Professional Documents
Culture Documents
حيم ِ
ن الّر ِ
م ِ
سم ِ الله الّرح َ
بِ ْ
حسنى .والسم اليوم ؛ مع الدرس الستين من دروس أسماء الله ال ُ
م من أسماء هو اسم العلي ،فالعلي كما ورد في الحديث الصحيح ،اس ٌ
حسنى ،وهو مشتق من العلو ،ويقابل العلو السفل ،علوي وسفلي الله ال ُ
،والعلو من الرتفاع .
والعلو بالمعنى المجازي ارتفاع المنزلة .ارتفاع المكان ،أو ارتفاع
المنزلة ،قد تجد في دائرة عشرة طوابق ،الموظفون في كل الطوابق ،
ة هو أعلى من هؤلء وقد يكون المدير العام في الطابق الول ،لكنه منزل ً
جميعا ً .فإما علو مكاني ،وإما علو ُرت َِبي .والعلي من أسماء التنزيه ،
يعني الله جل جلله ،تعالى عن كل صفة ل تليق به ،تعالى عن أن يشبه
خلقه ،تعالى عن كل ما خطر ببالك ؛ فالله بخلف ذلك .
صوُر صفاُته .يعني ل ك ذاُته ،ول ت ُت َ َ والعلي ؛ هو الذي عل فل ُتدَر ُ
درك ذاُته ،ول ت َُتصوُر صفاُته .العلي ؛ ه ،عل ،بحيث ل ت ُ َ ه إل الل ُ
يعرف الل َ
ب في جلله .العلي ؛هو الذي عجزت العقول عن أن هو الذي تاهت اللبا ُ
ي
ي ؛ عل ّ تدرك كماله .كل هذه المعاني يمكن أن ترد حينما تقول :الله عل ّ
ي أن أحدا ً لن يدرك ذاَته ،ولن يحيط ي عزةً ،عل ّ ي تنزيها ً عل ّة ،عل ّ مكان ً
بصفاته.
والعلي ؛ رفيع القدر ،الله سبحانه وتعالى قال عن ذاته :إنه هو
ير ول تنسوا أيها الخوة :أن معرفة أسماء الله ي كب العلي الكبير عل ُ
ً
حسنى من أهم موضوعات العقيدة ،ل يكفي أن تؤمن بالله خالقا ، ال ُ
ن الله سبحانه فضلى ،ل ّ حسنى ،وصفاته ال ُ ينبغي أن تعرف أسماءه ال ُ
وتعالى يقول :
)سورة العراف(
)سورة الحشر(
2
)سورة الحشر(
هذه آيات في القرآن الكريم ،يعني أن تعرف أسماء الله ،أن تعرف
مضامين السماء ،مدلولت السماء ،مؤدى هذه السماء ،هذا جزء من
عقيدتك الساسية وهو العلي العظيم ،اليهود ماذا قالوا ؟
)سورة المائدة(
)سورة آل عمران(
3
)سورة سبأ(
قد يسأل سائل ،يعني على مستوى البشر ،ل ينبغي للنسان أن
يتحدث عن نفسه ،لن النسان في الصل ضعيف ،وفقير ،وجاهل .
والنسان مفتقر إلى الله عز وجل ،لكن الله جل جلله ،حينما يحدثنا عن
ذاته ،وعن علوه ،وعن كبريائه ،وعن قهره ،وعن جبروته ،من أجل أن
نحبه ،وأن نرهبه ..نرهبه فنطيعه ،نحبه فنقبل عليه ،ورد في الثار
القدسية " :قال :يا رب ،أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ،قال :
أحب عبادي إلي ؛ تقي القلب ،نقي اليدين ،ل يمشي إلى أحد بسوء ،
أحبني وأحب من أحبني ،وحببني إلى خلقي " .
