Professional Documents
Culture Documents
الحمد ل رب العالمين ،والعاقبة للمتقين ول عدوان إل على الظالمين ،أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد
وأشكره ،وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره ،وأؤمن به ول أكفره وأعادي من يكفره .وأشهد أن ل إله إل
ال وحده ل شريك له ،العز كل العز في طاعته والذل كل الذل في معصيته ،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده
ورسوله ،أرسله ال بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ،صلوات ال وسلمه عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ،فبتحية السلم والسلم ،تحية اليمان والمان أحييكم مشائخ العلم وطلبته وطالباته ،فالسلم عليكم
جميعا ورحمة ال وبركاته .إنها لفرصة سعيدة أن نلتقي في هذا الصرح العلمي وفي هذا المكان الطيب ،في هذا
المكان الذي تتفجر فيه ينابيع العلم والحكمة ليرتوي منها رواد المعرفة الذين جاءوا من أجل صقل نفوسهم من
صدأ الجهل ومن أجل فتح بصائرهم على أنوار المعرفة ومن أجل وصل أرواحهم ببارئها سبحانه وتعالى،
فالحمد ل على نعمة اللقاء.
وقبل الدخول في أي حديث أعتذر إليكم مما سمعتموه من الثناء الذي أُلبسته ولست له تأهل في قبيل ول دبير،
وإنما هذه هي عين الرضى ،فالشاعر يقول:
ولست برائ عين ذي الود كله ********* ول بعضه يوما إذا كنت راضيا
فعين الرضى عن كل عيب كليلة ******** ولكن عين السخط تبدي المساويا
ول أملك ما أقول أمام ما سمعته إل ما روي عن الصديق رضي ال تعالى عنه أنه قال ( :اللهم اجعلني خيرا
مما يظنون واغفر لي ما ل يعلمون ول تؤاخذني بما يقولون ).
هذا ،والموضوع الذي طُرح من أجل أن يكون محور حديثنا هذا موضوع مهم جدا ،وقد كنت أود أن أعد له
عدته ،ولم يتيسر لي أن أراجع ذهني أو أن أرجع إلى شيء لتمكن من الحديث كما ينبغي ،وبقدر استطاعتي
حوله ولكنني سأحاول بمشيئة ال سبحانه وتعالى أن أعبر عما يخطر ببالي حول الصحوة والتحديات التي
تواجهها.
1
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
ل ريب أن هذه الصحوة جاءت بعد غفلة ،عمق هذه الغفلة الستعمار الجنبي الذي غزى البلد السلمية ،وكان
أول ما أراد أن ينفذه هو أن يقطع صلة هذه المة بماضيها ،ول ريب أن الحاضر إنما يبنى على الماضي وكل
أمة ليس لها ماض ليس لها حاضر ،وكما يقول أحد فلسفة الغرب ( :إن الشعب الذي يحب الرقي يجب أل
يقطع الصلة التي تربطه بماضيه ) .ول ريب أن هذه المة شاء ال سبحانه وتعالى أن يكرمها وأن يرفع من
قدرها على المم ،إذ جعلها شهيدة على غيرها من المم كما أن الرسول صلى ال عليه وسلم شهيد عليها ،فهي
تتبوأ بحكم هذه المنزلة التي رفعها ال تبارك وتعالى إليها مكان القيادة بين المم ،فعليها أن تكون مؤثرة ل
متأثرة وأن تكون قائدة ل منقادة وأن تكون حاكمة ل محكومة وأن تكون موجهة ل متجهة بحسب ما يوجهها
به غيرها.
إن هذه المة كما سمعتم فيما تلي علينا من كتاب ال سبحانه وتعالى كتب ال تبارك وتعالى لها العزة " :ول
تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون " ،وإنما كانوا أعلون بما كرمهم ال تبارك وتعالى به وبما هداهم إليه من
الحق ومن الصراط المستقيم ،وبما استمسكوا به من حبل هذا الدين الحنيف .بقدر ما تكون هذه المة مستمسكة
بهذا الحبل المتين وموصولة به ،ومستبصرة بهذا النور المبين وسالكة هذا الصراط المستقيم تكون أمة عالية
وتكون أمة عزيزة وبقدر ما تتخلى عن ذلك تكون على العكس من ذلك.
ونحن نجد في تربية القرآن لهذه المة ،وتربية الرسول صلوات ال وسلمه عليه لها أن هذه التربية جاءت
مبينة على الستقللية بحيث تكون هذه المة مستقلة في مظهرها ومخبرها ،في تصوراتها وعقائدها ،في
عباداتها وشعائرها ،في سلوكها وأخلقها ،في معاملتها وتصرفاتها ،يجب أن تكون أمة مستقلة .ومن أجل ذلك
نجد في كتاب ال تبارك وتعالى ما يدل على وجوب التراحم والتلحم بينها ،ووجوب وجود ما يفصلها عن
غيرها من المم حتى ل تتأثر بغيرها .وال سبحانه وتعالى يحذر هذه المة أي تحذير من أن تمنح الولء
لغيرها ،يقول ال سبحانه " :يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد
كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي
وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل
* " ثم يبين أنه مهما توددوا إلى غيرهم ومهما اقتربوا من غيرهم فالعاقبة معلومة " إن يثقفوكم يكونوا لكم
أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ".
