You are on page 1of 89

‫روايـة‬

‫العمة أخت الرجال‬

‫أحد أبو خنيجر‬

‫كتاب‬

‫العمة‬
‫يكربا يوم الوقفة‪ ،‬يفتح عليها أبواب التذكر والني‪ ،‬والوحدة الطويلة‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬تاول أن‬

‫تطرد التكدر من وجهها‪ ،‬تاف أن تلحظ دواجنها توترها وقلقها فتحرص علي أن تعل يدها ثابتة‬

‫‪.‬وهي تقدم البوب والطعام لا‬

‫يوقظها أذان الفجر وصوت الراديو الفتوح علي إذاعة القرآن الكري‪ ،‬تشعل نار الوقد‪ ،‬تستند‬

‫علي عكازها وتطو إل حوش الدار لتأتي بالاء‪ ،‬تضعه فوق النار‪ ،‬تذهب وتعود بإناء آخر‪،‬‬

‫تأخذ جزءا من الاء الذي صار دافئا‪ ،‬تروح ناحية الزريبة وتفتح الباب لدواجنها الت تندفع‬

‫تدخل الزريبة تقضي حاجتها وتعود‪ ،‬لتفرد الصلية‪،‬‬ ‫متصاية حولا‪،‬ترمي الصباح‪ :‬صباح الي‪.‬‬

‫علي طرفها تلس وتشرع بالوضوء‪ ،‬متمهلة تبدأ‪ ،‬وبس صوف متبتل تقطر الاء فوق أعضائها‪،‬‬

‫وفمها يتمتم بالدعية‪ ،‬تبدأ بالراحلي‪ ،‬جدتا‪ ،‬والديها‪ ،‬زوجها‪ ،‬ث إخوتا الرجال‪ ،‬ث تثن‬

‫بأولدها‪ ،‬وتثلث أخيا بنفسها‪ ،‬تسأل العلي القدير‪ ،‬أن يهبها حسن الاتة‪ ،‬وعدم الاجة وأل‬

‫‪.‬تصبح عطل‬

‫علي عكازها تستند كي تقف لداء الصلة‪ ،‬ما أن تفرغ يكون الاء الذي فوق النار قد غلى‪،‬‬

‫وفراخها وحامها يفرد أجنحته يتاقص حولا يستحثها كي تسرع ف تهيز وجبته الصباحية‬

‫الساخنة‪ ،‬تلط الردة ببواقي العيش الناشف و الغلة‪:‬القمح أو الذرة البيضاء‪ .‬وبواقي طبيخ‬

‫المس‪ ،‬تضع كل ذلك ف إناء فخاري كبي‪ ،‬وتصب عليه الاء وتأخذ ف تقليبه وهي تش دواجنها كي‬

‫تنتظر قليل‪ ،‬وهي تتقافز حولا‪ ،‬تقوم الشاحنات الصغية بي الفراخ والمام‪ ،‬تنهيه هي‬

‫بقيامها وحلها الناء الفخاري‪ ،‬وتسي باتاه الوش‪ ،‬تسبقها الدواجن إليه‪ ،‬حيث تط الناء علي‬

‫الرض وتنثر بعضا من الغلة حوله‪ ،‬ث تنقل رجلها بعيدا عن الصراع الصباحي الدائر حول‬

‫الناعس تت سطوة الفجر الفاتنة‪،‬‬ ‫الناء‪ ،‬تشي باتاه باب البيت‪ ،‬تفتحه وتطو إل الشارع‬

‫ّها تلمح العائدين من صلة الفجر‪،‬‬


‫تأخذ نفسا عميقا وهي تقلب عينها الكليلة ف الشارع عل‬

‫لكن أذنا تلتقط من الراديو صوت التلبية‪ ،‬ترتعش يدها القابضة علي العكاز‪ ،‬تعود إل داخل‬

‫البيت‪ ،‬وذلك النقباض يعاودها‪ ،‬وفمها يردد التلبية بصوت خفيض‪ ،‬لكنه كاف كي يعل العارك‬

‫الدائرة حول الناء الفخاري تتوقف‪ ،‬حالا تنتبه إل سكون دواجنها‪ ،‬تصمت وتتحرك بتثاقل‬

‫‪.‬باتاه سجادة الصلة وتقعد عليها‬

‫)) لبيك اللهم لبيك ((‬

‫تردد بتبتل هادئ من فوق مصليتها مع الدير التدفق للتلبية من مليي الفواه الواقفة فوق‬

‫ُ‪ ،‬ضعيفا وعجوزا‪ ،‬يهتف بلء الروح‬


‫عرفات‪ ،‬كم تتمن أن تكون بي هذه الليي‪ ،‬جسدا صغيا‬
‫ُ‬

‫اللهم لبيك)) ‪ .‬لكن ما العمل والعمر يضي دون مقدرة ‪ ،‬ودون أمل واضح‬ ‫التواقة‪ (( :‬لبيك‬

‫ف تقيق هذا اللم ف يوم من اليام‪ ،‬حي عرض أولدها أن تبيع قطعة الرض الت تتلكها ‪ ،‬و‬

‫يكملوا هم الباقي‪ ،‬كي تسافر وتقضي الفريضة‪ ،‬أجابت بسم‪ :‬ل ‪ ..‬وهم الذين يعرفون تصلب‬
‫أمهم ل يعاودوا العرض‪ ،‬تقول ف نفسها‪ :‬وماذا تفعل حتة الرض الصغية‪ ،‬والت أعيش منها الن‪،‬‬

‫يد أبي وإخوتي الرجال وزوجي وهم وعرقهم ‪ ،‬كيف أبيعه ؟ إن جزءا من هناك‪ ،‬يظل شاهدا علي‬

‫!مروري بذه الدنيا ‪ ،‬أألغي مكاني فوق هذه الدنيا ؟‬

‫((‬ ‫)) لبيك اللهم لبيك‬

‫ذكر المام الذي لظ تايل جسد العمة مع ارتفاع صوتا النغم تقدم حت وقف عند أقدامها‪ ،‬وهدل‬

‫متقدما نوه‪ ،‬علي‬ ‫بصوت خفيض جعل باقي المام يتك ما يلتقطه من حبوب ويهدل ردا عليه‪،‬‬

‫حواف الصلية يقف المام‪ ،‬وهو يهدل موافقا بي صوته وصوت العمة الت تردد التلبية بوجد صوف‬

‫بالغ الصفاء‪ ،‬يتمايل جسدها وعيناها مغمضتان ‪ ،‬كأنا تلق ف ساء المى‪ ،‬يرفرف حولا المام‬

‫واضحا‪ ،‬بأذنيها‪ ،‬متجاوبا مع هدير الجيج‪ ،‬صوتا ضائع وسط هذه الصوات‬ ‫ويهدل‪،‬تسمع صوته‬

‫الت تتصاعد ف السماء‪ ،‬ترقها النشوة‪ ،‬تزغرد بصدرها‪ ،‬تعل الدمع يطرف من عينيها‪ ،‬ساخنا‪،‬‬

‫يكوي أخاديد الوجه التبتل‪ ،‬تنبسط التجاعيد وتنفرد سامة للدمع بالتحدر إل ذقنها الذي‬

‫يرتف بشدة وبفة بالغة ما يعل التلبية تتحشرج ف صدرها بفعل البكاء‪ ،‬تنفتح عيناها‪ ،‬لتي‬

‫من خلل غبش دموعها‪ ،‬حامها واقفا حول حواف الصلية يهدل كأنه ف جوقة بصوت ناعم ورقيق‪،‬‬

‫برك حول قدميها متكوما فوق بعضه‪ ،‬دون ضغينة ول مشاحنات‪ ،‬وهي الت‬ ‫الدجاج من خلفه‬

‫ً‪ ،‬ومدت أصابعها الرتفة لتجفف الدمع التدفق‬


‫أربكها الشهد‪ ،‬حاولت التيقن‪ ،‬فأسكتت صوتا أول‬

‫من عينيها‪ ،‬عندئذ غادر المام والدجاج مرابضه من حولا وجري عائدا إل وجبته الصباحية وقد‬

‫‪ .‬عادت إليه حيويته وخناقاته الصغية‬

‫تشرق الشمس معلنة عن صباح خريفي شديد الوضوح‪ ،‬السماء صافية و إن كانت سحب رمادية خفيفة‬

‫ل تنظر إليها السيدة وهي تظلل عينيها اللتي ما يزال أثر الدمع‬ ‫وهناك‪،‬‬ ‫متناثرة هنا‪،‬‬

‫بما ‪،‬تقول‪ :‬شس الوقفة‪ ،‬شس عرفات‪ ،‬تشرق بدون حرارة‪ ،‬صفراء‪ ،‬ضوء دون حرارة‪ ،‬ليحم ال‬

‫‪ .‬ضيوفه‪ ،‬ويعينهم علي أداء مناسكه‬

‫ترفع يديها بالدعاء‪ ،‬وهي تواجه الشمس‪ :‬يا رب ‪ .‬تتمتم قليل‪ ،‬ث تفض يديها‪،،‬تستند علي‬

‫عكازها وتروح ناحية الباب‪ ،‬تفتحه وتعود‪،‬هكذا عادتا كل صباح‪ ،‬عند شروق الشمس تفتح الباب‬

‫وتتكه مفتوحا حت انتصاف النهار‪،‬تلس ف ظله ترقب الشارع ‪،‬تتبادل حديثا خفيفا مع‬

‫العابرين‪ ،‬تستعلم فيه عن أحوالم ويطمئنون علي أحوالا‪ ،‬بعضهم قد يدخل ليشرب من زيرها‬

‫يلسن معها قليل يثرثرن لوقت قليل ث يذهب‬ ‫‪ .‬النصوب بوار الباب‪ ،‬بعض النساء‬

‫وهي قاعدة بعد أن فتحت الباب‪ ،‬تذكرت أن الولد عيد – جارها‪ -‬ل ير عليها حت الن‪ ،‬قالت‪:‬‬

‫‪ .‬بعد أن أطعم البهيمة‪ ،‬سأذهب للسؤال عنه‬

‫تناولت حزمة البسيم من فوق السرير الريد الوضوع بوش البيت‪ ،‬الذي تنام فوقه بعد صلة‬

‫العشاء ف الليال الصائفة قبل أن تنتقل قبل الفجر إل سريرها‪ ،‬أخذت حزمة البسيم تت‬
‫إبطها‪ ،‬وبالعكاز دفعت باب الزريبة‪ ،‬اندفعت نوها النعجة الوحيدة والعجوز أيضا الت‬

‫تربيها هي ووليدها الروف‪ ،‬دخلت وردت الباب وراءها‪،‬ألقت البسيم إليها وجلست ترقبها‬

‫‪.‬بدوء‬

‫منذ زمن بعيد‪ ،‬ل تدرى الن طوله‪ ،‬والنعجة عندها‪ ،‬هي وحدها فقط‪ ،‬ف كل عام تلد خروفا‪،‬‬

‫تذبه العمة يوم عيد الضحى‪ ،‬هذا العام ل تبل نعجتها‪ ،‬وهذا أقلقها كثيا‪ ،‬هل أصبحت عجوزا‬

‫هي الخرى؟ تساءلت‪ ،‬أيكون رحها قد أفرغ كل خرافه؟ كل عام والنعجة تأتي بوليد واحد فقط‪،‬‬

‫غالبا ما يكون ذكرا‪ ،‬خروفا‪ ،‬وف معظم الحيان تضعه ف اليام الول من شهر ذي الجة‪ ،‬ويظل‬

‫يلقح أمه‪ ،‬ويكون جاهزا للذبح يوم العيد‪ ،‬مرة‬ ‫الوليد معها يكب حت يستوي خروفا عفيا‪،‬‬

‫واحدة تأخر وضعها إل ثاني أيام العيد‪ ،‬ف يوم العيد حي أخذ الروف منها للذبح‪ ،‬ظلت‬

‫الت خبت الل والزن‪،‬قالت يومها‪:‬‬ ‫النعجة تصرخ طوال اليوم وصامت عن الكل والشرب‪ ،‬والسيدة‬

‫لو أن حياتنا تر دون أل أو حزن‪ .‬يومها ابتهلت للرحن أن يرحم نعجتها ول يعل ولدتا تتأخر‬

‫‪ .‬إل بعد يوم العيد‬

‫الن ها هو آخر خروف تضعه نعجتها العجوز‪،‬كيف ستتحمل فراقه ف الغد‪ ،‬تساءلت السيدة‪،‬ث‬

‫أضافت‪ :‬و العيد القادم‪ ،‬من أين آتي له بروف‪ ،‬وتلك عادة ل يكن أن أقطعها‪،‬هل أبيع نعجت‬

‫الت تربت معي وغذتن بلبنها‪ ،‬نعجت‪ .‬وقبل أن تستسل دهها خاطر‪ :‬وهل سأكون موجودة ف العيد‬

‫القادم ؟‬

‫ما أن خطت خارجها حت هاجها ضجيج قدي‪ ،‬كأنا انبعث‬ ‫بدوء قامت وخرجت من الزريبة‪،‬‬

‫فجأة‪ ،‬سعت الصوات تتدد بتداخل بأرجاء البيت الوسيع الذي ل تستعمل‪ -‬الن‪ -‬إل جزءا قليل‬

‫باسها‪ ،‬والدتا‪ ،‬إخوتا الرجال‪ ،‬صهيل اليل ف‬ ‫منه‪ ،‬أصوات‪ :‬والدها‪ ،‬وجدتا فاطمة‪ ،‬الت سيت‬

‫مرابطها‪ ،‬عراك أمها مع الدجاج والبط والمام‪ ،‬صوت القهوة فوق راكية النار أمام جدتا‪ ،‬هس‬

‫الدة لوالدها‪ ،‬صوتا وهي صغية تري متقافزة بي أرجل الميع ضحكاتا ورغباتا الابة‪ ،‬صوتا‬

‫‪.‬الصغي يقول‪ :‬أريد الهرة‬

‫مندهشة توقفت‪ ،‬تتلفت حولا‪ ،‬تاول تبي الركن الذي تنبعث منه الصوات‪ ،‬تدور حول نفسها‪،‬‬

‫والصوات تدور حولا‪ :‬بعد غد سأجري با‪ ،‬انتظر قليل‪ ،‬نيق حار‪ ،‬ماء يدلق علي الرض‪ ،‬أذهب إل‬

‫عمك‪ ،‬دعك من هذه اللعونة‪ ،‬نقار بي ذكور البط‪ ،‬صوت ريح خفيفة تر‪ ،‬أهل يا مصطفي‪ ،‬القهوة‬

‫تغلي فوق النار‪ ،‬من يقدر علي منازلت‪ ،‬خذ القمح واذهب إل الطاحون‪ ،‬صوت ارتشاف القهوة‪،‬‬

‫قل لا أن تلم نفسها‪ ،‬رفرفة أجنحة المام‪ ،‬مواء قطة‪ ،‬ملبس تلع‪ ،‬ال يدبر الحوال‪ ،‬خذ الهرة‬

‫كي تميها‪ ،‬نباح كلب‪ ،‬ملعون أبوك‪ ،‬أنت السبب‪ ،‬الريح ترك جريد النخلة‪ ،‬كيفما أصبحت يا‬

‫جدة‪ ،‬أخاف علي هذه البنية‪ ،‬هدوم ترتدي‪ ،‬جذع النخلة يتمايل‪ ،‬بي يا مصطفي‪ ،‬كيف أبوك‪ ،‬هي‬

‫‪.‬أخت الرجال‪ ،‬أريد ركوبا الن‬

‫كم كان العمر وقتها ؟ تساءلت السيدة وهي تدور حول نفسها‪ ،‬ل تستطع أن تمن الكان الذي ‪-‬‬

‫تنفجر الصوات منه؛ ل تكن لديها إجابة حاسة‪ ،‬أو حت دقيقة حول مسألة العمر هذه‪ ،‬ربا كانت‬

‫ف بداية طريقها لتصبح فتاة‪ ،‬تذكر أن خراط البنات كان يغامر كي يزورها ليل‪ ،‬ليجعل جسدها‬
‫يستدير‪ ،‬كما تقول جدتا حي تأخذها ف حضنها‪ :‬بالليل عندما تنامي‪ ،‬يأتي خراط البنات‪،‬‬

‫متلصصا‪ ،‬يرقب إخوتك الرجال‪ ،‬ولا تأخذهم الغفلة‪ ،‬يدخل إليك‪ ،‬تكوني نائمة‪ ،‬يعمل يديه ف‬

‫‪ .‬جسدك‪ ،‬كي يأخذ استدارته ومنحنياته‪ ،‬ويهبك جسدا متلفا عن كل النساء‬

‫تبتسم الن لصوت جدتا الت كانت تنام بوارها؛ مد الصوات بدأ يفت ‪،‬حركت رأسها كي تلحق به‪،‬‬

‫دلتها أذنا علي مكمنه الذي يتصاعد منه‪ ،‬من عند النخلة حيث كانت تلس جدتا‪ ،‬وبوارها‬

‫والدها‪ ،‬ويدها تقلب جر الراكية‪ ،‬تسوي القهوة الصباحية‪ ،‬الت يتناولا الميع‪ ،‬وبعد أن‬

‫‪ .‬يفرغوا‪ ،‬كل يتجه إل عمله الذي يكلف به أثناء تناول القهوة‬

‫تقدمت نو النخلة‪ ،‬البعيدة‪ ،‬والقائمة ف سرة البيت‪ ،‬البيت الكبي‪ ،‬الذي صار خاليا إل‬

‫‪.‬منها‬

‫حي وصلت إل النخلة‪ ،‬كان التعب قد هدها تاما‪ ،‬فالسافة بعيدة‪ ،‬وهي ل تطها منذ وقت طويل‪،‬‬

‫جلست ف الظل مستندة علي جذع النخلة‪ ،‬بالكاد بصرها الضعيف يستطيع تيز باب البيت الفتوح‪،‬‬

‫هي الن وسط البيت‪ ،‬الذي ل تسكن إل ف الزء المامي منه‪ ،‬بسبة بسيطة ترى أن استخدامها‬

‫للبيت يتناسب عكسيا مع معدل عمرها‪ ،‬ف البداية‪،‬حي كانت صغية‪ ،‬البيت كله تدوسه بقدمها‪:‬‬

‫من حجرتا مع جدتا‪ ،‬إل حجرة والدها ووالدتا إل حجرات إخوتا الرجال‪ ،‬إل زرائب البهائم‬

‫والدواجن وأبراج المام وإسطبل اليل و النخلة وحجرات الزين‪ ،‬ومندرة الضيوف‪ ،‬كل ذلك‬

‫‪.‬مباحا لا ف أي لظة تشاء‬

‫حي كبت‪ ،‬بدأت ف الستئذان‪ ،‬ف البداية حجرة والديها ث إخوتا‪ ،‬كان كلما يتقدم الزمن ويشتد‬

‫عودها‪ ،‬تقل الماكن الباحة لتواجدها ف أي وقت كما كانت تفعل حي كانت صغية‪ ،‬ث تزوج إخوتا‬

‫الرجال‪ ،‬وتزوجت هي‪ ،‬وصار البيت أضيق كثيا‪ ،‬وجاء أولدها‪ ،‬ورحل الميع وتركوها وحيدة داخل‬

‫هذا البيت الذي تلس الن ف سرته‪ ،‬تت النخلة‪ ،‬ول تتذكر مت كانت آخر مرة جلست فيها بوار‬

‫‪.‬النخل‬

‫تقول وهي تتنهد‪ :‬لكل ابن آدم بر يعبه‪ ،‬وطريق يطوه‪ .‬لكن ما تعجب له‪ ،‬وهو ما يدث لا كثيا‬

‫ف الونة الخية‪ ،‬هو هبوب الصوات حولا دون سابق تهيد‪ ،‬كأنا ذاكرتا تعاندها‪ ،‬حي تاول‬

‫تذكر أشياء بعينها ل تساعدها الذاكرة‪ ،‬بل تتنكر لا‪ ،‬وتتكها ف عماء الية والتخبط وتدفع‬

‫بذكريات أخري‪ ،‬ل تريدها‪ ،‬لتجد روحها مشوشة‪ ،‬مضطربة ‪ ،‬فما يدث يناقض طريقتها ف الياة ‪،‬‬

‫طوال عمرها وهي تاول جاهدة أن تلك خياراتا‪ ،‬تلك طرقها الت تطوها‪ ،‬كما كانت تقبض علي‬

‫ف بطن‬ ‫أعنة الهرة حي تري ف السباق‪ ،‬تقول‪ :‬اللجام ف يدي‪ ،‬و بدكة من الركاب بقدمي‬

‫الهرة‪ ،‬أصل إل ناية السباق ف الوقت الذي أريد‪ ،‬لكن الن‪ ،‬وذاكرتا تلعبها وتتكها عرضة‬

‫‪.‬للحية‪ ،‬وتذكرها ف نفس الوقت بالضعف وقلة اليلة تاه الزمن‬

‫تقول‪ :‬ما يقهرني هو الزمن‪ ..‬الزمن‪ ..‬لكن ل أريد الل‪ ،‬يكفين ما جربته منه‪ ،‬فقط يا ربي‬
‫‪.‬لو تضي الياة بل حزن‪ ،‬بل أل‪ ،‬بل ذاكرة حرون‪ ،‬وزمن قاس ل يرحم‪ ،‬يسم البدن بعلماته‬

‫مدت يدها تتحسس جذع النخلة‪ ،‬النخلة عمة البشر‪ ،‬كما كانت تقول جدتا‪ ،‬تاول أن تقارن‬

‫الشونة الت تسها الن بكفها والشونة القدية‪ ،‬حي كان كفها صغيا وهي تصعد متسلقة الذع‪،‬‬

‫وإخوتا الرجال‪،‬البعض يشجعها‪ ،‬والخر ينهرها‪ ،‬وأمها تنظر لا وهي تطو ف وسع البيت‪ ،‬تأمرها‬

‫بالنزول‪ ،‬لكن الدة تقول‪ :‬اتركيها‪ .‬تز الم رأسها وتضي ف طريقها‪ ،‬سألت جدتا‪ :‬من زرع‬

‫ً مبوكا‪ .‬ما الذي يدث لذاكرتا تاول لو تسك بفوارق الزمن‬


‫النخلة؟ قالت ‪:‬جدي‪ ،‬كان رجل‬

‫والحساس‪ ،‬لكن بذاكرتا تطفو أشياء بعيدة‪ ،‬تظن أنا قد نسيتها‪ ،‬أو توارت ف ظل مشاغل الياة‬

‫‪.‬التلحقة‪ ،‬لكن كيف الطمئنان لذاكرة بثل هذا النون والعبث‬

‫منذ فتة حي بدأت تنتبه للعيب ذاكرتا‪ ،‬أولت اهتمامها إل مثانتها ‪ ،‬فحرصا منها علي طهرها‬

‫التام وقت الصلة‪ ،‬ما أن تقف فوق سجادة الصلة بعد أن تفرغ من وضوئها حت تسرع بلع‬

‫سروالا‪ ،‬فمادامت ذاكرتا تلعبها‪ ،‬فما يدريها أن مثانتها ل تغافلها‪ ،‬وتنزل ولو نقاطا‬

‫قليلة من البول ل تد لا أثرا بسروالا‪ ،‬مع تكرار اللع‪ ،‬صارت عادة‪ ،‬هكذا ضحكت ف سرها من‬

‫‪.‬الزمن‪ ،‬تقول‪ :‬علي‬


‫ّ أن أجد حيلة لضحك من الزمن والذاكرة‬

‫رفعت يديها بالدعاء‪ :‬يا رب هبن القوة والقدرة ‪ ...‬وقبل أن تكمل لت زوال‬
‫ً تراءى لا داخل‬
‫ً‬

‫‪.‬من الباب ‪،‬ووصل إل سعها صوت نسوي ينادي عليها ‪ :‬يا عمـــــة‬

‫‪ .‬يا حاجة فاطمة ‪-‬‬

‫إنا عزيزة زوجة عيد‪ ،‬جارتا‪،‬هي الت دائما تناديها هكذا‪ ،‬تبدأ عند الباب يا عمة ث ما أن‬

‫وقدمها تبحث عن موضع‬ ‫تتخطى عتبة الدار حت ترفع صوتا للمرة الثانية‪ :‬يا حاجة فاطمة‪.‬‬

‫السيدة‪ ،‬والت غالبا ف الفتة الخية تكون متفية ف أحد أركان الدار الوسيع‪ ،‬قالت لا مرة‬

‫بعد أن تعبت من البحث عنها‪ :‬ل أدرى يا ابنت ما الذي يدفعن إل التجول داخل حجرات البيت‬

‫لجد نفسي ف واحد من أركان البيت‪ ،‬عما أبث‪ ،‬ل أعرف‬ ‫‪.‬الهجورة‪ ،‬لكنه هاجس يطن برأسي فجأة‬

‫‪ .‬أهل يا عزيزة‪-‬‬

‫جلست عزيزة بوارها ف ظل النخلة الفروش فوق الشائش القصية النابتة بكثافة وتوحش كأنا‬

‫تريد السيطرة علي أرضية البيت‪ ،‬فالشائش بعد أن فردت سلطانا علي الرض ف مناطق كثية منها‬

‫خاصة التابية بدأت التوسع ف ملكتها‪ ،‬ومدت ظل سلطانا إل الوائط‪ ،‬وبدأت ف التسلق والنبات‬

‫‪ .‬من خلل الشقوق الكثية الناتة من تصدع الوائط‬

‫‪ .‬كل سنة و أنت طيبة يا عمة‪-‬‬

‫‪.‬وأنت بي‪-‬‬

‫‪.‬ردت العمة وهي تداري ارتاف يدها‪ ،‬وقالت قبل أن تلحظ عزيزة‪ :‬تقرصن يدي من أول النهار‬
‫وعزيزة الت لظت الرتاف‪ ،‬ل يفوتا التلميح‪ ،‬وعلقت بشرود وهي تتابع زوجا من السحال يسي‬

‫‪.‬متخفيا بي الشائش‪ :‬خي‪ ،‬إن شاء ال خي‬

‫وأرادت أن تكمل‪،‬غي أنا توقفت لا رأت فأرا صغيا يطل برأسه من أحد الحور‪ ،‬فغيت الوضوع‬

‫‪.‬قائلة‪ :‬أعطن الدقيق يا عمة‬

‫ً يسيطر علي حواسها‪ :‬لاذا الصرار علي تذكيي بأننا ف‬


‫تنهدت العمة وهي تطحن ف جوفها سؤال‬

‫‪ .‬يوم الوقفة ؟ وعزيزة الت رأت تلكؤ العمة قالت مشجعة‪ :‬عادة‪ ،‬وربنا ما يقطعها‬

‫منذ سنوات وعزيزة تأتي ف وقفة العيدين‪ :‬الفطر والضحى‪ ،‬ويوم ستة وعشرين رجب‪ ،‬وعاشورا‪،‬‬

‫تأخذ الدقيق تبزه للعمة؛ كعكا وقرصا تقوم العمة بتوزيعها على الطفال حي يضرون إليها‪،‬‬

‫خاصة ف جلسات ما بعد صلة العشاء‪ ،‬حيث تقص بعض الكايات القدية لم‪ ،‬والطفال يعرفون‬

‫فيأتون ليأخذوا الكعك ويستمعون إل الكايات الت ربا يكونوا قد سعوها قبل ذلك أو ف مرات‬

‫سابقة‪ ،‬لكنهم ف كل مرة يدون فيها لذة جديدة‪ ،‬تعادل لذة الكعك الذي ترص العمة على عجنه‬

‫‪ .‬بالسكر لا كانت قادرة و عفية‪ ،‬وأوصت به عزيزة حي كفت يدها عن العجن والبيز‬

‫تقول العمة‪ :‬الطفال هم أحق بذا الكعك ‪ ،‬لن أرواحهم طاهرة‪ .‬كأرواح موتاها الذين توزع‬

‫الكعك صدقة علي أرواحهم‪ ،‬موتاها كما تذكر دائما‪ :‬جدتا‪ ،‬والدها‪ ،‬والدتا‪ ،‬إخوتا الثلثة‪،‬‬

‫‪.‬الرجال‪ ،‬زوجها‪ ،‬ابنها البكري‪ ،‬والصغي علي‪ ،‬ث أرواح السلمي‬

‫أبدا ل تذهب إل القابر‪ ،‬ل تقم بزيارة واحدة لا‪ ،‬كانت تودع النعش عند الباب الكبي‬

‫‪ .‬للبيت‪ ،‬تقول‪ :‬مع السلمة‪ .‬وتعود‬

‫عزيزة الت حيها عدم خروج العمة إل القابر مع النساء‪ ،‬ظلت فتة متهيبة أن تسألا‪ ،‬إل أن‬

‫تاسرت مرة وسألت‪ ،‬أجابتها العمة بدوء بالغ‪ :‬أرواح الوتى‪ ،‬يا ابنت‪ ،‬ل تعيش ف القابر‪،‬‬

‫‪ .‬إنا تأتي إل بيتها الذي اعتادته‪ ،‬أما السد‪ ،‬التاب‪ ،‬فيبقى هناك للتاب‬

‫قامت العمة‪ ،‬وأخرجت الدقيق والسكر وأعطته لعزيزة‪ ،‬وسارت معها حت الباب الارجي‪،‬‬

‫ً‪ ،‬ث تعاود متابعتها‬


‫ودواجنها حولا‪ ،‬تت أقدام الرآتي‪،‬العمة تشها بعكازها‪ ،‬فتبتعد قليل‬

‫للمرأتي‪ ،‬عند الباب وقبل أن تغادر عزيزة‪ ،‬سألتها العمة‪ :‬في الولد عيد ؟‬

‫… قالت عزيزة وهي تعدل من حل الدقيق فوق ذراعيها‪ :‬منذ أن خرج إل صلة الفجر ل يعد و‬

‫قاطعتها العمة كي تنهي وقفتها أمام الباب‪ :‬الغايب حجته معاه‪ .‬وقفلت راجعة وهي تش‬

‫‪.‬دواجنها أمامها‬
‫عيد هذا الذي تسميه ولدا‪ ،‬تطى الربعي من عمره‪ ،‬ف عمر ابنها البكري الراحل‪ ،‬تمعهما‬

‫قرابة بعيدة‪ ،‬نشأ ف دارها‪ ،‬بي أولدها الذين فرقتهم الدنيا وأخذتم إل أطرافها التباعدة‪،‬‬

‫وهي الن ل تمل ضغينة لي منهم ‪ ،‬فقط ف بعض الحيان يقهرها الجر والتك‪ ،‬تنزوي ف ركن من‬

‫أعي دواجنها ونعجتها‪ ،‬وتأخذ ف النهنهة بصوت‬ ‫البيت‪ ،‬بعيدا عن‬

‫مكتوم‪ ،‬لكنها أبدا ل تسمح للنسوة اللتي يأتي للثرثرة معها بذم أطفالا ووصفهم بالعقوق‬

‫وعدم العطف على والدتم‪ ،‬كانت ترس هواجس الكلم بلوقهن بزم حي تقول‪ :‬نن عبنا بورنا‪،‬‬

‫‪.‬وعليهم أن يسبحوا ف بور حياتم‬

‫منزل عيد ماور لنزلا كما هو الن‪ ،‬يأتي لا عقب صلة الفجر يطمئن عليها ويتناول معها قهوة‬

‫ً فوق‬
‫الصباح الت ورثت صناعتها من جدتا‪ ،‬تبه عما تتاج‪ ،‬يأتيها مرة ثانية قبل الغروب حامل‬

‫ذراعه بعضا من البسيم أو أعواد الذرة‪ ،‬أو الشائش لنعجتها وخروفها‪ ،‬الرة الثالثة بعد‬

‫صلة العشاء وتكون هناك زوجته عزيزة وأطفاله وبعضا من نساء الية وأطفالن حيث تارس‬

‫‪.‬السيدة طقوس حكيها التعدد ف الونة الخية‬

‫بدأ عيد ينتبه إل أن حكاياتا تتلط ببعضها أو تغي منها‪ ،‬ف البداية تدخل كي يعدل من‬

‫يا عمة‪ ،‬ما كشف قاسم للربعي حرامي‬ ‫الكايات ويعيد السيدة إل درب الكاية الصحيح‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫‪.‬هو عطاسه‪ ،‬وليس لنه أخرج ريا‬

‫ضحكت حت بان الناب التبقي ف فمها‪ :‬وأنت يا ولد ما أدراك‪ ،‬أنت صغي حت تعرف أن‬

‫‪.‬الائف ل يعطس‪ ،‬بل يرج ريا عفنة‪ ،‬نتنة‪ ،‬كرائحة كلمك الذي ل تدرك معناه ول تسن مارجه‬

‫ينطلق الاضرون ف ضحك قاس يرجه؛ فيلم لسانه الاهز بالرد‪ ،‬لنه يعرف سلطة لسانا خاصة ساعة‬

‫الكي‪ ،‬وقدرتا العالية على السخرية‪ ،‬حت من أبطال الكايات ذاتم‪ ،‬حت عندما تلط وتكي عن‬

‫وقائع من حياتا‪ ،‬ل تسلم شخصيتها من النتقاد اللذع‪ ،‬لظتها يطلب من عزيزة زوجته أن تعد‬

‫الجر والوزة كي يدخن‪ ،‬قبل أن تلحق به العمة ف الجر الثاني‪ ،‬لنا ساعتها تعرف أنا آذته‪،‬‬

‫فتلملم أذيال حكايتها سريعا‪ ،‬وتذهب للجلوس بواره‪ ،‬تأخذ منه مبسم الوزة وهي تقول‪ :‬زعلت‬

‫‪.‬يا ولد‬

‫ل يرد‪ ،‬وعزيزة تقوم تأخذ أطفالا وتتبعها باقي النساء وأطفالن‪ ،‬ليخلوا الكان والو لما‪،‬‬

‫يشربان الجر الثالث‪ ،‬دون كلمة واحدة‪ ،‬فقط يتبادلن البسم بود ومعرفة قدية‪ ،‬وعندما‬

‫‪ .‬ينتهي‪ ،‬تقول له‪ :‬تصبح على خي‪ ،‬ل تتأخر على عزيزة‪ ،‬هيا قم‬

‫من يومها ول يعد يتدخل ف حكاياتا‪ ،‬لكنه ف كل مرة يتنامي داخله الحساس بأن الكايات تلعب‬

‫معها‪ ،‬وتتقافز إل ذهنها كيف تشاء‪ ،‬وأن قدرة العمة على إيقاف هذه اللعاب وردعها باتت‬

‫ً‪ ،‬بل إن شكه ازداد ف أن تكون العمة عارفة با يدث لكايتها‬


‫‪.‬ضعيفة‬

‫جالسة الن فوق سريرها بصالة البيت‪ ،‬ترقب الضحى الذي بدأ ف العلن عن نفسه من خلل هبة‬

‫نسيم دافئة‪ ،‬دواجنها تناومت تت السرير بوار قدميها التدليتي‪ ،‬والراديو ما يزال يصدح‬

‫بالتلبية الهية النطلقة من قلوب الجيج فوق عرفات‪ ،‬قالت‪ :‬أيام العيد‪ ،‬هي موسم حصادك يا‬
‫‪.‬عيد‬

‫إذا كان عيد يفلح القراريط العدودة الت ورثها بالضافة إل قراريط العمة‪ ،‬فهو فنان‪،‬‬

‫‪ ...‬خطاط‪ ،‬رسام‪ ،‬نقاش‪ ،‬ورث هذه الهنة عن أبيه الذي ورثها أيضا عن أبيه الذي‬

‫يذهب الناس إل الج أو العمرة أو يتزوجون‪ ،‬أو يبنون دورا جديدة‪ ،‬فيذهبون إل عيد‬

‫الذي يضر الي البيض ويلطه بزهرة زرقاء‪ ،‬يعلها خفيفة‪ ،‬ويدهن الوائط البلطة بالطي‪ ،‬يعل‬

‫صبيانه يقومون بذا العمل‪ ،‬أما هو فدوره قادم بعد أن يف الي‪ ،‬يكون قد أعد صفائح اللوان‪،‬‬

‫والقلم الت يضرها من جريد النخل‪ ،‬يأخذ الريدة ويقسمها إل قطع متساوية‪ ،‬ث يقشر هذه‬

‫القطع ليظهر قلب الريدة البيض‪ ،‬بطواة حادة يبي القلب‪ ،‬أحيانا يعله كفرشاة‪ ،‬ث يضعها لدة‬

‫ً بقدمة البيت‪،‬‬
‫ليلة كاملة ف ماء ملح‪ ،‬ف الصباح التال تكون جاهزة للستعمال‪ ،‬يبدأ أول‬

‫تديدا فوق الباب‪ ،‬يكتب على الائط الذي صار لونه أبيض بزرقة خفيفة‪ ،‬بسم ال الرحن‬

‫الرحيم‪ ،‬يكتبها بط يصه هو‪ ،‬ل ياريه فيه أحد‪ ،‬ول تذكره الطوط العربية وأنواعها الختلفة‪،‬‬

‫كان يعطي الحرف فخامة وهيبة‪ ،‬تعلك تس برعشة إجلل وأنت تنظر إليها‪ ،‬حي سأله أحد طلب‬

‫الفنون من أين تأتي بذه الطوط ؟ كان ييب ببساطة واعتياد‪ :‬وال يا ابن ل أعرف‪ ،‬هكذا أراه‬

‫‪.‬مرسوما داخلي‪ ،‬فأمد يدي لنفذه‬

‫بعد أن يفرغ من الواجهة الت يكون قد كتب عليها أيضا اسم صاحب الدار والناسبة الت‬

‫تطلى فيها‪ ،‬وكتب على الوانب بعضا من اليات القرآنية والحاديث النبوية الدالة على‬

‫الناسبة‪ ،‬وأيضا يا داخل هذا الدار‪ ،‬صلي على النب الختار‪ ،‬وغيها من العبارات الت غالبا‬

‫ما ينوع ف الطوط الت يستخدمها مع كل عبارة‪ ،‬ما أن يفرغ تاما من الكتابة حت ينزل من فوق‬

‫السقالة‪ ،‬يسند ظهره إل الدار القابل يتسي الشاي مع حجر الوزة وهو يتأمل خطوطه؛ ويقيس‬

‫ويدد بعينيه الماكن الت سوف يقوم بتنفيذ رسومه فيها‪ ،‬مرة ثانية يعود إل صفائح ألوانه‪،‬‬

‫وينقل السقالة إل الماكن الت حددها‪ ،‬ث يبدأ بالرسم‪ ،‬حسب طبيعة الناسبة أيضا لكن هناك‬

‫‪.‬رسوم دائما يكررها‪ ،‬كاليل التسابقة‪ ،‬ألعاب التحطيب‪ ،‬بعض النخيل والراكب والورود‬

‫ف الونة الخية‪ ،‬ظهر بعض النافسي الذين يقومون بأعمال الدهان والي والكتابة والرسم‬

‫بطوط وألوان رديئة‪ ،‬لكنهم أكثر جرأة منه ف تلوينهم داخل النازل‪ ،‬خاصة حجر النوم إذا‬

‫‪.‬كانت تعد لستقبال عروسي؛ ث الهم من ذلك رخص أسعارهم بالقارنة معه‬

‫لذا صار عمله موقوفا على الرسم والكتابة فوق حوائط الذاهبي إل الج والعمرة‪ ،‬حيث ل‬

‫يقدر أن يقارن به أحد‪ ،‬لدرجة أن بعض الجيج و العتمرين‪ ،‬يعتبون أن حجهم أو عمرتم ناقص‬

‫‪.‬إذا ل يقم عيد برسم وتزيي حوائطهم الارجية‬


‫حكاية*‬

‫الكاية القدية تقول أن جد عيد الكبي والذي كان اسه عيد أيضا لا كان صغيا‪ ،‬أرسله‬

‫والده ليساعد الشيخ حسن التبي ويتعلم منه النقش على الحجار‪ ،‬حيث يقوم الشيخ بكتابة‬

‫شواهد الوتى‪ ،‬ووضعها فوق قبورهم‪ ،‬وكان الشيخ فظا غليظا؛ ف يوم لح عيد منتحيا بوار‬

‫السبيل الذي يلصق القابر وبيده الزميل‪ ،‬وبي قدميه حجر‪ ،‬يرب النقش عليه‪ ،‬فما كان من‬

‫الشيخ إل أن خطف الزميل من يد الصب وكسر الجر وانال على الصب ضربا ولعنا‪ ،‬حت سالت دماء‬

‫الصب الذي ل يتمل‪ ،‬ففر هاربا من قبضة الشيخ‪ ،‬قاطعا القابر إل الهة الخرى حيث النهر‬

‫ً عن الذنب الذي ارتكبه ف حق الشيخ حت يفعل به هكذا‬


‫‪.‬ووقف هناك يبكي برقة متسائل‬

‫ف غمرة بكائه ل يشعر إل ويد تط على كتفه‪ ،‬كانت يد سيدنا الضر‪ ،‬والت مسحت دمع‬

‫الولد‪ ،‬وقال له‪ :‬ل تزن‪ .‬وغرف من ماء النهر وسقى الصب‪ ،‬ث قال له‪ :‬إذا كان الشيخ يكتب‬

‫للموات‪ ،‬سأجعلك تكتب وترسم للحياء‪ .‬الصب الذي ل يفهم بانت على ملمه الدهشة والستغراب‬

‫‪.‬والوف‪ ،‬لنه يهل شخصية الرجل الذي يدثه‬

‫أخذ سيدنا الضر كف الصب بي يديه‪ ،‬ث قبض على إصبعه الشاهد الين‪ ،‬وجلس وأجلس الصب‬

‫بوار الاء‪ ،‬وخط خطوطا ورسوما وأحرفا فوق الاء‪ ،‬رآها الصب تتجسد أمام عينيه‪ ،‬كأنا تكتب‬

‫فوق لوح‪ ،‬ث نفخ سيدنا الضر ف وجه الصب وصدره وقال له اذهب‪ .‬لكن عيد قبل أن يذهب سأل‬

‫سيدنا الضر أن يعلها وراثة ف نسله‪ ،‬فضحك سيدنا الضر وقال‪ :‬أنت طماع يا عيد‪ ،‬لكنها‬

‫‪.‬ستكون وراثة ف البكار الذكور من صلبك‬

‫أفاقت السيدة من توياتا على صوت خبطات على الباب‪ ،‬وقفت لتى من الطارق الذي يتقدم‬

‫‪.‬نوها عب باحة الدار‬

‫‪-‬‬ ‫‪ .‬كل سنة وأنت طيبة يا عمة والعام القادم على جبل عرفات‬

‫‪-‬‬ ‫يا ولدي‬ ‫‪ .‬جعا إن شاء ال‬

‫يأتي لينظف الساحة‬ ‫إنه الاج أحد مؤذن الامع الذي ل تراه إل من العيد للعيد‪،‬‬

‫‪.‬الت خارج منزلا‪ ،‬حيث تقام صلة العيد‬

‫سلم وجلس بوارها على السرير مستعلما عن صحتها وأحوالا وهي تيب بلفظة واحدة‪:‬‬

‫المد ل‪ .‬قام وراح للزير وشرب وهي قامت لتعد له الشاي لكنه رفض قائل‪ :‬سأشربه بعد العصر‬

‫‪.‬لا آتي لتنظيف الساحة من الجارة وكنسها‬

‫اته ناحية الباب ليخرج‪ ،‬وهي تددت فوق سريرها‪ ،‬وقالت‪ :‬نسيت أن أسأله عن الولد‬

‫‪.‬عيد‬
‫ذكر البناء*‬ ‫فصل ف‬

‫كانت التجارة زاهية‪ ،‬واليام تقبل ضاحكة ف وجه الد الشكاك‪ ،‬الوسوس بقدرة العي‬

‫على فلق الجر‪ ،‬ف تلك اليام البعيدة كان الد خارجا من زواج توج بمسة بطون‪ ،‬كلها ذكور‪،‬‬

‫وزوجته حامل ف البطن السادس‪ ،‬وعياله يرون معه ف تارته‪ ،‬وهو ف حاجة للمزيد من الرجال‪،‬‬

‫‪.‬لنه – حسب رأيه – أن تارته تتاج إل رجال أشداء‪ ،‬ملصي‪ ،‬أمناء‬

‫هاجت قافلته العائدة من السودان‪ ،‬جاعة من اللصوص و استطاعت أن تنهب الكثي من البل‬

‫والعبيد‪ ،‬و رغم حرص الرحال على دفع مكوس الطريق إل العربان ونقط الماية النتشرة على‬

‫إل أن اللصوص هاجوا القافلة‬ ‫‪.‬درب الربعي الصحراوي‪ ،‬وإرسال العيون ف الطريق للستطلع‪،‬‬

‫كان دائم التعديل ف خطط سي القافلة‪ ،‬فأتاه يقي داخلي بأن أحد رجاله أو مموعة منهم‬

‫تونه‪ ،‬ل يستطع أن يذر من هم ؟ ‪ ،‬كان هه الساسي‪ ،‬ف تلك اللحظة‪ ،‬بطبيعة الال‪ ،‬إنقاذ أكب‬

‫‪ .‬قدر من القافلة‬

‫كانت خبته بطرق الصحراء وطبائع الرجال عالية‪ ،‬فأدرك منذ البداية أن ولء الرجال صعب‬

‫الصول عليه‪ ،‬مهما كانت الغريات‪ ،‬فالال‪ ،‬مثل‪ ،‬دائما ما يوجد من يدفع أكثر‪ ،‬واللصوص‬

‫‪.‬جاهزون دائما لشراء الذمم‬

‫كان طموحه تكوين مموعة قوية مأمونة يربطها الدم قبل أن تدعمها الصال التجارية‪ ،‬غي‬

‫الرجال وبدلم أكثر من مرة‪ ،‬لكن خوفه وشكه الدائم ل يتبدل‪ ،‬كان يتمن أن يزرع طريق‬

‫ً‪ ،‬فقد أوعز إل إخوته‪،‬‬


‫القافلة كله برجال ينتمون إليه‪ ،‬إل صلبه‪ ،‬إل دمه‪ ،‬ولا كان هذا مال‬

‫شركائه بالتجارة‪ ،‬بفكرته الت مؤداها الكثار من إناب الطفال‪ ،‬الذكور‪ ،‬كان ل يعي الناث‬

‫التفاتا‪ ،‬كان يقول‪ :‬هن خلقن للبيوت‪ ،‬وجرنا إل لظة راحة ناعسة‪ .‬لذلك عندما وضعت زوجته‬

‫‪.‬البطن السادسة‪ ،‬وكانت أنثى‪ ،‬قرر بسرعة وحسم‪ :‬بالزواج مرة أخرى‬

‫ليانه بقدرة العي الاسدة والكارهة‪ ،‬قرر أن يبن بيته بعيدا عن القرية‪ ،‬عند أطرافها‪،‬‬

‫عند مدخلها من ناحية الصحراء‪ ،‬حيث يكنه الولوج والروج إل الصحراء بعيدا عن أعي القرية‬

‫الت ل تفعل شيئا‪ ،‬حسب نظرته‪ ،‬سوى عد الداخل والارج من العبيد والبل والتعليق الساخر‬

‫‪.‬والوشاية به أحيانا كثية‬

‫ً وعاد معه عصبة من البناءين‪ ،‬أراهم الساحة الراد البناء عليها‪ ،‬قسمها لم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذهب شال‬

‫هنا الواجهة‪ ،‬أريدها عالية وقوية‪ ،‬عصية على الختاق‪ ،‬تشبه بناء العابد‪ ،‬على الجناب غرف‬

‫ل يستطيع الروج منها بسهولة إل بصحبة العارف بطريق‬ ‫كثية‪ ،‬بعضها متداخل‪ ،‬من يدخلها‬

‫الروج من متاهتها؛ الوائط عالية‪ ،‬متينة وقوية‪ ،‬تقوم ف أساساتا على الجر البيض والسود‬

‫الذي جاء من البل القائم خلف البيت‪ ،‬بعد نوض الوائط‪ ،‬أكمل البناء بالطوب اللب‪ ،‬كي ينح‬
‫البيت رطوبة دائمة ف أشهر الصيف‪ ،‬ودفئا خلل أيام البد‪ ،‬جاء بذوع النخل الفرودة والصلبة‬

‫وأشجار السنط والكافور والثل كي يعرش عليها سقيفة البيت من جريد النخل‪ ،‬بعدها جاء‬

‫‪.‬بالطي الخمر جيدا وبلط الوائط والسقف بطبقة سيكة منه‬

‫فوق سطح البيت جعل نقط حراسة مفية ل يكن للناظر من خارج البيت أن يراها‪ ،‬ف خلفية‬

‫النزل بن الزرائب وقسمها إل ثلثة أنواع‪ :‬واحدة للذكور‪ ،‬والثانية للماء‪ ،‬والثالثة للبل‪.‬‬

‫وزودها ف الركان بالسلسل الديدية‪ ،‬حيث يتم ربط العبيد بالسلسل‪ ،‬خوفا من هربم‪ ،‬وكذلك‬

‫‪.‬لنع تدافع البهائم‬

‫ً حت اكتمل‪ ،‬البعض قال‪ :‬خس سنوات‪ .‬والبعض الخر قال‪ :‬سبع‬


‫يقال أن البناء استمر وقتا طويل‬

‫سنوات‪ .‬لكن الميع يتفق على أنه حي انتقل إل هذه الدار‪ ،‬كانت النخلة الت زرعها قبل أن‬

‫يشرع ف البناء بقليل وجعلها مركز البيت‪ ،‬كانت قد أتت أكلها‪ ،‬وأسقطت بلحا‪ ،‬ل تر القرية‬

‫‪.‬مثله‪ ،‬إذ يقال أن نواتا‪ ،‬كما روج هو‪ ،‬قد أخذها من جنوب السودان عند منابع النيل تديدا‬

‫ً‪ ،‬الداخل منه ل يدخل إل البيت‪ ،‬بل إل قاعة معدة‬


‫ً مستقل‬
‫بوار باب البيت الارجي فتح مدخل‬

‫للضيوف‪ ،‬صالة واسعة‪ ،‬ملحق با حجرتان وعلى طرفها الخر يقوم كنيف‪ ،‬وحجرة صغية‪ ،‬تستخدم ف‬

‫إعداد القهوة للضيوف بينهما باب صغي يأخذ إل داخل البيت‪ ،‬حيث يأتي الطعام والشراب من‬

‫الداخل؛ ف أزمنة تالية‪ ،‬أغلق الدخل الستقل‪ ،‬ووسع الباب الصغي‪ ،‬وصار الكان دار إقامة‬

‫للجدة فاطمة الول‪ ،‬ومنه ورثته فاطمة الثانية حيث تزوجت فيه وأنبت أطفالا الذين غادروها‬

‫تباعا‪ ،‬وخل البيت إل منها‪ ،‬ومن دواجنها ونعجتها والروف الذين يتلن الن حجرتى الضيوف‪،‬‬

‫وهي تستخدم حجرة القهوة السابقة لنومها‪ ،‬وذلك لقربا من الكنيف‪ ،‬وتبقى الصالة جيدة‬

‫‪.‬السقف والوائط والتهوية ‪ ،‬تقضي فيها أغلب ناراتا‬

‫ف الوقت الذي ت النتهاء فيه من واجهة النزل‪ ،‬كانت حكاية عيد وتعلمه الرسم والنقش على‬

‫الوائط من سيدنا الضر بادية ف النتشار‪ ،‬لكنها ل تتب‪ ،‬اختبارا جديا‪ ،‬إذ ل يقم عيد بنقش‬

‫أي من الوائط حت الن‪ ،‬ف نفس الوقت أطلق الشيخ حسن التبي سخريته القاسية من عيد‪ ،‬الذي‬

‫يطلق عليه حتة العيل‪ ،‬لكونه صغيا‪ ،‬قال‪ :‬ل يبق أمام سيدنا الضر إل العيال‪ ،‬وال زمن أغب‬

‫‪ .‬الذي يتطاول فيه حتة عيل على سيدنا الضر وعلي‬


‫ّ‬

‫وصلت الكاية إل آذان الد الكب‪ ،‬أتى بعيد ‪ ،‬وقال له‪ :‬هذه هي الواجهة أريد أن أرى ما‬

‫تعلمته يدك من اليد الباركة‪ ،‬تركه واقفا أمام الوائط يتأملها برهبة وخوف من الفشل الذي‬

‫قد يصيبه‪ ،‬فيدمر حياته كلها‪ .‬ليت أمي ل تب أحدا‪ ،‬هذا ما ردده داخله‪ ،‬فبعد الذي حدث‬

