Professional Documents
Culture Documents
إقامة *
التّعريف :
- 1القامة في اللّغة مصدر :أقام ،وأقام بالمكان :ثبت به ،وأقام الشّيء :ثبّته أو عدله ،
وأقام الرّجل الشّرع :أظهره ،وأقام الصّلة :أدام فعلها ،وأقام للصّلة إقامةً :نادى لها .
وتطلق القامة في الشّرع بمعنيين :
الوّل :الثّبوت في المكان ،فيكون ضدّ السّفر .
ظ مخصوص ٍة وصفةٍ
الثّاني :إعلم الحاضرين المتأهّبين للصّلة بالقيام إليها ،بألفا ٍ
مخصوصةٍ .
ل :أحكام القامة الّتي بمعنى الثّبوت في المكان
أ ّو ً
أ -إقامة المسافر :
- 2يصبح المسافر مقيما إذا دخل وطنه ،أو نوى القامة في مكان ما بالشّروط الّتي ذكرها
الفقهاء ،وينقطع بذلك عنه حكم السّفر ،وتنطبق عليه أحكام المقيم ،كامتناع القصر في
الصّلة ،وعدم جواز الفطر في رمضان .وإقامة الفاقيّ داخل المواقيت المكانيّة ،أو في
الحرم تعطيه حكم المقيم داخل المواقيت أو داخل الحرم من حيث الحرام ،وطواف الوداع ،
والقدوم ،والقران ،والتّمتّع .وينظر تفصيلت ذلك في ( قران -تمتّع -حجّ -إحرام ) .
ب-إقامة المسلم في دار الحرب :
ل أنّه إذا كان يخشى على دينه ،
- 3إقامة المسلم في دار الحرب ل تقدح في إسلمه ،إ ّ
ن الّذين
بحيث ل يمكنه إظهاره ،تجب عليه الهجرة إلى دار السلم ،لقول اللّه تعالى « :إ ّ
توفّاهم الملئكة ظالمي أنفسهم ،قالوا :فيم كنتم ؟ قالوا :كنّا مستضعفين في الرض .قالوا :
ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها » ،وهذا إذا كان يمكنه الهجرة ولم يكن به عجز ،
لمرضٍ أو إكرا ٍه على القامة .
أمّا إذا كان ل يخشى الفتنة ويتمكّن من إظهار دينه مع إقامته في دار الحرب ،فإنّه يستحبّ
له الهجرة إلى دار السلم ،لتكثير المسلمين ومعونتهم ،ول تجب عليه الهجرة .
وقد كان العبّاس ع ّم النّبيّ صلى ال عليه وسلم مقيما بمكّة مع إسلمه .
وللفقهاء تفصيلت كثيرة في ذلك ( :ر :جهاد -دار الحرب -دار السلم -هجرة ) .
ثانيا :القامة للصّلة
اللفاظ ذات الصّلة بإقامة الصّلة :
- 4هناك ألفاظ لها صلة بالقامة للصّلة منها :
أ -الذان :يعرّف الذان بأنّه :إعلم بدخول وقت الصّلة بألفاظٍ معلومةٍ مأثور ٍة على صفةٍ
مخصوص ٍة يحصل بها العلم .
فالذان والقامة يشتركان في أنّ كلّا منهما إعلم ،ويفترقان من حيث إنّ العلم في القامة
ن صيغة
هو للحاضرين المتأهّبين لفتتاح الصّلة ،والذان للغائبين ليتأهّبوا للصّلة ،كما أ ّ
الذان قد تنقص أو تزيد عن القامة على خلفٍ بين المذاهب .
ب -التّثويب :التّثويب عود إلى العلم بعد العلم .وهو عند الفقهاء ،زيادة " الصّلة
خير من النّوم " .
حكم القامة التّكليفيّ :
- 5في حكم القامة التّكليفيّ رأيان :
الوّل :أنّ القامة فرض كفاي ٍة إذا قام به البعض سقط عن الخرين ،وإذا ترك أثموا جميعا
.قال بهذا الحنابلة ،وهو رأي لبعض الشّافعيّة في الصّلوات الخمس ،ولبعضٍ آخر للجمعة
ي ،حتّى روي عنهما أنّه إن نسي القامة أعاد الصّلة ،
فقط .وهو رأي عطاءٍ والوزاع ّ
وقال مجاهد :إن نسي القامة في السّفر أعاد ،ولعلّه لما في السّفر من الحاجة إلى إظهار
الشّعائر .واستدلّ للقول بأنّها فرض كفايةٍ بكونها من شعائر السلم الظّاهرة ،وفي تركها
تهاون ،فكانت فرض كفايةٍ مثل الجهاد .
ن القامة سنّة مؤكّدة ،وهو مذهب المالكيّة ،والرّاجح عند الشّافعيّة ،وهو الصحّ
الثّاني :أ ّ
سنّة هنا السّنن الّتي هي من شعائر
عند الحنفيّة ،وقال محمّد بالوجوب ،ولكن المراد بال ّ
سنّة المتواترة
ن ترك ال ّ
السلم الظّاهرة ،فل يسع المسلمين تركها ،ومن تركها فقد أساء ،ل ّ
س ّنيّة
يوجب الساءة وإن لم يكن من شعائر السلم ،فهذا أولى ،وفسّر أبو حنيفة ال ّ
سنّة وخالفوا وأثموا ،والثم إنّما يلزم بترك
بالوجوب ،حيث قال في التّاركين :أخطئوا ال ّ
س ّنيّة « بقوله صلى ال عليه وسلم للعرابيّ المسيء صلته :افعل كذا
الواجب .واحتجّوا لل ّ
وكذا» .ولم يذكر الذان ول القامة مع أنّه صلى ال عليه وسلم ذكر الوضوء واستقبال القبلة
وأركان الصّلة ولو كانت القامة واجبةً لذكرها .
تاريخ تشريع القامة وحكمتها :
- 6تاريخ تشريع القامة هو تاريخ تشريع الذان ( ر :أذان ) .
أمّا حكمتها :فهي إعلء اسم اللّه تعالى واسم رسوله صلى ال عليه وسلم وإقرار للفلح
والفوز عند كلّ صل ٍة في اليوم أكثر من مرّةٍ ،لتركيز ذلك في نفس المسلم ،وإظهار لشعيرةٍ
من أفضل الشّعائر .
كيفيّة القامة :
- 7اتّفقت المذاهب على أنّ ألفاظ القامة هي نفس ألفاظ الذان في الجملة بزيادة " :قد
ن التّرتيب بين ألفاظها هو نفس
قامت الصّلة -بعد -حيّ على الفلح " .وكذلك اتّفقوا على أ ّ
ل أنّهم اختلفوا في تكرار وإفراد ألفاظها على الوجه التي :
ترتيب ألفاظ الذان ،إ ّ
اللّه أكبر .تقال في بدء القامة " مرّتين " عند المذاهب الثّلثة ،وأربع مرّاتٍ عند الحنفيّة .
أشهد أن ل إله إلّ اللّه .تقال " مرّةً واحد ًة " عند المذاهب الثّلثة " ومرّتين " عند الحنفيّة .
ن محمّدا رسول اللّه .تقال " مرّةً واحدةً " عند المذاهب الثّلثة " ومرّتين " عند الحنفيّة
أشهد أ ّ
.حيّ على الصّلة .تقال « :مرّةً واحد ًة " عند المذاهب الثّلثة " ومرّتين " عند الحنفيّة .
حيّ على الفلح .تقال « :مرّةً واحدةً " عند المذاهب الثّلثة " ومرّتين " عند الحنفيّة .قد
قامت الصّلة .تقال " مرّتين " عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " ومرّةً واحدةً " عند المالكيّة
على المشهور .
اللّه أكبر .تقال " مرّتين " على المذاهب الربعة .
ن المذاهب
ل إله إلّ اللّه .تقال " مرّةً واحد ًة " على المذاهب الربعة .ويستخلص من ذلك أ ّ
الثّلثة تختلف عن الحنفيّة بإفراد أكثر ألفاظ القامة كما تقدّم .واحتجّوا بما روي عن أنسٍ قال
« :أمر بلل أن يشفع الذان ويوتر القامة » .وبما روي عن ابن عمر قال « :إنّما كان
الذان على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مرّتين مرّتين ،والقامة مرّ ًة مرّ ًة » .أمّا
الحنفيّة فيجعلون القامة مثل الذان بزيادة " قد قامت الصّلة " مرّتين بعد " حيّ على الفلح "
.واحتجّوا بحديث عبد اللّه بن زيدٍ النصاريّ «،أنّه جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال
ن رجلً قام وعليه بردان أخضران ،فقام على حائطٍ فأذّن
يا رسول اللّه :رأيت في المنام كأ ّ
مثنى مثنى ،وأقام مثنى مثنى » ولما روي كذلك عن عبد اللّه بن زي ٍد « فاستقبل القبلة يعني
الملك ،وقال :اللّه أكبر .اللّه أكبر ..إلى آخر الذان .قال ثمّ أمهل هنيهةً ،ثمّ قام فقال
مثلها ،أل أنّه قال :زاد بعد ما قال :حيّ على الفلح :قد قامت الصّلة ،قد قامت الصّلة
» .وأمّا المالكيّة فيختلفون عن غيرهم في تثنية قد قامت الصّلة ،فالمشهور عندهم أنّها تقال
مرّةً واحد ًة .لما روى أنس قال « :أمر بلل أن يشفع الذان ويوتر القامة » .
حدر القامة :
- 8الحدر هو السراع وقطع التّطويل .
وقد اتّفق الفقهاء على الحدر في القامة والتّرسّل في الذان ،لحديث رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم « :إذا أذّنت فترسّل ،وإذا أقمت فاحدر » ،ولما روى أبو عبيدٍ بإسناده ،عن
عمر رضي ال عنه أنّه قال لمؤذّن بيت المقدس " :إذا أذّنت فترسّل ،وإذا أقمت فاحذم "
قال الصمعيّ :وأصل الحذم -بالحاء المهملة -في المشي إنّما هو السراع .
وقت القامة :
- 9شرعت القامة أهب ًة للصّلة بين يديها ،تفخيما لها كغسل الحرام ،وغسل الجمعة ،ثمّ
ح تقديمها على وقت
لعلم النّفس بالتّأهّب والقيام للصّلة ،وإعلم الفتتاح .ول يص ّ
الصّلة ،بل يدخل وقتها بدخول وقت الصّلة ،ويشترط لها شرطان ،الوّل :دخول
الوقت ،والثّاني :إرادة الدّخول في الصّلة .فإن أقام قبيل الوقت بجزءٍ يسيرٍ بحيث دخل
الوقت عقب القامة ،ثمّ شرع في الصّلة عقب ذلك لم تحصل القامة ،وإن أقام في الوقت
وأخّر الدّخول في الصّلة بطلت إقامته إن طال الفصل ،لنّها تراد للدّخول في الصّلة فل
يجوز إطالة الفصل .
ما يشترط لجزاء القامة :
- 10يشترط في القامة ما يأتي :
دخول الوقت ،ونيّة القامة ،والداء باللّغة العربيّة ،والخل ّو من اللّحن المغيّر للمعنى ،
ورفع الصّوت .ولكن رفع الصّوت بالقامة يكون أخفّ من رفعه بالذان ،لختلف المقصود
في ك ّل منهما .فالمقصود من الذان :إعلم الغائبين بالصّلة ،أمّا القامة فالمقصود منها
طلب قيام الحاضرين فعلً للصّلة ،وقد تقدّم ذلك في وقت القامة .
وكذلك يشترط التّرتيب بين الكلمات والموالة بين ألفاظ القامة .
وفي هذه الشّروط خلف وتفصيل ينظر في مصطلح " أذان " .
شرائط المقيم :
-تشترك القامة مع الذان في هذه الشّرائط ونذكرها إجمالً ،ومن أراد زيادة تفصيلٍ 11
:الكلم في القامة لغير ضرور ٍة إذا كان كثيرا ،أمّا إن كان الكلم في القامة لضرورةٍ مثل
ما لو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئرٍ ،أو حيّةً تد بّ إلى غافلٍ ،أو سيّارةً توشك أن تدهمه
وجب عليه إنذاره ويبني على إقامته .
أمّا الكلم القليل لغير ضرورةٍ ففيه رأيان :
الوّل :ل يكره بل يؤدّي إلى ترك الفضل .قال بهذا الحنفيّة والشّافعيّة ،واستدلّوا لذلك بما
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تكلّم في الخطبة » فالذان أولى .
ثبت في الصّحيح من « أ ّ
ألّ يبطل ،وكذلك القامة ،ولنّهما يصحّان مع الحدث ،وقاعدا ،وغير ذلك من وجوه
التّخفيف .
لنن
ّ ّهرين والمالكي ّة والحنابلة ،
ّ الثّانني :يكره له ذلك ،ويبنني على إقامتنه ،وبهذا قال الز
أنن التّمطينط
القامنة حدر ،وهذا يخالف الوارد ،ويقطنع بينن كلماتهنا .واتّفنق الفقهاء على ّ
حرفن أو مدّ أو غيرهنا فني الوائل والواخنر مكروه ،
ٍ والتّغنّي والتّطرينب بزيادة حركةٍ أو
لمنافاة الخشوع والوقار .أمّا إذا تفاحش التّغنّي والتّطريب بحيث يخلّ بالمعنى فإنّه يحرم بدون
أنن رجلً قال لبنن عمنر «:إنّي لحبّك فني اللّه .قال :وأننا
خلفن فني ذلك .لمنا روي ّ
ٍ
أبغضك في اللّه ،إنّك تتغنّى في أذانك » .قال :حمّاد يعني التّطريب .
إقامة غير المؤذّن :
- 17قال الشّافعيّة والحنابلة :ينبغي أن يتولّى القامة من تولّى الذان .واحتجّوا بما روي
عن الحارث الصّدائيّ أنّه قال « :بعث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بللً إلى حاجةٍ له
فأمرني أن أؤذّن فأذّنت ،فجاء بلل وأراد أن يقيم ،فنهاه عن ذلك وقال :إنّ أخا صداءٍ هو
الّذي أذّن ،ومن أذّن فهو الّذي يقيم » ولنّهما فعلن من الذّكر يتقدّمان الصّلة ،فيسنّ أن
يتولّاهما واحد كالخطبتين ،ووافقهم الحنفيّة على هذا الرّأي إذا كان المؤذّن يتأذّى من إقامة
غيره ،لنّ أذى المسلم مكروه .
وقال المالكيّة :ل بأس أن يؤذّن رجل ويقيم غيره ،لما رواه أبو داود في حديث عبد اللّه بن
زيدٍ أنّه رأى الذان في المنام فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأخبره فقال « :ألقه على
بللٍ ،فألقاه عليه ،فأذّن بلل ،فقال عبد اللّه :أنا رأيته وأنا كنت أريده قال :أقم أنت » .
ولنّه يحصل المقصود منه ،فأشبه ما لو تولّاهما معا ،ووافقهم على ذلك الحنفيّة إذا كان
المؤذّن ل يتأذّى من إقامة غيره .
إعادة القامة في المسجد الواحد :
- 18لو صلّى في مسج ٍد بأذانٍ وإقام ٍة ،هل يكره أن يؤذّن ويقام فيه ثانيا ؟
في المسألة ثلثة آراء :
الوّل للحنفيّة ،وهو رأي للمالكيّة ،ورأي ضعيف للشّافعيّة :إذا صلّى في المسجد بأذانٍ
وإقامةٍ كره لمن جاء بعدهم أن يؤذّن ويقيم ،وشرط الحنفيّة أن يكون من أذّن وصلّى أ ّولً هم
أهل المسجد " أي أهل حيّه " فمن ،جاء بعدهم فأذان الجماعة وإقامتهم لهم أذان وإقامة .
ب أن يؤذّن ويقيم للجماعة الثّانية ،إلّ أنّه
الثّاني في الرّأي الرّاجح للمالكيّة والشّافعيّة :يستح ّ
ل يرفع صوته فوق ما يسمعون ،ووافقهم على ذلك الحنفيّة إذا كان المسجد على الطّريق ،
وليس له أهل معلومون ،أو صلّى فيه غير أهله بأذانٍ وإقام ٍة ،فإنّه يجوز لهله أن يؤذّنوا
ويقيموا .
الثّالث للحنابلة :الخيار ،إن شاء أذّن وأقام ويخفي أذانه وإقامته ،وإن شاء صلّى من غير
أذانٍ ول إقام ٍة .
ما يقام له من الصّلوات :
- 19يقام للصّلوات الخمس المفروضة في حال الحضر والسّفر والنفراد والجماعة والجمعة
ل من الصّلتين المجموعتين ،
.واتّفق الفقهاء على طلب القامة لك ّ
ل صلةٍ » .
ن « الرّسول صلى ال عليه وسلم جمع المغرب والعشاء بمزدلفة وأقام لك ّ
لّ
ل صل ٍة وحدها ،فاقتضى أن تكون لكلّ
ولنّهما صلتان جمعهما وقت واحد ،وتصلّى ك ّ
صلةٍ إقامة .
واتّفق الفقهاء على طلب القامة للصّلوات الفوائت ،لما روي عن أبي سعيدٍ عن رسول اللّه
ت أمر بللً أن
صلى ال عليه وسلم « أنّه حين شغلهم الكفّار يوم الحزاب عن أربع صلوا ٍ
ن ،حتّى قالوا :أذّن وأقام وصلّى الظّهر ،ثمّ أذّن وأقام وصلّى
يؤذّن ويقيم لكلّ واحدةٍ منه ّ
العصر ،ثمّ أذّن وأقام وصلّى المغرب ،ثمّ أذّن وأقام وصلّى العشاء » .
واتّفق الفقهاء على استحباب القامة للمنفرد ،سواء صلّى في بيته أو في مكان آخر غير
المسجد ،لخبر عقبة بن عامرٍ ،قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول :
يعجب ربّك من راعي غنمٍ في رأس الشّظيّة للجبل يؤذّن ويقيم للصّلة ويصلّي ،فيقول اللّه
عزّ وجلّ :انظروا إلى عبدي هذا يؤذّن ويقيم الصّلة يخاف منّي ،قد غفرت لعبدي وأدخلته
الجنّة » .
ولكنّه إذا اقتصر على أذان الحيّ وإقامته أجزأه ،لما روي أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ « صلّى
ن ول إقام ٍة وقال :يكفينا أذان الحيّ وإقامتهم ».
بعلقمة والسود بغير أذا ٍ
القامة لصلة المسافر :
- 20الذان والقامة للفرد والجماعة مشروعان في السّفر كما في الحضر ،سواء أكان السّفر
سفر قصرٍ أو دونه .
الذان للصّلة المعادة :
- 21في القامة للصّلة المعادة في وقتها للفساد رأيان :
ن ول إقامةٍ ،وأمّا إن قضوها بعد
الوّل :للحنفيّة :تعاد الصّلة الفاسدة في الوقت بغير أذا ٍ
الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذانٍ وإقامةٍ .
الثّاني :للمالكيّة :يقام للصّلة المعادة للبطلن أو الفساد ،ولم يعثر للشّافعيّة والحنابلة على
تصريحٍ بذلك ،ولكن قواعدهم ل تأباه .
ما ل يقام له من الصّلوات :
- 22اتّفق الفقهاء على أنّه ل يسنّ القامة لغير الصّلوات الخمس والجمعة .فل أذان ول
إقامة لصلة الجنازة ول للوتر ول للنّوافل ول لصلة العيدين وصلة الكسوف والخسوف
والستسقاء .لما روي عن « جابر بن سمرة قال :صلّيت مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ن ول إقامةٍ » .
العيد غير مرّ ٍة ول مرّتين بغير أذا ٍ
وما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت « :خسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم فبعث مناديا ينادي :الصّلة جامعة » .
إجابة السّامع للمؤذّن والمقيم :
ص الفقهاء على صيغة الجابة باللّسان فقالوا :يقول السّامع مثل ما يقول المقيم ،إلّ
- 23ن ّ
في الحيعلتين " حيّ على الصّلة وحيّ على الفلح" فإنّه يحوقل "ل حول ول قوّة إلّ باللّه " .
ويزيد عند إقامة الصّلة " أقامها اللّه وأدامها " ،لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أنّ بللً أخذ في القامة فلمّا أن قال :قد قامت الصّلة ،قال
النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أقامها اللّه وأدامها » .وقال في سائر القامة كنحو حديث عمر
ن رسول اللّه صلى ال
في الذان الّذي رواه جعفر بن عاصمٍ عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أ ّ
عليه وسلم قال « :إذا قال المؤذّن :اللّه أكبر اللّه أكبر ،فقال أحدكم :اللّه أكبر اللّه أكبر »
وانظر مصطلح أذان .
ن الجابة
وحكم الجابة باللّسان أنّها سنّة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وأمّا الحنفيّة فإ ّ
عندهم تكون في الذان دون القامة .
الفصل بين الذان والقامة :
ت يسع
- 24صرّح الفقهاء باستحباب الفصل بين الذان والقامة بصلةٍ أو جلوسٍ أو وق ٍ
حضور المصلّين فيما سوى المغرب ،مع ملحظة الوقت المستحبّ للصّلة .
وتكره عندهم القامة للصّلة بعد الذان مباشر ًة بدون هذا الفصل ،وذلك لما روي عن رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم « أنّه قال لبللٍ :اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا حتّى يقضي
المتوضّئ حاجته في مهلٍ ،وحتّى يفرغ الكل من أكل طعامه في مهلٍ »
وفي رواي ٍة « :ليكن بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الكل من أكله ،والشّارب من شربه ،
والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته » .
ن المقصود بالذان إعلم النّاس بدخول الوقت ليتهيّئوا للصّلة بالطّهارة فيحضروا المسجد
ول ّ
،وبالوصل ينتفي هذا المقصود ،وتفوت صلة الجماعة على كثيرٍ من المسلمين .وقد ورد
عن بعض الفقهاء تحديد مقدار الفصل بين الذان والقامة ،فروى الحسن عن أبي حنيفة أنّ
مقدار الفصل في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آي ًة ،وفي الظّهر قدر ما يصلّي أربع ركعاتٍ ،
ت ،وفي العصر مقدار ما يصلّي ركعتين ،يقرأ في كلّ
يقرأ في كلّ ركع ٍة نحوا من عشر آيا ٍ
ركع ٍة نحوا من عشر آياتٍ .
أمّا في المغرب :فقد اتّفق الفقهاء على تعجيل القامة فيها لحديث رسول اللّه صلى ال عليه
ن مبنى المغرب على التّعجيل ،ولما
ل المغرب » ل ّ
وسلم « :بين كلّ أذانين صلة لمن شاء إ ّ
روى أبو أيّوب النصاريّ رضي ال عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :لن
تزال أمّتي بخيرٍ ما لم يؤخّروا المغرب إلى اشتباك النّجوم » وعلى هذا يسنّ أن يكون الفصل
بين الذان والقامة فيها يسيرا .
وللعلماء في مقدار هذا الفصل اليسير أقوال :
أ -قال أبنو حنيفنة والمالكي ّة :يفصنل بينن الذان والقامنة فني المغرب قائما بمقدار ثلث
آياتٍ ،ول يفصل بالصّلة ،لنّ الفصل بالصّلة تأخير ،كما ل يفصل المقيم بالجلوس ،لنّه
تأخير للمغرب ،ولنّه لم يفصل بالصّلة فبغيرها أولى .
ب -وقال أبو يوسف ومحمّد :يفصل بجلس ٍة خفيفةٍ كالجلسة بين الخطبتين ،وهو الرّاجح عند
الشّافعيّة والحنابلة ،ووجه قولهم أنّ الفصل مسنون ول يمكن بالصّلة ،فيفصل بالجلسة
سنّة .
لقامة ال ّ
ج -وأجاز الحنابلة وبعض الشّافعيّة الفصل بركعتين بين الذان والقامة في المغرب ،أي
أنّهما ل يكرهان ول يستحبّان .
الجرة على القامة مع الذان :
- 25اتّفق الفقهاء على أنّه إذا وجد من يؤذّن ويقيم محتسبا -ممّن تتحقّق فيه شرائط المؤذّن
-فل يجوز استئجار أحدٍ للذان والقامة .وأمّا إذا لم يوجد المتطوّع أو وجد ولم تتحقّق فيه
الشّروط فهل يستأجر على الذان والقامة ؟
في المسألة ثلثة آراء :
الوّل :المنع لنّه طاعة ،ول يجوز استئجار أح ٍد على الطّاعة لنّه عامل لنفسه ،ولما
ن « آخر ما عهد به رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لعثمان بن العاص رضي ال عنه
روي أ ّ
أن يصلّي بالنّاس صلة أضعفهم ،وأن يتّخذ مؤذّنا ل يأخذ عليه أجرا » وهذا الرّأي لمتقدّمي
الحنفيّة ،وهو رأي للمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
الثّاني :الجواز لنّه كسائر العمال ،وهو قول لمتأخّري الحنفيّة ،ورأي للمالكيّة والشّافعيّة
ن بالمسلمين حاج ًة إليه ،وقد ل يوجد متطوّع .ولنّه إذا انقطع له
والحنابلة ،ووجه ذلك :أ ّ
قد ل يجد ما يقيت به عياله .
الثّالث ،وهنو رأي للشّافعيّة :يجوز للمام أن يسنتأجر دون آحاد النّاس لنّه هنو الّذي يتولّى
مصالح المسلمين .ويجوز له العطاء من بيت المال .
هذا ،وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه ل يجوز الستئجار على القامة فقط بدون الذان لنّه عمل
قليل .والتّفصيل في مصطلح ( أذان ،وإجارة ) .
القامة لغير الصّلة :
- 26يستحبّ الذان في أذن المولود اليمنى والقامة في اليسرى ،لما روي عن أبي رافعٍ
قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أذّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصّلة
» .وينظر مصطلح ( أذان ) فقرة ( 51ج 2ص . ) 372
اقتباس *
التّعريف :
- 1القتباس في اللّغة :هو طلب القبس ،وهو الشّعلة من النّار ،ويستعار لطلب العلم ،
قال الجوهريّ في الصّحاح :اقتبست منه علما :أي استفدته .
وفي الصطلح :تضمين المتكلّم كلمه -شعرا كان أو نثرا -شيئا من القرآن أو الحديث ،
على وج ٍه ل يكون فيه إشعار بأنّه من القرآن أو الحديث .
أنواعه :
- 2القتباس على نوعين :أحدهما :ما لم ينقل فيه المقتبس ( بفتح الباء ) عن معناه الصليّ
،ومنه قول الشّاعر :
إنّا إلى اللّه راجعونا قد كان ما خفت أن يكونا
ن الية { إنّا إليه راجعون } .
وهذا من القتباس الّذي فيه تغيير يسير ،ل ّ
والثّاني :ما نقل فيه المقتبس عن معناه الصليّ كقول ابن الرّوميّ :
ما أخطأت في منعي لئن أخطأت في مدحك
( بوا ٍد غير ذي زرعٍ ) لقد أنزلت حاجاتي
فقوله { بوادٍ غير ذي زرعٍ } اقتباس من القرآن الكريم ،فهي وردت في القرآن الكريم
بمعنى " مكّة المكرّمة " ،إذ ل ماء فيها ول نبات ،فنقله الشّاعر عن هذا المعنى الحقيقيّ إلى
معنًى مجازيّ هو " :ل نفع فيه ول خير " .
حكمه التّكليفيّ :
- 3يرى جمهور الفقهاء جواز القتباس في الجملة إذا كان لمقاصد ل تخرج عن المقاصد
الشّرعيّة تحسينا للكلم ،أمّا إن كان كلما فاسدا فل يجوز القتباس فيه من القرآن ،وذلك
ككلم المبتدعة وأهل المجون والفحش .
قال السّيوطيّ :لم يتعرّض له المتقدّمون ول أكثر المتأخّرين ،من الشّافعيّة مع شيوع
القتباس في أعصارهم واستعمال الشّعراء له قديما وحديثا ،وقد تعرّض له جماعة من
المتأخّرين ،فسئل عنه الشّيخ العزّ بن عبد السّلم فأجازه ،واستدلّ له بما ورد عنه صلى ال
عليه وسلم من قوله في الصّلة وغيرها « :وجّهت وجهي » ...إلخ .وقوله « :اللّهمّ فالق
الصباح وجاعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا اقض عنّي الدّين وأغنني من الفقر » .
ي منقلبٍ ينقلبون } .
وفي سياق الكلم لبي بكرٍ { ...وسيعلم الّذين ظلموا أ ّ
ث لبن عمر { ...لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة } .
وفي حدي ٍ
وقد اشت هر عند المالكيّة تحري مه وتشد يد النّك ير على فاعله ،ل كن من هم من فرّق ب ين الشّ عر
فكره القتباس فيه ،وبين النّثر فأجازه .وممّن استعمله في النّثر من المالكيّة القاضي عياض
وابن دقيق العيد وقد استعمله فقهاء الحنفيّة في كتبهم الفقهيّة .
- 4ونقل السّيوطيّ عن شرح بديعيّة ابن حجّة أن القتباس ثلثة أقسامٍ :
الوّل :مقبول ،وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود .
والثّاني :مباح ،وهو ما كان في الغزل والرّسائل والقصص .
والثّالث :مردود ،وهو على ضربين .
أحدهما :اقتباس ما نسبه اللّه إلى نفسه ،بأن ينسبه المقتبس إلى نفسه ،كما قيل عمّن وقع
ن إلينا إيابهم ،ثمّ إنّ علينا حسابهم } .
على شكوى بقوله { :إ ّ
ن .قال السّيوطيّ :وهذا التّقسيم حسن جدّا ،
والخر :تضمين آي ٍة في معنى هزلٍ أو مجو ٍ
وبه أقول .
اقتداء *
التّعريف :
- 1القتداء لغ ًة :مصدر اقتدى به ،إذا فعل مثل فعله تأسّيا ،ويقال :فلن قدوة :أي يقتدى
به ،ويتأسّى بأفعاله .
ويستعمله الفقهاء بالمعنى اللّغويّ ،وهو إذا كان في الصّلة يعرّفونه بأنّه :اتّباع المؤتمّ المام
ط خاصّ ٍة جاء بها الشّرع ،وبيّنها
في أفعال الصّلة .أو هو ربط صلة المؤتمّ بالمام بشرو ٍ
الفقهاء في كتاب الصّلة عند الكلم عن صلة الجماعة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الئتمام :
- 2الئتمام :بمعنى القتداء .يقول ابن عابدين :إذا ربط صلته بصلة إمامه حصل له
صفة القتداء والئتمام ،وحصل لمامه صفة المامة .
والقتداء في استعمال الفقهاء أع ّم من الئتمام ،لنّه يكون في الصّلة وغيرها .
ب -التّباع :
- 3من معاني التّباع في اللّغة :المشي خلف الغير ،ومنه اتّباع الجنائز ،والمطالبة بالحقّ
كما في الية { فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف } ويأتي بمعنى الئتمام ،يقال :
اتّبع القرآن :ائتمّ به وعمل بما فيه .
واستعمله الفقهاء بهذه المعاني ،كما استعملوه بمعنى الرّجوع إلى قو ٍل ثبتت عليه حجّة ،فهو
بهذا المعنى أخصّ من القتداء .
ج -التّأسّي :
- 4التّأسّي في اللّغة :من السوة بمعنى القدوة ،يقال :تأسّيت به وائتسيت :أي اقتديت .
فالتّأسّي بمعنى القتداء .ومن معاني التّأسّي :التّعزّي ،أي :التّصبّر .وأكثر ما يكون
القتداء في الصّلة ،أمّا التّأسّي فيستعمل في غير ذلك .
د -التّقليد :
- 5التّقليد عبارة عن :قبول قول الغير بل حجّ ٍة ول دليلٍ .
أقسام القتداء :
- 6القتداء على أقسامٍ ،منها :اقتداء المؤتمّ بالمام في أفعاله من القيام والرّكوع والسّجود
وغيرها .ومنها :القتداء في غير الصّلة ،فهو بمعنى التّأسّي ،كاقتداء المّة بالنّبيّ صلى
ال عليه وسلم في أقواله وأفعاله ،واتّباع سنّته ،وغير ذلك كما سيأتي .
القتداء في الصّلة
- 7القتداء في الصّلة هو :ربط صلة المؤتمّ بصلة المام كما سبق ،فل بدّ أن يكون
هناك إمام ومقتدٍ ،ولو واحدا .وأقلّ من تنعقد به الجماعة -في غير العيدين والجمعة -
اثنان ،وهو أن يكون مع المام واحد ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الثنان فما
فوقهما جماعة » ولفعله عليه الصلة والسلم حين « صلّى بابن عبّاسٍ وحده » .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم سمّى
وسواء كان ذلك الواحد رجلً أو امرأ ًة أو صبيّا يعقل ،ل ّ
الثنين مطلقا جماعةً .وأمّا المجنون والصّبيّ الّذي ل يعقل فل عبرة بهما ،لنّهما ليسا من
أهل الصّلة .هذا ،وهناك شروط ل بدّ من توفّرها في القتداء والمقتدى به ( المام ) ،
ص المقتدي أي ( المأموم ) نذكرها فيما يلي :
وحالت تخ ّ
شروط المقتدى به ( المام ) :
- 8يشترط في المام في الجملة :السلم والعقل اتّفاقا ،والبلوغ عند الجمهور ،وكذلك
الذّكورة إذا كان المقتدون ذكورا ،والسّلمة من العذار -كرعافٍ وسلس البول -إذا اقتدى
به أصحّاء ،والسّلمة من عاهات اللّسان -كفأفأةٍ وتمتم ٍة -إذا اقتدى به السّليم منهما ،وكذا
ط كطهار ٍة وستر عورةٍ .
السّلمة من فقد شر ٍ
على تفصيلٍ وخلفٍ في بعضها يذكر في مصطلح ( :إمامة ) .
شروط القتداء :
أ -ال ّنيّة :
- 9اتّفق الفقهاء على أنّ نيّة المؤتمّ القتداء بالمام شرط لصحّة القتداء ،إذ المتابعة عمل
ب التّلفّظ بها عند الحنفيّة
يفتقر إلى ال ّنيّة .والمعتبر في ال ّنيّة عمل القلب اللّازم للرادة ،ويستح ّ
ن التّلفّظ بها بدعة ،لنّه
والشّافعيّة ،وهو قول للحنابلة قياسا على الحجّ .وذكر جماعة إلى أ ّ
لم يرد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أحدٍ من الصّحابة والتّابعين .ويشترط في ال ّنيّة
أن تكون مقارنةً للتّحريمة ،أو متقدّم ًة عليها بشرط ألّ يفصل بينها وبين التّحريمة فاصل
أجنبيّ ،وعلى ذلك فل تصحّ نيّة القتداء في خلل الصّلة بعدما أحرم منفردا عند جمهور
الفقهاء ( :الحنفيّة ،والمالكيّة ،وهو رواية عند الحنابلة )
وقال الشّافعيّة ،وهو رواية عند الحنابلة :يجوز للّذي أحرم منفردا أن يجعل نفسه مأموما ،
بأن تحضر جماعة فينوي الدّخول معهم بقلبه في صلتهم ،سواء أكان في أوّل الصّلة أم قد
صلّى ركع ًة فأكثر .ول فرق في اشتراط ال ّنيّة للمأموم بين الجمعة وسائر الصّلوات عند
المالكيّة ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة .
وعند الحنفيّة ،وهو مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة :ل يشترط في الجمعة نيّة القتداء وكذلك
ن الجمعة ل تصحّ بدون الجماعة ،فكان التّصريح بنيّة الجمعة أو العيد مغنيا عن
العيدان ،ل ّ
التّصريح بنيّة الجماعة .ول يجب تعيين المام باسمه كزيدٍ ،أو صفته كالحاضر ،أو الشارة
إليه ،بل تكفي نيّة القتداء بالمام ،فإن عيّنه وأخطأ بطلت صلته ،لربط صلته بمن لم ينو
القتداء به .
هذا ،ول يشترط لصحّة القتداء أن يكون المام قد نوى المامة عند جمهور الفقهاء خلفا
للحنابلة .واشترط الحنفيّة نيّة الرّجل المامة لصحّة اقتداء النّساء به .
وتفصيله في مصطلح ( إمامة )
ب -عدم التّقدّم على المام :
- 10يشترط لصحّة القتداء ألّ يتقدّم المقتدي إمامه في الموقف عند جمهور الفقهاء :
( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) لحديث « :إنّما جعل المام ليؤتمّ به » والئتمام التّباع ،
والمتقدّم غير تابعٍ ،ولنّه إذا تقدّم المام يشتبه عليه حال المام ،ومحتاج إلى النّظر وراءه
ت ليتابعه ،فل يمكنه المتابعة .
ل وق ٍ
في ك ّ
وقال مالك :هذا ليس بشرطٍ ،ويجزئه التّقدّم إذا أمكنه متابعة المام ،لنّ القتداء يوجب
المتابعة في الصّلة ،والمكان ليس من الصّلة .لكنّه يندب أن يكون المام متقدّما على
المأموم ،ويكره التّقدّم على المام ومحاذاته إلّ لضرورةٍ .
والعتبار في التّقدّم وعدمه للقائم بالعقب ،وهو مؤخر القدم ل الكعب ،فلو تساويا في العقب
وتقدّمت أصابع المأموم لطول قدمه لم يضرّ .وكذلك إذا كان المأموم طويلً وسجد قدّام المام
،إذا لم تكنن عقبنه مقدّمةً على المام حالة القيام ،صنحّت الصنّلة ،أم ّا لو تقدّمنت عقبنه
وتأخّرت أصنابعه فيضرّ ،لنّه يسنتلزم تقدّم المنكنب ،والعنبرة فني التّقدّم باللينة للقاعدينن ،
وبالجنب للمضطجعين .
- 11فإذا كان المأموم امرأ ًة أو أكثر من واحدٍ يقف خلف المام ،وإذا كان واحدا ذكرا -
ولو صبيّا -يقف على يمين المام مساويا له عند الجمهور ،وذهب الشّافعيّة ومحمّد بن
الحسن إلى أنّه يستحبّ تأخّره عن المام قليلً .
وصرّح الحنفيّة بأنّ محاذاة المرأة للرّجال تفسد صلتهم .يقول الزّيلعيّ الحنفيّ :فإن حاذته
امرأة مشتهاة في صل ٍة مطلقةٍ -وهي الّتي لها ركوع وسجود -مشتركةٍ بينهما تحريمةً وأداءً
في مكان واح ٍد بل حائلٍ ،ونوى المام إمامتها وقت الشّروع بطلت صلته دون صلتها ،
ن من حيث أخّرهنّ اللّه » وهو المخاطب به دونها ،فيكون هو التّارك
لحديث « :أخّروه ّ
لفرض القيام ،فتفسد صلته دون صلتها .
وجمهور الفقهاء ( :المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) يقولون :إنّ محاذاة المرأة للرّجال ل تفسد
الصّلة ،ولكنّها تكره ،فلو وقفت في صفّ الرّجال لم تبطل صلة من يليها ول من خلفها ول
من أمامها ،ول صلتها ،كما لو وقفت في غير الصّلة ،والمر في الحديث بالتّأخير ل
يقتضي الفساد مع عدمه .
هذا ،وفي الصّلة حول الكعبة في المسجد الحرام يشترط لصحّة القتداء عند الجمهور عدم
تقدّم المأموم على المام في نفس الجهة ،حتّى إذا تقدّمه في غير جهتهما لم يضرّ اتّفاقا .
وتفصيل هذه المسألة وكيفيّة الصّلة داخل الكعبة يرجع فيه إلى مصطلحي ( :صلة
الجماعة ،واستقبال القبلة ) .
ل يكون المقتدي أقوى حالً من المام :
ت-أّ
- 12يشترط لصحّة القتداء عند جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) ألّ يكون
ض بمتنفّلٍ ،ول بالغٍ
المقتدي أقوى حالً من المام ،فل يجوز اقتداء قارئٍ بأ ّميّ ،ول مفتر ٍ
ح اقتداء سالمٍ
ض ،ول قادرٍ على ركوعٍ وسجو ٍد بعاجزٍ عنهما ،وكذلك ل يص ّ
بصبيّ في فر ٍ
بمعذو ٍر ،كمن به سلس بولٍ ،ول مستور عور ٍة بعارٍ عند الحنفيّة والحنابلة ،ويكره ذلك عند
المالكيّة .
وقد ذكر الحنفيّة في ذلك قاعدةً فقالوا :الصل أنّ حال المام إن كان مثل حال المقتدي أو
فوقه جازت صلة الكلّ ،وإن كان دون حال المقتدي صحّت صلة المام .ول تصحّ صلة
المقتدي .إلّ إذا كان المام أ ّميّا والمقتدي قارئا ،أو كان المام أخرس فل يصحّ صلة المام
أيضا .وقد توسّع الحنفيّة في تطبيق هذا الصل على كثيرٍ من المسائل ،ووافقهم المالكيّة
والحنابلة في هذه القاعدة مع خلفٍ وتفصيلٍ في بعض المسائل .وخالفهم الشّافعيّة في أكثر
المسائل كما سيأتي بيانه عند الكلم في ( :اختلف صفة المام والمقتدي ) .
ث -اتّحاد صلتي المقتدي والمام :
ن القتداء بناء
- 13يشترط في القتداء اتّحاد صلتي المام والمأموم سببا وفعلً ووصفا ،ل ّ
التّحريمة على التّحريمة ،فالمقتدي عقد تحريمته لمّا انعقدت له تحريمة المام ،فكلّ ما تنعقد
له تحريمة المام جاز البناء عليه من المقتدي ،وعلى ذلك فل تصحّ ظهر خلف عصرٍ أو
ح صلة ظهرٍ قضاءً خلف ظهرٍ أداءً ،ول ظهرين من يومين
غيره ول عكسه ،ول تص ّ
مختلفين ،كظهر يوم السّبت خلف ظهر الحد الماضيين ،إذ ل بدّ من التّحاد في عين
الصّلة وصفتها وزمنها ،وهذا عند جمهور الفقهاء ( :الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) وذلك
لقوله عليه السلم « :إنّما جعل المام ليؤتمّ به فل تختلفوا عليه » .
وقال الشّافعيّة :من شروط صحّة القدوة توافق نظم صلتيهما في الفعال الظّاهرة ،ول
يشترط اتّحاد الصّلتين .وعلى ذلك تصحّ قدوة من يؤدّي الصّلة بمن يقضيها ،والمفترض
بالمتنفّل ،ومؤدّي الظّهر بالعصر ،وبالمعكوس .أي القاضي بالمؤدّي ،والمتنفّل
بالمفترض ،وفي العصر بالظّهر ،نظرا لتّفاق الفعل في الصّلة وإن اختلفت ال ّنيّة .وكذا
يجوز الظّهر والعصر بالصّبح والمغرب ،وتجوز الصّبح خلف الظّهر في الظهر عند
الشّافعيّة ،وله حينئذٍ الخروج بنيّة المفارقة أو النتظار ليسلّم مع المام وهو الفضل .لكن
ف أو جناز ٍة ،لم يصحّ القتداء في
الولى فيها النفراد .فإن اختلف فعلهما كمكتوب ٍة وكسو ٍ
ذلك على الصّحيح ،لمخالفته النّظم ،وتعذّر المتابعة معها .
أمّا اقتداء المتنفّل خلف المفترض فجائز عند جميع الفقهاء .
ج -عدم الفصل بين المقتدي والمام :
-14يشترط لصحّة القتداء ألّ يكون بين المقتدي والمام فاصل كبير .
وهذا الشّرط محلّ اتّفاقٍ بين فقهاء المذاهب في الجملة ،وإن اختلفوا في بعض الفروع
والتّفاصيل على النّحو التّالي :
ُبعْد المسافة :
- 15فرّق جمهور الفقهاء بين المسجد وغير المسجد فيما يتعلّق بالمسافة بين المام
والمقتدي ،فقال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :إذا كان المأموم يرى المام أو من وراءه ،أو
يسمع التّكبير وهما في مسجدٍ واحدٍ صحّ القتداء ،وإن بعدت المسافة .أمّا في خارج المسجد
فإذا كانت المسافة قدر ما يسع صفّين فإنّها تمنع من صحّة القتداء عند الحنفيّة ،إلّ في صلة
العيدين ،وفي صلة الجنازة خلف عندهم .ول يمنع القتداء بعد المسافة في خارج المسجد
إذا لم يزد عن ثلثمائة ذراعٍ عند الشّافعيّة .واشترط الحنابلة في صحّة القتداء خارج المسجد
ح القتداء إن لم ير المأموم أحدهما ،وإن
رؤية المأموم للمام أو بعض من وراءه .فل يص ّ
سمع التّكبير ،ومهما كانت المسافة .
ولم يفرّق المالكيّة بين المسجد وغيره ول بين قرب المسافة وبعدها ،فقالوا بصحّة القتداء
إذا أمكن رؤية المام أو المأموم أو سماع المام ولو بمسمّعٍ .
وجود الحائل ،وله عدّة صورٍ :
- 16الولى :إن كان بين المقتدي والمام نهر كبير تجري فيه السّفن ( ولو زورقا عند
الحنفيّة ) ل يصحّ القتداء ،وهذا باتّفاق المذاهب ،وإن اختلفوا في تحديد النّهر الكبير
والصّغير .فقال الحنفيّة والحنابلة :النّهر الصّغير هو ما ل تجري فيه السّفن ،وقال المالكيّة
:هو ما ل يمنع من سماع المام ،أو بعض المأمومين ،أو رؤية فعل أحدهما .
وقال الشّافعيّة :هو النّهر الّذي يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الخر من غير سباحةٍ
بالوثوب فوقه ،أو المشي فيه ،وفي حكمه النّهر المحوج إلى سباح ٍة عند الشّافعيّة على
الصّحيح .
- 17الثّانية :يمنع من القتداء طريق نافذ يمكن أن تجري فيه عجلة ،وليس فيه صفوف
متّصلة عند الحنفيّة والحنابلة .قال الحنفيّة :لو كان على الطّريق مأموم واحد ل يثبت به
التّصال ،وبالثّلث يثبت ،وفي المثنّى خلف .ول يضرّ الطّريق إذا لم يمنع من سماع
المام أو بعض المأمومين أو رؤية فعل أحدهما عند المالكيّة ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ،
ولهذا صرّحوا بجواز صلة الجماعة لهل السواق وإن فرّقت الطّرق بينهم وبين إمامهم .
والرّواية الثّانية عند الشّافعيّة يضرّ ،لنّه قد تكثر فيه الزّحمة فيعسر الطّلع على أحوال
المام .هذا ،وأجاز أكثر الفقهاء الفصل بطريقٍ في صلة الجمعة والعيدين وصلة الخوف
ونحوها ،والتّفصيل في مواضعها .
- 18الثّالثة :صرّح الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عن الحنابلة ،بأنّه إذا كان بين المام
والمأموم جدار كبير أو باب مغلق يمنع المقتدي من الوصول إلى إمامه لو قصد الوصول إليه
ح إذا كان صغيرا ل يمنع ،أو كبيرا وله ثقب ل يشتبه عليه حال
ل يصحّ القتداء ،ويص ّ
المام سماعا أو رؤي ًة ،لما روي أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « كان يصلّي في حجرة
عائشة رضي ال عنها والنّاس في المسجد يصلّون بصلته » .
شبّاك أو يمنع الرّؤية ل المرور كالباب
قال الشّافعيّة :فإن حال ما يمنع المرور ل الرّؤية كال ّ
المردود فوجهان .
وعلى هذا القتداء في المساكن المتّصلة بالمسجد الحرام وأبوابها من خارجه صحيح ،إذا لم
يشتبه حال المام لسماعٍ أو رؤي ٍة ،ولم يتخلّل إلّ الجدار ،كما ذكره شمس الئمّة فيمن صلّى
على سطح بيته المتّصل بالمسجد أو في منزله بجنب المسجد وبينه وبين المسجد حائط مقتديا
بإمامٍ في المسجد وهو يسمع التّكبير من المام أو من المكبّر تجوز صلته .ويصحّ اقتداء
الواقف على السّطح بمن هو في البيت ،ول يخفى عليه حاله .
ولم يفرّق المالكيّة ،وهو رواية عند الحنابلة بين ما إذا كان الجدار كبيرا أو صغيرا ،فقالوا
بجواز القتداء إذا لم يمنع من سماع المام أو بعض المأمومين أو رؤية فعل أحدهما .
ح -اتّحاد المكان :
- 19يشترط لصحّة القتداء أن يجمع المقتدي والمام موقف واحد ،إذ من مقاصد القتداء
اجتماع جم ٍع في مكان ،كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ،ومبنى العبادات على
رعاية التّباع فيشترط ليظهر الشّعار .وللفقهاء في تطبيق هذا الشّرط تفصيل ،وفي بعض
الفروع خلف كالتي :
أ ّولً -البنية المختلفة :
- 20تقدّم ما يتعلّق بالبنية المنفصلة .
ثانيا -القتداء في السّفن المختلفة :
- 21يشترط في القتداء ألّ يكون المقتدي في سفين ٍة والمام في سفينةٍ أخرى غير مقترن ٍة بها
عند الحنفيّة ،وهو المختار عند الحنابلة ،لختلف المكان ،ولو اقترنتا صحّ اتّفاقا ،للتّحاد
الحكميّ .والمراد بالقتران :مماسّة السّفينتين ،وقيل ربطهما .
وتوسّع المالكيّة في جواز اقتداء ذوي سفنٍ متقاربةٍ ،ولم يشترطوا ربط السّفينتين ،ول
ن متقارب ٍة في المرسى بإمامٍ
المماسّة ،ولم يحدّدوا المسافة حيث قالوا :جاز اقتداء ذوي سف ٍ
واحدٍ في بعضها يسمعون أقواله أو أقوال من معه في سفينته من مأمومين ،أو يرون أفعاله
أو أفعال من معه في سفينته من مأمومين .وكذلك لو كانت السّفن سائر ًة على المشهور ،لنّ
الصل السّلمة من طروء ما يفرّقها من ريحٍ أو غيره .لكنّهم نصّوا على استحباب أن يكون
المام في السّفينة الّتي تلي القبلة .
ح اقتداء أحدهما بالخر وإن لم تكونا مكشوفتين ،ولم
وقال الشّافعيّة :لو كانا في سفينتين ص ّ
ل تزيد المسافة على ثلثمائة ذراعٍ ،وعدم الحائل ،والماء
تربط إحداهما بالخرى ،بشرط أ ّ
بينهما كالنّهر بين المكانين ،بمعنى أنّه يمكن اجتيازه سباح ًة ولم يشترطوا اللتصاق ول الرّبط
،خلفا للحنفيّة ،والمختار عند الحنابلة .
ثالثا :عل ّو موقف المقتدي على المام أو عكسه :
- 22يجوز أن يكون موقف المأموم عاليا -ولو بسطحٍ -عن المام عند الحنفيّة والحنابلة ،
ح اقتداء من بسطح المسجد بالمام الّذي يصلّي
وهو رأي المالكيّة في غير صلة الجمعة .فص ّ
بالمسجد ،لمكان المتابعة .
ويكره أن يكون موقف المام عاليا عن موقف المأموم .
ولم يفرّق الشّافعيّة بين ارتفاع موقف المام والمأموم ،فشرطوا في هذه الحال ،محاذاة
بعض بدن المأموم بعض بدن المام ،والعبرة في ذلك بالطّول العاديّ ،وقال النّوويّ يكره
ل لحاجةٍ
ارتفاع المأموم على إمامه حيث أمكن وقوفهما بمستوًى واحدٍ ،وعكسه كذلك ،إ ّ
تتعلّق بالصّلة ،كتبليغٍ يتوقّف عليه إسماع المأمومين وتعليمهم صفة الصّلة ،فيستحبّ
ارتفاعهما لذلك ،تقديما لمصلحة الصّلة .
وهذا الكلم في البناء ونحوه .أمّا الجبل الّذي يمكن صعوده كالصّفا أو المروة أو جبل أبي
قبيسٍ فالعبرة فيه بالمسافة الّتي سبق القول فيها وهي ثلثمائة ذراعٍ .فالقتداء فيه صحيح وإن
كان المأموم أعلى من المام .
خ -عدم توسّط النّساء بين المام والمأموم :
- 23يشترط لصحّة القتداء عند الجمهور عدم توسّط النّساء ،فإن وقفت المرأة في صفّ
الرّجل كره ،ولم تبطل صلتها ،ول صلة من يليها ،ول من خلفها .لنّها لو وقفت في
غير صل ٍة لم تبطل صلته ،فكذلك في الصّلة ،وقد ثبت أنّ « عائشة رضي ال عنها كانت
تعترض بين يدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نائمةً وهو يصلّي » .والنّهي للكراهة ،
ولهذا ل تفسد صلتها فصلة من يليها أولى .وهكذا إن كان هناك صفّ تامّ من النّساء ،فإنّه
ن من الرّجال .
ل يمنع اقتداء من خلفه ّ
وذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط لصحّة القتداء ألّ يكون بين المقتدي والمام صفّ من النّساء
بل حائلٍ قدر ذراعٍ ،وبهذا قال أبو بك ٍر من الحنابلة ،والمراد بالصّفّ عند الحنفيّة ما زاد
صفّ الثّلث ،وعلى هذا قالوا :
على الثّلث ،وفي رواي ٍة المراد بال ّ
- 1 -المرأة الواحدة تفسد صلة ثلثةٍ ،واحدٍ عن يمينها وآخر عن يسارها وآخر خلفها ،
ول تفسد أكثر من ذلك .
- 2 -والمرأتان تفسدان صلة أربع ٍة من الرّجال ،واحدٍ عن يمينهما ،وآخر عن
يسارهما ،وصلة اثنين خلفهما .