ويقول تعالى " :يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم
فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين " ثم بين أن هذه الموالة إنما تأتي نتيجة مرض نفساني حيث قال" :
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر
من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين ءامنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد
أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " ،ثم يتبع ذلك ما يؤذن بأن هذه الموالة عندما يسترسل
النسان فيها تنتهي به إلى النسلخ من هذا الدين والرتداد عنه حيث يقول تعالى تحذيرا لعباده المؤمنين في
معرض هذا السياق ،معرض التحذير من موالة الكافرين " ،يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه
فسوف يأت ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول
يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم " .ثم يبين من يجب على المسلم أن يحصر
ولءه فيه أي من يمنح المسلم ولءه له ،ويقول " :إنما وليكم ال ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ،ويبين عاقبة هذه الموالة التي تكون بين المؤمنين فيقول " :ومن يتول ال
2
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب ال هم الغالبون " .ثم يتبع ذلك مرة أخرى التحذير من موالة أولئك فيقول:
" يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب والكفار أولياء واتقوا ال
إن كنتم مؤمنين " .هذه هي تربية القرآن لهذه المة على الستقللية بحيث تكون مستقلة من أي ناحية من
النواحي ،ولذلك تحصر ولءها فيما بينها بعد أن تتولى ال سبحانه وتعالى ورسوله عليه أفضل الصلة
والسلم.
ونجد أن التربية النبوية كانت على هذا النهج ،فالنبي صلى ال عليه وسلم كان شديد الحرص على أن يربي
هذه المة على الستقلل في جميع مناهج حياتها ،سواء كانت هذه المناهج نظرية أو تطبيقية ،ومن ذلك أنه
صلى ال عليه وسلم كان ل يتساهل في تقليد غير المسلمين ولو في المور العادية؛ وقد روي عنه صلى ال
عليه وسلم أنه كان في حالة دفن ميت وكان واقفا وكان أصحابه وقوفا معه فمر بهم يهودي وقال :هكذا تصنع
أحبارنا .فقعد النبي صلى ال عليه وسلم وأمر أصحابه بالقعود من أجل مخالفة ...اليهود .ول ريب أن هذا
الحرص منه صلى ال عليه وسلم على تربية هذه المة على الستقللية في كل مناهج حياتها إنما هو لجل
المحافظة على كيانها حتى ل تذوب في غيرها من المم ،ومن أجل المحافظة على عزتها وكرامتها؛ فإنها عندما
تكون معتزة بكرامتها ومعتزة بمواريثها الفكرية والتأريخية وغيرها تكون أمة عزيزة وتستطيع أن تؤثر على
غيرها من المم ،أما عندما تكون بخلف ذلك فإنها تكون منساقة وراء المم ،تكون في هذه الحالة تابعة ل
متبوعة ومحكومة ل حاكمة ومنقادة ل قائدة ،هذا خلف ما يراد لها.
وهنا كلمات قد قلت أكثر من مرة بأن هذه الكلمات حقيقة بأن تكتب بماء الذهب من أجل غلئها ،قالها شاعر
السلم محمد إقبال في وصف منهج المسلم ،يقول ( :إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب
البشري حيث اتجه وسار ،بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها
إرادته لنه صاحب الرسالة وصاحب الحق اليقين ،ولنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه ،فليس مقامه
مقام التقليد والتباع ،إن مقامه مقام المامة والقيادة ،مقام الرشاد والتوجيه ،مقام المر الناهي ،وإذا تنكر له
الزمان وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة لم يكن له أن يخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر بل عليه أن يثور
عليه وينازله ويظل في صراع معه وعراك حتى يقضي ال في أمره؛ إن الخضوع والستكانة للحوال القاسرة
والوضاع القاهرة والعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والقزام ،أما المؤمن القوي فهو نفسه قضاء
ال الغالب وقدره الذي ل يرد ).
هذا ،وبما ان العدو الغازي أدرك هذه الحقيقة فإنه أراد أن ينتزع من نفوس هذه المة هذه المقومات ،مقومات
حياتها؛ فحرص على انتزاع هذه الموالة لتكون له بدل من أن تكون ل ولرسوله وللمؤمنين ،وحرص على أن
يرسخ في نفوس هذه المة الشعور بالنقص ،وهو ما يسمى عند علماء النفس فيما أحسب بمركب النقص من
أجل أن تلهث هذه المة دائما وراء هذا العدو المتمكن منها بحيث ترى عزها وترى كرامتها وترى شرفها في
تقليد خطواته وترسمها والنسلخ من ماضيها حتى ل تعود إلى ذلك الماضي وتفكر فيه بحال من الحوال .هذا
أمر واقع ل نزال نعانيه إلى وقتنا هذا .هناك على سبيل المثال قضية قد يراها الناس بسيطة ولكنني أراها قضية
لها شأن ،إلى الن لو سألت أي مسلم في وقتنا هذا ما تأريخ هذا اليوم لما كان يجيبني إل بالتأريخ الجنبي .لو
سألت أحدا من المسلمين ما هو هذا العام لقال لي هو عام 1998بدل من أن يقول هو عام .1419هذه قضية
ليست بالهينة! ما الذي جعلنا نتخلى عن تأريخنا الذي ولدت المة بميلده!! إن هذا التأريخ هو مؤسس على
ميلد هذه المة ،فإنه أسس على هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم التي كانت ميلدا لهذه المة لن المسلمين
3
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
كانوا قبل الهجرة أفرادا موزعين ،وبعد الهجرة كان لهم كيان ،كانت لهم دولة ،كان لهم عز ولهم شرف ،فبدأ
تأريخهم بتأريخ هذه الهجرة ،فبعدنا عن هذا التأريخ يعني بعدنا عن مواريثنا الفكرية ،يعني بعدنا عن عزتنا
وعن أسباب هذه العزة وعن مقومات حياتنا .هذه من أبسط القضايا التي ل نزال نعاني منها.