‫بينه وبي الرجل الطيب عند ضفة النهر جرى عائدا‪ ،‬مرتعدا إل أمه الت دثرته‪ ،‬ومن خلل‬

‫ارتافه علمت با جري له‪ ،‬قالت له‪ :‬أنه سيدنا الضر‪ .‬وبدأت الكاية تأخذ طريقها إل اللسن‬

‫‪.‬والنتشار‬

‫أفاق عيد علي الد الكب واقفا بواره وهو يشي إل براميل الي واللوان‪ :‬هيا يا بطل‪ ،‬أرنا‬

‫‪ .‬قدرة اللوان علي التألق فوق هذه الوائط‬

‫‪ .‬سأل عيد‪ :‬كل الوائط ‪ ..‬أجابه الد الكب‪ :‬كل الوائط‪ ،‬حت اللفيات وداخل الغرف‬
‫يقول بعض الناس‪ ،‬أن العمل استمر سنوات وف هذه الثناء‪ ،‬ولبعد البيت عن القرية‪ ،‬ولحتياج‬

‫عيد إل الوقت‪ ،‬بن عشة صغية جوار البيت الكبي‪ ،‬ولا احتاج إل الزواج بن البيت الذي يسكن‬

‫‪.‬فيه الن عيد‬

‫تي عيد‪ ،‬من أين أبدأ ؟ وقف طويل‪ ،‬كان عمال الطلء‪ ،‬يرشون الي علي الوائط‪ ،‬وهو يأكله‬

‫التوتر‪ ،‬ل يعرف من أين يبدأ‪ ،‬ول كيف‪ ،‬يقف ف اللء القابل لواجهة النزل عاقدا يديه خلف‬

‫ظهره‪ ،‬يروح ويأتي دون الوصول إل قرار؛ فأمه بقصها ما جرى فوق النهر ل تعل له فرصة‬

‫للتعلم علي يد أحد‪ ،‬عليه أن يبدأ بنفسه‪ ،‬مازفا‪ ،‬ليكتسب أسه ثقل الكاية الت وراءه‪ ،‬حاول‬

‫‪ .‬كثيا ف الليال الول أن يرن يده ويدربا فوق ألواح الردواز إل إنا كانت تفشل فشل ذريعا‬

‫كان يقف أمام الائط ملجما‪ ،‬مرتبكا‪ ،‬فحياته كلها واقعة رهن الختبار؛ لا طال تردده‬

‫ووقوفه أمام الائط‪ ،‬ناداه الد الكب وأجلسه بواره تت النخلة ف سرة البيت‪ .‬قال‪ :‬الوف‬

‫ضروري لناح أي عمل‪ ،‬ولكن التدد قاتل‪ .‬سكت الد‪ ،‬وعيد ل يد بداخله ردا يقوله‪ ،‬فأكمل الد‪:‬‬

‫‪ .‬ابدأ غدا وسأتقبل النتائج‬

‫كانت الليلة قمرية حي حل عيد دلء اللوان‪ ،‬وفرشاته الت صنعها من قلب جريدة أخذها من نلة‬

‫البيت‪ ،‬أعتلي السقالة الواجهة للباب‪ ،‬قال‪ :‬بالليل أفضل من عيون التنطعي الت ترصدني‬

‫‪ .‬طوال النهار‪ .‬وبدأ بالكتابة‪ :‬بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬ورسم حولا أهلة ونوم‬

‫ل يندهش حي وجد يده تري بالكتابة واللوان فوق صفحة الائط‪ ،‬كان يقول‪ :‬عند الصباح لا يري‬

‫‪ .‬الد والناس ما فعلت يدي سأكون قد اجتزت الختبار‬

‫ظل معلقا فوق السقالة حت الفجر‪ ،‬موعد قيام البناءين لستئناف أعمالم‪ ،‬نزل من السقالة‪،‬‬

‫وراح إل بيتهم ونام‪ ،‬ول يعد إل بعد العصر؛ كانت الائط قد تشربت اللوان‪ ،‬والشمس جففتها‪،‬‬

‫والناس واقفون للفرجة علي ما أبدعت يده‪ ،‬بينهم الشيخ التبي‪ ،‬الذي ل يعلق‪ ،‬وتسلل مبتعدا‬

‫‪ .‬باتاه القابر‬

‫كان ما خطته يده بعد الكتابة‪ ،‬اسم الد الكب علي الواجهة‪ ،‬تيط به أساء الربعة القطاب‪،‬‬

‫وف أحد الوانب رسم نلة أصلها ثابت‪ ،‬ورأسها تقارب السماء‪ ،‬وحولا طيور‪ ،‬وف ركن آخر خطط‬

‫‪ .‬رسم لمل يقوده رجل تتابعه مموعة هائلة من البل‬

‫وجد الدهشة والعجاب تطل من أعي الناس‪ ،‬تدل عليها كلماتم وههماتم‪ ،‬ووصل إل سعه صوت الد‬

‫وعيد الذي حركه الكلم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وهو يضع يده فوق كتفه‪ :‬أبدا ل أراهن علي الواد الاسر‪.‬‬

‫ولكن كيف تعرف ؟ ابتسم الد الكب ابتسامة صافية‪ ،‬ورفع يده مسد با ليته الت يالطها بياض‬

‫‪ .‬واضح‪ ،‬وهو ينظر له نظرة عميقة الغور‪ ،‬دون أن يعلق‪ ،‬وسارا باتاه البيت‬

‫استفاقت من غفوة الضحى علي نقرات خفيفة فوق الباب يتابعها زياط العيال وربابة ير وترها‬

‫قالت‪ :‬عوض ال‬ ‫‪ .‬بعلمة رائعة‪ ،‬قادرة علي النطق دون غناء‪،‬‬
‫اعتدلت فوق السرير‪ ،‬التقطت العكاز وهشت بغضب خفيف دواجنها التكأكئة حول السرير‪ ،‬وخطت‬

‫باتاه الباب‪ ،‬كان عوض ال‪ ،‬الغن الشعب الوال قد نزل من فوق حارته وراح يقيد أرجلها‪ ،‬وقف‬

‫معتدل هاشا لوجوه الطفال الذين يتابعونه منذ لظة دخوله إل البلد‪ ،‬من شارع إل شارع‪ ،‬ومن‬

‫حارة إل زقاق‪ ،‬دائما خلفه‪ ،‬يتسمعون لكلماته وأنغام ربابته‪ ،‬قد يفوزون ف بعض الوقات‬

‫بقدر من اللوى أو البلح الت يقدمها أصحاب البيوت إل عوض ال الذي يقف يغن متدحا أهل‬

‫الدار‪ ،‬ذاكرا مآثرهم القدية الت تناقلت إليه من أفواه أسلفه الغني الذين جابوا الدروب‬

‫‪ .‬قبله‬

‫كانت له مطات أساسية يتوقف فيها ليأكل لقمة‪ ،‬أو يطعم الدابة الت تشاركه جولته ف القرى‬

‫والنجوع أو ليشرب شايا أو حجرا من العسل‪ ،‬حت هذه الطات ورث التوقف فيها من أسلفه‪ ،‬كان‬

‫أهل الطات تلك يرحبون به ويقدمون الطلوب منهم‪ ،‬دون سؤال منه ودون لاجة منهم‪ ،‬وكأنم‬

‫جيعا ينفذون بنود عهد غي مكتوب ولكنه مفوظ ف الصدور‪ ،‬يتناقله الصغي من الكبي وهذا‬

‫‪ .‬بدوره يورثه لطفاله وأهل بيته‬

‫يتوقف عوض ال ليشرب شايا وأحيانا يضاف إليه‬ ‫أحد هذه الطات الرئيسية‪ ،‬هو بيت السيدة‪،‬‬

‫حجر من العسل‪ ،‬علي أن يعود بعد صلة العشاء‪ ،‬ليتعشى ‪ ،‬يتسلطن‪ ،‬حت يبدأ توافد الرجال‬

‫والشباب من أهل القرية‪ ،‬يلتفون حوله‪ ،‬وهو العارف بم‪ ،‬ير قوس ربابته فوق الوتر بادئا‬

‫بالصلة علي النب‪ ،‬معرجا بديح خاص لهل البيت ذاكرا أسائهم‪ ،‬ث يتوقف‪ ،‬ويهرش قليل ف رأسه‬

‫كأنا يبحث عن النغمة الديدة الصحيحة لذه الليلة‪ ،‬حي ينزل يده من رأسه‪ ،‬تكون عمامته قد‬

‫تدلت‪ ،‬أصابعه فوق سبيب الربابة ليلتقط النغمة الساسية الت يريدها‪ ،‬سرعان ما يدها‪،‬‬

‫ويأخذه الوجد إل حضرته‪ ،‬كما درويش ف قلب أوراده‪ ،‬عيونه مغلقة‪ ،‬جسده وحواسه‪ ،‬وربابته‬

‫وصوته‪ ،‬تصي كلها كيانا واحدا‪ ،‬وحده الغناء يتصاعد منه‪ ،‬يتفجر من طاقة‪ ،‬تشع النور ول‬

‫‪.‬يكن الوصول إل منابعه‬

‫الرجال حوله يهللون‪ ،‬يستزيدونه‪ ،‬يطلبون أغان ومواقف يسمونا‪ ،‬وهو يلب‪ ،‬يعرج من حكاية إل‬

‫أخري‪ ،‬من أغنية إل موقف‪ ،‬إل حكمة‪ ،‬إل تطريب يأخذ باللباب‪ ،‬يتوقف قليل ليلتقط أنفاسه‪،‬‬

‫يفتح عينيه الغمضتي كأنا يعود من أماكن بعيدة‪ ،‬أماكن الكايات والغنيات‪ ،‬يببش برموشه حت‬

‫‪.‬يستطيع أن يرى خلل أضواء الكلوب الذي يني الساحة الداخلية للبيت‪ ،‬والعلق بذع النخلة‬

‫خلف الرجال‪ ،‬ف البعيد قليل‪ ،‬يري أطياف النساء بلبسهن السوداء‪ ،‬ملتفات بينهن السيدة‬

‫صاحبة البيت‪ ،‬يغمض عينيه قبل أن يلحظه الرجال‪ ،‬الذين يقبلون علي تيته بالسجائر‬

‫والنقود‪ ،‬ول مانع من قطع الكيف‪ :‬الشيش أو الفيون‪ .‬أثناء توقفه القصي‪ ،‬وهو يتلقى كل هذا‬

‫ببسمة رضا غامرة تتاح روحه‪ ،‬وتبه القوة كي يستكمل ليلته الت ل ينهيها إل أذان الفجر‬

‫‪ .‬النبعث من الامع القريب‬

‫الن وهو يضع رأس حارته العجوز ف قلب الخلة اللى بالغلة وقطع البز الناشف‪ ،‬يتحسر علي‬

‫‪ .‬ذهاب هذا الزمن‬

‫‪.‬أهل يا عوض ال‪-‬‬


‫أنتبه علي وقوف السيدة علي عتبة الباب ويدها تستند علي الائط‪ ،‬وكأنا قلبه حدثه بشيء‬

‫غامض حي رأي وجه السيدة وسع نبة صوتا‪ ،‬أجاب بتدد ويده الت فرغت من إحكام ربط الخلة علي‬

‫رأس الدابة ظلت مفرودة ف الواء‪ ،‬تاول القبض علي شئ ل تعرف كنهه‪ :‬أهل بالعمة أخت‬

‫‪.‬الرجال‪ ،‬كل عام وأنت بي‬

‫وهي الت رأت نظرته‪ ،‬وتعلق عينيه بوجهها‪ ،‬استدارت عائدة إل البيت قائلة‪ :‬سأعد لك الفطار‬

‫‪ .‬والشاي‬

‫‪ .‬رد قبل أن تبتعد‪ :‬المد ل‪ ،‬فطرت‬

‫لوحت بيدها وتتمت بكلمات‪ ،‬ل يتبينها‪ ،‬وإن فهم وقعها‪ ،‬استدار ليواجه الطفال الذين أصابم‬

‫الصمت منذ لظة ظهور العمة فوق عتبة الباب‪ ،‬ل يستطع أن يبتسم لم‪ ،‬أخذ ربابته ف حضنه‪،‬‬

‫وجلس مقرفصا ف ظل الائط‪ ،‬ودون كلمة أيضا أشعل سيجارة وراح يتص دخانا ويطلقه ف زفرات‬

‫قوية‪ ،‬كان توتره واضحا؛ عينه الت حاول الطفال استطلعها‪ ،‬كانت تنظر لداخل البيت‪ ،‬حيث‬

‫النخلة الت يرجح الواء جريدها‪ ،‬استنكر الطفال فعله‪ ،‬فجروا إل الساحة أمام البيت‪،‬‬

‫‪.‬ونظموا أنفسهم ف واحدة من ألعابم الكثية‬

‫الضغينة‪ ،‬و ليس الكره‪ ،‬ما تتلكه ضد عوض ال‪ ،‬تفكر الن ف ضغينتها نوه‪ ،‬وهي تشعل الوقد‬

‫لتعد له ولا القهوة الت اعتاد أن يتسيها كلما جاء به الطريق إل بيتها‪ ،‬كانت تقول وما‬

‫تزال تؤمن بأن لكل ابن آدم دفة ف رأسه يديرها بكيفه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وفهمه لصاله واحتياجاته‪،‬‬

‫لكنها ف نفس الوقت تؤكد علي أننا ف لظات كثية نكون غافلي عن أشياء بداخلنا أو حولنا‪،‬‬

‫ويأتي آخرون ليكشفوا عنها أو يساعدونا علي رؤيتها‪ ،‬يتم هذا‪ ،‬ف أحيان كثية‪ ،‬دون قصد‬

‫‪ .‬منهم‬

‫ف هذه النقطة تديدا يقبع عوض ال‪ ،‬الذي تتهمه ف سريرتا بأنه السبب وراء فقدانا لبنها‬

‫‪ .‬البكري‪ :‬سعيد‪ .‬والذي تعلق بسخرية مريرة عليه‪ :‬بأنه ل يأخذ من الدنيا غي اسه‬

‫كان طفلها البكري الصغي‪ ،‬ولوعا بالشاعر‪ ،‬ما أن يعلم بقدومه إل القرية‪ ،‬حت يظل ف أثره‬

‫طوال النهار‪ ،‬ل يعود إل البيت إل عندما يأتي الشاعر بعد صلة العشاء‪ ،‬ويظل مرابضا بواره‬

‫إل أن يصمت عند أذان الفجر‪ ،‬حي يستيقظ ف الصباح يسأل عن الشاعر‪ ،‬وحي يعلم برحيله‪،‬‬

‫يأخذه الزن إل المود‪ ،‬فيظل مرابضا بالبيت لعدة أيام‪ ،‬بعدها ينطلق ف الشوارع مقلدا‬

‫‪ .‬للشاعر مرددا أغانيه‪ ،‬حاولت وأبوه ردعه كثيا‪ ،‬لكن جوحه أبدا ل يرتدع‬

‫حي كب أخذه التعليم قليل‪ ،‬لكنه مارس اختفاءاته التعددة‪ ،‬يعود بعدها‪ ،‬منهكا‪ ،‬مهدودا‪،‬‬

‫دائما يارس هوايته ف التخفي؛ ف كل‬ ‫لتأخذه الروب والسياسية و التغرب ف بلد ال الواسعة‪،‬‬

‫تراه‪ ،‬لكنه يعاود الظهور مرة أخري‪ ،‬ف البداية حي كان‬ ‫مرة كانت تعتقد بأنا آخر مرة‬

‫صغيا كان وجود إخوته الصغار يلهيها قليل‪ ،‬ويضعف قلقها نوه بالقدر الذي تنغمس فيه‬
‫بالهتمام بشئون أطفالا حت كبوا‪ ،‬وفارقوها‪ ،‬واحدا إثر واحد‪ ،‬ف كل مرة يظهر ليؤكد لا‬

‫‪:‬مقولته الدائمة والثابتة‬

‫‪ .‬إرثنا يا أمي‪ ،‬التشتت ‪ ،‬إرثنا الخلقي يا أمي‪-‬‬

‫كلماته‪ ،‬ف مرات كثية حاول أن يوضح لا‪ ،‬يشرح غموض ما يقول‪ ،‬ليأخذها إل‬ ‫ل تفهم كثيا‬

‫التباسات أشد‪ ،‬فتلجأ إل علجاتا الشعبية الت توارثتها وخباتا الستمدة من جدتا‪ ،‬لكنها‬

‫تبوء كلها بالفشل‪ ،‬كان يوافقها ف أحيان كثية ويضع إل علجها‪ ،‬كي ل يرحها‪ ،‬وكان يقابلها‬

‫بالرفض ف الوقات الخرى‪ ،‬كانت تب النساء حي يلتففن حولا‪ :‬ليس الطأ ف العلج أو طريقتها ف‬

‫لكن لعدم قناعته‬ ‫‪.‬التطبيب‬

‫أبدا ل تكره عوض ال‪ ،‬ول تقفل باب البيت ف وجهه‪ ،‬فهي تنفذ بنود التفاق غي العلن الذي‬

‫حرص أهل البيت عليه منذ إقامة هذا البناء‪ ،‬لكن خشيتها من قدرته علي الفهم وأفكاره‬

‫ونظرته للحياة الت يبثها ف غنائه ‪ ،‬خاصة ف مواويله وتعلق ابنها با‪ ،‬لدرجة جعلته يفظ‬

‫أغلبها‪ ،‬ويرددها كثيا‪ ،‬مستشهدا با ف مواقف كثية من حياته‪ ،‬أو تسمعها منه حي يستلقي فوق‬

‫سريره بالليل ‪ ،‬فيصيبه أرق‪ ،‬ينغمها مرددا بصوت خفيض‪ ،‬ف اللحظة تس بالل الذي يعتصره‪،‬‬

‫تنزل من سريرها‪ ،‬وتذهب إليه‪ ،‬لكن ههمته تصمت‪ ،‬ويتصنع النوم‪ ،‬كل هذا هو ما حرك ضغينتها‬

‫ف تلك الليال البعيدة‪ ،‬الثقيلة الوطء علي قلبها وروحها‬ ‫‪ .‬نو عوض ال‬

‫تنبهت العمة علي رائحة القهوة الت نضجت فوق موقدها‪ ،‬فأنزلتها‪ ،‬وصبتها ف كوبي‪ ،‬ث أطفأت‬

‫الوقد‪ ،‬ورفعت كوبي القهوة إل سريرها‪ ،‬ث وقفت متحاملة علي عكازها‪ ،‬تناولت القهوة ومشت‬

‫‪ .‬با تاه الباب‪ ،‬حيث يلس عوض ال مقرفصا ف انتظارها‪ ،‬وهي تردد ف سرها‪ :‬ال يرحك يا سعيد‬

‫حي جلست بواره ف ظل الائط‪ ،‬كان الطفال قد غيوا لعبهم للمرة الثالثة‪ ،‬قال عوض ال بعد أن‬

‫‪ .‬تناول القهوة منها‪ :‬دائما عامر‪ .‬أجابت بتحفز واضح‪ ،‬وسخرية مريرة‪ :‬إذا جاء من يعمره‬

‫التقط خيط الرارة من صوتا‪ ،‬وتوجس قلقا ما جعله يقبض على بقية الكلم العتاد الذي يتدد ف‬

‫فأراد أن يعب هذه النطقة بسلم‪ ،‬كي ل يونه التعبي‪ ،‬لظتها سيكون العداء‬ ‫مثل هذه الحوال‪،‬‬

‫وظاهرا‪ ،‬إن هو أخطأ‪ ،‬ولن يستطيع لظتها أن يابها‪ ،‬فقوة السيدة من الشهرة الت‬ ‫واضحا‬

‫تعله يفكر جيدا قبل أن يقف أمامها متحديا‪ ،‬وأيضا هو ل يريد إناء تواجده بالقرية بصورة‬

‫‪ .‬تقلل من قدره واحتامه لذاته‬

‫حقيقة هو يدرك طبيعة شعورها نوه‪ ،‬أبدا ل ترحب برارة عالية به‪ ،‬وأيضا ل ترد الباب ف‬

‫وجهه‪ ،‬حاول كثيا أن يفهم‪ ،‬أن يصل إل منطقة تريه ف التعامل معها وف نفس الوقت تريها‪ ،‬ف‬

‫قليل‪ ،‬ليجد أسوار العداء ترده‪ ،‬تردعه‪ ،‬حي اشتكي‬ ‫أحيان كثية يطئ‪ ،‬ييل يينا‪ ،‬أو يسارا‬

‫لسعيد ـ ابنها الراحل ـ قال له‪ :‬ل تتم ‪ .‬لكن الم ل يفارقه‪ ،‬ظل هاجسا يسيطر عليه‪ ،‬فما‬
‫أن يوجه حارته باتاه البلدة‪ ،‬حت يد القلق ينطلق من داخله‪ ،‬كان يقول ف دخيلته‪ :‬كأنا‬

‫‪ .‬القلق هو الذي يقودني‬

‫أراحه كثيا تفسي عيد ـ الرسام ـ حي حكي له‪ :‬أل يكن سعيد وهو بعد طفل‪ ،‬يدور خلفك‪ ،‬أينما‬

‫ذهبت‪ ،‬هو خلفك دائما‪ ،‬خوفها الدائم من تول ابنها البكري إل مغن شعب جوال‪ ،‬كان ينغص‬

‫‪.‬عليها أمانا‬

‫يرد متجا‪ ،‬فيقاطعه عيد‪ :‬قلب الم‪ ،‬أين تضعه‪ ،‬ث أنه لا كب‪ ،‬أخذه السفر ‪-‬‬ ‫لكنه ل يصبح…‪.‬‬

‫والتحال‪ ،‬مثلك أيضا‪ ،‬أل تاهر دائما بب السفر والغامرة‪ ،‬وتغن لما‪ ،‬ألست تقول‪ :‬حياتنا‬

‫‪ .‬ضيقة‪ ،‬والتنقل يوسعها‬

‫ظل صامتي‪ ،‬يرتشفان القهوة علي مهل‪ ،‬وإن كانت مساحة من القلق مفروشة بينهما‪ ،‬قال ماول‬

‫… قطع الساحة‪ :‬يا عمة‬

‫‪.‬ل ترد عليه‪ ،‬ول تلتفت ناحيته‪ ،‬تنحنح ليتأكد من وضوح صوته ث قال‪ :‬هل ذنب أني أغن‬

‫‪.‬فهمت بسرعة تلميحه‪ ،‬فأجابت‪ :‬ل يا ولدي‪ ،‬ليس الغناء ذنبا‪ ،‬ولكن ما يفعله الغناء‬

‫انفرجت أساريره قليل‪ ،‬فردد داخله‪ :‬بداية طيبة علي القل‪ .‬وقال ماول اللحاق با قبل أن‬

‫‪.‬ترب اللحظة‪ :‬الغناء‪ ،‬يا عمة‪،‬هو هس الرواح‬

‫أراد بملته أن يرها بعيدا عن مازها الاص‪ ،‬وهي ل تشأ أن تادله‪ ،‬تدرك بداخلها‪ ،‬توجسه‬

‫الدائم وشكوته منها‪ ،‬لكنها أيضا تعلم تعلقه بالبيت وأهله‪ ،‬خاصة إخوتا الرجال و ابنها‬

‫يا عوض ال‪ .‬رد دون أن‬ ‫البكري الذين دائما يكرمون وفادته‪ ،‬قالت‪ :‬منذ زمن بعيد وأنت تغن‬

‫يكون متيقظا‪ :‬نعم زمن طويل‪ ،‬لكنه قاس‪ ،‬خاصة حي حرمت من الليال الدافئة هنا بالبيت‪.‬‬

‫‪ .‬وأشار إل النخلة‬

‫‪ .‬قالت بسرعة‪ :‬منذ خل من الرجال‬

‫لتوه انتبه إل الشرك الذي وضع قدمه فيه‪ ،‬بلفظة واحدة‪ ،‬تستطيع الن أن تطبق عليه‪ ،‬لذا‬

‫آثر الصمت‪ ،‬وأرسل عينيه ليتابع جرى الطفال بالساحة ولعبهم الذي بدلوه أكثر من مرة‬ ‫‪.‬‬

‫لاذا كبحت الهرة أثناء تسابقك مع مصطفي ؟‪-‬‬

‫كانت شس الضحى قد ارتفعت‪ ،‬وسخنت‪ ،‬وانسر ظل الائط حولما‪ ،‬وبدأت الرارة تلسع البدان‪ ،‬كان‬

‫‪ .‬واضحا أن ظهية شديدة الرارة تهد لقدومها‬

‫السؤال كان مباغتا لا‪ ،‬فهي أبدا ل تتوقع أن تسمعه من أحد‪ ،‬خاصة عوض ال‪ ،‬أخفت رجفة يدها‬

‫ياه‪ ،‬لول مرة ترى جيدا هيكله الضئيل‬ ‫بأن أنزلت كوب القهوة‪ ،‬ورمقت عوض ال بطرف عينها‪،‬‬

‫والعجوز‪ ،‬بدا لعينها وهو قابع بوارها متضنا ربابته ومدخنا سيجارته مستكينا تاما‪ ،‬وكأنا‬

‫‪ .‬السؤال الذي ألقاه منذ لظة ل يقصده‪ ،‬أو حت يهتم بأن تيب عليه‬

‫تساءلت ف داخلها‪ ،‬أين كان وقتها ؟ هل حضر السباق؟ أم سع عنه؟‬


‫‪ .‬رأيتك تذبي اللجام ‪-‬‬

‫ما يزال يصر علي قسوته‪ ،‬هكذا تكمت داخلها‪ ،‬أرادت أن تطلق لسانا‪ ،‬لكن الصوات هاجتها من‬

‫جديد‪ ،‬تلفتت ف ماولة جادة لكتمها‪ ،‬ورن الصوت بأذنيها‪ :‬أريد الهرة الن! تتمت بكلمات غي‬

‫‪ .‬واضحة الخارج‪ ،‬كأنا ترد علي الصوات الت تعصف با بشدة‬

‫رأي تقلقلها بواره وحركة أعضائها الضطربة وقبضتها علي العكاز تأخذ ف التصلب‪ ،‬وأحس علي‬

‫نو غامض أنا ربا تفكر بأن تضربه‪ ،‬تسأل هل هذا بسبب كرهها القدي له أم بسبب السؤال الذي‬

‫!ألقاه منذ قليل؟‬

‫تنحنح معتذرا‪ ،‬قال‪ :‬ل أقصد أي جرح ؟‬

‫قالت‬ ‫تيجها‪،‬‬ ‫كانت الصوات تزداد ضراوتا‪ ،‬كأنا الريح الت تلعب النخلة هي الت تركها‪،‬‬

‫علي نو غامض‪ :‬أهي ـ تقصد الصوات ـ الت دفعت الميع للرحيل؟ ل يفهم‪ ،‬بالتأكيد ل يفهم‪،‬‬

‫لكن كلمة الرحيل كانت كفيلة بعله ينهض‪ ،‬شاكرا إياها علي القهوة‪ ،‬ليخرج من عتبة الباب‬

‫‪ .‬ومنها إل حارته الت ترش عليقها ف هدوء‬

‫ل تنتبه إل خروجه‪ ،‬كان هها منصبا علي التحكم بارتافاتا وأعصابا قدر المكان ف مواجهة‬

‫‪ .‬هذه الصوات‪ ،‬الت كسرت كل القواعد الت كانت السيدة تاول تثبيتها‬

‫انتبه العيال إل خروج عوض ال من جوار السيدة‪ ،‬توقفوا عن لعبهم و زياطهم‪ ،‬راقبوه وهو‬

‫يعدل من وضع عمامته فوق رأسه‪ ،‬و يعيد لفها بإحكام شديد‪ ،‬مصه للسيجارة بقوة‪ ،‬ث رميها‬

‫ودهسها علي الرض بعنف‪ ،‬مشيته النفعلة‪ ،‬سحبه لمارته خلفه دون أن يعزف علي ربابته‪ ،‬وهذا‬

‫فتبعوه ـ لول مرة ـ صامتي‬ ‫‪ .‬ما أثار استغراب العيال‬

‫قالت‪ :‬يا عوض ال ‪ .‬ولا ل يأتا رد‪ ،‬وصوت لعب العيال قد اختفي‪ ،‬والصوات من حولا تراجعت‪،‬‬

‫‪ .‬انتبهت إل أنا تلس وحيدة ف شس الظهية‪ ،‬والعرق يكسو بدنا‪ ،‬فتبسمت وهي تقول‪ :‬ال ييبك‬

‫قامت واقفة وتركت حت خرجت من الباب‪ ،‬ل أثر لشىء‪ ،‬كل شيء صامت‪ ،‬ساكن‪ ،‬شكت با جري‪ ،‬لكن‬

‫نظرة من عينيها إل كوبي القهوة‪ ،‬جعلها تتيقن من مرور وقت طويل عليها وهي جالسة ف الشمس‬

‫دون أن تشعر بسخونتها الت تسها الن فوق وجهها ‪ ،‬قالت‪ :‬شس هذه اليام تلسع ‪ .‬ث نادت بعزم‬

‫‪ .‬صوتا علي عزيزة‬

‫وقفت لدقائق‪ ،‬دون أن يأتيها جواب‪ ،‬رأت الدخان يتصاعد فوق بيت عيد‪ ،‬قالت‪ :‬قدام الفرن‬

‫قاعدة‪ ،‬لكن الولد عيد‪ ،‬قلب يأكلن عليه‪ .‬رجعت عائدة إل البيت‪ ،‬كانت دواجنها هاجعة ف‬

‫‪.‬الظل‪ ،‬ترقد ف انتظارها‬

‫مقتطف من سية السيدة*‬

‫حي جاءت للدنيا كان قد سبقها ستة من الذكور‪ ،‬إخوتا الرجال‪ ،‬الذين سوف تتبي بي سواعدهم‬
‫وسطوتم‪ ،‬متاحة لا كل الفرص والتع والموح للعائلة الرومة من وجود إناث با‪ ،‬فبخلف الدة‬

‫والم ‪ ،‬ل يكن هناك إناث أخر ‪ ،‬الكل يلهو با ‪ ،‬يعتبها ‪ ،‬كما قال الب ذات مرة ‪ :‬تيمة الظ‬

‫‪.‬الت جاءت متأخرة‬

‫ف ذلك الوقت‪ ،‬كانت العائلة تعيش طورها الثالث‪ ،‬والذي سيشهد النيار العظيم والتامي‬

‫لعائلة عبد ال الرحال‪ ،‬الؤسس الول‪ ،‬الذي كان موسوسا‪ ،‬مضروبا بب البناء‪ ،‬استطاع أن يضع‬

‫خططا واضحة ومددة للصعود ف سلم التجارة والسلطة‪ ،‬فبدأ بعدد من التزاوجات الواسعة لناب‬

‫الرجال الذين يستطيع العتماد عليهم‪ ،‬و بناء هذا البيت‪ ،‬القلعة إن أردنا الدقة‪ ،‬ف نفس‬

‫‪ .‬الوقت تدعيم صلته بأرباب السلطة والسلطان‬

‫ف ذلك الوقت كانت تارة العبيد‪ ،‬رائجة‪ ،‬وتدر أرباحا طائلة‪ ،‬فاستطاع خلل أيامه الخية أن‬

‫يري ناح إمباطوريته وقوتا الت تتعاظم يوما بعد يوم‪ ،‬ومن الؤكد أنا تعرضت لعدد من‬

‫الضربات الؤلة‪ ،‬لكنه استطاع ف كل مرة أن يرد بعنف وحكمة‪ ،‬جعلته مرهوب الانب‪ ،‬لكن ظلت‬

‫الشكلة الساسية والت باتت تؤرقه كثيا‪ ،‬وكان يري أنا أحد العوامل الساسية الت ستعمل علي‬

‫‪ .‬تقويض إمباطوريته هو قلة الناث داخل عائلته‬

‫فبينما ل يول اهتمام يذكر لذلك ف زياته التعددة إل أنه بدأ يس بالطر حي رأي ذريته من‬

‫أولده ل تنجب إناثا ‪ ،‬فما يؤكد نظريته ويكملها لضمان الولء الكامل للعائلة‪ ،‬أي أن تكون‬

‫العائلة مغلقة علي ذاتا‪ ،‬تتزاوج من بناتا‪ ،‬ليس من إناث من خارج صلبه‪ ،‬لن ذلك ف ظنه‬

‫‪ .‬سيكون سببا لتدخل العائلت الخرى وتسربا إل عائلته والعمل علي هدمها من الداخل‬

‫ظلت مشكلة نقاء عائلته تؤرقه‪ ،‬ول يد لا حل‪ ،‬إل أن رحل ملفا وراءه مموعة من الذكور وكثي‬

‫‪ .‬من الوصايا الت ت التنكر لا وغدرها بعد زمن قليل‬

‫خلل العوام التالية لوفاته‪ ،‬بدأ تري تارة العبيد‪ ،‬وملحقة التجار‪ ،‬وإغلق النقط والزرائب‬

‫ومركز تميع العبيد‪ ،‬كل هذا أدى بالتحول الثاني داخل عائلة الرحال حيث ت التحول إل تارة‬

‫البوب والبهارات واللود والمال‪ ،‬والقادمة أيضا عب نفس الطريق‪ ،‬من السودان‪ ،‬عب درب‬

‫العقدة ث إل بيت الرحال‪ ،‬قلعة الرحال‪ ،‬لكن قبل ذلك علينا أن‬ ‫الربعي‪ ،‬إل مسالك الصحراء‬

‫نوضح أن نصف العائلة كان قد ت تشريده وتشتيته ف البلد‪ ،‬فالبعض بقي ف السودان‪ ،‬فرارا من‬

‫‪ .‬مطاردات الكومة والبعض الخر هاجر إل الشمال‪ ،‬وف الالي انقطعت بعد فتة أواصر التصال‬

‫جاء الطور الثالث‪ ،‬والنقطاع التام لذه التجارة‪ ،‬عندما أعلن الهدي عن ثورته‪ ،‬وقيام دولة‬

‫الدراويش‪ ،‬وأعلنت الروب بي البلدين‪ ،‬وقطعت الطرق‪ ،‬ونبت القوافل‪ ،‬لصال الدراويش مرة‪،‬‬

‫‪.‬ولصال جيش كتشنر الذاهب إل السودان كي يعيده إل سيطرة التاجي‪ :‬البيطاني والصري‬

‫إذن ولدت فاطمة الثانية ف ظل تتع العائلة بسمعتها فقط‪ ،‬بأنا واحدة من أكب‬

‫العائلت‪ ،‬وإن كان الطور الثاني والثالث ل تتواجد فيه الناث بالصورة الرضية‪ ،‬ما جعل أحد‬

‫أجدادها يعلق ساخرا‪ ،‬بأن العائلة كلها‪ :‬لقيطة‪ .‬فكل واحد من أبنائها ينتمي إل أم متلفة‪،‬‬

‫ما ساعد علي ازدياد معدل التفرق والتشرد خلل هذين الطورين‪ ،‬لذا عندما جاءت فاطمة إل‬

‫الدنيا‪ ،‬ل يكن موجود من العائلة التامية الساء بالقرية سوى‪ :‬أبوها وعمها الذي جرته‬
‫‪.‬إحدى الناث إل خارج حظية النزل الذي بناه الد الول‬

‫كانت العائلة تعيش علي مدها القدي ‪ ،‬وترص علي إبرازه ‪ ،‬وتارس ف نفس الوقت تارة مدودة‪،‬‬

‫تؤمن لا قدرا من الكرامة وسط العائلت التنافسة‪ ،‬ولا كانت اليل هي إحدى وسائل النافسة‪،‬‬

‫ومعقود بنواصيها الي‪ ،‬كان من الطبيعي أن تتلك العائلة عددا منها‪ ،‬تري با ف السباقات‬

‫مثل‪ :‬عاشوراء‪ ،‬والعيدين‪ ،‬والنصف من شعبان‪ ،‬والسابع والعشرين من‬ ‫الت تقام ف الواسم‬

‫‪ .‬رجب‪ ،‬والولد النبوي‬

‫كانت أسهم العائلة تتعرض للصعود والبوط مع فوز وخسارة خيلها أثناء هذه النافسات‪ ،‬لذا‬

‫حرصت العائلة علي أن يتفوق أبناؤها ف ركوب اليل‪ ،‬ولا رأت فاطمة الثانية اليل ف بيتها‪،‬‬

‫رغبت ف ركوبا والري با‪ ،‬وبإيعاز من فاطمة الول‪ ،‬جدتا‪ ،‬بدأ إخوتا الرجال‪ ،‬ف تعليمها‬

‫كيفية ركوب الهرة‪ ،‬ظنا منهم‪ ،‬إن هي إل واحدة من رغائب آخر العنقود‪ ،‬النثى الوحيدة‪،‬‬

‫‪.‬داخل حقل الذكور الذي يعج بم‬

‫بعد زمن قليل‪ ،‬أصبحت فاطمة الثانية‪ ،‬فارسة ‪ ،‬تستطيع كسب أي سباق تدخله‪ ،‬بدأت أول مع‬

‫إخوتا الرجال‪ ،‬الذين كانوا يسمحون لا ف سياق التدريب بأن تتقدم عليهم‪ ،‬حت يشتد عودها‬

‫‪ .‬وتكتسب فرحة الفوز والنصر الت تدفعها للجادة ف كل مرة‬

‫كانت فاطمة الول ـ جدتا ـ هي من اختارت لا الهرة الت تركبها‪ ،‬ول يركبها أحد غيها‪ ،‬ف‬

‫‪ .‬نفس الوقت كانت تتقدم ف سن الصبا‪ ،‬لتصبح مهرة‪ ،‬تركب مهرة‬

‫ف الوقت الذي كان اللعب والرح هو ما يرها ناحية السباق‪ ،‬كان لدي إخوتا الرجال‪ ،‬هدف آخر‬

‫لدفعها إل حلبة السباق‪ ،‬فمن وجهة نظرهم ـ الذكورية ـ إذا كان بعض العار يلحق بالعائلة‪،‬‬

‫أي عائلة‪ ،‬عند خسارة خيلها ف السباق‪ ،‬فما بالك لو كان الفارس امرأة‪ ،‬أنثي‪ ،‬يكون العار‬

‫ّلة برأيهم‬
‫‪.‬أشد و أفظع‪ ،‬ف ذات الوقت ينون أكاليل الغار‪ ،‬نتيجة لفوز أختهم الصغية‪ ،‬العي‬

‫بسهم الدقيق‪ ،‬كانوا قد التقطوا منذ بداية تدريبها قدرتا علي التحكم بالهرة تتها‪ ،‬تعرف‬

‫تاما مت ترخي اللجام‪ ،‬ومت تذبه‪ ،‬ومت تدك الركاب‪ ،‬أو حت المس ف أذن الهرة‪ ،‬كي تقطع ساحة‬

‫‪ .‬السباق تت صيحات العجاب والتهليل‬

‫توجب علي العائلت ـ الذكورية الخرى ـ أن تد حل للهزائم الت تلحقها علي يدي ذات الفرج‪،‬‬

‫علي حد تعبيهم‪ ،‬كانت الناقشات تدور هامسة‪ ،‬وسرا ول يكن التصريح با‪ ،‬كلها انتهت تقريبا‬

‫إل نفس الطريق ‪ ،‬إسكات هذا الفرج التوثب فوق السرج‪ ،‬كان التهديد أحد الوسائل‪ ،‬لكنه‬

‫‪.‬ينسحب ويتاجع حي يواجه بقوة الرجال الستة إخوتا‬

‫ف واحدة من خطب المعة‪ ،‬لح الشيخ إل اقتاب يوم القيامة‪ ،‬فواحدة من علماتا قد ظهرت‪،‬‬

‫وباتت واضحة يراها كل ذي عيني‪ ،‬ويعيها كل لبيب‪ ،‬هكذا قال‪ ،‬فذوات الفروج قد اعتلي‬

‫السروج‪ ،‬خلل جلساته التالية‪ ،‬ناقشه البعض‪ ،‬وحاول رد ادعاءاته ‪ ،‬لكنه‪ ،‬أي المام‪ ،‬كان قد‬

‫قرر الهاد ف هذا الوضوع‪ ،‬ولن يتكه‪ ،‬و حي لح له البعض بالثأر بينه وبي فاطمة الثانية‪،‬‬

‫حيث أنا قد دمرت ابن أخيه الراكب للمهر الذي يتلكه المام‪ ،‬غضب واستشاط‪ ،‬وأزبد وأرعد‪،‬‬

‫هكذا قالوا‪ ،‬أنه لن يتك المر أو يهلك دونه‪ ،‬غي أن زيارة ليلية من الرجال‪ ،‬إخوة فاطمة‪،‬‬
‫جعلته يلم نفسه وكلمه‪ ،‬ويول خطبة المعة التالية إل مديح ف النساء اللواتي لديهن القدرة‬

‫علي ركوب اليول‪ ،‬ذاكرا أمثلة عديدة للصحابيات الليلت اللواتي شاركن الرسول (ص) ف‬

‫‪ .‬غزواته من فوق صهوات الياد‬

‫الطريق الخي والذي بقي أمام العائلت‪ ،‬هو ما أوصي به الكماء والعجائز منذ بداية الزمة‪:‬‬

‫سد الفرج‪ .‬هكذا أشاروا‪ ،‬فعندما تكون ف عصمة واحد من الرجال‪ ،‬خي وأهون من أن تبقي ف‬

‫‪.‬حاية إخوتا‬

‫بدأت عروض الزواج تنهال‪ ،‬وف كل مرة كان الرد‪ ،‬لطيفا‪ ،‬ذكيا‪ ،‬ياول تلشي العداوة قدر‬

‫المكان‪ ،‬إل أن ضاق الخوة‪ ،‬كل يوم خاطب وراغب بالزواج‪ ،‬وهم يرفضون‪ ،‬يعرفون اليلة البيثة‬

‫‪ .‬الت ينطوي عليها طلب الزواج‪ ،‬وهم يريدون مد انتصاراتم‪ ،‬عب أختهم‪ ،‬إل أطول زمن مكن‬

‫ف واحدة من نوبات الغضب‪ ،‬أطلق أحد الخوة قسما‪ ،‬كان يراه كفيل بردع كل الراغبي ف الزواج‬

‫‪ .‬من أخته‪ :‬أن أخته لن تتزوج إل من يفوز عليها ف السباق‬

‫ّظ حواسها‪ ،‬فتحت عينيها‪ ،‬علي‬


‫أذان الظهر النبعث من الراديو الوضوع بوارها فوق السرير‪ ،‬يق‬

‫الصوت الضارع البتهل‪ ،‬النطلق ف رحاب الرم الشريف‪ ،‬كأنا الصوت يأخذ أشواق مليي الجيج‬

‫ويصعد با معراجا مباركا‪ ،‬تمله حائم الما‪ ،‬تدور به‪ ،‬تطوف ترجعه نغما ساويا عذبا‪ ،‬يعل‬

‫الروح ترفرف تواقة للهيام ف اللكوت الفتوح علي الفق الواسع حولا‪ ،‬كانت السيدة تس‬

‫بنفسها خفيفة علي وشك أن ترتفع ف الفضاء‪ ،‬غمرها هذا الحساس‪ ،‬فمدت يدها تلقائيا وقبضت‬

‫علي حافة السرير‪ ،‬تبسمت لوفها الغريزي‪ ،‬قالت‪ :‬ما الذي أخشاه بعد هذا العمر؟ رويدا‬

‫‪ .‬تتابع ههمة الواقفي فوق عرفات‪ ،‬تردد خلف الصوت الداعي إل الصلة‬

‫نبة الشوع التصاعدة جعلت الدموع تطفر من عينيها الغمضتي وراحت تردد بمس خفيف وراء‬

‫الصوات وهي تستشعر حالة من الصفاء‪ ،‬والنقاء‪ ،‬تغمرها‪ ،‬لتى نفسها هناك‪ ،‬وسط الليي‪،‬‬

‫بلباسها البيض‪ ،‬الذي يشبه الليب‪ ،‬تقف فوق عرفات‪ ،‬ترفع يدها مبتهلة وسط السكينة الت‬

‫تغشاها‪ ،‬تتفرس وجوه الواقفي حولا‪ ،‬كانوا‪ :‬جدتا فاطمة الول‪ ،‬والدها‪ ،‬والدتا‪ ،‬مصطفي‪ ،‬وجه‬

‫ابنها البكري سعيد كان وجهه حزينا‪ ،‬مكدرا‪ ،‬تقدمت نوه‪ ،‬غي أن يدا تقبض علي كتفها‪ ،‬وتزها‬

‫‪ .‬برفق‪ ،‬وصوت يقول‪ :‬يا عمة‬

‫فصل ف ذكر الراديو*‬

‫ل يكن يؤنسها خلل سنواتا العديدة الخية غي الصوت النبعث من الراديو‪ ،‬ل تكن تغلقه أبدا‪،‬‬
‫‪ .‬اللهم إل إذا ذهبت خارج البيت‪ ،‬وهذا نادرا ما يدث‬

‫جاء الراديو إل البيت ف أوائل الربعينات قبل أن يضرب القدر ضربته داخل العائلة ويعمل‬

‫علي تفريقها‪ ،‬ف ذلك الوقت كان الراديو يعد كأعجوبة من أعاجيب الدهر‪ ،‬خاصة بعد ترك‬

‫الديد‪ :‬القطار‪ ،‬وسباحته‪ :‬السفن‪ ،‬وطيانه‪ :‬الطائرات‪ .‬فليس من الستبعد بنطقه‪ ،‬وجعله قادرا‬

‫‪ .‬علي التحدث بكل لسان‬

‫أتي بالراديو والدها‪ ،‬والذي أظهر ف أواخر أيامه حسا عاليا بالتصوف‪ ،‬جعله يرص علي حضور‬

‫الوالد الت تقام للقطاب والئمة أينما كانت‪ ،‬كان يتتبعها‪ ،‬ف واحدة من الرات وهو عائد من‬

‫‪ .‬مولد سيدنا السي‪ ،‬جاء بالصندوق العجيب معه‬

‫كان الراديو كبي الجم‪ ،‬أبيض بفاتيح عاجية كثية وأسلك ترج من أحشائه تتصل ببطارية‪ ،‬كانت‬

‫مهمةالعمةـ وقتهاـ تغيي ماء البطارية يوميا‪ ،‬حي انطلق الصوت منه لول مرة‪ ،‬فزعت جدتا‬

‫وأمها‪ ،‬وحرصتا علي عدم القتاب من صندوق الن كما أعلنت الدة‪ ،‬وإن كان إخوتا الرجال‬

‫‪ .‬تعاملوا معه كشيء طبيعي داخل البيت‪ ،‬وقصوا حكاياتم عن رؤيتهم للراديو لول مرة‬

‫حي علمت القرية بوضوع الراديو‪ ،‬جاءت أول علي استحياء لستطلع المر‪ ،‬ث توافدت أما‪ :‬رجال‬

‫‪ .‬ونساء‪ ،‬ليجلسوا للستماع إليه‬

‫الرجال كانوا يأتون ف الساء‪ ،‬عقب صلة العشاء يسهرون‪ ،‬يستمعون للقرآن الكري والغاني‬

‫والتمثيليات والتعليق عليها‪ ،‬أما النساء فكن يأتي مع الضحى‪ ،‬بعد أن يفرغن من أعمال‬

‫النزل الصباحية‪ ،‬كان ما يشدهن‪ :‬ربات البيوت والغاني والتمثيليات‪ ،‬خاصة مسلسل الساعة‬

‫‪ .‬الامسة والربع عصرا والت تعاد إذاعتها ف اليوم التال قبل الظهر‬

‫حي جاء عوض ال اللب وكان شابا ف ذلك الوقت إل القرية‪ ،‬كما اعتاد‪ ،‬ودار دورته خلل‬

‫النهار‪ ،‬فلما جن عليه الليل ذهب إل دار الرحال‪ ،‬وتعشي مع الرجال وبعد العشاء بدأ توافد‬

‫رجال وشباب القرية الذين رحبوا به بفتور واضح‪ ،‬ولداثة سنه ل يد تفسيا لذا الفتور‪ ،‬فحرص‬

‫علي أن يبدأ مبكرا‪ ،‬غي أن اللسن أوقفت نغماته الت كان يهد با لدخوله ف جو السلطنة‬

‫ليعيدهم إل حظيته‪ ،‬فقد هداه تفكيه إل أن مغن آخر ربا يكون قد جاء إل القرية ف هذه‬

‫اليام السابقة‪ ،‬وأظهر من الباعة الت تستوجب منه ـ الن ـ أن يبذل كل ما ف وسعه للتغلب‬

‫‪ .‬علي هذا الغري الذي ل يعرفه‬

‫ف لظات كان غريه أمامه‪ ،‬الراديو‪ ،‬ظل الناس وعوض ال صامتي إل أن انتهي بث الذاعة‪ ،‬بعدها‬

‫‪ .‬طلب الناس من عوض ال أن يبدأ‬

‫كان إحساسه بالهانة كبيا‪ ،‬فسلطانه ولقمة عيشه مهددة بالزوال بسبب هذا الصندوق‪ ،‬لكنه‬

‫بدأ علي أية حال‪ ،‬بعد أن استعلم عن هذا الشيء‪ ،‬وكم فرد يتلكه داخل القرية والقرى‬

‫الاورة‪ ،‬من لظتها وزيارات عوض ال اللب الليلية بدأت ف التباعد‪ ،‬فحرصا منه علي لقمة‬

‫عيشه وكسب رزقه‪ ،‬كان عليه أن يد أماكن أخري ـ داخل القرية ـ يارس فيها غناءه‪ ،‬بعيدا عن‬

‫‪ .‬الراديو‬

‫كان تباعد الزيارات لعوض ال أحد السباب الت دفعت السيدة نو الراديو وارتباطها به‪ ،‬ل‬
‫تكن تنظر له كبديل لغناء وحكايات عوض ال الت يؤديها‪ ،‬لكن كمعي لا ف إبعاده عن البيت‪،‬‬

‫وهو ما كانت ترغب فيه لكن ل يكن التصريح به لحد‪ ،‬ل لخوتا الرجال‪ ،‬ول لزوجها مصطفي‪ ،‬فهي‬

‫‪ .‬تعرف تاما القواعد الت تتم عليها استقباله داخل البيت ف الوقت الذي يظهر فيه‬

‫ل تظهر رغبتها بإبعاد عوض ال عن البيت إل حي أدركت تعلق طفلها البكري " سعيد " به‪،‬‬

‫وحرصه علي السهر بواره طوال الليل مهما حاولت أن ترغبه ف النوم‪ ،‬وهو الطفل كان سريع‬

‫الفظ للشعار والكايات الت يقصها الشاعر‪ ،‬أيضا إجهاضها ف وقت مبكر ـ بعيدا عن أعي‬

‫الرجال ـ حصول سعيد علي ربابة صغية‪ ،‬خشيتها من أن يصي شاعرا جوال‪ ،‬جالبا لهل البيت‪،‬‬

‫‪ .‬إخوتا الرجال وزوجها الفضيحة و الرسة الت ل يكن ردها ول تكذيبها‬

‫كانت قد لحظت اتفاقا شبه سري بي " سعيد " وعوض ال حي قام الول بسرقة بعضا من الغلة‬

‫والبلح والبيض من داخل البيت وأعطاها للثاني الذي عليه أن يضر له ف الرة القبلة‬

‫الربابة الصغية‪ ،‬ظل القلق يفتسها بعد أن عرفت بالشياء الت اختفت من كرار البيت‪،‬‬

‫واستطاعت أن تغطيها حت ل تشعر جدتا وأمها بأن يدا امتدت واختلستها‪ ،‬فهي تعتب ما حدث‬

‫داخليا يصها هي‪ ،‬أول مواجهة حقيقية من الياة الت بدأت تلعبها‪ ،‬وأيضا لكون سعيد‬ ‫أمرا‬

‫طفلها الول والوحيد حت هذا الوقت‪ ،‬أوائل الربعينات ‪ ،‬كانت قد أنبت طفل آخر‪ ،‬لكن اللريا‬

‫الت هاجت قري النوب كلها استطاعت أن تضيفه إل حساب الوتى‪ ،‬إذن بقي سعيد‪ ،‬ابن الرابعة‬

‫وقتها‪ ،‬وبقيت هي بواجسها ومراقبتها الدائمة له طوال السبوع الذي غابه عوض ال اللب‬

‫‪ .‬ليعود ومعه الربابة الصغية‬

‫رأت سعيد وعيد يتسحبان نو الزرائب اللفية ويد سعيد تقبض علي شيء ـ الربابة ـ داخل‬

‫ملبسه‪ ،‬انتظرت حت دخل واطمأنا وأخرجا الربابة وجرا القوس‪ ،‬فصدرت النغام‪ ،‬الصوت‪ ،‬العلمة‬

