You are on page 1of 5

‫( المسيح وأمه ( عليهما السلم‬

‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬

‫المسيح وأمه ( عليهما السلم )‬


‫معالم وبراهين‬
‫***‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمسد ل الواحسد فسي ذاتسه وصسفاته وأفعاله‪ ،‬الذي هسو على كسل شي ٍء قديسر‪،‬سسبحانه ليسس كمثله شيءٌ وهسو السسميع‬
‫البصسير‪ ،‬مسا اتخسذ صساحبةً ول ولدا‪ ،‬أحمده بمسا هسو له أهسل مسن الحمسد وأثنسي عليسه‪ ،‬وأسستغفره مسن جميسع الذنوب‬
‫وأتوب إليسه‪ ،‬وأومسن بسه وأتوكسل عليسه‪ ،‬مسن يهده ال فل مضسل له ومسن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهسد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريسسك له‪ ،‬خلق فسسسوى وقدّر فهدى وله مسسا فسسي الخرة والولى‪ ،‬وأشهسسد أن سسسيدنا ونبينسسا محمداً عبده‬
‫ورسسوله‪ ،‬أرسسله ال على فترة مسن الرسسل مصسدقًا لمسا بيسن يديسه مسن الكتاب ومهيمنًا عليسه‪ ،‬فبلغ رسسالة ربسه وأدى‬
‫أمانته ونصح هذه المة وانجابت عنها بطلعته الظلمة‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى‬
‫تابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،،،،‬فالسلم عليكم أيها الخوة الحضور ورحمة ال وبركاته‪،،،‬‬
‫بادئ ذي بدء أهنئ نفسي وأهنئكم بهذه المناسبة الطيبة الكريمة التي نتفيأ ظللها‪ ،‬مناسبة الشهر الكريم الذي جعله‬
‫ال سسبحانه وتعالى شهسر بر ورحمةٍ وإحسسانٍ ومغفرةٍ ورضوان تُفتّ فيسه أبوابُس السسماء وتُوصسد فيسه أبواب النار‬
‫وتُصفد فيه مردة الشياطين‪ ،‬فالحمد ل على هذه النعمة الكبيرة‪.‬‬
‫ثم إني أعتذر إليكم لنني ل أجد عندي بضاعةً أقدمها بين يديكم‪ ،‬فقبل كل شيء لم أستعد للحديث وكما قيل من قبل‬
‫( إن أبا بكر وعمر ليُعدان لمثل هذا المقام مقال )‪ ،‬ولئن كان ذلك في أمثال أولئك فكيف بحال مثلي؟!! وهل يمكن‬
‫أن يُقرن بيسن الذبالة والغزالة؟!! أو يُجمسع ما بيسن الضراح والضريح؟!! وإنمسا هي بضاعةٌ مزجاة‪ ،‬فقبل كسل شيء‬
‫لم أعد لهذا المقام شيئاً من المقال لن الذي نما إلى علمي أنني سأكون مُعقّبا‪ ،‬والمُعقّب يمكن أن يلتقط من هنا كلمة‬
‫ومن هناك أخرى ليلفق بينهما ثم يتقدم بما يلتقطه إلى الناس المستمعين‪ .‬أما وقد وضعت أمام المر الواقع فإنني‬
‫سأستعين ال تبارك وتعالى وكفى بال معيناً‪.‬‬
‫ل قبسسل كسسل شيسسء ممسسا ل يحتاج إلى تأكيسسد أن القرآن الكريسسم هسسو كتاب ال سسسبحانه وتعالى الذي لم تطله أيدي‬ ‫أو ً‬
‫المحرفين والمبدلين‪ ،‬فقد صانه ال سبحانه وتعالى كما وعد فيه بأن يحفظه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‬
‫" ‪ ،‬ولذلك كل ما فيه إنما هو حقائق‪ ،‬ول يمكن أن يُقال إن ما في القرآن نظريات لن النظريات إنما تأتي من قبل‬
‫البشر وما في القرآن إنما هو من عند ال‪ ،‬فكل حرفٍ من حروف القرآن هو من تنزيل ال سبحانه الذي نزله على‬
‫قلب خاتسم النسبيين – عليسه وعلى آله وصسحبه أفضسل الصسلة والتسسليم ‪ .-‬وقسد جاء القرآن الكريسم بالحقائق التسي ل‬
‫تحتاج إلى مزيدٍ مسن الدللة فقبسل كسل شيسء جاء ليوقسظ هذه الفطرة النسسانية‪ ،‬ثسم ليأخسذ بهذا العقسل البشري ويطوف‬
‫بسه فسي آفاق الكون مسن أجسل أن يتبصسّر وأن يتدبّر اليات العظمسى آيات ال التسي تتجلى فسي النفسس والفاق حتسى‬
‫يتبين للناس أنه الحق‪.‬‬
‫ومسسن القضايسسا التسسي طرحهسسا القرآن الكريسسم قضيسسة وحدانيسسة ال سسسبحانه وتعالى‪ ،‬فقسسد جاء بهسسا بأدلتهسسا الواضحسسة‬
‫المشهورة التسي ل يحتاج المرء بعدهسا إلى أي برهانٍس آخسر‪ ،‬فقسد أثبست القرآن أن ال تبارك وتعالى إلهٌس واحدٌ‪ ،‬وهسو‬
