You are on page 1of 133

‫الغارة المريكّية الكبرى على‬

‫العالم السلمي‪.‬‬

‫بقلم ‪ /‬الصحفي والكاتب‬


‫يحي أبوزكريا ‪.‬‬

‫الهداء‬

‫إلى كل المستضعفين في‬


‫الرض الذين يريدون صناعة‬
‫راهنهم و مستقبلهم بعيدا‬
‫عن الرادة المريكية للهيمنة‬
‫على العالم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫العالم السلمي بين المس و‬
‫اليوم ‪.‬‬
‫يعيش العالم السلمي اليوم وضعا معقدا ومربكا في كل‬
‫تفاصيله ‪ ,‬وقد أصبحت الجغرافيا التي تدين بالسلم من‬
‫طنجة وإلى جاكرتا ووصول إلى روافد العالم السلمي‬
‫في معظم القارات عرضة للحتلل المباشر وغير المباشر‬
‫عسكرّيا وسياسّيا و إقتصادّيا وثقافّيا وأمنّيا ‪ ,‬وقد كان‬
‫ن العالم السلمي قد ودعّ وإلى البد‬ ‫العتقاد السائد أ ّ‬
‫الحركة الستعمارية التوسعية الغربية والتي أرخت بظللها‬
‫علىعالمنا السلمي في القرن الماضي ‪ ,‬والتي كانت سببا‬
‫رئيسا في تراجع المشروع النهضوي والتنموي السلمي ‪,‬‬
‫كما كانت السبب في إنتاج نخب علمانية أتاحت للفكر‬
‫الكولونيالي في كل أبعاده السياسية والثقافية والقتصادية‬
‫أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة إسما‬
‫ن العالم السلمي قد تأثّر‬ ‫ك فيه فإ ّ‬‫وشكل ‪ .‬ومما ل ش ّ‬
‫إلى أبعد الحدود بالحركات الستعمارية والحتللية التي‬
‫جة نشر الحضارة والمدنية في واقع‬ ‫جاءت من الغرب بح ّ‬
‫كله تخّلف حسب إدعاءات منظريّ الستعمار الذين كانوا‬
‫ملحقين بوزارات الخارجية في العواصم الغربّية ‪.‬‬
‫ولم يغادر المحتلون عالمنا السلمي إل ّ بعد أن أطمأنوا‬
‫أّنهم وضعوا دساتير هي من روح دساتيرهم وعينوا‬
‫تكنوقراط وسياسيين في دوائر القرار في هذه الدولة‬
‫وتلك وكلهم من الذين نهلوا من معين الثقافة الغربية‬
‫الكولونيالّية ‪ ,‬وقد أكملت هذه النخب مسيرة الحركة‬
‫الستعمارية فحاصرت السلم في عقر داره وعملت على‬
‫تجفيف منابعه و ملحقة الدعاة إلى ثقافته ‪ ,‬ولم تكن هذه‬
‫السيئة الوحيدة للحركات الستعمارية بل هناك مجموعة‬
‫سيئات سياسية وإقتصادية وثقافية وجيوسياسّية ‪ ,‬فعلى‬
‫الصعيد السياسي لعب الستعمار الغربي دورا كبيرا في‬
‫صياغة الدساتير التي أصبحت مرجعا أساسا للدولة‬

‫‪2‬‬
‫ن بعض الدساتير كانت‬ ‫الحديثة في عالمنا السلمي ‪ ,‬بل أ ّ‬
‫نسخة طبق الصل من الدساتير الغربية ‪ ,‬وبطبيعة‬
‫الحال أوكلت مهمة شرح هذه الدساتير وتنفيذها‬
‫لشخصيات إسلمية إسما وغربية قلبا ومضمونا درست‬
‫في المعاهد الغربية وأستوعبت روح الحضارة الغربية ‪,‬‬
‫وهي الفئة التي عناها الفيلسوف الوجودي الفرنسي‬
‫بقوله ‪ ,‬كانت الدول الغربية الستعمارية فيما مضى تبعث‬
‫م تداركت‬ ‫وة ث ّ‬‫دباباتها إلى الدول الثالثّية لنشر فكرها بالق ّ‬
‫سهم في‬ ‫الموقف وباتت تستورد أذكياء من تلك البلد وتدر ّ‬
‫كام لدول العالم الثالث‬ ‫م توفدهم كح ّ‬ ‫جامعاتها ومعاهدها ث ّ‬
‫وبهذا الشكل يتحققّ الغرض الستعماري بدون دباّبة !‬
‫وعلى الصعيد القتصادي فقد أفرغت الحركات‬
‫الستعمارية خزائن البنوك من محتوياتها وخلفوا وراءهم‬
‫دول بل موارد أو مقدرات ‪ ,‬بل قاموا في بعض البلد كدول‬
‫المغرب العربي بتحطيم كافة الجرارات الزراعية لعدم‬
‫إستخدامها في الستصلح الزراعي ‪ ,‬وأملوا على كل دولة‬
‫ما يحتاج له المستعمر ‪,‬‬ ‫أن تنتج منتوجا واحدا أو إثنين م ّ‬
‫فالجزائر على سبيل المثال وعندما كانت ترزح تحت‬
‫در القمح إلى كل الدول‬ ‫الستعمار الفرنسي كانت تص ّ‬
‫الوربية وبنسبة ثمانين بالمائة ‪ ,‬وبعد أن أستقّلت الجزائر‬
‫باتت تستورد القمح بنسبة مائة بالمائة وأصبحت في‬
‫المقابل تزرع العنب وتنتج الخمور التي مازالت فرنسا‬
‫الدولة المستعمرة سابقا المشتري الول لها ‪.‬‬
‫ن الدول الستعمارّية ظّلت تحتفظ لنفسها بخرائط‬ ‫كما أ ّ‬
‫دقيقة عن مكان وجود الموارد الولّية من نفط وذهب‬
‫وغاز ويورانيوم وحديد ومياه جوفّية وغير ذلك من المور ‪.‬‬
‫ن معظم الدول التي كانت‬ ‫وعلى الصعيد الثقافي فإ ّ‬
‫مستعمرة – بفتح الراء – تعاني اليوم من أزمة هوّية ق ّ‬
‫ل‬
‫نظيرها أفضت إلى إنتاج حروب أهلّية بالجملة في أكثر‬
‫من دولة إسلمّية ‪ ,‬كما أعادت الحركات الستعمارية إحياء‬
‫الثنيات التي إنصهرت في بوتقة السلم على مدى أربع‬
‫عشر قرنا ‪ ,‬و إستغّلت التناقضات الداخلّية وتحوّلت‬
‫القلّيات إلى إطارات سياسّية وإيديولوجّية أفادت‬

‫‪3‬‬
‫ب الحنين‬ ‫الحركات الستعمارية في وقت لحق عندما د ّ‬
‫في هذه الحركات بمعاودة الكّرة التي كانت قبل أزيد من‬
‫قرن ‪.‬‬
‫وتمكنت الحركات الستعمارّية من غرس بذور ثقافية‬
‫وفكرية في التربة السلمية أينعت بعد حين تماما كما‬
‫قال الجنرال الفرنسي شارل ديغول وهو يغادر الجزائر‬
‫سنة ‪ 1962‬تحت ضغط الثورة الجزائرّية ‪ :‬لقد تركت في‬
‫الجزائر بذورا ستينع بعد حين ‪.‬‬
‫كت لحقا في هوّية‬ ‫وكانت هذه البذور هي التي شك ّ‬
‫الشعب الجزائري ذات البعدين العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الجيوسياسي ترك الستعمار أزمة الحدود‬
‫ماها‬ ‫ملتهبة بين كل الدول السلمّية تقريبا وهي التي س ّ‬
‫رئيس الديبلوماسية المريكية السبق هنري كيسنجر‬
‫بعوامل التوّتر التي تفيد الدارة المريكية عند الحاجة‬
‫والضرورة ‪ .‬ومازالت أزمة الحدود بين الدول السلمية‬
‫دت لنشوء صراعات متفاقمة بل مازالت تهدد ّ‬ ‫قائمة مه ّ‬
‫سط ‪.‬‬‫بإندلع صراعات حادة على المدى المتو ّ‬
‫وإذا كانت هذه صورة موجزة ومختزلة عن العالم‬
‫السلمي بالمس فإّنه اليوم ومع بداية اللفية الثالثة ل‬
‫يختلف كثيرا عن صورته في الماضي فالدول السلمية‬
‫مازالت عرضة للحتلل المباشر وما زال القسم الكبر‬
‫من العالم السلمي عرضة للغزو القتصادي والثقافي ‪.‬‬
‫ن هناك ثلث دول‬ ‫فعلى صعيد الحتلل العسكري فإ ّ‬
‫إسلمية محتلة إحتلل مباشرا من قبل الدولة العبرّية و‬
‫الوليات المتحدة المريكية الوريث الشرعي‬
‫للمبراطورية البريطانية كما قال هنري كيسنجر في مقالة‬
‫له عن النظام العالمي الجديد وهذه الدول هي فلسطين‬
‫وأفغانستان والعراق ‪ ,‬وهناك دول إسلمية تفّتت بسبب‬
‫الوليات المتحدة المريكية ومساعيها وهي إندونسيا‬
‫والتي إستقّلت عنها تيمور الشرقّية و الصومال ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫ن‬
‫هناك جمهوريات إسلمية تقبع تحت الحتلل الروسي‬
‫كالشيشان والتي لم تأخذ حظها من الستقلل ‪ ,‬على‬
‫ن الجمهوريات الكاثوليكية في التحاد‬ ‫الرغم من أ ّ‬

‫‪4‬‬
‫السوفياتي السابق نالت إستقللها بدعم من الغرب وعلى‬
‫رأسه الوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد القتصادي فما زالت الشركات المتعددة‬
‫الجنسيات المريكية في مجملها وصندوق النقد الدولي‬
‫كم في إقتصادّيات العالم السلمي وقد أصبحت‬ ‫يتح ّ‬
‫المساعدة القتصادية للعالم السلمي مقرونة بالرضوخ‬
‫طات‬‫السياسي والستجابة الكاملة لقرارات ومخط ّ‬
‫ن البنوك الدولية‬
‫الرادات الدولّية ‪ ,‬والكثر من ذلك فإ ّ‬
‫ذات التمويل المريكي هي التي باتت تخطط المنهج‬
‫القتصادي لهذه الدولة السلمية وتلك ‪.‬‬
‫ن الدارة المريكة وضعت مخط ّ‬
‫طا كامل‬ ‫وثقافّيا فإ ّ‬
‫وإستراتيجية متعددة البعاد لعادة تأهيل العالم السلمي‬
‫ثقافيا وتربوّيا وعلمّيا ‪ ,‬وكل دولة إسلمية تحاول النطلق‬
‫من مقوماتها الذاتية وتعمل على إستكناه أسرار التقنية‬
‫وتحديدا تكنولوجيا السلح فإّنها تدرج في خانة الدول‬
‫م هائل من القوانين لمعاقبتها ‪.‬‬‫دة وبالتالي هناك ك ّ‬‫المتمر ّ‬
‫وبعد الحادي عشر من أيلول – سبتمبر خرجت أمريكا من‬
‫دائرة الرغبة في بسط الحتلل السياسي والقتصادي‬
‫والثقافي إلى الحتلل العسكري ‪ ,‬ومثلما كان العالم‬
‫السلمي في بداية القرن الماضي عرضة للستعمار‬
‫ن بداية قرنه الحالي بإحتلل أمريكا‬‫والحتلل فإّنه دش ّ‬
‫لدول مفصلية إستراتيجيا وجيوسياسّيا في الجغرافيا‬
‫السلمية وما زالت شهيتها مفتوحة إلى درجة أّنها أعادت‬
‫عسكرييها المتقاعدين إلى الخدمة وفي العالم السلمي !‬

‫‪5‬‬
‫المسلمون في الغرب و الحتلل‬
‫المريكي للعراق ‪.‬‬

‫تعيش الدوائر المنية في العواصم الغربية هاجسا أمنّيا ل‬


‫مثيل له ويتمّثل في دراسة هذه الدوائر لكافة الحتمالت‬
‫حول تفاعل العرب والمسلمين في الغرب مع بداية‬
‫ن الجزء‬ ‫الحتلل المريكي للعراق ‪ ,‬وتدرك هذه الدوائر أ ّ‬
‫الكبر من العرب والمسلمين مرتبطون بالتطورات‬
‫الجارّية في العراق والحتلل المريكي له من خلل‬
‫الفضائيات العربية وتحديدا تلك الفضائيات الخبرّية التي‬
‫تنقل الحدث العراقي وتداعياته على مدار الساعة ‪.‬‬
‫وتخشى هذه الدوائر أن تكون للمسلمين المقيمين في‬
‫دات فعل إنفعالية تجاه المصالح المريكية‬‫الغرب ر ّ‬
‫والبريطانية في العواصم الغربية والقّيام بما من شأنه أن‬
‫ل بالمن القومي الغربي ‪ ,‬ومنذ بلغت الدوائر المنية‬ ‫يخ ّ‬
‫الغربية تفاصيل السيناريو المريكي في العراق و‬
‫الجلسات والجتماعات بين صناع القرار المني قائمة‬
‫تحسّبا لي جديد قد يفرزه الغضب العربي والسلمي في‬
‫العواصم الغربّية وخصوصا مع بداية الفضائيات العربية‬
‫والخبارية منها على وجه التحديد في نقل صور القتلى‬

‫‪6‬‬
‫البرياء من العراق الذين ستطاولهم صواريخ توماهوك‬
‫وغيرها من أسلحة الدمار الشامل المريكية التي سيتم‬
‫تجريب بعضها لّول مرة في العراق ‪.‬‬
‫ن العرب والمسلمين مشدودون إلى أقصى مدى‬ ‫ورغم أ ّ‬
‫إلى الحدث العراقي وبداية الحتلل المريكي للعراق إل ّ‬
‫أّنه يمكن تصنيفهم كما يلي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مسلمون ملتزمون حركيون قادرون على تحويل‬
‫القول إلى فعل و النظرية إلى تطبيق‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسلمون متعاطفون مع مظلومية الشعب العراقي‬
‫ول يملكون غير الدعاء والمشاركة في التظاهرات‬
‫والحركات الحتجاجّية المناوئة للغطرسة المريكية في‬
‫الشوارع الوروبية ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬قسم صغير من المسلمين قوامه فئة من العراقيين‬
‫اللجئين والكراد والعرب العلمانيين المستغربين الذين‬
‫ن أمريكا قادمة إلى العراق لتخليص الشعب‬ ‫يرون أ ّ‬
‫العراقي من الظلم والديكتاتورية وحكم البعث الحادي ‪.‬‬
‫وحتى جزء كبير من هذه الفئة سيتراجع عن دعمه‬
‫لمريكا وحربها الحتللية على العراق ‪ ,‬مع بداية سقوط‬
‫الضحايا والبرياء الواحد تلو الخر جّراء القنابل المريكية‬
‫والبريطانية التي ستتهاطل على العراق بشكل مكّثف ‪.‬‬
‫وسيكون لكل شريحة من الشرائح المذكورة طريقتها في‬
‫التعاطي مع الحتلل المريكي للعراق ‪ ,‬ول تستبعد بعض‬
‫ن تتحول العراق إلى ما يشبه أفغانستان‬ ‫الدوائر الغربّية أ ّ‬
‫في الثمانينيات من القرن الماضي – ‪ – 1980‬وذلك‬
‫عندما قام الجيش الحمر بغزو أفغانستان وتوافد العرب‬
‫والمسلمين على أفغانستان لنصرة الشعب الفغاني‬
‫طر لمغادرة‬ ‫دي للجيش الحمر اللحادي الذي أض ّ‬ ‫والتص ّ‬
‫أفغانستان تحت ضربات المجاهدين الفغان والعرب‬
‫جه مئات العرب والمسلمين الذين‬ ‫والمسلمين‪ .‬وقد يتو ّ‬
‫مون إلى‬ ‫يحملون الجنسيات الغربية إلى العراق وينض ّ‬
‫قوافل المجاهدين العرب والمسلمين المتطوعين لنصرة‬
‫دار السلم في العراق ‪ .‬وعلى صعيد آخر تتوّقع الدوائر‬
‫الغربية أن يشهد الشارع الغربي غليانا كبيرا ضد الحتلل‬

‫‪7‬‬
‫كر بأيام أمريكا في‬‫المريكي للعراق وهو ما سوف يذ ّ‬
‫الفيتنام و الحرب الكوبية وغيرها من حروب أمريكا في‬
‫العالم ‪ .‬ومن المتوقع أن يكون للمسلمين دور كبير في‬
‫تحريك الشارع الغربي أقل كما تشير التوقعات في‬
‫محاولة ليجاد ضغط سياسي ديبلوماسي على الرئيس‬
‫المريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير‬
‫والمتحالفين معهما من هواة تمزيق العالم العربي‬
‫والسلمي ‪.‬‬
‫ن الغضب‬ ‫وإذا كانت الدوائر الغربية متيقنة عين اليقين أ ّ‬
‫ن ما‬‫العربي والسلمي سيتجلى في الشوارع الغربية فإ ّ‬
‫يقلق هذه الدوائر هو إستهداف المصالح المريكية‬
‫والبريطانية في العواصم الغربية ‪ ,‬ولجل ذلك جرى رفع‬
‫درجة الحراسة المنية لسفارات أمريكا وبريطانيا في‬
‫العواصم الغربية بالضافة إلى توفير الحماية السرّية‬
‫للشركات المريكية المتعددة الجنسيات في الدول‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫دات فعل المسلمين‬ ‫ول تخشى الدوائر الغربية من ر ّ‬
‫الطبيعّية فحسب ‪ ,‬بل تخشى من إنفجار الشارع الوروبي‬
‫ضد أمريكا حيث أظهرت الستطلعات في كل دولة‬
‫ن أكثر من ثمانين بالمائة من الوروبيين هم ضد‬ ‫غربّية أ ّ‬
‫الحتلل المريكي للعراق ‪ ,‬والخشية أن يقع تحالف‬
‫سياسي وإعلمي و ثقافي بين المسلمين في الغرب‬
‫الذين يحمل معظمهم الجنسية الغربية والغربيين‬
‫الوروبيين ضد ّ الشيطان الكبر أمريكا التي أملى عليها‬
‫جبروتها أن تدوس على صوت العقل وصوت النسانية‬
‫ن القساوسة والرهبان‬ ‫الراغبة في السلم ‪ ,‬وللشارة فإ ّ‬
‫في الغرب والذين كانوا على إمتداد قرون وسنوات‬
‫ن أمريكا هي‬ ‫يؤثرون الصمت على الكلم باتوا يصرحون أ ّ‬
‫الشيطان الكبر بل منازع ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مر النظام الدولي‬
‫أمريكا ستد ّ‬
‫والسلم العالمي ‪.‬‬

‫في ‪ 14‬آب – أغسطس سنة ‪ 1941‬أصدر الرئيس‬


‫المريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني‬
‫ست‬‫ونستون تشرشل تصريح الطلنطي الذي بموجبه تأس ّ‬
‫جمعية المم المتحدة والتي قامت على أساس حفظ‬
‫السلم والمن في العالم على قاعدة التعاون الدولي‬
‫مة ‪ ,‬و كان الرئيس المريكي روزفلت‬ ‫لحقاق هذه المه ّ‬
‫ل رئيس إستخدم عبارة جمعية المم المتحدة ‪ ,‬كما‬ ‫هو أو ّ‬
‫ن أمريكا كانت أول من وقعّ على قرار إنشاء جمعية‬ ‫أ ّ‬

‫‪9‬‬
‫م تلتها بريطانيا والتحاد السوفياتي السابق‬ ‫المتحدة ث ّ‬
‫والصين وأستراليا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول ‪.‬‬
‫ن أمريكا أنشأت جمعية المم‬ ‫وحسب علماء القانون فإ ّ‬
‫المتحدة لتوحيد الجهود الدولّية ضد دول المحور والتي‬
‫كانت على رأسها ألمانّيا ‪ .‬وأستطاعت الوليات المتحدة‬
‫المريكية أن تحشد وراءها كل الدول التي وقفت في ذلك‬
‫الوقت ضد ّ النزعة الهتلرّية التوسعّية وتوافق المؤسسون‬
‫وعلى رأسهم الوليات المتحدة المريكية على أن تكون‬
‫جمعية المم المتحدة هيئة دولّية تضطلع بمهمة الحفاظ‬
‫على السلم في العالم ويحكمها مبدأ المساواة في‬
‫السيادة بين جميع الدول المحّبة للسلم ‪.‬‬
‫وفي مؤتمر يالطا الذي إنعقد في الفترة الممتدة بين ‪03‬‬
‫– ‪ 11‬شباط – فبراير – ‪ 1945‬والذي إشتركت فيه كل‬
‫من أمريكا والتحاد السوفياتي السابق وبريطانيا ‪ ,‬تمت‬
‫الدعوة إلى عقد لقاء موسع في سان فرانسيسكو مع‬
‫دعوة الصين وفرنسا وهي الدول التي تتمّتع بحق النقض‬
‫– الفيتو – في مجلس المن ‪.‬‬
‫وتقوم جمعية المم المتحدة على الهداف التالّية ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬حفظ السلم والمن الدولي وذلك من خلل التعاون‬
‫الدولي والتوافق الكامل بين كل الدول في حلحلة‬
‫النزاعات الدولّية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تنمية العلقات الدولية على قاعدة حقّ تقرير‬
‫المصير والمساواة بين الشعوب ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التعاون الدولي في المجالت السياسية والثقافية‬
‫والقتصادية والجتماعّية في دائرة إحترام حقوق‬
‫النسان ‪.‬‬
‫ومنذ ‪ 1945‬وأمريكا هي المموّلة المركزّية لجمعية المم‬
‫ن معظم الدول الوروبية كانت‬ ‫المتحدة بالضافة إلى أ ّ‬
‫تسبح في الفلك المريكي وحتى ألمانيا التي إستطاع‬
‫الحلفاء إنهاءها عسكريا وتقسيمها إنضمت إلى المحور‬
‫المريكي ‪ ,‬فيما إنضمت ألمانيا الشرقّية إلى التحاد‬
‫السوفياتي السابق ‪ ,‬وأصبح يوجد في جمعية المم‬
‫المتحدة معسكران معسكر رأسمالي ليبيرالي قطبه‬

‫‪10‬‬
‫أمريكا و معسكر شيوعي إشتراكي قطبه التحاد‬
‫السوفياتي السابق ‪ ,‬و الكتلة التي عرفت فيما بعد بكتلة‬
‫عدم النحّياز لم تكن في الواقع غير رافد من روافد‬
‫التحاد السوفياتي السابق ‪ ,‬وهذه المرحلة التي عرفت‬
‫بمرحلة الصراع البارد بين موسكو وواشنطن كان هناك‬
‫توافق كامل بين العاصمتين عاصمة كارل ماركس‬
‫وعاصمة آدم سميث في إشارة إلى مؤسسي المذهبين‬
‫الماركسي والرأسمالي ‪ ,‬توافق في تقسيم الجغرافيا‬
‫ن‬
‫والخيرات والموارد الطبيعية ‪ ,‬وعلى الرغم من أ ّ‬
‫ن واشنطن‬ ‫الصراع البارد كان يصل أحيانا إلى أوجه إل ّ أ ّ‬
‫وموسكو كانتا تهدئان اليقاع عندما كان يصل إلى أوجه ‪,‬‬
‫وكان كل طرف منهما راض بالغنائم التي في حوزته ‪,‬‬
‫محققا ذاته من خلل هذه الغنائم ‪.‬‬
‫لكن التطورات الدولّية المذهلة والتداعيات التي حصلت‬
‫في العالم من قبيل سقوط أمبراطورّية كارل ماركس و‬
‫حاد الوروبي‬ ‫كل الت ّ‬ ‫تفتيت التحاد السوفياتي ‪ ,‬و بداية تش ّ‬
‫وبداية خروج العديد من الدول الوروبية من تحت العباءة‬
‫المريكية باحثة عن ذاتها ودورها و الزمة القتصادية‬
‫العالمية و تفّرد واشنطن في صناعة القرارات العالمّية و‬
‫وة بدأ يشعر أمريكا بأّنه ل حاجة للعودة‬ ‫تبوؤها عرش الق ّ‬
‫إلى جمعية المم المتحدة ما دامت أمريكا قادرة لوحدها‬
‫على تنفيذ إستراتيجياتها ‪.‬‬
‫وقد تجلى ذلك في التدخل المريكي في الصومال في‬
‫العملية التي أطلقت عليها أمريكا عملّية إعادة المل حيث‬
‫خل في الصومال دون العودة إلى‬ ‫لجأت أمريكا إلى التد ّ‬
‫جمعية المم المتحدة ثم التدخل في أفغانستان ووصول‬
‫إلى الحرب المريكية في العراق وما سوف يعقب ذلك‬
‫فيما لو نجحت واشنطن في تنفيذ إستراتيجياتها ‪.‬‬
‫لقد آمنت واشنطن على سبيل المناورة بضرورة التعاون‬
‫الدولي عندما كانت في حاجة إلى وضع حد ّ للظاهرة‬
‫الهتليرّية و عندما كان هناك قطب ثان في المعادلة‬
‫الدولّية ‪ ,‬والن وعندما إستفردت بالساحة الدولّية فل‬
‫مناص من تفكيك كافة المرجعيات القانونية الدولية‬

‫‪11‬‬
‫والمحافل الدولية بإعتبارها باتت تعتبر نفسها صانعة‬
‫القانون و راعية العلقات الدولية ‪ ,‬كما ورد في كتاب‬
‫الرئيس المريكي السبق ريتشارد نيكسون ‪ ,‬أمريكا‬
‫والفرصة التاريخية والذي قال فيه نيكسون ‪ :‬على أمريكا‬
‫أن تحكم العالم ‪.‬‬
‫ن حرب على العراق دون قرار دولي‬ ‫ن قيام أمريكا بش ّ‬
‫إ ّ‬
‫بذلك ومع وجود معارضة واسعة لعضاء دائمين في‬
‫مجلس المن معناه لدى الفقهاء القانونيين الموت‬
‫التلقائي لجمعية المم المتحدة و تلشي المرجعية الدولية‬
‫التي تنظر في الزمات الدولية ‪ ,‬وفوق هذا وذاك شرعنة‬
‫الفوضى في العالم وغياب الشرعية والتي أقرتها أمريكا‬
‫في سنة ‪ 1945‬التي تنظر في القضايا الساخنة ‪ ,‬و‬
‫ن واشنطن ل‬ ‫تصريح المين العام لجمعية المم المتحدة بأ ّ‬
‫ن حرب على العراق دون الرجوع إلى المم‬ ‫يحق لها ش ّ‬
‫ن واشنطن التي ساهمت بالقسط‬ ‫المتحدة هو إقرار بأ ّ‬
‫الكبر في تأسيس جمعية المم المتحدة لدعم مصالحها‬
‫السياسية والقتصادية والجيوسياسية هي نفسها الذي‬
‫أطلقت رصاصة الرحمة على هذه الجمعية لّنها باتت‬
‫تعتبر نفسها الشرعية والقانون والمرجعّية ‪ ,‬وسوف تدخل‬
‫ل‬‫العالم في فوضى سياسية وإقتصادية و إجتماعية ق ّ‬
‫نظيرها في التاريخ الراهن ‪.‬‬
‫ن أمريكا التي أنشأت هيئة المم‬ ‫جل التاريخ أ ّ‬ ‫وسوف يس ّ‬
‫المتحدة هي عينها التي أسقطت هذه الهيئة وهي التي‬
‫أسقطت النظام الدولي في سبيل أن تكون هي النظام‬
‫الدولي الجديد !‬

‫‪12‬‬
‫أمريكا ومنطق إستعباد الشعوب ‪.‬‬

‫منذ تأسيس الوليات المتحدة المريكية كدولة وكّيان بعد‬


‫إبادة دموّية مطلقة للهنود الحمر السكان الصليين في‬
‫وة هو أبرز رقم في معادلة السياسة و‬ ‫أمريكا و مفهوم الق ّ‬
‫تركيبة القرار المريكي ‪ ,‬وفي مفردات الثقافة المريكية‬
‫ن هذه القوة ضرورة ومشروعة لبسط سلطة العدل و‬ ‫أ ّ‬
‫محاربة الشرار طبعا العدل على المقاس المريكي‬
‫والشرار الذين يصنفّهم العقل المريكي في خانة الشرار‬
‫‪ ,‬وجذر هذه التركيبة الفكرية يعود إلى شعور النسان‬
‫المريكي المحتل والمستعمر لمريكا بعقدة الذنب تجاه‬
‫إبادة مطلقة للهنود رجال ونساءا وشيوخا وشبابا ‪ ,‬وتكفيرا‬
‫عن الجرائم الفظيعة في حق الهنود الحمر أوجد‬
‫المريكان الجدد منطلقا فكريا لجرامهم وأعتبروا بذلك‬
‫سر إعتبار أمريكا‬ ‫الخير شرا والشر خيرا ‪ ,‬وهذا ما يف ّ‬
‫نفسها على حق دائما وتعتبر إرسال جحافلها العسكرية‬
‫إلى القارات الخمس في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية‬
‫وكوبا وأوروبا من باب النتصار لما تراه خيرا و خدمة‬
‫ل أفضل من وصف الشخصية المريكية‬ ‫للنسان ‪ ,‬ولع ّ‬
‫الستعمارّية هو سيمون بوليفار أحد أبطال محاولت‬
‫الستقلل في أمريكا اللتينية في أواسط القرن التاسع‬
‫عشر والذي قال ‪ :‬يبدو أّنه كتب على الوليات المتحدة أن‬
‫تقوم بتعذيب وإذلل القارة بإسم الحرّية !‬
‫وفي كتابه الشهير الديموقراطية في أمريكا والذي ألّفه‬
‫في سنة ‪ 1840‬قال توكفيل ‪ :‬إّني ل أعرف شعبا يحّتل‬
‫ب المال حيزا كبيرا في قلوب الناس أكثر من هذا‬ ‫فيه ح ّ‬
‫كل تجمعا من المغامرين‬ ‫الشعب المريكي شعب يش ّ‬
‫ي‬
‫والمضاربين ‪ .‬وتوكفيل الذي ولد في سنة ‪ 1805‬وتوف ّ‬
‫سنة ‪ 1859‬هو كاتب وسياسي فرنسي ‪ ,‬درس في‬
‫الوليات المتحدة المريكية وعاد إلى فرنسا بكتاب‬

‫‪13‬‬
‫ن في فرنسا وزيرا‬ ‫الديموقراطية في أمريكا حيث عي ّ‬
‫لخارجية فرنسا ‪.‬‬
‫هذه الشهادات وغيرها كثير و التي واكبت إنطلقة أمريكا‬
‫ن القوة هي السمة البارزة في السياسة المريكية‬ ‫تؤ ّ‬
‫كد أ ّ‬
‫ولم تتغّير هذه السياسة بتاتا وتكفي قراءة متأنّية لما كتبه‬
‫نعوم شومسكي وروجي غارودي وجاك تني وبول فندلي‬
‫ن أمريكا اليوم هي إمتداد‬ ‫عن أمريكا اليوم لكتشاف أ ّ‬
‫لمريكا القديمة التي قامت على أنقاض جماجم الهنود و‬
‫غيرهم ‪.‬‬
‫وقد ل يكون من باب الصدفة ولع كل الرؤساء المريكيين‬
‫الذين توالوا على الحكم في أمريكا على مشاهدة أفلم‬
‫الغرب المريكي وأفلم رعاة البقر الذين يلحقون الهنود‬
‫ذون بشنقهم ‪ ,‬و في كتابه‬ ‫الحمر ويشنقونهم ويتلذ ّ‬
‫ن بنيامين‬
‫إيديولوجيا وإقتصاد قال نعوم شومسكي أ ّ‬
‫فرانكلين أبو المة المريكية وبإسم التنوير طرد السكان‬
‫الصليين كي يفسح المكان لمته ‪.‬‬
‫وعلى إمتداد مسلكيتها السياسّية تحالفت أمريكا مع‬
‫محاور الشر والقوة وتعذيب الخرين تحالفت مع الفاشّية‬
‫اليطالّية وقد وصف السفير المريكي في روما بإيطاليا‬
‫عام ‪ 1922‬الفاشية بأّنها الثورة الشابة والجميلة‬
‫ومسحت مدينة هيروشيما اليابانّية يوم ‪ 02‬أوت –‬
‫أغسطس ‪ 1945‬بفعل قنبلة نووية أمريكية من الخارطة‬
‫اليابانّية ‪ ,‬وفي الداخل المريكي قامت منظمة كولكس‬
‫كلن المريكية بالدفاع عن سيادة النسان البيض وألحقوا‬
‫أفظع الضرار بالنسان السود والذي كان المريكان‬
‫يقومون بسرقته من براري إفريقيا ويبيعونه في أسواق‬
‫النخاسة في الوليات المتحدة المريكية ‪ ,‬وما زال السود‬
‫محرومون من العديد من المتيازات السياسّية وعلى‬
‫رأسها رئاسة أمريكا نفسها‪ .‬لقد أدى إعتماد أمريكا على‬
‫مبدأ القوة وبالمناسبة فهذا عنوان لكتاب وهو أمريكا‬
‫ومبدأ القوة وضعه مستشار المن القومي السبق زبغينو‬
‫برجنسكي ‪ ,‬إلى تكريس هذا المبدأ في السياسة‬
‫المريكية ‪ ,‬حيث كلما كانت الدارة المريكية تخّير بين‬

‫‪14‬‬
‫ل عسكري أمني قمعي‬ ‫ل سياسي وديبلوماسي وح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫كانت تختار الحل العسكري القمعي والمني وقد أحصى‬
‫الباحثون العسكريون مئات التدخلت العسكرية المريكية‬
‫ن واشنطن‬ ‫في القارات الخمس ‪ ,‬والتي كانت تؤ ّ‬
‫كد أ ّ‬
‫مصابة حقيقة بداء الشيزوفرانيا السياسة فهي تدعو إلى‬
‫صب حكاما عسكريين ‪ ,‬و تدعو إلى‬ ‫دمقرطة العالم وتن ّ‬
‫حكم الشعب والجماهير وتعّين حكاما تابعين لها رغم‬
‫أنوف الشعوب وإرادتهم وتطلعاتهم ‪ ,‬تدعو إلى حكم‬
‫الغلبية و تكّرس حكم القلّيات ‪ ,‬تدعو إلى إحترام‬
‫الخصوصّيات وتعمل على وأد الخصوصّيات من خلل‬
‫عولمتها وكوكبيتها وسيطرتها على مقدرات العالم ‪.‬‬
‫ن مبدأ القوة الذي كانت إعتمدته‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫واشنطن منذ تأسيسها قد جلب لها الكثير من التقهقر‬
‫والتراجع إل ّ أّنها ماضية في مسلكيتها القائمة على منطق‬
‫إستعباد الشعوب وقد إزدادت تجبرا بعد إستفرادها‬
‫بصناعة القرارات العالمية ‪.‬‬
‫ن أمريكا ل تريد على الطلق‬ ‫والمفارقة الكبيرة هي أ ّ‬
‫إجراء مراجعة لسياستها الخارجية القائمة على مبدأ القوة‬
‫رغم ما ألحقته من أضرار بالشعوب في أمريكا اللتينّية و‬
‫القارة السيوية في الفيتنام وغيرها و في القارة الفريقية‬
‫في الصومال وتوابعها وأخيرا في عالمنا السلمي‬
‫فلسطين حيث الدولة العبرية تحارب بأسلحة أمريكية‬
‫متطوّرة الشعب الفلسطيني العزل و في أفغانستان و‬
‫العراق ‪.‬‬
‫وة المريكي سيدخل الدارة المريكية في‬ ‫ومبدأ الق ّ‬
‫منعطفات خطيرة ينبئ ببداية التراجع المريكي خصوصا‬
‫ن واشنطن المنبهرة بقوتها وزعت قواتها في القارات‬ ‫وأ ّ‬
‫الخمس وفتحت جبهات متعددة في العديد من المواقع‬
‫شر إلى بداية التفكك وقد تلتهم‬ ‫الجغرافّية المر الذي يؤ ّ‬
‫هذه القوة المريكية التي قامت على أساس الجبروت‬
‫بإبتلع نفسها وتلك سّنة الله في الخلق حيث قد تكون‬
‫كد حركة التاريخ ‪.‬‬ ‫وة كما تؤ ّ‬
‫بداية السقوط في أوج الق ّ‬

‫‪15‬‬
‫أوروبا الغاضبة على أمريكا‬
‫شراء قنينة كول معناه المساهمة‬
‫في صناعة كروز أمريكي‪.‬‬

‫ل إجماع شبه مطلق‬ ‫لم يحدث في تاريخ أوروبا أن تشك ّ‬


‫ضد ّ أمريكا مثلما هو الحاصل الن بعد شروع أمريكا في‬
‫إحتلل العراق ‪ ,‬و إذا كان العتراض على أمريكا في‬
‫أوروبا في وقت سابق مقصور على التيارات و النخب‬
‫الثقافية اليسارية ‪ ,‬فقد بات الغضب على أمريكا سمة‬
‫الشارع الوروبي في الظرف الراهن ‪ ,‬ولّول مرة تتوافق‬
‫القوى السياسية اليمينية واليسارية والتي تقف في‬
‫الوسط ‪ ,‬والكنائس والتيارات الدينية بمختلف مذاهبها‬
‫على العتراض الشامل على أمريكا سياسة وتوجهات‬
‫عدوانية ‪ ,‬كما أّنه و لول مّرة وفي معظم الدول‬
‫الوروبية تتقاطع فيه التوجهات الرسمية مع التوجهات‬
‫الجماهيرية حيث أصبحت أمريكا دولة عدوانية بدائية بعد‬
‫أن نجحت في تسويق نفسها أوروبيا في وقت سابق‬
‫كدولة ديموقراية أولى في العالم ‪.‬‬
‫كد إستطلعات الرأي العام في معظم العواصم‬ ‫وتؤ ّ‬
‫الوروبية كألمانيا والسويد والنرويج وفنلندا والدانمارك‬

‫‪16‬‬
‫ن أغلبية‬
‫وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرها أ ّ‬
‫ي ضد ّ أمريكا وسياستها العدوانية في‬ ‫شعوب هذه الدول ه ّ‬
‫العراق ‪.‬‬
‫ففي السويد مثل واكب بداية الحملة العسكرّية المريكية‬
‫على العراق والشروع في قصف بغداد سلسلة من ردود‬
‫الفعل الواسعة الرسمية والجماهيرّية في السويد ‪ ,‬وقد‬
‫بّثت القنوات السويدية الرسمية والخاصة صور بداية‬
‫صت العديد من‬ ‫العدوان المريكي على العراق كما خص ّ‬
‫البرامج السياسية بحضور سياسيين وعسكريين ورجال‬
‫دين للحديث عن الحرب المريكية على العراق ‪ ,‬كما‬
‫أجرت القناة السويدية الرسمية حوارا مع أطفال العراق‬
‫المقيمين في السويد والذين يحملون الجنسية السويدية‬
‫ن جورج بوش سيقتل أقرباءهم و أهلهم‬ ‫والذين ذكروا أ ّ‬
‫في العراق وسط حضور علماء نفس سويديين يلحقون‬
‫ما الصحف‬ ‫تأثير الحروب على الطفال المهاجرين ‪ ,‬أ ّ‬
‫السويدية فقد إستنكرت في مجملها بداية الحرب وأجرت‬
‫إستطلعات واسعة حول بداية الضربة المريكية للعراق‬
‫حيث رفضت الغلبية السويدية هذه الحرب الظالمة كما‬
‫وصفها حزب اليسار السويدي ‪.‬‬
‫دة‬‫ج رئيس الوزراء السويدي يوران بيرشون بش ّ‬ ‫وقد إحت ّ‬
‫على هذه الحرب وقال أّنه حزين للغاية لقّيام أمريكا‬
‫ن‬
‫بخرم مجلس المن وجمعية المم المتحدة ‪ ,‬وأعتبر أ ّ‬
‫هذه الحرب المريكية ضد ّ العراق ستجهز على حقوق‬
‫النسان و الشعب العراقي ‪ ,‬وقد توافقت كافة الحزاب‬
‫السويدية يسارها ويمينها ووسطها على إعتبار هذه الحرب‬
‫ظالمة منتهكة لحقوق النسان وحق الشعوب في العيش‬
‫‪ ,‬و طالبت بعض الحزاب السويدية ومنها حزب اليسار‬
‫السويدي الحكومة السويدية بإتخاذ أشد المواقف‬
‫والجراءات ضد الوليات المتحدة المريكّية ‪ .‬وقد إعتبر‬
‫ن الحرب دائما‬ ‫زعيم حزب المحافظين بو ليندغرين أ ّ‬
‫خاسرة ‪ .‬وأعتبرت المعلقة في جريدة أفتون بلدت‬
‫ن أمريكا ستكون الخاسر‬ ‫الذائعة الصيت هيلي كلين أ ّ‬
‫الكبر في هذه الحرب الظالمة ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وعلى صعيد الردود الجماهيرّية فقد دعت المنظمات‬
‫الجماهيرّية والجمعيات السويدية المتحالفة من أجل‬
‫السلم في السويد إلى تظاهرات عارمة في السويد ‪,‬‬
‫حيث شهدت المدن الكبيرة كستوكهولم و مالمو‬
‫وغوتنبورغ وغيرهما مظاهرات عارمة ‪ ,‬وقد توافق‬
‫الناشطون في تحالف من أجل السلم في العراق على‬
‫إبقاء التظاهرات مستمرة على مدى الّيام المقبلة في‬
‫ن المتظاهرين ضد ّ‬ ‫كل المدن السويدّية ‪ ,‬وللشارة فإ ّ‬
‫أمريكا في العاصمة السويدية ستوكهولم نصبوا مشانق‬
‫وشنقوا قنينات الكول المريكية في دعوة إلى مقاطعة‬
‫البضائع المريكية ‪ ,‬و في ألمانيا دعت قوى المجتمع‬
‫المدني إلى ضرورة الرتقاء بالحتجاج على الدارة‬
‫المريكية إلى مستوى مقاطعة البضائع المريكية ‪ ,‬وكما‬
‫قال بعض الذين شاركوا في تظاهرات برلين ضد الحرب‬
‫المريكية على العراق إّنه إذا كانت واشنطن قد خرمت‬
‫مجلس المن وجمعية المم المتحدة فعلى القل يجب أن‬
‫يخرم الوروبيون صناعتها ومنتوجاتها الصناعية ‪ ,‬وقد باتت‬
‫المقالت في وسائل العلم المكتوبة في ألمانيا تتناول‬
‫يوميا إرادة أمريكا في السطو على النفط العراقي ‪ ,‬ول‬
‫يمكن حسب بعض الصحف اللمانية أن تهدف أمريكا إلى‬
‫م التحرير بقصف البيوت وقتل‬ ‫تحرير العراق وكيف يت ّ‬
‫المدنيين البرياء ‪ .‬وفي فرنسا إنطلقت حركة تلقائية بين‬
‫الفرنسيين لمقاطعة كل ما له علقة بالمريكان ‪ ,‬ولول‬
‫مرة يصبح الحديث عن أمريكا وعدوانيتها وجبروتها مباحا‬
‫في وسائل العلم الفرنسية ‪ ,‬ولم يحظ شخص في‬
‫أوروبا بالتعليق عليه و الحديث عن سفاهته وإجرامه مثلما‬
‫ي به الرئيس المريكي جورج بوش البن ‪ ,‬وهذا‬ ‫حظ ّ‬
‫الشعور المعادي للسياسة المريكية ومنتوجاتها أيضا يزداد‬
‫تجذّرا في الواقع الوروبي و يتراكم يوما بعد يوم كلما‬
‫تناقلت الفضائيات والتلفزيونات الغربية صور القتلى‬
‫البرياء وآثار التدمير المريكي ضد ّ الشعب العراقي ‪.‬‬
‫ن العدوان المريكي على العراق فرض نفسه‬ ‫وللشارة فإ ّ‬
‫على كل وسائل العلم الغربية التي خصصت أوقاتا‬

