You are on page 1of 9

‫الزدواجية في الشخصية‬

‫الزدواجــية في الشخـصيـــة‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه ال‬
‫المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫الحمد ل حق حمده‪ ،‬أحمده بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه‪ ،‬وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه‪،‬‬
‫وأؤمن به وأتوكل عليه‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬من يطع ال ورسوله فقد رشد‪ ،‬ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا‪ .‬وأشهد أن سيدنا ونبينا‬
‫محمد عبده ورسوله‪ ،‬أرسله ال بالطريقة السواء والشريعة السمحاء والملة الغراء‪ ،‬فبلغ رسالة ربه وأدى‬
‫أمانته ونصح هذه المة وكشف ال به عنها الظلمة صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى‬
‫تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪ ،‬فالسلم عليكم أيها الخوة المؤمنون ورحمة ال وبركاته‪ .‬أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة‪ ،‬وأسأل‬
‫ال تباك وتعالى أن يهديني وإياكم لصادق القول وصالح العمل‪ ،‬وأن يمن علينا بالخلص فيما نقوله وفيما‬
‫نعمله‪ ،‬وأن يأخذ بأيدينا إلى جادة الصواب‪ ،‬وأن يعصمنا من الخذلن وأن يحقق لنا خير الدنيا وخير الخرة‪ .‬هذا‬
‫وبناء على اقتراحكم فإنني أتحدث إليكم في هذه المسية المباركة حول موضوع الزدواجية أسبابها وعلجها‪.‬‬

‫ل ريب أن الزدواجية داء عضال يصاب به النسان فيؤدي به المر إلى الكثير الكثير من التناقضات بحيث‬
‫تكون تصرفاته مزدوجة بين الخير والشر وبين الهدى والضلل وبين الرشد والغي‪ ،‬وهذا كثير ما يرجع إلى‬
‫جهل النسان لما يأتيه وما يذره‪ ،‬فإن الجهل داء عضال‪ ،‬إذ النسان بسبب جهله تنقلب عنده الموازين وتتبدل‬
‫لديه المقاييس فلربما حسب الخير شرا والشر خيرا وظن الصلح فسادا والفساد صلحا‪ ،‬وخال العز ذل والذل‬
‫عزا‪ ،‬وهذا كله إنما يرجع إلى النحراف الفكري نتيجة هذا الجهل‪.‬‬

‫وقد يكون منشأ ذلك ما في النسان من داء نفساني يعبر عنه بانفصام الشخصية أمام الكثير الكثير مما يرى‬
‫عليه أعداء السلم من التقدم المادي‪ ،‬فيحسب أن ذلك إنما يعود إلى ما هم عليه من المناهج التي هي منحرفة‬
‫عن الفطرة ومنحرفة عن سواء الصراط‪ .‬وهذا يجعله يتطامن إليهم ويخضع لهم وينساق وراءهم ويحسب أن‬
‫ذلك خير عظيم والواقع خلف ذلك‪.‬‬

‫وقد جاء السلم الحنيف بالمنهج العدل والميزان القسط‪ ،‬ووضع كل شيء موضعه‪ ،‬وأمر المسلمين بأن يكونوا‬
‫أعزة ‪ ،‬فقد بين ال سبحانه وتعالى أن العزة ل ولرسوله وللمؤمنين‪ .‬ولذلك نجد في كتاب ال تعالى التحذير‬
‫البالغ من موالة أعداء السلم‪ ،‬ونجد فيه ما يدل على أن هذه الموالة تنحرف بالنسان بعيدا عن سواء‬
‫الصراط حتى تؤدي به – والعياذ بال – إلى النزلق في مهاوي الرتداد‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعالى يقول في‬
‫خطاب لعباده المؤمنين‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن‬
‫يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون‬
‫نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين‬
‫* ويقول الذين ءامنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين *‬
‫يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على‬
‫الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم * " ثم‬
‫يبين سبحانه وتعالى من يجب على المسلم أن يحصر فيه وليته فيقول‪ " :‬إنما وليكم ال ورسوله والذين‬
‫ءامنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول ال ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب‬
‫ال هم الغالبون * "‪ .‬ما إن تأمل هذه اليات الكريمة وجد فيها الداء والدواء‪ ،‬وجد فيها تشخيص العلة التي‬
‫تؤدي بالنسان إلى الزدواجية ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى يبين أن العلة الكبرى إنما هي موالة أعدائه التي تدفع‬
‫بالنسان إلى أن يترسم خطواتهم ويحذو حذوهم ويغتر بما هم فيه وعليه‪ ،‬ويحب العزة في هذا التتبع الدقيق لما‬
‫يأتون به وما يذرونه حتى تكون أفعاله وأعماله صورة من أفعالهم وأعمالهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫وال سبحانه وتعالى يبين أن هذه العلة تكون بسبب داء نفساني‪ .‬إن النسان كثيرا ما يحسب أن موالته لعداء‬
‫السلم تؤدي به إلى الكثير الكثير مما يحمد عاقبته‪ ،‬فيحسب أن العزة في هذه الموالة‪ ،‬ولذلك نجد أن ال‬
‫سبحانه وتعالى ينعى هذه الحالة على المنافقين الذين يوالون أعداءه فيقول‪ " :‬أيبتغون عندهم العزة فإن العزة‬
‫ل جميعا "‪ .‬ويبين سبحانه وتعالى إلى أن هذه الموالة قد تصل بالنسان إلى أن ينخرط في سلك هؤلء بحيث‬
‫ينفصل تمام النفصال عن السلم‪ ،‬ولذلك في معرض التحذير من هذه الموالة وبيان من يجب على المسلم أن‬
‫يواليه يأتي التحذير البالغ من الرتداد وبيان أن من يرتد فإنما الخسارة إنما تكون عليه بنفسه‪ ،‬فهو الذي‬
‫يخسر عقباه‪ ،‬بل ولربما خسر الكثير الكثير في دنياه هذه التي يحرص عليها ويؤثرها على آجلته وهي أخراه‬
‫التي ينقلب إليها‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعالى يبين لنا أن موالة اليهود والنصارى ل تجدي المؤمن شيئا‪ ،‬بل مهما فعل المسلم من‬
‫الفعال يسترضي بها هؤلء ل تؤدي به إلى أن يرضوا عنه حتى يتخلى عن دينه تمام التخلي وينخرط في‬
‫سلكهم تمام النخراط‪ ،‬فال سبحانه وتعالى يقول خطابا لرسوله صلى ال عليه وسلم وهو من حيث المعنى‬
‫خطاب لنا جميعا‪ " :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم "‪.‬‬