‫واحدٌ في ذاته وواحدٌ في صفاته وواحدٌ في أفعاله‪ " ،‬ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير "‪ " ،‬لم يلد ولم يولد *‬
‫ولم يكسن له كفواً أحسد *"‪ .‬وقسد قرن القرآن الكريسم الحقائق التسي يعرضهسا بالدلة العقليسة‪ ،‬فعندمسا ذكسر وحدانيسة ال‬
‫سسبحانه وتعالى بيّن الشواهسد التسي تتجلى فسي هذه الفاق للناس بأن ال تبارك وتعالى إلهٌس واحدٌ‪ ،‬فقسد قال ‪ " :‬وإلهكسم‬
‫إلهٌس واحدٌ ل إله إل هسو الرحمسن الرحيسم "‪ ،‬ثسم أتبسع ذلك قوله ‪ " :‬إن فسي خلق السسموات والرض واختلف الليسل‬
‫والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل ال من السماء من ما ٍء فأحيا به الرض بعد موتها‬
‫وبث فيها من كل داب ٍة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليا تٍ لقوم يعقلون "‪ ،‬فأثبت من‬
‫خلل هذه اليات التسي عرضهسا أن ال تبارك وتعالى إلهٌس واحدٌ‪ ،‬إذ الكون بأسسره بكسل مسا فيسه يعسبر عسن ذلك بلسسان‬
‫حاله‪ ،‬فإنه وحدةٌ متكاملةٌ كل جزء من هذه الوحدة مكمل لبقية الجزاء‪ ،‬فل يمكن مع كونه وحد ًة متكامل ًة أن يكون‬
‫صسسادراً إل عسسن مكون سٍ واحدٍ‪ ،‬إذ لو كان هنالك أكثسسر مسسن مكوّن لكان كسسل واحدٍ منهسسم إرادةٌ مسسستقلةٌ‪ ،‬وعنسسد تعدد‬
‫الرادات ل بد من الختلف في المراد‪.‬‬
‫ثم إن القرآن الكريم بين أن ال سبحانه وتعالى بما أنه إل هٌ واحدٌ ل شريك له في ملكه ول منازع له في سلطانه ول‬
‫مشابسه له فسي ذاتسه ول فسي صسفاته فإنسه – ول ريسب – أنسه مسا اتخسذ صساحبةً ول ولداً‪ ،‬وعندمسا رد على أولئك الذيسن‬

‫‪1‬‬
‫( المسيح وأمه ( عليهما السلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫زعموا أنه سبحانه وتعالى اتخذ ولداً بيّن أنه له ما في السماوات وما في الرض‪ ،‬يقول ال سبحانه‪ " :‬وقالوا اتخذ‬
‫ال ولداً سبحانه بل له ما في السموات وما في الرض كلٌ له قانتون "‪ ،‬وهذا يعني أنه يستحيل أن يكون شي ٌء مما‬
‫في السماوات أو ما في الرض ولداً له سبحانه إذ كل ما في الكون إنما هو ملكٌ له‪ ،‬والولد هو من جنس أبيه‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أنسه لو كان له ولدٌ – سسبحانه – لكان ذلك الولد مجالسساً له‪ ،‬ومعنسى ذلك أنسه يكون إلهاً ربًا مثله وهذا يتنافسى‬
‫مسع كون كسل مسا فسي الكون ملك له سسبحانه‪ ،‬فلو كان هنالك ولد كيسف يكون هذا الولد مسن جانبٍس ملكًا ل ويكون مسن‬
‫جانبسٍ آخسسر هسسو مثلً له سسسبحانه وتعالى؟!! هذا‪ ،‬ومسسن المعلوم أن نفوس المخلوقيسسن تطمسسح فسسي الذريسسة بسسسبب أن‬
‫المخلوق ضعيف‪ ،‬فالنسان قبل كل شيء وهو في مقدمة هذه المخلوقات شرفاً ومزيّة يجد نفسه ضعيفاً ويريد أن‬
‫يستعين بغيره وأقرب من يستعين به هو ولده الذي هو بضع ٌة منه‪ ،‬فلذلك كان النسان من بين هذه المخلوقات التي‬
‫تتوالد أحرص ما يكون على أن يكون له ولد‪ ،‬فمن كان ل ولد يحس بالحرمان ويحس أنه فقد أعظم شيء يُعتز به‬
‫في هذه الحياة‪.‬‬
‫على أن النسسان بقاؤه فسي هذا الوجود بقاء محدود وقدرتسه هسي قدرة محدودة‪ ،‬فالحياة كلهسا محدودة‪،‬ولكسن الكائنات‬
‫تتفاوت في هذه الحياة‪ ،‬فمن الكائنات ما يُنسأ له في أجله ومنها ما يكون قصير الجل‪ ،‬وما كان قصير الجل يكون‬
‫أكثسر توالداً مسن غيره وما يكون طويسل الجل قسد ل يكون متوالداً كالملئكسة الكرام فقسد أنسسأ ال سسبحانه وتعالى فسي‬
‫أعمارهم وأمد في آجالهم فلذلك لم يجعلهم يتوالدون‪ .‬ومع كون النسان قصير العمر‪،‬هو أيضاً المرحلة التي يتمتع‬
‫فيها بالفتوة والقوة هي مرحلة قصيرة‪ ،‬وبما أنه قصير العمر ويعلم أنه ينتقل من هذه الحياة إلى موت فإنه يحرص‬
