Professional Documents
Culture Documents
الحمد ل العلي العلى ،الذي خلق فسوى ،وقدر فهدى ،وله الحمد في الخرة
والولى ،سبحانه هو السميع البصير ،العليم الخبير ،له ما في السماوات وما في
الرض ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده
ورسوله ،أرسله ال بالدعوة الجامعة ،والمعجزة الساطعة اللمعة ،والحجة الصادعة
القاطعة ،فبلغ الرسالة وأدى المانة ،ونصح المة وكشف ال به الغمة،صلوات ال
وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ،فالسلم عليكم جميعا أيها الخوة والبناء ورحمة ال وبركاته...
أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة ،وأشكر ال تعالى الذي جمعنا في هذا الصرح
العلمي ،وفي هذا القلب النابض منه ،في بيته الشريف من بيوته الذي " أذن أن ترفع
ويذكر فيها اسمه ،يسبح له فيها بالغدو والصال رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن
ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة ،يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار،
ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ،وال يرزق من يشاء بغير حساب".
هذا ول ريب أن اجتماعنا في هذه الليلة المباركة إنما هو للحديث في قضية مهمة
تتعلق بالحياة الدنيا وبالدار الخرة ،فهي تتعلق بالمسير والمصير معا ،ول بد من أن
يكون المسير مضبوطا ومحكما حسبما تقتضيه مصلحة المصير ،وبذلك يسعد النسان
في داريه ،وينال عند ال تبارك وتعالى الدرجات العلى ،إذ حياة النسان ليست كحياة
غيره من الكائنات ،وإنما هي حياة رسالة ومسؤولية ،حياة كلها جهاد وكفاح؛
والنسان واقع بين جانبين :بين عقل يسوسه ويدفع به إلى الخير ،وبين شهوات تقعد
به وترتكس به إلى الحضيض الدنى ،فمن غلب عقله شهوته كان أفضل من المل
العلى ،ومن كان بالعكس كان أسوأ حال من البهيمة العجماء ،فلذلك كانت هذه
الحياة في كل شؤونها ل بد من أن تكون محكمة ،وأن تكون مضبوطة بضوابط
الشرع.
وكما سمعتم كل أحد مطالب مهما كان تخصصه العلمي ،واختصاصه العملي بأن
يتقي ال تبارك وتعالى في أمره ،وأن ل يقدم على شيء إل ببينة من ربه ،وبصيرة
1
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
من دينه ،لن الحياة كلها إنما هي ل سبحانه وتعالى ،إذ هو واهبها عز وجل فلذلك
يجب تسخيرها لما فيه رضاه ،ويجب على النسان أن ينأى بنفسه كل النأي عن
الوقوع في محارم ال.
والحديث الذي نتعرض له الن هو حديث بحاجة إلى دراسة وإمعان وإعداد،
والفرصة لم تواتني لذلك لنني فوجئت بالخبار الليلة الماضية عن هذا الوعد الذي
أُنسيته ،ولعل الستين كانت عامل مهما في إنسائي ،ومع هذا أصبحت أيضا وأنا ل
أعرف ما يطلب مني أن أقوله ،وما الذي سيكون محور هذا الحديث في هذا اللقاء؛
على أن هذا الحديث إنما أولى به الطباء أو طلب علم الطب ،لنهم المهرة الذين
بإمكانهم أن يسبحوا في هذا الخضم ،فكيف بحال من ل يحسن العوم إذا ألقى بنفسه
إلى بحر ربما يقال بأنه ل ساحل له! وإنما أحاول قدر استطاعتي أن أجتر بعض ما
علق بالذهن فيما مضى ،ولعلكم سمعتم الكثير منه مني أو من غيري من قبل ،فلذلك
أعتذر إليكم قبل كل شيء عما سوف تلقونه من التقصير في هذا الحديث.
وبين يدي ورقة أعطيتها ظهر اليوم تبين الموضوعات التي ينبغي طرحها في هذا
اللقاء.
2
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
الحديث يكتشف مضار الخمر مع ما وقع فيه بعض الطباء القدامى ،ومن بينهم أطباء
مسلمون من عثرات فيما يتعلق بجانب الخمر ،إذ زعموا اغترارا بما قاله عشاقها من
أنها ذات منافع تعود على الجسم ،وقالوا من بينها بأنها تصفي الدم ،وأنها تنضر
الوجه ،وأنها تساعد على الهضم ،أكتشف بما ل شك فيه أن حقيقة المر على خلف
ذلك تماما ،فهي سبب للضرار بالدم والدورة الدموية ،وسبب للضرار بالشرايين،
وسبب للضرار بالكثير الكثير من طبيعة حياة النسان ،وهي تؤدي أيضا إلى عسر
الهضم ،وتؤدي أيضا إلى أمراض الكبد ،وتؤدي إلى أمراض القلب ،وتؤدي إلى غير
ذلك من المراض .وهذا على أي حال مما يدل على إعجاز كتاب ال ،فإن ما يكون
من قبل البشر من اجتهاد ونظر ل بد من أن يكون فيه الكثير من الخلل ،وهذا واضح
جدا وصدق ال " :ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا ".