‫الت كانت تنتظرها لتدخل خلفهما‪ ،‬انتفضا واقفي حي فتحت الباب‪ ،‬تقدمت نوها‪ ،‬دون كلمة مد‬

‫سعيد يده بالربابة نوها‪ ،‬فأخذتا وخرجت‪ ،‬وذهبت إل نار الفرن الت كانت قد أعدتا مسبقا‬

‫‪ .‬وألقت بالربابة فيها‬

‫ظل الراديو العتيق كبي الجم‪ ،‬قائما‪ ،‬يؤدي عمله إل أن أدركته الشيخوخة مع ظهور‬

‫البطاريات الافة‪ ،‬والت عملت ف نفس الوقت علي انتشار الراديو داخل البيوت‪ ،‬حيث الجم قد‬

‫صغر ورخص السعر‪ ،‬جاء بالراديو الديد مصطفي زوجها‪ ،‬ف هذا الوقت كان والدها وجدتا وأمها‬

‫‪ .‬قد غادروا الدنيا‪ ،‬وإخوتا الرجال أخذتم الدنيا ف دروبا الواسعة بعيدا عن البيت‬

‫كان يرح ف خلء البيت الواسع أطفالا الربعة والبنتي الذين أنبتهم طوال مدة الراديو‬

‫العتيق‪ ،‬كان زوجها مصطفي هو الذي بدأ إدارة مؤشر الراديو إل مطة القرآن الكري عقب‬

‫عودته من صلة العشاء وتدده فوق سريره لينام جاعل الراديو أسفل السرير‪ ،‬يظل الراديو‬

‫دائرا طوال الليل‪ ،‬ف هذا الوقت كان ل يكنها تويل الؤشر‪ ،‬وخاصة بعد انتهاء البث عند‬

‫منتصف الليل‪ ،‬فما أن تتد يدها إل الراديو‪ ،‬حت يستيقظ مصطفي ويقول‪ :‬دعيه كي يوقظن عند‬

‫‪ .‬الفجر ‪ .‬حيث يعود البث لذاعة صلة الفجر من السجد السين‬

‫لا رحل مصطفي‪ ،‬وكانت قد غيت أنواعا كثية من الراديوهات‪ ،‬من متلف الاركات والحجام‪،‬‬
‫واعتادت علي أن تنام علي صوت القرآن الكري‪ ،‬والبيت صار شبه خال إل منها‪ ،‬ما إن ينتهي‬

‫البث حت تصحو وتدير الؤشر بي الطات العديدة إل أن تقبض علي حلقة درامية هنا‪ ،‬أو أغنية‬

‫‪ .‬تب ساعها فتفع يدها عن مؤشر الراديو الذي صار ياورها فوق السرير‬

‫كان لكتشاف البطاريات الافة وانتشار الراديو سببا أكب ف قلة تواجد عوض ال‪ ،‬ليس ف بيت‬

‫العمة فقط‪ ،‬ولكن داخل القرية كلها‪ ،‬كان الزمن يتقدم‪ ،‬والضغائن يتم التعايش معها دون‬

‫تقليب ومراجعة‪ ،‬فالزمن الذي ياول فرض سطوته و إملء شروطه ل يكن يسمح بثل هذه الراجعات‪،‬‬

‫‪ .‬بل كان يدفع كل ذات إل التقوقع داخل نفسها‪ ،‬مستغل الوف الذي يراكمه داخل النفوس‬

‫ٍ‬ ‫الراديو الخي الذي معها الن‪ ،‬جاء من الراضي الجازية‪ ،‬كان قد أتي به أخوها عثمان‪،‬‬

‫‪ .‬لا ذهب لداء الفريضة‪،‬العمة هي الت كانت أوصته بذلك‪ ،‬قالت له‪ :‬متعدد الوجات أريده‬

‫ل يكن ف ذلك الوقت قد بقي معها أحد داخل البيت الكبي‪ ،‬سعيد قد رحل ‪ .‬وباقي أولدها قد‬

‫ذهبوا ف دروب حياتم‪ ،‬وكانت الكهرباء قد دخلت إل القرية‪ ،‬وتسارعت الشياء‪ ،‬ظهور‬

‫التلفزيون‪ ،‬والذي ذهبت لشاهدته عند الولد عيد لا أتي به‪ ،‬مرة واحدة‪ ،‬ل تكررها‪ ،‬ولا كان‬

‫‪ .‬عيد يلح عليها ‪ ،‬كانت تشي إل الراديو‪ :‬يكفين ابن زمن هذا‬

‫كانت قد لظت مع ظهور التلفزيون‪ ،‬بدء تناقص النساء اللواتي كن يضرن إليها للثرثرة‪ ،‬بعد‬

‫العشاء‪ ،‬هن وأطفالن الذين يلعبون بالساحة أمام بيتها أو يلتفون حولا للستماع للحكايات‬

‫الت تقصها‪ ،‬هذا التناقص التسارع أدي ف اليام القبلة ـمع ظهور الطباق اللقطةـ إل‬

‫‪ .‬الختفاء التام‬

‫كانت ف تلك الونة الخية قد أظهرت تعاطفا جديدا تاه عوض ال اللب الذي باتت زياراته‬

‫للقرية مقتصرة علي أيام العياد والواسم فقط وخلل النهار‪ ،‬كان يأتي إليها ليشرب معها‬

‫‪ .‬القهوة ف هدوء قلما كان ينعم به ف أوقات سابقة‬

‫كانت قد ثبتت مؤشر الراديو علي مطة القرآن والت أصبحت تبث طوال اليوم ‪ ،‬ل تكن تدير‬

‫الؤشر إل ف أوقات مددة نو مطات بعينها‪ ،‬لكن ف مثل هذا اليوم‪ ،‬وقفة عرفات‪ ،‬ل يكنها أن‬

‫‪ .‬تدير الؤشر ولو للحظة واحدة‬

‫قالت بغضب‪ :‬أين كنت ؟‬

‫قال وهو يلس بوارها علي حافة السرير‪ :‬كانت ف يدي شغلنة من المس‪ ،‬قررت النتهاء منها بعد‬

‫‪ .‬الفجر‬

‫تنبهت إل رائحة الي والطلء الت تفوح من ملبسه‪ ،‬لكنها أصرت‪ :‬كان يكنك السؤال ؟‬

‫بات واضحا العداء الذي يبطنه العتاب ف نبة صوتا‪ ،‬فأراد أن يبعدها عن الضغينة‪ ،‬متنبها ف‬

‫ذات الوقت لنفسها الضيقة وروحها العذبة‪ ،‬قال‪ :‬صلة الظهر والعصر‪ .‬وأشار إل الراديو‪ ،‬ث‬

‫‪ .‬أكمل حي وجدها تزفر بقوة‪ :‬ف العام القادم أن شاء ال نكون هناك‬
‫‪ .‬أجابت‪ ،‬وقد لنت نفسها قليل‪ :‬من يدري‬

‫قال بتبسط‪ :‬كل سنة وأنت طيبة‪ .‬وقبل أن يكمل‪ ،‬قاطعته ناهضة من مكانا‪ ،‬تناولت عكازها‪،‬‬

‫‪ .‬وخطت نو الكنيف‬

‫‪ .‬يعرف غضبها‪ ،‬وقسوتا علي نفسها قبل أن تقسو علي غيها‪ ،‬قال‪ :‬سنرش الواجهة بالي‬

‫‪ .‬توقفت‪ ،‬لكنها ل تعلق‪ ،‬ث أكملت خطوها‬

‫‪ .‬قام عيد وسار خارجا من باب البيت‬

‫ملت إناء وضوئها وراحت إل النخلة‪ ،‬حيث اعتادت أن تتوضأ تت النخلة ثلث مرات ف اليوم‪:‬‬

‫عند صلة الظهر‪ ،‬وعند صلة العصر‪ ،‬وعند صلة الغرب‪ ،‬تلس ف ظل النخلة‪ ،‬كما اعتادت عائلتها‬

‫‪ .‬من قبلها أن تفعل‪ ،‬بعد أن ترج من الكنيف‪ ،‬تمل الاء وتشرع ف الوضوء‬

‫بعينيها الكليلتي بالكاد ترى عب الباب‪ ،‬عيد وصبيانه وهم يقومون برش واجهة البيت بالي‪،‬‬

‫‪ .‬قالت‪ :‬سأذهب لغلق الباب‬

‫كان البيت قد أعيد طلؤه بالي وتزيينه بالرسوم عدة مرات‪ ،‬الرة الخية‪ ،‬كانت حي وافق‬

‫ابنها البكري سعيد علي الزواج ‪ ،‬وبدأ العداد له‪ ،‬ولكن قبل أن يبدأ عيد بالرسم‪ ،‬كان‬

‫سعيد قد رحل‪ ،‬ملفا حسرة ما تزال تعيشها السيدة حت الن‪ ،‬وطلء تقشر بفعل الزمن والشمس‬

‫‪ .‬والرياح وأيدي العيال الذين يأتون للعب ف الساحة أمام البيت‬

‫فرغت من وضوئها‪ ،‬تساندت علي عكازها والنخلة حت استوت واقفة‪ ،‬جالت بعينيها‪ ،‬و استدارت‬

‫‪ .‬نو خلفية البيت‪ ،‬ومن هناك جاءتا هذه الرة الصوات‬

‫الني متلط بصوت السلسل‪ ،‬برائحة الدم والعرق البشري‪ ،‬كانت الصوات تلتف حولا كدوامة ريح‬

‫هائلة؛ أقسى ما يتعبها ويرض روحها‪ ،‬الل‪ ،‬وصوته‪ ،‬صوت الل الذي ينبعث الن من الزرائب‪،‬‬

‫جعلها تتهاوى‪ ،‬وبالكاد تستند علي جذع النخلة قبل أن تسقط‪ ،‬حاولت بيديها سد أذنيها‪ ،‬غي‬

‫‪ .‬أن الصوت كان ينفذ إليها من مسام جلدها‪ ،‬ويبدو كأنه ينبعث من داخلها‪ ،‬هتفت‪ :‬يا رب‬

‫الني يتحول إل وحش‪ ،‬يصرخ مطالبا برحته‪ ،‬بريته‪ ،‬ف إبعاد القيود عن لمه‪ ،‬القيود الت تفجر‬

‫الدم من العاصم والقدام والصدور والرقبة‪ ،‬العرق الذي يعبق الو برائحة الكراهية‬

‫‪ .‬والقسوة‪ ،‬مطالبا بانتقام عادل‬

‫تتذكر الن ابنها سعيد حي حل معول وجري به وهو يهذي بكلم غي متابط إل الزرائب‪ ،‬ياول‬

‫هدمها‪ ،‬سدد أول ضربة والثانية‪ ،‬ف الثالثة تاوى وهو يبكي‪ ،‬كانت قد جاءت وضمته إل صدرها‪،‬‬

‫تاول أن تأخذه بعيدا‪ ،‬رفض‪ ،‬وأزاحها‪ ،‬ودفع باب الزريبة ودخل‪ ،‬الن تعرف‪ ،‬أن الني كان‬
‫‪ .‬يهاجه‪ ،‬يضربه ف صميم مشاعره‪ ،‬حي دخلت وراءه‪ ،‬قال‪ :‬هذا إرثنا يا أمي‪ ،‬هنا يكمن إرثنا‬

‫كانت قوية بشكل جعلها تتمالك نفسها وتقول‪ :‬لكننا ل نفعل شيئا ؟‬

‫‪ .‬هو إرثنا علي كل حال يا أمي‪ ،‬العبيد‪-‬‬

‫كان يهذي‪ ،‬وكانت أول مرة تدخل إل واحدة من الزرائب اللفية‪ ،‬قال‪ :‬لن أقدر علي هدمها‪،‬‬

‫‪ .‬ستبقي شاهدة علينا‬

‫مدت يدها تاول إخراجه من الزريبة‪ ،‬لكنه مال نو الرض والتقط شيئا ل تره قبل‪ ،‬حي تبينته‪،‬‬

‫اكتشفت أنا سلسل حديدية غليظة قد ضربا الصدأ‪ ،‬قال لا‪ :‬أخرجي يا أمي‪ ،‬وأغلقي الباب من‬

‫‪.‬الارج‬

‫نظرت إليه مبهوتة‪ ،‬حاولت القتاب منه‪ ،‬لكنه أخذها من يدها وأخرجها خارج الزريبة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪ .‬أغلقي الباب‪ ،‬وعودي غدا ف مثل هذه الساعة‬

‫كانت من القوة بيث أغلقت الباب بالرتاج الثقيل‪ ،‬كان الوقف اختبارا حقيقيا وجادا‬

‫‪ .‬لقولتها بأن لكل ابن آدم دفة ف رأسه تكم أفعاله‬

‫حي عادت ف اليوم التال‪ ،‬ف وقت الظهية ـ كما الن ـ وفتحت الباب رأت ما أذهلها وأوشك أن‬

‫يسقطها مغشيا عليها لول تاسكها ف اللحظة الخية‪ ،‬كان ابنها عاريا إل من سروال يجب‬

‫عورته‪ ،‬تكبل السلسل والقيود رجليه ويديه ورأسه وصدره والدم متخثر ف أكثر من موضع منه‪،‬‬

‫‪ .‬والزريبة تفوح برائحة عفن ل تدرك كنهها حت الن‬

‫أسندت ظهرها علي جذع النخلة وأنفاسها متسارعة‪ ،‬تاول أن تل صدرها بالواء الذي تس بقوة‬

‫‪ .‬تذبه بعيدا عنها‪ ،‬كان واضحا أنا علي وشك الدخول ف غيبوبة‬

‫نظرت نو الباب‪ ،‬هل كان شيء يتحرك جاريا نوها ؟‬

‫‪ .‬كان عيد الذي نقل له أحد صبيانه أنه رأى السيدة تسقط بوار النخلة‬

‫ماذا كنت أقول لا ؟‪-‬‬

‫تسأل عيد وهو خارج من عند السيدة‪ ،‬يعرف روحها الساسة ونفسها الت أصبحت ضيقة‪ ،‬ل تكاد‬

‫‪.‬تتحمل أي معارضة‪ ،‬وهي لو علمت با قمت به منذ الصباح‪ ،‬ربا لقاطعتن‪ ،‬أو لراحت فيها‬

‫‪ .‬خرج من الباب‪ ،‬وأمر صبيانه بالبدء ف طلء الواجهة‪ ،‬قال‪ :‬أريد النتهاء سريعا‬

‫"عزيزة " زوجته ‪ ،‬نادى‬ ‫تركهم وذهب إل بيته‪ ،‬وعاد بعد لظة‪ ،‬يمل أكواب الشاي الت أعدتا‬

‫علي واحد من العمال‪ ،‬وأمره بتوزيع الشاي علي باقي العمال‪ ،‬وجلس مواجها للحائط‪ ،‬يرتشف‬

‫الشاي بقلق وتوتر ظاهرين‪ ،‬كان الطلء القدي قد تقشر ف أكثر من موضع بالائط‪ ،‬وغطاه‬

‫‪ .‬الغبار‪ ،‬بالكاد تلمح الرسوم والطوط القدية‬

‫تذكر أخر مرة طليت فيها الدران‪ ،‬كانت قبل أسبوع من زفاف سعيد من ابنة خاله الذي ل يتم‪،‬‬

‫تنهد وهو يأخذ نفسا عميقا من السيجارة الت أشعلها‪ ،‬فتساءل‪ :‬كم سنة مرت ؟‬
‫كان واحد من العمال يكنس الغبار من الائط‪ ،‬فبدأت بعض الكلمات والرسوم ف الظهور الواضح‪،‬‬

‫تبسم عيد‪ ،‬وقال‪ :‬يا صاحب كأنه بالمس‪ ،‬ث خفض عينيه إل الرض قبل أن يلحقها الغبار‬

‫التطاير‪ ،‬وهتف بصوت ل يريد لحد أن يسمعه ول حت نفسه‪ :‬هل للزمن قيمة ؟‬

‫يعرف أنما‪ ،‬سعيد وهو‪ ،‬ولدا بنفس الليلة‪ ،‬ل تؤكد واحدة من المي‪ ،‬أمه والعمة‪ ،‬أي منهما‬

‫ولدت قبل الخرى‪ ،‬وكما كان مقررا سابقا ف تاريخ عائلته‪ ،‬كان البن الول‪ ،‬الذكر‪ ،‬فلذا صار‬

‫عيد مباشرة‪ ،‬مثله ف هذا مثل أبيه‪ ،‬وجده‪ ،‬وجد جده …… إل أن يصل إل عيد الكبي الذي لقيه‬

‫‪ .‬سيدنا الضر ‪ .‬تربيا سويا‪ ،‬لكن أيام الصبا ولت‪ ،‬وبدأت الدروب تتقاطع‬

‫تنبه إل الرسم القدي الذي ظهر علي الائط‪ ،‬كانت امرأة تلس فوق مصلة‪ ،‬مزخرفة اللوان‪ ،‬وإن‬

‫كانت باهتة الن‪ ،‬تلف طرحة خضراء تلم وجهها ورأسها‪ ،‬و تتدل مسدلة فوق جسدها التبع فوق‬

‫كأنا تتطلع إل‬ ‫الصلية‪ ،‬بسمة هادئة مطمئنة تشع من ملمها الراضية‪ ،‬وعينها تنظر بعيدا‬

‫شيء غامض‪ ،‬لكن روحها تبدو عارفة به‪ ،‬ما يعلها راضية بذا القدر‪ ،‬الن يدرك عيد أن هذه‬

‫الرسة‪ ،‬ل تكن من خياله‪ ،‬لكنه شاهد هذه النظرة الطافحة بالبشر والرضي فوق وجه العمة‬

‫حينما عادوا من منزل عثمان أخيها‪ ،‬بعد أن خطبت ابنته زينب لبنها سعيد‪ ،‬حي رجع ثلثتهم‬

‫إل النزل‪ ،‬خلعت السيدة ثوبا السود القطيفة‪ ،‬وأخذت الاء وشرعت ف الوضوء‪ ،‬سعيد الذي كان‬

‫‪ .‬واجا وقتها علق قائل‪ :‬ستصلي صلة الشكر‬

‫تبسما معا وجلسا علي السرير الوضوع بوش البيت‪ ،‬راحا يثرثران بذكرياتما القدية‪ ،‬بصوت‬

‫تضربه الرارة ويتخلله الصمت والتنهد‪ ،‬قال سعيد‪ :‬سأشرب شايا‪ ،‬نض عيد وقال‪ :‬أجلس‪ ،‬اليوم‬

‫‪ .‬أنت المي‪ ،‬العريس‪ ،‬سأعد الشاي‬

‫حي دخل إل الصالة كانت العمة جالسة فوق الصلية تواجه الضوء‪ ،‬قابلته بذه البسمة والنظرة‬

‫الذاهلة الت تستحوذ علي عينيها‪ ،‬تسمر مكانه وظل واقفا‪ ،‬ل يدري ماذا يفعل‪ ،‬إل أن سع‬

‫‪ .‬العمة تقول‪ :‬سأعمل القهوة‬

‫يعرف الن الضافات الت أضافها حي بدأ يرسم الرأة فوق الصلية‪ ،‬الطرحة الضراء‪ ،‬السبحة الت‬

‫ف يدها‪ ،‬الزخارف الت تزين سجادة الصلة‪ ،‬لكن ما ل يفهمه حت الن‪ ،‬كيف أنه ف بعض الالت‪،‬‬

‫وهذه واحدة منها‪ ،‬أنه عندما يشرع ف الرسم ل يبذل أي جهد ف تذكر اللمح‪ ،‬أو يدقق كثيا ف‬

‫خطوطه الت يطها فوق الائط‪ ،‬يعرف فقط اختيار اللون الناسب‪ ،‬ويتك يده لتجري بالطوط الت‬

‫تلك عليه خياله وتصوره‪ ،‬ف لظات كثية‪ ،‬كان يقول‪ ،‬حي يسأله أحد عن سر الدقة والوضوح‪ ،‬الت‬

‫تعل رسومه كأنا مصورة بالكاميا‪ ،‬كان يقول بغموض‪ :‬الطوط كلها هنا‪ ،‬ويشي إل صدره‪ ،‬وهنا‬

‫‪ .‬ويشي إل الريدة‪ ،‬ريشته‪ ،‬الرسوم ترج عندما أغمس الريشة ف اللون وأضعها علي الائط‬

‫" عزيزة " علي ذراعه حي رأت أنه ل يرد علي ندائها‬ ‫‪ .‬عاد من تديقه ف الرسة لا قبضت‬
‫أفاق وتبعها مبتعدا عن العمال‪ ،‬كانت لتوها قد فرغت من البز وجاءت لتأخذ أكواب الشاي‬

‫‪،‬الفارغة‬

‫‪ .‬قالت‪ :‬منذ الفجر وأنت غائب‬

‫‪ .‬كنت أقضي بعض الصال‪-‬‬

‫‪ .‬مصال ‪ .‬تعجبت‪ ،‬ث أضافت‪ :‬يوم الوقفة‪-‬‬

‫‪.‬يعرف إلاحها‪ ،‬واحتياجه للختلء بنفسه‪ :‬ذهبت للتصال بأولد العمة‬

‫ضربت يدها علي صدرها‪ ،‬وازداد جحوظ عينيها‪ ،‬لكنه أكمل دون أن يهتم‪ :‬نعم‪ ،‬واتصلت ببعض‬

‫‪ .‬منهم‬

‫‪ ..‬جننت‪ ..‬وال‪-‬‬

‫‪ .‬قاطعها قبل أن تكمل‪ :‬وطي حسك‪ ،‬وإياك أن يعرف أحد‬

‫‪ .‬والعمة‪-‬‬

‫‪ .‬خصوصا العمة‪-‬‬

‫‪ .‬سيأتون‪-‬‬

‫نظر بعيدا عن عينيها‪ ،‬وحت ينهي الوار‪ :‬ل أدري‪ .‬ث أمرها بالنصراف ‪ .‬وجلس مهدودا ف ظل‬

‫الائط الارب الذي تأكله شس الظهية وبينما يرج سيجارته‪ ،‬سع صوت أحد العمال فوق رأسه‬

‫‪ .‬يقول‪ :‬العمة وقعت عند النخلة‬

‫‪ .‬رمي سيجارته من فمه‪ ،‬وهرول متخطيا الباب‬

‫وضعها فوق سريرها‪ ،‬وقلبه يتخلع بي ضلوعه‪ ،‬اللع يسيطر عليه‪ ،‬خوفه من أن يصيبها مكروه‪،‬‬

‫تقافز دواجنها فوق السرير كأنا تريد الطمئنان على العمة زاد من توتره‪ ،‬أحس كأنه مشلول‪،‬‬

‫ل يدري ماذا يفعل‪ ،‬يفرك بقوة ناعمة كفيها بي راحتيه‪ ،‬يود لو يبعث إليها بالرارة‪ ،‬كي‬

‫تستيقظ‪ ،‬أن تفتح عينيها‪ ،‬فمها‪ ،‬ترك لسانا ولو بشتمه‪ ،‬منذ لظات حي التقطها من جوار‬

‫النخلة‪ ،‬هاله المل الفيف والش الذي يمله بي ذراعيه‪ ،‬يعتقد بأن وزن النسان يتضاعف حي‬

‫‪ .‬مرضه أو موته‪ ،‬لكنها بي يديه كما لو كانت واحد من أطفاله الصغار‬

‫ينظر بقلق لوجهها الستكي والذي تضاعفت حدة التجاعيد فيه‪ ،‬كأنا هي طرق للزمن الذي عب‬

‫منها‪ ،‬كان من قبل يتساءل‪ :‬عن قيمة الزمن ؟ الن هو يس بقسوته البالغة‪ ،‬كان ينظر إل‬

‫الزمن ليس كغري ل يكن منازلته ولكن إل قدرته الائلة علي قلب الوضاع وإصابة الروح‬

‫‪ .‬بالعطب‪ ،‬السد القادر والعفي أصبح الن ف هشاشة ل توصف‬

‫حينما ذهب وهاتف بعض أبنائها ف الصباح كان يدفعه إحساسه بقسوة تركهم وهجرهم لا‪ ،‬لكن‬

‫الن يدرك أن السألة أعمق وأعقد من تصوره البسيط‪ ،‬وتذكر علي نو مبهم ماولته الدائمة لعل‬
‫ألوانه غي قابلة للنحاء والتحول‪ ،‬تلك الاولت الت تفشل ويبدأ من جديد ‪ ،‬حي وقف ذات مرة‬

‫أمام واجهة أحد العابد الفرعونية‪ ،‬وجد بعض اللوان الزاهية‪ ،‬أدرك لظتها أنه يوجد طريق‬

‫‪ .‬ما لقهر سطوة الزمن‪ ،‬لكن النسان آه ‪ ..‬آه‬

‫تأوه وهو يهش دواجن العمة التحلقة حولا‪ ،‬البعض منها نط فوق حجرها وقدميها‪ ،‬رغم الدوء‬

‫الشفيف الذي يكسو وجه العمة ‪ ،‬وتنفسها البطيء إل أن التشنج والنفاس التسارعة تنطلق من‬

‫‪ " .‬عيد " الذي ل يعرف على أي كيفية يتصرف‬

‫كان على وشك النيار حي دخلت عزيزة وهي تتف مطوفة‪ :‬مالا ؟ و كمن شعر بن ينقذه ابتعد‬

‫مفسحا الطريق لا‪ ،‬حي رأت وجه العمة‪ ،‬ذهبت ناحية الزير وملت الكوب وعادت‪ ،‬بيدها اغتفت‬

‫‪ .‬الاء ونثرته علي وجه العمة الت شهقت‪ ،‬ث فتحت عينيها‪ ،‬وتبسمت للوجهي الدقي با‬

‫زينب تفتح جروحا قدية*‬

‫استيقظت من نومها علي صوت زعيق عال‪ ،‬رهفت سعها حت تبينت النبات‪ ،‬كانت زينب ابنة أخيها‬

‫‪ .‬وعيد‬

‫زينب‪ :‬من سح لك ؟‬

‫‪ .‬عيد‪ :‬لست ف حاجة للذن‬

‫‪ .‬زينب‪ :‬ليس من حقك‬

‫‪ .‬عيد‪ :‬عيب يا زينب‬

‫‪ .‬زينب‪ :‬يا عمة‪ .‬بصوت عال نسبيا‪ :‬أين عمت ؟ دون أن يكون السؤال موجها لحد‬

‫تبسمت العمة وقامت من فوق سريرها‪ ،‬لول مرة تس بدواجنها راقدة بوارها توطها مشكلة سياجا‬

‫حولا‪ ،‬كأنا تميها أو ترقبها ف رقدتا‪ ،‬هشت الفراخ والمام الذي تطاير مستبشرا بقيام‬

‫‪ .‬سيدته‬

‫نزلت من سريرها مستندة علي عكازها وخطت خارجة كي تنع التلسن الدائر بي زينب وعيد‪،‬‬

‫‪ .‬لكنها توقفت حي دخلت زينب مندفعة وهي تقول‪ :‬أنه يرش البيت بالي‬

‫‪ .‬ردت العمة مبتسمة‪ :‬كل سنة وأنت طيبة يا ابنة أخي‬

‫الجل هو ما أحست به زينب‪ ،‬فقالت مفضة من حدتا‪ :‬آسفة يا عمت‪ ،‬وتوقفت لتأخذ نفسها قبل أن‬

‫‪ .‬تضيف‪ :‬أنه يتصرف كمالك للبيت‬

‫‪ .‬ما أزال حية يا بنية‪-‬‬

‫للمرة الثانية يجلها رد العمة‪ ،‬صمتت هذه الرة‪ ،‬ث تقدمت واحتضنت العمة وهي تقول‪ :‬كل سنة‬

‫‪ .‬وأنت بي‬
‫‪ .‬تلقتها السيدة ف حضنها بود وتفهم كبي‪ ،‬و ربتت علي ظهرها كأنا تدهدها‬

‫اعتادت زينب أن تأتي إل عمتها ف الواسم الختلفة‪ ،‬ميئها دائما يسبق العصر‪ ،‬تتسامر معها‬

‫قليل‪ ،‬ث تؤدي بعضا من أعمال البيت‪ ،‬وخاصة الطبخ‪ ،‬تساعد عمتها ف طبخ الواسم‪ ،‬تقوم زينب‬

‫بالذبح لنا تعرف عمتها ترتاع كثيا‪ ،‬وتشى أن تد يدها بالسكي تاه واحدة من دواجنها دون‬

‫‪ .‬أن يالها أي شعور بالجل ليس من نفسها‪ ،‬لكن من دواجنها علي أقل تقدير‬

‫منتها الساسية كانت قد بدأت ف الظهور بعد أن فرغ البيت حولا‪ ،‬ف البداية كانت الدة‪،‬‬

‫فاطمة الول‪ ،‬ث الم‪ ،‬ث بناتا كن يذبن‪ ،‬عندما رحل الميع تباعا‪ ،‬إما بالوت أو بالنتقال إل‬

‫مكان آخر حيث تبدأ الياة الديدة الستقلة‪ ،‬كانت ف ذلك الوقت لوحدها‪ ،‬ظلت شهرا كامل دون‬

‫القدرة علي النظر بصراحة إل دواجنها‪ ،‬حت عاد سعيد من واحدة من اختفاءاته التعددة‪،‬‬

‫أرادت أن تتفي به‪ ،‬تعد له عشاءا جيدا‪ ،‬فاخرا‪ ،‬دخلت إل الظية واختارت أسن ما لديها من‬

‫الدواجن‪ ،‬وحي خرجت به‪ ،‬ظلت يدها القابضة علي السكي غي قادرة علي التحرك‪ ،‬فغلبها البكاء‬

‫من القهر‪ ،‬قهر ضعفها‪ ،‬ورهافة حسها‪ ،‬قالت معللة ذات مرة‪ :‬هل يقدر الواحد علي ذبح‬

‫‪ .‬أبنائه‪ ،‬وحي تري الستغراب ف العيون والوجوه التسائلة تضيف‪ :‬حت النب إبراهيم ل يقدر‬

‫زينب الت تعرف عن عمتها ذلك‪ ،‬تأتي إليها حت من قبل خطبتها لسعيد‪ ،‬ل تنظر زينب إل هذا‬

‫علي أنه نوع من العطف علي عمتها‪ ،‬ولكنه واجب عليها تؤديه‪ ،‬وبكثي من الب‪ ،‬خاصة أنا‬

‫متعلقة بعمتها منذ أن كانت صغية‪ ،‬ل تعرف الن ما الذي دفعها لذا التعلق‪ ،‬أهو حنان العمة‬

‫الشديد‪ ،‬أم قوة شخصيتها الت تأسرها حي كان يكي عنها أبوها‪ :‬عثمان‪ ،‬وما تلمسه هي من هذه‬

‫القوة‪ ،‬فرفضها مثل أن تتك البيت بعد رحيل الميع من حولا‪ ،‬أو حت السماح لحد من إخوتا أو‬

‫أولدهم بالعودة إل البيت‪ ،‬الميع يعرف أنا صاحبة البيت‪ ،‬هكذا أوصت الدة‪ ،‬فاطمة الول‪ ،‬ول‬

‫يعتض أحد‪ ،‬وهي تصرفت من هذا النطق كان والدها عثمان‪ ،‬كثيا ما يصفها‪ ،‬زينب‪ ،‬بأنا تشبه‬

‫‪ .‬عمتها‪ ،‬لذا لا جاءت العمة خاطبة لا‪ ،‬ل يكن ف الدنيا أسعد منها‬

‫كانت قد سعت عمتها تردد أكثر من مرة‪ :‬لكل ابن آدم حكاية تيزه‪ ،‬خاصة به‪ ،‬الشخص عدي‬

‫‪ .‬الكاية‪ ،‬كأنه ل ير بذه الدنيا‪ ..‬وجودنا ف الدنيا كي نصنع حكاياتنا‬

‫ف تلك اللحظة‪ ،‬لظة الطبة‪ ،‬اعتقدت زينب أن حكايتها الرئيسية قد بدأ أول فصولا‪ ،‬فالقامة‬

‫‪ .‬داخل البيت الكبي إحدى أمنياتا‪ ،‬لكن القدر ل يهلها حت تتم حكايتها‬

‫تنظر العمة ـ الن ـ إل ابنة أخيها‪ ،‬وزوجة ابنها ـ هكذا تعدها حت الن ـ وهي تعمل بمة‬

‫عالية ف تنظيف البيت‪ ،‬كي يكون جاهزا لستقبال نار الغد‪ ،‬نار العيد‪ ،‬حيث سيكون من بعد‬

‫صلة الفجر حت صلة العيد خلية نل‪ٍ ،‬بي داخل وخارج‪ ،‬وجالس وواقف‪ ،‬ومسلم ومودع‪ ،‬قالت لا‪:‬‬

‫‪ .‬أدخلي الاصل وأخرجي الباريق‬

‫‪.‬وهت لتقوم‪ ،‬لكن زينب أشارت بيدها‪ :‬بال عليك يا عمة ‪ ،‬استيي أنا أعرف كل شيء‬

‫تبتسم العمة وهي تقول ف سرها‪ :‬سيدة البيت‪ ،‬كان يب أن تكون‪ ،‬حي خطبتها‪ ،‬كنت أدرك أنا‬
‫الوحيدة من بنات إخوتي‪ ،‬الرجال‪ ،‬الت تصلح أن تكون سيدة هذا البيت خلفي ‪ ..‬آه ‪ ..‬يا‬

‫‪ .‬لفرحت القصية لا وافق سعيد بعد طول عناد علي الزواج من ابنة خاله‬

‫تتذكر الن كم عاندها‪ ،‬وكم راوغها‪ ،‬وكم تدللت عليه وقست كي يطاوعها ويقبل بالزواج‪ ،‬تزوج‬

‫كل إخوته وأخواته‪ ،‬وظل هو بل زواج‪ ،‬بل غية من إخوته أو من الشباب الذين ف سنه‪ ،‬خاصة‬

‫الولد عيد‪ ،‬صاحبه‪ ،‬كان أولدها يتزوجون ث يرحلون‪ ،‬وهو يقول لا‪ :‬انظري يا سيدة النزل‪،‬‬

‫‪ .‬اللعنة تل بأي أسرة تبدأ ف التكوين‪ ،‬لاذا تريدني أن أرحل بعيدا عن هنا ول أعود‬

‫قالت له‪ :‬أنا كبت‪ ،‬وأريد صوتا يؤنسن‪ ،‬يفف عن وحدتي‪ ،‬يرين ف أيامي القليلة الباقية‪ ،‬ف‬

‫أخر مرة عاد فيها ‪ ،‬قال لا‪ :‬سأبقي معك‪ ،‬لن أرحل ثانية ‪ .‬فقد عرفت علجي‪ ،‬وكان علجه أن‬

‫‪ .‬يقيد نفسه ف السلسل الغليظة بزرائب البيت اللفية‬

‫كان عليها أن تطو خطوة أبعد‪ ،‬لا رأت استقراره بالنزل‪ ،‬وتكرر عملية التقييد‪ ،‬جاءت‬

‫بالبنات إل البيت‪ ،‬بجة أن يساعدنا ف أعمال البيت الرهقة والت ل ييدها هو‪ ،‬كانت زينب‬

‫بينهن تتحرك كأنا ملكة تنظر إل ابن عمتها علي أنه كائن مسحور‪ ،‬يب أن يكون بعيدا عن أعي‬

‫‪ .‬البنات‪ ،‬صويباتا‪،‬هكذا رأت العمة‪ ،‬وكانت تسر لذلك‬

‫جاءت ضربتها التالية مباشرة‪ ،‬وأكثر إصابة لدفها‪ ،‬قالت له مرة ورأسه ف حجرها‪ :‬أريد عيال‬

‫‪ .‬يقولون ل يا جدة‬

‫أرتف رأسه بي يدها‪ ،‬هكذا أحست‪ ،‬فأكملت‪ :‬سئمت يا عمة ‪ .‬سكن رأسه‪ ،‬ول يعلق‪ ،‬بيد أنه ل‬

‫ينم ليلته‪ ،‬عند الفجر أخبها بوافقته علي العروس الت تتارها‪ ،‬وكانت قد اختارت زينب منذ‬

‫وقت بعيد‪ ،‬زينب الت تغسل الن الباريق وتعبئها بالاء‪ ،‬كي يتوضأ منها الرجال ف الصباح‪،‬‬

‫‪ .‬قبل صلة العيد‬

‫دخلت زينب وأغلقت الباب خلفها‪ ،‬ف كل مرة تيء إل هنا‪ ،‬تد نفسها تفعل ذات الفعلة‪ ،‬تبدأ‬

‫عملها ف التنظيف والتتيب والطبخ بسرعة ودقة ف نفس الوقت‪ ،‬لتجد نفسها آخر المر داخل هذه‬

‫الغرفة الت كانت ستزف فيها‪ ،‬غرفة سعيد‪ ،‬والت ظلت علي حالا‪ ،‬خالية من أي شئ سوي حاجيات‬

‫سعيد الت كومتها العمة عقب رحيله‪ :‬ملبسه‪ ،‬صناديق الكتب‪ ،‬صندوق للسطوانات وآخر للبيك أب‬

‫‪ .‬والت ل يستطيع أحد أن يلمسها؛ الطلء الذي غطي ثلث حوائط الغرفة‪ ،‬ما تزال بعض الرائحة‬

‫القدية قائمة داخل الغرفة الت ل يقم أحد بتهويتها منذ رحيل سعيد قبل زفافه بأيام‪،‬‬

‫رؤيتها لعيد الذي صارت تقته منذ تلك اللحظة البعيدة حركت هواجسها القدية‪ ،‬فوجدت نفسها‬

‫‪ .‬ف قلب تلسن حاد معه‬

‫تنهدت تود لو تزيح الثقل الاث علي صدرها‪ ،‬ل تدر مت دخلت أول مرة هنا بعد رحيل سعيد‪،‬‬

‫لكنها تذكر الرة الخية قبل الزفاف الذي لن يتم أبدا‪ ،‬كانت الجرة جيدة الفرش والتنظيم‬

‫حي قادها سعيد إليها‪ ،‬قال لا‪ :‬سأسر لك بأسراري‪ ،‬كانت تعتقد أنه يود الختلء با كما كانت‬
‫تكي صويباتا‪ ،‬ترددت ف البداية‪ ،‬لكن قبضة يده الاسة علي معصمها جعلتها تطيعه وتدخل‪،‬‬

‫تعرف علي وجه اليقي ما الذي دفعها لذا‬ ‫دائما كانت تنظر إليه علي أنه رجل متلف‪ ،‬ول‬

‫‪ .‬العتقاد‬

‫حي دخلت قال لا‪ :‬أجلسي ‪ .‬قعدت علي حافة السرير‪ ،‬قلبها يدق‪ ،‬عينها تتابع يديه‪ ،‬ليس خوفا‬

‫منه أن تعصف هاتان اليدان با‪ ،‬ولكن لعدم استقرارها ودوامهما علي الركة‪ ،‬بالضافة إل أنا‬

‫كانت تريد أن تضع عينيها علي شيء‪ ،‬بعيدا عن عينيه الت وصفتهما لصويباتا‪ :‬بأنما بل‬

‫‪ .‬قرار‪ ،‬وأنا غارقة فيهما‬

‫‪ .‬قال‪ :‬ما سوف أقوله‪ ،‬سيظل سرا‪ ،‬ل أحد يعرف به‪ ،‬حت أمي‪ ،‬عمتك‬

‫‪ .‬أرادت أن تسأله‪ :‬لاذا ؟ لكنها طأطأت رأسها موافقة‬

‫قال‪ :‬يا ابنة خال‪ ،‬تنبهت أنه ل ينطق اسها‪ ،‬كانت تود لو سعته يتلفظ به‪ ،‬لكنها واصلت‬

‫الستماع‪ :‬هذه العائلة ملعونة‪ ،‬ل تتك لنا سوي إرثها الثقيل‪ .‬حاولت أن تستفهم عن العائلة‬

‫الت يقصدها‪ ،‬لكنها لظت أنه ٍيوليها ظهره‪ ،‬وينتفض وهو يتحدث‪ :‬من الطأ أن نأتي بأطفال‬

‫‪ .‬سيحل عليهم نفس اللعنة الت نرزح تتها‪ ،‬اللعنة‪ ،‬قدرنا‪ ،‬الشتات‬

‫توقف قليل‪ ،‬كي يلتقط أنفاسه التسارعة‪ ،‬وهي حقيقة ل تعرف عما يتحدث‬

‫ـ حي بدأ أجدادنا بالتجارة ف العبيد‪ ،‬أخذوا الناس من بلدهم البعيدة‪ ،‬وشتتوهم ف البلد‪،‬‬

‫‪ .‬بعيدا عن أهلهم وعشائرهم‪ ،‬وأراضيهم وحكاياتم‪ ،‬وأحبتهم‪ ،‬هذا ما علينا أن نؤديه الن‬

‫ّ باله يستيح ويبعد عنه الل الذي تس بأنه‬


‫وقفت‪ ،‬تقدمت منه‪ ،‬تود لو أخذته ف حضنها‪ ،‬عل‬

‫يعتصره‪ ،‬استدار حي اقتبت‪ ،‬قال‪ :‬ماذا‪ ،‬أل تصدقي ؟ هزت رأسها‪ ،‬تطاها مبتعدا‪ :‬انظري يا‬

‫ابنة الال‪ ،‬أين أعمامك المسة‪ ،‬كل واحد ف ركن بعيد عن الخر‪ ،‬أولدهم أين ؟ أخواتي‪،‬‬

‫إخوتك‪ ،‬كل واحد بفرده ‪ ،‬بعيدا عن الخرين‪ ،‬بعيدا عن مهبط قدميه‪،‬عن أهله‪ ،‬حت خال‪ ،‬أبوك‪،‬‬

‫‪ .‬يقيم ف الطرف الخر من القرية‪ ،‬قرية كاملة‪ ،‬بكل طولا وعرضها تفصل بينه وبي أخته‪ ،‬عمتك‬

‫أرادت أن تقول له‪ :‬كل هذا ل يهمن‪ ،‬ما يهمن هو أنت‪ .‬وهو كمن قرأ أفكارها سعته ييب‪:‬‬

‫أريدك أل تقلقي من صمت الطويل وشرودي وتغيب‪ ،‬ولكن تعلمي من عمتك‪ ،‬الصب حت تقدري علي‬

‫‪ .‬مواجهة هذه القائق حينما تلحقك‬

‫ث فتح الباب وخرج‪ ،‬بقيت زينب ذاهلة لفتة‪ ،‬ث خرجت ويقينها يزداد بأنه متلف‪ ،‬لديه قدرة‬

‫علي إياد كلمات غريبة وترديدها هذا ما أكدته ذات مرة‪ ،‬لكن الشيء الساسي والكثر وضوحا‬

‫‪ .‬هو ازدياد تعلقها به‬

‫مسحت زينب الدموع التسللة من عينيها بطرحتها‪ ،‬وفتحت باب الغرفة‪ ،‬وخرجت لتجد عمتها‬

‫‪ .‬أمامها‪ ،‬فألقت بنفسها ف حضنها‪ ،‬قالت العمة بدوء‪ :‬ما تزالي سيدة هذا البيت‬
‫كانت الشمس تيل ناحية الغيب حي هت زينب بالغادرة‪ ،‬ف نفس الوقت كان عيد داخل يضم تت‬

‫إبطه حزمة من البسيم‪ ،‬أوقفها كلم عيد الوجه للعمة‪ :‬أيرضيك الذي فعلته زينب يا عمة ؟‬

‫نظرت زينب إليه بغضب‪ ،‬لكنها ل ترد‪ ،‬مالت علي عمتها‪ ،‬احتضنتها وقبلتها‪ ،‬ث هست ف أذنا‪:‬‬

‫‪.‬أنه فأل سيئ‬

‫بلغي السلم إل أبيك‬ ‫‪ .‬ضحكت العمة‪ ،‬وأطلقت زينب من بي ذراعيها وهي تقول‪:‬‬

‫‪ .‬غادرت زينب دون أن تلتفت قال عيد متشكيا‪ :‬ل تنصفين يا عمة‬

‫‪ .‬قالت ضاحكة‪ :‬ل عليك‬

‫ألقي عيد البسيم للبهيمتي ـ النعجة والروف ـ بعد أن فتح لما باب الزريبة‪ ،‬جرت بعض‬

‫الدواجن ناحية الضرة وبدأت ف التقاط بعض العواد‪ ،‬ورجع هو وجلس بوار السيدة‪ ،‬لحظ الثنان‬

‫تباطؤ النعجة والروف‪ ،‬لكن قبل أن يتحرك واحد منهما ليي ما الذي ينعهما‪ ،‬أطل برأسيهما‬

‫وخرجا علي استحياء شديد‪ ،‬تلفتت النعجة حت رأت سيدتا جالسة فوق الصطبة‪ ،‬عدت نوها و دفست‬

‫‪.‬رأسها ف حجر السيدة الت بوغتت هي وعيد بتصرف النعجة‬

‫مسحت بيدها على رأس النعجة وحاولت أن تدفعها بعيدا عنها‪ ،‬غي أن النعجة ظلت متشبثة‬

‫بوضعها‪ ،‬كانت النعجة تدفع أنفها تتشمم السيدة؛ بينما وقف الروف حائرا بي البسيم اللقى‬

‫على الرض وأفعال أمه فثغا بصوت رفيع‪ ،‬الصوت وحده الذي نبه عيد إل الزن الذي يسيطر‬

‫‪.‬عليه‪ ،‬فعاودته هواجس الظهية لا وجد السيدة مغشيا عليها بوار النخلة‬

‫‪.‬قال‪ :‬مالا ؟ يقصد النعجة‪ ،‬ويرص على جعل صوته مايدا قدر استطاعته‬

‫قالت السيدة‪ ،‬وقد قامت تسحب النعجة من أذنيها ناحية البسيم‪ :‬إنا أم ‪ .‬استفهم عيد بزة‬

‫من رأسه‪ ،‬قالت‪ :‬تعرف أن العيد غدا‪ ،‬وستفقد وليدها ‪ .‬استنكر عيد ولكنه ل يقو على‬

‫الادلة‪ ،‬فأكملت السيدة‪ :‬ل تأتي بوليد آخر‪ ،‬ف كل عام تسلمن خروفا عفيا‪ ،‬حال عليه الول‪،‬‬

‫‪.‬يصلح للضحية‪ ،‬لكن هذا العام ل تمل‬

‫ههم عيد بكلمات مبهمة وبصوت خفيض‪ ،‬خوفا من أن يدركه سع السيدة‪ ،‬لكن يبدو أن أذن السيدة‬

‫التقطت المهمة‪ ،‬فقالت وهي تاول أن تضع رأس النعجة وسط أعواد البسيم لتتشممها‪ :‬قد صارت‬

‫‪.‬عجوزا‪ ،‬وفرغ رحها‬

‫نفضت النعجة رأسها من يد العمة وأعواد البسيم الت توطها‪ ،‬وجرت نو الروف الواقف مستكينا‬

‫على غي عادته‪ ،‬ففي مثل هذه اللحظات حي يفتح له باب الزريبة كان يري متقافزا ببي دواجن‬

‫السيدة‪ ،‬يسابق أمه النعجة ف حوش البيت الكبي‪ ،‬حول النخلة‪ ،‬يلتقط بعضا من الشائش ث يغي‬

‫عليها – أمه – ناطحا‪ ،‬واثبا فوقها‪ ،‬وهي تدفعه بود يثيه كي يعاود ماولته أما الن كما‬

‫‪.‬أشارت السيدة من قبل‪ :‬ف الواء ما يبها بشحذ السكي الغادرة‬


‫ل يطق عيد اللوس‪ ،‬كان النقباض داخله يتزايد‪ ،‬فسار خارجا‪ ،‬والسيدة تناولت عكازها وخطت‬

‫خلفه‪ ،‬بينما قرفصت النعجة ووليدها بوار البسيم الذي تعبث به الدواجن‪ ،‬دون أن يقرباه أو‬

‫‪.‬يتحركا ليمنعا الدواجن من بعثرته فوق التاب‬

‫ظل الغروب كسا الساحة المامية للبيت‪ ،‬وتراقصت أشعة الشمس هناك ف البعيد تودع النهار‬

‫الخذ ف النصرام‪ ،‬ألقت العمة نظرة طويلة لوائط البيت الطلية بالي حي زكمتها الرائحة‬

‫الريفة للجي‪ ،‬توقفت عينها عند الرسة الباهتة لا وهي جالسة فوق سجادة الصلة‪ ،‬أشارت‬

‫إليها‪ ،‬قال عيد‪ :‬منعت العمال من موها‪ .‬رمت العكاز وجلست على الرض بساعدة يديها‪ ،‬قالت‪:‬‬

‫‪.‬باب النجار ملع‬

‫ضحك عيد‪ ،‬وفهم تلميحها للعمال الذين يقومون بطلء واجهة بيته‪ ،‬قال‪ :‬منذ زمن وأنا أفكر‬

‫ف هذا‪ ،‬واليام تسرقن‪ ،‬اليوم عند الفجر قررت‪ ،‬ذهبت وأتيت بالي ونبهت على العمال؛ بالطبع‬

‫ل يشر إل باقي الشاوير الت قطعها ف الصباح‪ ،‬خوفه من أن تقاطعه‪ ،‬أو ترم دخلته عليها‬

‫البيت‪ ،‬كان قد قطع على نفسه عهدا براعاتا‪ ،‬وهو ملزم بالوفاء به‪ ،‬إكراما لصديقه وللعشرة‬

‫والود الذي يكنه لا‪ ،‬يدرك قوة تملها‪ ،‬وهذا ما يعجبه فيها‪ ،‬وإن كان يظن أن قسوتا هذه‪،‬‬

‫تطال روحها هي‪ ،‬تعمل على إضعافها‪ ،‬تدميها‪ ،‬دون أن تدرك ذلك‪ ،‬يرجع هذا إل تربيتها بي‬

‫ستة من الرجال – إخوتا – جعلها تتشبه بم وبقوتم‪ ،‬ف أحوال أخرى‪ ،‬يعتقد أن مثل هذه‬

‫النشأة ترج فتاة مدللة‪ ،‬ل تقدر على مواجهة أتفه المور‪ ،‬يتساءل‪ :‬من أين تأتيها هذه‬

‫القوة ؟‬

‫حي جاء يسأل عن سعيد‪ ،‬كان الوقت بعد العشاء‪ ،‬ل يكن قد صادفه طوال النهار‪ ،‬كانت‬

‫وحدها ‪ ،‬جالسة عند النخلة تتسي قهوتا بدوء وتتمتع‪ ،‬قالت له‪ :‬ف الزرائب‪ .‬ولا ل يفهم ‪،‬‬

‫حكت له ما حدث ف الظهية بياد من يقص حكاية بعيدة عنه‪ ،‬انزعج هو وركبه الكرب‪ ،‬قام واقفا‬

‫نظر تاه الزرائب القابعة ف ظلمها‪ ،‬أراد التحرك نوها‪ ،‬غي أنا ردته بعنف وحزم‪ :‬دعه‪ .‬كان‬

‫صوتا آمرا بيث يعل من يسمعه‪ ،‬يظن أن الذي بالزرائب‪ ،‬ليس سعيدا ‪ ،‬ابنها ‪ ،‬طفلها البكري‪،‬‬

‫إنا واحد من العبيد البقي والواجب تأديبه وتذيبه‪ ،‬ل يقدر على تمل الوضع‪ ،‬فجرى خارجا‪،‬‬

‫وحي عاد ف الصباح‪ ،‬وجدها مكانا‪ ،‬كأنا ترس الكان لئل يتسلل أحد إل زرائبها الليفة ‪ ،‬وهو‬

‫الذي ل يستطع النوم مكروبا ما يل بصديقه‪ ،‬استشاط غاضبا‪ ،‬قال‪ :‬ألست أمه؟ وهي بدوئها‬

‫القوي‪ ،‬والبغيض‪ ،‬أشارت إل الباب‪ ،‬وقالت له‪ :‬أخرج وأغلق الباب‪ .‬أين تكمن هذه القسوة ؟‬

‫تساءل هل نولد با‪ ،‬أم إن الياة تعلمنا إياها ؟ ل يستطيع التحديد‪ ،‬غي أن عشرته الطويلة‬

‫لا‪ ،‬جعلته يتعلم أل يعارضها بعنف‪ ،‬ياول ترضيتها بقدر المكان‪ ،‬لكنه يري تصاريفه بعيدا‬

