You are on page 1of 12

‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬


‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫المفتي العام لسلطنة عمان حفظه ال‬

‫ألقاها سماحته بكلية الشريعة والقانون بالوطية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين ول عدوان إل على الظالمين‪ ،‬أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد‬
‫وأشكره‪ ،‬وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره‪ ،‬وأؤمن به ول أكفره وأعادي من يكفره‪ .‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له‪ ،‬العز كل العز في طاعته والذل كل الذل في معصيته‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬أرسله ال بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فبتحية السلم والسلم‪ ،‬تحية اليمان والمان أحييكم مشائخ العلم وطلبته وطالباته‪ ،‬فالسلم عليكم‬
‫جميعا ورحمة ال وبركاته‪ .‬إنها لفرصة سعيدة أن نلتقي في هذا الصرح العلمي وفي هذا المكان الطيب‪ ،‬في هذا‬
‫المكان الذي تتفجر فيه ينابيع العلم والحكمة ليرتوي منها رواد المعرفة الذين جاءوا من أجل صقل نفوسهم من‬
‫صدأ الجهل ومن أجل فتح بصائرهم على أنوار المعرفة ومن أجل وصل أرواحهم ببارئها سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫فالحمد ل على نعمة اللقاء‪.‬‬
‫وقبل الدخول في أي حديث أعتذر إليكم مما سمعتموه من الثناء الذي أُلبسته ولست له تأهل في قبيل ول دبير‪،‬‬
‫وإنما هذه هي عين الرضى‪ ،‬فالشاعر يقول‪:‬‬
‫ولست برائ عين ذي الود كله ********* ول بعضه يوما إذا كنت راضيا‬
‫فعين الرضى عن كل عيب كليلة ******** ولكن عين السخط تبدي المساويا‬
‫ول أملك ما أقول أمام ما سمعته إل ما روي عن الصديق رضي ال تعالى عنه أنه قال‪ ( :‬اللهم اجعلني خيرا‬
‫مما يظنون واغفر لي ما ل يعلمون ول تؤاخذني بما يقولون )‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬والموضوع الذي طُرح من أجل أن يكون محور حديثنا هذا موضوع مهم جدا‪ ،‬وقد كنت أود أن أعد له‬
‫عدته‪ ،‬ولم يتيسر لي أن أراجع ذهني أو أن أرجع إلى شيء لتمكن من الحديث كما ينبغي‪ ،‬وبقدر استطاعتي‬
‫حوله ولكنني سأحاول بمشيئة ال سبحانه وتعالى أن أعبر عما يخطر ببالي حول الصحوة والتحديات التي‬
‫تواجهها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫ل ريب أن هذه الصحوة جاءت بعد غفلة‪ ،‬عمق هذه الغفلة الستعمار الجنبي الذي غزى البلد السلمية‪ ،‬وكان‬
‫أول ما أراد أن ينفذه هو أن يقطع صلة هذه المة بماضيها‪ ،‬ول ريب أن الحاضر إنما يبنى على الماضي وكل‬
‫أمة ليس لها ماض ليس لها حاضر‪ ،‬وكما يقول أحد فلسفة الغرب ‪ ( :‬إن الشعب الذي يحب الرقي يجب أل‬
‫يقطع الصلة التي تربطه بماضيه )‪ .‬ول ريب أن هذه المة شاء ال سبحانه وتعالى أن يكرمها وأن يرفع من‬
‫قدرها على المم‪ ،‬إذ جعلها شهيدة على غيرها من المم كما أن الرسول صلى ال عليه وسلم شهيد عليها‪ ،‬فهي‬
‫تتبوأ بحكم هذه المنزلة التي رفعها ال تبارك وتعالى إليها مكان القيادة بين المم‪ ،‬فعليها أن تكون مؤثرة ل‬
‫متأثرة وأن تكون قائدة ل منقادة وأن تكون حاكمة ل محكومة وأن تكون موجهة ل متجهة بحسب ما يوجهها‬
‫به غيرها‪.‬‬
‫إن هذه المة كما سمعتم فيما تلي علينا من كتاب ال سبحانه وتعالى كتب ال تبارك وتعالى لها العزة ‪ " :‬ول‬
‫تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون " ‪ ،‬وإنما كانوا أعلون بما كرمهم ال تبارك وتعالى به وبما هداهم إليه من‬
‫الحق ومن الصراط المستقيم‪ ،‬وبما استمسكوا به من حبل هذا الدين الحنيف‪ .‬بقدر ما تكون هذه المة مستمسكة‬
‫بهذا الحبل المتين وموصولة به‪ ،‬ومستبصرة بهذا النور المبين وسالكة هذا الصراط المستقيم تكون أمة عالية‬
‫وتكون أمة عزيزة وبقدر ما تتخلى عن ذلك تكون على العكس من ذلك‪.‬‬
‫ونحن نجد في تربية القرآن لهذه المة‪ ،‬وتربية الرسول صلوات ال وسلمه عليه لها أن هذه التربية جاءت‬
‫مبينة على الستقللية بحيث تكون هذه المة مستقلة في مظهرها ومخبرها‪ ،‬في تصوراتها وعقائدها‪ ،‬في‬
‫عباداتها وشعائرها‪ ،‬في سلوكها وأخلقها‪ ،‬في معاملتها وتصرفاتها‪ ،‬يجب أن تكون أمة مستقلة‪ .‬ومن أجل ذلك‬
‫نجد في كتاب ال تبارك وتعالى ما يدل على وجوب التراحم والتلحم بينها‪ ،‬ووجوب وجود ما يفصلها عن‬
‫غيرها من المم حتى ل تتأثر بغيرها‪ .‬وال سبحانه وتعالى يحذر هذه المة أي تحذير من أن تمنح الولء‬
‫لغيرها‪ ،‬يقول ال سبحانه ‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد‬
‫كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي‬
‫وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل‬
‫* " ثم يبين أنه مهما توددوا إلى غيرهم ومهما اقتربوا من غيرهم فالعاقبة معلومة " إن يثقفوكم يكونوا لكم‬
‫أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون "‪.‬‬
‫ويقول تعالى‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم‬
‫فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين " ثم بين أن هذه الموالة إنما تأتي نتيجة مرض نفساني حيث قال‪" :‬‬
‫فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر‬
‫من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين ءامنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد‬
‫أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين "‪ ،‬ثم يتبع ذلك ما يؤذن بأن هذه الموالة عندما يسترسل‬
‫النسان فيها تنتهي به إلى النسلخ من هذا الدين والرتداد عنه حيث يقول تعالى تحذيرا لعباده المؤمنين في‬
‫معرض هذا السياق‪ ،‬معرض التحذير من موالة الكافرين ‪ " ،‬يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه‬
‫فسوف يأت ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول‬
‫يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم "‪ .‬ثم يبين من يجب على المسلم أن يحصر‬
‫ولءه فيه أي من يمنح المسلم ولءه له‪ ،‬ويقول‪ " :‬إنما وليكم ال ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ‪ ،‬ويبين عاقبة هذه الموالة التي تكون بين المؤمنين فيقول‪ " :‬ومن يتول ال‬