‫دائمسا على أن يكون له وجو ٌد بعسد حياتسه هذه يتمثسل هذا الوجود فسي الذريسة التسي تسستمر مسن بعده‪ ،‬كمسا أنسه يحرص‬
‫على أن يشاهسد الفتوة والقوة تنتقسل عنسه إلى ولده عندمسا يبلغ مسن الكسبر عتيّأ ويكون ضعيفًا يعجسز عسن تحمسل أعباء‬
‫هذه الحياة‪ ،‬وهذا كما يقول الشاعر التهامي‪-:‬‬
‫وقلت شباب ابني شبابي وإنما ‪ ......‬تنقّل شطر العمر مني إلى شطر‬
‫فهو يرى شبابه في شباب ولده ويُس ّر بذلك لنه كأنما لم يفقد الشباب‪ .‬وال تبارك وتعالى وهو الزلي الذي ل أول‬
‫له وهسو البدي الذي ل آخسر له‪ ،‬فهسو سسبحانه وتعالى وجوده سسابقٌ على وجود غيره وهسو غيسر محدود بأمسد ل فسي‬
‫البداية ول في النهاية فوجوده غير مسبوق بعدم ولن يأتي من بعده عدم‪ ،‬إذن كيف يكون ال تبارك وتعالى بحاجة‬
‫إلى الولد؟!!! تعالى ال عن ذلك علوًا كبيراً‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم نفى عن ال تبارك وتعالى اتخاذ الصاحبة والولد‪ ،‬وفي معرض النفي – نفي اتخاذ الولد – بيّن أنه‬
‫كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة – سبحانه وتعالى‪ .‬والمسيح عليه السلم هو عبدٌ من عباد ال‪ ،‬هو من جنس‬
‫البشر تسلسل من آدم عليه السلم إلى مريم العذراء‪ ،‬فهسو – عليه السلم – كسائر البشر‪ .‬على أن الذيسن قالوا بأن‬
‫ال سسبحانه وتعالى اتخذه ولداً زعموا بأنسه اتخذه ولداً وأنزله إلى الرض وجعسل مريسم تحمله ثسم تلده مسن أجسل أن‬
‫يكون سسببًا لتكفيسر خطيئة البشسر التسي ارتكبهسا آدم عليسه السسلم‪ .‬ولننظسر‪ ،‬قبسل كسل شيسء مسا هسي هذه الخطيئة؟ هذه‬
‫الخطيئة التي يزعمونها إنما هي أكل آدم وحواء – عليهما السلم – من الشجرة التي نهاهما ال سبحانه وتعالى أن‬
‫يقتربسا منهسا‪ ،‬ول ريسب أن فسي أكلهمسا مخالفسة لمسر ال سسبحانه وتعالى‪ ،‬ولكسن قبسل كسل شيسء نجسد أن القرآن الكريسم‬
‫يثبت أن آدم عليه السلم نسي عندما أقدم على هذا الشيء " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا "‪،‬‬
‫فال سبحانه وتعالى برّأه من التعمد لرتكاب الخطيئة إذ قال بأنه نسي ولم يكن ما ارتكبه عمدًا منه‪ .‬فهذه الخطيئة‬
‫إن سسميت خطيئة إنمسا ذلك مسن باب أن يُقال بأن حسسنات البرار سسيئات المقربيسن‪ ،‬ذلك لن آدم هسو صسفي ال وقسد‬
‫كان حريّا بأن يكون ذاكرًا لعهسسد ربسسه حريصسساً على تذكره باسسستمرار‪ ،‬وقسسد حذره ال سسسبحانه وتعالى مسسن مكائد‬
‫الشيطان ونهاه عسن قربان تلك الشجرة‪ .‬هذه الخطيئة عندما تُقرن بقتل النفس ماذا عسى أن يكون قدرها؟! وعندما‬
‫تكون هذه النفسس هسي نفسس ابسن ال سسبحانه وتعالى‪ ،‬كيسف يكون قتسل ابسن ال سسبحانه وتعالى وصسلبه كفار ٌة لتلك‬
‫الخطيئة التي ارتكبت عن غير عمد؟!! هذه قضية يدركها العاقل من أول وهلة لنها مرفوضةٌ فطرةً وعقلً‪.‬‬
‫على أن أولئك الذين زعموا أن المسيح عليه السلم هو اب نٌ ل سبحانه وتعالى يعترفون أحياناً يعترفون أحياناً بأنه‬
‫عبسسد ويعترفون بأنسه إنسسان مسن الجنسس البشري‪ ،‬ويدّعون مسسع ذلك تارةً أنسه ابنٌس ل وتارةً أخرى يقولون هسسو ال‪.‬‬
‫والناجيل الربعة المحرفة جاءت بهذا التناقض العجيب‪ ،‬ففي أحدها هو عبد وفي الثاني هو إنسان وفي الثالث هو‬
‫ابنٌس ل وفسي الرابسع هسو ال‪ .‬ثسم فسي تقديسم المقدم لهذه الناجيسل جاء بأنسه ل تناقسض مسا بيسن هذا الذي قيسل فيهسا‪ ،‬فهذا‬
‫العبسد هو ذلك النسان وهو ذلك البن وهو ال تعالى ال عن ذلك‪ ،‬فكيف يكون هذا النسان هو ال أو اب نٌ ل؟!!!‬
‫وكيف يكون هذا العبد هو ال سبحانه وتعالى أو هو ابناً ل؟!!! وعرضت هذه القضية على الساقفة من النصارى‬
‫وطلبت منهم الجابة عن هذه المشكلة وقد حاولوا أن يلفوا ويدوروا حول ذلك ولكنهم ما استطاعوا أن يأتوا بشيء‬