‫عن يدها وعينيها خاصة تلك المور التعلقة با‪ ،‬كذهابه اليوم – بعد الفجر – للتحدث مع بعض‬
‫‪ .‬أبنائها وبناتا‬

‫‪ .‬السلم عليكم ‪‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍-‬‬

‫كان الاج أحد ومعه مموعة من العيال يتقافزون حوله‪ ،‬قال‪ :‬هيا لننظفها‪ ،‬وانطلق العيال‬

‫يسبقهم زياطهم وزعيقهم العال‪ .‬سلم على عيد العائد من تأملته مصدوما بعض الشيء‪ ،‬وراح‬

‫‪.‬وجلس جوار العمة‬

‫‪ .‬كيفك يا عمة ‪-‬‬

‫‪-‬‬ ‫المد ل ‪ .‬قالت‪ :‬وانتظرت إل أن يستقر ف جلسته‪ ،‬قبل أن تقول‪ :‬أريدك ف موضوع‪ .‬قال‬

‫‪ .‬مبتسما‪ :‬خي أن شاء الله ‪ .‬وقال عيد‪ :‬أنا ذاهب لتابع العمال‬

‫تتد الساحة بطول البيت‪ ،‬مساحة شاسعة‪ ،‬تثل السهل البسط تت البل‪ ،‬حي جاء الد وبن البيت‬

‫وجعل ظهره مميا بالبل‪ ،‬ترك مساحة كبية أمامه كي يقيم فيها احتفالته الاصة‪ ،‬وأيضا كي‬

‫يربط ضيوفه وزواره التجار ورجال الشرطة والسلطة وبعض كبارات البلد ركائبهم من‪ :‬خيول‬

‫وإبل وبغال وحي‪ ،‬حيث مد حبل طويل‪ ،‬ثبته بالرض‪ ،‬ومنه مد حبال صغية متباعدة كي تقيد‬

‫‪.‬البهائم با‬

‫هذه الساحة الت أهلت ف أزمنة تالية‪ ،‬حيث كانت مفروشة بالرمل الشن وترش بالاء قبل بدء‬

‫الحتفالت‪ ،‬تولت إل مكان تؤدى فيه صلة العيدين‪ ،‬جعلها مكانا مثاليا لداء الصلة ف اللء‬

‫‪ .‬وأيضا لتساعها الذي يساعد على ضم العداد الغفية للمقبلي على الصلة‬

‫على مسافة كافية بن بالطوب اللب منب مكون من ثلث درجات كي يقف المام عليه ليلقي خطبة‬

‫العيد بعد أداء الصلة‪ ،‬وهذا ما حدا بأهل البيت‪ ،‬بعد تول ساحتهم إل ساحة لصلة العيد إل‬

‫ملء مموعة من الباريق بالاء‪ ،‬ليستطيع التأخرون الوضوء قبل الدخول ف الصلة‪ ،‬حيث يتجمع‬

‫الناس بالسجد الامع‪ ،‬و يبدأون ف التكبي والتهليل‪ ،‬حت قرب وقت صلة العيد‪ ،‬فيخرجون‬

‫إليهم ‪ ،‬أما الذين يأتون مهرولي‬ ‫قاصدين الساحة‪ ،‬وتكبيهم وتليلهم يتعال بازدياد النضمي‬

‫‪ ،‬يدخلون البيت ‪ ،‬ويردون السلم بلهوجة وهم يتطفون واحدا من الباريق الكثية العدة‪،‬‬

‫‪ .‬والسيدة بثيابا النظيفة والعطرة‪ ،‬تبتسم‪ ،‬وترد تياتم ببشاشة عالية‬

‫ً لا‪،‬‬
‫باستثناء يومي العيد‪ ،‬تظل الساحة خالية‪ ،‬اللهم إل إذا عد لعب مموعة من العيال شغل‬

‫غالبا ما يأتي العيال ف الوقات الت تسبق الغروب‪ ،‬وأحيانا بعد صلة العشاء حي تكون‬

‫الليال قمرية‪ ،‬كانت العمة ترج‪ ،‬تلس على عتبتها‪ ،‬ترقب ألعابم وأحوالم التبدلة والت ل‬
‫‪ .‬تقر على قرار‪ ،‬وغالبا ما تعلق بكلمة واحدة‪ :‬زمن‬

‫الطفال يلتقطون الجارة والزلط من أرض الساحة ويلقونا خارجا‪ ،‬والسيدة بوار الاج أحد‪،‬‬

‫جالسي مستندين إل الائط‪ ،‬قالت‪ :‬أتس اليوانات بدنو الجل؟ تلقائيا رد الاج أحد دون أن‬

‫يمل عينه بعيدا عن العيال‪ :‬أجل من؟‬

‫‪ .‬أجلها ‪-‬‬

‫ً‪ ،‬ث أجاب‪ :‬ف أحيان كثية يستطيع بعضها أن يرى اللئكة ‪ ..‬لكن‬
‫‪ .‬تهل قليل‬

‫قالت بنفاذ صب‪ :‬أسألك عن الوت‪ ،‬ل عن اللئكة؟‬

‫‪ .‬تعجب من أسئلتها‪ ،‬وإصرارها‪ :‬ل أحد‬

‫صمت‪ ،‬وصمتت‪ ،‬ولا أحس بصمتها يطول‪ ،‬قام وأخذ الطفال كي ينظفوا الساحة جيدا‪ ،‬يرج من جيبه‬

‫‪ .‬قطعا من اللوى يعطيها لم‪ ،‬والعيال تلل ويزداد حاسهم للعمل‬

‫ظلت ف مكانا ترقبهم حت غربت الشمس وانطلق ف الو صوت آذان الغرب‪ ،‬جاء الاج أحد ووقف‬

‫‪ .‬جوارها؛ قال‪ :‬الجاج ف طريقهم للمزدلفة‬

‫‪ .‬أجابت بابتهال حقيقي‪ :‬ربنا يوعدنا‬

‫أخذ العيال ف النصراف جريا نو بيوتم‪ ،‬وهو ظل واقفا يريد قول شيء يفف الدة الت تركها‬

‫كلمه‪ ،‬غي أنا ل تكن تنظر نوه‪ ،‬فانسحب دون أن تشعر به‪ ،‬كان نظرها مثبتا على الساحة الت‬

‫نظفت تاما‪ ،‬ل تدري لاذا أحست وعلى نو غامض بأن الساحة أصبحت جاهزة تاما لبدء سباقات‬

‫‪.‬اليل‪ ،‬وهاجها الصوت القدي الصب‪ :‬اسرج الهرة الن‬

‫فصل ف ذكر السباق*‬

‫حي تعد الرات الت فرحت فيها‪ ،‬وصارت روحها مبتهجة‪ ،‬تتقافز حولا‪ ،‬تدها قليلة‪ ،‬للحظات‬

‫تفكر بذاكرتا الشوشة‪ ،‬وتتهمها بأنا السبب‪ ،‬تلعبها لتخفي عنها سعادتا الت عاشتها طوال‬

‫عمرها الديد‪ ،‬تتشبث بالفكرة للحظات‪ ،‬لكنها سرعان ما تؤوب وقد مسها طيف حزن شفيف‪ ،‬تقول‪:‬‬

‫‪ .‬الزن هو الدائم والسعادة نقط صغية‪ ،‬مضيئة‪ ،‬كفيلة بد أرواحنا بالقوة كي نواصل الياة‬

‫الن تقدر أن تعدد مسراتا بدوء وروية‪ ،‬بعيدا عن النفعالت الوقتية‪ ،‬ودائما ما ترها‬

‫ذاكرتا إل لظة ركوبا الهرة وسط عزوتا‪ ،‬إخوتا الرجال‪ ،‬تفزها للنتصار القادم‪ ،‬انطلق‬

‫الهرة ف الرماح‪ ،‬وصولا لط النهاية‪ ،‬تليل التفرجي‪ ،‬ليها للجام الهرة كي تستدير لتتلقي‬
‫‪ .‬التاف‪ ،‬وسط عرقهما – الهرة وهي – الذي يضوي تت سطوة الشمس النوبية التوهجة‬

‫كانت صبية قد استوت حي تسابقت لخر مرة‪ ،‬خراط البنات قد أنى لساته أو يكاد خلل زياراته‬

‫السائية لا‪ ،‬وبان تعلق العيون با‪ ،‬وهي تنبهت إل هسيس جسدها‪ ،‬ونضجه كامرأة تطو خطواتا‬

‫‪.‬الول ف درب النوثة‬

‫كانت سعادتا قد بدأت خوفا وتوترا وترقبا حادا لا بدأت تلحظ التغيات البسيطة التلحقة‬

‫الت تطول جسدها‪ ،‬كانت الدة قد خبتا عن خراط البنات ولساته السحرية‪ ،‬لكن لا استيقظت على‬

‫بقع الدم ف سروالا – لول مرة – جرت إل أمها الت ضمتها بنانا الصامت و مسدت ظهرها‪،‬‬

‫ف هذه اللحظة لأت إل أمها‪ ،‬بينما تنام مع‬ ‫وخبتا كيف تتعامل معه‪ ،‬حت الن ل تدرك لاذا‬

‫جدتا ف نفس الغرفة‪ ،‬بل وف أحيان كثية بي أحضانا‪ ،‬والكثر من هذا تستشيها ف كل أمر مهما‬

‫صغر أو كب‪ ،‬كانت دائما ترى أمها صامتة‪ ،‬تؤدي أعمال بيتها بصمت كبي‪ ،‬ترقب فقط بعينها كل‬

‫شيء‪ ،‬ول تعلق‪ ،‬نادرا ما كانت تراها تثور‪ ،‬فقط تلب‪ ،‬تظل طوال اليوم ف حركة دءوبة دون‬

‫إظهار للتعب أو حت التشكي‪ ،‬ف البيت سبعة رجال وثلث سيدات تعرف جيدا أن عبء الدمة يقع‬

‫على كاهلها‪ ،‬ل أحد سواها‪ ،‬حت ابنتها الصغية – فاطمة – ل تكن لتعتمد عليها‪ ،‬كانت تسوقها‬

‫بلطف بعيدا عن أعمالا‪ ،‬لكن لا جاءت فاطمة وأخبتا ببقع الدم‪ ،‬أخذت يدها ووضعتها ف أعمال‬

‫البيت‪ ،‬كانت تدربا‪ ،‬إخوتا الرجال ل يعلقوا‪ ،‬وكذلك الدة وإن علقت على شيء آخر هو كثرة‬

‫إختفاءات البنت – فاطمة – واختلئها بنفسها وشرود ذهنها‪ ،‬حاولت أن توضح لدتا لكن لسانا‬

‫ل يطاوعها‪ ،‬والدة الت يبدو أنا أدركت ما يعتمل داخل الفتاة‪ ،‬ضمتها بنو بالغ وبتفهم كبي‬

‫ول تطالبها بتفسي لتأخرها الدائم داخل الكنيف أو إحكام إغلق باب الغرفة عليها إن كانت‬

‫‪ .‬لوحدها‬

‫كانت فاطمة قد لظت خلل السباقات الخية تناقص الراغبي ف التسابق معها‪ ،‬كانت تعلم بالشرط‬

‫الذي وضعه أخوها‪ ،‬بأن من يرغب ف الزواج منها عليه أن يتقدم عليها ف السباق‪ ،‬ف البداية‬

‫ل تعر المر أي اهتمام‪ ،‬كان ما يهمها فقط هو أن تركب الهرة وتري‪ ،‬وتسابق‪ ،‬تفوز‪ ،‬تتلقى‬

‫هتافات النصر‪ ،‬لكن لا بدأ جسدها ف الستدارة وجذب العيون‪ ،‬تناقص عدد الذين يتسابقون‬

‫ضدها ف الضمار‪ ،‬كانت تعرف أن الاسر ل يق له أن يطلب يدها أو حت ينازلا مرة أخرى‪ ،‬كانت‬

‫إذن فرصها آخذة ف التناقص‪ ،‬نعم فرصها هي؛ فرصها ف التسابق وفرصها ف الزواج‪ ،‬فهي بأي‬

‫حال من الحوال لن تقدر على كسر كلم الرجال إخوتا‪ ،‬لن تقدر على الزواج بدون خسارة ف‬

‫السباق‪ ،‬السباق الذي ما إن تدخله حت تنسى كونا امرأة‪ ،‬فقط‪ ،‬تعرف كيف توجه الهرة‪ ،‬مت‬

‫تدكها بالركاب ومت تسوطها ومت ترخي اللجام‪ ،‬ث تدكها الدكة الخية لتحصد النتصار التوقع‪،‬‬

‫حت الهرة – ذاتا – باتت عارفة بطباع سيدتا وكيفية قيادتا‪ ،‬جسدها الشدود التوتر‪ ،‬ينتظر‬

‫‪ .‬فقط الشارة‪ ،‬اللمسة الخية لجتياز السباق‬

‫حي حاولت أن تلمح لدتا بوقفها‪ ،‬قالت الدة‪ :‬الفارس يعرف مت ينزل عن حصانه ول تزد‪ ،‬أرادت‬

‫أن تقول لا‪ :‬إن تركي للمهرة يعن أني قد أتزوج من رجل ل يسابقن‪ ،‬فيسقط كلم إخوتي ف‬

‫الرض‪ ،‬ويصي حكاية تضاف إل حكاياتنا الزينة ‪ .‬لكن الدة ل تسمع لا؛ قالت لا أمها‪ :‬الرجال‬
‫ل يبون النساء التفوقات عليهم‪ .‬كانت قد حكت نتفا من هواجسها لمها وهي تساعدها ف أعمال‬

‫البيز استعدادا ليام عيد الضحى القبلة‪ ،‬ث صمتت كعادتا‪ ،‬حاولت هي أن تستفهم منها‪ ،‬لكن‬

‫‪ .‬الم أكملت‪ :‬على الرأة أن تعرف جيدا مت ترخي اللجام ومت تشده‬

‫كانت اليام الثلثة التالية للعيد هي أيام سباق الرماح‪ ،‬حيث تبدأ اليول بفرسانا بالتجمع‬

‫ساحة السباق الاورة لضرحة بعض الولياء‬ ‫عصر يوم العيد بالقرية‪ ،‬وتأخذ ف التقاطر إل‬

‫الليي‪ ،‬تأتي اليول من القرية والقرى الاورة ومن بعض البلد البعيدة‪ ،‬فالسباق له أهيته ف‬

‫تديد أسعار اليول التسابقة ورفع اسم العائلت الالكة لا بي القرى‪ ،‬وأيضا مناسبة جيدة‬

‫لستعادة – ولو جزء قليل – من الماد القدية‪ ،‬والت تتلئ با السي الشعبية والتاريية الت‬

‫يقصها الشعراء والكاءون على جانب مضمار السباق‪ ،‬ما بي ربابة أو دف أو جلسة سر فوق واحد‬

‫‪ .‬من الكثبان الرملية‬

‫تبدأ السباقات ف الضحى وتنتهي عند الظهية لتعاود نشاطها بعد العصر حت غروب الشمس ليكون‬

‫الساء خاليا للعزائم واستعراض الكرم والكايات‪ ،‬ثلثة أيام تعل القرية ف حركة دائمة كأنا‬

‫‪ .‬تكفر عن سكونا الدائم الذي يعقب هذه الواسم‬

‫منذ فجر ثاني أيام العيد‪ ،‬أسرجت مهرتا وارتدت ملبسها الت حرصت عند حياكتها أن تظهرها‬

‫كأنثى‪ ،‬كانت منذ فتة قد أبدت اهتماما كبيا بلبسها‪ ،‬حي دخلت إل أرض السباق بي إخوتا‬

‫الرجال أدركت علي نو غامض أنه ربا يكون آخر سباق تركب فيه‪ ،‬ربا لنظرة الشباب والرجال‬

‫نوها‪ ،‬أحست أنا نظرة ليست كسابقتها‪ ،‬النظر إل فارس‪ ،‬أو إل طفلة مدللة بي إخوتا‪ ،‬لكن‬

‫نظرة رجل إل امرأة‪ ،‬امرأة يشتهيها ويرهبها ف نفس الوقت‪ ،‬يرغبها وياف منها‪ ،‬ربا توترها‬

‫الزائد هو ما جعلها ترتف فوق سرجها‪ ،‬أو لعل هواجسها الت أوحت إليها بذا حي ترأ بعض‬

‫الشباب بتديد كلمات وقحة بعيدا عن مسامع آذان إخوتا الذين انمكوا ف طقوس السباق‪ ،‬البعض‬

‫منهم فوق خيله والخر يقوم ببعض العمال التجارية‪ ،‬والبعض الخر يارس دور الزعامة‪ ،‬أما‬

‫أخوها عثمان – والد زينب – فهو هناك ف دائرة التحطيب‪ ،‬يصول ويول ول يقدر أحد على‬

‫‪ .‬ماراته‬

‫يومان مرا وانقضى ضحى اليوم الثالث‪ ،‬وها هي العصرية الخية ول يتقدم واحد من الفوارس‬

‫ويطلبها لتسابقه؛ ف اليوم الول كانت مبتهجة لذلك‪ ،‬خاصة بعد فوزها السهل لذلك التعاجب‬

‫بنفسه‪ ،‬حت أنا ل تعده من الفرسان‪ ،‬كان ينظر لا كعروس يكن اصطيادها‪ ،‬و ليس كفارسة تستحق‬

‫تقول ف نفسها‪ :‬يافون‪ ،‬يعرفون خطورتي ‪ .‬لكن مع انتهاء‬ ‫النزال‪ ،‬لذا أسقطته من حساباتا؛‬

‫ً‪ ،‬ولتعلن أيضا عن تواجدها‪،‬‬


‫اليوم الثاني دب القلق والوف ف روحها‪ ،‬ولتهدأ روحها قليل‬

‫أرخت اللجام للمهرة فجرت قاطعة أرض السباق وحدها ‪ ،‬كأنا تستعرض‪ ،‬تقول‪ :‬أيها البناء !!‬

‫كانت تتوقع حي عودتا إل نقطة البداية أن يسارع واحد منهم ويتحداها‪ ،‬مستغل الناك الذي‬

‫قد أصاب الهرة نتيجة للركض والستعراض‪ ،‬كانت تعرف هذا‪ ،‬و تازف به‪ ،‬روحها حنقة‪ ،‬تس با‬

‫ضيقة‪ ،‬كأنا طوقها وخصرها يريدان أن ينشقا لينفجر السد الضغوط داخلهما‪ ،‬ليتنفس‪ ،‬لكن‬

‫لصدمتها ل يتقدم أحد‪ ،‬حت الكلمات الذرة الت كانت تنطلق خلسة من بعض الفواه‪ ،‬تلت عن‬
‫‪ .‬حذرها وزادت جرأتا ووقاحتها‬

‫كان الضغط الذي تتعرض له أكب من قدرتا على التحمل‪ ،‬كانت تقول‪ :‬كنت ماصرة بالكراهية‪،‬‬

‫كنت أتنفسها‪ ،‬أتقلب بي نارها‪ ،‬كان علي الصمود‪ ،‬لكن إل مت ؟! رأت بعض اليول تأخذ طريقها‬

‫للنصراف‪ ،‬ف هذه اللحظة قررت التسحب والروج‪ ،‬كان القهر أشد منها‪ ،‬تبحث عن بقعة بعيدة‪،‬‬

‫تكون فيها وحيدة‪ ،‬تريد البكاء‪ ،‬تعرف أن البكاء قدرة العاجز‪ ،‬ل تكن تدرك جيدا – ف هذا‬

‫الوقت – سبب الكراهية الت تواجهها‪ ،‬تتساءل‪ :‬هل لا يد ف ذلك؟ كانت عينها غائمة متلئة‬

‫بالدموع‪ ،‬لكن وضوح صورة أمها ف ذهنها‪ ،‬جعل الدموع تتاجع‪ ،‬تدرك – الن – أن قوتا‪ ،‬قدرتا‬

‫‪ .‬على التحمل تعود إل أمها‪ ،‬وإل صمتها الكظيم‬

‫حي لوت عنان مهرتا للنصراف‪ ،‬أتاها صوت‪ :‬إل أين يا ابنة العم؟ التفتت‪ ،‬كان مصطفي ابن‬

‫‪.‬عمها ‪ ،‬فوق حصانه يقطع عليها الطريق‪ ،‬قالت دون أن تنظر ف وجهه‪ :‬راجعة إل البيت‬

‫‪-‬‬ ‫تتكي السباق دون نزال؟‬

‫تنبهت جيدا لوقع كلماته‪ ،‬أهو شامت أيضا‪ ،‬هكذا ذهب فكرها‪ ،‬شحنة الغضب الت بداخلها راكمت‬

‫كلمات قاسية داخلها‪ ،‬تدافعت إل حلقها لكنها ل ترج‪ ،‬أحست بشرجة تسك با‪ ،‬وأتاها صوته مرة‬

‫‪ .‬أخرى‪ :‬إل أرض السباق‪ ،‬سأنازلك أنا‬

‫‪-‬‬ ‫ماذا؟‬

‫ردت مندهشة ومستنكرة‪ ،‬نعم هو ابن عمها ‪ ،‬مدله با تعرف‪ ،‬وتعرف أنه فارس‪ ،‬لكنه أبدا ل‬

‫يطر ببالا أن تسابقه‪ ،‬حت أيام تدريبها بي إخوتا وهي صغية‪ ،‬ل يسابقها أبدا‪ ،‬ما الذي‬

‫‪ .‬دفعه الن؟ الشفقة !! ربا رأى الدموع التحجرة ف عينيها وهي لهية‬

‫مصطفي‪ ،‬كانت تعده واحدا من إخوتا‪ ،‬ل تفكر فيه كرجل غريب عنها إل حي بدأ اهتمامها‬

‫يتزايد بسدها‪ ،‬ف أوقات كثية كانت تس بعينيه وحركته تتجول قريبا منها‪ ،‬تتفقد دائما‬

‫أماكن تواجدها‪ ،‬كان ذلك يثيها‪ ،‬يعلها تتعمد الختفاء ف حال تواجده داخل البيت‪ ،‬لكن ها‬

‫هو الن يرى انكسارها الذليل فيسارع بد يده‪ ،‬تلؤه الشفقة‪ ،‬أرادت أن تقول‪ :‬ل‪ .‬غي أنه –‬

‫‪ .‬مصطفي – ساق الهرة إل أرض السباق‬

‫الشمس مالت نو الغيب‪ ،‬وساحة السباق وقفت على قدم لا رأتما يستعدان لبدء التسابق‪ ،‬كانت‬

‫تقول‪ :‬يريد أن يطيب خاطري ‪ .‬لكن هاجسا آخر هاجها‪ ،‬أيقدر على التفوق عليها؟ تعرف قدرته‪،‬‬

‫‪ .‬رأت كثيا كيف يسوق حصانه ليكسب السباق الذي ينزله‬

‫على الانبي تراص خلق كثي‪ ،‬وامتدت الساحة الرملية واسعة وفسيحة ومهيأة لتى السباق الخي‬

‫لفاطمة؛ كان عقلها يعمل بسرعة وعينها تتلس النظر إل وجهه الذي يبدو ثابتا‪ ،‬ل تظهر عليه‬

‫قلبها يتصاعد كما لو كانت تدخل السباق لول مرة‬ ‫‪ .‬أية انفعالت بينما وجيب‬

‫‪ .‬ستتسابق على الشرط‪ .‬قال ‪-‬‬

‫‪ .‬أي شرط ‪ .‬تساءلت ‪-‬‬

‫‪ .‬شرط عثمان ‪-‬‬

‫شرط الزواج‪ ،‬تذكرت‪ ،‬هكذا المر‪ ،‬ردها ذلك إل قلب السباق وأبعد عنها تيلها لروح‬
‫‪ .‬الشفقة الت تسيطر على مصطفي وفعله‪ ،‬تبسمت‪ ،‬وغمرها هناء داخلي عميق‬

‫‪ .‬أعطيت إشارة البدء‬

‫انطلقت اليل تسابق قدرا قد خط من قبل‪ ،‬وانطلق التهليل‪ ،‬ل تكن تسمعه‪ ،‬حواسها كلها مركزة‬

‫بالسباق‪ ،‬حي دكت مهرتا عند البداية أدركت عنف السباق‪ ،‬فمصطفي ليس بالفارس السهل‪ ،‬كان‬

‫ياورها ويبط خططها ف التضييق عليه‪ ،‬كانت تراه مبتسما وهو يقوم بذلك‪ ،‬فأغاظها‪ ،‬فدكت‬

‫‪.‬بركابا جانب الهرة الت انطلقت كسهم ملفة مصطفي وراءها بقدار ذراع‬

‫كانت ناية السباق تقتب‪ ،‬والسافة بينهما كما هي‪ ،‬ورن بعقلها صوت مصطفي‪ :‬أسابقك على‬

‫الشرط ‪ .‬التفتت نوه‪ ،‬وجدته مبتسما كأنا واثق من الفوز‪ ،‬تعرف أن المتار القليلة الباقية‬

‫هي الت تدد الفائز‪ ،‬هنا تظهر قدرة الفارس وبراعته ف خداع الصم والتحكم باليوان الذي‬

‫يعتليه‪ ،‬رأته يتقدم حت ياذيها‪ ،‬ولفحتها رائحة عرقه‪ ،‬فتذكرت الشرط القدي ورأت يدها تشد‬

‫اللجام‪ ،‬تكبح الهرة‪ ،‬ت هذا ف لظة دون إدراك كامل منها‪ ،‬غي أنا كافية لعل مصطفي يتقدم‬

‫ً صغيا يلوح بيده غاضبا‪ ،‬فقد رأى ما‬


‫عليها بذراع يكسب با السباق‪ ،‬وبطرف عينها ترى طفل‬

‫ً‪ ،‬مدوعا‪ ،‬اكتشف‬


‫فعلت‪ ،‬شاهدته يمل حجرا من الرض‪ ،‬حجرا صغيا ويقذفه نوها‪ ،‬كان يبدو مذول‬

‫‪ .‬الغش الذي تعرض له‬

‫الن لا تستعيد الحداث‪ ،‬تدقق ف ملمح الطفل‪ ،‬فتبهتها العرفة‪ ،‬أنه عوض ال‪ ،‬عوض ال اللب‬

‫ً وقتها‪ ،‬تقول‪ :‬حت الن ل يقدر على مسامت‪ ،‬ورثنا كرها متبادل‬
‫ً‪ ،‬ل نقدر أبدا‬ ‫الذي كان طفل‬

‫على التسامح‪ ،‬و التسامح ل ييء إل بعد النسيان‪ ،‬هو ل ينس خديعت له‪ ،‬خديعت الت قادتا‬

‫‪ .‬الرأة بداخلي‪ ،‬وأنا ل أنس أبدا أنه من غرر بصغيي وطفلي الول‪ :‬سعيد‪ ،‬ياه‪ ،‬زمن‬

‫الراديو يواصل بثه على الواء ينقل حركة الجيج وصلتم للمغرب والعشاء ف الزدلفة‪ ،‬وهي‬

‫فوق مصليتها تتابع بأذنيها ودموع تتقرق بعينها توشك على النزلق‪ ،‬وتلعن ف سرها الحداث‬

‫والظروف الت حالت دون ذهابا لداء الج‪ ،‬كم مرة‪ ،‬ل تود التذكر‪ ،‬لكن الشوق يعتصر فؤادها‬

‫كانت عقب عودتا من الارج قد أدخلت نعجتها والروف إل الزريبة‬ ‫ويعل روحها ضيقة‪.‬‬

‫ً‪ ،‬كذلك وضعت العشاء لدواجنها ولنفسها‪ ،‬ث هشتها برفق إل مواضعها‪،‬‬
‫بعد أن تسحت با طويل‬

‫دواجنها ل تانع‪ ،‬فمع طول العشرة أدركت – غريزيا – طباع وتقلبات سيدتا‪ ،‬فعرفت الوقات‬

‫الت تعاندها فيها أو تعابثها أو تطيعها‪ ،‬من أول النهار‪ ،‬وحركة السيدة توحي لا بضيق‬

‫‪ .‬النفس وضيق الروح‪ ،‬فآثرت السكينة وذهبت إل مواضعها دون رفرفة أو مشاكسة‬

‫سخنت ماء واستحمت به‪ ،‬قالت‪ :‬لا كنت صغية‪ ،‬كنت أصحو قبل الفجر‪ ،‬استحم وأرتدي ملبسي‬

‫… الديدة للعيد‪ ،‬الن‪ ،‬ربا لن‬

‫جاءها " عيد "‪ ،‬شرب معها القهوة ‪ ،‬ث هشته برفق ليعود إل " عزيزة " – زوجته – فهذه ليلة‬

‫عيد‪ ،‬وليس عليها أن تفسدها عليها بطول حديثها مع " عيد "‪ ،‬قالت وهي توصله عند الباب ‪:‬‬
‫توقف مستفهما أضافت‪ :‬روحي لن تقدر على تمل ألها ‪ .‬فهم أنا تقصد‬ ‫غدا لن أذبح الروف‪.‬‬

‫النعجة‪ ،‬ل يشأ أن يقاطعها‪ ،‬فانصرف‪ ،‬وهي أغلقت الباب خلفه وعادت لتجلس فوق مصليتها‬

‫بيدها مسبحة‪ ،‬كان قد أهداها لا سعيد لا قرر البقاء والزواج‪ ،‬كانت تقول عنها‪ :‬أشم فيها‬

‫‪ .‬رائحته‬

‫قامت وخرجت إل الوش الذي ينيه القمر‪ ،‬نظرت نو النخلة‪ ،‬وباقي البيت‪ ،‬خاصة الزرائب‬

‫اللفية الواقعة تت الظلل‪ ،‬رأت كأنا طيفا يتحرك هناك‪ ،‬غي أن كلل بصرها منعها من التيقن‪،‬‬

‫‪ .‬هشت الاطر من بالا‪ ،‬وعادت إل سريرها وتددت عليه‪ ،‬قالت‪ :‬بسم ال الرحن الرحيم ‪ .‬ونامت‬

‫فصل ف ذكر الرجال*‬

‫كانت العمة قد أضمرت ف قلبها‪ ،‬لا كانت ف حلها الول‪ ،‬أن تطلق أساء إخوتا الرجال علي من‬

‫سوف تنجبهم من الذكور‪ ،‬وبالتتيب الذي جاءوا به إل الدنيا‪ ،‬فهي طوال عمرها تعيش قوية‪،‬‬

‫قادرة‪ ،‬تت ظل سطوتم وقدرتم‪ ،‬كما أن واحدا منهم‪ ،‬إخوتا‪ ،‬ل ينهرها‪ ،‬أو حت قال لا أف ف‬

‫‪.‬يوم من اليام‬

‫أطلقت اسم‪ :‬سعيد علي ابنها البكري‪ ،‬وعلي مولودها الثاني‪ :‬علي‪ .‬لكنها عدلت بصراحة‬

‫عن عزمها حي لظت ترابط مصائر أولدها‪ ،‬بصائر أخوالم‪ ،‬إخوتا‪ ،‬فسعيد الذي أظهر ميل واضحا‬

‫تاه التشرد والنفلت من قبضتها‪ ،‬كذلك كان خاله الول‪ ،‬والذي غادر العائلة إل السودان دون‬

‫‪ .‬عودة مرة أخري‬

‫حي انطلقت الرب العالية الول من عقالا‪ ،‬ولأ النليز والسلطة الصرية إل القبض علي‬

‫شباب السر غي القادرة وترحيلهم للحرب وخدمة النليز وإرسالم إل أتون الرب الشتعل؛‬

‫وبوشاية مكمة من العائلت الخرى‪ ،‬جاء رجال السلطة للقبض علي سعيد الكبي‪ ،‬ولا كان‬

‫للعائلة قدر ما يزال من القوة واليبة استطاعت به أن تتفادى هذه الكارثة‪ ،‬ف القابل كان‬

‫علي سعيد أن يغادر القطر الصري كله‪ ،‬ول يكن هناك سوي العمام الذين بقوا بالسودان‪،‬‬

‫أثناء الطور الثاني من العائلة‪ ،‬فسافر إليهم‪ ،‬وكما انقطعت أخبار العمام منذ مدة طويلة‪،‬‬

‫انقطعت أخباره أيضا‪ ،‬لذا لا وضعت السيدة طفلها الول بعد أكثر من مرور خسة عشر عاما علي‬

‫هذه الواقعة‪ ،‬أطلقوا عليه‪ :‬سعيد كي تؤكد لنفسها أول‪ ،‬ث لوالديها وإخوتا وزوجها‪ ،‬بأنم‪،‬‬

‫‪ .‬ل ينسوه‬

‫جاء الولود الثاني للسيدة ذكرا‪ ،‬فأطلقت عليه دون تفكي‪ :‬علي‪ .‬الوقت أوائل‬

‫‪ .‬الربعينات‪ ،‬وشبح اللريا ييم فوق أجواء الصعيد‪ ،‬منذر بكوارث ل يكن تفاديها‬

‫بعد شهور قليلة من ولدتا رحل معا‪ ،‬علي الكبي وعلي الصغي‪ ،‬ف نفس الوقت نذر الرب العالية‬

‫الثانية كانت متعالية‪ ،‬واليد الطويلة والقوية للسلطة استطاعت هذه الرة أن تتد وتقبض‬

‫‪" .‬علي أخيها الثالث" موسى‬


‫ضربتان موجعتان تلقتهما العائلة‪ ،‬بقدر كبي من التجلد والصب‪ ،‬وعزة نفس عالية ف مواجهة‬

‫الشماتة الطاغية للعائلت الخرى داخل القرية‪ ،‬كل ذلك جعل السيدة تعمل بالا وفكرها طوال‬

‫أيام وليال الزن التعاقبة ف مصائر أولدها‪ ،‬حيث أدركت بس غريزي بت التشابه الذي يربط‬

‫مصائر أولدها وإخوتا‪ ،‬بروية و طولة بال قررت التحايل علي هذا الوضع‪ ،‬قالت‪ :‬ماذا ف يدي‬

‫غي اليلة؟‬

‫راجعت خلل لياليها الطويلة الؤرقة الساء الت تطلقها العائلة علي أبنائها‪ ،‬بدأت تسأل عن‬

‫أساء الكبار من العائلة بداية من عبد ال الرحال‪ ،‬الد الول‪ ،‬وحت الن‪ ،‬ل تستغرب كثيا‪ ،‬حي‬

‫وجدت أن أساء بعينها تتدد كثيا داخل العائلة‪ ،‬أساء الذكور والناث وإن كن قليلت‪ ،‬وتبسمت‬

‫‪ .‬لا تذكرت إنا تمل اسم جدتا‪ ،‬فاطمة‬

‫كانت حيلتها ببساطة تتجلى ف اختيار أساء بعيدة عما اعتادت العائلة أن تطلق من أساء علي‬

‫أبنائها ‪ .‬فاختارت للولدين اللذين أنبتهما بعد ذلك‪ :‬نصار‪ ،‬وزين العابدين‪ ،‬والبنتي‪:‬‬

‫‪ .‬حياة ومنتهى‬

‫طوال الوقت كان يداخلها شك بأن حيلتها العاجزة لن تفلح ف مواجهة حبائل القدر النسوجة‬

‫بإحكام شديد‪ ،‬لكنها تتاجع قائلة‪ :‬وهل أقف مكتوفة اليدي ؟ كان زوجها مصطفي قد أبدي‬

‫تعجبا واضحا لا لظ إصرارها علي الساء الديدة الت تتارها لطفالا‪ ،‬كانت قد اتفقت معه ف‬

‫البداية علي ما اعتزمته حيال أساء إخوتا الرجال‪ ،‬حي راجعها‪ ،‬صمتت أصرت علي الساء‬

‫الديدة‪ ،‬دون أن تفسر له‪ ،‬ل يتوقف كثيا أمام المر الذي أرجعه للضربات الوجعة الت تتعرض‬

‫‪ .‬لا العائلة ف الونة الخية‬

‫تثل تارة البوب‪ ،‬خاصة الزراعية الورد الرئيسي لقتصاد العائلة‪ ،‬فبعد أن فقدت تارة المال‬

‫والعطور والبهارات خطوطها وطرقها الرئيسية بي مصر والسودان خلل سنوات الرب العالية‬

‫الثانية‪ ،‬وتبعثر بعض من أفراد العائلة تبعا لذلك ف البلد‪ ،‬كان علي العائلة أن تواجه‬

‫مأزقها و ضائقتها الالية الت ضربتها من جراء سنوات الكساد العام‪ ،‬لذا خفضت تارتا‬

‫وتعاملت ف تارة البوب الزراعية‪ ،‬تشتيها بكميات كبية‪ ،‬تأتي من البندر‪ ،‬مملة داخل‬

‫الصنادل الشراعية‪ ،‬ليتم تزينها داخل البيت‪ ،‬لبيعها طوال العام لزارعي القرية والقرى‬

‫‪ .‬الاورة‬

‫رغم التحول والقتاب من الزراعة‪ ،‬ل يفكر رجال العائلة مطلقا بشراء أراض زراعية وتلكها‪،‬‬

‫كانوا ينظرون للمر علي إنه يرهم ناحية العبيد الذين كانوا يبيعونم خلل السنوات‬

‫البعيدة‪ ،‬كانت التجارة‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬تؤمن لم تيزا ووضعا اجتماعيا عاليا ل يكن‬

‫إنكاره‪ ،‬وهم بذا العتقاد ل يكنهم أن يعطوا للزمن الفرصة للنيل منهم‪ ،‬فمنذ بدأ يدير لم‬

‫‪ .‬ظهره وهم ياولون التمسك بالشياء الت تافظ علي وضعهم ومكانتهم‬

‫جاءت الكارثة هذه الرة‪ ،‬حي ضربت عاصفة ترابية قلوع الصندل المل بالغلل‪ ،‬ما أدي إل غرقه‬

‫ف عرض النيل ‪ ،‬ف هذا الوقت كان سعيد الكبي‪ ،‬قد رحل إل السودان‪ ،‬وتوف علي‪ ،‬أما موسى‬

‫تواترت عنه أخبار بأنه فر هاربا من الهادية‪ ،‬واتذ طريقه نو الشام وإن كانت بعض الخبار‬
‫‪ .‬أكدت موته ف الرب‪ ،‬والبعض الخر منها قال أنه فر باتاه الغرب‬

‫عقب واقعة الصندل واختفاء الب لفتة‪ ،‬عاد بعدها متصوفا‪ ،‬زاهدا ‪ ،‬غي راغب بالبقاء داخل‬

‫البيت‪ ،‬إن هي إل أيام يقضيها معهم ث ينصرف إل أحد الوالد القريبة أو البعيدة‪ ،‬لقد صار‬

‫‪ .‬درويشا‪ ،‬يفكر بالوت كثيا‪ ،‬أكثر من اهتمامه بالياة‬

‫كان علي الشبان الثلثة التبقي داخل حظية البيت‪ :‬خليل وعثمان وإبراهيم‪ ،‬أن يتدبروا‬

‫أمورهم ويواجهوا الياة بصدورهم وأذرعهم‪ ،‬كان عليهم القتال داخل هذه الظروف مع مصطفي‪،‬‬

‫ابن عمهم وزوج أختهم ‪ ،‬لكن الياة لعبت لعبتها أيضا ‪ ،‬ورمت عصا التشتت بينهم ‪ ،‬فما هي‬

‫‪ .‬إل أعوام قليلة حت تفرقوا ‪ ،‬واحدا إثر واحد‬

‫ول يكن حظ أبناء السيدة أفضل من حظوظ أخوالم وأجدادهم ‪ ،‬رغم كل الحتياطات الت حاولت‬

‫السيدة جاهدة أن تأخذها ‪ ،‬وتبن حولا أسوارا متينة إل إن السهم النطلق كان ير ‪ ،‬ليؤدي‬

‫‪ .‬واجبه ‪ ،‬ويتكها وحدها ‪ ،‬واحدة وحيدة‬

‫ثبت عيد الكشاف باتاه الائط فأنار الظلل الت كونا القمر ‪ ،‬تساءل ‪ :‬من أين أبدأ ؟ بيده‬

‫قلب الريدة الضراء الشطوفة ‪ ،‬وبوار الائط ركن علب اللوان ‪ ،‬متحيا أمام الائط العريض ‪،‬‬

‫قال ‪ :‬ف ليلة بعيدة كهذه وقف جدي يعاني نفس الية ‪ .‬حيته ل تدم طويل‬
‫ً ‪ ،‬عينه التقطت‬

‫الرسة القدية لسيدة فوق سجادة الصلة ‪ ،‬قال ‪ :‬سأخالف جدي ‪ ،‬لن أبدأ بالكتابة ‪ ،‬راح‬

‫ً ث يعود لتثبيتها ‪،‬‬


‫للرسة وجرت يده فوق الطوط الباهتة ‪ ،‬كان يعي التلوين ‪ ،‬يددها أول‬

‫بدأ بالسجادة والزخرفة الت تتويها ‪ ،‬والكتابة الت توط الركان ‪ ،‬ث جسد السيدة ‪ ،‬بدأ‬

‫بالزء التبع فوق السجادة والسبحة‪ ،‬كانت يده تسرع كلما تقدم ف العمل والوقت ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫سبحان ال ‪ ،‬حي كنت ألون حوائط بيت ‪،‬كانت يدي غي طبيعية كما هي الن‪ ،‬وصل لوجه السيدة ‪،‬‬

‫‪ .‬والفرشاة – الريدة – تري باللوان ‪ ،‬لدرجة أنه كان يس بعدم قدرته على التحكم فيها‬

‫الوجه القدي الني رأى كأن فرشاته أضافت له بعض الطوط و التجاعيد ‪ ،‬فبدا حزينا بشكل ما‪.‬‬

‫ارتف حي داهه هذا الاطر ‪ ،‬تراجع مبتعدا عن الرسة ليتأكد من وساوسه ‪ ،‬كانت اللمح تاول‬

‫كبت حزن طويل ودفي ‪ ،‬هرع ثانية ليعيد بعض البهجة للوجه ‪ ،‬حاول مو بعض الطوط ووضع‬

‫أخرى ‪ ،‬غي أن ما كان يرغب ف موه وتعديله ‪ ،‬صار أكثر ثباتا ووضوحا ‪ ،‬قال ‪ :‬لاذا ؟‬

‫ً سيجارته وملتقطا بعضا من النسيم الريفي الذي يغمر الساحة ‪،‬‬


‫تراجع وجلس على الرض مشعل‬

‫التقطت أذناه صوت الراديو الذي يبث قراءة للقرآن الكري ‪ ،‬كان الشيخ " رفعت " الذي يعشق‬

‫تلوته ‪ ،‬حاول تبي اليات ‪ ،‬إل أن اضطرابه وبعد الصوت القادم من الداخل ‪ ،‬بالتحديد من‬

‫‪ .‬فوق سرير السيدة ‪ ،‬ل يكنه من تديدها‬

‫أين يكمن الطأ ؟ تساءل مدثا نفسه ‪ :‬ف حالت مشابة تغلبن هواجسي ‪ ،‬لكن الن ‪ ،‬فقط أعيد‬

‫رسم الصورة القدية ‪ .‬مد يده مشيا إليها ‪ ،‬لكن ما الذي حدث ‪ ،‬أهي الصورة الت تتحكم ف‬
‫إظهار ذاتا كيف تشاء ‪ ،‬أم هي معايشت لا ولزنا الذي بات مسيطرا عليها ؟ رغم قوتا الت‬

‫‪ !! .‬تاول أن تدعيها لتداري با ضعفها وحاجتها للحماية والتعاطف‬

‫تنبه على لسع السيجارة بي أصابعه ‪ ،‬فداسها ف التاب ‪ ،‬وقام واقفا ‪ ،‬وقال ‪ :‬على أية حال‬

‫‪ .‬يب أن أكمل‬

‫هدأة الليل والنسيم الريفي أدخل العمة ف النوم مباشرة ‪ ،‬كل شيء ساكن حولا ‪ ،‬حت دواجنها‬

‫هجعت دونا صوت ‪ ،‬ما يتدد ف الكان نسمات الواء الرطبة الت تعلو وتبط بقراءة الشيخ رفعت‬

‫كأنا تنقيها من أثقال حاولت التعلق با ‪ ،‬ببساطة واضحة كانت روح السيدة تصفو‪ ،‬و ترتفع‬

‫‪ .‬ملقة‬

‫نقل " عيد " السقالة إل الناحية الخرى من الائط ‪ ،‬ماول‬


‫ً إسقاط مسألة الصورة بعيدا عن‬

‫تسيطر عليه؛ بعد أن نقل السقالة ‪ ،‬تساءل ‪:‬‬ ‫تفكيه ‪ ،‬لكن ما تزال الية القدية للجد الكب‬

‫ماذا أرسم ؟ رص علب اللوان أمامه ‪ ،‬وفرشاته بيده ‪ ،‬غي أنه ل يعرف ف أي لون يغمسها ‪،‬‬

‫وأي خط سيخطه ‪ ،‬قال جده ذات مرة معلقا علي أدائه فوق حوائط البيت للمرة الول ‪ :‬أن أرى‬

‫‪ .‬الطوط ترتسم قائمة أمامي‬

‫‪ .‬راح ينظر للحائط متأمل‬


‫ً ‪ ،‬ومنتظرا ظهور الطوط‬

‫‪ .‬يا أمي ‪ ..‬يا أمي ‪-‬‬

‫صوت سعيد ‪ ،‬قالت ث انتظرت حت تردد النداء مرة أخرى ‪ ،‬تأكدت أنه صوته ‪ ،‬فتحت‬

‫عينيها ‪ ،‬رأت الوجه البتسم والذي يفي قلقا كبيا خلف البتسامة الت ياول إظهارها ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫تأخرت يا أمي ‪ ..‬الكل ف انتظارك ‪ .‬تنبهت لا حولا ‪ ،‬وجدت البيت غارقا ف أضواء ملونة ‪،‬‬

‫وغناء شجي ينبعث آتيا من عند النخلة‪ ،‬نضت ‪ ،‬ووجدت واحدة من بناتا تلبسها ثوبا السود‬

‫القطيفة الغال ‪ ،‬ارتدته فوق جلبابا الرير الخضر ‪ ،‬والذي أتى به سعيد لا كان ينوي‬

‫الزواج ‪ ،‬قامت وخرجت إل حوش البيت ‪ ،‬كانوا كلهم بانتظارها‪ :‬جدتا‪ ،‬والدها ‪ ،‬والدتا ‪،‬‬

‫إخوتا الرجال ‪ ،‬مصطفي زوجها وابن عمها ‪ ،‬أولدها ‪ ،‬وسعيد يقودها من يدها ‪ ،‬جيعهم واقفون‬

‫ً ‪ :‬رايه في يا حاجة يا أم توب قطيفة‪ .‬رأت لسانا ييب‬


‫بوار النخلة ‪ ،‬وجاءها الغناء متسائل‬

‫‪ .‬مغنيا ‪ :‬راية أزور النب والكعبة الشريفة‬


‫ً ‪ ،‬سرعان ما رأى خطوط النخلة تتحدد أمامه ‪ ،‬مد يده إل أحد اللوان وأخذ‬
‫ل يدم تأمله طويل‬

‫يرسم ‪ ،‬نلة أصلها ثابت ‪ ،‬ورأسها يتطاول إل العال ‪ ،‬تتها وحولا خلق كثي ‪ ،‬تغلب عليهم‬

‫‪ .‬البهجة والسرور ‪ ،‬وكأنا صوت غناء يتحدر إل سعه ‪ ،‬ويده تعمل بسرعة ل يعهدها‬

‫من الباب خرجت وسط الغناء الدائر ‪ ،‬الدواب واقفة ف النتظار ‪ ،‬تقدمت باتاه مهرتا الت‬

‫يسكها رجل عجوز ‪ ،‬حي اقتبت ‪ ،‬أخذ يدها من يد سعيد الذي كان ينظر للشيخ بنظرة مليئة‬

‫بالغضب والنق وإن كانت الشفقة تتخللها أحيانا ‪ ،‬حاولت أن تستعلم عن الشيخ ‪ ،‬لكنه تقدم‬

‫‪ .‬وعدل السرج وساعدها على الركوب ‪ ،‬ث ضرب كفل الهرة الت انطلقت وسط الزغاريد التصاعدة‬

‫رسم مهرة تركبها السيدة تم بالركة ملفة وراءها بقليل شيخا كبيا يلله حزن غامض ‪ ،‬حاول‬

‫التوقف ‪ ،‬ليتمعن ف هذا الزن النبيل الذي يسيطر على رسومه منذ أول الليل ‪ ،‬رغم البهاء‬

‫الذي يستشعره داخله والذي ييط برسومه من الارج ولكنه ل يتقها ‪ ،‬ل يقدر على التوقف ‪،‬‬

‫وجد يده ترسم بعد مساحة قليلة ‪ ،‬السيدة فوق بعي يعب الصحراء ‪ ،‬ث السيدة ف باخرة تتاز‬

‫‪ .‬البحر ‪ ،‬ث السيدة فوق بعي للمرة الثانية تعب واديا ‪ ،‬تبدو ف نايته مئذنة عالية‬

‫كل أحبتها من حولا ‪ ،‬وهي بينهم بعد أن خلعت الثوب السود الثقيل وارتدت الثوب البيض‬

‫الذي أعدته منذ زمن طويل لرحلتا إل الج ‪ ،‬كانت سعيدة وجزلة لكن على نو مبهم كان الكدر‬

‫يهاجها ويضع أمام وجهها وجه الشيخ العجوز ‪ ،‬كانت تس بأل غامض يعتصر الشيخ ويعل نظرات‬

‫الشفقة من عي ولدها تطل ؛ تنظر إل أحبتها ‪ ،‬سعداء ‪ ،‬وجوههم تعب عن نشوة فارقتهم منذ‬

‫زمن طويل ‪ ،‬حت سعيد الكفهر دائما ‪ ،‬بدا منبسطا لكأن حلمه القدي بأن يتجمعوا من شتاتم‬

‫‪ .‬قد تقق‬

‫خط خطوطا لرم واسع تتوسطه الكعبة الشرفة بكسوتا السوداء البهية ‪ ،‬وحزام أبيض يتوسطها‬
‫تغمره الكتابة " ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل " وطيور تلق ف فضاء الرم ‪،‬‬

‫طيور كثية ومتداخلة ‪ ،‬ل يستغرب حي وجد يده ترسم بينها دواجن السيدة ‪ ،‬ترفرف فوق الرؤوس‬

‫تبدو واضحة ‪ ،‬تطوف وسط هذه الموع الغفية ‪ ،‬من بي هذه‬ ‫الكثية التداخلة ‪ ،‬إل أن السيدة‬

‫الموع بدا وجه العجوز واضحا وهو يرقب السيدة الت أخذت تدقق ف الوجه الوادع ‪ ،‬ورويدا‬

‫أخذت ف التعرف عليه ‪ ،‬لا رأته يتبدل ويأخذ وجوه ‪ :‬والدها ‪ ،‬إخوتا ‪ ،‬زوجها ‪ ،‬ابنها سعيد‬

‫… ‪ ،‬إنه‬

‫ال أكب ‪ ..‬ال أكب … صوت آذان الفجر يتصاعد شجيا نديا إل السماء ‪ ،‬قالت السيدة فوق‬

‫سريرها ‪ :‬إنه جدي ‪ ،‬عبد ال الرحال ‪ ،‬نعم إنه هو‪ ،‬لكن هل كنت أحلم ‪ ،‬أم تراني كنت أتيل‬

‫ما ترسه خطوط الولد عيد فوق حوائط البيت الذي بناه الد الكب ‪ ،‬حاولت القيام ‪ ،‬وجدت‬

‫‪ .‬نفسها مهدة ‪ ،‬متعبة‬

‫ال أكب ‪ ..‬ال أكب ‪ ..‬صوت آذان الفجر يتصاعد شجيا نديا إل السماء ‪ ،‬تنبه عيد إل المى‬

‫الت تتاح بدنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا متعب ‪ ،‬وف حاجة إل الراحة ‪ ،‬تطلع إل الرسوم الت يظهرها ضوء‬

‫الكشاف ‪ ،‬قال ‪ :‬هل رست كل هذه الرسوم هذه الليلة ‪ ،‬يبدو أني أحلم ‪ ،‬أو أني أرى حلم‬

‫‪ .‬السيدة النائمة بالداخل‪ .‬سار متجها ناحية بيته وهو يدث نفسه بالنوم لعدة أيام‬

‫تاملت السيدة حت قامت‪ ،‬تسندت علي عكازها وخرجت إل الوش‪ ،‬رأت كأنا البيت مضاء‪ ،‬وأصوات‬