‫وكما أن الحق سبحانه وتعالى يحذر هذا التحذير البالغ من موالة اليهود والنصارى‪ ،‬فإنه عز وجل يحذر‬
‫تحذيرا بالغا من موالة جميع الكفار‪ ،‬فهو سبحانه يخاطب عباده المؤمنين بقوله‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل‬
‫تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن‬
‫تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم‬
‫وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل *" ثم يبين أن هذا كله ل يجدي مع أولئك العداء شيئا‬
‫فيقول‪ " :‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * "‪.‬‬

‫والنبي صلى ال عليه وسلم ربى هذه المة تربية قرآنية‪ ،‬رباها على الستقلل في الفكر‪ ،‬ورباها على‬
‫الستقلل في النهج‪ ،‬ورباها على الستقلل في كل شؤون حياتها‪ .‬فالنبي صلى ال عليه وسلم كان حريصا كل‬
‫الحرص على أن تكون للمة السلمية استقللية تامة في تصرفاتها وفي أعمالها‪ ،‬ولذلك كان شديد التحذير من‬
‫التأثر بأعداء السلم في المظهر والمخبر‪ .‬فالمسلم يطالب بأن يكون مظهره مظهرا إسلميا وأن يكون مخبره‬
‫مخبرا إسلميا لنه يصدر عن السلم في كل تصرفاته وأعماله‪ ،‬فهو يعطي بوحي من السلم‪ ،‬ويمنع بوحي‬
‫من السلم‪ ،‬ويرضى بسبب موافقة السلم ويسخط من أجل مخالفة السلم ول يتنكب عن صراط السلم أبدا‬
‫بل يحرص دائما على أن ل يخرج عن حدود هذا الصراط‪ .‬هذا هو شأن المسلم الموصول بال تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وذلك يتمثل في تلكم التربية التي ربى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته كما هو واضح من الروايات‬
‫الكثيرة المأثورة عنه صلوات ال وسلمه عليه في المر بمخالفة اليهود وبمخالفة المجوس وبمخالفة‬
‫المشركين‪ ،‬فقد كان كثيرا ما يقول‪ ( :‬إفعلوا كذا ول تتشبهوا باليهود ) ( إفعلوا كذا ول تتشبهوا بالمشركين )‬
‫( إفعلوا كذا ول تتشبهوا بالمجوس )‪ ،‬ذلك كله من أجل أن تكون لهذه المة استقلليتها‪ ،‬وفي هذه الحالة تكون‬
‫بعيدة كل البعد عن التناقضات‪.‬‬

‫وهذا ما نجده أيضا في تلكم القصة المشهورة عنه صلوات ال وسلمه عليه عندما كان هو وأصحابه رضي ال‬
‫تعالى عنهم في حالة دفن ميت‪ ،‬وكان واقفا فمر به وبصحبه يهودي وقال‪ ( :‬هكذا تصنع أحبارنا )‪ ،‬فقعد صلى‬
‫ال عليه وسلم وأمر أصحابه بالقعود حتى ل يكون منهم تأثر باليهود‪ .‬ولئن كان ذلك في الوقوف وهو من‬
‫المور العادية الجبلية التي ترجع إلى حالة النسان نفسه‪ ،‬فقد تقتضي حالته أن يكون واقفا وتقتضي حالته تارة‬
‫أن يكون قاعدا وتقتضي حالته تارة أن يكون ماشيا‪ ،‬فكيف بما وراء ذلك؟!! كيف بالتأثر بهؤلء في المظهر‬
‫بحيث يكون النسان مظهره مظهرهم بحيث يتشبه بهم في لباسه أو يتشبه بهم في مأكله ومشربه؟!! إن‬
‫السلم دين جاء بالدقة التامة وجاء بالتعاليم الشاملة بحيث علم المسلم كيف يأكل وكيف يشرب وكيف ينام‬
‫وكيف يلبس‪ ،‬ففي كل شيء يؤمر المسلم أن يترسم طريقة السلم وأن ل يعدل عنها قيد شعرة‪ .‬النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول‪ (( :‬كل بيمينك واشرب بيمينك فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ))‪.‬‬

‫وإن من الزدواجية في حياة المسلم أن يدعي السلم وأن يحرص على الصلة وأن يحرص على أداء الكثير‬
‫من الواجبات ومع ذلك كله يأتي بمثل هذه العمال تشبها بالكفرة‪ ،‬فيحرص على أن يأكل بشماله أو يشرب‬
‫بشماله كما يقتضي البروتوكول الجديد الن في الكل أن يمسك النسان الشوكة بشماله وأن يمسك السكين‬
‫بيمينه وأن يأكل بشماله كما يأكل الشيطان‪ ،‬فإن هذا من الزدواجية‪ ،‬وهذا من التأثر في اليمان فإن هذا المسلم‬
‫لو كان حقيقا بوصف السلم لو كان جديرا بمعاني اليمان لبتعد ذلك كل البتعاد ولما تأثر بسلوك أولئك لن‬

‫‪2‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫المسلم يحرص على أن يكون مأثرا ل متأثرا‪ ،‬وأن يكون قائدا ل منقادا‪ ،‬وأن يكون في كل مجال من مجالت‬
‫الحياة له شخصيته وله سماته البارزة التي تميزه عن الخرين‪.‬‬

‫وأعظم هذه الزدواجية ما يحصل في العقيدة؛ فال سبحانه وتعالى شرع لنا السلم دينا‪ ،‬وبين لنا في كتابه‬
‫الكريم أن هذا السلم إنما هو دينه الحق وأنه الدين الذي جاء به جميع المرسلين‪ ،‬فإنه ما من رسول من رسل‬
‫ال إل وقد جاء بهذا السلم‪ ،‬وكتاب ال تعالى ينادي بذلك‪ ،‬فعندما يتأمل النسان الصور القرآنية يجد أن القرآن‬
‫الكريم يدل على أن السلم هو دين ال الذي شرعه لكل عباده منذ خلق السماوات والرض‪ ،‬فال تعالى يقول‪:‬‬
‫" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬
‫الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب "‪.‬‬
‫فال سبحانه وتعالى بين لنا هنا أنه شرع لنا من الدين ما شرع لمن قبلنا بواسطة أولئك المرسلين‪ ،‬فهذا الدين‬
‫هو الذي جاء به موسى وهو الذي جاء به عيسى وهو الذي جاء به نوح وهو الذي جاء به النبيون من قبل‪.‬‬
‫ويأتي في كتاب ال سبحانه وتعالى النص الصريح بأن نوحا عليه السلم كان مأمورا أن يكون على السلم‪،‬‬
‫فإن ال حكى عنه قوله‪ " :‬وأمرت أن أكون من المسلمين "‪ .‬ويقول ال سبحانه وتعالى في إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ " :‬ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين "‪ .‬ويأتي في كتاب‬
‫ال سبحانه وتعالى بيان أن إبراهيم عليه السلم أمر أن يسلم فأسلم وأن السلم كان وصيته لبنيه كما كان‬
‫وصية يعقوب عليه السلم لبنيه‪ ،‬فال سبحانه وتعالى يقول‪ " :‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه‬
‫ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين *‬
‫ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء‬
‫إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‬
‫إلها واحدا ونحن له مسلمون "‪.‬‬

