Professional Documents
Culture Documents
الزدواجــية في الشخـصيـــة
محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه ال
المفتي العام لسلطنة عمان
أما بعد ،فالسلم عليكم أيها الخوة المؤمنون ورحمة ال وبركاته .أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة ،وأسأل
ال تباك وتعالى أن يهديني وإياكم لصادق القول وصالح العمل ،وأن يمن علينا بالخلص فيما نقوله وفيما
نعمله ،وأن يأخذ بأيدينا إلى جادة الصواب ،وأن يعصمنا من الخذلن وأن يحقق لنا خير الدنيا وخير الخرة .هذا
وبناء على اقتراحكم فإنني أتحدث إليكم في هذه المسية المباركة حول موضوع الزدواجية أسبابها وعلجها.
ل ريب أن الزدواجية داء عضال يصاب به النسان فيؤدي به المر إلى الكثير الكثير من التناقضات بحيث
تكون تصرفاته مزدوجة بين الخير والشر وبين الهدى والضلل وبين الرشد والغي ،وهذا كثير ما يرجع إلى
جهل النسان لما يأتيه وما يذره ،فإن الجهل داء عضال ،إذ النسان بسبب جهله تنقلب عنده الموازين وتتبدل
لديه المقاييس فلربما حسب الخير شرا والشر خيرا وظن الصلح فسادا والفساد صلحا ،وخال العز ذل والذل
عزا ،وهذا كله إنما يرجع إلى النحراف الفكري نتيجة هذا الجهل.
وقد يكون منشأ ذلك ما في النسان من داء نفساني يعبر عنه بانفصام الشخصية أمام الكثير الكثير مما يرى
عليه أعداء السلم من التقدم المادي ،فيحسب أن ذلك إنما يعود إلى ما هم عليه من المناهج التي هي منحرفة
عن الفطرة ومنحرفة عن سواء الصراط .وهذا يجعله يتطامن إليهم ويخضع لهم وينساق وراءهم ويحسب أن
ذلك خير عظيم والواقع خلف ذلك.
وقد جاء السلم الحنيف بالمنهج العدل والميزان القسط ،ووضع كل شيء موضعه ،وأمر المسلمين بأن يكونوا
أعزة ،فقد بين ال سبحانه وتعالى أن العزة ل ولرسوله وللمؤمنين .ولذلك نجد في كتاب ال تعالى التحذير
البالغ من موالة أعداء السلم ،ونجد فيه ما يدل على أن هذه الموالة تنحرف بالنسان بعيدا عن سواء
الصراط حتى تؤدي به – والعياذ بال – إلى النزلق في مهاوي الرتداد ،فإن ال سبحانه وتعالى يقول في
خطاب لعباده المؤمنين " :يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن
يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون
نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين
* ويقول الذين ءامنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين *
يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم * " ثم
يبين سبحانه وتعالى من يجب على المسلم أن يحصر فيه وليته فيقول " :إنما وليكم ال ورسوله والذين
ءامنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول ال ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب
ال هم الغالبون * " .ما إن تأمل هذه اليات الكريمة وجد فيها الداء والدواء ،وجد فيها تشخيص العلة التي
تؤدي بالنسان إلى الزدواجية ،وال سبحانه وتعالى يبين أن العلة الكبرى إنما هي موالة أعدائه التي تدفع
بالنسان إلى أن يترسم خطواتهم ويحذو حذوهم ويغتر بما هم فيه وعليه ،ويحب العزة في هذا التتبع الدقيق لما
يأتون به وما يذرونه حتى تكون أفعاله وأعماله صورة من أفعالهم وأعمالهم.
1
الزدواجية في الشخصية
وال سبحانه وتعالى يبين أن هذه العلة تكون بسبب داء نفساني .إن النسان كثيرا ما يحسب أن موالته لعداء
السلم تؤدي به إلى الكثير الكثير مما يحمد عاقبته ،فيحسب أن العزة في هذه الموالة ،ولذلك نجد أن ال
سبحانه وتعالى ينعى هذه الحالة على المنافقين الذين يوالون أعداءه فيقول " :أيبتغون عندهم العزة فإن العزة
ل جميعا " .ويبين سبحانه وتعالى إلى أن هذه الموالة قد تصل بالنسان إلى أن ينخرط في سلك هؤلء بحيث
ينفصل تمام النفصال عن السلم ،ولذلك في معرض التحذير من هذه الموالة وبيان من يجب على المسلم أن
يواليه يأتي التحذير البالغ من الرتداد وبيان أن من يرتد فإنما الخسارة إنما تكون عليه بنفسه ،فهو الذي
يخسر عقباه ،بل ولربما خسر الكثير الكثير في دنياه هذه التي يحرص عليها ويؤثرها على آجلته وهي أخراه
التي ينقلب إليها.
وال سبحانه وتعالى يبين لنا أن موالة اليهود والنصارى ل تجدي المؤمن شيئا ،بل مهما فعل المسلم من
الفعال يسترضي بها هؤلء ل تؤدي به إلى أن يرضوا عنه حتى يتخلى عن دينه تمام التخلي وينخرط في
سلكهم تمام النخراط ،فال سبحانه وتعالى يقول خطابا لرسوله صلى ال عليه وسلم وهو من حيث المعنى
خطاب لنا جميعا " :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم ".
وكما أن الحق سبحانه وتعالى يحذر هذا التحذير البالغ من موالة اليهود والنصارى ،فإنه عز وجل يحذر
تحذيرا بالغا من موالة جميع الكفار ،فهو سبحانه يخاطب عباده المؤمنين بقوله " :يا أيها الذين ءامنوا ل
تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن
تؤمنوا بال ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم
وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل *" ثم يبين أن هذا كله ل يجدي مع أولئك العداء شيئا
فيقول " :إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * ".
