Professional Documents
Culture Documents
محمد زفزاف شاعر ومترجم وقاص وروائي مغربي معروف لدى المهتمين بالدب العربي المعاصر ،وهو من جيل محمد
شكري وإدريس خوري ،ومن أخلص أصدقائهما .وهذا الثلثي من جيل مغربي عمل على أن يكون الدب منغرسا في واقع
مجتمعه ،مستلهما أجواءه ومصغيا لنبضه العميق ،واهتم كثيرا بالمهمشين والمسحوقين وبتجليات الفظاعة .وكان الثلثي
يكتب ،كل واحد بمفرده ،بعفوية وبساطة وقسوة ،في لغة عربية حادة كمبضع جراح ،لمعة وأنيقة وماهرة ،وتعرف كيف
.تصور وكيف تخلق صورها الخاصة ،وتثير الفتتان
لم يشتهر محمد زفزاف ،من مواليد 1945ووفاته سنة ،2001شهرة محمد شكري صاحب الرواية ذائعة الصيت مغربيا
وعربيا ودوليا »الخبز الحافي« ،وإن كان أصاب البعض من الشهرة بعد موته ،خصوصا عند تصدى القوى المحافظة،
ممثلة في حزب العدالة والتنمية السلمي ،سنة ،2009لمنع تدريس روايته »محاولة عيش« في القسام العدادية
.بالمغرب ،على اعتبار أنها رواية ل أخلقية وتفسد تربية اليافعين
والغريب هنا أن أكثر الروايات العربية التي اشتهرت حازت شهرتها من تصدي المحافظين لها وتنديدهم بها ومحاولتهم
منعها وإلغائها ،نذكر على سبيل المثال رواية »أولد حارتنا« لنجيب محفوظ ،و»موسم الهجرة إلى الشمال« للطيب صالح،
و»الخبز الحافي« لمحمد شكري ،و»وليمة لعشاب البحر« لحيدر حيدر… لكأن الرواية التي ل تلفت انتباه القوى
المحافظة ول تثير ردودهم العنيفة ليست في عداد الرواية ،وهذا موضوع مؤلم يحيلنا على وضع ثقافتنا العربية التي تعمل
!بالسلب ل باليجاب ،بالنفعال ل بالفعل ،إذ هي حين تمنع تصنع ،وحين تنفعل تفعل ،ولعلها في ذلك على حق ،وأي حق
على كل ،ما يهمنا في هذه الورقة هو محمد زفزاف ،ل بما هو كاتب جدير بالتبجيل والحفاوة والنظر في مدونته الواسعة
.قصصا وروايات ،ولكن كاسم ،بل تحديدا كلقب
حين وفاته في شهر سبتمبر 2001بعد مرضه العضال ،كتب عنه أحد المحررين في احدى الجرائد مقال بالمناسبة ودفعه
للنشر ،وحظي المقال بموافقة مسؤول التحرير ،لكنه لم يحظ بموافقة التقني المكلف بالتصفيف والتركيب ،الذي امتنع عن
القيام بواجبه المهني ،وكانت حجته في ذلك أن ضميره الديني ل يسمح له بالموافقة أن يقترن اسم محمد عليه الصلة
».والسلم بلقب »زفزاف
وزفزاف في العامية التونسية هو الكذاب ،بل الكثير الكذب ،ول يمكن أن يكون سيدنا محمد »زفزافا« ،وكانت حجة التقني
محل إجماع من قبل فريق القسم التقني كلهم ،بصورة تهدد بالمواجهة الملتبسة بين مقتضيات المهنة والمعتقدات الدينية
والضللت الشعبوية ،وتهدد خصوصا بتعطل الجريدة اليومية عن الصدور في ميقاتها ،وما سيستتبع ذلك من فوضى
.ومشاكل
وبعد مفاوضات مضنية ومنهكة للعصاب ومهلكة للغة والقاموس تم التوصل إلى حل رديء ،ولكنه حل ضروري ،أن
يحذف اسم محمد من المقال ،ويحتفظ بلقب زفزاف ،ويكون العنوان »وفاة زفزاف« ،بما شكل غبطة وانتصارا لدى الفريق
التقني وعمال الجريدة ،وبعض محرريها .وكأن جميعهم ارتاح من أحد الزفزافين ،والدور ،إن شاء ال ،على البقية من
.الزفزافين ،كافتهم
كان مسؤول التحرير مخذول ومتألما ،وكانت معدته تعتصره وكان سكره في هبوط وضغط دمه في طلوع ،لنه لم يفلح في
إقناع فريق العاملين معه أول أن الخبر مقدس والسماء واللقاب محفوظة لصحابها ،مهما كان اعتراضنا عليها ،وثانيا أن
معنى كلمة »زفزاف« في اللغة العربية الفصيحة ليس لها نفس المعنى في اللغة العامية .فزفزاف الفصحى من الزف
.والزفاف والبهجة ،أو من الزفيف ،كريح شديدة .ول علقة لكلمة زفزاف بالكذب أبدا في اللغة الفصيحة
ولكن متى انتصر المنطق والتاريخ والفصاحة أمام الغوغائية وما رسخ في الذهان من عاميات لغوية ومعان؟
ل يكون ذلك ،على الرجح ،كما هجس مسؤول التحرير ،إل حين يتحول الكتاب العرب إلى زفزاف ،وقبل ذلك إلى محمد،
وإلى كاتب مغربي ،نصه جوهري ،ورسمه قديس يسكن في متشرد ،له لحية طويلة وملمح صينية ،واسمه محمد زفزاف،
وذلك لكي يزفوا وجودهم الراهن إلى زمنهم الراهن ،في حادثة زفاف بل نواح وبل كثير زغاريد ،وخصوصا بل فقدان،
.وبل زفزفة عامية
ثمة دكتاتورية للجهل ،دكتاتورية بلوريتاريا المعنى الرث ،ويقوم عليها سدنة لهم سلطة ،ل بد من زفزفتها برياح عاتية ،تلك
.بداية من بدايات الطريق ،بل محيد .فكل زفاف ل يخلو من دم بكارة ،أو دم ذبائح