعالى) :انما المشركون نجس( فوجب أن ل يكون أحد من أجداده
مشركا .هذا كلم المام فخر الدين الرازي بحروفه ،وناهيك به امامة
وجللة ،فانه امام أهل السنة في زمانه ،والقائم بالرد على الفرق
المبتدعة في وقته .ثم قال :وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه
المام فخر الدين أمور :أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين .الولى:
إن الحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من اصول النبي صلى ال
عليه وآله وسلم من آدم عليه السلم إلى أبيه عبد ال فهو خير أهل قرنه
وأفضلهم ،ول أحد في قرنه ذلك خير منه ول أفضل .الثانية :إن الحاديث
والثار دلت على أنه لم تخل الرض من عهد نوح عليه السلم أو آدم
عليه السلم إلى بعثة النبي صلى ال عليه وآله إلى أن تقوم الساعة من
ناس على الفطرة يعبدون ال ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الرض
ولول هم لهلكت الرض ومن عليها ،وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين
انتج منهما قطعا أن آباء النبي صلى ال عليه وآله لم يكن فيهم مشرك،
لنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه ،فان كان الناس الذين على الفطرة
هم آباؤهم فهو المدعى ،وإن كان غيرهم وهم على الشرك لزم أحد
المرين :إما أن يكون المشرك خيرا " من المسلم وهو باطل بالجماع،
وإما أن يكون غيرهم خيرا " منهم وهو باطل لمخالفة الحاديث فوجب
قطعا " أن ل يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الرض في كل قرنه إه.
ثم ذكر أدلة لثبات المقدمة الولى منها :ما أخرجه البخاري عن أبى
هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :بعثت من خير قرون بنى
آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذى كنت فيه .وما أخرجه البيهقى
في دلئل النبوة عن أنس أن النبي صلى ال عليه وآله قال :ما افترق
الناس فرقتين ال جعلني ال في خيرهما .فأخرجت من بين أبوى فلم
يصبنى شئ من عهد الجاهلية ،وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح
من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبى وامى فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا< - .
] [ 120
شعرة بيضاء ،ويكنى أبا الحارث ،ويلقب الفياض لجوده ،وإنما سمي عبد المطلب
لن أباه هاشما " مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل على عمرو بن زيد،
وقيل :زيد بن عمرو ابن خداش بن امية بن وليد بن غنم بن عدي بن
النجار ،والراوي الول يقول :عمرو
> -وما أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة من طرق عن ابن عباس قال :قال النبي
صلى ال عليه و آله وسلم :لم يزل ال ينقلني من الصلب الطيبة إلى
الرحام الطاهرة مصفى مهذبا ل تنشعب شعبتان الكنت في خيرهما .وما
أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمى في فضائل العباس
من حديث واثلة بلفظ )إن ال اصطفى من ولد آدم ابراهيم واتخذه خليل،
واصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل ،ثم اصطفى من ولد اسماعيل نزارا،
ثم اصطفى من ولد نزار مضر ،ثم اصطفى من مضر كنانة ،ثم اصطفى
من كنانة قريشا ،ثم اصطفى من قريش بنى هاشم ،ثم اصطفى من بنى
هاشم بنى عبد المطلب ،ثم اصطفاني من بنى عبد المطلب( .قال :أورده
المحب الطبري في ذخائر العقبى .ثم ذكر تسعة أحاديث اخرى تدل على
ذلك .ثم ذكر أدلة لثبات المقدمة الثانية :منها :أحاديث تدل على أن
الرض لم تزل بعد نوح كان على وجهها مسلمون يعملون ل بطاعته،
ويدفع ال بهم عن أهل الرض فعدهم في بعضها سبعة ،وفي اخرى
أربعة عشر ،وفي ثالثة اثنى عشر .ومنها :أحاديث وردت في تفسير قوله
تعالى) :كان الناس امة واحدة( فيها أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون
كلهم على شريعة من الحق ،وفيها :أن ما بين نوح إلى آدم من الباء
كانوا على السلم ،وفيها :أن أولد نوح عليه السلم لم يزالوا على
السلم وهم ببابل حتى ملكهم نمرود ابن كوس فدعاهم إلى عبادة الوثان
ففعلوا .ثم قال :فعرف من مجموع هذه الثار أن أجداد النبي صلى ال
عليه وآله كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمرود ،وفي زمنه كان
ابراهيم عليه السلم وآزر ،فان كان آزر والد ابراهيم فيستثنى من سلسلة
النسب ،وان كان عمه فل استثناء في هذا القول -أعنى أن آزر ليس أبا
ابراهيم -كما ورد عن جماعة من السلف .ثم ذكر آثار أو أقوال تدل على
أن آزر كان عم ابراهيم ولم يكن أباه .ثم قال :ثم استمر التوحيد في ولد
ابراهيم واسماعيل ،قال الشهرستاني في الملل والنحل :كان دين ابراهيم
قائما والتوحيد في صدر العرب شائعا ،واول من غيره واتخذ عبادة
الصنام عمرو بن لحى ،وقال عماد الدين ابن كثير في تاريخه :كانت
العرب على دين ابراهيم عليه السلم إلى أن ولى عمرو بن عامر
الخزاعى مكة ،وانتزع ولية البيت من أجداد النبي صلى ال عليه وآله
وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الصنام وشرع للعرب الضللت،
وتبعته العرب على الشرك ،و فيهم بقايا من دين ابراهيم ،وكانت مدة
ولية خزاعة على البيت ثلث مائة سنة وكانت وليتهم < -
] [ 121
ابن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ،وهو تيم ال بن
ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وهو المعتمد ،فرأى ابنته سلمى فخطبها إليه
فزوجه إياها ،وشرط عليه أنها إذا حملت أتى بها لتلد في دار قومها ،وبنى
عليها هاشم بيثرب ومضى بها إلى مكة،
> -مشؤومة إلى أن جاء قصى جد النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقاتلهم وانتزع
ولية البيت عنهم ،ال أن العرب بعد ذلك لم ترجع عما كان أحدثه عمرو
الخزاعى .فثبت أن آباء النبي صلى ال عليه وآله من عهد ابراهيم عليه
السلم إلى زمان عمرو المذكور كلهم مؤمنون بيقين ،ونأخذ الكلم على
الباقي .ثم ذكر آياتا لثبات ذلك وعقبها بأحاديث منها :ما ورد في تفسير
قوله تعالى) :وجعلها كلمة باقية في عقبه( تدل على أن التوحيد كان باقيا
في ذرية ابراهيم عليه السلم ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة
يعبدون ال تعالى حتى تقوم الساعة وأحاديث في تفسير قوله) :واجنبني
وبنى أن نعبد الصنام( تدل على أن ال استجاب لبراهيم عليه السلم
دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته ،وحديثا في
تفسير قوله تعالى) :رب اجعلني مقيم الصلة ومن ذريني( يدل على أنه
لن تزال من ذرية ابراهيم ناس على الفطرة يعبدون ال تعالى ،ثم ذكر
آثارا تدل على أن عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة والياس وكعب بن
لوى وغيرهم كانوا مسلما ،ثم قال :فحصل مما أوردناه أن آباء النبي
صلى ال عليه وآله وسلم من عهد ابراهيم إلى كعب بن لوى كانوا كلهم
على دين ابراهيم عليه السلم ،وولده مرة بن كعب الظاهر أنه كذلك لن
أباه أوصاه باليمان ،وبقى بينه وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلب
وقصى وعبد مناف وهاشم ،ولم أظفر فيهم بنقل ل بهذا ول بهذا ،وأما
عبد المطلب ففيه ثلثة أقوال :أحدها :أنه لم تبلغه الدعوة ،والثانى :أنه
كان على التوحيد وملة ابراهيم وهو ظاهر عموم قول المام فخر الدين
وما تقدم من الحاديث .والثالث :أن ال أحياه بعد بعثة النبي عليه السلم
حتى آمن به وأسلم ثم مات ،حكاه ابن سيد الناس ،وهذا أضعف القوال،
ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلفا في عبد المطلب وأنه قد قيل
فيه :مات مسلما لما رأى من الدلئل على نبوة محمد صلى ال عليه وآله
وسلم وعلم انه ل يبعث ال بالتوحيد ،وقال الشهرستاني في الملل
والنحل :ظهر نور النبي صلى ال عليه وآله وسلم في اسارير عبد
المطلب بعض الظهور ،وببركة ذلك النور الهم النذر في ذبح ولده،
وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغى ،ويحثهم على مكارم الخلق،
وينهاهم عن دنيات المور ،وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه :انه
لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل
ظلوم لم تصبه عقوبة ،فقيل بعبد المطلب في ذلك ،ففكر في ذلك فقال:
وال وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن باحسانه ،ويعاقب فيها
المسئ باساءته ،وببركة ذلك النور قال لبرهة :ان لهذا البيت ربا
يحفظه ،ومنه قال وقد < -
] [ 122
فلما أثقلت أتى بها إلى يثرب في السفرة التي مات فيها وذهب إلى الشام فمات هناك
بغزة من أرض الشام ،وولدت سلمى عبد المطلب وشب عند امه فمر به
رجل من بني الحارث بن عبد مناف ،وهو مع صبيان يتناضلون ) (1فرآه
أجملهم وأحسنهم إصابة ،وكلما رمى فاصاب ،قال :أنا ابن هاشم ،أنا ابن
السيد البطحاء ،فأعجب الرجل ما رأى منه ودنا إليه فقال :من أنت ؟ قال:
أنا شيبة بن هاشم بن عبدمناف ،قال :بارك ال فيك ،وكثر فينا مثلك ،قال:
صعد أبا قبيس :لهم ان المرء يمنع رحله فامنع حللك * ل يغلبن صليبهم ومحالهم
عدوا محالك فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك انتهى كلم
الشهرستاني .ثم ذكر امورا " تدل على ايمان عبد المطلب إلى أن قال :ثم
رأيت المام أبا الحسن الماوردى أشار إلى نحو ما ذكره المام فخر الدين
ال أنه لم يصرح كتصريحه ،فقال في كتابه أعلم النبوة :لما كان انبياء
ال صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلفهم من القيام بحقه والرشاد لخلقه
استخلصهم من أكرم العناصر ،واجتباهم بمحكم الوامر فلم يكن لنسبهم
من قدح ،ولمنصبهم من جرح ،ليكون القلوب أصغى ،والنفوس لهم
أوطأ ،فيكون الناس إلى اجابتهم أسرع ،ولوامرهم أطوع ،وان ال
استخلص رسوله صلى ال عليه وآله من أطيب المناكح ،وحماه من دنس
الفواحش ،ونقله من اصلب طاهرة إلى أرحام منزهة ،وقد قال ابن
عباس في تأويل قول ال تعالى) :وتقلبك في الساجدين( :أي تقلبك من
أصلب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيا ،فكان نور النبوة ظاهرا
" في آبائه ،واذ اخبرت حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سللة
آباء كرام ليس في آبائه مسترذل و ل مغمور مسبل ،بل كلهم سادة قادة،
وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة انتهى كلم الماوردى
بحروفه ،قلت :ثم فصل السيوطي الكلم حول ذلك وحول امهاته صلى ال
عليه وآله وسلم وصنف أيضا في ذلك كتابه الدرج المنيفة في الباء
الشريفة ،وكتابه المقامة السندسية في النسبة المصطفوية ،وكتابه
التعظيم والمنة في أن أبوى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في
الجنة ،و كتابه السبل الجلية في الباء العلية ،وصنف كتاب نشر العلمين
المنيفين في احياء البوين الشريفين رد فيه على من جزم بأن الحديث
الذى ورد في احيائهما موضوع ،وصنف كتاب أنباء الذكياء في حياة
النبياء عليهم السلم .قلت :وممن صرح بايمان عبد المطلب وغيره
المسعودي واليعقوبي وغيرهما (1) .يتناضلون أي تباروا في النضال
وتراموا للسبق.
] [ 123
من أنت يا عم ؟ قال :رجل من قومك ،قال :حياك ال ومرحبا " بك ،وسأله عن
أحواله وحاجته ،فرأى الرجل منه ما أعجبه ،فلما أتى مكة لم يبدء بشئ
حتى أتى المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا " في الحجر فخل به
وأخبره خبر الغلم وما رأى منه ،فقال المطلب :وال لقد أغفلته ،ثم ركب
قلوصا " ) (1ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلم في
غلمان منهم ،فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه ،فأخبره بنفسه ،وأنه جاء
للذهاب به ،فما لبث أن جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص
ومضى به ،وقيل :بل كانت امه قد علمت بمجئ المطلب ونازعته فغلبها
عليه ،ومضى به إلى مكة وهو خلفه ،فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت
عليه وقالوا :من أين أقبلت ؟ قال :من يثرب ،قالوا :ومن هذا معك ؟ قال:
عبد ابتعته ،فلما أتى محله اشترى له حلة فألبسه إياها وأتى به في مجلس
بني عبدمناف ،فقال :هذا ابن أخيكم هاشم ،وأخبرهم خبره ،فغلب عليه عبد
المطلب لقول عمه :إنه عبد ابتعته ،وساد عبد المطلب قريشا " ،وأذعنت
له سائر العرب بالسيادة والرياسة ،وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل،
وحفر زمزم ،وفي سقياه حين استسقى مرتين :مرة لقريش ،ومره لقيس
إلى غير ذلك من فضائله ،و أخباره وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن
سبطه محمدا " نبي ،وهو ابن هاشم ،واسمه عمرو ،و يقال له :عمرو
العلى ،ويكنى أبا نضله ،وإنما سمي هاشما " لهشمه الثريد ) (2للحجاج،
وكانت إليه الوفادة والرفادة ) (3وهو الذي سن الرحلتين :رحلة الشتاء
إلى اليمن و
) (1القلوص من البل :الطويلة القوائم .الشابة منها أو الباقية على السير(2) .
هشم الثريد لقومه أي كسر الخبز وفنه وبله بالمرق فجعله ثريدا فهو
هاشم (3) .قال ابن هشام :كانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل
موسم من أموالها إلى قصى بن كلب فيصنع به طعاما للحاج ،فيأكله من
لم يكن له سعة ول زاد ،وذلك أن قصيا فرضه على قريش ،فقال لهم حين
أمرهم به :يا معشر قريش انكم جيران ال ،واهل بيته ،وأهل الحرم ،وأن
الحجاج ضيف ال ،و )أهله( وزوار بيته ،وهم أحق الضيف بالكرامة،
فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا ،فكانوا يخرجون لذلك
كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه ،فيصنعه طعاما للناس أيام منى
إه.
] [ 124
العراق ،ورحلة الصيف إلى الشام ومات بغزة من أرض الشام وفيه يقول مطرود
بن كعب الخزاعي :شعر :عمرو العلى هشم الثريد لقومه * ورجال مكة
مسنتون عجاف ) .(1وكان هاشم يدعى القمر ،ويسمى ذات الركب ،وقد
سمي بهذا آخرون من قريش أيضا " ،وهو ابن عبد مناف ،واسمه
المغيرة ،وإنما سمته عبد مناف امه ،ومناف اسم صنم كان مستقبل الركن
السود ،وكان أيضا " يدعى القمر لجماله ،ويدعى السيد لشرفه وسودده،
وهو ابن قصي ،واسمه زيد ،وإنما سمى قصيا " لن امه فاطمة بنت سعد
بن سنبل الزدية ) (2من أزدشنوءه تزوجها بعد أبيه كلب ربيعة بن حزام
بن سعد بن زيد القضاعي ،فمضى بها إلى قومه ،وكان زهرة بن كلب
كبيرا " ،فتركته عند قومه ،وحملت زيدا " معها ،لنه كان فطيما "،
فسمي قصيا " لنه أقصى عن داره ،وشب في حجر ربيعة بن حزام ،ل
يرى إل أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة ،فقال له العذري:
الحق بقومك فإنك لست منا ،قال :وممن أنا ؟ قال :سل امك تخبرك ،فقالت:
أنت وال أكبر منهم نفسا " ووالدا " ونسبا " ،أنت ابن كلب بن مرة،
وقومك آل ال في حرمه وعند بيته ،فكره قصي المقام دون مكة ،فأشارت
عليه امه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ،ثم يخرج مع حجاج قضاعة
ففعل ،ولما صار إلى مكة تزوج إلى خليل بن الحبشية الخزاعي ابنته حيي،
وكان خليل يلي أمر الكعبة ،وعظم أمر قصي حتى استخلص البيت من
خزاعة وحاربهم وأجلهم عن الحرم وصارت إليه السدانة والوفادة
والسقاية ،وجمع قبائل قريش وكانت متفرقة .وقال محمد بن مسعود
الكازروني في كتاب المنتقى :ولد عبد ال لربع وعشرين سنة
) (1في سيرة ابن هشام :قوم بمكة مسنتين عجاف .بعده :سنت إليه الرحلتان
كلهما * سفر الشتاء ورحلة اليلف .ويروى :ورحلة الصياف (2) .في
القاموس :أزد بن الغوث أبوحى ومن أولده النصار كلهم ويقال:
أزدشنوءة .والغزة بالغين والزاى المعجمتين :بلد بفلسطين ،وقال في
القاموس :مات بها هاشم .وعذرة بالذال المعجمة :قبيلة باليمن .منه عفى
عنه.
] [ 125
مضت من ملك كسرى أنوشروان ،فبلغ سبع عشرة سنة ،ثم تزوج آمنة ،فلما
حملت برسول ال صلى ال عليه وآله توفي ،وذلك أن عبد ال بن عبد
المطلب خرج إلى الشام ) (1في عير من عيرات قريش ،يحملون تجارات،
ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا ،فمروا بالمدينة وعبد ال بن عبد
المطلب يومئذ مريض ،فقال :أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار،
فأقام عندهم مريضا " شهرا " ،ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد
المطلب عن عبد ال ،فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو
مريض ،فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده ) (2الحارث فوجده قد توفي في
دار النابغة ) ،(3فرجع إلى أبيه فأخبره ،فوجد ) (4عليه عبد المطلب
وإخوته وأخواته وجدا " شديدا " ،ورسول ال صلى ال عليه وآله يومئذ
حمل ،ولعبد ال يوم توفي خمس وعشرون سنة .وروي أنه توفي بعد ما
أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله ثمانية وعشرون شهرا " ،ويقال:
سبعة أشهر ،والول أصح .قال الواقدي :ترك عبد ال أم أيمن وخمسة
جمال أوراك ،يعني قد أكلت الراك ،وقطيعة غنم ،فورث رسول ال صلى
ال عليه وآله وكانت أم أيمن تحضنه واسمها بركة ) - 64 .(5ن لى :ابن
المتوكل ،عن علي ،عن أبيه ،عن الريان بن الصلت قال :أنشدني الرضا
عليه السلم لعبد المطلب شعر ) :(6يعيب الناس كلهم زمانا * وما لزماننا
عيب سوانا نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بناهجانا )(7
) (1في المصدر زاد :إلى غزة (2) .في المصدر :أكبر ولده (3) .في المصدر زيادة
هي :وهو رجل من بنى عدى بن النجار في الدار التى إذا دخلتها فالدويرة
عن يسارك ،فأخبره أخواله بمرضه وبقيامهم عليه ،وما ولوامن أمره
وانهم قبروه ،فرجع اه (4) .أي حزن (5) ،المنتقى في مولود المصطفى:
الفصل الخامس من الباب الثامن من القسم الول (6) .هكذا في نسخة
المصنف ،والصحيح :شعرا كما في المصدر (7) .بها خ ل.
] [ 126
وإن الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا " عيانا ) (1أقول :سيأتي في باب
مولد النبي صلى ال عليه وآله بعض أخباره - 65 .ل :الفامي وابن
مسرور معا " ،عن ابن بطة ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن حماد،
عن حريز ،عمن أخبره ،عن أبي جعفر صلى ال عليه وآله قال :أول من
سوهم عليه مريم بنت عمران ،وهو قول ال) :وما كنت لديهم إذ يلقون
أقلمهم أيهم يكفل مريم( والسهام ستة ،ثم استهموا في يونس عليه السلم
لما ركب مع القوم ،فوقفت السفينة في اللجة ،فاستهموا فوقع السهم على
يونس عليه السلم ثلث مرات ،قال :فمضى يونس عليه السلم إلى صدر
السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه ،ثم كان عبد المطلب ولد له
تسعة فنذر في العاشر إن يرزقه ال غلما " أن يذبحه ،قال :فلما ولد عبد
ال لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول ال صلى ال عليه وآله في صلبه ،فجاء
بعشر من البل وساهم عليها وعلى عبد ال فخرجت السهام على عبد ال،
فزاد عشرا " ،فلم يزل السهام تخرج على عبد ال ويزيد عشرا " ،فلما
بلغت مأة خرجت السهام على البل ،فقال عبد المطلب :ما أنصفت ربي،
فأعاد السهام ثلثا " فخرجت على البل ،فقال :الن علمت أن ربي قد
رضي ،فنحرها ) - 66 .(2ل :أبي ،عن سعد ،عن أبي محمد الفضل
اليماني ،عن الحسن بن جمهور ،عن أبيه ،عن علي بن حديد ،عن عبد
الرحمن بن الحجاج ،عن هارون بن خارجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :هبط جبرئيل على رسول ال صلى ال عليه وآله فقال :يا محمد إن
ال عزوجل قد شفعك ) (3في خمسة :في بطن حملك وهي آمنة بنت وهب
بن عبد مناف ،وفي صلب أنزلك وهو عبد ال بن عبد المطلب ،وفي حجر
كفلك وهو عبد المطلب بن هاشم ،وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد
المطلب أبو طالب ،وفي أخ كان لك في الجاهلية ،قيل:
) (1عيون الخبار ،306 :المالى ،107 ،وفي العيون زيادة هي :لبسنا للخدوع
مسوك طيب * وويل للغريب إذا اتانا ) (2الخصال (3) .75 :1أي قبل
شفاعتك فيهم.
] [ 127
يا رسول ال من هذا الخ ؟ فقال رسول ال :كان آنسي وكنت آنسه ،وكان سخيا "
يطعم الطعام ) - 67 .(1ل :محمد بن علي بن الشاه ،عن أبي حامد ،عن
أبي يزيد ،عن محمد بن أحمد بن صالح التميمي ،عن ابيه ،عن أنس بن
محمد أبي مالك ،عن أبيه ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن جده ،عن
علي بن أبي طالب عليه السلم ،عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال في
وصيته له :يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها
ال له في السلم :حرم نساء الباء على البناء فأنزل ال عزوجل) :ول
تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء( ووجد كنزا " فأخرج منه الخمس
وتصدق به ،فأنزل ال عزوجل) :واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن ل
خمسه( الية ،ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل ال عز وجل:
)أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر(
الية ،وسن في القتل مأة من البل فأجرى ال عزوجل ذلك في السلم،
ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط،
فأجرى ال ذلك في السلم ،يا علي إن عبد المطلب كان ل يستقسم
بالزلم ،ول يعبد الصنام ،ول يأكل ما ذبح على النصب ،ويقول :أنا على
دين أبي إبراهيم عليه السلم ) .(2بيان :لعله عليه السلم فعل هذه المور
بإلهام من ال تعالى ،أو كانت في ملة إبراهيم عليه السلم فتركتها قريش
فأجراها فيهم ،فلما جاء السلم لم ينسخ هذه المور لما سنه عبد المطلب.
- 68ل :الهمداني ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن أبان
الحمر قال :سمعت جعفر بن محمد عليه السلم يحدث عن أبيه عليه
السلم قال :سمعت جابر بن عبد ال النصاري يقول :سئل رسول ال
صلى ال عليه وآله عن ولد عبد المطلب ،فقال :عشرة والعباس .قال
الصدوق ره :وهم عبد ال ،وأبو طالب ،والزبير ،وحمزة ،والحارث ،وهو
أسنهم والغيداق ،والمقوم ،وحجل ،وعبد العزى وهو أبو لهب ،وضرار،
والعباس ،ومن الناس
) (1الخصال ،141 :1قال الصدوق ،اسم هذا الخ الحلس بن علقمة (2) .الخصال
.150 :1
] [ 128
من يقول :إن المقوم هو حجل .ولعبد المطلب عشرة أسماء ) ،(1تعرفه بها العرب
وملوك القياصرة وملوك العجم وملوك الحبشة ،فمن أسمائه :عامر،
وشيبة الحمد ،وسيد البطحاء ،وساقي الحجيج ،وساقي الغيث ،وغيث
الورى في العام الجدب ،وأبو السادة العشرة ،وعبد المطلب ،وحافر زمزم
) ،(2وليس ذلك لمن تقدمه ) - 69 .(3ن :القطان ،عن السدي ) ،(4عن
علي بن الحسن بن فضال ،عن ابيه قال :سألت أبا الحسن الرضا عليه
السلم عن معنى قول النبي صلى ال عليه وآله أنا ابن الذبيحين ،قال:
يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلم ،وعبد ال بن عبد
المطلب ،أما إسماعيل فهو الغلم الحليم الذي بشر ال تعالى به إبراهيم
عليه السلم )فلما بلغ معه السعي( وهو لما عمل مثل عمله )قال يا بني:
إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى * قال يا أبت افعل ما
تؤمر( ولم يقل له :يا أبت افعل ما رأيت )ستجدني إن شاء ال من
الصابرين( فلما عزم على ذبحه فداه ال تعالى بذبح عظيم بكبش أملح.
يأكل في سواد ،ويشرب في سواد ،وينظر في سواد ،ويمشى في سواد
ويبول ) (5ويبعر في سواد ،وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين
عاما ،وما خرج من رحم انثى ،وإنما قال ال عزوجل له:
) (1اختاره اليعقوبي ،وأضاف قثم مكانه وقال :امه صفية بنت جندب بن حجير) .
(2لم نجد العاشر في الكتاب ومصدره ،ولعله ابراهيم الثاني على ما يقول
اليعقوبي ،قال :كانت قريش تقول عبد المطلب ابراهيم الثاني(3) .
الخصال 62 :1و (4) .63هكذا في نسخة المصنف وغيرها ،والموجود
في المصدر :أحمد بن الحسن القطان ،عن أحمد بن محمد بن سعيد
الكوفى ،والظاهر أنه رحمه ال غفل عما قدمه في المجلد الول من أن
السدي في وسط السند مختصر أبى الحسين محمد بن جعفر السدي،
وذكر أنا نعبر عن أحمد بن محمد بن سعيد بأحمد الهمداني أو ابن عقدة
أو أحمد الكوفى (5) .في المصدر :ويبول في سواد .قلت :قال الجزرى
في النهاية :وفيه أنه ضحى بكبش يطأ في سواد ،وينظر في سواد،
ويبرك في سواد ،أي أسود القوائم والمرابض والمحاجر انتهى ،وقيل:
ان المراد أنه كان مقيما في الحشيش والمرعى والخضرة إذا أشبعت
مالت إلى السواد ،أو كان ذا ظل عظيم لسمنه وعظم جثته بحيث يمشى
فيه ويأكل وينظر ويبعر فيه مجازا " في السمن.
] [ 129
كن فكان ،ليفدي به إسماعيل ،فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لسماعيل إلى يوم
القيامة ،فهذا أحد الذبيحين ،وأما الخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة
باب الكعبة ودعا ال عزوجل أن يرزقه عشرة بنين ،ونذر ل عزوجل أن
يذبح واحدا " منهم متى أجاب ال دعوته ،فلما بلغوا عشرة قال :قد وفى
ال تعالى لي فلفين ) (1ل عزوجل فأدخل ولده الكعبة ،وأسهم بينهم،
فخرج سهم عبد ال أبي رسول ال صلى ال عليه وآله وكان أحب ولده
إليه ،ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد ال ،ثم أجالها ثالثة ،فخرج سهم عبد
ال فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه ،فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك،
واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن ،فقالت له ابنته عاتكة :يا أبتاه
اعذر فيما بينك وبين ال عزوجل في قتل ابنك ،قال :وكيف اعذر يا بنية
فإنك مباركة ؟ قالت :اعمد على تلك السوائم ) (3التي لك في الحرم
فاضرب بالقداح على ابنك وعلى البل واعط ربك حتى يرضى ،فبعث عبد
المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشرا " ،وضرب بالسهام فخرج
سهم عبد ال ،فما زال يزيد عشرا " عشرا " حتى بلغت مأة ،فضرب
فخرج السهم على البل ،فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة،
فقال عبد المطلب :ل حتى أضرب بالقداح ثلث مرات ،فضرب ثلثا " كل
ذلك يخرج السهم على البل ،فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب
وإخواتهما من تحت رجليه ،فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على
الرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب ،وأمر عبد
المطلب أن تنحر البل بالحزورة ،ول يمنع أحد منها ،وكانت مأة ،فكانت
لعبد المطلب خمس من السنن أجراها ال عزوجل في السلم :حرم نساء
الباء على البناء ،وسن الدية في القتل مأة من البل ،وكان يطوف بالبيت
سبعة أشواط ،ووجد كنزا " فأخرج منه الخمس ،وسمي زمزم حين حفرها
سقاية الحاج ،ولول أن عبد المطلب كان حجة ) (3وأن عزمه على ذبح
ابنه عبد ال شبيه بعزم إبراهيم عليه السلم على ذبح ابنه إسماعيل لما
افتخر النبي صلى ال عليه وآله بالنتساب إليهما لجل
) (1في المصدر :فلوفين (2) .السوائم جمع السائمة :الماشية والبل الراعية(3) .
في نسخة من المصدر :ولول أن عمل عبد المطلب كان حجة.
] [ 130
أنهما الذبيحان في قوله صلى ال عليه وآله :أنا ابن الذبيحين ،والعلة التي من
أجلها دفع ال عز و جل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها دفع
الذبح عن عبد ال ،وهي كون النبي والئمة ) (1صلوات ال عليهم في
صلبيهما ،فببركة النبي والئمة صلوات ال عليهم دفع ال الذبح عنهما،
فلم تجر السنة في الناس بقتل أولدهم ،ولول ذلك لوجب على الناس كل
أضحى التقرب إلى ال تعالى ذكره بقتل أولدهم ،كل ما يتقرب الناس به
إلى ال عز وجل من اضحية فهو فداء لسماعيل إلى يوم القيامة )70 .(2
-جا ،ما :المفيد ،عن علي بن بلل المهلبي ،عن عبد الواحد بن عبد ال
بن يونس ،عن الحسين بن محمد بن عامر ،عن المعلى ،عن العمي )،(3
عن جعفر بن بشير ،عن سليمان بن سماعة ،عن عبد ال بن القاسم ،عن
عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال جعفر بن محمد عليهما السلم ،عن
أبيه ،عن جده عليهم السلم قال :لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة
لهدم البيت ) (4تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحا " لعبد
المطلب بن هاشم ،فجاء عبد المطلب فاستأذن عليه فأذن له وهو في قبة
ديباج على سرير له :فسلم عليه ،فرد أبرهة السلم وجعل ينظر في وجهه
فراقه حسنه وجماله وهيبته ،فقال له :هل كان في آبائك مثل هذا النور
الذي أراه لك والجمال ؟ قال :نعم أيها الملك كل آبائي كان لهم هذا الجمال
والنور والبهاء ،فقال له أبرهة :لقد فقتم ) (6فخرا " وشرفا " ،ويحق لك
أن تكون سيد قومك ،ثم أجلسه معه على سريره ،وقال لسائس فيله
العظم :وكان فيل " أبيض عظيم الخلق ،له نابان مرصعان بأنواع الدر
والجواهر ،وكان الملك يباهي به ملوك الرض -اتيني به ،فجاء به سائسه
وقد زين بكل زينة حسنة ،فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له ،ولم يكن
يسجد لملكه ،وأطلق ال لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب ،فلما رأى
الملك ذلك ارتاع
) (1والئمة المعصومين خ ل (2) .عيون الخبار 117 :و (3) .118منسوب إلى
بنى العم من تميم ،والرجل هو محمد بن جمهور العمى البصري (4) .في
المصدر :مكة لهدم البيت (5) .السرح :الماشية (6) .في المصدر :لقد
فقتم الملوك.
] [ 131
له وظنه سحرا " ،فقال :ردوا الفيل إلى مكانه ،ثم قال لعبد المطلب :فيم جئت ؟ فقد
بلغني سخاءك وكرمك وفضلك ،ورأيت من هيبتك وجمالك وجللك ما
يقتضي أن أنظر في حاجتك ،فسلني ما شئت ،وهو يرى أنه يسأله في
الرجوع من مكة ،فقال له عبد المطلب :إن أصحابك غدوا ) (1على سرح
لي فذهبوا به فمرهم برده علي ،قال :فتغيظ الحبشي من ذلك ،وقال لعبد
المطلب :لقد سقطت من عيني ،جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت
لهدم شرفك ،وشرف قومك ،ومكرمكتم التي تتميزون بها من كل جيل وهو
البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الرض ،فتركت مسألتي في ذلك
وسألتني في سرحك ،فقال له عبد المطلب :لست برب البيت الذي قصدت
لهدمه ،وأنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك ،فجئت أسألك فيما أنا ربه،
وللبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم ،وأولى به منهم ،فقال الملك ردوا
عليه سرحه ،وانصرف إلى مكة ) ،(2وأتبعه الملك بالفيل العظم مع
الجيش لهدم البيت ،فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ ،وإذا تركوه
رجع مهرول " ،فقال عبد المطلب لغلمانه :ادعوا إلي ابني ،فجئ بالعباس،
فقال :ليس هذا أريد ،ادعوا إلي ابني ،فجئ بأبي طالب فقال :ليس هذا
اريد ،ادعوا إلي ابني فجئ بعبدال أب النبي صلى ال عليه وآله ،فلما أقبل
إليه قال :اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس ،ثم اضرب ببصرك ناحية
البحر ،فانظر أي شئ يجئ من هناك ،وخبرني به ،قال :فصعد عبد ال أبا
قبيس فما لبث أن جاء بطير أبابيل ) (3مثل السيل والليل ،فسقط على أبي
قبيس ،ثم صار إلى البيت فطاف سبعا " ،ثم صار إلى الصفا والمروة
فطاف بهما سبعا " ،فجاء عبد ال إلى أبيه فأخبره الخبر ،فقال :انظر يا
بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به ،فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو
عسكر الحبشة ،فأخبر عبد المطلب بذلك ،فخرج عبد المطلب وهو يقول :يا
أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم ،قال:
) (1في المجالس :عدوا (2) .في المجالس :ردوا عليه سرحه ،وازحفوا إلى البيت
فانفضوه حجرا " حجرا " ،فأخذ عبد المطلب سرحه ،وانصرف إلى مكة.
) (3في المصدر :أن جاء طير أبابيل.
] [ 132
فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب النخرة ،وليس من الطير إل ما معه ثلثة أحجار
في منقاره ويديه ) (1يقتل بكل حصاة منها واحدا " من القوم ،فلما أتوا
على جميعهم انصرف الطير فلم ير قبل ذلك ول بعده ،فلما هلك القوم
بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره وقال :يا حابس الفيل
بذي المغمس * حبسته كأنه مكوس في مجلس ) (2تزهق فيه النفس
فانصرف وهو يقول في فرار قريش وجزعهم من الحبشة :طارت قريش
إذا رأت خميسا * فظلت فردا " ل أرى أنيسا ول أحس منهم حسيسا * إل
أخا " لي ماجدا " نفيسا مسودا " في أهله رئيسا (3) .بيان :راقه:
أعجبه ،قال الفيروز آبادي :المغمس كمعظم ومحدث :موضع بطريق
الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة ويرجم ،وقال :المكوس كمعظم
حمار .أقول :روي في كتاب العدد مثله إل أنه زاد فيه :فحين قابل الفيل
وجه عبد المطلب سجد له ،ولم يكن سجد لملكه وأطلق ال لسانه بالعربية
فسلم على عبد المطلب وقال بلسان فصيح :يا نور خير البرية ،ويا صاحب
البيت والسقاية ،ويا جد سيد المرسيلن ،السلم على نور الذي في ظهرك،
يا عبد المطلب معك العز والشرف ،لن تذل ولن تغلب أبدا " ،فلما رأى
الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا " ،فقال :ردوا الفيل إلى مكانه ،ثم قال
لعبد المطلب :فيم جئت ؟ فقد بلغني سخاءك وكرمك وفضلك ،ورأيت من
هيبتك وجمالك وجللك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك ،فسل ما شئت.
وساق الحديث إلى آخره ) - 71 .(4فس) :ألم تر( ألم تعلم يا محمد )كيف
فعل ربك بأصحاب الفيل( قال:
) (1في المالى :ورجليه مكان يديه ،والمجالس خلى عنهما (2) .في المصدر :في
محبس (3) .مجالس المفيد .186 - 184 :أمالى ابن الشيخ 49 :و ) .50
(4العدد :مخطوط.
] [ 133
نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة ،فلما أدنوه ) (1من باب
المسجد قال له عبد المطلب :تدري أين يأم بك ؟ قال برأسه :ل ،قال :أتوا
بك لتهدم كعبة ال ،أتفعل ذلك ؟ فقال برأسه :ل ،فجهدت به الحبشة ليدخل
المسجد فأبى ،فحملوا عليه بالسيوف وقطعوه) ،فأرسل ) (2عليهم طيرا "
أبابيل( قال :بعضها على أثر بعض )ترميهم بحجارة من سجيل( قال :كان
مع كل طير حجر ) (3في منقاره ،وحجران في مخاليبه ) ،(4وكانت
ترفرف على رؤوسهم ،وترمى في دماغهم ) (5فيدخل الحجر في دماغهم،
ويخرج من أدبارهم ،وتنتفض ) (6أبدانهم فكانوا كما قال) (7) :فجعلهم
كعصف مأكول( قال :العصف :التبن ،والمأكول هو الذي يبقى من فضله،
قال الصادق عليه السلم :وأهل الجدري من ذلك ) (8الذي أصابهم في
زمانهم جدري ) .(9بيان :قال الطبرسي ره :أجمعت الرواة على أن ملك
اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح ،وقيل :إن كنيته أبو
يكسوم ،قال الواقدي :هو صاحب النجاشي جد النجاشي الذي كان على
عهد رسول ال صلى ال عليه وآله ،وقال محمد بن إسحاق :أقبل تبع حتى
نزل على المدينة ،فنزل بوادي قبا فحفر بها بئرا " تدعى اليوم ببئر الملك،
قال :و بالمدينة إذ ذاك يهود والوس والخزرج فقاتلوه وجعلوا يقاتلونه
بالنهار ،فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة ،فاستحيى وأراد صلحهم ،فخرج
إليه رجل من الوس يقال له :احيحة
) (1فلما دنوا خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .هكذا في النسخ ،وفي المصدر:
وأرسل ،وهو الصحيح على ما في المصحف الشريف (3) ،ثلثة أحجار:
حجر خ ل وهو الموجود في المصدر (4) .رجليه خ ل وفي المصدر:
مخالبه (5) .في المصدر :وترمى أدمغتهم (6) .تنتقض خ ل (7) .قال ال
خ ل وهو الموجود في المصدر (8) .وأهل الجدرى من ذلك أصابهم الذى
أصابهم في زمانهم جدري خ ل -صح ،وهو الموجود في طبعة من
المصدر وفي نسخة مخطوطة عندي ،قلت :الجدرى بضم الجيم وفتحه:
مرض يسبب بثورا " جمرا " بيض الرؤوس تنتشر في البدن وتتقيح
سريعا وهو شديد العدوى (9) .تفسير القمى 739 :و .740
] [ 134
ابن الجلح ،وخرج إليه من اليهود بنيامين القرطي ) ،(1فقال له احيحة :أيها الملك
نحن قومك ،وقال بنيامين :هذه بلدة ل تقدر أن تدخلها ولو جهدت .قال:
ولم ؟ قال :لنها منزل نبي من النبياء يبعثه ال من قريش ،قال :ثم خرج
يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث ال عليه ريحا " قصفت )(2
يديه ورجليه ،وشنجت ) (3جسده ،فأرسل إلى من معه من اليهود فقال:
ويحكم ما هذا الذي أصابني ؟ قالوا :حدثت نفسك بشئ ؟ قال :نعم ،وذكر
ما أجمع عليه من هدم البيت ،وإصابة ما فيه ،قالوا :ذاك بيت ال الحرام،
ومن أراده هلك ،قال :ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه ؟ قالوا :تحدث
نفسك بأن تطوف به وتكسوه وتهدي له ،فحدث نفسه بذلك فأطلقه ال ،ثم
سار حتى دخل مكة فطاف بالبيب ،وسعى بين الصفا والمروة ،وكسى
البيت ،وذكر الحديث في نحره بمكة وإطعامه الناس ،ثم رجوعه إلى اليمن
وقتله وخروج ابنه إلي قيصر واستعانته به ) (4فيما فعل قومه بأبيه ،وإن
قيصرا " كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث معه ستين
ألفا " ،واستعمل عليهم روزبه حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه ،ودخلوا صنعاء
فملكوها وملكوا اليمن ،وكان في أصحاب روزبه رجل يقال له :أبرهة وهو
أبو يكسوم ،فقال لروزبه أنا أولى بهذا المر منك ،وقتله مكرا " ،وأرضى
النجاشي ،ثم إنه بنى كعبة باليمن و جعل فيها قبابا " من ذهب ،وأمر أهل
مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام ،وإن رجل " من بني كنانة
خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ،ثم قعد فيها - ،يعني لحاجة النسان ،-
فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها ،فقال :من اجترء علي بهذا ؟
ونصرانيتي لهدمن ذلك البيت حتى ل يحجه حاج أبدا " ،فدعا بالفيل وأذن
قومه ) (5بالخروج
) (1في المصدر :القرظى (2) .في المصدر :فقصفت (3) .أي تقبض وتقلص(4) .
في المصدر :واستغاثته به (5) .وأذن في قومه خ ل.
] [ 135
ومن اتبعه من أهل اليمن ،وكان أكثر من تبعه منهم عك ) (1والشعريون )(2
وخثعم قال :ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجل " من بني
سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه ،فتلقاه رجل من الخمس ) (3من
بني كنانة فقتله ،فازداد بذلك حنقا " ،وأحث السير والنطلق ،وطلب من
أهل الطائف دليل " ،فبعثوا معه رجل " من هذيل يقال له :نفيل ،فخرج
بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا وهو من مكة على ستة أميال،
فبعثوا مقدماتهم إلى مكة .فخرجت قريش عباديد ) (4في رؤوس الجبال
وقالوا :ل طاقة لنا اليوم بقتال هؤلء القوم ،ولم يبق بمكة غير عبد
المطلب بن هاشم أقام على سقايته ،وغير شيبة بن عثمان بن عبدالدار أقام
على حجابة البيت ،فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول :ل هم
إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك ) * (5ل يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدوا
" محالك إن يدخلوا البيت الحرام إذا " فأمر ما بدالك ثم إن مقدمات أبرهة
أصابت نعما " لقريش فأصابت فيها مأتي بعير لعبد المطلب ابن هاشم،
فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم ،وكان حاجب أبرهة رجل " من
الشعريين ) ،(6وكانت له بعبد المطلب معرفة ،فاستأذن له على الملك
وقال له :أيها
) (1عك :بطن اختلف في نسبه ،فقال بعضهم :بنوعك بن عدثان بن عبد ال بن
الزد من كهلن ،من القحطانية ،وذهب آخرون إلى أنهم من العدنانية،
وعك أصغر من معد بن عدنان أبو العدنانية ،وقال آخرون :انه عك بن
الديث بن عدنان بن ادد أخو معد بن عدنان ،وكانت مواطنهم في نواحى
زبيد ،وقطنوا مدينة الكدراء وغيرها من مدن اليمن التهامية (2) .في
المصدر :الشعرون وكذا فيما يأتي بعد ذلك :وكلهما صحيح،
والشعريون من قبائل كهلن من القحطانية ،وهم بنو الشعر بن ادد بن
زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلن بن سبأ ،وكانت ديارهم من
حدود بنى مجيد بارض الشقاق فالى حليس فزبيد .وخثعم :قبيلة من
القحطانية ،تنسب إلى خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن
نبت بن مالك بن زيد بن كهلن (3) .في المصدر :الحمس بالحاء
المهملة ،وهو بضم الحاء وسكون الميم :قبائل من العرب (4) .العباديد:
الفرق من الناس (5) .في المصدر :حللك .وتقدم معناه (6) .في
المصدر :من الشعرين.
] [ 136
الملك جائك سيد قريش ،الذي يطعم إنسها في الحي ) ،(1ووحشها في الجبل ،فقال:
ائذن له ،وكان عبد المطلب رجل " جسيما " جميل " ،فلما رآه أبو
يكسوم أجله أن يجلسه تحته ) ،(2وكره أن يجلسه معه على سريره ،فنزل
من سريره فجلس على الرض ،و أجلس عبد المطلب معه ،ثم قال :ما
حاجتك ؟ قال :حاجتي مأتا بعير لي أصابتها مقدمتك ،فقال أبو يكسوم:
وال لقد رأيتك فأعجبتني ،ثم تكلمت فزهدت فيك ) ،(3فقال :ولم أيها الملك
؟ قال :لني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم ) (4من العرب ،وفضلكم في
الناس ،وشرفكم عليهم ،ودينكم الذي تعبدون ،فجئت لكسره ،واصيبت لك
مأتا بعير ،فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك ،ولم تطلب إلي في بيتكم،
فقال له عبد المطلب :أيها الملك إنما اكلمك فيما لي ) ،(5ولهذا البيت رب
هو يمنعه ،لست أنا منه في شئ ،فراع ذلك أبا يكسوم ،وأمر برد إبل عبد
المطلب عليه ،ثم رجع وأمست ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها ،كأنها
تكلمهم كلما " لقترابها منهم ،فأحست نفوسهم بالعذاب ،وخرج دليلهم
حتى دخل الحرم وتركهم ،وقام الشعريون وخثعم وكسروا رماحهم و
سيوفهم ،وبرءوا إلى ال أن يعينوا على هدم البيت ،فباتوا كذلك بأخبث
ليلة ،ثم أدلجوا بسحر ) ،(6فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة،
فوجهوه إلى مكة ،فربض ،فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن
يصبحوا ،ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا :لك ال أن ل نوجهك إلى مكة،
فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعا " فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه
منطلقأ حتى إذا ردوه إلى مكانه الول ربض ،فلما رأوا ذلك عادوا إلى
القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان من طلوع الشمس طلعت
عليهم الطير
) (1الحى :محلة القوم (2) .في المصدر :أعظمه أن يجلسه تحته (3) .أي رغبت
عنك (4) .المنعة :العز والقوة (5) .في المصدر أنا اكلمك فيما لى(6) .
أي ساروا قريبا من السحر.
] [ 137
معها الحجارة ،فجعلت ترميهم ،وكل طائر في منقاره حجر ،وفي رجليه حجران،
وإذا رمت بتلك مضت ،وطلعت اخرى ،فل يقع حجر من حجارتهم تلك على
بطن إل خرقه ،ول عظم إل أوهاه ) (1وثقبه ،وثاب ) (2أبو يكسوم راجعا
" قد أصابته بعض الحجاره ،فجعل كلما قدم أرضا " انقطع له فيها إرب )
(4حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شئ إل أباده (3) ،فلما قدمها انصدع
صدره ،وانشق بطنه فهلك ،ولم يصب من خثعم و الشعريين أحد ،قال:
وكان عبد المطلب يرتجز ويدعو على الحبشة يقول :يا رب ل أرجو لهم
سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا * إنهم لم
يقهروا قواكا ) (5قال :ولم تصب تلك الحجارة أحدا " إل هلك ،وليس كل
القوم أصابت ،وخرجوا هاربين ،يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا،
ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق ) .(4وقال مقاتل :السبب الذي جر
أصحاب الفيل إلى مكة هو أن فئة من قريش خرجوا تجارا " إلى أرض
النجاشي ،فساروا حتى دنوا من ساحل البحر ،وفي حقف من أحقافها بيعة
للنصارى تسميها قريش الهيكل ،ويسميها النجاشي وأهل أرضه ما
سرخشان ،فنزل القوم فجمعوا حطبا " ثم أججوا نارا " فاشتووا لحما "،
فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار
فاضطرم الهيكل نارا " ،فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبه.
) (1أي كسره (2) .أي عاد (3) .الرب :العضو (4) .باده خ ل وهو الموجود في
المصدر (5) .قراكا خ ل (6) .في المصدر هنا أشعار أسقطها المصنف
وهى :ردينة لو رأيت ولم ترينة * لدى جنب المحصب ما رأينا حمدت ال
إذ عاينت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل *
كأن على للحبشان دينا
] [ 138
وروى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
أرسل ال على أهل الفيل ) (1طيرا " مثل الخطاف أو نحوه في منقاره
حجر مثل العدسة ،فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجر ،فيخرج من
دبره ،فلم تزل بهم حتى أتت عليهم ،قال :فأفلت رجل منهم فجعل يخبر
الناس بالقصة ،فبينا هو يخبرهم إذ ابصر طيرا " منها ،فقال :هذا هو منها
) ،(2قال :فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره .وقال عبيد بن
عمير :لما أراد ال أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا " نشأت من
البحر كأنها الخطاطيف ،كل طير منها معه ثلثة أحجار ،ثم جاءت حتى
صفت على رؤوسهم ،ثم صاحت والقت ما في أرجلها ومناقيرها ،فما من
حجر وقع منها على رجل إل خرج من الجانب الخر ،إن وقع على رأسه
خرج من دبره ،وإن وقع على شئ من جسده خرج من الجانب الخر .وعن
ابن عباس :قال :دعا ال الطير البابيل فأعطاها حجارة سودا " عليها
الطين ،فلما حاذت بهم رمتهم ،فما بقي أحد منهم إل أخذته الحكة ،فكان ل
يحك إنسان منهم جلده إل تساقط لحمه ،قال :وكانت الطير نشأت من قبل
البحر ،لها خراطيم الطيور ،ورؤوس السباع ،لم تر قبل ذلك ول بعده ،فقال
تعالى) :ألم تر( ألم تعلم )كيف فعل ربك بأصحاب الفيل( الذي قصدوا
تخريب الكعبة ،وكان معهم فيل واحد اسمه محمود ،وقيل :ثمانية أفيال،
وقيل :اثنا عشر فيل " ،وإنما وحد لنه أراد الجنس ،وكان ذلك في العام
الذي ولد فيه رسول ال صلى ال عليه وآله ،وعليه أكثر العلماء ،وقيل:
كان أمر الفيل قبل مولده صلى ال عليه وآله بثلث وعشرين سنة ،وقيل:
بأربعين سنة )) (3ألم يجعل كيدهم في تضليل( أي ضل سعيهم
) (1في المصدر :أصحاب الفيل (2) .فقال :مثل هذا هو منها خ ل (3) .في
المصدر :والصحيح الول ،ويدل عليه ما ذكر أن عبد الملك بن مروان
قال لعتاب بن أشيم الكنانى الليثى ،يا عتاب أنت أكبر أم رسول ال صلى
ال عليه وآله ؟ قال عتاب :رسول ال صلى ال عليه وآله أكبر منى وأنا
أسن منه ،ولد رسول ال صلى ال عليه وآله و سلم عام الفيل ،ووقعت
على روث الفيل .وقالت عايشة :رأيت قائد الفيل وسائقه بمكة أعميين
مقعدين يستطعمان.
] [ 139
حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم )وأرسل عليهم طيرا " أبابيل( أي أقاطيع يتبع
بعضها بعضا " كالبل المؤبلة ،وكانت لها خراطيم كخراطيم الطير ،وأكف
كأكف الكلب ،وقيل :لها أنياب كأنياب السباع ،وقيل :طير خضر لها مناقير
صفر ،وقيل :طير سود بحرية تحمل في مناقيرها وأكفها الحجارة ،ويمكن
أن يكون بعضها خضرا " ،وبعضها سودا " )ترميهم بحجارة من سجيل(
أي تقذفهم تلك الطير بحجاره صلبة شديدة ،وقال موسى ابن عايشة :كانت
أكبر من العدسة ،وأصغر من الحمصة ) .(1وقال البيضاوي) :من سجيل(
من طين متحجر ،معرب سنگ كل وقيل :من السجل ،وهو الدلو الكبير ،أو
السجال وهو الرسال ،أو من السجل ومعناه من جملة العذاب المكتوب
المدون) .فجعلهم كعصف مأكول( كورق زرع وقع فيه الكال وهو أن يأكله
الدود أو اكل حبه فبقي صفرا " منه ،أو كتبن أكلته الدواب وراشته ).(2
- 72كنز الكراجكى :عن الحسين بن عبيدال الواسطي ،عن التلعكبري،
عن محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا " ،عن الحسن بن محمد بن
جمهور ،عن أبيه ،عن الحسن بن محبوب ،عن عبد الرحمن بن الحجاج،
عن هارون بن خارجة ،عن أبي عبد ال ،عن آبائه عليهم السلم قال :لما
ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده ،يقال
لحدهما :أبرهة ،والخر أرباط ،في عشرة من الفيلة ،كل فيل في عشرة
آلف لهدم بيت ال الحرام ،فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم،
واختلفوا فقتل أبرهة أرباط واستولى على الجيش ،فلما قارب مكة طرد
أصحابه عيرا " لعبد المطلب بن هاشم ،فصار عبد المطلب إلى أبرهة،
وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب ،فقال
الترجمان لبرهة :هذا سيد العرب وديانها فأجله وأعظمه ،ثم قال لكاتبه:
سله ما حاجته ؟ فسأله فقال :إن أصحاب الملك طردوا لي نعما " ،فأمر
بردها ،ثم أقبل على
) (1مجمع البيان .542 - 540 :10 :وفيه اختصار (2) .أنوار التنزيل.619 :2 :
قوله :راشته :أي أكلته كثيرا.
] [ 140
الترجمان فقال :قل له :عجبا " لقوم سودوك ورءسوك ) (1عليهم حيث تسألني في
عير لك وقد جئت لهدم شرفك ومجدك ،ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت )
،(2فقال :أيها الملك إن هذه العير لي وأنا ربها ،فسألتك إطلقها ،وإن
لهذه البنية ربا يدفع عنها ،قال :فإني عاد ) (3لهدمها حتى أنظر ماذا
يفعل ،فلما انصرف عبد المطلب رحل ابرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في
السحر الكبر :يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يمل الندار مل
الجفار ،فعليهم لعنة الجبار ،فأنشأ عبد المطلب يقول شعر ) .(4أيها الداعي
لقد أسمعتني * كل ما قلت وما بي من صمم إن للبيت لربا " مانعا " * من
يرده بأثام يصطلم رامه تبع في أجناده * حمير والحي من آل إرم هلكت
بالبغي فيهم جرهم * بعد طسم وحديس ) (5وجشم وكذاك المر فيمن كاده
* ليس أمر ال بالمر المم نحن آل ال فيما قد خل * لم يزل ذاك على
عهد إبرهم ) (6نعرف ال وفينا شيمة * صلة الرحم ونوفي بالذمم لم يزل
ل فينا حجة * يدفع ال بها عنها ) (7النقم ولنا في كل دور كرة * نعرف
الدين وطورا في العجم
) (1أي جعلوك رئيسا (2) .فيه تفرد وغرابة (3) .في نسخة مخطوطة عندي :غاد.
) (4هكذا في النسخ ،والظاهر أنه خبر لمبتدء محذوف أي هذا شعر،
وأيها الداعي مقول لقوله يقول .أو هو مصحف شعرا ،والمصدر خال
عنه (5) .هكذا في النسخ ،وفي المصدر جديس بالجيم وهو الصحيح
وجديس كشريف :قبيلة من العرب العاربة البائدة ،كانت مساكنهم اليمامة
وقال في العبر :كانت مساكنهم بالبحرين وكان يجاورهم في مساكنهم
طسم ،وطسم :قبيلة من العاربة ،وهم بنو طسم بن لود بن سام بن نوح،
وذكر الجوهرى أنهم من عاد ،وكانت منازلهم الحقاف من اليمن مع
جديس ،وذكر في العبر :أن ديارهم كانت اليمامة ،وقد انقرضت .وجشم
يطلق على بطون .راجع نهاية الرب للقلقشندى (6) .مخخف ابراهيم) .
(7عنا خ ل.
] [ 141
فإذا ما بلغ الدور إلى * منتهى الوقت أتى الطين فدم بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان
أحاديث المم فلما أصبح عبد المطلب جمع بنيه وأرسل الحارث ابنه الكبر
إلى أعلى أبي قبيس فقال :انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم
ير شيئا " ،فأرسل واحدا " بعد آخر من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر
بخبر ،فدعا عبد ال وإنه لغلم حين أيفع ) ،(1وعليه ذؤابة تضرب إلى
عجزه ،فقال :اذهب فداك أبي وامي ،فاعل أبا قبيس فانظر ماذا ترى يجئ
من البحر ،فنزل مسرعا " فقال :يا سيد النادي ) (2رأيت سحابا " من قبل
البحر مقبل " ،يستفل تارة ،ويرتفع اخرى ،إن قلت غيما " قلته ،وإن قلت
جهاما " خلته ،يرتفع تارة ،وينحدر أخرى ،فنادى عبد المطلب يا معشر
قريش ادخلوا منازلكم ،فقد أتاكم ال بالنصر من عنده ،فأقبلت الطير
البابيل في منقار كل طائر حجر ،وفي رجليه حجران ،فكان الطائر الواحد
يقتل ثلثة من أصحاب أبرهة ،كان يلقي الحجر في قمة ) (3رأس الرجل
فيخرج من دبره ،وقد قص ال تبارك وتعالى نبأهم في كتابه فقال سبحانه:
)ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل( السورة ،السجيل :الصلب من
الحجارة .والعصف :ورق الزرع .ومأكول يعني كأنه قد اخذ ما فيه من
الحب فأكل وبقي ل حب فيه ،وقيل :إن الحجارة كانت إذا وقعت على
رؤوسهم وخرجت من أدبارهم بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون
الجسم كقشر الحنظلة ) .(4بيان :قال الجوهري :العكة بالضم :آنية
السمن ،ورملة حميت عليها الشمس ،وفورة الحر .وعكة اسم بلد في
الثغور .والجحفل :الجيش .والندر :البيدر .ولعل فيه تصحيفا " )(5
والجفار جمع جفر وهو من أولد الشاة ما عظم ،وجمع جفرة وهي جوف
الصدر ،وسعة في الرض مستديرة .والمم محركة :اليسير .والفدم:
الحمر المشبع حمرة ،ولعله
) (1يفع وأيفع الغلم :ترعرع وناهز البلوغ (2) .النادى :مجلس القوم ما داموا
مجتمعين فيه (3) .القمة بالكسر :أعلى كل شئ (4) .كقشر الحنطة خ ل
كنز الكراجكى 81 :و (5) 82لن في الصلب :الندار.
] [ 142
هنا كناية عن الدم ،والجهام :السحاب لماء فيه - 73 .ع :ابن المتوكل ،عن السعد
آبادي ،عن البرقي ،عن ابن محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن أبي مريم،
عن أبي جعفر عليه السلم في قوله) :وأرسل عليهم طيرا " أبابيل *
ترميهم بحجارة من سجيل( فقال :هؤلء أهل مدينة كانت على ساحل البحر
إلى المشرق فيما بين اليمامة والبحرين ،يخيفون السبيل ،ويأتون المنكر،
فأرسل عليهم طيرا " جاءتهم من قبل البحر رؤوسها كأمثال رؤوس
السباع ،وأبصارها كأبصار السباع ) ،(1مع كل طير ثلثة أحجار :حجران
في مخاليبه ) ،(2وحجر في منقاره ،فجعلت ترميهم بها حتى جدرت
أجسادهم ،فقتلهم ال عزوجل بها ،وما كانوا قبل ذلك رءوا شيئا " من ذلك
الطير ول شيئا " من الجدري ،ومن أفلت منهم انطلقوا حتى بلغوا
حضرموت وادي باليمن أرسل ال عزوجل عليهم سيل " فغرقهم ولرءوا
في ذلك الوادي ماء قبل ذلك ،فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه ).(3
بيان :هذا حديث غريب مخالف لما مر ،لم أره إل من هذا الطريق ،ويمكن
أن تكون السورة إشارة إلى الواقعتين معا " ،ويحتمل أن يكون الذين
أرادوا البيت هؤلء القوم ،وسيأتي الخبر من الكافي بهذا السند ) (4بوجه
آخر ل يخالف شيئا " من الخبار ) - 74 .(5ك :ابن موسى ،عن ابن
زكريا القطان ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عبد ال ابن محمد ،عن أبيه،
عن الهيثم بن عمرو المغربي ) ،(6عن إبراهيم بن عقيل الهذلي ،عن
عكرمة ،عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة
ل يجلس عليه أحد إل هو ،إجلل " له ،وكان بنوه يجلسون حوله حتى
يخرج عبد المطلب ،فكان رسول ال صلى ال عليه وآله يخرج وهو غلم
صبي فيجئ حتى يجلس على الفراش ،فيعظم ذلك
) (1كأبصار السباع من الطير خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .في المصدر:
في مخالبه (3) .علل الشرائع :في مخالبه (3) .علل الشرائع(4) .176 :
تحت رقم (5) .89 :ان لم يسقط صدره :ولكن الظاهر أنهما واحد قد
اسقط الكليني أو بعض الرواة صدره (6) .في المصدر :المزني مكان
المغربي.
] [ 143
أعمامه ) (1ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم :دعوا
ابني ،فو ال إن له لشأنا " عظيما " ،إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو
سيدكم ،إني أرى غرته غرة تسود الناس ،ثم يحمله فيجلسه معه ،ويمسح
ظهره ويقبله ،ويقول :ما رأيت قبلة أطيب منه ،ول أطهر قط ) ،(2ول
جسدا " ألين منه ول أطيب ،ثم يلتفت ) (3إلى أبى طالب -وذلك أن عبد
ال وأبا طالب لم واحدة -فيقول :يا أبا طالب إن لهذا الغلم لشأنا "
عظيما " فاحفظه واستمسك به ،فإنه فرد وحيد ،وكن له كالم ل يصل إليه
شئ يكرهه ،ثم يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعا " ،وكان عبد المطلب
قد علم أنه يكره اللت والعزى فل يدخله عليهما ،فلما تمت له ست سنين
ماتت امه آمنة بالبواء بين مكة والمدينة ،وكانت قدمت به على أخواله
من بني عدي ،فبقي رسول ال صلى ال عليه وآله يتيما " ل أب له ول
أم ،فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا " ،وكانت هذه حاله حتى أدرك عبد
المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات
الموت وهو يبكي ،ويلتفت إلى أبي طالب ويقول :يا أبا طالب انظر أن
تكون حافظا " لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ،ولم يذق شفقة امه،
انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ،فإني قد تركت بني
كلهم وأوصيتك به لنك من ام أبيه ،يا أبا طالب إن أدركت أيامه تعلم )(4
أني كنت من أبصر الناس به ،وأنظر الناس وأعلم ) ،(5فإن استطعت أن
تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك ،فإنه وال سيسودكم ويملك ما لم
يملك أحد ) (6من بني آبائي ،يا أبا طالب ما أعلم أحدا " من آبائك مات
عنه أبوه على حال ابيه ،ول امه على حال امه ،فاحفظه لوحدته ،هل قبلت
وصيتي ؟ قال :نعم قد قبلت وال علي بذلك
) (1في نسخة من المصدر :فيعظم ذلك على أعمامه خ ل (2) .في المصدر :ما
رأيت قبله من هو أطيب منه ول أطهر قط (3) .في المصدر :ثم التفت) .
(4في المصدر :فاعلم (5) .في المصدر :وأعلم الناس به .وهو يخلو عن
قوله :وأنظر (6) .ما لم يملك كل واحد خ ل.
] [ 144
شاهد ) ،(1فقال عبد المطلب :فمد يدك إلي ،فمد يده فضرب بيده إلى يده ،ثم قال
عبد المطلب :الن خفف علي الموت ،ثم لم يزل يقبله ويقول :أشهد أني لم
اقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا " منك ،ول أحسن وجها " منك ،ويتمنى
أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه ،فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان
سنين ،فضمه أبو طالب إلى نفسه ل يفارقه ساعة من ليل ولنهار ،وكان
ينام معه حتى بلغ ل يأمن ) (2عليه أحدا ) - 75 .(3ك :أحمد بن محمد بن
الحسين ،عن محمد بن يعقوب الصم ،عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي،
عن يونس بن بكير ،عن محمد بن إسحاق بن بشار الهذلي ) ،(4عن
العباس بن عبد ال بن سعيد ،عن بعض أهله قال :كان يوضع لعبد المطلب
جد رسول ال صلى ال عليه وآله فراش في ظل الكعبة ،وكان ل يجلس
عليه أحد من بنيه إجلل " له ،وكان رسول ال صلى ال عليه وآله يأتي
حتى يجلس عليه ،فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبد المطلب :دعوا
ابني ،فيمسح على ظهره ويقول :إن لبني هذا لشأنا " ،فتوفي عبد
المطلب والنبي صلى ال عليه وآله ابن ثمان سنين بعد الفيل بثمان سنين )
- 76 .(5ك :أحمد بن محمد الصائغ ،عن محمد بن أيوب ،عن صالح بن
أسباط ،عن إسماعيل بن محمد ،وعلي بن عبد ال ،عن الربيع بن محمد
السلمي ) ،(6عن سعد بن طريف ،عن الصبغ بن نباته قال :سمعت أمير
المؤمنين عليه السلم يقول :وال ما عبد أبي ول جدي عبد المطلب ول
هاشم ول عبدمناف صنما " قط ،قيل :فما كانوا يعبدون ؟ قال :كانوا
يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلم متمسكين به ).(7
) (1في المصدر :وال على بذلك شهيد (2) .في المصدر :ل يأتمن عليه أحدا(3) .
كمال الدين 102 :و (4) .103في المصدر :المدنى ،الظاهر أن بشار
مصحف يسار ،فالرجل هو محمد بن اسحاق بن يسار أبو بكر المطلبى
مولهم المدنى ،نزيل العراق ،امام المغازى (5) .كمال الدين.103 :
وفيه :بعد عام الفيل (6) .المسكى خ ل وهو الصحيح (7) .كمال الدين:
.104
] [ 145
- 77يج :من معجزات النبي صلى ال عليه وآله أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى
بيت ال الحرام ليهدمه قبل مبعثه ،فقال عبد المطلب لبرهة وقد حضره
بعد أن عظم شأنه لسؤاله بعيره :إن لهذا البيت ربا " يمنعه ،ثم رجع إلى
أهل مكة فدعا عبد المطلب على أبي قبيس وأهل مكة قد صعدوا وتركوا
مكة ،ثم قال لبي طالب ) :(1اخرج وانظر ماذا ترى في السماء ،فرجع
قال :طيورا " لم تكن في وليتنا ،وقد أخبره سيف بن ذي يزن وغيره به،
فأرسل ال عليهم طيرا " أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها ) - 78 .(2قب:
لما قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله،
فقال :تعلمني في مأة بعير ،وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه ؟ فقال
عبد المطلب :أنا رب البل ،وإن للبيت ربا " سيمنعه منك ،فرد إليه إبله،
فانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر ،وأخذ بحلقة الباب قائل " :يا رب ل
أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا *
امنعهم أن يخربوا قراكا وله أيضا " :ل هم إن المرء يمنع رحله فامنع
رحالك * ل يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا " محالك فانجلى نوره على
الكعبة فقال لقومه :انصرفوا ،فوال ما انجلى من جبيني هذا النور إل
ظفرت ،والن قد انجلى عنه ،وسجد الفيل له ،فقال للفيل :يا محمود،
فحرك الفيل رأسه ،فقال له :تدري لم جاءوا بك ؟ فقال الفيل برأسه :ل،
فقال :جاءوا بك لتهدم بيت ربك ،أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال الفيل برأسه :ل )
.(3بيان :المحال بالكسر :الكيد والقوة.
) (1يخالف ما مر من أنه كان عبد ال (2) .لم نجده في الخرائج المطبوع :والظاهر
كما استفدنا من مواضع من بحار النوار أن نسخة الخرائج التى كانت
عند المصنف كانت أكمل من المطبوع ،ولعلها كانت مطابقة للنسخة التى
ذكر الطهراني في الذريعة :أنها تخالف المطبوع وأنها موجودة في مكتبة
سلطان العلماء (3) .مناقب آل أبى طالب 18 :1و .19
] [ 146
- 79قب :عكرمة قال :كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة ،ول يجلس
عليه أحد إجلل " له ،وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج ،فكان رسول
ال صلى ال عليه وآله يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه ،فيقول لهم
عبد المطلب :دعوا ابني ،فوال إن له لشأنا " عظيما " ،إني أرى أنه
سيأتي عليكم وهو سيدكم ،ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله
ويوصيه إلى ابي طالب ) - 80 .(1فض ) :(2قال الواقدي :كان في زمان
عبد المطلب رجل يقال له :سيف بن ذي يزن ،وكان من ملوك اليمن ،وقد
أنفذ ابنه إلى مكة واليا " من قبله ،وتقدم إليه باستعمال العدل والنصاف
ففعل ما أمره به أبوه ،ثم إن عبد المطلب دعا برؤوساء قريش مثل عتبة
ابن ربيعة ،ومثل الوليد بن المغيرة ،وعقبة بن أبي معيط ،وامية بن خلف،
ورؤساء بني هاشم ،فاجتمعوا في دار الندوة ) ،(3فلما قعدوا وأخذوا
مراتبهم فتكلم عبد المطلب وقال :اعلموا أني قد دبرت تدبيرا " ،فقال
المشايخ :وما دبرت يا رئيس قريش وكبير بني هاشم ؟ فقال :يا قوم إنكم
تحتاجون أن تخرجوا معي نحو سيف بن ذي يزن لتهنيته في وليته وهلك
عدوه ليكون أرفق بنا ،وأميل إلينا ،فقالوا له بأجمعهم :نعم ما رأيت ،ونعم
ما دبرت ،قال :فخرج عبد المطلب ومعه سبعة وعشرون رجل " على
نوق جياد نحو اليمن ،فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد أيام سألوا
عن الوصول إليه ،قالوا لهم :إن الملك في القصر الوردي ،وكان من
عاداته ) (4في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان ،ول يخرج إل بعد نيف
وأربعين يوما " ،ول يصل إليه ذوحاجة ول زائر ،وأنتم قصدتم الملك في
أيام الورد ،فذهب عبد المطلب
) (1مناقب آل أبى طالب 24 :1 :و .25وفيه :سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم ،انى
أرى غرته غرة تسود الناس ،ثم (2) .هكذا في نسخة المصنف وسائر
النسخ المطبوعة والمخطوطة ،و )فض( كما عرفت في المجلد الول رمز
لكتاب الروضة ،وكتاب الروضة مقصور على ذكر فضائل على عليه
السلم وبعض الئمة ،وليس فيه الحديث وما يشابهه ،والحديث مذكور
في كتاب الفضائل ،فلعل )فض( مصحف )يل( وقد غفل المصنف فوهم في
ذلك (3) .في الفضائل زيادة هي :وهى الدار الموصلة في مسجد الحرام.
) (4في المصدر :وكان من عادته.
] [ 147
إلى باب بستانه ،وكان لقصر غمدان في وسط البستان أبواب ،وكان لهذا البستان
باب يفتح إلى البرية ،وقد وكل بذلك البستان بوابا " واحدا " ،فقال عبد
المطلب لصحابه :لعلنا يتهيئ لنا الدخول بحيلة ،ول يتهيئ إل هي ،فقال
القوم :صدقت ،قال الواقدي :ثم إن عبد المطلب نزل وأخذ نحو الباب ،فنظر
إلى البواب وسلم عليه ،فقال له :يا بواب دعني أن أدخل هذا البستان ،فقال
البواب :واعجبا " منك ! ما أقل فهمك ،وأضعف رأيك ؟ أمصروع أنت ؟
فقال له عبد المطلب :ما رأيت من جنوني ؟ فقال له البواب :ما علمت أن
سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعدا " ) (1فإن بصر بك
في بستانه أمر بقتلك ،وإن سفك دمك عنده أهون من شربة ماء ،فقال له
عبد المطلب :دعني أدخل ويكون من الملك إلي ما يكون ،فقال له البواب:
يا مغلوب العقل إن الملك في القصر وعيناه للباب والبواب ،إنه قدر ما
يرمق ) (2أن يأمر بقتلك ،فقال عقيل بن أبي وقاص :يا أبا الحارث أما
علمت أن المصابيح ل تضئ إل بالدهن ؟ فقال عبد المطلب :صدقت ،قال
الواقدي :ثم إن عبد المطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار ،وقال :بعد
أن صب الكيس بين يدي البواب يا هذا إن تركتني أدخل البستان جعلت هذا
بري إليك ،فاقبل صلتي ،وخل سبيلي ،فلما نظر البواب إلى الدرهم ) (3خر
مبهوتا " وقال له البواب :يا شيخ إن دخلت ونظر إليك وسألك عن كيفية
دخولك ما أنت قائل ؟ قال عبد المطلب :أقول له :كان البواب نائما "
وشرط عليه عبد المطلب أن ل يكذبه إن دعاه الملك للمسألة فيقول :غفوت
) (4وليس لي بدخوله علم ،قال :نعم ،فقال عبد المطلب :إن كذبتني في هذا
صدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها ،فقال له البواب :ادخل يا شيخ،
فدخل عبد المطلب البستان ،وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان
كأنه جنة من الجنان ،قد حف بالورد والياسمين وأنواع الرياحين
والفواكه ،وفيه أنهار جارية وسطه ،وإذا سيف بن ذي يزن قد اتكأ على
عمود المنظرة من قصره ،فلما نظر إلى عبد المطلب غضب
) (1في الفضائل :قاعد وهو الصحيح (2) .رمقه :أطال النظر إليه .لحظه لحظا
خفيفا .والمراد هنا المعنى الثاني (3) .في الفضائل :إلى الدراهم(4) .
غفى :نعس .نام نومة خفيفة.
] [ 148
وقال لغلمانه :من ذا الذي دخل علي بغير إذني ؟ ايتوني به سريعا " ،فسعى إليه
الغلمان والخدم فاختطفوه من البستان ،فلما دخل عبد المطلب عليه رأى
قصرا " مبنيا " على حجر ،مطلى بطلء الوردي ،منقشا " بنقش
اللزوردي ،وورد على أمثال الورد ،ورأى عن يمين الملك وعن شماله
وبين يديه من الجواري ما ل عدد لهن ،ورأى بقرب الملك عمودا " من
عقيق أحمر ،وله رأس من ياقوت أزرق ،مجوف محشى بالمسك ،ورأى
عن يساره تورا " ) (1من ذهب أحمر ،وعلى فخذه سيف نقمته مكتوب
عليه بماء الذهب .شعر :رب ليث مدجج كان يحمي * ألف قرن منغمد
الغمادي وخميس ملفف بخميس * بدد ) (2الدهر جمعهم في البلد قال
الواقدي :فوقف عبد المطلب بين يديه ولم يتكلم له الملك ول عبد المطلب
حتى كرع الملك في التور الذي بين يديه ،فلما فرغ من شربه نظر إليه
وكان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا ،ولكنه انكره حتى استنطقه،
فقال له الملك :من الرجل ؟ فقال أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف بن
قصي بن كلب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ،حتى بلغ آدم
عليه السلم ،فقال له الملك :أنت ابن اختي ؟ فقال :نعم أيها الملك أنا ابن
اختك ،وذلك أن سيف بن ذي يزن كان من آل قحطان ،وآل قحطان من
الخ ،وآل إسماعيل من الخت ،فعلم سيف بن ذي يزن أن عبد المطلب ابن
اخته ،فقال سيف :أهل " وسهل " وناقة " ورحل " ،ومد الملك يده إلى
عبد المطلب ،وكذلك عبد المطلب إلى نحو الملك ،فأمره الملك بالقعود
وكناه بأبي الحارث ،أنتم معاشر أهل الشار ،رجال الليل والنهار ،وغيوث
الجدب والغلء ،وليوث الحرب بضرب الطل ،ثم قال :يا أبا الحارث فيم
جئت ؟ فقال له عبد المطلب :نحن جيران بيت ال الحرام ،وسدنة البيت )
،(3وقد جئت إليك وأصحابي بالباب لنهنئك بوليتك وما فوضه ال تعالى
من النصر لك وأجراه على يديك من هلك عدوك ،فالحمد ل الذي نصرك،
وأقر عينيك ،وأفلج حجتك ) ،(4وأقر
) (1التور :اناء صغير (2) .بدد :فرق (3) .سدنة :جمع السادن :خادم الكعبة(4) .
أي أظهرها وقدمها.
] [ 149
عيوننا بخذلن عدوك ،فأطال ال تعالى في سوابغ نعمه مدتك ،وهنأك بما منحك،
ووصلها بالكرامة البدية ،فل خيب دعائي فيك أيها الملك ،ففرح سيف
بدعائه واستقر له بالمحبة بما سمع من تهنيته ،ثم أمره أن يصير هو ومن
معه بالباب من أصحابه إلى دار الضيافة إلى أن يؤمر ) (1بإحضارهم بعد
هذا اليوم إلى مجلسه ،فمضى وحجابه وخدمه بين يديه إلى حيث أمرهم،
وخرج عبد المطلب واستوى على جمله وأتبعه أصحابه وبين يديه غلمان
الملك وحوله حتى أنزلوه وأصحابه الدار ،وبالغوا بالتوصية به وبأصحابه،
فأمر الملك أن يجري عليهم في كل يوم ألف درهم بيض ،فبقي عبد المطلب
في دار الضيافة سريرا " ) (2حتى تصرمت أيام الورد ،فلما كان في اليوم
الذي أراد فيه مجلسه للتسليم عليه والنظر في أمره ذكر عبد المطلب في
شطر من ليلته فأمر بإحضاره وحده ،فدخل عليه الرسول فأمره وأعلمه
بمراد الملك منه ،فقام معه إليه ،فإذا الملك في مجلسه وحده ،فقال لخدمه:
تباعدوا عنا ،فلم يبق في المجلس غير الملك وعبد المطلب ،وثالثهم رب
العزة تبارك وتعالى ،فقال له الملك :يا أبا الحارث ،إن من آرائي أن افوض
إليك علما " كنت كتمته عن غيرك ،وأريد أن أضعه عندك ،فإنك موضع
ذلك ،وأريد أن تطويه وتكتمه إلى أن يظهره ال تعالى ،فقال عبد المطلب:
السمع والطاعة للملك ،وكذا الظن بك فقال الملك :اعلم يا أبا الحارث إن
بأرضكم غلما " حسن الوجه والبدن ،جميل القد والقامة ،بين كتفيه شامة
) ،(3المبعوث من تهامة ،أنبت ال تعالى على رأسه شجرة النبوة ،وظللته
الغمامة ،صاحب الشفاعة يوم القيامة ،مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه
سطران :ل إله إل ال ،والثاني محمد رسول ال ،وال تعالى أمات امه
وأباه ،وتكون تربيته على جده وعمه ،وإني وجدت في كتب بني إسرائيل
صفته أبين وأشرح من القمر بين الكواكب ،وإني أراك جده ،فقال عبد
المطلب :أنا جده أيها الملك ،فقال الملك :مرحبا " بك وسهل " يا أبا
الحارث ،ثم قال له الملك :اشهدك على نفسي يا أبا الحارث إني مؤمن به
وبما يأتي
) (1إلى أن يأمر خ ل (2) .السرير .الذى يسر اخوانه ويبرهم ،وفي هامش نسخة
المصنف مكانه :سرا " برا " (3) .الشامة :الخال.
] [ 150
به من عند ربه ،ثم تأوه سيف ثلث مرات بأن يراه فكان ينصره وينظره )،(1
يتعجب منه الطير في الهواء ،ثم قال :يا أبا الحارث عليك بكتمان ما ألقيت
عليك ،ول تظهره إلى أن يظهره ال تعالى ،فقال عبد المطلب :السمع
والطاعة للملك ،ونظر عبد المطلب في لحية سيف بن ذي يزن سوادا "
وبياضا " ،وخرج من عنده وقد وعده في الحباء في غد ليرحلوا إلى أرض
الحرم إن شاء ال تعالى ،فلما رجع إلى أصحابه وجدهم وجلين شاحبين )
(2وقد أكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التى دعاه فيها،
فقالوا له ،ما كان يريد الملك منك ؟ قال عبد المطلب :يسألني عن رسوم
مكة وآثارها ،ولم يخبر عبد المطلب أحدا بما كان بينه وبين الملك ،وغدا
عليهم رسول الملك من غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا وتزينوا ودخلوا
القصر ،وعبد المطلب يقدمهم ،فدخلوا عليه فنظر عبد المطلب فإذا برأسه
ولحيته حالكا " ،فقال له عبد المطلب :إني تركتك أبيض اللحية فما هذا ؟
فقال له الملك :إني أستعمل الخضاب ،فقال أصحاب عبد المطلب :إن رأى
الملك أن يرانا أهل " لذلك الخضاب فليفعل ،قال فأمر الملك أن يؤخذ بهم
إلى الحمام ،وكان القوم بيض الرؤوس واللحاء ،فخضبوا هناك فخرجوا
ولشعورهم بريق كأسود ما يكون من الشعر ،ويقال :إن سيفا " أول من
خضب رأسه ولحيته .قال الواقدي :ثم إن الملك أمر لكل واحد منهم ببدرة
بيض ،فحمل كل واحد منهم على دابة وبغل ،وأمر لكل واحد منهم بجارية
وغلم وبتخت ثياب ) (3فاخرة ،ولعبد المطلب بضعفي ما وهب لهم ،ثم
دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته العضباء ) (4وقال يا أبا
الحارث :إن الذي اسلمه إليك ) (5أمانة في عنقك تحفظها إلى
) (1والظاهر أن بعد ذلك سقط ما يرتبط بين الجملتين (2) .الشاحب :المهزول أو
المتغير اللون (3) .في الفضائل :وغلم وثياب وبتخت ثياب ،قلت.
والتخت :خزانة الثياب (4) .العضباء بالعين المهملة والضاد المعجمة،
قال الجزرى :فيه كان اسم ناقته العضباء ،وهو علم لها منقول من
قولهم :ناقة عضباء أي مشقوقة الذن ،ولم تكن مشقوقة الذن ،وقال
بعضهم كانت مشقوقة الذن ،والول أكثر ،وقال الزمخشري :هو منقول
من قولهم :ناقة عضبا وهى القصيرة اليد (5) .في الفضائل :أسلمته
إليك.
] [ 151
أن تسلمها إلى محمد صلى ال عليه وآله إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له :اعلم أني ما
طلبت على ظهر هذه الفرس شيئا " إل وجدته ،وما قصدني عدو وأنا
راكب عليها إل نجاني ال تعالى منه ،وأما البغلة فإني كنت أقطع بها
الدكداك والجبال لحسن سيرها ،ول أنزل عنها ليلي ونهاري ،فأمره أن
يتحفظ ويجعلها لي تذكرة ،وبلغه عني التحية الكثيرة ،فقال عبد المطلب:
السمع والطاعة لمر الملك ،ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا
مكة ،فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم ،فخرج الناس يستقبلونهم ،وخرج
أولد عبد المطلب وقعد النبي على صخرة وقد ألقى كمه على وجهه لئل
تناله الشمس حتى تقارب عبد المطلب ،فنظر أولده إليه وقالوا :يا أبانا
خرجت إلى اليمن شيخا " ورجعت شابا " ،قال :نعم أيها الفتيان سأخبركم
بما ذكرتم ،ثم قال لهم :أين سيدي محمد ؟ فقالوا :إنه قعد في بعض
الطريق ينتظركم ،ثم إن عبد المطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع
أصحابه ،فنزل عن مركوبه وعانقه وقبل ما بين عينيه ،وقال له :إن هذا
الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك سيف بن ذي يزن ،ويقرء عليك التحية
الطيبة ،ثم أمر أن يحمل رسول ال صلى ال عليه وآله على الفرس ،فلما
استوى النبي صلى ال عليه وآله على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيل
" شديدا " فرحا " برسول ال صلى ال عليه وآله ،ونسب هذا الفرس إنه
عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن
موج بن ميمون بن ريح ،أمر ال تعالى قال :كن ،فكان بأمره .قال
الواقدي :وأخذ ابو طالب بلجام فرسه ،وحف برسول صلى ال عليه وآله
أعمامه ،فقال صلى ال عليه وآله :خلوا عني فإن ربي يحفظني ويكلني )
،(1فخلوا عنه ،فدخل النبي صلى ال عليه وآله إلى مكة على حالته،
فشاع خبره في قريش وبني هاشم ،فتعجب من أمره الخلق ،وبقي النبي
صلى ال عليه وآله فرحا " مسرورا " عند عبد المطلب .قال الواقدي:
ودب النبي صلى ال عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية أشهر
وثمانية أيام فعندها اعتل عبد المطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره
إلى عند البيت الحرام ،وينصب هناك عند أستار الكعبة ،وكان لعبد المطلب
سرير من خيزران أسود ورثه من جده عبد مناف ،وكان السرير له شبكات
من عاج وآبنوس وصندل وعود أحسن ما يكون إحكاما "
] [ 152
وهيئة ،وأمر عبد المطلب أن يزين السرير بألوان الفرش والديباج الرقاق ،وأمر أن
ينصب فوق سريره فسطاط من ديباج أحمر ،ففعل ذلك ،وحمل عبد المطلب
إلى بيت ال الحرام ونام على ذلك السرير المزين ،وقعد حوله أولده،
وكان له من البنين عشرة أنفس ،فمات منهم عبد ال ،وبقى بعده تسعة
أنفس شجعان يعد كل واحد منهم بألف ،وقعدوا حوله وحفوا بعبد المطلب
يبكون ودموعهم تتقاطر كالمطر ،وقعد النبي صلى ال عليه وآله واجتمعت
عند عبد المطلب بطون العرب وكبار قريش مصطفون ) ،(1ما منهم أحد
إل وعيناه تهملن بالدموع ،فعند ذلك ظهر أبو لهب لعنه ال وأخزاه وأخذ
برأس رسول ال صلى ال عليه وآله لينحيه عن عبد المطلب فصاح عبد
المطلب وانتهره ) ،(2وقال له :مه يا عبد العزى أنت من عداوتك ل تنفك
من إظهارك ببغضك لولدي محمد ،اقعد مكانك وأمسك ) (3عنه ،وقام أبو
لهب وقعد عند رجل عبد المطلب خجل " مخذول " ،لن أبا لهب كان من
الفراعنة المبغضين لرسول ال صلى ال عليه وآله ،ثم مال عبد المطلب
إلى جنبه وأقبل بوجهه على أبي طالب لنه ) (4لم يكن في اولد عبد
المطلب أرفق منه برسول ال صلى ال عليه وآله ول أميل منه ،ثم أنشأ
يقول -شعر :(5) -اوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فردي
فارقه وهو ضجيع المهدي * فكنت كالم له في الوجدي قد كنت ألصقه
الحشى والكبدي * حتى إذا خفت فراق الوحدي اوصيك أرجى أهلنا
بالرفدي * يابن الذي غيبته في اللحدي بالكره مني ثم ل بالعمدي * وخيرة
ال يشاء في العبدي ثم قال عبد المطلب :يا أبا طالب إنني القي إليك بعد
وصيتي ،قال أبو طالب :ما هي ؟ قال :يا بني اوصيك بعدي بقرة عيني
محمد صلى ال عليه وآله وأنت تعلم محله مني ،ومقامه لدي ،فأكرمه
بأجل الكرامة ،ويكون عندك ليله ونهاره ومادمت في الدنيا ،ال ثم ال في
حبيبه ،ثم
) (1مصطفين خ ل (2) .انتهره :زجره (3) .في الفضائل :واسكت (4) .في
الفضائل :وأقبل بوجهه على أبى طالب وألقى إليه لنه (5) .في الفضائل:
يقول شعرا،
] [ 153
قال لولده :اكرموا وجللوا محمدا " صلى ال عليه وآله ،وكونوا عند إعزازه
وإكرامه ،فسترون منه أمرا " عظيما " عليا " ،وسترون آخر أمره ما أنا
أصفه لكم عند بلوغه ،فقالوا بأجمعهم :السمع والطاعة يا أبانا نفديه
بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية ،قال أبو طالب :قد أوصيتنا بمن هو أفضل
مني ومن إخواني ،قال :نعم - ،ولم يكن في أعمام النبي صلى ال عليه
وآله أرفق من أبي طالب قديما " وحديثا " في أمر محمد صلى ال عليه
وآله ،-ثم قال :إن نفسي ومالى دونه فداء ) (1انازع معاديه :وأنصر
مواليه ،فل يهمنك أمره .قال الواقدي :ثم إن عبد المطلب غمض عينيه
وفتحهما ونظر قريشا " وقال :يا قوم أليس حقي عليكم واجبا " ؟ فقالوا
بأجمعهم :نعم حقك على الكبير والصغير واجب ،فنعم القائد ونعم السائق
فينا كنت ،فجزاك ال تعالى عنا خيرا " ،ويهون عليك سكرات الموت،
وغفر لك ما سلف من ذنوبك ،فقال عبد المطلب :اوصيكم بولدي محمد بن
عبد ال صلى ال عليه وآله فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ول تجفوه،
ول تستقبلوه بما يكره ،فقالوا بأجمعهم :قد سمعنا منك وأطعناك فيه ،ثم
قال لهم عبد المطلب :إن الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة أبو
عبدالشمس بن أبي العاص بن نقية ) (2بن عبد شمس بن عبدمناف،
فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا :قبلنا أمرك ،فنعم ما رأيته رأيا " ،ونعم ما
خلفته فينا بعدك ،وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن
المغيرة ،فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت أظافير يديه ورجليه،
ووقع على وجنتيه غبار الموت ،يكثر التقلب من جنب إلى جنب ،ومرة
يقبض رجل " ويبسط اخرى ،والخلئق من قريش وبني هاشم حاضرون،
وقد صارت مكة في ضجة واحدة ،وأراد النبي صلى ال عليه وآله أن يقوم
من عنده ففتح عبد المطلب عينيه وقال :يا محمد تريد أن تقوم ؟ قال :نعم،
فقال عبد المطلب :يا ولدي فإني وحق رب السماء لفي راحة مادمت
عندي ،قال :فقعد النبي صلى ال عليه وآله فما كان إل عن قليل حتى قضى
نحبه ).(3
) (1في الفضائل :فداه (2) .هكذا في النسخ ،واستظهر المصنف في الهامش أن
الصحيح امية (3) .قضى فلن نحبه أي مات كان الموت نذر في عنقه.
] [ 154
قال الواقدي :ثم قاموا في تغسيله فغسلوه وكفنوه وحنطوه ،وجعلوه في أعواد
المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا ،وما بقي في مكة شيخ ول شاب ول حر ول
عبد من الرجال و النساء إل وقد ذهبوا إلى جنازته وعظموها ودفنوه،
فرجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة ،فقالت عاتكة بنت عبد
المطلب ترثي أباها وتقول :أل يا عين ويحك فاسعديني * بدمع واكف )(1
هطل غزير على رجل أجل الناس أصل * وفرعا " في المعالي والظهور
طويل الباع أروع شيظميا * أغر كغرة القمر المنير ) (2وقالت صفية ترثي
أباها :أعيني جودا بالدموع السواكب * على خير شخص من لوي بن
غالب ) (3أعيني جودا عبرة بعد عبرة * على السد الضرغام محض
الضرائب ) (4وقالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه :أعيني جودا
بالدموع الهواطل * على النحر مني ) (5مثل فيض الجداول ول تسأما أن
تبكيا كل ليلة * ويوم على مولى كريم الشمائل أبا الحارث الفياض ذو الباع
والندى * رئيس قريش كلها في القبائل فأسقى مليك الناس موضع قبره *
بنوء الثريا ) (6ديمة بعد وابل
) (1وكف الدمع :سال قليل قليل .قوله :هطل من هطل المطر :نزل متتابعا متفرقا
عظيم القطر (2) .في الفضائل هنا زيادة هي :فقد فارقت ذا كرم وخير *
وبكى هاشم وبنى أبيه ثمار الناس في السنة الترور * وغيث للعرى في
كل أرض إذا ظن الغنى على الفقير ) (3في الفضائل هنا زيادة هي هذه:
اعينى ل تسحرا من بكاكما * على ماجد العراف عف المكاسب ) (4في
الفضائل بعده أبيات هي :أبا الحارث الفياض ذى الحلم والبها * وذى
الباع والباعون زين المناسب وذو الماجد الغر الرفيع وذو الندى * وذو
العون عند المعضلت النوائب فان تبكياه تبكيا ذا مهابة * كريم المساعى
حمله غير عازب ) (5في الفضائل :على البحر منى (6) .قال الجزرى:
فيه ثلث من أمر الجاهلية :الطعن في النساب ،والنياحة ،والنواء < -
] [ 155
وقالت أروى بنت عبد المطلب ترثي أباها :أل يا عين ويحك فاسعديني * بويل
واكف من بعد ويل بدمع من دموعك ذو غروب * فقد فارقت ذا كرم ونبل
طويل الباع أروع ذي المعالي * أبوك الخير وارث كل فضل وقالت آمنة
بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه :بكت عيني وحق لها البكاء * على
سمح السجية والحياء ) (1على سمح الخليقة أبطحي * كريم الخيم ينميه
العلء أقب الكشح أروع ذي اصول * له المجد المقدم والثناء ) (2وكان
هو الفتى كرما " وجودا " * وبأسا " حين يشتبك القناء ) (3بيان :قال
الجزري :فيه ذكر غمدان ،هو بضم الغين وسكون الميم :البناء العظيم
بناحية صنعاء اليمن ،قيل :هو من بناء سليمان عليه السلم انتهى.
والمدجج :الذي دخل في سلحه .والغماد جمع الغمد بالكسر وهو جفن
السيف ،وغمده يغمده :جعله في الغمد .وكرع الماء :تناوله بفيه من غير
أن يشرب بكفه ول بإناء كما تشرب البهائم .والشارة والشيار :الحسن
والجمال والهيئة واللباس والزينة .والطل بالضم :العناق.
> -قد تكرر ذكر النوء والنواء في الحديث ،ومنه الحديث :مطرنا بنوء كذا،
وحديث عمر :كم بقى من نوء الثريا ،والنواء هي ثمان وعشرون منزلة
ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها ،ومنه قوله تعالى) :والقمر قدرناه
منازل( ويسقط في الغرب كل ثلث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر ،و
تطلع اخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق ،فتقضى جميعها مع انقضاء
السنة ،وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون
مطر ،وينسبونه إليها ويقولون :مطرنا بنوء كذا ،وانما غلظ النبي صلى
ال عليه وآله في أمر النواء لن العرب كانت تنسب المطر إليها فأما من
جعل المطر من فعل ال أراد بقوله ،مطرنا بنوء كذا أي في وقت كذا(1) .
نسب ابن هشام في السيرة البيات إلى أروى ،وفيه :على سمح سجيته
الحياء .وفيه :على سهل الخليقة ابطحى * كريم الخيم نيته العلء ) (2في
السيرة ،السناء (3) .فضائل شاذان بن جبرئيل .64 - 52 :قلت :ذكر
المسعودي في مروج الذهب 83 :2وفود عبد المطلب على معدى كرب
بن سيف بن ذى يزن وذكر فيه نحو الحديث.