ونجد أن السلم الحنيف يحرم أيضا تحريما جازما أن يتناول النسان ما يؤدي به
إلى قتل نفسه ،فلذلك حرمت السموم كما حرم قتل النفس بأي وسيلة من الوسائل،
والقرآن الكريم ينص على ذلك عندما يقول عز من قائل " :ول تقتلوا أنفسكم إن ال
كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال
يسيرا* "؛ والحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ينص على أن ( من قتل نفسه
بحديدة ،فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن تردى من
شاهق فقتل نفسه ،فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن تناول سما فقتل
نفسه ،فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) ،كل ذلك يدل على
ضرورة معرفة النسان بما يضره ،وهذا يعني أن على النسان أن يعرف المضار
من الطعمة والشربة وغيرها مما يتناوله ،عليه أن يعرف المضار من كل ما يلج
جوفه ،ومن كل ما يتناوله للعلج ،سواء كان طعاما أو شرابا أو بطريق الحتقان ،أو
بطريق التضميد ،فإن ذلك كله مما يجب عليه أن يكون على بينة منه قبل أن يقدم
عليه ،ول يمكن لي أحد أن يكون خبيرا بهذه الشياء كلها ،فمن هنا تبدو ضرورة
وجود أطباء مهرة ،يعرفون ما يضر وما ينفع ليقوا مجتمعهم المضار من خلل
التوعية.
هذا وبجانب هذا أيضا ،فإن السلم يدعوا إلى النقاذ ،أي أن ينقذ النسان غيره من
الهلكة ،وحياة النسان حياة ذات قيمة عظيمة ،ومن أجل هذا كانت حياة النسان كحياة
الجنس البشري إن أودى بها أحد أو إن أنقذها ،فال سبحانه وتعالى يقول " :من أجل
ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل
الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ،ومعنى هذا أن الطبيب الذي
يكون السبب لحياء نفس بشرية وإنقاذها من الهلكة فهو كمن أحيا الناس جميعا ،ول
يمكن لي أحد أن يقوم بذلك ،فإن غير العالم بالشيء قد يفسد من حيث يظن أنه
يصلح ،وقد يدمر من حيث يحسب أنه يعمر ،وقد يقتل وهو يظن أنه يحيي ،فإذن
الضرورة داعية لمعرفة الطب والعلج من أجل إنقاذ هذه النفوس التي جعل ال تبارك
وتعالى لها هذه الحرمات.
وبما أن السلم دين الفطرة ،كان التجاوب مع متطلبات هذه الفطرة تجاوبا ذا انسجام
معها ،فهو ينسجم مع الفطرة في كل متطلباتها ،ومن أجل هذا جاء الحض على
3
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
التداوي لجل أن ينقذ النسان نفسه من الهلكة ،فالنبي صلوات ال وسلمه عليه يقول:
( تداووا عباد ال ،فإن الذي خلق الداء خلق الدواء ،ولكل داء دواء إل السام ) أي
الموت؛ وهذا من إعجاز النبوة ،فالنبي صلوات ال وسلمه عليه يخبر أن لكل داء
دواء إل الموت ،فإن الموت فريضة على الكل " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون
أجوركم يوم القيامة " فل يمكن أن يدفع الموت شيء ،ولكن المراض على اختلفها
خلق ال تبارك وتعالى لها دواء ،سواء كان الناس على علم بهذا الدواء أو لم يكونوا
على علم به ،ونحن نرى أن الناس تمر بهم مراحل وهم يكتشفون أمراضا وعلل ل
يعرفون لها دواء ،إل أن في طيات مخلوقات ال سبحانه وتعالى أدوية تكتشف ولو
بعد حين ،فأمراض السرطان مثل من العسير علجها ،ولكن يكتشف لها دواء بين
حين وآخر على اختلف أنواعها .كذلك الن من المور الشاغلة لبال الكثير من الناس
ما يسمى بمرض فقدان المناعة المكتسبة ،وهذا المرض ل بد من أن يكون له دواء،
والطباء يسعون لكتشاف علجه؛ والحديث يدل على أن كل علة من العلل يصاب
بها البشر ل بد من أن يكون لها دواء ،فعلى أي حال العلج مطلوب ،والحديث يحض
على العلج ،والعلماء وإن حملوا هذا المر على الباحة ،إل أنه فيما يبدوا ينبغي أن
يحمل على الندب وذلك لما في هذا العلج من نعمة ال تبارك وتعالى على العباد ،إذ
يتقوى النسان على طاعة ال تبارك وتعالى وحسن عبادته عندما يكون صحيح
الجسم ،والحديث النبوي الشريف يقول ( :المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من
المؤمن الضعيف ) ،وهي قرينة تقتضي أن يصرف هذا المر إلى الندب على القل.
على أن من الفقهاء من قال إنه للوجوب ،وهؤلء كانوا قلة ،إل أنه ينبغي أن يقال أن
إهمال النسان علج نفسه إن كان مظنة لن يفضي به إلى الهلكة ،فإن التهلكة
ممنوعة في السلم ،فال تعالى يقول " :ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ،فيتأيد هذا
القول ،وهو القول بوجوب تعاطي العلج ،عندما يكون النسان خائفا من الهلكة.
والنبي صلوات ال وسلمه عليه بنفسه تعالج ،ومن ضمن علجه الحجامة التي
احتجمها صلوات ال وسلمه عليه .على أن إهمال العلج لو كان خيرا لكان أولى به
الرسول عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والسلم ،فهو بنفسه عني بالعلج،
وهو بنفسه أيضا حث على العلج ،فكفى ذلك دليل أيضا على أن العلج مطلوب.