ً ً
من علمة محبتك لله ؛ أن تحب المؤمنين ،أن تحبهم حبا حقيقيا .من
علمة النفاق ؛ أن تبغض المؤمنين ،قال رسول الله :
عل َي ْـ ِ
ه ص ـّلى الّلهــم َ ه َ ل الل ّـ ِ ســو ُ ل ل ِــي َر ُ قــا َ ل َ قا َ ن َ ما َ سل ْ َن َ ع ْ َ
لســو َ ت ي َــا َر ُ قل ْـ ُ
ل ُ قا َ ك َ رقَ ِدين َ َ فا ِ فت ُ َضِني َ غ ْ ن ل ت ُب ْ ِ ما ُ سل ْ َ م َيا َ سل ّ َ و َ َ
ض ـِني غ ُ َ
ب فت ُب ْ ِ ْ َ َ ّ َ َ ُ َ ّ
ع ـَر َ ض ال َ غ ُ ه قال ت ُب ْ ِ داَنا الل ُ ه َوب ِك َ ضك َ غ ُف أب ْ ِ وكي ْ َ ه َ الل ِ
*
)سنن الترمذي(
من أحب العرب فقد أحبني ،ومن أبغضهم فقد أبغضني ،يعني
البغض ينتقل ،والحب ينتقل .
ي كبير ،ورد في الثر أيها الخوة :وصف الله جل جلله نفسه بأنه عل ّ
القدسي " :قال :يا رب ،أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال:
أحب عبادي إلي تقي القلب ،نقي اليدين ،ل يمشي إلى أحد بسوء ،
أحبني وأحب من أحبني ،وحببني إلى خلقي ،قال :يا رب ،إنك تعلم أني
أحبك ،وأحب من يحبك ،فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال :ذكرهم بآلئي
ونعمائي وبلئي " .
دققوا في هذا :هذه خطة لكل من يدعو إلى الله ،ذكرهم بآلئي من
أجل التعظيم ،وذكرهم بنعمائي من أجل الحب ،وذكرهم ببلئي من أجل
الخوف ،ل بد من أن يجتمع في قلبك تعظيم وحب وخوف .اليات الكونية
من أجل أن تعظمه ،والنعم الظاهرة والباطنة من أجل أن تحبه ،
والمصائب والمراض ،والفقر ،والقهر ،والزلزل ،والبراكين ،من أجل
أن تخافه .لبد من أن ينطوي قلبك على تعظيم وحب وخوف .
يعني من أدعية النبي عليه الصلة والسلم التي كان يدعو بها :
ك واب َ
ي
ض فِ ّ ما ٍ صي َِتي ب ِي َدِ َ
ك َ ك َنا ِ مت ِ َ
نأ َ ن َعَب ْدِ َ َ ْ ُ ك َواب ْ ُ م إ ِّني عَب ْد ُ َ الل ّهُ ّ
سم ٍ هُوَ ل َ َ سأل ُ َ
ك ب ِك ُ ّ َ
ت
مي ْ َ س ّك َ لا ْ كأ ْ ضاؤُ َ ي قَ َ ل فِ ّ ك عَد ْ ٌ م َ حك ْ ُُ
هناك أمراض تردع النسان .يعني من يملك لخلياه أل تنمو نمو
عشوائيا ً ؟ ل يوجد قاعدة .
4
ي
عند ابن -الثير هذا العالم الجليل -أن من أسماء الله تعالى ،العل ّ
ي ؛ هو الذي ليس فوقه شيء في الرتبة والحكم .مهما والمتعالي .والعل ّ
تناهت المور ؛ فالله فوق الجميع في كل صفات الكمال .لذلك قالوا:
الله مطلق .يعني مثل ً ،القاضي أحيانا ً ؛ قد يحكم ألف حكم عادل ،
ويحكم حكما ً واحدا ً غير عادل .هو عندنا قاض عادل ،لكن الله سبحانه
وتعالى ،لو أن مخلوقا ً واحدا ً منذ أن خلق الله الخلق وإلى يوم القيامة
ظلم ،لما كان الله عادل ً مطلقا ً أبدا ً ،قال تعالى :
)سورة الزلزلة(
إذا ً هناك عند ابن الثير العلي ،وهناك المتعالي العلي الذي ليس
موته شيء في المكانة والترقية والحكم .
أما المتعالي :هو الذي جل عن إفك الّفاكين ،وافتراء المفترين ،
ل عن كل هذه وعن توهم المتوهمين ،وعن وصف الجاهلين .الله متعا ٍ
الصفات .