‫‪2‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب ال هم الغالبون "‪ .‬ثم يتبع ذلك مرة أخرى التحذير من موالة أولئك فيقول‪:‬‬
‫" يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب والكفار أولياء واتقوا ال‬
‫إن كنتم مؤمنين "‪ .‬هذه هي تربية القرآن لهذه المة على الستقللية بحيث تكون مستقلة من أي ناحية من‬
‫النواحي‪ ،‬ولذلك تحصر ولءها فيما بينها بعد أن تتولى ال سبحانه وتعالى ورسوله عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫ونجد أن التربية النبوية كانت على هذا النهج‪ ،‬فالنبي صلى ال عليه وسلم كان شديد الحرص على أن يربي‬
‫هذه المة على الستقلل في جميع مناهج حياتها‪ ،‬سواء كانت هذه المناهج نظرية أو تطبيقية‪ ،‬ومن ذلك أنه‬
‫صلى ال عليه وسلم كان ل يتساهل في تقليد غير المسلمين ولو في المور العادية؛ وقد روي عنه صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه كان في حالة دفن ميت وكان واقفا وكان أصحابه وقوفا معه فمر بهم يهودي وقال‪ :‬هكذا تصنع‬
‫أحبارنا‪ .‬فقعد النبي صلى ال عليه وسلم وأمر أصحابه بالقعود من أجل مخالفة ‪...‬اليهود‪ .‬ول ريب أن هذا‬
‫الحرص منه صلى ال عليه وسلم على تربية هذه المة على الستقللية في كل مناهج حياتها إنما هو لجل‬
‫المحافظة على كيانها حتى ل تذوب في غيرها من المم‪ ،‬ومن أجل المحافظة على عزتها وكرامتها؛ فإنها عندما‬
‫تكون معتزة بكرامتها ومعتزة بمواريثها الفكرية والتأريخية وغيرها تكون أمة عزيزة وتستطيع أن تؤثر على‬
‫غيرها من المم‪ ،‬أما عندما تكون بخلف ذلك فإنها تكون منساقة وراء المم‪ ،‬تكون في هذه الحالة تابعة ل‬
‫متبوعة ومحكومة ل حاكمة ومنقادة ل قائدة‪ ،‬هذا خلف ما يراد لها‪.‬‬
‫وهنا كلمات قد قلت أكثر من مرة بأن هذه الكلمات حقيقة بأن تكتب بماء الذهب من أجل غلئها‪ ،‬قالها شاعر‬
‫السلم محمد إقبال في وصف منهج المسلم‪ ،‬يقول ‪ ( :‬إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب‬
‫البشري حيث اتجه وسار‪ ،‬بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها‬
‫إرادته لنه صاحب الرسالة وصاحب الحق اليقين‪ ،‬ولنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه‪ ،‬فليس مقامه‬
‫مقام التقليد والتباع‪ ،‬إن مقامه مقام المامة والقيادة‪ ،‬مقام الرشاد والتوجيه‪ ،‬مقام المر الناهي‪ ،‬وإذا تنكر له‬
‫الزمان وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة لم يكن له أن يخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر بل عليه أن يثور‬
‫عليه وينازله ويظل في صراع معه وعراك حتى يقضي ال في أمره؛ إن الخضوع والستكانة للحوال القاسرة‬
‫والوضاع القاهرة والعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والقزام‪ ،‬أما المؤمن القوي فهو نفسه قضاء‬
‫ال الغالب وقدره الذي ل يرد )‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وبما ان العدو الغازي أدرك هذه الحقيقة فإنه أراد أن ينتزع من نفوس هذه المة هذه المقومات‪ ،‬مقومات‬
‫حياتها؛ فحرص على انتزاع هذه الموالة لتكون له بدل من أن تكون ل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬وحرص على أن‬
‫يرسخ في نفوس هذه المة الشعور بالنقص‪ ،‬وهو ما يسمى عند علماء النفس فيما أحسب بمركب النقص من‬
‫أجل أن تلهث هذه المة دائما وراء هذا العدو المتمكن منها بحيث ترى عزها وترى كرامتها وترى شرفها في‬
‫تقليد خطواته وترسمها والنسلخ من ماضيها حتى ل تعود إلى ذلك الماضي وتفكر فيه بحال من الحوال‪ .‬هذا‬
‫أمر واقع ل نزال نعانيه إلى وقتنا هذا‪ .‬هناك على سبيل المثال قضية قد يراها الناس بسيطة ولكنني أراها قضية‬
‫لها شأن‪ ،‬إلى الن لو سألت أي مسلم في وقتنا هذا ما تأريخ هذا اليوم لما كان يجيبني إل بالتأريخ الجنبي‪ .‬لو‬
‫سألت أحدا من المسلمين ما هو هذا العام لقال لي هو عام ‪ 1998‬بدل من أن يقول هو عام ‪ .1419‬هذه قضية‬
‫ليست بالهينة! ما الذي جعلنا نتخلى عن تأريخنا الذي ولدت المة بميلده!! إن هذا التأريخ هو مؤسس على‬
‫ميلد هذه المة‪ ،‬فإنه أسس على هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم التي كانت ميلدا لهذه المة لن المسلمين‬

