Professional Documents
Culture Documents
كتاب
العمة
يكربا يوم الوقفة ،يفتح عليها أبواب التذكر والني ،والوحدة الطويلة ،رغم ذلك ،تاول أن
تطرد التكدر من وجهها ،تاف أن تلحظ دواجنها توترها وقلقها فتحرص علي أن تعل يدها ثابتة
يوقظها أذان الفجر وصوت الراديو الفتوح علي إذاعة القرآن الكري ،تشعل نار الوقد ،تستند
علي عكازها وتطو إل حوش الدار لتأتي بالاء ،تضعه فوق النار ،تذهب وتعود بإناء آخر،
تأخذ جزءا من الاء الذي صار دافئا ،تروح ناحية الزريبة وتفتح الباب لدواجنها الت تندفع
تدخل الزريبة تقضي حاجتها وتعود ،لتفرد الصلية، متصاية حولا،ترمي الصباح :صباح الي.
علي طرفها تلس وتشرع بالوضوء ،متمهلة تبدأ ،وبس صوف متبتل تقطر الاء فوق أعضائها،
وفمها يتمتم بالدعية ،تبدأ بالراحلي ،جدتا ،والديها ،زوجها ،ث إخوتا الرجال ،ث تثن
بأولدها ،وتثلث أخيا بنفسها ،تسأل العلي القدير ،أن يهبها حسن الاتة ،وعدم الاجة وأل
.تصبح عطل
علي عكازها تستند كي تقف لداء الصلة ،ما أن تفرغ يكون الاء الذي فوق النار قد غلى،
وفراخها وحامها يفرد أجنحته يتاقص حولا يستحثها كي تسرع ف تهيز وجبته الصباحية
الساخنة ،تلط الردة ببواقي العيش الناشف و الغلة:القمح أو الذرة البيضاء .وبواقي طبيخ
المس ،تضع كل ذلك ف إناء فخاري كبي ،وتصب عليه الاء وتأخذ ف تقليبه وهي تش دواجنها كي
تنتظر قليل ،وهي تتقافز حولا ،تقوم الشاحنات الصغية بي الفراخ والمام ،تنهيه هي
بقيامها وحلها الناء الفخاري ،وتسي باتاه الوش ،تسبقها الدواجن إليه ،حيث تط الناء علي
الرض وتنثر بعضا من الغلة حوله ،ث تنقل رجلها بعيدا عن الصراع الصباحي الدائر حول
الناعس تت سطوة الفجر الفاتنة، الناء ،تشي باتاه باب البيت ،تفتحه وتطو إل الشارع
لكن أذنا تلتقط من الراديو صوت التلبية ،ترتعش يدها القابضة علي العكاز ،تعود إل داخل
البيت ،وذلك النقباض يعاودها ،وفمها يردد التلبية بصوت خفيض ،لكنه كاف كي يعل العارك
الدائرة حول الناء الفخاري تتوقف ،حالا تنتبه إل سكون دواجنها ،تصمت وتتحرك بتثاقل
تردد بتبتل هادئ من فوق مصليتها مع الدير التدفق للتلبية من مليي الفواه الواقفة فوق
اللهم لبيك)) .لكن ما العمل والعمر يضي دون مقدرة ،ودون أمل واضح التواقة (( :لبيك
ف تقيق هذا اللم ف يوم من اليام ،حي عرض أولدها أن تبيع قطعة الرض الت تتلكها ،و
يكملوا هم الباقي ،كي تسافر وتقضي الفريضة ،أجابت بسم :ل ..وهم الذين يعرفون تصلب
أمهم ل يعاودوا العرض ،تقول ف نفسها :وماذا تفعل حتة الرض الصغية ،والت أعيش منها الن،
يد أبي وإخوتي الرجال وزوجي وهم وعرقهم ،كيف أبيعه ؟ إن جزءا من هناك ،يظل شاهدا علي
ذكر المام الذي لظ تايل جسد العمة مع ارتفاع صوتا النغم تقدم حت وقف عند أقدامها ،وهدل
متقدما نوه ،علي بصوت خفيض جعل باقي المام يتك ما يلتقطه من حبوب ويهدل ردا عليه،
حواف الصلية يقف المام ،وهو يهدل موافقا بي صوته وصوت العمة الت تردد التلبية بوجد صوف
بالغ الصفاء ،يتمايل جسدها وعيناها مغمضتان ،كأنا تلق ف ساء المى ،يرفرف حولا المام
واضحا ،بأذنيها ،متجاوبا مع هدير الجيج ،صوتا ضائع وسط هذه الصوات ويهدل،تسمع صوته
الت تتصاعد ف السماء ،ترقها النشوة ،تزغرد بصدرها ،تعل الدمع يطرف من عينيها ،ساخنا،
يكوي أخاديد الوجه التبتل ،تنبسط التجاعيد وتنفرد سامة للدمع بالتحدر إل ذقنها الذي
يرتف بشدة وبفة بالغة ما يعل التلبية تتحشرج ف صدرها بفعل البكاء ،تنفتح عيناها ،لتي
من خلل غبش دموعها ،حامها واقفا حول حواف الصلية يهدل كأنه ف جوقة بصوت ناعم ورقيق،
برك حول قدميها متكوما فوق بعضه ،دون ضغينة ول مشاحنات ،وهي الت الدجاج من خلفه
من عينيها ،عندئذ غادر المام والدجاج مرابضه من حولا وجري عائدا إل وجبته الصباحية وقد
تشرق الشمس معلنة عن صباح خريفي شديد الوضوح ،السماء صافية و إن كانت سحب رمادية خفيفة
ل تنظر إليها السيدة وهي تظلل عينيها اللتي ما يزال أثر الدمع وهناك، متناثرة هنا،
بما ،تقول :شس الوقفة ،شس عرفات ،تشرق بدون حرارة ،صفراء ،ضوء دون حرارة ،ليحم ال
ترفع يديها بالدعاء ،وهي تواجه الشمس :يا رب .تتمتم قليل ،ث تفض يديها،،تستند علي
عكازها وتروح ناحية الباب ،تفتحه وتعود،هكذا عادتا كل صباح ،عند شروق الشمس تفتح الباب
وتتكه مفتوحا حت انتصاف النهار،تلس ف ظله ترقب الشارع ،تتبادل حديثا خفيفا مع
العابرين ،تستعلم فيه عن أحوالم ويطمئنون علي أحوالا ،بعضهم قد يدخل ليشرب من زيرها
يلسن معها قليل يثرثرن لوقت قليل ث يذهب .النصوب بوار الباب ،بعض النساء
وهي قاعدة بعد أن فتحت الباب ،تذكرت أن الولد عيد – جارها -ل ير عليها حت الن ،قالت:
تناولت حزمة البسيم من فوق السرير الريد الوضوع بوش البيت ،الذي تنام فوقه بعد صلة
العشاء ف الليال الصائفة قبل أن تنتقل قبل الفجر إل سريرها ،أخذت حزمة البسيم تت
إبطها ،وبالعكاز دفعت باب الزريبة ،اندفعت نوها النعجة الوحيدة والعجوز أيضا الت
تربيها هي ووليدها الروف ،دخلت وردت الباب وراءها،ألقت البسيم إليها وجلست ترقبها
.بدوء
منذ زمن بعيد ،ل تدرى الن طوله ،والنعجة عندها ،هي وحدها فقط ،ف كل عام تلد خروفا،
تذبه العمة يوم عيد الضحى ،هذا العام ل تبل نعجتها ،وهذا أقلقها كثيا ،هل أصبحت عجوزا
هي الخرى؟ تساءلت ،أيكون رحها قد أفرغ كل خرافه؟ كل عام والنعجة تأتي بوليد واحد فقط،
غالبا ما يكون ذكرا ،خروفا ،وف معظم الحيان تضعه ف اليام الول من شهر ذي الجة ،ويظل
يلقح أمه ،ويكون جاهزا للذبح يوم العيد ،مرة الوليد معها يكب حت يستوي خروفا عفيا،
واحدة تأخر وضعها إل ثاني أيام العيد ،ف يوم العيد حي أخذ الروف منها للذبح ،ظلت
الت خبت الل والزن،قالت يومها: النعجة تصرخ طوال اليوم وصامت عن الكل والشرب ،والسيدة
لو أن حياتنا تر دون أل أو حزن .يومها ابتهلت للرحن أن يرحم نعجتها ول يعل ولدتا تتأخر
الن ها هو آخر خروف تضعه نعجتها العجوز،كيف ستتحمل فراقه ف الغد ،تساءلت السيدة،ث
أضافت :و العيد القادم ،من أين آتي له بروف ،وتلك عادة ل يكن أن أقطعها،هل أبيع نعجت
الت تربت معي وغذتن بلبنها ،نعجت .وقبل أن تستسل دهها خاطر :وهل سأكون موجودة ف العيد
القادم ؟
ما أن خطت خارجها حت هاجها ضجيج قدي ،كأنا انبعث بدوء قامت وخرجت من الزريبة،
فجأة ،سعت الصوات تتدد بتداخل بأرجاء البيت الوسيع الذي ل تستعمل -الن -إل جزءا قليل
باسها ،والدتا ،إخوتا الرجال ،صهيل اليل ف منه ،أصوات :والدها ،وجدتا فاطمة ،الت سيت
مرابطها ،عراك أمها مع الدجاج والبط والمام ،صوت القهوة فوق راكية النار أمام جدتا ،هس
الدة لوالدها ،صوتا وهي صغية تري متقافزة بي أرجل الميع ضحكاتا ورغباتا الابة ،صوتا
مندهشة توقفت ،تتلفت حولا ،تاول تبي الركن الذي تنبعث منه الصوات ،تدور حول نفسها،
والصوات تدور حولا :بعد غد سأجري با ،انتظر قليل ،نيق حار ،ماء يدلق علي الرض ،أذهب إل
عمك ،دعك من هذه اللعونة ،نقار بي ذكور البط ،صوت ريح خفيفة تر ،أهل يا مصطفي ،القهوة
تغلي فوق النار ،من يقدر علي منازلت ،خذ القمح واذهب إل الطاحون ،صوت ارتشاف القهوة،
قل لا أن تلم نفسها ،رفرفة أجنحة المام ،مواء قطة ،ملبس تلع ،ال يدبر الحوال ،خذ الهرة
كي تميها ،نباح كلب ،ملعون أبوك ،أنت السبب ،الريح ترك جريد النخلة ،كيفما أصبحت يا
جدة ،أخاف علي هذه البنية ،هدوم ترتدي ،جذع النخلة يتمايل ،بي يا مصطفي ،كيف أبوك ،هي
كم كان العمر وقتها ؟ تساءلت السيدة وهي تدور حول نفسها ،ل تستطع أن تمن الكان الذي -
تنفجر الصوات منه؛ ل تكن لديها إجابة حاسة ،أو حت دقيقة حول مسألة العمر هذه ،ربا كانت
ف بداية طريقها لتصبح فتاة ،تذكر أن خراط البنات كان يغامر كي يزورها ليل ،ليجعل جسدها
يستدير ،كما تقول جدتا حي تأخذها ف حضنها :بالليل عندما تنامي ،يأتي خراط البنات،
متلصصا ،يرقب إخوتك الرجال ،ولا تأخذهم الغفلة ،يدخل إليك ،تكوني نائمة ،يعمل يديه ف
تبتسم الن لصوت جدتا الت كانت تنام بوارها؛ مد الصوات بدأ يفت ،حركت رأسها كي تلحق به،
دلتها أذنا علي مكمنه الذي يتصاعد منه ،من عند النخلة حيث كانت تلس جدتا ،وبوارها
والدها ،ويدها تقلب جر الراكية ،تسوي القهوة الصباحية ،الت يتناولا الميع ،وبعد أن
تقدمت نو النخلة ،البعيدة ،والقائمة ف سرة البيت ،البيت الكبي ،الذي صار خاليا إل
.منها
حي وصلت إل النخلة ،كان التعب قد هدها تاما ،فالسافة بعيدة ،وهي ل تطها منذ وقت طويل،
جلست ف الظل مستندة علي جذع النخلة ،بالكاد بصرها الضعيف يستطيع تيز باب البيت الفتوح،
هي الن وسط البيت ،الذي ل تسكن إل ف الزء المامي منه ،بسبة بسيطة ترى أن استخدامها
للبيت يتناسب عكسيا مع معدل عمرها ،ف البداية،حي كانت صغية ،البيت كله تدوسه بقدمها:
من حجرتا مع جدتا ،إل حجرة والدها ووالدتا إل حجرات إخوتا الرجال ،إل زرائب البهائم
والدواجن وأبراج المام وإسطبل اليل و النخلة وحجرات الزين ،ومندرة الضيوف ،كل ذلك
حي كبت ،بدأت ف الستئذان ،ف البداية حجرة والديها ث إخوتا ،كان كلما يتقدم الزمن ويشتد
عودها ،تقل الماكن الباحة لتواجدها ف أي وقت كما كانت تفعل حي كانت صغية ،ث تزوج إخوتا
الرجال ،وتزوجت هي ،وصار البيت أضيق كثيا ،وجاء أولدها ،ورحل الميع وتركوها وحيدة داخل
هذا البيت الذي تلس الن ف سرته ،تت النخلة ،ول تتذكر مت كانت آخر مرة جلست فيها بوار
.النخل
تقول وهي تتنهد :لكل ابن آدم بر يعبه ،وطريق يطوه .لكن ما تعجب له ،وهو ما يدث لا كثيا
ف الونة الخية ،هو هبوب الصوات حولا دون سابق تهيد ،كأنا ذاكرتا تعاندها ،حي تاول
تذكر أشياء بعينها ل تساعدها الذاكرة ،بل تتنكر لا ،وتتكها ف عماء الية والتخبط وتدفع
بذكريات أخري ،ل تريدها ،لتجد روحها مشوشة ،مضطربة ،فما يدث يناقض طريقتها ف الياة ،
طوال عمرها وهي تاول جاهدة أن تلك خياراتا ،تلك طرقها الت تطوها ،كما كانت تقبض علي
ف بطن أعنة الهرة حي تري ف السباق ،تقول :اللجام ف يدي ،و بدكة من الركاب بقدمي
الهرة ،أصل إل ناية السباق ف الوقت الذي أريد ،لكن الن ،وذاكرتا تلعبها وتتكها عرضة
تقول :ما يقهرني هو الزمن ..الزمن ..لكن ل أريد الل ،يكفين ما جربته منه ،فقط يا ربي
.لو تضي الياة بل حزن ،بل أل ،بل ذاكرة حرون ،وزمن قاس ل يرحم ،يسم البدن بعلماته
مدت يدها تتحسس جذع النخلة ،النخلة عمة البشر ،كما كانت تقول جدتا ،تاول أن تقارن
الشونة الت تسها الن بكفها والشونة القدية ،حي كان كفها صغيا وهي تصعد متسلقة الذع،
وإخوتا الرجال،البعض يشجعها ،والخر ينهرها ،وأمها تنظر لا وهي تطو ف وسع البيت ،تأمرها
بالنزول ،لكن الدة تقول :اتركيها .تز الم رأسها وتضي ف طريقها ،سألت جدتا :من زرع
والحساس ،لكن بذاكرتا تطفو أشياء بعيدة ،تظن أنا قد نسيتها ،أو توارت ف ظل مشاغل الياة
منذ فتة حي بدأت تنتبه للعيب ذاكرتا ،أولت اهتمامها إل مثانتها ،فحرصا منها علي طهرها
التام وقت الصلة ،ما أن تقف فوق سجادة الصلة بعد أن تفرغ من وضوئها حت تسرع بلع
سروالا ،فمادامت ذاكرتا تلعبها ،فما يدريها أن مثانتها ل تغافلها ،وتنزل ولو نقاطا
قليلة من البول ل تد لا أثرا بسروالا ،مع تكرار اللع ،صارت عادة ،هكذا ضحكت ف سرها من
رفعت يديها بالدعاء :يا رب هبن القوة والقدرة ...وقبل أن تكمل لت زوال
ً تراءى لا داخل
ً
.من الباب ،ووصل إل سعها صوت نسوي ينادي عليها :يا عمـــــة
إنا عزيزة زوجة عيد ،جارتا،هي الت دائما تناديها هكذا ،تبدأ عند الباب يا عمة ث ما أن
وقدمها تبحث عن موضع تتخطى عتبة الدار حت ترفع صوتا للمرة الثانية :يا حاجة فاطمة.
السيدة ،والت غالبا ف الفتة الخية تكون متفية ف أحد أركان الدار الوسيع ،قالت لا مرة
بعد أن تعبت من البحث عنها :ل أدرى يا ابنت ما الذي يدفعن إل التجول داخل حجرات البيت
لجد نفسي ف واحد من أركان البيت ،عما أبث ،ل أعرف .الهجورة ،لكنه هاجس يطن برأسي فجأة
.أهل يا عزيزة-
جلست عزيزة بوارها ف ظل النخلة الفروش فوق الشائش القصية النابتة بكثافة وتوحش كأنا
تريد السيطرة علي أرضية البيت ،فالشائش بعد أن فردت سلطانا علي الرض ف مناطق كثية منها
خاصة التابية بدأت التوسع ف ملكتها ،ومدت ظل سلطانا إل الوائط ،وبدأت ف التسلق والنبات
.وأنت بي-
.ردت العمة وهي تداري ارتاف يدها ،وقالت قبل أن تلحظ عزيزة :تقرصن يدي من أول النهار
وعزيزة الت لظت الرتاف ،ل يفوتا التلميح ،وعلقت بشرود وهي تتابع زوجا من السحال يسي
وأرادت أن تكمل،غي أنا توقفت لا رأت فأرا صغيا يطل برأسه من أحد الحور ،فغيت الوضوع
.يوم الوقفة ؟ وعزيزة الت رأت تلكؤ العمة قالت مشجعة :عادة ،وربنا ما يقطعها
منذ سنوات وعزيزة تأتي ف وقفة العيدين :الفطر والضحى ،ويوم ستة وعشرين رجب ،وعاشورا،
تأخذ الدقيق تبزه للعمة؛ كعكا وقرصا تقوم العمة بتوزيعها على الطفال حي يضرون إليها،
خاصة ف جلسات ما بعد صلة العشاء ،حيث تقص بعض الكايات القدية لم ،والطفال يعرفون
فيأتون ليأخذوا الكعك ويستمعون إل الكايات الت ربا يكونوا قد سعوها قبل ذلك أو ف مرات
سابقة ،لكنهم ف كل مرة يدون فيها لذة جديدة ،تعادل لذة الكعك الذي ترص العمة على عجنه
.بالسكر لا كانت قادرة و عفية ،وأوصت به عزيزة حي كفت يدها عن العجن والبيز
تقول العمة :الطفال هم أحق بذا الكعك ،لن أرواحهم طاهرة .كأرواح موتاها الذين توزع
الكعك صدقة علي أرواحهم ،موتاها كما تذكر دائما :جدتا ،والدها ،والدتا ،إخوتا الثلثة،
أبدا ل تذهب إل القابر ،ل تقم بزيارة واحدة لا ،كانت تودع النعش عند الباب الكبي
عزيزة الت حيها عدم خروج العمة إل القابر مع النساء ،ظلت فتة متهيبة أن تسألا ،إل أن
تاسرت مرة وسألت ،أجابتها العمة بدوء بالغ :أرواح الوتى ،يا ابنت ،ل تعيش ف القابر،
.إنا تأتي إل بيتها الذي اعتادته ،أما السد ،التاب ،فيبقى هناك للتاب
قامت العمة ،وأخرجت الدقيق والسكر وأعطته لعزيزة ،وسارت معها حت الباب الارجي،
للمرأتي ،عند الباب وقبل أن تغادر عزيزة ،سألتها العمة :في الولد عيد ؟
… قالت عزيزة وهي تعدل من حل الدقيق فوق ذراعيها :منذ أن خرج إل صلة الفجر ل يعد و
قاطعتها العمة كي تنهي وقفتها أمام الباب :الغايب حجته معاه .وقفلت راجعة وهي تش
.دواجنها أمامها
عيد هذا الذي تسميه ولدا ،تطى الربعي من عمره ،ف عمر ابنها البكري الراحل ،تمعهما
قرابة بعيدة ،نشأ ف دارها ،بي أولدها الذين فرقتهم الدنيا وأخذتم إل أطرافها التباعدة،
وهي الن ل تمل ضغينة لي منهم ،فقط ف بعض الحيان يقهرها الجر والتك ،تنزوي ف ركن من
مكتوم ،لكنها أبدا ل تسمح للنسوة اللتي يأتي للثرثرة معها بذم أطفالا ووصفهم بالعقوق
وعدم العطف على والدتم ،كانت ترس هواجس الكلم بلوقهن بزم حي تقول :نن عبنا بورنا،
منزل عيد ماور لنزلا كما هو الن ،يأتي لا عقب صلة الفجر يطمئن عليها ويتناول معها قهوة
ً فوق
الصباح الت ورثت صناعتها من جدتا ،تبه عما تتاج ،يأتيها مرة ثانية قبل الغروب حامل
ذراعه بعضا من البسيم أو أعواد الذرة ،أو الشائش لنعجتها وخروفها ،الرة الثالثة بعد
صلة العشاء وتكون هناك زوجته عزيزة وأطفاله وبعضا من نساء الية وأطفالن حيث تارس
بدأ عيد ينتبه إل أن حكاياتا تتلط ببعضها أو تغي منها ،ف البداية تدخل كي يعدل من
يا عمة ،ما كشف قاسم للربعي حرامي الكايات ويعيد السيدة إل درب الكاية الصحيح ،يقول:
ضحكت حت بان الناب التبقي ف فمها :وأنت يا ولد ما أدراك ،أنت صغي حت تعرف أن
.الائف ل يعطس ،بل يرج ريا عفنة ،نتنة ،كرائحة كلمك الذي ل تدرك معناه ول تسن مارجه
ينطلق الاضرون ف ضحك قاس يرجه؛ فيلم لسانه الاهز بالرد ،لنه يعرف سلطة لسانا خاصة ساعة
الكي ،وقدرتا العالية على السخرية ،حت من أبطال الكايات ذاتم ،حت عندما تلط وتكي عن
وقائع من حياتا ،ل تسلم شخصيتها من النتقاد اللذع ،لظتها يطلب من عزيزة زوجته أن تعد
الجر والوزة كي يدخن ،قبل أن تلحق به العمة ف الجر الثاني ،لنا ساعتها تعرف أنا آذته،
فتلملم أذيال حكايتها سريعا ،وتذهب للجلوس بواره ،تأخذ منه مبسم الوزة وهي تقول :زعلت
.يا ولد
ل يرد ،وعزيزة تقوم تأخذ أطفالا وتتبعها باقي النساء وأطفالن ،ليخلوا الكان والو لما،
يشربان الجر الثالث ،دون كلمة واحدة ،فقط يتبادلن البسم بود ومعرفة قدية ،وعندما
.ينتهي ،تقول له :تصبح على خي ،ل تتأخر على عزيزة ،هيا قم
من يومها ول يعد يتدخل ف حكاياتا ،لكنه ف كل مرة يتنامي داخله الحساس بأن الكايات تلعب
معها ،وتتقافز إل ذهنها كيف تشاء ،وأن قدرة العمة على إيقاف هذه اللعاب وردعها باتت
جالسة الن فوق سريرها بصالة البيت ،ترقب الضحى الذي بدأ ف العلن عن نفسه من خلل هبة
نسيم دافئة ،دواجنها تناومت تت السرير بوار قدميها التدليتي ،والراديو ما يزال يصدح
بالتلبية الهية النطلقة من قلوب الجيج فوق عرفات ،قالت :أيام العيد ،هي موسم حصادك يا
.عيد
إذا كان عيد يفلح القراريط العدودة الت ورثها بالضافة إل قراريط العمة ،فهو فنان،
...خطاط ،رسام ،نقاش ،ورث هذه الهنة عن أبيه الذي ورثها أيضا عن أبيه الذي
يذهب الناس إل الج أو العمرة أو يتزوجون ،أو يبنون دورا جديدة ،فيذهبون إل عيد
الذي يضر الي البيض ويلطه بزهرة زرقاء ،يعلها خفيفة ،ويدهن الوائط البلطة بالطي ،يعل
صبيانه يقومون بذا العمل ،أما هو فدوره قادم بعد أن يف الي ،يكون قد أعد صفائح اللوان،
والقلم الت يضرها من جريد النخل ،يأخذ الريدة ويقسمها إل قطع متساوية ،ث يقشر هذه
القطع ليظهر قلب الريدة البيض ،بطواة حادة يبي القلب ،أحيانا يعله كفرشاة ،ث يضعها لدة
ً بقدمة البيت،
ليلة كاملة ف ماء ملح ،ف الصباح التال تكون جاهزة للستعمال ،يبدأ أول
تديدا فوق الباب ،يكتب على الائط الذي صار لونه أبيض بزرقة خفيفة ،بسم ال الرحن
الرحيم ،يكتبها بط يصه هو ،ل ياريه فيه أحد ،ول تذكره الطوط العربية وأنواعها الختلفة،
كان يعطي الحرف فخامة وهيبة ،تعلك تس برعشة إجلل وأنت تنظر إليها ،حي سأله أحد طلب
الفنون من أين تأتي بذه الطوط ؟ كان ييب ببساطة واعتياد :وال يا ابن ل أعرف ،هكذا أراه
بعد أن يفرغ من الواجهة الت يكون قد كتب عليها أيضا اسم صاحب الدار والناسبة الت
تطلى فيها ،وكتب على الوانب بعضا من اليات القرآنية والحاديث النبوية الدالة على
الناسبة ،وأيضا يا داخل هذا الدار ،صلي على النب الختار ،وغيها من العبارات الت غالبا
ما ينوع ف الطوط الت يستخدمها مع كل عبارة ،ما أن يفرغ تاما من الكتابة حت ينزل من فوق
السقالة ،يسند ظهره إل الدار القابل يتسي الشاي مع حجر الوزة وهو يتأمل خطوطه؛ ويقيس
ويدد بعينيه الماكن الت سوف يقوم بتنفيذ رسومه فيها ،مرة ثانية يعود إل صفائح ألوانه،
وينقل السقالة إل الماكن الت حددها ،ث يبدأ بالرسم ،حسب طبيعة الناسبة أيضا لكن هناك
.رسوم دائما يكررها ،كاليل التسابقة ،ألعاب التحطيب ،بعض النخيل والراكب والورود
ف الونة الخية ،ظهر بعض النافسي الذين يقومون بأعمال الدهان والي والكتابة والرسم
بطوط وألوان رديئة ،لكنهم أكثر جرأة منه ف تلوينهم داخل النازل ،خاصة حجر النوم إذا
.كانت تعد لستقبال عروسي؛ ث الهم من ذلك رخص أسعارهم بالقارنة معه
لذا صار عمله موقوفا على الرسم والكتابة فوق حوائط الذاهبي إل الج والعمرة ،حيث ل
يقدر أن يقارن به أحد ،لدرجة أن بعض الجيج و العتمرين ،يعتبون أن حجهم أو عمرتم ناقص
الكاية القدية تقول أن جد عيد الكبي والذي كان اسه عيد أيضا لا كان صغيا ،أرسله
والده ليساعد الشيخ حسن التبي ويتعلم منه النقش على الحجار ،حيث يقوم الشيخ بكتابة
شواهد الوتى ،ووضعها فوق قبورهم ،وكان الشيخ فظا غليظا؛ ف يوم لح عيد منتحيا بوار
السبيل الذي يلصق القابر وبيده الزميل ،وبي قدميه حجر ،يرب النقش عليه ،فما كان من
الشيخ إل أن خطف الزميل من يد الصب وكسر الجر وانال على الصب ضربا ولعنا ،حت سالت دماء
الصب الذي ل يتمل ،ففر هاربا من قبضة الشيخ ،قاطعا القابر إل الهة الخرى حيث النهر
ف غمرة بكائه ل يشعر إل ويد تط على كتفه ،كانت يد سيدنا الضر ،والت مسحت دمع
الولد ،وقال له :ل تزن .وغرف من ماء النهر وسقى الصب ،ث قال له :إذا كان الشيخ يكتب
للموات ،سأجعلك تكتب وترسم للحياء .الصب الذي ل يفهم بانت على ملمه الدهشة والستغراب
أخذ سيدنا الضر كف الصب بي يديه ،ث قبض على إصبعه الشاهد الين ،وجلس وأجلس الصب
بوار الاء ،وخط خطوطا ورسوما وأحرفا فوق الاء ،رآها الصب تتجسد أمام عينيه ،كأنا تكتب
فوق لوح ،ث نفخ سيدنا الضر ف وجه الصب وصدره وقال له اذهب .لكن عيد قبل أن يذهب سأل
سيدنا الضر أن يعلها وراثة ف نسله ،فضحك سيدنا الضر وقال :أنت طماع يا عيد ،لكنها
أفاقت السيدة من توياتا على صوت خبطات على الباب ،وقفت لتى من الطارق الذي يتقدم
- .كل سنة وأنت طيبة يا عمة والعام القادم على جبل عرفات
يأتي لينظف الساحة إنه الاج أحد مؤذن الامع الذي ل تراه إل من العيد للعيد،
سلم وجلس بوارها على السرير مستعلما عن صحتها وأحوالا وهي تيب بلفظة واحدة:
المد ل .قام وراح للزير وشرب وهي قامت لتعد له الشاي لكنه رفض قائل :سأشربه بعد العصر
اته ناحية الباب ليخرج ،وهي تددت فوق سريرها ،وقالت :نسيت أن أسأله عن الولد
.عيد
ذكر البناء* فصل ف
كانت التجارة زاهية ،واليام تقبل ضاحكة ف وجه الد الشكاك ،الوسوس بقدرة العي
على فلق الجر ،ف تلك اليام البعيدة كان الد خارجا من زواج توج بمسة بطون ،كلها ذكور،
وزوجته حامل ف البطن السادس ،وعياله يرون معه ف تارته ،وهو ف حاجة للمزيد من الرجال،
هاجت قافلته العائدة من السودان ،جاعة من اللصوص و استطاعت أن تنهب الكثي من البل
والعبيد ،و رغم حرص الرحال على دفع مكوس الطريق إل العربان ونقط الماية النتشرة على
إل أن اللصوص هاجوا القافلة .درب الربعي الصحراوي ،وإرسال العيون ف الطريق للستطلع،
كان دائم التعديل ف خطط سي القافلة ،فأتاه يقي داخلي بأن أحد رجاله أو مموعة منهم
تونه ،ل يستطع أن يذر من هم ؟ ،كان هه الساسي ،ف تلك اللحظة ،بطبيعة الال ،إنقاذ أكب
.قدر من القافلة
كانت خبته بطرق الصحراء وطبائع الرجال عالية ،فأدرك منذ البداية أن ولء الرجال صعب
الصول عليه ،مهما كانت الغريات ،فالال ،مثل ،دائما ما يوجد من يدفع أكثر ،واللصوص
كان طموحه تكوين مموعة قوية مأمونة يربطها الدم قبل أن تدعمها الصال التجارية ،غي
الرجال وبدلم أكثر من مرة ،لكن خوفه وشكه الدائم ل يتبدل ،كان يتمن أن يزرع طريق
شركائه بالتجارة ،بفكرته الت مؤداها الكثار من إناب الطفال ،الذكور ،كان ل يعي الناث
التفاتا ،كان يقول :هن خلقن للبيوت ،وجرنا إل لظة راحة ناعسة .لذلك عندما وضعت زوجته
.البطن السادسة ،وكانت أنثى ،قرر بسرعة وحسم :بالزواج مرة أخرى
ليانه بقدرة العي الاسدة والكارهة ،قرر أن يبن بيته بعيدا عن القرية ،عند أطرافها،
عند مدخلها من ناحية الصحراء ،حيث يكنه الولوج والروج إل الصحراء بعيدا عن أعي القرية
الت ل تفعل شيئا ،حسب نظرته ،سوى عد الداخل والارج من العبيد والبل والتعليق الساخر
ً وعاد معه عصبة من البناءين ،أراهم الساحة الراد البناء عليها ،قسمها لم ،قال:
ذهب شال
هنا الواجهة ،أريدها عالية وقوية ،عصية على الختاق ،تشبه بناء العابد ،على الجناب غرف
ل يستطيع الروج منها بسهولة إل بصحبة العارف بطريق كثية ،بعضها متداخل ،من يدخلها
الروج من متاهتها؛ الوائط عالية ،متينة وقوية ،تقوم ف أساساتا على الجر البيض والسود
الذي جاء من البل القائم خلف البيت ،بعد نوض الوائط ،أكمل البناء بالطوب اللب ،كي ينح
البيت رطوبة دائمة ف أشهر الصيف ،ودفئا خلل أيام البد ،جاء بذوع النخل الفرودة والصلبة
وأشجار السنط والكافور والثل كي يعرش عليها سقيفة البيت من جريد النخل ،بعدها جاء
فوق سطح البيت جعل نقط حراسة مفية ل يكن للناظر من خارج البيت أن يراها ،ف خلفية
النزل بن الزرائب وقسمها إل ثلثة أنواع :واحدة للذكور ،والثانية للماء ،والثالثة للبل.
وزودها ف الركان بالسلسل الديدية ،حيث يتم ربط العبيد بالسلسل ،خوفا من هربم ،وكذلك
سنوات .لكن الميع يتفق على أنه حي انتقل إل هذه الدار ،كانت النخلة الت زرعها قبل أن
يشرع ف البناء بقليل وجعلها مركز البيت ،كانت قد أتت أكلها ،وأسقطت بلحا ،ل تر القرية
.مثله ،إذ يقال أن نواتا ،كما روج هو ،قد أخذها من جنوب السودان عند منابع النيل تديدا
للضيوف ،صالة واسعة ،ملحق با حجرتان وعلى طرفها الخر يقوم كنيف ،وحجرة صغية ،تستخدم ف
إعداد القهوة للضيوف بينهما باب صغي يأخذ إل داخل البيت ،حيث يأتي الطعام والشراب من
الداخل؛ ف أزمنة تالية ،أغلق الدخل الستقل ،ووسع الباب الصغي ،وصار الكان دار إقامة
للجدة فاطمة الول ،ومنه ورثته فاطمة الثانية حيث تزوجت فيه وأنبت أطفالا الذين غادروها
تباعا ،وخل البيت إل منها ،ومن دواجنها ونعجتها والروف الذين يتلن الن حجرتى الضيوف،
وهي تستخدم حجرة القهوة السابقة لنومها ،وذلك لقربا من الكنيف ،وتبقى الصالة جيدة
ف الوقت الذي ت النتهاء فيه من واجهة النزل ،كانت حكاية عيد وتعلمه الرسم والنقش على
الوائط من سيدنا الضر بادية ف النتشار ،لكنها ل تتب ،اختبارا جديا ،إذ ل يقم عيد بنقش
أي من الوائط حت الن ،ف نفس الوقت أطلق الشيخ حسن التبي سخريته القاسية من عيد ،الذي
يطلق عليه حتة العيل ،لكونه صغيا ،قال :ل يبق أمام سيدنا الضر إل العيال ،وال زمن أغب
وصلت الكاية إل آذان الد الكب ،أتى بعيد ،وقال له :هذه هي الواجهة أريد أن أرى ما
تعلمته يدك من اليد الباركة ،تركه واقفا أمام الوائط يتأملها برهبة وخوف من الفشل الذي
قد يصيبه ،فيدمر حياته كلها .ليت أمي ل تب أحدا ،هذا ما ردده داخله ،فبعد الذي حدث
بينه وبي الرجل الطيب عند ضفة النهر جرى عائدا ،مرتعدا إل أمه الت دثرته ،ومن خلل
ارتافه علمت با جري له ،قالت له :أنه سيدنا الضر .وبدأت الكاية تأخذ طريقها إل اللسن
.والنتشار
أفاق عيد علي الد الكب واقفا بواره وهو يشي إل براميل الي واللوان :هيا يا بطل ،أرنا
.سأل عيد :كل الوائط ..أجابه الد الكب :كل الوائط ،حت اللفيات وداخل الغرف
يقول بعض الناس ،أن العمل استمر سنوات وف هذه الثناء ،ولبعد البيت عن القرية ،ولحتياج
عيد إل الوقت ،بن عشة صغية جوار البيت الكبي ،ولا احتاج إل الزواج بن البيت الذي يسكن
تي عيد ،من أين أبدأ ؟ وقف طويل ،كان عمال الطلء ،يرشون الي علي الوائط ،وهو يأكله
التوتر ،ل يعرف من أين يبدأ ،ول كيف ،يقف ف اللء القابل لواجهة النزل عاقدا يديه خلف
ظهره ،يروح ويأتي دون الوصول إل قرار؛ فأمه بقصها ما جرى فوق النهر ل تعل له فرصة
للتعلم علي يد أحد ،عليه أن يبدأ بنفسه ،مازفا ،ليكتسب أسه ثقل الكاية الت وراءه ،حاول
.كثيا ف الليال الول أن يرن يده ويدربا فوق ألواح الردواز إل إنا كانت تفشل فشل ذريعا
كان يقف أمام الائط ملجما ،مرتبكا ،فحياته كلها واقعة رهن الختبار؛ لا طال تردده
ووقوفه أمام الائط ،ناداه الد الكب وأجلسه بواره تت النخلة ف سرة البيت .قال :الوف
ضروري لناح أي عمل ،ولكن التدد قاتل .سكت الد ،وعيد ل يد بداخله ردا يقوله ،فأكمل الد:
كانت الليلة قمرية حي حل عيد دلء اللوان ،وفرشاته الت صنعها من قلب جريدة أخذها من نلة
البيت ،أعتلي السقالة الواجهة للباب ،قال :بالليل أفضل من عيون التنطعي الت ترصدني
.طوال النهار .وبدأ بالكتابة :بسم ال الرحن الرحيم .ورسم حولا أهلة ونوم
ل يندهش حي وجد يده تري بالكتابة واللوان فوق صفحة الائط ،كان يقول :عند الصباح لا يري
ظل معلقا فوق السقالة حت الفجر ،موعد قيام البناءين لستئناف أعمالم ،نزل من السقالة،
وراح إل بيتهم ونام ،ول يعد إل بعد العصر؛ كانت الائط قد تشربت اللوان ،والشمس جففتها،
والناس واقفون للفرجة علي ما أبدعت يده ،بينهم الشيخ التبي ،الذي ل يعلق ،وتسلل مبتعدا
.باتاه القابر
كان ما خطته يده بعد الكتابة ،اسم الد الكب علي الواجهة ،تيط به أساء الربعة القطاب،
وف أحد الوانب رسم نلة أصلها ثابت ،ورأسها تقارب السماء ،وحولا طيور ،وف ركن آخر خطط
وجد الدهشة والعجاب تطل من أعي الناس ،تدل عليها كلماتم وههماتم ،ووصل إل سعه صوت الد
وعيد الذي حركه الكلم ،قال: وهو يضع يده فوق كتفه :أبدا ل أراهن علي الواد الاسر.