‫‪18‬‬
‫إضافية لهذا الحدث وتجمع كافة التعليقات وبمختلف‬
‫ن أمريكا‬‫ن هذه الحرب غير عادلة ‪ ,‬وأ ّ‬ ‫اللغات الوروبية أ ّ‬
‫دت لها واشنطن‬ ‫خدعت بعض العواصم الغربية عندما أك ّ‬
‫ن الحرب ستكون خاطفة ونظيفة ‪ ,‬ومع بداية الحديث‬ ‫أ ّ‬
‫ن العواصم الغربية بدأت تخشى من‬ ‫عن حرب طويلة فإ ّ‬
‫ن التظاهرات المنددة بأمريكا‬ ‫تطور الموقف ‪ ,‬خصوصا وأ ّ‬
‫ومقاطعة أمريكا متواصلة بل لقد تشكلت في كل عاصمة‬
‫غربية جمعيات تحالف من أجل السلم في العراق تقوم‬
‫بالتنسيق فيما بينها وتدعو للتظاهر في يوم واحد ‪ ,‬وقد‬
‫لوحظ في التظاهرات السابقة التي شهدتها العديد من‬
‫ن المتكلمين في المهرجانات الخطابية هم‬ ‫الدول الغربية أ ّ‬
‫من صناع القرار في بلدهم ومن المشرفين على الكنيسة‬
‫الغربية التي عّرت جورج بوش البن وأعتبرت أن حربه‬
‫ت بصلة إلى الدين كما قال رئيس‬ ‫على العراق ل تم ّ‬
‫الكنيسة السويدية في كلمة له أثناء تظاهرة سويدية ضد ّ‬
‫الحرب المريكية على العراق ‪ ,‬كما علق سياسي أوروبي‬
‫ن أمريكا نسفت أسس‬ ‫على ما يجري في العراق وقال أ ّ‬
‫الديموقراطية ‪ ,‬فمن خروج الدولة من رحم الشعب كما‬
‫هو مقتضى الديموقراطية إلى خروج الدولة من رحم‬
‫الكروز كما هو التعريف المريكي الجديد للديموقراطية ‪.‬‬
‫ن هذا المناخ السياسي العام في أوروبا‬ ‫ك في أ ّ‬‫ول ش ّ‬
‫أرخى بظلله على تعامل الوروبيين مع البضائع المريكية‬
‫و تعتبر منظمة هجوم الوروبية ‪ Attack‬المعارضة للمركة‬
‫ن شراء قنينة كول‬ ‫والسياسة المريكية في كل تفاصيلها أ ّ‬
‫معناه المساهمة في صناعة صاروخ كروز أمريكي ‪.‬‬

‫بين هولكو ‪1258‬م وبوش ‪2003‬‬


‫م‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫جه المغول‬ ‫في شهر شّباط – فبراير من عام ‪ 1258‬م تو ّ‬
‫بقيادة هولكو المغولي إلى بغداد وأحتلوها بعد رفض‬
‫الخليفة المعتصم الذعان لرادة هولكو ‪ ,‬وفور سيطرة‬
‫هولكو على بغداد جرد ّ أهلها من السلح و قتلهم عن‬
‫بكرة أبيهم و أحرق بغداد ومكتباتها ومبانيها ومعالمها‬
‫الحضارّية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرّية ‪ ,‬و‬
‫دى إحتلل هولكو لبغداد إلى توّقف المسار السياسي‬ ‫أ ّ‬
‫ل هولكو‬ ‫والقتصادي والثقافي والنهضوي العراقي و حو ّ‬
‫بغداد إلى عاصمة حمراء نسبة لكثرة الدماء التي أريقت‬
‫بعد أن كانت حاضرة إسلمية تتمّتع بهيبة كبيرة في‬
‫جوارها القليمي وحتى الدوّلي في ذلك الوقت ‪.‬‬
‫ولم يترك هولكو سلحا إل ّ وأستخدمه في سبيل إركاع‬
‫العراقيين الذين كانوا يتصدون له ‪ ,‬فبقر البطون وقطع‬
‫م‬
‫الرقاب وجّز الرؤوس و أحرق الجساد ‪ ,‬كما قس ّ‬
‫الجغرافيا العراقّية إلى قسمين المنطقة الجنوبية و كانت‬
‫تابعة لبغداد والمنطقة الشمالّية وكانت تابعة للموصل و‬
‫ن على رأس المنطقتين حاكمين مغوليين بمساعدة‬ ‫عي ّ‬
‫تركمان من الدول المجاورة للعراق – ما أشبه الليلة‬
‫بالبارحة حيث يريد بوش تعيين حاكم عسكري أمريكي‬
‫ي‬
‫على العراق مع إعطاء التراك حقوق معينة ما زالت ط ّ‬
‫الكتمان في شمال العراق ‪. -‬‬
‫و القائد المغولي هولكو هو حفيد الطاغّية المعروف‬
‫ن جنكيزخان كان له شأن‬ ‫جنكيزخان – مع الشارة إلى أ ّ‬
‫مع العراق تماما كما كان جورج بوش الب الرئيس‬
‫المريكي السبق قائد الحلفاء ضد العراق في أزمة‬
‫الخليج الثانّية و ها هو إبنه جورج بوش البن يكمل مسيرة‬
‫أبيه تماما كما أكمل هولكو مسيرة أبيه جنكيزخان ‪ -‬وقد‬
‫زحف هولكو غربا بإتجاه بغداد وقتل عندما وصل إلى‬
‫بغداد الخليفة العباسي المعتصم وأستولى على قصره‬
‫ب له المر في العراق‬ ‫وقتل كل رجاله و بعد أن أستت ّ‬
‫جه إلى سورية وغزا حلب وقتل رجال حلب الشاوس‬ ‫تو ّ‬
‫ن بوش البن وجه‬ ‫الذين تصدوا له – مع الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫تهديده لسوريا في وقت سابق ‪ ,‬ويهدف إلى إضعاف‬

‫‪20‬‬
‫سورية بدولة عراقية متأمركة ودولة الكيان الصهيوني و‬
‫عندما تصبح سوريا بين فكي الكماشة المريكية يسهل‬
‫الجهاز عليها حسب إستراتيجيي البنتاغون – ولول ظهور‬
‫ن المغول درسا مؤلما وألحق بهم‬ ‫السلطان قطز الذي لق ّ‬
‫هزيمة نكراء لوصل هولكو إلى مصر ‪ ,‬تماما كما ردد ّ‬
‫ن العراق تكتيك وإستراتيجيتنا‬ ‫إستراتيجيو البنتاغون أ ّ‬
‫السعودية ومصر ‪.‬‬
‫ومن سنة ‪ 1258‬م وإلى سنة ‪ 2003‬م أي بعد ‪ 745‬سنة‬
‫دا في شخصية‬ ‫تحديدا وبالضبط ها هو هولكو يظهر مجد ّ‬
‫الرئيس المريكي جورج بوش البن الذي أوفد عشرات‬
‫اللف من جنوده إلى بغداد بحرا وجوا وأرضا لفتحها‬
‫م بسط السيطرة على المنطقة العربية‬ ‫وغزوها ومن ت ّ‬
‫وإعادة ترتيبها ‪ ,‬و كهولكو تماما لم يترك جورج بوش‬
‫البن سلحا فتاكا ومدمرا ومبرمجا ومتطورا إل ّ وأستخدمه‬
‫‪ ,‬وها هي قنابله تصيب الطفال والنساء والشيوخ ل فرق‬
‫بين من هم سنة أو شيعة أو مندائّية أو مسيحيين أو أكراد‬
‫سة في‬ ‫‪ ,‬و أرسل جورج بوش عسكره إلى العتبات المقد ّ‬
‫العراق في النجف التي يرقد في ثراها أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب وكربلء التي يرقد في ثراها الحسين‬
‫بن علي بن أبي طالب صاحب معركة كربلء الخالدة‬
‫لتركيع أهلها ‪.‬‬
‫ورغم هذه المجازر والمذابح في حق الطفال الجائعين‬
‫وفي حق المهات الثكالى وفي حق الشيوخ العاجزين‬
‫يصّر بوش على أّنه يريد إقامة حكم الشعب في العراق ‪,‬‬
‫ويتيح للشعب العراقي أن يحكم نفسه بنفسه ‪ ,‬ويتضح‬
‫ن‬
‫كذبه أكثر عندما تكشف دوائر القرار المريكي أ ّ‬
‫ن أعضاءها أنتقوا‬‫الحكومة العراقّية المقبلة جاهزة وأ ّ‬
‫ن رموز المعارضة العراقية ل نصيب لهم‬ ‫بحكمة ودقة ‪ ,‬وأ ّ‬
‫ن واشنطن تريد إستخدام المعارضة‬ ‫في هذه الحكومة إذ أ ّ‬
‫ن هذه الكاذيب و الفضائح تضيف‬ ‫م تكنسها و إ ّ‬ ‫العراقّية ث ّ‬
‫إلى جورج بوش البن سمة وصفة لم تكن موجودة في‬
‫هولكو وهذه الصفة هي الكذب والفتراء ‪ ,‬فهولكو كان‬
‫واضحا في تحديد هدفه تركيع بغداد وقتل أهلها وإحراق‬

‫‪21‬‬
‫علومها و كتبها وتدمير معالمها الحضارية ومسخ أصالتها‬
‫ذاب بإمتياز‬‫ما جورج بوش البن فهو ك ّ‬ ‫دون مراوغة ‪ ,‬أ ّ‬
‫عي أّنه يهدف إلى تسليم‬ ‫يفعل كل ما فعله هولكو ويد ّ‬
‫عراق حّر إلى معارضة عراقية خرجت من دائرة‬
‫المساعدات الجتماعية للمؤسسات الجتماعية في الغرب‬
‫إلى مساعدة وكالة الستخبارات المريكية ‪ ,‬لكن لم يقل‬
‫بوش هولكو ماذا سيفعل بعشرات اللف من جنوده على‬
‫أرض العراق ‪ ,‬لم يقل لماذا سال لعابهم للنفط العراقي‬
‫الذي وضعت قواته يدها عليه في جنوب العراق وسوف‬
‫يشرع في بيعه ‪ ,‬فمن سيقبض ثمن النفط حكومة صدام‬
‫حسين أو حكومة جورج بوش البن !‬
‫ماذا سيقول جورج بوش البن لهالي القتلى والضحايا‬
‫في الناصرية والنجف والبصرة و كربلء ‪ ,‬هل يريد جورج‬
‫بوش أن يصل إلى بغداد على جثت العراقيين و جماجمهم‬
‫ن هولكو المعاصر بعد أن يسحق جماجم‬ ‫‪ ,‬والعجيب أ ّ‬
‫أطفال العراق يوّزع عليهم الحلويات و الخبز ‪ ,‬وقد‬
‫ذكرتني هذه الصورة بمنظر عناصر الجيش الفرنسي في‬
‫حي القصبة الجزائري في قلب الجزائر العاصمة عندما‬
‫كانوا يقتلون أبطال الجزائر الرجال وبعدها مباشرة‬
‫يوزعون الشكولطة على أطفال القصبة وغيرها من أحياء‬
‫الجزائر الذين كانوا يرددون من الشرفات أقسمنا بالدماء‬
‫أن تحيا الجزائر بعد أن يقوموا بسحق الشكولطة‬
‫الفرنسية بأقدامهم ‪.‬‬
‫ن هولكو‬ ‫وإذا كان هولكو القديم قد واجه قطزا واحدا فإ ّ‬
‫المعاصر سيواجه مئات القطزيين ويجب أن يكون كذلك و‬
‫جه هولكو المعاصر إلى سوريا ولبنان والسعودية‬ ‫إل ّ تو ّ‬
‫ومصر ليقتل رجالها و يسبي نساءها ويدمر أقصاها مع‬
‫ن هولكو‬ ‫حلفائه ويبني مجددا هيكل سليمان ‪ ,‬ويبدو أ ّ‬
‫المعاصر قرأ بدايات هولكو القديم ولم يقرأ مصيره‬
‫ونهايته ‪ ,‬و على الباغي تدو الدوائر ‪.‬‬
‫ويبقى القول أّنه منذ ‪ 700‬سنة وأزيد و جغرافيتنا العربية‬
‫مر المر الذي عطل نهضتنا ‪,‬‬ ‫والسلمية تستباح وتد ّ‬
‫ن حكامنا الشاوس هم السبب الكبر‬ ‫والمصيبة الكبر أ ّ‬

‫‪22‬‬
‫لتكالب العداء علينا ‪ ,‬ونأمل أن يأتي اليوم الذي نبيعهم‬
‫في سوق النخاسة كما فعل عالم مصر العّز بن عبد‬
‫السلم والله ل يخلف الميعاد ‪.‬‬

‫خ ّ‬
‫طة لهزم أمريكا برسم الح ّ‬
‫كام‬
‫العرب !‬

‫أمريكا لم ولن تكون قضاءا وقدرا ول قوة مطلقة يصعب‬


‫وقف جبروتها وعنجهيتها ‪ ,‬إّنها بسهولة تتغذى من خلفاتنا‬
‫التي كرسها ّ الحكام العرب في واقعنا ‪ ,‬إّنها تتغذى من‬
‫خيانات الحكام العرب الذين داسوا على تطلّعات شعوبهم‬
‫وأرتضوا أن يكونوا دائما في الصف المريكي ‪ ,‬في صف‬
‫أعداء المة وثوابتها لّنهم وبكل بساطة يستلهمون‬
‫شرعيتهم من واشنطن وليس من شعوبهم ولذلك وضعوا‬
‫كل المقدرات وكل الجغرافيا وكل الراضي في خدمة‬
‫واشنطن ‪.‬‬
‫ول يوجد في سجّلهم أي صفحة بيضاء فكل صحائفهم‬
‫ج بالجرام والغتيالت والسرقات‬ ‫سود ‪ ,‬صحفهم تض ّ‬
‫والقتل والسطو والتعذيب والملحقات والترهيب و الرعب‬
‫و مصادرة الفكار والعقول وإحراق المصاحف ودواوين‬
‫ن تاريخهم أسود‬ ‫الشعر وكتب الفلسفة والعلماء ‪ ,‬ول ّ‬
‫ص شواربهم‬‫جه أمريكا إلى عواصمهم لتق ّ‬ ‫وبالتأكيد ستتو ّ‬
‫فأماهم فرصة واحدة لتكون توبتهم نصوحا ومقبولة من‬
‫قبل الله ومن قبل الشعوب ومن قبل التاريخ ‪ ,‬أمامهم‬
‫فرصة واحدة للدخول إلى بوابات التاريخ كأبطال ل‬

‫‪23‬‬
‫كديوثين وقوادّين لصالح المريكان ‪ ,‬وهذه الفرصة تكمن‬
‫في أن يعلنوا الحرب على الوليات المتحدة المريكية‬
‫م باقي‬ ‫وجيشها الذي يقوم حالّيا بإحتلل العراق ومن ت ّ‬
‫ل الشعوب العربية إلى عبيد‬ ‫المناطق العربية ليحو ّ‬
‫لشطائره الخفيفة و غنائه الماجن ‪ ,‬وفي هذا السياق‬
‫المطلوب من الجيش القطري أن يغير على القوات‬
‫المريكية في قاعدة السيلية والعديد هذه القواعد التي‬
‫تختزل العقل العسكري المريكي ‪ ,‬والمطلوب من‬
‫الجيش السعودي أن يغير بقواته الجوية والرضية و حتى‬
‫البحرية على القواعد المريكية في عرعر والظهران‬
‫والجيش المريكي الرابض على الحدود العراقية –‬
‫السعودية ‪ ,‬و المطلوب من الجيش الكويتي أن يحاصر‬
‫الجيش المريكي في شمال الكويت ويقطع عنه‬
‫المدادات ‪ ,‬والمطلوب من الجيش الليبي أن ينزل‬
‫مظلييه في البصرة و الفاو لصفع من وصلوا بطائراتهم‬
‫في وقت سابق إلى طرابلس وبنغازي ‪ ,‬والمطلوب من‬
‫الجيش الجزائري أن يرسل قواته الخاصة المدرّبة على‬
‫أكل الثعابين والفئران إلى تخوم بغداد لكل المريكان ‪ ,‬و‬
‫المطلوب من الجيش المغربي أن يبعث قواته الجوية‬
‫لقصف البوارج المريكية في الخليج العربي ‪ ,‬والمطلوب‬
‫من الجيش المصري أن يبعث خيرة رجاله للتصدي‬
‫للمريكان الداخلين إلى العراق عبر شمال العراق ‪,‬‬
‫والمطلوب من الجيش اليمني أن يفلت زمام جنوده‬
‫بإتجاه أراضي العراق لحماية أطفاله ونسائه وشيوخه ‪,‬‬
‫والمطلوب من الجيش التونسي أن يبعث رجاله إلى ثغرة‬
‫من ثغور العراق لحماية الكيان العراقي من التمزق و‬
‫جه إلى القواعد‬ ‫المطلوب من الجيش الماراتي أن يتو ّ‬
‫المريكية في الخليج ويبددها عن بكرة أبيها ‪ ,‬و المطلوب‬
‫من الجيش الردني أن يتصدى للمريكان في الحدود‬
‫العراقية – الردنية ويضرم النار في القوات المريكية ‪,‬‬
‫والمطلوب من الجيش العماني أن يرسل فرقاطاته‬
‫للتصدي للبواخر الحربية المريكية والبريطانية ‪,‬‬
‫والمطلوب من الجيش السوري واللبناني أن يركل‬

‫‪24‬‬
‫القاعدة المامية للمريكان الدولة العبرية ‪ ,‬والمطلوب‬
‫جه إلى السفارة المريكية‬ ‫من الجيش الموريتاني أن يتو ّ‬
‫جه إلى فلول العراق ‪,‬‬ ‫م يتو ّ‬‫والعبرية ويحرقهما ومن ت ّ‬
‫والمطلوب من الجيش العراقي أن ل يخّيب آمال العرب‬
‫والمسلمين و المطلوب من الجيش الفلسطيني أن يكمل‬
‫مسيرة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ‪ ,‬والمطلوب‬
‫ن أمريكا هي‬ ‫من الجيش اليراني الذي نشأ على عقيدة أ ّ‬
‫ن يبعث قواته الجوية للتصدي للمريكان‬ ‫الشيطان الكبر أ ّ‬
‫في الفاو البصرة والناصرية و المطلوب من الجيش‬
‫التركي والباكستاني والماليزي والندنسي والبنغالي و‬
‫جيوش الجمهوريات السلمية في آسيا الوسطى أن‬
‫تشارك بإسم الحفاظ على ثغور السلم في التصدي‬
‫للمريكان ‪.‬‬
‫بهذه الطريقة ستنتهي أمريكا كقوة عظمى إستأسدت‬
‫ث حكام العرب والمسلمين ‪ ,‬بهذه الطريقة‬ ‫عندما تخن ّ‬
‫سنصنع قوتنا ونبني غدنا ‪ ,‬بهذه الطريقة سنكون الوفر‬
‫حظا في إدراة الحضارة الراهنة ‪ ,‬بهذه الطريقة سنرد‬
‫العتبار لكرامتنا وعزتنا ورجولتنا و نخوتنا ‪.‬‬
‫هو قرار واحد يتخذه الحاكم العربي وسوف يجلب العزة‬
‫لنا ‪ ,‬ول داعي أن يخاف هذا الحاكم العربي من السيد‬
‫ن خطوة من هذا القبيل لن تبقي أمريكا سيدة‬ ‫المريكي ل ّ‬
‫العالم ‪ ,‬ولن تتيح لجورج بوش البن والطفل أن يصفع‬
‫حكامنا الرجال !‬
‫وإذا عجز حكامنا عن إتخاذ قرار من هذا القبيل فليعلنوا‬
‫أّنهم مخنثون ‪ ,‬وليتركوا المهمة للشارع العربي والسلمي‬
‫الذي سيلتهم بالتأكيد المريكان وعبيدهم الحكام العرب !‬

‫‪25‬‬
‫ما معنى أن تحت ّ‬
‫ل أمريكا العراق !‬

‫كل إحتلل أمريكا للعراق و إستيلئها على هذه‬ ‫يش ّ‬


‫مة و الستراتيجية في خارطتنا العربّية‬ ‫الجغرافّيا المه ّ‬
‫مقدمة خطيرة لمجموعة ل حصر لها من النزلقات و‬
‫النكسارات في الواقع العربي والسلمي وعلى مدى‬
‫المائة سنة المقبلة ‪ ,‬ومثلما خلّفت الحركات الستعمارية‬
‫الفرنسية والبريطانية إرثا سلبّيا ما زلنا نعاني منه ومن‬
‫تبعاته إلى يومنا هذا ‪ ,‬فإن إستعمار أمريكا للعراق سيكون‬
‫له مجموعة واسعة من التداعيات في العراق وفي الرقعة‬
‫العربية وفي الرقعة السلمية بل في الرقعة العالمّية‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫س دولة أمريكية في كل‬ ‫فعلى الصعيد العراقي ستتأس ّ‬
‫تفاصيلها بقيادة جنرال أمريكي غارنر متعاطف إلى أبعد‬

‫‪26‬‬
‫الحدود مع الدولة العبرية بل ستكون هذه الدولة متحالفة‬
‫قلبا وقالبا مع الدولة العبرية ‪ ,‬وأّول قرار سياسي ستقدم‬
‫عليه هو تدشين العلقات العراقّية – الصهيونية ليتسنى‬
‫بعدها للشركات الصهيونية الستفادة من التركة العراقية ‪,‬‬
‫وبغض النظر عن هذا المسلك السياسي للحكومة‬
‫ن الحكومة العراقية المرتقبة قد‬ ‫العراقية المتأمركة ‪ ,‬فإ ّ‬
‫م تعيين أعضائها مسبقا من قبل المريكان وتحديدا من‬ ‫ت ّ‬
‫ن‬‫قبل وكالة الستخبارات المريكية ‪ ,‬و معنى ذلك أ ّ‬
‫الديموقراطية التي تعني حتى في المفهوم المريكي حكم‬
‫الشعب هي مجّرد قميص عثمان حمله المريكان لتحقيق‬
‫مآربهم ‪ ,‬ول أدري كيف يفرض المريكان ديموقراطية من‬
‫خلل الدبابة و الباشي و الكروز و التوماهوك ويقتلون‬
‫م يوزعون عليهم الماء ‪ ,‬فما الفرق عندها‬ ‫آلف البرياء ث ّ‬
‫بين الطغاة العرب والمريكان ‪.‬‬
‫م من أين تستلهم الحكومة العراقية المتأمركة الجديدة‬ ‫ث ّ‬
‫شرعيتها !‬
‫من وكالة الستخبارات المريكية أو من الدبابة المريكية ‪,‬‬
‫ما دام المريكان قرروا كنس معظم العراقيين‬
‫المعارضين والذين عاشوا حقيقة آلم المنفى وتعرضوا‬
‫للتعذيب من مختلف التيارات السلمية واليسارية‬
‫والقومية – وهناك طبقة سياسية عراقية معارضة ما زالت‬
‫محافظة على طهرها السياسي وترفض التعامل مع‬
‫المخابرات العراقية والجهزة المنية الغربّية – ومن‬
‫ن الحكومة المتأمركة العراقية ستدخل في صراع‬ ‫المؤ ّ‬
‫كد أ ّ‬
‫حد يسع‬ ‫مع هؤلء النظيفين المحافظين على عراق مو ّ‬
‫لكل أبنائه ‪.‬‬
‫ب للمريكان ما يريدون سيبدأون بتقطيع‬ ‫وبعد أن يستت ّ‬
‫الجبنة العراقية بإعتراف قائد العمليات العسكرية ضد ّ‬
‫العراق تومي فرانكس ‪ ,‬هذا غير وضعهم أيديهم على‬
‫النفط العراقي وشروعهم في بيعه وسوف يقبض‬
‫المريكان الثمن بالتأكيد على حساب الشعب العراقي ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد العربي سيعمد المريكان إلى تطويق كل‬
‫المحاور العربية المعارضة للسياسة المبريالية و سياسة‬

‫‪27‬‬
‫الكيان الصهيوني وعلى رأس هذه الدول سوريا وبعدها‬
‫إيران ‪ ,‬حيث ستصبح الحدود الغربية لسوريا معرضة دوما‬
‫للستنزاف من قبل المريكان ومواليهم في العراق ‪,‬‬
‫ن الدول العربية التي مازالت تتحدث من‬ ‫ومعنى ذلك أ ّ‬
‫منطلق الكرامة ستتلشى الواحدة تلو الخرى وسيصبح‬
‫كل المناضلين ضد ّ الكيان الصهيوني ملحقين وربما‬
‫معتقلين في غواتنانمو المريكية ‪ ,‬وسوف تعمد أمريكا‬
‫إلى وأد أي تّيار عربي أو إسلمي يؤمن بضرورة النطلق‬
‫من مقوماتنا النهضوية و مقاومة التطبيع ‪ ,‬كما سترخي‬
‫العنان للدول العربية المتأمركة‪ ,‬وسوف تزداد هذه الدول‬
‫المريكية خنوعا وذلة وسجودا للمريكان خوفا من أن‬
‫تنفخ أمريكا على هذه العروش المريكية فتجعلها قاعا‬
‫صفصفا ‪.‬‬
‫وق واشنطن الدولة العبرية في الواقع العربي‬ ‫وسوف تس ّ‬
‫ول يستبعد أن يتجول آرييل شارون رئيس الحكومة‬
‫العبرية في العراق وفي الدولة العربية المتأمركة وسط‬
‫حماية رجال المن العرب المخنثين الذين برعوا في قمع‬
‫شعوبهم وأبدعوا في إنتاج كل طرائق التعذيب في حق‬
‫الحرار من العالم العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد السلمي ستعمل واشنطن على إستبدال‬
‫العقيدة السلمية بما تسميه الواقعية المريكية المنتصرة‬
‫ل قدّر الله ‪ ,‬وسوف يكون من الصعب بعدها الحديث عن‬
‫أي دور للسلم في الواقع السياسي أو الثقافي أو‬
‫الجتماعي ‪ ,‬ستلغي واشتنطن المفردات السلمية‬
‫ن المنتصر يحق له أن‬ ‫بمفردات جديدة ‪ ,‬و في زعمها فإ ّ‬
‫يفرض رؤاه الثقافية والفكرية والقتصادية و الجتماعية و‬
‫غير ذلك ‪.‬‬
‫ول أمريكا إلى‬ ‫ن إحتلل أمريكا للعراق سيح ّ‬ ‫و عالميا فإ ّ‬
‫غول ذي شهّية مطلقة يشرع في أكل كل الرقع‬
‫الجغرافية ‪ ,‬بل سوف يزداد جبروتا ‪ ,‬فإذا تسنى للمريكان‬
‫أن يلحقوا هزيمة ل قدر الله بالعراق فسوف يكون في‬
‫وسعهم إلحاق الذى بسوريا ولبنان وإيران وغيرها من‬
‫البلدان ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وعلى الشعوب العربية و السلمية أن تعي جيدا أّنه إذا‬
‫ن‬‫تمكّنت أمريكا ل قدّر الله من إحتلل العراق فإ ّ‬
‫إستراتيجيتنا وعقيدتنا وكرامتنا وديننا و حاضرنا ومستقبلنا‬
‫ودورنا سيصاب في الصميم ‪ ,‬وما على الشارع العربي‬
‫والسلمي إل أن يدرك هذه التحديات ويبادر إلى إتخاذ‬
‫المبادرات قبل فوات الوان !‬

‫ماذا لو لم يكن سعد الدين‬


‫إبراهيم أمريكّيا !‬

‫بسرعة وبدون خلفيات برأ ّ القضاء المصري الباحث‬


‫المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي يحمل الجنسية‬
‫المريكية من التهم المنسوبه إليه سابقا ‪ ,‬و كان القضاء‬
‫م كل ما لديه من أدّلة وبراهين‬
‫في وقت سابق قد قد ّ‬

‫‪29‬‬
‫تثبت تهما معينة ضد ّ سعد الدين إبراهيم ‪ ,‬وحتى عندما‬
‫كت الدراة المريكية للضغط في سبيل إطلق سراحه‬ ‫تحر ّ‬
‫ن المسألة بيد‬‫ح الرئيس المصري حسني مبارك ‪ :‬أ ّ‬ ‫صر ّ‬
‫القضاء والقضاء في مصر مستّقل ‪.‬‬
‫وتحول سعد الدين إبراهيم إلى قضّية رأي عام في مصر‬
‫والعالم العربي وتحولت قضيته إلى قضية سياسية أسالت‬
‫الكثير من الحبر ‪.‬‬
‫وفجأة وبدون إنذار ومع بداية قدوم السّيد المريكي إلى‬
‫الجغرافيا العربية ليسوس المنطقة مباشرة وبدون جهاز‬
‫تحكم من البيت البيض أطلق سراح سعد الدين إبراهيم ‪,‬‬
‫وأعلن القضاء المصري أّنه برئ من التهم المنسوبة إليه ‪.‬‬
‫فهل كان القضاء المصري سينهج هذا النهج لو كان سعد‬
‫الدين إبراهيم مواطنا مصريا عاديا ل يحمل جنسّية دولة‬
‫تصفع حكامنا صباحا مساءا ‪ ,‬وتقودهم كما تقاد عرائس‬
‫الراجوز ! هل كان سعد الدين إبراهيم سيغادر السجن لو‬
‫كان مصريا بسيطا ل أمبراطورية تحميه !‬
‫سر إلى أبعد الحدود‬ ‫ن تصرف حكوماتنا العربية هذا يف ّ‬ ‫إ ّ‬
‫سّر إصطفاف ألف العرب والمسلمين أمام السفارات‬
‫م إقامات فجنسيات‬ ‫الغربية للحصول على تأشيرات ث ّ‬
‫الدول الغربية التي ستوّفر العزة للمواطنين العرب الذين‬
‫أذلتهم أنظمتهم ولحقت أنفاسهم ‪ ,‬وأذاقتهم العلقم بكل‬
‫ألوانه السياسية والقتصادية والجتماعية والمنية ‪.‬‬
‫ن الجنسية الغربية أصبحت ضمانة للمواطن العربي الذي‬ ‫إ ّ‬
‫طر لترك وطنه الذي عاث فيه الطغاة فسادا ويصطبر‬ ‫يض ّ‬
‫السنة تلو السنة على فراق أسرته وكل هدفه أن يحمل‬
‫الجنسية الغربّية ليعود عزيزا إلى وطنه ‪ ,‬وإذا ما أعترضه‬
‫رجال المن القومي المنهار ورجال المباحث الشاوس‬
‫على أبناء جلدتهم ‪ ,‬يطلب المواطن سفير دولته الجديدة ‪,‬‬
‫وتكفي دقائق معدودات لتتحّرك ديبلوماسية هذه الدولة‬
‫الغربية للذوذ عن مواطنها العربي الصل أو المسلم‬
‫الصل ‪.‬‬
‫ماذا لو عدل حكامنا وتخلوا عن طيشهم ورعونتهم‬
‫ض والنباح‬ ‫وجبروتهم ‪ ,‬ماذا لو أمروا كلبهم بالكف عن الع ّ‬

‫‪30‬‬
‫و الفتك بالمخالب ‪ ,‬ماذا لو طالبوا بمواطنيهم المعتقلين‬
‫في سجون أوروبا و أمريكا ‪.‬‬
‫ن الحاكم يجب أن يكون شجاعا و‬ ‫في موروثنا الحضاري أ ّ‬
‫عالما ومثقفا ‪ ,‬لكن حكامنا اليوم جهلء جبناء ‪ ,‬أبناء آوى‬
‫شجعان على شعوبهم وعلى أبناء جلدتهم ‪ ,‬شجعان في‬
‫قتل المواطنين في الشوارع ‪ ,‬شجعان في إطلق الغازات‬
‫المسيلة للدموع ‪ ,‬شجعان في إعتقال المواطنين الشرفاء‬
‫وتوفير الحماية لمزدوجي الجنسية ‪ ,‬شجعان في خوزقة‬
‫المواطنين في المعتقلت ‪ ,‬شجعان في العتداء على‬
‫النسوة المعتقلت في سجونهم ‪ ,‬شجعان في قلع الظافر‬
‫والعتداء الجنسي على المواطنين الشرفاء ‪ ,‬شجعان‬
‫على قوت شعوبهم فيسرقونه ويصادرونه لولدهم‬
‫لء لمريكا يركعون‬ ‫وزوجاتهم ‪ ,‬لكن في الوقت نفسه أذ ّ‬
‫لها خمسين مرة في اليوم ول يركعون لربهم خمس‬
‫مرات في اليوم ‪ ,‬يحجون إلى البيت البيض عشرين مرة‬
‫في السنة ‪ ,‬ول يحجون إلى البيت العتيق مرة في العمر ‪,‬‬
‫ون لمريكا بإعطائها نفطنا وغازنا وفوسفاتنا وحديدنا و‬ ‫يزك ّ‬
‫كل مواردنا ول يدفعون قرشا واحدا للفقراء الذين تزدحم‬
‫بهم شوارعنا العربية والذين يجمعون قوتهم من الزبالة‬
‫يوميا حتى بات هذا طقسا مألوفا في شوارعنا العربية ‪.‬‬
‫م كيف نتساءل بعد كل هذا وذاك لماذا نحن في موقع‬ ‫ث ّ‬
‫الذّلة الحضارية والنهضوية وغيرنا الغربي في موقع العّزة‬
‫ن‬
‫الحضارية والنهضوية ‪ ,‬والجواب سهل وبسيط هو أ ّ‬
‫حكامنا يريدوننا أذلء محبطين محدودبي الظهر ‪ ,‬رؤوسنا‬
‫سر أن تقوم‬ ‫في الرض تماما كالنعامة ‪ ,‬و إل ّ كيف نف ّ‬
‫السلطات العربية بسجن المواطنين الحرار وتسمح‬
‫بالعتداء الجنسي عليهم من قبل رجال المن المكبوتين‬
‫اللواطيين ‪ ,‬وتطلق سراح كل مواطن عربي يحمل‬
‫جنسية أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا ‪ ,‬أليس ذلك إقرارا‬
‫للذلة وتكريسا للركوع لهبل العصر أمريكا ‪.‬‬
‫سؤال برسم حكامنا اليلين إلى السقوط !‬
‫يصادرون مقدّراتنا و نحن نتفّرج !‬

‫‪31‬‬
‫هنيئا للنظام الرسمي العربي الذي إستطاع بإمتياز أن‬
‫ل الشعوب العربية إلى شعوب تتفّرج على الحدث‬ ‫يحو ّ‬
‫دون أن تصنعه ‪ ,‬تستقبل العداء دون مقاومة ‪ ,‬وتتيح‬
‫للغازي المريكي أن يصيغ الجغرافيا و الفكار والمنهج‬
‫والمعتقد والعادات و الوجوه و نوعية الثّيات و الكل وكل‬
‫ما له علقة بتفاصيل الحياة ‪.‬‬
‫خلل عقود والنظام الرسمي العربي يعمل على وأد‬
‫الرجولة وعلى تخنيث البطال وإخصاء الحرار ومصادرة‬
‫الفكر الواعي الطلئعي و تجفيف منابع القوة في هذه‬
‫المة ‪ ,‬فعل ذلك وبكل صراحة تواطؤ مع وكالة‬
‫الستخبارات المريكية و الموساد السرائيلي والدوائر‬
‫الماسونية و كل الدوائر التي كانت تعمل منذ زمن في‬
‫ن‬
‫الخفاء على تمزيق العالم العربي والسلمي وكأ ّ‬
‫طوا لمشروع أكبر‬ ‫مشروع سايكس بيكو لم يكفهم فخط ّ‬
‫وأعظم ‪.‬‬
‫ور أن ما ستقدم على فعله‬ ‫ومن الخطأ بمكان أن نتص ّ‬
‫أمريكا في العراق وما بعد العراق رهن باللحظة الراهنة ‪,‬‬
‫بل هو وليد تخطيط مسبق وإستراتيجيات وضعت عندما‬
‫كان حكامنا العرب يجتمعون في القمم العربية السابقة‬
‫ويختلفون نهارا على جدول العمال ويتفقون ليل على‬
‫شرب أكؤس الصبابة المعتقة وسط العاهرات اللئي‬
‫يحتفظن بمذكرات ستدخل التاريخ مستقبل ‪.‬‬
‫كانوا يخططون عندما كانت الدول العربية تتآمر على‬
‫بعضها البعض ‪ ,‬عندما كانت كل دولة عربية في خلف‬
‫حدودي مع الخرى ‪ ,‬عندما كانت أجهزة المخابرات في‬
‫هذه الدولة العربية تخطط لنسف المن القومي في‬
‫الدولة العربية الخرى ‪.‬‬
‫هنيئا للنظام الرسمي العربي الذي جعل شريحة من أبناء‬
‫ن أمريكا هي المهدي المنتظر ‪ ,‬وشريحة‬ ‫جلدتنا تؤمن بأ ّ‬
‫أخرى متقاعسة عن أداء دورها ‪ ,‬وشريحة أخرى معزولة‬

‫‪32‬‬
‫في سجن السلطين والحكام والجنرالت القساة البغاة‬
‫لء لمريكا والدولة‬ ‫العتاة الزناة الباة على شعوبهم الذ ّ‬
‫العبرّية ‪.‬‬
‫فاللوم ليس على واشنطن التي تستهدف تاريخنا وراهننا‬
‫وحاضرنا ومستقبلنا وثقافتنا وجغرافيتنا ودورنا وسلحنا‬
‫ودماغنا وفكرنا و عقيدتنا وقرآننا و محمدنا ‪ ,‬اللوم على‬
‫النظام الرسمي العربي الذي شرعن الوجود المريكي‬
‫في مواقعنا كل مواقعنا الجغرافية ‪ ,‬اللوم على النظام‬
‫الرسمي العربي الذي دمّر العقول والكفاءات وعجز عن‬
‫إقامة نهضة صناعية متكاملة وأحوجنا إلى الدجاج‬
‫المريكي واللحم المريكي والدواء المريكي والخبز‬
‫المريكي والعقل الستراتيجي المريكي ‪ ,‬اللوم على‬
‫حكامنا البغاة مدمني الفياغرا و أفلم الخلعة الذين منحوا‬
‫أراضينا للمريكان و جغرافيتنا لقوات التدخل السريع‬
‫للحفاظ على كراسيهم وأمنهم القومي وأمن دولتهم‬
‫بخرم أمن مجتمعهم ‪ ,‬اللوم على حكامنا الذين راهنوا‬
‫على حماية المريكان لهم بعد أن ألهوا جنودهم‬
‫بالمخدرات والرشاوى وبيوت الدعارة وكل أنماط‬
‫الفساد ‪ ,‬اللوم على حكامنا الذين أبادوا اللغة العربية‬
‫وفرضوا اللغة النجليزية ‪ ,‬والذين قضوا على أم كلثوم و‬
‫فرضوا مايكل جاكسون والذين حاربوا قناة الجزيرة‬
‫وفتحوا المجال كل المجال لقنوات العهر اليطالية‬
‫والتركية و غيرها ‪ ,‬اللوم على حكامنا الذين تخندقوا خلف‬
‫شاكيرا و سلموا شعوبهم للمريكان ‪ ,‬اللوم على حكامنا‬
‫الذين عجزوا عن إدارة العباد والبلد وأستضافوا المريكان‬
‫لكي يتولوا المهمة بإمتياز ويتولون هم دفع الفاتورة من‬
‫أقوات ودماء الشعوب العربية والسلمية ‪ ,‬اللوم على‬
‫حكامنا الذين أعجبتهم الشقروات المريكيات فباعونا‬
‫ببضعة كيلوات من اللحم ‪ ,‬تماما كما فعل ذلك الحاكم‬
‫العربي الذي إستقدم فتاة أمريكية شقراء لدى زيارته إلى‬
‫واشنطن فطلقته زوجته !‬
‫اللوم على حكامنا الذين آمنوا بفقه النكاح وتركوا فقه‬
‫الكفاح ‪ ,‬الذين إعتنقوا فقه الجواري وتسليم المريكان‬

‫‪33‬‬
‫كل البراري والذين يطلبون منا الن أن نتفرج ‪ ,‬نتفرج‬
‫على جغرافيتنا وهي تسبى ‪ ,‬تاريخنا وهو يصاغ في‬
‫واشنطن ‪ ,‬حكامنا وهم يصنعون في لنغلي ‪ ,‬أطفالنا وهم‬
‫يقتلون بل ذنب ول جريرة في بغداد ورام الله وجنين ‪,‬‬
‫نتفرج نعم نتفرج دون أن ننبس ببنت شفة ‪ ,‬فل يجوز‬
‫التعليق على موت اللف بل المليين في العراق ‪ ,‬ل‬
‫ن‬
‫يجوز التعليق على دمار العراق ‪ ,‬لكن أل يعلمون أ ّ‬
‫ول النسان إلى قنبلة فتاكة تنفجر في‬ ‫كتمان الغيظ يح ّ‬
‫وجه حكامنا السمان وفي وجه المريكان ‪.‬‬
‫ن غدا لناظره قريب !‬‫وإ ّ‬