] [ 156
ويقال :رجل بر سر أي يبر ويسر .والحالك :السود الشديد السواد .والدكداك من
الرمل :ما التبد منه بالرض ولم يرتفع .والشيظم :الطويل الجسم.
والغروب :مجاري الدمع .والخيم بالكسر :السجية والطبيعة ل واحد له من
لفظه - 81 .د :لما ماتت آمنة ضم عبد المطلب رسول ال صلى ال عليه
واله إلى نفسه وكان يرق عليه ويحبه ويقربه إليه ويدنيه ،وخرج رسول
ال صلى ال عليه واله يوما " يلعب مع الغلمان حتى بلغ الردم ) (1فرآه
قوم من بني مدلج ) (2فدعوه فنظروا إلى قدميه وإلى أثره ،ثم خرجوا في
أثره فصادفوا عبد المطلب قد اعتنقه ،فقالوا له :ما هذا منك ؟ قال :ابني،
قالوا :احتفظ به فإنا لم نر قدما " أشبه بالقدم التي في المقام منه ،فقال
عبد المطلب لبي طالب :اسمع ما يقول هذا ،فكان أبو طالب يحتفظ به ).(3
- 82روى كميل بن سعيد ،عن أبيه قال :حججت في الجاهلية فإذا أنا
برجل يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول :يا رب رد راكبي محمدا " * رد
إلي واصطنع عندي يدا " قال :فقلت :من هذا ؟ قيل :هو عبد المطلب بن
هاشم ،ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها ،ولم يرسله في حاجة قط إل
جاء بها ،وقد احتبس عليه ،قال :فما برحت أن جاء النبي صلى ال عليه
وآله وجاء بالبل ،فقال له :يا بني قد حزنت عليك حزنا " ل يفارقني أبدا
" .وتوفي عبد المطلب والنبي صلى ال عليه وآله له ثمان سنين وشهران
وعشرة أيام ،وكان خلف جنازته يبكي حتى دفن بالحجون ) ،(4فكفله أبو
طالب عمه وكان أخا عبد ال لبيه وامه ).(5
) (1الردم :السد ،وقيل :الحاجز الحصين أكبر من السد :ومنه الردم بمكة ،وهو
حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ويعبر عنه الن بالمدعى قاله
الطريحي في المجمع ،وقال ياقوت :ردم بنى جمح بمكة (2) .أي من بنى
مدلج بن مرة بن عبدمناف بن كنانة بن خزيمة ،كان منهم من اختص
بعلم القيافة ،وهو اصابة الفراسة في معرفة الشياء في الولد والقرابات
ومعرفة الثار (3) .العدد :مخطوط (4) .الحجون :جبل بأعلى مكة فيه
مدافن أهلها (5) .العدد :مخطوط.
] [ 157
- 83كنز الكراجكى :روي أنه قيل لكثم بن صيفي وكان حكيم العرب وكان من
المعمرين :إنك لعلم أهل زمانك وأحكمهم وأعقلهم وأحلمهم ،فقال :وكيف
ل أكون كذلك وقد جالست أبا طالب بن عبد المطلب دهره ،وعبد المطلب
دهره ،وهاشما " دهره ،وعبد مناف دهره ،وقصيا " دهره ؟ وكل هؤلء
سادات أبناء سادات فتخلقت بأخلقهم وتعلمت من حلمهم ،واقتبست )(1
سوددهم ،واتبعت آثارهم ) - 84 .(2كا :محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى،
عن ابن أبي عمير ،عن جميل ،عن زرارة ،عن أبي عبد ال صلى ال عليه
وآله قال :يحشر عبد المطلب يوم القيامة امة وحده ) (3عليه سيماء
النبياء وهيبة الملوك ) .(4بيان :قوله عليه السلم :امة وحده ،أي إذا
حشر الناس فوجا " فوجا " هو يحشر وحده ،لنه كان في زمانه متفردا
" بدين الحق من بين قومه .قال في النهاية :في حديث قس إنه يبعث يوم
القيامة امة واحدة ،المة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى) :إن إبراهيم
كان امة( - 85 .كا :علي ،عن أبيه ،عن الصم ،عن الهيثم بن واقد ،عن
مقرن ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن عبد المطلب أول من قال:
بالبداء يبعث يوم القيامة امة وحده ) ،(5عليه بهاء الملوك ،وسيماء
النبياء ) - 86 .(6كا :بعض أصحابنا ،عن ابن جمهور ،عن أبيه ،عن ابن
محبوب ،عن ابن رئاب ،عن عبد الرحمن بن الحجاج ،عن محمد بن سنان
) ،(7عن المفضل بن عمر ،جميعا " عن أبي
) (1في المصدر :واقتنيت من سوددهم (2) .كنز الكراجكى 84 :و (3) .85امة
واحدة خ ل (4) .اصول الكافي 446 :1و (5) .447واحدة خ ل(6) .
اصول الكافي (7) .447 :1واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح:
ومحمد بن سنان قلت :في المصدر .أيضا و عن محمد بن سنان.
] [ 158
عبد ال عليه السلم قال ،يبعث عبد المطلب امة وحده عليه بهاء الملوك ،وسيماء
النبياء ،و ذلك أنه أول من قال بالبداء ،قال :وكان عبد المطلب أرسل
رسول ال صلى ال عليه واله إلى رعاته في إبل ) (1قد ندت له )،(2
فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول :يا رب أتهلك آلك
إن تفعل فأمر ما بدالك ،فجاء رسول ال صلى ال عليه واله بالبل وقد
وجه عبد المطلب في كل طريق ،وفي كل شعب في طلبه ،وجعل يصيح :يا
رب أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدالك ،ولما رأى رسول ال صلى ال عليه
واله أخذه فقبله ،فقال :يا بني ل وجهتك بعد هذا في شئ ،فإني أخاف أن
تغتال فتقتل .(3) .توضيح :قوله عليه السلم :وذلك أنه تعليل لقوله :عليه
سيماء النبياء .وند البعير :نفر وذهب على وجهه شاردا " .قوله :أتهلك
آلك ،أي أتهلك من جعلته أهلك ،ووعدت أنه سيصير نبيا " ،ثم تفطن
بإمكان البداء فقال :إن تفعل فأمر آخر بدالك فيه ،فظهر أنه كان قائل "
بالبداء ،ويمكن أن يقرأ بصيغة المر ،أي فأمر ما بدالك في وأهلكني فإني
ل احب الحياة بعده ،والول أظهر .والغتيال :هو أن يخدع ويقتل في
موضع ل يراه أحد - 87 .كا :العدة ،عن ابن عيسى ،عن ابن أبي عمير،
عن محمد بن حمران ،عن ابن تغلب قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :لما
أن وجه صاحب الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم البيت مروا بإبل لعبد
المطلب فساقوها ،فبلغ ذلك عبد المطلب فأتى صاحب الحبشة فدخل الذن
فقال :هذا عبد المطلب بن هاشم ،قال :وما يشآء ؟ قال الترجمان :جاء في
إبل له ساقوها يسألك ردها ،فقال ملك الحبشة لصحابه :هذا رئيس قوم
وزعيمهم ،جئت إلى بيته الذي يعبده لهدمه وهو يسألني إطلق إبله ،أما
لو سألني المساك عن هدمه لفعلت ) ،(4ردوا عليه إبله ،فقال عبد المطلب
لترجمانه :ما قال الملك ؟ فأخبره ،فقال
) (1في المصدر :إلى رعاية في إبل (2) .وقد ندت له خ ل (3) .اصول الكافي :1
(4) .447ذكرنا قبل ذلك أن هذا ل يخلو عن غرابة(*) .
] [ 159
عبد المطلب :أنا رب البل ،ولهذا البيت رب يمنعه ،فردت عليه إبله ،وانصرف عبد
المطلب نحو منزله فمر بالفيل في منصرفه فقال للفيل :يا محمود ،فحرك
الفيل رأسه ،فقال له :أتدري لم جاءوا بك ؟ فقال الفيل برأسه :ل ،فقال عبد
المطلب :جاءوا بك لتهدم بيت ربك ،أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال برأسه :ل،
فانصرف عبد المطلب إلى منزله ،فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى
وامتنع عليهم ،فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك :اعل الجبل فانظر
ترى شيئا " ،فقال :أرى سوادا " من قبل البحر ،فقال له :يصيبه بصرك
أجمع ؟ فقال له :ل ،ولوشك أن يصيب ،فلما أن قرب قال :هو طير كثير
ول أعرفه يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون
حصاة الخذف ،فقال عبد المطلب ورب عبد المطلب ما يريد إل القوم ،حتى
لما صاروا فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كل حصاة على هامة
رجل فخرجت من دبره فقتلته ،فما انفلت منهم إل رجل واحد يخبر الناس،
فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته ) - 88 .(1كا :علي ،عن أبيه،
عن ابن أبي نصر ،عن رفاعة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان عبد
المطلب يفرش له بفناء الكعبة ل يفرش لحد غيره ،وكان له ولد يقومون
على رأسه فيمنعون من دنا منه ،فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله وهو
طفل يدرج ) (2حتى جلس على فخذيه ،فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه،
فقال له عبد المطلب :دع ابني فإن الملك قد أتاه ) - 89 .(3كا :محمد بن
يحيى ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن أبي
مريم ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :سألته عن قول ال عزوجل:
)وأرسل عليهم طيرا " أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل( قال :كان طير
ساف ) (4جاءهم من قبل البحر رؤوسها كأمثال رؤوس السباع ،وأظفارها
كأظفار السباع من الطير ،مع كل طائر ثلثة أحجار :في رجليه حجران،
وفي منقاره حجر ،فجعلت ترميهم بها حتى جدرت )(5
) (1الصول 447 :1و (2) .448درج الصبى :مشى قليل (3) .الصول .448 :1
) (4سف الطائر :مر على وجه الرض (5) .أجدرت خ ل.
] [ 160
أجسادهم فقتلهم ) (1بها ،وما كان قبل ذلك رؤي شئ من الجدري ،ول رءوا ذلك
من الطير قبل ذلك اليوم ول بعده ،قال :ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتى
إذا بلغوا حضرموت وهو واد دون اليمن ،أرسل ال عليهم سيل " فغرقهم
أجمعين ،قال :وما رؤي في ذلك الوادي ماء ) (2قبل ذلك اليوم بخمسة
عشر سنة ،قال :فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه ) - 90 .(3ختص:
محمد بن علي ،عن محمد بن الحسن ،عن عبد الرحمن بن أخي الصمعي
) ،(4عن بعض أصحابنا ،عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي الحسن )(5
مولى المنصور قال :أخرج إلي بعض ولد سليمان بن علي كتابا " بخط
عبد المطلب وإذا شبيه بخط الصبيان ) :(6بسمك اللهم ،ذكر حق عبد
المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلن بن فلن الحميري من أهل زول )
(7صنعاء عليه ألف درهم فضة طيبة كيل " بالجديد ،ومتى دعاه بها
أجابه ،شهد ال والملكان ) - 91 .(8ما :محمد بن أحمد بن شاذان ،عن
إبراهيم بن محمد المذاري ،عن محمد بن جعفر ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس ،عن ابن مسكان ،عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال :سألته
عن القائم في طريق الغري ) ،(9فقال :نعم إنه لما جازوا بسرير أمير
المؤمنين علي عليه السلم انحنى أسفا " وحزنا " على أمير المؤمنين
عليه السلم ،وكذلك سرير أبرهة لما دخل عليه عبد المطلب انحنى ومال )
.(10
) (1فقتلتهم خ ل (2) .ماء قط خ ل (3) .الروضة (4) .84 :في المصدر :عن عمه
الصمعي (5) .في المصدر :أبى الحسن جمهور (6) .في بعض نسخ
المصدر .بخط النساء (7) .قال ياقوت :الزول :اسم مكان باليمن وجد
بخط عبداالمطلب بن هاشم (8) .الختصاص (9) .123 :في المصدر:
عن القائم المائل في طريق الغرى (10) .المالى 68 :و .69
] [ 161
- 92د :كان لهاشم خمسة بنين :عبد المطلب وأسد ،ونضلة ،وصيفي ،وأبو صيفي
) ،(1وسمي هاشما " لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة ) ،(2وكنيته
أبو نضلة ،واسمه عمرو العلى قال ابن الزبعري :كانت قريش بيضة
فتقلقت ) * (3فالمخ خالصها لعبد مناف الرايشون وليس يوجد رايش *
والقائلون :هلم للضياف والخالطون فقيرهم بغنيهم * حتى يكون فقيرهم
كالكافي عمرو العلى هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف ولد
هاشم وعبد شمس توأمان في بطن ،فقيل :إنه اخرج أحدهما وإصبعه
ملتصقة بجبهة الخر ،فلما ازيلت من موضعها أدميت ،فقيل :يكون بينهما
دم ،وكان عبد مناف وصى إلى هاشم ودفع إليه مفتاح البيت وسقاية الحاج
وقوس إسماعيل ،ومات هاشم بغزة من آخر عمل الشام ،ومات عبد
المطلب بالطائف ،وأسد من ولد هاشم انقرض عقبه إل من ابنته فاطمة ام
أمير المؤمنين عليه السلم ،وأبو صيفي انقرض عقبه إل من ابنته رفيقة
وهي ام مخزومة بن نوفل ،وصيفي ل عقب له ،ونضلة ل عقب له ،والبقية
من سائر ولد هاشم من عبد المطلب ،وعبد مناف ،اسمه المغيرة بن قصي،
واسمه زيد ،قصا عن دار قومه لنه حمل من مكة في صغره إلى بلد
أزدشنوءة وسمي قصيا " ،ويلقب بالمجمع ،لنه جمع قبايل قريش بن
كلب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر،
وسمي قريشا " ،ابن خزيمة بن مدركة لنهم أدركوا الشرف في أيامه،
ابن إلياس ،لنه جاء
) (1في السيرة الهشامية :فولد هاشم أربعة نفر وخمس نسوة :عبد المطلب،
وأسد ،وابا صيفي ونضلة ،والشفاء ،وخالدة ،وضعيفة ،ورقية ،وحية،
فام عبد المطلب ورقية :سلمى بنت عمرو ابن زيد بن لبيد اه وام أسد:
قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى ،وام أبى صيفي وحية :هند بنت عمرو
بن ثعلبة الخزرجية ،وأم نضلة والشفاء :امراة من قضاعة ،وام خالدة
وضعيفة :واقدة بنت أبى عدى المازنية .قلت :وذكره اليعقوبي في تاريخه
202 :1مع اختلف راجعه (2) .المسغبة :المجاعة (3) .فتفلقت خ ل.
] [ 162
على أياس وانقطاع ،ابن مضر لخذه بالقلوب ،ولم يكن يراه أحد إل أحبه ،ابن نزار
واسمه عمرو بن معد بن عدنان .بيان :راش :جمع المال والثاث،
والصديق :أطعمه وسقاه وكساه وأصلح حاله - 93 .أقول :قال صاحب
المنتقى وغيره :وروي عن ابن عباس وغير واحد قالوا :كان رسول ال
صلى ال عليه واله مع امه آمنة بنت وهب ،فلما بلغ ست سنين خرجت به
إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ،ومعه ام أيمن
تحضنه ،وهم على بعيرين ،فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم
شهرا " ،وكان قوم من اليهود يختلفون وينظرون ) ،(1قالت ام أيمن:
فسمعت أحدهم يقول :هو نبي هذه المة ،وهذه دار هجرته ،ثم رجعت به
امه إلى مكة ،فلما كانوا بالبواء توفيت امه آمنة ،فقبرها هناك ،فرجعت به
ام أيمن إلى مكة ،ثم لما مر رسول ال صلى ال عليه واله في عمرة
الحديبية بالبواء قال :إن ال قد أذن لي في زيارة قبر امي ،فأتاه رسول
ال صلى ال عليه واله فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول
ال صلى ال عليه واله ،فقيل له فقال :أدركتني رحمة رحمتها فبكيت.
وروي عن بريدة قال :لما فتح رسول ال صلى ال عليه واله مكة أتى قبرا
" فجلس إليه وجلس الناس حوله ،فجعل يتكلم كهيئة المخاطب ،ثم قام
وهو يبكي فاستقبله عمر فقال :يا رسول ال ما الذي أبكاك ؟ قال :هذا قبر
امي سألت ربي الزيارة فأذن لي .ثم قال في المنتقى :وجه الجمع أنه يجوز
أنها توفيت بالبواء ثم حملت إلى مكة فدفنت بها ،وأما عبد المطلب عليه
السلم فمات وللنبي صلى ال عليه وآله ثمان سنين وهو ابن ثنتين
وثمانين سنة ،ويقال :ابن مأة وعشرين سنة ،وسئل رسول ال صلى ال
عليه واله أتذكر موت عبد المطلب ؟ فقال :نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين،
قالت ام أيمن :رأيت رسول ال صلى ال عليه واله يبكي خلف سرير عبد
المطلب .وفي رواية :توفي عبد المطلب وللنبي ثمانية وعشرون شهرا "،
والولى أصح .وتوفي عبد المطلب في ملك هرمز بن أنوشيروان ).(2
) (1وينظرون إليه خ ل (2) .المنتقى في مولود المصطفى :الفصل الثالث فيما كان
سنة ست من مولده صلى ال عليه و آله وسلم ،والباب السادس فيما كان
من سنة ثمان إلى سنة احدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله
وسلم.
] [ 163
- 94د :كان لعبد المطلب عشرة أسماء :عمر ،وشيبة الحمد ،وسيد البطحاء،
وساقي الحجيج ،وساقي الغيث ،وغيث الورى في العام الجدب ،وأبو
السادة العشرة ،وحافر زمزم ،وعبد المطلب ) ،(1وله عشرة بنين:
الحارث ،والزبير ،وحجل وهو الغيداق ،وضرار وهو نوفل ،والمقوم ،وأبو
لهب وهو عبد العزى ،وعبد ال ،وأبو طالب ،وحمزة ،والعباس ،وكانوا
من امهات شتى إل عبد ال وأبو طالب والزبير ،فإن امهم فاطمة بنت
عمرو بن عايذ ،وأعقب من البنين خمسة :عبد ال أعقب محمدا " صلى
ال عليه وآله سيد البشر ،وأبو طالب أعقب جعفرا " وعقيل " وعليا "
عليه السلم سيد الوصيين ،والعباس أعقب عبد ال وقثم والفضل
وعبيدال ،والحارث أعقب عتبة ومعتبة وعتيقا " ،وكان لعبد المطلب ست
بنات :عاتكة ،واميمة ،والبيضاء وهي ام حكيم ،وبرة ،وصفية وهي ام
الزبير ،وأروى ،ويقال :وريدة ،وأسلم من أعمام النبي صلى ال عليه وآله
أبو طالب وحمزة والعباس ،ومن عماته صفية وأروى وعاتكة ،وآخر من
مات من أعمامه العباس ،ومن عماته صفية - 95 .كا :علي بن إبراهيم
وغيره رفعوه قال :كان في الكعبة غزالن من ذهب وخمسة أسياف ،فلما
غلبت خزاعة جرهم على الحرم ألقت جرهم السياف والغزالين في بئر
زمزم ،وألقو فيها الحجارة وطموها ) (2وعموا أثرها ،فلما غلبت قصي
على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها ،فلما غلب عبد
المطلب وكان يفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لحد هناك غيره،
فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه أتاه آت فقال له :احفر برة،
قال :وما برة ؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال :احفر طيبة ،ثم أتاه في اليوم
الثالث فقال :احفر المضنونة ) ،(3قال :ثم أتاه في الرابع فقال :احفر زمزم
ل تنزخ ) (4ول تذم لسقي ) (5الحجيج العظم ،عند الغراب العصم ،عند
قرية النمل ،وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب
العصم في كل يوم يلتقط
) (1سقط العاشر واحتملنا سابقا إنه إبراهيم الثاني (2) .طم البئر :سواها ودفنها) .
(3في المصدر :قال :وما المضنونة ؟ (4) .في المصدر :ل تبرح ،وفي
نسخة مخطوطة عندي :ل تنزح (5) .في المصدر :تسقى.
] [ 164
النمل ،فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم ،فقال لقريش :إني عبرت )(1
في أربع ليال في حفر زمزم فهي مآثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها ،فلم
يجيبوه إلى ذلك ،فأقبل يحفرها هو بنفسه ،وكان له ابن واحد وهو
الحارث ،وكان يعينه على الحفر ،فلما صعب ذلك عليه تقدم إلى باب الكعبة
ثم رفع يديه ودعا ال عزوجل ،ونذر له إن رزقه عشر بنين أن ينحر
أحبهم إليه تقربا " إلى ال عزوجل ،فلما حفر وبلغ الطوي طوي إسماعيل
وعلم أنه قد وقع على الماء كبر وكبرت قريش فقالوا :يا أبا الحارث هذه
مآثرتنا ولنا فيها نصيب ،قال لهم :لم تعينوني على حفرها هي لي ولولدي
إلى آخر البد ) .(2تبيين :عمى عليه المر :التبس ،قال الجزري :في
حديث زمزم أتاه آت فقال :احفر برة سماه برة لكثرة منافعها وسعة مائها،
وقال الفيروز آبادي :طيبة بالكسر :اسم زمزم ،وقال الجزري :فيه احفر
المضنونة ،أي التي يضن بها لنفاستها وعزتها ،وقال :فيه أرى عبد
المطلب في منامه احفر زمزم ل تنزف ول تذم ،أي ل يفنى ماءها على
كثرة الستسقاء ،ول تذم ،أي ل تعاب ،أول تلفى مذموما " من أذممته :إذا
وجدته مذموما " ،وقيل :ل يوجد ماءها قليل " من قولهم :بئر ذمة :إذا
كانت قليلة الماء :وقال :الغراب العصم :البيض الجناحين ،وقيل:
البيض الرجلين انتهى .والماثرة بفتح الثاء وضمها :المكرمة ،والطوي
على فعيل :البئر المطوية بالحجارة - 96 .كا :عدة من أصحابنا ،عن أحمد
بن محمد ،عن القاسم بن يحيى ،عن جده الحسن بن راشد قال :سمعت أبا
إبراهيم عليه السلم يقول :لما احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها
خرجت عليه من أحد جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته فأبى أن ينثني )(3
وخرج ابنه الحارث عنه ،ثم حفر حتى أمعن ) (4فوجد في قعرها عينا "
تخرج عليه برائحة المسك ،ثم احتفر
) (1قد عبرت خ ل وفي المصدر :إنى امرت (2) .فروع الكافي 225 :1و ) .226
(3أي فأبى أن ينصرف (4) .أمعن في الطلب :أبعد وبالغ في الستقصاء.
] [ 165
فلم يحفر إل ذراعا " حتى تجله النوم فرأى رجل " طويل الباع ) ،(1حسن
الشعر ،جميل الوجه ،جيد الثوب ،طيب الرائحة يقول ) :(2احفر تغنم ،وجد
تسلم ،ول تذخرها للمقسم ،السياف لغيرك ،والتبر ) (3لك ،أنت أعظم
العرب قدرا " ،ومنك يخرج نبيها ووليها والسباط ،والنجباء الحكماء
العلماء البصراء ،والسيوف لهم ،وليسوا اليوم منك ول لك ،ولكن في
القرن الثاني منك ،بهم ينير ال الرض ،ويخرج الشياطين من أقطارها،
ويذلها في عزها ،ويهلكها بعد قوتها ،ويذل الوثان ويقتل عبادها حيث
كانوا ،ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن ،وقد
كان القادر على الوثان ،ل يعصيه حرفا " ،ول يكتمه شيئا " ،ويشاوره
في كل أمر حجم عليه ) ،(4واستعيا عنها عبد المطلب فوجد ثلثة عشر
سيفا " مسندة إلى جنبه فأخذها ،وأراد أن يبث ) (5فقال :وكيف ولم أبلغ
الماء ،ثم حفر فلم يحفر شبرا " ) (6حتى بداله قرن الغزال ورأسه
فاستخرجه وفيه طبع :ل إله إل ال ،محمد رسول ال ،علي ولي ال ،فلن
خليفة ال ،فسألته فقلت :فلن متى كان ؟ قبله أو بعده ؟ قال :لم يجئ بعد،
ول جاء شئ من أشراطه ) ،(7فخرج عبد المطلب وقد استخرج الماء
وأدرك وهو يصعد ،فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بدارا " إلى فوق،
فضربه فقطع أكثر ذنبه ،ثم طلبه ففاته ،وفلن قاتله إن شاء ال ،ومن رأي
عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر ،ويضرب السيوف صفايح
للبيت ) ،(8فأتاه ال بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبه فرأى ذلك الرجل
بعينه وهو يقول :يا شيبة الحمد احمد ربك ،فإنه سيجعلك
) (1الباع :قدر مد اليدين ،يقال :طويل الباع ورحب الباع ،أي كريم مقتدر (2) .في
المصدر :وهو يقول (3) .البئر لك خ ل (4) .هجم عليه :انتهى إليه بغتة
على غفلة منه (5) .أن يثب خ ل ،وهو الموجود في المصدر (6) .في
المصدر :إل شبرا (7) .الشراط :العلمات (8) .مفاتيح للبيت خ ل وفي
المصدر :صفايح البيت.
] [ 166
لسان الرض ،ويتبعك قريش خوفا " ورهبة " وطمعا " ،ضع السيوف في
مواضعها ،فاستيقظ ) (1عبد المطلب فأجابه :إنه يأتيني في النوم فإن يكن
من ربي فهو أحب إلي ،وإن يكن من شيطان فأظنه مقطوع الذنب ) ،(2فلم
ير شيئا " ولم يسمع كلما " ،فلما أن كان الليل أتاه في منامه بعدة من
رجال وصبيان فقالوا له :نحن أتباع ولدك ،ونحن من سكان السماء
السادسة ،السيوف ليست لك ،تزوج في مخزوم تقوي ) ،(3واضرب بعد
في بطون العرب فإن لم يكن معك مال فلك حسب ،فادفع هذه الثلثة عشرة
) (4سيفا " إلى ولد المخزومية ول بيان لك ) (5أكثر من هذا ،وسيف لك
منها واحد يقع من يدك ) (6فل تجد له أثرا " إل أن يستجنه ) (7جبل كذا
وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد صلى ال عليه وعليهم ،فانتبه عبد
المطلب وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد
منها سيفا " كان أرقها عنده ،فيظهر من ثم ،ثم دخل معتمرا " وطاف بها
على رقبته والغزالين ) (8إحدى عشر ) (9طوافا " وقريش تنظر إليه
وهو يقول :اللهم صدق وعدك ،فأثبت لي قولي ،و انشر ذكري ،وشد
عضدي ،وكان هذا ترداد ) (10كلمه ،وما طاف حول البيت بعد رؤياه في
البيت ) (11ببيت شعر حتى مات ،ولكن قد ارتجز على بنيه يوم أراد نحر
عبد ال ،فدفع السياف جميعها إلى بني المخزومية :إلى الزبير ،وإلى أبي
طالب ،وإلى عبد ال،
) (1واستيقظ خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .مقطع الذنب خ ل (3) .في
المصدر :تقو (4) .في المصدر :عشر (5) .ول يبان لك خ ل وهو
الموجود في المصدر (6) .في المصدر :ولك منها واحد سيقع من يدك) .
(7يسجنه خ ل وهو الموجود في المصدر (8) .أي طاف بالسيوف حال
كونها على رقبته مع الغزالين (9) .احدى وعشرين خ ل وهو الموجود
في المصدر (10) .الترداد :التكرار (11) .في البئر خ ل.
] [ 167
فصار لبي طالب من ذلك أربعة أسياف :سيف لبي طالب ،وسيف لعلي ،وسيف
لجعفر ،وسيف لطالب ،وكان للزبير سيفان ،وكان لعبد ال سيفان ،ثم
عادت فصار لعلي الربعة الباقية :اثنين من فاطمة ،واثنين من أولدها )
،(1فطاح ) (2سيف جعفر يوم أصيب فلم يدر في يد من وقع حتى
الساعة ،ونحن نقول :ل يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إل رجل يعين
به معنا إل صار فحما " ،قال :وإن منها لواحدا " في ناحية يخرج كما
تخرج الحية فيبين منه ذراع وما يشبهه فتبرق له الرض مرارا " ،ثم
يغيب ،فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دأبه حتى يجئ صاحبه ولو شئت
أن اسمى مكانه لسميته ،ولكن أخاف عليكم من أن اسميه فتسموه فينسب
إلى غير ما هو عليه ) .(3بيان :حتى تجله النوم ،أي غشيه وغلب عليه،
وجد من الجود أو من الجد و الول أنسب بترك الذخيرة ،والضمير في
قوله :ول تذخرها راجع إلى الغنيمة المدلول عليها بقوله :تغنم ،والمقسم
مصدر ميمي بمعنى القسمة ،أي ل تجعلها ذخيرة لن تقسم بعدك ،والتبر
بالكسر :الذهب والفضة ،وفي بعض النسخ :البئر .قوله عليه السلم:
واستعيا عنها عبد المطلب :لعلة من قولهم :عيي :إذا لم يهتد لوجهه ،و
أعي الرجل في المشي وأعي عليه المر ،والمعنى أنه تحير في المر ولم
يدر معنى ما رأى في منامه ،أو ضعف وعجز عن البئر وحفرها ،وفي
بعض النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة من قولهم :غبى عليه الشئ:
إذا لم يعرفه ،وهو قريب من الول .قوله عليه السلم :وأراد أن يبث أي
ينشر ويذكر خبر الرؤيا ،فكتمه ،أو يفرق السيوف على الناس فأخره ،وفي
بعض النسخ :يثب بتقديم المثلثة من الوثوب ،أي يثب عليها فيتصرف
فيها ،أو يثب على الناس بهذه السيوف .قوله :فلن خليفة ال ،أي القائم
عليه السلم ،والسود لعله كان الشيطان ،والقائم عليه السلم يقتله كما
سيئاتي في كتاب الغيبة ،ولذا قال عبد المطلب :فأظنه مقطوع الذنب .قوله
عليه السلم :ويضرب السيوف صفايح للبيت ،أي يلصقها بباب البيت،
لتكون
) (1في المصدر :فصارت لعلى الربعة الباقية :اثنان من فاطمة ،واثنان من
أولدها (2) .طاح :سقط وهلك (3) .فروع الكافي .226 :1
] [ 168
صفايح لها ،أو يبيعها ويصنع من ثمنها صفايح البيت ،وفي بعض النسخ :مفاتيح
للبيت ،فيحتمل أن يكون المراد أن يجاهد المشركين فيستولي عليهم،
ويخلص البيت من أيديهم .قوله عليه السلم :فأجابه ،أي أجاب عبد
المطلب الرجل الذي كلمه في المنام .قوله :تزوج في مخزوم ،تزوج عبد
المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم ام عبد ال والزبير
وأبي طالب .قوله :واضرب بعد في بطون العرب :أي تزوج في أي بطن
منهم شئت ،والحاصل أنك لبد لك أن تتزوج في بني مخزوم ليحصل والد
النبي والوصياء صلوات ال عليهم ويرثوا السيوف ،وأما سائر القبائل
فالمر إليك ،ويحتمل أن يكون المراد جاهد بطون العرب وقاتلهم ،والول
أظهر .قوله :إل أن يستجنه ،وفي بعض النسخ يسجنه ،أي يخفيه ويستره.
قوله :فيظهر من ثم ،أي يظهر في زمن القائم عليه السلم من هذا
الموضع الذي فقد فيه ،أو من الجبل الذي تقدم ذكره ،ولعله كان كل سيف
لمعصوم ،وكان بعددهم ،وسيف القائم عليه السلم أخفاه ال في هذا
المكان ليظهر له عند خروجه .قوله :فصار لعلي ،يحتمل أن يكون المراد
بالربعة الباقية تتمة الثمانية المذكورة إلى اثني عشر ،ويكون المراد
بفاطمة امه عليه السلم ،أي صارت الربعة الباقية أيضا إلى علي عليه
السلم من قبل امه وإخوته ،حيث وصل إليهم من جهة أبي طالب زايدا "
على ما تقدم ،أو يكون المراد بفاطمة بنت النبي صلى ال عليه وآله ،بأن
يكون النبي صلى ال عليه وآله أعطاها سيفين غير الثمانية ،وأعطى
الحسنين عليهما السلم سيفين ،ويحتمل أن يراد بالربعة سيوف الزبير
وعبد ال ،فيكون الربعة الخرى مسكوتا " عنها .قوله عليه السلم :إل
صار فحما " ،أي يسود ويبطل ول يأتي منه شئ حتى يرجع إلينا .قوله
عليه السلم :وإن منها لواحدا " ،لعله هو الذي فقد من عبد المطلب يظهر
هكذا عند ظهور القائم عليه السلم ليأخذه .قوله عليه السلم :فينسب إلى
غير ما هو عليه ،أي يتغير مكانه ،أو يأخذه غير القائم عليه السلم.
] [ 169
أقول :قال عبد الحميد بن أبي الحديد :قال :محمد بن إسحاق ) (1لما انبط ) (2عبد
المطلب الماء في زمزم حسدته قريش فقالت له :يا عبد المطلب إنها بئر
أبينا إسماعيل ،وإن لنا فيها حقا " فأشركنا معك ،قال :ما أنا بفاعل ،إن
هذا المر أمر خصصت به دونكم ،واعطيته من بينكم ،فقالوا له :فإنا غير
تاركيك حتى نخاصمك فيها ،قال :فاجعلوا بيني وبينكم حكما " احاكمكم
إليه ،قالوا :كاهنة بني سعد بن هزيم ) ،(3قال :نعم ،وكانت بأشراف الشام
) ،(4فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف ،وخرج من كل قبيلة
من قبائل قريش قوم ،والرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك
المفاوز بين الحجاز والشام نفد ما كان مع عبد المطلب وبني أبيه من الماء
وعطشوا عطشا " شديدا " فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم وقالوا:
نحن بمفازة ونخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم ،فلما رأى عبد المطلب
ما صنع القوم وخاف على نفسه وأصحابه الهلك قال لصحابه ما ترون ؟
قالوا :ما رأينا إل تبع لرأيك ،فمرنا بما أحببت ،قال :فإني أرى أن يحفر كل
رجل منا حفرة لنفسه بما معه من القوة ،فكلما مات رجل دفنه أصحابه في
حفرته حتى يكون آخركم رجل واحد ،فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة
ركب ،قالوا :نعم ما أشرت ،فقام كل رجل منهم فحفر حفيرة لنفسه ،وقعدوا
ينتظرون الموت ،ثم إن عبد المطلب قال لصحابه :وال إن إلقائنا بأيدينا
كذا للموت ل نضرب في الرض فنطلب الماء لعجز ،فقوموا فعسى ال أن
يرزقنا ماء " ببعض الرض ارتحلوا ،فارتحلوا ومن معهم من قبائل
قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون ،فتقدم عبد المطلب إلى راحلته
فركبها ،فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد
المطلب وكبر أصحابه،
) (1ذكره عنه ايضا ابن هشام في السيرة 155 :1مع اختلف في ألفاظه (2) .انبط
البئر :استخرج ماءها (3) .في المصدر :هذيم بالذال المعجمة والصحيح:
سعد هذيم ،كما في السيرة الهشامية ،قال القلقشندى في نهاية الرب
:395بنو هذيم :بطن من قضاعة وهم بنو سعد بن زيد بن ليث بن أسود
بن أسلم بن الحافى بن قضاعة ،وهذيم عبد حبشي حضنه فعرف به فيقال
له :سعد هذيم (4) .بأطراف الشام خ ل .قلت :الشراف :الطراف.
] [ 170
ثم نزل فشرب وشرب أصحابه ،واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم ،ثم دعا القبائل من
قريش فقال لهم :هلموا إلى الماء فقد سقانا ال فاشربوا واستقوا ،فجاءوا
فشربوا واستقوا ،ثم قالوا له قد وال قضي لك علينا ،وال ل نخاصمك في
زمزم أبدا " ،إن الذي سقاك هذا الماء بهذه المفازة هو سقاك زمزم،
فارجع إلى سقايتك راشدا " ،فرجع ورجعوا معه لم يصلوا إلى الكاهنة
وخلوا بينه وبين زمزم ) - 97 .(1كا :علي ،عن أبيه ،ومحمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد جميعا " ،عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر ،عن أبان،
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلم قال :لم يزل بنو إسماعيل ولة
البيت يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان
زمن عدنان ابن ادد فطال عليهم المد فقست قلوبهم ،وافسدوا )(2
وأحدثوا في دينهم ،وأخرج بعضهم بعضا " ،فمنهم من خرج في طلب
المعيشة ،ومنهم من خرج كراهية القتال وفي أيديهم أشياء كثيرة من
الحنيفية من تحريم المهات والبنات ،وما حرم ال في النكاح إل أنهم كانوا
يستحلون امرأة الب وابنة الخت ،والجمع بين الختين ،وكان في أيديهم
الحج و التلبية والغسل من الجنابة إل ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من
الشرك ،وكان فيما بين إسماعيل وعدنان بن ادد موسى عليه السلم،
وروى أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه ) ،(3وكان
أول من وضعها ،ثم غلبت جرهم بمكة على ولية البيت فكان يلي منهم
كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة ،واستحلوا حرمتها ،وأكلوا مال الكعبة
وظلموا من دخل مكة وعتوا وبغوا ،وكانت مكة في الجاهلية ل يظلم ول
يبغي فيها ول يستحل حرمتها ملك إل هلك مكانه ،وكانت تسمى بكة لنها
تبك ) (4أعناق الباغين
) (1شرح نهج البلغة لبن أبى الحديد ،465 :3قلت :قال ابن هشام في السيرة
156 :1بعد ما ذكر الحديث قال ابن اسحاق :فهذا الذى بلغني من حديث
على بن أبى طالب رضى ال عنه في زمزم (2) .في المصدر :وفسدوا) .
(3النصاب :العلم المنصوبة التى يعرف بها الحرم (4) .أي تدق(*) .
] [ 171
إذا بغوا فيها ،وتسمى بساسة ) (1كانوا إذا ظلموا فيها بستهم وأهلكتهم ،وسمي ام
رحم ) (2كانوا إذا لزموها رحموا ،فلما بغت جرهم واستحلوا فيها بعث ال
عزوجل عليهم الرعاف والنمل ،وأفناهم ،فغلبت خزاعة ،واجتمعت ليجلوا
من بقي من حرهم عن الحرم ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة ) (3بن
حارثة بن عمرو ،ورئيس جرهم عمرو بن الحارث بن مصاص )(4
الجرهمي ،فهزمت خزاعة جرهم ،وخرج من بقي من جرهم إلى أرض من
أرض جهينة ،فجاءهم سيل أتي لهم ) (5فذهب بهم ،ووليت خزاعة البيت
فلم يزل في أيديهم حتى جاء قصي بن كلب ،وأخرج خزاعة من الحرم،
وولى البيت وغلب عليه ) .(6بيان :ادد كعمر بضمتين ،والدرس:
النمحاء ،وجرهم كقنفذ ) :(7حي من اليمن .والرحم بالضم الرحمة،
والرعاف في بعض النسخ بالراء المهملة وهو بالضم :خروج الدم من
النف ،وفي بعضها بالمعجمة يقال :موت زعاف ،أي سريع ،فالمراد به
الطاعون .وقال الفيروز آبادي :النملة قروح في الجنب كالنمل ،وبثر يخرج
في الجسد بالتهاب واحتراق ،ويرم مكانها يسيرا " ويدب إلى موضع آخر
كالنملة .قوله عليه السلم :سيل أتي
) (1في النهاية :من أسماء مكة الباسة ،سميت بها لنها تحطم من أخطأ فيها،
ويروى بالنون من النس :الطرد قلت :في السيرة الهشامية :بالنون:
الناسة (2) .في المصدر :وتسمى ام رحم .قلت :قال الجزرى في النهاية
:77 :2وفي حديث مكة :هي ام رحم أي اصل الرحمه (3) .سعد خ ل
قلت :الصحيح ما في الصلب (4) .هكذا في الكتاب ومصدره الصحيح:،
مضاض كما في السيرة ونهاية الرب ومروج الذهب وغيرها (5) .سيل
أتى بهم خ ل (6) .فروع الكافي ،223 :1قلت :ذكر ابن هشام ما وقع
بين جرهم وخزاعة وما وقع بين قصى وخزاعة في سيرته - 123 :1
،131وذكره أيضا المسعودي في مروج الذهب 49 :2و 56و (7) .58
قال القلقشندى في نهاية الرب :بنوجرهم :بطن من القحطانية ،وكانت
منازل بنى قحطان اليمن ،فلما ملك يعرب بن قحطان اليمن ولى أخاه
جرهم الحجاز فاستولى عليه وملكه.
] [ 172
هو بالتشديد على وزن فعيل :سيل جائك ولم يصبك مطره ،والسيل التي أيضا ":
الغريب ) - 98 .(1كا :أبو علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن
محمد بن إسماعيل ،عن علي بن النعمان ،عن سعيد العرج ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن العرب لم يزالوا على شئ من الحنيفية يصلون
الرحم ويقرون الضيف ،ويحجون البيت ،ويقولون :اتقوا مال اليتيم فإن
مال اليتيم عقال ،ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة ،وكانوا ل
يملى لهم إذا انتهكوا المحارم .وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم
فيعلقونه في أعناق البل فل يجترئ أحد أن يأخذ من تلك البل حيث ما
ذهبت ،ول يجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم ،أيهم فعل ذلك
عوقب ،وأما اليوم فاملي لهم .ولقد جاء أهل الشام فنصبوا المنجنيق على
أبي قبيسس فبعث ال عليهم سحابة كجناح الطير فأمطرت عليهم صاعقة
فأحرقت سبعين رجل " حول المنجنيق ) ،(2بيان :القراء :الضيافة.
والملء :المهلة .وانتهاك الحرمة :تناولها بما ل يحل .واللحاء بالكسر
ممدودا " ومقصورا " :ما على العود من القشر ،والظاهر أن نصب
المنجنيق كان لتخريب البيت - 99 .كا :الحسين بن محمد ) (3عن المعلى،
عن الوشاء ،عن أحمد بن عائذ ،عن
) (1سيل أتى :يأتي من حيث ل يدرك (2) .فروع الكافي 223 :1قلت :ذكر
المسعودي ديانات العرب وآرائها في الجاهلية في مروج الذهب 126 :2
وبعده ،وذكر اليعقوبي في تاريخه 7 :2جمل من آراء عبد المطلب و
فضائله نثبتها هناك حيث فاتنا ذكرها قبل قال :ورفض عبادة الصنام،
ووحد ال عزوجل ،ووفى بالنذر ،وسن سننا نزل القرآن بأكثرها وجاءت
السنة من رسول ال صلى ال عليه وآله بها ،وهى الوفاء باالنذور،
ومائة من البل في الدية ،وأل تنكح ذات محرم ،ول تؤتى البيوت من
ظهورها ،وقطع يد السارق ،والنهى عن قتل الموؤدة ،والمباهلة ،وتحريم
الخمر ،وتحريم الزنا ،والحد عليه ،والقرعة ،وأل يطوف أحد بالبيت
عريانا ،واضافة الضيف ،وأل ينفقوا إذا حجوا إل من طيب أموالهم،
وتعظيم الشهر الحرم ،ونفى ذوات الرايات اه ثم ذكر قصة أصحاب
الفيل (3) .اسناد الحديث في المصدر مبدو بالوشاء ،وهو معلق على
سابقه ،واسناد الحديث السابق هكذا :الحسين بن محمد ،عن معلى بن
محمد وعلى بن محمد ،عن صالح بن أبى حماد جميعا عن الوشاء.
] [ 173
أبي خديجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه
وآله فقال :إني ولدت بنتا " وربيتها حتى إذا بلغت فألبستها وحليتها ،ثم
جئت بها إلى قليب ) (1فدفعتها في جوفه ،وكان آخر ما سمعت منها وهي
تقول :يا أبتاه ،فما كفارة ذلك ؟ قال :ألك ام حية ؟ قال :ل ،قال :فلك خالة
حية ؟ قال :نعم ،قال :فابررها فإنها بمنزلة الم تكفر عنك ما صنعت ،قال
أبو خديجة :فقلت لبي عبد ال عليه السلم متى كان هذا ؟ قال :كان في
الجاهلية ،وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين )
- 100 .(2كنز الكراجكى :عن الحسين بن عبيدال ،عن هارون بن
موسى ،عن محمد بن همام ،عن الحسن بن جمهور ،عن أبيه ،عن الحسن
بن محبوب ،عن علي بن رئاب ،عن مالك بن عطية قال :لما حفر عبد
المطلب بن هاشم زمزم ،وأنبط منها الماء أخرج منها غزالين من ذهب
وسيوفا " وأدراعا " ،فجعل الغزالين زينة للكعبة ،وأخذ السيوف
والدروع ،وقال :هذه وديعة كان أودعها مضاض الجرهمي بن الحارث بن
عمرو بن مضاض ،والحارث الذي يقول) :شعر( ) :(3كأن لم يكن بين
الحجون إلى الصفا ) * (4أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها
فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر ) (5ويمنعنا من كل فج نريده *
أقب كسرحان الباءة ضامر وكل لجوج في الجراء طمرة * كعجزاء فتحاء
الجناحين كاسر
) (1القليب :البئر (2) :الصول 162 :2و (3) .163المصدر خال عن لفظة:
شعر .ونسب ابن هشام الشعار الى عمرو بن الحارث ] بن عمرو [ بن
مضاض (4) .أولها :وقائلة والدمع سكب مبادر * وقد شرقت بالدمع
منها المحاجر والحجون بفتح الحاء :موضع بأعلى مكة .وسمر :تحدث
ليل .بعده :فقلت لها والقلب منى كأنما * يلجلجه بين الجناحين طائر
يلجلجه :يحركه ويديره (5) .صروف الليالى :شدائدها ونوائبها .والجدود
جمع الجد :الحظ والبخت .ويقال عثر جده أي تعس وهلك ،والجدود
العواثر :الحظوظ المهلكات والبخت النحس المتعس.
] [ 174
والقصيدة طويلة ،فحسدته قريش بذلك فقالوا :نحن شركاءك فيها ،فقال :هذه
فضيلة بنت ) (1بها دونكم أريتها في منامي ثلث ليال تباعا " .قالوا:
فحاكمنا إلى من شئت من حكام العرب ،فخرجوا إلى الشام يريدن أحد
كهانها وعلمائها ،فأصابهم عطش شديد فأوصى بعضهم إلى بعض،
فبيناهم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين
أخفافها ،فشربوا وتزودوا ،وقالوا :يا عبد المطلب إن الذي سقاك في هذه
البادية القفر هو الذي سقاك بمكة ،فرجعوا وسلموا له هذه المآثرة )،(2
بيان :القبب :الضمر ،وخمص البطن .والباءة :أجمة القصب .والجرآء
بالكسر جمع الجر وهو بالضم والكسر :ولد الكلب والسباع .وفرس طمر
بالكسر وتشديد الراء وهو المستفز للوثب والعدو .وعقاب عجزاء :قصيرة
الذنب ،ويقال :كسر الطائر :إذا ضم جناحيه حين ينقض .والكاسر :العقاب،
ذكرها الجوهري) .باب ) * (2البشائر بمولده ونبوته من النبياء
والوصياء صلوات ال عليه( * * )وعليهم وغيرهم من الكهنة وسائر
الخلق ،وذكر بعض( * * )المؤمنين في الفترة( * اليات :البقرة ) (2ولما
جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين .89
وقال تعالى :ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم نبذ فريق من
الذين اوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون .101وقال
سبحانه ..:وابعث فيهم رسول " منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب و
الحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم .129
) (1هكذا في نسخة المصنف ،وفي المصدر :نبئت (2) .كنز الكراجكى 106 :و
.107
] [ 175
وقال تعالى :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا " منهم
ليكتمون الحق وهم يعلمون .147آل عمران ) :(3وإذ أخذ ال ميثاق
النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا
قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فاولئك هم
الفاسقون 81و .82وقال تعالى :وإذا أخذ ال ميثاق الذين اوتوا الكتاب
لتبيننه للناس ول تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا " قليل
" فبئس ما يشترون * ل تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن
يحمدوا بما لم يفعلوا فل تحسبنهم بمفازة من العذاب و لهم عذاب أليم
187و .188العراف ) :(7الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي
يجدونه مكتوبا " عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم
عن المنكر ويحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم
والغلل التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه ونصروه واتبعوا
النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون .157وقال تعالى :وإذ تأذن ربك
ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع
العقاب وإنه لغفور رحيم .167النبياء ) :(21ولقد كتبنا في الزبور من
بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالحون .105الشعراء ) :(26وإنه
لفي زبر الولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل 196و
.197القصص ) :(28وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى المر
وما كنت من الشاهدين ] .إلى قوله تعالى [ :وما كنت بجانب الطور إذ
نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما " ما آتيهم من نذير من قبلك لعلهم
يتذكرون 45و .46الصف ) :(61وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل
إني رسول ال إليكم مصدقا "
] [ 176
لما بين يدي من التوراة ومبشرا " برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم
بالبينات قالوا هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب وهو
يدعى إلى السلم وال ل يهدي القوم الظالمين 6و .7تفسير :قال
الطبرسي رحمه ال في قوله تعالى) :ولما جاءهم كتاب من عند ال( :قال
ابن عباس :كانت اليهود )يستفتحون( أي يستنصرون على الوس
والخزرج برسول ال صلى ال عليه وآله قبل مبعثه ،فلما بعثه ال من
العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه،
فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور :يا معشر اليهود اتقوا
ال وأسلموا ،فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك
وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث ،فقال سلم بن مشكم ) (1أخو بني
النضير :ما جاءنا بشئ نعرفه ،وما هو بالذي كنا نذكر لكم ،فأنزل ال
تعالى هذه الية ) .(2وفي قوله) :مصدق لما معهم( :مصدق لكتبهم من
التوراة والنجيل ،لنه جاء على الصفة التي تقدم بها البشارة ) .(3وفي
قوله) :وإذ أخذ ال ميثاق النبيين( :روي عن أمير المؤمنين عليه السلم
وابن عباس وقتادة أن ال تعالى أخذ الميثاق على النبياء قبل نبينا أن
يخبروا اممهم بمبعثه ونعته ،ويبشروهم ،به ،ويأمروهم بتصديقه ،وقال
طاؤوس :أخذ ال الميثاق على النبياء على الول والخر ،فأخذ ميثاق
الول بما جاء ) (4به الخر .وقال الصادق عليه السلم :تقديره وإذ أخذ
ال ميثاق امم النبين بتصديق نبيها ،و العمل بما جاءهم به ،وإنهم خالفوه
بعد ما جاء وما وفوا به ،وتركوا كثيرا " من شرائعه ،وحرفوا كثيرا "
منها .والصر :العهد ) .(5وفي قوله تعالى) :وإذ أخذ ال ميثاق الذين
اوتوا الكتاب( قيل :أراد به اليهود،
) (1في المصدر :سلم بن مسلم (2) .مجمع البيان (3) .158 :1مجمع البيان :1
169وفيه تقدمت بها البشارة (4) .في المصدر :لتؤمنن بما جاء به
الخر (5) .مجمع البيان (*) .68 :2
] [ 177
وقيل :اليهود والنصارى ،وقيل :كل من اوتي علما " بشئ من الكتب )لتبيننه
للناس( أي محمدا " صلى ال عليه وآله ) ،(1لن في كتابهم أنه رسول
ال ،وقيل :أي الكتاب فيدخل فيه بيان أمر النبي صلى ال عليه وآله )ل
تحسبن الذين يفرحون بما أتوا( قيل :هم اليهود الذين فرحوا بكتمان أمر
النبي صلى ال عليه وآله ،وأحبوا أن يحمدوا بأنهم أئمة وليسوا كذلك،
وقال البلخي :إن اليهود قالوا :نحن أبناء ال وأحباءه ،وأهل الصلة
والصوم ،وليسوا كذلك ) ،(2ولكنهم أهل الشرك والنفاق وهو المروي عن
الباقر عليه السلم ،والقوى أن يكون المعني بالية من أخبر ال عنهم أنه
أخذ ميثاقهم في أن يبينوا أمر محمد صلى ال عليه وآله ول يكتموه ).(3
وفي قوله) :في التوراة والنجيل( معناه يجدون نعته وصفته ونبوته
مكتوبا " في التوراة في السفر الخامس :إني ساقيم لهم نبيا " من إخوتهم
مثلك ،وأجعل كلمي في فيه ،فيقول لهم :كل ما اوصيه به .وفيها أيضا "
مكتوب :وأما ابن المة ) (4فقد باركت عليه جدا " جدا " ،وسيلد اثنى
عشر عظيما " ،واؤخره لمة عظيمة .وفيها أيضا :أتانا ال من سيناء،
وأشرق من ساعير ،واستعلن من جبال فاران ) .(5وفي النجيل بشارة
بالفار قليط في مواضع :منها نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر
كله .وفيه أيضا " :قول المسيح للحواريين :أنا أذهب وسيأتيكم
) (1في المصدر :أي لتظهرنه للناس ،والهاء عائدة إلى محمد صلى ال عليه وآله.
) (2في المصدر :وليسوا من أولياء ال ول أحبائه ول أهل الصلة
والصوم (3) .مجمع البيان 552 :2و 553و (4) .554والمراد به
اسماعيل عليه السلم (5) .قال الحموى في المعجم :ساعير :اسم لجبال
فلسطين ،وهو من حدود الروم وهو قرية من الناصرة بين طبرية وعكا،
وفاران كلمة عبرانية معربة وهى من أسماء مكة ،وقيل :هو اسم لجبال
مكة ،وقال ابن ماكول :هي جبال الحجاز ،وفي التوراة :جاء ال من
سيناء ،وأشرق من ساعير واستعلن من فاران ،محيئه من سيناء تكليمه
لموسى عليه السلم ،واشراقه من ساعير هو انزال النجيل على عيسى
عليه السلم ،واستعلنه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد صلى
ال عليه واله وسلم
] [ 178
الفارقليط ) (1روح الحق الذي ل يتكلم من قبل نفسه ،إنه نذيركم يجمع الحق ،و
يخبركم بالمور المزمعة ) ،(2ويمدحني ويشهد لي .وفيه أيضا " :إنه إذا
جاء قيد أهل العالم .قوله تعالى) :إصرهم( أي ثقلهم وهو التكاليف الشاقة
)والغلل التي كانت عليهم( أي العهود التي كانت في ذمتهم ،وقيل :يريد
بالغلل ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة وقرض ما يصيبه البول
من أجسادهم ،وما أشبه ذلك )وعزروه( أي عظموه ووقروه )واتبعوا
النور الذي انزل معه( أي القرآن ) .(3أقول :سيأتي في الروايات أنه أمير
المؤمنين عليه السلم .وفي قوله تعالى) :وإذ تأذن ربك( أي آذن وأعلم
)ليبعثن عليهم( أي على اليهود )إلى يوم القيامة من يسومهم سوء
العذاب( أي من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب بالقتل وأخذ الجزية منهم،
والمعني به امة محمد صلى ال عليه واله عند جميع المفسرين ،وهو
المروي عن أبي جعفر عليه السلم ) .(4وفي قوله تعالى) :ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر( قيل :الزبور :كتب النبياء ،والذكر :اللوح المحفوظ،
وقيل :الزبور :الكتب المنزلة بعد التوراة ،والذكر :التوراة ،وقيل :الزبور
كتاب داود عليه السلم ،والذكر :التوراة )أن الرض يرثها عبادي
الصالحون( أي أرض الجنة أو الرض المعروفة يرثها امة محمد صلى ال
عليه واله ،وقال أبو جعفر عليه السلم :هم أصحاب المهدي في آخر
الزمان ) .(5وفي قوله سبحانه) :وإنه لفي زبر الولين( أي ذكر القرآن
وخبره في كتب الولين على وجه البشارة به وبمحمد صلى ال عليه واله
)أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني
) (1فارقليط :كلمة يونانية ،معناها الذي يذكره الناس بالخير ويحمدونه .وهو
مرادف لمحمد أو أحمد (2) .أزمع المر وعليه وبه :ثبت عليه وأظهر
فيه عزما (3) .مجمع البيان (4) .488 :4مجمع البيان (5) .494 :4
مجمع البيان .66 :7ثم ذكر أخبارا من العامة تدل على قول الخير.
] [ 179
إسرائيل( أي أولم يكن علم علماء بني إسرائيل بمجيئه على ما تقدمت البشارة به
دللة لهم على صحة نبوته ،وهم عبد ال بن سلم وأصحابه ،وقيل :هم
خمسة :عبد ال بن سلم ،وابن يامين ،وثعلبة ،وأسد ،وأسيد ) .(1وفي
قوله تعالى) :وما كنت بجانب الغربي( أي في الجانب الغربي من الجبل
الذي كلم ال فيه موسى ،وقيل :بجانب الوادي الغربي )إذ قضينا إلى
موسى المر( أي عهدنا إليه بالرسالة ،وقيل :أراد كلمه معه في وصف
نبينا محمد صلى ال عليه واله ونبوته )ولكن رحمة من ربك( أي ال
أعلمك ذلك ،وعرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك ،وهو أن بعثك نبيا
" ،واختارك لنباء العلم بذلك معجزة لك ،لتنذر العرب الذين لم يأتهم
رسول قبلك لكي يتفكروا ويعتبروا ) - 1 .(2شى :عن حبيب )(3
السجستاني قال :سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال) :وإذ أخذ ال
ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه( فكيف يؤمن موسى عليه السلم بعيسى عليه السلم
وينصره ولم يدركه ؟ وكيف يومن عيسى عليه السلم بمحمد صلى ال
عليه واله وينصره ولم يدركه ؟ فقال :يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي
كثيرة ،ولم يزد فيه إل حروف أخطأت بها الكتبة ،وتوهمتها الرجال ،وهذا
وهم ،فاقرءها) :وإذ أخذ ال ميثاق امم النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة
ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه( ،هكذا أنزلها ال
يا حبيب ،فو ال ماوفت امة من المم التي كانت قبل موسى بما أخذ ال
عليها من الميثاق لكل نبي بعثه ال بعد نبيها ،ولقد كذبت المة التي جاءها
موسى لما جاءها موسى ولم يومنوا به ول نصروه
) (1مجمع البيان ،204 :7اختصر المصنف ما في المصدر ،وكذا فيما مر(2) .
مجمع البيان 256 ،7و (3) .257حبيب السجستاني لم يوثقه أصحاب
الرجال ،والحديث مع الغض عن وثاقته وعدمها مرسل معارض لما عليه
اجماع المة من أن القران هو ما بين الدفتين لم يزد فيه ولم ينقص عنه،
وهو احد الثقلين الذى تاركه النبي صلى ال عليه وآله بين المة ،وهو
باق إلى قيام الساعة مع أن ما في النقل الثاني لم يدفع إشكال الراوى
أيضا ،إل أن يكون المراد من المم امة موسى وعيسى عليهما السلم
الموجودون في زمان النبي صلى ال عليه وآله.
] [ 180
لما جاءها إل القليل منهم ،ولقد كذبت امة عيسى عليه السلم بمحمد صلى ال عليه
واله ولم يؤمنوا به ول نصروه لما جاءهم إل القليل منهم ،ولقد جحدت
هذه المة بما أخذ عليها رسول ال من الميثاق لعلي بن أبي طالب عليه
السلم يوم أقامه للناس ونصبه لهم ودعاهم إلى وليته وطاعته في حياته،
وأشهدهم بذلك على أنفسهم ،فأي ميثاق أو كد من قول رسول ال صلى
ال عليه واله في علي بن أبي طالب عليه السلم ؟ فو ال ما وفوا به ،بل
جحدوا وكذبوا ) - 2 .(1فس) :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون
أبناءهم( الية ،فإن عمر بن الخطاب قال لعبد ال بن سلم :هل تعرفون
محمدا " في كتابكم ؟ قال :نعم وال نعرفه بالنعت الذي نعته ال لنا إذا
رأيناه فيكم ،كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان ،والذي يحلف به ابن
سلم لنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني ،قال ال) :الذين خسروا
أنفسهم فهم ل يؤمنون( ) - 3 .(2نجم :في كتاب دلئل النبوة جمع أبي
القاسم الحسين بن محمد السكوني ،عن محمد بن علي بن الحسين ،عن
الحسن ،عن عبد ال بن غانم ،عن هناد ،عن يونس ،عن أبي إسحاق ،عن
صالح بن إبراهيم ،عن عبد الرحمن بن أسعد ،عن ابن مسيب ،عن حسان
ابن ثابت ) (3قال :إني وال لغلم يفعاء ) (4ابن سبع أو ثمان سنين أعقل
كل ما سمعت
) (1تفسير العياشي :مخطوط (2) .تفسير القمى (3) .182 :الموجود في المصدر
هكذا :ووجد في كتاب دلئل النبوة جمع أبى القاسم الحسين بن محمد
السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لثنتى عشرة
ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ،ونسخ من
أصل كتاب مصنفه ،فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة
النبي صلوات ال عليه وآله فقال ما هذا لفظه :حدثنى الشريف أبو عبد
ال محمد بن على بن الحسين بن على بن عبد الرحمن قال :حدثنا الحسن
قال :حدثنا عبد ال بن غانم قال حدثنا هناد قال :حدثنا يونس ،عن ابى
اسحاق قال :حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن يحيى
بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال :حدثنا ابن شيث ،عن رجال
قومه ،عن حسان بن ثابت إه .قلت :الصحيح :عن يحيى بن عبد ال،
ويحيى هذا هو يحيى بن عبد ال بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة،
راجع تهذيب التهذيب (4) .379 :4في المصدر :لغلم يفقه.
] [ 181
إذ سمعت يهوديا " وهو على أكمة ) (1يثرب يصرخ :يا معشر اليهود ،فلما
اجتمعوا قالوا :ويلك مالك ؟ قال :طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة ).(2
- 4ل :ما جيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن علي بن الحسين الرقي،
عن عبد ال بن جبلة ،عن الحسن بن عبد ال ،عن آبائه ،عن جده الحسن
بن علي بن أبي طالب عليهم السلم في حديث طويل قال :جاء نفر من
اليهود إلى رسول ال صلى ال عليه واله فسأله أعلمهم عن أشياء فأجابه
عليه السلم فأسلم وأخرج رقا " أبيض ) ،(3فيه جميع ما قال النبي صلى
ال عليه واله ،وقال :يا رسول ال والذي بعثك بالحق نبيا ما استنسختها
إل من اللواح التي كتب ال عزوجل لموسى بن عمران عليه السلم ،ولقد
قرأت في التوراة فضلك حتى شككت فيه يا محمد ،ولقد كنت أمحو اسمك
منذ اربعين سنة من التوراة ،وكلما محوته وجدته مثبتا " فيها ،ولقد قرأت
في التوراة أن هذه المسائل ل يخرجها غيرك ،وإن في الساعة التي ترد
عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك ،وميكائيل عن يسارك،
ووصيك بين يديك ،فقال رسول ال صلى ال عليه واله :صدقت ،هذا
جبرئيل عن يمني ،وميكائيل عن يساري ) ،(4ووصيي علي بن أبي طالب
بين يدي ،فآمن اليهودي وحسن إسلمه ) - 5 .(5ك :ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن ابن عيسى ،عن الحسن بن علي ،عن عمر ابن أبان رفعه )
(6أن تبع ) (7قال في مسيره ):(8
) (1أكمة :التل .وفي المصدر وهو على اطمة يثرب يصيح اه .والطم :الحصن) .
(2فرج المهموم (3) .29 :الرق :جلد رقيق يكتب فيه (4) .عن شمالى
خ ل (5) .الخصال (6) .9 :2في المصدر :عمر بن أبان ،عن أبان رفعه.
) (7هو تبع بن حسان بن بحيلة بن كلى كرب بن تبع القرن ،وهو أسعد
أبو كرب على ما في تاريخ اليعقوبي ،وفي سيرة ابن هشام :حسان بن
تبان أسعد أبى كرب )وتبان أسعد :هو تبع الخر( ابن كلى كرب بن زيد
)وزيد :هو تبع الول( بن عمرو ذى الذعار بن أبرهة ذى المنار بن
الريش ويقال :الرائش .وقد فصل اليعقوبي وابن هشام والمسعودي
والطبري وابن الثير أخباره وقد تقدم طرف من أخباره في باب بعض
أحوال ملوك الرض في المجلد 14من طبعنا هذا (8) .في نسخة من
المصدر :قال في شعره.
] [ 182
حتى أتاني من قريظة عالم * حبر لعمرك في اليهود مسدد قال :ازدجر عن قرية
محجوبة * لنبي مكة من قريش مهتد فعفوت عنهم عفو غير مثرب )* (1
وتركتهم لعقاب يوم سرمد وتركتها ل أرجو عفوه * يوم الحساب من
الحميم الموقد ) (2فلقد تركت له بها من قومنا * نفرا " اولي حسب وممن
يحمد نفرا " يكون النصر في أعقابهم * أرجو بذاك ثواب رب محمد ما
كنت أحسب أن بيتا " طاهرا " ) * (3ل في بطحاء مكة يعبد قالوا :بمكة
بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد فأردت أمرا " حال ربي دونه *
وال يدفع عن خراب المسجد فتركت ما أملته فيه لهم * وتركتهم مثل "
لهل المشهد ) (4قال أبو عبد ال عليه السلم :كان الخبر ) (5أنه سيخرج
من هذه يعني مكة نبي يكون مهاجره يثرب ،فأخذ قوما " من اليمن
فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج ،وفي ذلك يقول :شهدت على أحمد
أنه * رسول من ال بارئ النسم فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا "
له وابن عم وكنت عذابا " على المشركين * أسقيهم كأس حتف وغم )(6
- 6ك :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن الوليد بن صبيح ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن تبع قال
للوس والخزرج .كونوا
) (1ثربة وثرب عليه :لمه ،قبح عليه فعله (2) .في المصدر :من الجحيم الموقد) .
(3في نسخة وفي الصدر :ظاهرا (4) .البيات من قصيدة طويلة
مطلعها :ما بال عينك ل تنام كأنما * كحلت مآقيها بسم السود ) (5في
المصدر :قد أخبر (6) .كمال الدين.101 :
] [ 183
ها هنا حتى يخرج هذا النبي ،فأما أنا فلو أدركته لخدمته وخرجت معه ) - 7 .(1ك:
أحمد بن محمد بن الحسين البزاز ،عن محمد بن يعقوب الصم ،عن أحمد
بن عبد الجبار ،عن يونس بن بكر ) ،(2عن زكريا بن يحيى ،عن عكرمة
قال :سمعت ابن عباس يقول :ل يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما "
) .(3بيان :اختلف في تبع هل كان مسلما " أم ل ،وهذه الروايات تدل على
إسلمه .قال الطبرسي رحمه ال في قوله تعالى) :أهم خير أم قوم تبع( أي
أمشركوا قريش أظهر نعمة ،وأكثر أموال " ،وأعز في القوة والقدرة أم
قوم تبع الحميري ،الذي سار بالجيوش حتى حير الحيرة ،وأتى سمرقند
فهدمها ثم بناها ،وكان إذا كتب كتب) :بسم الذي ملك برا " وبحرا "،
وضحا " وريحا " ) ،((4عن قتادة ،سمي تبعا " لكثرة أتباعه من الناس،
وقيل :لنه تبع من قبله من ملوك اليمن ،والتبابعة :اسم ملوك اليمن ،فتبع
لقب له كما يقال :خاقان لملك الترك ،وقيصر لملك الروم ،واسمه أسعد أبو
كرب ،وروى سهل بن سعد ،عن النبي صلى ال عليه واله أنه قال) :ل
تسبوا تبعا " فإنه كان قد أسلم( قال كعب :نعم الرجل الصالح ،ذم ال قومه
ولم يذمه ) .(5وقال البيضاوي :وكان مؤمنا " وقومه كافرين ،ولذلك
ذمهم دونه ،وعنه عليه السلم :ما أدري أكان تبع نبيا " أو غير نبي ).(6
- 8ك :أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن العلء ،عن
محمد بن مسلم ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :بينا رسول ال صلى ال
عليه واله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا
عليه ،فقال رسول ال صلى ال عليه واله :من القوم ؟ قالوا :وفد من بكر
بن
) (1كمال الدين 101 :و (2) .102في المصدر :يونس بن بكير (3) .كمال الدين:
(4) .102الضح :الشمس ،وقولهم :جاء فلن بالضح والريح أي بما
طلعت عليه الشمس ،وما جرت عليه الريح ،يعنى من الكثرة (5) .مجمع
البيان (6) .66 :9أنوار التنزيل .419 :2
] [ 184
وائل ) ،(1قال :فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة اليادي ؟ قالوا :نعم يا
رسول ال ،قال :فما فعل ؟ قالوا :مات ،فقال رسول ال صلى ال عليه
واله :الحمد ل رب الموت ،ورب الحياة ،كل نفس ذائقة الموت ،كأني أنظر
إلى قس بن ساعدة اليادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر ،وهو
يخطب الناس ويقول :اجتمعوا أيها الناس ) ،(2فإذا اجتمعتم فأنصتوا ،فإذا
أنصتم فاستمعوا ،فإذا اسمعتم ) (3فعوا ،فإذا وعيتم فاحفظوا ،فإذا حفظتم
فاصدقوا ،أل إن من عاش مات ،ومن مات فات ،ومن فات فليس بآت ،إن
في السماء خبرا " ،وفي الرض عبرا " ،سقف مرفوع ،ومهاد موضوع،
ونجوم تمور ،وليل يدور ،وبحار ماء ل تغور ) ،(4يحلف قس ما هذا بلعب
) ،(5وإن من وراء هذا لعجبا " ،ما لي أرى الناس يذهبون فل يرجعون ؟
أرضوا بالمقام فأقاموا ،أم تركوا فناموا ؟ يحلف قس يمينا " غير كاذبة إن
ل دينا " هو خير من الدين الذي أنتم عليه ،ثم قال رسول ال صلى ال
عليه واله :رحم ال قسا " يحشر يوم القيامة امة واحدة ،ثم قال :هل فيكم
أحد يحسن من شعره شيئا " ؟ فقال بعضهم :سمعته يقول :في الولين
الذاهبين من القرون لنا بصائر * لما رأيت مواردا " للموت ليس لها
مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي الكابر والصاغر * ل يرجع الماضي
إلي ول من الباقين غابر أيقنت أني ل محالة حيث صار القوم صائر وبلغ
من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى ال عليه واله كان يسأل
من يقدم عليه من إياد ) (6عن حكمته ويصغى إليها ) - 9 .(7كنز
الكراجكى :عن أسد بن إبراهيم السلمي ،عن محمد بن أحمد بن موسى،
) (1بنو بكر بن وائل :قبيلة عظيمة من العدنانية تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط
بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن نزار بن معد بن
عدنان ،فيها الشهرة والعدد ،كانت ديارها من اليمامة إلى البحرين ،إلى
سيف كاظمة ،إلى البحرين فأطراف سواد العراق فالبلة فهيت (2) .في
المصدر :أيها الناس اجتمعوا (3) .في المصدر :فإذا سمعتم (4) .غار
الماء :ذهب في الرض .وفي المصدر :وبحار ماء تغور (5) .في المصدر
زيادة وهى :والناس يلعب (6) .اياد :بطن عظيم من العدنانية وهم بنو
إياد بن نزار بن معد بن عدنان (7) .كمال الدين 99 :و .100
] [ 185
عن عبد ال بن محمد ) ،(1عن جعفر بن محمد ،عن محمد بن حسان ،عن محمد
بن الحجاج ) ،(2عن مجالد ،عن الشعبي ،عن ابن عباس مثله إلى قوله:
حيث صار القوم صائر ) .(2بيان :مار الشئ يمور مورا " :تحرك وجاء
وذهب - 10 .ك :الحسن بن عبد ال ،عن الحسين بن الحسن بن علي بن
إسماعيل ) ،(4عن محمد بن زكريا ،عن عبد ال بن الضحاك ،عن هشام،
عن أبيه أن وفدا " من إياد قدموا على رسول ال صلى ال عليه واله
فسألهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا :قال قس شعرا " :يا ناعي الموت
والموات في جدث * عليهم من بقايا تربهم ) (5خرق دعهم فإن لهم يوما
" يصاح بهم * كما ينبه من نوماته الصعق منهم عرات ومنهم في ثيابهم
* منها جديد ومنها الن ذوالخلق ) (6مطر ونبات وآباء وامهات ،وذاهب
وآت ،وآيات في أثر آيات ،وأموات بعد أموات ،وضوء وظلم ،وليال وأيام،
وفقير وغني ،وسعيد وشقي ،ومحسن ومسئ ،أين الرباب الفعلة ؟
ليصلحن كل عامل عمله ،كل بل هو ال واحدا " ) (7ليس بمولود ول
والد ،أعاد وابدئ ،وإليه المآب غدا " ،أما بعد يا معشر إياد أين ثمود
وعاد ؟ وأين الباء والجداد ؟ أين الحسن الذي لم يشكر ،والقبيح الذي لم
ينقم ،كل ورب الكعبة ليعودن ما بدا ،ولئن ذهب يوما " ) (8ليعودن يوما
".
) (1في المصدر :ابو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن ابراهيم البابسيرى الحنظلي
قال :حدثنا أبو محمد عبد ال بن محمد من ولد عمر بن الخطاب (2) .في
المصدر :اللخمى (3) .كنز الكراجكى 255 :فيه اختصار واختلف لفظي
راجعه (4) .في المصدر :حدثنا الحسن بن عبد ال بن سعيد قال :أخبرنا
ابو الحسن على بن الحسين بن اسماعيل (5) .بزهم خ ل وهو الموجود
في المصدر (6) .في المصدر :منها الجديد ومنها الورق الخلق .وبعده:
حتى يعودوا بحال غير حالتهم * خلق جديد وخلق بعدهم خلقوا ) (7في
المصدر :هو ال واحد (8) .يوم خ ل.
] [ 186
وهو قس بن ساعدة بن حداق بن زهر بن إياد بن نزار ،أول من آمن بالبعث من
أهل الجاهلية ،وأول من توكأ على عصا " ،ويقال :إنه عاش ست مأة
سنة ،وكان يعرف النبي باسمه ونسبه ،ويبشر الناس بخروجه وكان
يستعمل التقية ،ويأمر بها في خلل ما يعظ به الناس ) .(1بيان :الترب
يحتمل أن يكون بالمثلثه يقال :ثرب المريض :نزع عنه ثوبه ،ويحتمل أن
يكون تصحيف ثوبهم ،وفي بعض النسخ بزهم وهو أظهر .أقول :سيأتي
وصية قس في أبواب المواعظ ،وفي باب كونهم أفضل من النبياء في
كتاب المامة - 11 .ك :ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن علي بن
حكيم ،عن عمرو بن بكار العبسي ،عن محمد بن السائب ،عن أبى صالح،
عن ابن عباس ،وعن محمد بن علي بن حاتم البرمكي ،(2) ،عن محمد بن
أحمد بن أزهر ،عن محمد بن إسحاق البصري ،عن علي بن حرب ،عن
أحمد بن عثمان بن حكيم ،عن عمرو بن بكير ) ،(3عن أحمد بن القاسم،
عن محمد بن السائب ،عن أبي صالح ،عن ابن عباس قال :لما ظفر سيف
بن ذي يزن ) (4بالحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى ال عليه واله بسنتين
أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراءها لتهنئه وتمدحه ،وتذكر ما كان من
بلئه ) (5وطلبه بثار قومه ،فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن
هاشم وامية بن عبد شمس ،وعبد ال بن جذعان ،وأسد بن خويلد بن عبد
العزى ) ،(6ووهب بن عبد مناف في اناس من وجوه قريش ،فقدموا عليه
) (1كمال الدين 100 :و (2) .101في المصدر :البوفكى )النوفلي خ( (3) .في
المصدر :عمرو بن بكر .وفي الكنز :عمر بن بكر (4) .في الكنز :واسمها
النعمان بن قيس (5) .حسن بلئه خ ل .وهو الموجود في الكنز(6) .
هكذا في نسخة المصنف وكمال الدين واعلم الورى ،والظاهر أنه وهم
والصحيح كما في الكنز ومروج الذهب .خويلد بن أسد بن عبد العزى.
] [ 187
صنعاء فاستأذنوا ،فإذا هو في رأس قصر يقال له :غمدان ،وهو الذي يقول فيه
امية بن أبي الصلت :اشرب هنيئا " عليك التاج مرتفقا " ) * (1في رأس
غمدان دارا " منك محلل ) (2فدخل عليه الذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم،
فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه فاستأذنه في الكلم ،فقال له :إن كنت
ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك .قال :فقال عبد المطلب :إن ال
أحلك أيها الملك محل رفيعا " صعبا " منيعا " شامخا " باذخا " ،وأنبتك
منبتا " طابت ارومته ،وعذبت جرثومته ) ،(3وثبت أصله ،وبسق فرعه،
في أكرم موطن ،وأطيب معدن ،فأنت أبيت اللعن ملك العرب ،وربيعها الذي
تخصب به ،وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد ،وعمودها الذي
عليه العماد ،ومعقلها ) (4الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف ،وأنت لنا
منهم خير خلف ،فلن يخمل من أنت سلفه ) ،(5ولن يهلك من أنت خلفه،
نحن أيها الملك أهل حرم ال وسدنة بيته ،أشخصنا إليك الذي أبهجنا من
كشفك الكرب الذي فدحنا ) ،(6فنحن وفد التهنئة ،ل وفد المرزئة ،قال:
وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال :أنا عبد المطلب بن هاشم ،قال :ابن اختنا ؟
قال :نعم ،قال :ادن ) (7فأدناه ،ثم أقبل على القوم وعليه فقال :مرحبا "
وأهل " ،وناقة " ) (8ورحل " ،ومستناخا "
) (1مرتفعا خ ل وهو الموجود في المصادر كلها (2) .القصيدة طويلة أوردها ابن
هشام في السيرة 69 :1و 70والمسعودي بعضها في مروج الذهب :2
84و (3) .85وعزت جرثومته خ ل وهو الموجود في الكنز(4) .
المعقل :الملجأ (5) .من هم سلفه خ ل وهو الموجود في الكنز ،قوله :فلن
يخمل ،أي فلن يخفى (6) .في كمال الدين :من كشف الكرب :وفى الكنز:
لكشف الكرب .قوله :فدحنا أي أثقلنا وبهظنا (7) .ادنه خ ل ،وفي كمال
الدين :قال :ادن فدنا منه (8) .ناقة خ ل.
] [ 188
سهل " ،وملكا وربحل ) ،(1يعطى عطاء جزل ،قد سمع الملك مقالتكم ،وعرف
قرابتكم ،وقبل وسيلتكم ،وأنتم ) (2أهل الليل ،وأهل النهار ،ولكم الكرامة
ما أقمتم ،والحباء ) (3إذا ظعنتم ،قال :ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود
فأقاموا شهرا " ل يصلون إليه ،ول يأذن لهم بالنصراف ،ثم انتبه لهم
انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخله ) ،(4ثم قال :أيا عبد
المطلب ) (5إني مفوض إليك من سر علمي أمرا " لو كان ) (6غيرك لم
أبح له به ) ،(7ولكني رأيتك معدنه فأطلعك عليه طلعة ) (8فليكن عندك
مطويا " حتى يأذن ال فيه ،فإن ال بالغ أمره ،إني أجد في الكتاب
المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لنفسنا وأخبرناه ) (9دون غيرنا
خبرا " عظيما " ،وخطرا " جسيما " ،فيه شرف الحياة ،وفضيلة الوفاة،
للناس عامة ،ولرهطك كافة ،ولك خاصة ،فقال عبد المطلب :مثلك أيها
الملك من سر وبر ) ،(10فما هو فداك أهل الوبر زمرا " بعد زمر ) (11؟
فقال :إذا ولد بتهامة ،غلم بين كتفيه شامة ،كانت له المامة ،ولكم به
الزعامة ) (12إلى يوم القيامة ،فقال له عبد المطلب :أبيت اللعن لقد ابت )
(13بخير ما آب بمثله وافد ،ولول هيبة الملك وإجلله وإعظامه
) (1هكذا في نسخة المصنف ،ولعله مصحف :ونحل كما في كمال الدين والكنز،
وفي كمال الدين بعد ذلك :يعنى عطاء جزيل .وفي الكنز :يعنى يعطى
عطاء جزيل (2) .في كمال الدين والكنز :فأنتم (3) .الحباء :العطية(4) .
فأدناه وأخله خ ل ،وفي كمال الدين :فأدنى مجلسه وأخله (5) .في كمال
الدين :يا عبد المطلب (6) .في كمال الدين :من سر على أمر ما لو كان.
وفي الكنز :من سر علمي ما لو يكون (7) .أي لم أظهره (8) .أطلعه على
سره :أظهره له .وفي كمال الدين والكنز .فأطلعتك عليه (9) .في هامش
نسخة المصنف :واختبيناه خ ل واحتجناه خ ل الكراجكى .قلت :الموجود
في كمال الدين .وحجبناه وفي الكنز :واحتجبناه .والظاهر أن الخير
مصحف لن احتجب لم يستعمل متعديا ،وأما واحتجناه لعله من احتجن
الشى :جذبه ،والمال :ضمه إلى نفسه واحتواه (10) .المصدر خال عن
كلمة من ،يقال :رجل سر برأى يسر ويبر (11) .زمنا من بعد زمن خ ل.
) (12في المصدر :الدعامة :والدعامة :عماد البيت ،ودعامة القوم:
سيدهم (13) .أي رجعت.
] [ 189
لسألته من أسراره ما أزداد به سرورا " ) ،(1فقال ابن ذي يزن :هذا حينه الذي
يولد فيه ،أو قد ولد فيه ،اسمه محمد ،يموت أبوه وامه ،ويكفله جده
وعمه ،وقد ولداه سرارا " ) (2وال باعثه جهارا " ،وجاعل له منا
أنصارا " ،يعز بهم أوليائه ،ويذل بهم أعدائه ،يضرب بهم الناس عن
عرض (3) ،ويستفتح بهم ) (4كرائم الرض ،يكسر الوثان ،ويخمد
النيران ،ويعبد الرحمن ،ويزجر ) (5الشيطان ،قوله فصل ،وحكمه عدل،
يأمر بالمعروف ويفعله ،وينهى عن المنكر ويبطله ،فقال عبد المطلب :أيها
الملك عز جدك ) ،(6وعل كعبك ،ودام ملكك ،وطال عمرك ،فهل الملك
ساري بإفصاح ) (7فقد أوضح لي بعض اليضاح ؟ فقال ابن ذى يزن:
والبيت ذي الحجب ،والعلمات على البيت ) ،(8إنك يا عبد المطلب لجده
غير كذب ،قال :فخر عبد المطلب ساجدا " ،فقال له :ارفع رأسك ،ثلج
صدرك ،وعل أمرك ،فهل أحسست شيئا " مما ذكرته لك ،فقال ) :(9كان
لي ابن وكنت به معجبا " ،وعليه رفيقا ) ،(10فزوجته كريمة من كرائم
قومي :آمنة بنت وهب ،فجاءت بغلم فسميته محمدا " ،مات أبوه وأمه
) (1في المصدر :لسألته عن مسارة أياى ما ازداد به سرورا .ونسخة من كمال
الدين يوافق المتن (2) .ولدناه مرارا خ ل الكراجكى .قلت :في كمال
الدين ،وقد ولد سرارا .وفي نسختنا المخطوطة :فقال ابن ذى يزن :نبى
يبعث من عقبك ،ورسول من فرعك ،اسمه محمد )أحمد خ ل( هذا حينه
الذى يولد فيه أوقد ولد فيه ،اسمه محمد ،يموت أبوه وامه ،ويكفله جده
وعمه ،وقد ولد اسرارا " (3) .يقال :خرجوا يضربون الناس عن
عرض :أي عن شقة وناحية كيفما اتفق ل يبايون من ضربوا(4) .
يستبيح به خ ل ،وهو الموجود في الكنز وفي كمال الدين :تستبيح(5) .
ويدحر خ ل وهو الموجود في الكنز وفي نسختنا المخطوطة من كمال
الدين ،ودحره :طرحه وأبعده (6) .عز جارك خ ل ) (7بايضاح خ ل(8) .
في المصدر :على النصب (9) .بعد ذلك في نسختنا المخطوطة من كمال
الدين :فقال عبد المطلب :نعم أيها الملك ،كان إه (10) .وبه شفيقا خ ل
قلت :في الكنز :وعليه شفيقا.
] [ 190
وكفلته أنا وعمه ) ،(1فقال ابن ذي يزن :إن الذي قلت لك كما قلت ) (2فاحتفظ
بابنك ،واحذر عليه اليهود ،فإنهم له أعداء ،ولن يجعل ال لهم عليه
سبيل ،واطو ما ذكرت لك دون هؤلء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن
تدخلهم النفاسة أن تكون له الرئاسة ) (3فيطلبون له الغوائل ،وينصبون
له الحبائل ،وهم فاعلون أو أبنائهم ) ،(4ولول علمي بأن الموت مجتاحي
قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى صرت ) (5بيثرب دار ملكه نصرة له،
لكني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق ) (6أن يثرب دار ملكه ،وبها
استحكام أمره ،وأهل نصرته ،وموضع قبره ،ولول أني أخاف فيه العاهات،
وأحذر عليه العاهات لعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت،
ولوطأت أسنان العرب عقبه ،ولكني صارف إليك عن ذلك غير تقصير )(7
مني بمن معك ،قال :ثم أمر لكل رجل من القوم بعشرة أعبد ،وعشر إماء،
وحلتين من البرود ،ومأة من البل ،وخمسة أرطال ذهب ،وعشرة أرطال
فضة ،وكرش ) (8مملوة عنبرا " ،وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك،
وقال :إذا حال الحول فأتني ،فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول ،قال:
وكان عبد المطلب كثيرا " ما يقول :يا معشر قريش ل يغبطني رجل منكم
بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ،ولكن يغبطني ) (9بما يبقى لي
ولعقبي من بعدي ذكره وفخره
) (1في هامش نسخة المصنف نقل عن الكنز زيادة :بين كتفيه شامة ،وكل ما
ذكرت من علمته .قلت :هو موجود في الكنز أيضا (2) .في كمال الدين:
كما قلت لك (3) .أن تكون لك الرياسة خ ل وهو الموجود في الكنز(4) .
في الكنز :لو أنبأتهم ،ونقله المصنف في الهامش عنه أيضا .وفي الكنز
وكمال الدين :ولول أنى أعلم أن الموت مجتاحى إه (5) .حتى أصير خ ل
وهو الموجود في المصدر (6) .الباسق خ ل وهو الموجود في الكنز(7) .
ولكني صارف ذلك اليك من غير تقصير خ ل (8) .الكرش :وعاء الطيب
والثوب (9) .ليغبطني.
] [ 191
وشرفه ،فإذا قيل :متى ذلك ) (1؟ قال :ستعلمن نبأ ما أقول ولو بعد حين ،وفي ذلك
يقول امية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن :جلبنا الضح )(2
تحمله المطايا * على أكوار أجمال ونوق مغلغلة مرافقها ) (3تعالى * إلى
صنعاء من فج عميق تؤم بنا ابن ذي يزن وتهدى * ذوات بطونها أم
الطريق وتزجى ) (4من مخائله بروقا * مواصلة الوميض إلى بروق فلما
وافقت صنعاء صارت ) * (5بدار الملك والحسب العريق إلى ملك يدر لنا
العطايا * بحسن بشاشة الوجه الطليق ) - 12 (6عم :عن أبي صالح ،عن
ابن عباس مثله ،ثم قال :روى هذا الحديث الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين
البيهقي في كتاب دلئل النبوة من طريقين ) - 13 .(7كنز الكراجكى :عن
الحسين بن عبيدال الواسطي ،عن التلعكبري ،عن محمد بن همام وأحمد
بن هوذه ،عن الحسين بن محمد بن جمهور ،عن أبيه ،عن علي بن حرب
مثله ) .(8ايضاح :قوله :مرتفقا ،قال الجزري .المرتفق :المتكئ على
المرفقة وهي كالوسادة ،ومنه حديث ابن ذي يزن :اشرب هنيئا عليك التاج
مرتفقا .وقال الفيروز آبادي :روضة محلل :تحل كثيرا " .انتهى.
) (1فإذا قيل له :وما ذلك ؟ خ ل وهو الموجود في الكنز (2) .النصح خ ل وفي
كمال الدين :جلينا النصح ،وفي الكنز :جليبا النصح (3) .مراقعها خ ل
وهو الموجود في الكنز (4) .وترعى خ ل وهو الموجود في الكنز(5) .
في الكنز :حلت (6) .كمال الدين (7) .107 - 105 :اعلم الورى 10 :و
.11وفيه اختصار واختلف لفظي (8) .كنز الكراجكى .84 - 82 :قلت:
ذكره المسعودي ملخصا في مروج الذهب في وفود عبد المطلب على
معدى كرب بن سيف بن ذى يزن.
] [ 192
والرومة بالفتح :أصل الشجرة .قوله :وعذبت في أكثر النسخ بالباء الموحدة ،وفي
بعضها بالمثناة من العذاة :الرض الطيبة البعيدة من الماء والسباخ ،وفي
بعضها عزت ،وفي بعضها عظمت .والجرثومة بالضم :الصل .وبسق
النخل :طال .قوله :أبيت اللعن ،قال الجزري :كان هذا في تحايا الملوك في
الجاهلية والدعاء لهم ،معناه أبيت أن تفعل فعل تلعن بسببه وتذم انتهى.
وقيل :أي أجارك ال أن تفعل ما تلعن به والسدنة جمع السادن وهو
الخادم :وأشخصنا ،أي أخرجنا وأتى بنا .وأبهجنا أي أفرحنا .وفدحنا أي
ثقل علينا .والمرزئة :المصيبة .والربحل بكسر الراء ،وفتح الباء الواسع
العطاء .والجزل :العظيم .قوله :وأنتم أهل الليل ،وأهل النهار ،أي نصحبكم
ونأنس بكم في الليل والنهار .والحباء :العطاء ،والظعن :الرتحال .قوله:
انتبه لهم ،أي ذكرهم مفاجاة .قوله :أخبرناه ،في بعض النسخ :اختبيناه،
أي أخفيناه ،وفي روايات العامة :احتجناه بالحاء المهملة ،ثم التاء ،ثم
الجيم ،ثم النون المشددة ،قال الجزري :الحتجان جمع الشئ وضمه إليك،
ومنه حديث ابن ذي يزن واحتجناه دون غيرنا .والشأمة ) (1بالهمزة وقد
يخفف :الخال في الجسد ،والمراد بها هنا خاتم النبوة .والزعامة :الشرف
والرئاسة .قوله :ولداه سرارا ،في بعض الروايات :وقد ولدناه مرارا ،أي
كانت غير واحدة من جداته من قبيلتنا من اليمن .قوله :عن عرض،
بالضم ،أي من اعترض لهم من أي ناحية وجانب كان ،يعني إذا لم يوافقهم
في دينهم ،قال الفيروز آبادي :ويضربون الناس عن عرض :ل يبالون من
يضربون .وقال :الكعب :الشرف والمجد .وقال الجزرى :ل يزال كعبك
عاليا " ،أي ل تزال شريفا " مرتفعا " على من يعاديك .قوله :والعلمات
على البيت ،في بعض الروايات على النصب ،وفسر بحجارة كانوا يذبحون
عليها للصنام ،ويحتمل أن يكون المراد أنصاب الحرم .وقال الجزرى:
ثلجت نفسي بالمر :إذا اطمأنت إليه وسكنت .وثبت فيها ووثقت به ،ومنه
حديث ابن
) (1بل الظاهر أنه أجوف ياتي من شام يشيم ،ظهرت في جلده شامة.
] [ 193
ذي يزن :وثلج صدرك .والمراد بالنفاسة :الحسد ،وفي الصل بمعنى البخل ،و
الستبداد بالشئ ،والرغبة فيه .والغوائل جمع الغائلة وهي الشر.
والحبائل :المصائد .والجتياح :الهلك والستيصال .وقال الجزري :في
حديث ابن ذي يزن :لوطئن أسنان العرب كعبه ،يريد ذوي أسنانهم وهم
الكابر والشراف انتهى ،أي لرفعته على أشرافهم ،وجعلتهم موضع قدمه.
وقال الجزري :فيه يكون رسول ال في الضح والريح ،قال الهروي :أراد
كثرة الخيل والجيش ،يقال :جاء فلن بالضح والريح ،أي بما طلعت عليه
الشمس ،وهبت عليه الريح ،يعنون المال الكثير ،وقال :الكوار جمع كور
بالضم وهو رحل الناقة بأداته ،وقال :في حديث ابن ذي يزن :مغلغلة
مغالقها تعالى * إلى صنعاء من فج عميق .المغلغلة بفتح الغينين :الرسالة
المحمولة من بلد إلى بلد ،وبكسر الثانية :المسرعة من الغلغلة :سرعة
السير .قوله :تعالى ،أي تتصاعد وتذهب ،قوله :وتهدى في أكثر الروايات،
وتفرى أي تقطع .وام الطريق :معظمه .والزجاء :السوق ،والدفع.
والمخائل جمع المخيلة وهي السحابة التي تحسبها ماطرة .والوميض:
لمعان البرق - 14 .ك :القطان وابن موسى ومحمد بن أحمد الشيباني )(1
جميعا " ،عن ابن زكريا القطان ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عبد ال بن
محمد ،عن أبيه ،عن الهيثم ،عن محمد بن السائب ،عن أبي صالح ،عن
ابن عباس ،عن أبيه العباس بن عبد المطلب ،عن أبي طالب قال :خرجت
إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولد رسول ال صلى ال عليه واله،
وكان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال
قومي ) :(2ما تريد أن تفعل بمحمد ؟ وعلى من تخلفه ؟ فقلت :ل اريد أن
اخلفه على أحد ،يكون معي ،فقيل :صغير في حر )(3
) (1السنانى خ ل (2) .في المصدر :قال لى رجال من قومي (3) .في المصدر :ل
اريد أن اخلفه على أحد من الناس ،أريد أن يكون معى ،فقيل :غلم صغير
في حر.
] [ 194
مثل هذا تخرجه معك ؟ فقلت :وال ل يفارقني حيث توجهت أبدا " ،وإني ل وطئ
له الرحل ،فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكنا ركبانا " كثيرا " ) ،(1فكان
وال البعير الذي عليه محمد أمامي ل يفارقني وكان يسبق الركب كلهم،
وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف
على رأسه ول تفارقه ،وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه
وهي تسير معنا ،وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا ل نصيب قربة إل
بدينارين ،وكنا حيث ما نزلنا تمتلي الحياض ،ويكثر الماء وتخضر
الرض ،فكنا في كل خصب وطيب من الخير ،وكان فينا ) (2قوم قد وقفت
جمالهم فمشى إليها رسول ال ومسح عليها فسارت ) ،(3فلما قربنا من
بصرى ) (4إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة
حتى إذا قربت منا وقفت ،فإذا فيها راهب وكانت السحابة ل تفارق رسول
ال صلى ال عليه واله ساعة واحدة ،وكان الراهب ل يكلم الناس ،ول
يدري ما الركب ،وما فيه من التجار ) ،(5فلما نظر إلى النبي صلى ال
عليه واله عرفه ،فسمعته يقول :إن كان أحد فأنت أنت ،قال :فنزلنا تحت
شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الغصان ،ليس لها حمل ،وكان
الركب ينزل تحتها ،فلما نزلها رسول ال صلى ال عليه واله اهتزت
الشجرة ،وألقت أغصانها على رسول ال ،وحملت من ثلثة أنواع من
الفاكهة :فاكهتان للصيف ،وفاكهة للشتاء ،فتعجب جميع من معنا من ذلك،
فلما رأى بحيراء ) (6الراهب ذهب فاتخذ طعاما " لرسول ال بقدر ما
يكفيه ،ثم جاء وقال :من يتولى أمر هذا الغلم ؟ فقلت :أنا ،فقال ،أي شئ
تكون منه ؟ فقلت :أنا عمه ،فقال :يا هذا إن له أعماما " ،فأي العمام أنت
؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة،
) (1في المصدر :فحشوت له حشية كساء وكتانا وكنا ركبانا كثيرا " (2) .في
المصدر :وكان معنا (3) .في المصدر :فمسح يده عليها فسارت (4) .في
المصدر :بصرى الشام .قلت :بصرى بالضم والقصر :من أعمال دمشق،
وهى قصبة كورة حوران (5) .في المصدر :ول ما فيه من التجارة(6) .