المام الغزالي -رحمه الله تعالى -يرى :أن الله هو العلي المطلق ؛
محيي للعالم ،الخالق لعلوم العلماء ،المنزه المقدس عن جميع فهو ال ُ
أنواع النقص ،هو البالغ غاية العلو في الرتبة ،فل رتبة لغيره إل ّ وهي
وه عل ّوَ جهة ،ول كبُره كبَر جثة :
منحطة عنه ،وليس عل ّ ُ
)سورة السراء(
قال بعض العلماء " :العلي ؛ هو الذي استحق نعوت الجللة والكبرياء
،وبذلك التفسير لم يزل عاليا ً عليا ً ".
أيها الخوة :قبل أن نتابع الموضوع ،النفس البشرية مفطورة على
حب الكمل .راقب نفسك ؛ إن وضعت لك عدة حاجات لتختار أحدها،
تختار أجملها ،تختار أسمنها .لو أن دفترا ً أسطره مائلة ترده .لو أن كتابا ً
ورقاته منثنية ترده .لو أن حاجة فيها نقطة تشويه تبدله .هذه النفس
البشرية .لذلك هذه النفس البشرية ،ل يرويها ول يسكنها ول يملؤها إل
الكمال المطلق .لذلك ؛ المؤمن إذا اتجه إلى الله عز وجل ،سكنت
نفسه .أما غير المؤمن ،لو أن النسان اتجه إلى الدنيا ،فبنى بيتا ً وظن
أنه من أجمل البيوت ،فإذا رأى بيتا ً أجمل صغر هذا في عينه .
والن ؛ تبديل الشكال واللوان واللبسة والمركبات وأنماط البيوت
والحاجات والثاث ،هذا التبديل السنوي ،أو الفصلي ،أو القل من فصلي
،هذا التبديل سببه ؛ أن النسان يحب الكمال .وكلما وصل إلى كمال ،
تاقت نفسه إلى الكمل ،وهو يلهث وراء الكمل طبقا ً المادي إلى أن يأتيه
الجل ،وهو صفر اليدين من بضاعة الخرة ؛ لكنه إذا عرف الله وهو في
الدنيا ؛ فالله سبحانه وتعالى هو الكمال المطلق هو المطلق .
5
أنت إذا كان هناك شخصان ؛ قوي وأقوى ؛ تميل إلى القوى .انظر
في جلسة إذا كان فيها رجلن ؛ الول أعلم من الثاني .أو أقوى منه ،أو
أغنى ،ترى جميع الحاضرين يتجهون إلى القوى ،إلى الغنى ،إلى العلى
،هذه طبيعة النفس البشرية ،ل تحب الكمال فحسب بل تحب الكمل .
يعني تفاحتان ناضجتان ،ذواتا لون أصفر جميل ،واحدة عليها مشحة
حمراء ،قيل لك تفضل تأخذ ذات المشحة الحمراء ،هذه طبيعة النفس
فلذلك يقول بعض العلماء بالنفس :يوجد " فراغ ل يمل هذه الفراغ إل
معرفة الله ،ل يمل هذا القلق إل أن تركن لحفظ الله ".
النسان مهما أخذ الحتياطات ،مهما سد الثغرات ،يمكن أن يفاجأ
من منطقة أمنه .من المنطقة التي أغلقها والتي ضبطها .لكنه إذا توكل
على الله ،كفاه الله كل مؤنة .من توكل على الله كفاه ،اعمل لوجه
ل " :من شغله ذكري عن مسألتي واحد يكفك الوجوه كلها ،يعني مث ً
أعطيته فوق ما أعطي السائلين " .
هؤلء الذين يسعون بكل طاقتهم لمعرفة الله ،لحضور مجالس العلم
،لتعليم الناس الخير ،لخدمة الخلق ،لرعاية المؤمنين ؛ هؤلء تأتيهم
الدنيا وهي راغمة .فلذلك العلي ،هو البالغ الغاية في علو الرتبة ،فل رتبة
لغيره إل وهي منحطة عنه .النسان إذا عرف الله فإنه يتحجم ،يتواضع ،
يعرف أنه ل شيء .أما النسان إذا غفل عن الله يتعاظم ،يتكبر بغير
الحق ،يكبر حجمه بل مبرر ،هو ضعيف -أذكر هذا كثيرا ً لكم -كل الحياة
الدنيا منوطة بسيولة الدم ،فلو أن هذا الدم تجمد في بعض المكنة ،
لنتهت حياة النسان أو لفقد حركته ،أو لفقد بعض حواسه ،أو لفقد بعض
ذاكرته ،فالنسان ل يملك شيئا ً لكن الله مالك الملك .
