You are on page 1of 12

‫‪1‬‬

‫‪ :‬لفضيلة الستاذ محمد راتب النابلسي ‪.‬‬ ‫الدرس‬


‫‪100 / 60 :‬‬ ‫رقــم الــدرس‬
‫‪ :‬أسماء الله الحسنى ‪ :‬العلي ‪.‬‬ ‫المــوضــوع‬
‫‪ :‬السّيد هشام القدسي ‪.‬‬ ‫تفريغ‬
‫‪ :‬أحمد الحمصي‬ ‫تدقيق لغوي‬
‫‪ :‬المهندس غسان السراقبي‬ ‫تنقيح نهائي‬

‫حيم ِ‬
‫ن الّر ِ‬
‫م ِ‬
‫سم ِ الله الّرح َ‬
‫بِ ْ‬
‫حسنى ‪ .‬والسم اليوم ؛‬ ‫مع الدرس الستين من دروس أسماء الله ال ُ‬
‫م من أسماء‬ ‫هو اسم العلي ‪ ،‬فالعلي كما ورد في الحديث الصحيح ‪ ،‬اس ٌ‬
‫حسنى ‪ ،‬وهو مشتق من العلو ‪ ،‬ويقابل العلو السفل ‪ ،‬علوي وسفلي‬ ‫الله ال ُ‬
‫‪ ،‬والعلو من الرتفاع ‪.‬‬
‫والعلو بالمعنى المجازي ارتفاع المنزلة ‪ .‬ارتفاع المكان ‪ ،‬أو ارتفاع‬
‫المنزلة ‪ ،‬قد تجد في دائرة عشرة طوابق ‪ ،‬الموظفون في كل الطوابق ‪،‬‬
‫ة هو أعلى من هؤلء‬ ‫وقد يكون المدير العام في الطابق الول ‪ ،‬لكنه منزل ً‬
‫جميعا ً ‪ .‬فإما علو مكاني ‪ ،‬وإما علو ُرت َِبي ‪ .‬والعلي من أسماء التنزيه ‪،‬‬
‫يعني الله جل جلله ‪ ،‬تعالى عن كل صفة ل تليق به ‪ ،‬تعالى عن أن يشبه‬
‫خلقه ‪ ،‬تعالى عن كل ما خطر ببالك ؛ فالله بخلف ذلك ‪.‬‬
‫صوُر صفاُته ‪ .‬يعني ل‬ ‫ك ذاُته ‪ ،‬ول ت ُت َ َ‬ ‫والعلي ؛ هو الذي عل فل ُتدَر ُ‬
‫درك ذاُته ‪ ،‬ول ت َُتصوُر صفاُته ‪ .‬العلي ؛‬ ‫ه ‪ ،‬عل ‪ ،‬بحيث ل ت ُ َ‬ ‫ه إل الل ُ‬
‫يعرف الل َ‬
‫ب في جلله ‪ .‬العلي ؛هو الذي عجزت العقول عن أن‬ ‫هو الذي تاهت اللبا ُ‬
‫ي‬
‫ي ؛ عل ّ‬ ‫تدرك كماله ‪ .‬كل هذه المعاني يمكن أن ترد حينما تقول‪ :‬الله عل ّ‬
‫ي أن أحدا ً لن يدرك ذاَته ‪ ،‬ولن يحيط‬ ‫ي عزةً ‪ ،‬عل ّ‬ ‫ي تنزيها ً عل ّ‬‫ة ‪ ،‬عل ّ‬ ‫مكان ً‬
‫بصفاته‪.‬‬
‫والعلي ؛ رفيع القدر ‪ ،‬الله سبحانه وتعالى قال عن ذاته ‪ :‬إنه هو‬
‫ير ول تنسوا أيها الخوة ‪ :‬أن معرفة أسماء الله‬ ‫ي كب‬ ‫العلي الكبير عل ُ‬
‫ً‬
‫حسنى من أهم موضوعات العقيدة ‪ ،‬ل يكفي أن تؤمن بالله خالقا ‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫ن الله سبحانه‬ ‫فضلى ‪ ،‬ل ّ‬ ‫حسنى ‪ ،‬وصفاته ال ُ‬ ‫ينبغي أن تعرف أسماءه ال ُ‬
‫وتعالى يقول ‪:‬‬

‫)سورة العراف(‬

‫)سورة الحشر(‬
‫‪2‬‬

‫)سورة الحشر(‬
‫هذه آيات في القرآن الكريم ‪ ،‬يعني أن تعرف أسماء الله ‪ ،‬أن تعرف‬
‫مضامين السماء ‪ ،‬مدلولت السماء ‪ ،‬مؤدى هذه السماء ‪ ،‬هذا جزء من‬
‫عقيدتك الساسية وهو العلي العظيم ‪ ،‬اليهود ماذا قالوا ؟‬

‫)سورة المائدة(‬

‫)سورة آل عمران(‬
‫‪3‬‬

‫النسان حينما يعتقد عقيدة صحيحة عن الله ‪ ،‬وعن أسمائه ‪ ،‬فقد‬


‫حقق إنجازا ً كبيرا ً ؛ لنه مع الحقيقة ل مع الضلل ‪ ،‬لنه مع الحق ل مع‬
‫الباطل ‪ ،‬وصف الله سبحانه وتعالى نفسه فقال ‪:‬‬