في سيرة ابن هشام والقاموس :بحيرى بالقصر ،وظاهر المصدر ونسخة
المصنف بالمد حيث أنه اثبت فيهما باللف.
] [ 195
فقال :أشهد أنه هو وإل فلست بحيراء ،ثم قال :يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام
منه ليأكله ،فقلت له :قربه إليه ) ،(1فالتفت إلى النبي صلى ال عليه واله
فقلت ) (2له :يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل ،فقال :هو لي دون أصحابي
؟ فقال بحيراء :نعم هو لك خاصة ،فقال النبي صلى ال عليه واله :فإني ل
آكل دون هؤلء ،فقال بحيراء :إنه لم يكن عندي أكثر من هذا ،فقال:
أفتأذن يا بحيراء أن يأكلوا معي ؟ فقال :نعم ،فقال :بسم ال ) ،(3فأكل و
أكلنا معه ،فو ال لقد كنا مأة وسبعين رجل " ،وأكل ) (4كل واحد منا حتى
شبع و تجشأ ،وبحيراء قائم على رأس رسول ال صلى ال عليه واله يذب
عنه ،ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام ،وفي كل ساعة يقبل رأسه
ويافوخه ) ،(5ويقول :هو هو ورب المسيح ،والناس ل يفقهون ) ،(6فقال
رجل من الركب :إن لك لشأنا " ،وقد كنا نمر بك قبل اليوم فل تفعل بنا هذا
البر ،فقال بحيراء :وال إن لي لشأنا " وشأنا " ،وإني لرى مال ترون،
وأعلم ما ل تعلمون ،وإن تحت هذه الشجرة لغلما " لو كنتم تعلمون منه
ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه ،وال ما أكرمتكم إل
له ،ولقد رأيت ) (7وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والرض ،ولقد
رأيت رجال " في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ،وآخرين
ينثرون عليه أنواع الفواكه ،ثم هذه السحابة ل تفارقه ،وصومعتي )(8
مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ،ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة
قليلة الغصان وقد كثرت أغصانها واهتزت و
) (1في المصدر :بعد ذلك :ورأيته كارها لذلك والتفت (2) .فقال له خ ل ،قلت:
فعليه فيكون ما قبله فالتقت بصيغة الغائب (3) .في المصدر :كلو بسم
ال (4) .فأكل خ ل (5) .اليافوخ :الموضع الذى يتحرك من رأس الطفل،
وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها وأعلها ل يلبث أن تلتقي فيه
العظام (6) .في المصدر :ل يفهمون (7) .ولقد رأيته خ ل (8) .في
المصدر :ثم صومعتي.
] [ 196
حملت ثلثة أنواع من الفواكه :فاكهتان للصيف ،وفاكهة للشتاء ،ثم هذه الحياض
التي غارت وذهب ماءها أيام تمرج ) (1بني اسرائيل بعد الحواريين حين
وردوا ) (2عليهم ،فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت
وذهب ماءها ،ثم قال :متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء
فاعلموا أنه لجل نبي يخرج في أرض تهامة ،مهاجره إلى المدينة ،اسمه
في قومه المين ،وفي السماء أحمد ،وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم
لصلبه ،فو ال إنه لهو ،ثم قال بحيراء :يا غلم أسألك عن ثلث خصال
بحق اللت والعزى إل ما أخبر تنيها ،فغضب رسول ال صلى ال عليه
واله عند ذكر اللت والعزى ،وقال :ل تسألني بهما ،فو ال ما أبغضت
شيئا " كبغضهما ،إنهما صنمان من حجارة لقومي ،فقال بحيراء :هذه
واحدة ،ثم قال :فبال إل ما أخبرتني ،فقال :سل عما بدالك فإنك قد سألتني
بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ ،فقال :أسالك عن نومك ويقظتك،
فأخبره عن نومه و يقظته واموره وجميع شأنه ) ،(3فوافق ذلك ما عند
بحيراء ) ،(4فأكب عليه بحيراء يقبل رجليه ويقول :يا بني ما اطيب ريحك
؟ يا أكثر النبيين أتباعا " ،يا من بهاء نور الدنيا من نوره ،يا من بذكره
تعمر المساجد ،كأنني بك قد قدت ) (5الجناد والخيل الجياد ،وتبعك العرب
والعجم طوعا " وكرها " ،وكأنني باللت والعزي وقد كسرتهما ،وقد صار
البيت العتيق ل يملكه غيرك ،تضع مفاتيحه حيث تريد ،كم من بطل من
قريش والعرب تصرعه ؟ ! معك مفاتيح الجنان والنيران ،معك الذبح )(6
الكبر وهلك الصنام ،أنت الذي ل تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها
في دينك صاغرة قمئة ،فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول :لئن
أدركت زمانك لضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند ،أنت سيد ولد
آدم ،و
) (1أي أيام فسادهم واضطرابهم (2) .ردوا خ ل ظ (3) .في المصدر :أسألك عن
نومك وهيأتك وامورك ويقظتك ،فأخبره عن نومه .وهيأته واموره
وجميع شأنه (4) .فوافق ما عند بحيراء من صفة التى عنده خ ل ،وهو
الموجود في المصدر (5) .من قاد الدابة ،مشى أمامها آخذ بقيادها .وقاد
الجيش :كان رئيسا عليهم (6) .الريح خ ل.
] [ 197
سيد المرسلين ،وإمام المتقين ،وخاتم النبيين ،وال لقد ضحكت الرض يوم ولدت
فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا " بك ،وال لقد بكت البيع والصنام،
والشياطين ) (1فهي باكية إلى يوم القيامة ،أنت بدعوة إبراهيم )،(2
وبشارة عيسى ،أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية ،ثم التفت إلى
أبي طالب فقال :ما يكون هذا الغلم ) (3منك فإني أراك ل تفارقه ؟ فقال
أبو طالب :هو أبني ،فقال :ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغلم أن يكون
والده الذي ولده حيا " ول امه ،فقال :إنه ابن أخي وقد مات أبوه وامه
حاملة به ،و ماتت امه وهو ابن ست سنين ،فقال :صدقت هكذا هو ،ولكني
أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه ،فإنه ما بقي على ظهر الرض
يهودي ول نصراني ول صاحب كتاب إل وقد علم بولدة هذا الغلم ،ولئن
رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا " ) ،(4وأكثر ذلك من
اليهود ،فقال أبو طالب :ولم ذلك ؟ قال :لنه كائن لبن أخيك الرسالة
والنبوة ،ويأتيه الناموس الكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى ،فقال أبو
طالب :كل إن شاء ال لم يكن ال ليضيعه ،ثم خرجنا به إلى الشام فلما
قربنا من الشام رأيت وال قصور الشامات كلها قد اهتزت ،وعل منها نور
أعظم من نور الشمس ،فلما توسطت ) (5الشام ما قدرنا أن نجوز سوق
الشام من كثرة ما ازدحم الناس ينظرون إلى وجه رسول ال صلى ال
عليه واله ،وذهب الخبر إلى جميع الشامات حتى ما بقى فيها حبر ول
راهب إل اجتمع عليه ،فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس مقابله
ينظر إليه ول يكلمه بشئ ،حتى فعل ذلك ثلثة أيام متوالية ،فلما كانت
الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا "،
فقلت :يا راهب كأنك تريد منه شيئا " ؟ قال :أجل إني اريد منه شيئا " ،ما
اسمه ؟ قلت :محمد بن عبد ال ،فتغير وال لونه ،ثم قال:
) (1في المصدر :والشياطين يوم ولدت (2) .أنت دعوة إبراهيم خ ل ،وهو
الموجود في المصدر (3) .قد سأل عن ذلك قبل ذلك ولعله وهم من قبل
النساخ (4) .في المصدر :ل بتغوه شرا (5) .توسطنا خ ل.
] [ 198
فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لنظر إليه ؟ فكشف عن ظهره فلما رأى
الخاتم أكب عليه ) (1يقبله ويبكي ،ثم قال :يا هذا اسرع برد هذا الغلم إلى
موضعه الذي ولد فيه ،فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي
تقدمه معك ،فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام ،فلما خرجنا
منها أتاه بقميص من عنده ،فقال له :ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني
به ؟ فلم يقبله ،ورأيته كارها " لذلك ،فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم،
وقلت :أنا البسه ،وعجلت به حتى رددته إلى مكة ،فو ال ما بقي بمكة
يومئذ امرأة ول كهل ول شاب ول صغير ول كبير إل استقبله ) (2شوقا "
إليه ما خل أبو جهل ) (3لعنه ال ،فإنه كان فاتكا " ماجنا " قد ثمل من
السكر ) .(4بيان :قوله :حشية زكتأ الزكت :المل ،وفي بعض النسخ دكتأ )
،(5ولم أعرف له معنى ،وفي بعضها ريشا " وكتانا " كثيرا " ،وهو
أصوب .قوله وضاق الماء بنا ،لعل المراد به في غير هذه المرة أو أول ".
والمرج بالتحريك :الفساد والغلق والضطراب .قوله قمئة أي ذليلة.
والزند :الذي يقدح به النار .والفاتك :الذي يرتكب ما دعت إليه النفس.
والجري ) :(6الشجاع .والماجن :الذي ل يبالي قول " وفعل " .والثمل:
السكر ،يقال :ثمل كفرح .والمراد هنا شدته ،أو السكر بالتحريك ،وهو
الخمر ،ونبيذ يتخذ من التمر - 15 .ك :بالسناد المتقدم عن عبد ال بن
محمد ،عن أبيه ،وعبد الرحمن بن محمد ،عن محمد ابن عبد ال بن أبي
بكر بن عمرو بن هرثم ) ،(7عن أبيه ،عن جده أن أبا طالب قال :لما فارقه
بحيراء بكى بكاء شديدا " وأخذ يقول :ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب
بوترها،
) (1في المصدر :انكب عليه (2) .في المصدر :ال استقبلوه (3) .ما خل أبا جهل
ظ (4) .كمال الدين (5) .110 - 107 :الصحيح :وكتأ بالواو وهو أيضا
بمعنى الملء (6) .لم تكن في الحديث لفظة جرى (7) .في المصدر:
المطبوع :أبى عمرو بن هرثم ،وفي نسختنا المخطوطة :أبى عمرو بن
خزيم.
] [ 199
وقد قطعك القارب ،ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الولد ،ثم التفت إلي وقال :أما
أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة ،واحفظ فيه وصية أبيك ،فإن قريشا
" ستهجرك فيه ،فل تبال فإني أعلم أنك ل تؤمن به ) ،(1ولكن ،سيؤمن به
ولد تلده ،وسينصره نصرا " عزيزا " ،اسمه في السماوات البطل
الهاصر ،والشجاع القرع ) ،(2منه الفرخان المستشهدان ،وهو سيد
العرب ورئيسها ) ،(3وذو قرنيها ،وهو في الكتب أعرف من أصحاب
عيسى عليه السلم ،فقال أبو طالب :قد رأيت وال كل الذي وصفه بحيراء
وأكثر ) - 16 .(4عم :أورد محمد بن إسحاق بن يسار ،وساق مثل هذا
الخبر ثم قال :وفي ذلك يقول أبو طالب في قصيدته الدالية أوردها محمد
بن إسحق بن يسار :إن ابن آمنة النبي محمدا " * عندي بمثل منازل
الولد لما تعلق بالزمام ) (5رحمته * والعيس قد قلصن بالزواد فارفض
من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرد الفراد ) (6راعيت فيه قرابة
موصولة * وحفظت فيه وصية الجداد وأمرته بالسير بين عمومة * بيض
الوجوه مصالت النجاد ساروا لبعد طية معلومة * ولقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لقوا على شرف من المرصاد
) (1في المصدر المطبوع :فل تبالي ،وإنى أعلم أنك ل تؤمن به ظاهرا ،وستؤمن
به باطنا .و مثله في نسختنا المخطوطة ال أنه قال :وتؤمن باطنا .فعلى
ذلك فقوله بعد ذلك :ولكن سيؤمن به ولد تلده أي سيؤمن به ظاهرا
وباطنا (2) .النزع خ ل وهو الموجود في المصدر (3) .في المصدر:
رئيسها وزينها (4) .كمال الدين (5) .110 :ايعاز إلى ما في حديث محمد
بن اسحاق :فلما تهيأ أبو طالب للرحيل وأجمع المسير انتصب )أوصب به
كما في السيرة( له رسول ال صلى ال عليه وآله فأخذ بزمام ناقته وقال:
يا عم إلى من تكلني ؟ (6) .في المصدر :مفرق الفراد.
] [ 200
حبرا " فأخبرهم حديثا " صادقا " * عنه ورد معاشر الحساد قوما " يهودا "
قدرءوا ما قد رأى * ظل الغمام وعز ذي الكباد ساروا لقتل محمد فنهاهم
* عنه وأجهد أحسن الجهاد ) (1بيان :-البطل :الشجاع ،والهاصر :السد
الشديد الذي يفترس ويكسر ،والقرع المراد به الصلع ،وأما قوله :أعلم
أنك ل تؤمن به المراد به اليمان الظاهري (2) ،والعيس بالكسر :البل
البيض يخالط بياضها شئ من الشقرة .قوله :قد قلصن ،أي اجتمعن
وانضممن ،والزواد جمع الزاد وهو الطعام المتخذ للسفر ،والجمان هو
اللؤلؤ الصغار ،وقيل :حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ ،والمصالت جمع
المصلت بالكسر وهو الماضي في المور ،والنجاد جمع نجد بالفتح وهو
الشجاع ،وقال الجوهري :قال الخليل :الطية تكون منزل ،وتكون منتأى )
،(3تقول :من مضى لطية أي لنيته التي انتواها ،وبعدت عنا طيتة ،وهو
المنزل الذي انتواه - 17 .ك :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير،
عن أبان بن عثمان يرفعه قال :لما بلغ رسول ال صلى ال عليه واله أراد
أبو طالب يخرج إلى الشام في عير قريش ،فجاء رسول ال صلى ال عليه
واله وتشبث بالزمام وقال :يا عم على من تخلفني ؟ ل على ام ،ول على
أب وقد كانت امه توفيت ،فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه ،وكانوا
إذا ساروا
) (1اعلم الورى ،13 - 11 :وقد ذكره أيضا ابن هشام (2) .197 - 194 :1قد
عرفت أن نسخة المصنف كان ناقصا ،وأن الموجود في المصدر :إنك ل
تؤمن به ظاهر أو ستؤمن به باطنا .وعلى أي فاجماع جمهور المامية
على أن أبا طالب كان مؤمنا ولم يكن يظهر إيمانه لمصلحة تعود إلى
النبي صلى ال عليه وآله ،وفي مواضع من نفس ذلك الحديث ايضا
دللت على ايمانه كقوله :النبي محمدا " ،وقوله :حبرا فأخبرهم حديثا
صادقا ،وذمه اليهود ووصفه إياهم بالحساد ،بل نفس الخبار بتلك الدلئل
والمعاجزات دللة ظاهرة على ايمانه به صلى ال عليه وآله وسلم .أضف
إلى ذلك كله روايات كثيرة وردت في ذلك وأشعاره التى تدل صريحا على
ايمانه بال ورسوله ،ونفيه النداد وما كان يعبد من دون ال قومه،
وسيوافيك طرف من ذلك انشاء ال في محله (3) .المنتأى :الموضع
البعيد.
] [ 201
تسير على رأس رسول ال الغمامة تظله من الشمس ،فمروا في طريقهم برجل
يقال له :بحيراء ،فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته ،فأخذ
لقريش طعاما " وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه فأتوه ،وخلفوا رسول ال
صلى ال عليه واله في الرحل ،فنظر بحيراء إلى الغمامة قائمة ،فقال لهم:
هل بقي منكم أحد لم يأتني ؟ فقالوا :ما بقي منا إل غلم حدث خلفناه في
الرحل ،فقال :ل ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم ،فبعثوا إلى رسول
ال صلى ال عليه واله فلما أقبل أقبلت الغمامة ،فلما نظر إليه بحيراء قال:
من هذا الغلم ؟ قالوا :ابن هذا ،وأشاروا إلى أبي طالب ،فقال له بحيراء:
هذا ابنك ؟ فقال أبو طالب :هذا ابن أخي ،قال :ما فعل ابوه ؟ قال :توفي
وهو حمل ،فقال بحيراء لبي طالب :رد هذا الغلم في بلده ،فإنه إن علمت
منه اليهود ما أعلم منه قتلوه ،فإن لهذا شأنا " من الشأن ،هذا نبي هذه
المة ،هذا نبي السيف ) - 18 .(1ك :القطان وابن موسى والسناني جميعا
" ،عن ابن زكريا القطان ،عن محمد ابن إسماعيل ،عن عبد ال بن محمد،
قال :حدثني أبي وحدثني الهيثم بن عمر المزني ،عن عمه ،عن يعلى
النسابة قال :خرج خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق ابن أبي سفيان بن
امية تجارا " إلى الشام سنة خرج رسول ال صلى ال عليه واله فيها،
فكانا معه ،وكانا يحكيان أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش
والطير ،فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا
متغيري اللوان ،كأن على وجوهم الزعفران نرى منهم الرعد ) ،(2فقالوا:
يجب ) (3أن تأتوا أكبرنا ،فإنه هاهنا قريب في الكنيسة العظمى ،فقلنا :ما
لنا ولكم ؟ فقالوا :ليس يضركم من هذا شئ ،ولعلنا نكرمكم ،وظنوا أن
واحد منا محمد ،فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان،
فإذا " كبيرهم قد توسطهم وحوله تلمذته ،وقد نشر كتابا " في يده )،(4
فأخذ ينظر
) (1كمال الذين (2) .110 :في المصدر :ترى منهم الرعدة (3) .نحب خ ل وفي
المصدر :نحب أن تأتوا كبيرنا (4) .في المصدر المطبوع :في يديه ،وفي
نسختنا المخطوطة :بين يديه.
] [ 202
إلينا مرة ،وفي الكتاب مرة ،فقال لصحابه :ما صنعتم شيئا " ،لم تأتوني بالذي
اريد ،وهو الن هاهنا ،ثم قال لنا :من أنتم ؟ قلنا :رهط من قريش ،فقال:
من أي قريش ؟ فقلنا :من بني عبد شمس ،فقال لنا :معكم غيركم ؟ فقلنا:
نعم شاب من بني هاشم ،نسميه يتيم بني عبد المطلب ،فو ال لقد نخر
نخرة ) (1كاد أن يغشى عليه ،ثم وثب فقال :أوه أوه هلكت النصرانية
والمسيح ،ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه وهو مفكر وحوله ثمانون
رجل " من البطارقة والتلمذة ،فقال لنا :فيخف عليكم أن ترونيه ؟ فقلنا
له :نعم ،فجاء معنا ،فإذا " نحن بمحمد ،قائم في سوق بصرى ،وال لكأنا
لم نر وجهه إل يومئذ ،كان هلل " يتلل من وجهه ،قد ربح الكثير،
واشترى الكثير فأردنا أن نقول للقين ) :(2هو هذا ،فإذا " هو قد سبقنا
فقال :هو ) (3قد عرفته والمسيح فدنا منه ،وقبل رأسه ،وقال :أنت
المقدس ،ثم أخذ يسأله عن أشياء من علماته فأخذ النبي صلى ال عليه
واله يخبره فسمعناه يقول :لئن أدركت زمانك لعطين السيف حقه ،ثم قال
لنا :أتعلمون ما معه معه الحياة والموت ؟ من تعلق به حيي طويل " ،ومن
زاغ عنه مات موتا " ل يحي بعده أبدا " ،هو الذي معه الربح العظم ،ثم
قبل وجهه ) (4ورجع راجعا " ) .(5بيان :قوله :للقين :القين العبد،
ولعلهم أرادوا أن يغلطوه ويكذبوه فأرادوا أن يشيروا إلى عبد أنه هو
فعرفه قبل ذلك ،وفي بعض النسخ للقس وهو الظاهر - 19 .ك :القطان
وابن موسى والسناني جميعا " ،عن ابن زكريا القطان ،عن محمد بن
إسماعيل ،عن عبد ال بن محمد ،عن أبيه ،وقيس بن سعد الدئلي ،عن
عبد ال بن بحير الفقعسي ) ،(6عن بكر بن عبد ال الشجعي ،عن آبائه
قالوا :خرج سنة خرج
) (1نخر النسان :مد الصوت والنفس في خياشمه (2) .للقس خ ل وهو الموجود
في المصدر المطبوع والمخطوط (3) .في المصدر المطبوع :هو هو(4) .
في المصدر :هذا الذى معه الذبح العظم ثم قبل راسه (5) .كمال الدين:
(6) .111الفقعسى بفتح الول ثم السكون ثم الفتح :نسبة إلى فقعس بن
الحارث بن ثعلبة بن داود ابن أسد بن خزيمة.
] [ 203
رسول ال صلى ال عليه واله إلى الشام عبد مناة بن كنانة ،ونوفل بن معاوية بن
عروة بن صخر بن نعمان بن عدى تجارا " إلى الشام ،فلقاهما أبو
چالمويهب الراهب فقال لهما :من أنتما ؟ قال :نحن تجار من أهل الحرم
من قريش ،فقال لهما :من أي قريش ؟ فاخبراه ،فقال لهما :هل قدم معكما
من قريش غيركما ؟ قال :نعم شاب مع بني هاشم اسمه محمد ،فقال أبو
المويهب :إياه وال أردت ،فقال :وال ما في قريش أخمل ) (1منه ذكرا
" ،إنما يسمونه بيتيم ) (2قريش ،وهو أجير لمرأة منا يقال لها :خديجة،
فما حاجتك إليه ؟ فأخذ يحرك راسه ويقول :هو هو ،فقال لهما :تدلني
عليه ،فقال :تركناه في سوق بصرى ،فبيناهم في الكلم إذ طلع ) (3رسول
ال صلى ال عليه واله ،فقال :هو هذا ،فخل به ساعة يناجيه و يكلمه ،ثم
أخذ يقبل بين عينيه ،وأخرج شيئا " من كمه ل ندرى ما هو ورسول ال
صلى ال عليه واله يأبى أن يقبله ،فلما فارقه قال لنا :تسمعان مني ؟ هذا
وال ) (4نبي آخر الزمان ،وال سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة
أن ل إله إل ال فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ،ثم قال :هل ولد لعمه أبي طالب ولد
يقال له :علي ؟ فقلنا :ل ،فقال :إما أن يكون قد ولد ،أو يولد في سنته ،هو
أول من يؤمن به ،نعرفه ،وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة
محمد بالنبوة ،وإنه سيد العرب وربانيها ) (5وذو قرنيها ،يعطي السيف
حقه ،اسمه في المل العلى علي ،وهو أعلى الخلئق يوم القيامة بعد
النبياء ذكرا " ،وتسميه الملئكة البطل الزهر المفلح ل يتوجه إلى وجه
إل أفلح وظفر ،وال هو
) (1خمل ذكره :خفى (2) .يتيم خ ل وهو الموجود في المصدر (3) .طلع عليهم خ
ل وهو الموجود في المصدر (4) .في نسخة من المصدر :قال لنا شمعان:
نبى هذا وال (5) .قال الجزرى :الربانى منسوب إلى الرب بزيادة اللف
والنون للمبالغة ،وقيل :هو من الرب بمعنى التربية ،كانوا يربون
المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ،والربانى :العالم الراسخ في العلم
والدين ،أو الذى يطلب بعلمه وجه ال تعالى ،وقيل :العالم العامل المعلم
انتهى وقيل :هو المتأله العارف بال.
] [ 204
أعرف بين أصحابه في السماء ) (1من الشمس الطالعة ) - 20 .(2ك :أحمد بن
محمد بن الحسين ،عن محمد بن يعقوب بن يوسف ،عن أحمد بن عبد
الجبار العطاردي ،عن يونس بن بكير ،عن محمد بن إسحاق بن بشار
المدني ) (3قال :كان زيد بن عمرو بن نفيل ) (4أجمع على الخروج من
مكة يضرب في الرض ،ويطلب الحنيفية دين إبراهيم عليه السلم ،وكانت
امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده
آذنت به الخطاب بن نفيل ) ،(5فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل
الكتاب ) (6دين إبراهيم عليه السلم ويسأل عنه ،فلم يزل في ذلك فيما
يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها ،ثم أقبل حتى أتى الشام فجال
فيها حتى أتى راهبا " من أهل البلقاء فتبعه ،كان ينتهي إليه علم
النصرانية فيما يزعمون ،فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلم
فقال له الراهب :إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم،
لقد درس علمه ،وذهب من كان يعرفه ،ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث
بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية ،فعليك ببلدك فإنه
مبعوث ،الن هذا زمانه ) ،(7ولقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم
يرض شيئا " منهما ،فخرج مسرعا " حين قال له الراهب ما قال يريد
مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه ،فقال ورقة بن نوفل )(8
وكان قد اتبع مثل
) (1في المصدر :هو أعرف من بين أصحابه في السماوات (2) .كمال الدين111 :
و (3) 112في المصدر :المدينى ،والصحيح :محمد بن اسحاق بن يسار
بالياء والسين المهملة ،وهو مؤلف السيرة التى ينقل عنه ابن هشام في
سيرته كثيرا (4) .هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد ال
بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدى بن كعب بن لوى (5) .وكان الخطاب
بن نفيل عمه وأخاه لمه ،وكان يعاتبه على فراق دين قومه ،وكان
الخطاب قد وكل صفية به وقال :إذا رأيته قد هم بأمر فاذنيني به .قال ابن
هشام في السيرة (6) .الكتاب الول خ ل وهو الموجود في المصدر(7) .
في المصدر :أل ان هذا زمانه (8) .هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد
العزى بن قصى بن كلب بن مرة بن كعب بن لوى ،وكان ممن رفض
الجاهلية ،يلتمس الحنيفية من دين ابراهيم عليه السلم ،وترك عبادة
الوثان والصنام.
] [ 205
رأي زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل فبكاه ورقة وقال فيه :رشدت وأنعمت ابن عمرو
وإنما * تجنبت تنورا " من النار حاميا بدينك ربا " ليس رب كمثله *
وتركك أوثان الطواغي كما هيا ) (1وقد تدرك النسان رحمة ربه * ولو
كان تحت الرض ستين واديا ) - 21 (2قب :عن محمد بن إسحاق مثله )
.(2بيان :قوله :شام اليهودية ،بتشديد الميم ،قال الجزري :يقال شاممت
فلنا " :إذا قاربته وتعرفت ما عنده بالختبار والكشف ،وهي مفاعلة من
الشم ،كأنك تشم ما عندك ،ويشم ما عنده لتعمل بمقتضى ذلك انتهى.
واللخم بالتحريك :وادبا لحجاز ،بسكون الخاء بللم حي باليمن - 22 .ك:
بهذا السناد عن محمد بن إسحاق بن بشار المدني ) ،(4عن محمد بن
جعفر بن الثير ،ومحمد بن عبد الرحمان بن عبد ال بن الحصين التميمي
أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قال :يا رسول ال تستغفر لزيد ) (5؟
قال :نعم فاستغفروا له ،إنه يبعث امة واحدة ) - 23 .(6ك :بالسناد
المتقدم عن يونس بن بكير ،عن المسعودي ،عن نفيل بن هشام ،عن أبيه
أن جده سعيد بن زيد سأل رسول ال صلى ال عليه واله عن أبيه زيد بن
عمر ،فقال :يا رسول
) (1بعده وادراكك الدين الذى قد طلبته * ولم تك عن توحيد ربك ساهيا .فأصبحت
في دار كريم مقامها * تعلل فيها بالكرامة لهيا .تلقى خليل ال فيها ولم
تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا ) (2كمال الدين 115 :وفيه :وقد
يدرك النسان (3) .مناقب آل أبى طالب ،11 :1والحكاية توجد في سيرة
ابن هشام نقل عن محمد بن اسحاق راجع ج (4) .250 - 247 :1قد
عرفت آنفا أن بشار مصحف يسار ،وهذا الحديث رواه ابن هشام في
السيرة عن محمد بن اسحاق بن يسار (5) .في المصدر والسيرة:
أنستغفر لزيد ؟ (6) .كمال الدين ،115 :وفيه :فانه يبعث يوم القيامة امة
واحدة.
] [ 206
ال إن بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك لمن بك ) ،(1فأستغفر له ؟
قال :نعم فاستغفر له ،وقال :إنه يجئ يوم القيامة امة واحدة ،وكان فيما
ذكروا أنه يطلب الدين فمات وهو في طلبه ) - 24 .(2ك :أبي ،عن علي،
عن أبيه ،عن ابن أبي عمير والبزنطي معا " ،عن أبان بن عثمان ،عن
أبان بن تغلب ،عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :لما دعا رسول ال صلى
ال عليه واله بكعب بن أسد ليضرب عنقه فاخرج ) (3وذلك في غزوة بني
قريظة نظر إليه رسول ال صلى ال عليه واله فقال له :يا كعب أما نفعك
وصية ابن حواش الحبر المقبل من الشام ) (4؟ فقال) :تركت الخمر
والخمير ،وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث ،هذا أوان خروجه ،يكون
مخرجه بمكة ،وهذه دار هجرته ،وهو الضحوك القتال ،يجتزئ بالكسرة و
التميرات ،ويركب الحمار العاري ،في عينيه حمرة ،وبين كتفيه خاتم
النبوة ،يضع سيفه على عاتقة ،ل يبالي بمن لقى ،يبلغ سلطانه منقطع
الخف والحافر( قال كعب :قد كان ذلك يا محمد ،ولول أن اليهود تعيرني
أني جبنت ) (5عند القتل لمنت بك وصدقتك ،ولكني على دين اليهودية
عليه أحي وعليه أموت ،فقال رسول ال صلى ال عليه واله :قدموه
واضربوا عنقه ،فقدم وضربت عنقه ) - 25 .(6ص :بالسناد إلى الصدوق
بإسناده إلى ابن اورمة ،عن عيسى بن العباس ،عن محمد بن عبد الكريم
التفليسي ،عن عبد المؤمن بن محمد رفعه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :أوحى ال تعالى جلت عظمته إلى عيسى عليه السلم :جد في
أمري ول تترك ،إني خلقتك من غير فحل آية للعالمين ،أخبرهم آمنوا بي
وبرسولي النبي المي نسله من مباركة،
) (1في المصدر :فلو أدركك كان آمن بك (2) .كمال الدين (3) .115 :في المصدر:
واخرج (4) .في المصدر :الحبر الذى أقبل من الشام (5) .جئثت خ ل
وفى هامش نسخة المصنف بخطه :جئث كفرح :ثقل عند القيام ،أو حمل
شئ ثقيل ،وكزهى جؤثا :فزع ق .قلت :في المصدر :خشيت (6) .كمال
الدين 114 ،و .115
] [ 207
وهي مع امك في الجنة طوبى لمن سمع كلمه ،وأدرك زمانه ،وشهد أيامه :قال
عيسى :يا رب وما طوبى ؟ قال :شجرة في الجنة تحتها عين ،من شرب
منها شربة لم يظمأ بعدها أبدا " ،قال عيسى :يا رب اسقني منها شربة ؟
قال :كل يا عيسى ،إن تلك العين محرمة على النبياء حتى يشربها ذلك
النبي ،وتلك الجنة محرمة على المم حتى يدخلها امة ذلك النبي )- 26 .(1
يج :فصل ونذكر هاهنا شيئا " مما في الكتب المتقدمة من ذكر نبينا ،و
كيف بشرت النبياء قبله بألفاظهم ،منها ألفاظ التوراة في هذا الباب في
السفر الول منه :إن الملك نزل على إبراهيم فقال له :إنه يولد في هذا
العالم لك غلم اسمه إسحاق فقال إبراهيم :ليت إسماعيل يعيش بين أيديك
يخدمنك ) ،(2فقال ال لبراهيم :لك ذلك ،قداستجيب في إسماعيل وإني
ابركه وآمنه ) (3واعظمه بما استجبت فيه ،وتفسير هذا الحرف محمد،
ويلد اثنى عشر عظيما " ،واصيره لمة كثيرة .وقال في التوراة :إن الملك
نزل على هاجر ام إسماعيل وقد كانت خرجت مغاضبة لسارة وهي تبكي،
فقال لها :ارجعي واخدمي مولتك ،واعلمي أنك تلدين غلما " يسمى
إسماعيل ،وهو يكون معظما " في المم ،ويده على كل يد .ولم يكن ذلك
لسماعيل ول لحد من ولده غير نبينا .وقال في التوراة :إن إبراهيم لما
أخرج إسماعيل وامه هاجر اصابهما عطش ،فنزل عليهما ملك وقال لها :ل
تهاوني بالغلم ،وشدي يديك به ،فإني اريد أن اصيره لمر عظيم .فإن قيل:
هذا تبشير بملك وليس فيه ذكر نبوة ،قلنا :الملك ملكان :ملك كفر وملك
هدى ،ول يجوز أن يبشر ال إبراهيم عليه السلم وهاجر بظهور الكفر في
ولدهما ،و يصفه بالعظم.
) (1طور سيناء خ ل (2) .فذكره ال خ ل (3) .فلم يظهر ال بهم قبله خ ل(4) .
ويقدس خ ل (5) .في نسخة مخطوطة :يعطى (6) .ويسير الموت خ ل) .
(7فيدينونكم خ ل (8) .ول ترفضون خ ل (9) .فقتل خ ل صح(*) .
] [ 209
بالملئكة في بدر والخندق وحنين .وقال في التوراة في السفر الخامس :إني اقيم
لبني إسرائيل نبيا " من إخوتهم مثلك ،وأجعل كلمي على فمه .وإخوة بني
إسرائيل ولد إسماعيل ،ولم يكن في بني إسماعيل نبي مثل موسى ،ول أتى
بكتاب ككتاب موسى غير نبينا صلى ال عليه واله .ومن قول حيقوق النبي
ومن قول دانيال :جاء ال ) (1من اليمن ،والتقديس من جبال فاران،
فامتلت الرض من تحميد أحمد وتقديسه ،وملك الرض بهيبته .وقال
أيضا " :يضئ له نوره الرض ،وتحمل ) (2خيله في البر والبحر .وقال
أيضا :سننزع في قبيك أغرافا " ) ،(3وترتوي السهام بأمرك ،يا محمد
ارتواء " .وهذا إيضاح باسمه وصفاته .وفي كتاب شعيا النبي :عبدي
خيرتي من خلقي ،رضي نفسي أفيض عليه روحي ،أو قال :أنزل فيظهر
في المم عدلي ،ل يسمع صوته في السواق ،يفتح العيون العور ،ويسمع
الذان الصم ،ول يميل إلى اللهو ،ركن المتواضعين ،وهو نور ال الذي ل
يطفئ حتى تثبت في الرض حجتي ،وينقطع به العذر .وقال في الفصل
الخامس :أثر سلطانه على كتفه .يعني علمة النبوة ،وكان على كتفه خاتم
النبوة .وأعلمه في الزبور :قال داود في الزبور :سبحوا الرب تسبيحا "
حديثا " ،وليفرح إسرائيل بخالقه ونبوءة صهيون ،من أجل أن ال
اصطفى له امته ،وأعطاه النصر ،وسدد الصالحين منهم بالكرامة،
يسبحونه على مضاجعهم ،وبأيديهم سيوف ذات شفرتين ) .(4لينتقم ال
تعالى من المم الذين ل يعبدونه.
) (1جاء به ال خ ل (2) .ويجيل خ ل (3) .غرقا خ ل (4) .الشفرة :حد السيف.
] [ 210
وفي مرموز آخر من الزبور :تقلد أيها الخيار السيف ،فإن ناموسك وشرائعك
مقرونة بهيبة يمينك ،وسهامك مشنونة ) ،(1والمم يجرون تحتك .وفي
مرموز آخر :إن ال أظهر من صهيون ) (2إكليل " محمودا " .ضرب
الكليل مثل " للرئاسة والمامة ،ومحمود هو محمد صلى ال عليه واله.
وذكر أيضا " في صفته :ويجوز من البحر إلى البحر من لدن النهار إلى
مقطع الرض ،وإنه ليخر أهل الخزائن ) (3بين يديه ،يأتيه ملوك الفرس،
وتسجد له وتدين له المم بالطاعة ،ينقذ الضعيف ،ويرق ) (4بالمساكين.
وفي مرموز آخر :اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر .هذا
إخبار عن محمد يخبر الناس أن المسيح بشر .وفي كتاب شعيا النبي :قيل
لي :قم نظارا " فانظر ماذا ترى فخبر به ،فقلت :أرى راكبين مقبلين:
أحدهما على حمار ،والخر على جمل ،يقول أحدهما لصاحبه :سقطت بإبل
وأصنامها .فكل أهل الكتاب يؤمن بهذه الكتب ،وتنفرد النصارى بالنجيل،
وأعلمه في النجيل :قال المسيح للحواريين :أنا أذهب وسيأتيكم الفار
قليط بروح الحق الذي ل يتكلم من قبل نفسه ،إنما هو كما يقال له ،ويشهد
) (5علي وأنتم تشهدون ،لنكم معه من قبل الناس ،وكل شئ أعده ال لكم
يخبركم به ،وفي حكاية يوحنا عن المسيح قال :الفار قليط ل يجيئكم ما لم
أذهب ،فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ،ول يقول من تلقاء نفسه ،ولكنه
يكلمكم مما يسمع ،وسيؤتيكم
) (1لعل المعنى :وسهامك متوجهة من كل جانب .وفي هامش نسخة المصنف.
مكانه :مسنونه ،ولعله أصح ،وهو من سن الرمح :ركب فيه السنان(2) .
صهيون كبرذون :بيت المقدس أو موضع به ،وال كليل :التاج ،والمراد
به الملك و السلطان أو ما يشمل النبوة (3) .الجزائر خ ل (4) .يرؤف خ
ل (5) .ويشهده خ ل.
] [ 211
بالحق ،ويخبركم بالحوادث والغيوب .وقال في حكاية اخرى :الفار قليط روح الحق
الذي يرسله ) (1باسمي ،هو يعلمكم كل شئ .وقال :إني سائل ربي أن
يبعث إليكم فارقليط آخر يكون معكم إلى البد ،وهو يعلمكم كل شئ .وقال
في حكاية اخرى :ابن البشر ) (2ذاهب ،والفار قليط يأتي بعده ،يحيي )(3
لكم السرار ،ويفسر لكم كل شئ ،وهو يشهد لي كما شهدت له ،فإني
أجيئكم بالمثال ،وهو يجيئكم بالتأويل .ومن أعلمه في النجيل إنه لما
حبس يحي بن زكريا ليقتل بعث بتلميذه إلى المسيح وقال لهم :قولوا :أنت
هو التي أو نتوقع غيرك ؟ فأجابه المسيح وقال :الحق اليقين أقول لكم:
إنه لم تقم النساء على أفضل ) (4من يحي بن زكريا ،وإن التوراة وكتب
النبياء يتلو بعضها بعضا " بالنبوة والوحي حتى جاء يحي ،فأما الن فإن
شئتم فاقبلوا أن الليا متوقع أن يأتي ،فمن كانت له أذنان سامعتان
فليسمع .روي أنه كان فيه :إن أحمد متوقع فغيروا السم وجعلوا إليا
لقوله) :يحرفون الكلم عن مواضعه( وإليا هو علي بن ابي طالب عليه
السلم ،وقيل :إنما ذكر إليا لن عليا " قدام محمد صلى ال عليه واله في
كل حرب وفي كل حال حتى يوم القيامة ،فإنه صاحب رايته ،و كان اسم
محمد بالسريانية مشفحا " ،ومشفح هو محمد بالعربية ،وإنهم يقولون:
شفح للها :إذا أرادوا أن يقولوا :الحمد ل ،وإذا كان الشفح الحمد فمشفح
محمد .وفي كتاب شعيا في ذكر الحج :ستمتلي البادية فتصفر ) (5لهم من
أقاصي الرض
) (1أرسله خ ل (2) .ابن البر خ ل (3) .يجلى خ ل (4) .عن افضل خ ل(5) .
فيظفر بهم.
] [ 212
فإذاهم سراع يأتون ،يبثون تسبيحه في البر والبحر ،يأتون من المشرق كالصعيد
كثرة .وقال شعيا :قال الرب :ها أناذا مؤسس بصهيون من بيت ال حجرا
" ،وفي رواية :مكرمة " ،فمن كان مؤمنا " فل يستعجلنا .وقال دانيال في
الرؤيا التي رآها بخت نصر ملك بابل وعبرها :أيها الملك رأيت رؤيا "
هائلة ،رأيت صنما " بارع الجمال ،قائما " بين يديك ،رأسه من الذهب،
وساعده من الفضة ،وبطنه وفخذه نحاس ،وساقاه حديد ،وبعض رجليه
خزف ،ورأيت حجرا " صك رجلي ذلك الصنم فدقهما دقا " شديدا "،
فتفتت ذلك الصنم كله حديده ونحاسه وفضته وذهبه ،وصار رفاتا " كدقاق
البيدر ،وعصفته الريح فلم يوجد له أثر ،وصار ذلك الحجر الذي دق الصنم
جبل " عاليا " امتلت منه الرض ،فهذه رؤياك ،قال :نعم ،ثم عبرها له
فقال :إن الرأس الذي رأيت من الذهب مملكتك ،فتقوم بعدك مملكة اخرى
دونك ،والمملكة الثالثة التى تشبه النحاس تتسلط على الرض كلها،
والمملكة الرابعة قوتها قوة الحديد كما أن الحديد يدق كل شئ ،وأما الرجل
الذي كان بعضها من حديد ،وبعضها من خزف ،فإن بعض تلك المملكة
يكون عزا " ،وبعضها ذل " ،ويكون كلمة أهل المملكة متشتتة ،ويقيم إله
السماء في تلك اليام ملكا " عظيما " دائما " أبديا " ،ل يتغير ول يتبدل
ول يزول ،ول يدع لغيره من المم سلطانا " ،ويقوم دهر الداهرين .فتأويل
الرؤيا بعث محمد ،تمزقت الجنود لنبوته ،ولم ينتقض مملكة فارس لحد
قبله ،وكان ملكها أعز ملوك الرض وأشدها شوكة ،وكان أول ما بدا فيه
انتقاص قتل شيروية بن أبرويز أباه ،ثم ظهر الطاعون في مملكته وهلك
فيه ،ثم هلك ابنه أردشير ،ثم ملك رجل ليس من أهل بيت الملك فقتلته
بوران بنت كسرى ،ثم ملك بعده رجل يقال له :كسرى ابن قباد ولد بأرض
الترك ،ثم ملكت بوران بنت كسرى ،فبلغ رسول ال صلى ال عليه واله
ملكها فقال) :لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة( ،ثم ملكت بنت اخرى
لكسرى فسمت وماتت ،ثم ملك رجل ثم قتل ،فلما راى أهل فارس ما هم
فيه من النتشار امر ) (1ابن لكسرى يقال له :يزدجرد فملكوه عليهم،
فأقام بالمدائن على النتشار ثماني
] [ 213
سنين ،وبعث إلى الصين بأمواله ،وخلف أخا " بالمدائن لرستم فأتى لقتال
المسلمين ،ونزل بالقادسية ،وقتل بها ،فبلغ ذلك يزدجرد فهرب إلى
سجستان وقتل هناك .وقال في التوراة :أحمد عبدي المختار ،لفظ ول
غليظ ول صخاب ) (1في السواق ،ول يجزئ بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو
ويغفر ،مولده بمكة ،وهجرته طيبة ،وملكه بالشام ،وامته الحامدون،
يحمدون ال على كل نجد ) ،(2ويسبحونه في كل منزل ،ويقومون على
أطرافهم وهم رعاة الشمس ) ،(3مودتهم في جو السماء ) ،(4صفهم في
الصلة وصفهم في القتال سوآء ،رهبان بالليل ،اسد بالنهار ،لهم دوي
كدوي النحل ،يصلون الصلة حيثما أدركهم الصلة .ومما أوحى ال إلى
آدم :أنا ال ذو بكة ،أهلها جيرتي ،وزوارها وفدي وأضيافي ،أعمره بأهل
السماء وأهل الرض ،يأتونه أفواجا " شعثا " غبرا ،يعجون بالتكبير
والتلبية ،فمن اعتمره ل يريد غيره فقد زارني ،وهو وفد لي ،ونزل بي،
وحق لي أن اتحفه بكرامتي ،أجعل ذلك البيت ذكره وشرفه ومجده وسنائه
لنبي من ولدك يقال له :إبراهيم ،أبني له قواعده ،وأجري على يديه
عمارته ،وأنبط له سقايته ،واريه حله وحرمه ،واعلمه مشاعره ،ثم يعمره
المم والقرون حتى ينتهي إلى نبي من ولدك يقال له :محمد وهو خاتم
النبيين ،فأجعله من سكانه وولته ) .(5ومن أعلمه اسمه ،إن ال حفظ
اسمه حتى لم يسم باسمه أحد قبله صيانة من ال لسمه ،ومنع منه )(6
كما فعل بيحي بن زكريا) ،لم نجعل له من قبل سميا( ،وكما
) (1الفظ :الغليظ السئ الخلق الخشن الكلم الصخاب :الشديد الصياح (2) .النجد:
ما أشرف من الرض وارتفع (3) .أي هم يرقبون الشمس متى تزول
فيصلون .والمراد المحافظة على مواقيت الصلة (4) .يرونها في جو
السماء خ ل ظ (5) .الخرائج ..لم نجدها فيه بتفصيله :نعم فيه :منها )أي
من المعجزات( ما وجدت في كتب النبياء قبله من تصديقه ووصفه
بصفاته وإظهار علماته ،والدللة على وقته ومكانه وولدته وأحوال
آبائه وامهاته اه ولم يذكر بعد ذلك تفصيلها ،والظاهر أن النسخة
المطبوعة ناقصة وكانت النسخة التى عند المصنف تامة ،وذكر العلمة
الرازي في الذريعة أنه رأى نسخة في مكتبة سلطان العلماء بطهران
تخالف المطبوع (6) .ومنعه منه خ ل:
] [ 214
فعل بإبراهيم وإسحاق ويعقوب وصالح وأنبياء كثيرة منع من مسماتهم ) (1قبل
مبعثهم ليعرفوا به إذا جاءوا ،ويكون ذلك أحد أعلمهم ) .(2وعن سراقة
بن جعشم ) (3قال :خرجت رابع أربعة ،فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير
فيه شجرات وقربه قائم ) (4لديراني ،فأشرف علينا قال :من أنتم ؟ قلنا:
قوم من مضر ،قال :من أي المضرين ؟ قلنا :من خندف ،قال :أما إنه
سيبعث فيكم وشيكا ) (5نبي اسمه محمد ،فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل
رجل منا غلم فسماه محمدا " ،وهذا ايضا " من أعلمه - 27 .يج :روي
أن تبع بن حسان ) (6سار إلى يثرب وقتل من اليهود ثلثمائة وخمسين
رجل " صبرا " ،وأراد خرابها ) (7فقام إليه رجل من اليهود له مأتان
وخمسون سنة ،وقال :أيها الملك مثلك ل يقبل قول الزور ،ول يقتل على
الغضب ،وإنك ل تستطيع أن تخرب هذه القرية ،قال :ولم ؟ قال :لنه يخرج
منها من ولد إسماعيل نبي يظهر من هذه البنية -يعني البيت الحرام -
فكف تبع ومضى يريد مكة ومعه اليهود ،وكسا البيت وأطعم الناس ،وهو
القائل :شهدت على أحمد إنه * رسول من ال بارئ النسم فلو مد عمري
إلى عمره * لكنت وزيرا " له وابن عم ويقال :هو تبع الصغر ،وقيل :هو
الوسط - 28 .يج :روي عن أبي عبد ال عليه السلم قال :فنشأ رسول
ال صلى ال عليه واله في حجر ابي طالب
) (1منع من أسمائهم خ ل ،وفي المصدر :من مسمياتهم (3) .الخرائج(3) .184 :
بضم الجيم والشين وبينهما العين الساكنة (4) .القائم :البناء(5) .
الوشيك :السريع (6) .في المصدر :حسان بن تبع وهو الصحيح(7) .
إخرابها خ ل(*) .
] [ 215
فبينما هو غلم يجئ بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب فقال :ما
اسمك ؟ قال :اسمي محمد ،قال :ابن من ؟ قال :ابن عبد ال ،قال :ابن
من ؟ قال :ابن عبد المطلب ،قال :فما اسم هذه ؟ وأشار إلى السماء ،قال:
السماء ،قال :فما اسم هذه ؟ وأشار إلى الرض ،قال :الرض ،قال :فمن
ربهما ؟ قال :ال ،قال :فهل لهما رب غيره ؟ قال :ل ،ثم إن أبا طالب خرج
به معه إلى الشام في تجارة قريش فلما انتهى به إلى بصرى وفيها راهب
لم يكلم أهل مكة ،إذا مروا به ،ورأى علمة رسول ال صلى ال عليه واله
في الركب ،فإنه راى غمامة تظله في مسيره ،ونزل تحت شجرة قريبة من
صومعته ،فثنيت ) (1أغصان الشجرة عليه ،والغمامة على رأسه بحالها،
فصنع لهم طعاما " ،واجتمعوا إليه ،وتخلف النبي محمد ،فلما نظر بحيراء
الراهب إليهم ولم ير الصفة التي يعرف قال ::فهل تخلف منكم أحد ؟ قالوا:
ل واللت والعزى إل صبي ،فاستحضره فلما لحظ إليه نظر إلى أشياء من
جسده قد كان يعرفها من صفته ،فلما تفرقوا قال :يا غلم أتخبرني عن
أشياء أسألك عنها ؟ قال :سل ،قال :أنشدك باللت والعزى إل أخبرتني عما
أسألك عنه ،وإنما أراد أن يعرف ،لنه سمعهم يحلفون بهما ،فذكروا أن
النبي قال له :ل تسألني باللت والعزى ،فإني وال لم أبغض بغضهما شيئا
" قط ،قال :فو ال لخبرتني ) (2عما أسألك عنه ؟ قال :فجعل يسأله عن
حاله في نومه وهيئته في اموره ) (3فجعل رسول ال صلى ال عليه واله
يخبره ،فكان يجدها موافقة لما عنده ،فقال له :اكشف عن ظهرك ،فكشف
عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الموضع الذي يجده عنده،
فأخذه الفكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال :من أبو هذا الغلم ؟ قال
أبو طالب :هو ابني ،قال :ل وال ل يكون أبوه حيا " ،قال أبو طالب :إنه
هو ابن أخي ،قال :فما فعل أبوه ؟ قال :مات وهو ابن شهرين قال :صدقت،
فارجع بابن أخيك إلى بلدك ،واحذر عليه اليهود ،فو ال لئن رأته وعرفوا
منه الذي عرفته ليبغنه شرا " ،فخرج أبو طالب فرده إلى مكة
] [ 216
- 29يج :روى أن قريشا " أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب
إلى اليهود ،فقالوا لهما :إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه ،فلما قدما
سألوهم ،فقالوا :صفوا لنا صفته ،فوصفوه ،قالوا :ومن تبعه ؟ قالوا:
سفلتنا ،فصاح حبر منهم ثم قال :هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة،
ونجد قومه أشد الناس عداوة له - 30 .يج :روى أن سيف بن ذي يزن
حين ظهر بالحبشة وفد عليهم قريش ،وفيهم عبد المطلب ،فسأله عن
محمد سرا " ،فأخبره به ،ثم بعد مدة طويلة دخلوا عليه فسألهم عنه
ووصف لهم صفته فأقروا جميعا " أن هذه الصفة في محمد ،فقال :هذا
أوان مبعثه ،ومستقره يثرب ،وموته بها - 31 .يج :روى عن أبي عبيدة
بن عبد ال بن مسعود ،عن أبيه قال :إن ال أمر نبيه أن يدخل الكنيسة
ليدخل رجل الجنة ،فلما دخلها ومعه جماعة فإذا هو بيهود يقرؤون
التوراة ،وقد وصلوا إلى صفة النبي صلى ال عليه واله ،فلما رأوه
أمسكوا ،وفي ناحية الكنيسة رجل مريض ،فقال النبي صلى ال عليه واله:
ما لكم أمسكتم ؟ فقال المريض :إنهم أتوا على صفة النبي صلى ال عليه
واله فأمسكوا ،ثم جاء المريض يجثو ) (1حتى أخذ التوراة فقرءها حتى
أتى على آخر صفة النبي وامته ،فقال هذه صفتك وصفة امتك ،وأنا أشهد
أن ل إله إل ال ،وأنك رسول ال ،ثم مات ،فقال النبي صلى ال عليه واله:
ولوا أخاكم ) - 32 .(2يج :روى عن بعضهم قال :حضرت سوق بصرى
فإذا راهب في صومعة يقول :سلوا أهل هذا الموسم هل فيكم أحد من أهل
الحرم ؟ قالوا نعم ،فقالوا :سلوه هل ظهر أحمد بن عبد المطلب ؟ فهذا هو
الشهر الذي يخرج فيه ،وهو آخر النبياء ،ومخرجه من الحرم ،ومهاجرته
إلى نخل وحرة وسباخ ) .(3قال الراوى :فلما رجعت إلى مكة قلت :هل
هاهنا من حدث ؟ قالوا :أتانا محمد بن عبد ال المين ).(4
) (1جثا :جلس على ركبتيه ،أو قام على أطراف أصابعه (2) .صلوا على أخيكم خ
ل (3) .أرض حرة :لرمل فيها .رملة حرة :لطين فيها .والحرة :الرض
ذات حجارة نخرة سود كأنها أحرقت بالنار .السباح من الرض :ما لم
يحرث ولم يعمر (4) .محمد بن عبد ال بن عبد المطلب المين خ ل.
] [ 217
- 33يج :روى عن زيد بن سلم أن جده أبا سلم حدثه أن رسول ال صلى ال
عليه واله بينما هو في البطحاء قبل النبوة فإذا هو برجلين عليهما ثياب
سفر ،فقال :السلم عليك ،فقال لهما النبي صلى ال عليه واله :وعليكما
السلم ،فقال أحدهما لصاحبه :ل إله إل ال ما لقيت أحدا منذ ولدتني امي
يرد السلم قبلك ،وقال الخر :سبحان ال ما لقيت رجل " يسلم منذ
ولدتني امي ،فقال له الراكب :هل في القرية رجل ) (1يدعى أحمد ؟ فقال:
ما فيها أحمد ول محمد غيرى ،قال :من أهلها أنت ؟ قال :نعم من أهلها،
وولدت فيها ،فضرب ذراع راحلته وأناخها ،ثم كشف عن كتف رسول ال
صلى ال عليه واله حتى نظر إلى الخاتم الذى بين كتفيه ،فقال :أشهد أنك
رسول ال ،وتبعث بضرب رقاب قومك ،فهل من زاد تزودني ؟ فأتاه بخبز
وتميرات ،فجعلهن في ثوبه حتى أتى صاحبه ،وقال :الحمد ل الذى لم
يمتني حتى حمل لي نبي ال الزاد في ثوبه ،ثم قال النبي صلى ال عليه
واله :هل من حاجة سوى هذا ؟ قال :تدعو ال أن يعرف بيني وبينك يوم
القيامة ،فدعا له ،ثم انطلق .وفي كتب ال المتقدمة :لما خلق ال آدم ونفخ
فيه من روحه عطس ،فقال له ربه :قل الحمد ل ،ثم قال له ربه ):(2
يرحمك ربك ) ،(3ائت أولئك المل من الملئكة وقل لهم :السلم عليكم،
فقالوا :وعليك السلم ورحمة ال وبركاته ،ثم قال له ربه :هذه تحيتك و
تحية ذريتك - 34 .يج :روي أنه سئل ابن عباس :بلغنا أنك تذكر سطيحا "
وتزعم أن ال خلقه ولم يخلق من ولد آدم شيئا " يشبهه ،قال :نعم ،إن ال
خلق سطيحا " الغساني لحما " على وضم ،والوضم شرائج ) (4من
جرائد النخل ،وكان يحمل على وضم ،ويؤتى به حيث يشاء ،ولم يكن فيه
عظم ول عصب إل الجمجمة والعنق ،وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته،
كما يطوى الثوب ،ولم يكن يتحرك منه شئ سوى لسانه ،فلما أراد الخروج
) (1من رجل خ ل (2) .فلما قال قال له ربه خ ل (3) .يرحمك ال خ ل(4) .
الشرائج جمع الشريجة :جوالق كالخرج ينسج من سعف النخل.
] [ 218
إلى مكة حمل على وضمة فأتي به مكة ،فخرج إليه أربعة من قريش فقالوا :أتيناك
لنزورك لما بلغنا من علمك ،فأخبرنا عما يكون في زماننا ،وما يكون من
بعد ،قال :يا معشر العرب ل علم عندكم ) (1ول فهم ،وينشأ من عقبكم
دهم ،يطلبون ) (2أنواع العلم ،يكسرون الصنم ،ويقتلون العجم ،ويطلبون
المغنم ،قالوا :يا سطيح من يكونون اولئك ؟ قال :و البيت ذي الركان
لينشان من عقبكم ولدان يوحدون الرحمان ،ويتركون عبادة الشيطان،
قالوا :فمن نسل من يكونون اولئك ؟ قال :أشرف الشراف من عبد مناف،
قالوا :من أي بلدة يخرج ؟ قال :والباقي البد ) (3ليخرجن من ذا البلد )
،(4يهدي إلى الرشد ،يعبد ربا " انفرد ) .(5بيان :قال الجوهري :الوضم:
كل شئ يجعل عليه اللحم من خشب أوبارية يوقى به من الرض وقال:
الدهم :العدد الكثير - 35 .يج :روي أن عبد المطلب قدم ) (6اليمن فقال له
حبر من أهل الزبور :أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال :نعم إل إلى
عورة ،ففتح إحدى منخريه فنظر فيه ،ثم نظر في الخرى ،فقال :أشهد أن
في إحدى يديك الملك ،وفي الخرى النبوة ،وإنا نجد في بني زهرة فكيف
ذلك ) ،(7قال :قلت :ل أدري قال :هل من شاعة ؟ قلت :ما الشاعة ؟ قال:
الزوجة ،قال :فإذا رجعت فتزوج منهم ،فرجع إلى مكة فتزوج هالة بنت
وهب بن عبد مناف بن زهرة - 36 .يج :روي أن بعد مولد النبي صلى ال
عليه واله بسنتين أتت أشراف العرب سيف بن ذي يزن الحميري ،لما
ظهر على الحبشة ،وفد عليه قريش للتهنئة ،وفيهم عبد المطلب ،و
) (1في المصدر :ل علم لكم (2) .في المصدر :وينشأ من عقبكم وهم يطلبون(3) .
والباقى في البد خ ل .وفي المصدر :إلى البد (4) .في المصدر :من ذى
البلد وهو الصحيح (5) .الخرائج (6) .186 :ليخرجن خ ل (7) .فكيف
يكون ذلك خ ل.
] [ 219
قال :أيها الملك سلفك خير سلف ،وأنت لنا خير خلف ،قال :من أنت ؟ قال :عبد
المطلب ابن هاشم ،قال :ابن اختنا ،ثم أدناه ،وقال :إني مفض إليك خيرا "
) (1عظيما " ،يولد نبي اوقد ولد ،اسمه محمد ،ال باعثه جهارا "،
وجاعل له منا أنصارا " ،فقال عبد المطلب :كان لي ابن زوجته كريمة
فجائت بغلم سميته محمدا " ،ثم أمر لكل قرشي بنعمة ،عظيمة ،و لعبد
المطلب بأضعافها عشرة ،وهم يغبطونه بها ،فقال :لو علمتم بفخري
وذكري لغبطتم به ) - 37 .(2يج :روي أن جبير بن مطعم قال :كنت آذى )
(3قريش بمحمد ،فلما ظننت أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير،
فأقاموا لي الضيافة ثلثا " ،فلما رأوني ل أخرج قالوا :إن لك لشأنا " ؟
قلت ،إني من قرية إبراهيم ) ،(4وابن عمي يزعم أنه نبي ،فآذاه قومه
فأرادوا قتله فخرجت لئل أشهد ذلك ،فأخرجوا إلى صورة ،قلت :ما رأيت
شيئا " أشبه بشئ من هذه الصورة بمحمد ،كأنه طوله وجسمه ،وبعد ما
بين منكبيه ،فقالوا :ل يقتلونه ،وليقتلن من يريد قتله ،وإنه لنبي،
وليظهرنه ال ،فلما قدمت مكة إذا هو خرج إلى المدينة ،وسئلوا ) (5من
أين لكم هذه الصورة ؟ قالوا :إن آدم عليه السلم سال ربه أن يريه النبياء
من ولده ،فأنزل عليه صورهم ،وكان في خزانة آدم عند مغرب الشمس
فاستخرجها ذو القرنين من هناك فدفعها إلى دانيال - 38 .يج :من
معجزاته صلى ال عليه واله حديث كعب بن مانع ) (7بينما هو في مجلس
و
) (1خبرا خ ل (2) .يوجد في الخرائج 274 :حديثا نحوه مع اختلف كثير لفظا
ومعنى ،وأما الحديث بألفاظه فلم نجده فيه (3) .أدنى خ ل .قوله :آذى،
من أذى يأذى :اصيب بأذى (4) .أي من مكة (5) .وسألتهم خ ل(6) .
الصحيح ماتع بالتاء على ما ضبطه في تهذيب السماء واللغات ،وظاهر
التقريب والجمع بين رجالى الصحيحين ،والرجل هو كعب بن ماتع
الحميرى أبو إسحاق المعروف بكعب الحبار ،مخضرم ،كان من أهل
اليمن فسكن الشام ،ومات في خلفة عثمان وقد زاد على المائة.
] [ 220
رجل من القوم معهم يحدث أصحابه يقول :رأيت في النوم أن الناس حشروا ،وأن
المم تمركل امة مع نبيها ،ومع كل نبي نوران يمشي بينهما ،ومع كل من
اتبعه نور يمشى به حتى مر محمد صلى ال عليه واله في امته ،فإذا ليس
معه شعرة إل وفيها نوران من رأسه وجلده ،ول من اتبعه من امته إل
ومعه نوران مثل النبياء فقال كعب :والتفت إليهما ) (1ما هذا الذي يحدث
به ؟ فقال :رؤيا رأيتها ،فقال ) :(2والذي بعث محمدا صلى ال عليه واله
بالحق إنه لفي كتاب ال كما رأيت - 39 .يج :روي أن زيد بن عمرو بن
نفيل وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب
بالموصل ،فقال لزيد :من أين أقبلت يا صاحب البعير ؟ قال :من بنية
إبراهيم قال :وما تلتمس ؟ قال :الدين ،قال :ارجع فإنه يوشك أن يظهر
الذي ) (3تطلب في أرضك ،فرجع يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا
عليه فقتلوه ،وكان يقول :أنا على دين إبراهيم عليه السلم ،وأنا ساجد
على نحو البنية التي بناها إبراهيم عليه السلم ،وكان يقول :إنا ننتظر نبيا
" من ولد إسماعيل من ولد عبد المطلب - 40 .يج :روي عن جرير بن
عبد ال البجلي قال :بعثني النبي صلى ال عليه واله بكتابه إلى ذي الكلع
وقومه ،فدخلت عليه فعظم كتابه وتجهز وخرج في جيش عظيم ،وخرجت
معه ،فبينما نسير إذ رفع إلينا دير راهب ،فقال :اريد هذا الراهب ،فلما
دخلنا عليه سأله أين تريد ؟ قال :هذا النبي الذي خرج في قريش ،وهذا
رسوله ،قال الراهب :لقد مات هذا الرسول ،فقلت :من أين علمت بوفاته ؟
قال :إنكم قبل أن تصلوا إلي كنت أنظر في كتاب دانيال ،مررت بصفة محمد
ونعته وأيامه وأجله ،فوجدت أنه توفي في هذه الساعة ،فقال ذو الكلع:
أنا أنصرف ،قال جرير :فرجعت فإذا رسول ال توفي ذلك اليوم ).(4
) (1أي إلى القائل ومخاطبه (2) .أي كعب بن ماتع (3) .الدين الذى خ ل(4) .
الخرائج- .222 :
] [ 221
- 41قب :قال داود في زبوره :اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة .وقال عيسى في
النجيل :إن البر ذاهب ،والبار قليطا جائي ) (1من بعده ،وهو يخفف
الصار ) ،(2ويفسر لكم كل شئ ويشهد لي كما شهدت له ،أنا جئتكم
بالمثال ،وهو يأتيكم بالتأويل ) - 42 .(3د ،قب :كان كعب بن لوي بن
غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة ،وكانوا يسمونها عروبة ،فسماه
كعب يوم الجمعة ،وكان يخطب فيه الناس ويذكر فيه خبر النبي آخر خطبته
كلما خطب ،وبين موته والفيل خمسمأة وعشرون سنة فقال :أم وال لو
كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل ،ولرقلت
فيها إرقال الفحل ،ثم قال :يا ليتني شاهد فحوى ) (4دعوته * حين
العشيرة تبغي الحق خذلنا ) (5بيان :قوله :لتنصبت ،أي حملت النصب
والتعب ،أو انتصبت وقمت بخدمته .و الرقال :السراع - 43 .وروى
محمد بن مسعود الكازروني في كتاب المنتقى بإسناده ) (6عن أبي سلمة
قال :كان كعب بن لوي بن غالب يجمع قومه يوم الجمعة ،وكانت قريش
تسمي الجمعة عروبة ،فيخطبهم فيقول :أما بعد فاسمعوا وتعلموا ،وافهموا
واعلموا ،ليل ساج ،ونهار ضاح ) (7والرض مهاد ،والسماء بناء )(8
والجبال أوتاد ،والنجوم أعلم ،والولون كالخرين،
) (1في المصدر جاء (2) .الصار جمع الصر بتثليت الهمزة :الذنب (3) .مناقب آل
أبى طالب (4) .11 :1الفحوى من الكلم :مذهبه ومعناه .وفي تاريخ
اليعقوبي :شاهد نجوى دعوته (5) .العدد :مخطوط ،مناقب آل ابى طالب
(6) .11 :1والسناد مذكور في المنتقى ،وذكره بطوله ) (7في تاريخ
اليعقوبي :إن الليل ساج والنهار ضاح (8) .في تاريخ اليعقوبي :والسماء
عماد.
] [ 222
) (1في تاريخ اليعقوبي :والبناء ذكر (2) .ثمروا :كثروا ،وفي تاريخ اليعقوبي:
ثمروا أموالكم (3) .في تاريخ اليعقوبي :والظن غير ما تقولون (4) .في
تاريخ اليعقوبي :وبالنعم الضافى علينا ستورها .وفيه بعده :صروف
وأنباء تغلب أهلها * لها عقد ما يستحل مريرها .وفي هامش نسخة
المصنف بخطه :الضفو :السبوغ ،وثوب ضاف :سابغ ،ووضفا المال:
كثر ،ورجل ضافى الرأس أي كثير شعر الرأس .ص (5) .في تاريخ
اليعقوبي بعد ذلك :ثم يقول :يا ليتني شاهد نجوى دعوته ،لو كنت ذا
سمع وذا بصر ويد ورجل لتنصبت له تنصب البل ،ول رقلت ارقال
الفحل ،فرحا بدعوته ،جذل بصرخته (6) .المنتقى في مولود المصطفى:
الباب الثاني من القسم الول ،وذكره اليعقوبي في تاريخه 194 :و .195
) (7ذكر ابن هشام في سيرته أن تبع الول هو زيد بن عمر ،وأما من قدم
المدينة وأراد إهلك اهلها هو تبان أسعد أبى كرب بن كلى كرب بن زيد
بن عمرو ،وهو تبع الخر ،وذكر فيه قصته مفصل .راجع السيرة 14 :1
21 -وراجع أيضا تاريخ اليعقوبي (8) .160 :1من الخمسة الذين ملكوا
الدنيا خ ل.
] [ 223
فسار في الفاق ،وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم فلما وصل إلى
مكة كان معه أربعة آلف رجل من العلماء ،فلم يعظمه أهل مكة ،فغضب
عليهم وقال لوزيره عمياريسا " في ذلك ،فقال الوزير :إنهم جاهلون
ويعجبون بهذا البيت ،فعزم الملك في نفسه أن يخربها ويقتل أهلها ،فأخذه
ال بالصدام ،وفتح عن عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا " عجزت
الطباء عنه ،وقالوا :هذا أمر سماوي ،وتفرقوا .فلما أمسى جاء عالم إلى
وزيره وأسر إليه إن صدق المير بنيته عالجته ،فاستأذن الوزير له فلما
خل به قال له :هل أنت نويت في هذا البيت أمرا " ؟ قال :كذا وكذا ،فقال
العالم :تب من ذلك ولك خير الدنيا والخرة ،فقال :قد تبت مما كنت نويت
فعوفي في الحال ،فآمن بال ،وبإبراهيم الخليل عليه السلم ،و خلع على
الكعبة سبعة أثواب ،وهو أول من كسا الكعبة ،وخرج إلى يثرب ،ويثرب
هي أرض فيها عين ماء ،فاعتزل من بين أربعة آلف رجل عالم أربعمأة
رجل عالم على أنهم يسكنون فيها ،وجاءوا إلى باب الملك ،وقالوا :إنا
خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا " وجئنا إلى هذا المكان ونريد
المقام إلى أن نموت فيه ،فقال الوزير :ما الحكمة في ذلك ؟ قالوا :اعلم
أيها الوزير أن شرف هذا البيت بشرف محمد صاحب القرآن والقبلة
واللواء والمنبر .مولده بمكة ،وهجرته إلى هاهنا ،إنا على رجاء أن ندركه
أو تدركه أولدنا ،فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء " أن
يدرك محمدا " صلى ال عليه واله ،وأمر أن يبنوا أربع مأة دار لكل واحد
دار ،وزوج كل واحد منهم بجارية معتقة ،وأعطى لكل واحد منهم مال "
حزيل " (1) .بيان :قال الفيروز آبادي :الصدام ككتاب :داء في رؤوس
الدواب - 45 .د ،قب :روى ابن بابويه في كتاب النبوة أنه قال أبو عبد ال
عليه السلم :إن تبعا قال للوس والخزرج :كونوا هاهنا حتى يخرج هذا
النبي ،أما أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه .وروى أنه قال :قالوا بمكة
بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد بادرت أمرا " حال ربي دونه *
وال يدفع عن خراب المسجد فتركت فيه من رجالي عصبة * نجباء ذوي
حسب ورب محمد
] [ 224
وكتب كتاب إلى النبي صلى ال عليه واله يذكر فيه إيمانه وإسلمه ،وأنه من امته
فليجعله تحت شفاعته ،وعنوان الكتاب :إلى محمد بن عبد ال ،خاتم
النبيين ،ورسول رب العالمين من تبع الول ،ودفع الكتاب إلى العالم الذي
نصح له ،وسار حتى مات بغلسان بلد من بلد الهند ،وكان بين موته
ومولد النبي صلى ال عليه واله ألف سنة ،ثم إن النبي لما بعث وآمن به
أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد ابي ليلى ،فوجد النبي صلى ال
عليه واله في قبيلة بني سليم فعرفه رسول ال صلى ال عليه واله ،فقال
له :أنت أبو ليلى ؟ قال :نعم ،قال :ومعك كتاب تبع الول ؟ فتحير الرجل ؟
فقال :هات الكتاب ،فأخرجه ودفعه إلى رسول ال صلى ال عليه واله
فدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب عليه السلم فقرأه عليه ،فلما سمع
النبي صلى ال عليه واله كلم تبع قال :مرحبا " بالخ الصالح ثلث
مرات ،وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة ) - 46 .(1قب :أبو بكر البيهقي
في دلئل النبوة أنه قال :قال راهب لطلحة في سوق بصرى :هل ظهر أحمد
فهذا شهره الذي يظهر فيه ،في كلم له .وقال عفكلن الحميري لعبد
الرحمان بن عوف :أل ابشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة ؟ انبئك
بالمعجبة وابشرك بالمرغبة ،إن ال قد بعث في الشهر الول من قومك نبيا
" ارتضاه وصفيا " ،أنزل عليه كتابا " ،جعل له ثوابا " ،ينهى عن
الصنام ،ويدعو إلى السلم أخف الوقفة ،وعجل الرجعة ،وكتب إلى النبي
صلى ال عليه واله .أشهد بال رب موسى * أنك ارسلت بالبطاح فكن
شفيعي إلى مليك * يدعو البرايا إلى الفلح فلما دخل على النبي صلى ال
عليه واله قال :أحملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة ؟ فهاتها.
وبشر أوس بن حارثة بن ثعلبة قبل مبعثه بثلثمائة عام ،وأوصى أهله
باتباعه في حديث طويل ،وهو القائل :إذا بعث المبعوث من آل غالب *
بمكة فيما بين زمزم والحجر
] [ 225
هنالك فاشروا نصره ببلدكم ) * (1بني عامر إن السعادة في النصر وفيه يقول
النبي صلى ال عليه واله :رحم ال أوسا " مات في الحنيفية ،وحث على
نصرتنا في الجاهلية ) .(2د :وبشر أوس بن حارثة وذكر نحوه47 .(3) .
-قب :ذكر الماوردي أن عبد المطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره
سلسله بيضاء ،لها أربعة أطراف :طرف قد أخذ المغرب ،وطرف أخذ
المشرق ،وطرف لحق بأعنان السماء ،وطرف لحق بثرى الرض ،فبينما
هو يتعجب إذ التفت النوار فصارت شجرة خضراء ،مجتمعة الغصان،
متدلية الثمار ،كثيرة الوراق ،قد أخذ أغصانها أقطار الرض في الطول
والعرض ،ولها نور قد أخذ الخافقين ،وكأني قد جلست تحت الشجرة
وبإزاي شخصان بهيان وهما نوح وإبراهيم عليهما السلم ،قد استظل به،
فقص ذلك على كاهن فسره بولدة النبي صلى ال عليه واله )- 48 .(4
قب :المفسرون عن عبد ال بن عباس في قوله) :ليلف قريش( أنه كانت
لهم في كل سنة رحلتان باليمن والشام ،فكان من وقاية أبي طالب أنه عزم
على الخروج في ركب من قريش إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولده،
أخذ النبي صلى ال عليه واله بزمام ناقته وقال :يا عم على من تخلفني ول
أب لي ول ام ؟ وكان قيل لي ) :(5ما يفعل به في هذا الحر وهو غلم
صغير ؟ ! فقال :وال لخرجن به ول افارقه أبدا ) - 49 .(6شى :عن أبي
بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قوله) :وكانوا من قبل يستفتحون
على الذين كفروا( فقال :كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلى
ال عليه واله
) (1بقلدكم خ ل (2) .مناقب آل أبى طالب 16 :1و (3) .17العدد :مخطوط(4) .
مناقب آل أبى طالب 17 :1و (5) .18قيل له خ ل (6) .مناقب آل أبى
طالب .27 :1
] [ 226
ما بين عير واحد ) ،(1فخرجوا يطلبون الموضع ،فمروا بجبل تسمى حداد )،(2
فقالوا :حداد واحد سواء ،فتفرقوا عنده ،فنزل بعضهم بفدك ،وبعضهم
بخيبر ،وبعضهم بتيمآء ،فاشياق الذين بتيمآء إلى بعض إخوانهم ،فمر بهم
أعرابي من قيس فتكاروا منه ،وقال لهم :أمر بكم ما بين عير واحد ،فقالوا
له :إذا مررت بهما فارناهما ،فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم :ذاك
عير ،وهذا احد ،فنزلوا عن ظهر إبله فقالوا له :قد أصبنا بغيتنا فل حاجة
لنا في إبلك ،فاذهب حيث شئت ،وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا
قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا ،فكتبوا إليهم :أنا قد استقرت بنا الدار،
واتخذنا الموال ،وما أقربنا منكم ،وإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم ،فاتخذوا
بأرض المدينة الموال ،فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه
فحاصرهم ،وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع فيلقون إليهم بالليل التمر
والشعير ،فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم ،فنزلوا إليه ،فقال لهم :إني قد
استطبت بلدكم ول أراني إل مقيما " فيكم ،فقالوا له :إنه ليس ذلك لك،
إنها مهاجر نبي ،وليس ذالك لحد حتى يكون ذالك ،فقال لهم :فإني مخلف
فيكم من اسرتي ) (3من إذا كان ذالك ساعده ونصره ،فخلف فيهم حين
بوأهم الوس والخزرج ) ،(4فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود،
فكانت اليهود يقول لهم :أما لو بعث محمد لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا،
فلما بعث ال محمدا " عليه الصلة والسلم آمنت به النصار ،وكفرت به
اليهود ،وهو قول ال:
) (1قال الحموى :العير :جبل بالحجاز ،قال عرام :عير جبلن احمران من عن
يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة ،ومن عن يسارك شوران وهو جبل
مطل على السد ،وذكر لى بعض اهل الحجاز أن بالمدينة جبلين يقال
لحدهما :عير الوارد ،وللخر عير الصادر ،وهما متقاربان ،وهذا موافق
لقول عرام ،وقال نصر :عير جبل مقابل الثنية المعروفة بشعب الخوز.
وقال :احد :اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة احد ،وهو جبل أحمر ،ليس
بذى شناخيب ،وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها (2) .لم نجده،
ولعله مصحف حدد ،وحدد كمال قال الحموى :جبل مطل على تيماء ،وقال
ابن السكيت :أرض لكلب .وتيماء :بليد في اطراف الشام ،بين الشام
ووادى القرى ،على طريق حاج الشام ودمشق (3) .اسرة الرجل :رهطه
الدنون (4) .في الكافي :فخلف حيين :الوس والخزرج.
] [ 227
)وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا -إلى -فلعنة ال على الكافرين((1) .
كا :محمد بن يحي ،عن ابن عيسى ،عن الهوازي ،عن النضر ،عن
زرعة ،عن أبى بصير مثله ) 50 .(2شى :عن الثمالي ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :قوله) :يجدونه( يعني اليهود والنصارى صفة محمد
واسمه )مكتوبا " عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم
عن المنكر ) - 51 .((3جا :الحسين بن محمد التمار ،عن محمد بن القاسم
النباري ،عن حميد بن محمد بن حميد ،عن محمد بن نعيم العبدي ،عن
أبي علي الرواسي عبد ال ) ،(4عن عبيد بن سميع ،عن الكلبي ،عن أبي
صالح ،عن ابن عباس قال :لما قدم على النبي صلى ال عليه واله وفد إياد
قال لهم :ما فعل قس بن ساعدة ؟ كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل
أورق ،وهو يتكلم بكلم عليه حلوة ما أجدني أحفظه ) ،(5فقال رجل من
القوم :أنا أحفظه يا رسول ال ،سمعته وهو يقول بسوق عكاظ :أيها الناس
اسمعوا وعوا ،واحفظوا ،من عاش مات ،ومن مات فات ،وكل ما هو آت
آت ،ليل داج ،وسماء ذات أبراج ،وبحار ترجرج ) ،(6ونجوم تزهر ،ومطر
ونبات ،وآباء وامهات ،وذاهب وآت ،وضوء وظلم ،وبر وأثام ،ولباس
ورياش ،ومركب ومطعم ومشرب .إن في السماء لخبرا " ،وإن في الرض
لعبرا " ،ما لي أرى الناس يذهبون ول يرجعون ،أرضوا بالمقام هناك
فأقاموا ،أم تركوا فناموا ؟ يقسم بال قس بن ساعدة قسما " برا ل إثم فيه
ما ل على الرض دين أحب إليه من دين
) (1تفسير العياشي :مخطوط (2) .روضة الكافي (3) .310 - 308 :تفسير
العياشي :مخطوط (4) .في المصدر :ابن عبد ال (5) .استظهر المصنف
في الهامش أن الصحيح :من يحفظه .قلت :في المصدر :ما أجدني حفظه.
) (6أي تحرك واضطرب(*) .
] [ 228
قد أظلكم زمانه ،وأدرككم أوانه ،طوبى لمن أدرك صاحبه فبايعه ) ،(1وويل لمن
أدركه ففارقه ،ثم أنشأ يقول :في الذاهبين الولين من القرون لنا بصائر *
لما رأيت مواردا " للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي
الصاغر والكابر * ل يرجع الماضي إليك ول من الماضين غابر أيقنت
أني ل محالة حيث صار القوم صائر فقال رسول ال صلى ال عليه واله:
يرحم ال قس بن ساعدة ،إني لرجو أن يأتي يوم القيامة امة وحده )،(2
فقال رجل من القوم :يا رسول ال لقد رأيت من قس عجبا " ،قال :وما
الذي رأيت ؟ قال :بينما انا يوما بجبل " في ناحيتنا يقال له :سمعان في
يوم قائظ ) (3شديد الحر إذا انا بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين
ماء ،وإذا حواليه سباع كثيرة ،وقد وردت حتى تشرب من الماء ،وإذا زأر
سبع منها على صاحبه ضربه بيده ،وقال :كف حتى يشرب الذي ورد قبلك،
فلما رأيته وما حوله من السباع هالني ذلك ودخلني رعب شديد ،فقال لي:
ل بأس عليك ،ل تخف إن شاء ال ،وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد ،فلما
آنست به قلت :ما هذان القبران ؟ قال :قبر أخوين كانا لي يعبدان ال في
هذا الموضع معي ،فماتا فدفنتهما في هذا الموضع ،واتخذت فيما بينهما )
(4مسجدا " أعبد ال فيه حتى ألحق بهما ،ثم ذكر أيامهما وفعالهما فبكى
ثم قال :خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما ل تقضيان كراكما ألم تعلما
أني بسمعان مفرد * وما لي بها ممن حببت سواكما اقيم على قبريكما
لست بارحا " * طوال الليالي أو يجيب صداكما ابكيكما طول الحياة وما
الذي * يرد على ذي عولة إن بكاكما كأنكما والموت أقرب غاية * بروحي
في قبري كما قد أتاكما
) (1في المصدر :وبايعه (2) .في المصدر :واحدة (3) .قاظ اليوم :اشتد حره .ويوم
قائظ :شديد الحر (4) .في المصدر :ما بينهما.
] [ 229
فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسي أن أكون فداكما ) .(1بيان :قوله صلى
ال عليه واله :ما أجدني لعله كان في الصل ما أجودني فصحف ،ويحتمل
أن يكون قال ذلك على جهة المصلحة ليسمع الناس من القوم )،(2
والزئير :صوت السد من صدره ،وقد زأر كضرب ومنع وسمع ،والهب:
النتباه من النوم ،ونشاط كل سائر وسرعته .والكرى :النوم .وقال
الجوهري :الصدى :الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها ،يقال:
صم صداه ،وأصم ال صداه أي أهلكه ،لن الرجل إذا مات لم يسمع الصدى
منه شيئا " فيجيبه .وقال الفيروز آبادي :الصدى :الجسد من الدمي بعد
موته .وطائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية انتهى .وما
في البيت يحتمل المعنيين ،وعلى التقديرين )أو( بمعى )إلى أن( أي أقيم
على قبريكما إلى أن تحييا وتجيباني - 52 .نجم :وجدت في كتاب درة
الكليل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين القطيعي في الجزء
الثالث منه عند قوله :مفاريد السماء علي التقييد ،فذكر في ترجمة عبد
الول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الصل الهروي
المولد الصوفي الشيخ الثقة أبي الوقت بن أبي عبد ال ) (3حديث دللة
النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة نبينا محمد صلوات ال عليه وعلى
آله ،والحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش
) (1مجالس المفيد (2) .203 - 201 :ويحتمل أنه صلى ال عليه وآله لم يحفظه
لشتماله على الشعر والرجز لمصلحة ،ولذا قيل :انه إذا تمثل ببيت شعر
يكسره ،أو كان يجرى على لسانه منكسرا ،كما روى أنه كان يتمثل بهذا
البيت :كفى السلم والشيب للمرء ناهيا ،فقيل له يا رسول ال :انما قال
الشاعر :كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا ،وروى انه كان يتمثل يقول
الشاعر :ستبدى لك اليام ما كنت جاهل * ويأتيك بالخبار من لم تزود
فجعل يقول :يأتيك من لم تزود بالخبار ،فقيل له :ليس هكذا يا رسول
ال ،فيقول :انى لست بشاعر وما ينبغي لى (3) .في المصدر :الشيخ
المعمر الثقة الموقت ابن ابى عبد ال .قلت :الموقت :الذى يراعى
الوقات والهلة.
] [ 230
عن صفات النبي صلى ال عليه واله ،ولفظ كتاب النبي صلى ال عليه واله إلى
هرقل ،ثم قال :ما هذا لفظه :وكان ابن الناطور صاحب إيليا وهرقل اسقفا
" على نصارى الشام يحدث ) (1أن هرقل حين قدم إيليا ) (2أصبح يوما "
خبيث النفس ،فقال بعض بطارقته :قد استنكرنا ) (3هيئتك ،ابن الناطور:
وكان هرقل جيدا " ينظر في النجوم ) ،(4فقال لهم حين سألوه :إني رأيت
الليلة حين نظرت ملك قد ظهر من مختتن هذه المة ) ،(5قالوا :ليس
مختتن إل اليهود فل يهمنك شأنهم ،واكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من بهم
) (6من اليهود ،فبينا هم على أمرهم إذ أتى هرقل برجل أرسل إليه ملك
غسان يخبر عن رسول ال صلى ال عليه واله ) ،(7فلما استخبره هرقل
قال :اذهبوا فانظروا أمختتن ) (8هو أم ل ،فنظروا فحدثوه أنه مختتن،
وسأله عن العرب فقال :هم يختتنون ) ،(9فقال هرقل :هذا ملك هذه المة
قد ظهر ،ثم كتب إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم ،وسار هرقل
إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل
على خروج النبي صلى ال عليه واله أنه نبي ) ،(10فأذن هرقل لعظماء
الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ،ثم أطلع ) (11فقال :يا
معشر الروم هل لكم في الفلح والرشد وأن يثبت ملككم ) (12فبايعوا هذا
الرجل،
) (1في المصدر :أشفقا على نصارى الشام فحدث .وفيه :ايلياء بالمد وكذا فيما
يأتي بعد ذلك ،وايلياء :اسم مدينة بيت المقدس (2) .في المصدر :حين
فقد ايلياء .ولعله مصحف (3) .في المصدر :أنكرنا (4) .في المصدر:
جيد النظر في علم النجوم (5) .في المصدر :انى نظرت الليلة في النجوم
فرايت ملكا يظهر في من يختتن من هذه المة (6) .بها خ ل ظ وفى
المصدر :فيها (7) .في المصدر :يخبره بخبر رسول ال صلى ال عليه
وآله (8) .في المصدر :أيختتن (9) .في المصدر :فسألهم عن العرب
فقالوا :انهم يختتنون (10) .في المصدر :وانه نبى (11) .في المصدر:
ثم اطلع عليهم (12) .في المصدر :بعد ذلك :قالو :بلى ،قال :بايعوا هذا
النبي.
] [ 231
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب فوجدوها قد غلقت ) ،(1فلما رأى هرقل
نفرتهم وآيس من اليمان قال :ردوهم علي ،وقال ) :(2إني قلت مقالتي
آنفا " أختبر بها شدتكم على دينكم وقد رأيت ) ،(3فسجدوا له ورضوا
عنه ،فكان ذلك آخر شأن هرقل ) .(4بيان :قوله :فلم يرم حمص ،أي لم
يبرحه ولم يزل عنه ،من رام يريم ،والدسكرة :القرية ،والصومعة .وحاص
عنه يحيص حيصا " وحيصة :عدل وحاد - 53 .كا :علي عن أبيه ،عن
صفوان بن يحي ،عن إسحاق بن عمار قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم
عن قول ال تبارك وتعالى) :وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( قال :كان قوم فيما بين محمد صلى ال
عليه واله وعيسى عليه السلم و كانوا يتوعدون أهل الصنام بالنبي صلى
ال عليه واله ،ويقولون :ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم ،وليفعلن بكم
وليفعلن ،فلما خرج رسول ال صلى ال عليه واله كفروا به ) - 54 .(5د:
البشائر به :من ذلك بشائر موسى في السفر الول ،وبشائر إبراهيم عليه
السلم في السفر الثاني ،وفي السفر الخامس عشر ،وفي الثالث
والخمسين من مزامير داود عليه السلم ،وبشائر عويديا ) (6وحيقوق
وحزقيل ودانيال وشعيا ،وقال داود في زبوره :اللهم ابعث مقيم السنة بعد
الفترة .وقال عيسى عليه السلم في النجيل :إن البر ذاهب ،والبار قليطا
جائي من بعده ،وهو يخفف الصار ،ويفسر كل شئ ،ويشهد لي كما
شهدت له ،أنا جئتكم بالمثال
) (1في المصدر :فوجدوها مغلقة (2) .في المصدر :فلما ردوهم قال لهم :انى قلت.
) (3في المصدر :وقد رأيت ما اعجبني (4) .فرج المهموم 30 :و ) .31
(5روضة الكافي (6) .310 :هكذا في النسخ ،وفي قاموس التوراة:
عوبدياء بالباء والمد :أحد أنبياء بنى اسرائيل ،كان في سنة 578قبل
ميلد المسيح تقريبا ،ويظن انه كان معاصر الرمياء وحزقيل ،وله كتاب
بعد من كتب العهد القديم.
] [ 232
وهو يأتيكم بالتأويل ) - 55 .(1كنز الكراجكى :قال :ذكر الرواة من أهل العلم أن
ربيعة بن نصر ) (2رأى رؤيا " هالته ) ،(3فبعث في أهل مملكته فلم يدع
كاهنا " ول ساحرا " ول فائفا " ول منجما " إل أحضره إليه ،فلما
جمعهم قال لهم :إني قد رأيت رؤيا " هالتني ،فأخبروني بتأويلها ،قالوا:
اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها ،قال :إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى
خبركم عن تأويلها ،إنه ل يعرف تأويلها إل من يعرفها قبل أن اخبره بها،
فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم :إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى
سطيح وشق ) ،(4فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما يخبرانك بما سألت ،فلما
قيل له ذلك بعث إليهما ،فقدم عليه سطيح قبل شق ،ولم يكن في زمانهما
مثلهما من الكهان ،فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له :يا سطيح إني قد
رأيت رؤيا " هالتني و فظعت بها ،فأخبرني بها ،فإنك إن أصبتها أصبت
تأويلها ،قال :أفعل ،رأيت جمجمة ) (5خرجت من ظلمة فوقعت ) (6بأرض
تهمة ،فأكلت منها كل ذات جمجمة ) ،(7قال له الملك :ما أخطأت منها شيئا
" يا سطيح ،فما عندك في تأويلها ؟ فقال :أحلف بما بين الحرتين من
حنش ،ليهبطن أرضكم الحبش ،فليمكن ما بين أنين ) (8إلى جرش ،قال له
الملك :وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع ،فمتى هو كائن يا سطيح ؟
أفي زماني أم بعده ؟ قال:
) (1العدد :مخطوط (2) .أحد ملوك اليمن من ملوك التبايعة ،وكان من أجداد نعمان
بن المنذر المشهور (3) .في المصدر بعد ذلك :وقطع بها ،فلما رآها بعث.
) (4سطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدى بن
مازن غسان .وشق :ابن صعب بن يشكر بن رهم بن افرك بن قيس بن
عبقر بن أنمار بن نزار .على ما في السيرة ،و أوردهما المسعودي في
مروج الذهب مع اختلف في أجداد شق (5) .هكذا في الكتاب ومصدره،
وفي السيرة :حممة .بالحاء المهملة وهى قطعة من النار ،وهى الفحمة
ايضا (6) .في المصدر :فرفعت (7) .الجمجمة :عظم الرأس المشتمل
على الدماغ (8) .هكذا في الكتاب ،وفي المصدر :اثنين ،وفي سيرة ابن
هشام :أبين .قال الحموى في معجم البلدان :أبين بوزن أحمر :مخلف
باليمن ،منه عدن ،قلت :المخلف :الكورة من البلد )*(
] [ 233
لبل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين ،ثم يقتلون بها
أجمعون ) (1ويخرجون منها هاربين ،قال الملك :من ذا الذي يلي ذلك من
قتلهم وإخراجهم ؟ قال :يليه إرم ذي ) (2يزن ،يخرج عليهم من عدن ،فل
يترك منهم أحدا باليمن ،قال :أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع ؟ قال :بل
ينقطع قال :ومن يقطعه ؟ قال :نبي زكي ،يأتيه الوحي من قبل العلي ،قال:
وممن هذا النبي ؟ قال :رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر،
يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر ،قال :وهل للدهر يا سطيح من آخر ؟
قال :نعم يوم يجمع فيه الولون والخرون ،ويسعد فيه المحسنون ،ويشقى
فيه المسيئون ،قال :أحق ما تخبرنا يا سطيح ؟ قال :نعم والشفق والفلق )
،(3والليل إذا اتسق ،إن ما أنبأتك به لحق ،فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه
فقال له :يا شق إني رأيت رؤيا " هالتني وفظعت بها ،فأخبرني عنها،
فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها كما قال لسطيح ،وقد كتمه ما قال سطيح
لينظر أيتفقان أم يختلفان ،قال :نعم رأيت جمجمة ) (4خرجت من ظلمة
فوقعت بين روضة وأكمة ،فأكلت منها كل ذات نسمة ،قال له الملك :ما
أخطأت منها ،فما عندك في تأويلها ؟ قال :أحلف بما بين الحرتين من
إنسان ،لينزلن أرضكم الحبشان ) ،(5فليغلبن على كل طفلة البنان،
وليملكن ما بين أنين ) (6إلى نجران ،فقال له الملك :و أبيك إن هذا لنا
لغائظ موجع ،فمتى كائن افي زماني أم بعده ؟ قال :بعده بزمان ،ثم
يستنقذكم منهم عظيم الشأن .ويذيقهم أشد الهوان ،قال :ومن هذا العظيم
الشأن ؟ قال :غلم ليس بدني ول مدن ،يخرج من بيت ذي يزن ،قال :فهل
يدوم سلطانه أو ينقطع ؟
) (1أجمعين خ ل وفي المصدر :ثم يقبلون بها أجمعون ،وفي سيرة ابن هشام بعد
قوله :السنين :قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال :ل ،بل ينقطع
لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين (2) .في
السيرة :ارم بن ذى يزن (3) .في السيرة :والشفق والغسق ،والفلق إذا
التسق (4) .في السيرة :حممة كما تقدم (5) .في السيرة :السودان(6) .
تقدم آنفا أن الصحيح :أبين.