ولكن كيف تعرف ؟ ابتسم الد الكب ابتسامة صافية ،ورفع يده مسد با ليته الت يالطها بياض
.واضح ،وهو ينظر له نظرة عميقة الغور ،دون أن يعلق ،وسارا باتاه البيت
استفاقت من غفوة الضحى علي نقرات خفيفة فوق الباب يتابعها زياط العيال وربابة ير وترها
قالت :عوض ال .بعلمة رائعة ،قادرة علي النطق دون غناء،
اعتدلت فوق السرير ،التقطت العكاز وهشت بغضب خفيف دواجنها التكأكئة حول السرير ،وخطت
باتاه الباب ،كان عوض ال ،الغن الشعب الوال قد نزل من فوق حارته وراح يقيد أرجلها ،وقف
معتدل هاشا لوجوه الطفال الذين يتابعونه منذ لظة دخوله إل البلد ،من شارع إل شارع ،ومن
حارة إل زقاق ،دائما خلفه ،يتسمعون لكلماته وأنغام ربابته ،قد يفوزون ف بعض الوقات
بقدر من اللوى أو البلح الت يقدمها أصحاب البيوت إل عوض ال الذي يقف يغن متدحا أهل
الدار ،ذاكرا مآثرهم القدية الت تناقلت إليه من أفواه أسلفه الغني الذين جابوا الدروب
.قبله
كانت له مطات أساسية يتوقف فيها ليأكل لقمة ،أو يطعم الدابة الت تشاركه جولته ف القرى
والنجوع أو ليشرب شايا أو حجرا من العسل ،حت هذه الطات ورث التوقف فيها من أسلفه ،كان
أهل الطات تلك يرحبون به ويقدمون الطلوب منهم ،دون سؤال منه ودون لاجة منهم ،وكأنم
جيعا ينفذون بنود عهد غي مكتوب ولكنه مفوظ ف الصدور ،يتناقله الصغي من الكبي وهذا
يتوقف عوض ال ليشرب شايا وأحيانا يضاف إليه أحد هذه الطات الرئيسية ،هو بيت السيدة،
حجر من العسل ،علي أن يعود بعد صلة العشاء ،ليتعشى ،يتسلطن ،حت يبدأ توافد الرجال
والشباب من أهل القرية ،يلتفون حوله ،وهو العارف بم ،ير قوس ربابته فوق الوتر بادئا
بالصلة علي النب ،معرجا بديح خاص لهل البيت ذاكرا أسائهم ،ث يتوقف ،ويهرش قليل ف رأسه
كأنا يبحث عن النغمة الديدة الصحيحة لذه الليلة ،حي ينزل يده من رأسه ،تكون عمامته قد
تدلت ،أصابعه فوق سبيب الربابة ليلتقط النغمة الساسية الت يريدها ،سرعان ما يدها،
ويأخذه الوجد إل حضرته ،كما درويش ف قلب أوراده ،عيونه مغلقة ،جسده وحواسه ،وربابته
وصوته ،تصي كلها كيانا واحدا ،وحده الغناء يتصاعد منه ،يتفجر من طاقة ،تشع النور ول
الرجال حوله يهللون ،يستزيدونه ،يطلبون أغان ومواقف يسمونا ،وهو يلب ،يعرج من حكاية إل
أخري ،من أغنية إل موقف ،إل حكمة ،إل تطريب يأخذ باللباب ،يتوقف قليل ليلتقط أنفاسه،
يفتح عينيه الغمضتي كأنا يعود من أماكن بعيدة ،أماكن الكايات والغنيات ،يببش برموشه حت
.يستطيع أن يرى خلل أضواء الكلوب الذي يني الساحة الداخلية للبيت ،والعلق بذع النخلة
خلف الرجال ،ف البعيد قليل ،يري أطياف النساء بلبسهن السوداء ،ملتفات بينهن السيدة
صاحبة البيت ،يغمض عينيه قبل أن يلحظه الرجال ،الذين يقبلون علي تيته بالسجائر
والنقود ،ول مانع من قطع الكيف :الشيش أو الفيون .أثناء توقفه القصي ،وهو يتلقى كل هذا
ببسمة رضا غامرة تتاح روحه ،وتبه القوة كي يستكمل ليلته الت ل ينهيها إل أذان الفجر
الن وهو يضع رأس حارته العجوز ف قلب الخلة اللى بالغلة وقطع البز الناشف ،يتحسر علي
غامض حي رأي وجه السيدة وسع نبة صوتا ،أجاب بتدد ويده الت فرغت من إحكام ربط الخلة علي
رأس الدابة ظلت مفرودة ف الواء ،تاول القبض علي شئ ل تعرف كنهه :أهل بالعمة أخت
وهي الت رأت نظرته ،وتعلق عينيه بوجهها ،استدارت عائدة إل البيت قائلة :سأعد لك الفطار
.والشاي
لوحت بيدها وتتمت بكلمات ،ل يتبينها ،وإن فهم وقعها ،استدار ليواجه الطفال الذين أصابم
الصمت منذ لظة ظهور العمة فوق عتبة الباب ،ل يستطع أن يبتسم لم ،أخذ ربابته ف حضنه،
وجلس مقرفصا ف ظل الائط ،ودون كلمة أيضا أشعل سيجارة وراح يتص دخانا ويطلقه ف زفرات
قوية ،كان توتره واضحا؛ عينه الت حاول الطفال استطلعها ،كانت تنظر لداخل البيت ،حيث
النخلة الت يرجح الواء جريدها ،استنكر الطفال فعله ،فجروا إل الساحة أمام البيت،
الضغينة ،و ليس الكره ،ما تتلكه ضد عوض ال ،تفكر الن ف ضغينتها نوه ،وهي تشعل الوقد
لتعد له ولا القهوة الت اعتاد أن يتسيها كلما جاء به الطريق إل بيتها ،كانت تقول وما
تزال تؤمن بأن لكل ابن آدم دفة ف رأسه يديرها بكيفه ،وقدرته ،وفهمه لصاله واحتياجاته،
لكنها ف نفس الوقت تؤكد علي أننا ف لظات كثية نكون غافلي عن أشياء بداخلنا أو حولنا،
ويأتي آخرون ليكشفوا عنها أو يساعدونا علي رؤيتها ،يتم هذا ،ف أحيان كثية ،دون قصد
.منهم
ف هذه النقطة تديدا يقبع عوض ال ،الذي تتهمه ف سريرتا بأنه السبب وراء فقدانا لبنها
.البكري :سعيد .والذي تعلق بسخرية مريرة عليه :بأنه ل يأخذ من الدنيا غي اسه
كان طفلها البكري الصغي ،ولوعا بالشاعر ،ما أن يعلم بقدومه إل القرية ،حت يظل ف أثره
طوال النهار ،ل يعود إل البيت إل عندما يأتي الشاعر بعد صلة العشاء ،ويظل مرابضا بواره
إل أن يصمت عند أذان الفجر ،حي يستيقظ ف الصباح يسأل عن الشاعر ،وحي يعلم برحيله،
يأخذه الزن إل المود ،فيظل مرابضا بالبيت لعدة أيام ،بعدها ينطلق ف الشوارع مقلدا
.للشاعر مرددا أغانيه ،حاولت وأبوه ردعه كثيا ،لكن جوحه أبدا ل يرتدع
حي كب أخذه التعليم قليل ،لكنه مارس اختفاءاته التعددة ،يعود بعدها ،منهكا ،مهدودا،
دائما يارس هوايته ف التخفي؛ ف كل لتأخذه الروب والسياسية و التغرب ف بلد ال الواسعة،
تراه ،لكنه يعاود الظهور مرة أخري ،ف البداية حي كان مرة كانت تعتقد بأنا آخر مرة
صغيا كان وجود إخوته الصغار يلهيها قليل ،ويضعف قلقها نوه بالقدر الذي تنغمس فيه
بالهتمام بشئون أطفالا حت كبوا ،وفارقوها ،واحدا إثر واحد ،ف كل مرة يظهر ليؤكد لا
كلماته ،ف مرات كثية حاول أن يوضح لا ،يشرح غموض ما يقول ،ليأخذها إل ل تفهم كثيا
التباسات أشد ،فتلجأ إل علجاتا الشعبية الت توارثتها وخباتا الستمدة من جدتا ،لكنها
تبوء كلها بالفشل ،كان يوافقها ف أحيان كثية ويضع إل علجها ،كي ل يرحها ،وكان يقابلها
بالرفض ف الوقات الخرى ،كانت تب النساء حي يلتففن حولا :ليس الطأ ف العلج أو طريقتها ف
أبدا ل تكره عوض ال ،ول تقفل باب البيت ف وجهه ،فهي تنفذ بنود التفاق غي العلن الذي
حرص أهل البيت عليه منذ إقامة هذا البناء ،لكن خشيتها من قدرته علي الفهم وأفكاره
ونظرته للحياة الت يبثها ف غنائه ،خاصة ف مواويله وتعلق ابنها با ،لدرجة جعلته يفظ
أغلبها ،ويرددها كثيا ،مستشهدا با ف مواقف كثية من حياته ،أو تسمعها منه حي يستلقي فوق
سريره بالليل ،فيصيبه أرق ،ينغمها مرددا بصوت خفيض ،ف اللحظة تس بالل الذي يعتصره،
تنزل من سريرها ،وتذهب إليه ،لكن ههمته تصمت ،ويتصنع النوم ،كل هذا هو ما حرك ضغينتها
ف تلك الليال البعيدة ،الثقيلة الوطء علي قلبها وروحها .نو عوض ال
تنبهت العمة علي رائحة القهوة الت نضجت فوق موقدها ،فأنزلتها ،وصبتها ف كوبي ،ث أطفأت
الوقد ،ورفعت كوبي القهوة إل سريرها ،ث وقفت متحاملة علي عكازها ،تناولت القهوة ومشت
.با تاه الباب ،حيث يلس عوض ال مقرفصا ف انتظارها ،وهي تردد ف سرها :ال يرحك يا سعيد
حي جلست بواره ف ظل الائط ،كان الطفال قد غيوا لعبهم للمرة الثالثة ،قال عوض ال بعد أن
.تناول القهوة منها :دائما عامر .أجابت بتحفز واضح ،وسخرية مريرة :إذا جاء من يعمره
التقط خيط الرارة من صوتا ،وتوجس قلقا ما جعله يقبض على بقية الكلم العتاد الذي يتدد ف
فأراد أن يعب هذه النطقة بسلم ،كي ل يونه التعبي ،لظتها سيكون العداء مثل هذه الحوال،
وظاهرا ،إن هو أخطأ ،ولن يستطيع لظتها أن يابها ،فقوة السيدة من الشهرة الت واضحا
تعله يفكر جيدا قبل أن يقف أمامها متحديا ،وأيضا هو ل يريد إناء تواجده بالقرية بصورة
حقيقة هو يدرك طبيعة شعورها نوه ،أبدا ل ترحب برارة عالية به ،وأيضا ل ترد الباب ف
وجهه ،حاول كثيا أن يفهم ،أن يصل إل منطقة تريه ف التعامل معها وف نفس الوقت تريها ،ف
قليل ،ليجد أسوار العداء ترده ،تردعه ،حي اشتكي أحيان كثية يطئ ،ييل يينا ،أو يسارا
لسعيد ـ ابنها الراحل ـ قال له :ل تتم .لكن الم ل يفارقه ،ظل هاجسا يسيطر عليه ،فما
أن يوجه حارته باتاه البلدة ،حت يد القلق ينطلق من داخله ،كان يقول ف دخيلته :كأنا
أراحه كثيا تفسي عيد ـ الرسام ـ حي حكي له :أل يكن سعيد وهو بعد طفل ،يدور خلفك ،أينما
ذهبت ،هو خلفك دائما ،خوفها الدائم من تول ابنها البكري إل مغن شعب جوال ،كان ينغص
.عليها أمانا
يرد متجا ،فيقاطعه عيد :قلب الم ،أين تضعه ،ث أنه لا كب ،أخذه السفر - لكنه ل يصبح….
والتحال ،مثلك أيضا ،أل تاهر دائما بب السفر والغامرة ،وتغن لما ،ألست تقول :حياتنا
ظل صامتي ،يرتشفان القهوة علي مهل ،وإن كانت مساحة من القلق مفروشة بينهما ،قال ماول
.ل ترد عليه ،ول تلتفت ناحيته ،تنحنح ليتأكد من وضوح صوته ث قال :هل ذنب أني أغن
.فهمت بسرعة تلميحه ،فأجابت :ل يا ولدي ،ليس الغناء ذنبا ،ولكن ما يفعله الغناء
انفرجت أساريره قليل ،فردد داخله :بداية طيبة علي القل .وقال ماول اللحاق با قبل أن
أراد بملته أن يرها بعيدا عن مازها الاص ،وهي ل تشأ أن تادله ،تدرك بداخلها ،توجسه
الدائم وشكوته منها ،لكنها أيضا تعلم تعلقه بالبيت وأهله ،خاصة إخوتا الرجال و ابنها
يا عوض ال .رد دون أن البكري الذين دائما يكرمون وفادته ،قالت :منذ زمن بعيد وأنت تغن
يكون متيقظا :نعم زمن طويل ،لكنه قاس ،خاصة حي حرمت من الليال الدافئة هنا بالبيت.
.وأشار إل النخلة
لتوه انتبه إل الشرك الذي وضع قدمه فيه ،بلفظة واحدة ،تستطيع الن أن تطبق عليه ،لذا
آثر الصمت ،وأرسل عينيه ليتابع جرى الطفال بالساحة ولعبهم الذي بدلوه أكثر من مرة .
كانت شس الضحى قد ارتفعت ،وسخنت ،وانسر ظل الائط حولما ،وبدأت الرارة تلسع البدان ،كان
السؤال كان مباغتا لا ،فهي أبدا ل تتوقع أن تسمعه من أحد ،خاصة عوض ال ،أخفت رجفة يدها
ياه ،لول مرة ترى جيدا هيكله الضئيل بأن أنزلت كوب القهوة ،ورمقت عوض ال بطرف عينها،
والعجوز ،بدا لعينها وهو قابع بوارها متضنا ربابته ومدخنا سيجارته مستكينا تاما ،وكأنا
.السؤال الذي ألقاه منذ لظة ل يقصده ،أو حت يهتم بأن تيب عليه
ما يزال يصر علي قسوته ،هكذا تكمت داخلها ،أرادت أن تطلق لسانا ،لكن الصوات هاجتها من
جديد ،تلفتت ف ماولة جادة لكتمها ،ورن الصوت بأذنيها :أريد الهرة الن! تتمت بكلمات غي
رأي تقلقلها بواره وحركة أعضائها الضطربة وقبضتها علي العكاز تأخذ ف التصلب ،وأحس علي
نو غامض أنا ربا تفكر بأن تضربه ،تسأل هل هذا بسبب كرهها القدي له أم بسبب السؤال الذي
قالت تيجها، كانت الصوات تزداد ضراوتا ،كأنا الريح الت تلعب النخلة هي الت تركها،
علي نو غامض :أهي ـ تقصد الصوات ـ الت دفعت الميع للرحيل؟ ل يفهم ،بالتأكيد ل يفهم،
لكن كلمة الرحيل كانت كفيلة بعله ينهض ،شاكرا إياها علي القهوة ،ليخرج من عتبة الباب
ل تنتبه إل خروجه ،كان هها منصبا علي التحكم بارتافاتا وأعصابا قدر المكان ف مواجهة
.هذه الصوات ،الت كسرت كل القواعد الت كانت السيدة تاول تثبيتها
انتبه العيال إل خروج عوض ال من جوار السيدة ،توقفوا عن لعبهم و زياطهم ،راقبوه وهو
يعدل من وضع عمامته فوق رأسه ،و يعيد لفها بإحكام شديد ،مصه للسيجارة بقوة ،ث رميها
ودهسها علي الرض بعنف ،مشيته النفعلة ،سحبه لمارته خلفه دون أن يعزف علي ربابته ،وهذا
قالت :يا عوض ال .ولا ل يأتا رد ،وصوت لعب العيال قد اختفي ،والصوات من حولا تراجعت،
.انتبهت إل أنا تلس وحيدة ف شس الظهية ،والعرق يكسو بدنا ،فتبسمت وهي تقول :ال ييبك
قامت واقفة وتركت حت خرجت من الباب ،ل أثر لشىء ،كل شيء صامت ،ساكن ،شكت با جري ،لكن
نظرة من عينيها إل كوبي القهوة ،جعلها تتيقن من مرور وقت طويل عليها وهي جالسة ف الشمس
دون أن تشعر بسخونتها الت تسها الن فوق وجهها ،قالت :شس هذه اليام تلسع .ث نادت بعزم
وقفت لدقائق ،دون أن يأتيها جواب ،رأت الدخان يتصاعد فوق بيت عيد ،قالت :قدام الفرن
قاعدة ،لكن الولد عيد ،قلب يأكلن عليه .رجعت عائدة إل البيت ،كانت دواجنها هاجعة ف
حي جاءت للدنيا كان قد سبقها ستة من الذكور ،إخوتا الرجال ،الذين سوف تتبي بي سواعدهم
وسطوتم ،متاحة لا كل الفرص والتع والموح للعائلة الرومة من وجود إناث با ،فبخلف الدة
والم ،ل يكن هناك إناث أخر ،الكل يلهو با ،يعتبها ،كما قال الب ذات مرة :تيمة الظ
ف ذلك الوقت ،كانت العائلة تعيش طورها الثالث ،والذي سيشهد النيار العظيم والتامي
لعائلة عبد ال الرحال ،الؤسس الول ،الذي كان موسوسا ،مضروبا بب البناء ،استطاع أن يضع
خططا واضحة ومددة للصعود ف سلم التجارة والسلطة ،فبدأ بعدد من التزاوجات الواسعة لناب
الرجال الذين يستطيع العتماد عليهم ،و بناء هذا البيت ،القلعة إن أردنا الدقة ،ف نفس
ف ذلك الوقت كانت تارة العبيد ،رائجة ،وتدر أرباحا طائلة ،فاستطاع خلل أيامه الخية أن
يري ناح إمباطوريته وقوتا الت تتعاظم يوما بعد يوم ،ومن الؤكد أنا تعرضت لعدد من
الضربات الؤلة ،لكنه استطاع ف كل مرة أن يرد بعنف وحكمة ،جعلته مرهوب الانب ،لكن ظلت
الشكلة الساسية والت باتت تؤرقه كثيا ،وكان يري أنا أحد العوامل الساسية الت ستعمل علي
فبينما ل يول اهتمام يذكر لذلك ف زياته التعددة إل أنه بدأ يس بالطر حي رأي ذريته من
أولده ل تنجب إناثا ،فما يؤكد نظريته ويكملها لضمان الولء الكامل للعائلة ،أي أن تكون
العائلة مغلقة علي ذاتا ،تتزاوج من بناتا ،ليس من إناث من خارج صلبه ،لن ذلك ف ظنه
.سيكون سببا لتدخل العائلت الخرى وتسربا إل عائلته والعمل علي هدمها من الداخل
ظلت مشكلة نقاء عائلته تؤرقه ،ول يد لا حل ،إل أن رحل ملفا وراءه مموعة من الذكور وكثي
خلل العوام التالية لوفاته ،بدأ تري تارة العبيد ،وملحقة التجار ،وإغلق النقط والزرائب
ومركز تميع العبيد ،كل هذا أدى بالتحول الثاني داخل عائلة الرحال حيث ت التحول إل تارة
البوب والبهارات واللود والمال ،والقادمة أيضا عب نفس الطريق ،من السودان ،عب درب
العقدة ث إل بيت الرحال ،قلعة الرحال ،لكن قبل ذلك علينا أن الربعي ،إل مسالك الصحراء
نوضح أن نصف العائلة كان قد ت تشريده وتشتيته ف البلد ،فالبعض بقي ف السودان ،فرارا من
.مطاردات الكومة والبعض الخر هاجر إل الشمال ،وف الالي انقطعت بعد فتة أواصر التصال
جاء الطور الثالث ،والنقطاع التام لذه التجارة ،عندما أعلن الهدي عن ثورته ،وقيام دولة
الدراويش ،وأعلنت الروب بي البلدين ،وقطعت الطرق ،ونبت القوافل ،لصال الدراويش مرة،
.ولصال جيش كتشنر الذاهب إل السودان كي يعيده إل سيطرة التاجي :البيطاني والصري
إذن ولدت فاطمة الثانية ف ظل تتع العائلة بسمعتها فقط ،بأنا واحدة من أكب
العائلت ،وإن كان الطور الثاني والثالث ل تتواجد فيه الناث بالصورة الرضية ،ما جعل أحد
أجدادها يعلق ساخرا ،بأن العائلة كلها :لقيطة .فكل واحد من أبنائها ينتمي إل أم متلفة،
ما ساعد علي ازدياد معدل التفرق والتشرد خلل هذين الطورين ،لذا عندما جاءت فاطمة إل
الدنيا ،ل يكن موجود من العائلة التامية الساء بالقرية سوى :أبوها وعمها الذي جرته
.إحدى الناث إل خارج حظية النزل الذي بناه الد الول
كانت العائلة تعيش علي مدها القدي ،وترص علي إبرازه ،وتارس ف نفس الوقت تارة مدودة،
تؤمن لا قدرا من الكرامة وسط العائلت التنافسة ،ولا كانت اليل هي إحدى وسائل النافسة،
ومعقود بنواصيها الي ،كان من الطبيعي أن تتلك العائلة عددا منها ،تري با ف السباقات
مثل :عاشوراء ،والعيدين ،والنصف من شعبان ،والسابع والعشرين من الت تقام ف الواسم
كانت أسهم العائلة تتعرض للصعود والبوط مع فوز وخسارة خيلها أثناء هذه النافسات ،لذا
حرصت العائلة علي أن يتفوق أبناؤها ف ركوب اليل ،ولا رأت فاطمة الثانية اليل ف بيتها،
رغبت ف ركوبا والري با ،وبإيعاز من فاطمة الول ،جدتا ،بدأ إخوتا الرجال ،ف تعليمها
كيفية ركوب الهرة ،ظنا منهم ،إن هي إل واحدة من رغائب آخر العنقود ،النثى الوحيدة،
بعد زمن قليل ،أصبحت فاطمة الثانية ،فارسة ،تستطيع كسب أي سباق تدخله ،بدأت أول مع
إخوتا الرجال ،الذين كانوا يسمحون لا ف سياق التدريب بأن تتقدم عليهم ،حت يشتد عودها
كانت فاطمة الول ـ جدتا ـ هي من اختارت لا الهرة الت تركبها ،ول يركبها أحد غيها ،ف
ف الوقت الذي كان اللعب والرح هو ما يرها ناحية السباق ،كان لدي إخوتا الرجال ،هدف آخر
لدفعها إل حلبة السباق ،فمن وجهة نظرهم ـ الذكورية ـ إذا كان بعض العار يلحق بالعائلة،
أي عائلة ،عند خسارة خيلها ف السباق ،فما بالك لو كان الفارس امرأة ،أنثي ،يكون العار
ّلة برأيهم
.أشد و أفظع ،ف ذات الوقت ينون أكاليل الغار ،نتيجة لفوز أختهم الصغية ،العي
بسهم الدقيق ،كانوا قد التقطوا منذ بداية تدريبها قدرتا علي التحكم بالهرة تتها ،تعرف
تاما مت ترخي اللجام ،ومت تذبه ،ومت تدك الركاب ،أو حت المس ف أذن الهرة ،كي تقطع ساحة
توجب علي العائلت ـ الذكورية الخرى ـ أن تد حل للهزائم الت تلحقها علي يدي ذات الفرج،
علي حد تعبيهم ،كانت الناقشات تدور هامسة ،وسرا ول يكن التصريح با ،كلها انتهت تقريبا
إل نفس الطريق ،إسكات هذا الفرج التوثب فوق السرج ،كان التهديد أحد الوسائل ،لكنه
ف واحدة من خطب المعة ،لح الشيخ إل اقتاب يوم القيامة ،فواحدة من علماتا قد ظهرت،
وباتت واضحة يراها كل ذي عيني ،ويعيها كل لبيب ،هكذا قال ،فذوات الفروج قد اعتلي
السروج ،خلل جلساته التالية ،ناقشه البعض ،وحاول رد ادعاءاته ،لكنه ،أي المام ،كان قد
قرر الهاد ف هذا الوضوع ،ولن يتكه ،و حي لح له البعض بالثأر بينه وبي فاطمة الثانية،
حيث أنا قد دمرت ابن أخيه الراكب للمهر الذي يتلكه المام ،غضب واستشاط ،وأزبد وأرعد،
هكذا قالوا ،أنه لن يتك المر أو يهلك دونه ،غي أن زيارة ليلية من الرجال ،إخوة فاطمة،
جعلته يلم نفسه وكلمه ،ويول خطبة المعة التالية إل مديح ف النساء اللواتي لديهن القدرة
علي ركوب اليول ،ذاكرا أمثلة عديدة للصحابيات الليلت اللواتي شاركن الرسول (ص) ف
الطريق الخي والذي بقي أمام العائلت ،هو ما أوصي به الكماء والعجائز منذ بداية الزمة:
سد الفرج .هكذا أشاروا ،فعندما تكون ف عصمة واحد من الرجال ،خي وأهون من أن تبقي ف
.حاية إخوتا
بدأت عروض الزواج تنهال ،وف كل مرة كان الرد ،لطيفا ،ذكيا ،ياول تلشي العداوة قدر
المكان ،إل أن ضاق الخوة ،كل يوم خاطب وراغب بالزواج ،وهم يرفضون ،يعرفون اليلة البيثة
.الت ينطوي عليها طلب الزواج ،وهم يريدون مد انتصاراتم ،عب أختهم ،إل أطول زمن مكن
ف واحدة من نوبات الغضب ،أطلق أحد الخوة قسما ،كان يراه كفيل بردع كل الراغبي ف الزواج
الصوت الضارع البتهل ،النطلق ف رحاب الرم الشريف ،كأنا الصوت يأخذ أشواق مليي الجيج
ويصعد با معراجا مباركا ،تمله حائم الما ،تدور به ،تطوف ترجعه نغما ساويا عذبا ،يعل
الروح ترفرف تواقة للهيام ف اللكوت الفتوح علي الفق الواسع حولا ،كانت السيدة تس
بنفسها خفيفة علي وشك أن ترتفع ف الفضاء ،غمرها هذا الحساس ،فمدت يدها تلقائيا وقبضت
علي حافة السرير ،تبسمت لوفها الغريزي ،قالت :ما الذي أخشاه بعد هذا العمر؟ رويدا
.تتابع ههمة الواقفي فوق عرفات ،تردد خلف الصوت الداعي إل الصلة
نبة الشوع التصاعدة جعلت الدموع تطفر من عينيها الغمضتي وراحت تردد بمس خفيف وراء
الصوات وهي تستشعر حالة من الصفاء ،والنقاء ،تغمرها ،لتى نفسها هناك ،وسط الليي،
بلباسها البيض ،الذي يشبه الليب ،تقف فوق عرفات ،ترفع يدها مبتهلة وسط السكينة الت
تغشاها ،تتفرس وجوه الواقفي حولا ،كانوا :جدتا فاطمة الول ،والدها ،والدتا ،مصطفي ،وجه
ابنها البكري سعيد كان وجهه حزينا ،مكدرا ،تقدمت نوه ،غي أن يدا تقبض علي كتفها ،وتزها
ل يكن يؤنسها خلل سنواتا العديدة الخية غي الصوت النبعث من الراديو ،ل تكن تغلقه أبدا،
.اللهم إل إذا ذهبت خارج البيت ،وهذا نادرا ما يدث
جاء الراديو إل البيت ف أوائل الربعينات قبل أن يضرب القدر ضربته داخل العائلة ويعمل
علي تفريقها ،ف ذلك الوقت كان الراديو يعد كأعجوبة من أعاجيب الدهر ،خاصة بعد ترك
الديد :القطار ،وسباحته :السفن ،وطيانه :الطائرات .فليس من الستبعد بنطقه ،وجعله قادرا
أتي بالراديو والدها ،والذي أظهر ف أواخر أيامه حسا عاليا بالتصوف ،جعله يرص علي حضور
الوالد الت تقام للقطاب والئمة أينما كانت ،كان يتتبعها ،ف واحدة من الرات وهو عائد من
كان الراديو كبي الجم ،أبيض بفاتيح عاجية كثية وأسلك ترج من أحشائه تتصل ببطارية ،كانت
مهمةالعمةـ وقتهاـ تغيي ماء البطارية يوميا ،حي انطلق الصوت منه لول مرة ،فزعت جدتا
وأمها ،وحرصتا علي عدم القتاب من صندوق الن كما أعلنت الدة ،وإن كان إخوتا الرجال
.تعاملوا معه كشيء طبيعي داخل البيت ،وقصوا حكاياتم عن رؤيتهم للراديو لول مرة
حي علمت القرية بوضوع الراديو ،جاءت أول علي استحياء لستطلع المر ،ث توافدت أما :رجال
الرجال كانوا يأتون ف الساء ،عقب صلة العشاء يسهرون ،يستمعون للقرآن الكري والغاني
والتمثيليات والتعليق عليها ،أما النساء فكن يأتي مع الضحى ،بعد أن يفرغن من أعمال
النزل الصباحية ،كان ما يشدهن :ربات البيوت والغاني والتمثيليات ،خاصة مسلسل الساعة
.الامسة والربع عصرا والت تعاد إذاعتها ف اليوم التال قبل الظهر
حي جاء عوض ال اللب وكان شابا ف ذلك الوقت إل القرية ،كما اعتاد ،ودار دورته خلل
النهار ،فلما جن عليه الليل ذهب إل دار الرحال ،وتعشي مع الرجال وبعد العشاء بدأ توافد
رجال وشباب القرية الذين رحبوا به بفتور واضح ،ولداثة سنه ل يد تفسيا لذا الفتور ،فحرص
علي أن يبدأ مبكرا ،غي أن اللسن أوقفت نغماته الت كان يهد با لدخوله ف جو السلطنة
ليعيدهم إل حظيته ،فقد هداه تفكيه إل أن مغن آخر ربا يكون قد جاء إل القرية ف هذه
اليام السابقة ،وأظهر من الباعة الت تستوجب منه ـ الن ـ أن يبذل كل ما ف وسعه للتغلب
ف لظات كان غريه أمامه ،الراديو ،ظل الناس وعوض ال صامتي إل أن انتهي بث الذاعة ،بعدها
كان إحساسه بالهانة كبيا ،فسلطانه ولقمة عيشه مهددة بالزوال بسبب هذا الصندوق ،لكنه
بدأ علي أية حال ،بعد أن استعلم عن هذا الشيء ،وكم فرد يتلكه داخل القرية والقرى
الاورة ،من لظتها وزيارات عوض ال اللب الليلية بدأت ف التباعد ،فحرصا منه علي لقمة
عيشه وكسب رزقه ،كان عليه أن يد أماكن أخري ـ داخل القرية ـ يارس فيها غناءه ،بعيدا عن
.الراديو
كان تباعد الزيارات لعوض ال أحد السباب الت دفعت السيدة نو الراديو وارتباطها به ،ل
تكن تنظر له كبديل لغناء وحكايات عوض ال الت يؤديها ،لكن كمعي لا ف إبعاده عن البيت،
وهو ما كانت ترغب فيه لكن ل يكن التصريح به لحد ،ل لخوتا الرجال ،ول لزوجها مصطفي ،فهي
.تعرف تاما القواعد الت تتم عليها استقباله داخل البيت ف الوقت الذي يظهر فيه
ل تظهر رغبتها بإبعاد عوض ال عن البيت إل حي أدركت تعلق طفلها البكري " سعيد " به،
وحرصه علي السهر بواره طوال الليل مهما حاولت أن ترغبه ف النوم ،وهو الطفل كان سريع
الفظ للشعار والكايات الت يقصها الشاعر ،أيضا إجهاضها ف وقت مبكر ـ بعيدا عن أعي
الرجال ـ حصول سعيد علي ربابة صغية ،خشيتها من أن يصي شاعرا جوال ،جالبا لهل البيت،
كانت قد لحظت اتفاقا شبه سري بي " سعيد " وعوض ال حي قام الول بسرقة بعضا من الغلة
والبلح والبيض من داخل البيت وأعطاها للثاني الذي عليه أن يضر له ف الرة القبلة
الربابة الصغية ،ظل القلق يفتسها بعد أن عرفت بالشياء الت اختفت من كرار البيت،
واستطاعت أن تغطيها حت ل تشعر جدتا وأمها بأن يدا امتدت واختلستها ،فهي تعتب ما حدث
داخليا يصها هي ،أول مواجهة حقيقية من الياة الت بدأت تلعبها ،وأيضا لكون سعيد أمرا
طفلها الول والوحيد حت هذا الوقت ،أوائل الربعينات ،كانت قد أنبت طفل آخر ،لكن اللريا
الت هاجت قري النوب كلها استطاعت أن تضيفه إل حساب الوتى ،إذن بقي سعيد ،ابن الرابعة
وقتها ،وبقيت هي بواجسها ومراقبتها الدائمة له طوال السبوع الذي غابه عوض ال اللب
رأت سعيد وعيد يتسحبان نو الزرائب اللفية ويد سعيد تقبض علي شيء ـ الربابة ـ داخل
ملبسه ،انتظرت حت دخل واطمأنا وأخرجا الربابة وجرا القوس ،فصدرت النغام ،الصوت ،العلمة
الت كانت تنتظرها لتدخل خلفهما ،انتفضا واقفي حي فتحت الباب ،تقدمت نوها ،دون كلمة مد
سعيد يده بالربابة نوها ،فأخذتا وخرجت ،وذهبت إل نار الفرن الت كانت قد أعدتا مسبقا
ظل الراديو العتيق كبي الجم ،قائما ،يؤدي عمله إل أن أدركته الشيخوخة مع ظهور
البطاريات الافة ،والت عملت ف نفس الوقت علي انتشار الراديو داخل البيوت ،حيث الجم قد
صغر ورخص السعر ،جاء بالراديو الديد مصطفي زوجها ،ف هذا الوقت كان والدها وجدتا وأمها
.قد غادروا الدنيا ،وإخوتا الرجال أخذتم الدنيا ف دروبا الواسعة بعيدا عن البيت
كان يرح ف خلء البيت الواسع أطفالا الربعة والبنتي الذين أنبتهم طوال مدة الراديو
العتيق ،كان زوجها مصطفي هو الذي بدأ إدارة مؤشر الراديو إل مطة القرآن الكري عقب
عودته من صلة العشاء وتدده فوق سريره لينام جاعل الراديو أسفل السرير ،يظل الراديو
دائرا طوال الليل ،ف هذا الوقت كان ل يكنها تويل الؤشر ،وخاصة بعد انتهاء البث عند
منتصف الليل ،فما أن تتد يدها إل الراديو ،حت يستيقظ مصطفي ويقول :دعيه كي يوقظن عند
لا رحل مصطفي ،وكانت قد غيت أنواعا كثية من الراديوهات ،من متلف الاركات والحجام،
واعتادت علي أن تنام علي صوت القرآن الكري ،والبيت صار شبه خال إل منها ،ما إن ينتهي
البث حت تصحو وتدير الؤشر بي الطات العديدة إل أن تقبض علي حلقة درامية هنا ،أو أغنية
.تب ساعها فتفع يدها عن مؤشر الراديو الذي صار ياورها فوق السرير
كان لكتشاف البطاريات الافة وانتشار الراديو سببا أكب ف قلة تواجد عوض ال ،ليس ف بيت
العمة فقط ،ولكن داخل القرية كلها ،كان الزمن يتقدم ،والضغائن يتم التعايش معها دون
تقليب ومراجعة ،فالزمن الذي ياول فرض سطوته و إملء شروطه ل يكن يسمح بثل هذه الراجعات،
.بل كان يدفع كل ذات إل التقوقع داخل نفسها ،مستغل الوف الذي يراكمه داخل النفوس
ٍ الراديو الخي الذي معها الن ،جاء من الراضي الجازية ،كان قد أتي به أخوها عثمان،
.لا ذهب لداء الفريضة،العمة هي الت كانت أوصته بذلك ،قالت له :متعدد الوجات أريده
ل يكن ف ذلك الوقت قد بقي معها أحد داخل البيت الكبي ،سعيد قد رحل .وباقي أولدها قد
ذهبوا ف دروب حياتم ،وكانت الكهرباء قد دخلت إل القرية ،وتسارعت الشياء ،ظهور
التلفزيون ،والذي ذهبت لشاهدته عند الولد عيد لا أتي به ،مرة واحدة ،ل تكررها ،ولا كان
.عيد يلح عليها ،كانت تشي إل الراديو :يكفين ابن زمن هذا
كانت قد لظت مع ظهور التلفزيون ،بدء تناقص النساء اللواتي كن يضرن إليها للثرثرة ،بعد
العشاء ،هن وأطفالن الذين يلعبون بالساحة أمام بيتها أو يلتفون حولا للستماع للحكايات
الت تقصها ،هذا التناقص التسارع أدي ف اليام القبلة ـمع ظهور الطباق اللقطةـ إل
.الختفاء التام
كانت ف تلك الونة الخية قد أظهرت تعاطفا جديدا تاه عوض ال اللب الذي باتت زياراته
للقرية مقتصرة علي أيام العياد والواسم فقط وخلل النهار ،كان يأتي إليها ليشرب معها
كانت قد ثبتت مؤشر الراديو علي مطة القرآن والت أصبحت تبث طوال اليوم ،ل تكن تدير
الؤشر إل ف أوقات مددة نو مطات بعينها ،لكن ف مثل هذا اليوم ،وقفة عرفات ،ل يكنها أن
قال وهو يلس بوارها علي حافة السرير :كانت ف يدي شغلنة من المس ،قررت النتهاء منها بعد
.الفجر
تنبهت إل رائحة الي والطلء الت تفوح من ملبسه ،لكنها أصرت :كان يكنك السؤال ؟
بات واضحا العداء الذي يبطنه العتاب ف نبة صوتا ،فأراد أن يبعدها عن الضغينة ،متنبها ف
ذات الوقت لنفسها الضيقة وروحها العذبة ،قال :صلة الظهر والعصر .وأشار إل الراديو ،ث
.أكمل حي وجدها تزفر بقوة :ف العام القادم أن شاء ال نكون هناك
.أجابت ،وقد لنت نفسها قليل :من يدري
قال بتبسط :كل سنة وأنت طيبة .وقبل أن يكمل ،قاطعته ناهضة من مكانا ،تناولت عكازها،
.وخطت نو الكنيف
.يعرف غضبها ،وقسوتا علي نفسها قبل أن تقسو علي غيها ،قال :سنرش الواجهة بالي
ملت إناء وضوئها وراحت إل النخلة ،حيث اعتادت أن تتوضأ تت النخلة ثلث مرات ف اليوم:
عند صلة الظهر ،وعند صلة العصر ،وعند صلة الغرب ،تلس ف ظل النخلة ،كما اعتادت عائلتها
.من قبلها أن تفعل ،بعد أن ترج من الكنيف ،تمل الاء وتشرع ف الوضوء
بعينيها الكليلتي بالكاد ترى عب الباب ،عيد وصبيانه وهم يقومون برش واجهة البيت بالي،
كان البيت قد أعيد طلؤه بالي وتزيينه بالرسوم عدة مرات ،الرة الخية ،كانت حي وافق
ابنها البكري سعيد علي الزواج ،وبدأ العداد له ،ولكن قبل أن يبدأ عيد بالرسم ،كان
سعيد قد رحل ،ملفا حسرة ما تزال تعيشها السيدة حت الن ،وطلء تقشر بفعل الزمن والشمس
فرغت من وضوئها ،تساندت علي عكازها والنخلة حت استوت واقفة ،جالت بعينيها ،و استدارت
الني متلط بصوت السلسل ،برائحة الدم والعرق البشري ،كانت الصوات تلتف حولا كدوامة ريح
هائلة؛ أقسى ما يتعبها ويرض روحها ،الل ،وصوته ،صوت الل الذي ينبعث الن من الزرائب،
جعلها تتهاوى ،وبالكاد تستند علي جذع النخلة قبل أن تسقط ،حاولت بيديها سد أذنيها ،غي
.أن الصوت كان ينفذ إليها من مسام جلدها ،ويبدو كأنه ينبعث من داخلها ،هتفت :يا رب
الني يتحول إل وحش ،يصرخ مطالبا برحته ،بريته ،ف إبعاد القيود عن لمه ،القيود الت تفجر
الدم من العاصم والقدام والصدور والرقبة ،العرق الذي يعبق الو برائحة الكراهية
تتذكر الن ابنها سعيد حي حل معول وجري به وهو يهذي بكلم غي متابط إل الزرائب ،ياول