قال :من علوه ؛ أنه ل يزيده تعظيم العباد له وإجللهم إياه شيئا ً من
علوه وكبريائه .فكرة دقيقة ،أحيانا ً النسان بمستوى محدد ؛ إن في علمه
،أو في ذكائه ،أو في حكمته ،فإذا أثنى عليه الناس جميعا ً ،وكالوا له
المديح جزافا ً ،وعظموه ،ووقروه ارتفع .ارتفع ل لنه مرتفع ،بل لنه
ُرفع .أحيانا ً النسان قد يؤتيه الله حظا ً ،تخدمه به أصحاب العقول ،قال
بعض حكماء الجن " :اللهم آتني حظا ً تخدمني به أصحاب العقول ،ول
تؤتني عقل ً أخدم به أصحاب الحظوظ" .
أحيانا ً النسان يؤتيه الله شيئا ً من القوة ،كل من حوله في خدمته؛
العلماء ،الطباء ،والخبراء ،كلهم في خدمته ،استعان بعقول من حوله ،
وأحيانا ً كل عقلك وذكاؤك ل يقدم لك الشيء الكافي في الحياة الدنيا ،
فأنت عالة على غيرك .فالنسان أحيانا ً له مستوى ،فقد يمدحه المادحون
،يعظمه المعظمون ،يثني عليه الناس ،يبالغون في الثناء ،في المديح ،
في التعظيم ،فيرتفع .هذا الرتفاع مفتعل .يعني ظهر بحجم أكبر من
حجمه .هذا المعنى الذي يجري بين الناس ل يمكن أن ينطبق على الله
عز وجل مهما عظمه الخلق ،مهما أثنوا على كماله ل يزيده تعظيمهم
علوا ً ول كبرياًء هو عظيم .
النسان له حجم ،ولكنه عند الناس بحجم أكبر من حجمه ؛ أحيانا ً في
جم ، بعض الظروف والملبسات والمواقف الحرجة والسئلة والجوبة ُيح ّ
يعني يعود إلى حجمه الحقيقي .
6
هناك قصة طريفة ،ربما لم تكن صحيحة لكن لها مغزى ،أن أحد
العلماء يروى أن أبو حنيفة النعمان جالس في مجلسه ،وكانت رجله
تؤلمه معذور يعني فمدها بين إخوانه -أما النبي عليه الصلة والسلم ما
رؤي في كل حياته مادا ً رجليه قط أبدا ً ،أما إذا إنسان معذور ل مانع أما
بل عذر ل يجوز -فدخل شخص طويل القامة ،عريض المنكبين ،مشرق
الوجه له هيبة ،فأبو حنيفة النعمان استحيى منه ورفع رجله هذا لنه غريب
،فلعله ل يعرف أنه معذور ،جلس في مجلسه ،والدرس كان في الفقه
عن صلة الفجر ،والحديث عن الفجر الكاذب والفجر الصادق ،واختلف
العلماء في وقت الصلة يا ترى في غلس أو بعد أن تتعارف الوجوه إلى
آخره ،فبعد أن انتهى الدرس ،رفع أصبعه هذا الضيف الجليل ،طويل
ما ً يرتدي رداًء مهيبا ً ،قال يا سيدي كيف
القامة ،عريض المنكبين ،معت ّ
نصلي الفجر إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ قال عندئذ يمد أبو حنيفة
رجله .
أحيانا النسان تحس أن له مهابة ،فإذا تكلم كلمة واحدة سقط ، ً
أحيانا ً النسان يصغر بكلمة ،أحيانا ً بسؤال يصغر أيام ينكشف بتصرف
النسان قد يبدو كبيرا ً ثم يحجم ،يقول لك سقط من عيني ،هو بالساس
ساقط ،لكن توهمت أنه كبير ،فلما تكلم كلما ً غير معقول سقط .