] [ 234
قال :بل ينقطع برسول مرسل ،يأتي بالحق والعدل ،بين أهل الدين والفضل ،يكون
الملك في قومه إلى يوم الفصل ،قال :وما يوم الفصل ؟ قال :يوم يجزى فيه
الولة ،يدعى فيه من السماء بدعوات ،يسمع منها الحياء والموات،
ويجمع الناس للميقات ،يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات ،قال :أحق ما
تقول ياشق ؟ قال :إي ورب السماء والرض ،وما بينهما من رفع
وخفض ،إنما أنبأتك لحق ما فيه أمض ) .(1بيان :قال في النهاية :قيل:
الحنش :ما أشبه رأسه رؤوس الحيات من الوزغ و الحرباء وغيرهما،
وقيل :الحناش :هو ام الرض ،ومنه حديث سطيح :أحلف بما بين
الحرتين من حنش ،وفي القاموس :الجرش :بالتحريك :بلد بالردن ،وقال:
أمض كفرح :لم يبال من المعاتبة ،وعزيمته ماضية في قلبه ،وكذا إذا أبدى
لسانه غير ما يريده ) - 56 .(2كنز الكراجكى :روى أن رجل " حدث
رسول ال صلى ال عليه واله فقال في حديثه :خرجت في طلب بعير لي
ضل ،فوجدته في ظل شجرة يهش من ورقها ،فدنوت منه فزممته
واستويت على كوره ) ،(3ثم اقتحمت واديا فإذا " أنا بعين خرارة )،(4
وروضة مدهامة ) ،(5وشجرة عادية ) ،(6وإذا أنا بقس قائما " يصلي
بين قبرين ،قد اتخذ له بينهما مسجدا " ،قال :فلما انفتل ) (7من صلته
قلت له :ما هذان القبران ؟ فقال :هذان قبرا أخوين كانا لي ،يعبدان ال
عزوجل معي في هذا المكان ،فأنا أ عبد ال بينهما إلى أن ألحق بهما ،قال:
ثم التفت إلى القبرين فجعل يبكي وهو يقول:
) (1كنز الكراجكى ،86 - 85 :وأخرجه ايضا ابن هشام في سيرته ) .13 - 11 :1
(2قال ابن هشام في السيرة :أمض يعنى شكا ،هذا بلغة حمير ،وقال أبو
عمرو :أمض أي باطل (3) .الكور :رحل البعير ،أو الرحل بأداته(4) .
الخرارة :الكثير الخرير ،والخرير :صوت الماء (5) .أي خضراء تضرب
إلى السواد نعمة وريا (6) .أي مرتفعة بحيث تجاوزت عن حدها (7) .أي
انصرف.
] [ 235
خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما أم تقضيان كراكما أرى خلل " في الجلد
والعظم منكما * كأن الذي يسقي العقار سقاكما ألم تعلما أني بسمعان مفرد
* ومالي بسمعان حبيب سواكما ) (1فلو جعلت نفس لنفس فدائها * لجدت
بنفسي أن تكون فداكما ) (2قال :فقلت له :فلم ل تلحق بقومك فتكون معهم
في خيرهم وشرهم ؟ فقال :ثكلتك امك ،أما علمت أن ولد إسماعيل تركوا
دين أبيهم ،واتبعوا الضداد ،و عظموا النداد ،قلت :فما هذه الصلة التي
ل تعرفها العرب ؟ فقال :اصليها لله السماء فقلت :وللسماء إله غير اللت
والعزى ؟ فأسقط ) (3وامتقع لونه ،وقال :إليك ) (4عني يا أخا إياد ،إن
للسماء إلها هو الذي خلقها ،وبالكواكب زينها ،وبالقمر المنير أشرقها،
أظلم ليلها ) ،(5وأضحى نهارها ،وسوف تعمهم من هذه الرحمة -وأومأ
بيده نحو مكة -برجل أبلج من ولد لوي بن غالب يقال له :محمد ،يدعو
إلى كلمة الخلص ،ما أظن أني ادركه ،ولو أدركت أيامه لصفقت بكفي
على كفه ،ولسعيت معه حيث يسعى ،فقال رسول ال صلى ال عليه واله:
رحم ال أخي قسا " يحشر يوم القيامة امة وحده ) .(6بيان :قال في
النهاية :في حديث قس ذكر العقار ،وهو بالضم من أسماء الخمر ،وفي
القاموس :العقار بالضم :الخمر لمعاقرته ،أي ملزمته الدن ،أو لعقرها
شاربها عن المشي.
) (1في المصدر بعده :مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالى أو يجيب
صداكما (2) .في المصدر :أن أكون فداكما .وتقدمت الشعار عن
المجالس آنفا باختلف راجعها (3) .هكذا في الكتاب ،وفي المصدر:
فامتقط .قلت :أي تغيظ ،وامتقع لونه أي تغير لونه من حزن أو فزع أو
ريبة (4) .إليك :اسم فعل بمعنى أبعد (5) .أي جعلها مظلما (6) .كنز
الكراجكى 255 :و .256
] [ 236
- 57أقول :وجدت في كتاب سليم بن قيس عن أبان بن أبي عياش ) (1عنه قال:
أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلم فنزل العسكر قريبا " من
دير نصراني ،إذ خرج علينا من الدير شيخ جميل ) (2حسن الوجه ،حسن
الهيئة والسمت ،معه كتاب في يده ،حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلم
فسلم عليه بالخلفة ،فقال له علي عليه السلم :مرحبا " يا أخي شمعون
بن حمون ،كيف حالك رحمك ال ؟ فقال :بخير يا أمير المؤمنين ،وسيد
المسلمين ،ووصي رسول رب العالمين ،إني من نسل رجل من )(3
حواري عيسى بن مريم عليه السلم .وفي رواية اخرى :أنا من نسل
حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلم .من نسل شمعون بن يوحنا،
وكان أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلم الثنى عشر ،وأحبهم
إليه ،وآثرهم عنده ،وإليه أوصى عيسى عليه السلم ،وإليه دفع كتبه علمه
وحكمته ،فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين عليه ) (4لم يكفروا ولم
يبدلوا ولم يغيروا ،و تلك الكتب عندي إملء عيسى بن مريم عليه السلم،
وخط أبينا بيده ،وفيه كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك وما يملك ،وما
يكون في زمان كل ملك منهم حتى يبعت ال رجل " من العرب من ولد
إسماعيل بن إبراهيم خليل ال ،من أرض تدعى تهامة ،من قرية يقال لها:
مكة ،يقال له :أحمد ،النجل ) (5العينين ،المقرون الحاجبين ،صاحب
الناقة والحمار ،والقضيب والتاج ،يعني العمامة ،له اثنا عشر اسما " ،ثم
ذكر مبعثه ومولده وهجرته ،ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه ،وكم
يعيش ،وما تلقى امته بعده إلى أن ينزل ال عيسى بن مريم عليه السلم
من السماء ،فذكر في ذلك الكتاب ثلثة عشر رجل " )(6
) (1تقدم إسناد الكتاب في ج 1ص ،76وأوعزنا نحن هناك في الذيل أن كتاب
سليم من أقدم الكتب المصنفة في السلم ،وترجمنا مؤلفه في المقدمة:
،156وأشرنا هناك إلى أنه من الصول المعتبرة التى ترجع إليه الشيعة
في كل عصر (2) .في المصدر :شيخ كبير جميل (3) .المصدر خال عن
قوله :رجل من (4) .في المصدر :متمسكين بملته (5) .نجل الرجل:
وسعت عينه وحسنت فهو أنجل (6) .وهم النبي صلى ال عليه وآله
والئمة الثنا عشر عليهم السلم.
] [ 237
من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل ال صلى ال عليهم هم خير من خلق ال ،وأحب
من خلق ال إلى ال ،وإن ال ولي من والهم ،وعدو من عاداهم ،من
أطاعهم اهتدى ،ومن عصاهم ضل ،طاعتهم ل طاعة ومعصيتهم ل
معصية ،مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم ،وكم يعيش كل رجل منهم
واحد بعد واحد ) ،(1وكم رجل منهم يستر أدلة للناس حتى ينزل ) (2ال
عيسى عليه السلم على آخرهم ،فيصلي عيسى عليه السلم خلفه ،ويقول:
إنكم أئمة ل ينبغي لحد أن يتقدمكم ،فيتقدم فيصلي بالناس ،وعيسى عليه
السلم خلفه في الصف ) ،(2أولهم وأفضلهم وخيرهم ،له مثل اجورهم،
واجور من أطاعهم ،واهتدى بهداهم ،أحمد ) (4رسول ال صلى ال عليه
وآله ،واسمه محمد ،وياسين ،والفتاح ،والختام ) ،(5والحاشر ،و العاقب،
والماحي .وفي نسخة اخرى :مكان الماحي الفتاح والقائد ،وهو نبى ال،
وخليل ال ،و حبيب ال ،وصفية وأمينه وخيرته ،يرى تقلبه في الساجدين.
وفي نسخة اخرى :يراه تقلبه في الساجدين ،يعني في أصلب النبيين.
ويكلمه برحمته ،فيذكر إذا ذكرو هو اكرم خلق ال على ال ،وأحبهم إلى
ال ،لم يخلق ال خلقا " ملكا مقربا " ول نبيا " مرسل آدم فمن سواه
خيرا " عند ال ول أحب إلى ال منه ،يقعده يوم القيامة على عرشه،
ويشفعه في كل من شفع فيه ،باسمه جرى القلم في في اللوح المحفوظ،
في ام الكتاب ،ثم أخوه صاحب اللواء إلى يوم المحشر الكبر ،ووصيه
ووزيره وخليفته في امته ،وأحب خلق ال إلى ال بعده على بن أبي طالب
عليه السلم .ولي كل مؤمن بعده ،ثم أحد عشر إماما " من ولد محمد وولد
الول ) :(6اثنان منهم سميا ابني هارون :شبر وشبير.
) (1في المصدر :واحدا بعد واحد (2) .في المصدر :وكم رجل منهم يستر بدينه
ويكتمه من قومه ومن يظهر حتى ينزل (3) .في المصدر :في الصف
الول (4) .هو وما يأتي بعده تفسير لقوله :ثلثة عشر (5) .في المصدر:
والخاتم (6) .أي أول الئمة وهو على بن ابى طالب عليه السلم في
المصدر :ولد أول الثنى عشر.
] [ 238
وفي نسخة اخرى :ثم أحد عشر من ولد ولده ) :(1أولهم شبر ،والثاني شبير،
وتسعة من شبير ،واحد بعد واحد ) .(2وفي نسخة الولى :وتسعة من ولد
أصغرهما وهو الحسين ،واحد بعد واحد ) ،(3آخرهم الذي يصلي عيسى
بن مريم عليه السلم خلفه ،فيه تسمية كل من يملك منهم ،ومن يستتر
بدينه ،ومن يظهر ،فأول من يظهر منهم يمل جميع بلد ال قسطا "
وعدل ،ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره ال على الديان كلها.
فلما بعث النبي صلى ال عليه واله وأبي حي صدق به وآمن به ،وشهد أنه
رسول ال صلى ال عليه واله ،وكان شيخا " كبيرا " لم يكن به شخوص
فمات ،وقال :يا بني إن وصي محمد صلى ال عليه واله وخليفته الذي
اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمر بك إذا مضى ثلثة من أئمة الضللة،
يسمون بأسمائهم وقبائلهم ،فلن وفلن وفلن ،ونعتهم ،وكم يملك كل
واحد منهم ،فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه ،فان الجهاد
معه كالجهاد مع محمد صلى ال عليه واله ،والموالي له كالموالي لمحمد
صلى ال عليه واله ،والمعادي له كالمعادي لمحمد صلى ال عليه واله،
وفي هذا الكتاب يا أمير المؤمنين اثنى عشر ) (4إماما " من قريش ،ومن
قومه ) (5من أئمة الضللة يعادون أهل بيته ،ويدعون حقهم ،ويمنعونهم
منه ،ويطردونهم ويحرمونهم ،ويتبرؤن منهم ،ويخيفونهم ،مسمون واحدا
" واحدا " بأسمائهم ونعتهم ،وكم يملك كل واحد منهم وما يلقى منهم
ولدك وأنصارك و شيعتك من القتل والحرب والبلء والخوف ،وكيف
يديلكم ) (6ال منهم ومن أوليائهم وأنصارهم ،وما يلقون ) (7من الذل
والحرب والبلء والخزي والقتل والخوف منكم )(8
) (1في المصدر :من ولده وولد ولده 2) .و (3في المصدر :واحدا " بعد واحد) .
(4في المصدر :إن اثنى عشر (5) .في المصدر وطبعة أمين الضرب
والحروفية :ومن قومه معه (6) .ادال ال بنى فلن من عدوهم :جعل
الكرة لهم عليه .ال زيدا من عمرو :نزع الدولة من عمرو وحولها إلى
زيد (7) .تلقون خ ل (8) .منهم خ ل.
] [ 239
أهل البيت ،يا أمير المؤمنين ابسط يدك ابايعك بأني ) (1أشهد أن ل إله إل ال،
وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله ،وأشهد أنك خليفة رسول ال صلى ال
عليه واله في امته ،ووصيه وشاهده على خلقه ،وحجته في أرضه ،وأن
السلم دين ال ،وأني أبرء من كل دين خالف دين السلم ،فإنه دين ال
الذي اصطفاه لنفسه ،ورضيه لوليائه ،وإنه دين عيسى ابن مريم عليه
السلم ومن كان قبله من أنبياء ال ورسله ،وهو الذي دان به من مضى
من آبائي ،وإني أتولك وأتولى أوليائك ،وأبرء من عدوك ،وأتولى الئمة
من ولدك ،وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرئ منهم وادعى حقهم،
وظلمهم من الولين والخرين ،ثم تناول يده فبايعه ،ثم قال له أمير
المؤمنين عليه السلم :ناولني كتابك ،فناوله إياه ،وقال علي عليه السلم
لرجل من أصحابه :قم مع الرجل فأحضر ترجمانا يفهم كلمه فلينسخه لك
بالعربية ،فلما أتاه به قال لبنه الحسن :يا بني ايتني بالكتاب الذي دفعته
إليك ،يا بني اقرأه ،وانظر أنت يا فلن في نسخة هذا الكتاب فإنه خطي
بيدي ،وإملء رسول ال صلى ال عليه واله ،فقرأه فما خالف حرفا "
واحدا " ليس فيه تقديم ول تأخير ،كأنه إملء رجل واحد على رجلين،
فحمد ال وأثنى عليه ،وقال :الحمد ل الذي لو شاء لم تختلف المة ولم
تفترق ،والحمد ل الذي لم ينسني ،ولم يضع أمري ،ولم يخمل ذكري عنده
وعند أوليائه ،إذ صغر وخمل عنده ذكر أولياء الشيطان وحزبه ،ففرح
بذلك من حضر من شيعة علي عليه السلم وشكر ) (2كثير ممن حوله
حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم ) - 58 .(3وقال السيد ابن طاوس
روح ال روحه في كتاب سعد السعود :وجدت في صحف إدريس النبي
عليه السلم فيما خاطب ال به إبليس وأنظره إلى يوم الوقت المعلوم ،قال:
و انتخبت لذلك الوقت عبادا " لي امتحنت قلوبهم لليمان -إلى أن قال :-
اولئك أوليائي ،اخترت لهم نبيا " مصطفى ،وأمينا " مرتضى ،فجعلته لهم
نبيا " ورسول " ،وجعلتهم له أولياء وأنصارا " ،تلك امة اخترتها لنبيي
المصطفى ،وأميني المرتضى ،ثم قال :ونظر آدم إلى
) (1في المصدر :فانى (2) .وشكروا كثيرا خ ل وفي المصدر :وشكر وساء ذلك
كثير ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم (3) .كتاب سليم
بن قيس.125 - 122 :
] [ 240
طائفة من ذريته يتلل نورهم ،قال آدم :ما هؤلء ؟ قال :هؤلء النبياء من ذريتك،
قال :يا رب فما بال نور هذا الخير ساطعا " على نورهم جميعا " ؟ قال:
لفضله عليهم جميعا " ،قال :ومن هذا النبي يا رب ؟ وما اسمه ؟ قال :هذا
محمد نبي ورسولي وأميني ونجيبي ونجيي وخيرتي وصفوتي وخالصتي
وحبيبي وخليلي وأكرم خلقي علي ،وأحبهم إلي ،وآثرهم عندي ،وأقربهم
مني ،وأعرفهم لي ،وأرجحهم حلما " وعلما " وإيمانا " ويقينا " وصدقا
" وبرا " وعفافا " وعبادة وخشوعا " وورعا " وسلما " وإسلما "،
أخدت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم من خلئقي في السماوات
والرض باليمان به ،والقرار بنبوته ،فآمن به يا آدم تزدد ) (1مني قربة
ومنزلة وفضل " ونورا " ووقارا " ،قال :آمنت بال ،ورسوله محمد
صلى ال عليه واله ،قال ال :قد أوجبت لك يا آدم وقد زدتك فضل وكرامة،
وأنت يا آدم أول النبياء والرسل ،و ابنك محمد خاتم النبياء والرسل،
وأول من تنشق عنه الرض يوم القيامة ،وأول من يكسى ويحمل إلى
الموقف ،وأول شافع ،وأول مشفع ،وأول قارع لبواب الجنان ،وأول من
يفتح له ،وأول من يدخل الجنة ،وقد كنيتك به ،فأنت أبو محمد ،فقال آدم:
الحمد ل الذي جعل من ذريتي من فضله بهذه الفضائل ،وسبقني إلى
الجنة ،ول أحسده ،ثم ذكرما نقله الراوندي عن التوراة والنجيل ،وبسط
الكلم فيها ،وإنما تركناه مخافة التطويل ،ثم قال :رأيت في السورة السابعة
عشر من الزبور :داود اسمع ما أقول ،و مر سليمان يقول بعدك :إن
الرض أورثها محمد وامته ،وهم خلفكم ،ول تكون صلتهم بالطنابير ،ول
يقدسون الوتار ،فازدد من تقديسك ،وإذا زمرتم ) (2بتقديسي فأكثروا
البكاء بكل ساعة ،وساعة ل تذكرني فيها عدمتها من ساعة .انتهي ).(3
- 59أقول :وروى محمد بن مسعود الكازروني بإسناده ) (4إلى العمش،
عن أبي صالح ،عن كعب قال :نجد مكتوبا " محمد رسول ال ،لفظ ول
غليظ ،ول صخاب بالسواق،
) (1تزرد خ ل (2) .زمر :غنى بالنفخ في القصب ونحوه .وفي المصدر :زفرتم) .
(3سعد السعود 36 - 34 :و (4) .48ترك المصنف إسناد الحديث
للختصار ،وفي المصدر مسند.
] [ 241
ول يجزي بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويغفر ،امته الحامدون ،يكبرون ال على كل
نجد ،ويحمدونه في كل منزل ،يتأزرون على أنصافهم ،ويتوضؤون على
أطرافهم ،مناديهم يناديهم في جو السماء ،صفهم في القتال وصفهم في
الصلة سوآء ،لهم بالليل دوي كدوي النحل ،مولده بمكة ،ومهاجره بطابة،
وملكه بالشام ) .(1أقول :وذكر بشائر كثيرة في كتابه لنطيل الكلم
بإيرادها ،وفي ما ذكرناه كفاية - 60 .مقتضب الثر في النص على الثنى
عشر لحمد بن محمد بن عياش ،عن محمد بن لحق بن سابق النباري،
عن جده سابق بن قرين ،عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي ،عن أبيه،
عن الشرقي بن قطامي ،عن تميم بن وهلة المري ،عن الجارود بن المنذر
العبدي ) (2وكان نصرانيا " فأسلم عام الحديبية وحسن إسلمه ،وكان
قارئا " للكتب ،عالما " بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر ،بصيرا
" بالفلسفة والطب ،ذا رأي أصيل ،ووجه جميل ،أنشأ يحدثنا في إمارة
عمر بن الخطاب قال :وفدت على رسول ال صلى ال عليه واله في رجال
من عبد القيس ذوي أحلم وأسنان ،فصاحة وبيان ،وحجة وبرهان ،فلما
بصروا به صلى ال عليه واله راعهم منظره ومحضره ،وأفحموا عن
بيانهم وعن بهم العروآء ) (3في أبدانهم ،فقال زعيم القوم لي :دونك من
أقمت بنا أممه ) ،(4فما نستطيع كلمة ) ،(5فاستقدمت دونهم إليه ووقفت
بين يديه ،وقلت :السلم عليك يا نبي ال ،بأبي أنت وامي ،ثم أنشأت أقول
)شعر(:
) (1المنتقى في مولود المصطفى :الباب الثاني .قوله :ملكه بالشام ل يخلو عن
غرابة ،وكعب الحبار متهم في ذلك (2) .هكذا في الكتاب ومصدره ،وفي
سيرة ابن هشام :قال ابن اسحاق :وقدم على رسول ال صلى ال عليه
وآله وسلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس ،قال ابن هشام:
الجارود :ابن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس ،وكان نصرانيا اه قلت:
وقال اليعقوبي في تاريخه :وقدمت عبد القيس ورئيسهم الشبح
العصرى ،ثم وفد الجارود بن المعلى (3) .عزلهم العرواء خ ل .وفي
المصدر وكنز الكراجكى :اعتراهم العرواء .والعرواء بالضم :مس
الحمى (4) .في المصدر :دونك من أقمت بنا أقمه فما نستطيع أن نكلمه.
) (5أن نكلمه خ ل.
] [ 242
يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت قردد " ا وآل " فآل ) (1جابت البيد والمهامة
حتى * غالها من طوي السري ما غال قطعت دونك الصحاصح ) (2تهوى
* ل تعد الكلل فيك كلل كل دهناء ) (3تقصر الطرف عنها * أرقلتها )(4
قلصنا ) (5إرقال وطوتها العتاق تجمح ) (6فيها * بكماة مثل النجوم تلل
ثم لما رأتك أحسن مرأى * أفحمت عنك هيبة وجلل تتقي شر بأس يوم
عصيب * هائل أو جل القلوب وهال ونداء " لمحشر الناس طرا " *
وحسابا " لمن تأدى ) (7ضلل نحو نور من الله وبرهان * وبز )(78
ونعمة لن تنال ) (9وأمان منه لدى الحشر والنشر * إذ الخلق ل يطيق
السؤال فلك الحوض والشفاعة والكوثر * والفضل إذ ينص السؤال فلك
الحوض خصك يابن آمنة ) * (10الخير إذا ما تلت سجال سجال ) 119أنبأ
الولون باسمك فينا * وباسماء بعده تتتال )(12
) (1قال الجزرى :في حديث قس بن ساعدة :قطعت مهمها وآل فال ،الل :السراب،
و المهمة :القفر .وقال :قردد :الموضع المرتع من الرض ،ويقال
للرض المستوية أيضا قردد ،ومنه حديث قس والجارود :قطعت قرددا) .
(2الصحاصح جمع الصحصح :ما استوى من الرض وكان أجرد(3) .
الدهناء :الفلت ) (4ارقل المفازة :قطعها (5) .القلص جمع القلوص،
من البل :الطويلة القوائم .الشابة منها أو الباقية على السير (6) .جمح
الفرس :تغلب على راكبه وذهب به ل ينثنى (7) .يأوى خ ل وفي المصدر
والكنز :تمادى ،وهو الصحيح ) (8هكذا في النسخ ،والظاهر أنه
مصحف :وبركما في المصدر وفي الكنز (9) .أن تنال خ ل (10) .في
المصدر والكنز :خصك ال يابن آمنة الخير (11) .السجال جع السجل:
الدلو العظيمة فيها ماء قل أو كثر (12) .في المصدر والكنز :تتلل.
] [ 243
فأقبل ) (1علي رسول ال بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء " لمعا "
ساطعا " كوميض ) (2البرق ،فقال :يا حارود لقد تأخر بك وبقومك الوعد
) - (3وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته ،وآتيته
في عام الحديبية -فقلت :يا رسول ال بأبي أنت ما كان إبطائي عنك إل أن
جلة قومي أبطاؤا عن إجابتي حتى ساقها ال إليك لما أراد لها به إليك من
الخير ،فأما من تأخر ) (4فحظه فات منك ،فتلك أعظم حوبة ) ،(5وأكبر
عقوبة ،ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك ،فإن برهان الحق
في مشهدك محتدك ) ،(6وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك
الولى ،فها أنا تاركه بين يديك ،إذ ذلك مما يعظم الجر ،ويمحو المآثم
والحوب ،ويرضى الرب عن المربوب ،فقال رسول ال صلى ال عليه
واله :أنا ضامن لك يا جارود ،قلت :أعلم يا رسول ال أنك مذ كنت ضمين
قمين ) ،(7قال :فدن الن بالوحدانية ،ودع عنك النصرانية ،قلت :أشهد أن
ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأنك عبده ورسوله ،ولقد أسلمت على
علم بك ونباء فيك ،علمته من قبل ،فتبسم صلى ال عليه واله كأنه علم ما
أردته من النباء فيه ،فأقبل علي وعلى قومي ،فقال :أفيكم من يعرف قس
بن ساعدة اليادي ؟ قلت :يا رسول ال كلنا نعرفه ،غير أني من بينهم
عارف بخبره ،واقف على أثره ،كان قس بن ساعدة يا رسول ال سبطا "
من أسباط العرب ،عمر خمسمأة عام ،تقفر منها في البراري خمسة
أعمار ،يضج بالتسبيح على منهاج المسيح ،ل يقره قرار ،ول يكنه جدار،
ول يستمع ) (8منه جار ،ل يفتر من
) (1في المصدر والكنز :قال :فأقبل (2) .وميض البرق :لمعانه (3) .في المصدر:
الموعد (4) .في المصدر :لما أرادها به من الخير لديك ،فأما من تأخر
عنه (5) .الحوبة :الثم (6) .المحتد :الصل (7) .القمين :الخليق الجدير.
وفى المصدر :إنك بذلك ضمين قمين (8) .واستظهر المصنف في
الهامش أن الصحيح :ل يستمتع .قلت :هو كذلك في المصدر.
] [ 244
) (1المسوح جمع المسح :الكساء من شعر ،ما يلبس من نسيج الشعر على البدن
تقشعا وقهرا للجسد .وتحسى المرق :شربه شيئا بعد شئ (2) .في
المصدر :ويوحنا وأمثالهم ففقه كلمهم ونقل منهم (3) .تحوب ،اجتنب
الثم (4) .قال اليعقوبي في تاريخه :227 :1سوق عكاظ بأعلى نجد،
يقوم في ذى القعدة ،وينزلها قريش وسائر العرب ،ال ان أكثرها مضر،
وبها كانت مفاخرة العرب وجمالتهم ومهادناتهم ،ثم سوق ذى المجاز،
وكانت ترتحل من سوق عكاظ ،وسوق ذى المجاز إلى مكة من لحجهم) .
(5هكذا في نسخة المصنف ،والظاهر أن لفظة )شعر( زائدة ،أو هو
مصحف :أنشد كلمة له شعرا كما في المصدر (6) .ادكار ليال خ ل وفي
المصدر ،إدكار ،وليال (7) .شمط :خالط بياض رأسه سواد فهو أشمط.
] [ 245
) (1كل لهن خ ل (2) .هكذا في الكتاب ومصدره ولعله مصحف :يقظه ،واستظهر
المصنف في الهامش أنه الياقظ (3) .هكذا في النسخة ،والمصدر خال
عن قوله :شعر .وهو خبر لمبتداء محذوف أي هذا شعر (4) .السارير:
الخطوط في الجبهة .محاسن الوجه (5) .توكف الخبر :انتظر ظهوره.
إبان الشئ بكسر الهمزة وتشديد الباء :أوله .حينه (6) .في المصدر:
وباسم أبيك.
] [ 246
وامك ،وبأسماء لست اصيبها معك ،ول أراها فيمن اتبعك ،قال سلمان :فأخبرنا
فأنشأت احدثهم ورسول ال صلى ال عليه واله يسمع والقوم سامعون
واعون ،قلت :يا رسول ال لقد شهدت قسا " خرج من ناد من أندية إياد،
إلى صحيح ذي قتاد ،وسمرة وعتاد ) (1وهو مشتمل بنجاد ،فوقف في
أضحيان ) (2ليل كالشمس ،رافعا " إلي السماء وجهه وإصبعه فدنوت
منه فسمعته يقول :أللهم رب هذه السبعة ال رقعة ) ،(2والرضين
الممرعة ) ،(4وبمحمد والثلثة المحامدة معه ،والعليين الربعة ،وسبطيه
التبعة ) (5والرفعة الفرعة ،والسري اللمعة ) ،(6وسمي الكليم الضرعة
) (7اولئك النقباء الشفعة ،والطريق المهيعة ،درسة النجيل ،وحفظة
التنزيل ،على عدد النقباء من بني إسرائيل ،محاة الضاليل ،ونفاة
الباطيل ،الصادقوا القيل ،عليهم تقوم الساعة ،وبهم تنال الشفاعة ،ولهم
من ال فرض الطاعة ،ثم قال :اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لي من عمري
ومحياي ،ثم أنشأ يقول )شعر( (8) :متى أنا قبل الموت للحق مدرك * وإن
كان لي من بعد هاتيك مهلك وإن غالني الدهر الخؤون بغوله * فقد غال
من قبلي ومن وبعد يوشك فل غرو إني سالك مسلك الولى * وشيكا ومن
ذا للردى ليس يسلك ثم آب يكفكف ) (9دمعه ،ويرن رنين البكرة )،(10
وقد برئت ببراة وهو يقول:
) (1الصحصح تقدم معناه .والقتاد :شجر صلب له شوك كالبر .والسمر :شجر من
العضاه ،و ليس في العضاه أجود خشبا منه :والعضاه :كل شجر يعظم
وله شوك .والعتاد :ما اعد لمر ما .كل ما هيئ من سلح ودواب وآلة
حرب .القدح الضخم (2) .ليلة إضحيانة واضحية :مضيئة (3) .ال رقعة
جمع الرقيع :السماء عموما ،أو السماء الولى في عرف ال قدمين(4) .
أمرع المكان :أخصب (5) .النبعة خ ل وفي المصدر :وسبطيه النبعة ال
رفعة القرعة (6) .اللمعة خ ل (7) .في المصدر والكنز بعد ذلك:
والحسن ذى الرفعة (8) .المصدر خال عن كلمة شعر (9) .كفكف الدمع:
مسحه مرة بعد مرة (10) .البكرة والبكرة :آلة مستديرة في وسطها محز
يمر عليها حبل لرفع الثقال.
] [ 247
أقسم قس قسما " ،ليس به مكتتما ) * (1لو عاش ألفي سنة ) ،(2لم يلق منها
سأما حتى يلقي أحمدا " ،والنقباء الحكماء * هم أوصياء أحمد ،أكرم من
تحت السماء يعمي العباد عنهم وهم جلء للعمى * ليس ) (3بناس ذكرهم
حتى احل الرجما ) (4ثم قلت :يا رسول ال أنبئني أنبأك ال بخير عن هذه
السماء التي لم نشهدها و أشهدنا قس ذكرها ،فقال رسول ال صلى ال
عليه واله :يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى ال عزوجل إلي أن
سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ،فقلت :على ما بعثتم ؟
قالوا :على نبوتك ،وولية علي بن أبي طالب والئمة منكما ،ثم أوحى إلي
أن التفت عن يمين العرش ،فالتفت فإذا علي ،والحسن ،والحسين ،وعلي
بن الحسين ،ومحمد بن علي ،وجعفر بن محمد ،وموسى بن جعفر ،وعلي
بن موسى ،ومحمد بن علي ،وعلي بن محمد ،والحسن بن علي،
والمهدي ،في ضحضاح من نور يصلون ،فقال الرب تعالى :هؤلء الحجج
لوليائي ،وهذا المنتقم من أعدائي ،قال الجارود :فقال ) (5سلمان :يا
جارود هؤلء المذكورون في التوراة والنجيل والزبور كذلك ،فانصرفت
بقومي وقلت في توجهي إلى قومي )شعر ) :((6أتيتك يا بن آمنة الرسول
* لكي بك أهتدي النهج السبيل فقلت وكان قولك قول حق * وصدق ما
بدالك أن تقول وبصرت العمى من عبد قيس * وكل كان من عمه ضليل
وأنبأناك عن قس اليادي * مقال فيك ظلت به جديل وأسماء عمت عنا
فآلت * إلى علم وكن بها ) (7جهول )(8
) (1في المصدر :مكتما (2) .في المصدر :والكنز ألفى عمر (3) .في المصدر
والكنز :لست (4) .الرجم :القبر (5) .في المصدر والكنز :فقال لى(6) .
لفظة )شعر( ليست موجودا في المصدر (7) .في المصدر :وكنت به
جهول (8) .مقتضب الثر ،43 - 37 :وأخرجه أيضا الكراجكى في كنز
الفوائد.258 - 256 :
] [ 248
بيان :قال الجوهري :العروآء مثال الغلواء :قرة الحمى ،ومسها في أول ما تأخذ
بالرعدة ،وفلن قمين بكذا أي جدير خليق ،وفلن يتحوب من كذا ،أي
يتأثم .و التحوب أيضا " التوجع والتحزن .قوله :قد وقذته الحكمة أي
أثرت فيه وبانت فيه آثارها ،قال الجوهري :وقذه يقذه وقذا :ضربه حتى
استرخى وأشرف على الموت ،ويقال :وقذه النعاس :إذا غلبه ،وفي
النهاية :فيه فيقذه الورع أي يسكنه ويمنعه من انتهاك مال يحل ول يحمد،
يقال :وقذه الحلم :إذا سكته .أقول :سيأتي الخبر مختصرا " مع شرح
بعض أجزائه في باب المعراج) .باب ) * (3تاريخ ولدته صلى ال عليه
وآله وما يتعلق بها ،وما ظهر( * * )عندها من المعجزات والكرامات
والمنامات( * اعلم أنه اتفقت المامية إل من شذ منهم على أن ولدته
صلى ال عليه واله في سابع عشر شهر ربيع الول ،وذهب أكثر
المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه ،واختاره الكليني رحمه ال
على ما سيأتي إما اختيارا " ،أو تقية ،وذهب شاذ من المخالفين إلى أنه
ولد في شهر رمضان ) ،(1لنهم اتفقوا على أن بدء الحمل به صلى ال
عليه واله كان في عشية عرفة،
) (1ذكر المقريزى في امتاع السماع :3 :جماع أقوالهم في ولدته صلى ال عليه
وآله وسلم فقال :ولد محمد صلى ال عليه وآله وسلم بمكة في دار
عرفت بدار ابن يوسف من شعب بنى هاشم يوم الثنين لثنتى عشرة
خلت من ربيع الول ،وقيل :لليلتين خلتا منه ،وقيل :ولد ثالثه ،وقيل :في
عاشره ،وقيل :في ثامنه ،وقيل :ولد يوم الثنين لثنتى عشرة مضت من
رمضان حين طلع الفجر ،وقد شذ بذلك الزبير بن بكار ،ال انه موافق
لقوله :إن امه صلى ال عليه وآله وسلم حملت به أيام التشريق ،فيكون
حملها مدة تسعة أشهر على العادة الغالبة ،وذلك عام الفيل ،قيل :بعد
قدوم الفيل مكة بخمسين يوما ،وقيل ،بشهر ،وقيل :بأربعين يوما ،وقيل:
قدم الفيل للنصف من المحرم قبل مولده صلى ال عليه وآله وسلم
بشهرين ال أياما ،وقيل :ولد بعد الفيل بثمانية و < -
] [ 249
أو أوسط أيام التشريق ،واشتهر بينهم أن مدة الحمل كانت تسعة أشهر ،فيلزم أن
تكون الولدة في شهر رمضان ،وسيأتي الكلم فيه ،وذهب شرذمة منهم
إلى أن الولدة كانت في ثامن ربيع الول ،فأما يوم الولدة فالمشهور بين
علمائنا ومدلول أخبارنا أنه كان يوم الجمعة ،والمشهور بين المخالفين
يوم الثنين ،ثم الشهر بيننا وبينهم أنه صلى ال عليه واله ولد بعد طلوع
الفجر ،وقيل :عند الزوال ،وذكر جماعة من المؤرخين وأرباب السير أنه
كان في ساعة الولدة غفر ) (1من منازل القمر طالعا " ،وكان اليوم
موافقا " للعشرين أو للثامن و العشرين أو الغرة من شهر نيسان الرومي،
والسابع عشر من دي ماه بحساب الفرس ،و كانت في عهد كسرى
أنوشيروان بعد مضي اثنين وأربعين من ملكه ،وبعد مضي اثنين وثمانين
وثمانمأة من وفات إسكندر الرومي ،وكان في عام الفيل بعد مضي خمس
وخمسين ،أو أربعين من الواقعة ،وقيل :في يوم الواقعة ،وقيل :بعد ثلثين
سنة منها ،وقيل :بعد أربعين منها ،والصح أنها كانت في تلك العام .وذكر
أبو معشر البلخي ) (2من المنجمين أنه كان طالع ولدته صلى ال عليه
واله الدرجة العشرون من الجدي ،وكان الزحل والمشتري في العقرب،
والمريخ في بيته في الحمل ،و
> -خمسين يوما ،وقيل :بعده بعشر سنين ،وقيل :بعده بثلثين عاما ،وقيل :ولد
قبل الفيل بخمس عشرة سنة ،وقيل :قبله بأربعين عاما ،وقيل :ولديوم
الفيل ،وقيل :ولد سنة ثلث وعشرين للفيل .وقيل :ولد في صفر ،وقيل:
يوم عاشوراء ،وقيل :في ربيع الخر ،الراجح أنه ولد عام الفيل في
الثانية والربعين من ملك كسرى أنوشروان ،وهى سنة احدى وثمانين
وثمانمائة لغلبة السكندر بن فيلبس المجدونى على دارا ،وهى سنة الف
وثلثمائة وستة عشر لبتداء ملك بخت نصر ،ووافق يوم مولده
العشرون من نيسان ،وولده بالغفر من المنازل وهو مولد النبياء،
ويقال :كان طالعه برج السد والقمر فيه (1) .الغفر من منازل القمر قال
البيرونى :وتقول العرب :إنه خير المنازل ،وقيل :إن مواليد النبياء قد
اتفقت فيه ول اظن ذلك حقا (2) .قال اليعقوبي 4 :2وولد على ما قال
أصحاب الحساب بقران العقرب ،قال ما شاء ال المنجم :كان طالع السنة
التى كان فيها القران الذى دل على مولد رسول ال صلى ال عليه وآله
الميزان اثنين وعشرين درجة حد الزهرة وبيتها ،والمشترى في العقرب
ثلث درجات وثلثا وعشرين < -
] [ 250
> -دقيقه ،وزحل في العقرب ست درجات وثلثا وعشرين دقيقة راجعا ،وهما في
الثاني من الطوالع ،والشمس في نظير الطالع في الحمل أول دقيقة،
والزهرة في الحمل على درجة وست وخمسين دقيقة ،وعطارد في الحمل
على ثمانى عشرة درجة وست عشرة دقيقة ،والقمر وسط السماء في
السرطان درجة وعشرين دقيقة ،وقال الخوارزمي :ثمانى عشرة درجة
وست عشرة وست عشرة دقيقة ،والقمر وسط السماء في السرطان
درجة وعشرين دقيقة ،وقال الخوارزمي :كانت الشمس يوم ولد في الثور
درجة والقمر في السد على ثمانى عشرة درجة وعشر دقائق ،وزحل في
العقرب تسع درجات وأربعين دقيقة راجعا ،والمشترى في العقرب
درجتين وعشر دقائق راجعا ،والمريخ في السرطان درجتين وخمسين
دقيقة ،والزهرة في الثور اثنتى عشرة درجة وعشر دقائق (1) .يقال:
سباط وشباط :شهر من الشهر الشمسية ،بين كانون الثاني وأذار ،أيامه
29في السنة الكبيسة و 28في سواها.
] [ 251
سنة ،وحملت به امه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى ،وكانت في منزل عبد
ال بن عبد المطلب ،وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف
في الزاوية القصوى ،وقيل :ولد يوم الثنين آخر النهار ثاني عشر شهر
ربيع الول سنة ثمان وتسعمأة للسكندر في شعب أبي طالب في ملك
أنوشيروان ) - 2 (1قل :ذكر محمد بن بابويه رضوان ال عليه في الجزء
الرابع من كتاب النبوة حديث ) (2أن الحمل بسيدنا رسول ال صلى ال
عليه واله كان ليلة الجمعة لثنتى عشرة ليلة بقيت ) (3من جميدي الخرة
) - 3 .(4قل :إن الذين أدركناهم من العلماء كان عملهم على أن ولدته
المقدسة صلى ال عليه واله كان يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الول
في عام الفيل عند طلوع فجره ) - 4 .(5وذكر شيخنا المفيد في كتاب
حدائق الرياض :السابع عشر منه مولد سيدنا رسول ال صلى ال عليه
واله عند طلوع الفجر من يوم الجمعة عام الفيل ) ،(6وقال رحمه ال في
كتاب التواريخ الشرعية :نحوه ) - 5 .(7كا :ولد النبي صلى ال عليه واله
لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الول في عام الفيل يوم الجمعة مع
الزوال ،وروي أيضا " ،عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة،
وحملت به امه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى ،وكانت في منزل
عبد ال بن عبد المطلب،
) (1العدد :مخطوط (2) .أضاف الحديث إلى ما بعده (3) .قال المصنف في
الهامش :الظاهر )مضت( مكان )بقيت ليوافق ما هو المشهور من كون
الحمل في أيام التشريق انتهى كلمه قدس ال أسراره ،قلت :القول بأن
حمله كان في ايام التشريق يوافق القول بولدته في رمضان كما عرفت
في كلم المقريزى (4) .القبال (5) .623 :القبال (6) .603 :حدائق
الرياض :مخطوط (7) .مسار الشيعة.24 :
] [ 252
وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن
يسارك وأنت داخل ) ،(1وقد أخرجت الخيزران ) (2ذلك البيت فصيرته
مسجدا " يصلي الناس فيه ) .(3بيان :اعلم أن هاهنا أشكال مشهورا "
أورده الشهيد الثاني رحمه ال وجماعة ،وهو أنه يلزم على ما ذكره
الكليني رحمه ال من كون الحمل به صلى ال عليه واله في أيام التشريق
و ولدته في ربيع الول أن يكون مدة حمله إما ثلثة أشهر ،أو سنة وثلثة
أشهر ،مع أن الصحاب اتفقوا على أنه ل يكون الحمل أقل من ستة أشهر،
ول أكثر من سنة ،ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه،
والجواب أن ذلك مبني على النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ،وقد
نهى ال تعالى عنه ،وقال) :إنما النسئ زيادة في الكفر( .قال الشيخ
الطبرسي رحمه ال في تفسير هذه الية نقل عن مجاهد :كان المشركون
يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ،ثم حجوا في
المحرم عامين ،وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة
الوداع في ذي القعدة ،ثم حج النبي صلى ال عليه واله في العام القابل
حجة الوداع فوافقت ذا الحجة ،فقال في خطبته :أل وإن الزمان قد استدار
كهيئته يوم خلق ال السماوات والرض ،السنة اثنى عشر شهرا " ،منها
أربعة حرم :ثلثة متواليات :ذو القعدة ،وذو الحجة ،ومحرم ،ورجب،
مضر بين جميدي و شعبان ) ،(4أراد بذلك أن أشهر الحرم رجعت إلى
مواضعها ،وعاد الحج إلى ذي الحجة ،وبطل النسئ انتهى ).(5
) (1في المصدر :وأنت داخل الدار (2) .قال المصنف في الهامش :الخيزران ام
الهادي والرشيد ،قال المؤرخون كانت هذه الدار للنبى صلى ال عليه
وآله وسلم ووهبها عقيل بن أبى طالب ،ثم باعها أولد عقيل بعد أبيهم
محمد بن يوسف وهو أخو الحجاج فاشتهرت بدار محمد بن يوسف،
فأدخلها محمد في قصره الذى كانوا يسمونه البيضاء ،ثم بعد انقضاء
دولة بنى امية حجت خيزران فأفرزتها من القصر وجعلتها مسجدا(3) .
الصول (4) .439 :1في المصدر :ورجب الذى بين جمادى وشعبان) .
(5مجمع البيان .29 :5
] [ 253
إذا عرفت هذا فقيل :إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده صلى ال عليه
واله في جميدي الولى ،لنه صلى ال عليه واله توفي وهو ابن ثلث
وستين سنة ،ودورة النسئ أربعة و عشرون سنة ضعف عدد الشهور،
فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامس عشر
ابتداء الدورة ،لنه إذا نقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون تبقى أربعة
عشر ،الثنتان الخيرتان منها لذي القعدة ،واثنتان قبلهما لشوال ،وهكذا
فتكون الوليان منها لجميدي الولى ،فكان الحج عام مولد النبي صلى ال
عليه واله وهو عام الفيل في جميدي الولى ،فإذا فرض أنه صلى ال عليه
واله حملت به امه في الثاني عشر منه ،ووضعت في الثاني عشر من ربيع
الول تكون مدة الحمل عشرة أشهر بل مزيد ول نقيصة .أقول :ويرد عليه
أنه قد أخطأ رحمه ال في حساب الدورة ،وجعلها أربعة و عشرين سنة،
إذا الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة وعشرين سنة ،إذ في كل سنتين
يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسئ ،ففي كل خمسة وعشرين سنة
تحصل أربعة وعشرون حجة تمام الدورة ،وأيضا على ما ذكره يكون مدة
الحمل أحد عشر شهرا " ،إذ لما كان عام مولده أول حج في جمادي
الولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني ،فالصواب أن يقال :كان
في عام حمله صلى ال عليه واله الحج في جمادي الولى ،وفي عام مولده
في جمادي الثانية ،فعلى ما ذكرنا يتم من عام مولده إلى خمسين سنة من
عمره صلى ال عليه واله دورتان في الحادية والخمسين ،تبتدئ الدورة
الثالثة من جمادي الثانية ،وتكون لكل شهر حجتان إلى أن ينتهي إلى
الحادية والستين والثانية والستين ،فيكون الحج فيهما في ذي القعدة،
ويكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة ،فتكون مدة الحمل عشرة
أشهر .فإن قلت :على ما قررت من أن في كل دورة متأخر سنة ففي نصف
الدورة تتأخر ستة أشهر ،ومن ربيع الول الذي هو شهر المولد إلى
جميدي الثانية التي هي شهر الحج نحو من ثلثة أشهر ،فكيف يستقيم
الحساب على ما ذكرت ؟ قلت :تاريخ السنة محسوبة من شهر الولدة،
فمن ربيع الول من سنة الولدة إلى مثله من سنة ثلث وستين تتم ثنتان
وستون ،ويكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث والستين ،وفي الشهر
لعاشر من تلك السنة أعني ذي الحجة وقع الحج الحادي والستون ،وتوفي
قبل إتمام
] [ 254
تلك السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما " ،فصار عمره صلى ال
عليه واله ثلثا " وستين إل تلك اليام المعدودة ،وأما ما رواه في كتاب
النبوة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة وقع الحج في جميدي الثانية،
ومن سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع وستون سنة ،وفي الخمسين
تمام الدورتين ،وتبتدئ الثالثة من جميدي الثانية ،ويكون في حجة الوداع،
والتي قبلها الحج في ذي الحجة ،ول يخالف شيئا " إل ما مر عن مجاهد
أن حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة ،وقوله غير معتمد في
مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبرا " ،وتكون مدة الحمل على هذا تسعة
أشهر إل يوما " ،فيوافق ما هو المشهور في مدة حمله صلى ال عليه
واله عند المخالفين - 6 .ص :روي أنه صلى ال عليه واله ولد في السابع
عشر من شهر ربيع الول عام الفيل يوم الثنين ،وقيل :يوم الجمعة ،وقال
صلى ال عليه واله) :ولدت في زمن الملك العادل( يعني أنوشيروان بن
قباد قاتل مزدك والزنادقة ) - 7 .(1ك ،لى :الدقاق ،عن ابن ذكريا القطان،
عن البرمكي ،عن عبد ال بن محمد ،عن أبيه ،عن خالد بن إلياس ،عن
أبي بكر بن عبد ال بن أبي جهم ،عن أبيه ،عن جده قال :سمعت أبا طالب
حدث ) (2عن عبد المطلب قال :بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا "
هالتني ،فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز ،وجمتي تضرب منكبي ،فلما
نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي ،فقالت:
ما شأن سيد العرب متغير اللون ؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب ؟ فقلت
لها :بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر ،كأن شجرة قد نبتت على
ظهري قد نال رأسها السماء ،وضربت بأغصانها الشرق والغرب ،ورأيت
نورا " يزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ،ورأيت العرب
والعجم ساجدة لها ،وهي كل يوم تزداد عظما " ونورا " ،ورأيت رهطا "
من قريش يريدون قطعها ،فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس
وجها " ،وأنظفهم ثيابا " ،فيأخذهم ويكسر ظهورهم ،ويقلع أعينهم،
فرفعت يدي ل تناول غصنا " من أغصانها ،فصاح بي الشاب وقال :مهل
"
] [ 255
ليس لك منها نصيب ،فقلت :لمن النصيب والشجرة مني ؟ فقال :النصيب لهؤلء
الذين قد تعلقوا بها وسيعود إليها ،فانتبهت مذعورا " فزعا " متغير
اللون ،فرأيت لون الكاهنة قد تغير ،ثم قالت :لئن صدقت ليخرجن من
صلبك ولد يملك الشرق والغرب ،وينبأ ) (1في الناس ،فتسري ) (2عني
غمي ،فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت ،وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث
والنبى صلى ال عليه واله قد خرج ،ويقول :كانت الشجرة وال أبا القاسم
المين ) .(3توضيح :قال الجزري :المطرف بكسر الميم وفتحها وضمها:
الثوب الذي في طرفيه علمان ،وقال :الجمة من شعر الرأس :ما سقط على
المنكبين ،وقال الجوهري :هي بالضم مجتمع شعر الرأس .أقول :لعل ذكر
هذا إما لبيان شرافته بأن يكون إرسال الجمة من خواص الشرفاء ،أو
اضطرابه وارتعاده ،والريب :نازلة الدهر .ورابه أمر :رأى منه ما يكره،
قوله :وسيعود إليها ،يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها الذين
يريدون قلعها ،ويكون قوله :وستعود بالتاء ،أي ستعود تلك الجماعة بعد
منازعتهم ومحاربتهم إلى هذه الشجرة ،ويؤمنون بها ،فيكون لهم النصيب
منها ،أو بالياء فيكون المستتر راجعا " إلى الرسول صلى ال عليه واله،
والبارز في منها إلى الجماعة ،أي سيعود النبي صلى ال عليه واله إليهم
بعد إخراجهم له فيؤمنون به ،فيكون إشاره إلى فتح مكة ،أو يكون المستتر
راجعا " إلى الشاب ،والبارز إلى الشجرة ،أي سيرجع هذا الشاب إلى
الشجرة في اليقظة ،كما تعلق بها في النوم ،و على هذا يحتمل أن يكون
المراد بالذين تعلقوا بها أبا طالب وأضرابه ممن لم يذكروا قبل ،ويحتمل أن
يكون المستتر راجعا " إلي النصيب ،والبارز إلي الشجرة ،إي يكون له
صلى ال عليه واله ثواب إسلمهم ،ويحتمل أن يكون ستعود بصيغة
الخطاب ،أي ستعود يا عبد المطلب إليه صلى ال عليه واله عند ولدته،
لكن ل تبلغ ول تدرك وقت نبوته ،قوله :لعلك تكون أنت ،أي ذلك الشاب،
ويحتمل أن يكون الشاب أمير المؤمنين عليه السلم.
) (1في كمال الدين :يتنبأ ،وفيه :فسرى .وفيه :يا ابا طالب (2) .سرى عنه أو عن
قلبه :كشف عنه الهم (3) .كمال الدين ،103 :المالى.158 :
] [ 256
- 8ك ،لى :القطان ،عن ابن زكريا القطان ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عبد ال
بن محمد ،عن أبيه ،عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم ،عن سعيد بن
أبي صالح ،عن أبيه .عن ابن عباس قال :سمعت أبي العباس يحدث قال:
ولد لبي عبد المطلب عبد ال ،فرأينا في وجهه نورا " يزهر كنور
الشمس ،فقال أبي :إن لهذا الغلم شأنا " عظيما " ،قال :فرأيت في منامي
أنه خرج من منخره طائر أبيض ،فطار فبلغ المشرق والمغرب ،ثم رجع
راجعا " حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها ،فبينما الناس
يتأملونه إذ صار نورا " بين السماء والرض ،وامتد حتى بلغ المشرق
والمغرب ،فلما انتهبت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت :يا عباس لئن
صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا "
له ،قال أبي :فهمني أمر عبد ال إلى أن تزوج بآمنة ،وكانت من أجمل
نساء قريش وأتمها خلقا " ،فلما مات عبد ال وولدت آمنة رسول ال
صلى ال عليه واله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر ،فحملته وتفرست
في وجهه فوجدت منه ريح المسك ،وصرت كأني قطعة مسك من شدة
ريحي ،فحدثتني آمنة وقالت لي :إنه لما أخذني الطلق ،واشتد بي المر
سمعت جلبة " وكلمل " ل يشبه كلم الدميين ،ورأيت علما " من
سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والرض ،ورأيت نورا
" يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ،ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة
نار نورا " ،ورأيت حولي من القطاة أمرا " عظيما قد نشرت ) (1أجنحتها
حولي ،ورأيت شعيرة السدية قد مرت وهى تقول :آمنة ما لقيت الكهان
والصنام من ولدك ؟ ورأيت رجل " شابا من أتم الناس طول " ،و أشدهم
بياضا " ،وأحسنهم ثيابا " ما ظننته إل عبد المطلب قد دنا مني فأخذ
المولود فتفل في فيه ،ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ،ومشط من
ذهب ،فشق بطنه شقا " ،ثم أخرج قلبه فشقه ،فأخرج منه نكته سوداء
فرمى بها ) (1ثم ،أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها ،فإذا " فيها
كالذريرة البيضاء فحشاه ،ثم رده إلى ما كان ،ومسح على بطنه واستنطقه
فنطق
) (1وقد نشرت خ ل وهو الموجود في المالى (2) .الحديث كما ترى مروى من
طرق العامة ،متضمن ما يخالف مذهب المامية ،وهو شق القلب وإخراج
نكتة سوداء ،وقد ورد ذلك في أخبارهم.
] [ 257
فلم أفهم ما قال إل أنه قال :في أمان ال وحفظه وكلئته ،قد حشوت قلبك إيمانا "
وعلما " و حلما " ويقينا " وعقل " وشجاعة ) ،(1أنت خير البشر،
طوبى لمن اتبعك ،وويل لمن تخلف عنك ،ثم أخرج صرة اخرى من حريرة
بيضاء ففتحها فإذا " فيها خاتم فضرب على كتفيه ) ،(2ثم قال :أمرني
ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه ،وألبسه قميصا " ،وقال :هذا
أمانك من آفات الدنيا ،فهذا ما رأيت يا عباس بعيني ،قال العباس :وأنا
يومئذ أقرء ) (3فكشفت عن ثوبه فإذا " خاتم النبوة بين كتفيه ،فلم أزل
أكتم شأنه وأنسيت ) (4الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلمي حتى ذكرني
رسول ال صلى ال عليه واله ) .(5بيان :الجلبة :اختلط الصوات.
والسندس بالضم :ما رق من الديباج و رفع ) - 9 .(6لى :ابن البرقي ،عن
أبيه ،عن جده ،عن البزنطي ،عن أبان بن عثمان ،عن أبي عبد ال
الصادق صلى ال عليه واله قال :كان إبليس لعنه ال يخترق السماوات
السبع ،فلما ولد عيسى عليه السلم حجب عن ثلث سماوات ،وكان
يخترق أربع سماوات ،فلما ولد رسول ال صلى ال عليه واله حجب عن
السبع كلها ،ورميت الشياطين بالنجوم ،وقالت قريش :هذا قيام الساعة
الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ،وقال عمرو بن امية :وكان من أزجر
أهل الجاهلية :انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ،ويعرف بها أزمان
الشتاء والصيف ،فإن كان رمي بها فهو هلك كل شئ ،وإن كانت ثبتت
ورمي بغيرها فهو أمر حدث ،وأصبحت الصنام كلها صبيحة ولد النبي
صلى ال عليه واله ليس منها صنم إل وهو منكب على وجهه ،وارتجس
في تلك الليلة أيوان كسرى ،وسقطت منه أربعة عشر شرفة ،وغاضت
بحيرة ساوة ،وفاض وادي السماوة،
) (1في كمال الدين :وحكما ،مكان وعقل (2) .بين كتفيه خ ل وفي المصدر:
فضرب به على كتفيه (3) .وعمى العباس في أواخر عمره (4) .في كمال
الدين :نسيت .قلت :حديث النسيان ل يخلو عن غرابة (5) .كمال الدين:
104و ،105المالى 158 :و (6) .159رفع الثوب :خلف غلظ.
] [ 258
وخمدت نيران فارس ،ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ،ورأى المؤبذان في تلك الليلة
في المنام إبل " صعابا " تقود خيل " عرابا " ) ،(1قد قطعت دجلة،
وانسربت في بلدهم ،وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ،وانخرقت
عليه دجلة العوراء ،وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار
حتى بلغ المشرق ،ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إل أصبح منكوسا
" ،والملك مخرسا " ل يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة ،وبطل سحر
السحرة ،ولم تبق كاهنة في العرب إل حجبت عن صاحبها ،وعظمت قريش
في العرب ،وسموا آل ال عزوجل .قال أبو عبد ال الصادق عليه السلم:
إنما سموا آل ال لنهم في بيت ال الحرام ،وقالت آمنة :إن إبني وال
سقط فاتقى الرض بيده ،ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ،ثم خرج
مني نور أضاء له كل شئ ،وسمعت في الضوء قائل " يقول :إنك قد ولدت
سيد الناس فسميه محمدا " ،وأتي به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما
قالت امه ،فأخذه فوضعه في حجره ثم قال :الحمد ل الذي أعطاني ،هذا
الغلم الطيب الردان ،قد ساد في المهد على الغلمان .ثم عوذه بأركان
الكعبة ،وقال فيه أشعارا " ،قال :وصاح إبليس لعنه ال في أبالسته
فاجتمعوا إليه ،فقالوا :ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم :ويلكم لقد
أنكرت السماء والرض منذ الليلة ،لقد حدث في الرض حدث عظيم ما
حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلم ،فاخرجوا وانظروا ما هذا
الحدث الذي قد حدث ،فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا :ما وجدنا شيئا "،
فقال إبليس لعنه ال :أنا لهذا المر ،ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى
إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملئكة ،فذهب ليدخل فصاحوا به ،فرجع
ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى ) ،(2فقال له
جبرئيل :وراك لعنك ال ،فقال له :حرف أسألك عنه يا جبرئيل ،ما هذا
الحدث الذي حدث منذ الليلة في الرض ؟
) (1خيل عراب :كرائم سالمه من الهجنة (2) .في المصدر :حراء ،وهو بالكسر
والمد وهو الصح من القصر.
] [ 259
فقال له :ولد محمد صلى ال عليه واله ،فقال له :هل لي فيه نصيب ؟ قال :ل ،قال:
ففي امته ؟ قال :نعم ،قال :رضيت ) .(1توضيح :الزجر بالفتح :العيافة
وهو نوع من التكهن ،تقول :زجرت أنه يكون كذا .والرتجاس :الضطراب
والتزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد .وغاض الماء بالغين والضاد
المعجمتين ،أي قل ونضب ،قال الجزري :ومنه حديث سطيح وغاضت
بحيرة ساوة ،أي غار ماءها وذهب .والسماوة بالفتح :موضع بين الكوفة
والشام ،وقال الخليل في العين :هي فلة بالبادية تتصل بالشام .والمؤبذان
بضم الميم وفتح الباء :فقيه الفرس وحاكم المجوس كالمؤبذ ذكره الفيروز
آبادى .وقال الجزرى :في حديث سطيح فأرسل كسرى إلى المؤبذان،
المؤبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلين ،والمؤبذ كالقاضي .وانسرب
الثعلب في حجره أي دخل .قوله عليه السلم :وانخرقت عليه دجلة العوراء
يظهر مما سيأتي أن كسرى كان سكر ) (2بعض الدجلة وبنى عليها بناء،
فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء ) (3لنه عور وطم ) (4بعضها
فانخرقت عليه ،وانهدم بنيانه ،ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة
من إضافة الموصوف إلى الصفة ،أي العميقة .والردان جمع الردن
بالضم ،وهو أصل الكم ،ولعله إنما خصها بالطيب لن الرائحة الخبيثة
غالبا " تكون فيها لمجاورتها للباط ،قال الشاعر :وعمرة من سروات
النساء * تنفح بالمسك أردانها قوله :ثم عوذه بأركان الكعبة ،أي مسحه
بها ،أو دعا له عندها ،أو كتب أسمائها وعلقه عليه صلى ال عليه واله
وسلم .قال الفيروز آبادى :الصر :طائر كالعصفور أصفر ،وقال الجزرى:
هو عصفور
) (1المالى 171 :و (2) .172سكر النهر :جعل له سدا (3) .في معجم البلدان :4
:167دجلة العوراء :دجلة البصرة (4) .عارت عين الماء :دفنت
فانسدت عيونها ،والطم بمعناه.
] [ 260
أو طائر في قده ،أصفر اللون ،وفي بعض النسخ والعصفور ،وقال الفيروز آبادى:
حرى كعلى :جبل بمكة ،معروف فيه الغار ،وقال الجوهرى وغيره :إنه
بالكسر والمد - 10 .ما :الجعابي ) ،(1عن ابن عقدة ،عن أحمد بن يوسف
الجعفي ،عن محمد بن حسان ،عن حفص بن راشد الهللي ،عن محمد بن
عباد ،عن سريع ) (2البارقي قال :سمعت جعفر بن محمد عليهما السلم
يقول :لما ولد النبي عليه السلم ولد ليل " فأتى رجل من أهل الكتاب إلى
المل من قريش وهم مجتمعون :هشام بن المغيرة ،والوليد بن المغيرة ،و
عتبة ،وشيبة ،فقال :أولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا :ل وما ذاك ،قال :لقد
ولد فيكم الليلة أو بفلسطين مولود اسمه أحمد ،به شامة ،يكون هلك أهل
الكتاب على يديه ،فسألوا فأخبروا فطلبوه ،فقالوا :لقد ولد فينا غلم ،فقال:
قبل أن انبئكم أو بعد ؟ قالوا :قبل ،قال :فانطلقوا معي أنظر إليه ،فأتوا امه
وهو معهم فأخبرتهم كيف سقط ،و ما رأت من النور ،قال اليهودي:
فاخرجيه ،فنظر إليه ،ونظر إلى الشامة فخر مغشيا " عليه ،فأدخلته امه،
فلما أفاق قالوا له :ويلك مالك ؟ قال :ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم
القيامة ،هذا وال مبيرهم ،ففرحت قريش بذلك ،فلما راى فرحهم قال :وال
ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل الشرق وأهل الغرب ) .(3بيان:
فلسطين بكسر الفاء وفتح اللم :الكورة المعروفة ما بين الردن وديار
مصر ،وام بلدها بيت المقدس ،ولعل ترديده لنه راى علمة ولدة نبي
فشك أنه خاتم النبياء فيكون مولده بمكة أو غيره ،فيكون في بيت
المقدس ،أو لم يكن يتبين له أن مولد خاتم النبياء مكة ،أو فلسطين،
والسطو :القهر والبطش ،يقال :سطا به وعليه - 11 .ج :عن موسى بن
جعفر عليها السلم في خبر اليهودي الذى سأل أمير المؤمنين عليه السلم
عن معجزات الرسول عليه السلم قال :فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون
أنه تكلم في المهد
) (1فيه وهم فان الشيخ الطوسى ل يروى عن الجعابى بغير واسطة ،بل يروى عنه
بواسطة المفيد فالصحيح كما في المصدر :محمد بن محمد عن الجعابى.
) (2في المصدر :محمد بن عباد بن سريع البارقى ،وهو الصحيح،
والرجل مذكور في رجال الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلم(2) .
المالى.90 :
] [ 261
صبيا " ،قال له علي عليه السلم :لقد كان كذلك ،ومحمد صلى ال عليه واله سقط
من بطن امه واضعا " يده اليسرى على الرض ،ورافعا " يده اليمنى إلى
السماء ،ويحرك شفتيه بالتوحيد ،وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه
قصور بصرى من الشام وما يليها ،والقصور الحمر من أرض اليمن وما
يليها ،والقصور البيض من إصطخر وما يليها ،ولقد أضائت الدنيا ليلة ولد
النبي صلى ال عليه واله حتى فزعت الجن والنس والشياطين وقالوا:
يحدث ) (1في الرض حدث ،ولقد رأت الملئكة ليلة ولد تصعد وتنزل،
وتسبح وتقدس ،وتضطرب النجوم وتتساقط النجوم علمات لميلده ،ولقد
هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من العاجيب في تلك الليلة ،وكان
له مقعد في السماء الثالثة ،والشياطين يسترقون السمع ،فلما رأوا
العاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع ،فإذاهم قد حجبوا من السماوات كلها،
ورموا بالشهب دللة لنبوته صلى ال عليه واله ) .(2بيان :بصرى :بلد
بالشام ،وإصطخر بالفارس معروف ،قوله عليه السلم :ولقد رأت
الملئكة ،أي الشياطين رأوهم - 12 .لى :ابن المتوكل ،عن علي ،عن أبيه،
عن محمد بن سنان ،عن زياد بن المنذر ،عن ليث بن سعد قال :قلت لكعب
وهو عند معاوية :كيف تجدون صفة مولد النبي صلى ال عليه واله ؟
وهل تجدون لعترته فضل " ؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه،
فأجرى ال عزوجل على لسانه فقال :هات يا أبا إسحاق رحمك ال ما
عندك ،فقال كعب :إني قد قرأت اثنين وسبعين كتابا " كلها انزلت من
السماء ،وقرأت صحف دانيال كلها ،ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد
عترته ،وإن اسمه لمعروف وإنه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملئكة ما
خل عيسى وأحمد صلوات ال عليهما ،وما ضرب على آدمية حجب الجنة
غير مريم وآمنة ام أحمد صلى ال عليه واله ،وما وكلت الملئكة بانثى
حملت غير مريم ام المسيح عليه السلم وآمنة ام أحمد صلى ال عليه
واله ،وكان من علمة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به صلى
ال عليه واله
) (1في المصدر :حدث (2) .الحتجاج 118 :و .119والحديث طويل أخرجه
المصنف في كتاب الحتجاجات ،راجع ج.49 - 28 :10 :
] [ 262
نادى مناد في السماوات السبع :أبشروا ،فقد حمل الليلة بأحمد ،وفي الرضين كذلك
حتى في البحور ،وما بقي يومئذ في الرض دابة تدب ول طائر يطير إل
علم بمولده ،ولقد بني في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت
أحمر ،وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب ،فقيل :هذه قصور الولدة،
ونجدت ) (1الجنان ،وقيل لها :اهتزي وتزيني ،فإن نبي أوليائك قد ولد،
فضحكت الجنه يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ،وبلغني أن حوتا " )
(2من حيتان البحر يقال له :طموسا وهو سيد الحيتان له سبعمأة ألف
ذنب ،يمشي على ظهره سبعمأة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا ،لكل
ثور سبعمأة ألف قرن من زمرد أخضر ،ل يشعر بهن ،اضطرب فرحا "
بمولده ،ولو ل أن ال تبارك وتعالى ثبته لجعل عاليها سافلها ،ولقد بلغني
أن يومئذ ما بقي جبل إل نادى صاحبه بالبشارة ،ويقول :ل إله إل ال،
ولقد خضعت الجبال كلها لبي قبيس كرامة لمحمد صلى ال عليه واله،
ولقد قدست الشجار أربعين يوما " بأنواع أفنانها وثمارها فرحا " بمولده
صلى ال عليه واله ،ولقد ضرب بين السماء والرض سبعون عمودا "
من أنواع النوار ل يشبه كل واحد صاحبه ،وقد بشر آدم عليه السلم
بمولده فزيد في حسنه سبعين صنفا " ) ،(3وكان قد وجد مرارة الموت و
كان قد مسه ذلك فسري عنه ذلك ،ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة
واهتز فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا " لمولد
محمد صلى ال عليه واله ،ولقد زم إبليس وكبل والقي في الحصن أربعين
يوما " ،وغرق عرشه أربعين يوما " ،ولقد تنكست الصنام كلها وصاحت
وولولت ،ولقد سمعوا صوتا " من الكعبة :يا آل قريش قد جاءكم البشير،
جاءكم النذير ،معه العز البد ،والربح الكبر ،وهو خاتم النبياء ،ونجد في
الكتب أن عترته خير الناس بعده ،وأنه ل يزال الناس في أمان من العذاب
مادام من عتره في دار الدنيا
) (1أي زينت (2) .هذا من أعاجيب قصص كعب الحبار وهو من رواة العامة،
يقول ذلك ول يشعر بان ذلك الحوت الذى على ظهره سبعمائة ألف ثور
الواحد منها أكبر من الدنيا يحتاج إلى مكان يكون أوسع من الدنيا
بأضعاف كثيرة ،فكيف يمكن أن يكون في بحر من الدنيا ؟ ! ان قلت :إن
مراده أنه في بحر من الجنة ،قلت :فما معنى لقوله :جعل عاليها سافلها ؟
! (3) .ضعفا خ ل وهو الموجود في المصدر.
] [ 263
خلق يمشي ،فقال معاوية :يا أبا إسحاق ومن عترته ؟ قال كعب :ولد فاطمة ،فعبس
وجهه ،وعض على شفييه ،وأخذ يعبث بلحيته ،فقال كعب :وإنا نجد صفة
الفرخين المستشهدين ،وهما فرخا فاطمة عليها السلم ،يقتلهما شر
البرية ،قال :فمن يقتلهما ؟ قال :رجل من قريش ،فقام معاوية وقال :قوموا
إن شئتم فقمنا ) .(1بيان :التنجيد :التزيين ،الفنان :الغصان ،وسري
عنه الهم بالتشديد على بناء المفعول أي انكشف ،والزم :الشد ،والكبل:
القيد الضخم ،يقال :كبلت السير وكبلته - 13 .مع :الدقاق ،عن الكليني،
عن الحسن بن محمد ،عن محمد بن يحيى الفارسي عن أبي حنيفة محمد
بن يحيى ،عن الوليد بن أبان ،عن محمد بن عبد ال بن مسكان ،عن أبيه
قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن فاطمة بنت أسد رحمها ال جاءت
إلى أبي طالب رحمه ال تبشره ) (2بمولد النبي صلى ال عليه واله فقال
لها أبو طالب :اصبري لي سبتا " آتيك بمثله إل النبوة ،وقال :السبت:
ثلثون سنة ،وكان بين رسول ال صلى ال عليه واله وأمير المؤمنين
عليه السلم ثلثون سنة ) .(3بيان :قال الجوهري والفيروز آبادي:
السبت :الدهر - 14 .ك :أحمد بن محمد بن رزمة ،عن الحسن بن علي بن
نصر ،عن علي بن حرب الموصلي ،عن يعلى بن عمران ،عن ولد جرير )
(4بن عبد ال ،عن مخزوم بن هاني ،عن أبيه وأتت له مأة وخمسون
سنة ،قال :لما كانت ليلة ولد ) (5فيها رسول ال صلى ال عليه واله
ارتجس إيوان كسرى ،وسقطت منه أربعة عشر شرفة ،وغاضت بحيرة
ساوة ،وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة ،ورأى المؤبذان إبل
صعابا " تقود خيل " عرابا " قد قطعت دجلة ).(6
) (1المالى 357 :و (2) .356مبشرة خ ل (3) .معاني الخبار (4) .114 :في
المصدر :من ولد جرير (5) .في المصدر :الليلة التى ولد (6) .في
المصدر :الدجلة.
] [ 264
وانتشرت في بلدها ،فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصير عليها ) (1تشجعا "،
ثم رأى أن ل يسر ذلك عن وزرائه فلبس تاجه ،وجلس على سريره،
وجمعهم فأخبرهم بما رأى ،فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار
) (2فازداد غما " إلى غمه ،فقال المؤبذان :وأنا أصلح ال الملك قد رأيت
في هذه الليلة ،ثم قص عليه رؤياه في البل والخيل ،فقال :أي شئ يكون
هذا يا مؤبذان ؟ وكان أعلمهم في أنفسهم ،فقال :حادث يكون في ناحية
المغرب ،فكتب عند ذلك :من كسرى الملك ) (3إلى النعمان بن المنذر ،أما
بعد فتوجه ) (4إلي برجل عالم بما اريد أن أسأله عنه ،فوجه إليه بعبد
المسيح بن عمرو بن حيان بن تغلبة ) (5الغساني ،فلما قدم عليه قال:
عندك ) (6علم ما اريد أن أسألك عنه ؟ قال :ليسئلني الملك ويخبرني )،(7
فإن كان عندي علم منه وإل أخبرته من يعلمه ) ،(8فأخبره بما رأى ،فقال:
علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف ) (9الشارم يقال له :سطيح ،قال:
فأته فاسئله وأخبرني بما يرد عليك ،فخرج عبدالمسيح حتى ورد على
سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه ،فلم يرد عليه سطيح
جوابا " ،فأنشأ عبدالمسيح يقول :أصم أم يسمع غطريف ) (10اليمن * أم
فاز ) (11فازلم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن * وكاشف
الكربة في الوجه الغضن
) (1هكذا في النسخة ،والصحيح :فتصبر عليها ،وفي المصدر :فنصبر عليها وهو
مصحف (2) .في المصدر :نار فارس (3) .في المصدر :ملك الملوك) .
(4في المصدر :فوجه (5) .نفيلة خ ل وهو الموجود في المصدر(6) .
في المصدر :أعندك (7) .في المصدر :أو ليخبرني (8) .بمن يعلمه خ ل
وهو الموجود في المصدر (9) .بمشارق خ ل (10) .الغطريف :السيد
الحسن .السرى (11) .فاد خ ل.
] [ 265
) (1في تاريخ اليعقوبي :من آل يزن .وفي المصدر :من آل ستن (2) .في المصدر:
أورق (3) .في المصدر :تجوب في الرض (4) .في تاريخ اليعقوبي:
على جمل مشيح ،نحو سطيح ،حين أشفى على الضريح (5) .في تاريخ
اليعقوبي :لهدم اليوان (6) .هكذا في النسخة والمصدر .ولعله مصحف
أضحوا ،كما في نسختنا المخطوطة من المصدر (7) .في المصدر:
صولتهم (8) .لما خ ل.
] [ 266
والخير والشر مقرونان في قرن * والخير متبع والشر محذور قال :فلما قدم على
كسرى أخبره بما قال سطيح ،فقال :إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا " قد
كانت امور ،قال :فملك منهم عشرة في أربع سنين ،وملك الباقون إلى
أمارة عثمان ،وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس،
وذلك أكثر من ثلثين قرنا " ،وكان مسكنه بالبحرين ،فتزعم عبد القيس
أنه منهم ،وتزعم الزد أنه منهم ،وأكثر المحدثين قالوا :إنه من الزد ،ول
يدرى ممن هو غير أن عقبه يقولون :نحن من الزد ) .(1ايضاح :قال في
النهاية :المشارف :القرى التي تقرب من المدن ،وقيل :القرى التي بين
بلد الريف وجزيرة العرب ،قيل لها ذلك لنها أشرفت على السواد.
والغطريف بالكسر :السيد ،وقال الجزري :فاز يفوز فوزا " :مات ،وقال:
يردى بالدال بمعناه ،وقال :ازلم أي ذهب مسرعا " ،وأصله ازلم فحذفت
الهمزة تخفيفا " ،والشأو :السبق والغاية ،والعنن :اعتراض ،وشأو
العنن :اعتراض الموت وسبقه ،وقيل :ازلم :قبض ،والعنن :الموت ،أي
عرض له الموت فقبضه ،قوله :يا فاصل الخطة ،الفاصل :المبين .الحاكم.
والخطة بضم الخاء ،وتشديد الطآء :الخطب ،والمر ،والحال ،اي يا من
يبين ويظهر امورا " أعيت وأعجزت ،من ومن ،أي جماعة كثيرة ،قال في
الفائق :أراد أن تلك الخطة لصعوبتها أعجزت من الحكماء والبصراء من
جل قدره ،فحذفت الصلة ،كما حذفت في قولهم :بعد اللتيا والتي ،إيذانا "
بأن ذلك مما تقصر العبارة عنه لعظمه .وقال الجزري :الوجه الغضن هو
الوجه الذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم والكرب الذي نزل به،
والزرق :صفة البعير ولونه ،وفي بعض الكتب أورق ،وهو أيضا " لون،
وفي بعضها :أصك أي الذي يصطك قدماه .قوله :ضخم الناب :في بعض
الروايات :مهم الناب ،قيل :أي تام السن ،و قال الجزري :في حديث سطيح
أزرق مهم الناب ،صرار الذن ،أي حديد الناب ،قال الزهري :هكذا روي،
وأظنه مهو الناب بالواو ،يقال :سيف مهو ،أي حديد ماض،
) (1كمال الدين 112 :و .113وأخرج اليعقوبي مثله مختصرا في التاريخ 4 :2و
5
] [ 267
وأورده الزمخشري ممهي الناب ،وقال :الممهي :المحدد ،من أمهيت الحديدة إذا
حددتها ،شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه ،وسرعة سيره ،وقال :صر أذنه
وصررها :سواها ،ونصبها ،والصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في
سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب فإنه فيها بعد قوله :والقطن.
والفضفاض :الواسع ،والبدن :الدرع ،قال الجزري :يريد به كثرة العطاء،
وقال غيره :كناية عن سعة الصدر ،والقيل بالفتح :الملك قوله :للوسن،
أي لشأن الرؤيا التى رآها الملك ،وفي بعض النسخ )يسري( بدل )كسرى(
أي يجري ،ل يرهب الرعد ،في بعض الروايات ل يرهب الدهر ،وتجوب
أي تقطع ،والعلنداة :الناقة الصلبة القوية ،والشجن بالتحريك :الناقة
المتداخلة الخلق ،كأنها شجرة متشجنة :أي متصلة الغصان ،وفي بعض
الروايات :شزن ،أي تمشي من نشاطها على جانب ،وشزن فلن :إذ نشط،
وقيل :الشزن :الذي أعيى من الجفاء ،وقيل :الغليظ المرتفع ،كأنه مصدر،
أي ذات شجن ،ويقال :بات فلن على شزن ،أي على قلق يتقلب من جنب
إلى جنب ،وأشزان الخيل :ضروب نشاطها .قوله :ترفعني طورا " ،في
الفائق والنهاية وغيرهما :ترفعني وجنا " ،وتهوي بي وجن .وفي بعض
الكتب :وجنآء تهوي من وجن ،والوجن والوجن جمع الوجين وهو الرض
الغليظة ،والوجناء :الناقة الشديدة ،أي لم تزل الناقة التي هذه صفتها
ترفعني مرة في الرض بهذه الصفة ،وتخفضني أخرى ،وفي أكثر نسخ
الكتاب :دجن بالدال المهملة .والدجنة :الظلمة ،ولعله تصحيف .والجآجي
جمع الجؤجؤ ،وهو الصدر ،والقطن بالتحريك :ما بين الوركين ،يعني أن
السير قد هزلها ،وذهب بلحمها ،وفي بعض الروايات عالي الجآجي ،وهو
قريب من العاري ،لن العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعا " عاليا "،
والبوغآء :التراب الناعم ،والدمن بكسر الدال وفتح الميم :ما تجمع وتلبد
منه ،قال الجزري :كأنه من المقلوب ،تقديره تلفه الريح في بوغآء الدمن،
وتشهد له الرواية الخرى:
] [ 268
تلفه الريح ببوغاء الدمن .وفي الفائق والنهاية وغيرها بعدها :كأنما حثحث من
حضني تكن ) .(1حثحث :أسرع وحث ،والحضن :الجانب ،وتكن :اسم جبل
حجازي ،والمعنى أن من كثرة التراب والغبار الذي أصابه في سرعة سيره
كأنما أعجل من هذا الموضع الذى اجتمع فيه التراب الكثير .قوله :على
جمل يسيح ،في سائر الكتب على جمل مشيح ،جاء إلى سطيح ،والمشيح
بضم الميم والحاء المهملة :الجاد المسرع ،وقد أوفى أي أشرف،
والضريح :القبر ،أي قرب أن يدخل القبر .قوله :إذا كثرت التلوة ،أي
تلوة القرآن ،والهراوة :العصا ،وصاحب الهراوة النبي صلى ال عليه
واله لنه كان يأخذ العنزة ) (2بيده ويصلي إليها .قوله :فليس الشام
لسطيح شاما " ،أي لم يبق حينئذ سطيح ،أو يتغير أحوال الشام ،وفي
بعض الروايات بعد قوله على عدد الشرفات :ثم تكون هنات وهنات ،أي
شدائد وامور عظام ،والشمير :الشديد التشمير .قوله :تفريق وتغيير ،في
بعض الروايات :تشريد وتغرير .قوله :أفرطهم ،على صيغة الماضي ،أي
تركهم وزال عنهم ،والطوار :الحالت .قوله :دهارير ،قال الجزري :حكى
الهروي عن الزهرى أن الدهارير جمع الدهور ،أراد أن الدهر ذو حالتين:
من بؤس ونعم ،وقال الجوهري :يقال :دهر دهارير ،أي شديد ،كقولهم:
يوم أيوم ،وقال الزمخشري :الدهارير :تصاريف الدهر ونوائبه ،مشتق من
لفظ الدهر ،ليس له واحد من لفظه ،كعباديد .والمهاصير :جمع المهصار،
وهو الشديد الذى يفترس .والصرح :القصر .قوله :أولد علت ،أي من
امهات شتى ،كناية عن عدم اللفة والمحبة بينهم .قوله :أن قد أقل ،أي
افتقر وقل ما في يده.
) (1المصرع موجود في المصدر ولكن فيه :من حضنى حصن (2) .العنزة :شبيه
العكازة لها زج من أسفلها.
] [ 269
قوله :وهم بنو الم ،أي يعطف بعضهم على بعض ،كما هو شأن أولد ام واحدة.
والنشب بالتحريك :المال والعقار ،وكلمة إما زائدة ،وفي بعض النسخ لما،
وهو أظهر - 15 .ك :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن
أبان بن عثمان يرفعه بإسناده قال :لما بلغ عبد ال بن عبد المطلب زوجه
عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري ،فلما تزوجها ) (1حملت برسول ال
صلى ال عليه واله ،فروي عنها أنها قالت :لما حملت برسول ال صلى
ال عليه واله لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل
الحمل ،ورأيت في نومي كأن آتيا " أتاني وقال لي :قد حملت بخير النام،
فلما حان وقت الولدة خف ذلك علي حتى وضعته صلى ال عليه واله،
وهو يتقي الرض بيديه ) ،(2وسمعت قائل " يقول :وضعت خير البشر،
فعوذيه بالواحد الصمد ،من شر كل باغ وحاسد ،فولدت ) (3رسول ال
صلى ال عليه واله عام الفيل لثنتى عشرة ليلة من شهر ربيع الول يوم
الثنين ،فقالت آمنة :لما سقط إلى الرض اتقى الرض بيديه وركبتيه،
ورفع رأسه إلى السماء ،وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والرض،
ورميت الشياطين بالنجوم ،وحجبوا عن السماء ،ورأت قريش الشهب
والنجوم تسير في السماء ،ففزعوا لذلك وقالوا :هذا قيام الساعة،
واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك ،وكان شيخا " كبيرا "
مجربا " ،فقال :انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى بها ) (4في البر
والبحر ،فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة ،وإن كانت هذه ثابتة فهو
لمر قد حدث ،وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم
قد منعوا من السماء ،ورموا بالشهب ،فقال :اطلبوا ،فإن أمرا " قد حدث،
فجالوا في الدنيا ورجعوا فقالوا :لم نر شيئا " ،فقال :أنا لهذا ،فخرق ما
بين المشرق والمغرب فانتهى ) (5إلى الحرم
) (1في المصدر :فلما تزوج بها (2) .في المصدر :بيده وركبتيه (3) .في المصدر:
فولد .وفيه :لثنتي عشر ليلة مضت (4) .في المصدر :تهتدوا بها(5) .
في المصدر :فلما انتهى.
] [ 270
فوجد الحرم محفوفا " بالملئكة ،فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل فقال :اخسأ يا
ملعون ،فجاء من قبل حراء فصار مثل الصر قال :يا جبرئيل ما هذا ؟ قال:
هذا نبي قد ولد وهو خير النبياء ،قال :هل لي فيه نصيب ؟ قال :ل ،قال:
ففي امته ؟ قال :نعم ،قال :قد رضيت ،قال :وكان بمكة يهودي ،يقال له:
يوسف ،فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك قال :هذا نبي قد ولد في هذه
الليلة ،وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر النبياء رجمت
الشياطين ،وحجبوا عن السماء ،فلما أصبح جاء إلى نادي ) (1قريش
وقال :يا معشر قريش هل ولد فيكه الليلة مولود ؟ قالوا :ل ،قال :أخطأكم )
(2والتوراة ،ولد إذا " بفلسطين ،وهو آخر النبياء وأفضلهم ،فتفرق
القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل أهله بما قال اليهودي ،فقالوا:
لقد ولد لعبد ال بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة ،فأخبروا بذلك يوسف
اليهودي ،فقال :قبل أن أسألكم أو بعده ،فقالوا :قبل ذلك ،قال :فأعرضوه
علي ،فمشوا إلى باب آمنة ) (3فقالوا :اخرجي ابنك ينظر إليه هذا
اليهودي ،فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه ،وكشف عن كتفيه ،فرأى
شامة سوداء بين كتفيه ،عليها شعرات ،فلما نظر إليه وقع إلى الرض
مغشيا " عليه ،فتعجبت منه قريش و ضحكوا ) ،(4فقال :أتضحكون يا
معشر قريش ،هذا نبي السيف ليبيرنكم ) ،(5وقد ذهبت النبوة من بني
إسرائيل إلى آخر البد ،وتفرق الناس يتحدثون بما أخبر اليهودي ،ونشأ
رسول ال صلى ال عليه وآله :اليوم كما ينشأ ) (6غيره في الجمعة،
وينشأ في الجمعة كما ينشأ ) (7غيره في الشهر ).(8
) (1النادى :المجلس (2) .أخطأتم خ ل وهو الموجود في المصدر .والمعنى أي
صرف عنكم هذا المولود العظيم إلى غيركم (3) .في المصدر :إلى باب
بيت آمنة (4) .في المصدر المطبوع :وضحكوا عليه ،وفي المخطوط:
وضحكوا منه (5) .أي ليهلكنكم ،وفي المصدر :ليبترنكم أي ليصيرنكم
أبترا ،والبتر :المقطوع .من ل عقب له 6) .و (7في المصدر :ينشؤ،
وكلهما صحيح (8) .كمال الدين 113 :و ،114وأورد اليعقوبي
مختصره في تاريخه .5 :2
] [ 271
فس :روي عن آمنة ام النبي صلى ال عليه واله أنها قالت :لما حملت برسول ال
صلى ال عليه واله لم أشعر بالحمل .وساق الحديث إلى آخره بأدنى تغيير
في اللفظ والترتيب ولم يذكر فيه التاريخ ) - 16 .(1يج :روي عن الصادق
عليه السلم أنه قال :لما ولد رسول ال صلى ال عليه واله قال إبليس
البالسة :قد أنكرت الليلة الرض ،فصاح في البالسة فاجتمعوا إليه ،فقال:
اخرجوا فانظروا ما هذا المر الذي حدث ،فذهبوا ثم رجعوا وقالوا :ما
وجدنا شيئا " ،قال :أنا لها ،ثم ضرب بذنبه على قذاله ثم اغتمس في الدنيا
حتى انتهى إلى الحرم ،فوجده منطبقا " بالملئكة ،فذهب ليدخل فصاح به
جبرئيل عليه السلم فقال :ورائك ،فقال :حرف أسألك عنه إلي فيه
نصيب ؟ قال :ل ،قال :في امته ؟ قال :نعم ،فلما أصبحوا أقبل رجل من أهل
الكتاب إلى المل من قريش قال :أولد فيكم مولود الليلة ؟ قالوا :ل ،قال:
فولد إذا " بفلسطين غلم اسمه أحمد ،به شامة كلون الخز الدكن ،فتفرق
القوم فبلغهم أنه ولد لعبدال بن عبد المطلب غلم ،قالوا :فطلبناه وقلنا له:
إنه ولد فينا غلم ،قال :قبل أن قلت لكم أو بعده ؟ قالوا :قبل ،قال :فانطلقوا
بنا ننظر إليه ،فانطلقوا فقالوا لمه :اخرجي ابنك حتى ننظر إليه ،قالت :إن
ابني وال لقد سقط ،فما سقط كما تسقط الصبيان ،لقد اتقى الرض بيده،
ثم رفع راسه إلى السماء فنظر إليها ،ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى
قصور بصرى ،وسمعت هاتفا " يقول :قد ولدته سيد هذه المة ،فإذا
وضعته فقولي :اعيذه بالواحد * من شر كل حاسد * وكل خلق مارد *
يأخذ بالمراصد * في طرق الموارد * من قائم وقاعد وسميه محمدا "،
فأخرجته فنظر إليه وإلى الشامة التي بين كتفيه ،فخر مغشيا " عليه،
فأخذوا الغلم وردوه إلى امه ،وقالوا :بارك ال لك فيه ،فلما أفاق قالت له:
مالك ؟ قال :ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ،هذا وال الغلم الذي
يبيرهم ،ثم قال لقريش أفرحتم ؟ أما وال ليسطون بكم سطوة يتحدث بها
أهل المشرق والمغرب ،فكان
] [ 272
أبو سفيان يقول :إنما يسطو بمضر ،واتي به عبد المطلب فأخذه ووضعه في حجره
فقال :الحمد ل الذي أعطاني * هذا الغلم الطيب الردان قد ساد في المهد
على الغلمان ) .(1بيان :قال الفيروز آبادي :القذال كسحاب :جماع مؤخر
الرأس ،ومقعد العذار من الفرس خلف الناصية .وقال :الدكنة بالضم :لون
إلى السواد - 17 .قب :أبان بن عثمان رفعه بإسناده قالت آمنة رضي ال
عنها :لما قربت ولدة رسول ال صلى ال عليه واله رأيت جناح طائر
أبيض قد مسح على فؤادي ،فذهب الرعب عني ،و اتيت بشربة بيضاء،
وكنت عطشى فشربتها ،فأصابني نور عال ،ثم رأيت نسوة كالنخل طوال
تحدثني ،وسمعت كلما " ل يشبه كلم الدميين ،حتى رأيت كالديباج
البيض ،قد مل بين السماء والرض ،وقائل يقول :خذوه من أعز الناس،
ورأيت رجال " وقوفا " في الهواء بأيديهم أباريق ،ورأيت مشارق
الرض ومغاربها ،ورأيت علما " من سندس على قضيب من ياقوتة قد
ضرب بين السماء والرض في ظهر الكعبة ،فخرج رسول ال صلى ال
عليه واله رافعا " إصبعه إلى السماء ورأيت سحابة بيضاء تنزل من
السماء حتى غشيته فسمعت نداء " :طوفوا بمحمد شرق الرض وغربها
والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته ،ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنابه
في ثوب أبيض من اللبن ،وتحته حريرة خضراء ،وقد قبض على ثلثة
مفاتيح من اللؤلؤ الرطب ،و قائل يقول :قبض محمد على مفاتيح النصرة
والريح ) (2والنبوة ،ثم أقبلت سحابة اخرى فغيبته عن وجهي أطول من
المرة الولى ،وسمعت نداء " :طوفوا بمحمد الشرق والغرب ،واعرضوه
على روحاني الجن والنس ،والطير والسباع ،وأعطوه صفاء آدم ،ورقة
نوح ،وخلة إبراهيم ،ولسان إسماعيل ،وكمال يوسف وبشرى يعقوب،
وصوت داود ،وزهد يحيى ،وكرم عيسى ،ثم انكشف عنه فإذا أنابه وبيده
حريرة بيضاء قد طويت طيا " شديدا " وقد قبض عليها ،وقائل يقول :قد
قبض محمد على الدنيا كلها ،فلم يبق شئ إل دخل في قبضته ،ثم إن ثلثة
نفر كأن الشمس
) (1لم نجده في الخرائج ،وذكرنا آنفا أن الظاهر اختلف نسخة المطبوعة مع
نسخة المصنف (2) .الربح خ ل وكذا في المصدر.
] [ 273
) (1النافجة :وعا المسك (2) .تحار :تحير ،حورت العين :اشتد بياض بيضها
وسواد سوادها فهى حوراء ،وصاحبها أحور (3) .في المصدر :فأبشر
بعز الدنيا والخرة (4) .القطا جمع القطاة :طائر في حجم الحمام(5) .
مناقب آل أبى طالب 20 :1و (6) .21المراد :القصور البيض من
إصطخر كما تقدم (7) .مناقب آل ابى طالب .23 :1
] [ 274
) (1العشاش جمع العش بالفتح والضم :موضع الطائر (2) .في المصدر :وهذه
السحاب تسألني كذلك (3) .أي أسرع إلى (4) .مناقب آل أبى طالب.21 :
) (5مناقب آل أبى طالب 22 :1و (6) .23أي من كتاب إبانة لبن بطة.