‫‪3‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫كانوا قبل الهجرة أفرادا موزعين‪ ،‬وبعد الهجرة كان لهم كيان‪ ،‬كانت لهم دولة‪ ،‬كان لهم عز ولهم شرف‪ ،‬فبدأ‬
‫تأريخهم بتأريخ هذه الهجرة‪ ،‬فبعدنا عن هذا التأريخ يعني بعدنا عن مواريثنا الفكرية‪ ،‬يعني بعدنا عن عزتنا‬
‫وعن أسباب هذه العزة وعن مقومات حياتنا‪ .‬هذه من أبسط القضايا التي ل نزال نعاني منها‪.‬‬
‫ومرت فترة على الناس كانوا بحق يلهثون وراء غيرهم حتى إن الكثير آثروا أن يطأوا بأقدامهم على جميع‬
‫قيمهم وعلى جميع مواريثهم الفكرية‪ .‬هذه القضية ليست قضية هينة‪ .‬جعلت الرابطة التي تربط بين الناس هي‬
‫رابطة الدم والتراب بدل من أن تكون رابطة الفكر والعقيدة؛ فأُحييت القوميات الضيقة بدل من أن ينتمي الناس‬
‫إلى فكرهم وإلى دينهم ليكونوا أمة واحدة كما أمر ال تبارك وتعالى بذلك‪ .‬وأنتم تدركون أن هذه القوميات ولدت‬
‫في محاضن أعداء السلم‪ ،‬وقد كان تأريخ ميلدها متقاربا‪ .‬فالقومية الطورانية ولدت في تركيا على أيدي‬
‫يهود الدونمة في عام ‪ ،1847‬والقومية العربية ولدت في الكنيسة البروستنتية في لبنان في العام التالي لهذا‬
‫العام‪ ،‬وما ذلك إل من أجل تمزيق هذه المة وإعادة انتمائاتها إلى الجاهلية حتى تُحيا فيهم النعرات المفرقة فيما‬
‫بينهم‪ .‬وظل المر كذلك وانحسر الستعمار بعتاده وقواه العسكرية ولكن مع ذلك ظلت آثاره باقية‪ ،‬فظلت‬
‫المناهج التربوية هي التي خلفها الستعمار‪ ،‬وظلت البرامج العلمية هي نفس البرامج التي أرادها الستعمار‬
‫لنا‪ ،‬وظلت المناهج القتصادية كما هي مناهج بعيدة عن السلم وهكذا‪.‬‬
‫قد وجدت بحول ال تبارك وتعالى في وسط هذه الظلمات المتراكمة إشراقة لصحوة إسلمية‪ ،‬وُجدت هذه‬
‫الصحوة في نفوس شباب هذه المة بمشيئة ال‪ ،‬وُجدت في كل بلد من بلد السلم وأينما وجد المسلمون حتى‬
‫في غير بلد السلم‪ ،‬وقد كان المل معقودا على هذه الصحوة أن تؤتي ثمارها ولكن العدو المتربص ظل‬
‫يتابعها من أجل الجهاز عليها‪ .‬كانت هناك مشكلت متعددة واجهتها هذه الصحوة ؛ أول هذه المشكلت إنحسار‬
‫الوعي الديني الذي ينبغي أن يكون في نفس كل مسلم‪ .‬هذا الوعي ل أعني مجرد أن تكون في النسان عاطفة‬
‫جياشة فإن العاطفة قد تثور ثم تغور وقد تشتعل ثم تنطفئ‪ ،‬ولكن أعني بالوعي أن يكون على معرفة ودراية‬
‫بدينه بحيث يدري كيف يتصرف في أخذه وعطائه‪ ،‬في رضاه وغضبه‪ ،‬في بذله ومنعه‪ ،‬في كل تصرفاته‪.‬‬
‫فالشباب الذين أشرقت عليهم أنوار هذه الصحوة كانوا بحاجة إلى أن يكونوا على فقه في دينهم ومعرفة بأمور‬
‫هذا الدين‪ ،‬هذا الفقه إنما يستقى من كتاب ال ومن سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم الثابتة ومن هدي‬
‫السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي ال تعالى عنهم‪ .‬والناس مع انحسار هذا العلم بسبب‬
‫أن كثيرا من طلبته كانوا يسعون وراء المظاهر ويسعون إلى أن يكونوا أصحاب شهادات فلذلك كان العلم ضعيفا‬
‫عندهم لنهم لم يسعوا إلى العلم بذاته‪ ،‬بسبب ذلك لم يكن هناك العلم الكافي الذي يوجه هذه الصحوة ويبصرها‪،‬‬
‫وكانت هذه الصخرة اصطدمت بها هذه الصحوة‪.‬‬
‫والعدو الذي يتربص بهذه المة الدوائر مع هذه الحالة التي عليها شباب المسلمين أدرك كيف يتصرف من أجل‬
‫الجهاز على هذه الصحوة‪ ،‬فهو حرص على إثارة النعرات فيما بين هذه المة ول سيما فيما بين شبابها‪ ،‬وهذا‬
‫أمر خطير جدا‪ .‬وأنا أذكر قبل فترة تناهز العقدين من السنين أنني اطلعت في إحدى الصحف أن الرئيس‬
‫المريكي جيمي كارتر دعا بمستشاره للمن القومي برجنسكي من أجل دراسة هذه الصحوة السلمية‪ .‬وقد‬
‫حدثني أحد المسلمين المقيمين في الوليات المتحدة المريكية أنه قرأ في ذلك الوقت في إحدى الصحف‬
‫المغمورة التي كانت تصدر بالوليات المتحدة المريكية تصريحا لكارتر قال فيه ما معناه‪ ( :‬إن هذا العملق‬
‫الذي ظل فترة طويلة نائما قد أخذ يفتح عينيه الن‪ ،‬ولئن استيقظ واستوى على قدميه فلن يبقى لنا قرار‪ ،‬فلذلك‬
‫يجب علينا أن نسعى دائما إلى تخديره ليظل نائما )‪ ،‬ويقول هذا الرجل نفسه‪ :‬لم تمض إل فترة قصيرة على هذا‬

‫‪4‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫الكلم الذي قيل حتى أتانا من بلد الشرق السلمي إلى الوليات المتحدة المريكية ليبذر بذور الخلف فيما بين‬
‫الشباب المسلمين الموجودين في نفس الوليات المتحدة المريكية بإثارة قضايا كان الدهر كاد أن يأتي عليها‪.‬‬
‫ثيرت قضايا ما كان ينبغي أن تثار بحال من الحوال‪ ،‬وجعلت هذه القضايا من صميم الدين وما القصد من ذلك‬
‫إل تمزيق شمل هذه المة‪ ،‬فكانت هذه مصيبة من كبريات المصائب التي بنيت بها هذه الصحوة السلمية‪.‬‬
‫ثم بجانب ذلك زُرع في وسط هؤلء الشباب المتطلعين إلى السلم من يحرص دائما على تشويه صورة السلم‬
‫حتى يبدو السلم وكأنه وحش ل هم له إل في سفك الدماء وفي إزهاق الرواح‪ ،‬وفي كل ما هو أمر ترفضه‬
‫الفطرة السليمة للنسان‪ ،‬فكانت أيضا هذه عقبة في سبيل انتشار هذا الوعي الديني وانتشار هذه الصحوة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫والعلم الغربي والعلم الموجه في بلد السلم حرص أيضا بدوره على تشويه صورة السلم وصورة‬
‫المسلمين‪ ،‬بحيث يُربط كل إرهاب يقع في العالم ويصور بأن هؤلء متطرفون وأنهم إرهابيون حتى أن العالم‬
‫أصبح الن تقوم قيامته عندما تمتلك دولة إسلمية قنبلة ذرية ويُصور للناس بأن هذا أكبر خطر يهدد العالم‪،‬‬
‫بينما هؤلء الذين يثيرون مثل هذه الحاديث ل يرجعوا إلى تأريخ أنفسهم فينظروا ماذا فعلوا هم بالقنبلة‬
‫الذرية‪ ،‬فلو أنهم رجعهوا إلى تأريخهم بأنفسهم لوجدوا هذا التأريخ ملطخا بالعار‪ ،‬فكم من مئات اللف من‬
‫البرياء التي أزهقت أرواحها عندما ألقت الوليات المتحدة المريكية القنبلتين الذريتين في بلد اليابان في آخر‬
‫الحرب العالمية الثانية!!!‪ .‬فلماذا يُصور المسلمون بهذه الصورة؟!! إنما يراد بذلك تشويه السلم ويراد بهذا‬
‫أن تبقى هذه المة أمة ذليلة مهينة‪.‬‬
‫وقد سبق أن أجرت إحدى الصحف حوارا عندي في إمتلك المسلمين للقنبلة الذرية هل هو محبوب أم أمر‬
‫مكروه‪ ،‬وإن كان أمرا محمودا فهل هو من الواجب أو من غير الواجب‪ ،‬فأجبت بأن المسلمين من أساسيات‬
‫دينهم السعي إلى السلم والسلمة‪ ،‬ولكن على أن يكون هذا السلم سلم عز وكرامة ل أن يكون سلم ذل‬
‫ومهانة وعلى أن تكون الغلبة لهم والكلمة لهم لنهم هم الذين هيأهم ال سبحانه وتعالى للخذ بزمام قافلة‬
‫البشرية إلى طريق الخير والسلم ولكن مع هذا التسابق والتنافس بين الدول في حيازة هذه السلحة على‬
‫المسلمين أيضا أن ل يكونوا أقل من ذلك وأن يمتلكوا هذا السلح ليكون هذا السلح سببا للمن‪ ،‬عندما يكون‬
‫آلة للردع ل أن يكون سببا في الدمار‪.‬‬
‫ومن المور التي يُأسف لها كثيرا أن تحصل عندنا أن كثيرا من الشباب مع وجود جماعة كبيرة من علماء‬
‫المسلمين فيما بينهم غير واثقين بهؤلء بسبب فقدان هؤلء العلماء ‪ ،‬وأنا ل أعني جميع العلماء معاذ ال وإنما‬
‫طائفة من العلماء فقدت المصداقية بحيث تكون دائما تولي وجهها شطر السياسة الغالبة فتتحول من وجه إلى‬
‫وجه ومن صورة إلى صورة تفتي اليوم بفتوى وغدا تفتي بما يضادها‪ ،‬مما يؤسف أن أحدا من علماء‬
‫المسلمين في يوم من اليام كان يتحدث عن زعيم من زعماء العرب وكان ينزله منزلة الفاروق عمر رضي ال‬
‫تعالى عنه؛ وبين عشية وضحاها بسبب انقلب التجاهات السياسية إذا بهذا العالم نفسه يُوجه إليه سؤال بأن‬
‫فلنا – أي ذلك الرئيس نفسه – يتبنى قضية السلم فما رأيك في ذلك؟ فقال‪ :‬ومتى كان هو إسلميا حتى يُعنى‬
‫بالسلم!! هذه مصيبة‪ ،‬بسبب ذلك يفقد هؤلء الشباب ثقتهم في هؤلء العلماء‪ .‬نحن نجد أن الفتاوى تتحول‬
‫بين وقت وآخر مرعاة للتجاهات السياسية حتى في القضايا الكبرى التي تهم هذه المة وتعنيها‪ ،‬هذا أمر خطير‬
‫جدا‪ .‬فمن هنا يجب أن تكون هنالك قيادات علمية إسلمية موصولة بحبل ال تعالى تقول كلمة الحق ولو كانت‬
‫مرة في أي موقف من المواقف ولو كان ذلك على حساب حياتها‪ .‬بهذا توجد الثقة في نفوس الشباب تجاه‬