- 3 -وإن كنّ ثلثا أفسدن صلة واحدٍ عن يمينهنّ ،وآخر عن يسارهنّ وثلث ٍة ثلث ٍة إلى
صفّ ،تفسد صلة كلّ
آخر الصّفوف .وهذا جواب ظاهر الرّواية .وفي رواية الثّلث كال ّ
ن الثّلثة جمع كامل .
ن إلى آخر الصّفوف ،ل ّ
الصّفوف خلفه ّ
وفي روايةٍ عن أبي يوسف أنّ الثّنتين كالثّلث .وفي رواي ٍة أخرى جعل الثّلث كالثنتين .
د -العلم بانتقالت المام :
-يشترط في القتداء علم المأموم بانتقالت المام ،ب سماعٍ أو رؤيةٍ للمام أو لب عض 24
المقتد ين به ،لئلّ يشت به على المقتدي حال المام فل يتمكّن من متابع ته ،فلو ج هل المأموم
أفعال إمامنه الظّاهرة كالرّكوع والسنّجود ،أو اشتبهنت علينه لم تصنحّ صنلته ،لن ّن القتداء
متابعة ،ومع الجهل أو الشتباه ل تمكن المتابعة ،وهذا الشّرط متّفق عليه عند الفقهاء .زاد
الحنفيّة :وكذا عل مه بحال إما مه من إقامةٍ أو سفرٍ ق بل الفراغ أو بعده ،وهذا في ما لو صلّى
الرّباعية ركعتين في مصرٍ أو قريةٍ .
ن الحنابلة ل يجوّزون القتداء خارج المسجد بالسّماع وحده .بل يشترطون
هذا ،وقد تقدّم أ ّ
في إحدى الرّوايتين رؤية المأموم للمام أو بعض المقتدين به ،لقول عائشة لنساءٍ كنّ يصلّين
في حجرتها ":ل تصلّين بصلة المام فإنّكنّ دونه في حجابٍ "
ولنّه ل يمكنه المتابعة في الغالب .
وأمّا على الرّواية الخرى فالحنابلة يكتفون بالعلم بانتقالت المام بالسّماع أو بالرّؤية .
ذ -صحّة صلة المام :
- 25يشترط لصحّة القتداء صحّة صلة المام ،فلو تبيّن فسادها ل يصحّ القتداء ،قال
الحنفيّة :لو تبيّن فساد صلة المام ،فِسْقا منه ،أو نسيانا لمضيّ مدّة المسح ،أو لوجود
الحدث أو غير ذلك ،لم تصحّ صلة المقتدي لعدم صحّة البناء ،وكذلك لو كانت صحيح ًة في
زعم المام فاسد ًة في زعم المقتدي لبنائه على الفاسد في زعمه .
والمراد بالفسق هنا :الفسق الّذي يخلّ بركنٍ أو شرطٍ في الصّلة ،كأن يصلّي وهو
سكران ،أو هو محدث متعمّدا .أمّا الفسق في العقيدة ،أو بارتكاب المحرّمات ،فهي مسألة
خلفيّة ،وقد شدّد فيها المام أحمد ،وقال :إنّه إذا كان داعيا إلى بدعته ،وعلم بذلك المقتدي
،فعليه إعادة الصّلة ،حتّى لو علم بذلك بعد الصّلة ،وهذه الرّواية المعتمدة في المذهب .
أمّا إذا كان ل يدعو إلى بدعته ،وهو مستور الحال ،فالظّاهر أنّه ل إعادة على من اقتدى
به ،وفي روايةٍ :عليه العادة .
ن الصّلة خلف الفاسق مكروهة ،ول إعادة فيها .لحديث « :
وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ
ن ابن عمر كان يصلّي خلف الحجّاج .وأنّ الحسن
صلّوا خلف من قال ل إله إلّ اللّه » .ول ّ
والحسين كانا يصلّيان خلف مروان ووراء الوليد بن عقبة .ومثله ما ذهب إليه المالكيّة حيث
ح القتداء بإمامٍ تبيّن في الصّلة أو بعدها أنّه كافر ،أو امرأة ،أو مجنون ،أو
قالوا :ل يص ّ
فاسق ( على خلفٍ فيه ) أو ظهر أنّه محدث ،إن تعمّد الحدث أو علم المؤتمّ بحدثه في
الصّلة أو قبلها ،أو اقتدى به بعد العلم ولو ناسيا .
وكذا قال الشّافعيّة :ل يصحّ اقتداؤه بمن يعلم بطلن صلته ،كمن علم بكفره أو حدثه أو
ح القتداء بإمامٍ يعتقد المقتدي
نجاسة ثوبه ،لنّه ليس في صل ٍة فكيف يقتدي به ،وكذا ل يص ّ
بطلن صلته .وصرّح الحنابلة بأنّه ل يصحّ القتداء بكافرٍ ولو ببدع ٍة مكفّرةٍ ولو أسرّه
ن كفره أو حدثه ،ولو بان خلف ذلك فيعيد
وجهل المأموم كفره ثمّ تبيّن له .وكذلك من ظ ّ
المأموم ،لعتقاده بطلن صلته .لكن المالكيّة قالوا :لو علم المقتدي بحدث إمامه بعد
ن الحنابلة صرّحوا بأنّه لو صلّى خلف من يعلمه مسلما ،فقال بعد
الصّلة فل بطلن .كما أ ّ
الصّلة :هو كافر ،لم يؤثّر في صلة المأموم لنّها كانت محكوما بصحّتها .
وأمّا المام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم ،كما في البخاريّ وغيره ،أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم قال « :أئمّتكم يصلّون لكم ولهم ،فإن أصابوا فلكم ولهم ،وإن أخطئوا
فلكم وعليهم » .فجعل خطأ المام على نفسه دونهم ،وقد صلّى عمر وغيره من الصّحابة
رضي ال عنهم وهو جنب ناسيا للجنابة ،فأعاد ولم يأمر المأمومين بالعادة ،وهذا مذهب
جمهور العلماء ،كمالكٍ والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه .
وكذلك لو فعل المام ما يسوغ عنده ،وهو عند المأموم يبطل الصّلة ،مثل أن يفتصد
ح مع
ن صلته تص ّ
ويصلّي ول يتوضّأ ،أو يمسّ ذكره ،أو يترك البسملة ،وهو يعتقد أ ّ
ذلك ،والمأموم يعتقد أنّها ل تصحّ مع ذلك ،فجمهور العلماء على صحّة صلة المأموم ،كما
هو مذهب مالكٍ وأحمد في أظهر الرّوايتين ،بل في أنصّهما عنه .وهو أحد الوجهين في
ن الصّحابة -
مذهب الشّافعيّ ،اختاره القفّال وغيره .واستدلّ المام أحمد لهذا التّجاه بأ ّ
ن المسائل
ض على اختلفهم في الفروع .وأ ّ
رضوان ال عليهم -كان يصلّي بعضهم خلف بع ٍ
الخلفيّة ل تخلو إمّا أن يصيب المجتهد فيكون له أجران :أجر اجتهاده وأجر إصابته ،أو أن
يخطئ فله أجر واحد وهو أجر اجتهاده ،ول إثم عليه في الخطأ .
أحوال المقتدي :
- 26المقتدي إمّا مدرك ،أو مسبوق ،أو لحق ،فالمدرك :من صلّى الرّكعات كامل ًة مع
المام ،أي أدرك جميع ركعاتها معه ،سواء أأدرك معه التّحريمة أو أدركه في جزءٍ من
ركوع الرّكعة الولى إلى أن قعد معه القعدة الخيرة ،وسواء أسلّم معه أم قبله .والمدرك
يتابع إمامه في أفعاله وأقواله ،إلّ في حالتٍ خاصّةٍ تذكر في كيفيّة القتداء .
- 27والمسبوق :من سبقه المام بكلّ الرّكعات بأن اقتدى بالمام بعد ركوع الخيرة ،أو
ببعض الرّكعات .وقد اختلفوا في حكمه ،فقال أبو حنيفة والحنابلة :ما أدركه المسبوق فهو
ل وفعلً ،فإن أدركه فيما بعد الرّكعة الولى كالثّانية أو الثّالثة لم يستفتح ،ولم
آخر صلته قو ً
يستعذ ،وما يقضيه فهو أوّل صلته ،يستفتح فيه ،ويتعوّذ ،ويقرأ الفاتحة والسّورة
كالمنفرد ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ما أدركتم فصلّوا ،وما فاتكم
فاقضوا » والمقضيّ هو الفائت ،فيكون على صفته ،لكن لو أدرك من رباعيّ ٍة أو مغربٍ
ركع ًة ،تشهّد عقب قضاء ركع ٍة أخرى عند الحنابلة كما قال به سائر الفقهاء ،غير أبي حنيفة
،لئلّ يلزم تغيير هيئة الصّلة ،لنّه لو تشهّد عقب ركعتين لزم قطع الرّباعيّة على وترٍ ،
والثّلثيّة شفعا ،ومراعاة هيئة الصّلة ممكنة ،وقال أبو حنيفة :لو أدركه في ركعة الرّباعيّ
يقضي ركعتين بفاتحةٍ وسورةٍ ث ّم يتشهّد ،ثمّ يأتي بفاتحةٍ خاصّةٍ ،ليكون القضاء بالهيئة الّتي
فاتت .
وقال الشّافعيّة :ما أدركه المسبوق مع المام فهو أوّل صلته ،وما يفعله بعد سلم إمامه
آخرها ،لقوله عليه الصلة والسلم « :فما أدركتم فصلّوا ،وما فاتكم فأتمّوا » وإتمام الشّيء
ل بعد أوّله ،وعلى ذلك إذا صلّى مع المام الرّكعة الثّانية من الصّبح ،وقنت المام
ل يكون إ ّ
فيها يعيد في الباقي القنوت ،ولو أدرك ركعةً من المغرب مع المام تشهّد في الثّانية .وذهب
ن المسبوق يقضي
المالكيّة ،وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ،وهو المعتمد في المذهب ،أ ّ
أوّل صلته في حقّ القراءة ،وآخرها في حقّ التّشهّد ،فمدرك ركعةٍ من غير فجرٍ يأتي
بركعتين بفاتحةٍ وسورةٍ وتش ّهدٍ بينهما ،وبرابعة الرّباعيّ بفاتحةٍ فقط ،ول يعقد قبلهما ،فهو
ل برواية « :وما فاتكم فاقضوا » لكنّه بانٍ على صلته في حقّ الفعل
قاضٍ في حقّ القول عم ً
عملً برواية « :وما فاتكم فأتمّوا » وذلك تطبيقا لقاعدة الصوليّين ( :إذا أمكن الجمع بين
جمِع ) فحملنا رواية التمام على الفعال ،ورواية القضاء على القوال .
الدّليلين ُ
-والّ حق :هو من فات ته الرّكعات كلّ ها أو بعض ها ب عد اقتدائه بعذرٍ ،كغفلةٍ وزحمةٍ ، 28
به ،فالقتداء بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم في أمور الدّين وما يتعلّق بالشّريعة واجب أو مندوب
( بحسب حكم ذلك الفعل ) ،والقتداء بأفعاله صلى ال عليه وسلم الجبّليّة حكمه الباحة ،
والقتداء بالمجتهد فيما اجتهد فيه من المسائل الفقهيّة مطلوب لمن ليس له أهليّة الجتهاد عند
الصوليّين .
وتفصيل هذه المسائل في الملحق الصوليّ ،وانظر مصطلحي ( اتّباع ،وتأسّي ) .
اقتراض *
انظر :استدانة .
اقتصار *
التّعريف :
- 1القتصار على الشّيء لغ ًة :الكتفاء به ،وعدم مجاوزته ،وقد ورد استعمال القتصار
بهذا المعنى في بعض فروع الشّافعيّة ،كقولهم في كفاية الرّقيق :ول يكفي القتصار على
ستر العورة ،قال الغزاليّ :ببلدنا احترازا عن بلد السّودان .وفي الستنجاء قال المحّليّ :
وجمعهما ( الماء والحجر ) بأن يقدّم الحجر أفضل من القتصار على أحدهما .
والقتصار على الماء أفضل من القتصار على الحجر ،لنّه يزيل العين والثر بخلف
ي " اكتفاء " .ولتمام
الحجر .وقد جاء استعمال " القتصار " في المثالين السّابقين بمعناه اللّغو ّ
الفائدة يراجع مصطلح ( :استناد ) .
والقتصار عند الفقهاء هو أن يثبت الحكم عند حدوث العلّة ل قبل الحدوث ول بعده ،كما
في الطّلق المنجّز ،وعرّفه صاحب ال ّدرّ المختار بأنّه :ثبوت الحكم في الحال ،ومثّل له ابن
عابدين :بإنشاء البيع والطّلق والعتاق وغيرها ،والتّعريفان متقاربان .
ي للقتصار ،لنّ ثبوت الحكم
ن المعنى الصطلحيّ لم يخرج عن المعنى اللّغو ّ
ويتّضح أ ّ
في الحال يعني الكتفاء بالحال وعدم مجاوزته ،ل إلى الماضي ول إلى المستقبل .
- 2ويلحظ في تعريف " القتصار " المور التّالية :
أ -أنّه أحد الطّرق الّتي يثبت بها الحكم .
ب -ثبوت الحكم عن طريق القتصار يكون في الحال ،أي ل قبله ول بعده .
ج -أنّه إنشاء وليس بخبرٍ .
د -أنّه إنشاء منجز ل معلّق .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 3يتّضح معنى القتصار من ذكر بقيّة الطّرق الّتي يثبت بها الحكم وتعريفها ،وهي ألفاظ
ذات صل ٍة بالقتصار .قال الحصكفيّ :اعلم أنّ طرق ثبوت الحكام أربعة :النقلب ،
والقتصار ،والستناد ،والتّبيين .
النقلب :
- 4النقلب :صيرورة ما ليس بعلّةٍ علّ ًة ،كما إذا علّق الطّلق بالشّرط ،كأن يقول الرّجل
لمرأته :أنت طالق إن دخلت الدّار ،فإنّ " أنت طالق " علّة لثبوت حكمه ،وهو الطّلق ،
لكنّه بالتّعليق على الدّخول لم ينعقد علّ ًة إلّ عند وجود شرطه ،وهو الدّخول ،فعند وجود
الشّرط ينقلب ما ليس بعّلةٍ علّ ًة .ويتبيّن من تعريف النقلب أنّه يتّفق مع القتصار في أنّهما
ن القتصار منجّز ،والنقلب معلّق .
إنشاء ل خبر ،إلّ أنّهما يختلفان في أ ّ
الستناد :
ل المدّة ،
- 5الستناد :ثبوت الحكم في الحال ،ثمّ يستند إلى ما قبله بشرط بقاء المحلّ ك ّ
كلزوم الزّكاة حين الحول مستندا لوجود النّصاب ،وكالمضمونات تملك عند أداء الضّمان
مستندا إلى وقت وجود السّبب .
فالثر الرّجعيّ هنا واضح ،بخلف القتصار فليس فيه أثر رجعيّ .
الفرق بين الستناد والقتصار :
- 6الستناد أحد الطّرق الربعة الّتي تثبت بها الحكام ،وقد تبيّن من خلل تعريفه أنّ
الستناد له أثر رجعيّ بخلف القتصار .
جاء في المدخل الفقهيّ العامّ :
في الصطلح القانونيّ الشّائع اليوم في عصرنا يسمّى انسحاب الحكام على الماضي أثرا
رجعيّا ،ويستعمل هذا التّعبير في رجعيّة أحكام القوانين نفسها كما في آثار العقود على السّواء
ن بيع ملك الغير بدون إذنه
.فيقال :هذا القانون له أثر رجعيّ ،وذاك ليس له ،كما يقال :إ ّ
إذا أجازه المالك يكون لجازته أثر رجعيّ ،فيعتبر حكم العقد ساريا منذ انعقاده ل منذ إجازته
،وليس في لغة القانون اسم لعدم الثر الرّجعيّ .
أمّا الفقه السلميّ فيسمّي عدم رجعيّة الثار اقتصارا ،بمعنى أنّ الحكم يثبت مقتصرا على
الحال ل منسحبا على الماضي .ويسمّي رجعيّة الثار استنادا ،وهو اصطلح المذهب
الحنفيّ ،ويسمّيه المالكيّة " انعطافا " .ثمّ أضاف صاحب المدخل :وتار ًة يكون النحلل
مقتصرا ليس له انعطاف وأثر رجعيّ ،وإنّما يسري حكمه على المستقبل فقط من تاريخ
وقوعه ،وذلك في العقود الستمراريّة كالشّركة وكالجارة .
فالفسخ أو النفساخ يقطعان تأثير هذه العقود بالنّسبة إلى المستقبل ،أمّا ما مضى فيكون على
حكم العقد ،وكذا انحلل الوكالة بالعزل ل ينقض تصرّفات الوكيل السّابقة .
ثمّ يستحسن التّمييز في تسمية انحلل العقد بين حالتي الستناد والقتصار ،فيقترح تسمية
الحلّ والنحلل في حالة الستناد :فسخا وانفساخا ،وفي حالة القتصار :إنهاءً وانتهاءً .
ن الشّافعيّة فرّقوا
-7هذا ،ولم نر التّصريح بهذين المصطلحين في مذهب غير الحنفيّة ،إلّ أ ّ
بين حالتين في الفسخ .
قال المام السّيوطيّ في كتابه الشباه والنّظائر :الفسخ هل يرفع العقد من أصله ،أو من
حينه ؟ يمكن أن نفهم من قول السّيوطيّ هذا أنّهم فرّقوا بين ما يرفع العقد من أصله وبين ما
يرفع العقد من حينه ،فيصدق على الوّل الستناد عند الحنفيّة ،وعلى الثّاني القتصار عندهم
ي هنا بين ماله أثر رجعيّ ،وبين ما ليس له أثر رجعيّ .
أيضا .فقد فرّق السّيوط ّ
-8وقد مثّلوا لما يرفع العقد من حينه بما يلي :
أ -الفسخ بخيار العيب ،والتّصرية ونحوهما ،والصحّ أنّه من حينه .
ب -فسخ البيع بخيار المجلس أو الشّرط فيه وجهان ،أصحّهما في شرح المهذّب من حينه .
ج -الفسخ بالفلس من حينه قطعا .
هن -الرّجوع في الهبة من حينه قطعا .
و -وفسخ النّكاح بأحد العيوب ،والصحّ :أنّه من حينه .
ز -فسخ الحوالة :انقطاع من حينه .
-9ومثّل لما يرفع العقد من أصله أيضا بقولهم :إذا كان رأس مال السّلم في ال ّذمّة ،وعيّن
في المجلس ،ثمّ انفسخ السّلم بسببٍ يقتضيه ورأس المال باقٍ ،فهل يرجع إلى عينه أو بدله ؟
ن المسلم فيه إذا ردّ بالعيب هل
وجهان :الصحّ الوّل .قال الغزاليّ :والخلف يلتفت إلى أ ّ
يكون نقضا للملك في الحال ،أو هو مبيّن لعدم جريان الملك ؟ .
ن الصحّ هنا ،أنّه رفع للعقد من أصله ،ويجري ذلك أيضا في
ومقتضى هذا التّفريع :أ ّ
نجوم الكتابة ( أقساطها ) ،وبدل الخلع إذا وجد به عيبا فردّه .
لكن في الكتابة يرتدّ العتق لعدم القبض المعلّق عليه .
وفي الخلع :ل يرتدّ الطّلق بل يرجع إلى بدل البضع .هذا ما ذهب إليه المام السّيوطيّ في
الشباه والنّظائر ،في أنّ الفسخ يرفع العقد من أصله حينا ومن حينه حينا آخر .
ل أنّنا حينما نرجع إلى الرّوضة نجد المام النّوويّ يرجّح أنّ الفسخ يرفع العقد من حينه ،
إّ
وأنّ الرّفع من الصل ضعيف .
و قد تب عه في ذلك القليوب يّ في حاشي ته على شرح المنهاج للمحلّ يّ ،فيقول :إ نّ الف سخ ير فع
العقد من أصله ،وهو ضعيف .
ويقول المحّليّ :بناءً على الصحّ :إنّ الفسخ يرفع العقد من حينه .
التّبيين :
ن الحكم كان ثابتا من قبل ،مثل أن يقول في اليوم :إن
- 10التّبيين :أن يظهر في الحال أ ّ
كان زيد في الدّار فأنت طالق ،وتبيّن في الغد وجوده فيها ،يقع الطّلق في اليوم ،ويعتبر
ابتداء المدّة منه .ويخالف التّبيين القتصار في أنّ الحكم في التّبيين يظهر أنّه كان ثابتا من
ن الحكم في القتصار يثبت في الحال فقط .
قبل ،في حين أ ّ
هذا ،ولمّا كان القتصار إنشاءً للعقود ،أو الفسوخ المنجزة ،شملها جميعا ،لنّ التّنجيز هو
الصل فيها .
مثال العقود :البيع والسّلم والجارة والقراض وغير ذلك .
ومثال الفسوخ :الطّلق والعتاق وغير ذلك .أمّا إذا كانت الفسوخ غير منجزةٍ ،بأن كان لها
أثر رجعيّ ،وانسحب حكمها على الماضي ،فتدخل حينئذٍ في باب الستناد .
ومثاله ما لو قال :أنت طالق قبل موت فلنٍ بشهرٍ ،لم تطلق حتّى يموت فلن بعد اليمين
بشهرٍ ،فإن مات لتمام الشّهر طلقت مستندا إلى أوّل الشّهر ،فتعتبر العدّة أوّله .
اقتضاء *
التّعريف :
- 1القتضاء :مصدر اقتضى ،يقال :اقتضيت منه حقّي ،وتقاضيته :إذا طلبته وقبضته
وأخذته منه ،وأصله من قضاء الدّين .
والقتضاء في استعمال الفقهاء بمعناه اللّغويّ .ويستعمله الصوليّون بمعنى الدّللة .يقولون
:المر يقتضي الوجوب أي يدلّ عليه ،ويستعملونه أيضا بمعنى الطّلب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القضاء :
- 2القضاء :إعطاء الحقّ والفراغ منه ،ومنه أداء ما على النسان من حقوقٍ للّه تعالى ،
ل { :فإذا قضيتم مناسككم }
سواء كان أداؤها في الوقت المحدّد لها ،ومنه قول اللّه عزّ وج ّ
أي أدّيتموها وفرغتم منها ،أو كان أداؤها بعد خروج وقتها كقضاء الفائتة .
ن لفظ القضاء عامّ يجوز إطلقه على تسليم عين الواجب ( وهو
وبعض الصوليّين يقول :إ ّ
ن معنى القضاء :السقاط والتمام والحكام ،
الداء ) ،أو تسليم مثله ( وهو القضاء ) ،ل ّ
وهذه المعاني موجودة في تسليم عين الواجب ،كما هي موجودة في تسليم مثله ،فيجوز
ص بتسليم المثل عرفا
إطلق القضاء على الداء بطريق الحقيقة لعموم معناه ،إلّ أنّه لمّا اخت ّ
أو شرعا كان في غيره مجازا ،وكان إطلقه على الداء حقيقةً لغويّ ًة ،مجازا عرفيّا أو
شرعيّا .ويشمل أيضا أداء ما على النسان من حقوقٍ لغيره كقولهم :لو عرف الوصيّ دينا
على الميّت فقضاه ل يأثم . .
ب -الستيفاء :
- 3الستيفاء :طلب الوفاء ،يقال :استوفيت من فلنٍ ما لي عليه أي :أخذته حتّى لم يبق
عليه شيء ،واستوفيت المال :إذا أخذته كلّه .وهو بذلك نوع من أنواع القتضاء .دللة
القتضاء :
- 4دللة القتضاء هي تقدير محذوفٍ يتوقّف عليه صحّة الكلم أو صدقه .
ح إلّ بالزّيادة هو المقتضى ،والمزيد هو المقتضي ،وطلب الزّيادة هو
والكلم الّذي ل يص ّ
القتضاء ،والحكم الّذي ثبت به هو حكم المقتضي ،ومثاله ما يتوقّف عليه لصحّة قول القائل
:أعتق عبدك عنّي بألفٍ ،فنفس هذا الكلم هو المقتضي ،لعدم صحّته في نفسه شرعا ،لنّ
العتق فرع الملكيّة ،فكأنّه قال :بعني عبدك بكذا أو وكّلتك في إعتاقه ،وطلب الزّيادة الّتي
يصحّ بها الكلم هي القتضاء ،وهذه الزّيادة ( وهي البيع ) هي المقتضى ،وما ثبت بالبيع
( وهو الملك ) هو حكم المقتضي ،ومثاله ما يتوقّف عليه صدق المتكلّم ،كقول النّبيّ صلى
ن رفع الخطأ وغيره
ال عليه وسلم « رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » فإ ّ
مع تحقّقه ممتنع فل بدّ من إضمار نفي حكمٍ يمكن نفيه ،كنفي المؤاخذة والعقاب .
ومنه ما أضمر لصحّة الكلم عقلً ،كقوله تعالى { :واسأل القرية } ،فإنّه ل ب ّد من إضمار
( أهل ) لصحّة الملفوظ به عقلً .
القتضاء بمعنى الطّلب :
- 5الحكم التّكليفيّ هو :خطاب اللّه تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالقتضاء أو التّخيير .
والقتضاء -وهو الطّلب -إمّا أن يكون طلب الفعل أو طلب تركه .وطلب الفعل ،إن كان
على سبيل الجزم فهو اليجاب ،وإن كان غير جاز ٍم فهو النّدب .وأمّا طلب التّرك ،فإن كان
جازما فهو التّحريم ،وإن كان غير جازمٍ فهو الكراهة .
أمّا التّخيير فهو قسيم القتضاء ،إذ هو ما كان فعله وتركه على السّواء .
اقتضاء الحقّ :
- 6الشّائع في استعمال الفقهاء هو التّعبير بلفظ ( الستيفاء ) مقصودا به أخذ الحقّ ،سواء
أكان حقّا ماليّا كاستيفاء الجير أجرته ،أم كان حقّا غير ماليّ كاستيفاء المنافع والقصاص
وغير ذلك .
ويأتي القتضاء بمعنى طلب قضاء الحقّ ،ومنه الحديث « :رحم اللّه رجلً سمحا إذا باع ،
وإذا اشترى ،وإذا اقتضى » قال ابن حجرٍ في شرحه :أي طلب قضاء حقّه بسهولةٍ وعدم
إلحافٍ ( .ر :اتّباع .استيفاء ) .
اقتناء *
التّعريف :
- 1القتناء :مصدر اقتنى الشّيء يقتنيه ،إذا اتّخذه لنفسه ،ل للبيع أو للتّجارة .يقال :هذه
الفرس قنية ،وقنية ( بكسر القاف وضمّها ) إذا اتّخذها للنّسل أو للرّكوب ونحوهما ،ل
للتّجارة .وقنوت البقرة ،وقنيتها :أي اتّخذتها للحلب أو الحرث .ومال قنيانٍ :إذا اتّخذته
لنفسك .والمعنى الصطلحيّ لهذا اللّفظ ل يفترق عن المعنى اللّغويّ .
حكم القتناء :
- 2القتناء للشياء قد يكون مباحا ،بل قد يكون مندوبا ،مثل اقتناء المصاحف وكتب
الحديث والعلم .وقد يكون مباحا في حالٍ دون حالٍ ،مثل اقتناء الذّهب والفضّة ،واقتناء
الكلب المعلّم وغير ذلك من المباحات بشروطها ،ينظر تفصيلها في مصطلح ( إباحة ) .
وقد يكون حراما مثل الخنزير والخمر وآلت اللّهو المحرّم .
ل ما
- 3وقد تعرّض الفقهاء لزكاة المقتنيات وقالوا :ل يزكّى المقتنى من النّعم في الجملة إ ّ
س من
ب أو نسلٍ ،إذا بلغت نصابا ،لقوله عليه الصلة والسلم « في خم ٍ
ل أو ركو ٍ
أسيم لحم ٍ
البل السّائمة صدقة »
كما يزكّى المقتنى من الذّهب والفضّة مضروبها وتبرها وحليّها وآنيّتها ،نوى التّجارة أو لم
ينو ،إذا بلغ ذلك نصابا .وهذا عند الحنفيّة ،ووافقهم على ذلك المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة
ل في حليّ النّساء ( .ر :زكاة ) .
في الجملة ،إ ّ
اقتيات *
التّعريف :
- 1القتيات لغ ًة :مصدر اقتات ،واقتات :أكل القوت ،والقوت :ما يؤكل ليمسك الرّمق ،
كالقمح والرز .
والشياء المقتاتة :هي الّتي تصلح أن تكون قوتا تغذّى به الجسام على الدّوام ،بخلف ما
يكون قواما للجسام ل على الدّوام .
ي ،إذ عرّفه الدّسوقيّ بأنّه :ما تقوم البنية
ويستعمل القتيات عند الفقهاء بالمعنى اللّغو ّ
باستعماله بحيث ل تفسد عند القتصار عليه .
والغذية أعمّ من القوت ،فإنّها قد يتناولها النسان تقوّتا أو تأدّما أو تفكّها أو تداويا .
الحكم الجماليّ :ومواطن البحث :
- 2يتكلّم الفقهاء عن القتيات في الزّكاة ،وفي بيع الرّبويّات ،وفي الحتكار .
ففي الزّكاة ل يخالف أحد من الفقهاء في وجوب الزّكاة في الزّروع والثّمار إن كانت ممّا
يقتات اختيارا ويدّخر ،أمّا غير القوت ففي بعض أنواعه زكاة عند بعض الفقهاء ،ول زكاة
فيه عند البعض الخر .
- 3وفي بيع الرّبويّات ل يعتبر القتيات عّلةً في الرّبا عند جمهور الفقهاء .
وعند المالكيّة :علّة الرّبا القتيات والدّخار ،إذ حرّموا الرّبا في كلّ ما كان قوتا مدّخرا ،
ونفوه عمّا ليس بقوتٍ كالفواكه ،وعمّا هو قوت ل يدّخر كاللّحم ،وفي معنى القتيات عندهم
:ما يصلح القوت كالملح والتّوابل .
وفي الحتكار يتّفق الفقهاء على منع احتكار القوات على اختلفٍ بينهم في ذلك المنع ،
ل النّاس قال أكثر الفقهاء :الحتكار ل
فأغلبهم على تحريمه .ونظرا له ّميّة القوات لك ّ
ل في القوات .وقد سبق تفصيل ذلك في بحث ( احتكار ) ..
يجري إ ّ
أقراء *
انظر :قرء .
إقراء *
التّعريف :
- 1القراء لغ ًة :الحمل على القراءة ،يقال :أقرأ غيره يقرئه إقراءً .وأقرأه القرآن فهو
مقرئ ،وإذا قرأ الرّجل القرآن أو الحديث على الشّيخ يقول :أقرأني فلن ،أي حملني على
أن أقرأ عليه .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ ( .الحمل على القراءة )
سواء أكان ذلك بقصد الستماع والذّكر ،أم كان بقصد التّعليم والحفظ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القراءة والتّلوة :
- 2القراءة والتّلوة بمعنًى واحدٍ ،تقول :فلن يتلو كتاب اللّه :أي يقرؤه ويتكلّم به ،قال
اللّيث :تل يتلو تلو ًة يعني :قرأ ،والغالب في التّلوة أنّها تكون للقرآن ،وجعله بعضهم أعمّ
من تلوة القرآن وغيره .
ب -المدارسة :
- 3المدارسة هي :أن يقرأ الشّخص على غيره ،ويقرأ غيره عليه .
ج -الدارة :
- 4الدارة هي :أن يقرأ بعض الجماعة قطعةً ،ثمّ يقرأ غيرهم ما بعدها ،وهكذا .
الحكم الجماليّ :
- 5القراء بقصد الذّكر واستماع القرآن -وخاصّ ًة ممّن كان صوته حسنا -أمر مستحبّ .
فعن ابن مسعودٍ رضي ال تعالى عنه قال « :قال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :اقرأ
عليّ القرآن ،فقلت :يا رسول اللّه أقرأ عليك ،وعليك أنزل ؟ قال :إنّي أحبّ أن أسمعه من
غيري ،قال :فقرأت عليه سورة النّساء حتّى جئت إلى هذه الية { :فكيف إذا جئنا من كلّ
أمّ ٍة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلء شهيدا } قال :حسبك الن ،فالتفت إليه فإذا عيّناه تذرفان »
.وفي ذلك تفصيل ( :ر :استماع -قرآن ) .
-6والقراء بقصد التّعليم والحفظ ،ومنه قوله تعالى { :سنقرئك فل تنسى } .فهو يعتبر في
الجملة من فروض الكفاية .جاء في منح الجليل :من فروض الكفاية القيام بعلوم الشّرع ممّن
هو أهل له ،غير ما يجب عينا ،وهو ما يحتاجه الشّخص في نفسه ،ث ّم قال :والمراد
بالقيام بها حفظها وإقراؤها وقراءتها وتحقيقها .
ويتعلّق بذلك أحكام مختلفة كأخذ الجرة على ذلك .وينظر تفصيل ذلك في ( -تعليم -
إجارة -اعتكاف ) .
إقرار *
التّعريف :
- 1من معاني القرار في اللّغة :العتراف .يقال :أقرّ بالحقّ إذا اعترف به .وأقرّ الشّيء
أو الشّخص في المكان :أثبته وجعله يستقرّ فيه .
وفي اصطلح الفقهاء ،القرار :هو الخبار عن ثبوت حقّ للغير على المخبر ،وهذا
تعريف الجمهور .وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه إنشاء ،وذهب آخرون منهم إلى أنّه إخبار
من وجهٍ ،وإنشاء من وجهٍ .
والقرار عند المحدّثين والصوليّين هو :عدم النكار من النّبيّ صلى ال عليه وسلم على
قولٍ أو فعلٍ صدر أمامه .وتنظر أحكامه في مصطلح ( تقرير ) ،والملحق الصوليّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العتراف :
- 2العتراف لغ ًة :مرادف للقرار .يقال :اعترف بالشّيء :إذا أقرّ به على نفسه .وهو
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « رجم
سنّة أ ّ
كذلك عند الفقهاء .يقول قاضي زاده :روي في ال ّ
ماعزا بإقراره بالزّنى ،والغامديّة باعترافها » « ،وقال في قصّة العسيف :واغد يا أنيس إلى
امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها » .فأثبت الح ّد بالعتراف .فالعتراف إقرار ،وقال
القليوبيّ :إنّه تفسير بالمرادف .
ب -النكار :
- 3النكار :ض ّد القرار .يقال في اللّغة :أنكرت حقّه :إذا جحدته .
ي ( ر :مصطلح :إنكار ) .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغو ّ
والمنكر في الصطلح :من يتمسّك ببقاء الصل .
ج -الدّعوى :
- 4الدّعوى في الصطلح :مباينة للقرار ،فهي قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب
حقّ قبل الغير ،أو دفع الخصم عن حقّ نفسه .
د -الشّهادة :
ق للغير على الغير .
- 5الشّهادة هي :الخبار في مجلس الحكم بلفظ الشّهادة لثبات ح ّ
ن الخبار إن كان عن
فيجمع كلّا من القرار والدّعوى والشّهادة أنّها إخبارات ،والفرق بينها أ ّ
حقّ سابقٍ على المخبر ويقتصر حكمه عليه فإقرار ،وإن لم يقتصر :فإمّا ألّ يكون للمخبر
فيه نفع ،وإنّما هو إخبار عن حقّ لغيره على غيره فهو الشّهادة ،وإمّا أن يكون للمخبر نفع
فيه ،لنّه إخبار بحقّ له ،فهو الدّعوى .
ح بالمبهم ويلزم تعيينه .
كما تفترق من ناحية أنّ القرار يص ّ
ح وقوع العقد عليه مبهما كالوصيّة فإنّها تصحّ .وأمّا
أمّا الدّعوى بالمبهم فإن كانت بما يص ّ
ح ،ول تسمع .
الدّعوى على المدّعى عليه المبهم فل تص ّ
ح مبهما صحّت الشّهادة به كالعتق والطّلق ،
وأمّا الشّهادة بالمبهم فإن كان المشهود به يص ّ
ل لم تصحّ ،ل سيّما الشّهادة الّتي ل تصحّ بدون دعوى .
وإ ّ
الحكم التّكليفيّ :
ل تضيع
- 6الصل في القرار بحقوق العباد الوجوب ،ومن ذلك :القرار بالنّسب الثّابت لئ ّ
النساب ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال حين
نزلت آية الملعنة « :أيّما رجلٍ جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب اللّه عنه وفضحه اللّه على
رءوس الوّلين والخرين » ،وكذلك القرار بالحقّ الّذي عليه للغير إذا كان متعيّنا لثباته ،
ل به فهو واجب .
ن ما ل يتمّ الواجب إ ّ
لّ
دليل مشروعيّة القرار :
سنّة والجماع والمعقول .
جيّة القرار بالكتاب وال ّ
- 7ثبتت ح ّ
أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وليملل الّذي عليه الحقّ } أمره بالملل ،فلو لم يقبل إقراره لمّا
كان لملله معنًى .
وقوله تعالى { :بل النسان على نفسه بصيرة } أي شاهد كما قاله ابن عبّاسٍ .
سنّة :فما روي أنّه عليه الصلة والسلم « رجم ماعزا والغامديّة بإقرارهما » ،فإذا
وأمّا ال ّ
وجب الحدّ بإقراره على نفسه فالمال أولى أن يجب .
ن القرار حجّة قاصرة على المقرّ ،حتّى أوجبوا
وأمّا الجماع :فلنّ المّة أجمعت على أ ّ
عليه الحدود والقصاص بإقراره ،والمال أولى .
وأمّا المعقول :فلنّ العاقل ل يقرّ على نفسه كاذبا بما فيه ضرر على نفسه أو ماله ،
فترجّحت جهة الصّدق ،في حقّ نفسه ،لعدم التّهمة ،وكمال الولية .
أثر القرار :
- 8أثر القرار ظهور ما أقرّ به ،أي ثبوت الحقّ في الماضي ،ل إنشاء الحقّ ابتداءً ،فلو
ن المقرّ كاذب في إقراره ،ل يحلّ له أخذ المال عن كر ٍه منه
أقرّ لغيره بمالٍ والمق ّر له يعلم أ ّ
س منه فيكون تمليكا مبتدًأ على سبيل
فيما بينه وبين اللّه تعالى ،إلّ أن يسلّمه إيّاه بطيب نف ٍ
الهبة .وقال صاحب النّهاية ومن يحذو حذوه :حكمه لزوم ما أقرّ به على المقرّ .
جيّة القرار :
حّ
- 9القرار خبر ،فكان محتملً للصّدق والكذب باعتبار ظاهره ،ولكنّه جعل حجّةً لظهور
رجحان جانب الصّدق فيه ،إذ المقرّ غير متّه ٍم فيما يقرّ به على نفسه .
قال ابن القيّم :الحكم بالقرار يلزم قبوله بل خلفٍ .
ن القرار حجّة بنفسه ،ول يحتاج لثبوت الحقّ به إلى القضاء ،فهو أقوى ما يحكم
والصل أ ّ
به ،وهو مقدّم على البيّنة .ولهذا يبدأ الحاكم بالسّؤال عنه قبل السّؤال عن الشّهادة .قال
طيّب :ولهذا لو شهد شاهدان للمدّعي ثمّ أقرّ المدّعى عليه حكم بالقرار وبطلت
القاضي أبو ال ّ
الشّهادة .ولذا قيل :إنّه سيّد الحجج .
جيّته قاصرة على المقرّ وحده لقصور ولية المقرّ عن غيره فيقتصر عليه .فل
نحّ
على أ ّ
يصحّ إلزام أحدٍ بعقوبةٍ نتيجة إقرار آخر بأنّه شاركه في جريمته .وهذا ما جرى عليه القضاء
ل جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه
ن « رج ً
في عهد الرّسول صلى ال عليه وسلم .فقد روي أ ّ
وسلم فقال :إنّه قد زنى بامرأ ٍة -سمّاها -فأرسل النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى المرأة
فدعاها فسألها عمّا قال ،فأنكرت فحدّه وتركها » .
غير أ نّ هناك بعض حالتٍ ل ب ّد فيها للحكم بمقتضى القرار من إقامة البيّنة أيضا .وهذا إذا
ما طلب تعدّي الحكم إلى الغير .فلو ادّعى شخص على مدين الميّت أنّه وصيّه في التّركة ،
وصدّقه المدين في دعوى الوصاية والدّين ،فإ نّ الوصاية ل تثبت بهذا القرار بالنّسبة لمدي نٍ
آخر ينكر الوصاية وإنّما يحتاج إلى بيّنةٍ .
وفي الدّرّ المختار :أحد الورثة أقرّ بالدّين المدّعى به على مورثه ،وجحده الباقون ،يلزمه
الدّين كلّه إن وفّت حصّته من الميراث به ،وقيل :ل يلزمه إلّ حصّته من الدّين رفعا للضّرر
ل التّركة .وهو قول الشّعبيّ والبصريّ والثّوريّ ومالكٍ وابن
عنه ،لنّه إنّما أقرّ بما يتعلّق بك ّ
أبي ليلى ،واختاره ابن عابدين ،ولو شهد هذا المقرّ مع آخر أنّ الدّين كان على الميّت قبلت
شهادته ،ول يؤخذ منه إلّ ما يخصّه .
وبهذا علم أنّه ل يحلّ الدّين في نصيبه بمجرّد إقراره ،بل بقضاء القاضي عليه بإقراره .
يقول ابن عابدين :ولو أقرّ من عنده العين أنّه وكيل بقبضها ل يكفي إقراره ،ويكلّف الوكيل
إقامة البيّنة على إثبات الوكالة حتّى يكون له قبض ذلك .ثمّ القرار حجّة في النّسب ،ويثبت
به النّسب إلّ إذا كذّبه الواقع ،كأن يق ّر بنسب من ل يولد مثله لمثله .
سبب القرار :
- 10سبب القرار كما يقول الكمال بن الهمام :إرادة إسقاط الواجب عن ذمّته بإخباره
ل يبقى في تبعة الواجب .
وإعلمه ،لئ ّ
ركن القرار :
- 11أركان القرار عند غير الحنفيّة أربعة :مقرّ ،ومقرّ له ،ومقرّ به ،وصيغة ،وذلك
ن الرّكن عندهم هو ما ل يتمّ الشّيء إلّ به ،سواء أكان جزءا منه أم لزما له .وزاد
لّ
ل نظرٍ ،
بعضهم كما يقول الرّمليّ :المقرّ عنده من حاكمٍ أو شاهدٍ ،وقال :وهذه الزّيادة مح ّ
إذ لو توقّف تحقّق القرار على ذلك لزم أنّه لو أقرّ خاليا بحيث ل يسمعه شاهد ،ولم يكن أمام
قاضٍ ،ثمّ بعد مدّ ٍة تبيّن أنّه أقرّ على هذا الوجه في يوم كذا ،لم يعت ّد بهذا القرار ،لعدم
وجود هذا الرّكن الزّائد ،وهو ممنوع ،ولذا فإنّه ل يشترط .
ن الرّكن
وأمّا ركن القرار عند الحنفيّة فهو الصّيغة فقط ،صراحةً كانت أو دللةً ،وذلك ل ّ
عندهم :ما يتوقّف عليه وجود الشّيء ،وهو جزء من ماهيّته .
المقرّ وما يشترط فيه :
المقرّ من صدر منه الخبار عن ثبوت حقّ للغير على نفسه وتشترط فيه أمور :
الشّرط الوّل :المعلوميّة :
- 12أوّل ما يشترط لعتبار القرار والخذ به أن يكون المقرّ معلوما حتّى لو قال رجلن :
ح ،لنّه إذا لم يكن معلوما ل يتمكّن المقرّ له من
ن على واحدٍ منّا ألف درهمٍ ل يص ّ
لفل ٍ
المطالبة ،وكذلك إذا قال أحدهما :غصب واحد منّا ،أو زنى ،أو سرق ،أو شرب ،أو
ن من عليه الحقّ غير معلومٍ ويجبران على البيان .
قذف ،ل ّ
الشّرط الثّاني :العقل :
ح إقرار الصّبيّ غير المميّز والمجنون
- 13ويشترط في المقرّ أن يكون عاقلً .فل يص ّ
والمعتوه والنّائم والسّكران على تفصيلٍ يأتي بيانه .
إقرار المعتوه :
ي المميّز ،فل يلتزم
ح إقرار المعتوه ولو بعد البلوغ ،لنّ حكمه حكم الصّب ّ
- 14ل يص ّ
ح إقراره بالمال ،لكونه من ضرورات التّجارة :
ل إذا كان مأذونا له فيص ّ
بشي ٍء فيه ضرر إ ّ
كالدّيون ،والودائع ،والعواريّ ،والمضاربات ،والغصوب ،فيصحّ إقراره .للتحاقه في
حقّها بالبالغ العامل .بخلف ما ليس من باب التّجارة :كالمهر ،والجناية ،والكفالة ،حيث
ل يصحّ إقراره بها لنّها ل تدخل تحت الذن .
إقرار النّائم والمغمى عليه :
- 15النّائم والمغمى عليه إقرارهما كإقرار المجنون ،لنّهما حال النّوم والغماء ليسا من
أهل المعرفة والتّمييز ،وهما شرطان لصحّة القرار .
إقرار السّكران :
- 16السّكران من فقد عقله بشرب ما يسكر ،وإقرار السّكران جائز بالحقوق كلّها إلّ الحدود
الخالصة ،وال ّردّة بمنزلة سائر التّصرّفات .وهذا عند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة وأبي ثورٍ
إذا كان سكره بطريقٍ محظورٍ ،لنّه ل ينافي الخطاب ،إلّ إذا أقرّ بما يقبل الرّجوع كالحدود
ن السّكران يكاد ل يثبت على شيءٍ فأقيم السّكر مقامه فيما يحتمل
الخالصة حقّا للّه تعالى ،ل ّ
الرّجوع فل يلزمه شيء .
وإن سكر بطريقٍ غير محرّمٍ ،كمن شرب المسكر مكرها ل يلزمه شيء ،وكذا من شرب
ما ل يعلم أنّه مسكر فسكر بذلك .
وقال المالكيّة :إنّ السّكران ل يؤاخذ بإقراره ،لنّه وإن كان مكلّفا إلّ أنّه محجور عليه في
المال ،وكما ل يلزمه إقراره .ل تلزمه العقود ،بخلف جناياته فإنّها تلزمه .
وقال جمهور الشّافعيّة :إقرار السّكران صحيح ،ويؤاخذ به في كلّ ما أقرّ به ،سواء وقع
ق العبد ،لنّ المتعدّي بسكره يجب أن يتحمّل
العتداء فيها على حقّ اللّه سبحانه أو على ح ّ
نتيجة عمله ،تغليظا عليه وجزاءً لما أقدم عليه وهو يعلم أنّه سيذهب عقله .
- 17أمّا من تغيّب عقله بسببٍ يعذر فيه فل يلزم بإقراره ،سواء أقرّ بما يجب فيه الحدّ حقّا
للّه خالصا أو ما فيه حقّ العبد أيضا .
ح إقرار السّكران في رواي ٍة عند الحنابلة ،قال ابن منجّا :إنّها المذهب
وكذا فإنّه ل يص ّ
ن في أقوال السّكران
وجزم به في الوجيز وغيره .وجاء في أوّل كتاب الطّلق عند الحنابلة أ ّ
وأفعاله خمس رواياتٍ أو ستّة ،وأنّ الصّحيح في المذهب :أنّه مؤاخذ بعبارته .
إقرار السّفيه :
ح إقراره بالمال ،لنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة
- 18السّفيه بعد الحجر عليه ل يص ّ
من حيث الظّاهر ،وإنّما قبل القرار من المأذون للضّرورة .
وإذا بلغ الصّبيّ سفيها أو ذا غفلةٍ وحجر عليه بسبب ذلك أو اعتبر محجورا عليه فإنّه في
ن المهر الّذي قرّره لها
تصرّفاته الماليّة الضّارّة يأخذ حكم الصّبيّ المميّز ،فإذا تزوّج وأقرّ بأ ّ
أكثر من مهر المثل فالزّيادة باطلة ،وهكذا فإنّ القاضي يردّ كلّ تصرّفاته الماليّة الضّارّة .
ن السّفيه
ن الحجر عليه ل بدّ من الحكم به ول يكون تلقائيّا بسبب السّفه فإ ّ
وعلى القول بأ ّ
ح إقراره .
المهمل -أي الّذي لم يحجر عليه -يص ّ
ن أسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ،
ح إقراره بنكاحٍ ،ول بدي ٍ
ونصّ الشّافعيّة على أنّه ل يص ّ
أو إلى ما بعده ،ول يقبل إقراره بعينٍ في يده في حال الحجر ،وكذا بإتلف مال الغير ،أو
جناية توجب المال في الظهر .وفي قولٍ عندهم يقبل ،لنّه إذا باشر التلف يضمن ،فإذا
ح إقراره بالحدّ والقصاص لعدم تعلّقهما بالمال ،وسائر العقوبات
أقرّ به قبل إقراره ،ويص ّ
مثلهما لبعد التّهمة ،ولو كان الحدّ سرقةً قطع ،ول يلزمه المال .
ن السّفيه إن أقرّ بحدّ أو قو ٍد أو نسبٍ أو طلقٍ لزم -
وذكر الدميّ البغداديّ من الحنابلة :أ ّ
ل أخذ به بعد رفع الحجر عنه .والصّحيح من مذهب
ويتبع به في الحال -وإن أقرّ بما ٍ
ك الحجر
الحنابلة :صحّة إقرار السّفيه بالمال سواء لزمه باختياره أو ل ،ويتبع به بعد ف ّ
عنه ،وقيل :ل يصحّ مطلقا ،وهو احتمال ذكره ابن قدامة في المقنع في باب الحجر ،
واختاره هو والشّارح .
الشّرط الثّالث :البلوغ :
ح إقرار الصّبيّ العاقل المأذون له بالدّين
- 19أمّا البلوغ فإنّه ليس بشرطٍ لصحّة القرار فيص ّ
ن ذلك من ضرورات التّجارة ،ويصحّ إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما
والعين ،ل ّ
ص الحنابلة على أنّه المذهب وعليه جمهور الصحاب ،وهو قول أبي حنيفة .وقال
زاد ،ون ّ
الشّافعيّ :ل يصحّ إقراره بحالٍ لعموم الخبر « :رفع القلم عن ثلثةٍ ،عن الصّبيّ حتّى
يبلغ ،وعن المجنون حتّى يفيق ،وعن النّائم حتّى يستيقظ » ولنّه ل تقبل شهادته ،وفي قولٍ
ل أنّه ل يصحّ إقرار
عند الحنابلة :إنّه ل يصحّ إقرار المأذون له إلّ في الشّيء اليسير .إ ّ
المحجور عليه ،لنّه من التّصرّفات الضّارّة المحضة من حيث الظّاهر .ويقبل إقرار الصّبيّ
ل من جهته ،وكذا ادّعاء الصّبيّة
ببلوغه الحتلم في وقت إمكانه ،إذ ل يمكن معرفة ذلك إ ّ
ن قبل ببيّنةٍ ،وقيل :يصدّق في سنّ يبلغ في
البلوغ برؤية الحيض .ولو ادّعى البلوغ بالسّ ّ
مثلها ،وهي تسع سنين ،وقيل :عشر سنين ،وقيل :اثنتا عشرة سنةً ،ويلزمه بهذا البلوغ
ما أقرّ به .وأفتى الشّيخ تقيّ الدّين :فيمن أسلم أبوه ،فادّعى أنّه بالغ ،بأنّه إذا كان لم يقرّ
بالبلوغ إلى حين السلم فقد حكم بإسلمه قبل القرار بالبلوغ .وذلك بمنزلة ما إذا ادّعت
انقضاء العدّة بعد أن ارتجعها ،وقال :هذا يجيء في كلّ من أق ّر بالبلوغ بعد حقّ ثبت في
حقّ الصّبيّ ،مثل السلم ،وثبوت أحكام ال ّذمّة تبعا لبيه .
عربيّةً ل يعرف معناها لم يؤاخذ بها ،لنّه لمّا لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها ،ل نّ
ّين -غينر المخالط للفقهاء -يقبنل مننه دعوى الجهنل بمدلول كثيرٍ منن ألفاظ الفقهاء ،
العام ّ
بخلف المخالط فل يقبل منه فيما ل يخفى على مثله معناه .وبالولى لو أقرّ العربيّ بالعجميّة
أو العكس وقال :لم أدر ما قلت ،صدّق بيمينه ،لنّه أدرى بنفسه والظّاهر معه .
الشّرط الخامس :الختيار :
- 21ويشترط في المقرّ الختيار ،مدعا ًة للصّدق ،فيؤاخذ به المكلّف بل حجرٍ ،أي حال
كونه غير محجو ٍر عليه .فإذا أقرّ الحرّ البالغ العاقل طواعي ًة بحقّ لزمه .
ح من مكلّفٍ مختارٍ بما يتصوّر منه التزامه ،بشرط كونه بيده ووليته
وقال الحنابلة :إنّه يص ّ
واختصاصه ،ولو على موكّله أو مورثه أو مولّيه .
الشّرط السّادس :عدم التّهمة :
ن التّهمة تخلّ
- 22ويشترط في المقرّ لصحّة إقراره أن يكون غير متّهمٍ في إقراره ،ل ّ
ن إقرار النسان على نفسه شهادة .قال اللّه
برجحان الصّدق على جانب الكذب في إقراره ،ل ّ
تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم } والشّهادة على
نفسه إقرار .والشّهادة ترد بالتّهمة .ومن أمثلته :ما لو أقرّ لمن بينه وبينه صداقة أو مخالطة
.