) (7مناقب آل أبى طالب .23 :1
] [ 275
ل تؤمن بنبينا وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة ؟ فقال :كيف اؤمن واصدق
كاذبا " و أنا أعلم كذبه ،والنبي ل يكذب ؟ فقال المأمون :كيف ؟ قال:
قوله :أنا آخر نبي وخاتم النبياء ،ول يكون بعدي نبى أبدا " ،وهو الذي )
(1قال في علمي كذب ل محالة ،لنه ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود
لبد أن يكو نبيا " ) ،(2فظهر لي بهذا كذبه ،إذ قال :لنبي بعدي ،فكيف
اؤمن به واصدقه ؟ فخجل المأمون من ذلك ،وتحير الفقهاء ،فقال متكلم:
من هاهنا قلنا :إنه صادق ،وإنه خاتم النبياء لن الحكماء كلهم اجتمعوا
على أن نجمه صلى ال عليه واله كان المشتري وعطارد والزهرة
والمريخ ،ول يولد بها ولد إل ويموت من ساعته ،وإن عاش فيموت ل
محالة ،ول يجاوز يوم السابع ،وهو قد عاش وبقي ثلثا " وستين سنة،
فصح أنه آية ،وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله أحد قبله ول
بعده ،فأقر إيزدخواه ،وأسلم ،فسمي ما شاء ال الحكيم ،فمن نظر
المشتري له العلم والحكمة والفطنة والسياسة والرئاسة ،ومن نظر عطارد
اللطافة والظرافة والملحة والفصاحة والحلوة ،ومن نظر الزهرة
الصباحة والهشاشة ) (3والبشاشة والحسن والطيب والجمال والبهاء
والغنج والدلل ،ومن نظر المريخ السيف والجلدة والقتال والقهر والغلبة
والمحاربة ،فجمع ال فيه جميع المدائح .وقال بعض المنجمين :موالد
النبياء السنبلة والميزان ،وكان طالع النبي صلى ال عليه واله :الميزان،
وقال صلى ال عليه واله :ولدت بالسماك ،وفي حساب المنجمين أنه
السماك ) (4الرامح ) - 23 .(5قب :حملت به امه في أيام التشريق ،عند
جمرة العقبة الوسطى ،في منزل
) (1في المصدر :وهذا الذى قال (2) .أراد :ولم يظهر دليل على أنه ل يلد مولود
بعد بهذا الطالع ،فيمكن أن يولد فيكون نبيا " ،فكيف يقول بتا " :لنبى
بعده ؟ (3) .الهشاشة :الرتياح والنشاط (4) .السماك الرامح :نجم نير،
ويقال له :الرامح لن أمامه كوكبا صغيرا يقال له :راية السماك ورمحه،
بخلف السماك الغزل ،فانه ليس أمامه شئ (5) .مناقب آل أبى طالب :1
.95 - 94
] [ 276
عبد ال بن عبد المطلب ،وولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر
من شهر ربيع الول ،بعد خمس وخمسين يوما " من هلك أصحاب الفيل،
وقالت العامة :يوم الثنين الثاني ) (1أو العاشر منه ،لسبع بقين من ملك
أنوشيروان ،ويقال :في ملك هرمز لثمان سنين وثمانية أشهر مضت من
ملك عمرو بن هند ملك العرب ،ووافق شهر الروم العشرين من شباط في
السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان ) ،(2والول هو الصحيح
لقوله) :ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان( .قال الكليني :في شعب
أبي طالب ،في دار محمد بن يوسف ،في الزاوية القصوى عن يسارك،
وأنت داخل الدار .وقال الطبري :في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار
يوسف ) ،(3وهو أخو الحجاج ابن يوسف ،وكان قد اشتراها من عقيل،
وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران واتخذته مسجدا " يصلى
فيه ) .(4الزهرة ،عن أبي عبد ال الطرابلسي :البيت الذي ولد فيه رسول
ال في دار محمد بن يوسف ) 24 .(5نجم :حدثنا ) (6ابن حميد ،عن
سلمة ،عن محمد بن إسحاق قال :كان من حديث كسرى كما حدثني ) (7به
بعض أصحابي عن وهب بن منبة :كان سكر ) (8دجلة
) (1في المصدر :الثامن (2) .في المصدر هنا زيادة هي :وذكر الطبري أن مولده
كان لثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان :وهو الصحيح إه(3) .
هكذا في النسخة وغيرها ،وفي المصدر :محمد بن يوسف وهو الصحيح.
) (4في المصدر :يصلى فيه الناس (5) .مناقب آل أبى طالب 118 :1و
(6) .119اخرج ابن طاوس ذلك عن تاريخ الطبري ،فالقائل لقوله:
حدثنا هو الطبري (7) .في المصدر :ما حدثنى (8) .في المصدر :إن
كسرى كان سكر دجلة العوراء اه وتقدم الكلم في ضبط العوراء عن
المصنف.
] [ 277
الغورآء ،وأنفق عليها من الموال ما يدرى ما هو ،وكان طاق مجلسه قد بنى بنيانا
" لم ير مثله ،وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس ،وكان عنده
ستون وثلث مائة رجل من العلماء من بين كاهن وساحر ومنجم ،قال:
وكان فيهم رجل من العرب يقال له :السائب ،يعتاف اعتياف ) (1العرب،
قلما يخطئ ،بعث إليه باذان ) (2من اليمن ،وكان كسرى إذا حزنه أمر
جمع كهانه وسحاره ومنجميه وقال :انظروا في هذا المر ما هو ،فلما أن
بعث ال نبيه محمدا " صلى ال عليه واله أصبح كسرى ذات غداة وقد
انقضت طاق ملكه من وسطها ،وانخرقت عليه دجلة الغوراء ) ،(3فلما
رأى ذلك حزنه ،وقال :انقضت طاق ملكي من وسطها من غير ثقل،
وانخرقت دجلة الغوراء )شاه بشكست ) ((4يقول :الملك انكسر ،ثم دعا
بكهانه وسحاره ومنجمه ودعا السائب معهم وقال :انقضت طاق ملكي من
غير ثقل ،وانخرقت دجلة الغوراء )شاه بشكست( انظروا في هذا المر ما
هو ،فخرجوا من عنده فنظروا في أمره فاخذ عليهم بأقطار السماء،
وأظلمت ) (5عليهم الرض ،وتسكعوا في علمهم ،فل يمضي لساحر
سحره ،ول لكاهن كهانته ،ول يستقيم لمنجم علم نجومه ،وبات السائب في
ليلة ظل ) (6على ربوة من الرض يرمق برقا " نشأ من قبل الحجاز ،ثم
استطار حتى بلغ المشرق ،فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا "
روضة خضراء ،فقال فيما يعتاف :لئن صدق ) (7ليخرجن من الحجاز
سلطان يبلغ المشرق ،يخصب ) (8عنه الرض كأفضل ما أخصبت عن
ملك كان قبله ،فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما
قد أصابهم ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض :تعلمون ؟ وال
) (1العتياف :عمل العيافة أي زجر الطير ،والتشأم أو التفأل بطيرانها (2) .هو
باذان بن ساسان ،عده المسعودي من ملوك اليمن ،راجع مروج الذهب
(3) .87 :2في المصدر والطبري :العوراء (4) .في المصدر :شاه
بشكسته .قلت :أي وخرج من الدجلة صوتا فيه :شاه بشكسته (5) .في
المصدر :وضاقت (6) .في المصدر :ظل فيها .وفي تاريخ الطبري:
ظلماء (7) .في المصدر والطبري :لئن صدق ما أرى (8) .في المصدر:
وتاريخ الطبري :تخصب.
] [ 278
ما حيل بينكم وبين علمكم إل لمر جاء من السماء ،وإنه لنبي قد بعث أو هو
مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ،ولئن نفيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم،
فأقيموا بينكم أمرا " تقولونه حتى تؤخرونه عنكم إلى أمر ما شاع )،(1
فجاؤا إلى كسرى فقالوا له :قد نظرنا في هذا المر فوجدنا حسابك الذي
وضعت به طاق ملكك وسكرت دجلة الغوراء وضعوه على النحوس ،فلما
اختلف عليهم ) (2الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها ،فذلك كل
وضع عليها ) ،(3وإنا سنحسب ) (4لك حسابا " تضع عليه بنيانك فل
تزول ،قال :فاحسبوا ،فحسبوا له ،ثم قالوا له :ابنه ،فبنى فعمل في دجلة
ثمانية أشهر ،وأنفق فيها من الموال ما ل يدرى ما هو حتى إذا فرغ ،قال
لهم :أجلس على سورها ؟ قالوا :نعم ،فأمر البسط ) (5والفرش والرياحين
فوضعت عليها ،وأمر بالمرازبة فجمعوا إليه النقابون ،ثم خرج حتى جلس
عليها ،فبينا هو هنالك إذ انتسفت دجلة بالبنيان من تحته فلم يخرج إل
بآخر رمق ،فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقتل منهم قريبا "
من مائة ،وقال :نميتكم ) (6وأدنيتكم دون الناس فأجريت عليكم أرزاقي
تلعبون بي ؟ قالوا :أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ،ولكنا سنحسب
حسابا " فنبينه حتى تضعها على الوثاق من السعود ،قال :انظروا ما
تقولون ،قالوا :فإنا نفعل ،قال :فاحسبوا ،فحسبوا ثم قالوا له :ابنه فبنى
وأنفق من الموال ما ل يدرى ما هو ثمانية أشهر ) ،(7فلما فرغوا قال:
أفأخرج وأقعد ) (8عليها ؟ قالوا :نعم ،فهاب الجلوس عليها ،وركب برذونا
" له ،وخرج يسير عليها
) (1في المصدر :فاقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة) .
(2في المصدر :عليه ،وفي تاريخ الطبري :عليهما .أي على الطاق
ودجلة (3) .في المصدر :فدك كل ما وضع عليها .وفي تاريخ الطبري:
فزال كل ما وضع عليهما (4) .سأحسب خ ل (5) .في الصمدر والطبري:
بالبسط (6) .هكذا في النسخة ،وفي الصدر :سميكم .قلت :هو مصحف
سمنتكم كما في تاريخ الطبري (7) .في المصدر :ثمانية أشهر كذى قبل.
وفي تاريخ الطبري :من ذى قبل وبعده :ثم قالوا :قد فرغنا ،قال:
أفأخرج (8) .أقصد خ ل.
] [ 279
فبينا هو يسير إذا انتسفت دجلة بالبنيان فلم يدرك إل بآخر رمق ،فدعاهم فقال:
وال لمرن على آخركم ،ولنزعن أكتافكم ،ولطرحنكم تحت أيدي الفيلة،
أو لتصدقني ما هذا المر الذى تلفقون علي ؟ قالوا ل نكذبنك أيها الملك،
أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانقضت ) (1عليك طاق مجلسك من غير
ثقل أن ننظر في علمنا ) ،(2فأظلمت علينا بأقطار السماء ) (3فتردد علمنا
في أيدينا ،فل يستقيم لساحر سحره ،ول لكاهن كهانته ،ول لمنجم علم
نجومه فعرفنا أن هذا المر حدث من السماء ،وأنه قد بعث نبي أو هو
مبعوث ،فلذلك حيل بيننا وبين علمنا ،فخشينا إن نفينا ) (4إليك ملكك أن
تقتلنا ،فكرهنا من الموت ما يكره الناس فعللناك عن أنفسنا بما رأيت ،قال:
ويحكم فهل يكون بينتم لي هذا فأرى فيه رأيي ؟ ! قالوا :منعنا من ذلك ما
تخوفنا منك ،فتركهم ولها " عن دجلة حين غلبته ) .(5بيان :التسكع:
التحير والتمادي في الباطل .والمرازبة :رؤساء الفرس وامراءهم ،ويقال:
نميته تنمية أي رفعته ،ولفق الحديث :زخرفه ،ثم الظاهر إن قوله :فلما أن
بعث ال نبيه ،من سهو الرواة أو الكتاب ،وكان مكانه فلما ولد النبي صلى
ال عليه واله كما عرفت في الخبار السابقة ،على أنه يحتمل وقوع مثل
هذا في الوقتين معا " - 25 .عم :ولد صلى ال عليه واله يوم الجمعة عند
طلوع الشمس ،السابع عشر من شهر ربيع الول عام الفيل ،وفي رواية
العامة ولد صلى ال عليه واله يوم الثنين ،ثم اختلفوا فمن قائل يقول:
لليلتين من شهر ربيع الول ،ومن قائل يقول :لعشر ليال خلون منه ،وذلك
لربع وثلثين سنة وثمانية أشهر مضت من ملك كسرى أنوشيروان بن
قباد ،وهو قاتل مزدك والزنادقة ومبيرهم ،وهو الذى عنى رسول ال صلى
ال عليه واله على ما يزعمون ولدت في زمان الملك الصالح )،(6
) (1في المصدر وتاريخ الطبري :وانقصمت (2) .في المصدر وتاريخ الطبري :أن
ننظر في علمنا لم ذلك ،فنظرنا فأظلمت (3) .في تاريخ الطبري :فأظلمت
علينا الرض ،وأخذ علينا بأقطار السماء فتردد علينا علمنا في أيدينا
وفي المصدر :فتردى علمنا وسقط في أيدينا (4) .في المصدرو تاريخ
الطبري :إن نعينا (5) .فرج المهموم .35 - 32 :والرواية توجد في
الطبري (6) .598 - 596 :1في المصدر :الملك العادل الصالح.
] [ 280
ولثماني سنين وثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب ،وكنيته أبو
القاسم ،وروى أنس بن مالك قال :لما ولد إبراهيم بن النبي صلى ال عليه
واله من مارية أتاه جبرئيل فقال :السلم عليك أبا إبراهيم ،أو يا أبا
إبراهيم ،ونسبه محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ،واسمه شيبة الحمد بن
هاشم ،واسمه عمرو بن عبد مناف ،واسمه المغيرة بن قصي ،واسمه زيد
بن كلب ابن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر،
وهو قريش بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن
معد بن عدنان ،روي عنه صلى ال عليه واله أنه قال :إذا بلغ نسبي
عدنان فأمسكوا .وروي عن ام سلمة زوج النبي صلى ال عليه واله:
قالت :سمعت النبي صلى ال عليه واله يقول :معد بن عدنان بن ادد بن
زيد بن ثرا بن أعراق الثرى ،قالت ام سلمة :زيد هميسع ،وثرا نبت،
وأعراق الثرى ،إسماعيل بن إبراهيم عليه السلم ،قالت :ثم قرأ رسول ال
صلى ال عليه واله) :وعادا " وثمود وأصحاب الرس وقرونا " بين ذلك
كثيرا "( ل يعلمهم إل ال .وذكر الشيخ أبو جعفر بن بابويه رضي ال
عنه :عدنان بن أد بن ادد بن يامين بن يشجب بن منحر بن صابوغ بن
الهميسع ،وفي رواية اخرى :عدنان بن ادد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن
الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل عليه السلم ) .(1وقيل :الصح )
(2الذي اعتمد عليه أكثر النساب وأصحاب التواريخ أن عدنان هو أد بن
ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلمان بن نبت بن حمل بن قيذار بن
إسماعيل بن إبراهيم عليه السلم بن تارخ بن ناحور بن ساروع ) (3بن
ارغوا بن فالع ) (4بن عابر -وهو هود عليه السلم -بن شالح بن
أرفخشد ابن سام بن نوح بن ملك بن متوشلح بن اخنوخ -ويقال :احنوخ
وهو إدريس عليه السلم -ابن يازد ) (5بن هليل ) (6بن قينان بن أنوش
بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلم ) ،(7وامه آمنة
) (1ابن ابراهيم عليه السلم خ ل (2) .هو الذى خ ل وهو الموجود في المصدر) .
(3ساروغ خ (4) .فالغ خ (5) .في المصدر :يارد .وهو الصحيح كما
تقدم (6) .مهليل خ ل (7) .تقدم الكلم في نسبه صلى ال عليه وآله
وفي أجداده وضبطهم هنا وفي كتاب النبوات ولم نكرر الكلم فيه
اختصارا.
] [ 281
بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب،
وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد ال بن الحارث بن شجنة السعدية ،من
بني سعد بن بكر بن هوازن ،وكانت ثويبة مولة أبي لهب بن عبد المطلب
أرضعته أيضا " بلبن ابنها مسروح ،وذلك قبل أن تقدم حليمة ،وتوفيت
ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة ،ومات ابنها قبلها ،وكانت قد أرضعت
ثويبة قبل حمزة بن عبد المطلب عمه ،فلذلك قال رسول ال صلى ال عليه
وآله لبنة حمزة :إنها ابنة أخي من الرضاعة ،وكان حمزة أسن من رسول
ال صلى ال عليه وآله بأربع سنين ،وأما جدته ام أبيه عبد ال فهي
فاطمة بنت عمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم ،وام عبد المطلب سلمى
بنت عمرة ) (1من بني النجار ،وام هاشم عاتكة بنت مرة بن هلل من بني
سليم ،وام قصي وزهرة فاطمة بنت سعد من أزد السراة ) ،(2وصدع صلى
ال عليه وآله بالرسالة ) (3يوم السابع والعشرين من رجب ،وله يومئذ
أربعون سنة ،وقبض صلى ال عليه وآله يوم الثنين لليلتين بقيتا من
صفر سنة عشرين من الهجرة ) (4وهو ابن ثلث وستين سنة )- 26 .(5
نجم :ذكر الزمخشري في ربيع البرار أنه قال بعض المنجمين :إن مواليد
النبياء السنبلة والميزان ،وكان طالع النبي صلى ال عليه وآله الميزان،
وقال :صلى ال عليه وآله :ولدت بالسماك ،وفي حساب المنجمين أنه
السماك الرامح ،وكان في ثاني طالعه زحل .فلم يكن له ملك ول عقار ).(6
- 27يل :قال الواقدي :أول ما افتتح به عقيل بن أبي وقاص أن قال :بسم
ال الرحمن الرحيم ،الحمد ل الذي جعلنا من نسل إبراهيم ،ومن شجرة
إسماعيل ،ومن غصن نزار ،ومن ثمرة عبد مناف ،ثم أثنى على ال تعالى
ثناء " بليغا " ،وقال فيه جميل " ،وأثنى
) (1الصحيح ::عمرو ،كما تقدم في أوائل الكتاب (2) .ذكر اليعقوبي في تاريخه :2
101 - 97امهاته صلى ال عليه وآله إلى ابراهيم عليه السلم ،وذكر
العواتك والفواطم اللتى ولدنه (3) .صدع بالرسالة :تكلم بها جهارا
بينها (4) .هكذا في النسخ وهو غريب ،والصحيح كما في المصدر :احدى
عشر (5) .إعلم الورى 4 :و (6) .5فرج المهموم في تاريخ علماء
النجوم 113 :و .114
] [ 282
على اللت والعزى ،وذكرهم بالجميل ،وعقد النكاح ،ونظر إلى وهب ،وقال :يا أبا
الوداح زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة
آلف درهم بيض هجرية جياد ،وخمس مائة مثقال ذهب احمر ؟ قال :نعم،
ثم قال :يا عبد ال قبلت هذا الصداق يا أيها السيد الخاطب ؟ قال نعم ،ثم
دعا لهما بالخير والكرامة ،ثم أمر وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة
خضرة فاتي من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا وشربوا،
قال :ونثر عبد المطلب على ولده قيمة ألف درهم من النثار ،وكان متخذا "
من مسك بنادق ،ومن عنبر ومن سكر ومن كافور ،ونثر وهب بقيمة ألف
درهم عنبرا " ،وفرح الخلق بذلك فرحا " شديدا " .قال الواقدي :فلما
فرغوا من ذلك نظر عبد المطلب إلى وهب وقال :ورب السماء إني ل
افارق هذا السقف أو اؤلف بين ولدي وحليلته ،فقال وهب :بهذه السرعة
ل يكون ،فقال عبد المطلب :لبد من ذلك ،فقام وهب ودخل على امرأته برة
وقال لها :اعلمي أن عبد المطلب قد حلف برب السماء أنه ل يفارق هذا
السقف أو يؤلف بين ولده عبد ال وبين زوجته آمنة ،فقامت المرأة من
وقتها ودعت بعشر من المشاطات وأمرتهن أن يأخذن في زينة آمنة،
فقعدن حول آمنة ،فواحدة منهن تنقش يديها ،وواحدة تخضب ،وواحدة
تسرح ذؤابتها ) ،(1فلما كان عند غروب الشمس وقد فرغن من زينتها
نصبوا سريرا " من الخيزران ،وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج
والوشي ) ،(2وقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا "،
وعلى جبينيها إكليل ،وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر ،وتخوتمت
بأنواع الخواتيم ،وجاء وهب وقال لعبد المطلب :يا سيدي اقدم على
العروس ) ،(2فقام عبد المطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من
حسنها ،وتقدم عبد المطلب إلى السرير وقبله وقبل عين العروس ،فقال
عبد المطلب لولده عبد ال :اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح
برؤيتها ،قال :فرفع عبد ال قدمه وصعد إلى السرير ،وقعد إلى جنب
العروس ،وفرح عبد المطلب ،وكان من عبد ال إلى أهله ما يكون من
الرجال إلى النساء،
) (1في المصدر زيادة هي :وواحدة تمسها بالماء (2) .الوشى :الثياب المنقوشة) .
(3في المصدر :إلى العروس.
] [ 283
فواقعها ،فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين ،وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر
إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه ،وبقي عليه من أثر النور
كالدرهم الصحيح ،وذهب النور إلى ثدي آمنة ،فقام عبد المطلب إلى عند
آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبد ال بل أنور ،فذهب
عبد المطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك ،فقال حبيب :اعلم أن
هذا النور هو صاحب النور بعينه ،وصار في بطن امه ،فقام عبد المطلب
وخرج مع الرجل وبقي عبد ال عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه،
وذلك أن العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم خضبوا أيديهم بالحناء ،ول
يخرجون من عندهم وعلى أيديهم أثر من الحنآء ،وبقي عبد ال أربعين
يوما " ،وخرج ونظر أهل مكة إلى عبد ال والنور قد فارق موضعه،
فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول ال صلى ال عليه
وآله شهر واحد في بطن امه ،ونادت الجبال بعضها بعضا " ،والشجار
بعضها بعضا " والسماوات بعضها بعضا " ،يستبشرون ويقولون :أل إن
محمدا " قد وقع في رحم امه آمنة ،وقد أتى عليه شهر ففرح ) (1بذلك
الجبال والبحار والسماوات والرضون ،فورد ) (2عليه كتاب من يثرب
بموت فاطمة بنت عبد المطلب ،وكان في الكتاب أنها ورثت مال " كثيرا "
خطيرا " ،فأخرج أسرع ما تقدر عليه ،فقال عبد المطلب لولده عبد ال :يا
ولدي لبد لك أن تجئ معي إلى المدينة ،فسافر مع أبيه ودخل مدينة يثرب،
وقبض عبد المطلب المال ،ولما مضى من دخولهما المدينة عشرة أيام
اعتل عبد ال علة شديدة ،وبقي خمسة عشر يوما " ،فلما كان اليوم
السادس عشر مات عبد ال ،فبكى عليه أبوه عبد المطلب بكاء شديدا "،
وشق سقف البيت لجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب ،وإذا " بهاتف
يهتف ويقول :قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين ،وأي نفر ل يموت ؟
فقام عبد المطلب :فغسله و كفنه ودفنه في سكة يقال لها :شين ،وبنى على
قبره قبة عظيمة من جص وآجر ،ورجع إلى مكة ،واستقبلته رؤساء
قريش وبنو هاشم ،واتصل الخبر إلى آمنة بوفات زوجها ،فبكت ونتفت
شعرها ،وخدشت وجهها ،ومزقت جيبها ،ودعت بالنائحات ينحن على
) (1في المصدر :فتفرح (2) .في المصدر :ثم إن ال تعالى أراد قضاه على فاطمة
بنت عبد المطلب فورد إه.
] [ 284
عبد ال ،فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ،ووهب لها في ذلك
الوقت ألف درهم بيض ،وتاجين قد اتخذهما عبدمناف لبعض بناته ،وقال
لها :يا آمنة ل تحزني فإنك عندي جليلة ،لجل من في بطنك ورحمك ،فل
تهتك ) (1أمرك ،فسكتت ) (2وطيب قلبها .قال الواقدي :فلما أتى على
رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه شهران أمر ال تعالى مناديا "
في سماواته وأرضه أن ناد ) (3في السماوات والرض والملئكة :أن
استغفروا لمحمد صلى ال عليه وآله وامته ،كل هذا ببركة النبي صلى ال
عليه وآله .قال الواقدي :فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في
بطن امه ثلثة أشهر كان أبو قحافة راجعا " من الشام ،فلما بلغ قريبا "
من مكة وضعت ناقته جمجمتها على الرض ساجدة " ،و كان بيد أبي
قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب ،فلم ترفع رأسها ،فقال أبو قحافة :فما
أرى ناقة تركت صاحبها ،وإذا " بهاتف يهتف ويقول :ل تضرب يا أبا
قحافة من ل يطعيك ،أل ترى أن الجبال والبحار والشجار سوى الدميين
سجدوا ل ،فقال أبو قحافة :يا هاتف وما السبب في ذلك ؟ قال اعلم أن
النبي المي قد أتى عليه في بطن امه ثلثة أشهر ،قال أبو قحافة :ومتى
يكون خروجه ؟ قال :سترى يا أبا قحافة إن شاء ال تعالى ،فالويل كل
الويل لعبدة الصنام من سيفه وسيف أصحابه ،فقال أبو قحافة :فوقفت
ساعة حتى رفعت الناقة رأسها ،وجئت إلى عبد المطلب فأخبرته .قال
الواقدي :فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله أربعة أشهر كان
زاهد على الطريق من الطائف ،وكان له صومعة بمكة على مرحلة ،قال:
فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا ،فجاء إلى بعض أصدقائه بمكة ،فلما بلغ
أرض الموقف ،إذا " بصبي قد وضع جبينه على الرض ،وقد سجد على
جمجمته ،قال حبيب :فدنوت منه فأخذته ،وإذا " بهاتف يهتف و يقول :خل
عنه يا حبيب ،أل ترى إلى الخلئق من البر والبحر والسهل والجبل قد
) (1فل يهمنك خ ل (2) .في المصدر :فسكنت (3) .أن نادى خ ل وهو الموجود في
المصدر.
] [ 285
سجدوا ل شكرا " لما أتى على النبي الزكي الرضي المرضي في بطن امه خمسة
أشهر ) ،(1وهذا الصبي قد سجد ل ،قال حبيب :فتركت الصبي ودخلت
مكة وبينت ذلك لعبد المطلب ،وعبد المطلب يقول :اكتم هذا السم ،فإن
لهذا السم أعداء ،قال :وذهب حبيب إلى صومعته فإذا الصومعة تهتز ول
تستقر ،وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب :يا أهل البيع
والصوامع آمنوا بال وبرسوله محمد بن عبد ال ،فقد آن خروجه ،فطوبى
ثم طوبى لمن آمن به ،والويل كل الويل لمن كفر به ،ورد عليه حرفا " مما
يأتي به من عند ربه ،قال حبيب :فقلت :السمع والطاعة ،إني لمؤمن
وطائع غير منكر .قال الواقدي :فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه
وآله في بطن امه ستة أشهر خرج أهل المدينة واليمن إلى العيد ،وكان
رسمهم أنهم يمرون في كل سنة ستة أعياد ،وكانوا يذهبون عند شجرة
عظيمة يقال لها :ذات أنواط ،وهي التي سماها ال تعالى في كتابه )ومناة
الثالثة الخرى( فذهبوا في ذلك وأكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من
الشجرة ،وإذا " بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول ):(2
يا أهل اليمن ،ويا أهل اليمامة ،ويا أهل البحرين ،ويا من عبد الصنام ،ويا
من سجد للوثان ،جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ،يا قوم
قد جاءكم الهلك ،قد جاءكم التلف ،قد جاءكم الويل والثبور ،قال :ففزعوا
من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك .قال
الواقدي :فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه سبعة
أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب ،وقال له :اعلم با أبا الحارث
أني كنت البارحة بين النوم واليقظة ،فرأيت أبواب السماء مفتحة ،ورأيت
الملئكة ينزلون إلى الرض ،معهم ألوان الثياب يقولون :زينوا الرض فقد
قرب خروج من اسمه محمد ،وهو نافلة ) (3عبد المطلب رسول ال
) (1هكذا في الكتاب ومصدره ،وقال المصنف في هامش الكتاب :الظاهر أنه سقطت
قصة الربعة أشهر أو الخمسة من بين الكلم ،وكانت النسخة هكذا(2) .
في المصدر :يقول :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله الية،
وقال :يا أهل اليمن إه (3) .النافلة :ولد الولد.
] [ 286
إلى الرض ،وإلى السود والحمر والصفر ،وإلى الصغير والكبير والذكر والنثى،
صاحب السيف القاطع ،والسهم النافذ ،فقلت لبعض الملئكة :من هذا
تزعمون ؟ فقال :ويلك ) (1هذا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم
بن عبدمناف ،فهذا ما رأيت ،فقال له عبد المطلب :اكتم الرؤيا ول تخبر به
أحدا " لننظر ما يكون .قال الواقدي :فلما أتى على النبي صلى ال عليه
وآله في بطن امه ثمانية أشهر كان في بحر الهواء حوتة يقال لها:
طينوسا ) ،(2وهي سيدة الحيتان ،فتحركت الحيتان ،وتحركت الحوتة،
واستوت قائمة على ذنبها ،وارتفعت وارتقع المواج عنها ،فقالت
الملئكة :إلهنا وسيدنا ترى إلى ما تفعل طينوسا ول تطيعنا ،وليس لنا بها
قوة ،قال :فصاح إستحيائيل الملك صيحة عظيمة ،وقال لها :قري يا
طينوسا أل تعرفين من تحتك ،فقالت طينوسا :يا إستحيائيل أمر ربي يوم
خلقني إذا ولد محمد بن عبد ال استغفري له ولمته ،والن سمعت
الملئكة يبشر بعضهم بعضا " فلذلك قمت وتحركت ،فناداها استحيائيل
قري واستغفري ،فإن محمدا " قد ولد ،فلذلك انبطحت ) (3في البحر،
وأخذت في التسبيح والتهليل والتكبير والثنآء على رب العالمين .قال
الواقدي :فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله في بطن امه تسعة
أشهر أوحى ال إلى الملئكة في كل سماء :أن اهبطوا إلى الرض ،فهبط
عشرة آلف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بل دهن ،مكتوب على كل
قنديل :ل إله إل ال ،محمد رسول ال ،يقرأه كل عربي كاتب ،ووقفوا حول
مكة في المفاوز ،وإذا " بهاتف يهتف ويقول :هذا نور محمد رسول ال
صلى ال عليه وآله ،قال :فورد الخبر على عبد المطلب فأمر بكتمانه إلى
أن يكون .قال الواقدي :فلما كملت تسعة أشهر لرسول ال صلى ال عليه
وآله صار ل يستقر كوكب في السماء إل من موضع إلى موضع يبشرون
بعضهم بعضا " ) ،(4والناس ينظرون إلى الكواكب
) (1في المصدر :ويحك (2) .لعل هذه الحوتة أيضا من مختلقات الواقدي ،كما تقدم
أغرب منها عن كعب الحبار (3) .انبطح الرجل ،انطرح على وجهه(4) .
لعل المراد أن سكان النجوم يبشر بعضهم بعضا.
] [ 287
في السماء مسيرات ل يستقرون ،فأقام ذلك ثلثين يوما " .قال الواقدي :فلما تم
لرسول ال صلى ال عليه وآله تسعة أشهر نظرت ام رسول ال صلى ال
عليه وآله آمنة إلى امها برة وقالت :يا اماه إني احب أن أدخل البيت فأبكي
على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه ،فإذا دخلت
البيت وحدي فل يدخل علي أحد ،فقالت لها برة :ادخلي يا آمنة فابكي،
فحق لك البكاء ،قال :فدخلت آمنة البيت وحدها وقعدت وبكت وبين يديها
شمع يشتعل ،وبيدها مغزل من آبنوس ،وعلى مغزلها فلقة ) (1من عقيق
أحمر ،وآمنة تبكي وتنوح إذا أصابها الطلق ،فوثبت إلي الباب لتفتحه فلم
ينفتح ،فرجعت إلى مكانها ،وقالت :واوحدتاه ،وأخذها الطلق والنفاس،
وما شعرت بشئ حتى انشق السقف ،ونزلت من فوق أربع حوريات،
وأضاء البيت لنور وجوههن ،وقلن لمنة :ل بأس عليك يا جارية إنا
جئناك لنخدمك ،فل يهمنك ) (2أمرك ،وقعدت الحوريات واحدة على
يمينها ،وواحدة على شمالها ،وواحدة بين يديها ،وواحدة من ورائها،
فهومت عين آمنة وغفت غفوة ،قال ابن عباس :ما كان من أمر ام الصبي
) (3إل أنها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها ،فانتبهت ام النبي
صلى ال عليه وآله فإذا النبي تحت ذيلها ،قد وضع جبينه على الرض
ساجدا " ل ،ورفع سبابتيه مشيرا " بهما ل إله إل ال .قال الواقدي :ولد
رسول ال صلى ال عليه وآله في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر
ربيع الول لسبعة عشر ) (4منه في سنة تسعة آلف سنة وتسعمأة وأربعة
أشهر وسبعة أيام من وفاة آدم عليه السلم .قال الواقدي :ونظرت امه آمنة
إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله فإذا هو مكتحل العينين ،منقط
الجبين والذقن ،وأشرق من وجنتي النبي صلى ال عليه وآله نور ساطع
في ظلمة الليل ،ومر
) (1الفلقة :القطعة (2) .في نسخة من المصدر :فل يهتمك (3) .في المصدر :أم
النبي صلى ال عليه وآله (4) .في المصدر :ليلة سبعة عشر.
] [ 288
في سقف البيت ،وشق السقف ،ورأت آمنة من نور وجهه كل منظر حسن وقصر
بالحرم ،وسط في تلك الليلة أربعة وعشرون ) (1شرفا " من أيوان
كسرى ،وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس ،وأبرق في تلك الليلة برق
ساطع في كل بيت ،وغرفة في الدنيا ممن قد علم ال تعالى وسبق في
علمه أنهم يؤمنون بال ورسوله محمد صلى ال عليه وآله ،ولم يسطع في
بقاع الكفر بأمر ال تعالى ،وما بقي في مشارق الرض ومغاربها صنم ول
وثن إل وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة ،وذلك كله إجلل
للنبي صلى ال عليه وآله .قال الواقدي :فلما رأى إبليس لعنه ال تعالى
وأخزاه ذلك وضع التراب على رأسه وجمع أولده وقال لهم :يا أولدي
اعلموا أنني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة ،قالوا :وما هذه
المصيبة ؟ قال :اعلموا أنه قد ولد في هذه الليلة مولود اسمه محمد بن
عبد ال صلى ال عليه وآله يبطل عبادة الوثان ،ويمنع السجود للصنام،
ويدعو الناس إلى عبادة الرحمن ،قال :فنثروا التراب على رؤوسهم،
ودخل إبليس لعنه ال تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولده
مكروبين أربعين يوما " .قال الواقدي :فعند ذلك أخذت الحوريات محمدا "
صلى ال عليه وآله ولففنه في منديل رومي ،ووضعنه بين يدي آمنة،
ورجعن إلى الجنة يبشرون الملئكة في السماوات بمولد النبي صلى ال
عليه وآله ،ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلم ودخل البيت على صورة
الدميين وهما شابان ،ومع جبرئيل طشت من ذهب ،ومع ميكائيل إبريق
من عقيق أحمر ،فأخذ جبرئيل رسول ال صلى ال عليه وآله وغسله،
وميكائيل يصب الماء عليه فغسله ،وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة
مبهوتة ،فقال لها جبرئيل :يا آمنة ل نغسله من النجاسة ،فإنه لم يكن
نجسا " ،ولكن نغسله من ظلمات بطنك ،فلما فرغوا من غسله وكحلوا
عينيه ونقطوا جبينيه بورقة كانت معهم مسك وعنبر وكافور مسحوق
بعضه ببعض فذروه فوق رأسه صلى ال عليه وآله قالت آمنة :وسمعت
جلبة ) (8وكلما " على الباب ،فذهب جبرئيل إلى الباب فنظر ورجع إلى
البيت وقال :ملئكة سبع سماوات يريدون السلم على النبي صلى ال عليه
وآله فاتسع البيت ودخلوا عليه
) (1تقدم قبل أنه سقط أربعة عشر شرفا (2) .الجلبة :اختلط الصوات والصياح.
] [ 289
موكب بعد موكب وسلموا عليه ،وقالوا :السلم عليك يا محمد ،السلم عليك يا
محمود ،السلم عليك يا أحمد ،السلم عليك يا حامد .قال الواقدي :فلما
دخل ) (1من الليل ثلثه أمر ال تعالى جبرئيل عليه السلم أن يحمل من
الجنة أربعة أعلم ،فحمل جبرئيل العلم ونزل إلى الدنيا ،ونصب علما "
أخضر على جبل قاف مكتوبا " ) (1عليه بالبياض سطران :ل إله إل ال،
محمد رسول ال صلى ال عليه وآله ،ونصب علما " آخر على جبل أبي
قبيس له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما :شهادة أن ل إله إل ال ،وفي
الثانية :لدين إل دين محمد بن عبد ال ،ونصب علما " آخر على سطح
بيت ال الحرام له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما :طوبى لمن آمن بال
وبمحمد ،والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا " مما يأتي به من عند ربه،
ونصب علما " آخر على ضراح ) (3بيت ال المقدس وهو أبيض عليه
خطان مكتوبان بالسواد ،الول :ل غالب إل ال ،والثاني :النصر ل
ولمحمد صلى ال عليه وآله .قال الواقدي :وذهب إستحيائيل ووقف على
ركن جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته :يا أهل مكة آمنوا بال ورسوله،
والنور الذي أنزلنا ،وأمر ال غمامة أن ترفع فوق بيت ال الحرام ،وتنثر
على البيت الحرام ريش الزعفران والمسك والعنبر ،وتمطر على البيت،
فلما أصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنبر ،وارتفعت الغمامة
وأمطرت على البيت ،وخرجت الصنام من بيت ال الحرام ،وجاؤا إلى عند
الحجر وانكبوا على وجوههم ،وجاء جبرئيل بقنديل أحمر له سلسلة من
جزع أصفر ،وهو يشتعل بل دهن بقدرة ال تعالى .قال الواقدي :وبرق من
وجه النبي صلى ال عليه وآله برق وذهب في الهواء حتى التزق بعنان
السماء ،وما بقي بمكة دار ول منظر إل دخله ذلك النور ،ممن سبق في
قدر ال تعالى وعلمه أنه يؤمن بال ،وبرسوله محمد صلى ال عليه وآله،
وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة والنجيل والزبور ومما كان فيه
اسمه صلى ال عليه وآله أو نعته إل وقطر تحت اسمه قطرة دم ،وقال:
) (1مضى خ ل (2) .في المصدر :مكتوب وهو الصحيح (3) .سطح خ ل ،وفي
المصدر :صريح .قلت :ولعله مصحف ضريح.
] [ 290
لن ال تعالى بعثه بالسيف ،وما بقي في تلك الليلة دير ول صومعة إل وكتب على
محاريبها اسم محمد صلى ال عليه وآله ،فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى
قرء الرهبانية والديرانية ) ،(1وعلموا أن النبي المي صلى ال عليه وآله
قد ولد .قال الواقدي :فعندها قامت آمنة رضي ال عنها وفتحت الباب،
وصاحت صيحة وغشي عليها ،ثم دعت بامها برة وأبيها وهب وقالت:
ويحكما أين أنتما ؟ فما رأيتما ما جرى علي ؟ إني وضعت ولدي ،وكان كذا
وكذا ،تصف لهما ما رأته ،قال :فقام وهب ودعا بغلم وقال :اذهب إلى عبد
المطلب وبشره ،وأهل مكة على المغاير ) (2قد صعدوا والصروح ينظرون
إلى العجائب ول يدرون ما الخبر ،وكذلك عبد المطلب قد صعد مع أولده
فما شعروا بشئ حتى قرع الغلم الباب ،ودخل على عبد المطلب وقال :يا
سيدنا أبشر فإن آمنة قد وضعت ولدا " ذكرا " ،فاستبشر بذلك ،وقال :قد
علمت أن هذه براهين ودلئل لمولودي ،فذهب عبد المطلب إلى آمنة مع
أولده ونظروا إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله ووجهه كالقمر ليلة
البدر يسبح ويكبر في نفسه ،فتعجب منه عبد المطلب .قال الواقدي:
فأصبح أهل مكة يوم الثاني ) (3ونظروا إلى القنديل وإلى السلسلة وإلى
ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة ،وإلى الصنام وقد خرجن
منكبات على وجوههن ) ،(4وبقى الخلق على ذلك ،وجاء إبليس أخزاه ال
على صورة شيخ زاهد وقال :يا أهل مكة ل يهمنكم ) (5أمر هذا فإنما
أخرج الصنام الليل العفاريت والمردة ،وسجدوا لهن ،فل يهمنكم ،وأمر
إبليس لعنه ال أن تدخل الصنام إلى جوف بيت ال الحرام ففعلوا ذلك،
وإذا " بهاتف يهتف ويقول :جاء الحق وزهق الباطل ،،إن الباطل كان
زهوقا .قال الواقدي :فأرسل ال تعالى إلى البيت جلل " من الديباج
البيض مكتوب عليها
) (1في العبارة تصحيف ،لن الرهبانية طريقة الرهبان ،ولعل الصحيح الرهابنة أو
الرهبانة (2) .المنابر خ ل ،قلت :لم نعرف معنى المغاير ،وفي المصدر:
وأهل مكة على المنابر قد صعدوا العروج .وعلى أي فالعبارتين ل تخلوان
عن اضطراب ،ولعل العاطف قبل والصروح زائد (3) .في المصدر :يوم
الثاني صبيحة يوم الثلثاء (4) .في المصدر :وينظرون إلى الصنام وقد
خرجوا من مراكزهن منكبات على وجوههن (5) .في المصدر :ل
يهتمنكم.
] [ 291
بخط أسود :بسم ال الرحمن الرحيم :يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " ومبشرا "
ونذيرا " وداعيا " إلى ال بإذنه وسراجا " منيرا .قال الواقدي :فتعجب
الناس من ذلك وبقيت الجلل على البيت أربعين يوما " ،فذهب رجل من آل
إدريس وكان بيده مد سمنا ) (1فتمسح بذلك الجلل والتحف به فارتفع
الجلل من ليلته ،ولو لم يلتحف به لبقي على بيت ال الحرام هذا الديباح
إلى يوم القيامة .قال الواقدي :فاجتمع رؤساء بني هاشم وذهبوا إلى حبيب
الراهب وقالوا :يا حبيب بين لنا خبر هذا الجلل وإخراج الصنام من جوف
بيت ال الحرام ،والكواكب السائرات ،والبرق الذى برق في هذه الليلة،
والجلبات التي سمعنا مما هي ) ،(2فقال حبيب :أنتم تعلمون أن ديني ليس
دينكم ،وأنا أقول الحق ،إن شئتم قاقبلوا ،وإن شئتم ل تقبلوا ،ما هذه
العلمات إل علمات نبي مرسل في زمانكم ،ونحن وجدنا في التوراة ذكر
وصفه وفي النجيل نعته ،وفي الزبور اسمه ،واسمه في الصحف ،وهو
الذي يبطل عبادة الوثان والصنام ،ويدعو إلى عبادة الرحمن ،ويكون
على العلم قاطع السيف ،طاعن الرمح ) ،(3نافذ السهم ،تخضع له ملوك
الدنيا وجبابرتها ،فالويل الويل لهل الكفر والطغيان ،وعبدة الوثان من
سيفه ورمحه وسهمه .فمن آمن به نجا ،ومن كفر به هلك ،فقام الخلق من
عنده مغمومين مكروبين ،ورجعوا إلى مكة محزونين .قال الواقدي:
وأصبح عبد المطلب اليوم الثاني ودعا بآمنة وقال لها :هاتي ولدي ،وقرة
عيني ،وثمرة فؤادي ،فجائت آمنة ومحمد على ساعدها ،فقال عبد
المطلب :اكتميه يا آمنة ول تبديه لحد ،فإن قريشا " وبني امية يرصدون
في أمره ،قالت آمنة :السمع والطاعة ،فجاء عبد المطلب ومحمد على
ساعده ،وأتى به إلى بيت ال الحرام ،وأراد أن يمسح بدنه باللت و العزى
لتسكن دمدمة ) (4قريش وبني هاشم ) ،(5ودخل عبد المطلب بيت ال
الحرام ،فلما وضع
) (1يده مدسما خ ل (2) .في المصدر :فماهى (3) .في المصدر :طاعن بالرمح) .
(4في المصدر :الدمدمة :الغضب (5) .وبنو هاشم خ ل وهو الموجود
في المصدر ،أي لتسكن بنو هاشم ول يظهرون على قريش أمرا يوجب
البغض والعداوة.
] [ 292
رجله في البيت سمع النبي صلى ال عليه وآله يقول :بسم ال وبال ،وإذا البيت
يقول :السلم عليك يا محمد ورحمة ال وبركاته ،وإذا بهاتف يهتف
ويقول :جاء الحق وزهق الباطل ،إن الباطل كان زهوقا " ،فتعجب عبد
المطلب من صغر سنه وكلمه ومما قال له البيت ،فأمر عبد المطلب خزنة
البيت أن يكتموا ما سمعوا من البيت ومن محمد صلى ال عليه وآله .قال
الواقدي :فتقدم عبد المطلب إلى اللت والعزي وأراد أن يمسح بدن النبي
صلى ال عليه وآله باللت والعزى فجذب من ورائه ،فالتفت إلى ورائه فلم
ير احدا ،فتقدم ثانية فجذبه من ورائه جاذب ،فنظر إلى ورائه فلم ير أحدا،
ثم تقدم ثالثة فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى أقعده على عجزه ،وقال :يا
أبا الحارث أتمسح بدنا " طاهرا " ببدن نجس ؟ ! قال الواقدي :فعند ذلك
وقف عبد المطلب على باب بيت ال الحرام والنبي على ساعده وأنشأ
يقول :الحمد ل الذي أعطاني * هذا الغلم طيب الرداني قد ساد في المهد
على الغلماني * اعيذه بالبيت ذي الركاني حتى أراه مبلغ الغشياني )* (1
اعيذه من كل ذي شنآني ) (2من حاسد ذي طرف العيناني قال :وخرج عبد
المطلب متفكرا " مما سمع ،ورأى من محمد صلى ال عليه وآله إلى امه،
وقد وقعت الدمدمة في قريش وبين ) (3بني هاشم بسبب محمد صلى ال
عليه وآله .قال الواقدي :فلما كان اليوم الثالث اشترى عبد المطلب مهدا
من خيزران أسود ،له شبكات من عاج ،مرصع بالذهب الحمر ،وله
بركتان من فضة بيضاء ،ولونه من جزع أصفر ،وغشاه بجلل ديباج
أبيض ،مكوكب بذهب ،وبعث إليها من الدر واللؤلؤ الكبار الذي تلعب به
الصبيان في المهد بألوان الخرز ) ،(4وكان النبي صلى ال عليه وآله إذا
انتبه من نومه
) (1في المصدر :مبلغ الغلمانى (2) .الشنآن :البغض والعداوة .وفي المصدر بعد
ذلك مصرع هو :حتى يكون بلغة الغشيانى (3) .المصدر خال عن كلمة
بين (4) .الخرز :ما ينظم في السلك من الجذع والودع .الحب المثقوب
من الزجاج ونحوه .فصوص من حجارة.
] [ 293
يسبح ال تعالى بتلك الخرز .قال الواقدي :فلما كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب
) (1إلى عبد المطلب ،و كان عبد المطلب قاعدا على باب بيت ال الحرام
وقد حف به قريش وبنو هاشم ،فدنا سواد بن قارب وقال :يا أبا الحارث
اعلم أني قد سمعت أنه قد ولد لعبد ال ذكر ،وأنهم يقولون فيه :عجائب،
فاريد أن أنظر إلى وجهه هنيئة ،وكان سواد بن قارب رجل إذا تكلم سمع
منه ،وكان رجل " صدوقا " ،فقام عبد المطلب ومعه سواد بن قارب
وجاء إلى دار آمنة رضي ال عنها ودخل جميعا " والنبي صلى ال عليه
وآله نائم ،فلما دخل القبة قال عبد المطلب :اسكت يا سواد حتى ينتبه من
نومه ،فسكت فدخل قليل قليل حتى دخل القبة ،ونظر إلى وجه النبي صلى
ال عليه وآله وهو في مهده نائم ،وعليه هيئة النبياء ،فلما كشف الغطاء
عن وجهه برق من وجهه برق شق السقف بنوره ،والتزق بأعنان )(2
السماء ،فالقى عبد المطلب وسواد أكمامهما على وجهيهما من شدة
الضوء ،فعندها انكب سواد على النبي صلى ال عليه وآله وقال لعبد
المطلب :اشهدك على نفسي أني آمنت بهذا الغلم ،وبما يأتي به من عند
ربه ،ثم قبل وجنات ) (3النبي صلى ال عليه وآله وخرجا جميعا " ،ورجع
سواد إلى موضعه ،وبقي عبد المطلب فرحا " نشيطا .قال محمد بن عمر
الواقدي :فلما أتى على النبي صلى ال عليه وآله شهر كان إذا نظر إليه
الناظرون توهموا أنه من أبناء سنة لوقارة جسمه ،وتمام فهمه ،وكانوا
يسمعون من مهده التسبيح والتحميد والثنآء على ال تعالى .قال الواقدي:
فلما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله شهران مات وهب جده أبو
أمه آمنة ،وجاء عبد المطلب وجماعة من قريش وبني هاشم وغسلوا وهبا
وحنطوه وكفنوه ودفنوه على ذيل الصفا ).(4
) (1هو سواد بن قارب الزدي الدوسى أو السدوسى ،وكان كاهنا في الجاهلية ،له
صحبة ،وكان شاعرا ،قاله ابن الثير في اسد الغابة (2) .375 :2 -في
المصدر :في عنان السماء .قلت :عنان السماء :ما ارتفع منها وما بدالك
منها إذا نظرتها ،وأعنانها :نواصيها وما اعترض من أقطارها(3) .
الوجنة :ما ارتفع من الخدين (4) .الفضائل.31 - 15 :
] [ 294
بيان :المخانق :جمع المخنقة كمكنسة وهي القلدة .والتهويم :هز الرأس من
النعاس .وغفت :نامت .والصرح :القصر وكل بناء عال - 28 .كا :علي بن
محمد بن بندار ،عن إبراهيم بن إسحاق الحمر ،عن أحمد بن الحسين )
،(1عن أبي العباس ،عن جعفر بن إسماعيل ،عن إدريس ،عن أبي
السائب ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :عق أبو طالب عن
رسول ال صلى ال عليه وآله يوم السابع ودعا آل أبى طالب فقالوا :ما
هذه ؟ فقال :هذه عقيقة أحمد ،قالوا :لي شئ سميته أحمد ؟ قال :سميته
أحمد لمحمدة أهل السماء والرض ) - 29 .(2كا :علي عن أبيه ،عن
البزنطي ،عن أبان ،عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :لما
ولد النبي صلى ال عليه وآله جاء رجل من أهل الكتاب إلى مل من قريش،
فيهم هشام ابن المغيرة والوليد بن المغيرة ،والعاص بن هشام ،وابو وجزة
بن أبي عمرو بن امية وعتبة ابن ربيعة ،فقال .أولد فيكم مولد الليلة ؟
فقالوا :ل ،قال فولد إذا بفلسطين غلم اسمه أحمد ،به شامة كلون الخز
الدكن ،ويكون هلك أهل الكتاب واليهود على يديه ،قد أخطأكم وال يا
معشر قريش ،فتفرقوا وسألوا فاخبروا أنه ولد لعبدال بن عبد المطلب
غلم ،فطلبوا الرجل فلقوه ،فقالوا :إنه قد ولد فينا وال غلم ،قال :قبل أن
أقول لكم أو بعد ما قلت لكم ؟ قالوا :قبل أن تقول لنا ،قال :فانطلقوا بنا إليه
حتى ننظر إليه ،فانطلقوا حتى أتوا امه فقالوا :اخرجي ابنك حتى ننظر
إليه ،فقالت :إن ابني وال لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان ،لقد اتقى
الرض بيديه ،ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ،ثم خرج منه نور حتى
نظرت إلى قصور بصري ،وسمعت هاتفا " في الجو يقول :لقد ولدتيه سيد
المة ،فإذا وضعتيه فقولي :اعيذه بالواحد ،من شر كل حاسد ،وسميه
محمدا ،قال الرجل :فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه
فخر مغشيا " عليه ،فأخذوا الغلم فأدخلوه إلى أمه وقالوا :بارك ال لك
فيه ،فلما خرجوا أفاق ،فقالوا له :مالك ويلك ؟ قال :ذهبت نبوة بني
إسرائيل إلى يوم القيامة ،هذا وال من يبيرهم ،ففرحت قريش
) (1الحسن خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .الفروع :ج :2ص .91
] [ 295
بذلك ،فلما رآهم قد فرحوا قال :فرحتم ،أما وال ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل
المشرق والمغرب ،وكان أبو سفيان يقول :يسطو بمصره ) - 30 .(1كا:
حميد بن زياد ،عن محمد بن أيوب ،عن محمد بن زياد ،عن أسباط بن
سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان حيث طلقت آمنة بنت وهب
وأخذها المخاض بالنبي صلى ال عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد
امرأة أبي طالب ،فلم تزل معها حتى وضعت ،فقالت إحداهما للخرى :هل
ترين ما أرى ؟ فقالت :وما ترين ؟ قالت :هذا النور الذي قد سطع ما بين
المشرق والمغرب ،فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما :ما
لكما ؟ من أي شئ تعجبان ؟ فاخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت .فقال لها
أبو طالب :أل ابشرك ؟ فقالت :بلى ،فقال :أما إنك ستلدين غلما يكون
وصي هذا المولود ) - 31 .(2كا :الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن
أحمد بن محمد بن عبد ال ،عن ابن مسعود ،عن عبد ال بن إبراهيم
الجعفري قال :سمعت إسحاق بن جعفر يقول :سمعت أبي يقول :الوصياء
إذا حملت بهم امهاتهم أصابها فترة شبه الغشية ،فأقامت في ذلك يومها
ذلك إن كان نهارا " ،أو ليلتها إن كان ليل " ،ثم ترى في منامها رجل
يبشرها بغلم عليم حليم فتفرح لذلك ،ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها
اليمن في جانب البيت صوتا يقول :حملت بخير ،وتصيرين إلى خير،
وجئت بجير ،أبشري بغلم حليم عليم ،وتجد خفة في بدنها ،ثم تجد )(3
بعد ذلك اتساعا " من جنبيها وبطنها ،فإذا كان لتسع من شهورها سمعت
في البيت حسا " شديدا " ،فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في
البيت نور تراه ل يراه غيرها
) (1الروضة 300 :و ،301وفي بعض نسخه :يسطو بمضره .قال المصنف في
شرح الحديث :قوله :يسطو بمصره ،الظاهر أنه قال ذلك على الهزء
والنكار ،أي كيف يقدر على أن يسطو بمصره ،أو كيف يسطو بقومه
وعشيرته ،ويحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الذعان في ذلك الوقت،
أو كان يقول ذلك بعد خبر الراهب ،وفيما رواه قطب الدين الراوندي في
الخرائج :فكان أبو سفيان يقول :انما يسطو بمضره ،أي بقبيلة مضر ،أو
بها وبأضرابها من القبائل الخارجة عن مكة (2) .الروضة(3) .302 :
في نسخة من المصدر :ثم لم تجد بعد ذلك امتناعا من جنبيها وبطنها.
] [ 296
إل أبوه ،فإذا ولدته ولدته قاعدا " ،وتفتحت له حتى يخرج متربعا " ،ثم )(1
يستدير بعد وقوعه إلى الرض ،فل يخطئ القبلة حيث كانت بوجهه ،ثم
يعطس ثلثا " يشير بإصبعه بالتحميد ،ويقع مسرورا " ) (2مختونا "،
ورباعيتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه ،ومن بين يديه مثل سبيكة
الذهب نور ،ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا ) ،(3وكذلك النبياء إذا
ولدوا ،وإنما الوصياء أعلق من النبياء ) .(4أقول :سيأتي شرح الخبر
مع سائر الخبار في ذلك في كتاب المامة - 32 .ن :في خبر الشامي أنه
سأل أمير المؤمنين عليه السلم من خلق ال من النبياء مختونا " ؟ قال:
خلق ال عزوجل آدم عليه السلم مختونا " ،وولد شيث عليه السلم
مختونا " ،وإدريس ونوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط،
وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد ،صلوات ال عليهم ) - 33 .(5د:
روي أن قريشا " كانت في جدب شديد ،وضيق من الزمان ،فلما حملت
آمنة بنت وهب برسول ال صلى ال عليه وآله اخضرت لهم الرض،
وحملت لهم الشجار ،وأتاهم الوفد من كل مكان ،فأخصب أهل مكة خصبا
عظيما " ،فسميت السنه التي حمل فيها برسول ال صلى ال عليه وآله
سنة الفتح والستيفاء والبتهاج ،ولم تبق كاهنة إل حجبت عن صاحبها )
،(6
) (1المصدر خال عن كلمة :ثم (2) .أي مقطوع السرة ،من سررت الصبى أسره
سرا ،إذا قطعت سرره ،والسرر بكسر السين وفتحتها لغة بالسر بالضم،
وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبى (3) .قال المصنف :والرباعية
كثمانية :السن التى بين الثنية والناب وهو بين الرباعية والضاحك،
وتقدير الكلم :ومعه رباعيتاه ونابه ،وكان نبات خصوص تلك لمزيد
مدخليتها في الجمال ،وعدم نبات الثنايا لمزيد إضرارها بثدى الم،
ويحتمل أن يكون المراد نبات كل السنان ،والتخصيص بالذكر على
المثال ،مثل سبيكة الذهب أي نور أصفر وأحمر شبيه بها ،وسيلن
الذهب عن يديه أيضا كناية عن اضاءتهما ولمعانهما وبريقهما وسطوع
النور الصفر منهما ،والعلق جمع العلق بالكسر وهو النفيس من كل
شئ ،أي أشرف أولدهم ،أو خلقوا من أشرف أجزائهم وطينتهم ،أو هم
أشرف شئ اختاروه لمتهم (4) .الصول 387 :1و (5) .388عيون
الخبار (6) .134 :أي صاحبها من الجن.
] [ 297
وانتزع علم الكهنة ،وبطل سحر السحرة ،ولم يبق سرير لملك من الملوك إل أصبح
منكوسا " ،والملك مخرسا " ل يتكلم يومه ذلك ،وفي كل شهر من
الشهور ندآء من السماء أن أبشروا فقد آن لمحمد أن يخرج إلى الرض
ميمونا " مباركا " ) - 34 .(1د :عن أبي جعفر عليه السلم قال :سمعت
آبائي يحدثون :كانت لقريش كاهنة يقال لها :جرهمانية ،وكان لها ابن من
أشد قريش عبادة للصنام ،فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول ال صلى
ال عليه وآله جاءت إليها تابعتها ) ،(2وقالت لها جرهمانية :حيل بيني
وبينك ،جاء النور الممدود الذي من دخل في نوره نجا ،ومن تخلف عن
نوره هلك ،أحمد صاحب اللواء الكبر ،والعز البدي ،وابنها يسمع ،فلما
كانت الليلة الثانية عاد بمثل قوله ،ثم مر ) ،(3فلما كانت الليلة الثالثة عاد
بمثل قوله ) (4فقالت :ويحك ومن أحمد ؟ قالت :ابن عبد ال بن عبد
المطلب يتيم قريش صاحب الغرة الحجلء ،والنور الساطع ،فلما تكلمت
بهذا الكلم نظرت إلى صنمها يمشي مرة ويعدو مرة ،ويقول :ويلي من
هذا المولود ،هلكت الصنام ،قال :فكانت الجرهمانية تنوح على نفسها
بهذا الحديث ) - 35 .(5د :قيل :لما ولد رسول ال صلى ال عليه وآله
قال :أبو طالب لفاطمة بنت أسد :أي شئ خبرتك به آمنة أنها رأت حين
ولدت هذا المولود ؟ قالت :خبرتني أنها لما ولدته خرج معتمدا " على يده
اليمنى ،رافعا " رأسه إلى السماء ،يصعد منه نور في الهواء حتى مل
الفق ،فقال لها أبو طالب :استري هذا ،ول تعلمي به أحدا " ،أما إنك
ستلدين مولودا " يكون وصيه ) - 36 .(6كا :علي بن محمد ،عن عبد ال
بن إسحاق العلوى ،عن محمد بن زيد الرزامي ،عن محمد بن سليمان
الديلمي ،عن علي بن أبي حمزة ،عن أبي بصير قال :حججنا مع أبي عبد
ال
) (1العدد :مخطوط (2) .أي صاحبها من الجن (3) .واستظهر المصنف في هامش
النسخة أن الصحيح :عادت بمثل قولها ثم مرت (4) .واستظهر المصنف
في الهامش أن الصحيح :عادت بمثل قولها 5) .و (6العدد :مخطوط.
)*(
] [ 298
عليه السلم السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلم -وساق الحديث إلى أن
قال :-وذكرت حميدة أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا " يده على
الرض ،رافعا " رأسه إلى السماء ،فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول ال
صلى ال عليه وآله ،وأمارة الوصي عليه السلم من بعده ) ،(1فقال لي:
إنه لما كانت الليلة التي علق ) (2فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه
شربة أرق من الماء ،وألين من الزبد ،وأحلى من الشهد ،وأبرد من الثلج،
وأبيض من اللبن ،فسقاه إياه وأمره بالجماع ،فقام فجامع فعلق بجدي،
ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتي آت جدي فسقاه كما سقى جد
أبي وأمره بمثل الذي أمره ،فقام فجامع فعلق بأبي ،ولما أن كانت الليلة
التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم ،وأمره بالذي أمرهم به،
فقام فجامع فعلق بي ،ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت
كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم ،فقمت بعلم ال ،وإني مسرور بما يهب ال
لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود ،فدونكم ،فهو وال صاحبكم من
بعدي ،وإن نطفة المام مما أخبرتك ،وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة
أشهر وانشئ فيها الروح بعث ال تبارك وتعالى ملكا " يقال له :حيوان
فكتب على عضده اليمن) :وتمت كلمة ربك صدقا " وعدل " ل مبدل
لكلماته وهو السميع العليم( ولذا وقع من بطن امه وقع واضعا " يديه
على الرض ،رافعا " رأسه إلى السماء ،فأما وضعه يديه على الرض
فإنه يقبض كل علم ل أنزله من السماء إلى الرض ،وأما رفعه رأسه إلى
السماء فإن مناديا " ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من
الفق العلى باسمه واسم أبيه ،يقول :يا فلن بن فلن اثبت تثبت )،(3
فلعظيم ما
) (1في المصدر وهنا زيادة هي :فقلت :جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول ال
صلى ال عليه وآله و أمارة الوصي من بعده ،فقال لى اه (2) .علقت
المرأة وكل انثى بالولد :حبلت (3) .اثبت ،أمر من باب نصر ،أي كن على
علم ويقين وبصيرة ،ثابتا على الحق في جميع أقوالك وأفعالك ،تثبت،
جواب للمر ،وهو اما على بناء الفاعل من التفعيل ،أي لتثبت غيرك على
الحق ،أو على بناء المفعول منه ،أي يثبتك ال عليها ،أو على بناء
المفعول من الفعال ،أي لتثبت إمامتك بذلك عند الناس ،والثبات أيضا:
المعرفة ،أي تكن معروفا بالمامة بين الناس .قاله المصنف في مرآت
العقول .290 :1
] [ 299
خلقتك ،أنت صفوتي من خلقي ،وموضع سرى ،وعيبة ) (1علمي ،وأميني على
وحيي ،وخليفتي في أرضي ،لك ولمن تولك أوجبت رحمتي ،ومنحت
جناني ،وأحللت جواري ،ثم وعزتي وجللي لصلين ) (2من عاداك أشد
عذابي ،وإن وسعت عليه في دنياى من سعة رزقي ،فإذا انقضي الصوت
صوت المنادي أجابه هو واضعا " يديه ،رافعا " رأسه إلى السماء يقول:
)شهد ال أنه ل إله إل هو ،والملئكة واولوا العلم قائما " بالقسط ل إله إل
هو العزيز الحكيم( قال :فإذا قال ذلك أعطاه ال العلم الول والعلم الخر،
واستحق زيارة الروح في ليلة القدر ) - 37 .(3أقول :روى ) (4الشيخ أبو
الحسن البكري في كتاب النوار عن أبي عمرو الشيباني وجماعة من أهل
الحديث أن السحرة والكهنة والشياطين والمردة والجان قبل مولد )(5
رسول ال صلى ال عليه وآله كانوا يظهرون العجائب ويأتون بالغرائب،
ويحدثون الناس بما يخفون من السرائر ،ويكتمون في الضمائر ،وتنطق
السحرة والكهنة على ألسنة الجن والشياطين والمردة بما يسترقون من
السمع من الملئكة ،ولم تحجب السماء عن الشياطين حتى بعث النبي
صلى ال عليه وآله .قال البكري :ولقد بلغنا أنه كان بأرض اليمامة كاهنان
عظيمان فاقا على أهل زمانهما في الكهانة ويتحدث الناس بهما في كل
مكان ،وكان أحدهما اسمه ربيعة بن مازن ) (6ويعرف بسطيح ،وهو أعلم
الكهان ،والخر اسمه وشق ) (7بن باهلة اليماني ،فأما سطيح فإن ال
تعالى قد خلقه قطعة لحم بل عظم ول عصب سوى جمجمة رأسه ،وكان
يطوى كما
) (1العيبة :الزنبيل من ادم .ما تجعل فيه الثياب كالصندوق (2) .صلى وأصلى فلنا
النار :أدخله إياها وأثواه فيها (3) .الصول 385 :1و (4) .386من هنا
أول الجزء السادس من كتاب النوار على نسختي (5) .مبعث خ ل ،وهو
الموجود في نسختي (6) .ابن غسان خ ل وهو الموجود في نسختي،
وتقدم قبل ذلك نسبه (7) .شق خ ل في جميع المواضع ،وهو الصحيح،
وقد تقدمنا ذكر نسبه راجعه.
] [ 300
يطوى الثوب ،وينشر ويجعل على وضمة ) (1كما يجعل اللحم على وضمة
القصاب ،ل ينام من الليل إل اليسير ،يقلب طرفه إلى السماء ،وينظر إلى
النجوم الزاهرات ،والفلك الدائرات ،والبروق اللمعات ،ويحمل على
وضمه إلى المصار ،ويرفع إلى الملوك في تلك العصار ) ،(2يسألونه
عن غوامض الخبار ،وينبئهم بما في قلوبهم من السرار ،و يخبر بما
يحدث في الزمان من العجائب ) ،(3وهو ملقى على ظهره ) ،(4شاخص
ببصره ،ل يتحرك منه غير عينيه ولسانه ،وقد لبث دهرا " طويل على
هذه الحالة ،فبينا هو كذلك ذات ليلة شاخصا " إلى السماء إذ لحت له
برقة مما يلي مكة ملت القطار ) ،(5ثم رأى الكواكب قد عل منها
النيران ،فظهر بها دخان ،وتصادم بعضها ببعض ،واحد بعد واحد ).(6
حتى غابت في الثرى ،فلم يرلها نور ول ضياء ) ،(7فلما نظر سطيح إلى
ذلك دهش وحار وأيقن بالهلك والدمار ،وقال :كواكب تظهر بالنهار،
وبرق يلمع ) (8بالنوار ،يدل على عجائب وأخبار ،وظل يومه ذلك حتى
انقضى النهار ،فلما أدركه الليل ) (9أمر غلمانه أن يحملونه إلى موضع
فيه جبل هناك ،وكان شامخا " في الجبال ) ،(10فأمرهم أن يرفعوه عليه،
فجعل يقلب طرفه يمينا وشمال " ،فإذا هو بنور ساطع ،وضياء لمع ،قد
عل على النوار ،وأحاط على القطار ،ومل الفاق ،فقال لغلمانه :انزلوني
فإن
) (1الوضم :الخشبة الجزاز التى يقطع عليها اللحم (2) .في المصدر :في جميع
القطار (3) .في المصدر :ويخبر بما يأتي وبما يظهر من الفات وبما
يكون ،وهو ملقى على ظهره (4) .على وضمه خ ل (5) .في المصدر:
مما يلي مكة قد نزلت من عنان السماء ،ولمعت بأنور الضياء ،وملت
القطار ،ثم رأى الكواكب قد عل نورها بالزهار ،ومدح بينها النيران،
وتصادم بعضها ببعض فظهر منهما دخان ،ثم طوت واحدة في أثر واحدة
حتى غابت في الثرى (6) .واحدة بعد واحدة خ ل (7) .نورا ولضياء خ
ل (8) .في المصدر :وبرقة تلمع (9) .في المصدر :وبقى يومه ذلك
متفكرا فيما عاينه حتى انقضى النهار ،فلما أتى الليل (10) .في المصدر:
شامخا عاليا على الجبال.
] [ 301
عقلي قد طار ،ولبي قد حار ،من أجل هذه النوار ،وإني أرى أمرا " جليل ،وقد دنا
مني الرحيل ،بل شك عن قليل ،قالوا له :وكيف ظهر لك ذلك يا سطيح ؟
قال :يا ويلكم إني رأيت أنوارا " قد نزلت من السماء إلى الرض ،وأرى
الكواكب قد تساقطت إلى الرض وتهافتت ) ،(1وإني أظن أن خروج
الهاشمي قد دنا ،فإن كان المر كذلك فالسلم على الوطن ) (2من أهل
المصار واليمن ،إلى آخر الزمن ،فحار غلمانه من كلمه ،وأنزلوه ،وقد
أرق ) (3تلك الليلة أرقا " ،وأصبح قلقا " ،لم يتهنأ برقاد ،ولم يوطأ له
مهاد ،كثير الفكر والسهاد ) ،(4وجمع قومه وعشيرته وقال لهم :إني أرى
أمرا " عظيما " ،وخطبا " جسيما " ،وقد غاب عني خبره ،وخفي علي
أثره ،وسأبعث إلى جميع إخواني من الكهان ،فكتب إلى سائر البلدان،
وكتب ) (5إلى وشق يخبره ) (6عن الحال ،وبشرح له المقال ،فرد عليه
الجواب ،قد ظهر عندي بعض الذي ذكرت ،وسيظهر نور الذي وصفت،
غير أني ل علم لي فيه ،ول أعرف شيئا " من دواعيه ،فعند ذلك كتب إلى
الزرقاء ملكة اليمن ،وكانت من أعظم الكهنة والسحرة ) ،(7قد ملكت
قومها بشرها وسحرها ،وكان المجاورون لها آمنين في معايشهم ،ل
يخافون من عدو ،ول يجزعون من احد ،وكانت حادة البصر ،عظيمة
الخطر ،تنظر من مسيرة ثلثة أيام ،كما ينظر النسان الذي بين يديه ،وإذ
أراد أحد من أعدائها الخروج إلى بلدها تخبر قومها ،وتقول :احذروا فقد
جاءكم عدوكم من جهة كذا وكذا ،فيجدون المر كما ذكرت .قال أبو الحسن
البكري :ولقد بلغني أن أهل اليمامة قتلوا قتيل من غسان وكان قد قتل
منهم رجل قبل ذلك فبلغ قومه قتله فاجمعوا أن يكبسوا ) (8قومها في
أربعة آلف
) (1أي تساقطت (2) .على الوطن وعلى اليمن خ ل ومثله موجود في المصدر ،ال
أن فيه :واليمن (3) .أرق :ذهب عنه النوم في الليل (4) .الرقاد :النوم.
والسهاد :اليقظة والرق (5) .في المصدر :فلما أصبح جمع قومه إه.
وفيه :وإلى سائر البلدان ،فكتب اه (6) .يسأله خ ل وهو الموجود في
المصدر (7) .في المصدر هنا زيادة هي :عظيمة الشر ،بعيدة الخير(8) .
أي يهجموا عليهم فجأة.
] [ 302
مدرع ،وقال لهم سيدهم من غسان :يا ويحكم أتطمعون في الدخول إلى اليمامة
وفيها الزرقاء ؟ أما تعلمون أنها تنظر إلى الوافدين ،وتعاين ،الواردين من
البعد ؟ فكيف إذا رأت ركائبكم ) (1قد أقبلت فتخبر قومها ويأخذون حذرهم
) (2وأنشأ يقول :إني أخاف من الزرقاء وصولتها * إذا رأت جمعكم
يسري إلى البلد ترميكم باسود ل قوام لكم * بشرها ثم ل تبقي على أحد كم
من جموع أتوها قاصدين لها * فراح جمعهم بالخوف والنكد فقالوا :ما
الذي تشير به علينا ؟ قال :رأيت رأيا وأنا أرجو أن يكون فيه الظفر إن
ساعدني فيه القدر ،قالوا :وما ذلك ؟ قال :إني أقول لكم :انزلوا عن خيلكم،
ثم اعمدوا إلى الشجر ،فيقطع ) (3كل واحد منكم ما يستره ثم تحملونه في
أيديكم ،ثم تقودون خيلكم ،وتسيرون في ظل الشجر ،فعسى أن يتغير عليها
النظر ،قالوا :نعم الرأي ما رأيت ،ففعلوا ما قال حتى بقي ) (4بينهم وبين
اليمامة ثلثة أيام ،جعلوا أمامهم رجل معه كتف بعير يلوح ) (5به ،ونعل
يخصفه ،لينكر عليها ) (6النظر ،فلما نظرت إليهم الزرقاء وكانت في
صومعتها صاحت بأعل صوتها وقالت :يا أهل اليمامة أقبلوا ،فأقبل إليها
الناس وقالوا :ما عندك من ) (7خبر ؟ قالت :إني رأيت ) (8عجبا "
عجبيبا " ،وأظن أن الملبسة تسير إلينا في ظل الشجر ،وهم جمع كثير،
يتقدمهم رجل في يده كتف بعير ،ومعه
) (1الركائب جمع الركاب :البل وفي الصمدر بعد أقبلت :ومراكبكم قد أشرفت(2) .
الحذر :ما فيه الحذر من السلح وغيره (3) .في المصدر :اشير عليكم أن
تنزلون عن خيلكم ،ثم تعمدون إلى الشجر ،وتقطعون (4) .في المصدر:
قالوا له :الرأى ما رأيت ،ثم نزلوا عن خيلهم وفعلوا ما أمرهم سيدهم
وجدوا السير ،فلما بقى (5) .أي يرفعه ويحركه ليلوح للناظر (6) .في
المصدر :ليتغير عليها النظر (7) .في المصدر :يا أهل اليمامة أقبلوا إلى
قبل أن تحل بكم الندامة ،فأقبلوا إليها يهرعون من جانب ومكان ينسلون،
فأخذوا بصومعتها ،وقالوا :ما وراءك ،وما الذى دهاك ؟ قالت :أني ارى
عجبا عجبا اه لو إقلت لعل الصحيح :من كل جانب (8) .أرى خ ل.
] [ 303
نعل يخصفه تارة " ،وتارة " يلوح بكتف البعير ،فلما سمعوا كلمها أعرضوا عنها
وقال بعضهم لبعض :إن الزرقاء قد خرفت ،وتغير نظرها ،فهل رأيتم شجرا
" يسير ،ورجل " يلوح بكتف بعير ؟ ،إن هذا وسواس ) (1وجنون قد
عارضها ،فلما سمعت منهم ذلك أغلقت صومعتها ،وكان ل يقدر عليها أحد
قط ،فلم يلبثوا بعد ذلك إل قليل حتى كبسوا اليمامة ،وهدموا البنيان،
وسبوا النسوان ،وقتلوا الرجال ،وأخذوا الموال ،ثم ولوا راجعين ،فوقع
بقومها الندامة ،وأعقبتهم الملمة حيث لم يسمعوا منها وخالفوها .ثم إن
سطيحا " كتب إليها كتابا " يقول فيه :باسمك اللهم من سطيح ،صاحب
القول الفصيح ) ،(2إلى فتاة اليمامة ،المنعوتة بالشهامة ) (3من سطيح
الغساني ،الذي ليس له في عصره ثاني ،أما بعد فإني كتبت إليك كتابي وأنا
في هموم وسكرات ،وغموم و خطرات ،وقد تعلمين ما الذي يحل بنا من
الدمار ) (4والهلك ،من خروج التهامي الهاشمي البطحي العربي المكي
المدنى السفاك للدماء ،وقد رأيت برقة لمعت ،و كواكبا " سطعت ) (5وإني
أظن أن ذلك من علماته ،ول شك أنه قرب أوانه ،وما كتبت إليك إل بما
أرى عندك من التحصيل ،وما في نساء عصرنا لك من مثيل ،فإذاورد
رسولي إليك وقدم كتابي عليك ردي جوابي بما عندك من الخطاب ،وما
ترينه من الصواب ،فإنه ل يقر لي قرار ،لفي الليل ول في النهار ،ولم
أقف ) (6على هذه الدلئل والثار والسلم .ثم دعا بغلم له اسمه صبيح،
وقال له :سر بهذا الكتاب إلى اليمامة ) ،(7وأتني
) (1ال وسواس خ ل فعليه فان نافية (2) .في المصدر زيادة هي :والقول النجيح) .
(3في المصدر :بالكهانة (4) .في المصدر :من التدمير (5) .سقطت خ ل
وفي المصدر :قد تساقطت .وفيه :ول شك أن أوانه قد أتى ،وخروجه قد
دنا (6) .حتى أقف خ ل وفي المصدر :قد وقعت علي (7) .في المصدر
زيادة هي :وأوصله الزرقاء.
] [ 304
بالجواب ،فأخذ صبيح الكتاب ومضى به حتى صار بينه وبين اليمامة ثلثة أيام
فرمقته ) (1الزرقاء والكتاب في طي عمامته ،فصاحت في قومها قد جاءكم
راكب قاصد ،إلى بلدكم وارد ،قد أرسل زمام ناقته ،والكتاب ) (2في طي
عمامته ،فجعل القوم يرتقبونه إلى أن وصل بعد ثلثة أيام ،فلما رأتة
انحدرت إليه ،وفتحت الباب ) ،(3فدفع إليها الكتاب ،فقرأته ثم قالت :خبر
قبيح ،أتانا به صبيح ،من كاهن اليمن سطيح ،يسأل عن نور ساطع،
وضيآء لمع ،ذلك ورب الكعبة من دلئل خراب ) (4الطلل ،ويتم )(5
الطفال ،فإنه يظهر من عبد مناف ،محمد النبي بل خلف ،قال صبيح:
فتعجبت من كلمها ،وطلبت الجواب ،فكتبت :إلى سطيح يقول :بسم ال من
الزرقاء ) (6الذي ليس عليها ) (7شئ يخفى ،إلى سيد غسان ،وأفضل
الكهان ،المعروف بسطيح ،صاحب القول الفصيح ،أما بعد فإنه ورد كتابك
علي ،وقدم رسولك لدي ،تذكر أمرا " عظيما " ،قد هجس بقلبك )،(8
واختلج بلبك ،،أما نزول الكواكب فكأنك بآيات ) (9الهاشمي قد قربت ،فإذا
قرأت كتابي فأيقظ نفسك ،واحذر من الغفلة والتقصير ،وبادر إلى التشمير
والمسير لنلتقي بمكة ،فإني راحلة إليها لعرف هذا المر على حقيقته،
فلعلنا نتساعد على هذا المولود ،فنعمل فيه الحيلة عسى أن نظفر بهلكه،
ونخمد نوره قبل إشراقه ،فلما قرء كتابها انتحب وبكى بكاء " شديدا "،
ثم قال:
) (1في المصدر :قال :ثم أخذ الكتاب ومضى يجد السير ،حتى بقى بينه وبين قصر
الزرقاء يومين ،رمقته اه ،قلت :يومين مصحف ،يدل عليه بعده(2) .
يلوح خ ل (3) .في المصدر :فلما قدم صبيح إلى اليمامة استدل على
قصر الزرقاء ،فارشده إليه ،فلما رأته قريبا منها انحدرت وفتحت له
الباب (4) .مخرب خ ل (5) .ميتم خ ل (6) .بسم اله الزرقاء خ ل(7) .
عليه خ ل وهو الموجود في المصدر (8) .هجس في صدره :خطر بباله.
وفي المصدر :هجم بقلبك (9) .فانك ترى آيات خ ل وهو الموجود في
المصدر.
] [ 305
ل صبر ل صبر أضحى بعد معرفة ) * (1تعذو الجلدة كالمستضعف الوهن إن كان
حقا " خروج الهاشمي دنا * فارحل بنفسك ل تبكي على اليمن ثم اجعل
القفر أوطانا " تقيم بها * واغد عن الهل ثم الدار والوطن فالعيش في
مهمه ) (2من غير ما جزع * أهنأ من العيش في ذل وفي حزن قال :ثم
أخذ في اهبة السفر ،وخرج من ساعته إلى مكة ،وقال لقومه :إني سائر
إلى نار قد تأججت ،فإن أدركت إخمادها رجعت إليكم ،وإن كانت الخرى
فالسلم مني عليكم ،فإني لحق بالشام اقيم بها حتى أموت ،فلما وصل مكة
أقبل ) (3إلى سطيح رجال من قريش ،وفيهم أبو جهل وأخوه أبوالبختري
وشيبة وعتبة بن أبي معيط والعاص بن وائل ،فقالوا :يا سطيح ما قدمت
إل لمر عظيم ،ألك حاجة فتقضى ؟ فقال لهم :بورك فيكم ،ما لي يديكم
حاجة ،فقالوا له :تمضي معنا إلى منازلنا ؟ فقال :بل أنزل عند من إليهم
قصدت ،ونحوهم أردت ،وبفنائهم أنخت ،وقد علمتم فضلي ،وقد جئتكم
احدثكم بما كان وما يكون إلهاما " ألهمني ال بالصواب ،وأنطقني
بالجواب ،فأين المتقدمون في العهد ومن لهم السابقة في الحمد والمجد ؟
لقد أردت أفضل قريش من بني عبد مناف ،فأنا لهم المبشر بالبشير النذير،
والقمر المستنير ،فقد قرب ما ذكرته ،فأين عبد المطلب وسللته الشبال،
فعظم ذلك على أبي جهل وتفرقوا ) (4عنه يمينا " وشمال " ،واتصل
الخبر إلى بني عبد مناف ،فجمع أبو طالب إخوته :عبد ال والعباس
وحمزة وعبد العزى ،وقال لهم :إن هذا القادم عليكم هو كاهن اليمن و
) (1منزلة خ ل (2) .المهمه :المفازة البعيدة .البلد المقفر (3) .في المصدر بعد
قوله :أموت :قال :ثم وطأله غلمه راحلته ،وسار حتى ادرك مكة ،فأتى،
به إلى الكعبة ،قال :فتسامعت به قريش فأتوا يهرعون إليه من كل جانب
ومكان ،فلما اجتمعوا حوله زعم أن رسول ال صلى ال عليه وآله فيهم
وقد ولد ،وكانت امه آمنة قد حملت به ،قال :فاقبلت إلى سطيح (4) .في
المصدر :ونفروا عنه.
] [ 306
وسيدها ،وكان قديما " ورد على أبيكم وأخبره بمولود يخرج من ظهره ،مبارك في
عمره ،يملك القطار ،ويدعو إلى عبادة الملك الجبار ) ،(1فساروا إليه،
وقال لهم :انكروه أنسابكم ،ول تعرفن ) (2أحسابكم ،ثم إن أبا طالب سار
في إخوته حتى وردوا إليه ،وكان في ظل الكعبة جالسا " ،والناس حوله )
،(3فلما نظر إليهم فرح بهم ،ثم دفع أبو طالب سيفه ورمحه إلى غلمه
وقال ) :(4هذه هدية مني إلى سطيح ،فإنه لواجب الحق علينا ،ثم انحرف
إليه من قبل أن يخبره غلمه ،فلما وصل إليه قال :حييت ) (5بالكرامة،
وخلدت في النعمة ،فإنا قد أتيناك زائرين ،ولواجب حقك غير منكرين )،(6
فقال سطيح :حييتم بالسلم ،وأتحفتم بالنعام ،فمن أي العرب أنتم ؟ فأراد
أبو طالب أن يعلم مقدار علمه ،قال :نحن قوم من بني جمح ،فقال سطيح:
ادن مني أيها الشيخ وضع يدك على وجهي ،فإن لي في ذلك حاجة ،فدنا
منه ،ووضع يده على وجهه ،فقال سطيح :وعلم السرار ،المحتجب عن
البصار ،الغافر للخطيئة ،وكاشف البلية إنك صاحب الذمم الرفيعة،
والخلق المرضية ،والمسلم إلى غلمي الهدية :قناة خطية ،وصفيحة )(7
هندية ،وإنكم لشرف البرية ،وإن لك ولخيك أشرف الذرية ،وإنك ومن
أتى معك من سللة هاشم الخيار ،وإنك لشك عم نبي المختار ،المنعوت
في الكتب والخبار ،فل تكتم نسبك فإني عارف بنسبكم ،فتعجب أبو طالب
من كلمه وقال له :يا شيخ لقد صدقت في المقال ،وأحسنت الخصال فنريد
أن تخبرنا بما يكون في زماننا،
) (1في المصدر بعد قوله :الجبار :فأراه قد قدم علينا ،فانطلقوا بنا إليه لنأخذ المر
منه على حقيقته ،فان يكن صادقا فقد استوجب الحسان ،وان يكن كاذبا
رميناه بالهوان ،ولكن انكروه أنسابكم ،ول تعرفوه أحسابكم (2) .ول
تعرفوه خ ل (3) .من حوله خ ل (4) .وقال له خ ل (5) .في المصدر:
جئت (6) .والواجب علينا إكرامك خ ل (7) .الصفيحة :السيف العريض.
] [ 307
وما يجري علينا ،فقال سطيح :والدائم البد ،ورافع السماء بل عمد ،الواحد الحد،
الفرد الصمد ،ليبعثن من هذا -وأشار إلى عبد ال -عن قريب المد ،نبي
يهدي إلى الرشد ،يدمر كل صنم ،ويهلك كل من لها عبد ،ل يرفع سيفه عن
أحد ،يدعو إلى عبادة ال الحد ،يعينه على ذلك معين ،هو ابن عمه له
قرين ،صاحب صولت عظام ،وضربات بالحسام ،أبوه لشك هذا -وأشار
بيده إلى أبي طالب -فقالوا له :يا شيخ نحب أن تصف لنا هذا النبي ،وتبين
لنا نعته ،فقال :اسمعوا مني كامل " صحيحا " ،سيظهر منكم عن قليل
شخص نبيل ،وهو رسول الملك الجليل ،وإن لسان سطيح عنه ) (1لكليل،
وهو رجل ل بالقصير اللصق ،ول بالطويل الشاهق ،حسن القامة ،مدور
الهامة ،بين كتفيه علمة ،على رأسه عمامة ،تقوم له الدعامة ) ،(2إلى
يوم القيامة ،ذلك وال سيد تهامة ،يزهر وجهه في الدجى ،وإذا تبسم
أشرقت الرض بالضيآء ،أحسن من مشى ،وأكرم من نشأ ،حلو الكلم،
طلق اللسان ،نقي زاهد ،خاشع عابد ،ل متجبر ول متكبر ،إن نطق أصاب،
وإن سئل أجاب ،طاهر الميلد ،برئ من الفساد ،رحمة على العباد ،بالنور
محفوف ،وبالمؤمنين رؤف ،وعلى أصحابه عطوف ،اسمه في التوراة
والنجيل معروف ،يجير الملهوف ،وبالكرامة موصوف ،اسمه في السماء
أحمد ،وفي الرض محمد صلى ال عليه وآله .فقال له ابو طالب :يا سطيح
هذا الشخص الذي ذكرت أنه يعينه ،ويقاربه في حسبه ونسبه انعته لنا كما
نعت لنا هذا ،فقال :إنه همام ،وليث ضرغام ،وأسد قمقام ،وقائد مقدام،
كثير النتقام ،يسقى كأس الحمام ،عظيم الجولة ،شديد الصولة ،كثير الذكر
في المل ،يكون لمحمد صلى ال عليه وآله وزيرا " ،ويدعى بعد ) (3موته
أميرا " ،اسمه في التوراة برءيا ،وفي النجيل إليا ) ،(4وعند قومه عليا،
ثم أمسك مليا " كأنه قد سلب عقله ،وهو متفكر في أمره ) ،(5والناس
ينظرون إليه ،ثم التفت إلى أبي طالب وقال:
) (1عن نعته خ ل ،وهو الموجود في المصدر (2) .تكون له الزعامة خ ل (3) .قبل
خ ل وهو الموجود في المصدر (4) .اديا خ ل وفي المصدر :اسمه في
التوراة :بريا وفي النجيل :أريا (5) .في فعله خ ل وهو الموجود في
المصدر.
] [ 308
أيها السيد رد يدك على وجهي ثانية ،ففعل أبو طالب ،فلما حس ) (1سطيح بيد أبي
طالب تنفس الصعداء ،وأن كمدا " ) (2وقال :يا أبا طالب خذ بيد أخيك عبد
ال ) (3فقد ظهر سعدكما ،فأبشرا بعلو مجدكما ،فالغصنان من شجرتكما،
محمد لخيك ،وعلي لك ،فبهت أبو طالب من كلمه ،وشاع في قريش ما
قاله سطيح ،فعند ذلك قال أبو جهل لعنه ال :معاشر الناس من قريش ليس
هذه ) (4بأول حادثة نزلت بنا من بني هاشم ،فقد سمعتم من سطيح من
ظهور هذا الرجل الذي يفسد أدياننا ،ومن يشاركه من ولد أبي طالب،
فبيناهم كذلك إذ جاء أبو طالب ووقف وسط الناس ونادى بأعلى صوته :يا
معاشر قريش اصرفوا عن قلوبكم الطيش (5) ،ول تنكروا ما سمعتم،
فنحن بالقدمة أولى ،وعلى ) (6يدنا نبعت زمزم ،وال ما سطيح بكاذب ،بل
إنه ) (7في كلمه لصائب ،وما نطق بكلمة إل ظهر برهانها ،أليس هو
القائل لكم بأنه يطلع عليكم ) (8سيف ل يترك منكم أحدا " في بلد اليمن،
فلم يكن إل كرقدة النائم ) ،(9وإذا قد ظهر ما قال ،وعن قليل سيظهر ما
ذكر على رغم من يعاديه ،ثم إن أبا طالب أمر بسطيح أن يرفع إلى منزله
فأكرمه وحباه وقربه ،وخلع عليه وكساه ،وباتت مكة تموج تلك الليلة،
فلما برق الصباح فأول
) (1في المصدر :أحس (2) .أن :صوت ل لم وتأوه .الكمد :الحزن والغم الشديد) .
(3وأشار إلى عبد ال خ ل وهو الموجود في المصدر (4) .في المصدر.
معاشر قريش ليس هذا (5) .الطيش :النزق والخفة .ذهاب العقل (6) .في
المصدر :فنحن أولى بالقدمة من كعبة ال ،ودفع الذى عن حرم ال،
وعلى أيدينا نبعت زمزم (7) .وإنه خ ل (8) .رجل اسمه خ ل وفي
المصدر :أليس هو القائل لكم :بين الحرمين لتطأ أرضكم رايات الجيش،
فما مضت أيام حتى رأيناها نزلت بنا وعايناها ؟ قالوا :صدقت ،قال :أو
ليس هو القائل لكم :بين الحرمين يطلع عليكم رجل اسمه سيف ل يترك
منهم أحد في بلد اليمن ،فلن يكون ال كعطفة حتى رأيتم ذلك ،وأورد
قومنا الهلك ،وعن قليل سيظهر اه .قلت :قوله :فلن يكون وقوله:
كعطفة لعله مصحف :فلم يكن وكغفوة النائم (9) .ال كغفوة النائم حتى
رأيتم ذلك خ ل.
] [ 309
من خرج إلى البطح أبو جهل ،ثم بعث عبيده إلى سادات قريش فقدموا عليه ،فلما
ارتفع النهار ضاق البطح من كل جانب ،فقام أبو جهل ونادى :يا آل
غالب ،يا آل طالب ،يا ذوي العل ) (1والمراتب ،أترضون لنفسكم أن
ترموا بالمناكب ،كما ذكر أبو طالب ؟ إن هذا من العجائب ،لنقل جلميد
الصفا إلى البحر القصى أيسر مما ذكر سطيح :أنه سيظهر من بني عبد
مناف نبي عن قليل ،يرمينا بالبوار والتنكيل ) ،(2تبا لكم إن كانت أنفسكم
بما ذكره راضية ،وإلى ما أخبر به واعية ) ،(3فإن رضيتم بذلك فمن الن
عليكم مني السلم ،وأنا راحل عنكم خارج عن أرضكم ،فمجاورة الترك )
(4أحب إلي من المقام عندكم ،ثم تركهم ومضى ،فضجت المحافل ،وبقي
البطح يموج بأهله ،فمضوا إليه وقالوا له :يا أبا الحكم أنت السيد فينا )
،(5وإن رأينا رأيك ،وأمرنا إليك ،فقال :إني أرى من الرأي أن تحضروا
منزل ) (6أبي طالب ،وتخاطبوه في قول هذا الكاهن ،لئل يكون سبب
العداوة بيننا وبينه ،فإما أن يسلم إلينا سطيحا " ،أو يخرجه من أرضنا،
فإن أبى كان السيف أمضى ،والموت أقضى ،وأنشد شعرا " :لضرب عنقي
بسيفي ،يا قوم عمدا " بكفي * وقطع أحجار أرض ،إلى قرار بخسف أولى
وأهون عندي ،من أن ارام بعسف فلما بلغ أبا طالب مقالة أبي جهل جمع
إخوته وأقاربه وقال :تجللوا بالسلح ،واستعدوا للكفاح ) ،(7وقال :إني
أرى دماء " قد غلت ،وآجال " قد قربت ،ثم سار
) (1هكذا في الكتاب ،ولعله مصحف العلء أو العلى (2) .في المصدر زيادة هي:
ويوعدنا بالذل الطويل (3) .داعية خ ل (4) .الشوك خ ل (5) .في
المصدر :من المقام في هذه الدار التى يحل لنا فيها الذلة والصغار
والقلة ،ثم تركهم ومضى إلى منزله ،وعزم على الرحيل ،قال :فقالوا :يا
أبا الحكم ما هذا الذى قد حولت ،والحال الذى عزمت ؟ فانت السيد فينا) .
(6مجلس خ ل وهو الموجود في المصدر (7) .الكفاح :المواجهة
للحرب.
] [ 310
حتى قدم البطح ،فشخصت إليهم البصار ،وخرست اللسن ،وجلس كل قائم هيبة
لبي طالب ) (1ثم تحظى القبائل ،حتى توسط الناس ،ثم رفع صوته وقال:
يا سكان زمزم والصفا ،وأبي قبيس وحرى ،من الثالب لبني عبد المطلب
منكم ؟ وإني اذكركم بهذا اليوم العبوس ) ،(2الذي تقطع فيه الرؤوس،
ويكون بأيدينا هذه النفوس ،وإني قائل لكم :وحق إله الحرم ،وبارئ النسم،
أني لعلم عن قليل ليظهرن المنعوت في التوراة والنجيل الموصوف
بالكرم والتفضيل ،الذي ليس له في عصره ) (3مثيل ،ولقد تواترت
الخبار ،أنه يبعث في هذه العصار ،رسول الملك الجبار ،المتوج بالنوار،
ثم قصد الكعبة وأتى الناس ورائه إل أبا جهل وحده ،وقد حلت به الذلة
والصغار ،والذل والنكسار ،فلما دنا أبو طالب من الكعبة قال :اللهم رب
هذه الكعبة اليمانية ،والرض المدحية ،والجبال المرسيه ،إن كان قد سبق
في حكمك ،وغامض علمك ،أن تزيدنا شرفا " فوق شرفنا ،وعزا " فوق
عزنا بالنبي المشفع الذي بشر به سطيح فأظهر اللهم يا رب تبيانه ،وعجل
برهانه ،واصرف عنا كيد المعاندين ،يا أرحم الرحمين .ثم جلس أبو طالب
والناس حوله فوثب إليه منبه بن الحجاج وكان جسورا " عليه ،فقام
وتطاولت الناس تنظر ما يقول له ،فنادى برفيع صوته :يا أبا طالب ظهرت
عزتك ،وأنارت طلعتك ،وابتهج شكرك ) (5بالكرم السني ،والشرف العلي،
وقد علمت رؤساؤكم من القبائل وأهل النهى والفضائل ،أنكم أهل الشرف
الصيل ،وأنت سيد مطاع قاهر،
) (1في المصدر :فعندها خرس كل فصيح ،وجلس كل قائم ،واستوى كل نائم ،هيبة
لبي طالب (2) .في المصدر :ومن منكم الثالب ،لبنى عبد المطلب ذى
المكرمات والمناقب ؟ حتى أجلله الويل والحزن ،وأما أنا ل أعرف من
امه وأبيه حين أنكره وأحجده ،وأنا اذكركم بيوم عبوس (3) .في عصرنا
خ ل وهو الموجود في المصدر (4) .في المصدر :ثم تركهم وهم خمود،
كأنهم من أوس وقرود ،لم يجرء يرد عليه أحد منهم جوابا ،ول تشافهه
خطابا ،ثم قصد ) (5ذكرك خ ل.