‫‪5‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫هؤلء العلماء وبهذا يكون بينهم وبينهم النسجام وهنا يمكن لهؤلء العلماء أن يقودوا الصحوة إلى طريق‬
‫الخير بدل من هذا الضطراب‪.‬‬
‫ثم إنه ول ريب عندما ينظر النسان إلى النتائج عليه أن ل يحصر نظره في النتائج فحسب‪ ،‬بل عليه أن يحرص‬
‫دائما على النظر في المقدمات التي أدت إلى هذه النتائج‪ .‬نحن حضرنا الكثير الكثير من المؤتمرات التي عقدت‬
‫في البلد السلمية من أجل مكافحة ما يسمى بالتطرف ومواجهة هذا الخطر الذي صُور للناس أنه شبح مخيف‬
‫يهدد أمنهم ويأرق ليلهم وأنه سيكتسح العالم إن لم يُوقف في وجهه‪ ،‬وسمعنا أقوال الناس ومن بينهم العلماء‬
‫من فقهاء هذه المة يتحدثون عن هذه التصرفات ويجعلونها مسؤولية الشباب الذين تصدر منهم‪ .‬وأنا حرصت‬
‫في أكثر من مرة أن أقول الكلمة الصريحة بأن السباب هي التي يجب أن تُعالج‪ ،‬إن كان ما يُقال عن هؤلء‬
‫صحيحا وما يُلصق بهم واقعا فعلينا أن ننظر في أسباب ذلك‪.‬‬
‫هؤلء هم على الفطرة جاءوا ويحملون في نفوسهم هم السلم رغبتهم في أن يروا السلم ماثل‪ ،‬أن يروا‬
‫السلم حاكما‪ ،‬أن يروا السلم غالبا ل مغلوبا‪ ،‬ولكنهم عندما يفتحون أبصارهم يجدون الهوة السحيقة التي‬
‫تفصل بين مبادئ السلم ومبادئ الواقع‪ ،‬فيجب قبل كل شيء أن تردم هذه الهوة حتى يكون الواقع يمثل‬
‫السلم‪ .‬هم يتمنون أن يروا الحكم إسلميا بحيث يرون الشريعة السلمية تُطبق في كل جزئية من جزئيات‬
‫الحياة‪ ،‬ولكن يرون أن الشريعة السلمية تُركن دائما‪ ،‬وعندما تُستخدم تستخدم في قضايا جزئية أما في حياة‬
‫الناس العامة فالشريعة مركونة جانبا‪ ،‬فل ريب أن هذا يسبب ردة فعل في نفوسهم‪ .‬ثم بجانب ذلك هم يتطلعون‬
‫إلى تعليم إسلمي‪ ،‬ولكن عندما يرجعون التعليمية يرون فيها الكثير الكثير مما ل يتفق مع قيم السلم وتعاليم‬
‫السلم‪ ،‬ويتمنون أن يجدوا العلم إسلميان لكنهم عندما يفتحون أبصارهم أو أسماعهم على برامج العلم‬
‫يجدون البرامج ليست هي من السلم في شيء وإنما هي من المستوردات‪ ،‬ولعل البرامج التي تبث في البلد‬
‫السلمية في بعض الحايين تكون أشد ضررا وأعظم خطرا من البرامج الوافدة التي تصلنا عبر القمار‬
‫الصناعية أو عبر القنوات من البلد غير السلمية‪ .‬كذلك يريدون القتصاد أن يكون إسلميا وإذا بهم يرون أن‬
‫القتصاد منهجه ليس منهجا إسلميا وبعيد كل البعد عن المناهج السلمية‪ ،‬ل يزال الناس يتعاملون بالربا‬
‫الذي حرمه ال تبارك وتعالى وآذن مرتكبيه بحرب من ال ورسوله‪ .‬وهكذا في كل ناحية من النواحي يجدون‬
‫الواقع بعيدا عن السلم‪ ،‬فإذن يجب أن تُردم هذه الهوة‪ ،‬وعلماء المسلمين يجب أن يقولوا كلمة الحق من أجل‬
‫ردم هذه الهوة بين الواقع وبين المبادئ السلمية‪ ،‬وعندما تردم هذه الهوة لن تكون هنالك مشكلة‪ ،‬لن يكون‬
‫هنالك تطرف‪ ،‬لن يكون هنالك شيء من المحذور‪ ،‬إنما الضد يخلق الضد غالبا أو دائما‪ ،‬فيجب أن نعالج‬
‫المشكلة من أساسها ل أن نعالج الجزئيات‪ .‬وماذا عسى أن تكون النتيجة عندما يشتغل الناس بهذه الجزئيات‬
‫وبهذه النتائج من غير أن يلقوا نظرة على الصل أو على السبب إل أن يكون ذلك وقودا للفتنة وسببا‬
‫لستعارها!! فالمشكلة إذن يجب أن تعالح من شتى الوجوه‪.‬‬
‫هذا ول ريب أن كتاب ال تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم هما مصدر خير لهذه المة‪ ،‬وال‬
‫سبحانه وتعالى وصف كتابه الذي أنزله بأنه روح من أمره وبأنه نور منه " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا‬
‫ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم "‪،‬‬
‫يقول ال تعالى فيه‪ " :‬إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم‬
‫أجرا كبيرا "‪ ،‬ويقول تعالى‪ " :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين "‪ .‬وجاء في الحديث الذي‬
‫أخرجه المام أحمد والترمذي من طريق المام علي كرم ال وجهه عن الرسول صلى ال عليه وسلم من أنه‬