والنبي صلى ال عليه وسلم ربى هذه المة تربية قرآنية ،رباها على الستقلل في الفكر ،ورباها على
الستقلل في النهج ،ورباها على الستقلل في كل شؤون حياتها .فالنبي صلى ال عليه وسلم كان حريصا كل
الحرص على أن تكون للمة السلمية استقللية تامة في تصرفاتها وفي أعمالها ،ولذلك كان شديد التحذير من
التأثر بأعداء السلم في المظهر والمخبر .فالمسلم يطالب بأن يكون مظهره مظهرا إسلميا وأن يكون مخبره
مخبرا إسلميا لنه يصدر عن السلم في كل تصرفاته وأعماله ،فهو يعطي بوحي من السلم ،ويمنع بوحي
من السلم ،ويرضى بسبب موافقة السلم ويسخط من أجل مخالفة السلم ول يتنكب عن صراط السلم أبدا
بل يحرص دائما على أن ل يخرج عن حدود هذا الصراط .هذا هو شأن المسلم الموصول بال تبارك وتعالى.
وذلك يتمثل في تلكم التربية التي ربى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته كما هو واضح من الروايات
الكثيرة المأثورة عنه صلوات ال وسلمه عليه في المر بمخالفة اليهود وبمخالفة المجوس وبمخالفة
المشركين ،فقد كان كثيرا ما يقول ( :إفعلوا كذا ول تتشبهوا باليهود ) ( إفعلوا كذا ول تتشبهوا بالمشركين )
( إفعلوا كذا ول تتشبهوا بالمجوس ) ،ذلك كله من أجل أن تكون لهذه المة استقلليتها ،وفي هذه الحالة تكون
بعيدة كل البعد عن التناقضات.
وهذا ما نجده أيضا في تلكم القصة المشهورة عنه صلوات ال وسلمه عليه عندما كان هو وأصحابه رضي ال
تعالى عنهم في حالة دفن ميت ،وكان واقفا فمر به وبصحبه يهودي وقال ( :هكذا تصنع أحبارنا ) ،فقعد صلى
ال عليه وسلم وأمر أصحابه بالقعود حتى ل يكون منهم تأثر باليهود .ولئن كان ذلك في الوقوف وهو من
المور العادية الجبلية التي ترجع إلى حالة النسان نفسه ،فقد تقتضي حالته أن يكون واقفا وتقتضي حالته تارة
أن يكون قاعدا وتقتضي حالته تارة أن يكون ماشيا ،فكيف بما وراء ذلك؟!! كيف بالتأثر بهؤلء في المظهر
بحيث يكون النسان مظهره مظهرهم بحيث يتشبه بهم في لباسه أو يتشبه بهم في مأكله ومشربه؟!! إن
السلم دين جاء بالدقة التامة وجاء بالتعاليم الشاملة بحيث علم المسلم كيف يأكل وكيف يشرب وكيف ينام
وكيف يلبس ،ففي كل شيء يؤمر المسلم أن يترسم طريقة السلم وأن ل يعدل عنها قيد شعرة .النبي صلى ال
عليه وسلم يقول (( :كل بيمينك واشرب بيمينك فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله )).
وإن من الزدواجية في حياة المسلم أن يدعي السلم وأن يحرص على الصلة وأن يحرص على أداء الكثير
من الواجبات ومع ذلك كله يأتي بمثل هذه العمال تشبها بالكفرة ،فيحرص على أن يأكل بشماله أو يشرب
بشماله كما يقتضي البروتوكول الجديد الن في الكل أن يمسك النسان الشوكة بشماله وأن يمسك السكين
بيمينه وأن يأكل بشماله كما يأكل الشيطان ،فإن هذا من الزدواجية ،وهذا من التأثر في اليمان فإن هذا المسلم
لو كان حقيقا بوصف السلم لو كان جديرا بمعاني اليمان لبتعد ذلك كل البتعاد ولما تأثر بسلوك أولئك لن
2
الزدواجية في الشخصية
المسلم يحرص على أن يكون مأثرا ل متأثرا ،وأن يكون قائدا ل منقادا ،وأن يكون في كل مجال من مجالت
الحياة له شخصيته وله سماته البارزة التي تميزه عن الخرين.
وأعظم هذه الزدواجية ما يحصل في العقيدة؛ فال سبحانه وتعالى شرع لنا السلم دينا ،وبين لنا في كتابه
الكريم أن هذا السلم إنما هو دينه الحق وأنه الدين الذي جاء به جميع المرسلين ،فإنه ما من رسول من رسل
ال إل وقد جاء بهذا السلم ،وكتاب ال تعالى ينادي بذلك ،فعندما يتأمل النسان الصور القرآنية يجد أن القرآن
الكريم يدل على أن السلم هو دين ال الذي شرعه لكل عباده منذ خلق السماوات والرض ،فال تعالى يقول:
" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا
الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ".
فال سبحانه وتعالى بين لنا هنا أنه شرع لنا من الدين ما شرع لمن قبلنا بواسطة أولئك المرسلين ،فهذا الدين
هو الذي جاء به موسى وهو الذي جاء به عيسى وهو الذي جاء به نوح وهو الذي جاء به النبيون من قبل.
ويأتي في كتاب ال سبحانه وتعالى النص الصريح بأن نوحا عليه السلم كان مأمورا أن يكون على السلم،
فإن ال حكى عنه قوله " :وأمرت أن أكون من المسلمين " .ويقول ال سبحانه وتعالى في إبراهيم عليه
السلم " :ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " .ويأتي في كتاب
ال سبحانه وتعالى بيان أن إبراهيم عليه السلم أمر أن يسلم فأسلم وأن السلم كان وصيته لبنيه كما كان
وصية يعقوب عليه السلم لبنيه ،فال سبحانه وتعالى يقول " :ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه
ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين *
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء
إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
إلها واحدا ونحن له مسلمون ".