وبجانب ما من ذكرناه من هذه المنافع التي قد تبدو منافع مادية من حيث مظهرها،
وهي كما ذكرنا أيضا منافع دينية من حيث النظر إلى جوهرها وإلى حقيقتها ،لعلم
الطب فإن فيه منافع روحانية ،إذ النسان مطالب بأن يعتبر بخلقه ،هو مطالب بأن
يفكر مليا في خلقه؛ وجسم النسان دواوين ضخمة فيها من آيات ال تبارك وتعالى ما
ل يقع في حسبان أحد .على أن كل خلية من خليا النسان دراستها تحتاج إلى الكثير
الكثير ،لعلها تحتاج إلى مجلدات ،دراسة خلية من خليا النسان تحتاج إلى الكثير مما
يكتب ،لعلها تحتاج إلى مجلدات ،ونحن نترك الحديث لهل الطب أنفسهم لن يتحدثوا
عن هذا؛ وقد تأملنا كتاب ال فوجدناه يدعونا إلى النظر في خلقنا ،فال سبحانه وتعالى
يقول " :وفي الرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفل تبصرون * " .وال تعالى
يقول " :فينظر النسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب
والترائب * إنه على رجعه لقادر * " ،ويقول " :قتل النسان ما أكفره * من أي شيء
4
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره
* ".
والتأمل في هذه اليات الكونية في خلق النسان يؤدي إلى رسوخ اليمان ،وقوة
اليقين ،وزوال الشكوك واللبس ،ومتانة الصلة بال تبارك وتعالى ،ونحن على أي حال
نجد مما نقرأه – وإن كان نزرا يسيرا – ما كتبه الطباء عن خلق النسان ،نجد في
ذلك العجب العجاب ،ولعل دراسة جوانب يسيرة من هذه المعلومات تؤدي بالكافر إلى
أن يؤمن ،وتؤدي بالشاك إلى أن يوقن ،وتؤدي بالملحد إلى أن يتبدد إلحاده.
ومن المور التي تؤكد هذا قصة الدكتور موريس بوكاي ،وأنا ل أعرف الن حياته
من مماته ،لنني لم ألتق به إل مرة واحدة قبل واحد وعشرين عاما ،قبل أن يعلن
إسلمه ،ولعله سئل في ذلك الوقت عن دينه هل هو مسلم أو غير مسلم فقال :دعوني
وعلقتي بربي ،وإنما علي أن أخدم السلم من خلل هذه البحوث.
الدكتور موريس بوكاي كان طبيبا جراحا ،وهو فرنسي ،وبحكم علقة الكثير من
العرب بفرنسا بسبب الستعمار الفرنسي وكونهم يتحدثون باللغة الفرنسية ،كان الكثير
من هؤلء يذهبون للعلج إلى فرنسا ،وكانت له علقة بكثير منهم ،وقد شد انتباهه ما
يراه من الفارق بين المسلم وغير المسلم؛ عندما يقدم المسلم على عملية جراحية يكون
وضعه مختلفا عن وضع غير المسلم ،فالمسلم يقدم على العملية الجراحية برباطة
جأش وبقوة يقين ،مع ثلوج صدره وانشراحه ،فسأل عن هذا السر ،فأخبر أن سر ذلك
اليمان ،وأراد أن يكتشف هذا اليمان ،ومن حيث إن علقته بالمرضى العرب علقة
وطيدة ،وكثير منهم لم يكونوا يحسنون اللغة الفرنسية التي يتحدث بها أراد دراسة
العربية ،وكان أول يريد أن يدرس المعلقات السبع ،ولكن رأى بدل من ذلك أن يدرس
القرآن الكريم ،فعني بدراسة القرآن الكريم ،وعندما جاء إلى سورة المؤمنون إلى قول
ال سبحانه وتعالى فيها " :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين * ثم جعلناه نطفة في
قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين * " استوقفته هذه الية
كثيرا ،ورأى أن هذا الحديث ل يمكن أن يكون صادرا عن أحد من البشر في تلكم
الحقبة التأريخية التي لم يكن فيها الطب بهذا القدر من الكتشاف لسرار الحمل،
وطبيعة الخلق ،وأغوار الرحام .رأى من العجب ما شده إلى المزيد من البحث ،ذلك
لن هذه الطوار الموجودة في هذه الية الكريمة لم تكن معروفة تمام المعرفة عند
الناس في تلكم الحقاب التأريخية الغابرة ،ومع هذا كله جاءت صريحة .على أنه مما
شده أيضا ما يدل عليه القرآن الكريم ،ما تدل عليه الية من طبيعة الرحم ،فقد وصفه
ال تبارك وتعالى بأنه قرار ،والقرار هو مكان الستقرار ،والستقرار إنما يكون عن
طمأنينة ،ومع ذلك وصف هذا القرار بأنه مكين ،والمكانة تدل على القوة ،وطبيعة
الرحم هذا أقصى ما يمكن أن توصف به ،لن الرحم يكتنف بما يقي الجنين ما يصيب
الم من اللكمات والهزات ،فهو مكان الستقرار ،وعلى بابه إفرازات تقضي على
الجراثيم التي تحاول أن تتسرب إلى الجنين لتفتك به ،وهذه الفرازات بمثابة الجنود
القائمين على ثغور الحصون من أجل صد هجمات العداء عنه .فإذن الرحم بمثابة
الحصن الحصين بطبيعته التي خلقه ال عليها ،وهذه الفرازات بمثابة هؤلء الجنود
5
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
البطال الذين يحرصون بعيون ساهرة هذه الثغور لئل تصل إلى من بداخل الحصن
فتفتك به.