‫وقالوا بأن العقل يقف حائراً أمام هذا المر وما على العقل إل أن يستسلم لما جاء به الدين‪ ..‬ولكن كيف يكون هذا‬
‫الدين مناقضاً للعقل؟!!!‪.‬‬
‫ونحسسن عندمسسا نقلب صسسفحات القرآن الكريسسم لنتأمسسل اليات الكريمسسة‪ ،‬آيات ال تعالى المنزلة‪ ،‬نجسسد أن ال سسسبحانه‬
‫وتعالى يقرن الحقائق التسي يعرضهسا فيمسا يتعلق بجانسب اللوهيسة بالدلة العقليسة بمسا تسستسيغه العقول وتقبله الفِطَر‬
‫ول تجد إل أن تُسلّم له تسليماً‪ .‬والقرآن الكريم جاء بالوسطية فهو لم يغالي في المسيح وأمه حتى يصفهما بصفات‬
‫اللوهيسة وهسو أيضًا لم يغمطهمسا حقهمسا ولم يرمهمسا بالتهسم حتسى يجعلهمسا شيطانيسن مسن البشسر‪ ،‬فالقرآن الكريسم كرّم‬

‫‪2‬‬
‫( المسيح وأمه ( عليهما السلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫المسيح عليه السلم وكرّم أمه عليها السلم ونزلت في القرآن الكريم سورة سميت باسم مريم عليها السلم تخليدًا‬
‫لذكراها وتنويهًا بعفتها وبياناً لقدرها‪ .‬كذلك نجسد فسي هذه السسورة وفي سو ٍر متعددة فسي القرآن الكريم ذكر المسيح‬
‫عليسه السسلم بأحسسن الوصساف ولكسن مسع ذلك لم يخرج المسسيح فسي وصسف القرآن عسن كونسه عبداً ل تعالى ولم‬
‫تخرج مريم العذراء عليها السلم عن كونها أمةً ل سبحانه وتعالى‪ .‬فاليهود جعلوا مريم بغيّة – كرمها ال ونزهها‬
‫‪ ،-‬وجعلوا المسيح عليه السلم ابن زنى – كرمه ال تعالى ونزهه عن ذلك ‪ .-‬والنصارى غالوا فيهما حتى جعلوا‬
‫المسيح ابناً ل أو جعلوه أنه هو ال‪ ،‬ورفعوا منزلته إلى مقام اللوهية ووصفوه بما وصفوه به من الصفات التي ل‬
‫تليسق بالنسسان‪ ،‬مسع أنهسم فسي ذلك – كمسا قلت – متناقضون‪ ،‬فقبسل كسل شيسء كيسف يمكسن أن يكون هذا الذي يُوصسَف‬
‫بصسفات اللوهيسة كيسف يمكسن أن تجتمسع فيسه صسفات اللوهيسة وصسفات البشريسة معاً؟!! والنصسارى هسم مختلفون‬
‫بأنفسسهم فسي هذا المسر ‪..‬هسل صسفات الناسوتية ذابست فسي صفات اللوهيسة فسي المسسيح عليسه السسلم حتسى لم تبسق فيسه‬
‫صفة الناسوتية أو أنها ازدوجت صفات الناسوتية وصفات اللوهية فكان ناسوتياً لهوتياً في نفس الوقت؟ هذا أمر‬
‫اختلفوا فيسه‪ ،‬وقسد أدى الخلف فسي الكنائس النصسرانية إلى الصسراع بيسن طائفتيسن مختلفتيسن فسي العتقاد فسي هذا‬
‫المر‪ ،‬أدى المر إلى صراعٍ ليس صراعاً جدلياً فحسب بل كان صراعًا دموياً عسكريًا دام فتر ًة من الوقت‪.‬‬
‫وممسا طرحتسه على بعسض هؤلء الذيسن ينتسسبون إلى هذا الديسن مسن السسئلة‪ :‬هسل المسسيح عليسه السسلم عندمسا حملتسه‬
‫مريسم كان بشراً خالصساً أو أنسه كان متصسفاً بصسفات اللوهيسة فسي نفسس الوقست؟ فأثبتوا أنسه كان متصسفاً بصسفات‬
‫اللوهية‪ .‬وسألتهم‪ :‬هل كان المسيح عليه السلم قبل ذلك موجوداً قبل أن تحمله مريم عليها السلم أو أنه خُلِق خلقاً‬
‫جديداً؟ فادّعوا أنسه كان موجودًا مسن قبسل‪.‬وهذا مسن التناقسض العجيسب‪ ،‬كيسف يكون هذا الذي فيسه صسفات اللوهيسة‬
‫والذي تحمله امرأة فسسي رحمهسسا ثسسم تلده كمسسا تلد سسسائر النسسساء بمخاض كيسسف يمكسسن أن يكون متصسسفاً بصسسفات‬
‫اللوهية؟!! هذا أمرٌ عجيب‪.‬‬
‫القرآن الكريسم أثبست قبسل كسل شيسء أن ال سسبحانه وتعالى كرّم المسسيح عليسه السسلم بالرسسالة وأنسه قسد خلت مسن قبله‬
‫الرسل فهو ليس بدعاً من الرسل وأن مريم عليها السلم هي صدّيقة‪ ،‬فهي وفية قائمة بأمر ال من أولياء ال تعالى‬
‫المتقين البرار‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ما المسيح بن مريم إل رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة‬
‫كانا يأكلن الطعام "‪ ،‬فهما كسائر البشر كانا يأكلن الطعام‪ ،‬كانا بحاجة إلى الغذاء بل لم يكونا كالملئكة الذين هم‬