] [ 311
ولكن ليس لمثلك أن يسمع ما قاله كاهن ،وأنت تعلم أنهم أوعية الشيطان ،يأتون
بالكذب والبهتان ،فلعلك أن تصيره ) (1إلينا ولعله يظهر شيئا " مما قاله،
فإن النبوة لها دلئل وآثار ،ل تخفى على العاقل ،فأمر أبو طالب أن يحضر
سطيح ،فلما وضعوه على الرض نادى سطيح :يا معاشر قريش لقد أكثرتم
الختلف ،وزادت قلوبكم بالرتجاف ) ،(2بذيتم بألسنتكم على آل عبد
مناف ،تكذبونه فيما نطق ،وتلومونه إذا صدق ) ،(3وقد أرسلتم إلي
تسألوني عن الحال الظاهر ،وعن أمر النبي الطاهر ،صاحب البرهان،
وقاصم الوثان ،ومذل الكهان ،وأيم ال ما فرحنا بظهوره ،لن الكهانة عند
ولدته تزول ،ولكني أقول :إذا كان ذلك فل خير لسطيح في الحياة ،وعندها
يتمني الوفاة ،فإنه قد قرب ) ،(4فأتوني بامهاتكم ونسائكم لترون العجب
العجيب ،الذي ليس فيه تكذيب ،حتى أوقفكم هذه الساعة ،وأعرفكم أيتهن
الحامل به ،فقالوا له :أتعلم الغيب ؟ قال :ل ،ولكن لي صاحب من الجن
يخبرني ويسترق السمع ،ثم إن القوم افترقوا إلى منازلهم ،وأتوا بنسائهم،
ولم تبق واحدة من النساء إل جاؤا بها ،فأقبل أبو طالب وقال لخيه :أمسك
زوجك ول تحضرها ،وأمسك هو زوجته فاطمة رضي ال عنها وأقبلت
النسوان جمع ،فنظر إليهن ،ثم قال اعزلوا النساء عن الرجال ،ثم أمر
النساء أن يتقدمن إليه ،فجعل سطيح ينظر إليهن بعينه ول يتكلم ،قالوا له:
خرس لسانك ،وخاب ظنك ،فقال :وال ما خاب ظني ،ورفع رأسه وطرفه
إلى السماء ،وقال :وحق الحرمين لقد تركتم من نسائكم اثنتين ،الواحدة
منهن الحامل بالمولود الهادي إلى الرشاد محمد ،والخرى ستحمل عن
قريب ،وتلد غلما أمينا " يدعى بأمير المؤمنين ،وسيد الوصيين ،ووارث
علوم النبياء والمرسلين ،فلما سمع العرب منه ذلك دهشوا وخابوا،
وانطلق أبو طالب إلى منزله وعنده إخوته ،وأتى بزوجته فاطمة بنت أسد،
وآمنة زوجة أخيه عبد ال ،فلما وصلتا بجمع الناس ) (5من النساء صاح
سطيح بأعلى صوته،
) (1في المصدر تحضره .وفيه :ولعله يظهر شيئا نستدل به على صدقه (2) .في
قلوبكم الرتجاف خ ل قلت :بذى عليه :تكلم بالفحش (3) .في المصدر:
تكذبوه فيما صدق ،وتلومونه فيما نطق (4) .في المصدر :مولده عن
قريب يكون (5) .إلى مجمع النساء خ ل.
] [ 312
وجعل يبكى ويقول :يا ذوي الشرف ،هذه وال الحاملة بالنبي المختار رسول ال
صلى ال عليه وآله ،فلما دنت آمنة منه قال لها :ألست حاملة ؟ قالت :نعم،
فالتفت عند ذلك إلى قريش ،وقال الن شهد قلبي ،وثبت لبي ،وصدقني
صاحباي ) ،(1هذه سيدة نساء العرب والعجم ،وهي الحامل بأفضل المم،
ومبيد كل وثن وصنم ،يا ويح العرب منه ،قد دنا ظهوره ،ولح نوره،
وكأني ) (2أرى من يخالفه قتيل ،وفي التراب جديل ) ،(3وطوبى لمن
صدق منكم بنبوته ،وآمن برسالته ،ثم طوبى له قد أخذ الرض ،ورجعت له
بالمن طولها والعرض ) ،(4ثم التفت إلى فاطمة وصاح صيحة ،وشهق
شهقة ،وخر مغشيا " عليه ،فلما أفاق من غشيته انتحب وبكى ،وقال
بأعلى صوته :هذه وال فاطمة بنت أسد ،ام المام الذي يكسر الصنام )
،(5وهو المير الذي ليس في عقله طيش ،قاتل الشجعان ،ومبيد القران،
الفارس الكمي ،والضيغم القوي ،المسمى ) (6بأمير المؤمنين علي ،ابن
عم النبي عليهما أفضل الصلة والسلم ،آه ثم آه ،كم ترى عيني من بطل
مكبوب .وفارس منهوب ،فلما سمع قريش كلم سطيح وثبوا عليه
بالسيوف ليقتلوه ،فمنعهم بنو هاشم وجميع قريش ) ،(7ونادى أبو جهل
لعنه ال :افسحوا لي عن هذا الكاهن ،فلبد لنا من قتله حتى نشتفي منه،
وإن حلتم دونه لجعلن لكم الدمار ،ولردنكم البوار ) (8فالتفت أبو طالب
إليه
) (1صاحبي خ ل م وهو الموجود في المصدر (2) .في المصدر :يا ويح العرب،
من شدة قد دنا أو آن ظهور محمد المين ،يدعو إلى دين رب العالمين،
وكأني اه (3) .هكذا في النسخة ،وفي المصدر :جليل ولعله أظهر ،وهو
من جلل الشئ ،غطاه .وزاد في المصدر :إني أرى أن عزكم يزول،
شرفكم يحول ،فطوبى اه (4) .في المصدر مكان قوله :ثم طوبى )إلى(
والعرض :ثم طوبى له فلقد أخذ بالمر الوثيق ،ونجا من كل ضيق(5) .
في المصدر هنا زيادة هي :ويبيد الوثان (6) .الموجود في المصدر
هكذا :وهو المين الذى لفى عقله طيش ،يخرب أطللكم ،وييتم أطفالكم،
سيفه في رؤوسكم مغمود ،وشره عنكم غير مردود ،قاتل الشجعان،
المسمى بعلى (7) .في المصدر :واجتمع قريش (8) .لنعجلن بكم الدمار،
ولنوردن عليكم البوار خ ل قلت :والمصدر خال عنه وعما في الصلب.
] [ 313
وقال له :ويحك يا أخس العرب وأذلها ،إني أراك تحب فراق العشيرة ،مثلك من
يتكلم بهذا الكلم وأنت أخس اللئام ) (1؟ ثم عاجله بضربة ،وحالوا بينه
وبينه فلحقه بعض السيف فشجه شجة موضحة ) ،(2وصار الدم يسيل
على وجهه ،فنادى أبو جهل :يا آل المحافل ،ورؤساء القبائل ،أترضون أن
تحملوا العار ،وترموا بالشنار ،اقتلوا سطيحا " وآمنة وفاطمة بنت أسد
وبني هاشم جميعا " ،واخمدوا نارهم ،واطفؤا شرارهم ،فحمل قريش
بأجمعهم على سطيح ،ولم يكن لبني هاشم طاقة ،فالتجأت النساء بالكعبة،
وثار الغبار ،وطار الشرار ،وكثرت الزعقات ) ،(2وارتجت الرض بطولها
والعرض .ويروى عن آمنة ام النبي صلى ال عليه وآله قالت :حين رأيت
السيوف قد دارت حولي ذهلت في أمري ،والقوم يريدون قتلي ،فبينا أنا
كذلك إذ اضطرب الجنين في بطني ،وسمعت شيئا " كالنين ،وإذا بالقوم قد
صيح بهم صيحة من السماء ،وصرخ بهم صارخ من الهواء ،فذهلت
العقول ،وسقطت الرجال والنساء على الوجوه صرعى ،كأنهم موتى ،قالت
آمنة :فرفعت بصري نحو السماء فرأيت أبواب السماء قد فتحت ،وإذا أنا
بفارس في يده حربة من نار ،وهو ينادي ويقول :ل سبيل لكم إلى رسول
الملك الجليل ،وأنا أخوه جبرئيل ،قالت :فعند ذلك سكن قلبي ،ورجع إلي
جناني ،وتحققت دلئل النبوة لولدي محمد صلى ال عليه وآله ،ثم انصرفنا
إلى منازلنا ،وأقبل أبو طالب آخذا بيد أخيه عبد ال ،وجلسا بفناء الكعبة
يهنئان أنفسهما بما رزقا من الكرامة والنصر ،والقوم صرعى ،فلبثوا كذلك
ثلث ساعات من النهار ،ثم قاموا كأنهم سكارى ،ثم تقدم منبه بن الحجاج،
ووقف إلى جانب أبي طالب ،وقال :إنك لم تزل عاليا " في المراتب ولمن
ناواك غالبا " لكن نريد منك أن تصرف عنا سطيحا " ،فإن كان ما تكلم به
صحيحا " فنحن أولى بأن نعاضده ،وأنشأ يقول :أبا طالب إنا إليك عصابة
* لنرجوك فارحم من أتى لك راجيا " ونحن فجيران لكم ومعاضد * على
كل من أضحى وأمسى معاديا
) (1في المصدر :أخس النام (2) .أي جرحه جراحة كشف عظم رأسه(3) .
الزعقة :الصيحة.
] [ 314
أبا طالب حييت بالرشد ) (1والحبا * ووقيت ريب الدهر ما دمت باقيا فإن كان رب
العرش يرسل منكم * إلينا رسول وهو للحق هاديا ) (2فنحن لنرجو أحمدا
" في زماننا * نجالد عنه بالسيوف العاديا ) (3أبا طالب فاصرف سطيحا
" فإنه * أتى منه آت بالذى والدواهيا ودع عنك حرب الهل والطف تكرما
* ول تتركن الدم في الرض جاريا فرق أبو طالب رحمة " لقريش ،وقال:
حبا " وكرامة " ،سأصرفه عنكم إذا كرهتموه ولكن سوف تعلمون صحة
ما ذكر لكم ،ثم أمر بسطيح أن يحضر ،فلما حضر قال :أتدري لماذا
أحضرتك ؟ فقال :نعم ،لقد سألوني ) (4الخروج عن مكانهم )،(5
والنتزاح عن بلدهم ،وأنا عازم ) ،(6ثم قال :إذا ظهر فيكم البشير النذير
فاقرأوه مني السلم الكثير ،وقولوا له :إن سطيحا " أخبرنا بخروجك
فكذبناه ،ومن جوارك طردناه ،وستأتيكم مبشرة عندها من العلم أكثر مما
عندي ،ول شك أنها قد دخلت بلدكم ،وحلت بساحتكم ،ثم إن سطيحا "
عزم على الخروج ،ورفعوه على بعيره ،وأحاط به بنو هاشم ليودعوه،
فبينما هم كذلك إذ أشرفت راحلة تركض براكبها ،والغبار يطير من تحت
أخفافها ) (7فنظر إليها عمرو بن عامر وقال :يا سادات مكة أتتكم الداهية
الدهيآء زرقاء اليمامة بنت مرهل ) ،(8كاهنة اليمامة ،فما استتم كلمه
وإذا بها قد صارت في أوساطهم ،ونادت بأعلى صوتها:
) (1جللت بالرفد خ ل (2) .داعيا خ ل (3) .المواضيا خ ل (4) .سألتموني خ ل.
وفي المصدر :تسألونى الخروج عن مكانكم (5) .مكانكم خ ل (6) .عن
بلدكم ،وأنا على ما اردتموه عازم خ ل وهو الموجود في المصدر(7) .
في المصدر بعده :فتطاول إليها العناق ،وشخصت إليها الحداق ،فكان
أول من أتاها أبو قحافة عمر بن عامر ،فلما نظرها عرفها ،ونادى يا أهل
البطح وسادات الحرم أتتكم إه قلت :فيه وهم ،لن ابا قحافة اسمه
عثمان ،واسم أبيه عامر ،واسم جده عمرو فالصحيح :أبو قحافة بن
عامر بن عمرو ،أو كلمة أبو قحافة زائدة (8) .مرقل خ ل.
] [ 315
يا معاشر قريش حييتم بالكثار ،وعمرت بكم الديار ،فإني فارقت أهلي وخرجت من
أوطاني ،وجعلت قصدي إليكم لخبركم عن أشياء قد دنت وقربت ،وسوف
يظهر في دياركم عن قريب العجب العجيب ،فإن أذنتم لي بالنزول نزلت،
وإن أحببتم الرحيل رحلت ،ثم قالت شعرا " :إني لعلم ما ياتي من العجب
* بأرضكم هذه يا معشر العرب لقد دنا وقت مبعوث لمته * محمد
المصطفى المنعوت في الكتب فعن قليل سيأتي وقت بعثته * يرمي معانده
بالذل والحرب يدعو إلى دين غير اللت مجتهدا " * ول يقول بأصنام ول
نصب وقد أتيت لخبركم ببينة * مما رأيت من النوار والشهب عما قليل
ترى النيران مضرمة ) * (1ببطن مكة ترمي الجمع باللهب فإن أذنتم وإل
رحت راجعة * وتندمون إذا ما جاء بالعطب وآخر بذباب ) (2السيف
يعضده * قرن يدانيه في الحساب والنسب فلما سمع قريش كلمها
وشعرها أمروها بالنزول ،فنزلت ،وقالوا :هل تنطق بما نطق به سطيح أم
ل ؟ فقال لها عتبة ) :(3ما الذي راع سيدة اليمامة ؟ هل لك من حاجة
فتقضى ؟ فقالت :إني لست ذات فقر ول إقلل ،ول محتاجة ،إلى رفد ول
مال ،بل جئتكم ببشارة ابشركم ،وحذر احذركم ،وليست البشارة لي ،بل هي
وبال علي ) ،(4فقال عتبة :يا زرقاء وما هذا الكلم ؟ أراك توعدين نفسك
وإيانا بالبوار والدمار ،فقالت :يا أبا الوليد ،ومن هو بالمرصاد ،ليخرجن
من هذا الواد ،نبي يدعو إلى الرشاد ،وينهى عن
) (1ضارمة خ ل قلت :ضرم النار :اشتعلت .وأضرم النار :أوقدها وأشعلها.
وألهبها (2) .ذباب السيف :طرفه الذى يضرب به (3) .في المصدر :قال:
فلما سمعوا قولها أمروها بالنزول والجلوس عندهم ،ليعلموا ما عندها،
ويتحققون علمها ،وهل تنطق بمثل ما نطق به سطيح أم ل ،فقالوا :أيتها
الزرقاء انزلى عندنا بالرحب والسعة ،فنزلت عن البعير ،وجلست في
أوساطهم ،فقال لها عتبة بن ربيعة (4) .في المصدر :وبال على وعليكم،
وهلكي وهلك من كان مثلى.
] [ 316
الفساد ) ،(1نوره في وجهه يتردد ،واسمه محمد عليه أفضل الصلة والسلم ،كأني
به عن قريب يولد ،يساعده على ذلك مساعد ،ويعاضده معاضد ،يقاربه في
الحسب ،ويدانيه في النسب ،مبيد القران ،ومجدل الشجعان ،أسد ضرغام،
وسيف قصام ،جسور في الغمرات ،هزبر في الفلوات ،له ساعد قوي،
وقلب جرئ ،واسمه أمير المؤمنين علي ،ثم قالت :آه ثم آه ،من يوم
سألقاه ،وأعظم ) (2مصيبتاه ستكون لي قصة عجيبة ،ومصيبة وأي
مصيبة ،فلو أردت النجاة سارعت إلى إجابته ،وتركت ما أنا عليه من
مكائدته ،ولكن أرى خوض البحار ،والعرض على النار أيسر من الذل )(3
والصغار ،ول أنا شارية ) (4بعزي ذل " ،ول بعلمي جهل " ،ثم أنشأت
تقول :ذوي القبائل والسادات ويحكم * إني أقول مقال " كالجلميد لو كنت
من هاشم أو عبد مطلب * أو عبد شمس ذوي الفخر الصناديد أو من لوي
سراة الناس كلهم * ذوي السماحة والفضال والجود أو من بني نوفل أو
من بني أسد * أو من بني زهرة الغر الماجيد لكنت أول من يحظى )(5
بصاحبكم * إذا جرى ماؤه في يابس العود لكن أرى أجلي قد حان مدته *
لما دنا مولد يا خير مولود ثم قالت :هيهات ،ل جزع مما هو آت )،(6
وخالق الشمس والقمر ،ومن إليه مصير البشر ،لقد صدقكم سطيح الخبر،
فلما سمعوا ما قالت حاروا ،ثم نظرت إلى أبي طالب وأخيه عبد ال ،وكانت
عارفة بعبدال قبل ذلك ،لنه كان مسافرا " إلى نحو اليمن قبل أن
) (1في المصدر بعده ،ويقتل العادي ،سفاك الدماء ،نوره يتجدد ،ونور أعدائه
يخمد ،نوره في وجهه يتردد (2) .يا أعظم خ ل ،وفي المصدر :ومن
عظم (3) .في المصدر :ولكن أرى خوض البحار ونقل الحجار والتلوح
على النار أيسير عن الذل (4) .مشترية خ ل (5) .أي أول من ينال منه
حظا (6) .دهر يحول ،وميت ومقتول خ م.
] [ 317
يتزوج بآمنة بنت وهب ،وكان نور النبي صلى ال عليه وآله في وجهه ،وأن
الزرقاء نظرت إليه وقد نزل بقصر من قصور اليمامة ،وذهب أبوه عبد
المطلب في حاجة وتركه عند متاعه وسيفه عند رأسه ،فنزلت الزرقاء
مسرعة ،وفي يدها كيس من الورق ،فوثبت عليه ) (1ثم قالت له :يا فتى
حياك ال بالسلم ،وجللك بالنعام ،من أي العرب أنت ؟ فما رأيت أحسن
منك وجها " ،قال :أنا عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف،
سيد الشراف ،ومطعم الضياف ،سادات الحرم ،ومن لهم السابقة في
القدم ،فقالت :فهل لك يا سيدي من فرحتين عاجلتين ؟ قال :وما هما ؟
قالت :تجامعني الساعة ،وتأخذ هذه الدراهم ،وأبذل لك مأة من البل محملة
تمرا " وبسرا " وسمنا " ،فلما استتم كلمها قال :إليك عني ،فما أقبح
صورتك يا ويلك ) ،(2أما علمت أنا قوم ل نركب الثام ) ،(3اذهبي،
وتناول سيفا " كان عنده فانهزمت ورجعت خائبة ،فأقبل أبوه فوجده
وسيفه مسلول وهو يقول شعرا " :أنرتكب الحرام بغير حل * ونحن ذووا
المكارم في النام إذا ذكر الحرام فنحن قوم * جوارحنا تصان عن الحرام
فقال له أبوه :يا ولدي ما جرى ) (4عليك بعدي ؟ فأخبره بخبره ،ووصف
له صفاتها فعرفها ،وقال له :يا بني هذه زرقاء اليمامة ) ،(5قد نظرت إلى
النور الذى في وجهك يلوح ،فعرفت أنه الشرف الوكيد ،والعز الذى ل يبيد،
فأرادت أن تسلبه منك ،والحمد ل الذي عصمك عنها ،ثم رحل به إلى مكة،
وزوجه بآمنة بنت وهب ،فلما رأته الزرقاء عرفته ،وعلمت أنه تزوج،
فقالت :ألست صاحبي باليمامة في يوم كذا ؟ قال لها:
) (1فوقفت عنه رأسه خ ل (2) .في المصدر :اليك عنى ،فما أشر غرتك ،وأقبح
طلعتك وخطابك ؟ مالك ولهذا الكلم ؟ أما علمت (3) .في المصدر زيادة
هي :ول نحب الحرام ،اذهبي بالذلة والرغام ،إنى أظنك من نسل اللئام،
فقالت له :يا هذا انى أزيد لك المال النوال )كذا( ،وأبذل لك النوال ،قال:
فلما سمع كلمها وأنها ل تنتهى عماهى عليه قبض على سيفه ،وهم أن
يضربها به فوثبت هاربة ،ورجعت خائبة (4) .وما خ ل ،وفي المصدر:
فما جرى لك من بعدي ؟ ) (5في المصدر :كاهنة اليمامة.
] [ 318
نعم ،فل أهل " بك ول سهل " ،يا ابنة اللخناء ) ،(1قالت :أين نور الذى كان في
غرتك ؟ قال :في بطن زوجتي آمنة بنت وهب ،قالت :ل شك أنها لذلك أهل،
ثم نادت برفيع صوتها :يا ذوي العز والمراتب إن الوقت متقارب ،وإن
المر لواقع ،ما له من دافع ،فتفرقوا عني ،فقد جاء المساء ،وفي الصباح
يسمع مني الخبار ،وأوقفكم على حقيقة الثار ،فتفرقوا عنها .قال :فلما
مضى من الليل شطره مضت إلى سطيح ،وقد خرج من مكة فقالت له :ما
ترى ؟ قال :أرى العجب ،والوقت قد قرب ،وحدثها بما قد جرى من قريش،
قالت له :ما تشير به علي ؟ قال لها :أما أنا فقد كبر سني ولول خيفة العار
لمرت من يريحني من الحياة ،ولكني سأذهب إلى الشام ،واقيم بها حتى
يأتيني الحمام ،فإنه ل طاقة لي به ،فإنه المؤيد المنصور ،ومن يعاديه
مقهور ،قالت :يا سطيح وأين أعوانك ؟ لم ل يساعدونك على هذا المر ،و
يعينونك على هلك آمنة قبل أن يخرج من الحشاء ؟ قال لها :يا زرقاء
وهل يقدر أحد أن يتعرض لمنة ،فإن من تعرض لها عاجله التدمير ،من
اللطيف الخبير ،أما أنا وأصحابي فل نتعرض لها ،والن أنصحك ،فإياك أن
تصلي إلى آمنة ،فإن حافظها رب السماوات والرض ،فإن لم تقبلي،
نصيحتي فدعيني وما أنا عليه ،فلعلي ) (2أموت الليلة أو غدا " ،فلما
سمعت مقالته أعرضت عنه ،وباتت ليلتها ساهرة ،فلما أصبح الصباح
أقبلت إلى بني هاشم ،وقالت :أنعم ال لكم الصباح ،لقد أشرفت بكم المحافل
) ،(3ووفقتم ،إذ ظهر فيكم المنعوت في التوراة والنجيل والزبور
والفرقان ،فياويل من يعاديه )،(4
) (1بعده في المصدر :قالت :فما فعل النور الذى كان في وجهك ،فقال :جزاك ال،
ان أبى زوجني بآمنة بنت وهب ،وانتقل النور إليها ،وانها لذلك أهل،
فقالت :صدقت ،ول شك فيما ذكرت ،فنادت بأعلى صوتها (2) .في
المصدر :فل نتعرض لهذا المر ،ل ننا ل نقدر عليه ،ول نجد فيه حيلة،
والن قد أعلمتك ونصحتك ،فاقبلي نصيحتي ،فانك ل تصلين إلى آمنة
وحافظها ربها ،ول يقدر عليها أحد ،فان لم تقبلي نصيحتي فدعيني وما
أنا عليه من البل ،وضعف القوى ،فلعلي إه (3) .البطاح خ ل فقلت:
البطاح جمع البطحاء (4) .عائدة خ ل.
] [ 319
وطوبى لمن اتبعه ) ،(1فلم يبق أحد من بني هاشم إل فرح بما ذكرت الزرقاء،
ووعدوها بخير ) ،(2فقالت لهم :لست محتاجة إلى مال ول رفاد ،ولكن
ماجئت من القطار إل لخبركم بحقيقة الخبار ) ،(3فقال أبو طالب :قد
وجب حقك علينا ،فهل لك من حاجة ؟ قالت :نعم ،اريد أن تجمع بيني وبين
آمنة حتى أتحقق ما اخبركم به ،قال :سمعا " وطاعة " ،فجاء بها إلى
منزل آمنة ،فطرق الباب ،فقامت آمنة لفتح الباب فلح من وجهها نور
ساطع ،وضيآء لمع فسقطت ) (4الزرقاء حسدا " ،وأظهرت تجلدا "،
فلما دخلت المنزل أتوها بطعام فلم تأكل ،وقالت :سوف يكون لمولود كم
هذا عجب عجيب ،وسوف تسقط الصنام ،وتخمد الزلم ،وينزل على
عبادها الدمار ،ويحل بهم البوار ) ،(5ثم إنها خرجت من المنزل متفكرة
في قتل آمنة ،وكيف تعمل الحيلة ،وجعلت تتردد إلى سطيح وتطلب منه
المساعدة ،فلم يلتفت إليها ول إلى قولها ،فأقبلت حتى نزلت على امرأة من
الخزرج اسمها تكنا ) ،(6وكانت ما شطة لمنة ،فلما كان في بعض الليالي
استيقظت تكنا فرأت عند رأس الزرقاء شخصا " يحدثها ،ويقول :كاهنة
اليمامة * جاءت بذي تهامة
) (1لمن اتبعه وعاضده خ ل .وفي المصدر :طوبى لمن تبعه وعاضده ،والويل لمن
خالفه وعانده (2) .في المصدر :بما قالت الزرقاء ووعدها خيرا (3) .في
المصدر :فقالت لهم :ما أنا ذات فقر ول إملق ،وإني لكثير المال ،جاهى
طويل ،ومالى جزيل ،وما أزعجني عن الوطان واتاني إلى هذا المكان ال
أبشركم (4) .فتقطعت خ ل وفي المصدر :فقطعت (5) .في المصدر :فلما
دخلت المنزل واستقربها الجلوس أتوها بالطعام فأبت أن تأكل ،وقال ما
آكل زادكم ،ول أخرج من بلدكم حتى أنظر ما يكون من ولدكم ،وسترون
ما يظهر عند مولده من العجائب ،من سقوط الصنام ،وما ينزل بمعاديه
من الدمار (6) .هكذا في النسخة .وفي المصدر ،وكذا فيما يأتي،
والصحيح تكنى ،قال الفيروز آبادي :تكنى بالضم :اسم امرأة.
] [ 320
ستدرك الندامة * إذا أتاها من له العمامة ) (1فلما سمعت الزرقاء ذلك ،وثبت
قائمة ،وقالت له :لقد كنت صاحب الوفاء ،فلم حبست نفسك عني هذه
المدة ،فإني في هموم متواترات ،وأهوال وكربات ،فقال لها :يا ويلك يا
زرقاء لقد نزل بنا أمر عظيم ،لقد كنا نصعد إلى السماء السابعة ،ونسترق
السمع ،فلما كان في هذه اليام القليلة طردنا من السماء ،وسمعنا مناديا "
ينادي في السماوات :إن ال قد أراد أن يظهر المكسر للصنام ،ومظهر
عبادة الرحمن ،فامتنعوا جملة الشياطين من السماء ،وتحدرت علينا
ملئكة بأيديهم شهب من نار ،فسقطنا كأننا جذوع النخل ،وقد جئتك
لحذرك ،فلما سمعت كلمه قالت له :انصرف عني ،فلبد أن أجتهد غاية
المجهود ،في قتل هذا المولود ،فراح عنها ) (2وهو يقول :إني نصحتك
بالنصيحة جاهدا " * فخذي لنفسك واسمعي من ناصح ل تطلبي أمرا "
عليك وباله * فلقد أتيتك باليقين الواضح هيهات أن تصلى إلى ما تطلبي *
من دون ذلك عظم أمر فادح ) (3فال ينصر ) (4عبده ورسوله * من شر
ساحرة وخطب فاضح عودي إلى أرض اليمامة واحذري * من شر يوم
سوف يأتي كادح ثم إنه طار عنها ،وتكنا ) (5تسمع ما جرى بينهما،
وكأنها لم تسمع ما جرى،
) (1الشعر في بعض النسخ هكذا .أمامة جاءت من اليمامة * أزعجها ذوهمة
وهامة لما رأت النور على أمامه * ذاك ل ظهار النبي علمة محمد
الموصوف بالكرامة * ستدرك الزرقاء به ندامة لهفى على سيدة اليمامة
* إذا أتاها صاحب الغمامة وفي بعض النسخ صاحب العلمة .منه رحمه
ال .قلت :والشعار ساقطة عن نسختي من المصدر ،وكذا جملة مما
بعدها إلى قوله :فقالت :يا اختاه (2) .أي ذهب ورجع عنها (3) .الفادح:
الصعب المثقل (4) .يحفظ خ ل (5) .الصحيح :تكنى كما تقدم.
] [ 321
فلما أصبحت جلست بين يدي الزرقاء فقالت :ما لي أراك مغمومة ؟ قالت لها :يا
اختاه إن الذي نزل بي من الهموم والغموم لخروجي من الوطان ،وذهابي
من البلدان ،وتشتتي في كل مكان ،وتفردي عن الخلن ،قالت لها :ولم ذلك
؟ قالت لها :يا ويلك من حامل مولود ) ،(1يدعو إلى أكرم معبود ،يكسر
الصنام ،ويذل السحرة والكهان ،يخرب الديار ،ول يترك بمكة أحدا " من
ذوي البصار ،وأنت تعلمين أن القعود ) (2على النار ،أيسر من الذل
والصغار ،فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له المنا ،وأعطيته
الغنا ) ،(3وعمدت إلى كيس ) (4كان معها فأفرغته بين يدي تكنا )،(5
وكان مال " جزيل " ،فلما نظرت تكنا ) (6إلى المال لعب بقلبها ،وأخذ
بعقلها ) ،(7وقالت لها :يا زرقاء لقد ذكرت أمرا " عظيما " ،وخطبا "
جسيما " ،والوصول إليه بعيد ،وإني ماشطة لجملة نساء بني هاشم ،ول
يدخل عليهن غيري ،ولكن سوف افكر لك فيما ذكرت ،وكيف اجسر على
ما وصف ،والوصول إلى ما ذكرت ،قالت الزرقاء :إذا دخلت على آمنة
وجلست عندها فاقبضي على ذؤائبها ،واضربيها بهذا الخنجر ،فإنه
مسموم ،فإذا اختلط الدم بالسم هلكت ،فإذا وقع عليك تهمة ،أو وجب عليك
دية فأنا أقوم بخلصك ،وأدفع عنك عشر ديات غير الذي دفعته إليك في
وقتي هذا ،فما أنت قائلة ؟ قالت :إني اجبتك ،لكن اريد منك الحيلة بأن
تشغلي بني هاشم عني ،قالت الزرقاء :إني هذه الساعة ) (8آمر عبيدي أن
يذبحوا الذبائح ،ويعملوا الخمور ،ويطرحوها في الجفان ،فإذا أكلوا
وشربوا من ذلك ظفرت بحاجتك ،قالت لها تكنا ) :(9الن تمت الحيلة،
فافعلي ما ذكرت ،فصنعت
) (1من حاملة بمولود خ ل ،وفي المصدر :من جهة مولود (2) .التلوح خ ل وهو
الموجود في المصدر (3) .في المصدر :بذلت له الغنا ،وأعطيت المنا.
قلت في عبارة الكتاب ومصدره تصحيف ،والصحيح :المنى ،والغنا اما
مصحف الغناء أو الغنى (4) .في المصدر :إلى مزود ،قلت :المزود :ما
يوضع فيه الزاد 5) .و (6قد عرفت أن الصحيح :تكنى (7) .أخذ
الشيطان بقلبها خ ل وفي المصدر :لما نظرت تكنى إلى المال أخذ لبها
وعقلها (8) .اريد هذه الساعة خ ل (9) .قد عرفت ان الصحيح :تكنى.
] [ 322
) (1أن ينادوا خ ل (2) .وأن يجمعوا خ ل (3) .هو وما قبله مصحف ،والصحيح:
تكنى (4) .في المصدر :فلما رأتها آمنة رحبت بها (5) .في المصدر :وما
تعودت منك هذا الجفاء (6) .في المصدر :ول أجد ما أتقرب إلى بعلك ال
بزينتك ،لما أعلم به من محبتك ،هلمى (7) .كان قد خ ل (8) .أي ما
أصابك من داهية ؟ (9) .ل تلممنى خ ل.
] [ 323
بتكنا ) (1ميتة ،وقد تجلل نور آمنة ،ونظروا إلى الخنجر ،وحكوا ) (2لهم القصة،
فخرج أبو طالب ينادي :أدركوا الزرقاء وقد وصلها الخبر ،فخرجت هاربة
فتبعها الناس من بني هاشم وغيرهم فلم يدركوها ولم يلحقوها ،فسمع أبو
جهل ذلك فقال :وددت أنها قتلت آمنة ،ولكن حاد عنها أجلها ،وأرجوا
بسطيح أن يعمل أحسن مما عملت الزرقاء ،فلما سمع سطيح بخبر الزرقاء
أمر غلمانه أن يحملوه على راحلته ،وسافر إلى الشام ) .(3فلما ولد رسول
ال صلى ال عليه وآله لم يبق صنم إل سقط ) .(4وغارت بحيرة ساوة،
وفاض وادي سماوة ،وخمدت نيران فارس ،وارتج إيوان كسرى وهو
جالس ،ووقع ) (5منه أربع عشرة شرفة ،فلما أصبح كسرى نظر إلى ذلك
وهاله ،فدعا ) (6بوزرائه وقال لهم :ما هذا الذي حدث في هذه البلد ؟
فهل عندكم من علم ؟ فقال المؤبذان :أيها الملك العظيم الشأن لقد رأيت إبل
" صعابا " تقودها ،خيل عراب ،وقد خاضت في الوادي ،وانتشرت في
البلد ،وماذاك إل لمر عظيم ،فبينما هم كذلك إذا ورد عليهم كتاب بخمود
النيران كلها ،فزادهم هما " وغما " ،ثم أتاه بعد ذلك خبر البحيرة والوادي
) ،(7فأقبل على المؤبذان فقال :إنا ل نعلم أحدا " من العلماء نسأله )(8
عن ذلك ،فقال المؤبذان :إنا نكتب إلى النعمان بن المنذر كتابا " لعله
يعرف أحدا " يعلم ذلك ،فكتب إلى النعمان كتابا " فأرسل إليه رجل اسمه
عبد المسيح ،وكان ابن اخت سطيح ،فقال له كسرى :هل عندك علم مما
أريد أن أسألك عنه ؟ فقال :ل ،ولكن لي خال اسمه سطيح ،يسكن في
مشارف الشام ،يعرف خبرك ،ويعرف ما تريد ،فقال له كسرى :اخرج إليه
واسأله عما اريد أن أسألك عنه،
) (1تقدم مكررا أن الصحيح :تكنى وكذا فيما قبلها (2) .وحكين خ ل صح(3) .
حتى لحق بها خ (4) .في المصدر :ال وأصبح مكبوبا على وجهه(5) .
في المصدر :وانشق ووقع (6) .في المصدر :فهاله ودعا (7) .في
المصدر :بحيرة بالوادي (8) .في المصدر :أحدا عالما نسأله.
] [ 324
فإن أجاب عد إلي بالجواب ،أجزل لك الجائزة والنوال ،ثم خرج عبد المسيح إلى أن
وصل إلى الشام ،فوجد سطيحا " يجود بنفسه ،ويعالج سكرات الحمام،
فسلم عليه ،فلم يرد عليه السلم ،فلما كان بعد ساعة فتح عينيه وقال :جاء
عبدالمسيح ،على جمل يسيح ،من عند كسرى يصيح ،بلسان فصيح،
مرسول إلى سطيح ،سيد بني غسان ،يسأل عن ارتجاع ) (1اليوان،
وخمود النيران ،ورؤيا المؤبذان ،كان إبل " صعابا " تقودها خيل عراب،
وقد قطعت الوادي ،وانتشرت في البلد ،ذلك وال ما كنا نتوقع من خروج
السفاك ،ومالك الملك ،يا عبدالمسيح أقول لك :قول " صحيحا " )،(2
إذا فاض وادي سماوة ،وغارت بحيرة ساوة ،فليست الشام لسطيح بشام،
تظهر الدللت ويملك منهم ملوك على عدد الشرفات المتساقطات ،وكل ما
هو آت آت ويكون الراحة لسطيح في الممات ،ثم صرخ صرخة ومات ،ثم
إن عبدالمسيح خرج إلى كسرى فأخبره بما قاله سطيح ،فأعطاه وأنعم
عليه لما اخبر بأن ) (3يملك منهم أربعة عشر ملكا " .قال أبو الحسن
البكري :حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذا الحديث ،أنه لما تتابعت أشهر
آمنة سمعت مناديا " ) (4ينادي من السماء :مضى لحبيب ال كذا وكذا ،و
كان تهتف بآمنة الهواتف في الليل والنهار ،وتخبر زوجها عبد ال بذلك،
فيقول لها :اكتمي أمرك عن كل أحد ) ،(5فلما مضى لها ستة أشهر لم تجد
ثقل ) ،(6ولما كان الشهر
) (1انفجاج خ ل وهو الموجود في المصدر (2) .بقول صحيح خ ل (3) .بانه خ ل.
) (4في المصدر :فما من شهر يمضى ال وتسمع مناديا (5) .في بعض
النسخ :فلما أتى عليها شهر أتاها آدم عليه السلم فقال لها :بشراك يا
آمنة ،فقد حملت بسيد النام ،وفي الشهر الثاني أتاها إدريس عليه السلم
وقال لها :قد حملت بالنبي النفيس ،وفي الشهر الثالث جاءها نوح عليه
السلم وقال :قد حملت بصاحب الفتوح ،وفي الشهر الرابع جاءها
ابراهيم الخليل عليه السلم وقال لها :بشراك بالنبي الجليل ،وفي الشهر
الخامس جاءها داود عليه السلم وقال لها :بشراك بصاحب المحمود،
وفي الشهر السادس جاءها اسماعيل عليه السلم وقال لها :بشراك
بصاحب التبجيل ،وفي الشهر السابع جاءها سليمان )بن داود ظ( عليهما
السلم و قال لها :بشراك بصاحب البرهان ،وفي الشهر الثامن جاءها
موسى الكليم عليه السلم وقال لها ليهنئك النبي الكريم ،وفي الشهر
التاسع جاءها المسيح عليه السلم وبشرها بصاحب القول الصحيح
واللسان الفصيح ،وكان ذلك في شهر ربيع الول ،وقيل :فلما مضى لها
ستة أشهر إلى آخر ما في المتن .منه عفى عنه .قلت :نسختي من
المصدر خال عنه ،وهو ل يخلو عن غرابة ،خصوصا مطابقتهم صفاته
صلى ال عليه وآله مع أسمائهم سجعا (6) .في المصدر زيادة هي:
وكانت كل يوم تزداد حسنا وجمال وبهجة وكمال .فلما دخلت في الشهر
السابع.
] [ 325
السابع دعا عبد المطلب ولده عبد ال وقال :يا بني إنه قرب ولدة آمنة ،ونحن نريد
أن نعمل وليمة ،وليس عندنا شئ ،فامض إلى يثرب واشترلنا منها ما
يصلح لذلك ،فخرج عبد ال من وقته ،وسافر حتى وصل إلى يثرب،
وطرقته حوادث الزمان فمات ) (1بها ،ووصل خبره إلى مكة ،فعظم عليهم
ذلك ،وبكى أهل مكة جميعا " عليه ،واقيمت المآتم في كل ناحية ،وناح
عليه أبوه وآمنة وإخوته ،وكان مصابا " هائل " فظيعا " ،فلما كان
الشهر التاسع أراد ال تعالى خروج النبي صلى ال عليه وآله وهي لم
يظهر لها أثر الحمل ،ول ما تعتاده النساء ،وكانت تحدث نفسها كيف
وضعي ،ولم يعلم بي أحد من قومي ؟ وكانت دار آمنة ) (2وحدها ،فبينما
هي كذلك إذ سمعت وجبة ) (3عظيمة ففزعت من ذلك ،فإذا قد دخل عليها
طير أبيض ،ومسح بجناحه على بطنها ،فزال عنها ما كانت تجده من
الخوف ،فبينما هي كذلك إذ دخل عليها نسوان طوال ،يفوح منهن رائحة
المسك والعنبر ،وقد تنقبن بأطمارهن ) ،(4وكانت من العبقري الحمر،
وبأيديهن أكواب من البلور البيض ،قالت آمنة :فقلن لي :اشربي يا آمنة
من هذا الشراب ،فلما شربت أضاء نور وجهي ،و عله نور ساطع،
وضيآء لمع ،وجعلت أقول :من أين دخلن علي هذه النسوة ،وكنت قد
أغلقت الباب ؟ فجعلت أنظر إليهن ولم أعرفهن ثم قلن :يا آمنة اشربي من
هذا الشراب ،وابشري بسيد الولين والخرين محمد المصطفى صلى ال
عليه وآله ،وسمعت قائل يقول :صلى الله وكل عبد صالح * والطيبون
على السراج الواضح المصطفى خير النام محمد * الطاهر العلم الضيآء
اللئح زين النام المصطفى علم الهدى * الصادق البر التقي الناصح صلى
عليه ال ما هب الصبا * وتجاوبت ورق الحمام النائح
) (1قد روى خروجه لغير ذلك كما تقدم في أخبار اخر (2) .وكانت آمنة في دار
وحدها خ ل (3) .الوجبة :السقطة مع الهدة أو صوت الساقط (4) .بأرياط
لهن خ ل ،قلت :الريطة :الملءة إذا كانت قطعة واحدة ونسجا واحدا .كل
ثوب يشبه الملحفة.
] [ 326
ثم قمن النسوة وخرجن ،فإذا أنا بأثواب من الديباج قد نشرت بين السماء والرض
وسمعت قائل " يقول :خذوه وغيبوه عن أعين الناظرين والحاسدين ،فإنه
ولي ) (1رب العالمين ،قالت آمنة :فداخلني الجزع والفزع ،وإذا أنا
بخفقان ) (2أجنحة الملئكة ،وإذا بهاتف قد نزل ،وسمعت تسبيحا "
وتقديسا " وأرياشا " مختلفة ) (3هذا ولم يكن في البيت أحد إل أنا،
فبينما أنا أقول في نفسي :أنا نائمة أو يقظانة ؟ إذ لمع نور أضاء لهل
السماء والرض حتى شق سقف البيت ،وسمعت تسبيح الملئكة ،فبينما
أنا متعجبة من ذلك إذ وضعت ولدي محمدا " صلى ال عليه وآله ،فلما
سقط إلي الرض سجد تلقاء الكعبة رافعا " يديه إلى السماء كالمتضرع
إلى ربه ،وسمعت من داخل البيت جلبة عظيمة ،وقائل " يقول شعرا ":
كم آية من أجله ظهرت فما * تخفى وزادت في النام ظهورا ورأته آمنة
يسبح ساجدا " * عند الولدة للسماء مشيرا قالت آمنة :وسمعت أصواتا
" مختلفة ،وإذا بسحابة بيضاء قد نزلت على ولدي ،فأخذته وغيبته عني،
فلم أره فصحت خوفا " على ولدي ،وإذا بقائل يقول لي :ل تخافي ،و
سمعت قائل " يقول :طوفوا بمحمد مشارق ) (4الرض ومغاربها ،وبرها،
وبحرها ،ووعرها ) ،(5واعرضوه على الجن والنس ،ليعرفوا نعته ،قالت
آمنة :كان ما بين غيبته ورجوعه أسرع من طرفة عين ،وإذا هو قد جاؤا
به إلي وهو مدرج في ثوب أبيض من صوف ) ،(6وهو قابض على مفاتيح
ثلثة ،ورجل قائم على رأسه وهو يقول :قبض محمد على مفاتيح النصر،
و مفاتيح النبوة ،ومفاتيح الكعبة ،فبينا أنا كذلك وإذا أنا بسحابة اخرى
أعظم من الولى،
) (1في المصدر :حبيب (2) .أي صوت أجنحتها (3) .في المصدر :أرباش مختلفة
اللوان ،حمر المناقير (4) .على مشارق خ ل (5) .في المصدر :وسهلها
وجبلها (6) .وهو مكحل مختون مدهون خ.
] [ 327
وسمعت منها تسبيحا " ) (1وخفقان أجنحة الملئكة ،فنزلت وأخذت ولدي فدمعت
عيني ،ورجف قلبي ،وإذا أنا بقائل يقول :طوفوا بمحمد على مولد النبيين،
وأعرضوه على سائر المرسلين ،واعطوه صفوة آدم عليه السلم ،ورأفة
نوح عليه السلم ،وحلم إبراهيم عليه السلم ،ولسان إسماعيل عليه
السلم ،وجمال يوسف عليه السلم ،وصبر أيوب عليه السلم )،(2
وصوت داود عليه السلم ،وزهد يحي عليه السلم ،وكرم عيسى عليه
السلم ،وشجاعة موسى عليه السلم ،وأعطوه من أخلق النبياء ،قالت
آمنة :ورأيته قابضا " على حريرة بيضاء مطوية طيا " شديدا " ،والماء
يخرج منها ،وقائل يقول :قبض محمد على الدنيا بأسرها ،ولم يبق شيئا "
إل وقد دخل في قبضته ،قالت :فبينما أنا كذلك وإذا أنا بثلثة نفر قد دخلوا
علي والنور يظهر ) (3من وجوههم ،يكاد نورهم يخطف البصار ،في يد
أحدهم إبريق من فضة ،وفي يد آخر طست من زبرجد أخضر ،فوضع
الطست بين يديه وقال له :يا حبيب ال اقبض من حيث شئت ،قالت آمنة:
فنظرت إلى موضع قبضته ،فإذا هو قد قبض على وسطها ،قالت :فسمعت
قائل " يقول :قبض محمد على الكعبة وما حولها ،ورأيت في يد الثالث
حريرة مطوية ،وإذا بخاتم من نور يشرق كالشمس ،ثم حمل ولدي فناوله
صاحب الطست ،وصب عليه الخر من البريق سبع مرات ،ثم ختم بذلك
الخاتم بين كتفيه ،ثم لفه تحت جناحه ،وغيبه عني ،وكان ذلك رضوان
خازن الجنان ،ثم أخرجه وتكلم في اذنه بكلم ل أفهمه ،ثم قبله ،وقال:
أبشر يا محمد فإنك سيد الولين والخرين ،وأنت الشفيع فيهم يوم الدين،
ثم خرجوا و تركوه ،ثم رأيت ثلثة أعلم منصوبة :واحد بالمشرق ،وواحد
بالمغرب ،والثالث على الكعبة ) ،(4وتلك العلم من النور ) (5مثل قوس
السحاب .قالت آمنة :ثم رأيت بعد ذلك غمامة بيضاء قد نزلت من السماء
على ولدي ،و غيبته عني ساعة طويلة ،فلم أره ،فحن عليه قلبي ،وقد
حيل بيني وبينه ،وكأني نائمة مما جرى عليه ،فبينا أنا كذلك وإذا بولدي قد
ردوه علي ،وإذا به مكحول مقمط بقماط
) (1تصهيل خ ل .وهو الموجود في المصدر (2) .في المصدر :وصبر يعقوب(3) .
في المصدر :يزهر (4) .فكشف ال عن بصرى فرأيت ما هناك خ ،وهو
الموجود في المصدر (5) .قائمة بين السماء والرض خ ،وفي المصدر:
ورأيت علما من نور قائم بين السماء والرض
] [ 328
من حرير الجنة ،تفوح منه رائحة المسك الذفر .قال عبد المطلب :كنت في الساعة
التي ولد فيها رسول ال صلى ال عليه وآله أطوف بالكعبة ،وإذا "
بالصنام قد تساقطت وتناثرت ،والصنم الكبير سقط على وجهه ،وسمعت
قائل " يقول :الن ) (1آمنة قد ولدت رسول ال صلى ال عليه وآله ،فلما
رأيت ما حل بالصنام تلجلج لساني ،وتحير عقلي ،وخفق فؤادي حتى
صرت لم أستطع الكلم ،فخرجت مسرعا " اريد باب بني شيبة ،وإذا الصفا
والمروة يركضان بالنور فرحا " ،ولم أزل مسرعا " إلى أن قربت من
منزل آمنة ،وإذا " بغمامة بيضاء قد عمت منزلها ،فقربت من الباب وإذا
روائح المسك الذفر والند والعنبر قد عبقت ) (2بكل مكان حتى عمتني
الرائحة ،فدخلت على آمنة وإذا بها قاعدة ،وليس عليها أثر النفاس ،فقلت:
أين مولودك اريد أن أنظر إليه ؟ قالت :قد حيل بيني وبينه ،ولقد سمعت
مناديا " ينادي :ل تخافي على مولودك ،وسيرد عليك بعد ثلثة أيام )،(3
فسل عبد المطلب سيفه وقال اخرجي لي ولدي هذه الساعة وإل علوتك به،
فقالت :إنهم قد دخلوا به هذه الدار ،قال عبد المطلب :فهممت بالدخول إلى
الدار إذ برزلي شخص من داخل الدار كأنه النخلة السحوق ،لم أر أهول
منه ،وبيده سيف وقال لي :ارجع ليس لك إلى ذلك من سبيل ،ول لغيرك
حتى تنقضي زيارة الملئكة ،فخرجت خائفا " مما رأيت من الهوال .قال
صاحب الحديث :بلغنا أن الساعة التي ولد فيها رسول ال صلى ال عليه
وآله طردت الشياطين والمردة هاربين ،ومنهم من غمي عليه ) ،(4ومنهم
من مات ،وأما سطيح ووشق ) (5فماتا في تلك الليلة ،وأما زرقاء اليمامة
فإنها كانت جالسة مع خدمها وجواريها إذ صرخت
) (1في المصدر :أل أن (2) .قد أعبقت خ وهو الموجود في المصدر (3) .في
المصدر :وقد أتانى آت فقال لى :يا آمنة ل تجزعي ول تحزني ول
تخرجي هذا المولود إلى ثلثة أيام (4) .في المصدر :وخرجوا هاربين،
ومن الجن من غمى عليه (5) .ذكرنا قبل ذلك ان الصحيح :شق.
] [ 329
صرخة عظيمة وغشي عليها ،فلما أفاقت أنشأت تقول :أما المحال فقد مضى لسبيله
* ومضت كهانة معشر الكهان جاء البشير فكيف لي بهلكه * هيهات جاء
الوحي ) (1بالعلن فلما تمت له ثلثة أيام دخل عليه جده عبد المطلب
فلما نظر إليه قبله ،وقال :الحمد ل الذي أخرجك إلينا ،حيث وعدنا )(2
بقدومك ،فبعد هذا اليوم ل ابالي أصابني الموت أم ل ،ثم دفعه إلى آمنة
فجعل يهش ) (3ويضحك لجده وامه ،كأنه ابن سنة ،قال عبد المطلب :يا
آمنة احفظي ولدي هذا ،فسوف يكون له شأن عظيم ،وأقبل الناس من كل
فج عميق يهنؤن عبد المطلب ،وجائت جملة النساء إلى آمنة وقلن لها :لم
لم ترسلي إلينا ؟ فهنؤنها بالمولود وقد عبقت بهن جمع رائحة المسك،
فكان يقول الرجل لزوجته :من أين لك هذا ؟ فتقول :هذا من طيب مولود
آمنة ،فأقبلت القوابل ليقطعن سرته فوجدنه مقطوع السرة ،فقلن لمنة ما
كفاك إنك وضعت به حتى قطعت سرته بنفسك ؟ فقالت لهن :وال لم أره إل
على هذه الحالة ) ،(4فتعجبت القوابل من ذلك ،وكانت تأتيها القوابل بعد
ذلك وإذا " به مكحول ،مقموطا " ) ،(5فيتعجبن منه ،فلما مضى له من
الوضع سبعة أيام أولم عبد المطلب وليمة عظيمة وذبح الغنام ،ونحر
البل ،وأكل الناس ثلثة أيام ،ثم التمس له مرضعة تربيه ) (6على عادة
أهل مكة ) .(7ايضاح :الطلل جمع الطلل بالتحريك ،وهو ما شخص من
آثار الدار .والهمام
) (1المر خ ل (2) .أوعدنا خ ل (3) .هش :تبسم .وارتاح ونشط (4) .في
المصدر :وال ما مسته ول رأيته إل كما ترون (5) .في المصدر :مقمطا.
) (6في المصدر :وأكل الناس ثلثة أيام ،وما فضل من ذلك الطعام رمى
به في البرية فأكلته الوحوش والسباع والطيور ،قال :فلما كان بعد ثلثة
ايام التمس له مرضعة تربيه .كمل الجزء السادس والحمد ل رب
العالمين (7) .النوار :مخطوط ،ونسخته عندي موجود فيها اختلفات
وزوائد ،وقد ذكرت بعضها في الذيل.
] [ 330
بالضم وتخفيف الميم :الملك العظيم الهمة .والضرغام بالكسر :السد .والقمقام
بالفتح :السيد .والمقدام بالكسر :الرجل الكثير القدام على العدو .والحمام
بالكسر :الموت .والمناكب لعله من النكبة بمعنى المصيبة ،ويقال:
كافحوهم :إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس ولغيره.
والكمي :الشجاع .وذباب السيف بالضم :طرفه الذي يضرب به .والقصم:
الكسر .والهزبر بكسر الهاء وفتح الزاء :السد .والجلميد جمع الجلمود
وهو الصخر .والسراة بالضم جمع سري وهو الشريف .قولها :من يحظى
هو على بناء المجهول من الحظوة وهي القدر والمنزلة .وقال الجوهري:
لخن السقاء بالكسر أي أنتن ،ومنه قولهم :أمة لخنآء ،ويقال :اللخنآء:
التي لم تختن انتهي .والورق بالضم جمع الورق ،وهو الذي في لونه
بياض إلى سواد .وفي القاموس :الند :طيب معروف أو العنبر .والسحوق
من النخل :الطويلة ،وغمي على المريض واغمي مضمومتين :غشي عليه
ثم أفاق .تتمة مفيدة :اعلم أن ظاهر أخبار المولد السعيد أن الشهب لم تكن
قبله ،وإنما حدثت في هذا الوقت ،وهو خلف المشهور ،ويمكن أن تكون
كثرتها إنما حدثت عند ذلك ،وكانت قبل ذلك نادرة .قال الرازي في تفسير
قوله سبحانه) :فمن يستمع الن يجد له شهابا " رصدا "( ما ملخصه:
فإن قيل :هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث ،لن جميع الفلسفة
تكلموا في أسباب انقضاضها وقد جاء وصفها في شعر الجاهلية ،وقد روي
عن ابن عباس أيضا " ما يدل على كونها في الجاهلية ،فما معنى
تخصيصها بمبعثه صلى ال عليه وآله ؟ ثم أجاب بوجهين :الول أنها ما
كانت قبل المبعث ،وهذا قول ابن عباس وابي بن كعب وجماعة ،وهؤلء
زعموا أن كتب الوائل قد توالت عليها التحريفات ،فلعل المتأخرين ألحقوا
هذه المسألة طعنا " منهم في هذه المعجزة ،وكذا الشعار المنسوبة إلى
أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم ومنحولة ،والخبر غير ثابت .والثاني
وهو القرب إلى الصواب أنها كانت موجودة إل أنها زيدت بعد المبعث،
] [ 331
وجعلت أكبر وأقوى انتهى ) .(1وأقول :يحتمل وجه ثالث وهو أن تكون هذه
موجودة قبل السلم بمدة ،ثم ارتفعت وزالت مدة مديدة ،ثم حدثت بعد
الولدة أو البعثة ،ويؤيده ما روي عن أبي ابن كعب أنه قال :لم يرم بنجم
منذ رفع عيسى عليه السلم حتى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله،
وسيأتي مزيد تحقيق في كتاب السماء والعالم إن شاء ال تعالى) .باب (4
* )منشأه ورضاعه وما ظهر من اعجازه عند ذلك( * * )إلى نبوته صلى
ال عليه وآله( * - 1يج :روي أنه لما ولد النبي صلى ال عليه وآله
قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس
الرضعآء بمكة ،قالت :فخرجت معهن على أتان ومعي زوجي ،ومعنا
شارف لنا ما بيض ) (2بقطرة من لبن ،ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله
به وما نام ليلتا جوعا " ،فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إل عرض عليها
محمد فكرهناه فقلنا :يتيم ،وإنما يكرم الظئر ) (3الوالد ،فكل صواحبي
أخذن رضيعا " ولم آخذ شيئا " ،فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته
فأتيت به الرحل ) (4فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت
ولدي أيضا " ،وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده ،فإذا هي حافل،
فحلبها وأرواني من لبنها ،وروى الغلمان ،فقال :يا حليمة لقد أصبنا نسمة
مباركة ،فبتنا بخير ورجعنا ،فركبت أتانى ) (5ثم حملت محمدا " معي،
فوالذي نفس حليمة بيده لقت طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن :يا حليمة
امسكي علينا ،أهذه أتانك التي خرجت عليها ؟ قلت :نعم ،ما شأنها ؟ قلن:
حملت غلما " مباركا " ،ويزيدنا ال كل يوم وليلة خيرا " ،والبلد
) (1مفاتيح الغيب (2) .241 :8ما تبض خ ل ظ (3) .الظئر :المرضعة(4) .
الرحل :المنزل والمأوى (5) .التان :الحمارة.
] [ 332
قحط ،والرعاة يسرحون ،ثم يريحون ،فتروح أغنام بني سعد جياعا " ،وتروح
غنمي شباعا " بطانا " حفلء فتحلب وتشرب ) .(1بيان :الشارف:
المسنة من النوق .قوله :ما بيض أي الناء ،قال الجوهري :بيضت الناء:
أي ملته من الماء ،أو اللبن ،والصوب أنه ما تبض بالتاء ،ثم الباء
التحتانية الموحدة المكسورة ،ثم الضاد المشددة ،قال الجزري :فيه ما
تبض ببلل أي ما يقطر منها لبن ،يقال :بض الماء :إذا قطر وسال ،وقال
الجوهري :ضرع حافل ،أي ممتلئ لبنا " - 2 .قب :ذكرت حليمة بنت أبي
ذؤيب عبد ال بن الحارث ) (2من مضر زوجة الحارث ابن عبد العزى )(3
المضري أن البوادي أجدبت ،وحملنا الجهد على دخول البلد ،فدخلت مكة،
ونساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن ،فسألت مرضعا " فدلوني على
عبد المطلب ،وذكر أن له مولودا " يحتاج إلى مرضع له ،فأتيت إليه فقال:
يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد ،فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما
فسطع منهما نور ،فشرب من ثديي اليمن ساعة ،ولم يرغب في اليسر
أصل " ،واستعمل في رضاعه عدل " ،فناصف فيه شريكه ،واختار
اليمين اليمين ،وكان ابني ل يشرب حتى يشرب رسول ال صلى ال عليه
وآله ،فحملته على التان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر
سائر الحمر إسراعا " قوة ونشاطا " ،واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلث
مرات ،وقالت :برئت من مرضي ،وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين،
وخاتم النبيين وخير الولين والخرين ،فكان الناس يتعجبون منها ومن
سمني وبرئي ودر لبني ،فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتللؤ نوره إلى
عنان السماء وسلم عليه ،وقال :إن ال تعالى وكلني برعايته ،وقابلنا ظبأ
وقلن :يا حليمة
) (1ذكره مفصل أيضا ابن هشام في السيرة (2) .175 - 173 :1هو عبد ال بن
حارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصربن سعد
بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلن
على ما في سيرة ابن هشام وامتاع السماع ،وكانت حليمة تكنى ام كبشة
على ما في الخير (3) .هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملن بن
ناصرة بن فصية .إلى آخر ما مر من النسب.
] [ 333
ل تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين ،وأطهر الطاهرين ،وما علونا تلعة ) (1ول
هبطنا واديا " إل سلموا عليه ،فعرفت ) (2البركة والزيادة في معاشنا
ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا ،ولم يحدث في ثيابه ،ولم تبد
عورته ،ولم يحتج في يوم إل مرة ،وكان مسرورا " مختونا " ،وكنت
أرى شابا " على فراشه يعد له ثيابه ،فربيته خمس سنين ويومين ،فقال
لي يوما " :أين يذهب إخواني كل يوم ؟ قلت :يرعون غنما " فقال :إنني
اليوم اوافقهم ) ،(3فلما ذهب معهم أخذه ملئكة وعلوه على قلة جبل،
وقاموا بغسله وتنظيفه ،فأتاني ابني وقال :ادركي محمدا " فإنه قد سلب،
فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السماء فقبلته فقلت :ما أصابك ؟ قال :ل
تحزني إن ال معنا ،وقص عليها قصته ،فانتشر منه فوح مسك أذفر ،وقال
الناس :غلبت عليه الشياطين ،وهو يقول :ما أصابني شئ ،وما علي من
بأس ،فرآه كاهن وصاح وقال :هذا الذي يقهر الملوك ،ويفرق العرب ).(4
ايضاح :قوله :واختار اليمين ،أي صاحب اليمن والبركة ،والغث:
المهزول ،والمراد هنا المصدر ،ويقال :أثرى الرجل :إذا كثرت أمواله- 3 .
قب :روي عن حليمة أنه جلس محمد وهو ابن ثلثة أشهر ،ولعب مع
الصبيان وهو ابن تسعة ،وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن
عشرة ،وناضل ) (5الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر ،وصارع الغلمان
وهو ابن ثلثين ،ثم رددته إلى جده .ابن عباس :إنه كان يقرب إلى
الصبيان تصبيحهم فيخلسون ) (6ويكف ،ويصبح الصبيان غمصا " رمصا
" ،ويصبح صقيل دهينا " ،ونادى شيخ على الكعبة :يا عبد المطلب إن
حليمة امرأة عربية ،وقد فقدت ابنا " ) (7اسمه محمد ،فغضب عبد
المطلب وكان إذا غضب خاف
) (1التلعة :ما عل من الرض (2) .في المصدر :فعرفنا (3) .في المصدر :ارافقهم.
) (4مناقب آل أبى طالب 23 :1و (5) .24ناضلة :باراه في رمى
السهام (6) .في المصدر :فيختلسون (7) .في المصدر :ابنها.
] [ 334
الناس منه ،فنادى :يا بني هاشم ،ويا بني غالب اركبوا فقد محمد ،وحلف أن ل
أنزل حتى أجد محمدا " ،أو أقتل ألف أعرابي ومأة قرشي ،وكان يطوف
حول الكعبة ،وينشد أشعارا " منها :يا رب رد راكبي محمدا " * رد إلي
واتخذ ) (1عندي يدا " يا رب إن محمدا " لن يوجدا * تصبح قريش كلهم
مبددا فسمع نداء :إن ال ل يضيع محمدا " ،فقال :أين هو ؟ قال :في
وادي فلن ،تحت شجرة ام غيلن ،قال ابن مسعود ) :(2فأتينا الوادي
فرأيناه يأكل الرطب من ام غيلن ،وحوله شابان ،فلما قربنا منه ذهب
الشابان وكانا جبرئيل وميكائيل عليهما السلم ،فسألناه من أنت ؟ وماذا
تصنع ؟ قال :أنا بن عبد ال بن عبد المطلب ،فحمله عبد المطلب على
عنقه وطاف به حول الكعبة ،وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على
مصيبته ،فلما رآها تمسك بها ،وما التفت إلى أحد .وكان عبد المطلب
أرسل رسول ال صلى ال عليه وآله إلى رعاته في إبل قد ندت له )(3
يجمعها ،فلما أبطأ عليه نفذ ورائه في كل طريق وكل شعب ،وأخذ بحلقة
باب الكعبة وهو يقول :يا رب إن تهلك ) (4آلك ،إن تفعل فأمر ما بدا لك،
فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله بالبل ،فلما رآه أخذه فقبله ،فقال:
بأبي لوجهتك بعد هذا في شئ ،فإني أخاف أن تغتال فتقتل ) .(5بيان :قال
الجزري :في حديث المولد أنه كان يتيما " في حجر أبي طالب ،وكان
يقرب إلى الصبيان تصبيحهم فيختلسون ويكف ،أي غدائهم ،وهو اسم
على تفعيل كالترغيب
) (1في نسخة من المصدر :واصطنع (2) .فيه وهم ظاهر ،لن ابن مسعود مات في
سنة ) 32أو( ،33وكان عمره يوم توفى بضعا وستين سنة ،فعليه فكان
عمر النبي حين ولد ابن مسعود قريبا من عشرين سنة ،فكيف رأى النبي
و هو صلى ال عليه وآله كان طفل ؟ (3) .ند البعير :نفر وذهب شاردا) .
(4أتهلك ؟ (5) .مناقب آل أبى طالب (*) .24 :1
] [ 335
والتنوير ،وقال :في حديث ابن عباس كان الصبيان غمصا " رمصا " ،ويصبح
رسول ال صقيل دهينا " ) ،(1يقال :غمصت عينيه مثل رمصت ،يقال:
غمصت العين ورمصت من الغمص والرمص ،وهو البياض الذي يجمع
في زوايا الجفان ،فالرمص :الرطب ،والغمص :اليابس ،والغمص
والرمص جمع أغمص وأرمص ،وانتصبا على الحال ل على الخبر ،لن
أصبح تامة وهي بمعنى الدخول في الصباح ،قاله الزمخشري - 4 .قب:
عن ابن عباس قال :قال أبو طالب لخيه :يا عباس اخبرك عن محمد أني
ضممته فلم افارقه ساعة من ليل أو نهار ،فلم أئتمن أحدا " حتى نومته في
فراشي ،فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي ،فرأيت في وجهه الكراهية،
فقال :يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ،فقلت
له :ولم ذاك ؟ فقال :ل ينبغي لحد أن ينظر إلى جسدي ،فتعجبت من قوله
وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ،فإذا دخلت أنا الفراش إذا بيني
وبينه ثوب ،وال ما أدخلته في فراشي ،فأمسه فإذا هو ألين ثوب ،ثم
شممته كأنه غمس في مسك ،وكنت إذا أصبحت فقدت الثوب ،فكان هذا
دأبي ودأبه ،وكنت كثيرا " ما أفتقده في فراشي ،فإذا قمت لطلبه بادرني
من فراشي ،ها أناذا يا عم فارجع إلى مكانك .وكان النبي صلى ال عليه
وآله يأتي زمزم فيشرب منها شربة ،فربما عرض عليه أبو طالب الغداء
فيقول ل اريده أنا شبعان .وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولده أو
يغديهم يقول :كما أنتم حتى يحضر ابني ،فيأتي رسول ال فيأكل معهم
فيبقى الطعام ) - 5 .(2قب :القاضي المعتمد في تفسيره قال أبو طالب :لقد
كنت كثيرا " ما أسمع منه إذا ذهب من الليل كلما " يعجبني ،وكنا ل
نسمي على الطعام ول على الشراب حتى سمعته يقول :بسم ال الحد ،ثم
يأكل ،فإذا فرغ من طعامه قال :الحمد ل كثيرا "،
) (1وحكى عن ابن سعد أنه روى :وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ،ويصبح
رسول ال صلى ال عليه وآله دهينا كحيل (2) .مناقب آل أبى طالب :1
25و .26
] [ 336
فتعجبت منه ،وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ
السماء ،ثم لم أر منه كذبة قط ،ول جاهلية قط ،ول رأيته يضحك في
موضع ) (1الضحك ،ول وقف مع صبيان في لعب ،ول التفت إليهم ،وكان
الوحدة أحب إليه والتواضع .وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود:
وجدنا في كتبنا أن محمدا " يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه،
فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة ،فكانت قريش يأكلون منها ،والرسول
تعدل يده عنها ،فقالوا :مالك ؟ قال :أراها حراما " يصونني ربي عنها،
فقالوا :هي حلل فنلقمك ،قال :فافعلوا إن قدرتم ،فكانت أيديهم يعدل بها
إلى الجهات ،فجاؤه بدجاجة اخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن
يؤدوا ثمنها إذا جاء ،فتناول منها لقمة فسقطت من يده ،فقال عليه السلم:
وما أراها إل من شبهة يصونني ربي عنها ،فقالوا :نلقمك منها ،فكلما
تناولوا منها ثقلت في أيديهم ،فقالوا :لهذا شأن عظيم .ولما ظهر أمره
صلى ال عليه وآله عاداه أبو جهل ،وجمع صبيان بني مخزوم وقال :أنا
أميركم ،وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبد المطلب على النبي وقالوا :أنت
المير ،قالت ام علي عليه السلم :وكان في صحن داري شجرة قد يبست
وخاست ،ولها زمان يابسة ،فأتى النبي صلى ال عليه وآله يوما " إلى
الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء ،وحملت الرطب،
فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة ،فإذا كانت وقت ضاحي النهار
يدخل يقول :يا اماه أعطيني ديوان العسكر ،وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج
ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم ،فلما كان بعض اليام دخل وقال :يا
اماه أعطيني ديوان العسكر ،فقلت :يا ولدي اعلم أن النخلة ما اعطتنا اليوم
شيئا " ،قالت :فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخله وتكلم
بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار راسها عنده ،فأخذ من الرطب ما
أراد ،ثم عادت النخلة إلى ما كانت ،فمن ذلك اليوم قلت :اللهم رب السماء
ارزقني ولدا " ذكرا " يكون أخا " لمحمد ،ففي تلك الليلة واقعني أبو
طالب فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته ،فما كان يقرب صنما " ول يسجد
لوثن ،كل ذلك ببركة محمد صلى ال عليه وآله ).(2
] [ 337
بيان :خاست أي لم تثمر ،من قولهم :خاس بوعده :إذا أخلفه ،أو فسدت من قولهم:
خاس الشئ :إذا فسد .والدوخلة :بالتشديد كالزنبيل يعمل من الخوص.
والقوصرة :يترك فيها التمر وغيره ،وفي الخبر غرابة من جهة أن الحمل
بأمير المؤمنين عليه السلم إنما كان بعد ثلثين من سنه صلى ال عليه
وآله ،ويظهر منه أنه كان في صباه - 6 .قب :كتاب العروس وتاريخ
الطبري إنه أرضعته ثويبة مولة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما "،
وتوفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ،ومات ابنها قبلها ،ثم أرضعته
حليمة السعدية فلبث فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله حمزة وبعده
أبا سلمة المخزومي ،وخرج مع أبي طالب في تجارته وهو ابن تسع
سنين ،ويقال :ابن اثنتى عشرة سنة ،وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة
وله خمس وعشرون سنة ) - 7 .(1كا :محمد بن يحي ،عن أحمد بن
محمد ،عن علي بن النعمان ،عن سعيد بن عبد ال العرج ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن قريشا " في الجاهلية هدموا البيت ،فلما أرادوا
بنائه حيل بينهم وبينه ،والقي في روعهم ) (2حتى قال قائل منهم :ليأتي
كل رجل منكم بأطيب ماله ،ول تأتوا بمال اكسبتموه من قطيعة رحم ،أو
حرام ،ففعلوا فخلى بينهم وبين بنائه ،فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر
السود فتشاجروا فيهم أيهم يضع الحجر السود في موضعة ،حتى كاد أن
يكون بينهم شر ،فحكموا ) (3أول من يدخل من باب المسجد ،فدخل رسول
ال صلى ال عليه وآله ،فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في
وسطه ،ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ،ثم تناوله صلى ال عليه
وآله فوضعه في موضعه ،فخصه ال به ) - 8 .(4كا :علي بن إبراهيم
وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه قالوا :إنما هدمت قريش
) (1مناقب آل أبى طالب (2) .119 :1في المصدر :والقى في روعهم الرعب.
قلت :الروع :سواد القلب .وقيل :موضع الفزع منه (3) .أي فوضوا إليه
الحكم (4) .الفروع :ج 1ص .225
] [ 338
الكعبة لن السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت ،وسرق من الكعبة
غزال من ذهب رجله جوهر ) ،(1وكان حائطها ) (2قصيرا " ،وكان ذلك
قبل مبعث النبي صلى ال عليه وآله بثلثين سنة ،فأرادت قريش أن
يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرصتها ،ثم أشفقوا من ذلك وخافوا
إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة ،فقال الوليد بن المغيرة:
دعوني أبدأ فإن كان ل رضى لم يصبني شئ ) ،(3وإن كان غير ذلك كففت
) ،(4فصعد على الكعبة ،وحرك منها حجرا " ،فخرجت عليه حية،
وانكسفت الشمس ،فلما رأوا ذلك بكوا و تضرعوا وقالوا :اللهم إنا ل نريد
إل الصلح ،فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا
القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلم ،فلما أرادوا أن يزيدوا في
عرصته وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلم أصابتهم زلزلة
شديدة وظلمة فكفوا عنه ،وكان بنيان إبراهيم عليه السلم الطول ثلثون
ذراعا " ،والعرض اثنان وعشرون ذراعا " ،والسمك ) (5تسعة أذرع،
فقالت قريش :نزيد في سمكها ،فبنوها فلما بلغ البنآء إلى موضع الحجر
السود تشاجرت قريش في وضعه ،قال ) (6كل قبيلة :نحن أولى به،
ونحن نضعه ،فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة،
فطلع رسول ال صلى ال عليه وآله ،فقالوا :هذا المين قد جاء فحكموه،
فبسط ردائه -وقال بعضهم :كساء طاروني كان له -ووضع الحجر فيه ،ثم
قال :يأتي من كل ربع من قريش رجل ،فكانوا عتبة بن ربيعة من عبد
شمس ،والسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى ،وأبو حذيفة بن
المغيرة من بني مخزوم ،وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه ،ووضعه
النبي صلى ال عليه وآله في موضعه ،وقد كان بعث ملك الروم بسفينة
فيها سقوف وآلت وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له
) (1في المصدر :من جوهر (2) .حائطا خ ل (3) .بشئ خ ل (4) .كففنا خ ل وهو
الموجود في المصدر (5) .السمك :أعلى البيت إلى أسفله .القامة من كل
شئ (6) .في المصدر :فقال.
] [ 339
هناك بيعة فطرحتها الريح إلى ساحل الشريعة فبطحت ،فبلغ قريشا " خبرها
فخرجوا إلى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك
فابتاعوه وصاروا به إلى إلى مكة ،فوافق ذلك ذرع الخشب البنآء ) (1ما
خل الحجر ،فلما بنوها كسوها الوصائل ) (2وهي الردية ) .(3بيان:
الطاروني :ضرب من الخز .والربع :المحلة ،ويحتمل الضم .قوله عليه
السلم :فبطحت على بناء المجهول ،أي انقلبت ،يقال :بطحه ،أي ألقاه
على وجهه ،وقوله :ذرع الخشب بيان لقوله :ذلك ،والبناء مفعول وافق،
وقوله :ما خل الحجر ،ولعل المراد به الحجار المنصوبة في ظاهر البيت،
أي كان طول الخشب موافقا " لطول بناء البيت إل بقدر الحجر المنصوب
في الجانبين ،لئل تظهر رؤوس الخشاب من خارج ،ويحتمل على بعد أن
يقرء الحجر بالكسر ،أي لم يكن حجر إسماعيل داخل في طول الخشب.
وقال الجوهري :الوصائل :ثياب مخططة يمانية ،وفي بعض النسخ بالدال،
أي الثياب المنسوجة .قال في القاموس :الوصد محركة :النسج ،والول
أظهر - 9 .كا :علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر ،عن داود بن سرحان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن رسول
ال صلى ال عليه وآله ساهم قريشا " في بناء البيت ،فصار لرسول ال
من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر السود .وفي
رواية اخرى :كان لبني هاشم من الحجر السود إلي الركن الشامي ).(4
بيان :قوله عليه السلم :ما بين الركن اليماني ،أي إلى منتصف الضلع
الذي بين الركن اليماني والحجر ،والرواية الخرى تنافي ذلك ،إذ لو كان
المراد جميع بني هاشم فكان ينبغي أن يدخل فيه جميع ما كان للنبي صلى
ال عليه وآله مع أنه ل يدخل فيه إل ما
) (1في المصدر :فوافق ذراع ذلك الخشب البناء (2) .الوصائد خ ل ،وهو الموجود
في المصدر (3) .الفروع :ج 1ص (4) .225الفروع :ج 1ص .225
] [ 340
كان منه بين الحجر والباب ،وإن كان المراد سائر بني هاشم غيره صلى ال عليه
وآله فكان ينبغي أن ل يدخل فيه مابين الحجر إلى الباب إل أن يتكلف بأنهم
كانوا أشركوه مع بني هاشم في هذا الضلع ،وخصوه من الضلع الخر
بالنصف ،فجعل بنو هاشم له صلى ال عليه وآله ما بين الحجر والباب،
وفي بعض النسخ بدل الشامي اليماني ،والشكال والتوجيه مشتركان10 .
-كا :محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن ابن
رئاب ،عن أبي عبيدة قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ل تنكح
المرأة على عمتها ول على خالتها ول على اختها من الرضاعة ،وقال :إن
عليا " عليه السلم ذكر لرسول ال صلى ال عليه وآله ابنة حمزة ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وآله :أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة،
وكان رسول ال صلى ال عليه وآله وعمه حمزة عليه السلم قد رضعا )
(1من امرأة ) - 11 .(2كا :محمد بن يحيى ،عن سعد بن عبد ال ،عن
إبراهيم بن محمد الثقفي ،عن علي بن المعلى ،عن أخيه محمد ،عن درست
بن أبي منصور ،عن علي بن أبي حمزة ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :لما ولد النبي صلى ال عليه وآله مكث أياما " ليس له
لبن ،فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه ،فأنزل ال فيه لبنا " فرضع منه
أياما " حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها ) .(3قب :عنه
عليه السلم مثله ) - 12 .(4د :قالت حليمة السعدية :كانت في بني سعد
شجرة يابسة ما حملت قط ،فنزلنا يوما " عندها ورسول ال صلى ال
عليه وآله في حجري فما قمت حتى اخضرت وأثمرت ببركة منه ،وما أعلم
أني جلست موضعا " قط إل كان له أثر ،إما نبات ،وإما خصب ،ولقد دخلت
على
] [ 341
امرأة من بني سعد يقال لها :أم مسكين وكانت سيئة الحال ،فحملته فأدخلته منزلها،
فإذا هي قد أخصبت وحسن حالها ،فكانت تجئ كل يوم فتقبل رأسه .قالت
حليمة :ما نظرت في وجه رسول ال صلى ال عليه وآله وهو نائم إل
ورأيت عينيه مفتوحتين كأنه يضحك ،وكان ل يصيبه حر ول برد .قالت
حليمة :ما تمنيت شيئا " قط في منزلي إل اعطيته من الغد ،ولقد أخذ ذئب
عنيزة " لي فتداخلني من ذلك حزن شديد ،فرأيت النبي صلى ال عليه
وآله رافعا " رأسه إلى السماء ،فما شعرت إل والذئب والعنيزة على ظهره
قد ردها علي ما عقر ) (1منها شيئا " .قالت حليمة :ما أخرجته قط في
شمس إل وسحابة تظله ،ول في مطر إل وسحابة تكنه ) (2من المطر.
قالت حليمة :فما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء والرض ،ولقد
كان الناس بصيبهم الحر والبرد فما أصابني حر ول برد منذ كان عندي،
ولقد هممت يوما " أن أغسل رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيب،
وما غسلت له ثوبا " قط ،وكلما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت
عليه ثوبا " غيره جديدا " .قالت :ما كنت أخرج لمحمد ثديي إل وسمعت
له نغمة ،ول شرب قط إل وسمعته ينطق بشئ ،فتعجبت منه حتى إذا نطق
وعقد كان يقول :بسم ال رب محمد إذا أكل ،و في آخر ما يفرغ من أكله
وشربه يقول :الحمد ل رب محمد ) - 13 .(3يل :قال الواقدي :فلما أتى
على رسول ال صلى ال عليه وآله أربعة أشهر ماتت امه آمنة رضي ال
عنها ،فبقي صلى ال عليه وآله بل أب ول ام ،وهو من أبناء أربعة أشهر،
فبقي يتيما " في حجر جده عبد المطلب ،فاشتد عليه ) (4موت آمنة ليتم
محمد صلى ال عليه وآله ،ولم يأكل ولم يشرب ثلثة ايام ،فبعث عبد
المطلب إلى بنتيه ،عاتكة وصفية وقال لهما :خذ محمدا " صلى ال عليه
وآله،
) (1عقره :جرحه (2) .أي تستره (3) .العدد :مخطوط (4) .في المصدر :على عبد
المطلب.
] [ 342
والنبي صلى ال عليه وآله ل يزداد إل بكاء ول يسكن ،وكانت عاتكة تلعقه )(1
عسل صافيا " مع الثريد ،وهو ل يزداد إل تماديا " في البكاء .قال
الواقدي :فضجر عبد المطلب ) (2فقال لعاتكة :فلعله يقبل ثدي واحدة
منهن ويرضعن ولدي وقرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو
نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلى رضاع النبي صلى ال عليه وآله،
فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من بنات
صناديد قريش ) ،(3فتقدمت كل واحدة منهن ووضعن ثديهن في فم رسول
ال صلى ال عليه وآله فما قبل منهن أحدا " ،وبقين متحيرات ،وكان عبد
المطلب جالسا " فأمر بإخراجهن والنبي صلى ال عليه وآله ل يزداد إل
بكاء وحزنا " ،فخرج عبد المطلب مهموما " وقعد عند ستارة ) (4الكعبة
ورأسه بين ركبتيه ،كأنه امرأه ثكلء ،وإذا بعقيل بن أبي وقاص وقد أقبل
وهو شيخ قريش وأسنهم ،فلما رأى عبد المطلب مغموما " قال له :يا أبا
الحارث ،ما لي أراك مغموما " ؟ قال :يا سيد قريش إن نافلتي يبكي ول
يسكن شوقا " إلى اللبن من حين ماتت امه ،و أنا ل أتهنأ بطعام ول شراب
) ،(5وعرضت عليه نساء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي واحدة منهن )
،(6فتحيرت وانقطعت حيلتي ،فقال عقيل :يا أبا الحارث إني لعرف في
أربعة وأربعين صنديدا " من صناديد العرب امرأة عاقلة هي أفصح لسانا
" ،وأصبح وجها " ،وأرفع
) (1ألعق ولعق فلنا العسل :جعله يلعقه ،أي يؤاكله العسل بأصبعه (2) .في
المصدر :فضجر عبد المطلب ول يتهنأ أن ينظر إلى النبي صلى ال عليه
وآله وهو في تلك الحال ،فقال لبنته عاتكة (3) .في المصدر :صناديد
قريش وأصل بنى هاشم ،فتقدمت كل واحد منهن ورفعن أكمامهن عن
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ،ووضعن خلف ثديهن في فم رسول
ال اه قلت :الخلف بالكسر :حلمة الضرع (4) .الستار جمع السترة :ما
يستر به .وفي المصدر :فخرج عبد المطلب من الدار مهموما مغموما
وقر عند الكعبة ،وقعد عند ستارها (5) .في المصدر :ول بشراب محزونا
على ولدى محمد (6) .في المصدر زيادة هي :وذلك أنه ما من امرأة إل
وبها عيب ،وإن محمدا ل يقبل ثدى من بها عيب ،فلهذا امتنع فتحيرت.
] [ 343
حسبا " ونسبا " ،وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد ال بن الحارث بن سخنة )(1
بن ناصر بن سعد بن بكر بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس بن
غيلن ) (2بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ابن اكدد ) (3بن يشخب بن
يعرب بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ) ،(4فقال عبد
المطلب :يا سيد قريش لقد نبهتني لمر عظيم وفرجت عني ،ثم دعا عبد
المطلب بغلم اسمه شمردل وقال له :قم يا غلم واركب ناقتك ،واخرج نحو
حي بني سعد بن بكر ،وادع لي أبا ذؤيب عبد ال بن الحارث العدوي،
فذهب الغلم واستوى على ظهر ناقته ،وكان حي بني سعد من مكة على
ثمانية عشر ميل في طريق جدة ،قال :فذهب الغلم نحو حي بني سعد
فلحق بهم وإذا خيمتهم من مسح ) (5وخوص ،وكذلك خيم العراب
والبوادي ،فدخل شمردل الحي وسأل عن خيمة عبد ال ابن الحارث
فأعطوه الثر ،فذهب شمردل إلى الخيمة فإذا بخيمة عظيمة ،وإذا على باب
الخيمة غلم أسود ،فاستأذن شمردل في الدخول ) (6فدخل الغلم وقال:
أنعم صباحا " يا أبا ذؤيب ،قال :فحياه عبد ال ،وقال له :ما الخبر يا
شمردل ؟ فقال :اعلم يا سيدي إن مولي أبا الحارث عبد المطلب قد
وجهني نحوك ،وهو يدعوك ،فإن رأيت يا سيدي أن تجيبه فافعل ،قال عبد
ال :السمع والطاعة ،و قام عبد ال من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة
فأعطي المفتاح .ففتح باب الخزانة ،وأخرج منها جوشنه فأفرغها على
نفسه ،وأخرج بعد ذلك درعا " فاضل فأفرغه على نفسه فوق جوشنه،
واستخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه ،وتقلد بسيفين ،واعتقل رمحا "،
ودعا بنجيب فركبه ،وجاء نحو عبد المطلب ،فلما دخل تقدم شمردل وأخبر
عبد المطلب،
) (1هكذا في الصل ومصدره ،وتقدم في كلم ابن هشام والمقريزي :شجنة(2) .
هكذا في الصل ،وفي المصدر :غلن ،وكلهما مصحفان ،والصحيح
عيلن بالعين المهملة راجع نهاية الرب 369 :وغيره (3) .ادد خ ل
وهو الصحيح والموجود في المصدر (4) .أخرجنا قبل ذلك نسبه عن
السيرة وإمتاع السماع ،وفيه اختلف مع هذا (5) .المسح بالكسر:
البلس .الكساء من الشعر .والخوص :ورق النخل (6) .في المصدر:
فأستأذن شمردل فأذن له في الدخول.
] [ 344
وكان جالسا " مع رؤساء مكة ،مثل عتبة بن ربيعة ،والوليد بن عتبة ،وعقبة بن
أبي معيط ،وجماعة من قريش ،فلما رأى عبد المطلب عبد ال قام على
قدميه واستقبله وعانقه وصافحه وأقعده إلى جنبه ،وألزق ركبتيه بركبتيه،
ولم يتكلم حتى استراح ،ثم قال له عبد المطلب :يا أبا ذؤيب أتدري بما
دعوتك ؟ قال :يا سيدى وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى تقول فأسمع
منك وأعمل بأحسنه ،قال اعلم :يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبد ال
مات أبوه ،ولم يبن عليه أثره ،ثم ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر ،وهو ل
يسكن من البكاء عيمة " إلى اللبن ،وقد أحضرت عنده ) (1أربعمائة
وستين جارية من أشرف ) (2وأجل بني هاشم ،فلم يقبل من واحدة منهن
لبنا " ،والن سمعنا أن لك بنتا " ذات لبن ،فإن رأيت أن تنفذها لترضع
ولدي محمدا " ،فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها ،وعلي غناك
وغنى أهلك وعشيرتك ،وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء
غيرها فافعل ،ففرح عبد ال فرحا " شديدا " ،ثم قال :يا أبا الحارث إن لي
بنتين ،فأيتهما تريد ؟ قال عبد المطلب :اريد أكملهما عقل ،وأكثرهما لبنا
" ،وأصونهما عرضا " ،فقال عبد ال :هاتيك حليمة لم تكن كأخواتها ،بل
خلقها ال تعالى أكمل عقل ،وأتم فهما " ،وأفصح لسانا " ،وأثج لبنا "،
وأصدق لهجة ،وأرحم قلبا " منهن جمع .قال الواقدي :فقال عبد المطلب
إني ورب السماء ما اريد ،إل ذلك ،فقال عبد ال :السمع والطاعة ،فقام من
ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو بني سعد ) (3بعد أن أضافه،
فلما أن وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال لها :أبشري فقد
جاءتك الدنيا بأسرها ،فقالت حليمة :ما الخبر ؟ قال عبد ال :أعلمي أن
عبد المطلب رئيس قريش وسيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي
ولده ،وتبشري بالعطاء الجزيل ،ففرحت حليمة بذلك ،وقامت من وقتها
وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت من زينتها ،فلما ذهب من
الليل نصفه قام عبد ال وزين ناقته فركبت عليها حليمة ،وركب
) (1في المصدر :وقد عرضت عليه (2) .في المصدر :من أشرف قريش (3) .في
المصدر :نحو حى بنى سعد.
] [ 345
عبد ال فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدي ،وخرجوا من دارهم في داج من
الليل ،فلما أصبحوا كانوا على باب مكة ودخلوها ،وذهبت ) (1إلى دار
عاتكة ،وكانت تلطف محمدا " وتلعقه العسل والزبد الطري ،فلما دخلت
الدار وسمع عبد المطلب بمجيئها جاء من ساعته ودخل الدار ،ووقف بين
يدي حليمة ،ففتحت حليمه جيبها وأخرجت ثديها اليسر ،وأخذت رسول
ال صلى ال عليه وآله فوضعته في حجرها ووضعت ثديها في فمه،
والنبي صلى ال عليه وآله ترك ثديها اليسر واضطرب إلى ثديها اليمن،
فأخذت حليمة ثديها اليمن من يد النبي صلى ال عليه وآله ووضعت ثديها
اليسر في فمه ،وذلك أن ثديها اليمن كان جهاما " ) (2لم يكن فيه لبن،
وخافت حليمة أن النبي صلى ال عليه وآله إذا مص الثدي ) (3ولم يجد
فيه شيئا " ل يأخذ بعده اليسر ،فيأمر عبد المطلب بإخراجها من الدار،
فلما ألحت على النبي صلى ال عليه وآله أن يأخذ اليسر والنبي يميل إلى
اليمن فصاحت عليه وقالت :يا ولدي مص اليمن حتى تعلم أنه جهام
يابس ل شئ فيه ،قال :فلما مص النبي اليمن امتل فانفتح باللبن حتى مل
شدقيه ) (4بأمر ال تعالى وببركته ،فضجت حليمة وقالت :واعجباه منك يا
ولدي ،وحق رب السماء ربيت بثدي اليسر اثنى عشر ولدا " ،وما ذاقوا
من ثديي اليمن شيئا " والن قد انفتح ببركتك ،وأخبرت بذلك عبد ال
فأمرها بكتمان ذلك ،فقال ) (5عبد المطلب :تكونين عندي فأمر لك بإفراغ
قصر بجنب قصري ،واعطيك كل شهر ألف درهم بيض ،ودست ثياب
رومية ،وكل يوم عشرة أمنان خبز حوارى ولحما " مشويا " ،قال :فلما
سمع أبوها عبد ال ذلك أوحى لها أن ل تقيمي عنده ،قالت :يا أبا الحارث
لو جعلت لي مال الدنيا ما أقمت عندك ول تركت الزوج والولد ،قال عبد
المطلب :فإن كان هكذا فأدفع إليك محمدا " على شرطين ،قالت :وما
الشرطين ؟ قال عبد المطلب :أن تحسني إليه ،وتنوميه إلى جنبك ،وتدثريه
) (1في المصدر :وذهبت حليمة (2) .أي كان خاليا من اللبن ولم يكن يدر به،
والجهام :السحاب لماء فيه (3) .في المصدر :الثدى اليمن (4) .في
المصدر :حتى امتل شدقيه كفم رأس الزق بأمر ال (5) .في المصدر هنا
زيادة هي :فلما شبع النبي صلى ال عليه وآله ترك الخلف من ساعته،
فقال.
] [ 346
بيمينك ،وتوسديه بيسارك ،ول تنبذيه وراء ظهرك ،قالت حليمة :وحق رب السماء
إني منذ وقع عليه نظري قد ثبت حبه في فؤادي ،فلك السمع والطاعة يا أبا
الحارث ،ثم قال :وأما الشرط الثاني أن تحمليه إلي في كل جمعة حتى
أتمتع برؤيته ،فإني ل أقدر على مفارقته ،قالت :أفعل ذلك إن شاء ال
تعالى ،فأمر عبد المطلب أن تغسل رأس محمد صلى ال عليه وآله فغسلت
رأسه ،ولففته في خرق السندس ،ثم إن عبد المطلب دفعه إليها وأخذ أربعة
آلف درهم ،وقال لها :يا حليمة ) (1نمضي إلى بيت ال حتى اسلمه إليك
فيه ،فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبي صلى ال عليه وآله سبعا "
وهو على ساعده ملففا " بخرق السندس ،ثم إنه دفعه إليها وأربعة الف
درهم بيض ،وأربعين ثوبا " من خواص كسوته ،ووهب لها أربع جوار
رومية ،وحلل سندس ،ثم إن عبد ال بن الحارث أتى بالناقة فركبتها
حليمة ،وأخذت رسول ال صلى ال عليه وآله في حجرها وشيعه عبد
المطلب إلى خارج مكة ،ثم أخذت حليمة رسول ال صلى ال عليه وآله إلى
جنبها من داخل خمارها ،فلما بلغت حليمة حي بني سعد كشفت عن وجه
رسول ال صلى ال عليه وآله فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهواء
طول وعرضا " إلى أعنان السماء ) .(2قال الواقدي :فلما رأى الخلق ذلك
لم يبق في حي بني سعد صغير ول كبير ول شيخ ول شاب إل استقبلوا
حليمة وهنأوها بما رزقها ال تعالى من الكرامة الكبرى ،فذهبت حليمة إلى
باب خيمتها وبركت الناقة والنبي صلى ال عليه وآله في حجرها ،فما
وضعته عند الصغير إل حمله الكبير ،وما وضعته عند الكبير إل وأخذه
الصغير ،وذلك كله لمحبة النبي صلى ال عليه وآله .قال الواقدي :فبقي
النبي صلى ال عليه وآله عند حليمة ترضعه وكانت تقول :يا ولدي ورب
السماء إنك لعندي أعز من ولدي ضمرة وقرة عيني ،أترى أعيش حتى
أراك كبيرا " كما رأتيك صغيرا " ؟ وكانت تؤثر محمدا " على أولدها جدا
" ،ول تفارقه ساعة ).(3
) (1في المصدر :تعالى يا حليمة (2) .في المصدر :حتى التزق بأعنان السماء(3) .
في المصدر :ول تفارق محمدا عن عينيها.
] [ 347
قال الواقدي :قالت حليمة :وال ما غسلت لمحمد ثوبا " من بول ول غائط ،بل كان
إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه
و تخدمه حتى تقضي ) (1حاجته ،ول شممت ورب السماء من محمد
رائحة النتن قط ،بل كان إذا خرج من قبله أو دبره شئ يفوح منه رائحة
المسك والكافور ،قالت حليمة :فلما أتى على النبي صلى ال عليه وآله
تسعة أشهر ما رأيث ما يخرج من دبره ) ،(2لن الرض كانت تبتلع ما
يخرج منه فلهذا لم أره .قال الواقدي :ولما كملت له عشرة أشهر قامت
حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة لنتباه النبي صلى ال
عليه وآله لتزينه وتحمله إلى عند جده عبد المطلب ،قال :فلم ينتبه النبي
صلى ال عليه وآله وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة ،فلم يخرج إل
بعد أربع ساعات ،فخرج رسول ال صلى ال عليه وآله مغسول الرأس،
مسرح الذوائب ،وقد زوق جبينه وذقنه ،وعليه ألوان الثياب من السندس
والستبرق ،فتعجبت حليمة من زينة النبي صلى ال عليه وآله ومن لباسه
مما رأت عليه ،فقالت :يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة
الكاملة ؟ فقال لها محمد صلى ال عليه وآله :أما الثياب فمن الجنة ،وأما
الزينة فمن الملئكة ) ،(3قال :فتعجبت حليمة من ذلك عجبا " شديدا "،
ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة ،فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه
واعتنقه ،وأخذه إلى حجره ،فقال له :يا ولدي من أين لك هذه الثياب
الفاخرة والزينة الكاملة ؟ فقال له النبي صلى ال عليه وآله :يا جد استخبر
ذلك من حليمة ،فكلمته حليمة و قالت :ليس ذلك من أفعالنا ،فأمر عبد
المطلب حليمة أن تكتم ذلك ،وأمر لها بألف درهم بيض ،وعشرة دسوت )
(4ثياب ،وجارية رومية ،فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى
حيها .قال الواقدي :فلما أتى على النبي خمسة عشر شهرا " كان إذا نظر
إليه الناظر يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لتمام وقارة جسمه وملحة
بدنه.