ويأتي في كتاب ال سبحانه وتعالى أيضا النص الصريح على أن موسى عليه السلم أمر قومه أن يتوكلوا على
ال سبحانه وتعالى إن كانوا مسلمين " :على ال توكلوا إن كنتم مسلمين " ،هكذا قال موسى عليه السلم
لقومه وهم يتعرضون لليذاء من قبل فرعون وآله .وهذا يدل على أن رسالة موسى عليه السلم كانت رسالة
السلم ،وهذا ما دل عليه قوله سبحانه " :إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا
" .كما أن القرآن الكريم دل أيضا على أن أهل بيت لوط عليه السلم كانوا على السلم فإنه سبحانه وتعالى
يقول " :فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " .وكذلك جاء القرآن
الكريم بما يدل على أن الحواريين أعلنوا إسلمهم وهم أتباع عيسى عليه السلم ،فإن ال سبحانه وتعالى يقول:
" وإذ أوحيت إلى الحواريين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " .كذلك أيضا نجد في
القرآن الكريم أن سحرة فرعون عندما آمنوا أعلنوا إسلمهم ،فقد سألوا ال سبحانه وتعالى أن يتوفاهم
مسلمين فقالوا " :وتوفنا مسلمين " .كذلك ذكر ال سبحانه وتعالى دعاء يوسف عليه السلم الذي قال فيه" :
رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السماوات والرض أنت وليي في الدنيا والخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين " ،فهو سأل ال سبحانه وتعالى أن يتوفاه على السلم .كذلك يقول ال
سبحانه وتعالى فيما يتعلق بأهل الكتاب الذين استمسكوا بالكتاب واتبعوا العقيدة الصحيحة التي نزل بها الكتاب
من عند ال ولم يحيدوا عنها قيد شعرة حتى جاءهم الحق الذي بعث به الحق سبحانه وتعالى عبده ورسوله
محمد صلى ال عليه وسلم ،فقال سبحانه " :الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم
قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * " ،فهؤلء كانوا على السلم من قبل هذا القرآن أي
من قبل أن ينزل على قلب نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلة والسلم ،وهذا مما يعلنونه
بأنفسهم .وفي هذا ما يكفي دللة على أن السلم وحده هو دين ال تعالى الحق.
كذلك نجد في كتاب ال سبحانه وتعالى أن فرعون ادعى السلم عندما حاق به العذاب وأحس بالهلك ،فال
سبحانه وتعالى يقول فيما يحكيه عنه " :آمنت بأنه ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "،
فهو ادعى السلم في هذه الحالة وذلك عندما أدركه الغرق .وجاء النص الصريح في كتاب ال بأن ال سبحانه
وتعالى ل يقبل من الناس دينا إل دين السلم وأنه الدين الوحيد الذي هو مقبول عنده تعالى ،فال تعالى يقول:
" ومن يبتغي غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين " ،ويقول بجانب ذلك أيضا " :إن
الدين عند ال السلم ".
ومع هذا كله نجد أن أولئك الذين تمكنت الزدواجية في نفوسهم فأثرت على عقيدتهم يزعمون أنهم على
السلم ومع ذلك يسوون بين السلم وغيره ،ويزعمون أن اليهودية والنصرانية كالسلم وأن كل من ذلك
حق ،وأن هذه الديانات ديانات إبراهيمية ،هكذا يقولون جهرا ،وهذا رد للنص الصريح الذي ينص على أن
3
الزدواجية في الشخصية
إبراهيم عليه السلم بريء من اليهودية والنصرانية ،فال تعالى يقول " :ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا
ولكن كان حنيفا مسلما " ،فكيف تنسب الديانتان المخالفتان لعقيدة التوحيد إلى إبراهيم عليه السلم الذي هو
إمام الحنيفيين والذي كان هو وحده موحدا دون غيره في الرض في بادئ أمره ،وهو الذي أعلن الحرب على
الكفر والكافرين والشرك والمشركين وتبرأ من كل أعمال قومه الشركية التي تتنافى مع عقيدة التوحيد التي
آمن بها !!!.
على أنه من العجيب أن يقبل النسان بأن يكون ما في النصرانية حق مع اعتقاده أن السلم وحده هو الحق،
فلئن كان يعتقد أن ما في النصرانية حق فل ريب أنه كفر بالسلم لن السلم دل على أن هذه النصرانية ليست
هي من الحق في شيء وأنها منافية للحق الذي بعث ال سبحانه وتعالى به رسوله عليه أفضل الصلة والسلم.
فال تعالى يقول " :لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح بن مريم " ،وقال " :لقد كفر الذين قالوا إن ال
ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد " .ونجد النص على أن هؤلء الذين كفروا بالرسول صلى ال عليه وسلم
وبما أنزل إليه ولو كانوا من أهل الكتاب ،نجد النص على أنهم كفرة ،فال سبحانه وتعالى يقول " :إن الذين
كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية " .بل يصف ال سبحانه
وتعالى أولئك بالشرك ذلك لنهم اتخذوا مع ال آلهة أخرى ،يقول سبحانه وتعالى " :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا ألها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون "،
ينزه ال سبحانه نفسه عن شركهم فيقول سبحانه " :عما يشركون " ،وفي هذا تقرير بأنهم كانوا على الشرك
وأن عقيدتهم عقيدة شرك لنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ،وكذلك المسيح بن مريم اتخذوه
إلها من دون ال سبحانه وتعالى ،وهذه هي عقيدة الشرك عينها .فكيف مع ذلك نجد الكثير الكثير من الذين
ينضوون إلى لواء السلم وينادون باسم السلم ويرفعون شعار السلم يزعمون أن هؤلء على الحق وأن
عقيدتهم بريئة من الشرك ،بل ربما غضب أحدهم إذا نسب إليهم الشرك أو نسب إليهم الكفر مع التعامي عن
هذه اليات الصريحة الواضحة.