-وممّن يتّهم في إقراره المدين المحجور عليه ،لحاطة الدّين بماله الّذي حجر عليه 23
الشّب هة .يقول ا بن قدا مة :وأمّا الخرس فإن لم تف هم إشار ته فل يت صوّر م نه إقرار .وإن
فهمت إشارته ،فقال القاضي :عليه الحدّ ،وهو قول الشّافع يّ وابن القاسم من المالكيّة وأبي
ح إقراره به كالنّاطق .وقال أصحاب
ح إقراره بغير الزّنى ص ّ
ن من ص ّ
ثورٍ وابن المنذر .ل ّ
أبي حنيفة :ل يحدّ ،ل نّ الشارة تحتمل ما فهم منها وغيره ،فيكون ذلك شبه ًة في درء الحدّ
،وهو احتمال كلم الخرقيّ .
- 56وقد سبق الكلم عن إقرار الصّبيّ والمجنون والسّكران والمكره وأثر ذلك كلّه في
ن تكذيب المقرّ له للمقرّ فيما أقرّ به ،أو ظهور كذب المقرّ -كمن يقرّ بالزّنى
القرار .كما أ ّ
فظهر مجبوبا -مانع من إقامة الحدّ ،لتيقّن كذب القرار .
ح ،لنّه منكر ،والقول له ،
ولو أق ّر بشي ٍء وكذّبه المقرّ له ،وكان أهلً للتّكذيب ،فل يص ّ
ن بسبب كفالةٍ .ويقول الشّيرازيّ :لو أقرّ لرجلٍ بمالٍ في يده فكذّبه المقرّ له بطل
كإقراره بدي ٍ
القرار ،لنّه ردّه ،وفي المال وجهان :
أحدهما :أنّه يؤخذ منه ويحفظ لنّه ل يدّعيه ،والمق ّر له ل يدّعيه ،فوجب على المام حفظه
كالمال الضّائع .
والثّاني :ل يؤخذ منه ،لنّه محكوم له بملكه ،فإذا ردّه المقرّ له بقي في ملكه .
وفي المغني :لو أقرّ أنّه زنى بامرأ ٍة فكذّبته فعليه الحدّ دونها ،وبه قال الشّافعيّ ،لنّ
استيفاء ثبوته في حقّها ل يبطل إقراره ،كما لو سكتت ،وقال أبو حنيفة وأبو يوسف :ل حدّ
عليه لنّا صدّقناها في إنكارها فصار محكوما بكذبه .
وينصّ المالكيّة على أنّه يلزم لبطال القرار بتكذيب المقرّ له أن يستمرّ التّكذيب ،بحيث إذا
رجع المقرّ له إلى تصديقه صحّ القرار ولزم ،ما لم يرجع المقرّ .
ل هذا ممّا يوجد شبهةً في القرار .فوجود الشّبهة فيه أو وجود ما يعارضه أولى بالعتداد
كّ
ل بدليلٍ ثابتٍ
به من القرار نفسه ،لنّ الصل براءة ال ّذمّة ،ول يعدل عن هذا الصل إ ّ
يقينيّ ل يوجد ما يعارضه أو يوهن منه .
الشّبهة بتقادم القرار في حقوق اللّه :
- 57جاء في الهداية والفتح :التّقادم ل يبطل القرار عند مح ّمدٍ ،كما في حدّ الزّنى الّذي ل
يبطل التّقادم القرار به اتّفاقا .وفي نوادر ابن سماعة عن مح ّمدٍ قال :أنا أقيم عليه الحدّ وإن
جاء بعد أربعين عاما .وعندهما ل يقام الحدّ على الشّارب إلّ إذا أقرّ به عند قيام الرّائحة .
فالتّقادم يؤثّر على القرار بالشّرب عندهما فيسقط الحدّ .
وفي الهداية والفتح والبحر :التّقادم يؤثّر على الشّهادة في حقوق اللّه عدا حدّ القذف ،لما فيه
ق العبد ،لما فيه من رفع العار عنه ،بخلف القرار ،فإنّ التّقادم ل يؤثّر عليه ،
من ح ّ
ن التّقادم فيه
ويحدّ بإقراره مع التّقادم إلّ في حدّ الشّرب فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،فإ ّ
يبطل القرار خلفا لمح ّمدٍ .
ن التّقادم ل يؤثّر فيها ،ل في القرار بها ول في الشّهادة عليها .
- 58أمّا حقوق العباد فإ ّ
ويقول ابن قدامة :إن أق ّر بزنًى قديمٍ وجب الحدّ ،وبهذا قال الحنابلة والمالكيّة والوزاعيّ
ق يثبت على الفور فيثبت بالبيّنة بعد تطاول
والنّوويّ وإسحاق وأبو ثورٍ .لعموم الية ولنّه ح ّ
الزّمان كسائر الحقوق .ونقل عن أبي حنيفة أنّه قال :ل أقبل بيّنةً على زنًى قديمٍ وأحدّه
بالقرار به ،وأنّه قول ابن حامدٍ ،وذكره ابن أبي موسى مذهبا لحمد .
الرّجوع عن القرار :
- 59الرّجوع قد يكون صريحا كأن يقول :رجعت عن إقراري ،أو كذبت فيه ،أو دللةً
كأن يهرب عند إقامة الحدّ ،إذ الهرب دليل الرّجوع ،فإن كان بحقّ من حقوق اللّه الّتي تسقط
بالشّبهة كالزّنى ،فإنّ جمهور الفقهاء :الحنفيّة والمشهور عند المالكيّة ومذهب كلّ من
ن الرّجوع يعتبر ،ويسقط الحدّ عنه ،لنّه يحتمل أن يكون صادقا في
الشّافعيّة والحنابلة على أ ّ
الرّجوع وهو النكار ،ويحتمل أن يكون كاذبا فيه ،فإن كان صادقا في النكار يكون كاذبا
في القرار ،وإن كان كاذبا في النكار يكون صادقا في القرار ،فيورث شبه ًة في ظهور
الحدّ ،والحدود ل تستوفى مع الشّبهات ،وقد روي أنّ« ماعزا لمّا أقرّ بين يدي رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم بالزّنى لقّنه الرّجوع » .فلو لم يكن محتملً للسّقوط بالرّجوع ما كان
للتّلقين معنًى ،سواء أرجع قبل القضاء أم بعده ،قبل المضاء أم بعده .ويستوي أن يكون
الرّجوع بالقول أو بالفعل بأن يهرب عند إقامة الحدّ عليه ،وإنكار القرار رجوع ،فلو أقرّ
ت ،فأمر القاضي برجمه فقال :ما أقررت بشي ٍء يدرأ عنه الحدّ
عند القاضي بالزّنى أربع مرّا ٍ
ن من شرط إقامه الح ّد بالقرار البقاء عليه إلى تمام الح ّد ،فإن رجع عن إقراره أو
.ول ّ
هرب كفّ عنه ،وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزّهريّ وحمّاد ومالك والثّوريّ والشّافعيّ
وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف .وقال الحسن وسعيد بن جبيرٍ وابن أبي ليلى :يقام عليه
الحدّ ول يترك ،لنّ ماعزا هرب فقتلوه ولم يتركوه ،ولو قبل رجوعه للزمتهم الدّية ،ولنّه
حقّ وجب بإقراره ،فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق .وحكي عن الوزاعيّ أنّه إن رجع حدّ
للفرية على نفسه ،وإن رجع عن السّرقة والشّرب ضرب دون الحدّ .ونقل الشّيرازيّ عن
أبي ثورٍ أنّه ل يقبل رجوعه ،لنّه حقّ ثبت بالقرار فلم يسقط بالرّجوع كالقصاص وحدّ
القذف .
واستدلّ ابن قدامة للجمهور القائلين باعتبار الرّجوع بأنّ « ماعزا هرب ،فذكر ذلك للنّبيّ
صلى ال عليه وسلم فقال :هلّ تركتموه يتوب فيتوب اللّه عليه ؟ »
ن القرار إحدى بيّنتي الح ّد ،فيسقط
ففي هذا أوضح الدّلئل على أنّه يقبل رجوعه .ول ّ
بالرّجوع عنه كالشّهود إذا رجعوا قبل إقامة الحدّ .وإنّما لم يجب ضمان ماعزٍ على الّذين
ح في الرّجوع .أمّا إن رجع صراحةً بأن قال :كذبت في
قتلوه بعد هربه ،لنّه ليس بصري ٍ
إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه ،فإن قتله قاتل بعد ذلك وجب
ضمانه ،لنّه قد زال إقراره بالرّجوع عنه فصار كمن لم يقرّ ،ول قصاص على القاتل
للختلف في صحّة الرّجوع فكان شبهةً .
وقيّد المام مالك في الرّواية غير المشهورة عنه قبول رجوع المقرّ في حقوق اللّه الّتي تسقط
بالشّبهة بأن يكون الرّجوع لوجود شبهةٍ ،أمّا لو رجع عن إقراره بغير شبه ٍة فل يعتدّ برجوعه
ل إذا رجع بشبهةٍ ،وروي ذلك عن مالكٍ ،وبه قال ابن
،فقد نصّ أشهب على أنّه ل يعذر إ ّ
الماجشون .
ح عندهم ل يعتبرون إلّ الرّجوع الصّريح .ول يرون مثل الهروب عند
والشّافعيّة في الص ّ
تنفيذ الحدّ رجوعا ،فلو قال المقرّ :اتركوني أو ل تحدّوني ،أو هرب قبل حدّه أو في أثنائه
ل يكون رجوعا في الصحّ ،لنّه لم يصرّح به ،وإن كان يجب تخليته حالً ،فإن صرّح
فذاك وإلّ أقيم عليه الحدّ ،وإن لم يخلّ لم يضمن « ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يوجب
عليهم شيئا في خبر ماعزٍ ».
- 60أمّا من أق ّر بحقّ من حقوق العباد أو بحقّ للّه تعالى ل يسقط بالشّبهة -كالقصاص
وحدّ القذف وكالزّكاة والكفّارات -ثمّ رجع في إقراره فإنّه ل يقبل رجوعه عنها من غير
ن حقّ العبد بعد ما ثبت ل
خلفٍ ،لنّه حقّ ثبت لغيره فلم يملك إسقاطه بغير رضاه ،ل ّ
يحتمل السّقوط بالرّجوع ،ولنّ حقوق العباد مبنيّة على المشاحّة ،وما دام قد ثبت له فل
يمكن إسقاطه بغير رضاه .
وقد وضّح القرافيّ القرار الّذي يقبل الرّجوع عنه والّذي ل يقبل الرّجوع عنه ،فقال :
الصل في القرار اللّزوم من البرّ والفاجر ،لنّه على خلف الطّبع .وضابط ما ل يجوز
الرّجوع عنه ،هو ما ليس له فيه عذر عاديّ ،وضابط ما يجوز الرّجوع عنه ،أن يكون له
ن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما
في الرّجوع عنه عذر عاديّ ،فإذا أقرّ الوارث للورثة أ ّ
ن أباه أشهدهم أنّه تصدّق عليه في صغره بهذه الدّار
عهد في الشّريعة ،ثمّ جاء شهود أخبروه أ ّ
وحازها له ،فإنّه إذا رجع عن إقرارٍ معتذرا بإخبار البيّنة له ،وأنّه لم يكن عالما بذلك ،فإنّه
تسمع دعواه وعذره ،ويقيم بيّنته ،ول يكون إقراره السّابق مكذّبا للبيّنة وقادحا فيها ،فيقبل
الرّجوع في القرار .
وإذا قال :له عليّ مائة درهمٍ إن حلف -أو مع يمينه -فحلف المق ّر له ،فرجع المقرّ وقال
ن العادة جرت بأنّ هذا الشتراط يقضي عدم
:ما ظننت أنّه يحلف ،ل يلزم المقرّ شيء ،ل ّ
اعتقاد لزوم ما أقرّ به ،والعادة جرت على أنّ هذا ليس بإقرارٍ .ويقول ابن جزيّ :من أقرّ
ق لمخلوقٍ لم ينفعه الرّجوع ،وإن أقرّ بحقّ للّه تعالى كالزّنى وشرب الخمر فإن رجع إلى
بح ّ
شبهةٍ قبل منه ،وإن رجع إلى غير شبهةٍ ففيه قولن :قول يقبل منه وفاقا لبي حنيفة
والشّافعيّ .وقيل :ل يقبل منه وفاقا للحسن البصريّ .
هل القرار يصلح سببا للملك ؟
-ن صّ الحنفيّة :على أنّه لو أق ّر لغيره بمالٍ ،والمقرّ له يعلم أنّه كاذب في إقراره ،ل 61
يحلّ له أخذه عن كر ٍه منه فيما بينه وبين اللّه تعالى ،إلّ أن يسلّمه بطي بٍ من نف سه ،فيكون
تمليكا مبتدأً على سبيل الهبة ،ونقل ابن عابدين عن ابن الفضل :أ نّ القرار ل يصلح سببا
ح ردّه .وحكمه لزوم ما
للتّمليك ،وفي الهداية وشروحها :والمقرّ له إذا صدّقه ثمّ ردّه ل يص ّ
أقرّ به على المقرّ ،وعمله إظهار المخبر به لغيره ل التّمليك به ابتداءً ،ويدلّ عليه مسائل :
ن ل يملكها يصحّ إقراره ،حتّى لو ملكها المقرّ يوما من الدّهر يؤمر
أ -أنّ الرّجل إذا أقرّ بعي ٍ
ح تمليك ما
بتسليمها إلى المقرّ له ،ولو كان القرار تمليكا مبتدأً لما صحّ ذلك ،لنّه ل يص ّ
ك له ،وصرّح الشّافعيّة بموافقة الحنفيّة في صحّة القرار ،لكن لم نجد في كلمهم
ليس بمملو ٍ
ن المقرّ إذا ملك العين يؤمر بتسليمها للمقرّ له ،وكذلك لم نجد من المالكيّة والحنابلة ذكرا
أّ
لهذه المسألة .
ب -القرار بالخمر للمسلم يصحّ حتّى يؤمر بالتّسليم إليه ،ولو كان تمليكا مبتدأً لم يصحّ ،
لكن ذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم صحّة القرار بالخمر ،وفرّق الشّافعيّة بين الخمر إذا
كان محترما أو غير محترمٍ ،وصحّحوا القرار بالخمر المحترم .
ح إقراره ،ول
ج -المريض مرض الموت الّذي ل دين عليه إذا أقرّ بجميع ماله لجنبيّ ص ّ
يتوقّف على إجازة الورثة ،ولو كان تمليكا مبتدأً لم ينفذ إلّ بقدر الثّلث عند عدم إجازتهم ،
وبقولهم مال جمهور العلماء ،وعند الحنابلة قولن آخران ،قيل :ل يصحّ مطلقا ،وقيل :ل
يصحّ إلّ في الثّلث .
ن في يده صحّ إقراره ،ولو كان القرار سببا للملك ابتداءً
د -العبد المأذون إذا أقرّ لرجلٍ بعي ٍ
كان تبرّعا من العبد ،وهو ل يجوز في الكثير .ومثله عند الجمهور إلّ أنّهم لم يفرّقوا بين
القليل والكثير .
القرار بالنّسب :
ث مشاركٍ لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالجماع ،
- 62إذا أقرّ أحد الورثة بوارثٍ ثال ٍ
ن النّسب ل يتبعّض فل يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر ،ول يمكن إثباته في حقّهما ،
لّ
ن أحدهما منكر ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب .ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول
لّ
أكثر أهل العلم ،لنّه أقرّ بسبب مالٍ لم يحكم ببطلنه فلزمه المال ،كما لو أقرّ ببيعٍ أو بدينٍ
فأنكر الخر .ويجب له فضل ما في يد المقرّ من ميراثه ،وبهذا قال ابن أبي ليلى ،ومالك ،
والثّوريّ ،والحسن بن صالحٍ ،وشريك ،ويحيى بن آدم وإسحاق وأبو عبيدٍ وأبو ثورٍ .
وتقسم حصّة المقرّ أثلثا فل يستحقّ المقرّ له ممّا في يد المقرّ إلّ الثّلث ( وهو سدس جميع
المال ) كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ،لنّه إقرار بحقّ يتعلّق بحصّته وحصّة أخيه ،فل يلزمه أكثر
ممّا يخصّه ،كالقرار بالوصيّة ،وإقرار أحد الشّريكين على مال الشّركة ،وقال أبو حنيفة :
إذا كان اثنان فأقرّ أحدهما بأخٍ لزمه دفع نصف ما في يده ،وإن أقرّ بأختٍ لزمه ثلث ما في
يده ،لنّه أخذ ما ل يستحقّ من التّركة ،فصار كالغاصب ،فيكون الباقي بينهما ،ولنّ
الميراث يتعلّق ببعض التّركة كما يتعلّق بجميعها ،فإذا ملك بعضها أو غصب تعلّق الحقّ
بباقيها ،والّذي في يد المنكر كالمغصوب فيقتسمان الباقي بالسّويّة ،كما لو غصبه أجنبيّ .
وقال الشّافعيّ :ل يشارك المقرّ في الميراث ( قضاءً ) ،وحكي ذلك عن ابن سيرين ،وقال
إبراهيم :ليس بشي ٍء حتّى يقرّوا جميعا ،لنّه لم يثبت نسبه فل يرث ،كما لو أقرّ بنسب
معروف النّسب .ولصحاب الشّافعيّ فيما إذا كان المقرّ صادقا فيما بينه وبين اللّه تعالى .هل
يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصيبه ؟ على وجهين :أحدهما يلزمه ( ديانةً ) وهو الصحّ ،
وهل يلزمه أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده أو ثلثه ؟ على وجهين .
وإن أقرّ جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث ثبت نسبه ،سواء أكان الورثة واحدا
أم جماع ًة ،ذكورا أم إناثا ،وبهذا قال الشّافعيّ وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة ،لنّ
سيّدة عائشة
الوارث يقوم مقام الميّت في ميراثه وديونه … وكذلك في النّسب ،وقد روت ال ّ
ص رضي ال عنه اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن
ن « سعد بن أبي وقّا ٍ
رضي ال عنها أ ّ
أمة زمعة ،فقال سعد :أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكّة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه
فإنّه ابنه ،فقال عبد بن زمعة :هو أخي وابن وليدة أبي ،ولد على فراشه فقال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم :هو لك يا عبد بن زمعة » ولنّه حقّ يثبت بالقرار فلم يعتبر فيه
العدد ،ولنّه قول ل تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر العدد فيه ،والمشهور عن أبي حنيفة أنّه ل
ل بإقرار اثنين ،لنّه
يثبت إلّ بإقرار رجلين أو رجلٍ وامرأتين ،وقال مالك :ل يثبت إ ّ
يحمل النّسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشّهادة .
شروط القرار بالنّسب :
- 63يشترط لصحّة القرار بالنّسب على المقرّ نفسه :
- 1أن يكون المقرّ به مجهول النّسب .
ل ينازعه فيه منازع ،لنّه إن نازعه فيه غيره تعارضا ،فلم يكن إلحاقه بأحدهما
- 2أ ّ
أولى من الخر .
- 3وأن يمكن صدقه بأن يحتمل أن يولد مثله لمثله .
- 4أن يكون ممّن ل قول له كالصّغير والمجنون ،أو يصدّق المقرّ إن كان من أهل
التّصديق .فإن كبر الصّغير وعقل المجنون فأنكر لم يسمع إنكاره ،لنّ نسبه قد ثبت فل
ن الب لو عاد فجحد النّسب لم يقبل منه .
يسقط ،ول ّ
خ اعتبر فيه الشّروط الربعة السّابقة ،
- 64وإن كان القرار عليه وعلى غيره كإقرارٍ بأ ٍ
وشرط خامس ،وهو كون المقرّ جميع الورثة .فإن كان الوارث بنتا أو أختا أو أمّا أو ذا
ض يرث جميع المال بالفرض وال ّردّ ،ثبت النّسب بقوله عند الحنفيّة والحنابلة القائلين بال ّردّ
فر ٍ
،وعند من ل يرى الرّ ّد كالشّافعيّ ل يثبت بقوله النّسب ،لنّه ل يرى الرّ ّد ويجعل الباقي
لبيت المال ،ولهم فيما إذا وافقه المام في القرار وجهان ،يقول الشّيرازيّ :وإن مات
وخلّف بنتا فأقرّت بنسب أخٍ لم يثبت النّسب ،لنّها ل ترث جميع المال .فإن أقرّ معها المام
ففيه وجهان :
ن المام نافذ القرار في مال بيت المال .
أحدهما :أن يثبت ،ل ّ
والثّاني :أنّه ل يثبت لنّه ل يملك المال بالرث ،وإنّما يملكه المسلمون وهم ل يتبيّنون ،
فل يثبت النّسب .وينصّ المالكيّة على أنّ من أقرّ بأخٍ وعمّ لم يرثه إن وجد وارث ،وإلّ يكن
له وارث أصلً أو وارث غير حائزٍ فخلف ،والرّاجح :إرث المقرّ به من المقرّ جميع المال
ل :يحلف المقرّ به أنّ
سواء أكان القرار في حال الصّحّة أم في حالة المرض ،وفي قو ٍ
القرار حقّ .
ث لم يثبت
- 65وإن كان أحد الوارثين غير مكّلفٍ كالصّبيّ والمجنون فأقرّ المكلّف بأخٍ ثال ٍ
النّسب بإقراره ،لنّه ل يحوز الميراث كلّه ،فإن بلغ الصّبيّ أو أفاق المجنون فأقرّا به أيضا
ثبت نسبه لتّفاق جميع الورثة عليه ،وإن ماتا قبل أن يصيرا مكلّفين ثبت نسب المقرّ به لنّه
ن المقرّ صار جميع الورثة ،هذا فيما إذا كان المق ّر يحوز
وجد القرار من جميع الورثة ،فإ ّ
جميع الميراث بعد من مات ،فإن كان للميّت وارث سواه أو من يشاركه في الميراث لم يثبت
النّسب ،ويقوم وارث الميّت مقامه ،فإذا وافق المقرّ في إقراره ثبت النّسب ،وإن خالفه لم
ن للميّت ثبت نسب المقرّ به وورث وسقط
خ أقرّ باب ٍ
يثبت .وإذا أقرّ الوارث بمن يحجبه كأ ٍ
المقرّ ...وهذا اختيار ابن حام ٍد والقاضي وقول أبي العبّاس بن سريجٍ .لنّه ابن ثابت النّسب
ن ثبوت النّسب سبب
لم يوجد في حقّه أحد موانع الرث فيرثه ،كما لو ثبت نسبه ببيّنةٍ ،ول ّ
للميراث فل يجوز قطع حكمه عنه ،ول يورث محجوب به مع وجوده وسلمته من الموانع .
وقال أكثر الشّافعيّة :يثبت نسب المقرّ به ول يرث ،لنّ توريثه يفضي إلى إسقاط توريث
المقرّ ،فيبطل إقراره ،فأثبتنا النّسب دون القرار .يقول الشّيرازيّ :إن كان المق ّر به يحجب
ن للميّت يثبت له النّسب ول يرث ،لنّا
المقرّ ،مثل أن يموت الرّجل ويخلّف أخا فيق ّر الخ باب ٍ
لو أثبتنا له الرث أدّى ذلك إلى إسقاط إرثه ،لنّ توريثه يخرج المقرّ عن أن يكون وارثا
فيبطل إقراره ،لنّه إقرار من غير وارثٍ .
ث ثبت النّسب للمق ّر به ،فإن كانا
- 66وإن أقرّ رجلن عدلن ابنان أو أخوان أو عمّان بثال ٍ
غير عدلين فللمقرّ به ما نقصه إقرارهما ول يثبت النّسب .إذ المراد بالقرار هنا الشّهادة ،
ن النّسب ل يثبت بالقرار ،لنّه قد يكون بالظّنّ ول يشترط فيه عدالة .وإن أقرّ عدل بآخر
لّ
ل فمذهب
يحلف المقرّ به مع القرار ويرث ول يثبت النّسب بذلك ،وإلّ يكن المقرّ عد ً
المالكيّة أنّ للمقرّ به ما نقصه القرار من حصّة المقرّ سواء كان عدلً أو غير عدلٍ ول
يمين ،والتّفرقة بين العدل وغيره قول ضعيف عند المالكيّة على تفصيلٍ مبيّنٍ عندهم .ويقول
ك لهما في الميراث وثمّ وارث غيرهما لم
ابن قدامة :وإن أقرّ رجلن عدلن بنسبٍ مشار ٍ
ل أن يشهدا به ،وبهذا قال الشّافعيّ ،لنّه إقرار من بعض الورثة فلم يثبت فيها
يثبت النّسب إ ّ
النّسب كالواحد ،وفارق الشّهادة لنّه تعتبر فيها العدالة والذّكوريّة ،والقرار بخلفه .
الرّجوع عن القرار بالنّسب :
ح رجوع المقرّ عمّا أقرّ فيما سوى القرار بالبنوّة والبوّة
ص الحنفيّة على أنّه يص ّ
- 67ين ّ
خ وصدّقه المقرّ له ثمّ رجع عمّا أقرّ به
والزّوجيّة وولء العتاقة ،فإنّ من أق ّر في مرضه بأ ٍ
يصحّ إن صدّقه المقرّ عليه ،لنّه وصيّة من وجهٍ .وفي شرح السّراجيّة ،أنّه بالتّصديق يثبت
النّسب فل ينفع الرّجوع .
ويقول الشّيرازيّ :وإن أقرّ بالغ عاقل ثمّ رجع عن القرار وصدّقه المقرّ له في الرّجوع ففيه
وجهان :أحدهما :أنّه يسقط النّسب ،كما لو أقرّ بمالٍ ثمّ رجع في القرار وصدّقه المقرّ له
في الرّجوع .
ن النّسب إذا ثبت ل يسقط بالتّفاق
والثّاني :وهو قول أبي حامدٍ السفرايينيّ أنّه ل يسقط ،ل ّ
على نفيه كالنّسب الثّابت بالفراش .
ويقرب من هذا التّجاه الحنابلة ،يقول ابن قدامة :وإذا ثبت النّسب بالقرار ثمّ أنكر المقرّ
لم يقبل إنكاره ،لنّه نسب ثبت بحجّ ٍة شرعّيةٍ فلم يزل بإنكاره ،كما لو ثبت ببيّنةٍ أو
بالفراش ،وسواء أكان المقرّ به غير مكّلفٍ أم مكلّفا فصدّق المقرّ .ويحتمل أن يسقط نسب
المكلّف باتّفاقهما على الرّجوع عنه ،لنّه ثبت باتّفاقهما فزال برجوعهما كالمال .
ح ،لنّه نسب ثبت بالقرار فأشبه نسب الصّغير والمجنون ،
وقال ابن قدامة :والوّل أص ّ
وفارق المال ،لنّ النّسب يحتاط لثباته .
إقرار الزّوجة بالبنوّة :
ن فيه تحميل النّسب على الغير
- 68عند الحنفيّة ل يقبل إقرار الزّوجة بالولد وإن صدّقها ،ل ّ
ح إقرار المرأة بالولد
ل أن يصدّقها الزّوج أو تقدّم البيّنة ،ويص ّ
،لنّه ينسب إلى الب ،إ ّ
مطلقا إن لم تكن زوج ًة ول معتدّ ًة ،أو كانت زوجةً وادّعت أنّه من غير الزّوج ،ول يثبت
نسبه منه ويتوارثان إن لم يكن لها وارث معروف ،لنّ ولد الزّنى يرث بجهة المّ فقط .
وعن ابن رشدٍ عن المدوّنة :وإن نظرت امرأة إلى رجلٍ فقالت :ابني ،ومثله يولد لها
وصدّقها لم يثبت نسبه منها ،إذ ليس هنا أب يلحق به ،وإن جاءت امرأة بغلمٍ مفصولٍ
فادّعت أنّه ولدها لم يلحق بها في ميراثٍ ،ول يحدّ من افترى عليها به .
ب قبل إقرارها ،وإن
ص الحنابلة على أنّه إن أقرّت المرأة بول ٍد ولم تكن ذات زو جٍ ول نس ٍ
وين ّ
ن فيه حملً لنسب الولد على زوجها ولم يقرّ به
كانت ذات زوجٍ ل يقبل إقرارها في روايةٍ ،ل ّ
،أو إلحاقا للعار به بولدة امرأ ته من غيره .و في روايةٍ أخرى :يق بل ،لنّ ها ش خص أقرّ
بولدٍ يحتمل أن يكون منه ،فقبل كالرّجل .
وقال أحمد في رواية ابن منصورٍ في امرأةٍ ادّعت ولدا :فإن كان لها إخوة أو نسب معروف
فل بدّ من أن يثبت أنّه ابنها ،فإن لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه ؟ وهذا لنّها متى
كانت ذات أهلٍ فالظّاهر أنّها ل تخفى عليهم ولدتها ،فمتى ادّعت ولدا ل يعرفونه فالظّاهر
كذبها .ويحتمل أن تقبل دعواها مطلقا ،لنّ النّسب يحتاط له ،فأشبهت الرّجل .
القرار بالزّوجيّة تبعا :
- 69ومن أقرّ بنسب صغيرٍ لم يكن مقرّا بزوجيّة أمّه ،وبهذا قال الشّافعيّة ،لنّ الزّوجيّة
ليست مقتضى لفظه ول مضمونه ،فلم يكن مقرّا بها .وقال أبو حنيفة :إذا كانت مشهورةً
صحّة .
ن أنساب المسلمين وأصولهم يجب حملها على ال ّ
بالح ّريّة كان مقرّا بزوجيّتها ،ل ّ
والقرار بالزّوجيّة صحيح بشرط الخلوّ من الموانع .
إقرار المرأة بالوالدين والزّوج :
ص الفقهاء على جواز إقرار المرأة بالوالدين والزّوج ،إذ النوثة ل تمنع صحّة
- 70ن ّ
ن القرار بال ّم ل يصحّ ،وكذا في
القرار على النّفس .وقد ذكر المام العتّابيّ في فرائضه أ ّ
ضوء السّراج ،لنّ النّسب للباء ل للمّهات ،وفيه حمل الزّوجيّة على الغير .قال صاحب
ال ّدرّ :لكن الحقّ صحّته بجامع الصالة فكانت كالب والصل :أنّ من أقرّ بنسبٍ يلزمه في
نفسه ول يحمل على غيره فإقراره مقبول ،كما يقبل إقراره على نفسه بسائر الحقوق .
التّصديق بالنّسب بعد الموت :
- 71ويصحّ التّصديق في النّسب بعد موت المقرّ ،لنّ النّسب يبقى بعد الموت ،وكذا
ن حكم النّكاح باقٍ ،وكذا تصديق الزّوج بعد موتها لنّ الرث من
تصديق الزّوجة ل ّ
ح لنقطاع النّكاح بالموت .
أحكامه ،وعند أبي حنيفة ل يص ّ
ن المقرّ به إذا كان ميّتا فإن كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه ،لنّه
ونصّ الشّافعيّة على أ ّ
يقبل إقراره به إذا كان حيّا فقبل إذا كان ميّتا .وإن كان بالغا عاقلً ففيه وجهان :
ن نسب البالغ ل يثبت إلّ بتصديقه ،وذلك معدوم بعد الموت .
أحدهما :ل يثبت ل ّ
والثّاني :أنّه يثبت وهو الصّحيح ،لنّه ليس له قول ،فيثبت نسبه بالقرار كالصّبيّ
ن النّسب يثبت لمن أقرّ ببنوّة مجهول النّسب مستوفيا شروطه ثبت نسبه
والمجنون .وقالوا :إ ّ
مستندا لوقت العلوق .
ن فيه تحميل النّسب
ص الحنفيّة والمالكيّة على أنّ القرار بالجدّ وابن البن ل يصحّ ،ل ّ
كما ن ّ
ن الرّجل إنّما
ن المالكيّة قالوا :إن قال المقرّ :أبو هذا ابني صدّق ،ل ّ
على الغير ،غير أ ّ
يصدّق في إلحاق ولده بفراشه ،ل بإلحاقه بفراشه غيره .
وفي كتب الشّافعيّة أنّه إذا كان بين المقرّ والمقرّ به واحد ،وهو حيّ لم يثبت النّسب إلّ
بتصديقه ،وإن كان بينهما اثنان أو أكثر لم يثبت النّسب إلّ بتصديقٍ من بينهما ،لنّ النّسب
ل بتصديقهم .
يتّصل بالمقرّ من جهتهم فل يثبت إ ّ
إقراض *
انظر :قرض .
إقراع *
انظر :قرعة .
أقط *
التّعريف :
- 1القِط ،والِإقْط ،والَأقْط ،والُأقْط :شيء يتّخذ من اللّبن المخيض ،يطبخ ثمّ يترك حتّى
يمصل ( أي ينفصل عنه الماء ) ،والقطعة منه أقطة .ويعرّفه الفقهاء بذلك أيضا .
الحكم الجماليّ :
تتعلّق بالقط أحكام منها ما يلي :
أ -زكاة الفطر :
- 2يجوز إخراج زكاة الفطر من القط عند جمهور الفقهاء باعتباره من القوات ،ولحديث
ي صلى
أبي سعيدٍ الخدريّ رضي ال عنه قال « :كنّا نخرج زكاة الفطر -إذ كان فينا النّب ّ
ال عليه وسلم -صاعا من طعامٍ ،أو صاعا من شعيرٍ ،أو صاعا من تمرٍ ،أو صاعا من
ب ،أو صاعا من أقطٍ » .
زبي ٍ
أمّا عند الحنفيّة فتعتبر فيه القيمة ،ول يجزئ إخراج زكاة الفطر منه إلّ باعتبار القيمة ،لنّه
ل باعتبار
غير منصوصٍ عليه من وجهٍ يوثق به ،وجواز ما ليس بمنصوصٍ عليه ل يكون إ ّ
القيمة ،كسائر العيان الّتي لم يقع التّنصيص عليها من النّبيّ صلى ال عليه وسلم وينظر
تفصيل ذلك في ( زكاة الفطر ) .
ب -البيع :
- 3يعتبر القط من الرّبويّات الّتي يشترط فيها التّماثل والتّقابض في المجلس إن بيعت بمثلها
.والفقهاء يختلفون في جواز بيع القط بعضه ببعضٍ .فأجازه المالكيّة والحنابلة لمكان
ن أجزاءه منعقدة ،ولنّه يخالطه الملح فل تتحقّق فيه
التّماثل والتّساوي ،ومنعه الشّافعيّة ل ّ
المماثلة .وفيه تفصيل كثير ينظر في ( بيع ،وربا ) .
مواطن البحث :
- 4تتعدّد مواطن أحكام القط ،فتأتي في زكاة الفطر ،والرّبا ،والسّلم ،وتنظر في مواطنها
.
إقطاع *
التّعريف :
- 1من معاني القطاع في اللّغة :التّمليك والرفاق ،يقال استقطع المام قطيعةً فأقطعه
إيّاها :أي سأله أن يجعلها له إقطاعا يتملّكه ويستب ّد به وينفرد ،ويقال :أقطع المام الجند
البلد :إذا جعل لهم غلّتها رزقا .وهو كذلك شرعا يطلق على ما يقطعه المام ،أي يعطيه
من الراضي رقبةً أو منفع ًة لمن ينتفع به .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -إحياء الموات :
- 2هو كما عرّفه الشّافعيّة بأنّه :عمارة الرض الخربة الّتي ل مالك لها ول ينتفع بها أحد .
ب -أعطيات السّلطان :
- 3العطاء والعطيّة :اسم لما يعطى ،والجمع عطايا وأعطية ،وجمع الجمع أعطيات .
وأعطيات السّلطان :ما يعطيه لحدٍ من الرّعيّة من بيت المال مع مراعاة المصلحة العامّة .
وعلى هذا قد يكون القطاع عطا ًء ،وقد ينفصل العطاء ،فيكون في الموال المنقولة غالبا .
ج -الحمى :
- 4المشروع منه :أن يحمي المام أرضا من الموات ،يمنع النّاس رعي ما فيها من الكل
لتكون خاصّةً لبعض المصالح العامّة كمواشي الصّدقة .
د -الرصاد :
- 5الرصاد لغةً :العداد ،واصطلحا :تخصيص المام غلّة بعض أراضي بيت المال
لبعض مصارفه .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( إرصاد ) .
ن الرصاد ل يصير ملكا للمرصد له ،بحيث يتوارثه أولده أو
فالفرق بينه وبين القطاع أ ّ
يتصرّفون فيه كما شاءوا .
الحكم التّكليفيّ :
سنّة
- 6القطاع جائز بشروطه ،سواء أكان إقطاع تمليكٍ أم إقطاع إرفاقٍ ،ودليل ذلك من ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم أقطع الزّبير ركض فرسه من موات النّقيع » ،وكذلك فعل
ن « النّب ّ
أّ
الخلفاء من بعده .
أنواع القطاع :
القطاع نوعان :
- 7النّوع الوّل :إقطاع الرفاق ( أو المتاع أو النتفاع ) .
وهو :إرفاق النّاس بمقاعد السواق ،وأفنية الشّوارع ،وحريم المصار ،ومنازل
المسافرين ،ونحو ذلك .
وهو على ثلثة أقسامٍ :
القسم الوّل :
- 8ما يختصّ الرفاق فيه بالصّحارى والفلوات .حيث منازل المسافرين وحلول المياه وذلك
ضربان :
أحدهما :أن يكون لجتياز السّابلة واستراحة المسافرين فيه .وهذا ل نظر للسّلطان فيه لبعده
ص السّلطان من ذلك إصلح عورته وحفظ مياهه ،والتّخلية بين النّاس وبين
عنه ،والّذي يخ ّ
نزوله ،ويكون السّابق إلى المنزل أحقّ بحلوله فيه من المسبوق حتّى يرتحل عنه ،لقول
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « منى مناخ من سبق » .فإن نزلوه سوا ًء ،عدل بينهم نفيا للتّنازع
.
والثّاني :أن يكون نزولهم للستيطان ،فإن كان .كذلك فللمام منعهم أو تركهم حسب
مصالح المسلمين .
القسم الثّاني :
- 9وهو ما يختصّ بأفنية الدّور والملك .ينظر ،فإن كان الرتفاق مضرّا بهم منع اتّفاقا ،
إلّ أن يأذنوا بدخول الضّرر عليهم .فإن كان غير مضرّ بهم ففي إباحة ارتفاقهم به من غير
إذن أربابها اتّجاهان :
الوّل :أنّ لهم الرتفاق بها وإن لم يأذن أربابها ،لنّ الحريم ( وهو ما ينتفع به أهل الدّور
من أماكن غير مملوك ٍة لحدٍ ) يعتبر مرفقا إذا وصل أهله إلى حقّهم منه ساواهم النّاس فيما
عداه ،وهو قول للشّافعيّة ،ورواية عن أحمد ،والزّهريّ ،وهو رأي الحنفيّة ،والمالكيّة .
الثّاني :ل يجوز الرتفاق بحريمهم إلّ عن إذنهم ،لنّه تبع لملكهم فكانوا به أحقّ ،
وبالتّصرّف فيه أخصّ ،وهو رأي للشّافعيّة والحنابلة .
القسم الثّالث :
- 10هو ما اختصّ بأفنية الشّوارع والطّرقات ،فهو موقوف على نظر السّلطان ،وفي حكم
نظره وجهان :أحدهما :أنّ نظره فيه مقصور على كفّهم عن التّعدّي ،ومنعهم من
الضرار ،والصلح بينهم عند التّشاجر .
والثّاني :أنّ نظره فيه نظر مجتهدٍ فيما يراه صالحا ،في إجلس من يجلس ،ومنع من
يمنعه ،وتقديم من يقدّمه .
النّوع الثّاني :إقطاع التّمليك :
- 11هو تمليك من المام مجرّد عن شائبة العوضيّة بإحياءٍ أو غيره .
أقسامه وحكم تلك القسام :
- 12ينقسم إقطاع التّمليك في الرض المقطعة إلى ثلثة أقسامٍ :مواتٍ ،وعامرٍ ،ومعادن .
إقطاع الموات :
إقطاع الموات ضربان :
- 13الضّرب الوّل :ما لم يزل مواتا من قديم الدّهر ،فلم تجر فيه عمارة ول يثبت عليه
ملك ،فهذا يجوز للمام أن يقطعه من يحييه ومن يعمّره ،وقد « أقطع رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم الزّبير بن العوّام ركض فرسه من موات النّقيع ،فأجراه ،ث ّم رمى بسوطه رغبةً
في الزّيادة ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أعطوه منتهى سوطه » .
ويمتنع به إقدام غير المقطع على إحيائه ،لنّه ملك رقبته بالقطاع نفسه ،خلفا للحنابلة ،
ن إقطاع الموات مطلقا ل يفيد تمليكا ،لكنّه يصير أحقّ به من غيره ،فإن
فإنّهم ذهبوا إلى أ ّ
أحياه ملكه بالحياء ل بالقطاع ،أمّا إذا كان القطاع مطلقا ،أو مشكوكا فيه ،فإنّه يحمل
على إقطاع الرفاق ،لنّه المحقّق .
- 14الضّرب الثّاني من الموات :ما كان عامرا فخرب ،فصار مواتا عاطلً ،وذلك نوعان
:أحدهما :ما كان عاديّا -أي قديما ،جاهليّا -فهو كالموات الّذي لم يثبت فيه عمارة
ويجوز إقطاعه .قال صلى ال عليه وسلم « عاديّ الرض للّه ولرسوله ،ث ّم هي لكم منّي »
ثانيهما :ما كان إسلميّا جرى عليه ملك المسلمين ،ث مّ خرب حتّى صار مواتا عاطلً ،ول
مالكن .قال الشّافعي ّة :إن ّه مال ضائع يرجنع فينه إلى رأي المام
ٍ يعرف له مالك ول ورثنة
مطلقا .وقال المالكيّة :يملك بالحياء مطلقا ،إذا كا نت الرض غ ير مقطعةٍ ،أمّا إذا كا نت
مقطعةً فالرّاجنح عندهنم أنّهنا ل تملك بالحياء .وقال الحنفيّنة :إن لم يعرف أربابنه ملك
بالحياء ،بشرط إقطاع المام له ،وهو رأي للحنابلة .
إقطاع العامر
إقطاع العامر ضربان :
- 15الضّرب الوّل :ما تعيّن مالكه فل نظر للسّلطان في إقطاعه اتّفاقا ،إلّ ما يتعلّق بتلك
الرض من حقوق بيت المال أو المصالح العامّة .وهذا إذا كانت في دار السلم ،سواء
أكانت لمسلمٍ أم لذ ّميّ .فإن كانت في دار الحرب الّتي ل يثبت للمسلمين عليها يد ،فأراد
المام إقطاعها عند الظّفر جاز .وقد « :سأل تميم الدّاريّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
أن يقطعه عيون البلد الّذي كان منه بالشّام قبل فتحه ففعل » .
- 16الضّرب الثّاني من العامر :ما لم يتعيّن مالكوه ولم يتميّز مستحقّوه :فما اصطفاه المام
لبيت المال ،وكذلك كلّ ما دخل بيت المال من أرض الخراج ،أو ما مات عنه أربابه ،ولم
يستحقّه وارث بفرضٍ ول تعصيبٍ ففي إقطاعه رأيان :
الوّل :عدم الجواز وهو رأي المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّه ل يجوز إقطاع رقبته
لصطفائه لبيت المال ،فكان بذلك ملكا لكافّة المسلمين .فجرى على رقبته حكم الوقف المؤبّد
.
الثّاني :الجواز وهو رأي الحنفيّة ،لنّ للمام أن يجيز من بيت المال من له غناء في
السلم ،ومن يقوى به على العد ّو ،ويعمل في ذلك بالّذي يرى أنّه خير للمسلمين وأصلح
ح تمليك رقبتها ،كما يعطى المال حيث ظهرت
لمرهم ،والرض عندهم بمنزلة المال يص ّ
المصلحة .
إقطاع المعادن
المعادن هي البقاع الّتي أودعها اللّه جواهر الرض .وهي ضربان :ظاهرة وباطنة .
- 17أمّا الظّاهرة :فما كان جوهرها المستودع فيها بارزا .كمعادن الكحل ،والملح ،
والنّفط ،فهو كالماء الّذي ل يجوز إقطاعه ،والنّاس فيه سواء ،يأخذه من ورد إليه ،لما ورد
ن أبيض بن حمّالٍ « استقطع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ملح مأربٍ فأقطعه ،فقال
أّ
القرع بن حابسٍ التّميميّ :يا رسول اللّه إنّي وردت هذا الملح في الجاهليّة ،وهو بأرضٍ
ليس فيها غيره ،من ورده أخذه وهو مثل الماء الع ّد بالرض ،فاستقال أبيض قطيعة الملح .
ي صلى ال عليه وسلم :هو منك
فقال :قد أقلتك على أن تجعله منّي صدقةً .فقال النّب ّ
صدقة ،وهو مثل الماء العدّ ،من ورده أخذه »
وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .أمّا المالكيّة فقد أجازوا إقطاع المام للمعادن بغير
تمييزٍ بين الباطن والظّاهر .
- 18وأمّا المعادن الباطنة :فهي ما كان جوهره مستكنّا فيها ،ل يوصل إليه إلّ بالعمل ،
كمعادن الذّهب والفضّة والصّفر والحديد .فهذه وما أشبهها معادن باطنة ،سواء احتاج
ص أو لم يحتج .وقد أجاز إقطاعها الحنفيّة ،وهو رأي
المأخوذ منها إلى سبكٍ وتصفيةٍ وتخلي ٍ
للشّافعيّة ،ومنع ذلك المالكيّة والحنابلة ،وهو الرّأي الرّاجح للشّافعيّة .
التّصرّف في الراضي الميريّة :
- 19يجوز للمام أن يدفع الرض الميريّة للزّراعة ،إمّا بإقامتهم مقام الملّاك في الزّراعة
وإعطاء الخراج ،أوإجارتها للزّرّاع بقدر الخراج ،وعلى هذا اتّفق الئمّة .
وأمّا إقطاعها أو تمليكها :فمنعه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّه صار ملكا عامّا للمسلمين
،وأجازه الحنفيّة اعتمادا على أنّ للمام أن يجيز من بيت المال من له غناء في السلم ،كما
ن له أن يعمل ما يراه خيرا للمسلمين وأصلح ،والرض عندهم بمنزلة المال .وعلى هذا
أّ
فمن يلغي إقطاعها ل يجيز تمليكها ،أو إرثها أو إرث اختصاصها ،وإنّما منافعها هي الّتي
تملك فقط .فله إيجارها ،وللمام إخراجها عنه متى شاء ،غير أنّه جرى الرّسم في الدّولة
ل فلبيت المال ،ولو له
ن من مات عن ابنٍ انتقل الختصاص للبن مجّانا ،وإ ّ
العثمانيّة ،أ ّ
ب له أخذها بالجارة الفاسدة .
بنت أو أخ ل ٍ
وهذا إذا كانت الراضي الميريّة عامرةً ،وأمّا إذا كانت مواتا فإنّها تملك بالحياء ،وتؤخذ
بالقطاع كما سبق ،وتورث عنه إذا مات ،ويصحّ بيعها ،وعليه وظيفتها من عشرٍ أو خراجٍ
وللتّفصيل ينظر ( -أرض الحوز ) .
إقطاع المرافق :
- 20اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز للمام إقطاع المرافق العامّة وما ل غنى عنه للمسلمين ،
وكذلك أرض الملح والقار ونحوها .وكذلك ما قرب من العامر ،وتعلّقت به مصالح المسلمين
،من طرقٍ وسيل ما ٍء ومطرح قمامةٍ وملقى ترابٍ وآلتٍ ،فل يجوز إقطاعه ،بغير خلفٍ ،
وكذلك ما تعلّقت به مصالح القرية ،كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل
مائها ،ل يجوز إقطاعه .
إجارة القطاعات وإعارتها :
- 21ما أقطعه المام للنّاس ملكا ،أو اشتري من بيت المال شرا ًء مسوّغا ،فل خفاء في
جواز إجارته وإعارته ،حيث صار ملكا للشخاص يتصرّفون فيه تصرّف الملّاك ،ومن
أقطعه المام أرضا إقطاع انتفاعٍ في مقابلة خدم ٍة عامّ ٍة يؤدّيها ،وبعبارة الفقهاء :في مقابلة
ن للمقطع إجارتها وإعارتها ،لنّه ملكها ملك منفعةٍ .
استعداده لما أع ّد له ،فإ ّ
وإذا مات المؤجّر ،أو أخرج المام الرض المقطعة منه انفسخت الجارة ،لنتقال الملك
إلى غير المؤجّر .
استرجاع القطاعات :
- 22إذا أقطع المام أرضا مواتا ،وت ّم إحياؤها ،أو لم تمض المدّة المقرّرة عند الفقهاء
للحياء ،فليس له استرجاع القطاع من مقطعه ،وكذلك إذا كان القطاع من بيت المال
بشرا ٍء مسوغٍ أو بمقابلٍ ،لنّه في الوّل يكون تمليكا بالحياء ،وفي الثّاني يكون تمليكا
بالشّراء فل يجوز إخراجه منه إلّ بحقّه .
ترك عمارة الرض المقطعة :
- 23ل يعارض المقطع إذا أهمل أرضه بغير عمارةٍ قبل طول اندراسها .وقدّر الحنفيّة ذلك
بثلث سنين ،وهو رأي للمالكيّة .وقال الحنفيّة :إن أحياها غيره قبل ذلك كانت ملكا للمقطع
.وقال المالكيّة :إن أحياها عالما بالقطاع كانت ملكا للمقطع ،وإن أحياها غير عالمٍ
بالقطاع ،خيّر المقطع بين أخذها وإعطاء المحيي نفقة عمارته ،وبين تركها للمحيي
والرّجوع عليه بقيمة الرض المحياة .وقال سحنون من المالكيّة :ل تخرج عن ملك محييها
ولو طال اندراسها ،وإن أعمرها غيره لم تخرج عن ملك الوّل .
ل منها .فإن
ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة مدّةً معيّنةً ،واعتبروا القدرة على الحياء بد ً
مضى زمان يقدر على إحيائها فيه قيل له :إمّا أن تحييها فتقرّ في يدك ،وإمّا أن ترفع يدك
عنها لتعود إلى حالها قبل القطاع .وقد اعتبر الحنابلة العذار المقبولة مسوّغا لبقائها على
ملكه بدون إحياءٍ ،إلى أن يزول العذر .
واستدلّ الحنفيّة بأنّ عمر رضي ال عنه جعل أجل القطاع إلى ثلث سنين .
وقال الشّافعيّة :إنّ التّأجيل ل يلزم ،وتأجيل عمر يجوز أن يكون لسببٍ اقتضاه .
وقف القطاعات :
- 24إنّ وقف القطاع يدور صحّةً وعدما على ثبوت الملكيّة وعدمه للواقف ،فمن أثبتها له
بوجهٍ من الوجوه حكم بصحّة وقف القطاع ،ومن لم يثبتها لم يحكم بصحّته .
ن ،مع أنّه ل يملك ما
ن للمام أن يقف شيئا من بيت المال على جه ٍة أو شخصٍ معيّ ٍ
على أ ّ
يقفه ،إذا كان في ذلك مصلحة .
القطاع بشرط العوض :
- 25الصل في إقطاع التّمليك :أن يكون مجرّدا عن العوض ،فإن أقطعه المام على أنّ
ل عامٍ كذا جاز وعمل به ،ومحلّ العوض المأخوذ بيت مال المسلمين ،ل
عليه كذا أو ك ّ
يختصّ المام به ،لعدم ملكه لما أقطعه ،وهو رأي الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ورأي للشّافعيّة
ن للمام أن يفعل ما يراه مصلحةً للمسلمين .وهناك رأي للشّافعيّة بخلفه ،وعلّلوه
،حيث إ ّ
بأنّ القطاع عطيّة وهبة وصلة وليس بيعا ،والثمان من صفة البيع .
أقطع *
التّعريف :
- 1القطع لغةً :مقطوع اليد .
وعند الفقهاء :يستعمل في مقطوع اليد أو الرّجل .وفي العمل النّاقص أو قليل البركة .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
« - 2ك ّل أمرٍ ل يبدأ فيه ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم فهو أقطع » كما ورد في الحديث .
- 3والمكلّف إن كان مقطوع اليد أو الرّجل يسقط عنه الجهاد إن كان فرض كفاي ٍة ،لنّه إذا
سقط عن العرج فالقطع أولى ،ولنّه يحتاج إلى الرّجلين في المشي ،واليدين ليتّقي
بأحدهما ويضرب بالخرى .
ومن الفقهاء من يجعل بعض المراض الّتي تصيب اليد أو الرّجل عذرا يمنع الخروج للقتال
كذلك .
- 4ومن قطعت يده أو رجله يسقط عنه فرض غسل العضو المقطوع في الوضوء والغسل
( ر :وضوء ،غسل ) .
-5وقطع اليد والرّجل صفة نقصٍ في إمام الصّلة ،ولذلك كره بعض الفقهاء إمامته لغيره ،
ومنهم من منعها ،وتفصيل ذلك في شروط المامة .
-6وإن قطع القطع من غيره عضوا مماثلً للعضو المقطوع أو غير مماثلٍ ففي ذلك تفصيل
ينظر في ( قصاص ) .وكذلك إذا سرق ففي إقامة الحدّ عليه تفصيل ( :ر :سرقة ) .
إقعاء *
التّعريف :
- 1القعاء عند العرب :إلصاق الليتين بالرض ،ونصب السّاقين ووضع اليدين على
الرض ،وقال ابن القطّاع :أقعى الكلب :جلس على أليتيه ونصب فخذيه ،وأقعى الرّجل :
جلس تلك الجلسة .