‫‪6‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫قال‪ (( :‬ستكون بعدي فتن كقطع الليل المظلم )) ‪ ،‬قيل له‪ :‬وما المخلص منها يا رسول ال؟ قال‪ (( :‬كتاب ال‬
‫فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل‪ ،‬من تركه من جبار قصمه ال‪ ،‬ومن‬
‫ابتغى الهدى في غيره أضله ال‪ ،‬هو حبل ال المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم‪ ،‬وهو‬
‫الذي ل تزيغ به الهواء ول تتشعب معه الراء ول يشبع منه العلماء ول يخلق على كثرة الرد‪ ،‬وهو الذي لم‬
‫تنته الجن إذ سمعته أن قالوا " إنا سمعنا قرآنا عجبا " ‪ ،‬من قال قوله صدق‪ ،‬ومن حكم به عدل ومن عمل به‬
‫أُجر‪ ،‬ومن اعتصم به فقد هُدي إلى صراط مستقيم ))‪ .‬فالقرآن الكريم هو الذي يحل كل مشكلة‪ ،‬وهو النور الذي‬
‫يبدد كل ظلمة‪ ،‬وهو المعين الدافق الصافي الذي يروي كل غلة وهو الذي يقود الناس جميعا إلى مواطن‬
‫السلمة‪ ،‬فيجب العتصام بالقرآن وأن تربى هذه المة على القرآن‪ ،‬أن تربى هذه الناشئة على القرآن‪ ،‬أن تكون‬
‫عقيدتها من القرآن ومن السنة النبوية الثابتة على صاحبها أفضل الصلة والسلم‪ ،‬وأن تكون عبادتها ناشئة‬
‫من القرآن‪ ،‬وأن تكون معاملتها وأخلقها جميعا انعكاسا لما في القرآن الكريم‪ ،‬وأن تكون ثقافتها نابعة من‬
‫معين القرآن الدافق‪ ،‬وأن يكون استبصارها في كل مواطئ أقدامها بنور من هذا القرآن الكريم‪ ،‬وهكذا سنة‬
‫الرسول عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والتسليم‪.‬‬
‫وهذا ل ريب أنه يتوقف على دراسة اللغة العربية السليمة التي نزل بها القرآن الكريم‪ ،‬فاللغة العربية مع‬
‫السف الشديد أصبحت الن عند العرب أنفسهم محتقرة مزدراة فضل عن الشعوب السلمية غير العربية‪.‬‬
‫فالعرب أنفسهم مع السف الشديد يسارعون في إتقان اللغات الخرى مع إهمالهم اللغة العربية‪ ،‬ولجل ذلك نجد‬
‫الكثير الكثير من الستعمالت الشائعة الن التي هي بعيدة عن اللغة نفسها وهذا مما يحجب فهم القرآن عن هذه‬
‫الناشئة عندما تنشأ على اللغة العربية غير السليمة فإن الفهم الصحيح للقرآن الكريم إنما يكون باستعمال اللغة‬
‫العربية السليمة التي هي بعيدة عن الخطاء‪ .‬حاول الناس أن يطوروا هذه اللغة تطويرا في وقتنا هذا أبعدنا عن‬
‫أصلها‪ ،‬وأذكر هنالك قصة اطلعت عليها في بعض ما كتب أن أحدا من الناس من دعاة التغريب في وقت من‬
‫الوقات كان يلح على أن تكتب اللغة العربية بالحرف اللتينية ‪ ،‬وهذا عندما استحكم الغزو الجنبي بنفوس‬
‫الناس‪ ،‬وكان أحد علماء الزهر يعترض هذا الرجل اعتراضا شديدا وقال له‪ :‬ما الداعي إلى أن تُكتب هذه اللغة‬
‫بغير حروفها؟ فقال له‪ :‬أريد بذلك أن أعممها‪ ،‬فأجابه‪ :‬ل ولكنك تريد أن تبرنطها‪.‬‬
‫وهكذا الن أصبحت اللغة تُطور‪ ،‬ومما يؤسفني كثيرا أن أسمع حتى من الفقهاء الكبار إستعمالت لكلمات ليست‬
‫هي وفق المنهج العربي الصحيح؛ كنت في يوم من اليام في لقاء وكان أحد المسؤولين عن مؤسسة فقهية‬
‫كبيرة حاضرا وإذا بالناس يقولون في ضمن ما جاء به من التوصيات‪ :‬أسلمة كذا‪..‬أسلمة مثل أسلمة المناهج‬
‫القتصادية‪ ..‬وقلت لهم‪ :‬من أين جاءت كلمة أسلمة؟ إن كان ذلك مصدرا لسلم‪ ،‬فأسلم على وزن أفعل‪ ،‬ومصدر‬
‫أفعل إفعال‪ ،‬فكل فعل يأتي على وزن أفعل مصدره إفعال‪ ،‬أكرم يكرم إكراما‪ ،‬وأحسن يحسن إحسانا‪ ،‬وأجلّ يجلّ‬
‫إجلل‪ ،‬وأعظم يعظم إعظاما‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فليس هناك مصدر ( أسلمة )‪ ،‬إنما وزن فعللة هو مصدر لما كان على‬
‫وزن فعلل من الفعال أو ما أُلحق بفعلل من الفعال المزيدة‪ ،‬فيقال دحرج دحرجة‪ .‬ومع هذا فإن أسلم فعل لزم ل‬
‫يستعمل متعديا ‪ ..‬فإذا بهذا الرجل المسؤول عن هذه المؤسسة يقول‪ :‬مجمع اللغة العربية أقر هذا‪ .‬فتذكرت‬
‫كلما قاله أـستاذ العربية الكبير الدكتور ناصر الدين السد عندما عرضت عليه بعض هذه الخطاء وبصفته‬
‫عضوا في مجمعي اللغة العربية في الردن وفي سوريا‪ ،‬قلت له‪ :‬يا حبذا لو كانت المجامع هذه تُعنى بتهذيب‬
‫هذه اللغة حتى تردها إلى صوابها‪ .‬فكان من جوابه‪ :‬وهل مهمة هذه المجامع إل أن تبرر الخطأ حتى تجعله‬
‫صوابا !!‪ .‬وهذا أمر واقع‪ .‬كم من الخطاء الن التي شاعت في ألسن الناس‪ ،‬عندما أسمع أحدا من الناس‬