‫ويأتي في كتاب ال سبحانه وتعالى أيضا النص الصريح على أن موسى عليه السلم أمر قومه أن يتوكلوا على‬
‫ال سبحانه وتعالى إن كانوا مسلمين‪ " :‬على ال توكلوا إن كنتم مسلمين "‪ ،‬هكذا قال موسى عليه السلم‬
‫لقومه وهم يتعرضون لليذاء من قبل فرعون وآله‪ .‬وهذا يدل على أن رسالة موسى عليه السلم كانت رسالة‬
‫السلم ‪ ،‬وهذا ما دل عليه قوله سبحانه‪ " :‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا‬
‫"‪ .‬كما أن القرآن الكريم دل أيضا على أن أهل بيت لوط عليه السلم كانوا على السلم فإنه سبحانه وتعالى‬
‫يقول‪ " :‬فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين "‪ .‬وكذلك جاء القرآن‬
‫الكريم بما يدل على أن الحواريين أعلنوا إسلمهم وهم أتباع عيسى عليه السلم‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعالى يقول‪:‬‬
‫" وإذ أوحيت إلى الحواريين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون "‪ .‬كذلك أيضا نجد في‬
‫القرآن الكريم أن سحرة فرعون عندما آمنوا أعلنوا إسلمهم‪ ،‬فقد سألوا ال سبحانه وتعالى أن يتوفاهم‬
‫مسلمين فقالوا‪ " :‬وتوفنا مسلمين "‪ .‬كذلك ذكر ال سبحانه وتعالى دعاء يوسف عليه السلم الذي قال فيه‪" :‬‬
‫رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السماوات والرض أنت وليي في الدنيا والخرة‬
‫توفني مسلما وألحقني بالصالحين "‪ ،‬فهو سأل ال سبحانه وتعالى أن يتوفاه على السلم‪ .‬كذلك يقول ال‬
‫سبحانه وتعالى فيما يتعلق بأهل الكتاب الذين استمسكوا بالكتاب واتبعوا العقيدة الصحيحة التي نزل بها الكتاب‬
‫من عند ال ولم يحيدوا عنها قيد شعرة حتى جاءهم الحق الذي بعث به الحق سبحانه وتعالى عبده ورسوله‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال سبحانه‪ " :‬الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم‬
‫قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * "‪ ،‬فهؤلء كانوا على السلم من قبل هذا القرآن أي‬
‫من قبل أن ينزل على قلب نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬وهذا مما يعلنونه‬
‫بأنفسهم‪ .‬وفي هذا ما يكفي دللة على أن السلم وحده هو دين ال تعالى الحق‪.‬‬

‫كذلك نجد في كتاب ال سبحانه وتعالى أن فرعون ادعى السلم عندما حاق به العذاب وأحس بالهلك‪ ،‬فال‬
‫سبحانه وتعالى يقول فيما يحكيه عنه‪ " :‬آمنت بأنه ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "‪،‬‬
‫فهو ادعى السلم في هذه الحالة وذلك عندما أدركه الغرق‪ .‬وجاء النص الصريح في كتاب ال بأن ال سبحانه‬
‫وتعالى ل يقبل من الناس دينا إل دين السلم وأنه الدين الوحيد الذي هو مقبول عنده تعالى‪ ،‬فال تعالى يقول‪:‬‬
‫" ومن يبتغي غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين "‪ ،‬ويقول بجانب ذلك أيضا‪ " :‬إن‬
‫الدين عند ال السلم "‪.‬‬

‫ومع هذا كله نجد أن أولئك الذين تمكنت الزدواجية في نفوسهم فأثرت على عقيدتهم يزعمون أنهم على‬
‫السلم ومع ذلك يسوون بين السلم وغيره‪ ،‬ويزعمون أن اليهودية والنصرانية كالسلم وأن كل من ذلك‬
‫حق‪ ،‬وأن هذه الديانات ديانات إبراهيمية‪ ،‬هكذا يقولون جهرا‪ ،‬وهذا رد للنص الصريح الذي ينص على أن‬

‫‪3‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫إبراهيم عليه السلم بريء من اليهودية والنصرانية‪ ،‬فال تعالى يقول‪ " :‬ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا‬
‫ولكن كان حنيفا مسلما " ‪ ،‬فكيف تنسب الديانتان المخالفتان لعقيدة التوحيد إلى إبراهيم عليه السلم الذي هو‬
‫إمام الحنيفيين والذي كان هو وحده موحدا دون غيره في الرض في بادئ أمره ‪ ،‬وهو الذي أعلن الحرب على‬
‫الكفر والكافرين والشرك والمشركين وتبرأ من كل أعمال قومه الشركية التي تتنافى مع عقيدة التوحيد التي‬
‫آمن بها !!!‪.‬‬