ومرت فترة على الناس كانوا بحق يلهثون وراء غيرهم حتى إن الكثير آثروا أن يطأوا بأقدامهم على جميع
قيمهم وعلى جميع مواريثهم الفكرية .هذه القضية ليست قضية هينة .جعلت الرابطة التي تربط بين الناس هي
رابطة الدم والتراب بدل من أن تكون رابطة الفكر والعقيدة؛ فأُحييت القوميات الضيقة بدل من أن ينتمي الناس
إلى فكرهم وإلى دينهم ليكونوا أمة واحدة كما أمر ال تبارك وتعالى بذلك .وأنتم تدركون أن هذه القوميات ولدت
في محاضن أعداء السلم ،وقد كان تأريخ ميلدها متقاربا .فالقومية الطورانية ولدت في تركيا على أيدي
يهود الدونمة في عام ،1847والقومية العربية ولدت في الكنيسة البروستنتية في لبنان في العام التالي لهذا
العام ،وما ذلك إل من أجل تمزيق هذه المة وإعادة انتمائاتها إلى الجاهلية حتى تُحيا فيهم النعرات المفرقة فيما
بينهم .وظل المر كذلك وانحسر الستعمار بعتاده وقواه العسكرية ولكن مع ذلك ظلت آثاره باقية ،فظلت
المناهج التربوية هي التي خلفها الستعمار ،وظلت البرامج العلمية هي نفس البرامج التي أرادها الستعمار
لنا ،وظلت المناهج القتصادية كما هي مناهج بعيدة عن السلم وهكذا.
قد وجدت بحول ال تبارك وتعالى في وسط هذه الظلمات المتراكمة إشراقة لصحوة إسلمية ،وُجدت هذه
الصحوة في نفوس شباب هذه المة بمشيئة ال ،وُجدت في كل بلد من بلد السلم وأينما وجد المسلمون حتى
في غير بلد السلم ،وقد كان المل معقودا على هذه الصحوة أن تؤتي ثمارها ولكن العدو المتربص ظل
يتابعها من أجل الجهاز عليها .كانت هناك مشكلت متعددة واجهتها هذه الصحوة ؛ أول هذه المشكلت إنحسار
الوعي الديني الذي ينبغي أن يكون في نفس كل مسلم .هذا الوعي ل أعني مجرد أن تكون في النسان عاطفة
جياشة فإن العاطفة قد تثور ثم تغور وقد تشتعل ثم تنطفئ ،ولكن أعني بالوعي أن يكون على معرفة ودراية
بدينه بحيث يدري كيف يتصرف في أخذه وعطائه ،في رضاه وغضبه ،في بذله ومنعه ،في كل تصرفاته.
فالشباب الذين أشرقت عليهم أنوار هذه الصحوة كانوا بحاجة إلى أن يكونوا على فقه في دينهم ومعرفة بأمور
هذا الدين ،هذا الفقه إنما يستقى من كتاب ال ومن سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم الثابتة ومن هدي
السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي ال تعالى عنهم .والناس مع انحسار هذا العلم بسبب
أن كثيرا من طلبته كانوا يسعون وراء المظاهر ويسعون إلى أن يكونوا أصحاب شهادات فلذلك كان العلم ضعيفا
عندهم لنهم لم يسعوا إلى العلم بذاته ،بسبب ذلك لم يكن هناك العلم الكافي الذي يوجه هذه الصحوة ويبصرها،
وكانت هذه الصخرة اصطدمت بها هذه الصحوة.
والعدو الذي يتربص بهذه المة الدوائر مع هذه الحالة التي عليها شباب المسلمين أدرك كيف يتصرف من أجل
الجهاز على هذه الصحوة ،فهو حرص على إثارة النعرات فيما بين هذه المة ول سيما فيما بين شبابها ،وهذا
أمر خطير جدا .وأنا أذكر قبل فترة تناهز العقدين من السنين أنني اطلعت في إحدى الصحف أن الرئيس
المريكي جيمي كارتر دعا بمستشاره للمن القومي برجنسكي من أجل دراسة هذه الصحوة السلمية .وقد
حدثني أحد المسلمين المقيمين في الوليات المتحدة المريكية أنه قرأ في ذلك الوقت في إحدى الصحف
المغمورة التي كانت تصدر بالوليات المتحدة المريكية تصريحا لكارتر قال فيه ما معناه ( :إن هذا العملق
الذي ظل فترة طويلة نائما قد أخذ يفتح عينيه الن ،ولئن استيقظ واستوى على قدميه فلن يبقى لنا قرار ،فلذلك
يجب علينا أن نسعى دائما إلى تخديره ليظل نائما ) ،ويقول هذا الرجل نفسه :لم تمض إل فترة قصيرة على هذا
4
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
الكلم الذي قيل حتى أتانا من بلد الشرق السلمي إلى الوليات المتحدة المريكية ليبذر بذور الخلف فيما بين
الشباب المسلمين الموجودين في نفس الوليات المتحدة المريكية بإثارة قضايا كان الدهر كاد أن يأتي عليها.
ثيرت قضايا ما كان ينبغي أن تثار بحال من الحوال ،وجعلت هذه القضايا من صميم الدين وما القصد من ذلك
إل تمزيق شمل هذه المة ،فكانت هذه مصيبة من كبريات المصائب التي بنيت بها هذه الصحوة السلمية.
ثم بجانب ذلك زُرع في وسط هؤلء الشباب المتطلعين إلى السلم من يحرص دائما على تشويه صورة السلم
حتى يبدو السلم وكأنه وحش ل هم له إل في سفك الدماء وفي إزهاق الرواح ،وفي كل ما هو أمر ترفضه
الفطرة السليمة للنسان ،فكانت أيضا هذه عقبة في سبيل انتشار هذا الوعي الديني وانتشار هذه الصحوة
السلمية.