وللفقهاء في القعاء تفسيران :
الوّل :نحو المعنى اللّغويّ ،وهو اختيار الطّحاويّ من الحنفيّة .
والثّا ني :أن ي ضع أليت يه على ع قبيه ،وي ضع يد يه على الرض ،و هو اختيار الكرخ يّ من
الحنفيّة .
وجلسة القعاء غير التّورّك والفتراش ،فالفتراش أن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي
ظهرها الرض وينصب يمناه .ويخرجها من تحته ،ويجعل بطون أصابعها على الرض
معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة .
والتّورّك إفضاء ألينة وورك وسناق الرّجنل اليسنرى للرض ،ونصنب الرّجنل اليمننى على
اليسرى ،وباطن إبهام اليمنى للرض ،فتصير رجله معا من الجانب اليمن .
الحكم الجماليّ :
ن رسول اللّه
- 2القعاء بالمعنى الوّل مكروه في الصّلة عند أكثر الفقهاء ،لما روي أ ّ
صلى ال عليه وسلم « نهى عن القعاء في الصّلة » .وعند المالكيّة :القعاء بهذه الصّورة
حرام ،ولكن ل تبطل به الصّلة .وأمّا القعاء بالمعنى الثّاني فمكروه أيضا عند الحنفيّة ،
ن الكراهة تنزيهيّة عند الحنفيّة .
والمالكيّة ،والحنابلة ،إلّ أ ّ
ي قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
استدلّ الحنابلة على هذا الرّأي رواه الحارث عن عل ّ
وسلم « :ل تقع بين السّجدتين » .وعند الشّافعيّة :القعاء بهذه الكيفيّة بين السّجدتين سنّة ،
ففي مسلمٍ « القعاء سنّة نبيّنا صلى ال عليه وسلم » وفسّره العلماء بهذا ،ونصّ عليه
الشّافعيّ في البويطيّ والملء في الجلوس بين السّجدتين ،ونقل عن أحمد بن حنبلٍ أنّه قال :
ل أفعل ول أعيب من فعله ،وقال :العبادلة كانوا يفعلونه .
أمّا القعاء في الكل فل يكره ،روى أنس رضي ال عنه قال « :رأيت رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم جالسا مقعيا يأكل تمرا » .
أقلف *
التّعريف :
- 1القلف :هو الّذي لم يختن ،والمرأة قلفاء ،والفقهاء يخصّون أحكام القلف بالرّجل دون
المرأة .ويقابل القلف في المعنى :المختون .
وإزالة القلفة من القلف تسمّى ختانا في الرّجل ،وخفضا في المرأة .
حكمه التّكليفيّ :
- 2اتّفق الفقهاء على أنّ إزالة القلفة من القلف من سنن الفطرة ،لتضافر الحاديث على
ذلك ،ومنها قوله صلى ال عليه وسلم « :الفطرة خمس :الختان ،والستحداد ،وقصّ
الشّارب ،وتقليم الظافر ،ونتف البط » .كما سيأتي تفصيل ذلك في ( ختان ) .
ن الختان فرض .وهو قول ابن عبّاسٍ وعليّ بن أبي
ل إلى أ ّ
وذهب الشّافعيّة وأحمد بن حنب ٍ
ن القلف
ي ويحيى بن سعيدٍ وغيرهم ،وعلى هذا فإ ّ
طالبٍ والشّعبيّ وربيعة الرّأي والوزاع ّ
تارك فرضٍ ،ومنهم من ذهب إلى أنّه سنّة كأبي حنيفة والمالكيّة ،وهو قول الحسن البصريّ
.
- 3يختصّ القلف ببعض الحكام :
أ -ردّ شهادته عند الحنفيّة إن كان تركه الختتان لغير عذرٍ .وهو ما يفهم من مذهبي
الشّافعيّة والحنابلة ،لنّهم يقولون بوجوب الختتان ،وترك الواجب فسق ،وشهادة الفاسق
مردودة .وذهب المالكيّة إلى كراهة شهادته .
ب -جواز ذبيحة القلف وصيده ،لنّه ل أثر للفسق في الذّبيحة والصّيد ،ولذلك فقد ذهب
ن ذبيحة القلف وصيده يؤكلن ،لنّ ذبيحة
الجمهور -وهو الصّحيح عند الحنابلة -إلى أ ّ
النّصرانيّ تؤكل فهذا أولى .وروي عن ابن عبّاسٍ ،وعكرمة وأحمد بن حنبلٍ أنّ ذبيحة
القلف ل تؤكل ،وقد بيّن الفقهاء ذلك في كتاب الذّبائح والصّيد .
ج -إذا كان الختتان -إزالة القلفة -فرضا ،أو سنّةً ،فلو أزالها إنسان بغير إذن صاحبها
فل ضمان عليه .
د -اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان هناك حرج في غسل ما تحت القلفة فل يطلب تطهيرها دفعا
للحرج .
أمّا إذا كان تطهيرها ممكنا من غير حرجٍ فالشّافعيّة والحنابلة يوجبون تطهير ما تحت القلفة
في الغسل والستنجاء ،لنّها واجبة الزالة ،وما تحتها له حكم الظّاهر .
وذهب الحنفيّة إلى استحباب غسلها في الغسل والستنجاء ،ويفهم من عبارة مواهب الجليل
ن المالكيّة ل يرون وجوب غسل ما تحت القلفة .
أّ
هن – ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وهم من يقولون بوجوب تطهير ما تحت القلفة ،إلى أنّه إذا
ح طهارته ،وبالتّالي ل تصحّ إمامته .
لم يغسل ما تحتها ل تص ّ
ح إمامته عندهم مع الكراهة التّنزيهيّة ،والمالكيّة يرون جواز إمامة
وأمّا الحنفيّة فتص ّ
القلف ،ولكنّهم يرون كراهة تعيينه إماما راتبا ،ومع هذا لو صلّى النّاس خلفه لم يعيدوا
صلتهم .
أقلّ الجمع *
التّعريف :
- 1الجمع في اللّغة :تأليف المتفرّق ،وض ّم الشّيء بتقريب بعضه من بعض .
ل على جملة آحادٍ مقصودةٍ بحروف مفرده بتغيّرٍ ما
وفي اصطلح النّحاة والصّرفيّين .اسم د ّ
ل الجمع من حيث العدد آراء :
.وفيما يفيده أق ّ
أ -رأي النّحاة والصّرفيّين :
- 2أفاد الرّضيّ في الكافية أنّه ل يجوز إطلق الجمع على الواحد والثنين ،فل يقع رجال
على رجلٍ ول رجلين ، .وصرّح ابن يعيشٍ بأنّ القليل الّذي جعل القلّة له هو الثّلثة فما
فوقها إلى العشرة .
ب -رأي الصوليّين والفقهاء :
- 3ذكر الصوليّون الخلف في أقلّ عد ٍد تطلق عليه صيغة الجمع ،فجاء في التّلويح ،
ن أكثر الصّحابة والفقهاء وأئمّة اللّغة ذهبوا إلى أنّ أقلّ الجمع ثلثة
ونحوه في مسلّم الثّبوت :أ ّ
ح الطلق على أقلّ منه إلّ مجازا ،حتّى لو حلف ل يتزوّج نسا ًء ل يحنث بتزوّج
،فل يص ّ
ن أقلّ الجمع
امرأتين .وذهب بعضهم كحجّة السلم الغزاليّ ،وسيبويه من النّحاة ،إلى أ ّ
اثنان حقيقةً ،حتّى يحنث بتزوّج امرأتين .
ل فريقٍ ،وال ّردّ عليها ،
وقيل :ل يصحّ للثنين ل حقيقةً ول مجازا .وبعد عرض أدلّة ك ّ
ن النّزاع ليس في لفظ الجمع المؤلّف من ( ج م ع ) وإنّما
يذكر صاحبا التّلويح ومسلّم الثّبوت أ ّ
ل ومسلمين .
النّزاع في المسمّى ،أي في الصّيغ المسمّاة به ،كرجا ٍ
ن أقلّ الجمع
وذكر القرطبيّ عند تفسير قوله تعالى { :فإن كان له إخوة فلمّه السّدس } أ ّ
ن التّثنية جمع شي ٍء إلى مثله ،واستدلّ برأي سيبويه فيما يرويه عن الخليل .
اثنان ،ل ّ
ن أقلّ الجمع اثنان الميراث لنّه قال بعد ذلك :وممّن قال
ن القرطبيّ أراد بقوله :إ ّ
والظّاهر أ ّ
ن أقلّ الجمع ثلثة -وإن لم يقل به هنا ( -يقصد الميراث ) ابن مسعودٍ والشّافعيّ وأبو
:إّ
ن أقلّ الجمع عند الفقهاء ثلثة فصاعدا
حنيفة وغيرهم .وبالنّظر في أبواب الفقه المختلفة نجد أ ّ
عدا الميراث ،وسيأتي بيان ذلك .
ج -رأي الفرضيّين :
ن أقلّ الجمع اثنان ،فقد جاء في العذب الفائض
- 4الفرضيّون -عدا ابن عبّاسٍ -يعتبرون أ ّ
ن أقلّ الجمع اثنان ،قال ابن سراقة وقد ورد ذلك في
عند الكلم على ميراث المّ مع الخوة أ ّ
القرآن الكريم كقوله تعالى { :هذان خصمان اختصموا في ربّهم } .يريد اختصما ،ثمّ قال :
ومن أهل اللّغة من يجعل الثنين جمعا حقيقةً ،وقد حكي عن الفرّاء أنّه قال :أوّل الجمع
التّثنية ،وهو الصل في اللّغة ،والثنان من جنس الخوة يردّان المّ إلى السّدس وجاء في
ن حكم الثنين في الميراث حكم الجماعة ،فحكم البنتين والختين كحكم البنات
السّراجيّة أ ّ
والخوات في استحقاق الثّلثين ،فكذا في الحجب .
وهذا الحكم لم يخالف فيه سوى ابن عبّاسٍ .
ما يتفرّع على هذه القاعدة :
ل -عند الفقهاء :
أ ّو ً
- 5يبني الفقهاء أحكامهم على اعتبار أنّ أقلّ الجمع ثلثة ،وهذا فيما يستعمل فيه من
المسائل الفقهيّة المتفرّقة عدا مسائل الميراث ،عند جميع الفقهاء ،والوصيّة كذلك عند الحنفيّة
ن أقلّ الجمع اثنان ،وذلك كما جاء في عباراتهم .ويجب أن
،فتبنى الحكام فيها باعتبار أ ّ
يلحظ أنّ المقصود هو الجمع المنكّر كما سنرى في المثلة -إذ هو الّذي يت ّم الحكم بانطباقه
ل ما ينطبق عليه .
على ثلث ٍة من أفراده باعتبارها أق ّ
المثلة في غير الميراث :
- 6أ -في الوصيّة :من وصّى بكفّارة أيمانٍ فأقلّ ما يجب لتنفيذ هذه الوصيّة أن يكفّر عنه
ن الثّلثة أقلّ الجمع ،وهذا عند الجمهور .أمّا عند الحنفيّة فيجب التّكفير عن
ثلثة أيمانٍ ،ل ّ
يمينين فصاعدا ،اعتبارا لمعنى الجمع ،وأقلّه اثنان في الوصيّة ،والوصيّة أخت الميراث ،
وفي الميراث أقلّ الجمع اثنان .
ب -في الوقف :من وقف لجماعةٍ أو لجم ٍع من أقرب النّاس إليه صرف ريع الوقف إلى
ثلثةٍ ،لنّها أقلّ الجمع ،فإن لم يبلغ أقرب النّاس إليه ثلث ًة يتمّم العدد ممّا بعد الدّرجة الولى
.فمثلً :إن كان لمن وقف ابنان وأولد ابنٍ ،فإنّه يخرج من أولد ابنه واحد منهم بالقرعة .
ويضمّ للبنين ويعطون الوقف .
ج -في القرار :لو قال :له عندي دراهم ،لزمه ثلثة دراهم ،لنّه جمع ،وأقلّ الجمع
ثلثة .
ل يكلّم غيره أيّاما أو شهورا أو سنين ،
د -في اليمين :من حلف على ترك شيءٍ ،أو على أ ّ
منكّرا لفظ اليّام والشّهور والسّنين لزمه ثلثة ،لنّه أقلّ الجمع .
ن أقلّ الجمع اثنان .ويتّضح ذلك في
-7أمّا بالنّسبة للميراث فتبنى الحكام فيه باعتبار أ ّ
ل ما روي عن ابن عبّاسٍ -على أنّ الخوين
ميراث المّ مع الخوة ،فقد أجمع أهل العلم -إ ّ
( فصاعدا ) ذكورا كانوا أو إناثا يحجبان المّ عن الثّلث إلى السّدس ،عملً بظاهر قوله تعالى
ن أقلّ الجمع هنا اثنان ،وقد قال الزّمخشريّ :لفظ
{ :فإن كان له إخوة فلمّه السّدس } .ل ّ
الخوة هنا يتناول الخوين ،لنّ الجمع من الجتماع ،وأنّه يتحقّق باجتماع الثنين .ولنّ
الجمع يذكر بمعنى التّثنية كما في قوله تعالى { :فقد صغت قلوبكما } هذا رأي الجمهور .
وخالف في ذلك ابن عبّاسٍ فجعل الثنين من الخوة في حكم الواحد ول يحجب المّ أقلّ من
س ،فقال له عثمان :إنّ
ثلثٍ ،لظاهر الية ،وقد وقع الكلم في ذلك بين عثمان وابن عبّا ٍ
قومك ( يعني قريشا ) حجبوها -يعني المّ -وهم أهل الفصاحة والبلغة .
ثانيا -عند الصوليّين :
- 8ذكر الصوليّون الخلف في مسمّى الجمع ،وهل يطلق على الثّلثة فأكثر ،أو يصحّ أن
يطلق على الثنين على نحو ما سبق بيانه .
ن الجمع من ألفاظ
وهم يذكرون ذلك في معرض الكلم عن العامّ وتخصيصه ،باعتبار أ ّ
ن العامّ إذا كان جمعا مثل الرّجال جاز تخصيصه إلى الثّلثة ،تفريعا على أنّ
العموم ،وأ ّ
ن التّخصيص إلى ما دون الثّلثة يخرج اللّفظ عن الدّللة على الجمع
ل الجمع ،ل ّ
الثّلثة أق ّ
فيصير نسخا ،وتفصيل هذا ينظر في الملحق الصوليّ .
مواطن البحث :
- 9أقلّ الجمع يستعمل في المسائل الّتي يستعمل فيها الجمع المنكّر ،كالنّذر واليمان والعتق
والطّلق وغير ذلك .
أقلّ ما قيل *
التّعريف :
- 1الخذ بأقلّ ما قيل عند الصوليّين أن يختلف الصّحابة في أمرٍ مق ّدرٍ على أقاويل ،فيؤخذ
ي هل هي مساوية
بأقلّها ،إذا لم يدلّ على الزّيادة دليل .وذلك مثل اختلفهم في دية اليهود ّ
لدية المسلم ،أو على النّصف ،أو على الثّلث ؟ فالقول بأقلّها وهو الثّلث – أخذ بأقلّ ما قيل .
ويقاربه :الخذ بأخفّ ما قيل .والفرق بينهما هو من حيث الكمّ والكيف .
ويقابله :الخذ بأكثر ما قيل .
الحكم الجماليّ :
- 2اختلف الصوليّون في الخذ بأقلّ ما قيل ،هل يعتبر دليلً يعتمد في إثبات الحكم ؟ فأثبته
المام الشّافعيّ ،والباقلّانيّ من المالكيّة ،وقال القاضي عبد الوهّاب منهم :وحكى بعض
الصوليّين إجماع أهل النّظر عليه .
ل بأنّه يؤخذ بأكثر ما قيل ،ليخرج عن عهدة
ونفاه جماعة ،منهم ابن حزمٍ ،بل حكى قو ً
التّكليف بيقينٍ ،وكما اختلفوا في الخذ بالقلّ اختلفوا في الخذ بالخفّ ومحلّ تفصيل ذلك
الملحق الصوليّ .
مواطن البحث :
- 3ذكر الصوليّون الخذ بأقلّ ما قيل في مبحث الستدلل .والستدلل هنا في اصطلحهم
ص ول إجماعٍ ول قياسٍ .كما ذكروه في الكلم على الجماع
:ما كان من الدلّة ليس بن ّ
لبيان علقته به .
اكتحال *
التّعريف :
- 1الكتحال لغ ًة :مصدر اكتحل .يقال اكتحل :إذا وضع الكحل في عينه .وهو في
الصطلح مستعمل بهذا المعنى .
الحكم الجماليّ :
- 2استحبّ الحنابلة والشّافعيّة الكتحال وترا ،لقوله عليه الصلة والسلم « :من اكتحل
فليوتر » ،وأجازه مالك في أحد قوليه للرّجال ،وكرهه في قوله الخر للتّشبّه بالنّساء .
ن الممنوع
أمّا الحنفيّة ،فقالوا بالجواز إذا لم يقصد به الرّجل الزّينة ،وأوضح بعض الحنفيّة أ ّ
هو التّزيّن للتّكبّر ،ل بقصد الجمال والوقار .ول خلف في جواز الكتحال للنّساء ولو بقصد
الزّينة ،وكذلك للرّجال بقصد التّداوي .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( تزيّن ) .
الكتحال بالمتنجّس :
- 3ينبغي أن يكون ما يكتحل به طاهرا حللً ،أمّا الكتحال بالنّجس أو المحرّم فهو غير
جائزٍ لعموم النّهي عن ذلك .أمّا إذا كان الكتحال لضرور ٍة فقد أجازه الحنفيّة والشّافعيّة
والحنابلة ،ومنعه المالكيّة .
الكتحال في الحرام :
- 4أجاز الحنفيّة الكتحال بالثمد للمحرم بغير كراه ٍة ما دام بغير طيبٍ ،فإذا كان بطيبٍ
وفعله مرّةً أو مرّتين فعليه صدقة ،فإن كان أكثر فعليه دم .ومنعه المالكيّة وإن كان من غير
طيبٍ ،إلّ إذا كان لضرورةٍ ،فإن اكتحل فعليه الفدية .وأجازه الشّافعيّة والحنابلة مع الكراهة
،واشترط الحنابلة عدم قصد الزّينة به ( .ر -إحرام ) .
الكتحال في الصّوم :
- 5إذا اكتحل الصّائم بما يصل إلى جوفه فعند الحنفيّة والشّافعيّة -وهو اختيار ابن تيميّة -
ل يفسد صومه ،وإن وجد طعمه في حلقه ،ولونه في نخامته ،لنّه لم يصل إلى الجوف من
منفذٍ مباشرٍ ،بل بطريق المسامّ .وقال المالكيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة :إنّه يفسد صومه
إذا وصل إلى الحلق .وللتّفصيل ينظر ( صوم ) .
الكتحال للمعتدّة من الوفاة :
- 6إذا كان الكتحال بما ل يتزيّن به عاد ًة فل بأس به عند الفقهاء ليلً أو نهارا .أمّا إذا
كان ممّا يتزيّن به كالثمد ،فالصل عدم جوازه إلّ لحاج ٍة ،فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز .
وصرّح المالكيّة أنّ المراد -في هذه الحال -تكتحل ليلً وتغسله نهارا وجوبا .
الكتحال للمعتدّة من الطّلق :
- 7اتّفق الفقهاء على إباحة الكتحال للمعتدّة من طلقٍ رجعيّ .بل صرّح المالكيّة بأنّه
يفرض على زوج المعتدّة ثمن الزّينة الّتي تستضرّ بتركها .
ن .قال الحنفيّة ،وهو رأي للشّافعيّة والحنابلة :يجب
واختلفوا في المعتدّة من طلقٍ بائ ٍ
عليها ترك الكتحال والزّينة ،وفي رأيٍ للشّافعيّة والحنابلة :يستحسن لها ذلك .
أمّا المالكيّة فعندهم الباحة مطلقا للمطلّقة ( ر -عدّة ) .
الكتحال في العتكاف :
- 8تكلّم الشّافعيّة على الزّينة في العتكاف والكتحال فيه ،وصرّحوا بأنّه ل يضرّ فيه
الكتحال ول الزّينة .وقواعد المذاهب الخرى ل تنافيه ( .ر -اعتكاف ) .
الكتحال في يوم عاشوراء :
- 9تكلّم الحنفيّة على الكتحال في يوم عاشوراء وعلى استحبابه ،وأبانوا بأنّه لم يرد في ذلك
نصّ صحيح ،وقال بعضهم :بأنّه بدعة ( .ر -بدعة ) .
اكتساب *
التّعريف :
- 1الكتساب :طلب الرّزق وتحصيل المال على العموم .وأضاف الفقهاء إلى ذلك ما
ل من السباب .
يفصح عن الحكم ،فقالوا :الكتساب هو تحصيل المال بما ح ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكسب :
ل ببذل الجهد ،أمّا الكسب فإنّه ل
ن الكتساب ل يكون إ ّ
- 2يفترق الكسب عن الكتساب بأ ّ
يعني أكثر من الصابة ،يقال :كسب مالً :إذا أصاب مالً ،سواء كان ذلك ببذل جهدٍ ،بأن
اكتسبه بعرق جبينه ،أو كسبه من غير جهدٍ ،كما إذا آل إليه بميراثٍ مثلً .
ب -الحتراف ،أو العمل :
- 3يفترق الكتساب عن الحتراف أو العمل بأنّهما من وسائل الكتساب ،وليسا باكتسابٍ ،
إذ الكتساب قد يكون باحتراف حرفةٍ ،وقد يكون بغير احتراف حرف ٍة ،كمن يعمل يوما عند
نجّارٍ ،ويوما عند حدّادٍ ،ويوما حمّالً ،دون أن يبرع أو يستقرّ في عملٍ .
الحكم التّكليفيّ :
ن الكتساب فرض على المحتاج إليه إذا كان قادرا عليه ،لنّه به
- 4أ -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
يقوم المكلّف بما وجب عليه من التّكاليف الماليّة ،من النفاق على النّفس والزّوجة والولد
الصّغار ،والبوين المعسرين ،والجهاد في سبيل اللّه وغير ذلك .
ب -ويفصّل ابن مفلحٍ الحنبليّ حكم الكتساب بحسب أحوال المكتسب ،وخلصة كلمه :
يسنّ التّكسّب مع توفّر الكفاية للمكتسب ،قال المروزيّ :سمعت رجلً يقول لبي عبد اللّه
أحمد بن حنبلٍ :إنّي في كفايةٍ ،قال المام أحمد :الزم السّوق تصل به رحمك ،وتعد به
على نفسك .
ويباح التّكسّب لزيادة المال والجاه والتّرفّه والتّنعّم والتّوسعة على العيال ،مع سلمة الدّين
والعرض والمروءة وبراءة ال ّذمّة .
ويجب التّكسّب على من ل قوت له ولمن تلزمه نفقته ،وعلى من عليه دين أو نذر طاعةٍ أو
كفّارة .وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبواب النّفقة .
ن طلب المرء من الكسب قدر
ويرى الماورديّ -الشّافعيّ -في كتابه أدب الدّنيا والدّين :أ ّ
كفايته ،والتماسه منه وفق حاجته هو أحمد أحوال الطّالبين ،وأعدل مراتب القاصدين .
من ل يكلّف الكتساب :
- 5أ -ل تكلّف المرأة الكتساب للنفاق على نفسها أو على غيرها ،وتكون نفقتها إن كانت
فقيرةً واجبةً على غيرها ،سواء كانت متزوّج ًة أم ليست بذات زوجٍ .
ب -ول يكلّف الصّغير الّذي ليس بأهلٍ للكسب الكتساب ،ومن جملة هذه الهليّة القدرة
الجسديّة والفكريّة الّتي يفرّق فيها بين الحلل والحرام ،لما روى المام مالك في الموطّأ عن
عثمان بن عفّان أنّه قال :ل تكلّفوا الصّغير الكسب ،فإنّه إذا لم يجد سرق .
أمّا الكبير فإنّه يكلّف الكتساب كما تقدّم .
طرق الكتساب :
- 6إذا كان الكتساب ل ب ّد فيه من بذل الجهد -على خلف الكسب الّذي قد يكون ببذل
الجهد ،وقد يكون بغير بذل جهدٍ -فإنّه ل يكون إلّ بالعمل ،وعندئذٍ يشترط في العمل أن
يكون حللً ،فل يجوز الكتساب بتقديم الخمر لشاربيه ،سواء احترف ذلك أم لم يحترفه ،
كما يكره الكتساب عن طريق حرفةٍ وضيعةٍ بقيودٍ وشروطٍ ذكرت في ( احتراف ) .
أكدريّة *
التّعريف :
- 1الكدريّة هي :إحدى المسائل الملقّبات في الفرائض ،وهي زوج ،وأمّ ،وجدّ ،وأخت
لبٍ وأمّ ،أو لبٍ .ولقّبت هذه المسألة بالكدريّة ،لنّها واقعة امرأ ٍة من بني أكدر ماتت
وخلّفت أولئك الورثة المذكورين ،واشتبه على زيدٍ مذهبه فيها فنسبت إليها .وقيل :إنّ
شخصا من هذه القبيلة كان يحسن مذهب زيدٍ في الفرائض ،فسأله عبد الملك بن مروان عن
هذه المسألة فأخطأ في جوابها ،فنسبت إلى قبيلته .وقيل :سمّيت بذلك لنّها كدّرت على زيد
بن ثابتٍ أصوله في التّوريث ،وقيل :لنّ الجدّ كدّر على الخت نصيبها ،وأهل العراق
يسمّونها الغرّاء ،لشهرتها فيما بينهم .وللعلماء في هذه المسألة ثلثة مذاهب :
- 2أحدها :مذهب زيد بن ثابتٍ رضي ال عنه ،وبه أخذ الشّافعيّة والحنابلة ،وهو أنّ
للزّوج النّصف ،ولل ّم الثّلث ،وللجدّ السّدس وللخت النّصف ،ثمّ يض ّم نصيب الجدّ إلى
نصيب الخت ،ويقسم مجموع النّصيبين بينهما للذّكر مثل حظّ النثيين .
أصل المسألة من ستّةٍ ،وتعول إلى تسعةٍ :للزّوج ثلثة ،وللمّ اثنان ،وللجدّ واحد ،
وللخت ثلثة ،ومجموع النّصيبين أربعة ،فنقسمها على الجدّ والخت للذّكر مثل حظّ
ح من سبع ٍة وعشرين :للزّوج تسعة ،ولل ّم ستّة ،وللجدّ ثمانية ،وللخت
النثيين ،وتص ّ
أربعة .فقد جعل زيد هاهنا الخت ابتداءً صاحبة فرضٍ ،كي ل تحرم الميراث بالمرّة ،
وجعلها عصب ًة بالخرة ،كي ل يزيد نصيبها على نصيب الجدّ الّذي هو كالخ .
المذهب الثّاني :وهو قول أبي بكرٍ وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم ،حاصله :للزّوج النّصف ،
وللمّ الثّلث ،والسّدس الباقي للجدّ ،وتسقط الخت ،وقد أخذ بهذا أبو حنيفة .
المذهب الثّالث :وهو قول عمر وابن مسعودٍ ،للزّوج النّصف ،وللخت النّصف ،وللمّ
السّدس ،وللجدّ السّدس ،وأصلها من ستّ ٍة وتعول إلى ثمانيةٍ ،للزّوج ثلثة ،وثلثة للخت
أيضا والجدّ يأخذ سدسا عائلً وهو واحد ،وكذا المّ .وإنّما جعلوا للمّ السّدس كي ل
يفضّلوها على الجدّ .
صلة الكدريّة بغيرها من المسائل الملقّبات :
- 3الكدريّة إن لم يكن فيها زوج فهي الخرقاء ،وإن لم يكن فيها جدّ كانت المباهلة ،وإن
لم يكن فيها أخت كانت إحدى الغرّاوين ،وأحكام هذه المسائل تذكر في ( إرث ) .
إكراه *
التّعريف :
- 1قال في لسان العرب :أكرهته ،حملته على أمرٍ هو له كاره -وفي مفردات الرّاغب
ل الكره والكره في غير موضعٍ من
نحوه -ومضى صاحب اللّسان يقول :وذكر اللّه عزّ وج ّ
كتابه العزيز ،واختلف القرّاء في فتح الكاف وضمّها .قال أحمد بن يحيى :ول أعلم بين
الحرف الّتي ضمّها هؤلء وبين الّتي فتحوها فرقا في العربيّة ،ول في سنّةٍ تتبع .وفي
المصباح المنير ":ال َكرْه ( بالفتح ) :المشقّة ،وبالضّمّ :القهر ،وقيل ( :بالفتح ) :الكراه ،
ضمّ " المشقّة .وأكرهته على المر إكراها :حملته عليه قهرا .يقال :فعلته َكرْها "
" وبال ّ
ضدّين .
بالفتح " أي إكراها -وعليه قوله تعالى { :طوعا أو كرها } فجمع بين ال ّ
ولخصّ ذلك كلّه فقهاؤنا إذ قالوا :الكراه لغ ًة :حمل النسان على شيءٍ يكرهه ،يقال :
أكرهت فلنا إكراها :حملته على أم ٍر يكرهه .وال َكرْه " بالفتح " اسم منه ( أي اسم مصدرٍ )
.أمّا الكراه في اصطلح الفقهاء فهو :فعل يفعله المرء بغيره ،فينتفي به رضاه ،أو يفسد
ي بأنّه :حمل الغير على أم ٍر يمتنع عنه بتخويفٍ يقدر الحامل على
به اختياره .وعرّفه البزدو ّ
إيقاعه ويصير الغير خائفا به .
أو هو :فعل يوجد من المكرِه ( بكسر الرّاء ) فيحدث في المحلّ ( أي المكَره بفتح الرّاء )
معنًى يصير به مدفوعا إلى الفعل الّذي طلب منه .والمعنى المذكور في هذا التّعريف ،
فسّروه بالخوف ،ولو ممّا يفعله الحكّام الظّلمة بالمتّهمين كيدا .فإذا كان الدّافع هو الحياء مثلً
،أو التّودّد ،فليس بإكراهٍ .
- 2والفعل -في جانب المكِره ( بكسر الرّاء ) ليس على ما يتبادر منه من خلف القول ،
ولو إشارة الخرس ،أو مجرّد الكتابة ،بل هو أعمّ ،فيشمل التّهديد -لنّه من عمل اللّسان
-ولو مفهوما بدللة الحال من مجرّد المر :كأمر السّلطان أو المير ،وأمر قاطع الطّريق ،
وأمر الخانق الّذي يبدو منه الصرار .
والحنفيّة يقولون :أمر السّلطان ،إكراه -وإن لم يتوعّد -وأمر غيره ليس بإكرا ٍه ،إلّ أن
يعلم تضمّنه التّهديد بدللة الحال .
وغير الحنفيّة يسوّون بين ذوي البطش والسّطوة أيّا كانوا ،وصاحب المبسوط نفسه من
ن من عادة المتجبّرين التّرفّع عن التّهديد بالقتل ،ولكنّهم ل يعاقبون مخالفيهم
الحنفيّة يقول :إ ّ
إلّ به .
- 3ثمّ المراد بالفعل المذكور -فعل واقع على المكَره ( بالفتح ) نفسه -ولو كان تهديدا
بأخذ أو حبس ماله الّذي له وقع ،ل التّافه الّذي ل يعتدّ به ،أو تهديدا بالفجور بامرأته إن لم
يطلّقها .ويستوي التّهديد المقترن بالفعل المهدّد به -كما في حديث :أخذ عمّار بن ياسرٍ ،
وغطّه في الماء ليرتدّ .والتّهديد المجرّد ،خلفا لمن لم يعتدّ بمجرّد التّهديد ،كأبي إسحاق
المروزيّ من الشّافعيّة ،واعتمد .الخرقيّ من الحنابلة ،تمسّكا بحديث عمّارٍ هذا ،واستدلّ
ل توصّل المعتدون إلى أغراضهم -بالتّهديد المجرّد -
الخرون بالقياس حيث ل فرق ،وإ ّ
دون تحمّل تبع ٍة ،أو هلك الواقع عليهم هذا التّهديد إذا رفضوا النصياع له ،فكان إلقاء
باليدي في التّهلكة ،وكلهما محذور ل يأتي الشّرع بمثله .بل في الثر عن عمر -وفيه
انقطاع -ما يفيد هذا التّعميم :ذلك أنّ رجلً في عهده تدلّى يشتار ( يستخرج ) عسلً ،
ل قطعته ،فذكّرها اللّه والسلم ،فقالت
فوقفت امرأته على الحبل ،وقالت :طلّقني ثلثا ،وإ ّ
:لتفعلن ،أو لفعلن ،فطلّقها ثلثا .ورفعت القصّة إلى عمر ،فرأى طلق الرّجل لغوا ،
وردّ عليه المرأة ،ولذا اعتمد ابن قدامة عدم الفرق .
ويتفرّع على هذا التّفسير أنّه لو وقع التّهديد بقتل رجلٍ ل يمتّ إلى المهدّد بسببٍ ،إن هو لم
ن هذا ل يكون إكراها ،حتّى لو أنّه وقعت الدّللة
يدلّ على مكان شخصٍ بعينه يراد للقتل ،فإ ّ
ممّن طلبت منه ،ثمّ قتل الشّخص المذكور ،لكان الدّا ّل معينا على هذا القتل عن طواعيةٍ إن
علم أنّه المقصود -والمعيّن شريك للقاتل عند أكثر أهل العلم ،بشرائط خاصّةٍ -وذهب أبو
ن التّهديد في أجنبيّ إكراه في اليمان ،واستظهره ابن رجبٍ .
الخطّاب الحنبليّ إلى أ ّ
- 4والفعل ،في جانب المكرَه ( بفتح الرّاء ) ،هو أيضا أعمّ من فعل اللّسان وغيره ،إلّ أنّ
أفعال القلوب ل تقبل الكراه ،فيشمل القول بل شكّ .
وفيما يسمّيه فقهاؤنا بالمصادرة في أبواب البيوع وما إليها ،الفعل الّذي يطلب من المكَره
( بالفتح ) دفع المال وغرامته ،ل سبب الحصول عليه من بيعٍ أو غيره -كاستقراضٍ -
ب معيّنٍ ،إلّ أنّ المكرِه ( بالكسر ) لم
ح السّبب ويلزم وإن علم أنّه ل مخلص له إلّ بسب ٍ
فيص ّ
يعيّنه له في إكراهه إيّاه .ولذا قالوا :إنّ الحيلة في جعل السّبب مكرها عليه ،أن يقول :
المكرَه ( بالفتح ) :من أين أتى بالمال ؟ فإذا عيّن له المكرِه ( بالكسر ) سببا ،كأن قال له :
بع كذا ،أو عند ابن نجيمٍ اقتصر على المر بالبيع دون تعيين المبيع ،وقع هذا السّبب المعيّن
تحت طائلة الكراه .
ولم يخالف في هذا إلّ المالكيّة -باستثناء ابن كنانة ومتابعيه -إذ جعلوا السّبب أيضا مكرها
عليه بإطلقٍ .
ويشمل التّهديد بإيذاء الغير ،ممّن يحبّه من وقع عليه التّهديد -على الشّرط المعتبر فيما
يحصل به الكراه من أسبابه المتعدّدة -بشريطة أن يكون ذلك المحبوب رحما محرما ،أو -
كما زاد بعضهم -زوجةً .
والمالكيّة ،وبعض الحنابلة يقيّدونه بأن يكون ولدا وإن نزل ،أو والدا وإن عل .والشّافعيّة
ل بكونه ممّن يشقّ على
-وخرّجه صاحب القواعد الصوليّة من الحنابلة -ل يقيّدونه إ ّ
المكرَه ( بالفتح ) إيذاؤه مشقّ ًة شديد ًة كالزّوجة ،والصّديق ،والخادم .ومال إليه بعض
الحنابلة .حتّى لقد اعتمد بعض الشّافعيّة أنّ من الكراه ما لو قال الوالد لولده ،أو الولد لوالده
ل قتلت نفسي ،بخلف ما لو قال :وإلّ كفرت ،لنّه
( دون غيرهما ) :طلّق زوجتك ،وإ ّ
يكفر في الحال .
وفي التّقييد بالولد أو الوالد نظر ل يخفى .
كما أنّه يصدق على نحو اللقاء من شاهقٍ أي :اللجاء بمعناه الحقيقيّ المنافي للقدرة الممكنة
من الفعل والتّرك .
ن الضّرر من جانب المكرَه ( بالفتح ) إن لم يفعل
والمالكيّة -وجاراهم ابن تيميّة -اكتفوا بظ ّ
،وعبارتهم :يكون ( أي الكراه ) بخوف مؤلمٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 5الرّضى والختيار :
الرّضى لغةً :الختيار .يقال :رضيت الشّيء ورضيت به :اخترته .والختيار لغ ًة :أخذ
ما يراه خيرا .
ن جمهور الفقهاء لم يفرّقوا بين الرّضى والختيار ،لكن ذهب
وأمّا في الصطلح ،فإ ّ
الحنفيّة إلى التّفرقة بينهما .
فالرّضى عندهم هو :امتلء الختيار وبلوغه نهايته ،بحيث يفضي أثره إلى الظّاهر من
ظهور البشاشة في الوجه ونحوها .
أو هو :إيثار الشّيء واستحسانه .والختيار عند الحنفيّة هو :القصد إلى مقدورٍ متر ّددٍ بين
الوجود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الخر .أو هو :القصد إلى الشّيء وإرادته .
حكم الكراه :
- 6الكراه بغير حقّ ليس محرّما فحسب ،بل هو إحدى الكبائر ،لنّه أيضا ينبئ بقلّة
الكتراث بالدّين ،ولنّه من الظّلم .وقد جاء في الحديث القدسيّ « :يا عبادي إنّي حرّمت
الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فل تظالموا . » ...
شرائط الكراه
الشّريطة الولى :
- 7قدرة المكرِه ( بالكسر ) على إيقاع ما هدّد به ،لكونه متغلّبا ذا سطو ٍة وبطشٍ -وإن لم
ن تهديد غير القادر ل اعتبار له .
يكن سلطانا ول أميرا -ذلك أ ّ
الشّريطة الثّانية :
- 8خوف المكرَه ( بفتح الرّاء ) من إيقاع ما هدّد به ،ول خلف بين الفقهاء في تحقّق
الكراه إذا كان المخوف عاجلً .فإن كان آجلً ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والذرعيّ
ن الكراه ل يتحقّق
من الشّافعيّة إلى تحقّق الكراه مع التّأجيل .وذهب جماهير الشّافعيّة إلى أ ّ
مع التّأجيل ،ولو إلى الغد .والمقصود بخوف اليقاع غلبة الظّنّ ،ذلك أنّ غلبة الظّنّ معتبرة
عند عدم الدلّة ،وتعذّر التّوصّل إلى الحقيقة .
الشّريطة الثّالثة :
ل أو إتلف عضوٍ ،ولو بإذهاب قوّته مع بقائه كإذهاب البصر ،
- 9أن يكون ما هدّد به قت ً
أو القدرة على البطش أو المشي مع بقاء أعضائها ،أو غيرهما ممّا يوجب غمّا يعدم
الرّضا ،ومنه تهديد المرأة بالزّنى ،والرّجل باللّواط .
أمّا التّهديد بالجاعة ،فيتراوح بين هذا وذاك ،فل يصير ملجئا إلّ إذا بلغ الجوع بالمكره
( بالفتح ) حدّ خوف الهلك .
ثمّ الّذي يوجب غمّا يعدم الرّضا يختلف باختلف الشخاص والحوال :فليس الشراف
كالراذل ،ول الضّعاف كالقوياء ،ول تفويت المال اليسير كتفويت المال الكثير ،والنّظر
في ذلك مفوّض إلى الحاكم ،يقدّر لكلّ واقعةٍ قدرها .
الشّريطة الرّابعة :
- 10أن يكون المكره ممتنعا عن الفعل المكره عليه لول الكراه ،إمّا لحقّ نفسه -كما في
إكراهه على بيع ماله -وإمّا لحقّ شخصٍ آخر ،وإمّا لحقّ الشّرع -كما في إكراهه ظلما
على إتلف مال شخصٍ آخر ،أو نفس هذا الشّخص ،أو الدّللة عليه لذلك أو على ارتكاب
موجب حدّ في خالص حقّ اللّه ،كالزّنى وشرب الخمر .
الشّريطة الخامسة :
- 11أن يكون محلّ الفعل المكره عليه متعيّنا .وهذا عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة على
إطلقه .وفي حكم المتعيّن عند الحنفيّة ،ومن وافقهم من الحنابلة ما لو خيّر بين أمورٍ معيّنةٍ
.ويتفرّغ على هذا حكم المصادرة الّتي سلف ذكره في فقرةٍ .
ن موقف المالكيّة في حالة البهام أدنى إلى مذهب الحنفيّة ،بل أوغل في
ومنه يستنبط أ ّ
العتداد بالكراه حينئذٍ ،لنّهم لم يشترطوا أن يكون مجال البهام أمورا معيّنةً .
أمّا الكراه على طلق إحدى هاتين المرأتين ،أو قتل أحد هذين الرّجلين ،فمن مسائل
الخلف الّذي صدّرنا به هذه الشّريطة :فعند الحنفيّة والمالكيّة ،ومعهم موافقون من الشّافعيّة
والحنابلة ،يتحقّق الكراه برغم هذا التّخيير .
وعند جماهير الشّافعيّة ،وقلّ ٍة من الحنابلة ،ل يتحقّق ،لنّ له مندوحةً عن طلق كلّ بطلق
الخرى -وكذا في القتل -نتيجة عدم تعيين المحلّ .والتّفصيل في الفصل الثّاني .
الشّريطة السّادسة :
ل يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه ،فإن كانت له مندوحة عنه ،ثمّ فعله ل
- 12أ ّ
ن الحكم يختلف تبعا لتساوي هذين
يكون مكرها عليه ،وعلى هذا لو خيّر المكره بين أمرين فإ ّ
ل ،وتفصيل الكلم في ذلك كما يلي :
المرين أو تفاوتهما من حيث الحرمة والح ّ
ل واحدٍ منهما محرّما ل يرخّص فيه ،ول يباح
إنّ المرين المخيّر بينهما إمّا أن يكون ك ّ
أصلً ،كما لو وقع التّخيير بين الزّنى والقتل .
أو يكون كلّ واحدٍ منهما محرّما يرخّص فيه عند الضّرورة ،كما لو وقع التّخيير بين الكفر
ل واح ٍد منهما محرّما يباح عند الضّرورة ،كما لو وقع التّخيير
وإتلف مال الغير .أو يكون ك ّ
بين أكل الميتة وشرب الخمر .أو يكون كلّ واحدٍ منهما مباحا أصال ًة أو للحاجة ،كما لو وقع
التّخيير بين طلق امرأته وبيع شي ٍء من ماله ،أو بين جمع المسافر الصّلة في الحجّ وفطره
في نهار رمضان .
ففي هذه الصّور الربع الّتي يكون المران المخيّر بينهما متساويين في الحرمة أو الحلّ ،
ي واحدٍ من المرين المخيّر بينهما ،وهو الحكم الّذي سيجيء
يترتّب حكم الكراه على فعل أ ّ
ل على الحد الدّائر دون
ل ما يتعلّق به ،لنّ الكراه في الواقع ليس إ ّ
تقريره بخلفاته وك ّ
ن ،وقد خالف في هذا أكثر الشّافعيّة وبعض
ت ،وهذا ل تعدّد فيه ،ول يتحقّق إلّ في معيّ ٍ
تفاو ٍ
الحنابلة ،فنفوا حصول الكراه في هذه الصّور .
وإن تفاوت المران المخيّر بينهما ،فإن كان أحدهما محرّما ل يرخّص فيه ول يباح بحالٍ
كالزّنى والقتل ،فإنّه ل يكون مندوح ًة ،ويكون الكراه واقعا على المقابل له ،سواء أكان هذا
المقابل محرّما يرخّص فيه عند الضّرورة ،كالكفر وإتلف مال الغير ،أم محرّما يباح عند
الضّرورة ،كأكل الميتة وشرب الخمر ،أم مباحا أصالةً أو للحاجة ،كبيعٍ كشيءٍ معيّنٍ من
مال المكره ،والفطار في نهار رمضان ،ويترتّب على هذا الكراه حكمه الّذي سيجيء
تفصيله بخلفاته .
وتكون هذه الفعال مندوحةً مع المحرّم الّذي ل يرخّص فيه ول يباح بحالٍ ،أمّا هو فإنّه ل
يمكن مندوح ًة لواحدٍ منها ،ففي الصّور الثّلث المذكور آنفا ،وهي ما لو وقع التّخيير بين
الزّنى أو القتل وبين الكفر أو إتلف مال الغير ،أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين أكل
ن من المال ،
الميتة أو شرب الخمر ،أو وقع التّخيير بين الزّنى أو القتل وبين بيع شيءٍ معيّ ٍ
فإنّ الزّنى أو القتل ل يكون مكرها عليه ،فمن فعل واحدا منهما كان فعله صادرا عن طواعيةٍ
ل إكرا ٍه ،فيترتّب عليه أثره إذا كان الكراه ملجئا حتّى يتحقّق الذن في فعل المندوحة ،
وكان الفاعل عالما بالذن له في فعل المندوحة عند الكراه .
وإن كان أحد المرين المخيّر بينهما محرّما يرخّص فيه عند الضّرورة ،والمقابل له محرّما
يباح عند الضّرورة ،كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو إتلف مال الغير ،وبين أكل الميتة أو
شرب الخمر ،فإنّهما يكونان في حكم المرين المتساويين في الباحة ،فل يكون أحدهما
مندوح ًة عن فعل الخر ،ويكون الكراه واقعا على فعل كلّ واحدٍ من المرين المخيّر
بينهما ،متى كان بأمرٍ متلفٍ للنّفس أو لحد العضاء .
وإن كان أحد المرين محرّما يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ،والمقابل له مباحا أصالةً
أو للحاجة ،كما لو وقع التّخيير بين الكفر أو شرب الخمر ،وبين بيع شيءٍ من مال المكره
أو الفطر في نهار رمضان ،فإنّ المباح في هذه الحالة يكون مندوحةً عن الفعل المحرّم الّذي
يرخّص فيه أو يباح عند الضّرورة ،وعلى هذا يظلّ على تحريمه ،سواء كان الكراه بمتلفٍ
ن الكراه بغير المتلف ل يزيل الحظر عند
للنّفس أو العضو أو بغير متلفٍ لحدهما ،ل ّ
الحنفيّة مطلقا ،والكراه بمتلفٍ -وإن كان يزيل الحظر -إلّ أنّ إزالته له بطريق
الضطرار ،ول اضطرار مع وجود المقابل المباح .
تقسيم الكراه
ينقسم الكراه إلى :إكرا ٍه بحقّ ،وإكراهٍ بغير حقّ .والكراه بغير حقّ ينقسم إلى إكراهٍ
ملجئٍ ،وإكرا ٍه غير ملجئٍ .
أوّلً :الكراه بحقّ :
تعريفه :
- 13هو الكراه المشروع ،أي الّذي ل ظلم فيه ول إثم .وهو ما توافر فيه أمران :الوّل
:أن يحقّ للمكره التّهديد بما هدّد به .الثّاني :أن يكون المكره عليه ممّا يحقّ للمكره اللزام
به .وعلى هذا فإكراه المرتدّ على السلم إكراه بحقّ ،حيث توافر فيه المران ،وكذلك
إكراه المدين القادر على وفاء الدّين ،وإكراه المولي على الرّجوع إلى زوجته أو طلقها إذا
مضت مدّة اليلء .
أثره :
- 14والعلماء عادةً يقولون :إنّ الكراه بحقّ ،ل ينافي الطّوع الشّرعيّ -وإلّ لم تكن له
فائدة ،ويجعلون من أمثلته إكراه العنّين على الفرقة ،ومن عليه النّفقة على النفاق ،والمدين
والمحتكر على البيع ،وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطّريق يحتاج إليها
من أجل التّوسيع ،ومن معه طعام يحتاجه مضطرّ .
ثانيا :الكراه بغير حقّ :
تعريفه :
- 15الكراه بغير حقّ هو الكراه ظلما ،أو الكراه المحرّم ،لتحريم وسيلته ،أو لتحريم
المطلوب به .ومنه إكراه المفلس على بيع ما يترك له ..
الكراه الملجئ والكراه غير الملجئ :
- 16تقسيم الكراه إلى ملجئٍ وغير ملجئٍ يتفرّد به الحنفيّة .
فالكراه الملجئ عندهم هو الّذي يكون بالتّهديد بإتلف النّفس أو عض ٍو منها ،أو بإتلف
جميع المال ،أو بقتل من يهمّ النسان أمره .
وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضى ويفسد الختيار ول يعدمه .أمّا إعدامه للرّضى ،فلنّ
الرّضا هو الرّغبة في الشّيء والرتياح إليه ،وهذا ل يكون مع أيّ إكراهٍ .
ن الختيار هو :القصد إلى فعل الشّيء أو تركه
وأمّا إفساده للختيار دون إعدامه ،فل ّ
ح من الفاعل ،وهذا المعنى ل يزول بالكراه ،فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه ،إلّ أنّ
بترجي ٍ
هذا القصد تارةً يكون صحيحا سليما ،إذا كان منبعثا عن رغب ٍة في العمل ،وتارةً يكون فاسدا
،إذا كان ارتكابا لخفّ الضّررين ،وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلهما شرّ ،ففعل
ن اختياره لما فعله ل يكون اختيارا صحيحا ،بل اختيارا فاسدا .
أقلّهما ضررا به ،فإ ّ
والكراه غير الملجئ هو :الّذي يكون بما ل يفوّت النّفس أو بعض العضاء ،كالحبس لمدّةٍ
قصيرةٍ ،والضّرب الّذي ل يخشى منه القتل أو تلف بعض العضاء .
وحكم هذا النّوع أنّه يعدم الرّضا ولكن ل يفسد الختيار ،وذلك لعدم اضطرار المكره إلى
التيان بما أكره عليه ،لتمكّنه من الصّبر على تحمّل ما هدّد به بخلف النّوع الوّل .
ئ كما فعل الحنفيّة ،ولكنّهم
- 17أمّا غير الحنفيّة فلم يقسّموا الكراه إلى ملجئٍ وغير ملج ٍ
تكلّموا عمّا يتحقّق به الكراه وما ل يتحقّق ،وممّا قرّروه في هذا الموضوع يؤخذ أنّهم جميعا
يقولون بما سمّاه الحنفيّة إكراها ملجئا ،أمّا ما يسمّى بالكراه غير الملجئ فإنّهم يختلفون فيه ،
فعلى إحدى الرّوايتين عن الشّافعيّ وأحمد يعتبر إكراها ،وعلى الرّواية الخرى ل يعتبر
إكراها .
أمّا عند المالكيّة فإنّه ل يعتبر إكراها بالنّسبة لبعض المكره عليه ،ويعتبر إكراها بالنّسبة
للبعض الخر ،فمن المكره عليه الّذي ل يعتبر الكراه غير الملجئ إكراها فيه :الكفر بالقول
أو الفعل ،والمعصية الّتي تعلّق بها حقّ لمخلوقٍ ،كالقتل أو القطع ،والزّنى بامرأةٍ مكرهةٍ أو
ي أو ملكٍ أو صحابيّ ،أو قذفٍ لمسلمٍ .
ب نب ّ
لها زوج ،وس ّ
ومن المكره عليه الّذي يعتبر الكراه غير الملجئ إكراها فيه :شرب الخمر ،وأكل الميتة ،
والطّلق واليمان والبيع وسائر العقود والحلول والثار .
أثر الكراه :
- 18هذا الثر موضع خلفٍ ،بين الحنفيّة وغير الحنفيّة ،على النّحو التي :
أثر الكراه عند الحنفيّة :
- 19يختلف أثر الكراه عند الحنفيّة باختلف القول أو الفعل الّذي يقع الكراه عليه ،فإن
كان المكره عليه من القرارات ،كان أثر الكراه إبطال القرار وإلغاءه ،سواء كان الكراه
ملجئا أم غير ملجئٍ .فمن أكره على العتراف بمالٍ أو زواجٍ أو طلقٍ كان اعترافه باطلً ،
ول يعتدّ به شرعا ،لنّ القرار إنّما جعل حجّةً في حقّ المقرّ باعتبار ترجّح جانب الصّدق
ن المقرّ
فيه على جانب الكذب ،ول يتحقّق هذا التّرجيح مع الكراه ،إذ هو قرينة قويّة على أ ّ
ل يقصد بإقراره الصّدق فيما أقرّ به ،وإنّما يقصد دفع الضّرر الّذي هدّد به عن نفسه .وإن
كان المكره عليه من العقود والتّصرّفات الشّرعيّة كالبيع والجارة والرّهن ونحوها كان أثر
الكراه فيها إفسادها ل إبطالها ،فيترتّب عليها ما يترتّب على العقد الفاسد ،حسب ما هو
مقرّر في المذهب أنّه ينقلب صحيحا لزما بإجازة المكره ،وكذلك لو قبض المكره الثّمن ،أو
سلّم المبيع طوعا ،يترتّب عليه صحّة البيع ولزومه .