هذا ،وفي كتاب ال سبحانه وتعالى ما يدل دللة واضحة أن العقيدة الحقة تقتضي اليمان بجميع الرسل من غير
تفرقة بين رسول ورسول .فالمؤمن هو الذي ل يكفر برسول من رسل ال سبحانه ،وال تبارك وتعالى يقول" :
قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى
وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * " ،ثم يقول " :فإن آمنوا بمثل
ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم " .ويقول أيضا سبحانه
وتعالى مؤكدا هذا المعنى في سورة آل عمران " :قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم
ونحن له مسلمون * " ،ثم يتبع ذلك قوله " :ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من
الخاسرين * " .ذلك لن دين السلم والذي جاء بهذه العقيدة الخالصة ،عقيدة اليمان بجميع الرسل واليمان
بجميع الكتب وعدم التفرقة بين كتاب وكتاب في اليمان ،وعدم التفرقة بين رسول ورسول في اليمان لن الكل
من عند ال ،فكيف يرد بعض ما جاءوا به مع أنهم جميعا يصدرون فيما يأتون به عن وحي ال سبحانه وتعالى
إذ لم يكن لهم هوى فيما جاءوا به وإنما نطقوا بأمر ال وبلغوا وحي ال سبحانه وتعالى! ولذلك يقول ال
سبحانه " :إن الذين كفروا بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر
ببعض " ،هؤلء كفروا بال ورسله لنهم فرقوا بين رسول وآخر .زعموا أنهم يؤمنون ببعض هؤلء الرسل
ويكفرون ببعض هؤلء الرسل مع أن هذه الرسالت جميعا إنما هي رسالت ال سبحانه وتعالى ول مجال بحال
من الحوال بأن يكفر النسان ببعضها.
على أن ال سبحانه وتعالى جعل كل رسول من هؤلء الرسل يأتي مصدقا لما قبله من الرسالت ،فإن كل رسول
من الرسل يدعو إلى اليمان بجميع رسالت ال سبحانه وتعالى ،وتأتي بشارة سابقة على مجيء ذلك الرسول
بمجيئه ،تأتي إشارة سابقة حتى يتهيأ الناس لليمان به .ونبينا محمد صلى ال عليه وسلم أخبر ال سبحانه
وتعالى بأن أهل الكتاب يجدون نعته فيما أنزل إليهم من التوراة والنجيل .ويبين سبحانه وتعالى أيضا أن من
كفر به ومن كفر بما أنزل عليه فالنار موعده " :ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده " ،فإذن ل ريب أن
ما ينادي به أولئك الذين يريدون أن يجمعوا بين النقائض وأن يجمعوا ما بين هذا الركام من الكفر والضلل مع
الحق الذي جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي نادى به المرسلون من قبل إنما هم في الحقيقة
بعيدون عن منهج السلم وقد أصيبوا في فكرهم بالزدواجية المتناقضة التي تدعو المسلمين إلى أن يعتبروا
بحالهم فإن العاقل من اعتبر بغيره والحمق من اعتبر به غيره.
4
الزدواجية في الشخصية
هذا ،ونجد في كتاب ال سبحانه وتعالى العلج لهذه الزدواجية فإن القرآن الكريم يدعو إلى طاعة ال سبحانه
وتعالى وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم وتحكيمهما في كل دقيقة وجليلة ،ويدعو إلى أن تكون موالة
المسلم ل سبحانه ولرسوله وللمؤمنين وأن يكون المؤمن معاديا لعداء ال تعالى الكافرين؛ فال سبحانه
وتعالى في كتابه العزيز يقول " :ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " ،ويقول سبحانه وتعالى " :وما
كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد
ضل ضلل مبينا " ،ويقول " :وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال " .ويقول سبحانه وتعالى " :فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل " ،فيأمر
إبان التنازع أن يكون الحتكام إليه ،وأن يكون الحتكام إلى رسوله صلى ال عليه وسلم ،وذلك جاء على أثر
قوله سبحانه وتعالى " :يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم " .وفي هذا ما يدل
على أن طاعة الناس ما عدا رسول ال صلى ال عليه وسلم ل بد أن تكون طاعة منضبطة بضوابط الشرع
بحيث تكون مقيدة بطاعة ال وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم .ولذلك عندما يقع الختلف ويقع التنازع
يكون الحتكام إليه سبحانه وتعالى وإلى رسوله عليه أفضل الصلة والسلم.
وكذلك نجد في كتاب ال سبحانه وتعالى ما يدل على حصر الولية في ال تعالى وفي رسوله وفي عباده
المؤمنين ،بحيث تكون موالة المؤمن لهؤلء ،وال سبحانه يحذر في كتابه كل التحذير من أن يتخذ المسلم
الكافرين أولياء من دون المؤمنين ،يقول ال سبحانه وتعالى " :وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين
يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة ل جميعا * " ،فقد جعل ال سبحانه
وتعالى موالة أعدائه الكافرين من صفة أعدائه المنافقين ،فهم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين ،وهم يبتغون بذلك العزة وهم ل يدركون أن العزة ل جميعا ،فكل عزة إنما هي ل ،وال تعالى وحده
هو العزيز المطلق ،وكل من عز فإنما يعز بفضل ال تبارك وتعالى الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ،وقد كتب
العزة لعباده المؤمنين .فعباد ال تعالى المؤمنون وإن وهن أمرهم وضعف حالهم ل بد من أن يعزهم ال ،فالعز
كل العز بالستمساك بما هم فيه وعليه .ويقول سبحانه وتعالى " :يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا الكافرين
أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا ل عليكم سلطانا مبينا * " ،ثم يتبع ذلك قوله " :إن المنافقين في
الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " ،وفي هذا ما يؤذن بأن موالة هؤلء الكافرين من علمات
النفاق ومن دلئل النفاق لذلك جاء الوعيد على النفاق بأن المنافقين في الدرك السفل من النار إثر التحذير من
موالة أعداء ال تعالى الكافرين.
