You are on page 1of 142

‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬


‫لشيخ السلم زكريا النصارى‬
‫الكتاب شرح لمختصرالمؤلف المسمى بـ ) لب الصول( الذي اختصر فيه جمع الجوامع‬

‫مقدمة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل الذي أظهر بدائع مصنوعاته على أحسن نظام‪ ،‬وخص من بينها من شاء بمزيد الطول‬
‫والنعام‪ ،‬ووفقه وهداه إلى دين السلم‪ ،‬وأرشده إلى طريق معرفة الستنباط لقواعد الحكام‪،‬‬
‫لمباشرة الحلل وتجنب الحرام‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ذو الجلل والكرام‪،‬‬
‫وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المفضل على جميع النام‪ ،‬صلى ال وسلم عليه وعلى آله‬
‫وصحبه الغّر الكرام‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا شرح لمختصري المسمى بـ‬
‫) لب الصول( الذي اختصرت فيه جمع الجوامع يبين حقائقه‪ ،‬ويوضح دقائقه‪ ،‬ويذلل من اللفظ‬
‫صعابه‪ ،‬ويكشف عن وجه المعاني نقابه‪ ،‬سالكا فيه غالبا عبارة شيخنا العلمة‪ ،‬المحقق الفهامة‬
‫الجلل المحلي لسلستها وحسن تأليفها‪ ،‬وروما لحصول بركة مؤلفها‪ ،‬وسميته‪» :‬غاية الوصول إلى‬
‫شرح لب الصول«‪ .‬وال أسأل أن ينفع به وهو حسبي ونعم الوكيل‪.‬‬
‫)بسم ال الرحمن الرحيم(‪ :‬أي أؤلف أو أبتدىء تأليفي‪ ،‬والباء للمصاحبة ليكون ابتداء التأليف‬
‫مصاحبا لسم ال تعالى المتبّرك بذكره‪ ،‬وقيل‪ :‬للستعانة نحو‪ :‬كتبت بالقلم‪ ،‬والسم من السمّو وهو‬
‫العلّو‪ .‬وقيل‪ :‬من الوسم وهو العلمة‪ ،‬وال علم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع الصفات‬
‫الجميلة‪ ،‬والرحمن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم‪ ،‬والرحمن أبلغ من الرحيم‪ ،‬لن زيادة البناء‬
‫تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع‪.‬‬

‫)الحمد ل الذي وفقنا(‪ :‬أي خلق فينا قدرة‪) .‬للوصول إلى معرفة الصول(‪ :‬فيه براعة الستهلل‪،‬‬
‫والحمد لغة الثناء باللسان على الجميل الختياري على جهة التبجيل والتعظيم‪ ،‬وعرفا فعل ينبىء‬
‫عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره‪ ،‬وابتدأت بالبسملة والحمدلة اقتداء بالكتاب‬
‫سِم ال الّرحمن الّرحيم« وفي‬ ‫ل لَ يبدأ فيه بب ْ‬
‫ل أمٍر ذي َبا ٍ‬ ‫ل بخبر أبي داود وغيره‪ُ» :‬ك ّ‬ ‫العزيز وعم ً‬
‫ل بالكتاب والجماع‪،‬‬ ‫جَذُم« أي‪ :‬مقطوع البركة‪ ،‬وقّدمت البسملة عم ً‬ ‫رواية‪» :‬بالحمد ل َفُهو أ ْ‬
‫والحمد مختص بال‪ ،‬كما أفادته الجملة سواء جعلت أل فيه للستغراق أم للجنس أم للعهد‪ ،‬كما بينت‬
‫سر لنا سلوك(‪ :‬أي دخول‪) .‬مناهج(‪ :‬جمع منهج أي طرق حسنة‪.‬‬ ‫ذلك في شرح البهجة وغيره‪) .‬وي ّ‬
‫)بـ( سبب )قّوة أودعها في العقول(‪ :‬جمع عقل وهو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلمة‬
‫اللت‪ ،‬وقد بسطت الكلم عليه في شرح لداب البحث‪) .‬والصلة(‪ :‬وهي من ال رحمة ومن‬
‫الملئكة استغفار‪ ،‬ومن الدمي تضّرع ودعاء‪) .‬والسلم(‪ :‬بمعنى التسليم‪) .‬على محمد(‪ :‬نبينا‪،‬‬
‫ل بأنه يكثر حمد‬ ‫ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضعف تسّمى به نبينا بإلهام من ال تعالى تفاؤ ً‬
‫الخلق له لكثرة صفاته الجميلة‪) .‬وآله(‪ :‬هم مؤمنوا بني هاشم وبني المطلب‪) .‬وصحبه(‪ :‬هو عند‬
‫سيبويه إسم جمع لصحابة بمعنى الصحابي‪ ،‬وهو كما سيأتي من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى ال عليه‬
‫وسّلم‪ ،‬وعطف الصحب على الل الشامل لبعضهم لتشمل الصلة والسلم باقيهم‪ ،‬وجملتا الحمد‬
‫والصلة والسلم على من ذكر خبريتان لفظا إنشائيتان معنى‪ ،‬إذ القصد بالولى الثناء على ال بأنه‬
‫مالك لجميع الحمد من الخلق‪ ،‬وبالثانية إيجاد الصلة والسلم ل العلم بذلك‪ ،‬وإن كان هو القصد‬
‫بهما في الصل‪) .‬الفائزين(‪ :‬أي الناجين والظافرين )من ال(‪ :‬متعلق بقولي‪) :‬بالقبول(‪ :‬قّدم عليه‬
‫هنا وفيما يأتي رعاية للسجع‪ ،‬ويجوز تعلقه بما قبله‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)وبعد(‪ :‬يؤتى بها للنتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر‪ ،‬وأصلها أما بعد بدليل لزوم الفاء في حيزها‬
‫غالبا لتضمن أما معنى الشرط والصل مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة والصلة والسلم‬
‫على من ذكر‪) .‬فهذا(‪ :‬المؤلف الحاضر ذهنا )مختصر(‪ :‬من الختصار‪ ،‬وهو تقليل اللفظ وتكثير‬
‫المعنى‪) .‬في الصلين(‪ :‬عبر به دون الصولين أي أصول الفقه وأصول الدين‪ ،‬إيثارا للتخفيف‬
‫والختصار‪) .‬وما معهما(‪ :‬من المقدمات والتقليد وآداب الفتيا وخاتمة التصّوف‪) .‬احتضرت فيه‬
‫جمع الجوامع للعلمة(‪ :‬شيخ السلم عبد الوهاب‪) .‬التاج(‪ :‬ابن المام شيخ السلم تقي الدين‪.‬‬
‫حِلي رضوانه‪) .‬وأبدلت منه(‪ :‬أي من جمع الجوامع‪.‬‬ ‫)السبكي رحمه ال(‪ :‬وتغمده بغفرانه‪ ،‬وكساه ُ‬
‫)غير المعتمد والواضح بهما(‪ :‬أي بالمعتمد والواضح‪) .‬مع زيادات حسنة(‪ :‬ستقف عليها إن شاء ال‬
‫تعالى‪) .‬ونبهت على خلف المعتزلة(‪ :‬ولو مع غيرهم‪) .‬بعندنا و(‪ :‬على خلف )غيرهم(‪ :‬وحده‪.‬‬
‫ل‪) .‬من ال( تعالى‪) .‬القبول وأسأله‬ ‫)بالصح غالبا(‪ :‬فيهما‪) .‬وسميته لب الصول راجيا(‪ :‬أي مؤم ً‬
‫النفع به(‪ :‬لمؤلفه وقارئه ومستمعه وسائر المؤمنين‪) .‬فإنه خير مأمول(‪ :‬أي مرجّو‪) .‬وينحصر‬
‫مقصوده(‪ :‬أي لب الصول‪) .‬في مقدمات(‪ :‬بكسر الدال كمقدمة الجيش من قدم اللزم بمعنى تقدم‪،‬‬
‫وبفتحها على قلة كمقدمة الرجل في لغة من قدم المتعدي أي‪ :‬في أمور متقدمة أو مقدمة على‬
‫المقصود بالذات للنتفاع بها فيه مع توقفه على بعضها‪ ،‬كتعريف الحكم وأقسامه‪ ،‬إذ يثبتها الصولي‬
‫تارة وينفيها أخرى كما سيجيء‪) .‬وسبعة كتب(‪ :‬في المقصود بالذات‪ ،‬خمسة في مباحث أدلة الفقه‪:‬‬
‫الكتاب والسنة والجماع والقياس والستدلل‪ .‬والسادس في التعادل والتراجيح‪ .‬والسابع في‬
‫الجتهاد‪ ،‬وما يتبعه من التقليد وأدب الفتيا وما ضم إليه من علم الكلم المفتتح بمسألة التقليد في‬
‫أصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف‪ ،‬وهذا الحصر من حصر الكلي‬

‫في أجزائه ل الكلي في جزئياته‪.‬‬

‫المقدمات‬
‫أي‪ :‬مبحثها‪ .‬افتتحهتا كالصل بتعريف أصول الفقه ليتصّوره طالبه بما يضبط مسائله الكثيرة‪،‬‬
‫ليكون على بصيرة في تطلبها‪ ،‬إذ لو تطلبها قبل بطلها لم يأمن فوات ما يرجيه وصرف الهمة إلى‬
‫ن المسمى بهذا اللقب المشعر بمدحه بابتغاء الفقه عليه‪ ،‬إذ‬
‫ما ل يعنيه فقلت‪) :‬أصول الفقه(‪ :‬أي الف ّ‬
‫الصل ما يبنى عليه غيره‪) .‬أدلة الفقه الجمالية(‪ :‬أي غير المعينة كمطلق المر والجماع من حيث‬
‫إنه يبحث عن أّولهما‪ ،‬بأنه الوجوب حقيقة‪ ،‬وعن ثانيهما بأنه حجة‪) .‬وطرق استفادة جزئياتها(‪ :‬التي‬
‫هي أدلة الفقه التفصيلية المستفاد هو منها‪ ،‬والمراد بالطرق المرجحات التي أكثرها في الكتاب‬
‫السادس‪) .‬وحال مستفيدها(‪ :‬أي‪ :‬وصفات مستفيد جزئيات أدلة الفقه الجمالية‪ ،‬وهو المجتهد لنه‬
‫الذي يستفيدها بالمرجحات عند تعارضها دون المقلد‪ ،‬والمراد بصفاته شرائطه التية في الكتاب‬
‫السابع‪ ،‬ويعبر عنها بشروط الجتهاد‪ ،‬وخرج بأدلة الفقه غير الدلة كالفقه‪ ،‬وأدلة غير الفقه كأدلة‬
‫الكلم وبعض أدلة الفقه وبالجمالية التفصيلية وإن لم يتغاير إل بالعتبار‪ :‬كأقيموا الصلة ول‬
‫تقربوا الزنا‪ ،‬وصلته صلى ال عليه وسّلم في الكعبة‪ ،‬فليست أصول الفقه‪ ،‬وإنما يذكر بعضها في‬
‫كتبه للتمثيل‪.‬‬

‫)وقيل(‪ :‬أصول الفقه )معرفتها(‪ :‬أي عرفة أدلة الفقه وما عطف عليها‪ ،‬ورجح الول لن الدلة وما‬
‫ل‪ ،‬والصل قال‪ :‬أصول الفقه دلئل الفقه‬‫عطف عليها إذا لم تعرف لم تخرج عن كونها أصو ً‬
‫الجمالية‪ ،‬وقيل معرفتها‪ ،‬ثم قال‪ :‬والصولي العارف بها وبطرق استفادتها ومستفيدها مخالفا في‬
‫ذلك الصوليين باعترافه‪ ،‬وقرره في منع الموانع بما ل يشفي‪ ،‬وقرره شيخنا العلمة الجلل المحلي‬
‫بما ل مزيد عليه‪ ،‬واستبعده أيضا شيخه العلمة الشمس البرماوي‪ ،‬وقال‪ :‬ل يعرف في المنسوب‬
‫زيادة قيد من حيث النسبة على المنسوب إليه‪ ،‬وعدلت عن قوله دلئل إلى قولي أدلة‪ ،‬لن الموجود‬
‫هنا جمع قلة ل جمع كثرة‪ ،‬ولما قيل إن فعائل لم يأت جمعا لسم جنس بوزن فعيل‪ ،‬وإن رّد بأنه‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫أتى نادرا كوصائد جمع وصيد‪.‬‬


‫واعلم أن لكل علم مبادىء وموضوعا ومسائل‪ ،‬فمبادئه ما يتوقف عليه المقصود بالذات من تعريفه‬
‫وتعريف أقسامه‪ ،‬وفائدته وهي هنا العلم بأحكام ل وما يستمد منه‪ ،‬وهو هنا علم الكلم والعربية‬
‫والحكام أي تصّورها‪ .‬وموضوعه‪ :‬أي ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية كأدلة الفقه هنا‪.‬‬
‫ومسائله‪ :‬ما يطلب نسبة محموله إلى موضوعه في ذلك العلم‪ ،‬كعلمنا هنا بأن المر للوجوب حقيقة‬
‫والنهي للتحريم كذلك‪.‬‬

‫)والفقه علم بحكم(‪ :‬أي نسبة تامة‪ ،‬فالعلم بها تصديق بتعلقها ل تصّورها‪ ،‬لنه من مبادىء أصول‬
‫الفقه‪ ،‬ول تصديق بثبوتها لنه من علم الكلم‪) .‬شرعي(‪ :‬أي مأخوذ من الشرع المبعوث به النبي‬
‫الكريم‪) .‬عملي(‪ :‬أي متعلق بكيفية عمل قلبي أو غيره‪ ،‬كالعلم بوجوب النية في الوضوء وبندب‬
‫الوتر‪) .‬مكتسب(‪ :‬ذلك العلم لمكتسبه‪) .‬من دليل تفصيلي(‪ :‬للحكم‪ .‬فالعلم كالجنس‪ ،‬وخرج بالحكم‬
‫العلم بالذات والصفة والفعل كتصّور النسان والبياض والقيام‪ ،‬وبالشرعي العلم بالحكم العقلي‬
‫والحسي واللغوي والوضعي‪ ،‬كالعلم بأن الواحد نصف الثنين‪ ،‬وأن النار محرقة‪ ،‬وأن النور‬
‫الضياء‪ ،‬وأن الفاعل مرفوع‪ ،‬وبالعملي العلم بالحكم الشرعي العلمي أي العتقادي‪ ،‬كالعلم في‬
‫أصول الفقه بأن الجماع حجة‪ ،‬والعلم في أصول الدين بأن ال واحد‪ ،‬وبالمكتسب علم ال وجبريل‬
‫بما ذكر‪ ،‬وكذا علم النبي به الحاصل بوحي‪ ،‬وعلمنا به بالضرورة بأن علم من الدين بالضرورة‬
‫كإيجاب الصلة والزكاة والحج وتحريم الزنا والسرقة‪ ،‬وبالدليل التفصيلي العلم بذلك للمقلد‪ ،‬فإنه من‬
‫المجتهد بواسطة دليل إجمالي‪ ،‬وهو أن هذا الحكم أفتاه به المفتي‪ ،‬وكل ما أفتاه به المفتي‪ ،‬فهو حكم‬
‫ل بوجوب النية في الوضوء كذلك ليس من الفقه‪ ،‬وعبروا عن الفقه هنا بالعلم‬ ‫ال في حقه فعلمه مث ً‬
‫وإن كان لظنية أدلته ظنا كما عبروا به في كتاب الجتهاد‪ ،‬لنه ظن المجتهد الذي هو لقّوته قريب‬
‫من العلم‪ ،‬ونكرت العلم والحكم وأفردتهما تبعا للعلمة البرماوي‪ ،‬لن التحديد إنما هو للماهية من‬
‫غير اعتبار كمية أفرادها‪ ،‬ولن في تعبيري بحكم ل بالحكام الذي عبر به الصل كغيره سلمة من‬
‫ورود أن العلم بجميع الحكام ينافي قول كل من أكابر الفقهاء في مسائل سئلوا عنها‪ :‬ل أدري‪ ،‬وإن‬
‫أجيب عنه بأنهم متهيئون للعلم بأحكامها بمعاودة النظر وإطلق العلم على مثل هذا التهيوء شائع‬
‫عرفا‪ .‬يقال‪ :‬فلن يعلم النحو ول يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده مفصلة‪ ،‬بل إنه‬

‫متهيىء لذلك‪.‬‬

‫)والحكم خطاب ال( تعالى أي‪ :‬كلمه النفسي الزلي المسمى في الزل خطابا على الصح كما‬
‫سيأتي‪) .‬المتعلق(‪ :‬إما )بفعل المكلف(‪ :‬أي البالغ العاقل الذي لم يمتنع تكليفه تعلقا معنويا قبل وجوده‬
‫أو بعد وجوده قبل البعثة‪ ،‬وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة‪ ،‬إذ ل حكم قبلها كما سيأتي ذلك‪.‬‬
‫)اقتضاء(‪ :‬أي طلبا للفعل وجوبا أو ندبا أو حرمة أو كراهة أو خلف الولى‪) .‬أو تخييرا(‪ :‬بين‬
‫الفعل وتركه أي‪ :‬إباحة فيشمل ذلك الفعل القلبي العتقادي وغيره‪ .‬والقولي وغيره والكف والمكلف‬
‫الواحد كالنبي صلى ال عليه وسّلم في خصائصه‪ ،‬والكثر من الواحد‪) ،‬و( إما )بأعم( من فعل‬
‫المكلف )وضعا وهو( الخطاب )الوارد( بكون الشيء )سببا وشرطا ومانعا وصحيحا وفاسدا(‪:‬‬
‫وسيأتي بيانها‪ ،‬فيشمل ذلك فعل المكلف كالزنا سببا لوجوب الحد‪ ،‬وغير فعله كالزوال سببا لوجوب‬
‫الظهر‪ ،‬وإتلف غير المكلف كالسكران سببا لوجوب الضمان‪ ،‬وخطاب كالجنس وخرج بإضافته‬
‫ل بإيجاب ال تعالى أياها‪ ،‬وبفعل‬
‫إلى ال خطاب غيره‪ ،‬وإنما وجبت طاعة الرسول والسيد مث ً‬
‫المكلف خطاب ال تعالى المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات‪ ،‬كمدلول ال ل إله إل‬
‫هو خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسير الجبال‪ ،‬وبالقتضاء والتخيير والوضع مدلول وما‬
‫تعملون من قوله‪} :‬وال خلقكم وما تعملون{ فإنه متعلق بفعل المكلف ل باقتضاء ول تخيير‪ ،‬ول‬
‫وضع بل من حيث الخبار بأنه مخلوق ل‪ ،‬ول يتعلق الخطاب التكليفي بفعل غير المكلف ووليه‬
‫مخاطب بأداء ما وجب في ماله منه‪ ،‬كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ي كصلته المثاب عليها ليس لنه مأمور‬


‫حفظها لتنزل فعلها حينئذ منزلة فعله‪ ،‬وصحة عبادة الصب ّ‬
‫بها كما في البالغ‪ ،‬بل ليعتادها فل يتركها‪ ،‬وبما تقرر علم أن خطاب الوضع حكم شرعي متعارف‪،‬‬
‫وهو ما اختاره ابن الحاجب خلفا لما جرى عليه الصل‪ ،‬وذلك لنه ل‬

‫يعلم إل بوضع الشرع كالخطاب التكليفي‪ ،‬بل قيل‪ :‬إنه ل حاجة لذكره لنه داخل في القتضاء‬
‫ل سببا لوجوب الظهر إل إيجابها عنده‪ ،‬ول لكون الطهارة‬ ‫والتخيير‪ ،‬إذ ل معنى لكون الزوال مث ً‬
‫شرطا للقدام على البيع إل إباحة القدام عندها وتحريمه عند فقدها‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ليس بحكم حقيقة لنه‬
‫ليس بإنشاء بل خبر عن ترتب آثار هذه المور عليها‪ .‬قال البرماوي‪ :‬وليس لهذا الخلف كبير‬
‫فائدة‪ ،‬بل هو خلف لفظي وإذا ثبت أن الحكم خطاب ال‪) .‬فل يدرك حكم إل من ال(‪ :‬فل يدرك‬
‫العقل شيئا مما يأتي عن المعتزلة المعبر عن بعضه بالحسن والقبح بالمعنى التي على الثر‪.‬‬
‫ل( والثواب‬
‫)وعندنا(‪ :‬أيها الشاعرة )أن الحسن والقبح(‪ :‬لشيء )بمعنى ترتب( المدح و)الذم حا ً‬
‫ل(‪ :‬كحسن الطاعة وقبح المعصية‪) .‬شرعيان(‪ :‬أي ل يحكم بهما إل الشرع المبعوث به‬ ‫)والعقاب مآ ً‬
‫الرسل‪ .‬أي‪ :‬ل يدرك إل به ول يؤخذ إل منه‪ ،‬أما عند المعتزلة فعقليان‪ .‬أي‪ :‬يحكم بهما العقل بمعنى‬
‫أنه طريق إلى العلم بهما يمكن إدراكه به من غير ورود سمع لما في الفعل من مصلحة أو مفسدة‬
‫يتبعها حسنه أو قبحه عند ال‪ .‬أي‪ :‬يدرك العقل ذلك إما بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح‬
‫الكذب الضار‪ ،‬أو بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار‪ ،‬وقيل‪ :‬العكس‪ .‬والشرع يؤكذ‬
‫ذلك أو بإعانة الشرع فيما خفي على العقل كحسن صوم آخر يوم من رمضان‪ ،‬وقبح صوم أّول يوم‬
‫من شّوال وتركت كالصل المدح والثواب للعلم بهما من ذكر مقابلهما النسب بأصول المعتزلة‪ ،‬إذ‬
‫العقاب عندهم ل يتخلف ول يقبل الزيادة والثواب يقبلهما‪ ،‬وإن لم يتخلف أيضا‪ ،‬وخرج بمعنى ترتب‬
‫ما ذكر الحسن والقبح بمعنى ملءمة الطبع ومنافرته كحسن الحلو وقبح المر‪ ،‬وبمعنى صفة الكمال‬
‫والنقص كحسن العلم وقبح الجهل فعقليان‪ ،‬أي‪ :‬يحكم بهما العقل اتفاقا‪) .‬و(عندنا )أن شكر المنعم(‪:‬‬
‫وهو صرف العبد جميع ما أنعم ال به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق له )واجب بالشرع(‪ :‬ل‬

‫بالعقل فمن لم يبلغه دعوة نبي ل يأثم بتركه خلفا للمعتزلة‪) .‬و(عندنا )أنه ل حكم(‪ :‬متعلق بفعل‬
‫تعلقا تنجيزيا )قبله(‪ :‬أي الشرع أي بعثة أحد من الرسل لنتفاء لزمه حينئذ من ترتب الثواب‬
‫ل{ف( أي ول مثيبين فاغتنى عن ذكر‬ ‫والعقاب بقوله تعالى‪} :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسو ً‬
‫الثواب بذكر مقابله الظهر في تحقق معنى التكليف‪ ،‬والقول بأن الرسول في الية العقل وتخصيص‬
‫العذاب فيها بالدنيوي خلف الظاهر‪) .‬بل( انتقالية ل إبطالية‪) .‬المر(‪ :‬أي الشأن في وجوب الحكم‬
‫)موقوف إلى وروده(‪ :‬أي الشرع فل مخالفة بين من عبر منا في الفعال قبل البعثة بالوقف‪ ،‬ومن‬
‫نفى منا الحكم فيها‪ .‬أما عند المعتزلة فالحكم متعلق به تعلقا تنجيزيا قبل البعثة‪ ،‬فإنهم جعلوا العقل‬
‫حاكما في الفعال قبل البعثة فما قضى به في شيء منها ضروري كالتنفس في الهواء أو اختياري‬
‫لخصوصه بأن أدرك فيه مصلحة أو مفسدة‪ ،‬أو انتفاءهما‪ ،‬فأمر قضائه فيه ظاهر‪ ،‬وهو أن‬
‫الضروري مقطوع بإباحته‪ ،‬والختياري لخصوصه ينقسم إلى القسام الخمسة الحرام وغيره‪ ،‬لنه‬
‫إن اشتمل على مفسدة فعله فحرام كالظلم‪ ،‬أو تركه فواجب كالعدل‪ ،‬وإل فإن اشتمل على مصلحة‬
‫فعله فمندوب كالحسان‪ ،‬أو تركه فمكروه‪ .،‬وإن لم يشتمل على مفسدة ول مصلحة فمباح‪ ،‬فإن لم‬
‫يقض العقل في شيء منها لخصوصه بأن لم يدرك فيه شيئا مما مر كأكل الفاكهة فاختلف في قضائه‬
‫فيه لعموم دليله على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنه محظور لن الفعل تصرف في ملك ال تعالى بغير‬
‫إذنه إذ العالم كله ملك له تعالى‪ .‬وثانيها‪ :‬أنه مباح لن ال تعالى خلق العبد وما ينتفع به‪ ،‬فلو لم يبح‬
‫له كان خلقهما عبثا أي خاليا عن الحكمة‪ .‬وثالثها‪ :‬الوقف عنهما أي ل يدري أنه محظور أو مباح‬
‫مع أنه ل يخلو عن واحد منهما‪ ،‬إما ممنوع منه فمحظور أو ل فمباح‪ ،‬وذلك لتعارض دليلهما‪ ،‬وقد‬
‫ل{‪.‬‬‫علم بطلن الثلثة مما مر من قوله تعالى‪} :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسو ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل لهم{ فإنها‬‫تتمة‪ :‬لو وقع بعد البعثة صورة ل حكم فيها فثلثة أقوال‪ :‬الحظر لية‪} :‬يسألونك ماذا أح ّ‬
‫تدل على سبق التحريم والباحة لقوله تعالى‪} :‬خلق لكم ما في الرض جميعا{ والوقف لتعارض‬
‫الدليلين‪.‬‬
‫)والصح امتناع تكليف الغافل(‪ :‬وهو من ل يدري كالنائم والساهي‪ ،‬لن مقتضى التكليف بشيء‬
‫ل وذلك يتوقف على العلم بالمكلف به والغافل ل يعلم ذلك‪ ،‬ومنه السكران وإن أجرى‬ ‫التيان به امتثا ً‬
‫عليه حكم المكلف تغليظا عليه كما أوضحته في حاشية شرح الصل وغيرها‪) .‬و(امتناع تكليف‬
‫)الملجأ(‪ :‬وهو من يدري ول مندوحة له عما ألجىء إليه كالساقط من شاهق على شخص يقتله ل‬
‫مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له‪ ،‬فيمتنع تكليفه بالملجأ إليه وبنقيضه لعدم قدرته على ذلك‪ ،‬لن‬
‫الّول واجب الوقوع‪ ،‬والثاني ممتنعه ول قدرة له على واحد منهما‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز تكليف الغافل‬
‫والملجأ بناء على جواز التكليف بما ل يطاق كحمل الواحد الصحرة العظيمة‪ ،‬ورّد بأن الفائدة في‬
‫التكليف بذلك من الختبار هل يأخذ في المقدمات منتفية في تكليف من ذكر‪ ،‬وظاهر أن من ذكر‬
‫يمتنع أن يتعلق به خطاب غير وضعي بغير الواجب والحرام أيضا‪ ،‬وإن أوهم التعبير بالتكليف‬
‫قصوره عليهما‪) .‬ل المكره(‪ :‬وهو من ل مندوحة له عما أكره عليه إل بالصبر على ما أكره به‪ ،‬فل‬
‫يمتنع تكليفه بالمكره عليه‪ ،‬وإن خالف داعي الكراه داعي الشرع ول بنقيضه‪ ،‬وإن وافقه على‬
‫طَأ والّنسيا َ‬
‫ن‬ ‫خَ‬
‫ن أّمتي ال َ‬
‫عْ‬‫الصح فيهما لمكان الفعل‪ ،‬لكن لم يقع الّول مع المخالفة لخبر‪ُ» :‬رِفَع َ‬
‫عَليِه«‪ .‬ول الثاني مع الموافقة قياسا على الّول‪ ،‬وإنما وقعا مع غير ذلك لقدرته على‬ ‫سُتْكِرُهوا َ‬
‫وما ا ْ‬
‫امتثال ذلك بأن يأتي بالمكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة فنواها عند أخذها منه‪،‬‬
‫أو بنقيضه صابرا على ما أكره به‪ ،‬وإن لم يكلف الصبر عليه كمن أكره على شرب خمر فامتنع‬
‫منه صابرا على العقوبة‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬يمتنع تكليفه بذلك لعدم قدرته على امتثاله‪ ،‬إذ الفعل للكراه ل يحصل المتثال به‪ ،‬ول يمكن‬
‫التيان معه بنقيضه والقول الّول للشاعرة والثاني للمعتزلة وصححه الصل ورجع عنه إلى‬
‫الّول آخرا وأدرج فيما صححه امتناع تكليف المكره على القتل‪ ،‬فاحتاج إلى الجواب عن إثم القاتل‬
‫المجمع عليه بأنه ليس للكراه‪ ،‬بل ليثاره نفسه بالبقاء على قتيله‪ ،‬وعلى ما رجحناه ل يحتاج إلى‬
‫الجواب‪ ،‬ثم ما ذكر في تكليف المكره هو كلم الصوليين‪ ،‬أما الفقهاء فاضطربت‬

‫أجوبتهم فيه بحسب قوة الدليل‪ ،‬فمرة قطعوا بما يوافق عدم تكليفه كعدم صحة عقوده وحلها وكالتلفظ‬
‫بكلمة الكفر وقلبه مطمئن باليمان‪ ،‬ومرة قطعوا بما يوافق تكليفه كإكراه الحربي والمرتد على‬
‫السلم ونحوه مما هو إكراه بحق‪ ،‬ومرة رجحوا ما يوافق الّول كإكراه الصائم على الفطر وإكراه‬
‫من حلف على شيء فإنه ل يفطر ول يحنث بفعل ذلك على الراجح‪ ،‬ومرة رجحوا ما يوافق الثاني‬
‫ل على الراجح‪ .‬ل يقال التعبير‬ ‫كالكراه على القتل فإه يأثم بالقتل إجماعا ويلزمه الضمان قودا أو ما ً‬
‫بالتكليف قاصر على الوجوب والحرمة بناء على أن التكليف إلزام ما فيه كلفة لنا نمنع ذلك‪ ،‬فإن ما‬
‫عداهما لزم للتكليف‪ ،‬إذ لول وجوده لم يوجد ما عداهما أل ترى إلى انتفائه قبل البعثة كانتفاء‬
‫التكليف‪) .‬ويتعلق الخطاب(‪ :‬من أمر أو غيره فهو أعم من قوله ويتعلق المر )عندنا(‪ :‬أيها‬
‫الشاعرة )بالمعدوم تعلقا معنويا(‪ :‬بمعنى أنه إذا وجد بصفة التكليف يكون مخاطبا بذلك الخطاب‬
‫النفسي الزلي ل تعلقا تنجيزيا بأن يكون حال عدمه مخاطبا‪ ،‬أما المعتزلة فنفوا التعلق المعنوي‬
‫ل غير‬ ‫أيضا لنفيهم الكلم النفسي‪) ،‬فإن اقتضى(‪ :‬أي طلب الخطاب الذي هو كلم ال النفسي )فع ً‬
‫كف( من المكلف )اقتضاء جازما( بأن لم يجز تركه )فإيجاب(‪ :‬أي فهذا الخطاب يسمى أيجابا )أو(‬
‫اقتضاء )غير جازم(‪ :‬بأن جّوز تركه )فندب أو( اقتضى )كفا( اقتضاء )جازما( بأن لم يجز فعله‪.‬‬
‫)فتحريم أو( اقتضاء )غير جازم بنهي مقصود( لشيء كالنهي في خير الصحيحين‪» :‬إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فل يجلس حتى يصلي ركعتين )فكراهة(‪ .‬أي فالخطاب المدلول عليه بالمقصود‬
‫يسمى كراهة ول يخرج عن المقصود دليل المكروه إجماعا أو قياسا‪ ،‬لنه في الحقيقة مستند‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الجماع أو دليل المقيس عليه‪ ،‬وذلك من المقصود وقد يعبرون عن اليجاب والتحريم بالوجوب‬
‫والحرمة لنهما أثرهما‪ ،‬وقد يعبرون عن الخمسة بمتعلقاتها من الفعال كالعكس تجّوزا فيقولون في‬
‫الول‪ :‬الحكم‬

‫إما واجب أو مندوب الخ‪ .‬وفي الثاني‪ :‬الفعل إما إيجاب أو ندب الخ‪) .‬أو بغير مقصود(‪ :‬وهو النهي‬
‫عن ترك المندوبات المستفاد من أوامرها‪ ،‬إذ المر بشيء يفيد النهي عن تركه‪) .‬فخلف الولى(‪:‬‬
‫ل غير كف كان‬‫أي فالخطاب المدلول عليه بغير المقصود يسمى خلف الولى كما يسماه متعلقه فع ً‬
‫كفطر مسافر ل يتضرر بالصوم كما سيأتي‪ ،‬أو كفا كترك صلة الضحى‪ ،‬والفرق بين قسمي‬
‫المقصود وغيره أن الطلب في المقصود أشّد منه في غيره‪ ،‬والقسم الثاي‬

‫وهو واسطة بين الكراهة والباحة زاده جماعة من متأخري الفقهاء منهم إمام الحرمين على‬
‫الصوليين‪ ،‬وأما المتقدمون فيطلقون المكروه على القسمين‪ ،‬وقد يقولون في الول مكروه كراهة‬
‫شديدة‪ ،‬كما يقال في قسم المندوب سنة مؤكدة‪ ،‬وعلى ما عليه الصوليون يقال أو غير جازم‬
‫فكراهة‪) .‬أو خير(‪ :‬الخطاب بين الفعل المذكور والكف عنه )فإباحة( وتعبيري بخير سالم مما يرد‬
‫على تعبيره بالتخيير من أنه يقتضي أن في الباحة اقتضاء وليس كذلك‪ ،‬وإن كان عن اليراد‬
‫جواب وزدت غير كف لسلم من مقابلة الفعل بالكف الذي عبر عنه الصل بالترك هو ل يقابل به‪،‬‬
‫إذ الكف فعل والترك فعل هو كف كما سيأتي‪) .‬و(بما ذكر )عرفت حدودها(‪ :‬أي حدود المذكورات‬
‫ل الخطاب المقتضي لفعل غير كف اقتضاء جازما‪ ،‬وأما‬ ‫من أقسام خطاب التكليف‪ ،‬فحد اليجاب مث ً‬
‫حدود أقسام خطاب الوضع فتعرف من حده المشهور الذي قدمته وهو الخطاب الوارد بكون الشيء‬
‫ل الخطاب الوارد بكون الشيء سببا لحكم شيء‪ ،‬وأما حدود السبب‬ ‫سببا الخ‪ .‬فحّد السببي منه مث ً‬
‫وغيره من أقسام متعلق خطاب الوضع فسيأتي‪ ،‬وكذا حد الحد بالجامع المانع الدافع للعتراض بأ ّ‬
‫ن‬
‫ما عرف رسوم ل حدود‪ ،‬لن المميز فيها خارج عن الماهية‪) .‬والصح ترادف( لفظي )الفرض‬
‫والواجب(‪ :‬أي مسماهما واحد وهو كما علم من حّد اليجاب الفعل غير الكف المطلوب طلبا‬
‫جازما‪ ،‬ول ينافي هذا ما ذكره أئمتنا من الفرق بينهما في مسائل‪ ،‬كما قالوا فيمن قال‪ :‬الطلق‬
‫ي ل تطلق‪ ،‬إذ ذاك ليس للفرق بين حقيقتيهما‪ ،‬بل لجريان العرف‬ ‫ي تطلق أو فرض عل ّ‬ ‫واجب عل ّ‬
‫بذلك أو لصطلح آخر كما بينته مع زيادة تحقيق في الحاشية‪ .‬ونفت الحنفية ترادفهما فقالوا هذا‬
‫الفعل إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن في الصلة الثابتة بقوله تعالى‪:‬‬
‫}فاقرأوا ما تيسر من القرآن{ أو بدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب كقراءة الفاتحة في الصلة‬
‫ن َلم يقرأ‬
‫لَة لم ْ‬
‫صَ‬‫الثابتة بخبر الصحيحين‪» :‬ل َ‬

‫ب« فيأثم بتركها ول تفسد به صلته بخلف ترك القراءة‪) .‬كالمندوب(‪ :‬أي كما أن‬ ‫حِة الِكتا ِ‬
‫بفاِت َ‬
‫الصح ترادف ألفاظ المندوب )والمستحب والتطّوع والسّنة(‪ :‬والحسن والنفل والمرغب فيه أي‬
‫مسماها واحد وهو كما علم من حد الندب الفعل غير الكف المطلوب طلبا غير جازم‪ ،‬ونفى القاضي‬
‫حسين وغيره ترادفها فقالوا‪ :‬هذا الفعل إن واظب عليه النبي صلى ال عليه وسّلم فهو السّنة‪ ،‬إل‬
‫كأن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب‪ ،‬أو لم يفعله وهو ما ينشئه النسان باختياره من الوراد فهو‬
‫التطّوع‪ ،‬ولم يتعرضوا للبقية لعمومها للقسام الثلثة‪) .‬والخلف( في المسألتين )لفظي(‪ :‬أي عائد إلى‬
‫ل من القسام الثلثة كما يسمى باسم من السماء الثلثة‬ ‫اللفظ والتسمية‪ ،‬إذ حاصله في الثانية أن ك ّ‬
‫كما ذكر هل يسمى بغيره منها‪ .‬فقال القاضي وغيره‪ :‬ل إذ السنة الطريقة والعادة والمستحب‬
‫المحبوب والتطّوع الزيادة‪ ،‬والكثر يعم ويصدق على كل من القسام أنه طريقة وعادة في الدين‬
‫ومحبوب للشارع وزائد على الواجب‪ .‬وفي الولى أن ما ثبت بقطعي كما يسمى فرضا هل يسمى‬
‫واجبا‪ ،‬وما ثبت بظني كما يسمى واجبا هل يسمى فرضا؟ فعند الحنفية ل أخذا للفرض من فرض‬
‫الشيء حزه أي قطُع بعضه‪ ،‬وللواجب من وجب الشيء وجبة سقط وما ثبت بظني ساقط من قسم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل من المقدر والثابت‬ ‫المعلوم‪ ،‬وعندنا نعم أخذا من فرض الشي قّدره ووجب الشيء وجوبا ثبت وك ّ‬
‫ل مع أنهم نقضوا أصلهم في أشياء منها‬‫أعم من أن يثبت بقطعي أو ظني ومأخذنا أكثر استعما ً‬
‫جعلهم مسح ربع الرأس والقعدة في آخر الصلة والوضوء من الفصد فرضا مع أنها لم تثبت بدليل‬
‫قطعي‪ ،‬وما مر من أن ترك الفاتحة من الصلة ل يفسدها عندهم أي دوننا ل يضر في أن الخلف‬
‫لفظي‪ ،‬لنه كم فقهي ل دخل له في التسمية‪.‬‬
‫)‬

‫و( الصح )أنه( أي المندوب )ل يجب( بالشروع فيه )إتمامه(‪ :‬لن المندوب يجوز تركه وترك‬
‫إتمامه المبطل لما فعل منه ترك له‪ .‬وقالت الحنفية يجب إتمامه لقوله تعالى‪} :‬ول تبطلوا أعمالكم{‬
‫ع أميُر‬‫حتى يجب بترك الصلة والصوم منه إعادتهما وعورض في الصوم بخبر‪» :‬الصائُم المتطّو ُ‬
‫طَر« رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وصحح الحاكم إسناده‪ ،‬ويقاس بالصوم‬ ‫شاَء أْف َ‬
‫ن َ‬‫سه إن شاَء صاَم وإ ْ‬
‫َنْف ِ‬
‫الصلة فل تشملهما الية جمعا بين الدلة‪) .‬ووجب( إتمامه )في النسك( من حج أو عمرة )لنه‬
‫كفرضه نية(‪ :‬فإنها في كل منهما قصد الدخول في النسك أي التلبس به )وغيرها( ككفارة فإنها تجب‬
‫ل منهما ل يحصل الخروج منه‬ ‫في كل منهما بالوطء المفسد له وكانتفاء الخروج بالفساد‪ ،‬فإن ك ّ‬
‫ي في فاسده وغير النسك ليس نفله كفرضه فيما ذكر‪ ،‬فالنية في نفل الصلة‬ ‫بفساده‪ ،‬بل يجب المض ّ‬
‫والصوم غيرهما في فرضهما‪ ،‬والكفارة في فرض الصوم دون نفله ودون الصلة مطلقا وبفسادهما‬
‫يحصل الخروج منهما مطلقا‪ ،‬ففارق النسك المندوب غيره من باقي المندوب في وجوب إتمامه‪،‬‬
‫وتعبيري بالنسك أعم من تعبيره بالحج‪ ،‬ثم أخذت في بيان متعلق خطاب الوضع من سبب وغيره‬
‫فقلت‪) :‬والسبب( الشرعي هنا )وصف(وجودي أو عدمي )ظاهر منضبط معرف للحكم( الشرعي ل‬
‫مؤثر فيه بذاته‪ ،‬أو بإذن ال أو باعث عليه كما قال بكل قائل كما سيأتي بيانها في معنى العلة‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف مبين لمفهوم السبب‪ ،‬وبه عرف المصنف في شرح المختصر كالمدي وعرفه في الصل‬
‫بما يبين خاصته‪ ،‬ولذلك عدلت عنه إلى الّول والمعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس‬
‫بالعلة‪ ،‬كالزنا لوجوب الجلد‪ ،‬والزوال لوجوب الظهر‪ ،‬والسكار لحرمة الخمر‪ ،‬ومن قال ل يسمى‬
‫الوقت السببي كالزوال علة نظر إلى اشتراط المناسبة في العلة‪ .‬وسيأتي أنها ل يشترط فيها بناء‬
‫على أنها المعّرف وهو الحق وخرج بمعرف الحكم المانع وسيأتي‪.‬‬

‫)والشرط ما يلزم من عدمه العدم( للمشروط )ول يلزم من وجوده وجود ول عدم( له خرج‪ :‬القيد‬
‫الّول المانَع إذ ل يلزم من عدمه شيء‪ ،‬وبالثاني السبب‪ ،‬إذ يلزم من وجوده الوجود وزاد الصل‬
‫ككثير في تعريفه لذاته ليدخل الشرط المقارن للسبب‪ ،‬فيلزم الوجود كوجود الحول الذي هو شرط‬
‫لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب‪ ،‬والمقارن للمانع كالدين على القول بأنه مانع‬
‫من وجوب الزكاة فيلزم العدم فلزوم الوجود والعدم في ذلك لوجود السبب والمانع ل لذات الشرط‬
‫وحذفه لعدم الحتياج إليه فيما ذكر‪ ،‬إذ المقتضي للزوم الوجود والعدم إنما هو السبب والمانع ل‬
‫الشرط‪ ،‬ثم هو عقلي كالحياة للعلم‪ ،‬وشرعي كالطهارة للصلة‪ ،‬وعادي كنصب السلم لصعود‬
‫السطح‪ ،‬ولغوي كما في أكرم فلنا إن جاء أي الجائي‪ ،‬وسيأتي في مبحث التخصيص‪ ،‬وتعريفي هنا‬
‫للشرط بما ذكر وإن شمل اللغوي أنسب من تأخير الصل له إلى مبحث المخصص )والمانع(‬
‫المراد عند الطلق كما هنا وهو مانع الحكم‪) .‬وصف وجودي( ل عدمي )ظاهر(‪ :‬ل خفي‬
‫)منضبط(‪ :‬ل مضطرب )معرف نقيض الحكم(‪ :‬أي حكم السب )كالقتل في(‪ :‬باب )الرث(‪ :‬فإنه‬
‫مانع من وجود الرث المسبب عن القرابة أو غيرها لحكمة‪ ،‬وهي عدم استعجال الوارث موت‬
‫مورثه بقتله أما مانع السبب والعلة ول يذكر إل مقيدا بأحدهما‪ ،‬فسيأتي في مبحث العلة )والصحة(‬
‫الشاملة لصحة العبادة وصحة غيرها من عقد وغيره )موافقة( الفعل )ذي الوجهين( وقوعا )الشرع‬
‫في الصح(‪ .‬والوجهان موافقة الشرع ومخالفته أي‪ :‬الفعل الذي يقع تارة موافقا للشرع‪ ،‬وتارة‬
‫مخالفا له عبادة كان كصلة أو غيرها كبيع صحته موافقته الشرع‪ ،‬بخلف ما ل يقع إل موافقا له‬
‫ل ل معرفة فل يسمى الموافق له‬ ‫كمعرفة ال تعالى‪ ،‬إذ لو وقعت مخالفة له أيضا لكان الواقع جه ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫صحيحا فصحة العبادة أخذا مما ذكر موافقة العبادة ذات الوجهين وقوعا الشرع‪ ،‬وإن لم يسقط‬
‫قضاؤها‪ ،‬وهذا منسوب للمتكلمين‪ ،‬وقيل صحتها سقوط قضائها وهذا‬

‫منسوب للفقهاء فما وافق منها الشرع ولم يسقط القضاء كصلة من ظن أنه متطهر ثم تبين له حدثه‬
‫يسمى صحيحا على الّول نظرا إلى ظن المكلف دون الثاني نظرا إلى ما في نفس المر‪.‬‬

‫قال ابن دقيق العيد‪ :‬وفي هذا البناء نظر لنه إن أريد بموافقة المر المر الصلي فلم يسقط‪ ،‬أو‬
‫المر بالعمل بالظن‪ ،‬فقد بان فساد الظن‪ ،‬فيلزم أن ل يكون صحيحا بالتقديرين‪ ،‬واستظهره‬
‫البرماوي ويجاب بأن تبين فساد الظن وإن اقتضى عدم تسمية ذلك صحيحا بالنظر إلى نفس المر‬
‫ن‪ ،‬وللسبكي وغيره هنا كلم ذكرته في الحاشية‪) .‬وبصحة‬ ‫ل يمنع تسميته صحيحا بالنظر إلى الظ ّ‬
‫العبادة(‪ :‬خبر لقولي )إجزاؤها أي كفايتها في سقوط التعبد(‪ :‬أي الطلب وإن لم يسقط القضاء )في‬
‫الصح( وقيل‪ :‬إجزاؤها سقوط قضائها كصحتها على القول المرجوح‪ ،‬فالصحة منشأ الجزاء على‬
‫القول الراجح فيهما ومرادفة له على المرجوح فيهما‪) .‬و(بصحة )غيرها( التي هي أخذا مما مر‬
‫موافقته الشرع )ترتب أثره( أي أثر غيرها وهو ما شرع الغير له كحل النتفاع في البيع والتمتع في‬
‫النكاح‪ ،‬فالصحة منشأ الترتب ل نفس الترتب‪ ،‬كما زعمه المدي وغيره بمعنى أنه حيثما وجدت‬
‫فهو ناشىء عنها ل بمعنى أنها حيثما وجدت نشأ عنها حتى يرد البيع قبل انقضاء الخيار‪ ،‬فإنه‬
‫ص الجزاء بالمطلوب(‬ ‫صحيح ولم يترتب عليه أثره وتعبيري بغيرها أعم من تعبيره بالعقد‪) .‬ويخت ّ‬
‫ح( وقيل‪ :‬يختص بالواجب‬ ‫من واجب ومندوب ل يتجاوزهما إلى غيرهما من عقد وغيره )في الص ّ‬
‫ل يتجاوزه إلى غيره من المندوب وغيره‪ ،‬ومنشأ الخلف خبر ابن ماجة وغيره‪ :‬أربع ل تجزىء‬
‫في الضحى فاستعمل الجزاء في الضحية وهي مندوبة عندنا واجبة عند غيرنا كأبي حنيفة‪.‬‬
‫)ويقابلها( أي الصحة )البطلن( فهو مخالفة الفعل ذي الوجهين الشرع‪ .‬وقيل‪ :‬في العبادة عدم‬
‫إسقاطها القضاء )وهو(‪ :‬أي البطلن )الفساد في الصح(‪ :‬فكل منهما مخالفة ما ذكر الشرع وإن‬
‫اختلفا في بعض‬

‫أبواب الفقه كالخلع والكتابة لصطلح آخر‪ ،‬وقالت الحنفية‪ :‬مخالفته الشرع بأن كان منهيا عنه إن‬
‫كانت لكون النهي عنه لصله فهي البطلن كما في الصلة الفاقدة شرط أو ركنا‪ ،‬وكما في بيع‬
‫الملقيح لفقد ركن من البيع أو لوصفه فهي الفساد كما في صوم يوم النحر للعراض بصومه عن‬
‫ضيافة ال للناس بلحوم الضاحي التي شرعها فيه‪ ،‬وكما في بيع الدرهم بدرهمين لشتماله على‬
‫الزيادة فيأثم به ويفيد بالقبض ملكا خبيثا أي ضعيفا ولو نذر صوم يوم النحر صح نذره‪ ،‬لن الثم‬
‫في فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص عن الثم ويفي بالنذر‪ ،‬ولو صامه وفي بنذره‬
‫لنه أّدى الصوم كما التزمه‪ ،‬فقد اعتّد بالفاسد‪ ،‬أما الباطل فل يعتد به وضعف ذلك بأن التفرقة إن‬
‫كانت شرعية فأين دليلها بل يبطلها قوله تعالى‪} :‬لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا{ حيث سمى ال‬
‫ل فاسدا وإن كانت عقلية‪ ،‬فالعقل ل يحتج به في مثل ذلك )والخلف لفظي( من‬ ‫تعالى ما لم يثبت أص ً‬
‫زيادتي أي عائد إلى اللفظ والتسمية‪ ،‬إذ حاصله أن مخالفة ما ذكر الشرع بالنهي عنه لصله كما‬
‫تسمى بطلنا هل تسمى فسادا أو لوصفه‪ .‬كما يسمى فسادا هل تسمى بطلنا‪ ،‬فعندهم ل وعندنا نعم‪.‬‬
‫)والصح أن الداء فعل العبادة( صوما أو صلة أو غيرهما )أو( فعل )ركعة( من الصلة )في‬
‫وقتها( مع فعل البقية بعده واجبة كانت أو مندوبة‪ ،‬وتعبيري بالركعة هنا وبدونها في القضاء أولى ن‬
‫تعبيره بالبعض لما ل يخفى‪ ،‬ولخبر الصحيحين‪» :‬من أدرك ركعة من الصلة فقد أدرك الصلة«‬
‫أي مؤداة‪ ،‬وقيل الداء فعل العبادة في وقتها ففعل بعضها فيه ولو ركعة وبعضها بعده ل يكون أداء‬
‫حقيقة كما ل يكون قضاء‪ ،‬كذلك‪ ،‬بل يسمى بأحدهما مجازا بتبعية ما في الوقت لما بعده أو بالعكس‪،‬‬
‫وهذا ما عليه الصوليون‪ ،‬واعتبار الركعة في الداء ودونها في القضاء كما سيأتي ذكره الفقهاء‪،‬‬
‫وإنما ذكرته هنا تبعا للصل‪ ،‬والخبر المذكور قد ل يدل على ما ذكروه لحتمال أنه فيمن زال‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عذره كجنون وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة فيجب عليه الصلة‪) .‬وهو(‪ :‬أي وقت العبادات‬
‫المؤّداة )زمن مقدر لها شرعا( موسعا كان كزمن الصلوات المكتوبة وسننها أو مضيقا كزمن صوم‬
‫رمضان أو اليام البيض‪ ،‬فما لم يقدر له زمن شرعا كنذر ونفل مطلقين وغيرهما وإن كان فوريا‬
‫كاليمان ل يسمى فعله أداء ول قضاء اصطلحا‪ ،‬وإن كان الزمن ضروريا لفعله‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫وقته العمر كالحج وتسمية بعضهم لوقته موسعا مجاز‪ ،‬إذ الموسع ما يعلم المكلف آخره وآخر العمر‬
‫ل يعلمه فل يسمى فعله أداء ول قضاء اصطلحا‪ ،‬بل يسماهما مجازا أو لغة كأداء الدين وقضائه‬
‫نبه على ذلك العلمة البرماوي‪.‬‬
‫)‬

‫و(الصح )أن القضاء فعلها( أي العبادة )أو( فعلها )إل دون ركعة بعد وقتها( والفرق بين ذي‬
‫الركعة وما دونها أنها تشتمل على معظم أفعال الصلة‪ ،‬إذ معظم الباقي كالتكرير لها فجعل ما بعد‬
‫الوقت تابعا لها‪ ،‬بخلف ما دونها‪ ،‬وقيل القضاء فعل العبادة أو بعضها ولو دون ركعة بعد وقتها‪،‬‬
‫وبعض الفقهاء حقق فسمى ما في الوقت أداء وما بعده قضاء‪) .‬تداركا( بذلك الفعل )لما سبق لفعله‬
‫مقتض( وجوبا أو ندبا سواء كان المقتضي من المتدارك كما في قضاء الصلة المتروكة بل عذر أم‬
‫من غيره‪ ،‬كما في قضاء النائم الصلة والحائض الصوم‪ ،‬فإنه سبق لفعلهما مقتض من غير النائم‬
‫والحائض ل منهما‪ ،‬وإن انعقد سبب الوجوب أو الندب في حقهما وخرج بالتدارك إعادة الصلة‬
‫المؤداة في الوقت بعده‪) .‬و(الصح )أن العادة فعلها(‪ :‬أي العبادة )وقتها ثانيا مطلقا( سواء أكان‬
‫ل لكون المام أعلم أو أورع أو‬ ‫لعذر من خلل في فعلها أولً أو حصول فضيلة لم تكن في فعلها أو ً‬
‫الجمع أكثر أو المكان أشرف‪ ،‬أم لغير عذر ظاهر بأن استوت الجماعتان أو زادت الولى بفضيلة‪،‬‬
‫وقيل العادة مختصة بخلل في الّول وعليه الكثر‪ ،‬وقيل بالعذر الشامل للخلل ولحصول فضيلة لم‬
‫تكن في الّول‪ ،‬وذكر الول أن زيادتي وهو ما اختاره الصل في شرح المختصر‪ ،‬ويمكن حمل‬
‫أول كلمه هنا عليه كما بينته في الحاشية‪ ،‬وبما ذكر علم تعريف المؤدي والمقضي والمعاد بأن‬
‫ل ما فعل مما مر في الداء في وقته‪ ،‬وقس به الخرين وأن العادة‬ ‫يقال على الصح المؤدي مث ً‬
‫قسم من الداء فهي أخص منه وعليه الكثر‪ ،‬وقيل قسيم له وعليه مشى البيضاوي حيث قال‪ :‬العبادة‬
‫ل فأداء‪ ،‬وإل فإعادة لكن كلمه في المرصاد يخالفه‪،‬‬ ‫إن وقعت في وقتها المعين ولم تسبق بأداء مخت ّ‬
‫وقد ذكرته في الحاشية مع زيادة‪.‬‬

‫)والحكم( أي الشرعي إذ الكلم فيه )إن تغير( من حيث تعلقه من صعوبة له على المكلف )إلى‬
‫سهولة(‪ :‬كأن تغير من حرمة شيء إلى حله )لعذر مع قيام السبب للحكم الصلي( المتخلف عنه‬
‫للعذر‪) ،‬فرخصة(‪ :‬أي فالحكم السهل المذكور يسمى رخصة وهي بإسكان الخاء أكثر من ضمها لغة‬
‫السهولة‪) .‬واجبة ومندوبة ومباحة‪ .‬وخلف الولى( هذه الصفات اللزمة بيان لقسام الرخصة‬
‫الممثل لها على هذا الترتيب بقولي‪) :‬كأكل ميتة لمضطر )وقصر( من مسافر بقيد زدته بقولي‪:‬‬
‫)بشرطه( بأن كره القصر أو شك في جوازه‪ ،‬وكان سفره يبلغ ثلث مراحل فأكثر ولم يختلف في‬
‫جواز قصره كما هو معلوم من محله‪) ،‬وسلم( وهو بيع موصوف في الذمة بلفظ سلم )وفطر‬
‫مسافر( في زمن صوم واجب أصالة أو بنذر أو قضاء ما فات بل تعّد )ل يضره الصوم( فإن ضره‬
‫فالفطر أولى‪ ،‬والمعنى أن الرخصة كحل المذكورات من وجوب وندب وإباحة وخلف الولى‬
‫وحكمها الصلي الحرمة وأسبابها الخبث في الميتة‪ ،‬ودخول وقتي الصلة والصوم في القصر‬
‫والنظر لنه سبب لوجوب الصلة تامة والصوم والغرر في السلم‪ ،‬وهي قائمة حال الحل وأعذار‬
‫الحل الضطرار ومشقة السفر‪ ،‬والحاجة إلى ثمن الغلت قبل إدراكها‪ ،‬وسهولة الوجوب في أكل‬
‫الميتة لموافقته غرض النفس في بقائها‪ ،‬وقيل إنه عزيمة لصعوبته ومن الرخصة المباحة إباحة ترك‬
‫الجماعة في الصلة لمرض أو نحوه‪ ،‬وحكمه الصلي الكراهة وسببها قائم حال الباحة‪ ،‬وهو‬
‫النفراد فيما يطلب فيه الجتماع من شعائر السلم‪ ،‬وقد بينت في الحاشية كمية أقسام الرخصة‬
‫الحاصلة بالنتقال من حكم إلى آخر‪ ،‬وقضية ما ذكر أن الرخصة ل تكون محرمة ول مكروهة‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ن ُتْؤَتى ُرخصه«‪ .‬وما قيل من أنها تكون كذلك‬


‫ب َأ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫ن ا ُّ‬
‫وهو كما قال العراقي ظاهره‪ ،‬خبر‪» :‬إ ّ‬
‫حيث قيل‪ :‬إن الستنجاء بذهب أو فضة يجزىء مع أنه حرام‪ ،‬وأن القصر لدون ثلث مراحل جائز‬
‫مع أنه مكروه كما قاله الماوردي‪ .‬أجيب عن أولهما‪ :‬بأن الستنجاء بما ذكر جائز على‬

‫الصحيح أي‪ :‬في غير ما طبع أو هيىء لذلك‪ ،‬أما فيه فيجاب بأن هذه الحرمة ليست لخصوص‬
‫الستنجاء حتى تكون رخصة‪ ،‬بل لعموم الستعمال‪ .‬وعن ثانيهما‪ :‬بأن الماوردي أراد أنه مكروه‬
‫كراهة غير شديدة وهي بمعنى خلف الولى‪ ،‬ولك أن تقول‪ :‬الرخصة إنما لم توصف بالحرمة‬
‫لصعوبتها مطلقا‪ ،‬وهذا منتف في الكراهة كخلف الولى لنهما سهلن بالنسبة إلى الحرمة‪.‬‬

‫)وإل(‪ :‬أي وإن لم يتغير الحكم كما ذكر بأن لم يتغير كوجوب المكتوبات أو تغير إلى صعوبة‬
‫كحرمة الصطياد بالحرام بعد إباحته قبله‪ ،‬أو إلى سهولة ل لعذر كحل ترك الوضوء لصلة ثانية‬
‫ل لمن لم يحدث بعد حرمته بمعنى أنه خلف الولى‪ ،‬أو لعذر ل مع قيام السبب للحكم الصلي‬ ‫مث ً‬
‫كإباحة ترك ثبات واحد منا لعشرة من الكفار في القتال بعد حرمته‪ ،‬وسببها قلتنا ولم يبق حال‬
‫الباحة لكثرتنا حينئذ‪ ،‬وعذر الباحة مشقة الثبات المذكور لما كثرنا‪) .‬فعزيمة(‪ :‬أي فالحكم غر‬
‫المتغير أو المتغير إليه الصعب أو السهل المذكور آنفا يسمى عزيمة‪ ،‬وهي لغة القصد المصمم من‬
‫عزمت على الشيء جزمت به وصممت عليه عزما وعزما وعزيما وعزيمة لنه عزم أمره أي‬
‫قطع وحتم وصعب على المكلف أو سهل‪ ،‬وظاهر كلم كثير انقسامها إلى الحكام الستة‪ ،‬وبه صرح‬
‫الشمس البرماوي‪ ،‬لكن المام الرازي خصها بغير الحرمة‪ ،‬والغزالي والمدي وغيرهما بالوجوب‪،‬‬
‫والقرافي بالوجوب والندب‪ ،‬واعترض تعريفا الرخصة والعزيمة بوجوب ترك الصلة والصوم‬
‫على الحائض‪ ،‬فإنه عزيمة ويصدق به تعريف الرخصة‪ .‬وأجيب بمنع الصدق فإن الحيض وإن كان‬
‫عذرا في الترك مانع من الفعل‪ ،‬ومن مانعيته نشأ وجوب الترك وتقسيم الحكم إلى الرخصة‬
‫والعزيمة كما ذكر أقرب إلى اللغة من تقسيم المام الرازي وغيره الفعل الذي هو متعلق الحكم‬
‫إليهما‪) .‬والدليل( لغة المرشد وما به الرشاد واصطلحا )ما( أي شيء )يمكن التوصل( أي‬
‫الوصول بكلفة )بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري(‬

‫بأن يكون النظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب المسماة وجه‬
‫الدللة بفتح الدال أفصح من كسرها‪ ،‬والخبري ما يخبر به‪ ،‬ومعنى الوصول إليه بما ذكر علمه أو‬
‫اعتقاده أو ظنه فالنظر هنا الفكر ل بقيد المؤّدي إلى علم أو ظن كما سيأتي حذرا من التكرار‪،‬‬
‫والفكر حركة النفس في المعقولت بخلفها في المحسوسات‪ ،‬فإنها تخييل ل فكر‪ ،‬وكأنهم ضمنوا‬
‫الحركة اعتبار قصدها فيخرج الحدس وما يتوارد على النفس في المعقولت بل قصد كما في النوم‬
‫والنسيان‪ ،‬ويطلق الفكر أيضا على حركة النفس من المطالب إلى المبادىء‪ ،‬ثم الرجوع منها إليها‪،‬‬
‫وشمل التعريف الدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان‪ ،‬وأقيموا الصلة‬
‫لوجوبها بناء على طريقة الصوليين والفقهاء من أن مطلوبهم العمل وهو ل يتوقف على العلم‪،‬‬
‫بخلف طريقة المتكلمين والحكماء‪ ،‬فإن مطلوبهم العلم ولهذا زادوا لفظة في التعريف‪ ،‬فقالوا إلى‬
‫العلم بمطلوب خبري فبالنظر الصحيح في الدلة المذكورة أي بحركة النفس فيما تعقله منها مما من‬
‫شأنه أن ينتقل به إلى تلك المطلوبات‪ ،‬كالحدوث في الول‪ ،‬والحراق في الثاني‪ ،‬والمر بالصلة‬
‫في الثالث يصل إلى تلك المطلوبات بأن ترتب هكذا‪ :‬العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له‬
‫صانع‪ .‬النار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان‪ .‬أقيموا الصلة أمر بها وكل أمر‬
‫بشيء لوجوبه حقيقة فأقيموا الصلة لوجوبها حقيقة‪ ،‬وقالوا‪ :‬يمكن التوصل دون يتوصل لن الشيء‬
‫ل‪ ،‬وإن لم يوجد النظر المتوصل به فالدليل مفرد‪ ،‬ويقال له المادة والمكان يكون قبل‬ ‫يكون دلي ً‬
‫الفكر فيه‪ ،‬أما بعده فل بد من قضيتين صغرى مشتملة على موضوع المطلوب كما رأيت‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وأما الدليل عند المناطقة فقضيتان فأكثر تكون عنهما قضية أخرى فهو عندهم مركب‪ ،‬ويقال له‬
‫المادة والصورة‪ ،‬وخرج بصحيح النظر فاسده فل يمكن التوصل به إلى المطلوب لنتفاء وجه‬
‫الدللة عنه‪ ،‬وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر في العالم والنار من حيث البساطة‪،‬‬
‫فإنهما ليسا من شأنهما أن ينتقل بهما إلى وجود الصانع والدخان‪ ،‬لكن يؤّدي إلى وجودهما هذان‬
‫ن أن كل مسخن له دخان كذا‬ ‫النظران ممن اعتقد أن العالم بسيط وكل بسيط له صانع‪ ،‬وممن ظ ّ‬
‫قيل‪ ،‬وهو ظاهر في المطلوب العتقادي والظني ل العلمي لما سيأتي أن العلم ل يقبل النقض‪،‬‬
‫وظاهر أن الحاصل بذلك يقبله إذا تبين فساد النظر‪ .‬وبالخبري المطلوب التصوري‪ ،‬فيتوصل إليه‬
‫بالحد بأن يتصور بتصوره كالحيوان الناطق حدا للنسان‪ ،‬وسيأتي حد الحد الشامل لذلك ولغيره‪.‬‬

‫)والعلم( بالمطلوب الحاصل )عندنا( أيها الشاعرة )عقبه(‪ :‬أي عقب صحيح النظر عادة عند‬
‫الشعري وغيره فل يتخلف إل خرقا للعادة كتخلف الحراق عن مماسة النار‪ ،‬أو لزوما عند المام‬
‫ل كوجود الجوهر لوجود العرض‪) .‬مكتسب( للناظر )في الصح(‪:‬‬ ‫الرازي وغيره‪ ،‬فل ينفك أص ً‬
‫لن حصوله عن نظره المكتسب له‪ ،‬وقيل ل لن حصوله اضطراري ل قدرة على دفعه فل خلف‬
‫إل في التسمية وهي بالمكتسب أنسب والتصحيح من زيادتي‪ ،‬وكالعلم فيما ذكر الظن وإن لم يكن‬
‫ل أو عادة‪ ،‬لن النتيجة لزمة للقضيتين وإن‬ ‫بينه وبين أمر ما ارتباط بحيث يمتنع تخلفه عنه عق ً‬
‫كانتا ظنيتين‪ ،‬وزواله بعد حصوله ل يمنع حصوله لزوما أو عادة وخرج بعندنا العتزلة فقالوا‪:‬‬
‫النظر يولد العلم كتوليد حركة اليد لحركة المفتاح عندهم‪ ،‬وعلى وزانه يقال‪ :‬الظن الحاصل متولد‬
‫عن النظر عندهم‪) .‬والحد(‪ :‬لغة المنع واصطلحا عند الصوليين‪) .‬ما يميز الشيء عن غيره(‪ :‬ول‬
‫يميز كذلك إل ما ل يخرج عنه شيء من أفراد المحدود‪ ،‬ول يدخل فيه شيء من غيرها‪ ،‬والول‬
‫وهو من زيادتي مبين لمفهوم الحّد ولهذا زدته‪ ،‬والثاني لخاصته وهو بمعنى قول القاضي أبي بكر‬
‫الباقلني المذكور بقولي‪) :‬ويقال( الحد )الجامع( أي لفراد المحدود )المانع(‪ :‬أي من دخول غيرها‬
‫فيه )و(يقال أيضا الحد )المطرد(‪ :‬أي الذي كلما وجد وجد لمحدود فل يدخل فيه شيء من غير‬
‫أفراد المحدود فيكون مانعا‪) .‬المنعكس(‪ :‬أي الذي كلما وجد المحدود وجد هو فل يخرج عنه شيء‬
‫من أفراد المحدود فيكون جامعا‪ ،‬فمؤدى العبارتين واحد والولى أوضح فيصدقان بالحيوان الناطق‬
‫حدا للنسان بخلف حّده بالحيوان الكاتب بالفعل‪ ،‬فإنه غير جامع وغير منعكس‪ ،‬وبالحيوان الماشي‬
‫فإنه غير مانع وغير مطرد وتفسير المنعكس‪ ،‬بما ذكر الموافق للعرف واللغة حيث يقال‪ :‬كل إنسان‬
‫ناطق‪ ،‬وبالعكس وكل إنسان حيوان‪ ،‬ول عكس أظهر في معنى الجامع من تفسير ابن الحاجب‬
‫وغيره له‪ ،‬بأنه كلما انتفى الحّد انتفى‬

‫المحدود اللزم لذلك التفسير‪ ،‬وبما ذكر علم أنه قد يكون للشيء حّدان فأكثر‪ ،‬كقولهم الحركة نقلة‬
‫وزوال وذهاب في جهة وهو المختار‪ ،‬كما نقله الزركشي عن القاضي عبد الوهاب بعد نقله عن‬
‫غيره خلفه‪.‬‬

‫)والكلم( النفسي )في الزل يسمى خطابا( حقيقة في الصح بتنزيل المعدوم الذي سيوجد منزلة‬
‫الوجود‪ ،‬وقيل ل يسماه حقيقة لعدم من يخاطب به إذ ذاك‪ ،‬وإنما يسماه حقيقة فيما ل يزال عند‬
‫وجود من يفهم وإسماعه إياه ما بلفظ كالقرآن‪ ،‬أو بل لفظ كما وقع لموسى عليه الصلة والسلم‬
‫خرقا للعادة‪ ،‬وقيل سمعه بلفظ من جميع الجهات لذلك‪) .‬و(الكلم النفسي في الزل )يتنّوع( إلى أمر‬
‫ونهي وخبر وغيرها‪) .‬في الصح( بالتنزيل السابق‪ ،‬وقيل ل يتنّوع إليها لعدم من تتعلق به هذه‬
‫الشياء إذ ذاك‪ ،‬وإنما يتنّوع إليها فيما ل يزال عند وجود من يتعلق به فتكون النواع حادثة مع قدم‬
‫المشترك بينها‪ ،‬وهذا يلزمه محال وهو وجود الجنس مجردا عن أنواعه إل أن يراد أنها أنواع‬
‫اعتبارية أي عوارض له يجوز خلّوه عنها تحدث بحسب التعلقات كما أن تنّوعه إليها على الول‬
‫بحسب التعلقات أيضا لكونه صفة واحدة كالعلم وغيره من الصفات‪ ،‬فمن حيث تعلقه في الزل أو‬
‫فيما ل يزال بشيء على وجه القتضاء لفعله يسمى أمرا أو لتركه يسمى نهيا‪ ،‬وعلى هذا القياس‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وأخرت كالصل هاتين المسألتين عن الدليل لن موضوعهما مدلوله في الجملة والمدلول متأخر‬
‫عن الدليل‪ ،‬وإنما قدمتا على النظر المتعلق بالدليل أيضا لن موضوعهما أشّد ارتباطا منه بالدليل‬
‫لنه مقصود من الدليل والنظر من آلت تحصيله‪) ).‬والنظر(‪ :‬لغة يقال لمعان منها العتبار‬
‫والرؤية واصطلحا )فكر(‪ .‬وتقدم تفسيره )يؤّدي(‪ :‬أي يوصل )إلى علم أو اعتقاد( والتصريح به‬
‫ن( بمطلوب خبري فيها أو تصّوري في العلم والعتقاد‪ ،‬فخرج الفكر غير‬ ‫من زيادتي‪) ،‬أو ظ ّ‬
‫المؤّدي إلى ذلك كأكثر حديث النفس فليس بنظر وشمل التعريف النظر‬

‫الصحيح من قطعي وظني‪ ،‬والفاسد فإنه يؤّدي إلى ذلك بواسطة اعتقاد أو ظن كما مر بيانه‪ ،‬وإن لم‬
‫يستعمل بعضهم التأدية إل فيما يؤّدي بنفسه كذا قيل‪ ،‬وظاهر أنه خاص بتأديته إلى العتقاد أو الظ ّ‬
‫ن‬
‫ل إلى العلم لما مر في تعريف الدليل‪) .‬والدراك(‪ :‬لغة الوصول واصطلحا وصول النفس إلى تمام‬
‫المعنى من نسبة أو غيرها )بل حكم(‪ :‬معه من إدراك وقوع النسبة أو ل وقوعها )تصور(‪ :‬ساذج‪،‬‬
‫ويسمى علما أيضا كما علم مما مر‪ ،‬أما وصول النفس إلى المعنى ل بتمامه فيسمى شعورا‪) .‬وبه(‬
‫أي بالحكم أي والدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بذلك‪) .‬تصّور بتصديق( أي معه‬
‫ل في التصديق بأن النسان كاتب‬ ‫كإدراك النسان والكاتب وثبوت الكتابة له‪ ،‬وأن النسبة واقعة أو ً‬
‫أو أنه ليس بكاتب الصادقين في الجملة‪) .‬وهو(‪ :‬أي التصديق )الحكم( وهذا من زيادتي وهو رأي‬
‫المحققين‪ ،‬وقيل التصديق التصور مع الحكم‪ ،‬وعليه جرى الصل‪ ،‬فالتصورات السابقة على الحكم‬
‫على هذا شطر منه‪ ،‬وعلى الول شرط له‪ ،‬وتفسيري له بأنه إدراك وقوع النسبة أو ل وقوعها هو‬
‫رأي متقدمي المناطقة‪ .‬قال القطب الرازي وغيره من المحققين‪ :‬وهو التحقيق‪ ،‬وأما متأخروهم‬
‫ففسروه بإيقاع النسبة أو انتزاعها‪ ،‬وقدماؤهم قالوا اليقاع والنتزاع ونحوهما عبارات وألفاظ‪ :‬أي‬
‫ل وليس كذلك‪ ،‬فالحكم عندهم من مقولة النفعال‪،‬‬ ‫توهم أن للنفس بعد تصور النسبة وطرفيها فع ً‬
‫وعند متأخريهم من مقولة الفعل‪.‬‬

‫)وجازمه( أي الحكم أي والحكم الجازم )إن لم يقبل تغيرا( بأن كان لموجب من حس ولو باطنا أو‬
‫عقل أو عادة‪ ،‬فيكون مطابقا للواقع‪) .‬فعلم( كالحكم بأن به جوعا أو عطشا أو بأن زيدا متحرك ممن‬
‫رآه متحركا أو بأن العالم حادث‪ ،‬أو بأن الجبل من حجر‪) .‬وإل( أي وإن قبل التغير بأن لم يكن‬
‫لموجب مما ذكر طابق الواقع أو ل‪ .‬إذ يتغير الول بالتشكيك والثاني به أو بالطلع على ما في‬
‫نفس المر‪) .‬فاعتقاد(‪ :‬وهو اعتقاد )صحيح إن طابق( الواقع كاعتقاد المقلد سنية الضحى‪) ،‬وإل(‪:‬‬
‫أي وإن لم يطابق الواقع )ففاسد(‪ :‬كاعتقاد الفلسفي قدم العالم‪) ،‬و(الحكم )غير الجازم ظن ووهم‬
‫وشك لنه(‪ :‬أي غير الجازم إما )راجح( لرجحان المحكوم به على نقيضه فالظن‪ ،‬أو مرجوح(‬
‫لمرجوحية المحكوم به لنقيضه فالوهم‪ ،‬أو مساو( لمساواة المحكوم به من كل من النقيضين على‬
‫البدل للخر فالشك فهو بخلف ما قبله حكمان‪ ،‬كما قال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما‪ :‬الشك‬
‫اعتقادان يتقاوم سببهما‪ .‬وقال بعض المحققين‪ :‬ليس الوهم والشك من التصديق أي‪ :‬بل من التصور‪،‬‬
‫إذ الوهم ملحظة الطرف المرجوح والشك الترّدد في الوقوع واللوقوع‪ ،‬فما أريد مما مر من أن‬
‫العقل يحكم بالمرجوح أو المساوي عنده ممنوع على هذا‪ ،‬وقد أوضحت ذلك في الحاشية‪ ،‬وقد يطلق‬
‫ن مؤمنات{ أي ظننتموهن‬ ‫العلم على الظن كعكسه مجازا‪ ،‬فالول كقوله تعالى‪} :‬فإن علمتموه ّ‬
‫والثاني كقوله تعالى‪} :‬الذين يظنون أنهم ملقو ربهم{ أي‪ :‬يعلمون ويطلق الشك مجازا كما يطلق‬
‫لغة على مطلق الترّدد الشامل للظن والوهم‪ ،‬ومن ذلك قول الفقهاء من تيقن طهرا أو حدثا وشك في‬
‫ضّده عمل بيقينه‪.‬‬

‫)فالعلم( أي القسم المسمى بالعلم التصديقي من حيث تصوره بحقيقته بقرينة السياق )حكم جازم ل‬
‫يقبل تغيرا فهو نظري يحد في الصح(‪ .‬واختار المام الرازي أنه ضروري أي يحصل بمجرد‬
‫ل ضروري‬ ‫التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب‪ ،‬لن علم كل أحد بأنه عالم بأنه موجود مث ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بجميع أجزائه‪ ،‬ومنها تصور العلم بأنه موجود بالحقيقة وهو علم تصديقي خاص‪ ،‬فيكون تصور‬
‫مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا وهو المدعي‪ .‬وأجيب‪ :‬بمنع أنه يتعين أن يكون من أجزاء‬
‫ذلك تصور العلم المذكور بالحقيقة‪ ،‬بل يكفي تصوره بوجه‪ ،‬فالضروري تصور مطلق العلم‬
‫التصديقي بالوجه ل بالحقيقة الذي النزاع فيه‪ ،‬وعلى ما اختاره فل يحّد‪ ،‬إذ ل فائدة‪ ،‬في حّد‬
‫الضروري لحصوله بغير حّد قال‪ :‬نعم قد يحّد الضروري لفادة العبارة عنه أي‪ :‬فيكون حّده حينئذ‬
‫حّدا لفظيا ل حقيقيا‪ .‬وقال إمام الحرمين‪ :‬هو نظري لكنه عسر أي‪ :‬ل يحصل إل بنظر دقيق لخفائه‬
‫ومال إليه الصل حيث قال‪ :‬فالرأي المساك عن تعريفه أي‪ :‬المسبوق بذلك التصور العسر صونا‬
‫للنفس عن مشقة الخوض في العسر‪ .‬قال المام‪ :‬ويميز عن غيره من أقسام العتقاد بأنه اعتقاد‬
‫جازم مطابق ثابت فليس هذا حقيقته عنده‪ ،‬والترجيح من زيادتي‪.‬‬

‫)قال المحققون‪ :‬ول يتفاوت( العلم )إل بكثرة المتعلقات( أي ل يتفاوت في جزئياته فليس بعضها‬
‫ولو ضروريا أقوى من بعضها ولو نظريا‪ ،‬وإنما يتفاوت بكثرة المتعلقات في بعض جزئياته دون‬
‫بعض فيتفاوت فيها كما في العلم بثلثة أشياء والعلم بشيئين‪ ،‬بناء على اتحاد العلم مع تعّدد المعلوم‪،‬‬
‫كما هو قول بعض الشاعرة قياسا على علم ال تعالى‪ ،‬والشعري وكثير من المعتزلة على تعدد‬
‫العلم بتعدد المعلوم‪ ،‬وأجابوا عن القياس بأنه خال عن الجامع‪ ،‬وعلى هذا ل يقال يتفاوت بما ذكر‪،‬‬
‫ل بأن الواحد نصف الثنين أقوى في الجزم من العلم بأن‬ ‫وقيل يتفاوت العلم في جزئياته‪ ،‬إذ العلم مث ً‬
‫العالم حادث‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن التفاوت في ذلك ونحوه ليس من حيث الجزم‪ ،‬بل من حيث غيره كإلف‬
‫النفس بأحد المعلومين دون الخر‪.‬‬
‫)والجهل انتفاء العلم بالمقصود في الصح( أي بما من شأنه أن يقصد ليعلم بأن لم يدرك ويسمى‬
‫الجهل البسيط أو أدرك على خلف هيئته في الواقع‪ ،‬ويسمى الجهل المركب لتركبه من جهلين‪:‬‬
‫جهل المدرك بما في الواقع‪ ،‬وجهله بأنه جاهل به كاعتقاد الفلسفي أن العالم قديم‪ ،‬وقيل الجهل إدراك‬
‫ل على هذا‪ ،‬واستغنى بانتفاء العلم عن‬ ‫العلوم على خلف هيئته‪ ،‬فالجهل البسيط على الول ليس جه ً‬
‫التقييد في قول بعضهم عدم العلم عما من شأنه العلم لخراج الجماد والبهيمة عن التصاف بالجهل‬
‫لن انتفاء العلم إنما يقال فيما من شأنه العلم بخلف عدم العلم‪ ،‬وخرج بالمقصود غيره كأسفل‬
‫ل اصطلحا‪ ،‬والتعبير به أحسن كما قال البرماوي من‬ ‫الرض وما فيه فل يسمى انتفاء العلم به جه ً‬
‫تعبير بعضهم بالشيء‪ ،‬لن الشيء ل يطلق على المعدوم بخلف المقصود‪ ،‬ولنه يشمل غير‬
‫المقصود‪.‬‬

‫)والسهو الغفلة عن المعلوم(‪ :‬الحاصل فيتنبه له بأدنى تنبيه بخلف النسيان‪ ،‬فهو زوال المعلوم‬
‫فيستأنف تحصيله‪ ،‬وعّرفه الكرماني وغيره بزوال المعلوم عن القّوة الحافظة والمدركة والسهو‬
‫بزواله عن الحافظة فقط‪ ،‬وذلك قريب مما ذكر‪ ،‬وجعلهما البرماوي من أقسام الجهل البسيط حيث‬
‫قسمه إليهما وإلى غيرهما‪ ،‬ثم فرق بينهما بأنه إن قصر زمن الزوال سمي سهوا وإل فنسيانا‪ .‬قال‪:‬‬
‫وهذا أحسن ما فرق بيه بينهما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هي إثبات عرض ذاتي للموضوع‪) .‬لصح أن الحسن ما( أي فعل )يمدح(أي‪ :‬يؤمر بالمدح‬
‫)عليه(‪ .‬وهو الواجب والمندوب وفعل ال تعالى‪) .‬والقبيح ما يذم عليه( وهو الحرام‪) .‬فما ل( يمدح‬
‫)ول( يذم عليه من المكروه الشامل لخلف الولى والمباح‪) .‬واسطة(بين الحسن والقبيح‪ ،‬وهذا ما‬
‫قاله إمام الحرمين في المكروه صريحا وفي المباح‪ ،‬وفعل غير المكلف لزوما‪ ،‬ورجحه الصل في‬
‫شرح المختصر في المكروه‪ ،‬وتبعه البرماوي فيه‪ ،‬وألحق به المباح بحثا‪ ،‬وقيل الحسن فعل المكلف‬
‫المأذون فيه من واجب ومندوب ومباح‪ ،‬والقبيح ما نهى عنه شرعا ولو كان منهيا عنه بعموم النهي‬
‫المستفاد من أوامر الندب كما مّر‪ ،‬فيشمل الحرام والمكروه‪ ،‬وخلف الولى وهذا ما رجحه الصل‬
‫هنا فيهما ولصحابنا فيهما عبارات أخرى‪ .‬وللمعتزلة فيهما بناء على تحكيمهم العقل عبارات أيضا‬
‫منها‪ :‬أن الحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله والقبيح بخلفه فيدخل فيه الحرام فقط‪ ،‬وفي‬
‫الحسن ما سواه‪ .‬ومنها‪ :‬أن الحسن هو الواقع على صفة توجب المدح والقبيح هو الواقع على صفة‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫توجب الذم‪ ،‬فيدخل فيه الحرام فقط أيضا‪ .‬وفي الحسن الواجب والمندوب‪ ،‬فالمكروه والمباح واسطة‬
‫بين الحسن والقبيح‪.‬‬

‫)و( والصح )أن جائز الترك( سواء كان جائز الفعل أيضا أم ل‪) .‬ليس بواجب(‪ :‬وإل لمتنع تركه‬
‫والفرض أنه جائز‪ .‬وقال بعض الفقهاء‪ :‬يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر مع جواز‬
‫تركهم له لقوله تعالى‪} :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه{ وهم شهدوه ولوجوب القضاء عليهم بقدر ما‬
‫ي به بدلً عن الفائت‪ .‬وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر ل مطلقا‪،‬‬‫فاتهم فكان المأت ّ‬
‫وبأن وجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب هو هنا شهود الشهر‪ ،‬وقد وجد ل على وجوب‬
‫ل على من نام جميع وقتها‪ .‬وقيل‪ :‬يجب الصوم على المسافر‬ ‫الداء وإل لما وجب قضاء الظهر مث ً‬
‫دون الحائض والمريض لقدرته عليه دونهما‪ .‬وقيل‪ :‬يجب عليه دونهما أحد الشهرين الحاضر أو‬
‫آخر بعده‪) .‬والخلف لفظي(‪ :‬أي راجع إلى اللفظ دون المعنى لن ترك الصوم حال العذر جائز اتفاقا‬
‫والقضاء بعد زواله واجب اتفاقا‪) .‬و( الصح )أن المندوب مأمور به(‪ :‬أي مسمى به حقيقة كما نص‬
‫عليه الشافعي وغيره‪ ،‬وقيل‪ :‬ل‪ .‬والخلف مبني على أن أ م ر حقيقة في اليجاب كصيغة افعل أو‬
‫في القدر المشترك بينه وبين الندب أي‪ :‬طلب الفعل‪ ،‬والترجيح من زيادته‪ ،‬وعليه جرى المدي‪ ،‬أما‬
‫إنه مأمور به بمعنى أنه متعلق المر أي صيغة افعل فل نزاع فيه‪ ،‬سواء أقلنا إنها مجاز في الندب‬
‫أم حقيقة فيه كاليجاب خلف يأتي‪) .‬و( الصح )أنه( أي المندوب )ليس مكلفا به كالمكروه(‬
‫فالصح أنه ليس مكلفا به‪ ،‬وقيل مكلف بهما كالواجب والحرام ورجحوا الول‪) .‬بناء على أن‬
‫التكليف( اصطلحا )إلزام ما فيه كلفة( أي‪ :‬مشقة من فعل أو ترك‪) .‬ل طلبه( وبه فسر القاضي أبو‬
‫بكر الباقلني أي ل طلب ما فيه كلفة على وجه اللزام أو ل‪ .‬فعلى تفسير التكليف بالّول يدخل‬
‫الواجب والحرام فقط‪ ،‬وعلى تفسيره بالثاني يدخل جميع الحكام إل المباح‪ ،‬لكن أدخله الستاذ أبو‬
‫إسحاق السفرايني من حيث وجوب اعتقاد إباحته تتميما للقسام‪ ،‬وإل فغيره مثله في ذلك وإلحاقي‬
‫المكروه بالمندوب هو‬

‫الوجه ل إلحاق المباح به كما سلكه الصل‪ ،‬إذ ل إلزام فيه ول طلب فل يتأتى فيه القول بأنه مكلف‬
‫به إل على ما سلكه الستاذ‪) .‬و( الصح )أن المباح ليس بجنس للواجب(‪ :‬بل هما نوعان لجنس‬
‫وهو فعل المكلف الذي تعلق به حكم شرعي‪ ،‬وقيل إنه جنس له لنه مأذون في فعله وتحته أنواع‬
‫الواجب والمندوب والمخير فيه والمكروه الشامل لخلف الولى‪ ،‬واختص الواجب بفصل المنع من‬
‫الترك‪ ،‬قلنا‪ :‬واختص المباح أيضا بفصل الذن في الترك على السواء والخلف لفظي‪ ،‬إذ المباح‬
‫بالمعنى الول أي‪ :‬المأذون فيه جنس للواجب اتفاقا وبالمعنى الثاني أي‪ :‬المخير فيه وهو المشهور‬
‫غير جنس له اتفاقا‪) .‬و( الصح )أنه( أي المباح )في ذاته غير مأمور به(‪ :‬فليس بواجب ول‬
‫مندوب‪ .‬وقال الكعبي‪ :‬إنه مأمور به أي‪ :‬واجب إذ ما من مباح إل ويتحقق به ترك حرام ما‪ ،‬فيتحقق‬
‫بالسكوت ترك القذف‪ ،‬وبالسكون ترك القتل‪ ،‬وما يتحقق بالشيء ل يتم إل به وترك الحرام واجب‪،‬‬
‫وما ل يتم الواجب إل به واجب كما سيجيء‪ ،‬فالمباح واجب ويأتي ذلك في غيره كالمكروه والخلف‬
‫لفظي‪ ،‬فإن الكعبي قائل بأنه غير مأمور به من حيث ذاته ومأمور به من حيث ما عرض له من‬
‫تحقق ترك الحرام به وغيره ل يخالفه فيهما‪ ،‬فقولي في ذاته قيد للقول بأن المباح غير مأمور به ل‬
‫لمحل الخلف‪ ،‬وسيأتي ماله بذلك تعلق‪) .‬و( الصح )أن الباحة حكم شرعي( لنها التخيير بين‬
‫الفعل والترك المتوقف وجوده كبقية الحكام على الشرع كما مر‪ .‬وقال بعض المعتزلة‪ :‬ل لنها‬
‫انتفاء الحرج عن الفعل والترك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده‪) .‬والخلف( في المسائل‬
‫الثلث )لفظي(‪ :‬أي راجع إلى اللفظ دون المعنى‪ .‬أما في الوليين فلما مر‪ ،‬وأما في الثالثة فلن‬
‫الدليلين لم يتواردا على محل واحد‪ ،‬فتأخيري لهذا عن الثلث أولى من تقديم الصل له على‬
‫الخيرة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫واعلم أن ما سلكته في مسألة الكعبي تبعت فيه هنا الكثر‪ ،‬وأولى منه ما ملكته في الحاشية أخذا من‬
‫كلم بعض المحققين من تحريم الكلم فيها بوجه آخر‪ ،‬ومن رد دليل الكعبي بما يقتضي أن الخلف‬
‫ح )أن الوجوب( لشيء )إذا نسخ( كأن قال‬ ‫معنوي وإن خالف ذلك ظاهر كلم الكعبي‪) .‬و( الص ّ‬
‫الشارع‪ :‬نسخت وجوبه أو حرمة تركه )بقي الجواز( له الذي كان في ضمن وجوبه من الذن في‬
‫الفعل بما يقّومه من الذن في الترك‪ .‬وقال الغزالي‪ :‬ل يبقى لن نسخ الوجوب يجعله كأن لم يكن‬
‫ويرجع المر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة أو براءة أصلية فالخلف معنوي‪) .‬وهو( أي‬
‫الجواز المذكور )عدم الحرج( في الفعل والترك من الباحة أو الندب أو الكراهة بالمعنى الشامل‬
‫لخلف الولى‪) .‬في الصح(‪ :‬إذ ل دليل على تعيين أحدها‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الباحة فقط‪ ،‬إذ بارتفاع‬
‫الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير‪ ،‬وقيل هو الندب فقط‪ ،‬إذ المتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء‬
‫الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم‪ .‬والحاصل‪ :‬أنه يعتبر في الجواز المذكور رفع الحرج عن‬
‫الفعل والترك في القوال الثلثة‪ ،‬لكنه مطلق في الول منها ومقيد باستواء الطرفين في الثاني‪،‬‬
‫ي هكذا أفهم‪.‬‬
‫وبترجح الفعل في الثالث فالخلف معنو ّ‬

‫مسألة‪ :‬في الواجب الحرام المخيرين )المر بأحد أشياء( معينة كما في كفارة اليمين‪) .‬يوجبه(‪ :‬أي‬
‫ي معين منها لنه المأمور به‪ ،‬وقيل‬‫الحد )مبهما عندنا( وهو القدر المشترك بينها في ضمن أ ّ‬
‫يوجبه معينا عند ال تعالى‪ ،‬فإن فعل المكلف المعين فذاك أو فعل غيره منها سقط بفعله الواجب‪،‬‬
‫وقيل يوجبه كذلك‪ ،‬وهو ما يختاره المكلف بأن علم ال منه أنه ل يختار سواه‪ ،‬وإن اختلف باختيار‬
‫المكلفين‪ .‬وقيل‪ :‬يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب واجبات‪ ،‬ويعاقب بتركها عقاب ترك واجبات‪،‬‬
‫ويسقط الكل الواجب بواحد منها‪ ،‬لن المر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الكتفاء بواحد‬
‫منها‪ .‬قلنا‪ :‬إن سلم ذلك ل يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ذلك والقول الخير والثاني‬
‫للمعتزلة‪،‬فهم متفقون على نفي أيجاب واحد منهم كنفيهم تحريمه كما سيجيء لما قالوا من أن إيجاب‬
‫الشيء أو تحريمه لما في تركه‪ ،‬أو فعله من المفسدة التي يدركها العقل‪ ،‬وإنما يدركها في المعين‪،‬‬
‫ل من الشاعرة والمعتزلة تنسبه إلى الخرى فاتفق الفريقان على‬ ‫والثالث يسمى قول التراجم‪ ،‬لن ك ّ‬
‫بطلنه‪) .‬فـ(ـعلى الصح )إن فعلها( كلها )فالمختار( أنه )إن فعلها مرتبة فالواجب( أي المثاب عليه‬
‫ثواب الواجب الذي هو كثواب سبعين مندوبا )أولها(‪ :‬وإن تفاوتت لتأّدى الواجب به من حيث إنه‬
‫مبهم‪) .‬أو( فعلها كلها )معا فأعلها( ثوابا الواجب لنه لو اقتصر لثيب عليه ثواب الواجب الكمل‬
‫فضّم غيره إليه ل ينقصه عن ذلك‪) .‬وإن تركها( كلها )عوقب بأدناها( عقابا إن عوقب‪ ،‬لنه لو فعله‬
‫فقط من حيث إنه مبهم لم يعاقب‪ ،‬فإن تساوت وفعلت معا أو تركت فثواب الواجب والعقاب على‬
‫واحد منها‪ .‬وقيل‪ :‬الواجب فيما إذا تفاوتت أعلها ثوابا‪ ،‬وفيما إذا تساوت أحدها وإن فعلت مرتبة‬
‫فيهما لما مر‪ ،‬فإن تركت فحكمه موافق للمختار ويثاب ثواب المندوب في كل قول على غير ما ذكر‬
‫لثواب الواجب‪ ،‬وذكر حكم التساوي في المرتبة مع الترجيح في البقية من زيادتي المقتضية من‬

‫حيث الترجيح لبدال قوله في المرتبة أعلها بقولي أولها‪ ،‬وبما قررته علم أن محل ثواب الواجب‬
‫والعقاب أحدها مبهما ل من حيث خصوصه‪ ،‬حتى إن الواجب ثوابا في المرتبة أولها من حيث إنه‬
‫مبهم ل من حيث خصوصه‪ ،‬وكذا يقال في كل من الزائد على ما يتأّدى به الواجب‪ ،‬منها أنه يثاب‬
‫عليه ثواب المندوب من حيث إنه مبهم ل من حيث خصوصه‪) .‬ويجوز تحريم واحد مبهم( من‬
‫أشياء معينة )عندنا( نحو ل تتناول السمك أو اللبن أو البيض‪ ،‬فعلى المكلف تركه في أي معين‬
‫منها‪ ،‬وله فعله في غيره‪ ،‬إذ ل مانع من ذلك ومنعه المعتزلة كمنعهم إيجابه لما مر عنهم فيهما‪.‬‬
‫وزعمت طائفة منهم أنه لم ترد به اللغة‪ ،‬وهذا )كـ(ـالواجب )المخير( فيما مر فيه فالنهي عن واحد‬
‫مبهم مما ذكر يحّرمه مبهما‪ .‬وقيل يحرمه معينا عند ال تعالى ويسقط تركه الواجب بتركه أو ترك‬
‫غيره منها‪ .‬فالتارك لبعضها إن صادف المحرم فذاك‪ ،‬وإل فقد ترك بدله‪ ،‬وقيل يحرمه كذلك وهو‬
‫ما يختاره المكلف‪ ،‬وقيل يحرمها كلها فيعاقب بفعلها عقاب فعل محرمات ويثاب بتركها امتثا ً‬
‫ل‬
‫ثواب ترك محرمات‪ ،‬ويسقط تركها الواجب بترك واحد منها‪ ،‬فعلى الول إن تركها كلها امتثا ً‬
‫ل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وتفاوتت‪ ،‬فالمختار أنه يثاب على ترك أشدها عقابا وإن فعلها مرتبة عوقب على آخرها‪ ،‬وإن‬
‫تفاوتت لرتكابه المحرم به أو فعلها معا عوقب على أخفها عقابا‪ ،‬فإن تساوت وفعلت معا أو تركت‬
‫فالمعتبر أحدها‪ .‬وقيل‪ :‬المحرم فيما إذا فعلت ولو مرتبة أخفها عقابا‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬المندوب كالواجب والمكروه كالحرام فيما ذكر‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬فرض الكفاية( المنقسم إليه وإلى فرض العين مطلق الفرض السابق حده )مهم يقصد(‬
‫شرعا )جزما( من زيادتي )حصوله من غير نظر بالذات لفاعله( وإنما ينظر إليه بالتبع للفعل‬
‫ضرورة أنه ل يحصل بدون فاعل وشمل الحد الديني كصلة الجنازة والمر بالمعروف والدنيوي‬
‫كالحرف والصنائع‪ ،‬وخرج عنه السنة إذ لم يجزم بقصد حصولها‪ ،‬وفرض العين فإنه منظور‬
‫بالذات لفاعله حيث قصد حصوله من كل عين أي واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي‬
‫صلى ال عليه وسّلم فيما خص به‪) .‬والصح أنه دون فرض العين(‪ :‬أي فرض العين أفضل منه‬
‫كما نقله الشهاب ابن العماد عن الشافعي رضي ال عنه‪ .‬قال‪ :‬ونقله عنه القاضي أبو الطيب‪ ،‬وذلك‬
‫لشدة اعتناء الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف في الغلب‪ ،‬ويدل له تعليل الصحاب تبعا‬
‫للمام الشافعي كراهة قطع طواف الفرض لصلة الجنازة بأنه ل يحسن ترك فرض العين لفرض‬
‫الكفاية‪ .‬وقال إمام الحرمين وغيره‪ :‬فرض الكفاية أفضل لنه يصان بقيام البعض به جميع المكلفين‬
‫عن إثمهم المترتب على تركهم له‪ ،‬وفرض العين إنما يصان بالقيام به عن الثم الفاعل فقط وترجيح‬
‫الول من زيادتي‪) .‬و( الصح )أنه( أي فرض الكفاية )على الكل( لثمهم بتركه كما في فرض‬
‫العين‪ ،‬ولقوله تعالى‪} :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال{ وهذا ما عليه الجمهور ونص عليه الشافعي في‬
‫الم‪) .‬ويسقط( الفرض )بفعل البعض(‪ :‬لن المقصود كما مر حصول الفعل ل ابتلء كل مكلف به‬
‫ول بعد في سقوط الفرض عن الشخص بفعل غيره كسقوط الّدين عنه بأداء غيره عنه‪ ،‬وقيل فرض‬
‫الكفاية على البعض ل الكل ورجحه الصل وفاقا بزعمه للمام الرازي للكتفاء بحصوله من‬
‫البعض ولية‪ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير{ وأجيب عن الول بما مر من أن المقصود‬
‫حصول الفعل ل ابتلء كل مكلف به‪ ،‬وعن الثاني بأنه في السقوط بفعل البعض جمعا بين الدلة‪،‬‬
‫وعلى القول الثاني فالمختار كما في الصل البعض مبهم فمن قام به سقط الفرض بفعله‪،‬‬

‫وقيل معين عند ال تعالى يسقط الفرض بفعله وبفعل غيره كسقوط الدين فيما مر‪ ،‬وقيل معين كذلك‬
‫وهو من قام به لسقوطه بفعله ثم مداره على الظن‪ ،‬فعلى قول الكل من ظن أن غيره فعله أو يفعله‬
‫سقط عنه‪ ،‬ومن ل فل‪ ،‬وعلى قول البعض من ظن أن غيره لم يفعله ول يفعله وجب عليه ومن ل‬
‫فل‪.‬‬
‫واعلم أن الكل لو فعلوه معا وقع فعل كل منهم فرضا أو مرتبا‪ ،‬فكذلك‪ ،‬وإن سقط الحرج بالولين‪.‬‬
‫نعم إن حصل المقصود بتمامه كغسل الميت لم يقع غير الّول فرضا‪) .‬و( الصح )أنه( أي فرض‬
‫الكفاية )ل يتعين بالشروع( فيه لن القصد به حصوله في الجملة فل يتعين حصوله ممن شرع فيه‪.‬‬
‫)إل جهادا وصلة جنازة وحجا وعمرة( فتتعين بالشروع فيها لشدة شبهها بالعيني‪ ،‬ولما في عدم‬
‫التعيين في الول من كسر قلوب الجند‪ ،‬وفي الثاني من هتك حرمة الميت‪ ،‬وهذا تبعت فيه الغزالي‬
‫وغيره‪ ،‬وقيل يتعين فرض الكفاية بالشروع فيه أي‪ :‬يصير به كفرض العين في وجوب إتمامه‬
‫بجامع الفرضية‪ ،‬وهذا ما صححه الصل تبعا لبن الرفعة وهو بعيد‪ ،‬إذ أكثر فروض الكفايات ل‬
‫تتعين بالشروع فيها كالحرف والصنائع وصلة الجماعة‪) .‬وسنتها(‪ :‬أي سنة الكفاية المنقسم إليها‬
‫وإلى سنة العين مطلق السنة السابق حده‪) .‬كفرضها(‪ :‬فيما مر لكن )بإبدال جزما بضده( فيصدق‬
‫ذلك بأنها مهّم يقصد بل جزم حصوله من غير نظر بالذات لفاعله كابتداء السلم والتسمية للكل‬
‫من جهة جماعة‪ ،‬وبأنها دون سنة العين‪ ،‬وبأنها مطلوبة من الكل‪ ،‬وبأنها ل تتعين بالشروع فيها أي‪:‬‬
‫ل تصير به كسنة العين في تأكد طلب إتمامها على الصح في الثلث الخيرة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أن وقت( الصلة )المكتوبة( كالظهر )جوازا وقت لدائها( ففي أي جزء منه‬
‫أوقعت‪ ،‬فقد أوقعت في وقت أدائها الذي يسعها وغيرها‪ ،‬ولهذا يعرف بالواجب الموسع‪ ،‬وقولي‬
‫جوازا راجع إلى الوقت لبيان أن الكلم في وقت الجواز ل في الزائد عليه أيضا من وقتي الضرورة‬
‫والحرمة‪ ،‬وإن كان الفعل فيهما أداء بشرطه‪ .‬وقيل‪ :‬وقت أدائها أول الوقت فإن أخرت عنه فقضاء‬
‫وإن فعل في الوقت حتى يأثم بالتأخير عن أوله‪ ،‬وقيل‪ :‬هو آخر الوقت فإن قدمت عليه فتقديمها‬
‫تعجيل‪ ،‬وقيل هو الجزء الذي وقعت فيه من الوقت وإن لم تقع فيه فوقت أدائها الجزء الخير من‬
‫الوقت‪ ،‬وقيل‪ :‬إن قدمت على آخر الوقت وقعت واجبة بشرط بقاء الفاعل مكلفا إلى آخر الوقت فإن‬
‫ل‪ .‬وهذه القوال الربعة منكرة للواجب الموسع‪) .‬و( الصح )أنه( أي الشأن‬ ‫لم يبق كذلك وقعت نف ً‬
‫)يجب على المؤخر(‪ :‬أي مريد التأخير عن أول الوقت الذي هو سبب الوجوب )العزم( فيه على‬
‫الفعل في الوقت كما صححه النووي في مجموعه‪ ،‬ونقله غيره عن أصحابنا ليتميز به التأخير‬
‫الجائز عن غيره وتأخير الواجب الموسع عن المندوب في جواز التأخير عن أول الوقت‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجب اكتفاء بالفعل‪ ،‬ورجحه الصل وزعم أن الول ل يعرف إل عن القاضي أبي بكر الباقلني‬
‫ومن تبعه‪ ،‬وأنه من هفوات القاضي ومن العظائم في الدين‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬يلزم على الول تعدد البدل والمبدل واحد‪ .‬قلنا‪ :‬ممنوع إذ ل يجب إعادة العزم‪ ،‬بل‬
‫ينسحب على آخر الوقت كانسحاب النية على أزاء العبادة الطويلة كما قاله إمام الحرمين وغيره‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬العزم ل يصلح بدلً عن الفعل إذ بدل الشيء يقوم مقامه والعزم ليس كذلك‪ .‬قلت‪ :‬ل يخفى‬
‫ل عنه أنه بدل عن إيقاعه في أول وقته ل عن إيقاعه مطلقا والعزم قائم مقامه في‬ ‫أن المراد بكونه بد ً‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ل )مع ظن فوته( بموت أو حيض أو‬ ‫)ومن أخر( الواجب الموسع بأن لم يشتغل به أول الوقت مث ً‬
‫نحوهما‪ .‬وهذا أعم من قوله مع ظن الموت‪) .‬عصى( لظنه فوت الواجب بالتأخير )و( الصح )أنه‬
‫إن بان خلفه( بأن تبين خلف ظنه )وفعله( في الوقت )فأداء( فعله لنه في الوقت المقدر له شرعا‬
‫وقيل فعله قضاء لنه بعد الوقت الذي تضيق بظنه وإن بان خطؤه‪ ،‬ويظهر أثر الخلف في نية‬
‫الداء أو القضاء وفي أنه لو فرض ذلك في الجمعة تصلى في الوقت على الول وتقضى ظهرا ل‬
‫جمعة على الثاني‪) .‬و( الصح )أن من أخر( الواجب المذكور )مع ظن خلفه(‪ :‬أي عدم فوته فبان‬
‫ل في الوقت قبل الفعل‪) .‬لم يعص( لن التأخير جائز له والفوت ليس باختياره‪،‬‬ ‫خلف ظنه ومات مث ً‬
‫وقيل يعصى وجواز التأخير مشروط بسلمة العاقبة‪ ،‬هذا إن لم يكن عزم على الفعل‪ ،‬وإن عصى‬
‫بتركه العزم وإل فل يعصى قطعا قاله المدي‪) .‬بخلف ما( أي الواجب الذي )وقته العمر كحج(‪:‬‬
‫ي وقت‬‫فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن عدم فوته كأن ظن سلمته من الموت إلى مض ّ‬
‫يمكنه فعله فيه ومات قبل فعله يعصى على الصح‪ ،‬وإل لم يتحقق الوجوب‪ ،‬وقيل ل يعصى لجواز‬
‫التأخير له وعصيانه في الحج من آخر سني المكان على الصح لجواز التأخير إليها‪ ،‬وقيل من‬
‫أولها لستقرار الوجوب حينئذ‪ ،‬وقيل غير مستند إلى سنة بعينها‪) .‬مسألة(‪ :‬الفعل )المقدور( للمكلف‬
‫)الذي ل يتم( أي يوجد عنده )الواجب المطلق إل به واجب(‪ :‬بوجوب الواجب )في الصح( سببا‬
‫كان أو شرطا إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه‪ ،‬وقيل ل يجب بوجوبه لن الدال على‬
‫الواجب ساكت عنه‪ ،‬وقيل يجب إن كان سببا كالنار للحراق بخلف الشرط كالوضوء للصلة لن‬
‫السبب أشد ارتباطا بالمسبب من الشرط بالمشروط‪ ،‬وقيل يجب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء‬
‫للصلة ل عقليا كترك ضد الواجب ول عاديا كغسل جزء من الرأس بغسل الوجه ول إن كان سببا‬
‫شرعيا كصيغة العتاق له أو عقليا كالنظر للعلم عند المام‬

‫ل أو عادة ول لمسببه مطلقا بدونه‪ ،‬فل‬


‫وغيره أو عاديا كحز الرقبة للقتل‪ ،‬إذ ل وجود لمشروطه عق ً‬
‫يقصدهما الشارع بالطلب بخلف الشرط الشرعي‪ ،‬فإنه لول اعتبار الشرع لوجد مشروطه بدونه‬
‫وخرج بالمقدور غيره كقدر ال وإرادته‪ ،‬إذ التيان بالفعل يتوقف عليهما وهما غير مقدورين‬
‫للمكلف‪ ،‬وبالمطلق المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة وجوبها متوقف على ملك النصاب‪ ،‬فل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫يجب تحصيله فالمطلق ما ل يكون مقيدا بما يتوقف عليه وجوده وإن كان مقيدا بغيره كقوله تعالى‪:‬‬
‫}أقم الصلة لدلوك الشمس{ فإن وجوبها مقيد بالدلوك ل بالوضوء والتوجه للقبلة ونحوهما‪) .‬فلو‬
‫تعذر ترك محرم إل بترك غيره( من الجائز قيل كماء قليل وقع فيه بول‪) .‬وجب( ترك ذلك الغير‬
‫لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه‪) .‬أو اشتبهت حليلة( لرجل من زوجة أو أمة فتعبيري‬
‫بذلك أولى وأعم من قوله‪ :‬أو اختلطت منكوحة )بأجنبية( منه )حرمتا( أي حرم قربانهما عليه ‪ ،‬أما‬
‫الجنبية فأصالة‪ ،‬وأما الحليلة فلنه ل يعلم الكف عن الجنبية إل بالكف عنها )وكما لو طلق معينة(‬
‫ل )ثم نسيها( فإنهما يحرمان عليه لما مّر‪ .‬وقد يظهر الحال في هذه والتي قبلها‬‫من زوجتيه مث ً‬
‫فترجع الحليلة وغير المطلقة إلى ما كانتا عليه من الحل فلم يتعذر فيهما ترك المحرم وحده فلم‬
‫يشملهما ما قبلهما ولو شملهما لكان الولى إبدال أو بكان ليكونا مثالين له‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬مطلق المر( بما بعض جزئياته مكروهة كراهة تحريم أو تنزيه )ل يتناول المكروه( منها‬
‫الذي له جهة أو جهتان بينهما لزوم )في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬يتناوله‪ ،‬وعزى للحنفية لنا لو تناوله لكان‬
‫الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض )فل تصح الصلة في الوقات‬
‫المكروهة(‪ :‬أي التي كرهت فيها صلة النفل المطلق بشرطه كعند طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح‬
‫وعند اصفرارها حتى تغرب‪) .‬ولو( قلنا إن كراهتها فيها )كراهة تنزيه في الصح(‬