وحجّتهم في ذلك أنّ الكراه عندهم ل يعدم الختيار الّذي هو ترجيح فعل الشّيء على تركه
أو العكس ،وإنّما يعدم الرّضى الّذي هو الرتياح إلى الشّيء والرّغبة فيه ،والرّضى ليس
ركنا من أركان هذه التّصرّفات ول شرطا من شروط انعقادها ،وإنّما هو شرط من شروط
صحّتها ،فإذن فقد ترتّب على فقدانه فساد العقد ل بطلنه .ولكنّهم استثنوا من ذلك بعض
التّصرّفات ،فقالوا بصحّتهما مع الكراه ،ولو كان ملجئا ،ومن هذه التّصرّفات :الزّواج
ن الشّارع اعتبر اللّفظ في هذه
والطّلق ومراجعة الزّوجة والنّذر واليمين .وعلّلوا هذا بأ ّ
التّصرّفات -عند القصد إليه -قائما مقام إرادة معناه ،فإذا وجد اللّفظ ترتّب عليه أثره
ن الشّارع اعتبر هذه
الشّرعيّ ،وإن لم يكن لقائله قصد إلى معناه ،كما في الهازل ،فإ ّ
التّصرّفات صحيح ًة إذا صدرت منه ،مع انعدام قصده إليها ،وعدم رضاه بما يترتّب عليها
ل قتله ،أو إتلف
من الثار .وإن كان المكره عليه من الفعال ،كالكراه على قتل من ل يح ّ
مالٍ لغيره أو شرب الخمر وما أشبه ذلك ،فالحكم فيها يختلف باختلف نوع الكراه والفعل
المكره عليه .
- 20فإن كان الكراه غير ملجئٍ -وهو الّذي يكون بما ل يفوّت النّفس ،أو بعض العضاء
كالحبس لمدّةٍ قصير ٍة ،أو أخذ المال اليسير ،ونحو ذلك -فل يحلّ القدام على الفعل .وإذا
أقدم المكرَه ( بالفتح ) على الفعل بناءً على هذا الكراه كانت المسئوليّة عليه وحده ،ل على
من أكرهه
- 21وإن كان الكراه ملجئا -وهو الّذي يكون بالقتل أو تفويت بعض العضاء أو العمل
المهين لذي الجاه -فالفعال بالنّسبة إليه أربعة أنواعٍ :
أ -أفعال أباحها الشّارع أصالةً دون إكرا ٍه كالكل والشّرب ،فإنّه إذا أكره على ارتكابها
وجب على المكرَه ( بالفتح ) أن يرتكب أخفّ الضّررين .
ب -أفعال أباح الشّارع إتيانها عند الضّرورة ،كشرب الخمر وأكل لحم الميتة أو الخنزير ،
ق الدميّ ،فالعقل -مع الشّرع -يوجبان ارتكاب
وغير ذلك من كلّ ما حرّم لحقّ اللّه ل لح ّ
أخفّ الضّررين .
فهذه يباح للمكره فعلها ،بل يجب عليه التيان .بها ،إذا ترتّب على امتناعه قتل نفسه أو
ن اللّه تعالى أباحها عند الضّرورة بقوله ع ّز من قائلٍ { :إنّما
تلف عض ٍو من أعضائه ،ل ّ
ل به لغير اللّه ،فمن اضطرّ غير باغٍ ول عادٍ
حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أه ّ
فل إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم } .
ول شكّ أنّ الكراه الملجئ من الضّرورة الّتي رفع اللّه الثم فيها ،فيباح الفعل عند تحقّقها ،
وتناول المباح دفعا للهلك عن النّفس أو بعض أجزائها واجب ،فل يجوز تركه ،ولو شرب
الخمر مكرها لم يحدّ ،لنّه ل جناية حينئذٍ ،والحدّ إنّما شرع زجرا عن الجنايات .
ل أنّه لو صبر المكره على تحمّل الذى
ج -أفعال رخّص الشّارع في فعلها عند الضّرورة ،إ ّ
،ولم يفعلها حتّى مات ،كان مثابا من اللّه تعالى ،وذلك كالكفر باللّه تعالى أو الستخفاف
بالدّين ،فإذا أكره النسان على التيان بشيءٍ من ذلك جاز له الفعل متى كان قلبه مطمئنّا
ن باليمان } .
ل من أكره وقلبه مطمئ ّ
ل{إّ
باليمان ،لقول اللّه عزّ وج ّ
سنّة ما جاء بإسنادٍ صحيحٍ عند الحاكم والبيهقيّ وغيرهما عن محمّد بن عمّارٍ عن أبيه
ومن ال ّ
« أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ ،فلم يتركوه حتّى سبّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم وذكر
آلهتهم بخيرٍ ،فلمّا أتى النّبيّ عليه الصلة والسلم قال :ما وراءك ؟ قال :شرّ ،يا رسول
اللّه ،ما تركت حتّى نلت منك ،وذكرت آلهتهم بخيرٍ ،قال صلى ال عليه وسلم :فكيف تجد
قلبك ؟ قال :مطمئنّا باليمان ،قال صلى ال عليه وسلم :فإن عادوا فعد » .
وقد ألحق علماء المذهب بهذا النّوع الكراه على إفساد صوم رمضان ،أو ترك الصّلة
ن المكره لو صبر وتحمّل الذى ،ولم يفعل ما أكره
المفروضة ،أو إتلف مال الغير ،فإ ّ
عليه كان مثابا ،وإن فعل شيئا منها فل إثم عليه ،وكان الضّمان في صورة التلف على
الحامل عليه ل على الفاعل ،لنّ فعل التلف يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل الفاعل آلةً
له ،فيثبت الضّمان عليه .
ل للمكره القدام عليها بحالٍ من الحوال ،كقتل النّفس بغير حقّ ،أو قطع
د -أفعال ل يح ّ
عض ٍو من أعضائها ،أو الضّرب الّذي يؤدّي إلى الهلك ،فهذه الفعال ل يجوز للمكره
ن نفس الغير معصومة كنفس المكره
القدام عليها ،ولو كان في امتناعه عنها ضياع نفسه ،ل ّ
،ول يجوز للنسان أن يدفع الضّرر عن نفسه بإيقاعه على غيره ،فإن فعل كان آثما ،
ووجب عقاب الحامل له على هذا الفعل باتّفاق علماء المذهب ،والخلف بينهم إنّما هو في
نوع هذا العقاب .
فأبو حنيفة ومحمّد يقولن :إنّه القصاص ،لنّ القتل يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل
الفاعل آلةً له ،والقصاص إنّما يكون على القاتل ل على آلة القتل .
وأبو يوسف يقول :إنّه الدّية ،لنّ القصاص ل يثبت إلّ بالجناية الكاملة ،ولم توجد الجناية
ل من الحامل والمكره .
الكاملة بالنّسبة لك ّ
وهذا القتل يقوم مانعا من الرث بالنّسبة للمكرِه ( بالكسر ) إذا كان المكرَه ( بالفتح ) مكلّفا .
أمّا إذا كان غير مكّلفٍ كالصّبيّ أو المجنون فل يكون مانعا .وهذا عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ ،
أمّا أبو يوسف فل يحرم ولو كان المكره مكلّفا .أمّا بالنّسبة للمكرَه ( بالفتح ) فل يحرم باتّفاق
الحنفيّة .وإنّما يجب القصاص عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ على المكره إذا كان المطلوب قتله
شخصا ثالثا غير المكره ول المكره ،فإن كان المطلوب قتله هو المكرِه كأن قال للّذي قتله :
ل قتلتك ،فقتله ،فل قصاص على القاتل ،وتجب الدّية لوجود الشّبهة ،ولنّ الدّية
اقتلني وإ ّ
تثبت للوارث ابتداءً ل ميراثا عن المقتول .
وأمّا إن كان المطلوب قتله هو المكرَه ،فإنّه ل يكون ثمّ إكراه ،لنّ المهدّد به ل يزيد على
القتل ،فل يتحقّق الكراه ول شيء من آثاره ،فل قصاص ول دية في هذا القتل ،إلّ إذا
ن نفسك في النّار أو لقتلنك ،فعند أبي حنيفة
ل أشنع كما لو قال له :لتلقي ّ
كان التّهديد بقت ٍ
يختار ما هو الهون في ظنّه ،وعند الصّاحبين :يصبر ول يقتل نفسه ،لنّ مباشرة الفعل
سعي في إهلك نفسه فيصبر تحاميا عنه .ثمّ إذا ألقى نفسه في النّار فاحترق فعلى المكره
القصاص باتّفاقهم ،كما في الزّيلعيّ .
ونقل صاحب مجمع النهر أنّ القصاص إنّما هو عند أبي حنيفة خلفا للصّاحبين .
ومن هذا النّوع أيضا :الزّنى ،فإنّه ل يرخّص فيه مع الكراه ،كما ل يرخّص فيه حالة
ن حرمة الزّنى ل ترتفع بحالٍ من الحوال ،فإذا فعله إنسان تحت تأثير الكراه
الختيار ،ل ّ
ن الكراه يعتبر شبهةً ،والحدود تدرأ بالشّبهات .وقد
كان آثما ،ولكن ل يجب عليه الحدّ ،ل ّ
أورد البابرتيّ من الحنفيّة ضابطا لثر الكراه نصّه :الكراه الملجئ معتبر شرعا سواء ،
أكان على القول أم الفعل .والكراه غير الملجئ إن كان على فعلٍ فليس بمعتبرٍ ،ويجعل كأنّ
ل يستوي فيه الجدّ
المكره فعل ذلك الفعل بغير إكراهٍ .وإن كان على قولٍ ،فإن كان قو ً
ل فهو معتبر .
والهزل فكذلك ،وإ ّ
أثر الكراه عند المالكيّة :
- 22يختلف أثر الكراه عندهم باختلف المكره عليه :
أ -فإن كان المكره عليه عقدا أو حلّا أو إقرارا أو يمينا لم يلزم المكره شيء ،ويكون الكراه
ل من
في ذلك بالتّخويف بقتلٍ أو ضربٍ مؤلمٍ أو سجنٍ أو قيدٍ أو صفعٍ لذي مروء ٍة على م ٍ
النّاس .وإن أجاز المكرَه ( بالفتح ) شيئا ممّا أكره عليه -غير النّكاح -طائعا بعد زوال
الكراه لزم على الحسن ،وأمّا النّكاح فل تصحّ إجازته .
ب -وإن كان الكراه على الكفر بأيّ صورةٍ من صوره ،أو قذف المسلم بالزّنى ،أو الزّنى
بامرأ ٍة طائع ٍة خليّ ٍة ( غير متزوّج ٍة ) ،فل يحلّ له القدام على شيءٍ من هذه الشياء إلّ في
ن ونحوه ،فإن فعل ذلك اعتبر مرتدّا ،
حالة التّهديد بالقتل ،ل فيما دونه من قطعٍ أو سج ٍ
ويحدّ في قذف المسلم ،وفي الزّنى .
ج -وإن كان الكراه على قتل مسلمٍ ،أو قطع عض ٍو منه ،أو على زنًى بمكرهةٍ ،أو بامرأةٍ
ص منه ،
لها زوج ،فل يجوز القدام على شيءٍ من ذلك ولو أكره بالقتل .فإن قتل يقت ّ
ويعتبر القتل هنا مانعا للقاتل من ميراث المقتول ،لنّه شريك في الفعل ،وكذلك المكرِه
ص منه أيضا ويمنع من الميراث .وإنّما يجب القصاص عندهم على المكره
( بالكسر ) يقت ّ
والمكره ،إذا كان المطلوب قتله شخصا ثالثا غيرهما .
ل قتلتك فقتله ،
فإن كان المطلوب قتله هو المكرِه ( بالكسر ) كما لو قال للّذي قتله :اقتلني وإ ّ
ن الدّية تثبت للوارث
فل قصاص عندهم وتجب الدّية ،لمكان الشّبهة من ناحيةٍ ،وبناءً على أ ّ
ابتداءً ل ميراثا .وأمّا إن كان المطلوب قتله هو المكرَه ( بالفتح ) ،فالصل أنّه ل يتحقّق
الكراه في هذه الحالة ،ول قصاص فيه ول دية ،إلّ إذا كان التّهديد بقتلٍ أشنع ،كالحراق
بالنّار وبتر العضاء حتّى الموت ،فإنّ المكرَه ( بالفتح ) يختار أهون الميتتين ،جزم به
اللّقانيّ .وإن زنى يحدّ .
د -وأمّا لو أكره على فعل معصيةٍ -غير الكفر -ل حقّ فيها لمخلوقٍ كشرب خمرٍ وأكله
ميتةً ،أو إبطال عبادةٍ كصلةٍ وصومٍ ،أو على تركها فيتحقّق الكراه بأيّة وسيل ٍة من قتلٍ أو
غيره .ويترتّب عليه في الصّوم القضاء دون الكفّارة .وفي الصّلة يكون الكراه بمنزلة
المرض المسقط لبعض أركانها ،ول يسقط وجوبها .وفي شرب الخمر ل يقام الحدّ .وألحق
سحنون بهذا النّوع الزّنى بامرأةٍ طائعةٍ ل زوج لها ،خلفا للمذهب .
ن لنّه
ن القطع في السّرقة يسقط بالكراه مطلقا ،ولو كان بضربٍ أو سج ٍ
ويضيف المالكيّة أ ّ
شبهة تدرأ الحدّ .
أثر الكراه عند الشّافعيّة :
- 23يختلف أثر الكراه عندهم باختلف المكره عليه .
أ -الكراه بالقول :إذا كان المكره عليه عقدا أو حلّا أو أيّ تص ّرفٍ قوليّ أو فعليّ ،فإنّه ل
ل بعموم الحديث الصّحيح « :رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه »
يصحّ عم ً
إذ المقصود ليس رفع ما وقع لمكان الستحالة ،وإنّما رفع حكمه ،ما لم يدلّ دليل على
خلف ذلك ،فيخصّص هذا العموم في موضع دللته .وبمقتضى أدلّة التّخصيص يقرّر
ل في الصّلة فتبطل به وعلى هذا فيباح للمكرَه
الشّافعيّة أنّه ل أثر لقول المكرَه ( بالفتح ) إ ّ
( بالفتح ) التّلفّظ بكلمة الكفر ،ول يجب ،بل الفضل المتناع مصابر ًة على الدّين واقتداءً
بالسّلف .
وفي طلق زوجة المكرِه ( بالكسر ) أو بيع ماله ونحوهما من كلّ ما يعتبر الكراه فيه إذنا
أبلغ .والكراه في شهادة الزّور الّتي تفضي إلى القتل أو الزّنى ،وفي الكراه بالحكم الباطل
الّذي يفضي إلى القتل أو الزّنى ،فل يرتفع الثم عن شاهد الزّور ،ول عن الحاكم الباطل ،
وحكمهما في هذه الحالة من حيث الضّمان حكم المكرِه ( بالكسر )
ب -الكراه بالفعل :ل أثر للكراه بالفعل عند الشّافعيّة إلّ فيما يأتي :
- 1-الفعل المضمّن كالقتل أو إتلف المال أو الغصب ،فعلى المكرَه ( بالفتح ) القصاص أو
الضّمان ،وقرار الضّمان على المكرِه ( بالكسر ) ،وإن قيل :ل رجوع له على المكرِه
( بالكسر ) بما غرم في إتلف المال ،لنّه افتدى بالتلف نفسه عن الضّرر .قال القليوبيّ
في مسألة القتل :فيقتل هو المكرَه ( بالفتح ) ومن أكرهه .
-2-الزّنى وما إليه :يأثم المكرَه ( بالفتح ) بالزّنى ،ويسقط الحدّ للشّبهة ،ويترتّب على
وطء الشّبهة حكمه .
- 3-الرّضاع :فيترتّب عليه التّحريم المؤبّد في المناكحات وما ألحق بها .
ل فعلٍ يترتّب عليه بطلن الصّلة ،كالتّحوّل عن القبلة ،والعمل الكثير ،وترك قيام
-4-ك ّ
القادر في الفريضة ،والحدث ،فتبطل الصّلة بما تقدّم برغم الكراه عليه .
-5-ذبح الحيوان :تحلّ ذبيحة المكرَه ( بالفتح ) الّذي تح ّل ذبيحته ،كالمسلم والكتابيّ ولو
كان المكرِه ( بالكسر ) مجوسيّا ،أو محرّما والمذبوح صيد .
ن المواضع المذكورة ،إمّا من باب
قال السّيوطيّ :وقد رأيت الكراه يساوي النّسيان ،فإ ّ
ترك المأمور ،فل يسقط تداركه ،ول يحصل الثّواب المرتّب عليه ،وإمّا من باب التلف ،
فيسقط الحكم المرتّب عليه ،وتسقط العقوبة المتعلّقة به ،إلّ القتل على الظهر .
أثر الكراه عند الحنابلة :
- 24يختلف أثر الكراه عند الحنابلة باختلف المكره عليه :
أ -فالتّصرّفات القوليّة تقع باطلةً مع الكراه إلّ النّكاح ،فإنّه يكون صحيحا مع الكراه ،
قياسا للمكره على الهازل .وإنّما لم يقع الطّلق مع الكراه للحديث الشّريف
« ل طلق في إغلقٍ » ،والكراه من الغلق .
ب -ومن أكره على الكفر ل يعتبر مرتدّا ،ومتى زال عنه الكراه أمر بإظهار إسلمه ،
والفضل لمن أكره على الكفر أن يصبر وإذا أكره على السلم من ل يجوز إكراهه كال ّذمّيّ
والمستأمن ،فأسلم لم يثبت له حكم السلم ،حتّى يوجد منه ما يدلّ على إسلمه طوعا .
أمّا من يجوز إكراهه على السلم كالمرتدّ ،فإنّه إذا أكره فأسلم حكم بإسلمه ظاهرا .
ج -والكراه يسقط الحدود عن المكره ،لنّه شبهة ،والحدود تدرأ بالشّبهات .
ص فقتله ،وجب القصاص على المكره والمكره جميعا
د -وإذا أكره رجل آخر على قتل شخ ٍ
ب وليّ المقتول قتل أحدهما ،وأخذ نصف
،وإن صار المر إلى الدّية وجبت عليهما ،وإن أح ّ
الدّية من الخر أو العفو فله ذلك .ويعتبر القتل هنا مانعا من الميراث بالنّسبة للمكره والمكره
ل إذا كان المطلوب قتله شخصا ثالثا
.والقصاص عندهم ل يجب على المكره والمكره ،إ ّ
غيرهما .فإن كان المطلوب قتله هو المكرِه ( بالكسر ) فإنّه يكون هدرا ،ول قصاص ول
دية في المختار عندهم .وأمّا إن كان المطلوب قتله هو المكرَه ( بالفتح ) ،فل يتحقّق الكراه
في هذه الحالة ،ول دية ول قصاص عند بعضهم .إلّ إذا كان التّهديد بقتلٍ أشنع فعليه أن
يختار أهون الميتتين في إحدى الرّوايتين .
أثر إكراه الصّبيّ على قتل غيره :
- 25إذا كان المكره على القتل صبيّا ،فإنّه يعتبر آل ًة في يد المكره عند الحنفيّة ،فل
قصاص ول دية ،وإنّما القصاص على المكرِه ( بالكسر ) .
وذهب المالكيّة إلى وجوب القصاص على المكره ( بالكسر ) ونصف الدّية على عاقلة الصّبيّ
.وذهب الشّافعيّة إلى التّفرقة بين الصّبيّ المميّز ،وغير المميّز .
فإن كان غير مميّزٍ ،اعتبر آل ًة عندهم ،ول شيء عليه ،ويجب القصاص على المكره .
وإن كان مميّزا ،فيجب نصف الدّية على عاقلته ،والقصاص على المكرِه ( بالكسر ) .
وذهب الحنابلة إلى أنّ الصّبيّ غير المميّز إذا أكره على قتل غيره فل قصاص عليه ،
ل :ل يجب القصاص ل عليه وعلى من أكرهه
والقصاص على المكرِه ( بالكسر ) .وفي قو ٍ
،لنّ عمد الصّبيّ خطأ ،والمكرِه ( بالكسر ) شريك المخطئ ،ول قصاص على شريك
مخطئٍ .أمّا إذا كان الصّبيّ مميّزا فل يجب القصاص على المكرِه ( بالكسر ) ول يجب على
الصّبيّ المميّز .
إكسال *
التّعريف :
- 1الكسال لغ ًة :مصدر أكسل ،وأكسل المجامع :خالط المرأة ولم ينزل ،أو عزل ولم
يرد ولدا .
وعند الفقهاء :أن يجامع الرّجل ثمّ يفتر ذكره بعد اليلج ،فل ينزل .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العتراض :
- 2العتراض هو :عدم انتشار الذّكر للجماع .وقد يكون العتراض قبل اليلج أو بعده .
فالعتراض ليس من الكسال .
ب -العنّة :
- 3العنّة :عجز الرّجل عن إتيان النّساء ،وقد يكون عنّينا عن امرأةٍ دون أخرى .
والفرق بين العنّة والكسال واضح .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
- 4ل يغيّر الكسال الحكام المتعلّقة بالجماع ،ول يختلف الجماع مع النزال عنه بدونه ،
إلّ ما حكي عن جماع ٍة من الصّحابة رضي ال عنهم ،كانوا يقولون :ل غسل على من
جامع فأكسل يعني لم ينزل .ورووا في ذلك أحاديث عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم .
أمّا بقيّة الفقهاء فإنّه يجب الغسل عندهم وإن أكسل المجامع ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم
« :إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل » والتقاء الختانين كناية عن اليلج .
ن « :الماء من الماء » كان رخص ًة أرخص فيها
قال سهل بن سعدٍ :حدّثني أبيّ بن كعبٍ أ ّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ نهى عنها .
ن الزّنا الّذي يجب به الحدّ يكون بمجرّد إيلج الحشفة ،ولو لم يكن من إنزالٍ .
ولم يختلفوا أ ّ
ل بتغييب
ن الحصان ل يحصل إ ّ
كذلك يثبت الحصان بالجماع مع الكسال عند من يقول :إ ّ
الحشفة .
وتحصل فيئة المولي إن غيّب حشفته ،وإن لم ينزل .وترفع العنّة بالوطء دون إنزالٍ أيضا .
ويحصل التّحليل لمطلّق المرأة ثلثا بمجرّد اليلج من الزّوج الخر ،لحديث عائشة رضي
ال عنها « :أنّ رفاعة القرظيّ تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها فتزوّجت آخر ،فأتت النّبيّ صلى ال
ل مثل هدب ٍة ،فقال :ل .حتّى تذوقي
عليه وسلم فذكرت له :أنّه ل يأتيها وأنّه ليس معه إ ّ
عسيلته ويذوق عسيلتك » .رواه البخاريّ .
وهذا قول الجمهور ،وقالوا :العسيلة هي :الجماع ،وش ّذ الحسن البصريّ فقال :ل يحلّها
إلّ إذا أنزل ،وشذّ سعيد بن المسيّب فقال :يكفي في إحللها العقد .
وتنظر مسائل أحكام الجماع في مصطلح ( :وطء ) .
أكل *
حكم الطّعام المأكول ذاته :
- 1إنّ بيان ما يحلّ ويحرم من الطعمة ومعرفتهما من مهمّات الدّين .فقد ورد الوعيد
ل لحمٍ نبت من حرامٍ فالنّار
الشّديد على أكل الحرام ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ك ّ
أولى به » .
وقد حرّم اللّه في القرآن العظيم أشياء كما في قوله تعالى { :حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم
ل ما
الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إ ّ
ذكّيتم وما ذبح على النّصب وأن تستقسموا بالزلم } .ونحوها من اليات .
ل ذي نابٍ من
سنّة النّبويّة كما في قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ك ّ
وحرّمت أشياء بال ّ
السّباع فأكله حرام » .
وسكت الشّرع عن أشياء .ويرجع إلى إيضاح ذلك كلّه تحت عنوان ( أطعمة ) .
صفة الكل بالنّسبة للكل :
- 2إنّ الكل قد يكون فرضا ،يثاب النسان على فعله ويعاقب على تركه ،وذلك إذا كان
للغذاء بقدر ما يدفع عنه الهلك ،لنّ النسان مأمور بإحياء نفسه وعدم إلقائها إلى التّهلكة .
وقد يكون واجبا ،وذلك بقدر ما يستطيع معه أداء الصّلة المفروضة عليه قائما ،وأداء
الصّوم الواجب ،لنّه من قبيل ما ل يتمّ الواجب إلّ به .
ومنه مندوب ،وهو ما يعينه على تحصيل رزقه وتحصيل العلم وتعلّمه وتحصيل النّوافل .
وقد يكون الكل مباحا يجوز للنسان أن يتناوله ،وذلك إلى حدّ الشّبع الّذي ل يضرّ معه
المتلء .وقد يكون حراما ،وهو ما فوق الشّبع ،وك ّل طعامٍ غلب على ظنّه أنّه يفسد
ل إذا كانت الزّيادة على
معدته ،لنّه إسراف منهيّ عنه ،لقوله تعالى { :ول تسرفوا } إ ّ
الشّبع ل تضرّه ،وقصد بالكل القوّة على صوم الغد ،أو الزّيادة في الطّاعات ،أو لئلّ
يستحيي الحاضر معه بعد إتمام طعامه .وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ما مل آدميّ
وعاءً شرّا من بطنٍ ،بحسب ابن آدم أكلت يقمن صلبه ،فإن كان ل محالة فثلث لطعامه ،
وثلث لشرابه ،وثلث لنفسه » .
ومن الكل ما هو مكروه ،وهو ما زاد على الشّبع قليلً ،فإنّه يتضرّر به ،وقد قال البعض
ن الكل ل ينبغي له أن يقصد به التّلذّذ والتّنعّم ،فإنّ اللّه تعالى ذمّ الكافرين بأكلهم للتّمتّع
:إّ
والتّنعّم وقال { :والّذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل النعام ،والنّار مثوًى لهم } .وقال
النّبيّ عليه الصلة والسلم « المسلم يأكل في معًى واحدٍ ،والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ » .
هذا ،والتّحقيق أنّه يجوز للنسان الكل بقصد التّمتّع والتّلذّذ بما أنعم اللّه علينا به ،لقصد
طيّبات
التّقوّي على أعمال الخير لقوله تعالى { :قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده وال ّ
من الرّزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصةً يوم القيامة } وأمّا الية الّتي احتجّ بها
ن اللّه تعالى ينعي عليهم أنّهم يتمتّعون بالطعمة الّتي رزقهم اللّه من غير أن
هذا القائل فإ ّ
يفكّروا في المنعم ،وأن يشكروه على نعمه .وأمّا الحديث فليس فيه دللة على ما احتجّوا
عليه ،وإنّما فيه النّعي على من أكثر من الطّعام .
حكم الكل من الضحيّة والعقيقة :
ب للمضحّي أن يأكل من أضحيّته ،لقوله تعالى { :فإذا
- 3يتّفق الفقهاء على أنّه يستح ّ
ن الهدي والضحيّة من
وجبت جنوبها فكلوا منها } ...وهذا وإن كان واردا في الهدي إلّ أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم « :إذا ضحّى أحدكم فليأكل من أضحيّته ويطعم
بابٍ واحدٍ .ولقول النّب ّ
منها غيره » ولنّه ضيف اللّه ع ّز شأنه في هذه اليّام ،فله أن يأكل من ضيافة اللّه تعالى .
ن له أن يطعم غيره منها .وهذا التّفاق في الضحيّة الّتي لم تجب .أمّا
ويتّفقون كذلك على أ ّ
إذا وجبت الضحيّة ففي حكم الكل منها اختلف الفقهاء .
ووجوبها يكون بالنّذر أو بالتّعيين ،وهي واجبة عند الحنفيّة من حيث الصل بشرط الغنى ،
ح عند الحنابلة ،أنّ
ولو اشتراها الفقير من أجل التّضحية وجبت عليه .فعند المالكيّة ،والص ّ
ن النّذر محمول على المعهود ،والمعهود من الضحيّة
له أن يأكل منها ويطعم غيره ،ل ّ
الشّرعيّة ذبحها والكل منها ،والنّذر ل يغيّر من صفة المنذور إلّ اليجاب .
وعند بعض الحنابلة ،وهو ظاهر كلم أحمد :أنّه ل يجوز الكل من الضحيّة المنذورة ،
ل آخر للشّافعيّة :إن
بناءً على الهدي المنذور ،وهذا هو المذهب عند الشّافعيّة ،وفي قو ٍ
وجبت الضحيّة بنذرٍ مطلقٍ جاز له الكل منها .والحكم عند الحنفيّة -كما فصّله ابن عابدين
-أنّه يجوز للغنيّ الكل من الضحيّة الواجبة عليه ،كما يجوز له الكل من الضحيّة الّتي
نذرها إن قصد بنذره الخبار عن الواجب عليه ،فإن كان النّذر ابتداءً فل يجوز له الكل منها
.وبالنّسبة للفقير إذا وجبت عليه بالشّراء ،ففي أحد القولين :له الكل منها ،وفي القول
الثّاني :ل يجوز له الكل منها .هذا ما ذكره ابن عابدين توضيحا لما ذكره الزّيلعيّ من أنّه
ل يجوز الكل من الضحيّة المنذورة دون تفصيلٍ .
ن الكاسانيّ ذكر في البدائع أنّه يجوز بالجماع -أي عند فقهاء الحنفيّة -الكل من
غير أ ّ
ل أم واجب ًة ،منذور ًة كانت أو واجبةً ابتداءً .
الضحيّة ،سواء أكانت نف ً
- 4ومن وجبت عليه أضحيّة فمضت أيّام النّحر قبل أن يذبحها ،فعند الجمهور يذبحها قضاءً
ن الذّبح أحد مقصودي الضحيّة فل يسقط
،ويصنع بها ما يصنع بالمذبوح في وقته ،ل ّ
بفوات وقته .وعند الحنفيّة :يجب عليه أن يتصدّق بها حيّةً ،ول يأكل من لحمها ،لنّه انتقل
الواجب من إراقة الدّم إلى التّصدّق .
وإذا ولدت الضحيّة قبل التّضحية ،فحكم ولدها في الكل منه حكم المّ ،وهذا عند الجمهور
.وعند الحنفيّة :ل يجوز الكل منه .ومن أوجب أضحيّ ًة ثمّ مات قام ورثته مقامه ،فيجوز
لهم الكل منها وإطعام غيرهم .وهذا عند المالكيّة والحنابلة .
وعند الشّافعيّة ،وهو المختار عند الحنفيّة :ل يجوز لهم الكل منها ،بل سبيلها التّصدّق .
-5والعقيقة ( وهي ما يذبح عن المولود ) حكمها في استحباب الكل منها ،وإطعام الغير
ن الحنفيّة ل يرونها واجبةً .وقد ورد في مراسيل أبي داود عن
منها حكم الضحيّة ،إلّ أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم قال في العقيقة الّتي عقّتها فاطمة عن
ن النّب ّ
جعفر بن محمّدٍ عن أبيه أ ّ
الحسن والحسين «:أن يبعثوا إلى القابلة برجلٍ ،وكلوا وأطعموا ول تكسروا منها عظما » .
حكم الكل من الكفّارات والنّذور :
ن أو ظهارٍ أو إفطارٍ في نهار
- 6يتّفق الفقهاء على أنّ من وجب عليه إطعام في كفّارة يمي ٍ
ن الكفّارة تكفير للذّنب .هذا
رمضان أو فدية الذى في الحجّ فإنّه ل يجوز له أن يأكل منه ،ل ّ
بالنّسبة للمكفّر .
أمّا المعطى -وهو المستحقّ -فعند الشّافعيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة :أنّه ل يكفي
إباحة الطعام ،وإنّه ل ب ّد من تمليك المستحقّ ،لنّ تدارك الجناية بالطعام أشبه البدل ،
والبدليّة تستدعي تمليك البدل ،ولنّ المنقول عن الصّحابة إعطاؤهم ،ففي قول زيدٍ وابن
ن وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لكعبٍ في فدية
عبّاسٍ وابن عمر وأبي هريرة مدّا لكلّ مسكي ٍ
الذى « :أطعم ثلثة آص ٍع من تمرٍ بين ستّة مساكين » ولنّه مال وجب للفقراء شرعا فوجب
تمليكهم إيّاه كالزّكاة .وعلى ذلك فل يجزئ أن يغدّيهم ويعشّيهم ،لنّ ذلك يعتبر إباح ًة ل
تمليكا .
والصل عند المالكيّة هو التّمليك ،وخاصّةً في كفّارتي الظّهار وفدية الذى ،لقول المام
ب الغداء والعشاء للمساكين ،حتّى حمل أبو الحسن كلم المام على الكراهة ،
مالكٍ :ل أح ّ
وحمله ابن ناجي على التّحريم .والعلّة في التّمليك هو خشية ألّ يبلغ ما يأكله الواحد منهم
مقدار الواجب إخراجه ،ولذلك قال مالك :ل أظنّه ( الغداء والعشاء ) يبلغ ذلك ( المقدار
الواجب إخراجه ) ومن هنا قال الدّردير :فلو تحقّق بلوغه أجزأ .
وفي كفّارة اليمين يجزئ شبعهم مرّتين .وإجزاء الطعام بغداءٍ وعشاءٍ إن بلغ مقدار الواجب
لهم هو رواية عن المام أحمد ،لنّه أطعم المساكين ،فأجزأه كما لو ملّكهم .
ويرى الحنفيّة أنّ التّمليك ليس بشرطٍ لجواز الطعام بل الشّرط هو التّمكين .وإنّما يجوز
ن النّصّ ورد بلفظ الطعام { فكفّارته
التّمليك من حيث هو تمكين ،ل من حيث هو تمليك ،ل ّ
إطعام عشرة مساكين } والطعام في متعارف اللّغة اسم للتّمكين من المطعم ل التّمليك ،وإنّما
يطعمون على سبيل الباحة دون التّمليك .
وفي النّذر ل يجوز للنّاذر الكل من نذره ،لنّه صدقة ،ول يجوز الكل من الصّدقة ،وهذا
ن الضحيّة المنذورة فيها خلف على ما سبق بيانه .وكذلك النّذر المطلق الّذي
في الجملة ،ل ّ
لم يعيّن للمساكين -ل بلفظٍ ول بنيّةٍ -يجوز الكل منه ،عند المالكيّة وبعض الشّافعيّة .
وبالنّسبة للمنذور له فذلك يكون بحسب كيفيّة النّذر ،فمن نذر إطعام المساكين أطعمهم ،ومن
نذر على سبيل التّمليك ملّكه لهم .وينظر تفصيل ذلك في ( كفّارة ) ( ونذر ) .
الكل من الوليمة والكل مع الضّيف :
- 7من دعي إلى طعام الوليمة -وهي طعام العرس -فإن كان مفطرا فإنّه يستحبّ له الكل
،وهذا باتّفاقٍ في الجملة ،لخبر مسلمٍ « :إذا دعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب ،فإن كان صائما
فليصلّ .وإن كان مفطرا فليطعم » أي فليدع بالبركة .
ووقع للنّوويّ في شرح مسلمٍ تصحيح وجوب الكل .وهو قول عند بعض المالكيّة .وإن
ب له الكل ،وإفطاره لجبر خاطر الدّاعي
كان صائما تطوّعا ،فعند الشّافعيّة والحنابلة يستح ّ
أفضل من إمساكه ولو آخر النّهار ،لما روي أنّه « صنع أبو سعيدٍ الخدريّ طعاما فدعا النّبيّ
صلى ال عليه وسلم وأصحابه فقال رجل من القوم :إنّي صائم ،فقال له رسول اللّه صلى
ن في الكل
ال عليه وسلم صنع لك أخوك وتكلّف لك أخوك أفطر وصم يوما مكانه » .ول ّ
إجابة أخيه المسلم وإدخال السّرور على قلبه .
وعند الحنفيّة والمالكيّة يكتفي الصّائم بالدّعاء لصاحب الوليمة ،ومن أضاف أحدا وقدّم له
الطّعام فالمستحبّ أن يأكل صاحب الطّعام مع ضيفه ،وألّ يقوم عن الطّعام وغيره يأكل ،ما
دام يظنّ به حاجة إلى الكل ،قال المام أحمد :يأكل بالسّرور مع الخوان ،وباليثار مع
الفقراء ،وبالمروءة مع أبناء الدّنيا .
آداب الكل :
أ -آداب ما قبل الكل :
- 8أ ّولً :من آداب الكل السّؤال عن الطّعام إذا كان ضيفا على أحدٍ ول يعرفه ،ول يطمئنّ
إلى ما قد يقدّمه إليه .فقد« كان الرّسول صلى ال عليه وسلم ل يأكل طعاما حتّى يحدّث أو
يسمّى له فيعرف ما هو» ،فقد روى البخاريّ عن « خالد بن الوليد أنّه دخل مع رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم على ميمونة ،وهي خالته وخالة ابن عبّاسٍ فوجد عندها ضبّا محنوذا
قدمت به أختها حفيدة ابن الحارث من نجدٍ فقدّمت الضّبّ لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم
وكان قلّما يقدّم يده لطعامٍ حتّى يحدّث به ويسمّى له ،وأهوى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
يده إلى الضّبّ فقالت امرأة من النّسوة الحضور :أخبرن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
ن له هو الضّبّ يا رسول اللّه ،فرفع رسول اللّه يده عن الضّبّ ،قال خالد بن
ن ما قدّمت ّ
أّ
الوليد :أحرام الضّبّ يا رسول اللّه ؟ قال :ل .ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال
خالد :فاجتررته فأكلته ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينظر إليّ » .وشرحه الزّركشيّ
ن العرب كانت ل تعاف شيئا من المآكل لقلّتها
فقال :قال ابن التّين :إنّما كان يسأل ،ل ّ
عندهم ،وكان هو صلى ال عليه وسلم قد يعاف بعض الشّيء ،فلذلك كان يسأل .ويحتمل
أنّه كان يسأل لنّ الشّرع ورد بتحريم بعض الحيوانات وإباحة بعضها ،وكانوا ل يحرّمون
منها شيئا ،وربّما أتوا به مشويّا أو مطبوخا فل يتميّز من غيره إلّ بالسّؤال عنه .
ثانيا :المبادرة إلى الكل إذا قدّم إليه الطّعام من مضيفه :
ن من كرامة الضّيف تعجيل التّقديم له ،ومن كرامة صاحب المنزل المبادرة إلى قبول
- 9فإ ّ
طعامه والكل منه ،فإنّهم كانوا إذا رأوا الضّيف ل يأكل ظنّوا به شرّا ،فعلى الضّيف أن
ن في ذلك اطمئنانا لقلبه .
يهدّئ خاطر مضيفه بالمبادرة إلى طعامه ،فإ ّ
ثالثا :غسل اليدين قبل الطّعام :
- 10يستحبّ غسل اليدين قبل الطّعام ،ليأكل بها وهما نظيفتان ،لئلّ يضرّ نفسه بما قد
ن ذلك لنفي الفقر ،لما في الحديث « :الوضوء قبل الطّعام
يكون عليهما من الوسخ .وقيل إ ّ
ينفي الفقر » .
رابعا :التّسمية قبل الكل :
ب التّسمية قبل الكل ،والمراد بالتّسمية على الطّعام قول " باسم اللّه " في ابتداء
- 11يستح ّ
الكل ،فقد روي عن عائشة مرفوعا « :إذا أكل أحدكم طعاما فليقل :باسم اللّه ،فإن نسي
ن الفضل أن يقول المرء :بسم
في أوّله فليقل :باسم اللّه في أوّله وآخره » ويرى النّوويّ أ ّ
سنّة ،لما روى عمر بن أبي سلمة
ال الرحمن الرحيم ،فإن قال :باسم اللّه كفاه وحصلت ال ّ
قال « :كنت غلما في حجر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصّحفة
ل ممّا يليك
،فقال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :يا غلم :سمّ اللّه ،وكل بيمينك ،وك ّ
».
خامسا :آداب الكل أثناء الطّعام وبعده :
أ -الكل باليمين :
- 12ينبغي للمسلم أن يأكل بيمينه ول يأكل بشماله ،فقد روت عائشة رضي ال عنها «:أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يعجبه التّيمّن في تنعّله وترجّله وطهوره في شأنه كلّه » .وقد
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ل يأكلن أحد منكم
روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أ ّ
ن بها ،فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بها » .
بشماله ،ول يشرب ّ
وهذا إن لم يكن عذر ،فإن كان عذر يمنع الكل أو الشّرب باليمين من مرضٍ أو جراحةٍ أو
غير ذلك فل كراهة في الشّمال .
ن النسان ينبغي أن يتجنّب الفعال الّتي تشبه أفعال الشّيطان .
والحديث يشير إلى أ ّ
ب -الكل ممّا يليه :
ن أن يأكل النسان ممّا يليه في الطّعام مباشر ًة ،ول تمتدّ يده إلى ما يلي الخرين ،
- 13يس ّ
ول إلى وسط الطّعام ،لنّ أكل المرء من موضع صاحبه سوء عشرةٍ وترك مروء ٍة ،وقد
يتقذّره صاحبه ل سيّما في المراق وما شابهها ،وذلك لما روى ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلى ال
عليه وسلم قال « :إنّ البركة تنزل وسط الطّعام ،فكلوا من حافّتيه ول تأكلوا من وسطه » .
وكذلك ما روي عن عمر بن أبي سلمة قال « :كنت غلما في حجر النّبيّ صلى ال عليه
وسلم وكانت يدي تطيش في الصّحفة ،فقال لي :يا غلم سمّ اللّه وكل بيمينك وكل ممّا يليك
ل أنّه إن كان الطّعام تمرا أو أجناسا فقد نقلوا إباحة
قال :فما زالت تلك طعمتي بعد » .إ ّ
اختلف اليدي في الطّبق ونحوه .
ج -غسل اليد بعد الطّعام :
سنّة بمجرّد الغسل بالماء ،قال ابن رسلن :والولى غسل اليد بالشنان أو
- 14تحصل ال ّ
الصّابون أو ما في معناهما .فقد أخرج التّرمذيّ عن أنسٍ قال :قال رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم « :إنّ الشّيطان حسّاس لحّاس ،فاحذرواه على أنفسكم ،من بات وفي يده غمر
ن إلّ نفسه » .
فأصابه شيء فل يلوم ّ
ب قبل الكل وبعده ،ولو كان الشّخص على وضوءٍ .وروى سلمان عن
هذا والغسل مستح ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :بركة الطّعام الوضوء قبله ،والوضوء بعده » ،قال
الطّيبيّ :المراد بالوضوء تنظيف اليد بغسلها ،وليس الوضوء الشّرعيّ .
د -المضمضة بعد الطّعام :
- 15المضمضة بعد الفراغ من الطّعام مستحبّة ،لما روى بشير بن يسارٍ عن سويد بن
النّعمان أنّه أخبره « أنّهم كانوا مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم بالصّهباء -وهي على روحةٍ
ل سويقا فلك منه ،فلكنا معه ثمّ دعا
من خيبر -فحضرت الصّلة ،فدعا بطعامٍ فلم يجده إ ّ
بماءٍ فمضمض ،ث ّم صلّى وصلّينا ولم يتوضّأ » .
هن – الدّعاء للمضيف :
-16فقد روى أنس أنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبزٍ
وزيتٍ فأكل ،ثمّ قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أفطر عندكم الصّائمون ،وأكل طعامكم
البرار ،وصلّت عليكم الملئكة » .وعن جابرٍ وقال « :صنع أبو الهيثم بن النّبهان للنّبيّ
صلى ال عليه وسلم طعاما فدعا النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فلمّا فرغوا قال :
ن الرّجل إذا دخل بيته فأكل طعامه
أثيبوا أخاكم ،قالوا :يا رسول اللّه وما إثابته ؟ قال :إ ّ
وشرب شرابه فدعوا له ،فذلك إثابته »
و -الكل بثلثة أصابع :
سنّة الكل بثلثة أصابع ،قال عياض :والكل بأكثر منها من الشّره وسوء الدب ،
- 17ال ّ
ولنّه غير مضطرّ لذلك لجمعه اللّقمة وإمساكها من جهاتها الثّلث :وإن اضطرّ إلى الكل
بأكثر من ثلثة أصابع ،لخفّة الطّعام وعدم تلفيقه بالثّلث يدعمه بالرّابعة أو الخامسة .هذا إن
أكل بيده ،ول بأس باستعمال الملعقة ونحوها كما يأتي .
ز -أكل اللّقمة السّاقطة :
- 18إذا وقعت اللّقمة فليمط الكل عنها الذى وليأكلها ول يدعها للشّيطان ،لنّه ل يدري
موضع البركة في طعامه ،وقد يكون في هذه اللّقمة السّاقطة ،فتركها يفوّت على المرء بركة
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « كان إذا طعم
س رضي ال عنه أ ّ
الطّعام ،لما روي عن أن ٍ
طعاما لعق أصابعه الثّلث وقال :وإذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الذى وليأكلها ،ول
يدعها للشّيطان » .
ج -عدم التّكاء أثناء الكل :
- 19وذلك لقوله صلى ال عليه وسلم « أمّا أنا فل آكل متّكئا » قال الخطّابيّ :المتّكئ هنا
الجالس معتمدا على وطا ٍء تحته ،كقعود من يريد الكثار من الطّعام .وسبب الحديث المذكور
قصّة العرابيّ المذكور في حديث عبد اللّه بن بسرٍ قال « :أهديت للنّبيّ صلى ال عليه وسلم
شاةً ،فجثا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على ركبتيه يأكل ،فقال أعرابيّ :ما هذه
الجلسة ؟ فقال :إنّ اللّه جعلني عبدا كريما ،ولم يجعلني جبّارا عنيدا … » واختلف في صفة
ن الكثار من الطّعام مذموم ،ومراده صلى ال عليه وسلم ذ ّم فعل من
التّكاء ،لكن مرادهم أ ّ
يستكثر الطّعام ،ومدح من ل يأكل إلّ البلغة من الزّاد ،ولذلك قعد مستوفزا .
ط -التّسوية بين الحاضرين على الطّعام :
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتى بعض حجر نسائه ،
- 20فقد روي عن جابرٍ « أ ّ
فدخل ،ثمّ أذن لي فدخلت الحجاب عليها ،فقال :هل من غدا ٍء ؟ فقالوا :نعم .فأتي بثلثة
أقرصةٍ فوضعن على نبيّ -مائدةٍ من خوصٍ -فأخذ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قرصا
فوضعه بين يديه ،وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يديّ ،ثمّ أخذ الثّالث فكسره اثنين ،فحمل
ل ،قال
نصفه بين يديه ونصفه بين يديّ ،ثمّ قال :هل من أدمٍ ؟ قالوا :ل ،إلّ شيء من خ ّ
:هاتوه ،فنعم الدم هو » .والتّسوية بين الحاضرين على الطّعام مستحبّة ،حتّى لو كان
بعض الحاضرين أفضل من بعضٍ .
هذا ومن آداب الكل أثناء الطّعام إكرام الخبز ،لحديث عائشة مرفوعا « :أكرموا الخبز
» ،وعدم البصاق والمخاط حال الكل إلّ لضرورةٍ .ومن آدابه كذلك الكل مع الجماعة ،
والحديث غير المحرّم على الطّعام ،ومؤاكلة صغاره وزوجاته ،وألّ يخصّ نفسه بطعامٍ إلّ
ن أو طيّبٍ .وإذا فرغ
لعذرٍ كدواءٍ ،بل يؤثرهم على نفسه فاخر الطّعام ،كقطعة لحمٍ وخبزٍ ليّ ٍ
ضيفه من الطّعام ورفع يده قال صاحب الطّعام :كل ،ويكرّرها عليه ما لم يتحقّق أنّه اكتفى
منه ،ول يزيد على ثلث مرّاتٍ ،وأن يتخلّل ،ول يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلل بل
يرميه .
آداب الكل بعد الفراغ منه :
- 22يسنّ أن يقول الكل ما ورد من حمد اللّه والدّعاء بعد تمام الكل ،فقد كان النّبيّ صلى
ال عليه وسلم إذا رفع مائدته قال « :الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ ول
مو ّدعٍ ول مستغنًى عنه ربّنا » وقد كان الرّسول صلى ال عليه وسلم إذا أكل طعاما غير اللّبن
قال « :اللّهمّ بارك لنا فيه ،وأطعمنا خيرا منه » وإذا شرب لبنا قال « :اللّهمّ بارك لنا فيه ،
وزدنا منه » .وقد روى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال
« :من أطعمه اللّه طعاما فليقل :اللّهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ،ومن سقاه اللّه لبنا
فليقل :اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه » .
آداب عامّة في الكل :
أ -عدم ذمّ الطّعام :
- 23روى أبو هريرة رضي ال عنه قال « :ما عاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم طعاما
قطّ ،إن اشتهاه أكله ،وإن كرهه تركه » والمراد الطّعام المباح ،أمّا الحرام فكان يعيبه
ويذمّه وينهى عنه .وذهب بعضهم إلى أنّه إن كان العيب من جهة الخلقة كره ،وإن كان من
ن صنعة اللّه ل تعاب وصنعة الدميّين تعاب .والّذي يظهر
جهة الصّنعة لم يكره ،ل ّ
ن فيه كسر قلب الصّانع .
التّعميم ،فإ ّ
ل يعاب كقوله :مالح ،حامض ،قليل الملح ،غليظ
قال النّوويّ :من آداب الطّعام المتأكّدة أ ّ
ن المرء قد ل
،رقيق ،غير ناضجٍ ،وغير ذلك -قال ابن بطّالٍ :هذا من حسن الداب ،ل ّ
ن في أكله من قبل الشّرع ليس فيه عيب .
يشتهي الشّيء ويشتهيه غيره ،وكلّ مأذو ٍ
ب -استعمال الملعق والسّكاكين وأدوات الطّعام :
سكّين وما في معناه ،لخبر الصّحيحين عن « عمرو بن أميّة الضّمريّ
- 24يجوز استعمال ال ّ
أنّه رأى النّبيّ صلى ال عليه وسلم يحتزّ من كتف شاةٍ في يده ،فدعي إلى الصّلة ،فألقاها
سكّين الّتي يحتزّ بها ،ثمّ قام فصلّى ولم يتوضّأ » .
وال ّ
ح .وقال
وأمّا خبر « ل تقطعوا اللّحم بالسّكّين » فقد سئل عنه المام أحمد فقال :ليس بصحي ٍ
ح :أمّا تقطيع الخبز بالسّكّين فلم أجد فيه كلما .
ابن مفل ٍ
ج -تحرّي الكل من الحلل :
ل أن تكون تجارةً
- 25قال اللّه تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إ ّ
عن تراضٍ منكم } .وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يحلبن أحد ماشية امرئٍ بغير
ب أحدكم أن تؤتى مشربته ،فتكسر خزانته ،فينتقل طعامه ،فإنّما تخزّن لهم
إذنه ،أيح ّ
ضروع ماشيتهم أطعماتهم ،فل يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلّ بإذنه ».
قال الشّافع يّ رح مه ال :أ صل المأكول والمشروب إذا لم ي كن لمال كٍ من الدميّ ين ،أو أحلّه
ل في كتابه أو على لسان نبيّه صلى ال عليه وسلم
مالكه ،أنّه حلل إلّ ما حرّم اللّه عزّ وج ّ
ل أن يحرّم .
فإنّ ما حرّم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لزم في كتاب اللّه عزّ وج ّ
ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه ،وكان في معنى كتابٍ أو سنّ ٍة أو إجماعٍ ،فإن
ن كلّ ما كان مباح الصل يحرم بمالكه ،حتّى يأذن فيه مالكه فالحجّة
قال قائل فما الحجّة في أ ّ
ل قال { :ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ
ن اللّه عزّ وج ّ
فيه :أ ّ
منكم } .وقال تبارك وتعالى { وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحل ًة فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسا
ي كثير ٍة في كتاب اللّه عزّ وجلّ
فكلوه هنيئا مريئا } وقال { :وآتوا اليتامى أموالهم } ،مع آ ٍ
ل بطيب أنفسهم .
حظر فيها أموال النّاس إ ّ
وممّا روي في تحريم مال الغير بغير إذنه ما ورد عن عميرٍ مولى أبي اللّحم قال « :أقبلت
مع سادتي نريد الهجرة ،حتّى أن دنونا من المدينة ،قال :فدخلوا المدينة ،وخلّفوني في
ظهرهم قال :فأصابني مجاعة شديدة ،قال :فمرّ بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لي :
لو دخلت المدينة فأصبت من تمر حوائطها ،فدخلت حائطا ،فقطعت منه قنوين ،فأتاني
صاحب الحائط ،فأتى بي إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأخبره خبري ،وعليّ ثوبان ،
فقال لي :أيّهما أفضل ؟ فأشرت له إلى أحدهما ،فقال :خذه ،وأعطى صاحب الحائط الخر
،وأخلى سبيلي » وفي هذا دليل على أنّ الحاجة ل تبيح القدام على مال الغير مع وجود ما
يمكن النتفاع به أو بقيمته ،ولو كان ممّا تدعو حاجة النسان إليه ،فإنّه هنا أخذ أحد ثوبيه ،
ودفعه إلى صاحب النّخل .
ما يترتّب على قاعدة تحرّي الحلل في الكل :
أ -حكم المضطرّ :
ل ميتةً أو نحوها من المحرّمات أو مال
- 26من غلب على ظنّه هلك نفسه ،ولم يجد إ ّ
الغير ،لزمه الكل منه بقدر ما يحيي نفسه ،لقوله تعالى { :ول تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة } .
وقوله تعالى { :فمن اضطرّ غير باغٍ } أي على مضطرّ آخر { ول عادٍ } أي سدّ الجوعة
فأكل { فل إثم عليه } .قال الزّركشيّ :وينبغي أن يكون خوف حصول الشّين الفاحش في
ن ،كما في الكراه على
عض ٍو ظاهرٍ ،كخوف طول المرض كما في التّيمّم .واكتفى بالظّ ّ
أكل ذلك ،فل يشترط فيه التّيقّن ول الشراف على الموت .