وفي كتاب ال سبحانه وتعالى ما يبين لنا السوة الحسنة التي يجب على المسلم أن يحرص عليها ،فهو سبحانه
وتعالى يقول " :قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون
من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده إل قول إبراهيم لبيه
لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا ل تجعلنا فتنة
للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم * " ثم يتبع ذلك قوله " :لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن
كان يرجوا ال واليوم الخر ومن يتول فإن ال هو الغني الحميد * " .في هذه اليات الكريمة يأمر ال سبحانه
وتعالى عباده المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم والذين معه ،فإبراهيم والذين معه تبرأوا من أعداء ال تعالى
الكافرين ،ويبين ال سبحانه وتعالى أن هذا التأسي مشروع إل في أمر واحد فقط ينهى المؤمنون أن يتأسوا
بإبراهيم فيه ذلك أن إبراهيم إنما فعله لسبب من السباب وقد انتهى ذلك السبب ،ولم يشرع لنا ذلك السبب وهو
الدعاء للكافرين بالمغفرة " :إل قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء " ،هذا القول
وهو قول إبراهيم لبيه " لستغفرن لك " ليس لي مسلم أن يتأسى بإبراهيم فيه لن هذا الستغفار إنما كان
لسبب فيقول ال سبحانه وتعالى " :وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها إياه " ،كانت هناك
موعدة من إبراهيم عليه السلم بأن يستغفر لبيه ربه سبحانه وتعالى رجاء أن يتوب الب إلى ال وأن يؤمن
بال ،ولكن لما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه " إن إبراهيم لواه حليم ".
وال سبحانه وتعالى يبين لنا أن هذا القتداء بإبراهيم والذين معه في هذا المر من علمات اليمان ،وأن
المؤمن الحق هو من تأسى بإبراهيم ومن معه فيه فإن ال تعالى يقول " :لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن
كان يرجوا ال واليوم الخر " ،فالتأسي بإبراهيم والذين معه في عدم موالة الكافرين بل في البراءة من
الكافرين من المور التي يقتضيها اليمان بال واليوم الخر .ثم يتبع ذلك التهديد بأن من أعرض عن هذا المر
وابتعد عن التأسي بهم فإنما يضر نفسه وليس يضر ربه سبحانه وال هو الغني ،بحيث يقول سبحانه وتعالى:
" ومن يتول فإن ال هو الغني الحميد " ،فمن أعرض عن هذا التأسي فإعراضه إنما يضر به نفسه ،وال
تبارك وتعالى هو الولي وهو الغني وهو الحميد ،فهو سبحانه وتعالى ل يضره من فعل العباد شيء أبدا.
5
الزدواجية في الشخصية
هذا هو العلج النافع حتى تكون شخصية المسلم شخصية متزنة ،شخصية غير متناقضة ،شخصية ليس فيها
من الزدواجية شيء ،شخصية ل تتلقى إل عن ال سبحانه وتعالى بحيث ل ترضى أن تقارن بين ما جاء من
عند ال بما جاء من عند غيره ،لن ما عند ال هو الحق وما كان مخالفا له مما جاء من عند غيره سبحانه
وتعالى فهو الباطل ول يمكن للمسلم أن يقبل الباطل وإنما يقبل الحق وحده ،فل يتلقى المؤمن إل عن ال،ولذلك
ل يكون احتكامه إل إلى ال سبحانه.
على أن ال سبحانه وتعالى نعى على أولئك الذين يزعمون أنهم مؤمنون وهم مع ذلك يحتكمون إلى غيره،
يقول سبحانه وتعالى " :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا
إلى ما أنزل ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * " ،فهؤلء الذين يزعمون بأنهم مؤمنون
ثم هم بجانب ذلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ،والطاغوت يراد به هنا كل ما كان مخالفا لشرع ال
تعالى كل ما كان مناقضا لمر ال ،كل ما كان مجانبا للهدى الذي أنزله ال سبحانه وتعالى ،فكل ذلك هو داخل
في حكم الطاغوت ،ومن ابتغى حكم الطاغوت من دون حكم ال سبحانه وتعالى فقد ضل ضلل بعيدا .ويبين لنا
سبحانه وتعالى أن من شأن المنافقين أنهم إذا دعوا إلى حكم ال وإلى ما أنزله ال سبحانه وتعالى إلى رسوله
عليه أفضل الصلة والسلم صدوا صدودا ،هذه هي طبيعة المنافقين .وقد بين ال سبحانه وتعالى أن كل حكم
يخالف حكمه عز وجل فهو من حكم الجاهلية ،فقد قال تعالى " :أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من ال
حكما لقوم يوقنون * " .وقد جاء قبل ذلك ما يدل على أن من حكم بغير ما أنزل ال فهو كافر ظالم فاسق ،ذلك
أن ال تعالى قال " :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون " ،وقال " :ومن لم يحكم بما أنزل ال
فأولئك هم الظالمون " ،وقال " :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ".