ووجد أيضا مما يدعو إلى العتبار أن ال تبارك وتعالى يقول " :فكسونا العظام لحما
" بفاء الترتيب ،وهذا الذي دل عليه الطب ،وأن خليا العظام سابقة على خليا اللحم،
ثم بعد ذلك يأتي اللحم بمثابة الكسوة لهذه العظام .وكذلك استوقفه قول ال تبارك
وتعالى " علقة " ،و " مضغة " ،وما هو الفارق بينهما؟ فما هي العقلة؟ وما هي
المضغة؟ ورجع إلى كتب التفسير ليجد ما يشفي غليله فلم يجد ،ولكنه برجوعه إلى
كتب اللغة ونظره في اشتقاق هاتين الكلمتين وجد ما يدله على سر هذا التعبير القرآني
الذي هو من دلئل إعجاز القرآن الكريم؛ فإن العلقة مشتقة من العلوق ،وهذه المرحلة
يعلق فيها هذا الكائن بجدار الرحم لنفتاح باب الرحم ،ثم ينسد بعد ذلك الباب ،ويؤمن
الخروج ،ويكون هذا الكائن بمثابة المضغة ،أي الشيء الذي يمضغ ويتردد بين
جوانب الفم ،فزاده ذلك إعجابا بما اطلع عليه ،ودعاه ذلك إلى المزيد من البحث ،فكان
يرى اليات الكونية في القرآن الكريم تدل دللة واضحة على ما توصل إليه النسان
من الكتشاف ،ولعل كل اكتشاف إنما هو تفسير لكتاب ال سبحانه وتعالى.
ثم استعان بعد ذلك بذوي الخبرات الخرى ،كعلماء النباتات وعلماء الفلك وغيرهم،
وعرض عليهم ما وجده في كتاب ال ،فوجد حقيقة القرآن تتجلى فيما اكتشف من هذه
العلوم بأسرها .ثم حاول أن يقارن بين القرآن وبين الكتابين اللذين سبقاه في النزول،
فوجد أن النصوص التي تدل على حقائق الكائنات في الكتابين السابقين قليلة ،ومع
قلتها تصطدم بالواقع ،ويدل الواقع على تحريفها ،والقرآن الكريم مع كثرة نصوصه
التي تدل على هذه الكتشافات هي عين الواقع ،ول تختلف عن الواقع؛ فوصل إلى
نتيجة وهي أن الكتاب الوحيد الذي بقي كما أنزل لم تطله يد التحريف والتبديل إنما هو
القرآن الكريم ،وألف في هذا كتابا سماه ( :العلم في التوراة والنجيل والقرآن ) ،وكان
ذلك قبل عقود من السنين من وقتنا هذا ،ألف هذا الكتاب باللغة الفرنسية ،ثم ترجم إلى
النجليزية ،ثم ترجم ترجمتين – على ما أحسب – إلى العربية ،وقد كان منذ نحو
عقدين من السنين موجودا عندي ،ولكنه ضاع لم أعرف عنه أين ذهب.
وعندما اجتمعنا في مطلع القرن الهجري الذي نحن فيه في الجزائر ،في الملتقى
الخامس عشر للفكر السلمي ،وكنا في يوم من اليام على طاولة واحدة نتناول
الطعام ،ففرغت زجاجة ما؛ لما فرغت الزجاجة تناول الزجاجة وضرب بها الطاولة
ليأتي من يقدم الماء فيقدم زجاجة أخرى ،وقال على إثر ذلك " :وجعلنا من الماء كل
شيء حي " .ثم قال :في هذه الية من العجاز ما تحار به العقول .ثم سألني بعد ذلك:
هل اطلعت على كتابي ( النسان والقرآن )؟ فقلت له :ل .وبعد فترة رجعت واطلعت
على مجلة المة ،التي كانت تصدر من قطر ،وأظنها ل تزال تصدر ،هي مجلة
دورية ،فوجدت فيها استعراضا لهذا الكتاب ،وجدت فيها كثيرا مما كتبه في هذه الية
الكريمة ،ومن العجاز العجيب إعجاز هذه الية الكريمة.
فالطبيب المسلم إذن عندما يطلع على هذه الحقائق يزداد إيمانه قبل كل شيء رسوخا،
ويقينه ثباتا ،ثم تكون عنده وسيلة للدعوة إلى ال تبارك وتعالى من خلل هذا الذي
اطلع عليه .والرجل بعد هذه الفترة اطلعت في بعض الصحف على إعلنه السلم،
6
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
وأنه أعلن أنه رضي بالسلم دينا ،وبمحمد صلى ال عليه وسلم رسول ،وبال تبارك
وتعالى ربا ،فزالت الشكوك من حوله.
هذا عن العنصر الول ،ونظرا إلى ضيق الوقت حسبما يتبين أحاول أن أختصر في
بقية العناصر.