‫على أنه من العجيب أن يقبل النسان بأن يكون ما في النصرانية حق مع اعتقاده أن السلم وحده هو الحق‪،‬‬
‫فلئن كان يعتقد أن ما في النصرانية حق فل ريب أنه كفر بالسلم لن السلم دل على أن هذه النصرانية ليست‬
‫هي من الحق في شيء وأنها منافية للحق الذي بعث ال سبحانه وتعالى به رسوله عليه أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫فال تعالى يقول‪ " :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح بن مريم " ‪ ،‬وقال‪ " :‬لقد كفر الذين قالوا إن ال‬
‫ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد "‪ .‬ونجد النص على أن هؤلء الذين كفروا بالرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫وبما أنزل إليه ولو كانوا من أهل الكتاب‪ ،‬نجد النص على أنهم كفرة‪ ،‬فال سبحانه وتعالى يقول‪ " :‬إن الذين‬
‫كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية " ‪ .‬بل يصف ال سبحانه‬
‫وتعالى أولئك بالشرك ذلك لنهم اتخذوا مع ال آلهة أخرى‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى‪ " :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أربابا من دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا ألها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون "‪،‬‬
‫ينزه ال سبحانه نفسه عن شركهم فيقول سبحانه ‪ " :‬عما يشركون "‪ ،‬وفي هذا تقرير بأنهم كانوا على الشرك‬
‫وأن عقيدتهم عقيدة شرك لنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال‪ ،‬وكذلك المسيح بن مريم اتخذوه‬
‫إلها من دون ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذه هي عقيدة الشرك عينها‪ .‬فكيف مع ذلك نجد الكثير الكثير من الذين‬
‫ينضوون إلى لواء السلم وينادون باسم السلم ويرفعون شعار السلم يزعمون أن هؤلء على الحق وأن‬
‫عقيدتهم بريئة من الشرك‪ ،‬بل ربما غضب أحدهم إذا نسب إليهم الشرك أو نسب إليهم الكفر مع التعامي عن‬
‫هذه اليات الصريحة الواضحة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وفي كتاب ال سبحانه وتعالى ما يدل دللة واضحة أن العقيدة الحقة تقتضي اليمان بجميع الرسل من غير‬
‫تفرقة بين رسول ورسول‪ .‬فالمؤمن هو الذي ل يكفر برسول من رسل ال سبحانه‪ ،‬وال تبارك وتعالى يقول‪" :‬‬
‫قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى‬
‫وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * " ‪ ،‬ثم يقول‪ " :‬فإن آمنوا بمثل‬
‫ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم "‪ .‬ويقول أيضا سبحانه‬
‫وتعالى مؤكدا هذا المعنى في سورة آل عمران ‪ " :‬قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم‬
‫وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم‬
‫ونحن له مسلمون * " ‪ ،‬ثم يتبع ذلك قوله‪ " :‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين * "‪ .‬ذلك لن دين السلم والذي جاء بهذه العقيدة الخالصة‪ ،‬عقيدة اليمان بجميع الرسل واليمان‬
‫بجميع الكتب وعدم التفرقة بين كتاب وكتاب في اليمان‪ ،‬وعدم التفرقة بين رسول ورسول في اليمان لن الكل‬
‫من عند ال‪ ،‬فكيف يرد بعض ما جاءوا به مع أنهم جميعا يصدرون فيما يأتون به عن وحي ال سبحانه وتعالى‬
‫إذ لم يكن لهم هوى فيما جاءوا به وإنما نطقوا بأمر ال وبلغوا وحي ال سبحانه وتعالى! ولذلك يقول ال‬
‫سبحانه ‪ " :‬إن الذين كفروا بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر‬
‫ببعض "‪ ،‬هؤلء كفروا بال ورسله لنهم فرقوا بين رسول وآخر‪ .‬زعموا أنهم يؤمنون ببعض هؤلء الرسل‬
‫ويكفرون ببعض هؤلء الرسل مع أن هذه الرسالت جميعا إنما هي رسالت ال سبحانه وتعالى ول مجال بحال‬
‫من الحوال بأن يكفر النسان ببعضها‪.‬‬

‫على أن ال سبحانه وتعالى جعل كل رسول من هؤلء الرسل يأتي مصدقا لما قبله من الرسالت‪ ،‬فإن كل رسول‬
‫من الرسل يدعو إلى اليمان بجميع رسالت ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وتأتي بشارة سابقة على مجيء ذلك الرسول‬
‫بمجيئه‪ ،‬تأتي إشارة سابقة حتى يتهيأ الناس لليمان به‪ .‬ونبينا محمد صلى ال عليه وسلم أخبر ال سبحانه‬
‫وتعالى بأن أهل الكتاب يجدون نعته فيما أنزل إليهم من التوراة والنجيل‪ .‬ويبين سبحانه وتعالى أيضا أن من‬
‫كفر به ومن كفر بما أنزل عليه فالنار موعده ‪ " :‬ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده "‪ ،‬فإذن ل ريب أن‬
‫ما ينادي به أولئك الذين يريدون أن يجمعوا بين النقائض وأن يجمعوا ما بين هذا الركام من الكفر والضلل مع‬
‫الحق الذي جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي نادى به المرسلون من قبل إنما هم في الحقيقة‬
‫بعيدون عن منهج السلم وقد أصيبوا في فكرهم بالزدواجية المتناقضة التي تدعو المسلمين إلى أن يعتبروا‬
‫بحالهم فإن العاقل من اعتبر بغيره والحمق من اعتبر به غيره‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫هذا‪ ،‬ونجد في كتاب ال سبحانه وتعالى العلج لهذه الزدواجية فإن القرآن الكريم يدعو إلى طاعة ال سبحانه‬
‫وتعالى وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم وتحكيمهما في كل دقيقة وجليلة‪ ،‬ويدعو إلى أن تكون موالة‬
‫المسلم ل سبحانه ولرسوله وللمؤمنين وأن يكون المؤمن معاديا لعداء ال تعالى الكافرين؛ فال سبحانه‬
‫وتعالى في كتابه العزيز يقول‪ " :‬ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "‪ ،‬ويقول سبحانه وتعالى‪ " :‬وما‬
‫كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد‬
‫ضل ضلل مبينا " ‪ ،‬ويقول‪ " :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال "‪ .‬ويقول سبحانه وتعالى‪ " :‬فإن‬
‫تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل "‪ ،‬فيأمر‬
‫إبان التنازع أن يكون الحتكام إليه‪ ،‬وأن يكون الحتكام إلى رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك جاء على أثر‬
‫قوله سبحانه وتعالى‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم "‪ .‬وفي هذا ما يدل‬
‫على أن طاعة الناس ما عدا رسول ال صلى ال عليه وسلم ل بد أن تكون طاعة منضبطة بضوابط الشرع‬
‫بحيث تكون مقيدة بطاعة ال وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ولذلك عندما يقع الختلف ويقع التنازع‬
‫يكون الحتكام إليه سبحانه وتعالى وإلى رسوله عليه أفضل الصلة والسلم‪.‬‬

‫وكذلك نجد في كتاب ال سبحانه وتعالى ما يدل على حصر الولية في ال تعالى وفي رسوله وفي عباده‬
‫المؤمنين‪ ،‬بحيث تكون موالة المؤمن لهؤلء‪ ،‬وال سبحانه يحذر في كتابه كل التحذير من أن يتخذ المسلم‬
‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى‪ " :‬وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين‬
‫يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة ل جميعا * "‪ ،‬فقد جعل ال سبحانه‬
‫وتعالى موالة أعدائه الكافرين من صفة أعدائه المنافقين‪ ،‬فهم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون‬
‫المؤمنين‪ ،‬وهم يبتغون بذلك العزة وهم ل يدركون أن العزة ل جميعا‪ ،‬فكل عزة إنما هي ل‪ ،‬وال تعالى وحده‬
‫هو العزيز المطلق‪ ،‬وكل من عز فإنما يعز بفضل ال تبارك وتعالى الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء‪ ،‬وقد كتب‬
‫العزة لعباده المؤمنين‪ .‬فعباد ال تعالى المؤمنون وإن وهن أمرهم وضعف حالهم ل بد من أن يعزهم ال‪ ،‬فالعز‬
‫كل العز بالستمساك بما هم فيه وعليه‪ .‬ويقول سبحانه وتعالى‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا الكافرين‬
‫أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا ل عليكم سلطانا مبينا * "‪ ،‬ثم يتبع ذلك قوله‪ " :‬إن المنافقين في‬
‫الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا "‪ ،‬وفي هذا ما يؤذن بأن موالة هؤلء الكافرين من علمات‬
‫النفاق ومن دلئل النفاق لذلك جاء الوعيد على النفاق بأن المنافقين في الدرك السفل من النار إثر التحذير من‬
‫موالة أعداء ال تعالى الكافرين‪.‬‬