‫)ومنه( أي القرآن )البسملة أول كل سورة في الصح(‪ :‬لنها مكتوبة كذلك بخط السور في‬
‫مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن ل يكتب فيها ما ليس منه‪ ،‬وقيل ليست منه مطلقا عند غيرنا‬
‫وفي غير الفاتحة عندنا‪ ،‬وإنما هي في الفاتحة لبتداء الكتاب على عادة ال تعالى في كتبه‪ ،‬وفي‬
‫غيرها للفصل بين السور وهي منه في أثناء سورة النمل إجماعا‪) .‬غير( أول سورة )براءة( أما‬
‫أولها فليست البسملة من القرآن فيه جزما لنزولها بالقتال الذي ل تناسبه البسملة المناسبة للرحمة‬
‫والرفق‪ ،‬وحيث قلنا إنها أول السور من القرآن فهي على الصحيح قرآن حكما ل قطعا بمعنى أن‬
‫السورة ل تتم إل بقراءتها أّولها حتى ل تصح الصلة بتركها أول الفاتحة‪ ،‬وإنما لم نكفر جاحدها‬
‫للخلف فيها‪) .‬ل الشاذ( وهو ما نقل قرآنا آحادا ولم يصل إلى رتبة القراءة الصحيحة التي بيانها‬
‫كأيمانهما في قراءة‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما‪ ،‬فإنه ليس من القرآن‪) .‬في الصح(‪ :‬لنه‬
‫ل على أنه كان متواترا في العصر الول‬ ‫لم يتواتر ول هو في معنى المتواتر‪ ،‬وقيل إنه منه حم ً‬
‫لعدالة ناقله‪) .‬و( القراءات )السبع( المروية عن القراء السبعة أبي عمرو ونافع وابني كثير وعامر‬
‫وعاصم وحمزة والكسائي )متواترة( من النبي إلينا نقلها عنه جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب‬
‫لمثلهم وهلم‪ ،‬والمراد كما قال المامان أبو شامة وابن الجزري التواتر فيما اتفقت الطرق على نقله‬
‫عن السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق )ولو فيما هو من قبيل‬
‫الداء( بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها )كالمد( الزائد على المّد الطبيعي المعروف أنواعه في‬
‫محله‪ ،‬وكالمالة محضة كانت أو بين بين وكتخفيف الهمزة بنقل أو إبدال أو تسهيل أو إسقاط‬
‫وكالمشّدد في نحو }إياك نعبد{ بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط خلفا لبن الحاجب في‬
‫إنكاره تواتر ما هو من قبيل الداء‪ ،‬فقد قال عمدة القراء والمحدثين الشمس ابن الجزري‪:‬‬

‫ل نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب في ذلك‪ .‬قال‪ :‬وقد نص أئمة الصول على تواتر ذلك كله‪ ،‬وكلم‬
‫الصل يميل إليه لكنه وافق في منع الموانع ابن الحاجب على عدم تواتر المّد أي‪ :‬مطلقه‪ ،‬وتردد في‬
‫تواتر المالة وجزم بتواتر تخفيف الهمزة واستظهره في غير ذلك مما هو من قبيل الداء أيضا‬
‫كالمشدد في نحو }إياك نعبد{ بما مّر‪.‬‬

‫)وتحرم القراءة بالشاذ( في الصلة وخارجها لنه ليس بقرآن على الصح كما مّر‪ ،‬وتبطل الصلة‬
‫به إن غير معنى أو زاد حرفا أو نقصه وكان عامدا عالما بالتحريم‪ ،‬كما قاله النووي‪.‬‬
‫)والصح(وفاقا للقراء وجماعة من الفقهاء ومنهم البغوي )أنه( أي الشاذ )ما وراء العشر( أي السبع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫السابقة وقراءات يعقوب وأبي جعفر وخلف‪ ،‬وقيل ما وراء السبع وهو ما عليه الصوليون وجماعة‬
‫من الفقهاء‪ ،‬ومنهم النووي فالثلثة الزائدة على هذا تحرم القراءة بها‪ ،‬وعلى الّول هي كالسبع‬
‫يجوز القراءة بها لصدق تعريف القراءة الصحيحة التي عليها‪ ،‬ولنها متواترة على ما قاله في منع‬
‫الموانع ووافقه تلميذه المام ابن الجزري في موضع‪ ،‬وقال في آخر‪ :‬المقروء به عن القراء العشرة‬
‫قسمان‪ :‬متواتر وصحيح مستفيض متلقى بالقبول‪ ،‬والقطع حاصل بهما إذ العدل الضابط إذا انفرد‬
‫بشيء تحتمله العربية والرسم واستفاض وتلقى بالقبول قطع به وحصل به العلم‪ ،‬وعلى هذا فالقراءة‬
‫متواترة وصحيحة وشاذة‪ ،‬وقد بينها ابن الجزري بأبسط مما مّر فقال‪ :‬فالمتواترة ما وافقت العربية‬
‫ورسم أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها‪ ،‬ومعنى ولو تقديرا ما يحتمله الرسم كمالك‬
‫يوم الدين فإنه رسم بل ألف في جميع المصاحف فيحتمل حذف ألفه اختصارا كما فعل في مثله من‬
‫اسم الفاعل كقادم وصالح‪ ،‬فهو موافق للرسم تقديرا‪ ،‬والصحيحة ما صح سنده بنقل عدل ضابط عن‬
‫مثله إلى منتهاه‪ ،‬ووافق العربية والرسم واستفاض نقله وتلقته الئمة بالقبول وإن لم يتواتر‪ ،‬فهذه‬
‫كالمتواترة في جواز‬

‫القراءة والصلة بها والقطع بأن المقروء بها قرآن‪ ،‬وإن لم يبلغ مبلغها والشاذة ما وراء العشرة وهو‬
‫ما نقل قرآنا ولم تتلقه الئمة بالقبول ولم يستفض أو لم يوافق الرسم‪ ،‬فهذا ل تجوز القراءة ول‬
‫ح سنده عن أبي الدرداء وابن مسعود وغيرهما‪ ،‬وقراءة بعض الصحابة بها فيما‬ ‫الصلة به‪ ،‬وإن ص ّ‬
‫ح سنده كانت قبل إجماع من يعتّد به على المنع من القراءة بالشاذ مطلقا انتهى ملخصا وعليه‬‫صّ‬
‫فظاهر أن مراده بالصحيحة قراءة الثلثة الزائدة على السبع‪.‬‬

‫)و( الصح )أنه( أي الشاذ )يجري مجرى( الخبار )الحاد( في الحتجاج‪ ،‬لنه منقول عن النب ّ‬
‫ي‬
‫ول يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته‪ ،‬وقيل ل يحتج به لنه إنما نقل قرآنا ولم‬
‫تثبت قرآنيته‪ ،‬وعلى الول احتجاج كثير من أئمتنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما‪ ،‬وإنما لم‬
‫يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءة متتابعات لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة‬
‫رضي ال عنها‪ :‬نزلت }فصيام ثلثة أيام{ متتابعات فسقطت متتابعات أي نسخت تلوة وحكما‪،‬‬
‫ولن الشاذ إنما يحتج به إذا ورد لبيان حكم كما في أيمانهما بخلف ما إذا ورد لبتداء الحكم ل‬
‫يحتج به كما في متتابعات على أنه قيل إنها لم تثبت عن ابن مسعود‪) .‬و( الصح )أنه ل يجوز‬
‫ورود ما( أي لفظ )ل معنى له في الكتاب والسنة( لنه كالهذيان فل يليق بعاقل فكيف بال‬
‫وبرسوله‪ ،‬وقالت الحشوية‪ :‬يجوز وروده في الكتاب لوجوده فيه كالحروف المقطعة أوائل السور‬
‫كطه ونون‪ ،‬وفي السنة بالقياس على الكتاب‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن الحروف المذكورة لها معان‪ .‬منها‪ :‬أنها‬
‫أسماء للسور والكثرون على جواز أن يقال في الكتاب والسنة زائد كفوق في قوله تعالى‪} :‬فإن ك ّ‬
‫ن‬
‫ل الكلم بدونه‬ ‫نساء فوق اثنتين{ وقوله‪} :‬فاضربوا فوق العناق{ بناء على تفسير الزائد بما ل يخت ّ‬
‫ل‪) .‬و( الصح أنه )ل( يجوز أن يرد فيهما )ما يعني به غير ظاهره( أي‬ ‫ل بما ل معنى له أص ً‬
‫معناه الخفي لنه بالنسبة إليه كالمهمل )إل بدليل(‪ :‬يبين المراد منه كما في العام المخصوص‪،‬‬
‫وقالت المرجئة‪ :‬يجوز وروده فيهما من غير دليل حيث قالوا‪ :‬المراد باليات والخبار الظاهرة في‬
‫عقاب عصاة المؤمنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية ل تضّر مع اليمان كما أن‬
‫الكفر ل تنفع معه طاعة )و( الصح )أنه ل يبقى( فيهما )مجمل كلف بالعمل به( بناء على الصح‬
‫التي من وقوعه فيهما )غير مبين( أي‪ :‬باقيا على إجماله بأن لم يتضح المراد منه إلى وفاته صلى‬
‫ال‬

‫عليه وسّلم للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما ل يطاق‪ ،‬بخلف غير المكلف بالعمل به‪ ،‬وقيل ل‬
‫يبقى كذلك مطلقا لن ال أكمل الدين قبل وفاته لقوله‪} :‬اليوم أكملت لكم دينكم{ وقيل يبقى كذلك‬
‫مطلقا قال تعالى في متشابه الكتاب‪} :‬وما يعلم تأويله إل ال{ إذ الوقف هنا كما عليه جمهور‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫العلماء‪ ،‬وإذا ثبت في الكتاب ثبت في السنة إذ ل قائل بالفرق‪) .‬و( الصح )أن الدلة النقلية قد تفيد‬
‫اليقين بانضمام غيرها( من تواتر ومشاهدة كما في أدلة وجوب الصلة‪ ،‬فإن الصحابة علموا معانيها‬
‫المرادة بالقرائن المشاهدة‪ ،‬ونحن علمناها بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا‪ ،‬وقيل تفيده مطلقا وعزي‬
‫للحشوية‪ ،‬وقيل ل تفيده مطلقا لنتفاء العلم بالمراد منها قلنا يعلم بما ذكر آنفا‪.‬‬

‫المنطوق والمفهوم‬
‫ل عليه اللفظ في محل النطق( حكما كان كتحريم‬‫أي‪ :‬هذا مبحثهما‪) .‬المنطوق ما( أي معنى )د ّ‬
‫ف{ أو حكم كزيد في نحو‪ :‬جاء زيد بخلف المفهوم‬ ‫التأفيف للوالدين بقوله تعالى‪} :‬فل تقل لهما أ ّ‬
‫فإن دللة اللفظ عليه في محل السكوت ل في محل النطق كما سيأتي‪) .‬وهو( أي اللفظ الدال في‬
‫محل النطق )إن أفاد ما( أي معنى )ل يحتمل( أي اللفظ )غيره( أي غير ذلك المعنى )كزيد( في‬
‫نحو‪ :‬جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها‪) .‬فنص( أي يسمى به )أو( أفاد‬
‫)ما يحتمل بدله( معنى )مرجوحا كالسد( في نحو‪ :‬رأيت اليوم السد‪ ،‬فإنه مفيد للحيوان المفترس‬
‫محتمل للرجل الشجاع وهو معنى مرجوح لنه معنى مجازى والول حقيقي‪) .‬فظاهر( أي يسمى به‬
‫أما المحتمل لمعنى مساٍو للخر كالجون في نحو ثوب زيد جون فإنه محتمل لمعنييه أي السود‬
‫ل وسيأتي‪.‬‬
‫والبيض على السواء فيسمى مجم ً‬

‫ل مرجوحا وهو بمعنى الظاهر‪،‬‬ ‫ل كما هنا ولما يحتمله احتما ً‬


‫واعلم أن النص يقال لما ل يحتمل تأوي ً‬
‫ل على معنى كيف كان‪ ،‬ولدليل من كتاب أو سنة كما سيأتي في القياس‪) .‬ثم( اللفظ ينقسم‬ ‫ولما د ّ‬
‫ل جزؤه( الذي به تركيبه )على جزء معناه فمركب(‬ ‫باعتبار آخر إلى مركب ومفرد لنه )إن د ّ‬
‫تركيبا إسناديا كزيد قائم‪ ،‬أو إضافيا كغلم زيد‪ ،‬أو تقييديا كالحيوان الناطق‪) .‬وإل( أي وإن لم يدل‬
‫جزؤه على جزء معناه بأن ل يكون له جزء كهمزة الستفهام أو يكون له جزء غير دال على معنى‪:‬‬
‫كزيد أو دال على معنى غير جزء معناه كعبد ال علما‪) .‬فمفرد( وقدم على تعريفه تعريف المركب‬
‫لن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة والعدام إنما تعرف بملكاتها‪) .‬ودللته( أي اللفظ )على معناه‬
‫مطابقة(‪ :‬وتسمى دللة مطابقة لمطابقة أي موافقة الدال للمدلول‪) .‬وعلى جزئه( أي جزء معناه‬
‫)تضمن(‪ :‬وتسمى دللة تضمن لتضمن المعنى لجزئه المدلول‪) .‬و( على )لزمه( أي لزم معناه‬
‫)الذهني( سواء ألزمه في الخارج أيضا أم ل )التزام( وتسمى دللة التزام للتزام المعنى أي‬
‫استلزامه للمدلول كدللة النسان على الحيوان الناطق في الول‪ ،‬وعلى الحيوان أو الناطق في‬
‫الثاني‪ ،‬وعلى قابل العلم في الثالث اللزم خارجا أيضا‪ ،‬وكدللة العمى أي عدم البصر عما من‬
‫شأنه البصر على البصر اللزم للعمى ذهنا المنافي له خارجا لوجود كل منهما فيه بدون الخر‪،‬‬
‫ودللة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة لنه في قّوة قضايا بعدد أفراده‪ ،‬كما سيأتي ذلك‬
‫في مبحث العلم فسقط ما قيل إنها خارجة عن الدللت الثلث‪ ،‬وقد أوضحت ذلك في شرح‬
‫إيساغوجي‪ ،‬والدللة كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بآخر وخرج بإضافتها للفظ الدللة‬
‫الفعلية كدللة الخط والشارة بزيادتي الوضعية دللة اللفظ العقلية غير اللتزامية كدللته على حياة‬
‫لفظه والطبيعية كدللة النين على الوجع‪.‬‬

‫)والوليان( أي دللتا المطابقة والتضمن )لفظيتان( لنهما بمحض اللفظ ول تغاير بينهما بالذات بل‬
‫بالعتبار‪ ،‬إذ الفهم فيهما واحد إن اعتبر بالنسبة إلى مجموع جزأي المركب سميت الدللة مطابقة‬
‫أو إلى كل جزء من الجزأين سميت تضمنا‪) .‬والخيرة( أي دللة اللتزام )عقلية( لتوقفها على‬
‫انتقال الذهن من المعنى إلى لزمه وفارقت التضمينية بما مر‪ ،‬وبأن المدلول في التضمني داخل‬
‫فيما وضع له اللفظ بخلفه في اللتزامية‪ ،‬وهذا ما عليه المد ي وابن الحاجب وغيرهما من‬
‫المحققين‪ ،‬وجرى عليه شيخنا الكمال ابن الهمام‪ ،‬والصل تبع صاحب المحصول وغيره في أن‬
‫المطابقة لفظية والخريان عقليتان وتبعتهم في شرح ايساغوجي‪ ،‬وما هنا أقعدوا أكثر المناطقة على‬
‫ل أو شرعا )على‬ ‫أن الثلث لفظيات )ثم هي( أي الخيرة )إن توقف صدق المنطوق أو صحته( عق ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫إضمار(‪ :‬أي تقدير فيما دل عليه‪) ،‬فدللة اقتضاء( أي فدللة اللفظ اللتزامية على معنى المضمر‬
‫المقصود تسمى دللة اقتضاء في الحوال الثلثة‪ ،‬فالول كما في الحديث التي في مبحث المجمل‪:‬‬
‫»رفع عن أمتي الخطأ والنسيان« أي المؤاخذة بهما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاني كما‬
‫ل‪،‬‬
‫في قوله تعالى‪} :‬واسأل القرية{ أي أهلها إذ القرية وهي البنية المجتمعة ل يصح سؤالها عق ً‬
‫والثالث كما في قولك لمالك عبد‪ :‬أعتق عبدك عني‪ ،‬ففعل فإنه يصح عنك بتقدير ملكه لي فأعتقه‬
‫عني لتوقف صحة العتق شرعا على الملك‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يتوقف صدق المنطوق ول الصحة‬
‫له على إضمار‪) ،‬فإن دل( اللفظ المفيد له )على ما لم يقصد( به )فدلله إشارة(‪ :‬أي فدللة اللفظ‬
‫ل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم{‬
‫على ما لم يقصد به تسمى دللة إشارة كدللة قوله تعالى‪} :‬أح ّ‬
‫ن بالليل الصادق بآخر جزء‬ ‫على صحة صوم من أصبح جنبا للزومها للمقصود به من جواز جماعه ّ‬
‫ل اللفظ على ما قصد به ولم يتوقف على إضمار )فدللة إيماء( أي فدللة اللفظ‬ ‫منه‪) .‬وإل( بأن د ّ‬
‫على ذلك تسمى‬

‫دللة إيماء وتسمى تنبيها‪ ،‬وسيأتي بيانه مع مثاله في القياس في الملك الثالث من مسالك العلة وذكره‬
‫هنا من زيادتي وعلم من تعبيري بهي دون تعبيره بالمنطوق أن هذه الدللت الثلث من قسم دللة‬
‫اللتزام‪ ،‬إذ المنطوق ينقسم إلى صريح وغيره فالصريح دللتا المطابقة والتضمن وغيره دللة‬
‫اللتزام وهي تنقسم إلى الدللت الثلث‪.‬‬
‫ل من أي الدللت؟ قلت‪ :‬من دللة الشارة فيما يظهر‪.‬‬ ‫فإن قلت‪ :‬دللة النسان على قابل العلم مث ً‬

‫)والمفهوم ما( أي معنى )دل عليه اللفظ ل في محل النطق( من حكم ومحله معا كتحريم كذا كما‬
‫سيأتي )فإن وافق( المفهوم )المنطوق( به )فموافقة( ويسمى مفهوم موافقة )ولو( كان )مساويا(‬
‫للمنطوق )في الصح ثم( هو )فحوى الخطاب( أي يسمى به )إن كان أولى( من المنطوق )ولحنه(‬
‫أي لحن الخطاب )إن كان مساويا( للمنطوق والمفهوم الولى كتحريم ضرب الوالدين الدال عليه‬
‫نظرا للمعنى قوله تعالى‪} :‬فل تقل لهما أف{ فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق لكونه أشد منه‬
‫في اليذاء والمساوي كتحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا لمعنى آية‪} :‬إن الذين يأكلون أموال‬
‫اليتامى ظلما{ فهو مساٍو لتحريم الكل لمساواة الحراق للكل في التلف‪ ،‬وقيل ل يسمى المساوي‬
‫بالموافقة وإن كان مثل الولى في الحتجاج به‪ ،‬وعليه فمفهوم الموافق هو الولى ويسمى الولى‬
‫بفحوى الخطاب وبلحن الخطاب‪ ،‬وفحوى الكلم ما يفهم منه قطعا ولحنه معناه‪ ،‬ومما يطلق فيه‬
‫المفهوم على محل الحكم كالمنطوق قولهم المفهوم‪ ،‬إما أولى من المنطوق بالحكم أو مساٍو له فيه‬
‫ومن المعنى المعلوم به موافقة المسكوت للمنطوق نشأ خلف في أن الدللة على الموافقة مفهومية‬
‫أو قياسية أو لفظية وقد بينتها بقولي‪) :‬فالدللة( على الموافقة )مفهومية(‪ :‬أي بطريق الفهم من اللفظ‬
‫ل في محل النطق‪) ،‬على الصح( والتصريح بهذا القول من زيادتي‪ ،‬وقيل قياسية‪ :‬أي بطريق‬
‫القياس الولى أو المساوى المسمى ذلك بالقياس الجلي كما سيأتي لصدق تعريف القياس عليه‪،‬‬
‫والعلة في المثال الول اليذاء‪ ،‬وفي الثاني التلف‪ ،‬وقيل الدللة عليه لفظية لفهمه من اللفظ من‬
‫غير اعتبار قياس‪ ،‬لكن ل بمجرد اللفظ بل مع السياق والقرائن فتكون الدللة عليه مجازية من‬
‫إطلق الخص على العم‪ ،‬فالمراد من منع التأفيف منع ازيذاء ومن منع أكل مال اليتيم منع إتلفه‪،‬‬
‫وقيل لفظية لكن ينقل اللفظ عرفا إلى العم‪ ،‬فتكون الدللة عليه حقيقة عرفية‪ ،‬وعلى هذين القولين‬
‫تحريم‬

‫ضرب الوالدين وتحريم إحراق مال اليتيم من المنطوق‪ ،‬وإن كانا بقرينة على الول منهما‪) .‬وإن‬
‫خالفه( أي المفهوم أي المنطوق به )فمخالفة( ويسمى مفهوم مخالفة ودليل خطاب قيل ولحن‬
‫خطاب‪) .‬وشرطه(‪ :‬أي مفهوم المخالفة ليتحقق )أن ل يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير‬
‫نفي حكم غيره(‪ :‬أي حكم السكوت‪) .‬كأم خرج( المذكور )للغالب في الصح( كما في قوله تعالى‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫}وربائبكم اللتي في حجوركم{ إذ الغالب كون الربائب في حجور الزواج أي تربيتهم‪ ،‬وقيل ل‬
‫يشترط انتفاء موافقة الغالب لن المفهوم من مقتضيات اللفظ فل يسقطه موافقة الغالب وهو مندفع‬
‫بما يأتي‪) .‬أو لخوف تهمة( من ذكر المسكوت كقول قريب عهد بالسلم لعبده بحضور المسلمين‬
‫تصدق بهذا على المسلمين‪ ،‬ويريد وغيرهم وتركه خوفا من تهمته بالنفاق‪) .‬أو لموافقة الواقع(‪ ،‬كما‬
‫في قوله تعالى؛ }ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{ نزل في قوم من المؤمنين‬
‫والو اليهود دون المؤمنين‪) .‬أو( لجواب )سؤال( عن المذكور‪) .‬أو لـ(ـبيان حكم )حادثة( تتعلق به‪،‬‬
‫)أو لجهل بخكمه( دون حكم المسكوت‪) ،‬أو عكسه( أي أو لجهل بحكم المسكوت دون حكم‬
‫المنطوق‪ ،‬وذلك كما لو سئل رسول ال صلى ال عليه وسّلم هل في النعم السائمة زكاة‪ ،‬أو قبل‬
‫بحضرته لفلن غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون المعلوفة‪ ،‬أو كان هو عالما‬
‫بحكم السائمة دون المعلوفة‪ ،‬فقال‪» :‬في الغنم السمائمة زكاة«‪ .‬وإنما لم يجعلوا جواب المسؤول‬
‫والحادثة صارفين للعام عن عمومه كنظيره هنا لقوة اللفظ فيه بالنسبة إلى مفهوم المخالفة حتى‬
‫عزى إلى الشافعي والحنفية أن دللة العام على كل فرد من أفراده قطعية‪ ،‬وإنما اشترطوا للمفهوم‬
‫انتفاء المذكورات لنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها‪ ،‬وبذلك اندفع توجيه الوجه السابق‬
‫والمقصود مما مر أنه ل مفهوم للمذكور في المثلة المذكورة ونحوها‪ ،‬ويعلم حكم المسكوت فيها‬
‫من خارج بالمخالفة كما في الغنم‬

‫المعلوفة لما سيأتي‪ ،‬أو بالموافقة كما في آية الربيبة للمعنى‪ ،‬وهو أن الربيبة حرمت لئل يقع بينها‬
‫وبين أمها التباغض لو أبيحت نظرا للعادة في مثل ذلك‪ ،‬سواء أكانت في حجر اتلزوج أم ل وتقّدم‬
‫خلف في أن الدللة في مفهوم الموافقة على حكم المسكوت قياسية أو ل‪ .‬وقد حكيته هنا مع ما‬
‫يترتب عليه بقولي‪) :‬ول يمنع( ما يقتضي تخصيص المذكور بالذكر )قياس المسكوت بالمنطوق(‪،‬‬
‫بأن كان بينهما علة جامعة لعدم معارضته له‪) ،‬فل يعمه( أي المسكوت المشتمل عى العلة‬
‫)لمعروض( للمذكور من صفة أو غيرها لوجود العارض‪ ،‬وإنما يلحق به قياسا‪) .‬وقيل يعمه( إذ‬
‫عارضه بالنسبة إلى المسكوت كأنه لم يذكر فيمتنع القياس‪ ،‬وإنما عبرت كالصل بالمعروض أي‬
‫اللفظ دون الموصوف لئل يتوهم‪ ،‬كما قال في منع المانع اختصاص ذلك بمفهوم الصفة وليس‬
‫كذلك‪) .‬وهو( أي‪ :‬مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم )صفة(‪ :‬أي مفهوم صفة والمراد بها لفظ مقيد‬
‫لخر وليس بشرط ول استثناء ول غاية ل النعت فقط )كالغنم السائمة وسائمة الغنم( أي الصفة‬
‫كالسائمة في الّول من في الغنم السائمة زكاة‪ ،‬وفي الثاني من في سائمة الغنم زكاة قدم من تأخير‬
‫وكل منهما يروى حديثا‪) .‬وكالسائمة( من في السائمة زكاة )في الصح( المعز‪ ،‬وللجمهور لدللته‬
‫على السوم الزائد على الذات بخلف اللقب‪ ،‬وقيل ليس من الصفة‪ ،‬ورجحه الصل لختلل الكلم‬
‫بدونه كاللقب ودفع بما مّر آنفا‪) .‬والمنفي( عن محلية الزكاة )في( المثالين )الولين معلوفة الغنم‬
‫على المختار( فيهما‪ ،‬وهو ما رجحه المام الرازي وغيره‪.‬‬
‫)‬

‫وفي( المثال )الثالث معلوفة النعم( من إبل وبقر وغنم‪ ،‬وقيل المنفي في الولين معلوفة النعم ولم‬
‫يرجح الصل منهما شيئا‪ ،‬بل قال‪ :‬وهل المنفي غير سائمتها أو غير مطلق السوائم؟ قولن‪.‬‬
‫فالترجيح في المنفي في الّولين مع ذكره في الثالث من زيادتي‪ ،‬وقد بينت ما في الثالث وما ذكرته‬
‫من الجمع بين الّولين كالصل هنا أولى من فرقه في منع الموانع بينهما بأن الخلف خاص‬
‫بأولهما‪ ،‬وبأن المنفي في الثاني سائمة غير الغنم ل غير السائمة بناء على أن الصفة فيه لفظ الغنم‬
‫على وزان »مطل الغني ظلم«‪.‬‬
‫)ومنها(‪ :‬أي من الصفة بالمعنى السابق )العلة( نحو أعط السائل لحاجته أي المحتاج دون غيره‪.‬‬
‫)والظرف( زمانا أو مكانا نحو‪ :‬سافر غدا أي ل في غيره‪ ،‬واجلس أمام فلن أي‪ :‬ل في غيره من‬
‫ن أولت‬ ‫بقية جهائه‪) .‬والحال( نحو أحسن إلى العبد مطيعا أي ل عاصيا‪) .‬والشرط( نحو‪} :‬وإن ك ّ‬
‫ن‪) .‬وكذا الغاية( في الصح نحو‪} :‬فإن طلقها‬ ‫ن ل يجب النفاق عليه ّ‬‫ن{ أي فغيره ّ‬
‫حمل فأنفقوا عليه ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره{ أي فإذا نكحته تحل للول بشرطه‪ ،‬وقيل الغاية منطوق‬ ‫فل تح ّ‬
‫أي بالشارة لتبادره إلى الذهان‪ ،‬وأجاب الول بأنه ل يلزم من ذلك أن يكون منطوقا‪) .‬وتقديم‬
‫المعمول( بقيد زدته بقولي‪) :‬غالبا( في الصح نحو }إياك نعبد{ أي ل غيرك‪ ،‬وقيل ل يفيد الحصر‪،‬‬
‫وإنما أفاده في }إياك نعبد{ للقرينة‪ ،‬وهي العلم بأن قائليه أي المؤمنين ل يعبدون غير ذلك‪) .‬والعدد(‬
‫في الصح نحو‪} :‬فاجلدوهم ثمانين جلدة{ أي ل أكثر ول أقل‪ ،‬وهذا ما نقله الشيخ أبو حامد وغيره‬
‫عن الشافعي وإمام الحرمين عنه وعن الجمهور‪ ،‬وقيل ليس منها‪ .‬وعزاه النووي إلى جماهير‬
‫الصوليين‪ ،‬لكن تعقبه ابن الرفعة وتعجب منه مع أن ما نقله معارض بما مر عن المام‪.‬‬

‫)ويفيد الحصر إنما بالكسر في الصح( لشتمالها على نفي واستثناء تقديرا نحو‪} :‬إنما إلهكم ال{ أي‬
‫ل‪ ،‬وقيل ليست للحصر لنها إ ّ‬
‫ن‬ ‫ل غيره والله المعبود بحق ونحو‪ :‬إنما زيد قائم أي ل قاعد مث ً‬
‫المؤكدة وما الزائدة الكافة فل نفي فيها‪ ،‬وقيل للحصر منطوقا أي بالشارة أما أنما بالفتح نحو‪:‬‬
‫}اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة{ الية فليست لحصر بناء على بقاء أن فيها على‬
‫مصدريتها مع كفها بما‪ ،‬والمعنى اعلموا حقارة الدنيا فل تؤثروها على الخرة الجليلة‪ ،‬فبقاء أن في‬
‫الية على المصدرية كاف في حصول المقصود بها من تحقير الدنيا‪ ،‬وقيل للحصر كأصلها إنما‬
‫بالكسر‪ ،‬والمراد أن الدنيا ليست إل هذه المور المحقرات أي‪ :‬ل القرب فإنها من أمور الخرة‬
‫لظهور ثمرتها فيها بقولي من زيادتي في الصح راجع إلى المسائل الربع )و( نحو )ضمير‬
‫ي أي ناصر‪) .‬و( نحو )ل وإل الستثنائية( نحو‪ :‬ل‬ ‫ي‪ :‬أي فغيره ليس بول ّ‬‫الفصل(نحو‪ :‬فال هو الول ّ‬
‫عالم إل زيد‪ ،‬وما قام إل زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غير زيد ومفهومهما إثبات العلم‪،‬‬
‫والقيام لزيد‪ ،‬ومما يفيد الحصر نحو‪ :‬العالم زيد وصديقي زيد‪ ،‬وذلك مفاد من زيادتي نحو‪ :‬وقد يفاد‬
‫أيضا من قولي كالصل‪ ،‬ومنها ورتبته قبل الشرط‪) .‬وهو( أي الخير وهو نحو ل وإل الستثنائية‬
‫)أعلها(‪ :‬أي أنواع مفهوم المخالفة إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة تبادره إلى الذهان‪ ،‬وبه‬
‫يعلم أن في كون هذا من الصفة خلفا أيضا‪) .‬فما قيل( فيه إنه )منطوق( أي إشارة كنعت وحال‬
‫وظرف وعلة مناسبات )كالغاية وإنما( والعدد )فالشرط( إذ لم يقل أحد إنه منطوق‪) .‬فصفة أخرى‬
‫مناسبة( للحكم لن بعض القائلين بالشرط خالف في الصفة‪) .‬و( صفة )غير مناسبة( كالمذكورات‬
‫الغير المناسبة فهو سواء‪) .‬فالعدد( لنكار كثير له دون ما قبله كما‪) .‬فتقديم المعمول( آخر المفاهيم‬
‫لنه ل يفيد الحصر في كل صورة كما مّر‪) .‬والمفاهيم( المخالفة )حجة لغة في الصح(‪،‬‬

‫ي المسكوت« ظلم« إنه يدل على‬ ‫لقول كثير من أئمة اللغة بها‪ ،‬فقال جمع منهم في خبر »مطل الغن ّ‬
‫أن مطل غير الغني ليس بظلم وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب‪ ،‬وقيل‬
‫حجة شرعا لمعرفة ذلك من موارد كلم الشارع‪ ،‬وقيل حجة معنى وهو أنه لو لم ينف المذكور‬
‫الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة‪ ،‬وأنكر بعضهم مفاهيم المخالفة كلها مطلقا‪ ،‬وإن قال في‬
‫المسكوت بخلف حكم المنطوق فلمر آخر كما في انتفاء الزكاة عن المعلوفة قال‪ :‬الصل عدم‬
‫الزكاة وردت في السائمة فبقيت المعلوفة على الصل‪ ،‬وأنكرها بعضهم في الخبر نحو‪ :‬في الشام‬
‫الغنم السائمة‪ ،‬فل ينفي المعلوفة عنها لن الخبر له خارجي يجوز الخبار ببعضه فل يتعين القيد‬
‫فيه للنفي بخلف النشاء نحو‪ :‬زكوا عن الغنم السائمة‪ ،‬وما في معناه مما مّر فل خارجي له فل‬
‫فائدة للقيد فيه إل النفي‪ ،‬وأنكرها بعضهم في غير الشرع من كلم المؤلفين والواقفين لغلبة الذهول‬
‫عليهم بخلفه في الشرع من كلم ال تعالى ورسوله‪ .‬واعتمده السبكي والبرماوي قال‪ :‬وهو ظاهر‬
‫المذهب وأنكر بعضهم صفة ل تناسب الحكم‪ ،‬كأن يقول الشارع في الغنم العفر الزكاة فهي كاللقب‬
‫بخلف المناسبة كالسوم لخفة مؤنة السائمة فهي كالعلة‪ ،‬وظاهر أن محل العمل بمفهومات‬
‫المذكورات إذا لم يعارضه معارض أقوى وإل قدم القوى كخبري‪» :‬إنما الربا في النسيئة« و»إنما‬
‫الولء لمن أعتق« فإنهما معارضان بالجماع‪ ،‬أما مفهوم الموافقة فاتفقوا على حجيته وإن اختلفوا‬
‫في طريق الدللة عليه كما مّر‪) .‬وليس منها( أي من المفاهيم المخالفة )اللقب( علما كان أو اسم‬
‫جنس أو اسم جمع )في الصح( كما قال به جماهير الصوليين‪ ،‬وقيل منها نحو‪ :‬على زيد حج‪ ،‬أي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل على غيره‪ ،‬إذ ل فائدة لذكره إل نفي الحكم عن غيره‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن نفي الحكم عن غيره إنما كان‬
‫للقرينة وبأن فائدة ذكره استقامة الكلم‪ ،‬إذ بإسقاطه تختل الصفة‪.‬‬
‫)‬

‫مسألة‪ :‬من اللطاف(جمع لطف بمعنى ملطوف أي‪ :‬من المور الملطوف بالناس بها‪) .‬حدوث‬
‫الموضوعات اللغوية( بإحداث ل تعالى‪ ،‬وإن قيل واضعها غيره من العباد لنه الخالق لفعالهم‬
‫وفائدتها أن يصبر كل أحد من الناس عما في نفسه مما يحتاجه لغيره ليعاونه عليه لعدم استقلله به‪.‬‬
‫)وهي( في الدللة على ما في النفس )أفيد من الشارة والمثال(‪ :‬أي الشكل لنها تعم الموجود‬
‫والمعدوم‪ ،‬وهما يخصان الموجود المحسوس‪) .‬وأيسر( منهما أيضا لموافقتها للمر الطبيعي دونهما‬
‫لنها كيفيات تعرض للنفس الضروري )وهي ألفاظ(‪ ،‬ولو مقّدرة أو مركبة ولو تركيبا إسناديا )دالة‬
‫على معان( خرج باللفاظ الدوال الربع‪ ،‬وهي الخطوط والعقود والشارات والنصب‪ ،‬وبما بعدها‬
‫اللفاظ المهملة‪) .‬و( إنما )تعرف بالنقل( تواترا كالسماء والرض والحر والبرد لمعانيها المعروفة‬
‫أو آحادا كالقرء للحيض وللطهر‪) .‬وباستنباط العقل منه(‪ :‬أي من النقل نحو الجمع المعرف باللم‬
‫عام‪ ،‬فإن العقل يستنبطه مما نقل أن هذا الجمع يصح الستثناء منه بأن يضم إليه‪ ،‬وكل ما صح‬
‫الستثناء منه مما ل حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثنى‪ ،‬فعلم أنها ل تعرف بمجرد العقل‪ ،‬إذ‬
‫ل مجال له في ذلك )ومدلول اللفظ( إما )معنى جزئي أو كلي( لنه إن منع تصّوره من الشركة فيه‬
‫كمدلول زيد فجزئي‪ ،‬وإن لم يمنع منها كمدلول النسان فكلي‪) ،‬أو لفظ مفرد( إما مستعمل كمدلول‬
‫الكلمة بمعنى ما صدقها كرجل وضرب وهل‪ ،‬أو مهمل كمدلول أسماء حروف الهجاء كحروف‬
‫جلس أي جه له سه‪) .‬أو( لفظ )مركب( إما مستعمل كمدلول لفظ الخبر أي ما صدقه كقام زيد أو‬
‫مهمل كمدلول لفظ الهذيان‪ ،‬وسيأتي ذلك في مبحث الخبار مع زيادة وإطلق المدلول على‬
‫الماصدق كما هنا شائع‪ ،‬والصل إطلقه على المفهوم وهو ما وضع له اللفظ‪) .‬والوضع( الشامل‬
‫للغوي والعرفي والشرعي )جعل اللفظ دليل المعنى( فيفهمه منه العارف لوضعه له‪) .‬وإن لم يناسبه‬
‫في الصح( لن اللفظ علمة للمعنى‬

‫بطريق الوضع‪ ،‬ولن الموضوع للضدين كالجون للسود والبيض ل يناسبهما‪ ،‬واشترط عباد‬
‫الصيمري من المعتزلة مناسبته له‪ ،‬قال‪ :‬وإل فلم اختص به‪ ،‬وعليه فقيل أراد أنها حاملة على‬
‫الوضع على وفقها فيحتاج إليه‪ ،‬وقيل أراد أنها كافية في دللة اللفظ على المعنى‪ ،‬فل يحتاج إلى‬
‫الوضع يدرك ذلك من خصه ال به كما في القافة ويعرفه غيره منه‪.‬‬

‫حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم المسميات من السماء فقيل له ما مسمى آدغاغ وهو من لغة‬
‫البربر؟ فقال‪ :‬أجد فيه يبسا شديدا وأراه اسم الحجر وهو كذلك‪ .‬قال الصفهاني‪ :‬والثاني هو‬
‫الصحيح عن عباد‪) .‬واللفظ( الدال على معنى ذهني خارجي أي له وجود في الذهن بالدراك‪،‬‬
‫ووجود في الخارج بالتحقق كالنسان بخلف المعدوم ل وجود له في الخارج كبحر من زئبق‪.‬‬
‫)موضوع للمعنى الذهني على المختار( وفاقا للمام الرازي وغيره‪ ،‬لنا إذا رأينا جسما من بعيد‬
‫وظنناه صخرة سميناه بها‪ ،‬فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان وظنناه طيرا سميناه به‪ ،‬فإذا دنونا منه‬
‫عرفنا أنه إنسان سميناه به‪ ،‬فاختلف السم لختلف المعنى الذهني‪ ،‬وذلك يدل على أن الوضع له‬
‫والجواب بأن اختلف السم لذلك الظن أنه في الخارج كذلك‪ ،‬فالموضوع له ما في الخارج والتعبير‬
‫عنه تابع لدراك الذهن له حسبما أدركه مردود بأنه ل يلزم من كون الختلف لظن ما ذكر أن‬
‫يكون اللفظ موضوعا للمعنى الخارجي‪ .‬وقيل‪ :‬موضوع للمعنى الخارجي لن به تستقّر الحكام‬
‫ورجحه الصل‪ ،‬وقيل‪ :‬موضوع للمعنى من حيث هو من غير تقييد بذهني أو خارجي‪ ،‬واختاره‬
‫السبكي‪ .‬قال ابنه في منع الموانع‪ :‬والخلف في اسم الجنس أي في النكرة إذ المعرفة منه ما وضع‬
‫للخارجي‪ ،‬ومنه ما وضع للذهني كما سيأتي‪ .‬وهذا التقييد يؤيد ما اخترته إذ النكرة موضوعة لفرد‬
‫ل إل في الذهن كما أوضحته في الحاشية‪.‬‬ ‫شائع من الحقيقة وهو كلي ل يوجد مستق ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)ول يجب( هو أولى من قوله وليس )لكل معنى لفظ بل( إنما يجب )لمعنى محتاج للفظ( إذ أنواع‬
‫الروائح مع كثرتها ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها‪ ،‬ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا‪ ،‬فليست محتاجة‬
‫ص أو ظاهر‬ ‫إلى اللفاظ وبل هنا انتقالية ل إبطالية‪) .‬والمحكم( من اللفظ )المتضح العنى( من ن ّ‬
‫)والمتشابه( منه )غيره(‪ :‬أي غير المتضح المعنى ولو للراسخ في العلم‪) .‬في الصح( بناء على أن‬
‫الوقف في الية المشار إليها بعد على إل ال‪) .‬وقد يوضحه ال لبعض أصفيائه( معجزة أو كرامة‪،‬‬
‫وقيل هو غير متضح المعنى لغير الراسخ في العلم بناء على أن الوقف في الية على‪} :‬والراسخون‬
‫في العلم{ والصطلح المذكور مأخوذ من قوله تعالى‪} :‬منه آيات محكمات{ إلى آخره‪ .‬وذكر‬
‫الخلف من زيادتي وتعريفي للمتشابه بما ذكر أولى من قوله‪ :‬والمتشابه ما استأثر ال بعلمه لن‬
‫ذاك تعريف بالملزوم‪) .‬واللفظ الشائع( بين الخواص والعوام‪) .‬ل يجوز وضعه لمعنى خفي على‬
‫ي عليهم ل يدركونه وإن أدركه الخواص‪) .‬كقول مثبتي الحال(‪:‬‬ ‫العوام( لمتناع تخاطبهم بما هو خف ّ‬
‫أي الواسطة بين الموجود والمعدوم كما سيأتي أواخر الكتاب‪) .‬الحركة معنى يوجب تحرك الذات(‪:‬‬
‫ي التعقل على العوام‪ ،‬فل يكون معنى الحركة الشائعة بين الجميع‬ ‫أي الجسم‪ ،‬فإن هذا المعنى خف ّ‬
‫ومعناها الظاهر تحرك الذات أو انتقالها‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المختار( ما عليه الجمهور‪) .‬أن اللغات توقيفية(‪ :‬أي وضعها ال تعالى فعبروا عن وضعه‬
‫لها بالتوقيف لدراكه به‪) .‬علمها ال( عباده )بالوحي( إلى بعض أنبيائه وهو الظاهر لنه المعتاد في‬
‫ل من يسمعها من العباد عليها‪) .‬أو( خلق )علم‬ ‫تعليم ال‪) .‬أو بخلق أصوات( في أجسام بأن تد ّ‬
‫ضروري( في بعض العباد بها واحتج للقول بالتوقيف بقوله تعالى‪} :‬وعلم آدم السماء كلها{ أي‬
‫ل منها اسم أي عال بمسماه إلى الذهن أو علمة‬ ‫اللفاظ الشاملة للسماء والفعال والحروف‪ ،‬لن ك ً‬
‫ل على أنه الواضع دون البشر‪ ،‬وقيل‬ ‫عليه‪ ،‬وتخصيص السم ببعضها عرف طرأ وتعليمه تعالى دا ّ‬
‫هي اصطلحية ل توقيفية‪ :‬أي وضعها البشر واحد أو أكثر وحصل عرفانها منه لغيره بالشارة‬
‫والقرينة‪ ،‬كالطفل‪ ،‬أذ يعرف لغة أبويه بهما‪ ،‬واحتج لهذا القول بقوله تعالى‪} :‬وما أرسلنا من رسول‬
‫إل بلسان قومه{ أي بلغتهم فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي لتأخرت عنها‪،‬‬
‫وقيل القدر المحتاج إليه في التعريف بها للغير توقيفي لدعاء الحاجة إليه وغيره محتمل‪ ،‬وقيل القدر‬
‫المحتاج إليه في التعريف اصطلحي وغير محتمل‪ ،‬والحاجة إلى الول تندفع بالصطلح‪ ،‬وتوقف‬
‫كثير من العلماء عن القول بواحد من هذه القوال لتعارض أدلتها‪.‬‬

‫)و( المختار)أن التوقيف مظنون( لظهور دليله دون دليل الصطلح‪ ،‬إذ ل يلزم من تقدم اللغة على‬
‫البعثة أن تكون اصطلحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبّوة والرسالة‪.‬‬
‫)وأن اللغة ل تثبت قياسا(‪ :‬أي به بقيد زدته بقولي‪) :‬فيما في معناه وصف( فإذا اشتمل معنى اسم‬
‫على وصف مناسب للتسمية كالخمر أي‪ :‬المسكر من ماء العنب لتخميره أي تغطيته للعقل ووجد‬
‫ذلك الوصف في معنى اسم آخر كالنبيذ أي‪ :‬المسكر من غير ماء العنب لم يثبت له بالقياس ذلك‬
‫السم لغة‪ ،‬فل يسمى النبيذ خمرا‪ ،‬إذ ما من شيء إل وله اسم لغة فل يثبت له اسم آخر قياسا‪ ،‬كما‬
‫إذا ثبت لشيء حكم بنص لم يثبت له حكم آخر قياسا‪ ،‬وقيل يثبت به فيسمى النبيذ خمرا فيجب‬
‫اجتنابه بآية }إنما الخمر والميسر{ ل بالقياس على الخمر‪ ،‬فإن قلت‪ :‬ينبغي ترجيحه فقد قال به‬
‫الشافعي حيث قاس النباش بالسارق فأوجب القطع وقاس النبيذ بالخمر فأوجب الحّد‪ .‬قلنا‪ :‬قاس‬
‫شرعا ل لغة إذ زوال العقل وأخذ مال الغير خفية وصف مناسب للحكم ل أنه قاس وصف النباش‬
‫ووصف النبيذ بوصف السارق ووصف الخمر‪ ،‬وقيل‪ :‬تثبت به الحقيقة دون المجاز لنه أخفض‬
‫رتبة منها‪ ،‬وقيل‪ :‬غير ذلك والترجيح من زيادتي وبما تقرر علم أن محل الخلف في غير العلم‪،‬‬
‫وفيما لم يثبت تعميمه باستقراء‪ ،‬فالعلم ل قياس فيها اتفاقا‪ ،‬وما ثبت تعميمه باستقراء كرفع الفاعل‬
‫ونصب المفعول ل حاجة في ثبوت ما لم يسمع منه إلى قياس حتى يختلف في ثبوته‪ ،‬مع أنه ل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫يتحقق في جزئياته أصل وفرع‪ ،‬لن بعضها ليس أولى من بعض بذلك‪ ،‬وخرج بما في معناه وصف‬
‫غيره فل قياس فيه اتفاقا ل لنتفاء الجامع‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬اللفظ( المفرد )والمعنى إن اتحدا( بأن كان كل منهما واحدا )فإن منع تصّور معناه(‪ :‬أي‪:‬‬
‫ل )فجزئي(‪ :‬أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا حقيقيا‬ ‫معنى اللفظ المذكور )الشركة( فيه من اثنين مث ً‬
‫كزيد‪) .‬وإل( أي وإن لم يمنع تصّور معناه الشركة فيه )فكلي( سواء امتنع وجود معناه كالجمع بين‬
‫الضدين أم أمكن ولم يوجد منه كبحر زئبيق أو وجد وامتنع غيره كالله أي المعبود بحق‪ ،‬أو أمكن‬
‫ولم يوجد كالشمس أي الكوكب النهاري المضيء‪ ،‬أو وجد كالنسان أي الحيوان الناطق‪ ،‬وما مر‬
‫من تسمية المدلول جزئيا وكليا هو الحقيقة‪ ،‬وما هنا مجاز من تسمية الدال باسم المدلول‪.‬‬
‫)متواطىء( ذلك الكلي‪) .‬إن استوى(‪ :‬معناه في أفراده كالنسان فإنه متساوي المعنى في أفراده من‬
‫زيد وعمرو وغيرهما سمي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه‪) .‬وإل( فإن‬
‫تفاوت معناه في إفراده بالشدة أو التقدم كالبياض‪ ،‬فإن معناه في الثلج أشد منه في العاج‪ ،‬وكالوجود‬
‫فإن معناه في الواجب قبله في الممكن‪) ،‬فمشكك( سمي به لتشكيكه الناظر فيه في أنه متواطىء‬
‫نظرا إلى جهة اشتراك الفراد في أصل المعنى أو غير متواطىء نظرا إلى جهة الختلف‪) .‬وإن‬
‫تعددا( أي اللفظ والمعنى كالنسان والفرس‪) .‬فمباين( أي كل من اللفظين للخر مباينا له لمباينة‬
‫معنى كل منهما لمعنى الخر‪) .‬أو( تعدد )اللفظ فقط( أي دون المعنى كالنسان والبشر‪) .‬فمرادف(‬
‫كل من اللفظين للخر سمى مرادفا له لمرادفته له أي‪ :‬موافقته له في معناه‪) .‬وعكسه( وهو أن‬
‫يتعدد المعنى دون اللفظ كأن يكون للفظ معنيان‪) .‬إن كان( أي اللفظ )حقيقة فيهما( أي في المعنيين‬
‫كالقرء للحيض والطهر‪) .‬فمشترك( لشتراك المعنيين فيه‪) .‬وإل فحقيقة ومجاز( كالسد للحيوان‬
‫المفترس وللرجل الشجاع‪ ،‬وإنما لم يقولوا أو مجازان أيضا‪ ،‬مع أنه يجوز أن يتجّوز في اللفظ من‬
‫غير أن يكون له معنى حقيقي كما هو الصح التي‪ ،‬كأنه‪ ،‬لن هذا القسم لم يثبت وجوده‪.‬‬

‫ل منها لم يعين‬
‫)والعلم ما( أي لفظ )عين مسماه( خرج النكرة )بوضع( خرج بقية المعارف فإن ك ً‬
‫ل إنما يعين مسماه بقرينة الخطاب ل بوضعه‪ ،‬فإنه إنما وضع‬ ‫مسماه بالوضع بل بأمر آخر‪ ،‬فأنت مث ً‬
‫لما يستعمل فيه من أي جزئي وما ذكرته أولى من قوله ما وضع لمعنى ل يتناول غيره‪) .‬فإن كان‬
‫تعيينه( أي المسمى )خارجيا فعلم شخص( فهو ما عين مسماه في الخارج بوضع‪ ،‬فل يخرج العلم‬
‫العارض الشتراك كزيد سمي به كل من جماعة‪) .‬وإل( بأن كان تعيينه ذهنيا‪) ،‬فعلم جنس(‪ .‬فهو ما‬
‫عين مسماه في الذهن بوضع بأن يلحظ وجوده فيه كأسامة علم للسبع أي لماهيته الحاضرة في‬
‫الذهن‪ .‬وأما اسم الجنس ويسمى المطلق‪ ،‬فهو عند جمع من المحققين ما وضع لشائع في جنسه‪،‬‬
‫وسيأتي إيضاحه في بحث المطلق وعند الصل تبعا لجمع وهو المختار ما وضع للماهية المطلقة‬
‫أي‪ :‬من غير أن تعين في الخارج أو في الذهن كأسد اسم لماهية السبع واستعماله فيها كأن يقال‪ :‬أسد‬
‫أجرأ من ثعلب‪ ،‬كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة‪ ،‬ويدل على اعتبار التعيين في علم الجنس إجراء‬
‫الحكام اللفظية لعلم الشخص عليه كمنع الصرف مع تاء التأنيث‪ ،‬وإيقاع الحال منه نحو‪ :‬هذا أسامة‬
‫ل‪ ،‬واستعمال علم الجنس أو اسم الجنس على القول الثاني معرفا أو منكرا في الفرد المعين أو‬‫مقب ً‬
‫المبهم من حيث اشتماله على الماهية حقيقي نحو‪ :‬هذا أسامة أو السد أو أسد أو إن رأيت أسامة أو‬
‫السد أو أسدا ففر منه‪) .‬مسألة‪ :‬الشتقاق(‪ :‬هو لغة القطاع‪ ،‬واصطلحا من حيث قيامه بالفاعل‪.‬‬
‫)رد لفظ إلى( لفظ )آخر(‪ .‬وإن كان الخر مجازا )لمناسبة بينهما في المعنى(‪ :‬بأن يكون معنى‬
‫الثاني في الول‪) .‬و( في )الحروف الصلية(‪ :‬بأن تكون فيهما على ترتيب واحد كما في الناطق من‬
‫النطق بمعنى التكلم حقيقة‪ ،‬وبمعنى الدللة مجازا كما في قولك‪ :‬الحال ناطقة بكذا أي دالة عليه‪ ،‬وقد‬
‫ل يشتق من المجاز كما في المر بمعنى الفعل مجازا كما سيأتي‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وقضية الرد ما صرح به الصل أنه ل بد في تحقيق الشتراك من تغيير بين اللفظين تحقيقا كما في‬
‫ضرب من الضرب‪ ،‬أو تقديرا كما في طلب من الطلب وحلب من الحلب‪ .‬فتقدر فتحة اللم في‬
‫الفعل غيرها في المصدر كما قدروا ضم النون في جنب جمعا غيرها فيه مفردا‪ ،‬ثم ما ذكر تعريف‬
‫للشتقاق المراد عند الطلق وهو الصغير‪ ،‬أما الكبير فليس فيه الترتيب كما في الجبذ والجذب‪،‬‬
‫والكبر ليس فيه جميع الصول كما في الثلم والثلب‪ ،‬ويقال فيها أيضا أصغر وصغير وكبير‬
‫وأصغر وأوسط وأكبر‪) .‬وقد يطرد( المشتق كاسم )الفاعل(‪ :‬نحو ضارب لكل من وقع منه الضرب‬
‫)وقد يختص( بشيء )كالقارورة(‪ :‬من القرار للزجاجة المعروفة دون غيرها مما هو مقر للمائع‬
‫ق منه(‪ :‬أي من الوصف أي لفظه‪.‬‬ ‫ككوز‪) .‬ومن لم يقم( أي يتعلق )به( من الشياء )وصف لم يشت ّ‬
‫)اسم عندنا( خلفا للمعتزلة في تجويزهم ذلك حيث نفوا عن ال تعالى صفاته الذاتية المجموعة في‬
‫قول القائل‪:‬‬

‫حياة وعلم قدرة وإرادة‬


‫وسمع وأبصار كلم مع البقا‬

‫ل‪ ،‬لكن قالوا بذاته ل بصفات زائدة عليها متكلم‪ ،‬لكن بمعنى أنه‬ ‫ووافقوا على أنه عالم قادر مريد مث ً‬
‫خالق الكلم في جسم كالشجرة التي سمع منها موسى عليه السلم بناء على أن الكلم عندهم ليس‬
‫إل بالحروف والصوات الممتنع اتصافه تعالى بها‪ ،‬ففي الحقيقة لم يخالفوا فيها هنا‪ ،‬لن صفة‬
‫الكلم بمعنى خلقه ثابتة له تعالى‪ ،‬وكذا بقية الصفات الذاتية‪ ،‬وإنما ينفون زيادتها على الذات‬
‫ويزعمون أنها نفس الذات فرارا بذلك من تعدد القدماء على أن تعددها‪ ،‬إنما هو محذور في ذوات‬
‫ل في ذات وصفات‪ ،‬وبنوا على تجويزهم المذكور ما ذكره الصل هنا وغيره في المسألة النسخ‬
‫قبل الفعل من اتفاقهم على أن إبراهيم ذبح ابنه إسماعيل عليه الصلة والسلم‪ ،‬حيث أمّر عندهم آلة‬
‫الذبح على محله منه‪ ،‬واختلفهم هل إسماعيل مذبوح أو ل؟ فقيل‪ :‬نعم والتأم ما قطع منه‪ ،‬وقيل ل‪.‬‬
‫فالقائل بهذا أطلق الذابح على من لم يقم به الذبح‪ ،‬لكن بمعنى أنه ممر آلته على محله فما خالف في‬
‫الحقيقة‪ ،‬وعندنا لم يمرها عليه لنسخ الذبح قبل التمكن منه لقوله تعالى‪} :‬وفديناه بذبح عظيم{‪.‬‬

‫)فإن قام به( أي بالشيء )ما( أي وصف )له اسم جواب(‪ .‬الشتقاق لغة من ذلك السم لمن قام به‬
‫الوصف كاشتقاق العالم من العلم لمن قام به معناه‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يقم به ذلك بأن قام به ما ليس‬
‫له اسم كأنواع الروائح إذ لم يوضع لها أسماء استغناء عنها بالتقييد كرائحة كذا كما مّر‪) .‬لم يجز(‪:‬‬
‫أي الشتقاق لستحالته وهذا أولى من قوله لم يجب‪) .‬والصح أنه يشترط بقاء( معنى )المشتق منه(‬
‫في المحل )في كون المشتق( المطلق عليه )حقيقة إن أمكن( بقاء ذلك المعنى كالقيام‪) .‬وإل فآخر‬
‫جزء( أي وإن لم يمكن بقاؤه كالتكلم‪ ،‬لنه بأصوات تنقضي شيئا فشيئا‪ ،‬فالمشترط بقاء آخر جزء‬
‫منه‪ ،‬فإذا لم يبق المعنى أو جزؤه الخير في المحل يكون المشتق المطلق عليه مجازا كالمطلق قبل‬
‫وجود المعنى نحو‪} :‬إنك ميت وإنهم ميتون{ وقيل‪ :‬ل يشترط ما ذكر فيكون المشتق المطلق بعد‬
‫انقضائه حقيقة استصحابا للطلق‪ ،‬وقيل بالوقف عن الشتراط وعدمه لتعارض دليلهما‪ ،‬وإنما‬
‫عبرت كالصل بالبقاء الذي هو استمرار الوجود الكافي في الشتراط ليتأتى حكاية مقابله‪ ،‬وإنما‬
‫اعتبر في الشق الني آخر جزء لتمام المعنى به وفي التعبير فيه بالبقاء تسمح احتمل لما مّر‪ ،‬وقيل‬
‫ما حاصله محل الخلف إذا لم يطرأ على المحل وصف يضاد الول‪ ،‬فإن طرأ عليه ذلك كالسواد‬
‫بعد البياض والقيام بعد القعود لم يسم المحل بالول حقيقة إجماعا‪ ،‬وهذا القول مأخوذ من كلم‬
‫المدي في رّده دليل القول بعدم اشتراط البقاء الذي ل يلتزم الراد فيه مذهبنا‪ ،‬والصح جريان‬
‫الخلف‪ ،‬وقد بينت ما في كلم المدي في الحاشية‪ ،‬وعلى اشتراط ما ذكر بل وعلى عدمه أيضا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)فاسم الفاعل( من جملة المشتق )حقيقة في حال التلبس( بالمعنى أو جزئه الخير مطلقا‪) .‬ل( حال‬
‫)النطق( بالمشتق أيضا فقط خلفا للقرافي حيث قال بالثاني‪ ،‬وبنى عليه سؤاله في آيات }الزانية‬
‫والزاني فاجلدوا{ }والسارق والسارقة فاقطعوا{ }فاقتلوا المشركين{ ونحوها أنها إنما تتناول من‬
‫اتصف بالمعنى بعد نزولها الذي هو حال النطق مجازا‪ ،‬والصل عدم المجاز قال‪ :‬والجماع على‬
‫تناولها له حقيقة‪ ،‬وأجاب بأن المسألة محلها في المشتق المحكوم به نحو‪ :‬زيد ضارب‪ ،‬فإن كان‬
‫محكوما عليه كما في هذه اليات فحقيقة مطلقا‪ .‬وقال السبكي وتبعه ابنه في دفع السؤال‪ :‬إن المعن ّ‬
‫ي‬
‫بالحال حال التلبس بالمعنى‪ ،‬وإن تأخر عن النطق بالمشتق ل حال النطق به الذي هو حال التلبس‬
‫بالمعنى أيضا فقط‪ .‬أي فالجماع إنما هو في التناول لمن ذكره حال التلبس ل حال النطق‪ ،‬فاسم‬
‫ل ومجاز‬ ‫ل حقيقة في من هو متصف بالمعنى حين قيامه به حاضرا عند النطق أو مستقب ً‬ ‫الفاعل مث ً‬
‫في من سيتصف به‪ ،‬وكذا فيمن اتصف به فيما مضى على الصحيح‪) .‬ول إشعار للمشتق‬
‫ل السود جسم‬ ‫بخصوصية الذات(‪ :‬التي دل هو عليها من كونها جسما أو غيره‪ ،‬لن قولك مث ً‬
‫صحيح ولو أشعر السود فيه بالجسمية لكان قولك الجسم ذو السواد جسم وهو غير صحيح لعدم‬
‫إفادته‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أن( اللفظ )المرادف( لخر )واقع( في الكلم جوازا مطلقا كليث وأسد‪ ،‬وقيل‪ :‬ل‪.‬‬
‫وما يظن مرادفا كالنسان والبشر فمباين بالصفة الول باعتبار النسيان وأنه يأنس‪ ،‬والثاني باعتبار‬
‫أنه بادي البشرة أي ظاهر الجلد‪ ،‬وقيل ل في السماء الشرعية لنه ثبت على خلف الصل للحاجة‬
‫إليه في نحو‪ :‬النظم والسجع‪ ،‬وذلك منتف في كلم الشارع‪) .‬و( الصح )أن الحد والمحدود(‪:‬‬
‫كالحيوان الناطق والنسان )ونحو حسن بسن( أي السم وتابعه كعطشان نطشان‪) ،‬ليسا منه( أي من‬
‫ل فهما‬
‫ل والمحدود يدل عليها إجما ً‬
‫المرادف أما الول فلن الحد يدل على أجزاء الماهية تفصي ً‬
‫متغايران‪ ،‬ولن الترادف من عوارض المفردات‪ ،‬وقيل منه بقطع النظر عن الجمال والتفصيل‪،‬‬
‫وأما الثاني فلن التابع ل يفيد المعنى بدون متبوعه وقيل منه وقائله يمنع ذلك‪) .‬والتابع( على الول‬
‫ل من المرادفين( ولو من لغتين‬
‫)يفيد التقوية( للمتبوع وإل لم يكن لذكره فائدة )و( الصح )أن ك ً‬
‫)يقع( جوازا )مكان الخر( في الكلم مطلقا‪ ،‬إذ ل مانع من ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬ل‪ ،‬إذ لو أتي بكلمة فارسية‬
‫مكان كلمة عربية في كلم لم يستقم لغة الكلم‪ ،‬لن ضم لغة إلى أخرى كضم مهمل ومستعمل‪ ،‬وإذا‬
‫عقل ذلك في لغتين عقل مثله في لغة‪ ،‬وقيل‪ :‬ل إن كانا من لغتين لما مّر‪ ،‬وعلى الصح إنما امتنع‬
‫ذلك فيما تعبد بلفظه كتكبيرة الحرام عندنا للقادر عليها العارض شرعي‪ ،‬والبحث إنما هو لغوي‬
‫فل حاجة إلى التقييد بذلك وإن قيد به الصل‪.‬‬

‫ل )واقع( في الكلم )جوازا(‪ :‬كالقراء للطهر والحيض‬ ‫)مسألة‪ :‬الصح أن المشترك( بين معنيين مث ً‬
‫ن مشتركا فهو إما‬ ‫وعسعس لقبل وأدبر والباء للتبعيض والستعانة وغيرهما‪ .‬وقيل‪ :‬ل‪ ،‬وما يظ ّ‬
‫حقيقة أو مجاز أو متواطىء كالعين حقيقة في الباصرة مجاز في غيرها كالذهب لصفائه‪ ،‬وكالقرء‬
‫موضوع للقدر المشترك بين الطهر والحيض‪ ،‬وهو المع من قرأت الماء في الحوض أي‪ :‬جمعته‬
‫فيه‪ ،‬والدم يجتمع في زمن الطهر في الجسد وفي زمن الحيض في الرحم‪ ،‬وقيل‪ :‬ل في القرآن‬
‫والحديث لنه ولو وقع فيهما لوقع إما مبينا فيطول بل فائدة أو غير مبين فل يفيد‪ ،‬والقرآن والحديث‬
‫ينزهان عن ذلك‪ .‬وأجيب‪ :‬باختيار الثاني ويفيد إرادة أحد معنييه الذي سيبين وإن لم يبين حمل على‬
‫معنييه كما سيأتي‪ .‬وقيل‪ :‬يجب وقوعه لن المعاني أكثر من اللفاظ الدالة عليها‪ .‬وأجيب‪ :‬بمنع ذلك‬
‫ل لفظ يدل عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو ممتنع لخلله بفهم المراد‬ ‫إذ ما من مشترك إل ولكل من معنييه مث ً‬
‫المقصود من الوضع‪ .‬وأجيب ‪ :‬بأنه يفهم بالقرينة‪ ،‬والمقصود من الوضع الفهم التفصيلي أو‬
‫الجمالي المبين بالقرينة‪ .‬فإن انتفت حمل على المعنيين‪ ،‬وقيل‪ :‬ممتنع من النقيضين فقط إذ لو وضع‬
‫لهما لفظ لم يفد سماعه غير التردد بينهما وهو حاصل في العقل‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنه قد يعقل عنهما‬
‫فيستحضرهما بسماعه ثم يبحث عن المراد منهما‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل )معا( بأن يراد به من متكلم‬ ‫)و( الصح )أنه( أي المشترك‪) .‬يصح لغة إطلقه على معنييه( مث ً‬
‫ل‪ .‬وقرأت هند وتريد طهرت‬ ‫واحد في وقت واحد كقولك‪ :‬عندي عين وتريد الباصرة والجارية مث ً‬
‫وحاضت‪) .‬مجازا(‪ :‬لنه لم يوضع لهما معا بل لكل منهما منفردا بأن تعدد الواضع أو وضع الواحد‬
‫نسيانا للّول ‪ .‬وعن الشافعي‪ :‬أنه حقيقة نظرا لوضعه لكل منهما وأنه ظاهر فيهما عند التجرد عن‬
‫القرائن‪ ،‬وعن القاضي أبي بكر الباقلني أنه حقيقة‪ ،‬وأنه مجمل لكن يحمل عليهما احتياطا‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ل ل لغة‪ ،‬وقيل‪ :‬يصح ذلك في النفي نحو‪ :‬ل عين عندي‪ ،‬ويراد به‬ ‫يصح أن يراد به المعنيان عق ً‬
‫ل دون الثبات نحو‪ :‬عندي عين لن زيادة النفي على الثبات معهودة‪ ،‬ورّد بأن‬ ‫الباصرة والذهب مث ً‬
‫النفي ل يرفع إل ما يقتضيه الثبات والخلف فيما إذا أمكن الجمع بينهما‪ ،‬فإن امتنع كما في‬
‫استعمال صيغة أفعل في طلب الفعل والتهديد عليه على القول التي إنها مشتركة بينهما فل يصح‬
‫قطعا‪) .‬و( الصح )أن جمعه باعتبارهما(‪ :‬أي معنييه بناء على جواز جمعه‪ ،‬وهو ما رجحه ابن‬
‫ل باصرتين وجارية أو باصرة وجارية وذهبا‪) .‬مبني عليه(‪ :‬أي‬ ‫مالك كقولك‪ :‬عندي عيون وتريد مث ً‬
‫على ما ذكر من صحة إطلق اللفظ المشترك المفرد عليهما معا كما أن المنع مبني على المنع‪،‬‬
‫وقيل ل يبنى عليه فقط بل يأتي على القول بالمنع أيضا‪ ،‬لن الجمع في قّوة تكرير المفردات‬
‫بالعطف‪) .‬و( الصح )أن ذلك(‪ :‬أي ما ذكر من صحة إطلق اللفظ على معنييه معا مجاز إلى‬
‫آخره‪) .‬آت في الحقيقة والمجاز(‪ :‬كما في قولك‪ :‬رأيت السد وتريد الحيوان المفترس والرجل‬
‫الشجاع‪ ،‬فيكون مجازا‪ .‬وقيل‪ :‬حقيقة ومجازا‪ .‬ومنع القاضي ذلك على ما نقله عنه الصل لما فيه‬
‫من الجمع بين متنافيين حيث أريد باللفظ الموضوع له أو ل وغيره معا‪ .‬وأجيب بمنع التنافي‪) .‬و(‬
‫آت )في المجازين( كقولك‪ :‬وال ل أشتري وتريد السوم والشراء بالتوكيل فيه‪ ،‬وقيل ل يأتي فيهما‬
‫لما مّر‪ ،‬وإذا علم صحة‬

‫ل لصيغة افعل‬
‫إطلق اللفظ على حقيقته ومجازه‪) .‬فنحو‪ :‬افعلوا الخير يعم الواجب والمندوب( حم ً‬
‫ل للواجب والمندوب‪،‬‬
‫على الحقيقة والمجاز من الوجوب والندب بقرينة كون متعلقهما كالخير شام ً‬
‫وقيل‪ :‬يختص بالواجب بناء على أنه ل يراد المجاز مع الحقيقة‪ .‬وقيل‪ :‬هو للقدر المشترك بين‬
‫الواجب والمندوب أي‪ :‬مطلوب الفعل بناء على القول التي أن الصيغة حقيقة في القدر المشترك‬
‫بين الوجوب والندب أي‪ :‬طلب الفعل وإطلق الحقيقة والمجاز على المعنى كما هنا مجازي من‬
‫إطلق اسم الدال على المدلول‪.‬‬

‫)الحقيقة لفظ مستعمل( خرج اللفظ المهمل وما وضع ولم يستعمل‪) .‬فيما وضع له( خرج الغلط‬
‫كقولك خذ هذا القوس مشيرا إلى حمار‪) .‬أو ل( خرج المجاز‪) .‬وهي لغوية(‪ :‬بأن وضعها أهل اللغة‬
‫بتوقيف أو اصطلح كالسد للحيوان المفترس )وعرفية(‪ :‬بأن وضعها أهل العرف العام كالدابة‬
‫ب على الرض أو الخاص كالفاعل للسم المعروف‬ ‫لذات الحوافر كالحمار‪ ،‬وهي لغة لكل ما يد ّ‬
‫عند النحاة‪) .‬ووقعتا(‪ :‬أي اللغوية والعرفية خلفا لقوم في العامة‪) .‬وشرعية( بأن وضعها الشارع‬
‫كالصلة للعبادة المخصوصة فالشرعي ما لم يستفد وضعه إل من الشرع‪) .‬والمختار وقوع الفرعية‬
‫منها(‪ :‬أي من الشرعية كالصلة‪) .‬ل الدينية(‪ :‬أي المتعلقة بأصول الدين فإنها في الشرع مستعملة‬
‫في معناها اللغوي كاليمان فإنه كذلك‪ ،‬ومعناه اللغوي تصديق القلب‪ ،‬وإن اعتبر الشارع في‬
‫العتداد به التلفظ بالشهادتين من القادر كما سيأتي‪ .‬ونفي قوم إمكان الشرعية بناء على أن بين اللفظ‬
‫ل مستعمل في‬ ‫والمعنى مناسبة مانعة من نقله إلى غيره‪ ،‬وقوم وقوعها محتجين بأن لفظ الصلة مث ً‬
‫الشرع في معناه اللغوي أي‪ :‬الدعاء بخير‪ ،‬لكن اعتبر الشارع في العتداد به أمورا كالركوع‬
‫وغيره‪ ،‬وقال قوم‪ :‬وقعت مطلقا‪ ،‬وقوم وقعت إل اليمان فإنه في الشرع مستعمل في معناه اللغوي‬
‫كما مر‪) .‬والمجاز( في الفراد وهو المراد عند الطلق )لفظ مستعمل( فيما وضع له لغة أو عرفا‬
‫أو شرعا )بوضع(‪ :‬خرج المهمل وما لم يستعمل والغلط‪) .‬ثان( خرج الحقيقة )لعلقة( بفتح العين‬
‫وكسرها أي‪ :‬علقة بين ما وضع له أولً وما وضع له ثانيا بحيث ينتقل إليه الذهن بواسطتها خرج‬
‫العلم المنقول كالفضل‪ ،‬وفي تقييد الوضع دون الستعمال بالثاني إشارة إلى وجوب تقدم الوضع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫دون الستعمال وهو ما ذكرته مع زيادة بقولي‪) :‬فيجب سبق الوضع( للمعنى الول‪) .‬جزما ل(‬
‫سبق )الستعمال( فيه فل يجب في تحقيق المجاز‪) .‬في الصح(‪ .‬إذ ل مانع من أن يتجوز في اللفظ‬
‫قبل استعماله فيما وضع له‬

‫ل‪ .‬فل يستلزم المجاز للحقيقة كعكسه‪ ،‬وقيل يجب سبق الستعمال في ذلك‪ ،‬وإل لعري الوضع‬ ‫أو ً‬
‫الول عن الفائدة‪ .‬وأجيب‪ :‬بحصولها باستعماله فيما وضع له ثانيا‪ ،‬وصحح الصل من عندياته أنه‬
‫ل يجب ذلك إل في مصدر المجاز بمعنى أنه ل يتحقق في المشتق مجاز إل إذا سبق استعمال‬
‫مصدره حقيقة‪ ،‬وإن لم يستعمل المشتق حقيقة كالرحمن لم يستعمل إل في ال تعالى‪ ،‬وفي صحة ما‬
‫صححه وقفة بينتها في الحاشية‪.‬‬

‫)وهو( أي المجاز )واقع( في الكلم مطلقا )في الصح( ونفى قوم وقوعه مطلقا قالوا‪ :‬وما يظ ّ‬
‫ن‬
‫مجازا نحو‪ :‬رأيت أسدا يرمى فحقيقة‪ ،‬ونفي قوم وقوعه في الكتاب والسنة قالوا‪ :‬لنه بحسب‬
‫الظاهر كذب نحو قولك في البليد هذا حمار‪ ،‬وكلم ال ورسوله منزه عن الكذب‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنه ل‬
‫كذب مع اعتبار العلقة وهي في ذلك المشابهة في الصفة الظاهرة أي عدم الفهم‪) .‬و( إنما )يعدل‬
‫إليه( عن الحقيقة التي هي الصل )لثقل الحقيقة( على اللسان كالخنفقيق للداهية يعدل عنه إلى‬
‫ل‪) .‬أو بشاعتها(‪ :‬كالخرأة بكسر الخاء يعدل عنها إلى الغائط وحقيقته المكان المطمئن )أو‬ ‫الموت مث ً‬
‫جهلها(‪ :‬للمتكلم أو المخاطب دون المجاز‪) .‬أو بلغته( نحو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع‪) .‬أو‬
‫شهرته( دون الحقيقة‪) .‬أو غير ذلك( كإخفاء المراد عن غير المتخاطبين الجاهل بالمجاز دون‬
‫الحقيقة وكإقامة وزن وقافية وسجع به دون الحقيقة‪) .‬والصح أنه( أي المجاز )ليس غالبا على‬
‫ل‪ :‬رأيت زيدا والمرئي بعضه‪،‬‬ ‫الحقيقة( في اللغات‪ ،‬وقيل غالب عليها في كل لغة لنك تقول مث ً‬
‫وهذا ل يدل على المدعي كما بينته في الحاشية‪) .‬ول( أي وأنه ليس )معتمدا( عليه )حيث تستحيل(‬
‫الحقيقة بل ل بد من قرينة تدل له وخالف أبو حينفة حيث قال فيمن قال لعبده الذي ل يولد مثله‬
‫لمثله‪ :‬هذا ابني أنه يعتق عليه وإن لم ينو العتق اللزم للبنّوة صونا للكلم عن اللغاء‪ .‬قلنا‪ :‬ل‬
‫ضرورة إلى تصحيحه بذلك‪ ،‬وفارق هذا ما مر من أن الحقيقة إذا جهلت يعدل إلى المجاز بأن ذاك‬
‫في الستعمال‪ ،‬وهذا في الحمل‪ ،‬وبأن ذلك بالنظر لتعدد اللفظ واتحاد المعنى‪ ،‬وهذا بالعكس أما إذا‬
‫كان مثله يولد لمثله فيعتق عليه اتفاقا إن لم يكن معروف النسب من غيره‪ ،‬وإل فكذلك على الصح‬
‫مؤاخذة له باللزم وإن لم يثبت اللزوم‪) .‬وهو( أي المجاز )والنقل(‪ :‬المعلوم من ذكر كل من الحقيقة‬
‫الشرعية العرفية‪) .‬خلف الصل(‪ :‬الراجح فإذا احتمل لفظ معناه الحقيقي والمجازي أو المنقول‬
‫عنه‪،‬‬

‫وإليه فالصل حمله على الحقيقي لعدم الحاجة فيه إلى قرينة أو على المنقول عنه استصحابا‬
‫للموضوع له أّول مثالهما‪ :‬رأيت أسدا وصليت أي حيوانا مفترسا ودعوت بخير أي سلمة منه‪،‬‬
‫ويحتمل الرجل الشجاع والصلة الشرعية‪) .‬و( المجاز والنقل )أولى من الشتراك(‪ :‬فإذا احتمل لفظ‬
‫ل فحمله على المجاز أو‬
‫هو حقيقة في معنى أن يكون في آخر حقيقة ومجازا أو حقيقة ومنقو ً‬
‫المنقول أولى من حمله على الحقيقة المؤدي إلى الشتراك‪ ،‬لن المجاز أغلب من المشترك‬
‫والمنقول ل يمتنع العمل به لفراد مدلوله قبل النقل وبعده‪ ،‬بخلف المشترك ل يعمل به إل بقرينة‬
‫ل إل إذا قيل بحمله عليهما‪ ،‬فالول كالنكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء‪،‬‬
‫تعين أحد معنييه مث ً‬
‫وقيل العكس‪ ،‬وقيل مشترك بينهما فهو حقيقة في أحدهما محتمل للحقيقة والمجاز في الخر‪ ،‬والثاني‬
‫كالزكاة حقيقة في النماء أي الزيادة محتمل فيما يخرج من المال للحقيقة والنقل‪) .‬والتخصيص أولى‬
‫ل فحمله على‬ ‫منهما( أي من المجاز والنقل‪ ،‬فإذا احتمل الكلم تخصيصا ومجازا أو تخصيصا ونق ً‬
‫التخصيص أولى‪ ،‬أما الول فلتعين الباقي من العام بعد التخصيص بخلف المجاز قد ل يتعين بأن‬
‫يتعدد ول قرينة تعين‪ ،‬وأما الثاني فلسلمة التخصيص من نسخ المعنى الول بخلف النقل‪ ،‬فالول‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫كقوله تعالى‪} :‬ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه{ فقال الحنفي‪ :‬أي مما لم يتلفظ بالبسملة عند‬
‫ذبحه وخص منه ناسيها فتحل ذبيحته وقال غيره‪ :‬أي مما لم يذبح تعبيرا عن الذبح بما يقارنه غالبا‬
‫من التسمية‪ ،‬فل تحل ذبيحة المتعمد لتركها على الول دون الثاني‪ ،‬وفي الية تأويل آخر ذكرته في‬
‫الحاشية‪ ،‬والثاني كقوله تعالى‪} :‬وأحل ال البيع{ فقيل هو المبادلة مطلقا وخص منه الفاسد‪ ،‬وقيل‬
‫نقل شرعا إلى المستجمع لشروط الصحة‪ ،‬وهما قولن للشافعي‪ ،‬فما شك في استجماعه لها يحل‬
‫ويصح على الول‪ ،‬لن الصل عدم فساده دون الثاني‪ ،‬لن الصل عدم استجماعه لها‪.‬‬
‫)‬

‫والصح أن الضمار أولى من النقل(‪ :‬لسلمته من نسخ المعنى الول‪ ،‬وقيل عكسه لعدم احتياج‬
‫النقل إلى قرينة كقوله تعالى‪} :‬وحرم الربا{ فقال الحنفي‪ :‬أخذه وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين‬
‫ل‪ ،‬فإذا أسقطت صح البيع وارتفع الثم‪ ،‬وقال غيره نقل الربا شرعا إلى العقد فهو فاسد‪ ،‬وإن‬ ‫مث ً‬
‫أسقطت الزيادة في ذلك والثم فيه باق‪ ،‬وترجيح هذا عندنا ل للنقل بل لمرجح خاص هو تنظير‬
‫الربا بالبيع في قوله تعالى حكاية عن الكفار‪} :‬إنما البيع مثل الربا{ فإنه ظاهر في العقد كما‬
‫أوضحته في الحاشية‪ ،‬وما ذكرته من الخلف هو ما في الصل مع أنه لم يصرح فيه ول فيما يأتي‬
‫أثره بترجيح‪ ،‬لكن قال الزركشي والعراقي‪ :‬المعروف تقديم الضمار‪) .‬و( الصح )أن المجاز‬
‫مساٍو للضمار( وقيل أولى منه لكثرته‪ ،‬وقيل عكسه لن قرينة الضمار متصلة كقوله لعبده الذي‬
‫يولد مثله لمثله أو المشهور النسب من غيره‪ :‬هذا ابني أي عتيق تعبيرا عن اللزم بالملزوم فيعتق‪،‬‬
‫أو مثل ابني في الشفقة عليه فل يعتق‪ ،‬وتقّدم ترجيح الول وترجيحه ل للمجاز بل لمر آخر هنا‬
‫وهو تشّوف الشارع إلى العتق على أن المختار في الروضة أنه ل بد في العتق من نية ويؤخذ مما‬
‫مّر من أن التخصيص أولى من المجاز الولى من الشتراك‪ ،‬والمساوي للضمار الولى من النقل‬
‫أن التخصيص أولى من الشتراك والضمار‪ ،‬وأن الضمار أولى من الشتراك‪ ،‬وأن المجاز أولى‬
‫من النقل‪ ،‬والكل صحيح‪ ،‬ووجه الخير سلمة المجاز من نسخ المعنى الول بخلف النقل‪ ،‬وقد‬
‫ن‪ ،‬وقد أوضحت‬ ‫تقدم بهذه الربعة العشرة التي ذكروها في تعارض ما يخل بالفهم أي اليقين ل الظ ّ‬
‫ذلك مع زيادة في الحاشية‪.‬‬

‫)ويكون( المجاز من حيث العلقة )بشكل(‪ :‬كالفرس لصورته المنقوشة )وصفة ظاهرة(‪ :‬كالسد‬
‫للرجل الشجاع دون البخر لظهور الشجاعة دون البخر للسد المفترس‪) .‬واعتبار ما يكون( في‬
‫المستقبل )قطعا( نحو }إنك ميت وإنهم ميتون{ )أو ظنا(‪ :‬كالخمر للعصير بخلف ما يكون احتما ً‬
‫ل‬
‫مرجوحا أو مساويا كالحّر للعبد ل يجوز أما باعتبار ما كان كالعبد لمن عتق فتقدم في الشتقاق‪.‬‬
‫)ومضادة(‪ :‬كالمفازة للبّرية المهلكة )ومجاورة(‪ .‬كالراوية لظرف الماء المعروف تسمية له باسم ما‬
‫يحمله من جمل أو نحوه‪) .‬وزيادة( قالوا نحو‪} :‬ليس كمثله شيء{ فالكاف زائدة‪ ،‬وإل فهي بمعنى‬
‫مثل فيكون له تعالى مثل وهو محال‪ ،‬والقصد بهذا الكلم نفيه‪ ،‬والتحقيق أنها ليست زائدة كما بينته‬
‫في الحاشية‪) .‬ونقص( نحو‪} :‬واسأل القرية{ أي أهلها فقد تجّوز أي توسع بزيادة كلمة أو نقصها‬
‫وإن لم يصدق على ذلك حد المجاز السابق‪ ،‬وقيل يصدق عليه حيث استعمل مثل المثل في المثل‪،‬‬
‫والقرية في أهلها‪ ،‬وقيد المطرزي كون كل من الزيادة والنقص مجازا بما إذا تغير به حكم وإل فل‬
‫يكون مجازا‪ ،‬فلو قلت‪ :‬زيد منطلق وعمرو لم يكن حذف الخبر مجازا لن حكم الباقي لم يتغير‪،‬‬
‫ل من الزيادة والنقص مجازا تجّوز لنه ليس مجازا بل علقة له‪) .‬وسبب لمسبب(‬ ‫وفي تسميته ك ً‬
‫نحو للمير يد أي قدرة فهي بمعنى أثرها مسببة عن اليد لحصولها بها‪) .‬وكل لبعض(‪ :‬نحو‪:‬‬
‫}يجعلون أصابعهم في آذانهم{ أي أناملهم‪) .‬ومتعلق( بكسر اللم )لمتعلق(‪ :‬بفتحها نحو‪ :‬هذا خلق ال‬
‫أي مخلوقه‪ ،‬وهذه تسمى علقة التعلق‪) .‬والعكوس(‪ :‬للثلثة الخيرة أي مسبب لسببه كالموت‬
‫للمرض الشديد‪ ،‬لنه سبب له عادة وبعض لكل نحو فلن ملك ألف رأس غنم‪ ،‬ومتعلق بفتح اللم‬
‫لمتعلق بكسرها نحو‪} :‬أيكم المفتون{ أي‪ :‬الفتنة‪) .‬وما بالفعل على ما بالقّوة(‪ :‬كالمسكر للخمر في‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ن وما زيد على هذه العلقات كإطلق اللزم على الملزوم‪ ،‬وعكسه يرجع إليها كأن يراد‬‫الد ّ‬
‫ل كما قال‬
‫بالمجاورة مث ً‬

‫التفتازاني ما يعم كون أحدهما في الخر بالجزئية أو الحلول‪ ،‬وكونهما في محل‪ ،‬أو متلزمين في‬
‫الوجود أو العقل أو الخيال وغير ذلك‪.‬‬

‫)والصح أنه( أي المجاز أي مطلقه ل المعرف بما مر قد‪) .‬يكون في السناد(‪ :‬ويسمى مجازا في‬
‫التركيب ومجازا عقليا ومجازا حكميا ومجازا في الثبات وإسنادا مجازيا‪ ،‬سواء أكان الطرفان‬
‫حقيقتين أم ل‪ .‬وذلك بأن يسند الشيء لغير من هو له لملبسة بينهم كقوله تعالى‪} :‬وإذا تليت عليهم‬
‫أياته زادتهم أيمانا{ أسندت الزيادة وهي فعل ال تعالى إلى اليات لكون اليات المتلوة سببا لها‬
‫عادة‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يكون المجاز في السناد بل المجاز فيما يذكر منه إما في المسند أو في المسند إليه‪،‬‬
‫فمعنى زادتهم على الول ازدادوا بها‪ ،‬وعلى الثاني زادهم ال إطلقا لليات عليه تعالى لسناد فعله‬
‫إليها‪) .‬و( الصح أنه قد يكون في )المشتق( نحو‪} :‬ونادى أصحاب الجنة{ أي ينادي }واتبعوا ما‬
‫تتلوا الشياطين{ أي تلته‪ ،‬وقيل ل يكون فيه إل بالتبع للمصدر أصله فإن كان حقيقة فل مجاز فيه‪.‬‬
‫قلنا الحصرممنوع )و( الصح أنه أعني المجاز في الفراد قد يكون في‪) :‬الحرف( بالذات نحو فهل‬
‫ترى لهم من باقية أي ما ترى وبالتبع لمتعلقه‪ ،‬ول يكون إل في الستعارة نحو‪} :‬فالتقطه آل‬
‫فرعون{ الية شبه فيها ترتب العداوة والحزن على اللتقاط بترتب علته الغائية عليه وهي المحبة‬
‫والتبني‪ ،‬ثم استعمل في المشبه اللم الموضوعة للدللة على ترتب العلة الغائية التي هي المشبه به‬
‫فجرت الستعارة أصالة في العلة‪ ،‬وعلى هذا القول البيانيون‪ ،‬وقيل ل يكون فيه إل بالتبع في‬
‫التركيب ل في الفراد‪ ،‬وعليه المام الرازي‪ ،‬وقيل ل يكون فيه ل بالذات ول بالتبع لنه ل يفيد إل‬
‫بضمه إلى غيره‪ ،‬فإن ضم إلى ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة أو إلى ما ل ينبغي ضمه إليه فمجاز‬
‫مركب‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم الشق الثاني بل الضم فيه قرينة مجاز الفراد كقوله‬

‫تعالى‪} :‬ولصلبنكم في جذوع النخل{ أي عليها‪) .‬ل( في )العلم( أي ل يكون المجاز فيه على‬
‫ل لغير مناسبة كفضل فواضح أو‬ ‫ل أي‪ :‬لم يسبق له وضع كسعاد أو منقو ً‬ ‫الصح لنه إن كان مرتج ً‬
‫لمناسبة كمن سمى ابنه بمبارك لما ظنه فيه من البركة فلصحة الطلق عند زوالها‪ ،‬ولن العلم‬
‫وضع للفرق بين الذوات فلو تجّوز فيه بطل هذا الغرض‪ ،‬وقيل يكون فيه إن لمح فيه الصفة‬
‫كالحارث‪ ،‬إذ ل يراد منه الصفة‪ ،‬وقد كان قبل العلمية موضوعا لها وهذا خلف في التسمية‬
‫وعدمها أولى‪ ،‬لن وضع العلم شخصي ووضع المجاز نوعي‪ ،‬ولن العلم عند الكثر ل حقيقة ول‬
‫مجاز‪ ،‬وفيه كلم ذكرته في الحاشية أوائل مباحث الحقيقة والمجاز‪.‬‬

‫)و( الصح )أنه يشترط سمع في نوعه( أي المجاز فل يتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إل إذا‬
‫ل‪ ،‬وقيل ل يشترط ذلك بل يكتفي بالعلقة التي نظروا إليها فيكفي‬ ‫سمع من العرب صورة منه مث ً‬
‫ل‪ ،‬وخرج بنوعه شخصه فل يشترط السماع فيه‬ ‫السماع في نوع لصحة التجويز في عكسه مث ً‬
‫إجماعا بأن ل يستعمل إل في الصور التي استعملته العرب فيها‪) .‬ويعرف( المجاز أي معناه أو‬
‫لفظه ‪) .‬بتبادر غيره( منه إلى الفهم )لول القرينة(‪ :‬بخلف الحقيقة فإنها تعرف بالتبادر بل قرينة‪.‬‬
‫)وصحة النفي( للمعنى الحقيقي في الواقع كما في قولك للبليد‪ :‬هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار‬
‫عنه‪) .‬وعدم لزوم الطراد(‪ :‬فيما يدل عليه بأن ل يطرد كما في‪} :‬واسأل القرية{ أي أهلها ول يقال‪:‬‬
‫واسأل البساط أي أهله أو يطرد ل لزوما كما في‪ :‬السد للرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته‬
‫من غير لزوم لجواز أن يعبر في بعضها بالحقيقة بخلف المعنى الحقيقي‪ ،‬فيلزم المراد ما يدل عليه‬
‫من الحقيقة في جميع جزئياته لنتفاء التعبير الحقيقي بغيرها‪) .‬وجمعه( أي جمع اللفظ الدال عليه‬
‫)على خلف( صيغة )جمع الحقيقة(‪ :‬كالمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلفه بمعنى‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫القول حقيقة‪ ،‬فيجمع على أوامر‪ ،‬كذا في الصل وغيره‪ ،‬وفيه اعتراض بينته في الحاشية‪) .‬والتزام‬
‫تقييده(‪ :‬أي اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي‪ :‬لين الجانب ونار الحرب أي‪ :‬شّدتها بخلف المشترك‬
‫من الحقيقة‪ ،‬فإنه يقيد من غير التزام كالعين الجارية‪ ،‬وظاهر ذلك أن إطلق الجناح على لين‬
‫الجانب‪ ،‬والنار على الشدة مجاز إفراد‪ ،‬وأن الضافة فيهما قرينة له‪ ،‬وأن التزامها علمة تميزه عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬والظاهر أنه استعارة تخييلية كأظفار المنية كما بينته في الحاشية‪) .‬وتوقفه( في إطلق‬
‫اللفظ عليه )على المسمى الخر( الحقيقي‪ ،‬ويسمى هذا بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره‬
‫لوقوعه في صحبته تحقيقا نحو }ومكروا ومكر ال{ أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل‬
‫عيسى‬

‫عليه الصلة والسلم أو تقديرا نحو‪} :‬أفأمنوا مكر ال{ فإطلق المكر على المجازاة على مكرهم‬
‫متوقف على وجوده تحقيقا أو تقديرا‪) .‬والطلق( للفظ )على المستحيل( نحو }واسأل القرية{‬
‫فإطلق المسؤول عليها مستحيل‪ ،‬لنها البنية المجتمعة‪ ،‬وإنما المسؤول أهلها‪.‬‬
‫)مسألة‪ :‬المعّرب( بتشديد الراء )لفظ غير علم استعملته العرب فيما(‪ :‬أي في معنى )وضع له في‬
‫ل منهما استعملته العرب فيما وضع له في‬ ‫غير لغتهم( خرج به الحقيقة والمجاز العربيان‪ ،‬فإن ك ً‬
‫لغتهم )والصح أنه( أي المعرب )ليس في القرآن(‪ :‬وإل لشتمل على غير عربي‪ ،‬فل يكون كله‬
‫عربيا‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬إنا أنزلناه قرآنا عربيا{ وقيل‪ :‬إنه فيه كاستبرق فارسية للديباج الغليظ‬
‫وقسطاس رومية للميزان ومشكاة هندية أو حبشية للكّوة التي ل تنفذ‪ .‬قلنا‪ :‬هذه اللفاظ ونحوها اتفق‬
‫فيها لغة العرب ولغة غيرهم كالصابون والتنور‪ ،‬وأما العلم العجمي الذي استعملته العرب‬
‫كابراهيم واسماعيل وعزرائيل فل يسمى معّربا‪ ،‬بل هو من توافق اللغتين مطلقا أو أعجمي محض‬
‫إن وقع في غير القرآن فقط‪ ،‬وإنما منع من الصرف على الّول لصالة وضعه في العجمة‪ ،‬وهذا ما‬
‫مشى عليه الصل هنا‪ ،‬وكلمه في شرح المختصر يقتضي أنه يسمى معّربا‪ ،‬وبما قررته علم أن‬
‫المعرب أعجمي الصل‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المعرب واسطة بين العجمي والعربي‪ ،‬ويشبه أن ل خلف بأن‬
‫يقال الّول نظر إلى أصله‪ .‬والثاني إلى حالته الراهنة‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬اللفظ( المستعمل في معنى إما )حقيقة( فقط كالسد للحيوان المفترس‪) .‬أو مجاز( فقط‬
‫كالسد للرجل الشجاع )أو هما( أي حقيقة ومجاز )باعتبارين( كأن وضع لغة لمعنى عام‪ ،‬ثم خصه‬
‫الشرع أو العرف العام أو الخاص بنوع منه كالصوم في اللغة للمساك خصه الشرع بالمساك‬
‫المعروف‪ ،‬والدابة في اللغة لكل ما يدب على الرض خصها العرف العام بذات الحوافر والخاص‬
‫كأهل العراق بالفرس‪ ،‬فاستعماله بالعام حقيقة لغوية مجاز شرعي أو عرفي‪ ،‬وفي الخاص بالعكس‪،‬‬
‫ويمتنع كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع أّول وثانيا )وهما( أي الحقيقة والمجاز‬
‫)منتفيان( عن اللفظ )قبل الستعمال(‪ ،‬لنه مأخوذ في أحدهما فإذا انتفى انتفيا )ثم هو( أي اللفظ‬
‫)محمول على عرف المخاطب( بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة‪) .‬ففي( خطاب‬
‫)الشرع( المحمول عليه المعنى )الشرعي( لنه عرف الشرع‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسّلم بعث‬
‫لبيان الشرعيات‪ ،‬وإذا لم يكن معنى شرعي‪ ،‬أو كان وصرف عنه صارف )فـ(ـالمحمول عليه‬
‫المعنى )العرفي( العام أي الذي يتعارفه جميع الناس أو الخاص بقوم لن الظاهر إرادته لتبادره إلى‬
‫الذهان‪) .‬فـ(ـإذا لم يكن معنى عرفي أو كان وصرف عنه صارف فالمحمول عليه المعنى )اللغوي‬
‫في الصح(‪ :‬لتعينه حينئذ‪ ،‬فعلم أن ماله مع المعنى الشرعي معنى عرفي أو معنى لغوي أو هما‬
‫ل على العرفي‪ ،‬وقيل فيما‬ ‫يحمل أّول على الشرعي‪ ،‬وأن ماله معنى عرفي ومعنى لغوي يحمل أو ً‬
‫له معنى شرعي ومعنى لغوي محمله في الثبات الشرعي وفق ما مر‪ ،‬وفي النهي قيل اللفظ مجمل‪،‬‬
‫إذ ل يمكن حمله على الشرعي لوجود النهي ول على اللغوي‪ ،‬لن النبي بعث لبيان الشرعيات‪،‬‬
‫وقيل محمله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي‪ .‬قلنا‪ :‬المراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك السم‬
‫صحيحا كان أو فاسدا‪ .‬يقال‪ :‬صوم صحيح وصوم فاسد‪) .‬والصح أنه إذا تعارض( في عرف‬
‫)مجاز راجح وحقيقة مرجوحة( بأن غلب استعماله عليها )تساويا( لرجحان‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫كل منهما من وجه‪ ،‬وقيل الحقيقة أولى بالحمل لصالتها‪ ،‬وقيل المجاز أولى لغلبته فلو حلف ل‬
‫يشرب من هذا النهر ولم ينو شيئا‪ ،‬فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه بفيه‪ ،‬والمجاز الغالب الشرب مما‬
‫ل للفظ في‬
‫يغرف به منه كإناء حنث بكل منهما على الول‪ ،‬كما جزم به في الروضة كأصلها إعما ً‬
‫حقيقته ومجازه‪ ،‬وبالكرع دون الشرب مما يغترف به على الثاني‪ ،‬وبالعكس على الثالث فتعبيري‬
‫بالتساوي أولى من تعبيره بالمجمل المقتضي أنه ل يحنث بواحد منهما على الول‪ ،‬فإن هجرت‬
‫الحقيقة قدم المجاز اتفاقا كمن حلف ل يأكل من هذه النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها حيث ل نية‪،‬‬
‫وإن تساويا قدمت الحقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبا‪.‬‬

‫)و( الصح )أن ثبوت حكم( بدليل كالجماع )يمكن كونه(‪ :‬أي الحكم )مرادا من خطاب( له حقيقة‬
‫ومجاز‪) .‬لكن( الخطاب في ذلك المراد يكون )مجازا ل يدل( ذلك الثبوت )على أنه(‪ :‬أي الحكم هو‬
‫)المراد منه( أي من الخطاب )فيبقى الخطاب على حقيقته( لعدم الصارف عنها‪ .‬وقال جماعة‪ :‬إنه‬
‫يدل عليه فل يبقى الخطاب على حقيقته إذ لم يظهر مستند للحكم الثابت غيره مثاله وجوب التيمم‬
‫على المجامع الفاقد للماء إجماعا يمكن كونه مرادا من آية }أو لمستم النساء{ على وجه المجاز في‬
‫الملمسة لنها حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع‪ ،‬فقالوا‪ :‬المراد الجماع فتكون الية مستند‬
‫الجماع‪ ،‬إذ ل مستند غيرها‪ ،‬وإل لذكر فل تدل على أن اللمس ينقض الوضوء‪ .‬قلنا‪ :‬يجوز أن‬
‫يكون المستند غيرها‪ ،‬واستغنى عن ذكره بذكر الجماع‪ ،‬فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه‬
‫الوضوء‪ ،‬وإن قامت قرينة في الية على إرادة الجماع أيضا فتدل على مسألة الجماع أيضا‪ ،‬كما‬
‫قال به الشافعي فيها بناء على الصح أنه يصح أن يراد باللفظ حقيقته ومجازه معا‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي( ل لذاته بل )للنتقال( منه )إلى لزمه فـ(ـهو )كناية(‬
‫نحو‪ :‬زيد طويل النجاد مرادا به طويل القامة‪ ،‬إذ طولها لزم لطول النجاد أي حمائل السيف‪ ،‬قال‬
‫في التلويح‪ :‬فيصح الكلم وإن لم يكن له نجاد‪ ،‬بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫}والسموات مطويات بيمينه{ وقوله‪} :‬الرحمن على العرش استوى{ وخرج باستعماله في معناه‬
‫الحقيقي المجاز وبما بعده الحقيقة الصريحة والتعريض‪) .‬فهي( أي الكناية )حقيقة( غير صريحة‬
‫كما أشعر به كلم صاحب التلخيص‪ ،‬وصرح به السكاكي وغيره‪ ،‬ومنهم السعد التفتازاني‪ ،‬والفرق‬
‫بينها وبين الجمع بين الحقيقة والمجاز أن المعنى الحقيقي فيها لم يرد لذاته كما مر‪ ،‬وفي الجمع‬
‫المذكور أريد لذاته‪ ،‬نعم قد يراد المعنى الحقيقي لذاته فيها عند السكاكي كقولك‪ :‬آذيتني فستعرف‬
‫وأنت تريد المخاطب وغيره من المؤذين‪ ،‬لن ذلك كلم دال على معنى يقصد به تهديد المخاطب‬
‫بسبب اليذاء‪ ،‬ويلزم منه تهديد كل مؤذ‪ ،‬وقد أراد به تهديدهما‪ ،‬ففيه أراد المعنى الحقيقي لذاته فيها‪،‬‬
‫فالفرق بينها وبين الجمع بين الحقيقة‪ ،‬والمجاز أن المعنى الحقيقي فيها أريد لذاته وللنتقال في‬
‫الجمع المذكور لم يرد للنتقال ول حاجة لقول الصل‪ ،‬فإن لم يرد المعنى الخ للعلم به من تعريف‬
‫المجاز فيما مر‪) .‬أو( استعمل في معناه )مطلقا( أي الحقيقي والمجازي والكنائي‪) .‬للتلويح بغير‬
‫معناه فـ(ـهو )تعريض( كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلة والسلم‪} :‬بل فعله‬
‫كبيرهم{ هذا نسب الفعل إلى كبير الصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه والقصد‬
‫بذلك التلويح لقومه العابدين لها بأنها ل تصلح أن تكون آلهة لنهم إذا نظروا بعقولهم علموا عجز‬
‫ل عن غيره والله ل يكون عاجزا وسمي ذلك‬ ‫كبيرها عن ذلك الفعل أي‪ :‬كسر صغارها فض ً‬
‫تعريضا لفهم المعنى من عرض اللفظ أي جانبه‪) .‬فهو( أي التعريض ثلثة أقسام )حقيقة ومجاز‬
‫وكناية(‪:‬‬

‫كما صرح بها السكاكي‪ ،‬والصل جرى على أنه حقيقة أبدا‪ ،‬وما ذكر من أنه حقيقة ومجاز وكناية‬
‫هو بالنسبة للمعنى الحقيقي أو المجازي أو الكنائي أما بالنسبة للمعنى التعريضي فلم يفده اللفظ‪،‬‬
‫وإنما أفاده سياق الكلم وتعريف الكناية والتعريض بما ذكر مأخوذ من البيانيين‪ ،‬وهما مقابلن‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫للصريح‪ ،‬وأما عند الصوليين والفقهاء‪ ،‬فالكناية ما احتمل المراد وغيره كأنت خلية في الطلق‬
‫والتعريض ما ليس صريحا ول كناية كقولهم في باب القذف‪ :‬يا ابن الحلل‪ .‬وفائدة تسمية الكناية‬
‫حقيقة والتعريض حقيقة ومجازا مع علمهما من تعريفي الحقيقة‪ ،‬والمجاز دفع توهم أنهما ل يسميان‬
‫بذلك مع أن بعضهم خالف في الكناية‪.‬‬

‫الحروف‬
‫أي‪ :‬هذا مبحث الحروف التي يحتاج الفقيه إلى معرفة معانيها‪ ،‬وذكر معها أسماء‪ ،‬ففي التعبير بها‬
‫تغليب للكثر على المشهور‪.‬‬
‫أحدها‪) :‬إذن( من نواصب المضارع‪) .‬للجواب والجزاء قيل دائما وقيل غالبا(‪ :‬وقد تتمحض‬
‫للجواب‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬لمن قال أزورك إذن أكرمك فقد أجبته وجعلت إكرامك له جزاء لزيارته أي إن‬
‫زرتني أكرمتك‪ ،‬وإذا قلت لمن قال أحبك إذن أصّدقك فقد أجبته فقط على القول الثاني‪ ،‬ومدخول‬
‫ل للجزاء أيضا‬ ‫إذن فيه مرفوع لنتفاء استقباله المشترط في نصبها ويتكلف الول في جعل هذا مث ً‬
‫أي‪ :‬إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك‪ ،‬وسيأتي عدها من مسالك العلة لن الشرط علة للجزاء‪.‬‬
‫)و( الثاني )إن( بكسر الهمزة وسكون النون )للشرط( وهو تعليق أمر على آخر نحو‪ :‬إن ينتهوا‬
‫يغفر لهم ما قد سلف )وللنفي( نحو إن الكافرون إل في غرور إن أردنا إل الحسنى أي ما‪.‬‬
‫)وللتوكيد( وهي الزائدة نحو‪ :‬ما إن زيد قائم ما إن رأيت زيدا‪.‬‬

‫)و( الثالث )أو( من حروف العطف )للشك( من المتكلم نحو‪} :‬قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم{ ونحو‬
‫ما أدري أسلم أو وّدع‪ ،‬وقول الحريري إنها فيه للتقريب‪ ،‬رّده ابن هشام كما بينته في الحاشية‪.‬‬
‫ل أو نهارا{ )وللتخيير( بين المتعاطفين سواء امتنع‬‫)وللبهام( على السامع نحو }أتاها أمرنا لي ً‬
‫الجمع بينهما نحو خذ من مالي درهما أو دينارا أم جاز نحو جالس العلماء أو الزهاد‪ ،‬وقصر ابن‬
‫مالك وغيره التخيير على الول‪ ،‬وسموا الثاني بالباحة‪ .‬وقال الزركشي‪ :‬الظاهرأنهما قسم واحد‪،‬‬
‫لن حقيقة الباحة التخيير‪ ،‬وإنما امتنع في خذ درهما أو دينارا للقرينة العرفية ل من مدلول اللفظ‪،‬‬
‫كما أن الجمع بين العلماء والزهاد وصف كمال ل نقص‪) .‬ولمطلق الجمع( كالواو نحو‪:‬‬
‫وقد زعمت ليلى بأني فاجر‬
‫لنفسي تقاها أو عليها فجورها‬
‫أي‪ :‬وعليها‪) .‬وللتقسيم( نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف أي‪ :‬مقسمة إلى الثلثة تقسيم الكلي إلى‬
‫ل أو ماء أو عسل تقسيمه إلى الثلثة تقسيم الكل‬ ‫جزئياته فتصدق على كل منها ونحو‪ :‬السكنجبين خ ّ‬
‫إلى أجزائه فل يصدق على كل منها‪) .‬وبمعنى إلى( المساوية لل فتنصب المضارع بأن مضمرة‬
‫نحو‪ :‬للزمنك أو تقضيني حقي‪ ،‬أي إلى أن تقضينيه‪) .‬وللضراب(‪ :‬كبل نحو‪} :‬وأرسلناه إلى مائة‬
‫ألف أو يزيدون{ أي بل يزيدون أخبر عنهم أولً بأنهم مائة ألف نظرا لغلط الناس‪ ،‬مع علمه تعالى‬
‫بأنهم يزيدون عليها‪ ،‬ثم أخبر عنهم ثانيا بأنهم يزيدون نظرا للواقع ضاربا عن غلط الناس‪ ،‬وما ذكر‬
‫من أن أو للمذكورات هو مذهب المتأخرين‪ ،‬وأما مذهب المتقدمين فهي لحد الشيئين أو الشياء‬
‫وغيره إنما يفهم بالقرائن‪ .‬وقال ابن هشام والسعد التفتازاني‪ :‬إنه التحقيق‪.‬‬

‫)و( الرابع )أي بالفتح( للهمزة )والتخفيف( للياء )للتفسير( إما بمفرد نحو‪ :‬عندي عسجد أي ذهب‪،‬‬
‫وهو بدل أو عطف بيان أو بجملة نحو‪:‬‬
‫وترمينني بالطرف أي أنت مذنب‬
‫وتقلينني لكن إياك ل أقلي‬