والعلم الغربي والعلم الموجه في بلد السلم حرص أيضا بدوره على تشويه صورة السلم وصورة
المسلمين ،بحيث يُربط كل إرهاب يقع في العالم ويصور بأن هؤلء متطرفون وأنهم إرهابيون حتى أن العالم
أصبح الن تقوم قيامته عندما تمتلك دولة إسلمية قنبلة ذرية ويُصور للناس بأن هذا أكبر خطر يهدد العالم،
بينما هؤلء الذين يثيرون مثل هذه الحاديث ل يرجعوا إلى تأريخ أنفسهم فينظروا ماذا فعلوا هم بالقنبلة
الذرية ،فلو أنهم رجعهوا إلى تأريخهم بأنفسهم لوجدوا هذا التأريخ ملطخا بالعار ،فكم من مئات اللف من
البرياء التي أزهقت أرواحها عندما ألقت الوليات المتحدة المريكية القنبلتين الذريتين في بلد اليابان في آخر
الحرب العالمية الثانية!!! .فلماذا يُصور المسلمون بهذه الصورة؟!! إنما يراد بذلك تشويه السلم ويراد بهذا
أن تبقى هذه المة أمة ذليلة مهينة.
وقد سبق أن أجرت إحدى الصحف حوارا عندي في إمتلك المسلمين للقنبلة الذرية هل هو محبوب أم أمر
مكروه ،وإن كان أمرا محمودا فهل هو من الواجب أو من غير الواجب ،فأجبت بأن المسلمين من أساسيات
دينهم السعي إلى السلم والسلمة ،ولكن على أن يكون هذا السلم سلم عز وكرامة ل أن يكون سلم ذل
ومهانة وعلى أن تكون الغلبة لهم والكلمة لهم لنهم هم الذين هيأهم ال سبحانه وتعالى للخذ بزمام قافلة
البشرية إلى طريق الخير والسلم ولكن مع هذا التسابق والتنافس بين الدول في حيازة هذه السلحة على
المسلمين أيضا أن ل يكونوا أقل من ذلك وأن يمتلكوا هذا السلح ليكون هذا السلح سببا للمن ،عندما يكون
آلة للردع ل أن يكون سببا في الدمار.
ومن المور التي يُأسف لها كثيرا أن تحصل عندنا أن كثيرا من الشباب مع وجود جماعة كبيرة من علماء
المسلمين فيما بينهم غير واثقين بهؤلء بسبب فقدان هؤلء العلماء ،وأنا ل أعني جميع العلماء معاذ ال وإنما
طائفة من العلماء فقدت المصداقية بحيث تكون دائما تولي وجهها شطر السياسة الغالبة فتتحول من وجه إلى
وجه ومن صورة إلى صورة تفتي اليوم بفتوى وغدا تفتي بما يضادها ،مما يؤسف أن أحدا من علماء
المسلمين في يوم من اليام كان يتحدث عن زعيم من زعماء العرب وكان ينزله منزلة الفاروق عمر رضي ال
تعالى عنه؛ وبين عشية وضحاها بسبب انقلب التجاهات السياسية إذا بهذا العالم نفسه يُوجه إليه سؤال بأن
فلنا – أي ذلك الرئيس نفسه – يتبنى قضية السلم فما رأيك في ذلك؟ فقال :ومتى كان هو إسلميا حتى يُعنى
بالسلم!! هذه مصيبة ،بسبب ذلك يفقد هؤلء الشباب ثقتهم في هؤلء العلماء .نحن نجد أن الفتاوى تتحول
بين وقت وآخر مرعاة للتجاهات السياسية حتى في القضايا الكبرى التي تهم هذه المة وتعنيها ،هذا أمر خطير
جدا .فمن هنا يجب أن تكون هنالك قيادات علمية إسلمية موصولة بحبل ال تعالى تقول كلمة الحق ولو كانت
مرة في أي موقف من المواقف ولو كان ذلك على حساب حياتها .بهذا توجد الثقة في نفوس الشباب تجاه
5
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
هؤلء العلماء وبهذا يكون بينهم وبينهم النسجام وهنا يمكن لهؤلء العلماء أن يقودوا الصحوة إلى طريق
الخير بدل من هذا الضطراب.
ثم إنه ول ريب عندما ينظر النسان إلى النتائج عليه أن ل يحصر نظره في النتائج فحسب ،بل عليه أن يحرص
دائما على النظر في المقدمات التي أدت إلى هذه النتائج .نحن حضرنا الكثير الكثير من المؤتمرات التي عقدت
في البلد السلمية من أجل مكافحة ما يسمى بالتطرف ومواجهة هذا الخطر الذي صُور للناس أنه شبح مخيف
يهدد أمنهم ويأرق ليلهم وأنه سيكتسح العالم إن لم يُوقف في وجهه ،وسمعنا أقوال الناس ومن بينهم العلماء
من فقهاء هذه المة يتحدثون عن هذه التصرفات ويجعلونها مسؤولية الشباب الذين تصدر منهم .وأنا حرصت
في أكثر من مرة أن أقول الكلمة الصريحة بأن السباب هي التي يجب أن تُعالج ،إن كان ما يُقال عن هؤلء
صحيحا وما يُلصق بهم واقعا فعلينا أن ننظر في أسباب ذلك.