‫الغناء والبتهال والني تتدد واضحة بي جنباته‪ ،‬بصت حولا‪ ،‬رأت النخلة قائمة ف سرة البيت‬

‫يتاقص حولا أطياف بدت واضحة تردد الصوات الت أخذت ف التمايز والوضوح والرتفاع وهي‬

‫‪ .‬تتقدم نوها‬
‫كتاب الرجال‬

‫‪!!!.‬مفيش راجل هنا؟ ‪-‬‬

‫التحدي الوقح هو الذي يتحدث‪ ،‬ذلك ما أدركته عقولنا بوضوح و ثبات كامل‪ ،‬ل يكن هناك شك ف‬

‫أن موقفنا صار حرجا‪ ،‬و كرامتنا عرضة للتمرغ ف الوحل‪ ،‬و ذلك بسبب غي معلوم‪ ،‬فالشاب الذي‬

‫ظهر فجأة و كأنه نبت من خلف التلل ف غفلة من الميع‪ ،‬على القل ل نعرف دافعه لثل هذا‬

‫‪.‬الفعل‬

‫الشاب الذي بدا حييا ف كلمه و هو يزحف مقتبا من حواف الدائرة‪ ،‬ل يلفت انتباهنا‪،‬‬

‫قلنا‪ :‬غريب‪ ،‬كأي غريب ينزل بساحتنا أيام العياد‪ ،‬وجهه يمل ست الغرباء‪ ،‬نظراته غي‬

‫الستقرة‪ ،‬لجته التددة الت تتحسس وقع الكلمات قبل النطق با‪ ،‬كل هذا جعلنا نطمئن لكونه‬

‫غريبا و عابرا‪ ،‬و هكذا الال دوما‪ ،‬كل غريب عابر‪ ،‬ل يستقر إل لوقت‪ ،‬يأكل فيه من زادنا‪،‬‬

‫و يشرب من مائنا‪ ،‬ث يضى لال سبيله‪ ،‬و لسانه يروج لكرمنا الفائق‪ ،‬و حسن استقبالنا‬

‫‪.‬للغرباء‬

‫ف ناحية الشباب وقف يتابع اللعبة بانتباه شديد‪ ،‬و ما الضي ف ذلك كلنا يفعل‪ ،‬و إل‬

‫ما معن وجودنا هنا و الن‪ :‬لعبة التحطيب‪ .‬العصا و الرجل‪ ،‬الرجولة و ليونة الركة‪ ،‬حسن‬

‫الكر و تدبي الفرار‪ .‬يسك الرجل بالنبوت و يرفعه عاليا‪ ،‬شاما‪ ،‬و ينفضه نفضا‪ ،‬ليسمح لكمه‬
‫العريض بالنزلق على زند ذراعه‪ ،‬كي تبي قوة العضلة و حجمها‪ ،‬البعض يعل عضلت ذراعه ترقص‪،‬‬

‫و هو يقوم بز العصا‪ ،‬يتبها‪ ،‬يربا من طرف‪ ،‬ث يطوحها ف الواء و يلتقطها من طرفها الخر‪،‬‬

‫يريد لقبضته عليها أن تكون قوية مكمة‪ ،‬كي ل تذله عند الاجة؛ يدور حول اللقة‪ ،‬حجل برجل‬

‫و نصف‪ ،‬يقفز هنا‪ ،‬و ينط هناك‪ ،‬يستدير بسرعة و خفة‪ ،‬يستعرض مهارة السد و قدر مطاوعته‬

‫لصاحبه؛ ث ينطقها قوية و مطوطة من زمام شفتيه‪":‬ســو‪...‬ســو"‪ .‬إذانا ببدء اللعبة‪ ،‬كلنا‬

‫خب تلك الركات و جربا‪ ،‬لكن مواجهة الصم تص كل فرد بعرفته‪ ،‬كل واحد و له طريقته‪ ،‬و هذا‬

‫ما يفرق بي فارس و آخر‪ ،‬كل يشق دروب الياة حسب فهمه؛ كانت العمة تقول‪ :‬كل ابن آدم و له‬

‫دفة ف رأسه‪ ،‬يديرها بكيفه‪ .‬الهم هو الفوز‪ ،‬و انتزاع الهات من جهور اللقة التحفز لختطاف‬

‫عصا الهزوم؛ ف كثي من الحيان يتنازل اللعبان عن عصييهما لزوج آخر من اللعبي‪ ،‬فالغرض‬

‫‪.‬مشاركة أكب قدر‪،‬و إطلق التعة داخل كل النفوس‬

‫حي تقدم الغريب و أخذ العصا من أحد اللعبي‪ ،‬رمقناه ف خفة و تعجل‪ ،‬بدا لنا بسده‬

‫الطويل و رأسه العارية‪ ،‬هزيل نوعا ما‪ ،‬و إن كان واضحا أنه يعتن بلبسه‪ ،‬فجلبابه البيض‪،‬‬

‫وارد الليج‪ ،‬مكوي بطريقة لفتة‪ ،‬الساور مكمة الغلق بأزرار تبدو كالذهبة‪ ،‬و طرف قلم يتدل‬

‫من جيبه العلوي‪ ،‬قلنا‪ :‬غريب و هزيل‪ ،‬و رباية مدارس‪ ،‬سيأخذ دوره و يضى؛ ث ما لعيال‬

‫الدارس و لعبة العصا‪ ،‬أل يكفيهم أنم ل ييدون شيئا سوى التسكع و مناطحة الكبار و تسفيه‬

‫كلمهم‪ ،‬على العموم هو غريب و لن يصمد‪ ،‬فلعبنا الذي يلقيه جيد‪ ،‬لن يتمل الغريب منازلته‪،‬‬

‫تبادلنا الثرثرة العتادة‪ ،‬و أشعلنا السجائر‪ ،‬و تلفتنا حولنا‪ ،‬فالدور ل يستحق الفرجة‪،‬‬

‫هو تسديد خانة ف باب الضيافة‪ ،‬واجب فرضته علينا اللقة بوجودها هنا ف سفح الول الفقي‪،‬‬

‫‪.‬علينا تمل الغرباء حت يرحلوا‪ ،‬دون اعتض‪ ،‬أو تبم‬

‫ســو‪...‬ســو" صرخ با لعبنا‪ ،‬و ل يردها الغريب‪ ،‬أو خرجت منه خائفة و ضعيفة‪ ،‬فلم"‬

‫تصل مسامعنا‪ ،‬رفع لعبنا عصاه‪ ،‬و حجل دائرا حول اللقة‪ ،‬أما الغريب ل يرفع العصا بل جرها‬

‫خلفه على الرض‪ ،‬كأنا يط حدود دائرة اللعب‪ ،‬ل يجل برجل و نصف‪ ،‬ول يهرول حول اللقة‪ ،‬بل‬

‫سار متمهل‪ ،‬وجهه جامد ل ينم عن شيء‪ ،‬خطوتان و تلقت العصي ف دوى نعرفه‪ ،‬نظرنا إل عصا‬

‫الغريب‪ ،‬ل ترتف‪ ،‬كانت ثابتة‪ ،‬و فتح بابه‪ ،‬قلنا‪ :‬أهبل و عبيط‪ .‬فقد بان جانبه الين‬

‫مكشوفا لصمه‪ ،‬الذي اغتنم الفرصة‪ ،‬و سدد ضربة مكمة‪ ،‬لكن الغريب – و يا للعجب‪ -‬زاغ منها‬

‫بسده‪ ،‬بطريقة جعلتنا نشهق‪ ،‬و ف نفس اللحظة كانت عصاه قد أطارت عمامة لعبنا‪ ،‬فانطلقت‬

‫‪.‬الضحكات و القهقهات‬

‫كان علينا أن ننتبه‪ ،‬فالفعلة الت فعلها الغريب‪ ،‬ل تكن تعن أنه قد فاز و كفى‪ ،‬بل‬

‫تعن إهانة الطرف الثاني‪ ،‬فقد كان بقدوره أن يكتفي بلمس العمامة بطرف عصاه حت يعتب‬

‫فائزا‪ ،‬لكن أن يلعها من فوق رأس صاحبها‪ ،‬و رميها على الرض‪ ،‬متمرغة ف التاب الناعم الذي‬

‫تدوسه القدام؛ التقطت حواسنا الهانة‪ ،‬لكن قلنا‪ :‬ربا ولد أرعن‪ ،‬ل يعرف القواعد‪ ،‬و ل‬

‫يراعي الدود‪ ،‬فهكذا طبيعة عيال هذه اليام‪ ،‬و كأن زمننا قد مضى و أنقضت قواعده و حدوده‪،‬‬

‫و عليهم أن يؤسسوا قواعدهم على أنقاض قواعدنا؛ و هنا لح رأي جدير بالعتبار و هو أن‬
‫الغريب متمكن من اللعبة‪ ،‬فالركة الت قام با‪ ،‬رغم الرعونة‪ ،‬ل يأتيها إل متمرس‪ ،‬فاهم و‬

‫‪.‬مرب‪ ،‬وعلينا الحتاز‬

‫نزل لعبان إل أرض اللقة‪ ،‬و بسمة هادئة و واثقة كست وجه الغريب‪ ،‬بدت لنا كريهة‪ ،‬و‬

‫متشفية‪ ،‬خاصة و قد كان اللعب‪-‬الهزوم‪ -‬ياول جع عمامته من على الرض‪ ،‬بعد أن قذف عصاه إل‬

‫أحد الداخلي‪ ،‬اللعب الخر اته نو الغريب و هو يد يده كي يأخذ منه العصا‪ ،‬لكن الغريب رفع‬

‫يده مبتعدا‪ ،‬با يعن أنه سيستمر ف اللعب؛ صمتت اللقة‪ ،‬فهذا التصرف يرج اللعبة من كونا‬

‫نوعا من التسلية البهيجة ليام العيد‪ ،‬و يدخلها ف إطارات أخري‪ ،‬كنا قد تنبناها منذ زمن‬

‫‪.‬بعيد‬

‫عصرية عيد الضحى‪ ،‬و الشمس ترى لستقرها ف الغروب‪ ،‬لتكتسي الساحة النبسطة أمام‬

‫مقام الول الفقي بالظل‪ ،‬كان بعض الطفال يلعبون بالكرة‪ ،‬بعيدا عن حلقة التحطيب‪ ،‬و إن‬

‫كان حاسهم و زياطهم يصم الذان‪ ،‬و خلف التلل و الكثبان الرملية اختفت بعض تمعات الشباب‪،‬‬

‫يلعبون القمار‪ :‬النرد‪ ،‬و الثلث ورقات‪ ،‬و سيف الكوتشينة‪ .‬بينما هنا الصمت ييم على‬

‫اللقة‪ ،‬عقب إشارة الشاب الغريب‪ ،‬كسر اللعب الديد هالة الصمت ب‪":‬ســو‪...‬ســو"‪ .‬و هذه‬

‫الرة أيضا ل نسمع رد الغريب‪ ،‬كان واضحا أنه ل ينطقها‪ ،‬فقط ير عصاه خلفه و عينه جالسة‬

‫على الصم‪ ،‬ترقب حركاته دون أن تطرف‪ ،‬غي منشغلة بالضجيج الذي دب حول اللقة‪ ،‬فقط تركز‬

‫‪.‬على حركات الصم‪ ،‬بالتحديد يده القابضة على النبوت‬

‫هجم اللعبان‪ ،‬و تبادل الضربات‪ ،‬كان لعبنا قديرا‪ ،‬لديه من الهارات ما تعله قادرا‬

‫على إناء البارزة لصاله ف أقرب وقت‪ ،‬كان يتحرك يينا و شال بسرعة و خفة كي يرهق الغريب‬

‫و يفقده التكيز‪ ،‬و عندها يكون سهل الجهاز عليه‪ ،‬تبسمنا و قلنا‪ :‬جاءك الوت‪ .‬كان الغريب‬

‫يرد هجمات لعبنا ببساطة و حزم‪ ،‬كان موقفه الدفاع الدائم‪ ،‬و هذا ما يرمى إليه لعبنا‪:‬‬

‫إناك الصم تاما‪ .‬و تقدم لناء الباراة الت طالت‪ ،‬كانت حركته قائمة على أن يس الغريب عند‬

‫خصره‪ ،‬قام بالتمويه بسده ناحية اليمي‪ ،‬تاركا جانبه اليسر مكشوفا‪ ،‬كي يطمع الغريب فيه‪،‬‬

‫‪.‬ث‪ ،...‬و طارت العصا من يد لعبنا‪ ،‬و هو ياول كتم آهة أفلتت منه‬

‫بت الميع‪ ،‬و كأنا باضت الطيور فوق رؤوسنا‪ ،‬فما حدث ل يكن تصديقه‪ ،‬كانت ضربة‬

‫الغريب‪ ،‬ضربة عادية لرد الجوم الكاسح الذي يناور به لعبنا‪ ،‬نعم قد تكون ضربة خائف أيقن‬

‫بالزية القادمة بعد ضربة‪ ،‬لكن العصا طارت من لعبنا‪ ،‬و أصبح هدفا مثاليا لعصا الغريب‪،‬‬

‫لكن الغريب اكتفى بإنزال عصاه إل الرض و جرها خلفه و هو يبتعد من أمام لعبنا القابض‬

‫على يده‪ ،‬و ينظر لا بذهول؛ فيما بعد سيخب بأن عصا الغريب طالت أصابع يده القابضة على‬

‫العصا‪ ،‬و سيحتج بأن هذا الفعل مرم‪ ،‬فرد عليه أحد الالسي القرفصاء‪ :‬على الفارس أن يمى‬

‫كل جزء من جسده‪ .‬هذه الثرثرة ل تكن لتعنينا‪ ،‬قدر الهانة الت يتعمد هذا الشاب الغريب أن‬

‫يوجهها لنا‪ ،‬فقد كان لزاما عليه أن يس الصم بعصاه‪ ،‬ث يبتعد‪ ،‬لكن هكذا يستدير و ير‬

‫‪.‬العصا خلفه‪ ،‬و كأنه ل يكن يلعب أحدا؛ أي إهانة أكب‬

‫أصبح الوقف مأزوما‪ ،‬فبعد خسارة لعبي‪ ،‬أحدهم على القل جيد و يكن العتماد عليه ف‬
‫الواقف الرجة‪ ،‬ليس هزيتهما‪ ،‬و لكن بطريقة مهينة‪ ،‬كل هذا ألب حاس الالسي حول اللقة لوضع‬

‫ناية حاسة لذلك الغريب الذي ل نعرف من أين طلع لنا؟ و ل إل أين يريد جر اللقة‪ ،‬هذه الت‬

‫حافظنا على بقائها بيضاء و نظيفة طوال سنوات عديدة‪ ،‬ذلك ما تعاهدنا عليه عندما أعدنا‬

‫افتتاحها‪ ،‬قلنا لن نسمح للمشاعر المجية من القتاب‪ ،‬لننا لو غضضنا الطرف عنها فستجرنا‬

‫إل بركة الدم الت ردمناها و كفينا ماجورا فوقها‪ ،‬لكن مرجل الهانة الذي أوقده الغريب‬

‫أخذ ف إنضاج روح الكراهية و التحدي و تثبيتها داخل النفوس‪ ،‬الن زئي الرجال يطالب برد‬

‫‪.‬الكرامة الت يرغها الغريب على أرض الساحة‬

‫على مر السنوات تتجمع البلدان الاورة لنا‪ ،‬ف صبيحة اليوم التال للعيد‪ ،‬يتبكون‬

‫بالول الفقي‪ ،‬و تتحول ساحته إل سوق كبي‪ ،‬تد الباعة من كل صنف و لون‪ ،‬حت تار البهائم و‬

‫الغلل‪ ،‬و مشايخ الطرق‪ ،‬و اللصوص‪ ،‬و العيال و القمار‪ ،‬و رجال و نساء بلبس سوداء‪ ،‬و بنات‬

‫بلبس ملونة‪ ،‬هو موسم للتزاور‪ ،‬حت الوتى ساكن القابر‪ ،‬هذا موسهم‪ ،‬موسم للتعارف و الطبة‬

‫خارج البلدة‪ ،‬و ساحة خاصة لرماح اليل‪ ،‬تتسابق اليل فيه مرتي‪ ،‬واحدة عند الضحى‪ ،‬و‬

‫الثانية عند العصر‪ ،‬و هنا تت أقدام الول الفقي تنتصب حلقة التحطيب‪ ،‬و الت على جانبها‬

‫يقف عوض ال اللب بربابته‪ ،‬و معه اثنان من عائلته‪ ،‬واحد بالزمار‪ ،‬و الخر يوقع على نقارة‬

‫كبية‪ ،‬على هدى من النغام يتم اللعب الذي يقصده فوارس اللعبة من كل البلدان؛ أند كل هذا‬

‫‪.‬من أجل غريب أرعن جاء ليحرجنا بقلب ساحتنا‬

‫الفضيحة جاهزة الن للنطلق‪ ،‬فعند الغد لن نقدر على رفع رؤوسنا ف وجوه ضيوفنا‪،‬‬

‫سيقولون حي يرونه‪ :‬نعم هو غريب‪ ،‬ل نعرفه‪ ،‬لكنه حتة عيل‪ .‬و يبدون اندهاشهم‪ ،‬ث يتساءلون‬

‫ببث‪ :‬من نازله؟ و لظتها يأخذون ف التهوين من قدرات لعبينا‪ ،‬و استهتارنا بالغريب‪،‬‬

‫‪.‬العيل‪ ،‬الذي مرغ كرامتنا التحطيبية ف رمل الساحة أمام الول الفقي الشاهد علينا‬

‫لعبان آخران انزما‪ ،‬و الغريب ير عصاه خلفه و بسمته الباردة تكسو ملمه‪ ،‬و شس‬

‫‪.‬النهار تول هاربة‪ ،‬و ل يكن هناك من مفر من البحث عن ‪ :‬عثمان العجبان‬

‫كنا لة ف ديوان الاج‪ :‬عثمان الرحال‪ ،‬العجبان‪ ،‬البعض يشرب الشاي‪ ،‬و البعض قد فرغ‪ ،‬و‬

‫دخان السجائر متصاعد ف براح الديوان‪ ،‬بينما العم عثمان يسحب أنفاس الشيشة و بصره يتنقل‬

‫بيننا‪ ،‬نن أبناء عائلة الرحال‪ ،‬الذين جاءوا من الناف البعيدة و القريبة‪ ،‬من‪:‬‬

‫السكندرية‪ ،‬و أسوان‪ ،‬و قوص‪ ،‬و القاهرة‪ ،‬و البحر الحر‪ ،‬و الدلتا‪.‬كان تمعا نادر الدوث‪،‬‬

‫فقد كنا قد تعاهدنا و نن ف حصية العمة‪ ،‬أن نعل هذا اللقاء سنويا على القل‪ ،‬يوم عيد‬

‫الضحى‪ ،‬فرد من كل بيت‪ ،‬أو من يقدر على الضور؛ و بعد البيت الكبي‪ ،‬بيت الد الول‪ ،‬بيت‬

‫العمة‪ ،‬كما نطلق عليه الن‪ ،‬ل يبق بالبلدة سوى العم عثمان‪ ،‬و ابنته‪ :‬زينب‪ .‬امرأة سعيد‪،‬‬

‫‪.‬كما نعدها‪ ،‬و هي كانت تصر على ذلك‬


‫يا عم‪ .‬قال ممد السكندران‪ ،‬سنذهب لزيارة قب العمة‪ .‬تبسم العم‪ ،‬الكبي الوحيد الباقي ‪-‬‬

‫من إخوته‪ ،‬و أخرج من منخاريه دخانا خفيفا قبل أن يقول‪ :‬بارك ال فيكم‪ .‬ث و ضع البسم‬

‫بواره على الدكة‪ ،‬و قال‪ :‬ال يرحها‪ ..‬ل تط بقدمها ناحية القابر أبدا‪ ..‬ل تسر ف جنازة‪..‬‬

‫أو تذهب لزيارة واحد من أمواتا‪ ..‬ل تسبون ذلك قساوة قلب‪ ..‬كانت تقول‪ :‬التاب إل التاب‬

‫‪.‬يذهب‪ ..‬أما الرواح فهي باقية هنا‪ ،‬حول‪ ..‬أناجيها و تكلمن‪ ..‬ال يرحها‬

‫ساد صمت جليل‪ ،‬ل يقطعه سوى هرولة خطوات لغلم‪ ،‬جاء مندفعا من باب الديوان‪ ،‬دون أن‬

‫يدقه‪ ،‬و الباب على أية حال مفتوح‪ ،‬فاليوم عيد‪ ،‬و البواب كلها مشرعة‪،‬فوجئ الغلم بالشد‬

‫الصامت‪ ،‬فأدركه الصمت فسكن‪ ،‬و إن ظلت عينه معلقة بالعم عثمان‪ ،‬الذي أشار إليه‪ :‬أن‬

‫اقتب‪ .‬و لا دنا‪ ،‬سأله عما يريد؟ و الغلم كي يستيح ألقى الكلم بلهوجة شديدة‪ ،‬دفعة‬

‫واحدة‪ ،‬فلم يفهم واحد منا ماذا يقصد! فما كان من العم عثمان أن قال له‪ :‬اذهب‪ ..‬سأتي‬

‫خلفك‪ .‬و لا رأى الية تاصره من عيوننا‪ ،‬قال‪ :‬اذهبوا لشواركم‪ .‬قال واحد منا‪ :‬ألن تأتى‬

‫معنا؟ تشاغل العم عثمان بالبحث عن عصاه‪ ،‬مع أنا مركونة بواره على طرف الدكة‪ ،‬قال‪ :‬لدي‬

‫مشوار‪ ..‬سنتقابل بعد الغرب‪ ،‬ف البيت الكبي‪ .‬و لا وجد وجوهنا مستفهمة‪ ،‬أكمل و هو يطو‬

‫خارجا‪ :‬زينب هناك منذ الصباح‪ ،‬تضر للوليمة‪ .‬و خطا بطوله الفارع و هو يعدل من وضع الشال‬

‫العريض فوق كتفه‪ ،‬و النبوت الغليظ ف يده‪ ،‬كأنا يمل عود كبيت‪ ،‬توقف‪ ،‬قال‪ :‬سأدعو بعض‬

‫العارف‪ .‬ث أشار ل‪ :‬إذا قابلت عيد الرسام ف طريقكم‪ ،‬قل له أل يتأخر‪ ..‬على العموم هو‬

‫عنده خب‪ .‬ث واصل سيه التمهل و الذي يليق بعجوز ف سنه‪ ،‬تبعناه ببطء‪ ،‬و لا وصل للباب‪،‬‬

‫قال‪ :‬يا بن‪ ..‬ل ترجوا سويا‪ ..‬و سيوا بشوارع متلفة‪ .‬و تبسم ضاحكا و هو يكمل‪ :‬ل تقلقوا‪..‬‬

‫‪.‬كل الدروب تقود إل هناك‪ ..‬إل القابر‪ .‬و خرج من الباب‬

‫الوقف زاد سوءا‪ ،‬لعبونا يتساقطون تباعا‪ ،‬و الغريب بنفس وقاحته يرجر العصا خلفه‪،‬‬

‫و بسمة آخذة ف النمو تغمر ملمه؛ بعض اللعبي تشكى من طريقة لعب الغريب‪ ،‬و كيف أنه حريص‬

‫على إصابة أصابعهم‪ ،‬أو أقدامهم بعصاه‪ ،‬بطرق غي مسموح با ف اللعب‪ ،‬البعض صرخ على حواف‬

‫‪.‬اللقة‪ :‬إنه يغش‪ .‬فأسكته من ياوره‪ :‬مادام يغش‪ ..‬غشوا‪ ..‬الهم أن يرج مهزوما‬

‫كان الوار غاضبا‪ ،‬لكنه ل يغي من الحداث الؤسفة الت ترى أمام عيوننا‪ ،‬فزهوتنا‬

‫التحطيبية على الك الن‪ ،‬ما الذي أخر عثمان؟ الولد قال‪ :‬قادم خلفي‪ .‬يبدو أن الرجل صار‬

‫عجوزا‪ ،‬إن ل يفلح هو الخر‪ ،‬ضاعت هيبتنا تاما‪ ،‬لكن الدهن ف العتقاقى‪ ،‬و إل صار علينا أن‬

‫نغلق حلقتنا بالضبة و الفتاح و إل البد‪ ،‬و ساعتها هل سنقدر على ملقاة الناس بالشوارع و‬

‫السواق و الالس‪ ،‬بل الدهي كيف سنستطيع النظر ف وجوه أطفالنا‪ ،‬و عيون نسائنا دون أن‬

‫‪.‬نشعر بالزي‪ ،‬يا عثمان‬


‫تزحزحت اللقة كي يتقدم‪ ،‬و يرى حالنا الذي ل يسر صديق و ل حبيب‪ ،‬و الشمس كمن هي‬

‫متواطئة مع الغريب تسارع بالغروب و التخفي وراء البل الغربي‪ ،‬مبيتة على هزيتنا‬

‫الفادحة‪ ،‬ف هذه اللحظة كان الغريب ف طريقه للجهاز على لعبنا بضربة حاسة‪ ،‬تصاعدت معها‬

‫آهات الغضب العاجز؛ بسرعة قام أحد اللعبي بطف عصا الهزوم‪ ،‬كان هذا اللعب قد هزم من‬

‫قبل‪ ،‬جر الغريب عصاه إل قلب اللقة‪ ،‬و حي لح اللعب رفع يده عاليا مشيا برفض اللعب مع‬

‫لعب سبق و هزمه؛ زمرت الرجال و أمرت اللعب بالروج‪ ،‬و الغريب استدار مواجها عثمان‬

‫الواقف مستندا على عصاه‪ ،‬و قد عقد كفيه على رأس النبوت‪ ،‬توقف الغريب لرآه‪ ،‬ث رفع عصاه‪،‬‬

‫‪.‬لول مرة يرفع العصا‪ ،‬ببطء حت أصبحت ذراعه ف مستوى صدره‪ ،‬و أشار بعصاه مباشرة إل عثمان‬

‫وقف الميع و سكن‪ ،‬و العصا مشرعة بوجه عثمان‪ ،‬الذي تبسم برفق دون أن يفك يده من‬

‫رأس النبوت‪ ،‬بطرف عينه يرمق الميع‪ ،‬و ظلل آذان الغرب ساحة الول الفقي‪ ،‬تقدم عثمان من‬

‫‪.‬الغريب كاسرا حاجز الصمت و هو يقول‪ :‬أهل بود العم‬

‫الغريب تراجع خطوة‪ ،‬و أن ظلت عصاه مشرعة ف وجه عثمان‪ ،‬قلنا‪ :‬و أيضا قليل أدب‪ .‬بل‬

‫زاد بلة الطي‪ ،‬قال موجها كلمه لعثمان‪ :‬ارفع عصاك‪ .‬ضحك العجبان عثمان‪ :‬الغرب‪ ..‬غدا‪ ..‬أل‬

‫‪.‬تسمع‪ ..‬الصباح رباح‪ ..‬الن أنت ضيفي‪ ..‬هيا بنا نلحق الغرب‪ .‬و استدار خارجا من اللقة‬

‫ببطء نزلت عصا الغريب‪ ،‬و تركت قدماه خلف الاج عثمان‪ ،‬اللقة أفسحت لما‪ ،‬و إن ل‬

‫تفقه ما جرى؛ قلنا لعل عثمان يعرفه‪ ،‬أو لعله الغريب هو الذي يعرف الاج و يريد اللعب‬

‫معه؛ لكن البعض زاد‪ :‬أهو ثأر قدي‪ .‬لكن ما ذنب حلقتنا حت تتعرض للهانة‪ ،‬و هل انتهي‬

‫‪.‬الوقف بذه الطريقة؟ أم أن الال غدا‪ ،‬سيكون فضيحة و جرسة أمام البشر أجعي‬

‫حي دخلنا القابر‪ ،‬كما أخبنا العم عثمان‪ ،‬كان الكثي من النسوة اللبسات السود‬

‫متناثرات حول بعض القبور‪ ،‬و كانت مقبة العائلة‪ ،‬وحيدة بل زائر‪ ،‬لكننا لنا أثر ماء‬

‫مرشوش فوق الرضية‪ ،‬و جريد أخضر فوق قب العمة؛ سألن ممد السكندراني عن هدف العم من‬

‫تفريقنا بالشوارع الختلفة‪ .‬قلت دون أن أهتم‪ :‬لغرض ف نفسه‪ .‬بل السد يا ابن العم‪.‬علق‬

‫ماهد البشاري‪ :‬نن أشبه بأولد يعقوب‪.‬أفلتت الضحكات رغم جلل الوقف‪ ،‬كان الظل الائل من‬

‫البل قد كسي القابر‪ ،‬و يتابع رمه باتاه الشرق‪ ،‬حيث النخيل الذي تداعب جريده صفرة الشمس‬

‫و نسمات لطفن من اختناق الو؛ وقفنا لقراءة الفاتة و ترديد بعض الدعية على روح العمة‪ ،‬و‬

‫أرواح من سبقوها‪ ،‬كنا خليطا عجيبا من اللبس و اللوان‪ :‬جينز و قمصان بيضاء و ملونة و‬

‫جلليب طرق تفصيلها متباينة‪ ،‬بي الواسعة بأكمام عريضة‪ ،‬و الضيقة بأكمام تنتهي بأساور‬

‫مغلقة‪ ،‬ألوان البشرة و الوجوه تتدرج ما بي السمرة الداكنة إل البياض الشرب بالمرة‪،‬‬

‫‪.‬أغلب الوجوه تنز بالعرق بعد شواء الظهية التقد‬

‫السلم عليكم‪ .‬قالا عابر ف الطريق الاور للمقابر‪ ،‬رددنا عليه ونن نتطلع ناحيته‪ ،‬ل‬
‫يتعرف عليه واحد منا‪ ،‬كان يسي بسرعة كأنا ليلحق بأمر هام‪ ،‬قال ممد السكندراني معلقا‪:‬‬

‫كيف يتملون كل هذه اللبس الثقيلة فوق أبدانم و رؤوسهم‪ .‬رد البشاري ابن البال‪ :‬كل بلد و‬

‫سلوها يا ابن اليونانية! كشر ممد و ترك نو البشاري‪ ،‬و نذر ملسنة على وشك البوب كهربت‬

‫الو؛ مالا اليونانية؟ على القل أحسن من الجر ال‪ ،..‬تدخل القوصي‪ :‬هل هذا وقته؟ و تبسم‬

‫البعض‪ ،‬و البعض الخر جلس على شواهد القبور القريبة و هو يشعل السجائر؛ و مرت سيدة‬

‫فصمتنا‪ ،‬وقفت و هي تقول‪ :‬ال يرحها‪ .‬و أشارت إل قب العمة‪ .‬تعيشوا و تفتكروا‪ ..‬إنا أنتو‬

‫عيال مي؟ و كنت القرب منها‪ ،‬أخذت أوضح لا‪ :‬هذا أبن فلن و هذا‪ ...‬لكنها قاطعتن‪ :‬أنت ود‬

‫فلنة‪ .‬صمت و أنا أهز رأسي أي نعم‪ .‬فأكملت‪ :‬كيف حال أمك؟ من زمان رجلها ما خطت البلد‪.‬‬

‫قلت‪ :‬بي‪ .‬و أردت أن أشرح لا أن تعب الفاصل الذي حل بأمي‪ ،‬جعل حركتها قليلة‪ ،‬لكنها‬

‫قلت‪ :‬يوصل‪ .‬بعد لظة تذكرت‬ ‫غادرتن قبل أن أكمل‪ ،‬سارت قليل ث استدارت‪ :‬أبقي سلم عليها‪.‬‬

‫‪.‬أني ل أعرفها‪ ،‬لكنها كانت ابتعدت‬

‫هذا قب الاجة فاطمة الرحال‪ .‬توفيت‪ "...‬مكتوبة بط جيل على شاهد القب الغروز وسط "‬

‫بناء من اللب‪ ،‬و الذي طلى بالي البيض‪ ،‬يبدو الطلء حديثا‪ ،‬كأنا ت بالمس‪ ،‬بينما بدا الط‬

‫التماوج بارزا‪ ،‬يشبه غصن جيز بنتوءاته الببة‪ ،‬ل أشك بأنا كتابة "عيد"‪ ،‬رحت أتأمل‬

‫الزخارف و اللوان و ميل الط و دورانه‪ ،‬لدرجة جعلتن أتيله كقبة تاثل بناء القب ذاته؛‬

‫كان اللوح من الص البيض‪ ،‬طليت خلفيته بالسماوي‪ ،‬أما الط بدا عصيا على التصنيف‪ ،‬لكنه‬

‫ينبئ عن مهارة العارف لصنعته‪ ،‬التقن لفنونا‪ ،‬دقة الرفة تعله ل يفتعل أو ينفعل‪ ،‬فقط يتك‬

‫ما بداخله يتحرك‪ ،‬و ينتظر النتائج؛ ذات مرة قال ل عيد‪ :‬مرات كثية أجد الط عصيا‪ ،‬و يدي‬

‫ل تطاوعن‪ ،‬مع أنن سأكتب الكلمات الت أعتدت كتابتها من قبل مئات الرات‪ ،‬و سأكتبها ف‬

‫قابل اليام‪ ،‬كما ترى أنا ل أختع الكلم‪ ،‬بل أختع الطوط و اللوان‪ .‬سألته و قد هزني‬

‫الماس‪ :‬طيب ما العمل و الال هكذا؟ قال‪ :‬أحيانا كثيا أفكر بعلقت بن أكتب له‪ ،‬اليت يعن‪،‬‬

‫تصور ماذا أجد‪ ،‬لن تصدق‪ ،‬علقة عادية‪ ،‬باردة‪ ،‬غي ودودة‪ ،‬لظتها على أن أوظف خبتي فقط‪،‬‬

‫صمت و قد حطت عليه مسحة من الكآبة‪ ،‬فصمت احتاما لزنه‪ ،‬فأكمل‪:‬‬ ‫دون أي ادعاء أو حاس‪.‬‬

‫الزن أن هذه الكتابة ترج باهتة باردة‪ ،‬حي أراها بعد ذلك أدير وجهي بسرعة للناحية‬

‫الخرى‪ .‬قلت ماول التخفيف من حدة الزن‪ :‬يعن من يريد أن يعرف علقتك بأهل البلد‪ ،‬عليه‬

‫‪.‬تتبع رسومك و كتاباتك فوق الوائط و شواهد القبور‬

‫هيه‪ ..‬أين رحت؟ لكزني ممد السكندراني‪ ،‬انتبهت و أنا أشي لشاهد القب‪ ،‬تلفت حول فرأت ‪-‬‬

‫الموعة قد غادرت‪ ،‬و ل يبق سوانا‪ .‬قال ممد‪ :‬على حد علمي‪ ،‬أن عمتك ل تج‪ .‬تبسمت و أنا‬

‫‪.‬أترك خارجا بي صفوف القابر‪ ،‬ماذرا أن تطأ قدمي قبا‪ ،‬دون قصد من‬

‫لا خرجنا وقف ممد و أشعل سيجارة و أعطاني واحدة‪ :‬هل يكن العيشة هنا؟ كانت ضربة ل‬

‫‪.‬أتوقعها‪ ،‬لكن قبل أن أنطق‪ ،‬وصل لسمعنا آذان الغرب‪ ،‬فسرنا صامتي باتاه البيت الكبي‬
‫صوت الشيخ "حسي" يأتي رائقا و هادئا‪ ،‬متسلل من كوة الائط‪ ،‬و كمن لدغت هبت زينب‬

‫من مقعدها أمام النار‪ ،‬غطت اللة بعنف‪ ،‬فأحدث الصوت دويا‪ ،‬جعل عزيزة ترع نو الطبخ‪،‬عند‬

‫‪.‬الباب اصطدمتا‪ ،‬عزيزة تستفهم‪ ،‬و زينب تصرخ‪ :‬سرقنا الوقت‬

‫انتهينا من كل شيء‪ .‬ردت عزيزة‪ ،‬وضحكت قبل أن تكمل‪ :‬الالق الناطق عمتك‪ .‬أنت‬

‫رايقة‪ .‬قالت زينب و هي تطو ف الوش الوسيع‪ ،‬اتهت للديوان‪ ،‬و من الباب ألقت نظرة على‬

‫الدكك بفرشها و مساندها‪ ،‬الصر اللونة على الرض مفروشة‪ ،‬و عند الركن يقبع طست الغسيل‬

‫بواره إبريق الاء الليء‪ ،‬و على مسمار ف الائط علقت عدد من الفوط النظيفة‪ ..‬مرة أخرى‬

‫عادت للحوش‪ ،‬كان عيد قد دخل من الباب الكبي‪ ،‬و ناحيته تتجه عزيزة‪ ،‬قال‪ :‬مساء الي‬

‫عليكم‪ .‬و ناول عزيزة أعواد الذرة الت يملها؛ بفاء قالت زينب‪ :‬ل يأت أحد بعد‪ .‬تاوز عيد‬

‫الهانة قائل‪ :‬سألق الغرب‪ .‬تنهدت عزيزة وراحت بملها ناحية الزريبة‪ ،‬حيث النعجة و الروف‬

‫‪.‬و ما بقى من دواجن العمة‪ ،‬ف نفس الوقت كانت زينب ترج الفوانيس و الكلوب‬

‫حي عادت عزيزة‪ ،‬كانت "حي على الفلح" ترفرف فوقهما‪ ،‬و زينب منهمكة ف إشعال أحد‬

‫الفوانيس‪ ،‬قالت عزيزة‪ :‬البهائم صائمة‪ ..‬ل تس أكل الصباح‪ .‬و جلست بوار زينب‪ ،‬و راحت‬

‫تشعل واحدا‪ :‬الظاهر إنا عارفة‪ ..‬فاتت سنة‪ .‬بل كلم فارغ‪ .‬قالت زينب و هي تنهض واقفة‪،‬‬

‫فعاجلتها عزيزة‪ :‬لاذا تكرهينه؟ السؤال ثبت زينب للحظة‪ ،‬لكنها أخذت الفانوس و سارت به‬

‫للديوان‪ ،‬و هناك علقته ف واحد من العاليق الدلة من السقف؛ كانت تتحرك بمة امرأة تقتب‬

‫من الثلثي‪ ،‬و إن كان الكدر يظهرها أكب من ذلك‪ ،‬عزيزة الت من دورها‪ ،‬و عندها بيت و زوج‬

‫‪.‬و عيال تبدو أصب منها‬

‫بوسط الوش وقفت عاقدة ذراعيها حول خصرها‪ ،‬تتلفت حولا‪ ،‬تستجع إن كان قد فاتا شيء‪،‬‬

‫و من الطبخ رجعت عزيزة بعد أن علقت فانوسا هناك‪ "،‬الصلة و السلم عليك" صوت الشيخ‬

‫يبتهل‪ ،‬و نعجة العمة اندفعت خارجة من الزريبة‪ ،‬ترمح باتاه النخلة القائمة بسرة البيت‪،‬‬

‫خلفها الروف‪ ،‬و صار ف البيت هرج و زياط من الصوات الت غطت على ابتهالت الشيخ‪ ،‬دون تفكي‬

‫جرت عزيزة و تبعتها زينب؛ أنا متأكدة إن الباب كان مقفول‪ .‬قالت عزيزة‪ ،‬كان النظام و‬

‫النظافة الت حرصت عليهما زينب منذ الصباح عرضة للتلف و الفساد‪ ،‬و هو ما جعلها تبطم‬

‫‪.‬بالكلم الغامض‪ ،‬حول أرواح و أصوات عليها أن تنصرف الن‬

‫بهد و طول مناهدة استطاعتا صد حلة الروب الكبي لسكان الزريبة‪ ،‬و إحكام غلق‬

‫الباب‪ ،‬ليعود الدوء و الصمت لوش البيت‪ ،‬نظرت زينب لا تعبت فيه من أول النهار‪ ،‬الكنس‬

‫أول ث عندما انكسرت حدة الرارة رشت الاء كي يسكن الغبار‪ ،‬قالت عزيزة‪ :‬غيي هدومك قبل‬

‫قدوم الناس‪ .‬و بتحامق أهوج ردت زينب‪ :‬و ماله هذا الثوب!! تبسمت عزيزة‪ :‬يا أخت‪ ..‬كفاية‬

‫رائحته‪ ..‬من الطبخ و التاب طوال النهار‪ .‬و بنفس درجة الغضب‪ :‬مبولة‪ ..‬تريدينن أتزين‪.‬‬

‫ضربتها عزيزة على كتفها بفة‪ :‬من جاء بسية الزينة‪ ..‬قلنا الدوم‪ ..‬هؤلء أولد أعمامك‪.‬‬

‫‪.‬تبسمت زينب‪ :‬يا سلم على ماحكة النسوان‬


‫‪.‬طاخ‪ ..‬طاخ" خبط على الباب "‬

‫‪.‬جرت عزيزة نو الطبخ‪ ،‬أما زينب فقد جرت نو غرفة العمة‬

‫على جدار الدرسة القدية ارتكنا‪ ،‬كانت لظة غروب جديرة بالتأمل‪ ،‬فرغم التجمع‬

‫العائلي‪ ،‬كانت تسيطر علينا مشاعر الغربة‪ ،‬كنا كتجمع لغراب التقوا فجأة‪ ،‬ث انتبهوا‬

‫لقرابة تربطهم‪ ،‬لكن الوة ظلت شاسعة؛ ببساطة كنا ل نعرف بعضنا البعض‪ ،‬نطئ ف الساء و‬

‫الوصاف‪ ،‬رغم ما كان يعتينا من خجل‪ ،‬و تبسم ناول به دفع الهل؛ بدت الوة عصية على‬

‫التخطي‪ ،‬تاريخ طويل من البعد و الغربة‪ ،‬و الياة الختلفة‪ ،‬ف أماكن متفرقة‪ ،‬ل يكن التنكر‬

‫لكل هذا الياث‪ ،‬أو ادعاء أن الزمن هو الذي سيتكفل بل هذه الزمة‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪،‬‬

‫كنت أعتقد‪ ،‬و ما أزال‪ ،‬أن الزمن تديدا هو السبب الرئيسي فيها‪ ،‬فمع تدده تمد الروابط و‬

‫تتفكك‪ ،‬و يبهت التاريخ الشتك رويدا حت يأخذ طريقه للنسيان‪ ،‬و يكون من العبث ماولة‬

‫الوقوف بوجه الزمن؛ قال ممد السكندراني‪ :‬أنت واهم‪ ..‬بل يكن للمة هذه العائلة‪ .‬و استدار‬

‫قبل أن يكمل‪ :‬هذا كان حلم سعيد‪ .‬قلت دون أن أنظر إليه‪ :‬يبدو أن هذه العائلة ل يكن أن‬

‫‪.‬تيا دون ماني‬

‫كنت على حدود تركيا حي أتاني الاجس‪ .‬قال ممد و قد اكتسي وجهه بدية بالغة‪ ،‬جعلت‬

‫وجهه الوردي يتلون بدكنة زادها الغروب قسوة‪ ،‬و ل أدري لاذا أردت الضحك‪ ،‬فأدرت وجهي‬

‫سريعا صوب النخيل خشية الفتضاح‪ ،‬فأكمل ممد‪ :‬بالليل و كان الثلج ينهمر فوق رؤوسنا و نن‬

‫نبحث عن مبأ وسط الغابات‪ ،‬بكى واحد من الرفاق‪ ،‬قال‪ :‬ملعون أبوها الدنيا‪ ..‬تغربنا ف‬

‫تكتب علينا الشتات ف بلد العال‪ .‬و تايل لعين أني رأيت سعيد مصلوبا على هامات‬ ‫بلدنا‪..‬‬

‫‪.‬الشجار‪ ،‬فيما كانت الشمس تشرق كنت قررت العودة إل مصر‬

‫استدرت أواجهه‪ :‬ماذا تقصد؟ عن أي هاجس تتكلم؟ لكنه نفض نفسه من يدي الت حاولت‬

‫القبض على ذراعه‪ ،‬ترك مبتعدا‪ ،‬فيما أحاول اللحاق به رحت استعيد حلم سعيد‪ ،‬ابن العمة‪،‬‬

‫بلم العائلة كما كانت أيام جده الرحال الكبي‪ ،‬قلت ماول إعطاء نفسي مدة كافية‪ :‬سعيد مات‬

‫‪.‬يائسا‪ ..‬فالتفسي الذي وضعه لالة الشتات‪ ،‬كان يعمل ضده‬

‫توقف ممد‪ :‬ربا كان سعيد رومانسيا‪ ،‬يؤمن بالقدر الكاف لتحطيمه‪ ،‬لكن هناك أسباب‬

‫أخرى هي الت جرت الراب‪ ،‬بعيدا عن السبب الخلقي الذي تبناه ابن عمتك ف أواخر حياته‬

‫القصية‪ .‬قلت بفراغ الصب‪ :‬و أنت الن مهيأ للم العائلة!! قال‪ :‬من حقك أن تسخر يا مثقف‪..‬‬

‫‪.‬على العموم‪ ..‬و تركن و سار‬


‫توقف الاج عثمان قدام باب الامع‪ ،‬بقدمه يبحث عن مداسه ف الرض دون النظر‪ ،‬خلفه‬

‫بطوة وقف الغريب مسكا بعصاه‪ ،‬كان الصلون يرجون تباعا‪ ،‬يسلمون‪ :‬كل سنة و أنت طيب‪ ،‬و‬

‫العام القادم بالجاز‪ .‬و يأتي الرد‪ :‬جعا إن شاء ال‪ .‬يتهامس البعض مشيا للغريب‪ ،‬من رأوا‬

‫الكاية عصرا راحوا يسردونا بتأفف واضح؛ قال الاج عثمان بصوته القوي الشن‪ :‬عندنا كرامة‬

‫بالبيت الكبي‪ ..‬تفضلوا‪ .‬دائما عامر يا حج‪ .‬انطلقت من الفواه‪ ،‬و تقدم البعض للعتذار‬

‫لسبب ينعه‪ ،‬و ترك البعض خلف الاج عثمان الذي كان يبحث بعينيه وسط المع عن "عيد"‪ ،‬له‬

‫‪.‬يكلم واحدا على انفراد‬

‫أمسك الغريب بكم الاج فأوقفه‪ ،‬قال‪ :‬لدي أصحاب ف البلدة الاورة‪ ..‬و هم ف انتظاري‪.‬‬

‫قاطعه الاج‪ :‬يا ابن أخي‪ ..‬ل يأب الكرامة إل لئيم‪ .‬و أفلت كمه و سار نو عيد‪ ،‬الذي له‬

‫‪.‬قادما فهز رأسه و سار بي الرجال‬

‫ما الذي دفعن لقول له يا ابن أخي؟ تساءل الاج عثمان ف سره‪ :‬هو ياثلهم‪ ،‬لكنها‪،‬‬

‫أعرف‪ ،‬هواجسي الت تنذر بشؤم قادم‪ .‬توقف مباغتا نفسه بتساؤل‪ :‬أأحاول استمالته؟ تلفت‬

‫‪.‬متطلعا للغريب الذي أصبح ضيفه الن‪ ،‬رآه يسي بوار عيد‪ ،‬فتحرك للمام نافضا عنه الوسواس‬

‫ف الشارع الواسع الؤدى للبيت الكبي‪ ،‬كانت سحابة من غبار أثر تدافع القدام‪ ،‬و لعب‬

‫العيال بالشارع‪ ،‬تلق فوق الوكب‪ ،‬رفع الاج عثمان وجهه متتبعا الغبار‪ ،‬لكن عينه فجأة‬

‫‪.‬أغمضت غصبا‪ ،‬رد وجهه نو الرض و هو يتمم‪ :‬حت الرجفة ل تريد أن تفارق‬

‫كنت أحاول مع الكتابة‪ ،‬دون الوصول لنتائج مرضية‪ ،‬فقط بعض التخطيطات لفكار تلوح‬

‫فجأة‪ ،‬أكتب بماس شديد بعض الصفحات‪ ،‬ث تدرييا يهمد كل شيء‪ ،‬ف منتصف الطريق أفقد الرغبة؛‬

‫كثيا ما كان يتهمن ممد بالوف‪ ،‬قال‪ :‬الكتابة تتاج إل شجاعة كما الياة تاما‪ ..‬و يبدو أنك‬

‫‪.‬أوقفت حياتك للفرجة دون الوض ف معتكها‬

‫كنا قد فارقنا الاجر‪ ،‬آخذين الطريق التعرج الصاعد نو البلدة‪ ،‬الن أنتبه للحظة‬

‫ممد الذكية‪ :‬ف هذه البلدة ل توجد طرق مستوية‪ ..‬كلها أما صاعدة‪ ..‬أو هابطة‪ ..‬أو متعرجة‪.‬‬

‫و كان يضحك و هو يقلد طرق الشي‪ :‬أن تسي عليك أن تعمل جاهدا لفظ توازنك و استقامة ظهرك‪.‬‬

‫كان الطريق فعليا يلتف حول إبط تل يصعده متعرجا حت يستوي على الضبة القام فوق رحابا‬

‫البلدة و خلفها يقع البل الكبي‪ ،‬و الذي يبدو كحاجز يوط البلد و يدفعها باتاه النهر‪ ،‬غي‬

‫سامح لا بالتنفس‪ ،‬أو التوسع؛ تشرف الضبة على الرض الزروعة‪ ،‬و هناك ف البعيد يرمح النهر‬

‫‪.‬شال‪ ،‬ف مرة حاولت أن أكتب قصة عن النهر‪ ،‬لو أنه يتحرك باتاه النوب‬

‫كان ممد يسبقن بطوات‪ ،‬و أنا حائر ف كلمه‪ ،‬أتهل لعطي لنفسي الوقت‪ ،‬قلت‪ :‬توهات لال‬

‫‪.‬آخر‪ ،‬بلفظ أدق‪ :‬منون‬


‫مددت خطوتي للق به‪ ،‬قلت‪ :‬أنت تسك ببال واهية‪ .‬توقف فكدت اصطدم به‪ ،‬مسح العرق من‬

‫على وجهه‪ ،‬و بدا أنه يفكر فيما سيقوله‪ ،‬تطيته سائرا أمامه‪ ،‬فأطلق ضحكة و هو يقول‪:‬‬

‫‪.‬ينقصك اليال يا ابن العم‪ .‬ل أشأ أن أجادل‪ ،‬هززت كتفي و سرت حت استوي الطريق‬

‫كان الباح شاسعا أمام البيت الكبي‪ ،‬هذا البيت الذي بن خارج البلدة‪ ،‬و يشبه قلعة‪،‬‬

‫كانت سحابة من الغبار ترسم خطوطا غليظة و متعرجة‪ ،‬متقاطعة فوق الساحة؛ من الهة الخرى‬

‫‪.‬كان يتقدم جع من الرجال صوب البيت‪ ،‬فيما كان واحد يدق على الباب‬

‫هبت نسمة طرية مملة بروائح القول البعيدة‪ ،‬تلقفها المع الواقف قدام الباب‪ ،‬و‬

‫بتحيب بالغ راح البعض يثن عليها‪ ،‬و لعنا ف نفس الوقت حرارة الظهية الت كادت تشوي‬

‫‪.‬البلدة داخلها‬

‫كان الباب الكبي قد فتح على أخره‪ ،‬و الاج عثمان يدعو الناس للدخول‪ ،‬و يدفع بعضهم‬

‫بزقة لطيفة من يده‪ ،‬البعض يردد عبارات الاملة‪ ،‬و البعض يكتفي بابتسامة و يدخل؛ أبناء‬

‫العائلة كانوا أول من دخل ث تبعهم الباقي‪ ،‬تراجع الغريب‪ ،‬لكن دفعة من عيد و تفضل‪،‬‬

‫‪.‬جعلته يتلجلج‪ ،‬و بنظرة من الاج عثمان دخل‪ ،‬و تبعه عيد‬

‫وقف الاج عثمان وحيدا مواجها قمر العيد القارب للكتمال‪ ،‬يتذكر أن عاما قد مر على‬

‫أخر مرة خطت فيها قدمه صوب البيت الكبي‪ :‬ياه‪ ..‬سنة‪ .‬هل للقسوة مكان؟ أم الفوة القدية‬

‫ما تزال قائمة‪ ،‬سنة مرت منذ توفيت فاطمة‪ ،‬الخت‪ ،‬و كأنن أقف لظة الطرد‪ ،‬كما أنا الن‪،‬‬

‫الفارق هو الزمن‪ ،‬لظتها ل أكن حزينا‪ ،‬كنت فقط أقف على بداية طريقي‪ ،‬سأضحك الن على نفسي‬