يقال :أن ملكا ً دخل إلى بستان مرة رأى حصانا ً يدور حول بئر ،وقد
عصب صاحُبه عينيه ،ووضع الجلجل في رقبته ،استغرب الملك وسأل
صاحب البستان لم عصبت عينيه ؟ قال من أجل أل يصاب بالدوار ،ولم
هذا الجلجل وضعته في عنقه ،قال إذا وقف أعرف أنه وقف ،مادام
ت فهو يدور ،فقال هذا الملك فإذا وقف وهز لك رأسه صوّ ُ
الجلجل ي ُ َ
وأوهمك أنه يدور ؟ فأجاب هذا البستاني وقال له :وهل له عقل كعقلك ؟
أنا عرفت من هذا الكلم ؛ النسان قد يبدو كبيرا ً ،أما بسؤال
بامتحان ينكشف .
رجل يدعي أن كل حديث يسمعه يعرضه على النبي في الليل ،يرى
النبي ليل ً ويسأله هل قلت هذا الحديث ،يقول نعم أو ل فواحد ذكي أراد
أن يحجمه ادعاءه ،يأخذ الحديث يراجع في الليل الكتب ،يقول لك هذا
الحديث صحيح ،يراجع الكتب يقول :هذا موضوع ،فجاءه أحدهم بحديث
ضعيف وعرضه عليه ،وقال أجبني غدا ً ،نم وَر النبي -عليه الصلة
والسلم -وقل لي غدا ً ما رتبة هذا الحديث ،هذا راجع فرأى أنه ضعيف
قال :والله أخبرني أنه ضعيف ..فالنبي يقول لك قلته ،أو لم أقله فالنبي
أما ضعيف ل يوجد عند النبي ،فبهذه الطريقة كشف هذا الكذاب .
هناك قدرات في النسان خاصة ،فيه قدرات عامة ،وقدرات خاصة ،
الذكاء قدرة عامة ،أما أحيانا ً فيه قدرة خاصة ،القدرة على إقناع الخرين
قدرة خاصة ،القدرة على حسن التخلص قدرة خاصة ،عند بعض
الشخاص قدرة أن يظهروا بحجم أكبر من حجمهم هذه قدرة و أقل من
ذلك بكثير .
أما الفكرة هنا أن الله علي ،مهما أثنى الخلق عليه ،مهما عظموه ،
ي ،كل مهما مدحوه ،مهما نزهوه ،مهما سبحوه ،مهما مجدوه ،هو عل ّ
هذا المديح ل يرفعه ،ول يزيده عظمة ،هكذا يليق بالله عز وجل .
7
وقال بعض العلماء " :إن علو الله تبارك وتعالى يرجع إلى واحد من
ثلثة أمور ؛ إلى أنه ل يساويه شيء في الشرف والعزة ،فيكون هذا
السم من أسماء التنزيه ".
أسماء متعلقة بذات الله ؛ موجود ،حي ،مريد .و أسماء متعلقة
بأفعال الله ؛ القهار ،الجبار .في عندنا أسماء متعلقة بصفات الله .
أسماء ذات وأسماء صفات ،وأسماء أفعال ،وفي أسماء تنزيه .
يقول بعض العلماء " :أن اسم العلي من أسماء التنزيه ،أو إلى أنه
قادر على كل شيء ،والكل تحت قدرته وقهره " ،فيكون هذا من أسماء
الصفات ،أو إلى أنه يتصرف في الكل بقدرته فهو من أسماء الفعال .
فيمكن أن يكون اسم العلي من أسماء الصفات ،ومن أسماء الفعال ،
ومن أسماء التنزيه .
وقال بعض العلماء " :العلي ؛ هو المتعالي عن النداد والضداد " ،
نحن أنداد ،في جراحة القلب ،وهناك جراحو قلب آخرون ،اختصاص في
الفيزياء النووية ،قد يوجد خمسة من نمرته ل يوجد اختصاص في الرض
إل أنداد .هذا يمثل مثل ً أكبر كتلة نقدية في القطر ،مثل ً ففي بلد أخرى
أغنى منه .