وللمضطرّ أن يأكل ما يسدّ الرّمق أي ما يحفظ الحياة وهو مذهب أبي حنيفة والشّافعيّ ،وهو
ص الموطّأ :ومن أحسن ما سمعته في الرّجل يضطرّ
الظهر عند الحنابلة .قال الموّاق :ون ّ
إلى الميتة أنّه يأكل منها حتّى يشبع ويتزوّد منها ،فإن وجد عنها غنًى طرحها .ويحرم الكل
من الميتة على المضطرّ في سفر المعصية ،كقاطع الطّريق والبق ،لقوله تعالى { :فمن
اضطرّ غير باغٍ ول عادٍ فل إثم عليه } قال مجاهد :غير باغٍ على المسلمين ول عادٍ عليهم .
وقال سعيد بن جبيرٍ :إذا خرج يقطع الطّريق فل رخصة له .فإن تاب وأقلع عن معصيته
حلّ له الكل .وفي ذلك خلف وتفصيل يرجع إليه تحت عنوان ( اضطرار ) .وإن اضطرّ
فلم يجد ميت ًة ،ومع رجلٍ شيء كان له أن يكابره ،وعلى الرّجل أن يعطيه ،وإذا كابره
أعطاه ثمنه وافيا ،فإن كان إذا أخذ شيئا خاف مالك المال على نفسه لم يكن له مكابرته .قال
القرافيّ في الذّخيرة :وإذا أكل مال مسلمٍ اقتصر على سدّ الرّمق ،إلّ أن يعلم طول الطّريق
ن مواساته تجب إذا جاع .
فليتزوّد ،ل ّ
ب -الكل من بستان الغير وزرعه دون إذنه :
- 27قال صاحب المغني من الحنابلة :من مرّ ببستان غيره يباح له الكل منه ،من غير
ل ذلك إذا لم يكن للبستان حائط ،أي جدار
فرقٍ بين أن يكون مضطرّا إلى الكل أو ل ،ومح ّ
يمنع الدّخول إليه لحرزه ،لما في ذلك من الشعار بعدم الرّضى .
ودليل ذلك ما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا أتى أحدكم حائطا ،فأراد
ل فليأكل ،وإذا مرّ أحدكم بإبلٍ
أن يأكل ،فليناد :يا صاحب الحائط ،ثلثا ،فإن أجابه وإ ّ
فأراد أن يشرب من ألبانها ،فليناد :يا صاحب البل أو يا راعي البل ،فإن أجابه ،وإلّ
فليشرب » .
وروي عن أحمد أنّه قال :يأكل ممّا تحت الشّجر ،وإذا لم يكن تحت الشّجر فل يأكل ثمار
ب بحجرٍ ،ول يرمي ،لنّ هذا يفسد .غير أنّه يمتنع على
النّاس وهو غنيّ ،ول يأكل بضر ٍ
النسان أن يأخذ خبنةً ،وهي ما تحمله وتخرج به من ثمار الغير ،لنّ هذا منهيّ عنه بنصّ
الحديث الشّريف ،فقد « سئل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الثّمر المعلّق فقال :من أصاب
بفيه من ذي حاجةٍ غير متّخذٍ خبن ًة فل شيء عليه ،ومن خرج بشيءٍ منه فعليه غرامة مثليه
والعقوبة » .
ح عندهم
وقول المالكيّة كقول الحنابلة ،ولكن قيّدوه بحال الحاجة .أمّا في غير الحاجة فالص ّ
المنع .
وعند الشّافعيّة قال النّوويّ :من مرّ بثمر غيره أو زرعه لم يجز له أن يأخذ منه ،ول يأكل
ل أن يكون مضطرّا فيأكل ويضمن .
بغير إذن صاحبه إ ّ
وحكم الثّمار السّاقطة من الشجار حكم سائر الثّمار إن كانت داخل الجدار ،فإن كانت
خارجه فكذلك إن لم تجر عادتهم بإباحتها ،فإن جرت بذلك ،فهل تجري العادة المطّردة
مجرى الباحة ؟ والصحّ :أنّها تجري مجرى الباحة .
وأمّا الكل من الزّرع فعن أحمد فيه روايتان :إحداهما قال :ل يأكل ،إنّما رخّص في
ن الثّمار خلقها اللّه
س منه .ووجهه أ ّ
الثّمار وليس الزّرع ،وقال :ما سمعنا في الزّرع أن يم ّ
للكل رطبةً ،والنّفوس تتشوّق إليها ،والزّرع بخلفها .
ن العادة جارية بأكله رطبا ،أشبه الثّمر .وكذلك
والرّواية الثّانية :قال يأكل من الفريك ،ل ّ
الحكم في الباقلء والحمّص وشبهه ممّا يؤكل رطبا ،فأمّا الشّعير وما لم تجر العادة بأكله فل
ل بإذنٍ ،لما فيه من
ل يؤكل منها إ ّ
يجوز الكل منه ،قال :والولى في الثّمار وغيرها أ ّ
الخلف والخبار الدّالّة على التّحريم .
وعنه أيضا في حلب الماشية روايتان :إحداهما يجوز له أن يحلب ويشرب ول يحمل .
والثّانية :ل يجوز له أن يحلب ول يشرب ،ولكلّ منهما ما يسنده من قول الرّسول صلى ال
عليه وسلم .فالباحة يسندها الحديث المتقدّم .
ل له حديث الرّسول صلى ال عليه وسلم قال « :ل يحلبن أحد ماشية امرئٍ بغير
والحظر يد ّ
ب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه ،فإنّما تخزّن لهم ضروع
إذنه ،أيح ّ
ماشيتهم أطعماتهم ،فل يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلّ بإذنه » .
حكم أخذ النّثار في العرس وغيره :
- 28النّثار مكروه في العرس وغيره ،روي ذلك عن أبي مسعودٍ البدريّ وعكرمة وابن
سيرين وعطاءٍ وعبد اللّه بن يزيد الخطميّ وطلحة وزبي ٍد الياميّ ،وبه قال مالك والشّافعيّ
ن فيه نهبا
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « نهى عن النّهبى والمثلة » .ول ّ
وأحمد لما روي أ ّ
وتزاحما وقتالً ،وربّما أخذه من يكره صاحب النّثار لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ،ويحرمه
من يحبّ صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه .والغالب هذا ،فإنّ أهل المروءات
ن في هذا دناءةً
يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة النّاس على شيءٍ من الطّعام أو غيره ،ول ّ
ب معالي المور ويكره سفسافها .
،واللّه يح ّ
وروي عن أحمد رواية ثانية :أنّه ليس بمكرو ٍه ،اختارها أبو بكرٍ ،وهو قول الحسن وقتادة
ط قال « :قرّب إلى
والنّخعيّ وأبي حنيفة وأبي عبيدٍ وابن المنذر ،لما روى عبد اللّه بن قر ٍ
ن يبدأ ،
ت ،فطفقن يزدلفن إليه ،بأيّته ّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم خمس بدناتٍ أو س ّ
فنحرها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقال كلمةً لم أسمعها ،فسألت من قرب منه فقال قال
ي صلى ال عليه وسلم دعي
ن النّب ّ
:من شاء اقتطع » وهذا جارٍ مجرى النّثار ،وقد روي « أ ّ
ب فأنهب عليه » .قال الرّاوي « ونظرت إلى رسول
إلى وليمة رجلٍ من النصار ثمّ أتوا بنه ٍ
اللّه صلى ال عليه وسلم يزاحم النّاس أو نحو ذلك ،قلت :يا رسول اللّه أو ما نهيتنا عن
النّهبة ؟ قال :نهيتكم عن نهبة العساكر » ولنّه نوع إباح ٍة فأشبه إباحة الطّعام للضّيفان .
زمان الكل بالنّسبة للصّائم :
ن للصّائم أن يؤخّر سحوره إلى آخر اللّيل مع تحقّق بقاء اللّيل ،وأن يعجّل فطوره
- 29يس ّ
بعد التّيقّن من غروب الشّمس .وتفصيل ذلك ينظر تحت عنوان ( الصّوم ) .
أكولة *
التّعريف :
- 1الكولة لغةً :صيغة مبالغ ٍة ،بمعنى :كثيرة الكل ،وتكون بمعنى المفعول أيضا أي
المأكولة ،وفي الحديث « :نهي المصدّق عن أخذ الكولة من النعام في الصّدقة » .
واختلف في تفسير الكولة فقيل :هي الشّاة الّتي تعزل للكل وتسمّن .
وقيل :أكولة غنم الرّجل :الخصيّ والهرمة والعاقر والكبش .
وعند الفقهاء :شاة اللّحم تسمّن لتؤكل ،ذكرا كان أو أنثى ،وكذا توصف به المرأة الكثيرة
الكل .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2ال ّربّى :الشّاة الّتي تربّى للّبن ،وهي من كرائم الموال مثل الشّاة الكولة .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
- 3يتّفق الفقهاء على أنّه ليس للسّاعي أن يأخذ الكولة من الغنم ،لنّها من كرائم الموال .
« لقوله لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن :إيّاك وكرائم أموالهم » رواه الجماعة ،هذا إن كانت الغنم
ل برضى المالك .فإن
خيارا ولئاما ،وكذا إن كانت كلّها لئاما ،ل يأخذ السّاعي الكولة إ ّ
كانت كلّها خيارا فإنّ من الفقهاء من قال :تجب الكولة ،ومنهم من قال :تكفي الوسط .
- 4والزّوجة الكولة ل تختلف عن غيرها في مقدار النّفقة عند من يقدّر للزّوجة بحسب يسار
ن المالكيّة قالوا :
الزّوج أو إعساره ،وكذا ل تختلف عن غيرها عند من يقول بالكفاية ،غير أ ّ
ن الزّوجة الكولة يجب لها كفايتها من الكل أو يطلّقها ،ول خيار له في فسخ النّكاح
إّ
ل فله ردّها ما لم ترض بالوسط .
وإمضائه ،وهذا ما لم يشترط كونها غير أكولةٍ ،وإ ّ
ألبسة *
التّعريف :
- 1اللبسة :جمع لباسٍ ،وهو ما يستر البدن ويدفع الحرّ والبرد ،ومثله الملبس ،واللّبس
بالكسر .ولبس الكعبة والهودج :كسوتهما .
ويقال :لبست امرأ ًة ،أي تمتّعت بها زمانا .ولباس كلّ شيءٍ غشاؤه .واللّبوس بفتح اللّام ما
يلبس ،وقوله تعالى { :وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم } يعني الدّرع .قال اللّه تعالى { :يا بني
آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ،ولباس التّقوى ذلك خير ،ذلك من آيات اللّه
لعلّهم ي ّذكّرون } ..
الحكم التّكليفيّ :
- 2استعمال اللّباس تعتريه الحكام الخمسة :فالفرض منه :ما يستر العورة ويدفع الحرّ
والبرد ،قال تعالى { :يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ } أي ما يستر عورتكم عند
الصّلة .
والمندوب إليه أو المستحبّ :هو ما يحصل به أصل الزّينة وإظهار النّعمة ،قال تعالى { :
وأمّا بنعمة ربّك فحدّث } ،وعن أبي الحوص عن أبيه قال « :دخلت على النّبيّ صلى ال
ل المال قد أتاني اللّه تعالى
عليه وسلم فرآني سيّئ الهيئة فقال :ألك شيء ؟ قلت :نعم .من ك ّ
فقال :إذا كان لك مال فلير عليك » .وعن ابن عمرٍو رضي ال عنهما أنّ النّبيّ صلى ال
ب أن يرى أثر نعمته على عبده » .ومن المندوب :اللّبس
عليه وسلم قال « :إنّ اللّه يح ّ
ن النّبيّ
للتّزيّن ،ول سيّما في الجمع والعياد ومجامع النّاس ،لحديث عائشة رضي ال عنها أ ّ
صلى ال عليه وسلم قال « :ما على أحدكم إن وجد سع ًة أن يتّخذ ثوبين ليوم الجمعة غير
ثوبي مهنته » ومحلّه إذا لم يكن للتّكبّر .
والمكروه :هو اللّباس الّذي يكون مظنّةً للتّكبّر والخيلء ،لحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :وكلوا واشربوا والبسوا من غير إسرافٍ ول
عن جدّه أ ّ
س رضي ال عنهما قال :كل ما شئت ،والبس ما شئت ،ما
مخيلةٍ » .وعن ابن عبّا ٍ
أخطأتك اثنتان :سرف ومخيلة والمخيلة هي الكبر .وقال :عبد اللّه بن عمرٍو « :قلت يا
رسول اللّه :أمن الكبر أن يكون لي الحلّة فألبسها ؟ قال :ل .قلت :أمن الكبر أن تكون لي
راحلة فأركبها ؟ قال :ل .قلت :أمن الكبر أن أصنع طعاما فأدعو أصحابي ؟ قال :ل .
الكبر أن تسفّه الحقّ وتغمص النّاس » وسفه الحقّ :جهله .وغمص النّاس :احتقارهم .
والحرام :هو اللّبس بقصد الكبر والخيلء ،لما ورد في الحاديث السّابقة .
ومن الحرام لبس الحرير والذّهب مثلً بالنّسبة للرّجال ،ولو بحائلٍ بينه وبين بدنه ،ما لم
يدع إلى لبسه ضرورة ،أو مرض كحكّةٍ به ،فيلبس الحرير لذلك ،لما روي عن عليّ رضي
ال عنه قال « :أخذ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حريرا فجعله في يمينه ،وذهبا فجعله
ن هذين حرام على ذكور أمّتي » .وعن أبي موسى الشعريّ رضي ال
في شماله .فقال :إ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :حرّم لباس الحرير والذّهب على ذكور أمّتي ،
عنه أ ّ
ل لناثهم » .وعن ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما قال « :إنّما نهى النّبيّ صلى ال عليه
وأح ّ
وسلم عن الثّوب المصمت من الحرير » أي الخالص الّذي ل يخالطه شيء ،وهذا ما عليه
عامّة الفقهاء .ولتفصيله ينظر مصطلح ( حرير ) ( وذهب ) .
حكمة مشروعيّة اللّباس :
- 3لمّا كان في إظهار العورة أمام الغير على نحو ما كان في الجاهليّة إخلل بالصّفة
النسانيّة الكريمة والداب العامّة ،ولما يسبّبه كشفها من إخللٍ بالخلق وذيوع مفاسد
عظيمة الثر بين أفراد المجتمع ،كان ل بدّ للشّارع تكريما للنسان -كما في قوله سبحانه
وتعالى { :ولقد كرّمنا بني آدم }
واحتراما لدميّته ،وتمييزا له عن سائر الحيوانات ،من أن يحفظ عليه إنسانيّته ،فأنعم عليه
بنعمه الّتي ل تعدّ ول تحصى ،وكان منها اللّباس شرع ًة منه للدميّين لتستر به عوراتهم ،
ل من قبح العري الّذي كان متفشّيا بينهم
وليكون لهم بهذا السّتر ما يزيّنهم ويجمّلهم ،بد ً
وشناعته مظهرا ومخبرا ،وفي هذا يقول اللّه تبارك وتعالى { :يا بني آدم قد أنزلنا عليكم
لباسا يواري سوآتكم وريشا ،ولباس التّقوى ذلك خير ،ذلك من آيات اللّه لعلّهم ي ّذكّرون }
وقوله تعالى { :يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ ،وكلوا واشربوا ول تسرفوا ،إنّه ل
يحبّ المسرفين } فقد أمر سبحانه بأخذ الزّينة وأهمّها ستر العورة ،وتفصيل ما يتّصل بستر
العورة ينظر في ( استتار ،وعورة ،وصلة ) .
حكم اللبسة تبعا لذواتها :
ل ما ورد نصّ بتحريمه
- 4الصل في اللّباس الح ّل مهما كانت المادّة الّتي صنع منها إ ّ
كالحرير للذّكور ،وتفصيله في مصطلح ( حرير ) .
وكذلك ما كان من جلود الميتة وما ل يزكّى ،فإذا دبغت طهرت ،وح ّل لبسها ولو في
الصّلة .وتفصيله في ( إهاب ) ( ودباغة ) .
وأمّا الملبس المصنوعة من الصّوف أو الشّعر أو الوبر ،فإن كانت من مأكول اللّحم فهي
طاهرة حلل ،سواء أخذت منه في حياته أو بعد تذكيته أو بعد موته ،وإنّما حلّت -ولو
جزّت من الميتة -لنّها ل تحلّها الحياة .
وفيما أخذ من غير مأكول اللّحم أو من نجس العين ،تفصيل وخلف ينظر في مصطلح
( شعر ) .
لبس جلود السّباع :
- 5جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) على جواز النتفاع بجلود السّباع بشرط
ب دبغ فقد طهر » .
الدّباغ لقوله عليه السلم « :أيّما إها ٍ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبليّ :ل يجوز النتفاع بها قبل الدّبغ ول بعده ،لما روى أبو
ريحانة قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن ركوب النّمور » أخرجه أبو
داود وابن ماجه .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان ينهى عن
وعن معاوية والمقداد بن معد يكرب « أ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم «
لبس جلود السّباع والرّكوب عليها » رواه أبو داود .وروي أ ّ
نهى عن افتراش جلود السّباع »
وأمّا الثّعالب فيبنى حكمها على حلّها ،وفيها للحنابلة روايتان ،كذلك يخرج في جلودها ،فإن
قيل بتحريمها فحكم جلودها حكم جلود بقيّة السّباع وكذلك السّنانير البرّيّة ..
لبس الثّياب الجميلة :
- 6من المتّفق عليه أنّه يباح من اللبسة الثّوب الجميل ما لم يكن من مح ّرمٍ كالحرير
للذّكور ،ويستحبّ التّزيّن في العياد والجمع ومجامع النّاس ،وذلك بدون صلفٍ ول خيلء .
ومن ترك ذلك وهو قادر عليه تزمّتا أو تديّنا فقد أخطأ ،فليس ذلك ممّا يدعو إليه الشّرع ،
طيّبات
وانظر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى { :قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده وال ّ
من الرّزق } .
اللبسة من حيث ألوانها وأشكالها وصفاتها ومناسبتها لعادات النّاس :
تختلف اللبسة من حيث ألوانها :
أ -اللّون البيض :
- 7اتّفق الفقهاء على استحباب لبس ما كان أبيض اللّون من الثّياب ،وتكفين الموتى به ،
لحديث سمرة بن جندبٍ قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :البسوا من ثيابكم
البياض ،فإنّها أطهر وأطيب ،وكفّنوا فيها موتاكم » قال الشّوكانيّ :أمّا كونه أطيب فظاهر ،
ن أدنى شي ٍء يقع عليه يظهر ،فيغسل إذا كان من جنس النّجاسة ،فيكون
وأمّا كونه أطهر فل ّ
نقيّا .كما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم في دعائه « ونقّني من الخطايا كما ينقّى الثّوب
البيض من الدّنس » .
ب عمر رضي ال عنه لبس البياض لقارئ القرآن .
وقد استح ّ
ب -اللّون الحمر :
- 8ذهب بعض الحنفيّة والحنابلة إلى القول بكراهة لبس ما لونه أحمر متى كان غير مشوبٍ
بغيره من اللوان للرّجال دون النّساء ،لقول البراء بن عازبٍ « نهانا النّبيّ صلى ال عليه
ي » ولقول عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما «
وسلم عن المياثر الحمر والقس ّ
مرّ على النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران ،فسلّم عليه ،فلم يردّ عليه
النّبيّ صلى ال عليه وسلم »
واستدلّوا على جواز لبس الثّوب الحمر إذا خالطه لون آخر بأحاديث منها :حديث هلل بن
عامرٍ عن أبيه قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بمنًى يخطب على بغلةٍ ،وعليه
برد أحمر ،وعليّ أمامه يعبّر عنه » وحديث البراء بن عازبٍ قال « :كان رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم مربوعا ،وقد رأيته في حلّ ٍة حمراء ،لم أر شيئا قطّ أحسن منه صلى ال عليه
وسلم » .
وروى البيهقيّ أنّه عليه الصلة والسلم « كان يلبس يوم العيد برد ًة حمراء » .
والمراد بالحلّة الحمراء بردان يمنيّان منسوجان بخطوطٍ حمرٍ مع سو ٍد ،أو خضرٍ ،كسائر
البرود اليمنيّة ،ووصفت بالحمرة باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ،وإلّ فالحمر البحت
منهيّ عنه عندهم ومكروه لبسه ،وبهذا حملوا الحاديث المبيحة على أنّها وردت بشأن البرود
اليمنيّة وهي الّتي تشتمل على اللّون الحمر وغيره وأمّا أحاديث النّهي فهي خاصّة بما كان
أحمر خالصا ل يخالطه شيء .وذهب بعض الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى القول بجواز
لبس الثّوب الحمر الخالص غير المزعفر والمعصفر ،لحديث البراء بن عازبٍ وحديث هلل
بن عامرٍ المتقدّمين ،ولقول ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما « كان رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم يلبس يوم العيد بردةً حمراء » .
ج -اللّون السود :
- 9أجاز الفقهاء لبس السود بغير كراه ٍة في ذلك للرّجل والمرأة ،لما روي عن عائشة
رضي ال عنها أنّها قالت « :خرج النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذات غداةٍ ،وعليه مرط مرحّل
من شعرٍ أسود »
وعن جابرٍ قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دخل يوم فتح مكّة وعليه عمامة
سوداء » وعن عائشة رضي ال عنها قالت « :صنعت لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم بردةً
طيّبة » .وعن
سوداء فلبسها فلمّا عرق فيها وجد ريح الصّوف فقذفها ،وكانت تعجبه الرّيح ال ّ
ب فيها خميصة سوداء ؟ قال :من ترون
أمّ خالدٍ قالت « :أتي النّبيّ صلى ال عليه وسلم بثيا ٍ
نكسو هذه الخميصة ؟ فأسكت القوم ،فقال :ائتوني بأ ّم خالدٍ ،فأتي بي إلى النّبيّ صلى ال
عليه وسلم فألبسنيها بيده وقال :أبلي وأخلقي مرّتين وجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير
بيده إليّ ويقول :يا أ ّم خالدٍ هذا سنا ،هذا سنا » .والسّنا بلسان الحبشة :الحسن .وفي هذا
الحديث دليل على أنّه يجوز للنّساء لباس الثّياب السّود ،ول خلف في ذلك عند العلماء كما
قاله الشّوكانيّ .
د -اللّون الصفر :
- 10اتّفق الفقهاء على جواز لبس الصفر ما لم يكن معصفرا أو مزعفرا لقول عبد اللّه بن
جعفرٍ « :رأيت على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثوبين أصفرين » ولقول عمران بن
ك إزارا أصفر .
مسلمٍ :رأيت على أنس بن مال ٍ
هن -اللّون الخضر :
-11ذهب بعض الفقهاء إلى استحباب لبسه لنّه لباس أهل الجنّة ،لما في قوله تعالى { :
عاليهم ثياب سندسٍ خضر وإستبرق } .ولحديث أبي رمثة قال « :رأيت رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم وعليه بردان أخضران » .
و -المخطّط اللوان :
- 12وذلك يجوز لبسه ،لما روي عن أنسٍ رضي ال عنه قال « :كان أحبّ الثّياب إلى
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يلبسها الحبرة » والحبرة هي الثّوب المخطّط اللوان كما قال
الجوهريّ .
ما يحرم أو يكره من اللبسة :
أ -اللبسة الّتي عليها نقوش أو تصاوير أو صلبان أو آيات :
- 13يحرم على الرّجل والمرأة لبس الثّياب الّتي عليها تصاوير الحيوانات على الصحّ ،
لحديث أبي طلحة قال .سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :ل تدخل الملئكة
بيتا فيه كلب ول تصاوير » .
فإن أزيل من الصّورة ما ل تبقى بإزالته الحياة كالرّأس ،أو لم يكن لها رأس فل بأس به .
كما يحرم جعل الصّليب في الثّوب ونحوه كالطّاقيّة وغيرها ممّا يلبس ،لقول عائشة رضي ال
عنها إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « كان ل يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلّ قضبه »
أي قطع موضع الصّليب منه دون غيره ،والقضب القطع .وهذا الشّيء يشمل الملبوس
والسّتور والبسط واللت وغير ذلك .كما يحرم تصويرها في نسج الثّياب على الصحّ ،
لقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ أشدّ النّاس عذابا عند اللّه يوم القيامة المصوّرون » .
والصّلة في الثّوب الّذي عليه تصاوير الحيوانات أو الصّلبان حرام مع صحّة الصّلة ،
لحديث أنسٍ قال « :كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها ،فقال لها :أميطي عنّا قرامك
هذا ،فإنّه ل تزال تصاويره تعرض لي في صلتي » والقرام بكسر القاف ،ستر رقيق .
وكذلك لبس الثّوب الّذي نقشت فيه آيات تلهي المصلّي عن صلته ،أو كان من شأن لبسه
امتهانها .
ل ما ل روح
ول بأس بلبس الثّياب المصوّرة بصور غير الحيوانات ،كشجرٍ وقمرٍ وجبالٍ وك ّ
س لمّا قال له المصوّر :ل أعرف صنع ًة غيرها .قال :
فيه ،لما روى البخاريّ عن ابن عبّا ٍ
إن لم يكن بدّ فصوّر من الشجار ما ل نفس له .هذا ما جرى عليه جمهور الفقهاء .
أمّا التّ صاوير المنقو شة على ال سّتور والب سط والو سائد والبواب وافتراش ها والجلوس علي ها
وتعليقها واستخداماته ا المختلفة .فالحكام فيها تنظر في مصطلح ( تصوير ) .
ب -اللبسة المزعفرة ونحوها :
- 14ذهب الشّافعيّة إلى تحريم لبس الثّياب المزعفرة دون المعصفرة للرّجال وإباحتها
س رضي ال عنه قال « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يتزعفر الرّجل
للنّساء ،فعن أن ٍ
» ولو صبغ بعض ثوبٍ بزعفرانٍ ،فهل هو كالتّطريف فيحرم ما زاد على الربع الصابع ،
أو كالمنسوج من الحرير وغيره فيعتبر الكثر ؟ الوجه أنّ المرجع في ذلك إلى العرف ،فإن
صحّ إطلق المزعفر عليه عرفا حرم وإلّ فل .ول يكره لغير المرأة مصبوغ بغير الزّعفران
والعصفر والحمر والصفر والخضر وغيرها سواء أصبغ قبل النّسج أم بعده ،لعدم ورود
نهيٍ في ذلك .
وقال الحنفيّة والحنابلة بكراهة لبس الثّياب المزعفرة والمعصفرة للرّجال دون النّساء ،لحديث
أنسٍ السّابق .ولما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما قال « :رأى
النّبيّ صلى ال عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال :أأمّك أمرتك بهذا ؟ قلت :أغسلهما ،
قال :بل أحرقهما »
وعن عليّ رضي ال عنه قال « :نهاني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن التّختّم
بالذّهب ،وعن لباس القسيّ ،وعن القراءة في الرّكوع والسّجود وعن لباس المعصفر »
وأجاز المالكيّة لغير المحرم لبس المعصفر ونحوه كالمزعفر ،ما لم يكن مفدّما ( أي شديد
ل كره لبسه
ي الصّبغ الّذي ردّ في العصفر مرّةً بعد أخرى ،وإ ّ
الحمرة ) والمفدّم :هو القو ّ
للرّجال في غير الحرام .
وحرم عند الجميع على المحرم لبس ما كان مزعفرا أو معصفرا ،سواء كان رجلً أو
امرأةً ،إذا كان ريح الطّيب باقيا ،لنّه طيّب ،ول بأس بسائر اللوان غير ذلك .
ف أو يصف :
ج -لبس ما يش ّ
- 15ل يجوز لبس الرّقيق من الثّياب إذا كان يشفّ عن العورة ،فيعلم لون الجلد من بياضٍ
أو حمرةٍ ،سواء في ذلك الرّجل والمرأة ولو في بيتها ،هذا إن رآها غير زوجها ،لما يأتي
من الدلّة ،وهو بالضافة إلى ذلك مخلّ بالمروءة ،ولمخالفته لزيّ السّلف ،ول تصحّ
الصّلة في مثل تلك الثّياب ،ويجوز للمرأة لبسه إذا كان ل يراها إلّ زوجها .أمّا ما كان
رقيقا يستر العورة ،ولكنّه يصف حجمها حتّى يرى شكل العضو فإنّه مكروه .لقول جرير بن
ن الرّجل ليلبس وهو عارٍ ،يعني الثّياب الرّقاق "
عبد اللّه " :إ ّ
وعن أسامة بن زيدٍ قال « :كساني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قبطيّةً كثيف ًة ممّا أهداها له
دحية الكلبيّ ،فكسوتها امرأتي ،فقال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مالك لم تلبس
القبطيّة ؟ قلت :يا رسول اللّه كسوتها امرأتي ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :مرها
فلتجعل تحتها غللةً ،فإنّي أخاف أن تصف حجم عظامها »
ففيه دليل على النّهي عن لبس اللّباس الّذي يصف ما تحته من البدن ،ولهذا ورد في حديث
علقمة عن أمّه قالت :دخلت حفصة بنت عبد الرّحمن على عائشة وعليها خمار رقيق ،فشقّته
عائشة ،وكستها خمارا كثيفا .والخمار بالكسر هو :ما تغطّي به المرأة رأسها .وعن دحية
الكلبيّ قال « :أتي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقباطيّ ،فأعطاني منها قبطيّةً .فقال :
اصدعها صدعين ،فاقطع أحدهما قميصا ،وأعط الخر امرأتك تختمر به فلمّا أدبر قال :
وأمر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا ل يصفها » ،وقباطيّ جمع :قبطيّ ٍة بكسرٍ أو ضمّ وسكونٍ ،
أي ثوب يصنعه قبط مصر رقيق أبيض .
د -اللبسة المخالفة لعادات النّاس :
- 16لبس اللبسة الّتي تخالف عادات النّاس مكروه لما فيه من شهر ٍة ،أي ما يشتهر به عند
النّاس ويشار إليه بالصابع ،لئلّ يكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته ،فيشاركهم في إثم
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى
الغيبة .فعن أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا « أ ّ
عن الشّهرتين فقيل :يا رسول اللّه وما الشّهرتان ؟ قال :رقّة الثّياب وغلظها ،ولينها
وخشونتها ،وطولها وقصرها ،ولكن سدادا بين ذلك واقتصادا »
وعن ابن عمر مرفوعا « من لبس ثوب شهرةٍ ألبسه اللّه ثوب مذلّ ٍة يوم القيامة » قال في
لسان العرب :الشّهرة ظهور الشّيء في شنع ٍة حتّى يشهره النّاس ،ويكره لبس زيّ مزرٍ به
لنّه من الشّهرة ،فإن قصد به الختيال أو إظهار التّواضع حرم لنّه رياء « :من سمّع سمّع
اللّه به ،ومن راءى راءى به » .
ويكره زيّ أهل الشّرك ،لحديث ابن عمر مرفوعا « من تشبّه بقو ٍم فهو منهم » كما كره
طول الرّداء مخافة أن يغفل عنه فيجرّه من خلفه ،وقد جاء النّهي عن ذلك لمن فعله بطرا ،
ل من المر الّذي ينبغي ،لقوله صلى ال عليه وسلم « ل ينظر
والتّوقّي من ذلك على كلّ حا ٍ
اللّه يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا » .
هن – اللبسة النّجسة :
-17لبس الثّوب النّجس لستر العورة في غير صلةٍ جائز .
أمّا في الصّلة ،فلو وجد ساترا نجسا ولم يجد غيره فإنّه يستتر به ول يصلّي عاريّا ،كما
هو مذهب الحنابلة ،وأحد قولين لكلّ من المالكيّة والشّافعيّة .
أمّا القول الخر عند المالكيّة ،وهو الظهر عند الشّافعيّة فإنّه يصلّي عاريّا ول يستتر
بالنّجس .أمّا عند الحنفيّة فإذا كان الرّبع من الثّوب طاهرا وجب الستتار به ول يصلّي عاريّا
ل من ربعه يخيّر بين الستتار به أو الصّلة عاريّا ،وإن كان كلّه نجسا
،وإن كان الطّاهر أق ّ
ن في الصّلة به ترك فرضٍ
فذهب محمّد بن الحسن إلى أنّه يصلّي به ول يصلّي عريانا ،ل ّ
واحدٍ ،وفي الصّلة عريانا ترك الفروض من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ ،بل يصلّي قاعدا باليماء
.وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى التّفريق في ذلك بين النّجس الصليّ كجلد ميت ٍة لم يدبغ
وبين المتنجّس ،فل يستتر بالوّل ،ويستتر بالثّاني .
و -اللبسة المغصوبة :
- 18ليس للعاري أخذ الثّوب قهرا ( غصبا ) من مالكه للصّلة فيه ،وتصحّ بدونه ما لم يجد
ل أن يغصبه ،فإنّه
ق الدميّ ،فأشبه ما لو لم يجد ماءً يتوضّأ به إ ّ
غيره ،لما في ذلك من ح ّ
يتيمّم ،وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة .
حكم اتّخاذ اللبسة الخاصّة بالمناسبات والشخاص :
أ -ملبس العياد ومجامع النّاس :
ن الفقهاء متّفقون
- 19جعل اللّه تعالى العياد أيّام فرحٍ وسرورٍ وزين ٍة للمسلمين ،ولذا فإ ّ
على أنّ التّطيّب والتّزيّن لها مستحبّ ،والتّزيّن بلبس الثّياب الجميلة والجديدة ،وأفضلها
البياض ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :البسوا من ثيابكم البياض ،فإنّها من خير ثيابكم »
ولما في ذلك من إظهار نعمة اللّه تعالى على عبده الّتي يجب أن يرى أثرها عليه ،ولذا ل
ن اللّه
ينبغي ترك إظهار الزّينة والتّطيّب في العياد مع القدرة عليها تقشّفا ،فقد ورد « أ ّ
ب أن يرى أثر نعمته على عبده » .
تعالى يح ّ
ي صلى ال عليه وسلم كان يلبس في
ن النّب ّ
س رضي ال عنهما « أ ّ
وقد روي عن ابن عبّا ٍ
العيدين بردةً حبر ًة » .وعن عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم « ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته » .
ي صلى ال عليه وسلم كان يعتمّ ،ويلبس برده الحمر في العيدين
ن النّب ّ
وعن جابرٍ « أ ّ
والجمعة » .وعن جابرٍ قال « :كانت للنّبيّ صلى ال عليه وسلم جبّة يلبسها في العيدين
ويوم الجمعة » .
« وكان صلى ال عليه وسلم يلبس بردين أخضرين ولبس مرّ ًة بردا أحمر ».
وروي عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه كان يلبس كساء خزّ بخمسين دينارا ،
يلبسه في الشّتاء ،فإذا كان الصّيف تصدّق به ،أو باعه فتصدّق بثمنه ،وكان يلبس في
الصّيف ثوبين من متاع مصر ممشّقين ( أي مصبوغين بالمشق وهو صبغ أحمر ) ويقرأ قوله
طيّبات من الرّزق } فقد دلّت على
تعالى { :قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده وال ّ
استحباب لباس الرّفيع من الثّياب والتّجمّل بها في الجمع والعياد وعند لقاء النّاس وزيارة
الخوان .قال أبو العالية :كان المسلمون إذا تزاوروا تجمّلوا .وفي صحيح مسلمٍ من حديث
« عمر بن الخطّاب أنّه رأى حلّ ًة سيراء تباع عند باب المسجد ،فقال :يا رسول لو اشتريتها
ليوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّما يلبس هذا
من ل خلق له في الخرة » فما أنكر ذكر التّجمّل وإنّما أنكر عليه كونها سيراء ( ،والسّيراء
نوع من البرود ،فيه خطوط صفر ،أو يخالطه حرير ) .
وقال أبو الفرج :كان السّلف يلبسون الثّياب المتوسّطة ل المترفّعة ول الدّون ،ويتخيّرون
أجودها للجمعة والعيدين وللقاء الخوان ،ولم يكن تخيّر الجود عندهم قبيحا .
وأمّا اللّباس الّذي يزري بصاحبه -أي وهو يجد غيره -فإنّه يتضمّن إظهار الزّهد وإظهار
الفقر ،وكأنّه لسان شكوى من اللّه تعالى ،ويوجب احتقار اللّابس ،وكلّ ذلك مكروه منهيّ
عنه .فإن قال قائل :تجويد اللّباس هوى النّفس ،وقد أمرنا بمجاهدتها ،وتزيّن للخلق وقد
ل ما
أمرنا أن تكون أفعالنا للّه ل للخلق ؟ فالجواب :أنّه ليس كلّ ما تهواه النّفس يذمّ ،ول ك ّ
يتزيّن به للنّاس يكره .وإنّما ينهى عن ذلك إذا كان الشّرع قد نهى عنه ،أو على وجه الرّياء
ظ للنّفس ل يلم عليه ،ولهذا
ن النسان يحبّ أن يرى جميلً ،وذلك ح ّ
في باب الدّين ،فإ ّ
يسرّح شعره ،وينظر في المرآة ،ويسوّي عمامته ،ويلبس بطانة الثّوب الخشنة إلى داخلٍ ،
وظهارته الحسنة إلى خارجٍ ،وليس في شيءٍ من هذا ما يكره ول يذمّ .
وقد روى مكحول عن عائشة رضي ال عنها قالت « :كان نفر من أصحاب رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم ينتظرونه على الباب ،فخرج يريدهم ،وفي الدّار ركوة فيها ماء ،فجعل
ينظر في الماء ،ويسوّي لحيته وشعره ،فقلت يا رسول اللّه :وأنت تفعل هذا ؟ قال :نعم إذا
ن اللّه جميل يحبّ الجمال » .
خرج الرّجل إلى إخوانه فليهيّئ من نفسه ،فإ ّ
ب -ملبس الحرام بالحجّ :
- 20يلبس المحرم ملبس خاصّةً ،وبيان ما يراعى في ذلك تقدّم في مصطلح ( إحرام ) ج
2ص . 128
ج -ملبس المرأة المحدّة :
- 21الحداد بمعناه العامّ :ترك الزّينة وما في معناها .واختلف في لبس المحدّة لبعض
الثّياب الملوّنة على وجه الزّينة وفي لبس الحليّ ،وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( إحداد :
ج 2ص . ) 103
د -لباس العلماء :
- 22ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يندب للعلماء أن يكون لباسهم فاخرا ،كصوفٍ وجوخٍ
رفيعٍ وأبرادٍ رقيقةٍ ،وأن تكون ثيابهم واسع ًة ،ويحسن لهم لفّ عمامةٍ طويل ٍة تعارفوها ،فإن
عرف عرف في بلدٍ أخر أنّها تفعل بغير الطّول يفعل ،لظهار مقام العلم ،ولجل أن
يعرفوا فيسألوا عن أمور الدّين .فقد كان أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعتمّون ،
ن إرخاءها من زيّ أهل العلم والفضل والشّرف ،ولذا ل
ويرخون الذّؤابة بين أكتافهم ،ل ّ
يجوز أن يمكّن الكفّار من التّشبّه بهم ،وأن يلبسوا القلنس إذا انتهوا في عملهم وعندهم
عظمت منزلتهم واقتدى النّاس بهم ،فيتميّزون بها للشّرف على من دونهم ،لما رفعهم اللّه
بعلمهم على جهلة خلقه ،وكذلك الخطباء على المنابر لعلوّ مقامهم .
وعلى هذا فما صار شعارا للعلماء يندب لهم لبسه ليعرفوا بذلك ،فيسألوا ،وليطاوعوا فيما
عنه زجروا ،وعلّل ذلك ابن عبد السّلم بأنّه سبب لمتثال أمر اللّه تعالى والنتهاء عمّا نهى
اللّه عنه .
وكره المالكيّة والحنابلة لهم سعة ثيابهم وطولها ،وطول أكمامهم ،والكبر الخارج عن عادة
النّاس لما في ذلك من إضاع ٍة للمال المنهيّ عنها « ،وقد نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن
إضاعته » ،فقد يفصّل من ذلك الكمّ ثوب غيره وروى مالك رحمه ال تعالى في موطّئه أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إزرة المسلم إلى أنصاف ساقيه .ل جناح عليه فيما بينه
وبين الكعبين .ما أسفل من ذلك ففي النّار .ما أسفل من ذلك ففي النّار .ل ينظر اللّه يوم
ص صريح منه عليه الصلة والسلم أنّه ل يجوز
القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا » فهذا ن ّ
ن ما تحت الكعبين ليس للنسان به حاجة فمنعه منه .
للنسان أن يجرّ ثوبه بقصد التّكبّر .إذ أ ّ
وأباح ذلك للنّساء ،فللمرأة أن تجرّ ثوبها خلفها شبرا أو ذراعا للحاجة الدّاعية إلى ذلك ،وهي
التّستّر والبلغ فيه ،إذ أنّ المرأة كلّها عورة إلّ ما استثني ،وذلك فيها بخلف الرّجال .
لباس أهل ال ّذمّة :
- 23اتّفق الفقهاء على وجوب أخذ أهل ال ّذمّة بما يميّزهم عن المسلمين في لباسهم ،فل
يتشبّهون بهم ،لنّهم لمّا كانوا مخالطين لهل السلم كان ل بدّ من تمييزهم عنهم ،كي تكون
معاملتهم مختلفةً عن معاملة المسلمين من التّوقير والجلل ،وذلك ل يجوز لهم .وإذا وجب
التّمييز وجب أن يكون بما فيه صغارهم ل إعزازهم ،وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح
( أهل ال ّذمّة ) .
اللبسة الّتي تجزئ في النّفقة الواجبة :
- 24يجب للزّوجة والولد والوالدين ومن تجب لهم النّفقة كسوة مقدّرة على حسب حال من
تجب عليه ،على خلفٍ في ذلك ينظر في مصطلح ( نفقة ) .
ما يجزئ من اللبسة في كفّارة اليمين :
- 25في كفّارة اليمان إن اختار الحانث أن يكفّر بالكسوة كسا عشرة مساكين بما يطلق عليه
اسم الكسوة ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( كفّارة ) .
شراء اللبسة أو استئجارها للصّلة فيها :
- 26أجاز الحنفيّة والشّافعيّة شراء اللبسة أو استئجارها للصّلة .وقال الحنابلة :إن وجد
من يبيعه ثوبا بثمن مثله ،أو يؤجّره بأجرة مثله ،أو زياد ٍة يتغابن النّاس بمثلها ،وقدر على
ذلك العوض لزمه قبوله .وإن كانت كثيرةً ل يتغابن النّاس بمثلها لم يلزمه ،وقال المالكيّة :
إذا كان بثمنٍ معتادٍ لزمه وإلّ فل ( : .ر :صلة ،وإجارة ) .
ما يترك للمفلس من اللبسة :
- 27إذا حجر على المفلس يترك له من اللّباس أقلّ ما يكفيه ،وما ل غنى له عنه :قميص
وسراويل وشيء يلبسه على رأسه ،إمّا عمامة أو قلنسوة أو غيرهما ممّا جرت به عادته
ولرجله حذاء ،وإن احتاج إلى جبّ ٍة أو فرو ٍة أو نحوهما ترك له ذلك .وإن كان له ثياب
رفيعة ل يلبس مثله مثلها بيعت واشتري له كسوة مثله ،وردّ الفضل على الغرماء .فإن
كانت إذا بيعت واشتري له كسوة ل يفضل منها شيء تركت له ،فإنّه ل فائدة في بيعها .وفي
قولٍ للحنفيّة :يترك له مثل ما هو لبسه ،لنّه إذا غسل ثيابه ل بدّ له من ملبسٍ يلبسه .
وتزاد المرأة ما ل غنى لها عنه ،كمقنعةٍ وغيرها ممّا يليق بها .
ويترك لعياله من الملبس والثّياب مثل ما يترك له ( .ر :إفلس ) .
سلب القتيل من اللبسة :
- 28إذا قال المام :من قتل قتيلً فله سلبه ،فسلب القتيل من اللبسة مباح لمن حارب
الكفّار دفاعا عن السلم والمسلمين ،وقتل منهم من يجوز قتله ،وذلك اتّفاقا ،وكذلك إذا لم
يقل المام ذلك عند الحنابلة .والصل فيه قوله صلى ال عليه وسلم « من قتل قتيلً له عليه
بيّنة فله سلبه » .
وسلب القتيل ما كان لبسا له من ثيابٍ وعمامةٍ وقلنسوةٍ ومنطق ٍة ودرعٍ ومغفرٍ وبيضةٍ وتاجٍ
ف بما فيه من حلي ٍة ونحو ذلك .
وأسور ٍة ورانٍ وخ ّ
وفي إعطائه لمن قتله تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( غنيمة ) .
سنن اللّبس وآدابه وأدعيته المأثورة :
سنّة أن يبدأ المسلم وهو يلبس ثوبه أو نعله أو سراويله وشبهها باليمين ،بإدخال
- 29من ال ّ
اليد اليمنى في كمّ الثّوب ،والرّجل اليمنى في كلّ من النّعل والسّراويل ،وفي الخلع باليسر
ثمّ اليمن .فعن عائشة رضي ال عنها قالت « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعجبه
التّيمّن في شأنه كلّه ،في طهوره وتنعّله وترجّله » وفي رواي ٍة أخرى « كان رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم يحبّ التّيامن ما استطاع في طهوره وتنعّله وترجّله وفي شأنه كلّه » .وعن
أبي هريرة رضي ال عنه قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه
ي صلى ال عليه وسلم قال :إذا لبستم وإذا توضّأتم فابدءوا
ن النّب ّ
» وعنه رضي ال عنه « أ ّ
بميامنكم » وعن حفصة رضي ال عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يجعل يمينه
لطعامه وشرابه وثيابه ،ويجعل شماله لما سوى ذلك » رواه أبو داود وأحمد ،وعن أبي
هريرة رضي ال عنه مرفوعا إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا انتعل أحدكم فليبدأ
باليمين ،وإذا نزع فليبدأ بالشّمال » .
ولهذا اتّفق العلماء على استحباب التّيامن في المور الشّريفة ،والتّياسر فيما سوى ذلك .
فالتّيامن كلبس الثّوب والخفّ والمداس والسّراويل وغير ذلك ،والتّياسر كخلع الثّوب
والسّراويل والخفّ وما أشبه ذلك فيستحبّ التّياسر فيه ،وذلك لكرامة اليمين وشرفها .
ويستحبّ لمن لبس ثوبه سواء أكان قميصا أم إزارا أم عمام ًة أم رداءً أن يقول :بسم اللّه ،
وأن يدعو بما ورد .فعن معاذ بن أنسٍ رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :
من لبس ثوبا جديدا فقال :الحمد للّه الّذي كساني هذا ،ورزقنيه من غير حولٍ منّي ول ق ّوةٍ ،
غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه » .وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي ال عنه قال « :كان رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه عمام ًة أو قميصا أو رداءً ثمّ يقول :اللّهمّ
لك الحمد أنت كسوتنيه .أسألك خيره وخير ما صنع له ،وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما صنع
له » .
وعن عمر رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :من لبس
ثوبا جديدا فقال :الحمد للّه الّذي كساني ما أداري به عورتي ،وأتجمّل به في حياتي ،ثمّ
ل وفي سبيل
عمد إلى الثّوب الّذي أخلق فتصدّق به ،كان في حفظ اللّه وفي كنف اللّه عزّ وج ّ
اللّه حيّا وميّتا » .ذلك هو سنن اللّبس وآدابه ،وما في ذلك من أدعيةٍ مأثور ٍة .
التباس *
التّعريف :
- 1اللتباس في اللّغة من اللّبس وهو :الخلط .ويأتي بمعنى الشتباه والشكال .يقال :
التبس عليه المر أي :اشتبه وأشكل .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن هذا المعنى اللّغويّ ،حتّى إنّ بعضهم سوّى بين
الشتباه واللتباس ،وعرّف أحدهما بالخر ،كما جاء في كتب المالكيّة :قال ابن عبد السّلم
:الشتباه اللتباس .
ن المالكيّة قد انفردوا باستعمال لفظ ( اللتباس ) ،
- 2ويظهر من تتبّع عبارات الفقهاء أ ّ
ك ) بدلً من كلمة التباسٍ ،كما هو
وغير المالكيّة أكثروا من استعمال لفظي ( اشتباهٍ وش ّ
الملحظ في بحث خفاء القبلة ،ونكاح الجنبيّة الّتي اشتبهت بأخته ،وطهارة الماء والثّياب
والواني الملتبسة وغيرها .
الحكم الجماليّ :
- 3يختلف حكم اللتباس تبعا لختلف متعلّقه ،فإذا التبس الحلل بالحرام يرجّح جانب
الحرمة احتياطا ،كمن التبست عليه الجنبيّة بأخته ،بأن شكّ في الجنبيّة وأخته من الرّضاع
حرمتا معا .وكذا إذا اشتبهت المذكّاة بالميتة .
ومن التبست عليه القبلة سأل واجتهد وتحرّى ،فإذا خفيت تخيّر وصلّى مع تفصيلٍ في ذلك .
كذلك لو اشتبه على شخصٍ ماء طاهر بما ٍء نجسٍ ،أو التبست عليه الواني أو الثّياب ،يجتهد
ويتحرّى عند جمهور الفقهاء ،وإن كان الرجح عند بعض الحنفيّة الطّهارة .ولمعرفة أحكام
اللتباس واللفاظ ذات الصّلة به يرجع إلى مصطلح ( اشتباه ) .
التزام *
التّعريف :
-1اللتزام في اللّغة يقال :لزم الشّيء يلزم لزوما أي :ثبت ودام ،ولزمه المال وجب عليه ،
ولزمه الطّلق :وجب حكمه ،وألزمته المال والعمل فالتزمه ،واللتزام :العتناق .
واللتزام :إلزام الشّخص نفسه ما لم يكن لزما له ،أي ما لم يكن واجبا عليه قبل ،وهو
بهذا المعنى شامل للبيع والجارة والنّكاح وسائر العقود .
ن اللتزام عامّ
ل تعبيراتهم على أ ّ
وهذا المعنى اللّغويّ جرت عليه استعمالت الفقهاء ،حيث تد ّ
في التّصرّفات الختياريّة ،وهي تشمل جميع العقود ،سواء في ذلك المعاوضات والتّبرّعات
.وهو ما اعتبره الحطّاب استعمالً لغويّا ،فقد عرّفه بأنّه :إلزام الشّخص نفسه شيئا من
المعروف مطلقا ،أو معلّقا على شيءٍ ،فهو بمعنى العطيّة ،فدخل في ذلك الصّدقة والهبة
والحبس ( الوقف ) والعاريّة والعمرى والعريّة والمنحة والرفاق والخدام والسكان والنّذر .
قال الحطّاب في كتابه تحرير الكلم في مسائل اللتزام :وقد يطلق في العرف على ما هو
أخصّ من ذلك ،وهو التزام المعروف بلفظ اللتزام .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العقد والعهد :
- 2من معاني العقد لغ ًة :العهد ،ويقال :عهدت إلى فلنٍ في كذا وكذا ،وتأويله :ألزمته
ذلك ،فإذا قلت عاقدته أو عقدت عليه فتأويله :أنّك ألزمته ذلك باستيثاقٍ ،وتعاقد القوم :
تعاهدوا .وفي المجلّة العدليّة :العقد :التزام المتعاقدين وتعهّدهما أمرا ،وهو عبارة عن
ارتباط اليجاب بالقبول .وبذلك يكون العقد التزاما .
- 3أمّا العهد فهو في اللّغة :الوصيّة ،يقال عهد إليه يعهد :إذا أوصاه ،والعهد :المان ،
والموثق ،وال ّذمّة .
ل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد ،والعهد :اليمين
والعهد :كلّ ما عوهد اللّه عليه ،وك ّ
يحلف بها الرّجل .وبذلك يعتبر العهد نوعا من أنواع اللتزام أيضا .
ب -التّصرّف :
- 4يقال صرف الشّيء :إذا أعمله في غير وجهٍ كأنّه يصرفه عن وجهٍ إلى وجهٍ ،ومنه
التّصرّف في المور .
وبهذا المعنى يكون التّصرّف أعمّ من اللتزام ،إذ من التّصرّف ما ليس فيه التزام .
ج -اللزام :
- 5اللزام :الثبات والدامة ،وألزمته المال والعمل وغيره .
فاللزام سبب اللتزام ،سواء أكان ذلك بإلزام الشّخص نفسه شيئا ،أم بإلزام الشّارع له .
يقول الرّاغب الصفهانيّ :اللزام ضربان :إلزام بالتّسخير من اللّه ،أو من النسان .وإلزام
بالحكم والمر ،واللزام ل يتوقّف على القبول .
د -اللّزوم :
- 6اللّزوم :الثّبوت والدّوام ،ولزمه المال :وجب عليه ،ولزمه الطّلق :وجب حكمه .
فاللّزوم يصدق على ما يترتّب على اللتزام متى توفّرت شروطه ،وعلى ما يقرّره الشّرع إذا
توافرت شروط معيّنة .أمّا اللتزام فهو أمر يقرّره النسان باختياره ابتداءً .
هن -الحقّ :
-7الحقّ ضدّ الباطل ،وحقّ المر أي ثبت ،قال الزهريّ :معناه وجب يجب وجوبا ،
ق الشّيء إذا وجب وثبت .
وهو مصدر ح ّ
والحقّ اصطلحا :هو موضوع اللتزام ،أي ما يلتزم به النسان تجاه اللّه ،أو تجاه غيره
من النّاس .
و -الوعد :
شرّ مجازا .
- 8الوعد يدلّ على ترجيةٍ بقولٍ ،والوعد يستعمل في الخير حقيق ًة وفي ال ّ
والوعد :العهد .