‫‪7‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫يقول‪ :‬شل هذا الشيء يشله شل‪ .‬من أين جاءوا بهذا؟! شل فعل لزم‪ ،‬شل يشل شلل‪ ،‬ويقولون‪ :‬مشلول‪ .‬يأتون‬
‫بإسم مفعول مع أن شل فعل لزم ( شل يشل شلل ) وفعل اللزم بابه فَعل كفرح وكجوا وكشلل‪ ،‬فكما ل يقال في‬
‫الصم مصموم ل يقال في الشل مشلول إنما هو أشل‪ ،‬من أين جاءوا بهذا الخطأ؟!! هناك الكثير الكثير‪ ،‬مهزول‬
‫هزل فعل لزم ليس بمتعد‪ ،‬الكثير الكثير من الخطاء التي شاع استعمالها عند الناس‪ ،‬وهذا الذي يحجب الناس‬
‫عن فهم القرآن الكريم الفهم الصحيح‪.‬‬
‫وقد قلت في أكثر من لقاء بأن اللغة العربية هي لغة جميع المسلمين وليست لغة العرب وحدهم‪ ،‬إنما على جميع‬
‫المسلمين أن يغاروا عليها في كل شبر من الرض وأن تكون هي لغة التفاهم بين المسلمين جميعا‪ ،‬إذ اللغة‬
‫رباط بين الناس‪ ،‬وعندما تستحكم اللغة تشد البعض إلى البعض‪ ،‬وقلت في أكثر من موضع مما يؤسف له أن‬
‫يتقن المسلم الذي يقرأ القرآن ويصلي بين يدي ال لغة المستعمر الذي استعبده ول يتقن اللغة العربية التي‬
‫خاطبه ال تبارك وتعالى بها في كتابه والتي يخاطب بها ال عندما يمثل بين يديه ويقول في تضرع وإخبات‪" :‬‬
‫إياك نعبد وإياك نستعين "!!‪ .‬فعلى المسلمين جميعا أن يهتموا بهذه اللغة‪ .‬وقبل أيام قليلة كنت في لقاء في‬
‫دولة إسلمية غير عربية وكان رئيس الدولة حاضرا‪ ،‬والناس كانوا يتحدثون باللغتين العربية والنجليزية‪،‬‬
‫وإذا بهم فجأة يتحول العرب أنفسهم إلى الحديث بالنجليزية وإذا بالجلسة تدار باللغة النجليزية‪ .‬فتحدثت مع‬
‫رئيس الجمهورية وقلت له – وإن كان هو ل يتقن العربية ولكن ترجم له هذا الكلم ‪ ، -‬قلت له بأن اللغة‬
‫العربية هي لغتكم جميعا‪ ،‬هي لغة القرآن الذي خاطبكم ال تعالى به‪ ،‬كانت لغة قومية قبل أن ينزل بها القرآن‪،‬‬
‫أما بعدما اختارها ال تعالى أن لن تكون وعاء لكلمه وأنزل بها كتابه فهي لغة جميع المسلمين ول يجوز‬
‫للمسلم أن يقدم عليها لغة أخرى مهما كانت‪.‬‬
‫وهذا الذي حصل عندما كان الوعي الديني منتشرا في الناس‪ ،‬فمعظم أئمة العربية الذين عنوا بدراستها وعنوا‬
‫بالتأليف فيها لم يكونوا من العرب‪ ،‬ولكن حفزهم اليمان إلى دراسة هذه اللغة‪ .‬ونجد الزمخشري وهو أعجمي‬
‫يقول في فاتحة كتابه المفصل ‪ ( :‬ال أحمد على أن شرفني بأن جعلني من علماء العربية )‪ .‬فإذن ما الذي يمنع‬
‫المسلمين اليوم من أن يعتنوا بهذه اللغة وأن يدرسوها دراسة تمحيص حتى يعيدوها إلى صوابها ويرفضوا كل‬
‫دخيل ل يتفق مع أساليبها ومع موازينها؟!!‪.‬‬
‫وعلى أي حال نشر الوعي السليم بين الناس الذي يجمع ول يفرق ويوحد ول يشتت ويألف ول ينفر هو من‬
‫أعظم المور التي تؤدي إلى أن تسير هذه الصحوة في طريقها الصحيح وأن تبتعد عن هذه المتاهات التي أدت‬
‫بها إلى التفرق والتشتت‪ ،‬وأدت بها إلى العداوة فيما بين المسلمين‪ .‬فنسأل ال تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعا‬
‫لما يحبه ويرضاه وأن يأخذ بأيدينا إلى الخير وأن يكلنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬وأن يهدينا إلى‬
‫الصواب إنه تعالى على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلم على المرسلين * والحمد ل‬
‫رب العالمين * "‪.‬‬

‫سماحة الشيخ أحمد الخليلي حفظه ال يجيب على بعض السئلة‬


‫أحد المتكلمين‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬بقيت هناك بعض التساؤلت في أذهان الطلب ل بد من طرحها‪..‬‬
‫*** السؤال الول‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫*** سؤال تسأله بعض الطالبات أنهن في بعد عن أهلهن ويردن الذهاب في بعض الحيان إلى المناطق‬
‫الداخلية‪ ،‬ولعدم وجود محارم اضطرن هؤلء الطالبات إلى استئجار باص بسائقه‪ .‬هل هناك مانع شرعي من‬
‫ذلك؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أما الحديث عنه صلى ال عليه وسلم فقد نهى أن تسافر المرأة إل مع ذي محرم‪ ،‬مع زوج أو ذي محرم‪ ،‬هكذا‬
‫أمر الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فينبغي عندما ل يكن لهن محرم أن يكون لهذا السائق من يرافقه من نسائه‬
‫المحارم منه‪ ،‬فإما أن تكون معه ذات محرم وإما أن تكون معه زوجة‪ ،‬وهذا المر على أي حال ينبغي أن يوضع‬
‫في الحسبان‪ .‬أما الضرورة عندما تكون هناك ضرورة ل محيص عنها فالضرورة تقدر بقدرها‪.‬‬