هؤلء هم على الفطرة جاءوا ويحملون في نفوسهم هم السلم رغبتهم في أن يروا السلم ماثل ،أن يروا
السلم حاكما ،أن يروا السلم غالبا ل مغلوبا ،ولكنهم عندما يفتحون أبصارهم يجدون الهوة السحيقة التي
تفصل بين مبادئ السلم ومبادئ الواقع ،فيجب قبل كل شيء أن تردم هذه الهوة حتى يكون الواقع يمثل
السلم .هم يتمنون أن يروا الحكم إسلميا بحيث يرون الشريعة السلمية تُطبق في كل جزئية من جزئيات
الحياة ،ولكن يرون أن الشريعة السلمية تُركن دائما ،وعندما تُستخدم تستخدم في قضايا جزئية أما في حياة
الناس العامة فالشريعة مركونة جانبا ،فل ريب أن هذا يسبب ردة فعل في نفوسهم .ثم بجانب ذلك هم يتطلعون
إلى تعليم إسلمي ،ولكن عندما يرجعون التعليمية يرون فيها الكثير الكثير مما ل يتفق مع قيم السلم وتعاليم
السلم ،ويتمنون أن يجدوا العلم إسلميان لكنهم عندما يفتحون أبصارهم أو أسماعهم على برامج العلم
يجدون البرامج ليست هي من السلم في شيء وإنما هي من المستوردات ،ولعل البرامج التي تبث في البلد
السلمية في بعض الحايين تكون أشد ضررا وأعظم خطرا من البرامج الوافدة التي تصلنا عبر القمار
الصناعية أو عبر القنوات من البلد غير السلمية .كذلك يريدون القتصاد أن يكون إسلميا وإذا بهم يرون أن
القتصاد منهجه ليس منهجا إسلميا وبعيد كل البعد عن المناهج السلمية ،ل يزال الناس يتعاملون بالربا
الذي حرمه ال تبارك وتعالى وآذن مرتكبيه بحرب من ال ورسوله .وهكذا في كل ناحية من النواحي يجدون
الواقع بعيدا عن السلم ،فإذن يجب أن تُردم هذه الهوة ،وعلماء المسلمين يجب أن يقولوا كلمة الحق من أجل
ردم هذه الهوة بين الواقع وبين المبادئ السلمية ،وعندما تردم هذه الهوة لن تكون هنالك مشكلة ،لن يكون
هنالك تطرف ،لن يكون هنالك شيء من المحذور ،إنما الضد يخلق الضد غالبا أو دائما ،فيجب أن نعالج
المشكلة من أساسها ل أن نعالج الجزئيات .وماذا عسى أن تكون النتيجة عندما يشتغل الناس بهذه الجزئيات
وبهذه النتائج من غير أن يلقوا نظرة على الصل أو على السبب إل أن يكون ذلك وقودا للفتنة وسببا
لستعارها!! فالمشكلة إذن يجب أن تعالح من شتى الوجوه.
هذا ول ريب أن كتاب ال تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم هما مصدر خير لهذه المة ،وال
سبحانه وتعالى وصف كتابه الذي أنزله بأنه روح من أمره وبأنه نور منه " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا
ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم "،
يقول ال تعالى فيه " :إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم
أجرا كبيرا " ،ويقول تعالى " :وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " .وجاء في الحديث الذي
أخرجه المام أحمد والترمذي من طريق المام علي كرم ال وجهه عن الرسول صلى ال عليه وسلم من أنه
6
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
قال (( :ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم )) ،قيل له :وما المخلص منها يا رسول ال؟ قال (( :كتاب ال
فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل ،من تركه من جبار قصمه ال ،ومن
ابتغى الهدى في غيره أضله ال ،هو حبل ال المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم ،وهو
الذي ل تزيغ به الهواء ول تتشعب معه الراء ول يشبع منه العلماء ول يخلق على كثرة الرد ،وهو الذي لم
تنته الجن إذ سمعته أن قالوا " إنا سمعنا قرآنا عجبا " ،من قال قوله صدق ،ومن حكم به عدل ومن عمل به
أُجر ،ومن اعتصم به فقد هُدي إلى صراط مستقيم )) .فالقرآن الكريم هو الذي يحل كل مشكلة ،وهو النور الذي
يبدد كل ظلمة ،وهو المعين الدافق الصافي الذي يروي كل غلة وهو الذي يقود الناس جميعا إلى مواطن
السلمة ،فيجب العتصام بالقرآن وأن تربى هذه المة على القرآن ،أن تربى هذه الناشئة على القرآن ،أن تكون
عقيدتها من القرآن ومن السنة النبوية الثابتة على صاحبها أفضل الصلة والسلم ،وأن تكون عبادتها ناشئة
من القرآن ،وأن تكون معاملتها وأخلقها جميعا انعكاسا لما في القرآن الكريم ،وأن تكون ثقافتها نابعة من
معين القرآن الدافق ،وأن يكون استبصارها في كل مواطئ أقدامها بنور من هذا القرآن الكريم ،وهكذا سنة
الرسول عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والتسليم.
وهذا ل ريب أنه يتوقف على دراسة اللغة العربية السليمة التي نزل بها القرآن الكريم ،فاللغة العربية مع
السف الشديد أصبحت الن عند العرب أنفسهم محتقرة مزدراة فضل عن الشعوب السلمية غير العربية.
فالعرب أنفسهم مع السف الشديد يسارعون في إتقان اللغات الخرى مع إهمالهم اللغة العربية ،ولجل ذلك نجد
الكثير الكثير من الستعمالت الشائعة الن التي هي بعيدة عن اللغة نفسها وهذا مما يحجب فهم القرآن عن هذه
الناشئة عندما تنشأ على اللغة العربية غير السليمة فإن الفهم الصحيح للقرآن الكريم إنما يكون باستعمال اللغة
العربية السليمة التي هي بعيدة عن الخطاء .حاول الناس أن يطوروا هذه اللغة تطويرا في وقتنا هذا أبعدنا عن
أصلها ،وأذكر هنالك قصة اطلعت عليها في بعض ما كتب أن أحدا من الناس من دعاة التغريب في وقت من
الوقات كان يلح على أن تكتب اللغة العربية بالحرف اللتينية ،وهذا عندما استحكم الغزو الجنبي بنفوس
الناس ،وكان أحد علماء الزهر يعترض هذا الرجل اعتراضا شديدا وقال له :ما الداعي إلى أن تُكتب هذه اللغة
بغير حروفها؟ فقال له :أريد بذلك أن أعممها ،فأجابه :ل ولكنك تريد أن تبرنطها.