والعدة ليس فيها إلزام الشّخص نفسه شيئا الن ،وإنّما هي كما قال ابن عرفة :إخبار عن
إنشاء المخبر معروفا في المستقبل .
والفرق بين ما يدلّ على اللتزام ،وما يدلّ على العدة :هو ما يفهم من سياق الكلم وقرائن
ل أن تدلّ قرينة على
الحوال .والظّاهر من صيغة المضارع :الوعد ،مثل :أنا أفعل ،إ ّ
اللتزام كما يفهم من كلم ابن رشدٍ .وذلك مثل ما لو سألك مدين أن تؤخّره إلى أجل كذا ،
فقلت :أنا أؤخّرك ،فهو عدة ،ولو قلت :قد أخّرتك ،فهو التزام .
أسباب اللتزام :
- 9من تعريف اللتزام اللّغويّ والشّرعيّ ،ومن استعمالت الفقهاء وعباراتهم ،يتبيّن أنّ
سبب اللتزام هو تصرّفات النسان الختياريّة الّتي يوجب بها حقّا على نفسه ،وسواء أكان
هذا الحقّ تجاه شخصٍ ،كاللتزامات الّتي يبرمها ،ومنها العقود والعهود الّتي يتعهّد بها ،
واليمان الّتي يعقدها ،والشّروط الّتي يشترطها .أم كان لحقّ اللّه ،كنذرٍ صل ٍة أو صومٍ أو
اعتكافٍ أو صدق ٍة مثلً .وهناك أسباب أخرى سيأتي ذكرها فيما بعد .وبيان ذلك فيما يأتي .
التّصرّفات الختياريّة :
- 10التّصرّفات الّتي يباشرها النسان باختياره ويوجب بها حقّا على نفسه تتناول العقود
بالمعنى العامّ الّذي أطلقه الفقهاء ،وهي الّتي تنعقد بإرادتين متقابلتين ( أي باليجاب والقبول )
أو الّتي تنعقد بإراد ٍة واحدةٍ ( أي باليجاب فقط ) وهذه قد تسمّى عقودا على سبيل التّوسّع .
ل إذا كان من شأنه أن يرتّب التزاما في جانب كلّ من الطّرفين ،
والتّصرّف يتمّ بإيجابٍ وقبو ٍ
كالبيع والجارة والمساقاة والمزارعة .أمّا التّصرّف الّذي يرتّب التزاما في جانب أحد
الطّرفين دون الخر فيتمّ بإيجاب الطّرف الملتزم وحده ،كالوقف والوصيّة لغير معيّنٍ
والجعالة والبراء من الدّين والضّمان والهبة والعاريّة .وهذا في الجملة مع مراعاة اختلف
الفقهاء في اشتراط القبول في بعضها .ويدخل فيما يتمّ بإرادةٍ منفردةٍ :اليمان والنّذور ،وما
شاكل ذلك .فهذه التّصرّفات كلّها الّتي تتمّ بإرادتين ،أو بإرادةٍ واحد ٍة متى استوفت أركانها
وشرائطها على النّحو المشروع ،فإنّه يترتّب عليها اللتزام بأحكامها .
ل ما ذكر ،ومن هذه النّصوص :
ن اللتزام يشمل ك ّ
- 11ونصوص الفقهاء صريحة في أ ّ
أ -في كتاب البيوع من المجلّة العدليّة .العقد :التزام المتعاقدين وتعهّدهما أمرا ،وهو عبارة
عن ارتباط اليجاب بالقبول .
ب -جاء في المنثور في القواعد للزّركشيّ :العقد الشّرعيّ ينقسم باعتبار الستقلل به
وعدمه إلى ضربين :
الوّل :عقد ينفرد به العاقد ،مثل عقد النّذر واليمين والوقف ،إذا لم يشترط القبول فيه ،
وع ّد بعضهم منه الطّلق والعتاق إذا كانا بغير عوضٍ ،قال الزّركشيّ :وإنّما هو رفع للعقد .
والثّاني :عقد ل بدّ فيه من متعاقدين ،كالبيع والجارة والسّلم والصّلح والحوالة والمساقاة
والهبة .والشّركة والوكالة والمضاربة والوصيّة والعاريّة الوديعة والقرض والجعالة والمكاتبة
والنّكاح والرّهن والضّمان والكفالة .
ج -وفي المنثور أيضا :ما أوجبه اللّه على المكلّفين ينقسم إلى ما يكون سببه جناي ًة ويسمّى
عقوب ًة ،وإلى ما يكون سببه التزاما ويسمّى ثمنا أو أجر ًة أو مهرا أو غيره د -في القواعد
للعزّ بن عبد السّلم :المساقاة والمزارعة التّابعة لها هي التزام أعمال الفلحة بجزءٍ شائعٍ من
الغلّة المعمول على تحصيلها .وفيه كذلك :التزام الحقوق من غير قبولٍ أنواع :أحدها :
بنذرٍ في الذّمم والعيان .
الثّاني :التزام الدّيون بالضّمان .
الثّالث :ضمان الدّرك .
الرّابع :ضمان الوجه .
الخامس :ضمان ما يجب إحضاره من العيان المضمونات .
هن-من المثلة الّتي ذكرها الحطّاب في اللتزامات :
-1 -إذا قال له :إن بعتني سلعتك بكذا فقد التزمت لك كذا وكذا ،فالشّيء الملتزم به داخل
في جملة الثّمن ،فيشترط فيه ما يشترط في الثّمن .
-2-إذا قال له :إن أسكنتني دارك سنةً ،فهذا من باب الجارة ،فيشترط فيه شروط الجارة
،بأن تكون المدّة معلومةً والمنفعة معلومةً ،وأن يكون الشّيء الملتزم به ممّا يصحّ أن يكون
أجرةً .وأمثال هذه النّصوص كثيرة في كتب الفقه .
ومنها يمكن القول بأنّ السباب الحقيقيّة لللتزامات :هي تصرّفات النسان الختياريّة .إلّ
ن المشتغلين بالفقه في العصر الحديث زادوا على ذلك ثلثة مصادر أخرى ليست في الحقيقة
أّ
التزاما ،بل هي إلزام أو لزوم ،ولكن يترتّب عليها مثل ما يترتّب باللتزام باعتبار التّسبّب أو
المباشرة .وبيانها كما يلي :
-1 -الفعل الضّارّ أو الفعل غير المشروع :
- 12الفعل الضّا ّر الّذي يصيب الجسم أو المال يستوجب العقوبة أو الضّمان .
والضرار متعدّدة فمنها إتلف مال الغير ،ومنها الجناية على النّفس أو الطراف ،ومنها
التّعدّي بالغصب ،أو بالسّرقة ،أو بالتّجاوز في الستعمال المأذون فيه ،كتجاوز المستأجر ،
والمستعير ،والحجّام ،والطّبيب ،والمنتفع بالطّريق ،ومنها التّفريط في المانات كالودائع
ل ذلك يصير الفاعل ملزما بضمان فعله ،وعليه العوض في المثليّ بمثله ،
والرّهون .ففي ك ّ
وفي القيميّ بقيمته ،وهذا في الجملة ،إذ من التلفات ما ل ضمان فيه ،كمن صال عليه
إنسان أو بهيمة ولم يندفع إلّ بالقتل فقتله ،كما أنّ من العمال المباحة ما فيه الضّمان ،
كالمضطرّ الّذي يأكل مال غيره ،ففيه الضّمان عند غير المالكيّة .
والضّابط في ذلك ما قال الزّركشيّ :أنّ التّعدّي مضمون أبدا إلّ ما قام دليله ،وفعل المباح
ساقط أبدا إلّ ما قام دليله .والصل في منع الضّرر قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل
ل ما سبق تفصيلت كثيرة ينظر في مصطلحاتها وأبوابها .
ضرر ول ضرار » وفي ك ّ
-2 -الفعل النّافع أو الثراء بل سببٍ :
ل نافعٍ لغيره ،فيصير دائنا لذلك الغير بما قام به أو بما أدّى عنه .
- 13قد يقوم النسان بفع ٍ
وهذا ما يسمّيه المشتغلون بالفقه في العصر الحديث ( الثراء بل سببٍ ) وهم يعنون بذلك :
ن من أدّى عن غيره دينا أو أحدث له منفع ًة فقد افتقر المؤدّي وأثرى المؤدّى عنه بل سببٍ ،
أّ
وبذلك يصبح المثري ملزما بأداء أو ضمان ما أدّاه عنه غيره أو قام به .
وليست هناك قاعدة يندرج تحتها ذلك ،وإنّما هي مسائل متفرّقة في أبواب الفقه ،كإنفاق
المرتهن على الرّهن ،والملتقط على اللّقيط أو اللّقطة ،والنّفقة على الرّقيق والزّوجات
والقارب والبهائم إذا امتنع من يجب عليه النفاق ،وإنفاق أحد الشّريكين على المال المشترك
مع غيبة الخر أو امتناعه .ومن ذلك :بناء صاحب العل ّو السّفل بدون إذن صاحبه .أو إذن
الحاكم لضطراره لذلك ،وبناء الحائط المشترك ،ودفع الزّكاة لغير المستحقّ ..وهكذا .
ق الرّجوع بما
ففي مثل هذه المسائل يكون المنتفع ملزما بما أدّى عنه ،ويكون لمن أنفق ح ّ
أنفق في بعض الحوال .
وفي ذلك خلف وتفصيل في بيان متى يحقّ له الرّجوع ،ومتى ل يحقّ ،إذ القاعدة الفقهيّة ،
ن من دفع دينا عن غيره بل أمره يعتبر متبرّعا ،ول يرجع بما دفع .
أّ
والقاعدة الخامسة والسّبعون في قواعد ابن رجبٍ هي فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره
بغير إذنه ،وفيها كثير من هذه المسائل .
وتنظر هذه المسائل في أبواب الفقه ،كالشّركة والرّهن واللّقطة والزّكاة وغيرها ،وفي مجمع
الضّمانات كثير من هذه المثلة ،وفي الفروق للقرافيّ :كلّ من عمل عملً أو أوصل نفعا
لغيره من مالٍ أو غيره بأمره أو بغير أمره نفذ ذلك ،فإن كان متبرّعا لم يرجع به ،أو غير
متب ّرعٍ وهو منفعة فله أجر مثله ،أو مال فله أخذه ممّن دفعه عنه بشرط أن يكون المنتفع ل بدّ
له من عمل ذلك .
-3 -الشّرع :
- 14يعتبر المسلم بإسلمه ملتزما بأحكام السلم وتكاليفه .
جاء في مسلّم الثّبوت :السلم :التزام حقيقة ما جاء به النّبيّ صلى ال عليه وسلم .
وممّا يعتبر المسلم ملتزما به ما يلزمه به الشّارع نتيجة ارتباطاتٍ وعلقاتٍ خاصّةٍ .ومن
ذلك :إلزامه بالنّفقة على أقاربه الفقراء ،لقوله تعالى { :وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ
بالمعروف } .وقوله سبحانه { وعلى الوارث مثل ذلك } وقوله تعالى { :وقضى ربّك ألّ
تعبدوا إلّ إيّاه وبالوالدين إحسانا } .
ومن ذلك الولية الشّرعيّة ،كولية الب والجدّ لقوله تعالى { :وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا
النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } .
وذلك لوفور الشّفقة في الوليّ وعدم حسن تصرّف القاصر .
ومن ذلك اللتزام بقبول الميراث ،وغير ذلك ممّا يعتبر المسلم ملتزما به دون تو ّقفٍ على
قبوله .يقول الكاسانيّ :اللّزوم هنا بإلزام من له ولية اللزام ،وهو اللّه تبارك وتعالى ،فلم
يتوقّف على القبول ،كسائر الحكام الّتي تلزم بإلزام الشّرع ابتداءً .
على أنّه يمكن أن يضاف إلى هذه السباب :الشّروع ،فمن شرع في عبادةٍ غير واجبةٍ أصبح
ملتزما بإتمام ها بالشّروع في ها ،وو جب القضاء بف سادها ،ك ما يقول المالكيّة والحنفيّة .هذه
هي المصادر الثّلثة ( الفعل الضّارّ -والفعل النّافع -والشّرع ) الّتي عدّها المشتغلون بالفقه
السنلميّ فني العصنر الحدينث منن مصنادر اللتزام ،إلّ أنّهنا فني الحقيقنة تعتنبر منن باب
اللزام ،وليست من باب اللتزام ،كما مرّ في كلم الكاسانيّ .
- 15والفقهاء عبّروا في التّصرّفات النّاشئة عن إرادة النسان بأنّها التزام ،أمّا ما كان بغير
إرادته فالتّعبير فيها باللزام أو اللّزوم .ذلك أنّ اللتزام الحقيقيّ .هو ما أوجبه النسان على
ن الكافر إذا أسلم يلزمه ثمن البياعات وأجر
نفسه والتزم به .ولذلك يقول القرافيّ :إ ّ
الجارات ودفع الدّيون الّتي اقترضها ونحو ذلك ،ول يلزمه القصاص والغصب والنّهب ،
ن ما رضي به حال كفره واطمأنّت نفسه بدفعه لمستحقّه ل يسقط بالسلم ،وما لم يرض
لّ
بدفعه لمستحقّه كالقتل والغصب ونحوه فإنّ هذه المور إنّما دخل عليها معتمدا على أنّه ل
ن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن السلم .
يوفّيها أجلها ،فهذا كلّه يسقط ،ل ّ
ل إذا اعتبرنا هذه اللزامات تنشئ التزاماتٍ حكما وبذلك يمكن ردّ مصادر كلّ اللتزامات
إّ
ح منها وما ل يصحّ ،
إلى الشّرع ،فالشّرع هو الّذي رسم حدودا لكلّ التّصرّفات ،ما يص ّ
ورتّب عليها أحكامها .
لكن اللّه سبحانه وتعالى جعل لما أوجبه على النسان أسبابا مباشرةً ،ومن ذلك أنّه جعل
تصرّفات النسان الختياريّة سبب التزاماته .
ويوضّح ذلك الزّركشيّ إذ يقول :ما أوجبه اللّه على المكلّفين ينقسم إلى ما يكون سببه جنايةً
ويسمّى عقوب ًة ،وإلى ما يكون سببه إتلفا ويسمّى ضمانا ،وإلى ما يكون سببه التزاما
ويسمّى ثمنا أو أجرةً أو مهرا أو غيره ،ومنه أداء الدّيون والعواريّ والودائع ،واجبة
باللتزام .ويقول :حقوق الدميّين الماليّة تجب بسبب مباشرته من التزا ٍم أو إتلفٍ .
ي لللتزام :
الحكم التّكليف ّ
- 16اللتزام بأحكام السلم أمر واجب على كلّ مسلمٍ .
ت وضمان متلفاتٍ والقيام بالنّفقات وأعمال الولية .
ومن ذلك ما أوجبه عليه من عقوبا ٍ
ن الح ّريّة في أن
ل إنسا ٍ
أمّا بالنّسبة لتصرّفات النسان الختياريّة فالصل فيها الباحة .إذ لك ّ
يتصرّف التّصرّف المشروع الّذي يلتزم به أمرا ،ما دام ذلك لم يمسّ حقّا لغيره .وقد تعرض
له الحكام التّكليفيّة الخرى .
فيكون واجبا ،كبذل المعونة بيعا أو قرضا أو إعار ًة للمضطرّ لذلك .وكوجوب قبول الوديعة
إذا لم يكن من يصلح لذلك غيره ،وخاف إن لم يقبل أن تهلك .
ويكون مندوبا ،إذا كان من باب التّبرّعات الّتي تعين النّاس على مصالحهم ،لنّه إرفاق
بهم ،يقول اللّه تعالى { :وتعاونوا على البرّ والتّقوى } ،ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« كلّ معروفٍ صدقة » .
ويكون حراما إذا كان فيه إعانة على معصي ٍة ،ولذلك ل يصحّ إعارة الجارية لخدمة رجلٍ
غير محرمٍ ،ول الوصيّة بخمرٍ لمسلمٍ ،ول نذر المعصية .
ويكون مكروها ،إذا أعان على مكروهٍ ،كمن يفضّل بعض أولده في العطيّة .
أركان اللتزام :
- 17ركن اللتزام عند الحنفيّة هو :الصّيغة فقط ويزاد عليها عند غيرهم :الملتزِم ( بكسر
الزّاي ) والملتزم له ،والملتزم به ،أي محلّ اللتزام .
ل :الصّيغة :
أ ّو ً
- 18تتكوّن الصّيغة من اليجاب والقبول معا في اللتزامات الّتي تتوقّف على إرادة الملتزم
والملتزم له ،كالنّكاح وكعقود المعاوضات ،مثل البيع والجارة ،وهذا باتّفاقٍ .
أمّا اللتزامات بالتّبرّعات كالوقف والوصيّة والهبة ففيها اختلف الفقهاء بالنّسبة للقبول .ومن
اللتزامات ما يت ّم بإرادة الملتزم وحده باتّفاقٍ ،كالنّذر والعتق واليمين .
وصيغة اللتزام ( اليجاب ) تكون باللّفظ أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشار ٍة مفهمةٍ ونحوها
ممّا يدلّ على إلزام الشّخص نفسه ما التزمه .
ج ،وكمن قام إلى الصّلة فنوى وكبّر فقد
وقد يكون اللتزام بالفعل كالشّروع في الجهاد والح ّ
عقدها لربّه بالفعل .كذلك يكون اللتزام بمقتضى العادة ،ومن القواعد الفقهيّة ( العادة محكّمة
ت لها ،فسكن الزّوج معها ،فل كراء عليه ،إلّ
) ومن ذلك من تزوّجت وهي ساكنة في بي ٍ
إن تبيّن أنّها ساكنة بالكراء .
ويلحظ أنّ أغلب اللتزامات قد ميّزت بأسماءٍ خاصّ ٍة ،فاللتزام بتسليم الملك بعوضٍ بيع ،
ض إجارة ،وبدونه إعارة
وبدونه هبة أو عطيّة أو صدقة ،واللتزام بالتّمكين من المنفعة بعو ٍ
أو وقف أو عمرى ،وسمّي التزام الدّين ضمانا ،ونقله حوالةً ،والتّنازل عنه إبرا ًء ،والتزام
طاعة اللّه بنيّة القربة :نذرا وهكذا .
ل نوعٍ من هذه اللتزامات صيغ خاصّة سواء أكانت صريح ًة ،أم كناي ًة تحتاج إلى نيّةٍ أو
ولك ّ
قرينةٍ ،وتنظر في أبوابها .
وقد ذكر الفقهاء ألفاظا خاصّةً تعتبر صريحةً في اللتزام وهي :التزمت ،أو ألزمت نفسي .
ومنها أيضا لفظ ( عليّ ) أو ( إليّ ) ،جاء في الهداية في باب الكفالة لو قال :عليّ أو إليّ
تصحّ الكفالة ،لنّها صيغة اللتزام ،وقال مثل ذلك ابن عابدين .
وفي نهاية المحتاج :شرط الصّيغة في القرار لفظ أو كتابة من ناطقٍ أو إشارة من أخرس
تشعر باللتزام بحقّ ،مثل :لزيدٍ هذا الثّوب " وعليّ " " وفي ذمّتي " للمدين الملتزم " ومعي "
" وعندي " للعين .
ثانيا :الملتزم :
ن ،أو القيام بعملٍ .
- 19الملتزم هو من التزم بأمرٍ من المور كتسليم شيءٍ ،أو أداء دي ٍ
واللتزامات متنوّعة على ما هو معروف .فما كان منها من باب المعاوضات فإنّه يشترط فيه
ل للتّبرّع .
في الجملة أهليّة التّصرّف .وما كان من باب التّبرّعات فيشترط فيه أن يكون أه ً
وفي ذلك تفصيل من حيث تصرّف الوكيل والوليّ والفضوليّ ،ومن الفقهاء من أجاز وصيّة
السّفيه والصّبيّ المميّز كالحنابلة .وينظر ذلك في أبوابه .
ثالثا :الملتزم له :
- 20الملتزم له الدّائن ،أو صاحب الحقّ :فإن كان اللتزام تعاقديّا ،وكان الملتزم له طرفا
في العقد ،فإنّه يشترط فيه الهليّة ،أي أهليّة التّعاقد على ما هو معروف في العقود ،وإلّ تمّ
ذلك بواسطة من ينوب عنه .
وإذا كان اللتزام بالرادة المنفردة فل يشترط في الملتزم له ذلك .
والّذي يشترط في الملتزم له في الجملة أن يكون ممّن يصحّ أن يملك ،أو يملك النّاس النتفاع
به كالمساجد والقناطر .
ح الصّدقة عليه والهبة له .
ح اللتزام للحمل ،ولمن سيوجد ،فتص ّ
وعلى ذلك فإنّه يص ّ
ت علم الموصي بموته ،ويصرف الموصى به في قضاء ما
وعند المالكيّة تجوز الوصيّة لميّ ٍ
ل بطلت الوصيّة .
ل صرف لورثته وإ ّ
عليه من الدّيون ،وإ ّ
كما أنّ كفالة دين الميّت المفلس جائزة ،وقد أق ّر النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذلك ،فقد روى
البخاريّ عن سلمة بن الكوع « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أتي برجلٍ يصلّي عليه فقال :
هل عليه دين ؟ قالوا :نعم ديناران ،قال :هل ترك لهما وفاءً ؟ قالوا :ل ،فتأخّر ،فقيل :
لم ل تصلّي عليه ؟ فقال :ما تنفعه صلتي وذمّته مرهونة إلّ إن قام أحدكم فضمنه ،فقام أبو
قتادة فقال :هما عليّ يا رسول اللّه ،فصلّى عليه النّبيّ صلى ال عليه وسلم » .
كما أنّه يجوز اللتزام للمجهول ،فقد نصّ الفقهاء على صحّة تنفيل المام في الجهاد بقوله
محرّضا للمجاهدين :من قتل قتيلً فله سلبه ،وعندئذٍ من يقتل عدوّا يستحقّ أسلبه ،ولو لم
يكن ممّن سمعوا مقالة المام .
ومن ذلك ما لو قال رجل :من يتناول من مالي فهو مباح فتناول رجل من غير أن يعلم .
ن لبناء السّبيل .وينظر تفصيل ذلك في مواضعه
ومن ذلك أيضا بناء سقاي ٍة للمسلمين أو خا ٍ
ل اللتزام ( الملتزم به ) :
رابعا :مح ّ
- 21اللتزام هو إيجاب الفعل الّذي يقوم به الملتزم كاللتزام بتسليم المبيع للمشتري ،وتسليم
الثّمن للبائع ،وكاللتزام بأداء الدّين ،والمحافظة على الوديعة ،وتمكين المستأجر والمستعير
من النتفاع بالعين ،والموهوب له من الهبة ،والمسكين من الصّدقة ،والقيام بالعمل في عقد
الستصناع والمساقاة والمزارعة ،وفعل المنذور ،وإسقاط الحقّ ...وكذا .وهذه اللتزامات
ترد على شيءٍ تتعلّق به ،وهو قد يكون عينا أو دينا ،أو منفعةً أو عملً ،أو حقّا ،وهذا ما
يسمّى بمحلّ اللتزام أو موضوعه .
ل محلّ شروط خاصّة حسب طبيعة التّصرّف المرتبط به ،والشّروط قد تختلف من
ولك ّ
تص ّرفٍ إلى آخر ،فما يجوز اللتزام به في تصرّفٍ قد ل يجوز اللتزام به في تصرّفٍ آخر
.
إلّ أنّه يمكن إجمال الشّروط بصفةٍ عامّةٍ مع مراعاة الختلف في التّفاصيل .
وبيان ذلك فيما يلي :
أ -انتفاء الغرر والجهالة :
- 22يشترط بصف ٍة عا ّمةٍ في المحلّ الّذي يتعلّق به اللتزام انتفاء الغرر ،والغرر ينتفي عن
الشّيء -كما يقول ابن رشدٍ -بأن يكون معلوم الوجود ،معلوم الصّفة ،معلوم القدر ،
ومقدورا على تسليمه .
وانتفاء الغرر شرط متّفق عليه في الجملة في اللتزامات الّتي تترتّب على المعاوضات
المحضة كالبيع والجارة ،مبيعا وثمنا ومنفعةً وعملً وأجرةً .
هذا مع استثناء بعضها بالنّسبة لوجود محلّ اللتزام وقت التّصرّف كالسّلم والجارة
والستصناع ،فإنّها أجيزت استحسانا مع عدم وجود المسلم فيه والمنفعة والعمل ،وذلك
للحاجة .ويراعى كذلك الخلف في بيع الثّمر قبل بدوّ صلحه .
وإذا كان شرط انتفاء الغرر متّفقا عليه في المعاوضات المحضة ،فإنّ المر يختلف بالنّسبة
لغيرها من تبرّعاتٍ كالهبة بل عوضٍ والعارة ،وتوثيقاتٍ كالرّهن والكفالة وغيرها .
فمن الفقهاء من يجيز اللتزام بالمجهول وبالمعدوم وبغير المقدور على تسليمه ،ومنهم من ل
يجيز ذلك .وأكثرهم تمسّكا بذلك الحنفيّة والشّافعيّة .
ل التّصرّفات لمعرفة مدى انطباق شرط انتفاء الغرر
- 23ومن العسير في هذا المقام تتبّع ك ّ
ل تص ّرفٍ .ولذلك سنكتفي ببعض نصوص المذاهب الّتي تلقي ضوءا على ذلك ،على
على ك ّ
أن يرجع في التّفصيلت إلى مواضعها :
-1-في الفروق للقرافيّ :الفرق الرّابع والعشرون بين قاعدة :ما تؤثّر فيه الجهالت والغرر
،وقاعدة :ما ل يؤثّر فيه ذلك من التّصرّفات .وردت الحاديث الصّحيحة في « نهيه عليه
الصلة والسلم عن بيع الغرر وعن بيع المجهول » .
واختلف العلماء بعد ذلك ،فمنهم من عمّمه في التّصرّفات ،وهو الشّافعيّ ،فمنع من الجهالة
في الهبة والصّدقة والبراء والخلع والصّلح وغير ذلك .
ومنهم من فصّل ،وهو مالك ،بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة ،وهو باب
المماكسات والتّصرّفات الموجبة لتنمية الموال وما يقصد به تحصيلها ،وقاعدة ما ل يجتنب
فيه الغرر والجهالة ،وهو ما ل يقصد لذلك ،وانقسمت التّصرّفات عنده ثلثة أقسامٍ :طرفان
وواسطة .
ل ما دعت الضّرورة إليه عادةً
- 24فالطّرفان :أحدهما معاوضة صرفة ،فيجتنب فيها ذلك إ ّ
.
ن هذه
وثانيهما ما هو إحسان صرف ل يقصد به تنمية المال ،كالصّدقة والهبة والبراء ،فإ ّ
التّصرّفات ل يقصد بها تنمية المال ،بل إن فاتت على من أحسن إليه بها ل ضرر عليه ،فإن
لم يبذل شيئا بخلف القسم الوّل إذا فات بالغرر والجهالت ضاع المال المبذول في مقابلته ،
فاقتضت حكمة الشّرع منع الجهالت فيه .أمّا الحسان الصّرف فل ضرر فيه ،فاقتضت
ل طريقٍ ،بالمعلوم والمجهول ،فإنّ ذلك
حكمة الشّرع وحثّه على الحسان التّوسعة فيه بك ّ
أيسر لكثرة وقوعه قطعا ،وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله ،فإذا وهب له عبده البق جاز
أن يجده ،فيحصل له ما ينتفع به ول ضرر عليه إن لم يجده ،لنّه لم يبذل شيئا .وهذا فقه
ن الحاديث لم يرد فيها ما يعمّ هذه القسام حتّى نقول :يلزم منه مخالفة نصوص
جميل .ثمّ إ ّ
الشّرع ،بل إنّما وردت في البيع ونحوه .
ن المال فيه ليس مقصودا -
- 25وأمّا الواسطة بين الطّرفين فهو النّكاح ،فهو من جهة أ ّ
وإنّما مقصده المودّة واللفة والسّكون -يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقا ،ومن
جهة أنّ صاحب الشّرع اشترط فيه المال بقوله تعالى { :أن تبتغوا بأموالكم } يقتضي امتناع
الغرر والجهالة فيه .فلوجود الشّبهين توسّط مالك فجوّز فيه الغرر القليل دون الكثير ،نحو
ت ( وهي الجهاز ) ،ول يجوز على العبد البق والبعير الشّارد
عبدٍ من غير تعيينٍ وشورة بي ٍ
،لنّ الوّل يرجع فيه إلى الوسط المتعارف ،والثّاني ليس له ضابط فامتنع ،وألحق الخلع
بأحد الطّرفين الوّلين الّذي يجوز فيه الغرر مطلقا ،لنّ العصمة وإطلقها ليس من باب ما
يقصد للمعاوضة ،بل شأن الطّلق أن يكون بغير شي ٍء فهو كالهبة .فهذا هو الفرق ،والفقه
مع مالكٍ رحمه ال .
وفي الفروق كذلك :اتّفق مالك وأبو حنيفة على جواز التّعليق في الطّلق والعتاق قبل النّكاح
وقبل الملك ،فيقول للجنبيّة :إن تزوّجتك فأنت طالق ،وللعبد :إن اشتريتك فأنت حرّ ،
فيلزمه الطّلق والعتاق إذا تزوّج واشترى خلفا للشّافعيّ ،ووافقنا الشّافعيّ على جواز
التّصرّف بالنّذر قبل الملك ،فيقول :إن ملكت دينارا فهو صدقة .
وجميع ما يمكن أن يتصدّق به المسلم في ال ّذمّة في باب المعاملت .ودليل ذلك .
ل :القياس على النّذر في غير المملوك بجامع اللتزام بالمعدوم .
أ ّو ً
وثانيا :قال اللّه تعالى { :أوفوا بالعقود } والطّلق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب
الوفاء بهما .
وثالثا :قوله عليه الصلة والسلم « :المسلمون على شروطهم » ،وهذان شرطان فوجب
الوقوف معهما .
-2 /- 26في المنثور للزّركشيّ :من حكم العقود اللّازمة أن يكون المعقود عليه معلوما
مقدورا على تسليمه في الحال ،والجائز قد ل يكون كذلك ،كالجعالة تعقد على ردّ البق .ثمّ
قال :حيث اعتبر العوض في عقدٍ من الطّرفين أو من أحدهما فشرطه أن يكون معلوما ،
كثمن المبيع وعوض الجرة ،إلّ في الصّداق وعوض الخلع ،فإنّ الجهالة فيه ل تبطله ،لنّ
له مرادا ( بدلً ) معلوما وهو مهر المثل ،وقد يكون العوض في حكم المجهول ،كالعوض
في المضاربة والمساقاة .
ن العلّة في بطلن بيع المعدوم هي الغرر قال
-3 -في إعلم الموقّعين بعد أن قرّر ابن القيّم أ ّ
:وكذلك سائر عقود المعاوضات بخلف الوصيّة فإنّها تبرّع محض ،فل غرر في تعلّقها
بالموجود والمعدوم ،وما يقدر على تسليمه وما ل يقدر ،وطرده ( مثاله ) :الهبة ،إذ ل
محذور في ذلك فيها ،وقد صحّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم هبة المشاع المجهول في قوله
لصاحب كبّة الشّعر حين أخذها من المغنم ،وسأله أن يهبها له فقال « :أمّا ما كان لي ولبني
عبد المطّلب فهو لك »
-4 /- 27في القواعد لبن رجبٍ في إضافة النشاءات والخبارات إلى المبهمات قال :أمّا
النشاءات فمنها العقود ،وهي أنواع :
أحدها :عقود التّمليكات المحضة كالبيع والصّلح بمعناه ( أي على بدلٍ ) ،وعقود التّوثيقات
ح في
كالرّهن والكفالة ،والتّبرّعات اللّازمة بالعقد أو بالقبض بعد ٍة كالهبة والصّدقة ،فل يص ّ
مبهمٍ من أعيانٍ متفاوتةٍ ،كعبدٍ من عبيدٍ ،وشا ٍة من قطيعٍ ،وكفالة أحد هذين الرّجلين ،
وضمان أحد هذين الدّينين .وفي الكفالة احتمال ،لنّه تبرّع ،فهو كالعارة والباحة ،
ن متساوي ٍة مختلط ٍة ،كقفيزٍ من صبر ٍة ،فإن كانت متميّزةً متفرّقةً
ح في مبهمٍ من أعيا ٍ
ويص ّ
صحّة .
ففيه احتمالن ذكرهما في التّلخيص ،وظاهر كلم القاضي ال ّ
والثّاني :عقود معاوضاتٍ غير متمحّض ٍة ،كالصّداق وعوض الخلع والصّلح عن دم العمد ،
ففي صحّتها على مبه ٍم من أعيانٍ مختلفةٍ وجهان :أصحّهما الصّحّة .
ح في المبهم بغير خلفٍ لما دخله من التّوسّع ،ومثله
والثّالث :عقد تب ّرعٍ معلّق بالموت فيص ّ
عقود التّبرّعات ،كإعارة أحد هذين الثّوبين وإباحة أحد هذين الرّغيفين ،وكذلك عقود
المشاركات والمانات المحضة ،مثل أن يقول :ضارب بإحدى هاتين المائتين -وهما في
كيسين -ودع الخرى عندك وديعةً .وأمّا الفسوخ فما وضع منها على التّغليب والسّراية
صحّ في المبهم كالطّلق والعتاق ..إلخ .
ب -قابليّة المحلّ لحكم التّصرّف :
- 28يشترط كذلك في المحلّ الّذي يتعلّق به اللتزام :أن يكون قابلً لحكم التّصرّف ،بمعنى
ألّ يكون التّصرّف فيه مخالفا للشّرع .
وهذا الشّرط متّفق عليه بصف ٍة عا ّمةٍ مع الختلف في التّفاصيل .
يقول السّيوطيّ :كلّ تصرّفٍ تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل .فلذلك لم يصحّ بيع الحرّ
ول الجارة على عملٍ مح ّرمٍ .
ويقول ابن رشدٍ في الجارة :ممّا اجتمعوا على إبطال إجارته :كلّ منفعةٍ كانت لشي ٍء محرّم
ل منفع ٍة كانت محرّم ًة بالشّرع ،مثل أجر النّوائح وأجر المغنّيات ،وكذلك كلّ
العين ،كذلك ك ّ
ن على النسان بالشّرع ،مثل الصّلة وغيرها .
منفع ٍة كانت فرض عي ٍ
وفي المهذّب :الوصيّة بما ل قربة فيه ،كالوصيّة للكنيسة والوصيّة بالسّلح لهل الحرب
ح اللتزام بما هو غير مشروعٍ ،كاللتزام بتسليم الخمر أو
باطلة .وبالجملة فإنّه ل يص ّ
الخنزير في بيعٍ أو هب ٍة أو وصيّ ٍة أو غير ذلك ،ول اللتزام بالتّعامل بالرّبا ،أو الزّواج بمن
تحرم عليه شرعا .وهكذا .وينظر تفصيل ذلك في مواضعه .
آثار اللتزام :
آثار اللتزام هي :ما تترتّب عليه ،وهي المقصد الصليّ لللتزام .وتختلف آثار اللتزام
تبعا لختلف التّصرّفات الملزمة واختلف الملتزم به ،ومن ذلك :
( ) 1ثبوت الملك :
-يثبت ملك العين أو المنفعة أو النتفاع أو العوض وانتقاله للملتزم له في التّصرّفات الّتي 29
تقت ضي ذلك م تى ا ستوفت أركان ها وشرائط ها ،م ثل الب يع والجارة وال صّلح والق سمة ،و مع
ملحظة القبض فيما يشترط فيه القبض عند من يقول به .وهذا باتّفاقٍ .
( ) 2حقّ الحبس :
- 30يعتبر الحبس من آثار اللتزام .فالبائع له حقّ حبس المبيع ،حتّى يستوفي الثّمن الّذي
ل أن يكون الثّمن مؤجّلً .
التزم به المشتري ،إ ّ
والمؤجّر له حقّ حبس المنافع إلى أن يستلم الجرة المعجّلة .وللصّانع حقّ حبس العين بعد
صبّاغ وال ّنجّار والحدّاد .والمرتهن
الفراغ من العمل إذا كان لعمله أثر في العين ،كالقصّار وال ّ
له حقّ حبس المرهون حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه .يقول ابن رشدٍ :حقّ المرتهن في الرّهن
أن يمسكه حتّى يؤدّي الرّاهن ما عليه ،والرّهن عند الجمهور يتعلّق بجملة الحقّ المرهون فيه
وببعضه ،أعني أنّه إذا رهنه في عد ٍد ما ،فأدّى منه بعضه ،فإنّ الرّهن بأسره يبقى بعد بيد
المرتهن حتّى يستوفي حقّه .وقال قوم :بل يبقى من الرّهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من
الحقّ ،وحجّة الجمهور أنّه محبوس بحقّ ،فوجب أن يكون محبوسا بكلّ جز ٍء منه ،أصله
( أي المقيس عليه ) حبس التّركة على الورثة حتّى يؤدّوا الدّين الّذي على الميّت .وحجّة
الفريق الثّاني أنّ جميعه محبوس بجميعه ،فوجب أن يكون أبعاضه محبوس ًة بأبعاضه ،أصله
الكفالة .
ومن ذلك حبس المدين بما عليه من الدّين ،إذا كان قادرا على أداء دينه وماطل في الداء ،
وطلب صاحب الدّين حبسه من القاضي ،وللغريم كذلك منعه من السّفر ،لنّ له حقّ المطالبة
بحبسه .
( ) 3التّسليم وال ّردّ :
- 31يعتبر التّسليم من آثار اللتزام فيما يلتزم النسان بتسليمه .
فالبائع ملتزم بتسليم المبيع للمشتري ،والمؤجّر ملتزم بتسليم العين وما يتبعها للمستأجر
بحيث تكون مهيّأ ًة للنتفاع بها ،والمشتري والمستأجر ملتزمان بتسليم العوض ،وأجير الوحد
ص ) ملتزم بتسليم نفسه ،والكفيل ملتزم بتسليم ما التزم به ،والزّوج ملتزم
( الجير الخا ّ
بتسليم الصّداق ،والزّوجة ملتزمة بتسليم البضع ،والواهب ملتزم بتسليم الموهوب عند من
يرى وجوب الهبة ،وربّ المال في السّلم والمضاربة مطالب بتسليم رأس المال .وهكذا كلّ
من التزم بتسليم شيءٍ وجب عليه القيام بالتّسليم .
ومثل ذلك ردّ المانات والمضمونات ،سواء أكان ال ّردّ واجبا ابتداءً أم بعد الطّلب ،وذلك
كالمودع والمستعار والمستأجر والقرض والمغصوب والمسروق واللّقطة إذا جاء صاحبها ،
وما عند الوكيل والشّريك والمضارب إذا فسخ المالك وهكذا .
مع اعتبار أنّ التّسليم في كلّ شيءٍ بحسبه ،قد يكون بالقباض ،وقد يكون بالتّخلية والتّمكين
من الملتزم به .
( ) 4ثبوت حقّ التّصرّف :
ق التّصرّف في الملتزم به بامتلكه ،لكن يختلف نوع التّصرّف باختلف
يثبت للملتزم له ح ّ
نوع الملكيّة في الملتزم به ،وذلك كما يأتي :
- 32أ -إذا كان الملتزم به تمليكا للعين أو للدّين ،فإنّه يثبت للمالك حقّ التّصرّف فيه بكلّ
أنواع التّصرّف من بيعٍ وهب ٍة ووصيّةٍ وعتقٍ وأكلٍ ونحو ذلك ،لنّه أصبح ملكه ،فله ولية
التّصرّف فيه .
وهذا إذا كان بعد القبض بل خلفٍ ،أمّا قبل القبض فإنّ الفقهاء يختلفون فيما يجوز التّصرّف
فيه قبل القبض وما ل يجوز .
ح عند الحنفيّة والشّافعيّة ،وفي روايةٍ عن المام أحمد التّصرّف في
وبالجملة فإنّه ل يص ّ
العيان المملوكة في عقود المعاوضات قبل قبضها .إلّ العقار فيجوز بيعه قبل قبضه عند
أبي حنيفة وأبي يوسف خلفا لمح ّمدٍ .ودليل منع التّصرّف قبل القبض قول النّبيّ صلى ال
ن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار
عليه وسلم لحكيم بن حزامٍ « :ل تبع ما لم تقبضه » ول ّ
الهلك .
ل في الطّعام ،فل
وعند المالكيّة ،والمذهب عند الحنابلة :أنّه يجوز التّصرّف قبل القبض إ ّ
يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من ابتاع طعاما فل يبعه
حتّى يستوفيه » .
وأمّا الدّيون :فعند الحنفيّة يجوز التّصرّف فيها قبل القبض إلّ في الصّرف والسّلم :
ن كلّ واحدٍ من بدلي الصّرف مبيع من وج ٍه وثمن من وجهٍ .فمن حيث هو
أمّا الصّرف فل ّ
ثمن يجوز التّصرّف فيه قبل القبض ،ومن حيث هو مبيع ل يجوز ،فغلب جانب الحرمة
ص ،والستبدال بالمبيع المنقول قبل القبض ل
احتياطا .وأمّا السّلم فلنّ المسلم فيه مبيع بالنّ ّ
يجوز .وكذلك يجوز تصرّف المقرض في القرض قبل القبض عندهم ،وذكر الطّحاويّ :أنّه
ل يجوز .وعند المالكيّة يجوز التّصرّف في الدّيون قبل القبض فيما سوى الصّرف والسّلم ،
فإنّ المام مالكا منع بيع المسلم فيه قبل قبضه في موضعين :
ن الّذي يشترط في صحّة
أحدهما :إذا كان المسلم فيه طعاما ،وذلك بناءً على مذهبه في أ ّ
بيعه القبض هو الطّعام ،على ما جاء عليه الّنصّ في الحديث .
والثّاني :إذا لم يكن المسلم فيه طعاما فأخذ عوضه المسلم ( صاحب الثّمن ) ما ل يجوز أن
يسلم فيه رأس ماله ،مثل أن يكون المسلم فيه عرضا والثّمن عرضا مخالفا له ،فيأخذ المسلم
من المسلم إليه إذا حان الجل شيئا من جنس ذلك العرض الّذي هو الثّمن ،وذلك أنّ هذا
يدخله إمّا سلف وزيادة ،إن كان العرض المأخوذ أكثر من رأس مال السّلم ،وإمّا ضمان
وسلف إن كان مثله أو أقلّ .
وعند الشّافعيّة إن كان الملك على الدّيون مستقرّا ،كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه
ممّن عليه قبل القبض ،لنّ ملكه مستقرّ عليه ،وهو الظهر في بيعه من غيره .وإن كان
الدّين غير مستقرّ فإن كان مسلما فيه لم يجز ،وإن كان ثمنا في بي ٍع ففيه قولن .
وعند الحنابلة :كلّ عوضٍ ملك بعقدٍ ينفسخ بهلكه قبل القبض لم يجز التّصرّف فيه قبل قبضه
،كالجرة وبدل الصّلح إذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود ،وما ل ينفسخ العقد
بهلكه جاز التّصرّف فيه قبل قبضه ،كعوض الخلع وأرش الجناية وقيمة المتلف .
أمّا ما يثبت فيه الملك من غير عوضٍ ،كالوصيّة والهبة والصّدقة ،فإنّه يجوز في الجملة
التّصرّف فيه قبل قبضه عند الجمهور .
- 33ب -وإذا كان الملتزم به تمليكا للمنفعة ،فإنّه يثبت لمالك المنفعة حقّ التّصرّف في
الحدود المأذون فيها ،وتمليك المنفعة لغيره كما في الجارة والوصيّة بالمنفعة والعارة وهذا
عند المالكيّة وفي الجارة عند جميع المذاهب ،وفي غيرها اختلفهم ،والقاعدة عند الحنفيّة :
ل كالجارة ،والّتي تملك بغير عوضٍ ل يجوز
ل يجوز تمليكها ببد ٍ
ن المنافع الّتي تملك ببد ٍ
أّ
تمليكها بعوضٍ .فالمستعير يملك العارة ول يملك الجارة .
- 34ج -وإذا كان الملتزم به حقّ النتفاع فقط ،فإنّ حقّ التّصرّف يقتصر على انتفاع
الملتزم له بنفسه فقط ،كما في العاريّة عند الشّافعيّة ،وفي وج ٍه عند الحنابلة ،وكالباحة
للطّعام في الضّيافات .
- 35د -وإذا كان الملتزم به إذنا في التّصرّف ،فإنّه يثبت للمأذون له حقّ التّصرّف المطلق
إذا كان الذن مطلقا ،وإلّ اقتصر التّصرّف على ما أذن به ،وذلك كما في الوكالة
ل ذلك تفصيل ينظر في مواضعه .
والمضاربة .وفي ك ّ
( ) 5منع حقّ التّصرّف :
- 36قد ينشأ من بعض اللتزامات منع حقّ التّصرّف ومن أمثلة ذلك :الرّهن ،فل يصحّ
ن المرتهن أخذ العين بحقّه في الرّهن ،وهو
تصرّف الرّاهن في المرهون ببيعٍ أو غيره ،ل ّ
التّوثّق باستيفاء دينه وقبض المرهون .فالمرتهن بالنّسبة إلى الرّهن كغرماء المفلس المحجور
عليه .
( ) 6صيانة النفس والموال :
- 37الصل أنّ المسلم ملتزم بحكم إسلمه بالمحافظة على دماء المسلمين وأموالهم
وأعراضهم لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في خطبته يوم النّحر « :إنّ دماءكم وأموالكم
حرام كحرمة يومكم هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا » .
أمّا بالنّسبة لغير المسلمين ،فإنّ ممّا يصون دماءهم وأموالهم التزام المسلمين بذلك بسبب
العقود الّتي تتمّ معهم ،كعقد المان المؤقّت أو الدّائم .إذ ثمرة المان حرمة قتلهم واسترقاقهم
وأخذ أموالهم ،ما داموا ملتزمين بموجب عقد المان أو عقد ال ّذمّة .
ومن صيانة الموال :اللتزام بحفظ الوديعة بجعلها في مكان أمينٍ .وقد يجب اللتزام بذلك
حرصا على الموال ،ولذلك يقول الفقهاء :إن لم يكن من يصلح لخذ الوديعة غيره وخاف
إن لم يقبل أن تهلك تعيّن عليه قبولها ،لنّ حرمة المال كحرمة النّفس ،لما روى ابن مسعودٍ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :حرمة مال المؤمن كحرمة دمه » .ولو خاف على
أّ
دمه لوجب عليه حفظه ،فكذلك إذا خاف على ماله .
ومن ذلك أخذ اللّقطة واللّقيط ،إذ يجب الخذ إذا خيف الضّياع ،لنّ حفظ مال الغير واجب ،
قال ابن رشدٍ :يلزم أن يؤخذ اللّقيط ول يترك ،لنّه إن ترك ضاع وهلك ،ل خلف بين أهل
العلم في هذا ،وإنّما اختلفوا في لقطة المال ،وهذا الختلف إنّما هو إذا كانت بين قومٍ
مأمونين والمام عدل .أمّا إذا كانت بين قومٍ غير مأمونين فأخذها واجب قولً واحدا .
ومن ذلك اللتزام بالولية الشّرعيّة لحفظ مال الصّغير واليتيم والسّفيه .وينظر تفصيل ذلك
في مواضعه .
( ) 7الضّمان :
- 38الضّمان أثر من آثار اللتزام ،وهو يكون بإتلف مال الغير أو العتداء عليه بالغصب
أو السّرقة أو بالتّعدّي في الستعمال المأذون فيه في المستعار والمستأجر أو بالتّفريط وترك
الحفظ كما في الوديعة .يقول الكاسانيّ :تتغيّر صفة المستأجر من المانة إلى الضّمان بأشياء
منها :ترك الحفظ ،لنّ الجير لمّا قبض المستأجر فقد التزم حفظه ،وترك الحفظ الملتزم
سبب لوجوب الضّمان ،كالمودع إذا ترك الحفظ حتّى ضاعت الوديعة .وكذلك يضمن
بالتلف والفساد إذا كان الجير متعدّيا فيه ،إذ الستعمال المأذون فيه مقيّد بشرط السّلمة .
ويقول السّيوطيّ :أسباب الضّمان أربعة :
الوّل :العقد ،ومن أمثلته ضمان المبيع ،والثّمن المعيّن قبل القبض ،والمسلم فيه ،
والمأجور .
والثّاني :اليد ،مؤتمن ًة كانت كالوديعة والشّركة والوكالة والمقارضة إذا حصل التّعدّي ،أو
غير مؤتمن ٍة كالغصب والسّوم والعاريّة والشّراء فاسدا .
والثّالث :التلف للنّفس أو المال .
والرّابع :الحيلولة .
ويقول ابن رشدٍ :الموجب للضّمان إمّا المباشرة لخذ المال المغصوب أو لتلفه ،وإمّا
المباشرة للسّبب المتلف ،وإمّا إثبات اليد عليه .وفي القواعد لبن رجبٍ :أسباب الضّمان
ل ذلك خلف وتفصيلت وتفريعات تنظر في مواضعها
ثلثة :عقد ،ويد ،وإتلف .وفي ك ّ
.
حكم الوفاء باللتزام وما يتعلّق به :
- 39الصل في اللتزام أنّه يجب الوفاء به امتثالً لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا
بالعقود } والمراد بالعقود كما يقول الفقهاء :ما عقده المرء على نفسه من بيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ
وكراءٍ ومناكحةٍ وطلقٍ ومزارعةٍ ومصالح ٍة وتمليكٍ وتخييرٍ وعتقٍ وتدبيرٍ ،وكذلك العهود
والذّمم الّتي نعقدها لهل الحرب وأهل ال ّذمّة والخوارج ،وما عقده النسان على نفسه للّه
تعالى من الطّاعات كالحجّ والصّيام والعتكاف والنّذر واليمين وما أشبه ذلك ،فيلزم الوفاء
بها .وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :المسلمون على شروطهم » عامّ في إيجاب الوفاء
بجميع ما يشرطه النسان على نفسه ،ما لم تقم دللة تخصّصه .
ل اللتزامات ،وذلك لتنوّع اللتزامات بحسب اللّزوم وعدمه
لكن هذا الحكم ليس عامّا في ك ّ
وبيان ذلك فيما يأتي :
( ) 1اللتزامات الّتي يجب الوفاء بها :
- 40أ -اللتزامات الّتي تنشأ بسبب العقود اللّازمة بين الطّرفين ،كالبيع والجارة والصّلح
وعقود ال ّذمّة ،فهذه اللتزامات متى تمّت صحيح ًة لزم ًة وجب الوفاء بها ما لم يحدث ما
يقتضي الفسخ ،كالهلك والستحقاق وال ّردّ بالعيب ،وهذا شامل للعيان الواجب تسليمها ،
وللدّيون الّتي تكون في الذّمم كبدل القرض وثمن المبيع والجرة في الجارة أو الّتي تنشأ
نتيجة إنفاذ مال الغير على خلفٍ وتفصيلٍ .
ب -اللتزامات الّتي تنشأ نتيجة التّعدّي بالغصب أو السّرقة أو التلف أو التّفريط .
ج -المانات الّتي تكون عند الملتزم ،سواء أكانت بموجب عق ٍد كالوديعة ،أم لم تكن كاللّقطة
وكمن أطارت الرّيح ثوبا إلى داره .
ت بدنيّ ٍة أو ماليّةٍ طاع ًة وتقرّبا إلى اللّه
د -نذر القربات ،وهو ما يلتزم به النسان من قربا ٍ
سبحانه وتعالى .
هن -اللتزامات التّكليفيّة الشّرعيّة ،ومنها النّفقات الواجبة .فهذه اللتزامات ل خلف في
وجوب الوفاء بها ،منجزةً إن كانت كذلك ،وبعد تحقّق الشّرط المشروع إن كانت معلّقةً ،
وعند دخول الوقت إن كانت مضافةً ،وسواء أكان الوفاء ل يجب إلّ بعد الطّلب أم يجب
بدونه .ويتحقّق الوفاء بالداء والتّسليم أو القيام بالعمل أو البراء أو المقاصّة وهكذا .ودليل
الوجوب الية السّابقة ،وكذلك قوله تعالى { :وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم } وقوله تعالى { :
وليوفوا نذورهم } وقوله تعالى { :فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته } .
والتّخلّف عن الوفاء بغير عذرٍ يستوجب العقوبة الدّنيويّة والخرويّة ،إذ العقوبة واجبة لقول
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته » فعقوبته حبسه ،وعرضه
أن يحلّ القول في عرضه بالغلظ .وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم »
.
ولذلك يجبر الممتنع عن الوفاء بالضّرب أو الحبس أو الحجر ومنع التّصرّف في المال ،أو
بيع مال الملتزم والوفاء منه .إلّ إذا كان الملتزم معسرا فيجب إنظاره لقوله تعالى { :وإن
كان ذو عسر ٍة فنظرة إلى ميسرةٍ } .
- 41وما سبق إنّما هو في الجملة ،إذ للفقهاء في ذلك تفصيلت وتفريعات ،ومن ذلك مثلً
:اختلفهم في الجبار على الوفاء بالنّذر المشروع عند المتناع ،فعند المالكيّة يقضى بالنّذر
المطلق إذا كان لمعيّنٍ ،وإن كان لغير معيّنٍ يؤمر بالوفاء ول يقضى به على المشهور ،وقيل
ن أبا حنيفة ل يجيز الحجر في الدّين
يقضى به ،وفيه الخلف أيضا عند الشّافعيّة .ومن ذلك أ ّ
،لنّ في الحجر إهدار آدميّة المدين ،بل ل يجيز للحاكم التّصرّف في ماله ،وإنّما يجبره
على بيعه لوفاء دينه .وهكذا ،وينظر تفصيل ذلك في مواضعه .