هدمها ،سدد أول ضربة والثانية ،ف الثالثة تاوى وهو يبكي ،كانت قد جاءت وضمته إل صدرها،
تاول أن تأخذه بعيدا ،رفض ،وأزاحها ،ودفع باب الزريبة ودخل ،الن تعرف ،أن الني كان
.يهاجه ،يضربه ف صميم مشاعره ،حي دخلت وراءه ،قال :هذا إرثنا يا أمي ،هنا يكمن إرثنا
كانت قوية بشكل جعلها تتمالك نفسها وتقول :لكننا ل نفعل شيئا ؟
كان يهذي ،وكانت أول مرة تدخل إل واحدة من الزرائب اللفية ،قال :لن أقدر علي هدمها،
مدت يدها تاول إخراجه من الزريبة ،لكنه مال نو الرض والتقط شيئا ل تره قبل ،حي تبينته،
اكتشفت أنا سلسل حديدية غليظة قد ضربا الصدأ ،قال لا :أخرجي يا أمي ،وأغلقي الباب من
.الارج
نظرت إليه مبهوتة ،حاولت القتاب منه ،لكنه أخذها من يدها وأخرجها خارج الزريبة ،قال:
كانت من القوة بيث أغلقت الباب بالرتاج الثقيل ،كان الوقف اختبارا حقيقيا وجادا
حي عادت ف اليوم التال ،ف وقت الظهية ـ كما الن ـ وفتحت الباب رأت ما أذهلها وأوشك أن
يسقطها مغشيا عليها لول تاسكها ف اللحظة الخية ،كان ابنها عاريا إل من سروال يجب
عورته ،تكبل السلسل والقيود رجليه ويديه ورأسه وصدره والدم متخثر ف أكثر من موضع منه،
أسندت ظهرها علي جذع النخلة وأنفاسها متسارعة ،تاول أن تل صدرها بالواء الذي تس بقوة
.تذبه بعيدا عنها ،كان واضحا أنا علي وشك الدخول ف غيبوبة
.كان عيد الذي نقل له أحد صبيانه أنه رأى السيدة تسقط بوار النخلة
تسأل عيد وهو خارج من عند السيدة ،يعرف روحها الساسة ونفسها الت أصبحت ضيقة ،ل تكاد
.تتحمل أي معارضة ،وهي لو علمت با قمت به منذ الصباح ،ربا لقاطعتن ،أو لراحت فيها
.خرج من الباب ،وأمر صبيانه بالبدء ف طلء الواجهة ،قال :أريد النتهاء سريعا
"عزيزة " زوجته ،نادى تركهم وذهب إل بيته ،وعاد بعد لظة ،يمل أكواب الشاي الت أعدتا
علي واحد من العمال ،وأمره بتوزيع الشاي علي باقي العمال ،وجلس مواجها للحائط ،يرتشف
الشاي بقلق وتوتر ظاهرين ،كان الطلء القدي قد تقشر ف أكثر من موضع بالائط ،وغطاه
تذكر أخر مرة طليت فيها الدران ،كانت قبل أسبوع من زفاف سعيد من ابنة خاله الذي ل يتم،
تنهد وهو يأخذ نفسا عميقا من السيجارة الت أشعلها ،فتساءل :كم سنة مرت ؟
كان واحد من العمال يكنس الغبار من الائط ،فبدأت بعض الكلمات والرسوم ف الظهور الواضح،
تبسم عيد ،وقال :يا صاحب كأنه بالمس ،ث خفض عينيه إل الرض قبل أن يلحقها الغبار
التطاير ،وهتف بصوت ل يريد لحد أن يسمعه ول حت نفسه :هل للزمن قيمة ؟
يعرف أنما ،سعيد وهو ،ولدا بنفس الليلة ،ل تؤكد واحدة من المي ،أمه والعمة ،أي منهما
ولدت قبل الخرى ،وكما كان مقررا سابقا ف تاريخ عائلته ،كان البن الول ،الذكر ،فلذا صار
عيد مباشرة ،مثله ف هذا مثل أبيه ،وجده ،وجد جده …… إل أن يصل إل عيد الكبي الذي لقيه
.سيدنا الضر .تربيا سويا ،لكن أيام الصبا ولت ،وبدأت الدروب تتقاطع
تنبه إل الرسم القدي الذي ظهر علي الائط ،كانت امرأة تلس فوق مصلة ،مزخرفة اللوان ،وإن
كانت باهتة الن ،تلف طرحة خضراء تلم وجهها ورأسها ،و تتدل مسدلة فوق جسدها التبع فوق
كأنا تتطلع إل الصلية ،بسمة هادئة مطمئنة تشع من ملمها الراضية ،وعينها تنظر بعيدا
شيء غامض ،لكن روحها تبدو عارفة به ،ما يعلها راضية بذا القدر ،الن يدرك عيد أن هذه
الرسة ،ل تكن من خياله ،لكنه شاهد هذه النظرة الطافحة بالبشر والرضي فوق وجه العمة
حينما عادوا من منزل عثمان أخيها ،بعد أن خطبت ابنته زينب لبنها سعيد ،حي رجع ثلثتهم
إل النزل ،خلعت السيدة ثوبا السود القطيفة ،وأخذت الاء وشرعت ف الوضوء ،سعيد الذي كان
تبسما معا وجلسا علي السرير الوضوع بوش البيت ،راحا يثرثران بذكرياتما القدية ،بصوت
تضربه الرارة ويتخلله الصمت والتنهد ،قال سعيد :سأشرب شايا ،نض عيد وقال :أجلس ،اليوم
حي دخل إل الصالة كانت العمة جالسة فوق الصلية تواجه الضوء ،قابلته بذه البسمة والنظرة
الذاهلة الت تستحوذ علي عينيها ،تسمر مكانه وظل واقفا ،ل يدري ماذا يفعل ،إل أن سع
يعرف الن الضافات الت أضافها حي بدأ يرسم الرأة فوق الصلية ،الطرحة الضراء ،السبحة الت
ف يدها ،الزخارف الت تزين سجادة الصلة ،لكن ما ل يفهمه حت الن ،كيف أنه ف بعض الالت،
وهذه واحدة منها ،أنه عندما يشرع ف الرسم ل يبذل أي جهد ف تذكر اللمح ،أو يدقق كثيا ف
خطوطه الت يطها فوق الائط ،يعرف فقط اختيار اللون الناسب ،ويتك يده لتجري بالطوط الت
تلك عليه خياله وتصوره ،ف لظات كثية ،كان يقول ،حي يسأله أحد عن سر الدقة والوضوح ،الت
تعل رسومه كأنا مصورة بالكاميا ،كان يقول بغموض :الطوط كلها هنا ،ويشي إل صدره ،وهنا
.ويشي إل الريدة ،ريشته ،الرسوم ترج عندما أغمس الريشة ف اللون وأضعها علي الائط
" عزيزة " علي ذراعه حي رأت أنه ل يرد علي ندائها .عاد من تديقه ف الرسة لا قبضت
أفاق وتبعها مبتعدا عن العمال ،كانت لتوها قد فرغت من البز وجاءت لتأخذ أكواب الشاي
،الفارغة
ضربت يدها علي صدرها ،وازداد جحوظ عينيها ،لكنه أكمل دون أن يهتم :نعم ،واتصلت ببعض
.منهم
..جننت ..وال-
.والعمة-
.خصوصا العمة-
.سيأتون-
نظر بعيدا عن عينيها ،وحت ينهي الوار :ل أدري .ث أمرها بالنصراف .وجلس مهدودا ف ظل
الائط الارب الذي تأكله شس الظهية وبينما يرج سيجارته ،سع صوت أحد العمال فوق رأسه
وضعها فوق سريرها ،وقلبه يتخلع بي ضلوعه ،اللع يسيطر عليه ،خوفه من أن يصيبها مكروه،
تقافز دواجنها فوق السرير كأنا تريد الطمئنان على العمة زاد من توتره ،أحس كأنه مشلول،
ل يدري ماذا يفعل ،يفرك بقوة ناعمة كفيها بي راحتيه ،يود لو يبعث إليها بالرارة ،كي
تستيقظ ،أن تفتح عينيها ،فمها ،ترك لسانا ولو بشتمه ،منذ لظات حي التقطها من جوار
النخلة ،هاله المل الفيف والش الذي يمله بي ذراعيه ،يعتقد بأن وزن النسان يتضاعف حي
ينظر بقلق لوجهها الستكي والذي تضاعفت حدة التجاعيد فيه ،كأنا هي طرق للزمن الذي عب
منها ،كان من قبل يتساءل :عن قيمة الزمن ؟ الن هو يس بقسوته البالغة ،كان ينظر إل
الزمن ليس كغري ل يكن منازلته ولكن إل قدرته الائلة علي قلب الوضاع وإصابة الروح
حينما ذهب وهاتف بعض أبنائها ف الصباح كان يدفعه إحساسه بقسوة تركهم وهجرهم لا ،لكن
الن يدرك أن السألة أعمق وأعقد من تصوره البسيط ،وتذكر علي نو مبهم ماولته الدائمة لعل
ألوانه غي قابلة للنحاء والتحول ،تلك الاولت الت تفشل ويبدأ من جديد ،حي وقف ذات مرة
أمام واجهة أحد العابد الفرعونية ،وجد بعض اللوان الزاهية ،أدرك لظتها أنه يوجد طريق
تأوه وهو يهش دواجن العمة التحلقة حولا ،البعض منها نط فوق حجرها وقدميها ،رغم الدوء
الشفيف الذي يكسو وجه العمة ،وتنفسها البطيء إل أن التشنج والنفاس التسارعة تنطلق من
كان على وشك النيار حي دخلت عزيزة وهي تتف مطوفة :مالا ؟ و كمن شعر بن ينقذه ابتعد
مفسحا الطريق لا ،حي رأت وجه العمة ،ذهبت ناحية الزير وملت الكوب وعادت ،بيدها اغتفت
.الاء ونثرته علي وجه العمة الت شهقت ،ث فتحت عينيها ،وتبسمت للوجهي الدقي با
استيقظت من نومها علي صوت زعيق عال ،رهفت سعها حت تبينت النبات ،كانت زينب ابنة أخيها
.وعيد
زينب :من سح لك ؟
.زينب :يا عمة .بصوت عال نسبيا :أين عمت ؟ دون أن يكون السؤال موجها لحد
تبسمت العمة وقامت من فوق سريرها ،لول مرة تس بدواجنها راقدة بوارها توطها مشكلة سياجا
حولا ،كأنا تميها أو ترقبها ف رقدتا ،هشت الفراخ والمام الذي تطاير مستبشرا بقيام
.سيدته
نزلت من سريرها مستندة علي عكازها وخطت خارجة كي تنع التلسن الدائر بي زينب وعيد،
.لكنها توقفت حي دخلت زينب مندفعة وهي تقول :أنه يرش البيت بالي
الجل هو ما أحست به زينب ،فقالت مفضة من حدتا :آسفة يا عمت ،وتوقفت لتأخذ نفسها قبل أن
للمرة الثانية يجلها رد العمة ،صمتت هذه الرة ،ث تقدمت واحتضنت العمة وهي تقول :كل سنة
.وأنت بي
.تلقتها السيدة ف حضنها بود وتفهم كبي ،و ربتت علي ظهرها كأنا تدهدها
اعتادت زينب أن تأتي إل عمتها ف الواسم الختلفة ،ميئها دائما يسبق العصر ،تتسامر معها
قليل ،ث تؤدي بعضا من أعمال البيت ،وخاصة الطبخ ،تساعد عمتها ف طبخ الواسم ،تقوم زينب
بالذبح لنا تعرف عمتها ترتاع كثيا ،وتشى أن تد يدها بالسكي تاه واحدة من دواجنها دون
.أن يالها أي شعور بالجل ليس من نفسها ،لكن من دواجنها علي أقل تقدير
منتها الساسية كانت قد بدأت ف الظهور بعد أن فرغ البيت حولا ،ف البداية كانت الدة،
فاطمة الول ،ث الم ،ث بناتا كن يذبن ،عندما رحل الميع تباعا ،إما بالوت أو بالنتقال إل
مكان آخر حيث تبدأ الياة الديدة الستقلة ،كانت ف ذلك الوقت لوحدها ،ظلت شهرا كامل دون
القدرة علي النظر بصراحة إل دواجنها ،حت عاد سعيد من واحدة من اختفاءاته التعددة،
أرادت أن تتفي به ،تعد له عشاءا جيدا ،فاخرا ،دخلت إل الظية واختارت أسن ما لديها من
الدواجن ،وحي خرجت به ،ظلت يدها القابضة علي السكي غي قادرة علي التحرك ،فغلبها البكاء
من القهر ،قهر ضعفها ،ورهافة حسها ،قالت معللة ذات مرة :هل يقدر الواحد علي ذبح
.أبنائه ،وحي تري الستغراب ف العيون والوجوه التسائلة تضيف :حت النب إبراهيم ل يقدر
زينب الت تعرف عن عمتها ذلك ،تأتي إليها حت من قبل خطبتها لسعيد ،ل تنظر زينب إل هذا
علي أنه نوع من العطف علي عمتها ،ولكنه واجب عليها تؤديه ،وبكثي من الب ،خاصة أنا
متعلقة بعمتها منذ أن كانت صغية ،ل تعرف الن ما الذي دفعها لذا التعلق ،أهو حنان العمة
الشديد ،أم قوة شخصيتها الت تأسرها حي كان يكي عنها أبوها :عثمان ،وما تلمسه هي من هذه
القوة ،فرفضها مثل أن تتك البيت بعد رحيل الميع من حولا ،أو حت السماح لحد من إخوتا أو
أولدهم بالعودة إل البيت ،الميع يعرف أنا صاحبة البيت ،هكذا أوصت الدة ،فاطمة الول ،ول
يعتض أحد ،وهي تصرفت من هذا النطق كان والدها عثمان ،كثيا ما يصفها ،زينب ،بأنا تشبه
.عمتها ،لذا لا جاءت العمة خاطبة لا ،ل يكن ف الدنيا أسعد منها
كانت قد سعت عمتها تردد أكثر من مرة :لكل ابن آدم حكاية تيزه ،خاصة به ،الشخص عدي
ف تلك اللحظة ،لظة الطبة ،اعتقدت زينب أن حكايتها الرئيسية قد بدأ أول فصولا ،فالقامة
.داخل البيت الكبي إحدى أمنياتا ،لكن القدر ل يهلها حت تتم حكايتها
تنظر العمة ـ الن ـ إل ابنة أخيها ،وزوجة ابنها ـ هكذا تعدها حت الن ـ وهي تعمل بمة
عالية ف تنظيف البيت ،كي يكون جاهزا لستقبال نار الغد ،نار العيد ،حيث سيكون من بعد
صلة الفجر حت صلة العيد خلية نلٍ ،بي داخل وخارج ،وجالس وواقف ،ومسلم ومودع ،قالت لا:
.وهت لتقوم ،لكن زينب أشارت بيدها :بال عليك يا عمة ،استيي أنا أعرف كل شيء
تبتسم العمة وهي تقول ف سرها :سيدة البيت ،كان يب أن تكون ،حي خطبتها ،كنت أدرك أنا
الوحيدة من بنات إخوتي ،الرجال ،الت تصلح أن تكون سيدة هذا البيت خلفي ..آه ..يا
.لفرحت القصية لا وافق سعيد بعد طول عناد علي الزواج من ابنة خاله
تتذكر الن كم عاندها ،وكم راوغها ،وكم تدللت عليه وقست كي يطاوعها ويقبل بالزواج ،تزوج
كل إخوته وأخواته ،وظل هو بل زواج ،بل غية من إخوته أو من الشباب الذين ف سنه ،خاصة
الولد عيد ،صاحبه ،كان أولدها يتزوجون ث يرحلون ،وهو يقول لا :انظري يا سيدة النزل،
.اللعنة تل بأي أسرة تبدأ ف التكوين ،لاذا تريدني أن أرحل بعيدا عن هنا ول أعود
قالت له :أنا كبت ،وأريد صوتا يؤنسن ،يفف عن وحدتي ،يرين ف أيامي القليلة الباقية ،ف
أخر مرة عاد فيها ،قال لا :سأبقي معك ،لن أرحل ثانية .فقد عرفت علجي ،وكان علجه أن
كان عليها أن تطو خطوة أبعد ،لا رأت استقراره بالنزل ،وتكرر عملية التقييد ،جاءت
بالبنات إل البيت ،بجة أن يساعدنا ف أعمال البيت الرهقة والت ل ييدها هو ،كانت زينب
بينهن تتحرك كأنا ملكة تنظر إل ابن عمتها علي أنه كائن مسحور ،يب أن يكون بعيدا عن أعي
جاءت ضربتها التالية مباشرة ،وأكثر إصابة لدفها ،قالت له مرة ورأسه ف حجرها :أريد عيال
.يقولون ل يا جدة
أرتف رأسه بي يدها ،هكذا أحست ،فأكملت :سئمت يا عمة .سكن رأسه ،ول يعلق ،بيد أنه ل
ينم ليلته ،عند الفجر أخبها بوافقته علي العروس الت تتارها ،وكانت قد اختارت زينب منذ
وقت بعيد ،زينب الت تغسل الن الباريق وتعبئها بالاء ،كي يتوضأ منها الرجال ف الصباح،
دخلت زينب وأغلقت الباب خلفها ،ف كل مرة تيء إل هنا ،تد نفسها تفعل ذات الفعلة ،تبدأ
عملها ف التنظيف والتتيب والطبخ بسرعة ودقة ف نفس الوقت ،لتجد نفسها آخر المر داخل هذه
الغرفة الت كانت ستزف فيها ،غرفة سعيد ،والت ظلت علي حالا ،خالية من أي شئ سوي حاجيات
سعيد الت كومتها العمة عقب رحيله :ملبسه ،صناديق الكتب ،صندوق للسطوانات وآخر للبيك أب
.والت ل يستطيع أحد أن يلمسها؛ الطلء الذي غطي ثلث حوائط الغرفة ،ما تزال بعض الرائحة
القدية قائمة داخل الغرفة الت ل يقم أحد بتهويتها منذ رحيل سعيد قبل زفافه بأيام،
رؤيتها لعيد الذي صارت تقته منذ تلك اللحظة البعيدة حركت هواجسها القدية ،فوجدت نفسها
تنهدت تود لو تزيح الثقل الاث علي صدرها ،ل تدر مت دخلت أول مرة هنا بعد رحيل سعيد،
لكنها تذكر الرة الخية قبل الزفاف الذي لن يتم أبدا ،كانت الجرة جيدة الفرش والتنظيم
حي قادها سعيد إليها ،قال لا :سأسر لك بأسراري ،كانت تعتقد أنه يود الختلء با كما كانت
تكي صويباتا ،ترددت ف البداية ،لكن قبضة يده الاسة علي معصمها جعلتها تطيعه وتدخل،
تعرف علي وجه اليقي ما الذي دفعها لذا دائما كانت تنظر إليه علي أنه رجل متلف ،ول
.العتقاد
حي دخلت قال لا :أجلسي .قعدت علي حافة السرير ،قلبها يدق ،عينها تتابع يديه ،ليس خوفا
منه أن تعصف هاتان اليدان با ،ولكن لعدم استقرارها ودوامهما علي الركة ،بالضافة إل أنا
كانت تريد أن تضع عينيها علي شيء ،بعيدا عن عينيه الت وصفتهما لصويباتا :بأنما بل
.قال :ما سوف أقوله ،سيظل سرا ،ل أحد يعرف به ،حت أمي ،عمتك
قال :يا ابنة خال ،تنبهت أنه ل ينطق اسها ،كانت تود لو سعته يتلفظ به ،لكنها واصلت
الستماع :هذه العائلة ملعونة ،ل تتك لنا سوي إرثها الثقيل .حاولت أن تستفهم عن العائلة
الت يقصدها ،لكنها لظت أنه ٍيوليها ظهره ،وينتفض وهو يتحدث :من الطأ أن نأتي بأطفال
.سيحل عليهم نفس اللعنة الت نرزح تتها ،اللعنة ،قدرنا ،الشتات
توقف قليل ،كي يلتقط أنفاسه التسارعة ،وهي حقيقة ل تعرف عما يتحدث
ـ حي بدأ أجدادنا بالتجارة ف العبيد ،أخذوا الناس من بلدهم البعيدة ،وشتتوهم ف البلد،
.بعيدا عن أهلهم وعشائرهم ،وأراضيهم وحكاياتم ،وأحبتهم ،هذا ما علينا أن نؤديه الن
يعتصره ،استدار حي اقتبت ،قال :ماذا ،أل تصدقي ؟ هزت رأسها ،تطاها مبتعدا :انظري يا
ابنة الال ،أين أعمامك المسة ،كل واحد ف ركن بعيد عن الخر ،أولدهم أين ؟ أخواتي،
إخوتك ،كل واحد بفرده ،بعيدا عن الخرين ،بعيدا عن مهبط قدميه،عن أهله ،حت خال ،أبوك،
.يقيم ف الطرف الخر من القرية ،قرية كاملة ،بكل طولا وعرضها تفصل بينه وبي أخته ،عمتك
أرادت أن تقول له :كل هذا ل يهمن ،ما يهمن هو أنت .وهو كمن قرأ أفكارها سعته ييب:
أريدك أل تقلقي من صمت الطويل وشرودي وتغيب ،ولكن تعلمي من عمتك ،الصب حت تقدري علي
ث فتح الباب وخرج ،بقيت زينب ذاهلة لفتة ،ث خرجت ويقينها يزداد بأنه متلف ،لديه قدرة
علي إياد كلمات غريبة وترديدها هذا ما أكدته ذات مرة ،لكن الشيء الساسي والكثر وضوحا
مسحت زينب الدموع التسللة من عينيها بطرحتها ،وفتحت باب الغرفة ،وخرجت لتجد عمتها
.أمامها ،فألقت بنفسها ف حضنها ،قالت العمة بدوء :ما تزالي سيدة هذا البيت
كانت الشمس تيل ناحية الغيب حي هت زينب بالغادرة ،ف نفس الوقت كان عيد داخل يضم تت
إبطه حزمة من البسيم ،أوقفها كلم عيد الوجه للعمة :أيرضيك الذي فعلته زينب يا عمة ؟
نظرت زينب إليه بغضب ،لكنها ل ترد ،مالت علي عمتها ،احتضنتها وقبلتها ،ث هست ف أذنا:
بلغي السلم إل أبيك .ضحكت العمة ،وأطلقت زينب من بي ذراعيها وهي تقول:
.غادرت زينب دون أن تلتفت قال عيد متشكيا :ل تنصفين يا عمة
ألقي عيد البسيم للبهيمتي ـ النعجة والروف ـ بعد أن فتح لما باب الزريبة ،جرت بعض
الدواجن ناحية الضرة وبدأت ف التقاط بعض العواد ،ورجع هو وجلس بوار السيدة ،لحظ الثنان
تباطؤ النعجة والروف ،لكن قبل أن يتحرك واحد منهما ليي ما الذي ينعهما ،أطل برأسيهما
وخرجا علي استحياء شديد ،تلفتت النعجة حت رأت سيدتا جالسة فوق الصطبة ،عدت نوها و دفست
مسحت بيدها على رأس النعجة وحاولت أن تدفعها بعيدا عنها ،غي أن النعجة ظلت متشبثة
بوضعها ،كانت النعجة تدفع أنفها تتشمم السيدة؛ بينما وقف الروف حائرا بي البسيم اللقى
على الرض وأفعال أمه فثغا بصوت رفيع ،الصوت وحده الذي نبه عيد إل الزن الذي يسيطر
.عليه ،فعاودته هواجس الظهية لا وجد السيدة مغشيا عليها بوار النخلة
.قال :مالا ؟ يقصد النعجة ،ويرص على جعل صوته مايدا قدر استطاعته
قالت السيدة ،وقد قامت تسحب النعجة من أذنيها ناحية البسيم :إنا أم .استفهم عيد بزة
من رأسه ،قالت :تعرف أن العيد غدا ،وستفقد وليدها .استنكر عيد ولكنه ل يقو على
الادلة ،فأكملت السيدة :ل تأتي بوليد آخر ،ف كل عام تسلمن خروفا عفيا ،حال عليه الول،
ههم عيد بكلمات مبهمة وبصوت خفيض ،خوفا من أن يدركه سع السيدة ،لكن يبدو أن أذن السيدة
التقطت المهمة ،فقالت وهي تاول أن تضع رأس النعجة وسط أعواد البسيم لتتشممها :قد صارت
نفضت النعجة رأسها من يد العمة وأعواد البسيم الت توطها ،وجرت نو الروف الواقف مستكينا
على غي عادته ،ففي مثل هذه اللحظات حي يفتح له باب الزريبة كان يري متقافزا ببي دواجن
السيدة ،يسابق أمه النعجة ف حوش البيت الكبي ،حول النخلة ،يلتقط بعضا من الشائش ث يغي
عليها – أمه – ناطحا ،واثبا فوقها ،وهي تدفعه بود يثيه كي يعاود ماولته أما الن كما
خلفه ،بينما قرفصت النعجة ووليدها بوار البسيم الذي تعبث به الدواجن ،دون أن يقرباه أو
ظل الغروب كسا الساحة المامية للبيت ،وتراقصت أشعة الشمس هناك ف البعيد تودع النهار
الخذ ف النصرام ،ألقت العمة نظرة طويلة لوائط البيت الطلية بالي حي زكمتها الرائحة
الريفة للجي ،توقفت عينها عند الرسة الباهتة لا وهي جالسة فوق سجادة الصلة ،أشارت
إليها ،قال عيد :منعت العمال من موها .رمت العكاز وجلست على الرض بساعدة يديها ،قالت:
ضحك عيد ،وفهم تلميحها للعمال الذين يقومون بطلء واجهة بيته ،قال :منذ زمن وأنا أفكر
ف هذا ،واليام تسرقن ،اليوم عند الفجر قررت ،ذهبت وأتيت بالي ونبهت على العمال؛ بالطبع
ل يشر إل باقي الشاوير الت قطعها ف الصباح ،خوفه من أن تقاطعه ،أو ترم دخلته عليها
البيت ،كان قد قطع على نفسه عهدا براعاتا ،وهو ملزم بالوفاء به ،إكراما لصديقه وللعشرة
والود الذي يكنه لا ،يدرك قوة تملها ،وهذا ما يعجبه فيها ،وإن كان يظن أن قسوتا هذه،
تطال روحها هي ،تعمل على إضعافها ،تدميها ،دون أن تدرك ذلك ،يرجع هذا إل تربيتها بي
ستة من الرجال – إخوتا – جعلها تتشبه بم وبقوتم ،ف أحوال أخرى ،يعتقد أن مثل هذه
النشأة ترج فتاة مدللة ،ل تقدر على مواجهة أتفه المور ،يتساءل :من أين تأتيها هذه
القوة ؟
حي جاء يسأل عن سعيد ،كان الوقت بعد العشاء ،ل يكن قد صادفه طوال النهار ،كانت
وحدها ،جالسة عند النخلة تتسي قهوتا بدوء وتتمتع ،قالت له :ف الزرائب .ولا ل يفهم ،
حكت له ما حدث ف الظهية بياد من يقص حكاية بعيدة عنه ،انزعج هو وركبه الكرب ،قام واقفا
نظر تاه الزرائب القابعة ف ظلمها ،أراد التحرك نوها ،غي أنا ردته بعنف وحزم :دعه .كان
صوتا آمرا بيث يعل من يسمعه ،يظن أن الذي بالزرائب ،ليس سعيدا ،ابنها ،طفلها البكري،
إنا واحد من العبيد البقي والواجب تأديبه وتذيبه ،ل يقدر على تمل الوضع ،فجرى خارجا،
وحي عاد ف الصباح ،وجدها مكانا ،كأنا ترس الكان لئل يتسلل أحد إل زرائبها الليفة ،وهو
الذي ل يستطع النوم مكروبا ما يل بصديقه ،استشاط غاضبا ،قال :ألست أمه؟ وهي بدوئها
القوي ،والبغيض ،أشارت إل الباب ،وقالت له :أخرج وأغلق الباب .أين تكمن هذه القسوة ؟
تساءل هل نولد با ،أم إن الياة تعلمنا إياها ؟ ل يستطيع التحديد ،غي أن عشرته الطويلة
لا ،جعلته يتعلم أل يعارضها بعنف ،ياول ترضيتها بقدر المكان ،لكنه يري تصاريفه بعيدا
عن يدها وعينيها خاصة تلك المور التعلقة با ،كذهابه اليوم – بعد الفجر – للتحدث مع بعض
.أبنائها وبناتا
كان الاج أحد ومعه مموعة من العيال يتقافزون حوله ،قال :هيا لننظفها ،وانطلق العيال
يسبقهم زياطهم وزعيقهم العال .سلم على عيد العائد من تأملته مصدوما بعض الشيء ،وراح
- المد ل .قالت :وانتظرت إل أن يستقر ف جلسته ،قبل أن تقول :أريدك ف موضوع .قال
.مبتسما :خي أن شاء الله .وقال عيد :أنا ذاهب لتابع العمال
تتد الساحة بطول البيت ،مساحة شاسعة ،تثل السهل البسط تت البل ،حي جاء الد وبن البيت
وجعل ظهره مميا بالبل ،ترك مساحة كبية أمامه كي يقيم فيها احتفالته الاصة ،وأيضا كي
يربط ضيوفه وزواره التجار ورجال الشرطة والسلطة وبعض كبارات البلد ركائبهم من :خيول
وإبل وبغال وحي ،حيث مد حبل طويل ،ثبته بالرض ،ومنه مد حبال صغية متباعدة كي تقيد
.البهائم با
هذه الساحة الت أهلت ف أزمنة تالية ،حيث كانت مفروشة بالرمل الشن وترش بالاء قبل بدء
الحتفالت ،تولت إل مكان تؤدى فيه صلة العيدين ،جعلها مكانا مثاليا لداء الصلة ف اللء
.وأيضا لتساعها الذي يساعد على ضم العداد الغفية للمقبلي على الصلة
على مسافة كافية بن بالطوب اللب منب مكون من ثلث درجات كي يقف المام عليه ليلقي خطبة
العيد بعد أداء الصلة ،وهذا ما حدا بأهل البيت ،بعد تول ساحتهم إل ساحة لصلة العيد إل
ملء مموعة من الباريق بالاء ،ليستطيع التأخرون الوضوء قبل الدخول ف الصلة ،حيث يتجمع
الناس بالسجد الامع ،و يبدأون ف التكبي والتهليل ،حت قرب وقت صلة العيد ،فيخرجون
إليهم ،أما الذين يأتون مهرولي قاصدين الساحة ،وتكبيهم وتليلهم يتعال بازدياد النضمي
،يدخلون البيت ،ويردون السلم بلهوجة وهم يتطفون واحدا من الباريق الكثية العدة،
ً لا،
باستثناء يومي العيد ،تظل الساحة خالية ،اللهم إل إذا عد لعب مموعة من العيال شغل
غالبا ما يأتي العيال ف الوقات الت تسبق الغروب ،وأحيانا بعد صلة العشاء حي تكون
الليال قمرية ،كانت العمة ترج ،تلس على عتبتها ،ترقب ألعابم وأحوالم التبدلة والت ل
.تقر على قرار ،وغالبا ما تعلق بكلمة واحدة :زمن
الطفال يلتقطون الجارة والزلط من أرض الساحة ويلقونا خارجا ،والسيدة بوار الاج أحد،
جالسي مستندين إل الائط ،قالت :أتس اليوانات بدنو الجل؟ تلقائيا رد الاج أحد دون أن
.أجلها -
ً ،ث أجاب :ف أحيان كثية يستطيع بعضها أن يرى اللئكة ..لكن
.تهل قليل
صمت ،وصمتت ،ولا أحس بصمتها يطول ،قام وأخذ الطفال كي ينظفوا الساحة جيدا ،يرج من جيبه
ظلت ف مكانا ترقبهم حت غربت الشمس وانطلق ف الو صوت آذان الغرب ،جاء الاج أحد ووقف
أخذ العيال ف النصراف جريا نو بيوتم ،وهو ظل واقفا يريد قول شيء يفف الدة الت تركها
كلمه ،غي أنا ل تكن تنظر نوه ،فانسحب دون أن تشعر به ،كان نظرها مثبتا على الساحة الت
نظفت تاما ،ل تدري لاذا أحست وعلى نو غامض بأن الساحة أصبحت جاهزة تاما لبدء سباقات
حي تعد الرات الت فرحت فيها ،وصارت روحها مبتهجة ،تتقافز حولا ،تدها قليلة ،للحظات
تفكر بذاكرتا الشوشة ،وتتهمها بأنا السبب ،تلعبها لتخفي عنها سعادتا الت عاشتها طوال
عمرها الديد ،تتشبث بالفكرة للحظات ،لكنها سرعان ما تؤوب وقد مسها طيف حزن شفيف ،تقول:
.الزن هو الدائم والسعادة نقط صغية ،مضيئة ،كفيلة بد أرواحنا بالقوة كي نواصل الياة
الن تقدر أن تعدد مسراتا بدوء وروية ،بعيدا عن النفعالت الوقتية ،ودائما ما ترها
ذاكرتا إل لظة ركوبا الهرة وسط عزوتا ،إخوتا الرجال ،تفزها للنتصار القادم ،انطلق
الهرة ف الرماح ،وصولا لط النهاية ،تليل التفرجي ،ليها للجام الهرة كي تستدير لتتلقي
.التاف ،وسط عرقهما – الهرة وهي – الذي يضوي تت سطوة الشمس النوبية التوهجة
كانت صبية قد استوت حي تسابقت لخر مرة ،خراط البنات قد أنى لساته أو يكاد خلل زياراته
السائية لا ،وبان تعلق العيون با ،وهي تنبهت إل هسيس جسدها ،ونضجه كامرأة تطو خطواتا
كانت سعادتا قد بدأت خوفا وتوترا وترقبا حادا لا بدأت تلحظ التغيات البسيطة التلحقة
الت تطول جسدها ،كانت الدة قد خبتا عن خراط البنات ولساته السحرية ،لكن لا استيقظت على
بقع الدم ف سروالا – لول مرة – جرت إل أمها الت ضمتها بنانا الصامت و مسدت ظهرها،
ف هذه اللحظة لأت إل أمها ،بينما تنام مع وخبتا كيف تتعامل معه ،حت الن ل تدرك لاذا
جدتا ف نفس الغرفة ،بل وف أحيان كثية بي أحضانا ،والكثر من هذا تستشيها ف كل أمر مهما
صغر أو كب ،كانت دائما ترى أمها صامتة ،تؤدي أعمال بيتها بصمت كبي ،ترقب فقط بعينها كل
شيء ،ول تعلق ،نادرا ما كانت تراها تثور ،فقط تلب ،تظل طوال اليوم ف حركة دءوبة دون
إظهار للتعب أو حت التشكي ،ف البيت سبعة رجال وثلث سيدات تعرف جيدا أن عبء الدمة يقع
على كاهلها ،ل أحد سواها ،حت ابنتها الصغية – فاطمة – ل تكن لتعتمد عليها ،كانت تسوقها
بلطف بعيدا عن أعمالا ،لكن لا جاءت فاطمة وأخبتا ببقع الدم ،أخذت يدها ووضعتها ف أعمال
البيت ،كانت تدربا ،إخوتا الرجال ل يعلقوا ،وكذلك الدة وإن علقت على شيء آخر هو كثرة
إختفاءات البنت – فاطمة – واختلئها بنفسها وشرود ذهنها ،حاولت أن توضح لدتا لكن لسانا
ل يطاوعها ،والدة الت يبدو أنا أدركت ما يعتمل داخل الفتاة ،ضمتها بنو بالغ وبتفهم كبي
ول تطالبها بتفسي لتأخرها الدائم داخل الكنيف أو إحكام إغلق باب الغرفة عليها إن كانت
.لوحدها
كانت فاطمة قد لظت خلل السباقات الخية تناقص الراغبي ف التسابق معها ،كانت تعلم بالشرط
الذي وضعه أخوها ،بأن من يرغب ف الزواج منها عليه أن يتقدم عليها ف السباق ،ف البداية
ل تعر المر أي اهتمام ،كان ما يهمها فقط هو أن تركب الهرة وتري ،وتسابق ،تفوز ،تتلقى
هتافات النصر ،لكن لا بدأ جسدها ف الستدارة وجذب العيون ،تناقص عدد الذين يتسابقون
ضدها ف الضمار ،كانت تعرف أن الاسر ل يق له أن يطلب يدها أو حت ينازلا مرة أخرى ،كانت
إذن فرصها آخذة ف التناقص ،نعم فرصها هي؛ فرصها ف التسابق وفرصها ف الزواج ،فهي بأي
حال من الحوال لن تقدر على كسر كلم الرجال إخوتا ،لن تقدر على الزواج بدون خسارة ف
السباق ،السباق الذي ما إن تدخله حت تنسى كونا امرأة ،فقط ،تعرف كيف توجه الهرة ،مت
تدكها بالركاب ومت تسوطها ومت ترخي اللجام ،ث تدكها الدكة الخية لتحصد النتصار التوقع،
حت الهرة – ذاتا – باتت عارفة بطباع سيدتا وكيفية قيادتا ،جسدها الشدود التوتر ،ينتظر
حي حاولت أن تلمح لدتا بوقفها ،قالت الدة :الفارس يعرف مت ينزل عن حصانه ول تزد ،أرادت
أن تقول لا :إن تركي للمهرة يعن أني قد أتزوج من رجل ل يسابقن ،فيسقط كلم إخوتي ف
الرض ،ويصي حكاية تضاف إل حكاياتنا الزينة .لكن الدة ل تسمع لا؛ قالت لا أمها :الرجال
ل يبون النساء التفوقات عليهم .كانت قد حكت نتفا من هواجسها لمها وهي تساعدها ف أعمال
البيز استعدادا ليام عيد الضحى القبلة ،ث صمتت كعادتا ،حاولت هي أن تستفهم منها ،لكن
.الم أكملت :على الرأة أن تعرف جيدا مت ترخي اللجام ومت تشده
كانت اليام الثلثة التالية للعيد هي أيام سباق الرماح ،حيث تبدأ اليول بفرسانا بالتجمع
ساحة السباق الاورة لضرحة بعض الولياء عصر يوم العيد بالقرية ،وتأخذ ف التقاطر إل
الليي ،تأتي اليول من القرية والقرى الاورة ومن بعض البلد البعيدة ،فالسباق له أهيته ف
تديد أسعار اليول التسابقة ورفع اسم العائلت الالكة لا بي القرى ،وأيضا مناسبة جيدة
لستعادة – ولو جزء قليل – من الماد القدية ،والت تتلئ با السي الشعبية والتاريية الت
يقصها الشعراء والكاءون على جانب مضمار السباق ،ما بي ربابة أو دف أو جلسة سر فوق واحد
تبدأ السباقات ف الضحى وتنتهي عند الظهية لتعاود نشاطها بعد العصر حت غروب الشمس ليكون
الساء خاليا للعزائم واستعراض الكرم والكايات ،ثلثة أيام تعل القرية ف حركة دائمة كأنا
منذ فجر ثاني أيام العيد ،أسرجت مهرتا وارتدت ملبسها الت حرصت عند حياكتها أن تظهرها
كأنثى ،كانت منذ فتة قد أبدت اهتماما كبيا بلبسها ،حي دخلت إل أرض السباق بي إخوتا
الرجال أدركت علي نو غامض أنه ربا يكون آخر سباق تركب فيه ،ربا لنظرة الشباب والرجال
نوها ،أحست أنا نظرة ليست كسابقتها ،النظر إل فارس ،أو إل طفلة مدللة بي إخوتا ،لكن
نظرة رجل إل امرأة ،امرأة يشتهيها ويرهبها ف نفس الوقت ،يرغبها وياف منها ،ربا توترها
الزائد هو ما جعلها ترتف فوق سرجها ،أو لعل هواجسها الت أوحت إليها بذا حي ترأ بعض
الشباب بتديد كلمات وقحة بعيدا عن مسامع آذان إخوتا الذين انمكوا ف طقوس السباق ،البعض
منهم فوق خيله والخر يقوم ببعض العمال التجارية ،والبعض الخر يارس دور الزعامة ،أما
أخوها عثمان – والد زينب – فهو هناك ف دائرة التحطيب ،يصول ويول ول يقدر أحد على
.ماراته
يومان مرا وانقضى ضحى اليوم الثالث ،وها هي العصرية الخية ول يتقدم واحد من الفوارس
ويطلبها لتسابقه؛ ف اليوم الول كانت مبتهجة لذلك ،خاصة بعد فوزها السهل لذلك التعاجب
بنفسه ،حت أنا ل تعده من الفرسان ،كان ينظر لا كعروس يكن اصطيادها ،و ليس كفارسة تستحق
تقول ف نفسها :يافون ،يعرفون خطورتي .لكن مع انتهاء النزال ،لذا أسقطته من حساباتا؛
أرخت اللجام للمهرة فجرت قاطعة أرض السباق وحدها ،كأنا تستعرض ،تقول :أيها البناء !!