‫لو تصورت بأني كنت أطرد من النة‪ ،‬كنت أشعر بالباغتة‪ ،‬الخذ على خوانة‪ ،‬ل يكن أحد يقدر‬

‫‪.‬على فعل شيء‪ ،‬أي شيء‪ ،‬يي قد أقسم و يب الوفاء به‬

‫يا عم لاذا تقف بالارج؟ كان البشاري و قد وقف بفتحة الباب‪ ،‬تبسم العم لرآه‪ ،‬قال ‪-‬‬

‫انتظر ضيفا تأخر‪ .‬خرج البشاري و وقف بوار عمه‪ ،‬و راح ينظر للرسوم و الكتابة على الائط‪،‬‬

‫‪.‬و الت علها غبار ناعم فأطفأ بجة ألوانا‪ ،‬و إن كان ضوء القمر أبان بعض الرسوم‬

‫‪.‬ل تعد تزورنا يا عم ‪-‬‬

‫‪.‬للسن أحكامه يا ابن أخي ‪-‬‬

‫‪.‬منذ وفاة عمك‪ ..‬ل تل بالضارب ‪-‬‬

‫استدار الاج عثمان مواجها البشاري‪ ،‬و دق بنبوته على الرض‪ ،‬قال‪ :‬النبوت دا من خور السلم‬

‫‪...‬و‪ .‬وقبل أن يكمل قطع كلمه صوت خطوات قادمة مسرعة‪ ،‬تبسم الاج و قال‪ :‬ها ضيفنا قد جاء‬
‫انفلتت زينب داخلة من الباب و ردته بسرعة‪ ،‬و حل ظلم و بعد الصوت‪ ،‬تركت نو العلق‬

‫الذي رمت عليه بعض أثوابا فوق أثواب العمة‪ ،‬و الت رفضت اقتاح والدها بتوزيعها على‬

‫الفقراء‪ ،‬بدأت تلع الثوب الذي تعبت به طوال نار العيد‪ ،‬و اشتكت عزيزة من رائحته‪ ،‬زفرت‬

‫‪.‬و هي تلقي الثوب على طرف السرير‪ ،‬و مدت يدها نو العلق‪ ،‬لكنها تراجعت‬

‫غرفة العمة و الواقعة خلف الديوان ل تكن توي سوى السرير العال القدي ذي العمدة‪،‬‬

‫من بقايا جهازها وهي عروس؛ و صندوقي أحدها للعمة‪ ،‬و الخر يص الدة‪ ،‬فاطمة الول‪ ،‬صندوقان‬

‫من خشب أسود و ثقيل‪ ،‬عليه كتابة و نقوش؛ رغم مرور سنة ل تاول زينب فتح أحد الصندوقي‪،‬‬

‫رغم احتفاظها بالفتاحي‪ .‬و حبل شد عند ركن الغرفة‪ ،‬وراء الفسحة الت تركها السرير‪ ،‬علقت‬

‫‪.‬عليه أثواب العمة‪ ،‬و الغطاء الزائد من بطاطي و مفارش‬

‫ف الصباح حي جاءت زينب كانت تمل لفة فيها بعض ملبسها‪ ،‬ذلك أنا قدرت أن تبقي أيام‬

‫العيد‪ -‬الربعة‪ -‬ببيت العمة‪،‬عندما دخلت توجهت أول نو غرفة سعيد‪ ،‬الت كانت ستزف با‪،‬‬

‫لكنها توقفت ف منتصف السافة‪ ،‬و هي تستشعر انقباضا يعصر قلبها‪ ،‬فارتدت ذاهبة لغرفة‬

‫العمة‪ ،‬فتحت الباب فهاجتها رائحة الرطوبة الت تعبق بالكان‪ ،‬الرائحة متلطة باللب و‬

‫‪.‬الصندل و التاب‪ ،‬تركت الباب مفتوحا كي يدخل الواء و النور إل قلب الغرفة الظلمة‬

‫ف لظات كانت قد بصرت بحتويات الغرفة‪ :‬طست مركون إل الائط‪ ،‬و برش على الرض ملطخ‬

‫بآثار الناء‪ ،‬فهاجت مشاعرها‪ ،‬و ننهت بالبكاء‪ ..‬استندت على السرير‪ ،‬و تذكرت أنه مر عام‬

‫على رحيل العمة‪ ..‬عام قد مر دون أن يدخل أحد هذه الغرفة الت غسلت فيها العمة و قامت هي‬

‫و عزيزة بتخضيبها بالناء‪ ،‬كانت طوال أيام العزاء حريصة على جعل الباب مفتوحا لكن دون‬

‫أن تسمح لي شخص بدخول الجرة‪ ،‬ف الليل كانت تدخل وحدها و تعلق فانوسا كي يني الغرفة ث‬

‫تفرش حصيا قدام الباب و ترقد فوقه؛ عقب النتهاء من العزاء سكت الباب‪ ،‬قفلته و وضعت‬

‫الفتاح بيبها‪ ،‬كانت كلما جاءت‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬تشى أن تدخل الغرفة أو تقتب منها‪ ،‬كانت تظن‬

‫أنا ستجد العمة جالسة فوق سريرها‪ ،‬لذلك انتابتها رهبة و رعدة و هي تفتح الباب‪ ،‬لكن‬

‫‪.‬الرائحة العلقة ف جو الغرفة منذ أغلقتها‪ ،‬هي الت هاجتها‬

‫نظرت حولا‪ ،‬كان الغبار قد غطى الوائط‪ ،‬و تراب ناعم نزل على السرير و ملبس العمة‬

‫العلقة‪ ،‬و دارى النقوش الت على الصندوقي‪ ،‬هبت واقفة كملدوغة‪ ،‬نفضت الدموع‪ ،‬و بدأت حلة‬

‫نظافة واسعة‪ ،‬بادئة بغرفة العمة‪ ،‬أخرجت أول البش بعد أن طوته بذر‪ ،‬ث الطست‪ ،‬و راحت‬

‫‪.‬تكنس بذر شديد‪ ،‬خوفا من دبيب الرض الذي يعشق الماكن الرطبة الظلمة‪ ،‬و الالية من البشر‬

‫ف هذه الغرفة الن ترهف زينب سعها للصوات النبعثة من قلب الديوان‪ ،‬الصوات ضعيفة‬

‫بالكاد تسمع‪ ،‬سك الوائط كان يعوقها‪ ،‬حاولت زينب تبي صوت والدها‪ ،‬تعرفه من بي اللوف‪،‬‬

‫هكذا تدعي‪ ،‬لكنها الن ل تقدر‪ ،‬فقط أصوات أبناء أعمامها‪ ،‬تعلو أحيانا‪ ،‬و أحيانا تفت‪،‬‬

‫‪.‬أصوات متداخلة متلطة‪ ،‬هي ل تعرف معظمهم‪ ،‬لكن على أية حال هم أبناء عمومتها‬

‫رفعت" قب" قميصها التحت تشمه‪ ،‬مرة‪ ،‬ث مرة أخرى‪ ،‬ث قررت خلعه‪ ،‬كانت قد اعتادت‬

‫الظلمة‪ ،‬رمت القميص فوق اللباب على طرف السرير‪ ،‬و استدارت نو العلق‪ ،‬و رنت خلفها ف جو‬
‫الغرفة ضحكة اهتزت لا أركان السرير‪ ،‬ل ينس الفزع زينب أنا عارية تاما إل من سروال‪،‬‬

‫رفعت يديها تلقائيا كي تدارى عرى صدرها‪ ،‬و هي تندفع للختباء بي اللبس العلقة على البل‪،‬‬

‫‪.‬و الضحكة زاد صفاؤها و وضوحها‬

‫‪.‬عجزت يا عوض ال ‪-‬‬

‫ضحك الاج عثمان و هو يقبض على يد عوض ال النحيفة‪ ،‬و عوض ال ما يزال ينهج‪ ،‬و بيده الخرى‬

‫يلم العمامة الت تدلت فوق رأسه‪ ،‬قال بودة صافية‪ :‬ملعون أبو الموم‪ .‬ث أخذ يعيد لف‬

‫العمامة و يبكها و قال يداعب الاج‪ :‬أنا كنت عيل لا كانت الصواب توقف على رجل لا تشها‪.‬‬

‫ضربت الكلمة الاج عثمان‪ ،‬فأفلت يد عوض ال و قال بدة غي مبرة‪ :‬أنا أصب منك‪ .‬ضحك عوض ال‪،‬‬

‫‪.‬و أشار للواقف‪ ،‬قال الاج عثمان‪ :‬ود البال‪ ..‬البشاري‪.‬مد ماهد يده و سلم‬

‫للحظات ساد الصمت‪ ،‬الاج يقلقل رجليه‪ ،‬و ينظر للساحة الت ت هجرها‪ ،‬حت العيد ل يعد‬

‫أحد يصليه هنا‪ ،‬فبعد أن استطاع الول الفقي أن يقيم ساحته ف الطرف الثاني من البلدة‪ ،‬حت‬

‫جر الناس عقب وفاة العمة إل هناك؛ بدت الساحة موحشة و خالية من أي حس يربطها بالياة‪،‬‬

‫الرض الرملية مليئة بالحجار الصغية و الزلط‪ ،‬حت النب تدمت حجارته‪ ،‬كانت قد بنيت عدة‬

‫مصاطب حجرية فوق بعضها مشكلة النب؛ يتجمع الناس بالامع عقب صلة الفجر و يأخذون ف‬

‫التكبي و التهليل حت شروق الشمس‪ ،‬فيخرجون‪ ،‬يقودهم المام‪ ،‬قاصدين الساحة الت جهزت منذ‬

‫عصر المس‪ ،‬و التكبي و التهليل يتصاعد مع انضمام الرجال و الشباب و الطفال عب الشوارع‬

‫الت يقطعها الوكب باتاه الساحة‪ ،‬ساحة الرحال‪ ،‬حشد هائل يلس ف براح الساحة حت موعد‬

‫‪.‬الصلة‪ ،‬بعدها يقوم المام و يصعد الدرجات الثلث‪ -‬النب‪ -‬و يبدأ خطبة العيد‬

‫‪.‬يكن سنة أو أكثر ‪-‬‬

‫أفاق الاج عثمان على صوت عوض ال‪ ،‬فاستدار ناحيتهم‪ ،‬و قال للبشاري‪ :‬خذ عمك عوض ال و‬

‫أدخل‪ .‬نظر ماهد إل عمه مستغربا أحواله لكنه ل يكن يلك سوى أن يطيع‪ ،‬و الاج عثمان كي‬

‫ينهي لاجة الوقف عاد يستقبل الساحة‪ ،‬و عوض ال تقدم داخل البيت و تبعه البشاري على مضض‪،‬‬

‫و الساحة قابلت الاج عثمان بنظرها القبض‪ ،‬كانت تصرخ بوجهه تشكو قسوة الجر‪ ،‬ل يتحمل و‬

‫هزته رعدة أدارته باتاه الائط‪ ،‬طالعته رسوم عيد الت غطاها الغبار‪ ،‬قال ‪ :‬نسيناها ‪ ..‬ل‬

‫‪.‬نعد نتذكر شيء‪ ..‬آه الزمن‪ .‬و كأنا لدغته الكلمة فأجفل متاجعا‬

‫‪.‬يا عم ‪-‬‬

‫‪.‬جاء صوت من الداخل‪ ،‬تقدم الاج عثمان و هو يهمهم‪ :‬ل المر‬


‫ظنت أنا عزيزة‪ ،‬لكنها ل تسمع الباب يفتح‪ ،‬أو يغلق‪ ،‬كانت تمن و هي متبئة بي اللبس‬

‫ّفها الباغتة تاول العثور‬


‫الدلة من العلق‪ ،‬كان السرير يجب ساقيها العاريتي‪ ،‬و بيد ترج‬

‫على ثوب تسدله على بدنا‪ ،‬و الضحكة استقرت و أخذت راحتها‪ ،‬و أعقبتها بكحة صغية‪ ،‬قالت‬

‫‪.‬زينب‪ :‬عمت‬

‫أخرجت رأسها من بي اللبس‪ ،‬كانت العمة برمها الضئيل‪ -‬كما ف أيامها الخية‪ -‬جالسة‬

‫فوق السرير‪ ،‬تواجه زينب و تبتسم ف وجهها‪ ،‬هت زينب بالري نوها‪ ،‬لكن عريها ردها‪ ،‬و جاء‬

‫‪.‬صوت العمة ضاحكا‪ :‬لسه زى ما أنت‬

‫يدها تقلب بي اللبس‪ ،‬تريد الوصول لواحد من أثوابا الت رمتها فوق العلق ف الصباح‪،‬‬

‫و عينها على العمة‪ ،‬حاولت أن تتكلم‪ ،‬لكن صوتا حبس بلقها‪ ،‬كانت تاول التيقن من كونا‬

‫مستيقظة‪ ،‬بيدها الالية قرصت صدرها‪ ،‬تأوهت‪ ،‬و العمة أوقفت ضحكتها و أعقبتها بسعلة قبل‬

‫أن تقول‪ :‬اليام بتوح يا بت‪ .‬كان الصوت يل براح الغرفة شبه الظلمة‪ ،‬قبضت يد زينب على‬

‫ثوب‪ ،‬تعرفت على أنه يصها من ملمسه بي أصابعها‪ ،‬قالت ف نفسها‪ :‬أنا صاحية‪ .‬جذبت الثوب‬

‫نوها‪ ،‬لكنه ل يطاوعها‪ ،‬بدا أنه قد علق‪ ،‬بضيق صدرها شدته مرة ثانية‪ ،‬لكن بقوة أكب‪ ،‬و‬

‫أيضا ل يطاوعها‪ ،‬ترك السد الرابض فوق السرير‪ ،‬فارتج السرير‪ ،‬ل إراديا مدت زينب يدها و‬

‫قبضت على العامود النحاسي القريب منها‪ ،‬لكنها أفلتته بسرعة لا سرى بذراعها تيار بارد‬

‫جعل جسدها يرتف‪ ،‬لكن عينها ظلت تتابع العمة التبعة فوق سرير زواجها‪ ،‬قالت العمة‪ :‬جدتك‬

‫‪.‬فاطمة قالت ل‪ ..‬على الرأة‪.‬و تنهدت قبل أن تكمل‪ :‬الفارسة أن تعرف مت ترخي لامها‬

‫النق وصل مداه بزينب من الثوب العالق‪ ،‬فاستدارت تلصه‪ ،‬نظرت للثوب الذي تقبض‬

‫عليه‪ ،‬اكتشفت أنه للعمة‪ ،‬تركته و التقطت بسهولة واحد من أثوابا‪ ،‬و بسرعة و ارتباك راحت‬

‫‪.‬تدس رأسها ف طوقه‪ ،‬و هي تستدير مواجهة العمة‪ ،‬الت ل تكن موجودة‬

‫جدت زينب للحظات‪ ،‬ث دارت برأسها ف أناء الغرفة تبحث عنها‪ ،‬و الثوب معلق برقبتها‪،‬‬

‫‪.‬و جاء صوت قوى من الارج‪ ،‬ذكرها بعريها‪ :‬يا عم‬

‫توزع الرجال فوق الدكك و الصر الفروشة‪ ،‬و فانوس معلق يلقي بضوئه الواهن‪ ،‬و عيد ف أحد‬

‫الوانب يشعل الكلوب‪ ،‬كان قد صب بعضا من السبتو ف الوض القريب من الرتينة‪ ،‬القنديل الذي‬

‫‪.‬سيشتعل‪ ،‬و راح يكبس الواء داخل خزان الكلوب العمر بالكيوسي‬

‫جلس الغريب‪ -‬حي دخل‪ -‬ف أقرب مكان خال‪ ،‬فوق واحدة من الدكك الرصوصة بعناية فائقة‪،‬‬

‫عصاه بي ساقيه‪ ،‬و عينه تقلب ف الكان‪ ،‬بينما أبناء العمومة بعضهم جالس و البعض يتحرك بي‬

‫‪.‬المع مرحبا‬

‫طفلن يران بي الناس‪ ،‬واحد يسك بالبريق و يصب الاء على اليدي‪ ،‬و الخر يتلقى الاء‬

‫التساقط من غسل اليدي ف الطست الذي يسك به بيديه‪ ،‬و على كتفه فوطة ينحن قليل لتجذبا‬
‫‪.‬اليد الت غسلت توا لتنشفها‪ ،‬ث تعيدها مرة أخرى إل الكتف الائلة‬

‫ممد السكندراني يراقب عيد بمية‪ ،‬بينما دخل عوض ال اللب و رد السلم بصوت جهور و‬

‫هو يرفع يديه و يطبطب على صدره‪ ،‬ليد التحيات الت انالت عليه‪ ،‬ماهد البشاري جاء و وقف‬

‫بوار ممد الذي أقتب من عيد النهمك بعمله‪ ،‬كان ف هذه اللحظة قد أشعل عود ثقاب و أسقطه ف‬

‫السبتو‪ ،‬فهبت دفقة من نار‪ ،‬أمسكت بالرتينة‪ ،‬تكفل الواء الندفع من ضغط الوض بتصفيتها‪ ،‬و‬

‫تقويتها‪ ،‬حت صارت تشبه النيون‪ .‬قال ممد‪ :‬مش الكهرباء أحسن‪ .‬ضحك عيد و هو يمل الكلوب‪:‬‬

‫غلبت ماولة مع عمتك‪ ..‬إن ندخل الكهربا البيت‪ ..‬و هي على طول الط تقول‪ :‬يقولوا عليها‬

‫توت الناس‪ ..‬و بعدين لا أموت أبقوا دخلوها‪ .‬و تعب معاها الاج عثمان‪ ،‬و هي زى ما هي‪..‬‬

‫‪.‬كان الرحوم سعيد ناوى على فرحه ‪ ..‬لكن القدر‬

‫و تدج صوت عيد بتذكر صاحبه‪ ،‬و ممد الذي لظ تغي الصوت أراد تغي الوضوع‪ ،‬فأشار للطفلي و‬

‫هو يقول‪ :‬ولدك‪ .‬حل عيد الكلوب و سار به إل قلب الديوان‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ..‬عيد و سعيد‪ .‬توقف‬

‫ممد مشدوها‪ ،‬لكن عيد أكمل و هو يتحرك و يعتلي دكة و يقف فوقها‪ :‬الكب عيد حسب النذر‬

‫القدي‪ ..‬الصغي سعيد‪ .‬ث نظر لمد قبل أن يكمل ضاحكا‪ :‬حسب النذر الديد‪ .‬و مد يده قبض با‬

‫‪.‬على السيخ الديدي الدل من السقف‪ ،‬و بيده الثانية رفع الكلوب و علقه‬

‫غمر الضوء الباهر أرجاء الديوان‪ ،‬نزل عيد من الدكة و هو يرد على صيحات الستحسان و ال‬

‫ينور‪ ،‬و دارت عينه تبحث عن الاج عثمان‪ ،‬استند على كتف ممد و هو ييل عليه قائل‪ :‬النسيان‬

‫نعمة‪ .‬استفهم ممد بزة من رأسه‪ ،‬قال عيد‪ :‬عمك‪ .‬و سار نو مدخل الديوان‪ ،‬تبعه ممد‪ ،‬فرأى‬

‫‪.‬عمه واقفا أمام الباب‪ ،‬فنادي بقوة‪ :‬يا عم‬

‫‪.‬اطلع برة يا كلب ‪-‬‬

‫هدر الصوت الغاضب لوالده‪ ،‬كان يقف على عتبة الباب‪ ،‬و اللحظة نفس اللحظة‪ ،‬الغارب‪،‬‬

‫بيده بندقية‪ ،‬الت ما ظهرت إل نادرا‪ ،‬و ما استعملت أبدا؛ توقف متسمرا من قسوة اللحظة‪،‬‬

‫كان بعض من إخوته واقفي ياولون تدئة الوالد‪ ،‬دون القتاب منه‪ ،‬تلفت عثمان حوله‪ ،‬كانت‬

‫!بيده عصاه‪ ،‬ل يكن يدري ماذا يفعل‪ ،‬أو على أي نو يتصرف؟‬

‫‪...‬آخر الزمن ‪-‬‬

‫كلمات الوالد رصاص يصيب بدنه‪ ،‬ل يشهد والده ف حالة الغضب هذه من قبل‪ ،‬الن بندقية‬

‫ف اليد‪ ،‬و مرجل الغضب يهيئ اليد للضغط على الزناد‪ ،‬ل يكن أمامه سوى التاجع‪ ،‬جاء واحد‬

‫من إخوته‪ ،‬و جره من كمه؛ كانت نساء البيت‪ :‬جدته فاطمة‪ ،‬وأمه‪،‬و أخته فاطمة‪ ،‬يقفن ف‬

‫اللف‪ ،‬بدا النكسار واضحا على الم‪ ،‬بينما الفاطمتان تتابعان الشهد بياد جرح مشاعره‪ ،‬ل‬

‫يكن يقدر واحد من الوجودين على قول كلمة‪ ،‬أو رد المر إل التعقل‪ ،‬ثورة الوالد تتفاقم‪ ،‬و‬

‫‪.‬العجبان عثمان بدأ ف التاجع مذول‬


‫‪..‬يي تلتة‪ ..‬البيت ما تدخله ‪-‬‬

‫قدم خارج البيت‪ ،‬و قدم على العتبة‪ ،‬و نظرة أخية احتوت الشهد بغضبه الفائر و‬

‫الشعور بالغدر‪ ،‬وننهة الم باللف‪ ،‬نرتا الدة بعنف‪ ،‬و رياح الغروب تضرب ثوب الوخ بي‬

‫ساقيه‪ ،‬كان الب يتقدم‪ ،‬و ضاع صوت الخوة‪ ،‬و الب يشي إل الخ الذي ير عثمان من كمه‪ :‬أن‬

‫أدخل‪ .‬فتكه و دخل؛ وحيدا تراجع خطوته الخية‪ ،‬و ضربته الريح البلية بعنف الصيف الادر‪،‬‬

‫فاصطفق جلباب العيد‪ ،‬الوخ‪ ،‬مدثا طرقعة عالية‪ ،‬تاوبت معها ردة الباب‪ ،‬الذي أغلقه الوالد‬

‫‪.‬ف وجهه‪ ،‬بقوة و حسم‪ :‬غور‪ ..‬ف ستي داهية‬

‫تطلع مذهول إل جدران البيت العالية‪ ،‬و الباب الثقيل الغلق‪ ،‬و كلم غاضب ل يصل‬

‫مسامعه بوضوح؛ كان وحيدا ف مغرب العيد‪ ،‬غي مستوعب لا جرى‪ ،‬ظل لفتة واقفا هكذا‪ ،‬ظن أنه‬

‫ربا كان يلم‪ ،‬لكن هذا ليس حلما بل كابوسا مرعبا‪ ،‬كان عليه أن يتحرك‪ ،‬و لا كان ل يعرف‬

‫‪.‬إل أين‪ ،‬ترك الريح تدفعه‬

‫تقدم ممد السكندراني تاه العم الغارق ف ذكرياته‪ ،‬بدا كأنه مدقوق ف الرض‪ ،‬غي قادر‬

‫‪.‬على التحرك دون مساعدة‪ ،‬برفق أمسك بكمه‪ ،‬قال‪ :‬الناس ف انتظارك‬

‫آه‪ .‬قال العم‪ ،‬و كأنه يفيق من غيبوبة غامضة‪ ،‬طويلة و قاسية‪ ،‬تبسم لبن أخيه كي يتغلب ‪-‬‬

‫على الرج‪ ،‬أراد أن يقول شيئا‪ ،‬لكن يد ممد سحبته للداخل‪ ،‬بطرف عينه نظر‪ ،‬كان ممد يتحي‬

‫الفرصة للختلء بعمه‪ ،‬مال و هو يقول‪ :‬يا عم ‪ ..‬أريدك‪ ..‬أن‪ ..‬و وجد الكلم يهرب‪ ،‬و العم‬

‫انتظر‪ ،‬لكنه لظ أنه يسي تت دفع يد ابن أخيه‪ ،‬رأى العم نفسه عيل يساق إل مكان ل يرغب‬

‫بالتواجد فيه‪ ،‬هز ذراعه نافضا القبضة الت تسيطر على كمه‪ ،‬قال‪ :‬خي‪ .‬و أراد التوقف‪،‬‬

‫‪.‬لكنهما كانا على باب الديوان‪ ،‬فلمح الناس ف غمرة الضوء يقفون لستقباله‪ ،‬فدخل‬

‫تراجع ممد مستديرا تاه حوش البيت‪ ،‬رأى النخلة قائمة‪ ،‬تقدم نوها‪ ،‬كانت ماطة بظلم خفيف و‬

‫ّ أن أفاته‪ .‬و أتاه صوت‪:‬‬


‫نسمة منفلتة من قبضة الصيف اللتهب تداعب جريدها‪،‬قال‪ :‬كان على‬

‫البيت لزم يبقى مفتوح‪ .‬تلفت مستطلعا‪ ،‬لكن ل أحد‪ ،‬استدار‪ ،‬رآهم يملون الصواني ذاهبي‬

‫للديوان‪ ،‬ف اللف هناك تقبع الزرائب القدية‪ ،‬مغلفة بظلم قات ومقيم‪ ،‬مرقت برأسه حكاية‬

‫سعيد و جاء الصوت‪ :‬الشتات‪ .‬و للمرة الثانية يتلفت حوله‪ ،‬لكنه ل يستطع تبي نبة الصوت‬

‫جيدا‪ ،‬كان جذع النخلة بواره يئن‪ ،‬و الشائش الت حوله هائشة تنذر من ياول القتاب‪ ،‬استدار‬

‫‪.‬عائدا‪ ،‬ف منتصف الطريق لح زينب خارجة من بيت الطبخ‪ ،‬فحرك قدميه نوها‬
‫كل هذا التأخي‪ .‬قالت عزيزة‪ ،‬و هي منحنية تغرف الطبيخ من اللل الكبية‪ ،‬و تضعه داخل ‪-‬‬

‫أطباق صغية‪ ،‬مرصوصة فوق صوان بوارها‪ .‬ل تسمع من زينب رد‪ ،‬رفعت وجهها نوها‪ ،‬قالت‪ :‬بسم‬

‫‪.‬ال‪ ..‬ما شاء ال‪ .‬و ضحكت‪ ،‬أرادت أن تكمل غي أن قدوم واحد من عيالا جعلها تصمت‬

‫الولد حل الصينية و قال آمرا و هو يرج‪ :‬خلصوا‪ .‬و كأنا حى أنشبت بزينب‪ ،‬راحت تضع‬

‫الرغفة فوق الصواني‪ ،‬و ف نفس الوقت تتناول الطباق من عزيزة و ترصها بعناية فائقة‪ ،‬و‬

‫‪.‬بعينها تتأكد من وجود ملعق كافية فوق كل صينية‪ ،‬و تستعجل عزيزة كي تف يدها‬

‫يملون الصواني‪ ،‬واحد من‬ ‫جاء عيد و الولدان‪ ،‬و اثنان من أبناء العم‪ ،‬و أخذوا‬

‫العيال حل وعاء الاء الكبي و الذي به قطع من الثلج طافية؛ تناولت عزيزة اللة الكبية‬

‫وراحت تفرغ ما با من لم داخل طبق كبي و واسع‪ ،‬ث غطته بطبق من الوص اللون‪ ،‬عمل يد زينب‬

‫الت تناولت الطبق منها‪ ،‬و خرجت من غرفة الطبخ‪ ،‬نظرت‪ ،‬الكل دخل الديوان‪ ،‬قالت‪ :‬نسوا‪.‬‬

‫لكنها لت ظل يتحرك ف الظلم قادما من عند النخلة‪ ،‬كان ممد السكندراني‪ ،‬وقفت حت وصل‬

‫عندها‪ ،‬ناولته الطبق‪ ،‬و لت ف وجهه استفهاما‪ ،‬قالت‪ :‬أعطيه لبي‪ .‬و ردت راجعة للمطبخ و هي‬

‫‪.‬تبتسم‬

‫بعد صلة العشاء جاء ناس‪ ،‬و رحل ناس‪ ،‬و جاء الشاي‪ ،‬و دار مبسم الشيشة‪ ،‬و شكلت‬

‫أعقاب السجائر حضورا ل يكن تاهله فوق أرضية الديوان الفروشة بالرمل‪ ،‬و من الداخل كان‬

‫يأتي صوت غسل الواني و شطفها‪ ،‬و أصوات الوار تعلو حينا و تفت أحيانا‪ ،‬لكن اللحظ أن‬

‫‪.‬الضحكات كانت عالية‪ ،‬ث كان أن انصرف الناس‪ ،‬و صفت القعدة‬

‫الاج عثمان و أبناء عائلة الرحال‪ ،‬و عيد و عوض ال اللب‪ ،‬و الغريب الذي أصر الاج‬

‫على بقائه؛ ف الداخل ظلت زينب و عزيزة تتسامران و تلبيان ف نفس الوقت الطلبات الوافدة‬

‫من الديوان‪ ،‬بينما غلب النوم الولدين‪ :‬عيد و سعيد‪ .‬فرقدا فوق سرير العمة الركون بوار‬

‫‪.‬الطبخ؛ و بدأ الليل يأخذ منحى آخر‬

‫‪.‬أتزوج زينب ‪-‬‬

‫كانت مفاجأة ل‪ ،‬ل أعرف قبل بأن النون قد يكون ساكن بيننا‪ ،‬و أنه بلغ هذا الد‪ ،‬و غي‬

‫قابل للتاجع‪ ،‬كانت كلماته تمل تأكيدا ل يكن مداراته؛ و الفاجأة تشكلت من كوننا قد‬

‫تعاملنا مع زينب‪ ،‬على أنا زوجة سعيد‪ ،‬ابن عمتنا‪ ،‬و بالتال ل يكن القتاب منها‪ ،‬أو لسها‪،‬‬

‫و كأنا ما يزال سعيد حيا قائما‪ ،‬يتحرك بيننا‪ ،‬و من التم ل يوز النظر إل زوجته على أنا‬

‫امرأة أخرى‪ ،‬يكن اشتهاؤها‪ ،‬أو حت التفكي با كزوجة متملة‪ ،‬و هي كانت قد أكدت على هذا‬
‫حينما رفضت كل الذين تقدموا للزواج منها عقب وفاة سعيد‪ ،‬قالت بعناد يليق با‪ ،‬و يليق‬

‫بالعائلة ذات الدماغ الناشف‪ :‬أنا أخذت نصيب‪ .‬هكذا كنا حي نر با ل ندقق بلمها‪ ،‬أو‬

‫التطلع للحتها‪ ،‬و تقاطيع وجهها‪ ،‬أو تكوين جسدها‪ ،‬كنا نسلم فقط‪ ،‬ند أيدينا للحظة كي تس‬

‫أناملها ث نسبها‪ ،‬و كأننا سلمنا على واحدة من أخواتنا‪ ،‬نتبادل كلمات قليلة حول أخبار‬

‫‪.‬العائلة و الصحة و الحوال‪ ،‬حديث عام و عابر‪ ،‬دون رفع العي لتأمل من ندثه‬

‫‪.‬شوف‪ ..‬زينب بداية اللم ‪-‬‬

‫كنا منفردين فوق دكة‪ ،‬ممد السكندراني و أنا‪ ،‬و الديوان أصبح مموعة من التجمعات‬

‫النفصلة‪ :‬البشاري حوله ثلثة من أبناء عمومته يكي لم عن الصحراء و أحوالا الغريبة‪ ،‬و‬

‫عوض ال اللب بوار الغريب‪ ،‬و البعض تدد فوق الدكك‪ ،‬و عيد يدخل حجرة الديوان الداخلية‪-‬‬

‫الاصل‪ -‬للديوان و يعود و هو يمل الفارش و الغطية الفيفة‪ ،‬ث يقوم بتوزيعها‪ ،‬و العم‬

‫دون التدخل‬ ‫عثمان فوق دكته‪ ،‬متصدرا و منفردا‪ ،‬يدخن الشيشة و يراقب الميع بعي هادئة‪،‬‬

‫‪.‬بأي حوار‬

‫!أي حلم تقصد؟ ‪-‬‬

‫كنت أراوغ فقط كسبا للوقت‪ ،‬كي أعيد ترتيب الحداث‪ ،‬وقفت دونا قصد‪ ،‬حركت يدي ف الواء لكن‬

‫‪.‬ممد جذبن‪ ،‬فجلست‬

‫‪.‬اهدأ يا عم‪ ..‬العائلة ‪-‬‬

‫قال و هو يشي إل المع التناثر حولنا‪ ،‬ث أكمل‪ :‬ليس هناك أمل ف عودة هؤلء‪ ،‬كل قد أصبح له‬

‫حياته ف مكان آخر‪ ،‬حياة و تاريخ و مصال‪ ،‬ل يكن التخلي عنها بسهولة‪ ..‬و هنا كانت أزمة‬

‫سعيد‪ ،‬و النقطة الت قتلته‪ ،‬كان يدرك ذلك‪ ،‬لكنه ل يكن قادرا على العبور‪ ،‬أزمته الشخصية‬

‫‪.‬تكمن ف وعيه‬

‫‪.‬قلت مقاطعا‪ :‬تقصد أنه رأى الشتات كقدر ل يكن تفاديه‬

‫قال و قد بدأ صوته ف العلو‪ :‬ل ‪ ..‬بل كعقاب أخلقي‪ ،‬علينا جيعا دفع الثمن و كامل‪ ،‬دون‬

‫تذمر ‪..‬أخذنا الناس‪ ،‬هكذا بدأ المر‪ ،‬العبيد من بلدهم‪ ،‬و شتتناهم هنا‪ ،‬ف بلد غريبة‪ ،‬بي‬

‫ناس أغراب‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬لكن الانب الكثر إظلما و تعذيبا ف الكاية أننا بعناهم كعبيد‪،‬‬

‫‪.‬كانوا أحرارا ف بلدهم‪ ،‬و نن صيناهم عبيدا‬

‫جاء عيد و رمي ملءتي بوارنا‪ ،‬قال و هو يبتسم‪ :‬ليل الصيف سراق‪ .‬صمتنا و هو لح انماكنا ف‬

‫الديث‪ ،‬فابتسم معتذرا و راح يواصل جولته بي الدكك‪ .‬ألتفت إل ممد و قلت بنوع من العتاض‪:‬‬

‫ف البداية حي بدأ الرجل الرحال الكبي تارته‪ ،‬و الت ل يكن العبيد جزءا منها‪ ،‬ل يكن هناك‬

‫حس من التجري أو التحري لذه التجارة‪ ،‬بل على العكس كان هناك غطاء دين كامل مشمول بدعم‬

‫سلطوي يؤمن هذه التجارة‪ ،‬و يكفل لا ازدهارها‪ ،‬هل يكن للحفاد تمل أوزارا ل يقتفوها‪..‬‬

‫‪.‬لنكن أكثر صراحة‪ :‬ل تكن أوزارا عند الرعيل الول‬

‫‪...‬يعن ‪-‬‬

‫ما الذي يدفع الناس إل هجرة أماكنهم‪ ،‬الت ولدوا و تربوا با‪ ...‬حي انارت تارة الرحال‪- ،‬‬
‫ل يكن يوجد هنا ما يكن التعويل عليه‪ ،‬ل يبق سوى مواجهة الزمن و الفقار عب التمسك‬

‫بالتاريخ القدي‪ ،‬و هذا ل يشبع البطون الائعة‪ ،‬و ل يست عرى الجساد‪ ..‬و ل يكن هناك بديل‬

‫سوى الروج‪ ..‬و البحث عن أماكن جديدة‪ ،‬بتاريخ جديد‪ ..‬خاصة و هذه البلد تعاني من الهال‬

‫‪..‬الطويل و التوارث من قبل سلطات الشمال‬

‫‪.‬رجعنا لكلم النوبي ‪-‬‬

‫نعم‪ ..‬يا اسكندراني‪ ..‬حت الن ما يزال الناس يتكون بلدهم و قراهم‪ ،‬بثا عن أرزاق و ‪-‬‬

‫أقدار متلفة‪ ،‬مدفوعي تت ضغط إلاح احتياجاتم الولية‪ ..‬سلحهم الوحيد جهلهم العظيم و قوة‬

‫سواعدهم‪ ..‬خبني ماذا فعلت الكومات التعاقبة‪ ..‬ل يكن النوب ف حساباتا أبدا‪ ،‬يبدو ف‬

‫نظرها كتلة يكن إهالا و تاهلها‪ ..‬فقط النتباه لنهب خياته و تشريد ناسه عب طول البلد و‬

‫‪.‬عرضها‬

‫‪.‬بال عليك‪ ..‬خلينا ف موضوعنا ‪-‬‬

‫‪.‬و هل بعدنا عنه‪ ..‬أنت مثل ما الذي دفعك للخروج من البلد كلها ‪-‬‬

‫‪.‬لكن عدت ‪-‬‬

‫‪.‬من طريق الرؤية ‪-‬‬

‫‪.‬نعم ‪ ..‬و الن العودة الكبى ‪-‬‬

‫‪.‬ضحكت قبل أن أرد‪ :‬بالزواج من زينب‬

‫قال و هو يعتدل فوق الدكة‪ ،‬و متخذا وضعا شديد الدية‪ :‬أخطاء الاضي ل يكن إصلحها‪ ..‬بل‬

‫‪.‬يكن تفاديها‬

‫‪.‬قول حكيم ‪-‬‬

‫‪.‬أحس بعلو نبة السخرية و الزأ ف قول‪ ،‬فوقف و هو يقول‪ :‬سأفاتح عمي‪ ..‬و سار نوه‬

‫‪.‬الوقت تأخر ‪-‬‬

‫قالت عزيزة و هي تقوم نافضة ثوبا‪ ،‬كانت نسمة طرية قادمة من النهر البعيد قد‬

‫نبهتها لولدها الراقدين فوق السرير‪ ،‬بصت لزينب الالسة ساهة منذ وقت‪ ،‬حاولت أن تعرف ما‬

‫با‪ ،‬لكن زينب ل توضح‪ ،‬و تعللت بالتعب طوال النهار‪ ،‬و هدة اليل و الطلبات الت ل تنتهي‬

‫لهل الديوان؛ تعرف عزيزة أن ذلك ليس سببا يدعوها للشرود‪ ،‬لكنها قبلت بتفسي زينب‪ ،‬فهي‬

‫كتومة كعمتها تاما‪ ،‬ل تكشف إل ما ترغب الفصاح عنه‪ ،‬لكنها عزيزة و بسها النسوي خنت سببا‬

‫ّ هذا التأويل عزيزة‪ ،‬فحال‬


‫آخر‪ ،‬ربا يكون لوجود أولد عمومتها دخل ف حالة الشرود هذه‪ ،‬سر‬

‫صاحبتها‪ ،‬و صديقة طفولتها يهمها؛ الصحيح أن سعيد قد مات‪ ،‬لكن زينب ما تزال ف عز شبابا‪،‬‬

‫‪.‬صبية‪ ،‬و كانت قد لحظت حرصها التزايد بعد عودتا ‪ ،‬بأن يظل الثوب نظيفا ل يطوله أي وسخ‬

‫راحت للسرير‪ ،‬و أخذت توقظ الولدين اللذين تكورا‪ ،‬انتبهت زينب فقامت واقفة‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫سيبيهم نايي‪ .‬كانت فقط ترك لسانا بالكلم كي تشعر بأنا متيقظة‪ ،‬تركت خطوتي‪ ،‬كان الولدان‬

‫ياهدان للعودة للنوم الت تاول الم جذبما بعيدا عنه‪ ،‬تزهم برقة لكن بسم أيضا‪ ،‬قام‬

‫الولدان و ها يدعكان عيونما‪ ،‬و برطمة غامضة ترج من الفواه‪ ،‬تبتسم لا عزيزة و هي تنزلما‬

‫من فوق السرير‪ ،‬تايل الولدان‪ ،‬و أصبحا على وشك النكفاء‪ ،‬لكن الم كانت قد دخلت بينهما‪،‬‬

‫‪.‬و سندتما إليها و سارت‬

‫خلفها مشت زينب‪ ،‬أرادت أن تشكر عزيزة على تعبها معها طوال النهار‪ ،‬تاركة بيتها ف‬

‫نار العيد‪ ،‬لكنها سارت صامتة و هي تنظر للم الت تتضن ولديها‪ ،‬و هاجتها رغبة غامضة ف أن‬

‫تكون ملها‪ ،‬و تدفقت لديها أحاسيس ظلت حريصة دائما على وأدها قبل أن تصرح با لنفسها‪،‬‬

‫لكنها الن ل تدرك ما الذي أصابا‪ ،‬لتفلت مشاعرها من قبضتها‪ ،‬و ل تكتفي بل تاجها‪ ،‬حاولت‬

‫‪.‬التوقف‪ ،‬لكنها اندفعت تتابع عزيزة غي قادرة على كبح خطوتا‬

‫عند الباب وقفت عزيزة‪ ،‬و قالت و هي تعدل الولدين‪ :‬ربنا يصبحك طيبة‪ .‬و ف بالا كان‬

‫ً أشهد به بدني قبل قدوم عيد‪ ،‬فالليلة ليلة مباركة‪ ،‬ليلة‬ ‫هناك حديث آخر‪ :‬على‬
‫ّ أن اسخن ماء‬

‫عيد‪ ،‬و ل يكن تفويت بجتها‪ .‬خافت أن تنظر لزينب‪ ،‬فتطالع ف عينها رغبتها ظاهرة‪ ،‬و ترح‬

‫مشاعرها‪ ،‬فآثرت التقدم‪ ،‬و رفعت قدمها كي تتخطى العتبة‪ ،‬لكن واحدا من الولدين تعثر‪ ،‬و‬

‫قبل أن يسقط ساحبا معه الم و الخ‪ ،‬لقت به زينب و أقامته‪ ،‬فالتفتت عزيزة و هي تاول أن‬

‫‪.‬تداري خجلها‪ ،‬لكن العيون تلقت و كشفت عن السرائر‬

‫وقفت زينب على العتبة تتابع عزيزة حت وصلت بيتها‪ ،‬فارتدت عائدة‪ ،‬و رغبة جامة‬

‫‪.‬تسيطر على كيانا كله‬

‫سار ممد قاصدا الدكة الالس عليها العم‪ ،‬تدفعه هة عالية لناء الوضوع‪ ،‬الن و هنا أمام‬

‫الميع‪ ،‬و قبل أن يصل اعتض طريقه عوض ال اللب‪ ،‬و بواره الغريب‪ ،‬توقف ممد‪ ،‬قال عوض ال‪:‬‬

‫يريد المام‪ .‬و أشار للغريب؛ ل يدر ممد على أي نو يتصرف‪ ،‬راحت عينه للرسوم على الائط‬

‫الذي يواجهه‪ ،‬دكة عريضة يلس أحدهم فوقها با يدل على قوته‪ ،‬كان يسند ذراعه على عمود‬

‫الدكة و نظره سارح ف البعيد‪ ،‬و اليد الخرى تقبض على مبسم الشيشة و تقربه من الفم‬

‫الزموم‪ ،‬و ف اللف مموعة من البل ترعي‪ ،‬أغلبها بارك يت‪ ،‬و واحد مسرج يقف بشموخ و ينظر‬

‫‪.‬للجالس فوق الدكة‬

‫تي ممد‪ ،‬فنظر لعمه‪ ،‬فأشار العم إل المام القريب من باب البيت‪ ،‬تلفت ممد حوله‪ ،‬عل‬
‫ّ‬

‫واحدا غيه يقوم بذا الن‪ ،‬و يذهب بذا الغريب الذي ظهر لم ف البخت‪ ،‬لكن ل يتحرك أحد‪ ،‬قال‬

‫ممد ف نفسه‪ :‬كأنن أنقصه‪ .‬و ل يكن أمامه سوى المتثال لمر العم‪ ،‬و حاجة الضيف‪ ،‬فقاده‬

‫‪.‬خارجا من الديوان‬
‫قال عوض ال و هو يلس بوار الاج عثمان‪ :‬الولد جبلوي‪ .‬شد الاج عثمان نفسا طويل من‬

‫الشيشة‪ ،‬و راح يرج الدخان على مهل و هو يقول‪ :‬من ناس مي؟ و ناول البسم لعوض ال‪ ،‬الذي‬

‫‪.‬ألتقمه مباشرة‪ ،‬كي يعطى نفسه الوقت ليجيب دون أن يهتز صوته‬

‫ركب عيد دكة و مد يده كي تطول الكلوب‪ ،‬فاهتزت الرسوم على الوائط‪ ،‬و تركت‬

‫متداخلة‪ ،‬وقف البعض يساعده‪ ،‬و الاج عثمان الذي يعرف ألعيب عوض ال‪ ،‬ل يتعجله‪ ،‬بل تابع‬

‫السفينة الملة بالبضائع و البشر و هي تتداخل ف الرماح الذي فرت منه خيل السباق‪ ،‬و مد‬

‫يده لبسم الشيشة‪ ،‬فقدمه عوض ال دون اعتاض‪ ،‬عارفا بأن مراوغته باتت مكشوفة‪ ،‬و ل ينبغي‬

‫الستمرار فيها‪ ،‬قال‪ :‬من بيت البحيي‪.‬و بطرف عينه تابع البسم الذي توقفت يد الاج عثمان‬

‫عن الصعود به إل الفم‪ ،‬للحظة‪ ،‬ث واصلت صعودها‪ ،‬و كأن المر عاديا‪ ،‬و عوض ال الذي أصبح‬

‫‪.‬الوضوع ثقيل عليه‪ ،‬أراد النتهاء منه‪ ،‬قال بسرعة‪ :‬ابن مسعود البحيي‬

‫اليال‪ .‬قال الاج عثمان دون أن يتحكم ف رده‪ ،‬فهز عوض ال رأسه مؤكدا؛ كان عيد قد‬

‫قبض على يد الكلوب و خلصه من العلق برفق‪ ،‬سنده بعض الواقفي حوله كي ل يقع‪ ،‬و هو يتبسم‬

‫لم‪ ،‬مدركا قلة خباتم‪ ،‬و قلقهم بدا له مبرا بسبب نزعتهم لفعل أي شيء‪ ،‬بدل من القعدة‬

‫الطويلة‪ ،‬نزل عيد و سار تاه أحد الركان‪ ،‬و وضع الكلوب على الرض‪ ،‬ث مال نوه و فتح مبس‬

‫‪.‬الواء‪ ،‬فأصدر وشيشا عاليا‪ ،‬و أخد ضوء الرتينة ف النطفاء‬

‫قام عوض ال عائدا لدكته الت كان يلس عليها‪ ،‬تاركا الاج عثمان ليغرق ف ذكرياته‬

‫‪.‬القدية‬

‫بدا وجهها متقنا‪ ،‬تنقل قدمها بصعوبة‪ ،‬كأنا شيئا بداخلها يبها على التوقف‪ ،‬ليزرع‬

‫بداخلها السؤال الذي دائما ترغمه على التاجع و البتعاد عن وعيها‪ ،‬لكن الن‪ ،‬و بعد أن‬

‫رأت عزيزة بي أولدها‪ ،‬و رغبة صادقة‪ ،‬و جارحة‪ ،‬تتدفق من وجهها‪ ،‬و حديث العمة‪ ،‬و رائحة‬

‫‪.‬الذكورة السيطرة على جو البيت‪ ،‬كل ذلك وضع وحدتا و عنادها ف الواجهة‬

‫على الفارسة أن تعرف مت ترخي لام مهرتا‪ .‬هذا ما قالته الدة‪ ،‬أو الم‪ ،‬و طبقته العمة‪ ،‬حي‬

‫حكت لا عن حياتا‪ ،‬كانت لظة صفاء نادرة‪ ،‬و سعادة تط على البيت الكبي‪ ،‬كان ذلك عقب‬

‫خطبتها لسعيد؛ آه ‪ ..‬ما أبعد اليام‪ .‬تأوهت و هي تتلفت حولا‪ ،‬و بقدمها تدق على الرض‬

‫كمهرة تستعد لدخول السباق‪ ،‬كانت تريد من جسدها أن ينتفض و يسقط كل السئلة‪ ،‬كي تعود إل‬

‫‪.‬طمأنينتها الت أصبحت مهددة‬

‫خطت خطوتي‪ ،‬فوجدت نفسها ف وجه ابن عمها‪ ،‬السكندراني‪ ،‬و معه شخص غريب‪ ،‬ل تستطع التعرف‬
‫عليه‪ ،‬ارتبكت قليل‪ ،‬لكنها تراجعت خطوة مفسحة لما الطريق‪ ،‬فواصل التقدم‪ ،‬و هي نكست‬

‫‪.‬وجهها و سارت ناحية السرير‬

‫أشار ممد إل المام العلق بسقفه فانوس صغي‪ ،‬تقدم الغريب و دخل‪ ،‬و بقي ممد ف النتظار‪،‬‬

‫أخرج سيجارة‪ ،‬و عينه تتابع زينب الت تتحرك بعصبية ظاهرة‪ ،‬حت وصلت للسرير‪ ،‬قرب الطبخ‪ ،‬ل‬

‫يستطع فهم عصبيتها الن؛ ف بداية الليل حي أخذ منها طبق اللحم كان مشوشا‪ ،‬و هي ابتسمت ف‬

‫عينيه‪ ،‬هكذا رآها‪ ،‬و هذا سره‪ ،‬لكن الن ما الذي بدلا‪ ،‬أهو وجود الغريب‪ ،‬و تصاعد العداء‬

‫داخله‪ ،‬نظر للحمام‪ ،‬قال لنفسه‪ :‬هل أذهب و أفاتها؟ و هم بالتحرك‪ ،‬لكن انتظاره للغريب‬

‫‪.‬كبله‪ ،‬فلعنه منتبها لشاعره العدوانية‪ ،‬و الت تزايدت الن‬

‫حي بوغتا بزينب أمامهما‪ ،‬تلقائيا نظر للغريب‪ ،‬وجده ينظر لا بوقاحة‪ ،‬فأحس به كعدو‬

‫يقف بواره و عليه أن يواجهه‪ ،‬لكن‪ ..‬تبسم لاله‪ :‬يبدو أنن وقعت ف الب‪ ..‬و بدأت أغار‪.‬‬

‫التفت إل زينب الالسة فوق السرير‪ ،‬فبدت بسبب الظلم الفيف‪ ،‬كتلة تغطيها الظلل‪ ،‬تفى‬

‫معالها‪ ،‬لكنه يشعر على نو خاص بأنا تنظر إليه و تبتسم؛ هي أوهام العشاق‪ .‬قال و هو يهز‬

‫‪.‬رأسه‪ ،‬و يأخذ نفسا عميقا من سيجارته‬

‫تنحنح الغريب و خرج‪ ،‬ههم بكلمات شاكرة‪ ،‬و عينه تستطلع الكان حوله‪ ،‬و توقفت عندما‬

‫لت الكتلة الظللة فوق السرير‪ ،‬لكن ممد العبأ بس الضغينة ل يفته ذلك‪ ،‬فقال آمرا‪ :‬تفضل‪.‬‬

‫‪.‬و قاده راجعا للديوان‬

‫من الغريب؟ تساءلت زينب و هي ف جلستها تراقب ابن العم الواقف هناك‪ ،‬بالقرب من المام‪،‬‬

‫كان تساؤلا ينم عن اشئزاز بالغ‪ ،‬أحست به حي بوغتت بروجهما أمامها و هي عائدة‪ ،‬للحظة‬

‫وقعت عينها على وجهه‪ ،‬بالتحديد‪ :‬عينه‪ .‬رأت فيها نظرة وقحة‪ ،‬هازئة‪ ،‬كأنا تعلم ما يعتمل‬

‫داخلها من رغائب‪ ،‬و ف نفس الوقت تاول كبتها‪ ،‬كانت نظرته تقول‪ :‬أعرف‪ .‬أو هكذا توهت‪ ،‬و‬

‫على نو غامض شعرت بأنا تتخلى عن ملبسها‪ ،‬تتعرى‪ ،‬أرادت أن تصرخ‪ :‬أنه يعريها‪ .‬و لكن بالس‬

‫النثوي الكيم تراجعت مفسحة الطريق‪ ،‬و هي ترد باحتقار و تعال ف نظرتا الخية‪ ،‬لكنها و‬

‫للعجب و جدت نفس البسمة الازئة ترقص فوق ملمه الغامضة‪ ،‬فهربت بعفوية نو ملمح ابن العم‪،‬‬

‫كأنا تستنجد به‪ ،‬كانت نظرته الانية و التائهة الت رأتا ف أول الساء‪ ،‬قد زالت‪ ،‬و حلت‬

‫مكانا نظرة عداء صريح موجهة للغريب الذي يرافقه‪ ،‬هل ارتعش جسدها‪ ،‬ل تنكر بأن سعادة‬