) (1في المصدر :يقضى (2) .في المصدر :ما رايت ما يخرج من دبره نتنا (3) .في
المصدر :فمن أفعال الملئكة (4) .دسوت جمع الدست والدست من
الثياب :ما يلبسه النسان من الثياب.
] [ 348
قال الواقدي :فلما حملت حليمة النبي صلى ال عليه وآله إلى حيها حين أخذته من
عند عبد المطلب وكان لها اثنان وعشرون رأسا " من المواشي فوضعت
في تلك السنة كل شاة توأما " ببركة النبي صلى ال عليه وآله ،وخرج من
عندها ولها ألف وثلثون رأسا " من الشاغية والراغية .قال الواقدي:
وكان لرسول ال صلى ال عليه وآله إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار
إلى الرعاية ويعودون بالليل إلى منازلهم ،فرجعوا ذات ليلة مغمومين ،فلما
دخلوا الدار قالت لهم حليمة :مالي أراكم مغمومين ؟ قالوا :يا امنا إن في
هذا اليوم جاء ذئب وأخذ شاتين من شياهنا وذهب بهما ،فقالت حليمة:
الخلف والخير على ال تعالى ،فسمع النبي قولهم ،فقال لهم :ل عليكم،
فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية ال تعالى ،فقال ضمرة :واعجبا "
منك يا أخي قد أخذهما بالمس ،فكيف تسترجعهما باليوم ؟ فقال النبي
صلى ال عليه وآله :إنه صغير في قدرة ال تعالى ،فلما أصبحوا قام
ضمرة وأخذ رسول ال على كتفه فقال النبي صلى ال عليه وآله :مر بي
إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين ،قال :فذهب برسول ال صلى ال
عليه وآله إلى ذلك الموضع ،فعند ذلك نزل النبي صلى ال عليه وآله عن
كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة ل تعالى وقال :الهي وسيدي ومولي تعلم
حق حليمة علي ،وقد تعدى ذئب على مواشيها ،فأسألك أن تلزم الذئب برد
المواشى إلي ،قال :فما استتم دعائه حتى أوحى ال تعالى إلى الذئب :أن
يرد المواشي إلى صاحبها .قال الواقدي :إن الذئب لما ذهب بالشاتين حين
أخذهما نادى مناد :يا أيها الذئب احذر ال وبأسه ) (1وعقوبته ،واحفظ
الشاتين اللتين أخذتهما حتى تردهما على خير النبياء والمرسلين ،محمد
بن عبد ال بن عبد المطلب صلى ال عليه وآله ،فلما سمع الذئب النداء
تحير ودهش ،ووكل بهما راعيا " يرعاهما إلى الصباح ،فلما حضر النبي
عليه السلم ودعا بدعائه قام الذئب وردهما ،وقبل قدم النبي صلى ال
عليه وآله ،وقال :يا محمد اعذرني فإني لم أعلم أنهما لك ،فأخذ ضمرة
الشاتين ،ولم ينقص منهما شئ فقال ضمرة :يا محمد ما أعجب شأنك ؟
وأنفذ أمرك ؟ فبلغ ذلك عبد المطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أن
يحسده قريش ).(2
) (1في المصدر :من بأسه (2) .في المصدر :مخافة أن يأخذوه قريش ويعملون في
دمه.
] [ 349
قال الواقدي :فبقي رسول ال صلى ال عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال
لها :مالي ل أرى إخوتي بالنهار وأراهم بالليل ؟ فقالت له :يا سيدي
سألتني عن إخوتك وهم يخرجون في النهار إلى الرعاء ،فقال لها النبي
صلى ال عليه وآله :يا أماه احب أن أخرج معهم إلى الرعاء ،وأنظر إلى
البر والسهل والجبل ،وأنظر إلى البل كيف تشرب اللبن من امهاتها،
وأنظر إلى القطائع ) ،(1وإلى عجائب ال تعالى في أرضه ،وأعتبر من
ذلك ،وأعرف المنفعة من المضرة ،فقالت له حليمة :أفتحب يا ولدي ذلك ؟
قال :نعم ،فلما أصبحوا اليوم الثاني قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلى
ال عليه وآله ،وسرحت شعره ،ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا " فاخرة،
وجعلت في رجليه نعلين من حذى ) (2مكة ،وعمدت إلى سلة وجعلت فيها
أطعمة جيدة ،وبعثته مع أولدها ،وقالت لهم :يا أولدي اوصيكم بسيدي
محمد صلى ال عليه وآله أن تحفظوه ،وإذا جاع فأطعموه ،وإذا عطش
فاسقوه ،فإذا عي ) (3فأقعدوه حتى يستريح ،فخرج النبي صلى ال عليه
وآله وعلى يمينه عبد ال بن الحارث ،وعن يساره ضمرة ،وقرة قدامه،
والنبي صلى ال عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم ،فما بقي حجر ول مدر
إل وهم ينادون :السلم عليك يا محمد ،السلم عليك يا أحمد ،السلم عليك
يا حامد ،السلم عليك يا محمود ،السلم عليك يا صاحب القول العدل :ل
إله إل ال ،محمد رسول ال ،طوبى لمن آمن بك ،والويل لمن كفر بك ،ورد
عليك حرفا " تأتي به من عند ربك ،والنبي صلى ال عليه وآله يرد عليهم
السلم ،وقد تحير الذين معه مما يرون من العجائب ،ثم إن النبي صلى ال
عليه وآله أصابه حر الشمس ،فأوحى ال تعالى إلى إستحيائيل :أن مد
فوق رأس محمد صلى ال عليه وآله سحابة بيضاء ،فمدها فأرسلت
عزاليها ) (4كأفواه القرب ،ورش القطر على السهل والجبل ،ولم تقطر
على رأس
) (1القطائع :طائفة من الغنم والنعم وسواها ) (2الحذاء بالمد :النعل (3) .أي عجز
عن المشى .وفي المصدر بعد قوله :يستريح :فقبلوا وصيتها أولدها،
فقالوا لها :يا امنا إن محمدا صلى ال عليه وآله ل عزنا وهو أخونا،
ونفذت معهم عبد ال بن الحارث ،ويسارة وزوجها ابن بكير بن سعد،
فخرج النبي صلى ال عليه وآله ،اه قلت :قوله :ابن بكير تصحيف من
الناسخ ،والصحيح :بكر بن سعد كما تقدم ،وتقدم في الحديث الثاني أن
زوجها الحارث بن عبد العزى (4) .قال الجزرى :العزالى جمع العزلء
وهو فم المزادة السفل ،فشبه اتساع المطر واندفاقه بالذى يخرج من فم
المزادة ومنه الحديث :فأرسلت السماء عزاليها .قلت :المزادة :الرواية.
] [ 350
محمد صلى ال عليه وآله قطرة ،وسالت من ذلك المطر الودية ،وصار الوحل في
الرض ما خل طريق محمد صلى ال عليه وآله ،وكان ينزل من تلك
السحابة ) (1ريش الزعفران ،وسنابل المسك ،وكان في تلك البرية نخلة
يابسة عادية ) (2قد يبست أغصانها ،وتناثرت أوراقها منذ سنتين ،فاستند
النبي صلى ال عليه وآله إليها فأورقت وأرطبت وأثمرت وأرسلت ثمارها
من ثلثة أجناس :أخضر ،وأحمر ،واصفر ،وقعد النبي صلى ال عليه وآله
هنالك يكلم إخوته ورأى النبي صلى ال عليه وآله روضة خضراء ،فقال:
يا إخوتي اريد أن أمر بهذه الروضة ،وكان وراء الروضة تل كؤود )،(3
وعليه أنواع ) (4النباتات ،فقال :يا إخوتي ما ذلك التل ؟ فقالوا له :يا
محمد وراء ذلك التل البراري والمفاوز ،فقال النبي صلى ال عليه وآله
إني قد اشتهيت أن أنظر إليه ،فقال القوم :نحن نمضي معك إليه ،فقال لهم
النبي صلى ال عليه وآله :بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم ،وأنا أمضي وحدي و
أرجع إليكم سريعا " إن شاء ال تعالى ،فقالوا جميعا " :مر ) (5يا محمد
فإن قلوبنا متفكرة بسببك .قال الواقدي :ثم إن النبي صلى ال عليه وآله
مر في تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك البراري والمفاوز ،وهو يعتبر
ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل ،ونظر إلى جبل شاهق في الهواء
كالحائط ول يتهيأ له صعوده لعتداله وارتفاعه في الهواء ،فقال النبي
صلى ال عليه وآله في نفسه :إني اريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما
ورائه من العجائب .قال الواقدي :فأراد النبي صلى ال عليه وآله أن يصعد
الجبل فلم يتهيأ له ذلك لستوائه في الهواء فصاح إستحيائيل في الجبل
صيحة أرعشته فاهتز اهتزازا " ،وقال له :أيها الجبل ويحك أطع محمدا "
صلى ال عليه وآله خير المرسلين ،فإنه يريد أن يصعد عليك ،ففرح الجبل
وتراكم بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار ،فصعد النبي صلى ال
عليه وآله أعله ،وكانت تحت
) (1في هامش المصدر :فقد نبت من تلك السحابة ظ (2) .في المصدر :وكانت في
تلك البرية شجرة طويلة عايشة عادية (3) .كؤود :صعب شاق المصعد.
) (4في المصدر :ألوان (5) .في نسخة من المصدر :سر.
] [ 351
هذا الجبل حيات كثيرة من ألوان شتى ،وعقارب كالبغال ،فلما هم النبي صلى ال
عليه وآله بالنزول إلى تحت الجبل صاح الملك استحيائيل صيحة عظيمة،
وقال :أيتها الحيات والعقارب غيبوا أنفسكم في جحوركم ) (1وتحت
صخوركم ل يراكم سيد الولين والخرين ،فسارع الحيات والعقارب إلى ما
أمرهم استحيائيل ،وغيبوا أنفسهم في كل جحر وتحت كل حجر ،ونزل
النبي صلى ال عليه وآله من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل
وألين من الزبد ،فقعد النبي صلى ال عليه وآله عند العين ،فنزل جبرئيل
عليه السلم في ذلك الموضع وميكائيل وإسرافيل ودردائيل ،فقال جبرئيل:
السلم عليك يا محمد ،السلم عليك يا أحمد ،السلم عليك يا حامد ،السلم
عليك يا محمود ،السلم عليك ياطه :السلم عليك يا أيها المدثر ،السلم
عليك يا أيها المليح ،السلم عليك يا طاب طاب ) ،(2السلم عليك يا سيد يا
سيد ،السلم عليك يا فارقليط ،السلم عليك يا طس ،السلم عليك يا طسم،
السلم عليك يا شمس الدنيا ،السلم عليك يا قمر الخرة ،السلم عليك يا
نور الدنيا والخرة ،السلم عليك يا شمس القيامة ،السلم عليك يا خاتم
النبيين ،السلم عليك يا زهرة الملئكة ،السلم عليك يا شفيع المذنبين )
،(3السلم عليك يا صاحب التاج والهراوة ) ،(4السلم عليك يا صاحب
القرآن والناقة ،السلم عليك يا صاحب الحج والزيارة ،السلم عليك يا
صاحب الركن والمقام ،السلم عليك يا صاحب السيف القاطع ،السلم عليك
يا صاحب الرمح الطاعن ،السلم عليك يا صاحب السهم النافذ ،السلم
عليك يا صاحب المساعي ،السلم عليك يا أبا القاسم ،السلم عليك يا
مفتاح الجنة ،السلم عليك يا مصباح الدين ،السلم عليك يا صاحب
الحوض المورود ،السلم عليك يا قائد المسلمين ،السلم عليك يا مبطل
عبادة الوثان ،السلم عليك يا قائد المرسلين ،السلم عليك يا مظهر
السلم ،السلم عليك يا يا صاحب قول ل إله إل ال ،محمد رسول ال،
طوبى لمن آمن بك ،والويل لمن كفر بك ،ورد عليك حرفا " مما تأتي به
من عند ربك ،والنبي صلى ال عليه وآله يرد عليه السلم ،فقال لهم :من
) (1الجحور جمع الجحر بالضم فالسكون :مكان تحتفرها السباع والهوام ل نفسها.
) (2يا طاب خ ل وهو الموجود في المصدر (3) .في المصدر زيادة
هناهى :السلم عليك يا صاحب القضيت والناقة (4) .الهراوة بالكسر:
العصا.
] [ 352
أنتم ؟ قالوا :نحن عباد ال ،وقعدوا حوله ،قال :فنظر النبي صلى ال عليه وآله إلى
جبرائيل عليه السلم قال :ما اسمك ؟ قال :عبد ال ،ونظر إلى إسرافيل
وقال له :ما اسمك ؟ قال :اسمي عبد ال ،ونظر إلى ميكائيل وقال له :ما
اسمك ؟ قال :عبد الجبار ،ونظر إلى دردائيل وقال له :ما اسمك ؟ قال :عبد
الرحمن ،فقال النبي صلى ال عليه وآله كلنا عباد ال ،وكان مع جبرئيل
طست من ياقوت أحمر ،ومع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر وفي البريق
ماء من الجنة ،فتقدم جبرئيل عليه السلم ووضع فمه على فم محمد صلى
ال عليه وآله إلى أن ذهبت ثلث ساعات من النهار ،ثم قال :يا محمد اعلم
وافهم ما بينته لك ،قال :نعم إن شاء ال تعالى ،وقد مل جوفه علما "
وفهما " وحكما " وبرهانا " ،وزاد ال تعالى في نور وجهه سبعة
وسبعين ضعفا " ،فلم يتهيأ لحد أن يمل بصره من رسول ال صلى ال
عليه وآله ،فقال له جبرائيل عليه السلم :ل تخف يا محمد ،فقال له النبي
صلى ال عليه وآله :ومثلي من يخاف ؟ وعزة ربي وجلله وجوده وكرمه
وارتفاعه في علو مكانه لو علمت شيئا " ) (1دون جلل عظمته لقلت :لم
أعرف ربي قط ،قال :ونزل جبرائيل ) (2إلى ميكائيل وقال :حق لربنا أن
يتخذ مثل هذا حبيبا " ،ويجعله سيد ولد آدم ،ثم إن جبرائيل عليه السلم
ألقى رسول ال صلى ال عليه وآله على قفاه ورفع أثوابه ،فقال له النبي
صلى ال عليه وآله :ما تريد تصنع يا أخي جبرائيل ؟ فقال جبرائيل :ل
بأس عليك ،فأخرج جناحه ) ،(3وشق بطن النبي صلى ال عليه وآله
وأدخل جناحه في بطنه ،وخرق قلبه ،وشق المقلبة وأظهر نكتة سوداء
فأخذها جبرائيل عليه السلم فغسلها ،وميكائيل يصب الماء عليه ،فنادى
مناد من السماء يقول :يا جبرائيل ل تقشر قلب محمد صلى ال عليه وآله
فتوجعه ،ولكن اغسله بزغبك -والزغب ،هو الريش الذي تحت الجناح -
فأخذ جبرئيل زغبة وغسل بها قلب محمد صلى ال عليه وآله ثم ،رد
المقلبة إلى القلب ،والقلب إلى الصدر ،فقال عبد ال بن العباس :ذات يوم
والنبي صلى ال عليه وآله قد بلغ مبلغ الرجال :سألت النبي صلى ال عليه
وآله بأي شئ غسل قلبك يا رسول ال ؟ ومن أي شئ ؟ قال :غسل من
الشك واليقين ) (4ل من الكفر ،فإني لم أكن كافرا " قط ،لني كنت مؤمنا
" بال من قبل أن
) (1في هامش المصدر :لو أني اخاف شيئا (2) .في المصدر :جبرئيل ،وكذا فيما
يأتي ) (3في المصدر :جناحه الخضر (4) .هكذا في الصل ومصدره،
واستظهر المصنف في الهامش أنه مصحف الفتن.
] [ 353
أكون في صلب آدم عليه السلم ) (1فقال له عمر بن الخطاب :متى نبئت يا رسول
ال ؟ قال :يا أبا حفص نبئت وآدم بين الروح والجسد .قال الواقدي :فقال
إسرافيل ) (2لمحمد صلى ال عليه وآله :ما اسمك يافتى ؟ فقال النبي
صلى ال عليه وآله :أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبدمناف ولي اسم غير هذا ،قال إسرافيل :صدقت يا محمد ،ولكني امرت
بأمر فأفعل ،قال النبي صلى ال عليه وآله :افعل ما امرت به ،فقام إسرافيل
إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وحل أزار قميصه ،وألقاه على قفاه )
،(3وأخرج خاتما " كان معه وعليه سطران :الول ل إله إل ال ،والثاني
محمد رسول ال ،وذلك خاتم النبوة ،فوضع الخاتم بين كتفي النبي صلى
ال عليه وآله ،فصار الخاتم بين كتفيه كالهلل الطالع بجسمه ،واستبان
السطران بين كتفيه كالشامة يقرئهما كل عربي كاتب ) ،(4ثم دنا دردائيل
وقال :يا محمد تنام الساعة ،فقال له :نعم ،فوضع النبي صلى ال عليه
وآله رأسه في حجر دردائيل وغفا ) (5غفوة فرأى في المنام كأن شجرة
نابتة فوق رأسه ،وعلى الشجرة أغصان غلظ مستويات كلها ،وعلى كل
غصن من أغصانها غصن وغصنان وثلثة وأربعة أغصان ،ورأى عند
ساق الشجرة من الحشيش ما ل يتهيأ وصفه ،وكانت الشجرة عظيمة
غليظة الساق ذاهبة في الهواء ،ثابتة الصل ،باسقة الفرع ) ،(6فنادى
مناديا " :يا محمد ! أتدري ما هذه الشجرة ؟ فقال
) (1قصة شق بطنه صلى ال عليه وآله من مرويات العامة التى لم يصححها حديث
ول اعتبار ،والخاصة برآء من تلك وأمثالها ،وهذا الحديث أيضا كما ترى
من أحاديث العامة رواه الواقدي ،وهو مشتمل على غرائب اخرى تقدمت
قبل وتأتى بعد كقصة الميزان (2) .في المصدر زيادة هي هكذا :قال
الواقدي :وأما ما كان من أمر النبي صلى ال عليه وآله وسلم أن جبرئيل
قام وصب الماء على أرض قزوين فحصل من ذلك لرض قزوين أمر
عظيم ،قال :وعرج جبرئيل عليه السلم وميكائيل إلى السماء ،فقال
اسرافيل إه .قلت :فيه غرابة جدا ،ولعله لذلك أسقطه المصنف (3) .هكذا
في الصل ومصدره ،واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح :على
وجهه (4) .في المصدر زيادة هي هكذا :وفرغ إسرافيل من عمله وجاء
بين يدى النبي صلى ال عليه و آله وسلم (5) .غفا :نعس .نام نومة
خفيفة (6) .بسق النخل :ارتفعت اغصانه وطال.
] [ 354
النبي صلى ال عليه وآله :ل يا أخي ،قال :اعلم أن هذه الشجرة أنت ،والغصان
أهل بيتك ،والذي تحتها محبوك ومواليك ،فأبشر يا محمد بالنبوة الثيرة )
،(1والرئاسة الخطيرة ،ثم إن دردائيل أخرج ميزانا " عظيما " كل كفة
منه ما بين السماء والرض ،فأخذ النبي صلى ال عليه وآله ووضعه في
كفه ،ووضع مأة من أصحابه في كفه فرجح بهم النبي صلى ال عليه وآله،
ثم عمد إلى ألف رجل من خواص امته فوضعهم في الكفة الثانية فرجح
بهم النبي صلى ال عليه وآله ،ثم عمد إلى أربعة آلف رجل من امته
فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي صلى ال عليه وآله ،ثم عمد إلى نصف
امته فرجح بهم النبي ،ثم عمد إلى امته كلهم النبياء والمرسلين ثم
الملئكة كلهم أجمعين ثم الجبال والبحار ثم الرمال ثم الشجار ثم المطار
ثم جميع ما خلق ال تعالى فوزن بهم النبي صلى ال عليه وآله فلم
يعدلوه ،ورجح النبي صلى ال عليه وآله بهم ،فلهذا قال :خير الخلق محمد
صلى ال عليه وآله ،لنه رجح بالخلق أجمعين ،وهذا كله يراه بين النوم
واليقظة ،فقال دردائيل :يا محمد طوبى لك ،ثم طوبى لك ولمتك ،وحسن
مآب ،والويل كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا " مما تأتي به من عند
ربك ،ثم عرج الملئكة إلى السماء ) .(2قال الواقدي :فلما طال مكث النبي
طلبه في تلك المفاوز إخوته أولد حليمة ،فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة
فأعلموها بقصته ،فقامت ذاهلة العقل ،تصيح في حي بني سعد ،فوقعت
الصيحة في حي بني سعد أن محمدا " قد افتقد ،فقامت حليمة ومزقت
أثوابها ،وخدشت وجهها ،وكشفت شعرها ) (3وهي تعدو في البراري
والمفاوز والقفار حافية القدم ،والشوك يدخل في رجليها ،والدم يسيل
منهما ،وهي تنادي :واولداه ،واقرة عيناه ،واثمرة فؤاداه ،ومعها نساء
بني سعد يبكين معها ،مكشفات الشعور ،مخدشات الوجوه ،وحليمة
) (1الئيره :المكرمة (2) .في المصدر هنا زيادة هي :فأتت تلك الشجرة التى رآها
في النوم على وصفها ،ونشرت أغصانها ،وزجت أوراقها ،وأرسلت
أثمارها بامر ال تعالى ،وعليها كل ثمرة من لون ،واجتمع صفرة
الشمس واختلطت بحمرة الورق ،واللوان مختلطة بعضها ببعض .قلت
فيه :اضطراب بين ،ولعل لذلك أسقطها المصنف (3) .في المصدر:
نقشت شعرها ،أي نتفتها.
] [ 355
تسقط مرة ،وتقوم اخرى ،وما بقي في الحي شيخ ول شاب ول حر ول عبد إل
يعدوا في البرية في طلب محمد صلى ال عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب
محترق ،وركب عبد ال بن الحارث وركب معه آل بني سعد ،وحلف إن ل
وجدت محمدا " صلى ال عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد
وغطفان ،وأقتلهم عن آخرهم ،وأطلب بدم محمد صلى ال عليه وآله،
وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكة ودخلها ،وكان عبد
المطلب قاعدا " عند أستار الكعبة مع روسآء قريش وبني هاشم ،فلما نظر
إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال :ما الخبر ؟ فقالت
حليمة :اعلم أن محمدا " قد فقدناه منذ أمس ،وقد تفرق آل سعد في طلبه،
قال :فغشي عليه ساعة ،ثم أفاق وقال كلمة ل يخذل قائلها :ل حول ول قوة
إل بال العلي العظيم ،ثم قال :يا غلم هات فرسي وسيفي وجوشني ،فقام
عبد المطلب وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى :يا آل غالب ،يا آل عدنان ،يا
آل فهر ،يا آل نزار ،يا آل كنانة ،يا آل مضر ،يا آل مالك ،فاجتمع عليه
بطون العرب ورؤوساء بني هاشم وقالوا له :ما الخبر يا سيدنا ؟ فقال لهم
عبد المطلب :إن محمدا " صلى ال عليه وآله ل يرى منذ أمس فاركبوا
وتسلحوا ،فركب ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلف رجل ،فبكى الخلق
كلهم رحمة لعبد المطلب ،وقامت الصيحة والبكاء في كل جانب حتى
المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي بني
سعد ،وسائر الطراف ،وانجذب ) (1عبد المطلب نحو حي عبد ال بن
الحارث وأصحابه باكين العيون ،ممزقين الثياب ،فلما نظر عبد ال إلى عبد
المطلب رفع صوته بالبكاء وقال :يا أبا الحارث واللت والعزى واثاف )(2
ونائلة إن لم أجد محمدا "
) (1انجذب في السير :أسرع أوصار فيه بعيدا " (2) .هكذا في الصل ،وهو
مصحف ،وفى المطبوع :اساف بالسين وهو الصحيح ،واساف ككتاب
وسحاب :وصنم وضعها عمرو بن لحى على الصفا ،ونائلة على المروة،
وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة ،وقال اليعقوبي :أول صنم وضع بمكة
هبل ،قدم به مكة عمرو بن لحى من الشام ،ثم وضعوا به اساف ونائلة
كل واحد منهما على ركن من أركان البيت ،فكان الطائف إذا طاف بدأ
باساف فقبله وختم به انتهى وقال ابن إسحاق :وضعوهما على موضع
زمزم ينحرون عندهما .واللت مشددة التاء من اللت وهو المزج والخلط،
ثم خففت :صنم بالطائف ،أحدث من مناة كانت صخرة مربعة ،وكان
يهودى يلت السويق عندها ،قد بنوا أمامها بيتا ،وكانت قريش وجميع
العرب تعظمها ،وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف على ما في
السيرة ،أو بنى عتاب بن مالك على ما قاله الكلبى< - .
] [ 356
وضعت سيفي في حي بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم ،قال :فرق قلب عبد
المطلب على حي آل سعد وقال :ارجعوا أنتم إلى حيكم إن لم أجد محمدا "
الساعة رجعت إلى مكة ول أدع فيها يهوديا " ول يهودية ،ول أحدا "
ممن أتهمه بمحمد ،فأمدهم ) (1تحت سيفي مد " طلبا " لدم محمد صلى
ال عليه وآله .قال الواقدي :وأقبل من اليمن أبو مسعود الثقفي وورقة بن
نوفل وعقيل بن أبي وقاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمد صلى ال
عليه وآله ،وإذا بشجرة نابتة في الوادي ،فقال ورقة لبي مسعود :إني
سلكت هذا الطريق ثلثين مرة ،وما رأيت قط هاهنا هذه الشجرة ،قال
عقيل :صدقت ،فمروا بنا حتى ننظر ما هي ،قال :فذهبوا جميعا " وتركوا
الطريق الول ،فلما قربوا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلما " أمرد ما
رأى الراؤون مثله ،كأنه قمر ،فقال عقيل وورقة :ما هو إل جني ! فقال
أبو مسعود :ما هو إل من الملئكة وهم يقولون والنبي صلى ال عليه وآله
يسمع كلمهم ،فاستوى قاعدا " فرأى القوم وراءه ،فقال أبو مسعود :من
أنت يا غلم ؟ أجني أنت أم إنسي ؟ فقال النبي صلى ال عليه وآله :بل أنا
إنسي ،فقال :ما اسمك ؟ قال :محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم
بن عبدمناف ،فقال أبو مسعود :أنت نافلة عبد المطلب ؟ قال :نعم ،قال:
كيف وقعت هاهنا ؟ فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها ،فنزل أبو
مسعود عن ظهر ناقته وقال له :أتريد أن أمر بك إلى جدك ؟ فقال النبي
صلى ال عليه وآله :نعم ،فأخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا " حتى
بلغوا قريبا " من حي بني سعد ،فنظر النبي صلى ال عليه وآله في البرية
فرأى جده عبد المطلب وأصحابه ل يرونه ،فقالوا :يا محمد إنا ل نراه،
وذلك أن نظرته نظرة النبياء عليهم السلم ،فقال لهم :مروا حتى أراكم،
فمروا وإذا عبد المطلب مقبل هو وأصحابه ،فلما نظر عبد المطلب إلى
محمد صلى ال عليه وآله وثب عن فرسه ،وأخذ
> -والعزى :صنم من أعظم أصنام العرب ،كانت بواد النخلة الشامية يقال له:
حراض ،بازاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة ،فبنى عليها
بيت وكانوا يسمعون فيه الصوت ،وكانت أعظم الصنام عند قريش وبنى
كنانة ،كانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح ،وكان
سدنتها وحجابها بنى شيبان من سليم حلفاء بنى هاشم قاله ابن هشام
والكلبي ،وقال اليعقوبي :كانت لغطفان (1) .فأقد هم تحت سيفى قدا خ ل.
] [ 357
رسول ال صلى ال عليه وآله إلى سرجه ،وقال له :أين كنت يا ولدي ؟ وقد كنت
عزمت أن أقتل أهل مكة جميعا " ،فقص النبي صلى ال عليه وآله القصة
على جده من أولها إلى آخرها ،ففرح عبد المطلب فرحا " شديدا "،
وخرج من خيله ورجله ودخل مكة ،ودفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة ،و
إلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة ،قال :وذهبت حليمة إلى عبد المطلب
وقالت له :ادفع إلي محمدا " صلى ال عليه وآله ،فقال عبد المطلب :يا
حليمة إني أحببت أن تكوني معنا بمكة وإل ما كنت بالذي اسلمه إليك مرة
اخرى ،فوهب لعبد ال بن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب أحمر ،و عشرة
آلف درهم بيض ،ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن ،ووهب لخوان
النبي صلى ال عليه وآله أولد حليمة وهما ضمرة وقرة أخواه من
الرضاعة مأتي ناقة ،وأذن لهم بالرجوع إلى حيهم ) .(1بيان :اعتقل رمحه
أي جعله بين ركابه وساقه .والعيمة :شهوة اللبن .والثج :السيلن.
والجهام بالفتح :السحاب ل ماء فيه .والحواري بالضم وتشديد الواو
والرآء المفتوحة :ما حور من الطعام أي بيض .والوحي :الشارة والكلم
الخفي .والتزويق :التزيين والتحسين والنقش .والثاغية :الشاة .والراغية:
البعير ،ولعل المقبلة ما في جوف القلب ولم أجده في كتب اللغة .والثيرة:
المكرمة المختارة .اقول :هذا الخبر وإن لم نعتمد عليه كثيرا " لكونه من
طرق المخالفين إنما أوردته لما فيه من الغرائب ) (2التي ل تأبى عنها
العقول ،ولذكره في مؤلفات أصحابنا - 14 .د :عن آمنة بنت أبى سعيد
السهمي قالت :امتنع أبو طالب من إتيان اللت
) (1الفضائل (2) .52 - 31 :وإن كنا ل نحتاج في إثبات عظمته إليها بعد ما ملت
فضائله الفاق ،وطار صيت جللته في الخافقين ،وبعد ما اعترف
الموافق والمخالف نبوغه وأنه رجل عالمى نشأ من بين قوم كانوا في
أحط مراتب الرقى والمدنية ،وجاء بقوانين ل يمكن أن يأتي بها أكبر
رجالت الملل المترقية و إن بلغوا أقصى مدارج العلم والفضيلة ،وأسس
دولة عظيمة في امة ضعيفة كانت فاقدة لجميع شئون الحضارة ،متصفة
بصفات الجاهلية ،مرتطمة في أوحال الفوضى والهمجية ،امة ضعيقه
تشتمل على قبائل متعادية متباغضة ،معتقدة للوهام والخرافة ،ل تعرف
شرعة ول نظاما ،وبالجملة فنحن في غنى من أن نسرد فضائله على نحو
تنطبق على قانون المعجزة وخارق العادة ،كما نرى كاتبى سيرته صلى
ال عليه وآله وسلم من القدماء يمشون على تلك الطريقة.
] [ 358
والعزى بعد رجوعه من الشام في المرة الولى حتى وقع بينه وبين قريش كلم
كثير ،فقال لهم أبو طالب :إنه ل يمكنني أن افارق هذا الغلم ول مخالفته،
وإنه يأبى أن يصير إليهما ،ول يقدر أن يسمع بذكرهما ،ويكره أن آتيهما
أنا ،قالوا :فل تدعه وأدبه حتى يفعل ويعتاد عبادتهما ،فقال أبو طالب:
هيهات ما أظنكم تجدونه ول ترونه يفعل هذا أبدا " ،قالوا :ولم ذاك ؟ قال:
لني سمعت بالشام جميع الرهبان يقولون :هلك الصنام على يد هذا
الغلم ،قالوا :فهل رأيت يا أبا طالب منه شيئا " غير هذا الذي تحكيه عن
الرهبان ؟ فإنه غير كائن أبدا " أو نهلك جميعا " ،قال :نعم ،نزلنا تحت
شجرة يابسة فاخضرت وأثمرت ،فلما ارتحلنا وسرنا نثرت على رأسه
جميع ثمرها ونطقت ،فما رأيت شجرة قط تنطق قبلها وهي تقول يا أطيب
الناس فرعا " ،وأزكاهم عودا " ،امسح بيديك المباركتين على لبقي
خضراء إلى يوم القيامة ،قال :فمسح يده عليها فازدادت الضعف نورا "
وخضرة ،فلما رجعنا للنصراف ومررنا عليها ونزلنا تحتها فإذا كل طير
على ظهر الرض له فيها عش ) (1وفرخ ،ولها بعدد كل صنف من الطير
أغصان كأعظم الشجار على ظهور الرضين ،قال :فما بقي طير إل
استقبله يمد جناحه على رأسه ،قال :فسمعت صوتا " من فوقها وهي
تقول :ببركتك يا سيد النبيين والمرسلين قد صارت هذه الشجرة لنا مأوى،
فهذا ما رأيت ،فضحكت قريش في وجهه ،وهم يقولون :أترى يطمع أبو
طالب أن يكون ابن أخيه ملك هذا الزمان ) - 15 .(2د :عن أبي جعفر
محمد الباقر عليه السلم قال :لما أتى على رسول ال صلى ال عليه وآله
اثنان وعشرون شهرا " من يوم ولدته رمدت عيناه ،فقال عبد المطلب
لبي طالب :اذهب بابن أخيك إلى عراف الجحفة وكان بها راهب طبيب في
صومعته ،فحمله غلم له في سفط هندي حتى أتى به الراهب فوضعه تحت
الصومعة ،ثم ناداه أبو طالب :يا راهب ،فأشرف عليه فنظر حول الصومعة
إلى نور ساطع ،وسمع حفيف أجنحة الملئكة ،فقال له :من أنت ؟ قال :أبو
طالب بن عبد المطلب ،جئتك بابن أخي لتداوي عينه ،فقال :وأين هو ؟
قال :في السفط قد غطيته من الشمس ،قال :اكشف عنه ،فكشف عنه ،فإذا
هو بنور ساطع
) (1العش :موضع الطائر (2) .العدد :مخطوط ،والحديث يتضمن ما ل يخلو عن
غرابة ،واشكال.
] [ 359
في وجهه قد أذعر الراهب ،فقال له :غطه فغطاه ،ثم أدخل الراهب رأسه في
صومعته فقال :أشهد أن ل إله إل ال ،وأنك رسول ال حقا " حقا ،وأنك
الذي بشر به في التوراة والنجيل على لسان موسى وعيسى عليهما
السلم ،فأشهد أن ل إله إل ال ،وأنك رسوله ،ثم أخرج رأسه و قال :يا
بني انطلق به فليس عليه بأس ،فقال له أبو طالب :ويلك يا راهب لقد
سمعت منك قول " عظيما " ،فقال :يا بني شأن ابن أخيك أعظم مما
سمعت مني ،وأنت معينه على ذلك ومانعه ممن يريد قتله من قريش ،قال:
فأتى أبو طالب عبد المطلب فأخبره بذلك ،فقال له عبد المطلب :اسكت يا
بني ل يسمع هذا الكلم منك أحد ،فوال ما يموت محمد حتى يسود العرب
والعجم ) - 61 .(1د :حدث بكر بن عبد ال الشجعي ،عن آبائه قالوا:
خرج سنة خرج رسول ال صلى ال عليه وآله إلى الشام عبد مناف بن
كنانة ونوفل بن معاوية بن عروة تجارا " إلى الشام ،فلقاهما أبوالمويهب
الراهب فقال لهما :من أنتما ؟ قال :نحن تجار من أهل الحرم من قريش،
قال لهما :من أي قريش ؟ فأخبراه ،فقال لهما :هل قدم معكما من قريش
غيركما ؟ قال :نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد ،فقال أبوالمويهب :إياه
وال أردت ،فقال :وال ما في قريش أخمل ذكرا " منه ،إنما يسمونه يتيم
قريش ،وهو أجير لمرأة منا يقال لها :خديجة ،فما حاجتك إليه ؟ فأخذ
يحرك رأسه ويقول :هو هو ،فقال لهما :تدلني عليه ،فقال :تركناه في
سوق بصرى ،فبينما هم في الكلم إذ طلع عليهم رسول ال صلى ال عليه
وآله فقال :هو هذا ،فخل به ساعة يناجيه ويكلمه ،ثم أخذ يقبل بين عينيه،
و أخرج شيئا " من كمه ل ندري ما هو ورسول ال صلى ال عليه وآله
يأبى أن يقبله ،فلما فارقه قال لنا :تسمعان مني ،هذا وال نبي هذا الزمان،
سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن ل إله إل ال ،فإذا رأيتم ذلك
فاتبعوه ،ثم قال :هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له :علي ؟ فقلنا :ل ،قال:
إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته ،وهو أول من يؤمن به ،نعرفه ،وإنما
لنجد صفته عندنا في الوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ،وإنه سيد
العرب وربانيها وذو قرينها ،يعطي السيف حقه ،اسمه في المل العلى
علي ،هو أعلى الخلئق يوم
القيامة بعد النبياء ذكرا " ،وتسميه الملئكة البطل الزهر المفلح ،ل يتوجه إلى
وجه إل أفلح وظفر ،وال لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من
الشمس الطالعة .وحدث العباس ،عن أبي طالب قال أبو طالب :يا عباس أل
اخبرك عن محمد صلى ال عليه وآله بما رأيت منه ؟ قلت :بلى ،قال :إني
ضممته إلي فلم افارقه في ليل ول نهار ،وكنت أنومه في فراشي ،وآمره
أن يخلع ثيابه وينام معي ،فرأيت في وجهه الكراهة ،وكره أن يخالفني،
فقال :يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ،قلت
له :ولم ذلك ؟ قال :ل ينبغي لحد من الناس أن ينظر إلى جسدي ،قال:
فتعجبت من ذلك ،و صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ،فلما دخلت أنا
الفراش إذا بيني وبينه ثوب ألين ثوب مسسته قط ،ثم شممته فإذا كأنه قد
غمس في المسك ،فكنت إذا أصبحت افتقدت الثوب فلم أجده ،فكان هذا
دأبي ودأبه ،فجهدت وتعمدت أن أنظر إلى جسده ،فو ال ما رأيت له جسدا
" ،ولقد كنت كثيرا " ما أسمع إذا ذهب من الليل شئ كلما " يعجبني،
وكنت ربما آتيته غفلة فأرى من لدن رأسه نورا " ممدودا " قد بلغ
السماء ،فهذا ما رأيت يا عباس .قال ليث بن أبي نعيم :حدثني أبي ،عن
جدي ،عن أبي طالب قال :كنا ل نسمي على الطعام ول على الشراب ،ول
ندري ما هو حتى ضممت محمدا " صلى ال عليه وآله إلي ،فأول ما
سمعته يقول :بسم ال الحد ،ثم يأكل ،فإذا فرغ من طعامه قال :الحمد ل
كثيرا " ،فتعجبنا منه ،وكان يقول :ما رأيت جسد محمد قط ،وكان ل
يفارقني الليل والنهار ،وكان ينام معي في فراشي فأفقده من فراشه ،فإذا
قمت لطلبه بادرني من فراشه فيقول :ها أنا يا عم ارجع إلى مكانك ،ولقد
رأيت ذئبا " يوما قد جائه وشمه وبصبص ) (1حوله .ثم ربض ) (2بين
يديه ،ثم انصرف عنه ،ولقد دخل ليل البيت فأضاء ما حوله ،ولم أرمنه
نجوا ) (3قط ،ول رأيته يضحك في غير موضع الضحك ،ول وقف مع
صبيان في لعب ول التفت إليهم ،وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع ،ولقد
كنت أرى أحيانا " رجل أحسن الناس وجها " يجئ حتى
) (1بصبص الذئب .حرك ذنبه (2) .ربض :استناخ وهو أن تلصق الدابة صدره
بالرض (3) .النجو :ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.
] [ 361
يمسح على رأسه ويدعو له ثم يغيب ،ولقد رأيت رؤيا " في أمره ما رأيتها قط،
رأيته وكأن الدنيا قد سيقت إليه ،وجميع الناس يذكرونه ،ورأيته وقد رفع
فوق الناس كلهم ،وهو يدخل في السماء ،ولقد غاب عني يوما " فذهبت
في طلبه ،فإذا أنا به يجئ ومعه رجل لم أر مثله قط ،فقلت له :يا بني أليس
قد نهيتك أن تفارقني ؟ فقال الرجل :إذا فارقك كنت أنا معه أحفظه ،فلم أر
منه في كل يوم إل ما احب حتى شب ،وخرج يدعو إلى الدين )- 17 .(1
سر :من جامع البزنطي عن زرارة قال :سمعت أبا جعفر وأبا عبد ال
عليهما السلم ) (2يقولن :حج رسول ال صلى ال عليه وآله عشرين
حجة مستسرا " ،منها عشرة حجج ،أو قال :سبعة ) - (3الوهم من
الراوي -قبل النبوة ،وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين ،وهو مع
أبي طالب في أرض بصرى ،وهو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة )
- 18 .(4نهج :في وصف الرسول صلى ال عليه وآله :ولقد قرن ال به
من لدن كان فطيما " أعظم ملك من ملئكته ،يسلك به طريق المكارم
ومحاسن أخلق العالم ليله ونهاره ،ولقد كنت معه أتبعه اتباع الفصيل )(5
أثر امه ،يرفع لي في كل يوم علما " من أخلقه ) ،(6و يأمرني بالقتداء
به ،ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ول يراه غيري ،ولم يجمع
بيت واحد يومئذ في السلم غير رسول ال وخديجة وأنا ثالثهما ،أرى
نور الوحي و الرسالة ،وأشم ريح النبوة ) .(7اقول :قال عبد الحميد بن
أبي الحديد :روي أن بعض أصحاب ابي جعفر محمد ابن علي الباقر
عليهما السلم سأله عن قول ال تعالى) :إل من ارتضى من رسول فإنه
يسلك من بين
) (1العدد :مخطوط (2) .في المصدر :وأبا عبد ال من بعده (3) .في المصدر:
تسعة (4) .السرائر (5) .469 :الفصيل :ولد الناقة (6) .في المصدر :من
أخلقه علما (7) .نهج البلغة :القسم الول 416 :و .417
] [ 362
يديه ومن خلفه رصدا "( فقال عليه السلم :يوكل ال تعالى بأنبيآئه ملئكة
يحصون أعمالهم ،ويؤدون إليهم تبليغهم الرسالة ،ووكل بمحمد ملكا "
عظيما " منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ،ومكارم الخلق،
ويصده عن الشر ومساوي الخلق ،وهو الذى كان يناديه :السلم عليك يا
محمد يا رسول ال ،وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد ،فيظن أن ذلك
من الحجر والرض ،فيتأمل فل يرى شيئا " .وروى الطبري في التاريخ
عن محمد بن الحنفية ،عن أبيه علي عليه السلم قال :سمعت رسول ال
صلى ال عليه وآله يقول :ما هممت بشئ مما كان أهل الجاهلية يعملون
به غير مرتين ،كل ذلك يحول ال بيني وبين ما اريد من ذلك ،ثم ما هممت
بسوء حتى أكرمني ال برسالته ،قلت ليلة لغلم من قريش كان يرعى معي
بأعلى مكة :لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر ) (1بها كما يسمر
الشباب ،فخرجت اريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا
" ) (2بالدف والمزامير ،فقلت :ما هذا ؟ قالوا :هذا فلن تزوج ابنة فلن،
فجلست أنظر إليهم ،فضرب ال على اذني ،فكنت ) (3فما أيقظني إل مس
الشمس ،فجئت ) (4إلى صاحبي فقال :ما فعلت ؟ فقلت :ما صنعت شيئا "
ثم أخبرته الخبر ،ثم قلت له ليلة اخرى :مثل ذلك ،فقال :افعل ،فخرجت
فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة ،فجلست
أنظر فضرب ال على اذني ،فما أيقظني إل مس الشمس ،فرجعت إلى
صاحبي فأخبرته الخبر ،ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني ال
برسالته .وروى محمد بن حبيب في أماليه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :أذكر وأنا غلم ابن سبع سنين ،وقد بنى ابن جذعان دارا " له
بمكة ،فجئت مع الغلمان نأخذ التراب والمدر في حجورنا فننقله فملت
حجري ترابا " ،فانكشفت عورتي فسمعت نداء من فوق رأسي :يا
) (1سمر :لم ينم وتحدث ليل (2) .العزف :صوت الدف والطنبور والعود وغيرها
من آلت الطرب (3) .في المصدر :فنمت .وهو الموجود في تاريخ
الطبري أيضا (4) .في المصدر :فرجعت .وفي الطبري فجئت .راجع
تاريخ الطبري .34 :2
] [ 363
محمد أرخ إزارك ،فجعلت أرفع رأسي فل أرى شيئا " إل أني أسمع الصوت،
فتماسكت لم ارخه ،فكأن إنسانا " ضربني على ظهري فخررت لوجهي
وانحل إزاري وسقط ) (1التراب إلى الرض ،فقمت إلى دار أبي طالب
عمي ولم أعد .فأما حديث مجاورته صلى ال عليه وآله بحراء فمشهور،
وقد ورد في الكتب الصحاح أنه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا "،
وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين ،فإذا قضى جواره من
حراء كان أول ما يبدؤ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل
بيته فيطوف بها سبعا " أو ما شاء ال من ذلك ،ثم يرجع إلى بيته حتى
جاءت السنة التي أكرمه ال تعالى فيها بالرسالة فجاور في حراء في شهر
رمضان ومعه أهله خديجة و على بن أبي طالب وخادم لهم ،فجاءه جبرئيل
بالرسالة ،قال صلى ال عليه وآله :جاءني وأنا نائم بنمط ) (2فيه كتاب
فقال :اقرأ ،قلت :ما أقرأ ؟ ففتني ) (3حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني
فقال) :اقرأ باسم ربك الذي خلق( إلى قوله) :علم النسان ما لم يعلم(
فقرأته ثم انصرف عني ،فهببت ) (4من نومي ،وكأنما كتب في قلبي كتاب،
وذكر تمام الحديث .وأما حديث إن السلم لم يجتمع عليه بيت واحد يومئذ
إل النبي وهو ) (5عليهما السلم وخديجة فخبر عفيف الكندي مشهور )
،(6وقد ذكرناه من قبل ،وأن أبا طالب قال له :أتدري من هذا ؟ قال :ل،
قال :هذا محمد ) (7بن عبد ال بن عبد المطلب ،وهذا ابني علي بن أبي
طالب ،وهذه المرأة خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمدا بن أخي ،وأيم
ال ما أعلم على الرض كلها أحدا " على هذا الذين غير هؤلء الثلثة )
.(8
) (1في المصدر :وانحل ازارى فسترني وسقط (2) .النمط :ضرب من البسط.
وعاء كالسفط ،والظاهر أن المراد هنا الثاني (3) .في المصدر :فغتنى
بالغين أي خنقني (4) .أي فاستيقظت ،وفي المصدر :فانتبهت (5) .أي
على عليه السلم (6) .هذا الحديث مشهور بين العامة والخاصة ،بل
متواتر ،وعليه أصحابنا المامية من سالف الزمان إلى الن ،وتقدم ذلك
وياتى في أحاديث كثيرة في محله (7) .في المصدر :هذا ابن أخى محمد.
) (8شرح نهج البلغة 253 :3و .254
] [ 364
وقال أيضا " :روى محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة النبوية ،ورواه
أيضا " محمد ابن جرير الطبري في تاريخه قال :كانت حليمة بنت أبي
ذؤيب السعدية ام رسول ال صلى ال عليه وآله التي أرضعته تحدث أنها
خرجت من بلدها ومعها زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد
بن بكر يلتمس الرضعاء بمكة في سنة شهباء لم تبق شيئا " ،قالت:
فخرجت على أتان لنا قمرآء عجفآء ،ومعنا شارف لنا ما تبض ) (1بقطرة،
ول ننام ليلنا أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع ،ما في ثديي ما
يغنيه ،ول في شارفنا ) (2ما يغذيه ،ولكنا نرجوا الغيث والفرج ،فخرجت
على اتاني تلك ولقد راثت بالركب ضعفا " و عجفا " حتى شق ذلك
عليهم ،حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ) ،(3فما منا امرأة إل وقد عرض
عليها محمد فتأباه إذا قيل لها :إنه يتيم ،وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف
من أبي الصبي ،فكنا نقول :يتيم ،ما عسى أن تصنع امه وجده ،فكنا نكرهه
لذلك ،فما بقيت امرأة ذهبت معي إل أخذت رضيعا " غيري ،فلما اجتمعنا
للنطلق قلت لصاحبي :وال إني لكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ
رضيعا " ،وال لذهبن إلى ذلك اليتيم فلخذنه ،قال :ل عليك أن تفعلي،
وعسى ال أن يجعل لنا فيه بركة ،فذهبت إليه فأخذته وما يحملني على
أخذه إل أني لم أجد غيره ،قالت :فلما أخذته رجعت إلى رحلي فلما وضعته
في حجري أقبل عليه ثدياي بما شآء من لبن ،فرضع حتى روى ،وشرب
معه أخوه حتى روى ،وما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا " ،فنام
وقام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب
وشربت حتى انتهينا ريا " وشبعا " ،فبتنا بخير ليلة ،قالت :يقول صاحبي
حين أصبحنا :تعلمين ) (4وال يا حلمية لقد أخذت نسمة مباركة ،فقلت:
وال إني لرجو ذلك ،ثم خرجنا وركبت أتاني تلك وحملته معي عليها ،فو
ال لقطعت بالركب ما يقدر عليها شئ من حميرهم حتى أن صواحبي ليقلن
لي:
) (1قال الجزرى :ما تبض ببلل أي ما يقطر منها بلبن ،يقال :بض الماء :إذا قطر
وسال (2) .الشارف :المسنة من النوق (3) .في المصدر :الرضاع(4) .
في المصدر :أتعلمين ؟.
] [ 365
ويحك يا بنت أبي ذؤيب اربعي ) (1علينا ،أليس هذه أتانك التي كنت خرجت
عليها ؟ فأقول لهن :بلى وال ،إنها لهي ،فيقلن :وال إن لها لشأنا "،
قالت :ثم قدمنا منازلنا من بلد بني سعد وما أعلم أرضا " من أرض
العرب أجدب منها ،فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا ملء
لبنا ) ،(2فكنا نحتلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ،ول يجدها في
ضرع حتى أن الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم :ويلكم اسرحوا حيث
يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب ،فيفعلون فيروح أغنامهم جياعا " ما تبض
بقطرة ،وتروح غنمي شباعا لبنا " ،فلم نزل نعرف من ال الزيادة والخير
به حتى مضت سنتاه وفصلته ) ،(3فكان يشب شبابا " ل يشبه الغلمان
حتى كان غلما " جفرا فقدمنا به على امه آمنة بنت وهب ونحن أحرص
شئ على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته ،فكلمنا أمه وقلنا لها :لو تركتيه
) (4عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة ،فلم نزل بها حتى ردتة
معنا فرجعنا به إلى بلد بني سعد ،فو ال إنه لبعد ما قدمنا بأشهر مع أخيه
في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشد ) (5فقال لي ولبيه :ها هو ذاك
أخي القرشي قد جاءه رجلن عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فهما
يسوطانه ،قالت :فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما " منتقعا "
وجهه ،فالتزمته والتزمه أبوه وقلنا :مالك يا بني ؟ قال :جائني رجلن
عليهما ثياب بيض فأضحعاني ،ثم شقا بطني ،فالتمسا فيه شيئا " ل أدري
ما هو ،قالت :فرجعنا به إلى خبائنا ،وقال لي أبوه :يا حليمة لقد خشيت أن
يكون هذا الغلم قد اصيب ) (6فألحقيه بأهله ) ،(7قالت :فاحتملته حتى
قدمت به على امه ،فقالت :ما أقدمك به يا ظئر ) (8وقد كنت حريصة عليه
وعلى مكثه عندك ؟ فقلت لها :قد
) (1أي اقيمي وانتظري ،ويقال :ربع فلن على فلن :إذا أقام وانتظره (2) .في
السيرة :شباعا لبنا .قلت :أي غزيرات اللبن (3) .فصل الصبى عن
الرضاع :فطمه (4) .في المصدر :لو تركته .وفي السيرة وتاريخ
الطبري :لو تركت بنى عندي (5) .يشتد خ ل .وهو الموجود في السيرة
والتاريخ (6) .أي أصابه الجن ،أو طرف من الجنون (7) .في السيرة
وتاريخ الطبري :فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به (8) .الظئر :المرأة
المرضعة.
] [ 366
بلغ ال بابني وقضيت الذي علي ،وتخوفت عليه الحداث ،وأديته إليك كما تحبين،
قالت :ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك ،قالت :فلم تدعني حتى أخبرتها
الخبر ،قالت :أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت :نعم ،قالت :كل وال ما
للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا " ،أفل أخبرك خبره ؟ قلت :بلى،
قالت :رأيته ) (1حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت له قصور
بصرى من الشام ،ثم حملت به فو ال ما رأيت حمل قط كان أخف ول أيسر
منه ،ثم وقع حين ولدته وإنه واضع يديه بالرض ،ورافع رأسه إلى
السماء ،دعيه عنك ،وانطلقي راشدة ) .(2وروى الطبري في تاريخه عن
شداد بن أوس قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يحدث عن نفسه
ويذكر ما جرى له وهو طفل في أرض بني سعد بن بكر ،قال :لما ولدت
استرضعت في بني سعد ،فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي في بطن واد مع
أتراب ) (3لي من الصبيان نتقاذف بالجلة إذ أتاني رهط ثلثة ،معهم طست
من ذهب مملوة ثلجا " ،فأخذوني من بين أصحابي ،فخرج أصحابي هرابا
" حتى انتهوا إلى شفير ) (4الوادي ،ثم عادوا إلى الرهط فقالوا :ما رابكم
إلى هذا الغلم فإنه ليس منا ،هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا غلم
يتيم ليس له أب ،فماذا يرد عليكم قتله ؟ وماذا تصيبون من ذلك ؟ ولكن إن
كنتم لبد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه ،ودعوا هذا الغلم،
فإنه يتيم ،فلما رأى الصبيان أن القوم ل يحيرون لهم جوابا " ) (5انطلقوا
هرابا " مسرعين إلى الحي يؤذنوهم ويستصرخونهم على القوم ،فعمد
أحدهم فأضجعني إضجاعا " لطيفا " ،ثم شق ما بين مفرق صدري إلى
منتهى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك مسا ) ،(6ثم أخرج
) (1في المصدر والسيرة والتاريخ :رأيت (2) .شرح نهج البلغة 252 :3و
،253السيرة لبن هشام ،177 - 173 :1تاريخ الطبري - 573 :1
(3) .579أتراب :أصدقاء .أو من ولد معه (4) .شفير الوادي :ناحيته
من أعله (5) .أحار الجواب :رده (6) .في المصدر :ولم اجد لذلك حسا.
] [ 367
أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج ،فأنعم غسلها ) (1ثم أعادها مكانها ،ثم قام الثاني
منهم فقال لصاحبه :تنح ،فنحاه عني ،ثم أدخل يده في جوفي وأخرج قلبي
وأنا أنظر إليه فصدعه ،ثم أخرج منه مضغة سوداء فرماها ،ثم قال بيده:
يمنة منه ،وكأنه يتناول شيئا " فإذا في يده خاتم من نور تحار أبصار
الناظرين دونه ،فختم به قلبي ،ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في
قلبي دهرا " ،ثم قال الثالث لصاحبه :تنح عنه ،فأمر يده ما بين مفرق
صدري إلى منتهى عانتي ،فالتأم ذلك الشق ،ثم أخذ بيدي فأنهضني من
مكاني إنهاضا " لطيفا " ،وقال للول الذي شق بطني :زنه بعشرة من
امته ،فوزنني بهم فرجحتهم ،فقال :دعوه فلو وزنتموه بامته كلها
لرجحهم ،ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ،وقالوا :يا
حبيب ) (2ل ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك فبينا أنا
كذلك إذا أنا بالحي قد جاؤا بحذافيرهم ،وإذا امي وهي ظئري أمام الحي
تهتف بأعلى صوتها وتقول :يا ضعيفاه ،فانكب علي اولئك الرهط فقبلو
رأسي وبين عيني وقالوا :حبذاء أنت من ضعيف ،ثم قالت ظئري :يا
وحيداه ،فانكبوا على وضموني إلى صدورهم وقبلوا راسي وبين عيني ثم
قالوا :حبذا أنت من وحيد ،وما أنت بوحيد ،إن ال وملئكته معك
والمؤمنين من أهل الرض ،ثم قالت ظئري :يا يتيماه إستضعفت من بين
أصحابك فقتلت لضعفك ،فانكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي
وما بين عيني وقالوا :حبذا أنت من يتيم ،ما أكرمك على ال ،لو تعلم ما
يراد بك من الخير ،قال :فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي امي
وهي ظئري قالت :يا بنى ل أراك حيا بعد ) ،(3فجاءت حتى انكبت علي
وضمتني إلى صدرها ،فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها
وإن يدي لفي يد بعضهم ،فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم،
فإذاهم ل يبصرونهم ،فيقول بعض القوم :إن هذا الغلم قد أصابه لمم أو
طائف من الجن ،فانطلقوا به إلى كاهن بني فلن حتى ينظر إليه ويداويه،
فقلت :ما
) (1أي بالغ في ذلك وأجاد (2) .في المصدر :يا حبيب ال (3) .في المصدر وتاريخ
الطبري أل أراك حيا بعد.
] [ 368
بي شئ مما يذكر ،إن نفسي سليمة ) ،(1وإن فؤادي صحيح ليست بي قلبة ،فقال
أبى وهو زوج ظئري :أل ترون كلمه صحيحا " ؟ إني لرجو أن ل يكون
على ابني بأس ،فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ،فاحتملوني حتى
ذهبوا بي إليه ،فقصوا عليه قصتي ،فقال :اسكتوا حتى أسمع من الغلم
فهو أعلم بأمره منكم ،فسألني فقصصت عليه أمري وأنا يومئذ ابن خمس
سنين ،فلما سمع قولي وثب وقال :يا للعرب اقتلوا هذا الغلم ،فهو واللت
والعزى لئن عاش ليبدلن دينكم ،وليخالفن أمركم ،وليأتينكم بما لم تسمعوا
به قط ،فانتزعتني ظئري من حجره ،وقالت :لو علمت ) (2أن هذا يكون
من قولك ما أتيتك به ) ،(3ثم احتملوني ،فأصبحت وقد صار في جسدي
أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك ) .(4بيان :أقول:
رواه الكازروني في المنتقى بأسانيد ) (5ولنشرح بعض ألفاظها :الرضعاء
جمع رضيع ،وقال الجزري :في حديث حليمة في سنة شهباء أي ذات قحط
وجدب ،وقال :القمراء :الشديدة البياض .قولها :راثت من الريث بمعنى
البطاء ،وفي أكثر رواياتهم :ولقد أذمت ،قال الجزري :ومنه حديث حليمة
فلقد أذمت بالركب ،أي حبستهم لنقطاع سيرها ،كأنها حملت الناس على
ذمها انتهى .والعجف :الهزال .حتى انتهينا ريا أي بلغنا غايته .لقطعت
بالركب أي من سرعة سيرها وشدة تقدمها انقطع الركب عنها.
) (1في تاريخ الطبري :ان آرائى صحيحة (2) .في تاريخ الطبري :فاقتصصت عليه
أمرى ما بين أوله وآخره ،فلما سمع وثب إلى فضمني إلى صدره ثم نادى
بأعلى صوته :يا للعرب يا للعرب اقتلوا هذا الغلم واقتلوني معه ،فواللت
والعزى لئن تركتموه وأدرك ليبدلن دينكم ،وليسفهن عقولكم وعقول
آبائكم ،وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله قط ،فعمدت
ظئرى فانتزعتني من حجره ،وقالت :لنت أعته وأجن من ابني هذا ،فلو
علمت (3) .في تاريخ الطبري بعد ذلك :فاطلب لنفسك من يقتلك ،فانا غير
قاتلي هذا الغلم ،ثم احتملوني فأدوني إلى أهلى ،فأصبحت مفزعا مما
فعل بى ،وأصبح أثر الشق إه (4) .شرح نهج البلغة ،253 :3وتايخ
الطبري (5) .577 - 575 :1المنتقى في مولود المصطفى :الباب الثاني
والثالث من القسم الثاني .قلت :ذكرت سابقا أن حديث شق الصدر مما
رواه العامة ،والمامية ل يقول به ،وهذا أيضا كما ترى من مروياتهم.
] [ 369
واربعي أي ارفقي بنا ،وانتظري بنا .واللبن بمعنى اللبون .وقال الجزري :في حديث
حليمة كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر فبلغ ستا " وهو جفر،
استجفر الصبي :إذا قوى على الكل ،وأصله في أولد المعز إذ بلغ أربعة
أشهر وفصل عن امه وأخذ في الرعي ،قيل له :جفر ،والنثى جفره انتهى.
والبهم جمع بهمة وهي أولد الضأن .والسوط :خلط الشئ بعضه ببعض،
والمسواط :ما يساط به القدر ليختلط بعضه ببعض .قوله :منتقعا " أي
متغيرا " .والجلة بالفتح :البعر .قوله :ما رابكم ) (1أي ما شككم ،ومعناه
هاهنا :ما دعاكم إلى أخذ هذا .قوله :ماذا يرد عليكم ،أي ما ينفعكم ذلك.
قوله :فأنعم غسلها ،أي بالغ فيه .قوله :ثم قال بيده يمنة ،أي أشار بيده،
أو مدها إلى جانب يمينه .والقلبة :الداء - 19 .د :كتاب التذكرة ولد صلى
ال عليه وآله مختونا " مسرورا " ،فأعجب جده عبد المطلب وقال:
ليكونن لبني هذا شأن ،فكان له أعظم شأن وأرفعه ،امه آمنة بنت وهب
بن عبد مناف بن زهير ) (2بن كلب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب،
شهد الفجار ) (3وهي حرب كانت بين قريش وقيس وهو ابن عشرين
سنة ،وبنيت الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة سنة فرضيت به قريش في
نصب الحجر السود ،وكان طول الكعبة قبل ذلك تسعة أذرع ولم تكن
تسقف فبنتها قريش ثمانية عشر ذراعا " وسقفتها ،وكان يدعى في
قريش بالصادق المين ،وخرج مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام وله
تسع سنين ،وقيل :اثنتى عشر سنة ،ونظر إليه بحيرا ) (4الراهب فقال:
احفظوا به فإنه نبي ،وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد وله
خمس وعشرون سنة ،وتزوجها بعد ذلك بشهرين
) (1في المصدر وتاريخ الطبري :ما إربكم (2) .الصحيح :زهرة كما تقدم(3) .
فجار بالكسر بمعنى المفاجرة ،وهى حرب وقعت بين قريش ومن معها
من كنانة وبين قيس عيلن في الشهر الحرام ،ولذا سمى حراما ،وشهد
النبي صلى ال عليه وآله بعض أيامه ،أخرجه أعمامه معهم ،وكانت
للعرب فجارات اخرى منها الفجار الول وقد حضره النبي صلى ال عليه
وآله فكان عمره فيه عشر سنين .وقد ذكر الفجارات وسببها أصحاب
السيرة في كتبهم (4) .الصحيح :بحيرى.
] [ 370
وأيام ،ودفعه جده عبد المطلب إلي الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج
حليمة التي أرضعته ،وهي بنت أبي ذؤيب عبد ال بن الحارث ،واخته
أسماء ) ،(1وهي التي كانت تحضنه ،وسبيت يوم حنين ،ومات عبد
المطلب وله ثمان سنين ،وأوصى به إلى أبي طالب ،ودخل الشعب مع بني
هاشم بعد خمس سنين من مبعثه ،وقيل :بعد سبع ،لما حصرتهم قريش،
وخرج منه سنة تسع من مبعثه ،ثم رجع إلى مكة في جوار مطعم بن
عدي ،ثم كانت بيعة العقبة من النصار ،ثم كان من حديثها أنه خرج في
موسم من المواسم يعرض نفسه ويدعو الناس إلى السلم ،فلقى ستة نفر
من النصار ،وهم :أبو أمامة أسعد بن زرارة ،وعقبة بن عامر بن ناي )
،(2وقطنة بن عامر ،وعون بن الحارث ،ورافع بن مالك ،وجابر بن عبد
ال ،ثم كانت بيعة العقبة الولى بايعه اثنا عشر رجل منهم ،ثم بيعة العقبة
الثانية و كانوا سبعين رجل ،وامرأتين ،واختار صلى ال عليه وآله منهم
اثنى عشر نقيبا " ليكونوا كفلء قومه :جابر بن عبد ال ،والبراء بن
معرور ،وعبادة بن الصامت ،وعبد ال بن عمرو بن حزام ،وأبو ساعدة
سعد بن عبادة ،والمنذر بن عمرو ،وعبد ال بن رواحة ،وسعد بن الربيع،
ورافع بن مالك العجلن ،وأبو عبد الشهل أسيد بن حضير ،وأبو الهثيم بن
التيهان حليف بني عمرو ابن عوف ،وسعد بن خثيمة ،فكانوا تسعة من
الخزرج ،وثلثة من الوس ،وأول من بايع منهم البراء بن معرور ،ثم
تبايع الناس ،ثم هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهر مولى أبي
بكر وعبد ال بن اريقط ،وخلف علي بن أبي طالب آخر ليلة من صفر،
وأقام في الغار ثلثة أيام ،ودخوله إلى المدينة يوم الثنين لثنتي عشرة
ليلة خلت من ربيع الول ،فنزل بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم
بن الهرم ) ،(3فأقام إلى يوم الجمعة ،ودخل المدينة فجمع ) (4في بني
سالم ،فكانت أول جمعة جمعها صلى ال عليه وآله في السلم ،ويقال:
) (1هكذا في الصل ،والصحيح :الشيماء كما في تاريخ اليعقوبي والسيرة والمتاع
وغيرها (2) .في السيرة والمتاع :نابى .وفيهما :قطبة بن عامر وعوف
بن الحارث (3) .هكذا في الصل وفيه تصحيف ،والصحيح كلثوم بن
الهدم بالدال وهو ابن امرء القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن
مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الوس النصاري ،قاله
المقريزى في المتاع (4) .أي أقامت صلة الجمعة.
] [ 371
إنهم كانوا مائة رجل ،ويقال :بل كانوا أربعين ،ثم نزل على أبي أيوب النصاري،
فأقام عنده سبعة أيام ،ثم بنى المسجد فكان يبنيه بنفسه ،ويبني معه
المهاجرون والنصار ،ثم بنى البيوت ،وكان يصلي حين قدم المدينة
ركعتين ركعتين ،فأمر بإتمام أربع للمقيم وذلك في يوم الثلثاء لثنتي عشرة
ليلة خلت من ربيع الثاني بعد مقدمه بشهر ) - 20 .(1أقول :قال أبو
الحسن البكري في كتاب النوار :حدثنا أشياخنا وأسلفنا الرواة لهذه
الحاديث أنه كان من عادة أهل مكة إذا تم للمولود سبعة ) (2أيام التمسوا
له مرضعة ترضعه ،فذكر الناس لعبد المطلب انظر ) (3لبنك مرضعة
ترضعه ،فتطاولت النساء لرضاعته وتربيته ،وكانت آمنة يوما " نائمة إلى
جانب ولدها فهتف بها هاتف ) :(4يا آمنة إن أردت مرضعة لبنك ففي
نساء بني سعد امرأة تسمى حليمة بنت أبي ذؤيب ،فتطاولت آمنة إلى ذلك،
وكان كلما أتتها من النساء تسألهن عن أسمائهن فلم تسمع بذكر حليمة
بنت أبي ذؤيب ،وكان سبب تحريك حليمة لرضاعة رسول ال صلى ال
عليه وآله أن البلد التي تلي مكة أصابها قحط وجدب إل مكة ،فإنها كانت
مخصبة زاهرة ببركة رسول ال صلى ال عليه وآله ،وكانت العرب تدخل
) (5وتنزل بنواحيها من كل مكان ،فخرجت حليمة مع نساء من بني سعد )
،(6قالت حليمة :كنا نبقي اليوم واليومين ل نقتات فيه ) (7بشئ ،وكنا قد
شاركنا المواشي في مراعيها ،فكنت ذات ليلة بين النوم واليقظة وإذا قد
أتاني آت ورماني في نهر ماء أبيض من اللبن ،وأحلى من العسل ،وقال
لي :اشربي فشربت،
) (1العدد :مخطوط (2) .في المصدر :ثلثة أيام يلتمسون له مرضعة تربية(3) .
في المصدر :التمس لولدك مرضعة فانت اليوم كافله والمتولي أمره ومن
مات منا أبوه فانت له خلف ،قال :سأنظر من يصلح له ،فتطاولت
النسوان إه (4) .في المصدر :هاتف يقول :أيتها العالية العظيمة الفاضلة
الكريمة ،ان اردت ان ترضعي صاحب السكينة ففى نساء بنى سعد
حليمة ،فتطاولت اه (5) .في المصدر :ترحل إليها (6) .في المصدر هنا
زيادة هي :يجمعن نبات الرض يقتاتون به (7) .في المصدر :كنا نقيم
اليوم واليومين والثلثة ما نفطر على طعام(*) .
] [ 372
ثم ردني إلى مكاني ،وقال لي يا حليمة :عليك ببطحاء مكة ،فإن لك بها رزقا "
واسعا " ،وسوف تسعدين ببركة مولود ولد بها ،وضرب بيده على
صدري ،وقال :أدر ال لك اللبن ) ،(1وجنبك المحق والمحن ،قالت حليمة:
فانتبهت وأنا ل اطيق حمل ثديي من كثرة اللبن ) ،(2واكتسيت حسنا "
وجمال " ،وأصبحت بحالة غير الحالة الولى ) ،(3ففزعت إلي نساء
قومي وقلن :يا حليمة قد عجبنا من حالك ،فما الذي حل بك ؟ ومن أين لك
هذا الحسن والجمال الذي ظهر فيك ؟ قالت :فكتمت أمري عليهن فتركنني
وهن أحسد الناس لي ،ثم بعد يومين هتف بي هاتف فسمعه بنو سعد عن
آخرهم وهو يقول :يا نساء بني سعد نزلت عليكم البركات ،وزالت عنكم
الترحات ) (4برضاعة مولود ) (5ولد بمكة ،فضله الواحد الحد ،فهنيئا "
لمن له قصد ،فلما سمعوا ما قاله الهاتف قالوا :إن لهذا المولود شأنا "
عظيما " ،فرحل بنو سعد عن آخرهم إلى مكة ) ،(6قالت حليمة :ولم يبق
أحد إل وقد خرج إلى مكة ،قالت :وكنا أهل بيت فقر ولم يكن عندنا شئ
نحمل عليه ،وقد ماتت مواشينا من القحط ،وكانت ) (7حليمة من أطهر
نساء قومها و أعفهن ،ولذلك ارتضاها ال تعالى لترضع رسول ال صلى
ال عليه وآله ،وكانت النساء إذا دخلن على آمنة تسألهن عن أسمائهن،
فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول :ولدي يتيم ل أب له ول مال ،فيذهبن
عنها ،فأقبلت حليمة مع بعلها ودخلت مكة وخلفت بعلها خارج البلد وقالت
له :مكانك حتى أدخل مكة ،وأسأل عن هذا المولود الذي بشرنا به ،فلما
دخلت حليمة مكة أرشدها
) (1في المصدر :إذهبي در ال لك اللبن إه قلت :أدر اله اللبن أي أكثره (2) .في
المصدر بعد ذلك :وبقيا كأنهما الجرتان العظيمتان يقطر منهما اللبن،
وامتلء جسمي لحما وشحما ،وكسبت حسنا إه (3) .في المصدر :غير
الحالة التى كنت فيها بالمس (4) .الترح :الحزن والهم والفقر (5) .في
المصدر :ببركه مولود (6) .في المصدر هنا زيادة هي :طالبين الرزق
والفضل لما سمعوا من الهاتف ،فمن كان له قوة من القوم حمل زوجته
على حمار وفرس .قالت إه (7) .في المصدر :قال صاحب الحديث:
وكانت.
] [ 373
ال تعالى إلى أن دخلت على عبد المطلب وهو جالس بالصفا ،وكان له سرير
منصوب عند الكعبة يجلس عليه للقضاء بين الناس ،فلما أتته قالت له:
نعمت صباحا " أيها السيد ،فقال لها :من أين أنت أيتها المرأة ؟ قالت :من
بني سعد أتينا نطلب رضيعا " نتعيش من اجرته ،وقد ارشدت إليك ،فقال:
نعم عندي ولد لم تلد النساء مثله أبدا " ،غير أنه يتيم من أبيه وأنا جده
أقوم مقام أبيه ،فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك وأعطيتك كفايتك ،فلما
سمعت ذلك أمسكت عن الكلم ،ثم قالت :يا سيد بني عبدمناف لي بعل
بظهر مكة وهو مالك أمري وأنا أرجع إليه اشاوره في ذلك ،فإن أمرني
بأخذه رجعت إليه و أخذته ،فقال لها عبد المطلب :شأنك ،فوصلت إلى
بعلها وقالت له :إني وردت على عبد المطلب فقال :عندي مولود أبوه
ميت ،وأنا أقوم مقامه ،فما تقول ؟ قال :يرجعن نساء بني سعد بالحسان
والكرام وترجعين أنت بصبي يتيم ؟ وكانت جملة نساء بني سعد قد دخلن
مكة ،فمنهن من حصل لها رضيع ،ومنهن من لم يحصل لها شئ ،فقالت
حليمة :ترجع نساء بني سعد بالغنائم ) ،(1وأرجع أنا خائبة ؟ وأسبلت )(2
عبرتها ،فقال بعلها :ارجعي إلى هذا الطفل اليتيم وخذيه فعسى أن يجعل
ال فيه خيرا " كثيرا " ،فإن جده مشكور بالحسان ،فرجعت حليمة
فوجدته في مكانه الول فذكرت له قول زوجها ،فقام عبد المطلب ومضى
بها إلى منزل آمنة وأخبرها بذلك وأعلمها باسمها وقومها ،فقالت :هذه
التي امرت أن أدفع إليها ولدي ،فقالت لها آمنة :أبشري يا حليمة بولدي
هذا ) ،(3فو ال ما أخصبت بلدنا إل ببركة ولدي هذا ،ثم أدخلتها آمنة
البيت الذى فيه المصطفى صلى ال عليه وآله ،فقالت حليمة :أتوقدين يا
آمنة مع ولدك المصباح في النهار ؟ قالت :ل ،فو ال من حيث ولد ما
أوقدت عنده النار ،بل هو يغنيني عن المصباح ،فنظرت حليمة إلى رسول
ال صلى ال عليه وآله وهو ملفوف في ثوب من صوف أبيض ،يفوح منه
رائحة المسك والعنبر ،فوقعت في قلبها محبة محمد صلى ال عليه وآله،
وفرحت وسرت به سرورا " عظيما " ،وكان نائما " فأشفقت عليه أن
توقظه من
) (1في المصدر :بالمراضع (2) .أسبلت عبرتها :أرسلها والعبرة :الدمعة (3) .في
المصدر :أبشرى يا حليمة فانك تسعدين بولدى هذا.
] [ 374
نومه فأمسكت عنه ساعة ،فخشيت أن تبطئ على بعلها فمدت يدها إليه لتوقظه
ففتح عينيه وجعل يهش لها ) (1ويضحك في وجهها ،فخرج من فمه نور
فتعجبت حليمة من ذلك ،ثم ناولته ثديها اليمنى فرضع ،فناولته الخرى فلم
يرضع ،وكان ذلك إلهاما " من ال عزوجل ،ألهمه العدل والنصاف من
صغره ،إذ كان لها ابن ترضعه ،وكان ل يرضع حتى يرضع أخوه ضمرة،
فرجعت حليمة بمحمد صلى ال عليه وآله ،فقال لها عبد المطلب :مهل "
يا حليمة حتى نزودك ،قالت :حسبي من الزاد هذا المولود ،وهو أحب إلي
من الذهب والفضة ومن جميع الطعمة ،وأعطاها من المال والزاد
والكسوة فوق الطاقة والكفاية ،و أعطتها آمنة كذلك ،فأخذت عند ذلك آمنة
ولدها وقبلته وبكت لفراقه ،فربط ال على قلبها ) ،(2فدفعته إلى حليمة،
وقالت :يا حليمة احفظي نور عيني وثمرة فؤادي ،ثم خرجت حليمة من
بيت آمنة وشيعها عبد المطلب ،قالت حليمة :وال ما مررت بحجر ول مدر
إل ويهنئني بما وصل إلي ،فلما أقبلت على بعلها نظر إلى النور يشرق في
غرته ) (3فتعجب من ذلك ،وألقى ال في قلبه الرحمة له ،فقال لها :يا
حليمة قد فضلنا ال بهذا المولود على سائر العالم ،فل شك أنه من أبناء
الملوك ،فلما ارتحلت القافلة ركبت حليمة على أتان وجعلت تقول لزوجها:
لقد سعدنا بهذا المولود سعادة الدنيا والخرة .وسمعت آمنة هاتفا " يقول:
قفي ساعة حتى نشاهد حسنه * قليل ونمسي في وصال وفي قرب فأين
ذهاب الركب عن ساكن الحمى * وأين رواح الصب ) (4عن ساكن الشعب
إذا جئت واديه وجئت خيامه * وعاينت بدر الحسن في طيبه ) (5قف بي
وطف بالمطايا حول حجرة حسنة * وعند ) (6طواف العيس يا صاحبي
طف بي
) (1هش له :تبسم وارتاح له واشتهاء (2) .أي قواها وصبرها (3) .في المصدر:
من غرته (4) .الصب :العاشق وذو الولع الشديد (5) .في وجه خ ل(6) .
وبعد خ ل ،قلت :العيس :البل البيض يخالط بياضها سواد خفيف،
والعيس أيضا :كرام البل.
] [ 375
فعند مليح اللون مهجتي التي * براها السى ) (1وجدا " كما عنده قلبي قفي يا
حليمة ساعة فلعلني * اناشده إذ كان ذاشخصه ) (2قربي إذا طفت يا عيني
) (3اليمين ) (4تقربا " * إلى ال يوم الحج يا مهجتي طف بي طواف
شجي ) (5القلب ل شئ مثله * فإن دموعي جاريات من السحب أل أيها
الركب الميمم ) (6قاصدا " * إلى ساكن ) (7الحباب هل عندكم حبي قالت
حليمة :فصارت التان تمر كالريح العاصف ،فبينا نحن سائرون إذ مررنا
على أربعين راهبا " من نصارى نجران ،وإذا بواحد يصف لهم النبي صلى
ال عليه وآله ) (8ويقول :إنه يظهر في هذا الزمان أو قد ظهر بمكة
مولود من صفاته كذا وكذا ،يكون ) (9على يده خراب دياركم ،وقطع
آثاركم ،وإذا إبليس قد تصور لهم في صورة إنسان وقال لهم :الذي
تذكرونه مع هذه المرئة التي مرت بكم ،قالت حليمة :فقاموا إليه ونظروا
وإذا النور يخرج من وجهه ،ثم زعق بهم الشيطان وقال لهم :اقتلوه،
فشهروا ) (10سيوفهم وقصدوني ،فرفع ولدي محمد رأسه إلى السماء
شاخصا " فإذا هم بداهية عظيمة كالرعد العاصف نزلت إلى الرض،
وفتحت أبواب السماء ،ونزلت منها نيران ،وإذا " بهاتف يقول :خاب
سعي الكهان ) ،(11قالت حليمة :فعاينت نارا " قد نزلت فخفت على ولدي
منها ،فنزلت على واديهم فأحرقته ومن فيه عن آخرهم ،فخفت وكدت أن
أسقط عن التان ،وكان ذلك
) (1برى السهم والقلم :نحته :برى الشخص :هزله وأضعفه .والسى :الحزن(2) .
في شخصه خ ل (3) .يا عين خ ل (4) .اليمنى خ ل (5) .الشجى:
الحزين .المشغول البال (6) .الميمم :الظافر بمطالبه (7) .مسكن خ ل) .
(8في المصدر :من نصارى نجران مع حبرهم ويصف لهم مولد النبي
صلى ال عليه وآله (9) .في المصدر :فإذا ظهر يكون (10) .شهر وشهر
السيف :سله فرفعه (11) .في المصدر زيادة هي :ونزلت نار من عند
الجبار على من يبغض المختار.
] [ 376
أول ما ظهر من فضائله صلى ال عليه وآله ) .(1قال صاحب الحديث :إن أول ليلة
نزل رسول ال صلى ال عليه وآله بحي بني سعد أخضرت أرضهم،
وأثمرت أشجارهم ،وكانوا في قحط عظيم ،وكانوا يحبونه لذلك محبه
عظيمة .وكان إذا مرض منهم مريض يأتون به إليه فيشفى ) ،(2وكثرت
معجزاته ،فكان بنو سعد يقولون :يا حليمة لقد أسعدنا ال بولدك هذا،
قالت :وال ما غسلت ) (3له ثوبا " قط من من نجاسة ،وكان له وقت
يتوضأ فيه ول يعود إل إلى الغداة وكنت أسمع منه الحكمة ،فلما كبر
وترعرع ) (4كان يقول :الحمد ل الذي أخرجني من أفضل نبات ،من
الشجرة التي خلق منها النبياء ،وكنت أتعجب منه ومن كلمه ،وكان
يصبح صغيرا " ،ويمسي كبيرا " ) ،(5ويزيد في اليوم مثل ما يزيد غيره
في الشهر ،ويزيد في الشهر مثل ما يزيد غيره في السنة حتى كبر ونشأ،
ولم يكن في زمانه أحسن منه خلقا " ،ول أيسر منه مؤونة ،و لقد كنا
نجعل القليل من الطعام قدامنا ونجتمع عليه ونأخذ يده ونضعها فيه فنأكل،
ويبقى أكثر الطعام ،فلما صار ابن سبع سنين قال لمه حليمة :يا امي أين
إخوتي ؟ قالت :يا بني إنهم يرعون الغنم التي رزقنا ال إياها ببركتك ،قال:
يا اماه ما أنصفتني ،قالت :كيف ذلك يا ولدي ؟ قال :أكون أنا في الظل
وإخوتى في الشمس و الحر الشديد ،وأنا أشرب منها اللبن ) (6قالت :يا
بني أخشى عليك من الحساد ،وأخاف أن يطرقك طارق ،فيطلبني بك جدك،
قال لها :ل تخشى علي يا أماه من شئ ،ولكن إذا كان غداة غد أخرج مع
إخوتي ،فلما رأته وقد عزم على الخروج وهي خائفة عليه
) (1في المصدر :هنا زيادة هي :فوصلت الحى به وأنا مرعوبة من الخوف ،فقالت:
ان لهذا الغلم ربا عظيما (2) .في المصدر :يأتون به إليه فإذا وضع يده
على المريض منهم شفى من ساعته (3) .في المصدر :ولقد كنت معه في
كل وقت وحين ما غسلت (4) .ترعرع الصبى :تحرك ونشأ (5) .في
المصدر وكنت اتعجب منه ومن عقله ويشب شبابا مسرعا ،وكان يمسى
صغيرا " ويصبح كبيرا (6) .في المصدر وإخوتى في الحر يرعون
أغنامهم وأنا أشرب الماء واللبن وهم في البرد والحر.
] [ 377
عمدت إليه وشدته من وسطه ،وجعلت في رجليه نعلين ،وأخذ بيده عكازا " )،(1
وخرج مع إخوته ،فلما رأى أهل الحى أتوا مسرعين إلى حليمة ،فقالوا
لها :كيف يطيب ) (2قلبك بخروج هذا البدر وما يصلح له الرعاية ؟ قالت:
يا قوم ما الذي تأمرونني به ولقد نهيته فلم ينته ،فأسأل ال تعالى أن
يصرف عنه السوء ،ثم قالت :شعرا " .يا رب بارك في الغلم الفاضل *
محمد سليل ذي الفاضل وابلغه في العوام غير آفل ) * (3حتى يكون سيد
) (4المحافل فلما كان ) (5وقت العشاء أقبل مع إخوته كأنه البدر الطالع )
،(6فقالت له :يا ولدي لقد اشتغلت قلبي بخروجك عني في هذه البرية،
قالت حليمة :وكان في الغنم شاة قد ضربها ولدي ضمرة فكسر رجلها،
فأقبلت إلى ولدي محمد صلى ال عليه وآله تلوذ به كأنها تشكوا إليه،
فمسح عليها بيده ،وجعل يتكلم عليها حتى انطلقت مع الغنام كأنها غزال
) ،(7وكان كل يوم يظهر منه آيات ومعجزات ،وكان إذا قال للغنم ):(8
سيري سارت ،وإذا أمرها بالوقوف وقفت ،وهي مطيعة له ،فخرج في
بعض اليام مع إخوته وقد وصلوا إلى واد عشيب ) ،(9وكانت الرعاة
تهابه لكثرة سباعه ) ،(10وإذا قد أقبل عليهم أسد وهو يزمجر )،(11
) (1العكاز :عصا ذات زج في أسفلها ،يتوكأ عليها الرجل (2) .في المصدر :تطيب.
وفيه :وما تصلح (3) .ومشرق النوار غير آفل خ ل (4) .قاضى خ ل) .
(5في المصدر :قال :ثم انه مضى مع اخوته فلما كان إه (6) .في
المصدر بعد ذلك :يشرق منه نور ساطع ،فقالت له :يا ولدى كيف ظل
يومك هذا ولقد ظل قلبى مشغول بك ،وأنا أرجو من ال عزوجل أن يقيك
شر ما احاذره عليك ،قالت :وكان في الغنم إه (7) .في المصدر :كأنها
غزال مسرعة لم يصبها شئ ابدا (8) .في المصدر :وكانت الغنم مطيعة،
له ،إذا أمرها بالمسير سارت ،وإذا أمرها بالوقوف وقفت ،قالت حليمة:
وإنه سرح ذات يوم مع إخوته يرعون وقد وصلوا إلى وادى عشب إه.
قلت :سرح الرجل :خرج في اموره (9) .عشيب خ ل .قلت :عشب
وعشيب :ذو العشب .كثير العشب ،والعشب :الكلء الرطب (10) .في
المصدر بعد ذلك :قالت حليمة :ثم إن محمدا أمر إخوته أن يدخلوا ذلك
الوادي بغنمهم إذ اقبل عليهم أسد عظيم الخلقة ،هائل المنظر ،فلما طلع
على أغنامهم فتح فاه (11) .أي يردد الزئير.
] [ 378
هائل الخلقة ،فلما وصل إلى الغنام فتح فاه وهم أن يهجم عليها ،فتقدم إليه محمد
رسول ال صلى ال عليه وآله ،فلما نظر إليه السد نكس رأسه وولى
هاربا " ) ،(1فعند ذلك تقدم إخوته إليه فقال لهم :ما شأنكم ؟ قالوا :لقد
خفنا عليك من هذا السد ،وأنت ما خفت منه وكنت تكلمه ،قال :نعم كنت
أقول له :ل تعود بقرب هذا الوادي بعد هذا اليوم ،فلما كان بعد ذلك رأت
حليمة رؤيا " وانتبهت فزعة مرعوبة ،وقالت لبعلها :إن سمعت مني
أحمل محمدا " إلى جده ،فإني أخشى أن يطرقه طارق ،فيعظم مصيبتنا عند
جده ،ولقد رأيت كأن ولدي محمدا " مع إخوته كما كان يخرج كل يوم إذ
أتاه رجلن عظيمان لم أر أعظم منهما ،عليهما ثياب من إستبرق،
وقصداه ،فجاءه واحد منهما بخنجر وشق به جوفه ،فانتبهت فزعة
مرعوبة ،والرأي عندي أن تحمله إلى جده ،فقال لها :إن الذي تذكرينه في
حق محمد ممتنع ،فإنه معصوم من ال تعالى ) ،(2ولقد رأيت الرهبان
والسد وغيره ،قالت :نعم ،ولكن لكل شئ آخر ونهاية ) ،(3فكم كبير مات،
وصغير عاش ) ،(4فقال لها :إن منامك الذي رأيتها أضغاث أحلم ،ثم لما
أصبح الصباح وأراد محمد صلى ال عليه وآله أن يخرج مع إخوته على
العادة قالت :ل تخرج اليوم يا قرة عيني ،فاني أحب أن تكون معي هذا
اليوم حتى أشبع من النظر إليك ،فانك في كل يوم تخرج بكرة ول تأتي إل
عشية ،فقال لها :وكيف ذلك يا اماه وأي شئ خفت علي منه ،ل تخافي
علي من شئ ،فلم يقدر أحد أن يصل إلي بسوء ول ضر ول نفع إل ال
ربي ،فخرج مع إخوته
) (1في المصدر :نكس رأسه وذبذب بذنبه وولى هاربا .قلت :ذبذب أي حرك(2) .
في المصدر :بعد ذلك :ل يقدر أحد يصل إليه بسوء ول مكروه ول بأذية،
لن له رب يحميه ويكفيه ،وأنت رأيت فعل ربه باعدائه نصارى نجران
حيث هموا بأذيته أرسل ال عليهم نارا أحرقتهم عن آخرهم ،وقد رأيت
ليلة غارة فزارة ،قال :وكانت فزارة قد كبسوا حى بنى سعد ليل فلما
قربوا من البيوت التى فيها بيت حليمة رجعت الخيل على أعقابها
وانكسروا ،وغنموهم بنى سعد وقتلوهم عن آخرهم ،ورد ال كيدهم في
نحورهم قالت :لقد رأيت ذلك كله ،إل أن لكل شئ غاية ونهاية اه .قلت:
وغنموهم بنى سعد لعله مصحف :وغنم منهم بنو سعد (3) .لكل شئء
غاية ودليل ونهاية (4) .في المصدر :فكم صغير مات ،وكبير عاش.
] [ 379
وهي راعبة عليه ،فلما كان وقت القائلة أقبل أولد حليمة يبكون ،فخرجت حليمة
تعثر في أذيالها حيث سمعت أولدها يبكون ،وحثت التراب ) (1على
وجهها وشعرها ،وشهرت بنفسها ،فقالت :ما الذي دهاكم ؟ أخبروني،
قالوا :خرجنا نحن وأخونا محمد صلى ال عليه وآله وجلسنا تحت شجرة،
وإذا قد أقبل عليه رجلن عظيمان لم نر مثلهما ،فلما وصل إلينا أخذا أخانا
" محمدا صلى ال عليه وآله من بيننا ،ومضيا به إلى أعلى الجبل
فأضجعه واحد منهما ،وأخذ سكينا " ،وشق بطنه ،وأخرج قلبه وأمعائه،
ول شك أنك ل تلحقيه إل هالكا " ،فعند ذلك لطمت خدها ،وقالت :هذا
تأويل رؤياي البارحة ،وا أسفي عليك يا محمداه ،واجزعي عليك يا ولداه
يا قرة عيني ،ثم صرخت في الحي وخرجت وخرج بنو سعد كلهم في
أثرها ،وخرج زوجها الحارث يجر قناته وبيده حربة ،فلما أشرفوا على
رسول ال صلى ال عليه وآله وجدوه جالسا " ،والغنام حوله محيطة
به ،فتبادر القوم إليه ورفعوه وأتوا به وهم يقولون :كل شئ تلقاه نحن
وأولدنا وأموالنا فداك ) ،(2فجائت إليه حليمة وأخذته وقبلته وهي تبكي
بكاء " عظيما " ،وكشفت عن بطنه فلم تر أثرا " فيه ،ولم تر في أثوابه
دما " ،فرجعت إلى أولدها وقالت :كيف كذبتم على أخيكم ؟ فقال رسول
ال صلى ال عليه وآله :ل تلوميهم ) (3فإني كنت عندهم إذ أتاني رجلن،
وأخذاني وأضجعاني ،وأخذ واحد منهما سكينا " فشق بها فؤادي ،وأخرج
منه نكتة سوداء ورمى بها ،وقال لي :هذا حظ الشيطان منك يا محمد ،ثم
غسل فؤادي بالماء وأعاداه كما كان ،ثم أخرج أحدهما خاتما " يشرق منه
النور فختم به فؤادي ،ثم مسح على ما شقه فعاد كما كان ،ثم قال ) (4لي:
يا محمد لو علمت ما ل عليك من السابقة ) (5لقرت عيناك ،ثم قال أحدهما
للخر :زنه ،فوزنني بعشره من امتي
) (1أي صبته على وجهها (2) .في المصدر :كل سوء يلقاك يكون في أولدنا يا
محمد (3) .في المصدر :فرجعت إلى أولدها تضربهم بالحجارة وقالت
لهم :كيف كذبتم على أخيكم فقال لهم النبي :ل تضربيهم ول تكذبيهم(4) .
ثم قال خ ل (5) .من الشفقة خ.
] [ 380
فرجحت بهم ،ثم زاد عشرة فرجحت بهم ،ثم قال ) :(1لو وزنته بجميع المم )(2
لرجح بهم ،ثم عرجا نحو السماء وأنا أنظر إليهما ،فقالت حليمة لبعلها:
الرأي أنا نحمل محمدا " إلى جده ،فقال :يمنعني من ذلك خبث نفسي من
فراقنا ) (3له ،وإنه أعز عندنا من الولد ،فلما سمعت كلم بعلها قالت :ما
يوصل هذا الصبي إلى جده إل أنا بنفسي ،ثم أقبلت إليه وقالت :يا ولدي إن
جدك إليك مشتاق وعمومتك ،فهل لك أن تسير إليهم ؟ قال :نعم ،فقامت
حليمة وشدت على راحلتها وركبت ،وأخذت محمدا " قدامها وسارت
طالبة مكة ،وكان عبد المطلب قد أنفذ إليها أن تحمل ولده إليه ،فكانت إذا
نزلت في هبوط ضمته إليها ،وإذا رأت راكبا " غمته ) (4خوفا " عليه إلى
أن وصلت حيا " من أحياء العرب ،وكان عندهم كاهن وقد سقط حاجباه
على عينيه من طول السنين ،والناس عاكفون عليه ،فلما جازت عليهم
غشي عليه ،فلما أفاق قال :يا ويلكم بادروا إلى المرأة التي مرت راكبة،
وخذوا منها الصبي الذي عندها واقتلوه قبل أن يخرب بلدكم ،قالت حليمة:
وإذا أنا بالرجال قد أقبلوا إلي ،فوقعت عليهم ريح صرعتهم في الحال،
فسرت عنهم ولم أحفل بهم ) ،(5وجعلت أسير حتى بلغت إلى مكة،
فوضعت ولدي محمدا " صلى ال عليه وآله عند اناس جلوس ،ومضيت
عنه ناحية لحاجة ،فسمعت وجبة وصوتا " عاليا " ،فالتفت إلى ولدي فلم
أره ،فسألت عنه القوم الذين كانوا جلوسا " قالوا :ما رأيناه ،فسألوني عن
اسمه ،فقلت :محمد بن عبد ال ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف،
فقلت :وحق الكعبة والمقام لئن لم أجده رميت بنفسي من أعلى هذا الحائط
حتى أموت ،وسألتهم وأخذت في جد السؤال فلم تعط خبرا " ،فأخذت
جيبها ،ومزقت أثوابها ) ،(6ولطمت وجهها ،وبكت وأكثرت البكاء ،وحثت
التراب على
) (1ثم قال له صاحبه خ لو وهو الموجود في المصدر (2) .في المصدر :بالمة) .