كانت تتوقع حي عودتا إل نقطة البداية أن يسارع واحد منهم ويتحداها ،مستغل الناك الذي
قد أصاب الهرة نتيجة للركض والستعراض ،كانت تعرف هذا ،و تازف به ،روحها حنقة ،تس با
ضيقة ،كأنا طوقها وخصرها يريدان أن ينشقا لينفجر السد الضغوط داخلهما ،ليتنفس ،لكن
لصدمتها ل يتقدم أحد ،حت الكلمات الذرة الت كانت تنطلق خلسة من بعض الفواه ،تلت عن
.حذرها وزادت جرأتا ووقاحتها
كان الضغط الذي تتعرض له أكب من قدرتا على التحمل ،كانت تقول :كنت ماصرة بالكراهية،
كنت أتنفسها ،أتقلب بي نارها ،كان علي الصمود ،لكن إل مت ؟! رأت بعض اليول تأخذ طريقها
للنصراف ،ف هذه اللحظة قررت التسحب والروج ،كان القهر أشد منها ،تبحث عن بقعة بعيدة،
تكون فيها وحيدة ،تريد البكاء ،تعرف أن البكاء قدرة العاجز ،ل تكن تدرك جيدا – ف هذا
الوقت – سبب الكراهية الت تواجهها ،تتساءل :هل لا يد ف ذلك؟ كانت عينها غائمة متلئة
بالدموع ،لكن وضوح صورة أمها ف ذهنها ،جعل الدموع تتاجع ،تدرك – الن – أن قوتا ،قدرتا
حي لوت عنان مهرتا للنصراف ،أتاها صوت :إل أين يا ابنة العم؟ التفتت ،كان مصطفي ابن
.عمها ،فوق حصانه يقطع عليها الطريق ،قالت دون أن تنظر ف وجهه :راجعة إل البيت
تنبهت جيدا لوقع كلماته ،أهو شامت أيضا ،هكذا ذهب فكرها ،شحنة الغضب الت بداخلها راكمت
كلمات قاسية داخلها ،تدافعت إل حلقها لكنها ل ترج ،أحست بشرجة تسك با ،وأتاها صوته مرة
- ماذا؟
ردت مندهشة ومستنكرة ،نعم هو ابن عمها ،مدله با تعرف ،وتعرف أنه فارس ،لكنه أبدا ل
يطر ببالا أن تسابقه ،حت أيام تدريبها بي إخوتا وهي صغية ،ل يسابقها أبدا ،ما الذي
.دفعه الن؟ الشفقة !! ربا رأى الدموع التحجرة ف عينيها وهي لهية
مصطفي ،كانت تعده واحدا من إخوتا ،ل تفكر فيه كرجل غريب عنها إل حي بدأ اهتمامها
يتزايد بسدها ،ف أوقات كثية كانت تس بعينيه وحركته تتجول قريبا منها ،تتفقد دائما
أماكن تواجدها ،كان ذلك يثيها ،يعلها تتعمد الختفاء ف حال تواجده داخل البيت ،لكن ها
هو الن يرى انكسارها الذليل فيسارع بد يده ،تلؤه الشفقة ،أرادت أن تقول :ل .غي أنه –
الشمس مالت نو الغيب ،وساحة السباق وقفت على قدم لا رأتما يستعدان لبدء التسابق ،كانت
تقول :يريد أن يطيب خاطري .لكن هاجسا آخر هاجها ،أيقدر على التفوق عليها؟ تعرف قدرته،
على الانبي تراص خلق كثي ،وامتدت الساحة الرملية واسعة وفسيحة ومهيأة لتى السباق الخي
لفاطمة؛ كان عقلها يعمل بسرعة وعينها تتلس النظر إل وجهه الذي يبدو ثابتا ،ل تظهر عليه
قلبها يتصاعد كما لو كانت تدخل السباق لول مرة .أية انفعالت بينما وجيب
شرط الزواج ،تذكرت ،هكذا المر ،ردها ذلك إل قلب السباق وأبعد عنها تيلها لروح
.الشفقة الت تسيطر على مصطفي وفعله ،تبسمت ،وغمرها هناء داخلي عميق
انطلقت اليل تسابق قدرا قد خط من قبل ،وانطلق التهليل ،ل تكن تسمعه ،حواسها كلها مركزة
بالسباق ،حي دكت مهرتا عند البداية أدركت عنف السباق ،فمصطفي ليس بالفارس السهل ،كان
ياورها ويبط خططها ف التضييق عليه ،كانت تراه مبتسما وهو يقوم بذلك ،فأغاظها ،فدكت
.بركابا جانب الهرة الت انطلقت كسهم ملفة مصطفي وراءها بقدار ذراع
كانت ناية السباق تقتب ،والسافة بينهما كما هي ،ورن بعقلها صوت مصطفي :أسابقك على
الشرط .التفتت نوه ،وجدته مبتسما كأنا واثق من الفوز ،تعرف أن المتار القليلة الباقية
هي الت تدد الفائز ،هنا تظهر قدرة الفارس وبراعته ف خداع الصم والتحكم باليوان الذي
يعتليه ،رأته يتقدم حت ياذيها ،ولفحتها رائحة عرقه ،فتذكرت الشرط القدي ورأت يدها تشد
اللجام ،تكبح الهرة ،ت هذا ف لظة دون إدراك كامل منها ،غي أنا كافية لعل مصطفي يتقدم
الن لا تستعيد الحداث ،تدقق ف ملمح الطفل ،فتبهتها العرفة ،أنه عوض ال ،عوض ال اللب
ً وقتها ،تقول :حت الن ل يقدر على مسامت ،ورثنا كرها متبادل
ً ،ل نقدر أبدا الذي كان طفل
على التسامح ،و التسامح ل ييء إل بعد النسيان ،هو ل ينس خديعت له ،خديعت الت قادتا
.الرأة بداخلي ،وأنا ل أنس أبدا أنه من غرر بصغيي وطفلي الول :سعيد ،ياه ،زمن
الراديو يواصل بثه على الواء ينقل حركة الجيج وصلتم للمغرب والعشاء ف الزدلفة ،وهي
فوق مصليتها تتابع بأذنيها ودموع تتقرق بعينها توشك على النزلق ،وتلعن ف سرها الحداث
والظروف الت حالت دون ذهابا لداء الج ،كم مرة ،ل تود التذكر ،لكن الشوق يعتصر فؤادها
كانت عقب عودتا من الارج قد أدخلت نعجتها والروف إل الزريبة ويعل روحها ضيقة.
ً ،كذلك وضعت العشاء لدواجنها ولنفسها ،ث هشتها برفق إل مواضعها،
بعد أن تسحت با طويل
دواجنها ل تانع ،فمع طول العشرة أدركت – غريزيا – طباع وتقلبات سيدتا ،فعرفت الوقات
الت تعاندها فيها أو تعابثها أو تطيعها ،من أول النهار ،وحركة السيدة توحي لا بضيق
.النفس وضيق الروح ،فآثرت السكينة وذهبت إل مواضعها دون رفرفة أو مشاكسة
سخنت ماء واستحمت به ،قالت :لا كنت صغية ،كنت أصحو قبل الفجر ،استحم وأرتدي ملبسي
جاءها " عيد " ،شرب معها القهوة ،ث هشته برفق ليعود إل " عزيزة " – زوجته – فهذه ليلة
عيد ،وليس عليها أن تفسدها عليها بطول حديثها مع " عيد " ،قالت وهي توصله عند الباب :
توقف مستفهما أضافت :روحي لن تقدر على تمل ألها .فهم أنا تقصد غدا لن أذبح الروف.
النعجة ،ل يشأ أن يقاطعها ،فانصرف ،وهي أغلقت الباب خلفه وعادت لتجلس فوق مصليتها
بيدها مسبحة ،كان قد أهداها لا سعيد لا قرر البقاء والزواج ،كانت تقول عنها :أشم فيها
.رائحته
قامت وخرجت إل الوش الذي ينيه القمر ،نظرت نو النخلة ،وباقي البيت ،خاصة الزرائب
اللفية الواقعة تت الظلل ،رأت كأنا طيفا يتحرك هناك ،غي أن كلل بصرها منعها من التيقن،
.هشت الاطر من بالا ،وعادت إل سريرها وتددت عليه ،قالت :بسم ال الرحن الرحيم .ونامت
كانت العمة قد أضمرت ف قلبها ،لا كانت ف حلها الول ،أن تطلق أساء إخوتا الرجال علي من
سوف تنجبهم من الذكور ،وبالتتيب الذي جاءوا به إل الدنيا ،فهي طوال عمرها تعيش قوية،
قادرة ،تت ظل سطوتم وقدرتم ،كما أن واحدا منهم ،إخوتا ،ل ينهرها ،أو حت قال لا أف ف
.يوم من اليام
أطلقت اسم :سعيد علي ابنها البكري ،وعلي مولودها الثاني :علي .لكنها عدلت بصراحة
عن عزمها حي لظت ترابط مصائر أولدها ،بصائر أخوالم ،إخوتا ،فسعيد الذي أظهر ميل واضحا
تاه التشرد والنفلت من قبضتها ،كذلك كان خاله الول ،والذي غادر العائلة إل السودان دون
حي انطلقت الرب العالية الول من عقالا ،ولأ النليز والسلطة الصرية إل القبض علي
شباب السر غي القادرة وترحيلهم للحرب وخدمة النليز وإرسالم إل أتون الرب الشتعل؛
وبوشاية مكمة من العائلت الخرى ،جاء رجال السلطة للقبض علي سعيد الكبي ،ولا كان
للعائلة قدر ما يزال من القوة واليبة استطاعت به أن تتفادى هذه الكارثة ،ف القابل كان
علي سعيد أن يغادر القطر الصري كله ،ول يكن هناك سوي العمام الذين بقوا بالسودان،
أثناء الطور الثاني من العائلة ،فسافر إليهم ،وكما انقطعت أخبار العمام منذ مدة طويلة،
انقطعت أخباره أيضا ،لذا لا وضعت السيدة طفلها الول بعد أكثر من مرور خسة عشر عاما علي
هذه الواقعة ،أطلقوا عليه :سعيد كي تؤكد لنفسها أول ،ث لوالديها وإخوتا وزوجها ،بأنم،
.ل ينسوه
جاء الولود الثاني للسيدة ذكرا ،فأطلقت عليه دون تفكي :علي .الوقت أوائل
.الربعينات ،وشبح اللريا ييم فوق أجواء الصعيد ،منذر بكوارث ل يكن تفاديها
بعد شهور قليلة من ولدتا رحل معا ،علي الكبي وعلي الصغي ،ف نفس الوقت نذر الرب العالية
الثانية كانت متعالية ،واليد الطويلة والقوية للسلطة استطاعت هذه الرة أن تتد وتقبض
الشماتة الطاغية للعائلت الخرى داخل القرية ،كل ذلك جعل السيدة تعمل بالا وفكرها طوال
أيام وليال الزن التعاقبة ف مصائر أولدها ،حيث أدركت بس غريزي بت التشابه الذي يربط
مصائر أولدها وإخوتا ،بروية و طولة بال قررت التحايل علي هذا الوضع ،قالت :ماذا ف يدي
غي اليلة؟
راجعت خلل لياليها الطويلة الؤرقة الساء الت تطلقها العائلة علي أبنائها ،بدأت تسأل عن
أساء الكبار من العائلة بداية من عبد ال الرحال ،الد الول ،وحت الن ،ل تستغرب كثيا ،حي
وجدت أن أساء بعينها تتدد كثيا داخل العائلة ،أساء الذكور والناث وإن كن قليلت ،وتبسمت
كانت حيلتها ببساطة تتجلى ف اختيار أساء بعيدة عما اعتادت العائلة أن تطلق من أساء علي
أبنائها .فاختارت للولدين اللذين أنبتهما بعد ذلك :نصار ،وزين العابدين ،والبنتي:
.حياة ومنتهى
طوال الوقت كان يداخلها شك بأن حيلتها العاجزة لن تفلح ف مواجهة حبائل القدر النسوجة
بإحكام شديد ،لكنها تتاجع قائلة :وهل أقف مكتوفة اليدي ؟ كان زوجها مصطفي قد أبدي
تعجبا واضحا لا لظ إصرارها علي الساء الديدة الت تتارها لطفالا ،كانت قد اتفقت معه ف
البداية علي ما اعتزمته حيال أساء إخوتا الرجال ،حي راجعها ،صمتت أصرت علي الساء
الديدة ،دون أن تفسر له ،ل يتوقف كثيا أمام المر الذي أرجعه للضربات الوجعة الت تتعرض
تثل تارة البوب ،خاصة الزراعية الورد الرئيسي لقتصاد العائلة ،فبعد أن فقدت تارة المال
والعطور والبهارات خطوطها وطرقها الرئيسية بي مصر والسودان خلل سنوات الرب العالية
الثانية ،وتبعثر بعض من أفراد العائلة تبعا لذلك ف البلد ،كان علي العائلة أن تواجه
مأزقها و ضائقتها الالية الت ضربتها من جراء سنوات الكساد العام ،لذا خفضت تارتا
وتعاملت ف تارة البوب الزراعية ،تشتيها بكميات كبية ،تأتي من البندر ،مملة داخل
الصنادل الشراعية ،ليتم تزينها داخل البيت ،لبيعها طوال العام لزارعي القرية والقرى
.الاورة
رغم التحول والقتاب من الزراعة ،ل يفكر رجال العائلة مطلقا بشراء أراض زراعية وتلكها،
كانوا ينظرون للمر علي إنه يرهم ناحية العبيد الذين كانوا يبيعونم خلل السنوات
البعيدة ،كانت التجارة ،من وجهة نظرهم ،تؤمن لم تيزا ووضعا اجتماعيا عاليا ل يكن
إنكاره ،وهم بذا العتقاد ل يكنهم أن يعطوا للزمن الفرصة للنيل منهم ،فمنذ بدأ يدير لم
.ظهره وهم ياولون التمسك بالشياء الت تافظ علي وضعهم ومكانتهم
جاءت الكارثة هذه الرة ،حي ضربت عاصفة ترابية قلوع الصندل المل بالغلل ،ما أدي إل غرقه
ف عرض النيل ،ف هذا الوقت كان سعيد الكبي ،قد رحل إل السودان ،وتوف علي ،أما موسى
تواترت عنه أخبار بأنه فر هاربا من الهادية ،واتذ طريقه نو الشام وإن كانت بعض الخبار
.أكدت موته ف الرب ،والبعض الخر منها قال أنه فر باتاه الغرب
عقب واقعة الصندل واختفاء الب لفتة ،عاد بعدها متصوفا ،زاهدا ،غي راغب بالبقاء داخل
البيت ،إن هي إل أيام يقضيها معهم ث ينصرف إل أحد الوالد القريبة أو البعيدة ،لقد صار
كان علي الشبان الثلثة التبقي داخل حظية البيت :خليل وعثمان وإبراهيم ،أن يتدبروا
أمورهم ويواجهوا الياة بصدورهم وأذرعهم ،كان عليهم القتال داخل هذه الظروف مع مصطفي،
ابن عمهم وزوج أختهم ،لكن الياة لعبت لعبتها أيضا ،ورمت عصا التشتت بينهم ،فما هي
ول يكن حظ أبناء السيدة أفضل من حظوظ أخوالم وأجدادهم ،رغم كل الحتياطات الت حاولت
السيدة جاهدة أن تأخذها ،وتبن حولا أسوارا متينة إل إن السهم النطلق كان ير ،ليؤدي
ثبت عيد الكشاف باتاه الائط فأنار الظلل الت كونا القمر ،تساءل :من أين أبدأ ؟ بيده
قلب الريدة الضراء الشطوفة ،وبوار الائط ركن علب اللوان ،متحيا أمام الائط العريض ،
قال :ف ليلة بعيدة كهذه وقف جدي يعاني نفس الية .حيته ل تدم طويل
ً ،عينه التقطت
الرسة القدية لسيدة فوق سجادة الصلة ،قال :سأخالف جدي ،لن أبدأ بالكتابة ،راح
بدأ بالسجادة والزخرفة الت تتويها ،والكتابة الت توط الركان ،ث جسد السيدة ،بدأ
بالزء التبع فوق السجادة والسبحة ،كانت يده تسرع كلما تقدم ف العمل والوقت ،قال :
سبحان ال ،حي كنت ألون حوائط بيت ،كانت يدي غي طبيعية كما هي الن ،وصل لوجه السيدة ،
.والفرشاة – الريدة – تري باللوان ،لدرجة أنه كان يس بعدم قدرته على التحكم فيها
الوجه القدي الني رأى كأن فرشاته أضافت له بعض الطوط و التجاعيد ،فبدا حزينا بشكل ما.