فالنسان مهما عل له أنداد .مهما ارتفع له أمثال .لكن العلي ،الله
ي أي متعال عن النداد والضداد ،ل رتبة فوق رتبته ،وجميع المراتب عل ّ
منحطة عنه .
أنت بربك الكريم إذا أردت أن تختار ماذا تختار ؟ تختار أكمل
شيء .لذلك النسان حينما يختار غير الله يكون أحمقا ً ،يكون غافل ً ،
يكون جاهل ً .معنى اختيار غير الله يعني ؛ أحب الدنيا ،اختار الدنيا ،يعني
أحب جهة من الجهات غير الله ،يعني عقد كل آماله على زوجته ،عقد
كل آماله على تجارته ،عقد كل آماله على منصبه ،عقد كل آماله على
أولده ،رأى أن المال هو كل شيء ،اختار المال ،يعني أو رأى أن اللذائذ
الحسية هي كل شيء ..صار زير نساء ..أو رأى أن اللذائذ المعنوية هي
كل شيء ،السيطرة والتفوق ،النسان له اختيار ،قد يختار المال ،
فالمال ديدنه ،وقد يختار العلو فالعلو ديدنه ،وقد يختار اللذائذ الحسية
فهي ديدنه ،لكن المؤمن الصادق ،حينما يختار عز وجل .
قال :من أحبنا أحببناه ،ومن طلب منا أعطيناه ،ومن اكتفى بنا
عمالنا كنا له وما َلنا .
ّ
الشيء العظيم أنك إذا اخترت الخرة ،كسبت الدنيا والخرة .
" ما ترك عبد شيئا ً لله إل عوضه الله خيرا ً منه في دينه ودنياه " ،
قيل " :العلي :هو المتعالي عن النداد والضداد ،ل رتبة فوق رتبته ،
وجميع المراتب منحطة عنه " ،وقيل " :هو الذي عل بذاته وصفاته عن
مدارك الخلق ،بالكنه والحقيقة " .
هذا معنى جديد ،يعني مهما تصورت الله عز وجل ،فهو غير ما
تصورته ،هذا المعنى مستفاد من ؛ الله أكبر ،يعني مهما قلت الله أكبر
فهو أكبر مما تعرف .مهما تفوقت في معرفته ،فهو أكبر من ذلك .مهما
عرفت من رحمته فهو أرحم ،مهما عرفت من كماله فهو أكمل ،مهما
عرفت من قدرته فهو أقدر ،هذا معنى جديد لذلك العلي الذي عل بذاته
وصفاته عن مدارك الخلق بالحقيقة .
8
هو الذي علت عن الدراك ذاته ،وكبرت عن التصور صفاته " وقد
ورد اسم العلي في القرآن الكريم مرات كثيرة ،فقال تعالى :
)سورة البقرة(
صار في معاني كثيرة جدا ً للعلي .
)سورة الحج(
)سورة سبأ(
)سورة غافر(
)سورة الشورى(
ر
ش ٍن ل ِب َ َ
كا َ ما َإذا ً :ورد هذا السم في القرآن الكريم مرات كثيرة " وَ َ
َ َ َ
ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ
ما سول فَُيو ِ
ح َ س َ
ل َر ُ ب أوْ ي ُْر ِ
جا ٍ
ح َ
ن وََراِء ِ
م ْ
حًيا أوْ ِ
ه ِإل وَ ْه الل ّ ُ
م ُن ي ُك َل ّ َأ ْ
م" كي ٌ
ح ِ
ي َه عَل ِ ّ شاُء إ ِن ّ ُ يَ َ
9
ورد علي عظيم ،وعلي كبير ،وعلي حكيم ،وقد ورد هذا السم
كرا ً في سورة النساء ،فقال تعالى :
من َ ّ
ُ
)سورة النساء(
ورد هذا السم مرات كثيرة معرفا ً ،ورد مرة واحدة منكرا ً .
المام الغزالي رحمه الله تعالى يرى ؛ أنه ل ُتفترض مرتبة شريفة ،
إل والحق سبحانه وتعالى في أعلى الدرجات منها .يعني إذا شكرت فالله
هو الشكور ،وإذا أنت سخوت فهو السخي ،إذا أنت تكرمت فهو الكريم .