‫‪34‬‬
‫أمريكا وإستحمار الشعوب السلمّية‪.‬‬

‫تتعامل الوليات المتحدة المريكّية مع العرب والمسلمين‬


‫كما لو أّنهم مجموعة من الحمير الذين ل يملكون ل وعيا‬
‫ول ذكاءا ول قدرة على قراءة الحداث وأبعادها الباطنية‬
‫والظاهرّية ول فهم المكر السياسي المريكي المغّلف‬
‫ما لّنها قرأت في التاريخ العربي عن‬ ‫بحلو الحديث ‪ ,‬ورب ّ‬
‫قبيلة بني حمير بتحريك الياء فظّنت أن الشعوب العربية‬
‫والسلمية تنتمي إلى فصيلة الحمير ‪.‬‬
‫و منذ إستلم واشنطن الكرة من الملعب البريطاني في‬
‫العالم العربي والسلمي وهي تستحمر العرب‬
‫والمسلمين وقد وصلت إلى أقصى درجات الستحمار‬
‫عي‬‫عندما إستباحت الجغرافيا العربية والسلمية وهي تد ّ‬
‫أّنها تفعل ذلك من أجل المصلحة العليا للعرب و‬
‫المسلمين ‪ .‬فأمريكا تحّتل أراضينا وتدعي أّنها تريد أن‬
‫تحرّر شعوبنا من الطغاة الذين صنعتهم ‪ ,‬و تقيم حكومات‬
‫عميلة موالية لها سياسة و إقتصادا وثقافة وأمنا وإجتماعا‬
‫دعي أّنها تريد إقامة نظام سياسي‬ ‫وتربّية وتعليما وهي ت ّ‬
‫ديموقراطي حّر من رحم الشعوب في البلد العربية‬
‫والسلمية ‪ ,‬وأمريكا المستحمرة ‪ -‬بكسر الميم ‪ -‬ما‬
‫فتئت تدعم الكّيان الصهيوني بالسلح والمال والموقف‬
‫عي أّنها‬
‫السياسي والدعم اللوجستي والمني وهي تد ّ‬
‫وضعت خارطة الطريق من أجل وضع مشروع الدولة‬
‫الفلسطينية على الطريق المستقيم ‪ ,‬بينما هي تهدف‬
‫وة في المعادلة الفلسطينية حتى‬ ‫إلى إحراق كل أوراق الق ّ‬
‫ل يبقى لدى المفاوض الفلسطيني أي ورقة وساعتها‬
‫يقول له الصهاينة المتمرسون في لعبة الذلل كأسيادهم‬
‫المريكان المتخصصين في لعبة الورق التي سحبوها أيضا‬

‫‪35‬‬
‫على المهزومين في العالم العربي عليك أن ترضخ للخيار‬
‫الصهيوني ‪.‬‬
‫ن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات‬ ‫وللشارة فإ ّ‬
‫في مفاوضات أوسلو طالب رئيس الحكومة العبرّية‬
‫إسحاق رابين بوضع ملف القدس على طاولة المفاوضات‬
‫ن ملف القدس شائك وطرحه‬ ‫‪ ,‬فقال له إسحاق رابين ‪ :‬إ ّ‬
‫قد ينسف المفاوضات وتقدمها ويستحسن تأجيلها ‪ ,‬فوقع‬
‫المفاوض الفلسطيني في الفخ ‪ ,‬وفي وقت لحق عندما‬
‫ن الموضوع لم‬ ‫طلب عرفات بملف القدس قيل له إ ّ‬
‫يبحث في أوسلو ‪.‬‬
‫أليس إستحمارا ما تقوم به أمريكا في أفغانستان والعراق‬
‫ط طنجة – جاكرتا ‪ ,‬ففي‬ ‫و عموم البلد الواقعة في خ ّ‬
‫العراق تسرق الموال المجمدة العراقية وتوّزع الفتات‬
‫جة الحصول على ما تكلفته في حربها‬ ‫على العراقيين بح ّ‬
‫على العراق ‪ ,‬وتستولي على آبار النفط وتدعي أّنها‬
‫ستعمل على إزدهار القتصاد العراقي ‪ ,‬و تتعاقد وفي‬
‫غياب حكومة عراقية شرعّية مع الشركات المريكية على‬
‫مشاريع متوسطة وبعيدة المدى في العراق ‪ ,‬فمن سوف‬
‫ل بأمور عديدة ول يوجد‬ ‫يحاسب هذه الشركات عندما تخ ّ‬
‫بينها وبين أي عراقي عقد إقتصادي أو إستثماري أو ما‬
‫شابه ‪ ,‬أليس إستحمارا أن تأذن أمريكا بإحراق الخضر‬
‫واليابس في العراق و إتلف المادة والروح حتى إذا عادت‬
‫دورة الحياة إلى العراق يطلب من الحكومة العراقية التي‬
‫تصنع على أيدي وأعين أمريكا أن تشترى كل صغيرة‬
‫وكبيرة من الشركات المريكية ‪ ,‬أليس إستحمارا أن تقوم‬
‫أمريكا بكنس المعارضة العراقية التي وقفت مع واشنطن‬
‫في الطاحة بنظام الطاغية المجرم أبي المقابر صدام‬
‫حسين ‪ ,‬و تقوم وبطريقتها الخاصة في شرعنة إحتللها‬
‫للعراق ‪ ,‬أليس إستحمارا أن تقوم أمريكا بإنتاج عوامل‬
‫الحرب الهلية والطائفية والمذهبية و العرقية في العراق‬
‫حتى إذا تلشى مشروعها الحتللي تلجأ إلى تقسيم‬
‫العراق وبالتالي تضمن بقاءها المطلق في العراق ‪ ,‬أليس‬
‫ن تغمض أمريكا عينيها عن الكفاءات العراقية‬ ‫إستحمارا أ ّ‬

‫‪36‬‬
‫الواسعة الخبرة والمثقفة و التي ملت الدنيا وتلجأ إلى‬
‫خبراء أمريكان حارمة أهل العراق من إعمار وطنهم‬
‫بأيديهم و توزيع ثروات بلدهم توزيعا عادل و محكما ‪.‬‬
‫أليس إستحمارا عندما تتحدث أمريكا عن عراق السلم‬
‫ط لجعله قاعدة تنطلق منها جيوش الطاحة‬ ‫وهي تخط ّ‬
‫بالنظام السلمي في إيران و ربما بالنظام السوري إذا‬
‫إقتضت الضرورة ‪ .‬أليس إستحمارا أن تسكت أمريكا عن‬
‫حون بحمدها و‬ ‫الطغاة الذين يسبحون في تيارها ويسب ّ‬
‫تلتفت إلى بعض الطغاة الذين هي صنعتهم هي وغاية ما‬
‫هناك إنتهى دورهم و إنتهت دورتهم السياسية و الخدماتّية‬
‫حسب مقتضيات السياسة المريكية ‪ .‬أليس إستحمارا‬
‫عندما تنشر أمريكا ثقافتها القائمة على العنف والجنس‬
‫والمخدرات – إنتاج هوليهود السينيمائي مثال – وتطالبنا‬
‫بإستئصال ثقافتنا والتي يقول المريكي جورج واشنطن‬
‫عن أحد رموزها محمد بن عبد الله أّنه أعظم العظماء‬
‫في تاريخ البشرّية على وجه الطلق ‪ ,‬و الذي قال عنه‬
‫أيضا الفيلسوف برنارد شو ‪ :‬لو كان محمد موجودا لح ّ‬
‫ل‬
‫كل مشكلت العالم ريثما ينتهي من شرب فنجان قهوة ‪.‬‬
‫أليس إستحمارا أن يصعد المريكان إلى الفضاء‬
‫ويتصرفون في الرض وفي الفضاء وينتجون كل أنواع‬
‫السلحة البيولوجية والكيميائية و النووية والجرثومية‬
‫العابرة للقارات والمحيطات و السماوات ويريدوننا أن‬
‫نبقى حميرا أسوة ببني حمير – بتسكين الميم وفتح الياء‬
‫أو بكسر الميم حسب فقه الستحمار المريكي ل فرق ‪-‬‬
‫!!!‬

‫‪37‬‬
‫أوروبا القديمة وأمريكا الجديدة ‪.‬‬

‫لّول مّرة في تاريخ الصحافة الوروبّية تصبح أمريكا‬


‫موضوعا يتناوله المحللون والكّتاب بكثير من النقد اللذع‬
‫أحيانا والجرئ أحيانا أخرى و إذا كان نقد أمريكا في‬
‫السابق حكرا على الكّتاب والمثقفين اليساريين‬
‫والقوميين و الوطنيين والماويين و الكنائسيين المحافظين‬
‫وأتباع المذاهب والديانات السيوية كالبوذية والطاوية و‬
‫ن الكّتاب الليبيراليين الذين كانوا إلى‬
‫الكونفوشيوسّية فإ ّ‬
‫وقت قريب معجبين بالحضارة المريكية و بالنمط‬
‫المريكي في الحياة سخروا أقلمهم لفضح هذا النموذج‬
‫الذي بات يستهدف النسان في كل أبعاده وفي نظر‬
‫ن المركة هي مشروع إستعماري جديد ل يختلف‬ ‫هؤلء فإ ّ‬
‫عن الستعمار الوروبي القديم لكن بأساليب جديدة ‪,‬‬
‫ن هذه الراء تصدر من لدن مفكرين غربيين‬ ‫والعجيب أ ّ‬
‫في الوقت الذي بذلت فيه أمريكا مجهودات جّبارة عقب‬
‫الحادي عشر من سبتمبر لستمالة الرأي الغربي إليها‬
‫حتى شّبه البعض التجيير المريكي العلمي والسياسي‬
‫لحداث الحادي عشر من سبتمبر لصالحها بالهلوكست‬
‫اليهودي و أسموه الهلوكست المريكي ‪ ,‬وقد إستطاعت‬
‫تظاهرات ‪ 15‬فبراير – شّباط ‪ 2003‬المنددة بالغارة‬

‫‪38‬‬
‫العسكرية المريكية المرتقبة على العراق أن ترخي‬
‫ط العلمي والسياسي لمعظم‬ ‫بظللها ليس على الخ ّ‬
‫الصحف الغربية بل أرخت بظللها على صّناع القرار في‬
‫مة طارئة الثنين ‪17‬‬ ‫أوروبا الذين أضطّروا إلى عقد ق ّ‬
‫فبراير ‪ 2003‬في العاصمة البلجيكية بروكسل والتي‬
‫تناولت موضوع العراق والغارة المريكية المرتقبة عليه‬
‫في ضوء يقظة الشارع الوروبي المعادي للحرب‬
‫المريكية وقد أجمع القادة الوروبيون على ضرورة أن‬
‫تكون جمعية المم المتحدة هي مركز النظام العالمي‬
‫وليس أمريكا ‪.‬‬
‫جريدة أفتون بلدت الذائعة النتشار في السويد نشرت‬
‫ن أوروبا‬
‫عنوانا عريضا جاء فيه ‪ :‬إستيقظ بوش ‪ ,‬معتبرة أ ّ‬
‫قالت بالجماع ل لمنطق الحرب المريكي ‪ .‬وفي السياق‬
‫ح الصحفي والكاتب السويدي يان غيلو المشهور‬ ‫ذاته صر ّ‬
‫ن تظاهرات ‪ 15‬فبراير شكّلت يوما‬ ‫بكتابته ضد ّ أمريكا بأ ّ‬
‫ن المليين في‬ ‫أسودا في وجه المتعطشين للدماء ‪ ,‬وأ ّ‬
‫أوروبا قد تظاهروا صراحة ضد ّ أمريكا ‪.‬‬
‫وكانت هذه التظاهرات حاضرة في كثير من التصالت‬
‫بين المسؤولين الوروبيين الذين إستوعبوا بسرعة البرق‬
‫رسالة ‪ 15‬فبراير ‪ ,‬حيث جرى إتصال هاتفي بين رئيس‬
‫وزراء السويد يوران بيرشون والمستشار اللماني شرودر‬
‫‪ ,‬و بين وزير خارجية السويد و نظيرها الفرنسي ‪ ,‬وقالت‬
‫وزيرة خارجية السويد آنا ليند عقب التظاهرات المليونية‬
‫في أوروبا أّنه ليس وقت الغارة العسكرية على الطلق‬
‫ويجب إعطاء فرصة للمفتشين الدوليين ومنحهم الوقت‬
‫الكافي للبحث عن أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫وقد حصل القادة الوروبيون قبل ذهابهم للجتماع الطارئ‬
‫إلى بروكسل على تقارير مستفيضة عن التظاهرات‬
‫وة على طاولة البحث‬ ‫العارمة في أوروبا لتكون حاضرة بق ّ‬
‫مة الطارئة التي إنعقدت في العاصمة البلجيكية‬ ‫في الق ّ‬
‫في بروكسل ‪.‬‬
‫ن بعض القادة الوروبيين شاركوا‬ ‫وتجدر الشارة إلى أ ّ‬
‫شعوبهم في التظاهرات المنددة بأمريكا كما فعل رئيس‬

‫‪39‬‬
‫وزراء النرويج بوندفيك الذي إنضم إلى تظاهرة مناوئة‬
‫لمريكا في النرويج ‪.‬‬
‫ن القادة الوروبيين إذا لم‬‫وحسب خبير أوروبي فإ ّ‬
‫يحسبوا حسابا لشعوبهم فعليهم أن يعدوا حقائب الخروج‬
‫ن الناخب الوروبي هو أهم لعب في‬ ‫من دوائر القرار ‪ ,‬ل ّ‬
‫ن‬
‫اللعبة السياسة في الغرب ‪ .‬و يقول هذا الخبير أ ّ‬
‫تظاهرات ‪ 15‬فبراير ‪ 2003‬ستبقى خالدة في الذاكرة‬
‫الوروبية ك ‪ 11‬سبتمبر مع الفارق ‪ ,‬لكن في الوقت ذاته‬
‫ن القادة الوربيين أصبحوا فعل بين‬ ‫يقول هذا الخبير أ ّ‬
‫المطرقة المريكية وسندان الشعوب الوروبية المنددة‬
‫بأمريكا ‪.‬‬
‫و رغم حجم الضغوط السرّية و إحتجاجات الكواليس‬
‫المبطنة والتي وصلت على حد ّ التهديد من قبل أمريكا‬
‫ن هذه العواصم رفضت لحد ّ‬ ‫لبعض العواصم الغربية فإ ّ‬
‫الن الذعان للضغوط المريكية ‪ ,‬و بناءا عليه فقد تلجأ‬
‫واشنطن إلى تغيير موقفها من التحاد الوروبي الذي بات‬
‫ن أمريكا دعمت‬ ‫يرهقها في المحافل الدولّية ‪ ,‬وللشارة فإ ّ‬
‫بقوة قّيام التحاد الوروبي من منطلقات ثلث أولها أن‬
‫يكون هذا التحاد سابحا في دائرتها السياسية‬
‫والقتصادية ‪ ,‬و ثانيا للحاق الدول الوروبّية الشتراكية‬
‫سابقا بهذا التحاد وبالتالي تنتصر الليبيرالية على‬
‫ط له واشنطن ‪ ,‬وثالثا كانت‬ ‫الشتراكّية كما كانت تخط ّ‬
‫ل أوروبا الكبيرة إلى سوق كبيرة‬ ‫واشنطن تخطط أن تتحو ّ‬
‫تستوعب بضائعها القتصادية و منتوجاتها الزراعية و غير‬
‫ذلك ‪ ,‬و إذا بدأ التحاد الوروبي يخرج عن هذه المنطلقات‬
‫فسوف تكون بداية الطلق البائن بين أوروبا القديمة‬
‫وأمريكا الجديدة !‬

‫‪40‬‬
‫بداية سقوط دولة آمرك أو أمريكا ‪.‬‬

‫كل المقاييس التي يعتمد عليها خبراء الستراتيجيا تشير‬


‫ن الوليات المتحدة المريكية مقبلة على سقوط‬ ‫إلى أ ّ‬
‫وة‬
‫ما يمّهد لبروز قوى أخرى ومنها الق ّ‬ ‫حضاري وسياسي م ّ‬
‫السلمية ‪ ,‬وهذه المقاييس في غاية الدّقة إذ تستند إلى‬
‫مؤشّرات واقعّية معاصرة ‪ ,‬وإلى مؤشّرات تاريخية تتمّثل‬
‫في إستكمال الغرب وعلى رأسه الوليات المتحدة‬
‫المريكية للدورة الحضارّية والتي تمّتد بناءا على إستقراء‬
‫دة خمسة قرون – وقد بدأت النهضة الغربية‬ ‫شبه كامل لم ّ‬
‫وتحديدا قبل خمس قرون و مازالت مستمرة إلى يومنا‬
‫هذا ‪ , -‬وكل هذه المؤشّرات الواقعّية والتاريخّية مردفة‬
‫بالجماع الشعبي العربي والسلمي والبشري المناهض‬
‫للسياسة المريكية القائمة على نظام مخّتل يخدم طرفا‬
‫دة المريكية ‪.‬‬‫واحدا وهو الوليات المتح ّ‬

‫‪41‬‬
‫دة المريكية تعتمد على إختلل‬ ‫و إذا كانت الوليات المتح ّ‬
‫ن السقوط الحضاري يكمن دائما‬ ‫توازن القوى لصالحها فإ ّ‬
‫وة الحضارّية كما يذهب إليه أرنولد توينبي‬ ‫في أوج الق ّ‬
‫صاحب كتاب ‪ :‬تاريخ البشرّية ‪.‬‬

‫الدورة الحضارّية‬

‫ن الذي ينعم النظر في حركة التاريخ يتجّلى له بوضوح‬ ‫إ ّ‬


‫ن أقصى ما تعمّره أيّ قوة حضارّية هو خمس قرون ‪,‬‬ ‫أ ّ‬
‫لتنتقل الدورة الحضارّية إلى بقعة أخرى تكون قد‬
‫إستجمعت شروط النطلق النهضوي والحضاري ‪ .‬وهذا‬
‫ن المدرسة‬ ‫ما تجسد ّ بالفعل في التاريخ البشري إذ أ ّ‬
‫المسيحية سيطرت على الساحة الدولية في ذلك الوقت‬
‫دة خمس قرون وبعد ظهور السلم إنقرضت حضارة‬ ‫لم ّ‬
‫روما التي قامت على أساس الدّيانة المسيحّية فاسحة‬
‫المجال أمام المد ّ السلمي الذي يخضع هو الخر لقوانين‬
‫ص هذا المد ّ بفعل‬ ‫التاريخ وسنن الله في الكون ‪ ,‬وقد تقل ّ‬
‫ظروف تاريخّية معروفة للباحثين فعاودت التوجّهات‬
‫الرومانّية النهوض من جديد ‪ ,‬لتتعثّر مسيرتها بعد فتح‬
‫ن التوجهات ذات الموروث الروماني‬ ‫مأ ّ‬ ‫الندلس ‪ ,‬ث ّ‬
‫إستعادت أنفاسها لتسقط إلى حين أمام المد ّ العثماني‬
‫السلمي ‪ .‬وبعد أن أستكمل هذا المد ّ دورته – يجب‬
‫ن الخلفة العثمانية بدأت تبسط سيطرتها‬ ‫الشارة إلى أ ّ‬
‫على القاليم إسلمية في القرن الخامس عشر الميلدي‬
‫– تساقط لتنبعث من جديد القوة الغربية مشبعة بتراث‬
‫المسلمين الفكري والسياسي ومشبعة بتجارب مستقاة‬
‫من واقع التجربة النسانية الملئ بالحداث ‪ .‬و مذ ذلك‬
‫مة في مجريات‬ ‫التاريخ و الحضارة الغربّية هي المتحك ّ‬
‫المور الثقافية والصناعية والسياسية والعسكرية والتقنّية‬
‫و المنّية ‪.‬‬
‫وبعد هذه الدورة التامة التي ساد فيها الغرب فستميل‬
‫ن شروط‬ ‫هذه الدورة إلى جهة أخرى ‪ ,‬خصوصا إذا علمنا أ ّ‬
‫إنتقال هذه الدورة قد بدأت تتوّفر في الجهة التي تنتظر‬

‫‪42‬‬
‫ن‬
‫دورها في توجيه الحضارة النسانّية المعاصرة ‪ .‬وقد تمك ّ‬
‫العديد من المفكرين الغربيين من الوصول إلى هذه‬
‫النتيجة كروبنسون وبرتراند رسل وروني دوبو و روجي‬
‫غارودي وروني جينه وغيرهم ‪.‬‬

‫الخلل الكبير‬

‫ن أعظم ما أنتاب الوليات المتحدة المريكية – والحديث‬ ‫إ ّ‬


‫عنها يشمل المتحالفين معها في الكتلة الغربية – هو‬
‫إنعدام التوازن في مشروعها النهضوي ‪ ,‬فبدل أن تهتم‬
‫مت به كعرض ‪ ,‬مما يجعل التقنية‬ ‫بالنسان كجوهر إهت ّ‬
‫المتطورة التي بلغتها تسير في غير هدى حضاري ‪ ,‬وهذا‬
‫من شأنه أن يعّرض ليس أمريكا فحسب بل النسانية‬
‫بكاملها لعملية النقراض الشاملة ‪ .‬وهذا النعدام في‬
‫ن أمريكا سخّرت‬ ‫وه ‪ ,‬إذ أ ّ‬
‫التوازن ولد ّ التخطيط المش ّ‬
‫آلف المليير من الدولرات لدعم التسّلح والترسانة‬
‫العسكرّية على حساب المجالت الجتماعّية الخرى وهذا‬
‫ول مع‬‫ما أنتج طبقة فقيرة في المجتمع المريكي قد تتح ّ‬
‫مرور الّيام إلى قنبلة موقوتة في وجه الشركات‬
‫المريكية الكبرى ذات النفوذ الواسع في السياسة‬
‫المريكية ‪.‬‬

‫النسداد السياسي‬

‫ن السياسة المريكية تعتمد على الثوابت‬ ‫لش ّ‬


‫ك في أ ّ‬
‫ن الثوابت تؤّدي إلى‬
‫والمتغيرات ‪ ,‬وفي بعض الحيان فإ ّ‬
‫النسداد السياسي ما دامت تعتمد على القوة العسكرية‬
‫التي هي ضرورة لتقوّية القرار السياسي ‪.‬‬
‫وهذا المنطق وإن كان يفيد في بعض المراحل لكّنه ومع‬
‫مرور اليام ومع تغّير الظروف الدولية يصبح عالة على‬
‫أصحابه ‪ ,‬لّنه في خاتمة الدرب تجد أمريكا نفسها قوّية‬
‫في جانب ومخفقة في مئات الجوانب الخرى ‪ ,‬ول أد ّ‬
‫ل‬
‫على ذلك التحاد السوفياتي السابق الذي إعتمد على‬

‫‪43‬‬
‫التسليح العسكري ليجد نفسه بل خبز في نهاية المطاف ‪,‬‬
‫أو مثل الجزائر التي إعتمدت في عهد هواري بومدين‬
‫على الصناعات الثقيلة مهملة الزراعة لتجد نفسها في‬
‫نهاية المطاف بل صناعة ول زراعة ‪.‬‬
‫ن الوليات‬ ‫وقد يقال هذا قّياس مع الفارق بإعتبار أ ّ‬
‫سم خطتها التنموية بالتكامل وهذا ما‬ ‫المتحدة المريكية تت ّ‬
‫يجعل كافة المجالت القتصادية في وضع متمّيز ‪ ,‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫هذا الكلم يصبح ذا دللة لو كانت أمريكا تتبع منهاجا غير‬
‫ن أرباب المزارع‬ ‫ذاك المتّبع من قبلها ‪ ,‬إذ المعروف أ ّ‬
‫يتلفون مليين الطنان من الحبوب والحنطة حفاظا على‬
‫السعار المعروفة في السوق ‪ ,‬فمادامت مصلحة الكبار‬
‫ن المور قد تنعكس سلبا‬ ‫هي التي تؤخذ في الحسبان فإ ّ‬
‫على أمريكا ‪.‬‬

‫مؤشرات السقوط الداخلي‬

‫ح أمريكا للتساقط السريع‬ ‫عوامل كثيرة داخلية ترش ّ‬


‫مستقبل نوجز منها ما يلي ‪:‬‬
‫ن الهنود الحمر وإلى يومنا هذا‬ ‫الهنود الحمر ‪ :‬المعروف أ ّ‬
‫يطالبون بحقوقهم السياسية والجتماعية ‪ ,‬وإذا كان‬
‫الصراع سابقا بين السكان الصليين لمريكا والدخلء‬
‫عليها يتم على شكل حرب عصابات وقتل بالجملة من‬
‫قبل الدخلء للهنود الحمر السكان الصليين لمريكا ‪ ,‬إل ّ‬
‫أّنه اليوم إنتظم في شكل تكتلت سياسية وتنظيمات‬
‫هندية أمريكية أحرجت أمريكا في الداخل و الخارج ‪,‬‬
‫دعي حماية القليات‬ ‫والوليات المتحدة المريكية التي ت ّ‬
‫خل المريكي‬ ‫ونصرة حقوق النسان – الوجه الخر للتد ّ‬
‫في الدول المنة – إل ّ أّنها لم تأبه لمطالب الهنود الحمر‬
‫الذين مازالوا يحتجون على السياسة المريكية تجاههم‬
‫وما زالت تجمعاتهم في أمريكا وتحديدا في الغرب‬
‫المريكي تتناقل حكايات إجرام العصابات الدخيلة في حق‬
‫أجدادهم ‪ .‬والصراع بين السكان الصليين و الدخلء على‬
‫ن عوامله مازالت‬ ‫شح للبروز في أي لحظة ل ّ‬ ‫أمريكا مر ّ‬

‫‪44‬‬
‫دي هذا إلى خلق فجوة كبيرة في التركيبة‬
‫قائمة ‪ ,‬وقد يؤ ّ‬
‫الجتماعية المريكية وقد تكون الترسانة العسكرية‬
‫المريكية سببا آخر لبادة أشخاص يحملون الهوّية‬
‫المريكية ‪.‬‬

‫القوة السوداء‬

‫ما زال السود في القارة المغتصبة ممنوعين من العديد‬


‫من الحقوق السياسية ‪ ,‬ول يمكن ورغم الديموقراطية‬
‫ت إلى معزوفة تقبل بوجود شخص‬ ‫المريكية التي تحول ّ‬
‫أسود في البيت البيض الذي إحتكره البيضان فقط من‬
‫رجالت القرار في أمريكا ‪.‬‬
‫و ما زالت القوة السوداء تتعرض إلى إعتداءات من قبل‬
‫المنظمات العنصرية التي تطالب بضرورة إخراج هؤلء‬
‫من أمريكا وإرجاعهم إلى إفريقيا ‪.‬‬
‫جل الدوائر الرسمية بحذر شديد العتداءات على‬ ‫وتس ّ‬
‫السود من قبل البيض والعكس صحيح ‪ ,‬وقد أصبح رجال‬
‫أمن متورطين في قتل شباب سود المر الذي فجّر‬
‫عشرات التظاهرات السوداء الغاضبة على الدارة‬
‫المريكية ‪ ,‬وهذا التمزق والصراع العرقي واللوني مرشح‬
‫لمزيد من التساع كما يقول علماء إجتماع أمريكيون ‪.‬‬

‫صراع الكبار‬

‫ل من يعرف عن الصراع الشديد والمستتر بين‬ ‫ق ّ‬


‫كم في القتصاد المريكي‬ ‫الشركات الجّبارة التي تتح ّ‬
‫وإقتصاديات العالم الثالث ‪ ,‬ومصاديق هذا الصراع تكمن‬
‫في النشطار السياسي بين المبراطوريات المالّية ‪,‬‬
‫فبعضها يدعم الحزب الجمهوري والبعض الخر يدعم‬
‫الحزب الديموقراطي وأخرى تدعم اللوبي الصهيوني‬
‫وبينهما علقة تحالف وثيقة ‪ ,‬وأمتد هذا الصراع إلى خارج‬
‫الخارطة المريكية وكل أمبراطورية مالية تملك رؤية‬
‫إستراتيجية في كيفية إدارة السياسات والقتصادات ول‬

‫‪45‬‬
‫سّيما في العالم العربي والسلمي حيث الثروات الهائلة ‪,‬‬
‫ن كل شركة متعددة الجنسيات تملك مركزا‬ ‫والمفارقة أ ّ‬
‫إستراتيجيا يعمل فيه خبراء في الستراتيجيا والجيوبوليتيكا‬
‫‪ .‬وقد تتضارب مصالح الكبار لينعكس ذلك على اللعبة‬
‫السياسية الرسمية المتداخلة كثيرا مع البترودولر والمال‬
‫ومصارده بشكل عام ‪.‬‬

‫أمريكا دولة الجرائم‬

‫ن إنتشار الجريمة بشكل مذهل في الوليات المتحدة‬ ‫إ ّ‬


‫ل على النكسار الرهيب في المجتمع‬ ‫المريكية يد ّ‬
‫المريكي ‪ ,‬وعلى الطبقية في هذا المجتمع المخملي ‪.‬‬
‫وبرغم الجراءات المتخذة للحد ّ من ظاهرة الجرائم إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫كل الجراءات باءت بالفشل ‪ ,‬وقد تتفاقم هذه الطبقية‬
‫لتّتحول إلى ثورة إجتماعية كما حدث في فرنسا أيام‬
‫ن كارل ماركس من تشخيص‬ ‫الثورة الفرنسية ‪ ,‬وقد تمك ّ‬
‫ن المجتمعات‬ ‫منتهى الرأسمالية عندما أشار إلى أ ّ‬
‫ن كارل‬ ‫الرأسمالية ستثور على الوضع القائم ‪ ,‬إل ّ أ ّ‬
‫ن هذه المجتمعات‬ ‫ماركس أخطأ النتيجة عندما قال إ ّ‬
‫الرأسمالية وعندما تثور على الرأسمالية ستنتهي إلى‬
‫الماركسية والتي ماتت شأنها شأن الرأسمالية اليلة إلى‬
‫الموت ‪ .‬وتفاقم الطبقّية ل يمّيز الوضع العام في أمريكا‬
‫فقط بل بات الهاجس اليومي في أوروبا أيضا ‪ ,‬ومثل هذه‬
‫النتيجة حتمية في مجتمع يفتقد إلى أدنى موازين العدالة ‪,‬‬
‫ن الحياة للقوى كما‬ ‫ول يعترف بالفقراء والمنبوذين ‪ ,‬بل إ ّ‬
‫قال نيتشه ذات يوم ‪ .‬وقد تتلقى صيحات المستضعفين‬
‫شر على‬ ‫في أمريكا وأوروبا والعالم الثالث أيضا وهو مؤ ّ‬
‫الفصام النكد بين القيادة السياسية في أمريكا والمدعومة‬
‫من قبل رجال العمال وبين الطبقات المسحوقة ‪ .‬وإذا‬
‫غالطت أمريكا الرأي العام لديها بتوجيه أنظارهم إلى‬
‫الساحة السياسية الدولية فسوف يأتي اليوم الذي يلتفت‬
‫فيه المسحوقون في أمريكا إلى واقعهم ويحتجون عليه‬
‫بقوة ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مؤشرات السقوط الخارجي‬

‫م‬‫لئن كانت الحرب الكونية الثانّية عونا لمريكا في ض ّ‬


‫دي‬‫ن الظروف الن تغيرت بشكل قد يؤ ّ‬ ‫أوروبا إليها ‪ ,‬فإ ّ‬
‫إلى حدوث طلق كامل بين أوروبا وأمريكا حيث بدأت‬
‫أوروبا ترفع صوتها عاليا منددة بمحاولت السيطرة‬
‫المريكية في المجالت السياسية والقتصادية والثقافية ‪,‬‬
‫و مشروع أوروبا الموحدة يحمل في طياته إرادة النفصال‬
‫عن أمريكا التي تفردت بصناعة كافة القرارات العالمية ‪,‬‬
‫طر نفسها فسوف تفقد‬ ‫وإذا إستطاعت أوروبا أن تؤ ّ‬
‫أمريكا الكثير من حيويتها في أوروبا ‪ ,‬كما أن التنافس‬
‫ول إلى‬‫شح أن يتح ّ‬ ‫القتصادي بين اليابان وأمريكا مر ّ‬
‫ن القوة القتصادية اليابانية المتدفقة‬ ‫صراع سياسي ل ّ‬
‫تملي عليها إستغلل العامل القتصادي للتأثير على‬
‫ن العلقة بين أمريكا‬ ‫السياسة العالمية ‪ ,‬وللتذكير فقط فإ ّ‬
‫م تحوّلت إلى‬ ‫وأوروبا كانت في بداية المطاف إقتصادية ث ّ‬
‫نفوذ سياسي وعسكري ‪.‬‬
‫ولم تتمكن الوليات المتحدة لحد ّ الن التغلغل إلى العمق‬
‫الصيني ومازالت الصين حذرة من النشاط السياسي‬
‫والقتصادي والعسكري المريكي في القارة السيوية ‪.‬‬
‫ن أمريكا‬ ‫والعالم السالمي من جهته تجلى له بوضوح أ ّ‬
‫تستهدف إمتصاص خيراته و صياغته من جديد ‪ .‬وما زال‬
‫هذا العالم يتكّبد الثار السلبية للتوجهات المريكية‬
‫البراغماتية القائمة على إفراغ العالم السلمي من‬
‫المقومات النهضوية الفكرية والمادية ‪.‬‬

‫أمريكا والكّيان الصهيوني‬

‫لقد إستفاد الكيان الصهيوني من اللوبي اليهودي الواسع‬


‫ن العديد‬‫النفوذ في الوليات المتحدة المريكية ‪ ,‬وللعلم فإ ّ‬
‫من المنظمات المسيحية المريكية بدأت تستشعر الخطر‬
‫الصهيوني على أمريكا نفسها وعلى العقيدة النصرانية ‪,‬‬

‫‪47‬‬
‫جه‬‫وبدأت تتحدث عن الخطار المحدقة بالنصرانية كتو ّ‬
‫عقائدي وسياسي ‪ ,‬وقد تدخل هذه التوجهات المسيحية‬
‫المستيقظة في صراع سياسي مع اللوبي اليهودي في‬
‫أمريكا لينعكس ذلك تذبذبا على المسار السياسي‬
‫المريكي‪.‬‬

‫تفك ّ‬
‫ك التركيبة الجتماعية في أمريكا‬

‫ل يمكن للشعوب الهجينة أن يستمر تجانسها خصوصا في‬


‫ل غّياب عقيدة واحدة تنصهر فيها كل الفروقات‬ ‫ظ ّ‬
‫العرقّية ‪ ,‬والوليات المتحدة المريكية يسود فيها شعب‬
‫متباعد الطراف هذا الشعب الذي تشكل من هجرات‬
‫متباينة من مختلف المناطق الوروبية والفريقية‬
‫والسيوية ‪ ,‬وهذا التباعد العرقي يصحبه تباعد ديني‬
‫ن الوليات المتحدة المريكية تكاد تشبه‬‫وعقائدي ‪ ,‬إذ أ ّ‬
‫الهند في عدد الديانات والمذاهب والتيارات الفكرية‬
‫والفلسفية السائدة فيها ‪ ,‬والشيئ الوحيد الذي ما زال‬
‫يحافظ على التماسك بين أعراق الشعب المريكي هو‬
‫المصلحة القتصادية ‪ ,‬وأي ضعف إقتصادي حقيقي في‬
‫أمريكا قد ينعكس سلبا على تماسك العراق فيها ‪.‬‬

‫كوارث غير منتظرة‬

‫ن الوليات المتحدة‬‫كد خبراء الزلزل والبراكين أ ّ‬‫يؤ ّ‬


‫المريكية ستتعّرض في السنوات المقبلة إلى بعض‬
‫الكوارث الطبيعية إذ أّنها تقع في خط طول ‪ 40‬والقاليم‬
‫الواقعة في هذا الخط ستشهد نشاطا زلزالّيا رهيبا في‬
‫السنوات المقبلة ‪ .‬وإذا أضفنا إلى هذه الكوارث المحتلمة‬
‫ن أمريكا‬
‫ما يلم بأمريكا من أمراض خطيرة وفتاكة فإ ّ‬
‫حة إلى ضربات السماء أيضا ‪ ,‬ول يمكننا‬ ‫ستكون مرش ّ‬
‫إستبعاد الوعود الربانية القاضّية بنهاية الظلم والستبداد‬
‫سواء بسنن الطبيعة أو غيرها من العوامل ‪ ,‬ويبّين القرآن‬
‫ن هناك علقة طردّية بين‬ ‫الكريم في قصص الماضين أ ّ‬

‫‪48‬‬
‫تفاقم الظلم والسقوط الحضاري الكيد ‪ ,‬وكثيرا ما يربط‬
‫القرآن الكريم بين ظلم المراء وسقوط المم ‪.‬‬

‫سقوط جورج بوش البن !‬

‫دة بالغارة المريكية على العراق‬


‫دت التظاهرات المند ّ‬ ‫أك ّ‬
‫والتي شهدتها معظم العواصم العالمّية في كل القارات‬
‫والتي كانت أشبه بإستفتاء حقيقي حول السياسة‬
‫ن الرئيس المريكي جورج بوش ل‬ ‫المريكية في العالم أ ّ‬

‫‪49‬‬
‫يملك أدنى قاعدة شعبية على الصعيد العالمي ‪ ,‬حيث‬
‫ن السياسة المريكية‬ ‫دّلت التظاهرات العالمية وبوضوح أ ّ‬
‫غير مقبولة ل أوروبّيا ول عربيا ول إسلمّيا ول أمريكيا على‬
‫صعيد القارة المريكية برمتها ول آسيويا ول أوسترالّيا‪.‬‬
‫ولم يسبق أن تدافع الناس في كل القارات وبهذا الزخم‬
‫للتعبير عن شيئ واحد ‪ :‬ل للسياسة المريكية التي تتخذ‬
‫من الحرب وسيلة لحلحلة الزمات الدولّية ‪ ,‬ل لمنطق‬
‫الشرطي الوحيد الذي يريد أن يدير العالم حسب مصالحه‬
‫الستراتيجية ‪ ,‬ل لمريكا الجديدة التي تحتقر الخرين‬
‫وتستقدمهم – تسمهم بالقدم ‪ , -‬لقد فتحت أمريكا‬
‫بمنطقها العوج كل الجبهات عليها ‪ ,‬ولم تجتمع سابقا‬
‫قوى المجتمع المدني والمنظمات الهلية والسياسية على‬
‫شيئ مثلما أجمعت على سقوط جورج بوش وسياسة‬
‫السوبرمان التي يقودها ‪ .‬لقد هتف العالم بكل لغاته وبكل‬
‫ثقافاته وبكل دياناته وبكل مذاهبة وبكل أعراقه وبكل‬
‫أفكاره وبكل مراكزه الدينية ومرجعياته الفقهية‬
‫والسياسّية ‪:‬‬
‫ل لجورج بوش ‪ ,‬ل لحياء حركة الستعمار ‪ ,‬ل لستحمار‬
‫الشعوب ‪ ,‬ل لسرقة أقوات الناس ونفطهم بداعي‬
‫ده الترسانة النووية‬
‫الحفاظ على العالم الذي ستبد ّ‬
‫المريكية إذا إستمرت أمريكا في قيادة العالم بهذه‬
‫الطريقة ‪.‬‬
‫لقد أصبح جورج بوش أمام تحدي خطير إن هو أقدم على‬
‫الحرب ‪ ,‬فهو سيخرم مجلس المن وجمعية المم‬
‫دة ‪ ,‬وسيخرم إجماع البشرية التي توافقت على‬ ‫المتح ّ‬
‫معارضة فصيحة لقرار الحرب المريكي ‪.‬‬
‫ن صحوة شعوب العالم وإعتراضها على منطق‬ ‫إ ّ‬
‫ن منطق الحادّية‬ ‫الستحمار المريكي الجديد دليل على أ ّ‬
‫ن إقدام بوش على أي خطوة‬ ‫المريكي بدأ يتلشى ‪ ,‬وأ ّ‬
‫ضد ّ الشعب العراقي معناه دخوله في مواجهة مع شعوب‬
‫العالم كافة التي تعرف كيف ترد ّ على أمريكا في اللحظة‬
‫المناسبة ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وأشد ّ ما أخشاه أن تلجأ الدوائر المريكية إلى لعبة أمنية‬
‫ذها ذريعة لضرب العراق ‪ ,‬تماما كما حدث بين‬ ‫جديدة تتخ ّ‬
‫الداي الجزائري والسفير الفرنسي في الجزائري ‪ ,‬عندما‬
‫زار هذا الخير الداي الجزائري وطالب الداي الجزائري‬
‫ممثل فرنسا بتسديد الديون الجزائرية لفرنسا وبينما كان‬
‫الداي يرّوح عن وجهه بالمروحة إنفلتت منه وتوجهت إلى‬
‫ن الداي‬‫وجه السفير الفرنسي حيث أعتبرت فرنسا أ ّ‬
‫الجزائري صفع سفير فرنسا ‪ ,‬وكان ذلك سببا لغزو‬
‫فرنسا للجزائر سنة ‪ . 1830‬وقد تلجأ واشنطن إلى ما به‬
‫تغّير أمزجة الشعوب الرافضة لمذهبها الجديد القائم على‬
‫سياسة الصفعة وفي الوجه مباشرة ‪.‬‬
‫ن‬
‫ومهما ستكون عليه الترتيبات المريكية اللحقة فإ ّ‬
‫واشنطن ل يمكنها أن تنسى تاريخ ‪ 15‬فبراير – شباط‬
‫‪ 2003‬عندما صرخت الشعوب بكل لغات أهل الرض ‪ :‬ل‬
‫لمريكا‪.‬‬
‫ومثلما كشفت هذه التظاهرات عن مدى سقوط السياسة‬
‫ن صدقية أمريكا‬ ‫الخارجّية المريكية فقد دّلت أيضا على أ ّ‬
‫دت ‪ ,‬ول يمكن للشطائر‬ ‫في العالم قد تلشت وتبد ّ‬
‫المريكية الخفيفة المنتشرة عالميا والتي يقبل الناس‬
‫على أكلها يوميا أن تنسي هؤلء الناس المجازر المريكية‬
‫في كل مناطق المعمورة ‪ ,‬ولذلك خرج الناس زرافات‬
‫ووحدانا مرددين شعارا واحدا ‪ :‬ل للحرب ‪ ,‬ل لسياسة‬
‫راعي البقر ‪ ,‬ل لسياسة وأد الهنود والمستضعفين في‬
‫الرض ‪.‬‬
‫ن ضد‬ ‫ن عاهرات أوروبا اللئي صرخ ّ‬ ‫ويبقى القول أ ّ‬
‫ن أشرف من الرؤساء العرب‬ ‫الرئيس المريكي بوش ه ّ‬
‫الذين لذوا بالصمت وشعارهم الدائم ‪ :‬نعم لمريكا ‪ ,‬و‬
‫ي نعمتنا جورج بوش !‬ ‫يعيش ول ّ‬