‫ي نظر مغضب‪ ،‬ول يكون ذلك إل عن ذنب واسم‪،‬‬ ‫فأنت مذنب تفسير لما قبله‪ ،‬إذ معناه تنظرين إل ّ‬
‫لكن ضمير الشأن وخبرها الجملة بعده‪ ،‬وقدم مفعول أقلي للختصاص أي‪ :‬ل أتركك بخلف‬
‫غيرك‪) .‬ولنداء البعيد( حسا أو حكما )في الصح(‪ .‬فإن نودي بها القريب فمجاز‪ ،‬وقيل هي لنداء‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫القريب نحو‪ :‬أي رب وهو قريب قال تعالى‪} :‬فإني قريب{ وقيل لنداء المتوسط والترجيح من‬
‫زيادتي‪.‬‬
‫ي{‬
‫)و( الخامس‪ :‬أي بالفتح و)بالتشديد( اسم )للشرط( نحو }أيما الجلين قضيت فل عدوان عل ّ‬
‫ن من كل شيعة أيهم أشّد{‬
‫)وللستفهام( نحو‪} :‬أيكم زادته هذه إيمانا{ وتأتي )موصولة( نحو }لننزع ّ‬
‫ل من معرفة نحو‪ :‬مررت برجل‪.‬‬ ‫أي الذي هو أشّد‪) .‬ودالة على كمال(‪ :‬بأن تكون صفة لنكرة أو حا ً‬
‫ل في صفات الرجولية‪.‬‬ ‫أي رجل أي كامل في صفات الرجولية‪ ،‬ومررت بزيد أي رجل أي كام ً‬
‫)ووصلة لنداء ما فيه أل( نحو‪) :‬يا أيها النسان( أما إي بالكسر وسكون الياء فحرف جواب بمعنى‬
‫نعم‪ ،‬ول يجاب بها إل مع القسم نحو‪} :‬ويستنبئونك أحق هو قل{ إي وربي وتركت لقلة احتياج‬
‫الفقيه إليها‪.‬‬

‫)و( السادس )إذ( اسم )للماضي ظرفا(‪ :‬وهو الغالب نحو‪} :‬فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا{‬
‫أي وقت إخراجهم له‪) .‬ومفعولً به(‪ :‬على قول الخفش وغايره إنها تخرج عن الظرفية نحو‪:‬‬
‫ل منه( أي من المفعول به نحو‪} :‬اذكروا‬ ‫ل فكثركم{ أي اذكروا حالتكم هذه‪) .‬وبد ً‬
‫}اذكروا إذ كنتم قلي ً‬
‫نعمة ال عليكم إذ جعل فيكم أنبياء{ الية أي‪ :‬اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور‪) .‬ومضافا‬
‫إليها اسم زمان(‪ :‬نحو‪} :‬ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا{ ونحو‪ :‬يومئذ‪) .‬وكذا للمستقبل( ظرفا في‬
‫الصح نحو )فسوف يعلمون إذ الغلل في أعناقهم{ وقيل ليست للمستقبل واستعمالها فيه في هذه‬
‫الية لتحقق وقوعه كالماضي مثل‪} :‬أتى أمر ال{ )وللتعليل حرفا( في الصح كلم التعليل‪ ،‬وقيل‬
‫ظرفا بمعنى وقت‪ ،‬والتعليل مستفاد من قّوة الكلم نحو‪ :‬ضربت العبد إذ أساء أي لساءته أو وقت‬
‫إسائته‪ ،‬وظاهر أن الساءة علة للضرب‪) .‬وللمفاجأة(‪ :‬بأن يكون بعد بينا أو بينما‪) .‬كذلك( أي حرفا‬
‫)في الصح(‪ .‬وقيل ظرف مكان وقيل ظرف زمان نحو‪ :‬بينا أو بينما أنا واقف إذ جاء زيد‪ .‬أي‪:‬‬
‫فاجأ مجيئه وقوفي أو مكانه أو زمانه‪ ،‬وقيل ليست للمفاجأة وهي في ذلك‪ ،‬ونحوه زائدة للغتناء‬
‫عنها كما تركها منه كثير من العرب‪ ،‬فقولي في الصح راجع إلى الثلثة قبله‪ ،‬وتصحيح الحرفية‬
‫في الثانية مع ذكرها في الخيرة بقولي كذلك من زيادتي‪ ،‬ومعنى المفاجأة كما قال ابن الحاجب‪:‬‬
‫حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية‪.‬‬

‫)و( السابع )إذا للمفاجأة( بأن تكون بين الجملتين ثانيتهما اسمية‪) .‬حرفا في الصح( لن المفاجأة‬
‫معنى من المعاني كالستفهام والنفي‪ ،‬والصل فيها أن تؤّدي بالحروف‪ ،‬وقيل ظرف مكان‪ ،‬وقيل‬
‫ظرف زمان نحو‪ :‬خرجت فإذا زيد واقف أي فاجأ وقوفه خروجي أو مكانه أو زمانه‪ ،‬وهل الفاء‬
‫فيها زائدة لزمة أو عاطفة أو سببية محضة أقوال‪) .‬وللمستقبل ظرفا مضمنة معنى الشرط غالبا(‪:‬‬
‫فيجاب بما يجاب به الشرط نحو‪} :‬إذا جاء نصر ال{ الية‪ ،‬وقد ل تضمن معنى الشرط نحو‪ :‬آتيك‬
‫إذا احمّر البسر أي وقت احمراره‪) .‬وللماضي والحال نادرا( نحو }وإذا رأوا تجارة{ الية‪ .‬فإنها‬
‫نزلت بعد الرؤية والنفضاض ونحو‪} :‬والليل إذا يغشى{ إذ غشيانه أي طمسه آثار النهار مقارن له‪.‬‬

‫)و( الثامن )الباء لللصاق(‪ :‬وهو أصل معانيها )حقيقة( نحو‪ :‬به داء أي ألصق به‪) .‬ومجازا( نحو‪:‬‬
‫مررت بزيد أي ألصقت مروري بمكان يقرب منه المرور‪ ،‬إذ المرور لم يلصق بزيد )وللتعدية(‪:‬‬
‫ل نحو‪} :‬ذهب ال بنورهم{ أي أذهبه‪ ،‬وفرق الزمخشري بينهما بأن‬ ‫كالهمزة في تصيير الفاعل مفعو ً‬
‫الول أبلع لنه يفيد أن الفعل أخذ النور وأمسكه‪ ،‬فلم يبق منه شيء بخلف الثاني‪).‬وللسببية(‪ :‬نحو‬
‫ل أخذنا بذنبه{ ومنها الستعانة بأن تدخل الباء على آلة الفعل نحو‪ :‬كتبت القلم‪ ،‬فإدراجي لها في‬
‫}فك ً‬
‫السببية كابن مالك أولى من عدها قسما برأسه كما فعله الصل‪) .‬وللمصاحبة(‪ :‬بأن تكون الباء‬
‫بمعنى مع أو تغني عنها وعن مصحوبها الحال‪ ،‬ولهذا تسمى بالحال نحو‪} :‬قد جاءكم الرسول‬
‫بالحق{ أي مع الحق أو محقا‪) .‬وللظرفية( المكانية أو الزمانية نحو‪} :‬ولقد نصركم ال ببدر{‬
‫و}نجيناهم بسحر{ )وللبدلية(‪ :‬بأن يحل محلها لفظ بدل كقول عمر رضي ال عنه‪ :‬ما يسرني أن لي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بها الدنيا أي بدلها‪ .‬قاله حين استأذن النبي صلى ال عليه وسّلم في العمرة فأذن له وقال‪ :‬ل تنسنا يا‬
‫ي من دعائك وضمير بها راجع‪ ،‬إلى كلمة النبي المذكورة‪ ،‬وأخي مصغر لتقريب المنزلة‪.‬‬ ‫أخ ّ‬
‫ل{‬
‫)وللمقابلة(‪ :‬وهي الداخلة على العواض نحو‪ :‬اشتريت فرسا بدرهم‪} .‬ول تشتروا بآياتي ثمنا قلي ً‬
‫)وللمجاوزة(‪ :‬كعن نحو‪} :‬سأل سائل بعذاب واقع{ أي عنه‪) .‬وللستعلء(‪ :‬كعلي نحو‪) :‬ومن أهل‬
‫ن كذا‪) .‬وللغاية(‪ :‬كإلى نحو‪ :‬وقد‬
‫الكتاب من إن تأمنه بقنطار( أي عليه‪) .‬وللقسم( نحو‪ :‬بال لفعل ّ‬
‫ي‪ ،‬وبعضهم ضمن أحسن معنى لطف )وللتوكيد(‪ :‬وهي الزائدة مع الفاعل أو‬ ‫أحسن بي أي إل ّ‬
‫المفعول أو المبتدأ أو الخبر }كفى بال شهيدا{ )وهزي إليك بجذع النخلة{ وبحسبك درهم‪ ،‬و}أليس‬
‫ال بكاف عبده{ )وكذا للتبعيض(‪ :‬كمن )في الصح( نحو }عينا يشرب بها عباد ال{ أي منها‪ ،‬وقيل‬
‫ليست له‪ ،‬ويشرب في الية بمعنى يروى أو يلتذ مجازا والباء سببية‪.‬‬

‫)و(التاسع )بل للعطف بإضراب( أي معه بأن وليها مفرد سواء أوليت موجبا أم غيره‪ ،‬ففي الموجب‬
‫نحو‪ :‬جاء زيد بل عمرو‪ ،‬واضرب زيدا بل عمرا انتقل حكم المعطوف عليه فيصير كأنه مسكوت‬
‫عنه إلى المعطوف‪ ،‬وفي غيره نحو‪ :‬ما جاء زيد بل عمرو‪ ،‬ول تضرب زيدا بل عمرا‪ .‬تقرر حكم‬
‫المعطوف عليه وتجعل هذه للمعطوف‪) .‬وللضراب فقط(‪ :‬أي دون العطف بأن وليها جملة‪ ،‬وقولي‬
‫بإضراب مع فقط من زيادتي وبهما علم أن الضراب أعم من العطف ل مباين له بخلف كلم‬
‫الصل‪ .‬والحاصل‪ :‬أن بل للعطف والضراب إن وليها مفرد وللضراب فقط إن وليها جملة وهي‬
‫فيه حرف ابتداء ل عاطفة عند الجمهور والضراب بهذا المعنى‪) .‬إما للبطال(‪ :‬لما وليته نحو‬
‫يقولون به جنة بل جاءهم بالحق فالجائي بالحق ل جنون به‪) .‬أو للنتقال من غرض إلى آخر( نحو‪:‬‬
‫}ولدينا كتاب ينطق بالحق{ الية فما قبل بل فيها على حاله‪.‬‬
‫)و( العاشر )بيد( اسم ملزم للنصب والضافة إلى أن وصلتها‪) .‬بمعنى غير( نحو‪ :‬إنه كثير المال‬
‫بيد أنه بخيل‪) .‬وبمعنى من أجل ومنه(‪ :‬خبر أنا أفصح من نطق بالضاد‪) .‬بيد أني من قريش في‬
‫الصح( أي الذين هم أفصح من نطق بها‪ ،‬وأنا أفصحهم‪ ،‬وخصها بالذكر لعسرها على غير العرب‪،‬‬
‫والمعنى أنا أفصح العرب‪ ،‬وقيل أن بيد فيه بمعنى غير‪ ،‬وأنه من تأكيد المدح بما يشبه الذم وقولي‬
‫في الصح من زيادتي‪.‬‬
‫)و( الحادي عشر )ثم حرف عطف للتشريك( في العراب والحكم )والمهلة والترتيب( المعنوي‬
‫والذكري‪) .‬في الصح(‪ :‬تقول جاء زيد ثم عمرو إذا شارك زيدا في المجيء وتراخى مجيئه عن‬
‫مجيئه‪ ،‬وقيل قد تكون زائدة فل تكون عاطفة فل تكون لشيء من ذلك كقوله تعالى‪} :‬حتى إذا‬
‫ضاقت عليهم الرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه ثم تاب‬
‫عليهم{ فإنها زائدة لن مدخولها جواب إذا وقيل ل تفيد المهلة لقول الشاعر‪:‬‬
‫كهز الرديني تحت العجا‬
‫ج جري في النابيب ثم اضطر‬

‫إذ اضطراب الرمح يعقب جري الهز في النابيب‪ ،‬وقيل ل تفيد الترتيب لقوله تعالى‪} :‬فإلينا‬
‫مرجعهم ثم ال شهيد على ما يفعلون} إذ شهادة ال متقدّممة على المرجع‪ ،‬وأجيب عن الّول بأن إذا‬
‫فيه لمجرد الظرف وبان جوابها مقدر أي تاب عليهم وثم تاب عليهم تأحمد بن كيد‪ ،‬أو معناه استدام‬
‫التوبة‪ ،‬ومعنى المقدر أنشأها‪ ،‬وعن الثاني بأنه توسع في ثم بإيقاعها فيه موقع الفاء‪ ،‬وعن الثالث‬
‫بإنها استعملت فيه لترتيب الخباري‪ ،‬وبأنه توسع فيها بإيقاعها فيه موقع الواو‪.‬‬

‫)و(الثاني عشر )حتى لنتهاء الغاية غالبا( وهي حينئذ إما جارة لسم صريح نحو‪} :‬سلم هي حتى‬
‫مطلع الفجر{ أو مؤّول من أن والفعل نحو‪} :‬لن نبرج عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى{ أي إلى‬
‫رجوعه وأما عاطفة لرفيع أو دنيء نحو‪ :‬مات الناس حتى النبياء‪ ،‬وقدم الحجاج حتى المشاة‪ ،‬وإما‬
‫ابتدائة بأن يستأنف بعدها جملة إما إسمية نحو‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫فما زالت القتلى تمج دماءها‬


‫بدجلة حتى ماء دجلة أشكل‬
‫أو فعلية نحو‪ :‬مرض فلن حتى ل يرجونه‪) .‬وللستثناء نادرا( نحو‪:‬‬
‫ليس للعطاء من الفضول سماحة‬
‫حتى تجود وما لديك قليل‬
‫أي‪ :‬إل أن تجود وهو استثناء منقطع‪) .‬وللتعليل(‪ :‬نحو‪ :‬أسلم حتى تدخل الجنة أي لتدخلها‪.‬‬
‫)و( الثالث عشر )رب حرف في الصح(‪ :‬هذا من زيادتي‪ ،‬وقيل اسم وعلى الوجهين ترد‪.‬‬
‫)للتكثير( نحو }ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين{ إذ يكثر منهم تمني ذلك يوم القيامة إذا‬
‫عاينوا حالهم وحال المسلمين )وللتقليل( كقوله‪:‬‬
‫ب مولود وليس له أب‬ ‫أل ر ّ‬
‫وذي ولد لم يلده أبوان‬

‫أراد عيسى وآدم عليهما الصلة والسلم‪ ،‬واختار ابن مالك أن ورودها للتكثير أكثر‪) .‬ول تختص‬
‫بأحدهما في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬تختص بالتكثير فلم يعتد قائله بهذا البيت ونحوه‪ .‬وقيل‪ :‬تختص بالتقليل‬
‫وقرره قائله في الية بأن الكفار تدهشهم أهوال يوم القيامة فل يفيقون حتى يتمنوا ذلك إل في أحيان‬
‫قليلة‪ .‬وقيل‪ :‬إنها حرف إثبات لم يوضع لتكثير ول تقليل‪ ،‬وإنما يستفاد ذلك من القرائن واختاره أبو‬
‫حيان‪.‬‬
‫)و( الرابع عشر )على الصح أنها قد ترد( بقلة )اسما بمعنى فوق( بأن تدخل عليها من نحو‪:‬‬
‫غدوت من على السطح أي من فوقه‪) .‬و( ترد بكثرة )حرفا للعلّو( حسا نحو‪} :‬كل من عليها فان{ أو‬
‫معنى نحو‪} :‬فضلنا بعضهم على بعض{ وأما على في نحو‪ :‬توكلت على ال‪ ،‬فجعلها الرضي من‬
‫العلّو المجازي )وللمصاحبة( كمع نحو‪} :‬وأتى المال على حبه{ أي مع حبه )وللمجاوزة( كعن نحو‪:‬‬
‫رضيت عليه أي عنه‪) .‬وللتعليل(‪ :‬نحو‪} :‬ولتكبروا ال على ما هداكم{ أي لهدايته أياكم‪) .‬وللظرفية(‬
‫كفي نحو‪} :‬ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها{ أي في وقت غفلتهم ونحو‪} :‬ما تتلو الشياطين‬
‫على ملك سليمان{ أي في زمن ملكه ونحو‪ :‬اعتكفت على المسجد أي فيه‪) .‬وللستدراك(‪ :‬كل كن‪.‬‬
‫نحو‪ :‬فلن ل يدخل الجنة لسوء فعله على أنه ل ييأس من رحمة ال أي لكنه‪) .‬وللتوكيد(‪ :‬كخبر ل‬
‫أحلف على يمين أي يمينا‪) .‬وبمعنى الباء( نحو‪} :‬حقيق علي أن ل أقول{ )و( بمعنى )من( نحو‪:‬‬
‫}إذا اكتالوا على الناس يستوفون{ وهذان من زيادتي‪ .‬وقيل‪ :‬هي اسم أبدا لدخول حرف الجّر عليها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي حرف أبدا ول مانع من دخول حرف جّر على آخر في اللفظ بأن يقدر له مجرور‬
‫ن فرعون عل في الرض{‪} ،‬ولعل بعضهم على بعض{ فقد‬ ‫محذوف )أما عل يعلو ففعل( نحو‪} :‬إ ّ‬
‫استكملت على في الصح أقسام الكلمة‪.‬‬

‫ي والذكري‪) .‬وللتعقيب( في كل شيء بحسبه‬ ‫)و( الخامس عشر )الفاء العاطفة للترتيب( المعنو ّ‬
‫تقول‪ :‬قام زيد فعمرو إذا أعقب قيامه قيام زيد‪ ،‬ودخلت البصرة فالكوفة إذا لم يقم بالبصرة ول‬
‫بينهما‪ ،‬وتزّوج فلن فولد له إذا لم يكن بين التزّوج والولدة إل مدة الحمل مع لحظة الوطء‪،‬‬
‫ومقدمته والترتيب الذكري أن يكون ما بعد الفاء مرتبا في الذكر دون المعنى على ما قبلها‪ ،‬سواء‬
‫ن إنشاء{ الية‪ .‬ل نحو‪} :‬وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا‬‫ل له نحو‪} :‬إنا أنشأناه ّ‬
‫أكان تفصي ً‬
‫أو هم قائلون{ ويسمى الترتيب الخباري‪) .‬وللسببية(‪ :‬ويلزمها التعقيب نحو‪} :‬فوكزه موسى فقضى‬
‫عليه{ فخرج بالعاطفة الرابطة لجواب فقد يتراخى عن الشرط نحو‪ :‬إن يسلم فلن فهو يدخل الجنة‬
‫وقد ل يتسبب عن الشرط نظرا للظاهر نحو‪} :‬إن تعذبهم فإنهم عبادك{‪.‬‬
‫)و( السادس عشر )في الظرفية( نحو‪} :‬واذكروا ال في أيام معدودات{ وأنتم عاكفون في المساجد‪.‬‬
‫)وللمصاحبة( نحو‪} :‬قال ادخلوا في أمم{ أي معهم‪) .‬وللتعليل( نحو‪} :‬لمسكم فيما أفضتم فيه{ أي‬
‫لجل ما‪) .‬وللعلّو( نحو‪} :‬لصلبنكم في جذوع النخل{ أي عليها قاله الكوفيون وابن مالك‪ ،‬وأنكره‬
‫غيرهم وجعلها الزمخشري وغيره للظرفية المجازية بجعل الجذع ظرفا للمصلوب لتمكنه عليه‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫تمكن المظروف من الظرف‪) .‬وللتوكيد( نحو‪} :‬وقال اركبوا فيها( وأصله اركبوها‪) .‬وللتعويض(‪:‬‬
‫عن أخرى محذوفة نحو‪ :‬ضربت فيمن رغبت وأصله ضربت من رغبت فيه‪) .‬وبمعنى الباء(‪:‬‬
‫نحو‪} :‬جعل لكم من أنفسكم أزواجا{ }ومن النعام أزواجا يذرؤكم فيه{ أي يخلقكم بمعنى يكثركم‬
‫بسبب هذا الجعل بالتولد‪ ،‬وجعلها الزمخشري في هذه الية للظرفية المجازية مثل‪} :‬ولكم في‬
‫القصاص حياة{ )و( بمعنى )إلى( نحو‪} :‬فرّدوا أيديهم في أفواههم{ أي إليها ليعضوا عليها من شّدة‬
‫الغيظ‪) .‬و( بمعنى )من( نحو‪ :‬هذا ذراع في الثوب‪ .‬أي منه يعني فل يعيبه لقلته‪.‬‬

‫)و( السابع عشر )كي للتعليل( فينصب المضارع بأن مضمرة نحو‪ :‬جئت كي أنظرك‪ .‬أي لن‬
‫أنظرك‪) .‬وبمعنى أن المصدرية( بأن تدخل عليها اللم نحو‪ :‬جئت لكي تكرمني أي لن تكرمني‪.‬‬
‫)و( الثامن عشر )كل اسم لستغراق أفراد( المضاف إليه‪) .‬المنكر( نحو‪} :‬كل نفس ذائقة الموت{‬
‫}كل حزب بما لديهم فرحون{ )و( لستغراق أفراد المضاف إليه )المعّرف المجموع( نحو‪ :‬كل‬
‫العبيد جاءوا‪ ،‬كل الدرهم صرف‪) .‬و( لستغراق )أجزاء( المضاف إليه‪) .‬المعرف المفرد(‪ :‬نحو كل‬
‫زيد أو الرجل حسن أي كل أجزائه‪.‬‬

‫)و( التاسع عشر )اللم( بقيد زدته بقولي‪) :‬الجارة( وهي مكسورة مع كل ظاهر نحو‪ :‬لزيد إل مع‬
‫المستغاث فتتفح‪ ،‬نحو‪ :‬يال‪ ،‬ومفتوحة مع كل مضمر نحو‪ :‬لنا إل مع ياء المتكلم فمكسورة‪) .‬للتعليل(‬
‫نحو }وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس{ أي لجل أن تبين لهم‪} .‬وللستحقاق{ نحو‪ :‬النار للمكافرين أي‬
‫عذابها مستحق لهم )وللختصاص(‪ :‬نحو‪ :‬الجنة للمؤمنين أي نعيمها مختص بهم‪) .‬وللملك( نحو‪:‬‬
‫}ل ما في السموات وما في الرض{ والمال لزيد‪) .‬وللصيرورة(‪ :‬أي العاقبة نحو‪} :‬فالتقطة آل‬
‫فرعون ليكون لهم عدّوا وخرنا{ فهذا عاقبة التقاطهم له ل علته إذ هي تبنيه‪) .‬وللتمليك( نحو‪ :‬وهبت‬
‫له ثوابا أي ملكته إياه‪) .‬وشبهه(‪ :‬أي التمليك نحو‪} :‬وال جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من‬
‫أزواجكم بنين وحفدة{ )ولتوكيد النفي(‪ :‬نحو؛ }وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم{ فهي في هذا‪ ،‬ونحوه‬
‫لتوكيد نفي الخبر الداخلة عليه المنصوب فيه المضارع بأن مضمرة‪) .‬وللتعدية( نحو‪ :‬ما أضرب‬
‫زيدا لعمرو فضرب صار بقصد التعجب به لزما يتعّدى إلى فاعله بالهمزة وإلى مفعوله باللم‪ .‬و‬
‫)وللتوكيد(‪ :‬وهي الزائدة كإن تأتي لتقوية عامل ضعف بالتأخير نحو‪} :‬إن كنتم للرؤيا تعبرون{‬
‫ولكونه فرعا في العمل نحو‪} :‬إن ربك فعال لما يريد{ وأصله فعال ما‪) .‬وبمعنى إلى( نحو‪} :‬فسقناه‬
‫لبلد ميت{ أي إليه‪) .‬و( بمعنى )على( نحو‪} :‬يخرون للذقان سجدا{ أي عليها‪) .‬و( بمعنى )في(‬
‫نحو‪}( :‬ونضع الموازين القسط ليوم القيامة{ أي فيه‪) .‬و( بمعنى )عند( نحو؛ }يا ليتني قّدمت‬
‫لحياتي{ أي عندها )و( بمعنى )بعد( نحو‪} :‬أقم الصلة لدلوك الشمس{ أي بعده‪ .‬وجعل الزمخشري‬
‫اللم في هذه الية للتوقيت‪ ،‬فتكون بمعنى عند‪) .‬و( بمعنى )من( نحو‪ :‬سمعت له صراخا أي منه‪.‬‬
‫)و( بمعنى )عن( نحو‪} :‬وقال الذين كفروا للذين آمنوا{ أي عنهم }لو كان{ أي اليمان }خيرا ما‬
‫سبقونا إليه{ ولو كانت اللم في هذه الية للتبليغ لقيل ما سبقتمونا‪ .‬وخرج بالجارة الجازمة‬

‫نحو‪} :‬لينفق ذو سعة من سعته{ وغير العاملة كلم البتداء نحو‪} :‬لنتم أشّد رهبة{‪.‬‬
‫ن دللة حرف على معنى حرف آخر مذهب الكوفيين‪ ،‬أما البصريون فذلك عندهم على‬ ‫واعلم أ ّ‬
‫تضمين الفعل المتعلق به ذلك الحرف ما يصح معه معنى ذلك الحرف على الحقيقة‪ ،‬لن التصرف‬
‫عندهم في الفعل أسهل منه في الحرف‪.‬‬
‫)و( العشرون )لول( ومثلها لو ما‪) .‬حرف معناه في( دخوله على )الجملة السمية امتناع جوابه‬
‫لوجود شرطه(‪ :‬نحو‪ :‬لول زيد‪ ،‬أي موجود لهنتك امتنعت الهانة لوجود زيد‪ ،‬فزيد الشرط وهو‬
‫مبتدأ محذوف الخبر لزوما‪) .‬وفي( دخوله على الجملة )المضارعية التحضيض(‪ :‬أي الطلب بح ّ‬
‫ث‬
‫نحو‪} :‬لول تستغفرون ال{ أي استغفروه ول بد‪) .‬والعرض(‪ :‬من زيادتي وهو طلب بلين نحو‪:‬‬
‫}لول أخرتني{ أي تؤخرني }إلى أجل قريب{ )و( في دخوله على الجملة )الماضية التوبيخ( نحو‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫}لول جاءوا عليه بأربعة شهداء{ وبخهم ال على عدم المجيء بالشهداء بما قالوه من الفك‪ ،‬وهو‬
‫في الحقيقة محل التوبيخ‪) .‬ول ترد للنفي ول للستفهام في الصح( وقيل ترد للنفي كآية‪} :‬فلول‬
‫كانت قرية آمنت{ أي فما آمنت قرية أي أهلها عند مجيء العذاب فنفعها إيمانها إل قوم يونس‪ ،‬ورّد‬
‫بأنها في الية للتوبيخ على ترك اليمان قبل مجيء العذاب‪ ،‬وكأنه قيل‪ :‬فلول آمنت قرية قبل فنفعها‬
‫إيمانها والستثناء حينئذ منقطع‪ ،‬وقيل ترد للستفهام كقوله تعالى‪} :‬لول أنزل عليه ملك{ ورّد بأنها‬
‫فيه للتحضيض أي هل أنزل بمعنى ينزل‪ ،‬وقولي‪ :‬ول للستفهام من زيادتي‪.‬‬

‫)و( الحادي والعشرون )لو شرط( أي حرفه )للماضي كثيرا( نحو‪ :‬لو جاء زيد لكرمته‪ ،‬وللمستقبل‬
‫ل نحو‪} :‬وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم{ أي إذ تركوا ونحو‪ :‬أحسن‬ ‫قلي ً‬
‫لزيد ولو أساء أي وإن أساء‪) .‬ثم قيل(‪ :‬في معناها على الّول )هي لمجرد الربط(‪ :‬للجواب بالشرط‬
‫كان واستفادة ما يأتي من انتفائهما‪ ،‬أو انتفاء الشرط فقط من خارج‪ ،‬وقيل لمتناع تاليها واستلزامه‬
‫ما يليه وهو ما صححه الصل‪) .‬والصح أنها( في الصل )لنتفاء جوابها بانتفاء شرطها خارجا(‬
‫أي في الخارج مثبتين أو منفيين أو مختلفين‪ ،‬فالقسام أربعة‪ ،‬كلو جئتني أكرمتك‪ ،‬لو لم تجئني ما‬
‫ل في الّول لنتفاء المجيء‪.‬‬ ‫أكرمتك‪ ،‬لو جئتني ما أهنتك‪ ،‬لو لم تجئني أهنتك‪ ،‬فينتفي الكرام مث ً‬
‫)وقد ترد لعكسه( أي لنتفاء شرطها بانتفاء جوابها )علما(‪ :‬كان ونحوها نحو‪} :‬لو كان فيهما آلهة‬
‫إل ال لفسدتا{ فيعلم انتفاء تعّدد اللهة بالعلم بانتفاء الفساد‪ ،‬وهذا عليه أرباب العقول أيضا‪ ،‬وهو من‬
‫ن انتفاء‬
‫زيادتي‪ ،‬والمثال الواحد يصلح له وللول‪ ،‬ويختلف بالقصد إن قصد به الدللة على أ ّ‬
‫الجواب في الخارج بانتفاء الشرط كان من الّول أو الستدل على العلم بانتفاء الشرط بالعلم بانتفاء‬
‫الجواب كان من الثاني‪ ،‬وفي الول يستثنى نقيض الشرط‪ ،‬وفي الثاني نقيض الجواب لينتج المراد‪،‬‬
‫ففي المثال إن قصد الّول قيل‪ :‬لكن ل إله فيهما غيره فلم تفسد‪ ،‬أو الثاني قيل لكنهما لم تفسدا فليس‬
‫فيهما إله غيره‪) .‬و( ترد )ل ثبات جوابها( بقسميه مع انتفاء شرطها بقسميه )إن ناسب انتفاء‬
‫شرطها( إما )بالولى كلو لم يخف لم يعص(‪ :‬المأخوذ مما روي عن النبي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬أو‬
‫عن عمر رضي ال عنه »ِنعم العبد صهيب لو لم يخف ال لم يعصه«‪ .‬رتب عدم العصيان على‬
‫عدم الخوف وهو بالخوف المفاد بلو أنسب‪ ،‬فيترتب عليه أيضا في قصده‪ ،‬والمعنى أنه ل يعصي‬
‫ل ل مع الخوف وهو ظاهر‪ ،‬ول مع انتفائه إجللً له تعالى‬ ‫ال أص ً‬

‫عن أن يعصيه وقد اجتمع فيه الخوف والجلل رضي ال عنه‪) .‬أو المساوي كلو لم تكن ربيبة ما‬
‫حلت للرضاع(‪ :‬المأخوذ من قوله صلى ال عليه وسّلم في درة بضم المهملة بنت أم سلمة أي هند‬
‫لما بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها بناء على تجويزهنّ أن ذلك من خصائصه‪ ،‬إنها لو لم تكن‬
‫ربيبتي في حجري ما حلت لي‪ ،‬إنها لبنة أخي من الرضاعة‪ ،‬رواه الشيخان‪ ،‬رتب عدم حلها على‬
‫عدم كونها ربيبته المبين بكونها ابنة أخي الرضاع المناسب هو له شرعا كمناسبته للول‪ ،‬سواء‬
‫ل لن بها وصفين لو انفرد‬ ‫لمساواة حرمة المصاهرة لحرمة الرضاع‪ ،‬والمعنى أنها ل تحل لي أص ً‬
‫كل منهما حرمت به كونها ربيبته‪ ،‬ووها ابنة أخي الرضاع‪ ،‬وقوله‪ :‬في حجري على وفق الية‪.‬‬
‫وتقدم الكلم فيه‪) .‬أو الدون كـ(ـقولك فيمن عرض عليك نكاحها‪) :‬لو انتفت أخوة الرضاع( بيني‬
‫وبينها )ما حلت( لي )للنسب(‪ :‬بيني وبينها بالخوة رتب عدم حلها على عدم أخوتها من الرضاع‬
‫المبين بأخّوتها من النسب المناسب هو لها شرعا‪ ،‬فيترتب أيضا في قصده على أخوتها من الرضاع‬
‫المفادة بلو المناسب هو لها شرعا‪ ،‬لكن دون مناسبته للول لن حرمة الرضاع أدون من حرمة‬
‫ل لن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت به أخّوتها من‬ ‫ل لي أص ً‬‫النسب‪ ،‬والمعنى أنها ل تح ّ‬
‫النسب وأخوتها من الرضاع‪ ،‬وقد تجردت لو فيما ذكر من المثلة عن الزمان على خلف الصل‬
‫فيها‪ ،‬أما أمثلة بقية أقسام هذا القسم في الشق الول منه فنحو‪ :‬لو أهنت زيدا لثنى عليك فيثني مع‬
‫عدم الهانة بالولى‪ ،‬لو ترك العبد سؤال ربه لعطاه فيعطيه مع السؤال بالولى‪} :‬ولو أن ما في‬
‫الرض من شجرة أقلم{ إلى قوله‪} :‬ما نفدت كلمات ال{ أي فل تنفد مع انتفاء ما ذكر بالولى‪ ،‬وقد‬
‫استشكل قوله تعالى‪{ :‬ولو علم ال فيهم خيرا لسمعهم{ الية‪ .‬بأن الستدلل به على هيئة قياس‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫اقتراني وهو‪ :‬لو علم ال فيهم خيرا لسمعهم ولو أسمعهم لتولوا ينتج‪ :‬لو علم ال فيهم خيرا لتولوا‪،‬‬
‫وهذا محال‬

‫لن الذي يحصل منهم بتقدير أن يعلم ال فيهم خيرا هو النقياد ل التولي‪.‬‬

‫وأجيب بجوابين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن الوسط مختلف تقديره لسمعهم إسماعا نافعا‪ ،‬ولو أسمعهم إسماعا غير‬
‫نافع لتولوا‪ ،‬وفيه نظر لستلزامه انتفاء السماع عنهم مطلقا‪ ،‬لن الجملة الولى أفادت انتفاء‬
‫السماع النافع‪ ،‬والثانية انتفاء غير النافع واللزم باطل لثبوت إسماعهم في الجملة قطعا وإل فل‬
‫تكليف‪ .‬ثانيهما‪ :‬ليس المراد من الية الستدلل بل بيان السببية على الصل في »لو« أي أن سبب‬
‫انتفاء إسماعهم خيرا هو انتفاء العلم بالخير فيهم‪ ،‬وحينئذ فالكلم قد تّم عند قوله لسمعهم‪ ،‬ويكون‬
‫قوله‪ :‬ولو أسمعهم كلما مستأنفا أي أن التولي لزم بتقدير السماع‪ ،‬فكيف بتقدير عدمه فهو من‬
‫قبيل لو لم يخف ال لم يعصه‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬التولي هو العراض عن الشيء فكيف يتصّور وجوده منهم عند عدم إسماعهم الشيء؟‬
‫قلت‪ :‬بل أسمعهم الشيء وإل فل تكليف‪ ،‬والنفي إنما هو إسماعهم الشيء للتفهيم‪ ،‬وقد ذكرت في‬
‫الحاشية ما يؤخذ منه سبب عدولي عن تصحيح ما صححه الصل مضمنا به قول الجمهور إلى‬
‫تصحيحي لما قالوه من أن فيما صنعته بيان الكثر والقل في استعمال لو‪.‬‬

‫)و( ترد )للتمني وللتحضيض وللعرض(‪ :‬فينصب المضارع بعد فاء جوابها لذلك بأن مضمرة نحو‪:‬‬
‫ن لنا كّرة فنكون‬‫لو تأتيني فتحّدثني لو تأمر فتطاع لو تنزل عندي فتصيب خيرا‪ .‬ومن الول‪} :‬فلو أ ّ‬
‫ث‪،‬‬‫من المؤمنين{ أي ليت لنا والثلثة للطلب لكنه في الول لما ل طمع في وقوعه‪ ،‬وفي الثاني‪ :‬بح ّ‬
‫وفي الثالث‪ :‬بلين كما مّر‪) .‬وللتعليل نحو( خبر النسائي وغيره‪» :‬رّدوا السائل« أي بالعطاء‪.‬‬
‫ل‪،‬‬
‫)»ولو بظلف محرق«( أي تصّدقوا بما تيسر من كثير أو قليل ولو بلغ في القلة إلى الظلف مث ً‬
‫فإنه خير من العدم وهو بكسر المعجمة للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للجمل‪ ،‬وقيد بالحراق‬
‫ي كما هو عادتهم فيه لن النبيء قد ل يؤخذ وقد يرميه آخذه فل ينتفع به بخلف المشوي‪.‬‬ ‫أي الش ّ‬
‫قال الزركشي‪ :‬والحق أن التقليل مستفاد مما بعدها ل منها‪ .‬قلت‪ :‬بل الحق أنه كغيره مما ذكر‬
‫مستفاد منها بواسطة ما بعدها‪) .‬و( ترد )مصدرية( نحو‪} :‬يوّد أحدهم لو يعمر{ وهذا من زيادتي(‪.‬‬
‫)و( الثاني والعشرون )لن حرف نفي ونصب واستقبال( للمضارع‪) .‬والصح أنها ل تفيد(‪ :‬مع ذلك‬
‫)توكيد النفي ول تأييده(‪ :‬لقوله تعالى لموسى عليه الصلة والسلم(‪} :‬لن تراني{ ومعلوم أنه كغيره‬
‫من المؤمنين يراه في الخرة‪ ،‬وقيل يفيدهما كما في قوله تعالى‪} :‬لن يخلقوا ذبابا{ وقوله‪} :‬ولن‬
‫يخلف ال وعده{‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن استفادة ذلك في هذين ونحوهما من خارج كما في قوله‪} :‬ولن يتمنوه‬
‫أبدا{ وكون أبدا فيه للتوكيد خلف الظاهر ول تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي نحو‪} :‬فلن أكلم اليوم‬
‫إنسيا{ و}لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى{ )و( الصح )أنها( ترد بواسطة الفعل بعدها‬
‫)للدعاء( وفاقا لبن عصفور وغيره كقوله‪:‬‬

‫لن تزالوا كذلك ثم ل زلـ‬


‫ـت لكم خالدا خلود الجبال‬
‫وابن مالك وغيره نفوا ذلك وقالوا‪ :‬ل حجة في البيت لحتمال أنه خبر‪ ،‬وفيه بعد لن السياق ينافيه‪.‬‬

‫)و( الثالث والعشرون )ما ترد اسما( إما )موصولة( نحو‪} :‬ما عندكم ينفد وما عند ال باق{ أي الذي‬
‫)أو نكرة موصوفة( نحو‪ :‬مررت بما معجب لك أي بشيء‪) .‬وتامة تعجبية( نحو‪ :‬ما أحسن زيدا فما‬
‫نكرة تعجبية‪ .‬مبتدأ وما بعدها خبره وسّوغ البتداء بها التعجب‪) .‬وتمييزية( وهي اللحقة لنعم‬
‫وبئس نحو‪} :‬إن تبدوا الصدقات فنعما هي{ فما نكرة منصوبة على التمييز أي نعم شيئا هي أي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫إبداؤها‪) .‬ومبالغية( بفتح اللم وهي للمبالغة في الخبار عن أحد بإكثار فعل كالكتابة نحو‪ :‬إن زيدا‬
‫مما أن يكتب أي إنه من أمر كتابة أي مخلوق من أمر هو الكتابة فما نكرة بمعنى شيء للمبالغة‪،‬‬
‫وأن وصلتها في موضع جر بدلً من ما فجعل لكثرة كتابته كأنه خلق منها كما في قوله‪} :‬خلق‬
‫النسان من عجل{ )واستفهامية( نحو‪} :‬فما خطبكم{ أي شأنكم‪) .‬وشرطية زمانية(‪ :‬نحو‪} :‬فما‬
‫استقاموا لكم فاستقيموا لهم{ أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم‪) .‬وغير زمانية( نحو‪} :‬وما تفعلوا‬
‫من خير يعلمه ال{ وقولي وتمييزية ومبالغية من زيادتي تبعا للكثر‪،‬وقولي تامة أولى من قوله‬
‫للتعجب لفادته أن الموصوفة ناقصة‪ ،‬وأن التعجبية والمعطوفات عليها تامة‪ ،‬وإنما صرحوا به في‬
‫التعجبية وتاليتها فقط لظهور تمامها لتجردها عن معنى الحرف‪) .‬و( ترد )حرفا مصدرية لذلك( أي‬
‫زمانية نحو‪} :‬فاتقوا ال ما استطعتم{ أي مدة استطاعتكم وغير زمانية نحو‪} :‬فذوقوا بما نسيتم{ أي‬
‫بنسيانكم‪) .‬ونافية( عاملة نحو ما هذا بشرا وغير عاملة نحو }وما تنفقون إل ابتغاء وجه ال{‬
‫)وزائدة كافة( عن عمل الرفع نحو‪ :‬قلما يدوم الوصال أو الرفع والنصب نحو‪ :‬إنما ال إله واحد‪،‬‬
‫والجّر نحو‪ :‬ربما دام الوصل‪) .‬وغير كافة( عوضا نحو‪ :‬افعل هذا‪ .‬إما ل أي إن كنت ل تفعل غيره‬
‫فما عوض عن كنت أدغم فيها النون للتقارب وحذف المنفي للعلم به وغير عوض للتأكيد نحو‪:‬‬
‫}فبما رحمة من ال لنت لهم{ وأصله فبرحمة‪.‬‬

‫)و( الرابع والعشرون )من( بكسر الميم )لبتداء الغاية( بمعنى المسافة من مكان نحو‪ :‬من المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬وزمان نحو‪ :‬من أول يوم وغيرهما‪ .‬نحو‪} :‬إنه من سليمان{ )غالبا( أي ورودها لهذا المعنى‬
‫أكثر منه لغيره‪) .‬ولنتهائها(‪ :‬أي الغاية نحو‪ :‬قربت منه أي إليه‪) .‬وللتبعيض( نحو‪} :‬حتى تنفقوا‬
‫مما تحبون{ أي بعضه‪) .‬وللتبيين(‪ :‬بأن يصح حمل مدخولها على المبهم قبلها نحو‪} :‬ما ننسخ من‬
‫آية{ }فاجتنبوا الرجس من الوثان{ كأن يقال في الول ما ننسخه آية‪ .‬وفي الثاني الرجس الوثان‪.‬‬
‫)وللتعليل( نحو‪} :‬يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق{ أي لجلها والصاعقة الصيحة التي‬
‫يموت من يسمعها أو يغشى عليه‪) .‬وللبدل( نحو‪} :‬أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة{ أي بدلها‪.‬‬
‫)ولتنصيص العموم(‪ :‬وهي الداخلة على نكرة ل تختص بالنفي نحو‪ :‬ما في الدار من رجل‪ ،‬فهو‬
‫بدون من ظاهر في العموم محتمل لنفي الواحد فقط وبها يتعين النفي للجنس‪) .‬ولتوكيده( أي‪:‬‬
‫تنصيص العموم وهي الداخلة على نكرة تختص بالنفي نحو‪ :‬ما في الدار من أحد‪ ،‬وهذا من زيادتي‪.‬‬
‫)وللفصل(‪ :‬بالمهملة أي للتمييز بأن تدخل على ثاني المتضاّدين نحو‪} :‬وال يعلم المفسد من‬
‫المصلح{ }حتى يميز الخبيث من الطيب{ ولبن هشام فيه نظر ذكرته في الحاشية مع جوابه‪.‬‬
‫)وبمعنى الباء( نحو‪} :‬ينظرون من طرف خفي{ أي به )و( بمعنى )عن( نحو‪} :‬قد كنا في غفلة من‬
‫هذا{ أي عنه‪) .‬و( بمعنى )في(نحو }إذا نودي للصلة من يوم الجمعة{أي فيه ونحو }أروني ماذا‬
‫خلقوا من الرض{ أي فيها )و( بمعنى )عند( نحو }لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من ال شيئا{‬
‫أي عنده )و( بمعنى )على( نحو ونصرناه من القوم{ أي عليهم وقيل ضمن نصرناه معنى منعناه‪.‬‬

‫)و( الخامس والعشرون من بفتح الميم إما )موصولة( نحو }ول يسجد من في السموات والرض{‬
‫)أو نكرة موصوفة( كمررت بمن معجب لك أي‪ :‬بإنسان )وتامة شرطية( نحو }من يعمل سوءا يجز‬
‫به{ )واستفهامية( نحو }فمن ربكما يا موسى{ )وتمييزية( كقول الشاعر‪:‬‬
‫ونعم من هو في سّر وإعلن†‬
‫ل‪ .‬وقوله‪ :‬هو مخصوص بالمدح وهو راجع إلى بشر بن‬ ‫ففاعل نعم مستتر ومن تمييز بمعنى رج ً‬
‫مروان في البيت قبله‪ ،‬وفي سر متعلق بنعم‪ ،‬وهذا مذهب أبي علي الفارسي وأما غيره فنفى ذلك‬
‫وقال‪ :‬من موصولة فاعل‪ .‬نعم‪ ،‬وقوله هو راجع إليها مبتدأ خبره هو محذوف راجع إلى بشر يتعلق‬
‫به في سر لتضمنه معنى الفعل كما سيظهر‪ ،‬والجملة صلة من والمخصوص بالمدح محذوف أي‬
‫هو وهو راجع إلى بشر أيضا‪ ،‬والتقدير نعم الذي هو المشهور في السر والعلنية بشر‪ ،‬وفيه تكلف‬
‫وتعبيري بما ذكر في القسام المذكورة أولى مما عبر به لفادته أن الشرطية والستفهامية نكرتان‬
‫تامتان‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)و( السادس والعشرون )هل لطلب التصديق كثيرا( إيجابا أو سلبا خلفا للصل في تقييده تبعا لبن‬
‫ل؟‬
‫ي فيقال في جواب هل قام زيد مث ً‬ ‫هشام باليجاب سرى إليهما ذلك من أن هل ل تدخل على منف ّ‬
‫ل( خلفا‬ ‫نعم أو ل‪ ،‬وإن لم تدخل على منفي أذ ل يقال هل لم يقم زيد‪) .‬و( لطلب )التصّور قلي ً‬
‫للصل في منع مجيئها له بخلف الهمزة تأتي لكل منهما كثيرا‪ ،‬وتدخل على المنفي فتخرج عن‬
‫الستفهام إلى التقرير وهو حمل المخاطب على القرار بما بعد النفي نحو‪} :‬ألم نشرح لك صدرك{‬
‫فيجاب ببلى‪ ،‬وقد تبقى على الستفهام كقولك لمن قال‪ :‬لم أفعل كذا ألم تفعله؟ أي أحق انتفاء فعلك‬
‫له‪ .‬فيجاب‪ :‬بنعم أو ل‪ .‬ومنه قوله‪:‬‬
‫أل اصطبار لسلمى أم لها جلد‬
‫إذًا ألقي الذي لقاه أمثالي‬
‫فيجاب بمعين منهما‪.‬‬

‫)و( السابع والعشرون )الواو( بقيد زدته بقولي )العاطفة لمطلق الجمع( بين المعطوفين في الحكم‬
‫)في الصح( لنها تستعمل في الجمع بمعية وبغيرها نحو‪ :‬جاء زيد وعمرو إذا جاء معه أو بعده أو‬
‫قبله‪ ،‬فتكون حقيقة في القدر المشترك بين الثلثة وهو مطلق الجمع حذرا من الشتراك والمجاز‬
‫واستعمالها في كل منها من حيث إنه جمع استعمال حقيقي‪ ،‬وقيل هي للترتيب لكثرة استعمالها فيه‬
‫فهي في غيره مجاز‪ ،‬وقيل للمعية لنها للجمع والصل فيه المعية‪ ،‬فهي في غيرها مجاز وخرج‬
‫بالعاطفة غيرها كواوي القسم والحال‪ ،‬وقد بينت في الحاشية وغيرها أنه ل فرق هنا بين مطلق‬
‫ل عن‬ ‫الجمع والجمع المطلق‪ ،‬خلفا لمن زعم خلفه أخذا من الفرق بين مطلق الماء والماء غاف ً‬
‫اختلف اصطلحي الفقيه واللغوي‪.‬‬

‫المر‬

‫أي هذا مبحثه )أ م ر(‪ :‬أي اللفظ المنتظم من هذه الحرف المسماة بألف ميم راء وتقرأ بصيغة‬
‫ل بوضعه على اقتضاء فعل إلى آخر ما يأتي‬ ‫الماضي مفككا )حقيقة في القول المخصوص(‪ :‬أي الدا ّ‬
‫نحو‪} :‬وأمر أهلك بالصلة{ أي‪ :‬قل لهم صلوا‪) .‬مجاز في الفعل في الصح( نحو‪} :‬وشاورهم في‬
‫المر{ أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ المر إلى الذهن‪ ،‬وقيل هو للقدر‬
‫المشترك بينهما وهو مفهوم أحدهما حذرا من الشتراك والمجاز‪ ،‬وقيل هو مشترك بينهما لستعماله‬
‫فيهما‪ ،‬وقيل مشترك بينهما وبين الشأن والصفة والشيء لستعماله فيها أيضا نحو‪ :‬إنما أمرنا لشيء‬
‫أي شأننا لمر ما يسّود من يسّود أي لصفة من صفات الكمال لمر ما جدع قصير أنفه أي لشيء‪،‬‬
‫والصل في الستعمال الحقيقة‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنه فيها مجاز لنه خير من الشتراك كما مّر‪ ،‬وإنما‬
‫عبرت كغيري بالفعل القاصر عن تناولها لنه المقابل للقول من حيث إنهما قسمان للمقصود‪ ،‬وهو‬
‫الدال على الحكم والمر لفظي ونفسي وهو الصل‪ ،‬فاللفظي عرف من قولي حقيقة في كذا‪.‬‬
‫ف(‪ :‬فدخل فيه‬‫ف )بغير نحو ك ّ‬
‫)والنفسي اقتضاء( أي طلب )فعل غير كف مدلول عليه(‪ :‬أي الك ّ‬
‫الطلب الجازم وغيره لما ليس بكف‪ ،‬ولما هو كف مدلول عليه بكف أو نحوها‪ .‬كاترك وذر ودع‬
‫المفادة بزيادتي نحو‪ :‬وخرج منه الباحة والمدلول عليه بغير ذلك أي ل تفعل فليس كل منهما بأمر‬
‫ف أمرا ل نهيا موافقة للدال في اسمه‪ ،‬ويحّد النفسي أيضا بالقول المقتضى لفعل إلى‬
‫وسمي مدلول ك ّ‬
‫آخره‪ ،‬والقول مشترك بين اللفظي والنفسي أيضا‪) .‬ول يعتبر في المر(‪ :‬بقسميه حتى يعتبر في حّده‬
‫أيضا‪) .‬علّو( بأن يكون الطالب عالي الرتبة على المطلوب منه‪) .‬ول استعلء( بأن يكون الطلب‬
‫بعظمة لطلق المر بدونهما‪ .‬قال تعالى حكاية عن فرعون }فماذا تأمرون{ )ول إرادة الطلب(‬
‫باللفظ لطلق المر بدونها‪) .‬في الصح(‪ :‬وقيل‪ :‬يعتبر الّولن وإطلق المر بدونهما مجازي‪،‬‬
‫وقيل يعتبر العلّو دون‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الستعلء‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل يعتبر العلّو وإرادة الطلب باللفظ فإذا لم يرده به لم يكن أمرا لنه‬
‫يستعمل في غير الطلب كالتهديد ول مميز غير الرادة‪ .‬قلنا استعماله في غير الطلب مجازي‬
‫بخلف الطلب‪ ،‬فل حاجة إلى اعتبار إرادته‪ ،‬ولن المر لو كان هو الرادة لوقعت المأمورات‬
‫واللزم باطل‪) .‬والطلب بديهي(‪ :‬أي متصّور بمجرد التفات النفس إليه بل نظر‪ ،‬إذ كل عاقل يفرق‬
‫بالبديهة بينه وبين غيره كالخبار وما ذاك إل لبداهته فاندفع ما قيل إن تعريف المر بما يشتمل‬
‫عليه تعريف بالخفى بناء على أنه نظري‪) .‬و( المر )النفسي( المعرف باقتضاء فعل إلى آخره‬
‫)غير الرادة( لذلك الفعل‪) .‬عندنا( فإنه تعالى أمر من علم أنه ل يؤمن كأبي لهب باليمان ولم يرده‬
‫منه لمتناعه والممتنع غير مراد‪ ،‬أما عند المعتزلة فهو عينها لنهم لما أنكروا الكلم النفسي ولم‬
‫يمكنهم إنكار القتضاء المعرف به المر قالوا إنه الرادة‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح( على القول بإثبات الكلم النفسي‪) .‬أن صيغة أفعل(‪ .‬والمراد بها كل ما يدل ولو‬
‫ل وصه ولينفق‪) .‬مختصة‬ ‫بواسطة على المر من صيغه المحتملة لغير الوجوب‪ ،‬كاضرب وص ّ‬
‫بالمر النفسي(‪ :‬بأن تدل عليه وضعا دون غيره‪ ،‬وقيل ل فل تدل عليه إل بقرينة كصل لزوما‪،‬‬
‫وعليه فقيل هو للوقف بمعنى عدم الدراية بما وضعت له حقيقة مما وردت له من أمر وتهديد‬
‫وغيرهما‪ ،‬وقيل للشتراك بين المعاني التية المشتركة‪ ،‬أما صحة التعبير عن المر بما يدل عليه‬
‫فل يختص بها صيغة فعل قطعا‪ ،‬بل تأتي في غيرها كألزمتك وأوجبت عليك‪ ،‬أما المنكرون للنفسي‬
‫فل حقيقة للمر وسائر أقسام الكلم عندهم إل العبارات‪) .‬وترد( صيغة افعل بالمعنى السابق لستة‬
‫وعشرين معنى على ما في الصل‪ ،‬وإل فقد أوصلها بعضهم لنيف وثلثين وليميز بعضها عن‬
‫بعض بالقرائن‪) .‬للوجوب( نحو‪ :‬أقيموا الصلة )وللندب( نحو‪} :‬فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا{‬
‫)وللباحة( نحو‪} :‬كلوا من طيبات{ أي مما يستلذ من المباحات )وللتهديد( نحو‪} :‬اعملوا ما شئتم{‬
‫قيل ويصدق مع التحريم والكراهة‪).‬وللرشاد( نحو‪} :‬واستشهدوا شهيدين من رجالكم{ والمصلحة‬
‫فيه دنيوية بخلفها في الندب )ولرادة المتثال( كقولك لغير رقيقك عند العطش‪ :‬اسقني ماء‪.‬‬
‫)وللذن( كقولك لمن طرق الباب‪ :‬ادخل وبعضهم أدرج هذا في الباحة‪) .‬وللتأديب( كقولك لغير‬
‫مكلف‪ :‬كل مما يليك وبعضهم أدرج هذا في الندب‪ ،‬والّول فرق بأن الدب متعلق بمحاسن الخلق‬
‫وإصلح العادات والندب بثواب الخرة أما أكل المكلف مما يليه فمندوب‪ ،‬ومما يلي غيره مكروه‬
‫حيث ل إيذاء وإل فحرام )وللنذار( نحو‪} :‬قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار{ ويفارق التهديد‬
‫بوجوب اقترانه بالوعيد كما في الية‪ ،‬وبأن التهديد التخويف والنذار إبلغ المخوف منه‪.‬‬
‫)وللمتنان( نحو؛ }كلوا مما رزقكم ال{ ويفارق الباحة باقترانه بذكر ما يحتاج إليه )وللكرام(‬
‫نحو‪} :‬ادخلوها بسلم آمنين{ )وللتسخير( أي‬

‫التذليل والمتهان نحو‪} :‬كونوا قردة خاسئين{ )وللتكوين( أي اليجاد عن العدم بسرعة نحو‪} :‬كن‬
‫فيكون{ )وللتعجيز( أي إظهار العجز نحو‪} :‬فأتوا بسورة من مثله{ )وللهانة( ويعبر عنها بالتهكم‬
‫نحو‪} :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم{ )وللتسوية( بين الفعل والترك نحو‪} :‬فاصبروا أو ل تصبروا{‬
‫وللدعاء( نحو‪} :‬ربنا افتح بيننا وبين قومنا{ )وللتمني( كقولك‪ :‬لخركن فلنا‪) .‬وللحتقار( نحو‪:‬‬
‫}ألقوا ما أنتم ملقون{ إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم محتقر بالنظر إلى معجزة موسى عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وفرق بينه وبين الهانة بأن محله القلب ومحلها الظاهر‪) .‬وللخبر(‪ :‬كخبر »إذا َلم‬
‫ت« أي صنعت )وللنعام( بمعنى تذكر النعمة نحو‪} :‬كلوا من طيبات ما‬ ‫صَنْع ما شئ َ‬
‫ح فا ْ‬
‫َتست ِ‬
‫رزقناكم{ )وللتفويض(‪ :‬وهو رّد المر إلى غيرك ويسمى التحكيم والتسليم نحو‪} :‬فاقض ما أنت‬
‫قاض{ )وللتعجب(‪ :‬نحو؛ }انظر كيف ضربوا لك المثال{ وتعبيري به أنسب بسابقه ولحقه من‬
‫تعبيره بالتعجب )وللتكذيب(‪ .‬نحو‪} :‬قل فأتوا بالتوراة قاتلوها إن كنتم صادقين{ )وللمشورة(‪ :‬نحو‪:‬‬
‫}فانظر ماذا ترى{ )وللعتبار( نحو‪} :‬انظروا إلى ثمره إذا أثمر{ )والصح أنها(‪ :‬أي صيغة افعل‬
‫بالمعنى السابق‪) .‬حقيقة في الوجوب( فقط كما عليه الشافعي والجمهور‪ ،‬لن الئمة كانوا يستدلون‬
‫بها مجردة عن القرائن على الوجوب‪ ،‬وقد شاع من غير إنكار في الندب فقط لنه المتيقن من قسمي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الطلب‪ ،‬وقيل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من الشتراك‬
‫والمجاز‪ ،‬وقيل مشتركة بينهما‪ ،‬وقيل بالوقف‪ ،‬وقيل مشتركة فيهما‪ ،‬وفي الباحة‪ ،‬وقيل في الثلثة‬
‫والتهديد‪ ،‬وقيل أمر ال للوجوب وأمر نبيه المبتدأ منه للندب بخلف الموافق لمر ال أو المبين له‬
‫فللوجوب أيضا‪ ،‬وقيل مشتركة بين الخمسة الول الوجوب والندب والباحة والتهديد والرشاد‪،‬‬
‫وقيل بين الحكام الخمسة الثلثة الول والتحريم والكراهة‪ ،‬وعلى الصح هي حقيقة في الوجوب‬
‫)لغة على‬

‫الصح( وهو المنقول عن الشافعي وغيره‪ ،‬لن أهل اللغة يحكمون باستحقاق مخالف أمر سيده مث ً‬
‫ل‬
‫بها للعقاب‪ ،‬وقيل شرعا لنها لغة لمجرد الطلب وجزمه المحقق للوجوب بأن ترتب العقاب على‬
‫ل لن ما يفيد المر لغة من الطلب‬ ‫الترك إنما يستفاد من أمره أو أمر من أوجب طاعته‪ ،‬وقيل عق ً‬
‫يتعين أن يكون الوجوب لن حمله على الندب يصير المعنى افعل إن شئت‪ ،‬وليس هذا القدر‬
‫مذكورا‪ ،‬وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير المعنى افعل من غير تجويز ترك‪ ،‬وقيل‬
‫في الطلب الجازم لغة وفي التوعد على الترك شرعا فالوجوب مركب مهما‪ ،‬وهذا ما اختاره‬
‫الصل‪ ،‬وقيل لسقاط الحظر ورجوع المر إلى ما كان قبله من وجوب أو غيره)و( الصح )أنه‬
‫يجب اعتقاد الوجوب( في المطلوب )بها قبل البحث( عما يصرفها عنه إن كان كما يجب على‬
‫الصح اعتقاد عموم العام حتى يتمسك به قبل البحث عن المخصص‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬وقيل ل يجب كما‬
‫في تلك‪) .‬و( الصح )أنها إن وردت بعد حظر( لمتعلقها نحو‪} :‬وإذا حللتم فاصطادوا{ )أو( بعد‬
‫)استئذان( فيه كأن يقال لمن قال أفعل لك كذا افعل‪) .‬فللباحة( الشرعية حقيقة لتبادرها إلى الذهن‬
‫في ذلك لغلبة استعمالها فيها حينئذ‪ ،‬وقيل للوجوب كما في غير ذلك نحو‪} :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم‬
‫فاقتلوا المشركين{ وقيل بالوقف فل نحكم بشيء منها‪) .‬و( الصح )أن صيغة النهي(‪ :‬أي ل تفعل‬
‫الواردة‪) .‬بعد وجوب للتحريم( كما في غير ذلك ومن القائل به بعض القائل بأن المر بعد الحظر‬
‫للباحة‪ ،‬وفرق بأن مقتضى النهي وهو الترك موافق للصل‪ ،‬وبأن النهي لدفع المفسدة والمر‬
‫لتحصيل المصلحة واعتناء الشارع بالول أشّد‪ ،‬وقيل للكراهة على قياس أن المر للباحة‪ ،‬وقيل‬
‫للباحة نظرا إلى أن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه‪ ،‬وقيل لسقاط‬
‫الوجوب ويرجع المر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة‪ ،‬وقيل بالوقف‪ ،‬وتعبيري بصيغة افعل‬
‫وبصيغة النهي أولى من تعبيره بالمر والنهي ليوافق‬

‫القول بالباحة‪ ،‬إذ ل أمر ول نهي فيها إل على قول الكعبي‪ ،‬وظاهر أن صيغة النهي بعد الستئذان‬
‫كهي بعد الوجوب‪.‬‬

‫ا‪.‬‬
‫)مسألة‪ :‬الصح أنها(‪ :‬أي صيغة افعل )لطلب الماهية( ل لتكرار ول مرة ول لفور ول تراخ فهي‬
‫للقدر المشترك بينها حذرا من الشتراك المجاز‪) .‬والمرة ضرورية(‪ :‬إذ ل توجد الماهية بأقل منها‬
‫فيحمل عليها‪ ،‬وقيل المرة لنها المتيقن وتحمل على التكرار على القولين بقرينة وقيل للتكرار مطلقا‬
‫لنه الغالب‪ ،‬وتحمل على المرة بقرينة‪ ،‬وقيل للتكرار إن علقت بشرط أو صفة بحسب تكرار المعلق‬
‫به نحو‪} :‬وإن كنتم جنبا فاطهروا{ }والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة{ وإن لم‬
‫تعلق بذلك فللمرة‪ ،‬وقيل بالوقف عن المرة والتكرار بمعنى أنها مشتركة بينهما أو لحدهما ول‬
‫نعرفه قولن‪ .‬فل تحمل على أحد منهما إل بقرينة‪ ،‬وقيل إنها للفور أي للمبادرة بالفعل عقب‬
‫ورودها لنه أحوط‪ ،‬وقيل للتراخي أي التأخير لنه يسّد عن الفور بخلف العكس‪ ،‬وقيل مشتركة‬
‫بينهما لنها مستعملة فيهما‪ ،‬والصل في الستعمال الحقيقة‪ ،‬وقيل للفور أو العزم في الحال على‬
‫الفعل بعد‪ ،‬وقيل بالوقف عن الفور والتراخي بمعنى أنها لحدهما ول نعرفه‪) .‬و( الصح )أن‬
‫المبادر( بالفعل )ممتثل( لحصول الغرض‪ ،‬وقيل ل بناء على أن المر للتراخي وجوبا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أن المر(‪ :‬بشيء مؤقت )ل يستلزم القضاء( له إذا لم يفعل في وقته‪) ،‬بل( إنما‬
‫)يجب بأمر جديد( كالمر في خبر الصحيحين »من نسي الصلة فليصلها إذا ذكرها«‪ .‬والقصد من‬
‫المر الول الفعل في الوقت‪ ،‬وقيل يستلزمه لشعار المر بطلب استدراكه لن القصد منه الفعل‪.‬‬
‫)و( الصح )أن التيان بالمأمور به( على الوجه الذي أمر به‪) .‬يستلزم الجزاء( للمأتي به‪ ،‬بناء‬
‫على أن الجزاء الكفاية في سقوط الطلب‪ ،‬وهو الصح كما مر‪ ،‬ولنه لو لم يستلزمه لكان المر‬
‫بعد المتثال مقتضيا إما للمأتي به‪ ،‬فيلزم تحصيل الحاصل أو بغيره فيلزم عدم التيان بتمام المأمور‬
‫بل ببعضه‪ ،‬والفرض خلفه‪ ،‬وقيل ل يستلزمه بناء على أنه إسقاط القضاء لجواز أن ل يسقط‬
‫ن طهره ثم تبين له حدثه‪) .‬و(‬ ‫المأتي به القضاء بأن يحتاج إلى الفعل ثانيا كما في صلة من ظ ّ‬
‫الصح )أن المر( للمخاطب )بالمر( لغيره )بشيء( نحو‪} :‬وأمر أهلك بالصلة{ )ليس أمرا( لذلك‬
‫الغير )به( أي بالشيء وقيل هو أمر به‪ ،‬وإل فل فائدة فيه لغير المخاطب وقد تقوم قرينة على أن‬
‫غير المخاطب مأمور بذلك الشيء كما في خبر الصحيحين‪» :‬أن ابن عمر طلق امرأته وهي‬
‫جْعها«‪.‬‬
‫حائض فذكر ذلك عمر رضي ال عنه للنبي صلى ال عليه وسّلم فقال‪ُ :‬مْره َفْلُيَرا ِ‬

‫ضَأ«‪.‬‬
‫ن قاَم َفْلَيَتَو ّ‬
‫)و( الصح أن المر( بالمد بلفظ يصلح له(‪ :‬هو أولى من قوله يتناوله نحو‪َ» :‬م ْ‬
‫)غير داخل فيه( أي في ذلك اللفظ لبعد أن يريد المر نفسه‪ ،‬وهذا ما صححه في بحث العام عكس‬
‫مقابله وهو ما صححه هنا‪ ،‬والّول هو المشهور وممن صححه المام الرازي والمدي‪ .‬وفي‬
‫الروضة‪ :‬لو قال نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته على الصح‪ ،‬لن الصح عند أصحابنا في‬
‫الصول أنه ل يدخل في خطابه‪ ،‬وخرج بالمر ومثله الناهي المخبر فيدخل في خطابه على الصح‬
‫كما صرح به في بحث العام‪ ،‬إذ ل يبعد أن يريد المخبر نفسه نحو‪} :‬وال بكل شيء عليم{ وهو‬
‫تعالى عليم بذاته وصفاته‪ ،‬فعلم أن في مجموع المسألتين ثلثة أقوال‪ ،‬ومحلها إذا لم تقم قرينة على‬
‫ل النيابة في العبادة البدنية(‬ ‫دخوله أو عدم دخوله فإن قامت عمل بمقتضاها قطعا‪) .‬ويجوز عندنا عق ً‬
‫إذ ل مانع ومنعه المعتزلة لن المر بها إنما هو لقهر النفس وكسرها بفعلها والنيابة تنافي ذلك‪.‬‬
‫ل الجواز الشرعي فل‬ ‫قلنا‪ :‬ل تنافيه لما فيها من بذل المؤنة أو تحمل المنة‪ ،‬وخرج بزيادتي عق ً‬
‫تجوز شرعا النيابة في البدنية إل في الحج والعمرة‪ ،‬وفي الصوم بعد الموت وبالبدنية المالية‬
‫كالزكاة فل خلف في جواز النيابة فيها‪ ،‬وإن اقتضى كلم الصل أن فيها خلفا‪ ،‬وتعبيري بما ذكر‬
‫أولى من تعبيره بأن الصح أن النيابة تدخل المأمور إل لمانع لقتضائه أن في العبادة المالية خلفا‬
‫وليس كذلك‪ ،‬مع أن قوله إل لمانع إنما يناسب الفقيه ل الصولي لن كلمه في الجواز العقلي ل‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المختار(‪ :‬تبعا لمام الحرمين والغزالي والنووي في روضته في كتاب الطلق وغيرهم‬
‫)أن المر النفسي بـ(ـشيء )معين( إيجابا أو ندبا )ليس نهيا عن ضده ول يستلزمه( لجواز أن ل‬
‫يخطر الضد بالبال حال المر تحريما كان النهي أو كراهة‪ ،‬واحدا كان الضد كضد السكون أي‪:‬‬
‫التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغيره‪ ،‬وقيل نهي عن ضده‪ ،‬وقيل يستلزمه فالمر بالسكون‬
‫ل أي طلبه ليس نهيا عن التحّرك أي طلب الكف عنه ول مستلزما له على الول ومستلزما له‬ ‫مث ً‬
‫على الثالث‪ ،‬وعينه على الثاني بمعنى أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى السكون أمر وإلى التحّرك‬
‫نهي‪ ،‬واحتج لهذين القولين بأنه لما لم يتحقق المأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا للكف‬
‫أو مستلزما له‪ .‬وأجيب‪ :‬بمنع الملزمة لجواز أن ل يخطر الضد بالبال حال المر كما مر‪ ،‬فل‬
‫يكون مطلوب الكف به‪ ،‬وقيل القولن في الوجوب دون أمر الندب‪ ،‬لن الضد فيه ل يخرج به عن‬
‫أصله من الجواز بخلفه في أمر الوجوب لقتضائه الذم على الترك وخرج بالنفسي المر اللفظي‬
‫فليس عين النهي اللفظي قطعا ول يستلزمه في الصح وبالمعين المبهم من أشياء فليس المر به‬
‫بالنظر إلى ما صدقه نهيا عن ضّده منها ول مستلزما له قطعا‪) .‬و( المختار )أن النهي( النفسي عن‬
‫شيء معين تحريما أو كراهة )كالمر( فيما ذكر فيه‪ ،‬فالنهي ليس أمرا بالضد ول يستلزمه‪ ،‬وقيل‬
‫عينه‪ ،‬وقيل يستلزمه‪ ،‬وقيل هذان القولن في نهي التحريم دون نهي الكراهة‪ ،‬والضد إن كان واحدا‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫فواضح أو أكثر فالمر بواحد منه‪ ،‬وقيل النهي أمر بضده قطعا بناء على أن المطلوب في النهي‬
‫فعل الضد‪ ،‬وقيل ل قطعا بناء على أن المطلوب في النهي انتفاء الفعل‪ ،‬والترجيح في هذه والتي‬
‫قبلها من زيادتي والنهي اللفظي يقاس بالمر اللفظي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المران إن لم يتعاقبا(‪ :‬بأن يتراخى ورود أحدهما عن الخر بمتماثلين ولم يمنع من‬
‫التكرار مانع أو بمتخالفين‪) .‬أو تعاقبا( لكن )بغير متماثلين(‪ :‬بعطف كأقيموا الصلة وآتوا الزكاة‪ ،‬أو‬
‫بدونه كاضرب زيدا أعطه درهما‪) :‬فغيران( فيعمل بهما جزما‪) .‬وكذا( إن تعاقبا )بمتماثلين ول‬
‫مانع من التكرار( في متعلقهما من عادة أو غيرها فإنهما غيران )في الصح( مع عطف كص ّ‬
‫ل‬
‫ركعتين وصل ركعتين أو بدونه كصل ركعتين صل ركعتين لظهور العطف في التأسيس وأصالة‬
‫التأسيس في غير العطف‪ ،‬وهذا ما نقله الصل في شرح المختصر كالصفي الهندي عن الكثرين‪،‬‬
‫وقيل الثاني تأكيد فيهما لتماثل المتعلقين‪ ،‬وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد في غير العطف‬
‫لحتمالهما‪ ،‬والترجيح من زيادتي في غير العطف‪ ،‬وما ذكرته من الخلف مع العطف حكاه‬
‫الصل‪ .‬قال الزركشي‪ :‬وفيه نظر فقد صرح الصفي الهندي وغيره بأنه ل خلف في أنه للتأسيس‪،‬‬
‫لن الشيء ل يعطف على نفسه‪ ،‬ويجاب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ‪) .‬فإن كان( ثّم )مانع(‬
‫من التكرار )عادي وعارضه عطف(‪ :‬نحو‪ :‬صل ركعتين وصل الركعتين‪) .‬فالوقف( عن التأسيس‬
‫والتأكيد لحتمالهما‪ ،‬وظاهر أنه إن وجد مرجح عمل به‪) .‬وإل( بأن كان ثّم مانع عقلي نحو‪ :‬اقتل‬
‫زيدا اقتل زيدا‪ ،‬أو شرعي نحو‪ :‬أعتق عبدك أعتق عبدك‪ ،‬أو لم يعارضه عطف نحو‪ :‬اسقني ماء‬
‫اسقني ماء‪ ،‬صل ركعتين صل ركعتين‪) .‬فالثاني تأكيد(‪ .‬وإن كان بعطف في الولين أما كونه تأكيدا‬
‫في الولين فظاهر‪ ،‬وأما في الخيرتين فلن العادة باندفاع الحاجة بمرة في أولها‪ ،‬وبالتعريف في‬
‫ثانيهما ترجح التأكيد‪ ،‬وقولي وإل أعم من قوله فإن رجح التأكيد بعادي قدم‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬النهي( النفسي )اقتضاء كف عن فعل ل بنحو كف(‪ :‬كذر ودع المفادين كنحوهما بزيادتي‬
‫نحو‪ :‬فدخل فيه القتضاء الجازم وغيره وخرج منه الباحة‪ ،‬واقتضاء فعل غير كف أو كف بنحو‬
‫كف فإنه أمر كما مر‪ ،‬ويحد أيضا بالقول المقتضي للكف المذكور كما يحد اللفظي بالقول الدال على‬
‫القتضاء المذكور‪ ،‬ول يعتبر في مسمى النهي علو ول استعلء على الصح كالمر )وقضيته‬
‫الدوام( على الكف‪ ،‬لن العلماء لم يزالوا يستدلون به على الترك مع اختلف بالوقات ل يخصونه‬
‫بشيء منها‪) .‬ما لم يقيد بغيره في الصح(‪ :‬فإن قيد به نحو‪ :‬ل تسافر اليوم كان الغير قضيته فيحمل‬
‫عليه‪ ،‬وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغير الدوام يصرفه عن قضيته‪ ،‬وقولي بغيره أولى من قوله‬
‫بالمرة‪) .‬وترد صيغته( أي النهي وهي ل تفعل‪) .‬للتحريم( نحو }ول تقربوا الزنا{ )وللكراهة( نحو‬
‫}ول تيمموا الخبيث منه تنفقون{ والخبيث فيه الرديء ل الحرام عكس ما في قوله تعالى‪} :‬ويحرم‬
‫عليهم الخبائث{ }وللرشاد( نحو }ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم{ )وللدعاء( نحو‪} :‬ربنا ل‬
‫تزغ قلوبنا{ }ولبيان العاقبة{‪ :‬نحو‪} :‬ول تحسين الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء{ أي عاقبة‬
‫ن عينيك إلى ما متعنا‬
‫الجهاد الحياة ل الموت )وللتقليل(‪ :‬بأن يتعلق بالمنهى عنه نحو‪} :‬ول تمّد ّ‬
‫به} أي فهو قليل بخلف ما عند ال‪) .‬وللحتقار( بأن يتعلق بالمنهي نحو‪} :‬ل تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫إيمانكم{ }ولليأس( نحو‪} :‬ل تعذروا اليوم{ وهذا تركه البرماوي من ألفيته‪ ،‬وذكره في شرحها مع‬
‫زيادة ومثل له بالية ثم قال‪ :‬وقد يقال إنه راجع للحتقار أي لتحاد آيتيهما‪ .‬قلت‪ :‬والوجه الفرق إذ‬
‫ذكر اليوم في الية الثانية قرينة لليأس‪ ،‬وتركه في الولى قرينة للحتقار‪.‬‬

‫)وفي الرادة والتحريم ما( مّر )في المر(‪ :‬من الخلف‪ ،‬فقيل ل تدل الصيغة على الطلب إل إذا‬
‫أريد الطلب بها‪ ،‬والصح أنها تدل عليه بل إرادة وأنها حقيقة في التحريم لغة‪ ،‬وقيل شرعا‪ ،‬وقيل‬
‫ل‪ ،‬وقيل في الطلب الجازم لغة‪ ،‬وفي التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما اختاره الصل‬ ‫عق ً‬
‫في المر‪ ،‬وقيل حقيقة في الكراهة‪ ،‬وقيل فيها وفي التحريم‪ ،‬وقيل في أحدهما ول نعرفه‪ ،‬وقيل غير‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ذلك‪) .‬وقد يكون(‪ :‬النهي )عن( شيء )واحد(‪ :‬وهو ظاهر‪) .‬و( عن )متعدد جمعا كالحرام المخير(‬
‫نحو‪ :‬ل تفعل هذا أو ذاك‪ ،‬فعليه ترك أحدهما فقط فل مخالفة إل بفعلهما‪ .‬فالمحّرم فعلهما ل فعل‬
‫أحدهما فقط‪) .‬وفرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان ول يفّرق بينهما(‪ :‬بلبس أو نزع إحداهما فقط‪ ،‬فإنه‬
‫ن أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما‬
‫ي عنه أخذا من خبر الصحيحين‪» :‬ل يمشي ّ‬ ‫منه ّ‬
‫جميعا«‪ :‬فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة الفرق بينهما في ذلك ل الجمع فيه‪) .‬وجميعا‬
‫كالزنا والسرقة(‪ :‬فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن متعدد‪ ،‬وإن صدق‬
‫بالنظر إلى كل منهما أنه عن واحد‪.‬‬

‫)والصح أن مطلق النهي ولو تنزيها( مقتض )للفساد( في المنهي عنه بأن ل يعتّد به )شرعا(‪ :‬إذ ل‬
‫ل وهو أن الشيء إنما ينهى‬‫يفهم ذلك من غيره‪ ،‬وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ‪ ،‬وقيل عق ً‬
‫عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده‪) .‬في المنهي عنه(‪ :‬من عبادة وغيرها كصلة نفل مطلق في‬
‫وقت مكروه وبيع بشرط‪) .‬إن رجع النهي( فيما ذكر )إليه(‪ :‬أي إلى عينه كالنهي عن صلة‬
‫الحائض أو صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب‪) .‬أو إلى جزئه( كالنهي عن بيع الملقيح‬
‫لنعدام المبيع وهو ركن في البيع‪) .‬أو( إلى )لزمه(‪ :‬كالنهي عن بيع درهم بدرهمين لشتماله على‬
‫الزيادة اللزمة بالشرط‪ ،‬وكالنهي عن الصلة في الوقت المكروه لفساد الوقت اللزم لها بفعلها فيه‬
‫بخلفها في المكان المكروه‪ ،‬لنه ليس بلزم لها بفعلها فيه لجواز ارتفاع النهي عن الصلة فيه مع‬
‫بقائه بحاله كجعل الحمام مسجدا فبذلك افترقا وفرق البرماوي بأن الفعل في الزمان يذهبه‪ ،‬فالنهي‬
‫منصرف لذهابه في المنهي عنه‪ ،‬فهو وصف لزم‪ ،‬إذ ل يمكن وجود فعل إل بذهاب زمان بخلف‬
‫الفعل في المكان‪ ،‬وتعبيري بما ذكر هو مراد الصل بما عبر به كما بينته في الحاشية‪) .‬أو جهل‬
‫مرجعه( من واحد مما ذكر‪ ،‬كما قاله ابن عبد السلم تغليبا لما يقتضي الفساد على ما ل يقتضيه‬
‫كالنهي عن بيع الطعام حتى تجري فيه الصيعان‪ ،‬وإنما اقتضى النهي الفساد لما مر أن المكروه‬
‫مطلوب الترك والمأمور به مطلوب الفعل فيتنافيان واستدلل الولين على فساد المنهي عنه بالنهي‬
‫عنه‪ ،‬وقيل مطلق النهي للفساد في العبادات فقط وفساد غيرها إنما هو لمر خارج عن النهي كترك‬
‫ركن أو شرط عرف من خارج عنه‪ ،‬وخرج برجوع النهي إلى ما ذكر مع ما بعده النهي الراجع‬
‫إلى أمر خارج عنه غير لزم‪ ،‬فل يقتضي الفساد كالوضوء بمغصوب والبيع وقت نداء الجمعة‬
‫لرجوع النهي في الول لتلف حال الغير تعديا‪ ،‬وفي الثاني بتفويت الجمعة وذلك يحصل لغير‬
‫الوضوء والبيع‪ ،‬كما أنهما‬

‫يحصلن بدونه فالمنهي عنه في الحقيقة ذلك الخارج وكالصلة في المكان المكروه أو المغصوب‬
‫كما مّر‪ ،‬وقيل مطلق النهي للفساد وإن كان الخارج‪ ،‬وقيل ل مطلقا ولقائله تفاريع ل حاجة بنا إلى‬
‫ذكرها وخرج بمطلق النهي المقيد بما يدل للفساد أو لعدمه فيعمل به في ذلك اتفاقا‪.‬‬

‫)أما نفي القبول( عن شيء كقوله تعالى‪} :‬فلن يقبل من أحدهم ملء الرض ذهبا{ لن تقبل منهم‬
‫نفقاتهم‪) .‬فقيل دليل الصحة(‪ :‬له لظهور النفي في عدم الثواب دون العتداد كما حمل عليه نحو خبر‬
‫مسلم‪» :‬من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلة أربعين يوما«‪) .‬وقيل( دليل‬
‫)الفساد( لظهور النفي في عدم العتداد‪ ،‬ولن القبول والصحة متلزمان فإذا نفى أحدهما نفى‬
‫الخر‪) .‬ومثله( أي نفي القبول )نفي الجزاء( في أنه دليل الصحة أو الفساد قولن‪ .‬بناء للول على‬
‫أن الجزاء إسقاط القضاء‪ ،‬فإن ما ل يسقطه قد يصح كصلة فاقد الطهورين‪ ،‬وللثاني على أنه‬
‫الكفاية في سقوط الطلب وهو الصح‪) .‬وقيل( هو )أولى بالفساد( من نفي القبول لتبادر عدم العتداد‬
‫منه إلى الذهن‪ ،‬وعلى الفساد في نفي القبول خبر الصحيحين‪» :‬ل يقبل ال صلة أحدكم إذا أحدث‬
‫حتى يتوضا«‪ .‬وفي نفي الجزاء خبر الدارقطني وغيره‪» :‬ل تجزىء صلة ل يقرأ الرجل فيها بأم‬
‫القرآن«‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫العام‬

‫ل في حقيقته أو حقيقته‬
‫بناء على الراجح التي أن العموم من عوارض اللفاظ‪) .‬لفظ( ولو مستعم ً‬
‫ومجازه أو مجازه‪) .‬يستغرق الصالح له( أي يتناوله دفعة خرج به ما ليس كذلك كالنكرة في الثبات‬
‫مفردة أو مثناة أو مجموعة أو اسم جمع كقوم أو اسم عدد ل من حيث الحاد‪ ،‬فإنها تتناول ما يصلح‬
‫ل وتصدق بخمسة دراهم‪) .‬بل حصر(‪ :‬خرج به اسم العدد‬ ‫لها بدلً ل استغراقا نحو‪ :‬أكرم رج ً‬
‫والنكرة المثناة من حيث الحاد كعشرة ورجلين‪ ،‬فإنهما يستغرقانها بحصر ويصدق الحّد على‬
‫المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لنه مع قرينة الواحد ل يصلح لغيره‪ ،‬فل حاجة إلى زيادة‬
‫ل‪) .‬والصح دخول(‬ ‫بوضع واحد‪ ،‬بل هي مضرة لخراجها المشترك المستعمل في حقيقة مث ً‬
‫الصورة )النادرة وغير المقصودة( من صور العام‪) .‬فيه( فيشملهما حكمه نظرا للعموم‪ ،‬وقيل ل‬
‫نظرا للمقصود عادة في مثل ذلك والنادرة كالفيل في خبر أبي داود وغيره‪» :‬ل سبق إل في خف أو‬
‫حافر أو نصل«‪ .‬فإنه ذو خف والمسابقة عليه نادرة والصح جوازها عليه وغير المقصودة‪ ،‬كما لو‬
‫وكله بشراء عبيد فلن وفيهم من يعتق عليه ولم يعلم به الصح صحة شرائه أخذا من مسألة ما لو‬
‫وكله بشراء عبد فاشترى من يعتق عليه‪ ،‬وفرق في منع الموانع بين النادرة وغير المقصودة بأن‬
‫النادرة هي التي ل تخطر ببال المتكلم غالبا‪ ،‬وغير المقصودة قد تكون مما يخطر به‪ .‬ولو غالبا‪،‬‬
‫فبينهما عموم من وجه لن النادرة قد تقصد وقد ل تقصد‪ ،‬وغير المقصودة قد تكون نادرة‪ ،‬وقد ل‬
‫تكون ثم إن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو على قصد انتفاء صورة لم تدخل قطعا‪.‬‬
‫)و( الصح )أنه(أي العام )قد يكون مجازا( بأن يستعمل في مجازه فيصدق على العام أنه قد يكون‬
‫مجازا كما يصدق على المجاز أنه قد يكون عاما نحو‪ :‬جاءني السود الرماة إل زيدا‪ ،‬وقيل ل يكون‬
‫العام مجازا فل يكون المجاز عاما لن المجاز ثبت على خلف الصل للحاجة إليه‪ ،‬وهي تندفع في‬
‫المستعمل في مجازه ببعض‬

‫الفراد‪ ،‬فل يراد به جميعها إل بقرينة كما في المثال السابق من الستثناء‪) .‬و( الصح )أنه( أي‬
‫العموم )من عوارض اللفاظ فقط(‪ :‬أي دون المعاني‪ ،‬وقيل من عوارضهما معا‪ .‬وصححه ابن‬
‫الحاجب حقيقة فيكون موضوعا للقدر المشترك بينهما‪ ،‬وقييل مشتركا لفظيا فكما يصدق لفظ عام‬
‫يصدق معنى عام حقيقة ذهنيا كان كمعنى النسان أو خارجيا كمعنى المطر والخصب لما يقال‪:‬‬
‫النسان يعم الرجل والمرأة‪ ،‬وعم المطر والخصب‪ ،‬فالعموم شمول أمر لمتعدد‪ ،‬وقيل بعروض‬
‫العموم في المعنى الذهني حقيقة دون الخارجي لوجود الشمول لمتعدد فيه‪ ،‬بخلف الخارجي‬
‫ل في محل غيرهما في آخر‪ ،‬فاستعمال العموم فيه مجازي وعلى الول‬ ‫والمطر والخصب مث ً‬
‫استعماله في الذهني مجازي أيضا‪.‬‬

‫)ويقال(اصطلحا )للمعنى أعم( وأخص )وللفظ عام(‪ .‬وخاص تفرقة بين الدال والمدلول وخصّ‬
‫المعنى بأفعل التفضيل لنه أهم من اللفظ‪ ،‬وبعضهم يقول في المعنى عام كما علم مما مّر وخاص‬
‫فيقال لمعنى المشتركين عام وأعم‪ ،‬وللفظه عام ولمعنى زيد خاص وأخص وللفظه خاص‪.‬‬
‫)تنبيهان‪ :‬أحدهما(‪ :‬الخص يندرج في العم‪ .‬وعبر بعضهم بالعكس وجمع بينهما بأن الّول في‬
‫اللفظ‪ ،‬إذ الحيوان يصدق بالنسان وغيره بخلف العكس‪ ،‬والثاني في المعنى إذ النسان ل بد فيه‬
‫من الحيوانية فصار العم مندرجا في الخص بمعنى الستلزام‪ .‬ثانيهما‪ :‬ليس المراد بوصف اللفظ‬
‫بالعموم وصفه به مجردا عن معناه‪ ،‬فإنه ل وجه له بل المراد وصفه به باعتبار معناه‪ ،‬فمعنى كونه‬
‫عاما أنه يشترك في معناه كثيرون‪ ،‬ل أنه يكون مشتركا لفظيا فمدلوله معنى واحد مشترك بين‬
‫الجزئيات‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)ومدلوله(‪ :‬أي العام في التركيب من حيث الحكم عليه‪) .‬كلية أي محكوم فيه على كل فرد( فرد‬
‫)مطابقة إثباتا( خبرا أو أمرا )أو سلبا( نفيا أو نهيا نحو‪ :‬جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ول تهنهم‪،‬‬
‫لنه في قّوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلن وجاء فلن وهكذا فيما مّر إلى آخره‪ ،‬وكل منها محكوم‬
‫ل عليه مطابقة‪،‬‬ ‫فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد فرد دا ّ‬
‫فقول القرافي إن دللة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدللت الثلث المطابقة‬
‫ي‪ ،‬فليس‬ ‫والتضمن واللتزام مردود‪ ،‬كما أوضحته في الحاشية مع زيادة وخرج بالكلية الكل والكل ّ‬
‫ل أي محكوما فيه على مجموع الفراد من حيث هو مجموع نحو‪ :‬كل رجل في البلد‬ ‫مدلول العام ك ً‬
‫يحمل الصخرة العظيمة أي مجموعهم‪ ،‬وإل لتعذر الحتجاج به في النهي على كل فرد ولم يزل‬
‫العلماء يحتجون به عليه كما في نحو‪} :‬ول تقتلوا النفس التي حّرم ال{ ول كليا أي محكوما فيه‬
‫على الماهية من حيث هي أي من غير نظر إلى الفراد نحو‪ :‬الرجل خير من المرأة‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫يفضل بعض أفرادها بعض أفراده‪ ،‬وذلك لن النظر في العام إلى الفراد ل إلى القدر المشترك‬
‫بينها فانحصر مدلوله في الكلية وهي مقابلة للجزئية‪ ،‬والكل مقابل للجزء‪ ،‬والكلي مقابل للجزئي‪.‬‬

‫)ودللته( أي العام )على أصل المعنى( من الواحد في المفرد والثنين في المثنى والثلثة أو الثنين‬
‫في الجمع على ما يأتي فيه من الخلف‪) .‬قطعية( اتفاقا )و( دللته )على كل فرد( منه بخصوصه‬
‫)ظنية في الصح( لحتماله التخصيص‪ ،‬وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات‪،‬‬
‫وقيل قطعية للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يظهر خلفه من قرينة كتخصيص فيمتنع تخصيص‬
‫الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد‪ ،‬وبالقياس على هذا دون الول فإن قام دليل على انتفاء‬
‫التخصيص كالعقل في نحو‪} :‬وال بكل شيء عليم{ فدللته قطعية اتفاقا والتصريح بالترجيح من‬
‫زيادتي‪) .‬وعموم الشخاص يستلزم عموم الحوال والزمنة والمكنة على المختار(‪ :‬لنه ل غنى‬
‫ي زمان‬ ‫للشخاص عنها فقوله تعالى‪} :‬فاقتلوا المشركين{ أي كل مشرك على أي حال كان في أ ّ‬
‫ومكان كان‪ ،‬وخص منه البعض كالذمي‪ ،‬وقيل العام في الشخاص مطلق في المذكورات لنتفاء‬
‫صيغة العموم فيها فما خص به العام على الّول مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا ورد هذا القول‬
‫بأن التعميم هنا بالستلزام كما عرف ل بالوضع فل يحتاج إلى صيغة‪.‬‬

‫)مسألة( في صيغ العموم‪) .‬كل( وتقدمت في مبحث الحروف )والذي والتي( نحو‪ :‬أكرم الذي يأتيك‬
‫والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك‪) .‬وأي وما(‪ :‬الشرطيتان والستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا‪ ،‬ثم‬
‫ل وما الواقعة نكرة موصوفة‬ ‫ي الواقعة صفة لنكرة أو حا ً‬
‫أطلقتا للعلم بانتفاء العموم في غير ذلك كأ ّ‬
‫أو تعجبية‪) .‬ومتى( للزمان المبهم استفهامية أو شرطية نحو‪ :‬متى تجئني متى جئتني أكرمتك‪) .‬وأين‬
‫وحيثما(‪ :‬للمكان شرطيتين نو‪ :‬أين أو حيثما كنت آتك‪ ،‬وتزيد أين بالستفهام نحو‪ :‬أين كنت‪.‬‬
‫)ونحوها( مما يدل على العموم لغة كجميع‪ ،‬ول يضاف إل إلى معرفة وكجمع الذي والتي وكمن‬
‫ي الموصولة في نحو‬ ‫الستفهامية والشرطية والموصولة وتقدمت‪ ،‬وأما عدم عمومها وعموم أ ّ‬
‫مررت بمن أو بأيهم قام فلقيام قرينة الخصوص‪ ،‬واستشكل عموم من وما بقول الفقهاء لو قال‪ :‬من‬
‫دخل داري فله درهم‪ ،‬فدخلها مرة بعد أخرى ل يتكرر الستحقاق‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن العموم في‬
‫الشخاص ل في الفعال إل أن تقتضي الصيغة التكرار نحو‪ :‬كلما أو يحكم به قياسا لكون الشرط‬
‫علة نحو من عمل صالحا فلنفسه‪ .‬فإن قلت‪ :‬فلم تكرر الجزاء على المحرم بقتله صيدا بعد قتله آخر‬
‫مع أن الصيغة من في قوله تعالى‪} :‬ومن قتله منكم متعمدا{ الية؟ قلنا‪ :‬لتعّدد المحل بخلفه في‬
‫مثالنا حتى لو قال‪ :‬من دخل داري فله درهم وله عدة دور استحق كلما دخل دارا له درهما‬
‫لختلف المحل‪ ،‬ولهذا لو قال‪ :‬طلق من نسائي من شئت ل يطلق إل واحدة‪ .‬ولو قال‪ :‬من شاءت‬
‫طلق كل من شاءت وكل من المذكورات‪) .‬للعموم حقيقة في الصح(‪ :‬لتبادره إلى الذهن‪ ،‬وقيل‬
‫للخصوص حقيقة أي للواحد في المفرد‪ ،‬وللثنين في المثنى‪ ،‬وللثلثة أو الثنين في الجمع‪ ،‬لنه‬
‫المتيقن والعموم مجاز‪ ،‬وقيل مشتركة بينهما لنها تستعمل لكل منهما‪ ،‬والصل في الستعمال‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الحقيقة‪ ،‬وقيل بالوقف أي ل يدري أهي حقيقة في العموم أم في الخصوص أم فيهما )كالجمع‬
‫المعرف باللم( نحو‪} :‬قد أفلح المؤمنون{ )أو‬

‫الضافة( نحو‪} :‬يوصيكم ال في أولدكم{ فإنه للعموم حقيقة في الصح‪) .‬ما لم يتحقق عهد(‪:‬‬
‫لتبادره إلى الذهن‪ ،‬وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق ببعض الفراد كما في‪ :‬تزوجت‬
‫النساء لنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في اليتين‪ ،‬وقيل ليس للعموم إن احتمل عهد‬
‫فهو باحتماله متردد بين العهد والعموم حتى تقوم قرينة‪ ،‬وعلى عمومه قيل أفراده جموع والكثر‬
‫آحاد في الثبات وغيره‪ ،‬وعليه أئمة التفسير في استعمال القرآن نحو‪} :‬وال يحب المحسنين{ أي‬
‫ل منهم وأيد بصحة استثناء الواحد منه نحو‪:‬‬
‫ل منهم إن ال ل يحب الكافرين أي يعاقب ك ً‬ ‫يثيب ك ً‬
‫جاء الرجال إل زيدا‪ ،‬ولو كان معناه جاء كل جمع من الرجال لم يصح إلأن يكون منقطعا‪ ،‬نعم قد‬
‫تقوم قرينة على إرادة المجموع نحو رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة أي مجموعهم والول‬
‫يقول قامت قرينة الحاد في نحو اليتين المذكورتين‪.‬‬

‫)و( كـ)ـالمفرد كذلك( أي المعرف باللم أو الضافة ما لم يتحقق عهد‪ ،‬فإنه للعموم حقيقة في‬
‫ل له في الثاني على الستغراق لنه‬ ‫الصح لما مر قبله سواء تحقق استغراق أم احتمله والعهد حم ً‬
‫الصل لعموم فائدته نحو‪} :‬وأحل ال البيع{ أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا ونحو‪} .‬فليحذر‬
‫الذين يخالفون عن أمره{ أي كل أمر ل وخص منه أمر الندب‪ ،‬وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس‬
‫الصادق بالبعض كما في‪ :‬لبست الثوب ولبست ثوب الناس لنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم‬
‫كما في‪} :‬إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا{ وقيل‪ :‬المعرف باللم ليس للعموم إن لم يكن واحدة‬
‫بالتاء وتميز بالوحدة كالماء والرجل‪ ،‬إذ يقال فيهما ماء واحد ورجل واحد فهو في ذلك للجنس‬
‫الصادق بالبعض نحو‪ :‬شربت الماء‪ ،‬ورأيت الرجل ما لم تقم قرينة على العموم نحو‪ :‬الدينار خير‬
‫من الدرهم أي كل دينار خير من كل درهم‪ ،‬بخلف ما إذا كان واحده بالتاء كالتمر أو لم يكن بها‬
‫ولم يتميز بالوحدة كالذهب فيعم كما في خبر الصحيحين‪» :‬الذهب بالذهب ربا إل هاء وهاء والبر‬
‫بالبر ربا إل هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إل هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إل هاء وهاء«‪ .‬وقولي‬
‫كذلك أولى من اقتصاره على المحلى أي باللم فإن تحقق عهد صرف إليه جزما وكأل المعّرفة أل‬
‫الموصولة هنا وفيما قبله )والنكرة في سياق النفي( وفي معناه النهي )للعموم وضعا في الصح( بأن‬
‫تدل عليه بالمطابقة كما مر من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة‪ ،‬وقيل للعموم لزوما نظرا‬
‫إلى أن النفي أّول للماهية‪ ،‬ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على الول دون الثاني في‬
‫نحو‪ :‬وال ل أكلت ناويا غير التمر فيحنث بأكل التمر على الثاني دون الول وعموم النكرة يكون‬
‫)نصا إن بنيت على الفتح( نحو‪ :‬ل رجل في الدار‪) .‬وظاهرا إن لم تبن( نحو‪ :‬ما في الدار رجل‪.‬‬
‫لحتماله نفي الواحد فقط فإن زيد فيها من كانت نصا أيضا كما مر في الحروف والنكرة في‬

‫سياق المتنان للعموم نحو‪} :‬وأنزلنا من السماء ماء طهورا{ قاله القاضي أبو الطيب‪ :‬وفي سياق‬
‫الشرط للعموم نحو‪} :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره{ أي كل واحد منهم وقد تكون للعموم‬
‫البدلي ل الشمولي بقرينة نحو‪ :‬من يأتني بمال أجازه‪) .‬وقد يعم اللفظ( إما )عرفا كـ(ـاللفظ الدال‬
‫على مفهوم )الموافقة( بقسميه الولى والمساوي )على قول مّر( في المبحث المفهوم نحو‪} :‬فل تقل‬
‫لهما أف{ }إن الذين يأكلون أموال اليتامى{ الية قيل نقلهما العرف إلى تحريم جميع ازيذاءات‬
‫والتلفات )و( نحو‪} :‬حرمت عليكم أمهاتكم{ نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع‬
‫التمتعات المقصودة من النساء‪ ،‬وسيأت قول إنه مجمل‪ ،‬وقيل العموم فيه من باب القتضاء لستحالة‬
‫تحريم العيان فيضمر ما يصح به الكلم‪ .‬قال الزركشي وغيره‪ :‬وقد يترجح هذا بقولهم الضمار‬
‫خير من النقل كما في قوله‪} :‬وحرم الربا{ وقد أجبت عنه في الحاشية‪) .‬أو معنى( وعبر عنه‬
‫ل )كترتيب حكم على وصف(‪ :‬فإنه يفيد علية الوصف للحكم كما يأتي في‬ ‫الصل هنا كغيره بعق ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫القياس‪ ،‬فيفيد العموم بالمعنى بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول نحو‪ :‬أكرم العالم إذا لم‬
‫تجعل اللم فيه للعموم ول عهد‪ ،‬و)كـ(ـاللفظ الدال على مفهوم )المخالفة على قول مر(‪ :‬أن دللة‬
‫اللفظ بالمعنى على ما عدا المذكور بخلف حكمه‪ ،‬وهو أنه لو لم ينف المذكور والحكم عما عداه لم‬
‫يكن لذكره فائدة كما في خبر الصحيحين‪» :‬مطل الغني ظلم« أي بخلف مطل غيره‪.‬‬

‫)والخلف في أن المفهوم( مطلقا }ل عموم له لفظي{ أي عائد إلى اللفظ والتسمية أي هل يسمى‬
‫عاما أو ل‪ .‬بناء على أن العموم من عوارض اللفاظ والمعاني أو اللفاظ فقط‪ ،‬وأما من جهة المعنى‬
‫فهو شامل لجميع صور ما عدا المذكور بما مر من عرف وإن صار به منطوقا أو معنى‪) .‬ومعيار‬
‫العموم( أي ضابطه )الستثناء(‪ :‬فكل ما صح الستثناء منه مما ل حصر فيه فهو عام كالجمع‬
‫المعرف للزوم تناوله المستثنى نحو‪ :‬جاء الرجال إل زيدا‪ ،‬ول يصح الستثناء من الجمع المنكر إل‬
‫أن يخصص فيعم ما يخصص به نحو‪ :‬قام رجال كانوا في دارك إل زيدا منهم‪ ،‬ويصح جاء رجل‬
‫إل زيد بالرفع على أن إل صفة بمعنى غير كما في }لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا{ )والصح أن‬
‫الجمع المنكر( في الثبات نحو‪ :‬جاء رجال أو عبيد‪) .‬ليس بعام( إن لم يتخصص فيحمل على أقل‬
‫الجمع ثلثة أو اثنين لنه المحقق‪ ،‬وقيل إنه عام لنه كما يصدق بذلك يصدق بجميع الفراد وبما‬
‫ل فعلى أقل‬‫بينهما‪ ،‬فيحمل على جميع الفراد احتياطا إل أن يمنع منه مانع كما في‪ :‬رأيت رجا ً‬
‫الجمع قطعا‪ ،‬والخلف كما قال جماعة جار في جمع القلة والكثرة‪ .‬وقال الصفي الهندي‪ :‬محله في‬
‫جمع الكثرة‪) .‬و( الصح )أن أقل( مسمى )الجمع(‪ :‬كرجال ومسلمين )ثلثة( لتبادرها إلى الذهن‪،‬‬
‫وقيل اثنان‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬إن تتوبا إلى ال فقد صغت قلوبكما{ أي عائشة وحفصة وليس لهما إل‬
‫قلبان‪ .‬قلنا‪ :‬مثل ذلك مجاز والداعي له في الية الكريمة كراهة الجمع بين التثنيتين في المضاف‬
‫ومتضمنة وهما كالشيء الواحد بخلف نحو‪ :‬جاء عبداكما‪ ،‬وينبني على الخلف ما لو أقر أو‬
‫أوصى بدراهم لزيد‪ ،‬والصح أنه يستحق ثلثة‪ ،‬لكن ما مثلوا به من جمع الكثرة مخالف لطباق‬
‫النحاة على أن أقله أحد عشر‪ .‬ويجاب بأن أصل وضعه ذلك لكن غلب استعماله عند الصوليين في‬
‫أقل جمع القلة‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك في منع الموانع كما بينته في الحاشية‪.‬‬

‫)و( الصح )أنه( أي الجمع )يصدق بالواحد مجازا( لستعماله فيه كقول الرجل لمرأته وقد برزت‬
‫لرجل‪ :‬أتتبرجين للرجال؟ لستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له‪ ،‬وقيل ل يصدق به ولم‬
‫يستعمل فيه والجمع في هذا المثال عل بابه لن من برزت لرجل تبرز لغيره عادة‪) .‬و( الصح‬
‫)تعميم عام سيق لغرض( كمدح وذم وبيان مقدار‪) .‬ولم يعارضه عام آخر( لم يسق لذلك إذ ما سيق‬
‫له ل ينافي تعميمه‪ ،‬فإن عارضه العام المذكور لم يعم فيما عورض فيه جمعا بينهما كما لو عارضه‬
‫خاص‪ ،‬وقيل ل يعم مطلقا لنه لم يسق للتعميم‪ ،‬وقيل يعمه مطلقا كغيره وينظر عند المعارضة إلى‬
‫مرجح مثاله ول معارض‪} :‬إن البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم{ ومع المعارض }والذين هم‬
‫لفروجن حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم{ فإنه وقد سيق للمدح يعم بظاهره إباحة‬
‫الجمع بين الختين بملك اليمين وعارضه في ذلك‪} :‬وأن تجمعوا بين الختين{ فإنه وإن لم يسق‬
‫للمدح بل لبيان الحكم شامل لحرمة جمعهما بملك اليمين‪ ،‬فحمل الول على غير ذلك بأن لم يرد‬
‫تناوله‪ ،‬وقولي تبعا للبرماوي لغرض أولى من قول الصل بمعنى المدح والذم‪ ،‬أما إذا سيق العام‬
‫المعارض لغرض أيضا فكل منهما عام فيتعارضان فيحتاج إلى مرجح‪) .‬و( الصح )تعميم نحو‪ :‬ل‬
‫يستوون(‪ :‬من قوله تعالى‪} :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون{‪} ،‬ل يستوي أصحاب النار‬
‫وأصحاب الجنة{ فهو لنفي جميع وجوه الستواء الممكن نفيها لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر‪،‬‬
‫وقيل ل يعم نظرا إلى أن الستواء المنفي هو الشتراك من بعض الوجوه‪ ،‬فهو على هذا من سلب‬
‫العموم‪ ،‬وعلى الول من عموم السلب وعليه يستفاد من اليتين بأن يراد بالفاسق في الولى الكافر‬
‫بقرينة مقابلته بالمؤمن أن الكافر ل يلي أمر ولده المسلم‪ ،‬وأن المسلم ل يقتل بالذمي‪ ،‬وخالف في‬
‫المسألتين الحنفية‪ ،‬والمراد بنحو ل يستوون كل ما دل على نفي الستواء أو نحوه كالمساواة‬
‫والتماثل والمماثلة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)و( الصح تعميم نحو‪) :‬ل أكلت( من قولك‪ :‬وال ل أكلت فهو لنفي جميع المأكول بنفي جميع أفراد‬
‫ل فهو للمنع من جميع المأكولت فيصح تخصيص بعضها‬ ‫الكل‪) .‬وإن أكلت(‪ :‬فزوجتي طالق مث ً‬
‫في المسألتين بالنية ويصّدق في إرادته‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تعميم فيها فل يصح التخصيص بالنية‬
‫لن النفي والمنع لحقيقة الكل‪ ،‬ويلزمهما النفي والمنع لجميع المأكولت حتى يحنث بواحد منها‬
‫اتفاقا‪ ،‬وعبر الصل في الثانية بقيل على خلف تسويتي تبعا لبن الحاجب وغيره بينهما‪ ،‬لما فهم‬
‫من أن عموم النكرة في سياق الشرط بدلي‪ ،‬وليس كما فهم بل عمومها فيه شمولي‪ ،‬وإنما يكون بدليا‬
‫بقرينة كما مّر‪) .‬ل المقتضي(‪ :‬بالكسر وهو ما ل يستقيم من الكلم إل بتقدير أحد أمور‪ ،‬ويسمى‬
‫ل بينها يتعين بالقرينة‪ ،‬وقيل‬‫مقتضى بالفتح فل يعم جميعها لندفاع الضرورة بأحدها‪ ،‬ويكون مجم ً‬
‫يعمها حذرا من الجمال قالوا مثاله الخبر التي في مبحث المجمل‪ُ» :‬رفع عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان«‪ .‬فلوقوعهما من المة ل يستقيم بدون تقدير المؤاخذة أو الضمان أو نحو ذلك‪ ،‬فقدرنا‬
‫المؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر جميعها فيكون المقتضى عاما‪) .‬والمعطوف على العام(‬
‫فل يعم‪ ،‬وقيل يعم لوجوب مشاركة المتعاطفين في الحكم والصفة‪ .‬قلنا في الصفة ممنوع مثاله خبر‬
‫أبي داود وغيره‪» :‬ل يقتل مسلم بكافر ول ذو عهد في عهده«‪ .‬قيل يعني بكافر وخص منه غير‬
‫الحربي بالجماع‪ .‬قلنا‪ :‬ل حاجة إلى ذلك بل تقدر بحربي‪ ،‬وبعضهم جعل الجملة الثانية تامة ل‬
‫تحتاج إلى تقدير ومعناها ول يقتل ذو عهد ما دام عهده‪ ،‬وبعضهم جعل في الحديث تقديما وتأخيرا‬
‫والصل ول يقتل مسلم ول ذو عهد في عهده بكافر‪) .‬والفعل المثبت ولو مع كان( كخبر بلل‪:‬‬
‫»صلى النبي صلى ال عليه وسّلم داخل الكعبة«‪ .‬وخبر أنس‪» :‬كان النبي صلى ال عليه وسّلم‬
‫يجمع بين الصلتين في السفر«‪ .‬فل يعم أقسامه‪ ،‬وقيل يعمها فل يعم‬