ارتف حي داهه هذا الاطر ،تراجع مبتعدا عن الرسة ليتأكد من وساوسه ،كانت اللمح تاول
كبت حزن طويل ودفي ،هرع ثانية ليعيد بعض البهجة للوجه ،حاول مو بعض الطوط ووضع
أخرى ،غي أن ما كان يرغب ف موه وتعديله ،صار أكثر ثباتا ووضوحا ،قال :لاذا ؟
التقطت أذناه صوت الراديو الذي يبث قراءة للقرآن الكري ،كان الشيخ " رفعت " الذي يعشق
تلوته ،حاول تبي اليات ،إل أن اضطرابه وبعد الصوت القادم من الداخل ،بالتحديد من
أين يكمن الطأ ؟ تساءل مدثا نفسه :ف حالت مشابة تغلبن هواجسي ،لكن الن ،فقط أعيد
رسم الصورة القدية .مد يده مشيا إليها ،لكن ما الذي حدث ،أهي الصورة الت تتحكم ف
إظهار ذاتا كيف تشاء ،أم هي معايشت لا ولزنا الذي بات مسيطرا عليها ؟ رغم قوتا الت
تنبه على لسع السيجارة بي أصابعه ،فداسها ف التاب ،وقام واقفا ،وقال :على أية حال
.يب أن أكمل
هدأة الليل والنسيم الريفي أدخل العمة ف النوم مباشرة ،كل شيء ساكن حولا ،حت دواجنها
هجعت دونا صوت ،ما يتدد ف الكان نسمات الواء الرطبة الت تعلو وتبط بقراءة الشيخ رفعت
كأنا تنقيها من أثقال حاولت التعلق با ،ببساطة واضحة كانت روح السيدة تصفو ،و ترتفع
.ملقة
تسيطر عليه؛ بعد أن نقل السقالة ،تساءل : تفكيه ،لكن ما تزال الية القدية للجد الكب
ماذا أرسم ؟ رص علب اللوان أمامه ،وفرشاته بيده ،غي أنه ل يعرف ف أي لون يغمسها ،
وأي خط سيخطه ،قال جده ذات مرة معلقا علي أدائه فوق حوائط البيت للمرة الول :أن أرى
صوت سعيد ،قالت ث انتظرت حت تردد النداء مرة أخرى ،تأكدت أنه صوته ،فتحت
عينيها ،رأت الوجه البتسم والذي يفي قلقا كبيا خلف البتسامة الت ياول إظهارها ،قال :
تأخرت يا أمي ..الكل ف انتظارك .تنبهت لا حولا ،وجدت البيت غارقا ف أضواء ملونة ،
وغناء شجي ينبعث آتيا من عند النخلة ،نضت ،ووجدت واحدة من بناتا تلبسها ثوبا السود
القطيفة الغال ،ارتدته فوق جلبابا الرير الخضر ،والذي أتى به سعيد لا كان ينوي
الزواج ،قامت وخرجت إل حوش البيت ،كانوا كلهم بانتظارها :جدتا ،والدها ،والدتا ،
إخوتا الرجال ،مصطفي زوجها وابن عمها ،أولدها ،وسعيد يقودها من يدها ،جيعهم واقفون
يرسم ،نلة أصلها ثابت ،ورأسها يتطاول إل العال ،تتها وحولا خلق كثي ،تغلب عليهم
.البهجة والسرور ،وكأنا صوت غناء يتحدر إل سعه ،ويده تعمل بسرعة ل يعهدها
من الباب خرجت وسط الغناء الدائر ،الدواب واقفة ف النتظار ،تقدمت باتاه مهرتا الت
يسكها رجل عجوز ،حي اقتبت ،أخذ يدها من يد سعيد الذي كان ينظر للشيخ بنظرة مليئة
بالغضب والنق وإن كانت الشفقة تتخللها أحيانا ،حاولت أن تستعلم عن الشيخ ،لكنه تقدم
.وعدل السرج وساعدها على الركوب ،ث ضرب كفل الهرة الت انطلقت وسط الزغاريد التصاعدة
رسم مهرة تركبها السيدة تم بالركة ملفة وراءها بقليل شيخا كبيا يلله حزن غامض ،حاول
التوقف ،ليتمعن ف هذا الزن النبيل الذي يسيطر على رسومه منذ أول الليل ،رغم البهاء
الذي يستشعره داخله والذي ييط برسومه من الارج ولكنه ل يتقها ،ل يقدر على التوقف ،
وجد يده ترسم بعد مساحة قليلة ،السيدة فوق بعي يعب الصحراء ،ث السيدة ف باخرة تتاز
.البحر ،ث السيدة فوق بعي للمرة الثانية تعب واديا ،تبدو ف نايته مئذنة عالية
كل أحبتها من حولا ،وهي بينهم بعد أن خلعت الثوب السود الثقيل وارتدت الثوب البيض
الذي أعدته منذ زمن طويل لرحلتا إل الج ،كانت سعيدة وجزلة لكن على نو مبهم كان الكدر
يهاجها ويضع أمام وجهها وجه الشيخ العجوز ،كانت تس بأل غامض يعتصر الشيخ ويعل نظرات
الشفقة من عي ولدها تطل ؛ تنظر إل أحبتها ،سعداء ،وجوههم تعب عن نشوة فارقتهم منذ
زمن طويل ،حت سعيد الكفهر دائما ،بدا منبسطا لكأن حلمه القدي بأن يتجمعوا من شتاتم
.قد تقق
خط خطوطا لرم واسع تتوسطه الكعبة الشرفة بكسوتا السوداء البهية ،وحزام أبيض يتوسطها
تغمره الكتابة " ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل " وطيور تلق ف فضاء الرم ،
طيور كثية ومتداخلة ،ل يستغرب حي وجد يده ترسم بينها دواجن السيدة ،ترفرف فوق الرؤوس
تبدو واضحة ،تطوف وسط هذه الموع الغفية ،من بي هذه الكثية التداخلة ،إل أن السيدة
الموع بدا وجه العجوز واضحا وهو يرقب السيدة الت أخذت تدقق ف الوجه الوادع ،ورويدا
أخذت ف التعرف عليه ،لا رأته يتبدل ويأخذ وجوه :والدها ،إخوتا ،زوجها ،ابنها سعيد
… ،إنه
ال أكب ..ال أكب … صوت آذان الفجر يتصاعد شجيا نديا إل السماء ،قالت السيدة فوق
سريرها :إنه جدي ،عبد ال الرحال ،نعم إنه هو ،لكن هل كنت أحلم ،أم تراني كنت أتيل
ما ترسه خطوط الولد عيد فوق حوائط البيت الذي بناه الد الكب ،حاولت القيام ،وجدت
ال أكب ..ال أكب ..صوت آذان الفجر يتصاعد شجيا نديا إل السماء ،تنبه عيد إل المى
الت تتاح بدنه ،قال :أنا متعب ،وف حاجة إل الراحة ،تطلع إل الرسوم الت يظهرها ضوء
الكشاف ،قال :هل رست كل هذه الرسوم هذه الليلة ،يبدو أني أحلم ،أو أني أرى حلم
.السيدة النائمة بالداخل .سار متجها ناحية بيته وهو يدث نفسه بالنوم لعدة أيام
تاملت السيدة حت قامت ،تسندت علي عكازها وخرجت إل الوش ،رأت كأنا البيت مضاء ،وأصوات
الغناء والبتهال والني تتدد واضحة بي جنباته ،بصت حولا ،رأت النخلة قائمة ف سرة البيت
يتاقص حولا أطياف بدت واضحة تردد الصوات الت أخذت ف التمايز والوضوح والرتفاع وهي
.تتقدم نوها
كتاب الرجال
التحدي الوقح هو الذي يتحدث ،ذلك ما أدركته عقولنا بوضوح و ثبات كامل ،ل يكن هناك شك ف
أن موقفنا صار حرجا ،و كرامتنا عرضة للتمرغ ف الوحل ،و ذلك بسبب غي معلوم ،فالشاب الذي
ظهر فجأة و كأنه نبت من خلف التلل ف غفلة من الميع ،على القل ل نعرف دافعه لثل هذا
.الفعل
الشاب الذي بدا حييا ف كلمه و هو يزحف مقتبا من حواف الدائرة ،ل يلفت انتباهنا،
قلنا :غريب ،كأي غريب ينزل بساحتنا أيام العياد ،وجهه يمل ست الغرباء ،نظراته غي
الستقرة ،لجته التددة الت تتحسس وقع الكلمات قبل النطق با ،كل هذا جعلنا نطمئن لكونه
غريبا و عابرا ،و هكذا الال دوما ،كل غريب عابر ،ل يستقر إل لوقت ،يأكل فيه من زادنا،
و يشرب من مائنا ،ث يضى لال سبيله ،و لسانه يروج لكرمنا الفائق ،و حسن استقبالنا
.للغرباء
ف ناحية الشباب وقف يتابع اللعبة بانتباه شديد ،و ما الضي ف ذلك كلنا يفعل ،و إل
ما معن وجودنا هنا و الن :لعبة التحطيب .العصا و الرجل ،الرجولة و ليونة الركة ،حسن
الكر و تدبي الفرار .يسك الرجل بالنبوت و يرفعه عاليا ،شاما ،و ينفضه نفضا ،ليسمح لكمه
العريض بالنزلق على زند ذراعه ،كي تبي قوة العضلة و حجمها ،البعض يعل عضلت ذراعه ترقص،
و هو يقوم بز العصا ،يتبها ،يربا من طرف ،ث يطوحها ف الواء و يلتقطها من طرفها الخر،
يريد لقبضته عليها أن تكون قوية مكمة ،كي ل تذله عند الاجة؛ يدور حول اللقة ،حجل برجل
و نصف ،يقفز هنا ،و ينط هناك ،يستدير بسرعة و خفة ،يستعرض مهارة السد و قدر مطاوعته
لصاحبه؛ ث ينطقها قوية و مطوطة من زمام شفتيه":ســو...ســو" .إذانا ببدء اللعبة ،كلنا
خب تلك الركات و جربا ،لكن مواجهة الصم تص كل فرد بعرفته ،كل واحد و له طريقته ،و هذا
ما يفرق بي فارس و آخر ،كل يشق دروب الياة حسب فهمه؛ كانت العمة تقول :كل ابن آدم و له
دفة ف رأسه ،يديرها بكيفه .الهم هو الفوز ،و انتزاع الهات من جهور اللقة التحفز لختطاف
عصا الهزوم؛ ف كثي من الحيان يتنازل اللعبان عن عصييهما لزوج آخر من اللعبي ،فالغرض
حي تقدم الغريب و أخذ العصا من أحد اللعبي ،رمقناه ف خفة و تعجل ،بدا لنا بسده
الطويل و رأسه العارية ،هزيل نوعا ما ،و إن كان واضحا أنه يعتن بلبسه ،فجلبابه البيض،
وارد الليج ،مكوي بطريقة لفتة ،الساور مكمة الغلق بأزرار تبدو كالذهبة ،و طرف قلم يتدل
من جيبه العلوي ،قلنا :غريب و هزيل ،و رباية مدارس ،سيأخذ دوره و يضى؛ ث ما لعيال
الدارس و لعبة العصا ،أل يكفيهم أنم ل ييدون شيئا سوى التسكع و مناطحة الكبار و تسفيه
كلمهم ،على العموم هو غريب و لن يصمد ،فلعبنا الذي يلقيه جيد ،لن يتمل الغريب منازلته،
تبادلنا الثرثرة العتادة ،و أشعلنا السجائر ،و تلفتنا حولنا ،فالدور ل يستحق الفرجة،
هو تسديد خانة ف باب الضيافة ،واجب فرضته علينا اللقة بوجودها هنا ف سفح الول الفقي،
ســو...ســو" صرخ با لعبنا ،و ل يردها الغريب ،أو خرجت منه خائفة و ضعيفة ،فلم"
تصل مسامعنا ،رفع لعبنا عصاه ،و حجل دائرا حول اللقة ،أما الغريب ل يرفع العصا بل جرها
خلفه على الرض ،كأنا يط حدود دائرة اللعب ،ل يجل برجل و نصف ،ول يهرول حول اللقة ،بل
سار متمهل ،وجهه جامد ل ينم عن شيء ،خطوتان و تلقت العصي ف دوى نعرفه ،نظرنا إل عصا
الغريب ،ل ترتف ،كانت ثابتة ،و فتح بابه ،قلنا :أهبل و عبيط .فقد بان جانبه الين
مكشوفا لصمه ،الذي اغتنم الفرصة ،و سدد ضربة مكمة ،لكن الغريب – و يا للعجب -زاغ منها
بسده ،بطريقة جعلتنا نشهق ،و ف نفس اللحظة كانت عصاه قد أطارت عمامة لعبنا ،فانطلقت
.الضحكات و القهقهات
كان علينا أن ننتبه ،فالفعلة الت فعلها الغريب ،ل تكن تعن أنه قد فاز و كفى ،بل
تعن إهانة الطرف الثاني ،فقد كان بقدوره أن يكتفي بلمس العمامة بطرف عصاه حت يعتب
فائزا ،لكن أن يلعها من فوق رأس صاحبها ،و رميها على الرض ،متمرغة ف التاب الناعم الذي
تدوسه القدام؛ التقطت حواسنا الهانة ،لكن قلنا :ربا ولد أرعن ،ل يعرف القواعد ،و ل
يراعي الدود ،فهكذا طبيعة عيال هذه اليام ،و كأن زمننا قد مضى و أنقضت قواعده و حدوده،
و عليهم أن يؤسسوا قواعدهم على أنقاض قواعدنا؛ و هنا لح رأي جدير بالعتبار و هو أن
الغريب متمكن من اللعبة ،فالركة الت قام با ،رغم الرعونة ،ل يأتيها إل متمرس ،فاهم و
نزل لعبان إل أرض اللقة ،و بسمة هادئة و واثقة كست وجه الغريب ،بدت لنا كريهة ،و
متشفية ،خاصة و قد كان اللعب-الهزوم -ياول جع عمامته من على الرض ،بعد أن قذف عصاه إل
أحد الداخلي ،اللعب الخر اته نو الغريب و هو يد يده كي يأخذ منه العصا ،لكن الغريب رفع
يده مبتعدا ،با يعن أنه سيستمر ف اللعب؛ صمتت اللقة ،فهذا التصرف يرج اللعبة من كونا
نوعا من التسلية البهيجة ليام العيد ،و يدخلها ف إطارات أخري ،كنا قد تنبناها منذ زمن
.بعيد
عصرية عيد الضحى ،و الشمس ترى لستقرها ف الغروب ،لتكتسي الساحة النبسطة أمام
مقام الول الفقي بالظل ،كان بعض الطفال يلعبون بالكرة ،بعيدا عن حلقة التحطيب ،و إن
كان حاسهم و زياطهم يصم الذان ،و خلف التلل و الكثبان الرملية اختفت بعض تمعات الشباب،
يلعبون القمار :النرد ،و الثلث ورقات ،و سيف الكوتشينة .بينما هنا الصمت ييم على
اللقة ،عقب إشارة الشاب الغريب ،كسر اللعب الديد هالة الصمت ب":ســو...ســو" .و هذه
الرة أيضا ل نسمع رد الغريب ،كان واضحا أنه ل ينطقها ،فقط ير عصاه خلفه و عينه جالسة
على الصم ،ترقب حركاته دون أن تطرف ،غي منشغلة بالضجيج الذي دب حول اللقة ،فقط تركز
هجم اللعبان ،و تبادل الضربات ،كان لعبنا قديرا ،لديه من الهارات ما تعله قادرا
على إناء البارزة لصاله ف أقرب وقت ،كان يتحرك يينا و شال بسرعة و خفة كي يرهق الغريب
و يفقده التكيز ،و عندها يكون سهل الجهاز عليه ،تبسمنا و قلنا :جاءك الوت .كان الغريب
يرد هجمات لعبنا ببساطة و حزم ،كان موقفه الدفاع الدائم ،و هذا ما يرمى إليه لعبنا:
إناك الصم تاما .و تقدم لناء الباراة الت طالت ،كانت حركته قائمة على أن يس الغريب عند
خصره ،قام بالتمويه بسده ناحية اليمي ،تاركا جانبه اليسر مكشوفا ،كي يطمع الغريب فيه،
.ث ،...و طارت العصا من يد لعبنا ،و هو ياول كتم آهة أفلتت منه
بت الميع ،و كأنا باضت الطيور فوق رؤوسنا ،فما حدث ل يكن تصديقه ،كانت ضربة
الغريب ،ضربة عادية لرد الجوم الكاسح الذي يناور به لعبنا ،نعم قد تكون ضربة خائف أيقن
بالزية القادمة بعد ضربة ،لكن العصا طارت من لعبنا ،و أصبح هدفا مثاليا لعصا الغريب،
لكن الغريب اكتفى بإنزال عصاه إل الرض و جرها خلفه و هو يبتعد من أمام لعبنا القابض
على يده ،و ينظر لا بذهول؛ فيما بعد سيخب بأن عصا الغريب طالت أصابع يده القابضة على
العصا ،و سيحتج بأن هذا الفعل مرم ،فرد عليه أحد الالسي القرفصاء :على الفارس أن يمى
كل جزء من جسده .هذه الثرثرة ل تكن لتعنينا ،قدر الهانة الت يتعمد هذا الشاب الغريب أن
يوجهها لنا ،فقد كان لزاما عليه أن يس الصم بعصاه ،ث يبتعد ،لكن هكذا يستدير و ير
أصبح الوقف مأزوما ،فبعد خسارة لعبي ،أحدهم على القل جيد و يكن العتماد عليه ف
الواقف الرجة ،ليس هزيتهما ،و لكن بطريقة مهينة ،كل هذا ألب حاس الالسي حول اللقة لوضع
ناية حاسة لذلك الغريب الذي ل نعرف من أين طلع لنا؟ و ل إل أين يريد جر اللقة ،هذه الت
حافظنا على بقائها بيضاء و نظيفة طوال سنوات عديدة ،ذلك ما تعاهدنا عليه عندما أعدنا
افتتاحها ،قلنا لن نسمح للمشاعر المجية من القتاب ،لننا لو غضضنا الطرف عنها فستجرنا
إل بركة الدم الت ردمناها و كفينا ماجورا فوقها ،لكن مرجل الهانة الذي أوقده الغريب
أخذ ف إنضاج روح الكراهية و التحدي و تثبيتها داخل النفوس ،الن زئي الرجال يطالب برد
على مر السنوات تتجمع البلدان الاورة لنا ،ف صبيحة اليوم التال للعيد ،يتبكون
بالول الفقي ،و تتحول ساحته إل سوق كبي ،تد الباعة من كل صنف و لون ،حت تار البهائم و
الغلل ،و مشايخ الطرق ،و اللصوص ،و العيال و القمار ،و رجال و نساء بلبس سوداء ،و بنات
بلبس ملونة ،هو موسم للتزاور ،حت الوتى ساكن القابر ،هذا موسهم ،موسم للتعارف و الطبة
خارج البلدة ،و ساحة خاصة لرماح اليل ،تتسابق اليل فيه مرتي ،واحدة عند الضحى ،و
الثانية عند العصر ،و هنا تت أقدام الول الفقي تنتصب حلقة التحطيب ،و الت على جانبها
يقف عوض ال اللب بربابته ،و معه اثنان من عائلته ،واحد بالزمار ،و الخر يوقع على نقارة
كبية ،على هدى من النغام يتم اللعب الذي يقصده فوارس اللعبة من كل البلدان؛ أند كل هذا
الفضيحة جاهزة الن للنطلق ،فعند الغد لن نقدر على رفع رؤوسنا ف وجوه ضيوفنا،
سيقولون حي يرونه :نعم هو غريب ،ل نعرفه ،لكنه حتة عيل .و يبدون اندهاشهم ،ث يتساءلون
ببث :من نازله؟ و لظتها يأخذون ف التهوين من قدرات لعبينا ،و استهتارنا بالغريب،
.العيل ،الذي مرغ كرامتنا التحطيبية ف رمل الساحة أمام الول الفقي الشاهد علينا
لعبان آخران انزما ،و الغريب ير عصاه خلفه و بسمته الباردة تكسو ملمه ،و شس
.النهار تول هاربة ،و ل يكن هناك من مفر من البحث عن :عثمان العجبان
كنا لة ف ديوان الاج :عثمان الرحال ،العجبان ،البعض يشرب الشاي ،و البعض قد فرغ ،و
دخان السجائر متصاعد ف براح الديوان ،بينما العم عثمان يسحب أنفاس الشيشة و بصره يتنقل
بيننا ،نن أبناء عائلة الرحال ،الذين جاءوا من الناف البعيدة و القريبة ،من:
السكندرية ،و أسوان ،و قوص ،و القاهرة ،و البحر الحر ،و الدلتا.كان تمعا نادر الدوث،
فقد كنا قد تعاهدنا و نن ف حصية العمة ،أن نعل هذا اللقاء سنويا على القل ،يوم عيد
الضحى ،فرد من كل بيت ،أو من يقدر على الضور؛ و بعد البيت الكبي ،بيت الد الول ،بيت
العمة ،كما نطلق عليه الن ،ل يبق بالبلدة سوى العم عثمان ،و ابنته :زينب .امرأة سعيد،
من إخوته ،و أخرج من منخاريه دخانا خفيفا قبل أن يقول :بارك ال فيكم .ث و ضع البسم
بواره على الدكة ،و قال :ال يرحها ..ل تط بقدمها ناحية القابر أبدا ..ل تسر ف جنازة..
أو تذهب لزيارة واحد من أمواتا ..ل تسبون ذلك قساوة قلب ..كانت تقول :التاب إل التاب
.يذهب ..أما الرواح فهي باقية هنا ،حول ..أناجيها و تكلمن ..ال يرحها
ساد صمت جليل ،ل يقطعه سوى هرولة خطوات لغلم ،جاء مندفعا من باب الديوان ،دون أن
يدقه ،و الباب على أية حال مفتوح ،فاليوم عيد ،و البواب كلها مشرعة،فوجئ الغلم بالشد
الصامت ،فأدركه الصمت فسكن ،و إن ظلت عينه معلقة بالعم عثمان ،الذي أشار إليه :أن
اقتب .و لا دنا ،سأله عما يريد؟ و الغلم كي يستيح ألقى الكلم بلهوجة شديدة ،دفعة
واحدة ،فلم يفهم واحد منا ماذا يقصد! فما كان من العم عثمان أن قال له :اذهب ..سأتي
خلفك .و لا رأى الية تاصره من عيوننا ،قال :اذهبوا لشواركم .قال واحد منا :ألن تأتى
معنا؟ تشاغل العم عثمان بالبحث عن عصاه ،مع أنا مركونة بواره على طرف الدكة ،قال :لدي
مشوار ..سنتقابل بعد الغرب ،ف البيت الكبي .و لا وجد وجوهنا مستفهمة ،أكمل و هو يطو
خارجا :زينب هناك منذ الصباح ،تضر للوليمة .و خطا بطوله الفارع و هو يعدل من وضع الشال
العريض فوق كتفه ،و النبوت الغليظ ف يده ،كأنا يمل عود كبيت ،توقف ،قال :سأدعو بعض
العارف .ث أشار ل :إذا قابلت عيد الرسام ف طريقكم ،قل له أل يتأخر ..على العموم هو
عنده خب .ث واصل سيه التمهل و الذي يليق بعجوز ف سنه ،تبعناه ببطء ،و لا وصل للباب،
قال :يا بن ..ل ترجوا سويا ..و سيوا بشوارع متلفة .و تبسم ضاحكا و هو يكمل :ل تقلقوا..
الوقف زاد سوءا ،لعبونا يتساقطون تباعا ،و الغريب بنفس وقاحته يرجر العصا خلفه،
و بسمة آخذة ف النمو تغمر ملمه؛ بعض اللعبي تشكى من طريقة لعب الغريب ،و كيف أنه حريص
على إصابة أصابعهم ،أو أقدامهم بعصاه ،بطرق غي مسموح با ف اللعب ،البعض صرخ على حواف
.اللقة :إنه يغش .فأسكته من ياوره :مادام يغش ..غشوا ..الهم أن يرج مهزوما
كان الوار غاضبا ،لكنه ل يغي من الحداث الؤسفة الت ترى أمام عيوننا ،فزهوتنا
التحطيبية على الك الن ،ما الذي أخر عثمان؟ الولد قال :قادم خلفي .يبدو أن الرجل صار
عجوزا ،إن ل يفلح هو الخر ،ضاعت هيبتنا تاما ،لكن الدهن ف العتقاقى ،و إل صار علينا أن
نغلق حلقتنا بالضبة و الفتاح و إل البد ،و ساعتها هل سنقدر على ملقاة الناس بالشوارع و
السواق و الالس ،بل الدهي كيف سنستطيع النظر ف وجوه أطفالنا ،و عيون نسائنا دون أن
متواطئة مع الغريب تسارع بالغروب و التخفي وراء البل الغربي ،مبيتة على هزيتنا
الفادحة ،ف هذه اللحظة كان الغريب ف طريقه للجهاز على لعبنا بضربة حاسة ،تصاعدت معها
آهات الغضب العاجز؛ بسرعة قام أحد اللعبي بطف عصا الهزوم ،كان هذا اللعب قد هزم من
قبل ،جر الغريب عصاه إل قلب اللقة ،و حي لح اللعب رفع يده عاليا مشيا برفض اللعب مع
لعب سبق و هزمه؛ زمرت الرجال و أمرت اللعب بالروج ،و الغريب استدار مواجها عثمان
الواقف مستندا على عصاه ،و قد عقد كفيه على رأس النبوت ،توقف الغريب لرآه ،ث رفع عصاه،
.لول مرة يرفع العصا ،ببطء حت أصبحت ذراعه ف مستوى صدره ،و أشار بعصاه مباشرة إل عثمان
وقف الميع و سكن ،و العصا مشرعة بوجه عثمان ،الذي تبسم برفق دون أن يفك يده من
رأس النبوت ،بطرف عينه يرمق الميع ،و ظلل آذان الغرب ساحة الول الفقي ،تقدم عثمان من
الغريب تراجع خطوة ،و أن ظلت عصاه مشرعة ف وجه عثمان ،قلنا :و أيضا قليل أدب .بل
زاد بلة الطي ،قال موجها كلمه لعثمان :ارفع عصاك .ضحك العجبان عثمان :الغرب ..غدا ..أل
.تسمع ..الصباح رباح ..الن أنت ضيفي ..هيا بنا نلحق الغرب .و استدار خارجا من اللقة
ببطء نزلت عصا الغريب ،و تركت قدماه خلف الاج عثمان ،اللقة أفسحت لما ،و إن ل
تفقه ما جرى؛ قلنا لعل عثمان يعرفه ،أو لعله الغريب هو الذي يعرف الاج و يريد اللعب
معه؛ لكن البعض زاد :أهو ثأر قدي .لكن ما ذنب حلقتنا حت تتعرض للهانة ،و هل انتهي
.الوقف بذه الطريقة؟ أم أن الال غدا ،سيكون فضيحة و جرسة أمام البشر أجعي
حي دخلنا القابر ،كما أخبنا العم عثمان ،كان الكثي من النسوة اللبسات السود
متناثرات حول بعض القبور ،و كانت مقبة العائلة ،وحيدة بل زائر ،لكننا لنا أثر ماء
مرشوش فوق الرضية ،و جريد أخضر فوق قب العمة؛ سألن ممد السكندراني عن هدف العم من
تفريقنا بالشوارع الختلفة .قلت دون أن أهتم :لغرض ف نفسه .بل السد يا ابن العم.علق
ماهد البشاري :نن أشبه بأولد يعقوب.أفلتت الضحكات رغم جلل الوقف ،كان الظل الائل من
البل قد كسي القابر ،و يتابع رمه باتاه الشرق ،حيث النخيل الذي تداعب جريده صفرة الشمس
و نسمات لطفن من اختناق الو؛ وقفنا لقراءة الفاتة و ترديد بعض الدعية على روح العمة ،و
أرواح من سبقوها ،كنا خليطا عجيبا من اللبس و اللوان :جينز و قمصان بيضاء و ملونة و
جلليب طرق تفصيلها متباينة ،بي الواسعة بأكمام عريضة ،و الضيقة بأكمام تنتهي بأساور
مغلقة ،ألوان البشرة و الوجوه تتدرج ما بي السمرة الداكنة إل البياض الشرب بالمرة،
السلم عليكم .قالا عابر ف الطريق الاور للمقابر ،رددنا عليه ونن نتطلع ناحيته ،ل
يتعرف عليه واحد منا ،كان يسي بسرعة كأنا ليلحق بأمر هام ،قال ممد السكندراني معلقا:
كيف يتملون كل هذه اللبس الثقيلة فوق أبدانم و رؤوسهم .رد البشاري ابن البال :كل بلد و
سلوها يا ابن اليونانية! كشر ممد و ترك نو البشاري ،و نذر ملسنة على وشك البوب كهربت
الو؛ مالا اليونانية؟ على القل أحسن من الجر ال ،..تدخل القوصي :هل هذا وقته؟ و تبسم
البعض ،و البعض الخر جلس على شواهد القبور القريبة و هو يشعل السجائر؛ و مرت سيدة
فصمتنا ،وقفت و هي تقول :ال يرحها .و أشارت إل قب العمة .تعيشوا و تفتكروا ..إنا أنتو
عيال مي؟ و كنت القرب منها ،أخذت أوضح لا :هذا أبن فلن و هذا ...لكنها قاطعتن :أنت ود
فلنة .صمت و أنا أهز رأسي أي نعم .فأكملت :كيف حال أمك؟ من زمان رجلها ما خطت البلد.
قلت :بي .و أردت أن أشرح لا أن تعب الفاصل الذي حل بأمي ،جعل حركتها قليلة ،لكنها
قلت :يوصل .بعد لظة تذكرت غادرتن قبل أن أكمل ،سارت قليل ث استدارت :أبقي سلم عليها.
هذا قب الاجة فاطمة الرحال .توفيت "...مكتوبة بط جيل على شاهد القب الغروز وسط "
بناء من اللب ،و الذي طلى بالي البيض ،يبدو الطلء حديثا ،كأنا ت بالمس ،بينما بدا الط
التماوج بارزا ،يشبه غصن جيز بنتوءاته الببة ،ل أشك بأنا كتابة "عيد" ،رحت أتأمل
الزخارف و اللوان و ميل الط و دورانه ،لدرجة جعلتن أتيله كقبة تاثل بناء القب ذاته؛
كان اللوح من الص البيض ،طليت خلفيته بالسماوي ،أما الط بدا عصيا على التصنيف ،لكنه
ينبئ عن مهارة العارف لصنعته ،التقن لفنونا ،دقة الرفة تعله ل يفتعل أو ينفعل ،فقط يتك
ما بداخله يتحرك ،و ينتظر النتائج؛ ذات مرة قال ل عيد :مرات كثية أجد الط عصيا ،و يدي
ل تطاوعن ،مع أنن سأكتب الكلمات الت أعتدت كتابتها من قبل مئات الرات ،و سأكتبها ف
قابل اليام ،كما ترى أنا ل أختع الكلم ،بل أختع الطوط و اللوان .سألته و قد هزني
الماس :طيب ما العمل و الال هكذا؟ قال :أحيانا كثيا أفكر بعلقت بن أكتب له ،اليت يعن،
تصور ماذا أجد ،لن تصدق ،علقة عادية ،باردة ،غي ودودة ،لظتها على أن أوظف خبتي فقط،
صمت و قد حطت عليه مسحة من الكآبة ،فصمت احتاما لزنه ،فأكمل: دون أي ادعاء أو حاس.
الزن أن هذه الكتابة ترج باهتة باردة ،حي أراها بعد ذلك أدير وجهي بسرعة للناحية
الخرى .قلت ماول التخفيف من حدة الزن :يعن من يريد أن يعرف علقتك بأهل البلد ،عليه
هيه ..أين رحت؟ لكزني ممد السكندراني ،انتبهت و أنا أشي لشاهد القب ،تلفت حول فرأت -
الموعة قد غادرت ،و ل يبق سوانا .قال ممد :على حد علمي ،أن عمتك ل تج .تبسمت و أنا
.أترك خارجا بي صفوف القابر ،ماذرا أن تطأ قدمي قبا ،دون قصد من
لا خرجنا وقف ممد و أشعل سيجارة و أعطاني واحدة :هل يكن العيشة هنا؟ كانت ضربة ل
.أتوقعها ،لكن قبل أن أنطق ،وصل لسمعنا آذان الغرب ،فسرنا صامتي باتاه البيت الكبي
صوت الشيخ "حسي" يأتي رائقا و هادئا ،متسلل من كوة الائط ،و كمن لدغت هبت زينب
من مقعدها أمام النار ،غطت اللة بعنف ،فأحدث الصوت دويا ،جعل عزيزة ترع نو الطبخ،عند
انتهينا من كل شيء .ردت عزيزة ،وضحكت قبل أن تكمل :الالق الناطق عمتك .أنت
رايقة .قالت زينب و هي تطو ف الوش الوسيع ،اتهت للديوان ،و من الباب ألقت نظرة على
الدكك بفرشها و مساندها ،الصر اللونة على الرض مفروشة ،و عند الركن يقبع طست الغسيل
بواره إبريق الاء الليء ،و على مسمار ف الائط علقت عدد من الفوط النظيفة ..مرة أخرى
عادت للحوش ،كان عيد قد دخل من الباب الكبي ،و ناحيته تتجه عزيزة ،قال :مساء الي
عليكم .و ناول عزيزة أعواد الذرة الت يملها؛ بفاء قالت زينب :ل يأت أحد بعد .تاوز عيد
الهانة قائل :سألق الغرب .تنهدت عزيزة وراحت بملها ناحية الزريبة ،حيث النعجة و الروف
.و ما بقى من دواجن العمة ،ف نفس الوقت كانت زينب ترج الفوانيس و الكلوب
حي عادت عزيزة ،كانت "حي على الفلح" ترفرف فوقهما ،و زينب منهمكة ف إشعال أحد
الفوانيس ،قالت عزيزة :البهائم صائمة ..ل تس أكل الصباح .و جلست بوار زينب ،و راحت
تشعل واحدا :الظاهر إنا عارفة ..فاتت سنة .بل كلم فارغ .قالت زينب و هي تنهض واقفة،
فعاجلتها عزيزة :لاذا تكرهينه؟ السؤال ثبت زينب للحظة ،لكنها أخذت الفانوس و سارت به
للديوان ،و هناك علقته ف واحد من العاليق الدلة من السقف؛ كانت تتحرك بمة امرأة تقتب
من الثلثي ،و إن كان الكدر يظهرها أكب من ذلك ،عزيزة الت من دورها ،و عندها بيت و زوج
بوسط الوش وقفت عاقدة ذراعيها حول خصرها ،تتلفت حولا ،تستجع إن كان قد فاتا شيء،
و من الطبخ رجعت عزيزة بعد أن علقت فانوسا هناك "،الصلة و السلم عليك" صوت الشيخ
يبتهل ،و نعجة العمة اندفعت خارجة من الزريبة ،ترمح باتاه النخلة القائمة بسرة البيت،
خلفها الروف ،و صار ف البيت هرج و زياط من الصوات الت غطت على ابتهالت الشيخ ،دون تفكي
جرت عزيزة و تبعتها زينب؛ أنا متأكدة إن الباب كان مقفول .قالت عزيزة ،كان النظام و
النظافة الت حرصت عليهما زينب منذ الصباح عرضة للتلف و الفساد ،و هو ما جعلها تبطم
بهد و طول مناهدة استطاعتا صد حلة الروب الكبي لسكان الزريبة ،و إحكام غلق
الباب ،ليعود الدوء و الصمت لوش البيت ،نظرت زينب لا تعبت فيه من أول النهار ،الكنس
أول ث عندما انكسرت حدة الرارة رشت الاء كي يسكن الغبار ،قالت عزيزة :غيي هدومك قبل
قدوم الناس .و بتحامق أهوج ردت زينب :و ماله هذا الثوب!! تبسمت عزيزة :يا أخت ..كفاية
رائحته ..من الطبخ و التاب طوال النهار .و بنفس درجة الغضب :مبولة ..تريدينن أتزين.
ضربتها عزيزة على كتفها بفة :من جاء بسية الزينة ..قلنا الدوم ..هؤلء أولد أعمامك.
على جدار الدرسة القدية ارتكنا ،كانت لظة غروب جديرة بالتأمل ،فرغم التجمع
العائلي ،كانت تسيطر علينا مشاعر الغربة ،كنا كتجمع لغراب التقوا فجأة ،ث انتبهوا
لقرابة تربطهم ،لكن الوة ظلت شاسعة؛ ببساطة كنا ل نعرف بعضنا البعض ،نطئ ف الساء و
الوصاف ،رغم ما كان يعتينا من خجل ،و تبسم ناول به دفع الهل؛ بدت الوة عصية على
التخطي ،تاريخ طويل من البعد و الغربة ،و الياة الختلفة ،ف أماكن متفرقة ،ل يكن التنكر
لكل هذا الياث ،أو ادعاء أن الزمن هو الذي سيتكفل بل هذه الزمة ،بل على العكس من ذلك،
كنت أعتقد ،و ما أزال ،أن الزمن تديدا هو السبب الرئيسي فيها ،فمع تدده تمد الروابط و
تتفكك ،و يبهت التاريخ الشتك رويدا حت يأخذ طريقه للنسيان ،و يكون من العبث ماولة
الوقوف بوجه الزمن؛ قال ممد السكندراني :أنت واهم ..بل يكن للمة هذه العائلة .و استدار
قبل أن يكمل :هذا كان حلم سعيد .قلت دون أن أنظر إليه :يبدو أن هذه العائلة ل يكن أن
كنت على حدود تركيا حي أتاني الاجس .قال ممد و قد اكتسي وجهه بدية بالغة ،جعلت
وجهه الوردي يتلون بدكنة زادها الغروب قسوة ،و ل أدري لاذا أردت الضحك ،فأدرت وجهي
سريعا صوب النخيل خشية الفتضاح ،فأكمل ممد :بالليل و كان الثلج ينهمر فوق رؤوسنا و نن
نبحث عن مبأ وسط الغابات ،بكى واحد من الرفاق ،قال :ملعون أبوها الدنيا ..تغربنا ف
تكتب علينا الشتات ف بلد العال .و تايل لعين أني رأيت سعيد مصلوبا على هامات بلدنا..
استدرت أواجهه :ماذا تقصد؟ عن أي هاجس تتكلم؟ لكنه نفض نفسه من يدي الت حاولت
القبض على ذراعه ،ترك مبتعدا ،فيما أحاول اللحاق به رحت استعيد حلم سعيد ،ابن العمة،
بلم العائلة كما كانت أيام جده الرحال الكبي ،قلت ماول إعطاء نفسي مدة كافية :سعيد مات
توقف ممد :ربا كان سعيد رومانسيا ،يؤمن بالقدر الكاف لتحطيمه ،لكن هناك أسباب
أخرى هي الت جرت الراب ،بعيدا عن السبب الخلقي الذي تبناه ابن عمتك ف أواخر حياته
القصية .قلت بفراغ الصب :و أنت الن مهيأ للم العائلة!! قال :من حقك أن تسخر يا مثقف..
بطوة وقف الغريب مسكا بعصاه ،كان الصلون يرجون تباعا ،يسلمون :كل سنة و أنت طيب ،و
العام القادم بالجاز .و يأتي الرد :جعا إن شاء ال .يتهامس البعض مشيا للغريب ،من رأوا
الكاية عصرا راحوا يسردونا بتأفف واضح؛ قال الاج عثمان بصوته القوي الشن :عندنا كرامة
بالبيت الكبي ..تفضلوا .دائما عامر يا حج .انطلقت من الفواه ،و تقدم البعض للعتذار
لسبب ينعه ،و ترك البعض خلف الاج عثمان الذي كان يبحث بعينيه وسط المع عن "عيد" ،له
أمسك الغريب بكم الاج فأوقفه ،قال :لدي أصحاب ف البلدة الاورة ..و هم ف انتظاري.
قاطعه الاج :يا ابن أخي ..ل يأب الكرامة إل لئيم .و أفلت كمه و سار نو عيد ،الذي له
ما الذي دفعن لقول له يا ابن أخي؟ تساءل الاج عثمان ف سره :هو ياثلهم ،لكنها،
أعرف ،هواجسي الت تنذر بشؤم قادم .توقف مباغتا نفسه بتساؤل :أأحاول استمالته؟ تلفت
.متطلعا للغريب الذي أصبح ضيفه الن ،رآه يسي بوار عيد ،فتحرك للمام نافضا عنه الوسواس
ف الشارع الواسع الؤدى للبيت الكبي ،كانت سحابة من غبار أثر تدافع القدام ،و لعب
العيال بالشارع ،تلق فوق الوكب ،رفع الاج عثمان وجهه متتبعا الغبار ،لكن عينه فجأة
.أغمضت غصبا ،رد وجهه نو الرض و هو يتمم :حت الرجفة ل تريد أن تفارق
كنت أحاول مع الكتابة ،دون الوصول لنتائج مرضية ،فقط بعض التخطيطات لفكار تلوح
فجأة ،أكتب بماس شديد بعض الصفحات ،ث تدرييا يهمد كل شيء ،ف منتصف الطريق أفقد الرغبة؛
كثيا ما كان يتهمن ممد بالوف ،قال :الكتابة تتاج إل شجاعة كما الياة تاما ..و يبدو أنك
كنا قد فارقنا الاجر ،آخذين الطريق التعرج الصاعد نو البلدة ،الن أنتبه للحظة
ممد الذكية :ف هذه البلدة ل توجد طرق مستوية ..كلها أما صاعدة ..أو هابطة ..أو متعرجة.
و كان يضحك و هو يقلد طرق الشي :أن تسي عليك أن تعمل جاهدا لفظ توازنك و استقامة ظهرك.