ويوجد رأي آخر دقيق :هو ؛ أن الموجود إما مؤثر وإما أثر ،يعني
قد أمزق هذا المنديل ،فهذا أثر ،وهذه الحركة مؤثر .يرى المام الغزالي
أن كل موجود مؤثر وأثر ،والمؤثر أشرف من الثر ،هو الصل ،والحق
كل أثره ،فكان أعلى من الكل في هذا ل ،وال ّ
تبارك وتعالى مؤثر في الك ّ
المعنى ،كل الكون أثر من قدرة الله ،ومن إرادة الله ،ومن علم الله،
ومن كمال الله .الكون كله أثر من آثار أفعاله ،وقدرته ،وكماله .
فالمؤثر وأثر .أيهما أشرف؟ ..المؤثر .
والموجود كما قال المام الغزالي :إما واجب ،وإما ممكن .
نوالواجب أعلى وأشرف من الممكن .الله عز وجل واجب الوجود ؛ لك ّ
ن أن ل يكون ،لكن كل الكون ممكن الوجود ؛ يعني ممكن أن يكون وممك ٌ
الله سبحانه وتعالى واجب الوجود ،أيهما أعظم ؟ واجب الوجود .
يعني توضيحا ً ؛ بمركبة فيها أشياء ،ل يمكن أن تتحرك المركبة إل
بها ،وفيها أشياء لو غابت المركبة تتحرك مع غيابها ،وجود الطاقة في
المركبة أساسية ،المحرك أساسي ،فيها أشياء كثيرة لو أهملناها تمضي
المركبة إلى هدفها .
وبعضهم قال " :والموجود إما كامل مطلقا ً وإما أن ل يكون " كذلك
أيهما أشرف ؟ الكامل الكمال المطلق ،لذلك الله جل جلله هو المؤثر ،
وهو واجب الوجود ،وهو الكامل كمال ً مطلقا ً إذا هو العلي العظيم .
الن :من أدب المؤمن مع هذا السم ،انطلقا ً من المقولة الشهيرة
" تخلقوا بأخلق الله " ،هنا الموقف معاكس ،لن الله وحده هو العلي
الكبير ،وهو العلي العظيم ،وهو العلي الحكيم ،أنت ينبغي أن تتواضع "
الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا ً منهما أذقته عذابي ول
أبالي " .
إّياك ثم إّياك ثم إّياك أن تتعالى ،أن تتعاظم ،أن تتكبر ،فهذا مقام
اللوهية ،هو الجبار ،هو القهار ،هو المعز ،أما أنت فبقدر ما تخضع له
وتفتقر إليه يرفعك .هنا العلقة معكوسة ،بقدر ما تخضع له يرفعك .بقدر
ما تتذلل بين يديه يعزك .بقدر ما تفتقر إليه ينصرك .
قال " :أدب المؤمن مع اسم الله العلي ؛ أن يتواضع وأن يتذلل بين
يدي الله عز وجل ،وعند ذلك يرفع الله قدره " .
10
حكي أن رجل ً قال لمالك بن فضول :اتق الله ،إنسان إذا قال ُ :
قلت اتق الله ،أخذته العزة بالثم .قيل لعالم جليل اتق الله ،قال فألصق
خده بالتراب وقال سمعا ً وطاعة ،أقبل الكلم ولو كان من صغير .
ُيروى المام أبا حنيفة رحمه الله تعالى ؛ رأى طفل ً صغيرا ً أمام حفرة
فخشي أن يقع الطفل فيها ،فقال :إحذر يا غلم أن تقع فيها ،وكان هذا
الطفل من الفطانة بمكان ،قال :بل أنت يا إمام إّياك أن تقع ،إني إن
وقعت وقعت وحدي ،وإنك إن وقعت وقع العالم معك .
كمث َل ُ َ
هل تعرفون ما هي أكبر مصيبة على الطلق ؟ ..أن يهتز َ
العلى .وضعت ثقَتك بشخص فخّيب ظنك ،ظننته ورعا ً تقيا ً ،فرأيته غير
مث َ ِ
ل ورع .ظننته منزها ً عن أغراض الدنيا ،فرأيته مشوبا ً بها .اهتزاز ال َ
العلى .ما سبب ضياع الناس ؟ عدم وجود المثل العلى ،الناس ماجوا
واضطربوا ،ولكوا بألسنتهم كل إنسان دعا إلى الله بإخلص .