‫خبراء سويديون ‪ :‬أمريكا خسرت‬


‫حربها على الرهاب !‬

‫‪51‬‬
‫مع قرب حلول الذكرى الثانّية لحداث أيلول – سبتمبر‬
‫دة المريكية بدأت‬ ‫مت بالوليات المتح ّ‬ ‫‪ 2001‬التي أل ّ‬
‫ص حيزا‬‫الصحف الغربية عموما والسويدّية خصوصا تخص ّ‬
‫من إهتماماتها لهذا الحدث الذي مازالت تداعياته تتوالى ‪,‬‬
‫وقد أجرت صحيفة أفتون بلدت ‪ Aftonbladet‬الشهيرة‬
‫في السويد حوارات مع مجموعة من الخبراء الذين‬
‫يعملون في المعهد السويدي الحكومي للزمات و قد‬
‫تركّز الحوار حول نجاح أمريكا في سياستها الستئصالية‬
‫ضد ّ من أسمتهم بالرهابيين ‪ ,‬و مما قالته برجيتا داريل‬
‫الخبيرة السويدية في المعهد المذكور للجريدة بتاريخ ‪16‬‬
‫ن الوليات‬‫آب – أغسطس ‪ 2003‬للجريدة المذكورة أ ّ‬
‫المتحدة المريكية أخفقت في القضاء على من تسميهم‬
‫ن هؤلء هم الذين إنتصروا على أمريكا‬ ‫بالرهابيين بل إ ّ‬
‫نفسّيا وإعلمّيا ونجحوا في إرباك أمريكا في العديد من‬
‫المواقع ‪.‬‬
‫ن أعداء أمريكا نجحوا في بث الهلع‬ ‫وأستطردت قائلة أ ّ‬
‫والخوف في المجتمع المريكي وهذه تحسب على أمريكا‬
‫ل لها ‪ ,‬و هي معضلة لول مرة يواجهها بشكل حقيقي‬
‫المجتمع الصناعي كما قالت داريل ‪ ,‬وحسب داريل دائما‬
‫دا من العنف الذي‬ ‫ن المجتمع المريكي بات معق ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫يستهدفه وبات هذا المر مسيطرا على تفكيره وشعوره‬
‫والدليل على ذلك هو ربط إنقطاع الكهرباء في مدينة‬
‫نيويورك بالرهاب مباشرة بعد إنقطاع التّيار الكهربائي ‪ ,‬و‬
‫إنتقال معسكر الخوف إلى المجتمع المريكي دليل على‬
‫نجاح أعداء أمريكا في خطتّهم ‪.‬‬
‫وطالب خبراء سويديون الوليات المتحدة المريكية‬
‫ن النتائج تكون على‬ ‫بإجراء مراجعة شاملة لسياستها ل ّ‬
‫ن منطق القوة و إتخاذه‬ ‫مات ‪ ,‬وأ ّ‬
‫الدوام من سنخ المقد ّ‬
‫كمبدأ لحلحلة الزمات من شأنه أن يراكم العنف و يعطيه‬
‫المشروعّية المفقودة ‪ ,‬و في هذا السّياق تقول السيدة‬

‫‪52‬‬
‫ن أمريكا ل يمكنها أن‬ ‫إيفا من حزب اليسار السويدي أ ّ‬
‫تتحول إلى شرطي يحكم العالم و يسيره وفق مزاجه ‪,‬‬
‫سة و العضوة في‬ ‫ن مبدأ الدوس على الدول المؤس ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫جح كفة المنطق‬ ‫جمعية المم المتحدة من شأنه أن ير ّ‬
‫مه الوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬ ‫الحادي الذي باتت تتزع ّ‬
‫ن حالة القلق‬ ‫وتعتبر الخبيرة الحكومية برجيتا داريل أ ّ‬
‫شر خطير‬ ‫سوف تستمر في المجتمع المريكي وهذا مؤ ّ‬
‫ن داريل تعتبر‬‫على المدى المتوسط والبعيد وللشارة فإ ّ‬
‫خبيرة في شؤون أزمات المجتمع أيضا ‪.‬‬

‫الفرنجة قادمون والجيوش‬


‫العربية في عطلة !‬

‫‪53‬‬
‫يتعّرض الشعب الفلسطيني إلى غارة إستباحة وتذبيح ل‬
‫مثيل لها في تاريخ البشرّية ‪ ,‬ومنذ بداية محنته مع‬
‫م الكّيان الصهيوني‬ ‫الجماعات الصهيونية الرهابية ومن ت ّ‬
‫الغاصب وهو يستنجد بالجيوش العربية التي نخرها الفساد‬
‫والتي أقام رجالتها أوشج العلقات بالراقصات اللئي‬
‫أضحين بإمتياز من علّية القوم ويملكن كل الرقام‬
‫المباشرة لصّناع قرارنا العربي المجيد ‪ ,‬و في الوقت‬
‫الذي تخذل فيه هذه الجيوش فلسطين وغيرها من روافد‬
‫ن الشارع العربي والسلمي‬ ‫العالم العربي والسلمي فإ ّ‬
‫من طنجة وإلى جاكرتا مع فلسطين قلبا وقالبا ‪ ,‬ينتظر‬
‫اللحظة التي يمد ّ فيها فلسطين بدمه وقلبه وشرايينه‬
‫ودموعه وزاده ومؤونته ‪ ,‬وأريد أن أقول لطفال الجنة‬
‫محمد الدّرة وإيمان حجو ولطفال الحضارة والحجارة ل‬
‫تراهنوا على الجيوش العربّية ‪ ,‬فمنذ خمسين سنة أي منذ‬
‫القرار الدولي أو العار الدّولي بتقسيم فلسطين وأجدادكم‬
‫م أنتم تراهنون على الجيوش العربّية‬ ‫وبعدها أباؤكم ث ّ‬
‫المهزومة ‪.‬‬
‫وعندما يستغيث أبناء الجّنة في فلسطين بالجيوش‬
‫ي‬
‫ن الشرعّية الدولّية ل تسمح بأ ّ‬ ‫العربّية يأتيهم الرد ّ بأ ّ‬
‫ن الظروف السياسية والواقع المحلي ل‬ ‫تحرك ‪ ,‬وبأ ّ‬
‫يسمح والمعادلة الدولّية ل تجيز ‪ ,‬لكن عندما تدعو‬
‫واشنطن الجيوش العربّية لتغيير واقع عربي هنا أو‬
‫ن الجواب يكون لبيك‬ ‫استباحة واقع إسلمي هناك ‪ ,‬فا ّ‬
‫وسعديك يا واشنطن فنحن طوع بنانك بالبنادق‬
‫والمعلومات ‪.‬‬
‫فرجاء ل تراهنوا على الجيوش العربّية فهي منصرفة إلى‬
‫ي العروش نفسها ‪,‬‬ ‫حماية العروش بل لقد أضحت ه ّ‬
‫وأنصرفت إلى تتريس الكروش الجسمية وكروش البنوك‬

‫‪54‬‬
‫بما سلبته من قوت المواطنين ونفط المواطنين‬
‫ومستقبل المواطنين ‪.‬‬
‫ن النظمة العربية ومعها الجيوش العربية أرادوا أن‬ ‫إ ّ‬
‫يقبروا التواصل بين الشعوب العربية والسلمّية وبين‬
‫فلسطين ويعدموا نصرة هذه الشعوب لفلسطين ‪.‬‬
‫عة بأحدث‬ ‫والعار كل العار أنّنا نملك جيوشا عربية مدر ّ‬
‫دات العسكرّية ومازلنا نحققّ التراجع تلو التراجع‬ ‫المع ّ‬
‫والنكسة تلو النكسة ‪ ,‬وقد تحوّلت الجيوش العربية إلى‬
‫مل صدور‬ ‫عبئ على أمتها وتطلعات شعوبها‪ .‬وعندما أتأ ّ‬
‫جنرالتنا في العالم العربي والسلمي أجدها معّبأة‬
‫بالنياشين والميداليات من ذهب وفضة وقدور وصحون‬
‫وغيرها من مواد خشبّية وكلها إشارات على النجازات‬
‫الكبرى و النتصارات العظمى ‪ ,‬لكن عندما أعود إلى‬
‫الواقع أجد النكسة تلو النكسة والهزيمة تلو الهزيمة ‪,‬‬
‫والنقلب تلو النقلب والعمالة تلو العمالة ‪ ,‬وقد ساهمت‬
‫العسكريتارّيا في تكبيل القدرات والطاقات للعتبارات‬
‫التالّية ‪:‬‬
‫الندماج الكامل بين النظام السياسي‬ ‫‪-‬‬
‫والمؤسسة العسكرّية ‪ ,‬حتى أصبح النظام السياسي‬
‫هو الجيش والجيش هو النظام السياسي ‪ .‬والذي‬
‫ن كل‬ ‫يعمل النظر في خلفية الرؤساء العرب يجد أ ّ‬
‫الرؤساء العرب هم في الواقع عسكريون وخرجوا‬
‫من رحم المؤسسة العسكرّية ‪ .‬وحتى الملوك‬
‫الراهنون والمخضرمون تخرجوا من أرقى‬
‫الكاديمّيات العسكرّية ويجيدون اللغة النجليزية‬
‫والفرنسية أكثر من اللغة العربية ‪.‬‬
‫سات العسكرّية عل ثلثي‬ ‫استولت المؤس ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ميزانّية الدولة وعملت المؤسسات العسكرّية على‬
‫بقّية المؤسسات ‪ ,‬وكانت استراتيجيتها تكمن في‬
‫إضعاف المؤسسات والتيارات السياسّية و قوى‬
‫المجتمع المدني لتبقى هي القوى والوحد ‪.‬‬
‫أصبح الجيش عبارة عن أقلّية هي الطغمة التي‬ ‫‪-‬‬
‫عسكرت السياسة كما القتصاد كما المشروع‬

‫‪55‬‬
‫الثقافي ‪ ,‬وأغلبية من الجنود المستضعفين الذين هم‬
‫أيضا جعلوا في خدمة الجنرالت ‪ ,‬كم هو عدد الجنود‬
‫مامات‬ ‫الذين يحرسون الجنرالت وينظّفون ح ّ‬
‫الجنرالت ويطبخون للجنرالت و يغرسون حدائق‬
‫الجنرالت ‪ ,‬ويسوقون سيارات الجنرالت‬
‫وعشيقاتهم ‪.‬‬
‫الطغمة والمة صراع الضداد ‪ ,‬وقد أدخلت‬ ‫‪-‬‬
‫الطغمة الجيش في صراعات داخلّية جانبّية ‪.‬‬
‫م الحضاري الكبير‬ ‫الجيوش العربية تركت اله ّ‬ ‫‪-‬‬
‫إلى الهم الداخلي حيث سلط الجيش على رقاب‬
‫المواطنين ‪.‬‬
‫بالضافة إلى دخول هذه الجيوش في حروب‬ ‫‪-‬‬
‫الحدود مع الجيران العرب والمسلمين ‪.‬‬
‫ل حركة التنمّية من خلل حركات النقلب‬ ‫ش ّ‬ ‫‪-‬‬
‫التي كانت مزدهرة وكل حركة انقلبية تصل إلى‬
‫السلطة تلغي ما فعلته السلطة الماضّية وهكذا‬
‫دواليك ‪.‬‬
‫إستيلء العسكر على صناعة القرار السياسي‬ ‫‪-‬‬
‫وتعيينهم للسياسيين الذين يتولون مناصب سياسّية‬
‫أو ديبلوماسّية ‪.‬‬
‫معاداة الحرّية وفرض حالة الطوارئ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسمع من بعض الجنرالت العبارة التالّية ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫من الطبيعي أن يكون المرء جّيدا سياسيا إذا كان‬
‫جيدا عسكرّيا ‪ ,‬وإذا لم يكن جيدا عسكرّيا يستحيل‬
‫أن يكون جيدا سياسّيا ‪.‬‬
‫النزعة العسكرّية أنتجت أمراض الشللّية‬ ‫‪-‬‬
‫والعشائرّية والجهوّية ‪.‬‬
‫ن هناك‬‫لو كان شارون يحتمل بنسبة ‪ 2‬بالمائة أ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫جيشا عربّيا سيتحّرك أو جيوش عربية ستتحرك‬
‫لنزل سقف إجرامه من ألف بالمائة إلى اثنين‬
‫بالمائة ‪.‬‬
‫العلقة بين الجنرالت والرشوة والفساد ‪ ,‬مثال‬ ‫‪-‬‬
‫تركيا ‪ ,‬أندونسيا و الجزائر ‪ ,‬رئيس هيئة الركان‬

‫‪56‬‬
‫اللبناني ميشال عون الذي اختفى في السفارة‬
‫الفرنسية وسلب ‪ 200‬مليون دولر من قوت‬
‫اللبنانيين من البنك المركزي ‪.‬‬
‫سماح العسكريين للسياسيين بالفساد ليسهل‬ ‫‪-‬‬
‫التأثير عليهم وترويضهم ‪.‬‬

‫ن‬
‫وما دمنا بصدد القضية الفلسطينّية تقول الرواية أ ّ‬
‫الجيوش العربية التي ساهمت ورابطت على حدود‬
‫فلسطين في الحرب العربية – السرائيلّية الولى في‬
‫حرب ‪ 48‬كانت تطلب من الفلسطينيين أن يغادروا‬
‫أرضهم إلى الشتات ‪.‬‬

‫ن الحرب العربية – السرائيلّية الولى شارك‬ ‫وللشارة فإ ّ‬


‫فيها ‪ 35‬ألف مقاتل إسرائيلي و ‪ 25‬ألف مقاتل عربي‬
‫م القيادات‬
‫كان يقاتلون بأسلحة فاسدة ‪ ,‬وكان ه ّ‬
‫العسكرّية البقاء في الحكم وجمع الموال ‪.‬‬
‫و عندما عرضت بعض الدول العربية مقترحات تسوّية‬
‫على بن غوريون قال ‪ :‬لست مستعجل من أجل التوقيع‬
‫على اتفاقّية سلم ‪ ,‬فنحن اليهود يقول بن غوريون لسنا‬
‫ضين ليّ ضغط من أي نوع كان ‪ ,‬وفي استطاعتي‬ ‫معر ّ‬
‫النتظار عشرة أعوام أخرى ‪...‬‬
‫وبعد خمسين سنة مازال الفرنجة يتدافعون إلى جغرافيتنا‬
‫والجيوش العربية في عطلة إلى إشعار آخر ‪...‬‬

‫‪57‬‬
‫س على العالم من‬‫أمريكا تتجس ّ‬
‫خلل أوروبا ‪.‬‬

‫بدأت بعض الدول في التحاد الوروبي تجهر بما أسمته بالختراق‬


‫المريكي للدول الوروبّية حيث تعمل الوليات المتحدة المريكّية ومن‬
‫خلل الراضي البريطانية التنصت على مليين المكالمات الهاتفية‬
‫والتصالت الفاكسية وحتى البريد اللكتروني للشخاص العاديين ‪ ,‬وقد‬
‫ن أمريكا وبريطانيا قد طورتا نظام –‬
‫أكّدت وثيقة للبرلمان الوروبي أ ّ‬
‫ايشلون‪ -‬والذي يتيح لمريكا امتصاص مليين التصالت وتصفيتها‬
‫وغربلتها عند الحاجة مع الحتفاظ بالمعلومات التي تهم الوليات المتحدة‬
‫المريكية ‪ .‬وبعد حملة الصحافة النمساوية على هذا الختراق جرت‬
‫تحركات في كواليس المؤسسات الوروبية في بروكسل لمعرفة كافة‬
‫التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع والذي تعتبر بريطانيا وهي عضو في‬
‫التحاد الوروبي طرفا فيه ‪ .‬وقد استطاعت وسائل العلم المريكية‬
‫ن حملة مضادة على النازيين‬ ‫التعتيم على هذه الحملة النمساوّية من خلل ش ّ‬
‫الجدد الذين وصلوا الى دوائر القرار في فيينا في وقت سابق حسب زعمها‬
‫‪.‬‬
‫ن أمريكا‬ ‫وقد أعادت الصحف الدانماركّية التذكير بأ ّ‬
‫س على كل الوروبيين ‪ ,‬وقد نشرت هذه الصحف‬ ‫تتجس ّ‬
‫الدانماركّية وثيقة البرلمان الوروبي والتي تتهم صراحة‬
‫أمريكا بالتجسس علىمكالمات الوروبيين كل الوروبيين ‪.‬‬
‫وكان البرلمان الوروبي قد وضع لجنة تسمى لجنة –‬
‫ايشلون ‪ -‬للغوص في خفايا هذا النظام وقدراته الحقيقّية‬
‫في التنصت على المكالمات الهاتفية ولو فاقت مئات‬
‫م اعادة فرز هذه المكالمات وغربلتها‬ ‫مليين المكالمات ث ّ‬
‫واستقاء المعلومات الدقيقة منها ‪ ,‬وهذا التنصت يطاول‬
‫الجميع وبدون استثناء سياسيين ومديري أجهزة أمنية‬
‫وأصحاب شركات ومصانع ‪ .‬ويعيش التحاد الوروبي حيرة‬
‫حقيقّية ازاء هذه المعضلة فهو ل يستطيع أن يجابه أمريكا‬

‫‪58‬‬
‫ن مايجري هو انتهاك صارخ‬ ‫مباشرة ‪,‬وفي نفس الوقت فا ّ‬
‫ن هذه الدول تحظر‬ ‫لقوانين دول التحاد الوروبي حيث أ ّ‬
‫التنصت على مكالمات مواطنيها ‪.‬‬
‫ور المسائل بحسب بعض المراقبين في أوروبا‬ ‫وقد تتط ّ‬
‫الى أن تحرج الدول الوروبية أمام مواطنيها وخصوصا إذا‬
‫استمرت وسائل العلم الغربية في إثارة هذا الموضوع ‪.‬‬

‫حقيقة الدّلة المريكّية ‪.‬‬

‫تستّعد الوليات المتحدة المريكية لشن حرب واسعة‬


‫على العراق وقد أصبحت هذه المسألة في حكم المؤ ّ‬
‫كد‬
‫يقول خبراء سياسيون من شمال العالم ‪ ,‬و من المتوقع‬
‫أن تبدأ واشنطن بتحريك آلياتها العسكرية في الجوار‬
‫العراقي بعد الجلسة التي دعت إليها واشنطن في مجلس‬

‫‪59‬‬
‫دم‬‫المن في الخامس من فبراير المقبل ‪ ,‬حيث سيق ّ‬
‫كولن باول وزيرة خارجية أمريكا الدلة المريكّية التي‬
‫ستدين العراق حسب زعم واشنطن ‪.‬‬
‫وقد سبقت جريدة أفتون بلدت السويدية وزير خارجية‬
‫أمريكا كولن باول في نشر بعض من الدلة التي جمعتها‬
‫وكالة المخابرات المريكية ضد العراق والتي من‬
‫المفترض أن يفصح عنها وزير خارجية أمريكا كولن باول‬
‫أمام مجلس المن في ‪ 05‬فبراير المقبل ‪ ,‬هذه الدلة‬
‫التي قيل عنها أّنها تدين العراق وتكشف عن مشاريعه‬
‫العسكرية في مجال إنتاج أسلحة الدمار الشامل ‪,‬‬
‫وحسب مصادر الجريدة السويدية فإن مجمل هذه الدّلة‬
‫عبارة عن صور إلتقطتها القمار الصناعية لمصانع عراقية‬
‫بالضافة إلى شهادات لبعض الخبراء العراقيين الذين‬
‫ن‬
‫طلبوا اللجوء السياسي في أوروبا و أمريكا ‪ ,‬ومعروف أ ّ‬
‫المخابرات المريكية أجرت إتصالت ببعض هؤلء الخبراء‬
‫في بعض العواصم الغربية ‪.‬‬
‫وفي السيّاق ذاته نشرت صحيفة أخبار الدانمارك‬
‫الدانماركية مقالة عن الدلة التي سيكشف عنها جورج‬
‫جح الكّفة لصالح‬ ‫بوش في ‪ 05‬فبراير المقبل والتي قد تر ّ‬
‫واشنطن في مشروعها القاضي بإحتلل العراق ‪ .‬و تجدر‬
‫ن الحكومة الدانماركية وبعد وصول اليمين‬ ‫الشارة إلى أ ّ‬
‫إلى دوائر القرار فيها باتت أشد ّ ميل إلى الراديكالّية‬
‫السياسية ‪ ,‬وأبدت موقفا مؤيدا لواشنطن في توجهاتها‬
‫العدوانية عكس الموقف الوروبي المعارض للحرب‬
‫والذي تمثله فرنسا وألمانيا و السويد وغيرها من الدول‬
‫الوروبية ‪.‬‬
‫ن لعب أمريكا هذه المرة‬ ‫وحسب الصحيفة الدانماركية فإ ّ‬
‫على المكشوف وفوق الطاولة مباشرة سيرفع سقف‬
‫الحرب والمحاربين ‪ ,‬وقد ل ينتهي شهر فبراير حتى تكون‬
‫العراق ثاني دولة إسلمية تحّتل عسكريا بعد أفغانسان‬
‫في مطلع اللفية الثالثة ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫إستئصالّيو الجزائر‬
‫يطالبون أمريكا‬
‫بمزيد من‬
‫الستئصال ‪.‬‬

‫ست التيارات والقوى السياسّية الستئصالّية الصعداء‬ ‫تنف ّ‬


‫في الجزائر عندما قرّرت واشنطن ضرب أفغانستان‬
‫وملحقة كل الدول العربّية والسلمّية التي تأوي إرهابيين‬
‫بتعبير الدارة المريكّية ‪ ,‬وقد قرّرت التّيارات الفرانكفونّية‬

‫‪61‬‬
‫والبربرّية واليسارّية والتي كانت منذ بداية الفتنة‬
‫الجزائرية تطالب باستئصال كافة التيارات السلمّية من‬
‫الواقع السياسي الجزائري ورميها إلى البحر دعم الحملة‬
‫المريكّية في أفغانستان وغيرها من الدول التي سيشملها‬
‫التأديب المريكي ‪ ,‬ولم تكتف بتحريض المؤسسة‬
‫العسكرّية الجزائرّية ضد ّ الحركات السلمّية الجزائرّية‬
‫ك في‬ ‫وعلى رأسها الجبهة السلمّية للنقاذ بل راحت تشك ّ‬
‫ثوابت المة الجزائرّية العروبة والسلم ‪ ,‬وأعتبرت‬
‫التغريب أحسن وسيلة لخراج الجزائر من أزماتها‬
‫ن المنتمين إلى الثالوث الفرانكفوني‬ ‫المتشعّبة ‪ ,‬علما أ ّ‬
‫والبربري واليساري كانوا في دوائر القرار منذ استقلل‬
‫الجزائر وهم الذين تسبّبوا في مجمل النكبات التي عرفتها‬
‫ومازالت تعرفها الجزائر ‪ .‬وقد وجدت القوى الستئصالّية‬
‫التي باتت تعرف هذه الّيام في الجزائر بالقوى‬
‫الديموقراطّية في الحداث الحرجة التي عصفت بأمريكا‬
‫فرصة لتقديم مطالبها إلى واشنطن عبر بعض القنوات‬
‫الديبلوماسّية المريكية وقامت هذه القوى باعداد ورقة‬
‫م تقديمها لواشنطن عبر قنوات ديبلوماسّية في‬ ‫عمل ت ّ‬
‫م هذه القوى رئيسا الوزراء السبقان في‬ ‫الجزائر ‪ ,‬ويتزع ّ‬
‫الجزائر سيد أحمد غزالي ورضا مالك ‪ ,‬وسعيد سعدي‬
‫زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطّية البربري ‪,‬‬
‫ن‬
‫وفي الوقت الذي أعتبر فيه سيد أحمد غزالي أ ّ‬
‫واشنطن وان كانت محّقة في مواجهة الرهاب إل ّ أّنها‬
‫ل سياستها وتحديدا تجاه الشرق الوسط ‪,‬‬ ‫يجب أن تعد ّ‬
‫ما رضا مالك زعيم التحالف الوطني الجمهوري فقد‬ ‫أ ّ‬
‫وة العسكرّية هو وحده النجع‬ ‫ن ضرب الرهاب بالق ّ‬ ‫أعتبر أ ّ‬
‫في إنهاء القوى الظلمّية في نظره ‪ ,‬ودعا سعيد سعدي‬
‫إلى استثمار ما جرى للقضاء على الرهاب في الجزائر‬
‫وهو يقصد بطبيعة الحال الحركات السلمّية الجزائرية‬
‫وهو ل يفرقّ في أدبياته بين تّيار إسلمي معتدل وتّيار‬
‫ن هذه التيارات التي مازالت‬ ‫إسلمي متشدد ّ ‪ .‬كما أ ّ‬
‫مصّرة على مواقفها الستئصالّية وجدت في الحداث‬
‫المريكية الحرجة والعدوان المريكي على أفغانستان‬

‫‪62‬‬
‫فرصة مناسبة للتنديد بمشروع المصالحة الوطنّية التي‬
‫مازالت ترفع لواءه القوى الوطنّية والسلمّية في الجزائر‬
‫‪ ,‬وأعتبرت أن واشنطن القوة العظمى في العالم باتت‬
‫مقتنعة بالستئصال وأّنه هو الطريق الوحيد للقضاء على‬
‫الظاهرة الصولّية ‪ .‬وتدفع هذه القوى كما دفعت من قبل‬
‫الجيش الجزائري إلى الدخول في حروب متواصلة مع‬
‫السلميين ‪ ,‬السلطة الجزائرّية للوقوف قلبا وقالبا مع‬
‫واشنطن في حربها ضد ّ أفغانستان حتى لو أدىّ ذلك إلى‬
‫المشاركة الفعلّية في الحرب ضد ّ أفغانستان ول حرج في‬
‫ذلك في نظرهم مادامت تركيا الكمالّية قد باتت جزءا من‬
‫هذه الحرب ضد ّ أفغانستان ‪ .‬والسلطة الجزائرّية التي‬
‫ي‬
‫تصيغ مواقفها حسب الخارطة السياسّية الجزائرّية فه ّ‬
‫قول ترضي السلميين بإعلنها عدم الدخول المباشر في‬
‫الحرب ‪ ,‬وفعل ترضي الستئصاليّين بفتح قنوات عملّية‬
‫وإستخباراتّية وأمنية ومعلوماتّية مع واشنطن ولندن‬
‫وباريس وحتى دولة جنوب إفريقيا التي زارها عبد العزير‬
‫بوتفليقة في فترة سابقة وافقت على توقيع معاهدة‬
‫أمنّية مع الجزائر وبموجب هذه المعاهدة ستسّلم دولة‬
‫جنوب إفريقيا بعض السلميين الجزائريين للسلطات‬
‫م حظر كل النشاطات السلمّية‬ ‫الجزائرّية ‪ ,‬وسيت ّ‬
‫الجزائرّية في جوهنسبورغ ‪ .‬وزيادة في التنسيق المني‬
‫الستئصالي أجرى الرئيس المريكي جورج بوش البن‬
‫في بداية العدوان المريكي على أفغانستان اتصال ّ هاتفّيا‬
‫مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وأكد ّ بوتفليقة‬
‫م له تعازيه‬ ‫ن الجزائر مع مسعاه قلبا وقالبا وقد ّ‬ ‫لبوش أ ّ‬
‫ن‬
‫م بأمريكا وشعبها ‪ ,‬علما أ ّ‬ ‫الحارة للمصاب الذي أل ّ‬
‫الجزائر لم تتلق أيّ مواساة ل من واشنطن ول من‬
‫باريس في المائتين ألف جزائري الذين قتلوا على امتداد‬
‫الفتنة الجزائرّية قبل عشر سنوات ‪ .‬وبالعودة إلى‬
‫التّيارات الستئصالّية في الجزائر فإّنها تعمل من خلل ما‬
‫يعرف في الجزائر بالتنسيقّية الوطنّية للديموقراطيين‬
‫الجزائريين و تسعى إلى تكريس الستئصال والتبشير به‬
‫داخلّيا وخارجّيا ‪ ,‬وراحت هذه القوى السياسّية تستقوي‬

‫‪63‬‬
‫بالسياسة المريكية الستئصالّية الجديدة وترى في‬
‫العدوان المريكي على أفغانستان انتصارا لطروحاتها‬
‫شر بها في الجزائر ‪ .‬ويأتي نشاط‬ ‫وأفكارها التي مافتئت تب ّ‬
‫الستئصاليين الجزائريين الجديد في وقت تحتاج فيه‬
‫الجزائر إلى إجراء مصالحة شاملة تقّيها من النزلقات‬
‫الخطيرة المستقبلّية ‪ ,‬ويخشى بعض المراقبين في‬
‫العاصمة الجزائرّية أن يزداد الشرخ بين الستئصاليين‬
‫والتصالحيين واحتمالت انعكاس ذلك على الوضع المني ‪,‬‬
‫ل في المدة الخيرة ارتفاع مضطّرد لعمال‬ ‫وقد سج ّ‬
‫ل‬‫العنف شمل تقريبا كل الوليات الجزائرّية ولع ّ‬
‫الرسميين في الجزائر مرتاحون هذه الّيام لبتعاد الضواء‬
‫عن ساحتهم الداخلّية وتوجهّها بالكامل إلى العدوان‬
‫المريكي على أفغانستان والغطرسات المريكّية المقبلة‬
‫والتي تهيئ لها واشنطن المبررات أيضا ‪ ,‬ويرون في ذلك‬
‫فرصة لرفع سقف المواجهة وإعادة مشروع الستئصال‬
‫ن الشيخين عباسي مدني وعلي‬ ‫إلى الواجهة ‪ ,‬خصوصا وأ ّ‬
‫بلحاج زعيمي الجبهة السلمّية لللنقاذ قد أنهيا تقريبا مدة‬
‫عقوبتهما ‪ ,‬وتتحرك دوائر إستئصالية على خلط الوراق‬
‫دا في الجزائر لئل يطلق سراحهما في الوقت المحدد ّ‬ ‫مجد ّ‬
‫!‬

‫‪64‬‬
‫أغلبّية السويديين ضدّ الحرب‬
‫المريكية في أفغانستان ‪.‬‬

‫كشفت استطلعات دقيقة قامت بها جريدة أكسبريس‬


‫ن‬
‫السويدية الذائعة النتشار والقناة الرابعة السويدية أ ّ‬
‫أغلبية السويديين كانوا يعارضون العمل العسكري‬
‫ن‬‫المريكي ضد ّ أفغانستان ‪ ,‬وقد كشف الستطلع أ ّ‬
‫الغلبية السويدية التي شاركت في الستطلع رفضت‬
‫العمل العسكري المريكي في أفغانستان ‪ ,‬وكشف‬
‫ن المرأة السويدية كانت أشد معارضة‬ ‫الستطلع أيضا أ ّ‬
‫ن‬
‫لمثل هذا العمل العسكري ‪ .‬وتجدر الشارة إلى أ ّ‬
‫السويد دولة حيّادية وهي ليست عضوا في حلف الناتو ‪,‬‬
‫ن ‪ 65‬بالمائة من‬ ‫وقد كشف الستطلع المذكور أ ّ‬
‫السويديين يعارضون انضمام السويد الى حلف الناتو الذي‬
‫باتت تسيطر عليه الوليات المتحدة المريكّية ‪ .‬وعندما‬
‫حاد الوروبي إلى ثلثة دقائق صمت في كل أوروبا‬ ‫دعا الت ّ‬
‫حداد على ضحايا البرجين المنهارين في نيورك ‪ ,‬كتب‬
‫م فيها أمريكا‬ ‫الكاتب السويدي الشهير جان غيلو مقالة اته ّ‬
‫بأّنها الكثر دموّية في تاريخ الحضارة النسانية ‪ ,‬وأعترض‬
‫ن أوروبا لم‬ ‫على الوقوف ثلثة دقائق صمت على اعتبار أ ّ‬
‫تتخذ مثل هذه الخطوة عندما كان المر يتعلق بجرائم‬
‫أمريكا في الفيتنام واليابان وغيرها من العواصم التي‬
‫جل‬ ‫أبادتها القوات المريكية في أوقات سابقة ‪ .‬ولم تس ّ‬
‫في السويد حالت الحاق الذى بالمسلمين فمازال‬
‫المسلمون يحظون في السويد بالحترام الكامل حيث‬
‫قام العديد من المسؤولين بزيارة مسجد ستوكهولم‬
‫المركزي ‪ ,‬ومنهم وزيرة الندماج منى سالين التي‬
‫ن‬‫حت عقب زيارتها لمسجد ستوكهولم المركزي أ ّ‬ ‫صر ّ‬
‫المسلمين ليسوا بحاجة إلى الخوف في السويد ‪ ,‬ومازال‬
‫المسلمون يؤدون مشاعرهم في مساجدهم بشكل‬

‫‪65‬‬
‫طبيعي ‪ ,‬وسجّلت حالت فردّية في بعض المساجد انتهت‬
‫إلى توفير الشرطة السويدية الحماية لمسجد ستوكهولم‬
‫بعد الحداث في أمريكا مباشرة ‪.‬‬
‫ن وسائل العلم السويدية ومنذ وقوع الحداث‬ ‫غير أ ّ‬
‫ص حيّزا كبيرا للسلم والمسلمين‬ ‫المريكية وهي تخص ّ‬
‫حت بن لدن تشريحا لم تحظ به أيّ شخصّية في‬ ‫وشر ّ‬
‫التاريخ المعاصر ‪.‬‬
‫و من جهة أخرى فقد تظاهر في وقت سابق مئات‬
‫السويديين في العديد من المدن السويدية ضد ّ الحملت‬
‫المريكية والبريطانّية الموجهة ضد ّ أفغانستان ‪ ,‬وقد‬
‫شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم أثناء الحملة‬
‫المريكية على أفغانستان تظاهرة شارك فيها أكثر من‬
‫خمسمائة متظاهرا سويديا وقد نددوا في تظاهرتهم‬
‫بالعدوان المريكي ضد ّ أفغانستان ‪ ,‬كما نددوا بموقف‬
‫رئيس الوزراء السويد يوران بيرشون الداعم لمريكا في‬
‫هجماتها على أفغانستان ‪ ,‬وكان رئيس الوزراء السويدي‬
‫يوران بيرشون قد أعلن في وقت سابق اقتناعه بجدوى‬
‫السياسة المريكية الجديدة المضادة لفغانستان ‪ .‬وكانت‬
‫العديد من الحزاب السويدية كحزب اليسار قد أبدت‬
‫ن‬
‫اعتراضها على الغطرسة المريكية الجديدة ‪ .‬كما أ ّ‬
‫عت مناشير‬ ‫العديد من المنظمات والجمعّيات السويدية وز ّ‬
‫على المارة والعابرين وكلها تندد ّ بالحرب المريكية ضد ّ‬
‫أفغانستان ‪ ,‬وحملت بعض هذه المناشير عبارة مبدأ العين‬
‫بالعين يجعل العالم أعمى ‪ ,‬وحملت كل المناشير الموّزعة‬
‫دة‬‫على الضربات المريكية وطالبت الوليات المتح ّ‬
‫ف عن هجوماتها ضد ّ أفغانستان ‪.‬‬‫المريكية بالك ّ‬
‫كما تجمهر في مدينة غوتنبرغ السويدية الشهيرة أزيد‬
‫من ‪ 400‬متظاهرا ينتمي الكثير منهم إلى الشبيبة الثورّية‬
‫والمجموعات المعارضة للمبريالّية وقد نددوا جميعا بما‬
‫تفعله أمريكا في أفغانستان ‪ .‬و قد تساءل المتظاهرون‬
‫في مدينة سودرمالم في ستوكهولم عن هوّية الرهابي !‬
‫ورفعوا شعارا مفاده ‪ :‬من الرهابي الن ! وذلك في‬

‫‪66‬‬
‫إشارة إلى ما تفعله الوليات المتحدة المريكية في‬
‫أفغانستان ‪.‬‬
‫وتقف الجمعيات السلمّية والعربية موقفا مضادا من‬
‫الهجمات المريكية ضد ّ أفغانستان وتطالب العديد من‬
‫هذه الجمعيات بضرورة اللجوء الى طرق أخرى لحلحلة‬
‫هذه المشاكل الطارئة بالضافة إلى عدم القفز على‬
‫ن هذه الجمعيات‬ ‫المؤسسات الدولية ‪ .‬والشكال القائم أ ّ‬
‫ل تملك وسائل إعلمّية يمكن من خللها التأثير على الرأي‬
‫العام السويدي ‪ ,‬بعكس وجهة النظر المريكية التي تجد‬
‫طريقها فورا إلى الرأي العام السويدي ‪ ,‬وتبدو وسائل‬
‫العلم المريكية ووجهات نظرها هي المسيطرة على‬
‫الساحة الوروبّية عموما ‪.‬‬

‫الذي يرفض نظام الدبابة يجب أن‬


‫يرفض نظام الشبح ‪.‬‬

‫تعيش المعارضة العراقّية في الظرف الراهن حالة من‬


‫الرتباك والتنافر في المواقف والراء بشكل لم يسبق له‬
‫مثيل في تاريخ العراق ‪ ,‬وعلى الرغم من توافق هذه‬
‫دام حسين في‬ ‫المعارضة ظاهريا ّ على إسقاط نظام ص ّ‬
‫العراق إل ّ أّنها تعيش تمزقا وتشتتا ليس في اليديولوجيا‬
‫فحسب بل في المواقف السياسية وفي الولءات‬
‫القليمية والدولّية ‪ ,‬فالشيعة منقسمون على أنفسهم‬
‫والسنة منقسمون على أنفسهم والكراد منقسمون على‬
‫أنفسهم والكل منقسم على نفسه رغم ما لحق بالشعب‬
‫العراقي من حيف وظلم وتجاوزات خطيرة ‪.‬‬
‫دة في العديد من الوطان العربية‬ ‫ي المتعد ّ‬
‫وخلل مناف ّ‬
‫والغربية تسنى لي أن أقترب من المعارضة العراقية‬
‫ن هناك أقطابا للمعارضة‬‫وبعض أقطابها ‪ ,‬فوجدت أ ّ‬

‫‪67‬‬
‫العراقية أثروا إثراءا فاحشا من أموال الخمس والزكوات‬
‫وبعض الجهات العربية أو الخليجية على وجه التحديد‬
‫وأشتروا بيوتا فارهة في شوارع المزة والرملة البيضاء‬
‫ل قطاع واسع‬ ‫ولندن وغيرها من الشوارع النيقة ‪ ,‬فيما ظ ّ‬
‫من الشعب العراقي يدق أبواب العلماء والشخصيات‬
‫المعارضة هذا يريد كيلو أرز وذاك يريد أن يتزوج وآخر‬
‫يريد مساعدة عاجلة وكثيرا ما تغلق البواب في وجوه‬
‫دة يرتفع وسط‬ ‫هؤلء المحتاجين وهذا ما جعل سقف الر ّ‬
‫المهاجرين والمهجّرين العراقيين في القارات الخمس ‪.‬‬
‫مون للكاميرات‬ ‫و المعارضون العراقيون الذين يتبس ّ‬
‫ينطبق عليهم قوله تعالى ‪ :‬تراهم جميعا وقلوبهم شتى ‪.‬‬
‫فالمعارضة الشيعية فيها عشرات الحزاب من حزب‬
‫الدعوة وإلى منظمة العمل السلمي ‪ ,‬إلى جند المام‬
‫والمجلس العلى للثورة السلمية في العراق إلى حركة‬
‫المجاهدين وغير ذلك من التيارات التي تستند كل واحدة‬
‫ل من المرجع‬ ‫إلى مرجع فقهي معّين و كل حركة تقل ّ‬
‫ن كل حركة‬ ‫الفقهي للحركة الخرى وهكذا دواليك ‪ ,‬بل إ ّ‬
‫تسعى لستضعاف الحركة الخرى تماما كما فعله محمد‬
‫ن حزب‬ ‫باقر الحكيم بحزب الدعوة في إيران رغم أ ّ‬
‫دة ما‬‫الدعوة هو الذي إستقدمه من سوريا وأوصله إلى س ّ‬
‫هو فيه الن ‪ ,‬وقد دفع حزب الدعوة الكثير بسبب عدم‬
‫إيمانه بولية الفقيه المطلقة المعمول بها في إيران ‪.‬‬
‫والمعارضة الكردّية ل يجمع بينها جامع على الطلق فبين‬
‫الطالباني والبرزاني تاريخ من التصدعات والتشققات وقد‬
‫تزيد المستجدات الراهنة والمقبلة في توسيع الفجوة بين‬
‫هذين الشخصين الطامحين إلى حكم كردستان العراق ‪,‬‬
‫وقد أّدى دخول المعارضة السلمية الكردية على الخ ّ‬
‫ط‬
‫والتي ساهمت إيران في تأسيسها إلى خلط الورواق في‬
‫المنطقة الكردّية ‪ .‬أما المعارضة السنية ورغم محاولت‬
‫الشيعة والكراد في السيطرة على رسم توجهات العراق‬
‫المستقبلية مازالت موزعة هي الخرى بين التيار الخواني‬
‫والسلفي والتنويري ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فهذه القوى السياسّية رغم توافقها على إسقاط نظام‬
‫دام حسين إل ّ أّنها غير متوافقة البتة على ما يجب أن‬ ‫ص ّ‬
‫ن هذه المعارضة شاءت أم‬ ‫يكون عليه مستقبل العراق ل ّ‬
‫كلت واشنطن في صناعة مستقبل العراق وهي‬ ‫أبت قد و ّ‬
‫س لمعادلة خطيرة في المنطقة العربية والسلمية‬ ‫ستؤس ّ‬
‫ن هذه‬ ‫ن التغيير يجب أن يأتي من أمريكا ‪ ,‬بل إ ّ‬ ‫مفادها أ ّ‬
‫المعارضة بما تتلقاه من أموال جبارة بالدولر المريكي‬
‫تعتبر سباقة إلى توكيل أمريكا في رسم مستقبل العراق ‪.‬‬
‫ففي أفغانستان ل أحد كلف أمريكا بإقامة نظام متأمرك‬
‫ن الدارة المريكية هي التي قررت‬ ‫في أفغانستان ‪ ,‬بل إ ّ‬
‫ذلك عقب أحداث الحادي عشر من أيلول ‪. 2001‬‬
‫م إل ّ‬‫ن المعارضة العراقية الله ّ‬ ‫و في الحالة العراقّية فإ ّ‬
‫القليل منها هي التي وكّلت واشنطن برسم مستقبل‬
‫جه بعض السئلة إلى بعض‬ ‫العراق ‪ ,‬وهنا بودي أن أو ّ‬
‫أقطاب المعارضة العراقية بمختلف ألوان طيفها‬
‫السياسي ‪ .‬وأبدأ بمحمد باقر الحكيم الذي قال في جلسة‬
‫خاصة قبل سنوات أّنه من واجبه الشرعي أن يحكم‬
‫العراق ‪.‬‬
‫كيف يتعامل محمد باقر الحكيم مع قوله تعالى ‪ :‬ول‬
‫كم النار‪ .‬وماذا يقول في‬ ‫تركنوا إلى الذين ظلموا فتمس ّ‬
‫ن الغرب‬‫قول المام الخميني الذي عندما قيل له أ ّ‬
‫والشرق غاضبان علينا أجاب بقوله الحمد لّله نحن إذن‬
‫على حق مصداقا لقوله تعالى ‪ :‬لن ترضى عنك اليهود ول‬
‫النصارى حتى تتبع ملتهم ‪.‬‬
‫وماذا يفعل الحكيم في فتاوى كبار علماء الشيعة‬
‫المتقدمين والمتأخرين الذين مازالوا يعتبرون أمريكا‬
‫شيطانا أكبر ويحرمون التعامل معها ‪ .‬ألم يقرأ باقر‬
‫ن رجل قال لجعفر‬ ‫الحكيم المجتهد ما أورده الكليني من أ ّ‬
‫جر‪-‬‬ ‫الصادق عليه السلم ‪ :‬يا إبن رسول إنني أكري – أؤ ّ‬
‫جمالي لحد الظلمة فما حكمي ‪ .‬فأجابه جعفر الصادق‬
‫أنت الظالم نفسه ‪ ,‬فماذا يقول الحكيم في هذا وهو الذي‬
‫أرسل عبد العزيز الحكيم إلى البيت البيض الذي فيه‬
‫تصاغ كل سياسات إذلل العالم العربي والسلمي ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫س‬
‫خر لواء بدر الذي تأس ّ‬ ‫ن باقر الحكيم يريد أن يس ّ‬‫إ ّ‬
‫لنصرة صاحب الزمان لخدمة سالبة الزمان والمكان‬
‫ن أمريكا هي التي دعمت‬ ‫أمريكا‪ .‬وهل تناسى الكراد أ ّ‬
‫كافة الدول التي قهرتهم وأّذلتهم وحرمتهم من مشروع‬
‫الدولة الكردّية ‪ ,‬وهل مازال الكراد يتذكرون عندما وقعت‬
‫ن واشنطن رفضت إتهام العراق‬ ‫مجازر حلبجة كيف أ ّ‬
‫بإقتراف هذه المجازر وإتهمت إيران بالقّيام بهذه المجازر‬
‫‪ ,‬أليس رفيق درب البارزاني والطالباني عبد الله أوجلن‬
‫إصطادته المخابرات المريكية والصهيونية من إفريقيا‬
‫وجرى تسليمه للسلطات التركّية ‪.‬‬
‫ن واشنطن ل يهمها شيعي أو سني أو كردي يهمها فقط‬ ‫إ ّ‬
‫مصالحها ومصالحها فحسب ‪ .‬أين أصبح أقطاب جيش‬
‫الشمال الذين حرروا ّ كابول من حكم الطالبان ألم‬
‫تخرجهم واشنطن من الملعب السياسي الفغاني و عينت‬
‫على مراكز القرار شخصيات ل يعرفها الشعب الفغاني‬
‫على الطلق ‪.‬‬
‫م خدمات جليلة للمريكان في مجال‬ ‫أليس السودان قد ّ‬
‫الملفات المنية وغيرها وكافأتها واشنطن بالعمل على‬
‫تقسيمها والمساعدة على ذلك ‪ ,‬أليس مصر لعبت أكبر‬
‫الدوار في خدمة المشروع المريكي في العالم العربي‬
‫وهاهي واشنطن تسحب المساعدة تلو المساعدة عن‬
‫م على عين‬ ‫مصر تمهيدا لتغيير مرتقب في أرض الكنانة يت ّ‬
‫واشنطن ‪.‬‬
‫ن المعارضة العراقية التي رفضت في الماضي حكما‬ ‫إ ّ‬
‫تسلطّيا تفرضه الدبابة والثكنات العسكرّية عليها أن‬
‫ترفض حكما مستعربا أمريكيا يأتي على متن طائرة‬
‫الشبح المريكية ‪.‬‬
‫ن أقطاب المعارضة العراقّية الذين وبدون حياء‬ ‫مإ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫يتبجحون بوجود موفدين أمريكيين رسميين بين ظهرانيهم‬
‫أل يستحون من أبناء جلدتهم ‪ ,‬أل يستحون من الجيال‬
‫ن هؤلء إستقدموا هولكو إلى بغداد‬ ‫القادمة عندما يقال أ ّ‬
‫وأعطوه شرعية البقاء في أرض الرافدين‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ن السلمي العراقي الذي يسعى للتمكين لمريكا في‬ ‫إ ّ‬
‫العراق إنما خان إسلمه ‪ ,‬والقومي الذي ينسق مع أمريكا‬
‫إّنما خان قوميته والوطني العراقي الذي يتلقى رواتب‬
‫ما لم يخن الوطن‬ ‫طازجة من المخابرات المريكية إن ّ‬
‫سات ‪.‬‬‫فحسب بل خان كل المقد ّ‬
‫ن المعارضة التي تجتمع في فندق تدفع فاتورته السفارة‬ ‫إ ّ‬
‫المريكية في لندن وغيرها ل تعتبر معارضة بل هي أشبه‬
‫باليتام في مأدبة اللئام ‪.‬‬
‫ن إسقاط الطغاة مهمة جماهيرية تضطلع بها الجماهير ‪,‬‬ ‫إ ّ‬
‫ن أركان المعارضة العراقية إتقوا الله وطلقوا‬ ‫ووالله لو أ ّ‬
‫الدنيا وجاهدوا كما جاهد محمد باقر الصدر وإسترسلوا‬
‫ن كثيرا من‬‫في جهادهم لمكنهم أن يفعلوا الكثير ‪ ,‬لك ّ‬
‫أقطاب هذه المعارضة تلعبت بخمس صاحب الزمان‬
‫ووزعته على البناء والحواشي والغواشي ‪ ,‬وأثّقالت إلى‬
‫مة الجهاد لمريكا ‪,‬‬ ‫الرض وقعدت عن الجهاد وأسندت مه ّ‬
‫والجدى أن يكملوا خطوات الستسلم ويهدوا بوش‬
‫العمائم السوداء و يصمموا له نسبا شريفا ويجلعونه من‬
‫ما أن نعتبر أمريكا تستهدف واقعنا العربي‬ ‫الشراف ‪ .‬أ ّ‬
‫والسلمي وننسقّ معها فذاك حقا فقه القرامطة وليس‬
‫ف‪.‬‬‫فقه الحسين بن علي صاحب معركة الط ّ‬

‫‪71‬‬
‫أوروبا الباحثة عن دور في العصر‬
‫المريكي ‪.‬‬

‫سر أحد الغربيين المتابعين لتطورات المسار السياسي‬ ‫يف ّ‬


‫جاه إنجاح‬‫والقتصادي في أوروبا تسارع الوروبيين بإت ّ‬
‫وحدتهم وتقوّية إقتصادهم بأّنه بدون ذلك ستتلشى أوروبا‬
‫سياسّيا وإقتصادّيا تماما كما تلشت العديد من الدول‬
‫والتكتلت التي غرقت في أتون المشاكل السياسّية‬
‫ن العصر‬ ‫والقتصادّية المتفاقمة ‪ .‬ويرى هذا الخبير أ ّ‬
‫المريكي الراهن ل يعترف ل بالصغار ول بالمراهقين‬
‫ن‬‫السياسيين ويجب أن تكون الدول في خانة الكبار لتتمك ّ‬
‫من مقاومة خطر التلشي والنفلت الذي سيكّرس‬
‫التبعية المطلقة للغول المريكي ‪.‬‬
‫ن المشاكل الجتماعية والقتصادية الكبيرة من قبيل‬ ‫كما أ ّ‬
‫حة‬‫دي القتصادي والحفاظ على البيئة و ص ّ‬ ‫البطالة والتر ّ‬
‫النسان أمور يضطلع بها المجموع ‪ ,‬وكلما كانت الدول‬
‫المشاركة في تطويق هذه الزمات كثيرة كلما أمكن إنهاء‬
‫هذه الزمات وفي ظرف زمني وجيز ‪ .‬وإنطلقا من هذه‬
‫المرتكزات تحركت السياسة الوروبّية والرجح أنها‬
‫جاه نفسه في العشر سنوات المقبلة ‪.‬‬ ‫ستكمل في الت ّ‬
‫وقد كان التركيز الوروبي في السنوات الخيرة على‬
‫مجموعة أمور هي ‪:‬‬
‫رسم سياسة داخلّية أوروبية مشتركة ‪ ,‬ورسم سياسة‬
‫إقتصادية مشتركة ‪ ,‬بالضافة إلى ضرورة التعاطي مع‬
‫سر‬ ‫القضايا الدولّية المشتركة بشكل جماعي وهذا ما يف ّ‬
‫بداية تحّرك التحاد الوروبي ككتلة واحدة في الشرق‬
‫الوسط وفي الزمات الدوّلية الخرى وفي المحافل‬
‫الدولّية ‪.‬‬
‫دة‬ ‫وعلى صعيد رسم السياسة الوروبية الداخلية الموح ّ‬
‫فقد تكثّفت لقاءات المندوبين الوروبيين بشكل مكّثف‬

‫‪72‬‬
‫في بروكسل وفي غيرها من العواصم الوروبية ‪ ,‬وكثيرا‬
‫ما كان يجتمع وزراء الزراعة الوروبيون لينسّقوا في‬
‫دة في هذا المجال‬ ‫مموا قوانين موح ّ‬ ‫الملف الزراعي و يص ّ‬
‫‪ ,‬وكثيرا ما كان يجتمع وزراء التعليم ليرسموا طرائق‬
‫للتعليم متقاربة ‪ ,‬وقد قطع الوروبيون في سبيل وحدتهم‬
‫في التفاصيل أشواطا كبيرة ‪ ,‬وكان القادة الوروبيون في‬
‫حاد الوروبي يوقّعون على كل هذه التفاصيل ‪.‬‬ ‫قمم الت ّ‬
‫ن الوروبيين إتفّقوا حتى على نوعية إشارات‬ ‫والعجيب أ ّ‬
‫المرور وكيفياتها و طرائق تصميم الراجيح التي يستخدمها‬
‫ن التوافق بين‬ ‫الطفال في مدارسهم ‪ .‬ويمكن القول أ ّ‬
‫الدول الوروبية في السياسات الداخلية بات كامل في‬
‫ى بالرهاب والحد ّ من الهجرة غير‬ ‫مجال مكافحة ما يسم ّ‬
‫الشرعية وغير ذلك من المواضيع ‪ ,‬وقد أصبح المسافر‬
‫من النرويج إلى فرنسا بّرا ل يصادف البتة رجال المن ول‬
‫ن أصبح‬ ‫داعي أن يبرز أوراقه الثبوتية ‪ ,‬وخصوصا بعد أ ّ‬
‫دا ويمكن معرفة تفاصيل شخص ما‬ ‫الحاسوب المني موح ّ‬
‫سافر من الدانمارك إلى فرنسا عبر إدراج إسمه في‬
‫الحاسوب المني الفرنسي ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد القتصادي تمكّنت أوروبا من توحيد عملتها‬
‫ورفعت القيود عن الصادرات والواردات من وإلى أوروبا ‪,‬‬
‫فالبضاعة التي تصل من فرنسا إلى السويد تكون معفاة‬
‫من الضرائب ‪ ,‬و مادامت البضائع من الدول الوروبية‬
‫فهي معفاة من الضرائب ‪ ,‬وبهذا الشكل إتسعت السوق‬
‫الوروبية وبات بالمكان أن يسوقّ الوروبي بضائعه في‬
‫عشرات الدول الوروبية دون أن يوقفه أحد ‪ .‬وبفضل‬
‫الخطة القتصادية التي وضعها الوروبيون أصبحت عملتهم‬
‫ن الخ ّ‬
‫طة‬ ‫دة تنافس العملة المريكية ‪ ,‬كما أ ّ‬ ‫الموح ّ‬
‫دة كسرت الحتكار المريكي‬ ‫القتصادية الوروبية الموح ّ‬
‫للسواق الوروبية وهو ما بدأ يوّلد بدايات عدم رضا‬
‫حاد الوروبي وخصوصا إذا كبر‬ ‫أمريكي من مشروع الت ّ‬
‫ما ينبغي ‪.‬‬ ‫أكثر م ّ‬
‫حاد الوروبي قد إجتمعوا في العاصمة‬ ‫وكان قادة الت ّ‬
‫الدانماركّية كوبنهاغن بين ‪ 13 – 12‬ديسمبر ‪2002‬‬

‫‪73‬‬
‫للبحث في العديد من القضايا المتعلقة بسياسة التحاد‬
‫م عشر دول أوروبّية إلى التحاد‬ ‫الوروبي ومشاريع ض ّ‬
‫الوروبي بالضافة إلى بحث مجموعة قضايا تتعّلق‬
‫بإنضمام تركيا إلى التحاد الوروبي والوضاع في الشرق‬
‫الوسط ‪.‬‬
‫ن الدانمارك التي تترأس الن التحاد الوروبي‬ ‫وللشارة فإ ّ‬
‫سبق لها وطرحت مجموعة مبادرات سياسّية لتقريب‬
‫وجهات النظر بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينّية‬
‫‪.‬‬
‫حاد الوروبي هي‬ ‫مت إلى الت ّ‬ ‫والدول الوروبّية التي إنض ّ‬
‫مالطا وإستونيا ولتفّيا وليتوانيا وسلوفينيا والمجر‬
‫م قبرص بعد إزالة‬ ‫وسلوفيكيا والتشيك وبولوندا مع ض ّ‬
‫بعض الشكالت العالقة في الملف القبرصي ‪ .‬وبذلك‬
‫سيصبح عدد دول التحاد الوروبي ‪ 25‬دولة بإضافة الدول‬
‫العشر المذكورة ‪.‬‬
‫ت في‬ ‫وقد قرّر قادة التحاد الوروبي بالجماع عدم الب ّ‬
‫عضوية تركيا في التحاد الوروبي لعدم أهلية تركيا‬
‫سياسّيا وإقتصادّيا ‪ ,‬و قد طالب قادة التحاد الوروبي‬
‫تركيا بإعداد نفسها ‪ ,‬وفي سنة ‪ 2005‬سيجري التفاوض‬
‫معها بشأن إنضمامها إلى التحاد الوروبي ‪ ,‬وينتظر قادة‬
‫التحاد الوروبي الحصول على تقرير كامل عن الوضع‬
‫التركي السياسي والقتصادي في نهاية سنة ‪. 2004‬‬
‫وغير توسيع التحاد الوروبي ناقش القادة الوروبيون‬
‫موضوع الهجرة إلى التحاد الوروبي وسبل الحد من‬
‫الهجرة وذلك عبر المساهمة في تنمية الدول الفقيرة ‪,‬‬
‫ن الدانمارك وبعد نجاح‬ ‫وفي هذا السّياق يشار إلى أ ّ‬
‫اليمين في النتخابات التشريعية الخيرة إتخذت إجراءات‬
‫شديدة ضد ّ طالبي اللجوء وهو المر الذي جعل دولة‬
‫كالسويد تشكل على سياستها الجديدة تجاه المهاجرين‬
‫وطالبي اللجوء ‪.‬‬
‫و قد ناقش قادة التحاد الوروبي الوضاع في الشرق‬
‫الوسط في شّقه الفلسطيني دون التطرق إلى موضوع‬
‫حاد‬‫العراق حيث أصبحت هناك قناعة لدى عواصم الت ّ‬

‫‪74‬‬
‫ن الغارة المريكية على العراق قائمة ل‬ ‫الوروبي من أ ّ‬
‫محالة ‪ ,‬والعتراض على أمريكا في هذا الموضوع قد‬
‫ن ل تعّبر عنه توجهات‬ ‫تبديه شخصيات أوروبية رسمية لك ّ‬
‫الحكومات الرسمية الموّزعة بين القبول المطلق أو‬
‫الصمت المطبق ‪.‬‬
‫دة قد إستطاعت من ترتيب‬ ‫وإذا كانت أوروبا الموح ّ‬
‫أوراقها الداخلية السياسية والقتصادّية فقد أصبحت‬
‫تتعاطى مع القضايا الساخنة في العالم العربي‬
‫والسلمي والثالث بشكل جماعي وأصبحت لوروبا وجهة‬
‫نظر واحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ‪ ,‬أو القضايا‬
‫الفريقية ‪ ,‬وسبب ذلك يعود إلى تكثيف التنسيق بين‬
‫الدول الوروبية حيث لكل دولة أوروبية ممثل عنها سواء‬
‫في البرلمان الوروبي الموحد ّ في لوكسمبورغ أو في‬
‫اللجان العاملة فيما يعرف بالحكومة الوروبّية في‬
‫وه‬
‫بروكسل ‪ .‬وما يتّفق عليه المندوبون الوروبيون يصل لت ّ‬
‫إلى عواصم القرار في الدول الغربية والتي تتحّرك في‬
‫ضوء ما قرّره المندوبون الوروبيون في بروكسل أو في‬
‫العواصم الغربية التي تشهد على الدوام لقاءات‬
‫حاد الوروبي ‪.‬‬‫ومؤتمرات لستراتيجيي الت ّ‬
‫ن هناك دول أوروبية ل تسعى للتغريد خارج‬ ‫وهذا ل يعني أ ّ‬
‫السرب الوروبي ‪ ,‬فبريطانيا وبسبب إدماج سياستها‬
‫الخارجية بالسياسة المريكية تسعى على الدوام ليكون‬
‫الموقف الوروبي في وجهة الهوى المريكي ‪ ,‬ولكّنها لم‬
‫تنجح بسبب الجدار الفرنسي حينا ‪ ,‬والجدار اللماني أو‬
‫ن بريطانيا‬‫جدارات دول أوروبا الشمالّية ‪ .‬مع العلم أ ّ‬
‫دة اليورو‬ ‫مازالت إلى يومنا هذا ترفض فكرة العملة الموح ّ‬
‫ومازالت محتفظة بالجنيه السترليني ‪.‬‬
‫دة قد حقّقت لحد ّ الن الكثير من‬ ‫وإذا كانت أوروبا الموح ّ‬
‫ن هناك العديد من التحدّيات‬ ‫الشياء والنجازات فإ ّ‬
‫الداخلية والخارجّية التي قد تعيق وصول المشروع‬
‫الوروبي إلى أهدافه النهائّية ‪ .‬فإنضمام الدول الوروبية‬
‫الفقيرة التي كانت محسوبة على المحور اليساري سابقا‬
‫سيرخي بظلله على أوروبا الموحدة وسيجعل أوروبا‬

‫‪75‬‬
‫منقسمة إلى قسمين أوروبا غنّية ومصنّعة وأوروبا فقيرة‬
‫ومستهلكة ‪ ,‬وقد أصبحت أوروبا الغنّية والمصنّعة تشكو‬
‫من تبعات إنضمام أوروبا الفقيرة إليها فقد بدأت جيوش‬
‫المتاجرين بالمخدرات يأتون إلى الخارطة الوروبية الغنية‬
‫بسمومهم البيضاء ‪ ,‬ورقيقهم البيض وهو ما بدأ ينتج‬
‫مشاكل إجتماعّية إضافية في الخارطة الوروبية الغنية‬
‫ن النهوض بأوروبا‬ ‫لتضاف إلى المشاكل القديمة ‪ .‬كما أ ّ‬
‫الفقيرة يتطلب رساميل كبيرة للغاية قد ل تستطيع أوروبا‬
‫سط ‪ .‬ويضاف‬ ‫الغنية توفيرها على المدى القريب والمتو ّ‬
‫ن أوروبا الغنية التي كانت تشكو من هجرة‬ ‫إلى ذلك فإ ّ‬
‫دي‬‫غير محدودة من العالم الثالث إليها باتت تواجه تح ّ‬
‫ن قوانين التحاد‬ ‫هجرة الوروبيين الفقراء إليها بإعتبار أ ّ‬
‫الوروبي تجيز لي أوروبي أن يقيم في أي دولة أوروبية‬
‫عضو في التحاد الوروبي دون الحاجة إلى القامة ‪.‬‬
‫دة هو أمريكا‬ ‫حدي الخارجي الذي تواجهه أوروبا الموح ّ‬ ‫والت ّ‬
‫نفسها التي أشرفت على بعث الحياة في أوروبا عقب‬
‫الحرب الكونية الثانّية ‪ ,‬والتي كانت تريد بناء أوروبا موالّية‬
‫ل بسياستها وإقتصادها‬ ‫لها ‪ ,‬وإذا فكّرت أوروبا أن تستق ّ‬
‫شر على قرب الطلق البائن بين أمريكا‬ ‫فقد يكون ذلك مؤ ّ‬
‫وأوروبا كما توقّعت دراسة أمريكية خاصة ‪ ,‬ومعنى ذلك‬
‫ن واشنطن بعد أن تنتهي من صدامها مع العالم‬ ‫أ ّ‬
‫السلمي قد تدخل في صدام أخر مع مجموعات دولية‬
‫أخرى مادام الصدام هو مرتكز أساس للسياسة المريكّية‬
‫‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫حدوا وتفرقنا !‬
‫لماذا تو ّ‬

‫سيتناول برنامج التجاه المعاكس لمقدمه الزميل الرائع‬


‫فيصل القاسم في حلقته المقبلة محورا من أهم المحاور‬
‫وسؤال من أهم السئلة التي لزمت خطابنا الفكري‬
‫والثقافي بشقّيه القومي والسلمي والمحور هو لماذا‬
‫توحد ّ التحاد الوروبي وتفرقّنا ‪ ,‬ومنذ بداية القرن التاسع‬
‫عشر والمستنيرون في هذه المة يطرحون السؤال تلو‬
‫م غيرهم ! لماذا‬
‫السؤال ‪ ,‬لماذا تأخّر المسلمون وتقد ّ‬
‫نهضوا وقعدنا ! لماذا صعدوا إلى القمر وبقينا في الرض‬
‫ي بعضنا بعضا ! لماذا يصنعون الدور‬ ‫نتحارب فيها ويصف ّ‬
‫ونحن نفلسفه !‬
‫آلف الكتب والمقالت والدراسات والطروحات التي‬
‫كتبت منذ بداية القرن التاسع عشر ‪ ,‬والسؤال باق على‬
‫م اللفّية الثالثة ‪.‬‬
‫حاله ونحن في خض ّ‬
‫وإعادة طرح السؤال دليل على أنّنا لم نخطو قيد أنملة‬
‫جاه النهضة الحقيقّية ‪ ,‬مادامت الحصاءات الخيرة في‬ ‫بإت ّ‬

‫‪77‬‬
‫جل تراجعا خطيرا في المشاريع التربوية‬ ‫العالم العربي تس ّ‬
‫والزراعّية والقتصادية والتنموية ‪ ,‬والشيئ الوحيد الذي‬
‫إضطّرد بقوة وتضخم بشكل ملفت للنظر هو الدين العام‬
‫المترتب على عالمنا العربي والسلمي لصناديق النقد‬
‫الدولي المتفرعة عن الدارة المريكية بإمتياز ‪ .‬ومع عجز‬
‫نظمنا العربية عن تسديد الديون العامة المتنامية قد تلجأ‬
‫إلى بيع الوطان ‪ ,‬وعندها يصبح الوطن مقابل الدين ‪,‬‬
‫تماما كالمعادلة المريكية الراهنة الدم مقابل النفط ‪.‬‬
‫ط طنجة‬ ‫ومن الصعوبة بمكان حصر عوامل نكستنا في خ ّ‬
‫ط موسكو –‬ ‫– جاكرتا وعوامل نهضتهم ووحدتهم في خ ّ‬
‫ط الذي باتت تمسك به الوليات المتحدة‬ ‫واشنطن هذا الخ ّ‬
‫المريكية بذكاء شديد ‪.‬‬
‫من أسباب تفرقنا ونكستنا نظمنا التي لم تكن على‬
‫مستوى تطلعات الشعوب ‪ ,‬نظمنا التي يشرف عليها‬
‫الجهلء الذين خرجوا من رحم العسكريتارّيا ‪ ,‬وترعرعوا‬
‫ن دولنا‬ ‫على فقه الصفعة بدل فقه المنفعة ‪ .‬تفرقنا ل ّ‬
‫تحولت إلى شركات يشرف عليها الرئيس وزوجته وبنوه‬
‫ماته وعشيرته ‪ ,‬وهؤلء إذا‬ ‫وأقرباؤه وأبناء خالته وع ّ‬
‫رسموا الستراتيجيا إذا كانوا يعرفون معنى الستراتيجيا‬
‫فلنفع القلّية المتسلطة ل الغلبّية المستضعفة ‪ ,‬وإذا‬
‫خططوا فلكي يزدادوا ثراءا على حساب شعوبهم ‪ .‬تفرقنا‬
‫ن النهج السياسي المتّبع ل هو من وحي السماء ول هو‬ ‫ل ّ‬
‫من وحي الرض ول من وحي بينهما ‪ ,‬هو أحيانا ‪-‬‬
‫إشترورأسمال ‪ -‬أي إشتراكية الشعوب ورأسمالية‬
‫كام ‪ ,‬وهو أحيانا – ديكتاتوراطية‪ -‬أي المزج بين‬ ‫الح ّ‬
‫الديموقراطّية والديكتاتورّية ‪.‬‬
‫ن الذي حكمنا منذ عشرين سنة مازال يحكمنا‬ ‫تفرقنا ل ّ‬
‫برؤاه التقليدية القديمة البعيدة كل البعد عن الواقع ‪ ,‬وهذا‬
‫الذي يحكمنا إختزل العبقرية فيه ‪ ,‬والعبقرية فيه‬
‫والمعجزات فيه ‪ ,‬وقال نفس ما قاله فرعون لشعب مصر‬
‫ذات يوم كما ورد في القرآن الكريم ‪ :‬ل أريكم إل ّ ما‬
‫أرى ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ن نظمنا مريضة ‪ ,‬وإذا كان الرأس مريضا‬ ‫تفرقّنا ل ّ‬
‫متسرطنا فماذا عساه يكون التخطيط الصادر عنه ‪.‬‬
‫ن الرادات الدولّية التي أوصلت حكامنا إلى دوائر‬ ‫تفرقنا ل ّ‬
‫ضت هذا الحاكم ضد ّ الحاكم الخر ‪ ,‬ومن يملك‬ ‫القرار حر ّ‬
‫معلومات وجيزة عما يدور بين هذا المسؤول المريكي‬
‫ن هناك‬ ‫وهذا الحاكم العربي أو ذاك يدرك إدراكا يقينّيا أ ّ‬
‫ن ما تلفظه واشنطن‬ ‫من يحرض بإتجاه الفرقة ‪ ,‬وبما أ ّ‬
‫أمر شرعي بالنسبة لحكامّنا فالفرقة هي سيدة الموقف ‪.‬‬
‫ن شعوبنا مغيبة عن صناعة القرار ‪ ,‬فهي شعوب‬ ‫تفرقنا ل ّ‬
‫ل تملك أن تقرر في أي صغيرة وكبيرة ‪ ,‬فحتى لو حرصت‬
‫وزارات القتصاد العربية أن تطعم الشعوب العربية لحوم‬
‫الحمير على أّنها لحوم الضأن لقالت شعوبنا لّله ما أحلها‬
‫لحوم الضأن ‪.‬‬
‫تفرقّنا لّننا سحبنا الماضي على الحاضر ‪ ,‬وأستصحبنا‬
‫بتعبير علماء الفقه والصول الموروث الماضوي على‬
‫الحاضر ‪ ,‬فكرسّنا المذهبيات والطائفّيات والجهويات ‪,‬‬
‫فبدل أن يكون لنا خطاب واحد بات لدينا خطابات ‪ ,‬وبدل‬
‫أن يكون لدينا إسلم واحد بات لدينا إسلمات ‪ ,‬وبدل أن‬
‫يكون لدينا رؤية واحدة باتت لدينا رؤى متعددة ‪ ,‬فكيف‬
‫بعدها نتحد ونتوافق على منهج وحدوي واحد !‬
‫أما لماذا تقدموا فذلك فصل أخر وبحث مغاير ‪ ,‬تقدموا‬
‫لّنها تعلموا من ماضيهم ‪ ,‬أخذوا من ماضيهم المحاسن‬
‫وتركوا المساوئ ‪ ,‬ونحن أخذنا من ماضينا المساوئ‬
‫وتركنا المحاسن ‪.‬‬
‫قدسوا النسان والحيوان على السواء وأوجدوا خططا‬
‫منسجمة مع قدسّية هذا النسان ‪ ,‬ونحن قزمّنا إنساننا‬
‫وتعاملنا معه على خلفية أّنه حشرة ‪ ,‬على طريقة الفكر‬
‫الصهيوني الذي يعتبر النسان غير اليهودي من الحوييم أي‬
‫غير ذي روح يجوز قتله تماما شأنه شأن الحشرة‪.‬‬
‫آه يا فيصل إّنك تثير اللواعج دوما ولذلك سأتوّقف !‬

‫‪79‬‬
‫هكذا بدأت الحرب العالمّية ضدّ‬
‫السلم والمسلمين ‍ ‍‪.‬‬

‫ما إن وقعت الحداث الدامّية في الوليات المتحدة‬


‫المريكّية حتى سارعت وسائل العلم الغربّية المرئية‬
‫والمسموعة والمكتوبة إلى تخصيص حّيز كبير من‬
‫اهتماماتها للسلم والجماعات السلمّية وأسامة بن لدن‬
‫على وجه التحديد ‪ ,‬فالقنوات السويدية بادرت إلى بث‬
‫العديد من البرامج عن السلم والحركات السلمّية في‬
‫صت قناة سويدية بن‬ ‫العالم العربي والسلمي ‪ ,‬كما خ ّ‬

‫‪80‬‬
‫صة كاملة ‪ .‬وقد سارعت‬ ‫لدن زعيم تنظيم القاعدة بح ّ‬
‫وسائل العلم في دول الشمال – السويد ‪ ,‬الدانمارك ‪,‬‬
‫فنلندا ‪ ,‬النرويج ‪ ,‬إيسلندا ‪ -‬إلى كتابة عشرات المقالت‬
‫عن السلم والعالم السلمي وشارك في هذه الحملت‬
‫العلمّية عشرات الخبراء الغربيين بالعالم السلمي‬
‫ومناطق جغرافية في العالم العربي والسلمي وتحديدا‬
‫عاء‬ ‫منطقة أفغانستان ‪ ,‬وقد ذهبت فتاة سويدية إلى الد ّ‬
‫بأّنها كانت على علقة معاشرة مع أخ بن لدن المدعو‬
‫ما صرحت لجريدة أفتون بلدت‬ ‫سهلي بن لدن ك ّ‬
‫ن البرامج‬
‫السويدية الشعبّية ‪ .‬و الملفت للنظر أ ّ‬
‫دة سلفا‬ ‫المصوّرة عن السلم والمسلمين كأّنها كانت مع ّ‬
‫و بين عشّية وضحاها أصبح السلم والمسلمون الحدث‬
‫العلمي الول في معظم القنوات السويدية و في دول‬
‫شمال أوروبا وأوروبا الغربّية عموما ‪ .‬ول يمكن على‬
‫الطلق أن تكون هذه البرامج التي خرجت دفعة واحدة‬
‫طين يهدفون إلى إحداث صدام بين‬ ‫ن هناك مخط ّ‬ ‫بريئة إذ أ ّ‬
‫السلم والمسلمين في الغرب وبين الغرب والغربيين ‪,‬‬
‫وبشكل مفاجئ اختفى الحديث عن شارون وإجرامه‬
‫والدولة العبرّية وتماديها في قتل الفلسطينيين وبذرائع‬
‫جديدة هذه المرة ‪ .‬ويحاول الرسميون في السويد‬
‫الظهور بمظهر المعتدل الذي ل يخلط بين فعل بعض‬
‫الرهابيين و الجالّية العربية والمسلمة في السويد ‪ ,‬وقد‬
‫زارت السياسّية السويدية الشهيرة وزيرة الندماج منى‬
‫دة‬‫سالين ومعها بعض السياسيين مسجد ستوكهولم مؤك ّ‬
‫ن المسلمين في السويد ل داعي أن يشعروا بالخوف ‪,‬‬ ‫أ ّ‬
‫ن السياسي السويدي زعيم حزب المحافظين‬ ‫كما أ ّ‬
‫ن الرهاب‬ ‫ح للتلفزيون السويدي أ ّ‬‫السابق كارل بلد صر ّ‬
‫موجود في كل الدّيانات ول داعي لحصر الرهاب بالسلم‬
‫ن‬
‫‪ .‬وإذا كان للرسميين ضروراتهم السياسّية والنتخابّية فا ّ‬
‫ن لها‬
‫العلميين ووسائل العلم الغربية معروف أ ّ‬
‫امتدادات مغايرة وهي تساهم إلى أقصى درجة في جعل‬
‫المسلمين والسلم عدّوا يجب البطش به ‪ .‬وقد نجحت‬
‫الماكنة العلمية الغربية في جعل المسلمين كافة في‬

‫‪81‬‬
‫خانة المعتدين المتربصّين بالحضارة الغربية الراغبين في‬
‫تدمير منجزات الحضارة الغربّية ‪ .‬وبات من الصعوبة إقناع‬
‫ن السلم دين حضارة وهو ل يستهدف‬ ‫الغربيين اليوم بأ ّ‬
‫على الطلق إلحاق الذى بالخرين مهما كانت عقيدتهم و‬
‫توجهاتهم اليديولوجّية ‪ .‬لقد نجح اللوبي الصهيوني في‬
‫بناء جدار برلين من فولذ بين الغرب والسلم وأستطاع‬
‫جح الكفة لصالحه في مواقع جغرافّية ل حصر لها ‪.‬‬ ‫أن ير ّ‬
‫ول يملك المسلمون في الغرب أي وسيلة لرد ّ هذه الغارة‬
‫ل النحياز‬ ‫العلمّية عليهم وعلى دينهم ‪ ,‬خصوصا في ظ ّ‬
‫الكامل لطروحات الصهيونية واليمين المتطّرف ‪ .‬ويرى‬
‫ن اليمين‬‫بعض المراقبين في العديد من العواصم الغربّية أ ّ‬
‫ن كثيرا‬ ‫المتطرف سينتعش في الّيام المقبلة خصوصا وأ ّ‬
‫ن المعركة في بدايتها و‬ ‫من الخبراء هنا في الغرب يرون أ ّ‬
‫ن ما يأتي سيكون أعظم بكثير ‪ .‬ونتيجة لكل هذه‬ ‫أ ّ‬
‫التوجهات أصيب المسلمون بحالة من الحباط واليأس‬
‫ن الدول العربية لم تبادر إلى‬ ‫لغّياب الناصر خصوصا وأ ّ‬
‫دعوة العواصم الغربية بضرورة الحفاظ على مشاعر‬
‫العرب والمسلمين بقدر ما راحت تبدي استعدادها لتقديم‬
‫ن ما جرى في الوليات المتحدة‬ ‫كأ ّ‬‫العون لمريكا ‪ .‬ل ش ّ‬
‫المريكية هو عمل فردي اضطلعّ به بعض الشخاص ول‬
‫يمكن تحميل مليار مسلم مسؤولّية ما جرى في الوليات‬
‫المتحدة المريكية ‪ ,‬وإذا كان بعض الرسميين في عواصم‬
‫القرار في الغرب شبه مقتنعين بهذه المسألة إل ّ أّنهم لم‬
‫يبذلوا أي جهد في سبيل وقف الحملت العلمية التي‬
‫تستهدف المسلمين بمختلف مشاربهم ومذاهبهم ‪ .‬وقد‬
‫بدأ بعض الكّتاب في الغرب يتحدثون مجددا عن صراع‬
‫الحضارات وحروب الديانات وهم بذلك يعملون على‬
‫معالجة الخطأ بالخطأ ‪ ,‬والخارطة العلمّية الغربية التي‬
‫شرعت في حملة غير طبيعية ضد ّ السلم والمسلمين‬
‫تهمل كل التصريحات وكافة المواقف التي أطلقها علماء‬
‫السلم والتي فيها دعوة إلى التراحم والتعاون بين أبناء‬
‫النسانّية قاطبة ‪ ,‬وراحوا ينقلون تصريحات لمن ل يعّتد‬
‫بأعلميتهم و فقاهتهم ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ن السائد اليوم في أمريكا والغرب هو أجواء حرب‬ ‫إ ّ‬
‫عالمّية حقيقّية ‪ ,‬لكّنها حرب عالمية بين الحضارات‬
‫والفكار واليديولوجّيات ‪ ,‬وهذا المناخ الفكري والعلمي‬
‫المحتقن قد يمّهد لحرب حقيقّية ل يعرف أحد مداها ‪,‬‬
‫ل الدعوة إلى إقامة تحالف دولي ضد ّ الرهاب قد‬ ‫ولع ّ‬
‫يكون البداية لمثل هذه الحرب ‪ ,‬قال عنها أحد منظّري‬
‫الحركة الصهيونية في يوم من الّيام ‪ :‬فلتكن حرب بين‬
‫المسلمين والمسيحيين يخرج منها اليهود منتصرين لرّيادة‬
‫العالم !‬

‫دت ساعة الصفر ‪.‬‬


‫واشنطن حد ّ‬

‫‪83‬‬
‫نقلت صحيفة سويدية أفتون بلدت – ‪Aftonbladet 23 – 01‬‬
‫‪ 2003‬معلومات مستفيضة عن الخطة المريكية المراد‬
‫تنفيذها في العراق بعد أقل من شهر وتحديدا في الوسط‬
‫الثاني من شهر فبراير ‪ ,‬وقد إستقت الجريدة معلوماتها‬
‫من مصادر عسكرية روسية في وزارة الدفاع الروسّية‬
‫ولم تقدم الجريدة معلومات مستفيضة عن هذه المصادر‬
‫العسكرّية ول من أين إستقت المصادر الروسية معلوماتها‬
‫‪.‬‬
‫حت جريدة أفتون بلدت السويدية المعلومات‬ ‫وقد شر ّ‬
‫التي أدلت بها مصادر روسية عسكرية رفيعة المستوى‬
‫حول تحديد واشنطن لساعة الصفر المتعلقة ببداية الغارة‬
‫المريكية على العراق والتي ستفاجئ العراقيين كون‬
‫المعلومات تشير إلى حرب شاملة ومن جهات الرض‬
‫الثلث البرّية والبحرّية والجوّية ‪ ,‬وسيكون الهدف إجراء‬
‫مسح جغرافي إحتللي للعراق وصول إلى العاصمة‬
‫العراقية بغداد التي ستحاصر بعد إنهاكها بالضربات الجوية‬
‫وهو سيناريو مشابه لسيناريو واشنطن في أفغانستان‬
‫حيث كانت الطائرات الحربية المريكية العملقة تفرغ‬
‫حمولة قنابلها الفتاكة على العاصمة كابول المر الذي مهد ّ‬
‫لجيش الشمال الفغاني بالنقضاض على كابول ‪ .‬ومثلما‬
‫إستعانت واشنطن بباكستان والهند وغيرهما في حربها‬
‫ن الكثير من الدول في الجوار العراقي‬ ‫على أفغانستان فإ ّ‬
‫ستكون في خدمة الغارة المريكية على العراق ‪ ,‬وهو‬
‫المر الذي قد يملي على صدام اللجوء إلى سياسة الرض‬
‫المحروقة فيحرق آبار النفط برمتها ‪ ,‬و لهذا أعدت‬
‫كم في آبار النفط ‪.‬‬‫واشنطن خطة طوارئ للتح ّ‬
‫طة المريكية ستربك‬ ‫ن الخ ّ‬
‫وحسب معلومات الجريدة فإ ّ‬
‫الدفاعات العراقية بإعتبار أّنها ستلجأ إلى تكثيف الضربات‬
‫الجوية بشكل متواصل وعلى مدار الدقيقة والساعة على‬
‫قاعدة الهجوم أول وثانيا وثالثا ‪ ,‬ومن شأن هذه الضربات‬
‫الجوية أن تطاول كل البنى التحتية والمؤسسات الحيوية‬

‫‪84‬‬
‫ومراكز التصال والكهرباء وكل ما من شأنه أن يساهم‬
‫في تعزيز الدفاعات العراقية ‪.‬‬

‫الغارة الكبرى على العالم‬


‫السلمي !‬

‫تشبه بداية هذا القرن ببداية القرن الماضي في كثير من‬


‫التفاصيل وتحديدا الجانب المتعّلق بالعالم العربي‬
‫والسلمي ‪ ,‬ففي بداية القرن التاسع عشر أستبيح العالم‬

‫‪85‬‬
‫العربي والسلمي إستباحة عسكرية و ثقافية وسياسّية‬
‫دت هذه الستباحة التي كان وراءها‬ ‫وإقتصادّية وقد أ ّ‬
‫الغرب بثقافتيه الفرنسية والنجليزّية إلى تعطيل‬
‫المشروع التنموي والنهضوي العربي والسلمي ‪ ,‬كما‬
‫دت إلى نشوء عوامل التخلف في كل مواقعنا ‪ .‬وفي‬ ‫أ ّ‬
‫ور‬‫الوقت الذي كانت فيه الحركة الستعمارّية الغربّية تط ّ‬
‫مشروعها النهضوي والحضاري بمواردنا الولّية و بخيراتنا‬
‫الظاهرة والباطنة و بأيدي أجدادنا الرخيصة ‪ ,‬كانت في‬
‫وق كل منطلقات النهضة في مواقعنا‬ ‫المقابل تدكدك وتط ّ‬
‫ما غادرت هذه الحركة الستعمارّية مواقعنا‬ ‫وحتى ل ّ‬
‫بضربات هذه الثورة وتلك ‪ ,‬فقد غرست في الصفوف‬
‫مامية والخلفّية لكل ثورة من سوف يكمل المسار‬ ‫ال ّ‬
‫ل هذا ما قصده‬ ‫الستعماري لكن بأساليب جديدة ‪ ,‬ولع ّ‬
‫الجنرال شارل ديغول وهو يغادر في الجزائر سنة ‪1962‬‬
‫عندما قال ‪ :‬لقد غرسنا في الجزائر بذورا ستينع بعد‬
‫حين ‪ .‬وشاءت الظروف أن فعل أبناء ثقافة فرنسا في‬
‫الجزائر ما لم تفعله فرنسا في الجزائر نفسها ‪ ,‬ففرنسا‬
‫كن وأد‬‫تمكّنت من قتل مليونين جزائري لكّنها لم تتم ّ‬
‫الثقافة العربية والسلمية ‪ ,‬التي سهل على أبناء الجزائر‬
‫من المتفرنسين من وأدها وبطرق جهنمّية‪.‬‬
‫وعلى إمتداد مائة سنة عاش عالمنا العربي والسلمي‬
‫عا بين ثقافتين وهما الثقافة الفرنسية والتي كانت‬ ‫موز ّ‬
‫تمثّلها المبراطورّية الفرنسّية التي كانت تحّتل ثلث الكرة‬
‫الرضية ‪ ,‬والثقافة النجليزّية والتي كانت تمثلها‬
‫ل ثلثا أخر من‬ ‫المبراطورّية البريطانّية والتي كانت تحت ّ‬
‫الكرة الرضّية ‪ .‬وتعتبر المستعمرات الفرنسية‬
‫والبريطانية السابقة من أكثر المناطق التي تعاني راهنا‬
‫أزمات في هويتها وإقتصادها وسياستها وأمنها وثقافتها‬
‫وزراعتها وجغرافيتها وما إلى ذلك‪ .‬ولم تعمل‬
‫المبراطوريتان الفرنسية والنجليزية على نشر الحضارة‬
‫والزدهار كما أدعّتا في بداية إحتللهما لهذه الدولة وتلك ‪,‬‬
‫بل قامتا بإمتصاص كل الخيرات التي كانت كفيلة لو ظلت‬
‫بأيدي أصحابها بإحقاق النقلة النهضوّية في واقعنا العربي‬

‫‪86‬‬
‫والسلمي ‪ .‬كما قامت بإستحمار الشعوب العربية‬
‫والسلمية كما قال الستاذ مالك بن نبي ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من إنتهاء مرحلة المبراطورّيات ‪ ,‬إل ّ أنّنا دخلنا في مرحلة‬
‫ف‬
‫أشد خطورة هي عبارة عن جمع بين ما سبق من تعس ّ‬
‫أمبراطوري عسكري – حيث العتداء على الجسد‬
‫والجغرافيا – و التعسف العقلي والثقافي – حيث‬
‫التخطيط المحكم لمصادرة تاريخنا وموروثنا ومقدساتنا ‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫فالمركة أو العولمة هو المشروع الذي تقوده حالّيا‬
‫الوليات المتحدة المريكّية والتي تريد تعميمه على العالم‬
‫وخصوصا بعد أن أصبحت المهندس الوحيد لمجمل‬
‫القرارات العالمّية ‪ ,‬وعلى رغم تعميمها لنموذجها بقوة‬
‫التقنية والعلمية في مجمل القارات الخمس ‪ ,‬إل ّ أّنها‬
‫إنتقلت إلى مرحلة الفعل العسكري لتعميم هذا النموذج‬
‫في المواقع التي تتمّتع بممانعة ذاتية لمشروعها وهو‬
‫العالم السلمي الذي تدفعه عقيدته بإتجاه العتّزاز‬
‫بالذات ‪.‬‬
‫وقد دفع مشروع المركة مشروعا أخر كان موجودا‬
‫ومطروحا لكن ليس بهذه القوة وهو مشروع الفرانكفونية‬
‫الذي تقود لواءه فرنسا ‪.‬‬
‫وكل المشروعين المركة والفرانكفونية هما مشروعان‬
‫إرهابيان وليدا نزعة إستعلئّية إستكبارّية في حقّ الشعوب‬
‫المستضعفة ‪.‬‬
‫فالغزاة الفرانكفونيون عندما وصلوا إلى المغرب العربي‬
‫في سنة ‪ , 1830‬حوّلوا المساجد إلى كنائس‬
‫دوا تدريس اللغة العربية ‪ ,‬وأعتبروا‬‫وإصطبلت ‪ ,‬وجم ّ‬
‫مدّرس اللغة العربية مجرما يجب سجنه بين ست أشهر‬
‫وسنتين ‪ ,‬وحظروا كل مدارس التعليم العربي والقرآني و‬
‫الديني ‪ ,‬وفي المقابل فرضوا اللغة الفرنسية وأجبروا‬
‫الناس على ضرورة تعلمها إلى أن نسوا لغتهم الم اللغة‬
‫العربّية ‪ .‬ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا في الجزائر في بداية‬
‫غزوها أربع مليين جزائري هّبوا للدفاع عن مقدساتهم ‪,‬‬
‫وأنتهكوا حرمات النساء ‪ ,‬وفرضوا على الجزائريين أسماء‬

‫‪87‬‬
‫ل هي عربية ول هي أعجمية إمعانا في تشويه الشخصّية‬
‫الجزائرّية ‪.‬‬
‫وقد تمكن الغزاة الفرانكفونيون من إفقار إفريقيا‬
‫وإمتصاص خيراتها ‪ ,‬ولم يبقوا حتى على الفاكهة الفريقية‬
‫التي كانت ترسل للنسان الوروبي ‪ ,‬بعد أن يزرعها‬
‫ويقطفها النسان الفريقي بدون مقابل ‪ .‬وحتى‬
‫المساعدات الفرنسّية إلى الشعوب الفريقّية بعد‬
‫إستقلل إفريقيا كانت تسترجع فرنسا بدلها ربحا‬
‫مضاعفا ‪ ,‬وقد قال مستشار الرئيس الفرنسي الراحل‬
‫ن كل فرنك تدفعه فرنسا كمساعدة‬ ‫فرانسوا متيران إ ّ‬
‫لفريقيا تسترجع بدله عشر فرنكات ‪ .‬وفرنسا التي ترفع‬
‫م مستعمراتها السابقة إلى‬ ‫لواء الفرانكفونية وتسعى لض ّ‬
‫مظلتها اللغوية والحضارية والثقافية حبذا لو تكون رفيقة‬
‫مع هذه الدول وتعفيها من ديونها المترتبة عليها لفرنسا‬
‫والتي تجاوزت مئات المليير من الدولرات ‪.‬‬
‫ولم تكتف فرنسا بهذا بل إستقطبت مثقفين فرانكفونيين‬
‫من البلد العربية والسلمية وراحت تغدق عليهم الجوائز‬
‫ليسّبوا إسلمهم ودينهم وعروبتهم ‪ ,‬مثلما فعل كاتب‬
‫جزائري فرانكفوني يدعى كاتب ياسين والذي طالب‬
‫رسول السلم محمد بحمل حقيبته ومغادرة الجزائر !‬
‫والمركة المتحالفة مع الراديكاليين اليهود والبروتستانت‬
‫تهدف هي الخرى إلى إستئصالنا من واقعنا الثقافي‬
‫والحضاري إلى واقعها وحضارتها بإعتبارها النموذج‬
‫المنتصر على حد ماذهب إليه فوكوياما ‪ .‬والحروب‬
‫المريكية الماضية والراهنة والمقبلة في العالم العربي‬
‫مة وإستمرارّية لما كان وقد عرفه‬ ‫والسلمي هي تت ّ‬
‫عالمنا العربي والسلمي قبل أزيد من مائة عام ‪.‬‬
‫وقد إستخدمت المركة نفوذها القتصادي والعسكري‬
‫والمني واللوجستي والسياسي في تنفيذ مشروعها الذي‬
‫م‬
‫بدأ بتحويل السلم إلى عدو رقم واحد للكتلة الغربّية ‪ ,‬ث ّ‬
‫لجأت إلى نخر هذا العدو رغم كونه مستضعفا ضعيفا ‪,‬‬
‫بتجفيف منابعه الثقافية تارة ‪ ,‬و محاصرته تارة أخرى ‪,‬‬
‫ولّنه لم يبق له إل ّ النفط فهي قادمة لتجريده من هذا‬

‫‪88‬‬
‫كد أّنها قد‬‫ي له ‪ ,‬وبعد ذلك وعندما تتأ ّ‬
‫المصدر الذي بق ّ‬
‫أجهزت عليه تعمل في مواقع وجوده صياغة وإعادة رسم‬
‫تماما كما بدأت المبراطوريات السالفة الذكر برسم‬
‫خرائطنا وجغراقياتنا في بداية القرن الماضي ‪.‬‬
‫ويأتي دور الصهينة لتكمل ما تبقى من مشاريع الوأد‬
‫الحضاري في أهم موقع جغرافي وحضاري نملكه ‪,‬‬
‫وبمباركة من المركة ‪ ,‬وصمت عفيف من الفرانكفونية‬
‫توغل الصهينة خناجرها في أهم موقع عربي وإسلمي ‪,‬‬
‫وتغذى الصهينة مشروعها السياسي والعسكري والمني‬
‫بمشروع ثقافي وفكري يهدف إلى تشويه حقائق التاريخ‬
‫والجغرافيا ‪ ,‬ويضيف إلى مشاريع النقضاض على عالمنا‬
‫العربي والسلمي مشروعا أخر ل يقل خطورة بل هو‬
‫الدافع لهذه المشاريع أن تمعن في طعن العالم العربي‬
‫والسلمي المريض ‪.‬‬
‫والفرانكفونيون يحق لهم أن يتحدثوا عن الفرانكفونّية ‪ ,‬و‬
‫المريكيون يحق لهم أن يتحدثوا عن المركة والصهاينة‬
‫يحق لهم أن يتحدثوا عن الصهينة ‪ .‬فلماذا عندما يتحدث‬
‫المسلمون عن إسلمهم يتهمون بالرهاب !‬

‫‪89‬‬
‫أوروبا والغارة المريكّية المرتقبة‬
‫على العراق ‪.‬‬

‫تعيش العواصم الغربّية حركة غير عادية من التصالت‬


‫السياسّية والديبلوماسية والمشاورات المكثّفة حول‬
‫مشروع الغارة المريكّية المرتقبة على العراق ‪ ,‬والتي‬
‫كد في نظر دوائر القرار في العواصم‬ ‫باتت في حكم المؤ ّ‬
‫الغربّية ‪ .‬والهتمام المكّثف من قبل العواصم الغربية‬
‫حاد الوروبي بالغارة‬ ‫وتحديدا الدول العضاء في الت ّ‬
‫المريكية المرتقبة على العراق يعود إلى مجموعة أسباب‬
‫مافتئ راسمو السياسات الوروبّية ينعمون النظر فيها ‪.‬‬
‫ن الموافقة المطلقة على ما‬ ‫وفي نظر الخبراء الغربيين فإ ّ‬
‫سوف تزمع واشنطن القّيام به في العراق سيكّرس‬
‫سابقة خطيرة في العلقات الدولّية و سيجعل من الحرب‬
‫كل ذلك‬‫أساسا في حلحلة الزمات الدولية الساخنة ويش ّ‬
‫خرقا واضحا لكل الدساتير والقوانين الوروبّية التي‬
‫ركيزتها إحترام حقوق النسان والحرب مصداق بارز‬
‫كل‬‫وجّلي من مصاديق إنتهاك حقوق النسان بإعتبارها تش ّ‬
‫وم هذه الحقوق ‪.‬‬ ‫إنتهاكا للروح البشرية التي هي مق ّ‬
‫ن موافقتها‬ ‫ن العواصم الغربّية تعتبر أ ّ‬ ‫بالضافة إلى ذلك فإ ّ‬
‫المطلقة على الغارة المريكية على العراق من شأّنه أن‬
‫يعّرض علقاتها السياسية والقتصادية والستراتيجية‬
‫بالعالم العربي والسلمي بشقيه الرسمي والشعبي إلى‬
‫دي‬‫الخطر الشديد ‪ ,‬فمن شأن إحتلل أمريكا للعراق أن يؤ ّ‬
‫إلى فقدان أوروبا إلى كل السواق العربية والسلمية‬
‫ن واشنطن تريد الغنيمة برمتها وهي لن تكتفي‬ ‫بإعتبار أ ّ‬

‫‪90‬‬
‫ن مشروعها أبعد من العراق كما تقول بعض‬ ‫بالعراق بل إ ّ‬
‫الدوائر الستراتيجّية في بعض العواصم الغربّية ‪ .‬و أوروبا‬
‫التي تحرص على علقات حسنة مع العالم العربي‬
‫والسلمي و تعتبر نفسها حلقة وصل بين العالم العربي‬
‫وبقية دول العالم في الكتلة الغربية وغيرها سوف تعّرض‬
‫ن التقارير القادمة‬‫هذه العلقات إلى الخطر خصوصا وأ ّ‬
‫من العالم العربي تشير إلى أّنه حتى الدول العربية‬
‫الموافقة على المشروع المريكي في العراق قد تغّير‬
‫موقفها تحت ضغوط إنفجارات الشارع العربي والسلمي‬
‫‪ ,‬ومع بداية المقاتلت المريكية العملقة في حصد رؤوس‬
‫البرياء العراقيين ‪.‬‬
‫وف العواصم الغربية إن هي أبدت موافقة مطلقة‬ ‫وتتخ ّ‬
‫على الغارة المريكية أن تصبح مثل أمريكا في العالم‬
‫دة جملة وتفصيل ‪ ,‬وبالضافة إلى‬ ‫العربي مصالحها مهد ّ‬
‫م أزيد من ‪15‬‬ ‫ن الخارطة الوروبية الغربية تض ّ‬ ‫ذلك فإ ّ‬
‫مليون من العرب والمسلمين وأغلبهم يتمتعون بالمواطنة‬
‫الوروبّية ويحق لهم المشاركة في الحياة السياسية بما‬
‫في ذلك التصويت في النتخابات العامة‪ ,‬وقد تنعكس‬
‫التطورات في العراق على سيكولوجية المهاجرين‬
‫المسلمين الذين قد يلجأون إلى ما من شأنه المساس‬
‫ن جماعات اليسار و الشبيبة‬ ‫بالمن القومي الغربي ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫الغربية المعارضة للرأسمالية والعولمة المريكية قد تغتنم‬
‫الفرصة للقّيام بأعمال عنف هنا وهناك وهم الذين تعودوا‬
‫أن يحرقوا كل شيئ أمامهم على هامش إنعقاد قمم‬
‫الكبار في بعض العواصم الغربّية ‪ .‬ومع تزايد موجة العداء‬
‫ن الخوف قائم من تطورات عكسية‬ ‫للمركة في الغرب فإ ّ‬
‫على الوضاع بشكل عام في الغرب ‪.‬‬
‫وللشارة فإّنه منذ بداية الترتيبات المريكية للغارة على‬
‫العراق إرتفع سقف معارضة النخبة الغربية السياسية‬
‫والثقافّية لي عمل عسكري أمريكي في العراق وغيره ‪,‬‬
‫وفي الفق القريب تظاهرات بالجملة في العديد من‬
‫ن معظم الصحف الغربية باتت‬ ‫العواصم الغربية ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫تبرز تصريحات السويدي هانس بليكس رئيس المفتشين‬

‫‪91‬‬
‫ن فرق التفتيش لم تعثر على‬ ‫المميين في العراق من أ ّ‬
‫ن هذه الفرق في حاجة إلى وقت‬ ‫شيئ في العراق ‪ ,‬وأ ّ‬
‫إضافي لكمال عملها في العراق ‪ ,‬وكثيرا ما تلجأ صحف‬
‫أوروبية إلى معارضة المشاريع المريكية بطريقة غير‬
‫مباشرة من قبيل نشر عناوين عريضة تصيب في الصميم‬
‫المبررات التي تبني عليها واشنطن سياستها وتحديدا في‬
‫المسألة العراقّية ‪.‬‬
‫وقد ركّزت الصحف النرويجية على تصريحات هانس‬
‫بليكس السويدي المكّلف بالتفتيش عن أسلحة الدمار‬
‫ن فرق التفتيش لم‬ ‫الشامل في العراق والذي يقول فيها أ ّ‬
‫تعثر على أسلحة دمار شامل في العراق ‪ ,‬ومعنى ذلك‬
‫ضرورة وقف مشروع الحرب المريكية على العراق ‪.‬‬
‫وقد ركّزت صحيفة داغ بلدت أوسلو النرويجّية على هذا‬
‫ن فرق التفتيش التابعة للمم‬ ‫الموضوع مشيرة إلى أ ّ‬
‫المتحدة لم تعثر على أي شيئ من شأنه أن يدين العراق‬
‫كد على إمتلكه أسلحة الدمار الشامل كما ترّوج‬ ‫أو يؤ ّ‬
‫لذلك كل من واشنطن ولندن ‪.‬‬
‫وة‬
‫وإذا كانت بعض العواصم الغربية قد حسمت موقفها بق ّ‬
‫وأعلنت صراحة أنها لن تشارك أمريكا في حربها ضد ّ‬
‫ن بعض الدول الغربية خائفة من عدم جنيها‬ ‫العراق ‪ ,‬فإ ّ‬
‫لي غنيمة في حال لم توفد قواتها العسكرّية مع الجيش‬
‫المريكي إلى العراق وهي الن بصدد الموازنة بين حجم‬
‫الغنائم وحجم الخسائر بناءا على ذكر في البداية ‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من حرص العواصم الغربية على علقاتها‬
‫الستراتيجية والقتصادية والسياسية بواشنطن إل ّ أّنها‬
‫وفي المسألة العراقية تحديدا بدأت تجهر بما ل يرضي‬
‫العاصمة المريكية ‪.‬‬
‫وحتى رئيس الوزراء توني بلير الذي إعتبرته الصحافة‬
‫الشعبية البريطانية بأّنه وزير خارجية أمريكا بإمتياز بدأ‬
‫يعيد حساباته ويطالب واشنطن بتأجيل الحرب أو إعطاء‬
‫فرصة لفرق التفتيش عن ٍأسلحة الدمار الشامل في‬
‫ن الوزير الول‬ ‫العراق ‪ ,‬وحسب بعض الخبراء الغربيين فإ ّ‬
‫البريطاني توني بلير لم يتمكن من إقناع أي عاصمة غربية‬

‫‪92‬‬
‫بصدقّية التوجّهات المريكية المر الذي جعله وبلده‬
‫بريطانيا معلقا بين مشيمته الوروبية والحبل السّري الذي‬
‫يربطه بواشنطن ‪.‬‬
‫كما أهتمت صحيفة أخبار اليوم السويدية بالتصريحات‬
‫ن الغارة‬‫التي أطلقها رئيس وزراء بريطانيا توني بلير من أ ّ‬
‫جل إلى الخريف‬ ‫المريكية – البريطانية على العراق قد تتأ ّ‬
‫المقبل ‪ ,‬وفي الوقت الذي نشرت فيه الصحف السويدية‬
‫عاء الخير أّنه طلب‬ ‫هذه التصريحات المنسوبة لبلير وإد ّ‬
‫من واشنطن تأجيل الحرب على العراق ‪ ,‬إستفاضت‬
‫الصحف السويدية في الحديث عن جحافل الجيوش‬
‫البريطانية والمريكية المتوجّهة إلى منطقة الخليج‬
‫وعزّزت ذلك بالرقام والصور وما ذكرته المصادر‬
‫الديبلوماسية والسياسية المطلعة ‪ ,‬و في ذلك إشارة على‬
‫ن تصريحات توني بلير تندرج في سّياق الخدعة الحربية‬ ‫أ ّ‬
‫م النقضاض عليه‬ ‫التي تهدف إلى مراوغة العراق ومن ت ّ‬
‫في اللحظة والتوقيت الذي بات معروفا والذي وقعّ عليه‬
‫الرئيس المريكي جورج بوش شخصيا حسب المصادر‬
‫الوروبّية ‪.‬‬
‫ن أوروبا تخضع‬ ‫ويذهب بعض الخبراء الغربيين إلى القول أ ّ‬
‫لمنطلقات براغماتّية خالصة ‪ ,‬فهي لجأت إلى الصمت‬
‫الن وتبدي إعتراضها الظاهري على الغارة المريكية على‬
‫العراق ‪ ,‬وتدرس بروّية تداعيات الموقف في العراق فإذا‬
‫رجحت الكّفة لصالح واشنطن مالت إلى ولّية نعمتها‬
‫السابقة ‪ ,‬وإذا لم تحكم واشنطن أطراف اللعبة‬
‫سم بكثير من المغامرة ل تكون أوروبا‬ ‫العسكرية التي تت ّ‬
‫قد خسرت الكثير بل تكون مؤسساتها الستراتيجية‬
‫والمنّية قد أصابت في رؤيتها إستنادا إلى البعاد المحلية‬
‫على صعيد الداخل الوروبي وإلى البعاد الدولّية على‬
‫صعيد تطورات الموقف في العالم العربي والسلمي ‪.‬‬
‫ن ملفا من هذا القبيل كثير التشعّبات والتفرعات‬ ‫ول ّ‬
‫والتداعيات أيضا تشهد الكواليس الوروبية تنسيقا في‬
‫أكثر من صعيد وفي كل المستويات لضبط المواقف‬
‫ساعة بداية الغارة المريكية على العراق والتي ستضيف‬

‫‪93‬‬
‫أعباء جديدة وخطيرة ليس إلى الديبلوماسية الوروبية‬
‫فحسب بل إلى المؤسسات المنية التي مازالت تعيش‬
‫هاجس تداعيات الحادي عشر من أيلول وتوابعها في‬
‫العواصم الغربّية ‪.‬‬

‫إفريقيا الباحثة عن دور في‬


‫العصر المريكي !‬

‫حاد الفريقي تتويجا لما كان طرحه سابقا‬ ‫يأتي ميلد الت ّ‬
‫مر القذاّفي الذي أصيب بحالة يأس‬ ‫وتبّناه العقيد الليبي مع ّ‬
‫جه إفريقّيا ‪ .‬وقد‬
‫من المشروع الوحدوي العربي فتو ّ‬
‫مر القذافي علقاته السابقة والقوّية‬ ‫إستثمر العقيد مع ّ‬

‫‪94‬‬
‫بمعظم القادة الفارقة الذين كانوا يتردّدون على العاصمة‬
‫ذافي يلّبي الحاجّيات‬ ‫الليبّية طرابلس ‪ ,‬وكان العقيد الق ّ‬
‫السّياسية وحتى المادّية لهؤلء القادة الفارقة ‪ .‬وتجدر‬
‫الشارة إلى أّنه لم يكن سهل على الطلق تدشين لبنة‬
‫ل التنافس المريكي –‬ ‫حاد الفريقي خصوصا في ظ ّ‬ ‫الت ّ‬
‫جج حول القارة الفريقّية التي تعتبرها‬ ‫الفرنسي المتأ ّ‬
‫دوائر القرار والستراتيجيا في الغرب بأّنها القارة البكر أو‬
‫القارة العذراء المزدحمة بالثروات الطبيعّية والموارد‬
‫الولّية غير المستنفذة وغير المستفاد منها ‪ .‬وكان العلن‬
‫مة ديربان في جنوب‬ ‫حاد الفريقي في ق ّ‬ ‫عن ميلد الت ّ‬
‫إفريقّيا بمثابة النتقال من الفكرة وإلى الفعل ‪ ,‬من دائرة‬
‫النظرّية وإلى دائرة التطبيق ‪ ,‬وقد أعلن القادة الفارقة‬
‫حاد الفريقي على أنقاض‬ ‫مة عن ميلد الت ّ‬ ‫في هذه الق ّ‬
‫ي نصف‬ ‫سست قبل حوال ّ‬ ‫منظمة الوحدة الفريقّية التي تأ ّ‬
‫ل المشاكل السياسية‬ ‫قرن وترهلت وعجزت عن ح ّ‬
‫والقتصادية والثقافية والجتماعّية والعرقّية العالقة في‬
‫إفريقّيا ‪ .‬وكانت منظمة الوحدة الفريقّية خليطا من‬
‫الرؤى والتوجّهات السياسية وأصبحت في فترة من‬
‫مة ديربان‬ ‫الفترات مطّية بيد الرادات الدولّية ‪ .‬وفي ق ّ‬
‫التي جمعت الزعماء الفارقة جرى التأكيد على ضرورة‬
‫تغيير النهج السياسي الذي كانت تنهجه منظمة الوحدة‬
‫م بعض‬ ‫الفريقّية ‪ ,‬بالضافة إلى النهج السياسي ‪ ,‬حيث قد ّ‬
‫القادة القادة الفارقة تصوراتهم لكيفّية النهوض‬
‫بإقتصادّيات إفريقيا المنهارة ‪ ,‬من خلل آلية لدمقرطة‬
‫الحّياة السياسية في القارة الفريقّية ‪ .‬ورغم الطموحات‬
‫ن المراقبين ل‬ ‫التي واكبت إنطلقة التحاد الفريقي إل ّ أ ّ‬
‫يتوقّعون أن يختلف هذا الخير عن منظمة الوحدة‬
‫الفريقّية ‪ ,‬والختلف الوحيد بين التحاد الفريقي الراهن‬
‫ومنظمة الوحدة الفريقّية الماضّية هو في تراجع مراكز‬
‫إفريقّية إقليمّية نافذة في منظمة الوحدة الفريقّية‬
‫وصعود مراكز إقليمّية ودول إفريقّية أخرى ستلعب دورا‬
‫حاد الفريقي المقبل ‪.‬‬ ‫في الت ّ‬

‫‪95‬‬
‫قارة المستقبل ‪:‬‬
‫رغم تراجع التنمّية في القارة الفريقّية وإنتشار الفقر‬
‫ن الستراتيجيا‬ ‫بشكل مدقع وحالة التخّلف العارمة ‪ ,‬إل ّ أ ّ‬
‫الغربّية تعتبر إفريقّيا قارة المستقبل كما يسمّيها بعض‬
‫ن القارة السمراء‬ ‫ل يعرف أ ّ‬‫المفكرين الغربيين ‪ .‬والك ّ‬
‫تستحوذ على ثروات باطنّية وظاهرّية لم يستّغل منها‬
‫ل حرص المحاور المتكالبة على‬ ‫سوى ‪ 10‬بالمائة ‪ .‬ولع ّ‬
‫عالمنا العربي والسلمي والثالث على إبقاء إفريقيا على‬
‫ي عليه يعود إلى النّية المبيّتة لوضع اليد على هذه‬ ‫ماه ّ‬
‫الخيرات بدل أن تكون عونا للنسان الفريقي‬
‫المستضعف على تحقيق نهضته ‪ .‬وفي هذا السّياق ل‬
‫ن الشكالت الكبرى التي تعيشها إفريقّيا‬ ‫يجب أن ننسى أ ّ‬
‫هي من مخلّفات الحركة الستعمارّية التي بدأت في هذه‬
‫القارة قبل خمس قرون ‪ ,‬وكلما كانت حركة إستعمارّية‬
‫تنتهي كانت حركة إستعمارّية أخرى تتوّلى إسترقاق‬
‫إفريقيا وتسخير الناس فيها وسرقتهم من بيوتهم وبيعهم‬
‫ن إفريقيا‬ ‫في أسواق النخاسة الغربّية ‪ .‬و يمكن القول أ ّ‬
‫مّرت بثلث مراحل ‪ ,‬لكل مرحلة خصائصها ومميزاتها‬
‫دت‬ ‫وهي على التوالي المرحلة الستعمارّية ‪ ,‬حيث جر ّ‬
‫ماته‬ ‫الدول الستعمارّية النسان الفريقي من كل مقو ّ‬
‫وحولّته إلى مجّرد عبد مستعبد مادّيا وحضارّيا للغرب ‪.‬‬
‫والمرحلة الثانّية هي مرحلة الستقلل الوطني الناقص‬
‫حيث خرجت الحركة الستعمارية بآلياتها الحربّية لكّنها‬
‫ظّلت بمفرداتها التغريبّية من خلل القلّية التي أعدتها‬
‫لخلفتها في حال وقوع النسحاب التكتيكي ‪ .‬وهذه النخب‬
‫كن من الرتقاء بالنسان‬ ‫التي توّلت الحكم لم تتم ّ‬
‫ن‬
‫الفريقي إلى المستويات الوسطى من النهوض ‪ ,‬بل إ ّ‬
‫ست التبعّية ومكّنت الخرين وأقصد هنا‬ ‫هذه النخب كر ّ‬
‫ن‬
‫الغربيين من السترسال في ممارسة النهب المقن ّ‬
‫ظم ‪ .‬وفي يوم من الّيام قال مستشار الرئيس‬ ‫والمن ّ‬
‫ن كل فرنك تدفعه‬ ‫الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران أ ّ‬
‫فرنسا لفريقيا كمساعدة تسترجع بدله ‪ 10‬فرنكات ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫حاد‬
‫والمرحلة الثالثة هي المرحلة الراهنة مرحلة الت ّ‬
‫الفريقي الذي يحاول أن يرسم لفريقّيا رؤّيا جديدة‬
‫م بموجبه خروج النسان الفريقي من‬ ‫ومنهج جديد يت ّ‬
‫دائرة المغلوبّية الحضارّية إلى دائرة الغالبّية الحضارّية ‪.‬‬
‫وقد جرّبت إفريقيا مافيه الكفاية مبدأ العتماد على‬
‫المحاور الدولّية لمساعدتها على الخروج من دائرة‬
‫النهيارا ت الكبرى في كل المجالت ‪ ,‬وبدأ بعض القادة‬
‫الفارقة يعتقدون بأّنه آن الوان لتصحيح الخطاء والرجوع‬
‫إلى مبدأ العتماد على النفس والنطلق من قدرات‬
‫إفريقيا الذاتّية لبناء إفريقيا الجديدة ‪.‬‬
‫وقد تأكد ّ هذا النهج الفريقي بعد فشل مشاريع الحوار بين‬
‫الشمال والجنوب والتي إنتهت كلها إلى طريق مسدود ‪,‬‬
‫والتي أفضت إلى إنتصار محور الشمال الذي تخندق تحت‬
‫الدراة المريكية والذي بموجبه أصبح عشرون بالمائة –‬
‫مون في مصير ثمانين بالمائة –‬ ‫من المستكبرين – يتحك ّ‬
‫من المستضعفين ‪ . -‬وقد بدأ قادة بعض الدول الفريقية‬
‫ن التعويل على الكبار الذين تسببوا في نكسة‬ ‫يعتقدون أ ّ‬
‫إفريقيا ماضّيا وراهنا من شأنه أن يديم الزمات ويعمّقها‬
‫ب الكساد لفريقيا ‪ ,‬وهذه القناعات‬ ‫ومن شأنه أن يسب ّ‬
‫حاد الفريقي الباحث‬ ‫برمتها هي التي أملت تأسيس الت ّ‬
‫عن دور في زمن العولمة المريكية !!!‬

‫‪97‬‬
‫عالمنا العربي بين طاغّية بلسان‬
‫عربي و طاغية بلسان إفرنجي !‬

‫أصبح عالمنا العربي الباحث دوما عن الخلص مضطربا‬


‫في صياغة مشروعه السياسي الذي لم تتش ّ‬
‫كل أبعاده‬
‫رغم إنقضاء عقود على إستقلل الجغرافيا العربية‬
‫والسلمية عن الحركة الستعمارية المباشرة والتي‬
‫عاودت الظهور مع بداية اللفّية الثالثة في المشهد‬
‫الفغاني والمشهد العراقي ‪.‬‬
‫ومنذ بروز الكيانات السياسية العربية على شكلها الحالي‬
‫عة بين تيارين ل ثالث لهما ‪ ,‬تيار الطاغوت‬‫وهي موز ّ‬
‫ن طاغية هنا وطاغية‬ ‫العربي والسلمي المحلي حيث تمك ّ‬
‫هناك ممن أنتجتهم العسكريتارّيا العربية و السلمية –‬
‫أقصد بالسلمية جغرافيا العالم السلمي أيضا – من‬
‫مصادرة كل المقدرات بل ومصادرة المستقبل بكل ما‬
‫فيه من تفاصيل ‪ ,‬وراح هذا الطاغية يصيغ التوجهات‬
‫السياسّية والقتصادية والثقافية والستراتيجية و المنية‬
‫والعسكرية دون أن تكون بطانته من أهل الفكر الناضج ‪,‬‬
‫و على الدوام كانت بطانة الطاغّية طغاة وعسكريون‬
‫وأمنيون من سنخه ‪ ,‬ونجح الطاغية المحلي ذي اللسان‬
‫ما أبلغ نجاح‬‫العربي من إرباك واقعنا وتعطيل عقولنا ورب ّ‬
‫حقّقة هو إقامة المقابر وتجميع الجماجم في رفوف خاصة‬
‫تحت الرض وتشييد المعتقلت والسجون وفتح بيوت‬
‫الدعارة والعهر و إقامة نوادي القمار وعلب الليل لتعفين‬
‫القيم والمبادئ وبذلك أنتج شبابا متعفنا ل يفّرق بين‬
‫الديكتاتورية والديموقراطية ‪ ,‬بين الحرّية والستعباد ‪ ,‬بين‬
‫المشاركة في صناعة القرار و تنفيذ الوامر بالحرف بدون‬
‫مناقشة ‪ ,‬وقد نجح هذا الطاغية المحلي ذي اللسان‬
‫العربي من تحطيم النسان العربي ومسخه و تفكيك‬

‫‪98‬‬
‫خصائصه الداخلية و الخارجية على السواء ‪ ,‬إلى درجة‬
‫أصبح معها تعاطي جرعة من المخدرات أفضل من رؤية‬
‫الرئيس العربي في الشاشات الصغيرة لدى بعض الشباب‬
‫ن الخمسين ولم يجدوا ل بيتا ول‬ ‫العربي الذين بلغوا س ّ‬
‫م ما الحاجة إلى إنجاب الولد إذا كان الطاغية‬ ‫زوجة ‪ ,‬ث ّ‬
‫العربي أنجب ما يكفي من الولد والذين سيرثون الدولة‬
‫والوطن على السواء ‪.‬‬
‫وأقام الطاغية المحلي ذي اللسان العربي أوشج العلقات‬
‫وأقوى الروابط وأمتن الجسور مع الطاغية العولمي‬
‫والكوكبي ذي اللسان الفرنجي و النجليزي والذي تمثّله‬
‫أمريكا اليوم ‪ ,‬و من هذا الطاغية إستمد ّ الطاغية المحلي‬
‫ذي اللسان العربي شرعيته وقوته وأسلحته و وسائل‬
‫ل الطاغية‬ ‫التعذيب والطرق المنية والستخباراتّية ‪ ,‬وظ ّ‬
‫الكوكبي المريكي على وجه التحديد يغذي الطاغية‬
‫المحلي بأسباب القوة و المنعة والمكنة وكان في المقابل‬
‫يجني ثروات ونفطا ومعادن ويورانيوما و فوسفاتا وحديدا‬
‫و أدمغة مهاجرة ومهجّرة وملفات أمنية وإستخباراتية‬
‫طازجة ودسمة تتعلق بأدق التفاصيل ول يمكن لهذا‬
‫الطاغّية العالمي أن يحصل عليها حتى لو غرس مليين‬
‫العيون في أوطاننا ‪.‬‬
‫و بفضل هذا الطاغية العولمي والمستعمر الجديد كبر‬
‫طاغيتنا المحلي ذي اللسان العربي المبين فبات هذا‬
‫ن المقبرة تلو‬ ‫الطاغية يتمادى في قتله وطغيانه و يدش ّ‬
‫ن الخرة خير من الدنيا ‪ ,‬وما دام‬ ‫المقبرة على قاعدة أ ّ‬
‫ض‬
‫الطاغية العولمي يحصل على ما يريد فإّنه كان يغ ّ‬
‫الطرف عن الطاغية المحلي ‪ ,‬بل كان يدينه نهارا و يبعث‬
‫إليه وسائل التعذيب ليل ‪ ,‬يدينه من خلل الناطق الرسمي‬
‫له ويدعمه من خلل رجال المن والستخبارات و‬
‫الدسائس الذين كان يبعثهم إلى بلط الطاغية المحلي‬
‫لنقاذه من مؤامرة هنا ومحاولة إنقلبّية هناك ‪.‬‬
‫وفي بعض الحيان كان الطاغية العولمي المريكي هو‬
‫دة الرئاسة‬ ‫الذي يختار الطاغية المحلي ويوصله إلى س ّ‬
‫ويمكن له في الرض ويفرضه على البلد والعباد ‪ ,‬وحتى‬

‫‪99‬‬
‫مت الطاحة بهذا الطاغية كان الطاغية العالمي‬ ‫إذا ت ّ‬
‫المريكي يعّين آخر مادام يملك خزانا من العملء الموالين‬
‫سة العسكرّية ‪.‬‬ ‫له في العمود الفقري للدولة المؤس ّ‬
‫وحتى إذا جعل الطاغية المحلي المدعوم بالطاغية‬
‫الكوكبي الشعوب تكفر بكل القيم والشرائع ‪ ,‬و حتى إذا‬
‫أخرجهم من أطوارهم ‪ ,‬وأجهز على عقولهم ‪ ,‬و أربك‬
‫تفكيرهم راحوا يستنجدون بالطاغية العالمي الكوكبي‬
‫المريكي الذي هو أصل بلئهم و أرضية بذور طغاتهم ‪ ,‬و‬
‫ط ويبرمج ويضع‬ ‫ن الطاغية العالمي كان يخط ّ‬ ‫الواقع أ ّ‬
‫الستراتيجية تلو الستراتيجية لكي تؤول المور إلى هذه‬
‫المرحلة وهي الستنجاد بالطاغية الكبير ‪.‬‬
‫و عندما أسقط الطاغية الكوكبي الطاغية المحلي فرح‬
‫ن طاغيتهم المحلي‬ ‫الناس لحظات ‪ ,‬و أكتشفوا بعد برهة أ ّ‬
‫ذي اللسان العربي المبين هو فرع من فروع هذا الطاغية‬
‫العالمي الكوكبي ‪ ,‬بل هو من سنخه وإمتداد له ‪ ,‬ووظيفة‬
‫الطاغية المحلي أن يمّهد الرض ويّعد النفس لستقبال‬
‫الطاغية الكوكبي و جعله مقبول ومشروعا ‪.‬‬
‫عت نخبنا ومثقفونا وشعراؤنا بين تأييد الطاغية‬ ‫و توز ّ‬
‫المحلي و تأييد الطاغية العالمي ‪ ,‬فيما مازال العالم‬
‫العربي يبحث عن نفسه عساه يجد خياره الثالث البعيد‬
‫مات الطاغية المحلي و مكر الطاغّية‬ ‫عن مدله ّ‬
‫العالمي !!!‬

‫‪100‬‬
‫م الغرب وتقهقر‬
‫أسباب تقد ّ‬
‫الشرق ! ‪.‬‬

‫تقاس الديناميكّية النهضوّية والتنموّية و الملمح‬


‫المستقبلّية في أي حقل جغرافي يقطنه مجموعة بشرّية‬
‫بالستراتيجّية المتبعة والتي وضعها مجموعة من الناس‬
‫لديهم قدرة خارقة على صناعة القيمومة الحضارية ومن‬
‫شروط نجاح هذه الستراتيجّية و فعاليتها توافق هذه‬
‫الستراتيجّية مع التركيبة الجتماعّية والخصائص الثقافّية‬
‫لهذه المجموعة البشرّية أو تلك ‪ .‬وبهذا المنطلق نضمن‬
‫أن تكون الستراتيجية منسجمة مع الواقع الجتماعي‬
‫ومستوعبة له وفي الغلب موجّهة له باتجاه الهداف‬
‫الكبرى المرسومة وبدون ذلك تكون الستراتيجيا مجرد‬
‫يوتيبيا ل وجود لها إل في بعض النتاجات الدبية والفكرية‬
‫وهي كثيرة إلى أبعد حد ّ في التراث البشري ‪.‬‬
‫لكن هل نملك نحن في واقعنا العربي والسلمي‬
‫والثالثي استراتيجّية حتى نضع أنفسنا هاهنا في موضع‬
‫المقارنة مع الخر الذي نعني به الكتلة الغربّية على وجه‬
‫التحديد !‬
‫ولماذا يستمر الفكر العربي وحتى السلمي ويسترسل‬
‫في التركيز دائما على الثنائيات من قبيل الصالة‬
‫والمعاصرة ‪ ,‬النقل والعقل ‪ ,‬النص والجتهاد ‪ ,‬التعريب‬

‫‪101‬‬
‫والتغريب ‪ ,‬السلفّية والتنوير ‪,‬السلم والعروبة ‪ ,‬ووصول‬
‫إلى استراتيجيتنا واستراتيجيتهم أي نحن والخر ! ألسنا‬
‫في ألفية العولمة و القرية الكونية وذلك يستوجب إلغاء‬
‫الخصوصيات و ما به تتحدد الهوّية وإذا كنا بل استراتيجّية‬
‫فل بأس بالقتباس مادام العقل العربي والسلمي تعطل‬
‫مع رحيل أبي علي بن سينا !!‬
‫ط طنجة –‬ ‫وكل هذه أسئلة نسمع صداها هنا وهناك في خ ّ‬
‫جاكرتا ‪ .‬مبدئيا عندما نعمل النظر في خارطتنا جنوبا و‬
‫في خارطتهم شمال نستكشف مجموعة ل حصر لها من‬
‫الملحظات منها –‬
‫‪ -1‬كل التراجع في خط الجنوب وكل التقدم في‬
‫خط الشمال ‪.‬‬
‫‪ -2‬ثمانون بالمائة من البشر يقطنون في خط‬
‫الجنوب وعشرون بالمائة في خط الشمال ‪.‬‬
‫‪ -3‬جنوب مستهلك و شمال منتج ‪.‬‬

‫‪ -4‬أغلبية خط الجنوب تعيش في خضم كل‬


‫المعضلت البشرّية التي عرفها النسان منذ وجد‬
‫على هذه البسيطة ‪,‬وأقلّية في الشمال تتمتع بكل‬
‫ملذات الدنيا ‪.‬‬
‫‪ -5‬أغلبية في خط الجنوب تعيش وفق لهجات ل‬
‫علقة لها بلغة التقنية ‪,‬و أقلية في خط الشمال‬
‫نسيت لغتها – استخدمنا لفظ النسيان تجاوزا و إل ّ‬
‫فهي تعض بالنواجذ على لغتها‪ -‬و تفاعلت مع لغة‬
‫الرقام المنتجة والتي بفضلها تحوّلت الطبيعة‬
‫وق إلينا بالعملة الصعبة ‪.‬‬‫ومواردها إلى بضاعات تس ّ‬
‫وما إلى ذلك من المفارقات بل المتناقضات التي ل يمكن‬
‫إيجازها في هذا السياق وكل ما جئنا على ذكره يكشف‬
‫عن فّعالية استراتيجيتهم و نكوص استراتيجيتنا بين‬
‫قوسين ‪.‬‬
‫لكن أليس استراتيجيتهم تهدف إلى بناء حضارة يستفيد‬
‫منها بنو النسان ! أليس القبول باستراتيجّية الخر‬