‫المثال الول الفرض والنفل‪ ،‬ول الثاني جمع التقديم والتأخير‪ ،‬إذ ل يشهد اللفظ بأكثر من صلة‬
‫ل‪ ،‬والجمع الواحد في الوقتين‪ ،‬وقل‬ ‫واحدة وجمع واحد‪ ،‬ويستحيل وقوع الصلة الواحدة فرضا ونف ً‬
‫يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصلة والجمع‪ ،‬وقد تستعمل كان مع المضارع‬
‫للتكرار كما في قوله تعالى في قصة إسماعيل‪} :‬وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة{ وعليه جرى‬
‫العرف وتحقيقه مذكور في الحاشية‪) .‬و( الحكم )المعلق لعلة( فل يعم كل محل وجدت فيه العلة‪.‬‬
‫)لفظا لكن( يعمه )معنى( كما مّر‪ .‬وقيل يعمه لفظا كأن يقول الشارع‪ :‬حّرمت الخمر لسكارها فل‬
‫يعم كل مسكر لفظا‪ ،‬وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال‪ :‬حرمت المسكر‪) .‬و( الصح أن )ترك‬
‫الستفصال( في وقائع الحوال مع قيام الحتمال‪) .‬ينزل منزلة العموم( في المقال كما في خبر‬
‫الشافعي وغيره أنه صلى ال عليه وسّلم قال لغيلن بن سلمة الثقفي‪ ،‬وقد أسلم على عشر نسوة‪:‬‬
‫ن معا أو مرتبا‪،‬‬‫»أمسك أربعا وفارق سائرهن« فإنه صلى ال عليه وسّلم لم يستفصله هل تزوجه ّ‬
‫فلول أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لمتناع الطلق في محل التفصيل‪ ،‬وقيل ل ينزل منزلة‬
‫ل والعبارة المذكورة للشافعي وله عبارة أخرى وهي قوله‪ :‬وقائع‬ ‫العموم بل يكون الكلم مجم ً‬
‫الحوال إذا تطرق إليها الحتمال كساها ثوب الجمال وسقط بها الستدلل‪ ،‬وظاهرهما التعارض‬
‫وقد بينته مع الجواب عنه في الحاشية‪) .‬و( الصح )أن نحو‪ :‬يا أيها النبي( اتق ال‪ .‬يا أيها المزمل‬
‫)ل يشمل المة( من حيث الحكم لختصاص الصيغة به‪ ،‬وقيل يشملهم لن المر للمتبوع أمر لتابعه‬
‫عرفا كما في أمر السلطان المير بفتح بلد‪ .‬قلنا‪ :‬هذا فيما يتوقف المأمور به على المشاركة وما نحن‬
‫فيه ليس كذلك‪ ،‬ومحل الخلف ما يمكن فيه إرادة المة معه ولم تقم قرينة على إرادتهم معه‪،‬‬
‫بخلف ما ل يمكن فيه ذلك نحو‪} :‬يا أيها الرسول بلغ{ الية‪ .‬أو قامت قرينة على إرادتهم معه نحو‪:‬‬
‫}يا أيها النبي إذا‬

‫طلقتم النساء{ الية‪.‬‬


‫)‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫و( الصح )أن نحو يا أيها الناس يشمل الرسول( عليه الصلة والسلم‪) .‬وإن اقترن بقل( لمساواتهم‬
‫له في الحكم‪ ،‬وقيل ل يشمله مطلقا لنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره‪ ،‬وقيل إن اقترن بقل لم يشمله‬
‫لظهوره في التبليغ وإل شمله‪) .‬و( الصح )أنه( أي نحو‪ :‬يا أيها الناس‪) .‬يعم العبد(‪ .‬وقيل ل‬
‫لصرف منافعه لسيده شرعا قلنا في غير أوقات ضيق العبادة‪) .‬و( الصح أنه )يشمل الموجودين(‬
‫وقت وروده )فقط(‪ :‬أي ل من بعدهم وقيل يشملهم أيضا لمساواتهم للموجودين في حكمه إجماعا قلنا‬
‫بدليل آخر وهو مستند الجماع ل منه‪) .‬و( الصح )أن من( شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة‬
‫أو موصوفة أو تامة فهو أعم من قوله إن من الشرطية‪) .‬تشمل النساء( لقوله تعالى‪} :‬ومن يعمل من‬
‫الصالحات من ذكر أو أنثى{ وقيس بالشرطية البقية‪ ،‬لكن عموم الخيرتين في الثبات عموم بدلي ل‬
‫شمولي‪ ،‬وقيل تختص بالذكور فلو نظرت امرأة في بيت أجنبي جاز رميها على الول لخبر مسلم‪:‬‬
‫»من تطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينيه«‪ .‬ول يجوز على الثاني قيل‪ :‬ول‬
‫ن(‪ :‬أي‬‫على الول أيضا لن المرأة ل يستتر منها‪) .‬و( الصح )أن جمع المذكر السالم ل يشمله ّ‬
‫ن ظاهرا لنه لما كثر في الشرع‬ ‫ن بقرينة تغليبا للذكور‪ ،‬وقيل يشمله ّ‬
‫النساء )ظاهرا( وإنما يشمله ّ‬
‫ن للذكور في الحكام أشعر بأن الشارع ل يقصد بخطاب الذكور قصر الحكام عليهم‬ ‫مشاركته ّ‬
‫ل بمادته كرجال وما يدل على جمعيته‬ ‫وخرج بما ذكر اسم الجمع كقوم‪ ،‬وجمع المذكر المكسر الدا ّ‬
‫بغير ما ذكر كالناس فل يشمل الولن النساء قطعا ويشملهنّ الثالث قطعا‪ ،‬وأما الدال ل بمادته‬
‫ل بحكم )ل يتعداه( إلى‬‫كالزيود فملحق بجمع المذكر السالم‪) .‬و( الصح )أن خطاب الواحد( مث ً‬
‫غيره‪ ،‬وقيل يعم غيره لجريان عادة الناس بخطاب الواحد وإرادة الجميع فيما يشاركون فيه‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫مجاز يحتاج إلى قرينة‪) .‬و(‬

‫الصح )أن الخطاب بيا أهل الكتاب( وهم اليهود والنصارى نحو قوله تعالى‪} :‬يا أهل الكتاب ل‬
‫تغلوا في دينكم{ )ل يشمل المة(‪ :‬أي أمة محمد صلى ال عليه وسّلم الخاصة‪ ،‬وقيل يشملهم فيما‬
‫يتشاركون فيه‪ ،‬وتقدم في مبحث المر الكلم على أن المر بالمّد هل يدخل في لفظه أو ل‪) .‬و(‬
‫الصح أن )نحو‪ :‬خذ من أموالهم( من كل اسم جنس مأمور بنحو الخذ منه مجموع مجرور بمن‪.‬‬
‫ل )من كل نوع(‪ :‬من أنواع المجرور ما لم يخص بدليل‪ ،‬وقيل ل بل يمتثل‬ ‫)يقتضي الخذ( مث ً‬
‫بالخذ من نوع واحد‪ .‬وتوقف المدي عن ترجيح واحد من القولين‪ ،‬والول نظرا إلى أن المعنى‬
‫من جميع النواع‪ ،‬والثاني إلى أنه من مجموعهما‪.‬‬

‫التخصيص‬

‫وهو مصدر خصص بمعنى خص )قصر العام(‪ :‬أي قصر حكمه‪) .‬على بعض أفراده(‪ :‬أي يخص‬
‫بدليل فيخرج العام المراد به الخصوص‪) .‬وقابله( أي التخصيص )حكم ثبت لمتعّدد( لفظا نحو‪:‬‬
‫}فاقتلوا المشركين{ وخص منه الذمي ونحوه‪ ،‬وعلى القول بأن العموم يجري في المعنى كاللفظ‬
‫مثلوا له بمفهوم‪} :‬فل تقل لهما أف{ من سائر أنواع اليذاء وخص منه حبس الوالد بدين الولد فإنه‬
‫جائز على ما صححه الغزالي وغيره‪ ،‬والصح أنه ل يجوز كما صححه البغوي وغيره‪) .‬والصح‬
‫جوازه(‪ :‬أي التخصيص )إلى واحد إن لم يكن العام جمعا( كمن والمفرد المعرف‪) .‬و( إلى )أقل‬
‫الجمع( ثلثة أو اثنين )إن كان( جمعا كالمسلمين والمسلمات‪ ،‬وقيل يجوز إلى واحد مطلقا‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز إلى واحد مطلقا وهو شاذ‪ ،‬وقيل ل يجوز إل أن يبقى غير محصور‪) .‬والعام المخصوص‬
‫ل ل حكما( لن بعض الفراد ل يشمله الحكم نظرا للمخصص‪) .‬و( العام )المراد‬ ‫عمومه مراد تناو ً‬
‫ل ول حكما‪) ،‬بل( هو )كلي( من حيث إن له أفرادا بحسب‬ ‫به الخصوص ليس( عمومه )مرادا( تناو ً‬
‫أصله‪) .‬استعمل في جزئي( أي فرد منها‪) ،‬فهو مجاز قطعا(‪ .‬نظرا للجزئية كقوله تعالى‪} :‬الذين قال‬
‫لهم الناس{‪ ،‬أي نعيم ابن مسعود الشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملقاة أبي‬
‫سفيان وأصحابه أم يحسدون الناس‪ ،‬أي رسول ال صلى ال عليه وسّلم لجمعه ما في الناس من‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الخصال الجميلة‪ ،‬ول يخفى أن عموم العام غير مدلوله فل ينافي التعبير في عمومه هنا بالكلي‬
‫التعبير في مدلوله فيما مّر بالكلية‪ ،‬مع أن الكلم هنا في عموم العام المراد به الخصوص‪ ،‬وثم في‬
‫العام مطلقا‪.‬‬

‫)والصح أن الول( أي العام المخصوص )حقيقة( في الباقي بعد التخصيص‪ ،‬لن تناوله له مع‬
‫التخصيص كتناوله به بدونه‪ ،‬وذلك التناول حقيقي فكذا هذا‪ ،‬وقيل حقيقة إن كان الباقي غير‬
‫منحصر لبقاء خاصة العموم وإل فمجاز‪ ،‬وقيل حقيقة إن خص بما ل يستقل كصفة أو شرط أو‬
‫ص بمستقل‬ ‫استثناء لن ما ل يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط‪ ،‬بخلف ما إذا خ ّ‬
‫كعقل أو سمع‪ ،‬وقيل حقيقة ومجاز باعتبارين باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار القتصار عليه‬
‫مجاز‪ ،‬وقيل مجاز مطلقا لستعماله في بعض ما وضع له أّول‪ ،‬وقيل مجاز إن استثنى منه لنه‬
‫يتبين بالستثناء أنه أريد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى‪ ،‬بخلف غير الستثناء من صفة وغيرها‪،‬‬
‫فإنه يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط‪ ،‬وقيل مجاز إن خص بغير لفظ كالعقل بخلف اللفظ أما‬
‫الثاني فمجاز قطعا كما مّر‪) .‬فهو(‪ :‬أي الول وهو العام المخصوص على القول بأنه حقيقة )حجة(‬
‫جزما أخذا من منع الموانع لستدلل الصحابة به من غير نكير‪ ،‬وعلى القول بأنه مجاز الصح أنه‬
‫ص بغير ما ظهر يشك فيما‬ ‫حجة مطلقا لذلك‪ ،‬وقيل غير حجة مطلقا لنه لحتمال أن يكون قد خ ّ‬
‫يراد منه‪ ،‬فل يتبين إل بقرينة‪ ،‬وقيل حجة إن خص بمعين كأن يقال‪ :‬اقتلوا المشركين إل الذمي‬
‫بخلف المبهم نحو‪ :‬إل بعضهم‪ ،‬إذ ما من فرد إل‪ ،‬ويجوز أن يكون هو المخرج قلنا‪ :‬يعمل به إلى‬
‫أن يبقى فرد‪ ،‬وقيل حجة إن خص بمتصل كالصفة لما مّر من أن العموم بالنظر إليه فقط بخلف‬
‫المنفصل‪ ،‬فيجوز أن يكون قد خص منه غير ما ظهر فيشك في الباقي‪ ،‬وقيل حجة في الباقي إن أنبأ‬
‫عن الباقي العموم نحو‪} :‬فاقتلوا المشركين{ فإنه ينبىء عن الحربي لتبادر الذهن إليه كالذمي‬
‫المخرج بخلف ما ل ينبىء عنه العموم نحو‪} :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما{ فإنه ل ينبىء‬
‫عن السارق بقدر ربع دينار فأكثر من حرز كما ل ينبىء عن السارق لغير ذلك المخرج‪ ،‬فالباقي‬
‫منه يشك فيه باحتمال اعتبار‬

‫قيد آخر‪ ،‬وقيل حجة في أقل الجمع لنه المتيقن بناء على القول بأنه ل يجوز مطلقا وبذلك علم أن ما‬
‫ذكره الصل من هذا الخلف إنما هو مفّرع على ضعيف‪ ،‬أما الثاني فل يحتج به‪ ،‬كذا قاله الشيخ‬
‫أبو حامد‪) .‬ويعمل بالعام ولو بعد وفاة النبي( صلى ال عليه وسّلم‪) .‬قبل البحث عن المخصص(‪،‬‬
‫لن الصل عدمه ولن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب‪ ،‬وقيل ل‬
‫يعمل به بعد وفاته قبل البحث لحتمال التخصيص‪ ،‬وعليه يكفي في البحث عن ذلك الظن بأن ل‬
‫مخصص على الصح‪) .‬وهو( أي المخصص للعام‪) .‬قسمان(‪ :‬أحدهما )متصل( أي ما ل يستقل‬
‫بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام‪) .‬وهو خمسة( أحدها‪) :‬الستثناء( بمعنى صيغته )وهو( أي‬
‫ل وعدا وسوى واقعا‬ ‫الستثناء نفسه )إخراج( من متعّدد )بنحو إل( من أدوات الخراج وضعا كخ ً‬
‫ذلك الخراج مع المخرج منه‪) .‬من متكلم واحد في الصح(‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يشترط وقوعه من واحد‬
‫فقول القائل إل زيدا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغو على الول‪ ،‬ولهذا لو قال‬
‫ي صلى ال عليه‬ ‫لي عليك مائة فقال له إل درهما ل يكون مقرا بشيء في الصح‪ ،‬نعم لو قال النب ّ‬
‫ي عقب نزول قوله تعالى‪} :‬فاقتلوا المشركين{ كان استثناء قطعا لنه مبلغ عن ال وإن‬ ‫وسّلم إل الذم ّ‬
‫لم يكن ذلك قرآنا‪) .‬ويجب( أي يشترط )اتصاله( أي الستثناء بمعنى صيغته بالمستثنى منه‪) .‬عادة‬
‫في الصح( فل يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصل بغير ذلك كان لغوا‪ ،‬وقيل يجوز‬
‫انفصاله إلى شهر‪ ،‬وقيل إلى سنة‪ ،‬وقيل أبدا‪ ،‬وقيل غير ذلك ول بد من نية الستثناء قبل الفراغ من‬
‫المستثنى منه‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)أما( الستثناء بمعنى صيغته )في المنقطع( وهو ما ل يكون المستثنى فيه بعض المستثنى منه‬
‫عكس المتصل السابق المنصرف إليه السم عند الطلق نحو‪ :‬ما في الدار إنسان إل الحمار‪.‬‬
‫)فمجاز( فيه )في الصح(‪ .‬لتبادره في المتصل إلى الذهن‪ ،‬وقيل حقيقة فيه كالمتصل فيكون مشتركا‬
‫لفظيا بينهما ويحّد بالمخالفة بنحو إل بغير إخراج‪ ،‬وقيل متواطىء أي موضوع للقدر المشترك‬
‫بينهما أي المخالفة بنحو‪ :‬إل حذرا من الشتراك والمجاز‪ ،‬وقيل بالوقف أي ل ندري أهو حقيقة‬
‫فيهما أم في أحدهما‪ ،‬أم في القدر المشترك بينهما‪ ،‬ول يعّد المنقطع من المخصصات والترجيح من‬
‫زيادتي‪ ،‬ولما كان في الكلم الستثنائي شبه التناقض حيث يدخل المستثنى فيالمستثنى منه‪ ،‬ثم ينفى‬
‫وكان ذلك أظهر في العدد لنصوصيته في آحاده دفعوا ذلك فيه بما ذكرته بقولي‪) :‬والصح أن‬
‫ي عشرة إل ثلثة العشرة باعتبار الحاد( جميعها‪) .‬ثم أخرجت‬ ‫المراد بعشرة في( قولك لزيد )عل ّ‬
‫ثلثة( بقولك إل ثلثة‪) :‬ثم أسند إلى الباقي( وهو سبعة)تقديرا وإن كان( السناد )قبله(‪ :‬أي قبل‬
‫ي الباقي من عشرة أخرج منها ثلثة‪ ،‬وليس في هذا‬ ‫إخراج الثلثة‪) .‬ذكرا( أي لفظا فكأنه قال له‪ :‬عل ّ‬
‫ل فل تناقض‪ ،‬وقيل المراد بعشرة في ذلك سبعة‪ ،‬وقوله‪ :‬إل ثلثة قرينة لذلك‬ ‫إل إثبات ول نفي أص ً‬
‫بينت إرادة الجزء باسم الكل مجازا‪ ،‬وقيل معنى عشرة إل ثلثة بإزاء اسمين مفرد هو سبعة‬
‫ومركب هو عشرة إل ثلثة ول نفي أيضا على القولين فل تناقض‪ ،‬ووجه تصحيح الّول أن فيه‬
‫توفية بما مّر من أن الستثناء إخراج بخلف الثاني والثالث‪ .‬ول يصح( استثناء )مستغرق( بأن‬
‫ي عشرة إل عشرة لزمه عشرة‪) .‬والصح صحة‬ ‫يستغرق المستثنى المستثنى منه فلو قال له‪ :‬عل ّ‬
‫ي عشرة إل تسعة )و( استثناء )المساوي( نحو له عشرة إل‬ ‫استثناء الكثر( من الباقي نحو‪ :‬له عل ّ‬
‫خمسة )و( استثناء )العقد الصحيح( نحو له مائة إل عشرة‪ ،‬وقيل ل يصح في الكثر‪ ،‬وقيل ل يصح‬
‫فيه إن كان‬

‫العدد في المستثنى والمستثنى منه صريحا نحو ما مر‪ ،‬بخلف غيره نحو‪ :‬خذ الدراهم إل الزيوف‬
‫وهي أكثر‪ ،‬وقيل ل يصح في المساوي أيضا‪ ،‬وقيل ل يصح في العقد الصحيح‪) .‬و( الصح )أن‬
‫الستثناء من النفي إثبات وبالعكس(‪ .‬وقيل ل بل المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه وهو منقول‬
‫عن الحنفية فنحو‪ :‬ما قام أحد إل زيد وقام القوم إل زيدا يدل الول على إثبات القيام لزيد‪ ،‬والثاني‬
‫على نفيه عنه من حيث القيام وعدمه‪ ،‬وينبني على الخلف أن المستثنى من حيث الحكم مخرج من‬
‫ل أو مخرج من الحكم فيدخل في نقيضه أي‪ :‬ل‬ ‫المحكوم به فيدخل في نقيضه من قيام أو عدمه مث ً‬
‫حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه وجعلوا الثبات في كلمة التوحيد بعرف‬
‫الشرع‪ ،‬وفي الستثناء المفرغ نحو‪ :‬ما جاء القوم إل زيد بالعرف العام‪.‬‬

‫)و( الستثناءات )المتعددة إن تعاطفت فـ(ـهي عائدة )للمستثنى منه( لتعذر عود كل منها إلى ما يليه‬
‫ي عشرة إل أربعة وإل ثلثة وإل اثنين‪ ،‬فيلزمه واحد فقط ونحو‪ :‬له‬ ‫بوجود العاطف نحو‪ :‬له عل ّ‬
‫علي عشرة إل عشرة وإل ثلثة وإل اثنين فيلزمه العشرة للستغراق‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يتعاطف‬
‫)فكل( من آخرها وباقي كل من باقيها عائد )لما يليه ما لم يستغرقه(‪ .‬نحو‪ :‬له عشرة إل خمسة إل‬
‫أربعة إل ثلثة فيلزمه ستة‪ ،‬فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل أو استغرق غير الول نحو‪ :‬له علي‬
‫عشرة إل اثنين إل ثلثة إل أربعة عاد الكل للمستثنى منه فيلزمه واحد فقط أو الول فقط نحو‪ :‬له‬
‫عشرة إل عشرة إل أربعة فقيل يلزمه عشرة لبطلن الول لستغراقه‪ ،‬والثاني تبعا‪ ،‬وقيل أربعة‬
‫اعتبار الستثناء الثاني من الول‪ ،‬وهو الموافق للصح في الطلق‪ .‬وقال ابن الصباغ وغيره إنه‬
‫القيس وقيل ستة اعتبارا للثاني دون الول‪) .‬والصح أنه( أي الستثناء )يعود للمتعاطفات(‪ :‬أي‬
‫لكل منها حيث يصلح له لنه الظاهر بقيد زدته بقولي‪) :‬بـ(ـحرف )مشرك( كالواو والفاء جم ً‬
‫ل‬
‫كانت المتعاطفات أو مفردات كأكرم العلماء وحبس ديارك وأعتق عبيدك وكتصدق على الفقراء‬
‫والمساكين والعلماء سواء أسيقت لغرض واحد أم ل‪ ،‬وسواء تقدم الستثناء عليها أم تأخر أم توسط‪،‬‬
‫فتعبيري بذلك أولى من اقتصاره على ما إذا تأخر‪ ،‬وقيل للخير فقط لنه المتيقن‪ ،‬وقيل إن سيق‬
‫الكل لغرض واحد عاد للكل كحبست داري على أعمامي‪ ،‬ووقفت بستاني على أخوالي‪ ،‬وسبلت‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫سقايتي لجيراني إل أن يسافروا وإل عاد للخير فقط‪ ،‬كأكرم العلماء وحبس ديارك على أقاربك‪،‬‬
‫وأعتق عبيدك إل الفسقة منهم‪ ،‬وقيل إن عطف بالواو عاد للكل‪ ،‬وإل فللخير‪ .‬وقيل مشترك بين‬
‫عوده للكل وعوده للخير‪ ،‬وقيل بالوقف ل ندري ما الحقيقة منهما‪ ،‬ويتبين المراد على الخيرين‬
‫بالقرينة وحيث وجدت فل خلف كما في قوله تعالى‪} :‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر{ إلى قوله‬

‫}إل من تاب{ فإنه عائد للكل بل خلف‪ ،‬وقوله تعالى‪} :‬ومن قتل مؤمنا خطأ{ إلى قوله }إل أن‬
‫يصدقوا{ فإنه عائد إلى الخير أي الدية دون الكفارة بل خلف أما قوله‪} :‬والذين يرمون‬
‫المحصنات{ إلى قوله }إل الذين تابوا{ فإنه عائد للخير ل للول أي الجلد قطعا لنه حق آدمي فل‬
‫يسقط بالتوبة‪ ،‬وفي عوده للثاني أي عدم قبول الشهادة الخلف‪ ،‬فعلى الصح تقبل‪ ،‬وعلى الثاني ل‬
‫تقبل وخرج بالمشترك غيره كبل ولكن وأو فل يعود ذلك إل للخير‪.‬‬

‫)و( الصح )أن القران بين جملتين لفظا( بأن تعطف إحداهما على الخرى )ل يقتضي التسوية(‬
‫بينهما‪) .‬في حكم لم يذكر( وهو معلوم لحداهما من خارج فيعطف واجب على مندوب أو مباح‬
‫ن أحدكم في الماء الدائم ول يغتسل فيه‬ ‫وعكسه‪ .‬وقيل‪ :‬يقتضيها فيه مثاله خبر أبي داود‪» :‬ل يبول ّ‬
‫من الجنابة« فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي‪ .‬قال بعض القائل بالثاني‪،‬‬
‫فكذا الغتسال فيه للقران بينهما‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله تعالى‪} :‬فكاتبوهم{ الية‪) .‬و( ثاني‬
‫المخصصات المتصلة )الشرط(‪ .‬والمراد اللغوي كما مر‪) .‬وهو( ما زدته بقولي‪) :‬تعليق أمر بأمر‬
‫كل منهما في المستقبل أو ما يدل عليه( من صيغة نحو‪ :‬أكرم بني تميم إن جاءوا أي الجائين منهم‪.‬‬
‫ل وعودا لكل المتعاطفات وصحة لخراج الكثر‬ ‫)وهو( أي الشرط المخصص )كالستثناء( اتصا ً‬
‫به نحو‪ :‬أكرم بني تميم إن كانوا علماء‪ ،‬ويكون جهالهم أكثر‪ ،‬فيجب مع نية الشرط اتصاله وعوده‬
‫للكل‪ ،‬ولو تقدم أو توسط‪ .‬ويصح إخراج الكثر به في الصح‪ ،‬وقيل وفاقا‪ .‬وعليه جرى الصل في‬
‫الثالث لكن أجيب عنه بأنه أراد به وفاق من خالف في الستثناء فقط‪) .‬و( ثالثها )الصفة(‪ :‬المعتبر‬
‫مفهومها كأكرم بني تميم الفقهاء خرج بالفقهاء غيرهم‪) .‬و( رابعها )الغاية(‪ :‬كأكرم بني تميم إلى أن‬
‫يعصوا خرج حال عصيانهم فل يكرمون فيه‪) .‬وهما( أي الصفة والغاية )كالستثناء( اتصالً‬
‫وعودا‪ ،‬وصحة إخراج الكثر بهما فيجب مع نيتهما اتصالهما وعودهما للكل‪ ،‬ولو تقدمتا أو‬
‫توسطتا‪ ،‬ويصح إخراج الكثر بهما في الصح خلفا لما اختاره‪ ،‬وتبعه عليه البرماوي من‬
‫اختصاص الصفة المتوسطة بما وليته‪ ،‬وذلك كوقفت على أولدي وأولدهم المحتاجين‪ ،‬ووقفت‬
‫على محتاجي أولدي وأولدهم‪ ،‬ووقفت على أولدي المحتاجين وأولدهم‪ ،‬فيعود الوصف للكل‬
‫على الصل في اشتراك المتعاطفات‪ ،‬ولن المتوسطة بالنسبة لما وليته متأخرة ولما وليها متقدمة‪،‬‬
‫بل قيل إن عودها إليهما أولى مما إذا تقدمتهما‪،‬‬

‫وقد أوضحت ذلك في الحاشية واقتصاري على كالستثناء أولى من قوله كالستثناء في العود‪.‬‬

‫)والمراد( بالغاية )غاية صحبها عموم يشملها( ظاهرا لو لم تأت بقيد زدته بقولي‪) :‬ولم يرد بها‬
‫تحقيقه مثل( ما مّر‪ ،‬ومثل قوله تعالى‪} :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون{ إلى قوله }حتى يعطوا الجزية{ فإنها‬
‫لو لم تأت لقاتلناهم أعطوا الجزية أم ل‪) .‬وأما مثل( قوله تعالى‪} :‬سلم هي حتى مطلع الفجر{ من‬
‫غاية لم يشملها عموم صحبها‪ ،‬إذ طلوع الفجر ليس من الليلة حتى تشمله‪) .‬و( مثل قولهم )قطعت‬
‫أصابعه من الخنصر(‪ :‬بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه )إلى البهام(‪ :‬من غاية شملها عموم لو لم‬
‫تذكر وأريد بها تحقيقه‪) .‬فلتحقيق(‪ :‬أي فالغاية فيه لتحقيق )العموم(‪ .‬فيما قبلها ل لتخصيصه فتحقيق‬
‫العموم في الول أن الليلة سلم في جميع أجزائها‪ ،‬وفي الثاني أن الصابع قطعت كلها‪ ،‬والغاية في‬
‫الثاني من المغيا بخلفها في الول‪ ،‬وقولي‪ :‬إلى البهام أوضح من قوله إلى البنصر‪) .‬و( خامسها‬
‫)بدل بعض( من كل كما ذكره ابن الحاجب كـ}ـّلله على الناس حج البيت من استطاع{ )أو( بدل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)اشتمال( كما نقله مع ما قبله البرماوي عن أبي حيان عن الشافعي‪ :‬كأعجبني زيد علمه وهو من‬
‫زيادتي إل أن يقال إنه يرجع إلى ما قبله تجّوزا‪) .‬ولم يذكره( أي البدل بشقيه )الكثر(‪ ،‬بل أنكره‬
‫جماعة منهم الشمس الصفهاني‪ ،‬وصّوب عدم ذكره السبكي كما نقله عنه ابنه في الصل لن‬
‫المبدل منه في نية الطرح‪ ،‬فل محل يخرج منه فل تخصيص به‪ .‬وأجاب عنه البرماوي بأن كونه‬
‫في نية الطرح قول والكثر على خلفه‪ ،‬قال السيرافي والنحويون‪ :‬لم يريدوا إلغاءه وإنما أرادوا أن‬
‫البدل قائم بنفسه وليس مبينا للول كتبيين النعت للمنعوت‪.‬‬

‫)و( القسم الثاني من المخصص )منفصل( أي ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره )فيجوز في الصح‬
‫التخصيص بالعقل( سواء أكان بواسطة الحس من مشاهدة وغيرها من الحواس الظاهرة أم بدونها‬
‫فالول كقوله تعالى في الريح المرسلة على عاد تدمر كل شيء أي‪ :‬تهلكه‪ ،‬فإن العقل يدرك بواسطة‬
‫الحس أي المشاهدة ما ل تدمير فيه كالسماء‪ ،‬والثاني كقوله تعالى }خالق كل شيء{ فإن العقل يدرك‬
‫بالضرورة أنه تعالى ليس خالقا لنفسه ول لصفاته الذاتية‪ ،‬وكقوله تعالى‪} :‬ول على الناس حج البيت‬
‫ل{ فإن العقل يدرك بالنظر أن الطفل والمجنون ل يدخلن لعدم الخطاب‪ ،‬وقيل‬ ‫من استطاع إليه سبي ً‬
‫ل يجوز ذلك لن ما نفي العقل حكم العام عنه لم يشمله العام إذ ل تصح إرادته‪ ،‬وذكر الصل أن‬
‫الخلف لفظي‪ ،‬وفيه بحث ذكرته في الحاشية‪ ،‬ولهذا تركته هنا‪ ،‬وبما تقرر علم أن التخصيص بالعقل‬
‫شامل للحس كما سلكه ابن الحاجب‪ ،‬لن الحاكم فيه إنما هو العقل فل حاجة إلى إفراده بالذكر خلفا‬
‫لما سلكه الصل‪) .‬و( يجوز في الصح )تخصيص الكتاب به(‪ :‬أي بالكتاب وهو من تخصيص‬
‫ن ثلثة قروء{ الشامل‬ ‫قطعي المتن بقطعيه كتخصيص قوله تعالى‪} :‬والمطلقات يتربصن بأنفسه ّ‬
‫ن{ وبقوله‪} :‬يا أيها‬
‫ن أن يضعن حمله ّ‬ ‫ن بقوله‪} :‬وأولت الحمال أجله ّ‬ ‫للحوامل ولغير المدخول به ّ‬
‫ن من عدة تعتدونها{‬ ‫ن فما لكم عليه ّ‬
‫ن من قبل أن تمسوه ّ‬‫الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموه ّ‬
‫وقيل‪ :‬ل يجوز ذلك لقوله تعالى‪} :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم{ فّوض البيان إلى‬
‫رسوله والتخصيص بيان فل يحصل إل بقوله قلنا وقع ذلك كما رأيت‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬يحتمل التخصيص بغير ذلك من السنة‪ .‬قلنا‪ :‬الصل عدمه وبيان الرسول يصدق ببيان ما‬
‫نزل عليه من الكتاب‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء{‪.‬‬

‫)و( يجوز في الصح تخصيص )السنة( المتواترة وغيرها )بها( أي بالسنة كذلك كتخصيص خبر‬
‫الصحيحين‪ :‬فيما سقت السماء العشر‪ ،‬بخبرهما‪ :‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‪ .‬وقيل ل يجوز‬
‫لية‪} :‬وأنزلنا إليك الذكر{ قصر بيانه على الكتاب‪ .‬قلنا‪ :‬وقع ذلك كما رأيت مع أنه ل مانع منه‬
‫لنهما من عند ال قال تعالى‪} :‬وما ينطق عن الهوى{ )و( يجوز في الصح تخصيص )كل( من‬
‫الكتاب والسنة )بالخر(‪ :‬فالول كتخصيص آية المواريث الشاملة للولد الكافر بخبر الصحيحين‪:‬‬
‫»ل يرث المسلم الكافر ول الكافر المسلم«‪ .‬فهذا تخصيص بخبر الواحد فبالمتواترة أولى‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز بالمتواترة الفعلية بناء على قول يأتي وأن فعل الرسول ل يخصص‪ ،‬وقيل ل يجوز بخبر‬
‫الواحد مطلقا‪ ،‬وإل لترك القطعي بالظني‪ .‬قلنا‪ :‬محل التخصيص دللة العام وهي ظنية والعمل‬
‫بالظنيين أولى من إلغاء أحدهما‪ .‬وقيل يجوز إن خص بمنفصل لضعف دللته حينئذ‪ ،‬وقيل غير‬
‫ذلك‪ .‬والثاني كتخصيص خبر مسلم البكر بالبكر جلد مائة الشامل للمة بقوله تعالى‪} :‬فعليهن نصف‬
‫ما على المحصنات من العذاب{ وقيل ل يجوز ذلك لقوله تعالى‪} :‬لتبين للناس ما نزل إليهم{ جعله‬
‫مبينا للكتاب فل يكون الكتاب مبينا للسنة‪ .‬قلنا‪ :‬وقع ذلك كما رأيت مع أنه ل مانع منه لما مر ومن‬
‫السنة فعل النبي وتقريره‪ ،‬فيجوز في الصح التخصيص بهما‪ ،‬وإن لم يتأت تخصيصهمالنتفاء‬
‫عمومهما كما علم مما مر‪ .‬وذلك كأن يقول‪ :‬الوصال حرام على كل مسلم‪ ،‬ثم يفعله أو يقر من فعله‪،‬‬
‫وقيل ل يخصصان بل ينسخان حكم العام‪ ،‬لن الصل تساوي الناس في الحكم‪ .‬قلنا‪ :‬التخصيص‬
‫أولى من النسخ لما فيه من إعمال الدليلين وسواء أكان مع التقرير عادة بترك بعض المأمور به أو‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بفعل بعض المنهى عنه أم ل‪ .‬والصل كغيره جعلها المخصصة إن أقّر بها النبي أو الجماع مع أن‬
‫المخصص في الحقيقة إنما هو التقرير أو دليل الجماع‪.‬‬

‫)و( يجوز في الصح تخصيص كل من الكتاب والسنة‪) .‬بالقياس( المستند إلى نص خاص ولو خبر‬
‫واحد كتخصيص آية الزانية والزاني الشاملة للمة بقوله تعالى‪} :‬فعليهن نصف ما على المحصنات‬
‫من العذاب{ وقيس بالمة العبد‪ ،‬وقيل ل يجوز ذلك مطلقآ حذرا من تقديم القياس على النص الذي‬
‫هو أصله في الجملة‪ ،‬وقيل ل يجوز إن كان القياس خفيا لضعفه وقيل غير ذلك‪ .‬قلنا‪ :‬إعمال الدليلين‬
‫أولى من إلغاء أحدهما‪ .‬والخلف في القياس الظني‪ ،‬أما القطعي فيجوز التخصيص به قطعا‪.‬‬
‫)وبدليل الخطاب(‪ :‬أي مفهوم المخالفة كتخصيص خبر ابن ماجة‪ :‬الماء ل ينجسه شيء إل ما غلب‬
‫على ريحه وطعمه ولونه‪ .‬بمفهوم خبره‪» :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث«‪ .‬وقيل ل يخصص‬
‫لن دللة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن المقدم عليه‬
‫منطوق خاص ل ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لن إعمال الدليلين أولى من إلغاء‬
‫أحدهما‪) .‬ويجوز(التخصيص )بالفحوى(‪ :‬أي مفهوم الموافقة‪ ،‬وإن قلنا الدللة عليه قياسية‬
‫ي الواجد يحل عرضه وعقوبته«‪ .‬أي حبسه بمفهوم‪} :‬فل تقل‬ ‫كتخصيص خبر أبي داود وغيره »ل ّ‬
‫لهما أف{ فيحرم حبسهما للوالد وهو ما نقل عن المعظم وصححه النووي‪.‬‬

‫)والصح أن عطف العام على الخاص(‪ :‬وعكسه المشهور ل يخصص العام‪ .‬وقال الحنفي‪:‬‬
‫يخصصه أي يقصره على الخاص لوجوب اشتراك المتعاطفين في الحكم وصفته‪ .‬قلنا‪ :‬في الصفة‬
‫ممنوع كما مر مثال العكس خبر أبي داود وغيره‪» :‬ل يقتل مسلم بكافر ول ذو عهد في عهده«‪.‬‬
‫يعني بكافر حربي للجماع على قتله بغير حربي‪ ،‬فقال الحنفي‪ :‬يقدر الحربي في المعطوف عليه‬
‫لوجوب الشتراك المذكور فل ينافي ما قال به من قتل المسلم بالذمي‪ ،‬ومثال الول أن يقال ل يقتل‬
‫الذمي بكافر ول المسلم بكافر‪ ،‬فالمراد بالكافر الول الحربي فيقول الحنفي‪ :‬والمراد بالكافر الثاني‬
‫الحربي أيضا لوجود الشتراك المذكور‪ ،‬وقد مر التمثيل بالخبر لمسألة أن المعطوف على العام ل‬
‫يعم‪ ،‬وما قيل من أنه ل حاجة لذكر هذه المسألة لعلمها من مسألة القران يرّد بمنعه لن ما هنا في‬
‫تخصيص الحكم المذكور في عام‪ ،‬وما هناك في التسوية بين جملتين فيما لم يذكر من الحكم المعلوم‬
‫لحداهما من خارج‪. .‬‬

‫)و( الصح أن )رجوع ضمير إلى بعض( من العام ل يخصصه حذرا من مخالفة الضمير لمرجعه‬
‫قلنا ل محذور فيها لقرينة مثاله قوله تعالى‪} :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء{ مع قوله‬
‫بعده }وبعولتهن أحق بردهن{ فضمير وبعولتهن للرجعيات ويشمل قوله‪ :‬والمطلقات معهن البوائن‪،‬‬
‫وقيل ل يشملهن ويؤخذ حكمهن من دليل آخر‪ ،‬وقد يعبر في هذه المسألة بأعم مما ذكر بأن يقال وأن‬
‫يعقب العام بما يختص ببعضه ول يخصصه‪ ،‬سواء أكان ضميرا كما مر أم الشامل غيره كالمحلى‬
‫بأل واسم الشارة كأن يقال بدل و بعولتهن الخ‪ .‬وبعولة المطلقات أو هؤلء أحق بردهن‪) .‬و(‬
‫الصح أن )مذهب الراوي( للعام بخلفه ل يخصصه ولو كان صحابيا‪ ،‬وقيل يخصصه مطلقا‪،‬‬
‫وقيل يخصصه إن كان صحابيا لن المخالفة إنما تصدر عن دليل‪ .‬قلنا‪ :‬في ظن المخالف ل في‬
‫نفس المر وليس لغيره اتباعه لن المجتهد ل يقلد مجتهدا وذلك كخبر البخاري من رواية ابن‬
‫عباس‪» :‬من بدل دينه فاقتلوه« مع قوله‪ :‬إن صح عنه أن المرتدة ل تقتل‪ ،‬أما مذهب غير الراوي‬
‫للعام بخلفه فل يخصصه أيضا كما فهم بالولى‪ ،‬وقيل يخصصه إن كان صحابيا‪) .‬و( الصح أن‬
‫)ذكر بعض أفراد العام( بحكم العام )ل يخصص( العام‪ .‬وقيل يخصصه بمفهومه‪ ،‬إذ ل فائدة لذكره‬
‫إل ذلك‪ .‬قلنا‪ :‬مفهوم اللقب ليس بحجة‪ ،‬وفائدة ذكر البعض نفي احتمال تخصيصه من العام مثاله‬
‫خبر الترمذي‪» :‬أيما إهاب دبغ فقد طهر« مع خبر مسلم‪ :‬أنه صلى ال عليه وسّلم مر بشاة ميتة‬
‫فقال‪» :‬هل أخذتم إهابها فدبتغموه فانتفعتم به« فقالوا‪ :‬إنها ميتة‪ .‬فقال‪» :‬إنما حرم أكلها«‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)و( الصح )أن العام ل يقصر على المعتاد( السابق ورود العام‪) .‬ول على ما وراءه( أي المعتاد‬
‫بل يجري العام على عمومه فيهما‪ ،‬وقيل يقصر على ذلك فالول كأن كانت عادتهم تناول البر‪ ،‬ثم‬
‫ل فقيل‪ :‬يقصر الطعام على البر المعتاد‪ ،‬والثاني كأن كانت‬
‫نهي عن لبيع الطعام بجنسه متفاض ً‬
‫ل فقيل يقصر الطعام على‬ ‫ل‪ ،‬ثم نهى عن بيع الطعام بجنسه متفاض ً‬‫عادتهم بيع البر بالبر متفاض ً‬
‫غير البر المعتاد والصح ل فيهما‪) .‬و( الصح )أن نحو( قول الصحابي‪ :‬إنه صلى ال عليه وسّلم‬
‫)نهى عن بيع الغرر( كما رواه مسلم من رواية أبي هريرة‪) .‬ل يعم( كل غرر وقيل يعمه لن قائله‬
‫عدل عارف باللغة والمعنى‪ ،‬فلول ظهور عموم الحكم مما قاله النبي صلى ال عليه وسّلم لم يأت‬
‫هو في الحكاية له بلفظ عام كالغرر‪ .‬قلنا‪ :‬ظهور عموم الحكم بحسب ظنه ول يلزمنا اتباعه في ذلك‪،‬‬
‫إذ يحتمل أن يكون النهي عن بيع الغرر بصفة يختص بها فتوهمه الراوي عاما وعدلت إلى نهي‬
‫عن بيع الغرر عن قوله قضى بالشفعة للجار لقوله كغيره من المحّدثين هو لفظ ل يعرف‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬جواب السؤال غير المستقل دونه(‪ :‬أي دون السؤال كنعم وبلى وغيرهما مما لو ابتدىء به‬
‫لم يفد )تابع له( أي للسؤال )في عمومه( وخصوصه‪ ،‬لن السؤال معاد في الجواب‪ ،‬فالول كخبر‬
‫الترمذي وغيره أنهصلى ال عليه وسّلم سئل عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال‪» :‬أينقص الرطب إذا‬
‫يبس« قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪» :‬فل إذا«‪ .‬فيعم كل بيع للرطب بالتمر صدر من السائل أو من غيره‪،‬‬
‫والثاني كقوله تعالى‪} :‬فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم{ )والمستقل( دون السؤال ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أخص من السؤال ومساٍو له وأعم‪ .‬فـ)ـالخص( منه )جائز إن أمكنت معرفة( الحكم )المسكوت‬
‫عنه( منه كأن يقول النبي صلى ال عليه وسّلم‪» :‬من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة«‪.‬‬
‫كالمظاهر في جواب من أفطر في نهار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن الفطار بغير‬
‫جماع ل كفارة فيه‪ ،‬فإن لم يمكن معرفة المسكوت عنه من الجواب لم يجز لتأخير البيان عن وقت‬
‫الحاجة‪) .‬والمساوي( له في العموم والخصوص )واضح( كأن يقال لمن قال‪ :‬ما على من جامع في‬
‫نهار رمضان؟ من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة كالظهار‪ ،‬وكأن يقال لمن قال‪ :‬جامعت في‬
‫ي؟ عليك إن جامعت في نهار رمضان كفارة كالظهار‪ .‬والعم منه مذكور في‬ ‫نهار رمضان ماذا عل ّ‬
‫قولي‪) :‬والصح أن العام( الوارد )على سبب خاص( في سؤال أو غيره )معتبر عمومه(‪ :‬نظرا‬
‫لظاهر اللفظ‪ ،‬وقيل مقصور على السبب لوروده فيه سواء أوجدت قرينة التعميم أم ل‪ .‬فالول كقوله‬
‫ل سرق رداء‬ ‫تعالى‪} :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما{‪ ،‬إذ سبب نزوله على ما قيل أن رج ً‬
‫صفوان بن أمية‪ ،‬فذكر السارقة قرينة على أنه لم يرد بالسارق ذلك الرجل فقط‪ ،‬والثاني كخبر‬
‫ي‪ :‬قيل يا رسول ال أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى‬ ‫الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدر ّ‬
‫فيها الحيض ولحوم الكلب والنتن؟ فقال‪» :‬إن الماء طهور ل ينجسه شيء«‪ .‬أي مما ذكر وغيره‪،‬‬
‫وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره وقد تقوم قرينة على الختصاص بالسبب‬

‫كالنهي عن قتل النساء‪ ،‬فإن سببه أنه عليه الصلة والسلم رأى امرأة حربية في بعض مغازيه‬
‫مقتولة‪ ،‬وذلك يدل على اختصاصه بالحربيات فل يتناول المرتدة‪.‬‬

‫)و( الصح )أن صورة السبب( التي ورد عليها العام‪) .‬قطعية الدخول( فيه لوروده فيها )فل‬
‫تخص( منه )بالجتهاد(‪ .‬وقيل ظنية كغيرها فيجوز إخراجها منه بالجتهاد‪ .‬قال السبكي‪) :‬ويقرب‬
‫منها(‪ :‬أي من صورة السبب حتى يكون قطعي الدخول أو ظنية‪) .‬خاص في القرآن تله في الرسم(‬
‫أي رسم القرآن بمعنى وضعه مواضعه‪ ،‬وإن لم يتله في النزول‪) .‬عام لمناسبة( بين التالي والمتلّو‬
‫كما في آية‪} :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت{ فإنها إشارة إلى كعب بن‬
‫الشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حّرضوا المشركين على الخذ‬
‫ل محمد وأصحابه أم نحن‬ ‫ي صلى ال عليه وسّلم فسألوهم من أهدى سبي ً‬ ‫بثأرهم‪ ،‬ومحاربة النب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم المنطبق عليه‪ ،‬وأخذ‬ ‫فقالوا‪ :‬أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النب ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫المواثيق عليهم أن ل يكتموه فكان ذلك أمانة لزمة لهم ولم يؤّدوها حيث قالوا للمشركين ما ذكر‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬وقد تضمنت الية هذا القول والتوعد عليه المقيد للمر بمقابله‬ ‫حسدا للنب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم وذلك مناسب لقوله تعالى‪:‬‬ ‫المشتمل على أداء المانة التي هي بيان صفة النب ّ‬
‫}إن ال يأمركم أن تؤّدوا المانات إلى أهلها{‪ ،‬فهذا عام في كل أمانة وذاك خاص بأمانة هي بيان‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم بما ذكر والعام تال للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول لست‬ ‫صفة النب ّ‬
‫سنين مدة ما بين بدر وفتح مكة‪ ،‬وإنما قال السبكي‪ :‬ويقرب منه كذا لنه لم يرد العام بسببه بخلفها‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح( أنه )إن لم يتأخر الخاص عن( وقت )العمل( بالعام المعارض له بأن تأخر الخاص‬
‫عن ورود العام قبل دخول وقت العمل أو تأخر العام عن الخاص مطلقا أو تقارنا بأن عقب أحدهما‬
‫الخر أو جهل تاريخهما‪) .‬خصص( الخاص‪) .‬العام(‪ .‬وقيل إن تقارنا تعارضا في قدر الخاص‪،‬‬
‫فيحتاج العمل بالخاص إلى مرجح له قلنا الخاص أقوى من العام في الدللة على ذلك البعض‪ ،‬لنه‬
‫يجوز أن ل يراد من العام بخلف الخاص فل حاجة إلى مرجح له‪ .‬وقالت الحنفية وإمام الحرمين‪:‬‬
‫العام المتأخر عن الخاص ناسخ له كعكسه‪ .‬قلنا‪ :‬الفرق أن العمل بالخاص المتأخر ل يلغي العام‬
‫بخلف العكس والخاص أقوى من العام في الدللة فوجب تقديمه عليه‪ .‬قالوا‪ :‬فإن جهل التاريخ‬
‫بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما لحتمال كل منهما عندهم‪ ،‬لن يكون منسوخا باحتمال تقدمه‬
‫على الخر مثال العام‪) :‬فاقتلوا المشركين( والخاص أن يقال‪ :‬ل تقتلوا الذمي‪) .‬وإل( بأن تأخر‬
‫الخاص عما ذكر )نسخه( أي‪ :‬نسخ الخاص العام بالنسبة لما تعارضا فيه‪ ،‬وإنما لم يجعل ذلك‬
‫تخصيصا‪ ،‬لن التخصيص بيان للمراد بالعام وتأخير البيان عن وقت العمل ممتنع‪) .‬و( الصح أنه‬
‫)إن كان كل( من المتعارضين )عاما من وجه( خاصا من وجه‪) ،‬فالترجيح( بينهما من خارج‬
‫واجب لتعادلهما تقارنا أو تأخر أحدهما أو جهل تاريخهما‪ .‬وقالت الحنفية‪ :‬المتأخر ناسخ للمتقدم‬
‫مثال ذلك خبر البخاري‪» :‬من بّدل دينه فاقتلوه«‪ .‬وخبر الصحيحين‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم نهى‬
‫عن قتل النساء«‪ .‬فالّول عام في الرجال والنساء خاص بأهل الرّدة‪ ،‬والثاني خاص بالنساء عام في‬
‫الحربيات والمرتدات‪ ،‬وقد ترجح الّول بقيام القرينة على اختصاص الثاني بسببه وهو الحربيات‪.‬‬

‫المطلق والمقيد‬

‫أي‪ :‬هذا مبحثهما‪ ،‬والمراد اللفظي المسمى بهما‪) .‬المختار أن المطلق(‪ :‬ويسمى اسم جنس كما مّر‪.‬‬
‫ل على الماهية بل قيد( من وحدة وغيرها فهو كلي‪ ،‬وقيل ما دل على شائع في‬ ‫)ما( أي لفظ )د ّ‬
‫جنسه وقائله توهم النكرة غير العامة‪ ،‬واحتج لذلك بأن المر بالماهية كالضرب من غير قيد أمر‬
‫بجزئي من جزئياتها كالضرب بسوط أو عصا أو غير ذلك‪ ،‬لن الحكام الشرعية إنما تبنى غالبا‬
‫على الجزئيات ل على الماهيات المعقولة لستحالة وجودها في الخارج‪ ،‬ويرّد بأنها إنما يستحيل‬
‫وجودها كذلك مجردة ل مطلقا لنها توجد بوجود جزئي لها لنها جزؤه وجزء الموجود موجود‪،‬‬
‫فالمر بالماهية أمر بإيجادها في ضمن جزئي لها ل أمر بجزئي لها‪ ،‬وقيل المر بها أمر بكل‬
‫جزئي منها لشعار عدم التقييد بالتعميم‪ ،‬وقيل هو أذن في كل جزئي أن يفعل ويخرج عن العهدة‬
‫بواحد وعلى المختار اللفظ في المطلق والنكرة واحد‪ ،‬والفرق بينهما بالعتبار إن اعتبر في اللفظ‬
‫دللته على الماهية بل قيد يسمى مطلقا واسم جنس أيضا كما مّر أو مع قيد الشيوع يسمى نكرة‪،‬‬
‫والقائل بالثاني ينكر اعتبار الّول في مسمى المطلق‪.‬‬
‫)والمطلق والمقيد كالعام والخاص( فيما مّر فما يخص به العام يقيد به المطلق وما ل فل‪ .‬لن‬
‫المطلق عام من حيث المعنى فيجوز تقييد الكتاب به وبالسنة والسنة بها وبالكتاب‪ ،‬وتقييدهما بالقياس‬
‫والمفهومين‪ ،‬وفعل النبي وتقريره بخلف مذهب الراوي‪ ،‬وذكر بعض جزئيات المطلق على الصح‬
‫في غير مفهوم الموافقة‪. .‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)و( يزيد المطلق والمقيد )أنهما في الصح إن اتحد حكمهما وسببه( أي سبب حكمهما‪) .‬وكانا‬
‫مثبتين( أمرين كانا كأن يقال في كفارة الظهار في محل أعتق رقبة‪ ،‬وفي آخر أعتق رقبة مؤمنة أو‬
‫غيرهما نحو‪ :‬تجزىء رقبة مؤمنة تجزىء رقبة أو أحدهما أمر‪ ،‬والخر خبر نحو‪ :‬تجزىء رقبة‬
‫مؤمنة أعتق رقبة‪) .‬فإن تأخر المقيد( بأن علم تأخره )عن( وقت )العمل بالمطلق نسخه( أي المطلق‬
‫بالنسبة إلى صدقه بغير المقيد‪) .‬وإل( بأن تأخر المقيد عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو‬
‫تأخر المطلق عن المقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تاريخهما‪) .‬قيده( أي المطلق جمعا بين لدليلين‪،‬‬
‫وقيل المقيد ينسخ المطلق إذا تأخر عن وقت الخطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به بجامع‬
‫التأخر وقيل يحمل المقيد على المطلق بأن يلغى القيد‪ ،‬لن ذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق فل‬
‫يقيده كما أن ذكر فرد من العام ل يخصصه‪ .‬قلنا‪ :‬الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة بخلف مفهوم‬
‫اللقب الذي ذكر فرد من العام منه كما مّر‪) .‬وإن كان أحدهما مثبتا( أمرا أو خبرا )والخر خلفه(‬
‫نهيا أو نفيا نحو‪ :‬أعتق رقبة ل تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة ل تجزىء رقبة كافرة أعتق رقبة‬
‫مؤمنة ل تعتق رقبة تجزىء رقبة مؤمنة ل تجزىء رقبة‪) .‬قيد المطلق بضد الصفة(‪ :‬في المقيد‬
‫ليجتمعا فيقيد في المثالين الولين باليمان‪ ،‬وفي الخيرين بالكفر‪) .‬وإل( بأن كانا منفيين أو منهيين‬
‫أو أحدهما منفيا والخر منهيا نحو‪ :‬ل يجزىء عتق مكاتب ل يجزىء عتق مكاتب كافر ل تعتق‬
‫مكاتبا ل تعتق مكاتبا كافرا‪) .‬قيد( المطلق )بها( أي بالصفة )في الصح( من الخلف في حجية‬
‫مفهوم المخالفة‪ ،‬وقيل يعمل بالمطلق بناء على عدم حجية المفهوم )وهي(‪ :‬أي المسألة حينئذ )خاص‬
‫وعام( لعموم المطلق في سياق النفي الشامل للنهي ويكون المقيد مخصصا ل مقيدا‪ .‬وقولي‪ :‬إن كان‬
‫إلى قولي في الصح أعم مما عبر به‪) .‬وإن اختلف حكمهما(‪ :‬مع اتحاد سببهما كما في قوله تعالى‬
‫في التيمم‪:‬‬

‫}فامسحوا بوجوهكم وأيديكم{ وفي الوضوء‪} :‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق{‪ ،‬وسببهما‬
‫الحدث مع القيام إلى الصلة أو نحوها واختلف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد بالمرفق‬
‫ظاهر‪ ،‬إذ المسح خلف الغسل‪) .‬أو( اختلف )سببهما( مع اتحاد حكمهما )ولم يكن ثم مقيد( في‬
‫محلين )بمتنافيين( كما في قوله تعالى في كفارة الظهار‪} :‬فتحرير رقبة{ وفي كفارة القتل }فتحرير‬
‫رقبة مؤمنة{ )أو( كان ثم مقيد كذلك‪ .‬و)كان( المطلق )أولى( بالتقييد )بأحدهما( من الخر من حيث‬
‫القياس كما في قوله تعالى في كفارة اليمين }فصيام ثلثة أيام{ وفي كفارة الظهار }فصيام شهرين‬
‫ج وسبعة إذا رجعتم{ )قيد( المطلق بالقيد أي‬‫متتابعين{ وفي صوم التمتع }فصيام ثلثة أيام في الح ّ‬
‫حمل عليه )قياسا في الصح(‪ :‬فل بد من جامع بينهما وهو في المثال الول موجب الطهر‪ ،‬وفي‬
‫الثاني حرمة سببهما من الظهار والقتل‪ ،‬وفي الثالث النهي عن اليمين والظهار‪ ،‬فحمل المطلق فيه‬
‫على كفارة الظهار في التتابع أولى من حمله على صوم المتمتع في التفريق لتحادهما في الجامع‪،‬‬
‫والتمثيل به إنما هو على قول قديم‪ ،‬وقيل يحمل عليه في الوليين لفظا أي بمجرد وجود اللفظ المقيد‬
‫من غير حاجة إلى جامع‪ ،‬وقيل ل يحمل عليه في الثالثة بناء على أن الحمل لفظي‪ .‬وقال الحنفي‪ :‬ل‬
‫يحمل عليه لختلف الحكم أو السبب فيبقى المطلق على خلفه‪ .‬أما إذا كان ثم مقيد في محلين‬
‫بمتنافيين ولم يكن المطلق في ثالث أولى بالتقييد بأحدهما من حيث القياس كما في قوله تعالى في‬
‫قضاء رمضان }فعدة من أيام أخر{ وفي كفارة الظهار }فصيام شهرين متتابعين{ وفي صوم التمتع‬
‫ما مّر‪ .‬فيبقى المطلق على إطلقه لمتناع تقييده بهما لتنافيهما وبواحد منهما لنتفاء مرجحه‪ ،‬فل‬
‫يجب في قضاء رمضان تتابع ول تفريق والترجيح من زيادتي‪ ،‬ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد‬
‫الشاهد بالعدالة وإطلق الرقبة في الكفارة لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقا‪ ،‬وقيل على الراجح‪.‬‬

‫الظاهر والمؤّول‬
‫أي هذا مبحثهما‪) .‬الظاهر( لغة الواضح واصطلحا‪) .‬ما دل( على المعنى )دللة ظنية( أي راجحة‬
‫بوضع اللغة أو الشرع أو العرف‪ ،‬يحتمل غير ذلك المعنى مرجوحا كما مر أوائل الكتاب الول‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫كالسد راجح في الحيوان المفترس لغة مرجوح في الرجل الشجاع والصلة راجحة في ذات‬
‫الركوع والسجود شرعا مرجوحة في الدعاء الموضوعة له لغة‪ ،‬والغائط راجح في الخارج‬
‫المستقذر عرفا مرجوح في المكان المطمئن الموضوع له لغة‪ ،‬وخرج المجمل لتساوي الدللة فيه‪،‬‬
‫والمؤول لنه مرجوح‪ ،‬والنص كزيد لن دللته قطعية‪) .‬والتأويل حمل الظاهر على المحتمل‬
‫ل في الواقع )ففاسد‬
‫ل( وليس دلي ً‬
‫ن دلي ً‬
‫المرجوح فإن حمل( عليه )دليل فصحيح( الحمل‪) .‬أو لما يظ ّ‬
‫أو ل لشيء فلعب( ل تأويل‪.‬‬

‫)والول( أي التأويل قسمان )قريب( يترجح على الظاهر بأدنى دليل نحو }إذا قمتم إلى الصلة{ أي‬
‫عزمتم على القيام إليها و}إذا قرأت القرآن{ أي أردت قراءته‪) .‬وبعيد( ل يترجح على الظاهر إل‬
‫بأقوى منه‪) .‬كتأويل( الحنفية )أمسك( من قوله صلى ال عليه وسّلم لغيلن لما أسلم على عشر نسوة‬
‫»أمسك أربعا وفارق سائرهن«‪) .‬بابتدىء( نكاح أربع منهن بقيد زدته بقولي )في المعية( أي فيما‬
‫إذا نكحهن معا لبطلنه كالمسلم بخلف نكاحهن مرتبا فيمسك الربع الوائل‪ ،‬ووجه بعده أن‬
‫المخاطب بمحله وهو أمسك قريب عهد بالسلم لم يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إلى ذلك‪،‬‬
‫ولم ينقل تجديد نكاح منه ول من غيره ممن أسلم مع كثرتهم وتوفر دواعي حملة الشرع على نقله‬
‫لو وقع‪) .‬و( كتأويلهم )ستين مسكينا{ من قوله تعالى‪} :‬فإطعام ستين مسكينا{ )بستين مدا( بتقدير‬
‫مضاف أي طعام ستين مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما‬
‫يجوز إعطاؤه لستين مسكينا في يوم واحد‪ ،‬لن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في‬
‫ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد‪ ،‬ووجه بعده أنه اعتبر فيه ما لم يذكر من المضاف‬
‫وألغى فيه ما ذكر من عدد المساكين الظاهر قصده لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على‬
‫الدعاء للمحسن‪) .‬و( كتأويلهم خبر أبي داود وغيره‪) :‬ل صيام لمن لم يبيت( أي الصيام من الليل‪.‬‬
‫)بالقضاء والنذر( لصحة غيرهما بنية من النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص في العموم‬
‫على نادر لندرة القضاء والنذر‪) .‬و( كتأويل أبي حنيفة خبر ابن حبان وغيره )ذكاة الجنين ذكاة أمه(‬
‫بالرفع والنصب )بالتشبيه( أي مثل ذكاتها أو كذكاتها‪ ،‬فالمراد بالجنين الحي لحرمة الميت عنده‬
‫وأحله صاحباه كالشافعي‪ ،‬ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ووجه استغنائه عنه على‬
‫رواية الرفع وهي المحفوظة أن يعرب ذكاة الجنين خبرا لما بعده أي ذكاة أم الجنين ذكاة له‪ ،‬وعلى‬
‫رواية النصب إن‬

‫ثبتت أن يجعل على الظرفية أي ذكاة الجنين حاصلة وقت ذكاة أمه التي أحلتها‪ ،‬فالمراد الجنين‬
‫الميت وأن ذكاة أمه أحلته تبعا لها‪.‬‬

‫المجمل ما لم تتضح دللته‬


‫من قول أو فعل كقيامه صلى ال عليه وسّلم من الركعة الثانية بل تشهد لحتماله العمد والسهو‪،‬‬
‫ح في آية السرقة(‪ :‬وهي‪:‬‬ ‫وخرج المهمل إذ ل دللة له والمبين ليضاح دللته‪) .‬فل إجمال في الص ّ‬
‫}والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما{ ل في اليد ول في القطع‪ ،‬وقيل مجملة فيهما لن اليد تطلق‬
‫على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب‪ ،‬والقطع يطلق على البانة وعلى الجرح‪ ،‬ول‬
‫ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع مبينة‪ ،‬لذلك قلنا ل نسلم عدم ظهور واحد‪ ،‬لن اليد‬
‫ظاهرة في العضو إلى المنكب والقطع ظاهر في البانة‪ ،‬وإبانة الشارع من الكوع دليل على أن‬
‫المراد من الكل البعض‪) .‬و( ل في نحو‪} :‬حرمت عليكم الميتة{ كحرمت عليكم أمهاتكم‪ ،‬وقيل‬
‫مجمل‪ .‬إذ ل يصح إسناد التحريم إلى العين لنه إنما يتعلق بالفعل فل بد من تقديره‪ ،‬وهو محتمل‬
‫ل‪ .‬قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه‬ ‫لمور ل حاجة إلى جميعها ول مرجح لبعضها فكان مجم ً‬
‫قاض‪ ،‬بأن المراد في الول تحريم الكل ونحوه‪ ،‬وفي الثاني تحريم التمتع بوطء ونحوه )و( ل في‬
‫قوله تعالى‪} :‬وامسحوا برؤوسكم{ وقيل مجمل لتردده بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع‬
‫ل ما ينطلق‬‫الناصية مبين لذلك‪ .‬قلنا ل نسلم تردده بين ذلك‪ ،‬وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأق ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عليه السم وبغيره ومسح الشارع الناصية من ذلك‪) .‬و( ل في خبر البيهقي وغيره‪» :‬رفع عن أمتي‬
‫الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه«‪ .‬وقيل مجمل‪ ،‬إذ ل يصح رفعها مع وجودها حسا فل بد من‬
‫ل‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫تقدير شيء وهو متردد بين أمور ل حاجة إلى جميعها ول مرجح لبعضها فكان مجم ً‬
‫المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض بأن المراد منه رفع المؤاخذة‪) .‬و( ل في خبر الترمذي‬
‫وغيره‪» :‬ل نكاح‬

‫إل بولي«‪ .‬وقيل مجمل‪ ،‬إذ ل يصح النفي لنكاح بل ولي مع وجوده حسا فل بد من تقدير شيء‬
‫ل‪ .‬قلنا‪ :‬بتقدير تسليم ذلك‬
‫وهو متردد بين الصحة والكمال ول مرجح لواحد منهما‪ ،‬فكان مجم ً‬
‫المرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات إذ ما انتفت صحته ل يعتد به‪ ،‬فيكون‬
‫ل(‪ :‬كما مّر بيانه فل إجمال في شيء منه )بل(‬ ‫كالمعدوم بخلف ما انتفى كماله )لوضوح دللة الك ّ‬
‫الجمال )وفي مثل القرء(‪ :‬لتردده بين الطهر والحيض لشتراكه بينهما‪ ،‬وحمله الشافعي على‬
‫الطهر‪ ،‬والحنفي على الحيض لما قام عندهما‪) .‬و( مثل )النور(‪ :‬لنه صالح للعقل ونور الشمس‬
‫ل لتماثلهما‬
‫ل لتشابههما في الهتداء بكل منهما‪) .‬و( مثل )الجسم( لنه صالح للسماء والرض مث ً‬ ‫مث ً‬
‫سعة وعددا‪) .‬و( مثل )المختار(‪ :‬كمنقاد لتردده بين اسم الفاعل والمفعول بإعلله بقلب يائه‬
‫المسكورة أو المفتوحة ألفا‪) .‬و( مثل قوله تعالى‪) :‬أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح( لتردده بين الزوج‬
‫والولي وحمله الشافعي على الزوج ومالك على الولي لما قام عندهما )و( مثل قوله تعالى‪) :‬إل ما‬
‫يتلى عليكم( للجهل بمعناه قبل نزول مبينه وهو }حرمت عليكم الميتة{ الخ ويسري الجمال إلى‬
‫المستثنى منه وهو }أحلت لكم بهيمة النعام{ )و( مثل قوله تعالى‪) :‬الراسخون( من قوله }وما يعلم‬
‫تأويله إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا به{ لتردده بين العطف والبتداء وحمله الجمهور‬
‫على البتداء لما قام عندهم‪) .‬و( مثل )قوله عليه الصلة والسلم( في خبر الصحيحين وغيرهما‪:‬‬
‫)ل يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره(‪ :‬لتردد ضمير جداره بين عوده إلى الجار أو إلى‬
‫الحد‪ .‬وتردد الشافعي في المنع لذلك والجديد المنع لخبر الحاكم بإسناد صحيح في خطبة حجة‬
‫الوداع‪» :‬ل يحل لمرىء من مال أخيه إل ما أعطاه عن طيب نفس‪ .‬وخشبه بلفظ الجمع والضافة‬
‫للضمير وروى خشبة بالفراد والتنوين‪) .‬و( مثل )قولك‪ :‬زيد طبيب ماهر(‪ :‬لتردد ماهر بين‬
‫رجوعه إلى طبيب وإلى زيد‬

‫)و( مثل قولك )الثلثة زوج وفرد(‪ :‬لتردد الثلثة فيه بين اتصافها بصفتيها واتصاف أجزائها بهما‪،‬‬
‫وإن تعين الثاني نظرا إلى صدق المتكلم به‪ ،‬إذ حمله على الول يوجب كذبه‪.‬‬
‫)‬

‫والصح وقوعه( أي المجمل )في الكتاب والسنة( للمثلة السابقة منهما ومنعه داود الظاهري‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫ويمكن أن ينفصل عنها بأن الول ظاهر في الزوج لنه المالك للنكاح‪ .‬والثاني مقترن بمفسره‪،‬‬
‫والثالث ظاهر في البتداء‪ ،‬والرابع ظاهر في عوده إلى الحد لنه محط الكلم‪) .‬و( الصح )أن‬
‫المسمى الشرعي( للفظ )أوضح من( المسمى )اللغوي( له في عرف الشرع لن النبي بعث لبيان‬
‫الشرعيات‪ ،‬فيحمل على الشرعي‪ ،‬وقيل ل في النهي فقيل هو مجمل‪ ،‬وقيل يحمل على اللغوي‪،‬‬
‫والمراد بالشرعي ما أخذت تسميته من الشرع صحيحا كان أو فاسدا ل ما يكون صحيحا فقط‪) .‬وقد‬
‫مّر( ذلك في مسألة اللفظ إما حقيقة أو مجاز وذكر هنا توطئة لقولي‪) :‬و( الصح )أنه إن تعذر( أي‬
‫المسمى الشرعي للفظ‪) .‬حقيقة رد إليه بتجوز( محافظة على الشرع ما أمكن‪ ،‬وقيل هو مجمل‬
‫لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي‪ ،‬وقيل يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز‪،‬‬
‫والترجيح من زيادتي‪ ،‬وهو ما اختاره في شرح المختصر كغيره مثاله خبر الترمذي وغيره‪:‬‬
‫»الطواف بالبيت صلة إل أن ال أحل فيه الكلم« تعذر فيه مسمى الصلة شرعا فيرد إليه بتجّوز‬
‫بأن يقال‪ :‬كالصلة في اعتبار الطهر والنية ونحوهما‪ ،‬وقيل يحمل على المسمى اللغوي وهو الدعاء‬
‫بخير لشتمال الطواف عليه فل يعتبر فيه ما ذكر‪ ،‬وقيل مجمل لترّدده بين المرين‪) .‬و( الصح‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)أن اللفظ المستعمل لمعنى تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى أحدهما( تارة أخرى على السواء وقد‬
‫أطلق )مجمل( لتردده بين المعنى والمعنيين‪ ،‬وقيل يترجح المعنيان لنه أكثر فائدة‪) .‬فإن كان( ذلك‬
‫المعنى )أحدهما عمل به( جزما لوجوده في الستعمالين )ووقف الخر( للتردد فيه‪ ،‬وقيل يعمل به‬
‫أيضا‬

‫لنه أكثر فائدة مثال الول خبر مسلم‪» :‬ل ينكح المحرم ول ينكح« بناء على أن النكاح مشترك بين‬
‫العقد والوطء‪ ،‬فإنه إن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد‪ ،‬وهو أن المحرم ل يطء ول يوطىء‬
‫أي ل يمكن غيره من وطئه أو على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك‪ ،‬وهما أن المحرم ل‬
‫يعقد لنفسه ول يعقد لغيره‪ ،‬ومثال الثاني خبر مسلم‪» :‬الثيب أحق بنفسها من وليها« أي بأن تعقد‬
‫لنفسها أو بأن تعقد كذلك أو تأذن لوليها فيعقد لها ول يجبرها‪ ،‬وقد قال تعقد لنفسها أبو حنيفة‪ ،‬وكذا‬
‫ي فيه ول حاكم‪.‬‬
‫بعض أصحابنا‪ ،‬لكن إذا كان في مكان ل ول ّ‬

‫البيان‬

‫بمعنى التبيين لغة الظهار أو الفصل واصطلحا‪) .‬إخراج الشيء من حيز الشكال إلى حيز‬
‫التجلي(‪ :‬أي اليضاح‪ ،‬فالتيان بالظاهر من غير سبق إشكال ل يسمى بيانا اصطلحا‪) .‬وإنما‬
‫يجب( البيان )لمن أريد فهمه( المشكل لحاجته إليه بأن يعمل به أو يفتى به بخلف غيره‪) .‬والصح‬
‫ل حكما‬ ‫أنه( أي البيان قد )يكون بالفعل( كالقول بل أولى‪ ،‬لنه أدل بيانا لمشاهدته‪ ،‬وإن كان القول أد ّ‬
‫لما يأتي‪ ،‬وقيل ل لطول زمنه فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم‬
‫امتناعه والبيان بالقول كقوله تعالى‪} :‬صفراء فاقع لونها{ بيان لقوله بقرة وبالفعل كخبر‪» :‬صلوا‬
‫كما رأيتموني أصلي«‪ .‬ففعله بيان لقوله تعالى‪} :‬أقيموا الصلة{ وقوله‪ :‬صلوا الخ‪ .‬ليس بيانا‪ ،‬وإنما‬
‫دل على أن الفعل بيان ومن الفعل التقرير والشارة والكتابة‪ ،‬وقد قال صاحب الواضح من الحنفية‬
‫في الخيرين‪ :‬ل أعلم خلفا في أن البيان يقع بهما‪) .‬و( الصح أن )المظنون يبين المعلوم(‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ل لنه دونه فكيف يبينه‪ .‬قلنا‪ :‬لوضوحه‪) .‬و( الصح أن )المتقدم( وإن جهلنا عينه‪) .‬من القول‬
‫والفعل هو البيان(‪ :‬أي المبين والخر تأكيد له وإن كان دونه قّوة‪ ،‬وقيل إن كان كذلك فهو البيان‪،‬‬
‫لن الشيء ل يؤكد بما هو دونه‪ .‬قلنا‪ :‬هذا في التأكيد بغير المستقل أما بالمستقل فل‪ ،‬أل ترى أن‬
‫الجملة تؤكد بجملة دونها‪) .‬هذا إن اتفقا(‪ :‬أي القول والفعل في البيان كأن طاف صلى ال عليه وسّلم‬
‫بعد نزول آية الحج المشتملة على الطواف طوافا واحدا أو أمر بطواف واحد‪) .‬وإل( بأن زاد الفعل‬
‫على مقتضى القول‪ ،‬كأن طاف صلى ال عليه وسّلم بعد نزول آية الحج طوافين‪ ،‬وأمر بواحد‪ ،‬أو‬
‫بأن نقص الفعل عن مقتضى القول كأن طاف واحدا وأمر باثنين‪) .‬فالقول(‪ :‬أي فالبيان القول لنه‬
‫يدل عليه بنفسه والفعل يدل عليه بواسطة القول )وفعله مندوب أو واجب( في حقه دون أمته وإن‬
‫زاد على مقتضى قوله‪) :‬أو تخفيف(في حقه أن نقص عنه سواء أكان القول‬

‫متقدما على الفعل أو متأخرا عنه جمعا بين الدليلين‪ ،‬وقيل البيان المتقدم منهما كما لو اتفقا‪ ،‬فإن كان‬
‫المتقدم القول فحكم الفعل ما مر أو الفعل‪ ،‬فالقول ناسخ للزائد منه وطالب لما زاده عليه‪ .‬قلت‪ :‬عدم‬
‫النسخ بما قلناه أولى‪ ،‬والقول أقوى دللة وذكر التخفيف من زيادتي‪.‬‬
‫)مسألة‪ :‬تأخير البيان(‪ :‬لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره بقرينة ما يأتي‪) .‬عن وقت الفعل غير واقع‬
‫وإن جاز( وقوعه عند أئمتنا المجّوزين تكليف ما ل يطاق‪) .‬و( تأخيره عن وقت الخطاب )إلى‬
‫ح سواء أكان للمبين( ببنائه للمفعول‪) .‬ظاهر( وهو غير‬ ‫وقته(‪ :‬أي الفعل جائز )واقع في الص ّ‬
‫ل على حكم يبين نسخه أم ل‪ .‬وهو المجمل‬ ‫المجمل كعام يبين تخصيصه ومطلق يبين مقيده ودا ّ‬
‫ل‪ ،‬وقيل يمتنع تأخيره مطلقا‬ ‫ل ومتواطىء يبين أحد ما صدقاته مث ً‬ ‫المشترك يبين أحد معنييه مث ً‬
‫لخلله بفهم المراد عند الخطاب‪ ،‬وقيل يمتنع فيما له ظاهر ليقاعه المخاطب في فهم غير المراد‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بخلفه في المجمل‪ ،‬وقيل يمتنع تأخير البيان الجمالي دون التفصيلي فيما هو ظاهر مثل هذا العام‬
‫مخصوص‪ ،‬وهذا المطلق مقيد‪ ،‬وهذا الحكم منسوخ لوجود المحذور قبله بخلف المجمل‪ ،‬فيجوز‬
‫تأخير بيانه الجمالي كالتفصيلي‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫ومما يدل على الوقوع آية }واعلموا أنما غنمتم من شيء{ فإنها عامة فيما يغنم مخصوصة عموما‬
‫ل له عليه بينة فله سلبه«‪ .‬وبل عموم بخبرهما أنه صلى ال عليه‬ ‫بخبر الصحيحين‪» :‬من قتل قتي ً‬
‫وسّلم قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح‪ ،‬وآية‪} :‬إن ال يأمركم أن تذبحوا بقرة{‬
‫فإنها مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم‪) .‬و( يجوز )للرسول( صلى ال عليه وسّلم )تأخير‬
‫التبليغ(‪ :‬لما أوحي إليه من قرآن أو غيره‪) .‬إلى الوقت(‪ :‬أي وقت العمل ولو على القول بامتناع‬
‫تأخير البيان عن وقت الخطاب لنتفاء المحذور السابق عنه‪ ،‬ولن وجوب معرفته إنما هو للعمل‬
‫ول حاجة له قبل العمل‪ ،‬وقيل ل يجوز على القول بذلك لقوله تعالى‪} :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل‬
‫إليك{ أي فورا لن وجوب التبليغ معلوم بالعقل فل فائدة للمر به إلى إل الفور‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم أن‬
‫وجوبه معلوم بالعقل بل بالشرع ولو سلم‪ .‬قلنا‪ :‬ففائدته تأيد العقل بالنقل‪) .‬ويجوز أن ل يعلم( المكلف‬
‫)الموجود( عند وجود المخصص )بالمخصص( بكسر الصاد‪) .‬ول بأنه مخصص(‪ :‬أي يجوز أن ل‬
‫يعلم قبل وقت العمل بذات المخصص ول بوصف أنه مخصص مع علمه بذاته كأن يكون‬
‫المخصص العقل بأن ل يسبب ال العلم بذلك‪) .‬ولو على المنع( أي على القول بامتناع تأخير البيان‪،‬‬
‫وقيل ل يجوز على القول بذلك في المخصص السمعي لما فيه من تأخير إعلمه بالبيان‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫المحذور إنما هو تأخير البيان وهو منتف هنا وعدم علم المكلف بالمخصص بأن لم يبحث عنه‬
‫تقصير منه‪ ،‬أما العقلي فاتفقوا على جواز أن يسمع ال المكلف العام من غير أن يعلمه بذات العقل‬
‫بأن فقد ما يخصصه وكول إلى نظره‪ ،‬وقد وقع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إل‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم طلبت ميراثها مما تركه أبوها لعموم قوله‬ ‫بعد حين منهم فاطمة بنت النب ّ‬
‫تعالى‪} :‬يوصيكم ال في أولدكم{ فاحتج عليها أبو بكر رضي ال عنه بما رواه لها من خبر‬
‫الصحيحين‪» :‬ل نورث ما‬

‫تركناه صدقة«‪ .‬وبما تقرر علم أن قولي ولو على المنع راجع إلى المسألتين‪.‬‬

‫النسخ‬
‫ل أي‪ :‬أزالته والنقل مع بقاء الول كنسخت الكتاب أي نقلته‬ ‫لغة الزالة كنسخت الشمس الظ ّ‬
‫واصطلحا‪) .‬رفع( تعلق )حكم شرعي( بفعل )بدليل شرعي(‪ ،‬والقول بأنه بيان لنتهاء أمد حكم‬
‫شرعي يرجع إلى ذلك فل خلف في المعنى‪ ،‬وإن فرق بينهما بأنه في الول زال به‪ ،‬وفي الثاني‬
‫زال عنده وما فرق به من أن الول يشمل النسخ قبل التمكن دون الثاني مردود كما بينته مع زيادة‬
‫في الحاشية‪ .‬قال البرماوي‪ :‬فإن قلت‪ :‬سيأتي أن من أقسام النسخ ما ينسخ لفظه دون حكمه ول رفع‬
‫فيه لحكم‪ .‬قلت‪ :‬رفع اللفظ يتضمن رفع أحكام كثيرة كتعبد بتلوته وإجراء حكم القرآن عليه من منع‬
‫س المحدث وحمله له وغير ذلك‪ ،‬وخرج بالشرعي أي المأخوذ من‬ ‫الجنب ونحوه من قراءته‪ ،‬وم ّ‬
‫الشرع رفع البراءة الصلية أي المأخوذة من العقل‪ ،‬وبدليل شرعي الرفع بالموت والجنون والغفلة‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم كما سيأتي‪ .‬ومخالفة المجمعين‬ ‫والعقل والجماع‪ ،‬لنه إنما ينعقد بعد وفاة النب ّ‬
‫للنص تتضمن ناسخا له وهو مستند إجماعهم‪ ،‬وأما جعل المام الرازي رفع غسل الرجلين بالعقل‬
‫ل‪ ،‬وبه صّرح التفتازاني فهو‬‫ل وفع ً‬
‫عن قطعهما نسخا فتسمح وتعبيري بذلك يشمل الكتاب والسنة قو ً‬
‫أولى من قول الصل بخطاب لقصوره على القول‪ ،‬وشمل التعريف الباحة الصلية‪ ،‬فإنها عندنا‬
‫ثابتة بالشرع فرفعها يكون نسخا كما ذكره التفتازاني‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)ويجوز في الصح نسخ بعض القرآن( تلوة وحكما أو أحدهما دون الخر والثلثة واقعة‪ .‬روى‬
‫مسلم عن عائشة رضي ال عنها‪» :‬كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس‬
‫معلومات«‪ .‬فهذا منسوخ التلوة والحكم‪ .‬وروى الشافعي وغيره عن عمر رضي ال عنه‪» :‬لول أن‬
‫تقول الناس زاد عمر في كتاب ال لكتبتها الشيخ والشيخة«‪ .‬أي المحصنان‪» .‬إذا زنيا فارجموهما‬
‫ألبتة فإنا قد قرأناها«‪ .‬فهذا منسوخ التلوة دون الحكم لمره صلى ال عليه وسّلم برجم المحصن‬
‫رواه الشيخان‪ .‬وعكسه كثير كقوله تعالى‪} :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية{ إلى آخره‬
‫نسخ قوله‪} :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن{ إلى آخره لتأخره في النزول عن الول‬
‫وإن تقدمه في التلوة‪ ،‬وقيل ل يجوز نسخ بعضه كما ل يجوز نسخ كله وقيل ل يجوز نسخ التلوة‬
‫دون الحكم وعكسه‪ ،‬لن الحكم مدلول اللفظ‪ ،‬فإذا قّدر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الخر‪ ،‬قلنا‪ :‬إنما يلزم‬
‫إذا روعي وصف الدللة وما نحن فيه لم يراع فيه ذلك‪.‬‬

‫)و( يجوز في الصح نسخ )الفعل قبل التمكن( منه بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما‬
‫يسعه‪ ،‬وقيل ل لعدم استقرار التكليف‪ ،‬قلنا‪ :‬يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به‪ ،‬وقد وقع‬
‫ذلك في قصة الذبيح فإن الخليل أمر بذبح ابنه عليهما الصلة والسلم لقوله تعالى حكاية عنه }يا‬
‫ي إني أرى في المنام أني أذبحك{ إلى آخره ثم نسخ ذبحه قبل التمكن منه بقوله‪} :‬وفديناه بذبح‬‫بن ّ‬
‫عظيم{ واحتمال كونه بعد التمكن خلف الظاهر من حال النبياء في امتثال المر من مبادرتهم إلى‬
‫فعل المأمور به‪.‬‬

‫ل بالسنة بقوله‬
‫)و( يجوز في الصح )نسخ السنة بالقرآن(‪ :‬كنسخ تخريم مباشرة الصائم أهله لي ً‬
‫ل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم{ وقيل ل يجوز نسخها به لقوله تعالى‪} :‬وأنزلنا إليك‬‫تعالى‪} :‬أح ّ‬
‫الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم{ جعله مبينا للقرآن فل يكون القرآن مبينا لسنته‪ .‬قلنا‪ :‬ل مانع لنهما‬
‫من عند ال قال تعالى‪} :‬وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى{ ويدل للجواز قوله تعالى‪:‬‬
‫}ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء{ )كهو( أي كما يجوز نسخ القرآن )به( جزما كما مّر التمثيل‬
‫له بايتي عّدة الوفاة وتعبيري بذلك أولى مما عبر به ليهامه أن الخلف جار في النسخ بالقرآن‬
‫لقرآن‪ ،‬وليس كذلك عند من جّوز نسخ بعضه‪) .‬و( يجوز في الصح )نسخه( أي القرآن )بها( أي‬
‫بالسنة متواترة أو آحادا قال تعالى‪} :‬لتبين للناس ما نزل إليهم{ وقيل ل يجوز لقوله تعالى‪} :‬قل ما‬
‫يكون لي أن أبّدله من تلقاء نفسي{ والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه قلنا ممنوع‪ .‬وما ينطق عن‬
‫الهوى‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يجوز نسخ القرآن بالحاد لن القرآن مقطوع والحاد مظنون‪ .‬قلنا‪ :‬محل النسخ‬
‫الحكم ودللة للقرآن عليه ظنية‪) .‬و( لكن نسخ القرآن بالسنة )لم يقع إل بالمتواترة في الصح(‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬وقع بالحاد كنسخ خبر الترمذي وغيره‪» :‬ل وصية لوارث« لية }كتب عليكم إذا حضر‬
‫أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية{‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم عدم تواتر ذلك ونحوه للمجتهدين الحاكمين‬
‫بالنسخ لقربهم من زمن الوحي وسكت كالصل عن نسخ السنة بها للعلم به من نسخ القرآن به‪،‬‬
‫فيجوز نسخ المتواترة بمثلها والحاد بمثلها وبالمتواترة‪ ،‬وكذا المتواترة بالحاد على الصح كما مّر‬
‫من نسخ القرآن بالحاد‪) .‬وحيث وقع( نسخ القرآن )بالسنة فمعها قرآن عاضد لها( على النسخ يبين‬
‫توافقهما لتقوم الحجة على الناس بهما معا‪ ،‬ولئل يتوهم انفراد أحدهما عن الخر‪ ،‬إذ كل منهما من‬
‫عند ال‪) .‬أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة(‪ :‬ب ‪<1‬عاضدة له تبين توافقهما لما‬

‫مّر‪ ،‬كما في نسخ التوجه في الصلة إلى بيت المقدس الثابت بفعله صلى ال عليه وسّلم بقوله تعالى‪:‬‬
‫ل وجهك شطر المسجد الحرام{ وقد فعله صلى ال عليه وسّلم‪.‬‬ ‫}فو ّ‬

‫)و( يجوز في الصح )نسخ القياس( الموجود )في زمن النبي( صلى ال عليه وسّلم )بنص أو قياس‬
‫أجلي( من القياس المنسوخ به‪ ،‬فالول كأن يقول صلى ال عليه وسّلم‪» :‬الفاضلة في البّر حرام لنه‬
‫ل«‪ .‬والثاني كأن يأتي بعد القياس‬‫مطعوم«‪ .‬فيقاس به الرز‪ ،‬ثم يقول‪» :‬بيعوا الرز بالرز متفاض ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل‪ ،‬وقيل ل يجوز‬


‫ل فيقاس به بيع الرز بالرز متفاض ً‬
‫المذكور نص بجواز بيع الذرة بالذرة متفاض ً‬
‫نسخه لنه مستند إلى نص‬
‫فيدوم بدوامه‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم لزوم دوامه كما ل يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وخرج بالجلي‬
‫غيره‪ ،‬فل يكفي الدون لنتفاء المقاومة ول الساري لنتفاء المرجح‪ ،‬وقيل يكفيان كالجلي‪.‬‬

‫)و( يجوز في الصح )نسخ الفحوى(‪ :‬أي مفهوم الموافقة بقسميه الولى والمساوي )دون أصله( أي‬
‫المنطوق بقيد زدته بقولي‪) :‬إن تعرض لبقائه( أي بقاء أصله )وعكسه(‪ :‬أي أصل الفحوى دونه إن‬
‫تعرض لبقائه لنهما مدلولن متغايران فجاز فيهما ذلك كنسخ تحريم الضرب دون تحريم التأفيف‬
‫والعكس‪ ،‬وقيل ل فيهما لن الفحوى لزم لصله فل ينسخ أحدهما دون الخر لمنافاة ذلك اللزوم‬
‫بينهما‪ ،‬وقيل يمتنع الول لمتناع بقاء الملزوم مع نفي اللزم بخلف الثاني لجواز بقاء اللزم مع‬
‫نفي الملزوم‪ ،‬أما نسخهما معا فيجوز اتفاقا‪ ،‬فإن لم يتعرض للبقاء فعن الكثر المتناع بناء على أن‬
‫نسخ كل منهما يستلزم نسخ الخر‪ ،‬لن الفحوى لزم لصله وتابع له‪ ،‬ورفع اللزم يستلزم رفع‬
‫الملزوم‪ ،‬ورفع المتبوع يستلزم رفع التابع‪ ،‬وقيل ل يستلزم نسخ كل منهما ذلك‪ ،‬لن رفع التابع ل‬
‫يستلزم رفع الملزوم‪ ،‬ورفع المتبوع ل يستلزم رفع اللزم‪ ،‬وقيل نسخ الفحوى ل يستلزم بخلف‬
‫عكسه‪ ،‬وقيل عكسه لما عرف مما قبلهما وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به ليهامه التنافي‪ ،‬وقد‬
‫أوضحت لك مع الجواب عنه في الحاشية‪.‬‬
‫)و( يجوز في الصح )النسخ به( أي بالفحوى كأصله‪ ،‬وقيل ل بناء على أنه قياس وأن القياس ل‬
‫يكون ناسخا‪ ،‬وذكر الخلف في هذه من زيادتي‪) .‬ل نسخ النص بالقياس(‪ :‬فل يجوز في الصح‬
‫حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصل له في الجملة‪ ،‬وعلى هذا جمهور أصحابنا‪ .‬ونقله‬
‫ص‪ .‬وقال القاضي حسين‪ :‬إنه المذهب‪ ،‬وقيل وصححه الصل يجوز‬ ‫أبو إسحاق المروزي عن الن ّ‬
‫ي دون الخفي‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫لستناده إلى النص‪ ،‬فكأنه الناسخ‪ ،‬وقيل يجوز بالقياس الجل ّ‬

‫)ويجوز نسخ( مفهوم )المخالفة دون أصلها(‪ :‬كنسخ مفهوم خبر‪» :‬إنما الماء من الماء« بخبر‪» :‬إذا‬
‫التقى الختانان فقد وجب الغسل« )ل عكسه(‪ :‬أي ل نسخ الصل دونها‪ ،‬فل يجوز في الصح لنها‬
‫تابعة له فترتفع بارتفاعه ول يرتفع هو بارتفاعها‪ ،‬وقيل يجوز وتبعيتها له من حيث دللة اللفظ‬
‫عليها معه ل من حيث ذاته أما نسخهما معا فجائز اتفاقا‪ ،‬كنسخ وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في‬
‫المعلوفة‪ ،‬ويرجع المر فيها إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من تحريم الفعل‬
‫إن كان مضرة‪ ،‬أو إباحته إن كان منفعة‪ ،‬ويرجع في السائمة إلى ما مّر في مسألة‪ :‬إذا نسخ الوجوب‬
‫بقي الجواز‪) .‬ول( يجوز )النسخ بها( أي بالمخالفة )في الصح( لضعفها عن مقاومة النص‪ ،‬وقيل‬
‫يجوز كالمنطوق وذكر الخلف في هذه من زيادتي‪) .‬ويجوز نسخ النشاء( الذي الكلم فيه‪) .‬ولو(‬
‫كان )بلفظ قضاء(‪ .‬وقيل ل بناء على أن القضاء إنما يستعمل فيما ل يتغير نحو‪} :‬وقضى ربك أل‬
‫ن ثلثة قروء{ أي‬ ‫تعبدوا إل إياه{ أي أمر‪) .‬أو بصيغة خبر( نحو‪} :‬والمطلقات يتربصن بأنفسه ّ‬
‫ليتربصن نظرا للمعنى وقيل‪:‬ل يجوز نظرا للفظ‪) .‬أو قيد بتأبيد أو نحوه(‪ :‬كصوموا أبدا صوموا‬
‫حتما صوموا دائما‪ ،‬الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء‪ ،‬وقيل ل لمنافاة النسخ التقييد بذلك‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ل نسلم ويتبين بورود الناسخ أن المراد افعلوا إلى وجوده كما يقال‪ :‬لزم غريمك أبدا أي إلى‬
‫أن يعطي الحق‪.‬‬

‫)و( يجوز نسخ إيجاب )الخبار بشيء ولو مما ل يتغير بإيجاب الخبار بنقيضه(‪ :‬كأن يوجب‬
‫الخبار بقيام زيد ثم بعدم قيامه قبل الخبار بقيامه لجواز أن يتغير حاله من القيام إلى عدمه‪،‬‬
‫ومنعت المعتزلة ذلك فيما ل يتغير كحدوث العالم لنه تكليف بالكذب فينزه الباري عنه لقولهم‬
‫بالتقبيح العقلي‪ .‬قلنا‪ :‬ل نقول به وقد يدعو إلى الكذب غرض صحيح فل يكون التكليف به قبيحا بل‬
‫حسنا‪ ،‬كما لو طالبه ظالم بوديعة عنده أو بمظلوم خبأه عنده فيجب عليه إنكاره‪ ،‬ويجوز له الحلف‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عنه ويكفر عن يمينه‪ ،‬ولو أكره على الكذب وجب‪ ،‬والشارة إلى هذا الخلف بقولي ولو مما ل‬
‫يتغير من زيادتي‪) .‬ل( نسخ )الخبر( أي مدلوله فل يجوز )وإن كان مما يتغير(‪ :‬لنه يوهم الكذب‬
‫حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه‪ ،‬وذلك محال على ال تعالى‪ ،‬وقيل يجوز في المتغير إن كان خبرا‬
‫عن مستقبل بناء على القول بأن الكذب ل يكون في المستقبل لجواز المحو ل فيما يقّدره‪ .‬قال ال‬
‫تعالى‪} :‬يمحو ال ما يشاء ويثبت{ والخبار يتبعه بخلف الخبر عن ماض‪ ،‬وقيل يجوز فيه عن‬
‫الماضي أيضا لجواز أن يقول ال لبث نوح في قومه ألف سنة‪ ،‬ثم يقول لبث ألف سنة إل خمسين‬
‫عاما‪ ،‬وإلى الخلف أشرت بقولي‪ :‬وإن إلى آخره‪.‬‬

‫)ويجوز عندنا النسخ ببدل أثقل( كما يجوز بمساٍو وبأخف‪ .‬وقال بعض المعتزلة‪ :‬ل إذ ل مصلحة‬
‫في النتقال من سهل إلى عسر‪ .‬قلنا‪:‬ل نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة وقد وقع كنسخ وجوب‬
‫الكف عن الكفار الثابت بقوله تعالى‪} :‬ودع أذاهم{ بقوله‪ :‬اقتلوا المشركين‪) .‬و( يجوز عندنا النسخ‬
‫)بل بدل( وقال بعض المعتزلة‪ :‬ل إذ ل مصلحة في ذلك‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم ذلك بعدما ذكر‪) .‬و( لكنه )لم‬
‫يقع في الصح(‪ :‬وقيل وقع كنسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة النبي الثابت بقوله‪} :‬إذا ناجيتم‬
‫الرسول{ الية‪ .‬إذ ل بدل لوجوبه فيرجع المر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم‬
‫الفعل إن كان مضرة أو إباحته إن كان منفعة‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم أنه ل بدل للوجوب بل بدله الجواز‬
‫الصادق هنا بالباحة أو الندب وقولي عندنا من زيادتي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬النسخ( جائز‪) .‬واقع عند كل المسلمين(‪ .‬وخالفت اليهود غير العيسوية بعضهم في الجواز‪،‬‬
‫وبعضهم في الوقوع‪ ،‬واعترف بهما العيسوية وهم أصحاب أبي عيسى الصفهاني المعترفون ببعثة‬
‫نبينا عليه الصلة والسلم إلى بني إسماعيل خاصة وهم العرب‪) .‬وسماه أبو مسلم(‪ :‬الصفهاني من‬
‫المعتزلة )تخصيصا( وإن كان في الواقع نسخا لنه قصر للحكم على بعض الزمان فهو تخصيص‬
‫في الزمان‪ ،‬كالتخصيص في الشخاص حتى قيل‪ :‬إن هذا منه خلف في وقوع النسخ‪) .‬فالخلف(‬
‫في نفيه النسخ )لفظي(‪ :‬لن تسميته له تخصيصا يتضمن اعترافه به إذ ل يليق به إنكاره كيف‬
‫وشريعة نبينا مخالفة في كثير لشريعة من قبله فعنده ما كان مغبا في علم ال تعالى‪ ،‬فهو كالمغيا في‬
‫اللفظ‪ ،‬ويسمى الكل تخصيصا فيسّوي بين قوله تعالى‪} :‬وأتموا الصيام إلى الليل{ وبين‪ :‬صوموا‬
‫ل وعند غيره يسمى الول تخصيصا والثاني نسخا‪.‬‬ ‫مطلقا مع علمه تعالى بأنه سينزل ل تصوموا لي ً‬
‫)والمختار أن نسخ حكم أصل ل يبقى معه حكم فرعه( لنتفاء العلة التي ثبت بها بانتفاء حكم‬
‫الصل‪ ،‬وقالت الحنفية‪ :‬يبقى لن القياس مظهر له ل مثبت‪) .‬و( المختار )أن كل شرعي يقبل‬
‫النسخ(‪ :‬فيجوز نسخ كل التكاليف وبعضها حتى وجوب معرفة ال تعالى‪ ،‬ومنعت المعتزلة‬
‫والغزالي نسخ كل التكاليف لتوقف العلم به المقصود منه على معرفة النسخ والناسخ‪ ،‬وهي من‬
‫التكاليف ل يتأتى نسخها‪ .‬قلنا‪ :‬مسلم ذلك لكن بحصولها ينتهي التكليف بها فيصدق أنه لم يبق تكليف‬
‫فل خلف في المعنى‪ ،‬ومنعت المعتزلة أيضا نسخ وجوب معرفة ال تعالى‪ ،‬لنها عندهم حسنة‬
‫لذاتها ل تتغير بتغير الزمان فل يقبل حكمها النسخ‪ .‬قلنا‪ :‬الحسن الذاتي باطل كما مر‪.‬‬

‫)ولم يقع نسخ كل التكاليف ووجوب المعرفة(‪ :‬أي معرفة ال تعالى‪) .‬إجماعا( فعلم أن الخلف‬
‫السابق إنما هو في الجواز أي العقلي )و( المختار )أن الناسخ قبل تبليغ النبي( صلى ال عليه وسّلم‪.‬‬
‫)المة( له وبعد بلوغه لجبريل )ل يثبت( حكمه )في حقهم(‪ :‬لعدم علمهم به‪ ،‬وقيل يثبت بمعنى‬
‫استقراره في الذمة ل بمعنى المتثال كما في النائم‪ ،‬أما بعد التبليغ فيثبت في حق من بلغه وكذا من‬
‫لم يبلغه إن تمكن من علمه‪ ،‬وإل فعلى الخلف‪) .‬و( المختار وهو ما عليه الجمهور )أن زيادة جزء‬
‫أو شرط أو صفة على النص(‪ :‬كزيادة ركعة أو ركوع أو غسل ساق أو عضد في الوضوء أو إيمان‬
‫في رقبة الكفارة أو جلدات في جلد حّد‪) .‬ليست بنسخ( للمزيد عليه‪ ،‬وقالت الحنفية‪ :‬إنها نسخ ومثار‬
‫الخلف أنها هل رفعت حكما شرعيا‪ ،‬فعندنا ل‪ ،‬وعندهم نعم‪ .‬نظرا إلى أن المر بما دونها اقتضى‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫تركها فهي رافعة لذلك المقتضى‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم اقتضاء تركها بل المقتضى له غيره‪ ،‬وبنوا على ذلك‬
‫أنه ل يعمل بأخبار الحاد في زيادتها على القرآن كزيادة التغريب على الجلد الثابتة بخبر‬
‫الصحيحين‪» :‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام« بناء على أن المتواتر ل ينسخ بالحاد‪) .‬وكذا‬
‫نقصه(‪ :‬أي نقص جزء أو شرط أو صفة من مقتضى النص كنقص ركعة أو وضوء أو اليمان في‬
‫رقبة الكفارة‪ ،‬فقيل إنه نسخ لها إلى الناقص لجوازه أو وجوبه بعد تحريمه‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬ل‪.‬‬
‫والنسخ إنما هو للجزء أو الشرط أو الصفة فقط‪ ،‬لنه الذي يترك وقبل نقص الجزء نسخ بخلف‬
‫نقص الشرط والصفة والتصريح بذكرها من زيادتي‪ ،‬وبما تقرر علم أنه ل فرق في ذلك بين العبادة‬
‫ل الجزء والشرط والصفة غيرها كعبادة مستقلة‪ ،‬سواء أكانت مجانسة‬ ‫وغيرها‪ ،‬وخرج بزيادتي أو ً‬
‫كصلة سادسة أمل‪ .‬كزيادة الزكاة على الصلة فليست نسخا في الثانية إجماعا ول في الولى عند‬
‫الجمهور‪.‬‬

‫)خاتمة(‪ :‬للنسخ يعلم بها الناسخ من المنسوخ )يتعين الناسخ( لشيء )بتأخره( عنه )ويعلم( تأخره‬
‫)بالجماع(‪ :‬على أنه متأخر عنه أو أنه ناسخ له )وقول النبي( صلى ال عليه وسّلم‪) :‬هذا ناسخ(‬
‫لذاك )أو( هذا ) بعد ذاك( أو سابق عليه )أو كنت نهيتـ(ـكم )عن كذا فافعلوه أو نصه على خلف‬
‫النص الول(‪ :‬أي أن يذكر الشيء على خلف ما ذكره فيه أّول )أو قول الراوي هذا متأخر( عن‬
‫ذاك أو سابق عليه‪ ،‬وهو الذي ذكره الصل‪ ،‬فيكون ذاك فيه متأخرا )ل بموافقة أحد النصين‬
‫للصل(‪ :‬أي البراءة الصلية فل يعلم التأخر بها في الصح‪ ،‬وقيل يعلم لن الصل مخالفة الشرع‬
‫لها‪ ،‬فيكون المخالف سابقا على الموافق‪ .‬قلنا‪ :‬مسلم لكنه ليس بلزم لجواز العكس )و( ل )ثبوت‬
‫إحدى آيتين في المصحف(‪ :‬بعد الخرى‪ ،‬فل يعلم التأخرية في الصح‪ ،‬وقيل يعلم لن الصل‬
‫موافقة الوضع للنزول‪ .‬قلنا‪ :‬لكنه غير لزم لجواز المخالفة كما مر في آيتي عدة الوفاة‪) .‬و( ل‬
‫)تأخر إسلم الراوي(‪ :‬لمرويه عن إسلم الراوي للخر فل يعلم التأخر به في الصح‪ ،‬لجواز أن‬
‫يسمع متقّدم السلم بعد متأخره‪ ،‬وقيل يعلم لنه الظاهر‪ .‬قلنا‪ :‬لكنه بتقدير تسليمه غير لزم لجواز‬
‫العكس كما مر‪) .‬و( ل )قوله( أي الراوي‪) :‬هذا ناسخ( فل يكون ناسخا )في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬يكون‬
‫وعليه المحّدثون لنه لعدالته ل يقول ذلك إل إذا ثبت عنده‪ .‬قلنا‪ :‬ثبوته عنده يجوز أن يكون باجتهاد‬
‫ل يوافق عليه‪) .‬ل( بقوله هذا )الناسخ(‪ :‬لما علم أنه منسوخ وجهل ناسخه فيعلم به أنه ناسخ له‬
‫لضعف احتمال كونه حينئذ عن اجتهاد‪.‬‬

‫الكتاب الثاني في السنة‬

‫)وهي أقوال النبي( صلى ال عليه وسّلم )وأفعاله(‪ :‬ومنها تقريره لنه كف عن النكار والكف فعل‬
‫كما مر‪ ،‬وتقدمت مباحث القوال التي تشرك فيها السنة الكتاب‪ ،‬من المر والنهي وغيرهما‪،‬‬
‫والكلم هنا في غير ذلك ولتوقف حجية السنة على عصمة النبي بدأت كالصل بها مع عصمة سائر‬
‫النبياء زيادة للفائدة فقلت‪) :‬النبياء( عليهم الصلة والسلم )معصومون حتى عن صغيرة سهوا(‬
‫فل يصدر عنهم ذنب ل كبيرة ول صغيرة ل عمدا ول سهوا‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬يشكل بأنه صلى ال عليه وسّلم سها في صلته حيث نسي فصلى الظهر خمسا وسلم في‬
‫الظهر أو العصر عن ركعتين وتكلم‪ .‬قلت‪ :‬ل إشكال على قول الكثر التي‪ ،‬ويدل له خبر البخاري‪:‬‬
‫»إني أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني« وأما على القول المذكور‪ ،‬فيجاب عنه بأن المنع من‬
‫السهو معناه المنع من استدامته ل من ابتدائه‪ ،‬وبأن محله في القول مطلقا‪ .‬وفي الفعل إذا لم يترتب‬
‫عليه حكم شرعي بدليل الخبر المذكور‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسّلم بعث لبيان الشرعيات‪ ،‬ثم رأيت‬
‫القاضي عياضا ذكر حاصل ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن السهو في الفعل في حقه صلى ال عليه وسّلم غير‬
‫مضاّد للمعجزة ول قادح في التصديق‪ ،‬والكثر على جواز صدور الصغيرة عنهم سهوا‪ ،‬إل الدالة‬
‫على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بتمرة‪ ،‬وينبهون عليها لو صدرت‪ ،‬وإذا تقرر أن نبينا معصوم‬
‫كغيره من النبياء‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)فل يقر نبينا( محمد صلى ال عليه وسّلم )أحدا على باطن فسكوته ولو غير مستبشر على الفعل‬
‫مطلقا(‪ :‬بأن علم به في الصح وقيل إل فعل من يغريه النكار بناء على سقوط النكار عليه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إل الكافر بناء على أنه غير مكلف بالفروع‪ ،‬وقيل إل الكافر غير المنافق‪) .‬دليل الجواز للفاعل(‬
‫بمعنى الذن له فيه‪ ،‬لن سكوته صلى ال عليه وسّلم على الفعل تقرير له‪) .‬ولغيره في الصح(‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل لن السكوت ليس بخطاب حتى يعّم‪ .‬قلنا‪ :‬هو كالخطاب فيعم‪) .‬وفعله( صلى ال عليه وسّلم‬
‫)غير مكروه( بالمعنى الشامل للمحرم ولخلف الولى لعصمته‪ ،‬ولقلة وقوع المكروه وخلف‬
‫الولى من التقى من أمته‪ ،‬فكيف يقع منه ول ينافيه وقوع المكروه لنا منه بيانا لجوازه‪ ،‬لنه ليس‬
‫مكروها حينئذ‪ ،‬بل واجب‪) .‬وما كان( من أفعاله )جبليا(‪ :‬أي واقعا بجهة جبلة البشر أي خلقتهم‬
‫كقيامه وقعوده وأكله وشربه‪) .‬أو مترددا( بين الجبلي والشرعي كحجه راكبا وجلسته للستراحة‪.‬‬
‫)أو بيانا(‪ :‬كقطعة السارق من الكوع بيانا لمحل القطع في آية السرقة )أو مخصصا به(‪ :‬كزيادته في‬
‫النكاح على أربع نسوة )فواضح(‪ :‬أن الرابع لسنا متعبدين به على الوجه الذي تعبد هو به وأن غيره‬
‫دليل في حقنا‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسّلم بعث لبيان الشرعيات فيباح لنا في الول‪ ،‬وقيل يندب‬
‫ويندب في الثاني‪ ،‬وقيل يباح ويندب أو يجب أو يباح بحسب المبين في الثالث‪) .‬وما سواه(‪ :‬أي‬
‫سوى ما ذكر في فعله‪) .‬إن علمت صفته( من وجوب أو ندب أو إباحة )فأمته مثله( في ذلك‪) .‬في‬
‫الصح(‪ :‬عبادة كان أول‪ .‬وقيل مثله في العبادة فقط‪ ،‬وقيل ل مطلقا بل كمجهول الصفة وسيأتي‪.‬‬
‫)وتعلم( صفة فعله أي من حيث هو ل بقيد كونه سوى ما ذكر‪ ،‬فل يشكل بذكر البيان هنا مع ذكره‬
‫ل‪) .‬وتسوية بمعلوم الجهة(‪ :‬كقوله هذا الفعل مساٍو لكذا في‬ ‫قبل‪) .‬بنص( عليها كقوله‪ :‬هذا واجب مث ً‬
‫حكمه وقد علمت جهته‪) .‬ووقوعه بيانا أو امتثالً لدال على وجوب أو ندب أو إباحة(‪ :‬فيكون حكمه‬