7
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
وعادت الصحة إليه .وكان لهم اتصال بأطباء فارس في ذلك الوقت ،كانوا يراسلون
أطباء فارس ويتبادلون بينهم المعلومات.
نعم..المسلم ل يطمئن إلى أحد طمأنينته إلى من شاركه في العقيدة ،ووثق بدينه
وأمانته ،ولربما قال الطبيب المسلم :ما بك من مرض يقتضي أن تستمر على الفطار
ول تصوم شهر رمضان...وهنا عندما يتمكن من مراجعة الطبيب المسلم الذي يثق
بدينه وأمانته ل ريب أن إقدامه على ذلك يكون إقداما على بينة من المر وبصيرة،
فلذلك كانت الضرورة داعية إلى الطبيب المسلم .أما بالنسبة إلى الطبيبة المسلمة فإن
المرأة يجب أن تصون نفسها ،والنص القرآني يأمر المرأة أن ل تبدي زينتها إل
لطائفة من الرجال ،ثم بعد ذلك قال " :أو نسائهن " أي النساء المؤمنات؛ ومعنى ذلك
أن المرأة عليها أن تستر نفسها عند غير المسلمة ،أو عند الفاسقة ولو كانت منتسبة
إلى السلم ،لعدم أمن غير المسلمة والفاسقة من المسلمات أن تحدث بما تخبئه المرأة
ول تحب أن يتحدث عنه من محاسنها ،فلذلك كان صون المرأة أمرا ضروريا ،ومن
هنا تأتي ضرورة وجود الطبيبات المسلمات اللواتي يقمن بالكتشاف على أمراض
النساء ويعالجن النساء.
8
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
الطبيب المسلم الذي هو موصول بال تعالى بحبل اليمان يحرص دائما أن تكون
أعماله قربة إلى ال ،ومن بين هذه العمال ما يقوم به من علج ،فهو عبادة يتقرب
بها إلى ال ينوي به طاعة أمره ،وال تبارك وتعالى يقول " :ومن أحياها فكأنما أحيا
الناس جميعا " ،جعل للنفس البشرية هذه الحرمات العظيمة بحيث يكون من أحياها
كمن أحيا الناس جميعا ،أوليس ذلك دليل على عظم شأن الطب ،ورفعة قدر الطبيب
وعظم أجره الذي يناله من ال سبحانه وتعالى عندما يخلص ل تعالى عمله ،وينضبط
عمله بضوابط الشريعة السلمية بحيث ل يتجاوز حدود ال؟!
ثم يأتي العنصر السادس وهو :التغلب على بعض المشكلت المعاصرة
وهي:
-الختلط
-ضعف الجانب الديني
-النعزال عن المجتمع
-الغترار بمهنة الطب
أما مشكلة الختلط ،فالتغلب عليها بتطبيق أوامر ال تبارك وتعالى ،فإن ال عز وجل
يقول " :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن ال
خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول
يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول يبدين زينتهن إل
لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني
إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الربة
من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول يضربن بأرجلهن ليعلم
ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * " فالتغلب
على هذه المشكلت بالتخلق بهذه الداب من الجنسين جميعا ،من الذكور والناث،
بحيث يكون هنالك غض للبصر من قبل الذكور ومن قبل الناث ،ويكون أيضا هنالك
9
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
احتشام ،ومن بين هذا الحتشام الستتار الذي فرضه ال تبارك وتعالى على الناث،
مع تفادي كل المغريات التي تؤثر على النفوس لئل تتورط وتقع في المحظور .وأهم
شيء قبل كل شيء رسوخ اليمان لن اليمان هو الذي يصوغ النسان ،أما عندما
يتزلزل اليمان – والعياذ بال – فإن تجاوز الحدود يكون أمرا هينا بالنسبة إلى من
اضطرب إيمانه.
والنعزال وضعف الجانب الديني هذا يجبر بالتربية الدينية ،بحيث ينشأ النسان على
التربية الدينية ،التربية من التعليم والثقافة ،والتربية من الخلق والسلوك ،فإذا وجدت
هذه التربية فإنها تسد هذا الجانب.
وأما النعزال عن المجتمع فإن الطبيب يؤمر أل يكون منعزل عن مجتمعه ،هو يحتك
بمجتمعه من خلل ممارسة هذه المهنة ،وهو عليه أيضا أن يحتك بمجتمعه من حيث
أداءه للشعائر التعبدية ،فإنه بصلته مع المصلين وبمحافظته على الدعوة إلى ال
تبارك وتعالى وتسخيره معارفه من أجل هذه الدعوة يقضي على هذا النعزال ويتمكن
من النطلق بمشيئة ال.