‫وفي كتاب ال سبحانه وتعالى ما يبين لنا السوة الحسنة التي يجب على المسلم أن يحرص عليها‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫وتعالى يقول‪ " :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون‬
‫من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده إل قول إبراهيم لبيه‬
‫لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا ل تجعلنا فتنة‬
‫للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم * " ثم يتبع ذلك قوله‪ " :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن‬
‫كان يرجوا ال واليوم الخر ومن يتول فإن ال هو الغني الحميد * "‪ .‬في هذه اليات الكريمة يأمر ال سبحانه‬
‫وتعالى عباده المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم والذين معه ‪ ،‬فإبراهيم والذين معه تبرأوا من أعداء ال تعالى‬
‫الكافرين‪ ،‬ويبين ال سبحانه وتعالى أن هذا التأسي مشروع إل في أمر واحد فقط ينهى المؤمنون أن يتأسوا‬
‫بإبراهيم فيه ذلك أن إبراهيم إنما فعله لسبب من السباب وقد انتهى ذلك السبب‪ ،‬ولم يشرع لنا ذلك السبب وهو‬
‫الدعاء للكافرين بالمغفرة ‪ " :‬إل قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء " ‪ ،‬هذا القول‬
‫وهو قول إبراهيم لبيه " لستغفرن لك " ليس لي مسلم أن يتأسى بإبراهيم فيه لن هذا الستغفار إنما كان‬
‫لسبب فيقول ال سبحانه وتعالى‪ " :‬وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها إياه " ‪ ،‬كانت هناك‬
‫موعدة من إبراهيم عليه السلم بأن يستغفر لبيه ربه سبحانه وتعالى رجاء أن يتوب الب إلى ال وأن يؤمن‬
‫بال‪ ،‬ولكن لما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه " إن إبراهيم لواه حليم "‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعالى يبين لنا أن هذا القتداء بإبراهيم والذين معه في هذا المر من علمات اليمان‪ ،‬وأن‬
‫المؤمن الحق هو من تأسى بإبراهيم ومن معه فيه فإن ال تعالى يقول‪ " :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن‬
‫كان يرجوا ال واليوم الخر "‪ ،‬فالتأسي بإبراهيم والذين معه في عدم موالة الكافرين بل في البراءة من‬
‫الكافرين من المور التي يقتضيها اليمان بال واليوم الخر‪ .‬ثم يتبع ذلك التهديد بأن من أعرض عن هذا المر‬
‫وابتعد عن التأسي بهم فإنما يضر نفسه وليس يضر ربه سبحانه وال هو الغني‪ ،‬بحيث يقول سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫" ومن يتول فإن ال هو الغني الحميد "‪ ،‬فمن أعرض عن هذا التأسي فإعراضه إنما يضر به نفسه‪ ،‬وال‬
‫تبارك وتعالى هو الولي وهو الغني وهو الحميد‪ ،‬فهو سبحانه وتعالى ل يضره من فعل العباد شيء أبدا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫هذا هو العلج النافع حتى تكون شخصية المسلم شخصية متزنة‪ ،‬شخصية غير متناقضة‪ ،‬شخصية ليس فيها‬
‫من الزدواجية شيء‪ ،‬شخصية ل تتلقى إل عن ال سبحانه وتعالى بحيث ل ترضى أن تقارن بين ما جاء من‬
‫عند ال بما جاء من عند غيره‪ ،‬لن ما عند ال هو الحق وما كان مخالفا له مما جاء من عند غيره سبحانه‬
‫وتعالى فهو الباطل ول يمكن للمسلم أن يقبل الباطل وإنما يقبل الحق وحده‪ ،‬فل يتلقى المؤمن إل عن ال‪،‬ولذلك‬
‫ل يكون احتكامه إل إلى ال سبحانه‪.‬‬

‫على أن ال سبحانه وتعالى نعى على أولئك الذين يزعمون أنهم مؤمنون وهم مع ذلك يحتكمون إلى غيره‪،‬‬
‫يقول سبحانه وتعالى‪ " :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن‬
‫يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا‬
‫إلى ما أنزل ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * " ‪ ،‬فهؤلء الذين يزعمون بأنهم مؤمنون‬
‫ثم هم بجانب ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ‪ ،‬والطاغوت يراد به هنا كل ما كان مخالفا لشرع ال‬
‫تعالى كل ما كان مناقضا لمر ال‪ ،‬كل ما كان مجانبا للهدى الذي أنزله ال سبحانه وتعالى‪ ،‬فكل ذلك هو داخل‬
‫في حكم الطاغوت‪ ،‬ومن ابتغى حكم الطاغوت من دون حكم ال سبحانه وتعالى فقد ضل ضلل بعيدا‪ .‬ويبين لنا‬
‫سبحانه وتعالى أن من شأن المنافقين أنهم إذا دعوا إلى حكم ال وإلى ما أنزله ال سبحانه وتعالى إلى رسوله‬
‫عليه أفضل الصلة والسلم صدوا صدودا‪ ،‬هذه هي طبيعة المنافقين‪ .‬وقد بين ال سبحانه وتعالى أن كل حكم‬
‫يخالف حكمه عز وجل فهو من حكم الجاهلية‪ ،‬فقد قال تعالى‪ " :‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال‬
‫حكما لقوم يوقنون * " ‪ .‬وقد جاء قبل ذلك ما يدل على أن من حكم بغير ما أنزل ال فهو كافر ظالم فاسق‪ ،‬ذلك‬
‫أن ال تعالى قال‪ " :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون " ‪ ،‬وقال‪ " :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال‬
‫فأولئك هم الظالمون "‪ ،‬وقال ‪ " :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون "‪.‬‬

‫فمن التناقض العجيب أن يرفع النسان عقيرته بكلمة التوحيد وينادي بأن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‬
‫مع أنه بنفسه يناقض نفسه بحيث ل يرضى بحكم ال ويرضى بحكم الطاغوت مع أن حكم الطاغوت ليس هو‬
‫من الفطرة في شيء وليس هو من الهدى في شيء وليس هو من الصلح في شيء‪ ،‬إنما المسلم يوقن كل‬
‫اليقان بأن الحق الذي أنزله ال سبحانه وتعالى فيه سعادة البشرية وفيه مصلحة البشرية‪ ،‬وفيه هدى هذه‬
‫البشرية‪ ،‬وأن البشرية لم تصب بما أصيبت به من الضطراب والمحن والشقاق والنزاع والتفرق إل بسبب‬
‫التناكب عن الصراط السوي الذي جعله ال سبحانه وتعالى خيرا لهذه النسانية بأسرها إلى أن تلقى ال عز‬
‫وجل‪ .‬وهذا يعني أن على هذا النسان وهو ربما يقع في هذه الزدواجيات أن يرجع إلى نفسه وأن يخلص‬
‫إيمانه لربه سبحانه وتعالى حتى يكون في ذلك شفاؤه‪ ،‬فإنه عندما يخلص إيمانه ل ل ريب أنه يدرك تمام‬
‫الدراك أن سعادته مرهونة بامتثاله لمر ال وانقياده لحكمه وإذعانه لطاعته ووقوفه عند حدوده‪.‬‬