كان الطريق فعليا يلتف حول إبط تل يصعده متعرجا حت يستوي على الضبة القام فوق رحابا
البلدة و خلفها يقع البل الكبي ،و الذي يبدو كحاجز يوط البلد و يدفعها باتاه النهر ،غي
سامح لا بالتنفس ،أو التوسع؛ تشرف الضبة على الرض الزروعة ،و هناك ف البعيد يرمح النهر
.شال ،ف مرة حاولت أن أكتب قصة عن النهر ،لو أنه يتحرك باتاه النوب
كان ممد يسبقن بطوات ،و أنا حائر ف كلمه ،أتهل لعطي لنفسي الوقت ،قلت :توهات لال
على وجهه ،و بدا أنه يفكر فيما سيقوله ،تطيته سائرا أمامه ،فأطلق ضحكة و هو يقول:
.ينقصك اليال يا ابن العم .ل أشأ أن أجادل ،هززت كتفي و سرت حت استوي الطريق
كان الباح شاسعا أمام البيت الكبي ،هذا البيت الذي بن خارج البلدة ،و يشبه قلعة،
كانت سحابة من الغبار ترسم خطوطا غليظة و متعرجة ،متقاطعة فوق الساحة؛ من الهة الخرى
.كان يتقدم جع من الرجال صوب البيت ،فيما كان واحد يدق على الباب
هبت نسمة طرية مملة بروائح القول البعيدة ،تلقفها المع الواقف قدام الباب ،و
بتحيب بالغ راح البعض يثن عليها ،و لعنا ف نفس الوقت حرارة الظهية الت كادت تشوي
.البلدة داخلها
كان الباب الكبي قد فتح على أخره ،و الاج عثمان يدعو الناس للدخول ،و يدفع بعضهم
بزقة لطيفة من يده ،البعض يردد عبارات الاملة ،و البعض يكتفي بابتسامة و يدخل؛ أبناء
العائلة كانوا أول من دخل ث تبعهم الباقي ،تراجع الغريب ،لكن دفعة من عيد و تفضل،
.جعلته يتلجلج ،و بنظرة من الاج عثمان دخل ،و تبعه عيد
وقف الاج عثمان وحيدا مواجها قمر العيد القارب للكتمال ،يتذكر أن عاما قد مر على
أخر مرة خطت فيها قدمه صوب البيت الكبي :ياه ..سنة .هل للقسوة مكان؟ أم الفوة القدية
ما تزال قائمة ،سنة مرت منذ توفيت فاطمة ،الخت ،و كأنن أقف لظة الطرد ،كما أنا الن،
الفارق هو الزمن ،لظتها ل أكن حزينا ،كنت فقط أقف على بداية طريقي ،سأضحك الن على نفسي
لو تصورت بأني كنت أطرد من النة ،كنت أشعر بالباغتة ،الخذ على خوانة ،ل يكن أحد يقدر
يا عم لاذا تقف بالارج؟ كان البشاري و قد وقف بفتحة الباب ،تبسم العم لرآه ،قال -
انتظر ضيفا تأخر .خرج البشاري و وقف بوار عمه ،و راح ينظر للرسوم و الكتابة على الائط،
.و الت علها غبار ناعم فأطفأ بجة ألوانا ،و إن كان ضوء القمر أبان بعض الرسوم
استدار الاج عثمان مواجها البشاري ،و دق بنبوته على الرض ،قال :النبوت دا من خور السلم
...و .وقبل أن يكمل قطع كلمه صوت خطوات قادمة مسرعة ،تبسم الاج و قال :ها ضيفنا قد جاء
انفلتت زينب داخلة من الباب و ردته بسرعة ،و حل ظلم و بعد الصوت ،تركت نو العلق
الذي رمت عليه بعض أثوابا فوق أثواب العمة ،و الت رفضت اقتاح والدها بتوزيعها على
الفقراء ،بدأت تلع الثوب الذي تعبت به طوال نار العيد ،و اشتكت عزيزة من رائحته ،زفرت
.و هي تلقي الثوب على طرف السرير ،و مدت يدها نو العلق ،لكنها تراجعت
غرفة العمة و الواقعة خلف الديوان ل تكن توي سوى السرير العال القدي ذي العمدة،
من بقايا جهازها وهي عروس؛ و صندوقي أحدها للعمة ،و الخر يص الدة ،فاطمة الول ،صندوقان
من خشب أسود و ثقيل ،عليه كتابة و نقوش؛ رغم مرور سنة ل تاول زينب فتح أحد الصندوقي،
رغم احتفاظها بالفتاحي .و حبل شد عند ركن الغرفة ،وراء الفسحة الت تركها السرير ،علقت
ف الصباح حي جاءت زينب كانت تمل لفة فيها بعض ملبسها ،ذلك أنا قدرت أن تبقي أيام
العيد -الربعة -ببيت العمة،عندما دخلت توجهت أول نو غرفة سعيد ،الت كانت ستزف با،
لكنها توقفت ف منتصف السافة ،و هي تستشعر انقباضا يعصر قلبها ،فارتدت ذاهبة لغرفة
العمة ،فتحت الباب فهاجتها رائحة الرطوبة الت تعبق بالكان ،الرائحة متلطة باللب و
.الصندل و التاب ،تركت الباب مفتوحا كي يدخل الواء و النور إل قلب الغرفة الظلمة
ف لظات كانت قد بصرت بحتويات الغرفة :طست مركون إل الائط ،و برش على الرض ملطخ
بآثار الناء ،فهاجت مشاعرها ،و ننهت بالبكاء ..استندت على السرير ،و تذكرت أنه مر عام
على رحيل العمة ..عام قد مر دون أن يدخل أحد هذه الغرفة الت غسلت فيها العمة و قامت هي
و عزيزة بتخضيبها بالناء ،كانت طوال أيام العزاء حريصة على جعل الباب مفتوحا لكن دون
أن تسمح لي شخص بدخول الجرة ،ف الليل كانت تدخل وحدها و تعلق فانوسا كي يني الغرفة ث
تفرش حصيا قدام الباب و ترقد فوقه؛ عقب النتهاء من العزاء سكت الباب ،قفلته و وضعت
الفتاح بيبها ،كانت كلما جاءت ،فيما بعد ،تشى أن تدخل الغرفة أو تقتب منها ،كانت تظن
أنا ستجد العمة جالسة فوق سريرها ،لذلك انتابتها رهبة و رعدة و هي تفتح الباب ،لكن
نظرت حولا ،كان الغبار قد غطى الوائط ،و تراب ناعم نزل على السرير و ملبس العمة
العلقة ،و دارى النقوش الت على الصندوقي ،هبت واقفة كملدوغة ،نفضت الدموع ،و بدأت حلة
نظافة واسعة ،بادئة بغرفة العمة ،أخرجت أول البش بعد أن طوته بذر ،ث الطست ،و راحت
.تكنس بذر شديد ،خوفا من دبيب الرض الذي يعشق الماكن الرطبة الظلمة ،و الالية من البشر
ف هذه الغرفة الن ترهف زينب سعها للصوات النبعثة من قلب الديوان ،الصوات ضعيفة
بالكاد تسمع ،سك الوائط كان يعوقها ،حاولت زينب تبي صوت والدها ،تعرفه من بي اللوف،
هكذا تدعي ،لكنها الن ل تقدر ،فقط أصوات أبناء أعمامها ،تعلو أحيانا ،و أحيانا تفت،
.أصوات متداخلة متلطة ،هي ل تعرف معظمهم ،لكن على أية حال هم أبناء عمومتها
رفعت" قب" قميصها التحت تشمه ،مرة ،ث مرة أخرى ،ث قررت خلعه ،كانت قد اعتادت
الظلمة ،رمت القميص فوق اللباب على طرف السرير ،و استدارت نو العلق ،و رنت خلفها ف جو
الغرفة ضحكة اهتزت لا أركان السرير ،ل ينس الفزع زينب أنا عارية تاما إل من سروال،
رفعت يديها تلقائيا كي تدارى عرى صدرها ،و هي تندفع للختباء بي اللبس العلقة على البل،
ضحك الاج عثمان و هو يقبض على يد عوض ال النحيفة ،و عوض ال ما يزال ينهج ،و بيده الخرى
يلم العمامة الت تدلت فوق رأسه ،قال بودة صافية :ملعون أبو الموم .ث أخذ يعيد لف
العمامة و يبكها و قال يداعب الاج :أنا كنت عيل لا كانت الصواب توقف على رجل لا تشها.
ضربت الكلمة الاج عثمان ،فأفلت يد عوض ال و قال بدة غي مبرة :أنا أصب منك .ضحك عوض ال،
.و أشار للواقف ،قال الاج عثمان :ود البال ..البشاري.مد ماهد يده و سلم
للحظات ساد الصمت ،الاج يقلقل رجليه ،و ينظر للساحة الت ت هجرها ،حت العيد ل يعد
أحد يصليه هنا ،فبعد أن استطاع الول الفقي أن يقيم ساحته ف الطرف الثاني من البلدة ،حت
جر الناس عقب وفاة العمة إل هناك؛ بدت الساحة موحشة و خالية من أي حس يربطها بالياة،
الرض الرملية مليئة بالحجار الصغية و الزلط ،حت النب تدمت حجارته ،كانت قد بنيت عدة
مصاطب حجرية فوق بعضها مشكلة النب؛ يتجمع الناس بالامع عقب صلة الفجر و يأخذون ف
التكبي و التهليل حت شروق الشمس ،فيخرجون ،يقودهم المام ،قاصدين الساحة الت جهزت منذ
عصر المس ،و التكبي و التهليل يتصاعد مع انضمام الرجال و الشباب و الطفال عب الشوارع
الت يقطعها الوكب باتاه الساحة ،ساحة الرحال ،حشد هائل يلس ف براح الساحة حت موعد
.الصلة ،بعدها يقوم المام و يصعد الدرجات الثلث -النب -و يبدأ خطبة العيد
أفاق الاج عثمان على صوت عوض ال ،فاستدار ناحيتهم ،و قال للبشاري :خذ عمك عوض ال و
أدخل .نظر ماهد إل عمه مستغربا أحواله لكنه ل يكن يلك سوى أن يطيع ،و الاج عثمان كي
ينهي لاجة الوقف عاد يستقبل الساحة ،و عوض ال تقدم داخل البيت و تبعه البشاري على مضض،
و الساحة قابلت الاج عثمان بنظرها القبض ،كانت تصرخ بوجهه تشكو قسوة الجر ،ل يتحمل و
هزته رعدة أدارته باتاه الائط ،طالعته رسوم عيد الت غطاها الغبار ،قال :نسيناها ..ل
.نعد نتذكر شيء ..آه الزمن .و كأنا لدغته الكلمة فأجفل متاجعا
.يا عم -
على ثوب تسدله على بدنا ،و الضحكة استقرت و أخذت راحتها ،و أعقبتها بكحة صغية ،قالت
.زينب :عمت
أخرجت رأسها من بي اللبس ،كانت العمة برمها الضئيل -كما ف أيامها الخية -جالسة
فوق السرير ،تواجه زينب و تبتسم ف وجهها ،هت زينب بالري نوها ،لكن عريها ردها ،و جاء
يدها تقلب بي اللبس ،تريد الوصول لواحد من أثوابا الت رمتها فوق العلق ف الصباح،
و عينها على العمة ،حاولت أن تتكلم ،لكن صوتا حبس بلقها ،كانت تاول التيقن من كونا
مستيقظة ،بيدها الالية قرصت صدرها ،تأوهت ،و العمة أوقفت ضحكتها و أعقبتها بسعلة قبل
أن تقول :اليام بتوح يا بت .كان الصوت يل براح الغرفة شبه الظلمة ،قبضت يد زينب على
ثوب ،تعرفت على أنه يصها من ملمسه بي أصابعها ،قالت ف نفسها :أنا صاحية .جذبت الثوب
نوها ،لكنه ل يطاوعها ،بدا أنه قد علق ،بضيق صدرها شدته مرة ثانية ،لكن بقوة أكب ،و
أيضا ل يطاوعها ،ترك السد الرابض فوق السرير ،فارتج السرير ،ل إراديا مدت زينب يدها و
قبضت على العامود النحاسي القريب منها ،لكنها أفلتته بسرعة لا سرى بذراعها تيار بارد
جعل جسدها يرتف ،لكن عينها ظلت تتابع العمة التبعة فوق سرير زواجها ،قالت العمة :جدتك
.فاطمة قالت ل ..على الرأة.و تنهدت قبل أن تكمل :الفارسة أن تعرف مت ترخي لامها
النق وصل مداه بزينب من الثوب العالق ،فاستدارت تلصه ،نظرت للثوب الذي تقبض
عليه ،اكتشفت أنه للعمة ،تركته و التقطت بسهولة واحد من أثوابا ،و بسرعة و ارتباك راحت
.تدس رأسها ف طوقه ،و هي تستدير مواجهة العمة ،الت ل تكن موجودة
جدت زينب للحظات ،ث دارت برأسها ف أناء الغرفة تبحث عنها ،و الثوب معلق برقبتها،
توزع الرجال فوق الدكك و الصر الفروشة ،و فانوس معلق يلقي بضوئه الواهن ،و عيد ف أحد
الوانب يشعل الكلوب ،كان قد صب بعضا من السبتو ف الوض القريب من الرتينة ،القنديل الذي
.سيشتعل ،و راح يكبس الواء داخل خزان الكلوب العمر بالكيوسي
جلس الغريب -حي دخل -ف أقرب مكان خال ،فوق واحدة من الدكك الرصوصة بعناية فائقة،
عصاه بي ساقيه ،و عينه تقلب ف الكان ،بينما أبناء العمومة بعضهم جالس و البعض يتحرك بي
.المع مرحبا
طفلن يران بي الناس ،واحد يسك بالبريق و يصب الاء على اليدي ،و الخر يتلقى الاء
التساقط من غسل اليدي ف الطست الذي يسك به بيديه ،و على كتفه فوطة ينحن قليل لتجذبا
.اليد الت غسلت توا لتنشفها ،ث تعيدها مرة أخرى إل الكتف الائلة
ممد السكندراني يراقب عيد بمية ،بينما دخل عوض ال اللب و رد السلم بصوت جهور و
هو يرفع يديه و يطبطب على صدره ،ليد التحيات الت انالت عليه ،ماهد البشاري جاء و وقف
بوار ممد الذي أقتب من عيد النهمك بعمله ،كان ف هذه اللحظة قد أشعل عود ثقاب و أسقطه ف
السبتو ،فهبت دفقة من نار ،أمسكت بالرتينة ،تكفل الواء الندفع من ضغط الوض بتصفيتها ،و
تقويتها ،حت صارت تشبه النيون .قال ممد :مش الكهرباء أحسن .ضحك عيد و هو يمل الكلوب:
غلبت ماولة مع عمتك ..إن ندخل الكهربا البيت ..و هي على طول الط تقول :يقولوا عليها
توت الناس ..و بعدين لا أموت أبقوا دخلوها .و تعب معاها الاج عثمان ،و هي زى ما هي..
و تدج صوت عيد بتذكر صاحبه ،و ممد الذي لظ تغي الصوت أراد تغي الوضوع ،فأشار للطفلي و
هو يقول :ولدك .حل عيد الكلوب و سار به إل قلب الديوان ،قال :نعم ..عيد و سعيد .توقف
ممد مشدوها ،لكن عيد أكمل و هو يتحرك و يعتلي دكة و يقف فوقها :الكب عيد حسب النذر
القدي ..الصغي سعيد .ث نظر لمد قبل أن يكمل ضاحكا :حسب النذر الديد .و مد يده قبض با
.على السيخ الديدي الدل من السقف ،و بيده الثانية رفع الكلوب و علقه
غمر الضوء الباهر أرجاء الديوان ،نزل عيد من الدكة و هو يرد على صيحات الستحسان و ال
ينور ،و دارت عينه تبحث عن الاج عثمان ،استند على كتف ممد و هو ييل عليه قائل :النسيان
نعمة .استفهم ممد بزة من رأسه ،قال عيد :عمك .و سار نو مدخل الديوان ،تبعه ممد ،فرأى
هدر الصوت الغاضب لوالده ،كان يقف على عتبة الباب ،و اللحظة نفس اللحظة ،الغارب،
بيده بندقية ،الت ما ظهرت إل نادرا ،و ما استعملت أبدا؛ توقف متسمرا من قسوة اللحظة،
كان بعض من إخوته واقفي ياولون تدئة الوالد ،دون القتاب منه ،تلفت عثمان حوله ،كانت
!بيده عصاه ،ل يكن يدري ماذا يفعل ،أو على أي نو يتصرف؟
كلمات الوالد رصاص يصيب بدنه ،ل يشهد والده ف حالة الغضب هذه من قبل ،الن بندقية
ف اليد ،و مرجل الغضب يهيئ اليد للضغط على الزناد ،ل يكن أمامه سوى التاجع ،جاء واحد
من إخوته ،و جره من كمه؛ كانت نساء البيت :جدته فاطمة ،وأمه،و أخته فاطمة ،يقفن ف
اللف ،بدا النكسار واضحا على الم ،بينما الفاطمتان تتابعان الشهد بياد جرح مشاعره ،ل
يكن يقدر واحد من الوجودين على قول كلمة ،أو رد المر إل التعقل ،ثورة الوالد تتفاقم ،و
قدم خارج البيت ،و قدم على العتبة ،و نظرة أخية احتوت الشهد بغضبه الفائر و
الشعور بالغدر ،وننهة الم باللف ،نرتا الدة بعنف ،و رياح الغروب تضرب ثوب الوخ بي
ساقيه ،كان الب يتقدم ،و ضاع صوت الخوة ،و الب يشي إل الخ الذي ير عثمان من كمه :أن
أدخل .فتكه و دخل؛ وحيدا تراجع خطوته الخية ،و ضربته الريح البلية بعنف الصيف الادر،
فاصطفق جلباب العيد ،الوخ ،مدثا طرقعة عالية ،تاوبت معها ردة الباب ،الذي أغلقه الوالد
تطلع مذهول إل جدران البيت العالية ،و الباب الثقيل الغلق ،و كلم غاضب ل يصل
مسامعه بوضوح؛ كان وحيدا ف مغرب العيد ،غي مستوعب لا جرى ،ظل لفتة واقفا هكذا ،ظن أنه
ربا كان يلم ،لكن هذا ليس حلما بل كابوسا مرعبا ،كان عليه أن يتحرك ،و لا كان ل يعرف
تقدم ممد السكندراني تاه العم الغارق ف ذكرياته ،بدا كأنه مدقوق ف الرض ،غي قادر
.على التحرك دون مساعدة ،برفق أمسك بكمه ،قال :الناس ف انتظارك
آه .قال العم ،و كأنه يفيق من غيبوبة غامضة ،طويلة و قاسية ،تبسم لبن أخيه كي يتغلب -
على الرج ،أراد أن يقول شيئا ،لكن يد ممد سحبته للداخل ،بطرف عينه نظر ،كان ممد يتحي
الفرصة للختلء بعمه ،مال و هو يقول :يا عم ..أريدك ..أن ..و وجد الكلم يهرب ،و العم
انتظر ،لكنه لظ أنه يسي تت دفع يد ابن أخيه ،رأى العم نفسه عيل يساق إل مكان ل يرغب
بالتواجد فيه ،هز ذراعه نافضا القبضة الت تسيطر على كمه ،قال :خي .و أراد التوقف،
.لكنهما كانا على باب الديوان ،فلمح الناس ف غمرة الضوء يقفون لستقباله ،فدخل
تراجع ممد مستديرا تاه حوش البيت ،رأى النخلة قائمة ،تقدم نوها ،كانت ماطة بظلم خفيف و
البيت لزم يبقى مفتوح .تلفت مستطلعا ،لكن ل أحد ،استدار ،رآهم يملون الصواني ذاهبي
للديوان ،ف اللف هناك تقبع الزرائب القدية ،مغلفة بظلم قات ومقيم ،مرقت برأسه حكاية
سعيد و جاء الصوت :الشتات .و للمرة الثانية يتلفت حوله ،لكنه ل يستطع تبي نبة الصوت
جيدا ،كان جذع النخلة بواره يئن ،و الشائش الت حوله هائشة تنذر من ياول القتاب ،استدار
.عائدا ،ف منتصف الطريق لح زينب خارجة من بيت الطبخ ،فحرك قدميه نوها
كل هذا التأخي .قالت عزيزة ،و هي منحنية تغرف الطبيخ من اللل الكبية ،و تضعه داخل -
أطباق صغية ،مرصوصة فوق صوان بوارها .ل تسمع من زينب رد ،رفعت وجهها نوها ،قالت :بسم
.ال ..ما شاء ال .و ضحكت ،أرادت أن تكمل غي أن قدوم واحد من عيالا جعلها تصمت
الولد حل الصينية و قال آمرا و هو يرج :خلصوا .و كأنا حى أنشبت بزينب ،راحت تضع
الرغفة فوق الصواني ،و ف نفس الوقت تتناول الطباق من عزيزة و ترصها بعناية فائقة ،و
.بعينها تتأكد من وجود ملعق كافية فوق كل صينية ،و تستعجل عزيزة كي تف يدها
يملون الصواني ،واحد من جاء عيد و الولدان ،و اثنان من أبناء العم ،و أخذوا
العيال حل وعاء الاء الكبي و الذي به قطع من الثلج طافية؛ تناولت عزيزة اللة الكبية
وراحت تفرغ ما با من لم داخل طبق كبي و واسع ،ث غطته بطبق من الوص اللون ،عمل يد زينب
الت تناولت الطبق منها ،و خرجت من غرفة الطبخ ،نظرت ،الكل دخل الديوان ،قالت :نسوا.
لكنها لت ظل يتحرك ف الظلم قادما من عند النخلة ،كان ممد السكندراني ،وقفت حت وصل
عندها ،ناولته الطبق ،و لت ف وجهه استفهاما ،قالت :أعطيه لبي .و ردت راجعة للمطبخ و هي
.تبتسم
بعد صلة العشاء جاء ناس ،و رحل ناس ،و جاء الشاي ،و دار مبسم الشيشة ،و شكلت
أعقاب السجائر حضورا ل يكن تاهله فوق أرضية الديوان الفروشة بالرمل ،و من الداخل كان
يأتي صوت غسل الواني و شطفها ،و أصوات الوار تعلو حينا و تفت أحيانا ،لكن اللحظ أن
.الضحكات كانت عالية ،ث كان أن انصرف الناس ،و صفت القعدة
الاج عثمان و أبناء عائلة الرحال ،و عيد و عوض ال اللب ،و الغريب الذي أصر الاج
على بقائه؛ ف الداخل ظلت زينب و عزيزة تتسامران و تلبيان ف نفس الوقت الطلبات الوافدة
من الديوان ،بينما غلب النوم الولدين :عيد و سعيد .فرقدا فوق سرير العمة الركون بوار
كانت مفاجأة ل ،ل أعرف قبل بأن النون قد يكون ساكن بيننا ،و أنه بلغ هذا الد ،و غي
قابل للتاجع ،كانت كلماته تمل تأكيدا ل يكن مداراته؛ و الفاجأة تشكلت من كوننا قد
تعاملنا مع زينب ،على أنا زوجة سعيد ،ابن عمتنا ،و بالتال ل يكن القتاب منها ،أو لسها،
و كأنا ما يزال سعيد حيا قائما ،يتحرك بيننا ،و من التم ل يوز النظر إل زوجته على أنا
امرأة أخرى ،يكن اشتهاؤها ،أو حت التفكي با كزوجة متملة ،و هي كانت قد أكدت على هذا
حينما رفضت كل الذين تقدموا للزواج منها عقب وفاة سعيد ،قالت بعناد يليق با ،و يليق
بالعائلة ذات الدماغ الناشف :أنا أخذت نصيب .هكذا كنا حي نر با ل ندقق بلمها ،أو
التطلع للحتها ،و تقاطيع وجهها ،أو تكوين جسدها ،كنا نسلم فقط ،ند أيدينا للحظة كي تس
أناملها ث نسبها ،و كأننا سلمنا على واحدة من أخواتنا ،نتبادل كلمات قليلة حول أخبار
.العائلة و الصحة و الحوال ،حديث عام و عابر ،دون رفع العي لتأمل من ندثه
كنا منفردين فوق دكة ،ممد السكندراني و أنا ،و الديوان أصبح مموعة من التجمعات
النفصلة :البشاري حوله ثلثة من أبناء عمومته يكي لم عن الصحراء و أحوالا الغريبة ،و
عوض ال اللب بوار الغريب ،و البعض تدد فوق الدكك ،و عيد يدخل حجرة الديوان الداخلية-
الاصل -للديوان و يعود و هو يمل الفارش و الغطية الفيفة ،ث يقوم بتوزيعها ،و العم
دون التدخل عثمان فوق دكته ،متصدرا و منفردا ،يدخن الشيشة و يراقب الميع بعي هادئة،
.بأي حوار
كنت أراوغ فقط كسبا للوقت ،كي أعيد ترتيب الحداث ،وقفت دونا قصد ،حركت يدي ف الواء لكن
قال و هو يشي إل المع التناثر حولنا ،ث أكمل :ليس هناك أمل ف عودة هؤلء ،كل قد أصبح له
حياته ف مكان آخر ،حياة و تاريخ و مصال ،ل يكن التخلي عنها بسهولة ..و هنا كانت أزمة
سعيد ،و النقطة الت قتلته ،كان يدرك ذلك ،لكنه ل يكن قادرا على العبور ،أزمته الشخصية
.تكمن ف وعيه
قال و قد بدأ صوته ف العلو :ل ..بل كعقاب أخلقي ،علينا جيعا دفع الثمن و كامل ،دون
تذمر ..أخذنا الناس ،هكذا بدأ المر ،العبيد من بلدهم ،و شتتناهم هنا ،ف بلد غريبة ،بي
ناس أغراب ،ليس هذا فقط ،لكن الانب الكثر إظلما و تعذيبا ف الكاية أننا بعناهم كعبيد،
جاء عيد و رمي ملءتي بوارنا ،قال و هو يبتسم :ليل الصيف سراق .صمتنا و هو لح انماكنا ف
الديث ،فابتسم معتذرا و راح يواصل جولته بي الدكك .ألتفت إل ممد و قلت بنوع من العتاض:
ف البداية حي بدأ الرجل الرحال الكبي تارته ،و الت ل يكن العبيد جزءا منها ،ل يكن هناك
حس من التجري أو التحري لذه التجارة ،بل على العكس كان هناك غطاء دين كامل مشمول بدعم
سلطوي يؤمن هذه التجارة ،و يكفل لا ازدهارها ،هل يكن للحفاد تمل أوزارا ل يقتفوها..
...يعن -
ما الذي يدفع الناس إل هجرة أماكنهم ،الت ولدوا و تربوا با ...حي انارت تارة الرحال- ،
ل يكن يوجد هنا ما يكن التعويل عليه ،ل يبق سوى مواجهة الزمن و الفقار عب التمسك
بالتاريخ القدي ،و هذا ل يشبع البطون الائعة ،و ل يست عرى الجساد ..و ل يكن هناك بديل
سوى الروج ..و البحث عن أماكن جديدة ،بتاريخ جديد ..خاصة و هذه البلد تعاني من الهال
نعم ..يا اسكندراني ..حت الن ما يزال الناس يتكون بلدهم و قراهم ،بثا عن أرزاق و -
أقدار متلفة ،مدفوعي تت ضغط إلاح احتياجاتم الولية ..سلحهم الوحيد جهلهم العظيم و قوة
سواعدهم ..خبني ماذا فعلت الكومات التعاقبة ..ل يكن النوب ف حساباتا أبدا ،يبدو ف
نظرها كتلة يكن إهالا و تاهلها ..فقط النتباه لنهب خياته و تشريد ناسه عب طول البلد و
.عرضها
.و هل بعدنا عنه ..أنت مثل ما الذي دفعك للخروج من البلد كلها -
قال و هو يعتدل فوق الدكة ،و متخذا وضعا شديد الدية :أخطاء الاضي ل يكن إصلحها ..بل
.يكن تفاديها
.أحس بعلو نبة السخرية و الزأ ف قول ،فوقف و هو يقول :سأفاتح عمي ..و سار نوه
قالت عزيزة و هي تقوم نافضة ثوبا ،كانت نسمة طرية قادمة من النهر البعيد قد
نبهتها لولدها الراقدين فوق السرير ،بصت لزينب الالسة ساهة منذ وقت ،حاولت أن تعرف ما
با ،لكن زينب ل توضح ،و تعللت بالتعب طوال النهار ،و هدة اليل و الطلبات الت ل تنتهي
لهل الديوان؛ تعرف عزيزة أن ذلك ليس سببا يدعوها للشرود ،لكنها قبلت بتفسي زينب ،فهي
كتومة كعمتها تاما ،ل تكشف إل ما ترغب الفصاح عنه ،لكنها عزيزة و بسها النسوي خنت سببا
صاحبتها ،و صديقة طفولتها يهمها؛ الصحيح أن سعيد قد مات ،لكن زينب ما تزال ف عز شبابا،
.صبية ،و كانت قد لحظت حرصها التزايد بعد عودتا ،بأن يظل الثوب نظيفا ل يطوله أي وسخ
راحت للسرير ،و أخذت توقظ الولدين اللذين تكورا ،انتبهت زينب فقامت واقفة ،قالت:
سيبيهم نايي .كانت فقط ترك لسانا بالكلم كي تشعر بأنا متيقظة ،تركت خطوتي ،كان الولدان
ياهدان للعودة للنوم الت تاول الم جذبما بعيدا عنه ،تزهم برقة لكن بسم أيضا ،قام
الولدان و ها يدعكان عيونما ،و برطمة غامضة ترج من الفواه ،تبتسم لا عزيزة و هي تنزلما
من فوق السرير ،تايل الولدان ،و أصبحا على وشك النكفاء ،لكن الم كانت قد دخلت بينهما،
خلفها مشت زينب ،أرادت أن تشكر عزيزة على تعبها معها طوال النهار ،تاركة بيتها ف
نار العيد ،لكنها سارت صامتة و هي تنظر للم الت تتضن ولديها ،و هاجتها رغبة غامضة ف أن
تكون ملها ،و تدفقت لديها أحاسيس ظلت حريصة دائما على وأدها قبل أن تصرح با لنفسها،
لكنها الن ل تدرك ما الذي أصابا ،لتفلت مشاعرها من قبضتها ،و ل تكتفي بل تاجها ،حاولت
عند الباب وقفت عزيزة ،و قالت و هي تعدل الولدين :ربنا يصبحك طيبة .و ف بالا كان
ً أشهد به بدني قبل قدوم عيد ،فالليلة ليلة مباركة ،ليلة هناك حديث آخر :على
ّ أن اسخن ماء
عيد ،و ل يكن تفويت بجتها .خافت أن تنظر لزينب ،فتطالع ف عينها رغبتها ظاهرة ،و ترح
مشاعرها ،فآثرت التقدم ،و رفعت قدمها كي تتخطى العتبة ،لكن واحدا من الولدين تعثر ،و
قبل أن يسقط ساحبا معه الم و الخ ،لقت به زينب و أقامته ،فالتفتت عزيزة و هي تاول أن
وقفت زينب على العتبة تتابع عزيزة حت وصلت بيتها ،فارتدت عائدة ،و رغبة جامة
سار ممد قاصدا الدكة الالس عليها العم ،تدفعه هة عالية لناء الوضوع ،الن و هنا أمام
الميع ،و قبل أن يصل اعتض طريقه عوض ال اللب ،و بواره الغريب ،توقف ممد ،قال عوض ال:
يريد المام .و أشار للغريب؛ ل يدر ممد على أي نو يتصرف ،راحت عينه للرسوم على الائط
الذي يواجهه ،دكة عريضة يلس أحدهم فوقها با يدل على قوته ،كان يسند ذراعه على عمود
الدكة و نظره سارح ف البعيد ،و اليد الخرى تقبض على مبسم الشيشة و تقربه من الفم
الزموم ،و ف اللف مموعة من البل ترعي ،أغلبها بارك يت ،و واحد مسرج يقف بشموخ و ينظر
تي ممد ،فنظر لعمه ،فأشار العم إل المام القريب من باب البيت ،تلفت ممد حوله ،عل
ّ
واحدا غيه يقوم بذا الن ،و يذهب بذا الغريب الذي ظهر لم ف البخت ،لكن ل يتحرك أحد ،قال
ممد ف نفسه :كأنن أنقصه .و ل يكن أمامه سوى المتثال لمر العم ،و حاجة الضيف ،فقاده
.خارجا من الديوان
قال عوض ال و هو يلس بوار الاج عثمان :الولد جبلوي .شد الاج عثمان نفسا طويل من
الشيشة ،و راح يرج الدخان على مهل و هو يقول :من ناس مي؟ و ناول البسم لعوض ال ،الذي
.ألتقمه مباشرة ،كي يعطى نفسه الوقت ليجيب دون أن يهتز صوته
ركب عيد دكة و مد يده كي تطول الكلوب ،فاهتزت الرسوم على الوائط ،و تركت
متداخلة ،وقف البعض يساعده ،و الاج عثمان الذي يعرف ألعيب عوض ال ،ل يتعجله ،بل تابع
السفينة الملة بالبضائع و البشر و هي تتداخل ف الرماح الذي فرت منه خيل السباق ،و مد
يده لبسم الشيشة ،فقدمه عوض ال دون اعتاض ،عارفا بأن مراوغته باتت مكشوفة ،و ل ينبغي
الستمرار فيها ،قال :من بيت البحيي.و بطرف عينه تابع البسم الذي توقفت يد الاج عثمان
عن الصعود به إل الفم ،للحظة ،ث واصلت صعودها ،و كأن المر عاديا ،و عوض ال الذي أصبح
.الوضوع ثقيل عليه ،أراد النتهاء منه ،قال بسرعة :ابن مسعود البحيي
اليال .قال الاج عثمان دون أن يتحكم ف رده ،فهز عوض ال رأسه مؤكدا؛ كان عيد قد
قبض على يد الكلوب و خلصه من العلق برفق ،سنده بعض الواقفي حوله كي ل يقع ،و هو يتبسم
لم ،مدركا قلة خباتم ،و قلقهم بدا له مبرا بسبب نزعتهم لفعل أي شيء ،بدل من القعدة
الطويلة ،نزل عيد و سار تاه أحد الركان ،و وضع الكلوب على الرض ،ث مال نوه و فتح مبس
قام عوض ال عائدا لدكته الت كان يلس عليها ،تاركا الاج عثمان ليغرق ف ذكرياته
.القدية
بدا وجهها متقنا ،تنقل قدمها بصعوبة ،كأنا شيئا بداخلها يبها على التوقف ،ليزرع
بداخلها السؤال الذي دائما ترغمه على التاجع و البتعاد عن وعيها ،لكن الن ،و بعد أن
رأت عزيزة بي أولدها ،و رغبة صادقة ،و جارحة ،تتدفق من وجهها ،و حديث العمة ،و رائحة
.الذكورة السيطرة على جو البيت ،كل ذلك وضع وحدتا و عنادها ف الواجهة
على الفارسة أن تعرف مت ترخي لام مهرتا .هذا ما قالته الدة ،أو الم ،و طبقته العمة ،حي
حكت لا عن حياتا ،كانت لظة صفاء نادرة ،و سعادة تط على البيت الكبي ،كان ذلك عقب
خطبتها لسعيد؛ آه ..ما أبعد اليام .تأوهت و هي تتلفت حولا ،و بقدمها تدق على الرض
كمهرة تستعد لدخول السباق ،كانت تريد من جسدها أن ينتفض و يسقط كل السئلة ،كي تعود إل
خطت خطوتي ،فوجدت نفسها ف وجه ابن عمها ،السكندراني ،و معه شخص غريب ،ل تستطع التعرف
عليه ،ارتبكت قليل ،لكنها تراجعت خطوة مفسحة لما الطريق ،فواصل التقدم ،و هي نكست
أشار ممد إل المام العلق بسقفه فانوس صغي ،تقدم الغريب و دخل ،و بقي ممد ف النتظار،
أخرج سيجارة ،و عينه تتابع زينب الت تتحرك بعصبية ظاهرة ،حت وصلت للسرير ،قرب الطبخ ،ل
يستطع فهم عصبيتها الن؛ ف بداية الليل حي أخذ منها طبق اللحم كان مشوشا ،و هي ابتسمت ف
عينيه ،هكذا رآها ،و هذا سره ،لكن الن ما الذي بدلا ،أهو وجود الغريب ،و تصاعد العداء
داخله ،نظر للحمام ،قال لنفسه :هل أذهب و أفاتها؟ و هم بالتحرك ،لكن انتظاره للغريب
حي بوغتا بزينب أمامهما ،تلقائيا نظر للغريب ،وجده ينظر لا بوقاحة ،فأحس به كعدو
يقف بواره و عليه أن يواجهه ،لكن ..تبسم لاله :يبدو أنن وقعت ف الب ..و بدأت أغار.
التفت إل زينب الالسة فوق السرير ،فبدت بسبب الظلم الفيف ،كتلة تغطيها الظلل ،تفى
معالها ،لكنه يشعر على نو خاص بأنا تنظر إليه و تبتسم؛ هي أوهام العشاق .قال و هو يهز
تنحنح الغريب و خرج ،ههم بكلمات شاكرة ،و عينه تستطلع الكان حوله ،و توقفت عندما
لت الكتلة الظللة فوق السرير ،لكن ممد العبأ بس الضغينة ل يفته ذلك ،فقال آمرا :تفضل.