والمر الخير الغترار بمهنة الطب .المؤمن الموصول بال ل يغتر بشيء لنه
يدرك أن كل ما أوتيه إنما هو ل يساوي شيئا بجانب ما في خزائن ال تبارك وتعالى
التي وسعت السماوات والرض .فما أوتيه النسان من علم ،وما أوتيه من قوة ،وما
أوتيه من وجاهة ،وما أوتيه من أي شيء كان ل يساوي شيئا بجانب ما لم يؤته مما
هو مختزن في خزائن السماوات والرض ،في خزائن ال تبارك وتعالى التي وسعت
هذا الكون الواسع .وبجانب ذلك يتأمل النسان في جوانب الضعف فيه ،ول يغتر
بجوانب القوة؛ نقاط الضعف هي كثيرة ،قوة النسان ل تساوي شيئا بجانب الضعف
الذي يحيط به من كل جانب ،قوته إنما هي نقطة أو قطرة في بحر ضعفه ،خبرته إنما
هي أيضا قطرة في بحر جهله ،غناه إنما هو قطرة في بحر فقره .على أن ذلك هو من
عند ال سبحانه وتعالى ،وهو مطالب بشكره ،وهذا الشكر يقتضي صرف هذه النعمة
فيما خلقت من أجله ،وإل كان كفورا بها " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا "،
والنعمة إن لم تشكر كانت وبال على صاحبها.
المحور السابع :ما يجب أن يتزود به الطبيب المسلم لكي يحافظ على
تمسكه بدينه
الطبيب المسلم عليه أول أن يتزود العلم النافع الذي يعبد به ربه سبحانه وتعالى على
بصيرة ،ويعرف من خلله ما عليه لربه تبارك وتعالى من الحقوق والواجبات،
ويتمكن به من أداء اللوازم التي عليه ،ل بد للطبيب أن يتزود بهذا الجانب من
المعرفة .كذلك عليه أن يدرس الخلق لتتهذب أخلقه ،وذلك من خلل دراسته
للقرآن الكريم ودراسته للسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والتسليم ،ودراسته
لكتب الخلق التي تستمد من القرآن ومن السنة النبوية .وعليه بجانب ذلك أن يحتك
بالصالحين لن الحتكاك يؤدي إلى التأثر في الخلق والفضائل ،وعليه أن يحرص
على التزود من المزيد من علم الطب نفسه لن علم الطب يتطور باستمرار ،والنسان
10
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
يكتشف في كل يوم شيئا جديدا ،فعليه أن ل يقنع بما وصل إليه بل يكون كالعطشان
الذي يلهث دائما بحيث ل يروى.
فهذه هي النتف التي أمكنني تقديمها إليكم ،ومعذرة إليكم على التقصير ،وأسأل ال
سبحانه وتعالى التوفيق لما يحب ويرضاه ،وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين " .سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلم على المرسلين
* والحمد ل رب العالمين * ".
السؤال الول يقول فيه السائل :ابنتي تدرس في كلية الطب ،وقد أخبرتني بأنه ينظم
للطلب برنامج للسفر إلى خارج البلد ،إلى أماكن متعددة كل حسب اختياره ،فما
حكم سفر المرأة في مثل هذه الحالة بدون محرم وإلى دولة قد تكون غير مسلمة؟ وهل
يختلف الحكم إذا سافرت مع مجموعة من زميلتها؟ نرجو توضيح هذا المر بشيء
من التفصيل.
11
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
الجواب :ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم النهي أن تسافر
المرأة إل مع ذي محرم ،وذلك لما يراد به للمرأة المسلمة من الصون والعفاف والبعد
عن سفاسف المور ،وعدم التورط ،وعدم وجود الشيطان سبيل إلى اصطيادها أو
إلى الصطياد بها لئل تكون شباكا للشيطان يصطاد به أو تكون صيدة للشيطان؛
وعلى أي حال هذه المور يمكن أن تتفادى وذلك من خلل الحرص على وجود
محارم ولو لبعض هذه الطالبات اللواتي يسافرن ،فلربما مع اشتراط أمانتهم وذلك
عندما تكون ضرورة داعية إلى السفر ل بد من وجود محارم أمناء ،ولو لبعض
هؤلء الطالبات لجل هذه الرعاية ولجل تفادي هذه المشكلة ،وال تعالى أعلم.
الجواب:
هذه المشكلة محلولة ،وذلك لن ال تبارك وتعالى يسر للعباد ولم يعسر عليهم،
والمشقة جاذبة للتيسير ،والمر إذا ضاق اتسع ،وإذا اتسع ضاق .ومن بين هذا التيسير
أن سنة النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والسلم دلت على جواز الجمع
بين الصلتين للمقيم ،وذلك عندما تكون هنالك ضرورة أو تكون هنالك حاجة ملحة
إلى الجمع .فقد أخرج المام الربيع بن حبيب رحمه ال بإسناده الصحيح عن أبي
عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال ( :صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
الظهر والعصر معا ،والمغرب والعشاء الخرة معا من غير خوف ول سفر ،ول
سحاب ول مطر ).وقد روى الحديث الشيخان وغيرهما من طريق عمرو بن دينار
عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس ،وفي هذه الرواية أن ابن عباس رضي
ال عنهما سئل :ما أراد بذلك؟ قال :أراد أن ل يحرج أمته.
في هذا دليل على أن الحراج مرفوع ،وأن الحراج مئنة لجواز هذا المر ،فعندما
يكون هنالك أي إحراج فللنسان أن يتوسع ،أن يجمع بين الظهر والعصر ،وأن يجمع
بين المغرب والعشاء ،ولو كان ذلك في الحضر ،وذلك مع عدم القصر إن كان ذلك
في الحضر .وأما إن كان المر يؤدي إلى فوات صلة ل تجمع كصلة الفجر ،إن كان
المر يؤدي إلى هذا المر ،فعليه أن يصلي على تلك الحالة ،هو يمارس العلج وهو
يصلي ،يقرأ الصلة ويومئ بركوعه وسجوده إن كان مضطرا إلى ذلك ،لن الصلة
على هذه الكيفية مشروعة في حالة الضرورة ،والمحافظة على النفس لئل تهلك من
جملة الضرورات،وال تعالى أعلم.