(3في المصدر :ثم أقبلت حليمة على بعلها وقالت له :الراى المبارك أن
توصل هذا الغلم إلى جده ،فقال لها :دعينى من ذلك ،فما تطيب نفسي
بمفارقته (4) .غيبته خ ل وهو الموجود في المصدر (5) .أي لم ابال بهم
ول أهتم لهم (6) .في المصدر :فلما سمعت كلمهم وضعت يدها في
أطواقها ،ومزقت ثيابها.
] [ 381
رأسها ،وجعلت تقول :واولداه ،واقرة عيناه ،واثمرة فؤاداه ،وا محمداه :فبينا هي
كذلك إذ خرج إليها شيخ كبير يتوكأ على عصا ،فقال لها :ما قصتك أيتها
المرأة ؟ فقالت :فقدت ولدي محمدا " ،ولم أدر أين مضى ،قال لها :ل
تبكين ،أنا أدلك على من يعلم أين ذهب ،قالت :افعل يا سيدي ،فمضى
قدامها إلى أن أتى الكعبة ،وطاف على صنم يقال له :هبل ،وقال :يا هبل
أين محمد ؟ فسقط الصنم لما ذكر محمدا " ،فخرج الرجل خائفا " ،قالت
حليمة :فحسست في نفسي أنه قد أخذه آخذ وذهب به إلى جده ،فقصدته
مسرعة ،فلما رآني قال :ما قصتك ؟ قلت :ولدك محمد أتيت به ووضعته
على باب مكة أقضي حاجة فرجعت فلم أره ،فقال ) :(1إنى أخشى أن يكون
أخذه بعض الكهان ،فنادى عبد المطلب :يا آل غالب ،وكانوا يتباركون بهذه
الكلمة ،فلما سمع قريش صوت عبد المطلب أجابوه من كل مكان ) ،(2فقال
لهم :إن حليمة قد أقبلت بولدي محمد ،وطرحته على باب الكعبة )،(3
ومضت لقضاء حاجة لها وعادت فلم تره ،وأنا أخاف عليه أن يغتاله ساحر
أو كاهن ،فقالوا :نحن معك سربنا أين شئت ،إن خضت بحرا " خضناه،
وإن ركبت برا " ركبناه ،ثم ركبوا وساروا فلم يقفوا له على خبر ،فأتى
عبد المطلب إلى الكعبة وطاف بها سبعا " ،وتعلق بأستارها ،ثم دعا
وتضرع في دعائه ،فسمع هاتفا يقول :يا عبد المطلب ل تخف على ولدك )
،(4ولكن اطلبه بوادي دعاية ) (5عند شجرة الموز ،فمضى عبد المطلب
إلى المكان المذكور فوجده قاعدا " تحت الشجرة ،وقد تدلت عليه أثمارها
) ،(6فبادر إليه جده ،فأخذه وقبله ،وقال له :يا ولدي من أتي بك إلى هذا
الموضع ؟ قال :اختطف بى طير ) (7أبيض ،وحملنى على
) (1في المصدر :ومضيت ل قضى حاجتى فجئت فلم أجده ول وقفت له على خبر،
فقال (2) .في المصدر بعد ذلك :وقالوا :ما الذى نزل بك ؟ فقال (3) .في
المصدر فنزلت عند باب الكعبة (4) .في المصدر بعد ذلك :ول تحزن ،فان
له ربا ل يضيعه ،فقال عبد المطلب :واين اطلبه يا هاتف ؟ قال اطلبه) .
(5رعانة خ ل وفي المصدر :دهانة (6) .بأثمارها خ ل (7) .اختطفني
طائر خ ل ،وهو الموجود في المصدر(*) .
] [ 382
جناحه ،وأتى بى إلى هاهنا ،وقد جعت وعطشت فأكلت من ثمرة هذه الشجرة،
وشربت من الماء ،وكان الطائر جبرئيل عليه السلم ) .(1ثم إن ) (2حليمة
قالت لعبد المطلب :إن ولدك قد صار ) (3له عندنا كذا وكذا ،قال :يا حليمة
ل بأس عليك ،إمضي إلى امه وأخبريها بذلك ،فإنها أخبرتني يوم ولد أنه
سطع منه نور صعد إلى السماء .وذلك قوله ) (4تعالى) :ألم نشرح لك
صدرك( الية .ثم إن عبد المطلب كفل النبي صلى ال عليه وآله إلى )(5
أن رمد النبي صلى ال عليه وآله رمدة شديدة وكان بالجحفة طبيب فوطأله
جده راحلة وسار به إلى الجحفة ،فلما دخل صاح عبد المطلب أيها الطبيب
عندي غلم اريد أن تطب عينه ،فرفع ) (6رأسه وقال له :اكشف لي عن
وجهه ،فلما كشف عن وجهه سقطت ) (7الصومعة ،فرفع ) (8الراهب
رأسه ونادى بالشهادتين والقرار بنبوة محمد صلى ال عليه وآله ،ثم قال:
وما عسى أن أقول فيه ل بأس عليه مما نزل به ،ولكن أيها الشيخ اسمع
ما أقول لك ،إنه سيد العرب ،بل سيد الولين والخرين ،والمشفع فيهم يوم
الدين ،تنصره الملئكة المقربون ،ويأمره ال أن يقاتل من يخالفه،
وينصره ال نصرا " عزيزا " ،وأشد الناس عليه قومه ،فقال عبد
المطلب :يا راهب ما تقول ؟ فقال :والذي ل إله إل هو ،لئن أدركت زمانه
لنصرنه ،فاحفظ ولدك ،فرجع بولده ) (9إلى مكة
) (1الظاهر أن البكري اخذ ذلك عن مصادر العامة ،ويخرج المصنف قريبا عن
دلئل النبوة لبي نعيم (2) .في المصدر :قال ابو الحسن البكري :ثم ان
حليمة اه (3) .قد عرض خ ل وهو الموجود في المصدر (4) .لعل ذلك
من كلم البكري ،يريد ان الية اشارة إلى شق صدره وما وقع بعد ذلك
فتأمل (5) .في المصدر :إلى حين كبر ،قال :ثم ان النبي صلى ال عليه
وآله رمد رمدا شديدا (6) .فأخرج خ ل (7) .تزلزلت خ ل وهو الموجود
في المصدر (8) .فرد خ ل وهو الموجود في المصدر (9) .بالنبي خ ل
وهو الموجود في المصدر.
] [ 383
فأقام بها حتى حضرته الوفاة ،فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبو طالب،
وأقبل به إلى منزله ،ودعا بزوجته فاطمة بنت أسد ،وكانت شديدة المحبة
لرسول ال صلى ال عليه وآله ،شفيقة عليه ،فقال لها أبو طالب :اعلمي
أن هذا ) (1ابن أخي ،وهو اعز عندي من نفسي ومالي ،و إياك أن
يتعرض عليه ) (2أحد فيما يريد ،فتبسمت فاطمة من قوله ،وكانت تؤثره
على سائر أولدها ،وكان لها عقيل وجعفر ،فقالت له :توصيني في ولدي
محمد وإنه أحب إلي من نفسي وأولدي ،ففرح أبو طالب بذلك ،فجعلت
تكرمه على جملة أولدها ،ول تجعله يخرج عنها طرفة عين أبدا " ،وكان
يطعم من يريد فل يمنع ،وقد كان يشب في اليوم ما يشب غيره في السنة
وينمو ،فتعجب ) (3أهل مكة من ذلك وحسنه وجماله ،فلما نظر أبو طالب
إلى حسنه وجماله قال :شعرا " :نور وجهك الذي فاق في الحسن * على
نور شمسنا والهلل أنت وال يا مناي وسؤلي * الذي فاق نوره المتعالي
أنت نور النام من هاشم الغر * فقت كل العل وكل الكمال وعلو الفخار
والمجد أيضا * ولقد فقت أهل كل المعالي ) (4ثم بعد ذلك شاع ذكره في
البلد ) ،(5ثم إنه توجه يوما " إلى نحو الكعبة وأهل مكة حولها ،وكان قد
عمروا فيها عمارة ،وشالوا ) (6الحجر السود من مكانه ،فلما عزموا
) (1في المصدر :إن هذا ولدى محمد هو قرة عينى ،وامره في منزلي كأمرى،
ونهيه كنهيى فل يتعرض عليه احد فيما يريده (2) .له خ ل (3) .في
المصدر :احب إلى من نفسي ومما طلعت عليه الشمس أو غربت والمال
والولد ،فعند ذلك فرح ابو طالب بمقالتها ،ثم قالت :وال ل قدمنه على
سائر اولدي ،وجعلت تكرمه ،ول تخليه يغيب عنها طرفة عين ،وكان
يطعم من يريد ،ويضيف من يريد ،ول يمنعه من ذلك مانع ،ول يعارضه
معارض فيما يريد ،وقد يشب وينمو ،وقد تعجب (4) .ولقد ارتقيت أعلى
المعالى خ ل (5) .في المصدر :قال الراوى لهذا الحديث :وعل قدره حتى
سموه الصادق المين ،وشاع ذكره في المشرق والمغرب (6) .أي
ارتفعوا.
] [ 384
أن يردوه إلى مكانه الول اختلفوا فيمن يرده ،فكان كل منهم يقول :أنا أرده ،يريد
الفخر لنفسه ،فقال لهم ابن المغيرة :يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من
هذا الباب ،وأجمعوا على ذلك ) ،(1وإذا بالنبي صلى ال عليه وآله قد اقبل
عليهم ،فقالوا :هذا محمد ،نعم الصادق المين ،ذو الشرف الصيل ) ،(2ثم
نادوه فأقبل عليهم ،فقالوا :قد حكمناك في أمرنا ،من يحمل الحجر السود
إلى محله ؟ فقال صلى ال عليه وآله :هذه فتنة ،ايتوني بثوب ) ،(3فأتوه
به ،فقال :ضعوا الحجر فوقه ،وارفعوه من كل طرف قبيلة ،فرفعوه إلى
مكانه ،والنبي صلى ال عليه وآله هو الذي وضعه في مكانه ) ،(4فتعجبت
القبائل من فعله .بيان :الزعرق :الصياح والزمجرة :الصوت .قوله :غمته
أي غطته ) - 21 .(5أقول :روى الكاذروني :في المنتقى عن برة قال :أول
من أرضع رسول ال صلى ال عليه وآله ثويبة بلبن ابن لها يقال له:
مسروح أياما " قبل أن تقدم حليمة ،وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد
المطلب ،وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد السد المخزومي ،وكانت تدخل
على رسول ال صلى ال عليه وآله فيكرمها ،وكان رسول ال صلى ال
عليه وآله يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة
) (1في المصدر :فقال لهم ابن المغيرة :يا قوم حكموا في أمركم كل الرجل المقبل
ليحكم فيما أنتم فيه ،فقالوا :الداخل علينا من هذا الباب حكمناه في أمرنا
إن كان حرا أو عبدا ،ذكرا أو انثى ،فنظروا إذا هم بالنبي صلى ال عليه
وآله إه .قلت :حكمه في المر :فوض إليه الحكم فيه .وابن المغيرة :هو
ابو امية حذيفة بن المغيرة بن عبد ال بن عمر بن مخزوم ،وهو والد أم
سلمة وكان اسن القوم (2) .في المصدر زيادة هي :الفاضل العاقل محمد
بن عبد ال (3) .في المصدر :فلما دنا منهم رآهم كل واحد منهم يريد
لنفسه الشرف والفخار فقال :هذه فتنة فاريد أن اخمدها ،قال :يا قوم
ايتونى بثوب (4) .في المصدر هنا زيادة هي :وانقطع الشر بينهم ،وكان
أحدهم المغيرة ،والثانى ربيعة ،و الثالث حريز بن امية ،والرابع السود
بن عبد العزى ،فرجعوا الحجر إلى مكانه ،والنبى صلى ال عليه وآله
وضعه في موضعه إه .قلت :في السماء تصحيف ،والموجود في تاريخ
اليعقوبي :عتبة ابن ربيعة ،وفي غيره عبد مناف عتبة بن ربيعة -وأبو
زمعة بن السود ،وأبو حذيفة بن المغيرة ،وقيس بن عدى السهمي وفي
غيره زمعة مكان أبى زمعة ،وفيما تقدم عن الكافي :السود بن المطلب
من بنى أسد بن عبد العزى (5) .النوار :مخطوط :ونسخته موجودة
عندي ،فيها اختلف وزيادات على نسخة المصنف أوردت بعضها في
الذيل.
] [ 385
وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر ) - 22 .(1وأورد الحافظ أبو القاسم الصبهاني )(2
في دلئل النبوة مسندا " عن العباس بن عبد المطلب قال :قلت :يا رسول
ال دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك ،رأيتك في المهد تناغي )(3
القمر ،وتشير إليه بإصبعك ،فحيث أشرت إليه مال ،قال :إني كنت احدثه
ويحدثني ويلهيني عن البكاء ،وأسمع وجبته يسجد تحت الكرسي ).(4
قوله :وجبته أي سقطته - 23 .وروى عن مجاهد قال :قلت لبن عباس:
وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد صلى ال عليه وآله ؟ قال :إي وال،
وكل نساء الجن ،وذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى الملك في سماء
الدنيا :هذا محمد سيد النبياء ،فطوبي لثدي أرضعته ،فتنافست الطير
والجن ،في رضاعه ،قال :فنوديت ) (5كلها :أن كفوا ،فقد أجرى ال ذلك
علي أيدي النس ،فخص ال بذلك حليمة ) - 24 .(6وروي أنه لما مضى
على رسول ال صلى ال عليه وآله شهران وهو عند حليمة ترضعه خرج
عبد المطلب فأتى إليها فقال لها :ادفعي إلي ابني :فقالت له :جعلني ال
فداك يا عبد المطلب دعه عندي فإنه قد الفني ،قال :كيف لم تريديه قبل
اليوم وتمتسكين به الن ؟ قالت :لنه وال نسمة مباركة ،قد بورك لنا في
جميع أبداننا وأموالنا ،فدعه عندي ل اريد منك عليه شيئا " أبدا " ،فتركه
عندها ،وانصرف عبد المطلب ،فمكثت حليمة ل تدخل في الليل إلى بيتها
إل ونظرت إلى الستر قد انفجر ونزل عليه القمر يناغيه ،فيقول زوجها :إن
لهذا الغلم لشأنا " عظيما " ،ليسودن العرب كلها - 25 .وروى حديث
حليمة برواية اخرى عن ابن عباس أوردتها أيضا " لفوائد فيها،
) (1المنتقى في مولود المصطفى :الباب الول من القسم الثاني (2) .اسماعيل بن
محمد بن الفضل على ما في المصدر (3) .ناغى الصبى :كلمه بما يعجبه
ويسره (4) .المنتقى في مولود المصطفى :الباب الول من القسم الثاني.
) (5أي الطير والجن (6) .المنتقى في مولود المصطفى :الباب الثاني من
القسم الثاني.
] [ 386
وهي أنه روي أنه كان من سببها أن ال أجدب البلد والزمان ،فدخل ذلك على
عامة الناس ،وكانت حليمة تحدث عن زمانها وتقول :كان الناس في زمان
رسول ال صلى ال عليه وآله في جهد شديد ،وكنا اهل بيت مجدبين،
وكنت امرأة طوافة ،أطوف البراري والجبال ،ألتمس الحشيش والنبات،
فكنت ل أمر على شئ من النبات إل قلت :الحمد ل الذي أنزل بي هذا
الجهد والبلء ،ولما ولد النبي صلى ال عليه وآله خرجت إلى ناحية مكة
ولم أكن ذقت شيئا " منذ ثلثة أيام ،وكنت التوي كما تلتوي الحية ،وكنت
ولدت ليلتي تلك غلما " فلم أدر أجهد الولدة أشكو أم جهد نفسي ،فلما
بت ليلتي تلك أتاني رجل في منامي فحملني حتى قذفني في ماء أشد بياضا
" من اللبن ،وقال :يا حليمة أكثري من شرب هذا الماء ليكثر لبنك ،فقد
أتاك العز وغناء الدهر ،تعرفينني ؟ قلت :ل ،قال أنا الحمد ل الذي كنت
تحمدينه في سرائك وضرائك ،فانطلقي إلى بطحاء مكة ،فإن لك فيها رزقا
" واسعا " ،واكتمي شأنك ول تخبري أحدا " ،ثم ضرب بيده على
صدري ،فقال :أدر ال لك اللبن ،وأكثر لك الرزق ،فانتبهت وأنا أجمل نساء
بني سعد ،ل اطيق أن أسبل ) (1ثديي ،كأنهما الجر العظيم ،يتسيب )(2
منهما لبن ،وأرى الناس حولي من نساء بني سعد ورجالهم في جهد من
العيش ،إنما كنا نرى البطون لزقة بالظهور ،واللوان شاحبة ) (3متغيرة،
ل نرى في الجبال الراسيات شيئا " ،ول في الرض شجرا " ،وإنما كنا
نسمع من كل جانب أنينا " كأنين المرضى ،وكادت العرب أن تهلك هزال "
وجوعا " ،فلما أصبحت حليمة وإنها لفي جهد من العيش وتغير من
الحال ،وقد أصبحت اليوم تشبه بنات الملوك ،قلن :إ لها شأنا " عظيما "،
ثم احدقن بي يسألنني عن قصتي ،فكنت ل احير جوابا " ،فكتمت شأني
لني بذلك كنت امرت ،ولم تبق امرأه في بني سعد ذات زوج إل وضعت
غلما " ،ورأيت الرؤوس المشتعلة بالشيب قد عادت سودا " لبركة مولد
رسول ال صلى ال عليه وآله ،فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا " ينادي:
أل إن قريشا " قد وضعت العام كل بطونها ،وإن ال قد
) (1أسبل الدمع :أرسله .الماء :صبه (2) .هكذا في الصل ،وفي المصدر :يتسبسب
وهو الصحيح أي يسيل (3) .شحب لونه :تغير من جوع أو مرض
ونحوهما.
] [ 387
حرم على نساء العام أن يلدن البنات من أجل مولد في قريش ،وشمس النهار،
وقمر الليل ،فطوبى لثدي أرضعته ،أل فبادرن إليه يا نساء بني سعد،
قالت :فنزلنا في جبل و عزمنا على الخروج إلى مكة ،فخرج نساء بني
سعد على جهد منهن ومخمصة ) ،(1وخرجت أنا مع بني لي على أتان لي
معناق ) (2تسمع لها في جوفها خضخضة ) ،(3قد بدأ عظامها من سوء
حالها ،وكانت تخفضني طورا " ،وترفعني آخر ،ومعي زوجي ،فكنت في
طريقي أسمع العجائب من كل ناحية ،ل أمر بشئ إل استطال إلي فرحا "،
وقال لي :طوبى لثديك يا حليمة ،انطلقي فإنك ستأتين بالنور الساطع،
والهلل البدري ،فاكتمي شأنك وكوني من وراء القوم ،فقد نزلت بشاراتك،
قالت :فكنت أقول لصاحبي :تسمع ما أسمع ؟ فيقول :ل ،مالي أراك
كالخائفة الوجلة تلتفتين يمنة " ويسرة " ،مري أمامك ،فقد تقدم نساء
بني سعد ،وإني أخاف أن يسبقني إلى كل مولود بمكة ،قالت :فجعلنا نجد
في المسير والتان كأنها تنزع حوافرها من الظهر نزعا " ،فبينا أنا في
مسيري إذا أنا برجل في بياض الثلج ،وطول النخلة الباسقة ،ينادي من
الجبل :يا حليمة مري أمامك ،فقد أمرني ال عزوجل أن أدفع عنك كل
شيطان رجيم ،قالت :حتى إذا صرنا على فرسخين من مكة بتنا ليلتنا تلك،
فرأيت في منامي كان على رأسي شجرة خضراء ،قد ألقت بأغصانها
حولي ،ورأيت في فروعها شجرة كالنخلة ،قد حملت من أنواع الرطب ،و
كان جميع من خرج معي من نساء بني سعد حولي ،فقلن :يا حليمة أنت
الملكة علينا ،فبينا أنا كذلك إذ سقطت من تلك الشجرة في حجري تمرة
فتناولتها ووضعتها في فمي ،فوجدت لها حلوة كحلوة العسل ،فلم أزل
أجد طعم ذلك ) (4في فمي حتي فارقني رسول ال صلى ال عليه وآله،
فلما أصبحت كتمت شأني ،قلت :إن قضى ال لي أمرا " فسوف يكون ،ثم
ارتحلنا حتى نزلنا مكة يوم الثنين وقد سبقني نساء بني سعد ،وكان
الصبي الذي معي قد ولدته ل يبكي ول يتحرك ول يطلب لبنا " ،فكنت أقول
لصاحبي :هذا الصبي ميت
) (1المخمصة :خلء البطن من الطعام .مجاعة تورث خمص البطن وضموره(2) .
هكذا في الصل والمصدر ،والمعناق :الدابة السريع السير .طويل العنق.
) (3الخضخضة :الحركة (4) .أي في يقظتي بعد.
] [ 388
ل محالة ،فكنت إذا قلت ذلك يلتفت إلي الصبي فيفتح عينية ويضحك في وجهي،
وأنا متعجبة من ذلك ،فلما توسطنا مكة قلت :لصاحبي :سل من أعظم
الناس قدرا " بمكة ،فسأل عن ذلك فقيل له :عبد المطلب بن هاشم ،فقلت
له :سل من أعظم قريش ممن ولد له في عامه هذا ،فقيل لي :آل مخزوم،
قالت :فأجلست صاحبي في الرحل وانطلقت إلى بني مخزوم ،فإذا أنا بجميع
نساء بني سعد قد سبقننى إلى كل مولود بمكة ،فبقيت ل أدري ما أقول،
وندمت على دخولي مكة ،فبينا أنا كذلك إذا بعبد المطلب ،وجمته )(1
تضرب منكبه ،ينادي بنفسه بأعلى صوته :هل بقي من الرضاع أحد ،فإن
عندي بنيا " لي يتيما " وما عند اليتيم من الخير ،إنما يلتمس كرامة
الباء ،قالت :فوقفت لعبد المطلب وهو يومئذ كالنخلة طول ،فقلت :أنعم
صباحا " أيها الملك المنادي ،عندك رضيع ارضعه ،فقال هلمي ،فدنوت
منه ،فقال لي :من أين أنت ؟ فقلت :امرأة من بني سعد ،فقال لي :إيه إيه )
(2كرم وزجر ،ثم قال لي :ما اسمك ؟ فقلت :حليمة ،فضحك وقال :بخ بخ
خلتان حسنتان :سعد وحلم ،هاتان خلتان فيها غنى الدهر ،ويحك يا حليمة
عندي بني لي يتيم اسمه محمد ،وقد عرضته على جميع نساء بني سعد
فأبين أن يقبلنه ،وأنا أرجو أن تسعدي به ،قالت :فقلت له :إني منطلقة إلى
صاحبي ومشاورته في ذلك ،قال لي :إنك لترضعين غير كارهة ،قالت:
قلت :بال لرجعن إليك ،قالت :فرجعت إلى صاحبي فلما أخبرته الخبر كأن
ال قد قذف في قلبه فرحا " ،ثم قال لي :يا حليمة بادري إليه ل يسبقك
إليه أحد ،قالت :وكان معي ابن اخت لي يتيم ،قال :هيهات إني أراكم ل
تصيبون في سفركم هذا خيرا " ،هؤلء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع
والشرف ،وترجعون أنتم باليتيم ،قالت :فأردت وال لرجع ) (3إليه ،فكأن
ال قذف في قلبي إن فارقك محمد ل تفلحين ،وأخذتني الحمية وقلت:
هؤلء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف ،وأرجع أنا بل رضاع ؟
وال لخذنه وإن كان يتيما " ،فلعل ال أن يجعل فيه خيرا " ،قالت:
فرجعت إلى عبد المطلب ،فقلت له:
) (1الجمة :من شعرا الرأس ما سقط على المنكبين (2) .إيه :اسم فعل للستزادة
من حديث أو فعل (3) .هكذا في الصل ،والصحيح كما في المصدر :ل
أرجع.
] [ 389
أيها الملك الكريم هلم الصبي ،قال :هل نشطت لخذه ؟ قالت :قلت :نعم ،فخر عبد
المطلب ساجدا " ،ورفع رأسه إلى السماء وهو يقول :اللهم رب المروة
والحطيم ،اسعدها بمحمد ،ثم مر بين يدي يجر حلته فرحا " حتى دخل بي
على آمنة ام رسول ال صلى ال عليه وآله ،فإذا أنا بامرأة ما رأيت في
الدميين أجمل وجها منها ،هللية بدرية ،فلما نظرت إلى ضحكت في
وجهي ،وقالت :ادخلي يا حليمة ،فدخلت الدار فأخذت بيدي ،فأدخلتني بيتا
" كان فيه رسول ال صلى ال عليه وآله ،فإذا أنا به ووجهه كالشمس إذا
طلعت في يوم ديجانها ) ،(1فلما رأيته على هذه الصفة استدر ) (2كل
عرق في جسدي بالضربان ،فناولتني النبي صلى ال عليه وآله ،فلما أن
وضعته في حجري فتح عينيه لينظر إلى فسطع منهما نور كنور البرق إذا
خرج من خلل السحاب فألقمته ثديي اليمن فشرب منه ساعة ،ثم حولته
إلى اليسر فلم يقبله ،و جعل يميل إلى اليمنى -فكان ابن عباس يقول:
الهم العدل في رضاعه ،علم أن له شريكا " ،فناصفه عدل -وكانت الثدي
اليمنى تدر لرسول ال صلى ال عليه وآله ،والثدي اليسرى تدر لبني،
وكان ابني ل يشرب حتى ينظر إلى محمد صلى ال عليه وآله قد شرب،
وكنت كثيرا " ما أسبق إلى مسح شفتيه ،فكنت أسبق إلى ذلك فنام في
حجري ،فجعلت أنظر إلى وجهه ،فرأيت عينيه مفتوحتين ،وهو كالنائم ،فلم
أتمالك فرحا " ،وأخذتني العجلة بالرجوع إلى صاحبي ،فلما أن نظر إليه
صاحبي لم يتمالك أن قام وسجد ،وقال :يا حليمة ما رأيت في الدميين
أجمل وجها " من هذا ،قالت :فلما كان في الليل وطاب النوم وهدأت
الصوات انتبهت فإذا به وقد خرج منه نور متللئ ،وإذا أنا برجل قائم عند
رأسه عليه ثوب أخضر ،فانبهت صاحبي وقلت :ويحك أل ترى إلى هذا
المولود ؟ قالت :فرفع رأسه فلما نظر إليه قال لي يا حليمة اكتمي شأنه،
فقد أخذت شجرة " كريمة " ل يذهب رسمها أبدا " ،قالت :فأقمنا بمكة
سبعة أيام بلياليهن ما من يوم إل وأنا أدخل على آمنة ،فلما عزمنا على
الخروج دعتني آمنة فقالت :ل تخرجي من بطحاء مكة حتى تعلميني ،فإن
لي فيك وصايا اوصيك بها ،قالت :فبتنا فلما كان في بعض الليل انتبهت
لقضي حاجة ،فإذا برجل عليه ثياب خضر
) (1أي في يوم غيوم مظلم (2) .استدرت العروق :امتلت دما.
] [ 390
قاعد عند رأسه يقبل بين عينيه ،فانبهت صاحبي رويدا " فقلت :انظر إلى العجب
العجيب ،قال :اسكتي واكتمي شأنك ،فمنذ ولد هذا الغلم قد أصبحت أحبار
الدنيا على أقدامها قياما " ،ل يهنؤها عيش النهار ،ول نوم الليل ،وما
رجع أحد من البلد أغنى منا ،فلما أصبحنا من الغد وعزمنا على الخروج
ركبت أتاني وحملت بين يدي محمدا " صلى ال عليه وآله ،وخرجت معي
آمنة تشيعني ،فجعلت التان تضرب بيدها ورجلها الرض وترفع رأسها
إلى السماء فرحة مستبشرة ،ثم تحولت بي نحو الكعبة ،فسجدت ثلث
سجدات ،حتى استوينا مع الركب سبقت التان كل دوابهم ،فقالت نساء بني
سعد :يا بنت أبي ذؤيب أليس هذا أتانك التي كانت تخفضك طورا "
وترفعك آخر ؟ فقلت :نعم ،فقلن :بال إن لها لشأنا " عظيما " ،فكنت
أسمع التان تقول :إي وال وإن لي لشأنا " ،ثم شأنا " ،أحياني ال
عزوجل بعد موتي ،ورد علي سمني بعد هزالي ،ويحكن يا نساء بني سعد
إنكن لفي غفلة ،أتدرين من حملت ؟ حملت سيد العرب محمدا " رسول ال
رب العالمين ) ،(1هذا ربيع الدنيا وزهرة الخرة ،وأنا أنادي من كل جانب:
استغنيت يا حليمة آخر دهرك ،فأنت سيدة نساء بني سعد ،قالت :فمررت
براع يرعى غنما " له ،فلما نظرت الغنم إلي جعلن يستقبلن وتعدو إلي كما
تعدو سخالها ) ،(2فسمعت من بينها قائل يقول :أقر ال عينك يا حليمة،
أتدرين ما حملت ؟ هذا محمد رسول رب العالمين ،إلى كل ولد آدم من
الولين والخرين ،قالت :فشيعتني امه ساعة وأوصتني فيه بوصايا،
ورجعت كالباكية ،قالت :وليس كل الذي رأيت في طريقي احسن وصفه ،إل
أني لم أنزل منزل إل أنبت ال عزوجل فيه عشبا " ،وخيرا " كثيرا "،
وأشجارا " قد حملت من أنواع الثمر ،حتى أتيت به منزل بني سعد ،وما
نعلم وال أن أرضا " كانت أجدب منها ،ول أقل خيرا " ،وكانت لنا
غنيمات دبرات ) (3مهزولت ،فلما صار رسول ال صلى ال عليه وآله
في منزلي صارت غنمي تروح شباعا " حافلة ،تحمل وتضع وتدر وتحلب،
ول تدر في بني سعد لحد من الناس غيري ،فجمعت بنو سعد رعاتها
) (1في المصدر زيادة بعد ذلك هي :صنوان وغير صنوان (2) .في المصدر :إلى
سخولها .قلت :السخال :ولد الشاة (3) .الدبر :المصاب بالدبرة :قرحة
الدابة تحدث من الرجل ونحوه.
] [ 391
وقالوا لهم :ما بال أغنام حليمة بنت أبي ذؤيب تحمل وتضع وتدر وتحلب ،وأغنامنا
ل تحمل ول تضع ول تأتي بخير ؟ اسرحوا حيث تسرح رعاة بنت أبي
ذؤيب حتى تروح غنمكم ) (1شباعا " حافلة ،قالت :فلم نزل نتعرف من
ال الزيادة والبركة والفضل والخير ببركة النبي صلى ال عليه وآله حتى
كنا نتفضل على قومنا ،وصاروا يعيشون في أكنافنا ،فكنت أرى من يومه )
(2عجبا " ،ما رأيت له بول قط ،ول غسلت له وضوءا " قط ،طهارة
ونظافة ،وذلك أني كنت اسبق إلى ذلك ،وكان له في كل يوم وقت واحد
يتوضأ فيه ول يعود إلى وقته من الغد ،ولم يكن شئ أبغض إليه من أن
يرى جسده مكشوفا " ،فكنت إذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستر عليه،
فانتبهت ليلة من الليالي فسمعته يتكلم بكلم لم أسمع كلما " قط أحسن
منه ،يقول) :ل إله إل ال قدوسا " قدوسا " ،وقد نامت العيون والرحمن
ل تأخذه سنة ول نوم( وهو عند أول ما تكلم ،فكنت أتعجب من ذلك ،وكان
يشب شبابا " ل يشبه الغلمان ،ولم يبك قط ،ولم يسئ خلقه ،ولم يتناول
بيساره ،وكان يتناول بيمينه ،فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا " إل قال:
)بسم ال( فكنت معه في كل دعة ) (3وعيش وسرور ،وكنت قد اجتنبت
الزوج ل أغتسل منه هيبة " لرسول ال صلى ال عليه وآله ،حتى تمت له
سنتان كاملتان ،وقد ثمر ) (4ال لنا الموال ،وأكثر لنا من الخير ،فكانت
تحمل لنا الغنام ،وتنبت لنا الرض ،وقد ألقى ال محبته على كل من رآه،
فبينا هو قاعد في حجري إذا مرت ) (5به غنيماتي فأقبلت شاة من الغنم
حتى سجدت له ،وقبلت رأسه ،فرجعت إلى صويحباتها ،وكان ينزل عليه
في كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلي عنه ،وكان أخواه من
الرضاعة يخرجان فيمران بالغلمان فيلعبان معهم ،وإذا رآهم محمد صلى
ال عليه وآله اجتنبهم وأخذ بيد أخويه ثم قال لهما :إنا لم نخلق لهذا ،فلما
) (1في نسخة الصل :عنكم والتصويب من نسخة أمين الضرب وغيرها ومن
المصدر (2) .في نسخة :من نومه ،وفي اخرى :من ثوبه (3) .الدعة:
السكينة .الراحة وخفض العيش (4) .أي كثرها ال (5) .في المصدر :إذ
مرت.
] [ 392
تم له ثلث سنين قال لي يوما " ،يا اماه مالي ل أرى أخوي بالنهار ؟ قلت له :يا
بنى إنهما يرعيان غنيمات ،قال :فما لي ل أخرج معهما ؟ قلت له :تحب
ذلك ؟ قال :نعم ،فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا " فيه
جزع يمانية ،فنزعها ثم قال لي :مهل يا اماه فإن معي من يحفظني ،قالت:
ثم دعوت با بني فقلت لهما :اوصيكما بمحمد خيرا " ،ل تفارقاه ،وليكن
نصب أعينكما ،قالت :فخرج مع أخويه في الغنم ،فبيناهم يترامون بالجلة
يعني البعر إذ هبط جبرائيل وميكائيل ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج
فاستخرجاه من الغنم والصبية فأضجعاه وشقا بطنه ،وشرحا صدره،
فاستخرجا منه نكتة سوداء وغسله بذلك الماء والثلج ،وحشيا بطنه نورا
" ،ومسحا عليه فعاد كما كان ،قالت :فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما
اسمه ضمرة يعدو وقد عله النفس وهو يقول :يا امه أدركي أخي محمدا "
وما أراك تدركينه ،قالت :فقلت :وما ذاك ؟ قال :أتاه رجلن عليهما ثياب
خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه ،وهما
يتوطئانه ،قالت :فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحى فإذا أنا به قائما "
ينظر إلى السماء ،كأن الشمس تطلع من وجهه ،فالتزمته والتزمه أبوه،
ووال لكأنما غمس في المسك غمسة ،وقال له أبوه :يا بنى مالك ؟ قال:
خير يا أبه ،أتاني رجلن انقضا على من السماء كما ينقض الطير )(1
فأضجعاني وشقا بطني ،وحشياه بشئ كان معهما ،ما رأيت ألين منه ،ول
أطيب ريحا " ومسحا على بطني ،فعدت كما كنت ،ثم وزناني بعشرة من
امتي فرجحتهم ،فقال أحدهما :فلو وزنته بامته كلها لرجح ،وطارا كذلك
حتى دخل السماء ،قالت :فحملناه إلى خيم لنا ،فقال الناس :اذهبوا به إلى
كاهن حتى ينظر إليه ويداويه ،فقال محمد :ما بي شئ مما تذكرون ،وإني
أرى نفسي سليمة ،وفؤادي صحيحا " بحمد ال ،فقال الناس :أصابه لمم
أو طائف ) (2من الجن.
) (1انقض الطير :هوى ليقع (2) .اللمم :طرف من الجنون يلم النسان أي يقرب
منه ويعتريه .والطائف ما يطوف حول الشئ ،ومنه استعير الطائف من
الجن والخيال والحادثة وغيرها ،قال ال تعالى) :إذا مسهم طائف من
الشيطان( وهو الذى يدور على النسان من الشيطان يريد اقتناصه.
] [ 393
قالت :فغلبوني على رأيي حتى انطلقت به إلى كاهن ،فقصصت قصته ،قال :دعيني
أن أسمع من الغلم ؟ فإن الغلم أبصر بأمره منكم ،تكلم يا غلم ،قالت
حليمة :فقص ابني محمد صلى ال عليه وآله قصته من أولها إلى آخرها،
فوثب الكاهن قائما " على قدميه وضمه إلى صدره ونادى بأعلى صوته:
يا آل العرب يا آل العرب ،من شر قد اقترب ،اقتلوا هذا الغلم و اقتلوني
معه ،فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلمكم ،وليبدلن
أديانكم ،وليدعونكم إلى رب ل تعرفونه ،ودين تنكرونه ،قالت :فلما سمعت
مقالته انتزعته من يده وقلت :أنت أعته ) (1وأجن من ابني ،ولو علمت
أن هذا يكون منك ما أتيتك به ،اطلب لنفسك من يقتلك فإنا ل نقتل محمدا
" ،فاحتملته واتيت به منزلي ،فما بقي يومئذ في بني سعد بيت إل ووجد
منه ريح المسك .وكان ينقض عليه كل يوم طيران أبيضان يغيبان في ثيابه
ول يظهران ،فلما رأى أبوه ذلك قال لي :يا حليمة إنا ل نأمن على هذا
الغلم ،وقد خشيت عليه من تباع ) (2الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه
عندنا شئ ،قالت :فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا " في جوف الليل
ينادي :ذهب ربيع الخير ،وأمان بني سعد ،هنيئا " لبطحاء مكة إذا كان
مثلك فيها يا محمد ،فالن قد أمنت أن تخرب ،أو يصيبها بؤس بدخولك
إليها يا خير البشر ،قالت :فلما أصبحت ركبت أتاني ووضعت النبي صلى
ال عليه وآله بين يدي ،فلم أكن أقدر افارقه مما كنت انادي يمنة ويسرة
حتى انتهيت به إلى الباب العظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون،
فنزلت لقضي حاجة وأنزلت النبي صلى ال عليه وآله فغشيتني كالسحابة
البيضاء و سمعت وجبة شديدة ،ففزعت ،وجعلت ألتفت يمنة ويسرة
ونظرت فلم أر النبي صلى ال عليه وآله ،فصحت :يا معشر قريش الغلم
الغلم ،قالوا :ومن الغلم ؟ قلت :محمد بن آمنة ،قالو :ومن أين كان معك
محمد لعلك تحلمين ) (3أو منك هذيان ؟ قلت :ل وال ما حلمت وإني لفي
يقين من أمري ،فجعلت أبكي وانادي :وا محمداه ،فبينا أنا كذلك إذا أنا
بشيخ كبير فقال لي :أيتها السعدية
) (1عنه :نقص عقله .دهش من غير مس جنون ،فهو معتوه (2) .التباع جمع
التابع :الجنى .من سار في أثر غيره ،أو عمل عمله (3) .حلم :رأى في
منامه رؤيا.
] [ 394
إن لك لقصة عجيبة ،قالت :قلت :إي وال لقصتي عجيبة ،محمد بن آمنة أرضعته
ثلثة أحوال ) (1ل افارقه ليله ونهاره ،فنعشني ) (2ال به ،وأنضر وجهي
) ،(3ومن علي ،و أفضل ببركته حتى إذا ظننت أني قد بلغت به الغاية أديت
إلى امه المانة لخرج من عهدي وأمانتي ،فاختلس مني اختلسا " قبل
أن يمس قدمه الرض ،وإني أحلف بإله إبراهيم لئن لم أجده لرمين بنفسي
من حالق ) (4الجبل ،قالت :وقال لي الشيخ :ل تبكي أيتها السعدية ادخلي
على هبل ،فتضرعي إليه فلعله يرده عليك فإنه القوي على ذلك العالم
بأمره ،قالت :فقلت له :أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولدة محمد ليلة ولد ما
نزل باللت والعزى ؟ فقال لي :أيتها السعدية إني أراك جزعة ،فأنا أدخل
على هبل وأذكر أمرك له ،فقد قطعت أكبادنا ببكائك ،ما لحد من الناس
على هذا صبر ،قالت :فقعدت مكاني متحيرة ،ودخل الشيخ على هبل
وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويل ،وطاف به اسبوعا " ،ثم نادى :يا
عظيم المن ،يا قويا " في المور ،إن منتك على قريش لكثيرة ،وهذه
السعدية رضيعة محمد تبكي ،قد قطع بكائها النياط ) ،(5وأبرز العذارى،
فإن رأيت أن ترده عليها إن شئت ،قالت :فارتج وال الصنم ،وتنكس
ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا " يقول :أيها الشيخ أنت في غرور،
مالي ولمحمد ،وإنما يكون هلكنا على يديه ،وإن رب محمد لم يكن
ليضيعه ويحفظه ،أبلغ عبدة الوثان أن معه الذبح الكبر ،أل أن يدخلوا في
دينه ،قالت :فخرج الشيخ فزعا " مرعوبا " ،نسمع لسنه قعقعة )،(6
ولركبتيه ) (7اصطكاكا " يقول ) (8لي :يا حليمة ما رأيت من هبل مثل
هذا ،فاطلبي
) (1الحوال :السنون (2) .في المصدر :فعيشني ال به (3) .أي صير ال وجهى
ناضرا والناضر :من حسن وكان جميل (4) .الحالق من الجبال :المنيف
المرتفع ل نبات فيه كأنه حلق ،يقال :جاء من حالق :أي من مكان
مشرف (5) .النياط جمع النياط :عرق غليظ متصل بالقلب يموت صاحبه
بقطعه (6) .القعقعة :صريف السنان وصوتها (7) .اصطكت ركبتاه:
اضطربتا وضربت احداهما الخرى عند المشى (8) .في المصدر:
ولركبتيه اصطكاك ،كأنه يقول لى.
] [ 395
ابنك ،إني أرى لهذا الغلم شأنا " عظيما " ،قالت :فقلت لنفسي :كم تكتم من أمره
عبد المطلب ،أبلغه الخبر قبل أن يأتيه من غيري ،قالت :فدخلت على عبد
المطلب ،فلما نظر إلي قال لي :يا حليمة مالي أراك جزعة باكية ،ول أرى
معك محمدا " ؟ قالت :قلت :يا أبا الحارث جئت بمحمد أسر ما كان ،فلما
صرت على الباب العظم من أبواب مكة نزلت لقضي حاجة فاختلس منى
اختلسا " قبل أن يمس قدمه الرض ،فقال لي :اقعدي يا حليمة ،قالت :ثم
عل الصفا فنادى :يا آل غالب ،يعني يا آل قريش ،فاجتمع إليه الرجال
فقالوا له :قل يا أبا الحارث فقد أجبناك ،فقال لهم :إن ابني محمدا " قد
فقد ،قالوا له :فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك ،قالت :فدعا عبد
المطلب براحلته فركبها ،و ركب الناس معه ،فأخذ أعلى مكة وانحدر على
أسفلها .فلما أن لم ير شيئا " ترك الناس واتزر بثوب ،وارتدى بآخر،
وأقبل إلى البيت الحرام فطاف به اسبوعا " وأنشأ يقول) :شعر( يا رب رد
راكبي محمدا " * رد إلي واتخذ عندي يدا " أنت الذي جعلته لي عضدا "
* يا رب إن محمدا " لم يوجدا فجمع قومي كلهم تبددا " ) (1قال :فسمعنا
مناديا " ينادي من جو الهواء :معاشر الناس ،ل تضجوا ،فإن لمحمد ربا
" ل يضيعه ول يخذله ،قال عبد المطلب :يا ايها الهاتف من لنابه ؟ وأين
هو ؟ قال :بوادي تهامة ،فأقبل عبد المطلب راكبا " متسلحا " ،فلما صار
في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا " يسيران ،فبينما هم
كذلك إذا النبي صلى ال عليه وآله تحت شجرة ،وقال بعضهم :بينا أبو
مسعود الثقفي وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما إذا هما برسول ال
قائما " عند شجرة الطلحة وهي الموز يتناول من ورقها ،فقال أبو مسعود
لعمرو :شأنك بالغلم ،فأقبل إليه عمرو وهو ل يعرفه ،فقال له :من أنت يا
غلم ؟ فقال :أنا محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ابن هاشم ،فاحتمله بين
يديه على الراحلة حتى أتى به عبد المطلب .قال إسحاق :فحدثني سلمة،
عن محمد ،عن يزيد ،عن ابن عباس أنه قال :لما أن رد ال محمدا " على
عبد المطلب تصدق ذلك اليوم على فقراء قريش بألف ناقة كومآء ) ،(2و
) (1التبدد :التفرق ،أي مجمع قومي يصيرون متفرقا ومتبددا (2) .كوماء :الناقة
الضخم السنام.
] [ 396
خمسين رطل من ذهب ،ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز ) - 26 .(1وروي أنه لما
سلمته امه إلى حليمة السعدية لترضعه ،وقامت سوق عكاظ ،انطلقت به
إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم ،فلما نظر إليه صاح :يا معشر
هذيل ،يا معشر العرب ،فاجتمع الناس من أهل المواسم ،فقال :اقتلوا هذا
الصبي ،فانسلت به حليمة ،فجعل الناس يقولون :أي صبي ؟ فيقول :هذا
الصبي ،فل يرون شيئا " قد انطلقت به امه ،فيقال :ما هو ؟ فيقول :رأيت
غلما " وآلهته ليقتلن أهل دينكم ،وليكسرن آلهتكم ،وليظهرن أمره
عليكم ،فطلب بعكاظ فلم يوجد ،ورجعت به حليمة إلى منزلها فكانت بعد ل
تعرضه لعراف ول لحد من الناس - 27 .وروي بإسناد ) (2ذكره عن
شداد بن أوس قال :بينا رسول ال صلى ال عليه وآله يحدثنا على باب
الحجرات إذ أقبل شيخ من بني عامر هو مدرة قومه وسيدهم ،شيخ كبير
يتوكأ على عصاه ،فمثل بين يدي رسول ال صلى ال عليه وآله ونسبه
إلى جده ،فقال :يا بن عبد المطلب إني انبئت أنك رسول ال إلى الناس،
أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من النبياء عليهم
السلم ،أل وإنك تفوهت بعظيم ،إنما كانت النبياء والخلفاء في بيتين من
بيوت بني إسرائيل :بيت خلفة ،وبيت نبوة ،فل أنت من أهل هذا البيت،
ول من أهل هذا البيت ،إنما أنت رجل من العرب ،ممن كان يعبد هذه
الحجارة والوثان ،فمالك و للنبوة ؟ ولكن لكل قول حقيقة فأتني بحقيقة
قولك ،وبدؤ شأنك ،فأعجب النبي صلى ال عليه وآله مسائلته ،ثم قال :يا
أخا بني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ فاجلس فسل ،فثنى رجله )(3
) (1المنتقى في مولود المصطفى :الباب الثاني من القسم الثاني (2) .والسناد
هكذا :أبو عبد ال محمد بن احمد بن تمام بن حسان الصالحي ،حدثنا أبو
العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي ،حدثنا ابو الفرج يحيى بن
محمود بن سعد الثقفى حدثنا ابو على الحسن بن أحمد الحداد ،حدثنا
الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد ال بن أحمد بن إسحاق ،حدثنا أبو محمد
عبد ال بن محمد بن جعفر بن حيان ،حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة،
حدثنا رزق ال بن موسى ،حدثنا محمد بن يعلى الكوفى ،حدثنا عمر بن
صبيح ،عن ثور بن يزيد ،عن مكحول ،عن شداد بن أوس (3) .في
المصدر :رجليه.
] [ 397
وبرك كما يبرك البعير ،فاستقبله رسول ال صلى ال عليه وآله بالحديث ،فقال :يا
أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدؤ شأني أني دعوة إبراهيم عليه السلم،
وبشرى أخي عيسى بن مريم عليه السلم و وإني كنت بكر امي ،وإنها
حملتني كأثقل ما تحمل النساء حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما
تجد ،ثم إن امي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور حتى أضاءت له
مشارق الرض ومغاربها ،ثم إنها ولدتني ،فلما نشأت بغضت إلي الوثان،
وبغض إلي الشعر ،وكنت مسترضعا " في بني بكر ،فبينا أنا ذات يوم مع
أتراب ) (1لي من الصبيان في بطن واد وإذا أنا برهط معهم طشت من
ذهب ملن ثلجا " ،فأخذوني من بين أصحابي ،وانطلقوا أصحابي هرابا "
حتى إذا انتهوا إلى شفير الوادي أقبلوا على الرهط ،فقالوا :ما رابكم إلى
هذا الغلم ،فإنه ليس منا ،هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلم
ليس له أب ول ام ،فماذا يرد عليكم قتله ،وما تصيبون من ذلك ؟ فإن كنتم
لبد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه ،ودعوا هذا الغلم ،فلما
رأى الصبيان أن القوم ل يحيرون إليهم جوابا " انطلقوا هرابا " مسرعين
إلى الحي ،يؤذنونهم بي ويستصرخونهم على القوم ،فعمد أحدهم
فأضجعني على الرض إضجاعا " لطيفا " ،ثم شق ما بين مفرق صدري
إلى منتهى عانتي ،وأنا أنظر إليه ،ل أجد لذلك مسا " ،ثم أخرج أحشاء
بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ،ثم أعادها مكانها ،ثم قام الثاني
منهم فقال لصاحبه :تنح ،فنحاه عني ،ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي
فصدعه ،فأخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ،ثم قال بيده :يمنة منه ،كأنه
تناول شيئا " ،فإذا أنا في يده بخاتم نور تحار أبصار الناظرين دونه ،فختم
به قلبي فامتلء نورا " ،وذلك نور النبوة والحكمة ،ثم أعاده إلى مكانه
فوجدت برد ذلك الخاتم ،ثم قام الثالث منهم فقال لصاحبه :تنح ،فنحاه عني
و أمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن
ال عزوجل ،ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا " لطيفا " ،ثم قال
للول الذي شق بطني :زنه بعشرة من امته ،فوزنني بهم فرجحتهم ،ثم
قال :زنه بمأة من امته ،فوزنني بهم فرجحتهم ،ثم قال :زنه بألف من امته
فوزنني بهم فرجحتهم ،فقال :دعوه فلو وزنتموه بامته كلها
] [ 398
رجحهم ،ثم انكبوا علي فضموني إلى صدورهم فقبلوا رأسي وما بين عيني ،ثم
قالوا :يا حبيب لم ترع ،إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك
فبينا نحن كذلك إذا نحن بالحي قد جاؤا بحذافيرهم ،وإذا امي وهى ظئري
أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول :يا ضعيفاه استضعفت من بين
أصحابك فقتلت لضعفك ،فانكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي
وما بين عيني وقالوا :حبذا أنت من ضعيف ،قالت ظئري :يا وحيداه،
فانكبوا علي وقالوا :حبذا أنت من وحيد ،وما أنت بوحيد ،إن ال عزوجل
معك ،والملئكة والمؤمنون من أهل الرض ،ثم قالت ظئرى :يا يتيماه،
فانكبوا علي و قالوا :حبذا أنت من يتيم ،ما أكرمك على ال عزوجل ،ولو
تدري ما يراد بك من الخير ،فلما بصرت بي امي وهي ظئري قالت :يا بني
ل أراك ) (1حيا " بعد ؟ فجائت فأخذتني وضمتني إلى صدرها ،وأجلستني
في حجرها ،فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها ،وإن يدي لفي يد
بعضهم :فجعلت أتلفت إليهم فظننت أنهم يبصرونهم ،فإذاهم ل يبصرونهم،
فيقول بعض القوم :قد أصاب هذا الغلم لمم أو طيف ) (2من الجن،
فاذهبوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه ،فقلت :يا هذا ما بي شئ مما
تذكرون ،إني لرى نفسي سليمة ،وفؤادي صحيحا " ،ليس بي قلبة ،فقال
أبي وهو زوج ظئري :أل ترون إلى كلمه صحيحا " ؟ إني لرجو أن ل
يكون با بني بأس ،فأتوا بي كاهنهم فقصوا عليه قصتي ،فقال :اسكتوا
حتى أسمع من الغلم أمره ،فهو أعلم بأمره منكم ،فسألني فقصصت عليه
أمري من أوله إلى آخره ،فوثب إلي وضمني إلى صدره ،ثم نادى بأعلى
صوته :يا للعرب ،مرتين ،اقتلوا هذا الغلم واقتلوني معه ،فواللت والعزي
لئن تركتموه وأدرك ليخالفن أمركم ،و ليسفهن عقولكم وعقول آبائكم،
وليبدلن دينكم ،وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله ،فعمدت ظئري فانتزعتني
من حجره وقالت :لنت أعته ) (3وأجن من ابني هذا ،ولو علمت
) (1في المصدر :أل أراك (2) .الطيف خيال الشئ وصورته المترائى له في المنام
أو اليقظة ،وقال الجزرى :أي عرض له عارض منهم (3) .تقدم قريبا
معناه.
] [ 399
أن هذا قولك ما آتيتك به ،فاطلب لنفسك من يقتلك ،فإنا غير قاتل هذا الغلم ،ثم
احتملوني فأدوني إلى أهلي ،وأصبحت معرى ) (1مما فعل بي ،وأصبح أثر
الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك ،فذاك يا أخا
بني عامر حقيقة أمري ،وبدؤ نشأتي .فقال العامري :أشهد بال الذي ل إله
غيره أن أمرك حق ،فانبئني عن أشياء أسألك عنها ،قال :سل عنك ،كلمه
بلغة عامر ،قال :يابن عبد المطلب ماذا يزيد في العلم قال :التعلم ،قال :فما
يزيد في الشر ؟ قال :التمادي ،قال :هل ينفع البر بعد الفجور ؟ قال :نعم
التوبة تغسل الحوبة ،والحسنات يذهبن السيئات ،وإذا ذكر العبد ربه عز
وجل في الرخاء أجابه عند البلء ،قال يابن عبد المطلب :وكيف ذاك ؟ قال:
لن ال عز وجل يقول :وعزتي وجللي ل أجمع أبدا " لعبدي أمنين ،ول
أجمع عليه أبدا " خوفين ،إن هو آمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه
عبادي لميقات يوم معلوم ،فيدوم له خوفه ،وإن هو خافني في الدنيا آمنني
يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس ،فيدوم له أمنه ،ول أمحقه فيمن
أمحق ،قال :يابن عبد المطلب فإلى ما تدعو ؟ قال :أدعو إلى عبادة ال
عزو جل ،وحده ل شريك له ،وأن تخلع النداد ،وتكفر باللت والعزي،
وتقر بما جاء به ال ) (2عزوجل من كتاب أو رسول ،وتصلي الصلوات
الخمس بحقائقهن ،وتؤدى زكاة مالك يطهرك ال عزوجل ،ويطهر لك
مالك ،وتصوم شهرا " من السنة ،وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيل "،
وتغتسل من الجنابة ،وتؤمن بالموت ،وبالبعث بعد الموت ،وبالجنة والنار،
قال :يابن عبد المطلب فإذا فعلت ذلك فمالي ؟ قال :جنات عدن تجري من
تحتها النهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ،قال :يابن عبد المطلب
فهل مع هذا شئ من الدنيا ؟ فإنه يعجبني الوطأة في العيش ،قال :نعم
النصر والتمكين في البلد ،فأجاب وأناب.
) (1هكذا في الصل ومصدره ،وفي تاريخ الطبري :مفزعا (2) .في المصدر :جاء
من ال.
] [ 400
هذا حديث حسن غريب بهذا السياق يعد في إفراد محمد بن يعلى ) .(1ومدرة
القوم :خطيبهم ،والمتكلم عنهم .وقوله :فمثل ،أي قام ،وتفوهت أي تكلمت.
وقوله :دعوة إبراهيم هي قول ال عزوجل عن إبراهيم عليه السلم) :ربنا
وابعث فيهم رسول منهم( وقوله تعالى) :قال :ومن ذريتي( .وقوله :إني
كنت بكر امي ،أي أول ولد ولدته ،وفي نسخة :كنت في بطن امي وقوله:
مارابكم أي ما شكككم ،ومعناه هاهنا :ما دعاكم إلى أخذ هذا الغلم ،وقوله:
فماذا يرد عليكم قتله ؟ أي ما ينفعكم ذلك .ول يحيرون أي ل يرجعون ول
يردون .ويؤذنونهم :يعلمونهم .ويستصرخون أي يستغيثون بهم .وقوله:
فأنعم غسلها ،أي بالغ فيه .وقوله :فصدعه ،أي فشقه .وقوله :ثم قال بيده
يمنة منه ،أي أشار بيده إلى جانب يمينه .قوله :فإذا أنا في يده بخاتم نور،
أي رأيت حينئذ ذلك في يده .وقوله :رجحهم ) ،(2أي رجح بهم وعليهم.
وقوله :لم ترع ،أي ل تخف .وجواب قوله) :ولو تدري ما يراد بك( في
المرة الخيرة محذوف ،تقديره :لقرت عينك .والقلبة :الداء .واللم في يا
للعرب للستغاثة .وقوله :معرى من العروآء وهي الرعدة .وقوله :سل
عنك ،وفي رواية اخرى قال :كان النبي صلى ال عليه وآله يقول للسائلين
قبل ذلك :سل عما شئت وعما بدالك ،فقال للعامري :سل عنك ،لنها لغة
بنى عامر ،فكلمه بما يعرف .قوله :فأتيني بحقيقة ذلك وفي رواية:
فأنبئني .والحوبة :الثم .و الوطأ :النعمة ) - 28 .(3كنز الكراجكى :روي
عن حليمة السعدية قالت :لما تمت للنبي صلى ال عليه وآله
) (1في المصدر :وكان يلقب بزنبور ،وليس بذاك ،ولمكحول عن شداد أحاديث غير
انها مرسلة .انتهى .قلت :محمد بن يعلى ضعفه ابن حجر في التقريب،
وحكى عن ابى حاتم أنه قال :متروك ،وقال الخطيب :يتكلم فيه وهو ذاهب
توفى سنة (2) .205في المصدر :فرجحتهم .وهو الصحيح كما تقدم.
فعليه فالصحيح في التفسير أي رجحت بهم وعليهم (3) .المنتقى في
مولود المصطفى :الباب الثالث من القسم الثاني ،قلت :والحديث أيضا
موجود في تاريخ الطبري ،575 :1وقد أخرج ابن أبي الحديد مختصره
في شرحه على نهج البلغة كما رواه المصنف قبل ذلك.
] [ 401
سنة تكلم بكلم لم أسمع أحسن منه ،سمعته يقول) :قدوس قدوس ،نامت العيون و
الرحمن ل تأخذه سنة ول نوم( ولقد ناولتني امرأة كف تمر من صدقة
فناولته منه وهو ابن ثلث سنين فرده علي ،وقال :يا امه ل تأكلي
الصدقة ،فقد عظمت نعمتك ،وكثر خيرك ،فإني ل آكل الصدقة ،قالت :فو
ال ما قبلتها بعد ذلك ) - 29 .(1ثم قال الكاذروني :روي أن شق صدره
صلى ال عليه وآله كان في سنة ثلث من مولده وقيل :في سنة أربع على
ما روي عن محمد بن سعد ،عن محمد بن عمر ،عن أصحابه قال :مكث
صلى ال عليه وآله عندهم سنتين حتى فطم ،وكان ابن أربع سنين فقدموا
به على امه زائرين لها به ،وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته،
فقالت آمنة ) :(2ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة ،فو ال ليكونن
له شأن ،فرجعت به ،ولما بلغ أربع سنين أتاه الملكان فشقا بطنه ،ثم نزلت
به إلى آمنة وأخبرتها خبره ،ثم رجعت به أيضا " ،وكان عندها سنة
ونحوها ) (3ل تدعه يذهب مكانا " بعيدا " ،ثم رأت غمامة تظله إذا وقف
وقفت ،وإذا سار سارت ،فأفزعها ذلك أيضا " من أمره ،فقدمت به إلى امه
لترده وهو ابن خمس سنين ،فأضلته في الناس فالتمسته فلم تجده ،وذكر
نحو ما تقدم ) .(4وقد روي أن عبد المطلب بعثه صلى ال عليه وآله في
حاجة وضاع ) ،(5وفي الخبار أن حليمة قدمت على رسول ال صلى ال
عليه وآله بمكة وقد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلد وهلك الماشية
فكلم رسول ال صلى ال عليه وآله خديجة ،فأعطتها أربعين شاة وبعيرا
" ،وانصرفت إلى أهلها ،ثم قدمت عليه صلى ال عليه وآله بعد السلم
فأسلمت هي وزوجها ) .(6وروي في الحديث :استأذنت امرأة على النبي
صلى ال عليه وآله كانت أرضعته ،فلما دخلت
) (1كنز الفوائد 72 :وفيه :ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين (2) .تقدم قبل
أن حليمة استدعت ذلك (3) .في المصدر :أو نحوها (4) .في المصدر
نحو ما تقدم في الختلس منها (5) .في المصدر بعد قوله :وضاع :فقال:
اللهم رد راكبي محمدا .القصة كما مرت (6) .زاد في المصدر :وبايعهما.
] [ 402
عليه قال :امي امي ،وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه ) .(1وروى عن أبي
حازم قال :قدم كاهن مكة ورسول ال ابن خمس سنين ،وقد قدمت به ظئره
إلى عبد المطلب ،وكانت تأتيه به في كل عام ،فنظر إليه الكاهن مع عبد
المطلب فقال :يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبي ) (2فإنه يفرقكم ويقتلكم،
فهرب به عبد المطلب فلم يزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن
حذرهم من أمره ) .(3وفي سنة ست من مولده صلى ال عليه وآله ماتت
امه كما مر ذكره ) .(4ولنذكر ما حدث في سنة سبع من مولده صلى ال
عليه وآله :روي عن نافع بن حسين ) (5قال :كان رسول ال صلى ال
عليه وآله يكون مع امه آمنة فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب،
وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده ،وكان يقربه منه ويدنيه،
ويدخل عليه إذا خل وإذا نام ،وكان يجلس على فراشه ،فيقول عبد المطلب
إذا رأى ذلك :دعوا ابني فإنه يؤنس ) (6ملكا ،وقال قوم :من بني مدلج )
(7لعبد المطلب احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه،
فقال عبد المطلب لبي طالب :اسمع ما يقول هؤلء ،فكان أبو طالب
يحتفظه ) ،(8وقال عبد المطلب لم أيمن وكانت تحضن رسول ال صلى
ال عليه وآله :يا بركة ل تغفلي عن ابني ،فإن أهل الكتاب يزعمون أن
ابني نبي هذه المة ،وكان عبد المطلب ل يأكل الطعام ال قال :علي بابني،
فيؤتى به إليه ) ،(9فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ
رسول ال صلى ال عليه وآله وحياطته .ومما وقع في تلك السنة ما روي
أنه أصاب رسول ال صلى ال عليه وآله رمد شديد فعولج بمكة
) (1المنتقى في مولود المصطفى :الباب الرابع من القسم الثاني (2) .في المصدر:
هذا الغلم (3) .المنتقى في مولود المصطفى :الفصل الثاني :فيما كان
سنة خمس من مولده صلى ال عليه وآله (4) .المصدر :الفصل الثالث
فيما كان سنة ست من مولده صلى ال عليه وآله ) (5في المصدر :نافع
بن جبير ولعله الصحيح (6) .في المصدر :ليؤنس (7) .وكانوا معروفين
بعلم القيافة (8) .في المصدر :يحتفظ به (9) .المصدر خال عن لفظة
إليه.
] [ 403
فلم يغن عنه ،فقيل لعبد المطلب :إن في ناحية عكاظ راهبا " يعالج العين ،فركب
إليه فناداه وديره مغلق فلم يجب ،فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط
عليه ،فخرج مبادرا " فقال :يا عبد المطلب إن هذا الغلم نبي هذه المة،
ولو لم أخرج إليك لخر علي ديري فارجع به واحفظه ل يغتاله بعض أهل
الكتاب ،ثم عالجه وأعطاه ما يعالج به ،وألقى ال له المحبة في قلوب
قومه وكل من يراه .ومن ذلك خروج عبد المطلب برسول ال صلى ال
عليه وآله يستسقون كما روي بإسناد ذكره ) (1عن رقيقة بنت صيفي بن
هاشم قالت :تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع ،وأرمت العظم -
ويروى وأرقت وأدقت -فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة ومعي صنوي فإذا
أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول :يا معشر قريش إن هذا النبي
المبعوث منكم هذا إبان نجومه ،فحي هل بالحيا والخصب ،أل فانظروا
رجل " منكم طوال " عظاما " ،أبيض بضا " ،أشم العرنين ،سهل
الخدين ،له فخر ،يكظم عليه .ويروى :رجل وسيطا " عظاما " )(2
جساما " أوطف الهداب ،أل فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن
رجل ،أل فليشنوا من الماء ،وليمسوا من الطيب ،وليطوفوا بالبيت سبعا
" ،أل وفيهم الطيب الطاهر لداته ،أل فليستسق الرجل وليؤمن ) (3القوم،
أل فغثتم إذا ما شئتم وعشتم،
) (1والسناد هكذا :أخبرنا شيخنا بدر الدين أبو محمد عبد ال بن الحسين بن أبى
التائب الدمشقي قال :أخبرنا أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسين
العراقى ،أخبرنا شهده بنت أحمد بن الفرج ال برى الكاتب ،أخبرنا طراد
بن محمد ،أخبرنا على بن محمد بن بشران ،حدثنا الحسين بن صفوان،
حدثنا عبد ال بن محمد القرشى ،حدثنى زكريا بن يحيى الطائى ،حدثنى
زخر بن حصن ،عن جده حبيب بن منهب قال :قال عمى عروة بن
مضرس يحدث عن محزمة بن نفيل عن امه رقيقة بنت صيفي بن هاشم -
قلت :زخر مصحف زحر بالحاء المهملة ،على ما في تهذيب التهذيب :3
،337واسد الغابة ،454 :5أو بالجيم كما في لسان الميزان ،473 :2
وعلى أي فهو ل يعرف .وحبيب مصحف حميد ،على ما في تهذيب
التهذيب ،والصابة 296 :4واسد الغابة ،وفي الخيرين :مخرمة بن
نوفل ،وأخرج الحديث ابن اثير في اسد الغابة 454 :5والحلبي في
السيرة 131 :1وابن حجر في الصابة ،296 :4فعلى أي فالحديث
مروى من طرق العامة كغيره مما تقدم ويأتى (2) .العظام والعظام:
العظيم .والجسام :العظيم والضخيم (3) .أمن :قال :آمين.
] [ 404
قالت :فأصبحت مذعوره قد قف جلدي ،ودله عقلي ،واقتصصت رؤياي فو الحرمة
والحرم إن بقي أبطحي إل قال :هذا شيبة الحمد ،وتتامت عنده قريش،
وانقض إليه من كل بطن رجل فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا ،ثم ارتقوا
أبا قبيس ،وطفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قروا
بذروة الجبل ،واستكفوا جنابيه ،فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمدا
" فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلم قد أيفع أو كرب ،ثم قال) :اللهم ساد
الخلة ) ،(1وكاشف الكربة ،أنت عالم غير معلم ،مسئول غير مبخل ،وهذه
عبداؤك ،وإماؤك ،بعذرات حرمك يشكون ) (2إليك سنتهم التي أذهبت
الخف والظلف ) ،(3فاسمعن اللهم ،وأمطرن علينا غيثا " مريعا " مغدقا
" ) ((4فما راموا البيت حتى انفجرت السماء بماءها ،وكظ الوادي
بثجيجه ،فسمعت شيخان العرب وجلها :عبد ال بن جدعان وحرب بن امية
وشهاب بن المغيرة يقولون لعبد المطلب :هنيئا " لك أبا البطحاء ! وفي
ذلك قالت رقيقة) :شعر( :بشيبة الحمد أسقى ال بلدتنا * فقد فقدنا الحيا
واجلو ذالمطر فجاد بالمآء جوني له سبل * سحا " فعاشت به النعام
والشجر منا " من ال بالميمون طائره * وخير من بشرت يوما " به
مضر مبارك السم يستسقى الغمام به * ما في النام له عدل ول خطر
قوله :أقحلت من قحل قحول :إذ يبس .راقدة أي نائمة .مهمومة يقال :هوم
أي هز رأسه من النعاس .صيت فيعل من صات يصوت كالميت من مات.
والصحل :الذي في صوته ما يذهب بحدته من بحة وهو مستلذ في السمع.
إبان نجومه :وقت
) (1الخلة :الثقبة (2) .في المصدر :يشتكون (3) .الخف للبعير والنعام كالحافر
لغيرهما وهو بمنزلة القدم للنسان والظلف :هو لما اجتر من الحيوانات
كالبقرة والظبى .وهما كناية عن البعير والبقرة وغيرهما ،أي يشتكون
سنتهم التى أذهبت أباعرهم وأباقرهم وسائر حيواناتهم (4) .المريع:
المخصب الناجع .المغدق فعيل من الغدق :المطر الكبار القطر ،يقال:
اغدق المطر أي كثر قطره .فهو مغدق.
] [ 405
ظهوره ،وهو فعلن من آب الشئ :إذا تهيأ .وحي هل أي ابدأ به واعجل بذكره.
والحيا بفتح الحاء مقصورا " :المطر لنه حياة الرض .وطوال مبالغة في
طويل ،وكذا عظام وجسام ،وفعال مبالغة في فعيل ،وفعال أبلغ منه ،نحو
كرام وكرام .والكظم المساك وترك البداء ،أي إنه من ذوي الحسب
والفخر وهو ل يبدي ذلك .والبض بالباء الموحدة المفتوحة ،والضاد
المعجمة ،من البضاضة وهو رقة اللون وصفآء البشرة .والعرنين بالكسر:
النف ،وقيل :رأسه .والوسيط :أفضل القوم من الوسط .أوطف الهداب:
طويلها .فليخلص أي فليتميز هو وولده من الناس من قوله تعالى:
)خلصوا نجيا( .وليدلف إليه وليقبل إليه من الدليف وهو المشي الرويد،
والتقدم في رفق .وشن الماء :صبه على رأسه ،وقيل :الشن :صب الماء
متفرقا " .قوله :لداته على وجهين :أن يكون جمع لدة مصدر ولد نحو
عدة وزنة ،يعني أن مولده ومواليد من مضى من آبائه كلها موصوف
بالطهر والذكاء ،وأن يراد أترابه ) ،(1وذكر التراب اسلوب من أساليهم
في تثبيت الصفة وتمكينها ،لنه إذا جعل من جماعة وأقران ذوي طهارة
فذاك أثبت لطهارته وأدل على قدسه .غثتم :مطرتم بكسر الغين ،أو بضمه.
قف :تقبض ) (2واقشعر .و القفة :الرعدة .دله :دهش وتحير .شيبة
الحمد :اسم لعبد المطلب عامر ،وإنما قيل له :شيبة لشيبة كانت في رأسه
حين ولد ،وقد مر سبب تسميته بعبد المطلب .تتامت التتام :التوافر .يدفون
الدفيف :المر السريع .والمهل بالسكان :التوءده .استكفوا :أحدقوا من
الكفة وهى ما استدار ككفة الميزان .جنابيه أي جانبيه .أيفع :ارتفع .كرب:
قرب من اليقاع ،ومنه الكروبيون :المقربون من الملئكة .والعبداء
والعبدى بالمد والقصر :العبيد .والعذرة :الفناء .وكظيظ الوادي :امتلؤه.
والثجيج :الماء المثجوج ،أي المصبوب .والشيخان :جمع شيخ كالضيفان
في ضيف .وقيل له :أبو البطحاء لن أهلها عاشوا به و انتعشوا ،كما يقال
للطعام ) :(3أبو الضياف .واجلوذ أي كثر وامتد .جوني :سحاب
) (1فيكون من ألدى إلداء :كثرت لداته أي أترابه (2) .في المصدر :انقبض(3) .
المطعام خ ل وهو الموجود في المصدر.
] [ 406
أسود ،وسبل ) :(1جار .سحا أي منصبا .والعدل :المثل ،وكذلك الخطر .ثم قال:
ومن ذلك خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن كما حدثنا إسماعيل
بن المظفر بإسناده ) (2عن عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن قال :لما
ظفر جدي سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى ال عليه وآله
بسنتين أتت وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئته ،وتذكر ما كان من
بلئه وطلبه ثبار قومه .أقول :وساق الحديث مثل ما تقدم برواية الصدوق
في باب البشائر .ثم قال :هذا الحديث دال على أن الوفادة إلى ابن ذي يزن
كان في سنة ثلث من مولد رسول ال صلى ال عليه وآله ،والصح أنها
كانت سنة سبع ،لنه يقول عبد المطلب :توفي أبوه وامه وكفلته أنا وعمه،
وام رسول ال صلى ال عليه وآله لم تمت حتى بلغ ست سنين ) .(3ثم
قال :وأما ما كان سنة ثمان من مولده صلى ال عليه وآله فمن ذلك موت
عبد المطلب رضي ال عنه ،وكان يوصي برسول ال صلى ال عليه وآله
عمه أبا طالب ،وذلك أن أبا طالب وعبد ال أبا رسول ال صلى ال عليه
وآله كانا لم ،وكان الزبير من امهما أيضا " ،لكن كانت كفالة أبي طالب له
بسبب ،فيه ثلثة أقوال :أحدها :وصية عبد المطلب لبي طالب .والثاني:
أنهما اقترعا فخرجت القرعة لبي طالب .والثالث :أن رسول ال صلى ال
عليه وآله اختاره ،ومات عبد المطلب وهو يومئذ ابن ثنتين وثمانين سنة،
ويقال :ابن مائة وعشرين سنة.
) (1السبل :المطر النازل من السحاب قبل أن يصل إلى الرض (2) .السناد هكذا:
أخبرنا شيخنا أبو الفضائل اسماعيل بن المظفر بن محمد ،أخبرنا علء
الدين المجتبى بن محمد المجتبى الحسينى ،أخبرنا أبو موسى محمد بن
أبى بكر بن أبى عيسى المدينى ،أخبرنا أبو عبد ال محمد بن ابراهيم بن
محمد التاجر ،أخبرنا أبو القاسم بن محمد بن إسحاق ،أخبرنا والدى،
أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ،أخبرنا ابراهيم بن عبد ال بن محمد بن عبد
العزيز ابن عفير بن عبد العزيز ابن السفر بن عفير بن زرعة بن سيف
بن ذى يزن يكنى أبا يزن ،حدثنا عمى أبو رحى أحمد بن خنبش ابن عبد
العزيز ،حدثنى محمد بن عبد العزيز حدثنى أبى عبد العزيز بن عفير،
حدثنى ابى عفير بن عبد العزيز ،حدثنى عبد العزيز بن السفر ،حدثنى
أبى السفر بن عفير ،عن أبيه عفير ،عن أبيه زرعة بن سيف بن ذى يزن
الحميرى (3) .المنتقى في مولود المصطفى :الباب الخامس في ما كان
سنة سبع من مولده صلى ال عليه وآله وسلم.
] [ 407
ومن ذلك كفالة أبي طالب رسول ال صلى ال عليه وآله ،قالوا :لما توفي عبد
المطلب قبض أبو طالب رسول ال صلى ال عليه وآله إليه ،فكان يكون
معه ،وكان أبو طالب لمال له وكان يحبه حبا " شديدا " ل يحب ولده
كذلك ،وكان ل ينام إل إلى جنبه ،ويخرج فيخرج معه ،وقد كان يخصه
بالطعام ،وإذا أكل عيال أبي طالب ) (1جميعا " أو فرادى لم يشبعوا ،وإذا
أكل معهم رسول ال صلى ال عليه وآله شبعوا ،فكان إذا أراد أن يغديهم
قال :كما أنتم حتى يحضر ابني ،فيأتي رسول ال صلى ال عليه وآله فيأكل
معهم ،وكانوا يفضلون من طعامهم ،وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا ،فيقول
ابو طالب :إنك لمبارك ،وكان الصبيان يصبحون رمضا " شعثا " ،ويصبح
رسول ال صلى ال عليه وآله دهينا " كحيل ،(2) ،وكان أبو طالب يلقى
له وسادة يقعد عليها ،فجاء النبي صلى ال عليه وآله فقعد عليها ،فقال أبو
طالب :وآله ربيعة ) (3إن ابن أخي ليحس بنعيم .وروي عن عمرو بن
سعيد أن أبا طالب قال :كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلى
ال عليه وآله ،فأدركني العطش فشكوت إليه ،فقلت :يابن أخي قد عطشت،
وما قلت له وأنا أرى أن عنده شيئا " إل " الجزع ،قال :فثنى وركه ثم
برك ،فقال :يا عم أعطشت ؟ قال :قلت :نعم ،فأهوى بعقبيه إلى الرض فإذا
" بالمآء ،فقال :اشرب يا عم ،فشربت .ومن ذلك هلك حاتم الذي يضرب
به المثل في الجود والكرم .ومن ذلك موت كسرى أنوشيروان وولية ابنه
هرمز .ومما كان في سنة تسع من مولده صلى ال عليه وآله ما روي في
بعض الروايات أن أبا طالب خرج برسول ال صلى ال عليه وآله إلى
بصرى وهو ابن تسع سنين .ومما كان سنة عشر من مولده صلى ال
عليه وآله الفجار الول ،وهو قتال وقع بعكاظ ،وكانت الحرب فيه ثلثة
أيام.
) (1في نسخة الصل :أبو طالب ،والظاهر أنه وهم من الكاتب (2) .الرمص :ما
يجتمع في زوايا العين من وسخ أبيض رطب .والغمص :اليابس منه.
وشعث الشعر :كان مغبرا متلبدا فصاحبه أشعث والجمع الشعث .ودهن
الرأس :طله بزيت أو طيب أو نحوهما فهو دهين .وكحل العين :جعل
فيها الكحل .يقال :عين كحيل (3) .المصدر خلى عن قوله :واله ربيعة.
] [ 408
ومما كان سنة إحدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله ما روي عن ابي بن
كعب قال :إن أبا هريرة سأل رسول ال صلى ال عليه وآله ما أول ما
رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى جالسا " وقال :لقد سألت يا أبا هريرة إني
لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر ،وإذا بكلم فوق رأسي ،وإذا رجل
يقول لرجل :أهو هو ؟ فاستقبلني بوجوه لم أرها لخلق قط ،وأرواح لم
أجدها من خلق قط ،وثياب لم أرها على خلق قط ،فأقبل إلي يمشيان حتى
أخذ كل واحد منهما بعضدي ل أجد لخذهما مسا " ،فقال أحدهما لصاحبه:
اضجعه ،فأضجعاني بل قصر ول هصر ) ،(1فقال أحدهما لصاحبه :افلق
صدره ،ففلق أحدهما صدري بل دم ول وجع ،فقال له :اخرج الغل
والحسد ،فأخرج شيئا " كرصة العلقة ،ثم نبذها فطرحها ،ثم قال له :ادخل
الرأفة والرحمة ،فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ،ثم هز أبهام رجلي
فقال :اعدوا ) (2بنبيكم ،فرجعت بهما أعدوا ) (3بهما رأفة على الصغير
ورحمة للكبير ) .(4وأما ما كان سنة اثنتى عشرة من مولده صلى ال
عليه وآله إلى ثلث عشرة منه فخروجه صلى ال عليه وآله مع أبي طالب
إلى الشام ،روي أنه لما أتت لرسول ال صلى ال عليه وآله اثنتى عشرة
سنة وشهران و عشرة أيام ارتحل به أبو طالب للخروج إلى الشام ،وذلك
أنه لما تهيأ للخروج أضب به رسول ال صلى ال عليه وآله ،فرق له أبو
طالب ،وفي رواية :لما تهيأ أبو طالب للرحيل وأجمع على السير هب )(5
له رسول ال صلى ال عليه وآله فأخذ بزمام ناقته ،وقال :يا عم إلى من
تكلني ؟ ل أب لي ،ول ام ،فرق ،فقال :وال لخرجن به معي ،ول يفارقني
ول افارقه أبدا " ،فخرج به معه ،فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام
وبها راهب يقال له :بحيرا في صومعة له
) (1أي من دون حبس وكسر ،ويجوز أن يكون القصر بمعنى القهر والغلبة من
القسر بالسين فابدل صادا وهما يتبادلن في كثير من الكلم (2) .اغدوا خ
ل وهو الموجود في المصدر .ولعل الصحيح :اغد بينكم أي انطلق بين
الناس (3) .اغدوا خ ل وهو الموجود في المصدر ،ولعل الصحيح :أغدو
على صيغة المتكلم أي أنطلق قوله :بهما أي بالرأفة والرحمة(4) .
المنتقى في مولود المصطفى :الباب السادس فيما كان من سنة ثمان إلى
سنة إحدى عشرة من مولده صلى ال عليه وآله (5) .هب الرجل من
النوم :انتبه واستيقظ .هب :نشط وأسرع.
] [ 409
وكان ذا علم في النصرانية ،ولم يزل في تلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم من
كتاب فيما يزعمون يتوارثون كابرا " عن كابر .يقال :أضب على ما في
نفسه :إذا أخرجه ،وأضب :تكلم ،ويقال :جاء فلن يضب لسانه أي اشتد
حرصه .وروي ) (1عن داود بن الحصين قال :لما خرج أبو طالب إلى
الشام وخرج معه رسول ال صلى ال عليه وآله في المرة الولى وهو ابن
اثنتى عشرة سنة ،فلما نزل الركب بصرى الشام وبها راهب يقال له:
بحيرا في صومعة له ،وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة
يتوارثونها عن كتاب يدرسونه ،فلما نزلوا ببحيرا وكان كثيرا " ما يمرون
به ل يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزل " قريبا " من صومعته.
قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا ،فصنع لهم طعاما " ثم دعاهم ،وإنما
حمله على دعاءهم أنه رأى حين طلعوا غمامة تظل رسول ال صلى ال
عليه وآله من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ،ثم نظر إلى تلك الغمامة
أظلت تلك الشجرة ،وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى ال عليه
وآله حين استظل تحتها ،فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك
الطعام فاتي به ،فأرسل إليهم فقال :إني قد صنعت لكم طعاما " يا معشر
قريس ،وأنا احب أن تحضروه كلكم ول تخلفون ) (2منكم صغيرا " ول
كبيرا " ،حرا " ول عبدا " ،فإن هذا شئ تكرموني به ،فقال له رجل :إن
لك لشأنا " يا بحيرا ،ما كنت تصنع بنا هذا ،فما شأنك اليوم ؟ قال :فإنى
أحببت أن اكرمكم ولكم حق ،فاجتمعوا إليه وتخلف رسول ال صلى ال
عليه وآله من بين القوم لحداثة سنه ،ليس في القوم أصغر منه في رحالهم
تحت الشجرة ،فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها
عنده ،وجعل ينظر فل يرى الغمامة على أحد من القوم ،ويراها متخلفة
على رأس رسول ال صلى ال عليه وآله ،قال بحيرا :يا معشر قريش ل
يتخلفن أحد منكم عن طعامي ،قالوا :ما تخلف أحد إل غلم هو أحدث القوم
سنا " في رحالهم ،فقال :ادعوه فليحضر طعامي ،فما أقبح أن تحضروا
ويتخلف رجل واحد ،مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم :هو وال
) (1والحديث في الصمدر مسند يطول ذكر إسناده (2) .في المصدر :ول تخلفوا.
] [ 410
أوسطنا نسبا " ،وهو ابن أخي هذا الرجل ،يعنون أبا طالب ،وهو من ولد عبد
المطلب ،فقام الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وقال :وال أن كان بنا
للوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ،ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به
حتى أجلسه على الطعام ،والغمامة تسير على رأسه ،وجعل بحيرا يلحظه
لحظا " شديدا " ،وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من
صفته ،فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال :يا غلم أسألك بحق
اللت و العزى إل أخبرتني عما أسألك ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وآله :ل تسألني بالت والعزى ،فوال ما أبغضت شيئا " بغضهما ،قال:
بال إل ما أخبرتني عما أسألك عنه ،قال :سلني عما بدالك ،فجعل يسأله
عن أشياء من حاله حتى نومه ،فجعل رسول ال صلى ال عليه وآله
يخبره فيوافق ذلك ما عنده ،ثم جعل ينظر بين عينيه ،ثم كشف عن ظهره
فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده ،فقبل موضع
الخاتم ،وقالت قريش :إن لمحمد صلى ال عليه وآله عند هذا الراهب لقدرا
" ،وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه ،قال الراهب
لبي طالب :ما هذا الغلم منك ؟ قال أبو طالب :ابني ،قال :ما هو ابنك ،وما
ينبغي لهذا الغلم أن يكون أبوه حيا " ،قال :فابن أخي ،قال :فما فعل
أبوه ؟ قال :هلك وامه حبلى به ،قال :فما فعلت امه ؟ قال :توفيت قريبا "،
قال :صدقت ،ارجع بابن أخيك إلى بلده ،واحذر عليه اليهود ،فو ال لئن
رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبلعنه ) (1غثا " ،فإنه كائن لبن أخيك هذا
شأن عظيم ،نجده في كتبنا ،وما روينا عن آبائنا ،واعلم أني قد أديت إليك
النصيحة ،فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا " ،وكان رجال من
يهود قد رأوا رسول ال صلى ال عليه وآله وعرفوا صفته فأرادو أن
يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره ،فنهاهم أشد النهي ،وقال لهم:
أتجدون صفته ؟ قالوا :نعم ،قال :فما لكم إليه سبيل ،فصدقوه وتركوه،
ورجع به أبو طالب ،فما خرج به سفرا " بعد ذلك خوفا " عليه .وكان في
سنة أربع عشرة من مولده صلى ال عليه وآله الفجار الخر بين هوازن
وقريش ،وحضره رسول ال صلى ال عليه وآله .وفي سنة سبع عشرة
وثبت العظماء والشراف بالمدائن فخلعوا هرمز ،وسملوا
) (1في المصدر :ليبغنه غبنا .قلت :لعله من بغى الشئ :طلبه ،والغبن :المكر
والخديعة.
] [ 411
عينيه ) (1وتركوه .وفي سنة تسع عشرة قتلوا هرمز بعد خلعه ،وفيها ولى ابنه
برويز وكان يسمى كسرى .وفي سنة ثلث وعشرين كان هدم الكعبة
وبنيانها في قول بعض العلماء ) .(2وفي سنة خمس وعشرين كان تزويج
خديجة رضي ال عنها كما سيأتي شرحه .وفي سنة خمس وثلثين من
مولده صلى ال عليه وآله هدمت قريش الكعبة على الصح .قال ابن
إسحاق :كانت الكعبة رضمة فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها،
وكان نفر من قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة ،وكان يكون في بئر في
جوف الكعبة فهدموها لذلك وذلك في سنة خمس وثلثين من مولده صلى
ال عليه وآله ،وقيل في سبب هدمها :إنه كان الجرف يطل على مكة،
وكان السيل يدخل من أعلها حتى يدخل البيت فانصدع ،فخافوا أن ينهدم،
وسرق منه حلية وغزال من ذهب كان عليه در وجوهر ،ولذلك هدم البيت،
ثم إن سفينة أقبلت في البحر من الروم ،ورأسهم باقوم وكان بانيا "،
فتحطمت السفينة بنواحي جده ،فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش
إلى السفينة فابتاعوا خشبها ،وكلموا الرومي باقوم فقدم معهم وقالوا :لو
بنينا بيت ربنا ،فامروا بالحجارة فجمعت ،فبينا رسول ال صلى ال عليه
وآله ينقل معهم وهو يومئذ ابن خمس وثلثين سنة وكانوا يضعون ازرهم
على عواتقهم ويحملون الحجارة ،ففعل ذلك رسول ال صلى ال عليه وآله
فلبط به ونودي :عورتك ،وكان ذلك أول ما نودي ،فقال له أبو طالب :يابن
اخي اجعل إزارك على رأسك ،قال :ما أصابني ما أصابني إل في التعري،
فما رئيت لرسول ال صلى ال عليه وآله عورة .وفي البخاري عن جابر
بن عبد ال قال :لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى ال عليه وآله وعباس
ينقلن الحجارة ،فقال العباس للنبي :إجعل إزراك على رقبتك من الحجارة،
فخر إلى الرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق ،فقال ،إزاري إزاري،
فشد عليه إزاره ،ثم
) (1سمل عينه :فقأه (2) .المنتقى في مولود المصطفى :الباب السابع فيما كان من
سنة اثنتى عشرة إلى سنة ثلث و عشرين من مولده صلى ال عليه
وآله.
] [ 412
إنهم أخذوا في بنائها ،وميزوا البيت ،واقترعوا عليه فوقع لعبد مناف وزهرة ما
بين الركن السود إلى ركن الحجر وجه البيت ،ووقع لبني أسد بن عبد
العزى وبني عبدالدار ما بين الحجر إلى ركن الحجر الخر ،ووقع لتيم ما
بين ركن الحجر إلى الركن اليماني ،ووقع لسهم وجمح وعدي وعامر بن
لؤى ما بين الركن اليماني إلى الركن السود ،فبنوا ،فلما انتهوا إلى حيث
موضع الركن من البيت قالت كل قبيلة :نحن أحق بوضعه ،فاختلفوا حتى
خافوا القتال ،ثم جعلوا بينهم أول رجل يدخل من باب بني شيبة فيكون هو
الذي يضعه ،فقالوا :رضينا وسلمنا ،فكان رسول ال صلى ال عليه وآله
أول من دخل من باب بني شيبة ،فلما رأوه قالوا :هذا المين قد رضينا بما
قضى بيننا ،ثم أخبروه الخبر ،فوضع رسول ال صلى ال عليه وآله ردائه
وبسطه في الرض ثم وضع الركن فيه ،ثم قال :ليأت من كل ربع من أرباع
قريش رجل ،وكان في ربع عبد مناف عتبة بن ربيعة ،وكان في الربع
الثاني أبو زمعة ،وكان في الربع الثالث أبو حذيفة ابن المغيرة ،وكان في
الربع الرابع قيس بن عدي ،ثم قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ليأخذ
كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ،ثم ارفعوه جميعا " فرفعوه ،ثم
وضعه رسول ال صلى ال عليه وآله بيده في موضعه ذلك ،فذهب رجل
من أهل نجد ليناول النبي صلى ال عليه وآله حجرا يسد به الركن ،فقال
العباس بن عبد المطلب :ل ونحاه ،وناول العباس رسول ال صلى ال
عليه وآله حجرا " فسد به الركن ،فغضب النجدي حين نحي ،فقال رسول
ال صلى ال عليه وآله :إنه ليس يبني معنا في البيت إل منا ،ثم بنوا حتى
انتهوا إلى موضع الخشب ،وسقفوا البيت ،وبنوه على ستة أعمدة،
وأخرجوا الحجر من البيت .وفي هذه السنة ولدت فاطمة عليها السلم بنت
رسول ال صلى ال عليه وآله ،وفيها مات زيد بن عمرو بن نفيل ).(1
وروي عن عامر بن ربيعة قال :كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الدين
وكره
) (1هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد ال بن قرط بن رياح بن
رزاح بن عدى بن كعب ابن لؤى وهو القائل في قصيدة .أربا واحدا " أم
ألف رب * أدين إذا تقسمت المور عزلت اللت والعزى جميعا * كذلك
يفعل الجلد الصبور وقد تقدم بعض أخباره.
] [ 413
) (1أي يجره على الرض .يقال :جاء يسحب ذيله أي يمشى متبخترا (2) .المنتقى
في مولود المصطفى :الباب التاسع فيما كان من سنة خمس وثلثين إلى
سنة أربعين من مولده صلى ال عليه وآله (3) .الهضاب جمع الهضبة:
الجبل المنبسط على وجه الرض .وقيل :الجبل الطويل الممتنع المنفرد.
ما ارتفع من الرض.
] [ 414
وقيل :صخور بعضها على بعض .قوله :فلبط به على بناء المجهول ،أي صرع
وسقط إلى الرض .اقول :إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق
عليها ) ،(1لشتمالها على تعيين أوقات ما أسلفناه في الخبار المتفرقة،
وكونها موضحة لبعض ما ابهم فيها ) * * * .(2نشكر الباري جل وعل
لما وفقنا من الشراف على طبع هذا المجلد أعني الجزء الخامس عشر
من كتاب بحار النوار من هذه الطبعة النفيسة .وهو الجزء الول من
المجلد السادس حسب تجزئة المؤلف )قده( وهو مشتمل على 226حديثا
" في أربعة أبواب ،والمجهودات الواسعة التي بذلناها في تصحيح هذا
الكتاب بمرئى ومنظر من المطالع الكريم ومع ذلك فانا بتأييد من ال
لباستعداد بذل المجهود أكثر فأكثر في المجلدات التية ومنه التوفيق وعليه
التكلن .دار التصحيح والترجمة ج 1379 - 2ه
) (1لنها رويت بأسانيد عامة لم يتبين لنا وثوق رجالها ،مع أنها مشتملة على
غرائب ونوادر (2) .إلى هنا تم الباب الرابع من تاريخ سيدنا خير
المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،ويتلوه الباب
الخامس في تزوجه بخديجة رضى ال عنها ونبذة من فضائلها )(3
الهضاب جمع الهضبة :الجبل المنبسط على وجه الرض .وقيل :الجبل
الطويل الممتنع المنفرد .ما ارتفع من الرض.
] [ 414
وقيل :صخور بعضها على بعض .قوله :فلبط به على بناء المجهول ،أي صرع
وسقط إلى الرض .اقول :إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق
عليها ) ،(1لشتمالها على تعيين أوقات ما أسلفناه في الخبار المتفرقة،
وكونها موضحة لبعض ما ابهم فيها ) * * * .(2نشكر الباري جل وعل
لما وفقنا من الشراف على طبع هذا المجلد أعني الجزء الخامس عشر
من كتاب بحار النوار من هذه الطبعة النفيسة .وهو الجزء الول من
المجلد السادس حسب تجزئة المؤلف )قده( وهو مشتمل على 226حديثا
" في أربعة أبواب ،والمجهودات الواسعة التي بذلناها في تصحيح هذا
الكتاب بمرئى ومنظر من المطالع الكريم ومع ذلك فانا بتأييد من ال
لباستعداد بذل المجهود أكثر فأكثر في المجلدات التية ومنه التوفيق وعليه
التكلن .دار التصحيح والترجمة ج 1379 - 2ه
) (1لنها رويت بأسانيد عامة لم يتبين لنا وثوق رجالها ،مع أنها مشتملة على
غرائب ونوادر (2) .إلى هنا تم الباب الرابع من تاريخ سيدنا خير
المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،ويتلوه الباب
الخامس في تزوجه بخديجة رضى ال عنها ونبذة من فضائلها وبعض
أحوالها .والحمد ل أول وآخرا " .خادم العلم والشريعة :عبد الرحيم
الربانى الشيرازي عفى عنه وعن والديه(*) .
مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية