Professional Documents
Culture Documents
بّلة والى
عبد العزيز بوتفليقة .
بقلم :الكاتب
والصحفي الجزائري
يحي أبوزكريا .
1
المحتويات
الهداء
2
موا إلى المنفى القسري الذي أن انض ّ
يعيش فيه أبوهم ,وإلى زوجتي ليلى التي
مل معي قساوة المنافي , مازالت تتح ّ
وإلى أمي التي باعدتت بيني وبينها
الجغرافيا والتي مازالت تعيش في
الجزائر تروي لي حكايات أزقتها عبر
الهاتف فقط .
3
ساهموا في فتح الندلس وفي إيصال السلم إلى جزء كبير
من أوروبا .
وغداة سقوط الندلس بدأت شواطئ المغرب العربي
تتعرض لعتداءات السبان والبرتغاليين بدافع الثأر من
المسلمين الذين أشادوا حضارة للسلم في الندلس .
و أثناء هذه الحملت الصليبية التي كان يتعرض لها
المغرب العربي على مدى مئات السنين إنطلقت الخلفة
العثمانية في إسطنبول – دار السلم – وشرعت في توسيع
رقعتها بإتجّاه القاليم العربية والسلمية ,وأستغاث حينها
لة المغرب العربي بالخلفة العثمانية التي أمرت أسطولها و ّ
البحري في البحر البيض المتوسط والذي كان على رأسه
خير الدين وبابا عرّوج بالتوجه إلى السواحل المغاربية
وتوفير الحماية للمسلين في هذه المنطقة ,وبموجب هذا
أصبحت دول المغرب العربي فعلّيا تحت الوصاية العثمانية
وذلك بدءا من عام 1515ميلدي وإلى غاية 1830تاريخ
إحتلل فرنسا للجزائر وبقية الدول المغاربية في وقت لحق
.
وقد إستغّلت فرنسا وقتها ضعف الجزائر التي أرسلت
أسطولها البحري للمشاركة مع السطول العثماني في
معركة –لفارين – سنة 1827لمواجهة بعض الساطيل
م السطول الجزائري الوروبية ,وكانت النتيجة أن تحط ّ
وأصبحت المياه القليمية الجزائرية سهلة المنال أمام
القوات الفرنسية التي كانت تخطط قبل ذلك في إحتلل
بواّبة إفريقيا –الجزائر .-ولم يمر الحتلل الفرنسي دون
مقاومة عارمة وقوية أبداها الشعب الجزائري بقيادة شيوخ
الصلح والزوايا وحفظة القرآن الكريم ,ومنهم المير عبد
القادر الجزائري والشيخ بوعمامة والشيخ المقراني وغيرهم
من شيوخ المقاومة الذين كان مصيرهم جميعا إما ّ
م النفي .ومع هؤلء أستشهد الستشهاد أو السجن ومن ث ّ
مئات اللف من الجزائريين على يد القوات الفرنسية التي
4
وبمجرد أن بسطت سيطرتها على الراضي الجزائرية
شرعت في تحويل المساجد إلى كنائس ,وشرعت في
القضاء على اللغة العربية والتعليم العربي ,وترافق هذا
المشروع الستعماري مع مشروع تغريبي ما زالت الجزائر
تعاني من أثاره إلى يومنا هذا .
وكانت الدارة الفرنسية التي توّلت الحكم في الجزائر
تطلب المزيد من الجنود والذخيرة الحربية من فرنسا المر
ل عليها إخماد المقاومة الجزائرية التي كانت الذي سه ّ
تشتعل هنا وهناك في كل القطر الجزائري المترامي
الطراف ,و عندما هدأت المقاومة المسلحة بدأت مقاومة
دت في وضع إستراتيجّية أخرى للحفاظ من نوع أخر تجس ّ
ست لهذا الغرض على عروبة الجزائر وإسلميتها ,وتأس ّ
أحزاب وتنظيمات تدعو إلى الوقوف بوجه فرنسا التي تعمل
على تذويب الشخصية الجزائرية وسلخ الجزائر عن هويتها
العربية والسلمية .وكانت جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس من أبرز
هذه التيارات التي لعبت أكبر الدوار في مواجهة الغزو
الثقافي الفرنسي ,وتمكنت هذه الجمعية من إنشاء مدارس
دة في الجزائر ,وكان لها عربية وإسلمية في مناطق ع ّ
الفضل في العداد للثورة الجزائرية التي دحرت فيما بعد
الحتلل الفرنسي عن الجزائر .
وعندما تأكد ّ الجزائريون من حقيقة النوايا الفرنسية لدمج
الجزائر وبشكل كامل في فرنسا ,تشكّلت في الجزائر ما
دت لتفجير الثورة الجزائرية في الول يعرف بلجنة 22ومه ّ
من نوفمبر –تشرين الثاني من سنة . 1954
وتميّزت الثورة الجزائرية بكونها شعبية وعربية وإسلمية
المنطلق ,حيث أقّر بيان ثورة نوفمبر 1954و مؤتمر
الصومام الذي انعقد في ولية بجاية لتنظيم شؤون الثورة
الجزائرية سنة 1956أّنه إذا تحررت الجزائر فيجب عندها
5
إقامة دولة في إطار المبادئ السلمية وهذا المعنى يؤكده
كل أحرار الجزائر الذين عاصروا هذه الحقبة .
وعندما فرضت الثورة الجزائرية نفسها وقوتها ولحت في
الفق بوادر الستقلل شرع الجنرال ديغول في إعداد خطته
لسرقة النتصار الجزائري وطلب من الجنرال لكوست
تسريح الضباط الجزائريين الذين كانوا ضمن القوات
الفرنسية والذين وجدوا أنفسهم تلقائيا قبيل الستقلل
وبعيده في صفوف جيش التحرير الشعبي الوطني الجزائري
,وبعد إستقلل الجزائر في 05يوليو -تموز 1962إستمّرت
الوصاية الثقافية الفرنسية على الجزائر كما بقيت منابع
الطاقة الجزائرية بيد السلطات الفرنسية إلى أن جرى
تأميم النفط والغاز في عهد هواري بومدين ,وهذا ما دفع
ن الستقلل بعض السياسيين الجزائريين إلى القول بأ ّ
الجزائري كان ناقصا وأن إتفاقّيات إيفيان التي أفضت إلى
استقلل الجزائر كانت ملغومة وأعطت حيزا لفرنسا تمكنت
من خلله التسلل إلى مواقع السيادة الجزائرية.
ومثلما كانت رحلة الثورة الجزائرية شاقة ,فكذلك كانت
رحلة الستقلل الحبلى بالتطورات والصراعات والخلفات
والفتن ,ومنذ عهد أحمد بن بلة و إلى عهد عبد العزيز
بوتفليقة تحاول الجزائر إستيعاب ما جرى ويجري لها
وتحاول في الوقت نفسه رسم طريق المستقبل الصعب .
6
أحمد بن بّلة :الثائر الناصري.
7
درست في المعاهد الكولونيالية تنظر بعين الهازئ والساخر
إلى دعوات المنادين بالحفاظ على السيادة الجزائرية
والثقافة الجزائرية ذات البعدين العربي والسلمي .
ووسط هذا الجدل الواسع بين دعاة الندماج ودعاة
الستقلل قرّرت مجموعة من الثائرين الجزائريين تشكيل
م إثنين وعشرين عضوا وهدفها العداد لجنة واسعة تض ّ
للثورة الجزائرية,
وقد إقتنعت هذه اللجنة – النواة الولى للثورة الجزائرية –
بأّنه ل يمكن الحصول على الستقلل بالوسائل السياسية ,
م الجزائر إلى فرنسا لن فرنسا قررت وبشكل نهائي ض ّ
وإعتبار الجزائريين فرنسيين مسلمين ,وكانت بطاقات
الهوّية التي تمنحها فرنسا للجزائريين فرنسية كتب عليها
لدى التعريف بجنسية حاملها عبارة فرنسي مسلم ,وقد
جاءت هنا المواطنة الفرنسية قبل السلم الذي صاغ
الشخصية الجزائرية و وقاها من الذوبان في مستنقع
التغريب الفرنسي .وشرعت اللجنة المذكورة في التصال
بالشخصيات الجزائرية الوطنية المؤمنة بحتمية الثورة ,وقد
كان لمحمد بوضياف ورابح بيطاط وزيغود يوسف ومئات
غيرهم دور كبير في تفجير الثورة الجزائرية ,ومن
الشخصيات الجزائرية التي اإضمت إلى صفوف الثورة
الجزائرية منذ إندلعها أول رئيس للجزائر المستقلة أحمد
وار بلقب : بن بلة الذي كان يعرف في أوساط إخوانه الث ّ
سي حميمد .
و يعتبر أحمد بن بلة من رّواد الثورة الجزائرية ومن الساسة
الذين قادوا المرحلة بعد إستقلل الجزائر ,وقد انضم إلى
م إلىحزب الشعب الذي كان يتزعمه مصالي الحاج ث ّ
جبهة التحرير الوطني التي فجرت الثورة الجزائرية .و
ن من وضع قنبلة سجنته السلطات الفرنسية بعد أن تمك ّ
في مركز للبريد بمدينة وهران الواقعة في الغرب
م لهط للفرار منه وت ّ الجزائري ,وفي السجن الفرنسي خط ّ
8
ل مستترا إلى أن تمكن من مغادرة الجزائر ما يريد ,وظ ّ
إلى المغرب سنة . 1956وأعتقلته السلطات الفرنسية
وا ,وقد كان على متن مجددا وهو في طريقه إلى تونس ج ّ
الطائرة التي كانت تقله من الرباط إلى تونس قادة الثورة
الجزائرية محمد بوضياف ,محمد خيضر ,رابح بيطاط ,
وحسين أيت أحمد ,وكانت طريقة اعتقال أحمد بن بلة
ورفاقه تعتبر أول عملية قرصنة جوية من نوعها حيث
أجبرت الطائرات الحربية الفرنسية الطائرة المدنّية التي
كان على متنها أحمد بن بلة ورفاقه على الهبوط في مطار
م
الجزائر العاصمة .وحتى ل تتكرر عملية الفرار السابقة ت ّ
اقتياد أحمد بن بلة الى سجن فرنسي يقع على الراضي
ي معتقل فيه الى موعد الستقلل في 05 الفرنسية وبق ّ
تموز-يوليو من سنة 1962فعاد هو ورفاقه الى الجزائر .
وقبيل الستقلل الجزائري وبعيده اندلعت خلفات واسعة
في صفوف الثورة الجزائرية وكادت هذه الخلفات أن
تتحول الى حرب أهلية ضروس بين رفاق المس ,وقد
حسمت قيادة الركان التي كان على رأسها هواري بومدين
الخلفات لصالحها وعيّنت أحمد بن بلة على رأس الدولة
الجزائرية الفتية ,وبذلك أصبح أحمد بن بّلة أو سي حميمد
كما كان يسميه رفاقه أول رئيس للدولة الفتّية التي رأت
النور بفضل مليونين من الشهداء.
9
أيضا أّنه كان من أشد ّ المعجبين بالرئيس المصري جمال
عبد الناصر الذي كان يتمتع تاريخئذ بسمعة جماهيرية عربية
واسعة ,وقد ناصر جمال عبد الناصر الثورة الجزائرية وكان
يمدها بالسلحة عبر الحدود التونسية ,كما منح كل
التسهيلت والمكانات لرجال جبهة التحرير الوطني الذين
أقاموا في القاهرة ومنها انطلقوا للتعريف بالثورة
الجزائرية في العالم العربي والعالم الثالث .ولم يتن ّ
كر
الثائر الناصري ابن بّلة لفضل عبد الناصر على الثورة
الجزائرّية فقرّر غداة انتصار الثورة الجزائرية التنسيق مع
مصر عبد الناصر في كل المستويات وخصوصا فيما يتعلق
بقضايا العالم الثالث و القضايا العربية الساخنة وحركات
التحرر في العالم .
ويمكن القول أن جزائر أحمد بن بلة أصبحت نموذجا مصغرا
للقاهرة في ذروة ريادتها للخط القومي .
10
يفتك بالجزائر وهو مرض المية التي قدّرت سنة 1962ب
80بالمائة .
وكان التحدي الول الذي واجه الدولة الجزائرية هو قّلة
الخبراء والكفاء الذين لهم القدرة على تسيير دّفة الحكم ,
فأضطّرت الدولة الجزائرية الفتية الى الستعانة
بالمحسوبين على الثقافة الفرنسية من الجزائريين الذين
تلقوا تعليمهم في باريس وكان بعضهم يؤمن بفرنسا أكثر
منه بالجزائر .وبدافع سد ّ النقص أصبح دعاة الثقافة
الفرانكفونّية هم أصحاب الحل والربط ومن جملتهم
المهندس سيد أحمد غزالي الذي تخرج من الجامعات
الفرنسية كمهندس في الطاقة وعين لدى عودته الى
الجزائر مديرا لقطاع الطاقة الذي كانت تشرف عليه فرنسا
في الجزائر .
ن أحمد بن بّلة لم يكن قلقا على مصير وهذا ل يعني أ ّ
الثقافة العربية ,بل كان يؤمن بعروبة الجزائر ولذلك قام
باستدعاء ألف الساتذة العرب من مصر والعراق وسوريا
للمساهمة في قطاع التعليم ,وقد اصطدم هؤلء التربويون
العرب بمجموعة كبيرة من العراقيل البيروقراطية والتي
كان يضعها في طريقهم سماسرة الثقافة الفرانكفونية
وأختار العديد من هؤلء المتعاونين العودة الى بلدهم وبذلك
م الجهاز على مشروع التعريب الذي مازال متعثرا الى ت ّ
يومنا هذا .
ن بلة كان مهووسا بالفكر ورغم ايمانه بعروبة الجزائر ال ّ أ ّ
الشتراكي اليساري وكان متحمسا لبعض التجارب التي
سه للفكر كانت سائدة في البلد الشتراكية ,وتحم ّ
الشتراكي واليساري جعله يصطدم بالرجل الثاني في
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ البشير
البراهيمي الذي ورث خلفة الجمعية من الشيخ عبد الحميد
بن باديس الذي أدركته المنّية قبل اندلع الثورة الجزائرية ,
وفسّر البعض ذلك الصدام بأّنه بداية الطلق بين النظام
11
الجزائري والخط السلمي الذي كانت تمثله جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين بقيادة الشيخ البشير البراهيمي .وبدأ
الطلق عندما اتهم البشير البراهيمي الرئيس أحمد بن بّلة
كر بن بلةبتغييب السلم عن معادلت القرار الجزائري وذ ّ
بدور السلم في تحرير الجزائر والجزائريين من ربقة
الستعمار الفرنسي ,وبسبب هذا التصادم وضع الشيخ
البشير البراهيمي تحت القامة الجبرية وقطع عنه الراتب
ي كذلك بدون راتب وتحت القامة الجبرية الى الشهري وبق ّ
أن وافته المنية في يوم الجمعة من 20محّرم سنة 1375
هجرية الموافق ل 21مايو –أّيار سسنة . 1965
ن التصادم بين أحمد بن ويقول بعض المؤرخين الجزائريين أ ّ
بلة والشيخ البشير البراهيمي سببه البيان الذي أصدره
ص
البراهيمي في 16أبريل –نيسان سنة , 1964وهذا ن ّ
البيان .
باسم الله الرحمان الرحيم
كتب الله لي أن أعيش حتى استقلل الجزائر ويومئذ كنت
أستطيع أن أواجه المنّية مرتاح الضمير ,اذ تراءى لي أني
سلمت مشعل الجهاد في سبيل الدفاع عن السلم الحق
والنهوض باللغة -ذلك الجهاد الذي كنت أعيش من أجله –
الى الذين أخذوا زمام الحكم في الوطن ولذلك قررت أن
ألتزم الصمت .غير أني أشعر أمام خطورة الساعة وفي
هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة
ي
الشيخ عبد الحميد بن باديس –رحمه الله – أّنه يجب عل ّ
أن أقطع الصمت ,ان وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة
ويتخبط في أزمة روحية ل نظير لها ويواجه مشاكل
ن المسؤولين فيما يبدو ل اقتصادية عسيرة الحل ,ولك ّ
يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيئ الى الوحدة والسلم
والرفاهية وأن السس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم
يجب أن تبعث من صميم جذورنا العربية والسلمية ل من
مذاهب أجنبّية .لقد ان للمسؤولين أن يضربوا المثل في
12
النزاهة وأل ّ يقيموا وزنا ال ّ للتضحية والكفاءة وأن تكون
المصلحة العامة هي أساس العتبار عندهم ,وقد ان أن
يرجع الى كلمة الخوة التي أبتذلت –معناها الحق – وأن
ى الله عليه ي صل ّ
نعود الى الشورى التي حرص عليها النب ّ
وسلم ,وقد ان أن يحتشد أبناء الجزائر كي يشّيدوا جميعا
مدينة تسودها العدالة والحرية ,مدينة تقوم على تقوى من
الله ورضوان ..
مدالجزائر في 16أبريل – نيسان . 1964توقيع :مح ّ
البشير البراهيمي .
ومثلما دخل أحمد بن بلة في صراع مع جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين ,فقد دخل في صراع أخر مع رفاق
دربه بالمس ,حيث شعر العديد من مفجّري الثورة
الجزائرية أن البساط قد سحب من تحتهم وأنهم باتوا بدون
أدوار في مرحلة الستقلل و بدأت الفتنة تطل برأسها بين
م تدشين أولى الغتيالت السياسية في الخوة العداء وت ّ
الجزائر والتي تواصلت في عهد هواري بومدين و رافقت
كل العهود الجزائرية ,وقد بلغت هذه الغتيالت الذروة في
عهد محمد بوضياف وعلى كافي واليامين زروال .وفي عهد
أحمد بن بلة أعدم العقيد شعباني ,كما أغتيل في اسبانيا
مد خيضر أحد قادة الثورة الجزائرية ,أما حسين أيت مح ّ
س
أحمد الذي كان مغضوبا عليه فقد فّر الى باريس و أس ّ
م اعتقال محمد بوضياف وحكم جبهة القوى الشتراكية ,وت ّ
عليه بالعدام وبعد تدخل العديد من الوسطاء خرج من
السجن وغادر الجزائر متوجها الى فرنسا ومنها الى مدينة
ضى فيها قرابة ثلثين سنة القنيطرة في المغرب حيث ق ّ
قبل أن تستغيث به المؤسسة العسكرية في الجزائر ليكون
رئيسا خلفا للشاذلي بن جديد الذي أقالته نفس المؤسسة
غداة النتخابات الشتراعية التي فازت فيها الجبهة السلمية
للنقاذ في أواخر . 1991
13
ف محمد بوضياف كتابا بعنوان :الجزائر الى وفي باريس أل ّ
أين ! عالج فيه مصير الجزائر بعد استقللها .ووسط هذه
الخلفات السياسية ترأس بن بلة الدولة الجزائرية وحاول
الستعانة بدول المحور الشتراكي في ذلك الوقت لتجاوز
مخلّفات الستعمار ,وفي بداية عهده أولى بن بلة القطاع
القتصادي والتربوي أهمية خاصة ,فعلى المستوى
جه والمسّير القتصادي نهجت الجزائر نهج القتصاد المو ّ
وكانت الحكومة الجزائرية تستعين في هذا المجال
بالمساعدات القادمة من الصين ويوغوسلفيا السابقة
ومصر وباقي الدول التي ناصرت الثورة الجزائرية .
\ \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
14
العاصمة ووهران والبليدة وغيرها أما القرى النائية والرياف
فقد كانت محرومة من أبسط أساليب العيش الكريم
كالكهرباء والماء والمستوصفات وماالى ذلك من نقائص ,و
وجدت الدولة الجزائرية الفتية صعوبات في اعادة تأهيل
ي وضعها على ماهو عليه الى القرى والمناطق الريفية ,وبق ّ
ى الرئيس هواري بومدين الحكم بانقلب عسكري أن تول ّ
فأولى الفلحين المحرومين بعضا من اهتمامه .
وعلى مستوى بنيوية الدولة فقد كانت مفاصلها بيد
المؤسسة العسكرية التي كانت متحالفة مع حزب جبهة
التحرير الوطني الذي كان الحزب الوحيد الحاكم الى بداية
النفصال بين السلطة و حزب جبهة التحرير الوطني عقب
خريف الغضب الجزائري في 05أكتوبر –تشرين الول
, 1988وكانت الدولة أنذاك تفتقد الى المؤسسات
الدستورية بل كانت تكتفي بالتلويح دوما بالشرعية الثورية ,
وعندما شعرت الدولة بحاجتها الى مؤسسة تشريعية قامت
م تعيين كل أعضائها وكان بتشكيل مؤسسة شبه اشتراعية ت ّ
يشترط في العضو أن يكون منتميا ّ الى حزب جبهة التحرير
الوطني .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
15
السياسي الحاد بين الرباط والجزائر الذي مافتئ يتفاقم
ويتفاعل على امتداد ثلثة عقود .
وكانت علقات الجزائر مع كل من ليبيا وموريتانيا وتونس
الى حد ّ ما جيدة الى أن أصبحت قضية الصحراء الغربية هي
معيار التوازن في علقات الجزائر المغاربية حيث باتت
ساعتها خاضعة للمد ّ والجزر .وعلى صعيد علقات الجزائر
مع بقية الدول العربية كمصر والعراق وسوريا فقد كانت
ايجابية ,كما حرص بن بلة على مد ّ جسور التواصل مع
الدول الشتراكية بدءا بموسكو ومرورا بهافانا ووصول الى
بلغراد .
السقوط :
كان أحمد بن بلة يثق ثقة عمياء في وزير دفاعه هواري
ب بن بلة على رأس بومدين ,فهذا الخير هو الذي نص ّ
الدولة الجزائرية الفتية وهو الذي مهد ّ له الطريق باتجاه قمة
هرم السلطة ,ولم يكن بن بلة يتوقع أن تأتيه طعنة
بروتوس من صديقه هواري بومدين .
وبومدين الذي أطاح بأحمد بن بلة بانقلب كان يعتبر أن بن
بلة خرج عن خط الثورة الجزائرية واستأثر بالسلطة و كان
يتهمه بالديكتاتورية والشوفينية وكان يأخذ عليه احتكاره
لتسعة مناصب حساسة في وقت واحد ,وكان بومدين
يزعم أنه لجأ الى النقلب انقاذا للثورة وتصحيحا للمسار
السياسي و حفاظا على مكتسبات الثورة الجزائرية .
ن سّنة سيئة في ومهما كانت مبررات النقلب فاّنه س ّ
الجزائر وأعتبر هذا النقلب بداية النحراف في السياسة
الرسمية الجزائرية التي مازالت أزمة الشرعية احدى
معالمها .وغداة النقلب عليه وضع أحمد بن بلة في فيل
خاصة في منطقة شبه معزولة ولم يسمح لحد بزيارته ,
16
ولم تجد تدخلت جمال عبد الناصر الشخصية في اطلق
سراحه ,وذهبت سدى كل المحاولت التي قام بها رؤساء
الدول الذين كانت تربطهم بابن بلة علقات صداقة .
وعن فترة اعتقاله التي استمّرت 15سنة قال أحمد بن بلة
ل أوقاته في المطالعة أّنه استفاد من أجواء العزلة واستغ ّ
والقراءة حيث بدأ يتعرف الى الفكر السلمي وغيره من
ج وهو في السجن من صحافية الطروحات الفكرية .وقد تزو ّ
جزائرية تعرفت عليه عندما كان رئيسا للدولة الجزائرية .
وعندما وصل الشاذلي بن جديد الى السلطة سنة 1980
أصدر عفوا عن أحمد بن بلة حيث غادر الجزائر متوجها الى
باريس ومنها الى سويسرا في منفى اختياري ,وعندما كان
س حزبا أطلق عليه اسم الحركة من أجل في باريس أس ّ
الديموقراطية ,وكانت هذه الحركة تصدر مجلتين هما
البديل وبعده منبر أكتوبر تيمنا بانتفاضة أكتوبر الجزائرية
سنة . 1988
وقد عارض نظام الشاذلي بن جديد وحزب جبهة التحرير
الوطني والحادية السياسية ,وكان يطالب بحياة سياسية
تتسم بالديموقراطية واحترام حقوق النسان .
وبعد دخول الجزائر مرحلة الديموقراطية التنفيسية عقب
خريف الغضب في 05تشرين الول – أكتوبر – 1988عاد
أحمد بن بلة الى الجزائر على متن باخرة أقلعت من أسبانيا
وكان برفقته مئات الشخصيات الجزائرية والعربية
والجنبية ,وواصل في الجزائر معارضته للنظام الجزائري
من خلل حركته من أجل الديموقراطية .ولم يحقق حزب
أحمد بن بلة أي نجاح يذكر أثناء النتخابات التشريعية
الملغاة والتي جرت في 26كانون الول –ديسمبر 1991
ن أحمد بن بلة كان معترضا على وعلى الرغم من ذلك فا ّ
الغاء النتخابات التشريعية وكان يطالب بالعودة الى المسار
النتخابي وكان يعتبر المجلس العلى للدولة – رئاسة
17
جماعية – الذي تشكل بعد الغاء النتخابات واقالة الشاذلي
بن جديد سلطة غير شرعية .
وعندما حّلت الجبهة السلمية للنقاذ من قبل السلطة
الجزائرية اعترض على ذلك وغادر الجزائر مجددا وتوجه الى
سويسرا ومافتئ هناك يطالب بالمصالحة الوطنية المؤجلة
و عاد الى الجزائر مجددا وقابل عندها رئيس الحكومة بلعيد
عبد السلم الذي قال لبن بلة :أن هناك مجموعة من
الضباط يقفون ضد الحوار وطلب بلعيد من بن بلة التحرك
لقص أجنحة رافضي الحوار ,ويبدو أن أجنحة بلعيد عبد
صت وأقيل من منصبه . السلم هي التي ق ّ
18
ماي – أّيار 1945في قالمة وسطيف وخراطة وهي سلسلة
نضالت وانتفاضات شعبية متكاملة نابعة من قّيمنا العربية
والسلمية ,أنا أنطلق من هذه القيم مجتمعة .
وسئل بن بلة عن رأيه في الذين قادوا انقلبا عليه ووعدوا
الشعب الجزائري بكتاب أبيض فأجاب :ليس من حقي أن
أقول للشعب الجزائري ما يعرفه ويحس به يوميا ,أنا لن
أطالبهم بالكتاب البيض لن الشعب الجزائري يدرك من
أعماقه ذلك ,أولم يعدوا الشعب الجزائري في 19جوان –
حزيران – 1965تاريخ النقلب على حكم أحمد بن بلة –
بانشاء دولة القانون واحترام كل المؤسسات السياسية
والتشريعية القائمة !
أين هي الدولة ! أو لم ينهوا مسيرة المجلس الشعبي
الوطني ! قال أحمد بن بلة والذي استطرد قائل :أولم
يلغوا اللجنة المركزية والمكتب السياسي !
وسئل بن بلة عن الثقافة في الجزائر فقال :هل توجد
ثقافة في الجزائر ! هل يوجد في ذهن مسؤول جزائري
تقلد ّ وزارة الثقافة مشروع ثقافي ! ألم يهن الكتاب
والمفكرون !
وسئل عن الدولة في عهده فقال :أنا الذي كونت الدولة
الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية ,وهذا شرف أفتخر
به ,ذلك أن اتفاقيات ايفيان –وهي التي أفضت الى
استقلل الجزائر – فرضت ضرورة وجود طرف قويّ لتحمل
المسؤولية و كان لبد ّ لنا من اللجوء الى النتخابات الشعبية
وتأميم أراضي الكولون ,ما يقرب من 03مليين هكتار و
أراضي الباشاوات – الجزائريون الذين كانوا يتعاملون مع
السلطات الفرنسية وجمعوا ثروات جّراء هذه العمالة , -
وأعتقد أن المشروع الحقيقي للثورة الزراعية بدأ في عهد
تأميمنا للراضي التي لم تكن للجزائر وانما للكولون –
المستعمرين – وعملئهم .
19
وقال بن بلة :وقد لجأت الى التسيير الذاتي وتأميم البنوك
دة لم تتجاوز السنتين و انتهاج سياسة خارجية فعالة لم ّ
والنصف ,ولم تكن في أيدينا أموال النفط والغاز ,ومع
ذلك قمنا بحل الكثير من المشاكل الجتماعية وقضينا على
ظواهر عديدة مثل ظاهرة المتسولين وماسحي الحذية
وغيرها .
حر ,وكانتوقمنا بحملت ضخمة للتشجير ومحاربة التص ّ
المدينة نظيفة بشوارعها وسكانها ولم تكن هناك أفكار تحقد
على الثورة كما هو الن ,كان المواطن الجزائري مستعدا
للتضحية في سبيل وطنه ,ولم تكن هناك ظاهرة الرشوة
كما هو الن .
وسئل عن موقفه من اللغة العربية والبربرية ! ولماذا لجأ
في عهده الى محو المية باللغة الفرنسية ! فأجاب :أعتبر
أنه من العيب أن نأتي بعد ربع قرن لنسأل عن موقفنا من
اللغة العربية ,أنا ضد ّ من يطرح أي لغة أخرى مهما كانت ,
فعلى مستوى اللغة العربية فهي لغتنا الوطنية ,ول يمكن
التخلي عنها أو تشجييع أي لغة أخرى منافسة لها ,أنا بربري
في الصل وتراثي البربري تدعيم لصالتي العربية
مة ل أسمح بوجود لغتين وطنيتين :عربية والسلمية ومن ث ّ
ن اللغة الوطنية الوحيدة هي اللغة العربية ,أما وبربرية ,ا ّ
البربرية فتدخل في حّيز التراث الذي يتطلب منا اثراؤه
ودعم اليجابي منه .ورد ّ على التهام بقوله :بدأنا بمحو
المية بالفرنسية ,و لم يكن عندنا ما يكفي من المعلمين
باللغة العربية لتسيير مؤسسة تربوية واحدة وقد لجأنا لحقا
الى التعريب ,لقد أحضرنا جيشا من الساتذة من مختلف
القطار العربية وشرعنا في اعداد برنامج وطني للتعليم في
مختلف مستويات التعليم .و كنا ّ نعد لصدار قرار بعد قرار
التسيير الذاتي يقضي بتعريب الجامعة ,وقام السيد الطاهر
الذي كلفته باعداد المشروع القاضي بدراسة مختلف
المؤسسات التعليمية واحتياجاتها وبرامجها ال ّ أن النقلب
20
كان أسبق من العلن عن المشروع الوطني للتعريب وكنا
ندرك جيدا أهمية تعريب الجامعة وهذا ل يعني أنه لم يكن
هناك برنامج للتعليم بل لقد بدأنا بالتعليم الصلي .
ي
وسئل بن بلة عن وفائه لجمال عبد الناصر فقال :أنا وف ّ
لفكر جمال عبد الناصر لنني أعتبره رجل عظيما ساهم في
دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص أخر في الوطن
العربي الذي تحكمه أطراف متناقضة ومتباينة مثل عبد الله
في الردن ونوري السعيد في العراق وعبود السودان
وكانت تعيش تابعة للغير ,باستثناء عبد الناصر الذي كان
يمثل الوفاء للثورة الجزائرية في مختلف مراحلها ,
ن خروج الشعب والجزائريون مدينون لهذا الرجل وأظن أ ّ
الجزائري الى الشارع يوم وفاته كان دليل على وجوده في
مه للثورةوجدانهم وضمائرهم ول نستطيع أن نحصي ما قد ّ
الجزائرية في سطور كما قال أحمد بن بلة .وعما يريده من
الجزائر بعد ثلثين سنة من استقللها قال :ما أطالب به هو
تحرير البلد -أي الجزائر – من التبعية والرجوع الى الصل
العربي والسلمي ووضع حد ّ للهيمنة الرأسمالية الغربية
واقامة وحدة بين الدول المغاربية …..
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
21
هواري بومدين :رجل الثورة
والدولة .
22
الجزائرية حّرة ,و أعلنت الجمهورية الديموقراطية
الشعبية .فكل موتانا الذين قدموا أنفسهم فداء للحرية
ب وأتلفت أرزاقه وكل من يحمل على أحياء ,وكل من تعذ ّ
جلده جروح تعذيب المستبدين وكل الضحايا المجهولين
أبطال التحرير الوطني وكل من ساعد الشعب الجزائري
على الصمود والنتصار كلهم يستحقون اليوم اعتراف
ن بفضلهم من نيل حقوقه وكرامته . الوطن الذي تمك ّ
سيداتي سادتي
ن هذا العتراف بالجميل ل يمكن أن يأخذ عبرته مّنا ال ّ اذا ا ّ
اتعظنا بما سبق لنا من الدروس في كفاح شعبنا البطل ,
ن ذلك الكفاح قد أعطانا بشائر المل الدائم, خصوصا وأ ّ
وجهودنا في سبيل التحرير كانت تتسم بالخوة والحماس
م تلك الجهود بنفس تلك الخالص ويجب علينا اليوم أن نتم ّ
الروح لبناء الوطن وتشييده .
م العلن عن التشكيلة وبعد هذا الخطاب الطويل ت ّ
الحكومية الجديدة والتي جاءت كالتالي:
أحمد بن بلة . رئيس الحكومة :
نائب رئيس الحكومة :رابح بيطاط .
مار بن تومي . ع ّ وزير العدل :
أحمد مدغري . وزير الداخلية :
هواري بومدين . وزير الدفاع الوطني :
أحمد خميستي . وزير الخارجية :
أحمد فرنسيس . وزير المالية :
مار أوزقان . وزير الزراعة :ع ّ
وزير القتصاد :محمد خبزي .
عروسي خليفة . وزير الطاقة :
أحمد بومنجل . وزير البناء :
بشير بومعزة . وزير العمل :
وزير التربية الوطنية :عبد الرحمان بن حميدة .
وزير الصحة :محمد الصغير نقاش .
23
وزير البريد :موسى حساني .
وزير المجاهدين :محمدي السعيد .
وزير الشباب :عبد العزيز بوتفليقة .
وزير الوقاف :توفيق مدني .
وزير الخبار :محمد حاج حمو .
وكما برز هواري بومدين كقائد عسكري محترف اّيام الثورة
الجزائرية ,برز أيضا كوزير للدفاع في حكومة أحمد بن بلة ,
ولقد أمسك بذلك بأهم حقيبة وزارية بعد الستقلل وسوف
يكون لهواري بومدين مستقبل دورا مركزيا في تاريخ
الجزائر المعاصر .
لكن من هو هواري بومدين !
24
الجزائريين ,ومن تونس انتقل الى القاهرة سنة 1950
حيث التحق بجامع الزهر الشريف .
وعندما اندلعت الثورة الجزائرية في 01تشرين الثاني –
نوفمبر 1954التحق بجيش التحرير الوطني وكان مسؤول
عسكرّيا في منطقة الغرب الجزائري ,وتولى قيادة وهران
م تولى رئاسة الركان من سنة 1957والى سنة 1960ث ّ
من 1960والى تاريخ الستقلل في 05تموز –يوليو
, 1962وعّين بعد الستقلل وزيرا للدفاع ثم نائبا لرئيس
مجلس الوزراء سسنة 1963دون أن يتخلى عن منصبه
كوزير للدفاع .
و في 19حزيران –جوان 1965قام هواري بومدين
بانقلب عسكري أطاح بالرئيس أحمد بن بلة ,وأصبح بذلك
أول رئيس يصل الى السلطة في الجزائر عن طريق
انقلب عسكري .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
25
بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة ماديا ,ولد سنة
1932وبالضبط في 23أب –أوت في دّوار بني عدي مقابل
جبل هوارة على بعد بضعة كيلوميترات غرب مدينة قالمة ,
جل في سجلت الميلد ببلدية عين أحساينية – كلوزال وس ّ
سابقا .-
في صغره كان والده يحبه كثيرا ويدّلله رغم ظروفه المادية
الصعبة قرّر تعليمه و لهذا دخل الكّتاب – المدرسة القرأنية
– في القرية التي ولد فيها ,وكان عمره أنذاك 4سنوات ,
وعندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة 1938
في مدينة قالمة – وتحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة
محمد عبده ,-وكان والده يقيم في بني عديّ ولهذا أوكل
أمره الى عائلة بني اسماعيل وذلك مقابل الفحم أو القمح
أو الحطب وهي الشياء التي كان يحتاجها سكان المدن في
ذلك الوقت .
وبعد سنتين قضاهما في دار ابن اسماعيل أوكله والده من
جديد لعائلة بامسعود بدار سعيد بن خلوف في حي مقادور
والذي كان حيا ّ لليهود في ذلك الوقت – شارع ديابي حاليا-
وبعد ثماني سنوات من الدراسة بقالمة عاد الى قريته في
بني عدي ,وطيلة هذه السنوات كان بومدين مشغول البال
شارد الفكر ل يفعل ما يفعله الطفال ,لكّنه كان دائما
يبادرك بالبتسامة وخفة الروح رغم المحن التي قاساها منذ
صغره .
لقد كان بومدين يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس
الوقت يلزم الكّتاب من طلوع الفجر الى الساعة السابعة
م يذهب في الساعة الثامنة الى والنصف صباحا ,ث ّ
جهالمدرسة الفرنسية الى غاية الساعة الرابعة وبعدها يتو ّ
الى الكّتاب مجددا .
وفي سنة 1948ختم القرأن الكريم وأصبح يدّرس أبناء
قريته القرأن الكريم واللغة العربية ,وفي سنة 1949ترك
محمد بوخروبة – هواري بومدين – أهله مجددا وتوجه الى
26
المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة الواقعة في الشرق
الجزائري ,وكان نظام المدرسة داخلّيا وكان الطلبة
يقومون بأعباء الطبخ والتنظيف .وفي تلك الونة كان عمه
ج مشيا الحاج الطيب بوخروبة قد عاد من أداء فريضة الح ّ
على القدام ,وبعد عودته ذهب اليه محمد –هواري بومدين
م له التهاني ,وكان هواري يسأل عمه عن كل – ليقد ّ
صغيرة وكبيرة عن سفره الى الديار المقدسة ,وكان عمه
يخبره عن كل التفاصيل ودقائق المور وكيف كان الحجاج
يتهربون من الجمارك والشرطة في الحدود وحدّثه عن
جل كل جاج ,وكان بومدين يس ّ الطرق التي كان يسلكها الح ّ
صغيرة وكبيرة ,وكان بومدين يخطط للسفر حيث أطلع
ثلثة من زملئه في المدرسة الكتانية على نيته في السفر
وعرض عليهم مرافقته فرفضوا ذلك لنهم ل يملكون جواز
سفر ,فأطلعهم على خريطة الهروب وقال :هذا هو جواز
السفر .
م استدعاؤه لللتحاق بالجيش الفرنسي وقبل تنفيذ الخطة ت ّ
لكّنه كان مؤمنا في قرارة نفسه بأنه ل يمكن اللتحاق
ن المخرج هو في الفرار والسفر, بجيش العدو ولذلك رأى أ ّ
وعندما تمكن من اقناع رفاقه بالسفر باعوا ثيابهم للسفر
برا باتجاه تونس .
ومن تونس توجه بومدين الى مصر عبر الراضي الليبية
,وفي مصر التحق وصديقه بن شيروف بالزهر الشريف ,
سم وقته بين الدراسة والنضال السياسي حيث كان وق ّ
منخرطا في حزب الشعب الجزائري ,كما كان يعمل ضمن
مكتب المغرب العربي الكبير سنة , 1950وهذا المكتب
سه زعماء جزائريون ومغاربة وتونسيون تعاهدوا فيما أس ّ
بينهم على محاربة فرنسا وأن ل يضعوا السلح حتى تحرير
الشمال الفريقي ,ومن مؤسسي هذا المكتب علل
الفاسي من المغرب وصالح بن يوسف من تونس وأحمد بن
بلة وأية أحمد من الجزائر وكان هذا المكتب يهيكل طلبة
27
المغرب العربي الذين يدرسون في الخارج .وقد أرسل
مكتب المغرب العربي هواري بومدين الى بغداد ليدرس
في الكلية الحربية وكان الول في دفعته ,وطيلة هذه
الفترة كان يراسل والده الذي كان بدوره يبعث لولده
جابي
سر من النقود وذلك عن طريق صديق بومدين ع ّ ماتي ّ
عبد الله .
وعندما تبّين للسلطات الفرنسية أن المدعو محمد بوخروبة
–هواري بومدين – فّر من خدمة العلم قامت بحملة بحث
عنه ,وأنهكت والده بالبحث والتفتيش والستدعاءات وتحت
وطأة الضغط اعترف والد بومدين بالمر وأعترف أن ابنه
سافر للدراسة في مصر وحصلت السلطات الفرنسية على
عنوان بومدين من أبيه وقامت السلطات الفرنسية بارسال
مذكرة بهذا الخصوص الى السفارة الفرنسية في القاهرة ,
وكان الملك فاروق هو صاحب السلطة أنذاك في مصر
وتقرر طرد بومدين من مصر واعادته الى الجزائر ,لكن
ثورة الضباط الحرار أنقذت هواري بومدين و انتصارها جعل
بومدين يبقى في مصر .
وعندما عاد صديق هواري بومدين عبد الله العجابي الى
ي عليهالجزائر ليلتحق بالثورة الجزائرية سنة 1955ألق ّ
القبض في مدينة تبسة الجزائرية وهنا فتح ملف هواري
بومدين مجددا ,وأدركت السلطات الفرنسية أن محمد
بوخروبة أو هواري بومدين كما هو اسمه الحركي خطر على
المن القومي الفرنسي .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
28
م وزيرا للدفاع في حكومة الى أن أصبح قائدا للركان ث ّ
أحمد بن بّلة .
ومثلما أوصل هواري بومدين بن بّلة الى السلطة فقد أطاح
به عند أول منعطف ,وقد برّر بومدين انقلبه بأّنه للحفاظ
على الثورة الجزائرية وخطها السياسي والثوري .
وبعد الطاحة بحكم الرئيس أحمد بن بلة في 19حزيران –
جوان 1965تولى هواري بومدين رئاسة الدولة الجزائرية
بمساعدة رجل المخابرات القوي أنذاك قاصدي مرباح الذي
ور .
كان يطلق عليه بومدين لقب المستّبد المتن ّ
وقد شرع هواري بومدين في اعادة بناء الدولة من خلل
ثلثية الثورة الزراعية والثورة الثقافية والثورة الصناعية على
غرار بعض التجارب في المحور الشتراكي التي كان هواري
بومدين معجبا بها .
وغداة استلمه السلطة لم يقّلص هواري بومدين من حجم
نفوذ حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بل استمّر هذا
الحزب في التحكم في مفاصل الدولة ,وكان الساس الذي
بموجبه يعّين الشخص في أي منصب سياسي أو عسكري
هو انتماؤه الى حزب جبهة التحرير الوطني ,وبالضافة الى
سيطرة الحزب الواحد قام هواري بومدين بتأسيس مجلس
الثورة وهو عبارة عن قيادة جماعية تتخذ قرارات في
الختيارات الكبرى للجزائر الداخلية منها والخارجية ,وفي
داخل هذا المجلس أتخذت القرارات المصيرية من قبيل
تأميم النفط والمحروقات واسترجاع الثروات الطبيعية
والباطنية ,ومن قبيل تعميم نظام الثورة الزراعية و انتهاج
القتصاد الموجه واشراف الدولة على كل القطاعات
النتاجية .
لقد عمل هواري بومدين بعد استلمه الحكم على تكريس
هيبة الدولة الجزائرية داخليا وخارجيا ,وفي بداية
جت صورة الجزائر أقليميا ودوليا وباتت السبعينيات توه ّ
تساند بقوة القضية الفلسيطينية وبقية حركات التحرر في
29
العالم ,ولعبت الجزائر في ذلك الوقت أدوارا كبيرة من
خلل منظمة الوحدة الفريقية و منظمة دول عدم النحياز .
وعن مشروع بومدين قال مدير جهاز الستخبارات
العسكرية في ذلك الوقت قاصدي مرباح -الذي قتل أثناء
الحداث الدامية التي عرفتها الجزائر في بداية التسعينيات -
:
ن هواري بومدين كان يهدف الى بناء دولة عصرّية تسعد ا ّ
فيها الشريحة الواسعة من هذا الشعب .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
30
كلها ذؤابات وزوايا حادة ومستويات بين -بين ,شخصية
نمطية للتمرد والرفض .
بعد احدى عشرة سنة من ذلك وفي يوم 3أيلول – سبتمبر
1973كان الرئيس بومدين يستقبل في الجزائر العالم
الثالث كزعيم وقائد واثق من نفسه وقوته وفصاحته .
ن
التقاطيع بقيت حادة ,والذؤابات متمردة والصوت أّبح ,لك ّ
الرجل كان قد تكثف وأستوى عضل ويقينا ,لقد أصبح من
القوة بحيث لم يعد في امكانه أن يخاطر بأن يسير في
طريق العتدال ,لقد اكتشف في غضون ذلك البدلت
م اللغة الفرنسية التي صار مذ النيقة وربطات العنق وتعل ّ
ذاك يستعملها بفعالية مثيرة للدهشة بالنسبة لولئك الذين
كانوا يجهدون أنفسهم كثيرا لفهم كلم ذلك العقيد المتمرد
في الجبال أثناء الحرب .
وعندما استقبل فاليري جيسكار ديستان في نيسان –أفريل
– 1975لم يكن هواري بومدين كريفي خشن من وراء
البحار وانما كجار فخور باظهار ثمراته للعجاب ,وفي تلك
الثناء كانت الجزائر قد انتقلت من وضعيتها كطلل من
مالطلل في أمبراطورية خربانة الى دولة كلها ورشات ث ّ
الى أمة نموذجية للتنمية السلطوية تحت هيمنة وسلطة ابن
م فض ّ
ل ضل المنفى عن الستعمار ث ّ لح ذاك الذي ف ّالف ّ
ل الستقلل في الجزائر كان المعركة الشرسة و عندما أه ّ
هواري بومدين أول قائد مقاومة يوّقع على النصوص
النعتاقية باللغة العربية ..وهذه الشهادة لهذا الصحافي
الفرنسي ل تختلف عن غيرها من الشهادات لكتاب عرب
وغربيين .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
جه صحافي مصري سؤال الى بن بلة حول في سنة 1964و ّ
ماذا يفكر في بومدين الذي كان حاضرا معهما فأجابه
31
الرئيس بن بلة وهو يقهقه ضاحكا :أنت تعلم أّنه الرجل الذي
دي !يقوم باحاكة كل المؤمرات والدسائس ض ّ
ولم يكن في وسع تلك الدعابة أن تقف في وجه المقدور ,
فبعد سنة من ذلك اليوم وفي 19حزيران –جوان – 1965
أختطف أحمد بن بلة ووضع في مكان سري من طرف
رجال بومدين نفسه .
وفي مجلس الثورة الذي تشكل مباشرة بعد النقلب الذي
قاده بومدين ضد ّ أحمد بن بلة لم يكن أي عضو يملك القدرة
على مزاحمة هواري بومدين .
بدأ بومدين ينتقل شيئا فشيئا من منطق الثورة الى منطق
الدولة وأصبح يحيط بكل تفاصيل الدولة وأجهزتها ,وحاول
ع
بومدين أن يمزج بين كل الفكار التي سبق له وأن اطل ّ
عليها في محاولة ليجاد ايديولوجيا للدولة التي بات سيدها
بدون منازع فمزج بين الشتراكية والسلم وبين فرانتز
فانون وأبوذر الغفاري وكانت النتيجة بومدين الذي عرفه
العالم في السبيعينيات ببرنسه السود وسيجاره الكوبي
وكأن في ذلك اشارة الى قدرة بومدين على الجمع بين
الثنائيات وحتى المتناقضات .وفي ايار –مايو -من عام
1972استقبل هواري بومدين الرئيس الكوبي فيدل كاسترو
ن الجزائر خلقت لها مكانة في محور الجنوب وبدا واضحا أ ّ
الذي كان ول يزال يعيش تراكمات وتداعيات الحقبة
الستعمارية .
وفي أيلول –سبتمبر –من سنة 1973وبمناسبة مؤتمر دول
عدم النحياز ,استقبل هواري بومدين أزيد من سبعين من
رؤساء الدول وكان جمعا لم يسبق له مثيل في التارييخ من
ذلك المستوى .
س هواري بومدين في مقر المم و في سنة 1974ترأ ّ
المتحدة الجمعية الستثنائية التي انعقدت بطلب منه والتي
كرست للعلقات بين الدول المصنعة وتلك التي تعيل نفسها
من خلل بيع مواردها الولية .وهذه الدوار الدولية التي
32
اضطلع بها ترافقت مع محاولت حثيثة في الداخل لبناء
الدولة الجزائرية التي أرادها أن تكون ذات امتداد جماهيري
وحيث تنعم الجماهير بما تقدمه الدولة من خدمات في كل
م العمل بما يعرف في الجزائر المجالت وفي عهد بومدين ت ّ
بديموقراطية التعليم والصحة ,حيث أصبح في متناول كل
الجزائريين أن يبعثوا أولدهم الى المدارس وللبناء أن
يكملوا التعليم الى نهايته دون يتحملوا عبء شيئ على
الطلق ,وكل المستشفيات والمستوصفات كانت في
خدمة الجزائريين لتطبيب أنفسهم دون أن يدفعوا شيئا .
وهذا ما جعل بومدين يحظى بالتفاف شعبي لمتحفظ
ويستهوي القلوب ,وهذا ل يعني أن بومدين كان
ديموقراطيا منفتحا على معارضيه ,بل كان متسلطا الى
أبعد الحدود ومادامت المة معه ومادام هو مع المة العاملة
والفلحة فهذه هي الديموقراطية ,ليس بالضرورة أن تكون
الديموقراطية على السياق الغربي في نظره.
وهواري بومدين الذي تزوج متأخرا سنة 1973من محامية
جزائرية السيدة أنيسة كان منهمكا من قبل ذلك في
تأسيس الدولة الجزائرية حتى قال البعض أنه كان متزوجا
الدولة.
ول شك على الطلق أن الدولة الجزائرية الحديثة فيها
الكثير الكثير من لمسات محمد بوخروبة المدعو هواري
بومدين .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
سياسة بومدين الداخلية : •
33
الفلحين الذين كان قد وفر لهم المساكن من خلل مشروع
ألف قرية سكنية للفلحين وأجهز على معظم البيوت
القصديرية والكواخ التي كان يقطنها الفلحون ,وأمد ّ
الفلحين بكل الوسائل والمكانات التي كانوا يحتاجون اليها .
وقد ازدهر القطاع الزراعي في عهد هواري بومدين
واسترجعت حيويتها التي كانت عليها ايّام الستعمار
در ثمانين بالمائةالفرنسي عندما كانت الجزائر المحتلة تص ّ
من الحبوب الى كل أوروبا .وكانت ثورة بومدين الزراعية
خاضعة لستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على الراضي
الزراعية المتوفرة وذلك بوقف التصحر واقامة حواجز كثيفة
من الشجار الخضراء بين المناطق الصحراوية والمناطق
الصالحة للزراعة وقد أوكلت هذه المهمة الى الشباب
الجزائريين الذين كانوا يقومون بخدمة العلم الجزائري .
وعلى صعيد الصناعات الثقيلة قام هواري بومدين بانشاء
مئات المصانع الثقيلة والتي كان خبراء من دول المحور
الشتراكي يساهمون في بنائها ,ومن القطاعات التي
حظيت باهتمامه قطاع الطاقة ,ومعروف أن فرنسا كانت
تحتكر انتاج النفط الجزائري وتسويقه الى أن قام هواري
بومدين بتأميم المحروقات المر الذي انتهى بتوتير العلقات
الفرنسية –الجزائرية ,وقد أدى تأميم المحوقات الى توفير
سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات
الصناعية والزراعية .وفي سنة 1972كان هواري بومدين
يقول أن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف
وستصبح يابان العالم العربي .
وبالتوازي مع سياسة التنمية قام هواري بومدين بوضع ركائز
الدولة الجزائرية وذلك من خلل وضع دستور وميثاق للدولة
وساهمت القواعد الجماهيرية في اثراء الدستور والميثاق
سا الخطاب الحادي الديماغوجي للسلطة اللذين جاء ليكر ّ
الجزائرية .
34
معركة التعريب :
أعتبرت فرنسا الجزائر مقاطعة فرنسية وراء البحر اعتبارا
من عام 1884طبقا لقرار الجمعية الوطنية الفرنسية –
ن سكان الجزائر اعتبروا فرنسيين منذ البرلمان – وعليه فا ّ
ذلك التاريخ ,ولكن الصحيح أن فرنسا أعتبرت الجزائر
فرنسية منذ 1830تاريخ وصول قواتها الى الشواطئ
الجزائرية واحتللها الجزائر .
وقد قامت السلطة الفرنسية بعملية احصاء واسعة لسكان
الجزائر وسجلت أسماءهم وأوجدت للجزائريين أسماء
جديدة ,وهو ما أعتبر ذروة العمل على مسخ الشخصية
الجزائرية ذلك أن بعض السماء المحذوفة كانت عربية
والجديدة غريبة النكهة والكثير منها مشتق من أسماء
سر غرابة بعض السماء في الجزائر الحيوانات وهذا ما يف ّ
ب من اللقاب والتي كانت ب ود ّوكانت فرنسا تختار ماه ّ
مستهجنة من قبيل التيس والعتروس وغيرها من أسماء
النعام .وقامت فرنسا بمنح الجزائريين بطاقات هوية
تصفهم كفرنسيين مسلمين وذلك تمييزا لهم عن باقي
الوروبيين الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية ,كما
منحت السلطات الفرنسية جنسيتها لليهود الجزائريين الذين
كانوا يتعاونون مع السلطات الستعمارية وكوفئوا بنقلهم
الى فرنسا غداة الستقلل الجزائري .
وبالتوازي مع فرنسة الهوية قامت السلطات الفرنسية
بالغاء التعليم الصلي العربي وفرضت اللغة الفرنسية في
المعاهد التعليمية والدارة اتماما لدمج الشعب الجزائري في
المنظومة الفرنسية .
ولول المجهودات التي بذلها الصلحيون في الجزائر وبعدهم
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في استرجاع الهوية
وتكريس عروبة واسلمية الجزائر لستكملت فرنسا كل
خطوات المسخ .
35
وقد أدركت القيادة الفتية التي تولت زمام المور في
الجزائر بعد الستقلل فظاعة تغييب اللغة العربية فتقدم
مجموعة من أعضاء المجلس التأسيسي –البرلمان –
بمشروع لفرض التعريب و جاء في مذكرتهم مايلي :
منذ تأسيس الحكومة الفتية واجتماع المجلس الوطني
التأسيسي وقع الكلم كثيرا عن التعريب ,ومع أّنه قد مّر
على ذلك نحو ستة أشهر فاننا لم نشاهد أي أثر للتعريب
سوى شيئ ضئيل .
ن الغلبية الساحقة من الشعب الجزائري تريد التعريب , ا ّ
ن اللغة العربية هي اللغة القومية ومع ذلك ما تزال تعيش ل ّ
على الهامش كلغة أجنبية في وطنها والشواهد على ذلك
كثيرة ل تحصى .فالدارات الحكومية ل تعترف ول تقبل ما
يقدم لها باللغة العربية من طلبات وشكاوى ووثائق ,وتجبر
المواطنين على تقديمها باللغة الفرنسية ومن المثلة على
ذلك أن بعض عوائل الشهداء قدموا من شمال قسنطينة
للسكن في الجزائر العاصمة وقدموا شهادات مكتوبة باللغة
العربية الى بعض الدوائر الرسمية تثبت أنهم من عوائل
الشهداء بحق ليتمكنوا من حقهم فما كان من هذه الدارة
ال ّ أن رفضت معاملتهم ولم تعترف بها ,ل لسبب ال ّ أّنها
مكتوبة باللغة العربية وعليهم أن يقدموها باللغة الفرنسية .
وقد كان من واجب البلدية وغيرها من الدارات الرسمية أن
توظف من يحسن اللغة العربية لمثل هذه المهمة ليسهل
على الشعب قضاء مأربه وتقديم شكاويه بلغته الوطنية
والطبيعية ,ول تكلفه مال يطيق .وحتى ل يشعر الشعب
ن لغته حى من أجل عزته القوية بالنفس والنفيس أ ّ الذي ض ّ
ماتزال كشأنها من قبل غريبة وحتى ل يشعر هذا الشعب –
ن الهيمنة ماتزال ممثلة من بقاء سيطرة اللغة الفرنسية – أ ّ
في سيطرة لغة المستعمر وأن العتذار بالصعوبات التي
تحول دون تعريب الدارات أو ادخال اللغة العربية اليها غير
مقبول .
36
ن المسألة قومية ول يمكن التساهل فيها . أول :ل ّ
ثانيا :لننا في عهد الثورة – رغم الظروف الحربية القاسية
ورغم فقدان الوسائل من ألت كاتبة ومن كّتاب يحسنون
اللغة العربية – كّنا نشاهد أن قادة الثورة يقبلون كل
التقارير الواردة اليهم باللغة العربية والفرنسية وتغلبوا على
كل الصعوبات التي اعترضتهم بفضل العزيمة الصادقة
والرادة الثورية الجبارة ,فكيف نعجز في السلم تحقيق ما
حققناه وقت الحرب ومن أجل هذا ونظرا لكون الجزائر
اليوم دولة مستقلة ذات سيادة ,ونظرا لكون الشعب
الجزائري شعبا عربيا والوطن الجزائري وطنا عربيا حاول
الستعمار طيلة فترة وجوده بأرضنا مسخ الشعب وفرنسة
الوطن تنفيذا لقوانين الحكومة الفرنسية الزاعمة بأن
الجزائر ولية فرنسية ,فلم تستطع فرنسا فعل ذلك .
وتنفيذا لرادة الشعب الصارمة التي صارعت الدارة
الستعمارية بالمقاومة السلبية واليجابية وتماشّيا مع
تصريحات رئيس الحكومة أحمد بن بلة الذي قال :نحن
عرب ,نحن عرب ,نحن عرب ثلث مرات ,ونظرا
للتصريحات الصادرة عن مختلف الشخصيات الرسمية
المسؤولة في الحزب والحكومة واستجابة للرغبات الصادرة
عن الشعب كل يوم وبمختلف طبقاته نقترح :
ن
أول :المبادرة بالعلن الرسمي من المجلس الوطني بأ ّ
اللغة العربية هي اللغة القومية الرسمية ذات الدرجة الولى
في الجزائر المستقلة ,ويجب أن تحتل مكانها الصحيح
وتتمتع بجميع حقوقها وامتيازاتها .
ثانيا :يجب أن يعم تعليمها بأسرع ما يمكن جميع دواليب
الدولة الجزائرية التنفيذية والتشريعية والدارية
ثالثا :يجب المبادرة بتعريب كوادر وزارة التربية الوطنية
ن التعليمووضع برنامج سريع لتعريب التعليم وتعميمه ,ل ّ
ول في تكوين كوادر المستقبل وعلى وزير التربية عليه المع ّ
أن يقوم بما يلي :
37
-تأسيس معهد وطني للتعريب في الحال ويقوم هذا المعهد
بمايلي :
-وضع مجموع قواعد عملية تستخدمها الدارات .
-وضع كتب مدرسية أساسية لتعليم اللغة العربية في
مختلف المراحل التربوبية من التعليم البتدائ والى
الجامعة .
-الحرص على تزكية التعليم التربوي للغة العربية ,
ونتيجة لذلك يجب أن تصدر الجريدة الرسمية باللغة
العربية ويجب تحسين حالة الترجمة وتعميمها ويجب
تعريب البريد وكل الوزارات .
وفوق هذا وذاك يجب تعريب الشوارع والزّقة ,اذ مازالت
الشوارع تحمل أسماء :بيجو ,سانت أرنو ,كلوزيل
وأورليان وكافينياك ودارمون وغيرها .
توقيع السادة النواب التالية أسماؤهم :عمار قليل ,مسعود
خليلي ,عبد الرحمان زياري ,محمد الشريف بوقادوم ,
عمار رمضان ,يوسف بن خروف ,بلقاسم بناني ,بشير
براعي ,محمد الصغير قارة ,بوعلم بن حمودة ,زهرة
بيطاط ,محمد بونعامة ,علي علية ,سعيد حشاش ,محمد
بلشية ,اسماعيل مخناشة ,عمار أوعمران ,محمد خير
الدين ,محمد عزيل ,عبد الرحمان بن سالم ,رابح
بلوصيف ,عبد الرحمان فارس ,أحمد زمرلين ,صالح
مبروكين ,مصطفى قرطاس ,الصادق باتل ,دراجي
رقاعي ,محمد عمادة ,أحسن محيوز ,سليمان بركات ,
واب أخرون .مختار بوبيزم ,ون ّ
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
38
مين على صناعة القرار تلقيها في هذا المجال ,وابطاء القي ّ
في عهد أحمد بن بلة في اقرار قانون التعريب ولد ّ بداية
التصدع في الجزائر بين التيار الفرانكفوني والتيار العروبي .
وقد أدرك هواري بومدين أهمية التعريب فقرر جعله على
رأس الثورة الثقافية التي راح يبشر بها بالتوازي مع الثورة
الزراعية والصناعية ,وقد سمحت له خلفيته العروبية
وعداؤه لفرنسا التي كان يقول عنها بيننا وبين فرنسا جبال
من الجماجم وأنهار من الدماء ,تفهم أهمية التعريب
وضرورته خصوصا وقد كان من المتحمسين لعروبة
الجزائر .
وشرع قطاع التربية في عهده بمحو المية باللغة العربية
في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها ,كما تقرّر تعريب
العلوم النسانية في الجامعة الجزائرية .
لكن عندما بدأ التعريب يأخذ مجراه شيئا فشيئا كانت
الجامعة الجزائرية قد خرجت أفواجا من الطلبة الذين
درسوا باللغة الفرنسية فقط والذين أصبحوا أساتذة في
الجامعات أو تولوا مهمات أخرى في دوائر الدولة وعمل
الكثير من هؤلء على عرقلة التعريب ,وكثيرا ماكانت
الجامعات الجزائرية تشهد صراعات حادة بين دعاة التعريب
ودعاة الفرنسة .
ومازالت قضية التعريب في الجزائر من أهم المسائل
ض النظر عن الشائكة التي لم يحسم أمرها وكانت نتيجة غ ّ
التعريب لسباب يطول شرحها أن أنقسم المجتمع الجزائري
الى معسكرين معسكر الغلبية الذي يقف مع التعريب
وصيانة الهوية ومعسكر القلية الفرانكفوني .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
علقات الجزائر الدولية :
39
اجمال كانت علقة الجزائر بكل الدول وخصوصا دول
المحور الشتراكي حسنة للغاية عدا العلقة بفرنسا والجار
ي هواري بومدين لجبهة المغربي الذي كان مستاءا من تبن ّ
البوليساريو .
ى
فاقدام هواري بومدين على تأميم قطاع المحروقات أد ّ
الى توتر العلقات الجزائرية –الفرنسية ,حيث قاطعت
فرنسا شراء النفط الجزائري وكانت تسميه :البترول الحمر
.
والمغرب كان يرى أن الجزائر وبحكم طبيعتها اليديولوجية
الثورية وتحالفها مع عبد الناصر قد تشكل خطرا على
المغرب وقد تمد يدها للمعارضة الوطنية المغربية وبالتالي
قد تهدد العرش العلوي في الرباط ,كما أن الثوار
الجزائريين كانوا يعتبرون المغرب محسوبا على المحور
الغربي ,وكان بن بلة يتهم دوائر في الرباط بأنها كانت وراء
الوشاية به عندما غادر المغرب متوجها الى تونس عبر
طائرة مغربية مدنية وأجبرت الطائرات الحربية الفرنسية
الطائرة التي كانت تقله بالهبوط في مطار الجزائر العاصمة
وفي عهد بن بلة وهواري بومدين كانت الجزائر في واد
والمغرب في واد أخر كما كان يقول العاهل المغربي
الراحل الحسن الثاني .
وأهم ماميّز العلقات الجزائرية –المغربية في عهد هواري
بومدين هو ظهور جبهة البوليساريو كمنظمة ثورية تريد
تحرير الصحراء الغربية من أطماع الحسن الثاني ,ومعروف
أن الجزائر ساهمت في انشاء جبهة البوليساريو وأمدتها
بالسلح والمال وظلت العلقات الجزائرية –المغربية متوترة
الى أن قام الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد باعادة
العلقة مع المغرب بعد وساطة قام بها العاهل السعودي
الملك فهد بن عبد العزيز في سنة . 1986
40
بداية النهيار :
أصيب هواري بومدين صاحب شعار " بناء دولة ل تزول
ل شبيهه ,وفي بزوال الرجال " بمرض استعصى علجه وق ّ
بداية المر ظن الطباء أّنه مصاب بسرطان المثانة ,غير أن
عاء وذهب طبيب سويدي الى دت هذا الد ّ التحاليل الطبية فن ّ
القول أن هواري بومدين أصيب بمرض " والدن ستروم "
وكان هذا الطبيب هو نفسه مكتشف المرض وجاء الى
ن بومدين ليس الجزائر خصيصا لمعالجة بومدين ,وتأكد ّ أ ّ
مصابا بهذا الداء الذي من أعراضه تجلط الدم في المخ .
أستمّر بومدين يهزل ويهزل وتوجه الى التحاد السوفياتي
سابقا لتلّقي العلج فعجز الطباء عن مداوته فعاد الى
الجزائر .وقد ذكر مهندس التصنيع في الجزائر في عهد
هواري بومدين بلعيد عبد السلم أن هواري بومدين تلقى
رسالة من ملك المغرب الحسن الثاني جاء فيها اذا لم نلتق
ي أبدا ,وقد سئل مدير مطلع العام فاننا لن نلتق ّ
الستخبارات العسكرية قاصدي مرباح عن هذه الرسالة
فأجاب :أّنه يجهل وصولها أساسا باعتباره
-كما قال – كنت أنا الذي يضمن التصالت مع المغرب
باستثناء مرة واحدة ذهب فيها الدكتور أحمد طالب
البراهيمي الى المغرب في اطار قضية الصحراء الغربية
وقد يكون هو الذي جاء بهذه الرسالة .
وقد انتشرت في الجزائر شائعات كثيرة حول موت هواري
بومدين وسط غياب الرواية الحقيقية وصمت الذين عاصروا
هواري بومدين وكانوا من أقرب الناس اليه ,علما أن
هواري بومدين لم يعرف له صديق حميم ومقرب عدا
صديقه شابو الذي توفي في وقت سابق وبقي بومدين
بدون صديق .
ومن الشائعات التي راجت في الجزائر أن هواري بومدين
شرب لبنا مسموما ,حيث كان يدمن شرب اللبن وهذا
41
ن العاهل المغربي السم أستقدم من تل أبيب .وقيل أيضا أ ّ
الراحل الحسن الثاني كان على علم باختفائه قريبا عن
المشهد الدنيوي وقيل أن المخابرات المريكية كانت
مستاءة منه جملة وتفصيل وقد ساهمت في اغتياله ,وقيل
أيضا أنه أصيب برصاصة في رأسه في محاولة اغتيال في
ثكنة عسكرية .
و كانت مجلة العالم السياسي الجزائرية والتي توقفت عن
الصدور قد نشرت ملفا كامل بعنوان :الرواية الكاملة
متلغتيال هواري بومدين ,وقد أفادت هذه الرواية أنه ت ّ
تصفيته من قبل الموساد عن طريق التسميم ,لكن الرواية
م الى مائدة هواري بومدين لم تكشف هوية من أوصل الس ّ
في مقر سكنه الرئاسي !!
ن
ومهما كثرت الروايات حول وفاة هواري بومدين فا ّ
الجزائر خسرت الكثير الكثير بغياب هذا الرجل المفاجئ
الذي كان يحلم أن يجعل الجزائر يابان العالم العربي .
وقد مات هواري بومدين في صباح الربعاء 27كانون الول
– ديسمبر – 1978على الساعة الثالثة وثلثون دقيقة فجرا
.
ننننن ننننننن ننننن ننن نننننننننن ننننن
ننننن نن نننن نننننننن ننن نننننن:
اّنا لله وانا ّ اليه راجعون ,وبموت هواري بومدين كانت
الجزائر تتهيأ لدخول مرحلة جديدة تختلف جملة وتفصيل عن
الحقبة البومدينية ,وسوف يفتقد الجزائريون في عهد
الشاذلي بن جديد الى الكرامة والعزة التي تمتعوا بها في
عهد هواري بومدين .
مات الرجل الفلح ابن الفلح ولم يترك أي ثروة ,فحسابه
ن أقرباءه ظلوا على حالهمفي البنك كان شاغرا ,كما أ ّ
يقطنون في نفس بيوتهم في مدينة قالمة .
42
مات هواري بومدين وماتت معه أحلم الجزائر ,وبموته
بدأت السفينة الجزائرية تنعطف في غير المسار الذي
رسمه للجزائر هواري بومدين .
لقد كان هواري بومدين يقول :الذي يرغب في الثورة عليه
أن يترك الثروة ,وفي عهد الشاذلي بن جديد العقيد
الخجول القادم من مدينة وهران أنتصر أهل الثروة على
أهل الثورة فتاهت الجزائر !!
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
43
بعد وفاة هواري بومدين في كانون الول -ديسمبر1978 -
توّلى رئاسة الدولة رئيس مجلس الشعب –البرلمان – رابح
ص على أّنه في حالة ن الدستور الجزائري ن ّ بيطاط ,ذلك أ ّ
وفاة رئيس الدولة يتولى رئيس البرلمان رئاسة الجمهورية
دة خمسة وأربعين يوما ,يتم اختيار رئيس للجمهورية . لم ّ
م بعد تزكية منوكان الوصول الى الرئاسة في الجزائر يت ّ
المؤسسة العسكرية حيث نجح هواري بومدين في بناء
مؤسسة عسكرية متينة أصبحت صاحبة الفصل في كل
ن النظام السياسي أصبح صغيرة وكبيرة ,بل يمكن القول أ ّ
هو الجيش والجيش هو النظام السياسي .
و الرئيس هواري بومدين كان رئيسا للدولة ورئيسا لمجلس
قيادة الثورة ورئيس الوزراء ووزيرا للدفاع في نفس
ن
الوقت ,وبالضافة الى تقوية دور المؤسسة العسكرية فا ّ
هواري بومدين عمل على تقوية دور المخابرات العسكرية
التي كانت ولتزال من أهم وأبرز الجهزة النافذة في
الجزائر ,وفي عهد هواري بومدين كان جهاز المخابرات
العسكرية شديد الفعالية وكانت له نشاطات في الجزائر
وخارجها .فجهاز المخابرات العسكرية في عهد هواري
ن من سحق كل المعارضات في المهد ,كما بومدين تمك ّ
ن هذا الجهاز من الطاحة بنظام معاوية ولد داده في تمك ّ
موريتانيا عندما وقف هذا الخير الى جانب المغرب في
قضية الصحراء الغربية .
وكان المرور الى الرئاسة في الجزائر يقتضي بحصول
المرشح على دعم المؤسسة العسكرية وجهاز الستخبارات
العسكرية .وقبل نهاية ولية رابح بيطاط احتدم الصراع بين
شخصيات في جبهة التحرير الوطني والمؤسسة العسكرية
حول الرئيس المرتقب .
لكن من يملك مواصفات هواري بومدين !
ده بين محمد الصالح يحياوي كان التنافس قائما على أش ّ
أحد قادة حزب جبهة التحرير الوطني وعبد العزيز بوتفليقة
44
رئيس الديبلوماسية الجزائرية في عهد هواري بومدين ,وكل
المتنافسين لم يكونا يملكان أسهما داخل المؤسسة
العسكرية ,كما لم يكونا من أصحاب البّزات العسكرية .
وبينما كان البعض يضرب أخماسا في أسداس بشأن
ن الرئيس المنتظر هوالرئيس المنتظر ,فوجئ الجميع بأ ّ
العقيد الشاذلي بن جديد مسؤول ناحية الغرب العسكرية ,
وكان مليين الجزائريين يسمعون باسم الشاذلي بن جديد
ضىمعظم وقته داخل الثكنات العسكرية . لول مّرة الذي ق ّ
وقد ساهمت المؤسسة العسكرية في ترجيح الكفة لصالح
الشاذلي بن جديد ,كما أن قاصدي مرباح مدير جهاز
الستخبارات العسكرية دعم الشاذلي بن جديد ,وكوفئ في
وقت لحق بتعيينه رئيسا للحكومة قبل أن يساهم ذوو النفوذ
في المؤسسة العسكرية في الطاحة به وتأليب الشاذلي
عليه في حملة استهدفت العناصر البومدينية في مراكز
الجيش والدولة .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
45
ويميلون الى المحور الغربي أكثر منه للمحور الشتراكي
الذي كان بومدين حريصا على مد ّ جسور التواصل معه .
م
وفي الجتماع الستثنائ لحزب جبهة التحرير الوطني ت ّ
انتخاب الشاذلي بن جديد بالجماع ,فأصبح بذلك ثالث
رئيس للجزائر بعد أحمد بن بلة وهواري بومدين ,وبالضافة
الى أّنه أصبح رئيسا فقد كان يتولى وزارة الدفاع والمانة
العامة لحزب جبهة التحرير الوطني ,وهذه المراكز العليا
والمناصب الفوقية التي كان يتمتع بها الشاذلي بن جديد ل
تعني أّنه كان صاحب السطوة والحل والربط ,لن أصحاب
الحل والربط الحقيقيين يكرهون الضواء ويعتبرون الخروج
الى الشمس بمثابة زوال قوتهم ومصالحهم وهم ليريدونها
ي.
أن تنته ّ
وبمجرد تعيينه رئيسا للدولة قال العارفون بالبيت الجزائري
أّنه بين البومديينية والشاذلية كبين موسكو وواشنطن أثناء
الحرب الباردة ,وقد قرر بن جديد و أصحاب النفوذ الجدد
الذين كانوا خلفه أن ينعطفوا بسفينة الجزائر بنسبة 180
درجة لتصير في مسار مناقض عما كانت عليه مسار
السفينة الجزائرية في عهد هواري بومدين .
وقد كان الشاذلي ضعيفا أمام مراكز القوة و أهل الحل
والربط داخل المؤسسة العسكرية ,وقد أعترف أنه حاول
مرارا الفرار من هذا المنصب الرئاسي الذي لم يخلق له
والذي دفع اليه دفعا .
والشاذلي الذي كان بعيدا عن الجزائر العاصمة مركز الثقل
في لعبة الحكم ,وجد غداة انتقاله الى الجزائر العاصمة
ليقود الدولة صعوبة في التأقلم مع الجواء المشحونة التي
خلفها رحيل هواري بومدين .وبحكم خلفيته البورجوازية
وقربه من الغرب قرّر وبدعم من اللعبين الجدد تدشين
بداية الطلق بين الجزائر وايديولوجيتها السابقة .
وكانت خزينة الدولة الجزائرية في بداية عهد الشاذلي بن
جديد تضم حوالي ملياري دولر أمريكي والديون لم تكن
46
بحجم 26مليار دولر والتي تراكمت في عهد الشاذلي بن
جديد
فقرر الشاذلي وبطانته صرف الكثير من هذه الموال على
مشروع من أجل حياة أفضل وذلك من خلل استيراد
الكماليات والمطربين والمطربات ليهام الشباب الجزائري
بأن مرحلة اليديولوجيا وّلت وجاءت حياة مغايرة فيها الكثير
من نكهة الغرب ,والحقيقة التي
ن هذا المشروع الذي استه ّ
ل به بات يعيها كل الجزائريين أ ّ
الشاذلي وليته عاد بالنفع الكبير على مجموعة من ذوي
النفوذ الذين جمعوا مال قارون ودمجوا بين السلطة والمال
وهم الذين أطلق عليهم الرئيس المغتال محمد بوضياف
اسم المافيا في وقت لحق وهم الذين افترقوا عن خط
الثورة وفضلوا خط الثروة .
ولم يكن هناك أدنى تحسب لطارئ انخفاض أسعار النفط ,
حيث يشكل النفط والغاز في الجزائر أهم مصدرين
للمداخيل الجزائرية بالعملة الصعبة .و غير تبديد خزينة
ن المرحلة الشاذلية شكّلت بداية الدولة الجزائرية ,فا ّ
القطيعة مع المنجزات التي تحققت في عهد هواري بومدين
,فمشروع الثورة الزراعية تبدد ّ ومشروع التصنيع انتهى الى
م الستعاضة عنها بثورة طريق مسدود والثورة الثقافية ت ّ
الراي وثقافة الفن المتعّفن ,وخصوصا عندما أصبح أصحاب
الثقافة الفرانكفونية في مواقع القرار الذين ألغوا مشروع
التعريب بجّرة قلم.
لقد قرّر الشاذلي بن جديد أن يخوض معركة النفتاح على
م بدون اعادة ترتيب البيت ن ذلك ماكان ليت ّ الغرب ,لك ّ
السياسي والقضاء على المتداد البومدييني في المؤسسة
العسكرية ودوائر القرار ,وبهذا الشكل وجد رجالت هواري
بومدين أنفسهم على الهامش و أحيلوا الى التقاعد قبل
ن القانونية كبلعيد عبد السلم وعبد العزيز حلول الس ّ
47
بوتفليقة وغيرهما .ومثلما قام الشاذلي ومن يخط ّ
ط له
بتقليم أظافر المحسوبين على هواري بومدين
فقد قام أيضا بالغاء مشاريع بومدين الكبيرة ,فقد أرجع
الراضي المؤممة الى أصحابها ,وأرخى العنان للقطاع
الخاص ,وبدل مشروع التصنيع قرّر الشاذلي بن جديد
استيراد حاجيات الجزائر من عواصم الغرب وبهذا الشكل
تسنى للسماسرة أن يدخلوا على الخط ويحققوا أحلم
العمر .
وفي سابقة هي الولى من نوعها قام الشاذلي بن جديد
بزيارة باريس – عاصمة العدو الفرنسي –وخالف بذلك
بروتوكول جزائريا غير مدّون سّنه أسلفه ويقضي باستحالة
قيام رئيس الجزائر بزيارة الى فرنسا التي قال عنها بومدين
يوما :بيننا وبين فرنسا جبال من الجبال وأنهار من الدماء .
وقد نقل عن الشاذلي بن جديد لدى قيامه بزيارة الى
واشنطن قوله :لقد عرفت أين تكمن مصلحة الجزائر !
وهذه النقلة النوعية في المسار السياسي الجزائري والتي
سرت على أن موسكو قد مت على يد الشاذلي بن جديد ف ّ ت ّ
ن تونس خسرت أخر مواقعها في الشمال الفريقي ,ذلك أ ّ
كانت محسوبة على باريس مع وجود الحبيب بورقيبة
والمغرب بوجود الحسن الثاني كان لها شهرا عسل الول
مع باريس والثاني مع واشنطن ,و الجزائر التي طلقت
المسار الشتراكي والتي عاد فيها الفرانكفونيون بقوة الى
دوائر الحكم بات واضحا أنها اختارت الضفة الشمالية باتجاه
الغرب .
وفي وقت قياسي أختفى عن المشهد السياسي الجزائري
كل الذين كان يعتمد عليهم بومدين في حكمه من قبيل :
بلعيد عبد السلم ومحمد صالح يحياوي وبلعيد عبد السلم
وعبد العزيز بوتفليقة وبن شريف وغيرهم .
وعلى صعيد المؤسسة العسكرية أجرى الشاذلي بن جديد
سلسلة تغييرات أزاح بموجبها كل المحسوبين على التيار
48
م الى الواجهة ماالبومدييني وأحالهم الى التقاعد ,وتقد ّ
يعرف في الجزائر بضّباط فرنسا وهم الضباط الجزائريون
الذين كانوا في صفوف الجيش الفرنسي وألتحقوا بصفوف
الثورة الجزائرية في أواخر أيامها كخالد نزار وعّباس غزيل
ومحمد العماري وعبد المالك قنايزية وغيرهم ,وكلهم
أصبحوا جنرالت في عهد الشاذلي بن جديد .و أحد الذين
كانوا محسوبين على ضباط فرنسا اللواء العربي بلخير
أصبح في عهد الشاذلي غول يخشى جانبه كثيرون ,كما
أصبح أمين الرئاسة الجزائرية أي الباب الموصل الى
الشاذلي بن جديد .
وعندما كان الشاذلي يعمل على انهاء الوجود البومدييني ,
ب للخروج من كانت الحركة السلمية الجزائرية تتأه ّ
الكواليس والى الخشبة ,وهذا التزامن بين بداية اختفاء تيار
وبداية بروز أخر جعل بعض المحللين يشّبهون هذا المشهد
بأخر مماثل في مصر عندما عمل الرئيس المصري محمد
أنور السادات على انهاء الوجود الناصري مقابل السماح
للخوان المسلمين بالظهور على الخشبة السياسية .
وكانت الحركة السلمية الجزائرية ترى في هواري بومدين
رجل يسارّيا شيوعيا يتعامل مع عواصم اللحاد ,وقد كان
شيوخ هذه الحركة من قبيل الشيخ عبد اللطيف سلطاني
والشيخ أحمد سحنون على خلف دائم مع هواري بومدين .
وبين 1980والى 1984كان الشاذلي يعمل على اعادة
ل العديد من رسم خارطة سياسية جديدة للجزائر ,وأستغ ّ
أركان النظام الجديد الواقع الجديد فأثروا ثراءا فاحشا وقد
أوجدت هذه الحقبة 6000ملياردير أغلبهم من أركان
النظام والمؤسسة العسكرية .
وبعد اعادة ترميم العلقات الجزائرية مع الغرب بات شغل
الشاذلي الشاغل هو في كيفية التحول الى اللبيرالية في
أقرب وقت .
49
وهذا الضطراب بين الرأسمالية والشتراكية ,رأسمالية
أهل النفوذ واشتراكية الرعية ,ونفاذ أموال خزينة الدولة
الجزائرية أدى الى بداية تراكم الديون ومستحقاتها ,ومع
انخفاض سعر النفط بدأت الزمة القتصادية الخانقة تطرق
أبواب الجزائر والذي ساهم في تعميقها ترك النتاج
ب عن ذلك أزمة تضخم والتعويل فقط على الستهلك وترت ّ
وارتفاع عدد البطالين وافلس القطاع العام .
وبدأت الحركة السلمية تخرج من قمقمها ,كما بدأ التيار
البربري يستعد هو الخر لرفع ألويته ,وبدأت العلمات
الولى للزلزال الجزائري ترتسم في الفق لكن الرسميين
في الجزائر كانوا يفضلون أغاني الراي على تحذيرات
الستراتجيين والمحللين !!
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
بروز التّيار السلمي
50
ن
محاضرة في كلية الشرطة في منطقة البيار جاء فيها أ ّ
دد الجزائر يكمن في التيار الصولي وليبيا . الخطر الذي يه ّ
وقد طالب المجتمعون في الجامعة المركزية والذين كان
على رأسهم الشيوخ أحمد سحنون ,عبد اللطيف سلطاني ,
والدكتور عباسي مدني السلطة بوقف العتقالت العشوائّية
التي يتعرض لها الطلبة السلميون في الجامعات
الجزائرية ,كما طالب المجتمعون بالسراع الفوري في
تصحيح المسار السياسي وذلك بالقضاء على نفوذ
المحسوبين على الثقافة الفرنسية داخل النظام ورد ّ العتبار
للثقافة السلمية والعربّية .وقد ندد ّ السلميون بصرف
أموال الشعب الجزائري في غير ما يعود بالنفع على الشعب
الجزائري .
و أصدر سحنون وعبد اللطيف ومدني بيانا جاء فيه :
…… .وتداركا لوقوع بلدنا بلد المليون والنصف شهيد فيما
ألت اليه النظم الخرى كان لبد ّ من التصدي لهذه المؤامرة
بتطهير أجهزة الدولة من العناصر العميلة وازالة الفساد
نفي البلد قبل فوات الوان ,ونظرا لخطورة الموقف فا ّ
التعاون المشترك بين العناصر الطيبة في المة أصبح أمرا
لبد ّ منه و أيّ تهرب من المسؤولية من أي طرف يّعد خيانة
كبرى للسلم والوطن ,و وجود هذا التعاون ل يتوفر في
ح على ل العوددة الصادقة الى السلم لنل ّ اعتقادنا ال ّ في ظ ّ
ت في القضايا التالّية :
السراع في الب ّ
-1وجود عناصر في مختلف أجهزة الدولة معادية
لديننا متورطة في خدمة عدونا الساسي وعملية تنفيذ
مخططاته الماكرة المر الذي ساعد على اشاعة
الفاحشة وضياع المهام والمسؤوليات على الدولة
وغيرها .
-2تعيين النساء والمشبوهين في سلك القضاء
والشرطة وغياب حرية القضاء وعدم المساواة لهو
هدم للعدالة ول أمن ول استقرار بدونها .
51
-3تعطيل حكم الله الذي كان نتيجة حتمّية للغزو
الستعماري واحتلله للبلد الذي لم يعد له مبررا اليوم
بعد عشرين سنة من الستقلل فل بد ّ من اقامة العدل
بين الناس بتطبيق شرع الله ,قال تعالى :و أنزلنا
معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .
-4حرمان المواطن من حريته وتجريده من حقه في
المن على نفسه ودينه و ماله وعرضه وحرمانه من
حرّية التعبير لهو اعتداء على أهم حقوقه ومبررات
التزامه بواجباته الشرعية والخلقّية .
-5عدم توجيه تنميتنا القتصادية وجهة اسلمية
رشيدة بازالة كل المعاملت غير الشرعية وعدم تيسير
السبل الشرعية لكتساب الرزق من زراعة وتجارة
وتسوية بين الناس في فرص الستفادة من خيرات
البلد بدون تمييز .
-6تفكيك السرة والعمل على انحللها وارهاقها
بالمعيشة الضنكة كانت سياسة بدأتها فرنسا وبقيت
تمارس حتى اليوم بالضافة الى محاولة وضعها على
غير الشريعة السلمية تحت شعار نظام السرة .
-7الختلط المفروض في المؤسسات التربوية
والدارية انعكست نتائجه السيئة على المردود التربوي
والثقافي والقتصادي والجتماعي .
-8الرشوة والفساد الممارسين في المؤسسات
التربوية من المدرسة الى الجامعة والدارة وغيرها
مرض بيروقراطي ل أخلقي خطير ل يسلم مجتمع منه
ال ّ اذا نفضه عنه .
-9تشويه مفهوم الثقافة وحصره في المهرجانات
الماجنة اللأخلقية عرقل النظام التربوي ,وحال دون
توصله الى ابراز المواهب والنبوغ والكفاءات التي
تفتقر اليها البلد للتخلص من الوضعية الثقافية
المفروضة علينا .
52
-10ابعاد التربية السلمية وتفريغ الثقافة من
وة و استمراريتها المضمون السلمي زاد في تعميق اله ّ
.
-11الحملة المسعورة للعلم الجنبي والوطني
لستهداء الدولة على الدعوة والصحوة التي تهدد
مصالح الدوائر الستعمارية في بلدنا .
-12اطلق سراح الذين أعتقلوا دفاعا عن أنفسهم
ودينهم و كرامتهم .
-13فتح كل المساجد التي أغلقت في الحياء
الجامعّية والثانويات والتكميليات والمؤسسات
العمالية .
-14عقاب كل من يتعدى على كرامة عقيدتنا وأمتنا
وشرعيتها وأخلقها و الحدود الشرعية السلمية .هذه
المور هّزت مشاعر أمتنا وحركت ضميرها وما وقفتها
اليوم ال ّ دليل على أنها مازالت تستحق كل اكبار
وتقدير واحترام ,وهذه المواقف التي عرفها شعبنا
كافية للتعبير عن نضجه العلمي ووعيه السياسي
وهذه الخصال جديرة بأن تجعله في مستوى مسؤولية
أمام الله والرسول والوطن ,قال تعالى :باسم الله
ن النسان لفي خسر .ال ّ الرحمان الرحيم .والعصر ا ّ
الذين أمنوا وعملوا الصالحات .وتواصوا بالحق
وتواصوا بالصبر .
توقيع :أحمد سحنون – عبد اللطيف سلطاني – عباسي
مدني .
وكان هذا البيان ايذانا بميلد الحركة السلمية الجزائرية
مة والمهيكلة ,والتي ستصير في وقت لحق أعقد المنظ ّ
معادلة سياسية في الجزائر .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
53
مطالب البربر :
في بداية الثمانينيات اندلعت في منطقة تيزي وزو البربرية
مواجهات عنيفة بين مجموعة من المتظاهرين وقوات المن
الجزائرية ,ولم تكن للمتظاهرين البربر مطالب سياسية ,
بل طالبوا بأحقّية الثقافة المازيغية – البربرية – في
الوجود ,وأطلق على هذا الحدث اسم الربيع البربري ,
فلول مرة في تاريخ الجزائر تطالب شريحة من المثقفين
البربر ومن خلل العنف برد ّ العتبار للثقافة المازيغية
واعتبار اللغة المازيغية لغة رسمّية في الجزائر .
وكانت النخبة المثقفة البربرية ذات نفس عدائي للعروبة
ن الشعب الجزائري بربري عي هذه النخبة أ ّ والسلم ,وتد ّ
له ثقافته الخاصة ولغته الخاصة أيضا والتي يجب تطويرها
واحياؤها .ومن رموز الدعوة البربرية الكاتب البربري مولود
مري الذي عينته فرنسا على رأس الكاديمية البربرية في مع ّ
باريس ,والدكتور سعيد سعدي الذي أصبح في وقت لحق
زعيما للتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري وهو
حزب يقوم على أساس عرقي ولغوي أيضا .
ويذهب الدكتور أحمد بن نعمان في كتابه :فرنسا
ن فرنسا والطروحة البربرية في الجزائر ,الى القول بأ ّ
رعت الورقة البربرية للقضاء على مشروع التعريب الذي
كانت ترى فيه فرنسا أهم هادم للفرانكفونية التي أقامت
لها صرحا في الجزائر وبقية الدول المغاربية ,وهذا التمكين
للثقافة المازيغية ليس حبا لها بل لجعلها مجّرد مدخل الى
تكريس اللغة الفرنسية .
ومنذ بروز الحركة البربرية والجامعات الجزائرية تعيش حالة
صراع بين معسكري العروبة والسلم ومعسكر
الفرانكفونية والمازيغية .وبعد اندلع المواجهات في منطقة
تيزي وزو التي تعتبر معقل الثقافة المازيغية ,والورقة
54
وة في دائرة الصراع السياسي
البربرية مطروحة بق ّ
والثقافي في الجزائر .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
الزمة القتصادية :
الثروة التي تركها هواري بومدين في خزينة الدولة صرفت
جميعها في غير الوجهة التي تعود على القتصاد الجزائري
بالنفع ,وقد استفاد الكثير من من ذوي النفوذ من هذه
الثروات فأسسوا شركات خاصة وتجمعات اقتصادية جّبارة
كتجمع رياض الفتح الشهير الذي أثار بناؤه جدل واسعا في
صفوف الشعب الجزائري .
وفي عهد الشاذلي بن جديد برزت طبقة رأسمالية مزجت
بين السلطة والمال ,وأستفادت الى أقصى درجة من
امتيازات النظام .و بعد أن تفاقمت الزمة القتصادية أخذت
السلطة الجزائرية تبحث عن مصادر للديون والقروض ,وقد
قام الشاذلي بن جديد في نيسان –أبريل – 1985بأول
زيارة الى الوليات المتحدة المريكية ,فأستقبله الرئيس
المريكي رونالد ريغان بحفاوة نظرا لدور الجزائر في ح ّ
ل
أزمة الرهائن المريكان في طهران ,وبدأت العلقات
المريكية –الجزائرية تعرف طريقها الى التحسن .والموال
التي وصلت الى الجزائر من باريس وواشنطن وطوكيو لم
تؤد ّ الى انعاش القتصاد الجزائري ,و وجدت الجزائر نفسها
تقوم بايفاء فوائد الديون دون أصولها ,وبدأت أزمة
المديونية هي الخرى تعصف بالجزائر المر الذي أدى الى
دة
افلس المؤسسات التابعة للقطاع العام فأرتفعت معه ح ّ
البطالة .
وقبل 05تشرين الول – أكتوبر – 1988تفاقمت المشاكل
الجتماعية والقتصادية وكانت النتيجة زلزال أكتوبر
55
الشعبي ,حيث تدفقّ الجزائريون الى الشوارع منددين
بالنظام وفساده ,وغادرت دبابات الجيش الجزائري الثكنات
ودخلت في مواجهات مع الكتل البشرية الجائعة .
وقبل حدوث هذا النفجار الشعبي وقع جدل كبير داخل جبهة
التحرير الوطني بين المحافظين والصلحيين ,وبلغ هذا
الصراع ذروته عندما طالب الرئيس الجزائري في أيلول –
سبتمبر – 1988من الشعب الجزائري بالثورة على حاكميه
ويبدو أّنه كان يريد التحرر من ضغوط مراكز القوة ,ولم
يمض أسبوعان حتى انفجر الشعب الجزائري في أعنف
مواجهات دموية عرفتها الجزائر بعد الستقلل !
و بدل أن يلجأ الشاذلي و فريقه من خلف الستار الى
ل حل تنفيسيا ,معالجة الزمة من جذورها فقد فض ّ
ديموقراطية تنفيسية لم تصمد هي الخرى في وجه
المتناقضات الجزائرية .
خريف الغضب الجزائري في 05تشرين الول – أكتوبر –
1988كان انطلقة نحو مرحلة جديدة سوف يقودها
ن من تهدئة الوضع العام بعد أن الشاذلي بن جديد الذي تمك ّ
وعد باصلحات سياسية جذرية .والى تاريخ خريف الغضب
الجزائري كانت الجزائر تعيش في نطاق ديكتاتورية الحزب
الواحد – حزب جبهة التحرير الوطني – الذي أصبح ممرا
حتميا لكل هواة الثروة والمقاولت ,فبالضافة الى الزمة
القتصادية الخانقة التي تضرّر منها الشعب الجزائري ,كانت
الفواه مكممة والفكار ملحقة والمعتقلت حاشدة بأصحاب
الرأي الخر .
وعندما هدأت أحداث أكتوبر وعد الشاذلي بن جديد بتغيير
الدستور الجزائري الذي وضعه هواري بومدين عام . 1976
لكن قبل القدام على هذه الخطوة كان لبد ّ على الشاذلي
أن يقوم بابعاد الراديكاليين داخل حزب جبهة التحرير
الوطني وحتى جهاز الستخبارات العسكرية ,ففي 29
تشرين الول –أكتوبر – 1988أبعد الشاذلي الرجل العتيد
56
في حزب جبهة التحرير الوطني محمد شريف مساعدّية
مسؤول المانة العامة في حزب جبهة التحرير الوطني ,كما
أقال مدير الستخبارات العسكرية الكحل عّياط .
ت الشعب الجزائري و في شباط –فبراير – 1989صو ّ
لصالح الدستور الجزائري والذي أقّر مبدأ التعددية السياسية
والعلمّية .وفور المصادقة على الدستور الجديد والقرار
بمبدأ التعددية السياسية والحزبية ,بدأ رموز المعارضة
يعودون من الخارج كأحمد بن بلة وحسين أية أحمد ,أما
محمد بوضياف المقيم منذ ثلثين سنة في منفاه الختياري
ك في مصداقية في مدينة القنيطرة في المغرب فقد شك ّ
الديموقراطية الشاذلّية ورفض العودة الى الجزائر .
ص على ما يلي : أما ّ قانون الحزاب الجديد فقد ن ّ
-يجب على كل حزب أن يسعى للحفاظ على الستقلل
الوطني والوحدة الوطنية والنظام الجمهوري والقيم
العربية والسلمية والمتناع عن الممارسات الطائفية
المخالفة للسلوك الجزائري ,كما ل يسمح لفراد الجيش
النخراط في العمل الحزبي ,ويجب استخدام اللغة
العربية في الممارسات الرسمية للحزب .
-أن يكون العضو المؤسس للحزب لم يسبق له سلوك
مضاد لثورة التحرير الوطني ,وأن يكون مقيما بالتراب
الوطني .
-ل يتجاوز حجم تبرعات الحزب في مجموعها 20في
المائة من حجم اشتراكات العضاء .
-وزير الداخلية له الحق في استصدار أمر قضائي بوقف
نشاطات الحزب واغلق مقاره وذلك اذا خرق الحزب
المواد الدستورية وقوانين الجمهورية .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
57
ن السلم هو دين الدولة ص على أ ّ أما ّ الدستور الجديد فقد ن ّ
ن اللغة العربية هي اللغة الرسمية ,وقد حدد ّ مهمة وأ ّ
الجيش الجزائري في صون الستقلل والدفاع عن السيادة .
ص الدستور على ضرورة الحتكام الى صناديق كما ن ّ
القتراع كوسيلة محايدة لمعرفة حجم القوى السياسية في
الطار الديموقراطي .
وبعد هذه التغييرات الجذرية بدأت الحزاب الجزائرية
كل ومنها الحركة من أجل الديموقراطية والجبهة بالتش ّ
السلمية للنقاذ وجبهة القوى الشتراكية وقد تكاثرت هذه
الحزاب بشكل مدهش حتى بلغت ستين حزبا .
وفي أول انتخابات بلدية جرت في 12حزيران –جوان –
1990فازت الجبهة السلمية للنقاذ ,وكان ذلك ايذانا
بميلد هذه الجبهة التي ستكون الرقم الصعب في المعادلة
الجزائرية ..
وبعد النتخابات البلدية طالبت الجبهة السلمية للنقاذ
باجراء انتخابات تشريعية وبررت ذلك بأّنه ل يمكن الحديث
عن التعددية السياسية في ظل وجود برلمان أحادي حكر
على حزب جبهة التحرير الوطني .
وقد وعد الشاذلي بن جديد بايصال الصلحات السياسية
الى ذروتها ,فقرّر أن تجرى انتخابات تشريعية في في 27
ن النتخابات لم تجر في حزيران –جوان – , 1991ال ّ أ ّ
موعدها ,بل عادت الجزائر أثناءها الى درجة الصفر أو
ماقبله ,حيث عادت الدبابات من جديد الى الشوارع
الجزائرية و فرضت حالة الحصار العسكري ,و أقيلت
حكومة مولود حمروش ,و أعتقل قادة الجبهة السلمية
للنقاذ *
58
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
• راجع كتاب المؤلف أربعة أّيام ساخنة في الجزائر ,
وكتاب الحركة السلمية المسلحة في الجزائر لنفس
المؤلف .
ومّرت العاصفة بسلم ,اذ عاد الشاذلي بن جديد وحدد ّ
موعدا أخر للنتخابات التشريعية في 26كانون الول –
دت الجبهة السلمية للنقاذ وبقية ديسمبر – , 1991وأستع ّ
الحزاب لخوض غمار المعركة النتخابّية .
وأنتصرت الجبهة السلمية للنقاذ مجددا و حصلت على
ل في المرتبة الثانية حزب 188مقعدا في البرلمان وح ّ
جبهة التحرير الوطني وفي المرتبة الثالثة جبهة القوى
الشتراكية .
دت المؤسسة العسكرية لمصادرة هذه النتائج وقد استع ّ
كت فيلقها السياسي قبل العسكري ,وتحركت جبهات وحر ّ
اليسار والبربر والفرانكفونيين وطالبت بالغاء النتخابات كما
طالبوا الجيش الجزائري بالتدخل ,وفي الثناء اعتقد الشارع
الجزائري أن النتخابات ستتواصل وأن الدورة الثانية
ستجرى في موعدها في 16كانون الثاني – جانفي – 1992
م الرئيس الجزائري ,وكانت المفاجأة الكبرى عندما قد ّ
استقالته تاركا الجزائر تغرق في أتون فتنة يشيب لها قلب
الحليم وعقله ,وقد جاء في استقالته ما يلي :
أّيها الخوة ,أّيها الخوات ,أيها المواطنون ل ش ّ
ك أنكم
تعلمون بأنني لم أكن راغبا في الترشح لمنصب رئيس
الجمهورية غداة وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين ,وما
قبولي بالترشح ال ّ نزول عند رغبة والحاح رفقائي ويومها لم
أكن أجهل بأّنها مسؤلية ثقيلة وشرف عظيم في أن واحد .
ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول القيام بمهامي بكل ما يمليه
ى ضميري وواجبي ,وكانت قناعتي أّنه يتعين تمكين عل ّ
59
الشعب الجزائري من الوسيلة التي يعّبر بواسطتها عن
ن هذا الشعب سبق له وأن دفع ثمنا كامل ارادته لسيما وأ ّ
باهظا من أجل استرجاع مكانته على الساحة الدولية ,لذا
فبمجّرد أن تهيأت الظروف عملت على فتح المسار
الديموقراطي الضروري لتكملة مكتسبات الثورة التحريرية .
وها نحن اليوم نعيش ممارسة ديموقراطية تعددية تتسم
بتجاوزات كثيرة وسط محيط تطبعه
ن الجراءات المتخذة تيارات جد ّ متصارعة .وهكذا فا ّ
والمناهج المطالب باستعمالها لتسوية مشاكلنا قد بلغت
دا ل يمكن تجاوزه دون المساس الخطير والوشيك اليوم ح ّ
بالنسجام الوطني والحفاظ على النظام العام والوحدة
الوطنية ,و أما حجم هذا الخطر الداهم فانني أعتبر في
ن المبادرات المتخذة ليس بامكانها قرارة نفسي وضميري بأ ّ
ضمان السلم والوفاق بين المواطنين في الوقت الراهن.
و أمام هذه المستجدات الخطيرة فكرت طويل في الوضع
المتأّزم و الحلول الممكنة وكانت النتيجة الوحيدة التي
توصلت اليها هي أّنه ل يمكنني الستمرار في الممارسة
دس الذي عاهدت به الكلّية لمهامي دون الخلل بالعهد المق ّ
المة .ووعيا مني بمسؤولياتي في هذا الظرف التاريخي
ن الحل الوحيد للزمة الذي يجتازه وطننا فانني أعتبر أ ّ
الحالية يكمن في ضرورة انسحابي من الساحة السياسية .
و لهذا أّيها الخوة ,أيتها الخوات ,أيها المواطنون ,فانني
ابتداء من اليوم أتخلى عن مهام رئيس الجمهورية ,و أطلب
من كل واحد ومن الجميع اعتبار هذا القرار تضحية مني في
سبيل المصلحة العليا للمة .
تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا .
الشاذلي بن جديد بتاريخ 11 :جانفي – كانون الثاني -
. 1992
60
وفي ظرف خمس دقائق قبل المجلس الدستوري برئاسة
ثبن حبيلس استقالة أو اقالة الشاذلي بن جديد وب ّ
التلفزيون الجزائري نص الستقالة في الثامنة ليل .
جه رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي وبعدها بساعتين و ّ
صه :
خطابا متلفزا للشعب الجزائري ,هذا ن ّ
باسم الله الرحمان الرحيم والصلة والسلم على أشرف
المرسلين ,أّيها المواطنون ,أيتها المواطنات ,سمعتم
جميعا نص الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الى المة
مساء هذا اليوم والتي أعلن فيها عن تقديم استقالته ,وكما
ن المجلس الدستوري قد عقد اجتماعه علمتم أيضا فا ّ
القانوني وأثبت رسميا الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية ,
ونتجت عن ذلك حالة لم يسبق للجزائر أن عرفت لها مثيل ,
وهي حالة تقوم المؤسسات الدستورية بمعالجة جوانبها
المختلفة حسب ما تنص عليه قوانين البلد .وفيما يتعلق
ص على أّنها مطالبة بمواصلة ن الدستور ين ّ بالحكومة فا ّ
القيام بالمهام العادية المنوطة بها في جميع الميادين
ي في هذا الطار أن أؤكد المتصلة بتسيير شؤون البلد .وعل ّ
ن الحكومة تضع في أيها المواطنون ,أيتها المواطنات أ ّ
مقدمة أولوياتها الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين ,لذا
فاني مباشرة بعد أن وصلني خبر استقالة رئيس الجمهورية
طلبت من الجيش الوطني الشعبي أن يتخذ ّ بصورة وقائية
الجراءات اللزمة من أجل المساهمة في حماية المن
العمومي وأمن المواطنين وذلك عمل بالقانون . 488\91
أيها المواطنون ,أيتها المواطنات ,تأتي استقالة رئيس
الجمهورية في الظروف الحرجة التي تجتازها البلد واني
أتوجه اليكم جميعا طالبا من كل واحد منكم أن يتحلى بروح
المسؤولية ,وأن يحافظ على الهدوء وأن يؤدي مهامه
العادية في الطار والمنصب حيث يوجد .ولن يفوتني وأنا
أتوجه الى الضباط وضباط الصف والجنود في جيشنا
الوطني الشعبي أن أؤكد ما سبق لي أن قلته في تصريح
61
نيوم 05حزيران – جوان – 1991وفي تصريحات أخرى أ ّ
هذا الجيش قد أثبت بالفعل والممارسة أّنه سليل جيش
التحرير الوطني وأّنه يمثل مكسبا عظيما لهذه المة ,فهو
يمناها العتيدة والمينة في الحفاظ على سيادتها وعلى
وحدتها وعلى ثوابتها بما في ذلك دينها الحنيف وعلى حماية
أهلها وسلمتهم .
جه تحية خاصة ونداءا حثيثا الى رجال المن وكذلك أو ّ
وأسرة الوظيف العمومي والى جميع من يعمل في
القطاعات الحيوية في البلد مناشدا اّياهم أن يرفعوا
مجهوداتهم الى مستوى التحدي الذي لبد ّ من مواجهته صفا
واحدا وبمنتهى الجدية والصرامة .
وعلينا جميعا أن نتزّود بما يتطلبه هذا الظرف من يقظة
وتبصر ووعي وروح وطنية وتضامن وتسامح .
وفقنا الله جميعا الى ما فيه خير الشعب والوطن .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
و ما أراد أن يقوله سيد أحمد غزالي بين السطور أن
النتخابات التي فازت فيها الجبهة السلمية للنقاذ قد
صارت في خبر كان ,حيث أضطر صناع القرار الحقيقيون
أن يضحوا بالشاذلي بن جديد ليهدموا البناء من أساسه ,
ولكي يعيدوا فيما بعد البناء بطريقة ل تؤدي الى تهديد
مصالحهم !
أما المواطنون الذين تحدث اليهم رئيس الجمهورية ورئيس
الوزراء فقد فهموا أن هناك عملية انقلب عسكرية مغلّفة
وقعت في الجزائر و أطاحت بالشاذلي بن جديد الذي رسم
له صناع القرار الفعليون خط البداية والنهاية على السواء .
وبعد الطاحة بالشاذلي وباللعبة النتخابية وبالديموقراطية
اندلعت الفتنة الكبرى في الجزائر والتي أودت بحياة
150,000جزائري وخسائر قدرت بمليير الدولرات .
62
وقد تبعت اقالة الشاذلي بن جديد سلسلة من الجراءات
جكفرض حالة الطوارئ وحل الجبهة السلمية للنقاذ وز ّ
اللف من أنصارها في المعتقلت .
واذا كانت المؤسسة العسكرية قد استعاضت عن شغور
رئاسة الجمهورية وبقية المؤسسات بمجلس رئاسي
خماسي فانها لم تتمكن من اطفاء البركان الذي اسيقظ
قاذفا بلهبه في كل اتجاه .
ن على رأس المجلس العلى للدولة محمد بوضياف وقد عي ّ
و هو أحد مفجّري الثورة الجزائرية الذي كان غائبا عن
دة ثلثين سنة فرارا من حكم اعدام صدر في الجزائر لم ّ
حّقه من قبل حكومة أحمد بن بلة وكانت تهمته في سنة
1962أّنه خطير على المن القومي الوطني ,وأقنعه
ن الجزائر التيالعسكر بضرورة العودة الى الجزائر باعتبار أ ّ
أحّبها وناضل من أجلها على وشك الغرق ,وكان أصحاب
اللعبة يريدون في الواقع درء الزلزال بشخصية محورية في
ثورة التحرير الجزائرية ,وأعتقد مستقدموه أن شرعية
بوضياف التارخية سوف تلغي الشرعية النتخابية و الشرعية
الجديدة .
ن المنفي العائد بعد ثلثين سنة الى وطنه تمت تصفيته لك ّ
وفي الظهر بعد 166يوما من حكمه ,وكان ذلك ايذانا أيضا
بأن اللعبة القذرة في الجزائر أصبحت خارج السيطرة .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
63
مد بوضياف :المنفي العائد
مح ّ
64
نويرى الدكتور يحي بوعزيز المؤرخ الجزائري الشهير أ ّ
محمد بوضياف أنقذ الجزائر ثلث مرات الولى عام 1954
دت الخصومة بين الحزاب وأنقسم التيار حينما اشت ّ
الستقللى على نفسه ,فحسم بوضياف ورفاقه الموقف
لصالح الحتمية الثورية ,والثانية عام 1964بعد الستقلل
ل المنفى الختياري خارج البلد لمدة بعامين حينما فض ّ
ثماني وعشرين سنة حتى ل يشارك في الفوضى والصراع
وار المس غداة استعادة الداخلي الذي نشب بين ث ّ
الستقلل في سنة , 1964والثالثة عام 1993عندما
استجاب للنداء الوطني وعاد الى الجزائر لرئاسة المجلس
العلى للدولة عقب استقالة أو اقالة الشاذلي بن جديد .
و المقربون من محمد بوضياف يعترفون له بقوة العزيمة
والصرار والعناد أحيانا ,و لقد تحدث بوضياف ذات يوم عن
ل المحن في كل يومياته أثناء الثورة الجزائرية قائل أّنه تحم ّ
ل يفر من رجال المخابرات الفرنسية ,وأشار الى أوقاته وظ ّ
جوعه وحرمانه هو و اخوته في النضال .وكثيرا ما كان
بوضياف يتنّقل خارج الجزائر لتنظيم شؤون الثورة الجزائرية
وتعريف العالم بأهدافها ,وما زال العالم شاهدا على
غطرسة الستعمار الفرنسي الذي قام بتحويل الطائرة التي
ل بوضياف و بقية رفاقه رابح بيطاط وحسين أيت كانت تق ّ
مد خيضر . أحمد وأحمد بن بلة ومح ّ
وعندما سئل محمد بوضياف هل كان على علم ببرج
المراقبة وطاقم الطائرة التي كانت تقله من المغرب والى
تونس وما دور المخبرين والمتعاونين مع السلطات
الفرنسية في المغرب ,أجاب قائل :مسألة المراقبة لم نكن
نعلم بها ومسألة السفر تقررت بسرعة ,وأنا شخصيا كنت
مريضا وقد خرجت من المستشفى قبل ثلثة ايام من موعد
ن الحكومة الشتراكية في ذلك السفر وغاية ما هناك بلغنا أ ّ
الوقت حكومة ذي مولي اتصلت بالرئيس التونسي الحبيب
بورقيبة والملك المغربي محمد الخامس وطلبت منهما
65
الجتماع في تونس ليجاد حل للمسألة الجزائرية وهذا سبب
ذهابنا الى تونس ,وقال بوضياف أّنه لم يكن في حوزتهم
أسلحة عدا بن بّلة الذي كان يحمل معه رشاش ايطالى ,
والقرصنة الجوية التي تعرضنا اليها كانت بعد اقلعنا من
دت الطائرة بالوقود وبعد أن طارت جزيرة مايوركا حيث تزو ّ
أجبرت على التوجه الى الجزائر العاصمة وقد حاول الطّيار
التصال ببرج المراقبة في المغرب لكن ل أحد رد ّ عليه .
وعن تجربته النضالية قال بوضياف :خلل وجودنا في
السجن في فرنسا كانت هناك بيننا وبين قيادة الثورة
الجزائرية اتصالت محدودة ,وكان أحمد بن بلة على اتصال
بالعربي بن مهيدي أحد رموز الثورة الجزائرية في الداخل
الجزائري ,وكنت على صلة بكريم بلقاسم بينما كان عبان
رمضان على اتصال بحسين أيت أحمد ,وكانت هذه
المراسلت توضح تطورات الثورة الجزائرية داخل الوطن
وخارجه ,وكانت بعض الخبار تصلنا عن طريق المحامين
وبعض الشخاص ,لكن كل ذلك ل قيمة له مادمنا في
السجن وتحت الحراسة والمراقبة .
ففي السجن الفرنسي يقول محمد بوضياف كّنا على اتصال
ببعضنا البعض ,لكن دون عمل أو نشاط فّعال ما عدا
مناقشة ومتابعة أحداث الثورة الجزائرية وماكان يجري
داخل قيادتها من ايجابيات وسلبيات .
وفيما يخص المفاوضات الجزائرية –الفرنسية وخاصة
الخيرة منها جاءنا السيد بن يحي وبن طوبال وكريم بلقاسم
لطلعنا على مجرياتها ,وكان رّدي عليهم أننا بعيدون عن
ميدان الحداث السياسية والعسكرية ول نعرف ما يجري
خارج أسوار السجن ,ول نعرف شيئا عن امكانيات جبهة
التحرير الوطني المادية والبشرية وقدرة الشعب الجزائري
على الصمود ,ولهذا يقول بوضياف كنت ألتزم الحذر دون
العاطفة ,بينما كان رأي باقي الخوة وخاصة بن بلة القبول
66
بانهاء الحرب حتى لو كانت بعض بنود اتفاقّيات ايفيان في
غير صالح الجزائر مستقبل .
وعن اتفاقّيات ايفيان التي أفضت الى استقلل الجزائر قال
محمد بوضياف :أعترف لبن يحي –وهو أحد الجزائريين
المفاوضين – بالذكاء وبعد النظر المستقبلي ,وفي المور
التقنية كانت تنقصنا الخبرة والثقافة ولم يكن الخوة
المفاوضون تقنيين في مجال المفاوضات ,لذا نجد رؤساء
وملوك الدول في رحلتهم وزياراتهم العملية مصحوبين
بالتقنيين والخبراء في الميادين المختصة لكل اتفاقية أو
عقود فيما بين الدولتين أو الدول .
وعن علقة الثورة الجزائرية بالعالم العربي قال محمد
بوضياف :للمانة التاريخية وحتى نكون منصفين في
ن
شهادتنا الثورية وعلى الشعب الجزائري أن يعرف ذلك ,أ ّ
امكانات الثورة الجزائرية كانت ضعيفة في البداية من حيث
انعدام الذخيرة الحربية والسلح ,كّنا نملك شعبا قابل
للتضحية والفداء لكن بدون سلح ,وكان اعتمادنا في البداية
م اتصلنا باخواننا في
على أنفسنا وأمكانياتنا الضعيفة ,ث ّ
الدين والتاريخ والمصير المشترك ,فكانت المساعدة الولى
للثورة الجزائرية بل للشعب الجزائري من العالم العربي ,
فالخوة المصريون هم الوائل في المساندة السياسية
وتدبير السلحة من الدول العربية ,وأول مساعدة مالية
لشراء السلحة كانت من المملكة العربية السعودية .
وعندما ذهب جمال عبد الناصر الى الراضي المقدسة لداء
ث مع المسؤولين السعوديين حول فريضة الحج تحد ّ
متطلبات الجهاد في الجزائر فخصصت المملكة مبلغ 100
مليون دولر لدعم المقاومة في المغرب العربي .فأخذ منها
صالح بن يوسف وشوشان نصيبا لتغطية مصاريف المقاومة
التونسية ,والباقي كان من نصيب الثورة الجزائرية التي
اشترت به أسلحة وذخائر عن طريق مصر ,أما المقاومة
المغربية فلم تأخذ شيئا من هذا المبلغ على حد ّ علمي قال
67
مة من نظم محمد بوضياف ,كما كانت هناك مساعدات ج ّ
وشعوب العالم العربي كالعراق وسوريا وتونس والمغرب
وليبيا ولبنان وغيرها ,كما لعب العالم السلمي دورا كبيرا
في مساعدة الثورة الجزائرية في المحافل الدولية .
وتؤكد الوثائق ,وشهادات مفجريّ الثورة الجزائرية ومنهم
ن العالم العربي والسلمي ساند الثورة محمد بوضياف أ ّ
الجزائرية منذ تفجير الثورة والى الستقلل .وكان العالم
العربي والسلمي يرى في الثورة الجزائرية ضد فرنسا
والحلف الطلسي ملحمة ومفخرة للعرب والمسلمين ,وقد
صارت الثورة الجزائرية قدوة لحركات التحرر في وقت
لحق ..
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
68
وار وسعوا لخلق تكتلت داخل صفوف الثورة على باقي الث ّ
دةالجزائرية ,ويعترف رئيس الحكومة المؤقتة يوسف بن خ ّ
ضل وار المس قد بلغ الذروة ,وهو لذلك ف ّ ن الخصام بين ث ّأ ّ
كر .النسحاب من الساحة السياسية في وقت مب ّ
ورغم الدعوة المتكررة لعادة كتابة تاريخ الثورة الجزائرية
ن العديد في الجزائر ما زال يضع بسلبياتها وايجابياتها ,فا ّ
العراقيل في وجه هذه الدعوة ,وربما يخشى هذا البعض
من رفع الغطاء عن العديد من الذين خانوا الثورة الجزائرية
ساسة في الجزائر . وأسعفهم الحظ على توّلي مناصب ح ّ
وار المس في عهد الستقلل كادت وهذه المتناقضات بين ث ّ
تؤدي الى حرب أهلية ,ولما تفاقم الصراع خرج الشعب
الجزائري متظاهرا في الشوارع رافعا شعار :سبع سنوات
ضاها الشعب تكفينا ,في اشارة الى السنوات السبع التي ق ّ
الجزائري في محاربة الستعمار الفرنسي .وقد حسم
الصراع لصالح قيادة الركان والتي عيّنت أحمد بن بلة على
رأس الدولة الجزائرية الفتية .وقد اعترف بن بلة أّنه كان
ضئيل الثقافة والخبرة ورغم ذلك فقد حاول مع رفاقه أن
يبني معالم الدولة الفتية ,وكان رفاقه يأخذون عليه
ساسة في وقت واحد ,وهو استحواذه على ثمانية مناصب ح ّ
المر الذي أثار حفيظة بعض رفاقه الذين فسروا تصرفه
أّنه سلطوي وديكتاتوري .
و كان محمد بوضياف أحد الناس الذين هالهم تحريف الثورة
الجزائرية عن مسارها وتغليب النا في معالجة المور بدل
المصلحة الوطنية العليا ,ولما كان أحمد بن بلة يخشى
م حكم عليه بالعدام جانبه أمر باعتقاله وايداعه السجن ث ّ
بتهمة التأمر على أمن الدولة .
من اعتقاله ت ّوعن هذا العتقال قال محمد بوضياف :أ ّ
بطربقة بشعة حيث كان يتجول في الشارع وجرى اعتقاله
م أبدى استغرابه لكون الشخص الذي امر باعتقاله البارحة ث ّ
من دعاة الديموقراطية اليوم .
69
وبعد أن تدخلت أطراف متنفذة ولعتبارات تتعلق بماضي
ضل مغادرة الجزائر بوضياف التاريخي أطلق سراحه ,فف ّ
وبشكل نهائي ,وأقام بشكل مؤقت في باريس حيث أسس
ي التوجه ,كما أّلف كتابه الشهير حزبا معارضا اشتراك ّ
الجزائر الى أين !
وفي هذا الكتاب تحدث عن مصير الثورة الجزائرية والخلل
الذي انتاب مسيرتها ,وبعد فترة لم تدم طويل قام بالغاء
ل القامة في القنيطرة في المغرب ,وقد أقام حزبه ,وفض ّ
ل يتابع الحداث في الجزائر دون أن يدلي مصنعا للجر وظ ّ
بأي تصريح أو تعليق لوسائل العلم.
وقد رفض محمد بوضياف جميع الدعوات التي وجهها اليه
هواري بومدين بالعودة الى الجزائر غداة اطاحته بأحمد بن
بلة في 19حزيران – جوان – , 1965ال ّ أّنه رفض كل هذه
الدعوات محبذا المنفى على معايشة مشاهد اغتيال الثورة
الجزائرية .وكان محمد بوضياف في المغرب محط رعاية
العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني ,كما كان محل
احترام السكان المجاورين له .
وقد استطاع وهو في المغرب وكما قال هو شخصيا أن
يحقق ثروة تكفل له ولبنائه وزوجته العيش بكرامة ,ولذلك
لما عّين على رأس المجلس العلى للدولة في مطلع سنة
كد على نزاهته ,وأّنه 1992رفض أن يتقاضى راتبا ليؤ ّ
يختلف عن الخرين الذين اختلسوا أموال الجزائر وصيّروها
بعد غنى وثراء فقيرة تستجدي العون من البنوك الدولية..
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
70
ىى ىىىى
ىىىىىىى ىى ىىىىىى ى
ىى
ىىىىىى ى
71
وأّنه لما يشعر بجدّية التجربة سيعود الى الجزائر أو في
حالة وجود ما من شأنه أن يجعل العودة الى الجزائر واجبا
وطنيا …
وزاول بوضياف عمله التجاري في منفاه في مدينة القنيطرة
في المغرب ,حيث كان يتردد عليه بعض الجزائريين
الباحثين وغيرهم ويسألونه عن قضايا وملفات تتعلق بالثورة
الجزائرية ,ونقل عنه بعض زائريه أّنه كان قلقا للغاية على
مصير الجزائر ,وكثيرا ماكان يسأل الجزائر الى أين ! وهو
عنوان كتابه الذي ألّفه في بداية الستينيات أي بعد استقلل
الجزائر بسنتين فقط .
و أزداد اهتماما بالجزائر عقب الضراب الذي دعت اليه
الجبهة السلمية للنقاذ في 25أّيار –مايو – 1991للغاء
القوانين التي سنتها حكومة مولود حمروش بغية تزوير
النتخابات .وقد أدى هذا الضراب الى اندلع صراع دموي
بين السلميين والسلطة الجزائرية والذي انتهى بتدخل
الجيش وفرض حالة الحصار العسكري وحظر التجول واقالة
حكومة مولود حمروش وتعيين وزير الخارجية في ذلك
الوقت سيد أحمد غزالي على رأس الحكومة .
وجاء اعلن الحصار في الجزائر في 04حزيران – يونيو –
ن
1991ليؤكد ماذهب اليه محمد بوضياف من أ ّ
الديموقراطية الجزائرية شكلية وتدخل في اطار التنفيس
عن أحداث دامية كانت تعصف بالدولة الجزائرية .
و أثناء عودة محمد بوضياف الى الجزائر في أواسط كانون
نالثاني – يناير – 1992اعتبرت أوساط سياسية جزائرية أ ّ
عودته في هذا الوقت تحديدا كانت غير مناسبة وغير لئقة و
ن بوضياف تنطبق عليه مقولة الرجل قالت هذه الوساط أ ّ
المناسب في الوقت غير المناسب ورأت هذه الوساط أّنه
ى الحكم بعد خريف الغضب مباشرة لكان خيرا له لو تول ّ
وللجزائر .
72
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
73
وهاهنا حسم بعض الجنرالت الموقف وذلك باقالة الشاذلي
بن جديد وقلب الطاولة من أساسها ,والعجيب أن بعض
أقطاب التيار الفرانكفوني اعتبر الشعب الجزائري غبيا ل
يحسن الختيار وغير ناضج ديموقراطيا .
ه أبدا الى وقد أقسم بعض الناس في الجزائر أن لن يتوج ّ
صناديق القتراع ,ما دامت الدبابات تلغي اختيار الشعب
بطلقة مدفع واحدة .
وقبل تنحّية الشاذلي بن جديد ,وقبل اجراء النتخابات
التشريعية بأسبوع واحد ,قال الرئيس الجزائري الشاذلي
بن جديد في ندوة صحفية أّنه سيذهب بالمشروع
الديموقراطي الى أبعد حد ّ ,وسوف يحترم القوة السياسية
التي تفرزها ارادة الشعب الجزائري مهما كان لون هذه
ن القوى السياسية برمتها أعلنت أّنها القوة السياسية .كما أ ّ
ستحترم ارادة الشعب الجزائري و قواعد اللعبة
الديموقراطية و سوف تقبل نتائج النتخابات بروح رياضية ,
لكن كل هذه اللتزامات تبخّرت مع بروز النتائج الولية
وبدأت عقارب الساعة في الجزائر تتراجع الى الوراء ,
فسعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية
ن
ح قبل اجراء النتخابات التشريعية أ ّ البربري والذي صر ّ
حزبه سيحترم افرازات المشروع الديموقراطي هدد ّ بأّنه
ن حزبه لن يقبل بأن سيعلن الحرب على الصولية ,وأعلن أ ّ
تتحول الجزائر الى ايران أو سودان ثانية .
والهاشمي شريف زعيم حزب الطليعة اليساري دعا الجيش
ن حزبه يقبل بنظام بينوشي ول حأ ّالجزائري للتدخل وصر ّ
يقبل بنظام اسلمي توليتاري رجعي ظلمي .
والفرانكفونيون واليساريون والبربر والعلمانيون وأصحاب
كل المتناقضات اليديولوجية أسسوا وفي يوم واحد جمعية
انقاذ الجزائر ,وقد منح وزير الداخلية في ذلك الوقت
الجنرال العربي بلخير العتماد لهذه الجمعية في ظرف ربع
دة ستة أشهر ساعة ,في حين تنتظر الجمعيات الخرى م ّ
74
للحصول على العتماد .والجمعيات النسوية التحررية
أقامت مهرجانات للمطالبة بحقوق المرأة كاملة وكل تلك
المور كانت في الواقع رسائل سياسية من جهة ,كما كانت
مؤشرا على وجود قوة فاعلة تحرك كل هذه الصور من
خلف الكواليس كمدخل لما هو أعظم !
العربي بلخير وزير الداخلية وأحد أكثر المتنفذين داخل
المؤسسة العسكرية عقد اجتماعا موسعا صبيحة ظهور
نتائج النتخابات مع القيادات المنية استعدادا للمرحلة
المقبلة .
سيد أحمد غزالي رئيس الوزراء والذي وعد المة الجزائرية
عشية تعيينه على رأس الحكومة في 04حزيران –يونيو –
ن 1991بأّنه سيشرف على انتخابات حّرة ونزيهة ,أعلن أ ّ
ظنه
ت لصالح الجبهة في الشعب الجزائري قد خاب لّنه صو ّ
م ضمانات للمؤسسة السلمية للنقاذ ,وكان غزالي قد قد ّ
ن القوة الثالثة العلمانية هي التي ستستحوذ العسكرية بأ ّ
على البرلمان .
جنرالت الجيش وعلى رأسهم وزير الدفاع الجنرال خالد
نزار اجتمعوا ولمدة أسبوع كامل بالشاذلي بن جديد
ن صلحياته وطالبوه بالغاء النتخابات التشريعية باعتبار أ ّ
دى رفض الشاذلي لطلبهم الى عزله تخوله ذلك ,وقد أ ّ
حيث قدم استقالة رمزية أوضح فيها سبب الستقالة ,وقال
حي من أجل الجزائر ,وحتى تكتمل اللعبة أمر بحل أنه سيض ّ
البرلمان الجزائري ,وقد أعلن رئيس البرلمان عبد العزيز
بلخادم أّنه سمع بأمر حل المجلس الشعبي الوطني –
البرلمان – من خلل التلفزيون الرسمي .
وقد توالت الحداث بسرعة مذهلة لتنتهي الجزائر بل رئاسة
ول مجلس شعبي منتخب ول مجلس دستوري ول بلديات
منتخبة .
75
كب ,اّنه الشغور التام ,اّنه بدايةاّنه الفراغ الدستور المر ّ
انهيار الدولة ومؤسساتها .
فما المخرج !!!
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
شغور الدولة :
ل المجلس الشعبي بعد انسحاب الشاذلي بن جديد وح ّ
الوطني وجدت الجزائر نفسها تعيش فراغا دستورّيا رهيبا .
ص على أّنه في حالة استقالة رئيس والدستور الجزائري ين ّ
ى رئاسة الدولة رئيس المجلس الجمهورية أو موته يتول ّ
دة 45يوما تجرى الشعبي الوطني –البرلمان – وذلك لم ّ
م حّله ,
ن المجلس الشعبي ت ّ بعدها انتخابات رئاسية .ال ّ أ ّ
وعبد العزيز بلخادم رئيس البرلمان والذي كان يفترض أن
يتولى الرئاسة في المرحلة النتقالية أعلن أنه سمع بقرار
ل البرلمان في التلفزيون الجزائري . ح ّ
لن اللعبة كانت محبوكة بدقة لبقاء الجزائر في ظ ّ و يبدو أ ّ
هذا الوضع ,وفي قبضة المؤسسة العسكرية ,لّنه وبعد
انهيار كل المؤسسات بقيت المؤسسة العسكرية هي
الوحيدة التي تدير مقاليد المور .ولمعالجة حالة الشغور
اجتمع رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير الخارجية
الخضر البراهيمي و وزير الداخلية العربي بلخير ووزير
الدفاع الجنرال خالد نزار وكان الجتماع في قصر الحكومة ,
و أطلق على هذه النواة اسم اللجنة الستشارية ,وللتذكير
ن الهيئة الستشارية دستورّيا ل يحق لها اتخاذ القرار , فا ّ
ووظيفتها الدستورية تكمن في اعطاء المشورة لرئيس
الجمهورية في مسائل المن القومي ,ودستوريا يشترط أن
تلتئم هذه اللجنة الدستورية بحضور رئيس الجمهورية وهو
في هذه الحالة الشاذلي بن جديد الذي أقيل من منصبه ,
وقد تجاوزت هذه اللجنة كل هذه العتبارات الدستورية
76
ن الوضع المني ل يسمح بفلسفة المور والوقوف بحجة أ ّ
عند حرفية النصوص الدستورية .
وقد خرجت اللجنة المذكورة بعد اجتماعها بفكرة الرئاسة
الجماعية وهي ما عرف في الجزائر باسم المجلس العلى
للدولة ,ويتكون هذا المجلس من خمسة أعضاء وهم :
محمد بوضياف رئيسا وخالد نزار عضوا وعلي كافي عضوا
دام عضوا ,وبمجرد العلن وعلي هارون عضوا وتيجاني ه ّ
عن هذا المجلس اعترضت عليه القوى السياسية باعتباره
غير شرعي وغير دستوري .
وكان البعض في الجزائر يتوقع أن يتقدم رئيس الحكومة
ن بعض سيد أحمد غزالي لرئاسة الدولة خصوصا وأ ّ
ن الضطرابات المتنفذين في الجيش أوحوا له بذلك ,ال ّ أ ّ
الجماهيرية والحتجاجات المتواصلة على قرار الغاء
النتخابات التشريعية جعلت صّناع القرار في المؤسسة
العسكرية يستنجدون بشخصية من وزن محمد بوضياف
لتغليب شرعيته التاريخية على الشرعية الشعبية الملغاة
بقرار علوي .
وكان الجنرال خالد نزار قد أجرى اتصالت بمحمد بوضياف
م تكليف ودعاه الى الجزائر لمدة أربع وعشرين ساعة ,وت ّ
علي هارون صديقه القديم بالتوجه اليه حيث يقيم في مدينة
ن
القنيطرة بالمغرب ,وأوهم علي هارون بوضياف بأ ّ
الجزائر على وشك الدخول في حرب أهلية يحترق فيها
ن
اليابس والخضر ,ومما قاله محمد بوضياف لعلي هارون أ ّ
السلطة عليها أن تستأنف النتخابات وتواصل الدورة الثانية
من هذه النتخابات وعليها أن تقبل بنتائج النتخابات ,وحاول
ن ذلك غير ممكن وأن المشروع الصولي هارون اقناعه بأ ّ
خطر على الجزائر .
وعندها أمهل بوضياف على هارون فترة وجيزة للتفكير ,
وبعد مداخلت حثيثة من الجنرال خالد نزار وزير الدفاع قرر
أن يعود الى الجزائر رئيسا بعد أن غادرها منفيا .
77
وبعد عودته الى الجزائر التقى محمد بوضياف وزير الدفاع
خالد نزار ,حيث سأله بوضياف عن السبب الذي يحول دون
استلم الجيش السلطة بشكل مباشر ,ورد ّ عليه خالد نزار
ن الدستور يحصر مهمة المؤسسة العسكرية في بقوله أ ّ
حماية الدولة ومؤسساتها ,والواقع أن المؤسسة العسكرية
وصّناع القرار فيها كانوا على الدوام يحبذون توجيه دّفة
الحكم من وراء الستار .
وبعد أن استمع الى وزير الدفاع كل ما أراد أن يقوله ,غادر
الجزائر عائدا الى المغرب لترتيب وضعه ,وليعود الى
الجزائر وسط ضجة اعلمية بدأ الرسميون في الجزائر
يمهدون لها .وفي القنيطرة في المغرب حاول أهله عن ثنيه
ن ذلك ينطوي على ي الرئاسة ل ّ لقبول دعوة خالد نزار لتول ّ
ن التركة ثقيلة ول يمكن لبوضياف مة خصوصا وأ ّ مخاطر ج ّ
تطويقها أو وضع حد ّ للدوامة التي تعصف بالجزائر منذ
خريف الغضب سنة . 1988
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
عودة محمد بوضياف :
في 15كانون الثاني – يناير – 1992وفي الساعة الخامسة
مساءا وصل محمد بوضياف الى مطار هواري بومدين في
الجزائر العاصمة بعد غياب طويل دام 27سنة .
وكان في استقباله لدى وصوله وزير الدفاع الجنرال خالد
نزار ,ووزير الداخلية الجنرال العربي بلخير و رئيس
الحكومة سيد أحمد غزالي ,و بقية أعضاء المجلس العلى
دام وغيرهم من للدولة علي كافي ,علي هارون تيجاني ه ّ
الرسميين الجزائريين .
جه بوضياف الى باحة المطار حيث قال لوسائل العلم تو ّ
أّنه جاء الى الجزائر لنقاذها .
ومن المطار توجه مباشرة الى قصر الجمهورية ,وأبلغ
ن محمد بوضياف سيلقي خطابا على الشعب الجزائري أ ّ
78
المة في الساعة الثامنة مساءا .وكانت النظار كل النظار
مشدودة اليه ,ومما جاء في الخطاب أّنه سيعمل على الغاء
الفساد والرشوة ومحاربة أهل الفساد في النظام واحقاق
حد
العدالة الجتماعية ,ودعا القوى السياسية الى التو ّ
لمواجهة التحدّيات الجديدة ,وطلب من الشعب الجزائري
دها الى
مساعدته في أداء مهامه ,وقال :هذه يدي أم ّ
الجميع بدون استثناء .
أما ّ الجبهة السلمية للنقاذ التي صودر انتصارها في
النتخابات التشريعية ,فقد أبرقت الى محمد بوضياف
محذّرة أياه من مغّبة تلويث سمعته التاريخية ودعته لعدم
الوقوع فريسة في أيدي ما أسمته الجبهة السلمية للنقاذ
بالطغمة الحاكمة التي تريد استغلل وتوظيف سمعة محمد
بوضياف ورصيده الثوري .وأصّرت الجبهة السلمية للنقاذ
في مطالبتها السياسية على ضرورة العودة الى المسار
النتخابي وقد قابلت السلطة الجزائرية هذا الطلب
بالمجابهة العنيفة .
وعاشت الجزائر عندها أحلك أيامها ,فرضت عندها حالة
الطوارئ ,وقام وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير بح ّ
ل
م اعتقال كافة القيادات الجبهة السلمية للنقاذ ,و ت ّ
النقاذية ,والعناصر المتعاطفة مع الجبهة السلمية للنقاذ
م
ن السجون ل تسع عشرات اللف من الناس فقد ت ّ ول ّ
اقامة معتقلت في الصحراء الجزائرية .
وفي 07شباط – فبراير – 1992شهدت العديد من المدن
الجزائرية انتفاضات عارمة جوبهت بالدبابات وحتى
بالصواريخ كما وقع في مدينة باتنة الجزائرية .
ل محمد بوضياف في كل خطبه يتهجم على الجبهة وظ ّ
السلمية للنقاذ ,وأحيانا كان يلجأ الى السخرية والستهزاء
ن هجوما على حزب من جبهة النقاذ السلمية ,كما ش ّ
جبهة التحرير الوطني وأمينه العام عبد الحميد مهري الذي
كان يعترض على الغاء النتخابات التشريعية ,وكان يطالب
79
برد ّ العتبار للجبهة السلمية للنقاذ وكل هذه المواقف لم
ترق للسلطة التي وضعت خطة للنقلب على عبد الحميد
مهري ومن داخل جبهة التحرير الوطني ونجحت الخطة في
وقت لحق !
ضم الفراغ السياسي القاتل الذي شهدته الجزائر بعد وفي خ ّ
الغاء المسار النتخابي دعا محمد بوضياف الى انشاء التجمع
الوطني الديموقراطي الذي أراده الرسميون تيارا ثالثا بديل
عن الجبهةالسلمية للنقاذ وحزب جبهة التحرير الوطني
ن هذا التجمع كان شعاره الجزائر أول وقبل كل شيئ ورغم أ ّ
مق لم يثر حماس كثيرين ن هذا الشعار الجميل والمن ّ ال ّ أ ّ
ن الجزائر تعيش حربا شرسة في الجزائر الذين كانوا يرون أ ّ
بين شرعية النقلب وشرعية الصناديق المقلوبة !
فالمؤسسة العسكرية كانت مصرة على ابقاء الوضع على
ف المر ,حاله وعدم الرجوع الى المسار النتخابي مهما كل ّ
والجبهة السلمية للنقاذ كانت مصرة على التغيير الجذري
للنظام وتطهير الجزائر من النظام الذي جّرها الى الهاوية .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
80
ن هذه مرجعية هذه الدولة وسندها الشرعية الثورية ,غير أ ّ
الشرعية لم تعصم رفاق الثورة من التقاتل والتصفيات
الجسدّية ,وباسم هذه الشرعية سجن محمد بوضياف في
, 1963وقتل العقيد شعباني ومحمد خيضر وكريم بلقاسم ,
وباسم الشرعية الثورية أطاح هواري بومدين بحكم الرئيس
أحمد بن بلة في 19حزيران – يونيو – , 1965وكان قادة
النقلب يسمون ما حصل تصحيحا ثوريا ,وبشرعية هذا
ل هواري بومدين يحكم الى أن وافته المنّية في التصحيح ظ ّ
سنة . 1978
م ايصال الشاذلي بن جديد الى وبعد وفاة هواري بومدين ,ت ّ
الحكم من قبل المؤسسة العسكرية وجهاز الستخبارات
العسكرية الذي كان على رأسه أنذاك قاصدي مرباح .
ن الشاذلي بن جديد كان يحرص على وعلى الرغم من أ ّ
اجراء انتخابات رئاسية ال ّ أّنه كان المرشح الوحيد والفائز
الوحيد لثلث فترات متتالية .
ومثلما دفعت المؤسسة العسكرية الشاذلي بن جديد الى
الواجهة فقد أقالته في 11كانون الثاني – يناير – . 1192
وبتنحية الشاذلي بن جديد دخلت الجزائر مجددا مشكلة
ل الصراع قائما بين الجبهة السلمية للنقاذ الشرعية ,وظ ّ
عي أّنه صاحب الشرعية والسلطة الجزائرية وكل منهما يد ّ
المفقودة .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
81
وقد أدى هذا الصراع الى تفجير الموقف المني ودخلت
قطاعات واسعة من الناس في مجابهات مع القوى المنية
والجيش الجزائري ,ولم ينحصر الزلزال المني في ولية
واحدة بل باتت كل الوليات شرقا وغربا وشمال وجنوبا
مين ن المنض ّعرضة لهذه الضطرابات و السبب يعود الى أ ّ
الى الجبهة السلمية للنقاذ جاوز عددهم ثلثة مليين وقد
هالهم جميعا أن يتم الغاء النتخابات التشريعية التي فازوا
ج
ل الجبهة السلمية للنقاذ ,وأن يز ّ فيها ,كما هالهم أن تح ّ
بقادتها في المعتقلت .
ووسط هذه الجواء بدأ عهد محمد بوضياف الذي بات دون
أن يشعر طرفا في اللعبة وخصوصا عندما قام لدى استلمه
مهامه بزيارة الى وزارة الدفاع حيث استقبله هناك وزير
الدفاع خالد نزار وجنرالت الجيش ,وقد أعتبرت هذه
الزيارة خطأ بروتوكوليا لن موجّهي المؤسسة العسكرية هم
الذين ينبغي أن يتوجهوا الى قصر الجمهورية لتقديم الولء
ن
ن الدستور الجزائري ينص على أ ّ لرئيس الدولة خصوصا وأ ّ
صلحيات رئيس الجمهورية أكثر سعة من صلحيات
ن ذلك على القراطيس المؤسسة العسكرية ,لكن يبدو أ ّ
فقط !
وأقحم محمد بوضياف في اللعبة ,وبعد أن كان يحمل شعار
انقاذ الجزائر ,بات يتهجم على الصولية والظلمية وضرورة
انقاذ الجزائر من السرطان النقاذي والصولي ,وكان يعتبر
ن الغاء النتخابات التشريعية كان ضرورة وحتمية علما أّنه أ ّ
كان يرى في ذلك مصادرة للديموقراطية .
ما الشارع الجزائري الذي كان يرى في بوضياف شخصية أ ّ
ي
ن السلطة أ ّ ثورية نزيهة فقد بدأ يغير رأيه فيه خصوصا وأ ّ
سلطة كفيلة بتشويه العّباد والزهّاد فمابالك بالناس
ن بوضياف عاد العاديين ,وبات الشارع الجزائري يردد أ ّ
لنقاذ مجموعة من العسكريين المتورطين في تفجير الفتنة
الجزائرية وليس لنقاذ الجزائر ,ويبدو أن هناك من أوصل
82
هذه النطباعات الى محمد بوضياف الذي بدأ يكتشف
سلسلة من الحقائق المذهلة وهو داخل دوائر القرار كما بدأ
يكتشف المعادلت الصعبة في تركيبة النظام الجزائري كما
أسّر بذلك الى نجله ,وهذا ما جعله في وقت لحق يتهجم
على رجالت النظام الفاسدين والمرتشين ومن أسماهم
محمد بوضياف بمختلسي أموال الشعب الجزائري ,وعندها
ن بوضياف لن يسلم ! علقّ الشارع الجزائري مجددا بأ ّ
ما صعد ّ من تهجمه على المافيا كما سماها المتحكمة في ول ّ
شرايين الدولة الجزائرية بدأ يستشعر بدائرة النار تدنو منه ,
وقد نقل مخاوفه هذه الى صديقه محمد يزيد مدير مركز
الدراسات الستراتيجية في الجزائر وأحد رّواد الثورة
الجزائرية ,وقد أعلن محمد يزيد عقب اغتيال محمد
ن المافيا الجزائرية هي التي قتلت بوضياف وأّنها بوضياف أ ّ
تتمتع بنفوذ واسع داخل النظام الجزائري .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
83
وكان من أعضاء هذا المجلس الستشاري مصطفى العرج
الذي كتب سلسلة من المقالت قبل وبعد فوز السلميين
في النتخابات التشريعية الملغاة أعتبر فيها الدين السلمي
ن اللغة العربية لغة ميتة أفيون للشعب الجزائري ,وأعتبر أ ّ
ن هذه اللغة والفضل للشعب الجزائري أن يطرحها جانبا ل ّ
هي في حكم اللغات المنقرضة .
وقد رد ّ على مقالته الستاذ عثمان سعدي -رئيس جمعية
الدفاع عن اللغة العربية في الجزائر وسفير الجزائر سابقا
في العاصمة العراقية بغداد – على صفحات جريدة الشعب
الناطقة باللغة العربية .
وقد لعبت البطانة الفرانكفونية واليسارية والبربرية دورا
كبيرا في تأخير المصالحة كما الحل السياسي في الجزائر ,
وكلما كانت تلوح في الفق بادرة للحلحلة السلمية كانت
هذه البطانة تفجر الموقف وتصّعد الزمة وبهذا الشكل
بقيت الجزائر تراوح مكانها .
وكان المجلس الستشاري يضطلع بمهام البرلمان حيث كان
عها
ن القوانين ,كما كان يوافق على القوانين التي يشر ّ يس ّ
المجلس العلى للدولة .
ولما دعا بوضياف الى تشكيل التجمع الوطني الديموقراطي
لملء الشغور السياسي الرهيب عقب تجميد التعددية
السياسية الحقيقية والجادة ,بادر اليسار الجزائري وعلى
رأسه الهاشمي شريف والحركة البربرية وعلى رأسها سعيد
سعدي بالستحواذ على توجهات التجمع ,وكان بوضياف من
خلل مدير ديوانه رشيد كريم يعمل على مد جسور مع
حزب الطليعة الشتراكية اليساري بزعامة الهاشمي
الشريف و التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية بزعامة
سعيد سعدي .
وكان البعض في دوائر النظام يرّوج للفكرة الثالثة أو التجاه
الثالث بين التيار السلمي الذي تمثله الجبهة السلمية
للنقاذ والتيار الوطني الذي تمثله جبهة التحرير الوطني ,
84
وكان رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي أحد الدعاة الى هذا
الطرح ,وكان قوام التجاه الثالث الفرانكوفونيين
والتغربيين الذين لفظتهم صناديق القتراع وحاولوا التكتل
ن سيد حمد غزالي لسترجاع زمام المبادرة ,والمفارقة أ ّ
كان يعتبر هذا التجاه ديموقراطيا وهو أول من طالب
بمصادرة هذه الديموقراطية عندما تعلقّ المر بفوز
ج الجيش السلميين ,وهذا التجاه هوالذي طالب أيضا بز ّ
في المعركة السياسية والغاء المسار النتخابي .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
85
سحبت منها صلحية الشراف على جريدتي الشعب
والمجاهد .
و قد أكتشف محمد بوضياف أّنه أصبح بيدقا في يد هذه
ن الجزائر تسير بناءاالتيارات والتكتلت ,وأعلن ذات يوم أ ّ
على أوامر تصل الى الجزائر عن طريق الفاكس من قصر
الليزي في باريس !
وبدأ بوضياف يكتشف بعض المتناقضات حيث أخبر نجله
ن الوضع معّقد للغاية في الجزائر ,وكان ناصر بوضياف بأ ّ
ناصر بوضياف يقوم بزيارة أبيه في الجزائر قادما من
المغرب حيث بقي هناك يواصل الشراف على مصنع الجر
الذي كان أبوه يديره قبل عودته الى الجزائر .وغير
المتاعب السياسية والمنية التي صادفها محمد بوضياف ,
فقد وجد وضعا اقتصادّيا مزرّيا ومديونية بلغت 26مليار
دولر عدا الديون العسكرية ,كما فوجئ بوضياف بكساد
الزراعة و المؤسسات النتاجية العاطلة والبطالة المتفاقمة
واختلسات بالجملة المر الذي جعل مهمة صندوق النقد
الدولي في فرض مزيد من الشروط على الجزائر سهلة
للغاية .
و المشروع الوحيد الذي كان بحوزة رئيس الحكومة سيد
أحمد غزالي هو عرض أبار حاسي مسعود النفطية للبيع .
ووسط عجز كامل في مواجهة التحديات ,وعندما كانت
الدماء تراق في كل أزّقة الجزائر ومساجدها وأحياءها و
ساحاتها ,طرح بوضياف مشروع التجمع الوطني
الديموقراطي الذي كان ناقصا في أطروحته ,وكل ما
طرحه محمد بوضياف في هذا السياق هو ضرورة أن يعيش
دوا فيما بينهم لتجاوز الجزائريون من أجل الجزائر وأن يتح ّ
الزمات الخانقة التي تعصف بالجزائر .وكان شعار هذا
ل هذا التجمع التجمع الجزائر أول وقبل كل شيئ ,وقد ظ ّ
يراوح مكانه بسبب عدم اقدام الناس على النتساب اليه .
86
ومن جهتها الحزاب الثقيلة التي فازت في النتخابات
التشريعية أعتبرت التجمع الوطني بمثابة العودة الى
الحادية السياسية ,وأّنه مناورة جديدة من السلطة لتجميد
التعددية السياسية والغاء المسار الديموقراطي ,وقد
ن هذا التجمع أعتبرت الجبهة السلمية للنقاذ في بياناتها أ ّ
يّعد لغيا وأنه يندرج في سياق مصادرة اختيار الشعب
الجزائري ,أما عبد الحميد مهري المين العام لحزب جبهة
ن تجمع بوضياف مشروع لم التحرير الوطني فقد أعتبر أ ّ
يتضح بعد كامل الوضوح ولم يتبلور بعد بالرغم من بيانات
ن التعددية في الوقت الراهن وتصريحات حوله وأعتبر أ ّ
ضرورّية وأّنها الضمان الوحيد للنتقال من نظام الحزب
ما جبهة القوى الواحد الى النظام الديموقراطي التعددي ,أ ّ
ن المجلس الشتراكية بقيادة حسين أية أحمد فكانت ترى أ ّ
العلى للدولة ومعه التجمع الوطني ل شرعية لهما ,وهما
تكريس للحادية السياسية التي رسمت معالم النظام
السياسي في الجزائر منذ الستقلل .
ورفضت بقية الحزاب الوطنية فكرة التجمع الوطني
باعتباره محاولة من السلطة لبناء قاعدة جماهيرية لها ,
وكان بوضياف ينوي اتخاذ خطوات على غاية من الخطورة
ضد ّ هذه الحزاب في 05تموز – يوليو – 1992ال ّ أ ّ
ن
اغتياله في دار الثقافة في مدينة عّنابة حال دون تنفيذ
العديد من الطروحات .
دت العديد من الحزاب من وكانت السلطة قبل هذا جر ّ
مقراتها وصادرت جرائدها ,وفتح محمد بوضياف عليه كل
الجبهات ودفعة واحدة كالعلم والقضاء والصولية والتيارات
السياسية ,وحتى المؤسسة العسكرية دخل معها في خصام
قبل اغتياله مباشرة وخصوصا عندما قابل العاهل المغربي
الراحل الحسن الثاني في الرباط لدى زيارة خاصة قام بها
الى المغرب ووعده بحل قضية الصحراء الغربية بطريقة
ترضي المغرب .
87
ل بوضياف يدعو الى النضمام الى تجمعه وفي كل خطبه ظ ّ
الذي بقي مجرد فكرة حتى بعد اغتياله ,كما كان في خطبه
كز على قوة السلطة الجزائرية وضرورة استرجاع هيبة ير ّ
ن صناع القرار الفعليين الدولة المفقودة ,هذا بالرغم من أ ّ
في الجزائر يعرفون حق المعرفة أن الجزائر أمام خيارين
ما الزلزال الهائل الذي ما المصالحة الوطنية الشاملة ,وا ّ فا ّ
ل يبقي ول يذر شيئا من أمر الجزائر ,وكان بوضياف قبل
ن الحل السياسي يكمن في المصالحة اغتياله يدرك أ ّ
الشاملة كما تحدث في بعض خطبه عن عودة وشيكة الى
ن بوضياف كان يغّرد خارج المسار الديموقراطي ويبدو أ ّ
السرب !
ن محمد بوضياف كرّر مرارا مصطلح ليس هذا فحسب بل ا ّ
المافيا التي تمسك بمقاليد المال والنفوذ في الجزائر ,
وكان بوضياف يحمّلها أسباب تردي الوضاع في مجملها في
الجزائر .
وأخذ محمد بوضياف يصّعد من هجومه على المافيا المتنفذة
في الجزائر بقوله أّنها هي التي نخرت القتصاد وفقّرت
الشعب وأختلست مليير الدولرات ,وكان في خطبه
يطالب الشعب الجزائري بتطهير السلطة من الفيروسات
التي نبتت في شرايين الحكم ودوائر القرار.
ولم يجرؤ بوضياف على تسمية عناصر هذه المافيا ول
المناصب التي يشغلها المنتسبون لهذه المجموعة ,علما أن
الشباب العاطل عن العمل يردد ّ في المقاهي أسماء بعض
من هذه المافيا والرصدة التي بحوزتهم في بنوك العواصم
ور في البداية أن الغربية ,وكان الشارع الجزائري يتص ّ
بوضياف يناور لمتصاص النقمة الشعبية ,وبعد أن بدأ في
تنفيذ مخططه لتصفية هذه المافيا علقّ الشارع الجزائري
بقوله :أيّ مستقبل ينتظر بوضياف!!
أمر محمد بوضياف بايداع الجنرال مصطفى بلوصيف
السجن العسكري في مدينة البليدة بسبب اختلسه أموال
88
ن المسألة ل تعدو طائلة من وزارة الدفاع ,وقيل عندها أ ّ
عن كونها صراعا خفّيا بين الصقور والحمائم داخل
المؤسسة العسكرية .
م بوضياف 400ملّفا لحد الجنرالت تتعلق بمختلسي وقد ّ
مليير الدولرات والذين سلم جميعهم أما بوضياف فكان
ن بوضياف اذامصيره الغتيال .وكان لسان حال المافيا أ ّ
شى بنا سنتغذى به ,واذا أراد الشهادة في عهد أراد أن يتع ّ
الستعمار سنمنحه ايّاها في عهد الستقلل !!
المافيا الجزائرية :
بات مألوفا في الجزائر أن يتحدث صّناع القرار عن المافيا
الجزائرية التي استطاعت أن تقيم تحالفا قوّيا بين المال
ن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي خلف والنفوذ ,بل أ ّ
ن هناكاليامين زروال ذهب الى أبعد من ذلك عندما قال أ ّ
اثنى عشرة شخصا يتحكمون في القتصاد الجزائري وهم
من أصحاب النفوذ والسلطة .
وظهور مجموعة من الوصوليين والمختلسين والبراغماتيين
الذين استغلوا مواقعهم ومناصبهم على الساحة السياسية
الجزائرية ليس وليد العشرية السوداء أو العهد الشاذلي كما
عي سياسيون جزائريون ,بل أن هذه المعضلة تعود الى يد ّ
ماقبل الستقلل الجزائري ,ويذهب العقيد منجلي وهو أحد
ن بعض السياسيين رّواد الثورة الجزائرية الى القول بأ ّ
الجزائريين الذين كانوا يعملون خارج الجزائر أثناء الثورة
الجزائرية استولوا على جزء كبير من أموال جبهة التحرير
ل هؤلء في وقت لحق المتيازات الوطني ,وقد استغ ّ
والتسهيلت التي كان يتمتع بها رجال النظام في عهد
الستقلل فعملوا على تنمية هذه الموال ,كما كانوا
يتقاضون عمولت ورشاوى بالجملة من الشركات الجنبية .
وحتى أحمد بن بلة لم يسلم من التهام بأّنه أستولى على ما
كان في صناديق التضامن الوطني ,وهي عبارة عن تبرعات
89
ي قدمها الشعب الجزائري برمته للحكومة بالموال والحل ّ
الفتية حتى تتمكن من اعادة البناء أثناء الستقلل ,وقد رد ّ
ول هذه الصناديق أحمد بن بلة على هذا التهام بقوله أّنه ح ّ
الى وزارة الدفاع وليدري مصيرها بعد ذلك .
م زيتوني وهو أحد السياسيين الجزائريين بن بلة كما اته ّ
بتحويل أموال تبرعت بها الصين للجزائر الى حساب خاص
به .
وكانت جريدة المنقذ لسان حال الجبهة السلمية للنقاذ قد
ده مجلس المحاسبة الرسمي نشرت ملفا كامل كان قد أع ّ
المشرف على ملفات الختلسات ,وقد أثار الملف
المنشور زوبعة من ردود الفعل ,وكانت شخصية سياسية
هي التي سربت الملف الى جريدة المنقذ,
وفي الملف اتهامات تطاول كبار المسؤولين الجزائريين
وخصوصا بعض الذين كانوا يشرفون على قطاع الطاقة
ن أصابع التهام وجهت الى رئيس الحكومة الجزائرية ,كما أ ّ
في ذلك الوقت سيد أحمد غزالي الذي كان مديرا عاما
لشركة سوناطراك المشرفة على تسويق النفط والغاز
الجزائريين ,وقيل أّنه تلقى عمولة كبيرة من شركة البازو
التى كانت تربطها عقود طويلة المدى مع شركة سوناطراك
.
وفي ذلك الوقت كان حزب جبهة التحرير الوطني هو
الحزب الحاكم المسيطر على مفاصل الدولة ,وكان
النضمام الى هذا الحزب والتسلق الى مراكزه العليا يعني
ن المسؤولين في جبهة التحرير مجدا غير منقطع ,باعتبار أ ّ
الوطني كانوا يمنحون كل التسهيلت في الحصول على
شقق وسيارات وفيلت وعملت صعبة .
وقد وضعت الحكومة في عهد الشاذلي بن جديد قانونا
يقضي بالتخلي عن أملك الدولة ,فأشترى رجال الدولة
ممتلكات دولتهم بأبخس الثمان ,وعلى سبيل المثال فقد
اشترى البعض الفيلت التي كانوا يسكنونها بأسعار رمزية
90
ن أحد الوزراءوأعادوا بيعها بمليير السنيمات الجزائرية ,وأ ّ
اشترى الفيل التي كان يقطنها من الدولة بعشرة مليين
سنتيم وهو سعر رمزي وباعها بملياريي سنتيم ,وكذلك
الوضع بالنسبة للراضي الزراعية الواسعة .وأستغّلت
شخصيات سياسية مناصبها الراقية وجمعت ثروات مذهلة .
وقد استشرى الفساد في كل مفاصل الدولة الجزائرية ,
فعلى مستوى البلديات كان رؤساء البلدية يبيعون أراضي
الدولة الجزائرية للشخصيات السياسية المتنفذة بأثمان
رمزية .
وعندما نجحت الجبهة السلمية للنقاذ في النتخابات البلدية
,عقد بعض رؤساء البلديات التابعة لجبهة النقاذ السلمية
ندوة صحفية في الجزائر العاصمة وكشفوا ملفات ثقيلة
تطاول كبار المسؤولين الجزائريين الذين حصلوا على
أراضي شاسعة وبأسعار رمزية ,وكان هناك ملف يطاول
رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد الذي اشترى قطعة
أرض كبيرة مساحتها ألف الهكتارات بمائة مليون سنتيم
فقط وهو ثمن بخس للغاية ,وكان الولة رمزا للفساد في
الجزائر فقد كان العديد منهم متواطئا مع رجال النظام
والمؤسسة العسكرية ,وكان بعض الولة وعندما تنتهي
الشركات المعنية من تشييد عمارة لكي يسكن فيها
المواطنون المقهورون ,يقومون بتوزيع العقود على رجال
النفوذ و المكانة في الدولة ,وبات الكبار يملكون عشرات
الشقق فيما المواطنون الجزائريون يتناوبون على النوم في
بيوتهم .
وكانت زوجات بعض كبار المسؤولين يتوجهن صباحا الى
باريس للتبضع ويرجعن مساءا ومعهن أخر الصيحات و
الصرعات ,وكانت الحاجيات المجلوبة ل تخضع للتفتيش من
مال الميناء الجزائري كيف قبل رجال الجمارك ,ويذكر ع ّ
كانت صناديق مغلقة تصل الى بعض المتنفذين ول يقدر أحد
أن يمد ّ يده اليها بالتفتيش .
91
وكان بعض المدراء الكبار يتقاضون عمولت كبيرة من
شركات فرنسية وغيرها مقابل احتكار هذه الشركات
للسوق الجزائرية لجهة توفير ما تحتاجه الجزائر من حاجيات
غذائية وغيرها .وكانت النتيجة ظهور طبقة رأسمالية
متوحشة معادلتها السلطة هي المال والمال هو السلطة ,
وأصبح في الجزائر نتيجة ذلك ستة ألف ملياردير ,الذين
كان لهم دور كبير في تسيير شؤون الحكم ,وقد سمع
الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد عشية اقالته
كلما من أحد المتنفذين مفاده :أنت هربت أموالك الى
الخارج وتريد أن تبقينا هاهنا لمواجهة المحاكمات الشعبية !!
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
92
ورجالته ,حاول بعث القتصاد فأكتشف أّنه بيد مجموعة من
المافيا .وطالب بصلحيات واسعة من المؤسسة العسكرية
فرسمت له الخطوط الحمراء التي ل ينبغي تجاوزها ,
وأقحم في لعبة لم يساهم في رسم معالمها .
166يوما لم يحقق فيها محمد بوضياف شيئا ,وعلى حد ّ
ن الرئيس محمد بوضياف تجاوزه تعبير أحمد بن بلة فا ّ
الزمن الجزائري .لقد عاد محمد بوضياف الى الجزائر
ن الثورة الجزائرية نفسها قد وار نوفمبر متناسيا أ ّبعقلية ث ّ
ذبحت في الصميم ,وأصبحت الثورة الجزائرية تأكل أبناءها
وأباءها معا .
ن الشعب حاول تذكير الجزائريين بثورة نوفمبر فوجد أ ّ
ول رجال الثورة الى الجزائري قد أرّقه ما شاهده من تح ّ
رجال ثروة ,لقد أقسم بعض الجزائريين بأغلظ اليمان أن
ل يثقوا فيما تقوله لهم السلطة الجزائرية ,لقد أوهمتهم
هذه السلطة أّنهم أصبحوا راشدين وبالغين وقادرين على
اختيار من يرونه مناسبا وصالحا لتسيير شؤون الحكم ,
ولكن قرار الدّبابة كان هو الفصل والحكم !
لقد محت صور الدّبابات ودوريات الجيش والمواجهات
الدامية التي كانت تتم بشكل يومي كل ما أرتسم في ذاكرة
الجزائريين عن الثورة الجزائرية ,وكيف يثق الشعب
الجزائري بمحمد بوضياف والذين دمّروا الجزائر ما زالوا
يحيطون بمحمد بوضياف ويقررون تفاصيل التفاصيل ,وقد
صعب على الشارع الجزائري أن يقبل هذه الصورة
المتناقضة صورة بوضياف رمز الثورة الجزائرية وأحد
مفجرّيها و صورة الذين قتلوا الشعب الجزائري وسفكوا
دمه وأستباحوا حرماته ,كيف يصدقّ الشعب الجزائري
دعوة بوضياف الى محاربة الفساد ,وأرباب الفساد مازالوا
في كل المواقع في قصر الرئاسة والدارة والوزارات
والمؤسسة العسكرية ,ومن الصعوبة بمكان أن يتمكن
بوضياف من تغيير الصورة .
93
وحتى لما حاول محمد بوضياف البقاء في الساحة وحيدا
دة والصعبة ,أزيح عن والشروع في عملية التطهير المعق ّ
الساحة برصاصة في ظهره !
لقد كان بوضياف في أخر أيامه يصف النظام بأّنه وسخ
ومعّقد وصعب ,وحتى لما طرح مشروع محاسبة
الشخصيات الكبيرة ,تساءل المواطن الجزائري من
يحاسب من في الجزائر!
والمافيا التي تحدث عنها بوضياف ليست معادلة سهلة
يمكن النيل منها بسهولة ,اّنها تشكلت مع بدايات تش ّ
كل
دا والتواءا مع مرور الزمن .النظام الجزائري وأزدادت تعق ّ
ن الغاء المشروع الديموقراطي لقد كان واضحا للجميع أ ّ
والنتخابات التشريعية لم يكن الغرض منه حماية
الديموقراطية والتعددية ,بقدر ما كانت هذه العملية تهدف
ن جبهة النقاذالى حماية المافيا و امتيازاتها خصوصا وأ ّ
كانت تهدد بالقتصاص من المختلسين الذين تسبّبوا في
افلس الجزائر .
ولم تبال هذه المافيا بالعتبارات الدولية وسمعة الجزائر
عربيا ودولّيا ,ولما أستشعرت الخطر حاولت الستنجاد
بمحمد بوضياف الذي لم يسلم حتى من غدرهم ,وهؤلء
الذين استقدموا محمد بوضياف وتذكروه أخر لحظة ,لم
يخطر في بالهم أن يعيدوه الى وطنه قبل سنوات .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
94
ن ما وقع في الجزائر ن بعض القوى السياسية تقول أ ّ حأ ّ صر ّ
هو انقلب عسكري وهي حّرة في اتخاذ هذه المواقف.
وهذه التصريحات الخطيرة من رئيس المجلس العلى
للدولة محمد بوضياف أحرجت كثيرا المؤسسة العسكرية
ن الشاذلي بن جديد استقال ولم كثيرا والتي أعلنت مرارا أ ّ
يزح من المنصب .
وقد رأى عندها مدير جريدة الصح أفة الناقدة حبيب
راشدين في هذه التصريحات بداية الطلق بين المؤسسة
العسكرية ومحمد بوضياف ,اذ ل يعقل أن يبادر رئيس
المجلس العلى للدولة الى اطلق هذه التصريحات
م تحريك وزير الثقافة والعلم أبي بكر الخطيرة .وقد ت ّ
ن النتخابات الرئاسية ستجرى بلقايد ليدلي بتصريح مفاده أ ّ
قريبا وفي غضون , 1992وقد تضايق بوضياف من هذا
ن وزير الداخلية الجنرالالتصريح وكذّبه تكذيبا قاطعا .كما أ ّ
العربي بلخير كان يناور في هذا التجاه ,و تصريحه لجريدة
ن
ن الكرة في ملعب السياسيين فهم منه بأ ّ صوت الكويت بأ ّ
بوضياف لم يعد على مستوى الطموح ,وقيل في وقت
ن العربي بلخير كانت له يد في اغتيال محمد لحق أ ّ
بوضياف في مدينة عنابة و كانت للعربي بلخير طموحات
ن العلم الجزائري وعندما أشار الى كبيرة ,الى درجة أ ّ
قرب ابعاد سيد أحمد غزالي من رئاسة الحكومة ,أورد اسم
العربي بلخير كبديل لغزالي ,وبعض هذه التسريبات كانت
في الواقع بالونات اختبار .
و الخلف الخر بين بوضياف والمؤسسة العسكرية كان
حول بقاء سيد أحمد غزالي رئيسا للوزراء ,وقد أعترف
ن هذا الخير كان مستاءا من مقربون من محمد بوضياف أ ّ
سيد أحمد غزالي ,أما ّ المؤسسة العسكرية فقد كانت
متمسكة بسيد أحمد غزالي على اعتبار أّنه كان أحد
المساهمين في اخراج سيناريو الطاحة بالشاذلي بن جديد
و اقامة المجلس العلى للدولة .
95
ن هناك من كان يريد أن يصبح سعيد سعدي زعيم والعجيب أ ّ
الحركة من أجل الثقافة والديموقراطية البربري رئيسا
للوزراء ,وكانت خطوة من هذا القبيل كفيلة بتأجيج الحرب
كم التوجهات المناطقية الهلية في الجزائر ,بحكم تح ّ
والجهوية في بنية النظام الجزائري .
نومن الخلفات بين بوضياف والمؤسسة العسكرية أ ّ
بوضياف أراد التصال بالدكتور عباسي مدني زعيم الجبهة
السلمية للنقاذ في محاولة ليجاد تسوية سياسية للزمة
القائمة في الجزائر .
و اقدام محمد بوضياف على ايداع الجنرال مصطفى
بلوصيف رهن السجن العسكري في البليدة لم يرض أطرافا
داخل المؤسسة العسكرية والتي كانت ترى ضرورة ابقاء
رجال المؤسسة خارج المحاكمات والملحقات القضائية ,
لئل تفقد المؤسسة العسكرية صدقيتها .
والواقع أن بوضياف كان يعيش في خضم المتناقضات بين
الجهزة القديمة والجديدة التابعة لهذا الفريق أوالموالية
للفريق الخر ,وقد دخل بعضها على خط الصراع الدموي
بين السلطة والسلميين و نفد ّ العديد من عمليات الغتيال
وحتى التفجيرات ,وبلغ الصراع أوجه عندما أعلن العربي
ن تمردا وقع بلخير وزير الداخلية لجريدة صوت الكويت أ ّ
على مستوى بعض القوات الخاصة والتي التحقت بأمير
الحركة السلمية المسلحة في ذلك الوقت عبد القادر
شبوطي.
وهذا التصريح لم يرض المؤسسة العسكرية التي أخرجت
ل على علقة بمراكز بلخير من دوائر الضوء ورغم ذلك ظ ّ
القوة ونسقّ معها في كثير من القضايا *.
96
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
97
رفيق بوضياف في رحلة الموت هذه كان وزير الصناعات
الخفيفة السيد كريمان وبعض المسؤولين الصغار بالضافة
الى أحد أقرباء محمد بوضياف .
وقبل رحلته الى مدينة عنابة أسّر بوضياف لصديقه محمد
ن بعض الطراف في النظام لن ن الوضع معّقد وأ ّ
يزيد أ ّ
تسكت عن عزمه على تطهير النظام الجزائري من
المرتشين و المختلسين .
وصل محمد بوضياف الى مطار مدينة عنابة يوم 29حزيران
–جوان – 1992في الساعة الثامنة والنصف صباحا وكان
في استقباله والي مدينة عنابة والمسؤولون العسكريون
عن هذه الناحية .وفي الساعة العاشرة والنصف افتتح
ل بين أجنحته .محمد بوضياف معرضا للشباب وتنق ّ
وفي حدود الساعة 11وصل محمد بوضياف الى المركز
الثقافي في مدينة عنابة ,حيث شرع في القاء محاضرة ركّز
فيها على الشباب ودورهم في بناء المجتمع ,كما تحدث عن
الفساد وضرورة القضاء على الفساد الذي ينخر جسم
ث الشباب على ضرورة العتماد على النظام الجزائري ,وح ّ
النفس للخروج من الزمة الحالكة ,وأسترسل في الحديث
ل النظامعن الجزائر والعواصف التي تعصف بها ,وحم ّ
القديم تبعات ما ألت اليه الوضاع في الجزائر ,وعندما
ن السلم يحث على العلم انفجرت قنبلة وصل الى عبارة أ ّ
يدوية من الجهة الشمالية للمنصة التي كان عليها محمد
بوضياف ,وهاهنا شاهد الحضور ستارة المسرح خلف محمد
بوضياف تتحرك وسرعان ماخرج من وراء الستارة رجل
يرتدي زيّ القوات الخاصة ومعه رشاش ,حيث اقترب من
محمد بوضياف وأفرغ محتواه في جسده وقع بعدها
بوضياف أرضا و مباشرة .
ب الخوف والهلع وسط الحضور الذي انبطح كثير منهم د ّ
ن هدف تفجير القنبلة اليدوية هو على الرض ,وقد قيل أ ّ
جعل الناس تتراجع عن المنصة وتنبطح أرضا وأثناءها
98
سمعت طلقات نارية داخل القاعة وخارجها ,فيما كان
طاه البعض بالعلمبوضياف جاثما على الرض وقد غ ّ
الجزائري ,وبعد عشرين دقيقة من الحادث وصلت سيارة
اسعاف الى المركز الثقافي وأقّلت محمد بوضياف الى
مستشفى ابن رشد في مدينة عنابة .
و عبثا حاول الطّباء انعاشه المر الذي استدعى نقل محمد
بوضياف الى مستشفى عين النعجة العسكري في الجزائر
العاصمة ,ولم يتأخر المستشفى كثيرا في العلن عن
وفاة المناضل محمد بوضياف .
وفي حدود الساعة الثانية عشر ظهرا بدأ التلفزيون
الجزائري الرسمي يبث اليات القرأنية وقد فهم المواطنون
ن التلفزيون الجزائري ن كارثة حّلت بالجزائر خصوصا وأ ّ أ ّ
كان قد تعود ّ على بث الغاني في مثل هذا الوقت !
وفي الساعة الواحدة ظهرا أعلن التلفزيون الجزائري عن
وفاة محمد بوضياف وكان قارئ الخبر الصحفي الجزائري
المعتز بالله جيللي .
ث التلفزيون الجزائري شريطا مسجل عن ومساءا ب ّ
ن مقص الجهزة كان قد حذف مشهد مسلسل الغتيال ,لك ّ
خروج الملزم العسكري مبارك بومعراف قاتل بوضياف
والمنتمي الى القوات الخاصة من وراء الستار والطريقة
التي أجهز بها على بوضياف .
ن رئيسوقد تسرّبت بعض الخبار من مبنى التلفزيون تفيد أ ّ
الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير العلم والثقافة كانا هناك
وأمر بحذف هذه المشاهد .
وكانت الصدمة عنيفة للغاية على الشعب الجزائري الذي
توالت عليه الصدمات المنية بشكل متسارع ,وخرجت
بعض الجماهير للمشاركة في جنازة محمد بوضياف والتي
ن محمد بوضياف الرمز ل كانت يتيمة للسف الشديد ,ل ل ّ
يستحق رد ّ الجميل من قبل شعبه الذي مازال يتذكر جهاد
ن
بوضياف ودوره في تفجير الثورة الجزائرية ,بل ل ّ
99
ط مع من ألغوا اختيار الشعب الجزائري وحولوا بوضياف تور ّ
الصحراء الجزائرية -التي كانت تستخدمها السلطات
الفرنسية أثناء استعمارها للجزائر حقل لتجاربها المتعلقة
مت عشرات اللف بالتفجيرات النووية – الى معتقلت ض ّ
من المعتقلين .وحتى الذين خرجوا لتشييع جثمان محمد
بوضياف رددوا شعارات سياسية ,وأغتنموا الفرصة في ظل
حالة الطوارئ المفروضة منذ 1992والتي بموجبها يحظر
التجمهر والتظاهر وما الى ذلك من الفعال الديموقراطية .
ومن الشعارات التي رفعها المشيّعون هي من قبيل :
-ل اله ال ّ الله عليها نحيا وعليها نموت وبها نلقى الله .
ن جبهة ي ,يا عّباس الجبهة راهي ل بأس -أي أ ّ -يا عل ّ
النقاذ ما زالت بخير رغم وجود كل قيادييها في السجن . -
ي قاتل .-الشاذل ّ
-جلبوه لكي يقتلوه -.أي أحضروا بوضياف الى الجزائر لكي
يقتلوه . -
-دولة دولة اسلمية .
ن معظم هذه ن المتتبع للحدث الجزائري يعرف أ ّ ول شك أ ّ
الشعارات كان يرددها أنصار الجبهة السلمية للنقاذ .
وقد حضر جنازة محمد بوضياف رئيس الوزراء سيد أحمد
غزالي ,ووزير الدفاع خالد نزار ,و اعضاء المجلس العلى
للدولة علي كافي الذي خلف محمد بوضياف في منصبه ,
دام ,كما حضر تشييع الجنازة وعلي هارون ,وتيجاني ه ّ
شخصيات عربية وأجنبية كياسر عرفات رئيس السلطة
الفلسطينية ,و رولن دوما وزير خارجية فرنسا .
وقد أعلن أقرب المقربين الى بوضياف نجله ناصر بوضياف
أن المافيا الجزائرية هي التي اغتالت محمد بوضياف ,في
ذي العملية حين طالبت زوجته بضرورة الكشف عن منف ّ
الحقيقيين .
م العلن عن اسم ولتفادي الشغور الرئاسي مرة أخرى ت ّ
م
رئيس المجلس العلى للدولة وهو العقيد علي كافي وت ّ
100
م رضا مالك كعضو في المجلس العلى ليكتمل النصاب
ض ّ
….
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
101
وبعد اتهام الملزم مبارك بومعراف رسميا باغتيال محمد
مت احالته الى المحكمة المدنية في مدينة عنابة بوضياف ت ّ
ن القضية سياسية والقاتل عسكري والتي أعلن نائبها العام أ ّ
فيجب احالة القضية الى محكمة عسكرية ,و القضاء
العسكري من جهته رفض النظر في القضية ,وقد رفض
حتى النظر الى الملف ودخل القضاء المدني في خلف مع
ن هناك من القضاء العسكري ,المر الذي أعطى انطباعا بأ ّ
يريد تضييع خيوط المؤامرة .ونجح القضاء العسكري في
تجنيب نفسه النظر في قضية اغتيال محمد بوضياف ,والتي
ن الجناية عادية أصبحت من صلحيات القضاء المدني و كأ ّ
في بعدها و هدفها .
وكانت المؤسسة العسكرية ل تريد أن تتورط مع شخصيات
كبيرة قد يكونون من نفس المؤسسة العسكرية .
وقد أعلن النائب العام لمدينة عنابة السيد محمد تيغرامت
ن القرار الصادر عن هيئته القضائية لجهة أمام الصحافيين أ ّ
عدم الختصاص واضح ول يشوبه أيّ غموض ,وهذا المر
كما قال النائب العام مستوحى من نصوص وروح قوانين
ن الجاني عسكري و ل على ذلك بقوله أ ّ الجمهورية ,وأستد ّ
قام بارتكاب جريمته أثناء وجوده في الخدمة ,وهو ما
تعاقب عليه المادة 25من قانون الجراءات القضائية
العسكرية ,و أستطرد النائب العام في مدينة عنابة قائل أّنه
انطلقا من هذا كّنا نتوقع من السلطات القضائية العسكرية
ن الرفض القاطع التكفل قانونيا بهذه القضية ال ّ أ ّ
دى الى احداث شلل في واللمشروط لهذه السلطات أ ّ
ن هذا الشلل سيوقف مسار البحث عن الجراءات ,وأ ّ
الحقيقة التي ينتظرها المجتمع !
ن المؤسسة وهو اعتراف ضمني من نائب مدينة عنابة بأ ّ
العسكرية تعمد الى اخفاء الحقيقة وتبديدها .ولم يقدم
النائب العام معلومات عن القاتل الملزم العسكري مبارك
بومعراف,
102
والمعلومات السطحية التي قدمت للشعب الجزائري من
ن الملزم العسكري مبارك بومعراف ينتمي أجل اسكاته أ ّ
الى مكافحة التجسس وهو من مواليد 1966وتلقى تدريبه
في بلجيكا وبعض الدول العربية وهو ذو ميول دينية ,وكان
دي أحد قادة الجبهة السلمية للنقاذ أستاذه في علي ج ّ
المرحلة الثانوية .ونفس المعلومات قدمها رّزاق بارة عضو
ن
لجنة التحقيق في اغتيال محمد بوضياف والذي قال أ ّ
بومعراف كان يقرأ الكتب الدينية وليست له ميول حزبية .
ن هذه التصريحات وقد رأى المراقبون في ذلك الوقت أ ّ
ج الجبهة السلمية للنقاذ في قضية اغتيال تهدف الى ز ّ
ن قادة الجبهة السلمية للنقاذ محمد بوضياف .وللتذكير فا ّ
الدكتور عباسي مدني وعلي بلحاج وغيرهما مدنيون ورؤساء
حزب سياسي مدني ومع ذلك فقد جرت محاكمتهم في
محكمة عسكرية ,أما قاتل الرئيس الجزائري محمد
بوضياف وهو عسكري فقد جرت محاكمته في محكمة
مدنية !
وفي الوقت الذي نشب فيه خلف بين القضاء العسكري
والقضاء المدني ,نشب خلف مماثل بين أركان النظام
الجزائري وأستعرت حرب الجهزة من جديد في الجزائر .
فجريدة الخبر الناطقة باللغة العربية نشرت في الصفحة
ن وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير قد أقيل من الولى أ ّ
م تعيين أحد الجنرالت المتقاعدين مكانه ,وقد منصبه وت ّ
سارع العربي بلخير الى تكذيب الخبر وأستدعى مسؤولي
جريدة الخبر وهددهم بنسف جريدتهم ,و أسمعهم كلما
ن جهات في الجزائر سربت الخبر بذيئا ,و حقيقة ما جرى أ ّ
ن الجنرال العربي بلخير أحد أركان نظام على اعتبار أ ّ
الشاذلي بن جديد ,وأحد المحسوبين على اللوبي
الفرانكفوني في الجزائر وكان متهما بالضلوع في لعبة
تصفية بوضياف .
103
مت التضحية بحكومة سيد ولما لم يقدر أحد على ازاحته ت ّ
حأحمد غزالي ,وعندما أقيلت حكومة سيد أحمد غزالي صر ّ
ن الشرار كثيرون في الدائرة النظامية وهؤلء هذا الخير أ ّ
يعرقلون كل اليجابيات ,وعّين سيد أحمد غزالي سفيرا
للجزائر في باريس و كان يراد منه المساهمة في ترطيب
العلقات الفرنسية –الجزائرية لكون غزالي صديقا حميما
ج كمهندس من المعاهد الفرنسية قبيل لفرنسا فهو منذ تخر ّ
الستقلل الجزائري بقليل والعلقة بينه وبين باريس
ن الجزائر كانت في حاجة الى ترطيب الجواء ما ّ ايجابية ,ث ّ
ج على ن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران أحت ّ خصوصا وأ ّ
تنحية صديقه الحميم الشاذلي بن جديد -متيران هو الذي
أختار عبارة الصديق الحميم ول دخل للمؤلف في انتقائها . -
وقبل تنحية سيد أحمد غزالي التقى وزير الدفاع الجنرال
خالد نزار ببعض الشخصيات السياسية الجزائرية كعبد
الحميد مهري المين العام لحزب جبهة التحرير الوطني ,
وحسين أية أحمد زعيم جبهة القوى الشتراكية ,ومحفوظ
نحناح زعيم حركة حماس ,وأحمد طالب البراهيمي عضو
اللجنة المركزية في حزب جبهة التحرير الوطني ووزير
ن دوائر القرار
الخارجية السبق ,وكان ذلك مؤشرا على أ ّ
تريد الستنجاد بالطبقة السياسية .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
لجنة التحقيق :
مد عدم الكشف عن الحقيقة للهاء الشعب الجزائري و تع ّ
قام المجلس العلى للدولة بتعيين لجنة تحققّ في اغتيال
محمد بوضياف يرأسها أحد أصدقاء محمد بوضياف أحمد
ن هذه اللجنة طلبت من المواطنين بوشعيب ,والعجيب أ ّ
الجزائريين أن يمدوها بما لديهم من معطيات ,ومساعدة
هذه اللجنة ,ولم تمر هذه النكتة على الشارع الجزائري
104
الذي علقّ بقوله كيف يطلب ممن يطالب بكشف الحقيقة
أن يمد ّ هذه اللجنة بمعلومات !
ود أنوقدمت هذه اللجنة أرقاما هاتفية ليتصل بها من ي ّ
م معلومات بشأن الحادث .أحد المواطنين كما ذكر يقد ّ
ن مبارك بومعراف زميله حينها اتصل بهذه اللجنة وأبلغها أ ّ
وقد مات في سنة 1982في تدريبات خاصة !!
كون في هذا المر وغيره جعل المواطنين الجزائريين يش ّ
حقيقة الجاني والمعلومات المقدمة اليهم بشأنه .وقد
أعطى المجلس العلى للدولة مهلة عشرين يوما لهذه
اللجنة حتى تكشف عن الحقائق كاملة .
وتوجهت هذه اللجنة الى مدينة عنابة ,وأحاطت تنقلتها
ج الصحافيون في مدينة وتحركاتها بسرية فائقة ,وقد أحت ّ
عنابة على هذا التكّتم المبالغ فيه وطالبوا بتفسيرات بشأن
ن
بعض المعلومات المتناقضة ,فلجنة التحقيق تقول أ ّ
الملزم العسكري مبارك بومعراف نفذ ّ العملية بمفرده ,
ذت ن العملية نف ّ ن النائب العام لمدينة عنابة قال أ ّ في حين أ ّ
بطريقة ذكية ودقيقة بحيث يستحيل أن تكون من فعل
شخص واحد ,وقد غادر هذا الشخص الجاني مكان الحادث
ن مبارك سليما معافى .وقد ذكر بعض الصحفيين أ ّ
بومعراف عقب خروجه من قصر الثقافة لجأ الى شّقة ,
وقال لبعض المواطنين أّنه من رجال المن المكلفين بحماية
ن أناسا يريدون قتله وطلب منهم محمد بوضياف ,وأ ّ
استدعاء الشرطة .
ن سيارة من مراسل جريدة لناسيون في مدينة عنابة أفاد بأ ّ
نوع جيتا كانت مرابضة قرب قصر الثقافة مكان حدوث
م توقيفها في مدينة عزابة بعد الغتيال رفقة سيارة أخرى ت ّ
مطاردتها بطائرة مروحية ودراجات نارية تابعة للدرك
الوطني الجزائري .
ن مبارك وكانت محكمة عنابة تناقض نفسها فحينا تقول أ ّ
م اعتقال اثني م أعلنت أّنه ت ّ بومعراف أعتقل وحده ,ث ّ
105
عشرة شخصا متورطين مع مبارك بومعراف ,وربما لجل
ن بومعراف تلقى أمرا باغتيال ذلك قالت جريدة لوناسيون أ ّ
محمد بوضياف .لكن من أمره بذلك !
ن مبارك بومعراف طلب من قاضي و ذكر في مدينة عنابة أ ّ
المحكمة حضور أحد المسؤولين الكبار كشرط للدلء
باعترافاته .أما نجل الرئيس محمد بوضياف ناصر بوضياف
ن الجريمة لها أطراف في الداخل والخارج . فقد أعلن أ ّ
وبعد عشرين يوما على التحقيق في اغتيال محمد بوضياف
ن القاتل يدعى ح أحد أعضاء لجنة التحقيق رّزاق بارة بأ ّ صر ّ
مبارك بومعراف ,وقد نفذ ّ الجريمة بملء ارادته ,وأ ّ
ن
تقصيرا لوحظ في فريق الحماية ,وهكذا فسّرت لجنة
التحقيق الماء بالماء بعد جهد وعناء .
وبناءا عليه وضع ضابطان كانا ضمن فريق حماية محمد
بوضياف هما هجرس والسائح ,رهن الحبس الحتياطي ,و
ن القاتل هو غاية ما قامت به لجنة التحقيق أنها أكدت أ ّ
الملزم العسكري مبارك بومعراف .وحتى لما أستأنفت
هذه اللجنة أعمالها الى أواخر تشرين الثاني – نوفمبر –
1992رددت نفس النتيجة التي سبق لها وأن أذاعتها على
المل...
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
106
تشريح مؤامرة :
يتضح جلّيا ومن خلل قراءة كاملة ومستوعبة وموضوعية
ن هناك خمسة احتمالت في لملف اغتيال محمد بوضياف أ ّ
قضية اغتيال رئيس المجلس العلى للدولة محمد بوضياف
وهي :
-1أن يكون اغتيال محمد بوضياف داخل فيما يسمى
ن صناع القرار في أعلى بمقتضيات أمن الدولة ,وأ ّ
ن محمد بوضياف المستويات المنية أكتشفوا فجأة أ ّ
م قامواخطر على المن القومي الجزائري ومن ت ّ
بتصفيته .
-2أن يكون محمد بوضياف ضحّية صراع الجنحة
ن بوضياف في المؤسسة العسكرية ودوائر القرار ,وأ ّ
قد يكون أضّر بطرف أو مركز قوة معّين ,أو كاد جناح
من الجنحة أن يفقد مصالحه فأجهز على محمد
بوضياف قبل أن يفقد امتيازاته .
-3أن يكون اغتيال محمد بوضياف من تدبير الجبهة
السلمية للنقاذ أو الجماعات السلمية الخرى .
-4أن يكون الملزم العسكري مبارك بومعراف قد
ف بملء ارادته ونفذ ّ عملية الغتيال .تصر ّ
-5أن تكون جهات أجنبية أمريكية أو فرنسية على
وجه التحديد وراء اغتيال محمد بوضياف .
107
أجل الثقافة والديموقراطية البربري بتشكيل الحكومة خلفا
لسيد أحمد غزالي ,وخطوة من هذا القبيل من شأنها أن
تضّر كثيرا بالوحدة الترابية والجغرافية للجزائر .
وكان سعيد سعدي هدد ّ بحمل السلح واشعال النار في
منطقة القبائل اذا وصل السلميون الى السلطة .وكان من
خل الجيش للغاء النتخابات الدعاة الوائل الى ضرورة تد ّ
التشريعية .
وما جئنا على ذكره لم يرق الى مستوى تهديد المن القومي
ن بوضياف يجب أن يقتل ,والمؤسسة الجزائري حتى يقال أ ّ
العسكرية مثلما أقالت الشاذلي بن جديد كان في مقدورها
أن تقيل محمد بوضياف .
108
الملزم العسكري مبارك بومعراف الضالع في اغتيال
الرئيس محمد بوضياف اعترف كما تقول لجنة التحقيق بأّنه
اض ّ
طلع بعملية الغتيال وحده ,وأّنه كان يحلم أن يطهّر
الجزائر من الطغاة كما قالت لجنة التحقيق في بيان لها .
وهو قد قام بهذه الخطوة لتخليص الجزائر من الخوف الذي
يسيطر على شعبها منذ فرض حالة الطوارئ .
تحليل الحتمال الرابع :
ن
نأ ّفي تحقيق خاص لجهاز المن العسكري الجزائري تبي ّ
عشرين بالمائة من الجنود في الجيش متعاطفون مع الجبهة
م الملزم مبارك بومعراف قاتل السلمية للنقاذ ,وقد أته ّ
محمد بوضياف بأّنه متأثر بالفكار الدينية .وكان جهاز أمني
قد حذّر بوضياف من عناصر مسلحة قد تقدم على اغتيال
ن عدد هذه العناصر هو بين رموز في السلطة الجزائرية وأ ّ
1500و 3000عنصرا .
109
ن الشعب الجزائري قد تنكّر لثورته
يعني في نظر باريس أ ّ
ورموزه بعض ثلثين سنة من الستقلل !
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
110
لقد سبق لرئيس الحكومة السابق سيد أحمد غزالي أن قال
ن مصيبة الجزائر الكبرى تكمن في فتنة الكرسي
أ ّ
المستعصّية .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
م تعيين العقيد علي كافي على رأس وبعد اغتياله مباشرة ت ّ
المجلس العلى للدولة ,وأنتخب رضا مالك رئيس المجلس
111
الستشاري عضوا خامسا في المجلس العلى للدولة ,ولم
كن صدمة اغتيال محمد بوضياف اليقاع السياسي تس ّ
والمني الذي استمّر متهيجا ّ وحا ّ
دا .
وبعد أسبوعين من اغتيال محمد بوضياف بالضبط وفي 12
تموز –يوليو – 1992شرعت المحكمة العسكرية في
محاكمة قادة الجبهة السلمية للنقاذ في المحكمة
ن
العسكرية في مدينة البليدة ,وكان ذلك مؤشرا على أ ّ
هناك من يريد أن يصرف نظر الشعب الجزائري عن ملف
اغتيال محمد بوضياف ,وفي نفس الوقت أقيلت حكومة
م تعيين بلعيد عبد السلم على رأس سيد أحمد غزالي ,وت ّ
الحكومة الجديدة .
وكانت حركة المتغيرات السياسية متزامنة مع حركة
المواجهات الدموية التي ازدادت كارثية ودموية بعد اغتيال
محمد بوضياف .
دا وظّلت
وعلي كافي كسابقه ورث وضعا صعبا ومعق ّ
ن وقع الرصاص الجزائر في عهده تراوح مكانها ,بل ا ّ
دة ,وبلغت المواجهات الذروة في عهد والغتيالت ازداد ح ّ
علي كافي ,وبات عهده يعرف بعهد الدماء ,ولم تتمكن
قوانين مكافحة الرهاب والجراءات الصارمة من وضع حد ّ
للزلزال الجزائري !!!
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
112
م الى الثورة
العقيد علي كافي عسكريّ محترف انض ّ
الجزائرية منذ اندلعها ,وكان من كوادرها في منطقة
الغرب الجزائري وقد أوكلت اليه مهمات عسكرية كثيرة
أثناء الثورة الجزائرية ,وكثيرا ما كان يتنّقل بين الجزائر
وتونس الى تاريخ استقلل الجزائر .
وبعد الستقلل مباشرة عمل في وزارة الخارجية ,وعّين
سفيرا للجزائر في أكثر من عاصمة عربية كبيروت ودمشق
و القاهرة وتونس .وكانت تربطه علقات جيدة ببعض
الرؤساء العرب من أمثال جمال عبد الناصر و الحبيب
ن التيار الفرانكفوني في الجزائر كان بورقيبة ,الى درجة أ ّ
يعتبره قوميا عربّيا ,وقد تعود ّ الفرانكفونيون في الجزائر
ب الثقافة العربية ويميل الى اللغة على اتهام كل من يح ّ
العربية بأّنه قومي أو بعثي وما الى ذلك من المسميات ,و
في وقت لحق باتوا يتهمون المعّرب بأّنه أصولي أو سليل
الصولية ,وكأّنهم الصل في الجزائر وغيرهم الدخيل .
و قد قضى علي كافي حياته متنقل بين العواصم العربية ,
وأعتبره البعض في الجزائر بأّنه كان خارج اللعبة السياسية .
وأثناء تعيينه على رأس المجلس العلى للدولة عقب اغتيال
ن السلطة تريد أن تعالج محمد بوضياف ,قيل ساعتها أ ّ
أزمة الثقة بين السلطة والرعّية ,لكن هذه الخطوة لم تفلح
ن الزمة السياسية التي اندلعت في رد ّ العتبار للنظام ,ل ّ
في الجزائر كانت أكبر من كافي ونظرائه .
أنهيت مهام علي كافي الديبلوماسية في عهد الشاذلي بن
جديد ,حيث جرى تعيينه أمينا عاما لمنظمة المجاهدين التي
ترعى شؤون المجاهدين الجزائريين الذين شاركوا في
الثورة الجزائرية ,وكانت هذه المنظمة محل انتقاد العديد
ن هذه المنظمة أهملت حقوق من السياسيين باعتبار أ ّ
المجاهدين الفعليين ,وبات المجاهدون المزيفون -وهم
الذين زوّروا أوراقا ووثائق لثبات أنّهم شاركوا في الثورة
الجزائرية وحازوا على العديد من المتيازات – في الواجهة
113
ي بها الذين شاركوا يستفيدون من كافة المتيازات التي حظ ّ
ن أيّ جزائري في الثورة الجزائرية فيما بعد .وللشارة فا ّ
كانت تكفيه شهادة شخصين معروفين بدورهما أثناء ثورة
التحرير للدللة على أّنه شارك في ثورة التحرير ,ومعظم
هذه الشهادات كانت تتم بعد الستقلل ,وفي الوقت الذي
ميهم الشارع وار المزيفون أو الذين يس ّ حصل فيه الث ّ
وار 1962أي تاريخ استقلل الجزائر ,على الجزائري بث ّ
ن المجاهدين الحقيقيين وعوائلهم امتيازات واسعة ,فا ّ
مازالت ملفاتهم قيد الدرس ,وكان العديد من أرامل
ن في الكواخ القصديرية ,ومازلن يطالبن الشهداء يقم ّ
بحقوقهن من خلل بعض المنظمات الحقوقية الجزائرية .
ولم يلعب علي كافي أي دور في المرحلة الشاذلية ,وبرز
اسمه عندما أطيح بالشاذلي بن جديد وعند تشكيل المجلس
العلى للدولة ,حيث أصبح علي كافي ضمن تشكيلة هذا
المجلس الذي كان يضم محمد بوضياف رئيسا ,وخالد نزار
دام عضوا ,وعلي عضوا ,وعلي كافي عضوا ,وتيجاني ه ّ
هارون عضوا .
وعندما كان علي كافي عضوا في المجلس العلى للدولة
لم يكن له أيّ دور يذكر ,فوجود كافي وهارون وهدّام كان
خذ ن القرارات الخطيرة والمصيرية كانت تت ّ رمزّيا تقريبا ل ّ
ن الشخصّية البارزة في مكان أخر ,ويمكن القول أ ّ
والمحورية في هذا المجلس كان اللواء خالد نزار وزير
الدفاع في ذلك الوقت .
و كانت تركيبة المجلس العلى للدولة تركيبة هجينة غير
متاجنسة بتاتا ,فمحمد بوضياف كان ناقما على جبهة
التحرير الوطني والذي على حسب رأيه أساءت الى تاريخه
ن عليها ومعه سيد أحمد وسحبت من تحته البساط ولذلك ش ّ
ن محمد بوضياف كان غزالي حملة شعواء ,الى درجة أ ّ
يتهكم على المين العام لحزب جببهة التحرير الوطني عبد
114
الحميد مهري وذلك في مهرجان عام أقامه التحاد العام
للعمال الجزائريين الذي كان يتزعمه عبد الحق بن حمودة .
وعلي كافي الذي كانت له نفس المواقف من حزب جبهة
التحرير الوطني ,كان يعتبر نفسه أحد أبنائها ,وكان غير
مرتاح لزمرة المستشارين الفرانكفونيين الذين كانوا
جم على ما كان يحيطون ببوضياف ,وكان كافي شخصيا يته ّ
يسميه حزب فرنسا في الجزائر ,وهدد ّ ذات يوم بفتح ملف
هذا الحزب ,لكّنه كان مجرد ّ تهديد ولم يفتحه أبدا .
دان لدام وعلي هارون فهما متناقضان بل ض ّ ما تيجاني ه ّأ ّ
دام محسوب على السلم المستنير وكان قبل يلتقيان ,فه ّ
أن يصبح عضوا في المجلس العلى للدولة اماما لمسجد
ما علي هارون فأبعد ما يكون عن باريس في فرنسا ,أ ّ
دام وهو رجل فرانكفوني ومحسوب على التيار قناعات ه ّ
التغريبي ,ويمكن ادراج علي هارون ورضا مالك في نفس
ما خالد نزار وزير الدفاع فقد السياق الفكري والتغريبي .أ ّ
كان يمثل سلطة الجيش التي ل يعلو عليها أحد في الجزائر
و قد كان يمثل القلية الستئصالية في المؤسسة
العسكري .
ونظرا لنعدام التجانس بين أعضاء المجلس العلى للدولة –
الرئاسة الجماعية , -وفقدان هذا المجلس لمركزية القرار
ي أشبه بالمتفرج على الحداث التي عصفت بالجزائر فقد بق ّ
,
وفي كل الوقات كان دوره يكمن في المصادقة على
قرارات المواجهة مع السلميين و قوانين مكافحة الرهاب .
وعندما تولى علي كافي رئاسة المجلس العلى للدولة كان
الوضع المني في الجزائر قد بلغ ذروته .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
115
المهندس سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة في عهد محمد
بوضياف ,وفي المرحلة الخيرة من عهد الرئيس الشاذلي
بن جديد كان من أكبر المتورطين في تنفيذ الصيغة
النقلبية على الشاذلي بن جديد ,فالرجل الذي وعد
ن
بانتخابات حرة ونزيهة لعن الساعة التي أعلن فيها أ ّ
الجزائر ستعيش عرسا ديموقراطيا عند اجراء النتخابات
التشريعية الملغاة ,وحتى على الصعيد القتصادي فلم
يتمكن برنامج سيد أحمد غزالي من انعاش القتصاد
الجزائري ,وغاية ما فعله أّنه زاد من ربط الجزائر بصندوق
النقد الدولي وفي عهده تضاعفت التصالت بين صندوق
النقد الدولي والجزائر والتي انتهت في أخر عهد حكومة
رضا مالك بالرضوخ الكامل لشروط ميشال كامديسو مدير
صندوق النقد الدولي ,وعرض أبار النفط في حاسي مسعود
للبيع ,و أعتبر سيد أحمد غزالي نفسه مخفقا على الصعيدين
السياسي والقتصادي ,فسياسّيا و بعد أن وعد باجراء
انتخابات حّرة ونزيهة لم يف بوعده وكان من أوائل
المرتدين عن الديموقراطية ,واقتصاديا لم ينجح في تحريك
عجلة القتصاد .
ن مستقبله السياسي سيكون زاهرا ن الذين أوحوا له أ ّ كما أ ّ
لم يقفوا معه الى الخير ,وكان لزاما عليه بعد كل هذا أن
ل غياب ينسحب من رئاسة الحكومة ,وخصوصا في ظ ّ
النسجام بينه وبين رئيس المجلس العلى للدولة المعّين
حديثا علي كافي .
م تعيين بلعيد عبد السلم رئيسا وبعد استقالة حكومته ت ّ
ن البومدينيين قد عادوا الى للحكومة الجديدة ,وقيل عندها أ ّ
ن علي كافي وبلعيد عبد السلم كانا الواجهة باعتبار أ ّ
محظوظين في عهد هواري بومدين ,وتحديدا بلعيد عبد
السلم صاحب فكرة التصنيع في العهد البومدييني .
ورئيس الحكومة المعّين من قبل المجلس العلى للدولة
بلعيد عبد السلم شارك في الثورة الجزائرية منذ اندلعها ,
116
وكان يعتبر من الشخصيات الوطنية المعروفة ببغضها
لفرنسا كما عبّر عن ذلك شخصّيا أكثر من مرة ,وبعد
الستقلل مباشرة وجد نفسه مسؤول عن قطاع الطاقة
والمحروقات وساهم مع هواري بومدين في تأميم النفط
الجزائري ,وانهاء احتكار فرنسا لتنقيب وتسويق النفط
الجزائري .وعندما قاطعت فرنسا النفط الجزائري انفتح
على الشركات المريكية و خصوصا شركة البازو المريكية
التي وقّعت اتفاقا مع الجزائر بموجبه تشتري هذه الشركة
دة 25سنة .النفط الجزائري ولم ّ
وبسبب خبرته في مجال التصنيع أوكل اليه هواري بومدين
مهمة تطوير الصناعة الجزائرية ,وكان عندها وزيرا للطاقة
والصناعات الثقيلة ,وقد اتبعّ بلعيد عبد السلم نفس
الخطط التنموية التي كانت سائدة في دول المحور
الشتراكي سابقا .
دة صنع القرار بعد
وعندما وصل الشاذلي بن جديد الى س ّ
وفاة هواري بومدين قام بتطهير النظام الجزائري من أركان
البومديينية ,ووجد بلعيد عبد السلم نفسه على الهامش ,
ولم توكل اليه أيّ مهمة رسمية عدا استمراره كعضو بارز
في حزب جبهة التحرير الوطني ,هذا الحزب الذي سحبت
منه صلحيات الحكم بعد ثلثين سنة من الحادية السياسية ,
لم تعرف فيها الجزائر غير جبهة التحرير الوطني حكما
وسلطة وايديولوجيا ونهجا سياسيا.
وبسبب تهميشه من قبل الشاذلي بن جديد ,وتضاؤل حجم
جبهة التحرير التي كان ينتمي اليها انسحب فيما بعد من
العمل السياسي كلّية .
و أثناء النتخابات التشريعية الملغاة والتي جرت في أواخر
ح بلعيد عبد السلم كانون الول – ديسمبر – 1991رش ّ
نفسه في قائمة المستقلين محتجا بذلك على حزب جبهة
التحرير الوطني التي باتت ل تزكي ال ّ أقرب الناس اليها ,
117
ولم يحالفه الحظ في الفوز ,ولم يتمكن من الحصول ال ّ
على صوته .
وعقب تعيينه رئيسا للحكومة خلفا لسيد أحمد غزالي قال :
ن البعض يعيب عليه سقوطه في النتخابات ,وفجأة وجد أ ّ
نفسه في الواجهة !
ن علي كافي وبلعيد عبد السلم عمل لفترة وبالرغم من أ ّ
ن المستجدات الجزائرية طويلة مع هواري بومدين ,ال ّ أ ّ
ن رئيس فرّقت بينهما وتفاقمت بينهما الخلفات الى درجة أ ّ
المجلس العلى للدولة علي كافي وعندما كان في القاهرة
ما هو للمشاركة في أعمال مؤتمر الوحدة الفريقية قال :ا ّ
أو أنا ,وكان يقصد بلعيد عبد السلم .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
118
ى زعامتها عنتر
الجماعة تفقد زعماءها الى أن تول ّ
الزوابري .
وقد أتخذ ّ المجلس العلى للدولة مواقف متشددة تجاه هذه
الجماعات ,وكان خطاب علي كافي يتسم بالتصعيد
والمواجهة والحرب التي ل هوادة فيها مع الجماعات
ن علي كافي صادق على تشكيل السلمية المسلحة ,كما أ ّ
المحاكم الخاصة الستثنائية التي تنظر في قضايا العنف
السياسي وقد أصدرت هذه المحاكم عشرات الحكام
بالعدام .
كما وضع المجلس العلى للدولة في عهد علي كافي قوانين
ملة للحكام العرفية وقوانين مكافحة الرهاب التي جاءت مك ّ
حالة الطوارئ ,وكان المجلس العلى للدولة في كل
تحركاته و تصريحاته وقراراته يعكس رؤية الصقور داخل
المؤسسة العسكرية ,وفي الوقت الذي انصرف فيه
المجلس العلى للدولة الى صياغة خطاب المواجهة وتوسيع
رقعتها ,كانت حكومة بلعيد عبد السلم تحاول اخراج
القتصاد الجزائري من عنق الزجاجة ,
ن بلعيد عبد السلم الذي استطاع في حقبة الحرب لك ّ
الباردة والظروف الدولية المعروفة أنذاك من تطوير
القتصاد الجزائري ,وجد نفسه في وضع محلي يتسم
بالغليان والنفجار ,وفي وضع عالمي ودولي مغاير كل
المغايرة لما كان عليه واقع العالم في السبعينيات .
وبسبب خلفيته الشتراكية والبومديينية ,لم تكن باريس
ن الدارة المريكية برئاسة بيل وواشنطن راغبتين فيه ,بل ا ّ
كلينتون أبدت انزعاجها لوجود بلعيد عبد السلم على رأس
الحكومة الجزائرية .وعندما تأكد ّ لبلعيد عبد السلم استحالة
النهوض بالقتصاد ,لن ذلك ل يتم بدون الوصول الى ح ّ
ل
سياسي للزمة القائمة ,بدأ يخرج عن قواعد اللعبة ويدلي
بتصريحات أزعجت المؤسسة العسكرية ورئيس المجلس
العلى للدولة علي كافي ,وقد أعلن بلعيد عبد السلم عن
119
استعداده للتحاور مع المعتدلين في الجبهة السلمية للنقاذ
مما أزعج الجيش ,كما أّنه دخل في صراع مع العلم
الجزائري المستقل بعد قيامه باغلق بعض العناوين
الصحفية .
وعندما عاد الرئيس السابق أحمد بن بلة من سويسرا التقى
ببلعيد عبد السلم ,وعندها طلب بلعيد من بن بلة أن يقنع
الجنرال خالد نزار بضرورة اقالة الجنرالت المتشددين
داخل المؤسسة العسكرية ,وبعدها بأسبوع واحد وجد بلعيد
عبد السلم نفسه مبعدا ,وجرى تعيين رضا مالك رئيسا
جديدا للحكومة .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
وكثيرا ما كان بلعيد عبد السلم يطمح أن يكون الرجل الول
في الجزائر ,وأثناء وجود علي كافي في القاهرة للمشاركة
في أعمال منظمة الوحدة الفريقية ,ألقى بلعيد عبد السلم
نخطابا مطول بّثه التلفزيون الجزائري قال فيه :أ ّ
المؤسسة العسكرية هي التي جاءت به ,وأّنه حائز على
سر هذا الخطاب بأّنه تملق للمؤسسة دعمها .وقد ف ّ
العسكرية وتطلعّ الى الرئاسة .وعندما بدأ بلعيد عبد
السلم يتحدث عن ضرورة الحوار والمصالحة الوطنية ,وجد
ل محله رضا مالك الذي نفسه مقال من رئاسة الحكومة ليح ّ
كان يعتبر من
الستئصاليين الذين يؤمنون بضرورة الغاء كامل للتيار
ى
السلمي من المشهد السياسي الجزائري ,كما تبن ّ
مشروع استرجاع هيبة الدولة وتصعيد المواجهات ونقل
معسكر الخوف من السلطة والى الصوليين .
ورضا مالك الذي ينتمي الى منطقة باتنة مسقط رأس
الجنرال خالد نزار أيضا ,كان على علقة وطيدة بالحزب
120
م بالحزب الشيوعي الجزائري الذي الشيوعي الفرنسي ,ث ّ
م
س أثناء استعمار فرنسا للجزائر .وبعد الستقلل انض ّ تأس ّ
رضا مالك الى الخارجية الجزائرية حيث عّين سفيرا للجزائر
في بعض العواصم منها :موسكو ,باريس ,واشنطن و هي
عواصم مهمة وكانت تهتم بالملف الجزائري وكل لغاية
معينة .
وبعد الطاحة بالشاذلي بن جديد عّين رضا مالك رئيسا
للمجلس الستشاري وهو هيئة أقيمت مقابل البرلمان
الملغى ,وكان هذا المجلس يقوم بالمصادقة على القوانين
التي يصدرها المجلس العلى للدولة ,وكان هذا المجلس
م 60عضوا أغلبهم من اليسار والفرانكفونيين والبربر . يض ّ
ومن القرارات الخطيرة التي اتخذها رضا مالك هو الغاء
قانون التعريب الذي صادق عليه البرلمان الجزائري قبل
حّله من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد ,وكان قانون
ص على تعريب الدولة وادارتها وكل المفاصل التعريب ين ّ
م تنفيذالحيوية السياسية والتربوية ,وكان يفترض أن يت ّ
القانون في 05تموز –يوليو – . 1992
ن
وبرّر رضا مالك موقفه من الغاء قانون التعريب بقوله أ ّ
الظروف الدولية ل تسمح بتعميم قانون التعريب !
ن لرضا مالك موقفا من الستعمار الفرنسي ,ففي كما أ ّ
كتابه – التقليد والثورة – يدعو الى نسيان الماضي والنفتاح
على فرنسا والغرب عموما .
ووجود علي كافي على رأس المجلس العلى للدولة ,ورضا
ن الزدواجية مالك على رأس الحكومة أعطى انطباعا بأ ّ
ن التناقضات قد بلغت دة الموقف في الجزائر ,وأ ّ باتت سي ّ
ذروتها ,فكافي هدد ّ بفضح حزب فرنسا ,ورضا مالك يعتبر
أحد منظّري هذا الحزب في الجزائر ,وقد شهدت الجزائر
عندما تولى رضا مالك رئاسة الحكومة ارتفاعا مضطردا
للعدامات والتصفّيات الجماعية التي كانت تقوم بها فرق
الموت النظامّية .
121
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
122
مت الحزاب الوطنية والسلمية المجلس العلى وقد اته ّ
ن
للدولة بأّنه يناور لكسب الحزاب الى صفه خصوصا و أ ّ
ساعة انتهاء مهامه قد حانت .
ومع تعدد ّ مراكز القوة ,وصراع الحمائم والصقور داخل
المؤسسة العسكرية ودوائر القرار أصبح الحوار مجرد ّ لعبة
سياسية ,ومجرد ّ نغمة جميلة .
ولكن مجرد طرح فكرة الحوار من قبل المجلس العلى
ن سياسة الحلول المنية و للدولة كان مؤشرا على أ ّ
ن الجراءات الستئصالية قد وصلت الى طريق مسدود ,وأ ّ
دت الصارمة والستثنائية قد فاقمت الوضع المني و صع ّ
الموقف وقد سقطت جّراء ذلك كل المحاذير بل وسقطت
لغة العقل و الحوار ,وبات القتل والقتل المضاد هما
السمتان الطاغيتان على الحالة الجزائرية .و لم يتمكن
دعاة المواجهة الشاملة الذين وضعوا ثقلهم ومقدرات
ط المواجهة من اعادة الستقرار الجزائر في خدمة خ ّ
والهدوء الى الجزائر ,وكاد الخراب يتسلل الى المؤسسة
العسكرية التي ظّلت المؤسسة الوحيدة المحافظة على
تماسكها حيث فّر مئات الجنود من الثكنات وألتحقوا
بقوافل الجماعات السلمية المسلحة في الجبال ,وبدأت
م حدثت المفاجأة هذه المؤسسة تستشعر الخطر ,ث ّ
باستقالة الرجل القوى في الجزائر الجنرال خالد نزار من
وزارة الدفاع .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
123
وينتمي خالد نزار الى منطقة باتنة ,وألتحق بصفوف الثورة
الجزائرية في أواخر أيامها ,وبعد الستقلل أصبح خالد نزار
م تكوينه العسكري في رائدا في الجيش الجزائري وأت ّ
م فيالمعاهد العسكرية في التحاد السوفياتي السابق ث ّ
يفرنسا ,وعندما وصل الشاذلي بن جديد الى الحكم ,رق ّ
م تعيينه رئيسا لهيئة الركان ,خالد نزار الى رتبة لواء ,وت ّ
وعندما تخلى الشاذلي بن جديد عن وزارة الدفاع أصبح
ن من تحديث الجنرال خالد نزار وزيرا للدفاع حيث تمك ّ
المؤسسة العسكرية والمساك بخيوطها ومفاصلها .وقد
ن نزار الموالين له داخل المؤسسة العسكرية في عي ّ
ب نفسه ساسة ليضمن ولء الجميع له وليجن ّ المناصب الح ّ
المفاجأت ,وشهدت الجزائر بعد سطوع نجمه داخل
المؤسسة العسكرية العديد من الحداث منها :
-فرض حالة الحصار العسكري في 06تشرين الول –
أكتوبر – . 1988
-تعيين مدير المخابرات العسكرية السبق قاصدي
مرباح رئيسا للحكومة الجزائرية بعد أحداث أكتوبر
مباشرة .
-اقالة قاصدي مرباح وتعيين مولود حمروش خلفا له .
-اقالة مولود حمروش وتعيين سيد أحمد غزالي خلفا له
.
-فرض حالة الحصار العسكري في 05حزيران –يونيو-
1991واعتقال قادة الجبهة السلمية للنقاذ عباسي
مدني وعلي بلحاج وغيرهما .
-النقلب على الشاذلي بن جديد وفرض حالة الطوارئ
ل الجبهة السلمية للنقاذ في 09شّباط – فبراير – وح ّ
. 1992
-تأسيس المجلس العلى للدولة واستقدام محمد
بوضياف الى الجزائر .
124
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
125
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
126
-6البوليس السري وهو جهاز يلحق أشخاصا من
دائرة النظام يهددون المن القومي .
-7جهاز التنسيق ويقوم بالتنسيق مع بقية الجهزة .
-8المن العام وفروعه المتشعبة .
127
م تعيينه سفيرا للجزائر في رومانيا والتي كانت العسكرية ت ّ
جبهتها الداخلية ملتهبة وأفضت الى اعدام رئيس رومانيا
شاوشيسكو ,وأنقطع عن العمل الديبلوماسي ,وعن أي
عمل سياسي مفضل ّ الهتمام بأعماله الخاصة ,وتشاء
الظروف أو يشاء عّراب النقلبات داخل المؤسسة
العسكرية الجنرال خالد نزار أن يصبح اللواء اليامين زروال
م رئيسا للجزائر بعد انتهاء مهام المجلس وزيرا للدفاع ث ّ
العلى للدولة .
وبعد تعيين اللواء اليامين زروال على رأس وزارة الدفاع
توجه هذا الخير الى زعماء الجبهة السلمية للنقاذ في
سجن البليدة العسكري و تحدث معهم بشأن الحوار و طلب
منهم مساعدته في اخراج الجزائر من مأزقها المني .
وكلما كان الحوار يخطو خطوة الى المام كان دعاة
المواجهة يفجّرون الموقف ,فوجود اللواء محمد العماري
واللواء محمد تواتي داخل المؤسسة العسكرية ورضا مالك
ما
على رأس الحكومة حال دون أن ينجح الحوار .وحتى ل ّ
تبنى بعض هؤلء الحوار كان الهدف من ورائه تكريس
وجودهم في دوائر القرار والنفوذ .
وأوشكت مهام المجلس العلى للدولة على النتهاء في
أواخر 1993والجزائر تعيش على وقع المواجهات
والغتيالت والتفجيرات والتمشيطات والشتبكات وبعبارة
أخرى النهيار الكامل …
والحوار الذي فتحه المجلس العلى للدولة مع الطبقة
السياسية الجزائرية انتهى الى طريق مسدود ولجوءه الى
الحوار في أخر عهده كان الهدف منه اشراك الحزاب
الجزائرية في تكريس سيناريو السلطة المقبل ,خصوصا
ن المجلس العلى للدولة سينسحب من المشهد وأ ّ
السياسي ول يمكن تمديد وليته لمرحلة انتقالية ثانية ,
دوا أمام الشعب فأعضاء المجلس العلى للدولة تعه ّ
128
الجزائري بأنّهم سوف ينسحبون من الحياة السياسية في
نهاية . 1993
لكن ماهو البديل !
أفكار عديدة وبدائل كثيرة طرحها صّناع القرار داخل
المؤسسة العسكرية بشأن مواجهة الستحقاق المقبل .وقد
كثر اللغط حول هذه المسألة عندما فشلت لجنة الحوار
التي شكلها المجلس العلى للدولة والتي كان يرأسها
يوسف الخطيب وعضوية سبعة أشخاص ,ثلثة منهم
جنرالت وهم الجنرال دراجي وصنهاجي وتاغيت .
وكانت لجنة الحوار قد اتصلت بحزب جبهة التحرير الوطني
وجبهة القوى الشتراكية فسمعت هذه اللجنة من هذه
دي مع السلطة وهو الحزاب شرطا واحدا للتعاطي الج ّ
اشراك الجبهة السلمية للنقاذ في أي حوار جدي ,وأي
حوار بدونها سيكون حوار طرشان ,أما حزب التحدي
الشيوعي والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري
فقد كانا يعتبران الحوار مع الجبهة السلمية للنقاذ خيانة .
و أتصلت لجنة الحوار بقادة النقاذ في سجن البليدة
العسكري وسمعت الى شروط النقاذ للدخول في أي حوار
مع السلطة يكسبها شرعية ومن هذه الشروط :اطلق
سراح كافة المعتقلين السياسيين بما في ذلك قادة الجبهة
السلمية للنقاذ ,محاسبة المتورطين في الجرائم
السياسية ,عودة الجبهة السلمية للنقاذ الى العمل
السياسي والعودة الى المسار النتخابي الملغى .
لكن الذين أوعزوا للجنة الحوار بالتحرك لم يستسيغوا هذه
الشروط ,وعملوا على تقديم بديلهم حتى لو كان من
طرف واحد ,وعندما حانت الساعة لنسحاب المجلس
العلى للدولة في 31كانون الثاني –يناير – 1993وتفادّيا
للدخول في شغور الدولة مجددا كما حدث عقب اقالة
الشاذلي بن جديد ,طالبت لجنة الحوار من هيئة المن العليا
بتمديد فترة المجلس العلى للدولة الى نهاية كانون الثاني
129
م تمديد فترة المجلس العلى – يناير – , 1994وبالفعل ت ّ
دت لجنة الحوار موعد للدولة الى التاريخ المذكور ,كما حد ّ
25و 26كانون الثاني – يناير – 1994موعدا لنعقاد ندوة
الوفاق الوطني .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
رفضت الحزاب الجزائرية الوطنية والسلمية المشاركة في
ندوة الوفاق ,وتحديدا الحزاب الفائزة في النتخابات
التشريعية الملغاة الجبهة السلمية للنقاذ ,وجبهة القوى
الشتراكية و حزب جبهة التحرير الوطني ,و حضر ندوة
الوفاق الوطني رجالت النظام والمؤسسة العسكرية ,ومن
الحزاب التي شاركت في ندوة الوفاق الوطني وأنسحبت
في نفس اليوم حركة المجتمع السلمي –حماس – بزعامة
محفوظ نحناح .
وندوة الوفاق الوطني كانت في الواقع ندوة للسلطة التي
كانت تبحث عن مخرج للمأزق الذي كانت تتخبط فيه ,
وقبل انعقاد هذه الندوة وجه وزير الدفاع الجنرال اليامين
ن
زروال خطابا موجها الى الشعب الجزائري جاء فيه :أ ّ
الجيش الجزائري لن يبقى مكتوف اليدي متفرجا على
انهيار الجزائر .
وكانت المؤسسة العسكرية قبل انعقاد ندوة الوفاق الوطني
اتصلت بعبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية في عهد هواري
بومدين ,والذي غادر الجزائر بعد اقصائه من أيّ مهام في
عهد الشاذلي بن جديد ,وكان اسمه قد ورد في لجنة
المحاسبة التي شكلها الشاذلي بن جديد لمحاسبة أصحاب
النفوذ الذين جمعوا ثروات هائلة من خلل مناصبهم
ومواقعهم ,
وقد حاولت المؤسسة العسكرية اقناع عبد العزيز بوتفليقة
بتوّلي منصب الرئاسة ,فطالب بصلحيات واسعة ,فما كان
من المؤسسة السيدة ال ّ أن قالت له عد من حيث جئت .
130
ن عبد العزيز بوتفليقةوجرى ايهام الرأي العام الجزائري بأ ّ
سيكون الرئيس المقبل ,وحصلت المفاجأة أثناء انعقاد ندوة
ن
الوفاق الوطني ,عندما أعلن الناطق باسم لجنة الحوار أ ّ
عبد العزيز بوتفليقة قد سحب ترشيحه ,وعندها لم يجد
مجلس المن العلى حل ّ غير تسمية الجنرال اليامين زروال
رئيسا للدولة الجزائرية بالتعيين .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
131
العتبار لرادة الشعب الجزائري و اعادة صياغة النظام
صياغة سياسية بعيدة عن الوصياء في مواقع الحل والربط
وفي مواقع القوة .
وكان الجنرال اليامين زروال ينوي اعادة ترميم النظام من
الداخل ولكن من زاوية حادة وليس من زاوية منفرجة !
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
132
م اللواء اليامين
في أواخر كانون الثاني –يناير – 1994تسل ّ
زروال رسمّيا رئاسة الدولة الجزائرية ,وبذلك تكون
المؤسسة العسكرية قد وضعت يدها وبشكل مباشر على
مقاليد الحكم بعدما كانت تقوم بتوجيه الدولة من خلف
الكواليس وبشخصيات مدنية في أغلب الحيان .
و كانت المؤسسة العسكرية قد أخذت على عاتقها مسألة
تعيين الرئيس فكان الجنرال المتقاعد اليامين زروال وأخذت
على عاتقها وضع خطة لتفادي النزلق الى الهاوية ,فكان
منهج الحوار والنار تحت سقف واحد ,ولمزيد من التفصيل
لبد ّ من التعّرف على الوضع العام في الجزائر عشّية استلم
اليامين زروال مهامه كرئيس للدولة الجزائرية .
133
الصقور والحمائم ,وبين مراكز القوة في دوائر القرار قد
بلغ أوجه ,وكان الصقور داخل المؤسسة العسكرية يوفّرون
الغطاء السياسي لكل دعاة المواجهة والستئصال ان في
الحكومة وعلى رأسها رئيسها رضا مالك ,وان في الطبقة
السياسية والمنظومة العلمية الفرانكفونية على وجه
التحديد .
ما الجنرال اليامين زروال العائد الى السلطة بعد طول أ ّ
وح تارة بالنار وتارة تقاعد فقد أحتار من أين يبدأ ,فهو يل ّ
بالحوار ,وكان ينتظر أن ينتهي رئيس حكومته رضا مالك
من التفاوض مع صندوق النقد الدولي ليقوم بتنحيته ,
ن اليامين زروال مع مت تنحية رضا مالك ليقال أ ّ وبالفعل ت ّ
دي الول الذي واجه الحوار والمصالحة الوطنية .وكان التح ّ
اليامين زروال هو في كيفية القضاء على مراكز القوة
ل تصعيد حكومة وتوحيد الخطاب السياسي ,خصوصا في ظ ّ
رضا مالك من لهجة خطابها ضد ّ التيارات السلمية ,
وأستمّر في توفير الغطاء السياسي لمثال الدكتور سعيد
سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية الذي
كان يطالب بتسليح منطقة القبائل لمواجهة الجماعات
ن وزير الداخلية في حكومة رضا السلمية المسلحة .كما أ ّ
مالك العقيد سليم سعدي كان يدعو الى استدعاء احتياطي
الجيش الجزائري لمواجهة الحركات الصولية المسلحة ,
ن هناك من أوعز الى الصحافة وفوق هذا وذاك فا ّ
ن حرب على زروال ,وأشاع حلفاء رضا الفرانكفونية بش ّ
ن زروال مجّرد بيدق في اللعبة الجزائرية ,وأّنه ل مالك بأ ّ
يملك فعل أي شيئ تجاه الصقور الذين وضعوه أمام المر
ن الجمعيات النسوية التابعة الواقع ,وفوق هذا وذاك فا ّ
لتحالف البربر واليسار والفرانكفونية خرجت في تظاهرة
الى الشوارع في الجزائر العاصمة وأخذت تردد ّ شعارات
من قبيل :زروال ل تخلع السروال .أي اّياك أن تتخلى عن
رجولتك وتتحاور مع الصوليين .
134
ن اللواء اليامين زروال كان يتعامل مع هذه ويبدو أ ّ
المناورات بكثير من الصمت ,ومعروف عن زروال أّنه كثيرا
ما كان يتخذ قراراته بعيدا عن الضجيج العلمي ,وقبل
توجهه للعاصمة التونسية للمشاركة في أعمال القمة
ل بمقداد سيفي وزير التجهيز في حكومة المغاربية ,اتص ّ
رضا مالك وأمره بالتهيؤ لستلم رئاسة الحكومة خلفا لرضا
مالك الذي كان يتوّقع أن يدعمه الصقور الى النهاية أو أقل
ريثما ينتهي من تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي ,ال ّ أ ّ
ن
الزمة الجزائرية مثلما أزهقت أرواح عشرات اللف من
الجزائريين ,فقد أجهزت على العديد من كباش المحرقة
والفداء ,وهذه من قواعد السياسة خصوصا في عالمنا
العربي !
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
ولد مقداد سيفي في عام 1940في ولية تبسة الواقعة
على الحدود الجزائرية – التونسية ,ويحمل اجازة في
م أكمل تعليمه في فرنسا حيث الفيزياء من جامعة الجزائر ث ّ
حصل على شهادة في الهندسة اللكتروميكانيكية ,وفور
م شغل مناصب عودته من الجزائر عمل في شركة الغاز ث ّ
في وزارة الصناعة الى أن عيّنه بلعيد عبد السلم رئيس
الحكومة السبق وزيرا للتجهيزات والشغال العمومّية ,
ن رضا مالك رئيسا ي في نفس المنصب عندما عي ّ وبق ّ
للحكومة خلفا لبلعيد عبد السلم .
ومقداد سيفي رجل تكنوقراطي ,وعرف عنه أّنه رجل حوار
ل حكومته اختار موال للرئيس اليامين زروال ,وعندما شك ّ
لها تقنيين وتكنوقراطيين ,وأقصى الصقور الذين كانوا في
حكومة رضا مالك كالعقيد سليم سعدي ,وكانت حكومته
على الشكل التالي :
مقداد سيفي رئيسا ,اليامين زروال وزيرا للدفاع مع وجوده
على رأس الدولة الجزائرية ,محمد الصالح دمبري وزيرا
للخارجية ,عبد الرحمان مزيان شريف وزيرا للداخلية ,
135
ومحمد تقّية وزيرا للعدل ,وأحمد بن بيتور وزيرا للخزينة ,
ومراد بن أشنهو وزيرا لعادة التنظيم الصناعي ,وعمر
مخلوفي وزيرا للصناعة الثقيلة ,ومحمد السعيد عّبادو
مار زرهوني وزيرا للتصال , وزيرا للمجاهدين ومحمد بن ع ّ
وأبوبكر بن بوزيد وزيرا منتدبا للجامعات والبحث العلمي ,
ونورالدين بحبوح وزيرا للفلحة ,وشريف الرحماني وزيرا
للتجهيز ,ومحمد مقلوي وزيرا للسكن ,ويحي قيدوم وزيرا
للصحة والسكان ,وسيد علي لبيب وزيرا للشباب
سان العسكري وزيرا للتكوين المهني , والرياضة ,وح ّ
وسليمان الشيخ وزيرا للثقافة ,وساسي العموري وزيرا
للشؤون الدينية ,ومحمد العيشوبي وزيرا للعمل والحماية
لن وزيرا للبريد والمواصلت , الجتماعية ,والطاهر ع ّ
ومحمد أرزقي ايسلي وزيرا للنقل ,وساسي عزيزة وزيرا
للتجارة ورضا حمياني وزيرا مندبا للمؤسسات الصغيرة
والمتوسطة ,ومحمد بن سالم وزيرا للسياحة والصناعات
التقليدية وعلي ابراهيتي وزيرا منتدبا لدى وزير الخزينة ,
ونورالدين قصد علي وزيرا منتدبا للجماعات المحلية ,
طاف كاتب دولة لدى وزير الخارجية ,وليلى وأحمد ع ّ
عسلوي كاتبة دولة لدى رئيس الحكومة مكلّفة بالتضامن
الوطني وشؤون السرة ,وسعيد بوشعير أمينا عاما لدى
الحكومة .
وقد وصفت هذه الحكومة بأنها تكنوقراطية وسوف تضطلع
بالمهام القتصادية ,فيما ستكون مهمة الرئاسة اعادة النظر
في الملفات السياسية والمنية والتي ستكون على غاية من
التعقيد بسبب التراكمات عبر عقود من الزمن !