‫ليسسوا بحاجسة إلى غذاء مادي‪ ،‬وإنمسا كانسا بحاجسة إلى غذاء مادي‪ ،‬فكيسف يكون الذي بحاجسة إلى غذاء مادي كيسف‬
‫يكون إلهاً أو ابنًا ل ومعنى كونه ابنًا ل أنه جز ٌء من ال انفصل عنه سبحانه وتعالى عن ذلك؟!!‪.‬‬
‫وال سبحانه وتعالى يبين في كتابه الكريم أن المسيح عليه السلم تسبرأ نف سُه مما وُ صِف به من صفات اللوهية‪،‬‬
‫فقد قال ال تبارك وتعالى في محكسم كتابه العزيسز ‪ " :‬لقسد كفر الذيسن قالوا إن ال هو المسيح عيسى بسن مريم وقال‬
‫المسسيح يسا بنسي إسسرائيل اعبدوا ال ربسي وربكسم إنسه مسن يشرك بال فقسد حرم ال عليسه الجنسة "‪ ،‬نجسد أن المسسيح هنسا‬
‫يتسبرأ مما نُ سِب إليه ويدعو بني إسرائيل إلى أن يعبدوا ال الذي هو ربه وربهم‪ ،‬ثم يخيفهم عاقبة الشراك ويبين‬
‫أن مسن أشرك بال فقسد حرم ال عليسه الجنسة ومأواه النار‪ .‬ويقول ال سسبحانه وتعالى ‪ " :‬لقسد كفسر الذيسن قالوا إن ال‬
‫هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من ال شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الرض جميعاً "‪،‬‬
‫فلو أراد ال سبحانه وتعالى إهلك المسيح بنقمةٍ منه أو إهلك أمه أو إهلك من في الرض جميعاً لو أراد تعذيبهم‬
‫من يملك دفع ذلك؟!! بهذا يتبين أن المسيح عليه السلم ما هو إل عبدٌ ل تعالى خاض ٌع منيبٌ‪ ،‬وأنه عليه السلم هو‬
‫بحاجسة إلى رحمسة ال تعالى وبحاجسة إلى عفوه – عز وجسل ‪ ،-‬وبحاجسة إلى لطفسه‪ ،‬فمسن الذي يدفسع عنسه المكروه إل‬
‫ال؟!! ولو كان هسو إلهاً لكان قادراً على دفسع المكروه عنسه بنفسسه‪ ،‬ولو كان هسو ابناً ل سسبحانه وتعالى لكان متصسفاً‬
‫بصسفات اللوهيسة لن البسن يكون مسن جنسس أبيسه‪ ،‬فبمسا أن الب إله وله ابسن – تعالى ال عسن ذلك – ل بسد مسن أن‬
‫يكون البسن أيضًا متصسفاً بصسفات اللوهيسة‪ ،‬ومسن كان متصسفاً بصسفات اللوهيسة فهسو قادرٌ على كسل شيسء ل يحتاج‬
‫إلى غيره لدفع المكروه عنه‪ .‬وما يتشبثون به من كونه خُلق من غير أب وكان حمله بطريق ٍة ل بالطريقة المألوفة‬
‫عنسد البشسر جاء القرآن الكريسم بمسا ينقسض ذلك إذ ال سسبحانه وتعالى أثبست أنسه عليسه السسلم إنمسا كان بكلمسة مسن ال‪،‬‬
‫فال سسبحانه وتعالى يحكسي بشارة الملئكسة لمريسم العذراء عليهسا السسلم " إذ قالت الملئكسة يسا مريسم إن ال يبشرك‬
‫بكلمةٍ منسه اسسمه المسسيح عيسسى بسن مريسم وجيهًا فسي الدنيسا والخرة ومسن المقربيسن * ويكلم الناس فسي المهسد وكهلً‬
‫ومن الصالحين *"‪ ،‬وهي بنفسها تعجبت من ذلك كيف يكون لها ولدٌ ولم يمسها أحد من البشر " قالت أنّى يكون‬
‫لي ولدٌ ولم يمسسسسني بش ٌر قال كذلك ال يخلق مسسا يشاء إذا قضسسى أمراً فإنمسسا يقول له كسسن فيكون "‪ ،‬فهسسو كان بهذه‬
‫الكلمة اللهية‪ ،‬كلمة " كن " التي أوجدته من عدم كما أوجدت هذا الكون الذي لم يكن له أصلٌ من قبل في الوجود‬
‫وإنمسا حدث بأمسر ال سسبحانه وتعالى بقوله‪ " :‬كسن "‪ " ،‬إنمسا أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كسن فيكون "‪ ،‬ذلك أمسر‬
‫عبّر عنسه بالكلمسة لن خلقسه كان بسسبب هذه الكلمسة مسن ال تبارك وتعالى‪ ،‬وإل فهسو بشسر‬ ‫ال سسبحانه‪ .‬فهسو كلمسة‪ُ ،‬‬
‫ولكن خلقه لم يكن بطريقةٍ طبيعيةٍ مألوفةٍ عند البشر وإنما كان بما يخرق نواميس هذا الكون‪ ،‬وال سبحانه وتعالى‬
‫هو الذي أوجد هذه النواميس وعندما يريد خرقها فإن ذلك مقدورٌ عليه‪ ،‬إذ هو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير‪،‬‬
‫فمن قدر على إيجاد هذه النواميس الكونية هو قادرٌ على تبديلها متى شاء بما يريد عز وجل‪.‬‬