من الغريب؟ تساءلت زينب و هي ف جلستها تراقب ابن العم الواقف هناك ،بالقرب من المام،
كان تساؤلا ينم عن اشئزاز بالغ ،أحست به حي بوغتت بروجهما أمامها و هي عائدة ،للحظة
وقعت عينها على وجهه ،بالتحديد :عينه .رأت فيها نظرة وقحة ،هازئة ،كأنا تعلم ما يعتمل
داخلها من رغائب ،و ف نفس الوقت تاول كبتها ،كانت نظرته تقول :أعرف .أو هكذا توهت ،و
على نو غامض شعرت بأنا تتخلى عن ملبسها ،تتعرى ،أرادت أن تصرخ :أنه يعريها .و لكن بالس
النثوي الكيم تراجعت مفسحة الطريق ،و هي ترد باحتقار و تعال ف نظرتا الخية ،لكنها و
للعجب و جدت نفس البسمة الازئة ترقص فوق ملمه الغامضة ،فهربت بعفوية نو ملمح ابن العم،
كأنا تستنجد به ،كانت نظرته الانية و التائهة الت رأتا ف أول الساء ،قد زالت ،و حلت
مكانا نظرة عداء صريح موجهة للغريب الذي يرافقه ،هل ارتعش جسدها ،ل تنكر بأن سعادة
غمرتا ،ذكران يرغبان با ،هذا ما أكدته حواسها ،لكن عقلها التيقظ ردها لالا ،فخطت
.متعجلة نو السرير
الن تري ابن عمها ف حيته و قلقه البادي من ارتاف السيجارة بي أصابعه ،فتبسمت
لاله ،و رأت كأنه يرد على ابتسامتها ،ببسمة هادئة ،و واثقة؛ كأنا تد جسورا من الثقة و
خرج الغريب و أراد التلكؤ ،لكن ابن العم قاده بزم تاه الديوان ،و هي من قعدتا
قامت مستشعرة طراوة الليل الت بدأت تغمر البيت ،و نسمة عابرة داعبت جريد النخلة ،فأحدث
الهتزاز صوتا ،جعلها تلتفت للنخلة ،سرة البيت ،و سرة العائلة ،كما تسميها العمة ،و رأت
ل يكن أمامه سوي تنفيذ قسمه ،و كان الرجل -الذي ل يعرفه -فوق حصانه ،ذاهل من خسارته غي
التوقعة له ،كان عثمان يتقدم نوه بروية ،بي الناس التدافعي ،كانوا يصيحون و يهللون
لفوز فاطمة ،و ضحكات السخرية تتدد قوية و فاضحة ،ترس الغلوب ،نزل الرجل عن حصانه ،و
عندما استدار كان ف مواجهته ،ثبتته الفاجأة للحظة كانت كافية ليفع فيها عثمان يده ،و
كان قد شاهد خلل الواسم السابقة كثرة الطلبات للتباري مع أخته ،و تدي العائلة و كسر
شوكتها ،و كانت فاطمة توف با هو مطلوب منها دون تذمر ،بل بتعة فائقة ،كانت تفوز على كل
من يسابقها ،و كان ذلك جيدا ،و أسهم العائلة ،و الرجال ،إخوتا ،ف ارتفاع ،و جاء شرط
الزواج كرادع أخي -يكن للعائلت الخرى التنافسة معهم -الستناد عليه ،فاجتمع الخوة ،و
صدر قرارهم ،ل زواج إل من الفارس الذي يستطيع التغلب عليها داخل ساحة الرماح ،و هكذا
طمع الميع ،و أرهقت الخت ،و كان ل بد من حل ،يوقف الطلبات الت جاوزت الد ،فما كان من
عثمان ،العجبان ،أو الفتوة كما يلقبه حواريوه ،إل أن جهر بينهم :إن كنا نقدم الزواج
كمكافأة ..فعلينا أن نعاقب أيضا ..و إل ظل الال سداح مداح .و طاف يوم العيد بي الموع و
هو يعلن قسمه :بأن من سيتغلب على فاطمة ف سباق اليل ..ستكون من نصيبه ..أما الاسر
فسيقوم بصفعه هو .حاول بعض الخوة رده عما انتواه ،لكن القسم صار مشهرا ،و ل يكن التاجع
.فيه
جرت هذه الوقائع ف غيبة الب ،و الذي قد بدأ ف إظهار تودده للولياء و الدراويش ،كان
بعيدا ف أحد الوالد ،و كان على الخوة -فاطمة ل تعلم بالشرط الديد -التصرف ،و منع
عثمان من تنفيذ وعيده ،فخسارة ف السباق ل تعد إهانة شخصية ،و تطول كل العائلة ،أما صفع
الوجوه ،فسوف ير من البليا ،ما ل يكن توقعه ،و يفتح أبوابا من الحتقار و العزلة ،هم
تستحق الازفة ،الازفة بالتسابق ،و ليس بشرط عثمان ،فهو –كما يظن -واحد من ألعيب
الرجال ،كان يرى فيه نوعا من التهديد ،لكن ليس من السهولة تنفيذه ،لذا عزم على خوض
السباق ،منيا نفسه بالفوز و خطف عروس جيلة ،و نسب بعائلة عريقة ،لكنه وقع ف خطأ بسيط،
وقع فيه أغلب من نافسها ،أل أنه استهان بقدرتا و مهارتا،و انشغل با تثله ،ليس بكونا
فارسة ،إنا صيد سهل على وشك النقضاض عليه ،و هكذا ل يفق من خسارته للسباق و ضياع فرصته
للبد ،إل عندما وجد عثمان أمامه ،كان غي مصدق ،و الصان بواره يمحم ،و يدق بسنابكه
الرض ،جد للحظة ،لكن عثمان ل يهله ،و قد جاء ليحصل الدين ،رفع اليد و صفعه ،كانت
.الصفعة من القوة بيث ألصقت وجهه برقبة الهر الغارقة ف عرق السباق الاسر
حي بدأ السباق تلفت الخوة بثا عن عثمان ،ل يكن بينهم ،أو حت ف الوار القريب منهم ،كذلك
رفاقه كانوا قد اختفوا بدورهم ،تفرق الخوة بثا عنه ،البعض منهم جرى حيث توقع وجوده
العتاد ف حلقة التحطيب ،و بالطبع ل يكن هناك؛ و البعض راح يفتش بي جهور السباق ،و أيضا
ل يكن موجودا؛ أما الكثر فطنة فقد جرى نو البقعة الت ينتهي عنها السباق ،و حي وصل،
كانت يد عثمان مشرعة ف الواء ،صرخ :عثمان .و حل صمت ،و هبطت اليد بعزمها تصفع الوجه
الغلوب الذاهل ،دوت الصفعة وسط الصمت الذي ياصر البقعة اليطة بم ،بينما هناك ،ف قلب
كنت غارقا ف تساؤلتي حي جاء عيد و جلس بواري ،قال :رحت لد في؟ تنبهت من شرودي ،و ماولت
الدائمة ف متابعة كل ما يرى حول ،قلت :ف رسومك و خطوطك .و أشرت للحوائط ،ضحك عيد ،و
كان ضوء الفانوس الفيض ،قد دفع الرسوم للتعملق ،و مغطيا إياها بطبقة من الغموض الذي
أكسبها إجلل فائقا ،ظننت ف لظة أنا على وشك التحرك ،و البوط من الوائط ،كي تشاركنا
قعدتنا فوق الدكك ،بقلب هدا الديوان العتيق ،و الذي دافعت العمة عنه ،ضد الكهرباء و ضد
احتياجها لستخدامه ف سنواتا الخية لقربه من الباب ،كنت أرى أننا جزء من الصور الت تلف
حوائط الديوان ،أو هي جزء منا ،رأيت كأنا تنظر إلينا ،تتأملنا ف حال الركة ،أو حال
السكون ،أو كأننا نن ذاتنا صور و رسوم و خطوط على حائط ،هي الصل القيم و نن الثر
العابر ،و الذي حل ضيفا لدة ليلة سينصرف بعدها ،كما هي حال الغريب ،نضي ،كل لال سبيله،
متفرقي بي دروب الياة التشعبة ،و تعود الرسوم إل سابق حالا من الدوء و الوحدة و القامة
.الادئة
قال عيد :حظ هذه الرسوم أفضل من تلك الت بالارج ،حيث تتعرض-تلك -للشمس فتبهت ألوانا ،و
.يكسوها الغبار ،و يقصر أعمارها .فقلت مقاطعا :يعن أنا رسوم قدية
أنا وجدتا كما هي الن ،و حي سألت والدي ،قال أنا موجودة من قبله ،لكن أذكر و أنا صب -
.ساعدت والدي ف إعادة تلوينها ،بنفس اللوان الول
ضحكت ،و أنا أحاول تقدير الزمن ،و شط تفكيي ،دون أن أملك يقينا قاطعا ،ربا تكون من
الرسوم الول ،أيام الرحال الكبي ،و عيد الول ،و كأنا عيد يقرأ أفكاري ،قال :يبدو أن
.الد الول هو من رسها ،ث قام بعض الحفاد بإعادة التلوين ،كما فعلت أنا
دخل الغريب من باب الديوان ،تبعه ممد و هو ينفخ سيجارته ،و رغم الضوء الكابي بدا
ل عصبيا ،جال بعينيه على الدكك ،و الغريب راح و جلس بوار عوض ال ،ف موضعه السابق ،و
ممد ذهب نو العم التكئ على عصاه ،و للمرة الثانية داهن إحساس بأن ما أراه الن سبق و
شاهدته بي الرسوم ،رفعت عين للحائط الواجه ل ،كان شاب حائر يتحرك بي قافلة ،يريد
الوصول لسيدها الذي على جله ف القدمة ،و كان تدافع ،و عيد وقف و هو يقول :الليل سرى.
وقفت و هست بصوت منخفض نوعا :ليال العيد ..كل سنة و أنت طيب .ضحك عيد و اكتست ملمه بجل
رقيق ،قال :عقبا لك ..و عقب له .و أشار إل ممد الذي كان ف هذه اللحظة يلس بوار عمه و
قد وضع يده على كتفه ،صعقتن الفاجأة ،قلت ف نفسي :يعلم ما يول ف خاطره ،أم تري ممدا قد
أخبه ،خاصة و أن ممدا كان يتودد إليه منذ قدومه .ربت عيد على ذراعي و هو يقول :ل تشغل
بالك ..تصبح على خي .و مضى خارجا ،و أنا جلست مبهورا ،و عين جرت للرسوم ،و كان شاب قد
.توقف بوار فتاة ،ل تكن موجودة قبل ،و كانت يده مدودة لراكب المل :سيد القافلة
حلت زينب الفانوس و راحت للنخلة الت تناديها ،فكرت بأمر النخلة الي ،يقال أن الد هو
الذي زرعها حي بدأ ف بناء البيت ،لكن الدهش ،أنا ظلت تتطاول رغم مرور كل هذا الزمن ،ل
تنجب تتها أو حولا أي فسيلة ،و ل ينبت من نواها -الذي زرع بأماكن بعيدة و متلفة -أي
واحدة ،كان النوى يبقى بالرض إل أن يفسد أو تأكله التبة؛ ل تكن النخلة تسمح لشيء
بالنبات حولا إل الشائش ،النجيل ،تتكه يفرش الرض بغطاء لي حولا ،كي تسقط بلحها فوقه حي
يأتي أوان نضجه ،منذ وقت بعيد ،حي كان الرجال يعمرون البيت ،كان الهتمام با قائما،
فيقلم و يقطع جريدها الزائد ،و يوضع اللقاح ،و تقطع سباطات البلح ،لكن بعد الرحيل
التتابع ،ل يكن لحد أن يركب النخلة ،و هو ما كانت ترمه العمة على أي غريب ،حت عيد،
رفضت فكرة طلوعه النخلة ليلقحها ،أو ين بلحها ،فهي كانت تعتب أمر النخلة شأنا عائليا و
غي مسموح للغراب بالوض فيه؛ و مع ذلك استمرت النخلة بالطرح ،وإلقاء البلح الناضج إل
الرض النجيلية ،كانت العمة تسمح ف بعض الوقات للنعجة و الروف بالرعي تت النخلة ،كي
تقصر أعواد الشائش الت طالت ،لتصبح حصية طرية ،متساوية ،ل تبئ البلح تتها حي تأتي
العمة للمه؛ قالت لزينب :حي يستوي البلح ،تصمت الريح تاما ،ث تأتي هبة هواء غاضبة،
تنفض النخلة نفضا ،و كأنا جاءت من أجلها خصيصا ،ل أسع من أحد حول هذه الريح ،يدث هذا و
دوما بالليل ،بعد غياب القمر ،و أنا بعد أن أصلي الفجر ،آخذ قفة ،يكون النور قد مل
البيت،أذهب إليها و آخذ ف لقط البلح الذي افتش النجيل ،و عند شروق الشمس أكون قد
.انتهيت
لت زينب شيئا يتحرك حول النخلة ،تقدمت بذر و هي تفكر أن تنادي على أبيها ،أو واحد من
أبناء عمومتها ،لكنها رأت النعجة و الروف يرعيان النجيل ،توقفت ،هي متأكدة من أنا
أغلقت باب الزريبة جيدا حي انفلتت النعجة و ابنها عند الغرب ،و استطاعت هي و عزيزة
ردهم ..اقتبت ،وضعت الفانوس علي الرض ،و نظرت لعلي النخلة ،كان كل شيء صامتا ،و تذكرت
كانت النعجة و الروف يرعيان بوع و هة عالية ،و زينب تعجبت من أفعال حيوانات العمة ،ف
البداية ،حي توفيت العمة ،كانت الدواجن راقدات حولا ،كأنا يتضنها ،و بصعوبة استطاعت و
عزيزة إبعادها و حبسها بالزريبة ،أما قطة العمة فقد نطت للسطح ،و رفضت النزول ،رغم
النداء الطويل و اللح من زينب ،كانت زينب تشعر بأن هذه الرواح أصبحت معلقة برقبتها ،و
جزء من إرثها العقد ،كانت ف كل صباح ،و قبل غروب الشمس ،و لدة أسبوع كامل و هي تدخل
الزريبة حاملة الطعام و الاء للدواجن الرافضة للقتاب منه ،حت بدأ الوت يطل على الزريبة
فارضا رحته النهائية؛ و عزيزة الت تتابع بصمت ،صرخت :حرام ..على القل نذبهم .لكن وريثة
العناد السري رفضت بجة أن العمة ل تكن تقو على ذلك ،ث قالت بزم :ل يكن خيانتها .عند
ناية السبوع كانت القطة قد اختفت ،و الدواجن نفقن بالكامل ،و بقيت النعجة و الروف
انتهت النعجة و الروف من لقط الشائش و تسوية أعوادها حول النخلة ،نظرا لزينب الت حاولت
القتاب ،لكنهما تركا عائدين للزريبة ،تناولت زينب الفانوس و تبعتهما ،كي تسد باب
.الزريبة الفتوح
كان الاج عثمان مستندا على النبوت ،مائل عليه ،و مفضا وجهه كأنا ياول تاشي الفتضاح،
بينما رغبة تتملكه ف أن يسك بسيل الذكريات النسابة منه ،يريد أن يوقفها و يتمعن فيها
الن و بعد كل هذه السنوات؛ كان اليوم الثالث للعيد ،حي عاد الب من غيابه ،و ل يعرف أحد
ف عصر ذلك اليوم كان كعادته وسط حلقة التحطيب حي أتاه الب :مصطفى تقدم لينازل فاطمة،
ابن العم يتسابق مع أخته .توقف متحيا ،و اهتزت يده القابضة على النبوت ،و هاجه السؤال:
هل ستمتد يده على ابن عمه ،إن فازت فاطمة؟ وجد نفسه ينسحب من اللقة ،البعض ظن أنه ذاهب
للبرار بقسمه ،و هو كان يبغى الختفاء ،و أن يدث المر بعيدا عنه ،كأنه ل يعلم به ،لكن
الن ،العيون الت تاصره تبه بأنا تعلم ،و أنه يعرف ،و إن كان قد مد يده سابقا و صفع قبل
.أن يتدخل أحد لنعه ،فعليه أن يكمل
أوقفته الية على حواف اللقة ،ل يدري على أي نو يتصرف ،ما الذي دفع مصطفي لذا الفعل؟
كان يكفيه و هو ابن العم ،أن يتقدم خاطبا ،و لن يرؤ أحد على رفضه ،لكن القسم الول بأن
تتزوج فاطمة بن يتفوق عليها بالسباق ،هل كان للخوة التغاضي عن الشرط؟ و الن ،أهو مطالب
بالنث ف يينه أمام ابن عمه ،ف دخيلته يتمن أن تنهزم فاطمة ،و تنقذه من الشرك الذي يلتف
حوله ،و ذلك الرجل ،ماذا كان اسه ،و هل هذا مهم الن؟ ماذا سيكون موقفه و موقف عائلته،
كان يتقلب ف نار القلق و التقب ،يود لو يكون هناك بقلب السباق ليمنع هذا السباق ،أو
يري النهاية بدل من النتظار القاسي هنا ،ناية السباق الت ربا تكون نايته ،أو عليه أن
يسارع بالبتعاد ،و جاءه الب طائرا :فاز مصطفى .غمرته فرحة ،فرفع النبوت و دخل اللقة
راقصا على أنغام الربابة و الزمار و النقارة ،كان والد عوض ال هو القائد بالربابة،
الذي أدرك الال ،فأبدع ألانا من أجل فرحة العجبان ،الذي يرقص بعصاه كما ل يرقص من قبل،
و أخرج نقودا و أعطاها نقوطا لولد عوض ال ،و سي الرقصة باسيهما :مصطفي و فاطمة .و رأي
أن ذلك ناية حكيمة؛ و ظل باللقة يلعب كل من باللقة و يازحهم ،و عندما عاد للبيت ل يكن
يعلم بعودة الوالد ،كان أذان الغرب يلعلع ف ساء العيد و السرور الطاغي يتقدمه ليدخل
البيت ،فوجد البندقية ف انتظاره و معها قرار بالطرد ،ف البداية ل يفهم فتاجع منسحبا ،ث
أفاق من تويه علي يد تز كتفه برفق و صوت يمل نبة سخرية يقول :كثر شرودك يا عم .تراجع
بظهره لسند الدكة ،و هو ياول تالك ذكرياته ،الت تنفرط رغما عنه ،قال :أبدا .كان ابن
.أخيه ممد ،فالتفت ناحيته و هو يقول بصوت أكثر عمقا و استقرارا :خي
و هي عائدة لت عيد يغادر البيت ،ل تتوقف ،بل تقدمت نو حجرة العمة ،و الرغبة ضربت
جوانبها ،أرادت الختباء ،و أن تنسى عداءها تاه عيد ،قالت لا العمة :ما ذنبه؟ و كانت قد
تعلقت بجة أنه فأل سيئ .ل تبحها تلك الفكرة ،رغم صداقة عزيزة ،و ماولتا الدائمة لتبي
أسباب الكراهية ،و ما كانت بقادرة على التوضيح ،كانت فقط تريد أن تصب غضبها على أحد،
أي شخص ،و كان هو أمامها ،صديق سعيد ،و مبيض حجرة زفافها الذي ل يتم ،الن تتساءل :و هل
.هذا كافيا؟
دخلت من الباب و علقت الفانوس ،و هت بلع اللباب ،و تذكرت ما جري عند الغرب ،فتكت
راقصا ،داعرا ،كأنا يتذكر اهتزازات تعطلت داخله ،تبسمت و هي تضع رأسها برفق على
الوسادة ،و شت رائحة التاب الناعم التاكم فوق السرير ،فهبت رافعة رأسها ،و السرير تاوب
مع الركة مصدرا ألانه ،و خيل لزينب أنا عالية ،و ربا سعها من بالديوان ،و رأت نظرة
الغريب ،فأحست بالفضيحة تدق با ،فنزلت بسرعة ،و سعت ضحكة تتدد حولا ،لكنها ل تتم،
تناولت حصيا مركونا بوار الائط ،و على الرض فرشته ،و سحبت الوسادة و ألقتها على طرف
الصي ،و هي تتلفت حولا ،و ترهف سعها للصوات القادمة من الديوان ،فجاوبا صمت عميق ،فردت
قال ممد و هو ياول رفع صوته ،كي يدارى الضطراب الذي يعتمل داخله ،و العم الذي سع هذه
القوال كثيا ،كلما جاء واحد من إخوته ،أو من أبنائهم ،أو القارب ،يقولون نفس الشيء،
اللم الذي يسيطر على الميع ،الوف على ذكرياتم القدية من الندثار ،أماكن لوهم ،و نضج
مراهقتهم ،يدفعهم الني ،و نية تبزغ حي تواجدهم ،سرعان ما تتوارى عندما ينصرفون ،يضعون
خططا لن ينفذوها أبدا ،فقط اللم يظل باقيا :أن يبقى البيت مفتوحا .لكن كيف؟ ل أحد ييب،
أو يأخذ خطوة صادقة ،و عثمان الذي مل من كثرة التمنيات هذه ،كان يضع العقدة ف النشار،
يقول ببساطة و وضوح :تعال اقعد فيه ..و افتحه .بالنسبة له كان المر منتهيا ،حي عاد من
تغربه كان قراره واضحا ف عقله ،بن بيته ف الطرف الثاني من البلدة ،ل يكن يرد على
الهانة القدية ،الطرد ،لكنه كان يس بأن روحه ل تتمل هذا البيت ،كان يقول لنفسه :غي
مسموح ل بالتواجد هنا .و عناده كان صافيا ،دون ضغينة أو كره؛ حي جاء أول مرة ،عقب وفاة
الم ،كان الب قد مات منذ فتة بعيده ،لكنه أصر على عدم اليء ،رغم علمه ،قال وقتها:
القسوة أهم مياث .ل يكن قادرا على الغفران ،لكن يوم الم جاء يره الني ،و يقينه بأن أمه
خارج حسابات الطرد ،لذا ل يضر زفاف فاطمة ،و ل عزاء فاطمة الول ،الدة ،دخل البيت و
شعور بالنقباض يضه ،ل يقدر على البقاء أكثر من دقائق ،قدم فيها عزاءه للخت ،و رحل بصمت
إل الساحة أمام البيت ،ل يذهب للديوان ليقعد مع الرجال و إخوته ،قال أريد دكة هنا ،و
الخوة و رجال العائلة العارفون بالوضوع ل يادلوه ،و بدل الدكة الواحدة أخرجوا ثلثة،
.رد الاج عثمان ،مستشعرا قلق ابن أخيه ،و الذي كانت أطرافه ترتف
قال ممد و هو يقلب الكلم و يفتح أبوابا ،يسهل لنفسه الدخول منها ،لكن العم أراد أن
.ينهي وجع الدماغ من هذا الوضوع التكرر ،فقال بزم :و الطلوب
شعر ممد بأن العم يضيق الناق ،فقال :أريد الزواج بزينب .و تنهد كأنا أزاح عبئا جاثا
لكنه و منذ فتة طويلة ،كان الوضوع قد أغلق ،حينما أصرت زينب على رفض كل من يتقدم لا،
كانت تقول :حظي و جربته .و كان يعرف عناد رأسها؛ لكن الديد ،أن الاطب الن هو ابن العم،
و ليس بغريب ،كما ردت عليه ذات مرة بأنا لن تكون زوجة لرجل ل تري به دماء الرحال .كان
على العم أن يتوى تسبا لرد زينب ،كان يشق عليه أن يراها وحيدة ف الياة ،و هو طال العمر
!.ماذا؟ -
قال ممد متعجل ،فإنا الت توقف عندها العم تفتح أبوابا عريضة للرفض ،و ساعتها
يسقط اللم الذي رآه و هو مشرد بالبلد ،أراد أن يكلم عمه عن اللم ،و إعادة ل الشمل ،و
.ارتاحت نفسه قليل ،و تغافل عن حس السخرية ،قال :خبها الن يا عم
وقف العم ،و قال :تصبحون على خي ..وقف عوض ال و الغريب ،و ممد و بعض الذين بقوا
متيقظي ،خطا نو الارج ،تبعه عوض ال و الغريب ،لكن العم أشار للغريب كي يلس ،فجلس ،و
خرج العم يصحبه عوض ال ،و تبعه ممد و البشاري ،حت باب البيت الارجي ،ث ردا الباب
جاء ممد و جلس بواري ،و بوادر البشر تل من وجهه ،قال :طلبت يدها .قلت :أعلم.
.فهزني مستفهما ،صمت ،ل أجد ما أقوله له ،قام من جواري و راح للدكة الاورة و تدد فوقها
كان الميع قد رقدوا ،فقام ماهد البشاري ،و راح نو الفانوس و خفض شعلته ،أردت أن
يظل النور قليل و أنا أشعل سيجارة ،و رحت أفكر ف الحداث الت جرت ،فجافاني النوم ،قلت
ّ أن أنام الن ،أرجأت التفكي ،و بدأت ألعب الرقام ف ذهن ،كي يأتي
غدا يوم طويل و على
النوم سريعا ،و حي بدأت أخوض ف مياهه برفق ،خيل ل كأنا هبة هواء تنفض النخلة ،و أن
بلحها يتساقط على الرض النجيلية ،قررت أن أقوم لتأكد لكن النوم كان قد جرني لياهه
.العميقة
الولد لئيم ..غويط .قال عوض ال و هو يسي بوار الاج عثمان ،الذي يتحرك و عقله يرى
بعيدا ،يطارد خيالت دون القبض عليها جيدا ،فسرعان ما تنفلت منه و تول هاربة ،قال دون
انتباه :الديون ل تسقط أبدا .و عوض ال الذي يعرف الكاية القدية للصفعة ،فهم التلميح ،و
كان عليهم عبور شوارع البلدة التعرجة إل الهة الخرى ،كانت بعض العمدة تبدد
الظلمة و تعل الرؤية معقولة بالنسبة لعجوزين يسيان دون حوار يقصر الطريق؛ عوض ال سرح ف
عاله ،الذي طرده خارج حضرة الضور و الوجود و أصبح على الامش ،هامش الياة؛ ف ليلة كهذه،
يكون سيد الليل ،يقص حكايات البطال ،و تواريخ أيامهم ،كل هذا انقضى و ل يتبق له سوى
حلقات التحطيب الت تقام ف بعض الواسم ،على هامشها يقف هو و اثنان من أبنائه ،يعزفون
فقط ،دون غناء ،فالذي يغن الرجال و عصيهم داخل اللقة ،يعزف من الذاكرة بدون حس أو
مشاركة فعالة ،أحيانا يتدخل لتصيح نغمة ،أو يضبط إيقاعا؛ ف الاضي كان صوته يلعلع ،أما
الن ل صوت ول غيه ،حت الربابة تظل بالشهور ف جرابا السود دون أن تس ،الراب معلق ف مدخل
البيت ،يشعر أنا أصبحت حرزا ،أو حجابا ،ل يكن القتاب منه ،فقط يكن النظر إليه بتحسر و
تن ،و كلها موحش و شاق؛ ضحك عوض ال ف سره قائل :ل يعد زمننا هذا يريد البطولة ،أو يرغب
ف ساع حكايات البطال ،و داهه سؤال :هل يوجد أبطال الن؟! و لكي يهرب من مواجهة السؤال،
الاج عثمان ترمح به اليام ،ترجره من طوق الذكريات ،و ما كان قادرا علي ردعها ،و
الصمت سلحه الوحيد ،هو و قبضته العفية على نبوته الذي ما خذله يوما ،يتوكأ عليه كي
يتماسك؛ ف واحد من الشوارع التفرعة انرف عوض ال متخذا الشارع نو بيته ،رفع يده
بالتحية ،لكن السائر أكمل مسيه دون أن ينتبه ،كان وحيدا ف الظلم ،يدب على الرض بنبوته
.الغليظ
ف الصباح كانت حلقتنا قد تمعت ،استعدادا و ترقبا ،ل ندري من الذي سرب الخبار ،و
ل على أي كيفية فشا خب الغريب ،فساحة الول الفقي ل يبق با موضع لقدم ،كل هذا الشد من
بلدتنا و البلد الاورة ،حت البنادر البعيدة أقبل منها ناس :أفنديات و تار و حكومة.
الكل ترك ما يشغله و جاء للساحة ،حت الذين يأتون لزيارة موتاهم أجلوا الزيارة إل بعد
.انتهاء الواقعة
كانت الشمس قد خرجت ساخنة منذرة بيوم ملتهب ،فتهلل باعة السوبيا و الشروبات
الغازية و البية ،و أصحاب الغرز بكافة أنواعها ،و ما كنا قادرين على ردع أحد ،أو حت
الغامرة بطرده ،كان الوضع يفوق حدود التوقع و التصور ،لو قلنا كأنه يوم الوقفة ،وقفة
عرفات ،سيكون الوضع أهون ،فهذا اليوم طويل و ل نعرف على أي نو سينتهي ،و الدل دائر؛
لكن من الذي قام بنشر حكاية الغريب ،و هزيته النكرة للعبينا ،كانت الشماتة ف العيون ل
يكن إنكارها ،نعرف الن على القل أن بي الغريب و عثمان ثأر قدي ،صفعة ما يزال يرن وقعها
رغم مرور كل هذا الزمن ،عثمان ل يبح لحد ،و الغريب ل ينطق ،فقط رفع عصاه و أشار
لعثمان ،لكن الصفعة تصرخ الن مطالبة بردها ،لكن ليس لنا ذنب فيما حصل سابقا ،حت تنال
حلقتنا هذه الهانة غي الستحقة ،كان يكفي الولد ،الغريب ،أن يطلب منازلة عثمان ،و يرد
له الصفعة،إن استطاع الفوز عليه ،و يا دار ل يدخلك الشر ،لكن صفعة قدية ف برجاس اليل،
.تقابلها الن واحدة ف برجاس العصا ،و دون أن نكون طرفا فيها ،فهذا غي عادل
غبار ملتهب يلف الكان بفعل حركة القدام البطيئة على الرض التابية ،يدوم الغبار
فوق الرؤوس الشتعلة بالنتظار ،الكل يتدافع كي يكون قريبا من حلقة التحطيب ،و الت حددنا
و منذ الصباح الباكر حوافها ،و أقمنا بعض الشباب القوي حراسا عليها ،حت ل تضيق اللقة و
ل تصلح للتباري؛ جاء عوض ال اللب و ف يده جرابه السود ،خلفه كان الولدان :واحد
بالنقارة و الثاني يسك بالزمار .و ما كنا لنغفل عن هذا ،فمهما كانت مشاغلنا و الخطار
الت تدق بنا ،ل يكننا التغاضي عن أي شيء بسيط من مستلزمات اللقة ،و إل صارت جرسة ،و
علمة شؤم ،قد تسرع بغلق حلقتنا ،الت ناول -رغم هذه الزة الطارئة -أن نعيد لا بائها و
الولد ل يريد لا أن ترسو على بر ،ما الذي يبتغيه من وراء ذلك ،أل يكفي ما جرى بالمس ،و
سألنا :ماذا يريد هذه الرة؟ قال الب أن يكون الرهان مطابقا لا جرى ف الزمن البعيد،
فضربنا كفا بكف ،فما يدث ل يكن تصديقه و ل تمل وقاحته ،و هل بناتنا موضع رهان! قال
الب :انتظروا ،عثمان من وضع الشروط سابقا ،و جعل أخته فاطمة موضع رهان ،الن الغريب
يطالب بتكافؤ الالة ،و بدل من فاطمة ،تكون زينب؛ فإما أن يقبل بزواجه من زينب ،أو
يتلقى الصفعة أمام الميع .ل نر جوابا ،و ل نكن لنجادل ف أمر ل يصنا ،الهم أن تظل
حلقتنا بعيدة عن تصفية السابات ..و هكذا بقينا ف انتظار قدومهما ،و الول الفقي ف قبته
مدفوعا بميته و نبض الرجولة دخل العركة ،كان يكن أن يغض عينه ،و يتابع شرب الشاي
الذي أحضرته نعيمة ،و يظل يتملى جسدها الريان كلما أقبلت أو راحت ،تلب طلبات الزبائن
القليلي ،لكنه عند لظة ل يعد قادرا على كبح حيته ،رفع نبوته و هدر بصوته القوى ،و هو
الوقت ضحى ،و الشمس تضرب الجواء النوبية بقوة ،و عمال اليناء يأتون الغرزة،
البعض يتناول إفطاره و كوب الشاي اسود و ثقيل ،و البعض يدخن حجارة الوزة كأنا ياول
القبض على أنفاس الدنيا ،أصوات خافتة تتدد هنا؛ بينما الركة مستعرة ف الارج ،حيث وقف
أحد الصنادل و مدت السقالت ،فوقها رمح العمال بأحالم و كأنم يرقصون ،ل يعرف و هو
الرائي من مكمنه هنا بقلب الغرزة الطلة على اليناء ،يرقصون بفعل الثقل الذي فوق
أبدانم ،أم بفعل الري وراء لقمة العيش القاسية و الصعبة ،كأنا ياولون تلية مرارة أيام
الصيف الطويلة الفقية من أعمال بديلة ،غبار يتصاعد هناك من بي أقدامهم و يدوم فوق
.الرؤوس ،و هنا غبار رمادي بفعل الدخان و رائحة نعيمة الت تيم بقلب الغرزة
يأتي الرجال للغرزة مدفوعي باجة السد للحظة راحة ،و اختلس النظرات من جسد نعيمة،
من تت لتحت ،فهم يعرفون أنا ملك يي العلم حربي ،فتوة اليناء ،و ليس لديهم الطاقة
لواجهته ،أو حت مواجهة نعيمة ذاتا ،فهي قاسية شرسة ،كلمة واحدة ،و الثانية ،تكون شخرتا
قد رنت بقلب اليناء ،و الذي ل يتفرج ،بالتأكيد هو بعيد ،إذا فليسمع :إيه ..يا روح
أمك ..ث ينفرط عقد اللسان بالكلمات الت ل يقوى الرجال على تملها ،و هم من الؤكد ل
يسمعوا با ف قراهم البعيدة ،حيث نساؤهم ل يعرفن هذه الكلمات ،هكذا يتخيلون ،فقط يستكن
لظل الرجل الذي هو أفضل من ظل الائط ،العن به الب؛ كلهم ف أحلمه يشتهيها ،يأتي منيا
نفسه بلحظات بالتفرج على السد البهي ،دون تنغيص من أحد ،لذا يلزمون الصمت ،كأنا يدخل ف
صحبتهم ،يبقون و عيونم على السد داخل الفستان البوك ،و كأنا فصل عليه ،و حيك بدقة و
نعومة مرهفة ،ساما لكل النناءات و الستدارات بأخذ حقها من البوز و التحدي الوقح ،هذا
غي ما تتفنن نعيمة ف وضعه ،من كحل و حناء و خرة و دلكة تلو السد و تعله مشدودا مرنا ،و
روائح الصندل و اللب الت تتبل البدن و تعطره ،فيخرج عند الصباح بسماره اللطيف مشعا
ريانا ،يهب اليوم بسمته الطازجة ،و لتذكر العمال بقسوة أيامهم ،و ضياعها هدرا ،دون أمل
ف شيء مدد ،فقط رغبة و تعطش من الفضل كتمانما ،بدل من التعرض للسانا الذي يأتي بالبعيد
الغائب ،و ما هي إل لظة و تكون يده العريضة قد أطبقت على من رماه سوء طالعه الصباحي
عرضة لسدها و لسانا؛ يتول العلم حربي توضيب الزبون ،قليل الدب و التبية ،و تقف هي
حي تراجع مصدوما ،مطرودا ،ل تكن لديه وجهة مددة يقصدها ،لكنه ترك خارجا من حرم
البلدة ،دون أسى أو إحساس بذنب ،خارج حدود البلدة لق به ابن عمه ،و زوج أخته بعد أيام
قليلة ،مصطفي ،حاول إثنائه عن فكرة الرحيل ،متعلل بأن الغادر ل يعود أبدا ،لكن عثمان
قابله ببسمة حاول قدر إمكانه أن تبدو واثقة ،و متشبثا بائط الصرار و العناد ،و لا يئس
مصطفي دس ف جيب ابن عمه نقودا ،و ارتد عائدا ،و هو أكمل طريقه ،حيث جرته الدروب تاه
البندر ،فكر بواحد من العارف ،التجار الذين يتعاملون معهم ،و هم بالذهاب إليه ،و بطول
الطريق ،و عب التوي و التأمل قرر بأنه ل فائدة من البال القدية ،الت يريد قطعها تاما،
عليه أن يبدأ حياته الن و بشكل منفرد و بعيدا عن غطاء العائلة ،كان الطريق أمامه طويل
و كأي غريب و تائه جذبته الطراف البعيدة للمدينة ،و كان اليناء و زعيق العمال و
حركة فائرة تري بالكان ،فكر بأنه مكان مناسب لشرب الشاي و عدل دماغه الت صدعتها الشمس
و طول الشي ،و بوار مدخل اليناء وجد غرزة صغية ،دكك رصت قرب الدخل مفروشة بصر اللفاء،
و بقع ظلل ينشرها اليش ،و غرفة ضيقة جعلت نصبة تقع ف الواجهة؛ ف البداية ل يلمح الفتاة
الت توزع الطلبات ،كان عقله مشغول بمومه ،و تدبي أحواله ،لكن عندما اقتبت منه ،ضربته
رائحتها ،و جاءه صوتا الذي به بة خشنة زادت من حسنه ،قالت :أيوه ...يا عين .رفع العي،
صدمة حواسه أقسى من أن تتكه يتنهد ،أو يرك أي عضو فيه ،و الصبية ل تهله ،بل تركت
لتلتقط الكواب الفارغة الت تركها الزبائن ،و تلع جسدها و أرتج ،و هو شعر بالطر ياصره
فشدد من قبضته على نبوته ،قال :شاي .و خرج الصوت ههمة أقرب للهمس منه للكلم الي ،و رنت
ضحكة خليعة ،ترجر أذيال تعلق رقاب اللق با ،و شعر بأن الواء حوله كأنا نقص ،و ضيق يطبق
على صدره ،فزعق بالكلمة ،كمن يرمي حجرا :شاااي .و كانت تلف عائدة إل النصبة ،فالتفتت