فمن التناقض العجيب أن يرفع النسان عقيرته بكلمة التوحيد وينادي بأن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال
مع أنه بنفسه يناقض نفسه بحيث ل يرضى بحكم ال ويرضى بحكم الطاغوت مع أن حكم الطاغوت ليس هو
من الفطرة في شيء وليس هو من الهدى في شيء وليس هو من الصلح في شيء ،إنما المسلم يوقن كل
اليقان بأن الحق الذي أنزله ال سبحانه وتعالى فيه سعادة البشرية وفيه مصلحة البشرية ،وفيه هدى هذه
البشرية ،وأن البشرية لم تصب بما أصيبت به من الضطراب والمحن والشقاق والنزاع والتفرق إل بسبب
التناكب عن الصراط السوي الذي جعله ال سبحانه وتعالى خيرا لهذه النسانية بأسرها إلى أن تلقى ال عز
وجل .وهذا يعني أن على هذا النسان وهو ربما يقع في هذه الزدواجيات أن يرجع إلى نفسه وأن يخلص
إيمانه لربه سبحانه وتعالى حتى يكون في ذلك شفاؤه ،فإنه عندما يخلص إيمانه ل ل ريب أنه يدرك تمام
الدراك أن سعادته مرهونة بامتثاله لمر ال وانقياده لحكمه وإذعانه لطاعته ووقوفه عند حدوده.
نسأل ال سبحانه وتعالى أن يلهمنا جميعا الصواب ،وأن يوفقنا لسلوك طريق السداد ،وأن يحيينا ويميتنا على
سواء الصراط إنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير وصلى ال وسلم
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته.
المعقب:
وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته ،نشكر سماحتكم على هذه المحاضرة القيمة ونرجوا منكم التكرم بالجابة
على أسئلتنا...
##السؤال الول :ما هي الخطوط الحمراء بين الموالة لعداء ال وعدمها؟ أي كيف يكون المسلم مواليا أو
غير موال؟
الجواب:
الموالة هي في الحقيقة تنشأ عن العجاب بمن يوالي النسان ،فمن شأن النسان أن يعجب ببعض الناس الذين
يفوقونه في بعض المور ،وهذا مما يؤدي به إلى أن تكون محبتهم واقعة في نفسه موقعا عظيما ،ولربما جره
ذلك إلى اتباع عاداتهم .ول ريب أن اتباع العادات وترسم الخطوات ل يكون ذلك إل بسبب هذه الموالة فإن من
شأن النسان أن يحب محاكاة من يحبه من الناس .وقد يكون سبب هذا ما يشعر به النسان من هزيمة في نفسه
ومن نقص يؤدي به إلى الرغبة في أن يجبره بمثل هذه الحوال لن الضعيف دائما يحب أن يظهر نفسه بمظهر
القوة والذليل يريد أن يظهر نفسه بمظهر العز ،فعندما يشعر النسان بالضعف وعندما يشعر بالعجز وعندما
يشعر بالذلة يريد أن يحاكي غيره ليظهر بمظهر آخر .وبسبب اغترار الناس بما وصل إليه الكفرة من القوة
المادية كثيرا ما يريدون أن يقلدوهم في الشياء حتى يظهروا بمظهر القوة ويظهروا بمظهر العزة وهم لم
6
الزدواجية في الشخصية
يعرفوا مصدر هذه القوة .هذه القوة قبل كل شيء إنما حصلت لهؤلء لنهم أخذوا بأسباب هذه الحياة ونحن
أهملناها ،ولم تأتهم هذه القوة بسبب الفساد الجتماعي أو بسبب العقيدة الضالة أو بسبب الزيغ عن سواء
الصراط ،إنما جاءت بسبب أنهم أخذوا بأسبابها .ولكن مع ذلك هل هم في سعادة بما آتاهم ال تبارك وتعالى من
قوة؟
ونحن ل ريب أننا ندعو المسلمين إلى أن يأخذوا بأسباب القوة التي أخذ بها أعداؤهم ،نحن ل يضرنا أن
نترسم خطوات أعدائنا في الخذ بأسباب القوة ،ل يضرنا ذلك شيئا ،وإنما يضرنا أن نترسم خطواتهم فيما يتعلق
بسلوكهم الجتماعي وفيما يتعلق بسلوكهم الشخصي فإن ذلك مما يتنافى مع عقيدة السلم .نحن مع السف
الشديد قلدناهم في سفاسف المور ولم نأخذ بأسباب القوة التي أخذوا بها ،يا ليت المسلمين أخذوا بأسباب القوة
وكانوا كأولئك في الصناعات ،وكانوا كأولئك في تنظيم أحوالهم المعاشية ،وكانوا كأولئك في أنواع البتكارات
التي وصلوا إليها ،ولكن فيم قلدهم المسلمون؟!! قلدوهم في كذبة إبريل ،سمعوا أولئك يكذبون في أول يوم من
إبريل فتفنن المسلمون في الكذب في ذلك اليوم تشبها بأولئك وهم بهذا جمعوا ما بين كبيرتين عظيمتين:
الكبيرة الولى هي تقليد أعداء السلم ،وتقليدهم كما ذكرنا من علمات النفاق ،والكبيرة الثانية هي الكذب مع
أن الكذب ل يصدر عن مؤمن فإن ال تبارك وتعالى يقول " :إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآياتنا وأولئك
هم الكاذبون " ،والنبي صلى ال عليه وسلم يقول (( :يطبع المؤمن على الخلل كلها ليس الخيانة والكذب ))،
والنبي عليه أفضل الصلة والسلم عندما تحدث عن صفات المنافقين كان من ضمن ما وصف المنافق به أنه
إذا حدث كذب .فإذن كيف هؤلء يرضون لنفسهم أن يكذبوا من غير أن تكون هنالك ول مصلحة وهمية ما عدا
الرغبة في الظهور بمظهر أولئك؟!! فهذا مما يدل على مركب النقص الذي وقع فيه المسلمون والذي اتصفوا
به حتى أرادوا أن يجبروا هذا النقص بمثل هذه الترهات وهذا مما يدل على النحراف الفكري.