‫)سورة سبأ(‬
‫قد يسأل سائل ‪ ،‬يعني على مستوى البشر ‪ ،‬ل ينبغي للنسان أن‬
‫يتحدث عن نفسه ‪ ،‬لن النسان في الصل ضعيف ‪ ،‬وفقير ‪ ،‬وجاهل ‪.‬‬
‫والنسان مفتقر إلى الله عز وجل ‪ ،‬لكن الله جل جلله ‪ ،‬حينما يحدثنا عن‬
‫ذاته ‪ ،‬وعن علوه ‪ ،‬وعن كبريائه ‪ ،‬وعن قهره ‪ ،‬وعن جبروته ‪ ،‬من أجل أن‬
‫نحبه ‪ ،‬وأن نرهبه ‪ ..‬نرهبه فنطيعه ‪ ،‬نحبه فنقبل عليه ‪ ،‬ورد في الثار‬
‫القدسية ‪ " :‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أحب عبادي إلي ؛ تقي القلب ‪ ،‬نقي اليدين ‪ ،‬ل يمشي إلى أحد بسوء ‪،‬‬
‫أحبني وأحب من أحبني ‪ ،‬وحببني إلى خلقي " ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من علمة محبتك لله ؛ أن تحب المؤمنين ‪ ،‬أن تحبهم حبا حقيقيا‪ .‬من‬
‫علمة النفاق ؛ أن تبغض المؤمنين ‪ ،‬قال رسول الله ‪:‬‬
‫عل َي ْـ ِ‬
‫ه‬ ‫ص ـّلى الّلهــم َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّـ ِ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ل ل ِــي َر ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ســو َ‬ ‫ت ي َــا َر ُ‬ ‫قل ْـ ُ‬
‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك َ‬ ‫رقَ ِدين َ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫فت ُ َ‬‫ضِني َ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن ل ت ُب ْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م َيا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ض ـِني‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬
‫ب فت ُب ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ع ـَر َ‬ ‫ض ال َ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه قال ت ُب ْ ِ‬ ‫داَنا الل ُ‬ ‫ه َ‬‫وب ِك َ‬ ‫ضك َ‬ ‫غ ُ‬‫ف أب ْ ِ‬ ‫وكي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ِ‬
‫*‬
‫)سنن الترمذي(‬
‫من أحب العرب فقد أحبني ‪ ،‬ومن أبغضهم فقد أبغضني ‪ ،‬يعني‬
‫البغض ينتقل ‪ ،‬والحب ينتقل ‪.‬‬
‫ي كبير ‪ ،‬ورد في الثر‬ ‫أيها الخوة ‪ :‬وصف الله جل جلله نفسه بأنه عل ّ‬
‫القدسي ‪ " :‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال‪:‬‬
‫أحب عبادي إلي تقي القلب ‪ ،‬نقي اليدين‪ ،‬ل يمشي إلى أحد بسوء ‪،‬‬
‫أحبني وأحب من أحبني ‪ ،‬وحببني إلى خلقي ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك تعلم أني‬
‫أحبك ‪ ،‬وأحب من يحبك ‪ ،‬فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال ‪ :‬ذكرهم بآلئي‬
‫ونعمائي وبلئي " ‪.‬‬
‫دققوا في هذا ‪ :‬هذه خطة لكل من يدعو إلى الله ‪ ،‬ذكرهم بآلئي من‬
‫أجل التعظيم ‪ ،‬وذكرهم بنعمائي من أجل الحب ‪ ،‬وذكرهم ببلئي من أجل‬
‫الخوف ‪ ،‬ل بد من أن يجتمع في قلبك تعظيم وحب وخوف ‪ .‬اليات الكونية‬
‫من أجل أن تعظمه ‪ ،‬والنعم الظاهرة والباطنة من أجل أن تحبه ‪،‬‬
‫والمصائب والمراض ‪ ،‬والفقر ‪ ،‬والقهر ‪ ،‬والزلزل ‪ ،‬والبراكين ‪ ،‬من أجل‬
‫أن تخافه ‪ .‬لبد من أن ينطوي قلبك على تعظيم وحب وخوف ‪.‬‬
‫يعني من أدعية النبي عليه الصلة والسلم التي كان يدعو بها ‪:‬‬
‫ك واب َ‬
‫ي‬
‫ض فِ ّ‬ ‫ما ٍ‬ ‫صي َِتي ب ِي َدِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ك َنا ِ‬ ‫مت ِ َ‬
‫نأ َ‬ ‫ن َعَب ْدِ َ َ ْ ُ‬ ‫ك َواب ْ ُ‬ ‫م إ ِّني عَب ْد ُ َ‬ ‫الل ّهُ ّ‬
‫سم ٍ هُوَ ل َ َ‬ ‫سأل ُ َ‬
‫ك ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫مي ْ َ‬ ‫س ّ‬‫ك َ‬ ‫لا ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ضاؤُ َ‬ ‫ي قَ َ‬ ‫ل فِ ّ‬ ‫ك عَد ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ ُ‬‫ُ‬
‫هناك أمراض تردع النسان ‪ .‬يعني من يملك لخلياه أل تنمو نمو‬
‫عشوائيا ً ؟ ل يوجد قاعدة ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ي‬
‫عند ابن ‪-‬الثير هذا العالم الجليل ‪ -‬أن من أسماء الله تعالى ‪ ،‬العل ّ‬
‫ي ؛ هو الذي ليس فوقه شيء في الرتبة والحكم ‪ .‬مهما‬ ‫والمتعالي ‪ .‬والعل ّ‬
‫تناهت المور ؛ فالله فوق الجميع في كل صفات الكمال ‪ .‬لذلك قالوا‪:‬‬
‫الله مطلق ‪ .‬يعني مثل ً ‪ ،‬القاضي أحيانا ً ؛ قد يحكم ألف حكم عادل ‪،‬‬
‫ويحكم حكما ً واحدا ً غير عادل ‪ .‬هو عندنا قاض عادل ‪ ،‬لكن الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬لو أن مخلوقا ً واحدا ً منذ أن خلق الله الخلق وإلى يوم القيامة‬
‫ظلم‪ ،‬لما كان الله عادل ً مطلقا ً أبدا ً ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫)سورة الزلزلة(‬
‫إذا ً هناك عند ابن الثير العلي ‪ ،‬وهناك المتعالي العلي الذي ليس‬
‫موته شيء في المكانة والترقية والحكم ‪.‬‬
‫أما المتعالي ‪ :‬هو الذي جل عن إفك الّفاكين ‪ ،‬وافتراء المفترين ‪،‬‬
‫ل عن كل هذه‬ ‫وعن توهم المتوهمين ‪ ،‬وعن وصف الجاهلين ‪ .‬الله متعا ٍ‬
‫الصفات ‪.‬‬
‫المام الغزالي ‪-‬رحمه الله تعالى ‪ -‬يرى ‪ :‬أن الله هو العلي المطلق ؛‬
‫محيي للعالم ‪ ،‬الخالق لعلوم العلماء ‪ ،‬المنزه المقدس عن جميع‬ ‫فهو ال ُ‬
‫أنواع النقص ‪ ،‬هو البالغ غاية العلو في الرتبة ‪ ،‬فل رتبة لغيره إل ّ وهي‬
‫وه عل ّوَ جهة ‪ ،‬ول كبُره كبَر جثة ‪:‬‬
‫منحطة عنه ‪ ،‬وليس عل ّ ُ‬