‫حكم المبين أو الممتثل‪) .‬ويخص الوجوب( عن غيره )أمارته كالصلة بأذان(‪ :‬لنه ثبت باستقراء‬
‫الشريعة أن ما يؤذن لها واجبة بخلف غيرها‪ ،‬كصلة العيد والخسوف‪) .‬وكونه( أي الفعل‬
‫)ممنوعا( منه‪) ،‬لو لم يجب كالحّد(‪ ،‬والختان إذ كل منهما عقوبة وقد يتخلف الوجوب عن هذه‬
‫المارة لدليل كما في سجودي السهو والتلوة في الصلة )و( يخص )الندب( عن غيره )مجرد‬
‫قصد القربة(‪ :‬بأن تدل قرينة على قصدها بذلك الفعل مجردا عن قيد الوجوب‪ ،‬والفعل المجرد‬
‫قصدها كما صرح به الصل كثير من صلة وصوم وقراءة ونحوها من التطوعات )وإن جهلت(‬
‫صفته‪) ،‬فللوجوب في الصح( في حقه وحقنا‪ ،‬لنه الحوط‪ ،‬وقيل للندب لنه المتحقق بعد الطلب‪،‬‬
‫وقيل للباحة لن الصل عدم الطلب‪ ،‬وقيل بالوقف في الكل لتعارض الدلة‪ ،‬وقيل في الولين فقط‬
‫مطلقا‪ ،‬لنهما الغالب من فعل النبي‪ ،‬وقيل فيهما إن ظهر قصد القربة‪ ،‬وإل فللباحة‪ .‬وسواء على‬
‫غير هذا القول أظهر قصد القربة أم ل‪ .‬ومجامعة القربة للباحة بأن يقصد بفعل المباح بيان الجواز‬
‫للمة فيثاب على هذا القصد‪.‬‬

‫)وإذا تعارض الفعل والقول( أي تخالفا بتخالف مقتضيهما )ودل دليل على تكرر مقتضاه( أي‬
‫ي صوم عاشوراء في كل‬ ‫القول‪) .‬فإن اختص( القول )به( صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬كأن قال‪ :‬يجب عل ّ‬
‫سنة‪ ،‬وأفطر في سنة بعد القول أو قبله‪) .‬فالمتأخر( من الفعل‪ ،‬والقول بأن علم )ناسخ( للمتقدم منهما‬
‫في حقه‪ ،‬فإن لم يدل دليل على تكرر ما ذكر في هذا القسم وقسيميه الثنين‪ ،‬فل نسخ لكن في تأخر‬
‫الفعل ل في تقدمه لدللته على الجواز المستمّر‪) .‬فإن جهل( المتأخر منهما‪) .‬فالوقف( عن ترجيح‬
‫أحدهما على الخر في حقه إلى تبين التاريخ )في الصح( لستوائهما في احتمال تقدم كل منهما‬
‫على الخر‪ ،‬وقيل يرجح القول‪ ،‬وعزى إلى الجمهور لنه أقوى دللة من الفعل لوضعه لها‪ .‬والفعل‬
‫إنما يدل بقرينة لن له محامل‪ ،‬وقيل يرجح الفعل لنه أقوى بيانا بدليل أنه يبين به القول‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫البيان بالقول أكثر‪ ،‬ولو سلم تساويهما‪ ،‬لكن البيان بالقول أقوى دللة كما مر‪ ،‬ولنه ل يختص‬
‫بالموجود المحسوس‪ ،‬ولن دللته متفق عليها بخلف الفعل في ذلك‪) .‬ول تعارض( في حقنا حيث‬
‫ص( القول )بنا(‪ :‬كأن قال‪ :‬يجب‬ ‫دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول لنا‪) .‬وإن اخت ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما مّر‪) .‬فل تعارض فيه(‪ :‬أي في حقه صلى ال عليه وسّلم بين‬
‫ل دليل على‬ ‫الفعل والقول لعدم تناوله له‪) .‬وفينا المتأخر( منهما بأن علم )ناسخ( للمتقدم‪) .‬إن د ّ‬
‫تأسينا( به في الفعل )فإن جهل( المتأخر )عمل بالقول في الصح(‪ :‬وقيل بالفعل‪ ،‬وقيل الوقف لما‬
‫مّر‪ ،‬وإنما اختلف التصحيح في المسألتين لنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم بحكمه لنعمل به بخلف‬
‫ما يتعلق به‪ ،‬إذ ل ضرورة إلى الترجيح فيه‪ ،‬فإن لم يدل دليل على تأسينا به في الفعل فل تعارض‬
‫ي وعليكم صوم‬ ‫في حقنا لعدم ثبوت حكم الفعل في حقنا‪) .‬وإن عمنا وعمه( القول كأن قال‪ :‬يجب عل ّ‬
‫عاشوراء إلى آخر ما مّر‪) .‬فحكمهما( أي الفعل والقول‪) .‬كما مّر( من أن المتأخر منهما إن‬

‫ل دليل على تأسينا به في الفعل‪ ،‬وإل فل تعارض في‬ ‫علم ناسخ للمتقدم في حقه‪ ،‬وكذا في حقنا إن د ّ‬
‫حقنا‪ ،‬وإن جهل المتأخر فالصح في حقه الوقف‪ ،‬وفي حقنا تقدم القول‪) .‬إل أن يكون( القول )العام‬
‫ظاهرا فيه( صلى ال عليه وسّلم ل نصا‪ ،‬كأن قال‪ :‬يجب على كل مكلف صوم عاشوراء إلى آخر‬
‫ما مّر‪) .‬فالفعل مخصص( للقول في حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك‪ ،‬ول نسخ لن‬
‫التخصيص أهون منه لما فيه من إعمال الدليلين بخلف النسخ‪ ،‬نعم لو تأخر الفعل عن العمل‬
‫بمقتضى القول فهو ناسخ كما مّر آخر التخصيص‪ ،‬ولو لم يكن القول ظاهرا في الخصوص ول في‬
‫العموم‪ ،‬كأن قال‪ :‬صوم عاشوراء واجب في كل سنة‪ ،‬فالظاهر أنه كالعام لن الصل عدم‬
‫الخصوص‪ ،‬أما تعارض القولين فسيأتي في التعادل والترجيح‪ ،‬وأما الفعلن فل يتعارضان كما‬
‫جزم به ابن الحاجب وغيره لجاز أن يكون الفعل في ووقت واجبا وفي آخر بخلفه‪ ،‬لن الفعال ل‬
‫عموم لها‪.‬‬

‫الكلم في الخبار‬

‫بفتح الهمزة جمع خبر وهو يطلق على صيغته وعلى معناها‪ ،‬وهو المعنى القائم بالنفس‪ ،‬ولما كان‬
‫الخبر مما يصدق به المركب بدأت كالصل به تكثيرا للفائدة فقلت‪) :‬المركب( من اللفظ )إما‬
‫مهمل(‪ :‬بأن ل يكون له معنى‪) .‬وليس موضوعا( اتفاقا‪) ،‬وهو موجود في الصح(‪ ،‬كمدلول لفظ‬
‫الهذيان فإنه لفظ مركب مهمل كضرب من الهوس أو غيره مما ل يقصد به الدللة على شيء‪ ،‬ونفاه‬
‫ل‪ :‬إن التركيب إنما يصار إليه للفادة‪ ،‬فحيث انتفت انتفى فمرجع خلفه إلى أن‬ ‫المام الرازي قائ ً‬
‫مثل ما ذكر ل يسمى مركبا‪) .‬أو مستعمل(‪ ،‬بأن يكون له معنى )والمختار أنه موضوع(‪ :‬أي‬
‫بالنوع‪ ،‬وقيل‪ :‬ل‪ .‬والموضوع مفرداته والمركب المستعمل المفيد يعبر عنه بالكلم‪) .‬والكلم‬
‫اللساني لفظ تضمن إسنادا مفيدا مقصودا لذاته(‪ :‬فخرج الخط والرمز والعقد والشارة والنصب‬
‫والمفرد كزيد وغير المفيد كالنار حاّرة‪ ،‬وتكلم رجل ورجل يتكلم‪ ،‬وغير المقصود كالصادر من‬
‫نائم‪ ،‬والمقصود لغيره كصلة الموصول نحو‪ :‬جاء الذي قام أبوه‪ ،‬فإنها مفيدة بالضم إليه مع ما معه‬
‫مقصودة ليضاح معناه )و( الكلم )النفساني معنى في النفس(‪ :‬أي قام بها‪) .‬يعبر عنه باللساني(‪:‬‬
‫أي بما صدقاته‪ ،‬وهذا من زيادتي‪) .‬والصح عندنا أنه(‪ :‬أي الكلم )مشترك( بين اللساني‬
‫والنفساني‪ ،‬لن الصل في الطلق الحقيقة‪ .‬قال المام الرازي‪ :‬وعليه المحققون منا‪ .‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫حقيقة في النفساني مجاز في اللساني‪ ،‬واختاره الصل قال الخطل‪:‬‬
‫ن الكلم لفي الفؤاد وإنما‬
‫إّ‬
‫جعل اللسان على الفؤاد دليل‬

‫وقالت المعتزلة‪ :‬إنه حقيقة في اللساني لتبادره إلى الذهان دون النفساني الذي أثبته الشاعرة دون‬
‫المعتزلة‪ .‬ويجاب عما قاله الخطل بأن مراده الكلم الصلي‪ ،‬فالكلم اللساني ليس أصليا‪ ،‬وإن كان‬
‫ل على الصل‪ ،‬وعما قاله المعتزلة بأن تبادر الشيء وإن كان علمة للحقيقة ل بمنع‬ ‫حقيقة‪ ،‬ودلي ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا‪ ،‬لن العلمة ل يشترط فيها النعكاس‪ ،‬والنفساني منسوب إلى‬
‫النفس بزيادة ألف ونون للدللة على العظمة‪ ،‬كما في قولهم‪ :‬شعراني لعظيم الشعر‪.‬‬

‫)والصولي إنما يتكلم فيه( أي في اللساني لن بحثه فيه ل في المعنى النفسي‪) .‬فإن أفاد(‪ :‬أي ما‬
‫صدق اللساني )بالوضع طلبا فطلب ذكر الماهية(‪ :‬أي فاللفظ المفيد لطلب ذكرها أي ذاتا أو صفة‪.‬‬
‫)استفهام( نحو‪ :‬ما هذا ومن ذا أزيد أم عمرو‪) .‬و( طلب )تحصيلها أو تحصيل الكف عنها(‪ :‬أي‬
‫اللفظ المفيد لذلك‪) .‬أمر ونهي( نحو‪ :‬قم ول تقم )ولو( كان تحصيل ذلك طلب )من ملتمس( أي‬
‫مساٍو لمطلوب منه رتبة‪) .‬وسائل(أي دون المطلوب منه رتبة فإن اللفظ المفيد لذلك منهما يسمى‬
‫ل وإلى الخلف أشرت بقولي ولو‬ ‫أمرا ونهيا‪ ،‬وقيل ل بل يسمى من الول التماسا‪ ،‬ومن الثاني سؤا ً‬
‫إلى آخره‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يفد بالوضع طلبا‪) .‬فما ل يحتمل( منه )صدقا وكذبا( في مدلوله )تنبيه‬
‫وإنشاء(‪ :‬أي يسمى بكل منهما سواء أفاد طلبا باللزم كالتمني والترجي نحو‪ :‬ليت الشباب يعود لع ّ‬
‫ل‬
‫ال يعفو عني أم لم يفد طلبا نحو‪ :‬أنت طالق‪) .‬ومحتملهما(‪ :‬أي الصدق والكذب من حيث هو‬
‫)خبر(‪ .‬وقد يقطع بصدقه أو كذبه لمور خارجة عنه كما سيأتي‪ ،‬وأبى قوم كما قاله الصل تعريف‬
‫ل منها ضروري فل حاجة إلى تعريفه‪،‬‬ ‫الخبر كما أبوا تعريف العلم والوجود والعدم‪ .‬قيل‪ :‬لن ك ً‬
‫وقيل لعسر تعريفه‪) .‬وقد يقال( هو للبيانيين‪) .‬النشاء ما(‪ :‬أي كلم )يحصل به مدلوله في الخارج(‬
‫كأنت طالق‪ .‬وقم ول تقم‪ ،‬فإن مدلولها من إيقاع الطلق وطلب القيام وعدمه يحصل به ل بغيره‪،‬‬
‫فالنشاء بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الول لشموله الطلب بأقسامه السابقة بخلفه بالمعنى الول‪،‬‬
‫فإنه قسيم للطلب بالوضع وللخبر فل يشمل الستفهام والمر والنهي‪) .‬والخبر خلفه(‪ :‬أي ما‬
‫يحصل بغيره مدلوله في الخارج بأن يكون له خارج صدق أو كذب نحو‪ :‬قام زيد فإن مدلوله أي‬
‫مضمونه من قيام زيد يحصل بغيره‪ ،‬وهو محتمل لن يكون واقعا في الخارج فيكون هو صدقا‬
‫وغير واقع فيكون هو كذبا‪) .‬ول مخرج له(‪ :‬أي للخبر من حيث مضمونه )عن الصدق والكذب‬
‫لنه إما مطابق للخارج(‪.‬‬

‫ل( فالكذب )فل واسطة( بينهما )في الصح( وقيل بها‪ .‬وفي القول بها أقوال منها قول‬ ‫فالصدق )أو ً‬
‫عمرو بن بحر الجاحظ‪ :‬الخبر إن طابق الخارج مع اعتقاد المخبر المطابقة فصدق أو لم يطابقه مع‬
‫اعتقاد عدمها فكذب‪ ،‬وما سواهما واسطة بينهما وهو أربعة أن ينتفي اعتقاده المطابقة في المطابق‬
‫بأن يعتقد عدمها أو لم يعتقد شيئا‪ ،‬وأن ينتفي اعتقاده عدمها في غير المطابق بأن يعتقدها أو لم يعتقد‬
‫شيئا‪.‬‬
‫)ومدلول الخبر( في الثبات أي‪ :‬مدلول ما صدقه )ثبوت النسبة( في الخارج كقيام زيد في قام زيد‪،‬‬
‫وهذا ما رجحه السعد التفتازاني ورّد ما عداه‪) .‬إل الحكم بها(‪ .‬وقيل‪ :‬هو الحكم بها ورجحه الصل‬
‫وفاقا للمام الرازي مع مخالفته له في الكتاب الول‪ ،‬حيث جعل ثم مدلول اللفظ المعنى الخارجي‬
‫دون المعنى الذهني خلفا للمام‪ ،‬إل أن يقال ما ذكر ثّم في غير لفظ الخبر ونحوه ويقاس بالخبر‬
‫في الثبات الخبر في النفي‪ ،‬فيقال مدلوله انتفاء النسبة ل الحكم به‪ ،‬ثم ما ذكر ل ينافي ما حققه‬
‫المحققون من أن مدلول الخبر أي ما صدقه هو الصدق والكذب إنما هو احتمال عقلي‪) .‬ومورد‬
‫الصدق والكذب( في الخبر )النسبة التي تضمنها فقط(‪ :‬أي دون غيرها‪) .‬كقيام زيد في قام زيد بن‬
‫عمرو ل بنّوته( لعمرو أيضا‪ ،‬فمورد الصدق والكذب في الخبر المذكور النسبة‪ ،‬وهي قيام زيد ل‬
‫بنّوته لعمرو فيه أيضا إذ لم يقصد به الخبار بها‪ .‬فالشهادة بتوكيل فلن بن فلن فلنا شهادة‬
‫بالتوكيل فقط(‪ :‬أي دون نسب الموكل كما هو قول عندنا وقال به المام مالك‪) .‬و( لكن )الراجح(‬
‫ل( لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت‬ ‫عندنا أنها شهادة )بالنسب( للموكل )ضمنا وبالتوكيل أص ً‬
‫نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)مسألة‪ :‬الخبر(‪ :‬بالنظر لمور خارجة عنه‪) .‬إما مقطوع بكذبه( إما )قطعا كالمعلوم خلفه( إما‬
‫ل( كقول الفلسفي‪ :‬العالم قديم وكبعض‬ ‫)ضرورة( نحو النقيضان يجتمعان أو يرتفعان‪) .‬أو استدل ً‬
‫ي فإن كان قاله فل بّد من‬‫ي صلى ال عليه وسّلم لنه روى عنه أنه قال‪ :‬سيكذب عل ّ‬ ‫المنسوب للنب ّ‬
‫وقوعه‪ ،‬وإل وهو الواقع فإنه غير معروف فقد كذب به عليه‪ ،‬وهذا المثال جعل فيه الصل خلفا‬
‫وليس بمعروف‪ ،‬بل صرح السنوي فيه بالقطع‪.‬‬
‫ل( أي أوقعه في الوهم أي الذهن‪) .‬ولم يقبل توي ً‬
‫ل‬ ‫)وكل خبر( عنه صلى ال عليه وسّلم )أوهم باط ً‬
‫فـ(ـهو إما )موضوع(‪ :‬أي مكذوب عليه صلى ال عليه وسّلم لعصمته كما روي أنه تعالى خلق نفسه‬
‫ل وهو حدوثه‪ ،‬وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث‪) .‬أو‬ ‫فهو كذب ليهامه باط ً‬
‫نقص منه( من جهة راويه )ما يزيل الوهم(‪ :‬الحاصل بالنقصان منه كما في خبر الصحيحين عن‬
‫ابن عمر قال‪ :‬صلى بنا النبي صلى ال عليه وسّلم صلة العشاء في آخر حياته‪ ،‬فلما سلم قام فقال‪:‬‬
‫»أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها ل يبقى ممن هو اليوم على ظهر الرض أحد«‪ .‬قال‬
‫ابن عمر‪ :‬فوهل الناس في مقالته أي غلطوا في فهم المراد منها حيث لم يسمعوا لفظة اليوم‪ ،‬ويوافقه‬
‫فيها خبر مسلم عن أبي سعيد‪ :‬ل تأتي مائة سنة وعلى الرض نفس منفوسة اليوم«‪ .‬وقوله‪ :‬منفوسة‬
‫أي موثوقة احترز به عن الملئكة )وسبب وضعه( أي الخبر )نسيان( من الراوي لمرويه‪ ،‬فيذكر‬
‫غيره ظانا أنه مرويه‪) .‬أو تنفير(‪ :‬كوضع الزنادقة أخبارا تخالف العقول تنفيرا لعقلء عن شريعته‬
‫المطهرة‪ ،‬وقولي أو تنفير أولى من قوله أو افتراء‪ ،‬لن الفتراء قسم من الوضع ل سبب له‪) .‬أو‬
‫ن أنه يؤّدي معناه أو يروي‬ ‫غلط( من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير مرويه‪ ،‬أو يضع مكانه ما يظ ّ‬
‫ما يظنه حديثا‪) .‬أو غيرها( كما في وضع بعضهم أخبارا في الترغيب في الطاعة والترهيب عن‬
‫المعصية‪) .‬أو( مقطوع بكذبه )في الصح كخبر مّدعي الرسالة(‬

‫أي أنه رسول عن ال إلى الناس‪) .‬بل معجزة( تبين صدقه )و( ل )تصديق الصادق( له‪ ،‬لن‬
‫الرسالة عن ال على خلف العادة والعادة تقضي بكذب من يّدعي ما يخالفها بل دليل‪ ،‬وقيل ل‬
‫يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه‪ ،‬أما مّدعي النبوة أي اليحاء إليه فقط فل يقطع بكذبه‪ ،‬كما قاله‬
‫إمام الحرمين‪ ،‬وظاهر أن محله قبل نزول‪ :‬أنه صلى ال عليه وسّلم خاتم النبيين‪ ،‬أما بعده فيقطع‬
‫بكذبه لقيام الدليل القاطع على أنه خاتم النبيين‪ ،‬وقولي وتصديق أولى من قوله أو تصديق ليهامه‬
‫أنه ل بد مع المعجزة من تصديق نبي له وليس كذلك‪) .‬وخبر نقب( بضم أّوله وتشديد ثانيه وكسره‬
‫أي‪ :‬فتش )عنه( في كتب الحديث )ولم يوجد عند أهله( من الرواة لقضاء العادة بكذب ناقله‪ ،‬وقيل ل‬
‫يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله‪ ،‬وهذا بعد استقرار الخبار‪ ،‬أما قبله كما في عصر الصحابة‬
‫فلحدهم أن يروي ما ليس عند غيره كما قاله المام الرازي‪.‬‬

‫)وما نقل آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله( تواترا‪ ،‬إما لغرابته كسقوط الخطيب عن المنبر وقت‬
‫الخطبة‪ ،‬أو لتعلقه بأصل ديني كالنص على إمامة علي رضي ال عنه في قوله صلى ال عليه وسّلم‬
‫له‪» :‬أنت الخليفة من بعدي« فعدم تواتره دليل على عدم صحته‪ .‬وقالت الرافضة‪ :‬ل يقطع بكذبه‬
‫لتجويز العقل صدقه‪) .‬وإما( مقطوع )بصدقه كخبر الصادق(‪ :‬أي ال تعالى لتنزهه عن الكذب‬
‫ورسوله لعصمته عنه‪) .‬وبعض المنسوب للنبي( صلى ال عليه وسّلم وإن لم نعلم عينه )والمتواتر(‬
‫معنى أو لفظا‪) .‬وهو( أي المتواتر )خبر جمع يمتنع( عادة )تواطؤهم(‪ :‬أي توافقهم )على الكذب عن‬
‫محسوس( ل عن معقول لجواز الغلط فيه كخبر الفلسفة بقدم العالم‪ ،‬فإن اتفق الجمع المذكور في‬
‫اللفظ‪ ،‬والمعنى فهو لفظي‪ ،‬وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو معنوي‪ ،‬كما لو أخبر واحد‬
‫عن حاتم بأنه أعطى دينارا وآخر بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعيرا وهكذا‪ .‬فقد اتفقوا على‬
‫معنى كلي وهو العطاء‪ .‬وعن محسوس متعلق بخبر‪) :‬وحصول العلم( من خبر بمضمونه )آية(‬
‫أي علمة )اجتماع شرائطه(‪ :‬أي المتواتر في ذلك الخبر‪ .‬أي المور المحققة له‪ ،‬وهي كما يؤخذ‬
‫من تعريفه كونه خبر جمع‪ ،‬وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن محسوس‪) .‬ول‬
‫تكفي الربعة( في عدد الجمع المذكور لحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فل يفيد قولهم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫العلم‪) .‬والصح أن ما زاد عليها()أن العلم فيه(‪ :‬أي في المتواتر )ضروري(‪ :‬أي يحصل عند‬
‫سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن ل يتأتى منه النظر كالبله والصبيان‪ ،‬وقيل نظري‬
‫بمعنى أنه متوقف على مقّدمات حاصلة عند السامع‪ ،‬وهي ما مر من المور المحققة لكون الخبر‬
‫متواترا ل بمعنى الحتياج إلى النظر عقب السماع‪ ،‬فل خلف في المعنى في أنه ضروري‪ ،‬إذ‬
‫توقفه على تلك المقّدمات ل ينافي كونه ضروريا‪.‬‬

‫)ثم إن أخبروا( أي أهل الخبر المتواتر كلهم )عن محسوس لهم(‪ :‬بأن كانوا طبقة واحدة )فذاك( أي‬
‫إخبارهم عن محسوس لهم واضح في حصول التواتر )وإل(‪ :‬أي وإن لم يخبروا كلهم عن محسوس‬
‫لهم بأن كانوا طبقات فلم يخبر عن محسوس إل الطبقة الولى منهم )كفى( في حصول التواتر‬
‫)ذلك(‪ :‬أي إخبار الولى عن محسوس لها مع كون كل طبقة من غيرهاجمعا يؤمن تواطؤهم على‬
‫الكذب كما علم مما مر‪ ،‬بخلف ما لو لم يكونوا كذلك فل يفيد خبرهم التواتر‪ ،‬وبهذا بان أن المتواتر‬
‫في الطبقة الولى قد يكون آحادا فيما بعدها كما في القراءات الشاذة‪ ،‬وتعبيري بثم إلى آخره أولى‬
‫من تعبيره بما ذكره‪ ،‬كما ل يخفى على المتأمل‪ ،‬وقد أوضحت ذلك في الحاشية‪) .‬و( الصح )أن‬
‫علمه(‪ :‬أي المتواتر أي العلم الحاصل منه )لكثرة العدد( في راويه )متفق( للسامعين له فيجب‬
‫حصوله لكل منهم‪) .‬وللقرائن( الزائدة على أقل العدد الصالح له بأن تكون لزمة له من أحواله‬
‫المتعلقة به أو بالمخبر به أو بالمخبر عنه‪) .‬قد يختلف( فيحصل لزيد دون غيره من السامعين لن‬
‫القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر‪ ،‬أما الخبر المفيد للعلم بالقرائن المنفصلة عنه فليس بمتواتر‪،‬‬
‫وقيل يجب حصول العلم من المتواتر مطلقا‪ ،‬لن القرائن في مثل ذلك ظاهرة ل تخفى على السامع‪،‬‬
‫وقيل ل يجب ذلك مطلقا بل قد يحصل لكل منهم ولبعضهم فقط لجواز أن ل يحصل لبعض بكثرة‬
‫العدد كالقرائن‪) .‬و( الصح )أن الجماع على وفق خبر( ل يدل على صدقه في نفس المر مطلقا‬
‫لحتمال أن يكون للجماع مستند آخر‪ ،‬وقيل يدل عليه مطلقا لن الظاهر استناد المجمعين إليه لعدم‬
‫ظهور مستند غيره‪ ،‬وقيل يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا للستناد إليه‪ ،‬وإل فل يدل لجواز‬
‫استنادهم إلى غيره‪) .‬و( الصح أن )بقاء خبر تتتوفر الدواعي على إبطاله(‪ :‬بأن لم يبطله ذوو‬
‫الدواعي مع سماعهم له آحادا ل يدل على صدقه‪ ،‬وقل يدل عليه للتفاق على قبوله حينئذ‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫التفاق على قبوله إنما يدل‬

‫على ظنهم صدقه‪ ،‬ول يلزم منه صدقه في نفس المر مثاله قوله صلى ال عليه وسّلم لعلي رضي‬
‫ال عنه‪» :‬أنت مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي« رواه الشيخان‪ .‬فإن دواعي بني‬
‫أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدللته على خلفة علي رضي ال عنه كما قيل كخلفة هارون‬
‫عن موسى بقوله‪ :‬اخلفني في قومي وإن مات قبله‪ ،‬ولم يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة في كتب أصول‬
‫الدين‪.‬‬

‫)و( الصح أن )افتراق العلماء( في خبر )بين مؤول( له )ومحتج( به )ل يدل على صدقه(‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ل عليه للتفاق على قبوله حينئذ‪ .‬قلنا‪ :‬جوابه ما مر آنفا‪) .‬و( الصح )أن المخبر( عن محسوس‬ ‫يد ّ‬
‫)بحضرة عدد التواتر ولم يكذبوه ول حامل( لهم )على سكوتهم( عن تكذيبه من نحو خوف أو طمع‬
‫في شيء منه أو عدم علم بخبره صادق فيما أخبر به‪ ،‬لن سكوتهم تصديق له عادة فيكون الخبر‬
‫صدقا‪ .‬وقيل‪ :‬ل إذ ل يلزم من سكوتهم تصديقه لجواز سكوتهم عن تكذيبه ل لشيء والتصريح بعدد‬
‫ح أن المخبر عن محسوس )بمسمع من النبي صلى ال عليه‬ ‫التواتر من زيادتي‪) .‬أو( أي‪ :‬والص ّ‬
‫ي‪) .‬ول حامل( له )على سكوته( عن تكذيبه )صادق( فيما أخبر به‬ ‫وسّلم( أي بمكان يسمعه منه النب ّ‬
‫دينيا كان أو دنيويا‪ ،‬لن النبي ل يقر أحدا على كذب‪ ،‬وقيل ل إذ ل يدل سكوته على صدق المخبر‬
‫أما في الدين‪ ،‬فلجواز أن يكون النبي بينه أو أخر بيانه بما يخالف ما أخبر به المخبر‪ .‬وأما في‬
‫الدنيوي‪ ،‬فلجواز أن ل يكون النبي يعلم حاله كما في إلقاح النخل‪ ،‬روى مسلم عن أنس أنه صلى ال‬
‫عليه وسّلم مّر بقوم يلقحون فقال‪» :‬لو لم تفعلوا لصلح«‪ .‬قال‪ :‬فخرج شيصا فمّر بهم فقال‪» :‬ما‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫لنخلكم«؟ قالوا‪ :‬قلت كذا وكذا‪ .‬قال‪» :‬أنتم أعلم بأمر دنياكم«‪ .‬وقيل‪ :‬صادق في الدنيوي بخلف‬
‫الديني‪ ،‬وقيل عكسه وتوجيههما يعلم مما مّر‪ .‬وأجيب في الديني‪ :‬بأن سبق البيان أو تأخيره ل يبيح‬
‫السكوت عند وقوع المنكر لما فيه من إيهام تغير الحكم‬

‫في الول‪ ،‬وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الثاني‪ ،‬وفي الدنيوي أنه إذا كان كذبا ولم يعلم به‬
‫النبي يعلمه ال به عصمة له عن أن يقر أحدا على كذب‪ ،‬أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان‬
‫المخبر ممن يعاند ول ينفع فيه النكار فل يكون صادقا قطعا‪.‬‬
‫)وأما مظنون الصدق فخبر الواحد وهو ما لم ينته إلى التواتر(‪ :‬سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد‬
‫العلم بالقرائن المنفصلة أو ل‪) .‬ومنه( أي خبر الواحد )المستفيض وهو الشائع( بين الناس )عن‬
‫أصل( بخلف الشائع ل عن أصل )قد يسمى( المستفيض )مشهورا(‪ :‬فهما بمعنى‪ ،‬وقيل المشهور‬
‫بمعنى المتواتر‪ ،‬وقيل قسم ثالث غير المتواتر والحاد‪ ،‬وعند المحّدثين هو أعم من المتواتر‪.‬‬
‫ل عدد راويه )اثنان(‪ :‬وهو قول الفقهاء‪) .‬وقيل ما زاد على ثلثة(‪:‬‬ ‫)وأقله(‪ :‬أي المستفيض أي أق ّ‬
‫وهو قول الصوليين‪ ،‬وقيل ثلثة وهو قول المحدثين‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة(‪ :‬كما في إخبار رجل بموت ولده المشرف على‬
‫ل على القرينة‪،‬‬‫الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش‪ ،‬ول يشترط في الواحدة العدالة تعوي ً‬
‫وقيل ل يفيد العلم مطلقا‪ ،‬وعليه الكثر‪ .‬واختاره صاحب الصل في شرح المختصر‪ ،‬وقيل يفيده‬
‫مطلقا بشرط العدالة لنه حينئذ يجب العمل به كما سيأتي‪ ،‬وإنما يجب العمل بما يفيد العلم لقوله‬
‫تعالى‪} :‬ول تقف ما ليس لك به علم{‪} ،‬إن يتبعون إل الظن{ نهى عن اتباع غير العلم وذم على‬
‫اتباع الظن‪ .‬قلنا‪ :‬ذاك فيما المطلوب فيه العلم من أصول الدين كوحدانية ال تعالى لما ثبت من‬
‫وجود العمل بالظن في الفروع‪ ،‬وقيل يفيد علما نظريا إن كان مستفيضا جعله قائله واسطة بين‬
‫المتواتر المفيد للعلم الضروري والحاد المفيد للظن‪) .‬ويجب العمل به(‪ :‬أي بخبر الواحد )في‬
‫الفتوى والشهادة(‪ :‬أي ما يفتي به المفتي ويشهد به الشاهد بشرطه‪ ،‬وفي معنى الفتوى الحكم‬
‫ح(‪ :‬وإن عارضه قياس كالخبار بدخول وقت‬ ‫)إجماعا‪ .‬وفي باقي المور الدينية والدنيوية في الص ّ‬
‫الصلة أو بتنجس الماء وكإخبار طبيب أو غيره بمضرة شيء أو نفعه‪ ،‬وقيل يمتنع العمل به مطلقا‬
‫لنه إنما يفيد الظن‪ ،‬وقد نهى عن اتباعه كما مر‪ .‬قلنا‪ :‬تقدم جوابه آنفا‪ .‬وقيل يمتنع العمل به في‬
‫الحدود لنها تدرأ بالشبهة واحتمال الكذب في الحاد شبهة‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم أنه شبهة على أنه موجود‬
‫في الشهادة أيضا‪ ،‬وقيل يمتنع فيما تعم به البلوى أو خالفه راويه أو عارضه قياس‪ ،‬ولم يكن راويه‬
‫فقيها وقيل غير ذلك‪ ،‬وإذا قلنا بأنه يجب العمل به فيجب‪) .‬سمعا(‪ :‬لنه صلى ال عليه وسّلم كان‬
‫يبعث الحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الحكام‪ ،‬فلول أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة‪.‬‬
‫ل( أيضا‪ .‬وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الحكام المروية بالحاد ول سبيل‬ ‫)قيل وعق ً‬
‫إلى القول بذلك وترجيح الول من زيادتي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المختار أن تكذيب الصل الفرع(‪ :‬فيما رواه عنه‪) .‬وهو جازم( به‪ .‬كأن قال‪ :‬رويت هذا‬
‫عنه‪ .‬فقال ما رويته له‪) .‬ل يسقط مرويه( عن القبول وقيل يسقطه‪ ،‬لن أحدهما كاذب‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون هو الفرع فل يثبت مرويه‪ ،‬قلنا‪ :‬يحتمل نسيان الصل له بعد روايته للفرع فل يكون واحد‬
‫ل منهما يظن أنه‬
‫منهما بتكذيب الخر له مجروحا‪) .‬لنهما لو اجتمعا في شهادة لم ترّد(‪ :‬لن ك ً‬
‫صادق والكذب على النبي في ذلك بتقدير إنما يسقط العدالة إذا كان عمدا‪ ،‬وإذا لم يسقط مروي‬
‫الفرع بتكذيب الصل له فبشكه في أنه رواه له أو ظنه أنه ما رواه له أولى‪ ،‬وعليه الكثر كما‬
‫صرح به الصل‪ ،‬وقيل يسقط به قياسا على نظيره في شهادة الفرع على شهادة الصل‪ .‬قلنا‪ :‬باب‬
‫الشهادة أضيق إذ يعتبر فيه الحرية والذكورة وغيرهما ودخل بقيد وهو جازم ما لو جزم الصل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بنفي الرواية أو ظنه أو شك فيه‪ ،‬وخرج به ما لو شك الفرع في الرواية أو ظنها فيسقط مرويه إل‬
‫ن الصل نفيها أو شك فيه‪ .‬وبما تقرر علم أن صور الجزم والظن والشك من‬ ‫إن ظنها الفرع مع ظ ّ‬
‫الصل والفرع تسع‪ ،‬وأن المروي يسقط في أربع منها دون البقية‪) .‬وزيادة العدل(‪ :‬فيما رواه على‬
‫غيره من العدول )مقبولة إن لم يعلم اتحاد المجلس بأن علم تعدده(‪ :‬لجواز أن يكون النبي ذكرها في‬
‫مجلس وسكت عنها في آخر‪ ،‬أو لم يعلم تعدده ول اتحاده‪ ،‬لن الغالب في مثل ذلك التعدد‪) .‬وإل(‪:‬‬
‫أي وإن علم اتحاده )فالمختار المنع( أي منع قبولها‪) .‬إن كان غيره(‪ :‬أي غير من زاد )ل يغفل(‪:‬‬
‫بضّم الفاء أشهر من فتحها‪) .‬مثلهم عن مثلها عادة أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها(‪ :‬وإل قبلت‪،‬‬
‫وقيل ل تقبل مطلقا لجواز خطأ من زاد فيها‪ .‬وقيل تقبل مطلقا‪ ،‬وهو ما اشتهر عن الشافعي‪ ،‬ونقل‬
‫عن جمهور الفقهاء والمحدثين لجواز غفلة من لم يزد عنها‪ ،‬وقيل إن كان غير من زاد ل يغفل‬
‫مثلهم عن مثلها عادة لم تقبل وإل قبلت‪ ،‬وقيل بالوقف عن‬

‫قبولها وعدمه‪) .‬فإن كان الساكت( عنها فيما إذا علم اتحاد المجلس‪) .‬أضبط( ممن ذكرها‪) .‬أو سّرح‬
‫بنفيها على وجه يقبل(‪ .‬كأن قال ما سمعتها )تعارضا(‪ :‬أي خبر الزيادة وخبر عدمها بخلف ما إذا‬
‫نفاها على وجه ل يقبل بأن محض النفي فقال‪ :‬لم يقلها النبي صلى ال عليه وسّلم‪ ،.‬فإنه ل أثر لذلك‪.‬‬

‫)والصح أنه لو رواها( الراوي )مرة وتركـ(ـها )أخرى أو انفرد( بها )واحد عن واحد( فيما روياه‬
‫)قبلت(‪ .‬وإن علم اتحاد المجلس لجواز السهو في الترك في الولى‪ ،‬ولن مع راويها زيادة علم في‬
‫الثانية‪ ،‬وقيل ل يقبل لجواز الخطأ فيها في الولى ولمخالفة رفيقه في الثانية‪ ،‬وقيل بالوقف في‬
‫الولى وقياسه يأتي في الثانية‪) .‬و( الصح )أنه إن غيرت( زيادة العدل )إعراب الباقي تعارضا(‪:‬‬
‫أي الخبران لختلف المعنى حينئذ كما لو روي في خبر‪ :‬فرض رسول ال صلى ال عليه وسّلم‬
‫زكاة الفطر صاعا من تمر نصف صاع‪ ،‬وقيل تقبل الزيادة كما إذا لم يتغير العراب‪) .‬و( الصح‬
‫)أن حذف بعض الخبر جائز إل أن يتعلق به الباقي(‪ .‬فل يجوز حذفه اتفاقا لخلله بالمعنى‬
‫ل‪،‬‬
‫المقصود كأن يكون غاية أو مستثنى بخلف ما ل يتعلق به الباقي فيجوز حذفه‪ ،‬لنه كخبر مستق ّ‬
‫وقيل لحتمال أن يكون للضّم فائدة تفوت بالتفريق مثاله‪ .‬قوله صلى ال عليه وسّلم في البحر‪» :‬هو‬
‫الطهور ماؤه الحل ميتته«‪ .‬إذ قوله الحل ميتته ل تعلق له بما قبله‪) .‬ولو أسند وأرسلوا(‪ :‬أي أسند‬
‫الخبر إلى النبي واحد ووقف الباقون على الصحابي أو من دونه )فكالزيادة(‪ :‬أي فالسناد أو الرفع‬
‫كالزيادة فيما مّر من التفصيل والخلف وغيرهما‪ .‬ومعلوم أن التفصيل بين ما تتوفر الدواعي على‬
‫نقله‪ ،‬ول تتوفر ل يمكن مجيئه هنا وتعدد مجلس السماع من الشيخ هنا كتعدد مجلس السماع من‬
‫النبي ثّم )وإذا حمل صحابي مرويه على أحد محمليه حمل عليه إن تنافيا( كالقرء يحمله على الطهر‬
‫أو الحيض‪ ،‬لن الظاهر أنه إنما حمله‬

‫عليه لقرينة‪ ،‬وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال‪ :‬فيه نظر أي لحتمال أن يكون حمله لموافقة‬
‫رأيه ل لقرينة وخرج بالصحابي غيره‪ ،‬وقيل مثله التابعي‪ ،‬والفرق على الصح أن ظهور القرينة‬
‫للصحابي أقرب‪) .‬وإل( أي وإن لم يتنافيا )فكالمشترك في حمله على معنييه(‪ :‬وهو الصح كما مّر‬
‫فيحمل المروي على محمليه ول يختص بحمل الصحابي إل على القول بمنع حمل المشترك على‬
‫معنييه‪) .‬فإن حمله(‪ :‬أي حمل الصحابي مرويه فيما لو تنافى المحملن )على غير ظاهره( كأن‬
‫حمل اللفظ على معناه المجازى دون الحقيقي )حمل على ظاهره في الصح( اعتبارا بالظاهر‪ ،‬وفيه‬
‫وفي أمثاله قال الشافعي‪ :‬كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته‪ ،‬وقيل يحمل على حمله‬
‫مطلقا لنه لم يفعله إل لدليل‪ .‬قلنا‪ :‬في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه‪ ،‬وقيل يحمل عليه إن فعله لظنه‬
‫أنه قصد النبي صلى ال عليه وسّلم من قرينة شاهدها‪ .‬قلنا‪ :‬ظنه ذلك ليس لغيره اتباعه فيه لن‬
‫ل عمل به‪ ،‬أما إذا لم يتنافيا فظاهر حمله على حقيقته ومجازه‬‫المجتهد ل يقلد مجتهدا فإن ذكر دلي ً‬
‫بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)مسألة‪ :‬ل يقبل(‪ :‬في الرواية )مختل( في عقله كجنون وإن تقطع جنونه وكمفيق من جنونه وأثر في‬
‫زمن إفاقته إذ ل يمكنه التحرز عن الخلل‪ ،‬وتعبيري بمختل أعم من تعبيره بمجنون‪) .‬و( ل )كافر(‬
‫وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب‪ ،‬إذ ل وثوق به في الجملة مع شرف منصب الرواية عنه‪.‬‬
‫ي( يميزه )في الصح(‪ .‬إذ ل وثوق به لنه لعلمه بعدم تكليفه قد ل يحترز عن الكذب‪،‬‬ ‫)وكذا صب ّ‬
‫وقيل يقبل إن علم منه التحرز عنه‪ ،‬أما غير المميز فل يقبل قطعا كالمجنون‪) .‬والصح أنه يقبل‬
‫صبي( مميز )تحمل فبلغ فأدى( ما تحمله لنتفاء المحذور السابق‪ ،‬وقيل ل‪ .‬إذ الصغر مظنة عدم‬
‫الضبط ويستمر المحفوظ بحاله‪ ،‬ولو تحمل كافر فسلم فأّدى أو فاسق فتاب فأدى قبل‪) .‬و( الصح‬
‫أنه يقبل )مبتدع يحرم الكذب وليس بداعية ول يكفر ببدعته(‪ :‬لمنه من الكذب مع تأويله في‬
‫البتداع بخلف من ل يحرم الكذب أو يكون داعية بأن يدعو الناس إلى بدعته أو يكفر ببدعته‬
‫كمنكر حدوث العالم والبعث‪ ،‬وعلم ال بالمعدوم وبالجزئيات فل يقبل واحد من الثلثة‪ ،‬وممن‬
‫رجحه في الثاني ابن الصلح والنووي‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬ل أعلم فيه اختلفا وقيل‪ .‬يقبل ممن يحرم‬
‫الكذب‪ ،‬وإن كان داعية لما مر وهو الذي رجحه الصل‪ ،‬ومراده إذا لم يكفر ببدعته‪ ،‬وقيل يقبل‬
‫ممن يحرم الكذب وإن كفر ببدعته‪ ،‬وقيل ل يقبل مطلقا لبتداعه المفسق له‪) .‬و( الصح أنه يقبل‬
‫)من ليس فقيها وإن خالف القياس( خلفا للحنفية فيما يخالفه‪ ،‬لن مخالفته ترجح احتمال الكذب‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ل نسلم‪) .‬و( الصح أنه يقبل )متساهل في غير الحديث(‪ :‬بأن يتساهل في حديث الناس‪،‬‬
‫ويتحرز في الحديث النبوي لمن الخلل فيه بخلف المتساهل فيه فيرد‪ ،‬وقيل ل يقبل المتساهل‬
‫مطلقا لن التساهل في غير الحديث النبوي يجّر إلى التساهل فيه‪) .‬ويقبل مكثر( من الرواية )وإن‬
‫ندرت مخالطته للمحدثين إن أمكن تحصيل ذلك القدر( الكثير الذي رواه )في ذلك الزمن(‪ :‬الذي‬
‫خالطهم فيه فإن لم يمكن لم‬

‫يقبل في شيء مما رواه لظهور كذبه في بعض ل نعلم عينه‪) .‬وشرط الراوي العدالة وهي(‪ :‬لغة‬
‫التوسط وشرعا بالمعنى الشامل للمروءة )ملكة( أي هيئة راسخة في النفس‪) .‬تمنع اقتراف(‪ :‬أي‬
‫ارتكاب )الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة( وتطفيف تمرة )والرذائل المباحة(‪ :‬أي الجائزة‬
‫بالمعنى العم أي المأذون في فعلها ل بمعنى مستوية الطرفين‪) .‬كبول بطريق( وهو مكروه والكل‬
‫ل بالمروءة‪ .‬والمعنى يمنع اقتراف كل فرد من أفراد ما‬ ‫في السوق لغير سوقي وغيرهما‪ .‬مما يخ ّ‬
‫ذكر فباقتراف فرد منه تنتفي العدالة‪ ،‬أما صغائر غير الخسة ككذبة ل يتعلق بها ضرر ونظرة إلى‬
‫أجنبية‪ ،‬فل يشترط المنع من اقتراف كل فرد منها‪ .‬فل تنتفي العدالة باقتراف شيء منها إل أن يصّر‬
‫عليه ولم تغلب طاعاته‪ ،‬وإذا تقرر أن العدالة شرط في الرواية‪) .‬فل يقبل في الصح مجهول باطنا‬
‫وهو المستور‪ ،‬و( ل )مجهول مطلقا(‪ :‬أي باطنا وظاهرا )و( ل )مجهول العين(‪ :‬كأن يقال عن‬
‫ن بالخيرين‬ ‫ن حصولها في الول وتحسينا للظ ّ‬ ‫رجل لنتفاء تحقق العدالة وقيل يقبلون اكتفاء بظ ّ‬
‫وحكاية الصل الجماع على عدم قبولهما مردودة بنقل ابن الصلح وغيره الخلف فيهما‪) .‬فإن‬
‫وصفه( أي الخير )نحو الشافعي( من أئمة الحديث الراوي عنه )بالثقة أو بنفي التهمة(‪ :‬كقوله‬
‫أخبرني الثقة أو من ل أتهمه‪) .‬قبل في الصح(‪ .‬وإن كان الثاني دون الّول رتبة وذلك لن واصفه‬
‫من أئمة الحديث ل يصفه بذلك إل وهو كذلك‪ ،‬وقيل ل يقبل لجواز أن أن يكون فيه جارح ولم يطلع‬
‫عليه الواصف‪ .‬قلنا‪ :‬يبعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي محتجا به على حكم في دين ال‪.‬‬
‫)كمن أقدم معذورا(‪ :‬بنحو تأويل أو جهل خل عن التدين بالكذب أو إكراه‪) .‬على( فعل )مفسق‬
‫مظنون( كشرب نبيذ )أو مقطوع(‪ :‬كشرب خمر فيقبل في الصح سواء اعتقد الباحة أم لم يعتقد‬
‫شيئا لعذره‪ ،‬وقيل ل يقبل لرتكابه المفسق‪ ،‬وإن اعتقد الباحة‪ ،‬وقيل يقبل في المظنون دون‬
‫المقطوع وخرج بالمعذور من أقدم‬

‫عالما بالتحريم باختياره أو متدينا بالكذب فل يقبل قطعا‪ ،‬وبما تقرر علم أن قولي معذورا أولى من‬
‫ل‪.‬‬
‫قوله جاه ً‬
‫)‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫والمختار أن الكبيرة ما توعد عليه( بنحو غضب أو لعن )بخصوصه( في الكتاب أو السنة‪) .‬غالبا(‪.‬‬
‫وقيل هي ما فيه حّد‪ .‬قال الرافعي‪ :‬وهم إلى ترجيح هذا أميل ولول ما يوجد لكثرهم وهو الوفق‬
‫لما ذكروه عند تفصيل الكبائر‪ .‬أي‪ :‬لعّدهم منها أكل مال اليتيم والعقوق وغيرهما مما ل حّد فيه‪،‬‬
‫وذكر لصل أن المختار قول إمام الحرمين إنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة‬
‫الديانة‪ ،‬وإنما لم أختره لنه يتناول صغائر الخسة مع أن المام إنما ضبط به ما يبطل العدالة من‬
‫المعاصي مطلقا‪ ،‬ل الكبيرة التي الكلم فيها والكبائر بعد أكبرها وهو الكفر كما هو معلوم‪) .‬كقتل(‬
‫عمدا أو شبهه ظلما )وزنا( بالزاي لية }والذين ل يدعون مع ال إلها آخر{ )ولواط(‪ :‬لنه مضيع‬
‫لماء النسل بوطئه في فرج كالزنا‪) .‬وشرب خمر(‪ :‬وإن لم يسكر لقلتها وهي المشتد من ماء العنب‪.‬‬
‫)ومسكر( ولو غير خمر كالمشتد من نقيع الزبيب المسمى بالنبيذ لخبر صحيح ورد فيه‪ ،‬أما شرب‬
‫ما ل يسكر لقلته من غير الخمر فصغيرة حكما في حق من شربه معتقدا حله لقبول شهادته‪ ،‬وإل‬
‫فهو كبيرة حقيقة ليجابه الحد وللتوعد عليه‪ .‬وفي معنى ذلك ما اختلف في تحريمه من مطبوخ‬
‫عصير العنب‪) .‬وسرقة( لربع مثقال أو ما قيمته ذلك لية }والسارق والسارقة{‪ ،‬أما سرقة ما دون‬
‫ذلك فصغيرة‪ .‬قال الحليمي‪ :‬إل إن كان المسروق منه مسكينا ل غنى به عن ذلك فيكون كبيرة‪.‬‬
‫ن ظلم قيد شبر من الرض طّوقه من سبع‬ ‫)وغصب( لمال أو نحوه لخبر الصحيحين‪َ» :‬م ْ‬
‫أرضين«‪ .‬وقده العبادي وغيره بما يبلغ قيمته ربع مثقال كما يقطع به في السرقة‪) .‬وقذف( محّرم‬
‫بزنا أو لواط لية‪} :‬إن الذين يرمون المحصنات{‪ ،‬نعم قال الحليمي قذف صغيرة ومملوكة وحرة‬
‫متهتكة صغيرة لن اليذاء فيه دونه في الحرة الكبيرة‬

‫المستترة‪ ،‬أما القذف المباح كقذف الرجل زوجته إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا فليس بكبيرة ول‬
‫صغيرة‪ ،‬وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب‪) .‬ونميمة(‪ :‬وهي نقل كلم بعض‬
‫الناس إلى بعض على وجه الفساد بينهم لخبر الصحيحين‪» :‬ل يدخل الجنة نمام«‪ .‬بخلف نقل‬
‫ن المل يأتمرون بك ليقتلوك{ فإنه‬‫الكلم نصيحة للمنقول إليه كما في قوله تعالى حكاية‪} :‬يا موسى إ ّ‬
‫واجب‪ ،‬أما الغيبة وهي ذكرك لنسان بما تكرهه وإن كان فيه فصغيرة قاله صاحب العدة‪ ،‬وأقّره‬
‫الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها‪ .‬نعم قال القرطبي في تفسيره‪ :‬إنها كبيرة بل خلف‪ ،‬ويشملها‬
‫تعريف الكثر الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه قال تعالى‪} :‬أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا{‬
‫قال الزركشي‪ :‬وقد ظفرت بنص الشافعي في ذلك‪ ،‬فالقول بأنها صغيرة ضعيف أو باطل‪ .‬قلت‪ :‬ليس‬
‫كذلك لمكان الجمع بحمل النص‪ ،‬وما ذكر على ما إذا أصر على الغيبة أو قرنت بما يصيرها‬
‫ل وقد أخرجتها بزيادتي غالبا وتباح الغيبة في ستة مواضع مذكورة في محلها‪،‬‬ ‫كبيرة أو اغتاب عد ً‬
‫وقد نظمتها في بيتين فقلت‪:‬‬

‫تباح غيبة لمستفت ومن‬


‫رام إعانة لرفع منكر‬
‫ومعّرف متظلم متكلم‬
‫في معلن فسقا مع المحذر‬

‫ل لنه صلى ال عليه وسّلم عدها في خبر من الكبائر‪ .‬وفي آخر من أكبر‬ ‫)وشهادة زور( ولو بما ق ّ‬
‫الكبائر رواهما الشيخان‪) .‬ويمين فاجرة(‪ :‬لخبر الصحيحين‪» :‬من حلف على مال امرىء مسلم بغير‬
‫حقه لقي ال وهو عليه غضبان«‪ .‬وخص المسلم جريا على الغالب وإل فالكافر المعصوم كذلك‪.‬‬
‫)وقطيعة رحم(‪ :‬لخبر الصحيحين‪» :‬ل يدخل الجنة قاطع«‪ .‬قال سفيان أي ابن عيينة‪ :‬في رواية‬
‫يعني قاطع رحم‪ ،‬والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة‪) .‬وعقوق( للوالدين أو‬
‫أحدهما‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسّلم عّده في خبر من الكبائر وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما‬
‫الشيخان‪ .‬وأما خبرهما‪» :‬الخالة بمنزلة الم«‪ .‬وخبر البخاري‪» :‬عم الرجل صنو أبيه«‪ .‬أي مثله‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫لن على أنهما كالولدين في العقوق‪) .‬وفرار( من الزحف لية‪} :‬ومن يولهم يومئذ دبره{ ولنه‬ ‫فل يد ّ‬
‫صلى ال عليه وسّلم عّده من السبع الموبقات أي المهلكات‪ .‬رواه الشيخان‪ .‬نعم يجب إذا علم أنه إذا‬
‫ثبت يقتل من غير نكاية في العدو لنتفاء إعزاز الدين بثباته‪) .‬ومال يتيم(‪ :‬أي أخذه بل حق وإن‬
‫كان دون ربع مثقال لية‪} :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى{ وقد عد أكلها صلى ال عليه وسّلم من‬
‫السبع الموبقات في الخبر السابق‪ ،‬وقيس بالكل غيره وإنما عبر به في الية‪ ،‬والخبر‪ ،‬لنه أعم‬
‫وجوه النتفاع‪) .‬وخيانة( في غير الشيء التافه بكيل أو غيره كوزن وغلول لية‪} :‬ويل للمطففين{‬
‫ولقوله تعالى‪} :‬إن ال ل يحب الخائنين{ والغلول الخيانة من الغنيمة أو بيت المال أو الزكاة قاله‬
‫الزهري وغيره‪ ،‬وإن قصره أبو عبيد على الخيانة من الغنيمة أما في التافه فصغيرة كما مر‪.‬‬
‫)وتقديم صلة( على وقتها )وتأخيرها( عنه بل عذر كسفر قال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬من جمع بين‬
‫صلتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر«‪ .‬رواه الترمذي وتركها أولى بذلك‪) .‬وكذب(‬
‫ي متعمدا فليتبّوأ مقعده من النار«‪ .‬رواه‬‫عمدا )على نبي(‪ .‬قال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬من كذب عل ّ‬

‫الشيخان وغيره من النبياء مثله في ذلك كما هو ظاهر قياسا عليه‪ ،‬وقد شمله تعبيري بنبي بخلف‬
‫تعبيره كغيره برسول ال صلى ال عليه وسّلم‪ .‬وقد بسطت الكلم على ذلك في الحاشية‪ ،‬أما الكذب‬
‫على غير نبي فصغيرة إل أن يقترن به ما يصيره كبيرة كأن يعلم أنه يقتل به قاله ابن عبد السلم‪،‬‬
‫وعليه يحمل خبر الصحيحين‪» :‬إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار‪ ،‬ول يزال‬
‫الرجل يكذب حتى يكتب عند ال كذابا«‪) .‬وضرب مسلم( بل حق لخبر مسلم‪» :‬صنفان من أمتي‬
‫من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬ونساء كاسيات عاريات‬
‫ن كأسنمة البخت المائلة‪ ،‬ل يدخلون الجنة ول يجدون ريحها وإن ريحها‬ ‫مائلت مميلت رؤوسه ّ‬
‫ليوجد من مسيرة كذا وكذا«‪ .‬وخرج بالمسلم الكافر فليس ضربه كبيرة بل صغيرة‪ ،‬وزعم‬
‫الزركشي أنه كبيرة‪) .‬وسب صحابي( لخبر الصحيحين‪» :‬ل تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو‬
‫أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مّد أحدهم ول نصيفه«‪ .‬وروى مسلم‪» :‬ل تسبوا أحدا من‬
‫أصحابي فإن أحدكم لو أنفق« الخ‪ .‬والخطاب للصحابة السابين نزلهم لسبهم الذي ل يليق بهم منزلة‬
‫ب الصّديق بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن‪،‬‬ ‫غيرهم حيث علله بما ذكره‪ ،‬واستثنى من ذلك س ّ‬
‫أما سب واحد من غير الصحابة فصغيرة‪ ،‬وخبر الصحيحين‪» :‬سباب المسلم فسوق«‪ .‬معناه تكرار‬
‫السب فهو إصرار على صغيرة فيكون كبيرة‪.‬‬

‫)وكتم شهادة(‪ .‬قال تعالى‪} :‬ومن يكتمها فإنه آثم قلبه{ أي ممسوخ وخص بالذكر لنه محل اليمان‪،‬‬
‫ل أو يبطل حقا لخبر‬ ‫ل ليحق باط ً‬‫ولنه إذا أثم تبعه الباقي‪) .‬ورشوة(‪ :‬بتثليث الراء وهي أن يبذل ما ً‬
‫الترمذي‪» :‬لعنة ال على الراشي والمرتشي« زاد الحاكم‪» :‬والرائش الذي يسعى بينهما«‪ .‬أما بذله‬
‫ل فجعلة جائزة فيجوز البذل والخذ وبذله للمتكلم في واجب‬ ‫للمتكلم في جائز مع سلطان مث ً‬
‫كتخليص من حبس ظلما وتولية قضاء طلبه من تعين عليه أو سن له جائز والخذ فيه حرام‪.‬‬
‫)ودياثة( بمثلثة قبل الهاء‪ ،‬وهي استحسان الرجل على أهله لخبر ثلثة ل يدخلون الجنة العاق والديه‬
‫والديوث ورجلة النساء‪ .‬قال الذهبي‪ :‬إسناده صالح‪) .‬وقيادة(‪ :‬قياسا على الدياثة‪ ،‬والمراد بها‬
‫استحسان الرجل على غير أهله‪ .‬وقد بسطت الكلم عليه في الحاشية‪) .‬وسعاية(‪ :‬وهي أن يذهب‬
‫بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه لخبر الساعي مثلث أي‪ :‬مهلك بسعايته نفسه والمسعى‬
‫به‪ ،‬وإليه‪) .‬ومنع زكاة(‪ .‬لخبر الصحيحين‪» :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها إل‬
‫إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليه في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه‬
‫وظهره«‪ .‬إلى آخره‪) .‬ويأس رحمة( لخبر الدارقطني‪ .‬لكنه صّوب وقفه‪» :‬من الكبائر الشراك بال‬
‫والياس من روح ال«‪ .‬والمراد باليأس من رحمة ال استبعاد العفو عن الذنوب لستعظامها ل‬
‫إنكار سعة رحمته للذنوب‪ ،‬فإنه كفر لظاهر قوله تعالى‪} :‬إنه ل ييأس من روح ال إل القوم‬
‫الكافرون{ إل أن يحمل اليأس فيه على الستبعاد والكفر على معناه اللغوي وهو الستر‪) .‬وأمن‬
‫مكر( بالسترسال في المعاصي والتكال على العفو‪ .‬قال تعالى‪} :‬فل يأمن مكر ال إل القوم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ي كظهر أمي قال تعالى فيه‪} :‬وإنهم ليقولون منكرا من‬


‫الخاسرون{ )وظهار( كقوله لزوجته‪ :‬أنت عل ّ‬
‫القول وزورا{ أي كذبا حيث شبهوا الزوجة بالم في التحريم‪) .‬ولحم ميتة وخنزير(‪ :‬أي تناوله بل‬
‫ضرورة لية‪} :‬قل ل أجد‬

‫ي محرّما{ وبمعنى الخنزير الكلب وفرع كل منهما مع غيره‪) .‬وفطر في رمضان( ‪:‬‬ ‫فيما أوحي إل ّ‬
‫ولو يوما بل عذر لخبر من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ول مرض لم يقضه صيام‬
‫الدهر‪ ،‬وهو وإن تكلم فيه فله شواهد تجبره‪ ،‬ولن صومه من أركان السلم ففطره يؤذن بقلة‬
‫اكتراث مرتكبه بالدين‪ ،‬وتعبيري بذلك أولى من قوله وفطر رمضان‪) .‬وحرابة(‪ :‬وهي قطع الطريق‬
‫على الماّرين بإخافتهم لية }إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله{ )وسحر وربا( بموحدة لنه‬
‫صلى ال عليه وسّلم عدهما من السبع الموبقات في الخبر السابق‪) .‬وإدمان صغيرة(‪ :‬أي إصرار‬
‫عليها من نوع أو أنواع بحيث لم تغلب طاعاته معاصيه وليست الكبائر منحصرة في المذكورات‪،‬‬
‫كما أفهمه ذكر الكاف في أولها‪ ،‬وأما نحو خبر البخاري‪» :‬الكبائر الشراك بال والسحر وعقوق‬
‫الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس«‪ .‬فمحمول على بيان المحتاج إليه منها وقت ذكره‪ ،‬وقد قال‬
‫ابن عباس‪ :‬هي إلى السبعين أقرب‪ .‬وسعيد بن جبير هي إلى السبعمائة أقرب يعني باعتبار أصناف‬
‫أنواعها‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الخبار بعام(‪ :‬أي بشيء عام )رواية( كخصائص النبي صلى ال عليه وسّلم وغيره‪ ،‬إذ‬
‫القصد منها اعتقاد خصوصيتها بمن اختصت به‪ ،‬وهو يعم الناس‪ ،‬وما في المروي من أمر ونهي‬
‫ل الصلة واجبة‬ ‫ونحوهما يرجع إلى الخبر بتأويل‪ .‬فتأويل‪ :‬أقيموا الصلة‪ ،‬ول تقربوا الزنا مث ً‬
‫ص عند حاكم شهادة( بقيد زدته بقولي‪) :‬إن كان حقا لغير المخبر‬ ‫والزنا حرام‪) .‬و( الخبار )بخا ّ‬
‫على غيره(‪ :‬فإن كان للمخبر على غيره فدعوى أو لغيره عليه وإن لم يكن عند حاكم فإقرار‪.‬‬
‫)والمختار أن أشهد إنشاء تضمن إخبارا( بالمشهود به نظرا إلى وجود مضمونه في الخارج به‪،‬‬
‫وإلى متعلقه‪ .‬وقيل محض إخبار نظر إلى متعلقه فقط‪ ،‬وقيل محض إنشاء نظرا إلى اللفظ فقط‪ .‬قال‬
‫شيخنا العلمة المحلي‪ :‬وهو التحقيق فلم تتوارد الثلثة على محل واحد‪ ،‬ول منافاة بين كون أشهد‬
‫إنشاء وكون معنى الشهادة إخبارا لنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه انتهى‪) .‬و( المختار )أن‬
‫صيغ العقود والحلو كبعت( واشتريت )وأعتقت إنشاء( لوجود مضمونها في الخارج بها‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬إنها إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضمونها في الخارج قبيل التلفظ بها‪ ،‬وذكر صيغ‬
‫الحلول مع مثالها من زيادتي‪) .‬و( المختار )أنه يثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية فقط(‪ :‬أي‬
‫بخلف الشهادة ل يثبتان فيها إل بعدد رعاية للتناسب فيهما‪ ،‬فإن قال الواحد يقبل في الرواية دون‬
‫الشهادة‪ ،‬وقيل يثبتان إل بعدد فيهما نظرا إلى أن ذلك شهادة‪ ،‬وقيل يكفي في ثبوتهما فيهما واحد‬
‫نظرا إلى أن ذلك خبر‪ ،‬والترجيح من زيادتي‪) .‬و( المختار )أنه يشترط ذكر سبب الجرح فيهما(‪:‬‬
‫أي في الرواية والشهادة للختلف فيه بخلف سبب التعديل‪) .‬و( لكن )يكفي إطلقه( أي الجرح‬
‫)في الرواية(‪ :‬كالتعديل كأن يقول الجارح فلن ضعيف أو ليس بشيء )إن عرف مذهب الجارح(‬
‫من أنه ل يجرح إل بقادح‪ ،‬فعلم أنه ل يكفي الطلق في الرواية إذا لم يعرف مذهب الجارح‪ ،‬ول‬
‫في الشهادة مطلقا لتعلق‬

‫الحق فيها بالمشهود له‪ ،‬نعم يكفي ذلك فيهما لفادة التوقف عن القبول إلى أن يبحث عن ذلك كما‬
‫ذكره في الرواية‪ ،‬وظاهر أنه ل فرق بينها وبين الشهادة‪ .‬وقيل‪ :‬يشترط ذكر سببهما في الرواية‬
‫والشهادة ولو من العالم به‪ ،‬فل يكفي إطلقهما فيهما لحتمال أن يجرح بما ليس بجارح‪ ،‬وأن يبادر‬
‫ل بالظاهر‪ ،‬وقيل يكفي ذلك اكتفاء بعلم الجارح والمعدل بسببهما‪ ،‬وقيل يشترط ذكر‬
‫إلى التعديل عم ً‬
‫سبب التعديل دون سبب الجرح لن مطلق الجرح يبطل الثقة ومطلق التعديل ل يحصلها لجواز‬
‫العتماد فيه على الظاهر‪) .‬والجرح مقدم( عند التعارض على التعديل‪) .‬إن زاد عدد الجارح على(‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عدد )المعدل( إجماعا‪) .‬وكذا إن لم يزد عليه(‪ :‬بأن ساواه أو نقص عنه‪) .‬في الصح( لطلع‬
‫الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل‪ ،‬وقضيته أنه لو اطلع المعدل على السبب وعلم توبته منه قدم‬
‫على الجارح وهو كذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬يطلب الترجيح في صورة عدم الزائد كما هو حاصل في صورة‬
‫الزائد بالزيادة وعلى وزانه قيل إن التعديل في صورة الناقص مقدم‪) .‬ومن التعديل( لشخص )حكم‬
‫ل عنده لما حكم بشهادته‪.‬‬
‫مشترط العدالة( في الشاهد‪) .‬بالشهادة( من ذلك الشخص‪ ،‬إذ لو لم يكن عد ً‬

‫)وكذا عمل العالم( المشترط للعدالة في الراوي برواية شخص تعديل له في الصح‪ ،‬وإل لما عمل‬
‫ل‪ ،‬والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا‪) .‬و( كذا )رواية من ل يروي إل‬ ‫بروايته وقيل ليس تعدي ً‬
‫عن عدل(‪ :‬بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له‪) .‬في الصح( كما لو قال هو‬
‫عدل‪ ،‬وقيل يجوز أن يترك عادته وتأخيري في الصح عن المسألتين قبله أولى من توسيط الصل‬
‫له بينهما‪) .‬وليس من الجرح( لشخص )ترك عمل بمرويه و( ل ترك )حكم بمشهوده(‪ .‬لجواز أن‬
‫يكون الترك لمعارض‪) .‬ول حّد( له )في شهادة زنا( بأن لم يكمل نصابها لنه لنتفاء النصاب ل‬
‫لمعنى في الشاهد‪) .‬و( ل في )نحو شرب نبيذ( من المسائل الجتهادية المختلف فيها كنكاح المتعة‬
‫لجواز أن يعتقد إباحة ذلك‪) .‬ول تدليس( فيمن روى عنه )بتسمية غير مشهورة( له حتى ل يعرف‪،‬‬
‫إذ ل خلل في ذلك‪) .‬قيل( أي قال ابن السمعاني‪) :‬إل أن يكون بحيث لو سئل( عنه )لم يبينه(‪ :‬فإن‬
‫صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه‪ .‬وأجيب بمنع ذلك‪) .‬ول( تدليس )بإعطاء شخص اسم آخر‬
‫تشبيها كقول( صاحب )الصل( أخبرنا )أبو عبد ال الحافظ يعني( به )الذهبي تشبيها بالبيهقي( في‬
‫قوله‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ )يعني( به )الحاكم( لظهور المقصود وذلك صدق في نفس المر‬
‫)ول( تدليس )بإيهام اللقى والرحلة( الول‪ ،‬ويسمى تدليس السناد كأن يقول من عاصر الزهري‬
‫ل ولم يلقه‪ .‬قال الزهري‪ :‬أو عن الزهري موهما أنه سمعه‪ ،‬والثاني كأن يقول حّدثنا فلن وراء‬ ‫مث ً‬
‫النهر موهما جيحون‪ ،‬والمراد نهر مصر كأن يكون بالجيزة لن ذلك من المعاريض ل كذب فيه‪.‬‬
‫)أما مدلس المتون(‪ :‬وهو من يدرج كلمه معها بحيث ل يتميزان‪) .‬فمجروح( ليقاعه غيره في‬
‫الكذب على النبي صلى ال عليه وسّلم‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصحابي(‪ :‬أي صاحب النبي صلى ال عليه وسّلم‪) .‬من اجتمع مؤمنا( مميزا )بالنبي( في‬
‫حياته )وإن لم يرو( عنه شيئا )ولم يطل(‪ :‬أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم‪،‬‬
‫فخرج من اجتمع به كافرا أو غير مميز أو بعد وفاة النبي‪ ،‬لكن قال البرماوي في غير المميز‪ :‬إنه‬
‫صحابي وإن اختار جماعة خلف ذلك‪ ،‬وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الرواية ولو لحديث‬
‫وإطالة الجتماع نظرا في الطالة إلى العرف‪ ،‬وفي الرواية إلى أنها المقصود العظم من صحبة‬
‫النبي صلى ال عليه وسّلم لتبليغ الحكام‪ ،‬وقيل يشترط الغزو معه ومضى على الجتماع به لن‬
‫لصحبته شرفا عظيما فل ينال إل باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو‬
‫المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب‪ ،‬والعام المشتمل على الفصول الربعة التي تختلف‬
‫فيها المزجة‪ ،‬واعترض التعريف بأنه يصدق على من مات مرتّدا كعبد ال بن خطل‪ ،‬ول يسمى‬
‫صحابيا بخلف من مات بعد ردته مسلما كعبد ال بن سرح‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنه كان يسماه قبل الردة‪،‬‬
‫ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ ل يشترط فيه الحتراز عن المنافي العارض‪) .‬كالتابعي معه(‪:‬‬
‫أي مع الصحابي فيكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحابي في حياته‪،‬‬
‫وهذا ما رجحه ابن الصلح والنووي وغيرهما‪ .‬وقيل ل يكفي ذلك من غير إطالة للجتماع به وبه‬
‫جزم الصل تبعا للخطيب البغدادي‪ ،‬وفرق بأن الجتماع بالنبي يؤثر من النور القلبي أضعاف ما‬
‫يؤثره الجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الخيار‪.‬‬

‫)والصح أنه لو اّدعى معاصر( للنبي صلى ال عليه وسّلم )عدل صحبة قبل(‪ :‬لن عدالته تمنعه‬
‫من الكذب في ذلك‪ ،‬وقيل ل يقبل لّدعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل‪) .‬و( الصح‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)أن الصحابة عدول(‪ :‬فل يبحث عن عدالتهم في رواية ول شهادة لنهم خير المة لقوله تعالى‪:‬‬
‫}كنتم خير أمة أخرجت للناس{ وقوله‪} :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا{ فإن المراد بهم الصحابة‪ ،‬ولخبر‬
‫الصحيحين‪» :‬خير أمتي قرني« وقيل هم كغيرهم فيبحث عن عدالتهم في ذلك إل من كان ظاهر‬
‫العدالة أو مقطوعها كالشيخين رضي ال عنهما‪ ،‬وقيل هم عدول إلى حين قتل عثمان رضي ال‬
‫عنه فيبحث عن عدالتهم بعده لوقوع الفتن بينهم من حينئذ مع إمساك بعضهم عن خوضها‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هم عدول إل من قاتل عليا رضي ال عنه فهم فسقة لخروجهم على المام الحق ورّد بأنهم‬
‫مجتهدون في قتالهم له فل يأثمون وإن أخطأوا بل يؤجرون كما سيأتي على كل قول من طرأ له‬
‫ل غير معصومين‪.‬‬ ‫منهم قادح كسرقة أو زنا عمل بمقتضاه‪ ،‬لنهم وإن كانوا عدو ً‬

‫)مسألة‪ :‬المرسل( المشهور عند الصوليين والفقهاء وبعض المحدثين‪) .‬مرفوع غير صحابي( تابعيا‬
‫كان أو من بعده )إلى النبي( صلى ال عليه وسّلم مسقطا لواسطة بينه وبين النبي‪ ،‬وعند أكثر‬
‫المحّدثين مرفوع تابعي إلى النبي‪ ،‬وعندهم المعضل ما سقط منه راويان فأكثر‪ ،‬والمنقطع ما سقط‬
‫منه من غير الصحابة راٍو وقيل ما سقط منه راٍو فأكثر‪) .‬والصح أنه ل يقبل(‪ :‬أي ل يحتج به‬
‫للجهل بعدالة الساقط وإن كان صحابيا لحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح‪) .‬إل إن كان مرسله من‬
‫كبار التابعين(‪ :‬كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي )وعضده كون مرسله ل يروي إل عن‬
‫عدل(‪ :‬كأن عرف ذلك من عادته كأبي سلمة بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة )وهو( حينئذ‬
‫)مسند( حكما لن إسقاط العدل كذكره‪) .‬أو عضده قول صحابي أو فعله أو قول الكثر( من العلماء‬
‫لصحابي فيهم‪) .‬أو مسند(‪ :‬سواء أسنده المرسل أم غيره )أو مرسل(‪ :‬أن يرسله آخر يروي عن‬
‫غير شوخ الّول‪) .‬أو انتشار( له من غير نكير )أو قياس أو عمل( أهل )العصر( على وفقه )أو‬
‫نحوها(‪ :‬ككون مرسله إذا شارك الحفاظ في أحاديث وافقهم فيها ولم يخالفهم إل بنقص لفظ من‬
‫ألفاظهم بحيث ل يختل به المعنى‪ ،‬فإن المرسل حينئذ يقبل لنتقاء المحذور‪ ،‬وقيل يقبل مطلقا لن‬
‫العدل ل يسقط الواسطة إل وهو عدل عنده‪ ،‬وإل كان ذلك تلبيسا قادحا فيه‪ ،‬وقيل ل مطلقا لما مر‪،‬‬
‫وقيل يقبل إن كان المرسل من أئمة النقل كسعيد بن المسيب والشعبي‪ ،‬بخلف من لم يكن منهم فقد‬
‫يظن من ليس بعدل عدلً فيسقطه لظنه‪.‬‬

‫)والمجموع( من المرسل وعاضده )حجة( ل مجرد المرسل ول مجرد عاضده لضعف كل منهما‬
‫منفردا‪ ،‬ول يلزم من ذلك ضعف المجموع‪ ،‬لنه يحصل من اجتماع الضعيفين قوة مفيدة للظن هذا‬
‫ج بالعاضد( وحده‪) ،‬وإل( بأن كان يحتج به كمسند صحيح )فـ(ـهما )دليلن(‪ ،‬إذ العاضد‬ ‫)إن لم يحت ّ‬
‫ل آخر فيرجح بهما عند معارضة حديث واحد‬ ‫حينئذ دليل برأسه والمرسل لما اعتضد به صار دلي ً‬
‫لهما والتقييد بكبار التابعين من زيادتي‪) .‬و( الصح )أنه(‪ :‬أي المرسل بقيد زدته بقولي‬
‫)باعتضاده(‪ :‬أي مع اعتضاده )بضعيف أضعف من المسند( المحتج به‪ ،‬وقيل أقوى منه لن العدل‬
‫ل يسقط إل من يجزم بعدالته‪ ،‬بخلف من يذكره فيحيل المر فيه على غيره‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم ذلك أما‬
‫إذا اعتضد بصحيح‪ ،‬فل يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه‪ ،‬كما علم مما مر أما‬
‫مرسل صغار التابعين كالزهري فباق على عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه‪ ،‬وقيد القبول بكبار‬
‫التابعين‪ ،‬لن غالب رواياتهم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحابي‪ ،‬فإذا انضم إليه‬
‫عاضد كان أقرب إلى القبول وعليه ينبغي ضبط الكبير بمن أكثر رواياته عن الصحابة والصغير‬
‫بمن أكثر رواياته عن التابعين على أن ابن الصلح والنووي لم يقيدا بالكبار وهو قوي‪ ،‬وهذا كله‬
‫في مرسل غير صحابي كما عرفت‪ ،‬أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب لن أكثر رواية‬
‫الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما مّر‪) .‬فإن تجرد( هذا المرسل عن عاضد ) ول دليل( في‬
‫الباب )سواه( ومدلوله المنع من شيء‪) ،‬فالصح( أنه يجب )النكفاف( عن ذلك الشيء )لجله(‪ :‬أي‬
‫المرسل احتياطا لن ذلك يحدث شبهة توجب التوقف‪ ،‬وقيل ل يجب لنه ليس بحجة حينئذ‪ ،‬أما إذا‬
‫كان ثم دليل سواه فيجب النكفاف قطعا إن وافقه وإل عمل بمقتضى الدليل‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)مسألة‪ :‬الصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف( بمعاني اللفاظ ومواقع الكلم الذي أريد به‬
‫إنشاء أو خبر بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد والفهم‪ ،‬وإن لم ينس اللفظ الخر أو لم‬
‫يرادفه‪ ،‬لن المقصود المعنى واللفظ آلة‪ ،‬وقيل ل يجوز إن لم ينس لفوت الفصاحة في كلم النبي‪،‬‬
‫وقيل إنما يجوز بلفظ مرادف بخلف غير المرادف‪ ،‬لنه قد ل يوفي بالمقصود‪ ،‬وقيل ل يجوز‬
‫مطلقا حذرا من التفاوت‪ ،‬وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثيرا ما يختلفون في معنى الحديث‬
‫المراد‪ .‬قلنا‪ :‬الكلم في المعنى الظاهر ل فيما يختلف فيه كما أنه ليس الكلم فيما نعبد بألفاظ كالذان‬
‫والتشهد والسلم والتكبير‪ ،‬وقيل غير ذلك أما غير العارف فل يجوز له تغيير اللفظ قطعا‪) .‬و(‬
‫الصح )أنه يحتج بقول الصحابي قال النبي( صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬لنه ظاهر في سماعه منه‪ ،‬وقيل‬
‫ل‪ .‬لحتمال أن يكون بينهما واسطة من تابعي أو صحابي‪ ،‬وقلنا‪ :‬نبحث عن عدالة الصحابة‬
‫)فـ(ـبقوله )عنه( أي عن النبي لما مر‪ ،‬وقيل ل لظهوره في الواسطة‪) .‬فـ(ـبقوله )سمعته أمر ونهى(‬
‫لظهوره في صدور أمر ونهي منه‪ ،‬وقيل ل لجواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر ول نهي‬
‫تسمحا )أو( بقوله )أمرنا أو نحوه(‪ :‬مما بني للمفعول كنهينا أو أوجب أو حّرم علينا أو رخص لنا‬
‫لظهور أن فاعلها النبي‪ ،‬وقيل ل‪ .‬لحتمال أن يكون المر والناهي بعض الولة واليجاب والتحريم‬
‫والترخيص استنباط من قائله‪) .‬و( بقوله )من السنة( كذا لظهوره في سنة النبي‪ ،‬وقيل ل لجواز‬
‫إرادة سنة البلد )فكنا معاشر الناس( نفعل في عهده صلى ال عليه وسّلم )وكان الناس يفعلون( في‬
‫عهده صلى ال عليه وسّلم‪) .‬فكنا نفعل في عهده صلى ال عليه وسّلم( لظهوره في تقرير النبي‬
‫عليه‪ ،‬وقيل ل لجواز ىن ل يعلم به‪) .‬فكان الناس يفعلون فكانوا ل يقطعون في( الشيء )التافه(‪.‬‬
‫قالته عائشة رضي ال عنها لظهور ذلك في جميع الناس الذي هو إجماع‪ ،‬وقيل ل لجواز إرادة ناس‬

‫مخصوصين وعطف الصور بالفاء إشارة إلى أن كل صورة دون ما قبلها رتبة‪ ،‬ولهذا كان تعبيري‬
‫في عنه‪ ،‬وسمعته بالفاء أولى من تعبيره فيهما بالواو‪ ،‬ووجه كون الخيرتين دون ما قبلهما عدم‬
‫التصريح بكون ذلك في عهده صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬ووجه كون الخيرة دون ما قبلها عدم التصريح‬
‫بما يعود عليه ضمير كانوا‪.‬‬
‫)خاتمة(‪ :‬في مراتب التحمل‪) .‬مستند غير الصحابي( في الرواية إحدى عشرة )قراءة الشيخ( عليه‬
‫)إملء( من حفظه أو من كتابه‪) .‬فتحديثا( بل إملء‪) .‬فقراءته عليه(‪ :‬أي على الشيخ )فسماعه(‬
‫بقراءة غيره على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعرض‪) .‬فمناولة أو مكاتبة مع إجازة(‪ :‬كأن يدفع‬
‫ل به أو يكتب شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه‪،‬‬ ‫له الشيخ أصل سماعه أو فرعا مقاب ً‬
‫ويقول له‪ :‬أجزت لك روايته عني‪) .‬فإجازة( بل مناولة ول مكاتبة )لخاص في خاص(‪ :‬كأجزت لك‬
‫رواية البخاري‪) .‬فخاص في عام( كأجزت لك رواية جيع مسموعاتي‪) .‬فعام في خاص(‪ :‬كأجزت‬
‫لمن أدركني رواية مسلم‪) .‬فـ(ـعام )في عام( كأجزت لمن عاصرني رواية جميع مروياتي‪) .‬فلفلن‬
‫ومن يوجد من نسله( تبعا له )فمناولة أو مكاتبة(‪ :‬بل إجازة إن قال معها هذا من سماعي )فإعلم(‬
‫بل إجازة كأن يقول‪ :‬هذا الكتاب من مسموعاتي على فلن‪) .‬فوصية( كأن يوصي بكتاب إلى غيره‬
‫ليرويه عنه عند سفره أو موته‪) .‬فوجادة( كأن يجد حديثا أو كتابا بخط شيخ معروف‪.‬‬

‫)والمختار جواز الرواية بالمذكورات( التصريح بهذا من زيادتي والقول بامتناع الرواية بالربعة‬
‫التي قبل الوجادة مردود بأنها أرفع من الوجادة والرواية بها جائزة عند الشافعي وغيره‪ ،‬فالربعة‬
‫أولى‪) .‬ل إجازة من يوجد من نسل فلن(فل يجوز‪ ،‬وقيل تجوز‪ ،‬وقيل ل تجوز الرواية بالجازة‬
‫بأقسامها‪ ،‬وقيل ل تجوز في العامة‪ ،‬أما إجازة من توجد من غير قيد فممنوعة كما فهم بالولى‬
‫وصرح به الصل‪ ،‬ونقل في الجماع‪) .‬وألفاظ الداء من صناعة المحدثين(‪ :‬فلتطلب منهم ومنها‬
‫ي حدثني قرأت عليه قرىء عليه‪ ،‬وأنا أسمع أخبرني إجازة ومناولة أو‬ ‫على ترتيب ما مر أملى عل ّ‬
‫ي وجدت بخطه وقد‬ ‫مكاتبة أخبرني إجازة أنبأني مناولة أو مكاتبة‪ ،‬أخبرني إعلما أوصى إل ّ‬
‫أوضحت الكلم على ذلك مع مراتب التحمل في شرح ألفية العراقي‪ ،‬وقولي أو مكاتبة في‬
‫الموضعين مع إفادة تأخر الحديث عن الملء من زيادتي‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الكتاب الثالث في الجماع‪ ،‬وهو اتفاق مجتهدي المة‬

‫بالقول أو الفعل أو التقرير‪) .‬بعد وفاة محمد( صلى ال عليه وسّلم )في عصر على أي أمر( كان من‬
‫ديني ودنيوي وعقلي ولغوي كما سيأتي بيانه‪) .‬ولو بل إمام معصوم(‪ .‬وقالت الروافض‪ :‬ل بد منه‬
‫ول يخلو الزمان عنه وإن لم تعلم عينه والحجة في قوله فقط وغيره تبع له‪) .‬أو( بل )بلوغ عدد‬
‫تواتر( لصدق مجتهد المة بدونه‪ ،‬وقيل يشترط نظرا للعادة‪) .‬أو( بل )عدول( بناء على أن العدالة‬
‫ليست ركنا في المجتهد وهو الصح‪ ،‬وقيل يعتبرون بناء على أنها ركن فيه فعليه ل يعتبر وفاق‬
‫الفاسق‪ ،‬وقيل يعتبر في حق نفسه دون غيره‪ ،‬وقيل يعتبر إن بين مأخذه في مخالفته‪ ،‬بخلف ما إذا‬
‫لم يبينه إذ ليس عنده ما يمنعه أن يقول شيئا من غير دليل‪) .‬أو( كان المجتهد )غير صحابي( فل‬
‫ص الجماع بالصحابة لصدق مجتهدي المة في عصر بغيرهم‪ .‬وقالت الظاهرية‪ :‬يختص بهم‬ ‫يخت ّ‬
‫لكثرة غيرهم كثرة ل تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء‪) .‬أو قصر الزمن(‪ :‬كأن مات المجمعون عقب‬
‫إجماعهم بخرور سقف عليهم‪ ،‬وقيل يشترط طوله في الجماع الظني بخلف القطعي‪) .‬فعلم( من‬
‫الحد زيادة على ما مر‪) .‬اختصاصه(‪ :‬أي الجماع )بالمجتهدين(‪ :‬بأن ل يتجاوزهم إلى غيرهم‪) .‬فل‬
‫عبرة باتفاق غيرهم قطعا ول بوفاقه لهم في الصح(‪ .‬وقيل يعتبر مطلقا‪ ،‬وقيل‪ :‬يعتبر في المشهور‬
‫ي كدقائق الفقه‪ ،‬وقيل يعتبر وفاق الصولي لهم في الفروع لتوقف استنباطها على‬ ‫دون الخف ّ‬
‫الصول‪ .‬قلنا‪ :‬هو غير مجتهد بالنسبة إليها‪) .‬و( علم اختصاصه )بالمسلمين( لن السلم شرط في‬
‫المجتهد المأخوذ في حده فل عبرة بوفاق الكافر ولو ببدعة ول بخلفه‪) .‬و( علم )أنه ل بد من الكل(‬
‫أي وفاقهم لن إضافة مجتهد إلى المة تفيد العموم )وهو الصح( فيضر مخالفة الواحد ولو تابعيا‬
‫بأن كان مجتهدا وقت اتفاق الصحابة‪ ،‬وقيل يضر مخالفة الثنين دون الواحد‪ ،‬وقيل مخالفة الثلثة‬
‫دون القل منهم‪ ،‬وقيل من بلغ عدد التواتر دون من لم يبلغه إذا كان غيرهم أكثر منه‪ ،‬وقيل يكفي‬
‫اتفاق كل‬

‫من أهل مكة وأهل المدينة وأهل الحرمين‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ .‬فعلم أن اتفاق كل من هؤلء ليس بحجة‬
‫في الصح وهو ما صرح به الصل‪ ،‬لنه اتفاق بعض مجتهدي المة ل كلهم‪) .‬و( علم )عدم‬
‫انعقاده في حياة محمد( صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬لنه إن وافقهم فالحجة في قوله‪ :‬وإل فل اعتبار بقولهم‬
‫دونه‪) .‬و( علم )أنه لو لم يكن( في العصر )إل( مجتهد )واحد لم يكن قوله إجماعا( إذ أقل ما يصدق‬
‫به اتفاق مجتهد المة اثنان‪) .‬وليس( قوله )حجة على المختار( لنتفاء الجماع عن الواحد‪ ،‬وقيل‬
‫حجة وإن لم يكن إجماعا لنحصار الجتهاد فيه‪) .‬و( علم )أن انقراض( أهل )العصر( بموتهم )ل‬
‫يشترط( في انعقاد الجماع لصدق حده مع بقاء المجمعين ومعاصريهم وهو الصح كما سيأتي‪،‬‬
‫وقيل يشترط انقراضهم‪ ،‬وقيل غالبهم‪ ،‬وقيل علماؤهم‪ ،‬وقيل غير ذلك‪) .‬و( علم )أنه( أي الجماع‬
‫)قد يكون عن قياس( لن الجتهاد المأخوذ في حد ل بّد له من مستند كما سيأتي‪ ،‬والقياس من‬
‫جملته‪) .‬وهو الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬ل يجوز أن يكون عن قياس‪ ،‬وقيل يجوز في الجلي دون الخفي‪ ،‬وقيل‬
‫يجوز لكنه لم يقع‪ ،‬وذلك لن القياس لكونه ظنيا في الغلب يجوز مخالفته لرجح منه‪ ،‬فلو جاز‬
‫الجماع عنه لجاز مخالفة الجماع‪ .‬قلنا‪ :‬إنما يجوز مخالفة القياس إذا لم يجمع على ما ثبت به‪ ،‬وقد‬
‫أجمع على تحريم أكل شحم الخنزير قياسا على لحمه‪) .‬فيهما(‪ :‬أي ما ذكر هو الصح في المسألتين‬
‫كما تقرر‪) .‬و( علم )أن اتفاق( المم )السابقين( على أمة محمد صلى ال عليه وسّلم )غير إجماع‬
‫وليس حجة( في ملته )في الصح( لختصاص دليل حجية الجماع بأمته لخبر ابن ماجة وغيره‬
‫»إن أمتي ل تجتمع على ضللة«‪ .‬وقيل إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأتي بيانه‪.‬‬
‫)و(علم )أن اتفاقهم( أي المجتهدين في عصر‪) .‬على أحد قولين( لهم )قبل استقرار الخلف( بينهم‬
‫بأن قصر الزمن بين الختلف والتفاق )جائز ولو( كان التفاق )من الحادث بعد ذوي القولين(‪:‬‬
‫بأن ماتوا ونشأ غيرهم لصدق‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫حد الجماع بكل من التفاقين‪ ،‬ولجواز أن يظهر مستند جلى يجتمعون عليه‪ ،‬وقد أجمعت الصحابة‬
‫على دفنه صلى ال عليه وسّلم في بيت عائشة بعد اختلفهم الذي لم يستقر‪.‬‬
‫)‬

‫وكذا اتفاق هؤلء( أي ذوي القولين )ل من بعدهم بعده(‪ :‬أي بعد استقرار الخلف بأن طال زمنه‬
‫فإنه جائز ل اتفاق من بعدهم‪) .‬في الصح( أما الول فلصدق حد الجماع به وهذا ما صححه‬
‫النووي في شرح مسلم‪ ،‬وقيل ل لن استقرار الخلف بينهم يتضمن اتفاقهم على جاز الخذ بكل من‬
‫شقي الخلف باجتهاد أو تقليد‪ ،‬فيمتنع اتفاقهم على أحدهما‪ .‬قلنا‪ :‬تضمن ما ذكر مشروط بعدم‬
‫التفاق على أحدهما فإذا وجد فل اتفاق قبله‪ ،‬وقيل يجوز إل أن يكون مستندهم في الختلف قاطعا‪،‬‬
‫فل يجوز حذرا من إلغاء القاطع والخلف مبني على أنه ل يشترط انقراض العصر‪ ،‬فإن اشترط‬
‫جاز التفاق مطلقا قطعا والترجيح من زيادتي‪ ،‬وأما الثاني فلنه لو انقدح وجه في سقوط الخلف‬
‫لظهر للمختلفين لطول زمنه‪ ،‬وقيل يجوز لجواز ظهور سقوطه لغير المختلفين دونهم‪) .‬و( علم )أن‬
‫التمسك بأقل ما قيل( من أقوال العلماء حيث ل دليل سواه )حق(‪ :‬لنه تمسك بما أجمع عليه مع كون‬
‫الصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختلف العلماء في دية الذمي الكتابي‪ ،‬فقيل كدية المسلم‪ ،‬وقيل‬
‫كنصفها‪ ،‬وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك‪ ،‬فإن دل دليل على وجوب الكثر أخذ به كغسلت‬
‫ولوغ الكلب قيل‪ :‬إنها ثلث‪ ،‬وقيل سبع ودل عليه خير الصحيحين فأخذ به‪) .‬و( علم )أنه( أي‬
‫الجماع قد )يكون في ديني( كصلة وزكاة )ودنيوي( كتدبير الجيوش وأمور الرعية‪) .‬وعقلي ل‬
‫تتوقف صحته( أي الجماع )عليه( كحدوث العالم ووحدة الصانع‪ ،‬فإن توقفت صحة الجماع عليه‬
‫كثبوت الباري والنبوة لم يحتج فيه بالجماع وإل لزم الدور‪) .‬ولغوي(‪ :‬من زيادتي ككون الفاء‬
‫للتعقيب‪) .‬و( علم )أنه( أي الجماع )ل بد له من مستند(‪ :‬أي دليل‪ ،‬وإل لم يكن لقيد الجتهاد‬
‫المأخوذ‬

‫في حده معنى‪) .‬وهو الصح(‪ :‬لن القول في الحكام بل مستند خطأ‪ ،‬وقيل يجوز حصوله بغير‬
‫مستند بأن يلهموا التفاق على صواب هذا كله في الجماع القولي‪) .‬أما السكوتي بأن يأتي بعضهم(‪:‬‬
‫أي بعض المجتهدين‪) .‬بحكم ويسكت الباقون عنه وقد علموا به وكان السكوت مجردا عن أمارة‬
‫رضا وسخط(‪ :‬بضم السين وإسكان الخاء وبتفحهما خلف الرضا‪) .‬والحكم اجتهادي تكليفي ومضى‬
‫مهلة النظر عادة فإجماع وحجة في الصح(‪ :‬لن سكوت العلماء في مثل ذلك يظن منه الموافقة‬
‫عادة‪ ،‬وقيل ليس بإجماع ول حجة لحتمال السكوت لغير الموافقة كالخوف والمهابة والتردد في‬
‫الحكم‪ ،‬وعزى هذا للشافعي‪ ،‬وقيل ليس بإجماع بل حجة لختصاص مطلق اسم الجماع عند هذا‬
‫القائل بالقطعي‪ ،‬أي المقطوع فيه بالموافقة وإن كان هو عنده إجماعا حقيقة كما يفيده كونه حجة‬
‫عنده‪ ،‬وقيل حجة بشرط النقراض‪ ،‬وقيل حجة إن كان فتيا ل حكما لن الفتيا يبحث فيها عادة‬
‫فالسكوت عنها رضا بخلف الحكم‪ ،‬وقيل عكسه لصدور الحكم عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم‬
‫بخلف الفتيا‪ ،‬وقيل حجة إن كان الساكتون أقل من القائلين‪ ،‬وقيل غير ذلك وخرج بما ذكر ما لو لم‬
‫يعلم الساكتون بالحكم‪ ،‬فليس من محل الجماع السكوتي وليس بحجة لحتمال أن ل يكون خاضوا‬
‫في الخلف‪ ،‬وقيل حجة لعدم ظهور خلف فيه‪ ،‬وقيل غير ذلك وترجيح عدم حجيته من زيادتي‬
‫وهو ما عليه الكثر‪ ،‬وإن اقتضى كلم الصل ترجيح حجته‪ ،‬وخرج أيضا ما لو اقترن السكوت‬
‫بأمارة الرضا فإجماع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإجماع قطعا‪ ،‬وما لو كان الحكم قطعيا ل‬
‫اجتهاديا أو لم يكن تكليفيا نحو‪ :‬عمار أفضل من حذيفة أو عكسه فالسكوت على القول‪ ،‬بخلف‬
‫المعلوم في الولى وعلى ما قيل في الثانية ل يدل على شيء وما لم يمض زمن مهلة النظر عادة‬
‫فل يكون ذلك إجماعا‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح إمكانه(‪ :‬أي الجماع‪ ،‬وقيل ل يمكن عادة كالجماع على أكل طعام واحد‪ ،‬وقول‬
‫كلمة واحدة في وقت واحد‪ .‬قلنا‪ :‬هذا ل جامع لهم عليه لختلف شهواتهم ودواعيهم‪ ،‬بخلف الحكم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الشرعي‪ ،‬إذ يجمعهم عليه الدليل الذي يتفقون على مقتضاه‪) .‬و( الصح )أنه( بعد إمكانه )حجة(‬
‫شرعية )وإن نقل آحادا( قال تعالى‪} :‬ومن يشاقق الرسول( الية‪ ،‬توعد فيها على اتباع غير سبيل‬
‫المؤمنين فيجب اتباع سبيلهم وهو قولهم أو فعلهم فيكون حجة وقيل ل لقوله تعالى‪} :‬فإن تنازعتم في‬
‫شيء فردوه إلى ال والرسول{ اقتصر على الرد إلى الكتاب والسنة‪ .‬قلنا‪ :‬وقد دل الكتاب على‬
‫حجيته كما مر آنفا‪ ،‬وقيل ل إل إن نقل آحادا لنه قطعي فل يثبت بخبر الواحد‪) .‬و( الصح )أنه(‬
‫بعد حجيته )قطعي( فيها )إن اتفق المعتبرون( على أنه إجماع )ل إن اختلفوا( في ذلك )كالسكوتي(‪:‬‬
‫فإنه ظني‪ ،‬وقيل ظني مطلقا‪ ،‬إذ المجمعون عن ظن ل يمتنع خطؤهم والجماع عن قطع غير محقق‬
‫)وخرقه(‪ :‬أي إجماع القطعي وكذا الظني عند من اعتبره بالمخالفة )حرام( للتوعد عليه بالتوعد‬
‫على اتباع غير سبيل المؤمنين في الية السابقة‪) .‬فعلم( من حرمة خرقه )تحريم إحداث( قول‬
‫)ثالث( في مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولين )و( إحداث )تفصيل( بين مسألتين لم يفصل‬
‫بينهما أهل عصر‪) .‬إن خرقاه( أي إن خرق الثالث والتفصيل الجماع بأن خالفا ما اتفق عليه أهل‬
‫عصر‪ ،‬بخلف ما إذا لم يخرقاه‪ ،‬وقيل‪ :‬هما خارقان مطلقا‪ ،‬لن الختلف على قولين يستلزم‬
‫التفاق على امتناع العدول عنهما وعدم التفصيل بين مسألتين يستلزم التفاق على امتناعه‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫الستلزام ممنوع فيهما مثال الثالث خارقا ما قيل إن الخ يسقط الجد‪ ،‬وقد اختلفت الصحابة فيه على‬
‫قولين‪ :‬قيل يسقط بالجد‪ ،‬وقيل يشاركه كأخ فإسقاط الجّد به خارق لما اتفق عليه القولن من أن له‬
‫نصيبا‪ ،‬ومثاله غير خارق ما قيل إنه يحل متروك التسمية سهوآ ل عمدا‪ ،‬وعليه الحنفي‪ ،‬وقيل يحل‬
‫مطلقا‪ ،‬وعليه‬

‫الشافعي‪ ،‬وقيل يحرم مطلقا‪ ،‬فالفارق موافق لمن لم يفرق في بعض ما قاله‪ ،‬ومثال التفصيل خارقا‬
‫ما لو قيل بتوريث العمة دون الخالة أو عكسه‪ ،‬وقد اختلفوا في توريثهما مع اتفاقهم على أن العلة‬
‫فيه أو في عدمه كونهما من ذوي الرحام‪ ،‬فتوريث إحداهما دون الخرى خارق للتفاق‪ ،‬ومثاله‬
‫ي المباح‪ ،‬وقيل تجب فيهما وقيل ل‬ ‫غير خارق ما‪ .‬قلنا‪ :‬إنه تجب الزكاة في مال الصبي دون الحل ّ‬
‫تجب فيهما فالمفصل موافق لمن لم يفصل في بعض ما قاله‪.‬‬

‫)و( علم )أنه يجوز إحداث( أي إظهار )دليل( لحكم )أو تأويل( لدليل ليوافق غيره )أو علة( لحكم‬
‫غير ما ذكروه من الدليل والتأويل‪ ،‬والعلة لجواز تعدد المذكورات )إن لم يخرق(‪ :‬ما ذكروه بخلف‬
‫ما إذا خرقه بأن قالوا‪ :‬ل دليل ول تأويل ول علة غير ما ذكرناه‪ ،‬وقيل ل يجوز إحداث ذلك مطلقا‬
‫لنه من غير سبيل المؤمنين المتوعد على اتباعه في الية‪ .‬قلنا‪ :‬المتوعد عليه ما خالف سبيلهم ل ما‬
‫لم يتعرضوا له كما نحن فيه )و( علم )أنه يمتنع ارتداد المة( في عصر )سمعا( لخرقه إجماع من‬
‫ل قطعا )ل اتفاقها(‪ :‬أي المة‬ ‫قبلهم على وجوب استمرار اليمان‪ .‬وقيل‪ :‬ل يمتنع سمعا ل يمتنع عق ً‬
‫في عصر )على جهل ما( أي شيء )لم تكلف به( بأن لم تعلمه كالتفضيل بين عمار وحذيفة فل‬
‫ل لها فيجب اتباعها فيه وهو‬ ‫يمتنع إذ ل خطأ فيه لعدم التكليف به‪ ،‬وقيل يمتنع وإل لكان الجهل سبي ً‬
‫باطل‪ .‬قلنا‪ :‬يمنع أنه سبيل لها إذ سبيل الشخص ما يختاره من قول أو فعل ل ما ل يعلمه أما اتفاقها‬
‫على جهل ما كلفت به فممتنع قطعا )ول انقسامها( أي المة )فرقتين( في كل من مسألتين‬
‫متشابهتين )كل( من الفرقتين )يخطىء في مسألة( من المسألتين كاتفاق إحدى الفرقتين على وجوب‬
‫الترتيب في الوضوء وعلى عدم وجوبه في الصلة الفائتة‪ ،‬والخرى على العكس‪ ،‬فل يمتنع نظرا‬
‫في ذلك إلى أنه لم يخطىء إل بعضها بالنظر إلى كل مسألة على حدتها‪ ،‬وقيل يمتنع نظرا إلى أنها‬
‫أخطأت في مجموع المسألتين والخطأ منفي عنها بالخبر السابق‪ ،‬والتصحيح في هذه العلوم مما يأتي‬
‫من زيادتي )و( علم )أن الجماع ل يضاد إجماعا(‪ :‬أي ل يجوز انعقاده على ما يضاد ما انعقد عليه‬
‫إجماع‪) .‬قبله( لستلزامه تعارض قاطعين‪ ،‬وقيل يجوز إذ ل مانع من كون الّول مغيا بالثاني‪.‬‬
‫)وهو الصح في الكل(‪ :‬أي كل من المسائل الست كما تقرر‪) .‬ول يعارضه( أي الجماع بناء على‬
‫ي‪) .‬دليل( قطعي ول ظني‪ ،‬إذ ل تعارض بين قاطعين لستحالته‪ ،‬إذ‬ ‫الصح أنه قطع ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫التعارض بين شيئين يقتضي خطأ أحدهما‪ ،‬ول بين قاطع ومظنون للغاء المظنون في مقابلة‬
‫القاطع‪ ،‬أما الجماع الظني فيجوز معارضته بظني آخر‪) .‬وموافقته(‪ :‬أي الجماع )خبرا ل تدل‬
‫على أنه عنه( لجواز أن يكون عن غيره ولم ينقل لنا استغناء بنقل الجماع عنه )لكنه(‪ :‬أي كونه‬
‫عنه هو )الظاهر إن لم يوجد غيره( بمعناه‪ ،‬إذ ل بد له من مستند كما مر‪ ،‬فإن وجد فل لجواز أن‬
‫يكون الجماع عن ذلك الغير‪ ،‬وقيل‪ :‬موافقته له تدل على أنه عنه قال بعضهم‪ :‬ومحل الخلف في‬
‫خبر الواحد أما المتواتر فهو عنه بل خلف وفيه نظر‪.‬‬

‫خاتمة‪.:‬‬
‫)جاحد مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة( وهو ما يعرفه منه الخواص والعوام من غير قبول‬
‫تشكيك كوجوب الصلة والصوم وحرمة الزنا والخمر‪) .‬كافر( قطعا )إن كان فيه نص( لن جحده‬
‫يستلزم تكذيب النبي صلى ال عليه وسّلم فيه وما أوهمه كلم المدي‪ ،‬ومن تبعه من أن فيه خلفا‬
‫ص جادحه كافر‪) .‬في الصح( لما مر‪ ،‬وقيل ل لعدم النص‬ ‫ليس بمراد لهم‪) .‬وكذا إن لم يكن( فيه ن ّ‬
‫وخرج بالمجمع عليه غيره‪ ،‬وإن كان فيه نص‪ ،‬وبالمعلوم ضرورة غيره كفساد الحج بالوطء قبل‬
‫الوقوف‪ ،‬وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت البن السدس مع البنت لقضاء النبي صلى ال عليه وسّلم‬
‫به‪ ،‬كما رواه البخاري وبالدين المجمع عليه المعلوم من غيره ضرورة كوجود بغداد‪ ،‬فل يكفر‬
‫جاحدها ول جاحد شيء منها‪ ،‬وإن اشتهر بين الناس هذا حاصل ما في الروضة كأصلها في باب‬
‫الردة وهو المعتمد‪ ،‬وإن خالفه ما في الصل كما أوضحته في الحاشية‪.‬‬

‫الكتاب الرابع في القياس‬

‫من الدلة الشرعية‪) .‬وهو( لغة التقدير والمساواة‪ .‬واصطلحا‪) .‬حمل معلوم على معلوم( بمعنى‬
‫متصّور أي إلحاقه به في حكمه‪) .‬لمساواته( له )في علة حكمه(‪ :‬بأن توجد بتمامها في المحمول‬
‫)عند الحامل(‪ :‬وهو المجتهد مطلقا أو مقيدا وافق ما في نفس المر أو ل‪ ،‬بأن ظهر غلطه‪ ،‬فتناول‬
‫الحد القياس الفاسد كالصحيح‪) .‬وإن خص( المحدود )بالصحيح حذف( من الحّد )الخير(‪ :‬وهو عند‬
‫الحامل فل يتناول حينئذ إل الصحيح لنصراف المساواة المطلقة إلى ما في نفس المر والفاسد قبل‬
‫ظهور فساده معمول به كالصحيح‪ .‬وحّد شيخنا الكمال ابن الهمام القياس بأنه مساواة محل لخر في‬
‫علة حكم شرعي له‪ ،‬وهو ل يشمل غير الشرعي‪ ،‬لكنه أخصر من الحّد الّول وأقرب إلى مدلول‬
‫القياس اللغوي الذي مّر بيانه وسالم مما أورد على الّول من أن الحمل فعل المجتهد فيكون القياس‬
‫فعله مع أنه دليل نصبه الشرع نظر فيه المجتهد أو ل‪ ،‬كالنص لكن جواب اليراد أنه ل تنافي بين‬
‫ل‪) .‬وهو( أي القياس )حجة في المور الدنيوية(‬ ‫كونه فعل المجتهد ونصب الشارع إياه دلي ً‬
‫كالغذية‪) .‬وكذا في غيرها( كالشرعية )في الصح( لعمل كثير من الصحابة به متكررا شائعا مع‬
‫سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الصول العامة وفاق عادة‪ ،‬ولقوله تعالى‪} :‬فاعتبروا{‬
‫ل‪ ،‬وقيل شرعا‪ ،‬وقيل‬ ‫والعتبار قياس الشيء بالشيء فيجوز القياس في ذلك‪ ،‬وقيل يمتنع فيه عق ً‬
‫ي‪ ،‬وقيل يمتنع في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات‪ ،‬وقيل غير‬ ‫يمتنع فيه إن كان غير جل ّ‬
‫ذلك‪ .‬والصح الّول فو جائز فيما ذكر‪) .‬إل في العادية والخلقية(‪ :‬أي التي ترجع إلى العادة والخلقة‬
‫كأقل الحيض أو النفاس أو الحمل وأكثره فيمتنع ثبوتها بالقياس في الصح‪ ،‬لنها ل يدرك المعنى‬
‫فيها‪ ،‬بل يرجع فيها إلى قول من يوثق به‪ ،‬وقيل يجوز لنه قد يدرك المعنى فيها‪) .‬وإل في كل‬
‫الحكام( فيمتنع ثبوتها بالقياس في الصح‪ ،‬لن منها ما ل يدرك معناه كوجوب الدية على العاقلة‪،‬‬
‫وقيل يجوز‬