وهكذا الن أصبحت اللغة تُطور ،ومما يؤسفني كثيرا أن أسمع حتى من الفقهاء الكبار إستعمالت لكلمات ليست
هي وفق المنهج العربي الصحيح؛ كنت في يوم من اليام في لقاء وكان أحد المسؤولين عن مؤسسة فقهية
كبيرة حاضرا وإذا بالناس يقولون في ضمن ما جاء به من التوصيات :أسلمة كذا..أسلمة مثل أسلمة المناهج
القتصادية ..وقلت لهم :من أين جاءت كلمة أسلمة؟ إن كان ذلك مصدرا لسلم ،فأسلم على وزن أفعل ،ومصدر
أفعل إفعال ،فكل فعل يأتي على وزن أفعل مصدره إفعال ،أكرم يكرم إكراما ،وأحسن يحسن إحسانا ،وأجلّ يجلّ
إجلل ،وأعظم يعظم إعظاما ،وهكذا ،فليس هناك مصدر ( أسلمة ) ،إنما وزن فعللة هو مصدر لما كان على
وزن فعلل من الفعال أو ما أُلحق بفعلل من الفعال المزيدة ،فيقال دحرج دحرجة .ومع هذا فإن أسلم فعل لزم ل
يستعمل متعديا ..فإذا بهذا الرجل المسؤول عن هذه المؤسسة يقول :مجمع اللغة العربية أقر هذا .فتذكرت
كلما قاله أـستاذ العربية الكبير الدكتور ناصر الدين السد عندما عرضت عليه بعض هذه الخطاء وبصفته
عضوا في مجمعي اللغة العربية في الردن وفي سوريا ،قلت له :يا حبذا لو كانت المجامع هذه تُعنى بتهذيب
هذه اللغة حتى تردها إلى صوابها .فكان من جوابه :وهل مهمة هذه المجامع إل أن تبرر الخطأ حتى تجعله
صوابا !! .وهذا أمر واقع .كم من الخطاء الن التي شاعت في ألسن الناس ،عندما أسمع أحدا من الناس
7
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
يقول :شل هذا الشيء يشله شل .من أين جاءوا بهذا؟! شل فعل لزم ،شل يشل شلل ،ويقولون :مشلول .يأتون
بإسم مفعول مع أن شل فعل لزم ( شل يشل شلل ) وفعل اللزم بابه فَعل كفرح وكجوا وكشلل ،فكما ل يقال في
الصم مصموم ل يقال في الشل مشلول إنما هو أشل ،من أين جاءوا بهذا الخطأ؟!! هناك الكثير الكثير ،مهزول
هزل فعل لزم ليس بمتعد ،الكثير الكثير من الخطاء التي شاع استعمالها عند الناس ،وهذا الذي يحجب الناس
عن فهم القرآن الكريم الفهم الصحيح.
وقد قلت في أكثر من لقاء بأن اللغة العربية هي لغة جميع المسلمين وليست لغة العرب وحدهم ،إنما على جميع
المسلمين أن يغاروا عليها في كل شبر من الرض وأن تكون هي لغة التفاهم بين المسلمين جميعا ،إذ اللغة
رباط بين الناس ،وعندما تستحكم اللغة تشد البعض إلى البعض ،وقلت في أكثر من موضع مما يؤسف له أن
يتقن المسلم الذي يقرأ القرآن ويصلي بين يدي ال لغة المستعمر الذي استعبده ول يتقن اللغة العربية التي
خاطبه ال تبارك وتعالى بها في كتابه والتي يخاطب بها ال عندما يمثل بين يديه ويقول في تضرع وإخبات" :
إياك نعبد وإياك نستعين "!! .فعلى المسلمين جميعا أن يهتموا بهذه اللغة .وقبل أيام قليلة كنت في لقاء في
دولة إسلمية غير عربية وكان رئيس الدولة حاضرا ،والناس كانوا يتحدثون باللغتين العربية والنجليزية،
وإذا بهم فجأة يتحول العرب أنفسهم إلى الحديث بالنجليزية وإذا بالجلسة تدار باللغة النجليزية .فتحدثت مع
رئيس الجمهورية وقلت له – وإن كان هو ل يتقن العربية ولكن ترجم له هذا الكلم ، -قلت له بأن اللغة
العربية هي لغتكم جميعا ،هي لغة القرآن الذي خاطبكم ال تعالى به ،كانت لغة قومية قبل أن ينزل بها القرآن،
أما بعدما اختارها ال تعالى أن لن تكون وعاء لكلمه وأنزل بها كتابه فهي لغة جميع المسلمين ول يجوز
للمسلم أن يقدم عليها لغة أخرى مهما كانت.
وهذا الذي حصل عندما كان الوعي الديني منتشرا في الناس ،فمعظم أئمة العربية الذين عنوا بدراستها وعنوا
بالتأليف فيها لم يكونوا من العرب ،ولكن حفزهم اليمان إلى دراسة هذه اللغة .ونجد الزمخشري وهو أعجمي
يقول في فاتحة كتابه المفصل ( :ال أحمد على أن شرفني بأن جعلني من علماء العربية ) .فإذن ما الذي يمنع
المسلمين اليوم من أن يعتنوا بهذه اللغة وأن يدرسوها دراسة تمحيص حتى يعيدوها إلى صوابها ويرفضوا كل
دخيل ل يتفق مع أساليبها ومع موازينها؟!!.
وعلى أي حال نشر الوعي السليم بين الناس الذي يجمع ول يفرق ويوحد ول يشتت ويألف ول ينفر هو من
أعظم المور التي تؤدي إلى أن تسير هذه الصحوة في طريقها الصحيح وأن تبتعد عن هذه المتاهات التي أدت
بها إلى التفرق والتشتت ،وأدت بها إلى العداوة فيما بين المسلمين .فنسأل ال تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعا
لما يحبه ويرضاه وأن يأخذ بأيدينا إلى الخير وأن يكلنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،وأن يهدينا إلى
الصواب إنه تعالى على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير ،وصلى ال وسلم على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلم على المرسلين * والحمد ل
رب العالمين * ".