‫نسأل ال سبحانه وتعالى أن يلهمنا جميعا الصواب‪ ،‬وأن يوفقنا لسلوك طريق السداد‪ ،‬وأن يحيينا ويميتنا على‬
‫سواء الصراط إنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير وصلى ال وسلم‬
‫على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫المعقب‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬نشكر سماحتكم على هذه المحاضرة القيمة ونرجوا منكم التكرم بالجابة‬
‫على أسئلتنا‪...‬‬

‫‪ ##‬السؤال الول‪ :‬ما هي الخطوط الحمراء بين الموالة لعداء ال وعدمها؟ أي كيف يكون المسلم مواليا أو‬
‫غير موال؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫الموالة هي في الحقيقة تنشأ عن العجاب بمن يوالي النسان‪ ،‬فمن شأن النسان أن يعجب ببعض الناس الذين‬
‫يفوقونه في بعض المور‪ ،‬وهذا مما يؤدي به إلى أن تكون محبتهم واقعة في نفسه موقعا عظيما‪ ،‬ولربما جره‬
‫ذلك إلى اتباع عاداتهم‪ .‬ول ريب أن اتباع العادات وترسم الخطوات ل يكون ذلك إل بسبب هذه الموالة فإن من‬
‫شأن النسان أن يحب محاكاة من يحبه من الناس‪ .‬وقد يكون سبب هذا ما يشعر به النسان من هزيمة في نفسه‬
‫ومن نقص يؤدي به إلى الرغبة في أن يجبره بمثل هذه الحوال لن الضعيف دائما يحب أن يظهر نفسه بمظهر‬
‫القوة والذليل يريد أن يظهر نفسه بمظهر العز‪ ،‬فعندما يشعر النسان بالضعف وعندما يشعر بالعجز وعندما‬
‫يشعر بالذلة يريد أن يحاكي غيره ليظهر بمظهر آخر‪ .‬وبسبب اغترار الناس بما وصل إليه الكفرة من القوة‬
‫المادية كثيرا ما يريدون أن يقلدوهم في الشياء حتى يظهروا بمظهر القوة ويظهروا بمظهر العزة وهم لم‬

‫‪6‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫يعرفوا مصدر هذه القوة‪ .‬هذه القوة قبل كل شيء إنما حصلت لهؤلء لنهم أخذوا بأسباب هذه الحياة ونحن‬
‫أهملناها‪ ،‬ولم تأتهم هذه القوة بسبب الفساد الجتماعي أو بسبب العقيدة الضالة أو بسبب الزيغ عن سواء‬
‫الصراط‪ ،‬إنما جاءت بسبب أنهم أخذوا بأسبابها‪ .‬ولكن مع ذلك هل هم في سعادة بما آتاهم ال تبارك وتعالى من‬
‫قوة؟‬

‫ونحن ل ريب أننا ندعو المسلمين إلى أن يأخذوا بأسباب القوة التي أخذ بها أعداؤهم ‪ ،‬نحن ل يضرنا أن‬
‫نترسم خطوات أعدائنا في الخذ بأسباب القوة‪ ،‬ل يضرنا ذلك شيئا‪ ،‬وإنما يضرنا أن نترسم خطواتهم فيما يتعلق‬
‫بسلوكهم الجتماعي وفيما يتعلق بسلوكهم الشخصي فإن ذلك مما يتنافى مع عقيدة السلم‪ .‬نحن مع السف‬
‫الشديد قلدناهم في سفاسف المور ولم نأخذ بأسباب القوة التي أخذوا بها‪ ،‬يا ليت المسلمين أخذوا بأسباب القوة‬
‫وكانوا كأولئك في الصناعات‪ ،‬وكانوا كأولئك في تنظيم أحوالهم المعاشية‪ ،‬وكانوا كأولئك في أنواع البتكارات‬
‫التي وصلوا إليها‪ ،‬ولكن فيم قلدهم المسلمون؟!! قلدوهم في كذبة إبريل‪ ،‬سمعوا أولئك يكذبون في أول يوم من‬
‫إبريل فتفنن المسلمون في الكذب في ذلك اليوم تشبها بأولئك وهم بهذا جمعوا ما بين كبيرتين عظيمتين‪:‬‬
‫الكبيرة الولى هي تقليد أعداء السلم‪ ،‬وتقليدهم كما ذكرنا من علمات النفاق‪ ،‬والكبيرة الثانية هي الكذب مع‬
‫أن الكذب ل يصدر عن مؤمن فإن ال تبارك وتعالى يقول‪ " :‬إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآياتنا وأولئك‬
‫هم الكاذبون "‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم يقول‪ (( :‬يطبع المؤمن على الخلل كلها ليس الخيانة والكذب ))‪،‬‬
‫والنبي عليه أفضل الصلة والسلم عندما تحدث عن صفات المنافقين كان من ضمن ما وصف المنافق به أنه‬
‫إذا حدث كذب‪ .‬فإذن كيف هؤلء يرضون لنفسهم أن يكذبوا من غير أن تكون هنالك ول مصلحة وهمية ما عدا‬
‫الرغبة في الظهور بمظهر أولئك؟!! فهذا مما يدل على مركب النقص الذي وقع فيه المسلمون والذي اتصفوا‬
‫به حتى أرادوا أن يجبروا هذا النقص بمثل هذه الترهات وهذا مما يدل على النحراف الفكري‪.‬‬