‫ل من الحكام صالح لن يثبت بالقياس بأن يدرك معناه ووجوب الدية على العاقلة له‬ ‫حتى إن ك ً‬
‫معنى يدرك‪ ،‬وهو إعانة الجاني فيما هو معذور فيه‪ ،‬كما يعان الغارم لصلح ذات البين بما‬
‫يصرف إليه من الزكاة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)وإل القياس على منسوخ فيمتنع( فيه‪) .‬في الصح( لكتفاء اعتبار الجامع بالنسخ وقيل يجوز فيه‪،‬‬
‫لن القياس مظهر لحكم الفرع الكمين ونسخ الصل ليس نسخا للفرع‪ ،‬وقولي من زيادتي فيمتنع‬
‫تنبيه على أن الخلف‪ ،‬إنما هو في امتناع القياس ل في عدم حجيته‪) .‬وليس النص عل العلة( لحكم‬
‫ولو في جانب الكف‪) .‬أمرا بالقياس( أي ليس أمرا به )في الصح( ل في جانب الفعل غير الكف‬
‫كأكرم زيدا لعلمه‪ ،‬ول في جانب الكف نحو الخمر حرام لسكارها‪ ،‬وقيل إنه أمر به في الجانبين‪،‬‬
‫إذ ل فائدة لذكر العلة إل ذلك‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم الحصر لجواز كون الفائدة بيان مدرك الحكم ليكون أوقع‬
‫في النفس‪ ،‬وقيل إنه أمر به في جانب الكف دون غيره لن العلة في الكف المفسدة‪ ،‬وإنما يحصل‬
‫الغرض من انعدامها بالكف عن كل فرد مما تصدق عليه العلة والعلة في غيره المصلحة‪ ،‬ويحصل‬
‫الغرض من حصولها بفرد‪ .‬قلنا‪ :‬قوله عن كل فرد إلى آخره ممنوع‪ ،‬بل يكفي الكف عن كل فرد‬
‫مما يصدق عليه محل المعلل‪.‬‬

‫)وأركانه( أي القياس )أربعة( مقيس عليه ومقيس ومعنى مشترك بينهما وحكم للمقيس عليه يتعّدى‬
‫بواسطة المشترك إلى المقيس‪) .‬الول(‪ :‬وهو المقيس عليه )الصل(‪ :‬أي يسمى به كما يسمى‬
‫المقيس بالفرع كما سيأتي‪ ،‬ولكون حكم الصل غير حكم الفرع باعتبار المحل‪ ،‬وإن كان عينه‬
‫بالحقيقة صح تفرع الثاني على الول باعتبار دليلهما وعلم المجتهد بهما ل باعتبار ما في نقس‬
‫المر‪ ،‬إذ الحكام قديمة ول تفرع في القديم‪) .‬والصح أنه( أي الصل المقيس عليه )محل الحكم‬
‫المشبه به( بالرفع صفة المحل أي‪ :‬المقيس عليه‪ ،‬وقيل هو حكم المحل‪ ،‬وقيل دليل الحكم )و(‬
‫الصح )أنه ل يشترط( في الصل المذكور )دال( أي دليل )على جواز القياس عليه بنوعه أو‬
‫شخصه ول التفاق على وجود العلة فيه(‪ :‬وقيل يشترطان فعلى اشتراط الول ل يقاس في مسائل‬
‫ل إل إذا قام دليل على جواز القياس فيه بنوعه أو شخصه وعلى اشتراط الثاني ل يقاس‬ ‫البيع مث ً‬
‫فيما اختلف في وجود العلة فيه‪ ،‬بل ل بّد من التفاق على ذلك بعد التفاق على أن حكم الصل‬
‫معلل‪ ،‬وكل منهما مردود بأنه ل دليل عليه‪.‬‬

‫)الثاني‪ (:‬من أركان القياس )حكم الصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا(‪ :‬إذ لو ثبت بقياس‬
‫كان القياس الثاني عند اتحاد العلة لغو للستغناء عنه بقياس الفرع فيه على الصل في الول‪ ،‬وعند‬
‫اختلفها غير منعقد لعدم اشتراك الصل‪ ،‬والفرع فيه في علة الحكم‪ ،‬فالتحاد كقياس التفاح على‬
‫البّر في الربوية بجامع الطعم ثم قياس السفرجل على التفاح‪ ،‬فيما ذكر‪ .‬وهو لغو للستغناء عنه‬
‫بقياس السفرجل على البر والختلف كقياس الرتق‪ ،‬وهو انسداد محل الوطء على جب الذكر في‬
‫فسخ النكاح بجامع فوات التمتع‪ ،‬ثم قياس الجذام على الرتق فيما ذكر وهو غير منعقد‪ ،‬لن فوات‬
‫التمتع غير موجود فيه‪ ،‬وقيل ل يثبت بإجماع أيضا ل أن يعلم أن مستنده نص ليستند القياس إليه‪،‬‬
‫ورّد بأنه ل دليل عليه ول يضر احتمال أن يكون الجماع عن قياس‪ ،‬لن كون حكم الصل حينئذ‬
‫عن قياس مانع من القياس‪ ،‬والصل عدم المانع‪) .‬وكونه غير متعبد به بالقطع( أي اليقين )في‬
‫قول(‪ :‬لن ما تعبد فيه باليقين إنما يقاس على محله ما يطلب فيه اليقين كالعقائد والقياس ل يفيد‬
‫اليقين‪ ،‬ورّد بأنه يفيده إذا علم حكم الصل وما هو العلة فيه ووجودها في الفرع‪ ،‬وزدت في قول‬
‫ليوافق ما رجحته كالصل قبل من جواز القياس في العقليات‪) .‬وكونه من جنس الحكم الفرع(‪:‬‬
‫فيشترط كونه شرعيا إن كان المطلوب إثباته حكما شرعيا وكونه عقليا إن كان المطلوب إثباته‬
‫حكما عقليا وكونه لغويا إن كان المطلوب إثباته حكما لغويا )وأن ل يعدل(‪ :‬أي حكم الصل )عن‬
‫سنن القياس( فما عدل عن سننه أي‪ :‬خرج عن طريقه ل يقاس على محله لتعذر التعدية حينئذ‬
‫كشهادة خزيمة بن ثابت وحده‪ ،‬فل يقاس به غيره‪ ،‬وإن فاته رتبة كالصديق رضي ال عنه وقصة‬
‫شهادته رواها ابن خزيمة‪ ،‬وحاصلها أن النبي صلى ال عليه وسّلم ابتاع فرسا من أعرابي فجحده‬
‫ي فشهد عليه خزيمة أي وحده‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسّلم‪:‬‬ ‫البيع‪ ،‬وقال‪ :‬هلم شهيدا يشهد عل ّ‬
‫ما حملك على هذا ولم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫تكن حاضرا؟ فقال‪ :‬صدقتك بما جئت به وعلمت أنك ل تقول إل حقا‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسّلم‪:‬‬
‫»من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه«‪ .‬ورواها أبو داود أيضا وقال‪ :‬فجعل النبي صلى ال‬
‫ل لحكم‬
‫عليه وسّلم شهادته بشهادة رجلين‪) .‬و( أن )ل يكون دليله(‪ :‬أي دليل حكم الصل )شام ً‬
‫ل لبعضها‬‫الفرع( للستغناء به حينئذ عن القياس‪ ،‬مع أنه ليس جعل بعض الصور المشمولة أص ً‬
‫ل بمثل« ثم قيس‬ ‫أولى من العكس‪ ،‬كما لو استدل على ربوية البر بخبر مسلم‪» :‬الطعام بالطعام مث ً‬
‫عليه الذرة بجامع الطعم فإن الطعام يشمل الذرة كالبر سواء‪ ،‬وسيأتي أنه ل يشترط في العلة أن ل‬
‫يشمل دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه في الصح‪ ،‬وفارق ما هنا بما فهم من المعية السابقة‪.‬‬
‫)وكونه(‪ :‬أي حكم الصل )متفقا عليه جزما(‪ ،‬وإل احتيج عند منعه إلى إثباته فينتقل إلى مسألة‬
‫أخرى‪ ،‬وينتشر الكلم ويفوت المقصود‪ ،‬وذلك ممنوع منه إل أن يروم المستدل إثباته فليس ممنوعا‬
‫كما يعلم مما يأتي )بين الخصمين فقط في الصح(‪ :‬لن البحث ل يعدوهما وقيل بين كل المة حتى‬
‫ل‪.‬‬
‫ل يتأتى المنع أص ً‬
‫)‬

‫والصح أنه ل يشترط( مع اشتراط اتفاق الخصمين فقط )اختلف المة( غيرهما في الحكم‪ ،‬بل‬
‫يجوز اتفاقهم عليه كهما‪ ،‬وقيل يشترط اختلفهم فيه ليتأتى للخصم منعه‪ ،‬إذ ل يتأتى له منع المتفق‬
‫عليه‪ ،‬ويجاب بأنه يتأتى له منعه من حيث العلة كما هو المراد‪ ،‬وإن لم يتأت له منعه من حيث هو‬
‫)فإن اتفقا عليه مع منع الخصم أن علته كذا(‪ :‬كما في قياس حلى البالغة على حلى الصبية في عدم‬
‫وجوب الزكاة‪ ،‬فإن عدمه في الصل متفق عليه بيننا وبين الحنفي‪ ،‬والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا‬
‫وعنده كونه مال صبية‪) .‬و( القياس المشتمل على الحكم المذكور )مركب الصل(‪ .‬سمي به لتركيب‬
‫الحكم فيه أي‪ :‬بنائه على علتي الصل بالنظر للخصمين‪) .‬أو( اتفقا عليه مع منع الخصم )وجودها‬
‫في الصل(‪ :‬كما في قياس إن نكحت فلنة فهي طالق على فلنة التي أنكحها طالق في عدم وقوع‬
‫الطلق بعد النكاح‪ ،‬فإن عدمه في الصل متفق عليه بيننا وبين الحنفي والعلة تعليق الطلق قبل‬
‫تملكه‪ ،‬والحنفي يمنع وجودها في الصل ويقول هو تنجيز‪) .‬فـ(ـالقياس المشتمل على الحكم‬
‫المذكور )مركب الوصف( سمي به لتركيب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع الخصم‬
‫وجوده في الصل‪ ،‬وقول الصل في الّول فإن كان متفقا بينهما‪ ،‬ولكن لعلتين‪ ،‬وفي الثاني لعلة‬
‫يوهم أن التفاق لجل العلتين أو العلة‪ ،‬وليس مرادا فتعبيري بما ذكر سالم من ذلك‪) .‬ول يقبلن(‪:‬‬
‫أي القياسان المذكوران )في الصح( لمنع الخصم وجود العلة في الفرع في الّول‪ ،‬وفي الصل في‬
‫الثاني‪ ،‬وقيل يقبلن نظر التفاق الخصمين على حكم الصل‪) .‬ولو سلم( الخصم )العلة( للمستدل‬
‫أي‪ :‬سلم أنها ما ذكره (فأثبت المستدل وجودها( حيث اختلفا فيه )أو سلمه( أي‪ :‬سلم وجودها‪.‬‬
‫)الخصم انتهض الدليل( عليه لعترافه بوجودها في الثاني‪ ،‬وقيام الدليل عليه في الول‪) .‬وإن لم‬
‫يتفقا( أي الخصمان )عليه و( ل )على علته ورام المستدل إثباته( بدليل‪) .‬ثم( إثبات )العلة( بطريق‪،‬‬
‫)فالصح قبوله( في‬

‫ذلك لن إثباته كاعتراف الخصم به‪ ،‬وقيل ل يقبل بل ل بد من اتفاقهما عليهما صونا للكلم عن‬
‫النتشار )والصح( أنه )ل يشترط( في القياس )التفاق( أي الجماع )على أن حكم الصل معلل أو‬
‫النص على العلة(‪ :‬المستلزم لتعليله‪ ،‬إذ ل دليل على اشتراط ذلك بل يكفي إثبات التعليل بدليل‪ ،‬وقيل‬
‫يشترط ذلك‪ ،‬وقد مر أنه ل يشترط التفاق على أن علة حكم الصل كذا على الصح‪ ،‬وإنما فرقت‬
‫كالصل بين المسألتين لمناسبة المحلين‪ ،‬وإنما لم أستغن بهذه عن تلك مع أنها تستلزمها لبيان‬
‫المقابل للصح فيهما لنها ل تستلزم المقابل في تلك‪.‬‬

‫)الثالث(‪ :‬من أركان القياس‪) .‬الفرع‪ :‬وهو المحل المشبه( بالصل )في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬حكمه ول‬
‫يأتي قول كالصل بأنه دليل الحكم لن دليله القياس‪) .‬والمختار قبول المعارضة فيه(‪ :‬أي في الفرع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)بمقتضى نقيض الحكم أو ضده(‪ .‬وقيل ل يقبل‪ ،‬وإل لنقلب منصب المناظرة‪ ،‬إذ يصير المعترض‬
‫ل وبالعكس‪ ،‬وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى غيره‪ .‬قلنا‪:‬‬ ‫مستد ً‬
‫القصد من المعارضة هدم دليل المستدل ل إثبات مقتضاها المؤدي إلى ما مّر‪ .‬وصورتها في الفرع‬
‫أن يقول‪ :‬المعترض للمستدل ما ذكرت من الوصف‪ ،‬وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي‬
‫وصف آخر يقتضي نقيضه أو ضده‪ ،‬فالنقيض نحو المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه‬
‫ن تثليثه كمسح الخف والضد نحو الوتر واظب عليه‬ ‫فيقول المعارض مسح في الوضوء‪ ،‬فل يس ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬فجب كالتشهد فيقول‪ :‬المعارض مؤقت بوقت صلة من الخمس فيسن‬ ‫النب ّ‬
‫كالفجر‪ ،‬وخرج بالمقتضى لنقيض الحكم أو ضده المعارضة بالمقتضى لخلف الحكم‪ ،‬فل يقدح لعدم‬
‫منافاتها لدليل المستدل كما يقال‪ :‬اليمين الغموس قول يأثم قائله فل يوجب الكفارة‪ ،‬كشهادة الزور‪،‬‬
‫فيقول المعارض قول مؤكد للباطل يظن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور‪) .‬و( المختار في‬
‫دفع المعارضة المذكورة زيادة على دفعها بكل ما يعترض به على المستدل ابتداء )دفعها‬
‫بالترجيح(‪ :‬لوصف المستدل على وصف المعارض بمرجح مما يأتي في محله لتعين العمل‬
‫بالراجح‪ .‬وقيل‪ :‬ل تدفع به لن المعتبر فيها حصول أصل الظن ل مساواته لظن الصل‪ ،‬وأصل‬
‫الظن ل يندفع بالترجيح‪ .‬ورّد بأنه لو صح ذلك لقتضى منع قبول الترجيح مطلقا وهو خلف‬
‫الجماع‪) .‬و( المختار بناء على الول )أنه ل يجب اليماء إليه( أي‪ :‬إلى الترجيح )في الدليل(‪.‬‬
‫ابتداء لن ترجيح وصف المستدل على وصف معارضه خارج عن الدليل‪ ،‬وقيل يجب لن الدليل ل‬
‫يتم بدونه دفع المعارض‪ .‬قلنا‪ :‬ل معارض حينئذ فل حاجة إلى دفعه قبل وجوده‪.‬‬

‫)وشرطه( أي الفرع )وجود تمام العلة( التي في الصل )فيه(‪ :‬بل زيادة أو بها كالسكار في قياس‬
‫النبيذ بالخمر‪ ،‬واليذاء في قياس الضرب بالتأفيف فيتعّدى الحكم إلى الفرع‪) .‬فإن كانت( أي العلة‬
‫)قطعية(‪ :‬بأن قطع بكونها علة في الصل وبوجودها في الفرع كالسكار واليذاء فيما مر‪.‬‬
‫)فقطعي( قياسها حتى كأن الفرع فيه شمله دليل الصل‪ ،‬فإن كان دليله ظنيا فحكم الفرع كذلك‪) .‬أو(‬
‫كانت )ظنية( بأن ظن كونها علة في الصل‪ ،‬وإن قطع بوجودها في الفرع )فظني وأدون(‪ :‬أي‬
‫فقياسها ظني وهو قياس الدون والتصريح بأنه ظني من زيادتي )كتفاح( أي كقياسه )ببّر( في باب‬
‫الربا )بجامع الطعم(‪ :‬فإنه العلة عندنا في الصل مع احتمال ما قيل إنها الفوت أو الكيل‪ ،‬وليس في‬
‫التفاح إل الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الوصاف الثلثة‪ ،‬والول‬
‫الذي هو القطعي يشمل قياس الولى والمساوي‪) .‬وأن( أي وشرط الفرع ما ذكر وأن )ل يعارض(‬
‫أي معارضة ل يتأتى دفعها كما مّر التلويح به‪ ،‬والتصريح بهذا من زيادتي‪) .‬و( أن )ل يقوم القاطع‬
‫على خلفه(‪ :‬أي خلف الفرع في الحكم‪ ،‬إذ ل صحة للقياس في شيء مع قيام دليل قاطع على‬
‫خلفه‪) .‬وكذا خبر الواحد(‪ :‬أي وأن ل يقوم خبر الواحد على خلفه )في الصح(‪ :‬لنه مقدم على‬
‫القياس في الصح كما مّر في بحث الخبر‪) .‬إل لتجربة(‪ :‬أي تمرين )النظر( من المستدل‪ ،‬فيجوز‬
‫القياس المخالف لنه صحيح في نفسه ولم يعمل به لمعارضة ما ذكر له‪ ،‬ويدل لصحته قولهم‪ :‬إذا‬
‫تعارض النص والقياس قدم النص‪) .‬و( أن )يتحد حكمه( أي الفرع )بحكم الصل( في المعنى‪ ،‬كما‬
‫أنه يشترط في الفرع وجود تمام العلة فيه كما مّر‪ ،‬فإن لم يتحد به لم يصح القياس لنتفاء حكم‬
‫الصل عن الفرع‪ ،‬وجواب عدم التحاد فيما ذكر يكون ببيان التحاد فيه كما يعلم مما يأتي في‬
‫محله كأن يقيس الشافعي ظهار الذمي بظهار المسلم في حرمة وطء الزوجة‪ ،‬فيقول الحنفي‪ :‬الحرمة‬
‫في المسلم تنتهي‬

‫بالكفارة‪ ،‬والكافر ليس من أهلها إذ ل يمكنه الصوم منها لفساد نيته فل تنتهي الحرمة في حقه‪،‬‬
‫فاختلف الحكم‪ ،‬فل يصح القياس فيقول الشافعي يمكنه الصوم بأن يسلم ثم يصوم ويصح إعتاقه‬
‫وإطعامه مع الكفر اتفاقا‪ ،‬فهو من أهل الكفارة‪ ،‬فالحكم متحد‪ ،‬والقياس صحيح‪.‬‬
‫)‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫و( أن )ل يتقدم( حكم الفرع )على حكم الصل( في الظهور للمكلف‪) .‬حيث ل دليل له( غير القياس‬
‫على المختار‪ ،‬كقياس الوضوء بالتيمم في وجوب النية بتقدير‪ :‬أن ل دليل للوضوء غير القياس فإنه‬
‫تعبد به قبل الهجرة‪ ،‬والتيمم إنما تعبد به بعدها إذ لو جاز تقدم حكم الفرع للزم ثبوته حال تقدمه بل‬
‫دليل‪ ،‬وهو ممتنع لنه تكليف بما ل يعلم‪ ،‬نعم إن ذكر إلزاما للخصم جاز لقول الشافعي للحنفي‬
‫القائل بوجوب النية في التيمم‪ :‬دون الوضوء طهارتان أنى يفترقان لتحاد الصل والفرع في‬
‫المعنى‪ ،‬فإن كان له دليل آخر جاز تقدمه لنتفاء المحذور السابق‪ ،‬وبناء على جواز تعّدد الدليل‪،‬‬
‫وقيل ل يجوز تقدمه‪) .‬ل ثبوته(‪ :‬أي حكم الفرع )بالنص جملة( فل يشترط على المختار وقيل‬
‫يشترط ويطلب بالقياس تفصيله‪ ،‬فلول العلم بورود ميراث الجّد جملة لما جاز القياس في توريثه مع‬
‫ي حرام بالطلق والظهار واليلء‬ ‫الخوة والخوات‪ ،‬ورّد اشتراط ذلك بأن العلماء قاسوا‪ :‬أنت عل ّ‬
‫ل‪) .‬ول انتفاء نص أو إجماع يوافق(‪:‬‬ ‫بحسب اختلفهم فيه‪ ،‬ولم يوجد فيه نص ل جملة ول تفصي ً‬
‫القياس في الحكم‪ ،‬فل يشترط‪ ،‬بل يجوز القياس مع موافقتهما أو أحدهما له‪) .‬على المختار( بناء‬
‫على جواز تعّدد الدليل‪ ،‬وقيل يشترط انتفاؤهما وإن جاز تعّدد الدليل نظرا إلى أن الحاجة إلى‬
‫القياس‪ ،‬إنما تدعو جواز تعّدد الدليل‪ ،‬وقيل يشترط انتفاؤهما وإن جاز تعّدد الدليل نظرا إلى أن‬
‫الحاجة إلى القياس‪ ،‬إنما تدعو عند فقد النص والجماع‪ ،‬قلنا‪ :‬أدلة القياس مطلقة عن اشتراط ذلك‪،‬‬
‫وعلى الول جرى الصل‪ ،‬لكنه خالفه قبل في النص فجرى فيه على‬

‫الثاني‪.‬‬

‫)الرابع(‪ :‬من أركان القياس )العلة( ويعبر عنها بالوصف الجامع بين الصل والفرع‪ ،‬وفي معناها‬
‫شرعا أقوال ينبني عليها مسائل تأتي‪) .‬الصح أنها( أي العلة )المعرف( للحكم‪ .‬فمعنى كون‬
‫ل علة أنه معرف‪ ،‬أي‪ :‬علمة على حرمة المسكر‪ .‬وقالت المعتزلة‪ :‬هي المؤثر بذاته في‬ ‫السكار مث ً‬
‫الحكم بناء على قاعدتهم من أنه يتبع المصلحة أو المفسدة‪ ،‬وقيل هي المؤثر فيه بجعله تعالى ل‬
‫بالذات‪ ،‬وقيل هي الباعث عليه‪ ،‬ورّد بأنه تعالى ل يبعثه شيء ومن عبر من الفقهاء عنها بالباعث‬
‫أراد كما قال السبكي‪ :‬أنها باعثة للمكلف على المتثال‪) .‬و( الصح )أن حكم الصل( على القول‬
‫بأنها المعرف )ثابت بها( ل بالنص‪ .‬وقالت الحنفية‪ :‬ثابت بالنص‪ ،‬لنه المفيد للحكم قلنا لم يفده بقيد‬
‫ل يقاس به الذي الكلم فيه‪ ،‬والمفيد له العلة لنها منشأ التعدية المحققة للقياس‪،‬‬
‫كون محله أص ً‬
‫فالمراد بثبوت الحكم بها معرفته لنها معرفة له‪) .‬وقد تكون( العلة )دافعة للحكم(‪ :‬أي لتعلقه كالعدة‬
‫فإنها تدفع حل النكاح من غير صاحبها ول ترفعه كأن كانت عن شبهة‪) .‬أو رافعة( له كالطلق فإنه‬
‫يرفع حل التمتع ول يدفعه لجواز النكاح بعده‪) .‬أو فاعلة لهما( أي الدفع والرفع كالرضاع فإنه يدفع‬
‫حل النكاح ويرفعه وتكون العلة‪) .‬وصفا حقيقيا(‪ :‬وهو ما يتعقل في نفسه من غير توقف على عرف‬
‫أو غيره‪) .‬ظاهرا منضبطا(‪ :‬ل خفيا أو مضطربا كالطعم في الربوي‪) .‬أو( وصفا )عرفيا مطردا(‬
‫أي‪ :‬ل يختلف باختلف الوقات كالشرف والخسة في الكفاءة‪) .‬وكذا( تكون )في الصح( وصفا‬
‫)لغويا( كتعليل حرمة النبيذ بتسميته خمرا بناء على ثبوت اللغة بالقياس‪ ،‬وقيل ل يعلل الحكم‬
‫الشرعي بالمر اللغوي )أو حكما شرعيا(‪ :‬سواء أكان المعلول كذلك كتعليل جواز رهن المشاع‬
‫بجواز بيعه أم أمرا حقيقيا كتعليل حياة الشعر بحرمته بالطلق وحله بالنكاح كاليد‪ ،‬وقيل ل تكون‬
‫حكما لن شأن الحكم أن يكون معلولً‬

‫ل علة‪ ،‬ورّد بأن العلة بمعنى المعرف‪ ،‬ول يمتنع أن يعرف حكم حكما أو غيره‪ ،‬وقيل ل تكون‬
‫حكما شرعيا إن كان المعلول أمرا حقيقيا‪) .‬أو( وصفا )مركبا( كتعليل وجود القود بالقتل العمد‬
‫العدوان لمكافىء‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يكون علة لن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال إذ بانتفاء جزء منه‬
‫تنتفي عليته فبانتفاء آخر يلزم تحصيل الحاصل‪ ،‬لن انتفاء الجزء علة لعدم العلية‪ .‬قلنا‪ :‬إنما يؤدي‬
‫إلى ذلك في العلل العقلية ل المعرفات‪ ،‬وكل من النتفاءات هنا معرف لعدم العلية ول استحالة في‬
‫اجتماع معرفات على شيء واحد‪ ،‬وقيل‪ :‬يكون علة ما لم يزد على خمسة أجزاء‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)وشرط لللحاق( بحكم الصل )بها(‪ :‬أي بسبب العلة )أن تشتمل على حكمة(‪ :‬أي مصلحة مقصودة‬
‫من شرع الحكم )تبعث(‪ :‬أي تحمل المكلف حيث يطلع عليها )على المتثال وتصلح شاهدا لناطة‬
‫الحكم( بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجود القود على علته السابقة‪ ،‬فإن من علم أن من قتل‬
‫ف عن القتل‪ ،‬وقد ل ينكف عنه توطينا لنفسه على تلفها‪ ،‬وهذه الحكمة تبعث المكلف‬ ‫اقتص منه انك ّ‬
‫من القاتل وولي المر على امتثال المر الذي هو إيجاب القود بأن يمكن كل منهما وارث القتيل من‬
‫القود‪ ،‬ويصلح شاهدا لناطة وجوب القود بعلته‪ ،‬فيلحق حينئذ القتل بمثقل بالقتل بمحدد في وجوب‬
‫القود لشتراكهما في العلة المشتملة على الحكمة المذكورة‪ ،‬فمعنى اشتمالها عليها كونها ضابطا لها‬
‫ل‪) .‬ومانعها( أي العلة )وصف وجودي يخل بحكمتها(‪ :‬كالدين على القول‬ ‫كالسفر في حل القصر مث ً‬
‫بأنه مانع من وجوب الزكاة على المدين‪ ،‬فإنه وصف وجودي يخل بحكمة العلة لوجوب الزكاة‬
‫المعلل بملك النصاب وهي الستغناء بملكه‪ ،‬إذ المدين ل يستغني بملكه لحتياجه إلى وفاء دينه به‪،‬‬
‫ول يضر خلو المثال عن اللحاق الذي الكلم فيه‪ ،‬وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به لما بينته في‬
‫الحاشية‪) .‬ول يجوز في الصح كونها الحكمة إن لم تنضبط(‪ :‬كالمشقة في السفر لعدم انضباطها‪،‬‬
‫فإن انضبطت جاز كما رجحه المدي وابن الحاجب وغيرهما لنتفاء المحذور‪ ،‬وقيل يجوز مطلقا‬
‫لنها المشروع لها الحكم‪ ،‬وقيل ل يجوز مطلقا‪ .‬وقضية كلم الصل ترجيحه‪ ،‬ومحل الخلف إذا لم‬
‫تحصل الحكمة من ترتيب الحكم على الوصف يقينا أو ظنا كما سيأتي إيضاحه في مبحث المناسبة‪.‬‬
‫)و( ل يجوز في الصح وفاقا لبن الحاجب وغيره‪) .‬كونها عدمية( ولو بعدمية جزئها أو بإضافتها‬
‫بأن يتوقف تعقلها على تعقل غيرها كالبوة )في( الحكم )الثبوتي(‪ ،‬فل يجوز حكمت بكذا لعدم كذا‬
‫أو للبوة بناء على أن الضافي عدمي كما سيأتي تصحيحه أواخر الكتاب‪ ،‬وذلك لن العلة بمعنى‬
‫العلمة يجب أن‬

‫تكون أجلى من المعلل‪ ،‬والعدمي أخفى من الثبوتي‪ ،‬وقيل يجوز لصحة أن يقال ضرب فلن عبده‬
‫لعدم امتثاله أمره‪ .‬وأجيب‪ :‬بمنع صحة التعليل بذلك‪ ،‬وإنما يصح بالكف عن امتثاله وهو أمر ثبوتي‪،‬‬
‫والخلف في العدم المضاف بخلف العدم المطلق ل يجوز التعليل به قطعا‪ ،‬لن نسبته إلى جميع‬
‫المحال على السواء‪ ،‬فل يعقل كونه علة ويجوز وفاقا تعليل الثبوتي بمثله كتعليل حرمة الخمر‬
‫بالسكار والعدمي بمثله‪ ،‬كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل والعدمي بمثله‪ ،‬كتعليل عدم صحة‬
‫التصرف بعدم العقل والعدمي بالثبوتي كتعليل ذلك بالسراف‪.‬‬

‫)ويجوز التعليل بما ل يطلع على حكمته(‪ :‬كتعليل الربوي بالطعم أو غيره‪) .‬ويثبت الحكم فيما يقطع‬
‫بانتفائها فيه للمظنة في الصح(‪ :‬لجواز القصر بالسفر لمن ركب سفينة قطعت به مسافة القصر في‬
‫لحظة بل مشقة‪ ،‬وقيل ل يثبت‪ ،‬وعليه الجدليون إذ ل عبرة بالمظنة عند تحقق انتفاء المئنة‪ ،‬وعلى‬
‫الّول يجوز اللحاق للمظنة كإلحاق الفطر بالقصر‪ ،‬فيما ذكر فما مر من أنه يشترط في اللحاق‬
‫بالعلة اشتمالها على حكمة شرط في الجملة أو للقطع بجواز اللحاق‪ ،‬ثم ثبوت الحكم فيما ذكر غير‬
‫مطرد‪ ،‬بل قد ينتفي كمن قام من النوم متيقنا طهارة يده فل تثبت كراهة غمسها في ماء قليل قبل‬
‫غسلها ثلثا‪ ،‬بل تنتفي خلفا لمام الحرمين والترجيح من زيادتي‪) .‬والصح جواز التعليل بـ)ـالعلة‬
‫)القاصرة(‪ :‬وهي التي ل تتعدى محل النص )لكونها محل الحكم أو جزءه( الخاص بأن ل توجد في‬
‫غيره )أو وصفه الخاص( بأن ل يتصف به غيره‪ ،‬فالّول كتعليل حرمة الربا في الذهب بكونه ذهبا‬
‫وفي الفضة كذلك‪ ،‬والثاني كتعليل نقض الوضوء في الخارج من السبيلين بالخروج منهما‪ ،‬والثالث‬
‫كتعليل حرمة الربا في النقدين بكونهما قيم الشياء‪ .‬وخرج بالخاص في الصورتين غيره فل قصور‬
‫فيه‪ ،‬كتعليل الحنفية النقض فيما ذكر بخروج النجس من البدن الشامل لما ينقض عندهم من الفصد‬
‫ونحوه‪ ،‬وكتعليل ربوية البر بالطعم‪ ،‬وقيل يمتنع التعليل بالقاصرة مطلقا لعدم فائدتها‪ ،‬وقيل يمتنع إن‬
‫لم تكن ثابتة بنص أو إجماع لذلك‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)و( نحن ل نسلم ذلك بل )من فوائدها معرفة المناسبة( بين الحكم ومحله فيكون أدعى للقبول‪.‬‬
‫)وتقوية النص( الدال على معلولها بأن يكون ظاهرا ل قطعيا‪) .‬و( الصح جواز التعليل )باسم‬
‫لقب( كتعليل الشافعي نجاسة بول ما يؤكل لحمه بأنه بول كبول الدمي‪ ،‬وقيل ل يجوز لنا نعلم‬
‫بالضرورة أنه ل أثر في حرمة الخمر لتسميته خمرا‪ ،‬بخلف مسماه من كونه مخامرا للعقل فإنه‬
‫تعليل بالوصف‪) .‬و( الصح جواز التعليل )بالمشتق( المأخوذ من فعل كالسارق في قوله تعالى‪:‬‬
‫}والسارق والسارقة{ الية أو من صفة كأبيض فإنه مأخوذ من البياض‪ ،‬وقيل يمتنع فيهما‪ .‬وزعم‬
‫الصل التفاق على الجواز في الّول‪ ،‬والتعليل بالثاني من باب الشبه الصوري كقياس الخيل على‬
‫ل للحكم‬‫البغال في عدم وجوب الزكاة وسيأتي الخلف فيه‪) .‬و( الصح جواز التعليل شرعا وعق ً‬
‫الواحد الشخصي )بعلل شرعية( اثنتين فأكثر مطلقا‪ ،‬لنها علمات ول مانع من اجتماع علمات‬
‫على شيء واحد‪) .‬وهو واقع( كما في اللمس والمس والبول الموجب كل منها للحدث‪ ،‬وقيل يجوز‬
‫ذلك في العلل المنصوصة دون المستنبطة لن الوصاف المستنبطة الصالح كل منها للعلية يجوز‬
‫أن يكون مجموعها العلة عند الشارع‪ ،‬فل يتعين استقلل كل منها بالعلية بخلف ما نص على‬
‫استقلله بها‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنه يتيعن الستقلل بالستنباط أيضا وقيل يمتنع شرعا مطلقا‪ ،‬إذ لو جاز‬
‫شرعا لوقع لكنه لم يقع‪ .‬قلنا‪ :‬بتقدير تسليم اللزوم ل نسلم عدم وقوعه لما مر من علل الحدث‪ ،‬وقيل‬
‫ل وهو الذي صححه الصل‪ ،‬وقيل يجوز في التعاقب دون المعية للزوم المحال التي لها‬ ‫يمتنع عق ً‬
‫ل مثل الّول ل عينه‪ ،‬وعلى منع التعّدد فما يذكره‬
‫بخلف التعاقب‪ ،‬لن الذي يوجد فيه بالثانية مث ً‬
‫المجيز من التعّدد‪ ،‬إما أن يقال فيه العلة مجمع المور أو أحدها ل بعينه‪ ،‬أو يقال فيه الحكم متعدد‬
‫بمعنى أن الحكم المستند إلى واحد منها غير المستند إلى آخر‪ ،‬وإن اتفقا نوعا كما قيل بكل من ذلك‪،‬‬
‫أما العلل‬

‫العقلية فيمتنع تعّددها مطلقا للزوم المحال منه كالجمع بين النقيضين‪ ،‬فإن الشيء باستناده إلى كل‬
‫منها يستغني عن الباقي‪ ،‬فيلزم أن يكون مستغنيا عن كل منها وغير مستغن عنه‪ ،‬وذلك جمع بين‬
‫النيقيضين‪ ،‬ويلزم في التعاقب محال آخر‪ ،‬وهو تحصيل الحاصل حيث يوجد بما عدا الولى عين ما‬
‫وجد بها‪ .‬وفارقت العلل العقلية الشرعية على الصح بأن المحال المذكور إنما يلزم فيها لفادتها‪،‬‬
‫وجود المعلول بخلف الشرعية التي هي معرفات‪ ،‬فإنها إنما تفيد العلم به سواء أفسر المعرف بما‬
‫يحصل به التعريف‪ ،‬أم بما من شأنه التعريف‪.‬‬

‫)وعكسه( وهو تعليل أحكام بعلة )جائز وواقع((‪ :‬جزما بناء على الصح من تفسير العلة بالمعرف‬
‫)إثباتا كالسرقة(‪ :‬فإنها علة لوجوب القطع ولوجوب الغرم إن تلف المسروق‪) .‬ونفيا كالحيض(‪ ،‬فإنه‬
‫علة لعدم جواز الصوم والصلة وغيرهما‪ ،‬أما على تفسير العلة بالباعث فكذلك على الصح‪ ،‬وقيل‬
‫يمتنع تعليلها بعلة بناء على اشتراط المناسبة فيها‪ ،‬لن مناسبتها لحكم يحصل المقصود منها بترتيب‬
‫الحكم عليها‪ ،‬فلو ناسبت آخر لزم تحصيل الحاصل‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم ذلك لجواز تعدد المقصود كما في‬
‫السرقة المرتب عليها القطع زجرا عنها والغرم جبرا لما تلف من المال‪ ،‬وقيل يمتنع ذلك إن‬
‫تضادت الحكام كالتأبيد لصحة البيع وبطلن الجارة‪ ،‬لن الشيء الواحد ل يناسب المتضادات‪.‬‬
‫)و( شرط )لللحاق( بالعلة )أن ل يكون ثبوتها متأخرا عن ثبوت حكم الصل في الصح(‪ :‬سواء‬
‫أفسرت بالباعث أم بالمعرف‪ ،‬لن الباعث على الشيء أو المعرف له ل يتأخر عنه‪ ،‬وقيل يجوز‬
‫تأخر ثبوتها بناء على تفسيرها بالمعرف كما يقال‪ :‬عرق الكلب نجس كلعابه‪ ،‬لنه مستقذر لن‬
‫استقذاره إنما يثبت بعد ثبوت نجاسته‪ .‬قلنا‪ :‬قوله بناء على تفسيرها بالمعرف إنما يتم بتفسير‬
‫المعرف بما من شأنه التعريف ل بتفسيره بما يحصل به التعريف الذي هو المراد‪ ،‬لئل يلزم عليه‬
‫تعريف المعرف‪ ،‬وعلى تفسيره بالّول فتعريف المتأخر للمتقّدم جائز‪ ،‬وواقع إذ الحادث يعرف‬
‫القديم كالعالم لوجود الصانع تعالى‪) .‬و( شرط اللحاق بالعلة )أن ل تعود على الصل( الذي‬
‫استنبطت منه )بالبطال( لحكمه لنه منشؤها فإبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في‬
‫الزكاة بدفع حاجة الفقير‪ ،‬فإنه مجوز لخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها عينا بالتخيير بينها‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وبين قيمتها‪) .‬ويجوز عودها( على الصل )بالتخصيص( له )في الصح غالبا(‪ .‬فل يشترط عدمه‬
‫كتعليل الحكم في آية‪} :‬أو لمستم النساء{ بأن اللمس مظنة التمتع أي التلذذ‪ ،‬فإنه يخرج من النساء‬
‫المحارم فل ينقض‬

‫لمسهن الوضوء‪ ،‬وقيل ل يجوز ذلك فيشترط عدم التخصيص‪ ،‬فينقض لمس المحارم الوضوء عملً‬
‫بالعموم والتصحيح من زيادتي‪ ،‬وخرج بالتخصيص التعميم فيجوز العود به قطعا كتعليل الحكم في‬
‫خبر الصحيحين‪ :‬ل يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان‪ ،‬بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب أيضا‬
‫وبزيادتي غالبا تعليل نحو الحكم في خبر النهي عن بيع اللحم بالحيوان بأنه بيع ربوي بأصله‪ ،‬فإنه‬
‫يقتضي جواز البيع بغير الجنس من مأكول وغيره كما هو أحد قولي الشافعي‪ ،‬لكن أظهرهما المنع‬
‫نظرا للعموم‪.‬‬

‫)و( شرط لللحاق بالعلة )أن ل تكون( العلة )المستنبطة معارضة بمناف( لمقتضاها )موجود في‬
‫الصل(‪ :‬إذ ل عمل لها مع وجوده إل بمرجح‪ ،‬ومثل له بقول الحنفي في نفي وجوب التبييت في‬
‫صوم رمضان صوم عين فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل فيعارضه الشافعي بأنه صوم فرض‬
‫فيحتاط فيه بخلف النفل‪ ،‬وهو مثال للمعارض في الجملة وليس منافيا ول موجودا في الصل‪،‬‬
‫وخرج بالصل الفرع فل يشترط انتفاء وجود ذلك فيه لصحة العلة‪ ،‬وقيل يشترط أيضا ومثل له‬
‫بقولنا في مسح الرأس ركن في الوضوء‪ ،‬فيسن تثليثه كغسل الوجه فيعارضه الخصم بقوله مسح فل‬
‫يسن تثليثه كالمسح على الخفين‪ ،‬وهو مثال للمعارض في الجملة وليس منافيا‪ ،‬وإنما ضعف هذا‬
‫الشرط‪ ،‬وإن لم يثبت الحكم في الفرع عند انتفائه لن الكلم في شروط العلة‪ ،‬وهذا شرط لثبوت‬
‫الحكم في الفرع ل للعلة التي الكلم فيها‪ ،‬وإنما قيد المعارض بالمنافي لنه قد ل ينافى كما سيأتي‬
‫فل يشترط انفاؤه‪ ،‬ويجوز أن يكون هو علة أيضا بناء على جواز التعليل بعلل‪) .‬و( شرط لللحاق‬
‫بالعلة )أن ل تخالف نصا أو إجماعا(‪ :‬لتقدمهما على القياس فمخالفة النص كقول الحنفي‪ :‬المرأة‬
‫مالكة لبضعها فيصح نكاحها بغير إذن وليها قياسا على بيع سلعتها فإنه مخالف لخبر أبي داود‬
‫وغيره‪» :‬أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل«‪ .‬ومخالفة الجماع كقياس صلة‬
‫المسافر على صومه في عدم الوجوب بجامع السفر الشاق فإنه مخالف للجماع على وجوب أدائها‬
‫عليه‪) .‬و( أن )ل تتضمن( العلة )المستنبطة زيادة عليه(‪ :‬أي على النص أو الجماع‪) .‬منافية‬
‫ل على علية وصف ويزيد الستنباط قيدا فيه منافيا للنص فل يعمل‬ ‫مقتضاه(‪ ،‬بأن يدل النص مث ً‬
‫بالستنباط لتقّدم النص عليه والتقييد بالمستنبطة من زيادتي‪) .‬و( شرط لللحاق بالعلة )أن تتعين(‬
‫في الصح‪ ،‬فل تكفي المبهمة لن العلة منشأ التعدية المحققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل‬
‫أن يكون معينا‪ ،‬فكذا منشأ المحقق‬

‫له‪ ،‬وقيل يكفي المبهمة من أمرين فأكثر المشتركة بين المقيس والمقيس عليه‪) .‬ل أن ل تكون( العلة‬
‫)وصفا مقدرا( فل يشترط في الصح كتعليل جواز التصرف بالملك الذي هو معنى مقدر شرعي‬
‫في محل التصرف‪ .‬وقيل‪ :‬يشترط ذلك ورجحه الصل تبعا للمام الرازي‪) .‬ول أن ل يشمل دليلها‬
‫ح لجواز تعدد الدلة‪ ،‬وقيل يشترط ذلك‬ ‫حكم الفرع لعمومه أو خصوصه(‪ :‬فل يشترط في الص ّ‬
‫طعام‬‫للستغناء حينئذ عن القياس بذلك الدليل‪ ،‬ورجحه الصل مثال الدليل في العموم خبر مسلم‪» :‬ال ّ‬
‫ل بمثل«‪ .‬فإنه دال على علية الطعم‪ ،‬فل حاجة على هذا اقول في إثبات ربوية التفاح‬
‫طعام مث ً‬
‫بال ّ‬
‫ل إلى قياسه على البر بجامع الطعم للستغناء عنه بعموم الخبر‪ ،‬ومثاله في الخصوص خبر‪:‬‬ ‫مث ً‬
‫»من قاء أو رعف فليتوضأ« فإنه دال على علية الخارج النجس في نقض الوضوء فل حاجة‬
‫للحنفي إلى قياس القيء أو الرعاف على الخارج من السبيلين في نقض الوضوء بجامع الخارج‬
‫النجس للستغناء عنه بخصوص الخبر‪) .‬ول القطع في( صورة العلة )المستنبطة بحكم الصل(‪:‬‬
‫بأن يكون دليله قطعيا من كتاب أو سنة متواترة أو إجماع قطعي‪) .‬ول القطع بوجودها في الفرع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ح بل يكفي الظن بذينك لنه غاية‬


‫ول انتفاء مخالفتها مذهب الصحابي(‪ :‬فل تشترط في الص ّ‬
‫الجتهاد فيما يقصد به العمل‪ ،‬وقيل يشترط القطع بهما لن الظن يضعف بكثرة المقدمات فربما‬
‫يزول‪ ،‬وأما مذهب الصحابي فليس بحجة فل يشترط انتفاء مخالفة العلة له‪ ،‬وقيل يشترط لن‬
‫الظاهر استناده إلى النص الذي استنبطت منه العلة‪) .‬ول انتفاء المعارض لها( في الصل فل‬
‫يشترط‪) .‬في الصح( بناء على جواز تعدد العلل كما هو رأي الجمهور‪ ،‬وقيل يشترط بناء على منع‬
‫ذلك ولنه ل عمل للعلة حينئذ إل بمرجح والتقييد بالمستنبطة في الربع من زيادتي‪.‬‬
‫)‬

‫والمعارض هنا( بخلفه فيما مر حيث وصف بالمنافي‪) .‬وصف صالح للعلية كصلحية المعارض(‬
‫بفتح الراء لها )ومفض للختلف(‪ .‬بين المتناظرين )في الفرع كالطعم مع الكيل في البر(‪ ،‬فكل‬
‫ل فعندنا ربوي كالبر بعلة‬ ‫منهما صالح للعلية فيه مفض للختلف بين المتناظرين )في التفاح( مث ً‬
‫الطعم وعند الخصم المعارض بأن العلة الكيل ليس بربوي لنتفاء الكيل فيه‪ ،‬وكل منهما يحتاج إلى‬
‫ترجيح وصفه على وصف الخر‪) .‬والصح( أنه )ل يلزم المعترض نفي وصفه( أي بيان انتفائه‬
‫)عن الفرع( مطلقا لحصول مقصوده من هدم ما جعله المستدل العلة بمجرد المعارضة‪ ،‬وقيل يلزمه‬
‫ذلك مطلقا ليفيد انتفاء الحكم عن الفرع الذي هو المقصود‪ ،‬وقيل يلزمه إن صرح بالفرق بن الصل‬
‫ل‪ :‬ل ربا في التفاح بخلف البر وعارض علية الطعم فيه لنه بتصريحه‬ ‫والفرع في الحكم فقال مث ً‬
‫بالفرق التزمه‪) .‬و(أنه )ل( يلزمه )إبداء أصل( يشهد لوصفه بالعتبار لما مر‪ ،‬وقيل يلزمه ذلك‬
‫ل ربوي‪.‬‬ ‫حتى تقبل معارضته كأن يقول‪ :‬العلة في البّر الطعم دون القوت بدليل الملح فالتفاح مث ً‬
‫)وللمستدل الدفع(‪ :‬أي دفع المعارضة بأوجه ثلثة وإن عدها الصل أربعة‪) .‬بالمنع(‪ :‬أي منع‬
‫وجوب الوصف المعارض به في الصل ولو بالقدح‪ ،‬كأن يقول في دفع معارضة الطعم بالكيل في‬
‫ل ل نسلم أنه مكيل لن العبرة بعادة زمن النبي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬وكان إذ ذاك موزونا‬ ‫الجوز مث ً‬
‫أو معدودا وكأن يقدح في علية الوصف ببيان خفائه أو عدم انضباطه أو غير ذلك من مفسدات‬
‫العلة‪) .‬وببيان استقلل وصفه(‪ :‬أي المستدل )في صورة ولو( كان البيان )بظاهر عام(‪ ،‬كما يكون‬
‫بالجماع أو بالنص القاطع أو بالظاهر الخاص )إن لم يتعرض( أي المستدل )للتعميم( كأن يبين‬
‫ل بمثل والمستقل مقدم‬ ‫استقلل الطعم المعارض بالكيل في صورة بخبر مسلم الطعام بالطعام مث ً‬
‫على غيره‪ ،‬فإن تعرض للتعميم كقوله فتثبت ربوية كل مطعوم خرج عن إثبات الحكم بالقياس الذي‬
‫هو بصدد الدفع عنه إلى إثباته‬

‫بالنص وتبقى المعارضة سالمة من القدح فل يتم القياس‪) .‬وبالمطالبة( للمعترض )بالتأثير( لوصفه‬
‫إن كان مناسبا )أو الشبه( إن كان غير مناسب‪ ،‬هذا‪) .‬إن لم يكن( دليل المستدل على العلية )سبرا(‬
‫بأن كان مناسبا أو شبها لتحصل معارضته بمثله‪ ،‬فإن كان سبرا فل مطالبة له بذلك إذ مجرد‬
‫الحتمال قادح فيه‪) .‬ولو قال( المستدل للمعترض‪) :‬ثبت الحكم( في هذه الصورة )مع انتفاء‬
‫وصفك( الذي عارضت به وصفي عنها‪) ،‬لم يكف( في الدفع )وإن وجد(‪ ،‬ولو بفرض المتناظرين‬
‫)معه(‪ :‬أي مع انتفاء وصف المعترض عنها )وصفه(‪ :‬أي وصف المستدل فيها لستوائهما في‬
‫انتفاء وصفيهما إن لم يوجد مع ما ذكر وصف المستدل‪ ،‬وبناء على جواز تعدد العلل مطلقا‪ .‬وقيل‬
‫يكفي في الشق الثاني بناء على امتناع تعدد العلل بخلفه في الول‪ ،‬ل يكفي لستوائها فيما مّر‪،‬‬
‫ل زيادة على عدم الكتفاء مبنية على ما‬
‫وهذا رجحه الصل‪ ،‬ثم ذكر في انتفاء وصف المستد ّ‬
‫صححه من امتناع التعليل بعلتين‪.‬‬

‫وحاصلها مع اليضاح أن المستدل ينقطع بما قاله لعترافه فيه بإلغاء وصفه حيث ساوى وصف‬
‫ل‪.‬‬
‫المعترض فيما قدح هو به فيه‪) .‬ولو أبدى المعترض( في الصورة التي ألغى وصفه فيها المستد ّ‬
‫)ما( أي وصفا )يخلف الملغى سمى( ما أبداه )تعدد الوضع( لتعدد ما وضع‪ :‬أي بنى عليه الحكم‬
‫عنده من وصف بعد أخر‪) .‬وزالت( بما أبداه )فائدة اللغاء( وهي سلمة وصف المستدل عن القدح‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫فيه‪) .‬ما لم يلغ المستدل الخلف بغير دعوى قصوره أو( دعوى )ضعف معنى المظنة( المعلل بها‬
‫أي ضعف المعنى الذي اعتبرت المظنة له‪) .‬وسلم( المستدل )أن الخلف مظنة( وذلك بأن لم‬
‫يتعرض المستدل للغاء الخلف أو تعرض له بدعوى قصوره أو بدعوى ضعف معنى المظنة فيه‬
‫وسلم ما ذكر‪ ،‬بخلف ما إذا ألغاه بغير الدعوتين أو بالثانية ولم يسلم ما ذكر فل تزول فائدة إلغائه‪.‬‬

‫)وقيل دعواهما( أي القصور وضعف معنى المظنة مع التسليم )إلغاء( للخلف أيضا ينافي الولى‬
‫على امتناع التعليل بالقاصرة‪ ،‬وفي الثانية على تأثير ضعف المعنى في المظنة فل تزول فيهما فائدة‬
‫اللغاء الول‪ ،‬مثال تعدد الوضع ما يأتي فيما يقال يصح أمان العبد للحربي كالحّر بجامع السلم‬
‫والتكليف‪ ،‬فإنهما مظنتا إظهار مصلحة اليمان من بذل المان فيعترض الحنفي باعتبار الحّرية‬
‫معهما فإنها مظنة فراغ القلب للنظر بخلف الرقبة لشتغال الرقيق بخدمة سيده فيلغي الشافعي‬
‫الحّرية بثبوت المان بدونها في العبد المأذون له في القتال اتفاقا فيجيب الحنفي بأن الذن له خلف‬
‫الحّرية لنه مظنة بذل وسعه في النظر في مصلحة القتال واليمان )ول يكفي( في دفع المعارضة‬
‫)رجحان وصف المستدل( على وصفها بمرجح‪ ،‬ككونه أنسب أو أشبه من وصفها بناء على جواز‬
‫تعدد العلل‪ ،‬فيجوز أن يكون كل من الوصفين علة‪ ،‬وقيل يكفي بناء على منع التعدد ورجحه‬
‫الصل‪) .‬وقد يعترض( على المستدل )باختلف جنس الحكمة( في الفرع والصل‪) .‬وإن اتحد‬
‫الجامع( بين الفرع والصل كما يأتي فيما يقال يحّد اللئط كالزاني بجامع إيلج فرج في فرج‬
‫مشتهى طبعا محرم شرعا‪ ،‬فيعترض بأن الحكمة في حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته‪ ،‬وفي حرمة‬
‫الزنا دفع اختلط النساب المؤدي هو إليه وهما مختلفتان‪ ،‬فيجوز أن يختلف حكمهما بأن يقصر‬
‫الحد على الزنا فيكون خصوصه معتبرا في علة الحد‪) .‬فيجاب( عن العتراض )بحذف خصوص‬
‫الصل عن العتبار( في العلة بطريق من طرق إبطالها‪ ،‬فيسلم أن العلة هي القدر المشترك فقط‬
‫كما مّر في المثال ل مع خصوص الزنا فيه‪) .‬والعلة إذا كانت وجود مانع( من الحكم كأبّوة القاتل‬
‫المانعة من وجوب قتله بولده‪) ،‬أو انتفاء شرط( كعدم إحصان الزاني المشترط لوجوب رجمه )ل‬
‫تستلزم وجود المقتضي في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬تستلزمه‪ ،‬وإل كان انتفاء الحكم لنتفاء المقتضي ل لما‬
‫فرض من وجود مانع أو انتفاء شرط‪ ،‬قلنا‪ :‬يجوز أن‬

‫يكون انتفاؤه لما فرض أيضا لجواز تعدد العلل‪.‬‬

‫مسالك العلة‬
‫أي‪ :‬هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء‪) .‬الول‪ :‬الجماع( كالجماع على أن العلة في خبر‬
‫الصحيحين‪» :‬ل يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان«‪ .‬تشويش الغضب للفكر فيقاس بالغضب غيره‬
‫مما يشّوش الفكر نحو جوع وشبع مفرطين‪ ،‬وكالجماع على أن العلة في تقديم الخ الشقيق في‬
‫الرث على الخ للب اختلط النسبين فيه فيقاس به تقديمه عليه في ولية النكاح‪ ،‬وصلة الجنازة‬
‫ونحوهما‪.‬‬

‫)الثاني(‪ :‬من مسالك العلة )النص الصريح( بأن ل يحتمل غير العلة )كلعلة كذا فلسبب( كذا )فمن‬
‫أجل( كذا )فنحو كي( التعليلية )وإذن( كقوله تعالى‪} :‬من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل{‪} ،‬كي ل‬
‫يكون دولة بين الغنياء منكم{‪} ،‬إذا لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات{ وفيما عطف بالفاء هنا‬
‫وفيما يأتي إشارة إلى أنه دون ما قبله رتبة بخلف ما عطف بالواو‪) .‬و( النص )الظاهر( بأن‬
‫يحتمل غير العلية احتمالً مرجوحا )كاللم ظاهرة( نحو‪} :‬كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من‬
‫الظلمات إلى النور{ )فمقدرة( نحو؛ }ول تطع كل حلف{ إلى قوله‪} :‬أن كان ذا مال وبنين{ أي لن‬
‫)فالباء( نحو‪} :‬فبما رحمة من ال{ أي لجلها لنت لهم‪) .‬فالفاء في كلم الشارع( وتكون فيه في‬
‫الحكم كقوله تعالى‪} :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما{ وفي الوصف كخبر الصحيحين في‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫المحرم الذي وقصته ناقته‪» :‬ل تمسوه طيبا ول تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا«‪) .‬فـ(ـفي‬
‫كلم )الراوي الفقيه فـ(ـفي كلم الراوي )غيره( أي غير الفقيه‪ ،‬وتكون فيهما في الحكم فقط‪ ،‬وقال‬
‫بعض المحققين‪ :‬في الوصف فقط‪ ،‬لن الراوي يحكي ما في الوجود‪ ،‬وذلك كقول عمران بن‬
‫حصين‪» :‬سها رسول ال صلى ال عليه وسّلم فسجد«‪ .‬رواه أبو داود وغيره وكل من القولين‬
‫صحيح‪ ،‬وإن كان الّول أظهر معنى‪ ،‬والثاني أدق كما بينته في الحاشية‪) .‬فإن( المكسورة المشددة‬
‫كقوله تعالى‪} :‬رب ل تذر على الرض من الكافرين{ الية‪ .‬وتعبيري بالفاء في الخيرة من‬
‫زيادتي‪) .‬وإذ( نحو‪ :‬ضربت العبد إذا أساء أي لساءته‪) .‬وما مّر في( مبحث )الحروف(‪ ،‬ما يرد‬
‫للتعليل غير المذكور هنا وهو بيد وحتى وعلى وفي ومن فلتراجع‪ ،‬وإنما لم تكن المذكورات من‬
‫الصريح لمجيئها لغير التعليل كالعاقبة في اللم والتعدية في الباء‪ ،‬ومجرد العطف في الفاء ومجرد‬
‫ن والبدل في إذ كما مّر في مبحث الحروف‪.‬‬‫التأكيد في إ ّ‬

‫)الثالث(‪ :‬من مسالك العلة )اليماء وهو( لغة الشارة الخفية واصطلحا )اقتران وصف ملفوظ‬
‫بحكم ولو( كان الحكم )مستنبطا( كما يكون ملفوظا )لو لم يكن للتعليل هو( أي الوصف )أو نظيره(‬
‫لنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم إلى نظيرهما أي‪ :‬لو لم يكن ذلك من حيث اقترانه بالحكم‬
‫لتعليل الحكم به )كان( ذلك القتران )بعيدا( من الشارع ل يليق بفصاحته وإتيانه باللفاظ في محالها‬
‫ي‪» :‬واقعت أهلي في نهار‬ ‫واليماء )كحكمه(‪ :‬أي الشارع )بعد سماع وصف( كما في خبر العراب ّ‬
‫رمضان‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسّلم‪» :‬أعتق رقبة«‪ .‬إلى آخره‪ .‬رواه ابن ماجة بمعناه‪ ،‬وأصله‬
‫في الصحيحين‪ :‬فأمره بالعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له‪ ،‬وإل لخل السؤال عن الجواب‬
‫وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال‪ :‬واقعت فأعتق‪) .‬وذكره في حكم وصفا لو لم يكن‬
‫علة( له )لم يفد( ذكره كقوله صلى ال عليه وسّلم‪» :‬ل يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان«‪ .‬فتقييده‬
‫المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له‪ ،‬وإل لخل ذكره عن الفائدة وذلك‬
‫بعيد‪) .‬وتفريقه بين حكمين بصفة( إما )مع ذكرهما( كخبر الصحيحين‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم‬
‫جعل للفرس سهمين وللرجل«‪ .‬أي صاحبه »سهما«‪ ،‬فتفريقه بين هذين الحكمين بهاتين الصفتين لو‬
‫لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا‪) .‬أو( مع )ذكر أحدهما( فقط كخبر الترمذي‪» :‬القاتل ل يرث«‬
‫أي بخلف غيره المعلوم إرثه فالتفريق بين عدم الرث المذكور والرث المعلوم بصفة القتل في‬
‫الول لو لم يكن لعليته له لكان بعيدا‪) .‬أو( تفريقه بين حكمين‪ ،‬إما )بشرط( كخبر مسلم‪» :‬الذهب‬
‫ل بمثل سواء‬‫بالذهب والفضة بالفضة والبّر بابّر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مث ً‬
‫بسواء يدا بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه الجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد«‪ .‬فالتفريق بين منع البيع‬
‫ل وجوازه عند اختلف الجنس لو لم يكن لعلية الختلف للجواز‬ ‫في هذه الشياء متفاض ً‬

‫ن حّتى يطهرن{ أي‪ :‬فإذا تطهرن فل منع من‬ ‫لكان بعيدا‪) .‬أو غاية( كقوله تعالى‪} :‬ول تقربوه ّ‬
‫ن في الحيض‬ ‫ن كما صّرح به عقبه بقوله‪} :‬فإذا تطهرن فأتوهن{ فتفريقه بين المنع من قربانه ّ‬ ‫قربانه ّ‬
‫وجوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا‪) .‬أو استثناء(‪ :‬كقوله تعالى‪} :‬فنصف ما‬
‫فرضتم إل أن يعفون{ أي الزوجات عن النصف فل شيء لهن فتفريقه بين ثبوت النصف له ّ‬
‫ن‬
‫ن عنه لو لم يكن لعلية العفو للنتفاء لكان بعيدا‪) .‬أو استدراك(‪ :‬كقوله تعالى؛ }ل‬‫وانتفائه عند عفوه ّ‬
‫يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم{ إلى آخره فتفريقه بين عدم المؤاخذة باليمان والمؤاخذة بها عند‬
‫تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا‪) .‬وترتيب حكم على وصف(‪ :‬كأكرم العلماء‬
‫فترتيب الكرام على العلم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا )ومنعه(‪ :‬أي الشارع )مما قد يفّوت‬
‫المطلوب( كقوله تعالى‪} :‬فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع{ فالمنع من البيع وقت نداء الجمعة الذي‬
‫قد يفّوتها لو لم يكن لمظنة تفويتها لكان بعيدا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫وهذه المثلة أسلم ما اتفق على أنه إيماء وهو أن يكون الوصف والحكم ملفوظين وخرج بالملفوظ‬
‫ل أو قّوة الوصف المستنبط فليس اقترانه بالحكم إيماء قطعا إن كان الحكم مستنبطا أيضا‪،‬‬
‫أي فع ً‬
‫وإل فليس بإيماء في الصح بخلف عكسه وهو الوصف الملفوظ والحكم المستنبط له فإنه كما علم‬
‫ل للمستنبط منزلة الملفوظ‪ ،‬وفارق ما قبله باستلزام الوصف الحكم فيه بخلف‬ ‫ح تنزي ً‬
‫إيماء في الص ّ‬
‫ل ال البيع{ فحله مستلزم لصحته‪ .‬ومثال ما‬ ‫ما قبله لجواز كون الوصف أعم مثاله قوله تعالى‪} :‬وأح ّ‬
‫قبله تعليل حكم الربويات بالطعم أو غيره والنزاع كما قال العضد لفظي مبني على تفسير اليماء‪،‬‬
‫وأما مثال النظير فكخبر الصحيحين‪ :‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول ال‪ .‬إن أمي ماتت وعليها صوم نذر‬
‫أفأصوم عنها؟ فقال‪» :‬أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤّدى ذلك عنها«؟ قالت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪» :‬فصومي عن أمك« أي فإنه يؤّدى عنها سألته عن دين ال على الميت وجواز قضائه عنه‬
‫فذكر لها دين الدمي عليه‪ ،‬وأقرها على جواز قضائه عنه وهما نظيران‪ ،‬فلو لم يكن جواز القضاء‬
‫فيهما لعلية الدين له لكان بعيدا‪) .‬ول تشترط( في اليماء )مناسبة( الوصف )المومي إليه( للحكم‬
‫ح( بناء على أن العلة بمعنى المعرف‪ ،‬وقيل تشترط بناء على أنها بمعنى الباعث‪ ،‬وقيل‬ ‫)في الص ّ‬
‫وهو مختار ابن الحاجب تشترط إن فهم التعليل منها كقوله صلى ال عليه وسّلم‪» :‬ل يقضي‬
‫القاضي وهو غضبان«‪ .‬لن عدم المناسبة فيما شرط فيه لمناسبة تناقض‪ ،‬بخلف ما إذا لم يفهم‬
‫منها لن التعليل يفهم من غيرها‪ .‬قال المصنف في شرح المختصر تبعا للعضد‪ :‬والمراد من‬
‫المناسبة ظهورها‪،‬وأما نفسها فل بد منها في العلة الباعثة دون المارة المجردة ومرادهما بالعلة‬
‫الباعثة العلة المشتملة على حكمه تبعث على المتثال‪.‬‬

‫)الرابع(‪ :‬من مسالك العلة )السبر( وهو لغة الختبار )والتقسيم(‪ :‬وهو إظهار الشيء الواحد على‬
‫وجوه مختلفة‪) .‬وهو( أي ما ذكر من السبر والتقسيم اصطلحا )حصر أوصاف الصل( المقيس‬
‫عليه )وإبطال ما ل يصلح( منها للعلية )فيتعين الباقي( لها كأن يحصر أوصاف البّر في قياس الذرة‬
‫عليه في الطعم وغيره ويبطل ما عدا الطعم بطريقة فيتعين الطعم للعلية )ويكفي( في دفع منع‬
‫المعترض حصر الوصاف التي ذكرها المستدل‪) .‬قول المستدل( في المناظرة في حصرها )بحثت‬
‫فلم أجد( غيرها لعدالته مع أهلية النظر‪) .‬والصل عدم غيرها(‪ :‬فيندفع عنه بذلك منع الحصر‬
‫وتعبيري بأو كما في مختصر ابن الحاجب وبعض نسخ الصل أولى من تعبيره في أكثرها بالواو‪.‬‬
‫)والناظر( لنفسه )يرجع( في حصر الوصاف )إلى ظنه(‪ ،‬فيأخذ به ول يكابر نفسه‪) .‬فإن كان‬
‫الحصر والبطال( أي كل منهما )قطعيا فـ(ـهذا المسلك )قطعي وإل( بأن كان كل منهما ظنيا أو‬
‫أحدهما قطعيا والخر ظنيا‪) .‬فظني وهو( أي الظني )حجة( للناظر لنفسه والمناظر غيره )في‬
‫ح( لوجوب العمل بالظن‪ ،‬وقيل ليس بحجة مطلقا لجواز بطلن الباقي‪ ،‬وقيل حجة لهما إن‬ ‫الص ّ‬
‫أجمع على تعليل ذلك الحكم في الصل حذرا من أداء بطلن الباقي إلى خطأ المجمعين‪ ،‬وقيل حجة‬
‫للناظر دون المناظر لن ظنه ل يقوم حجة على خصمه‪) ،‬فإن أبدى المعترض( على الحصر الظني‬
‫)وصفا زائدا( على الوصاف )لم يكلف ببيان صلحيته للتعليل(‪ :‬لن بطلن الحصر بإبدائه كاف‬
‫في العتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به‪) .‬ول ينقطع المستدل( بإبدائه )حتى يعجز عن‬
‫إبطاله في الصح( لنه لم يّدع القطع في الحصر فغاية إبداء الوصف منع المقدمة من الدليل‬
‫والمستدل ل ينقطع بالمنع لكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف المبدى عن أن يكون‬
‫علة‪ ،‬فإن عجز عن إبطاله انقطع‪ ،‬وقيل ينقطع بإبدائه لنه ادعى حصرا‪ ،‬وقد أظهر المعترض‬
‫بطلنه‪ .‬قلنا‪ :‬ل يظهر إل بالعجز عن دفعه وذكر الخلف من زيادتي‪.‬‬

‫)فإن اتفقا( أي المتناظران )على إبطال غير وصفين( من أوصاف لصل واختلفا في أيهما العلة‪.‬‬
‫)كفاه( أي المستدل )الترديد بينهما( من غير احتياج إلى ضم غيرهما إليهما في الترديد لتفاقهما‬
‫على إبطاله فيقول‪ :‬العلة إما هذا أو ذاك ل جائز أن تكون ذاك لكذا فتعين أن تكون هذا‪.‬‬

‫)ومن طرق البطال( لعلية الوصف‪) .‬بيان أن الوصف طردي(‪ :‬أي من جنس ما علم من الشارع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫إلغاؤه إما مطلقا )كالطول( والقصر في الشخاص‪ ،‬فإنهما لم يعتبرا في شيء من الحكام فل يعلل‬
‫بهما حكم‪) .‬و( إما مقيدا بذلك الحكم )كالذكورة( والنوثة )في العتق(‪ ،‬فإنهما لم يعتبرا فيه فل يعلل‬
‫بهما شيء من أحكامه الدنيوية‪ ،‬وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والرث وغهرها‪ .‬وفي العتق‬
‫بالنظر لحكامه الخروية فقد روى الترمذي‪» :‬من أعتق عبدا مسلما أعتقه ال من النار‪ ،‬ومن أعتق‬
‫أمتين مسلمتين أعتقه ال من النار«‪ .‬وتعبيري هنا وفيما يأتي في السادس بالطردي أولى من تعبيره‬
‫فيهما بالطرد‪ ،‬لن الطرد من مسالك العلة على رأي كما سيأتي‪) .‬و( من طرق البطال )أن ل‬
‫ل عن العتبار للحكم بعد بحثه عنها‬ ‫تظهر مناسبة( الوصف )المحذوف( أي الذي حذفه المستد ّ‬
‫لنتفاء مثبت العلية بخلفه في اليماء‪) .‬ويكفي( في عدم ظهور مناسبته‪) .‬قول المستدل بحثت فلم‬
‫أجد( فيه )موهم مناسبة(‪ :‬أي ما يوهم مناسبته لعدالته مع أهلية النظر‪) ،‬فإن اّدعى المعترض أن(‬
‫الوصف )المبقى( أي الذي بقاه المستدل )كذلك( أي لم تظهر مناسبته‪) .‬فليس للمستدل بيان‬
‫مناسبته(‪ :‬لنه انتقال من طريق السبر إلى طريق المناسبة‪ ،‬وذلك يؤّدي إلى النتشار المحذور‪.‬‬
‫)لكن له ترجيح سبره( على سبر المعترض النافي لعلية المبقي كغيره‪) .‬بموافقة التعدية( لسبره حيث‬
‫يكون المبقى متعديا إذ تعدية الحكم محله أفيد من قصوره عليه‪.‬‬

‫)الخامس(‪ :‬من مسالك العلة )المناسبة(‪ .‬وهي لغة المليمة واصطلحا ملءمة الوصف المعين‬
‫للحكم أو ما يعلم من تعريف المناسب التي‪ ،‬ويسمى هذا المسلك بالحالة أيضا‪ ،‬كما ذكره الصل‬
‫سمي بها ذلك لن بمناسبته الوصف يخال أي‪ :‬يظن أن الوصف علة ويسمى بالمصلحة وبالستدلل‬
‫وبرعاية المقاصد أيضا‪) .‬ويسمى استخراجها( أي العلة المناسبة )تخريج المناط( لنه إبداء ما نيط‬
‫به الحكم‪ ،‬فالمناط من النوط وهو التعليق أما تنقيح المناط وتحقيقه فسيأتيان‪) .‬وهو(‪ :‬أي تخريج‬
‫المناط )تعيين العلة بإبداء(‪ :‬أي إظهار )مناسبة( بين العلة المعينة والحكم )مع القتران بينهما‬
‫كالسكار( في خبر مسلم‪» :‬كل مسكر حرام«‪ ،‬فهو لزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة‪،‬‬
‫وقد اقترن بها وخرج بإبداء المناسبة ترتيب الحكم على الوصف الذي هو من أقسام اليماء وغير‬
‫ذلك كالمطرد والشبه وبالقتران إبداء المناسبة في المستبقي في السبر‪) .‬ويحقق( بالبناء للمفعول‬
‫)استقلل الوصف( المناسب في العلية )بعدم غيره( من الوصاف )بالسبر(‪ :‬ل بقول المستدل بحثت‬
‫فلم أجد غيره‪ ،‬والصل عدمه بخلفه في السبر لنه ل طريق له ثم سواه‪ ،‬ولن المقصود هنا إثبات‬
‫استقلل وصف صالح للعلية وثم نفي ما ل يصلح لها‪) .‬والمناسب( المأخوذ من المناسبة المتقدمة‬
‫ل من ترتيب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودا‬ ‫)وصف( ولو حكمة )ظاهر منضبط يحصل عق ً‬
‫للشارع( في شرعية ذلك الحكم‪) .‬من حصول مصلحة أو دفع مفسدة(‪ .‬والوصف فيه شامل للعلة إذا‬
‫كانت حكما شرعيا لنه وصف للفعل القائم هو به وشامل للحكمة‪ ،‬فيكون للحكمة إذا علل بها حكمة‬
‫كحفظ النفس‪ ،‬فإنه حكمة للنزجار الذي هو حكمة لترتب وجوب القصاص على القتل عدوانا‪ ،‬وإن‬
‫جاز أن يكونا حكمتين له وخرج بيحصل الخ‪ ،‬الوصف المبقي في السير‪ ،‬والمدار في الدوران‬
‫ل من ترتيب الحكم عليها ما ذكر‪ ،‬وقيل‬ ‫وغيرهما من الوصاف التي تصلح للعلية ول يحصل عق ً‬
‫هو الملئم لفعال العقلء عادة‪ ،‬واختاره‬

‫الصل‪ ،‬وقيل هو ما يجلب نفعا أو يدفع ضررا‪ ،‬وقيل هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول‪.‬‬
‫وهذه القوال مقاربة للّول‪ ،‬وإنما اخترته على ما اختاره الصل لنه قول المحققين‪ ،‬ولنه أنسب‬
‫بقولي كغيري‪) .‬فإن كان الوصف خفيا أو غير منضبط اعتبر ملزمه(‪ :‬الذي هو ظاهر منضبط‪،‬‬
‫)وهو المظنة( له فيكون هو العلة كالوطء مظنة لشغل الرحم المرتب عليه وجوب العّدة في الصل‬
‫حفظا للنسب‪ ،‬لكنه لما خفي نيط وجوبها بمظنته وكالسفر مظنة للمشقة المرتب عليها الترخص في‬
‫الصل‪ ،‬لكنها لما لم تنضبط نيط الترخص بمظنتها‪) .‬وحصول المقصود من شرع الحكم قد يكون‬
‫يقينا كالملك في البيع( لنه المقصود من شرع البيع ويحصل منه يقينا‪) .‬و( قد يكون )ظنا‬
‫كالنزجار في القصاص(‪ :‬لنه المقصود من شرع القصاص ويحصل منه ظنا‪ ،‬فإن الممتنعين عنه‬
‫ل( كاحتمال انتفائه إما )سواء كالنزجار في حد‬ ‫أكثر من المقدمين عليه‪) .‬و( قد يكون )محتم ً‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الخمر( على تناولها لنه المقصود من شرع الحد عليه وحصول النزجار منه وانتفاؤه متساويان‬
‫بتساوي الممتنعين عن تناولها والمقدمين عليه فيما يظهر لنا‪) .‬أو مرجوحا( لرجحية انتفائه‪.‬‬
‫)كالتوالد في نكاح المة(‪ :‬لنه هو المقصود من شرع النكاح وانتفاؤه في نكاحها أرجح من‬
‫حصوله‪) .‬والصح جواز التعليل بالخيرين( من الربعة أي بالمقصود المتساوي الحصول‬
‫والنتفاء والمقصود المرجوح الحصول نظرا إلى حصولهما في الجملة وقياسا على السفر في جواز‬
‫القصر للمترفه في سفره المنتفي فيه المشقة التي هي حكمة الترخص نظرا إلى حصولها في‬
‫الجملة‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يجوز التعليل بهما‪ ،‬لن أولهما مشكوك الحصول‪ ،‬وثانيهما مرجوحه‪ .‬أما أّول‬
‫الربعة‪ ،‬وثانيها فيجوز التعليل بهما قطعا‪.‬‬

‫)فإن فات(‪ :‬المقصود من شرع الحكم )قطعا( في بعض الصور )فالصح( أنه )ل يعتبر( فيه‬
‫المقصود للقطع بانتفائه‪ .‬وقالت الحنفية‪ :‬يعتبر حتى يثبت فيه الحكم وما يترتب عليه كما سيظهر‪.‬‬
‫)سواء( في العتبار وعدمه )ما( أي الحكم الذي )فيه تعبد كاستبراء أمة اشتراها بائعها( لرجل منه‬
‫)في المجلس(‪ :‬أي مجلس البيع فالمقصود من استبراء المة المشتراة من رجل وهو معرفة براءة‬
‫رحمها منه المسبوقة بالجهل بها ثابت قطعا في هذه الصورة لنتفاء الجهل فيها قطعا‪ ،‬وقد اعتبره‬
‫الحنفية فيها تقديرا حتى يثبت فيها الستبراء وغيرهم لم يعتبره‪ .‬وقال بالستبراء فيها تعبدا كما في‬
‫المشتراة من امرأة‪ ،‬لن الستبراء فيه نوع تعبد كما علم في محله‪) .‬وما(‪ :‬أي والحكم الذي )ل(‬
‫تعبد فيه )كلحوق نسب ولد المغربية بالمشرقي( عند الحنفية حيث قالوا‪ :‬من تزوج بالمشرق امرأة‬
‫وهي بالمغرب‪ ،‬فأتت بولد يلحقه فالمقصود من التزويج وهو حصول النطفة في الرحم ليحصل‬
‫العلوق فيلحق النسب فائت قطعا في هذه الصورة للقطع عادة بعدم تلقي الزوجين‪ ،‬وقد اعتبره‬
‫الحنفية فيها لوجود مظنته وهو التزويج حتى يثبت اللحوق وغيرهم لم يعتبره‪ .‬وقال‪ :‬ل عبرة‬
‫بمظنته مع القطع بانتفائه وعدم التعبد فيه فل لحوق‪) .‬والمناسب( من حيث شرع الحكم له ثلثة‬
‫ل منها‬‫أقسام‪) :‬ضروري فحاجي فتحسيني( قطعا مع ما يأتي في أقسام الضروري بالفاء ليفيد أن ك ً‬
‫دون ما قبله في الرتبة‪) .‬والضروري(‪ :‬وهو ما تصل الحاجة إليه إلى حد الضرورة‪) .‬حفظ الدين(‬
‫المشروع له قتل الكفار‪) .‬فالنفس( أي حفظها المشروع له القود‪) ،‬فالعقل(‪ :‬أي حفظه المشروع له‬
‫حد السكر‪) ،‬فالنسب( أي حفظه المشروع له حد الزنا‪) .‬فالمال( أي حفظه المشروع له حد السرقة‬
‫وحد قطع الطريق‪) .‬فالعرض( أي حفظه المشروع له عقوبة القذف والسب‪ ،‬وهذا زاده الصل‬
‫كالطوفي على الخمسة السابقة المسماة بالمقاصد والكليات التي قالوا فيها إنها لم تبح في ملة من‬
‫الملل‪ ،‬والمراد مجموعها‪ ،‬وإل‬

‫فالخمر أبيحت في صدر السلم‪ ،‬وعطفي للعرض بالفاء أولى من عطف الصل كالطوفي له‬
‫بالواو‪) .‬ومثله( أي الضروري )مكمله(‪ ،‬فيكون في رتبته )كالحّد بـ(ـتناول )قليل المسكر(‪ ،‬إذ قليله‬
‫يدعو إلى كثيره المفّوت لحفظ العقل فبولغ في حفظه بالمنع من القليل والحّد عليه كالكثير‪ ،‬وكعقوبة‬
‫الداعين إلى البدع لنها تدعو إلى الكفر المفوت لحفظ الدين‪ ،‬وكالقود في الطراف‪ ،‬لن أزالتها‬
‫تدعو إلى القتل المفوت لحفظ النفس‪) .‬والحاجي( وهو ما يحتاج إليه ول يصل إلى حد الضرورة‪.‬‬
‫)كالبيع فالجارة( المشروعين للملك المحتاج إليه ول يفوت بفواته لو لم يشرعا شيء من‬
‫الضروريات السابقة‪ ،‬وعطفت الجارة بالفاء لن الحاجة إليها دون الحاجة إلى البيع‪) .‬وقد يكون(‬
‫الحاجي )ضروريا( في بعض صوره )كالجارة لتربية الطفل(‪ ،‬فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته‬
‫يفوت بفواته لو لم تشرع الجارة حفظ نفس الطفل‪) .‬و( مثل الحاجي )مكمله كخيار البيع( المشروع‬
‫للتروي كمل به البيع ليسلم عن الغبن‪) .‬والتحسيني(‪ :‬وهو ما استحسن عادة من غير احتياج إليه‬
‫قسمان‪) :‬معارض للقواعد( الشرعية‪ .‬أي لشيء منها )كالكتابة( فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت‬
‫ما ضر لكنها مستحسنة عادة للتوسل بها إلى فك الرقبة من الرق‪ ،‬وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع‬
‫الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بتعجيزه نفسه‪.‬‬
‫)وغيره(‪ :‬أي وغير المعارض لشيء من القواعد‪) .‬كسلب العبد أهلية الشهادة(‪ ،‬فإنه غير محتاج إليه‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫إذ لو ثبت للعبد الهلية ما ضر لكنه مستحسن عادة لنقص الرقيق عن هذا المنصب الشريف الملزم‬
‫للحقوق بخلف الرواية‪.‬‬

‫)ثم المناسب( من حيث اعتباره وجودا وعدما أربعة أقسام مؤثر وملئم وغريب ومرسل‪ ،‬لنه )إن‬
‫اعتبر عينه في عين الحكم بنص أو إجماع فالمؤثر(‪ .‬لظهور تأثيره بما اعتبر به‪ ،‬والمراد بالعين‬
‫النوع ل الشخص منه فالعتبار بالنص كتعليل نقض الوضوء بمس الذكر‪ ،‬فإنه مستفاد من خبر‬
‫الترمذي وغيره‪» :‬من مس ذكره فليتوضأ«‪ .‬والعتبار بالجماع كتعليل ولية المال على الصغير‬
‫بالصغر فإنه مجمع عليه‪) .‬أو( اعتبر عينه في عين الحكم )بترتيب الحكم على وقفه( حيث ثبت‬
‫الحكم معه بأن أورده الشرع على وقفه‪ ،‬ل بأن نص على العلة أو أومىء إليها وإل لم تكن العلة‬
‫مستفادة من المناسبة‪) .‬فإن اعتبر( بنص أو إجماع )العين في الجنس أو عكسه أو الجنس في‬
‫الجنس( وكل منهما أعلى مما بعده‪) .‬فالملئم( لمليمته للحمم )وإل( أي‪ :‬وإن لم يعتبر بما ذكر‬
‫شيء من ذلك‪) .‬فالغريب(‪ .‬وهذا من زيادتي تبعا لبن الحاجب‪ ،‬ومثل له بتعليل توريث المبتوتة في‬
‫مرض الموت بالفعل المحرم لغرض فاسد وهو الطلق البائن لغرض عدم الرث قياسا على قاتل‬
‫مورثه حيث لم يرثه بجامع ارتكاب فعل محرم‪ ،‬وفي ترتيب الحكم عليه تحصيل مصلحة وهو‬
‫نهيهما عن الفعل الحرام‪ ،‬لكن لم يشهد له أصل بالعتبار بنص أو إجماع‪ ،‬ومثال الول من أقسام‬
‫الملئم تعليل ولية النكاح بالصغر حيث تثبت معه‪ ،‬وإن اختلف في أنها له أو للبكارة أو لهما‪ ،‬وقد‬
‫اعتبر في جنس الولية حيث اعتبر في ولية المال بالجماع كما مر‪ ،‬ومثال الثاني تعليل جواز‬
‫الجمع حالة المطر في الحضر بالحرج حيث اعتبر معه‪ ،‬وقد اعتبر جنسه في جوازه في السفر‬
‫بالنص إذ الحرج جامع لحرج السفر والمطر‪ ،‬ومثال الثالث تعليل القود في القتل بمثقل بالقتل العمد‬
‫العدوان حيث ثبت معه‪ ،‬وقد اعتبر جنسه في جنس القود حيث اعتبر في القتل بمحدد بالجماع إذ‬
‫القتل العمد العدوان جامع للقتل بمثقل‪ ،‬وبمحدد والقود جامع للقود بالمثقل وبالمحدد‪) ،‬وإن لم يعتبر(‬
‫أي المناسب )فإن دل دليل على إلغائه(‪،‬‬

‫فهو ملغى )فل يعلل به( قطعا كما في جماع ملك نهار رمضان‪ ،‬فإن حاله يناسب التكفير ابتداء‬
‫بالصوم ليرتدع به دون العتاق‪ ،‬إذ يسهل عليه بذل المال في شهوة الفرج‪ ،‬وقد أفتى يحيى بن يحيى‬
‫بن كثير الليثي المغربي المالكي‪ :‬ملكا بالمغرب جامع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين‬
‫نظرا إلى ذلك لكن الشارع ألغاه بإيجابه العتاق ابتداء من غير تفرقة بين ملك وغيره‪ ،‬وفي‬
‫الحاشية زيادة على ذلك‪ ،‬ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن العتبار‪) .‬وإل( أي‪ :‬وإن لم يدل دليل‬
‫على إلغائه كما لم يدل على اعتباره )فالمرسل( لرساله أي إطلقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه‪،‬‬
‫ويعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالستصلح وبالمناسب المرسل )ورّده الكثر( من العلماء مطلقا‬
‫لعدم ما يدل على اعتباره وقبله المام مالك مطلقا رعاية للمصلحة حتى جّوز ضرب المتهم بالسرقة‬
‫ليقّر‪ ،‬وعورض بأنه قد يكون بريئا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء‪ ،‬ورّده قوم في‬
‫العبادات إذ ل نظر فيها للمصلحة‪ ،‬بخلف غيرها كالبيع والنكاح والحد‪ ،‬ومحل الخلف المذكور إذا‬
‫علم اعتبار العين في الجنس أو عكسه أو الجنس في الجنس‪ ،‬وإل فهو مردود قطعا كما ذكره العضد‬
‫تبعا لبن الحاجب‪) .‬وليس منه( أي من المناسب الرسل‪) .‬مصلحة ضرورية كلية( أي متعلقة بكل‬
‫المة )قطعية أو ظنية قريبة منها( لدللة الدليل على اعتبارها‪) ،‬فهي حق كلي قطعا( واشترطها‬
‫الغزالي للقطع بالقول بالمناسب المرسل‪ ،‬ل لصل القول به فجعلها منه مع القطع بقبولها مثالها‬
‫رمي الكفار المتترسين بأسرانا في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا‬
‫من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلونا بالقتل الترس وغيره‪ ،‬وبأنهم إن رموا سلم غير الترس‬
‫فيجوز رميهم لحفظ باقي المة بخلف رمي أهل قلعة تترسوا بمسلمين‪ ،‬لن فتحها ليس ضروريا‬
‫ورمى بعضنا من سفينة في بحر لنجاة الباقين‪ ،‬لن نجاتهم ليست كليا ورمى المتترسين في الحرب‬
‫إذا لم يقطع أو لم يظن‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ظنا قريبا من القطع باستئصالهم لنا‪ ،‬فل يجوز الرمي في شيء من الثلث‪ ،‬وإن أقرع في الثانية‬
‫لن القرعة ل أصل لها شرعا في ذلك‪) .‬والمناسبة تنخرم(‪ :‬أي تبطل )بمفسدة تلزم( الحكم‬
‫)راجحة( على مصلحته )أو مساوية لها في الصح(‪ ،‬لن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪،‬‬
‫وقال المام الرازي ومتابعوه ل تنخرم بها مع موافقتهم على انتفاء الحكم فهو عندهم لوجود المانع‬
‫وعلى الول لنتفاء المقتضى فالخلف لفظي‪.‬‬
‫)‬

‫السادس(‪ :‬من مسالك العلة‪) ،‬الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي( وهذا التفسير من‬
‫زيادتي‪) .‬ويسمى الوصف بالشبه أيضا وهو منزلة( أي ذو منزلة )بين منزلتيهما( أي منزلتي‬
‫المناسب والطردي‪) .‬في الصح( لنه يشبه الطردي من حيث إنه غير مناسب بالذات‪ ،‬ويشبه‬
‫المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والنوثة في القضاء والشهادة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو المناسب بالتبع كالطهارة لشتراط النية‪ ،‬فإنها إنما تناسبه بواسطة أنها عبادة بخلف‬
‫المناسب بالذات كالسكار لحرمة الخمر‪) .‬ول يصار إليه( بأن يصار إلى قياسه‪) ،‬إن أمكن قياس‬
‫العلة( المشتمل على المناسب بالذات‪) .‬وإل( بأن تعذرت العلة بتعذر المناسب بالذات بأن لم يوجد‬
‫غير قياس الشبه‪) .‬فهو حجة في غير( الشبه )الصوري في الصح(‪ ،‬نظرا لشبهه بالمناسب وقد‬
‫احتج به الشافعي في مواضع منها‪ .‬قوله‪ :‬في إيجاب النية في الوضوء كالتيمم طهارتان أنى‬
‫تفترقان‪ ،‬وقيل مردود نظرا لشبهه بالطردي‪) .‬وأعله(‪ :‬أي قياس الشبه )قياس ما( أي شبه )له أصل‬
‫واحد( كأن يقول في إزالة الخبث‪ :‬هي طهارة للصلة فيتعين الماء كطهارة الحدث‪ ،‬فطهارة الخبث‬
‫تشبه الطردي من حيث ظهور المناسبة بينها وبين تعين الماء‪ ،‬وتشبه المناسب بالذات من حيث إن‬
‫الشرع اعتبر طهارة الحدث بالماء في الصلة وغيرها‪) .‬فـ(ـقياس )غلبة الشباه في الحكم والصفة(‪:‬‬
‫وهو إلحاق فرع متردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالخر‬
‫فيهما‪ ،‬كإلحاق العبد بالماء في إيجاب القيمة بقتله بالغة ما بلغت‪ ،‬لن شبهه بالمال في الحكم والصفة‬
‫أكثر من شبهه بالحّر فيهما‪ ،‬أما الحكم فلكونه يباع ويؤجر ويعار ويودع ويثبت عليه اليد‪ .‬وأما‬
‫الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورادءة وتعلق الزكاة بقيمته إذا اتجر فيه‪.‬‬
‫)فـ(ـقياس غلبة الشباه في )الحكم فـ(ـقياس غلبتها في )الصفة(‪ .‬وهذان مع الول ومع الترجيح‬
‫والتقييد بغير الصوري من زيادتي‪ ،‬أما‬

‫الصوري كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما‪ ،‬فليس‬
‫بحجة في الصح‪.‬‬
‫)السابع( من مسالك العلة )الدوران بأن يوجد الحكم( أي تعلقه‪) .‬عند وجود وصف ويعدم( هو أولى‬
‫من قوله وينعدم‪) .‬عند عدمه( والوصف يسمى مدارا والحكم دائرا‪) .‬وهو( أي الدوران )يفيد( العلية‬
‫)ظنا في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬ل يفيدها لجواز أن يكون الوصف ملزما لها ل نفسها كرائحة المسكر‬
‫ل وليست علة‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫المخصوصة‪ ،‬فإنها دائرة مع السكار وجودا وعدما بأن يصير المسكر خ ً‬
‫يفيدها قطعا وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كالسكار لحرمة الخمر‪) .‬ول يلزم المستدل به‬
‫بيان انتفاء ما هو أولى منه(‪ :‬بإفادة العلية بل يصح الستدلل به مع إمكان الستدلل بما هو أولى‬
‫منه بخلف ما مّر في الشبه‪) .‬ويترجح جانبه(‪ :‬أي المستدل )بالتعدية( لوصفه على جانب المعترض‬
‫حيث يكون وصفه قاصرا )إن أبدى المعترض وصفا آخر(‪ :‬أي غير المدار‪) .‬والصح( أنه )إن‬
‫تعّدى وصفه( أي المعترض )إلى الفرع( المتنازع فيه بقيد زدته بقولي‪) :‬واتحد مقتضى وصفيهما(‬
‫أي المستدل والمعترض‪) ،‬أو إلى فرع آخر لم يطلب ترجيح( بناء على جواز تعدد العلل‪ ،‬وقيل‬
‫يطلب الترجيح بناء على منعه‪ ،‬وبه جزم الصل في الثاني بناء على ما رجحه من منع تعدد العلل‪،‬‬
‫أما إذا اختلف مقتضى وصفيهما كأن اقتضى أحدهما الحل والخر الحرمة فيطلب الترجيح‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)الثامن(‪ :‬من مسلك العلة )الطرد بأن يقارن الحكم الوصف بل مناسبة(‪ :‬ل بالذات ول بالتبع كقول‬
‫بعضهم في الخل مائع ل تبنى القنطرة على جنسه فل تزال به النجاسة كالدهن أي‪ :‬بخلف الماء‬
‫فبناء القنطرة وعدمه ل مناسبة فيهما للحكم‪ ،‬وإن كان مطردا ل نقض عليه‪ ،‬وقولي بل مناسبة من‬
‫زيادتي وخرج به بقية المسالك )ورّده الكثر( من العلماء لنتفاء المناسبة عنه‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬قياس‬
‫المعنى مناسب لشتماله على الوصف المناسب‪ ،‬وقياس الشبه تقريب‪ ،‬وقياس الطرد تحكم فل يفيد‪،‬‬
‫وقيل يفيد المناظر دون الناظر لنفسه لن الول دافع‪ ،‬والثاني مثبت‪ .‬وقيل إن قارنه فيما عدا صورة‬
‫النزاع أفاد العلية فيفيد الحكم في صورة النزاع‪ ،‬وقيل تكفي مقارنته له في صورة واحدة غير‬
‫صورة النزاع‪.‬‬

‫)التاسع(‪ :‬من مسالك العلة‪) :‬تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل( لحكم )بوصف فيحذف‬
‫خصوصه عن العتبار بالجتهاد ويناط( الحكم )بالعم(‪ ،‬كما حذف أبو حنيفة ومالك من خبر‬
‫ي الذي واقع زوجته في نهار رمضان خصوص الوقاع عن العتبار‪ ،‬وأناطا الكفارة بمطلق‬ ‫العراب ّ‬
‫الفطار‪) .‬أو( بأن )تكون( في محل الحكم )أوصاف فيحذف بعضها( عن العتبار بالجتهاد‬
‫)ويناط( الحكم )بباقيها(‪ ،‬كما حذف الشافعي في الخبر المذكور غير الوقاع من أوصاف المحل‬
‫ككون الواطىء أعرابيا‪ ،‬وكون الموطوءة زوجة‪ ،‬وكون الوطء في القبل عن العتبار‪ ،‬وأناط‬
‫الكفارة بالوقاع‪ ،‬ول ينافي التمثيل بالخبر لما هنا التمثيل به فيما مّر لليماء‪ ،‬لختلف الجهة‪ ،‬إذ‬
‫التمثيل لليماء بالنظر لقتران الوصف بالحكم‪ ،‬ولما هنا بالنظر للجتهاد في الحذف‪) .‬وتحقيق‬
‫المناط إثبات العلة في صورة( خفى وجودها فيها‪) .‬كإثبات أن النباش( وهو من ينبش القبور ويأخذ‬
‫الكفان‪) .‬سارق( بأنه وجد منه أخذ المال خفية من حرز مثله وهو السرقة فيقطع خلفا للحنفية‪.‬‬
‫)وتخريجه( أي المناط )مّر( بيانه في مبحث المناسبة وقرنت كالصل بين الثلثة كعادة الجدليين‬
‫ويعرف من تعاريفها الفرق بينها‪.‬‬

‫)العاشر(‪ :‬من مسالك العلة )إلغاء الفارق( بأن يبين عدم تأثيره في الفرق بين الصل والفرع‪ ،‬فيثبت‬
‫ب البول في الماء الراكد بالبول فيه في‬
‫الحكم لما اشتركا فيه سواء أكان اللغاء قطعيا كإلحاق ص ّ‬
‫ن أحدكم في الماء الراكد«‪ .‬أم ظنيا )كإلحاق المة بالعبد في السراية(‬
‫الكراهة الثابتة بخبر‪» :‬ل يبول ّ‬
‫الثابتة بخبر‪» :‬من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قّوم عليه قيمة عدل فأعطى‬
‫شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإل فقد عتق عليه ما عتق«‪ .‬فالفارق في الول الصب من‬
‫غير فرج‪ ،‬وفي الثاني النوثة‪ ،‬ول تأثير لهما في منع الكراهة والسراية فتثبتان لما يشارك فيه‬
‫الصل والفرع‪ ،‬وإنما كان الثاني ظنيا لنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد‬
‫استقلله في جهاد وجمعة وغيرهما مما ل دخل للنثى فيه‪ ،‬وقوله في الخبر ثمن العبد أي ثمن ما ل‬
‫يملكه العتق منه‪) .‬وهو( أي إلغاء الفارق )والدوران والطرد( على القول به )ترجع( ثلثتها )إلى‬
‫ن في الجملة‪ .‬ول تعين جهة المصلحة المقصودة‬ ‫ضرب شبه( للعلة ل علة حقيقة لنها تحصل الظ ّ‬
‫من شرع الحكم‪ ،‬لنها ل تدرك بواحد منها بخلف بقية المسالك‪.‬‬

‫)خاتمة(‪ :‬في نفي مسلكين ضعيفين‪) .‬ليس تأتي القياس بعلية وصف ول العجز عن إفساده دليلها في‬
‫ح( فيهما‪ .‬وقيل نعم فيهما‪ ،‬أما الول فلن القياس مأمور به بقوله تعالى }فاعتبروا{ وبتقدير‬
‫الص ّ‬
‫علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة المر فيكون الوصف علة‪ .‬قلنا‪ :‬إنما يتعين عليته لو لم يخرج‬
‫عن عهدة المر إل بقياسه وليس كذلك‪ ،‬وأما الثاني فكما في المعجزة فإنها إنما دلت على صدق‬
‫الرسول للعجز عن معارضتها‪ .‬قلنا‪ :‬الفرق أن العجز ثم من الخلق وهنا من الخصم‪.‬‬

‫القوادح‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫أي‪ :‬هذا مبحثها وهي ما يقدح في الدليل علة كان الدليل أو غيرها‪) .‬منها تخلف الحكم عن العلة‬
‫المستنبطة(‪ :‬إن كان التخلف )بل مانع أو فقد شرط في الصح(‪ ،‬بأن وجدت في بعض صور بدون‬
‫الحكم لنها لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ بخلف المنصوصة‪ ،‬إذ ل نقض معها كما بينته في‬
‫ل منهما‪.‬‬‫الحاشية‪،‬وبخلف ما إذا كان التخلف لمانع أو فقد شرط‪ ،‬لن العلة عند التخلف تجامع ك ً‬
‫وهذا ما اختاره ابن الحاجب وغيره من المحققين‪ ،‬وعليه يحمل إطلق الشافعي القدح بالتخلف‪،‬‬
‫وقيل يقدح مطلقا‪ ،‬ورجحه الصل إذ لو صحت العلية مع التخلف للزم الحكم في صورة التخلف‬
‫ضرورة استلزام العلة لمعلولها‪ ،‬وقيل ل يقدح مطلقا‪ .‬وقال به أكثر الحنفية وسموه تخصيص العلة‪،‬‬
‫وقيل يقدح في العلة المستنبطة دون المنصوصة‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل يقدح إل أن يكون لمانع أو فقد‬
‫شرط وعليه أكثر فقهائنا وقيل غير ذلك‪) .‬والخلف(في القدح )معنوي( خلفا لبن الحاجب ومن‬
‫تبعه في قولهم‪ :‬إنه لفظي مبني على تفسير العلة إن فسرت بالمؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود‬
‫الحكم‪ ،‬فالتخلف قادح أو بالباعث أو بالمعرف فل‪.‬‬

‫)ومن فروعه( أي فروع أن الخلف معنوي )النقطاع( للمستدل فيحصل إن قدح التخلف‪ ،‬وإل فل‬
‫يحصل ويسمع قوله‪ :‬أردت العلية في غير ما حصل فيه التخلف‪) ،‬وانخرام المناسبة بمفسدة(‬
‫فيحصل إن قدح التخلف وإل فل‪ ،‬لكن ينتفي الحكم لوجود المانع )وغيرهما( بالرفع أي‪ :‬غير‬
‫المذكورين كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإل فل‪) .‬وجوابه(‪:‬أي التخلف على القول بأنه‬
‫قادح )منع وجود العلة( فيما اعترض به‪) .‬أو( منع )انتفاء الحكم( في ذلك )إن لم يكن انتفاؤه مذهب‬
‫المستدل(‪ .‬وإل فل يتأتى الجواب‪) ،‬أو بيان المانع أو( بيان )فقد الشرط( مثال ذلك‪ :‬يجب القود‬
‫بالقتل بمثقل كالقتل بمحدد‪ ،‬فإن نقض بقتل الصل فرعه حيث تخلف الحكم فيه عن العلة فجوابه‬
‫منع وجود العلة في ذلك‪ ،‬إذ يعتبر فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف لمانع‪ ،‬وهو أن الصل كان‬
‫سببا ليجاد فرعه‪ ،‬فل يكون هو سببا لعدام أصله‪) .‬وليس للمعترض( بالتخلف )استدلل على‬
‫وجود العلة( فيما اعترض به‪) .‬عند الكثر( من النظار‪ ،‬ولو بعد منع المستدل وجودها‪) .‬لنتقاله(‬
‫من العتراض إلى الستدلل المؤدي إلى النتشار‪ ،‬وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة‪ .‬وقيل‬
‫له ذلك إن لم يكن ثم دليل أولى من التخلف بالقدح‪ ،‬وإل فل‪ .‬وقيل له ذلك ما لم تكن العلة حكما‬
‫شرعيا‪) .‬ولو دل( المستدل )على وجودها( أي العلة فيما علل حكمه بها )بـ(ـدليل )موجود في محل‬
‫النقض ثم منع وجودها( في ذلك المحل‪) ،‬فقال( له المعترض‪) :‬ينتقض دليلك( الذي أقمته على‬
‫وجودها حيث وجد في محل النقض دونها على مقتضى منعك وجودها فيه‪) .‬لم يسمع( قول‬
‫المعترض )لنتقاله من نقضها إلى ناقض دليلها(‪ ،‬والنتقال ممتنع‪ ،‬قال ابن الحاجب‪ :‬وفيه نظر لن‬
‫القدح في الدليل قدح في المدلول بمعنى أن القدح فيه يحوج إلى النتقال إلى إثبات المدلول بدليل‬
‫ل بل دليل فل يمتنع النتقال إليه‪ ،‬فإن رّدد بين المرين فقال‪ :‬يلزمك انتقاض‬ ‫آخر‪ ،‬وإل كان قو ً‬
‫العلة أو انتقاض دليلها‬

‫الدال على وجودها في الفرع فل تثبت علتك سمع قوله اتفاقا‪ ،‬إذ ل انتقال )وليس له( أي للمعترض‬
‫)استدلل على تخلف الحكم( فيما اعترض به ولو بعد منع المستدل تخلفه )في الصح(‪ ،‬لما مر من‬
‫النتقال من العتراض إلى الستدلل المؤدي إلى النتشار‪ ،‬وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال‬
‫العلة‪ ،‬وقيل له ذلك إن لم يكن ثم طريق أولى من التخلف بالقدح وإل فل‪) .‬ويجب الحتراز منه(‪:‬‬
‫أي من التخلف بأن يذكر في الدليل ما يخرج محله ليسلم من العتراض‪) ،‬على المناظر مطلقا( عن‬
‫الستثناء التي‪) ،‬وعلى الناظر( لنفسه )إل فيما اشتهر من المستثنيات(‪ ،‬كالعرايا لنه لشهرته‬
‫كالمذكور‪ ،‬فل يجب الحتراز منه‪ ،‬وقيل يجب عليه ذلك مطلقا وغير المذكور ليس كالمذكور‪ ،‬وقيل‬
‫يجب عليه ذلك إل في المستثنيات ولو كانت غير مشهورة‪ ،‬فل يجب ذلك للعلم بأنها غير مرادة‪،‬‬
‫وقيل ل يجب مطلقا‪ .‬واختاره ابن الحاجب وغيره )وإثبات صورة( معينة أو مبهمة )أو نفيها ينتقض‬
‫بالنفي أو الثبات العامين( يعني‪ :‬السالبة والموجبة الكليتين‪) .‬وبالعكس(‪ :‬أي النفي العام أو الثبات‬
‫العام ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها فنحو زيد كاتب أو إنسان ما كاتب يناقضه ل‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫شيء من النسان بكاتب ونحو‪ :‬زيد ليس بكاتب‪ ،‬أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب‪،‬‬
‫أما الولى بشقيها فلتحقق المناقضة بين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية‪ ،‬وأما الثانية كذلك فلتحقق‬
‫المناقضة بين السالبة الجزئية والموجبة الكلية‪.‬‬
‫)‬

‫ح( لما يعلم من تعريفه التي‪ ،‬وقيل ليس بقادح‪،‬‬ ‫ومنها( أي من القوادح )الكسر( فإنه قادح )في الص ّ‬
‫)وهو( أي الكسر ويسمى بنقض المعنى أي المعلل به‪) .‬إلغاء بعض العلة( بوجود الحكم عند انتفائه‬
‫إما )مع إبداله( أي البعض بغيره )أو ل( مع إبداله )ونقض باقيها( أي العلة والتصريح بأو ل الخ‬
‫من زيادتي )كما يقال في( إثبات صلة )الخوف( هي )صلة يجب قضاؤها( لو لم تفعل‪) .‬فيجب‬
‫أداؤها كالمن(‪ :‬فإن الصلة فيه كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها‪) .‬فيعترض( بأن‬
‫خصوص الصلة ملغى بأن يقال الحج يجب أداؤه لقضائه‪) .‬فليبدل( خصوص الصلة )بالعبادة(‬
‫ليندفع العتراض‪ ،‬وكأنه قيل عبادة الخ‪) .‬ثم ينقض( هذا القول )بصوم الحائض( فإنه عبادة يجب‬
‫قضاؤها ول يجب أداؤها بل يحرم )أو ل يبدل( خصوص الصلة‪) .‬فل يبقى( للمستدل علة )إل(‬
‫قوله‪) :‬يجب قضاؤها( فيجب أداؤها كالمن‪) .‬ثم ينقض بما مر(‪ ،‬بأن يقال ليس كل ما يجب قضاؤه‬
‫يؤدي بدليل صوم الحائض‪ ،‬فإنه يجب عليها قضاؤه دون أدائه‪ .‬وعبر ابن الحاجب عن هذا القادح‬
‫بالنقض المكسور وعرف الكسر قبيله بما لزم منه أن الراجح أنه ل يقدح‪ ،‬وفي محل آخر بما‬
‫يقتضي أنه تخلف الحكم عن العلة‪ ،‬فعنده أن الكسر مشترك لفظي‪ ،‬وبما تقرر أّول علم أن الكسر ل‬
‫يكون إل في العلة المركبة‪ ،‬وأن مفاده تخلف الحكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )عدم العكس( بأن يوجد الحكم بدون العلة وإنما يقدح‪) .‬عند مانع تعدد‬
‫العلل( بخلف مجّوزه لجواز أن يكون وجود الحكم لعلة أخرى ومثاله يعلم من القادح التي‪.‬‬
‫)والعكس انتفاء الحكم( ل بمعنى انتفائه نفسه‪ ،‬بل )بمعنى انتفاء العلم أو الظن به لنتفاء العلة(‪،‬‬
‫وإنما عنى ذلك لنه ل يلزم من عدم الدليل الذي من جملته العلة عدم المدلول للقطع بأن ال تعالى‬
‫لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده‪ ،‬وإنما ينتفي العلم به‪) .‬فإن ثبت مقابله(‪ :‬أي‬
‫مقابل العكس وهو الطرد أي‪ :‬ثبوت الحكم لثبوت العلة أبدا‪) ،‬فأبلغ( في العكسية مما لم يثبت مقابله‬
‫بأن يثبت الحكم مع انتفاء العلة في بعض الصور‪ ،‬لنه في الّول عكس لجميع الصور وفي الثاني‬
‫لبعضها‪) .‬وشاهده( أي العكس في صحة الستدلل بانتفاء العلة فيه على انتفاء الحكم )قوله صلى‬
‫ال عليه وسّلم( لبعض أصحابه في خبر مسلم لما عدد وجوه البر بقوله‪ :‬وفي بضع أحدكم صدقة‬
‫الخ‪) .‬أرأيتم لو وضعها( أي الشهوة )في حرام أكان عليه وزر( فكأنهم قالوا نعم‪ ،‬فقال )فكذلك إذا‬
‫وضعها في الحلل كان له أجر في جواب( قولهم )أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر(‪ :‬استنتج من‬
‫ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلل الصادق بحصول الجر حيث‬
‫عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلل لتعاكس حكميهما في العلة‪ ،‬وهو كون هذا مباحا وذاك‬
‫حراما‪ ،‬وهذا الستنتاج يسمى قياس العكس التي في الكتاب الخامس‪ ،‬وإنما ذكر هنا مع العكس‪،‬‬
‫وإن كان المبحث في القدح بعدمه أما العكس فلتوقف معرفة عدمه على معرفته‪ ،‬وأما قياسه فلكونه‬
‫شاهدا له‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف( الذاتية للحكم )فيختص( القدح به‬
‫)بقياس معنى علته مستنبطة مختلف فيها( لشتماله على المناسب بخلف غيره كالشبه‪ ،‬وقياس‬
‫المعنى الذي علته منصوصة أو مستنبطة مجمع عليها فل يأتي فيه ذلك‪) ،‬وهو( أقسام )أربعة( القسم‬
‫ل كقول الحنفية في‬
‫الّول عدم التأثير )في الوصف بكونه طرديا أو شبها(‪ .‬والمعنى عدم تأثيره أص ً‬
‫الصبح صلة ل تقصر فل يقدم أذانها كالمغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقديم الذان طردي ل‬
‫مناسبة فيه ول شبه‪ ،‬وعدم التقييد موجود فيما يقصر‪ ،‬وكقول المستدل بقياس المعنى في الوضوء‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫طهارة تفتقر إلى النية كالتيمم فالطهارة بالنسبة لفتقار الوضوء إلى النية شبه المناسبة فيه بالذات‪،‬‬
‫إذ المناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة‪ .‬وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف وقولي أو‬
‫شبهه من زيادتي )و( الثاني عدم التأثير )في الصل(‪ :‬بإبداء علة لحكمه )على مرجوح( وهو منع‬
‫ي فل يصح كالطير في الهواء فيقول(‬ ‫تعدد العلل )مثل( أن يقال في بيع الغائب )مبيع غير مرئ ّ‬
‫ي( في الصل‪) .‬إذ العجز عن التسليم( فيه )كاف( في عدم الصحة‬ ‫المعترض )ل أثر لكونه غير مرئ ّ‬
‫وعدمها موجود مع الرؤية‪ .‬وحاصله معارضته في الصل بإبداء غير ما علل به وزدت على‬
‫مرجوح ليوافق ما اعتمدته من جواز تعّدد العلل‪) .‬و( الثالث عدم التأثير )في الحكم وهو أضرب(‬
‫ثلثة أحدها‪) :‬ما( أي وصف اشتملت عليه العلة )ل فائدة لذكره كقولهم(‪ :‬أي الخصوم الحنفية )في‬
‫المرتدين( المتلفين مالنا بدار الحرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم في ذلك )مشركون أتلفوا‬
‫ي( المتلف مالنا )فدار الحرب عندهم(‪ :‬أي الخصوم‬ ‫ل بدار الحرب فل ضمان( عليهم )كالحرب ّ‬ ‫ما ً‬
‫ي فل فائدة لذكره(‪ :‬لن من نفي الضمان في إتلف المرتد مال المسلم‬ ‫كما هو عندنا وصف )طرد ّ‬
‫كالحنفية نفاه‪ ،‬وإن لم يكن التلف بدار الحرب ومن أثبته كالشافعية أثبته‪ ،‬وإن لم يكن التلف بدار‬
‫الحرب‬