‫)سورة السراء(‬
‫قال بعض العلماء ‪ " :‬العلي ؛ هو الذي استحق نعوت الجللة والكبرياء‬
‫‪ ،‬وبذلك التفسير لم يزل عاليا ً عليا ً "‪.‬‬
‫أيها الخوة ‪ :‬قبل أن نتابع الموضوع ‪ ،‬النفس البشرية مفطورة على‬
‫حب الكمل ‪ .‬راقب نفسك ؛ إن وضعت لك عدة حاجات لتختار أحدها‪،‬‬
‫تختار أجملها ‪ ،‬تختار أسمنها ‪ .‬لو أن دفترا ً أسطره مائلة ترده ‪ .‬لو أن كتابا ً‬
‫ورقاته منثنية ترده ‪ .‬لو أن حاجة فيها نقطة تشويه تبدله ‪ .‬هذه النفس‬
‫البشرية ‪ .‬لذلك هذه النفس البشرية ‪ ،‬ل يرويها ول يسكنها ول يملؤها إل‬
‫الكمال المطلق ‪ .‬لذلك ؛ المؤمن إذا اتجه إلى الله عز وجل ‪ ،‬سكنت‬
‫نفسه ‪ .‬أما غير المؤمن ‪ ،‬لو أن النسان اتجه إلى الدنيا ‪ ،‬فبنى بيتا ً وظن‬
‫أنه من أجمل البيوت ‪ ،‬فإذا رأى بيتا ً أجمل صغر هذا في عينه ‪.‬‬
‫والن ؛ تبديل الشكال واللوان واللبسة والمركبات وأنماط البيوت‬
‫والحاجات والثاث ‪ ،‬هذا التبديل السنوي ‪ ،‬أو الفصلي ‪ ،‬أو القل من فصلي‬
‫‪ ،‬هذا التبديل سببه ؛ أن النسان يحب الكمال ‪ .‬وكلما وصل إلى كمال ‪،‬‬
‫تاقت نفسه إلى الكمل ‪ ،‬وهو يلهث وراء الكمل طبقا ً المادي إلى أن يأتيه‬
‫الجل ‪ ،‬وهو صفر اليدين من بضاعة الخرة ؛ لكنه إذا عرف الله وهو في‬
‫الدنيا ؛ فالله سبحانه وتعالى هو الكمال المطلق هو المطلق ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫أنت إذا كان هناك شخصان ؛ قوي وأقوى ؛ تميل إلى القوى ‪ .‬انظر‬
‫في جلسة إذا كان فيها رجلن ؛ الول أعلم من الثاني ‪ .‬أو أقوى منه‪ ،‬أو‬
‫أغنى ‪ ،‬ترى جميع الحاضرين يتجهون إلى القوى ‪ ،‬إلى الغنى ‪ ،‬إلى العلى‬
‫‪ ،‬هذه طبيعة النفس البشرية ‪ ،‬ل تحب الكمال فحسب بل تحب الكمل ‪.‬‬
‫يعني تفاحتان ناضجتان ‪ ،‬ذواتا لون أصفر جميل ‪ ،‬واحدة عليها مشحة‬
‫حمراء ‪ ،‬قيل لك تفضل تأخذ ذات المشحة الحمراء ‪ ،‬هذه طبيعة النفس‬
‫فلذلك يقول بعض العلماء بالنفس ‪ :‬يوجد " فراغ ل يمل هذه الفراغ إل‬
‫معرفة الله ‪ ،‬ل يمل هذا القلق إل أن تركن لحفظ الله "‪.‬‬
‫النسان مهما أخذ الحتياطات ‪ ،‬مهما سد الثغرات ‪ ،‬يمكن أن يفاجأ‬
‫من منطقة أمنه ‪ .‬من المنطقة التي أغلقها والتي ضبطها ‪ .‬لكنه إذا توكل‬
‫على الله ‪ ،‬كفاه الله كل مؤنة ‪ .‬من توكل على الله كفاه ‪ ،‬اعمل لوجه‬
‫ل‪ " :‬من شغله ذكري عن مسألتي‬ ‫واحد يكفك الوجوه كلها ‪ ،‬يعني مث ً‬
‫أعطيته فوق ما أعطي السائلين " ‪.‬‬
‫هؤلء الذين يسعون بكل طاقتهم لمعرفة الله ‪ ،‬لحضور مجالس العلم‬
‫‪ ،‬لتعليم الناس الخير ‪ ،‬لخدمة الخلق ‪ ،‬لرعاية المؤمنين ؛ هؤلء تأتيهم‬
‫الدنيا وهي راغمة ‪ .‬فلذلك العلي ‪ ،‬هو البالغ الغاية في علو الرتبة ‪ ،‬فل رتبة‬
‫لغيره إل وهي منحطة عنه ‪ .‬النسان إذا عرف الله فإنه يتحجم ‪ ،‬يتواضع ‪،‬‬
‫يعرف أنه ل شيء ‪ .‬أما النسان إذا غفل عن الله يتعاظم ‪ ،‬يتكبر بغير‬
‫الحق ‪ ،‬يكبر حجمه بل مبرر ‪ ،‬هو ضعيف ‪ -‬أذكر هذا كثيرا ً لكم ‪ -‬كل الحياة‬
‫الدنيا منوطة بسيولة الدم ‪ ،‬فلو أن هذا الدم تجمد في بعض المكنة ‪،‬‬
‫لنتهت حياة النسان أو لفقد حركته ‪ ،‬أو لفقد بعض حواسه‪ ،‬أو لفقد بعض‬
‫ذاكرته ‪ ،‬فالنسان ل يملك شيئا ً لكن الله مالك الملك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من علوه ؛ أنه ل يزيده تعظيم العباد له وإجللهم إياه شيئا ً من‬
‫علوه وكبريائه ‪ .‬فكرة دقيقة ‪ ،‬أحيانا ً النسان بمستوى محدد ؛ إن في علمه‬
‫‪ ،‬أو في ذكائه ‪ ،‬أو في حكمته ‪ ،‬فإذا أثنى عليه الناس جميعا ً ‪ ،‬وكالوا له‬
‫المديح جزافا ً ‪ ،‬وعظموه ‪ ،‬ووقروه ارتفع ‪ .‬ارتفع ل لنه مرتفع ‪ ،‬بل لنه‬
‫ُرفع ‪ .‬أحيانا ً النسان قد يؤتيه الله حظا ً ‪ ،‬تخدمه به أصحاب العقول ‪ ،‬قال‬
‫بعض حكماء الجن ‪ " :‬اللهم آتني حظا ً تخدمني به أصحاب العقول ‪ ،‬ول‬
‫تؤتني عقل ً أخدم به أصحاب الحظوظ" ‪.‬‬
‫أحيانا ً النسان يؤتيه الله شيئا ً من القوة ‪ ،‬كل من حوله في خدمته؛‬
‫العلماء ‪ ،‬الطباء ‪ ،‬والخبراء ‪ ،‬كلهم في خدمته ‪ ،‬استعان بعقول من حوله ‪،‬‬