‫ومن المعلوم أيضا أن المؤمن يرضي ربه سبحانه وتعالى قبل أن يرضي غيره ولو كان ذلك الغير أقرب قريب‬
‫إليه وأصدق صديق له وأحب حبيب إلى نفسه‪ ،‬فال سبحانه وتعالى يقول‪ " :‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا‬
‫آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان " ‪ ،‬ويقول‪ " :‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر‬
‫يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم "‪ ،‬فليس من شأن المسلم‬
‫أن يواد من حاد ال ورسوله ولو كان أقرب قريب إلى نفسه وأعز عزيز عنده فإن هذه الموادة تتنافى مع‬
‫اليمان‪ .‬فكيف بما إذا كان هذا الكافر من أعدى العداء وأشد الناس ضراوة على الذين آمنوا؟!! كيف مع ذلك‬
‫كله يخلص له المؤمن المودة ؟!! وكيف تظهر هذه المودة في سلوك المسلم بحيث يحرص على ترسم خطوات‬
‫أولئك؟!! وال تعالى المستعان‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال الثاني‪ :‬من عادات النصارى تبادل التهاني في يوم ميلد المسيح عليه السلم‪ ،‬فهل يجوز للمسلم أن‬
‫يقبل التهنئة من النصارى؟ وهل يجوز له أن يقدم التهنئة؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫قبل كل شيء علينا أن ندرك أن ميلد المسيح عليه السلم ل نؤمن بأنه كان في الوقت الذي حدده النصارى‪ ،‬بل‬
‫تنبه بعض المعاصرين إلى أن في القرآن الكريم ما يدل على أن ميلد المسيح عليه السلم ما كان في الشهر‬
‫الثاني عشر كما يزعم النصارى لن ذلك الشهر كان في الشتاء وال تبارك وتعالى عندما ذكر قصته في القرآن‬
‫قال ‪ " :‬وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " ‪ ،‬فقد كان ميلد المسيح عليه السلم إبان حمل‬
‫النخيل للرطب وذلك إنما هو في الصيف وليس هو في الشتاء‪ .‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى أيضا إطلعت‬
‫فيما اطلعت عليه في كتاب ألفه أحد العلماء بعنوان ‪ ( :‬ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية‬
‫والتبشير ) أن النصارى عندما أدخلوا في ديانتهم ما أدخلوه من بدع التثليث وعقيدة الصلب وغير ذلك فعلوا‬
‫ذلك متأثرين بالعقائد الوثنية وأن من الذين تأثروا بهم البوذية‪ ،‬فالبوذية يعتقدون أيضا أن بوذا ولد لخمس‬
‫وعشرين مضت من الشهر الثاني عشر كاعتقاد النصارى‪ .‬واعتقدوا أيضا ما يعتقده النصارى من أنه صلب‪،‬‬
‫واعتقدوا الكثير الكثير مما هو واقع في العقيدة النصرانية‪ ،‬وهذا ما يجعل النسان قبل كل شيء يراجع نفسه‬
‫فيما يقول أولئك من أن ميلد المسيح عليه السلم كان في اليوم الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر من‬
‫الشهور الشمسية‪.‬‬

‫وبما أننا ل نثق بما يقوله أولئك بل يقتضينا المر أن نكذبهم بدلئل اليات القرآنية التي تدل على خلف ما‬
‫يقولون‪ ،‬بما أن الواقع كذلك فعلينا أن ل نعرب عن موافقتهم في هذا المعتقد‪ .‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫فإن ما يفعله النصارى إنما هو من البدع الزائغة عن سواء الصراط فلذلك ل يحسن بنا أبدا أن نجاملهم في‬
‫بدعتهم ول يجوز لنا بأي حال من الحوال‪ ،‬فضل عن كون معتقد النصارى فيما يتعلق بالمسيح معتقدا ضال‬

‫‪7‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫بعيدا عن العقل فضل عن كونه بعيدا عن الوحي‪ ،‬فإنهم يعتقدون بأن المسيح عليه السلم اجتمعت فيه طبيعة‬
‫الناسوتية واللهوتية أي اجتمعت فيه الطبيعة النسانية والحقيقة اللهية‪ ،‬وهذا أمر ل يمكن أن يكون مقبول‬
‫بأي حال من الحوال‪ .‬وعندما سألت أحد أساقفتهم‪ :‬هل تعتقدون أن المسيح عليه السلم حملت به مريم عليها‬
‫السلم كإنسان أو كإله؟ قالوا‪ :‬هو إنسان‪ .‬قلت له‪ :‬وأنتم تعتقدون أن هذا النسان هو الله‪ ،‬فإذن ذلكم الله هو‬
‫نفسه الذي حملت به مريم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وهذا ل ريب أنه منطق غير مقبول عقل فضل عن أن يكون مقبول دينا‪.‬‬
‫فالمسلم عليه أن يبتعد من مثل هذه الشياء وعليه أن يقيم الحجة على أولئك الضلل بأنهم ليسوا من الحق في‬
‫معتقداتهم هذه في شيء‪ ،‬فكيف يجاملهم بقبول التهاني منهم أو إرسال التهاني إليهم‪ ،‬وال تعالى المستعان‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال الثالث‪ :‬بعد إكمال الدراسة يتأخر بعض الطلبة لحضور حفل التخريج‪ ،‬وقد ثبت إن من مراسم هذا‬
‫الحفل أن يدخل أحد الكهنة حامل معه الصليب وغير ذلك من طقوس النصارى التي عادة ما يمارسونها في‬
‫الكنيسة ‪ ،‬فهل يجوز للمسلم أن يحضر مثل هذه الحفلت؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫ل يجوز للطالب أن يحضر حفل تكون فيه بدعة تؤدي إلى الكفر أو تؤدي إلى الضلل إل أن يحضرها منكرا لها‪،‬‬
‫فإن كان بإمكان هذا الطالب أن ينكر هذا المر وأن يبين الحق فليفعل وإن لم يكن بإمكانه ذلك فليبتعد عن حظور‬
‫مثل هذه المشاهد‪ ،‬وال تعالى الموفق‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال الرابع‪ :‬رجل غير مسلم يرغب في دخول المسجد للستماع لخطبة الجمعة ومشاهدة المصلين‬
‫وكذلك يرغب في اقتناء مصحف مترجم المعاني مع وجود النص القرآني في نفس المصحف‪ ،‬فهل يجوز له‬
‫ذلك؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫ينبغي في مثل هذه الحالة أن يؤمر هذا النسان بأن يستحم حتى يدخل وفيه شيء من النظافة‪ ،‬ثم بجانب ذلك‬
‫يؤمر أيضا عندما يعطى القرآن الكريم أل يمسه إل عندما يكون مستحما ول بأس عندما يقرأ من كتاب ترجمة‬
‫القرآن بلغة غير لغته أكثر من كلمات القرآن نفسه‪ ،‬ل مانع من أن يمسك ذلك غير المسلم بدليل أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم كان فيما كتبه إلى الكفرة كعظيم الروم هرقل‪ ،‬كان فيما كتبه بعض اليات القرآنية كـقول ال‬
‫تبارك وتعالى الذي أرسله إلى هرقل فيما أرسله إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬وقل يا أهل الكتاب‬
‫تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول بتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال‬
‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " ‪ ،‬فإن كان ذلك يرغب في دخول المسجد من أجل أن يتعرف على‬
‫السلم ومن أجل أن يتوصل إلى هداية السلم فل مانع من ذلك رجاء أن يسلم إن شاء ال‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال الخامس‪ :‬هل يجوز للمسلم دخول الكنائس حيث يتوجب على بعض الطلبة دخول هذه الكنائس‬
‫لحضور بعض المحاضرات الدراسية علما بأن هذه الكنيسة تابعة للجامعة؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫أما دخول الكنائس فل يمنع منه المسلم بدليل أن عمر رضي ال تعالى عنه دخل الكنيسة في بلد الشام‪،‬‬
‫وصرف ما فيها من الصنام جانبا وأقام الصلة فيها‪ ،‬فل مانع من دخول المسلم إلى الكنيسة بل ل مانع من أن‬
‫يصلي في الكنيسة عندما يصرف ما فيها من الصنام عن جهة القبلة لن إقامة الصلة فيها مما يدل عليه‬
‫القرآن‪ ،‬وقد استدل المام أبو سعيد رحمه ال تعالى لذلك بقوله سبحانه وتعالى‪ " :‬ولول دفع ال الناس بعضهم‬
‫ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا "‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال السادس‪ :‬قد يجد أحدنا في النجيل ما يوافق القرآن في أمر عيسى عليه السلم من أنه مثل رسول‬
‫ال وما يبلغ الناس إل ما يأمرهم ال به‪ ،‬فهل يجوز لحد منا إن ناقش النصارى أن يستدل بهذا من إنجيلهم‬
‫ويقول‪ :‬إن هذا من النجيل الحق الذي أنزله ال على نبيه عيسى عليه السلم‪ ،‬على أساس أن النجيل حرف‬
‫ولم يغير بأكمله؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫علينا أن نؤمن بما أنزله ال تعالى على موسى وما أنزله على عيسى‪ ،‬وعندما نجد في نصوص الناجيل‬
‫الموجودة عند أولئك أو نصوص التوراة الموجودة عند أولئك ما يتفق مع القرآن الكريم اتفاقا تاما فعلينا أن‬
‫نؤمن بأن ذلك من عند ال‪ ،‬أما ما كان مخالفا للقرآن الكريم فعلينا أن نرفضه رفضا تاما وأن نعلن بأنه ليس من‬