‫*** يعج العالم اليوم ويضج بمسألة العولمة‪ ،‬فما موقف السلم منها؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫نحن على كل حال ذكرنا بأن السلم هو الحل الوحيد لكل مشكلة في العالم‪ ،‬أنا ذكرت هذا لكثر من واحد من‬
‫غير المسلمين‪ ،‬كنت أتحدث بهذا الكلم لحد المريكان وقلت له بأنني قرأت لبعض الكتّاب المريكان بأن أمريكا‬
‫متجهة إلى الدمار إل إن وافقت على السلم‪ ،‬فما رأيك في هذا؟ فقال لي‪ :‬أنا متفائل مثلك‪ .‬ل ادري مع معنى‬
‫جوابه هذا‪ ،‬هل هو من باب ( ليت عينيه سوى )‪ ( .‬أنا متفائل بأن يظهر السلم )!! هل هو متفائل بأن‬
‫ينتصروا هم على السلم أو العكس‪.‬‬
‫السلم على أي حال هو الحل وهذا أمر لم أقله أنا من تلقاء نفسي‪ ،‬هناك الكثير الكثير من الذين أسلموا من‬
‫الغربيين أثبتوا هذا‪ ،‬وهناك الكثير الكثير من الذين لم يسلموا هم اعترفوا بهذه الحقيقة‪ .‬فقبل فترة اطلعت على‬
‫محاضرتين‪ ،‬محاضرة ألقاها أحد المريكان كان اسمه روبر تريم ثم صار اسمه فاروق عبد الحق بعدما أسلم‬
‫بعنوان القيادة السلمية في القرن الحادي والعشرين‪ .‬ألقى هذه المحاضرة في مجمع أبي النور في دمشق في‬
‫شهر ذي الحجة من عام ‪1415‬هـ‪ .‬في هذه المحاضرة تحدث عن الوضع في الوليات المتحدة المريكية وذكر‬
‫بأن أمريكا أفلست في عالم الخلق ولم يبق هنالك مقوم لحياتها وجميع النذر تنذر بأنها تسير بخطى حثيثة إلى‬
‫الدمار‪ .‬وذكر بأن أصحاب العقول يتطلعون إلى البديل من الوضع الكائن في أمريكا وليس هنالك بديل إل‬

‫‪9‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫السلم‪ ،‬فالسلم إذن هو الذي سوف يأخذ بزمام هذه المة الضائعة إلى طريق الخير‪ ،‬إلى طريق السلم‪ .‬وذكر‬
‫شاهدا على ما قاله بأن المستشار الذي ذكرناه برجنسكي وهو معلوم رجل يهودي ليس بمسلم تحدث في مقال‬
‫له نشره في إحدى الصحف السيارة في الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬تحدث عن الوضع الخلقي في الوليات‬
‫المتحدة المريكية فقال بأن الشعب الذي يعيش في هذه الفوضى الخلقية ل يمكنه أبدا بحال من الحوال أن‬
‫يسن قانونا أخلقيا للعالم‪ .‬وكان من جملة ما ذكره أنه ل بد من أن يكون هنالك تغيير ‪ ،‬وهذا المقال عندما نشر‬
‫في تلك الصحيفة قدم له أحد الصحفيين يسمى ناثان جارونس‪ ،‬قدم له وجاء في تقديمه بأن السلم هو البديل‬
‫المنتظر‪ .‬فالسلم بعطائه الواسع وبتجربته الطويلة وبحلوله الكثيرة لمشكلت هذه النسانية هو ل ريب البديل‬
‫المنتظر‪ ،‬فالوليات المتحدة المريكية عليها أن ل تستوحش من السلم بل عليها أن تستفيد من هذا الدين‪.‬‬
‫قبل سنوات تحدث أيضا إلى قناة تلفزيونية إنجليزية آخر زعيم للتحاد السوفييتي الذي انهار ( جورباتشوف )‪،‬‬
‫وسئل عن الشيوعية هل يمكن أن تستمر في فيتنام وفي الصين‪ ،‬فأجاب‪ :‬كل إنها ميتة ول يمكن للميت أن‬
‫يستمر‪ .‬فقيل له‪ :‬وما البديل؟ فقال‪:‬‬

‫‪ .‬هذه الحضارة‬
‫الجديدة نحن أدركنا من أول وهلة أنها حضارة السلم‪ ،‬ل يمكن إل أن تكون هي حضارة السلم‪ .‬وقبل بضعة‬
‫شهور من الن تحدث الشيوعي الراديكالي كاسترو وقال‪:‬‬
‫‪ .‬فالنموذج القرآني هو الذي يمكن أن يفيد هذه النسانية‬
‫وينتشلها من ضياعها‪.‬‬
‫فإذن على المسلمين في هذا كما قلت أن يكونوا مأثرين ل متأثرين‪ ،‬ل أن يكونوا وراء ما يسمى بالعولمة وإنما‬
‫عليهم أن يقودوا هذه العولمة إلى ما تتفق مع قيم السلم‪.‬‬

‫*** بينتم سماحتكم أن أكتاف الشباب مصعد قوي للصحوة السلمية‪ ،‬ولكن قد تحول شيء من التعصبات‬
‫المذهبية عن هذا المنهج الصائب‪ ،‬فما نصيحتكم في هذا المجال؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا الذي ذكرته بأن أعداء السلم حاولوا أن يوغروا الصدور وأن يثيروا هذه النعرات وأن يوقدوا هذه الفتنة‬
‫فيما بين المسلمين‪ ،‬ونحن مهما كان من أمر واثقون بأن هؤلء الشباب سيتخطون بمشيئة ال هذه العقبة‬
‫وسيصلون إن شاء ال إلى الوفاق السلمي الذي يجمع الشمل ويرأب الصدع ويوحد الكلمة بمشيئة ال‪.‬‬

‫علمه لحكام ال وإدراكه للواقع‪ ،‬وكلنا‬ ‫*** سماحة الشيخ السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬ففي الواقع‬
‫كما رأى اهتمام شيخنا بواقع العالم السلمي فهو ملم بكل جزئية تطرأ في العالم السلمي‪ .‬أنا واحد من أبناء‬
‫الصحوة السلمية عشت آلمها منذ الصغر‪ ،‬وعشت أحلمها‪ ،‬قد وجدت الكثير من الشباب في مصر وفي عمان‬
‫يعيشوا آلم هذه الصحوة ويريدوا أن يروا راية السلم مرتفعة عالية‪ .‬الجامعات في العالم المفلس كما أقول‬