‫)فيرجع( العتراض في ذلك )للّول( من القسام لن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون‬
‫التلف بدار الحرب ل بغيرها‪) .‬و( الضرب الثاني )ما( أي وصف اشتملت عليه العلة )له( أي‬
‫لذكره )على الصح فائدة ضرورية كقول معتبر العدد في الستجمار( بالحجار )عبادة متعلقة‬
‫بالحجار لم يتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد كالجمار( أي كرميها )فقوله لم يتقدمها معصية عديم‬
‫التأثير( في حكم الصل والفرع )لكنه( أي معتبر العدد )مضطر لذكره لئل ينتقض ما علل به( لو لم‬
‫يذكر فيه )بالرجم( للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالحجار ولم يعتبر فيها العدد والضرب الثالث ما‬
‫ذكرته بقولي )أو غير ضرورية(‪ :‬أي أو ماله على الصح فائدة غير ضرورية )مثل( أن يقال‬
‫)الجمعة صلة مفروضة فلم تفتقر( في إقامتها )إلى أذن المام( العظم )كالظهر‪ ،‬فإن( قولهم‬
‫)مفروضة حشو إذ لو حذف( مما علل به )لم ينتقض( أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض في‬
‫ذلك‪) .‬لكنه ذكر لتقريب الفرع( وهو الجمعة )من الصل(‪ :‬وهو الظهر )بتقوية الشبهة بينهما إذ‬
‫الفرض بالفرض أشبه( به من غيره‪ ،‬وقيل عدم التأثير ل يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها‪ ،‬وقيل‬
‫يكون قادحا في ثانيهما دون أولهما‪) .‬و( القسم الرابع عدم التأثير )في الفرع( على مرجوح يعلم من‬
‫قولي بعد في الفرض والصح جوازه‪) ،‬مثل( أن يقال في تزويج المرأة نفسها )زوجت نفسها غير‬
‫كفء فل يصح( التزويج )كما لو زوجت( بالبناء للمفعول أي‪ :‬زّوجها وليها له‪) .‬وهو( أي الرابع‬
‫)كالثاني( في أنه إبداء علة وهي في هذا المثال تزويج المرأة نفسها ل تزويجها من غير كفء‪) ،‬إذ‬
‫ل أثر فيه للتقييد بغير الكفء( فإنه وإن ناسب البطلن لكنه غير مطرد في جميع صور المدعي‬
‫وهو أن تزويجها نفسها ل يصح مطلقا كما ل أثر للتقييد في مثال الثاني بكونه غير مرئي‪ ،‬وإن كان‬
‫نفي الثر هنا بالنسبة إلى الفرع وثم بالنسبة إلى الصل‪) .‬ويرجع( هذا القسم )إلى المناقشة في‬
‫الفرض وهو(‪ :‬أي الفرض‬

‫)تخصيص بعض صور النزاع بالحجاج( كما فعل في المثال‪ ،‬إذ المدعى فيه منع تزويجها نفسها‬
‫مطلقا والحتجاج على منعه من غير كفء‪) .‬والصح جوازه(‪ :‬أي الفرض مطلقا فقد ل يساعده‬
‫الدليل في كل الصور أو ل يقدر على دفع العتراض في بعضها فيستفيد بالفرض غرضا صحيحا‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ل يجوز لن جوازه ل يدفع اعتراض الخصم‪ ،‬وقيل يجوز بشرط بناء غير محل الفرض‬
‫على محله كأن يقاس عليه بجامع بينهما‪ ،‬أو يقال ثبت الحكم في بعض الصور فليثبت في باقيها‪ ،‬إذ‬
‫ل قائل بالفرق‪ ،‬وقد قال به الحنفية في المثال حيث جّوزوا تزويجها نفسها من غير كفء‪.‬‬
‫)‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ومنها(‪ :‬أي من القوادح )القلب( وهو نوعان خاص بالقياس وعرفوه بأن يربط المعترض خلف‬
‫قول المستدل على علته إلحاقا بالصل الذي جعله مقيسا عليه وعام يعترض به على القياس وغيره‬
‫ل به( المستدل‪) ،‬وصح( دليل )عليه(‬ ‫من الدلة‪) ،‬وهو في الصح دعوى( المعترض )أن ما استد ّ‬
‫أي على المستدل وإن دل له باعتبار آخر فتعبيري بذلك أولى من قوله عليه ل له‪) .‬في المسألة(‬
‫المتنازع فيها ل في مسألة أخرى‪ ،‬وقول الصل على ذلك الوجه ل حاجة إليه كما بينته في‬
‫الحاشية‪ ،‬وتقديمي عليه على ما بعده أولى من تأخير الصل له عنه‪) ،‬فـ(ـبسبب التقييد بصحة ما‬
‫استدل به )يمكن معه( أي مع القلب )تسليم صحته(‪ ،‬وقيل القلب تسليم صحته مطلقا سواء أكان ما‬
‫استدل به صحيحا أم ل‪ .‬وقيل‪ :‬هو إفساد له مطلقا لن الغالب من حيث جعله على المستدل مسلم‬
‫لصحته‪ ،‬وإن لم يكن صحيحا ومن حيث لم يجعله له مفسد له‪ ،‬وإن كان صحيحا‪ ،‬وعلى كل القولين‬
‫ل يذكر في الحد قيد للصحة‪ ،‬وإنما ذكر في الول لن عدم ذكره فيه يخل بموضوعه إما مصححا‬
‫ل لمذهب المستدل كما سيأتي‪ ،‬فهو قيد للحتراز عن الفاسد‪ ،‬إذ ل يحصل‬ ‫لمذهب المعترض أو مبط ً‬
‫به شيء من ذلك‪ ،‬وعلى الصح من إمكان التسليم مع القلب‪) .‬فهو( أي القلب )مقبول في الصح(‬
‫وهو إما )معارضة عند التسليم( لصحة دليل المستدل‪ ،‬فل يكون القلب حينئذ قادحا‪ ،‬بل يجاب عنه‬
‫بالترجيح وإما اعتراض‪) .‬قادح عند عدمه(‪ :‬أي عدم تسليم الصحة‪ ،‬وقيل هو شاهد زور يشهد على‬
‫الغالب وله حيث سلم فيه الدليل‪ ،‬واستدل به على خلف دعوى المستدل فل يقبل‪) .‬وهو( أي القلب‬
‫باعتبار آخر )قسمان(‪.‬‬

‫القسم )الول(‪ :‬القلب )لتصحيح مذهب المعترض( في المسألة )وإبطال مذهب المستدل( فيها سواء‬
‫أكان مذهب المستدل مصرحا به في الستدلل أم ل‪ ،‬فالول )كما يقال( من جانب المستدل‬
‫كالشافعي في بيع الفضولي )عقد بل ولية( عليه‪) .‬فل يصح كالشراء(‪ :‬أي كشراء الفضولي فل‬
‫يصح لمن سماه‪) .‬فيقال( من جانب المعترض كالحنفي )عقد فيصح كالشراء(‪ :‬أي كشراء الفضولي‬
‫فيصح له ويلغو تسميته لغيره وهو أحد وجهين عندنا‪ ،‬إذا لم يشتر بعين مال من عقد له ولم يضف‬
‫العقد إلى ذمته‪) .‬و( الثاني )مثل( أن يقول الحنفي المشترط للصوم في العتكاف )لبث فل يكون‬
‫بنفسه قربة كوقوف عرفة(‪ ،‬فإنه قربة بضميمة الحرام فكذا العتكاف يكون قربة بضميمة عبادة‬
‫إليه وهي الصوم لنه المتنازع فيه‪) .‬فيقال(‪ :‬من جانب المعترض كالشافعي العتكاف‪) .‬لبث فل‬
‫يشترط فيه الصوم كعرفة( ل يشترط الصوم في وقوفها‪ ،‬ففي هذا إبطال لمذهب الخصم الذي هو‬
‫اشتراط الصوم ولم يصرح به في الدليل‪.‬‬

‫القسم )الثاني(‪ :‬القلب )لبطال مذهب المستدل( وإبطاله إما )بصراحة( كأن يقول الحنفي في مسح‬
‫الرأس‪) ،‬عضو وضوء فل يكفي( في مسحه )أقل ما ينطلق عليه السم كالوجه( ل يكفي في غسله‬
‫ذلك‪) .‬فيقال( من جانب المعترض كالشافعي عضو ضوء‪) .‬فل يقدر بالربع كالوجه( ل يقدر غسله‬
‫بالربع )أو بالتزام(‪ ،‬كأن يقول النفي في بيع الغائب )عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالمعّوض‬
‫كالنكاح( يصح مع الجهل بالزوجة أي‪ :‬عدم رؤيتها‪) .‬فيقال( من جانب المعترض كالشافعي‪) ،‬فل‬
‫يثبت( فيه )خيار الرؤية كالنكاح( فنفي الثبوت يلزمه نفي الصحة إذ القائل بها قائل بالثبوت‪ ،‬وقولي‪:‬‬
‫فل يثبت أولى من قوله فل يشترط لن اللزم للصحة عند القائل بها ثبوت ما ذكر ل اشتراطه‪،‬‬
‫)ومنه(‪ :‬أي من القلب لبطال مذهب المستدل باللتزام‪) .‬قلب المساواة فيقبل في الصح(‪ :‬وهو أن‬
‫يكون في جهة الصل حكمان أحدهما منتف عن جهة الفرع باتفاق الخصمين‪ ،‬والخر متنازع فيه‬
‫بينهما فإذا أثبته المستدل في الفرع قياسا على الصل يقول المعترض‪ :‬فيجب التسوية بين الحكمين‬
‫في جهة الفرع كما في جهة الصل )مثل( قول الحنفي في الوضوء والغسل كل منهما )طهر بمائع‬
‫فل تجب فيه النية كالنجاسة(‪ :‬أي إزالتها ل يجب فيها النية بخلف التيمم يجب فيه النية‪) .‬فيقال( من‬
‫جانب المعترض كالشافعي )يستوي جامده ومائعه(‪ :‬أي الطهر )كالنجاسة( يستوي جامد طهرها‬
‫ومائعه في جميع أحكامها‪ .‬وقد وجبت النية في التيمم‪ ،‬فتجب في الوضوء والغسل‪ ،‬وقيل ل يقبل‬
‫قلب المساواة‪ ،‬لن التسوية في جهة الفرع غيرها‪ ،‬في جهة الصل‪ ،‬وأجاب الكثر بأن هذا‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫الختلف ل يضر في القياس‪ ،‬لنه غير مناف لصل الستواء في الوصف الذي جعل جامعا وهو‬
‫الطهارة‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )القول بالموجب( بفتح الجيم أي بما اقتضاه الدليل ول يختص بالقياس‬
‫ن العز منها الذل‪ ،‬المحكي عن‬ ‫وشاهده قوله تعالى‪} :‬ول العزة ولرسوله{ في جواب‪ :‬ليخرج ّ‬
‫المنافقين أي‪ :‬صحيح ذلك لكنهم الذل وال ورسوله العز وقد أخرجهم ال ورسوله‪) .‬وهو تسليم(‬
‫مقتضي )الدليل مع بقاء النزاع(‪ ،‬بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع وورد ذلك على ثلثة‬
‫أنواع‪ .‬أحدها‪ :‬أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملزم له ول يكون كذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم والخصم يمنع أنه مأخذه‪ .‬والثالث‪:‬‬
‫أن يسكت عن مقدمة صغرى غير مشهورة‪ .‬فالول )ما يقال في( القود بقتل )المثقل( من جانب‬
‫المستدل كالشافعي )قتل بما يقتل غالبا فل ينافي القود كالحراق( بالنار ل ينافي القود‪) ،‬فيقال( من‬
‫جانب المعترض كالحنفي )سلمنا عدم المنافاة( بين القتل بالمثقل وبين القود‪) ،‬لكن لم قلت( إن القتل‬
‫بالمثقل )يقتضيه( أي القود وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل‪) .‬و( الثاني )كما يقال( في القود‬
‫بالقتل بالمثقل أيضا )التفاوت في الوسيلة( من آلت القتل وغيره )ل يمنع القود كالتوسل إليه( من‬
‫قتل وقطع وغيرهما ل يمنع تفاوته القود )فيقال( من جانب المعترض )مسلم( أن التفاوت في‬
‫الوسيلة ل يمنع القود فل يكون مانعا منه‪) ،‬لكن ل يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود‬
‫الشرائط والمقتضي( وثبوت القود متوقف عل جميعها‪) ،‬والمختار تصديق المعترض في قوله(‬
‫للمستدل )ليس هذا( الذي عنيته باستدللك تعريضا بي من منع التفاوت في الوسيلة للقود )مأخذي(‬
‫في نفي القود‪ ،‬لن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك لنه أعلم بمذهبه‪ ،‬وقيل ل يصدق إل ببيان مأخذ‬
‫آخر لنه قد يعاند بما قاله‪ .‬والثالث ما ذكرته بقولي‪) :‬وربما سكت المستدل عن مقدمة غير مشهورة‬
‫مخافة المنع( لها لو صرح بها )فيرد( بسكوته عنها )القول بالموجب( كما يقال في‬

‫اشتراط النية في الوضوء والغسل ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلة ويسكت عن الصغرى وهي‬
‫الوضوء والغسل قربة‪ ،‬فيقول المعترض مسلم أن ما هو قربة يشترط فيه النية‪ ،‬لكن ل يلزم‬
‫اشتراطها في الوضوء والغسل‪ ،‬فإن صرح المستدل بأنهما قربة ورد عليه منع ذلك وخرج عن‬
‫القول بالموجب أما المشهورة فكالمذكورة فل يتأتى فيها القول بالموجب‪.‬‬

‫)ومنها( أي من القوادح )القدح في المناسبة( الوصف المعلل به الحكم‪) .‬وفي صلحية إفضاء الحكم‬
‫ل من‬‫إلى المقصود( من شرعه )وفي النضباط( للوصف المذكور‪) ،‬وفي الظهور( له بأن ينفي ك ً‬
‫الربعة بأن يبدي في أّولها مفسدة راجحة أو مساوية لما مر من أنها تنخرم بذلك‪ ،‬ويبين في ثانيها‬
‫عدم الصلحية للفضاء‪ ،‬وفي ثالثها عدم النضباط‪ ،‬وفي رابعها عدم الظهور‪) .‬وجوابه(‪ :‬أي القدح‬
‫بشيء منها )بالبيان( له‪ .‬الول‪ :‬بيان رجحان المصلحة على المفسدة‪ ،‬كأن يقال التخلي للعبادة أفضل‬
‫من النكاح لما فيه من تزكية النفس فيعترض بأن تلك المصلحة تفّوت أضعافها كإيجاد الولد وكف‬
‫النظر وكسر الشهوة‪ ،‬فيجاب بأن تلك المصلحة أرجح مما ذكر لنها لحفظ الدين وما ذكر لحفظ‬
‫النسل‪ ،‬والثاني‪ :‬ببيان إفضاء الحكم إلى المقصود كأن يقال تحريم المحرم بالمصاهرة مؤبدا صالح‪،‬‬
‫لن يفضي إلى عدم الفجور بها المقصود من شرع التحريم فيعترض بأنه ليس صالحا لذلك‪ ،‬بل‬
‫للفضاء إلى الفجور لن النفس مائلة إلى الممنوع‪ .‬فيجاب‪ :‬بأن تحريمها المؤبد لسد‪ :‬باب الطمع‬
‫فيها بحيث تصير غير مشتهاة كالم‪ ،‬والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه يضبطه‬
‫كالسفر للمشقة‪ ،‬والرابع‪ :‬ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل في القود بالرضا فيعترض‬
‫بأن الرضا أمر خفي فل يعلل به‪ ،‬فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )الفرق( بين الصل والفرع )والصح أنه معارضة بإبداء قيد في علية(‬
‫حكم )الصل أو( إبداء )مانع في الفرع( يمنع من ثبوت حكم الصل فيه )أو بهما( أي بالبداءين‬
‫معا‪ .‬وقيل هو الثالث فقط مثاله على الشق الول أن يقول الشافعي‪ :‬تجب النية في الوضوء كالتيمم‬
‫بجامع الطهارة عن حدث‪ ،‬فيعترض الحنفي بأن العلة في الصل الطهارة بالتراب‪ ،‬وعلى الثاني أن‬
‫ي كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض الشافعي بأن‬
‫يقول الحنفي‪ :‬يقاد المسلم بالذم ّ‬
‫السلم في الفرع مانع من القود‪ ،‬وعلى الثالث أن يعارض بالبداءين وما عرفت به الفرق أولى من‬
‫تعريف الصل له بأنه راجع إلى المعارضة في الصل‪ ،‬أو الفرع وقيل إليهما لنه أحاله على ما لم‬
‫يذكره مع إيهام أن المعارضة بالبداءين ليست فرقا مطلقا وليس كذلك‪) .‬و(الصح )أنه(‪ :‬أي الفرق‬
‫)قادح( وإن قيل إنه بالثالث أو بالضعيف سؤالن‪ .‬أو قلنا بجواز تعّدد العلل لنه يؤثر في جميع‬
‫المستدل‪ ،‬ولنه لو لم يقدح لم يمتنع التحكم واللزم باطل وقيل ليس بقادح‪ ،‬وقيل كذلك على القول‬
‫ل واحدا‬‫بأنه بالثالث سؤالن ل سؤال واحد‪ ،‬إذ جمع السئلة المختلفة غير مقبول ومعنى كونه سؤا ً‬
‫اتحاد المقصود منه وهو قطع الجمع‪ ،‬ومعنى كونه سؤالين اشتماله على معارضة علة الصل بعلة‬
‫وعلى معارضة الفرع بأخرى مستنبطة‪) .‬وجوابه(‪ :‬أي الفرق )بالمنع( كأن يمنع كون المبدى في‬
‫الصل جزءا من العلة وفي الفرع مانعا من الحكم وهذا من زيادتي )و( الصح )أنه يجوز تعدد‬
‫الصول( لفرع واحد بأن يقاس عليها لقّوة الظن به‪ ،‬وصححه ابن الحاجب وغيره وهو الموافق‬
‫لجواز تعدد العلل وقيل يمتنع تعددها‪ ،‬وإن جوز تعدد العلل لنتشار البحث في ذلك مع إمكان‬
‫حصول المقصود بواحد منها وصححه الصل‪) .‬فلو فرق بين الفرع وأصل منها كفى( في القدح‬
‫فيها )في الصح(‪ :‬لنه يبطل جمعها المقصود‪ ،‬وقيل ل يكفي لستقلل كل منها وقيل يكفي إن قصد‬
‫اللحاق بمجموعها‪ ،‬لنه‬

‫يبطله بخلف ما إذا قصد بكل منها )في اقتصار المستدل على جواب أصل( واحد منها‪ ،‬وقد فرق‬
‫المعترض بين جميعها‪) .‬قولن(‪ :‬أحدهما يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها‪ ،‬والثاني ل‬
‫يكفي لنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه‪ ،‬وهذا هو الوجه الموافق للصح قبله‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح‪) ،‬فساد الوضع بأن ل يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم( عليه كأن يكون‬
‫صالحا لضد ذلك الحكم أو نقيضه )كتلقي( أي استنتاج )التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق‬
‫والثبات من النفي(‪ .‬وعكسه )وثبوت اعتبار الجامع( في قياس المستدل )بنص أو إجماع في نقيض‬
‫الحكم(‪ ،‬أو ضده في ذلك القياس‪ ،‬فالول كقول الحنفية القتل عمدا جناية عظيمة ل يجب له كفارة‬
‫كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم ل تخفيفه بعدم وجوب الكفارة‪ ،‬والثاني‪ :‬كقولهم الزكاة‬
‫وجبت على وجه الرتفاق لدفع الحاجة‪ ،‬فكانت على التراخي كالدية على العاقلة‪ ،‬فالتراخي الموسع‬
‫ل يناسب دفع الحاجة المضيق‪ ،‬والثالث‪ :‬كأن يقال في المعاطاة في غير المحقر لم يوجد فيها مع‬
‫الرضا صيغة‪ ،‬فينعقد بها البيع كما في المحقر على القول بانعقاده بها فيه‪ ،‬فعدم الصيغة يناسب عدم‬
‫النعقاد ل النعقاد‪ ،‬والرابع‪ :‬كأن يقال في المعاطاة في المحقر وجد فيها الرضا فقط‪ ،‬فل ينعقد بها‬
‫بيع كغير المحقر‪ ،‬فالرضا الذي هو مناط البيع يناسب النعقاد ل عدمه‪ .‬والخامس‪ :‬في الجامع ذي‬
‫النص قول الحنفية‪ :‬الهرة سبع ذو ناب فسؤره نجس كالكلب‪ ،‬فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة‬
‫للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال‪ :‬السنور‬
‫سبع‪ .‬رواه المام أحمد وغيره‪ ،‬وفي الجامع ذي الجماع قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء‬
‫مسح فيسن تكراره كالستجمار حيث يسن اليتار فيه فيقال المسح في الخف ل يسن تكراره إجماعا‬
‫فيما قيل‪) .‬وجوابه(‪ :‬أي فساد الوضع )بتقرير نفيه( عن الدليل بأن يقرر‬

‫كونه صالحا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحداهما التوسيع وبالخرى التضييق‬
‫فينظر المستدل فيه من إحداهما‪ ،‬والمعترض من الخرى كالرتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة‪،‬‬
‫ويجاب على الكفارة في القتل بأنه غلظ فيه بالقود فل يغلظ فيه بالكفارة‪ ،‬وعن المعاطاة في الثالث‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بأن النعقاد بها مرتب على الرضا ل على عدم الصيغة‪ ،‬وعن المعاطاة في الرابع بأن عدم النعقاد‬
‫بها مرتب على عدم الصيغة ل على الرضا‪ ،‬وعن ثبوت اعتبار الجامع بقسميه في نقيض الحكم‬
‫بثبوت اعتباره في ذلك الحكم‪ ،‬ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع في أصل المعترض كما‬
‫في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )فساد العتبار بأن يخالف( الدليل )نصا( من كتاب أو سنة‪) ،‬أو إجماعا(‬
‫كأن يقال في أداء الصوم الواجب صوم واجب‪ ،‬فل يصح نيته من النهار كقضائه‪ ،‬فيعترض بأنه‬
‫مخالف لقوله تعالى }والصائمين والصائمات{ الخ فإنه رتب فيه الجر العظيم على الصوم كغيره‬
‫من غير تعرض للتبييت فيه‪ ،‬وذلك مستلزم لصحته بدونه‪ ،‬وكأن يقال ل يصح قرض الحيوان لعدم‬
‫انضباطه كالمختلطات‪ ،‬فيعترض بأنه مخالف لخبر مسلم عن أبي رافع أنه صلى ال عليه وسّلم‬
‫استسلف بكرا ورّد رباعيا‪ .‬وقال‪» :‬إن خيار الناس أحسنهم قضاء« والبكر بفتح الباء الصغير من‬
‫البل‪ ،‬والرباعي بفتح الراء ما دخل في السنة السابعة‪ ،‬وكأن يقال ل يجوز للرجل أن يغسل زوجته‬
‫ي فاطمة‬ ‫الميتة لحرمة النظر إليها كالجنبية‪ ،‬فيعترض بأنه مخالف للجماع السكوتي في تغسيل عل ّ‬
‫رضي ال عنهما‪) ،‬وهو(‪ :‬أي فساد العتبار )أعم من فساد الوضع( من وجه لصدقه فقط بأن يكون‬
‫الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه وصدق فساد الوضع فقط بأن ل يكون الدليل كذلك‪ ،‬ول يعارضه‬
‫نص ول إجماع وصدقهما معا بأن ل يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إجماع له )وله( أي‬
‫للمعترض بفساد العتبار )تقديمه على المنوعات( في المقدمات )وتأخيره عنها( لمجامعته لها من‬
‫غير مانع من تقديمه وتأخيره )وجوابه كالطعن في سنده(‪ :‬أي سند النص أو الجماع بإرسال أو‬
‫غيره )والمعارضة( للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل المستدل‪) .‬ومنع اظهور( له في مقصد‬
‫المعترض )والتأويل( له بدليل وزدت الكاف لدفع توهم حصر الجواب فيما ذكر‪ ،‬فإنه ل ينحصر فيه‬
‫إذ منه غيره كالقول بالموجب كما بينته في الحاشية‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )منع علية الوصف( أي منع كونه العلة )وتسمى المطالبة(‪ :‬أي بتصحيح‬
‫العلة المتبادر عند إطلق المطالبة‪) .‬والصح قبوله( وإل لدى الحال إلى تمسك المستدل بما شاء‬
‫من الوصاف لمنه المنع‪ ،‬وقيل ل يقبل لدائه إلى النتشار بمنع كل ما يدعي عليته‪) .‬وجوابه‬
‫بإثباتها(‪ :‬أي العلية بمسلك من مسالك العلة المتقدمة‪) .‬ومن المنع( المطلق )منع وصف العلة(‪ :‬أي‬
‫منع اعتباره فيها وهو مقبول جزما‪) .‬كقولنا في إفساد الصوم بغير جماع( كأكل من غير كفارة‬
‫)الكفارة( شرعت )للزجر عن الجماع المحذور في الصوم فوجب اختصاصها به كالحد(‪ .‬فإنه شرع‬
‫للزجر عن الجماع زنا وهو مختص بذلك‪) .‬فيقال(‪ :‬ل نسلم أنها شرعت للزجر عن الجماع‬
‫بخصوصه‪) ،‬بل عن الفطار المحذور فيه(‪ :‬أي في الصوم بجماع أو غيره‪) .‬وجوابه ببيان اعتبار‬
‫الخصوصية( أي خصوصية الوصف في العلة كأن يبين اعتبار الجماع في الكفارة بأن الشارع‬
‫رتبها عليه حيث أجاب بها من سأله عن جماعه كما مّر‪) .‬كأن المعترض( بهذا العتراض )ينقح‬
‫المناط( بحذف خصوص الوصف عن اعتباره في العلة )والمستدل يحققه( ببيان اعتبار خصوصية‬
‫الوصف فيقدم لرجحان تحقيق المناط فإنه يرفع النزاع‪) .‬و( من المنع المطلق )منع حكم الصل‪،‬‬
‫والصح أنه مسموع( كمنع وصل العلة كأن يقول الحنفي‪ :‬الجارة عقد على منفعة‪ ،‬فتبطل بالموت‬
‫كالنكاح فيقال له‪:‬ل نسلم حكم الصل‪ ،‬إذ النكاح ل يبطل بالموت بل ينتهي به‪ ،‬وقيل غير مسموع‬
‫لن لم يعترض المقصود )و( الصح )أن المستدل ل ينقطع به(‪ :‬أي بمنع الحكم لنه منع مقدمة من‬
‫مقدمات القياس‪ ،‬فله إثباته كسائر المقدمات‪ .‬وقيل‪ :‬ينقطع للنتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو‬
‫بصدده إلى غيره‪ ،‬وقيل ينقطع به إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء‪ ،‬ولم يقل المستدل في استدلله‬
‫إن سلمت حكم الصل وإل نقلت الكلم إليه بخلف ما ل يعرفه إل خواصهم‪ ،‬أو قال المستدل ذلك‪،‬‬
‫وقيل غير ذلك‪) .‬و( الصح )أنه( أي المستدل )إن‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫دل( أي استدل )عليه( أي على حكم الصل بدليل )لم ينقطع المعترض( بمجرد ذلك‪) ،‬بل له أن‬
‫يعترض( ثانيا الدليل‪ ،‬لنه قد ل يكون صحيحا‪ ،‬وقيل ينقطع فليس له أن يعترض لخروجه‬
‫باعتراضه عن المقصود‪) ،‬وقد يقال( من طرف المعترض في التيان بمنوع مترتبة )ل نسلم حكم‬
‫الصل سلمنا(‪) .‬ول نسلم أنه مما يقاس فيه(‪ :‬لجواز كونه مما اختلف في جواز القياس فيه‬
‫والمستدل ل يراه‪) .‬سلمنا( ذلك )ول نسلم أنه معلل( لجواز كونه تعبديا‪) .‬سلمنا( ذلك‪) ،‬ول نسلم أن‬
‫هذا الوصف علته( لجواز كونها غيره‪) .‬سلمنا( ذلك‪) ،‬ول نسلم وجود فيه(‪ :‬أي وجود الوصف في‬
‫الصل‪) .‬سلمنا( ذلك )ول نسلم أنه( أي الوصف )متعد( لجاز كونه قاصرا‪) .‬سلمنا( ذلك‪) ،‬ول نسلم‬
‫وجوده بالفرع(؛ فهذه سبعة منوع تتعلق الثلثة الولى منها بحكم الصل‪ ،‬والربعة الباقية بالعلة مع‬
‫الصل‪ ،‬والفرع في بعضها‪ .‬وقد بينت ذلك في الحاشية‪) .‬فيجاب( عنها )بالدفع( لها على ترتيبها‬
‫السابق )بما عرف من الطرق( المذكورة في دفعها إن أريد ذلك‪ ،‬وإل فيكفي القتصار على دفع‬
‫الخير منها‪) ،‬فـ(ـبسبب جواز تعدد المنوع )يجوز إيراد اعتراضات( هو أولى من قوله معارضات‬
‫)من نوع(‪ ،‬كالنقوض أو المعارضات في الصل أو الفرع لنها كسؤال واحد مترتبة كانت أو ل‪،‬‬
‫)وكذا( يجوز إيراد اعتراضات )من أنواع في الصح(‪ ،‬كالنقض وعدم التأثير والمعارضة‪) ،‬وإن‬
‫كانت مترتبة( أي يستدعي تاليها تسليم متلوه‪ ،‬وذلك لن تسليمه تقديري ل تحقيقي‪ ،‬وقيل ل يجوز‬
‫من أنواع للنتشار‪ ،‬وقيل يجوز في غير المترتبة دون المترتبة‪ ،‬لن ما قبل الخير في المترتبة‬
‫ي ل تحقيقي كما مّر‪ ،‬مثال النوع في العتراضات‬ ‫مسلم فذكره ضائع‪ ،‬ورّد بأن تسليمه تقدير ّ‬
‫المترتبة أن يقال‪ :‬ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا‪ ،‬ولئن سلم فهو منقوض بكذا‪ ،‬ومثاله‬
‫في غير المترتبة أن يقال‪ :‬ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ومثال النواع مترتبة أن‬
‫يقال ما ذكر من الوصف غير موجود في‬

‫الصل‪ ،‬ولئن سلم فهو معارض بكذا‪ ،‬ومثالها غير مترتبة أن يقال‪ :‬هذا الوصف منقوض بكذا أو‬
‫غير مؤثر لكذا‪.‬‬
‫)‬

‫ومنها( أي من القوادح )اختلف ضابطي الصل والفرع(؛ أي اختلف علتي حكمهما بدعوى‬
‫المعترض‪ ،‬وإنما كان اختلفهما قادحا لعدم الثقة فيه بالجامع وجودا ومساواة‪ ،‬كأن يقال في شهود‬
‫الزور بالقتل تسببوا في القتل‪ ،‬فعليهم القود كالمكره غيره على القتل‪ ،‬فيعترض بأن الضابط في‬
‫الصل الكراه‪ ،‬وفي الفرع الشهادة‪ ،‬فأين الجامع بينهما وإن اشتركا في الفضاء إلى المقصود‪.‬‬
‫فأين مساواة ضابط الفرع لضابط الصل في ذلك؟ )وجوابه(‪ :‬أي جواب العتراض باختلف‬
‫الضابط )بأنه( أي الجامع بينهما‪) .‬القدر المشترك( بين الضابطين كالتسبب في القتل فيما مر‪ ،‬وهو‬
‫منضبط عرفا‪) .‬أو بأن الفضاء( أي إفضاء الضابط في الفرع إلى المقصود )سواء( أي مساٍو‬
‫لفضاء الضابط في الصل إلى المقصود‪ ،‬كحفظ النفس فيما مر‪ ،‬وكالمساوي لذلك الرجح منه كما‬
‫فهم بالولى‪) .‬ل بإلغاء التفاوت( بين الضابطين بأن يقال التفاوت بينهما ملغى في الحكم‪ ،‬فل يحل‬
‫الجواب به لن التفاوت قد يلغى كما في العالم يقتل بالجاهل‪ ،‬وقد ل يلغى كما في الحّر ل يقتل‬
‫بالعبد‪.‬‬

‫)ومنها(‪ :‬أي من القوادح )التقسيم( هو راجع للستفسار مع منع المعترض أن أحد احتمالي اللفظ‬
‫ل على السواء‪) .‬أحدهما ممنوع( دون‬ ‫العلة‪) ،‬وهو ترديد اللفظ( المورد في الدليل )بين أمرين( مث ً‬
‫الخر المراد مثاله أن يقال في مثال الستفسار للجمال فيما يأتي الوضوء النظافة أو الفعال‬
‫المخصوصة الول ممنوع أنه قربة‪ ،‬والثاني مسلم أنه قربة‪ ،‬لكنه ل يفيد الغرض من وجوب النية‪.‬‬
‫)والمختار قبوله( لعدم تمام الدليل معه وقيل ل لنه لم يعترض المراد‪) .‬وجوابه أن اللفظ موضوع(‬
‫في المراد )ولو عرفا( كما يكون لغة‪) .‬أو( أنه )ظاهر( ولو بقرينة )في المراد(‪ ،‬كما يكون ظاهرا‬
‫بغيرها ويبين الوضع والظهور‪) .‬والعتراضات( كلها )راجعة إلى المنع( قال كثير أو المعارضة‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫لن غرض المستدل من إثبات مدعاه بدليله صحة مقّدماته ليصلح للشهادة له وسلمته من المعارض‬
‫لتنفذ شهادته وغرض المعترض من هدم ذلك القدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته‬
‫بما يقاومه‪ ،‬والصل كبعضهم رأى أن المعارضة منع للعلة عن الجريان فاقتصر عليه وتبعته فيه‪.‬‬
‫)ومقدمها( بكسر الدال‪ ،‬ويجوز فتحها كما مر أي المتقدم أو المقدم على العتراضات‪) .‬الستفسار(‬
‫فهو طليعة لها كطليعة الجيش‪) .‬وهو طلب ذكر معنى اللفظ لغرابة أو إجمال( فيه )وبيانهما(‪ :‬أي‬
‫الغرابة والجمال )على المعترض في الصح(‪ :‬لن الصل عدمهما وقيل‬

‫على المستدل بيان عدمهما ليظهر دليله‪) .‬ول يكلف( المعترض بالجمال )بيان تساوي المحامل(‬
‫المحقق للجمال لعسر ذلك عليه‪) .‬ويكفيه( في بيان ذلك إن أراد التبرع به أن يقول )الصل( بمعنى‬
‫الراجح )عدم تفاوتها(‪ :‬أي المحامل وإن عارضه المستدل بأن الصل عدم الجمال‪) .‬فيبين المستدل‬
‫عدمهما( أي عدم الغرابة والجمال حيث تّم العتراض عليه بهما بأن يبين ظهور اللفظ في‬
‫مقصوده بنقل عن لغة أو عرف شرعي أو غيره أو بقرينة‪ ،‬كما إذا اعترض عليه في قوله‪:‬‬
‫الوضوء قربة‪ ،‬فلتجب فيه النية بأن الوضوء يطلق على النظافة‪ ،‬وعلى الفعال المخصوصة فيقول‪:‬‬
‫حقيقته الشرعية الثاني‪) .‬أو يفسر اللفظ بمحتمل( منه بفتح الميم الثانية‪) .‬قيل وبغيره(‪ :‬أي بغير‬
‫محتمل منه‪ ،‬إذ غاية المر أنه ناطق بلغة جديدة ول محذور في ذلك بناء على أن اللغة اصطلحية‪،‬‬
‫ورّد بأن فيه فتح باب ل يستد‪) .‬والمختار( أنه )ل يقبل( من المستدل إذا وفق المعترض بإجمال‬
‫اللفظ على عدم ظهوره في غير مقصده‪) ،‬دعواه الظهور( له )في مقصده(‪ :‬بكسر الصاد )بل نقل(‬
‫عن لغة أو عرف‪) ،‬أو قرينة(‪ :‬كأن يقول يلزم ظهوره في مقصدي لنه غير ظاهر في الخر اتفاقا‪،‬‬
‫فلو لم يكن ظاهرا في مقصدي لزم الجمال‪ ،‬وإنما لم تقبل لنه ل أثر لها بعد بيان المعترض‬
‫الجمال‪ ،‬وقيل تقبل دفعا للجمال الذي هو خلف الصل‪ ،‬ومحله إذا لم يشتهر اللفظ بالجمال‪ ،‬فإن‬
‫اشتهر به كالعين والقرء لم يقبل ذلك جزما‪ ،‬وترجيح عدم القبول من زيادتي‪ ،‬وهو ما اعتمده شيخنا‬
‫الكمال ابن الهمام وغيره‪ ،‬وقولي بل نقل أو قرينة أظهر في المراد من قوله دفعا للجمال‪) .‬ثم‬
‫المنع(‪ :‬أي العتراض بمنع أو غيره )ل يأتي في الحكاية(‪ :‬أي حكاية المستدل للقوال في السمألة‬
‫المبحوث فيها حتى يختار منها قولً ويستدل عليه‪) .‬بل( يأتي )في الدليل( إما )قبل تمامه(‪ ،‬وإنما‬
‫يأتي في مقدمة معينة منه‪) .‬أو بعده( أي بعد تمامه‪) .‬والول( وهو المنع قبل التمام )إما( منع‬
‫)مجرد أو( منع‬

‫)مع السند(‪ ،‬وهو ما يبنى عليه المنع والمنع مع السند‪) .‬كل نسلم كذا ولم ل يكون( المر )كذا أو(‬
‫ل يسلم كذا و)إنما يلزم كذا لو كان( المر )كذا وهو(‪ :‬أي الول بقسميه من المنع المجرد والمنع مع‬
‫السند‪) .‬المناقضة(‪ :‬أي يسمى بها ويسمى بالنقض التفصيلي )فإن احتج( المانع )لنتفاء المقدمة(‬
‫التي منعها )فغصب(‪ :‬أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا لنه غصب لمنصب المستدل )ل يسمعه‬
‫المحققون( من النظار لستلزامه الخبط فل يستحق جوابا‪ ،‬وقيل يسمع فيستحقه‪) .‬والثاني(‪ :‬وهو‬
‫المنع بعد تمام الدليل )إما بمنع الدليل( بمنع مقدمة معينة أو مبهمة )لتخلف حكمه فالنقض‬
‫التفصيلي(‪ :‬أي يسمى به إن كان المنع لمعينة كما يسمى مناقضة‪) .‬أو( النقض )الجمالي( أن يسمى‬
‫به إن كان لمبهمة أو لجملة الدليل كأن يقال في صورته ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف الحكم‬
‫عنه في كذا‪ ،‬ووصف بالجمالي لن جهة المنع فيه غير معينة بخلف التفصيلي‪ ،‬وذكر التفصيلي‬
‫في الثاني من زيادتي‪) .‬أو بتسليمه( أي الدليل )مع( منع المدلول و)الستدلل بما ينافي ثبوت‬
‫المدلول فالمعارضة(‪ :‬أي يسمى بها )فيقول( في صورتها المعترض للمستدل‪) .‬ما ذكرت( من‬
‫الدليل )وإن دل( على ما ذكرته )فعندي ما ينفيه(‪ :‬أي ما ذكرته ويذكره )وينقل( المعترض بها‬
‫ل( والمستدل معترضا‪ ،‬أما لو منع الدليل ل للتخلف أو المدلول‪ ،‬ولم يستدل بما ينافي ثبوته‬‫)مستد ً‬
‫فالمنع مكابرة‪) .‬وعلى المستدل الدفع( لما اعترض به عليه‪) .‬بدليل( ليسلم دليله الصلي ول يكفيه‬
‫المنع )فإن منع( أي الدليل الثاني بأن منعه المعترض )فكما مّر( من المنع قبل تمام الدليل‪ ،‬وبعد‬
‫تمامه الخ‪) .‬وهكذا(‪ :‬أي المنع ثالثا ورابعا مع الدفع وهلم‪) ،‬إلى إفحامه( أي المستدل بأن انقطع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بالمنوع‪) .‬أو إلزام المانع( بأن انتهى إلى ضروري أو يقيني مشهور من جانب المستدل‪.‬‬
‫)‬

‫خاتمة(‪ :‬الكتاب القياس‪) :‬الصح أن القياس من الدين(‪ :‬لنه مأمور به لقوله تعالى‪} :‬فاعتبروا يا‬
‫أولي البصار{ وقيل ليس منه لن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت مستمر‪ ،‬والقياس ليس كذلك‪،‬‬
‫لنه قد ل يحتاج إليه‪ ،‬وقيل منه إن تعين بأن لم يكن للمسألة دليل غيره‪ ،‬بخلف ما إذا لم يتعين لعدم‬
‫الحاجة إليه‪) .‬و( الصح )أنه( أي القياس )من أصول الفقه(‪ ،‬كما عرف من حده وقيل ليس منه‬
‫وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الصولي من إثبات حجيته المتوقف عليها الفقه على بيانه‪.‬‬
‫)وحكم المقيس يقال( فيه )إنه دين ال( وشرعه )ل( يقال فيه )قاله ال ول نبيه( لنه مستنبط ل‬
‫منصوص وقولي ول نبيه من زيادتي‪) ،‬ثم القياس فرض كفاية( على المجتهدين‪) .‬ويتعين(‪ :‬أي‬
‫يصير فرض عين )على مجتهد احتاج إليه(‪ :‬بأن لم يجد غيره في واقعة‪) .‬وهو( أي القياس بالنظر‬
‫إلى قّوته وضعفه قسمان‪) :‬جلي( وهو )ما قطع فيه بنفي الفارق( أي بإلغائه )أو( ما )قرب منه( بإن‬
‫كان ثبوت الفارق أي تأثيره فيه ضعيفا بعيدا كل البعد كقياس المة على العبد في تقويم حصة‬
‫الشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما مّر‪ ،‬وكقياس العمياء على العوراء في المنع‬
‫من التضحية الثابت بخبّر »أربع ل تجوز في الضاحي العوراء البين عورها الخ‪) .‬وخفي( وهو‬
‫)بخلفه(‪ :‬أي بخلف الجلي فهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى‬
‫منه‪ ،‬وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القود‪ ،‬وقد‬
‫قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل‪) .‬وقيل فيهما( أي الجلي والخفي )غير ذلك(‪ :‬قيل الجلي ما‬
‫ذكر في تعريفه‪ ،‬والخفي بالشبه‪ ،‬والواضح بينهما‪ .‬وقيل الجلي القياس الولى كقياس الضرب على‬
‫التأفيف في التحريم والواضح المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم‪ ،‬والخفي‬
‫الدون كقياس التفاح علي البر في الربا ثم الجلي على الولين يصدق بالولى كالمساوي‪) .‬و( ينقسم‬
‫القياس‬

‫باعتبار علته ثلثة أقسام )قياس العلة( وهو )ما صرح فيه بها( بأن كان الجامع فيه نفسها كأن يقال‬
‫يحرم النبيذ كالخمر للسكار‪) .‬وقياس الدللة( وهو )ما جمع فيه بلزمها فأثرها فحكمها( الضمائر‬
‫للعلة‪ ،‬وكل من الثلثة يدل عليها‪ ،‬وكل من الخيرين منها دون ما قبله بدللة الفاء فالول كأن يقال‬
‫النبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدة وهي لزمة للسكار‪ .‬والثاني كأن يقال القتل بمثقل‬
‫يوجب القود كالقتل بمحدد بجامع الثم وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان‪ .‬والثالث كأن يقال‬
‫يقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غير عمد‪ ،‬وهو حكم‬
‫العلة التي هي القطع منهم في المقيس والقتل منهم في المقيس عليه‪ .‬وحاصل ذلك استدلل بأحد‬
‫موجبي الجناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على الخر‪) .‬والقياس في معنى الصل(‪ .‬وهو‬
‫)الجمع بنفي الفارق(‪ ،‬ويسمى بالجلي كما مر‪ ،‬وبإلغاء الفارق وبتنقيح المناط كقياس البول في إناء‬
‫وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن ل فارق بينهما في مقصود المنع الثابت‬
‫بخبر مسلم عن جابر‪» :‬نهى النبي صلى ال عليه وسّلم عن أن يبال في الماء الراكد‪.‬‬

‫الكتاب الخامس في الستدلل‬

‫)وهو دليل ليس بنص( من كتاب أو سنة‪) .‬ول إجماع ول قياس شرعي(‪ .‬وقد تقدمت فل يقال‬
‫التعريف المشتمل عليها تعريف بالمجهول‪) .‬فدخل( فيه )قطعا( القياس )القتراني و( القياس‬
‫)الستثنائي( وهما نوعا القياس المنطقي وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول‬
‫آخر وهو النتيجة فإن كان اللزم أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل فهو الستثنائي وإل فالقتراني‬
‫فالستثنائي نحو‪ :‬إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام‪ ،‬لكنه مسكر ينتج فهو حرام‪ ،‬أو إن كان النبيذ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫مباحا فهو ليس بمسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس بمباح‪ ،‬والفتراني نحو‪ :‬كل نبيذ مسكر وكل‬
‫مسكر حرام‪ ،‬ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة ل بالفعل وسمي القياس استثنائيا لشتماله‬
‫على حرف الستثناء لغة وهو لكن واقترانيا لقتران أجزائه‪) .‬و( دخل فيه قطعا )قولهم(‪ :‬أي‬
‫ل‪،‬‬‫العلماء )الدليل يقتضي أن ل يكون( المر )كذا خولف( الدليل )في كذا(‪ :‬أي في صورة مث ً‬
‫)لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى( هي )على الصل( الذي اقتضاه الدليل كأن يقال‪ :‬الدليل‬
‫يقتضي امتناع تزويج المرأة مطلقا وهو ما فيه من إذللها بالوطء وغيره الذي تأباه النسانية‬
‫لشرفها‪ ،‬خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله وهذا المعنى مفقود فيها‪ ،‬فيبقى‬
‫تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من المتناع‪) .‬و( دخل فيه )في الصح‬
‫قياس العكس(‪ :‬وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما مر في خبر‪ :‬أيأتي أحدنا‬
‫شهوته وله فيها أجر؟ قال‪» :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر« وقيل‪ :‬ليس بدليل كما‬
‫حكي عن أصحابنا‪ ،‬وذكر الخلف في هذا من زيادتي‪) .‬و( دخل فيه في الصح )عدم وجدان دليل‬
‫الحكم(‪ :‬هو أولى من قوله انتفاء الحكم لنتفاء مدركه‪ ،‬وذلك بأن لم يجد الدليل المجتهد بعد الفحص‬
‫الشديد‪ ،‬فهو دليل على انتفاء الحكم‪ ،‬وقيل ليس بدليل‪ ،‬إذ ل يلزم من عدم وجدان الدليل عدمه‪ ،‬وذلك‬
‫)كقولنا( للخصم في إبطال الحكم‬

‫ل وإل لزم تكليف الغافل( حيث وجد الحكم بدون دليل مفيد‬ ‫الذي ذكره في مسألة )الحكم يستدعي دلي ً‬
‫له‪) ،‬ول دليل( على حكمك )بالسبر( فإنا سبرنا الدلة فلم نجد ما يدل عليه‪) .‬أو الصل( فإن الصل‬
‫المستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا‪ ،‬ودخل فيه الستقراء والستصحاب والستحسان‪،‬‬
‫وقول الصحابي واللهام التية‪ ،‬وإنما أفرد كل منها بالترجمة بمسألة لما فيه من التفصيل وقوة‬
‫الخلف مع طول بعضه‪) .‬ل لقولهم( أي الفقهاء )وجد المقتضي أو المانع أو فقد الشرط(‪ ،‬فل يدخل‬
‫ل إذا‬
‫ل بل دعوى دليل‪ ،‬وإنما يكون دلي ً‬ ‫ل( في الصح‪ ،‬ول يكون دلي ً‬ ‫في الستدلل حالة كونه )مجم ً‬
‫عين المقتضى والمانع والشرط‪ .‬وبين وجود الولين ول حاجة إلى بيان فقد الثالث لنه على وفق‬
‫ل على وجود الحكم بالنسبة إلى‬ ‫الصل‪ ،‬وقيل‪ :‬يدخل في الستدلل‪ ،‬ورجحه الصل فيكون دلي ً‬
‫المقتضي وعلى انتفائه بالنسبة إلى الخرين‪ ،‬وقيل دليل وليس باستدلل إن ثبت بنص أو إجماع أو‬
‫ل ما لو كان معينا‬
‫قياس‪ ،‬وإل فهو استدلل‪ .‬وقد بينت ما فيه في الحاشية‪ .‬وخرج بزيادتي مجم ً‬
‫ل كما علم مما مر‪.‬‬
‫ل ودلي ً‬
‫فيكون استدل ً‬

‫)مسألة‪ :‬الستقراء بالجزئي على الكلي(‪ :‬بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له )إن كان تاما( بأن‬
‫كان بكل الجزئيات إل صورة النزاع )فـ(ـهو دليل )قطعي( في إثبات الحكم في صورة النزاع‪) .‬عند‬
‫الكثر( من العلماء‪ ،‬وقال القل منهم‪ :‬ليس بقطعي لحتمال مخالفة تلك الصورة لغيرها على بعد‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هو منزل منزلة العدم‪) ،‬أو( كان )ناقصا( بأن كان بأكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع‬
‫)فظني( فيها ل قطعي لحتمال مخالفتها للمستقرإ‪) .‬ويسمى( هذا عند الفقهاء )إلحاق الفرد( النادر‬
‫ن باختلف الجزئيات‪ ،‬فكلما كان الستقراء فيها أكثر كان أقوى‬ ‫)بالغلب( العم‪ ،‬ويختلف فيه الظ ّ‬
‫ظنا‪.‬‬

‫)مسألة(‪ :‬في الستصحاب وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون الحنفية بأقسامه التية على خلف عندنا‬
‫في الخير منها‪ ،‬وعند غيرنا في الولين أيضا‪) .‬الصح أن استصحاب العدم الصلي(‪ :‬وهو نفي ما‬
‫نفاه العقل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب‪) .‬و( استصحاب )العموم أو النص و( استصحاب‬
‫)ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه(‪ ،‬كثبوت الملك بالشراء )إلى ورود المغير( لها من إثبات‬
‫الشرع ما نفاه العقل‪ ،‬ومن مخصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته أي‪ :‬كل من‬
‫المذكورات )حجة( مطلقا فيعمل به إلى ورود المغير‪ ،‬وقل ليس بحجة مطلقا‪ ،‬وقيل الخير منها‬
‫حجة في الدفع به عما ثبت دون الرفع به لما ثبت كاستصحاب حياة المفقود قبل الحكم بموته‪ ،‬فإنه‬
‫دافع للرث منه وليس برافع لعدم الرث من غيره للشك في حياته فل يثبت استصحابها له ملكا‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫جديدا‪ ،‬إذ الصل عدمه‪ ،‬وقيل هو حجة إن يعارضه ظاهر وإل قدم الظاهر‪ ،‬وقيل فيه غير ذلك‪.‬‬
‫والصح الول فيقدم الصل على الظاهر‪) .‬إل إن عارضه ظاهر غالب ذو سبب ظن أنه أقوى( من‬
‫الصل‪) ،‬فيقدم( عليه )كبول وقع في ماء كثير فوجد متغيرا‪ ،‬واحتمل تغيره به( وتغيره بغيره مما ل‬
‫يضر كطول المكث‪) .‬وقرب العهد( بعدم تغيره فإن استصحاب طهارته التي هي الصل عارضته‬
‫ل بالظاهر‪،‬‬‫ن أنها أقوى‪ ،‬فقدمت على الطهارة عم ً‬
‫نجاسته الظاهرة الغالبة ذات السبب التي ظ ّ‬
‫بخلف ما لم يظن أنه أقوى بأن بعد العهد في المثال بعدم التغير قبل وقوع البول أو لم يكن عهد‪،‬‬
‫وتأخيري الغاية عن المذكورات أولى من تقديمه لها على الخير‪ ،‬وذكر الخلف في الّولين مع‬
‫ن أنه أقوى من زيادتي‪) .‬و( الصح أنه )ل يحتج باستصحاب حال الجماع في‬ ‫التصريح بقولي ظ ّ‬
‫محل الخلف(‪ :‬أي إذا أجمع على حكم في حال ثم اختلف فيه في حال آخر‪ ،‬ففل يحتج باستصحاب‬
‫ذلك الحال في هذا الحال‪ ،‬وقيل يحتج مثاله الخارج النجس من غير السبيلين ل ينقض الوضوء‬
‫عندنا استحصابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه‪.‬‬

‫)فالستصحاب( الشامل للنواع السابقة وينصرف السم إليه‪) ،‬ثبوت أمر في( الزمن )الثاني لثبوته‬
‫في الول لفقد ما يصلح للتغيير( من الول إلى الثاني‪ ،‬فل زكاة عندنا فيما حال عليه الحول من‬
‫عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة بالستصحاب )أما ثبوته(‪ :‬أي المر )في الول( لثبوته‬
‫في الثاني )فـ(ـاستصحاب )مقلوب( كأن يقال في المكيال الموجود الن كان على عهده صلى ال‬
‫عليه وسّلم باستصحاب الحال في الماضي‪ ،‬إذ الصل موافقة الماضي للحال والستدلل به خف ّ‬
‫ي‬
‫حتى قال السبكي‪ :‬إنه لم يقل به الصحاب إل فيمن اشترى شيئا فادعاه غيره وأخذه بحجة مطلقة‬
‫ل باستصحاب الملك الذي ثبت الن فيما قبل ذلك‪ ،‬لن البينة‬ ‫فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عم ً‬
‫ل توجد الملك‪ ،‬بل تظهره‪ ،‬فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له لحظة لطيفة‪ ،‬ومن المحتمل‬
‫انتقال الملك من المشتري إلى المدعي‪ ،‬ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم النتقال منه على أن في‬
‫هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع‪ ،‬واعتمده البلقيني وقال‪ :‬إنه الصواب المتعين‪ ،‬والمذهب‬
‫الذي ل يجوز غيره‪) .‬وقد يقال فيه(‪ :‬أي في الستصحاب المقلوب ليظهر الستدلل به لرجوعه في‬
‫المعنى إلى الستصحاب المستقيم )لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت( أمس‪ ،‬إذ ل‬
‫واسطة بين الثبوت وعدمه )فيقضي استصحاب أمس( الخالي عن الثبوت فيه‪) ،‬بأنه اليوم غير ثابت‬
‫وليس كذلك(‪ ،‬لنه مفروض الثبوت اليوم )فدل( ذلك )علىأنه ثابت( أمس أيضا‪.‬‬
‫)‬

‫مسألة‪ :‬المختار أن النافي( لشيء )يطالب بدليل( على انتفاء )إن لم يعلم النفي(‪ :‬أي انتفاء الشيء‬
‫)ضرورة( بأن علم نظرا أو ظن لن غير الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه‪ ،‬وقيل ل‬
‫يطالب به‪ ،‬وقيل يطالب به في العقليات ل الشرعيات‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن علم انتفاؤه ضرورة‪) ،‬فل(‬
‫ي ل يشتبه حتى يطلب دليله لينظر فيه‪ ،‬وتعبيري بما ذكر‬ ‫يطالب بدليل على انتفائه لن الضرور ّ‬
‫أولى مما عبر به كما بينته في الحاشية‪) .‬و( المختار )أنه ل يجب الخذ بالخف ول بالثقل( في‬
‫شيء‪ ،‬بل يجوز كل منهما لن الصل عدم الوجوب‪ ،‬وقيل يجب الخذ بالخف لقوله تعالى‪} :‬يريد‬
‫ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر{ وقيل‪ :‬يجب الخذ بالثقل لنه أكثر ثوابا وأحوط‪ ،‬والترجيح من‬
‫زيادتي‪ ،‬وتقدم في الجماع ما يؤخذ منه أنه يجب الخذ بأقل ما قيل‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المختار(‪ :‬كماقال ابن الحاجب وغيره‪) :‬أنه صلى ال عليه وسّلم كان متعبدا( بفتح الباء‬
‫وكسرها أي‪ :‬مكلفا ومكلفا نفسه بالعبادة‪) .‬قبل البعثة بشرع(‪ ،‬لما في الخبار من أنه كان يتعبد كان‬
‫يصلي كان يطوف‪ .‬وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد موافقة أمر الشرع‪ ،‬ول يتصّور من‬
‫غير تعبد فإن العقل بمجرده ل يحسنه‪ ،‬وقيل لم يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره الصل‪،‬‬
‫)و(المختار )الوقف عن تعيينه( أي تعيين الشرع بتعيين من نسب إليه‪ ،‬وقيل هو آدم‪ ،‬وقيل نوح‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ي‪) .‬و( المختار‬ ‫وقيل إبراهيم‪ ،‬وقيل موسى‪ ،‬وقيل عيسى‪ ،‬وقيل ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنب ّ‬
‫)بعدها(‪ :‬أي بعد البعثة )المنع( من تعبده بشرع من قبله‪ ،‬لن له شرعا يخصه‪ ،‬وقيل تعبد بما لم‬
‫ينسخ من شرع من قبله أي‪ :‬ولم يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة‪) .‬و( المختار بعد‬
‫البعثة )أن أصل المنافع الحل المضاّر التحريم( قال تعالى‪} :‬خلق لكم ما في الرض جميعا{ ذكره‬
‫ضَرار«‪.‬‬‫ضَرَر ول ِ‬ ‫ن إل بالجائر‪ .‬وقال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬ل َ‬ ‫في معرض المتنان ول يمت ّ‬
‫رواه ابن ماجة وغيره‪ ،‬وزاد الطبراني »في السلم« وقيل‪ :‬الصل في الشياء الحل‪ ،‬وقيل الصل‬
‫فيها التحريم‪ ،‬أما حكم المنافع والمضاّر قبل البعثة فتقدم أوائل الكتاب حيث قيل ل حكم قبل الشرع‬
‫بل المر موقوف إلى وروده‪.‬‬

‫ل(‪ :‬إذ ل دليل يدل عليه وقيل هو دليل لقوله تعالى‪:‬‬‫)مسألة‪ :‬المختار أن الستحسان ليس دلي ً‬
‫}واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم{ قلنا المراد بالحسن الظهر والولى ل الستحسان‪) .‬وفسر بدليل‬
‫ينقدح في نفس المجتهد تقصر عنه عبارته ورّد بأنه(‪ :‬أي هذا الدليل )إن تحقق( بفتح التاء عند‬
‫المجتهد )فمعتبر(‪ ،‬ول يضّر قصور عبارته عنه قطعا‪ ،‬وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا‪) .‬و( فسر‬
‫أيضا )بعدول عن قياس إلى( قياس )أقوى( منه‪) ،‬ول خلف فيه( بهذا المعنى‪ ،‬إذ أقوى القياسين‬
‫مقدم على الخر قطعا‪) .‬أو( بعدول )عن الدليل إلى العادة( لمصلحة‪ ،‬كدخول الحمام بل تعيين أجرة‬
‫وزمن مكث فيه وقدر ماء وكشرب الماء من السقاء بل تعيين قدره مع اختلف أحوال الناس في‬
‫استعمال الماء‪) .‬ورّد بأنه إن ثبت أنها(‪ :‬أي العادة )حق( لجريانها في زمنه صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬أو‬
‫بعده بل إنكار ول من الئمة‪) .‬فقد قام دليلها( من السنة أو الجماع فيعمل بها قطعا‪) .‬وإل( أي وإن‬
‫لم يثبت حقيتها )رّدت( قطعا فلم يتحقق بما ذكر استحسان مختلف فيه‪) .‬فإن تحقق استحسان مختلف‬
‫فيه فمن قال به فقد شرع(‪ ،‬بالتخفيف‪ .‬وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قتل نفسه وليس له ذلك‬
‫لنه كفر أو كبيرة‪) .‬وليس منه(‪ :‬أي من الستحسان المختلف فيه أن تحقق )استحسان الشافعي‬
‫التحليف بالمصحف والخط في الكتابة( لشيء من نجومها‪) .‬ونحوهما( كاستحسانه في المتعة ثلثين‬
‫درهما‪ ،‬وإنما قال ذلك لدلة فقهية مبينة في محالها‪ ،‬ول ينكر التعبير به عن حكم ثبت بدليل‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬قول الصحابي(‪ :‬المجتهد )غير حجة على( صحابي )آخر وفاقا و( على )غيره( وكتابعي‬
‫)في الصح(‪ ،‬لن قول الصحابي ليس حجة في نفسه‪ ،‬والحتجاج به في الحكم التعبدي من حيث‬
‫إنه من قبيل المرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف ل من حيث إنه قول صحابي‪ ،‬وقيل قوله على‬
‫غير الصحابي حجة فوق القياس حتى يقدم عليه عند التعارض‪ ،‬وقيل حجة دون القياس فيقدم القياس‬
‫عليه‪ ،‬وقيل حجة إن انتشر من غير ظهور مخالف له‪ ،‬لكنه حينئذ إجماع سكوتي‪ ،‬فاحتجاج الفقهاء‬
‫به من حيث إنه إجماع سكوتي ل من حيث إنه قول صحابي‪ ،‬كما لو وقع من مجتهد غير صحابي‬
‫قول باجتهاد وسكت عليه الباقون‪ ،‬وقيل حجة إن خالف القياس‪ ،‬وقيل قول الشيخين أبي بكر وعمر‬
‫حجة بخلف غيرهما‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ .‬وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان في مسألة‬
‫فقولهما كدليلين فيرجح أحدهما بمرجح‪) .‬والصح( ما عليه المحققون )أنه(‪ :‬أي الصحابي )ل‬
‫يقلد( بفتح اللم أي‪ :‬ليس لغيره أن يقلده لنه ل يوثق بمذهبه‪ ،‬إذ لم يدّون بخلف مذهب غيره من‬
‫الئمة الربعة وقيل يقلد بناء على جواز النتقال في المذاهب والتصريح بالترجيح من زيادتي‪) .‬أما‬
‫وفاق الشافعي زيدا في الفرائض( حتى تردد حيث ترّدد )فلدليل ل تقليدا( لزيد بأن وافق اجتهاده‬
‫اجتهاده‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أن اللهام وهو( لغة إيقاع شيء في القلب )يطمئن له الصدر يخص به ال( تعالى‬
‫)بعض أصفيائه غير حجة( إن ظهر )من غير معصوم(‪ ،‬لعدم الثقة بخواطره لنه ل يأمن دسيسة‬
‫ي صلى ال‬ ‫الشيطان فيها‪ .‬وقيل‪ :‬هو حجة في حقه فقط وقيل لدلة ل تجدي‪ ،‬أما من المعصوم كالنب ّ‬
‫عليه وسّلم فهو حجة في حقه وحق غيره إذا تعلق بهم كالوحي‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫خاتمة‪ :‬للستدلل‬

‫)مبنى الفقه على( أربعة أمور‪ ،‬وإن لم يرجع أكثره إليها إل بتكلف‪) .‬أن اليقين ل يرفع( من حيث‬
‫استصحاب حكمه )بالشك(‪ ،‬بمعنى مطلق التردد‪ ،‬ومن مسائله من تيقن الطهر وشك في الحدث يأخذ‬
‫بالطهر‪) ،‬و( أن )الضرر يزال( وجوبا‪ ،‬ومن مسائله وجوب رّد المغصوب وضمانه بالتلف‪) .‬و( أن‬
‫)المشقة تجلب التيسير(‪ ،‬ومن مسائله جواز القصر والجمع والفطر في السفر بشرطه‪) .‬و( أن‬
‫)العادة محكمة( بفتح الكاف المشددة‪ ،‬أي‪ :‬المعمول بها شرعا‪ ،‬ومن مسائله أقل الحيض وأكثره‪،‬‬
‫وزاد بعضهم على الربعة أن المور بمقاصدها‪ ،‬ومن مسائله وجوب النية في الطهر‪ ،‬ورجعه‬
‫صاحب الصل في قواعده إلى الول‪ ،‬فإن الشيء إذا لم يقصد اليقين عدم حصوله‪.‬‬

‫الكتاب السادس في التعادل والتراجيح‬

‫بين الدلة عند تعارضها وسيأتي بيانهما‪) ،‬يمتنع تعادل قاطعين(‪ :‬أي تقابلهما بأن يدل كل منهما‬
‫على منافي ما يدل عليه الخر إذ لو جاز ذلك لثبت مدلولهما‪ ،‬فيجتمع المتنافيات فل وجود لقاطعين‬
‫متنافيين عقليين أو نقليين أو عقلي ونقلي‪ ،‬والكلم في النقليين حيث ل نسخ كما يعلم مما سيأتي‪.‬‬
‫)ل( تعادل )قطعي وظني نقليين(‪ .‬فل يمتنع لبقاء دللتيهما‪ ،‬وإن انتفى الظن عند القطع بالنقيض‬
‫لتقدم القطعي حينئذ‪ ،‬وخرج بالنقليين غيرهما‪ ،‬كأن ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها‬
‫ثم شوهد خارجها‪ ،‬فيمتنع تعادلهما لنتفاء دللة الظني حينئذ‪ ،‬وعليه يحمل قول ابن الحاجب‪ :‬ل‬
‫تعارض بين قطعي وظني‪) .‬وكذا أمارتان(‪ :‬ل يمتنع تعادلهما ولو بل مرجح لحداهما‪) .‬في الواقع‬
‫في الصح(‪ :‬إذ لو امتنع لكان لدليل والصل عدمه‪ ،‬وهذا ما عليه ابن الحاجب تبعا للجمهور‪ ،‬وإن‬
‫لم يصرحوا بقيد الواقع‪ ،‬وقيل يمتنع بل مرجح ورجحه الصل حذرا من التعارض في كلم‬
‫الشارع‪ ،‬وأجاب الول‪ :‬بأنه ل محذور في ذلك‪ ،‬أما تعارضهما في ذهن المجتهد فواقع قطعا وهو‬
‫منشأ ترّدده‪ ،‬وعلى الول )فإن تعادلتا( ول مرجح )فالمختار التساقط(‪ ،‬كما في تعارض البينتين‪،‬‬
‫وقيل يخير بينهما في العمل‪ ،‬وقيل يوقف عن العمل بواحدة منهما‪ ،‬وقيل يخير بينهما في الواجبات‬
‫ويتساقطان في غيرها‪ ،‬والترجيح من زيادتي‪) .‬وإن نقل عن مجتهد قولن فإن تعاقبا فالمتأخر(‬
‫منهما )قوله( المستمر والمتقدم مرجوع عنه‪) .‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معا‪) ،‬فما( أي‬
‫فقوله المستمر منهما ما )ذكر فيه( المجتهد )مشعرا بترجيحه( على الخر كقوله‪ :‬هذا أشبه‬
‫وكتفريعه عليه‪) ،‬وإل(‪ :‬أي وإن لم يذكر ذلك )فهو مترّدد( بينهما فل ينسب إليه ترجيح أحدهما‪،‬‬
‫وفي معنى ذلك ما لو جهل تعاقبهما أو علم وجهل المتأخر أو نسي‪) .‬ووقع( هذا التردد )للشافعي(‬
‫رضي ال عنه )في بضعة عشر مكانا( ستة عشر أو سبعة عشر‪ ،‬كما تردد فيه القاضي أبو حامد‬
‫المروروذي‪.‬‬

‫)ثم قيل(‪ :‬أي قال الشيخ أبو حامد السفرايني في ترجيح أحد قولي الشافعي المتردد بينهما‪) .‬مخالف‬
‫أبي حنيفة( منهما )أرجح من موافقة(‪ ،‬فإن الشافعي إما خالفه لدليل‪) .‬وقيل عكسه(‪ :‬أي موافقه‬
‫أرجح وهو قول القفال‪ ،‬وصححه النووي لقّوته بتعدد قائله‪ ،‬ورّد بأن القوة إنما تنشأ من الدليل فلذلك‬
‫قلت كالصل‪) .‬والصح الترجيح بالنظر( فما اقتضى ترجيحه منهما فهو الراجح‪) ،‬فإن وقف( عن‬
‫الترجيح )فالوقف( عن الحكم برجحان واحد منهما‪) ،‬وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة لكن(‬
‫ح(‪ :‬أي خرجه‬ ‫يعرف له قول )في نظيرها فهو( أي قوله في نظيرها‪) .‬قوله المخرج فيها في الص ّ‬
‫ل له فيها لحتمال أن يذكر فرقا بين المسألتين لو‬ ‫الصحاب فيها إلحاقا لها بنظيرها‪ ،‬وقيل ليس قو ً‬
‫روجع في ذلك‪) .‬والصح( على الول )ل ينسب( القول فيها )إليه مطلقا بل( ينسب إليه )مقيدا( بأنه‬
‫مخرج حتى ل يلتبس بالمنصوص‪ ،‬وقيل‪ :‬ل حاجة إلى تقييده لنه جعل قوله‪) :‬ومن معارضة ن ّ‬
‫ص‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ص في نظير المسألة )تنشأ الطرق(‪ :‬وهي اختلف الصحاب في نقل المذهب‬ ‫آخر للنظير(‪ :‬أي لن ّ‬
‫في المسألتين‪ ،‬فمنهم من يقّرر النصين فيهما‪ ،‬ويفرق بينهما‪ ،‬ومنهم من يخرج نص كل منهما في‬
‫الخرى فيحكي في كل قولين منصوصا ومخرجا‪ ،‬وعلى هذا فتارة يرجح في كل منهما نصها‬
‫ويفرق بينهما‪ ،‬وتارة يرجح في أحدهما نصها‪ ،‬وفي الخرى المخرج‪ ،‬ويذكر ما يرجحه على‬
‫نصها‪.‬‬

‫)والترجيح تقوية أحد الدليلين( بوجه من وجه الترجيح التي بعضها‪ ،‬فيكون راجحا وتعبيري‬
‫بالدليلين أولى من تعبيره بالطريقين‪) .‬والعمل بالراجح واجب(‪ .‬وبالمرجوح ممتنع سواء أكان‬
‫الرجحان قطعيا أم ظنيا )في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬ل يجب إن كان الرجحان ظنيا فل يعمل بواحد منهما‬
‫لفقد المرجح القطعي‪ ،‬وقيل يخير بينهما في العمل إن كان الرجحان ظنيا‪) .‬ول ترجيح في‬
‫القطعيات(‪ .‬إذ ل تعارض بينها‪ ،‬وإل لجتمع المتنافيان كما مر‪ ،‬وكذا ل ترجيح في القطعي مع‬
‫الظني غير النقليين أخذا مما مر )والمتأخر( من النصين المتعارضين )ناسخ( للمتقدم منهما إن قبل‬
‫النسخ آيتين كانا أو خبرين أو آية وخبرا‪) .‬وإن نقل( المتأخر )بالحاد(‪ ،‬فإنه ناسخ فيعمل به لن‬
‫دوامه بأن ل يعارض مظنون‪ ،‬ولبعضهم احتمال بالمنع‪ ،‬لن الجواز يؤدي إلى إسقاط المتواتر‬
‫ح أن العمل بالمتعارضين ولو من وجه( أو كان أحدهما سنة‬ ‫بالحاد في بعض الصور‪) .‬والص ّ‬
‫والخر كتابا‪) .‬أولى من إلغاء أحدهما( بترجيح الخر عليه‪ ،‬وقيل ل فيصار إلى الترجيح مثاله‬
‫خبر‪» :‬أيما إهاب دبغ فقد طهر« مع خبر »ل تنتفعوا من الميتة بإهاب ول عصب« الشامل للهاب‬
‫المدبوغ وغيره‪ ،‬فحملناه على غير المدبوغ الخاص به عند كثير جمعا بين الدليلين‪ ،‬وتقدم بيان بسط‬
‫الحمل في آخر مبحث التخصيص )و( الصح )أنه ل يقدم( في ذلك )الكتاب على السنة ول عكسه(‪:‬‬
‫أي ول السنة على الكتاب‪ ،‬وقيل يقدم الكتاب لخبر معاذ المشتمل على أنه يقضي كتاب ال‪ ،‬فإن لم‬
‫يجد فبسنة رسول ال ورضى رسول ال بذلك‪ ،‬وقيل يقدم السنة لقوله تعالى‪} :‬لتبين للناس{ مثاله‬
‫قوله صلى ال عليه وسّلم في البحر‪» :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته« مع قوله تعالى‪} :‬قل ل أجد‬
‫ي محرما{ إلى قوله‪} :‬أو لحم خنزير{ وكل منهما يشمل خنزير البحر‪ ،‬فحملنا الية‬ ‫فيما أوحي إل ّ‬
‫على خنزير البر المتبادر إلى الذهان جمعا بين الدليلين‪) .‬فإن تعذر العمل( بالمتعارضين بأن لم‬
‫يمكن بينهما جمع‪) ،‬فإن‬

‫علم المتأخر( منهما في الواقع‪ :‬ولم ينس )فناسخ( للمتقدم منهما‪) ،‬وإل( أي‪ :‬وإن لم يعلم ذلك بأن‬
‫تقارنا أو جهل التأخر أو المتأخر أو علم ونسي‪) .‬رجع إلى مرجح فإن تعذر فإن لم يتقارنا وقبل‬
‫النسخ طلب( الناظر )غيرهما( لتعذر العمل بواحد منهما‪ ،‬فإن لم يجد غيرهما توقف‪) ،‬وإل( بأن‬
‫تقارنا ولم يقبل النسخ )يخير( الناظر بينهما في العمل )إن تعذر الترجيح(‪ ،‬فإن لم يتعذر طلب‬
‫مرجحا والتقييد بقبول النسخ في صورتي جهل المتأخر ونسيانه من زيادتي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬يرجح بكثرة الدلة و( بكثرة )الرواة في الصح(‪ ،‬لن كثرة كل منهما تفيد القوة‪ ،‬وقيل ل‬
‫كالبينتين‪ ،‬وفرق بأن مقصود الشهادة فصل الخصومة لئل تطول فضبطت بنصاب خاص بخلف‬
‫الدليل‪ ،‬فإن مقصوده ظن الحكم والمجتهد في مهلة النظر‪ ،‬وكلما كان الظن أقوى كان اعتباره أولى‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم‬ ‫)وبعلو السناد( في الخبار أي‪ :‬قلة الوسائط بين الراوي للمجتهد‪ ،‬وبين النب ّ‬
‫)وفقه الراوي ولغته ونحوه( لقلة احتمال الخطأ مع واحد من الربعة بالنسبة إلى مقابلتها‪) .‬وورعه‬
‫وضبطه وفطنته وإن روى( الخبر )المرجوح باللفظ(‪ :‬والراجح بواحد مما ذكر بالمعنى )ويقظته‬
‫وعدم بدعته وشهرة عدالته( لشدة الوثوق به مع واحد من الستة بالنسبة إلى مقابلتها‪) .‬وكونه‬
‫مزكى بالختبار( من المجتهد‪ ،‬فيرجح على المزكى عنده بالخبار لن العيان أقوى من الخبر‪) .‬أو(‬
‫كونه )أكثر مزكين ومعروف النسب قيل ومشهوره( لشدة الوثوق به والشهرة زيادة في المعرفة‪.‬‬
‫والصح ل ترجيح بها‪ .‬وقال الزركشي‪ :‬القوى الول لن من ليس مشهور النسب قد يشاركه‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ضعيف في السم‪) ،‬وصريح التزكية على الحكم بشهادته والعمل بروايته(‪ ،‬فيرجح خبر من صّرح‬
‫بتزكيته على خبر من حكم بشهادته‪ ،‬وخبر من عمل بروايته في الجملة‪ ،‬لن الحكم والعمل قد يبنيان‬
‫على الظاهر بل تزكية‪) .‬وحفظ المروي( فيرحجح مروي الحافظ له على مروي غيره الراوي له‬
‫بنحو تلقين لعتناء الول بمرويه‪) .‬وذكر السبب( فيرجح الخبر المشتمل على سببه على ما لم‬
‫يشتمل عليه لهتمام راوي الول به‪ ،‬ومحله في الخاصين بقرينة ما يأتي في العامين‪) .‬والتعويل‬
‫على الحفظ دون الكتابة(‪ ،‬فيرجح خبر المعّول على الحفظ فيما يرويه على خبر المعّول على الكتابة‬
‫لحتمال أن يزاد في كتابه أو ينص منه‪ ،‬واحتمال النسيان والشتباه في الحافظ كالعدم‪) .‬وظهور‬
‫طريق روايته(‪ ،‬كالسماع بالنسبة إلى الجازة‪ ،‬فيرجح المسموع على المجاز‪ ،‬وقد مّر بيان طرق‬
‫الرواية ومراتبها آخر الكتاب‬

‫الثاني‪) .‬وسماعه بل حجاب( ويرجح المسموع بل حجاب على المسموع من وراء حجاب لمن‬
‫الول من تطرق الخلل في الثاني‪) .‬وكونه ذكرا وحرا في الصح( فيهما فيرجح خبر كل منهما‬
‫على خبر غيره‪ ،‬لن الذكر أضبط من غيره في الجملة والحر لشرف منصبه يحترز عما ل يحترز‬
‫ن أضبط فيها‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬لنه ّ‬
‫عنه غيره‪ ،‬وقيل‪ :‬يرجح خبر الذكر في غير أحكام النساء بخلف أحكامه ّ‬
‫وقيل ل ترجيح بالذكورية ول بالحرية‪ ،‬وصّوبه الزركشي في الولى والبرماوي فيهما‪ .‬ونقله عن‬
‫ابن السمعاني فيهما‪ ،‬ونقل عن غيره التفاق عليه في الولى وذكر الخلف في الثانية من زيادتي‪.‬‬
‫)و( كونه )من أكابر الصحابة(‪ :‬أي رؤسائهم فيرجح خبر أحدهم على خبر غيره لشدة ديانتهم‬
‫وقربهم مجلسا من النبّيصلى ال عليه وسّلم ‪) ،‬و( كونه )متأخر السلم( فيرجح خبره على خبر‬
‫متقدم السلم‪) ،‬في الصح( لظهور تأخر خبره‪ ،‬وقيل عكسه لن متقدم السلم لصالته فيه أشد‬
‫ل بعد التكليف(‪ .‬ولو حال الكفر لنه أضبط من المتحمل قبل‬ ‫تحرزا من متأخره‪) .‬و( كونه )متحم ً‬
‫التكليف‪) .‬وغير مدلس(‪ ،‬لن الوثوق به أقوى منه بالمدلس المقبول‪ ،‬وتقدم بيانه في الكتاب الثاني‪.‬‬
‫)وغير ذي اسمين( لن صاحبهما يتطرق إليه الخلل بأن يشاركه ضعيف في أحدهما‪) .‬ومباشرا(‬
‫ل منهما أعرف بالحال من غيره‪ ،‬فالّول كخبر الترمذي‬ ‫لمرويه )وصاحب الواقعة( المروية‪ ،‬لن ك ً‬
‫ل قال‪ :‬وكنت الرسول بينهما« مع خبر‬ ‫عن أبي رافع‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم تزوج ميمونة حل ً‬
‫الصحيحين عن ابن عباس‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم تزّوج ميمونة وهو محرم«‪ .‬والثاني كخبر‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم ونحن حللن بسرف« مع خبر ابن‬ ‫أبي داود‪» :‬عن ميمونة تزّوجني النب ّ‬
‫عباس المذكور‪) .‬وراويا باللفظ( لسلمة المروي باللفظ من تطرق الخلل في المروي بالمعنى‪) ،‬و(‬
‫كون الخبر )لم ينكره( الراوي )الصل(‪ ،‬فيرجح خبر الفرع الذي لم ينكره أصله بأن قال‪ :‬ما رويته‬
‫لن الظن الحاصل من الول أقوى‪ ،‬وتعبيري بما‬

‫ذكر أوضح من قوله ولم ينكره راوي الصل‪.‬‬


‫)‬

‫و( كونه )في الصحيحين(‪ :‬أو في أحدهما‪ ،‬لنه أقوى من الصحيح في غيرهما‪ ،‬وإن كان على‬
‫شرطهما لتلقي المة لهما بالقبول‪) .‬والقول فالفعل فالتقرير( فيرجح الخبر الناقل‪ ،‬لقول النبي على‬
‫الناقل لفعله والناقل لفعله على الناقل لتقريره‪ ،‬لن القول أقوى في الدللة على التشريع من الفعل‬
‫لن الفعل محتمل للتخصيص به صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬وهو أقوى من التقرير لنه وجودي محض‪،‬‬
‫والتقرير محتمل لما ل يحتمله الفعل‪) .‬ويرجح الفصيح( على غيره لتطرق الخلل إلى غيره باحتمال‬
‫أن يكون مرويا بالمعنى‪) ،‬وكذا زائد الفصاحة( على الفصيح )في قول( مرجوح‪ ،‬لنه صلى ال‬
‫عليه وسّلم أفصح العرب فيبعد نطقه بغير الفصح فيكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل‪،‬‬
‫والصح ل لنه صلى ال عليه وسّلم ينطق بالفصح والفصيح‪ ،‬ل سيما إذا خاطب به من ل يعرف‬
‫غيره‪ ،‬وقد كان يخاطب العرب بلغاتهم‪) .‬و( يرجح )المشتمل على زيادة( على غيره )في الصح(‬
‫لما فيه من زيادة العلم‪ ،‬وقيل يرجح القل‪ ،‬وبه أخذ الحنفية لتفاق الدليلين عليه كخبر التكبير في‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫العيد سبعا مع خبر التكبير فيه أربعا رواهما أبو داود‪ .‬والولىمنه عندهم للفتتاح وذكر الخلف‬
‫في هذه من زيادتي‪) .‬والوارد بلغة قريش(‪ :‬لن الوارد بغيرها يحتمل أن يكون مرويا بالمعنى‬
‫فيتطرق إليه الخلل‪) .‬والمدني( على المكي لتأخره عنه‪ ،‬والمدني ما ورد بعد الهجرة والمكي قبلها‪،‬‬
‫وهذا أولى من القول بأن المدني ما نزل بالمدينة‪ ،‬والمكي ما نزل بمكة‪) .‬والمشعر بعلّو شأن النبي‬
‫صلى ال عليه وسّلم( لتأخره عما لم يشعر بذلك ‪) .‬وما( ذكر )فيه الحكم مع العلة( على ما فيه‬
‫الحكم فقط‪ ،‬لن الول أقوى في الهتمام بالحكم من الثاني كخبر البخاري‪» :‬من بّدل دينه فاقتلوه«‬
‫مع خبر الصحيحين‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم نهى عن قتل النساء والصبيان«‪ .‬نيط الحكم في‬
‫الول بوصف الرّدة‬

‫المناسب ول وصف في الثاني‪ ،‬لحملنا النساء فيه على الحربيات‪.‬‬

‫)وما قدم فيه ذكرها عليه( أي ذكر العلة على الحكم على عكسه )في الصح(‪ ،‬لنه أدل على ارتباط‬
‫الحكم بالعلة من عكسه‪ ،‬وقيل عكسه لن الحكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة‪ ،‬فإذا سمعتها ركنت‬
‫ولم تطلب غيرها‪ ،‬والوصف إذا تقدم تطلب النفس الحكم فإذا سمعته قد تكتفي في علته بالوصف‬
‫المتقدم إذا كان شديد المناسبة كما في }والسارق{ الية‪ .‬وقد ل تكتفي به بل تطلب علة غيره كما‬
‫في‪} :‬إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا{ الية‪ .‬فيقال تعظيما للمعبود‪) .‬وما فيه تهديد أو تأكيد( على‬
‫الخالي عن ذلك‪ ،‬فالول كخبر البخاري عن عمار‪» :‬من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى‬
‫ال عليه وسّلم«‪ .‬فيرجح على الخبار المرغبة في صوم النفل والثاني كخبر أبي داود‪» :‬أيما امرأة‬
‫نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل« مع خبر مسلم‪» :‬اليم‬
‫أحق بنفسها من وليها«‪) .‬والعام( عموما )مطلقا على( العام )ذي السبب إل في السبب(‪ ،‬لن الثاني‬
‫باحتمال إرادة قصره على السبب كما قيل بذلك دون المطلق في القّوة إل في صورة السبب فهو فيها‬
‫ي( كمن وما الشرطيتين )على النكرة‬ ‫أقوى لنها قطعية الدخول على الصح كما مر‪) .‬والعام الشرط ّ‬
‫المنفية في الصح(‪ ،‬لفادته التعليل دونها‪ ،‬وقيل العكس لبعد التخصيص فيها بقّوة عمومها دونه‪،‬‬
‫ويؤخذ من ذلك ترجيح النكرة الواقعة في سياق الشرط على الواقعة في سياق النفي‪) .‬وهي على‬
‫الباقي( من صيغ العموم كالمعّرف باللم أو الضافة لنها أقوى منه في العموم‪ ،‬لنها تدل عليه‬
‫بالوضع في الصح كما مّر‪ ،‬وهو إنما يدل عليه بالقرينة اتفاقا‪) .‬والجمع المعّرف( باللم أو‬
‫الضافة‪) .‬على من وما( غير الشرطيتين كالستفهاميتين‪ ،‬لنه أقوى منهما في العموم لمتناع أن‬
‫يخص إلى الواحد دونهما على الصح في كل منهما كما مّر‪.‬‬

‫)وكلها( أي الجمع المعرف ومن وما )على الجنس المعرف( باللم أو الضافة لحتماله العهد‬
‫بخلف من وما فل يحتملنه‪ ،‬وبخلف الجمع المعّرف فيبعد احتماله له‪) .‬وما لم يخص( على ما‬
‫خص لضعف الثاني بالخلف في حجيته بخلف الول‪ ،‬ولن الثاني مجاز‪ ،‬والول حقيقة وهي‬
‫ي الهندي‪ ،‬وعندي عكسه لن ما خص من العام هو الغالب‬ ‫مقدمة عليه قطعا‪ .‬وقال‪ :‬الصل كالصف ّ‬
‫والغالب أولى من غيره‪) .‬والقل تخصيصا( على الكثر تخصيصا لن الضعف في القل دونه في‬
‫الكثر‪) .‬والقتضاء فاليماء فالشارة(‪ ،‬لن المدلول عليه بالول مقصود يتوقف عليه الصدق أو‬
‫الصحة‪ ،‬وبالثاني مقصود ل يتوقف عليه ذلك‪ ،‬وبالثالث غير مقصود كما علم ذلك من محله‪ ،‬فيكون‬
‫كل منها أقوى دللة مما بعده‪ ،‬وترجيح الثاني على الثالث من زيادتي‪) .‬ويرجحان(‪ :‬أي اليماء‬
‫والشارة )على المفهومين(‪ :‬أي الموافقة والمخالفة‪ ،‬لن دللة الولين في محل النطق بخلف‬
‫المفهومين‪) ،‬وكذا الموافقة على المخالفة( في الصح لضعف الثاني بالخلف في حجيته بخلف‬
‫الول‪ ،‬وقيل عكسه لن الثاني يفيد تأسيسا بخلف الول‪) ،‬و( كذا )الناقل عن الصل(‪ :‬أي البراءة‬
‫الصلية على المقرر له في الصح‪ ،‬لن الول فيه زيادة على الصل بخلف الثاني‪ ،‬وقيل عكسه‬
‫بأن يقّدر تأخر المقرر للصل ليفيد تأسيسا كما أفاده الناقل فيكون ناسخا له مثال ذلك خبر الترمذي‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫س َذَكَرُه فليتوضأ« مع خبره‪» :‬أنه صلى ال عليه وسّلم سأله رجل مس ذكره أعليه وضوء‬‫نم ّ‬‫»َم ْ‬
‫قال ل إنما هو بضعة منك«‪) .‬و(كذا )المثبت( على النافي )في الصح(‪ ،‬لما مّر‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬وقيل‬
‫هما سواء وقيل غير ذلك‪) ،‬والخبر( المتضمن للتكليف على النشاء لن الطلب به لتحقق وقوع‬
‫معناه أقوى من النشاء‪ ،‬فإن اتفق الدليلن خبرا أو إنشاء )فالحظر( على اليجاب لنه لدفع المفسدة‬
‫واليجاب لجلب المصلحة والعتناء بدفع المفسدة أشد‪) ،‬فاليجاب( على الكراهة‬

‫للحتياط‪) ،‬فالكراهة( على الندب لدفع اللوم )فالندب( على الباحة للحتياط بالطلب )فالباحة في‬
‫الصح في بعضها( وهو تقديم كل من الحظر واليجاب والندب على الباحة‪ ،‬وقيل العكس في‬
‫الثلث لعتضاد الباحة بالصل‪ ،‬وقيل هما سواء في الولى والقياس مجيئه في الباقيتين‪ ،‬ويحتمل‬
‫خلفه‪ ،‬وذكر الخلف في الثانية مع تقديم اليجاب على الكراهة من زيادتي‪) .‬و( الخبر )المعقول‬
‫معناه( على ما لم يعقل معناه لن الول أدعى للنقياد وأفيد بالقياس عليه‪) .‬وكذا نافي العقوبة( هو‬
‫أعم من قوله‪ :‬ونافي الحد على الموجب لها في الصح لما في الول من اليسر وعدم الحرج‬
‫الموافق لقوله تعالى‪} :‬يريد ال بكم اليسر{‪} ،‬ما جعل عليكم في الدين من حرج{ وقيل‪ :‬عكسه لفادة‬
‫الموجب التأسيس بخلف النافي‪) .‬و( كذا الحكم )الوضعي( أي مثبته )على( مثبت )التكليفي في‬
‫الصح(‪ ،‬لن الول ل يتوقف على الفهم والتمكن من الفعل بخلف الثاني وقيل عكسه لترتب‬
‫ل آخر( على ما لم يوافقه‪ ،‬لن الظن‬ ‫الثواب على التكليفي دون الوضعي‪) .‬و( الدليل )الموافق دلي ً‬
‫ل أو صحابيا أو أهل المدينة أو الكثر( من العلماء على ما‬ ‫في الموافق أقوى‪) .‬وكذا( الموافق )مرس ً‬
‫لم يوافق واحد مما ذكر )في الصح( لذلك‪ .‬وقيل ل يرجح بواحد من ذلك لنه ليس بحجة‪ ،‬وقيل‬
‫إنما يرجح بموافق الصحابي إن كان الصحابي قد ميزه نص فيما فيه الموافقة من أبواب الفقه كزيد‬
‫في الفرائض‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫)ويرجح( كما قال الشافعي فيما إذا وافق كل من الدليلين صحابيا‪ ،‬وقد ميز النص أحد الصحابيين‬
‫ي(‬
‫ي( فيها )ومعاذ في أحكام غير الفرائض فعل ّ‬ ‫فيما ذكر‪) .‬موافق زيد في الفرائض فمعاذ( فيها )فعل ّ‬
‫في تلك الحكام‪ ،‬فالمتعارضان في مسألة في الفرائض يرجح منهما الموافق لزيد‪ ،‬فإن لم يكن له‬
‫ي‪ ،‬والمتعارضان في مسألة في غير‬ ‫فيها قول فالموافق لمعاذ‪ ،‬فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعل ّ‬
‫ي‪ ،‬وذلك لخبر‪:‬‬ ‫الفرائض يرجح منهما الموافق لمعاذ‪ ،‬فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعل ّ‬
‫ي« فقوله أفرضكم زيد على عمومه‪.‬‬ ‫»أفرضكم زيد‪ ،‬وعلمكم بالحلل والحرام معاذ‪ ،‬وأقضاكم عل ّ‬
‫ي واللفظ في‬‫وقوله‪ :‬وأعلمكم بالحلل والحرام معاذ يعني في غير الفرائض وكذا قوله‪ :‬وأقضاكم عل ّ‬
‫معاذ أصرح منه في علي فقدم عليه مطلقا‪) .‬والجماع على النص( لنه يؤمن فيه النسخ بخلف‬
‫النص‪) .‬وإجماع السابقين( على إجماع غيرهم فيرجح إجماع الصحابة على إجماع من بعدهم من‬
‫التابعين وغيرهم‪ ،‬وإجماع التابعين على إجماع من بعدهم‪ ،‬وهكذا لشرف السابقين لقربهم من النبي‬
‫صلى ال عليه وسّلم ولخبر‪» :‬خير القرون قرني ثم الذين يلونهم«‪ .‬وتعبيري كالبرماوي بالسابقين‬
‫أعم من تعبير الصل بالصحابة‪) .‬وإجماع الكل( الشامل للعوام( على ما خالف فيه العوام(‪ ،‬لضعف‬
‫الثاني بالخلف في حجيته على ما حكاه المدي‪) .‬و( الجماع )المنقرض عصره على غيره(‬
‫لضعف الثاني بالخلف في حجتيه‪) .‬وكذا ما( أي الجماع الذي )لم يسبق بخلف( على غيره )في‬
‫الصح( لذلك‪ ،‬وقيل عكسه لزيادة اطلع المجمعين في الثاني على المآخذ‪ ،‬وقيل هما سواء‪.‬‬
‫)والصح تساوي المتواترين من كتاب وسنة(‪ .‬وقيل‪ :‬يرجح الكتاب عليها لنه أشرف منها‪ ،‬وقيل‬
‫ترجح السنة عليه لقوله تعالى‪} :‬لتبين للناس ما نزل إليهم{ أما المتواتران من السنة فمتساويان قطعا‬
‫كاليتين‪) .‬ويرجح القياس( على قياس آخر )بقّوة دليل حكم الصل(‪ ،‬كأن يدل في أحد القياسين‬
‫بالمنطوق‪ ،‬وفي الخر بالمفهوم‪ ،‬أو‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫يكون في أحدهما قطعيا‪ ،‬وفي الخر ظنيا لقوة الظن بقوة الدليل‪) .‬وكونه(‪ :‬أي القياس )على سنن‬
‫القياس أي فرعه من جنس أصله( فيرجح على قياس ليس كذلك‪ ،‬لن الجنس بالجنس أشبه فقياسنا‬
‫ما دون أرش الموضحة على أرشها حتى تحمله العاقلة مقدم على قياس الحنفية له على غرامات‬
‫ل بأن علل بها‪) .‬على ذات أصل( في‬ ‫الموال حتى ل تتحمله‪) .‬وكذا( ترجح علة )ذات أصلين( مث ً‬
‫الصح‪ ،‬وقيل ل كالخلف في الترجيح بكثرة الدلة مثاله وجوب الضمان بيد المستام عللناه بأنه‬
‫أخذ العين لغرضه بل استحقاق‪ ،‬كما علل به وجوب الضمان بيد الغاصب ويد المستعير‪ ،‬وعلله‬
‫الحنفية بأنه أخذها ليتملكها ولم يعلل به نظير ذلك‪) .‬و( كذا ترجح علة )ذاتية( للمحل كالطعم‬
‫والسكار‪) .‬علي( علة )حكمية(‪ ،‬كالحرمة والنجاسة في الصح‪ ،‬لن الذاتية ألزم‪ ،‬وقيل عكسه لن‬
‫الحكم بالحكم أشبه‪) .‬و( كذا )كونها أقل أوصافا في الصح(‪ ،‬لن القليلة أسلم وقيل عكسه لن‬
‫الكثيرة أكثر شبها‪) .‬و( ترجح )المقتضية احتياطا في فرض(‪ ،‬لنها أنسب به مما ل تقتضيه‪ ،‬وذكر‬
‫الفرض لنه محل الحتياط‪ ،‬إذ ل يحتاط في الندب وإن احتيط به كما مّر‪ ،‬هذا مع أن الحتياط قد‬
‫ن له غسلة‬ ‫يجري في غير الفرض‪ ،‬كما إذا شك هل غسل وجهه في الوضوء ثلثا أو اثنتين فإنه يس ّ‬
‫أخرى وإن احتمل كونها رابعة احتياطا‪) .‬وعامة الصل( بأن يوجد في جميع جزئياته‪ ،‬لنها أكثر‬
‫ل قليله وكثيره‪،‬‬‫فائدة مما ل يعم كالطعم الذي هو علة عندنا في باب الربا‪ ،‬فإنه موجود في البر مث ً‬
‫بخلف القوت الذي هو علة عند الحنفية فل يوجد في قليله‪ ،‬فجوزوا بيع الحفنة منه بالحفنتين‪) .‬و(‬
‫ترجح العلة )المتفق على تعليل أصلها( المأخوذة منه لضعف مقابلها بالخلف فيه‪) .‬و( العلة‬
‫)الموافقة لصول( شرعية )على الموافقة لواحد(‪ ،‬لن الولى أقوى بكثرة ما يشهد لها‪) .‬وكذا(‬
‫ترجح العلة )الموافقة لعلة أخرى( في الصح‪ ،‬وقيل ل كالخلف في الترجيح بكثرة الدلة والترجيح‬
‫من زيادتي )وما( أي‪:‬‬

‫وكذا القياس الذي )ثبتت علته بإجماع فنص قطعيين فظنيين(‪ :‬أي بإجماع قطعي فنص قطعي‬
‫فإجماع ظني فنص ظني )في الصح(‪ ،‬لن النص يقبل النسخ بخلف الجماع وقيل عكسه‪ ،‬لن‬
‫النص أصل للجماع لن حجيته إنما ثبتت به‪) .‬فإيماء فسبر فمناسبة فشبه فدوران وقيل دوران‬
‫فمناسبة(‪ ،‬وما قبلها وما بعدها كما مر‪ ،‬فكل من المعطوفات دون ما قبله‪ ،‬ورجحان كل من اليماء‪،‬‬
‫والمناسبة على ما يليه ظاهر من تعاريفها السابقة‪ ،‬ورجحان السير على المناسبة بما فيه من إبطال‬
‫ما ل يصلح للعلية والشبه على الدوران بقربه من المناسبة‪ ،‬ومن رجح الدوران عليها قال‪ :‬لنه يفيد‬
‫اطراد العلة وانعكاسها بخلف المناسبة‪ ،‬ورجحان الدوران أو الشبه على بقية المسالك يؤخذ من‬
‫تعاريفها‪ ،‬وما ذكر هنا يغني عما صرح به الصل من الترجيح بالقطع بالعلة أو الظن الغلب‪،‬‬
‫ويكون مسلكها أقوى )و( يرجح )قياس المعنى على( قياس )الدللة( لشتمال الول على المعنى‬
‫المناسب‪ ،‬والثاني على لزمه أو أثره أو حكمه كما علم ذلك في مبحث الطرد‪ ،‬وفي خاتمة القياس‪.‬‬
‫)وكذا( يرجح )غير المركب عليه(‪ :‬أي على المركب )في الصح إن قبل(‪ :‬أي المركب لضعفه‬
‫بالخلف في قبوله المذكور في مبحث حكم الصل‪ ،‬وقيل عكسه لقوة المركب باتفاق الخصمين على‬
‫حكم الصل فيه‪) .‬و( يرجح )الوصف الحقيقي فالعرفي فالشرعي(‪ :‬لن الحقيقي ل يتوقف على‬
‫شيء بخلف العرفي والعرفي متفق عليه بخلف الشرعي كما مر‪) .‬الوجودي( مما ذكر‪) .‬فالعدمي‬
‫قطعا البسيط( منه )فالمركب في الصح( لضعف العدمي والمركب بالخلف فيهما‪ ،‬وقيل المركب‬
‫فالبسيط‪ ،‬وقيل هما سواء وذكر الخلف من زيادتي‪.‬‬
‫)‬

‫والباعثة على المارة( لظهور مناسبة الباعثة و)المطردة المنعكسة( على المطردة فقط لضعف‬
‫الثانية بالخلف فيها‪) .‬فالمطردة( فقط )على المنعكسة( فقط‪ ،‬لن ضعف الثانية بعدم الطراد أشّد‬
‫من ضعف الولى بعدم النعكاس‪) .‬وكذا( ترجح )المتعدية( على القاصرة في الصح لنها أفيد‬
‫باللحاق بها‪ ،‬وقيل عكسه‪ ،‬لن الخطأ في القاصرة أقل‪ ،‬وقيل هما سواء لتساويهما فيما ينفردان به‬
‫من اللحاق في المتعدية وعدمه في القاصرة‪) .‬و( كذا يرجح )الكثر فروعا( من المتعديتين على‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫القل فروعا )في الصح(‪ .‬وقيل عكسه كما في المتعدية والقاصرة ول يأتي التساوي هنا لنتفاء‬
‫علته‪ ،‬والترجيح في المسألتين من زيادتي‪) .‬و( يرجح )من الحدود السمعية( أي الشرعية )العرف‬
‫على الخفى( منها‪ ،‬لن الول أفضى إلى مقصود التعريف من الثاني‪) .‬والذاتي على العرضي(‪،‬‬
‫لن التعريف بالول يفيد كنه الحقيقة بخلف الثاني‪) .‬والصريح( من اللفظ على غيره بتجّوز أو‬
‫ص مطلقا )في‬
‫لعم( على الخ ّ‬ ‫اشتراك لتطرق الخلل إلى التعريف بالثاني‪) .‬وكذا( يرجح )ا َ‬
‫الصح(‪ ،‬لن التعريف بالعم أفيد لكثرة المسمى فيه‪ ،‬وقيل عكسه أخذا بالمحقق في المحدود‪ ،‬وذكر‬
‫لخلف من زيادتي‪ ،‬أما العم والخص من وجه فالظاهر فيهما التساوي‪) .‬و( يرجح )موافق نقل‬
‫السمع واللغة(‪ ،‬لن التعريف بما يخالفهما إنما يكون لنق عنهما والصل عدمه‪) .‬و( يرجح )ما( أي‬
‫الحد الذي )طريق اكتسابه أرجح( من طريق اكتساب حّد آخر‪ ،‬لن الظن بصحته أقوى منه بصحة‬
‫الخر‪ ،‬إذ الحدود السمعية مأخوذة من النقل وطرق النقل تقبل القّوة والضعف‪) .‬والمرجحات ل‬
‫ن(‪ :‬أي قّوته وسبق كثير منها منه تقديم بعض مفاهيم‬
‫تنحصر( فيما ذكر هنا )ومثارها غلبة الظ ّ‬
‫المخالفة على بعض وبعض ما يخل بالفهم على بعض كالمجاز على الشتراك‪ ،‬وتقديم المعنى‬
‫الشرعي على العرفي‪ ،‬والعرفي على اللغوي في خطاب الشارع‪ ،‬ومن غيره أرجحية ما يرجح به‬
‫من التقديم بالتزكية بالحكم بشهادة الراوي على التزكية‬

‫بالعمل بروايته‪ ،‬وتقديم من علم أنه عمل برواية نفسه على من علم أنه لم يعمل أو لم يعلم أنه عمل‪.‬‬

‫الكتاب السابع في الجتهاد‬


‫المراد عند الطلق أعني الجتهاد في الفروع‪) .‬وما معه( من التقليد وأدب الفتيا وعلم الكلم‬
‫المفتتح بمسألة التقليد في أصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة التصّوف‪) ،‬الجتهاد( لغة افتعال‬
‫من الجهد بالفتح والضم وهو الطاقة والمشقة واصطلحا‪) .‬استفراغ الفقيه الوسع(‪ ،‬بأن يبذل تمام‬
‫ن بالحكم(‪ :‬أي من حيث إنه فقيه فل حاجة إلى قول ابن‬ ‫طاقته في نظره في الدلة‪) .‬لتحصيل الظ ّ‬
‫الحاجب شرعي‪ ،‬فخرج استفراغ غير الفقيه واستفراغ الفقيه لتحصيل قطع بحكم عقلي‪ ،‬والفقيه في‬
‫الحد بمعنى المتهيىء للفقه مجازا شائعا‪ ،‬ويكون بما يحصله فقيها حقيقة‪ ،‬ولذا قلت كالصل‪.‬‬
‫)والمجتهد الفقيه(‪ ،‬كما قالوا الفقيه المجتهد لن ما صدقهما واحد )وهو(‪ :‬أي المجتهد أو الفقيه‬
‫الصادق به )البالغ(د لن غيره لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله‪) :‬العاقل(‪ ،‬لن غيره ل تمييز له‬
‫يهتدى به لما يقوله حتى يعتبر )أي ذو ملكة(‪ :‬أي هيئة راسخة في النفس‪) .‬يدرك بها المعلوم( أي ما‬
‫من شأنه أن يعلم‪) .‬فالعقل( هو هذه )الملكة في الصح(‪ .‬وقيل‪ :‬هو نفس العلم أي الدراك ضروريا‬
‫كان أو نطريا‪ ،‬وقيل هو العلم الضروري فقط‪ ،‬وبعضهم عبر ببعض العلوم الضرورية وهو‬
‫الولى‪ ،‬لئل يلزم أن من فقد العلم بمدرك لعدم الدراك غير عاقل‪) .‬فقيه النفس(‪ :‬أي شديد الفهم‬
‫بالطبع لمقاصد الكلم‪ ،‬لن غيره ل يتأتى منه الستنباط المقصود بالجتهاد‪) .‬وإن أنكر القياس(‪،‬‬
‫ي فيخرج‬ ‫فل يخرج بإنكاره عن فقاهة النفس‪ ،‬وقيل يخرج فل يعتبر قوله‪ ،‬وقيل ل يخرج إل الجل ّ‬
‫بإنكاره لظهور جموده‪) .‬العارف بالدليل العقلي(‪ :‬أي البراءة الصلية والتكليف به في الحجية‪ ،‬كما‬
‫مر أن استصحاب العدم الصلي حجة فيتمسك به إلى أن يصرف عنه دليل شرعي )ذو الدرجة‬
‫الوسطى عربية( من لغة ونحو‬