إليه و قالت بغنج وضح:يا باي ..و عرف أن قدره أصبح مربوطا هنا ،و بصعوبة شرب الشاي ،ل
يشعر له برارة أو حلوة ،فقط سخونة تنزل لتهرى أحشاءه التقدة .و بشية من الفتضاح قام،
.لينهك قدميه ف البحث عن غرفة تلم بدنه ،شريطة أن تكون قريبة من اليناء
ف كل صباح ،عند الضحى يأتي للغرزة ،يقول الكلمة الت درب نفسه عليها طوال
الطريق :شاي ..شاي .ينطقها بشكل مايد ،لكن بدقة و وضوح ل يفصح عن أي رغائب تعتمل
ببدنه ،يبقى لدة ساعة ،ث يضي لاله ،ماول السيطرة على النفلت التسارع داخله؛ يدور طويل
بشوارع الدينة ليعود للغرزة ف ساعة العصاري ،ف يوم جاء أحد العمال و جلس بواره ،و سأله
إن كان يريد العمل معهم ،انتفض قائل و كأنا يفيق غصبا من حلم بديع :شيال ..حال .و
الرجل كي يعتذر عما قال ترك له الدكة و قام ،أراد أن ينادي عليه و يبه :من يرضي أن يصي
خادما عند أحد يظل طوال عمره خادما ،و هو ..هو ..و كان الرجل قد ابتعد؛ و كانت نتف من
حكايات اليناء قد تناهت إل سعه ،و ملكته رغبة ف رؤية العلم حربي ،و ل يكن يدرى أن أول
كان ف مكانه مواجها للنصبة ،متصدا حركات نعيمة ،حواسه تناديها ،حواسه الت تعذبه
طوال الليال ف غرفته الضيقة الظلمة ،لظات كثية تضربه السرة لتبدل أحواله و الضيق الذي
يعانيه ،تزين له نفسه العودة و اللص من هذا البؤس ،لكن ما أن يغمض العي و يرى لم نعيمة
يايله ،و يتجرج مناديا ،و بتها الثية تطن بأذنيه ،و دمه يقرصه و يتوجع لمه ،ليتاجع عن
قرار العودة ،و يظل ساهرا ،فل ينام إل مع مقدم النور ،و ما هي إل لظات حت يهب ليلحق
ف هذا اليوم جاء حربي ،و خلفه ثلثة من أتباعه يملون النبابيت الغليظة ،يهزونا
بتبجح واضح ،بدا حربي لعينيه قصيا نوعا ،أو أن بدانته الظاهرة قللت من طوله ،كان مدكوك
السد كزكيبة مكمة الغلق ،و أن كانت حركته مرنة ،ملبسه نظيفة ،تتدل لسته على كتفه ،كأنا
إعلن واضح عن فتوته ،و قوة جانبه؛ عند الدخل توقفوا ،و صمت الميع ،و بعض الالسي وقف ،و
البعض أخذ ف النصراف السريع ،و كان عامل ضئيل السم يعطي ظهره لدخل الغرزة ،قد فك
منديله الصفر الكبي ،و راح يتناول إفطاره ،تقدم واحد من رجال حربي ،و مسك الرجل من
قفاه ،و قبل أن يلتفت الرجل أو ينتبه ،وجد نفسه مطوحا ،طائرا ف الواء ،و يده تقبض على
طرف النديل الذي تناثرت لقيماته ،و انطلقت الضحكات ،و الرجل تكوم عند أقدام عثمان ،و
رفع وجها عفره التاب ،و كدمة ف جبينه كبسها التاب ،و الدموع على وشك الطول ،و نظرة
ذليلة مهانة وجهها لعثمان قبل أن يتمالك نفسه و يقف و يندفع تاه الرجل الذي رماه ،و هو
يسبه بصوت خنقه البكاء ،و الرجل الذي كان يقهقه تلقاه بصفعة قاسية ،أردته على الرض
ثانية ،وسط الضحكات الشرسة المجية لربي و رفاقه ،و نعيمة لعلع صوتا مرحبا بالعلم ،و
أنتفض جسد الرجل الكوم على الرض ،لكنه ل يقم ،و عثمان ل تدعه حيته ،فهبط إل الرجل و
أقامه واقفا ،و قال و هو يرى وجه الرجل الذي ياول سته بي ذراعيه :عيب .و تقدم نو الرجل
و يده الت حسها الغضب قبضت علي النبوت بقوة ،و الرجل ضحك هازئا ،و هو يقول :إيه مش
عاجبك يا روح أمك ..و ل يهله عثمان ،و رفع النبوت مزما به الرجل من وسطه ،ل يقل الرجل
كان ذلك إعلنا كافيا لبدء التقاتل ،ابتعد الوجودون إل الواف البعيدة للغرزة ،و
العلم حربي رمي لسته لنعيمة الت تلقفتها ،و ذهول جعل جسدها يسكن عن اهتزازه ،و لتختفي
البسمة الت كانت تغمر الوجه الليء؛ تقدم الرفيقان ليحاصرا عثمان ،و النبابيت تتطوح
منذرة بالزرة القبلة ،و عثمان ،العجبان ،خلع عمامته و رماها على الدكة ،و صرخ بصوته
الادر ،و قال كأنه يضحك :يا مراحب .و تلقت النبابيت ف دوي عال جع الذين ف الوار القريب
كان عثمان يدرك أن عليه أن يتخلص سريعا من الرجلي ،حت ل تنهك قواه قبل أن يواجه
معلمهم الذي يقف متحفزا ،تلقي ضربة قوية ،حاقدة ،و رد بأسرع منها ،و زاغ من نبوت موجه
مباشرة إل رأسه ،ف نفس الوقت كانت عصاه قد ضربت الخر ف ركبته ،فانن متألا ،ليعطيه
الباح كي ينفرد بالول ،الذي كان يهاجم بضراوة ،و عثمان الذي ثبت مركزه ،أخذ يتاقص،
يستدير و يعتدل ،يراوغ و يسدد ضربة صائبة عندما انكشف صدر الصم حي رفع يديه عاليا ،هي
لظة كان النبوت قد فعل فعلته ،و أردى الرجل على قفاه ،غي قادر على القيام ،بقي الخر
التأل من ركبته ،كانت حيته آخذة ف الرتفاع ،فراغ من ضربة مهاجه ،و استدار بسرعة و فبان
أمامه ظهر الرجل مكشوفا تاما ،فعاجله بالنبوت أسفل ردفيه ،صرخ الرجل متكوما على الرض،
و بذره اليقظ استدار عثمان قبل أن يغدر به حربي و يأخذه على خوانة ،مهاجا إياه من
.اللف
ارتسمت بسمة مهتزة على شوارب حربي و هو يقول :اطلع بره ..يا ..و كان يقصد خارج
الغرزة الت سد بابا التزاحون ،خطا عثمان ،لكنه ل يعط ظهره لربي ،و الرجل ضئيل السم حل
عمامة عثمان ،و كان قد قفز فوق الرجل الذي صفعه ،حي سقط ،و انال عليه صفعا و ركل و
سبا .كان الكان بالارج متسعا ،و مناسبا لنازلة نبتت فجأة و دون قصد ،ألتف الناس
للفرجة ،و نعيمة بذهولا تقف مسكة بلسة حربي ،و بوارها يقف حامل عمامة عثمان ،وجهه ينطق
بالبشر و البور ،و لسانه يلهج بشتيمة مقذعة لربي و رجاله ،لكزته نعيمة بكوعها ،فتنبه
دارت العركة ،عصا هنا ،و باب مسدود ،و ســـو ..عالية و مطوطة قالا عثمان ،و حجل
كأنه يرقص ،أو لعله رقص كأنا يجل برجل و نصف ،و النبوت تراقص بي يديه متنقل بي الضرب و
التلقي ،و حربي ل يكن سهل ،بل كان معلما كما يليق بفتوة ،كان يعرف كيف يراوغ ،و مت
يسدد ،و عثمان الذي رأى نعيمة بي التفرجي ،زاد اشتعاله ،و توهج جسده للقتال ،و كثف من
ضرباته ،كانت قوية و شديدة الحكام ،و من الصعوبة تفاديها ،لكن السد القصي التي كان
يعرف مت يبتعد و مت يقتب ،كان غرض عثمان هو إناك حربي قبل الجهاز عليه ،كان طوله و طول
ذراعيه يعطيه أفضلية ف أن يهاجم ،و يبقى جسده بعيدا عن نبوت حربي ،و حربي العارف بفنون
القتال ما كان ليغامر بالقتاب ،و كان على عثمان أن يلهيه كي يطمع و ينسي الذر الواجب
فيقتب ،فرقص مبتعدا ،و موسعا من دائرة القتال ،كان يصرخ :ســو ..ســو ..فيأتي الناس
على الصوت و اللمة التكاثفة ،كان يره إليه ،و حربي ياول ماراة الغريب الذي ظهر فجأة
مهددا مكانه و سطوته ،و لحظ أن الغريب يتاقص ،ل يقاتل قتال الرجال ،يريد أن ينهكه
برقصه التباعد ،فقرر النتهاء من هذه الهزلة ،و يضع حدا لذا التبجح ،و الذي ل يفلح أهله
ف تربيته ،فصرخ و هو يتقدم مهاجا و مضيقا السافة الت سبق و وسعها عثمان ،الذي استدار
ليلقيه ،فواجهته الشمس ف عينه ،و مرت عصا حربي قريبة من رأسه ،قال ف نفسه :يريدني ف عي
.الشمس ،حت ل أرى عصاه جيدا ،فتحرك بسرعة قبل أن يعاود حربي هجومه
سخونة الرض و ليبها التقد ل تقف حائل ،بل على العكس حفزت من الجساد الواقفة و
أججت الثارات السابقة و الرغبة ف التشفي ،بينما السدان التقاتلن كساها العرق ولنت
الفاصل؛ نط عثمان عاليا و نزل جالسا على ركبته ،و مد النبوت بطول ذراعه ،بقوة و سرعة ل
يتحرك على ارتفاع قبضة من الرض ،فأصاب القصود تاما ،ذلك قبل أن تلحظ ،كان النبوت
ينتبه حربي للحركة الباغتة و يقفز من على الرض جاعل النبوت يفوت من تت قدميه ،لكن
النبوت كان قد بلغ مقصده عند مفصل القدم ،بالتحديد العظمة البارزة ،كانت الضربة قوية و
ل يكن تملها ،و صرخ حربي ،و حاول أن يعرف قدمه الصابة ،فاختل توازنه و هو يتاجع تت ضغط
الل ،فسقط على الرض ،و كان عثمان قد استوى واقفا و هو يضرب نبوت حربي ،فطار بعيدا،
عاريا من دون حاية وتزايد الل يدفعه للصراخ حاول حربي القيام ،لكن نبوت عثمان أنغرز
بصدره فرده راقدا على الرض و وقف عثمان فوقه ،و هاصت الدنيا ،و علت الصوات :تسلم
يينه ..عاش الرجال ..و دقت مزيكا :نقارة كبية يصحبها مزمار و ربابة .و رقص الناس حول
خطفت نعيمة عمامة عثمان من الواقف بوارها ،و الذي كانت يده الخرى بدأت تتحسس
جسدها ،خطت نو قلب اللقة ،و ف مواجهة عثمان وقفت ،نظرت مباشرة إل عينيه ،ث رمت لسة
حربي فوق وجهه العفر بالتاب ،و وضعت قدمها فوق رقبته ،تراجع عثمان قليل ،مذهول من
فعلها ،رأى عمامته ف يدها ،فمد يده كي يأخذها ،لكن نعيمة رفعت يديها عاليا حت بان
إبطها النتوف ف وجه الرجال ،كان يضوي تت الشمس الارقة ،و رنت أساور الفضة و هي تنزلق
على الذارع الرخص ،و هبطت اليد بالعمامة إل الصر و حزمته ،و القدم الت على رقبة حربي
.تدقدقت كما اليل ،و رن اللخال متجاوبا مع الزيكا ،و بدأ الرقص
من أين جاءت الزيكا؟ و من أخبهم بالتقاتل؟ سؤال لن يعرف إجابته أبدا ،لكن ما
يعرفه أن نعيمة ترقص أمامه الن ،ترقص له و لفوزه ،تيل بسدها كمهرة عفية ،ترقص أردافها
و تز الصدر العامر ،كل بدنا يرقص ،حت عينها ،تتاقص ببسمة شقية ،تقتب منه و تبتعد ،تد
.إليه يدها كي يرقص معها ،و صيحات الستحسان تدفعه لقبول الرقص
رفع النبوت الغروز ف صدر حربي ،المدد بزيه العظيم ،طوح النبوت ف الواء ،فاتسعت
الدائرة ،بدأ يرقص ،كان يبتعد ،يشى القتاب منها ،لكن جسده كان يسوقه نوها ،و هي ارتت
بظهرها على صدره ،و هفهف شعرها فوق وجهه ،فوجت ف جسده النيان ،فابتعد و هو يسندها
بذراعه ،كان يرغب بالرب ،و رأى الرجل الضئيل يضحك ،و خايله وجه ينظر له بلوم و عتاب
قاس ،حاول التوقف عن الرقص ،و التأكد من صاحب الوجه ،لكن الوجه أختفي بي الموع الاشدة،
فدار مقتبا من نعيمة ،و الزيكا ف تصاعد و يشتد الرقص و تن غرائزه ،رفعت نعيمة يديها
فكت نعيمة العمامة من حول خصرها ،و رمتها فوق كتف عثمان ،و راحت للمعلم حربي
الكوم على الرض و عند رأسه وقفت ،كان ينظر لا بابتهال و رجاء عميق ،لكنها ل تنظر نوه،
ضربت على بطنها ،ث أنزلت سروالا ،و عثمان واقف بيته ،يتعجب من الفعال الت ل يفهمها ،و
ل يدري مغزاها؛ جعلت نعيمة رأس حربي بي قدميها ،و اننت قليل بذعها ،و بيدها باعدت ثوبا
الضيق و البوك على جسدها ،ث تبولت على رأس حربي ،الذي وضع يديه فوق وجهه كي يميه ،أراد
ارتدت نعيمة سروالا و جاءت إليه ،مدت يدها للعمامة التهدلة على كتفه ،شدتا حول
رقبته و جرته نوها ،و قالت بصوت واضح سعه اليطون بم :ياريت نبوتك يكون قوي ..زى قلبك.
و هو ل يفهم ،لكن الذين حوله و قد فهموا التلميح ،انطلقت ضحكاتم مذيلة بالتعليقات:
جرته نعيمة خلفها تاه بيتها القريب ،كان الوقت ظهرا ،و حي خرج كان الساء ،و ظلمة
قد كست الدنيا ،و ما أن تقدم خطوة ف الشارع حت اصطدم بفوهة بندقية موجهة لصدره ،و صوت
تكشفت الصحراء عن البهاء البدي ،الذي تتفظ به ،كواحد من كنوزها العديدة ،ل يكن من صوت
سوى وقع أخفاف الملي فوق الصخور و الرمال ،و هواء جاف منعش يسرى ف الوادي ،و ساء متخمة
بالنجوم القريبة و الت علي وشك الطول ،جل العم يسي متقدما و خلفه المل الذي يعتليه
عثمان ،الغارق ف دنياه و أحواله ،يبتسم لفارقة البندقية ف حياته ،ف البداية يرفعها
والده ف وجهه كي يطرده من البيت ،و الن يأتي العم ببندقيته و يدكها بصدره ليطرده من
أحضان نعيمة و دنياه الت أوشك على اقتحامها؛ حي خرج ف الشارع كان جسده ما يزال مدرا ،و
آثار أظافرها و أسنانا حية و قوية ما تزال تنبض ،حت يوم ماته سيظل يتذكر أنا الرة
الوحيدة الت أخذ فيها جسده حقه من التعة و الرتواء ،ف أي لظة سيفع فيها القميص و يرى
علمتها الت حفرتا ،و الت لن تنمحي ،سيفكر بالطريقة و الكيفية الت جرت ،و كيف استسلم
ليوية فتنتها الطاغية ،و باء السد البشري حي يفصح عن مكنوناته و يفتح مغاليق أسراره،
.دون خشية أو خجل اعتباطي ينقص من قدر التعة و يبخس قيمتها
كان العم ،عبد ال البشاري ،قد نزل البلدة لضور زفاف مصطفى و فاطمة ،و عرف
بالكاية ،و هاج ف وجه ابن عمه ،و عنفه بكلم قاس ،و قال مصطفى أن عثمان ذهب للبندر ،و ف
أيام الفرح جاء ناس من الدينة ،قالوا أنم رأوه ير بالشارع ،دون أن يتوقف عندهم ،أو
يرمى السلم عليهم ،و حي نادوه ل يرد ،و كان عامل باليناء أشار للغرزة ،و بعد الفرح قاد
العم جلي تاه البندر ،و عقلهما خارجا ،و راح للغرزة ،و كانت الناقة ،و شاهد ابن أخيه
يرقص بعصاه ،و فتاة خليعة ترقص بي ذراعيه ،و رجل مدد على الرض ،و الناس تتفرج ،بقي
بينهم ،حت قادت الفتاة عثمان إل بيتها ،فرجع للجملي ،و من بي الرحال أخرج السلح ،ورجع
ليعسكر أمام البيت ،و كان الليل قد حط ،و ل يشأ أن يقطع لظة التعة ف حياة الولد ،فكر
.أنا مكافأة و تربة واجبة ،و عندما خرج عثمان قاده تاه البال البعيدة
قال العم كاسرا حدة الصمت الذي ييم ،ل يشأ عثمان أن يادل ،لكنه تعجب من عدم اعتافهم به
كرجل و مع ذلك يرفعون السلح بوجهه ،و هل كان يلك أن يعارض ف الالتي المر الصادر،
ببندقية أو بدون؛ أرخي اللجام من يده ،فاندفع جله مقتبا ،حت وازى جل العم ،كان العم ف
سن والده ،لكن بنية عوده كانت أنف و أشد متانة ،و كانت الصحراء قد تكفلت ببشرته ،فصارت
.ل تفز ..لنك كنت الفضل ..بل كونك الكثر هجية -
قال العم لعثمان الذي أصبح ياذيه ،و عثمان الذي يقدر عمه أراد العتاض بلطف ،ليدفع عنه
بسبب نبوتك .قال العم مقاطعا و هو يس بطرف عصاه عضو عثمان ،و ترددت ضحكته الصافية ،و -
تاوبت معها البال القريبة العالية ،و قهقه الصدى ،وعثمان الذي بوغت بركة العم ،ل ينع
نفسه ،رغم الجل ،من البتسام و هو يطأطئ رأسه ،فأكمل العم بصوت هادئ متزن :كان بإمكان
كانت العائلة ف طورها الثاني ،قد أبقت بعض أبنائها بالصحراء ،كنقط اتصال بي الضر
و البدو لتأمي طريق القافلة القادمة من النوب ،كانت حاية و مراقبة ،كانت مهمة تلك
النقط التعامل مع أهل الصحراء :البشارية و العبابدة .عب التعامل معهم و التزاوج منهم،
و كسبهم كأدلة لدروب الصحراء التشعبة و معرفة الطرق اللفية و البعيدة عن العي و مطامع
قطاع الطرق و لصوص الصحراء؛ و لا انارت التجارة و خطت الدود بي الدول ،كان أبناء
العائلة قد تولوا لصحراويي ،قلبا و قالبا ،ل يستطيعون النفصال عنها ،و عن حياتم الت
نبتت هنا ،و إن ظل البعض منهم على اتصال بالبيت الكبي ،بيت الرحال ،و كان منهم والد
.عبد ال البشاري ،العم ،الذي يضرب الن بالصحراء نو مضاربه بعد أن أخذ عثمان معه
كان عثمان ،و هو طفل ،يرى الهتمام الفائق الذي يل بالبيت عن قدوم العم البعيد من
قلب الصحراء ،كان يأتي و يبقى لدة ليلة ،يأخذها ساهرا هو و والده ،و والد مصطفي و بعض
القارب الذين عرفوا بقدمه ،يكون و يستجعون تاريخ العائلة بكثي من السى و الني؛ و كان
عثمان يرابط بالديوان ،يستمع لكايات العم ،و شوق بداخله يتعاظم لرؤية الصحراء و الذهاب
مع العم ،و ف مرة تاسر أمام الميع و أخبه برغبته ،و ضحك الاضرون ،و العم طيب خاطره،
لكنه ف الصباح وجد نفسه راقدا فوق دكة بقلب الديوان و كان العم قد غادر ،بكى عثمان
الطفل ،من القهر ،قهر الديعة و التك ،ف الرة التالية ،تاشى العم تاما ،حت عندما طلبه
العم ل يذهب ،لكنه راح و نام بوار جل العم الربوط بالارج ،بالتحديد فوق رحله ،فلبد
للعم أن يوقظه كي يأخذ رحله ،و حي صحا و جد نفسه بوسط الصحراء فوق المل خلف العم؛ و
بعدها عرف الطريق ،و كلما ضاقت به أحواله ،أو ضربه الني ،ذهب هناك ،خاصة و أن أبناء
كان الليل قد سرى ،و أمامهم يوم طويل حت الوصول ،أناخ العم جله و فعل عثمان،
أخرج العم عدة القهوة ،و لقط عثمان أعودا من الطب ،و أشعل النار ،صب لعمه قهوته الرة
الت يفضلها ،و يأخذ عدتا معه أينما ذهب ،أراد عثمان الديث فيما جرى ،كي يرر عمه من سوء
الفهم ،و كي يتفهم موقفه و منطق فعله ،لكن العم كان قد انصرف للسماء ،يتأمل نومها ،و
حي فرغ من شرب القهوة ،تدد جاعل من ذراعه وسادة ،فقام عثمان و ل عدة القهوة ،و أهال
على المرات التقدة بعضا من الرمل ،و اتكأ علي صخرة ،و راح يستحلب الوقائع الت جرت،
كانت نعيمة حاضرة ،صوتا يهمس داخله ،لكن صوت العم قاطعه :كبت يا عثمان .انتبه و نظر نو
عمه ،فوجده يقوم من مرقده ،و هو يقول :هيا بنا .كان عثمان قد اعتاد أفعال العم ،لكن
َم
َل.الن إل أين؟ أراد أن يسأل ،فقال العم و هو يركب المل :خور الس
من أراد أن يرب رجولته ،فلينزل وادي السلم ،حكايات كثية عن العفاريت و الن و
الوحوش الت تتخذ من الور مكان إقامة ،و رغم الرجفة الت انتابت عثمان لا سع صوت عمه
ينطق بالسم ،ل يعتض فهو يعرف عمه :تاجر البل .فرغم وداعته الظاهرة لكن قسوته تفوق
الدود ،و ها بقلب الصحراء ،يكن أن يرديه قتيل بطلقة واحدة ،و يتكه جيفة ،و يضي دون أن
يرف له جفن ،أو يشعر بذنب ،هل القسوة بنت الصحراء و الصخور و الو اللتهب؟ أهذا واحد من
قوانينها ،و قواني الياة با ،ل مكان للخوف ف قلوب الرجال أو عقولم ،هم رجال ،يب أن
يكونوا ،ليستحقوا الياة بدارة هنا ،و هو أل ياجج برجولته ،أم أن تلك متلفة ،و جال
باطره أنه ل يكن يصدق بوجود هذا الور ،كان يعتبه مكان للحكايات مثل أماكن ألف ليلة
التعددة و الكثي منها ليس له وجود ،مكان يكن أن تدث به بعض الوارق الت ل تنتمي لعالنا
الزائل و الزائف هذا ،كان أبناء البشاري ،عمه ،قد قصوا و فصلوا القول ف حكايات كثية عن
الور ،الذي يقود العم باتاهه الن ،هل عقل العم قد اختل ليذهب لكان ليس له وجود إل ف
خيال الشعراء و رواة الحاديث ،قالت الكايات عن كثيين ذهبوا للبحث عنه و ل يرجعوا أبدا،
.و آخرين ظلوا يبحثون عنه دون جدوى ،و حي عادوا كانت حياتم قد ذهبت
التحدي يقوم على الذهاب للخور و العودة بعود من شجر السلم التكاثر به ،ليس معه
سلح سوى بلطة كي يقص با الفرع ،و يدفع با عن نفسه إن لزم المر ،و المر لن يلو ،أو يضرب
با رأسه ،كما روت الكايات ،إن أراد أن يوقف الرعب الذي حاصر قلبه؛ سارا طول النهار
الذي أهل عليهم ،و كانا قد أخذا دربا متلفا ،ل يقود نو الضارب ،كان عثمان يتساءل طوال
الطريق مت يتوقف هذا النون ،و يرجع عمه إل الدرب الصحيح ،لكن العم ل يكن ليتوقف حت مع
اشتداد الرارة ،و طلب الجساد للقمة ،أو لراحة الملي؛ كان العم يتحرك متقدما ،و دون
حوار يفف من هواجس عثمان ،الذي كان يتك جسده للهتزاز تبعا لركة المل ،و هو يطالع البال
.التجهمة القاسية الت تيط بم ،ماول تمي قصد العم ،و هدفه من جره لذا الوادي
أقبل الليل و ها يسيان بنفس الوتية ،و أن كانت البال أخذت تضيق الدرب أمامهما ،و
يزداد ارتفاعها ،حت أنما ل يتمكنا من السي متحاذيي ،و عثمان الذي أسلم أمره ل يعد يهمه
يمل بلطة ،و عثمان الذي ترجل و هو يتلفت حوله ،أعطاه العم البلطة ،قال :نبوتك هناك..
بقلب الوادي ..يناديك ..و أشار إل النفرج الضيق بي البلي ،تقدم معه خطوتي ،ث توقف و هو
انفتح النفرج على واد واسع تيطه البال من كل جانب ،و قمر لطيف كسا الوادي بنوره،
و بدت الشجار كأنا أشباح واقفة ف انتظاره ،و ريح هادئة تداعب الورق الدبب ،فتحدث أزيزا
كأنه نذير ،و عثمان تلفت خلفه فكر ف التاجع و مواجهة العم ،فإذا كان الور موجودا ،فأن
تقدم بذر ،و سع كأنا صوت يناديه باسه ،تلفت و هو يقول :بدأت ألعيب الور .رفع
البلطة تسبا لي أذي قد يهاجه ،بدا الصوت ضعيفا ،كأنا يعاني ،و أن بدا ساحرا ،توقف
عثمان ،و جاءه الصوت متوجعا ،كأنا يرجوه ليتقدم ،صوت يئن من ثقل الشهوة الضاغطة ،هتف
عثمان :نعيمة .و حرك قدميه تاه البقعة الت ظن أن الصوت ينبعث منها ،و تذكر لم نعيمة و
ساره الرائق ،و هبت الرارة ببدنه ،و ضج دمه بالنداء القاسي ،خبطته فروع الشجار ،مد يده
وقبض على الفرع القريب ،و رفع البلطة عازما على قطعه ،ليأخذه دليل رجولته و نزوله
للوادي ،لكن الذراع القابض على البلطة ل يتحرك ،كأنا شل ،أفلت عثمان الفرع و قد أصابه
اللع من توقف ذراعه ،لكن ذراعه ترك ،قبض على فرع آخر ،و حدث مثلما حدث ،و الصوت تردد
.ضاحكا ،متلطا بصرخة لوحش ،ترك عثمان الفرع و قد أيقن بصعوبة مهمته
سع حفيف ثوب يتحرك بي الشجر ،تقدم موسعا من خطواته بي الفرع التشابكة ،كأنا يوض
ف بر ،و الريح تتلعب حوله ،فتحول الظلل لخلوقات شائهة توشك على الفتك به ،كان وجيب
قلبه يتصاعد ،و أصوات الوحش تقتب ،خن ربا تكون لسبع ،تلفت بسرعة فشاهد الثوب البيض ير
بواره ،أضواء القمر ،رغم الظلل جعلته يرى الكان الذي اختفى به الثوب ،و جاء المس
منغما :عثماااان..عو..ث ..فاندفع غي عابئ بصوت اليوان النذر باقتابه ،و ل خبط الفرع
بوجهه ،و ل الدماء الت تنفجر بسبب الروح الت أحدثتها الوراق الدببة و الشواك ،كان
النور الذي خطف بصره يره باتاه الثوب و الصوت ،و من بي الشجار رأى نعيمة ،و سعها تضحك،
كانت ترقص رقصتها العارية الت رقصتها بجرتا ،تتمايل بي الشجار ،تتخفى بي الفرع مستغلة
الظلل ،كانت تتفي من بقعة لتظهر ف بقعة أخرى ،و هو التحي ارتت قبضته على البلطة ،و
انتصب عضوه ،و تقدم و جسده يرقص ،كانت نعيمة تد يدها تناديه ،تسحبه إليها ،كان حاسه
للتمرغ بسدها اللي قد بلغ مداه ،رفع البلطة يرقص با ،كان يقتب عازما على المساك بالسد
الشهي ،و جال باطره أيلعن العم أم يشكره ،و بدأت الريح بعزف الوسيقى ،و تايلت الشجار،
و رقصت الظلل ،و سع كأنا البال تزلزلت ،و لطف ساحر غمر الكان ،مد يده القريبة إليها،
يرجوها ليقصا معا ،يعريها و تعريه ،تقبض على نبوته بالقوة ذاتا ،و بالنان الصفى ذاته،
.حت يفيض حليب البة بينهما و يغمر الناء ،فل يبقى بذا الكون سواها
اقتب و مد اليد للقبض عليها ،لكنها زاغت منه و دخلت ف غصن ،و يده بقوتا قبضت على
الغصن ،فمال الغصن نوه ،و نفخ ف وجهه ،تراجع مذهول ،فقد صار الغصن حية هائلة ،انتبه
للبلطة ف يده ،و بعزم الوف الذي يهاجه ،ضرب الغصن الزاحف ،طقطق الغصن و سكنت حركته ،و
ضربة ثانية خلصت الفرع من أصل الشجرة ،و اندفعت دماء ،قال :علمت .و جر الغصن ،و الدماء
أخذت ف الفيضان و عادت الصوات و الظلل لسابق عهدها ،هرول و هو يمن الطريق كي يرج من
قلب الغابة ،رأى الدماء تتحرك خلفه ،عالية كانت و كافية لغراقه ،و بدأ النور ف الظهور،
و قرب شروق الشمس ،و الت معها سيتحول كل ما ف الور إل صخور ،هذا ما قالته الكايات
القدية؛ كان يري يد تسك بالبلطة ،و الخرى تر الغصن ،و طوفان الدم و الصوات و نور الشمس
الوشك ،طالت السافة ،و زاد التهديد ،ل يكن يدري على أي نو يفكر ،كانت أمامه شجرة كبية
و عالية ،و ل يكن أمامه مهرب من الدم سوى اعتلء الشجرة ،و لا صعد و الدم خلفه ،رأى
.البال ،و قفز من الشجرة ،فقد بان طريق الروج ،فقط عليه بالسراع
كان العم جالسا فوق إحدى الصخور القريبة ،و ظهره لدخل الور،و يتسى قهوته
الصباحية ،قال :يا عم ..و ل يكمل ،سقط و الدماء تطفر من بدنه ،و يده تقبض على الغصن،
الذي سيصبح النبوت الذي سيلزمه طوال حياته؛ قام العم و هو يبتسم ،ل جسد أبن أخيه
الرتعش بفعل المى الت ضربته ،و ضعه فوق المل و ساق تاه الضارب البعيدة ،و كانت الشمس
.لتوها تشرق
حي أفاق ،بعد ثلثة أيام ،سحبه العم خارج اليام ،غي سامح لبنائه بالقتاب منه ،مستثنيا
من هذا الظر ،فاطمة ،ابنته ،كان عثمان ف نوبات يقظته القليلة يدها بواره ،كانت ترضه،
تضع بعض الضمادات الغمورة ف الاء البد ،أو بعض السوائل الدافئة ،كانت تقوم بتغيها
بانتظام ،و أيضا تسنده كي تسقيه منقوع بعض العشاب الصحراوية ،و العم يراقب كصقر من
شذبا العم ،قص الطراف الزائدة ،و دسها تت الرمل واضعا فوقها الجارة الثقيلة ،حت ل يعوج
النبوت ،أخرجه عثمان ،و هزه بيده ،كان خفيفا و مرنا ،و قويا ،و تبسمت روحه ،و هزه
.الشبه الذي يمعه و نبوت العم ،أراد أن يسأله ،لكن العم كان قد سار
ف الساحة الواسعة خط العم بنبوته دائرة ،كان عثمان بداخلها ،تقدم العم داخل الدائرة و
هو يقول :كل ما ينتمي لارج اللقة ل يهمنا ،ما يهمنا الن ،هو أنت و أنا ،و العصي
.بأيدينا
ل يفهم عثمان قصد العم الذي ل يوضح ،بل رفع نبوته عاليا ،و قال آمرا :ارفع عصاك .و
عثمان الذي يدرك مقدرة عمه على اللعب بالعصا ،و مهارته الت ل يكن ماراتا ،ل يأخذ الكلم
جديا ،فرفع نبوته بتهاون ،قال العم الذي كان يجل عند حواف الدائرة :من يسيطر على هذه
الدائرة هو الفائز .و بركة طائر خفيف هاجم ،و بضربة أطار نبوت عثمان ،و الثانية كانت ف
.جنبه ،ضربة حقيقية ،موجعة ،تأوه عثمان ،و العم ضحك ،قال :دافع عن نفسك
التقط عثمان العصا ،بات واضحا أن العم مصر على القتال ،تلقى الضربة و لكن ليس بالقوة
الكافية ،فتخدل ذراعه ،و حركة العم السريعة عاجلته بالثانية و الثالثة مست رأسه ،قال
العم ساخرا :أنت في .تراجع عثمان ،و العم حذره مشيا لدود الدائرة ،فوقف عثمان ،و العم
هاجم وهو يقول :ما رأيك بفاطمة؟ و عثمان تساءل ف نفسه عن تكرار هذا السم داخل العائلة،
أهي قلة أساء أم هناك سر؛ و عندما سينجب ابنته الوحيدة سيحتار ،و لن يد اسم بديل ،فيتك
الهمة لزوجته ،باعتبار أن هذا المر يص النساء ،أما الذكور سيقوم هو باختيار أساءهم ،
ستقول الم :زينب .و هو لن يعتض؛ لكن الن ماذا يقصد العم؟ ف ذات الوقت عليه أن يصد
.هجمات العم التوالية ،وجد نفسه موزعا ،و عصا العم تضربه بل رحة ف ساقه
وقف العم بقلب الدائرة و استند مائل على نبوته ،قال :العصا مثل السيف ..قد تقتل صاحبها
الغشيم ..هي زيادة لطول الذراع ،لكن لبد من السيطرة عليها ..يب أن تضع لنا .و أشار إل
رأسه ،و عثمان الذي يعرج ل ياجج ف ألغاز العم ،و كانت الشمس قد اشتدت ،فأراد الكتفاء،
فأكمل العم :سأتلقى ..هيا هاجم .و امتثل عثمان ،طوح العصا و ضرب ،فتلقتها عصا العم
بضربة جعلتها تفلت من يد عثمان ،الذي أصبح مكشوفا للعم ،قال العم بغضب :أنا لست عمك
الن ..كن رجل .أثارت الكلمات المية داخل عثمان ،هز العصا بيده متبا متانة ذراعه و
مرونة النبوت و هاجم بضراوة ،و العم يدافع دون أن يتخلى عن موضع قدميه ،فقط يسد البواب
الت ياول عثمان فتحها لينفذ منها لسد العم؛ كان ارتطام العصي يصم الذان ،و الرمل بدأت
حباته ف التقاد ،و عثمان ياول استحضار مهارة جسده ،قال ف نفسه :على القل أنا الشاب.
تراجع قليل متلعبا بالعصا ،فقط يريد مسه ،و خبة العم و حنكته العميقة كانت تنظر لركات
جسد عثمان بعي التقدير لكن دون تورط ،فقال العم :ل تب على السؤال؟ ل يعرف عثمان أي
سؤال يعنيه العم ،و بدا له أن العم يريد أن يشتت تركيزه ،لتطيش ضرباته ،فرد كي يتخلص
من الوقف :سأبقى هنا .كان يتاقص و هو يقتب من العم ،و سدد ضربة مباغتة ،قال :سأتزوج من
فاطمة .ضحك العم و هو يتقى الضربة ،قال العم :عليك إذن تطي هذا النبوت .و هز العم
النبوت ف عي الشمس قبل أن يكمل :هذا النبوت قادم من خور السلم .و هزت الفاجأة عثمان و
هو يرى عمه يرقص بالنبوت كطي ف لظة سعادة نادرة ،قال عثمان ف نفسه :ما ل أخرج من رهان
حت أدخل ف غيه .قال العم كأنه يكمل حديث ابن أخيه :حياتنا كلها رهان ،علينا أن نوضها
.تلقت العصي معلنة عن قوة الرجال و جدارة القلوب لوجهة الياة رغم رهاناتا القاتلة
حي أخذت الشاي ف الصباح من زينب ،أردت أن أسألا عن بلح النخلة ،كنت أود تذوقه ،و
استحلب طعمه ،ربا كان من الناسب أن ،..لكن تأملت زينب ،ابنة تاجر المال الولودة بقلب
الصحراء ،أردت أن أخبها عن الرهان الديد و خطبة ممد و حلمه ،لكن نفضت رأسي و أنا أقول:
هل هذا مهم الن؟ أخذت الشاي و رجعت للديوان ،كان بعض أولد العمومة قد رحلوا مبكرين ،و
كذلك الغريب ،الذي ل يقم واحد منا :ممد و ماهد و أنا .الباقي باستبقائه حت يتناول
إفطاره معنا ،كان حس العداء و اللمبالة متبادل؛ وضعت صينية الشاي على الدكة ،و رحت
أنظر للرسوم على الائط ،فبانت حلقة تطيب حولا جع غفي ،و التباريان بقلب اللقة ،ارتفعت
.العصي و نزلت متضاربة ،و أتانا صوت الدوى ،و كانت الدنيا قد تغيت
أسوان