ومن المعلوم أيضا أن المؤمن يرضي ربه سبحانه وتعالى قبل أن يرضي غيره ولو كان ذلك الغير أقرب قريب
إليه وأصدق صديق له وأحب حبيب إلى نفسه ،فال سبحانه وتعالى يقول " :يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا
آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان " ،ويقول " :ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر
يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " ،فليس من شأن المسلم
أن يواد من حاد ال ورسوله ولو كان أقرب قريب إلى نفسه وأعز عزيز عنده فإن هذه الموادة تتنافى مع
اليمان .فكيف بما إذا كان هذا الكافر من أعدى العداء وأشد الناس ضراوة على الذين آمنوا؟!! كيف مع ذلك
كله يخلص له المؤمن المودة ؟!! وكيف تظهر هذه المودة في سلوك المسلم بحيث يحرص على ترسم خطوات
أولئك؟!! وال تعالى المستعان.
##السؤال الثاني :من عادات النصارى تبادل التهاني في يوم ميلد المسيح عليه السلم ،فهل يجوز للمسلم أن
يقبل التهنئة من النصارى؟ وهل يجوز له أن يقدم التهنئة؟
الجواب:
قبل كل شيء علينا أن ندرك أن ميلد المسيح عليه السلم ل نؤمن بأنه كان في الوقت الذي حدده النصارى ،بل
تنبه بعض المعاصرين إلى أن في القرآن الكريم ما يدل على أن ميلد المسيح عليه السلم ما كان في الشهر
الثاني عشر كما يزعم النصارى لن ذلك الشهر كان في الشتاء وال تبارك وتعالى عندما ذكر قصته في القرآن
قال " :وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " ،فقد كان ميلد المسيح عليه السلم إبان حمل
النخيل للرطب وذلك إنما هو في الصيف وليس هو في الشتاء .هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى أيضا إطلعت
فيما اطلعت عليه في كتاب ألفه أحد العلماء بعنوان ( :ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية
والتبشير ) أن النصارى عندما أدخلوا في ديانتهم ما أدخلوه من بدع التثليث وعقيدة الصلب وغير ذلك فعلوا
ذلك متأثرين بالعقائد الوثنية وأن من الذين تأثروا بهم البوذية ،فالبوذية يعتقدون أيضا أن بوذا ولد لخمس
وعشرين مضت من الشهر الثاني عشر كاعتقاد النصارى .واعتقدوا أيضا ما يعتقده النصارى من أنه صلب،
واعتقدوا الكثير الكثير مما هو واقع في العقيدة النصرانية ،وهذا ما يجعل النسان قبل كل شيء يراجع نفسه
فيما يقول أولئك من أن ميلد المسيح عليه السلم كان في اليوم الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر من
الشهور الشمسية.
وبما أننا ل نثق بما يقوله أولئك بل يقتضينا المر أن نكذبهم بدلئل اليات القرآنية التي تدل على خلف ما
يقولون ،بما أن الواقع كذلك فعلينا أن ل نعرب عن موافقتهم في هذا المعتقد .هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى
فإن ما يفعله النصارى إنما هو من البدع الزائغة عن سواء الصراط فلذلك ل يحسن بنا أبدا أن نجاملهم في
بدعتهم ول يجوز لنا بأي حال من الحوال ،فضل عن كون معتقد النصارى فيما يتعلق بالمسيح معتقدا ضال
7
الزدواجية في الشخصية
بعيدا عن العقل فضل عن كونه بعيدا عن الوحي ،فإنهم يعتقدون بأن المسيح عليه السلم اجتمعت فيه طبيعة
الناسوتية واللهوتية أي اجتمعت فيه الطبيعة النسانية والحقيقة اللهية ،وهذا أمر ل يمكن أن يكون مقبول
بأي حال من الحوال .وعندما سألت أحد أساقفتهم :هل تعتقدون أن المسيح عليه السلم حملت به مريم عليها
السلم كإنسان أو كإله؟ قالوا :هو إنسان .قلت له :وأنتم تعتقدون أن هذا النسان هو الله ،فإذن ذلكم الله هو
نفسه الذي حملت به مريم؟ قال :نعم .وهذا ل ريب أنه منطق غير مقبول عقل فضل عن أن يكون مقبول دينا.
فالمسلم عليه أن يبتعد من مثل هذه الشياء وعليه أن يقيم الحجة على أولئك الضلل بأنهم ليسوا من الحق في
معتقداتهم هذه في شيء ،فكيف يجاملهم بقبول التهاني منهم أو إرسال التهاني إليهم ،وال تعالى المستعان.
##السؤال الثالث :بعد إكمال الدراسة يتأخر بعض الطلبة لحضور حفل التخريج ،وقد ثبت إن من مراسم هذا
الحفل أن يدخل أحد الكهنة حامل معه الصليب وغير ذلك من طقوس النصارى التي عادة ما يمارسونها في
الكنيسة ،فهل يجوز للمسلم أن يحضر مثل هذه الحفلت؟
الجواب:
ل يجوز للطالب أن يحضر حفل تكون فيه بدعة تؤدي إلى الكفر أو تؤدي إلى الضلل إل أن يحضرها منكرا لها،
فإن كان بإمكان هذا الطالب أن ينكر هذا المر وأن يبين الحق فليفعل وإن لم يكن بإمكانه ذلك فليبتعد عن حظور
مثل هذه المشاهد ،وال تعالى الموفق.