‫وبيّن أن ذلك ليس ببدعة‪ ،‬فلئن كان خُلِق بغير أب فآدم عليه السلم خُلق من غير أبٍ ومن غير أم‪ ،‬يقول ال تعالى‪:‬‬
‫" إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من ترا بٍ ثم قال له كن فيكون "‪ ،‬فعيسى عليه السلم خُلق كما خُلق آدم‬

‫‪3‬‬
‫( المسيح وأمه ( عليهما السلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫عليسه السسلم مسن غيسر أن يكون خلقسه بطريقةٍ طبيعيسة بتلقسي الخليتيسن‪ :‬الخليسة الذكريسة والخليسة النثويسة‪ ،‬وإنمسا كان‬
‫بمجرد كلمة " كسن "‪ ،‬فهو مشاب ٌه لدم من حيث الحيثيسة‪ ،‬أما من حيسث كونه حملتسه أمه ووضعته أمه فهسو يختلف‬
‫عن آدم في ذلك‪.‬‬
‫وال سبحانه وتعالى ذكر في كتابه أن عيسى عليه السلم تنصل وتبرأ مما نسبه إليه هؤلء الذين ألصقوا به من‬
‫الصفات ما ل يليق بالبشر‪ ،‬فال سبحانه وتعالى يقول‪ " :‬وإذ قال ال يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني‬
‫وأمي إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما نفسي‬
‫ول أعلم مسا نفسسك إنسك أنست علم الغيوب * مسا قلت لهسم إل مسا أمرتنسي بسه أن يعبدوا ال ربسي وربكسم وكنست عليهسم‬
‫شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيءٍ شهيد * "‪ ،‬فقد تبرأ من ذلك وبيّن‬
‫أنسه مسا قال لهسم إل " اعبدوا ال ربسي وربكسم "‪ ،‬وأنسه ليسس له الحسق أن يدعسي ذلك‪ ،‬وأنسه لو كان قال ذلك لعلمسه ال‬
‫تعالى‪ ،‬فإنسه يعلم مسا فسي طوايسا نفسسه ومسا فسي خفايسا ضميره‪ ،‬بينمسا هسو ل يعلم مسن علم ال شيئًا إل مسا علمسه سسبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وهذا ممسا يدل أيضاً على أنسه عبدٌ‪ ،‬فمسن كان ل يحيسط بكسل شيٍس علمًا إنمسا هسو متصسفٌ بصسفات العبوديسة‬
‫وليس متصفًا بصفات الربوبية إذ الربوبية تقتضي الحاطة بكل شيءٍ علماً‪.‬‬
‫وال سبحانه وتعالى أقام الحجة في كتابه على أهل الكتاب الذي غلوا في المسيح عليه السلم‪ ،‬فقال لهم ‪ " :‬يا أهل‬
‫الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل‬
‫"‪ ،‬وقال‪ " :‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تقولوا على ال إل الحق إنما المسيح بن مريم رسول‬
‫ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرٌ لكم إنما ال إل هٌ واحد "؛ نجد‬
‫أن ال سسبحانه وتعالى خاطسب أهسل الكتاب بمسا يدحسض مسا كانوا يزعمونسه مسن أن المسسيح عليسه السسلم هسو ابنٌس ل‬
‫سبحانه وأن ال ثالث ثلثة وينهاهم عن الغلو‪..‬قبل كل شيء ينهاهم عن الغلو في الدين ويأمرهم أن ل يقولوا على‬
‫ال إل الحق ويبين أن المسيح عليه السلم إنما هو رسولٌ من عند ال‪ ،‬فهو جاء ليبلغ رسالة ال كما جاء من قبله‬
‫ح منه‪ ،‬ويأمرهم أن يؤمنوا برسله اليمان الصحيح الذي ل يرفع‬ ‫من الرسل بتليغ رسالة ال‪ ،‬وأنه كلمةٌ من ال ور ٌ‬
‫هؤلء المرسلين إلى درجات اللوهية‪ ،‬فإن المرسلين إنما هم عبادٌ ل وإن تميزوا بما تميزوا به من رجحان العقل‬
‫وصسفاء النفسس وطهارة السسريرة وقوة البصسيرة ونفاذ العقسل‪ ،‬إل أنهسم ل يتعدون طور العبوديسة ول يتصسفون بشيءٍ‬
‫مسن صسفات اللوهيسة‪ .‬يأمسر ال سسبحانه وتعالى أهسل الكتاب أن يلتزموا المنهسج الصسحيح وأن ل يقولوا على ال إل‬
‫الحق‪ ،‬فالمسيح بن مريم إنما هو رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم‪ ،‬كلمة " كن " التي وُجد بسببها وكان ذلك بما‬
‫شاء ال سسبحانه وتعالى أن يكون مسن نفسخ رسسول ال الذي جاء إلى مريسم وهسو روحٌس منسه سسبحانه وتعالى أرسسله‬
‫رسولً إلى مريم من أجل أن ينفخ فيها حتى تحمل بعيسى عليه السلم كما أراد ال تبارك وتعالى‪.‬‬
‫فإذن يتسبين مسن ذلك كله أن مسا جاء بسه القرآن الكريسم مسن العتقاد الصسحيح فسي عيسسى عليسه السسلم إنمسا هسو القول‬