8
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
*** سؤال تسأله بعض الطالبات أنهن في بعد عن أهلهن ويردن الذهاب في بعض الحيان إلى المناطق
الداخلية ،ولعدم وجود محارم اضطرن هؤلء الطالبات إلى استئجار باص بسائقه .هل هناك مانع شرعي من
ذلك؟
الجواب:
أما الحديث عنه صلى ال عليه وسلم فقد نهى أن تسافر المرأة إل مع ذي محرم ،مع زوج أو ذي محرم ،هكذا
أمر الرسول صلى ال عليه وسلم ،فينبغي عندما ل يكن لهن محرم أن يكون لهذا السائق من يرافقه من نسائه
المحارم منه ،فإما أن تكون معه ذات محرم وإما أن تكون معه زوجة ،وهذا المر على أي حال ينبغي أن يوضع
في الحسبان .أما الضرورة عندما تكون هناك ضرورة ل محيص عنها فالضرورة تقدر بقدرها.
*** يعج العالم اليوم ويضج بمسألة العولمة ،فما موقف السلم منها؟
الجواب:
نحن على كل حال ذكرنا بأن السلم هو الحل الوحيد لكل مشكلة في العالم ،أنا ذكرت هذا لكثر من واحد من
غير المسلمين ،كنت أتحدث بهذا الكلم لحد المريكان وقلت له بأنني قرأت لبعض الكتّاب المريكان بأن أمريكا
متجهة إلى الدمار إل إن وافقت على السلم ،فما رأيك في هذا؟ فقال لي :أنا متفائل مثلك .ل ادري مع معنى
جوابه هذا ،هل هو من باب ( ليت عينيه سوى ) ( .أنا متفائل بأن يظهر السلم )!! هل هو متفائل بأن
ينتصروا هم على السلم أو العكس.
السلم على أي حال هو الحل وهذا أمر لم أقله أنا من تلقاء نفسي ،هناك الكثير الكثير من الذين أسلموا من
الغربيين أثبتوا هذا ،وهناك الكثير الكثير من الذين لم يسلموا هم اعترفوا بهذه الحقيقة .فقبل فترة اطلعت على
محاضرتين ،محاضرة ألقاها أحد المريكان كان اسمه روبر تريم ثم صار اسمه فاروق عبد الحق بعدما أسلم
بعنوان القيادة السلمية في القرن الحادي والعشرين .ألقى هذه المحاضرة في مجمع أبي النور في دمشق في
شهر ذي الحجة من عام 1415هـ .في هذه المحاضرة تحدث عن الوضع في الوليات المتحدة المريكية وذكر
بأن أمريكا أفلست في عالم الخلق ولم يبق هنالك مقوم لحياتها وجميع النذر تنذر بأنها تسير بخطى حثيثة إلى
الدمار .وذكر بأن أصحاب العقول يتطلعون إلى البديل من الوضع الكائن في أمريكا وليس هنالك بديل إل
9
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
السلم ،فالسلم إذن هو الذي سوف يأخذ بزمام هذه المة الضائعة إلى طريق الخير ،إلى طريق السلم .وذكر
شاهدا على ما قاله بأن المستشار الذي ذكرناه برجنسكي وهو معلوم رجل يهودي ليس بمسلم تحدث في مقال
له نشره في إحدى الصحف السيارة في الوليات المتحدة المريكية ،تحدث عن الوضع الخلقي في الوليات
المتحدة المريكية فقال بأن الشعب الذي يعيش في هذه الفوضى الخلقية ل يمكنه أبدا بحال من الحوال أن
يسن قانونا أخلقيا للعالم .وكان من جملة ما ذكره أنه ل بد من أن يكون هنالك تغيير ،وهذا المقال عندما نشر
في تلك الصحيفة قدم له أحد الصحفيين يسمى ناثان جارونس ،قدم له وجاء في تقديمه بأن السلم هو البديل
المنتظر .فالسلم بعطائه الواسع وبتجربته الطويلة وبحلوله الكثيرة لمشكلت هذه النسانية هو ل ريب البديل
المنتظر ،فالوليات المتحدة المريكية عليها أن ل تستوحش من السلم بل عليها أن تستفيد من هذا الدين.
قبل سنوات تحدث أيضا إلى قناة تلفزيونية إنجليزية آخر زعيم للتحاد السوفييتي الذي انهار ( جورباتشوف )،
وسئل عن الشيوعية هل يمكن أن تستمر في فيتنام وفي الصين ،فأجاب :كل إنها ميتة ول يمكن للميت أن
يستمر .فقيل له :وما البديل؟ فقال:
.هذه الحضارة
الجديدة نحن أدركنا من أول وهلة أنها حضارة السلم ،ل يمكن إل أن تكون هي حضارة السلم .وقبل بضعة
شهور من الن تحدث الشيوعي الراديكالي كاسترو وقال:
.فالنموذج القرآني هو الذي يمكن أن يفيد هذه النسانية
وينتشلها من ضياعها.
فإذن على المسلمين في هذا كما قلت أن يكونوا مأثرين ل متأثرين ،ل أن يكونوا وراء ما يسمى بالعولمة وإنما
عليهم أن يقودوا هذه العولمة إلى ما تتفق مع قيم السلم.
*** بينتم سماحتكم أن أكتاف الشباب مصعد قوي للصحوة السلمية ،ولكن قد تحول شيء من التعصبات
المذهبية عن هذا المنهج الصائب ،فما نصيحتكم في هذا المجال؟
الجواب:
هذا الذي ذكرته بأن أعداء السلم حاولوا أن يوغروا الصدور وأن يثيروا هذه النعرات وأن يوقدوا هذه الفتنة
فيما بين المسلمين ،ونحن مهما كان من أمر واثقون بأن هؤلء الشباب سيتخطون بمشيئة ال هذه العقبة
وسيصلون إن شاء ال إلى الوفاق السلمي الذي يجمع الشمل ويرأب الصدع ويوحد الكلمة بمشيئة ال.