##السؤال الرابع :رجل غير مسلم يرغب في دخول المسجد للستماع لخطبة الجمعة ومشاهدة المصلين
وكذلك يرغب في اقتناء مصحف مترجم المعاني مع وجود النص القرآني في نفس المصحف ،فهل يجوز له
ذلك؟
الجواب:
ينبغي في مثل هذه الحالة أن يؤمر هذا النسان بأن يستحم حتى يدخل وفيه شيء من النظافة ،ثم بجانب ذلك
يؤمر أيضا عندما يعطى القرآن الكريم أل يمسه إل عندما يكون مستحما ول بأس عندما يقرأ من كتاب ترجمة
القرآن بلغة غير لغته أكثر من كلمات القرآن نفسه ،ل مانع من أن يمسك ذلك غير المسلم بدليل أن النبي صلى
ال عليه وسلم كان فيما كتبه إلى الكفرة كعظيم الروم هرقل ،كان فيما كتبه بعض اليات القرآنية كـقول ال
تبارك وتعالى الذي أرسله إلى هرقل فيما أرسله إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم " :وقل يا أهل الكتاب
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول بتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " ،فإن كان ذلك يرغب في دخول المسجد من أجل أن يتعرف على
السلم ومن أجل أن يتوصل إلى هداية السلم فل مانع من ذلك رجاء أن يسلم إن شاء ال.
##السؤال الخامس :هل يجوز للمسلم دخول الكنائس حيث يتوجب على بعض الطلبة دخول هذه الكنائس
لحضور بعض المحاضرات الدراسية علما بأن هذه الكنيسة تابعة للجامعة؟
الجواب:
أما دخول الكنائس فل يمنع منه المسلم بدليل أن عمر رضي ال تعالى عنه دخل الكنيسة في بلد الشام،
وصرف ما فيها من الصنام جانبا وأقام الصلة فيها ،فل مانع من دخول المسلم إلى الكنيسة بل ل مانع من أن
يصلي في الكنيسة عندما يصرف ما فيها من الصنام عن جهة القبلة لن إقامة الصلة فيها مما يدل عليه
القرآن ،وقد استدل المام أبو سعيد رحمه ال تعالى لذلك بقوله سبحانه وتعالى " :ولول دفع ال الناس بعضهم
ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا " ،وال تعالى أعلم.
##السؤال السادس :قد يجد أحدنا في النجيل ما يوافق القرآن في أمر عيسى عليه السلم من أنه مثل رسول
ال وما يبلغ الناس إل ما يأمرهم ال به ،فهل يجوز لحد منا إن ناقش النصارى أن يستدل بهذا من إنجيلهم
ويقول :إن هذا من النجيل الحق الذي أنزله ال على نبيه عيسى عليه السلم ،على أساس أن النجيل حرف
ولم يغير بأكمله؟
الجواب:
علينا أن نؤمن بما أنزله ال تعالى على موسى وما أنزله على عيسى ،وعندما نجد في نصوص الناجيل
الموجودة عند أولئك أو نصوص التوراة الموجودة عند أولئك ما يتفق مع القرآن الكريم اتفاقا تاما فعلينا أن
نؤمن بأن ذلك من عند ال ،أما ما كان مخالفا للقرآن الكريم فعلينا أن نرفضه رفضا تاما وأن نعلن بأنه ليس من
8
الزدواجية في الشخصية
الحق في شيء ،وما كان بين هذا وذاك بحيث لم تتضح فيه موافقة القرآن أو مخالفة القرآن فعلينا أن نقف عنه
حتى يتبين لنا الحق فيه.
##السؤال السابع :ما رأي سماحتكم في المؤتمرات التي عقدت في توحيد الديانات السماوية؟
الجواب:
من خلل المحاضرة ربما أدركتم أنني ل أؤمن بأن هناك ديانات سماوية ،وإنما أؤمن بأن الدين السماوي واحد
وما اليهودية والنصرانية إل تحريف للرسالة التي جاءت بهذا الدين السماوي ،فاليهودية ليست دينا سماويا
لنها تحريف لرسالة موسى عليه السلم ،والنصرانية ليست دينا سماويا لنها تحريف لرسالة عيسى عليه
السلم ،والدين السماوي هو الدين الذي بعث ال الذي بعث ال تعالى به جميع المرسلين ثم بعث محمدا صلى
ال عليه وسلم من أجل أن يكمل به هذا الدين ،ومن أجل أن يتم به هذه النعمة على العباد،هذا هو الدين
السماوي .وذكرت بأن الحق والباطل ل يمكن أن يلزا في قرن ،فل يمكن أن يجمع بين السلم واليهودية ول
بين السلم والنصرانية .أما المؤتمرات التي يكون فيها النقاش مع إعلن كلمة الحق ومع الدعوة إلى الحق
ومع مطالبة الناس بأن يرفضوا الباطل ويتبعوا الحق الذي وضح نوره وقام دليله واتضحت معالمه فل ريب أن
ذلك أمر محمود.
الجواب:
نصيحتي إليكم وأنتم هناك في بلد الكفر وفي ذلك المجتمع المادي المنحل وفي ذلك المستنقع السن أن تكونوا
كالجوهرة الصيلة النقية الصافية ،فإن الجوهرة الصافية النقية الصيلة لو رمي بها في المزابل لم تغير المزبلة
من طبيعتها شيئا بل تستمد صفاءها ونقاءها من أصالتها .فكذلك عليكم أن تكونوا بمشيئة ال تعالى مؤثرين ل
متأثرين وأن تكونوا قائدين ل منقادين ،وأن تكونوا دعاة إلى ال تبارك وتعالى مخلصين وأن يتجلى السلم
بجميع إيجابياته في صدقكم وفي أمانتكم وفي جميع معاملتكم حتى تكونوا بمشيئة ال معالم هداية تدعون
الناس إلى الخير وتأمرونهم بالمعروف وتنهونهم عن المنكر ،وال تعالى ولي التوفيق.
##نرجو من سماحتكم أن تدعو لنا في الخاتمة دعوات تبرد قلوبنا وتنعش صدورنا...
9