‫غمرتا‪ ،‬ذكران يرغبان با‪ ،‬هذا ما أكدته حواسها‪ ،‬لكن عقلها التيقظ ردها لالا‪ ،‬فخطت‬
‫‪.‬متعجلة نو السرير‬

‫الن تري ابن عمها ف حيته و قلقه البادي من ارتاف السيجارة بي أصابعه‪ ،‬فتبسمت‬

‫لاله‪ ،‬و رأت كأنه يرد على ابتسامتها‪ ،‬ببسمة هادئة‪ ،‬و واثقة؛ كأنا تد جسورا من الثقة و‬

‫‪.‬التواطؤ و العرفة التبادلة بينهما‬

‫خرج الغريب و أراد التلكؤ‪ ،‬لكن ابن العم قاده بزم تاه الديوان‪ ،‬و هي من قعدتا‬

‫قامت مستشعرة طراوة الليل الت بدأت تغمر البيت‪ ،‬و نسمة عابرة داعبت جريد النخلة‪ ،‬فأحدث‬

‫الهتزاز صوتا‪ ،‬جعلها تلتفت للنخلة‪ ،‬سرة البيت‪ ،‬و سرة العائلة‪ ،‬كما تسميها العمة‪ ،‬و رأت‬

‫‪.‬جريد النخلة يتمايل نوها‪ ،‬يناديها‪ ،‬فراحت نوه‬

‫ل يكن أمامه سوي تنفيذ قسمه‪ ،‬و كان الرجل ‪-‬الذي ل يعرفه‪ -‬فوق حصانه‪ ،‬ذاهل من خسارته غي‬

‫التوقعة له‪ ،‬كان عثمان يتقدم نوه بروية‪ ،‬بي الناس التدافعي‪ ،‬كانوا يصيحون و يهللون‬

‫لفوز فاطمة‪ ،‬و ضحكات السخرية تتدد قوية و فاضحة‪ ،‬ترس الغلوب‪ ،‬نزل الرجل عن حصانه‪ ،‬و‬

‫عندما استدار كان ف مواجهته‪ ،‬ثبتته الفاجأة للحظة كانت كافية ليفع فيها عثمان يده‪ ،‬و‬

‫‪.‬يصفعه بقوة على وجهه‬

‫كان قد شاهد خلل الواسم السابقة كثرة الطلبات للتباري مع أخته‪ ،‬و تدي العائلة و كسر‬

‫شوكتها‪ ،‬و كانت فاطمة توف با هو مطلوب منها دون تذمر‪ ،‬بل بتعة فائقة‪ ،‬كانت تفوز على كل‬

‫من يسابقها‪ ،‬و كان ذلك جيدا‪ ،‬و أسهم العائلة‪ ،‬و الرجال‪ ،‬إخوتا‪ ،‬ف ارتفاع‪ ،‬و جاء شرط‬

‫الزواج كرادع أخي ‪-‬يكن للعائلت الخرى التنافسة معهم‪ -‬الستناد عليه‪ ،‬فاجتمع الخوة‪ ،‬و‬

‫صدر قرارهم‪ ،‬ل زواج إل من الفارس الذي يستطيع التغلب عليها داخل ساحة الرماح‪ ،‬و هكذا‬

‫طمع الميع‪ ،‬و أرهقت الخت‪ ،‬و كان ل بد من حل‪ ،‬يوقف الطلبات الت جاوزت الد‪ ،‬فما كان من‬

‫عثمان‪ ،‬العجبان‪ ،‬أو الفتوة كما يلقبه حواريوه‪ ،‬إل أن جهر بينهم‪ :‬إن كنا نقدم الزواج‬

‫كمكافأة‪ ..‬فعلينا أن نعاقب أيضا‪ ..‬و إل ظل الال سداح مداح‪ .‬و طاف يوم العيد بي الموع و‬

‫هو يعلن قسمه‪ :‬بأن من سيتغلب على فاطمة ف سباق اليل‪ ..‬ستكون من نصيبه‪ ..‬أما الاسر‬

‫فسيقوم بصفعه هو‪ .‬حاول بعض الخوة رده عما انتواه‪ ،‬لكن القسم صار مشهرا‪ ،‬و ل يكن التاجع‬

‫‪.‬فيه‬

‫جرت هذه الوقائع ف غيبة الب‪ ،‬و الذي قد بدأ ف إظهار تودده للولياء و الدراويش‪ ،‬كان‬

‫بعيدا ف أحد الوالد‪ ،‬و كان على الخوة ‪ -‬فاطمة ل تعلم بالشرط الديد‪ -‬التصرف‪ ،‬و منع‬

‫عثمان من تنفيذ وعيده‪ ،‬فخسارة ف السباق ل تعد إهانة شخصية‪ ،‬و تطول كل العائلة‪ ،‬أما صفع‬

‫الوجوه‪ ،‬فسوف ير من البليا‪ ،‬ما ل يكن توقعه‪ ،‬و يفتح أبوابا من الحتقار و العزلة‪ ،‬هم‬

‫‪.‬أبعد ما يكونوا راغبي ف ذلك‬


‫كان مسعود البحيي أول من وقف بوجه فاطمة حي افتتح السباق‪ ،‬رآها عروسا‪ ،‬صبية جيلة‪،‬‬

‫تستحق الازفة‪ ،‬الازفة بالتسابق‪ ،‬و ليس بشرط عثمان‪ ،‬فهو –كما يظن‪ -‬واحد من ألعيب‬

‫الرجال‪ ،‬كان يرى فيه نوعا من التهديد‪ ،‬لكن ليس من السهولة تنفيذه‪ ،‬لذا عزم على خوض‬

‫السباق‪ ،‬منيا نفسه بالفوز و خطف عروس جيلة‪ ،‬و نسب بعائلة عريقة‪ ،‬لكنه وقع ف خطأ بسيط‪،‬‬

‫وقع فيه أغلب من نافسها‪ ،‬أل أنه استهان بقدرتا و مهارتا‪،‬و انشغل با تثله‪ ،‬ليس بكونا‬

‫فارسة‪ ،‬إنا صيد سهل على وشك النقضاض عليه‪ ،‬و هكذا ل يفق من خسارته للسباق و ضياع فرصته‬

‫للبد‪ ،‬إل عندما وجد عثمان أمامه‪ ،‬كان غي مصدق‪ ،‬و الصان بواره يمحم‪ ،‬و يدق بسنابكه‬

‫الرض‪ ،‬جد للحظة‪ ،‬لكن عثمان ل يهله‪ ،‬و قد جاء ليحصل الدين‪ ،‬رفع اليد و صفعه‪ ،‬كانت‬

‫‪.‬الصفعة من القوة بيث ألصقت وجهه برقبة الهر الغارقة ف عرق السباق الاسر‬

‫حي بدأ السباق تلفت الخوة بثا عن عثمان‪ ،‬ل يكن بينهم‪ ،‬أو حت ف الوار القريب منهم‪ ،‬كذلك‬

‫رفاقه كانوا قد اختفوا بدورهم‪ ،‬تفرق الخوة بثا عنه‪ ،‬البعض منهم جرى حيث توقع وجوده‬

‫العتاد ف حلقة التحطيب‪ ،‬و بالطبع ل يكن هناك؛ و البعض راح يفتش بي جهور السباق‪ ،‬و أيضا‬

‫ل يكن موجودا؛ أما الكثر فطنة فقد جرى نو البقعة الت ينتهي عنها السباق‪ ،‬و حي وصل‪،‬‬

‫كانت يد عثمان مشرعة ف الواء‪ ،‬صرخ‪ :‬عثمان‪ .‬و حل صمت‪ ،‬و هبطت اليد بعزمها تصفع الوجه‬

‫الغلوب الذاهل‪ ،‬دوت الصفعة وسط الصمت الذي ياصر البقعة اليطة بم‪ ،‬بينما هناك‪ ،‬ف قلب‬

‫‪.‬أرض السباق‪ ،‬كانت فاطمة تتفل بانتصارها السهل‬

‫كنت غارقا ف تساؤلتي حي جاء عيد و جلس بواري‪ ،‬قال‪ :‬رحت لد في؟ تنبهت من شرودي‪ ،‬و ماولت‬

‫الدائمة ف متابعة كل ما يرى حول‪ ،‬قلت‪ :‬ف رسومك و خطوطك‪ .‬و أشرت للحوائط‪ ،‬ضحك عيد‪ ،‬و‬

‫كان ضوء الفانوس الفيض‪ ،‬قد دفع الرسوم للتعملق‪ ،‬و مغطيا إياها بطبقة من الغموض الذي‬

‫أكسبها إجلل فائقا‪ ،‬ظننت ف لظة أنا على وشك التحرك‪ ،‬و البوط من الوائط‪ ،‬كي تشاركنا‬

‫قعدتنا فوق الدكك‪ ،‬بقلب هدا الديوان العتيق‪ ،‬و الذي دافعت العمة عنه‪ ،‬ضد الكهرباء و ضد‬

‫احتياجها لستخدامه ف سنواتا الخية لقربه من الباب‪ ،‬كنت أرى أننا جزء من الصور الت تلف‬

‫حوائط الديوان‪ ،‬أو هي جزء منا‪ ،‬رأيت كأنا تنظر إلينا‪ ،‬تتأملنا ف حال الركة‪ ،‬أو حال‬

‫السكون‪ ،‬أو كأننا نن ذاتنا صور و رسوم و خطوط على حائط‪ ،‬هي الصل القيم و نن الثر‬

‫العابر‪ ،‬و الذي حل ضيفا لدة ليلة سينصرف بعدها‪ ،‬كما هي حال الغريب‪ ،‬نضي‪ ،‬كل لال سبيله‪،‬‬

‫متفرقي بي دروب الياة التشعبة‪ ،‬و تعود الرسوم إل سابق حالا من الدوء و الوحدة و القامة‬

‫‪.‬الادئة‬

‫قال عيد‪ :‬حظ هذه الرسوم أفضل من تلك الت بالارج‪ ،‬حيث تتعرض‪-‬تلك‪ -‬للشمس فتبهت ألوانا‪ ،‬و‬

‫‪.‬يكسوها الغبار‪ ،‬و يقصر أعمارها‪ .‬فقلت مقاطعا‪ :‬يعن أنا رسوم قدية‬

‫أنا وجدتا كما هي الن‪ ،‬و حي سألت والدي‪ ،‬قال أنا موجودة من قبله‪ ،‬لكن أذكر و أنا صب ‪-‬‬
‫‪.‬ساعدت والدي ف إعادة تلوينها‪ ،‬بنفس اللوان الول‬

‫‪.‬كنت أتصور أنك رستها ‪-‬‬

‫‪.‬و أنا أتيل نفسي ذلك ‪-‬‬

‫ضحكت‪ ،‬و أنا أحاول تقدير الزمن‪ ،‬و شط تفكيي‪ ،‬دون أن أملك يقينا قاطعا‪ ،‬ربا تكون من‬

‫الرسوم الول‪ ،‬أيام الرحال الكبي‪ ،‬و عيد الول‪ ،‬و كأنا عيد يقرأ أفكاري‪ ،‬قال‪ :‬يبدو أن‬

‫‪.‬الد الول هو من رسها‪ ،‬ث قام بعض الحفاد بإعادة التلوين‪ ،‬كما فعلت أنا‬

‫دخل الغريب من باب الديوان‪ ،‬تبعه ممد و هو ينفخ سيجارته‪ ،‬و رغم الضوء الكابي بدا‬

‫ل عصبيا‪ ،‬جال بعينيه على الدكك‪ ،‬و الغريب راح و جلس بوار عوض ال‪ ،‬ف موضعه السابق‪ ،‬و‬

‫ممد ذهب نو العم التكئ على عصاه‪ ،‬و للمرة الثانية داهن إحساس بأن ما أراه الن سبق و‬

‫شاهدته بي الرسوم‪ ،‬رفعت عين للحائط الواجه ل‪ ،‬كان شاب حائر يتحرك بي قافلة‪ ،‬يريد‬

‫الوصول لسيدها الذي على جله ف القدمة‪ ،‬و كان تدافع‪ ،‬و عيد وقف و هو يقول‪ :‬الليل سرى‪.‬‬

‫وقفت و هست بصوت منخفض نوعا‪ :‬ليال العيد‪ ..‬كل سنة و أنت طيب‪ .‬ضحك عيد و اكتست ملمه بجل‬

‫رقيق‪ ،‬قال‪ :‬عقبا لك‪ ..‬و عقب له‪ .‬و أشار إل ممد الذي كان ف هذه اللحظة يلس بوار عمه و‬

‫قد وضع يده على كتفه‪ ،‬صعقتن الفاجأة‪ ،‬قلت ف نفسي‪ :‬يعلم ما يول ف خاطره‪ ،‬أم تري ممدا قد‬

‫أخبه‪ ،‬خاصة و أن ممدا كان يتودد إليه منذ قدومه‪ .‬ربت عيد على ذراعي و هو يقول‪ :‬ل تشغل‬

‫بالك‪ ..‬تصبح على خي‪ .‬و مضى خارجا‪ ،‬و أنا جلست مبهورا‪ ،‬و عين جرت للرسوم‪ ،‬و كان شاب قد‬

‫‪.‬توقف بوار فتاة‪ ،‬ل تكن موجودة قبل‪ ،‬و كانت يده مدودة لراكب المل‪ :‬سيد القافلة‬

‫حلت زينب الفانوس و راحت للنخلة الت تناديها‪ ،‬فكرت بأمر النخلة الي‪ ،‬يقال أن الد هو‬

‫الذي زرعها حي بدأ ف بناء البيت‪ ،‬لكن الدهش‪ ،‬أنا ظلت تتطاول رغم مرور كل هذا الزمن‪ ،‬ل‬

‫تنجب تتها أو حولا أي فسيلة‪ ،‬و ل ينبت من نواها‪ -‬الذي زرع بأماكن بعيدة و متلفة‪ -‬أي‬

‫واحدة‪ ،‬كان النوى يبقى بالرض إل أن يفسد أو تأكله التبة؛ ل تكن النخلة تسمح لشيء‬

‫بالنبات حولا إل الشائش‪ ،‬النجيل‪ ،‬تتكه يفرش الرض بغطاء لي حولا‪ ،‬كي تسقط بلحها فوقه حي‬

‫يأتي أوان نضجه‪ ،‬منذ وقت بعيد‪ ،‬حي كان الرجال يعمرون البيت‪ ،‬كان الهتمام با قائما‪،‬‬

‫فيقلم و يقطع جريدها الزائد‪ ،‬و يوضع اللقاح‪ ،‬و تقطع سباطات البلح‪ ،‬لكن بعد الرحيل‬

‫التتابع‪ ،‬ل يكن لحد أن يركب النخلة‪ ،‬و هو ما كانت ترمه العمة على أي غريب‪ ،‬حت عيد‪،‬‬

‫رفضت فكرة طلوعه النخلة ليلقحها‪ ،‬أو ين بلحها‪ ،‬فهي كانت تعتب أمر النخلة شأنا عائليا و‬

‫غي مسموح للغراب بالوض فيه؛ و مع ذلك استمرت النخلة بالطرح‪ ،‬وإلقاء البلح الناضج إل‬

‫الرض النجيلية‪ ،‬كانت العمة تسمح ف بعض الوقات للنعجة و الروف بالرعي تت النخلة‪ ،‬كي‬

‫تقصر أعواد الشائش الت طالت‪ ،‬لتصبح حصية طرية‪ ،‬متساوية‪ ،‬ل تبئ البلح تتها حي تأتي‬

‫العمة للمه؛ قالت لزينب‪ :‬حي يستوي البلح‪ ،‬تصمت الريح تاما‪ ،‬ث تأتي هبة هواء غاضبة‪،‬‬
‫تنفض النخلة نفضا‪ ،‬و كأنا جاءت من أجلها خصيصا‪ ،‬ل أسع من أحد حول هذه الريح‪ ،‬يدث هذا و‬

‫دوما بالليل‪ ،‬بعد غياب القمر‪ ،‬و أنا بعد أن أصلي الفجر‪ ،‬آخذ قفة‪ ،‬يكون النور قد مل‬

‫البيت‪،‬أذهب إليها و آخذ ف لقط البلح الذي افتش النجيل‪ ،‬و عند شروق الشمس أكون قد‬

‫‪.‬انتهيت‬

‫لت زينب شيئا يتحرك حول النخلة‪ ،‬تقدمت بذر و هي تفكر أن تنادي على أبيها‪ ،‬أو واحد من‬

‫أبناء عمومتها‪ ،‬لكنها رأت النعجة و الروف يرعيان النجيل‪ ،‬توقفت‪ ،‬هي متأكدة من أنا‬

‫أغلقت باب الزريبة جيدا حي انفلتت النعجة و ابنها عند الغرب‪ ،‬و استطاعت هي و عزيزة‬

‫ردهم‪ ..‬اقتبت‪ ،‬وضعت الفانوس علي الرض‪ ،‬و نظرت لعلي النخلة‪ ،‬كان كل شيء صامتا‪ ،‬و تذكرت‬

‫‪.‬أن البلح قد طاب‪ ،‬و بدأ جعه من النخيل منذ فتة‬

‫كانت النعجة و الروف يرعيان بوع و هة عالية‪ ،‬و زينب تعجبت من أفعال حيوانات العمة‪ ،‬ف‬

‫البداية‪ ،‬حي توفيت العمة‪ ،‬كانت الدواجن راقدات حولا‪ ،‬كأنا يتضنها‪ ،‬و بصعوبة استطاعت و‬

‫عزيزة إبعادها و حبسها بالزريبة‪ ،‬أما قطة العمة فقد نطت للسطح‪ ،‬و رفضت النزول‪ ،‬رغم‬

‫النداء الطويل و اللح من زينب‪ ،‬كانت زينب تشعر بأن هذه الرواح أصبحت معلقة برقبتها‪ ،‬و‬

‫جزء من إرثها العقد‪ ،‬كانت ف كل صباح‪ ،‬و قبل غروب الشمس‪ ،‬و لدة أسبوع كامل و هي تدخل‬

‫الزريبة حاملة الطعام و الاء للدواجن الرافضة للقتاب منه‪ ،‬حت بدأ الوت يطل على الزريبة‬

‫فارضا رحته النهائية؛ و عزيزة الت تتابع بصمت‪ ،‬صرخت‪ :‬حرام‪ ..‬على القل نذبهم‪ .‬لكن وريثة‬

‫العناد السري رفضت بجة أن العمة ل تكن تقو على ذلك‪ ،‬ث قالت بزم‪ :‬ل يكن خيانتها‪ .‬عند‬

‫ناية السبوع كانت القطة قد اختفت‪ ،‬و الدواجن نفقن بالكامل‪ ،‬و بقيت النعجة و الروف‬

‫‪.‬بنظرة عيونم الكسية‬

‫انتهت النعجة و الروف من لقط الشائش و تسوية أعوادها حول النخلة‪ ،‬نظرا لزينب الت حاولت‬

‫القتاب‪ ،‬لكنهما تركا عائدين للزريبة‪ ،‬تناولت زينب الفانوس و تبعتهما‪ ،‬كي تسد باب‬

‫‪.‬الزريبة الفتوح‬

‫كان الاج عثمان مستندا على النبوت‪ ،‬مائل عليه‪ ،‬و مفضا وجهه كأنا ياول تاشي الفتضاح‪،‬‬

‫بينما رغبة تتملكه ف أن يسك بسيل الذكريات النسابة منه‪ ،‬يريد أن يوقفها و يتمعن فيها‬

‫الن و بعد كل هذه السنوات؛ كان اليوم الثالث للعيد‪ ،‬حي عاد الب من غيابه‪ ،‬و ل يعرف أحد‬

‫‪.‬كيف علم با جري‪ ،‬و ل بأي طريقة نقل إليه الب‬

‫ف عصر ذلك اليوم كان كعادته وسط حلقة التحطيب حي أتاه الب‪ :‬مصطفى تقدم لينازل فاطمة‪،‬‬

‫ابن العم يتسابق مع أخته‪ .‬توقف متحيا‪ ،‬و اهتزت يده القابضة على النبوت‪ ،‬و هاجه السؤال‪:‬‬

‫هل ستمتد يده على ابن عمه‪ ،‬إن فازت فاطمة؟ وجد نفسه ينسحب من اللقة‪ ،‬البعض ظن أنه ذاهب‬

‫للبرار بقسمه‪ ،‬و هو كان يبغى الختفاء‪ ،‬و أن يدث المر بعيدا عنه‪ ،‬كأنه ل يعلم به‪ ،‬لكن‬

‫الن‪ ،‬العيون الت تاصره تبه بأنا تعلم‪ ،‬و أنه يعرف‪ ،‬و إن كان قد مد يده سابقا و صفع قبل‬
‫‪.‬أن يتدخل أحد لنعه‪ ،‬فعليه أن يكمل‬

‫أوقفته الية على حواف اللقة‪ ،‬ل يدري على أي نو يتصرف‪ ،‬ما الذي دفع مصطفي لذا الفعل؟‬

‫كان يكفيه و هو ابن العم‪ ،‬أن يتقدم خاطبا‪ ،‬و لن يرؤ أحد على رفضه‪ ،‬لكن القسم الول بأن‬

‫تتزوج فاطمة بن يتفوق عليها بالسباق‪ ،‬هل كان للخوة التغاضي عن الشرط؟ و الن‪ ،‬أهو مطالب‬

‫بالنث ف يينه أمام ابن عمه‪ ،‬ف دخيلته يتمن أن تنهزم فاطمة‪ ،‬و تنقذه من الشرك الذي يلتف‬

‫حوله‪ ،‬و ذلك الرجل‪ ،‬ماذا كان اسه‪ ،‬و هل هذا مهم الن؟ ماذا سيكون موقفه و موقف عائلته‪،‬‬

‫‪.‬إن تاذل عن تنفيذ يينه‪ ،‬لو خسر ابن العم‬

‫كان يتقلب ف نار القلق و التقب‪ ،‬يود لو يكون هناك بقلب السباق ليمنع هذا السباق‪ ،‬أو‬

‫يري النهاية بدل من النتظار القاسي هنا‪ ،‬ناية السباق الت ربا تكون نايته‪ ،‬أو عليه أن‬

‫يسارع بالبتعاد‪ ،‬و جاءه الب طائرا‪ :‬فاز مصطفى‪ .‬غمرته فرحة‪ ،‬فرفع النبوت و دخل اللقة‬

‫راقصا على أنغام الربابة و الزمار و النقارة‪ ،‬كان والد عوض ال هو القائد بالربابة‪،‬‬

‫الذي أدرك الال‪ ،‬فأبدع ألانا من أجل فرحة العجبان‪ ،‬الذي يرقص بعصاه كما ل يرقص من قبل‪،‬‬

‫و أخرج نقودا و أعطاها نقوطا لولد عوض ال‪ ،‬و سي الرقصة باسيهما‪ :‬مصطفي و فاطمة‪ .‬و رأي‬

‫أن ذلك ناية حكيمة؛ و ظل باللقة يلعب كل من باللقة و يازحهم‪ ،‬و عندما عاد للبيت ل يكن‬

‫يعلم بعودة الوالد‪ ،‬كان أذان الغرب يلعلع ف ساء العيد و السرور الطاغي يتقدمه ليدخل‬

‫البيت‪ ،‬فوجد البندقية ف انتظاره و معها قرار بالطرد‪ ،‬ف البداية ل يفهم فتاجع منسحبا‪ ،‬ث‬

‫‪.‬قرر مغادرة البلدة‪ ،‬و كان بداية للعقد الذي انفرط‬

‫أفاق من تويه علي يد تز كتفه برفق و صوت يمل نبة سخرية يقول‪ :‬كثر شرودك يا عم‪ .‬تراجع‬

‫بظهره لسند الدكة‪ ،‬و هو ياول تالك ذكرياته‪ ،‬الت تنفرط رغما عنه‪ ،‬قال‪ :‬أبدا‪ .‬كان ابن‬

‫‪.‬أخيه ممد‪ ،‬فالتفت ناحيته و هو يقول بصوت أكثر عمقا و استقرارا‪ :‬خي‬

‫و هي عائدة لت عيد يغادر البيت‪ ،‬ل تتوقف‪ ،‬بل تقدمت نو حجرة العمة‪ ،‬و الرغبة ضربت‬

‫جوانبها‪ ،‬أرادت الختباء‪ ،‬و أن تنسى عداءها تاه عيد‪ ،‬قالت لا العمة‪ :‬ما ذنبه؟ و كانت قد‬

‫تعلقت بجة أنه فأل سيئ‪ .‬ل تبحها تلك الفكرة‪ ،‬رغم صداقة عزيزة‪ ،‬و ماولتا الدائمة لتبي‬

‫أسباب الكراهية‪ ،‬و ما كانت بقادرة على التوضيح‪ ،‬كانت فقط تريد أن تصب غضبها على أحد‪،‬‬

‫أي شخص‪ ،‬و كان هو أمامها‪ ،‬صديق سعيد‪ ،‬و مبيض حجرة زفافها الذي ل يتم‪ ،‬الن تتساءل‪ :‬و هل‬

‫‪.‬هذا كافيا؟‬

‫دخلت من الباب و علقت الفانوس‪ ،‬و هت بلع اللباب‪ ،‬و تذكرت ما جري عند الغرب‪ ،‬فتكت‬

‫ّ و أصدرت مفاصله لنا‪ ،‬جعلها تسكن‪ ،‬كان اللحن‬


‫اللباب‪ ،‬و ركبت السرير ذا العمدة‪ ،‬الذي أن‬

‫راقصا‪ ،‬داعرا‪ ،‬كأنا يتذكر اهتزازات تعطلت داخله‪ ،‬تبسمت و هي تضع رأسها برفق على‬

‫الوسادة‪ ،‬و شت رائحة التاب الناعم التاكم فوق السرير‪ ،‬فهبت رافعة رأسها‪ ،‬و السرير تاوب‬
‫مع الركة مصدرا ألانه‪ ،‬و خيل لزينب أنا عالية‪ ،‬و ربا سعها من بالديوان‪ ،‬و رأت نظرة‬

‫الغريب‪ ،‬فأحست بالفضيحة تدق با‪ ،‬فنزلت بسرعة‪ ،‬و سعت ضحكة تتدد حولا‪ ،‬لكنها ل تتم‪،‬‬

‫تناولت حصيا مركونا بوار الائط‪ ،‬و على الرض فرشته‪ ،‬و سحبت الوسادة و ألقتها على طرف‬

‫الصي‪ ،‬و هي تتلفت حولا‪ ،‬و ترهف سعها للصوات القادمة من الديوان‪ ،‬فجاوبا صمت عميق‪ ،‬فردت‬

‫‪.‬جسدها الفارع على الصي و هي تقول‪ :‬بسم ال‬

‫‪.‬هذا البيت يب أن يظل مفتوحا ‪-‬‬

‫قال ممد و هو ياول رفع صوته‪ ،‬كي يدارى الضطراب الذي يعتمل داخله‪ ،‬و العم الذي سع هذه‬

‫القوال كثيا‪ ،‬كلما جاء واحد من إخوته‪ ،‬أو من أبنائهم‪ ،‬أو القارب‪ ،‬يقولون نفس الشيء‪،‬‬

‫اللم الذي يسيطر على الميع‪ ،‬الوف على ذكرياتم القدية من الندثار‪ ،‬أماكن لوهم‪ ،‬و نضج‬

‫مراهقتهم‪ ،‬يدفعهم الني‪ ،‬و نية تبزغ حي تواجدهم‪ ،‬سرعان ما تتوارى عندما ينصرفون‪ ،‬يضعون‬

‫خططا لن ينفذوها أبدا‪ ،‬فقط اللم يظل باقيا‪ :‬أن يبقى البيت مفتوحا‪ .‬لكن كيف؟ ل أحد ييب‪،‬‬

‫أو يأخذ خطوة صادقة‪ ،‬و عثمان الذي مل من كثرة التمنيات هذه‪ ،‬كان يضع العقدة ف النشار‪،‬‬

‫يقول ببساطة و وضوح‪ :‬تعال اقعد فيه‪ ..‬و افتحه‪ .‬بالنسبة له كان المر منتهيا‪ ،‬حي عاد من‬

‫تغربه كان قراره واضحا ف عقله‪ ،‬بن بيته ف الطرف الثاني من البلدة‪ ،‬ل يكن يرد على‬

‫الهانة القدية‪ ،‬الطرد‪ ،‬لكنه كان يس بأن روحه ل تتمل هذا البيت‪ ،‬كان يقول لنفسه‪ :‬غي‬

‫مسموح ل بالتواجد هنا‪ .‬و عناده كان صافيا‪ ،‬دون ضغينة أو كره؛ حي جاء أول مرة‪ ،‬عقب وفاة‬

‫الم‪ ،‬كان الب قد مات منذ فتة بعيده‪ ،‬لكنه أصر على عدم اليء‪ ،‬رغم علمه‪ ،‬قال وقتها‪:‬‬

‫القسوة أهم مياث‪ .‬ل يكن قادرا على الغفران‪ ،‬لكن يوم الم جاء يره الني‪ ،‬و يقينه بأن أمه‬

‫خارج حسابات الطرد‪ ،‬لذا ل يضر زفاف فاطمة‪ ،‬و ل عزاء فاطمة الول‪ ،‬الدة‪ ،‬دخل البيت و‬

‫شعور بالنقباض يضه‪ ،‬ل يقدر على البقاء أكثر من دقائق‪ ،‬قدم فيها عزاءه للخت‪ ،‬و رحل بصمت‬

‫إل الساحة أمام البيت‪ ،‬ل يذهب للديوان ليقعد مع الرجال و إخوته‪ ،‬قال أريد دكة هنا‪ ،‬و‬

‫الخوة و رجال العائلة العارفون بالوضوع ل يادلوه‪ ،‬و بدل الدكة الواحدة أخرجوا ثلثة‪،‬‬

‫‪.‬كلن يتلقى العزاء و يبيت الليل بالارج‬

‫‪...‬طيب‪ ..‬تعال‪ ..‬و افتحه ‪-‬‬

‫‪.‬رد الاج عثمان‪ ،‬مستشعرا قلق ابن أخيه‪ ،‬و الذي كانت أطرافه ترتف‬

‫‪...‬لوحدى‪ ..‬لن ينفع ‪-‬‬

‫قال ممد و هو يقلب الكلم و يفتح أبوابا‪ ،‬يسهل لنفسه الدخول منها‪ ،‬لكن العم أراد أن‬

‫‪.‬ينهي وجع الدماغ من هذا الوضوع التكرر‪ ،‬فقال بزم‪ :‬و الطلوب‬

‫شعر ممد بأن العم يضيق الناق‪ ،‬فقال‪ :‬أريد الزواج بزينب‪ .‬و تنهد كأنا أزاح عبئا جاثا‬

‫‪.‬على صدره‪ ،‬و بقي ف انتظار الرد‬


‫بوغت العم بالطلب‪ ،‬فرغم أن هذا الدث يريه و يسعده‪ ،‬و يضع حدا لقلقه على ابنته‪،‬‬

‫لكنه و منذ فتة طويلة‪ ،‬كان الوضوع قد أغلق‪ ،‬حينما أصرت زينب على رفض كل من يتقدم لا‪،‬‬

‫كانت تقول‪ :‬حظي و جربته‪ .‬و كان يعرف عناد رأسها؛ لكن الديد‪ ،‬أن الاطب الن هو ابن العم‪،‬‬

‫و ليس بغريب‪ ،‬كما ردت عليه ذات مرة بأنا لن تكون زوجة لرجل ل تري به دماء الرحال‪ .‬كان‬

‫على العم أن يتوى تسبا لرد زينب‪ ،‬كان يشق عليه أن يراها وحيدة ف الياة‪ ،‬و هو طال العمر‬

‫‪.‬أو قصر‪ ،‬سيفارقها‪ ،‬و الب ل يل مل الزوج أبدا‬

‫‪..‬ل مانع عندي‪ ..‬إنا ‪-‬‬

‫‪!.‬ماذا؟ ‪-‬‬

‫قال ممد متعجل‪ ،‬فإنا الت توقف عندها العم تفتح أبوابا عريضة للرفض‪ ،‬و ساعتها‬

‫يسقط اللم الذي رآه و هو مشرد بالبلد‪ ،‬أراد أن يكلم عمه عن اللم‪ ،‬و إعادة ل الشمل‪ ،‬و‬

‫‪.‬تكوين العائلة بشكل جديد‬

‫‪.‬القول لبنة عمك‪ ..‬هل نبها يا ابن الدينة ‪-‬‬

‫‪.‬ارتاحت نفسه قليل‪ ،‬و تغافل عن حس السخرية‪ ،‬قال‪ :‬خبها الن يا عم‬

‫‪.‬ل تطر الدنيا‪ ..‬الصباح رباح ‪-‬‬

‫وقف العم‪ ،‬و قال‪ :‬تصبحون على خي‪ ..‬وقف عوض ال و الغريب‪ ،‬و ممد و بعض الذين بقوا‬

‫متيقظي‪ ،‬خطا نو الارج‪ ،‬تبعه عوض ال و الغريب‪ ،‬لكن العم أشار للغريب كي يلس‪ ،‬فجلس‪ ،‬و‬

‫خرج العم يصحبه عوض ال‪ ،‬و تبعه ممد و البشاري‪ ،‬حت باب البيت الارجي‪ ،‬ث ردا الباب‬

‫‪.‬الكبي‪ ،‬و عادا للديوان‬

‫جاء ممد و جلس بواري‪ ،‬و بوادر البشر تل من وجهه‪ ،‬قال‪ :‬طلبت يدها‪ .‬قلت‪ :‬أعلم‪.‬‬

‫‪.‬فهزني مستفهما‪ ،‬صمت‪ ،‬ل أجد ما أقوله له‪ ،‬قام من جواري و راح للدكة الاورة و تدد فوقها‬

‫كان الميع قد رقدوا‪ ،‬فقام ماهد البشاري‪ ،‬و راح نو الفانوس و خفض شعلته‪ ،‬أردت أن‬

‫يظل النور قليل و أنا أشعل سيجارة‪ ،‬و رحت أفكر ف الحداث الت جرت‪ ،‬فجافاني النوم‪ ،‬قلت‬

‫ّ أن أنام الن‪ ،‬أرجأت التفكي‪ ،‬و بدأت ألعب الرقام ف ذهن‪ ،‬كي يأتي‬
‫غدا يوم طويل و على‬

‫النوم سريعا‪ ،‬و حي بدأت أخوض ف مياهه برفق‪ ،‬خيل ل كأنا هبة هواء تنفض النخلة‪ ،‬و أن‬

‫بلحها يتساقط على الرض النجيلية‪ ،‬قررت أن أقوم لتأكد لكن النوم كان قد جرني لياهه‬

‫‪.‬العميقة‬

‫الولد لئيم‪ ..‬غويط‪ .‬قال عوض ال و هو يسي بوار الاج عثمان‪ ،‬الذي يتحرك و عقله يرى‬
‫بعيدا‪ ،‬يطارد خيالت دون القبض عليها جيدا‪ ،‬فسرعان ما تنفلت منه و تول هاربة‪ ،‬قال دون‬

‫انتباه‪ :‬الديون ل تسقط أبدا‪ .‬و عوض ال الذي يعرف الكاية القدية للصفعة‪ ،‬فهم التلميح‪ ،‬و‬

‫‪.‬عرف أن الاج ليس معه‪ ،‬بل ف واد بعيد‪ ،‬فآثر الصمت‬

‫كان عليهم عبور شوارع البلدة التعرجة إل الهة الخرى‪ ،‬كانت بعض العمدة تبدد‬

‫الظلمة و تعل الرؤية معقولة بالنسبة لعجوزين يسيان دون حوار يقصر الطريق؛ عوض ال سرح ف‬

‫عاله‪ ،‬الذي طرده خارج حضرة الضور و الوجود و أصبح على الامش‪ ،‬هامش الياة؛ ف ليلة كهذه‪،‬‬

‫يكون سيد الليل‪ ،‬يقص حكايات البطال‪ ،‬و تواريخ أيامهم‪ ،‬كل هذا انقضى و ل يتبق له سوى‬

‫حلقات التحطيب الت تقام ف بعض الواسم‪ ،‬على هامشها يقف هو و اثنان من أبنائه‪ ،‬يعزفون‬

‫فقط‪ ،‬دون غناء‪ ،‬فالذي يغن الرجال و عصيهم داخل اللقة‪ ،‬يعزف من الذاكرة بدون حس أو‬

‫مشاركة فعالة‪ ،‬أحيانا يتدخل لتصيح نغمة‪ ،‬أو يضبط إيقاعا؛ ف الاضي كان صوته يلعلع‪ ،‬أما‬

‫الن ل صوت ول غيه‪ ،‬حت الربابة تظل بالشهور ف جرابا السود دون أن تس‪ ،‬الراب معلق ف مدخل‬

‫البيت‪ ،‬يشعر أنا أصبحت حرزا‪ ،‬أو حجابا‪ ،‬ل يكن القتاب منه‪ ،‬فقط يكن النظر إليه بتحسر و‬

‫تن‪ ،‬و كلها موحش و شاق؛ ضحك عوض ال ف سره قائل‪ :‬ل يعد زمننا هذا يريد البطولة‪ ،‬أو يرغب‬

‫ف ساع حكايات البطال‪ ،‬و داهه سؤال‪ :‬هل يوجد أبطال الن؟! و لكي يهرب من مواجهة السؤال‪،‬‬

‫‪.‬نظر للسائر بواره‬

‫الاج عثمان ترمح به اليام‪ ،‬ترجره من طوق الذكريات‪ ،‬و ما كان قادرا علي ردعها‪ ،‬و‬

‫الصمت سلحه الوحيد‪ ،‬هو و قبضته العفية على نبوته الذي ما خذله يوما‪ ،‬يتوكأ عليه كي‬

‫يتماسك؛ ف واحد من الشوارع التفرعة انرف عوض ال متخذا الشارع نو بيته‪ ،‬رفع يده‬

‫بالتحية‪ ،‬لكن السائر أكمل مسيه دون أن ينتبه‪ ،‬كان وحيدا ف الظلم‪ ،‬يدب على الرض بنبوته‬

‫‪.‬الغليظ‬

‫ف الصباح كانت حلقتنا قد تمعت‪ ،‬استعدادا و ترقبا‪ ،‬ل ندري من الذي سرب الخبار‪ ،‬و‬

‫ل على أي كيفية فشا خب الغريب‪ ،‬فساحة الول الفقي ل يبق با موضع لقدم‪ ،‬كل هذا الشد من‬

‫بلدتنا و البلد الاورة‪ ،‬حت البنادر البعيدة أقبل منها ناس‪ :‬أفنديات و تار و حكومة‪.‬‬

‫الكل ترك ما يشغله و جاء للساحة‪ ،‬حت الذين يأتون لزيارة موتاهم أجلوا الزيارة إل بعد‬

‫‪.‬انتهاء الواقعة‬

‫كانت الشمس قد خرجت ساخنة منذرة بيوم ملتهب‪ ،‬فتهلل باعة السوبيا و الشروبات‬

‫الغازية و البية‪ ،‬و أصحاب الغرز بكافة أنواعها‪ ،‬و ما كنا قادرين على ردع أحد‪ ،‬أو حت‬

‫الغامرة بطرده‪ ،‬كان الوضع يفوق حدود التوقع و التصور‪ ،‬لو قلنا كأنه يوم الوقفة‪ ،‬وقفة‬

‫عرفات‪ ،‬سيكون الوضع أهون‪ ،‬فهذا اليوم طويل و ل نعرف على أي نو سينتهي‪ ،‬و الدل دائر؛‬

‫لكن من الذي قام بنشر حكاية الغريب‪ ،‬و هزيته النكرة للعبينا‪ ،‬كانت الشماتة ف العيون ل‬
‫يكن إنكارها‪ ،‬نعرف الن على القل أن بي الغريب و عثمان ثأر قدي‪ ،‬صفعة ما يزال يرن وقعها‬

‫رغم مرور كل هذا الزمن‪ ،‬عثمان ل يبح لحد‪ ،‬و الغريب ل ينطق‪ ،‬فقط رفع عصاه و أشار‬

‫لعثمان‪ ،‬لكن الصفعة تصرخ الن مطالبة بردها‪ ،‬لكن ليس لنا ذنب فيما حصل سابقا‪ ،‬حت تنال‬

‫حلقتنا هذه الهانة غي الستحقة‪ ،‬كان يكفي الولد‪ ،‬الغريب‪ ،‬أن يطلب منازلة عثمان‪ ،‬و يرد‬

‫له الصفعة‪،‬إن استطاع الفوز عليه‪ ،‬و يا دار ل يدخلك الشر‪ ،‬لكن صفعة قدية ف برجاس اليل‪،‬‬

‫‪.‬تقابلها الن واحدة ف برجاس العصا‪ ،‬و دون أن نكون طرفا فيها‪ ،‬فهذا غي عادل‬

‫غبار ملتهب يلف الكان بفعل حركة القدام البطيئة على الرض التابية‪ ،‬يدوم الغبار‬

‫فوق الرؤوس الشتعلة بالنتظار‪ ،‬الكل يتدافع كي يكون قريبا من حلقة التحطيب‪ ،‬و الت حددنا‬

‫و منذ الصباح الباكر حوافها‪ ،‬و أقمنا بعض الشباب القوي حراسا عليها‪ ،‬حت ل تضيق اللقة و‬

‫ل تصلح للتباري؛ جاء عوض ال اللب و ف يده جرابه السود ‪ ،‬خلفه كان الولدان‪ :‬واحد‬

‫بالنقارة و الثاني يسك بالزمار‪ .‬و ما كنا لنغفل عن هذا‪ ،‬فمهما كانت مشاغلنا و الخطار‬

‫الت تدق بنا‪ ،‬ل يكننا التغاضي عن أي شيء بسيط من مستلزمات اللقة‪ ،‬و إل صارت جرسة‪ ،‬و‬

‫علمة شؤم‪ ،‬قد تسرع بغلق حلقتنا‪ ،‬الت ناول‪ -‬رغم هذه الزة الطارئة‪ -‬أن نعيد لا بائها و‬

‫‪.‬رونقها العروفة به بي حلقات الدنيا من حولنا‬

‫ّد من الرهان‪ .‬قلنا‬


‫بينما نن ف انتظار قدوم عثمان و الغريب‪ ،‬شاع خب‪ :‬الغريب صع‬

‫الولد ل يريد لا أن ترسو على بر‪ ،‬ما الذي يبتغيه من وراء ذلك‪ ،‬أل يكفي ما جرى بالمس‪ ،‬و‬

‫سألنا‪ :‬ماذا يريد هذه الرة؟ قال الب أن يكون الرهان مطابقا لا جرى ف الزمن البعيد‪،‬‬

‫فضربنا كفا بكف‪ ،‬فما يدث ل يكن تصديقه و ل تمل وقاحته‪ ،‬و هل بناتنا موضع رهان! قال‬

‫الب‪ :‬انتظروا‪ ،‬عثمان من وضع الشروط سابقا‪ ،‬و جعل أخته فاطمة موضع رهان‪ ،‬الن الغريب‬

‫يطالب بتكافؤ الالة‪ ،‬و بدل من فاطمة‪ ،‬تكون زينب؛ فإما أن يقبل بزواجه من زينب‪ ،‬أو‬

‫يتلقى الصفعة أمام الميع‪ .‬ل نر جوابا‪ ،‬و ل نكن لنجادل ف أمر ل يصنا‪ ،‬الهم أن تظل‬

‫حلقتنا بعيدة عن تصفية السابات‪ ..‬و هكذا بقينا ف انتظار قدومهما‪ ،‬و الول الفقي ف قبته‬

‫‪.‬من فوق البل شاهد علينا‬


‫كتاب العصا‬

‫مدفوعا بميته و نبض الرجولة دخل العركة‪ ،‬كان يكن أن يغض عينه‪ ،‬و يتابع شرب الشاي‬

‫الذي أحضرته نعيمة‪ ،‬و يظل يتملى جسدها الريان كلما أقبلت أو راحت‪ ،‬تلب طلبات الزبائن‬

‫القليلي‪ ،‬لكنه عند لظة ل يعد قادرا على كبح حيته‪ ،‬رفع نبوته و هدر بصوته القوى‪ ،‬و هو‬

‫‪.‬يطوح عمامته على الدكة الالس عليها‪ ،‬مقتحما الناقة الضيقة‬

‫الوقت ضحى‪ ،‬و الشمس تضرب الجواء النوبية بقوة‪ ،‬و عمال اليناء يأتون الغرزة‪،‬‬

‫البعض يتناول إفطاره و كوب الشاي اسود و ثقيل‪ ،‬و البعض يدخن حجارة الوزة كأنا ياول‬

‫القبض على أنفاس الدنيا‪ ،‬أصوات خافتة تتدد هنا؛ بينما الركة مستعرة ف الارج‪ ،‬حيث وقف‬

‫أحد الصنادل و مدت السقالت‪ ،‬فوقها رمح العمال بأحالم و كأنم يرقصون‪ ،‬ل يعرف و هو‬

‫الرائي من مكمنه هنا بقلب الغرزة الطلة على اليناء‪ ،‬يرقصون بفعل الثقل الذي فوق‬

‫أبدانم‪ ،‬أم بفعل الري وراء لقمة العيش القاسية و الصعبة‪ ،‬كأنا ياولون تلية مرارة أيام‬

‫الصيف الطويلة الفقية من أعمال بديلة‪ ،‬غبار يتصاعد هناك من بي أقدامهم و يدوم فوق‬

‫‪.‬الرؤوس‪ ،‬و هنا غبار رمادي بفعل الدخان و رائحة نعيمة الت تيم بقلب الغرزة‬

‫يأتي الرجال للغرزة مدفوعي باجة السد للحظة راحة‪ ،‬و اختلس النظرات من جسد نعيمة‪،‬‬

‫من تت لتحت‪ ،‬فهم يعرفون أنا ملك يي العلم حربي‪ ،‬فتوة اليناء‪ ،‬و ليس لديهم الطاقة‬
‫لواجهته‪ ،‬أو حت مواجهة نعيمة ذاتا‪ ،‬فهي قاسية شرسة‪ ،‬كلمة واحدة‪ ،‬و الثانية‪ ،‬تكون شخرتا‬

‫قد رنت بقلب اليناء‪ ،‬و الذي ل يتفرج‪ ،‬بالتأكيد هو بعيد‪ ،‬إذا فليسمع‪ :‬إيه‪ ..‬يا روح‬

‫أمك‪ ..‬ث ينفرط عقد اللسان بالكلمات الت ل يقوى الرجال على تملها‪ ،‬و هم من الؤكد ل‬

‫يسمعوا با ف قراهم البعيدة‪ ،‬حيث نساؤهم ل يعرفن هذه الكلمات‪ ،‬هكذا يتخيلون‪ ،‬فقط يستكن‬

‫لظل الرجل الذي هو أفضل من ظل الائط‪ ،‬العن به الب؛ كلهم ف أحلمه يشتهيها‪ ،‬يأتي منيا‬

‫نفسه بلحظات بالتفرج على السد البهي‪ ،‬دون تنغيص من أحد‪ ،‬لذا يلزمون الصمت‪ ،‬كأنا يدخل ف‬

‫صحبتهم‪ ،‬يبقون و عيونم على السد داخل الفستان البوك‪ ،‬و كأنا فصل عليه‪ ،‬و حيك بدقة و‬

‫نعومة مرهفة‪ ،‬ساما لكل النناءات و الستدارات بأخذ حقها من البوز و التحدي الوقح‪ ،‬هذا‬

‫غي ما تتفنن نعيمة ف وضعه‪ ،‬من كحل و حناء و خرة و دلكة تلو السد و تعله مشدودا مرنا‪ ،‬و‬

‫روائح الصندل و اللب الت تتبل البدن و تعطره‪ ،‬فيخرج عند الصباح بسماره اللطيف مشعا‬

‫ريانا‪ ،‬يهب اليوم بسمته الطازجة‪ ،‬و لتذكر العمال بقسوة أيامهم‪ ،‬و ضياعها هدرا‪ ،‬دون أمل‬

‫ف شيء مدد‪ ،‬فقط رغبة و تعطش من الفضل كتمانما‪ ،‬بدل من التعرض للسانا الذي يأتي بالبعيد‬

‫الغائب‪ ،‬و ما هي إل لظة و تكون يده العريضة قد أطبقت على من رماه سوء طالعه الصباحي‬

‫عرضة لسدها و لسانا؛ يتول العلم حربي توضيب الزبون‪ ،‬قليل الدب و التبية‪ ،‬و تقف هي‬

‫ّص أوراكها‪ ،‬و وجهها الكتنز يضحك بشراسة متشفية‬


‫‪.‬عاقدة يديها على خصرها‪ ،‬و ترق‬

‫حي تراجع مصدوما‪ ،‬مطرودا‪ ،‬ل تكن لديه وجهة مددة يقصدها‪ ،‬لكنه ترك خارجا من حرم‬

‫البلدة‪ ،‬دون أسى أو إحساس بذنب‪ ،‬خارج حدود البلدة لق به ابن عمه‪ ،‬و زوج أخته بعد أيام‬

‫قليلة‪ ،‬مصطفي‪ ،‬حاول إثنائه عن فكرة الرحيل‪ ،‬متعلل بأن الغادر ل يعود أبدا‪ ،‬لكن عثمان‬

‫قابله ببسمة حاول قدر إمكانه أن تبدو واثقة‪ ،‬و متشبثا بائط الصرار و العناد‪ ،‬و لا يئس‬

‫مصطفي دس ف جيب ابن عمه نقودا‪ ،‬و ارتد عائدا‪ ،‬و هو أكمل طريقه‪ ،‬حيث جرته الدروب تاه‬

‫البندر‪ ،‬فكر بواحد من العارف‪ ،‬التجار الذين يتعاملون معهم‪ ،‬و هم بالذهاب إليه‪ ،‬و بطول‬

‫الطريق‪ ،‬و عب التوي و التأمل قرر بأنه ل فائدة من البال القدية‪ ،‬الت يريد قطعها تاما‪،‬‬

‫عليه أن يبدأ حياته الن و بشكل منفرد و بعيدا عن غطاء العائلة‪ ،‬كان الطريق أمامه طويل‬

‫‪.‬و كافيا كي يتدبر أموره بدوء‬

‫و كأي غريب و تائه جذبته الطراف البعيدة للمدينة‪ ،‬و كان اليناء و زعيق العمال و‬

‫حركة فائرة تري بالكان‪ ،‬فكر بأنه مكان مناسب لشرب الشاي و عدل دماغه الت صدعتها الشمس‬

‫و طول الشي‪ ،‬و بوار مدخل اليناء وجد غرزة صغية‪ ،‬دكك رصت قرب الدخل مفروشة بصر اللفاء‪،‬‬

‫و بقع ظلل ينشرها اليش‪ ،‬و غرفة ضيقة جعلت نصبة تقع ف الواجهة؛ ف البداية ل يلمح الفتاة‬

‫الت توزع الطلبات‪ ،‬كان عقله مشغول بمومه‪ ،‬و تدبي أحواله‪ ،‬لكن عندما اقتبت منه‪ ،‬ضربته‬

‫رائحتها‪ ،‬و جاءه صوتا الذي به بة خشنة زادت من حسنه‪ ،‬قالت‪ :‬أيوه‪ ...‬يا عين‪ .‬رفع العي‪،‬‬

‫ّت أحشاءه‪ ،‬و أراد الوقوف‪ ،‬فلم يقو‪ ،‬كانت‬


‫ليى السد التحفز و الستت بكسله الناعس‪ ،‬فأن‬

‫صدمة حواسه أقسى من أن تتكه يتنهد‪ ،‬أو يرك أي عضو فيه‪ ،‬و الصبية ل تهله‪ ،‬بل تركت‬

‫لتلتقط الكواب الفارغة الت تركها الزبائن‪ ،‬و تلع جسدها و أرتج‪ ،‬و هو شعر بالطر ياصره‬
‫فشدد من قبضته على نبوته‪ ،‬قال‪ :‬شاي‪ .‬و خرج الصوت ههمة أقرب للهمس منه للكلم الي‪ ،‬و رنت‬

‫ضحكة خليعة‪ ،‬ترجر أذيال تعلق رقاب اللق با‪ ،‬و شعر بأن الواء حوله كأنا نقص‪ ،‬و ضيق يطبق‬

‫على صدره‪ ،‬فزعق بالكلمة‪ ،‬كمن يرمي حجرا‪ :‬شاااي‪ .‬و كانت تلف عائدة إل النصبة‪ ،‬فالتفتت‬