‫‪8‬‬
‫الزدواجية في الشخصية‬

‫الحق في شيء‪ ،‬وما كان بين هذا وذاك بحيث لم تتضح فيه موافقة القرآن أو مخالفة القرآن فعلينا أن نقف عنه‬
‫حتى يتبين لنا الحق فيه‪.‬‬

‫‪ ##‬السؤال السابع‪ :‬ما رأي سماحتكم في المؤتمرات التي عقدت في توحيد الديانات السماوية؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫من خلل المحاضرة ربما أدركتم أنني ل أؤمن بأن هناك ديانات سماوية‪ ،‬وإنما أؤمن بأن الدين السماوي واحد‬
‫وما اليهودية والنصرانية إل تحريف للرسالة التي جاءت بهذا الدين السماوي‪ ،‬فاليهودية ليست دينا سماويا‬
‫لنها تحريف لرسالة موسى عليه السلم‪ ،‬والنصرانية ليست دينا سماويا لنها تحريف لرسالة عيسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬والدين السماوي هو الدين الذي بعث ال الذي بعث ال تعالى به جميع المرسلين ثم بعث محمدا صلى‬
‫ال عليه وسلم من أجل أن يكمل به هذا الدين‪ ،‬ومن أجل أن يتم به هذه النعمة على العباد‪،‬هذا هو الدين‬
‫السماوي‪ .‬وذكرت بأن الحق والباطل ل يمكن أن يلزا في قرن‪ ،‬فل يمكن أن يجمع بين السلم واليهودية ول‬
‫بين السلم والنصرانية‪ .‬أما المؤتمرات التي يكون فيها النقاش مع إعلن كلمة الحق ومع الدعوة إلى الحق‬
‫ومع مطالبة الناس بأن يرفضوا الباطل ويتبعوا الحق الذي وضح نوره وقام دليله واتضحت معالمه فل ريب أن‬
‫ذلك أمر محمود‪.‬‬

‫‪ ##‬وأخيرا سماحة شيخنا ما النصيحة التي تقدمونها لنا؟‬

‫الجواب‪:‬‬
‫نصيحتي إليكم وأنتم هناك في بلد الكفر وفي ذلك المجتمع المادي المنحل وفي ذلك المستنقع السن أن تكونوا‬
‫كالجوهرة الصيلة النقية الصافية‪ ،‬فإن الجوهرة الصافية النقية الصيلة لو رمي بها في المزابل لم تغير المزبلة‬
‫من طبيعتها شيئا بل تستمد صفاءها ونقاءها من أصالتها‪ .‬فكذلك عليكم أن تكونوا بمشيئة ال تعالى مؤثرين ل‬
‫متأثرين وأن تكونوا قائدين ل منقادين‪ ،‬وأن تكونوا دعاة إلى ال تبارك وتعالى مخلصين وأن يتجلى السلم‬
‫بجميع إيجابياته في صدقكم وفي أمانتكم وفي جميع معاملتكم حتى تكونوا بمشيئة ال معالم هداية تدعون‬
‫الناس إلى الخير وتأمرونهم بالمعروف وتنهونهم عن المنكر‪ ،‬وال تعالى ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪ ##‬نرجو من سماحتكم أن تدعو لنا في الخاتمة دعوات تبرد قلوبنا وتنعش صدورنا‪...‬‬

‫جواب الشيخ الخليلي‪:‬‬


‫أسأل ال سبحانه وتعالى العلي القدير السميع البصير الحي القيوم الذي ل تأخذه سنة ول نوم أن يحفظنا‬
‫ويحفظكم وأن يرعانا ويرعاكم وأن يهدينا ويهديكم وأن يوفقنا ويوفقكم وأن يصلحنا ويصلحكم وأن يرفعنا‬
‫ويرفعكم وأن يعزنا ويعزكم وأن يجعلنا جميعا هداة مهتدين وأن يجعلنا عاملين بكل ما في كتابه وبكل ما في‬
‫سنة نبيه صلى ال عليه وسلم‪ .‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪،‬‬
‫وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬اللهم أعز‬
‫السلم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬واقطع دابر أعداء الدين واستأصل شأفتهم ول تدع لهم من باقية‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت ال ل إله إل أنت الواحد الحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا أحد نسألك ربنا أن ل تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إل غفرته ول غما إل فرجته ول كربا إل نفسته ول عيبا‬
‫إل أصلحته ول دينا إل قضيته ول مريضا إل عافيته ول غائبا إل حفظته ورددته ول ضال إل هديته ول عدوا إل‬
‫كفيته ول دعاء إل استجبته ول رجاء إل حققته ول بلء إل كشفته ول سائل إل أعطيته ول محروما إل رزقته‬
‫ول جاهل إل علمته‪ ،‬ول حاجة من حوائج الدنيا والخرة هي لك رضى ولنا صلح ومنفعة إل قضيتها ويسرتها‬
‫بيسر منك وعافية‪ ،‬إنك ربنا على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير وصلى ال وسلم على‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like