‫‪102‬‬
‫المنتصرة أمر لبد ّ منه ! لكن ما هي معالم استراتيجيتهم‬
‫و معالم استراتيجيتنا !‬
‫عندما يمعن النسان الباحث النظر في آلية عمل‬
‫ن هذه الحضارة لم تنطلق من‬ ‫الحضارة الغربية يدرك أ ّ‬
‫فراغ بل إنّها وصلت إلى ما حققته بعد جهد مستفيض في‬
‫كافة المجالت ‪ .‬فإذا أخذنا المثال السويدي نجد أن‬
‫ما تقديس ‪ ,‬ويردد‬ ‫السويديين يقدسون العمل أي ّ‬
‫السويديون بإستمرار عبارة العمل هويتنا والهوية عملنا ‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك حب غير طبيعي للعلم والستكشاف‬
‫والمعرفة ‪ ,‬و تصرف الحكومة السويدية مبالغ خيالية على‬
‫العلم والتعليم في نفس الوقت ‪ ,‬وكل المجالت مفتوحة‬
‫ن الحكومة تدفع‬ ‫للراغبين في التحصيل العلمي ‪ ,‬بل إ ّ‬
‫للطالب راتبا شهريا وتفتح له كل المجالت للتحصيل‬
‫العلمي حتى إذا أراد هذا الطالب إكمال دراساته خارج‬
‫السويد ‪.‬‬
‫فالعلم والعمل هما جناحا الستراتيجية الغربية ‪ ,‬وهما‬
‫سببا التطور و النقلة النهضوية التي نراها في الغرب ‪,‬‬
‫ن القيمتين المذكورتين تراجع‬ ‫وللسف الشديد فا ّ‬
‫ى‬
‫رصيدهما في واقعنا العربي والسلمي المر الذي أد ّ‬
‫إلى اختلل التوازن في كل المجالت وربما تصحيح المور‬
‫في واقعنا يتم بدءا من إعادة العتبار للعلم والعمل على‬
‫السواء ‪.‬‬
‫ن هذا النتصار الحضاري للكتلة الغربية بات‬ ‫والملحظ أ ّ‬
‫مقرونا ببعد إيديولوجي يراد تعميمه على واقعنا العربي‬
‫والسلمي ‪ ,‬ويخشى أن ينتهي بنا المطاف على المد‬
‫البعيد إلى فقدان الستراتيجيا واليديولوجيا على حد ّ سواء‬
‫‪ ,‬فنبقى مهيضي الجناح نتفّرج على غيرنا وهم يصنعون‬
‫الحاضر والمستقبل ‪ ,‬فيما نكتفي نحن ببعض النجازات‬
‫التاريخية والماضّية !!!‬

‫‪103‬‬
‫منتدى الناتو والخطر‬
‫الخضر‪.‬‬

‫في أوائل التسعينات وعندما تفكك حلف وارسو كما‬


‫تفككت المبراطورية السوفياتية السابقة برز حلف الناتو‬
‫أو حلف الطلسي كأقوى حلف في العالم له استراتيجيته‬
‫و مخططاته و ميزانيته و مشاريعه وسياساته الخاصة ‪.‬‬
‫وبسبب الفراغ الحاصل في مجال الحلف العسكرية فقد‬
‫تحول منتدى الناتو الى أهم حلف عسكري وتدل على‬
‫ذلك نشاطاته المتزايدة وامتداده ليشمل دول أوروبا‬
‫الشرقية سابقا‪.‬وتهيمن على منتدى الناتو الوليات‬
‫المتحدة المريكية التي مازالت ترى أنها صاحبة الفضل‬

‫‪104‬‬
‫على أوروبا والتي لول مشروع مارشال المريكي لظلت‬
‫أوروبا في خانة الدول المتخلفة ‪.‬‬
‫و خلفية تشكيل حلف الناتو كانت سياسية في بداية‬
‫المطاف ‪ ,‬اذ بعد الحرب الكونية الثانية وبداية امتداد‬
‫التحاد السوفياتي باتجاه أوروبا الشرقية ‪,‬شعرت الوليات‬
‫المتحدة المريكية ومعها دول أوروبا الغربية بدنو الخطر‬
‫الحمر الى عقر الدار الوروبية ولمواجهة الخطر الحمر‬
‫تم تشكيل حلف الناتو لمواجهة اليديولوجيا الحمراء‬
‫والترسانة العسكرية الحمراء أيضا‪.‬‬
‫و اذا كان الخطر الحمر قد زال الى البد وباتت دول‬
‫أوروبا الشرقية تتكالب للنضمام الى حلف الناتو ‪ ,‬وحتى‬
‫روسيا وقعت اتفاق شراكة مع الناتو فما داعي لبقاء الناتو‬
‫وحرصه على مزيد من التوسع والستقواء‪.‬‬
‫و للجابة على هذا السؤال لبد من اعمال النظر في‬
‫تصريحات مسؤولي الناتو والتدقيق في البيانات الختامية‬
‫لمؤتمرات منتدى الناتو و فحص الدراسات التي يصدرها‬
‫الناتو‪.‬‬
‫مبدئيا تحرص بعض الدراسات على القول أن حلف الناتو‬
‫وبعد تفكك التحاد السوفياتي السابق أصبحت وظيفته‬
‫تكمن في الحفاظ على المن القومي للكتلة الغربية و‬
‫الحؤول دون وقوع أحداث مشابهة لتلك التي وقعت أثناء‬
‫الحرب الكونية الولى والثانية والتي كانت أوروبا مسرحا‬
‫لها ‪.‬‬
‫وهناك بعض الدراسات التي قام بها الناتو و بعض‬
‫مؤسسات الدراسات التي تتعاون مع منتدى الناتو تفيد‬
‫بأن الخطر الحمر أصبح اليوم خطرا أخضر ‪,‬‬
‫وأن الخطر الخضر أخطر بكثير من الخطر الحمر ‪,‬‬
‫وتفترض بعض هذه الدراسات أن تعم الصولية العالم‬
‫العربي والسلمي واحتمال أن تندلع مواجهات بين الكتلة‬
‫العربية السلمية مع الكتلة الغربية ‪.‬‬
‫وبعض هذه الدراسات تحمل الرائحة المريكية وفيها‬
‫بصمات لبعض صناع القرارالسابقين في أمريكا و الذين‬
‫باتوا يتعاونون مع مراكز الدراسات الستراتيجية ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وهناك محاولت حثيثة لتوجيه الناتو في منحنيات بيانية‬
‫مضادة للعالم العربي والسلمي ‪ ,‬وكانت بعض قمم الناتو‬
‫وضعت مخططات عسكرية عن كيفية التدخل السريع في‬
‫هذا القليم أوذاك في حال انهارت الوضاع المنية أو‬
‫نشبت مشاكل من أي قبيل كانت‪.‬‬
‫واللفت للنظر أن أحد الباحثين من تل أبيب ذكر في‬
‫بحث له أن أمنيته أن يدخل الناتو في حرب مع كتلة‬
‫العالم العربي والسلمي لتضمن الدولة العبرية بذلك‬
‫ضعف الكتلتين الغربية والسلمية ثم تستفرد هي بعدها‬
‫بالسيادة على البحر البيض المتوسط و الذي يعتبر قاسما‬
‫جغرافيا مشتركا بين الكتلة الغربية وعديد من الدول‬
‫العربية‪.‬‬
‫و أشد مايخشاه المراقبون أن يتحول الناتو الى مؤسسة‬
‫أمريكية في صيغة الشركة المتعددة الجنسيات ‪ ,‬و رغم‬
‫أن فرنسا تعمل على زحزحة الستفراد المريكي‬
‫بمنحنيات الناتو ال أنها في النهاية تقبل صاغرة بما تخطط‬
‫له واشنطن‪.‬وكانت واشنطن في وقت سابق أعطت‬
‫الضوء الخضر لدخول المجر وتشيكيا و بولندا الى منتدى‬
‫الناتو و تحفظت على انضمام رومانيا وسلوفينيا ‪ .‬وكانت‬
‫فرنسا وايطاليا اعترضتا على سياسة أمريكا الناتوية حيث‬
‫تسعى واشنطن للنفراد بصناعة سياسة الناتو العسكرية‬
‫والمنية وغيرها ويبدو ان واشنطن وحدها تأكل العنب‬
‫والبقية تتفرج على اللعبة فقط‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يخشى أن تجّير واشنطن الناتو في‬
‫حروبها المفتوحة شرقا وغربا وحتى في الفضاء‬
‫مستقبل…‪..‬‬

‫‪106‬‬
‫إعادة إنتاج الستعمار في العالم‬
‫السلمي ‪.‬‬

‫يعيش العالم السلمي اليوم وضعا معقدا ومربكا في كل‬


‫تفاصيله ‪ ,‬وقد أصبحت الجغرافيا التي تدين بالسلم من‬
‫طنجة وإلى جاكرتا ووصول إلى روافد العالم السلمي‬
‫في معظم القارات عرضة للحتلل المباشر وغير المباشر‬
‫عسكرّيا وسياسّيا و إقتصادّيا وثقافّيا وأمنّيا ‪ ,‬وقد كان‬
‫ن العالم السلمي قد ودعّ وإلى البد‬ ‫العتقاد السائد أ ّ‬
‫الحركة الستعمارية التوسعية الغربية والتي أرخت بظللها‬
‫علىعالمنا السلمي في القرن الماضي ‪ ,‬والتي كانت سببا‬
‫رئيسا في تراجع المشروع النهضوي والتنموي السلمي ‪,‬‬
‫كما كانت السبب في إنتاج نخب علمانية أتاحت للفكر‬
‫الكولونيالي في كل أبعاده السياسية والثقافية والقتصادية‬
‫أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة إسما‬
‫ن العالم السلمي قد تأثّر‬ ‫ك فيه فإ ّ‬‫وشكل ‪ .‬ومما ل ش ّ‬

‫‪107‬‬
‫إلى أبعد الحدود بالحركات الستعمارية والحتللية التي‬
‫جة نشر الحضارة والمدنية في واقع‬ ‫جاءت من الغرب بح ّ‬
‫كله تخّلف حسب إدعاءات منظريّ الستعمار الذين كانوا‬
‫ملحقين بوزارات الخارجية في العواصم الغربّية ‪.‬‬
‫ولم يغادر المحتلون عالمنا السلمي إل ّ بعد أن أطمأنوا‬
‫أّنهم وضعوا دساتير هي من روح دساتيرهم وعينوا‬
‫تكنوقراط وسياسيين في دوائر القرار في هذه الدولة‬
‫وتلك وكلهم من الذين نهلوا من معين الثقافة الغربية‬
‫الكولونيالّية ‪ ,‬وقد أكملت هذه النخب مسيرة الحركة‬
‫الستعمارية فحاصرت السلم في عقر داره وعملت على‬
‫تجفيف منابعه و ملحقة الدعاة إلى ثقافته ‪ ,‬ولم تكن هذه‬
‫السيئة الوحيدة للحركات الستعمارية بل هناك مجموعة‬
‫سيئات سياسية وإقتصادية وثقافية وجيوسياسّية ‪ ,‬فعلى‬
‫الصعيد السياسي لعب الستعمار الغربي دورا كبيرا في‬
‫صياغة الدساتير التي أصبحت مرجعا أساسا للدولة‬
‫ن بعض الدساتير كانت‬ ‫الحديثة في عالمنا السلمي ‪ ,‬بل أ ّ‬
‫نسخة طبق الصل من الدساتير الغربية ‪ ,‬وبطبيعة‬
‫الحال أوكلت مهمة شرح هذه الدساتير وتنفيذها‬
‫لشخصيات إسلمية إسما وغربية قلبا ومضمونا درست‬
‫في المعاهد الغربية وأستوعبت روح الحضارة الغربية ‪,‬‬
‫وهي الفئة التي عناها الفيلسوف الوجودي الفرنسي‬
‫بقوله ‪ ,‬كانت الدول الغربية الستعمارية فيما مضى تبعث‬
‫م تداركت‬ ‫وة ث ّ‬‫دباباتها إلى الدول الثالثّية لنشر فكرها بالق ّ‬
‫سهم في‬ ‫الموقف وباتت تستورد أذكياء من تلك البلد وتدر ّ‬
‫كام لدول العالم الثالث‬ ‫م توفدهم كح ّ‬ ‫جامعاتها ومعاهدها ث ّ‬
‫وبهذا الشكل يتحققّ الغرض الستعماري بدون دباّبة !‬
‫وعلى الصعيد القتصادي فقد أفرغت الحركات‬
‫الستعمارية خزائن البنوك من محتوياتها وخلفوا وراءهم‬
‫دول بل موارد أو مقدرات ‪ ,‬بل قاموا في بعض البلد كدول‬
‫المغرب العربي بتحطيم كافة الجرارات الزراعية لعدم‬
‫إستخدامها في الستصلح الزراعي ‪ ,‬وأملوا على كل دولة‬
‫ما يحتاج له المستعمر ‪,‬‬ ‫أن تنتج منتوجا واحدا أو إثنين م ّ‬
‫فالجزائر على سبيل المثال وعندما كانت ترزح تحت‬

‫‪108‬‬
‫در القمح إلى كل الدول‬ ‫الستعمار الفرنسي كانت تص ّ‬
‫الوربية وبنسبة ثمانين بالمائة ‪ ,‬وبعد أن أستقّلت الجزائر‬
‫باتت تستورد القمح بنسبة مائة بالمائة وأصبحت في‬
‫المقابل تزرع العنب وتنتج الخمور التي مازالت فرنسا‬
‫الدولة المستعمرة سابقا المشتري الول لها ‪.‬‬
‫ن الدول الستعمارّية ظّلت تحتفظ لنفسها بخرائط‬ ‫كما أ ّ‬
‫دقيقة عن مكان وجود الموارد الولّية من نفط وذهب‬
‫وغاز ويورانيوم وحديد ومياه جوفّية وغير ذلك من المور ‪.‬‬
‫ن معظم الدول التي كانت‬ ‫وعلى الصعيد الثقافي فإ ّ‬
‫مستعمرة – بفتح الراء – تعاني اليوم من أزمة هوّية ق ّ‬
‫ل‬
‫نظيرها أفضت إلى إنتاج حروب أهلّية بالجملة في أكثر‬
‫من دولة إسلمّية ‪ ,‬كما أعادت الحركات الستعمارية إحياء‬
‫الثنيات التي إنصهرت في بوتقة السلم على مدى أربع‬
‫عشر قرنا ‪ ,‬و إستغّلت التناقضات الداخلّية وتحوّلت‬
‫القلّيات إلى إطارات سياسّية وإيديولوجّية أفادت‬
‫ب الحنين‬ ‫الحركات الستعمارية في وقت لحق عندما د ّ‬
‫في هذه الحركات بمعاودة الكّرة التي كانت قبل أزيد من‬
‫قرن ‪.‬‬
‫وتمكنت الحركات الستعمارّية من غرس بذور ثقافية‬
‫وفكرية في التربة السلمية أينعت بعد حين تماما كما‬
‫قال الجنرال الفرنسي شارل ديغول وهو يغادر الجزائر‬
‫سنة ‪ 1962‬تحت ضغط الثورة الجزائرّية ‪ :‬لقد تركت في‬
‫الجزائر بذورا ستينع بعد حين ‪.‬‬
‫كت لحقا في هوّية‬ ‫وكانت هذه البذور هي التي شك ّ‬
‫الشعب الجزائري ذات البعدين العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الجيوسياسي ترك الستعمار أزمة الحدود‬
‫ماها‬ ‫ملتهبة بين كل الدول السلمّية تقريبا وهي التي س ّ‬
‫رئيس الديبلوماسية المريكية السبق هنري كيسنجر‬
‫بعوامل التوّتر التي تفيد الدارة المريكية عند الحاجة‬
‫والضرورة ‪ .‬ومازالت أزمة الحدود بين الدول السلمية‬
‫دت لنشوء صراعات متفاقمة بل مازالت تهدد ّ‬ ‫قائمة مه ّ‬
‫سط ‪.‬‬ ‫بإندلع صراعات حادة على المدى المتو ّ‬

‫‪109‬‬
‫وإذا كانت هذه صورة موجزة ومختزلة عن العالم‬
‫السلمي بالمس فإّنه اليوم ومع بداية اللفية الثالثة ل‬
‫يختلف كثيرا عن صورته في الماضي فالدول السلمية‬
‫مازالت عرضة للحتلل المباشر وما زال القسم الكبر‬
‫من العالم السلمي عرضة للغزو القتصادي والثقافي ‪.‬‬
‫ن هناك ثلث دول‬ ‫فعلى صعيد الحتلل العسكري فإ ّ‬
‫إسلمية محتلة إحتلل مباشرا من قبل الدولة العبرّية و‬
‫الوليات المتحدة المريكية الوريث الشرعي‬
‫للمبراطورية البريطانية كما قال هنري كيسنجر في مقالة‬
‫له عن النظام العالمي الجديد وهذه الدول هي فلسطين‬
‫وأفغانستان والعراق ‪ ,‬وهناك دول إسلمية تفّتت بسبب‬
‫الوليات المتحدة المريكية ومساعيها وهي إندونسيا‬
‫والتي إستقّلت عنها تيمور الشرقّية و الصومال ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫ن‬
‫هناك جمهوريات إسلمية تقبع تحت الحتلل الروسي‬
‫كالشيشان والتي لم تأخذ حظها من الستقلل ‪ ,‬على‬
‫ن الجمهوريات الكاثوليكية في التحاد‬ ‫الرغم من أ ّ‬
‫السوفياتي السابق نالت إستقللها بدعم من الغرب وعلى‬
‫رأسه الوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد القتصادي فما زالت الشركات المتعددة‬
‫الجنسيات المريكية في مجملها وصندوق النقد الدولي‬
‫كم في إقتصادّيات العالم السلمي وقد أصبحت‬ ‫يتح ّ‬
‫المساعدة القتصادية للعالم السلمي مقرونة بالرضوخ‬
‫طات‬‫السياسي والستجابة الكاملة لقرارات ومخط ّ‬
‫ن البنوك الدولية‬‫الرادات الدولّية ‪ ,‬والكثر من ذلك فإ ّ‬
‫ذات التمويل المريكي هي التي باتت تخطط المنهج‬
‫القتصادي لهذه الدولة السلمية وتلك ‪.‬‬
‫ن الدارة المريكة وضعت مخط ّ‬
‫طا كامل‬ ‫وثقافّيا فإ ّ‬
‫وإستراتيجية متعددة البعاد لعادة تأهيل العالم السلمي‬
‫ثقافيا وتربوّيا وعلمّيا ‪ ,‬وكل دولة إسلمية تحاول النطلق‬
‫من مقوماتها الذاتية وتعمل على إستكناه أسرار التقنية‬
‫وتحديدا تكنولوجيا السلح فإّنها تدرج في خانة الدول‬
‫م هائل من القوانين لمعاقبتها ‪.‬‬ ‫دة وبالتالي هناك ك ّ‬‫المتمر ّ‬

‫‪110‬‬
‫وبعد الحادي عشر من أيلول – سبتمبر خرجت أمريكا من‬
‫دائرة الرغبة في بسط الحتلل السياسي والقتصادي‬
‫والثقافي إلى الحتلل العسكري ‪ ,‬ومثلما كان العالم‬
‫السلمي في بداية القرن الماضي عرضة للستعمار‬
‫ن بداية قرنه الحالي بإحتلل أمريكا‬‫والحتلل فإّنه دش ّ‬
‫لدول مفصلية إستراتيجيا وجيوسياسّيا في الجغرافيا‬
‫السلمية وما زالت شهيتها مفتوحة إلى درجة أّنها أعادت‬
‫عسكرييها المتقاعدين إلى الخدمة وفي العالم السلمي !‬

‫حقيقة الديموقراطّية‬
‫المريكّية ! ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫عي الوليات المتحدة المريكّية أّنها لجأت وستلجأ إلى‬ ‫تد ّ‬
‫الحروب الجهاضّية والوقائّية من أجل نشر الديموقراطّية‬
‫والحرّية في الدول المحرومة من التحّرر وحقّ إتخاذ‬
‫القرار والمشاركة في صناعة الخطوط الكبرى للدولة ‪,‬‬
‫وينطبق صدر البيت الشعري العربي يعطيك بطرف‬
‫اللسان حلوة ‪ ,‬تماما على الوليات المتحدة المريكية‬
‫سد الهوة الساحقة بين النظرّية‬ ‫التي باتت أفضل من يج ّ‬
‫والتطبيق ‪.‬‬
‫فالديموقراطّية التي تعني في الفقه السياسي الغربي‬
‫وفي كل الدبيات الغربية الفرانكفونية والنجلوفونية و‬
‫عموم اللغات التي تنحدر من اللغتين اليونانية واللتينّية‬
‫حكم الشعب لنفسه أي ديموس كراتوس ‪ ,‬يبدو أّنها ل‬
‫تنسجم من بعيد أو قريب مع الديموقراطية المريكية‬
‫التي أجرت عليها المطابخ الفكرّية المريكّية تعديلت‬
‫جوهرّية في الصميم وفي المظهر ‪ ,‬وقد أصبحت هذه‬
‫الديموقراطّية المريكّية مصداقا لحكم القلّية للغلبية ‪,‬‬
‫ومصداقا لمسلكية المريكي في العيش وطريقة الحياة‬
‫م محّفز ومبرر للحروب‬ ‫فضل عن كونها أصبحت أه ّ‬
‫المريكية الجهاضّية ‪ .‬وأمريكا التي أوجدت الوضع‬
‫السياسي الستبدادي في العالم العربي والسلمي‬
‫والعالم الثالث من خلل دعمها لحركة العسكريتارّيا‬
‫والنقلبات العسكرية والنظم القمعّية إستثمرت هذا‬
‫الوضع لصالحها في وقت لحق و أطاحت بالذين قدموا‬
‫لها خدمات جليلة ومنهم على سبيل الذكر ل الحصر شاه‬
‫إيران الذي تخلى عنه المريكان ورفضوا حتى تقديم‬
‫حي له ‪ ,‬و ماركوس حاكم الفلبين ونورييغا في‬ ‫العون الص ّ‬
‫بنما وغيرهم ‪.‬‬
‫وتتمّيز الديموقراطّية المريكّية بالتناقض الفاضح‬
‫والمكشوف فهي في الوقت الذي ترخي فيه العنان‬
‫للدول الديكتاتورية المتأمركة و التي تسبح في التيار‬
‫المريكي وتقدم العون القتصادي والعسكري لها ‪ ,‬فإّنها‬

‫‪112‬‬
‫تحّتج على بعض الدول التي تنص إيديولجية خطابها‬
‫ن أمريكا تصادر خيرات الشعوب‬ ‫السياسي وأدبياتها أ ّ‬
‫ومقوماتها القتصادية ‪ ,‬فمفهوم‬
‫الديكتاتورية نسبي في الفقه السياسي المريكي تماما‬
‫كمفردة الديموقراطّية ‪ ,‬ففي أفغانستان وعندما إحتّلتها‬
‫أمريكا قامت بتحرير الفغان من قيمهم وأصالتهم‬
‫ن الديموقراطية المريكية تعني‬ ‫وحضارتهم ودينهم وكأ ّ‬
‫ما‬
‫فيما تعني وأد الدين وإلغاء الخصوصّيات التي تّعد مقو ّ‬
‫ي في الحالة الفغانية لم تعمل بمبدأ‬ ‫إجتماعيا مهما ‪ ,‬فه ّ‬
‫حكم الغلبية حيث الغلبية هناك تريد السلم ‪ ,‬بل قامت‬
‫بتشكيل حكومة على عينها عشرة من أعضائها يحملون‬
‫الجنسية المريكية من الذين أدمنوا الفكر التغريبي‬
‫العلماني وجاءوا ليطبقوه على مجتمع ل يعرف منذ عصور‬
‫غير السلم كمصدر عّزة وكرامة له ‪.‬‬
‫ونفس السيناريو يريد المريكيون فرضه على العراق‬
‫ن السلم‬ ‫صد أ ّ‬‫حيث قرروا وتحت سبق الصرار والتر ّ‬
‫والدين يجب أن يبقيا بمنأى عن اللعبة السياسية في‬
‫ن الرئيس المريكي جورج بوش وحاشيته‬ ‫العراق ‪ ,‬علما أ ّ‬
‫ينطلقون في صياغة رؤاهم من النصوص البروتساتنية‬
‫دة ‪ ,‬وبوش نفسه قال عن القسيس بيل غراهام‬ ‫المتشد ّ‬
‫أّنه الرجل الذي قاده إلى الخير ‪ ,‬فكيف يسمح بوش‬
‫لنفسه أن يعّبر عن رجل دين مسيحي بمثل هذا التعبير‬
‫ول يسمح للمسلمين أن يتخذوا من إسلمهم مرجعا في‬
‫ن واشنطن‬ ‫حكومتهم المقبلة ‪ ,‬و من المثلة الخرى أ ّ‬
‫أمرت جنودها في العراق بإعتقال محسن الزبيدي رئيس‬
‫اللجنة الدارية في بغداد و الذي عينه وجهاء مدينة بغداد‬
‫جة أّنه ل يحظى بالشرعية التي تمنحها أمريكا ‪.‬‬ ‫بح ّ‬
‫ن واشنطن فرضت على‬ ‫وبعيدا عن العالم السلمي فإ ّ‬
‫الدول الشتراكية سابقا أن تلعن ما كانت عليه من مذهب‬
‫فكري وسياسي وتعتنق الديموقراطية المريكية مقابل‬
‫الحصول على مساعدات وإعادة تأهيل لقتصادها‬
‫وسياستها ‪ ,‬وهذا يكشف أنّنا لسنا أمام ديموقراطية تعني‬
‫حكم الشعب لنفسه بقدر ما نحن أمام أمبريالية‬

‫‪113‬‬
‫إستعمارّية جديدة تحسن إستغلل مفاهيم الحرّية و حق‬
‫الشعوب في إدارة المور وتقاسم الثروات ‪ ,‬فأمريكا ذات‬
‫المائتين مليون نسمة تريد أن تفرض نموذجها على‬
‫خمسة مليير شخص في القارات الخمس وقد بدأت‬
‫الدبابة المريكية بفرض المركة على العالم العربي‬
‫ن السلم وبتعبير رئيس الديبلوماسية‬ ‫والسلمي ل ّ‬
‫المريكية السبق هنري كيسنجر هو القدر على مواجهة‬
‫الغرب ومنافسته ‪.‬‬
‫ل أبرز من فضح المشروع المريكي هي مجلة‬ ‫ولع ّ‬
‫كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمّية بقولها ‪:‬‬
‫ن أمريكا تهدف إلى تفتيت كل الدول المجاورة من النيل‬ ‫أ ّ‬
‫إلى الفرات وهي الطريقة الفضل التي تستجيب لطماع‬
‫الهيمنة العالمية للوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬
‫وفي السياق نفسه نشرت مجلة السطول المريكية‬
‫المتخصصة في القضايا الستراتيجية والدفاعية سنة‬
‫‪ 1990‬مقال جاء فيه ‪:‬‬
‫يجب ضمان وصولنا إلى السواق القتصادية في العالم‬
‫كله دون عقبات ‪ ,‬وكذلك إلى المصادر الضرورّية لتأمين‬
‫إحتياجاتنا الصناعية ‪ ,‬لذلك يجب علينا إيجاد قدرة موثوقة‬
‫خل المسّلح مع قوى غزو فعلّية قادرة على تنفيذ‬ ‫للتد ّ‬
‫طيف واسع من المهمات ‪.‬‬
‫و يتضح من خلل هذه النصوص وعشرات اللف من‬
‫النصوص المريكية في المصادر والمراجع المريكية‬
‫ن الديموقراطية المركية هي شبيهة بقول‬ ‫المعتمدة أ ّ‬
‫فرعون الذي أورده القرآن الكريم كما هو ‪:‬‬
‫ل أريكم إل ما أرى ‪ ,‬فهل ينتبه من يراهن على أمريكا‬
‫كمنقذ ومحرر !‬

‫‪114‬‬
‫دام حسين طاغية بإمتياز‬‫ص ّ‬
‫وأمريكا ملهمته !‬

‫على إمتداد حياتي الصحفّية لم أمدح أيّ طاغّية من‬


‫ن الطغاة‬ ‫ص على أ ّ‬‫الطغاة بل كنت أتبنى الرأي الذي ين ّ‬
‫هم سبب نكباتنا السياسّية والقتصادّية و الجتماعّية‬
‫ن الطغاة مراتب‬ ‫والثقافّية في العالم العربي ‪ ,‬غير أ ّ‬
‫ل الرئيس العراقي المخلوع‬ ‫ودركات تماما كجهّنم ‪ ,‬ولع ّ‬
‫صاص الدماء يقف على رأس قائمة الطغاة‬ ‫أبي المقابر وم ّ‬
‫دام‬
‫في العالم العربي ‪ ,‬ومعرفتي بجرائم الطاغية ص ّ‬
‫ي المتعددة وإرتحالي من وطن‬ ‫حسين ليست وليدة مناف ّ‬
‫إلى وطن وإحتكاكي بالمنفيين العراقيين في كل الرصفة‬
‫التي كنت أمّر عليها ‪ ,‬بل مرد ّ هذه المعرفة يعود إلى‬
‫تقييم دقيق لداء الحكم الشمولي العراقي على مدي ربع‬
‫قرن ونّيف ‪ ,‬وقد كتبت عشرات المقالت في الصحافة‬
‫الجزائرّية و العربية وفي الغرب عن مظلومّية الشعب‬
‫العراقي وتعاسته وما يلقيه من ظنك وعذاب جّراء حكم‬
‫دام حسين ‪ ,‬وقد فضحت ذات يوم‬ ‫صاص الدماء ص ّ‬ ‫م ّ‬
‫سفير العراق في الجزائر عبد الكريم المل ّ وزير الشباب‬
‫والرياضة سابقا عندما كشفت وأمام جمهرة من‬
‫الصحفيين الجزائريين ما لقه العراقيون الذين هجّرهم‬
‫ن أصولهم أعجمّية‬ ‫جة أ ّ‬‫حزب البعث العراقي إلى إيران بح ّ‬
‫‪ ,‬وقد رفضت في ذلك الوقت دعوة لجراء تحقيقات‬
‫صحفّية في العراق وقد أوضحت رأيي في حكم الطاغّية‬

‫‪115‬‬
‫دام حسين بكل وضوح ‪ ,‬وبعد ذلك بسنوات تلقيت‬ ‫ص ّ‬
‫دعوة من هيئة ثقافية عربية كبيرة للمشاركة في مؤتمر‬
‫ن الذي يكتب عن‬ ‫أقيم في العراق فرفضت الدعوة ل ّ‬
‫حكم الجنرالت في الجزائر وحكم السلطين في المغرب‬
‫وحكم العساكر في تونس وحكم الغلمان في دول الخليج‬
‫لبد ّ أن يكون موقفه واضحا من حكم الطغاة في العراق‬
‫ويشهد الله أنني قبيل تلقيي هذه الدعوة رأيت في عالم‬
‫الرؤيا كأنني في بغداد فأمر صدام حسين بتفتيش أوراقي‬
‫كافة والشروع في إعتقالي فقلت لما أستيقظت ‪ :‬سبحان‬
‫الله الطغاة يلحقوننا حتى في عالم الرؤيا ‪.‬‬
‫جاه المعاكس في قناة‬ ‫وعندما جمعني لقاء في برنامج الت ّ‬
‫الجزيرة مع الستاذ موّفق الربيعي أحد السلميين‬
‫ن صدام طاغية ومتجبر‬ ‫ح بأ ّ‬
‫دت أن أصر ّ‬ ‫المستقلين تعم ّ‬
‫ولو لم يعدم غير المفكر البارز الستاذ محمد باقر الصدر‬
‫صاحب كتابي فلسفتنا و إقتصادنا لكفاه سوءا و طغيانا‬
‫وإجراما وتجبرا ‪ ,‬لقد قلت هذا الكلم وقد كنت على يقين‬
‫ن أعلى القيادات العراقية كانت تشاهد هذا البرنامج ‪.‬‬ ‫بأ ّ‬
‫ن صدام حسين طاغية محلي وأمريكا‬ ‫غير أنني أوضحت أ ّ‬
‫ن الموقف الوطني والمشّرف‬ ‫ور أ ّ‬
‫طاغية عالمي ‪ ,‬و أتص ّ‬
‫هو الذي يدين الطاغية صدام حسين ويدين في الوقت‬
‫م أليست واشنطن هي‬ ‫نفسه الحتلل المريكي للعراق ‪ ,‬ث ّ‬
‫التي رّبت صدام حسين و ألهمته سبل الوصول إلى حكم‬
‫العراق في أبرز محطات حياة صدام حسين !‬
‫ألم تعتبر واشنطن وصول صدام حسين إلى السلطة في‬
‫العراق إنتصارا لخطتها وإستراتيجيتها في هذه المنطقة !‬
‫ألم تقدم واشنطن لصدام حسين الدعم تلوى الدعم و‬
‫النصيحة تلوى النصيحة وأعتبرته خير وسيلة لتمرير‬
‫الطروحات المريكية في العالم العربي وفي الخليج على‬
‫وجه التحديد !‬
‫لقد سئلت أثناء أزمة الخليج الثانية عن رأيي في صدام‬
‫حسين وهل ستطيح به أمريكا فقلت هناك قول معروف‬
‫طاب عن علي بن أبي طالب وهو‬ ‫في الثر قاله عمر الخ ّ‬
‫ل أبقاني الله في معضلة ليس فيها أبو الحسن ‪ ,‬ولسان‬

‫‪116‬‬
‫حال أمريكا اليوم هو ‪ :‬ل أبقانا الله في معضلة ليس فيها‬
‫أبو عديّ ‪.‬‬
‫دام حسين وسياسته الرعناء المدروسة‬ ‫ومن خلل ص ّ‬
‫ن المريكان من تفعيل إستراتيجيتهم وبسط‬ ‫تمك ّ‬
‫ل المريكان صدام حسين‬ ‫سيطرتهم على المنطقة وحو ّ‬
‫ي يخيف أمراء الخليج أصحاب الجلبيب المكيّفة‬ ‫إلى جن ّ‬
‫ق‬
‫بآخر أجهزة التكييف المريكية ‪ ,‬و من خلله أيضا ش ّ‬
‫المريكان عصا المنطقة و جعلوا من صدام نار زرادشت‬
‫الدائمة والزلّية حتى تكون الحاجة إلى رجال الطفاء‬
‫المريكان ضرورّية دوما وأبدا ‪.‬‬
‫ومثلما أجاز المريكان لصدام الهجوم على إيران ومن‬
‫ضون الطرف عن كل‬ ‫بعد ذلك على الكويت فقد كانوا يغ ّ‬
‫ممارساته العدوانية والدموية و السادّية حيث سيسج ّ‬
‫ل‬
‫ن صدام حسين قد جعل البشرية تعفو‬ ‫الراهن والتاريخ أ ّ‬
‫عن الفراعنة والقياصرة الذين إستعبدوا النسان‬
‫وإسترخصوا روحه ‪ ,‬فصدام لم يقترف مجزرة واحدة في‬
‫ن يحول كل المحافظات‬ ‫حقّ شعبه ‪ ,‬بل نجح بإمتياز أ ّ‬
‫العراقية إلى مقابر ومازالت إلى يومنا هذا أرض العراق‬
‫دام بالبرياء و‬‫حبلى بآلف المقابر التي عبأها ص ّ‬
‫دام حسين يحرمهم من‬ ‫المستضعفين الذين كان ص ّ‬
‫التنّفس ‪.‬‬
‫وأدعو الله تعالى أن يلقي العراقيون القبض على صدام‬
‫حسين ليحلقوا شاربه لّنه مخنث إستضعف شعبه بإمتياز‬
‫وليس فيه من علمات الرجولة شيئ ‪ ,‬و ليضعوه في‬
‫ساحة عامة من ساحات العراق ليتسنى لكل إنسان‬
‫عراقي من صفعه بقوة وعلى مدى عشرات السنين ‪,‬‬
‫والصفعة قليلة في حقّ طغاتنا الذين سخرتهم واشنطن‬
‫لذللنا و إستعبادنا وتفقيرنا حتى إذا دنت ساعة تنفيذ‬
‫الستراتيجية المريكية التوسعية توهمنا أّنها تريد أن‬
‫تحررنا من طغاة هي صنعتهم وأمدتهم بكل أنواع السلحة‬
‫وأجهزة التعذيب حتى الكلب الكلة للبشر ‪ ,‬و عقب ذلك‬
‫تعّين صداميين جددا بأثواب جديدة في دوائر القرار‬
‫تستخدمهم لمد معين ريثما يحين تنفيذ الستراتيجية‬

‫‪117‬‬
‫الخرى ‪ ,‬وإذا كانت اللعبة واضحة في المشهد العراقي‬
‫ن الشعب‬ ‫بين الطاغية صدام و مربّيه المريكان ‪ ,‬فإ ّ‬
‫العراقي ومعه الشعوب العربية سيلعنون الطاغية صدام‬
‫حسين وأقرانه الطغاة العرب الذين كّلفوا بوظيفة واحدة‬
‫فقط هي تكفير الشعوب العربية بكل القيم والمبادئ‬
‫وإذاقتهم العلقم حتى يستصرخ هؤلء أغثنا أيها الطاغية‬
‫الكبير الكبر الوحيد الوحد أمريكا وأجرنا من أبنائك‬
‫وة إل ّ بالّله !!!!‬
‫الطغاة الصغار ‪ ,‬ول حول ول ق ّ‬

‫أمريكا في الجزائر ‪.‬‬

‫لم تمض أّيام على التصريحات التي أطلقها الرئيس‬


‫الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في جنوب إفريقيا قبل‬
‫ن الوليات‬ ‫بداية الغارة المريكية على أفغانستان من أ ّ‬
‫المتحدة المريكية لم تتجاوز حدود المنطق في حربها في‬
‫ن عدد القتلى من الفغان مقبول للغاية ‪,‬‬ ‫أفغانستان وأ ّ‬
‫حتى فتح البيت البيض مجددا أبوابه لعبد العزيز بوتفليقة‬
‫ن بوتفليقة كان في واشنطن في تموز – يوليو‬ ‫علما أ ّ‬
‫الماضي ‪ , 2001‬وقد أستقبل للمرة الثانّية في البيت‬
‫البيض مرتين في نفس السنة‪ .‬وكانت حقيبة بوتفليقة‬
‫ملىء بالملفات المنّية والمعلومات التي كانت تريدها‬
‫واشنطن وقد طلبتها مباشرة من الجزائر ‪ ,‬ومن هذه‬
‫الملفات كل ما تعرفه الجزائر عن أسامة بن لدن‬
‫وعلقاته بالجماعات السلمية الجزائرّية المسلحة وغيرها‬

‫‪118‬‬
‫داخل الجزائر وفي العواصم الغربّية ‪ ,‬وقد أبدى‬
‫ن‬
‫المسؤولون المريكيون كامل سرورهم و خصوصا أ ّ‬
‫الملفات الجزائرّية دسمة إلى أبعد الحدود وتحوي‬
‫بالضافة إلى المعلومات الخاصة والدقيقة معلومات‬
‫أخرى تتعّلق باستراتيجّيات الحركات السلمّية بمختلف‬
‫تنوعاتها ‪ .‬ومقابل هذه الخدمة التي أعتبرتها واشنطن‬
‫ن واشنطن قرّرت مد ّ الجيش الجزائري بمعدات‬ ‫جّبارة فا ّ‬
‫عسكرّية وحربية كان الجيش الجزائري محروما منها‬
‫بسبب موقف واشنطن من الداء السياسي للحكومة‬
‫ن‬‫جاه التعامل مع التيارات السلمية ‪ ,‬كما أ ّ‬ ‫الجزائرية ت ّ‬
‫بوتفليقة حصل على تزكية واشنطن لنظامه ووعد الرئيس‬
‫المريكي بتقديم مساعدات وقروض أمريكية للجزائر في‬
‫كافة المجالت ‪ .‬ومن جهة أخرى تعيد الجهزة المنية‬
‫الجزائرية التحقيق مع كل الفغان الجزائريين المعتقلين‬
‫لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول أسامة بن‬
‫لدن وتفاصيل حياته ونشاطاته وطرق تفكيره ومجالت‬
‫جه‬‫ن هذه المعلومات ستتو ّ‬ ‫استثماره وبطبيعة الحال فا ّ‬
‫فورا إلى واشنطن وخصوصا بعد تشكيل لجنة أمنّية‬
‫مشتركة بين الجزائر وواشنطن ‪ .‬وقد عاب العديد من‬
‫المراقبين في العاصمة الجزائرية على الرئيس الجزائري‬
‫ساس من‬ ‫لجوءه إلى المناورة في التعامل مع موضوع ح ّ‬
‫قبيل إبادة دولة إسلمية والستعداد لعادة صياغة‬
‫نظامها السياسي وفق الرؤّية المريكية ‪ .‬فبوتفليقة كان‬
‫ن هذه الحرب صليبّية بكل أبعادها ‪ ,‬وأّنه‬ ‫يصّرح سابقا بأ ّ‬
‫يجب على واشنطن أن تتوّقف عن استهداف المدنيين ‪,‬‬
‫وعلى وقع هذه التصريحات كانت القنوات المنّية‬
‫والسياسية والديبلوماسّية بين واشنطن والجزائر تشهد‬
‫ن واشنطن التي كانت‬ ‫سخونة غير عادّية الى درجة أ ّ‬
‫تعتبر النظام الجزائري عسكريا ّ وغير ديموقراطي راحت‬
‫تبادر الى اجراء اتصالت هاتفّية مع قصر المرادّية – قصر‬
‫الرئاسة – وماكانت واشنطن لتغّير موقفها من الجزائر‬
‫لول غزارة المعلومات التي تلقتها من الجزائر والتي بدأت‬
‫تظهر أثارها في العديد من المواقع الجغرافّية من خلل‬