‫وأحيانا ً كل عقلك وذكاؤك ل يقدم لك الشيء الكافي في الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫فأنت عالة على غيرك ‪ .‬فالنسان أحيانا ً له مستوى ‪ ،‬فقد يمدحه المادحون‬
‫‪ ،‬يعظمه المعظمون ‪ ،‬يثني عليه الناس ‪ ،‬يبالغون في الثناء ‪ ،‬في المديح ‪،‬‬
‫في التعظيم ‪ ،‬فيرتفع ‪ .‬هذا الرتفاع مفتعل ‪ .‬يعني ظهر بحجم أكبر من‬
‫حجمه ‪ .‬هذا المعنى الذي يجري بين الناس ل يمكن أن ينطبق على الله‬
‫عز وجل مهما عظمه الخلق ‪ ،‬مهما أثنوا على كماله ل يزيده تعظيمهم‬
‫علوا ً ول كبرياًء هو عظيم ‪.‬‬
‫النسان له حجم ‪ ،‬ولكنه عند الناس بحجم أكبر من حجمه ؛ أحيانا ً في‬
‫جم ‪،‬‬ ‫بعض الظروف والملبسات والمواقف الحرجة والسئلة والجوبة ُيح ّ‬
‫يعني يعود إلى حجمه الحقيقي ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫هناك قصة طريفة ‪ ،‬ربما لم تكن صحيحة لكن لها مغزى ‪ ،‬أن أحد‬
‫العلماء يروى أن أبو حنيفة النعمان جالس في مجلسه ‪ ،‬وكانت رجله‬
‫تؤلمه معذور يعني فمدها بين إخوانه ‪ -‬أما النبي عليه الصلة والسلم ما‬
‫رؤي في كل حياته مادا ً رجليه قط أبدا ً ‪ ،‬أما إذا إنسان معذور ل مانع أما‬
‫بل عذر ل يجوز ‪ -‬فدخل شخص طويل القامة ‪ ،‬عريض المنكبين ‪ ،‬مشرق‬
‫الوجه له هيبة ‪ ،‬فأبو حنيفة النعمان استحيى منه ورفع رجله هذا لنه غريب‬
‫‪ ،‬فلعله ل يعرف أنه معذور ‪ ،‬جلس في مجلسه ‪ ،‬والدرس كان في الفقه‬
‫عن صلة الفجر ‪ ،‬والحديث عن الفجر الكاذب والفجر الصادق ‪ ،‬واختلف‬
‫العلماء في وقت الصلة يا ترى في غلس أو بعد أن تتعارف الوجوه إلى‬
‫آخره ‪ ،‬فبعد أن انتهى الدرس ‪ ،‬رفع أصبعه هذا الضيف الجليل ‪ ،‬طويل‬
‫ما ً يرتدي رداًء مهيبا ً ‪ ،‬قال يا سيدي كيف‬
‫القامة ‪ ،‬عريض المنكبين ‪ ،‬معت ّ‬
‫نصلي الفجر إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ قال عندئذ يمد أبو حنيفة‬
‫رجله ‪.‬‬
‫أحيانا النسان تحس أن له مهابة ‪ ،‬فإذا تكلم كلمة واحدة سقط ‪،‬‬ ‫ً‬
‫أحيانا ً النسان يصغر بكلمة‪ ،‬أحيانا ً بسؤال يصغر أيام ينكشف بتصرف‬
‫النسان قد يبدو كبيرا ً ثم يحجم ‪ ،‬يقول لك سقط من عيني ‪ ،‬هو بالساس‬
‫ساقط ‪ ،‬لكن توهمت أنه كبير ‪ ،‬فلما تكلم كلما ً غير معقول سقط ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬أن ملكا ً دخل إلى بستان مرة رأى حصانا ً يدور حول بئر ‪ ،‬وقد‬
‫عصب صاحُبه عينيه ‪ ،‬ووضع الجلجل في رقبته ‪ ،‬استغرب الملك وسأل‬
‫صاحب البستان لم عصبت عينيه ؟ قال من أجل أل يصاب بالدوار ‪ ،‬ولم‬
‫هذا الجلجل وضعته في عنقه ‪ ،‬قال إذا وقف أعرف أنه وقف ‪ ،‬مادام‬
‫ت فهو يدور ‪ ،‬فقال هذا الملك فإذا وقف وهز لك رأسه‬ ‫صوّ ُ‬
‫الجلجل ي ُ َ‬
‫وأوهمك أنه يدور ؟ فأجاب هذا البستاني وقال له ‪ :‬وهل له عقل كعقلك ؟‬
‫أنا عرفت من هذا الكلم ؛ النسان قد يبدو كبيرا ً ‪ ،‬أما بسؤال‬
‫بامتحان ينكشف ‪.‬‬
‫رجل يدعي أن كل حديث يسمعه يعرضه على النبي في الليل ‪ ،‬يرى‬
‫النبي ليل ً ويسأله هل قلت هذا الحديث ‪ ،‬يقول نعم أو ل فواحد ذكي أراد‬
‫أن يحجمه ادعاءه ‪ ،‬يأخذ الحديث يراجع في الليل الكتب ‪ ،‬يقول لك هذا‬
‫الحديث صحيح ‪ ،‬يراجع الكتب يقول ‪ :‬هذا موضوع ‪ ،‬فجاءه أحدهم بحديث‬
‫ضعيف وعرضه عليه ‪ ،‬وقال أجبني غدا ً ‪ ،‬نم وَر النبي ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪-‬وقل لي غدا ً ما رتبة هذا الحديث ‪ ،‬هذا راجع فرأى أنه ضعيف‬
‫قال ‪ :‬والله أخبرني أنه ضعيف‪ ..‬فالنبي يقول لك قلته ‪ ،‬أو لم أقله فالنبي‬
‫أما ضعيف ل يوجد عند النبي ‪ ،‬فبهذه الطريقة كشف هذا الكذاب ‪.‬‬
‫هناك قدرات في النسان خاصة ‪ ،‬فيه قدرات عامة ‪ ،‬وقدرات خاصة ‪،‬‬
‫الذكاء قدرة عامة ‪ ،‬أما أحيانا ً فيه قدرة خاصة ‪ ،‬القدرة على إقناع الخرين‬
‫قدرة خاصة ‪ ،‬القدرة على حسن التخلص قدرة خاصة ‪ ،‬عند بعض‬
‫الشخاص قدرة أن يظهروا بحجم أكبر من حجمهم هذه قدرة و أقل من‬
‫ذلك بكثير ‪.‬‬