‫الحق وهو القول الوسط فهو لم يحط من قدره وقدر أمه حتى يجعله زنيماً ويجعل أمه بغيًا كما قالت اليهود‪ ،‬وهو‬
‫أيضاً لم يرفسع قدره إلى مرتبسة الربوبيسة أو لم يصسفه أنسه ابنٌس ل كمسا زعسم أولئك الزاعمون‪ .‬على أن النسسان العاقسل‬
‫عندمسا ينظسر فسي هذه المزاعسم يجسد أن هذه المزاعسم انتقلت إلى هذه الديانسة التسي نُسسبت إلى المسسيح عليسه السسلم‬
‫والمسسيح برا ُء منهسا ومسن اعتقادهسا مسن الوثنيات التسي كانست مسن قبسل‪ ،‬وحتسى مسا يقال مسن أن ميلده كان فسي اليوم‬
‫الخامس والعشرين (‪ )25‬من الشهر الثاني عشر ( ‪ )12‬في فصل الشتاء قبل أكثر من عشرين عاماً كتابًا يتحدث‬
‫عن هذه الديانة وما فيها من التناقضات العجيبة وعن ارتباطها بالديانات الوثنية‪ ،‬وقال مؤلف الكتاب بأنه مما ثبت‬
‫أن البوذيين كانوا يعتقدون في بوذا أيضاً أنه ولد في اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر‪ ،‬وكذلك عقيدة التثليث‬
‫كانت موجودة عند البوذيين‪ ،‬وكذلك عقيدة الفداء كانت موجودة عند البوذيين‪ ،‬فهذا خليطٌ جاءوا به من هنا وهناك‪.‬‬
‫وقبسل فتر ٍة مسن الزمسن‪ ،‬قبسل أكثسر مسن عشريسن عاماً وبالتحديسد فسي عام ‪1977‬م‪ ،‬كتسب أحسد علماء النصسارى العرب‬
‫اللبنانيين وأدبائهم وصية نشرتها مجلة الرسالة اللبنانية‪ ،‬هذا العالم الديب هو الشاعر المعروف بالشاعر القروي‬
‫وكان معروفاً أيضًا بالخوري‪ ،‬قال في وصيته هذه‪ ( :‬لقد أثبتت المصارد التأريخية أن يسوع المسيح عليه السلم‬
‫كان يعبسد ال الواحسد الحسد الفرد الصسمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكسن له كفواً أحسد‪ ،‬واسستمر على ذلك أتباعسه إلى‬
‫نهاية القرن الثالث الميلدي عندما تنصر قسطنطين عاهل الروم‪ ،‬فأدخل في النصرانية بدعة التثليث‪ ،‬وماله على‬
‫ذلك بعسض الساقفة وعلى رأسسهم مكاريوس الذي لقب نفسسه أرثوذكسس – أي مسستقيم الرأي ‪ ،-‬وقسد عارضسه سسائر‬
‫السسساقفة وعلى رأسسسهم آريوس‪ ،‬وعُقدت مجامسسع للحوار فاز فيهسسا آريوس بالحجسسة القاطعسسة والحسسق اليقيسسن‪ ،‬ولكسسن‬
‫السلطة التي هي مصدر البلء وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق وظل الحق يتململ في قيده منتظراً‬
‫آريوسسًا جديداً )‪ ،‬ثسم يقول‪ ( :‬وكسم أتمنسى وأنسا الرثوذكسسي المولد أن يكون هذا الريوس بطريركاً بطلً ينفسي عسن‬
‫ديننسا وصسمةً ألصسقها بسه غرباء غربيون‪ ،‬وكثيرًا مسا كان الغرب مصسدر بلءنسا الدينسي والسسياسي معاً‪ ،)..‬ثسم أتبسع‬
‫ذلك قوله ‪ ( :‬وتصسديقاً منسي برسسالة نبينسا العربسي وإيمانًا منسي بمعجزتسه القرآن أردت أن أكون قدوةً لخوانسي أدباء‬
‫النصرانية فأدخل في دين ال‪ ،‬ولكنني رأيت إصلح ديننا الول خيرٌ من النتقال عنه إلى دين جديد‪ ،‬وكخطوةٍ في‬
‫هذا السسبيل أُعلن عسن عزوفسي عسن أرثوذكسسيتي المكاروسسية إلى أرثوذكسسيتي الريوسسية‪ )...‬إلى آخسر مسا جاء فسي‬
‫وصيته هذه‪ ،‬وقد كتب هذه الوصية بعدما بلغ من العمر تسعين عاماً‪ .‬ونجد في كلمه ما يدل‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫( المسيح وأمه ( عليهما السلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫أولً أن الديانسة النصسرانية وعقيدتهسا الثالوثيسة إنمسا هسي بعيدة عمسا جاء بسه المسسيح عليسه السسلم‪ ،‬وأن المسسيح عليسه‬
‫السسلم إنمسا جاء بعقيدة الوحدانيسة‪ ،‬كان يعبسد ال الواحسد الحسد الفرد الصسمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكسن له كفواً‬
‫أحد‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن هذه العقيدة – عقيدة التثليسث – إنمسا جاءت مسن الغرب الوثنسي عندمسا تنصسّر قسسطنطين بعدمسا كان أباطرة‬