السائل يقول :نرى عزوف كثير من الشباب عن الزواج بطالبة في كلية الطب أو
طبيبة ،ويحتجون بطول فترة الدراسة ،وكثرة الختلط ،وطول فترة العمل
12
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
( المناوبات ) ،مع أن الكثير منهن يلتزمن بالحجاب الشرعي ،ويتجنبن الختلط قدر
المستطاع ،وهدفهن هو علج نساء المسلمين ،فماذا يفعلن؟ هل يتركن الزواج أم
الطب؟
الجواب:
ل يتركن هذا ول ذاك ،ل يتركن الزواج ول الطب .ونحن ندعو الشباب إلى القتران
بالطبيبات المسلمات العفيفات ،ندعوهم إلى ذلك ،ونخص من بينهم الطباء ،طلب
كلية الطب ،ندعوهم إلى ذلك من أجل التعاون على البر والتقوى.
السائل يقول :ذكرتم أهمية الدواء ،وضرورة التداوي من المراض ،إل أن بعض
المراض في وقتنا هذا ما ل يتم علجه بواسطة الدوية الطبية ،وأعني بذلك السحر،
ومس الجن والشياطين .وقد وقع في هذا المرض العديد من أهل العلم والمشائخ وعامة
الناس ،ولربما أدت هذه المراض إلى فساد ذات البين ،وتشتيت السر ،فما أسباب
هذه المراض؟ وما خطورتها؟
وعلى كل حال يطلب الدعاء بالشفاء لمثال هؤلء المرضى.
الجواب:
أول قبل كل شيء ينبغي أن نحرص على الحقيقة ،وأن نبتعد عن الوهم ،وأن نؤمن
بما دل عليه القرآن .القرآن الكريم ذكر مضرة السحر وذكر أيضا إصابة الشيطان
بالنصب والعذاب ،كما جاء ذلك في الحكاية عن أيوب عليه السلم أنه قال " :مسني
الشيطان بنصب وعذاب " ،وهذا يعني أن الشيطان قد يؤثر – أخزاه ال ولعنه – على
جسم النسان ويسبب له أمراض.
وكذلك نجد في كتاب ال تبارك وتعالى ما يدل على أن السحرة يتعلمون ما يفرقون به
بين المرء وزوجه ،ولكن يتبع الحق تبارك وتعالى قوله " :وما هم بضارين به من
أحد إل بإذن ال " .ونجد في كتاب ال تبارك وتعالى ما يدل على اتقاء الحسد ،وذلك
فيما يحكيه الحق عز وجل عن يعقوب عليه السلم أنه قال " :ل تدخلوا من باب واحد
وادخلوا من أبواب متفرقة " ،كما يأمر القرآن الكريم بالستعاذة بال العظيم من شر
حاسد إذا حسد ،وذلك كما في سورة الفلق.
ومع هذا اليمان الذي نؤمنه بهذا كله لنه مما نزل به القرآن ،ول يمكن أن يعتمل في
نفسنا أي شك فيما جاء به القرآن الكريم ،نظن بأن الوهام أيضا تؤثر على الكثير من
الناس ،فمكافحة الوهام هو أمر من الضرورة بمكان ،فلربما توهم أحد شيئا
وتصوره ،وظن الظن اليقين بأنه كذلك ،وليس ذلك من الحقيقة في شيء ،كما قيل عن
أحد من الناس أنه توهم بأنه حبة قمح ،وكان عندما يرى الدجاجة يفر منها خشية أن
تبتلعه دجاجة من بينهم ،يتصور أنه حبة قمح؛ ولما اجتمع بالطباء النفسانيين وحاولوا
جهدهم إقناعه بأنه إنسان ،إنسان له سمع وبصر وعقل ويدان ورجلن ووجه وعينان
وأذنان ورأس إلى غير ذلك من العضاء ،وقربوا إليه حبة القمح وأمروه أن ينظر
إليها ،والختلف بين طبيعتها وطبيعته ،اقتنع بأنه إنسان ،ولكن لم يكد يرى الدجاجة
13
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
حتى فر مرة أخرى ،وسئل :ما سبب هذا الفرار بعد القتناع؟ فقال :أقنعتموني ،ولكن
هل أقنعتموهن بأنني إنسان؟!!
فالوهم له أثر كبير..
وأنا أخبرت عن قضية قيل لي بأنها وقعت وال أعلم بها .قيل بأن رجل من الناس هنا
تصور لفترة طويلة بأن في رأسه مسمارا من حديد ،وكان يحس بألم شديد ،وكان
يضج ليله ونهاره من هذا اللم ،يشعر ويعتقد الحق اليقين بأن في رأسه مسمارا من
حديد ،وكان كلما عرض نفسه على طبيب قال له الطبيب :ليس فيك شيء ،ويقول بأن
هذا الطبيب ل يعرف شيئا .ويطلب أن يفحص ،ويفحص وهو يعتقد أن في رأسه
مسمارا من حديد.