علمه لحكام ال وإدراكه للواقع ،وكلنا *** سماحة الشيخ السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،ففي الواقع
كما رأى اهتمام شيخنا بواقع العالم السلمي فهو ملم بكل جزئية تطرأ في العالم السلمي .أنا واحد من أبناء
الصحوة السلمية عشت آلمها منذ الصغر ،وعشت أحلمها ،قد وجدت الكثير من الشباب في مصر وفي عمان
يعيشوا آلم هذه الصحوة ويريدوا أن يروا راية السلم مرتفعة عالية .الجامعات في العالم المفلس كما أقول
10
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
لبعض الطلبة تخرج حملة شهادات ول تخرج علماء ،فيسأل أبنائي الطلبة هنا وفي مصر فما الطريق الصحيح
لكي نتعلم العلم كما تعلمه أشياخنا الوائل؟ هذه نقطة .النقطة الثانية هي أمة مسلمة مستقيمة الرسالة في
عقائدها ،في تشريعاتها ،وكما نعلم أن المجامع الفقهية قد أجمعت فيما أعلم واتفقت على أن الرباح التي تعود
من ال ....هي محرمة شرعا ،بعض الناس سماحة الشيخ يقول بأن ال ........يجري عليها البلء ،الجنيه
المصري والريال العماني فيما أعلم من خمسين سنة غليت....ويحاولون أن يتذرعوا بهذه الذريعة إلى حل
أرباح البنوك...ونريد من سماحتكم بيان هذا المر الثاني .المر الثالث عشنا منذ الصغر وسمعنا إلى أناس
ينتسبون إلى العلم كما تفضلتم " يحلونه عاما ويحرمونه عاما " ،فهؤلء الناس يثيرون ضجة بين عشية
وضحاها واسمح لي أن آخذ من وقتك وأن أضرب لسماحتك مثال ..منذ ثلث سنوات فيه طبيب عربي وليس
مصريا اتصل لي بمصر في ساعة الفجر ،وقال لي :جاءنا عالم من البلد العربية إلى الوليات المتحدة
المريكية وكنا ل نعلم ما فيها من وباء وقواعد الحلل والحرام ليس لها أثر عندنا هناك ،قال جاءنا هذا العالم
في رمضان يلقي علينا محاضرات ،فلم ينهانا عن الربا ول عن الزنى ،إنما ظل شهرا يتكلم يحدثنا أن ل رجل
وأن ل يدا إلى أن حدثت فتنة في المسجد وضرب الناس ببعض .سنريهم كيف نقضي على هذه الفتن ،كيف
نكون أمة واحدة مسترشدة .ثلث نقاط ل أظن أن الوقت سيسعف سماحة الشيخ أن يجيب عنها لكن عذري أنني
قدمت ورقتي متقدمة فأُخرت ،ل أدري إذا كان سماحة الشيخ يجيب عن هذه النقاط أم سوف يبقني في حيرة،
والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته (( .ملحظة :رداءة الصوت أدت إلى عدم سماع بعض الكلمات جيدا مما أثر
على طريقة كتابة السؤال )).
11
الصحوة السلمية وتحديات الواقع
أما بالنسبة إلى السؤال الثاني هذه في حقيقة المر مشكلة من مشكلت العصر ،نحن كما قلنا أننا نسمع الكثير
الكثير من الفتاوى التي قد يتعدد رأي المفتي فيها فيجيب تارة بالحل وتارة بالحرمة بحسب ما تقتضيه الموجات
التي تدفعه إلى ذلك .حكم ال تبارك وتعالى بيّن ،والتذرع بأن هذه النقود هي سلعة ليس هو من الحقيقة في
شيء ،فهي معايير للسلع نزول وارتفاعا غلء ورخصا ،وليست هي بمثابة السلعة التي تباع .على أننا لو
سلمنا بذلك فإن النص الصريح عن النبي صلى ال عليه وسلم عندما يقول (( :يدا بيد مثل بمثل فمن زاد أو
استزاد فقد أربى )) يقطع هذه التعللت كلها ويبين للناس ما هو المسلك الصحيح ،فالمسلك الذي يجب أن
يتخذه الناس هو أن تكون هذه النقود عندما يتعامل بها إن كانت من جنس واحد أن يكون التعامل يدا بيد مثل
بمثل ،وأما عندما يكون بينهما تفاوت كالفارق الذي بين الذهب والفضة واختلف العملت من عملة بلد وبلدة
فإن ذلك يتوقف على الغلء والرخص ويكون ذلك أيضا يدا بيد كما قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه فيما
يحكيه عن النبي صلى ال عليه وسلم (( :الذهب بالورق ربا إل هاء وهاء )) ول يجوز أن يعدل عن ذلك قط.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين يحملون المدى بأيديهم ليفروا في أديم هذه المة وليقطعوا أوصالها وليمزقوا
شملها فإن هؤلء سواء دروا أو لم يدروا إنما هم يعملون تحت مظلة أعداء السلم لجل تبديد الطاقات بدل من
أن تكون الطاقة موحدة من أجل خدمة السلم يكون بأس هذه المة فيما بينها .هؤلء قوم هم عقبة في سبيل
هذه الصحوة السلمية وقد اتُخذوا حربة من أجل نحر هذه الصحوة السلمية .ولكن مهما يكن من أمر فإننا
واثقون بأن هذه العقبة كسائر العقبات سوف تتخطاها الصحوة بمشيئة ال وسوف تصل إلى الشراق في جميع
أرجاء الرض ،فهذا وعد ال تبارك وتعالى لعباده المؤمنين بأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
12