‫أما الفكرة هنا أن الله علي ‪ ،‬مهما أثنى الخلق عليه ‪ ،‬مهما عظموه ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬كل‬ ‫مهما مدحوه ‪ ،‬مهما نزهوه ‪ ،‬مهما سبحوه ‪ ،‬مهما مجدوه ‪ ،‬هو عل ّ‬
‫هذا المديح ل يرفعه ‪ ،‬ول يزيده عظمة ‪ ،‬هكذا يليق بالله عز وجل ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫وقال بعض العلماء ‪ " :‬إن علو الله تبارك وتعالى يرجع إلى واحد من‬
‫ثلثة أمور ؛ إلى أنه ل يساويه شيء في الشرف والعزة ‪ ،‬فيكون هذا‬
‫السم من أسماء التنزيه "‪.‬‬
‫أسماء متعلقة بذات الله ؛ موجود ‪ ،‬حي ‪ ،‬مريد ‪ .‬و أسماء متعلقة‬
‫بأفعال الله ؛ القهار ‪ ،‬الجبار ‪ .‬في عندنا أسماء متعلقة بصفات الله ‪.‬‬
‫أسماء ذات وأسماء صفات ‪ ،‬وأسماء أفعال ‪ ،‬وفي أسماء تنزيه ‪.‬‬
‫يقول بعض العلماء ‪ " :‬أن اسم العلي من أسماء التنزيه ‪ ،‬أو إلى أنه‬
‫قادر على كل شيء ‪ ،‬والكل تحت قدرته وقهره " ‪ ،‬فيكون هذا من أسماء‬
‫الصفات ‪ ،‬أو إلى أنه يتصرف في الكل بقدرته فهو من أسماء الفعال ‪.‬‬
‫فيمكن أن يكون اسم العلي من أسماء الصفات ‪ ،‬ومن أسماء الفعال ‪،‬‬
‫ومن أسماء التنزيه ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪ " :‬العلي ؛ هو المتعالي عن النداد والضداد " ‪،‬‬
‫نحن أنداد ‪ ،‬في جراحة القلب ‪ ،‬وهناك جراحو قلب آخرون ‪ ،‬اختصاص في‬
‫الفيزياء النووية ‪ ،‬قد يوجد خمسة من نمرته ل يوجد اختصاص في الرض‬
‫إل أنداد ‪ .‬هذا يمثل مثل ً أكبر كتلة نقدية في القطر ‪ ،‬مثل ً ففي بلد أخرى‬
‫أغنى منه ‪.‬‬
‫فالنسان مهما عل له أنداد ‪ .‬مهما ارتفع له أمثال ‪ .‬لكن العلي ‪ ،‬الله‬
‫ي أي متعال عن النداد والضداد ‪ ،‬ل رتبة فوق رتبته ‪ ،‬وجميع المراتب‬ ‫عل ّ‬
‫منحطة عنه ‪.‬‬
‫أنت بربك الكريم إذا أردت أن تختار ماذا تختار ؟ تختار أكمل‬
‫شيء ‪ .‬لذلك النسان حينما يختار غير الله يكون أحمقا ً ‪ ،‬يكون غافل ً ‪،‬‬
‫يكون جاهل ً ‪ .‬معنى اختيار غير الله يعني ؛ أحب الدنيا ‪ ،‬اختار الدنيا ‪ ،‬يعني‬
‫أحب جهة من الجهات غير الله ‪ ،‬يعني عقد كل آماله على زوجته ‪ ،‬عقد‬
‫كل آماله على تجارته ‪ ،‬عقد كل آماله على منصبه ‪ ،‬عقد كل آماله على‬
‫أولده ‪ ،‬رأى أن المال هو كل شيء ‪ ،‬اختار المال ‪ ،‬يعني أو رأى أن اللذائذ‬
‫الحسية هي كل شيء ‪ ..‬صار زير نساء ‪ ..‬أو رأى أن اللذائذ المعنوية هي‬
‫كل شيء ‪ ،‬السيطرة والتفوق ‪ ،‬النسان له اختيار ‪ ،‬قد يختار المال ‪،‬‬
‫فالمال ديدنه ‪ ،‬وقد يختار العلو فالعلو ديدنه ‪ ،‬وقد يختار اللذائذ الحسية‬
‫فهي ديدنه ‪ ،‬لكن المؤمن الصادق ‪ ،‬حينما يختار عز وجل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من أحبنا أحببناه ‪ ،‬ومن طلب منا أعطيناه ‪ ،‬ومن اكتفى بنا‬
‫عمالنا كنا له وما َلنا ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشيء العظيم أنك إذا اخترت الخرة ‪ ،‬كسبت الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫" ما ترك عبد شيئا ً لله إل عوضه الله خيرا ً منه في دينه ودنياه " ‪،‬‬
‫قيل ‪ " :‬العلي ‪ :‬هو المتعالي عن النداد والضداد ‪ ،‬ل رتبة فوق رتبته ‪،‬‬
‫وجميع المراتب منحطة عنه " ‪ ،‬وقيل ‪ " :‬هو الذي عل بذاته وصفاته عن‬
‫مدارك الخلق ‪ ،‬بالكنه والحقيقة " ‪.‬‬
‫هذا معنى جديد ‪ ،‬يعني مهما تصورت الله عز وجل ‪ ،‬فهو غير ما‬
‫تصورته ‪ ،‬هذا المعنى مستفاد من ؛ الله أكبر ‪ ،‬يعني مهما قلت الله أكبر‬
‫فهو أكبر مما تعرف ‪ .‬مهما تفوقت في معرفته ‪ ،‬فهو أكبر من ذلك ‪ .‬مهما‬
‫عرفت من رحمته فهو أرحم ‪ ،‬مهما عرفت من كماله فهو أكمل ‪ ،‬مهما‬
‫عرفت من قدرته فهو أقدر ‪ ،‬هذا معنى جديد لذلك العلي الذي عل بذاته‬
‫وصفاته عن مدارك الخلق بالحقيقة ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫هو الذي علت عن الدراك ذاته ‪ ،‬وكبرت عن التصور صفاته " وقد‬
‫ورد اسم العلي في القرآن الكريم مرات كثيرة ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬

‫)سورة البقرة(‬
‫صار في معاني كثيرة جدا ً للعلي ‪.‬‬

‫)سورة الحج(‬

‫)سورة سبأ(‬

‫)سورة غافر(‬

‫)سورة الشورى(‬
‫ر‬
‫ش ٍ‬‫ن ل ِب َ َ‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫إذا ً ‪ :‬ورد هذا السم في القرآن الكريم مرات كثيرة " وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬
‫ما‬ ‫سول فَُيو ِ‬
‫ح َ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬
‫جا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ن وََراِء ِ‬
‫م ْ‬
‫حًيا أوْ ِ‬
‫ه ِإل وَ ْ‬‫ه الل ّ ُ‬
‫م ُ‬‫ن ي ُك َل ّ َ‬‫أ ْ‬
‫م"‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬‫ه عَل ِ ّ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫‪9‬‬

‫ورد علي عظيم ‪ ،‬وعلي كبير ‪ ،‬وعلي حكيم ‪ ،‬وقد ورد هذا السم‬
‫كرا ً في سورة النساء ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫من َ ّ‬
‫ُ‬

‫)سورة النساء(‬
‫ورد هذا السم مرات كثيرة معرفا ً ‪ ،‬ورد مرة واحدة منكرا ً ‪.‬‬
‫المام الغزالي رحمه الله تعالى يرى ؛ أنه ل ُتفترض مرتبة شريفة ‪،‬‬
‫إل والحق سبحانه وتعالى في أعلى الدرجات منها ‪ .‬يعني إذا شكرت فالله‬
‫هو الشكور ‪ ،‬وإذا أنت سخوت فهو السخي ‪ ،‬إذا أنت تكرمت فهو الكريم ‪.‬‬
‫ويوجد رأي آخر دقيق ‪ :‬هو ؛ أن الموجود إما مؤثر وإما أثر ‪ ،‬يعني‬
‫قد أمزق هذا المنديل ‪ ،‬فهذا أثر ‪ ،‬وهذه الحركة مؤثر ‪ .‬يرى المام الغزالي‬
‫أن كل موجود مؤثر وأثر ‪ ،‬والمؤثر أشرف من الثر ‪ ،‬هو الصل ‪ ،‬والحق‬
‫كل أثره ‪ ،‬فكان أعلى من الكل في هذا‬ ‫ل ‪ ،‬وال ّ‬
‫تبارك وتعالى مؤثر في الك ّ‬
‫المعنى ‪ ،‬كل الكون أثر من قدرة الله ‪ ،‬ومن إرادة الله ‪ ،‬ومن علم الله‪،‬‬
‫ومن كمال الله ‪ .‬الكون كله أثر من آثار أفعاله ‪ ،‬وقدرته ‪ ،‬وكماله ‪.‬‬
‫فالمؤثر وأثر ‪ .‬أيهما أشرف؟‪ ..‬المؤثر ‪.‬‬
‫والموجود كما قال المام الغزالي ‪ :‬إما واجب ‪ ،‬وإما ممكن ‪.‬‬
‫ن‬‫والواجب أعلى وأشرف من الممكن ‪ .‬الله عز وجل واجب الوجود ؛ لك ّ‬
‫ن أن ل يكون ‪ ،‬لكن‬ ‫كل الكون ممكن الوجود ؛ يعني ممكن أن يكون وممك ٌ‬
‫الله سبحانه وتعالى واجب الوجود ‪ ،‬أيهما أعظم ؟ واجب الوجود ‪.‬‬
‫يعني توضيحا ً ؛ بمركبة فيها أشياء ‪ ،‬ل يمكن أن تتحرك المركبة إل‬
‫بها ‪ ،‬وفيها أشياء لو غابت المركبة تتحرك مع غيابها ‪ ،‬وجود الطاقة في‬
‫المركبة أساسية ‪ ،‬المحرك أساسي ‪ ،‬فيها أشياء كثيرة لو أهملناها تمضي‬
‫المركبة إلى هدفها ‪.‬‬
‫وبعضهم قال ‪ " :‬والموجود إما كامل مطلقا ً وإما أن ل يكون " كذلك‬