بعد هذا عالجه طبيب ،قال :صحيح اكتشفت المسمار ،وسوف أعمل لك عملية وأنتزع
المسمار إن شاء ال .فالطبيب خدره تخديرا تاما ،وشطبه قليل ،وضمده ،وجاء
بمسمار ،وذبح ديكا ،وطلى المسمار بدم الديك .بعد هذا ما إن أفاق قال له :العملية
ناجحة ،وقد انتزعنا المسمار ،وهذا هو...والحمد ل الرجل ارتاح ،وقال :الحمد ل
الذي أذهب عني البأساء والضراء..وأحس بالراحة ،وكان يخبر الناس بهذه الراحة
التي أحس بها ،وأنه ذاق طعم الحياة ،وعرف معنى الصحة ،وزالت عنه البأساء
والضراء...إل أن أحدا من الناس بعد حين قال له بأن الطبيب خدعك وهذا الذي
فعله....قال :لذلك أنا ل أزال أحس باللم!!!!..رجع إلى وهمه كما كان عليه من قبل..
فإذن الوهام لها تأثير ،فأنا مع إيماني بالنص القرآني – ولست شاكا بأن الشيطان
يحسد وأنه يحاول الضرار بالمؤمنين ،ويحاول بقدر مستطاعه أن يسلط أولياءه على
أولياء ال تعالى ،بقدر المستطاع يحاول ذلك من خلل الحسد وتزيين الحسد إلى
الناس ومن خلل العمال السحرية – مع اليمان بكل ذلك إل أنني أعتقد أن كثيرا من
هؤلء إنما منشأ هذه المراض عندهم الوهام ،وربما وجد الشيطان من هذا الوهم
الذي يتوهمه النسان سبيل لصطياده والتوصل إليه ،فهو يجد الثغرة التي يلج عليه
من خللها بسبب هذا الوهم ،فمن هنا كانت الضرورة إلى مكافحة هذه الوهام أول،
يجب أن نكافح هذه الوهام أول وأن نبعدها عن أنفسنا..
ومما يذكر أن المعتزلة بسبب اعتقادهم أن الجن ل يظهرون للبشر وأنه يستحيل أن
يرى إنسي جنيا ،بسبب هذا العتقاد هم في منأى عن الكثير من الوهام .ويذكر
الستاذ أحمد أمين في كتابه ( ضحى السلم ) من ضمن القصص أن رجل معتزليا
دخل بيته لص،ولما انتبه صاحب البيت وطارد اللص ،حاول اللص أن يوهمه بأنه
جني ،نزل في بئر في وسط البيت ،فجاء الرجل ليتبعه ،فقال له :لكم الليل ولنا
النهار..يوهمه بأنه من الجن..فجاء المعتزلي بصخرة كبيرة ،وشج بها رأسه في وسط
البئر وقتله وقال :خذ ليلك ونهارك!.
فإذن الوهام على أي حال لها آثار ،ولعل حديث الناس في المجالس والمنتديات عن
مثل هذه الشياء ،بحيث يتلقاها الصاغر عن الكابر ،وتشاع ما بين النساء والرجال
بحيث أصبحت حديث السمر ،كان ذلك سببا لنتشار هذه المراض وهذه الوهام،
فمن الضرورة بمكان أن نحرص على مكافحة هذه الوهام ،هذا مع استعاذتنا بال
تبارك وتعالى من كل ما يضر ،من شر الجنة والناس ،وتلوتنا كتاب ال تبارك
14
الطبيب المسلم والتحديات المعاصرة
وتعالى لنتوقى ببركته من هذه الضرار ،فإن كتاب ال تعالى فيه شفاء ورحمة،
والنبي صلى ال عليه وسلم كان يحرص على الرقية بالقرآن ،كان يرقي بالفاتحة
الشريفة ،وبآية الكرسي وبالمعوذتين ،وكان يعلم الناس الدعاء والستعاذة،ومن ذلك ما
علمه عبدال بن عمرو بن العاص ،وقد كانت تعتريه مخاوف في منامه ،علمه أن
يقول عندما يأتي إلى فراش نومه ( :أعوذ بكلمات ال التامات من غضبه وعذابه،
ومن شر عباده ،ومن همزات الشياطين ،وأن يحضرون ) .هذا كله مما يفيد إن شاء
ال ،مع الستمساك بتقوى ال تبارك وتعالى ،وعدم التفريط في أوامره ونواهيه،
وملزمة تلوة الكتاب آناء الليل وآناء النهار ،وتفادي فتح ثغرات للشيطان من خلل
ما ذكرناه من حديث السمر ،حديث النساء والرجال ،أو كما يعبر عنه في عمان
( حديث المعصرات ) ،علينا أن نتفادى ذلك قدر المستطاع ،وال تبارك وتعالى ولي
التوفيق.
أسأل ال سبحانه وتعالى أن يعافي مرضانا ،وأن يعيذنا جميعا من شر الجنة والناس،
وأن يبدلنا وجميع المسلمين بكل سقم صحة ،وبكل ضعف قوة ،وبكل بلء عافية ،إنه
تعالى على كل شيء قدير وإنه بالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير ،وصلى ال
وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " ،سبحان ربك رب العزة عما
يصفون * وسلم على المرسلين * والحمد ل رب العالمين * " ،وأشكركم والسلم
عليكم ورحمة ال وبركاته.
15