‫‪119‬‬
‫العتقالت التي طاولت مئات الجزائريين في كندا وأوروبا‬
‫ن لهم علقة‬ ‫وأمريكا وبعض الدول العربية ‪ ,‬والمتهمين بأ ّ‬
‫ضت لها‬ ‫بأسامة بن لدن وحتى بالتفجيرات التي تعر ّ‬
‫أمريكا في الحادي عشر من أيلول – سبتمبر ‪ .‬و قد قلب‬
‫جن لتصريحاته السابقة وأبلغ بوش‬ ‫بوتفليقة ظهر الم ّ‬
‫ن الجزائر شريك فّعال في الحرب المريكية‬ ‫شخصّيا أ ّ‬
‫على الرهاب‪ ,‬وهذا الموقف الجزائري الذي عبّر عنه‬
‫بوتفليقة في البيت البيض ل يهدف إلى الحصول على‬
‫الشرعية من واشنطن والقروض والسلحة المرجوة ‪ ,‬بل‬
‫تهدف إلى محاولة إقناع واشنطن بسلمة الموقف‬
‫الجزائري من قضية الصحراء الغربّية وبالتالي الحصول‬
‫على دعم واشنطن لقّيام دولة البوليساريو في الصحراء‬
‫الغربّية ‪ ,‬وقد فهمت الرباط هذا التحرك الجزائر في‬
‫دت عليه فورا من خلل تصريح للعاهل‬ ‫واشنطن ور ّ‬
‫ن مناطق الصحراء الغربّية‬ ‫مد السادس من أ ّ‬ ‫المغربي مح ّ‬
‫هي مناطق مغربّية و هي جزء ل يتجزأ من السيادة‬
‫المغربية وستعمل المغرب على إنمائها كباقي المناطق‬
‫المغربّية ‪ .‬ومن المتوّقع كما يقول مراقبون في العاصمة‬
‫الجزائرّية أن تشهد العلقات المريكية – الجزائرية‬
‫ن الجهات‬ ‫تطورات ملحوظة في الّيام المقبلة خصوصا وأ ّ‬
‫الرسمية في الجزائر عملت على إبرا أهمية الموقع‬
‫الجيوسياسي للجزائر وأهمية الثروات النفطّية التي‬
‫مازالت بدون استثمار وفي ذلك محاولة لسالة‬
‫ن بوتفليقة الذي‬ ‫اللعاب المريكي ‪ .‬وفوق هذا وذاك فا ّ‬
‫م كل الوراق لواشنطن وللرئيس بوش تحديدا كان‬ ‫قد ّ‬
‫مه بالدرجة الولى أن يحصل على ورقة قوّية وضاغطة‬ ‫يه ّ‬
‫يستقوي بها على الجنرالت الذين يعملون على سحب‬
‫ن الكثير من هؤلء‬ ‫صلحّياته ‪ ,‬خصوصا إذا علمنا أ ّ‬
‫الجنرالت محسوبون على باريس !!!‬

‫‪120‬‬
‫الجزائر و التحالف‬
‫الستراتيجي مع أمريكا ‪.‬‬
‫بنت السلطة الجزائرية أساس تحالفها مع واشنطن على‬
‫مجموعة أمور إستراتيجية وسياسية وإقتصادية وأمنية ‪,‬‬
‫ن الجزائر التي تريد أن‬ ‫فعلى الصعيد الستراتيجي فإ ّ‬
‫تتّزعم المغرب المغرب العربي وحتى إفريقيا لن يتأتىلها‬
‫وي وفي كل المجالت ‪ ,‬و‬ ‫ذلك بدون دعم أمريكي ق ّ‬
‫الفرق بين جزائر هواري بومدين و جزائر عبد العزيز‬
‫ن بومدين كان يسعى لكي تكون الجزائر‬ ‫بوتفليقة اليوم ‪ ,‬أ ّ‬
‫يابان العالم العربي إنطلقا من المقومات الذاتية‬
‫الجزائرية وليس إعتمادا على محور موسكو أو واشنطن ‪,‬‬
‫بينما بوتفليقة قرّر أن يضع كل مصير الجزائر في السّلة‬
‫المريكية ودفعة واحدة طمعا في ولية ثانية بدأ يمّهد لها‬
‫من الن رغم رفض بعض كبار الضّباط التجديد له ‪,‬‬
‫عت‬ ‫وطمعا في إنهاء العنف العمى في الجزائر والذي إد ّ‬
‫ن‬
‫السلطة الجزائرّية مرارا وتكرارا أّنها قضت عليه ‪ ,‬وتبي ّ‬
‫ن هذه التصريحات الرسمّية تندرج في سّياق الستهلك‬ ‫أ ّ‬
‫ؤدي التحالف المريكي‬ ‫العلمي المحّلي والخارجي وقد ي ّ‬
‫– الجزائري إلى تحقين الجماعات السلمية المسلحة ضد ّ‬
‫السلطة الجزائرّية‬
‫وضد ّ المصالح المريكية والغربّية في الجزائر المر الذي‬
‫دي‬
‫قد يؤ ّ‬
‫جه إلى الجزائر للمساهمة‬ ‫إلى تفكير واشنطن بالتو ّ‬
‫وبشكل مباشر في الصراع الجزائري الداخلي ‪ .‬وإقامة‬
‫قاعدة أمنية للمخابرات والجهزة المنية المريكية في‬
‫الجزائر وإمداد الجزائر بمعدات حربّية و عسكرّية متطورة‬
‫سيكون له دور كبير في تكريس الدور المريكي‬
‫دي هذا الوجود المريكي‬ ‫المستقبلي في الجزائر ‪ ,‬وقد يؤ ّ‬
‫في الجزائر إلى إنفجار الصراع بين مراكز القوة في‬
‫وى بالمريكان على‬ ‫الجزائر خصوصا وأن بوتفليقة يتق ّ‬
‫الجنرالت الذين يسعون للحؤول دون أن تتوسع صلحّيات‬

‫‪121‬‬
‫بوتفليقة الرئاسّية ‪ .‬وقد يترّتب على ذلك إزاحة الجنرالت‬
‫عن الحكم في الجزائر وإعادة صياغة نظام سياسي‬
‫مد تواتي يصّرح إلى‬ ‫جديد و هذا ما جعل الجنرال مح ّ‬
‫ن الجزائر لن تتحالف عسكرّيا‬ ‫جريدة يومّية جزائرية قائل أ ّ‬
‫ن الجزائر‬ ‫لضرب دولة أخرى ‪ ,‬وقال في تصريحه أ ّ‬
‫وتطبيقا للدستور في مادتيه ‪ 27‬و ‪ 28‬يحول دون أن‬
‫ن الجيش‬ ‫تقوم الجزائر بهذه الخطوة ‪ .‬وعلى صعيد آخر فا ّ‬
‫الجزائري منهك في حربه مع الجماعات السلمّية‬
‫المسلحة ول يمكن أن يدخل في حروب أخرى قد ترهق‬
‫ن ذلك قد يجلب عليه‬ ‫كاهله وتكلّفه الكثير بالضافة إلى أ ّ‬
‫سخط الشارع العربي والسلمي ‪.‬‬
‫ن السلطات الجزائرّية التي بادرت‬ ‫ومن جهة أخرى فا ّ‬
‫إلى تقديم كل ما لديها من معلومات عن عناصر‬
‫جزائرّية إسلمية لها علقة بأسامة بن لدن ‪ ,‬وقدمت أزيد‬
‫من ذلك ‪ ,‬فإّنها حصدت خيبة أمل كبيرة ولم تتعامل معها‬
‫ن‬
‫العاصمة واشنطن والعواصم الغربية بالمثل ‪ ,‬حيث أ ّ‬
‫الجزائر طلبت من بريطانيا وبعض العواصم الغربية‬
‫ن هؤلء‬ ‫تسليمها عناصر إسلمية جزائرّية وجاءها الرد ّ با ّ‬
‫يتمتعون بحق اللجوء السياسي و العواصم الغربية ليست‬
‫في وارد أن تضع قوانينها جانبا من أجل الجزائر ‪ ,‬و بناءا‬
‫ن للرسميين الجزائريين الذين باركوا الخطوات‬ ‫عليه تبي ّ‬
‫المريكية وفتحوا خزائن أمنهم القومي وأرشفيهم‬
‫المعلوماتي للمريكان والغربيين يشعرون أّنهم ابتّزوا بل‬
‫ثمن ول مقابل ومع ذلك وافقوا أن تكون لمريكا قاعدة‬
‫أمنية في الجزائر طمعا في التغلب على الجماعات‬
‫السلمية المسلحة في الجزائر وطمعا في الرضا عن‬
‫النظام الجزائري المتورط في إنتهاك حقوق النسان‬
‫وطمعا في حل أمريكي لزمة الصحراء الغربية يرضي‬
‫الجزائر وجبهة البوليساريو ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تحمس السلطة الجزائرية لتحالفها‬
‫ن بعض المراقبين‬ ‫المني والستراتيجي مع واشنطن فإ ّ‬
‫ن سلطتهم قد إقترفت خطأ‬ ‫الجزائريين يرون أ ّ‬
‫استراتيجّيا فظيعا عندما قدمت للمريكان أدّلة تفيد بأ ّ‬
‫ن‬

‫‪122‬‬
‫الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي يتزعمها حسن‬
‫طاب قام أسامة بن لدن زعيم تنظيم القاعدة بتأسيسها‬ ‫ح ّ‬
‫ها بالدعم المادي واللوجستي مقابل أن‬ ‫وهو الذي يمد ّ‬
‫تقوم عناصر الجماعة بتقديم يد العون لبن لدن في‬
‫العواصم الوروبّية و قد أعتقلت السلطات السبانّية‬
‫عناصر جزائرّية تنتمي إلى الجماعة السلمية للدعوة‬
‫والقتال و تنسقّ مع أسامة بن لدن و كانت مدريد تلقت‬
‫معلومات من الجهزة الفرنسية التي تمدها الجهزة‬
‫الجزائرية بكل التفاصيل بغية السكوت عن موضوع حقوق‬
‫ن السلطة الجزائرية لم‬ ‫النسان في الجزائر ‪ ,‬وباعتبار أ ّ‬
‫تعد قادرة على القضاء على جماعة بن لدن في الجزائر‬
‫مة في الجزائر‬ ‫فلبد ّ أن يتولى الجيش المريكي هذه المه ّ‬
‫ن مهمة الجيش المريكي على مدى عشر‬ ‫باعتبار أ ّ‬
‫سنوات يسعى للقضاء على بن لدن وقاعدته العربية‬
‫والسلمّية ‪ .‬والرسميون الجزائريون عندما سارعوا إلى‬
‫فتح ملفاتهم كان همهم أن يحصلوا وبشكل فوري على‬
‫دعم منقطع النظير وتزكّية من واشنطن للقيام بكل ما‬
‫في وسعهم لستئصال الجماعات المسلحة ‪ .‬بالضافة إلى‬
‫الدعم المادي والعسكري ‪ .‬وعلى الرغم من أن الرئيس‬
‫الجزائري لدى زيارته الخيرة إلى مناطق الشرق‬
‫ح بأّنه آن الوان لنجاح‬ ‫الجزائري جيجل وسكيكدة صر ّ‬
‫المصالحة الوطنية في الجزائر ويجب أن نترّقى من الوئام‬
‫المدني إلى المصالحة الوطنّية ‪ ,‬وهذه التصريحات‬
‫تستبطن استشعارا عن بعد لخطورة المرحلة المقبلة‬
‫وخصوصا إذا ما أستمّر الوضع المني منهارا في الجزائر ‪,‬‬
‫ن منتدى الناتو سبق وأن أعد ّ وثيقة‬ ‫وتجدر الشارة إلى أ ّ‬
‫تتحدث عن سبل التدخل في الجزائر فيما لو انهار الوضع‬
‫عن بكرة أبيه في الجزائر ‪ ,‬وقد أصبحت هذه التصريحات‬
‫في خبر كان بعد القرار العملي بمواصلة الستئصال ومع‬
‫أمريكا هذه المرة و على الرض الجزائرية ‪.‬‬
‫و كان يجب على الرسميين الجزائريين أن يترّوا قبل أن‬
‫وا خدماتهم المجانّية للمريكان والعواصم الغربية ‪,‬‬ ‫يقدم ّ‬
‫فمصر التي تربطها بواشنطن علقات أشد عمقا من‬

‫‪123‬‬
‫العلقات الجزائرية – المريكية ترّوت في الدلء بموقفها‬
‫من التحالف الدولي ضد ّ أفغانستان وأعلنت أن الصراع‬
‫مر على إيقاعه الحالي‬ ‫العربي – السرائيلي إذا ما أست ّ‬
‫سيوّلد كوارث ل أحد يدرك عقباها ‪ .‬و الجزائر بموقفها‬
‫ما تدعو واشنطن للتدخل في شؤونها الداخلية ‪,‬‬ ‫الحالي إن ّ‬
‫وتدعوها لتكون طرفا في صراعها الداخلي مع الجماعات‬
‫السلمّية المسلحة ‪ ,‬وهذه الدعوة وان كانت مبطّنة إل ّ‬
‫ن‬
‫أنّها تسيل اللعاب المريكي خصوصا إذا علمنا أ ّ‬
‫ط للستحواذ على استثمار الطاقة‬ ‫واشنطن ما فتئت تخط ّ‬
‫الجزائرية تسويقا واستخراجا و إشرافا ‪ ,‬وتكشف‬
‫ن الشركات المريكية باتت‬ ‫الحصاءات الجزائرّية الخيرة أ ّ‬
‫صة السد في قطاع الطاقة الجزائري ‪ ,‬فيما‬ ‫تملك ح ّ‬
‫الشركات الفرنسية باتت تكتفي بما يلبي حاجة الستهلك‬
‫المحّلي في فرنسا وبعض السواق الوروبّية ‪ ,‬والخطر‬
‫عت في خطوتها التحالفّية‬ ‫ن الجزائر التي تسر ّ‬ ‫من ذلك فا ّ‬
‫مع واشنطن يبدو أّنها لم تسأل عن موقف واشنطن من‬
‫حقّ البربر في إقامة دولتهم في الجزائر !!!‬

‫حاد الوروبي‬ ‫الناتو والت ّ‬


‫يفتحان أبوابهما للجزائر !‬

‫تعتبر الجزائر الدولة العربّية الوحيدة التي قطفت‬


‫وبسرعة ثمار تعاملها المني والمعلوماتي المكّثف مع‬
‫واشنطن عقب أحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر‬
‫التي عصفت بالولّيات المتحدة المريكّية ‪ ,‬وكانت الجزائر‬
‫مت حصيلة كبيرة من المعلومات عن عناصر‬ ‫قد قد ّ‬
‫جزائرّية يعتقد أّنها تنتمي إلى تنظيم القاعدة وتنشط في‬
‫م الهائل من المعلومات‬ ‫عواصم غربّية عديدة ‪ ,‬والك ّ‬
‫مة لواشنطن جعل هذه الخيرة تدعو إلى‬ ‫الجزائرّية المقد ّ‬
‫ن‬
‫تشكيل لجنة أمنّية مشتركة أمريكّية – جزائرّية ‪ ,‬كما أ ّ‬
‫الخطوط الهاتفّية و التصالت بين واشنطن والجزائر‬

‫‪124‬‬
‫كانت ساخنة إلى أبعد الحدود ‪ ,‬فجورج بوش أجرى اتصال‬
‫هاتفّيا بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أثناء الغارة‬
‫المريكّية على أفغانستان حيث وضعه في صورة‬
‫السيناريو المريكي في أفغانستان ‪ ,‬وأعقب هذه المكالمة‬
‫اتصالت واسعة بين البلدين ‪ ,‬كان أخرها الزيارة التي قام‬
‫بها ولّيام بيرنز كاتب الدولة المريكي المكّلف بشؤون‬
‫الشرق الوسط السبوع الماضي ‪ .‬وقد لعبت واشنطن‬
‫دورا كبيرا في تمهيد الطريق للجزائر لتوقيع اتفاقّية أمنّية‬
‫واسعة مع حلف الشمال الطلس – الناتو – و التوقيع‬
‫على معاهدة الشراكة الجزائرّية –الوروبّية أثناء زيارة‬
‫الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة‬
‫ن التحاد‬ ‫الولى إلى العاصمة البلجيكّية بروكسل ‪ ,‬علما أ ّ‬
‫الوروبي كان يرفض جملة وتفصيل إدخال الجزائر في‬
‫الشراكة الوروبّية وقد رفض هذا الموضوع في سنة‬
‫‪ 1996‬إلى‬
‫جانب رفض الطلب السوري بالنضمام إلى الشراكة‬
‫الوروبّية ‪ ,‬و كان التحاد الوروبي يعترض على انتهاك‬
‫حقوق النسان في الجزائر و مافتئ يعلن عن عدم أهلّية‬
‫دت‬ ‫الجزائر في النضمام إلى الشراكة مع أوروبا ‪ .‬وقد تبد ّ‬
‫كل العتراضات الوروبّية وتلشت كل المآخذ التي كان‬
‫حاد الوروبي على الجزائر في مجالت حقوق‬ ‫يأخذها الت ّ‬
‫النسان و وضع المعتقلين و المفقودين بالضافة إلى‬
‫حرمان الحزاب السّياسية من التداول على السلطة ‪.‬‬
‫دى إلى قبول الجزائر‬ ‫ن دخول واشنطن على الخط أ ّ‬ ‫غير أ ّ‬
‫حاد الوروبي وحليفا أمنّيا واستراتيجّيا لحلف‬ ‫شريكا للت ّ‬
‫الناتو ‪ ,‬واللقاء الذي جمع بين الرئيس الجزائري عبد‬
‫العزيز بوتفليقة والمين العام لحلف الشمال الطلسي ‪-‬‬
‫الناتو ‪ -‬جورج روبرستون أفضى إلى وضع رؤّية مشتركة‬
‫بين الجزائر والناتو وانتهت بالتوقيع على اتفاقّية أمنّية‬
‫دي إلى فتح الجغرافّيا الجزائرّية أمام‬‫متكاملة قد تؤ ّ‬
‫وات الطلسّية فيما لو تطوّرت الوضاع المنّية بشكل‬ ‫الق ّ‬
‫سلبي في الجزائر ‪ .‬و قد أعلن المين العام لحلف الناتو‬
‫م حلف‬ ‫ن الجزائر هي من المحاور الجغرافّية التي ته ّ‬ ‫أ ّ‬

‫‪125‬‬
‫الناتو ‪ ,‬ومصدر الهتمام يعود الى ضمان تدّفق الغاز‬
‫والنفط الجزائريين إلى كل أوروبا وتحديدا فيما لو انهار‬
‫الوضع المني في الجزائر والتفاق الجزائري – الطلسي‬
‫ص إمكانّيات المحافظة على الوثائق التي سيتبادلها‬ ‫يخ ّ‬
‫مستقبل الجيش الجزائري والحلف الطلسي ‪ .‬ويهدف‬
‫حلف الناتو من خلل التحالف المني مع الجزائر الى‬
‫سط وتأمين‬ ‫ضمان استقرار الجبهة الجنوبّية لحوض المتو ّ‬
‫ح بذلك‬ ‫الواجهة المقابلة للجناح الجنوبي للناتو كما صر ّ‬
‫مسؤول قسم التعاون والمن القليمي لحلف الناتو العقيد‬
‫ن معاهدة الشراكة الجزائرّية –‬ ‫فرانكو لي ‪ .‬كما أ ّ‬
‫ن بنودا مشتركة لمكافحة‬ ‫ن فيما تتضم ّ‬ ‫الوروّبية تتضم ّ‬
‫الرهاب ‪ ,‬وفي الوقت الذي كانت فيه كل البنود الموجودة‬
‫في المعاهدة مستقبلّية من قبيل إعداد القتصاد الجزائري‬
‫ليصل إلى نفس مستوى القتصاد الوروبي سنة ‪2010‬‬
‫وإقامة سوق حّرة بين الجزائر ودول أوروبا وإعادة تأهيل‬
‫ن التوافق‬ ‫المجالت الجتماعية والعلمّية والسياسّية إل ّ أ ّ‬
‫المني ساري المفعول منذ اليوم الّول للتوقيع على‬
‫المعاهدة ‪ ,‬وقد استطاعت الجزائر أن تحصل على‬
‫تطمينات من رئيس المفوضّية الوروبّية رومانو برودي‬
‫ن الدول الوروبّية مجتمعة ستلحق الشبكات الجزائرّية‬ ‫بأ ّ‬
‫مها الجزائر بأّنها‬ ‫العاملة فوق الراضي الوروبّية والتي تته ّ‬
‫حة في‬ ‫شبكات دعم وإمداد للجماعات السلمّية المسل ّ‬
‫الداخل الجزائري ‪ .‬وقبل التوقيع على معاهدة الشراكة‬
‫الجزائرّية – الوروبّية مع رئيس المفوضّية الوروبّية‬
‫رومانو برودي في بروكسل ‪ ,‬كانت للرئيس الجزائري‬
‫ددة مع كبار الرسميين في بلجيكا ‪ ,‬كما التقى‬ ‫لقاءات متع ّ‬
‫الرئيس الجزائري بأعضاء الجالّية الجزائرّية ‪ ,‬حيث كان‬
‫ظا على هذه المعاهدة التي لن تعود بالنفع إل ّ‬ ‫البعض متحف ّ‬
‫ن القتصاد الجزائري يعتمد بالدرجة‬ ‫على أوروبا باعتبار أ ّ‬
‫الولى على النفط والغاز ولن يرقى المنتوج الجزائري‬
‫الخر إلى منافسة المنتوج الوروبي الذي يبدو مسيطرا‬
‫على السواق الجزائرّية دون اتفاق شراكة ‪ ,‬والستفادة‬
‫الطفيفة التي قد تجنيها الجزائر من شراكتها مع أوروبا هو‬

‫‪126‬‬
‫حصولها على بعض الموال لدعم بعض البرامج‬
‫والقطاعات التي ترى المجموعة الوروبّية أّنه يجب على‬
‫ن مثل هذه المساعدات‬ ‫الجزائر تطويرها ‪ ,‬وفي الغلب فا ّ‬
‫محدودة ول ترقى إلى مستوى النهوض باقتصاد مريض‬
‫كالقتصاد الجزائري ‪ .‬وواشنطن التي ساهمت في جعل‬
‫ض الطرف عن المسلكّية‬ ‫حاد الوروبي يغ ّ‬ ‫حلف الناتو والت ّ‬
‫السياسية للنظام الجزائري والتي كانا يعترضان عليها في‬
‫مها أن تستثمر ذلك في سبيل تفعيل‬ ‫أوقات سابقة يه ّ‬
‫دت الدراسات‬ ‫ن أك ّ‬
‫مصالحها في الجزائر ‪ ,‬خصوصا بعد أ ّ‬
‫ن الصحراء الجزائرّية التي تحتل مساحة‬ ‫المريكية أ ّ‬
‫مليونين كيلومتر مرّبع من أصل مليونين وثلثمائة ألف‬
‫كيلومتر مرّبع هي مجمل المساحة الجزائرّية تحتوي على‬
‫مخزون نفطي هائل ‪ ,‬ولم يستثمر منه إل ّ عشرين‬
‫ن الجزائر هي ثالث دولة مصدّرة‬ ‫بالمائة ‪ ,‬ومعروف أ ّ‬
‫در للغاز الطبيعي‬ ‫للغاز بعد روسيا وكندا و ثاني مص ّ‬
‫السائل بعد أندونسّيا ‪ ,‬و في سنة ‪ 2000‬وحدها كانت‬
‫عائدات الجزائر من النفط في حدود ‪ 22‬مليار دولر‬
‫أمريكي ‪ ,‬و عندما كانت الفتنة الجزائرّية مشتعلة قال أحد‬
‫المحللّين المريكان في الهيرالد تريبيون ‪ :‬فليتقاتل‬
‫الجزائريون فيما بينهم و المهم أن ل يصل حريقهم الى‬
‫ي هذا‬
‫آبار النفط والغاز في الصحراء الجزائرّية ‪ ,‬وقد نس ّ‬
‫ب إليها العنق‬
‫ل أن يقول هذه البار التي يشرئ ّ‬ ‫المحل ّ‬
‫دا !!‬ ‫المريكي الطويل والطويل ج ّ‬

‫‪127‬‬
‫أوروبا بعد الحادي عشر من أيلول‬
‫بين التبعّية والستقلل عن‬
‫أمريكا ‪.‬‬

‫دت لقّيام التحاد الوروبي تقوم على‬ ‫المنطلقات التي مه ّ‬


‫ضرورة أن يكون لهذا التحاد خصوصيته ودوره في صناعة‬
‫ل هذا التحاد‬ ‫السياسات المحلّية والقليمية والدولّية ‪ ,‬ولع ّ‬
‫الوروبي في بعده الخر كان يهدف إلى مواجهة الحادّية‬
‫ست بعد سقوط التحاد السوفياتي‬ ‫المريكية التي تكر ّ‬
‫ن‬‫السابق ‪ ,‬وكان بعض منظّري التحاد الوروبي يرون أ ّ‬
‫الدول الوروبّية منفردة ل تستطيع أن تواجه عصر‬
‫التكتلت ‪ ,‬كما ل يمكن أن تخرج عن ذيول مشروع‬
‫مارشال المريكي الذي بعث الحياة في أوروبا بعد الحرب‬
‫الكونية الثانية والذي يعتبره هؤلء المنظرون بأّنه بمثابة‬
‫الحبل السّري الذي يربط بين أمريكا والدول الوروبّبة ‪.‬‬
‫وإلى ما قبل الحادي عشر من أيلول ‪ 2001‬كانت‬
‫المجموعة الوروبّية تعمل جاهدة لكي يكون لها سياستها‬
‫المستقلة عن السياسة المريكية وتحديدا فيما يتعلق‬
‫بسياسة هذا التحاد تجاه القضية الفلسطينية وتجاه قضايا‬
‫العالم العربي والسلمي ‪ .‬وكانت الدول الوروبّية الغنية‬
‫والكبيرة من قبيل فرنسا وألمانيا والسويد والدانمارك‬
‫وإسبانيا وإيطاليا تنأى بنفسها عن السياسة المريكية‬
‫الخارجّية على وجه التحديد ‪ ,‬وبقيت بريطانيا وحدها في‬
‫ط الشذوذ السياسي الوروبي وأصرت على أن تكون‬ ‫خ ّ‬
‫مع واشنطن في كل توجهاتها ‪ ,‬ويرجع الخبراء الغربيون‬
‫ذلك إلى كون بريطانيا التي مازالت مسكونة بتاريخها‬
‫المبراطوري‬

‫‪128‬‬
‫بأّنها تريد أن تلعب أدوارا كبيرة ولن يتأتى لها ذلك إل ّ من‬
‫خلل أمريكا التي إستفردت بصناعة القرارات الدولّية ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا المشهد السياسي في أوروبا قبل الحادي‬
‫ن المشهد إزداد تعقيدا وإرتباكا‬ ‫عشر من أيلول ‪ , 2001‬فإ ّ‬
‫بعد الحادي عشر من أيلول ‪ 2001‬حيث بعثت واشنطن‬
‫أكثر من رسالة إلى العواصم الوروبّية مفادها من ليس‬
‫معنا فهو بالتأكيد ضدّنا ‪ ,‬وكان هناك إلحاح أمريكي على‬
‫إقحام المجموعة الوروبّية في معادلة الحرب على ما‬
‫ن‬
‫ن واشنطن تعتبر أ ّ‬ ‫أسمته أمريكا بالرهاب ‪ ,‬بإعتبار أ ّ‬
‫ي أهم حليف لها بحكم التاريخ والراهن ‪ ,‬وبحكم‬ ‫أوروبا ه ّ‬
‫المرجعية العقائدية والفكرّية الواحدة ‪ .‬وبداية تجاوبت‬
‫أوروبا مع طروحات واشنطن الجديدة وأنساقت وراء‬
‫لحظات النفعال ‪ ,‬لكن وبعد زوال لحظات النفعال والتأثر‬
‫ن‬
‫بدأت العديد من العواصم الغربّية تراجع نفسها وتدرك أ ّ‬
‫النسياق وراء المشروع المريكي العالمي الجديد من‬
‫شأنه أن يجعل أوروبا تقفز على قوانينها الداخلية ومن‬
‫شأن ذلك أن يؤدي إلى إرباكات داخلية في أكثر من واقع‬
‫ن المسلمين في معظم الدول‬ ‫أوروبي خصوصا وأ ّ‬
‫الوروبّية هم أصحاب الدّيانة الثانية بعد المسيحية وأغلبهم‬
‫يتمتعون بحق المواطنة ‪ ,‬ويحق لهم التصويت والترشح‬
‫للنتخابات التشريعية وغيرها ‪ .‬ولحظة الستيقاظ من‬
‫النفعال بدى في عدم إستجابة كل الدول الوروبية في‬
‫الذهاب مع الجيش المريكي إلى أفغانستان وحتى بعض‬
‫الفرق الوروبية التي شاركت في الحرب المريكية في‬
‫أفغانستان بدأت تعود إلى بلدها تحت ضغط الرأي العام‬
‫الوروبي الذي يبدو في غالبيته ضد ّ التوجهات المريكية ‪.‬‬
‫ولّول مرة في تاريخ أوروبا تنطلق تظاهرات يشارك فيها‬
‫عشرات اللف من الوروبيين ويهتفون ضد ّ السياسة‬
‫ن الدول‬ ‫المريكية وتوجهات جورج بوش الراهنة ‪ .‬كما أ ّ‬
‫الوروبّية لم تبادر إلى وضع حد ّ للوجود السلمي في‬
‫أوروبا وحتى أتباع أشد الحركات السلمية راديكالية لم‬
‫يتعرض لهم أحد ‪ ,‬والذين طاولتهم الجهزة المنية‬
‫مت بشأنهم وكالة الستخبارات‬ ‫الوروبية هم الذين قد ّ‬

‫‪129‬‬
‫المريكية ملفات ‪ ,‬وقد أطلق سراح الكثير منهم بعد أن‬
‫ن هؤلء أبرياء ‪ ,‬كالطّيار‬‫تبث للجهزة المنية الوروبية أ ّ‬
‫الجزائري لطفي رايسي الذي إتهمته واشنطن بتدريب‬
‫الطيارين الذين قاموا بتفجير برجي التجارة المريكي في‬
‫ن‬
‫نيويورك ‪ ,‬وأطلق سراحه لعدم وجود دليل علما أ ّ‬
‫واشنطن كانت تطالب بريطانيا بتسليمه لها ‪ ,‬وفي‬
‫السويد لم يتعّرض أي عنصر من أتباع تنظيم القاعدة‬
‫ن مسؤول في الستخبارات السويدية‬ ‫للعتقال علما أ ّ‬
‫ن هناك ‪ 15‬شخصا من أتباع تنظيم القاعدة في‬ ‫أعلن أ ّ‬
‫السويد ول يمكن إعتقالهم لّنهم لم يخرقوا القوانين‬
‫السويدّية ‪.‬‬
‫وينطلق العديد من الساسة الوروبيين في توجهاتهم هذه‬
‫ن بين أوروبا و العالم العربي‬
‫من قاعدة مفادها أ ّ‬
‫والسلمي مصالح إستراتيجية وسياسية وإقتصادية ‪ ,‬وهذه‬
‫الكتلة العربية والسلمية هي أقرب إلى أوروبا جغرافّيا‬
‫من أمريكا ‪ ,‬وأي تصعيد في الموقف ضد ّ هذه الكتلة‬
‫معناه تعريض المن القومي الوروبي إلى الخطر ‪ .‬ولذلك‬
‫لم تستهدف العواصم الوروبّية الوجود السلمي في كل‬
‫دة ثبت أّنها‬
‫تفاصيله ‪ ,‬لكن لحقت عناصر بأعداد محد ّ‬
‫تورطت في أعمال عنف ‪ ,‬وهناك إحتياط سياسي‬
‫وإعلمي رسمي في عدم التعريض بالسلم وهنا يجب‬
‫التفريق بين المواقف الرسمية ومواقف وسائل العلم‬
‫ذات المتدادات الصهيونية ‪.‬‬
‫وكل النقاشات التي كانت تدور بين الساسة الوروبيين‬
‫أثناء إجتماعات التحاد الوروبي‬
‫كانت تتطرق إلى ضرورة تمييز السياسة الوروبية عن‬
‫ل وزيرة خارجية السويد السيدة آنا ليند‬ ‫المريكية ‪ ,‬ولع ّ‬
‫كانت الكفأ في القول نيابة عن المسؤولين الوروبيين‬
‫أخيرا في العاصمة الدانماركّية كوبنهاغن ‪ :‬يجب أن نقول‬
‫لمريكا ل ‪ ,‬وقرّرت أن تبعث رسالة بهذا الخصوص إلى‬
‫ن الرأي‬ ‫وزير خارجية أمريكا كولن باول ‪ .‬ويمكن القول أ ّ‬
‫العام الوروبي الذي بدأ يتشكل في أوروبا ضد ّ التوجهات‬
‫المريكية الراهنة وقد أرخى هذا الرأي العام بظلله على‬

‫‪130‬‬
‫صناع القرار في أوروبا تحول إلى تّيار حقيقي ضاغط‬
‫ومؤّثر ‪ ,‬وألمانيا التي كانت أهم حليف أوروبي لمريكا بعد‬
‫بريطانيا بدأت سياستها الخارجية تستّقل عن الموقف‬
‫المريكي في الملفين الفلسطيني و العراقي على وجه‬
‫التحديد ‪.‬‬
‫سع بين أوروبا وأمريكا‬‫ن الفجوة بدأت تت ّ‬ ‫ويمكن القول أ ّ‬
‫في منحنيات سياسية عديدة ‪ ,‬ول تريد العواصم الوروبية‬
‫ول إلى ساحة تصفيات تدفع ضريبة وقوفها العمى‬ ‫أن تتح ّ‬
‫مع أمريكا ‪ ,‬وإذا شرحّنا الخارطة الرسمية الوروبّية نجد‬
‫أّنها تنقسم إلى ثلث أقسام فهناك‬
‫أقلية أوروبية ترى ضرورة الوقوف إلى جنب واشنطن‬
‫قلبا وقالبا وعلى رأسها بريطانيا ودول أوروبية بدأت‬
‫تجهر برفض التوجهات المريكية مثل فرنسا والسويد‬
‫وألمانيا والدانمارك والنرويج وبلجيكا وغيرها ‪ ,‬ودول‬
‫أوروبية صامتة وهي تلك التي خرجت من الخيمة‬
‫ن‬
‫السوفياتية سابقا وأنضمت إلى التحاد الوروبي وتعتبر أ ّ‬
‫الولوية في تأهيل نفسها سياسيا وإقتصادّيا والصمت خير‬
‫وسيلة لعدم جلب السخط على واشنطن التي تكفّلت‬
‫بمساعدة هذه الدول الخارجة من البعبع الحمر ‪ .‬وإذا‬
‫كانت المواقف الرسمية تجاه العصر المريكي موزعة بين‬
‫ن الرأي العام الشعبي في أوروبا‬ ‫القسام الثلث ‪ ,‬فإ ّ‬
‫موقفه من أمريكا واحد ويتمثل فيما قالته سياسية‬
‫ي ل تكون واشنطن هي‬ ‫سويدية من أّنه علينا أن نناضل لك ّ‬
‫الشرطي الوحيد في العالم ‪..‬‬

‫‪131‬‬
‫معلومات عن العالم السلمي‬
‫بالجملة في الدوائر الغربّية ‪.‬‬
‫يفد إلى الدول الوروبّية المانحة للجوء شهرّيا عشرات اللف من طالبي اللجوء السياسي والنساني ومعظمهم‬
‫ق القامة والعمل والمساعدة‬ ‫من العالم العربي والسلمي والثالث ‪ ,‬وحتى يحظى طالب اللجوء بالقبول وبالتالي ح ّ‬
‫الجتماعّية – عبارة عن راتب يقّدم للجئ وهو يكفيه لمأكله وملبسه ‪ -‬في هذه الدولة المانحة للجوء يجب عليه‬
‫ي وطنه والمؤسسات الحاكمة فيه تعرّية كاملة تكون كفيلة بذكر مئات المعلومات عن تركيبة نظام الحكم‬ ‫أن يعر ّ‬
‫والعوائل أو جماعات النفوذ الصانعة للقرار السياسي وخارطة التيارات السياسية ومفردات هذا المذهب أوذاك‬
‫ن من جملة السئلة التي يسألها المحققون المنيون لطالب اللجوء هل أنت شيعي أو سني أوبهائي‬ ‫وللشارة هنا فا ّ‬
‫أو زرادشتي اذا كان طالب اللجوء قادما من ايران مثل ‪ .‬وقد سئل أحد طالبي اللجوء من دولة عربية عن سّر‬
‫ل بعض المتابعين‬ ‫الخلف الفقهي بين علي خامنئي ومحّمد حسين فضل ال وهو خلف فقهي دقيق لم يطّلع عليه ا ّ‬
‫لهذا الموضوع ومن المهتّمين بالقضايا السلمية ‪ ,‬وسئل أخر ينتمي الى مايعرف بالبدون في الكويت عن ظاهرة‬
‫ق اللجوء باعتباره بدون‬ ‫البدون في الكويت ومستقبلهم وتفاصيل مشكلتهم وفي النهاية حاز هذا الشخص على ح ّ‬
‫ن الجهزة‬ ‫وطن ‪ .‬ويقول أحد المترجمين العرب الذين يقومون بترجمة مايقوله اللجئون الى اللغة السويدية ‪ ,‬لو أ ّ‬
‫المنية في الغرب مجتمعة سخّرت ميزانّية من مئات مليين الدولرات وغرست ألف العيون على امتداد العالم‬
‫السلمي من طنجة والى جاكرتا ليحصل على معلومات دقيقة من قبيل ما يجمعونه من خلل ظاهرة اللجوء لما‬
‫جمعوا مقدار عشر ما لديهم من معلومات جاءتهم عن طريق اللجئين ‪ .‬وتتعامل الجهزة الغربية مع المعلومات‬
‫القادمة بشكل علمي دقيق ويتّم أرشفتها جميعا ‪,‬و هناك معلومات تحتفظ بها هذه الدولة المانحة للجوء لنفسها‬
‫وأخرى تسوّقها ضمن مجموعة دول التحاد الوروبي وأخرى تذهب الى أمريكا وخصوصا المعلومات المتوفرة‬
‫عن بن لدن ‪ ,‬وأخرى تذهب الى الموساد وتحديدا تلك المستقاة من فلسطينيين طالبين للجوء وما أكثرهم‬
‫ومعلومات أخرى تستخدم لبتزاز دول عربية واسلمية ‪ ,‬وتقسم المعلومات الى أقسام منها ‪ :‬معلومات سياسية‬
‫ومعلومات عسكرّية ومعلومات علمية ومعلومات اجتماعية وذات صلة بالمجتمع وهلّم جّرا ويلحظ لدى أرشفة‬
‫المعلومات مصدرها وهناك اعتناء كبير بالمصدر ‪ ,‬فعندما يكون طالب اللجوء وزيرا أو وزيرا سابقا أو شخصا‬
‫كان منخرطا في جهاز أمني أو تركيبة الحكم أو صحافيا فهؤلء معلوماتهم تأخذ بعين العتبار والهتمام أيضا ‪.‬‬
‫ويبقى طالبو اللجوء الذين ليس لهم مستوى ثقافي وحتى هؤلء يجري حلبهم بطريقة معينة كأن يتّم من خللهم‬
‫ن الدوائر المعنية بمنح ح ّ‬
‫ق‬ ‫معرفة الواقع الجتماعي وتفاصيل العادات والتقاليد ‪ .‬وتجزم المعلومات المتوفرة أ ّ‬
‫اللجوء باتت تتمتع بخبرة واسعة ودقيقة بتفاصيل التفاصيل عن العالم العربي والسلمي ‪ ,‬فأصبح هناك الخبير‬
‫بالجزائر وأخر بمصر وثالث بالعراق ورابع بلبنان وخامس بفلسطيين وهكذا دواليك ‪ ,‬وهذه الخبرة تشمل المعرفة‬
‫الدقيقة بالواقع السياسي وكيفية أداء الجهزة المنية وحتى اللهجة المحكية يعرفها هذا الخبير ‪ ,‬ويصادف أن‬
‫ي يسكن المرجع‬ ‫ي وفي هذا الح ّ‬ ‫ي يوجد هذا الح ّ‬‫يمسك الخبير الخارطة فيشير قائل هنا النجف وقرب هذا الح ّ‬
‫ن طالبي اللجوء في‬ ‫الفلني أو الضابط الفلني في معرض حديثه مع عراقي طالب للجوء مثل ‪ .‬واذا علمنا أ ّ‬
‫ن العالم العربي والسلمي بات‬ ‫الدول المانحة للجوء ينتمون الى معظم الدول العربية والسلمية فمعنى ذلك أ ّ‬
‫مكشوفا ومخروما الى النخاع ‪ ,‬وتعتبر وفرة المعلومات عن العالم العربي والسلمي عامل قوة للدول المانحة‬
‫التي باتت تحسن استخدام كافة المعلومات في فرض سياسات معينة ‪ .‬وليس هذا فحسب بل أن الداء الجتماعي‬
‫والمسلكي للمسلمين في الغرب بات محل ملحقة ودراسات مستفيضة يقوم بها باحثون في أحيان كثيرة ينسّقون‬
‫ق في فهم المسلمين ليس على‬ ‫مع الدوائر التي تستجمع كل هذه المعلومات والغرض من تلك الدراسات هو التعم ّ‬
‫قاعدة التواصل معهم لكن على قاعدة اعرف عدّوك الذي جاءك الى عقر دارك ‪.‬‬
‫ن العديد من طالبي اللجوء من العالم العربي والسلمي يبادرون الى اعطاء أكبر قدر ممكن من‬ ‫والشكال أ ّ‬
‫ق اللجوء سريعا ‪ ,‬وعندما ترى الجهزة‬ ‫ن ذلك سيساهم في حصولهم عل ح ّ‬ ‫المعلومات عن بلدهم ايمانا منهم أ ّ‬
‫ن من المصلحة ابقاء هذا الشخص مربوطا بها ‪ ,‬فاّنه يهدد بعدم قبول طلب‬ ‫الغربية المحققة مع طالب اللجوء أ ّ‬
‫جان في أحيان كثيرة وبدون مقابل ‪.‬‬ ‫ل اذا تعاون مع هذه الجهزة ويصبح عينا على بني جلدته وبالم ّ‬ ‫لجوئه اللهّم ا ّ‬

‫‪132‬‬
‫وبهذا الشكل تمكّنت الجهزة المذكورة من غرس عشرات بل مئات العيون في المساجد ووسط التجمعات‬
‫السلمية والجالّيات العربّية ‪ .‬وبهذا الشكل يصبح المسلمون في الخارج – في الخارطة السلمّية – والمسلمون‬
‫في الداخل – ضمن الخارطة الغربّية – تحت دوائر الضوء والمجهر ‪ ,‬ومن غير اللئق السؤال لماذا بعد كل هذا‬
‫انهزمنا وأنتصروا !!!!!‬

‫بقلم ‪ :‬يحي أبوزكريا ‪.‬‬

‫‪133‬‬

You might also like