‫أيهما أشرف ؟ الكامل الكمال المطلق ‪ ،‬لذلك الله جل جلله هو المؤثر ‪،‬‬
‫وهو واجب الوجود ‪ ،‬وهو الكامل كمال ً مطلقا ً إذا هو العلي العظيم ‪.‬‬
‫الن ‪ :‬من أدب المؤمن مع هذا السم ‪ ،‬انطلقا ً من المقولة الشهيرة‬
‫" تخلقوا بأخلق الله "‪ ،‬هنا الموقف معاكس ‪ ،‬لن الله وحده هو العلي‬
‫الكبير ‪ ،‬وهو العلي العظيم ‪ ،‬وهو العلي الحكيم ‪ ،‬أنت ينبغي أن تتواضع "‬
‫الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا ً منهما أذقته عذابي ول‬
‫أبالي " ‪.‬‬
‫إّياك ثم إّياك ثم إّياك أن تتعالى ‪ ،‬أن تتعاظم ‪ ،‬أن تتكبر ‪ ،‬فهذا مقام‬
‫اللوهية ‪ ،‬هو الجبار ‪ ،‬هو القهار ‪ ،‬هو المعز ‪ ،‬أما أنت فبقدر ما تخضع له‬
‫وتفتقر إليه يرفعك ‪ .‬هنا العلقة معكوسة ‪ ،‬بقدر ما تخضع له يرفعك ‪ .‬بقدر‬
‫ما تتذلل بين يديه يعزك ‪ .‬بقدر ما تفتقر إليه ينصرك ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬أدب المؤمن مع اسم الله العلي ؛ أن يتواضع وأن يتذلل بين‬
‫يدي الله عز وجل ‪ ،‬وعند ذلك يرفع الله قدره " ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫حكي أن رجل ً قال لمالك بن فضول ‪ :‬اتق الله ‪ ،‬إنسان إذا‬ ‫قال ‪ُ :‬‬
‫قلت اتق الله ‪ ،‬أخذته العزة بالثم ‪ .‬قيل لعالم جليل اتق الله ‪ ،‬قال فألصق‬
‫خده بالتراب وقال سمعا ً وطاعة ‪ ،‬أقبل الكلم ولو كان من صغير ‪.‬‬
‫ُيروى المام أبا حنيفة رحمه الله تعالى ؛ رأى طفل ً صغيرا ً أمام حفرة‬
‫فخشي أن يقع الطفل فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬إحذر يا غلم أن تقع فيها ‪ ،‬وكان هذا‬
‫الطفل من الفطانة بمكان ‪ ،‬قال ‪ :‬بل أنت يا إمام إّياك أن تقع ‪ ،‬إني إن‬
‫وقعت وقعت وحدي ‪ ،‬وإنك إن وقعت وقع العالم معك ‪.‬‬
‫ك‬‫مث َل ُ َ‬
‫هل تعرفون ما هي أكبر مصيبة على الطلق ؟ ‪ ..‬أن يهتز َ‬
‫العلى ‪ .‬وضعت ثقَتك بشخص فخّيب ظنك ‪ ،‬ظننته ورعا ً تقيا ً ‪ ،‬فرأيته غير‬
‫مث َ ِ‬
‫ل‬ ‫ورع ‪ .‬ظننته منزها ً عن أغراض الدنيا ‪ ،‬فرأيته مشوبا ً بها ‪ .‬اهتزاز ال َ‬
‫العلى ‪ .‬ما سبب ضياع الناس ؟ عدم وجود المثل العلى ‪ ،‬الناس ماجوا‬
‫واضطربوا ‪ ،‬ولكوا بألسنتهم كل إنسان دعا إلى الله بإخلص ‪.‬‬
‫أعداء الدين ‪ ،‬خصوم الدين ‪ ،‬نهشوا طعنوا فندوا ‪ ،‬فأصبح يوجد نوع‬
‫ل العلى انتهى الناس ‪.‬‬ ‫مث َ ُ‬
‫من أنواع عدم الثقة‪ .‬فإذا اهتز ال َ‬
‫ّ‬
‫فلذلك قال ‪ :‬ومن أدب المؤمن المتخلق باسم العلي ‪ ..‬الن هنا أدب‬
‫ثالث أول موقف أن تتواضع ‪ ،‬أن تفتقر ‪:‬‬