‫‪10‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫لبعض الطلبة تخرج حملة شهادات ول تخرج علماء‪ ،‬فيسأل أبنائي الطلبة هنا وفي مصر فما الطريق الصحيح‬
‫لكي نتعلم العلم كما تعلمه أشياخنا الوائل؟ هذه نقطة‪ .‬النقطة الثانية هي أمة مسلمة مستقيمة الرسالة في‬
‫عقائدها‪ ،‬في تشريعاتها‪ ،‬وكما نعلم أن المجامع الفقهية قد أجمعت فيما أعلم واتفقت على أن الرباح التي تعود‬
‫من ال‪ ....‬هي محرمة شرعا‪ ،‬بعض الناس سماحة الشيخ يقول بأن ال‪ ........‬يجري عليها البلء ‪ ،‬الجنيه‬
‫المصري والريال العماني فيما أعلم من خمسين سنة غليت‪....‬ويحاولون أن يتذرعوا بهذه الذريعة إلى حل‬
‫أرباح البنوك‪...‬ونريد من سماحتكم بيان هذا المر الثاني‪ .‬المر الثالث عشنا منذ الصغر وسمعنا إلى أناس‬
‫ينتسبون إلى العلم كما تفضلتم " يحلونه عاما ويحرمونه عاما "‪ ،‬فهؤلء الناس يثيرون ضجة بين عشية‬
‫وضحاها واسمح لي أن آخذ من وقتك وأن أضرب لسماحتك مثال‪ ..‬منذ ثلث سنوات فيه طبيب عربي وليس‬
‫مصريا اتصل لي بمصر في ساعة الفجر‪ ،‬وقال لي ‪ :‬جاءنا عالم من البلد العربية إلى الوليات المتحدة‬
‫المريكية وكنا ل نعلم ما فيها من وباء وقواعد الحلل والحرام ليس لها أثر عندنا هناك‪ ،‬قال جاءنا هذا العالم‬
‫في رمضان يلقي علينا محاضرات‪ ،‬فلم ينهانا عن الربا ول عن الزنى ‪ ،‬إنما ظل شهرا يتكلم يحدثنا أن ل رجل‬
‫وأن ل يدا إلى أن حدثت فتنة في المسجد وضرب الناس ببعض‪ .‬سنريهم كيف نقضي على هذه الفتن‪ ،‬كيف‬
‫نكون أمة واحدة مسترشدة‪ .‬ثلث نقاط ل أظن أن الوقت سيسعف سماحة الشيخ أن يجيب عنها لكن عذري أنني‬
‫قدمت ورقتي متقدمة فأُخرت‪ ،‬ل أدري إذا كان سماحة الشيخ يجيب عن هذه النقاط أم سوف يبقني في حيرة‪،‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ (( .‬ملحظة‪ :‬رداءة الصوت أدت إلى عدم سماع بعض الكلمات جيدا مما أثر‬
‫على طريقة كتابة السؤال ))‪.‬‬

‫الشيخ‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته‪ .‬بارك ال فيك‪.‬‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬أنا أشكر فضيلة الشيخ الخ العزيز الدكتور محمد أبو العاص على هذا التشريف وهذا‬
‫التكريم الذي كرمني إياه‪ .‬وقد كنا نتمنى أن نسمع منه الحل‪ ،‬هو أولى بأن يحل هذه المشكلة وأن يجيب على هذا‬
‫التساؤل‪ ،‬ولكن بقدر استطاعتي وبقدر بضاعتي المزجاة وبقدر إتساع الوقت لن الصلة حضرت أحاول أن‬
‫أجيب باختصار على هذه السئلة‪.‬‬
‫أول فيما يتعلق بطلب العلم يجب أن يكون الطلب خالصا لوجه ال‪ ،‬لن طلب العلم قربة إلى ال فهو عبادة من‬
‫العبادات‪ ،‬والعبادات يجب أن تكون خالصة لوجه ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وعندما تكون خالصة لوجه ال يُوفق‬
‫صاحبها بمشيئة ال‪ ،‬يقول تعالى‪ " :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين "‪ .‬وكل عبادة من العبادات‬
‫إنما تقوم على العلم‪ ،‬فلما كانت العبادات تقوم على العلم النافع فإذن على الناس أن يطلبوه لوجه ال تبارك‬
‫وتعالى ل لجل مظهر من مظاهر هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وعندئذ ييسر ال سبحانه وتعالى له طلبه وعندئذ يدركون‬
‫قيمة العلم‪ ،‬أما مع كون الطلبة يجعلون الشهادة نصب أعينهم فإنهم ول ريب ل يدركون قيمة العلم‪ .‬كما قلت‬
‫مرة من المرار لحد هؤلء الخريجين من إحدى الجامعات وهو الن عنده شهادة الدكتوراة قلت له‪ :‬أجبني عن‬
‫كذا‪ .‬فما فهم الجابة‪ ،‬كان كتب رسالة وكتابته خطأ‪ ،‬خطأ فاحش‪ ،‬أجبني عن كذا‪ ..‬قلت‪ :‬طيب وأين هذا العلم‬
‫الذي درسته!! قال‪ :‬نحن كمن يقطع من جانب ويرقع من جانب آخر‪ ،‬نهتم في الختبار ول نهتم في بقية‬
‫الوقات‪ ،‬وبهذا ينحسر العلم‪ .‬عندما يكون السعي لجل حصول الشهادة ل لجل تحصيل العلم‪ .‬ولكن عندما تكون‬
‫الوجهة إلى ال فإنما الطلب يكون خالصا لوجه ال ويكون الطلب للعلم ل للشهادة‪ ،‬وإنما الشهادة تتخذ وسيلة‬
‫لخدمة المة فهي ليست غاية في ذاتها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الصحوة السلمية وتحديات الواقع‬

‫أما بالنسبة إلى السؤال الثاني هذه في حقيقة المر مشكلة من مشكلت العصر ‪ ،‬نحن كما قلنا أننا نسمع الكثير‬
‫الكثير من الفتاوى التي قد يتعدد رأي المفتي فيها فيجيب تارة بالحل وتارة بالحرمة بحسب ما تقتضيه الموجات‬
‫التي تدفعه إلى ذلك‪ .‬حكم ال تبارك وتعالى بيّن‪ ،‬والتذرع بأن هذه النقود هي سلعة ليس هو من الحقيقة في‬
‫شيء‪ ،‬فهي معايير للسلع نزول وارتفاعا غلء ورخصا‪ ،‬وليست هي بمثابة السلعة التي تباع‪ .‬على أننا لو‬
‫سلمنا بذلك فإن النص الصريح عن النبي صلى ال عليه وسلم عندما يقول‪ (( :‬يدا بيد مثل بمثل فمن زاد أو‬
‫استزاد فقد أربى )) يقطع هذه التعللت كلها ويبين للناس ما هو المسلك الصحيح ‪ ،‬فالمسلك الذي يجب أن‬
‫يتخذه الناس هو أن تكون هذه النقود عندما يتعامل بها إن كانت من جنس واحد أن يكون التعامل يدا بيد مثل‬
‫بمثل‪ ،‬وأما عندما يكون بينهما تفاوت كالفارق الذي بين الذهب والفضة واختلف العملت من عملة بلد وبلدة‬
‫فإن ذلك يتوقف على الغلء والرخص ويكون ذلك أيضا يدا بيد كما قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه فيما‬
‫يحكيه عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬الذهب بالورق ربا إل هاء وهاء )) ول يجوز أن يعدل عن ذلك قط‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى أولئك الذين يحملون المدى بأيديهم ليفروا في أديم هذه المة وليقطعوا أوصالها وليمزقوا‬
‫شملها فإن هؤلء سواء دروا أو لم يدروا إنما هم يعملون تحت مظلة أعداء السلم لجل تبديد الطاقات بدل من‬
‫أن تكون الطاقة موحدة من أجل خدمة السلم يكون بأس هذه المة فيما بينها‪ .‬هؤلء قوم هم عقبة في سبيل‬
‫هذه الصحوة السلمية وقد اتُخذوا حربة من أجل نحر هذه الصحوة السلمية‪ .‬ولكن مهما يكن من أمر فإننا‬
‫واثقون بأن هذه العقبة كسائر العقبات سوف تتخطاها الصحوة بمشيئة ال وسوف تصل إلى الشراق في جميع‬
‫أرجاء الرض‪ ،‬فهذا وعد ال تبارك وتعالى لعباده المؤمنين بأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like