‫وصرف ومعان وبيان‪ ،‬وإن كان أقسام العربية أكثر من ذلك كما بينتها في حاشية المطّول أعانني‬
‫ل( للفقه‪) .‬ومتعلقا للحكام(‪ ،‬بفتح اللم أي ما تتعلق هي به بدللته عليها‪.‬‬
‫ال على إكمالها‪) .‬وأصو ً‬
‫)من كتاب وسنة وإن لم يحفظ(‪ :‬أي المتوسط في هذه العلوم‪) .‬متنا لها(‪ .‬وذلك ليتأتى له الستنباط‬
‫المقصود بالجتهاد‪ ،‬أما علمه بآيات الحكام وأخبارها أي مواقعها وإن لم يحفظها فلنها المستنبط‬
‫منه‪ ،‬وأما علمه بالصل فلنه يعرف به كيفية الستنباط وغيرها مما يحتاج إليه فيه‪ ،‬وأما علمه‬
‫بالباقي فلنه ل يفهم المراد من المستنبط منه إل به‪ ،‬لنه عربي بليغ‪ ،‬وبالغ التقي السبكي فلم يكتف‬
‫بالتوسط في تلك العلوم حيث قال كما نقله الصل عنه‪ :‬المجتهد من هذه العلوم ملكة له‪ ،‬وأحاط‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قّوة يفهم بها مقصود الشارع‪) .‬ويعتبر للجتهاد( ل‬
‫ليكون صفة للمجتهد‪) ،‬كونه خبيرا بمواقع الجماع(‪ ،‬وإل فقد يخرقه بمخالفته وخرقه حرام كما مّر‬
‫ل عبرة به‪ ،‬ول يشترط حفظ مواقعه‪ ،‬بل يكفي أن يعرف أن ما استنبطه ليس مخالفا للجماع بأن‬
‫يعلم موافقته لعالم أو يظن أن واقعته حادثة لم يسبق فيها لحد من العلماء كلم‪) .‬والناسخ‬
‫والمنسوخ(‪ :‬لتقدم الول على الثاني لنه إذا لم يكن خبيرا بهما قد يعكس‪) .‬وأسباب النزول(‪ ،‬إذ‬
‫الخبرة بها ترشد إلى فهم المراد )والمتواتر والحاد(‪ ،‬لتقدم الول على الثاني‪ ،‬لنه إذا لم يكن خبيرا‬
‫بهما قد يعكس‪ ،‬وتعبيري بذلك أولى من قوله‪ :‬وشرط المتواتر والحاد كما بينته في الحاشية‪.‬‬
‫ل من الولين على ما بعده‪ ،‬لنه إذا لم يكن خبيرا‬ ‫)والصحيح وغيره(‪ :‬من حسن وضعيف ليقدم ك ً‬
‫ل من الولين على ما بعده‪ ،‬لنه ءذا لم‬ ‫بذلك قد يعكس‪) .‬وحال الرواة( في القبول‪ ،‬والرد ليقدم ك ً‬
‫يكن خبيرا بذلك قد يعكس‪) .‬وحال الرواة( في اقبلو‪ ،‬والرد ليقدم المقبول على المردود مطلقا‪،‬‬
‫والكبر والعلم من الصحابة على غيرهما في متعارضين‪ ،‬لنه إذا لم يكن‬

‫خبيرا بذلك قد يعكس‪) .‬ويكفي( في الخبرة بحال الرواة )في زمننا الرجوع لئمة ذلك( من المحدثين‬
‫كالمام أحمد والبخاري ومسلم‪ ،‬فيعتمد عليهم في التعديل والتجريح لتعذرهما في زمننا إل بواسطة‪،‬‬
‫وهم أولى من غيرهم‪ ،‬والمراد بخبرته بالمذكورات خبرته بها في الواقعة المجتهد فيها ل في جميع‬
‫الوقائع‪.‬‬
‫)‬

‫ول يعتبر( ل في الجتهاد ول في المجتهد )علم الكلم(‪ :‬لمكان استنباط من يجزم بعقيدة السلم‬
‫تقليدا كما يعلم مما سيأتي‪) .‬و( ل )تفاريع الفقه(‪ ،‬لنها إنما تمكن بعد الجتهاد فكيف تعتبر فيه‪) .‬و(‬
‫ن ناقصات عقل‪ ،‬وكذا العبيد بأن‬ ‫ل )الذكورة والحّرية(‪ :‬لجواز أن يكون للنساء قّوة الجتهاد وإن ك ّ‬
‫ينظروا حال التفرغ من خدمة السادة‪) .‬وكذا العدالة( ل تعتبر فيه )في الصح(‪ ،‬لجواز أن يكون‬
‫للفاسق قّوة الجتهاد‪ ،‬وقيل يعتبر ليعتمد على قوله‪ :‬وتعقب بأنه ل تخالف بين القولين إذ اعتبار‬
‫العدالة لعتماد‪ .‬قوله‪ :‬ل ينافي عدم اعتبارها لجتهاده‪ ،‬إذ الفاسق يعمل باجتهاد نفسه‪ ،‬وإن لم يعتمد‬
‫قوله اتفاقا‪ ،‬ويجاب بأنها اعتبرت بالنسبة لغيره‪ ،‬أما المفتي فيعتبر فيه العدالة لنه أخص فشرطه‬
‫أغلظ‪) .‬وليبحث عن المعارض(‪ :‬كالمخصص والمقيد والناسخ‪ ،‬والقرينة الصارفة للفظ عن ظاهره‬
‫ليسلم ما يستنبطه من تطرق الخدش إليه لو لم يبحث‪ ،‬وهذا أولى ل واجب ليوافق ما مر من أنه‬
‫يتمسك بالعام قبل البحث عن المخصص على الصح‪ ،‬ومن أنه يجب اعتقاد الوجوب بصيغة افعل‬
‫قبل البحث عما يصرفها عنه‪ .‬وزعم الزركشي ومن تبعه أنه واجب‪ ،‬وأنه ل يخالف ما مر‪ ،‬لن‬
‫ذاك في جواز التمسك بالظاهر المجرد عن القرائن‪ ،‬والكلم هنا في اشتراط معرفة المعارض بعد‬
‫ثبوته عنده بقرينه‪) .‬ودونه(‪ :‬أي دون المجتهد المتقدم وهو المجتهد المطلق‪) ،‬مجتهد المذهب وهو‬
‫المتمكن من تخريج الوجوه( التي يبديها )على نصوص إمامه( في المسائل‪) ،‬ودونه(‪ :‬أي دون‬
‫مجتهد المذهب )مجتهد الفتيا وهو‬

‫المتبحر( في مذهب إمامه‪) .‬المتمكن من ترجيح قول( له )على آخر(‪ ،‬أطلقهما‪) .‬والصح جواز‬
‫تجزى الجتهاد( بأن يحصل لبعض الناس قوة الجتهاد )في بعض البواب(‪ ،‬كالفرائض بأن يعلم‬
‫أدلته وينظر فيها‪ ،‬وقيل يمتنع لحتمال أن يكون فيما لم يعلمه من الدلة معارض لما علمه بخلف‬
‫ي صلى‬ ‫من أحاط بالكل ونظر فيه ورّد بأن هذا الحتمال فيه بعيد‪) .‬و( الصح )جواز الجتهاد للنب ّ‬
‫ي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الرض{‪،‬‬ ‫ال عليه وسّلم ووقوعه( لقوله تعالى‪} :‬ما كان لنب ّ‬
‫}عفا ال عنك لم أذنت لهم{ عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء‪ ،‬وعلى الذن لمن ظهر نفاقهم في‬
‫التخالف عن غزوة تبوك‪ ،‬والعتاب ل يكون فيما صدر عن وحي‪ ،‬فيكون عن اجتهاد‪ ،‬وقيل غير‬
‫جائز له لقدرته على اليقين بالتلقي من الوحي بأن ينتظره‪ ،‬ورّد بأن إنزال الوحي ليس في قدرته‪،‬‬
‫وقيل جائز له وواقع في الراء والحروب دون غيرهما جمعا بين الدلة السابقة )و( الصح )أن‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫اجتهاده( ل )ل يخطىء( تنزيها لمنصب النبّوة عن الخطأ في الجتهاد‪ ،‬وقيل قد يخطىء لكن ينبه‬
‫عليه سريعا لما مّر في اليتين‪ ،‬ويجاب‪ :‬بأن التنبيه فيهما ليس على خطأ بل على ترك الولى إذ‬
‫ذاك‪) .‬و( الصح )أن الجتهاد جائز في عصره( صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬وقيل ل للقدرة على اليقين‬
‫في الحكم بتلقيه منه صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬ورّد بأنه لو كان عنده وحي في ذلك لبلغه للناس‪ ،‬وقيل‬
‫جائز بإذنه‪ ،‬وقيل جائز للبعيد عنه دون القريب لسهولة مراجعته‪ ،‬وقيل جائز للولة حفظا لمنصبهم‬
‫ي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬فيما وقع لهم‬‫عن استنقاص الرعية لهم لو لم يجز لهم بأن يراجعوا النب ّ‬
‫بخلف غيرهم )و( الصح على الجواز )أنه وقع(‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسّلم حكم سعد بن معاذ في‬
‫بني قريظة فقال‪ :‬تقتل مقاتلتهم وتسبي ذريتهم‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬لقد حكمت بحكم ال«‪.‬‬
‫رواه الشيخان‪ .‬وقيل لم يقع للحاضر في قطره صلى ال عليه وسّلم بخلف غيره‪ ،‬وقيل بالوقف عن‬
‫القول‬

‫بالوقوع وعدمه‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المصيب(‪ :‬من المختلفين )في العقليات واحد(‪ ،‬وهو من صادف الحق فيها لتعينه في الواقع‬
‫كحدوث العالم ووجود الباري وصفاته وبعثة الرسل )والمخطىء( فيها )آثم( إجماعا‪ ،‬ولنه لم‬
‫يصادف الحق فيها‪) ،‬بل كافر( أيضا‪) .‬إن نفى السلم( كله أو بعضه كنافي بعثة محمد صلى ال‬
‫عليه وسّلم‪ ،‬فالقول بأن كل مجتهد في العقليات مصيب أو أن المخطىء غير آثم خارق للجماع‪،‬‬
‫والتصريرح باعتماد تأثيم المخطىء في غير نفي السلم من زيادتي‪) .‬والمصيب في نقليات فيها‬
‫قاطع( من نص أو إجماع‪ ،‬واختلف فيها لعدم الوقوف عليه‪) .‬واحد قطعا‪ ،‬وقيل على الخلف التي(‬
‫فيما ل قاطع فيها‪) :‬والصح أنه(‪ :‬أي المصيب في النقليات‪) .‬ول قاطع( فيها )واحد( وقيل‪ :‬كل‬
‫مجتهد فيها مصيب‪) .‬و( الصح )أن ل فيها حكما معينا قيل الجتهاد(‪ .‬وقيل‪ :‬حكم ال تعالى تابع‬
‫لظن المجتهد فيما ظنه فيها من الحكم‪ ،‬فهو حكم ال في حقه وحق مقلده‪ ،‬وقيل فيها شيء لو حكم ال‬
‫فيها لم يحكم إل بذلك الشيء‪ ،‬قيل وهذا حكم على الغيب وربما عبر عن هذا إذا لم يصادف المجتهد‬
‫ذلك الشيء بأنه أصاب فيه اجتهادا وابتداء وأخطأ فيه حكما وانتهاء‪) .‬و( الصح )أن عليه( أي‬
‫ل ظنيا‪ ،‬وقيل عليه دليل قطعي‪ ،‬وقيل ل ول بل هو كدفين يصادفه من شاءه‬ ‫الحكم )أمارة(‪ :‬أي دلي ً‬
‫ال‪) .‬و( الصح )أنه( أي المجتهد )مكلف بإصابته(‪ :‬أي الحكم لمكانها وقيل ل لغموضه )وأن‬
‫المخطىء( في النقليات بقسميها )ل يأثم بل يؤجر(‪ ،‬لبذله وسعه في طلبه‪ ،‬وقيل يأثم لعدم إصابته‬
‫المكلف بها‪ ،‬وذكر الجر في القسم الول من زيادتي ويدل لذلك في القسمين خبر‪» :‬إذا اجتهد‬
‫الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد«‪) ،‬ومتى قصر مجتهد( في اجتهاده )أثم(‬
‫لتقصيره بتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬ل ينقض الحكم في الجتهاديات(‪ :‬ل من الحاكم به ول من غيره‪ ،‬إذ لو جاز نقضه لجاز‬
‫نقض النقض وهلم‪ ،‬فيفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومات‪) .‬فإن خالف( الحكم )نصا‬
‫أو إجماعا أو قياسا جليا( نقض لمخالفته الدليل المذكور‪) .‬أو حكم( حاكم )بخلف اجتهاده(‪ ،‬بأن قلد‬
‫غيره نقض لمخالفته اجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه‪) ،‬أو( حكم حاكم )بخلف نص إمامه ولم‬
‫يقلد غيره( من الئمة‪) .‬أو( قلده و)لم يجز( لمقلد إمام تقليد غيره‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك )نقض( حكمه‬
‫لمخالفته نص إمامه الذي هو في حقه للتزامه تقليده كالدليل في حق المجتهد‪ ،‬فإن قلد في حكمه‬
‫غير إمامه وجاز له تقليده لم ينقض حكمه‪ ،‬لنه لعدالته إنما حكم به لرجحانه عنده ونقض الحكم‬
‫ي( باجتهاد‬
‫مجاز عن إظهار بطلنه‪ ،‬إذ ل حكم في الحقيقة حتى ينقض‪) .‬ولو نكح( امرأة )بغير ول ّ‬
‫منه أو من مقلده يصحح نكاحه )ثم تغير اجتهاده أو اجتهاد مقلده( إلى بطلنه‪) .‬فالصح تحريمها(‬
‫عليه لظنه أو ظن إمامه حينئذ البطلن‪ ،‬وقيل‪ :‬ل تحرم إذا حكم حاكم بالصحة لئل يؤّدي إلى نقض‬
‫الحكم بالجتهاد وهو ممتنع‪ ،‬ويرّد بأنه يمتنع إذا نقض من أصله وليس مرادا هنا‪) .‬ومن تغير في‬
‫ف( عن العمل إن لم يكن عمل )ول ينقض‬ ‫اجتهاده( بعد إفتائه )أعلم( وجوبا )المستفتى( بتغيره )ليك ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫معموله( إن عمل لن الجتهاد ل ينقض بالجتهاد لما مّر‪) ،‬ول يضمن( المجتهد )المتلف( بإفتائه‬
‫بإتلفه )إن تغير( اجتهاده إلى عدم إتلفه )ل لقاطع(‪ ،‬لنه معذور بخلف ماذا تغير لقاطع كنص‬
‫قاطع فإنه ينقض معموله ويضمن متلفه المفتي لتقصيره‪.‬‬

‫ي‪) .‬احكم بما‬‫ي أو عالم( على لسان نب ّ‬ ‫)مسألة‪ :‬المختار أنه يجوز أن يقال(‪ :‬من قبل ال تعالى )لنب ّ‬
‫تشاء( في الوقائع من غير دليل‪) ،‬فهو حق(‪ :‬أي موافق لحكمي بأن يلهمه إياه‪ ،‬إذ ل مانع من هذا‬
‫الجواز‪) .‬ويكون(‪ :‬أي هذا القول )مدركا شرعيا ويسمى التفويض( لدللته عليه‪ ،‬وقيل ل يجوز ذلك‬
‫ي دون العالم لن رتبته ل تبلغ أن يقال له ذلك والمختار بعد جوازه‪) .‬أنه لم‬ ‫مطلقا‪ .‬وقيل يجوز للنب ّ‬
‫سواك عند كل صلٍة«‪ .‬أي‬ ‫ق على أمتي لَمْرُتهم بال ّ‬ ‫يقع(‪ .‬وقيل وقع لخبر الصحيحين‪» :‬لول أن أش ّ‬
‫لوجبته عليهم قلنا‪ :‬هذا ل يدل على المدعى لجواز أن يكون خير فيه أي‪ :‬خير في إيجاب السواك‬
‫وعدمه أو يكون ذلك المقول بوحي ل من تلقاء نفسه‪) .‬وأنه يجوز تعليق المر باختيار المأمور(‪.‬‬
‫نحو‪ :‬افعل كذا إن شئت أي فعله‪ ،‬وقيل ل يجوز لما بين طلب الفعل والتخيير فيه من التنافي‪ .‬قلنا‪:‬ل‬
‫تنافي إذ التخيير قرينة على أن الطلب غير جازم والترجيح في هذا من زيادتي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬التقليد أخذ قول الغير(‪ :‬بمعنى الرأي والعتقاد الدال عليهما القول اللفظي أو الفعل أو‬
‫التقرير )من غير معرفة دليله(‪ :‬فخرج أخذ قول ل يختص بالغير كالمعلوم من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫وأخذ قول الغير مع معرفة دليله‪ ،‬فليس بتقليد بل هو اجتهاد وافق اجتهاد القائل‪ ،‬لن معرفة الدليل‬
‫من الوجه الذي باعتباره يفيد الحكم ل يكون إل للمجتهد‪ ،‬وعرف ابن الحاجب وغيره التقليد بالعمل‬
‫بقول الغير من غير حجة‪ ،‬وقد بينت التفاوت بين التعريفين في الحاشية‪ ،‬ومع ذلك فل مشاحة في‬
‫الصطلح‪) .‬ويلزم غير المجتهد( المطلق عاميا كان أو غيره‪ ،‬أي يلزمه بقيد زدته بقولي‪) :‬في غير‬
‫العقائد( التقليد للمجتهد )في الصح( لية‪} :‬فاسألوا أهل الذكر{‪ ،‬وقيل يلزمه بشرط أن يتبين له‬
‫صحة اجتهاد المجتهد بأن يتبين له مستنده ليسلم من لزوم اتباعه في الخطأ الجائز عليه‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز في القواطع‪ ،‬وقيل ل يجوز للعالم أن يقلد لن له صلحية أخذ الحكم من الدليل بخلف‬
‫العامي‪ ،‬أما التقليد في العقائد فيمتنع على المختار‪ ،‬وإن صح مع الجزم كما سيأتي‪ ،‬وقضية كلم‬
‫ن الحكم باجتهاده( لمخالفته به وجوب‬ ‫الصل هنا لزومه فيها أيضا‪) .‬ويحرم( أي التقليد )على ظا ّ‬
‫اتباع اجتهاده )وكذا( يحرم )على المجتهد(‪ :‬أي من هو بصفات الجتهاد التقليد فيما يقع له‪) .‬في‬
‫الصح( لتمكنه من الجتهاد فيه الذي هو أصل للتقليد‪ ،‬ول يجوز العدول عن الصل الممكن إلى‬
‫بدله كما في الوضوء والتيمم‪ ،‬وقيل يجوز له التقليد فيه لعدم علمه به الن‪ ،‬وقيل يجوز للقاضي‬
‫لحاجته إلى فصل الخصومة المطلوب نجازه بخلف غيره‪ ،‬وقيل يجوز تقليد من هو أعلم منه‪ ،‬وقيل‬
‫يجوز عند ضيق الوقت لما يسأل عنه‪ ،‬وقيل يجوز له فيما يخصه دون ما يفتي به غيره‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أنه لو تكررت واقعة لمجتهد لم يذكر الدليل( الول‪) :‬وجب تجديد النظر(‪ ،‬سواء‬
‫أتجدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه فيها أم ل‪ ،‬إذ لو أخذ بالّول من غير نظر لكان أخذا بشيء‬
‫من غير دليل يدل له والدليل الول لعدم تذكره ل ثقة ببقاء الظن منه‪ ،‬وقيل ل يجب تجديده بناء‬
‫على قوة الظن السابق‪ ،‬فيعمل به لن الصل عدم رجحان غيره أما إذا كان ذاكرا للدليل‪ ،‬فل يجب‬
‫تجديد النظر‪ ،‬إذ ل حاجة إليه‪) ،‬أو( أي والصح أنه لو تكررت واقعة )لعامي استفتى عالما( فيها‬
‫)وجب إعادة الستفتاء(‪ ،‬لمن أفاد )ولو كان( العالم )مقلد ميت( بناء على جواز تقليد الميت وإفتاء‬
‫المقلد كما سيأتي‪ ،‬إذ لو أخد بجواب السؤال الول من غير إعادة لكان أخذا بشيء من غير دليل‪،‬‬
‫وهو في حقه قول المفتي‪ ،‬وقوله الول ل ثقة ببقائه عليه لحتمال مخالفته له باطلعه على ما‬
‫يخالفه من دليل إن كان مجتهدا‪ ،‬ونص لمامه إن كان مقلدا‪ ،‬وقيل ل يجب وذكر الخلف في‬
‫الصورتين من زيادتي‪ ،‬وقول الصل في الشق الول من الولى قطعا أي عند أصحابنا ل عند‬
‫الصوليين‪ ،‬ومحل الخلف في الثانية إذا عرف أن الجواب عن رأي أو قياس أو شك‪ ،‬والمفتي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫حي‪ ،‬فإن عرف أنه عن نص أو إجماع‪ ،‬أو مات المفتي فل حاجة للسؤال ثانيا كما جزم به الرافعي‬
‫والنووي‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬المختار جواز تقليد المفضول(‪ :‬من المجتهدين )لمعتقده غير مفضول(‪ ،‬بأن اعتقده أفضل‬
‫ل باعتقاده وجمعا بين الدليلين التيين‪ ،‬وقيل‬‫ل عم ً‬‫من غيره أو مساويا له‪ ،‬بخلف من اعتقده مفضو ً‬
‫يجوز مطلقا‪ .‬ورجحه ابن الحاجب لوقوعه في زمن الصحابة وغيرهم مشتهرا متكررا من غير‬
‫إنكار‪ ،‬وقيل ل يجوز مطلقا‪ ،‬لن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالدلة في حق المجتهد‪ ،‬فكما‬
‫يجب الخذ بالراجح من الدلة يجب الخذ بالراجح من القوال‪ ،‬والراجح منها قول الفاضل‪ ،‬وإذا‬
‫جاز تقليد المفضول لمن ذكر‪) .‬فل يجب البحث عن الرجح( من المجتهدين لعدم تعينه بخلف من‬
‫لم يجوز مطلقا وبما ذكر علم ما صرح به الصل من أن العامي إذا اعتقد رجحان واحد منهم تعين‬
‫ل باعتقاده )و( المختار )أن الراجح علما( في العتقاد‬ ‫لن يقلده وإن كان مرجوحا في الواقع عم ً‬
‫)فوق الراجح ورعا( فيه‪ ،‬لن لزيادة العلم تأثيرا في الجتهاد بخلف زيادة الورع‪ ،‬وقيل العكس‪،‬‬
‫لن لزيادة الورع تأثيرا في التثبت في الجتهاد وغيره بخلف زيادة العلم‪ ،‬ويحتمل التساوي لن‬
‫لكل مرجحا‪) .‬و( المختار جواز )تقليد الميت( لبقاء قوله‪ ،‬كما قال الشافعي رضي ال عنه‪ :‬المذاهب‬
‫ل تموت بموت أربابها‪ ،‬وقيل ل يجوز لنه ل بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الجماع بعد موت‬
‫المخالف‪ ،‬وعورض بحجية الجماع بعد موت المجمعين‪ ،‬وقيل يجوز أن فقد الحي للحاجة بخلف‬
‫ما إذا لم يفقد‪) .‬و(المختار جواز )استفتاء من عرفت أهليته( للفتاء باشتهاره بالعلم والعدالة )أو‬
‫ظنت( بانتصابه والناس مستفتون له‪) .‬ولو( كان )قاضيا(‪ ،‬وقيل‪ :‬القاضي ل يفتي في المعاملت‬
‫للستغناء بقضائه فيها عن الفتاء‪) .‬فإن جهلت( أهليته علما أو عدالة‪) .‬فالمختار الكتفاء باستفاضة‬
‫علمه وبظهور عدالته(‪ .‬وقيل‪ :‬يجب البحث عنهما بأن يسأل الناس عنهما وعليه‪ ،‬فالصح الكتفاء‬
‫بخبر الواحد عنهما‪ ،‬وقيل ل بد من اثنين وما اخترته من الكتفاء باستفاضة علمه هو ما نقله في‬

‫الروضة عن الصحاب خلف ما صححه الصل من وجوب البحث عنه‪) .‬وللعامي سؤاله( أي‬
‫المفتي )عن مأخذه(‪ ،‬فيما أفتاه به )استرشادا( أي‪ :‬طلبا لرشاد نفسه بأن يذعن للقبول ببيان المأخذ‬
‫ل لرشاده‬‫ل تعنتا‪) .‬ثم عليه(‪ :‬أي المفتي ندبا ل وجوبا )بيانه(‪ :‬أي المأخذ لسائله المذكور تحصي ً‬
‫)إن لم يخف( عليه‪ ،‬فإن خفي عليه بحيث يقصر فهمه عنه‪ ،‬فل يبينه له صونا لنفسه عن التعب فيما‬
‫ل يفيد ويعتذر له بخفاء ذلك عليه‪.‬‬

‫)مسألة‪ :‬الصح أنه يجوز لمقلد قادر على الترجيح(‪ :‬وهو مجتهد الفتوى‪) .‬الفتاء بمذهب إمامه(‬
‫مطلقا لوقوع ذلك في العصار متكررا شائعا من غير إنكار بخلف غيره فقد أنكر عليه‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز له لنتفاء وصف الجتهاد المطلق والتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه عنه‪ ،‬وقيل‬
‫يجوز له عند عدم المجتهد المطلق والمتمكن مما ذكر للحاجة إليه‪ ،‬بخلف ما إذا وجدا أو أحدهما‪،‬‬
‫وقيل يجوز للمقلد‪ ،‬وإن لم يكن قادرا على الترجيح لنه ناقل لما يفتى به عن إمامه‪ ،‬وإن لم يصرح‬
‫بنقله عنه وهذا هو الواقع في العصار المتأخرة‪ ،‬أما القادر على التخريج وهو مجتهد المذهب‬
‫فيجوز له الفتاء قطعا‪ ،‬كما ذكره الزركشي والبرماوي وغيرهما تبعا للمصنف في شرح المختصر‬
‫وهو المتجه خلفا لما اقتضاه كلم المدي‪ ،‬من أن الخلف في مجتهد المذهب‪ ،‬إذ قضية ذلك عدم‬
‫جواز الفتاء لمجتهد الفتوى وهو بعيد جدا مخالف لما أفاده النووي في مجموعه‪) .‬و( الصح )أنه‬
‫يجوز خلّو الزمان عن مجتهد(‪ ،‬بأن ل يبقى فيه مجتهد وقيل ل يجوز مطلقا‪ ،‬وقيل يجوز أن تداعى‬
‫الزمان بتزلزل القواعد بأن أتت أشراط الساعة الكبرى كطلوع الشمس من مغربها‪) .‬و( الصح بعد‬
‫جوازه )أنه يقع( لخبر الصحيحين‪» :‬إن ال ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض‬
‫ل فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا‬
‫العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جها ً‬
‫وأضلوا«‪ .‬وفي خبر مسلم‪» :‬إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل« ونحوه‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫خبر البخاري إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم أي‪ :‬يقبض أهله ويثبت الجهل‪ ،‬وقيل ل يقع لخبر‬
‫الصحيحين أيضا بطرق‪» :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر ال أي‬
‫الساعة كما صرح بها في بعض الطرق قال البخاري وهم أهل العلم‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن المراد بالساعة‬
‫في هذا ما قرب منها جمعا بين الدلة‪ ،‬والترجيح من زيادتي‪ ،‬وعبارة الصل والمختار لم يثبت‬
‫وقوعه وهو مترّدد بين‬

‫الوقوع وعدمه‪.‬‬

‫)و( الصح )أنه لو أفتى مجتهد عاميا في حادثة فله الرجوع عنه فيها إن لم يعمل( بقوله يها‪) .‬وثم‬
‫مقت آخر(‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به بمجرد الفتاء فليه له الرجوع إلى غيره‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به‬
‫بالشروع في العمل به‪ ،‬بخلف ما إذا لم يشرع‪ ،‬وقيل يلزمه العمل به إن التزمه‪ ،‬وقيل يلزمه العمل‬
‫به إن وقع في نفسه صحته وخرج بقولي فيها غيرها فله الرجوع عنه فيه مطلقا‪ ،‬وقيل ل‪ ،‬لنه‬
‫بسؤال المجتهد وقبول قوله التزم مذهبه‪ ،‬وقيل يجوز في عصر الصحابة والتابعين ل في العصر‬
‫الذي استقرت فيه المذاهب‪ ،‬وبقولي إن لم يعمل ما إذا عمل فليس له الرجوع جزما‪ ،‬وبقولي وثم‬
‫مفت آخر ما لو لم يكن ثم مفت آخر فليس له الرجوع والتصريح في هذه بالترجيح بقيده الخير من‬
‫زيادتي‪) .‬و( الصح )أنه يلزم المقلد( عاميا كان أو غيره‪) .‬التزام مذهب معين( من مذاهب‬
‫المجتهدين‪) .‬ويعتقده أرجح( من غيره )أو مساويا( له‪ ،‬وإن كان في الواقع مرجوحا على المختار‬
‫السابق‪) .‬و( لكن )الولى( في المساوي )السعي في اعتقاده أرجح( ليحسن اختياره على غيره‪ ،‬وقيل‬
‫ل يلزمه التزامه فله أن يأخذ فيما يقع له بما شاء من المذاهب‪ ،‬قال النووي‪ :‬هذا كلم الصحاب‬
‫والذي يقتضيه الدليل القول بالثاني‪) .‬و( الصح بعد لزوم التزام مذهب معين للمقلد )أن له الخروج‬
‫عنه(‪ ،‬فيما لم يعمل به لن التزام ما ل يلزم غير ملزم‪ .‬وقيل ل يجوز لنه التزمه وإن لم يلزم‬
‫التزامه‪ ،‬وقيل ل يجوز في بعض المسائل‪ ،‬ويجوز في بعض توسطا بين القولين‪ ،‬والترجيح في هذه‬
‫من زيادتي‪) .‬و( الصح )أنه يمتنع تتبع الرخص( في المذاهب‪ ،‬بأن يأخذ من كل منها الهون فيما‬
‫يقع من المسائل سواء الملتزم وغيره‪ ،‬ويؤخذ منه تقييد الجواز السابق فيهما بما لم يؤد إلى تتبع‬
‫الرخص‪ ،‬وقيل يجوز بناء على أنه ل يلزم التزام مذهب معين‪.‬‬

‫)مسألة(‪ :‬تتعلق بأصول الدين )المختار( قول الكثير )إنه يمتنع التقليد في أصول الدين(‪ :‬أي مسائل‬
‫العتقاد كحدوث العالم ووجود الباري‪ ،‬وما يجب له ويمتنع عليه وغير ذلك مما سيأتي‪ ،‬فيجب‬
‫النظر فيه لن المطلوب فيه اليقين‪ .‬قال تعالى لنبيه‪} :‬فاعلم أنه ل إله إل ال{ وقد علم ذلك‪ .‬وقال‬
‫للناس‪} :‬واتبعوه لعلكم تهتدون{ ويقاس بالوحدانية غيرها‪ ،‬وقيل يجوز ول يجب النظر اكتفاء بالعقد‬
‫ل للنظر بالتلفظ‬
‫الجازم لنه صلى ال عليه وسّلم كان يكتفي في اليمان من العراب وليسوا أه ً‬
‫بكلمتي الشهادة المنبىء عن العقد الجازم ويقاس باليمان غيره‪ ،‬وقيل ل يجوز فيحرم النظر فيه‪،‬‬
‫لنه مظنة الوقوع في الشبه والضلل لختلف الذهان والنظار‪ ،‬ودليل الثاني والثالث مدفوعان‬
‫ل للنظر‪ ،‬ول أن النظر مظنة للوقوع في الشبه والضلل‪ ،‬إذ‬ ‫بأنا ل نسلم أن العراب ليسوا أه ً‬
‫المعتبر النظر على طريق العامة كما أجاب العرابي الصمعي عن سؤاله بم عرفت ربك؟ فقال‪:‬‬
‫البعرة تدل على البعير‪ ،‬وأثر القدام على المسير‪ ،‬فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحر ذو‬
‫أمواج أل تدل على اللطيف الخبير؟ ول يذعن أحد منهم أو من غيرهم لليمان إل بعد أن ينظر‬
‫فيهتدى له‪ .‬أما النظر على طريق المتكلمين من تحرير الدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه عنها‪،‬‬
‫ففرض كفاية في حق المتأهلين له يكفي قيام بعضهم بها أما غيرهم ممن يخشى عليه من الخوض‬
‫فيه الوقوع في الشبه والضلل فليس له الخوض فيه‪ ،‬وهذا محمل نهي الشافعي وغيره من السلف‬
‫عن الشتغال بعلم الكلم‪ ،‬وهو العلم بالعقائد الدينية عن الدلة اليقينية‪ ،‬والترجيح من زيادتي‪ ،‬بل‬
‫قضية كلمه في مسألة التقليد ترجيح لزومه هنا‪ ،‬ثم محل الخلف في وجوب النظر في غير معرفة‬
‫ال تعالى أما النظر فيها فواجب إجماعا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل من القوال‪ ،‬وإن أثم بترك النظر‬ ‫)و( المختار أنه )يصح( التقليد في ذلك )بجزم( أي معه على ك ّ‬
‫ح بل ل بّد لصحة اليمان من النظر أما التقليد بل جزم‬ ‫ح إيمان المقلد‪ ،‬وقيل ل يص ّ‬‫على الول فيص ّ‬
‫بأن كان مع احتمال شك أو وهم‪ ،‬فل يصح قطعا إذ ل إيمان مع أدنى تردد فيه وعلى صحة التقليد‬
‫الجازم فيما ذكر )فليجزم(‪ :‬أي المكلف )عقده بأن العالم( وهو ما سوى ال تعالى‪) .‬حادث(‪ ،‬لنه‬
‫متغير أي يعرض له التغير كما يشاهد وكل متغير حادث )وله محدث( ضرورة أن الحادث ل بّد له‬
‫من محدث )وهو ال(‪ :‬أي الذات الواجب الوجود لن مبدىء الممكنات ل بّد أن يكون واجبا‪ ،‬إذ لو‬
‫كان ممكنا لكان من جملة الممكنات فلم يكن مبدئا لها‪) .‬الواحد(‪ ،‬إذ لو جاز كونه اثنين لجاز أن يريد‬
‫أحدهما شيئا‪ ،‬والخر ضّده الذي ل ضّد له غيره كحركة زيد وسكوته فيمتنع وقوع المرادين وعدم‬
‫وقوعهما لمتناع ارتفاع الضّدين المذكورين واجتماعهما‪ ،‬فتعين وقوع أحدهما فيكون مريده هو‬
‫الله دون الخر لعجزه‪ ،‬فل يكون الله إل واحدا‪) .‬والواحد( الشيء )الذي ل ينقسم( بوجه )أو ل‬
‫يشبه(‪ :‬بفتح الباء المشّددة أي به ول بغيره أي ل يكون بينه وبين غير شبه‪) .‬بوجه(‪ :‬وهذان‬
‫التفسيران معناهما موجود فيه تعالى فتعبيري بأو أولى من تعبيره بالواو ليهامه أنهما تفسير واحد‪،‬‬
‫وموافق لقول إمام الحرمين في الرشاد الواحد معناه المتوحد المتعالي عن النقسام‪ ،‬وقيل معناه‬
‫الذي ل مثل له فأفاد كلمه أنهما تفسيران ل تفسير واحد وإن تلزم معناهما هنا‪) .‬وال تعالى قديم(‪:‬‬
‫أي ل ابتداء لوجوده‪ ،‬إذ لو كان حادثا لحتاج إلى محدث واحتاج محدثه إلى محدث وتسلسل‬
‫والتسلسل محال‪ ،‬فالحدوث المستلزم له محال‪) .‬حقيقته( تعالى )مخالفة لسائر الحقائق‪ .‬قال المحققون‬
‫ليست معلومة الن(‪ :‬أي في الدنيا للناس وقال كثير إنها معلومة لهم الن لنهم مكلفون بالعلم‬
‫بوحدانيته وهو متوقف على العلم بحقيقته‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم أنه متوقف على‬

‫العلم به بالحقيقة‪ ،‬وإنما يتوقف على العلم به بوجه وهو بصفاته‪ ،‬كما أجاب موسى عليه الصلة‬
‫والسلم فرعون السائل عنه تعالى كما قص علينا ذلك بقوله تعالى‪} :‬قال فرعون وما رب العالمين{‬
‫الخ‪) .‬والمختار ول ممكنة( علما )في الخرة( لن علمها يقتضي الحاطة به تعالى وهي ممتنعة‪،‬‬
‫وقيل ممكنة العلم فيها لحصول الرؤية فيها كما سيأتي‪ .‬قلنا‪ :‬الرؤية ل تفيد الحقيقة والترجيح من‬
‫زيادتي‪) .‬ليس بجسم ول جوهر ول عرض(‪ ،‬لنه تعالى منزه عن الحدوث وهذه الثلثة حادثة لنها‬
‫أقسام العالم لنه إما قائم بنفسه أو بغيره‪ ،‬والثاني العرض الول ويسمى بالعين‪ ،‬وهو محل الثاني‬
‫المقوم له إما مركب وهو الجسم أو غير مركب وهو الجوهر وقد يقيد بالفرد‪) .‬لم يزل وحده ول‬
‫مكان ول زمان( أي‪ :‬موجود قبلهما فهو منّزه عنهما )ثم أحدث هذا العالم(‪ :.‬المشاهد من السموات‬
‫والرض بما فيها )بل احتياج( إليه )ولو شاء ما أحدثه(‪ :‬فهو فاعل بالختيار ل بالذات )لم يحدث‬
‫ل للحوادث وهو كما قال في كتابه العزيز )فعال‬ ‫به( أي بإحداثه )في ذاته حادث(‪ ،‬فليس كغيره مح ً‬
‫لما يريد‪ ،‬ليس كمثله شيء( وهو السميع البصير‪) .‬القدر( وهو هنا ما يقع من العبد مما قّدر في‬
‫الزل )خيره وشره( كائن )منه( تعالى بخلقه وإرادته‪) ،‬علمه شامل لكل معلوم(‪ :‬أي ما من شأنه أن‬
‫يعلم ممكنا كان أو ممتنعا جزئيا أو كليا‪ .‬قال تعالى‪} :‬أحاط بكل شيء علما{ )وقدرته( شاملة )لك ّ‬
‫ل‬
‫مقدور(‪ :‬أي ما من شأنه أن يقدر عليه‪ ،‬وهو الممكن بخلف الممتنع والواجب )ما علم أنه يوجد‬
‫أراده(‪ :‬أي أراد وجوده )وما ل( أي وما علم أنه ل يوجد‪) ،‬فل( يريد وجوده فالرادة تابعة للعلم‬
‫)بقاؤه( تعالى )غير متناه(‪ :‬أي ل آخر له )لم يزل( تعالى موجودا )بأسمائه(‪ :‬أي بمعانيها‪ ،‬وهي هنا‬
‫ما دل على الذات باعتبار صفة كالعالم والخالق‪) .‬وصفات ذاته( وهي )ما دل عليها فعله(‪ .‬لتوقفه‬
‫عليها )من قدرة(‪ :‬وهي صفة تؤثر في الشيء عند تعلقها به‪) .‬وعلم( وهو صفة‬

‫أزلية تتعلق بالشيء على وجه الحاطة به على ما هو عليه‪) .‬وحياة( وهي صفة تقتضي صحة العلم‬
‫لموصوفها‪) ،‬وإرادة(‪ :‬وهي صفة تخصص أحد طرفي الشيء من الفعل والترك بالوقوع‪) .‬أو( ما‬
‫دل عليها )تنزيهه( تعالى )عن النقص من سمع وبصر( وهما صفتان أزليتان قائمتان بذاته تعالى‬
‫زائدتان على العلم ليستا كسمع الخلق وبصرهم‪) ،‬وكلم(‪ :‬وهو صفة يعبر عنها بالنظم المعروف‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫المسمى بكلم ال أيضا‪ ،‬ويسميان بالقرآن أيضا‪) .‬وبقاء( وهو استمرار الوجود أما صفات الفعال‬
‫كالخلق والرزق والحياء والماتة‪ ،‬فليست أزلية خلفا لمتأخري الحنفية‪ ،‬بل هي حادثة لنها‬
‫إضافات تعرض للقدرة وهي تعلقاتها بوجودات المقدورات لوقات وجوداتها‪ ،‬ول محذور في‬
‫اتصاف الباري تعالى بالضافات‪ ،‬ككونه قبل العالم ومعه وبعده وأزلية أسمائه الراجعة إلى صفات‬
‫ل من شأنه‬‫الفعال كما مر في جملة السماء من حيث رجوعتها إلى القدرة ل الفعل‪ ،‬فالخالق مث ً‬
‫الخلق أي‪ :‬هو الذي بالصفة التي بها يصح الخلق وهو القدرة كما يقال‪ :‬السيف في الغمد قاطع أي‪:‬‬
‫هو بالصفة التي بها يحصل القطع عند ملقاته المحل‪ ،‬فإن أريد بالخالق من صدر منه الخلق فليس‬
‫صدوره أزليا‪.‬‬
‫)‬

‫وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر معناه وننزه ال عند سماع مشكله( كما في‬
‫قوله تعالى‪} :‬الرحمن على العرش استوى{‪} ،‬ويبقى وجه ربك{‪} .‬يد ال فوق أيديهم{‪ .‬وقوله صلى‬
‫ال عليه وسّلم‪» :‬إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف‬
‫شاء«‪ .‬رواه مسلم‪) .‬ثم اختلف أئمتنا أنؤّول( المشكل )أم نفّوض( معناه المراد إليه تعالى‪) .‬منّزهين‬
‫ل‪،‬‬
‫له( عن ظاهره‪) ،‬مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله ل يقدح( في اعتقادنا المراد منه مجم ً‬
‫والتفويض مذهب السلف وهو أسلم‪ ،‬والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم‪،‬‬
‫وكثيرا ما يقال بدل أعلم أحكم أي‪ :‬أكثر إحكاما أي إتقانا فيؤّول في اليات الستواء بالستيلء‬
‫والوجه بالذات واليد بالقدرة‪ ،‬والحديث من باب التمثيل المذكور في علم البيان نحو‪ :‬أراك تقّدم رج ً‬
‫ل‬
‫وتؤخر أخرى‪ ،‬يقال للمترّدد في أمر تشبيها له بمن يفعل ذلك لقدامه وإحجامه‪ ،‬فالمراد منه‬
‫والظرف فبه خير كالجار والمجرور أن قلوب العباد كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى شيء يسير‬
‫يصرفه كيف شاء‪ ،‬كما يقلب الواحد من عباده اليسير بين أصبعين من أصابعه‪) .‬القرآن النفسي(‪:‬‬
‫أي القائم بالنفس )غير مخلوق(‪ :‬وهو مع ذلك أيضا )مكتوب في مصاحفنا(‪ ،‬بأشكال الكتابة وصور‬
‫الحروف الدالة عليه )محفوظ في صدورنا(‪ :‬بألفاظه المخيلة‪) .‬مقروء بألسنتنا( بحروفه الملفوظة‬
‫ح أن يطلق على القرآن حقيقة‬ ‫المسموعة‪) :‬على الحقيقة( ل المجاز في الوصاف الثلثة‪ :‬أي يص ّ‬
‫ل وأبدا اتصاف‬‫أنه مكتوب محفوظ مقروء واتصافه بهذه الثلثة‪ ،‬وبأنه غير مخلوق أي موجود أز ً‬
‫ل موجود وجودا في الخارج‪ ،‬ووجودا في الذهن‪،‬‬ ‫له باعتبار وجودات الموجود الربعة‪ ،‬فإن لك ّ‬
‫ووجودا في العبارة‪ ،‬ووجودا في الكتابة فهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما‬
‫في الخارج‪ ،‬وخرج بالنفسي اللساني فتعبيري به أولى من تعبيره بالكلم‪ ،‬لنه كالقرآن مشترك بين‬
‫النفسي واللساني‪ ،‬فل يخرج‬

‫ل )ويعاقبـ(ـهم )إل أن يعفو يغفر غير‬‫اللساني‪) .‬يثيب( ال تعالى عباده المكلفين )على الطاعة( فض ً‬
‫الشرك على المعصية( عدلً لخباره بذلك قال تعالى‪} :‬فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن‬
‫الجحيم هي المأوي* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوي{‪} .‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ )وله( تعالى )إثابة العاصي وتعذيب المطيع‬
‫وإيلم الدواب والطفال(‪ :‬لنهم ملكه يتصرف‬

‫فيهم كيف يشاء لكن ل يقع منه ذلك لخباره بإثابة المطيع وتعذيب العاصي كما مّر ولم يرد إيلم‬
‫ن الحقوق إلى‬
‫الخيرين في غير قود والصل عدمه أما في القود فقال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬لتؤّد ّ‬
‫ص للخلق‬
‫أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء«‪ .‬رواه مسلم‪ .‬وقال‪» :‬يقت ّ‬
‫بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذّرة من الذّرة«‪ .‬رواه المام أحمد بسند صحيح‪،‬‬
‫وقضية الخبرين أن ل يتوقف القود يوم القيامة على التكليف‪ ،‬فيقع اليلم بالقود في الخيرين‪.‬‬
‫)ويستحيل وصفه( تعالى )بالظلم( لنه مالك المور على الطلق يفعل ما يشاء فل ظلم في‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫التعذيب‪ ،‬واليلم المذكورين لو فرض وقوعهما )يراه( تعالى )المؤمنون في الخرة( قبل دخول‬
‫الجنة وبعده‪ ،‬كما ثبت في أخبار الصحيحين الموافقة لقوله تعالى‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫ناظرة{ والمخصصة لقوله تعالى‪} :‬ل تدركه البصار{ أي ل تراه منها خبر أبي هريرة‪» :‬أن الناس‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول ال صلى ال عليه وسّلم‪ :‬هل تضاّرون في‬
‫القمر ليلة البدر‪ .‬قالوا‪ :‬ل يا رسول ال‪ .‬قال‪ :‬فإنكم ترونه كذلك الخ«‪ .‬وفيه أن ذلك قبل دخول‬
‫الجنة‪ ،‬وقوله‪ :‬تضاّرون بتشديد الراء من الضرار وتخفيفها من الضير أي‪ :‬الضرر‪ ،‬وخبر صهيب‬
‫في مسلم أنه صلى ال عليه وسّلم قال‪» :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول ال تبارك وتعالى تريدون‬
‫شيئا أزيدكم فيقولون‪ :‬ألم تبيض وجوهنا‪ ،‬ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار‪ ،‬فيكشف الحجاب فما‬
‫أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم«‪ .‬وفي رواية‪ :‬ثم تل هذه الية‪} :‬للذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة{ أي فالحسنى الجنة والزيادة النظر إليه تعالى‪ ،‬بأن ينكشف لنا انكشافا تاما بأن يرى بنور‬
‫العين زائدا على نور العلم‪ ،‬أو بأن يخلق لنا علما به عند توجه الحاسة له عادة منزها عن المقابلة‬
‫والجهة والمكان‪ ،‬أما الكفار فل يرونه لقوله تعالى‪} :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ‬

‫لمحجوبون{ الموافق لقوله‪} :‬ل تدرحه البصار{ )والمختار جواز رؤيته( تعالى )في الدنيا( في‬
‫اليقظة بالعين‪ ،‬وفي المنام بالقلب أما في اليقظة‪ ،‬فلن موسى عليه الصلة والسلم طلبها بقوله‪:‬‬
‫}رب أرني أنظر إليك{ وهو ل يجهل ما يجوز ويمتنع على ربه تعالى‪ ،‬وقيل ل يجوز لن قومه‬
‫طلبوها فعوقبوا قال تعالى‪} :‬فقالوا أرنا ال جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم{ قلنا عقابهم لعنادهم‬
‫وتعنتهم في طلبها ل لمتناعها‪ ،‬وأما في المنام فنقل القاضي عياض التفاق عليه‪ ،‬وقيل ل يجوز إذ‬
‫المرئي فيه خيال ومثال وذلك على القديم محال‪ .‬قلنا ل استحالة لذلك في المنام والترجيح من‬
‫زيادتي‪ ،‬وأما وقوع الرؤية فيها فالجمهور على عدمه في اليقظة لقوله تعالى‪} :‬ل تدركه البصار{‬
‫وقوله لموسى‪} :‬لن تراني{ أي في الدنيا بقرينة السياق‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسّلم‪» :‬لن يرى أحد‬
‫منكم ربه حتى يموت«‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬نعم الصحيح وقوعها للنبي صلى ال عليه وسّلم ليلة المعراج‪،‬‬
‫وإليه استند القائل بوقوعها لغيره‪ ،‬وأما وقوعها في المنام فهو المختار‪ ،‬فقد ذكر وقوعها فيه لكثير‬
‫من السلف منهم المام أحمد‪ ،‬وعليه المعبرون للرؤيا‪ ،‬وقيل ل لما مّر في المنع من جوازها‪.‬‬
‫ي عكسه( أي من كتب ال في الزل‬ ‫)السعيد من كتب ال( أي علم )في الزل موته مؤمنا والشق ّ‬
‫موته كافرا وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به لشتماله على الدور ظاهرا‪) .‬ثم ل يتبّدلن(‪ :‬أي‬
‫المكتوبان في الزل‪ ،‬بخلف المكتوب في غيره كاللوح المحفوظ قال تعالى‪} :‬يمحو ال ما يشاء‬
‫ويثبت وعنده أّم الكتاب{ أي أصله الذي ل يغير منه شيء كما قاله ابن عباس وغيره‪ ،‬وإطلق‬
‫بعضهم أنهما يتبّدلن محمول على هذا التفصيل‪) .‬وأبو بكر( رضي ال عنه )ما زال بعين الرضا‬
‫منه( تعالى‪ ،‬وإن لم يتصف باليمان قبل تصديقه النبي صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬إذ لم يثبت عنه حالة‬
‫كفر كما ثبت عن غيره ممن آمن‪) .‬والمختار أن الرضا والمحبة( من ال )غير المشيئة والرادة(‬

‫منه‪ ،‬إذ معنى الّولين المترادفين أخص من معنى الثانيين المترادفين‪ ،‬إذ الرضا الرادة بل‬
‫اعتراض والخص غير العم بدليل قوله تعالى‪} :‬ول يرضى لعباده الكفر{ مع وقوعه من بعضهم‬
‫بمشيئته لقوله‪} :‬ولو شاء ربك ما فعلوه{ وقالت المعتزلة‪ :‬وقوم من الشاعرة منهم الشيخ أبو إسحاق‬
‫الرضا والمحبة نفس المشيئة والرادة وأجابوا عن قوله‪) :‬ول يرضى لعباده الكفر( بأنه ل يرضاه‬
‫دينا وشرعا بل يعاقب عليه وبأن المراد من وفق لليمان‪ ،‬ولهذا شرفهم بإضافتهم إليه في قوله‪} :‬إن‬
‫عبادي ليس لك عليهم سلطان{ وقوله‪} :‬عينا يشرب بها عباد ال{ وذكر الخلف من زيادتي‪) ،‬هو‬
‫الرزاق( كما قال تعالى‪} :‬إن ال هو الرزاق{ بمعنى الرازق أي فل رازق غيره‪ .‬وقالت المعتزلة‬
‫من حصل له الرزق بتعب فهو الرازق نفسه أو بغير تعب فال هو الرازق له‪) .‬والرزق( بمعنى‬
‫المرزوق عندنا‪) .‬ما ينتفع به( في التغذي وغيره‪) .‬ولو( كان )حراما(‪ ،‬وقالت المعتزلة‪ :‬ل يكون إل‬
‫حللً لستناده إلى ال في الجملة والمسند إليه لنتفاع عباده يقبح أن يكون حراما يعاقبون عليه قلنا‪:‬‬
‫ل يقبح بالنسبة إليه تعالى‪ ،‬فإن له أن يفعل ما يشاء وعقابهم على الحرام لسوء مباشرتهم أسبابه‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ويلزم المعتزلة أن المتعذي بالحرام فقط طول عمره لم يرزقه ال وهو مخالف لقوله تعالى‪} :‬وما‬
‫من دابة في الرض إل على ال رزقها{‪ ،‬لنه تعالى ل يترك ما أخبر بأنه عليه‪) .‬بيده( تعالى‬
‫)الهداية والضلل( وهما )خلق الهتداء(‪ ،‬وهو اليمان )و( خلق )الضلل( وهو الكفر قال تعالى‪:‬‬
‫ل من يشاء ويهدي من يشاء{‪ } .‬من يشأ ال يضلله ومن‬ ‫}ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يض ّ‬
‫يشأ يجعله على صراط مستقيم{ وزعمت المعتزلة أنهما بيد العبد يهدي نفسه ويضلها بناء على‬
‫قولهم إنه يخلق أفعاله‪.‬‬
‫)‬

‫والمختار أن اللطف خلق قدرة الطاعة(‪ :‬أي قدرة العبد على الطاعة‪ ،‬وقال الصل إنه ما يقع عنده‬
‫صلح العبد آخرة أي في آخر عمره‪) .‬و( أن )التوفيق كذلك(‪ :‬أي خلق قدرة الطاعة وقيل خلق‬
‫الطاعة‪) .‬والخذلن ضده(‪ :‬وهو خلق قدرة المعصية وقيل خلق المعصية‪) .‬والختم والطبع والكنة‬
‫والقفال(‪ :‬الواردة في القرآن نحو‪} :‬ختم ال على قلوبهم{‪} .‬طبع ال عليها بكفرهم{ }جعلنا على‬
‫قلوبهم أكنة أن يفقهوه{‪} .‬أم على قلوب أقفالها{ عبارات عن معنى واحد وهو‪) :‬خلق الضللة في‬
‫القلب( كالضلل‪ ،‬وأّول المعتزلة هذه اللفاظ بما ل يلئم اليات المشتملة عليها كما بين في‬
‫المطولت‪ ،‬وذكر القفال من زيادتي‪) .‬والماهيات( الممكنات أي‪ :‬حقائقها )مجعولة( مطلقا )في‬
‫الصح(‪ :‬أي كل ماهية بجعل الجاعل‪ ،‬وقيل ل مطلقا بل كل ماهية متقررة بذاتها‪ ،‬وقيل مجعولة إن‬
‫كانت مركبة بخلف البسيطة‪) .‬والخلف لفظي( من زيادتي‪ ،‬لن الول أراد جعلها متصفة بالوجود‬
‫ل جعلها ذوات‪ ،‬والثاني أراد أنها في حّد ذاتها ل يتعلق بها جعل جاعل وتأثير مؤثر‪ ،‬والثالث أراد‬
‫بالجعل التأليف والمركبة مؤلفة بخلف البسيطة‪) .‬أرسل( الرب )تعالى رسله( مؤيدين منه‬
‫ص محمدا صلى ال عليه وسّلم( منهم )بأنه خاتم النبيين( كما قال‬‫)بالمعجزات( الباهرات )وخ ّ‬
‫تعالى‪} :‬ولكن رسول ال وخاتم النبيين{ )المبعوث إلى الخلق كافة(‪ ،‬كما في خبر مسلم‪» :‬وأرسلت‬
‫ي هذا‬
‫ن كما فسر بهما من بلغ في قوله تعالى‪} :‬وأوحى إل ّ‬ ‫إلى الخلق كافة«‪ ،‬وفسر بالنس والج ّ‬
‫القرآن لنذركم به{ ومن بلغ أي بلغه القرآن والعالمين في قوله‪} :‬نّزل الفرقان على عبده ليكون‬
‫للعالمين نذيرا{‪ ،‬وصرح الحليمي والبيهقي بأنه صلى ال عليه وسّلم لم يرسل إلى الملئكة‪ ،‬وفي‬
‫تفسيري المام الرازي والنسفي حكاية الجماع على ذلك‪ ،‬لكن نقل بعضهم عن تفسير الرازي أنه‬
‫أرسل إليهم أيضا‪ ،‬وكأنه أخذه من بعض نسخه فإن نسخه مختلفة‪) .‬المفضل عليهم(‪ :‬أي على الخلق‬
‫كافة من النبياء‬

‫والملئكة وغيرهم فل يشركة غيره من النبياء فيما ذكر‪) .‬ثم( يفضل بعده )النبياء ثم خواص‬
‫الملئكة( عليهم الصلة والسلم‪ ،‬فخواص الملئكة أفضل من البشر غير النبياء‪ ،‬وقولي خواص‬
‫من زيادتي‪) .‬والمعجزة( المؤيد بها الرسل‪) ،‬أمر خارق للعادة( بأن يظهر على خلفها كإحياء ميت‬
‫وإعدام جيل وانفجار المياه من بين الصابع‪) ،‬مقرون بالتحّدي( منهم أي‪ :‬بطلبهم التيان بمثل ما‬
‫أتوا به ولو بالشارة كدعواهم الرسالة‪) ،‬مع عدم المعارضة(‬

‫من المرسل إليهم بأن ل يظهر منهم مثل ذلك الخارق فخرج غير الخارق كطلوع الشمس كل يوم‬
‫والخارق بل تحّد والخارق المتقّدم على التحّدي والمتأخر عنه بما يخرجه عن المقارنة العرفية‬
‫والسحر والشعبذة‪ ،‬فل شيء منها بمعجزة كما أوضحته مع زيادة في الحاشية‪) .‬واليمان تصديق‬
‫القلب( بما علم مجيء الرسول به من عند ال ضرورة أي الذعان والقبول له والتكليف بذلك مع‬
‫أنه من الكيفيات النفسانية دون الفعال الختيارية بالتكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر‬
‫وتوجيه الحواس‪) .‬ويعتبر فيه( أي في التصديق المذكور أي‪ :‬في الخروج به عندنا عن عهدة‬
‫التكليف باليمان‪) ،‬تلفظ القادر( على الشهادتين )بالشهادتين(‪ ،‬لنه علمة لنا على التصديق الخفي‬
‫ن المنافقين في الدرك‬
‫عنا حتى يكون المنافق مؤمنا عندنا كافرا عند ال تعالى‪ .‬قال ال تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا{ حالة كون التلفظ بذلك )شرطا( لليمان كما عليه جمهور‬
‫المحققين يعني أنه شرط لجراء أحكام المؤمنين في الدنيا من توارث ومناكحة وغيرهما‪) .‬ل‬
‫شطرا( منه كما قيل به فمن صّدق بقلبه ولم يتلفظ بالشهادتين مع تمكنه من التلفظ بهما ومع عدم‬
‫مطالبته به كان مؤمنا عند ال على الول دون الثاني‪ ،‬كما ذكره السعد التفتازاني في شرح‬
‫المقاصد‪ ،‬وهو ظاهر كلم الغزالي تبعا لظاهر كلم شيخه إمام الحرمين‪ ،‬وما نقل عن الجمهور من‬
‫أنه كافر عند ال كما هو كافر عندنا مفرع على الثاني‪ ،‬وترجيح الشرطية من زيادتي‪) .‬والسلم(‬
‫هو )التلفظ بذلك( وجرى الصل على أنه أعمال الجوارح من الطاعات كالتلفظ بذلك والصلة‬
‫والزكاة أخذا بظاهر الخبر التي المحمول فيه السلم عند المحققين على أحكامه المشروعة أو على‬
‫السلم الكامل‪) .‬ويعتبر فيه( أي‪ :‬في السلم أي في الخروج به عن عهدة التكليف به‪) .‬اليمان(‪:‬‬
‫أي التصديق المذكور ولم يحك أحد خلفا في أن اليمان شرط في السلم أو شطر‪) ،‬والحسان أن‬
‫تعبد ال كأنك تراه فإن‬

‫لم تكن تراه فإنه يراك(‪ ،‬كذا في خبر الصحيحين المشتمل على بيان اليمان‪ ،‬بأن تؤمن بال‬
‫وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وبيان السلم بالمعنى السابق بأن‬
‫تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج‬
‫ل‪) .‬والفسق(‪ :‬بأن يرتكب الكبيرة )ل يزيل اليمان( خلفا للمعتزلة في‬
‫البيت إن استطعت إليه سبي ً‬
‫زعمهم أنه يزيله بمعنى أنه واسطة بين اليمان والكفر‬

‫لزعمهم أن العمال جزء من اليمان لقوله تعالى‪} :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم{‬
‫إلى قوله }حقا{ ولخبر‪» :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن«‪ .‬وأجيب جمعا بين الدلة بأن‬
‫المراد باليمان في الية كماله وبالخبر التغليظ والمبالغة في الوعيد وبأنه معارض بخبر‪» :‬وإن‬
‫زنى وإن سرق«‪) .‬والميت مؤمنا فاسقا( بأن لم يتب )تحت المشيئة( إما )يعاقب( بإدخاله النار‬
‫لفسقه )ثم يدخل الجنة( لموته مؤمنا )أو يسامح( بأن ل يدخل النار بفضله فقط أو بفضله مع الشفاعة‬
‫من النبي صلى ال عليه وسّلم أو ممن يشاؤه ال وزعمت المعتزلة أنه يخلد في النار ول يجوز‬
‫العفو عنه ول الشفاعة فيه لقوله تعالى‪} :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع{‪ .‬قلنا‪ :‬هذا‬
‫مخصوص بالكفار جمعا بين الدلة‪) .‬وأول شافع وأوله(‪ :‬يوم القيامة )نبينا محمد صلى ال عليه‬
‫وسّلم(‪ ،‬قال صلى ال عليه وسّلم‪» :‬أنا أول شافع وأول مشفع« رواه الشيخان‪ ،‬ولنه أكرم عند ال‬
‫من جميع العالمين‪ ،‬وله شفاعات أعظمها في تعجيل الحساب والراحة من طول الوقوف وهي‬
‫مختصة به الثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب قال النووي‪ :‬وهي مختصة به وترّدد بعضهم في‬
‫ذلك‪ ،‬الثالثة‪ :‬فيمن استحق النار‪ ،‬كما مر‪ .‬الرابعة‪ :‬في إخراج من أدخل النار من الموحدين ويشاركه‬
‫فيهما النبياء والملئكة والمؤمنون‪ .‬الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها‪ ،‬وجوز النووي‬
‫اختصاصها به والكلم في العامة يوم القيامة‪ ،‬فل يرد نحو الشفاعة في تخفيف عذاب القبر ول‬
‫الشفاعة في تخفيف العذاب عن أبي طالب‪) .‬ول يموت أحد إل بأجله(‪ :‬وهو الوقت الذي كتب ال‬
‫في الزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غيره وذلك بأن ال قد حكم بآجال العباد بل ترّدد‪ ،‬وبأنه إذا جاء‬
‫أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون‪ ،‬وزعم كثير من المعتزلة أن القاتل قطع بقتله أجل‬
‫المقتول‪ ،‬وأنه لو لم يقتله لعاش أكثر من ذلك لخبر‪» :‬من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ أي يزاد‬
‫له‬

‫»في أثره فليصل رحمه«‪ .‬قلنا‪ :‬ل نسلم أن الثر هو الجل ولو سلم‪ ،‬فالخبر ظني لنه من الحاد‬
‫وهو ل يعارض القطعي‪ ،‬وأيضا الزيادة فيه مؤولة بالبركة في الوقات بأن يصرف في الطاعات‪.‬‬
‫)والروح( وهي النفس )باقية بعد موت البدن( منعمة أو معذبة‪) .‬والصح أنها ل تفنى أبدا(‪ ،‬لن‬
‫الصل في بقائها بعد الموت استمراره وقيل تفنى عند النفخة الولى كغيرها‪) .‬كعجب الذنب( بفتح‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫العين وسكون الجيم وموحدة على الشهر‪ ،‬وهو في أسفل الصلب يشبه في المحل محل أصل الذنب‬
‫من ذوات الربع‪ ،‬فل يفنى في الصح لخبر الصحيحين‪» :‬ليس شيء من النسان إل يبلى إل عظما‬
‫واحدا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة«‪ .‬وفي رواية لمسلم‪» :‬كل ابن آدم يأكله‬
‫التراب إل عجب الذنب منه خلق ومنه يركب« وقيل يفنى كغيره‪ .‬وصححه المزني وتأول الخبر‬
‫المذكور بأنه ل يبلى بالتراب بل بل تراب كما يميت ال ملك الموت بل ملك الموت والترجيح من‬
‫زيادتي‪) ،‬وحقيقتها(؛ أي الروح )لم يتكلم عليها نبينا( محمد صلى ال عليه وسّلم‪ .‬وقد سئل عنها‬
‫لعدم نزول المر ببيانها قال تعالى‪} :‬ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي{ )فنمسك( نحن‬
‫)عنها(‪ ،‬ول يعبر عنها بأكثر من موجود كما قال الجنيد وغيره‪:‬والخائضون فيها اختلفوا فقال‬
‫جمهور المتكلمين‪ ،‬ونقله النووي في شرح مسلم عن تصحيح أصحابنا إنها جسم لطيف مشتبك‬
‫بالبدن اشتباك الماء بالعود الخضر‪ .‬وقال كثير منهم‪ :‬إنها عرض وهي الحياة التي صار البدن‬
‫بوجودها حيا‪ .‬وقال الفلسفة وكثير من الصوفية‪ :‬إنها ليست بجسم ول عرض بل جوهر مجرد قائم‬
‫بنفسه غير متحيز متعلق بالبدن للتدبير والتحريك غير داخل فيه ول خارج عنه‪ ،‬واحتج للول‬
‫بوصفها في الخبار بالهبوط والعروج والترّدد في البرزخ‪.‬‬
‫)‬

‫وكرامات الولياء( وهم العارفون بال تعالى المواظبون على الطاعات المجتنبون للمعاصي‬
‫المعرضون عن النهماك في اللذات والشهوات )حق(‪ :‬أي جائزة وواقعة له ولو باختيارهم وطلبهم‬
‫كجريان النيل بكتاب عمر‪ ،‬ورؤيته وهو على المنبر بالمدينة جيشه بنهاوند حتى قال لمير الجيش‪:‬‬
‫يا سارية الجبل الجبل محذرا له من وراء الجبل لمكر العدّو ثم‪ ،‬وسماع سارية كلمه مع بعد‬
‫المسافة وكالمشي على الماء وفي الهواء وغير ذلك مما وقع للصحابة وغيرهم‪) ،‬ول تختص(‬
‫الكرامات )بغير نحو ولد بل والد( مما شمله قولهم ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون‬
‫كرامة لولي‪) .‬خلفا للقشيري(‪ :‬وإن تبعه الصل وغيره‪ ،‬فالجمهور على خلفه‪ ،‬وأنكروا على قائله‬
‫حتى ولده أبو النصر في كتابه المرشد‪ ،‬بل قال النووي‪ :‬إنه غلط من قائله وإنكار للحس‪ ،‬بل‬
‫الصواب جريانها بقلب العيان ونحوه‪ ،‬وقد بسطت الكلم على ذلك في الحاشية‪ ،‬وقيل تختص بغير‬
‫الخوارق كإجابة دعاء وموافاة ماء بمحل ل تتوقع فيه المياه‪) ،‬ول نكفر أحدا من أهل القبلة( ببدعته‬
‫كمنكري صفات ال وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة‪) ،‬على المختار( وكفرهم بعض‪،‬‬
‫ورّد بأن إنكار الصفة ليس إنكارا للموصوف أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة كمنكري حدوث‬
‫العالم والبعث والحشر للجسام والعلم بالجزئيات‪ ،‬فل نزاع في كفرهم لنكارهم بعض ما علم‬
‫مجيء الرسول به ضرورة وذكر الخلف من زيادتي‪) .‬ونرى( أي نعتقد )أن عذاب القبر( وهو‬
‫للكافر والفاسق المراد تعذيبه بأن يرّد الروح إلى الجسد أو ما بقي منه حق لخبري الصحيحين‪:‬‬
‫»عذاب القبر حق«‪ ،‬وأنه صلى ال عليه وسّلم مّر على قبرين فقال‪» :‬إنهما ليعذبان«‪) .‬و( أن‬
‫)سؤال الملكين( منكر ونكير للمقبور بعد رّد روحه إليه عن ربه ودينه ونبيه‪ ،‬فيجيبهما بما يوافق ما‬
‫مات عليه من إيمان أو كفر حق لخبر الصحيحين‪» :‬إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه‬
‫أتاه ملكان فيقعدانه فيقولن له ما كنت تقول في‬

‫هذا النبي محمد؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد ال ورسوله‪ ،‬وأما الكافر أو المنافق فيقول‪ :‬ل‬
‫أدري الخ‪ .‬وفي رواية لبي داود وغيره‪ :‬فيقولن له‪ :‬من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث‬
‫فيكم؟ فيقول المؤمن‪ :‬ربي ال وديني السلم والرجل المبعوث رسول ال‪ ،‬ويقول الكافر في الثلث‬
‫ل أدري‪ .‬وفي رواية البيهقي‪ :‬فيأتيه منكر ونكير‪) .‬و( أن )المعاد الجسماني( حق قال تعالى‪) :‬وهو‬
‫الذي يبدأ الخلق ثم يعيده(‪} ،‬كما بدأنا أول خلق نعيده{ وأنكرت الفلسفة إعادة الجسام قالوا‪ :‬وإنما‬
‫تعاد الرواح بمعنى أنها بعد موت البدن تعاد إلى ما كانت عليه من التجّرد متلذذة بالكمال أو متألمة‬
‫بالنقصان‪) .‬وهو(‪ :‬أي المعاد الجسماني )إيجاد( لجزاء الجسم الصلية ولعوارضه )بعد فناء( لها‬
‫)أو جمع بعد تفّرق( لها مع إعادة الرواح إليها فهما قولن‪) .‬والحق التوقف(‪ :‬إذ لم يدل قاطع‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫سمعي على تعين أحدهما‪ ،‬وإن كان كلم الصل يميل إلى تصحيح الول‪ ،‬وصّرح به شارحه‬
‫الجلل المحلي‪ ،‬وقد بسطت الكلم على ذلك في الحاشية‪) .‬و( أن )الحشر( للخلق بأن يجمعهم ال‬
‫للعرض والحساب بعد إحيائهم المسبوق بفنائهم حق ففي الصحيحين أخبار‪» :‬يحشر الناس حفاة‬
‫ق من‬
‫ل« أي‪ :‬غير مختتنين‪) .‬و( أن )الصراط( وهو جسر ممدود على ظهر جهنم أد ّ‬ ‫مشاة عراة غر ً‬
‫ل به أقدام أهل النار حق ففي‬
‫الشعر وأحّد من السيف يمّر عليه جيع الخلئق فيجوزه أهل الجنة وتز ّ‬
‫الصحيحين أخبار‪» :‬يضرب الصراط بين ظهري جهنم ومرور المؤمنين عليه متفاوتين وأنه‬
‫ل به أقدام أهل النار فيها‪) .‬و( أن )الميزان( وهو جسم محسوس ذو لسان وكفتين‬ ‫مزلة«‪ .‬أي تز ّ‬
‫يعرف به مقادير العمال بأن توزن به صحفها أو هي بعد تجسمها‪) .‬حق( لخبر البيهقي‪» :‬يؤتى‬
‫بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان الخ«‪) .‬والجنة والنار مخلوقتان الن(‪ .‬يعني قبل يوم الجزاء‬
‫للنصوص الواردة في ذلك نحو‪) :‬أعّدت للمتقين( )أعدت للكافرين( وقصة آدم وحّواء في إسكانهما‬
‫الجنة وإخراجهما‬

‫منها‪ ،‬وزعم أكثر المعتزلة أنهما يخلقان يوم الجزاء لقوله تعالى‪} :‬تلك الدار الخرة نجعلها للذين ل‬
‫يريدون علّوا في الرض ول فسادا{ قلنا نجعلها بمعنى نعطيها ل بمعنى تخلقها مع أنه يحتمل الحال‬
‫والستمرار‪) .‬ويجب على الناس نصب إمام( يقوم بمصالحهم كسّد الثغور وتجهيز الجيوش وقهر‬
‫المتغلبة والمتلصصة لجماع الصحابة بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسّلم على نصبه حتى جعلوه‬
‫أهم الواجبات‪ ،‬وقّدموه على دفنه صلى ال عليه وسّلم ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك‪.‬‬
‫ل(‪ ،‬فإن نصبه يكفي في الخروج عن عهدة النصب‪ ،‬وقيل ل بل‬ ‫)ولو( كان من ينصب )مفضو ً‬
‫يتعين نصب الفاضل وزعمت الخوارج أنه ل يجب نصب إمام وبعضهم وجوبه عند ظهور الفتن‬
‫دون وقت المن وبعضهم عكسه والمامية وجوبه على ال تعالى‪) .‬ول نجّوز( نحن أيها الشاعرة‪.‬‬
‫)الخروج عليه(‪ :‬أي على المام وجّوزت المعتزلة الخروج على الجائر لنعزاله بالجور عندهم‪.‬‬
‫)ول يجب على ال( تعالى )شيء( لنه خالق الخلق‪ ،‬فكيف يجب لهم عليه شيء‪ ،‬ولنه لو وجب‬
‫عليه شيء لكان لموجب ول موجب غير ال‪ ،‬ول يجوز أن يكون بإيجابه على نفسه لنه غير‬
‫معقول وأما نحو‪} :‬كتب ربكم على نفسه الرحمة{ فليس من باب اليجاب واللزام بل من باب‬
‫التفضل والحسان‪ .‬وقالت المعتزلة‪ :‬يجب عليه أشياء منها الجزاء على الطاعة والعقاب على‬
‫المعصية ومنها اللطف بأن يفعل في عباده ما يقّربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية بحيث ل‬
‫ينتهون إلى حّد اللجاء‪ ،‬ومنها الصلح لهم في الدنيا من حيث الحكمة والتدبير‪.‬‬
‫)‬

‫ونرى( أن نعتقد )أن خير البشر بعد النبياء صلى ال عليهم وسلم أبو بكر( خليفة نبينا )فعمر‬
‫ي( أمراء المؤمنين )رضي ال عنهم( لطباق السلف على خيرتهم عند ال بهذا الترتيب‪،‬‬ ‫فعثمان فعل ّ‬
‫ي‪ ،‬وذكر خيرية الربعة على أمم غير‬ ‫وقالت الشيعة‪ ،‬وكثير من المعتزلة‪ :‬الفضل بعد النبياء عل ّ‬
‫نبينا من زيادتي‪) .‬و( نرى )براءة عائشة(رضي ال عنها من كل ما قذفت به لنزول القرآن ببراءتها‬
‫قال تعالى‪} :‬إن الذين جاءوا بالفك{ اليات‪) .‬ونمسك عما جرى بين الصحابة(‪ :‬من المنازعات‬
‫والمحاربات التي قتل بسببها كثير منهم‪ ،‬فتلك دماء طهر ال منها أيدينا فل نلوث بها ألسنتنا‪ ،‬ولنه‬
‫صلى ال عليه وسّلم مدحهم وحذر عن التكلم فيما جرى بينهم فقال‪» :‬إياكم وما شجر بين أصحابي‪،‬‬
‫فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مّد أحدهم ول نصيفه«‪) .‬ونراهم مأجورين( في ذلك‪ ،‬لنه مبني‬
‫على الجتهاد في مسألة ظنية للمصيب فيها أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطىء أجر على‬
‫اجتهاده كما في خبر الصحيحين‪» :‬إن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله‬
‫أجر«‪) .‬و( نرى )أن أئمة المذاهب( الربعة )وسائر أئمة المسلمين( أي باقيهم )كالسفيانين( الثوري‬
‫وابن عيينة والوزاعي وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري‪) .‬على هدى من ربهم(‪ ،‬في العقائد‬
‫وغيرها ول التفات لمن تكلم فيهم بما هو بريئون منه‪) .‬و( نرى )أن( أبا الحسن )الشعري( وهو‬
‫من ذّرية أب موسى الشعري الصحابي )إمام في السة( أي الطريقة المعتقدة )مقّدم( فيها على غيره‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ول النفات لمن تكلم فيه بما هو برءي منه‪) .‬و(نرى )أن طريق( الشيخ أبي القاسم )الجنيد( سيد‬
‫ل )طريق مقّوم(‪ :‬أي مسّدد لنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض‬‫الصوفية علما وعم ً‬
‫والتبّري من النفس‪ ،‬ومن كلمه الطريق إلى ال تعالى مسدود على خلقه ل على المقتفين‪ ،‬آثار‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسّلم‪ ،‬وكان يتستر بالفقه‪ ،‬ويفتي على مذهب شيخه أبي ثور ول التفات‬

‫لمن رماه وأتباعه بالزندقة عند الخليفة السلطان أبي الفضل جعفر المقتدر‪) .‬ومما ل يضّر جهله( في‬
‫العقيدة بخلف ما قبله في الجملة‪) ،‬وتنفع معرفته( فيها ما يذكر إلى الخاتمة‪ ،‬وهو )الصح أن‬
‫وجود الشيء( في الخارج واجبا كان أو ممكنا‪) .‬عينه(‪ :‬أي ليس زائدا عليه وقيل غيره أي زائدا‬
‫عليه بأن يقوم به من حيث هو أي من غير اعتبار الوجود والعدم وإن لم يخل عنهما وقيل عينه في‬
‫الواجب وغيره في الممكن‪ ،‬وعلى الصح‪) .‬فالمعدوم( الممكن الوجود )ليس( في الخارج )بشيء‬
‫ول ذات ول ثابت(‪ :‬أي ل حقيقة له في الخارج‪ ،‬وإنما يتحقق بوجوده فيه )و( الصح )أنه(‪ :‬أي‬
‫المعدوم المذكور )كذلك(‪ :‬أي ليس في الخارج بشيء ول ذات ول ثابت )على المرجوح(‪ .‬وقالت‬
‫طائفة من المعتزلة‪ :‬إنه شيء أي حقيقة متقّررة‪) .‬و( الصح )أن السم( هو )المسمى(‪ ،‬وقيل غيره‬
‫ل غيرها‪ ،‬والمراد بالول المنقول عن الشعري في اسم ال وعن‬ ‫كما هو المتبادر فلفظ النار مث ً‬
‫غيره مطلقا أن السم المدلول والمسمى في الجامد الذات من حيث هي‪ ،‬وفي المشتق عند الشعري‬
‫الذات باعتبار الصفة وعند غيره هما معا‪ ،‬فالسلم في الجامد عند الشعري وغيره هو المسمى‪،‬‬
‫ل سواه‪ ،‬وفي المشتق عنده غيره إن كان صفة فعل كالخالق ول عينه ول‬ ‫فل يفهم من اسم ال مث ً‬
‫غيره إن كان صفة ذات كالعالم وعند غيره هو المسمى كما في الجامد‪ ،‬ول يخفى أن الخلف فيما‬
‫ذكر لفظي‪) .‬و( الصح )أن أسماء ال توقيفية( أي ل يطلق عليه اسم إل بتوقيف من المشّرع‪.‬‬
‫وقالت المعتزلة‪ :‬ومن وافقهم يجوز أن يطلق عليه السماء الئق معناها به‪ ،‬وإن لم يرد بها الشرع‪.‬‬

‫)و( الصح )أن للمرء أن يقول أنا مؤمن إن شاء ال(‪ :‬وإن اشتمل على التعليق خوفا من سوء‬
‫الخاتمة المجهولة وهو الموت على الكفر والعياذ بال تعالى‪ ،‬ودفعا لتزكية النفس أو تبركا بذكر ال‬
‫تعالى‪ ،‬أو تأّدبا وإحالة للمور على مشيئة ال تعالى‪ ،‬فهو أعم من قوله يقول‪ :‬أنا مؤمن إن شاء ال‬
‫خوفا من سوء الخاتمة‪) .‬ل شكا في الحال( في اليمان‪ ،‬فإنه في الحال متحقق له جازم باستمراره‬
‫عليه إلى الخاتمة التي يرجو حسنها ومنع أبو حنيفة وغيره أن يقول ذلك ليهامه الشك المذكور‪،‬‬
‫ويرّد بأن إيهام الشك ل يقتضي منع ذلك وإنما يقتضي أنه خلف الولى وهو كذلك‪ ،‬إذ الولى‬
‫الجزم كما جزم به السعد التفتازاني كغايره أما إذا قاله شكا في إيمانه فهو كافر‪) .‬و( الصح )أن‬
‫تمتيع الكافر(‪ :‬أي تمتيع ال له بمتاع الدنيا‪) .‬استدراج( من ال له حيث يمتعه مع علمه بإصراره‬
‫على الكفر إلى الموت فهو نقمة عليه يزداد بها عذابه كالعسل المسموم‪ .‬وقالت المعتزلة‪ :‬إنه نعمة‬
‫يترتب عليها الشكر وتعبيري بتمتيع أولى من تعبيره بملذ لسلمته من التجوز في إطلق‬
‫الستدراج على الملذ لنه معنى وهي أعيان‪) ،‬و( الصح )أن المشار إليه بأنا الهيكل المخصوص(‬
‫المشتمل على النفس‪ ،‬لن كل عاقل إذا قيل له ما النسان يشير إلى هذه البنية المخصوصة‪ ،‬ولن‬
‫الخطاب متوجه إليها‪ .‬وقال أكثر المعتزلة وغيرهم هو النفس لنها المدبرة‪ ،‬وقيل مجموع الهيكل‬
‫والنفس كما أن الكلم اسم لمجموع اللفظ والمعنى‪) ،‬و( الصح )أن الجوهر الفرد وهو الجزء الذي‬
‫ل يتجزأ ثابت( في الخارج‪ ،‬وإن لم ير عادة إل بانضمامه إلى غيره ونفاه الحكماء )و( الصح )أنه‬
‫ل‪،‬‬
‫ل حال أي ل واسطة بين الموجود والمعدوم(‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها ثابتة كالعالمية واللونية للسواد مث ً‬
‫وعلى الول ذلك ونحوه من المعدوم‪ ،‬لنه أمر اعتباري والقائل بالثاني عرفها بأنها صفة لموجود ل‬
‫توصف بوجود ول عدم‪ ،‬أي‪ :‬أنها غير موجودة في العيان ول معدومة في‬

‫الذهان‪) .‬و( الصح )أن النسب والضافات أمور اعتبارية( يعتبرها العقل ل وجود لها في الخارج‬
‫كما هو عند أكثر المتكلمين قالوا‪ :‬إل الين فموجود وسموه كونا وجعلوا أنواعه أربعة‪ :‬الحركة‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫والسكون والجتماع والفتراق‪ ،‬وقال أقلهم‪ :‬والحكماء العراض النسبية موجودة في الخارج وهي‬
‫سبعة الين وهو حصول الجسم في المكان والمتى وهو حصول الجسم في الزمان‪ ،‬والوضع وهو‬
‫هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ونسبتها إلى المور الخارجة عنه كالقيام‬
‫والنتكاس والملك وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار ما يحيط به‪ ،‬وينتقل بانتقاله كالتقمص والتعمم‪،‬‬
‫وأن انفعل وهو تأثير الشيء في غيره ما دام يؤثر‪ ،‬وأن ينفعل وهو تأثر الشيء عن غيره ما دام‬
‫يتأثر كحال المسخن ما دام يسخن والمتسخن ما دام يتسخن‪ ،‬والضافة وهي نسبة تعرض للشيء‬
‫بالقياس إلى نسبة أخرى كالبوة والبنوة وهذه السبعة من جملة المقولت العشرة والثلثة الباقية‬
‫الجوهر والكم والكيف وهي معروفة في الكتب الكلمية‪ ،‬وبما تقرر علم أن قولي كغيري‬
‫والضافات من عطف الخاص على العام‪ ،‬وإنما لم أعبر عنها بالنسب لن فيها كلما مر‪ .‬وأحيل‬
‫على ذكرها هنا‪) .‬و( الصح )أن العرض ل يقوم بعرض(‪ :‬وإنما يقوم بالجوهر الفرد أو المركب‪.‬‬
‫أي الجسم كما مر وجوز الحكماء قيامه بالعرض‪ ،‬إل أنه بالخرة تنتهي سلسلة العراض إلى‬
‫جوهر أي‪ :‬جوزوا اختصاص العرض بالعرض اختصاص النعت بالمنعوت كالسرعة والبطء‬
‫للحركة‪ ،‬وعلى الول هما عارضان للجسم وليسا بعرضين زائدين على الحركة‪ ،‬لنها أمر ممتد‬
‫يتخلله سكنات أقل أو أكثر باعتبارها تسمى الحركة سريعة وبطيئة‪.‬‬

‫)و( الصح أن العرض )ل يبقى زمانين( بل ينقضي ويتجّدد مثله بإرادته تعالى في الزمان الثاني‪،‬‬
‫وهكذا على التوالي حتى يتوهم من حيث المشاهدة أنه مستمر باق‪ .‬وقال الحكماء إنه يبقى إل‬
‫الحركة والزمان والصوات‪) .‬و( الصح أن العرض )ل يحل محلين( وإل لمكن حلول الجسم‬
‫الواحد في مكانين في حالة واحدة وهو محال‪ ،‬وقال قدماء الفلسفة‪ :‬القرب ونحوه مما يتعلق‬
‫بطرفين يحل محلين‪ ،‬وعلى الول قرب أحد الطرفين مخالف لقرب الخر بالشخص وإن تشاركا‬
‫في الحقيقة‪) .‬و( الصح )أن( العرضين )المثلين( بأن يكونا من نوع )ل يجتمعان( في محل واحد إذ‬
‫لو قبلهما المحل لقبل الضدين‪ ،‬إذ القابل لشيء ل يخلو عنه أو عن مثله أو عن ضده واللزم باطل‬
‫وجوزت المعتزلة اجتماعهما محتجين بأن الجسم المغموس في الصبغ ليسوّد يعرض له سواد‪ ،‬ثم‬
‫آخر فآخر إلى أن يبلغ غاية السواد بالمكث‪ .‬قلنا‪ :‬عروض السواد آت له ليس على وجه الجتماع بل‬
‫على وجه البدل فيزول الول ويخلفه الثاني‪ ،‬وهكذا بناء على أن العرض ل يبقى زمانين كما مر‪،‬‬
‫)كالضدين(‪ .‬فإنهما ل يجتمعان كالسواد والبياض ل كالبياض والخضرة لنهما ليسا في غاية‬
‫الخلف )بخلف الخلفين(‪ ،‬وهما أعم من الضدين فإنهما يجتمعان كالسواد والحلوة‪ ،‬وفي كل من‬
‫القسام يجوز ارتفاع الشيئين نعم يمتنع في ضّدين ل ثالث لهما‪) .‬والنقيضان ل يجتمعان ول‬
‫يرتفعان(‪ :‬كالقيام وعدمه‪ ،‬ودليل الحصر فيما ذكر أن المعلومين إن أمكن اجتماعهما فالخلفان‬
‫والفان لم يمكن ارتفاعهما فالنقيضان أو الضدان اللذان ل ثالث لهما‪ ،‬وإل فإن اختلفت حقيقتهما‬
‫فالضدان اللذان لهما ثالث وإل فالمثلن‪ ،‬وفائدته أنه ل يخرج عن الربعة شيء إل ما تفرد ال به‬
‫ل‪.‬‬
‫لنه تعالى ليس ضّدا لشيء ول نقيضا ول خلفا ول مث ً‬

‫)و( الصح )أن أحد طرفي الممكن( وهما الوجود والعدم )ليس أولى به( من الخر‪ ،‬بل هما بالنظر‬
‫إلى ذاته جوهرا كان أو عرضا على السواء‪ ،‬وقيل العدم أولى به مطلقا لنه أسهل وقوعا في‬
‫الوجود لتحققه بانتفاء شيء من أجزاء العلة التامة للوجود المفتقر في تحققه إلى تحقق جميعها‪ ،‬وقيل‬
‫أولى به في العراض السيالة كالحركة والزمان والصوت دون غيرها وقيل الوجود أولى به عند‬
‫وجود العلة وانتفاء الشرط لوجود العلة وإن لم يوجد هو لنتفاء الشرط‪) .‬و( الصح )أن( الممكن‬
‫)الباقي محتاج( في بقائه‪) ،‬إلى مؤثر(‪ ،‬كما يحتاج إليه في ابتداء وجوده‪ ،‬وقيل ل كما ل يحتاج بقاء‬
‫البناء بعد بنائه إلى فاعل‪) .‬سواء( على الول )قلنا إن علة احتياج الثر(‪ :‬أي الممكن في وجوده‬
‫)إلى المؤثر(‪ :‬أي العلة التي لحظها العقل في ذلك‪) ،‬المكان(‪ :‬أي استواء الطرفين بالنظر إلى‬
‫الذات( )أو الحدوث(‪ :‬أي الخروج من العدم إلى الوجود‪) ،‬أو هما( على أنهما )جزآ علة أو المكان‬
‫بشرط الحدوث( وهي )أقوال(‪ :‬فيحتاج الممكن في بقائه إلى مؤثر على الول‪ ،‬لن المكان ل ينفك‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫عنه‪ ،‬وعلى جميع بقيتها‪ ،‬لن شرط بقاء الجوهر العرض والعرض ل يبقى زمانين فيحتاج في كل‬
‫زمان إلى المؤثر‪) .‬و( الصح )أن المكان( الذي ل خفاء في أن الجسم ينتقل عنه‪ ،‬وإليه ويسكن فيه‬
‫فيلقيه بالمماسة أو النفوذ كما سيأتي معناه اصطلحا‪) .‬بعد مفروض(‪ :‬أي مقدر )ينفذ فيه بعد‬
‫الجسم وهو(‪ :‬أي هذا البعد‪) .‬الخلء والخلء جائز عندنا والمراد به كون الجسمين ل يتماسان ول(‬
‫يكون )بينهما ما يماسهما(‪ ،‬فهذا الكون الجائز هو الخلء الذي هو معنى البعد المفروض الذي هو‬
‫معنى المكان فيكون خاليا عن الشاغل‪ ،‬وقيل المكان السطح الباطن للحاوي المماس للسطح الظاهر‬
‫من المحوى كالسطح الباطن للكوز المماس للسطح الظاهر من الماء الكائن فيه‪ ،‬وقيل هو بعد‬
‫موجود ينفذ فيه بعد الجسم بحيث ينطبق عليه‪ ،‬وخرج بقيد النفوذ فيه بعد الجسم‪ ،‬والترجيح من‬
‫زيادتي‪،‬‬

‫وعلى ما رجحته جمهور المتكلمين والقولن بعده للحكماء أّولهما لرسطو وأتباعه‪ ،‬وعليه بعض‬
‫المتكلمين‪ ،‬وثانيهما لشيخه أفلطون وأتباعه‪ ،‬وخرج بزيادتي عند الحكماء فمنعوا الخلء أي‪ :‬خلّو‬
‫المكان بمعناه عندهم عن الشاغل إل بعض قائلي الثاني فجوزوه‪ ،‬واحتج مجوزه بأنه لو لم يكن في‬
‫العالم خلء‪ ،‬بل كان العالم كله مل لزم من تحرك بقة تدافع العالم بأسره وهو باطل‪ ،‬واحتج مانعه‬
‫ب الماء لمزاحمة الهواء له حتى‬
‫ب في إناء مشبك أعله‪ ،‬فإن الهواء يخرج عند ص ّ‬ ‫بأن الماء إذا ص ّ‬
‫يسمع لهما صوت عند تزاحمهما‪ ،‬أما معنى المكان لغة‪ ،‬فقال ابن جني‪ :‬ما حاصله ما وجد فيه‬
‫سكون أو حركة‪.‬‬

‫)و( الصح )أن الزمان( معناه اصطلحا )مقارنة متجّدد موهوم لمتجدد معلوم( إزالة للبهام من‬
‫الول بمقارنته للثاني كما في آتيك عند طلوع الشمس‪ ،‬وقيل‪ :‬هو جوهر ليس بجسم ول جسماني‪،.‬‬
‫أي‪ :‬داخل في الجسم فهو قائم بنفسه مجرد عن المادة‪ ،‬وقيل فلك معّدل النهار وهو جسم سميت‬
‫دائرته أي منطقة البروج منه بمعدل النهار لتعادل الليل والنهار في جميع البقاع عند كون الشمس‬
‫عليها‪ ،‬وقيل عرض فقيل حركة معدل النهار‪ ،‬وقيل مقدارها‪ ،‬والقول الصح قول المتكلمين‬
‫والقوال بعده للحكماء‪ ،‬أما معناه لغة فالمدة من ليل أو نهار‪) .‬ويمتنع تداخل الجواهر(‪ :‬هو أعم من‬
‫قوله تداخل الجسام أي دخول بعضها في بعض على وجه النفوذ فيه من غير زيادة في الحجم لما‬
‫فيه من مساواة الكل للجزء في العظم‪) .‬و( يمتنع )خلّو الجوهر( مفردا كان أو مركبا )عن كل‬
‫العراض( بأن ل يقوم به واحد منها بل يجب أن يقوم به عند وجوده شيء منها لنه ل يوجد بدون‬
‫التشخص والتشخص‪ ،‬إنما هو بالعراض )والجسم غير مركب منها(‪ :‬لنه يقوم بنفسه بخلفها‪.‬‬
‫)وأبعاده(‪ :‬أي الجسم من طول وعرض وعمق )متناهية(‪ :‬أي لها حدود تنتهي إليها وزعم بعضهم‬
‫أن لها حدودا ل نهاية لها‪ ،‬وتعبيري بالجسم أولى من تعبيره بالجوهر‪) ،‬والمعلول يعقب علته رتبة(‬
‫اتفاقا‪.‬‬

‫)والصح( ما قاله الكثر وصححه النووي في أصل الروضة )أنه يقارنها زمانا( عقلية كانت‬
‫كحركة المفتاح بحركة اليد أو وضعية بوضع الشارع أو غيره كقولك لعبدك‪ :‬إن دخلت الدار فأنت‬
‫حّر‪ ،‬وكقول النحاة الفاعلية علة للرفع‪ ،‬وقيل يعقبها مطلقا‪ ،‬واختاره الصل تبعا لوالده‪ ،‬لنه لو قال‬
‫لغير موطوءة‪ :‬إذا طلقتك فأنت طالق‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬أنت طالق وقعت المنجزة دون المعلقة فلو قارن‬
‫المعلول علته لوقعت المعلقة أيضا‪ ،‬وقد يرّد بأن عدم وقوعها لتقدم المنجزة رتبة فلم يكن المحل‬
‫ل للطلق‪ ،‬وقيل يعقبها إن كانت وضعية ل عقلية‪) .‬و( الصح )أن اللذة( الدنيوية من حيث تعيين‬ ‫قاب ً‬
‫مسماها‪ ،‬وإن كانت في نفسها بديهية‪) .‬ارتياح(‪ :‬أي نشاط للنفس‪) .‬عند إدراك( لما يلئم الرتياح‪.‬‬
‫)فالدراك ملزومها(‪ :‬أي ملزم اللذة ل نفسها‪ ،‬وقيل هي الخلص من اللم بأن تدفعه‪ ،‬ورّد بأنه قد‬
‫يلتذ بشيء من غير سبق ألم بضده كمن وقف على مسألة علم أو كنز مال فجأة ومن غير خطورهما‬
‫بالبال وألم الشوق إليهما‪ ،‬وقيل هي إدراك الملئم فإدراك الحلوة لذة تدرك بالذائقة‪ ،‬وإدراك الجمال‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫لذة تدرك بالباصرة‪ ،‬وإدراك حسن الصوت لذة تدرك بالسامعة‪ .‬وقال المام الرازي‪ :‬هي في‬
‫الحقيقة ما يحصل بإدراك المعارف العقلية‪ .‬قال‪ :‬وما يتوهم من لذة حسية كقضاء شهوتي البطن‬
‫والفرج أو خيالية كحب الستعلء والرياسة فهو في الحقيقة دفع آلم بلذة الكل والشرب والجماع‬
‫ي لوعيته‪ ،‬ولذة الستعلء والرياسة دفع ألم القهر والغلبة‪.‬‬
‫دفع ألم الجوع والعطش ودغدغة المن ّ‬
‫)ويقابلها(‪ :‬أي اللذة )اللم( فهو على الول انقباض عند إدراك ما ل يلئم‪ ،‬وعلى الثاني ما يحصل‬
‫ما يؤلم‪ ،‬وعلى الثالث إدراك غير الملئم‪ ،‬وعلى الرابع ما يحصل عند عدم إدراك المعارف‪) .‬وما‬
‫تصّوره العقل إما واجب أو ممتنع أو ممكن(‪ :‬لن ذات المتصّور إما أن تقتضي وجوده في الخارج‬
‫أو عدمه أو ل تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة‪ ،‬ويعدم أخرى‪ .‬والول الواجب‪ ،‬والثاني‬

‫الممتنع‪ ،‬والثالث الممكن‪ ،‬وكل منهما ل ينقلب إلى غيره لن مقتضى الذات لزم لها ل يعقل انفكاكه‬
‫عنها‪.‬‬

‫خاتمة‪ :‬فيما يذكر من مبادىء التصّوف‬


‫وهو تجريد القلب ل واحتقار ما سواه أي‪ :‬بالنسبة إلى عظمته تعالى‪ ،‬ويقال ترك الختيار‪ ،‬ويقال‬
‫الجد في السلوك إلى ملك الملوك‪ ،‬ويقال غير ذلك كما هو مذكور في شرحي لرسالة المام العارف‬
‫بال تعالى أبي القاسم القشيري‪ ،‬وكل منها ناظر إلى مقام قائله بحسب ما غلب عليه‪ ،‬فرآه الركن‬
‫العظم فاقتصر عليه كما في خبر‪» :‬الحج عرفة«‪ .‬ولما كان مرجح التصّوف عمل القلب‬
‫س العمل فقلت‪:‬‬
‫والجوارح افتتحت كالصل بأ ّ‬

‫)أّول الواجبات المعرفة( أي معرفة ال تعالى‪) .‬في الصح(‪ ،‬لنها مبنى سائر الواجبات‪ ،‬إذ ل يصح‬
‫بدونها واجب‪ ،‬بل ول مندوب‪ ،‬وقيل أّولهاالنظر المؤدي إلى المعرفة لنه مقدمتها‪ ،‬وقيل أّولها أول‬
‫النظر لتوقف النظر على أّول أجزائه‪ ،‬وقيل أولها القصد إلى النظر لتوقف النظر على قصده‪ ،‬والكل‬
‫صحيح‪ ،‬ورجح الول لن المعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة‪) .‬ومن عرف ربه(‬
‫بما يعرف به من صفاته )تصّور تبعيده( لعبده بإضلله )وتقريبه( له بهدايته‪) ،‬فخاف( من تبعيده‬
‫عقابه )ورجا( بتقريبه ثوابه‪) ،‬فأصغى( حينئذ )إلى المر والنهي( منه تعالى‪) ،‬فارتكب( مأموره‪.‬‬
‫)واجتنب( منهيه )فأحبه( حينئذ )موله فكان(‪ ،‬موله )سمعه وبصره ويده واتخذه وليا إن سأله‬
‫ي بالنوافل‬‫أعطاه وإن استعاذ به أعاذه(‪ :‬هذا مأخوذ من خبر البخاري‪» :‬وما يزال عبدي يتقّرب إل ّ‬
‫حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪،‬‬
‫ورجله التي يمشي بها‪ ،‬وإن سألني أعطيته‪ ،‬وإن استعاذ بي لعيذنه«‪ .‬والمراد أنه تعالى يتولى‬
‫محبوبه في جميع أحواله فحركاته وسكناته به تعالى‪ ،‬كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له يتوليان جيع‬
‫ي الهمة( بطلبه العلّو‬
‫أحواله‪ ،‬فل يأكل إل بيد أحدهما ول يمشي إل برجله إلى غير ذلك‪) .‬وعل ّ‬
‫لخروي )يرفع نفسه( بالمجاهدة )عن سفساف المور( أي دنيئها من الخلق المذمومة كالكبر‬ ‫اُ‬
‫والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الحتمال‪) .‬إلى معاليها( من الخلق المحمودة‬
‫كالتواضع والصبر وسلمة الباطن والزهد وحسن الخلق وكثرة الحتمال‪ ،‬وهذا مأخوذ من خبر‬
‫البيهقي والطبراني‪» :‬إن ال يحب معالي المور ويكره سفسافها«‪) .‬ودنيء الهمة(‪ :‬بأن ل يرفع‬
‫نفسه بالمجاهدة عن سفساف المور‪) ،‬ل يبالي( بما تدعوه نفسه إليه من المهلكات‪) ،‬فيجهل( أمر‬
‫ي الهمة ودنيئها‪) ،‬صلحا( لك‬ ‫دينه )ويمرق من الدين فدونك( أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عل ّ‬
‫بعملك الصالح )أو‬

‫فسادا( لك بعملك السيىء‪.‬أو سعادة( لك برضا اصلى ال عليه وسّلم عليك بإخلصك‪.‬‬

‫)واعرض( على نفسك )التوبة( حيث ذكرت الموت وخفت مقت ربك وذكرت سعة رحمته لتتوب‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫ل منه تعالى‪) .‬وهي الندم( على الذنب من حيث إنه ذنب‪ ،‬فالندم‬ ‫عما فعلت فتقبل ويعفى عنك فض ً‬
‫على شرب الخمر لضراره بالبدن ليس بتوبة‪ ،‬ول يجب استدامة الندم كل وقت‪ ،‬بل يكفي‬
‫استصحابه حكما بأن ل يقع ما ينافيه‪) .‬وتتحقق( التوبة )بالقلع( عن الذنب )وعزم أن ل يعود(‬
‫إليه )وتدارك ما يمكن تداركه( من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكين مستحقه من‬
‫المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرئه منه‪ ،‬فإن لم يمكن تداركه كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط‬
‫هذا الشرط كما يسقط في توبة ذنب ل ينشأ عنه حق الدمي‪ ،‬وكذا يسقط القلع في توبة ذنب بعد‬
‫الفراغ منه كشرب خمر‪ ،‬فالمراد بتحقق التوبة بهذه الشروط أنها ل تخرج فيما تتحقق به عنها ل أنه‬
‫ل بد منها في كل توبة‪) .‬والصح صحتها(‪ :‬أي التوبة )عن ذنب ولو نقضت( بأن عاود التائب ذنبا‬
‫تاب منه فهذه المعاودة ل تبطل التوبة السابقة‪ ،‬بل هي ذنب آخر يوجب التوبة‪ ،‬وقيل ل تصح التوبة‬
‫السابقة )أو( كانت التوبة )مع الصرار على( ذنب )كبير(‪ ،‬وقيل ل تصح )و( الصح )وجوبها‬
‫عن( ذنب )صغير(‪ ،‬وقيل ل تجب لتكفيره باجتناب الكبائر‪ ،‬قال تعالى‪} :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون‬
‫عنه نكفر عنكم سيئاتكم{‪.‬‬

‫)وإن شككت في الخاطر أمأمور( به )أم منهي( عنه )فأمسك( عنه حذرا من الوقوع في المنهى‬
‫عنه‪) .‬ففي متوضىء يشك( في )أن ما يغسله( غسلة )ثالثة( فتكون مأمورا بها‪) .‬أو رابعة( فتكون‬
‫منهيا عنها‪) .‬قيل( أي قال الشيخ أبو محمد الجويني‪) .‬ل يغسل( خوف الوقوع في المنهي عنه‪،‬‬
‫والصح أنه يغسل لن التثليث مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى بها‪) .‬وكل واقع( في‬
‫الوجود ومنه الخاطر وفعله وتركه كائن‪) .‬بقدرة ال وإرادته فهو( تعالى )خالق كسب العبد(‪ :‬أي‬
‫فعله الذي هو كاسبه ل خالقه بأن )قّدر( ال )له قدرة(‪ :‬هي استطاعته )تصلح للكسب ل لليجاد(‪،‬‬
‫بخلف قدرة ال فإنها لليجاد ل للكسب‪) ،‬فال( تعالى )خالق ل مكتسب والعبد بعكسه(‪ :‬أي مكتسب‬
‫ل خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه ال عقب قصده له‪ ،‬وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا‬
‫له مخلوقا ل توسط بين قول المعتزلة‪ :‬إن العبد خالق لفعله لنه يثاب ويعاقب عليه‪ ،‬وقول الجبرية‬
‫ل‪ ،‬وهو آلة محضة كالسكين بيد القاطع‪ ،‬وقد يقع في كلم بعض العارفين ما‬ ‫إنه ل فعل للعبد أص ً‬
‫يوهم الخبر من نفيهم الختيار‪ ،‬والفعل عن أنفسهم‪ ،‬ومرادهم عدم الملحظة لذلك لستغراقهم في‬
‫النظر إلى ما منه تعالى ل إلى ما منهم‪.‬‬

‫)والصح أن قدرته(‪ :‬أي العبد وهي صفة يخلقها ال عقب قصد الفعل بعد سلمة السباب واللت‪.‬‬
‫)مع الفعل(‪ ،‬لنها عرض فل تتقدم عليه وإل لزم وقوعه بل قدرة لمتناع بقاء العراض‪ ،‬وقيل‬
‫قبله لن التكليف قبله فلو لم تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجز‪ ،‬ورّد بأن صحة التكليف تعتمد القدرة‬
‫بمعنى سلمة السباب واللت ل بالمعنى السابق‪ ،‬وهذا من زيادتي‪ .‬وإذا كان العبد مكتسبا ل خالقا‬
‫لكون قدرته للكسب ل لليجاد وكانت قدرته مع الفعل‪) ،‬فـ(ـنقول )هي(‪ :‬أي القدرة من العبد‪) .‬ل‬
‫تصلح للضدين(‪ :‬أي التعلق بهما‪ ،‬وإنما تصلح للتعلق بأحدهما وهو ما يقصده العبد‪ ،‬إذ لو صلحت‬
‫للتعلق بهما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة المتعلقة‪ ،‬بل قالوا‪ :‬إن القدرة الواحدة ل تتعلق‬
‫بمقدورين مطلقا سواء أكانا متضادين أم متماثلين أم مختلفين ل معا ول على البدل‪ ،‬والقول بأنها‬
‫ل عن تعلقها بالخر‪ ،‬وبالعكس إنما يستقيم تفريعه‬ ‫تصلح للتعلق بالضدين على البدل فتتعلق بهذا بد ً‬
‫على أنها قبل الفعل ل معه الذي الكلم فيه‪ ،‬أما على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة ال‬
‫تعالى‪ ،‬فتوجد قبل الفعل وتصلح للتعلق بالضدين على البدل ل على الجمع لن القدرة إنما تتعلق‬
‫بالممكن واجتماع الضدين ممتنع‪.‬‬

‫)و( الصح )أن العجز( من العبد )صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين(‪ .‬وقيل‪ :‬هو عدم القدرة‬
‫عما من شأنه القدرة فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما أن المر كذلك على القول‪ ،‬بأن العبد‬
‫خالق لفعله‪ ،‬فعلى الول في الزمن معنى ل يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫غاية الوصول في شرح لب الصول‬

‫التمكن من الفعل‪ ،‬وعلى الثاني ل بل الزمن ليس بقادر والممنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق‬
‫جري العادة‪) .‬و( الصح )أن التفضيل بين التوكل والكتساب يختلف باختلف الناس(‪ :‬فمن يكون‬
‫في توكله ل يتسخط عند ضيق الرزق عليه‪ ،‬ول يتطلع لسؤال أحد من الخلق‪ ،‬فالتوكل في حقه‬
‫أفضل لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس‪ ،‬ومن يكون في توكله بخلف ما ذكر‪ ،‬فالكتساب في‬
‫حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع‪ ،‬وقيل الفضل التوكل‪ ،‬وهو هنا الكف عن الكتساب‬
‫والعراض عن السباب اعتمادا للقلب على ال تعالى‪ ،‬وقيل الفضل الكتساب وإذا اختلف‬
‫التفضيل بينهما باختلف الناس‪) ،‬فإرادة التجريد( عما يشغل عن ال تعالى‪) .‬مع داعية السباب(‬
‫من ال في مريد ذلك )شهوة خفية( من المريد‪) ،‬وسلوك السباب( الشاغلة عن ال )مع داعية‬
‫التجريد( من ال في سالك ذلك‪) .‬انحطاط( له )عن الرتبة العلية( إلى الرتبة الدنية‪ ،‬فالصلح لمن‬
‫قدر ال فيه داعية السباب سلوكها دون التجريد ولمن قدر ال فيه داعية التجريد سلوكه دون‬
‫السباب‪) .‬وقد يأتي الشيطان( للنسان )باطراح جانب ال تعالى في صورة السباب أو بالكسل في‬
‫صورة التوكل(‪ ،‬كيدا منه‪ ،‬كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له‪ :‬أصلح من تركه له إلى متى‬
‫تترك السباب‪ ،‬ألم تعلم أن تركها يطمع القلوب لما في أيدي الناس‪ ،‬فاسلكها لتسلم من ذلك‪ ،‬وينتظر‬
‫غيرك منك ما كنت تنتظره من غيرك ويقول لسالك السباب الذي سلوكه لها‪ :‬أصلح من تركه لها‬
‫لو تركتها وسلكت التجريد‪ ،‬فتوكلت على ال لصفا قلبك‪ ،‬وأتاك ما يكفيك من عند ال فاتركها‬
‫ليحصل لك ذلك‪ .‬فيؤّدي تركها الذي هو‬

‫غير أصلح له إلى الطلب من الخلق والهتمام بالرزق‪.‬‬

‫)والموفق يبحث عنهما(‪ :‬أي عن هذين المرين اللذين يأتي بهما الشيطان في صورة غيرهما لعله‬
‫أن يسلم منهما‪) ،‬ويعلم( مع بحثه عنهما‪) ،‬أنه ل يكون إل ما يريد( ال كونه أي‪ :‬وجوده منهما أو‬
‫من غيرهما‪.‬‬
‫ب الصول‪) ،‬بحمد ال وعونه جعلنا ال به(‪ ،‬لما أملناه من كثرة النتفاع به‪،‬‬ ‫)وقد تّم الكتاب( أي ل ّ‬
‫)مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصّديقين{‪ :‬أي أفاضل أصحاب النبيين لمبالغتهم في الصدق‬
‫والتصديق‪) ،‬والشهداء(‪ :‬أي القتلى في سبيل ال‪) ،‬والصالحين( غير من ذكر‪) ،‬وحسن أولئك رفيقا(‪:‬‬
‫أي رفقاء في الجنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم‪ ،‬وإن كان مقرهم في‬
‫درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم‪ ،‬ومن فضل ال تعالى على غيرهم أنه قد رزق الرضا بحاله‪،‬‬
‫وذهب عنه اعتقاد أنه مفضول انتفاء للحسرة في الجنة التي تختلف المراتب فيها على قدر العمال‪،‬‬
‫وعلى قدر فضل ال على من يشاء من عباده‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كلما‬
‫ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون‪.‬‬

You might also like