136
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
النهيار القتصادي :
عندما استلم اللواء اليامين زروال مهام رئاسة الدولة
الجزائرية ,كانت الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا خانقا
للغاية ,فهي لم تعد قادرة ل على تسديد ديونها ول على
توفير الحنطة للشعب الجزائري ,وكانت خزينة الدولة خالية
ن
من العملة الصعبة باعتراف كبار المسؤولين ,كما أ ّ
المؤسسات التي كانت تابعة للقطاع العام كان قد انتابها
الشلل بشكل كامل .فالدولة الجزائرية التي أنهكتها
ن رئيس الوزراء السبق الختلسات – تجدر الشارة الى أ ّ
عبد الحميد البراهيمي كان قد فجّر قنبلة اختلس الرسميين
من عسكريين ومسؤولين سياسيين مبلغ 26مليار دولر
أمريكي – وسوء التخطيط والمديونية والتذبذب بين اقتصاد
جه ,وجدت نفسها في بداية 1994 السوق والقتصاد المو ّ
على حافة الهاوية والفلس .
وبعد انخفاض أسعار النفط حّلت الكارثة بالقتصاد الجزائري
ل صندوق النقد الدولي الفرصة وراح يزيد في ,و قد أستغ ّ
طرح شروطه والتي زادت كلها في تأزيم الوضع الجتماعي,
ن صندوق النقد الدولي ل تعنيه أوضاع الناس على اعتبار أ ّ
مه مصالح الكبار الذين يديرون هذا الجتماعية كثيرا والذي يه ّ
الصندوق من وراء الستار ,ومن الشروط التي طرحها
صندوق النقد الدولي على الجزائر تخفيض قيمة الدينار
بنسبة 50بالمائة وتحرير السعار ورفع الدعم عن المواد
الستهلكية الضرورية والمدعومة من قبل الحكومة
ن هذا الشرط والشروع في خصخصة القطاع العام ,علما أ ّ
ض عشرات اللف من العمال للبطالة والذين الخير عر ّ
انتحر الكثير منهم بسبب الزمة المعيشية .
137
وقد ترافق هذا النهيار القتصادي مع تصعيد أمني خطير
والذي شمل كافة المناطق و في كل وليات القطر
الجزائري .
138
الرئاسة تتحدث عن الحوار ,كانت الجهزة المنية تضرب
بيد من حديد وتتحرك من منطلق الستئصال المر الذي
أوجد تشويشا لدى الشارع الجزائري الذي لم يستسغ فكرة
ب الناس
الجمع بين منطق النار ومنطق الحوار .وقد تعج ّ
اتباع رئيسهم لهذه المسلكية السياسية وهو المعروف عنه
بالصرامة وعدم اللتواء .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
139
ل محّله الجنرال المتقاعد اليامين زروال ,ال ّ أ ّ
ن والذي سيح ّ
ب الخبر ,وأختفى بعد ذلك وزير الداخلية العربي بلخير كذ ّ
اسم اليامين زروال الى أن طرح اسمه مجددا في تموز –
يوليو – 1993كوزير للدفاع هذه المرة خلفا للجنرال خالد
نزار .
ط لنسحابه من وزارة الدفاع والجنرال خالد نزار الذي خط ّ
مع رفقائه في اللعبة الجزائرية كان يعي وكانوا يعون معه
أهمّية تعيين شخص على رأس وزارة الدفاع لم يتوّرط في
النقلب على الشاذلي بن جديد ول في الختلسات التي
مت النوف . زك ّ
ن أنصار الحلول ولم تكن مهمة اليامين زروال سهلة ,ذلك أ ّ
المنية داخل المؤسسة العسكرية ودوائر القرار كانوا
مستعدين لكل الحتمالت .وحتى لما أبعد زروال رئيس
نن المور لم تتغير كثيرا باعتبار أ ّالحكومة رضا مالك فا ّ
الرئاسة الجزائرية كانت قد فقدت صلحياتها منذ زمن بعيد .
ب قادتها عباسي مدني والجبهة السلمية للنقاذ التي رح ّ
وعلي بلحاج بالنوايا الحسنة لزروال كانت تنتظر منه أن
يبادر الى اطلق سراح كافة المعتقلين السياسيين بما في
ذلك جميع قادة الجبهة السلمية للنقاذ المعتقلين ,ورفع
حالة الطوارئ والجراءات الستثنائية,
وكان قادة النقاذ يطالبون زروال بالسماح لهم بعقد اجتماع
م كافة أعضاء مجلس الشورى في جبهة النقاذ سع يض ّ مو ّ
السلمية ,كما طالبوا بأن يسمح لهم اللتقاء بالقادة
الميدانيين للجيش السلمي للنقاذ حتى يتمكّنوا من تقييم
الوضع واتخاذ القرار المناسب
ومن جهته كان زروال يطالب قادة النقاذ باصدار بيان
يدينون فيه العنف العمى التي تشهده الجزائر ,وتشاء
الظروف أن ل تفضي هذه التصالت الى نتائج ملموسة
ن الطابور الخامس من قلب الطاولة مجددا ,وعاد وتمك ّ
زروال مجددا الى منطق النار وسياسة الوعد والوعيد .
140
وكانت هذه العودة الى سياسة العصا الفولذية تعكس في
الواقع التجاذبات بين مراكز القوة ولو كانت هذه المراكز
متوافقة على سياسة المصالحة والحوار لنجح الحوار ,لكن
كثيرا ماكان الصقور يعتبرون الحوار مجرد مناورة في
محطة سياسية معينة ,وساعة يتم النتقال الى المحطة
الخرى تترك مناورة الحوار جانبا .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
141
اليامين زروال ليكون مستشارا له وأحد أقرب المقربين اليه
.
وتتهم مراكز القوة في الجزائر محمد بتشين بأّنه كان يتطلع
ن زروال كان يمّهد له الطريق ليكون خلفا له , للرئاسة وأ ّ
وكان على رأس المعارضين للجنرال محمد بتشين الجنرال
ن
محمد العماري وحلفاؤه في المؤسسة العسكرية .ول ّ
الصقور كانوا يلجأون الى الصحافة الفرانكفونية لتصفية
حساباتهم فقد شّنت هذه الخيرة حملة على اللواء محمد
بتشين وفتحت العديد من ملفاته المالية وحتى المنية ,
وجاء هذا الصراع الخفي بين مراكز القوة قبل فترة وجيزة
من انتهاء ولية الرئيس اليامين زروال ,حيث كان الرئيس
الجزائري قد فاجأ الجميع في 11أيول –سبتمبر –1998
بأّنه سيختصر وليته الرئاسية التي كان يفترض أن تنتهي في
سنة , 2000وأعلن أيضا أّنه سيجري انتخابات رئاسية
مبكرة .
ووسط الستعداد للستحقاق المقبل فتح ملف محمد بتشين
الذي نجح في بسط نفوذه على التجمع الوطني
الديموقراطي ونجح في فتح قناة تفاوض مع الجبهة
السلمية للنقاذ ,وكانت الصحف الفرانكفونية تسميه
ل قدراته المنية وعلقته السلمي المتحّفظ ,وحتى ل يستغ ّ
القوية بزروال ليكون الرئيس المقبل ,بادر الخرون في
المعسكر الفرانكفوني الى تحريك لعبتهم والتي سرعان ما
ي اليامين
م محمد بتشين استقالته ,حيث بق ّنجحت وقد ّ
زروال وحيدا رغم أّنه عمل المستحيل حتى يبقيه جانبه ولما
كن من مواجهة المعسكر الخر قبل استقالة لم يتم ّ
مستشاره على مضض ونسب الى زروال قوله لمحمد
بتشين :يا محمد جئنا سوّية ونذهب سوّية ..
و كانت العاصفة الكبرى التي أطاحت بمحمد بتشين
وأجبرت زروال على قبول استقالته هي شهادات قدمها
ضابط المخابرات السابق هشام عّبود الذي كان مدير مكتب
142
محمد بتشين عندما كان هذا الخير مديرا للمخابرات
العسكرية ,ويقيم عّبود حالّيا في العاصمة الفرنسية باريس
وقد نشرت شهادته جريدة الوطن الفرانكفونية وجريدة
ن بتشينالخبر الناطقة باللغة العربية وجاء في الشهادة أ ّ
قام شخصّيا بتعذيب سياسيين جزائريين في ثكنة سيدي
فرج بالشتراك مع المدعو قدور لحول صهر الرئيس
الشاذلي بن جديد ووالي ولية مدينة تيبازة في ذلك الوقت ,
ن بتشين جمع ثروات هائلة وحصل على وجاء في الشهادة أ ّ
فيلت فخمة مملوكة للدولة الجزائرية ,والخطر من ذلك
ن رجالت من السلطة قاموا ن هذا الضابط اعترف أ ّ فا ّ
بتصفية خصومهم واتهام اسلميين مسلحين بقتلهم .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
143
ل خارج اللعبة السياسية منذ وفاة هواري بومدين وتشاء ظ ّ
الظروف أن يعود الى الواجهة من خلل انتخابات رئاسية
كان فيها المرشح الوحيد بعد انسحاب منافسيه الستة الذين
ن بوتفليقة هو رجل العسكر بل منازع …أكدّوا أ ّ
144
م المهام للرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة ,ال ّ بعد أن سل ّ
ن عهده كان عهد المجازر ن الكل في الجزائر يجمع على أ ّ أ ّ
والمذابح الجماعية التي لم تعرف لها الجزائر مثيل ,وحتى
الهدنة التي كان قد أعلنها الجيش السلمي للنقاذ من
ل أن يتولى طرف واحد لم يعمل على استثمارها بل فض ّ
ن
ن كل المور كانت مرتّبة وأ ّ الملف من يأتي بعده ويبدو أ ّ
فكرة النتخابات كانت لزركشة الديكور .
م أكثرمن وبمجّرد العلن عن فتح باب الترشح للرئاسة قد ّ
ث فيها لحقا 28مرشحا ملفاتهم الى الدوائر المعنية ليب ّ
المجلس الدستوري الذي كان يملك صلحية تحديد ما اذا
كان هذا المرشح للنتخابات الرئاسية أو ذاك يستوفي
الشروط أو ل .
ومن الذين أقصاهم المجلس الدستوري عن النتخابات ولم
يقبل ترشيحه الشيخ محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع
السلم – حمس -التي كانت تحمل اسم حركة المجتمع
دل في عهد السلمي –حماس -قبل اقرار الدستور المع ّ
اليامين زروال ,هذا الدستور الذي منع قيام أحزاب على
أساس ديني أو عرقي أو لغوي ,والسبب الذي جعل
شح محفوظ نحناح هو كونه لم المجلس الدستوري يرفض تر ّ
شحيشارك في الثورة الجزائرية ,وكان من شروط تر ّ
شح قد شارك الشخص للنتخابات الرئاسية أن يكون المر ّ
ج محفوظ نحناح في ثورة التحرير الجزائرية .وقد احت ّ
وحركته على قرار المجلس الدستوري و حاول التأكيد على
ن لديه شهادات بهذا أّنه شارك في حرب التحرير وأ ّ
ن المجلس الدستوري كان مصّرا على الخصوص ,ال ّ أ ّ
ن نحناح لم يتوقف قراره ووجد نحناح نفسه خارج اللعبة ,لك ّ
شح السلطة عبد العزيز بوتفليقة . عند هذا بل راح يدعم مر ّ
وبعد فرز كامل للملفات من قبل المجلس الدستوري أصدر
هذا الخير قراره بشأن من يحق لهم الترشح و مزاولة
145
م التالية
الحملة النتخابّية في وقتها و كانت القائمة تض ّ
أسماؤهم :
-1عبد العزيز بوتفليقة .
-2أحمد طالب البراهيمي .
-3مولود حمروش .
-4عبد الله جاب الله .
-5حسين أيت أحمد .
-6مقداد سيفي .
-7يوسف الخطيب .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
146
الى منافسة سياسية سليمة ,وحثت المرشحين السبعة
على تفادي استعمال اللغات الجنبية أو تقديم برنامج غير
م ايداعه لدى مصالح وزارة الداخلية . البرنامج الذي ت ّ
وكان لفتا أثناء الحملة النتخابية وقوف كافة الجمعيات
والحزاب والمؤسسات القريبة من السلطة أو التي تسبح
في فلكها الى جانب عبد العزيز بوتفليقة المر الذي أثار
حفيظة المرشحين الباقين والذين اتهموا السلطة بأنّها
وضعت ثقلها كل ثقلها لنجاح عبد العزيز بوتفليقة في
النتخابات الرئاسية المقبلة ..
ورغم هذه المخاوف استمّرت الحملة النتخابية ساخنة
فاتحة كل ملفات الفتنة الجزائرية وأليات معالجتها ,وقد
ي صفحة الماضي أجمع كل المرشحين على ضرورة ط ّ
وتكريس مشروع المصالحة الوطنية ,ووعد أحمد طالب
البراهيمي باطلق سراح قادة الجبهة السلمية للنقاذ
والسماح لهم بمعاودة العمل السياسي ,ونفس الوعد تبّناه
ن مثل هذا الطرح من شأنه أن عبد الله جاب الله علما أ ّ
يغضب العسكر الذين يملكون وحدهم منح تأشيرة المرور
باتجاه قصر المرادية – قصر الرئاسة الجزائرية . -
ما المرشح القبائلي حسين أيت أحمد فقد طالب السلطة أ ّ
الجزائرية باستحضار مراقبين دوليين لمراقبة النتخابات
درءا للشبهات و لقطع الطريق عن تزوير هذه النتخابات
ن هناك ل على أ ّ ن هناك جو عام بدأ يتبلور ويد ّ خصوصا و أ ّ
لعبة في الفق .
وكان رد ّ السلطة على حسين أيت أحمد بأّنه ل داعي
للمراقبين الدوليين مادامت الحكومة قد شكّلت مايسمى
بلجنة مراقبة النتخابات وعهدت رئاستها الى القاضي
الجزائري الدولي محمد بجاوي أحد أعضاء محكمة لهاي
الدولية .
وف من التلعب في أصوات وكانت الطبقة السياسية تتخ ّ
در عددها بمليوني الجالّية الجزائرية في الخارج والذي يق ّ
147
صوت ,حيث بقيت الصناديق النتخابية ثلثة اّيام في مّقار
القنصليات الجزائرية في الخارج قبل فرزها ,وكذلك المر
بالنسبة لصوات الجنود و رجال المن والعاملين في هذه
الدوائر .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
148
وكان الرئيس اليامين زروال رفض استقبال المنسحبين من
ده أّنه لن يكون في وسعه النتخابات الرئاسية لعلمه بل لتأك ّ
ن السيناريو المرسوم يجب أن يأخذ أن يفعل شيئا لهم ل ّ
م المنسحبون الرئيس مجراه الى الخير ,وبناءا عليه اته ّ
زروال ورئيس هيئة الركان محمد العماري بعدم احترام
تعهداتهم باجراء انتخابات نزيهة .
م
ما عبد العزيز بوتفليقة الذي كان أكبر المحرجين فقد تهج ّ أ ّ
على المنسحبين وأعتبرهم خارجين عن القانون وخصوصا
عندما توالت تصريحات المنسحبين ضد ّ عبد العزيز
بوتفليقة ,فيوسف الخطيب أحد المرشحين المنسحبين كان
يعتبر بوتفليقة مرشح العسكر ,ووقف ضد ّ اختيار قيادة
الجيش لبوتفليقة ليكون رئيسا للجزائر عام 1994خلفا
للمجلس العلى للدولة .
وقد أصدر المنسحبون الستة من النتخابات الرئاسية وهم :
مولود حمروش وأحمد طالب البراهيمي و عبد الله جاب
الله ويوسف الخطيب وحسين أيت أحمد ومقداد سيفي بيانا
جاء فيه :بعد تجاهل رئاسة الجمهورية لمسعانا المشترك
الوارد في بيان 13أبريل نسجل :
-1نسجل اصرار السلطة على نكران حقّ المواطنين
والمواطنات في تقرير مصيرهم واختيار رئيسهم
وتحملها المسؤولية المترتبة عن ذلك .
ن اللتزامات التي تعهد ّ بها كل من رئيس -2نؤ ّ
كد أ ّ
الجمهورية وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي
سدلضمان تنظيم انتخابات حّرة وشفافة لم تج ّ
ميدانيا .
-3نقرّر انسحابنا الجماعي من النتخابات الرئاسية
الجارية وعدم العتراف بشرعية نتائجها وندعو ممثلينا
الى النسحاب من مكاتب ومراكز التصويت وجميع
لجان المراقبة في كل المستويات .
149
-4نقرّر الستمرار في تجنيد وتعبئة حركة المواطنين
والمواطنات لفرض احترام حقهم في القرار والختيار
الحر .
-5نقرّر استمرار العمل التنسيقي فيما بيننا لمواجهة
كل المستجدات .
150
باسم حزب السلطة الى جانب عبد العزيز بوتفليقة وقد
ث بن بعيبش عن ضغوط من قادة الجيش للوقوف مع تحد ّ
عبد العزيز بوتفليقة ,وكانت النتيجة الطاحة به وتعيين
أحمد أويحي على رأس التجمع الوطني الديموقراطي ,
ن الحزب الديموقراطي الوطني الذي وتجدر الشارة الى أ ّ
خلقته السلطة ليكون بديل عن الجبهة السلمية للنقاذ
وحزب جبهة التحرير الوطني يحتل 156مقعدا في البرلمان
والذي هو من أصل 380مقعدا ,كما يحتل معظم المقاعد
ن التعليمات صدرت الوزارية .وبالضافة الى هذا الحزب فا ّ
الى الجنود والعاملين في الجهزة المنية باختيار بوتفليقة ,
واستطاع بوتفليقة أن يجمع تحت مظلته كل المتناقضات
من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة التي نجحت السلطة
س حركةفي الطاحة بزعيمها عبد الله جاب الله الذي أس ّ
مال الجزائريين و جمعية الصلح الوطني ,والتحاد العام للع ّ
عائلت ضحايا الرهاب و الجمعيات التجارية .
وكان بوتفليقة عندما يتوجه الى ولية معينة في سياق حملته
طل ليتسنى للجميع النتخابية كانت الدوائر الرسمية تع ّ
حضور مهرجانه الخطابي وهذا ما لم يحدث مع أيّ من
المرشحين الباقين .وحتى وسائل العلم العمومية المرئية
والمسموعة والمكتوبة وقفت وقفة غير طبيعية مع عبد
العزيز بوتفليقة ,وكل هذه المؤشرات وغيرها كشفت عن
وجود لعبة مدروسة ودقيقة والهدف منها ايصال بوتفليقة
الى قصر المرادية .
ووسط هذه الجواء المفعمة بالشكوك انطلقت النتخابات
الرئاسية يوم الخميس 15نيسان – أبريل – , 1999وكان
مون الى المؤسسة العسكرية والجهزة المنية المنض ّ
وسكان المناطق الصحراوية النائية قد أدلوا بأصواتهم قبل
ثلثة أيام من التاريخ المذكور .ولم تتأخر وزارة الداخلية في
العلن عن نتائج النتخابات كما لم يتأخر المجلس
151
الدستوري في القرار بنزاهتها وقد جاءت على الشكل
التالي :
7.442.139صوتا أي 73.79 -1عبد العزيز بوتفليقة
بالمائة من الصوات المعّبر عنها .
-2أحمد طالب البراهيمي 1.264.094صوتا أي 12,53
بالمائة من الصوات المعّبر عنها .
-3عبد الله جاب الله 398.416صوتا أي 3.95بالمائة من
الصوات .
-4حسين أيت أحمد 319,523صوتا أي 3.17بالمائة
من الصوات .
-6مولود حمروش 311.908صوتا أي 3.09بالمائة
من الصوات .
-7مقداد سيفي 122.826صوتا أي 1.22بالمائة
من الصوات .
-8يوسف الخطيب 122.826صوتا أي 1.22
بالمائة من الصوات .
152
التظاهر وقطعت كل الطرق التي كان المتظاهرون ينوون
التجمهر فيه .
ورغم ذلك لم يتأخر عبد العزيز بوتفليقة في استلم مهامه
التي بدأت باجراء مراسيم تسليم وتسّلم من زروال في
قصر الشعب ودام اللقاء بين زروال وبوتفليقة عشرين
دقيقة ,وأعقبها بعد ذلك أداء القسم الدستوري في قصر
المم بحضور وطني ودولي مكّثف ,وفي أثنائها ألقى
م باعادة
الرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة خطابا اتس ّ
خر
ن الدولة الجزائرية مازالت قائمة وسوف تس ّ التذكير أ ّ
هذه الدولة كل ماتملكه من وسائل لدحر العنف وقطع دابره
والقتصاص من مسببيه طبقا لقوانين الجمهورية أو كما قال
الرئيس الجديد .
وركّز في خطابه على أمرين بالغي الهمية وهما المن
وكيفية تحقيقه والقتصاد الجزائري وكيفية انعاشه .
ن السلطة التي أرادت أن تصنع من عبد العزيز بوتفليقة لك ّ
ل الضروري للجزائر لم تستطع أن تقرن الرجل المنقذ و الح ّ
الفعل بالقول ,وبدأ بوتفليقة يتنصل من كثير من وعوده
وأقواله أيضا .
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
153
العالمية الجديدة التي بدأت تتسم ببدايات زوال الحرب
ن بوتفليقة كان يشعر أّنه أخذ حّقه وزيادةالباردة ,ويبدو أ ّ
من المسؤولية ,ومعروف أّنه قال غداة فوزه في النتخابات
الرئاسية :كنت أصغر ضابط في جيش التحرير الوطني ,
وأصغر وزير خارجية في العالم ورأست الجمعية العامة
للمم المتحدة وأقمت علقات مع عظماء العالم .
وبعد وفاة هواري بومدين فتح ملف عبد العزيز بوتفليقة
المالي فأختار مغادرة الجزائر الى بعض الدول الخليجية
على المكوث في الجزائر ومواجهة المجهول ,ولّنه أثر
ل ملفه مغلقا تفتح صفحة منه أو صفحتان الصمت فقد ظ ّ
بين الحين والخر دون فتح السجلت كلها بالتفاصيل .
وبعد خريف الغضب تشرين الول – أكتوبر – 1988عاد الى
ي
الجزائر ووقعّ مع بعض السياسيين الجزائريين بيانا دع ّ
ببيان السبعة عشر وفيه طالب هؤلء السياسيون الشاذلي
بن جديد بفتح الباب أمام الديموقراطية ولو بشكل محدود ,
وفي سنة 1994عرضت عليه المؤسسة العسكرية رئاسة
الدولة فأدىّ الختلف بين بوتفليقة وبعض الجنرالت الى
اقصائه منها وتعيين الجنرال اليامين زروال رئيسا للدولة .
وبعد 15نيسان – أبريل – 1999وجد نفسه رئيسا بنفس
شروط المؤسسة العسكرية ولكن بسيناريو مختلف غير
الذي كان مقررا في سنة … 1994
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
عبد العزيز بوتفليقة و المؤسسة
العسكرية
154
المعادلة التي نصها أن الجيش في الجزائر هو النظام
السياسي والنظام السياسي هو الجيش .و هذه المعادلة
كانت وراء عدم قيام مؤسسات فعلية وحقيقية تمارس لعبة
الحكم من خلل قواعد ديموقراطية ,بل ان غياب
المؤسسات الدستورية الحقيقية أدى الى تضخم دور
المؤسسة العسكرية والتي كبرت على حساب المؤسسات
الخرى ,وترامت أطرافها في الحياة السياسية والقتصادية
و الجتماعية و المنية و من رحم هذه المؤسسة خرج كافة
صناع القرار الذين كانوا في الواجهة وكان وجودهم في
قصر المرادية -قصر الرئاسة الجزائرية –هو في الواقع
امتداد لقوة المؤسسة العسكرية.
ولم تتمتع مؤسسة الرئاسة في يوم من اليام بدورها
الحقيقي بل كانت أشبه بسلطة تنفيذية لما تراه المؤسسة
العسكرية صوابا و صحيحا وما هو من مقتضيات مصلحة
الدولة التي باتت هي الخرى في شكل من الشكال مصالح
لكبار الضباط شبكوا بين ما هو سياسي و اقتصادي وأمني
و عسكري ,وكلما كبر دورهم العسكري انعكس ذلك طرديا
على دورهم السياسي و القتصادي وتوابع كل ذلك.
و هذا المتداد الواسع والكبير للمؤسسة العسكرية جعل كل
الرؤساء في الجزائر من أحمد بن بلة و الى عبد العزيز
بوتفليقة في حرج شديد ,و بدءا من أحمد بن بلة ,فهواري
بومدين ثم الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف والى علي
كافي واليامين زروال,فكلهم خرجوا من الرئاسة بطريقة
دراماتيكية و مأساوية أحيانا.
و اذا كان الفصل المتعلق بالرؤساء السابقين قد بات
مكشوفا ,فان ما يمكن الحديث عنه هو حقيقة العلقة بين
المؤسسة العسكرية وعبد العزيز بوتفليقة.
ويأخذ بعض المتنفذين في المؤسسة العسكرية على عبد
العزيز بوتفليقة سعيه لتكبير دور الرئاسة و اعطائه اياها
الدور الدستوري و ارجاع زمام المبادرة اليها وذلك من خلل
155
اتخاذ المبادرات والقرارات .وحسب المراقبين في العاصمة
الجزائرية فان بوتفليقة الذي بدأ متحمسا اكثر مما ينبغي و
مدفوعا الى ابعد الحدود بدأ يفرمل الن ,بحيث تبخرت
العديد من الحلم والوعود الجميلة.
و من الخطوط الحمراء التي أعاد المتنفذون في المؤسسة
العسكرية طرحها و التذكير بها ضرورة ضبط العلقة مع
المغرب و عدم الذهاب بعيدا مع الملك محمد السادس و
ارجاع المور الى ماكانت عليه ايام التدهور الديبلوماسي ,
وقد فضل بوتفليقة فرملة مسعاه على اعادة المياه الى
مجاريها بين الجزائر والرباط .
كما ان موضوع حالة الطواريء واطلق سراح قادة النقاذ
مازال بيد المؤسسة العسكرية ,و الشكال ان بوتفليقة وضع
على المحك ,فبدون هذه المواضيع ليمكن لبوتفليقة ان
يتقدم الى المام .
وقد تجلى الخلف بين المؤسسة العسكرية و مؤسسة
الرئاسة قبل تشكيل الحكومة الخيرة حيث كان لبعض
الضباط وجهة نظر مغايرة لوجهة بوتفليقة.
والعواصم الغربية التي ترصد الحدث الجزائري بمجهر خاص
و تحديدا واشنطن وباريس تتوقع بروز احتمالت من هذا
القبيل ,وقد فهمت مصادر جزائرية من قيام السطول
السادس المريكي الى الجزائر انه يندرج في سياق الدعم
المريكي الخفي لبوتفليقة ,رغم ان الرئيس المريكي رفض
استقبال الرئيس الجزائري على هامش اعمال الجمعية
العامة للمم المتحدة وكان البيت البيض يفضل التريث
لمعرفة صيرورة الوضاع في الجزائر قبل ان يستقبل
بوتفليقة في البيت البيض.
و ل تستبعد بعض الدوائر الغربية حدوث اصطدام بين
الرئاسة و المؤسسة العسكرية خصوصا بعد توزيع مناشير
سرية تهاجم الرئيس المغربي أي عبد العزيز بوتفليقة وذلك
في اشارة على انه ولد في مدينة وجدة المغربية ,و يتخوف
156
البعض من انطلق حملة تشهير ضد بوتفليقة و تستهدف
الملف المالي لعبد العزيز بوتفليقة,حيث سبق لمجلس
المحاسبة الذي تشكل في عهد الشاذلي بن جديد ان جمع
ملفا يتعلق بالملف المالي لبوتفليقة وتحويله اموال الدولة
لصالحه عندما كان وزيرا للخارجية ,وجاء في الملف ان
جزءا من ميزانيات السفارات الجزائرية في الخارج كان
يحول لحساب بوتفليقة في سويسرا.
ويبدو بوتفليقة محتارا بين الرضوخ للمؤسسة العسكرية
بالكامل و تنفيذ ما وعد به الشعب الجزائري ,ويخشى
البعض ان يؤدي تطور الخلف بين المؤسستين ان ليكمل
بوتفليقة وليته الرئاسية وهو على الدوام يهدد بالنسحاب.
ومن جهته الشعب الجزائري الذي يتابع بصمت فصول هذه
المعركة الدائمة والمستديمة والصامتة ايضا بين المؤسسة
العسكرية و الرئاسة فيرى ان بوتفليقة روضته كواليس
السياسة ونقطة قوته جملة امور منها معرفته التفصيلية
والدقيقة بطريقة تفكير العسكر ولعبة التوازنات داخل
المؤسسة العسكرية ,وتعويله على رصيده من العلقات
م
الدولية ,و تفه ّ
الجزائريين له ولما يدور وراء الستار والكواليس .ولكن
ن كل هذا ل يكفي وبتعبير أحد العارفين بالبيت الجزائري فا ّ
اطلقا في تحصين موقع الرئيس لن الرئيس في الجزائر ل
يملك مواقع القوة و قوته الوحيدة في الدستور وهذا الخير
هو مجرد كتاب جميل سطرت فيه قوانين الدولة النظرية
التي بينها وبين الواقع بون شاسع.
والسلح الوحيد الذي بدأ يلجأ اليه بوتفليقة هو الصمت
ومحاولة التكتم على ماينوي فعله حتى ل يصبح مكشوفا و
بالتالي يسهل فهم خطواته و من تم النقضاض عليه ,وقد
تلقى عبد العزيز بوتفليقة في المدة الخيرة رسالة شفهية
من قبل بعض المتنفذين في المؤسسة العسكرية مفادها ان
157
ل أحد يعلو على المؤسسة السيدة و مثلما صنعت هذه
المؤسسة
بوتفليقة فهي قادرة على قلب الطاولة بما في ذلك اوراق
اللعبة من أساسها .
وصراع الضداد هذا بين مؤسسة الرئاسة و مؤسسة
العسكر اذا تفاقم سيبدد المال التي عقدت على قانون
الوئام المدني ,و يتخوف البعض أن يؤدي صراع الضداد الى
معاودة دعاة العنف من الطرفين مناوراتهم و عنفهم أيضا.
و يرى العارفون بالبيت الجزائري ان الصراع هذه المرة بين
مؤسسة الرئاسة و مؤسسة العسكر ليس هينا و يختلف عن
اشكال الصراع السابقة و ذلك لسباب عدة اهمها ؛
ن لعبة العسكر قد باتت مكشوفة و أي محاولة لغراق – 1ا ّ
السفينة هذه المرة ستكون لغير صالحهم.
-2يملك بوتفليقة أكثر من ورقة للمناورة و قد يكون أخر
سياسي يدخل في لعبة العسكر حيث قد يصعب أن يجد
العسكر لعبا سياسيا أخر.
ن فشل أي مسعى سياسي سيحرق هذه المرة -3ا ّ
الخضر واليابس و قد يحصد هذا الفشل رؤوس الجميع.
-4من خلل تحركاته في الخارج أراد بوتفليقة التأسيس
لمعادلة مفادها ) اتغذى بكم قبل ان تتعشوا بي( أي اعادة
تعويم الجزائر دوليا لن ذلك يعني ايضا اعادة تعويم بوتفليقة
وهذه ورقة لصالحه ضد العسكر .
ويبقى القول ان نجاح المسعى السياسي الجزائري رهن
بعودة المؤسسة العسكرية الى دورها الطبيعي وممارسة
وظيفتها الدستورية وذلك عبر تخليها الكامل عن اقحام
أصابعها في مجريات اللعبة السياسية ,وبدون ذلك ستراوح
الجزائر مكانها و لن يستفيد من هذا الوضع ال اعداء الجزائر
!
158
الفهرس :
الجزائر لمحة تاريخية ___________________
أحمد بن بلة الثائر الناصري _____________
معالم الدولة الجزائرية في عهد أحمد بن بّلة ________
علقات الجزائر الدولية والسقوط_____________
أراء بن بلة في مختلف القضايا ______________
هواري بومدين رجل الثورة والدولة ___________
من يكون هواري بومدين ________________
سياسة بومدين الداخلية _________________
معركة التعريب _____________________
علقات الجزائر الدولية _________________
بداية النهيار_______________________
الشاذلي بن جديد البراغماتي الصلحي_________
بروز التّيار السلمي __________________
مطالب البربر_______________________
الزمة القتصادية ____________________
محمد بوضياف المنفي العائد ______________
الستقل وبداية الكارثة ________________
الجزائر من الحادية والى التعددية ___________
شغور الدولة ______________________
عودة محمد بوضياف __________________
مشكلة الشرعية في الجزائر _______________
المافيا الجزائرية______________________
الرجل الذي حكم 166يوما _____________
شريط اغتيال بوضياف_________________
تناقضات واختلفات __________________
159
نننن ننننننن _____________________
تشريح مؤامرة _____________________
علي كافي العقيد الديبلوماسي _____________
اليامين زروال رجل الحوار والنار____________
وضع الدولة ______________________
النهيار القتصادي وتدهورالوضع المني ________
عبد العزيز بوتفليقة رجل الملفات والمناورات ______
شح القوياء _____________________ مر ّ
عبد العزيز بوتفليقة والمؤسسة العسكرية ________
160
161
162
163