‫إليه و قالت بغنج وضح‪:‬يا باي‪ ..‬و عرف أن قدره أصبح مربوطا هنا‪ ،‬و بصعوبة شرب الشاي‪ ،‬ل‬

‫يشعر له برارة أو حلوة‪ ،‬فقط سخونة تنزل لتهرى أحشاءه التقدة‪ .‬و بشية من الفتضاح قام‪،‬‬

‫‪.‬لينهك قدميه ف البحث عن غرفة تلم بدنه‪ ،‬شريطة أن تكون قريبة من اليناء‬

‫ف كل صباح ‪ ،‬عند الضحى يأتي للغرزة‪ ،‬يقول الكلمة الت درب نفسه عليها طوال‬

‫الطريق‪ :‬شاي‪ ..‬شاي‪ .‬ينطقها بشكل مايد‪ ،‬لكن بدقة و وضوح ل يفصح عن أي رغائب تعتمل‬

‫ببدنه‪ ،‬يبقى لدة ساعة‪ ،‬ث يضي لاله‪ ،‬ماول السيطرة على النفلت التسارع داخله؛ يدور طويل‬

‫بشوارع الدينة ليعود للغرزة ف ساعة العصاري‪ ،‬ف يوم جاء أحد العمال و جلس بواره‪ ،‬و سأله‬

‫إن كان يريد العمل معهم‪ ،‬انتفض قائل و كأنا يفيق غصبا من حلم بديع‪ :‬شيال‪ ..‬حال‪ .‬و‬

‫الرجل كي يعتذر عما قال ترك له الدكة و قام‪ ،‬أراد أن ينادي عليه و يبه‪ :‬من يرضي أن يصي‬

‫خادما عند أحد يظل طوال عمره خادما‪ ،‬و هو‪ ..‬هو‪ ..‬و كان الرجل قد ابتعد؛ و كانت نتف من‬

‫حكايات اليناء قد تناهت إل سعه‪ ،‬و ملكته رغبة ف رؤية العلم حربي‪ ،‬و ل يكن يدرى أن أول‬

‫‪.‬مرة هي آخر مرة سوف يراه فيها‪ ،‬و هي ساعة الناقة‬

‫كان ف مكانه مواجها للنصبة‪ ،‬متصدا حركات نعيمة‪ ،‬حواسه تناديها‪ ،‬حواسه الت تعذبه‬

‫طوال الليال ف غرفته الضيقة الظلمة‪ ،‬لظات كثية تضربه السرة لتبدل أحواله و الضيق الذي‬

‫يعانيه‪ ،‬تزين له نفسه العودة و اللص من هذا البؤس‪ ،‬لكن ما أن يغمض العي و يرى لم نعيمة‬

‫يايله‪ ،‬و يتجرج مناديا‪ ،‬و بتها الثية تطن بأذنيه‪ ،‬و دمه يقرصه و يتوجع لمه‪ ،‬ليتاجع عن‬

‫قرار العودة‪ ،‬و يظل ساهرا‪ ،‬فل ينام إل مع مقدم النور‪ ،‬و ما هي إل لظات حت يهب ليلحق‬

‫‪.‬بكانه الواجه للنصبة قبل أن يتله أحدهم‪ ،‬و ما أكثرهم‬

‫ف هذا اليوم جاء حربي‪ ،‬و خلفه ثلثة من أتباعه يملون النبابيت الغليظة‪ ،‬يهزونا‬

‫بتبجح واضح‪ ،‬بدا حربي لعينيه قصيا نوعا‪ ،‬أو أن بدانته الظاهرة قللت من طوله‪ ،‬كان مدكوك‬

‫السد كزكيبة مكمة الغلق‪ ،‬و أن كانت حركته مرنة‪ ،‬ملبسه نظيفة‪ ،‬تتدل لسته على كتفه‪ ،‬كأنا‬

‫إعلن واضح عن فتوته‪ ،‬و قوة جانبه؛ عند الدخل توقفوا‪ ،‬و صمت الميع‪ ،‬و بعض الالسي وقف‪ ،‬و‬

‫البعض أخذ ف النصراف السريع‪ ،‬و كان عامل ضئيل السم يعطي ظهره لدخل الغرزة‪ ،‬قد فك‬

‫منديله الصفر الكبي‪ ،‬و راح يتناول إفطاره‪ ،‬تقدم واحد من رجال حربي‪ ،‬و مسك الرجل من‬

‫قفاه‪ ،‬و قبل أن يلتفت الرجل أو ينتبه‪ ،‬وجد نفسه مطوحا‪ ،‬طائرا ف الواء‪ ،‬و يده تقبض على‬

‫طرف النديل الذي تناثرت لقيماته‪ ،‬و انطلقت الضحكات‪ ،‬و الرجل تكوم عند أقدام عثمان‪ ،‬و‬

‫رفع وجها عفره التاب‪ ،‬و كدمة ف جبينه كبسها التاب‪ ،‬و الدموع على وشك الطول‪ ،‬و نظرة‬

‫ذليلة مهانة وجهها لعثمان قبل أن يتمالك نفسه و يقف و يندفع تاه الرجل الذي رماه‪ ،‬و هو‬

‫يسبه بصوت خنقه البكاء‪ ،‬و الرجل الذي كان يقهقه تلقاه بصفعة قاسية‪ ،‬أردته على الرض‬

‫ثانية‪ ،‬وسط الضحكات الشرسة المجية لربي و رفاقه‪ ،‬و نعيمة لعلع صوتا مرحبا بالعلم‪ ،‬و‬
‫أنتفض جسد الرجل الكوم على الرض‪ ،‬لكنه ل يقم‪ ،‬و عثمان ل تدعه حيته‪ ،‬فهبط إل الرجل و‬

‫أقامه واقفا‪ ،‬و قال و هو يرى وجه الرجل الذي ياول سته بي ذراعيه‪ :‬عيب‪ .‬و تقدم نو الرجل‬

‫و يده الت حسها الغضب قبضت علي النبوت بقوة‪ ،‬و الرجل ضحك هازئا‪ ،‬و هو يقول‪ :‬إيه مش‬

‫عاجبك يا روح أمك‪ ..‬و ل يهله عثمان‪ ،‬و رفع النبوت مزما به الرجل من وسطه‪ ،‬ل يقل الرجل‬

‫‪.‬سوى‪ :‬آه‪ .‬و سقط‬

‫كان ذلك إعلنا كافيا لبدء التقاتل‪ ،‬ابتعد الوجودون إل الواف البعيدة للغرزة‪ ،‬و‬

‫العلم حربي رمي لسته لنعيمة الت تلقفتها‪ ،‬و ذهول جعل جسدها يسكن عن اهتزازه‪ ،‬و لتختفي‬

‫البسمة الت كانت تغمر الوجه الليء؛ تقدم الرفيقان ليحاصرا عثمان‪ ،‬و النبابيت تتطوح‬

‫منذرة بالزرة القبلة‪ ،‬و عثمان‪ ،‬العجبان‪ ،‬خلع عمامته و رماها على الدكة‪ ،‬و صرخ بصوته‬

‫الادر‪ ،‬و قال كأنه يضحك‪ :‬يا مراحب‪ .‬و تلقت النبابيت ف دوي عال جع الذين ف الوار القريب‬

‫‪.‬حت سدوا باب الغرزة‬

‫كان عثمان يدرك أن عليه أن يتخلص سريعا من الرجلي‪ ،‬حت ل تنهك قواه قبل أن يواجه‬

‫معلمهم الذي يقف متحفزا‪ ،‬تلقي ضربة قوية‪ ،‬حاقدة‪ ،‬و رد بأسرع منها‪ ،‬و زاغ من نبوت موجه‬

‫مباشرة إل رأسه‪ ،‬ف نفس الوقت كانت عصاه قد ضربت الخر ف ركبته‪ ،‬فانن متألا‪ ،‬ليعطيه‬

‫الباح كي ينفرد بالول‪ ،‬الذي كان يهاجم بضراوة‪ ،‬و عثمان الذي ثبت مركزه‪ ،‬أخذ يتاقص‪،‬‬

‫يستدير و يعتدل‪ ،‬يراوغ و يسدد ضربة صائبة عندما انكشف صدر الصم حي رفع يديه عاليا‪ ،‬هي‬

‫لظة كان النبوت قد فعل فعلته‪ ،‬و أردى الرجل على قفاه‪ ،‬غي قادر على القيام‪ ،‬بقي الخر‬

‫التأل من ركبته‪ ،‬كانت حيته آخذة ف الرتفاع‪ ،‬فراغ من ضربة مهاجه‪ ،‬و استدار بسرعة و فبان‬

‫أمامه ظهر الرجل مكشوفا تاما‪ ،‬فعاجله بالنبوت أسفل ردفيه‪ ،‬صرخ الرجل متكوما على الرض‪،‬‬

‫و بذره اليقظ استدار عثمان قبل أن يغدر به حربي و يأخذه على خوانة‪ ،‬مهاجا إياه من‬

‫‪.‬اللف‬

‫ارتسمت بسمة مهتزة على شوارب حربي و هو يقول‪ :‬اطلع بره ‪ ..‬يا‪ ..‬و كان يقصد خارج‬

‫الغرزة الت سد بابا التزاحون‪ ،‬خطا عثمان‪ ،‬لكنه ل يعط ظهره لربي‪ ،‬و الرجل ضئيل السم حل‬

‫عمامة عثمان‪ ،‬و كان قد قفز فوق الرجل الذي صفعه‪ ،‬حي سقط‪ ،‬و انال عليه صفعا و ركل و‬

‫سبا‪ .‬كان الكان بالارج متسعا‪ ،‬و مناسبا لنازلة نبتت فجأة و دون قصد‪ ،‬ألتف الناس‬

‫للفرجة‪ ،‬و نعيمة بذهولا تقف مسكة بلسة حربي‪ ،‬و بوارها يقف حامل عمامة عثمان‪ ،‬وجهه ينطق‬

‫بالبشر و البور‪ ،‬و لسانه يلهج بشتيمة مقذعة لربي و رجاله‪ ،‬لكزته نعيمة بكوعها‪ ،‬فتنبه‬

‫‪.‬للجسد الذي ياوره‪ ،‬فاقتب ملتصقا به و لسانه كف عن إخراج حمه‬

‫دارت العركة‪ ،‬عصا هنا‪ ،‬و باب مسدود‪ ،‬و ســـو ‪ ..‬عالية و مطوطة قالا عثمان‪ ،‬و حجل‬

‫كأنه يرقص‪ ،‬أو لعله رقص كأنا يجل برجل و نصف‪ ،‬و النبوت تراقص بي يديه متنقل بي الضرب و‬

‫التلقي‪ ،‬و حربي ل يكن سهل‪ ،‬بل كان معلما كما يليق بفتوة‪ ،‬كان يعرف كيف يراوغ‪ ،‬و مت‬

‫يسدد‪ ،‬و عثمان الذي رأى نعيمة بي التفرجي‪ ،‬زاد اشتعاله‪ ،‬و توهج جسده للقتال‪ ،‬و كثف من‬

‫ضرباته‪ ،‬كانت قوية و شديدة الحكام‪ ،‬و من الصعوبة تفاديها‪ ،‬لكن السد القصي التي كان‬
‫يعرف مت يبتعد و مت يقتب‪ ،‬كان غرض عثمان هو إناك حربي قبل الجهاز عليه‪ ،‬كان طوله و طول‬

‫ذراعيه يعطيه أفضلية ف أن يهاجم‪ ،‬و يبقى جسده بعيدا عن نبوت حربي‪ ،‬و حربي العارف بفنون‬

‫القتال ما كان ليغامر بالقتاب‪ ،‬و كان على عثمان أن يلهيه كي يطمع و ينسي الذر الواجب‬

‫فيقتب‪ ،‬فرقص مبتعدا‪ ،‬و موسعا من دائرة القتال‪ ،‬كان يصرخ‪ :‬ســو‪ ..‬ســو‪ ..‬فيأتي الناس‬

‫على الصوت و اللمة التكاثفة‪ ،‬كان يره إليه‪ ،‬و حربي ياول ماراة الغريب الذي ظهر فجأة‬

‫مهددا مكانه و سطوته‪ ،‬و لحظ أن الغريب يتاقص‪ ،‬ل يقاتل قتال الرجال‪ ،‬يريد أن ينهكه‬

‫برقصه التباعد‪ ،‬فقرر النتهاء من هذه الهزلة‪ ،‬و يضع حدا لذا التبجح‪ ،‬و الذي ل يفلح أهله‬

‫ف تربيته‪ ،‬فصرخ و هو يتقدم مهاجا و مضيقا السافة الت سبق و وسعها عثمان‪ ،‬الذي استدار‬

‫ليلقيه‪ ،‬فواجهته الشمس ف عينه‪ ،‬و مرت عصا حربي قريبة من رأسه‪ ،‬قال ف نفسه‪ :‬يريدني ف عي‬

‫‪.‬الشمس‪ ،‬حت ل أرى عصاه جيدا‪ ،‬فتحرك بسرعة قبل أن يعاود حربي هجومه‬

‫سخونة الرض و ليبها التقد ل تقف حائل‪ ،‬بل على العكس حفزت من الجساد الواقفة و‬

‫أججت الثارات السابقة و الرغبة ف التشفي‪ ،‬بينما السدان التقاتلن كساها العرق ولنت‬

‫الفاصل؛ نط عثمان عاليا و نزل جالسا على ركبته‪ ،‬و مد النبوت بطول ذراعه‪ ،‬بقوة و سرعة ل‬

‫يتحرك على ارتفاع قبضة من الرض‪ ،‬فأصاب القصود تاما‪ ،‬ذلك قبل أن‬ ‫تلحظ‪ ،‬كان النبوت‬

‫ينتبه حربي للحركة الباغتة و يقفز من على الرض جاعل النبوت يفوت من تت قدميه‪ ،‬لكن‬

‫النبوت كان قد بلغ مقصده عند مفصل القدم‪ ،‬بالتحديد العظمة البارزة‪ ،‬كانت الضربة قوية و‬

‫ل يكن تملها‪ ،‬و صرخ حربي‪ ،‬و حاول أن يعرف قدمه الصابة‪ ،‬فاختل توازنه و هو يتاجع تت ضغط‬

‫الل‪ ،‬فسقط على الرض‪ ،‬و كان عثمان قد استوى واقفا و هو يضرب نبوت حربي‪ ،‬فطار بعيدا‪،‬‬

‫عاريا من دون حاية وتزايد الل يدفعه للصراخ حاول حربي القيام‪ ،‬لكن نبوت عثمان أنغرز‬

‫بصدره فرده راقدا على الرض و وقف عثمان فوقه‪ ،‬و هاصت الدنيا‪ ،‬و علت الصوات‪ :‬تسلم‬

‫يينه‪ ..‬عاش الرجال‪ ..‬و دقت مزيكا‪ :‬نقارة كبية يصحبها مزمار و ربابة‪ .‬و رقص الناس حول‬

‫‪.‬عثمان و بعضهم حثا التاب علي حربي‬

‫خطفت نعيمة عمامة عثمان من الواقف بوارها‪ ،‬و الذي كانت يده الخرى بدأت تتحسس‬

‫جسدها‪ ،‬خطت نو قلب اللقة‪ ،‬و ف مواجهة عثمان وقفت‪ ،‬نظرت مباشرة إل عينيه‪ ،‬ث رمت لسة‬

‫حربي فوق وجهه العفر بالتاب‪ ،‬و وضعت قدمها فوق رقبته‪ ،‬تراجع عثمان قليل‪ ،‬مذهول من‬

‫فعلها‪ ،‬رأى عمامته ف يدها‪ ،‬فمد يده كي يأخذها‪ ،‬لكن نعيمة رفعت يديها عاليا حت بان‬

‫إبطها النتوف ف وجه الرجال‪ ،‬كان يضوي تت الشمس الارقة‪ ،‬و رنت أساور الفضة و هي تنزلق‬

‫على الذارع الرخص‪ ،‬و هبطت اليد بالعمامة إل الصر و حزمته‪ ،‬و القدم الت على رقبة حربي‬

‫‪.‬تدقدقت كما اليل‪ ،‬و رن اللخال متجاوبا مع الزيكا‪ ،‬و بدأ الرقص‬

‫من أين جاءت الزيكا؟ و من أخبهم بالتقاتل؟ سؤال لن يعرف إجابته أبدا‪ ،‬لكن ما‬

‫يعرفه أن نعيمة ترقص أمامه الن‪ ،‬ترقص له و لفوزه‪ ،‬تيل بسدها كمهرة عفية‪ ،‬ترقص أردافها‬

‫و تز الصدر العامر‪ ،‬كل بدنا يرقص‪ ،‬حت عينها‪ ،‬تتاقص ببسمة شقية‪ ،‬تقتب منه و تبتعد‪ ،‬تد‬

‫‪.‬إليه يدها كي يرقص معها‪ ،‬و صيحات الستحسان تدفعه لقبول الرقص‬
‫رفع النبوت الغروز ف صدر حربي‪ ،‬المدد بزيه العظيم‪ ،‬طوح النبوت ف الواء‪ ،‬فاتسعت‬

‫الدائرة‪ ،‬بدأ يرقص‪ ،‬كان يبتعد‪ ،‬يشى القتاب منها‪ ،‬لكن جسده كان يسوقه نوها‪ ،‬و هي ارتت‬

‫بظهرها على صدره‪ ،‬و هفهف شعرها فوق وجهه‪ ،‬فوجت ف جسده النيان‪ ،‬فابتعد و هو يسندها‬

‫بذراعه‪ ،‬كان يرغب بالرب‪ ،‬و رأى الرجل الضئيل يضحك‪ ،‬و خايله وجه ينظر له بلوم و عتاب‬

‫قاس‪ ،‬حاول التوقف عن الرقص‪ ،‬و التأكد من صاحب الوجه‪ ،‬لكن الوجه أختفي بي الموع الاشدة‪،‬‬

‫فدار مقتبا من نعيمة‪ ،‬و الزيكا ف تصاعد و يشتد الرقص و تن غرائزه‪ ،‬رفعت نعيمة يديها‬

‫‪.‬فصمتت الزيكا كما بدأت فجأة‬

‫فكت نعيمة العمامة من حول خصرها‪ ،‬و رمتها فوق كتف عثمان‪ ،‬و راحت للمعلم حربي‬

‫الكوم على الرض و عند رأسه وقفت‪ ،‬كان ينظر لا بابتهال و رجاء عميق‪ ،‬لكنها ل تنظر نوه‪،‬‬

‫ضربت على بطنها‪ ،‬ث أنزلت سروالا‪ ،‬و عثمان واقف بيته‪ ،‬يتعجب من الفعال الت ل يفهمها‪ ،‬و‬

‫ل يدري مغزاها؛ جعلت نعيمة رأس حربي بي قدميها‪ ،‬و اننت قليل بذعها‪ ،‬و بيدها باعدت ثوبا‬

‫الضيق و البوك على جسدها‪ ،‬ث تبولت على رأس حربي‪ ،‬الذي وضع يديه فوق وجهه كي يميه‪ ،‬أراد‬

‫‪.‬عثمان أن يوقفها‪ ،‬لكن الذرع القريبة منه أوقفته‬

‫ارتدت نعيمة سروالا و جاءت إليه‪ ،‬مدت يدها للعمامة التهدلة على كتفه‪ ،‬شدتا حول‬

‫رقبته و جرته نوها‪ ،‬و قالت بصوت واضح سعه اليطون بم‪ :‬ياريت نبوتك يكون قوي ‪ ..‬زى قلبك‪.‬‬

‫و هو ل يفهم‪ ،‬لكن الذين حوله و قد فهموا التلميح‪ ،‬انطلقت ضحكاتم مذيلة بالتعليقات‪:‬‬

‫‪.‬عقبا لنا‪ ..‬يا رب‬

‫جرته نعيمة خلفها تاه بيتها القريب‪ ،‬كان الوقت ظهرا‪ ،‬و حي خرج كان الساء‪ ،‬و ظلمة‬

‫قد كست الدنيا‪ ،‬و ما أن تقدم خطوة ف الشارع حت اصطدم بفوهة بندقية موجهة لصدره‪ ،‬و صوت‬

‫‪.‬مزون يقول‪ :‬طلوقة‪ ..‬يا ابن الكلب‬

‫تكشفت الصحراء عن البهاء البدي‪ ،‬الذي تتفظ به‪ ،‬كواحد من كنوزها العديدة‪ ،‬ل يكن من صوت‬

‫سوى وقع أخفاف الملي فوق الصخور و الرمال‪ ،‬و هواء جاف منعش يسرى ف الوادي‪ ،‬و ساء متخمة‬

‫بالنجوم القريبة و الت علي وشك الطول‪ ،‬جل العم يسي متقدما و خلفه المل الذي يعتليه‬

‫عثمان‪ ،‬الغارق ف دنياه و أحواله‪ ،‬يبتسم لفارقة البندقية ف حياته‪ ،‬ف البداية يرفعها‬

‫والده ف وجهه كي يطرده من البيت‪ ،‬و الن يأتي العم ببندقيته و يدكها بصدره ليطرده من‬

‫أحضان نعيمة و دنياه الت أوشك على اقتحامها؛ حي خرج ف الشارع كان جسده ما يزال مدرا‪ ،‬و‬

‫آثار أظافرها و أسنانا حية و قوية ما تزال تنبض‪ ،‬حت يوم ماته سيظل يتذكر أنا الرة‬

‫الوحيدة الت أخذ فيها جسده حقه من التعة و الرتواء‪ ،‬ف أي لظة سيفع فيها القميص و يرى‬

‫علمتها الت حفرتا‪ ،‬و الت لن تنمحي‪ ،‬سيفكر بالطريقة و الكيفية الت جرت‪ ،‬و كيف استسلم‬

‫ليوية فتنتها الطاغية‪ ،‬و باء السد البشري حي يفصح عن مكنوناته و يفتح مغاليق أسراره‪،‬‬
‫‪.‬دون خشية أو خجل اعتباطي ينقص من قدر التعة و يبخس قيمتها‬

‫كان العم‪ ،‬عبد ال البشاري‪ ،‬قد نزل البلدة لضور زفاف مصطفى و فاطمة‪ ،‬و عرف‬

‫بالكاية‪ ،‬و هاج ف وجه ابن عمه‪ ،‬و عنفه بكلم قاس‪ ،‬و قال مصطفى أن عثمان ذهب للبندر‪ ،‬و ف‬

‫أيام الفرح جاء ناس من الدينة‪ ،‬قالوا أنم رأوه ير بالشارع‪ ،‬دون أن يتوقف عندهم‪ ،‬أو‬

‫يرمى السلم عليهم‪ ،‬و حي نادوه ل يرد‪ ،‬و كان عامل باليناء أشار للغرزة‪ ،‬و بعد الفرح قاد‬

‫العم جلي تاه البندر‪ ،‬و عقلهما خارجا‪ ،‬و راح للغرزة‪ ،‬و كانت الناقة‪ ،‬و شاهد ابن أخيه‬

‫يرقص بعصاه‪ ،‬و فتاة خليعة ترقص بي ذراعيه‪ ،‬و رجل مدد على الرض‪ ،‬و الناس تتفرج‪ ،‬بقي‬

‫بينهم‪ ،‬حت قادت الفتاة عثمان إل بيتها‪ ،‬فرجع للجملي‪ ،‬و من بي الرحال أخرج السلح‪ ،‬ورجع‬

‫ليعسكر أمام البيت‪ ،‬و كان الليل قد حط‪ ،‬و ل يشأ أن يقطع لظة التعة ف حياة الولد‪ ،‬فكر‬

‫‪.‬أنا مكافأة و تربة واجبة‪ ،‬و عندما خرج عثمان قاده تاه البال البعيدة‬

‫‪.‬تظن نفسك رجل ‪-‬‬

‫قال العم كاسرا حدة الصمت الذي ييم‪ ،‬ل يشأ عثمان أن يادل‪ ،‬لكنه تعجب من عدم اعتافهم به‬

‫كرجل و مع ذلك يرفعون السلح بوجهه‪ ،‬و هل كان يلك أن يعارض ف الالتي المر الصادر‪،‬‬

‫ببندقية أو بدون؛ أرخي اللجام من يده‪ ،‬فاندفع جله مقتبا‪ ،‬حت وازى جل العم‪ ،‬كان العم ف‬

‫سن والده‪ ،‬لكن بنية عوده كانت أنف و أشد متانة‪ ،‬و كانت الصحراء قد تكفلت ببشرته‪ ،‬فصارت‬

‫‪.‬داكنة‪ ،‬و كأنا هذا واحد من شروطها كي تقبله داخلها‬

‫‪.‬ل تفز‪ ..‬لنك كنت الفضل‪ ..‬بل كونك الكثر هجية ‪-‬‬

‫قال العم لعثمان الذي أصبح ياذيه‪ ،‬و عثمان الذي يقدر عمه أراد العتاض بلطف‪ ،‬ليدفع عنه‬

‫‪..‬التام الذي يصمه ف قلب مشاعره‪ ،‬قال‪ :‬الناقة كانت بسبب‬

‫بسبب نبوتك‪ .‬قال العم مقاطعا و هو يس بطرف عصاه عضو عثمان‪ ،‬و ترددت ضحكته الصافية‪ ،‬و ‪-‬‬

‫تاوبت معها البال القريبة العالية‪ ،‬و قهقه الصدى‪ ،‬وعثمان الذي بوغت بركة العم‪ ،‬ل ينع‬

‫نفسه‪ ،‬رغم الجل‪ ،‬من البتسام و هو يطأطئ رأسه‪ ،‬فأكمل العم بصوت هادئ متزن‪ :‬كان بإمكان‬

‫‪.‬الرجل أن يسحقك لو تلى عن تعلقه بالشرموطة الت جرتك خلفها كبهيمة‬

‫كانت العائلة ف طورها الثاني‪ ،‬قد أبقت بعض أبنائها بالصحراء‪ ،‬كنقط اتصال بي الضر‬

‫و البدو لتأمي طريق القافلة القادمة من النوب‪ ،‬كانت حاية و مراقبة‪ ،‬كانت مهمة تلك‬

‫النقط التعامل مع أهل الصحراء‪ :‬البشارية و العبابدة‪ .‬عب التعامل معهم و التزاوج منهم‪،‬‬

‫و كسبهم كأدلة لدروب الصحراء التشعبة و معرفة الطرق اللفية و البعيدة عن العي و مطامع‬

‫قطاع الطرق و لصوص الصحراء؛ و لا انارت التجارة و خطت الدود بي الدول‪ ،‬كان أبناء‬

‫العائلة قد تولوا لصحراويي‪ ،‬قلبا و قالبا‪ ،‬ل يستطيعون النفصال عنها‪ ،‬و عن حياتم الت‬

‫نبتت هنا‪ ،‬و إن ظل البعض منهم على اتصال بالبيت الكبي‪ ،‬بيت الرحال‪ ،‬و كان منهم والد‬

‫‪.‬عبد ال البشاري‪ ،‬العم‪ ،‬الذي يضرب الن بالصحراء نو مضاربه بعد أن أخذ عثمان معه‬

‫كان عثمان‪ ،‬و هو طفل‪ ،‬يرى الهتمام الفائق الذي يل بالبيت عن قدوم العم البعيد من‬

‫قلب الصحراء‪ ،‬كان يأتي و يبقى لدة ليلة‪ ،‬يأخذها ساهرا هو و والده‪ ،‬و والد مصطفي و بعض‬
‫القارب الذين عرفوا بقدمه‪ ،‬يكون و يستجعون تاريخ العائلة بكثي من السى و الني؛ و كان‬

‫عثمان يرابط بالديوان‪ ،‬يستمع لكايات العم‪ ،‬و شوق بداخله يتعاظم لرؤية الصحراء و الذهاب‬

‫مع العم‪ ،‬و ف مرة تاسر أمام الميع و أخبه برغبته‪ ،‬و ضحك الاضرون‪ ،‬و العم طيب خاطره‪،‬‬

‫لكنه ف الصباح وجد نفسه راقدا فوق دكة بقلب الديوان و كان العم قد غادر‪ ،‬بكى عثمان‬

‫الطفل‪ ،‬من القهر‪ ،‬قهر الديعة و التك‪ ،‬ف الرة التالية‪ ،‬تاشى العم تاما‪ ،‬حت عندما طلبه‬

‫العم ل يذهب‪ ،‬لكنه راح و نام بوار جل العم الربوط بالارج‪ ،‬بالتحديد فوق رحله‪ ،‬فلبد‬

‫للعم أن يوقظه كي يأخذ رحله‪ ،‬و حي صحا و جد نفسه بوسط الصحراء فوق المل خلف العم؛ و‬

‫بعدها عرف الطريق‪ ،‬و كلما ضاقت به أحواله‪ ،‬أو ضربه الني‪ ،‬ذهب هناك‪ ،‬خاصة و أن أبناء‬

‫‪.‬العم ياثلونه ف السن‬

‫كان الليل قد سرى‪ ،‬و أمامهم يوم طويل حت الوصول‪ ،‬أناخ العم جله و فعل عثمان‪،‬‬

‫أخرج العم عدة القهوة‪ ،‬و لقط عثمان أعودا من الطب‪ ،‬و أشعل النار‪ ،‬صب لعمه قهوته الرة‬

‫الت يفضلها‪ ،‬و يأخذ عدتا معه أينما ذهب‪ ،‬أراد عثمان الديث فيما جرى‪ ،‬كي يرر عمه من سوء‬

‫الفهم‪ ،‬و كي يتفهم موقفه و منطق فعله‪ ،‬لكن العم كان قد انصرف للسماء‪ ،‬يتأمل نومها‪ ،‬و‬

‫حي فرغ من شرب القهوة‪ ،‬تدد جاعل من ذراعه وسادة‪ ،‬فقام عثمان و ل عدة القهوة‪ ،‬و أهال‬

‫على المرات التقدة بعضا من الرمل‪ ،‬و اتكأ علي صخرة‪ ،‬و راح يستحلب الوقائع الت جرت‪،‬‬

‫كانت نعيمة حاضرة‪ ،‬صوتا يهمس داخله‪ ،‬لكن صوت العم قاطعه‪ :‬كبت يا عثمان‪ .‬انتبه و نظر نو‬

‫عمه‪ ،‬فوجده يقوم من مرقده‪ ،‬و هو يقول‪ :‬هيا بنا‪ .‬كان عثمان قد اعتاد أفعال العم‪ ،‬لكن‬

‫َم‬
‫َل‬‫‪.‬الن إل أين؟ أراد أن يسأل‪ ،‬فقال العم و هو يركب المل‪ :‬خور الس‬

‫من أراد أن يرب رجولته‪ ،‬فلينزل وادي السلم‪ ،‬حكايات كثية عن العفاريت و الن و‬

‫الوحوش الت تتخذ من الور مكان إقامة‪ ،‬و رغم الرجفة الت انتابت عثمان لا سع صوت عمه‬

‫ينطق بالسم‪ ،‬ل يعتض فهو يعرف عمه‪ :‬تاجر البل‪ .‬فرغم وداعته الظاهرة لكن قسوته تفوق‬

‫الدود‪ ،‬و ها بقلب الصحراء‪ ،‬يكن أن يرديه قتيل بطلقة واحدة‪ ،‬و يتكه جيفة‪ ،‬و يضي دون أن‬

‫يرف له جفن‪ ،‬أو يشعر بذنب‪ ،‬هل القسوة بنت الصحراء و الصخور و الو اللتهب؟ أهذا واحد من‬

‫قوانينها‪ ،‬و قواني الياة با‪ ،‬ل مكان للخوف ف قلوب الرجال أو عقولم‪ ،‬هم رجال ‪ ،‬يب أن‬

‫يكونوا‪ ،‬ليستحقوا الياة بدارة هنا‪ ،‬و هو أل ياجج برجولته‪ ،‬أم أن تلك متلفة‪ ،‬و جال‬

‫باطره أنه ل يكن يصدق بوجود هذا الور‪ ،‬كان يعتبه مكان للحكايات مثل أماكن ألف ليلة‬

‫التعددة و الكثي منها ليس له وجود‪ ،‬مكان يكن أن تدث به بعض الوارق الت ل تنتمي لعالنا‬

‫الزائل و الزائف هذا‪ ،‬كان أبناء البشاري‪ ،‬عمه‪ ،‬قد قصوا و فصلوا القول ف حكايات كثية عن‬

‫الور‪ ،‬الذي يقود العم باتاهه الن‪ ،‬هل عقل العم قد اختل ليذهب لكان ليس له وجود إل ف‬
‫خيال الشعراء و رواة الحاديث‪ ،‬قالت الكايات عن كثيين ذهبوا للبحث عنه و ل يرجعوا أبدا‪،‬‬

‫‪.‬و آخرين ظلوا يبحثون عنه دون جدوى‪ ،‬و حي عادوا كانت حياتم قد ذهبت‬

‫التحدي يقوم على الذهاب للخور و العودة بعود من شجر السلم التكاثر به‪ ،‬ليس معه‬

‫سلح سوى بلطة كي يقص با الفرع‪ ،‬و يدفع با عن نفسه إن لزم المر‪ ،‬و المر لن يلو‪ ،‬أو يضرب‬

‫با رأسه‪ ،‬كما روت الكايات‪ ،‬إن أراد أن يوقف الرعب الذي حاصر قلبه؛ سارا طول النهار‬

‫الذي أهل عليهم‪ ،‬و كانا قد أخذا دربا متلفا‪ ،‬ل يقود نو الضارب‪ ،‬كان عثمان يتساءل طوال‬

‫الطريق مت يتوقف هذا النون‪ ،‬و يرجع عمه إل الدرب الصحيح‪ ،‬لكن العم ل يكن ليتوقف حت مع‬

‫اشتداد الرارة‪ ،‬و طلب الجساد للقمة‪ ،‬أو لراحة الملي؛ كان العم يتحرك متقدما‪ ،‬و دون‬

‫حوار يفف من هواجس عثمان‪ ،‬الذي كان يتك جسده للهتزاز تبعا لركة المل‪ ،‬و هو يطالع البال‬

‫‪.‬التجهمة القاسية الت تيط بم‪ ،‬ماول تمي قصد العم‪ ،‬و هدفه من جره لذا الوادي‬

‫أقبل الليل و ها يسيان بنفس الوتية‪ ،‬و أن كانت البال أخذت تضيق الدرب أمامهما‪ ،‬و‬

‫يزداد ارتفاعها‪ ،‬حت أنما ل يتمكنا من السي متحاذيي‪ ،‬و عثمان الذي أسلم أمره ل يعد يهمه‬

‫َحر‪ ،‬نزل العم و هو‬


‫كيف ستجري المور؛ عند منتصف الليل توقف العم‪ ،‬و خيل لعثمان أنه الس‬

‫يمل بلطة‪ ،‬و عثمان الذي ترجل و هو يتلفت حوله‪ ،‬أعطاه العم البلطة‪ ،‬قال‪ :‬نبوتك هناك‪..‬‬

‫بقلب الوادي‪ ..‬يناديك‪ ..‬و أشار إل النفرج الضيق بي البلي‪ ،‬تقدم معه خطوتي‪ ،‬ث توقف و هو‬

‫‪.‬يقول‪ :‬يب أن تعود قبل شروق الشمس‪ .‬و دفعه للمام‬

‫انفتح النفرج على واد واسع تيطه البال من كل جانب‪ ،‬و قمر لطيف كسا الوادي بنوره‪،‬‬

‫و بدت الشجار كأنا أشباح واقفة ف انتظاره‪ ،‬و ريح هادئة تداعب الورق الدبب‪ ،‬فتحدث أزيزا‬

‫كأنه نذير‪ ،‬و عثمان تلفت خلفه فكر ف التاجع و مواجهة العم‪ ،‬فإذا كان الور موجودا‪ ،‬فأن‬

‫ّ أن أقطع أول فرع تطوله يدي‪ .‬كان‬


‫الكايات صحيحة‪ ،‬و يبقى اختبار الرجولة جديا‪ ،‬قال‪ :‬على‬

‫‪.‬ين نفسه بالعودة بيث ل يسمح لقدميه بالتورط بأرض الوادي‬

‫تقدم بذر‪ ،‬و سع كأنا صوت يناديه باسه‪ ،‬تلفت و هو يقول‪ :‬بدأت ألعيب الور‪ .‬رفع‬

‫البلطة تسبا لي أذي قد يهاجه‪ ،‬بدا الصوت ضعيفا‪ ،‬كأنا يعاني‪ ،‬و أن بدا ساحرا‪ ،‬توقف‬

‫عثمان‪ ،‬و جاءه الصوت متوجعا‪ ،‬كأنا يرجوه ليتقدم‪ ،‬صوت يئن من ثقل الشهوة الضاغطة‪ ،‬هتف‬

‫عثمان‪ :‬نعيمة‪ .‬و حرك قدميه تاه البقعة الت ظن أن الصوت ينبعث منها‪ ،‬و تذكر لم نعيمة و‬

‫ساره الرائق‪ ،‬و هبت الرارة ببدنه‪ ،‬و ضج دمه بالنداء القاسي‪ ،‬خبطته فروع الشجار‪ ،‬مد يده‬

‫وقبض على الفرع القريب‪ ،‬و رفع البلطة عازما على قطعه‪ ،‬ليأخذه دليل رجولته و نزوله‬

‫للوادي‪ ،‬لكن الذراع القابض على البلطة ل يتحرك‪ ،‬كأنا شل‪ ،‬أفلت عثمان الفرع و قد أصابه‬

‫اللع من توقف ذراعه‪ ،‬لكن ذراعه ترك‪ ،‬قبض على فرع آخر‪ ،‬و حدث مثلما حدث ‪ ،‬و الصوت تردد‬

‫‪.‬ضاحكا‪ ،‬متلطا بصرخة لوحش‪ ،‬ترك عثمان الفرع و قد أيقن بصعوبة مهمته‬

‫سع حفيف ثوب يتحرك بي الشجر‪ ،‬تقدم موسعا من خطواته بي الفرع التشابكة‪ ،‬كأنا يوض‬

‫ف بر‪ ،‬و الريح تتلعب حوله‪ ،‬فتحول الظلل لخلوقات شائهة توشك على الفتك به‪ ،‬كان وجيب‬

‫قلبه يتصاعد‪ ،‬و أصوات الوحش تقتب‪ ،‬خن ربا تكون لسبع‪ ،‬تلفت بسرعة فشاهد الثوب البيض ير‬
‫بواره‪ ،‬أضواء القمر‪ ،‬رغم الظلل جعلته يرى الكان الذي اختفى به الثوب‪ ،‬و جاء المس‬

‫منغما‪ :‬عثماااان‪..‬عو‪..‬ث‪ ..‬فاندفع غي عابئ بصوت اليوان النذر باقتابه‪ ،‬و ل خبط الفرع‬

‫بوجهه‪ ،‬و ل الدماء الت تنفجر بسبب الروح الت أحدثتها الوراق الدببة و الشواك‪ ،‬كان‬

‫النور الذي خطف بصره يره باتاه الثوب و الصوت‪ ،‬و من بي الشجار رأى نعيمة‪ ،‬و سعها تضحك‪،‬‬

‫كانت ترقص رقصتها العارية الت رقصتها بجرتا‪ ،‬تتمايل بي الشجار‪ ،‬تتخفى بي الفرع مستغلة‬

‫الظلل‪ ،‬كانت تتفي من بقعة لتظهر ف بقعة أخرى‪ ،‬و هو التحي ارتت قبضته على البلطة‪ ،‬و‬

‫انتصب عضوه‪ ،‬و تقدم و جسده يرقص‪ ،‬كانت نعيمة تد يدها تناديه‪ ،‬تسحبه إليها‪ ،‬كان حاسه‬

‫للتمرغ بسدها اللي قد بلغ مداه‪ ،‬رفع البلطة يرقص با‪ ،‬كان يقتب عازما على المساك بالسد‬

‫الشهي‪ ،‬و جال باطره أيلعن العم أم يشكره‪ ،‬و بدأت الريح بعزف الوسيقى‪ ،‬و تايلت الشجار‪،‬‬

‫و رقصت الظلل‪ ،‬و سع كأنا البال تزلزلت‪ ،‬و لطف ساحر غمر الكان‪ ،‬مد يده القريبة إليها‪،‬‬

‫يرجوها ليقصا معا‪ ،‬يعريها و تعريه‪ ،‬تقبض على نبوته بالقوة ذاتا‪ ،‬و بالنان الصفى ذاته‪،‬‬

‫‪.‬حت يفيض حليب البة بينهما و يغمر الناء‪ ،‬فل يبقى بذا الكون سواها‬

‫اقتب و مد اليد للقبض عليها‪ ،‬لكنها زاغت منه و دخلت ف غصن‪ ،‬و يده بقوتا قبضت على‬

‫الغصن‪ ،‬فمال الغصن نوه‪ ،‬و نفخ ف وجهه‪ ،‬تراجع مذهول‪ ،‬فقد صار الغصن حية هائلة‪ ،‬انتبه‬

‫للبلطة ف يده‪ ،‬و بعزم الوف الذي يهاجه‪ ،‬ضرب الغصن الزاحف‪ ،‬طقطق الغصن و سكنت حركته‪ ،‬و‬

‫ضربة ثانية خلصت الفرع من أصل الشجرة‪ ،‬و اندفعت دماء‪ ،‬قال‪ :‬علمت‪ .‬و جر الغصن‪ ،‬و الدماء‬

‫أخذت ف الفيضان و عادت الصوات و الظلل لسابق عهدها‪ ،‬هرول و هو يمن الطريق كي يرج من‬

‫قلب الغابة‪ ،‬رأى الدماء تتحرك خلفه‪ ،‬عالية كانت و كافية لغراقه‪ ،‬و بدأ النور ف الظهور‪،‬‬

‫و قرب شروق الشمس‪ ،‬و الت معها سيتحول كل ما ف الور إل صخور‪ ،‬هذا ما قالته الكايات‬

‫القدية؛ كان يري يد تسك بالبلطة‪ ،‬و الخرى تر الغصن‪ ،‬و طوفان الدم و الصوات و نور الشمس‬

‫الوشك‪ ،‬طالت السافة‪ ،‬و زاد التهديد‪ ،‬ل يكن يدري على أي نو يفكر‪ ،‬كانت أمامه شجرة كبية‬

‫و عالية‪ ،‬و ل يكن أمامه مهرب من الدم سوى اعتلء الشجرة‪ ،‬و لا صعد و الدم خلفه‪ ،‬رأى‬

‫‪.‬البال‪ ،‬و قفز من الشجرة‪ ،‬فقد بان طريق الروج‪ ،‬فقط عليه بالسراع‬

‫كان العم جالسا فوق إحدى الصخور القريبة‪ ،‬و ظهره لدخل الور‪،‬و يتسى قهوته‬

‫الصباحية‪ ،‬قال‪ :‬يا عم‪ ..‬و ل يكمل‪ ،‬سقط و الدماء تطفر من بدنه‪ ،‬و يده تقبض على الغصن‪،‬‬

‫الذي سيصبح النبوت الذي سيلزمه طوال حياته؛ قام العم و هو يبتسم‪ ،‬ل جسد أبن أخيه‬

‫الرتعش بفعل المى الت ضربته‪ ،‬و ضعه فوق المل و ساق تاه الضارب البعيدة‪ ،‬و كانت الشمس‬

‫‪.‬لتوها تشرق‬

‫حي أفاق‪ ،‬بعد ثلثة أيام‪ ،‬سحبه العم خارج اليام‪ ،‬غي سامح لبنائه بالقتاب منه‪ ،‬مستثنيا‬
‫من هذا الظر‪ ،‬فاطمة‪ ،‬ابنته‪ ،‬كان عثمان ف نوبات يقظته القليلة يدها بواره‪ ،‬كانت ترضه‪،‬‬

‫تضع بعض الضمادات الغمورة ف الاء البد‪ ،‬أو بعض السوائل الدافئة‪ ،‬كانت تقوم بتغيها‬

‫بانتظام‪ ،‬و أيضا تسنده كي تسقيه منقوع بعض العشاب الصحراوية‪ ،‬و العم يراقب كصقر من‬

‫‪.‬مكمنه القريب‪ ،‬عند باب اليمة‬

‫َلم‪ ،‬و قد‬


‫خارج الباب جعله يطو فوق رمس رملي‪ ،‬و أمره أن ينبشه و يرج ما به‪ ،‬كانت عصا الس‬

‫شذبا العم‪ ،‬قص الطراف الزائدة‪ ،‬و دسها تت الرمل واضعا فوقها الجارة الثقيلة‪ ،‬حت ل يعوج‬

‫النبوت‪ ،‬أخرجه عثمان‪ ،‬و هزه بيده‪ ،‬كان خفيفا و مرنا‪ ،‬و قويا‪ ،‬و تبسمت روحه‪ ،‬و هزه‬

‫‪.‬الشبه الذي يمعه و نبوت العم‪ ،‬أراد أن يسأله‪ ،‬لكن العم كان قد سار‬

‫ف الساحة الواسعة خط العم بنبوته دائرة‪ ،‬كان عثمان بداخلها‪ ،‬تقدم العم داخل الدائرة و‬

‫هو يقول‪ :‬كل ما ينتمي لارج اللقة ل يهمنا‪ ،‬ما يهمنا الن‪ ،‬هو أنت و أنا‪ ،‬و العصي‬

‫‪.‬بأيدينا‬

‫ل يفهم عثمان قصد العم الذي ل يوضح‪ ،‬بل رفع نبوته عاليا‪ ،‬و قال آمرا‪ :‬ارفع عصاك‪ .‬و‬

‫عثمان الذي يدرك مقدرة عمه على اللعب بالعصا‪ ،‬و مهارته الت ل يكن ماراتا‪ ،‬ل يأخذ الكلم‬

‫جديا‪ ،‬فرفع نبوته بتهاون‪ ،‬قال العم الذي كان يجل عند حواف الدائرة‪ :‬من يسيطر على هذه‬

‫الدائرة هو الفائز‪ .‬و بركة طائر خفيف هاجم‪ ،‬و بضربة أطار نبوت عثمان‪ ،‬و الثانية كانت ف‬

‫‪.‬جنبه‪ ،‬ضربة حقيقية‪ ،‬موجعة‪ ،‬تأوه عثمان‪ ،‬و العم ضحك‪ ،‬قال‪ :‬دافع عن نفسك‬

‫التقط عثمان العصا‪ ،‬بات واضحا أن العم مصر على القتال‪ ،‬تلقى الضربة و لكن ليس بالقوة‬

‫الكافية‪ ،‬فتخدل ذراعه‪ ،‬و حركة العم السريعة عاجلته بالثانية و الثالثة مست رأسه‪ ،‬قال‬

‫العم ساخرا‪ :‬أنت في‪ .‬تراجع عثمان‪ ،‬و العم حذره مشيا لدود الدائرة‪ ،‬فوقف عثمان‪ ،‬و العم‬

‫هاجم وهو يقول‪ :‬ما رأيك بفاطمة؟ و عثمان تساءل ف نفسه عن تكرار هذا السم داخل العائلة‪،‬‬

‫أهي قلة أساء أم هناك سر؛ و عندما سينجب ابنته الوحيدة سيحتار‪ ،‬و لن يد اسم بديل‪ ،‬فيتك‬

‫الهمة لزوجته‪ ،‬باعتبار أن هذا المر يص النساء‪ ،‬أما الذكور سيقوم هو باختيار أساءهم ‪،‬‬

‫ستقول الم‪ :‬زينب‪ .‬و هو لن يعتض؛ لكن الن ماذا يقصد العم؟ ف ذات الوقت عليه أن يصد‬

‫‪.‬هجمات العم التوالية‪ ،‬وجد نفسه موزعا‪ ،‬و عصا العم تضربه بل رحة ف ساقه‬

‫وقف العم بقلب الدائرة و استند مائل على نبوته‪ ،‬قال‪ :‬العصا مثل السيف‪ ..‬قد تقتل صاحبها‬

‫الغشيم‪ ..‬هي زيادة لطول الذراع‪ ،‬لكن لبد من السيطرة عليها‪ ..‬يب أن تضع لنا‪ .‬و أشار إل‬

‫رأسه‪ ،‬و عثمان الذي يعرج ل ياجج ف ألغاز العم‪ ،‬و كانت الشمس قد اشتدت‪ ،‬فأراد الكتفاء‪،‬‬

‫فأكمل العم‪ :‬سأتلقى‪ ..‬هيا هاجم‪ .‬و امتثل عثمان‪ ،‬طوح العصا و ضرب‪ ،‬فتلقتها عصا العم‬

‫بضربة جعلتها تفلت من يد عثمان‪ ،‬الذي أصبح مكشوفا للعم‪ ،‬قال العم بغضب‪ :‬أنا لست عمك‬

‫الن‪ ..‬كن رجل‪ .‬أثارت الكلمات المية داخل عثمان‪ ،‬هز العصا بيده متبا متانة ذراعه و‬

‫مرونة النبوت و هاجم بضراوة‪ ،‬و العم يدافع دون أن يتخلى عن موضع قدميه‪ ،‬فقط يسد البواب‬

‫الت ياول عثمان فتحها لينفذ منها لسد العم؛ كان ارتطام العصي يصم الذان‪ ،‬و الرمل بدأت‬

‫حباته ف التقاد‪ ،‬و عثمان ياول استحضار مهارة جسده‪ ،‬قال ف نفسه‪ :‬على القل أنا الشاب‪.‬‬
‫تراجع قليل متلعبا بالعصا‪ ،‬فقط يريد مسه‪ ،‬و خبة العم و حنكته العميقة كانت تنظر لركات‬

‫جسد عثمان بعي التقدير لكن دون تورط‪ ،‬فقال العم‪ :‬ل تب على السؤال؟ ل يعرف عثمان أي‬

‫سؤال يعنيه العم‪ ،‬و بدا له أن العم يريد أن يشتت تركيزه‪ ،‬لتطيش ضرباته‪ ،‬فرد كي يتخلص‬

‫من الوقف‪ :‬سأبقى هنا‪ .‬كان يتاقص و هو يقتب من العم‪ ،‬و سدد ضربة مباغتة‪ ،‬قال‪ :‬سأتزوج من‬

‫فاطمة‪ .‬ضحك العم و هو يتقى الضربة‪ ،‬قال العم‪ :‬عليك إذن تطي هذا النبوت‪ .‬و هز العم‬

‫النبوت ف عي الشمس قبل أن يكمل‪ :‬هذا النبوت قادم من خور السلم‪ .‬و هزت الفاجأة عثمان و‬

‫هو يرى عمه يرقص بالنبوت كطي ف لظة سعادة نادرة‪ ،‬قال عثمان ف نفسه‪ :‬ما ل أخرج من رهان‬

‫حت أدخل ف غيه‪ .‬قال العم كأنه يكمل حديث ابن أخيه‪ :‬حياتنا كلها رهان‪ ،‬علينا أن نوضها‬

‫‪.‬كرجال بلء قلوبنا القوية‬

‫‪.‬تلقت العصي معلنة عن قوة الرجال و جدارة القلوب لوجهة الياة رغم رهاناتا القاتلة‬

‫حي أخذت الشاي ف الصباح من زينب‪ ،‬أردت أن أسألا عن بلح النخلة‪ ،‬كنت أود تذوقه‪ ،‬و‬

‫استحلب طعمه‪ ،‬ربا كان من الناسب أن‪ ،..‬لكن تأملت زينب‪ ،‬ابنة تاجر المال الولودة بقلب‬

‫الصحراء‪ ،‬أردت أن أخبها عن الرهان الديد و خطبة ممد و حلمه‪ ،‬لكن نفضت رأسي و أنا أقول‪:‬‬

‫هل هذا مهم الن؟ أخذت الشاي و رجعت للديوان‪ ،‬كان بعض أولد العمومة قد رحلوا مبكرين‪ ،‬و‬

‫كذلك الغريب‪ ،‬الذي ل يقم واحد منا‪ :‬ممد و ماهد و أنا‪ .‬الباقي باستبقائه حت يتناول‬

‫إفطاره معنا‪ ،‬كان حس العداء و اللمبالة متبادل؛ وضعت صينية الشاي على الدكة‪ ،‬و رحت‬

‫أنظر للرسوم على الائط‪ ،‬فبانت حلقة تطيب حولا جع غفي‪ ،‬و التباريان بقلب اللقة‪ ،‬ارتفعت‬

‫‪.‬العصي و نزلت متضاربة‪ ،‬و أتانا صوت الدوى‪ ،‬و كانت الدنيا قد تغيت‬

‫أسوان‬

‫أول مارس ‪2003‬‬

‫ناية مارس ‪2006‬‬

You might also like