‫الروم ضسد هذه الديانة‪ ،‬ضسد ديانة المسسيح عليسه السسلم وما جاء بسه مسن الحق مسن عنسد ال‪ ،‬حتى أنهم كانوا ينكلون‬
‫بأتباع هذه الديانة تنكيلً‪ ،‬ونقل هذا المبراطور المتنصر إلى النصرانية مخلفات ديانته الولى من الوثنية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أن أصحاب البصائر من أتباع المسيح عليه السلم عارضوا ما جاء به هذا الحاكم المتنصر وما وافقه عليه‬
‫الذين مالوه بسبب طمعهم ورغبتهم فيما عنده من المال‪ ،‬وأن الحجة وضحت للناس عندما عُقدت مجامع للحوار‪،‬‬
‫وكان فيمسا أحسسب المجمسع الذي ُألّه فيسه المسسيح هسو مجمسع نيقيّه وهذا المجمسع كان على رأس القرن الثالث أو بعسد‬
‫القرن الثالث‪ ،‬هذا يعنسي أن مدة ثلث قرون مضست والمسسيح عليسه السسلم لم يُألّه عنسد أتباعسه‪ .‬والذيسن عارضوا‪،‬‬
‫وعلى رأسهم آريوس‪ ،‬فازوا بالحجة القاطعة والحق اليقين إذ أبلجت حجتهم وأفلست حجة أولئك الذين مالوا من‬
‫مالوه من هؤلء الذين نقلوا إلى هذه الديانة ما كان في دياناتهم الولى من عقائد الوثنية‪.‬‬
‫ولكن السلطة قد كانت هي مصدر البلء لنها هي التي نقلت هذا المعتقد إليهم وضعت ثقلها في الميزان وأسكتت‬
‫أصوات أولئك الذين كانوا يعارضون ما جاءوا به من هذا الهراء الوثني وظل الحق يتململ ينتظر من يدافع عنه‬
‫ومسن يبلج حجتسه‪ ،‬وقسد أبلج ال تبارك وتعالى حجسة الحسق ببعثسه عبده ورسسوله محمداً صسلى ال عليسه وسسلم ليقيسم‬
‫الحجسة على الناس‪ ،‬فانتظار آريوس جديسد يأتسي مسن أجسل أن تنبلج الحجسة ومسن أجسل أن يظهسر الحسق ومسن أجسل أن‬
‫يقوى صوت اليمان إنما هو انتظا ٌر مفروغ منه‪ ،‬فقد سبق الحق ظهوره بمجيء عبد ال ورسوله محمدٍ صلى ال‬
‫عليه وسلم ونزول القرآن الكريم عليه حجة قاطعة وآية بينة كما يعترف بذلك هذا الموصي نفسه‪.‬‬
‫ثسم أننا نجسد أن في هذه الوصية اعترافًا بأن ديسن السلم هو دين ال‪ ،‬فهو ممسا قاله‪ ( :‬وقد كنت أود أن أكون قدوةً‬
‫لخوانسي أدباء النصسرانية فأدخسل فسي ديسن ال )‪ ،‬وهذا مسا جعلنسي أطمسع فسي ذلك الوقست فسي إسسلم هذا الرجسل‪ ،‬وقسد‬
‫كنست أود أن أكتسب إليسه رسسالة أدعوه فيهسا إلى اليمان والسسلم وأقيسم عليسه حجسة الحسق بأنسه ل داعسي إلى انتظار‬
‫آريوس بعد مجيء محمدٍ صلى ال عليه وسلم بالحجة القاطعة والحق اليقين الذي تعترف به‪ ،‬ولكن وجدت له بيتاً‬
‫مسن الشعسر ثبطنسي عسن ذلك وهسو أنسه يدعسو إلى وحدة بيسن العرب جميعاً مسسلمهم وكافرهسم مسن غيسر أن يلتفتوا إلى‬
‫الدين وكان مما قاله‪:‬‬
‫ل بعده بجهنم‬ ‫فيا مرحباً بالكفر يجمع بيننا‪.........‬وأهلً وسه ً‬
‫فلعل ال أراده أن يكون من حصب جهنم والعياذ بال‪.‬‬
‫هذه معالم مسن الحقائق التسي برزت مسن خلل مسا جاء فسي القرآن الكريسم ول بسد مسن الرجوع إليهسا مسن أجسل اسستلهام‬
‫الحقيقسة فسي هذا المسر‪ ،‬فالقرآن الكريسم هسو – كمسا قلت مسن قبسل – كتاب ال الذي لم تطله يسد مسن أيدي المحرفيسن‬
‫المضلليسن‪ ،‬وقسد صسانه ال تعالى ممسا وقسع على الكتسب السسابقة " إنسا نزلنسا الذكسر وإنسا له لحافظون "‪ ،‬ليكون حجسة‬
‫قائمة إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫وأعتذر إليكم مرة أخرى من هذا الحديث المتناثر الذي ربما ل يربط بين أطرافه رابط‪ ،‬وأسأل ال سبحانه وتعالى‬
‫أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير‪ ،‬وأهنئكم مرة أخرى بالشهر الكريم داعياً لي ولكم بالتوفيق لصيامه وقيامه‪ ،‬إن ال‬
‫على كل شيءٍ قدير‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫انتهت المحاضرة‬

‫‪5‬‬

You might also like