أعداء الدين ،خصوم الدين ،نهشوا طعنوا فندوا ،فأصبح يوجد نوع
ل العلى انتهى الناس . مث َ ُ
من أنواع عدم الثقة .فإذا اهتز ال َ
ّ
فلذلك قال :ومن أدب المؤمن المتخلق باسم العلي ..الن هنا أدب
ثالث أول موقف أن تتواضع ،أن تفتقر :
)سورة آل عمران(
ولكن يوم حنين تعاليتم قلتم لن نغلب من قلة ..قال تعالى :
)سورة التوبة(
الدب الول التذلل والتواضع ،الثاني ؛ أن تحممب معممالي المممور ،وأن
تكره سفسافها ودنيها ،أحيانا ً تشعر أن هذا النسممان سممخيف ،موضمموعاته
سخيفة حديثه سخيف ،اهتماماته سخيفه " :إن الله يحممب معممالي المممور
ويكره سفسافها ودنيها " .
ق المؤمن بأخلق هذا السم العلي ؛ أن تحب معالي المور ، ّ
من تخل ِ
ف ِ
أن تهتم بأمر آخرتك ،أن تهتم بنشر الحق ،ل أن تهتم بتزيين البيت لدرجة
أنك تضحي بكل القيم من أجل ذلك .
أيام النسان كل اهتماماته دنيوية ،وحتى حديثة في موضوعات
سخيفة ،مزاحه منحط ،نظراته مريبة ،حركاته شاذة .
روي " :إن الله يحب معالي المور ويكره سفسافها ودنيها " ،يعني
أي شيء إذا قسمته إلى درجات ؛ فالله سبحانه وتعالى فوق الخلق فيها
وحده ،أي شيء ؛ بمكارم الخلق ،بالقدرات ،بالحكم ،بالعلم ،بالعقل ،
11
فهنيئا ً لمن عرف الله ،هنيئا ً لمن اتجه إليه ،هنيئا ً لمن اكتفى به ،حسبي
الله ونعم الوكيل .
ن الملك ؟ قال أنت : م ْ ً
قال ملك لوزيره ،والملك كان جبارا ،قال َ :
قال :ل ..الملك رجل ل نعرفه ول يعرفنا ،له بيت يؤويه ،وزوجة ترضيه ،
ورزق يكفيه ،إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا ،وإن عرفناه جهدنا في
إذلله .
لذلك النسان حينما يتجه إلى الله ،وُيحسب على الله ،ويكون الله
حسبه ،ومعرفة الله محط رحاله وغاية آماله ،النسان إذا كان كذلك فقد
سعد في الدنيا والخرة .
الن حظ آخر من حظوظ العبد مع هذا السم العظيم ،قال " :أل
يتصور أن له علوا ً مطلقا ً " ،قال :
)سورة يوسف(
ن أعلم
م ْ
تروي الكتب :أن سيدنا موسى نبي من أولي العزم ،قال َ
مني ؟ فجاء سيدنا الخضر وعلمه دروسا ً كثيرة .
)سورة الكهف(
د؛ أنه
سبحان الله ،كلما قال النسان أنا ،الله عز وجل يحجمه ! أعتق ْ
فوق كل ذي علم عليم ،فوق كل غني أغنى ،كل قوي أقوى ،كل عالم
أعلم ،هذا المعنى يجعلك متواضعا ً .
لكن قال العلماء إستثناًء " ،هناك مرتبة ليس فوقها مرتبة على
الطلق ؛ هي مرتبة النبي عليه الصلة والسلم سيد الخلق وحبيب الحق
".
قال بعضهم " :في بعض الدعية :إلهي ،أنت العلي المنزه عن
الحدود ،والجهات ،المقدس عن الوهام والخطرات ،جعلت الشرف
العلى لمن لجأ إليك ،وأعطيت المقام الرفيع لمن توكل عليك ".
أيها الخوة :اسم العلي ورد في القرآن كثيرا ً لكنه ورد في آية
الكرسي وقد ختمت به آية الكرسي ،قال تعالى :
*****