‫)سورة آل عمران(‬
‫ولكن يوم حنين تعاليتم قلتم لن نغلب من قلة ‪ ..‬قال تعالى ‪:‬‬

‫)سورة التوبة(‬
‫الدب الول التذلل والتواضع ‪ ،‬الثاني ؛ أن تحممب معممالي المممور ‪ ،‬وأن‬
‫تكره سفسافها ودنيها ‪ ،‬أحيانا ً تشعر أن هذا النسممان سممخيف ‪ ،‬موضمموعاته‬
‫سخيفة حديثه سخيف ‪ ،‬اهتماماته سخيفه ‪ " :‬إن الله يحممب معممالي المممور‬
‫ويكره سفسافها ودنيها " ‪.‬‬
‫ق المؤمن بأخلق هذا السم العلي ؛ أن تحب معالي المور ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫من تخل ِ‬
‫ف ِ‬
‫أن تهتم بأمر آخرتك‪ ،‬أن تهتم بنشر الحق ‪ ،‬ل أن تهتم بتزيين البيت لدرجة‬
‫أنك تضحي بكل القيم من أجل ذلك ‪.‬‬
‫أيام النسان كل اهتماماته دنيوية ‪ ،‬وحتى حديثة في موضوعات‬
‫سخيفة ‪ ،‬مزاحه منحط ‪ ،‬نظراته مريبة ‪ ،‬حركاته شاذة ‪.‬‬
‫روي ‪ " :‬إن الله يحب معالي المور ويكره سفسافها ودنيها " ‪ ،‬يعني‬
‫أي شيء إذا قسمته إلى درجات ؛ فالله سبحانه وتعالى فوق الخلق فيها‬
‫وحده ‪ ،‬أي شيء ؛ بمكارم الخلق ‪ ،‬بالقدرات‪ ،‬بالحكم ‪ ،‬بالعلم ‪ ،‬بالعقل ‪،‬‬
‫‪11‬‬

‫فهنيئا ً لمن عرف الله ‪ ،‬هنيئا ً لمن اتجه إليه ‪ ،‬هنيئا ً لمن اكتفى به ‪ ،‬حسبي‬
‫الله ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫ن الملك ؟ قال أنت ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫قال ملك لوزيره ‪ ،‬والملك كان جبارا ‪ ،‬قال ‪َ :‬‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ..‬الملك رجل ل نعرفه ول يعرفنا ‪ ،‬له بيت يؤويه ‪ ،‬وزوجة ترضيه ‪،‬‬
‫ورزق يكفيه ‪ ،‬إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا ‪ ،‬وإن عرفناه جهدنا في‬
‫إذلله ‪.‬‬
‫لذلك النسان حينما يتجه إلى الله ‪ ،‬وُيحسب على الله ‪ ،‬ويكون الله‬
‫حسبه ‪ ،‬ومعرفة الله محط رحاله وغاية آماله ‪ ،‬النسان إذا كان كذلك فقد‬
‫سعد في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫الن حظ آخر من حظوظ العبد مع هذا السم العظيم ‪ ،‬قال ‪ " :‬أل‬
‫يتصور أن له علوا ً مطلقا ً " ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫)سورة يوسف(‬
‫ن أعلم‬
‫م ْ‬
‫تروي الكتب ‪ :‬أن سيدنا موسى نبي من أولي العزم ‪ ،‬قال َ‬
‫مني ؟ فجاء سيدنا الخضر وعلمه دروسا ً كثيرة ‪.‬‬

‫)سورة الكهف(‬
‫د؛ أنه‬
‫سبحان الله ‪ ،‬كلما قال النسان أنا ‪ ،‬الله عز وجل يحجمه ! أعتق ْ‬
‫فوق كل ذي علم عليم ‪ ،‬فوق كل غني أغنى ‪ ،‬كل قوي أقوى ‪ ،‬كل عالم‬
‫أعلم ‪ ،‬هذا المعنى يجعلك متواضعا ً ‪.‬‬
‫لكن قال العلماء إستثناًء ‪ " ،‬هناك مرتبة ليس فوقها مرتبة على‬
‫الطلق ؛ هي مرتبة النبي عليه الصلة والسلم سيد الخلق وحبيب الحق‬
‫"‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ " :‬في بعض الدعية ‪ :‬إلهي ‪ ،‬أنت العلي المنزه عن‬
‫الحدود ‪ ،‬والجهات ‪ ،‬المقدس عن الوهام والخطرات ‪ ،‬جعلت الشرف‬
‫العلى لمن لجأ إليك ‪ ،‬وأعطيت المقام الرفيع لمن توكل عليك "‪.‬‬
‫أيها الخوة ‪ :‬اسم العلي ورد في القرآن كثيرا ً لكنه ورد في آية‬
‫الكرسي وقد ختمت به آية الكرسي ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫)سورة البقرة آية ‪(255‬‬


‫‪12‬‬

‫كن مع العلي ‪ ،‬ول تكن مع الدني ‪ .‬كن مع السرمدي ول تكن مع‬


‫الفاني ‪ .‬كن مع القوي ول تكن مع الضعيف ‪ .‬كن مع الرحم ول تكن مع‬
‫القسى ‪.‬‬
‫أيها الخوة ‪ :‬ورد في الحديث القدسي ‪ " :‬من أحبنا أحببناه ‪ ،‬ومن‬
‫طلب منا أعطيناه ‪ ،‬ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا ‪.‬‬

‫والحمد لله رب العالمين‬

‫*****‬

You might also like