( -) 2التزامات يستحبّ الوفاء بها ول يجب :
- 42أ -اللتزامات الّتي تنشأ من عقود التّبرّعات كالقرض والهبة والعاريّة والوصيّة .
ب -اللتزام النّاشئ بالوعد ،فهذه اللتزامات يستحبّ الوفاء بها ،لنّها من المعروف الّذي
ندب إليه الشّارع ،يقول اللّه تعالى { :وتعاونوا على البرّ والتّقوى } ويقول النّبيّ صلى ال
عليه وسلم « :من نفّس عن مسلمٍ كربةٍ من كرب الدّنيا نفّس اللّه عنه كربةً من كرب يوم
القيامة » ويقول « :تهادوا تحابّوا » .
لكن ل يجب الوفاء بها ،ففي الوصيّة يجوز بالتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّا .وفي
العاريّة والقرض يجوز الرّجوع بطلب المستعار وبدل القرض في الحال بعد القبض ،وهذا
ن المقرض إذا أجّل القرض ل يلزمه التّأجيل ،لنّه لو
عند غير المالكيّة ،بل قال الجمهور :إ ّ
لزم فيه الجل لم يبق تبرّعا .
ن العاريّة والقرض إذا كانا مؤجّلين فذلك لزم إلى أن ينقضي الجل ،وإن كانا
أمّا المالكيّة فإ ّ
مطلقين لزم البقاء فتر ًة ينتفع بمثله فيها ،واستندوا إلى ما روي عن النّبيّ صلى ال عليه
وسلم« أنّه ذكر رجلً سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمّى
» .وقال ابن عمر وعطاء :إذا أجّله في القرض جاز .
ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور ،فإذا تمّ القبض فل رجوع عند الشّافعيّة
ل فيما وهب الوالد لولده ،وعند الحنفيّة يجوز الرّجوع إن كانت لجنبيّ .
والحنابلة إ ّ
أمّا المالكيّة فل رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة ،إلّ فيما يهبه الوالد لولده
.وينظر تفصيل ذلك في مواضعه .
- 43والوعد كذلك يستحبّ الوفاء به باتّفاقٍ .يقول القرافيّ :من أدب العبد مع ربّه إذا وعد
ربّه بشيءٍ ل يخلفه إيّاه ،ل سيّما إذا التزمه وصمّم عليه ،فأدب العبد مع اللّه سبحانه وتعالى
بحسن الوفاء وتلقّي هذه اللتزامات بالقبول .
لكن الوفاء به ليس بواجبٍ في الجملة ،ففي البدائع :الوعد ل شيء فيه وليس بلزمٍ ،وفي
منتهى الرادات :ل يلزم الوفاء بالوعد نصّا ،وفي نهاية المحتاج :لو قال :أؤدّي المال أو
ن الصّيغة غير مشعرةٍ باللتزام .
أحضر الشّخص ،فهو وعد ل يلزم الوفاء به ،ل ّ
إلّ أنّه إذا كانت هناك حاجة تستدعي الوفاء بالوعد فإنّه يجب الوفاء به .فقد نقل ابن عابدين
عن جامع الفصولين :لو ذكر البيع بل شرطٍ ،ثمّ ذكر الشّرط على وجه العدة ،جاز البيع
ولزم الوفاء بالوعد ،إذ المواعيد قد تكون لزمةً فيجعل لزما لحاجة النّاس .والمشهور عند
المالكيّة أنّ الوعد يلزم ويقضى به إذا دخل الموعود بسبب الوعد في شي ٍء ،قال سحنونٍ :
ج أو اشتر
الّذي يلزم من الوعد إذا قال :اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به ،أو اخرج إلى الح ّ
سلعةً أو تزوّج وأنا أسلفك ،لنّك أدخلته بوعدك في ذلك ،أمّا مجرّد الوعد فل يلزم الوفاء به
،بل الوفاء به من مكارم الخلق .
سنّة ،ولنّ
وقال القليوبيّ :قولهم الوعد ل يجب الوفاء به مشكل ،لمخالفته ظاهر اليات وال ّ
خلفه كذب ،وهو من خصال المنافقين .
( ) 3التزامات يجوز الوفاء بها ول يجب :
- 44أ -اللتزامات الّتي تنشأ نتيجة العقود الجائزة بين الطّرفين ،كالوكالة والشّركة
ل من الطّرفين فسخها وعدم اللتزام بمقتضاها ،هذا مع مراعاة ما
والقراض ،فهذه يجوز لك ّ
يشترطه بعض الفقهاء حين الفسخ من نضوض رأس المال في المضاربة ،وكتعلّق حقّ الغير
بالوكالة .
ب -نذر المباح :يقول القر طبيّ :نذر المباح ل يلزم بإجما عٍ من المّة ،وقال ا بن قدا مة :
مباحن ،فهذا يتخي ّر فينه
ٍ وجهن
ٍ نذر المباح ،كلبنس الثّوب وركوب الدّاب ّة وطلق المرأة على
ن ،ويتخرّج أن ل كفّارة عليه .
النّاذر بين فعله فيبرّ ،وإن شاء تركه وعليه كفّارة يمي ٍ
( )4التزامات يحرم الوفاء بها :
- 45اللتزام بما ل يلزم ل يجب فيه الوفاء ،بل قد يكون الوفاء حراما ،وذلك إذا كان
التزاما بمعصيةٍ .ومن ذلك :
أ -نذر المعصية حرام باتّفاقٍ ،فمن قال :للّه عليّ أن أشرب الخمر ،أو أقتل فلنا ،فإنّ
هذا اللتزام حرام في ذاته ،وأيضا يحرم الوفاء به ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من
نذر أن يعصي اللّه فل يعصه » وفي وجوب الكفّارة خلف ( ر :نذر -كفّارة ) .
ب -وكذلك اليمين على فعلٍ مح ّرمٍ ،فمن حلف على ترك واجبٍ أو فعل حرامٍ ،فقد عصى
بيمينه .ولزمه الحنث والكفّارة ( .ر :كفّارة -أيمان ) .
ج -اللتزام المعلّق على فعلٍ مح ّرمٍ على الملتزم له ،كقوله :إن قتلت فلنا أو شربت الخمر
فلك كذا وكذا ،فإنّه حرام يحرم الوفاء به .
د -ما كان اللتزام فيه بإسقاط حقّ اللّه أو حقّ غير الملتزم ،فل يجوز الصّلح عن حقّ اللّه
كدعوى حدّ ،ول عن حقّ الغير ،فلو أنّ امرأ ًة طلّقها زوجها وادّعت عليه صبيّا في يده أنّه
ابنه منها وجحد الرّجل ،فصالحت عن النّسب على شي ٍء ،فالصّلح باطل ،لنّ النّسب حقّ
الصّبيّ .ولو باع ذهبا بفضّ ٍة مؤجّلً لم يصحّ ،لنّ القبض في الصّرف لحقّ اللّه .
هن -الشّروط الباطلة ل يجوز اللتزام بها ومن ذلك :
-46من خالع زوجته على أن تتحمّل بالولد مدّ ًة معيّنةً وشرط عليها ألّ تتزوّج بعد الحولين (
ن ذلك ل يلزمها
مدّة الرّضاع ) أي أنّه شرط عليها ترك النّكاح بعد الحولين ،فل اختلف أ ّ
ن هذا الشّرط فيه تحريم ما أحلّ اللّه .والخلع صحيح .
الوفاء به ،ل ّ
ومن ذلك ما يقوله المالكيّة فيمن باع حائطه ( حديقته ) وشرط في عقد البيع أنّ الجائحة ل
توضع عن المشتري ،فالبيع جائز والشّرط باطل ،ول يلتزم به المشتري .
وفي البدائع للكاسانيّ :لو وهب دارا على أن يبيعها ،أو على أن يبيعها لفلنٍ ،أو على أن
يردّها عليه بعد شهرٍ جازت الهبة وبطل الشّرط .وهي شروط تخالف مقتضى العقد ،فتبطل
صحّة ،بخلف البيع .
ويبقى العقد على ال ّ
وفي المهذّب :لو شرط في القرض شرطا فاسدا بطل الشّرط ،وفي القرض وجهان .
والمثلة من هذا النّوع كثيرة ( .ر :بيع -اشتراط ) .
وفي حالة عقد الهدنة يستثنى حالة الضّرورة أو الحاجة .جاء في جواهر الكليل ،يجوز
للمام مهادنة الحربيّين لمصلحةٍ ،إن خلت المهادنة عن شرطٍ فاسدٍ ،كأن كانت على مالٍ
يدفعه لهم فل يجوز ،لقوله تعالى {:ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين }
إلّ لضرورة التّخلّص منهم خوف استيلئهم على المسلمين ،فيجوز دفع المال لهم « ،وقد
شاور النّبيّ صلى ال عليه وسلم أصحابه في مثل ذلك » ،فلو لم يكن العطاء جائزا عند
الضّرورة ما شاور فيه .
وفي الشباه لبن نجيمٍ ،ومثله في المنثور للزّركشيّ :ما حرم أخذه حرم إعطاؤه ،كالرّبا
ل في مسائل في
ومهر البغيّ وحلوان الكاهن والرّشوة للحاكم إذا بذلها ليحكم له بغير الحقّ ،إ ّ
الرّشوة لخوفٍ على نفسه أو ماله أو لفكّ أسيرٍ أو لمن يخاف هجوه .وينبغي أن يكون مثله
إعطاء الرّبا للضّرورة فيأثم المقرض دون المقترض .
الوصاف المغيّرة لثار اللتزام :
ع من أنواع اللتزام م ستوفي ًة أركان ها وشرائط ها ترتّ بت
إذا تمّت التّ صرّفات الملز مة بأ يّ نو ٍ
عليها آثارها ووجب تنفيذ اللتزام .لكن قد يتّصل بالتّصرّف بعض الوصاف الّتي تغيّر من
آثار اللتزام ،فتوقفه أو تزيد عليه التزاما آخر أو تبطله ،وبيان ذلك فيما يأتي :
أوّلً :الخيارات :
- 47من الخيارات ما يتّصل بالتّصرّف ،فيتوقّف لزومه ويتأخّر تنفيذ اللتزام إلى أن يبتّ
فيها ،فيتبيّن ما ينفذ وما ل ينفذ .والخيارات كثيرة ،ولكنّا نكتفي بالخيارات المشهورة عند
الحنفيّة .وهي خيار الشّرط والتّعيين والرّؤية والعيب .
يقول ابن عابدين :من الخيارات ما يمنع ابتداء الحكم ،وهما خيار الشّرط والتّعيين ،ومنه ما
يمنع تمام الحكم كخيار الرّؤية ،ومنه ما يمنع لزومه كخيار العيب .
ويقول الكاسانيّ :شرائط لزوم البيع بعد انعقاده ونفاذه وصحّته أن يكون خاليا من خياراتٍ
أربع ٍة :خيار الشّرط ،والتّعيين والرّؤية ،والعيب .فل يلزم مع هذه الخيارات إذ ل بدّ للّزوم
من الرّضى لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّ أن تكون
ض منكم } .
تجارةً عن ترا ٍ
وفي الموضوع تفصيلت كثيرة بالنّسبة للتّصرّفات الّتي تدخلها الخيارات والتّصرّفات الّتي ل
تدخلها ،وبالنّسبة لما هو عند المذاهب الخرى ،فخيار التّعيين مثلً ل يأخذ به الشّافعيّة
والحنابلة وزفر من الحنفيّة لمخالفته للقياس .وكذلك خيار الرّؤية بالنّسبة للشّافعيّة ،ولغيرهم
تفصيل فيه ( .ر :خيار )
ثانيا :الشّروط :
- 48الشّرط قد يكون تعليقيّا ،وقد يكون تقييديّا :فالشّرط التّعليقيّ :هو ربط وجود الشّيء
ن الملتزم يعلّق تنفيذ التزامه على وجود ما شرطه .وبذلك يكون أثر
بوجود غيره ،أي أ ّ
الشّرط التّعليقيّ في اللتزام هو توقّف تنفيذ اللتزام حتّى يحصل الشّرط ،فعند المالكيّة مثلً
إذا قال لشخصٍ :إن بنيت بيتك ،أو إن تزوّجت فلك كذا فهو لزم ،إذا وقع المعلّق عليه .
وهذا طبعا في التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق ،كالسقاطات والطلقات واللتزام بالقرب بالنّذر
ن التّعليق يمنع النعقاد لعدم صحّة
.أمّا التّصرّفات الّتي ل تقبل التّعليق كالبيع والنّكاح ،فإ ّ
التّصرّفات حينئذٍ ( .ر :شرط -تعليق ) .
وأمّا الشّرط التّقييديّ فهو ما جزم فيه بالصل وشرط فيه أمرا آخر .
وأمّا أثره في اللتزام ،فإن كان صحيحا ،فما كان منه ملئما للتّصرّف ،كمن يبيع ويشترط
على المشتري أن يعطيه بالثّمن رهنا أو كفيلً ...أو كان جرى به التّعامل بين النّاس كمن
يشتري جرابا على أن يخرزه له البائع ...فإنّه ينشئ التزاما زائدا على اللتزام الصليّ ،كما
هو واضح من المثلة ويجب الوفاء به .أمّا إن كان مؤكّدا لمقتضى التّصرّف ،كاشتراط
التّسليم في البيع مثلً ،فل أثر له في اللتزام ،إذ الشّرط هنا تأكيد وبيان لمقتضى اللتزام .
وإن كان الشّرط فاسدا ،فإن كان ل يقتضيه التّصرّف وليس ملئما له ول جرى به التّعامل
بين النّاس وفيه منفعة لها صاحب يطالب بها ،كمن يبيع الدّار على أن يسكنها البائع شهرا ،
أو الثّوب على أن يلبسه أسبوعا ،فإنّ هذا الشّرط فاسد ويفسد معه التّصرّف ،وبالتّالي يفسد
اللتزام الصليّ للتّصرّف حيث قد فسد مصدره .
وهذا عند الحنفيّة ،وهو يجري في عقود المبادلت الماليّة فقط ،خلفا للتّبرّعات كالهبة حيث
يفسد الشّرط ويبقى التّصرّف في اللتزام به كما هو ،ويصبح الشّرط ل أثر له في اللتزام .
وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ مثل هذا الشّرط يفسد ،ويفسد معه التّصرّف ،ويجرون هذا في كلّ
التّصرّفات .
ن الشّرط الّذي يفسد التّصرّف عندهم ،فهو ما كان منافيا لمقتضى العقد ،أو
أمّا المالكيّة ،فإ ّ
كان مخلّا بالثّمن .وقريب من هذا مذهب الحنابلة .إذ هو عندهم :ما كان منافيا لمقتضى
العقد ،أو كان العقد يشتمل على شرطه .أمّا ما كان فيه منفعة لحدٍ ،فإنّه غير فاسدٍ عندهم
إذا كانت المنفعة معلومةً .فمن يبيع الدّار ويشترط سكناها شهرا مثلً فشرطه صحيح ويجب
ل ،واشترط ظهره
الوفاء به .واستدلّوا بحديث جابرٍ أنّه « باع النّبيّ صلى ال عليه وسلم جم ً
إلى المدينة أي ركوبه » ،وفي لفظٍ قال « :بعته واستثنيت حملنه إلى أهلي » .
ن من باع عبدا واشترط أن يعتقه المشتري
على أنّ الجمهور ومعهم أبو حنيفة متّفقون على أ ّ
ن من الفقهاء من قال :يجبر
فهو شرط صحيح يجب الوفاء به ،لتشوّف الشّارع للح ّريّة ،بل إ ّ
المشتري على ذلك .
وأمّا إن كان الشّرط بغير ما ذكر ،فإنّه يفسد هو ويبقى التّصرّف صحيحا فيجب الوفاء به .
وفي الموضوع تفصيلت كثيرة ( ر :اشتراط ،شرط ) .
ثالثا :الجل :
- 49الجل هو المدّة المتّفق عليها المستقبلة المحقّقة الوقوع .واللتزام قد يكون مؤجّلً إذا
ت ،فإنّه يجعل تنفيذ اللتزام مستمرّا طوال المدّة المحدّدة حتّى تنتهي ،
كان الجل أجل توقي ٍ
فمن أجّر دارا لمدّة شهرٍ أصبح من حقّ المستأجر النتفاع بالدّار في هذه المدّة ول يجوز
للملتزم -وهو المؤجّر -أن يطالبه بتسليم الدّار قبل انتهاء الجل المضروب .
ن تنفيذ اللتزام ل يبدأ إلّ عند حلول الجل ،فالدّين المؤجّل إلى
وإذا كان أجل إضاف ٍة ،فإ ّ
ل الجل وجب على الملتزم
رمضان يمنع الدّائن من المطالبة قبل دخول رمضان .فإذا ح ّ
بالدّين الوفاء ،وصار من حقّ الدّائن المطالبة بدينه .
والتّصرّفات تختلف بالنّسبة للجل توقيتا أو إضافةً ،فمنها ما هو مؤقّت أو مضاف بطبيعته ،
ل كالصّرف والنّكاح ،
كالجارة والمساقاة والوصيّة ،ومنها ما هو منجز ول يقبل التّأقيت بحا ٍ
وإذا دخلهما التّأقيت بطل ،ويكون أثر التّأقيت هنا بطلن الجل .
وأمّا العقد فيبطل في الصّرف إجماعا .وفي النّكاح عند الكثرين .
ومنها ما يكون الصل فيه التّنجيز كالثّمن في البيع لكن يجوز تأجيله إرفاقا فيتغيّر أثر اللتزام
من التّسليم الفوريّ إلى تأخيره إلى الجل المحدّد .
على أنّ التّصرّفات الّتي تقبل التّأجيل يشترط فيها في الجملة :أن يكون الجل معلوما ،إذ في
ل يعتاض عن الجل ،إذ العتياض عنه يؤدّي إلى الرّبا .
الجهالة غرر يؤدّي إلى النّزاع ،وأ ّ
ويكون الثر حينئذٍ بطلن الشّرط .وهذا في الجملة كما ذكرنا ،إذ من التّصرّفات ما يكون
ل بطبيعته ،كالجعالة والوصيّة ،ويلحق بهما الوكالة والقراض والذن في
الجل فيه مجهو ً
التّجارة إذا لم يحدّد للعمل مدّةً .كذلك التّبرّعات عند المالكيّة تجوز إلى أجلٍ مجهولٍ .وفي
كلّ ذلك تفصيلت مطوّلة تنظر في مواضعها وفي ( بحث :أجل ) .
توثيق اللتزام :
- 50توثيق اللتزام -أي إحكامه وإثباته -أمر مشروع لحتياج النّاس إلى معاملة من ل
يعرفونه ،خشية جحد الحقوق أو ضياعها .وقد شرع اللّه سبحانه وتعالى للنّاس ما يضمن
لهم حقوقهم بتوثيقها ،وجعل لذلك طرقا متعدّدةً وهي :
( ) 1الكتابة والشهاد :
- 51شرع اللّه سبحانه وتعالى الكتابة والشهاد صيانةً للحقوق ،وذلك في قوله تعالى { :يا
أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّى فاكتبوه } { ..واستشهدوا شهيدين من رجالكم
} { ..وأشهدوا إذا تبايعتم } وقد أوجب الشّرع توثيق بعض اللتزامات لخطره كالنّكاح ،
ل بالبيّنة ،ومثله الشهاد عند دفع مال اليتيم
وقريب منه طلب الشّفعة فل تثبت عند النكار إ ّ
إليه عند البلوغ والرّشد .
ومن اللتزامات ما اختلف في وجوب الشهاد فيه أو استحبابه ،كالبيع والجارة والسّلم
والقرض والرّجعة .
والشّهادة تعتبر من البيّنات الّتي يثبت بها الحقّ .ولبيان ما يجب فيه الشهاد وما ل يجب ،
وبيان شروط الشّهادة في الحقوق من حيث التّحمّل والداء والعدد وصفة الشّاهد والمشهود به
ينظر ( :إثبات ،إشهاد -شهادة -أداء -تحمّل ) .
( ) 2الرّهن :
- 52الرّهن شرع كذلك لتوثيق اللتزامات ،لنّه احتباس العين ليستوفي الحقّ من ثمنها ،أو
من ثمن منافعها عند تعذّر أخذه من الغريم .والصل في مشروعيّته قول اللّه تعالى { :وإن
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم «
كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } .وروي أ ّ
ي إلى أجلٍ ورهنه درعا من حديدٍ » .
اشترى طعاما من يهود ّ
والرّهن مشروع بطريق النّدب ل بطريق الوجوب ،بدليل قول اللّه تعالى { :فإن أمن
بعضكم بعضا فليؤ ّد الّذي اؤتمن أمانته } ،ولنّه أمر به عند عدم تيسّر الكتابة ،والكتابة غير
واجب ٍة فكذلك بدلها .
هذا وللرّهن شروط من حيث كونه مقبوضا وكونه بدينٍ لزمٍ وغير ذلك ( ر :رهن ) .
( ) 3الضّمان والكفالة :
- 53الضّمان والكفالة قد يستعملن بمعنًى واحدٍ ،وقد يستعمل الضّمان للدّين ،والكفالة
للنّفس .وهما مشروعان أيضا ليتوثّق بهما اللتزام .والصل في ذلك قول اللّه تعالى في
قصّة يوسف { :ولمن جاء به حمل بعيرٍ وأنا به زعيم } .
وفي كلّ ذلك تفصيلت واختلفات للفقهاء تنظر في موضعها ( ر :كفالة ) .
أمّا بالنّسبة للتّصرّفات الّتي يدخلها التّوثيق والّتي ل يدخلها ،فقد قال السّيوطيّ :الوثائق
المتعلّقة بالعيان ثلثة :الرّهن والكفالة والشّهادة ،ثمّ قال :من العقود ما تدخله الثّلثة كالبيع
والسّلم والقرض ،ومنها ما تدخله الشّهادة دونهما وهو المساقاة -جزم به الماورديّ -ونجوم
الكتابة .ومنها ما تدخله الشّهادة والكفالة دون الرّهن وهو الجعالة .
ومنها ما تدخله الكفالة دونهما وهو ضمان الدّرك .ث ّم قال :ليس لنا عقد يجب فيه الشهاد من
ل النّكاح قطعا ،والرّجعة على قولٍ ،وعقد الخلفة على وجهٍ ،وممّا قيل بوجوب
غير تقييدٍ إ ّ
الشهاد فيه من غير العقود :اللّقطة على وجهٍ ،واللّقيط على الصحّ لخوف إرقاقه .وقد زاد
الزّركشيّ أروش الجنايات المستقرّة فيما يدخله الثّلثة .
وقد اعتبر الزّركشيّ أنّ التّوثيق ل ينحصر في هذه الثّلثة ( الشّهادة والرّهن والكفالة ) وإنّما
اعتبر منها :الحبس على الحقوق إلى الوفاء ،ومنها حبس المبيع حتّى يقبض الثّمن ،وكذلك
منع المرأة تسليم نفسها حتّى تقبض معجّل المهر ..
انتقال اللتزام :
- 54يجوز انتقال اللتزام بالدّين من ذمّةٍ إلى ذمّةٍ أخرى ،إذ هو نوع من التّوثيق بمنزلة
الكفالة ،وهو ما يسمّى بالحوالة ،وهي معاملة صحيحة مستثناة من بيع الدّين بالدّين فجازت
ي صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم .وإذا أحيل أحدكم على مليءٍ
للحاجة ،لقول النّب ّ
فليتبع » .وللتّفصيل ومعرفة الخلف ( ر :حوالة ) .
إثبات اللتزام :
- 55إثبات اللتزام إنّما يحتاج إليه عند إنكار الملتزم .وفي هذه الحالة يكون على الملتزم له
ل بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :البيّنة على من ادّعى
( صاحب الحقّ ) إثبات حقّه ،عم ً
ق بيّنته -أن يسأله :ألك
،واليمين على من أنكر » .وللقاضي -إن لم يظهر صاحب الح ّ
بيّنة ؟ لما روي « أنّه جاء رجل من حضرموت ،ورجل من كندة ،إلى النّبيّ صلى ال عليه
ض لي كانت لبي ،فقال
ن هذا قد غلبني على أر ٍ
وسلم فقال الحضرميّ :يا رسول اللّه إ ّ
الكنديّ :هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم
للحضرميّ :ألك بيّنة ؟ قال :ل ،قال :فلك يمينه » .وللثبات طرق متعدّدة كالقرار
والشّهادة واليمين والنّكول والقسامة وغير ذلك ( ر :إثبات ) .
انقضاء اللتزام :
ن أو دينٍ ،
- 56الصل أنّ اللتزام ينقضي بوفاء الملتزم وتنفيذه ما التزم به من تسليم عي ٍ
كتسليم المبيع للمشتري ،والثّمن للبائع ،والمأجور للمستأجر ،والجرة للمؤجّر والموهوب
للمتّهب وبدل القرض للمقرض وهكذا .
وينقضي اللتزام أيضا بالقيام بالعمل الملتزم به في إجارةٍ أو استصناعٍ أو مساقاةٍ أو وكالةٍ أو
مضاربةٍ ،وبانقضاء المدّة في التّصرّف المقيّد بالزّمن كالجارة المحدّدة .
- 57وقد ينقضي اللتزام بغير هذا ومن أمثلة ذلك :
( ) 1إبراء الدّائن للمدين .
ل إذا
( - ) 2الفسخ أو العزل في العقود الجائزة كالوكالة والشّركة والقراض الوديعة ،إ ّ
اقتضى فسخها ضررا على الطّرف الخر .
يقول السّيوطيّ :الشّركة والوكالة والعاريّة الوديعة والقراض كلّها تنفسخ بالعزل من
المتعاقدين أو أحدهما .
وفي المنثور للزّركشيّ :العقود الجائزة إذا اقتضى فسخها ضررا على الطّرف الخر امتنع
وصارت لزمةً .ولهذا قال النّوويّ :للوصيّ عزل نفسه إلّ أن يتعيّن عليه أو يغلب على
ظنّه تلف المال باستيلء ظالمٍ .
ويجري مثله في الشّريك والمقارض ،وقد قالوا في العامل إذا فسخ القراض :عليه التّقاضي
ن الدّين ملك ناقص ،وقد أخذه منه كاملً ،فليردّه كما أخذه ،وظاهر كلمهم
والستيفاء ،ل ّ
أنّه ل ينعزل حتّى ينضّ المال .
( ) 3الرّجوع في التّبرّعات قبل القبض كالوصيّة والهبة ،وبعد القبض في العاريّة والقرض
عند غير المالكيّة .
( ) 4المقاصّة في الدّيون .
( ) 5انعدام الهليّة في العقود الجائزة كالجنون والموت .
( ) 6الفلس أو مرض الموت في التّبرّعات قبل القبض .
( ) 7عدم إمكان التّنفيذ ،كهلك المبيع قبل القبض .
يقول الكاسانيّ :هلك المبيع قبل القبض ،إن هلك كلّه قبل القبض بآف ٍة سماويّةٍ انفسخ البيع ،
لنّه لو بقي أوجب مطالبة المشتري بالثّمن ،وإذا طالبه بالثّمن فهو يطالبه بتسليم المبيع ،وأنّه
عاجز عن التّسليم فتمتنع المطالبة أصلً ،فلم يكن في بقاء البيع فائدة فينفسخ ،وكذلك إذا
هلك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه ،وكذا إذا هلك بفعل البائع يبطل البيع ويسقط
الثّمن عن المشتري عندنا .
وإن هلك بفعل المشتري ل ينفسخ البيع وعليه الثّمن ،لنّه بالتلف صار قابضا ..
التصاق *
التّعريف :
- 1التصق والتزق بمعنًى واحدٍ ،والتصق بالشّيء :لزق وعلق به ،واللتصاق :اتّصال
الشّيء بالشّيء بحيث ل يكون بينهما فجوة بتلزّجٍ أو تماسكٍ أو تماسّ .
والفقهاء يستعملونه بالمعنى نفسه .
الحكم الجماليّ :
- 2اللتصاق من المور الّتي قد تحدث تلقائيّا ،كالتصاق الدّور ،والتصاق أوراق الشّجر
بالماء ،وكالتصاق عضوٍ زائدٍ بجسمٍ .وقد يحدث بقصدٍ كلصق جبير ٍة على جرحٍ .
وسواء حدث اللتصاق بقصدٍ أو بغير قصدٍ فإنّه قد يترتّب عليه بعض الحكام .
- 3فالتصاق الدّارين مثلً في سكّ ٍة نافذ ٍة يعطي أحد الجارين الملصقين الولويّة في الشّفعة ،
إذا أراد الخر بيع داره ،وهذا كما يقول الحنفيّة .إذ ل شفعة بالجوار عند غيرهم .والتصاق
الجبيرة على الجرح يترتّب عليه جواز المسح على الجبيرة في الطّهارة .
-4على أنّ اللتصاق منه ما هو واجب ،كالتصاق الجبهة بالرض في السّجود .ومنه ما هو
ب واحدٍ بدون حائلٍ ،لقول النّبيّ صلى ال عليه
حرام كالتصاق رجلين أو امرأتين في ثو ٍ
ب واحدٍ » .
وسلم « :ل يفضي الرّجل ،إلى الرّجل ول تفضي المرأة إلى المرأة في ثو ٍ
ل وبدون قصد التّلذّذ .
ويكون مكروها إذا كان بحائ ٍ
مواطن البحث :
- 5يأتي اللتصاق في مواطن متعدّدةٍ ،ومن ذلك :التصاق الثّوب بالجسم في الصّلة ،
وينظر في ( ستر العورة ) .
وفي التصاق الدّارين ،وإساءة أحد صاحب الدّارين إلى الخر وينظر في ( جناية -إتلف
ارتفاق -شفعة ) وفي ما انحسر عنه البحر ،وينظر في ( إحياء الموات ) .
وفي التصاق عضوين في الجسم وينظر في ( طهارة ) .
التفات *
التّعريف :
- 1اللتفات :هو لغ ًة :النصراف إلى جهة اليمين أو الشّمال .
وعند الفقهاء ل يختلف استعمال اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2انحراف :
النحراف هو :الميل عن الشّيء ،وهو غير اللتفات ،فقد يميل النسان وهو في نفس
التّجاه .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
اللتفات تارةً يطلب شرعا ،وأحيانا ينهى عنه .
- 3وممّا يطلب فيه اللتفات :الذان ،فعند الحيعلتين يستحبّ اللتفات عند أغلب الفقهاء ،
ل رضي ال عنه ،واستثنى بعض الفقهاء من ذلك ما إذا كان يؤذّن لنفسه ،أو
لفعل بل ٍ
لجماع ٍة صغيرةٍ ،أو لمولودٍ .ولللتفات كيفيّات ثلث يذكرها الفقهاء في ( الذان ) .
ن اللتفات كذلك عند تسليم المصلّي ،يلتفت يمينا وشمالً ،روى النّسائيّ عن عبد اللّه بن
ويس ّ
ي صلى ال عليه وسلم كان يسلّم عن يمينه :السّلم عليكم
ن النّب ّ
مسعودٍ رضي ال عنه « أ ّ
ورحمة اللّه ،حتّى يرى بياض خدّه اليمن ،وعن يساره :السّلم عليكم ورحمة اللّه ،حتّى
يرى بياض خدّه اليسر » .وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في ( التّسليم ) .
- 4أمّا اللتفات المنهيّ عنه ،فمنه :اللتفات في الصّلة ،وهو إمّا بالوجه أو بغيره ،فعند
الئمّة الربعة يكره اللتفات بالوجه في الصّلة ،عن أنسٍ رضي ال عنه قال لي رسول اللّه
ن اللتفات في الصّلة هلكة ،
صلى ال عليه وسلم « :يا بنيّ إيّاك واللتفات في الصّلة ،فإ ّ
فإن كان ل بدّ ففي التّطوّع ل في الفريضة » .
أمّا اللتفات بالصّدر أو بالبدن كلّه فمن الفقهاء من كره ذلك ،ومنهم من قال :تبطل به
الصّلة إن حوّل قدميه ،وتفصيل ذلك كلّه يذكره الفقهاء في ( استقبال القبلة ) .
ص الفقهاء على كراهة التفات الخطيب ،ومنهم من ذكر كراهية التفات المستمع
وفي الخطبة ن ّ
،وتفصيل ذلك بيّنه الفقهاء في ( خطبة الجمعة ) .
التقاء الختانين *
انظر :وطء .
التقاط *
انظر :لقطة .
التماس *
التّعريف :
- 1اللتماس لغةً :الطّلب ،والتّلمّس :التّطلّب مرّ ًة بعد أخرى .
واصطلحا :هو الطّلب مع التّساوي بين المر والمأمور .
الحكم الجماليّ :
- 2قد يكون اللتماس مطلوبا أو ممنوعا .
- 3فاللتماس المطلوب مثل :التماس رؤية هلل رمضان ،وهو واجب عند الحنفيّة ،
ومندوب عند جمهور الفقهاء .والتماس الماء قبل التّيمّم فإنّه واجب عند الفقهاء -ر -
( صيام وتيمّم ) .
والتماس ليلة القدر في قيام اللّيل ،فإنّه مستحبّ ( .ر -صيام -قيام اللّيل ) .
- 4أمّا اللتماس الممنوع ،فهو إذا كان الشّيء الملتمس قد حرّمه الشّرع ،كالتماس الخمر
وبقيّة المحظورات الّتي حرّمها الشّارع ( .ر -أشربة ) .
ألثغ *
التّعريف :
- 1اللثغ لغةً :من به لثغة ،واللّثغة :حبسة في اللّسان حتّى تصير الرّاء لما أو غينا ،أو
السّين ثا ًء ونحو ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الرتّ ،وهو من يدغم الحرف في الحرف ممّا ل يدغم في كلم النّاس .
والتّأتاء ،وهو من يكرّر التّاء .
والفأفاء ،وهو من يكرّر الفاء ..
الحكم الجماليّ :
ص في إمام الصّلة .
- 3اللّثغة صفة نق ٍ
فذهب الجمهور :الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة في قولٍ ،والحنابلة سوى القاضي منهم ،إلى
إلحاق اللثغ بالمّيّ في المامة ،فيمنع اقتداء السّالم به ،ويجوز له أن يؤمّ مثله ،وذهب
ل آخر ،والقاضي من الحنابلة إلى صحّة إمامته مع الكراهة ،فيأثم المقتدي به
المالكيّة في قو ٍ
إن وجد غيره ممّن يحسن القراءة ،وإلّ فل .
غير أنّ الشّافعيّة اشترطوا لصحّة إمامة اللثغ بمثله أن تكون اللّثغة في كلمةٍ واحد ٍة .فإن كان
أحدهما يلثغ في كلمةٍ ،والخر يلثغ في غيرها لم تصحّ إمامة أحدهما للخر .
قال ابن تيميّة :وأمّا من ل يقيم قراءة الفاتحة ،فل يصلّي خلفه إلّ من هو مثله ،فل يصلّي
خلف اللثغ الّذي يبدّل حرفا بحرفٍ ،إلّ حرف الضّاد إذا أخرجه من طرف الفم ،كما هو
عادة كثيرٍ من النّاس ،فهذا فيه وجهان :
ح صلته في نفسه ،لنّه أبدل حرفا بحرفٍ ،لنّ
منهم من قال :ل يصلّي خلفه ،ول تص ّ
مخرج الضّاد الشّدق ،ومخرج الظّاء طرف السنان .فإذا قال ( :ول الظّالّين ) كان معناه
ظلّ يفعل كذا .
ن الحرفين في السّمع شيء واحد ،وحسّ أحدهما من
والوجه الثّاني :تصحّ ،وهذا أقرب ،ل ّ
جنس حسّ الخر لتشابه المخرجين .والقارئ إنّما يقصد الضّلل المخالف للهدى ،وهو الّذي
يفهمه المستمع ،فأمّا المعنى المأخوذ من ظلّ فل يخطر ببال واحدٍ ،وهذا بخلف الحرفين
ن هذا ل يحصل به مقصود القراءة
المختلفين صوتا ومخرجا وسمعا ،كإبدال الرّاء بالغين ،فإ ّ
.
وفي الدّماء ،والدّيات :ل فرق بين الجناية على لسان السّليم ،ولسان اللثغ ،صرّح بذلك
الشّافعيّة ،وهو ما يفهم من فروع غيرهم .
أمّا في إذهاب الكلم ،فيراعى قسط اللّثغة ،فلو جنى على سليمٍ فأصابته لثغة فإنّ أغلب
ل بينهم في عدد الحروف الّتي تقسم
الفقهاء يوجب دية الحرف المبدل ،على خلفٍ وتفصي ٍ
عليها الدّية ،وكذا مخارج الحروف .
وعند المالكيّة يقدّر ذلك بالجتهاد ،ول يحسب على عدد الحروف ،وهو قول للحنفيّة .فإن
منعت الجناية نطق اللثغ ،فإنّ بعض الفقهاء أوجب الدّية كاملةً فيه ،وقال البعض ل يجب
إلّ قسط الحروف الذّاهبة .وبالضافة إلى ما تقدّم يتكلّم الفقهاء عن اللّثغة في الطّلق ،كما
إذا قال لزوجته :أنت تالق بدل طالق .
إلجاء *
انظر :إكراه .
إلحاد *
التّعريف :
- 1اللحاد في اللّغة ،واللّحد :الميل والعدول عن الشّيء ،ومنه :لحد القبر وإلحاده أي
شقّ في جانبه ل في وسطه .وألحدت الميّت ،ولحدته :جعلته في اللّحد ،أو عملت له
جعل ال ّ
لحدا .
ويستعمل اللحاد في الصطلح بمعانٍ منها :
اللحاد في الدّين ،وهو :الطّعن فيه أو الخروج عنه .
صدّ عنه
ومنها :الخلل بما يستحقّه المسجد الحرام بفعل المحرّمات فيه ،أو منع عمارته وال ّ
.قال ابن عابدين :اللحاد في الدّين :هو الميل عن الشّرع القويم إلى جهةٍ من جهات الكفر
كالباطنيّة الّذين يدّعون أنّ للقرآن ظاهرا ،وأنّهم يعلمون الباطن ،فأحالوا بذلك الشّريعة ،
لنّهم تأوّلوا بما يخالف العربيّة الّتي نزل بها القرآن .
ومن اللحاد :الطّعن في الدّين مع ادّعاء السلم ،أو التّأويل في ضرورات الدّين لجراء
الهواء .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -ال ّردّة :
- 2ال ّردّة لغ ًة :هي الرّجعة مطلقا .
وشرعا :هي كفر المسلم البالغ العاقل المختار الّذي ثبت إسلمه ولو ببنوّته لمسلمٍ ،وإن لم
ينطق بالشّهادتين .أو كفر من نطق بهما عالما بأركان السلم ملتزما بها ،ويكون ذلك
بالتيان بصريح الكفر بلفظٍ يقتضيه ،أو فعلٍ يتضمّنه ونحو ذلك .وهذا التّعريف هو أجمع
التّعاريف في الرّدّة .
ب -النّفاق :
- 3النّفاق :إظهار اليمان باللّسان ،وكتمان الكفر بالقلب .ول يطلق هذا السم على من
يظهر شيئا ويخفي غيره ممّا ل يختصّ بالعقيدة .
ج -الزّندقة :
- 4الزّندقة :إبطان الكفر والعتراف بنبوّة نبيّنا محمّدٍ صلى ال عليه وسلم ويعرف ذلك من
أقوال الزّنديق وأفعاله .وقيل :هو من ل دين له .
ومن الزّندقة :الباحيّة ،وهي :العتقاد بإباحة المحرّمات ،وأنّ الموال والحرم مشتركة .
د -الدّهريّة :
- 5الدّهريّ :من يقول بقدم الدّهر ،ول يؤمن بالبعث ،وينكر حشر الجساد ويقول { :إن
هي إلّ حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلّ الدّهر } مع إنكار إسناد الحوادث إلى الصّانع
المختار سبحانه وتعالى .
ل من الزّندقة والنّفاق والدّهريّة وبين اللحاد :
الفرق بين ك ّ
- 6نقل ابن عابدين عن ابن كمالٍ باشا قوله :الزّنديق في لغة العرب يطلق على :من ينفي
الباري تعالى ،وعلى من يثبت الشّريك ،وعلى من ينكر حكمته .والفرق بينه وبين المرتدّ
العموم الوجهيّ ،لنّه قد ل يكون مرتدّا ،كما لو كان زنديقا أصليّا غير منتقلٍ عن دين
السلم .والمرتدّ قد ل يكون زنديقا ،كما لو تنصّر أو تهوّد .وقد يكون مسلما فيتزندق .
وأمّا في اصطلح الشّرع فالفرق أظهر ،لعتبارهم فيه إبطان الكفر والعتراف بنبوّة نبيّنا
محمّ ٍد صلى ال عليه وسلم ،والفرق بين الزّنديق والمنافق والدّهريّ والملحد -مع الشتراك
ن المنافق غير معترفٍ بنبوّة نبيّنا محمّدٍ صلى ال عليه وسلم والدّهريّ
في إبطان الكفر -أ ّ
كذلك مع إنكار إسناد الحوادث إلى الصّانع المختار سبحانه وتعالى ،والملحد ل يشترط فيه
العتراف بنبوّة نبيّنا صلى ال عليه وسلم ول بوجود الصّانع تعالى .وبهذا فارق الدّهريّ
أيضا .ول يعتبر فيه إضمار الكفر ،وبه فارق المنافق .كما ل يعتبر فيه سبق السلم وبه
ل .أي هو معنى الكافر
فارق المرتدّ .فالملحد أوسع فرق الكفر حدّا ،وأعمّ في الجملة من الك ّ
مطلقا ،تقدّمه إسلمه أم ل ،أظهر كفره أم أبطنه .
اللحاد في الحرم :
- 7اللحاد في الحرم هو الميل بالظّلم فيه .قال اللّه تعالى { :إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن
سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواءً العاكف فيه والبّاد ومن يرد فيه بإلحادٍ
بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ } وقد اختلف في معنى اللحاد في الحرم على أقوا ٍل منها :
أ -قال ابن مسعودٍ :اللحاد هو الشّرك ،وقال أيضا هو استحلل الحرام .
ب -قال الجصّاص :المراد به انتهاك حرمة الحرم بالظّلم فيه .
سيّئ .
ج -قال مجاهد :هو العمل ال ّ
د -اللحاد في الحرم هو منع النّاس عن عمارته .
هن -قال سعيد بن جبيرٍ هو الحتكار .قال ابن حيّان :الولى حمل هذه القوال في الية
على التّمثيل ل على الحصر ،إذ الكلم يدلّ على العموم .
وقد عظّم اللّه الذّنب في الحرم ،وبيّن أنّ الجنايات تعظم على قدر عظم الزّمان كالشهر
الحرم ،وعلى قدر المكان كالبلد الحرام ،فتكون المعصية معصيتين :إحداهما المخالفة ،
والثّانية إسقاط حرمة الشّهر الحرام أو البلد الحرام .
إلحاد الميّت :
- 8إلحاد الميّت في القبر سنّة عند الحنفيّة والحنابلة ،لقوله عليه الصلة والسلم « :اللّحد
ص رضي ال عنه « أنّه قال
شقّ لغيرنا » ولما رواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقّا ٍ
لنا وال ّ
ي اللّبن ،كما صنع برسول اللّه صلى
في مرضه الّذي مات فيه الحدوا لي لحدا ،وانصبوا عل ّ
ال عليه وسلم » .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال للحافر
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه مستحبّ ،لما روي أ ّ
« :أوسع من قبل رأسه ،وأوسع من قبل رجله » .ولقول الرّسول صلى ال عليه وسلم يوم
أحدٍ « :احفروا ،وأوسعوا ،وعمّقوا » ولما روى ابن ماجه عن أنسٍ « لمّا توفّي النّبيّ صلى
ال عليه وسلم وكان بالمدينة رجل يلحد وآخر يضرح ،فقالوا :نستخير ربّنا ونبعث إليهما ،
فأيّهما سبق تركناه ،فأرسل إليهما ،فسبق صاحب اللّحد ،فلحدوا النّبيّ صلى ال عليه وسلم
شقّ بدون
» وهذا عند الجميع إذا كانت الرض صلبةً ،أمّا إذا كانت رخوةً فإنّه يصار إلى ال ّ
خلفٍ ويكون أفضل ،ويكون اللّحد إلى جهة القبلة بقدر الميّت ..
اللحاد في الدّين :
- 9الملحد إمّا أن يكون في الصل على الشّرك ،فحكمه ينظر تحت عنوان ( إشراك ) ،أو
يكون ذ ّميّا فيلحد أي يطعن في الدّين جهارا ،فينتقض بذلك عهده ،وينظر حكمه تحت عنوان
( أهل ال ّذمّة ) أو يكون مسلما فيلحد ،فينظر حكمه تحت عنوان ( ارتداد -زندقة ) .
الثار المترتّبة على اللحاد :
- 10من ألحد بعد إسلمٍ والعياذ باللّه ،إمّا أن يستتاب على رأي من قال بذلك ،فيأخذ حكم
المرتدّ في العبادات في الجملة في حالة رجوعه عن إلحاده ،من نقض وضوئه باللحاد
وعدمه ،ومن قضائه للعبادات ،وأدائه ما عليه من زكاةٍ ،وقضائه للحجّ قبل اللحاد وبعده .
كما يأخذ حكمه كذلك في غير العبادات ،من سقوط شفعته بال ّردّة ونفاذ عقوده وعدمها ،
وبينونة امرأته ،ولزوم المهر ،والنّفقة ،وانفساخ النّكاح .كما يأخذ حكمه في الجنايات
والدّيون على الخلف المذكور بين العلماء .والّذي يرجع إليه في مصطلح ( ردّة ) .
وأمّا إذا لم يستتب فإنّه يأخذ حكم المرت ّد المقتول في ال ّردّة ،من حيث زوال ملكه عن أمواله ،
وحكم تلك الموال بعد الموت في الميراث ،ومن حيث سقوط وصيّته أو عدمه ،وقضاء
ديونه بعد الموت ،ويراجع في ذلك مصطلح ( ردّة ) .
إلحاق *
التّعريف :
- 1اللحاق في اللّغة :التّباع .يقال :ألحقته به :إذا أتبعته إيّاه حتّى لحقه .واستعمل
الفقهاء والصوليّون إلحاق الفروع بالصول في القياس .ومن ذلك قول ابن قدامة في روضة
ن اللحاق يسمّى قياسا ،إذا بيّنت العلّة الجامعة وأثبت وجودها في الفرع .وجرى
النّاظر :إ ّ
على لسان بعض الفقهاء في تعريف القياس بأنّه :إلحاق المسكوت بالمنطوق .وجرى أيضا
على ألسنتهم :إلحاق الولد بمن ادّعاه كما في مسألة اللّقيط ،حتّى إنّ إطلق لفظ ( اللحاق )
ينصرف إلى اللحاق في النّسب .
اللفاظ ذات الصّلة :
القياس :
- 2يظهر من تتبّع أقوال الفقهاء أنّ اللحاق يأتي بمعنيين :
الوّل :القياس ،بإلحاق الفرع بالصل لوجود عّلةٍ مشترك ٍة يتعدّى بها الحكم من الصل إلى
الفرع بشروطه ،فهو حمل الشّيء على غيره بإجراء حكمه عليه لعّلةٍ مشتركةٍ .
والثّاني :إلحاق النسان المجهول النّسب بمن ادّعاه ،فإنّه يصحّ بشروطه ،كما يعرف في
باب النّسب .
- 3واللحاق له طريقان :
الطّريق الوّل :إلغاء الفارق المؤثّر في الحكم لكي يشمل المسكوت عنه فل يحتاج إلى
التّعرّض للعلّة الجامعة لكثرة ما فيه من الجتماع ،وقد اختلف في تسمية هذا قياسا .
والطّريق الثّاني :أن يتعرّض للجامع ويبيّن وجوده في الفرع ،وهذا هو المتّفق على تسميته
قياسا .
الحكم الجماليّ :
ن اللحاق إتباع الشّيء بالشّيء فيقتضي أن يكون الحكم في الملحق نفس الحكم
- 4نظرا ل ّ
الّذي في الملحق به .ولتطبيق هذه القاعدة أمثلة كثيرة منها :
ل :إلحاق جنين المذكّاة بأمّه :
أ ّو ً
- 5ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة ) إلى إلحاق
جنين المذكّاة بها ،إذا كان كامل الخلقة ،ومات بذبح أمّه ،فهذا إلحاق من حيث اللّغة .وإنّما
قالوا ذلك لما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ذكاة الجنين ذكاة أمّه » .ولنّ
جنين الدّابّة تبع فيباع ببيع المّ ،ولذا يأخذ جنين المذكّاة حكم المذكّاة بالتّبع ،وهذا إن كان قد
أشعر على رأيٍ ،وقيل :ل يشترط ذلك .
وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وزفر فذهبا إلى أنّه ل يحلّ الجنين إلّ إذا أدرك حيّا وذبح .كذلك
ل يمكن إلحاق الجنين الّذي ظهر من المّ حيّا فمات بعدها بدون الذّبح .
ويرجع لتفصيله إلى مصطلحي ( ذبيحة ) ( وذكاة ) .
ثانيا :إلحاق صغار السّوائم بالكبار في الذّكاة :
- 6ل خلف بين فقهاء المذاهب في إلحاق صغار السّوائم بالكبار في وجوب الزّكاة فيها ،إذا
اجتمعت مع الكبار وتمّ الحول عليها .أمّا إذا كانت كلّها صغارا فصلنا أو حملنا أو عجاجيل
،فل زكاة فيها عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ وهو رواية عن أحمد .وقال المالكيّة ،وهي المذهب
عند الحنابلة ،وهو قول الشّافعيّ في القديم ،وإليه ذهب زفر من الحنفيّة :يجب في الصّغار
ما يجب في الكبار إلحاقا .
وقال أبو يوسف ،والشّافعيّ في الجديد :يجب فيها واحدة منها ،وصورته إذا كان له نصاب
من الكبار ثمّ ماتت المّهات ،وتمّ الحول على الولد وهي صغار .
وتفصيله في مصطلح ( ذكاة ) .
ثالثا :إلحاق توابع المبيع به في البيع :
- 7يدخل الجنين في بيع المّ تبعا ،ول يفرد بالبيع ،لنّ التّابع تابع .وكذلك حقّ المرور
والشّرب يدخلن في بيع الرض تبعا .وولد البقرة المشتراة للّبن داخل في بيع المّ .ويدخل
الغراس في بيع الرض ،وتدخل الرض وما يتّصل بها في بيع الدّار .وكذلك كلّ ما يعتبر
من توابع المبيع يدخل في البيع إلحاقا ،ويأخذ حكم المبيع على تفصيلٍ وخلفٍ في ذلك ينظر
في موضعه .
مواطن البحث :
- 8تكلّم الفقهاء عن إلحاق الفروع بالصول في بحث ( القياس ) ،وفي ( البيع ) في إلحاق
الثّمر بالشّجر ،وإلحاق الثّمار الّتي لم يبد صلحها بما بدا صلحه منها .وإلحاق توابع المبيع
بالمبيع ،وإلحاق الولد بخير البوين في ( الدّيانة ) إن كانا مختلفين دينا ،ومسائل أخرى .
لكن أكثر ما يتعرّضون فيه لللحاق هو في بحث ( النّسب ) في إلحاق مجهول النّسب بمن
ادّعاه بشروطه ،فليرجع لتفصيله إلى تلك المواضع .
إلزام *
التّعريف :
- 1اللزام مصدر ألزم المتعدّي بالهمزة ،وهو من لزم ،يقال :لزم يلزم لزوما :ثبت
ودام ،وألزمته :أثبتّه وأدمته ،وألزمته المال والعمل وغيره فالتزمه ،ولزمه المال :وجب
عليه ،وألزمه إيّاه فالتزمه .
ويقول الرّاغب :اللزام ضربان :إلزام بالتّسخير من اللّه تعالى أو من النسان ،وإلزام
بالحكم والمر ،نحو قوله تعالى { :أنلزمكموها وأنتم لها كارهون } وقوله { وألزمهم كلمة
التّقوى } .فيكون معنى اللزام :اليجاب على الغير .
ول يخرج الفقهاء في استعمالهم عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
اليجاب :
- 2وجب الشّيء يجب وجوبا أي :لزم ،وأوجبه هو وأوجبه اللّه تعالى .وفي حديث عمر
رضي ال عنه أنّه أوجب نجيبا ،أي أهداه في حجّ أو عمر ٍة كأنّه ألزم نفسه به ،وأوجبه
إيجابا أي ألزمه .
ل العسكريّ بين اليجاب واللزام فقال :اللزام يكون في الحقّ والباطل ،
وقد فرّق أبو هل ٍ
ق والباطل .واليجاب ل يستعمل إلّ فيما هو حقّ ،فإن استعمل في غيره
يقال :ألزمته الح ّ
فهو مجاز ،والمراد به اللزام .
الجبار والكراه :
- 3الجبار والكراه هما الحمل على الشّيء قهرا ،واللزام قد يكون بالقهر وهو ما يسمّى
سيّ ،وقد يكون بدونه .
باللزام الح ّ
اللتزام :
- 4اللتزام هو :إلزام الشّخص نفسه شيئا من المعروف .
فاللتزام يكون من النسان على نفسه كالنّذر والوعد ،واللزام يكون منه على الغير كإنشاء
اللزام من القاضي .واللتزام يكون واقعا على الشّيء ،يقال :التزمت العمل ،واللزام يقع
على الشّخص ،يقال :ألزمت فلنا المال .
الحكم الجماليّ :
ض لما فيه من التّسلّط ،وإنّما يكون اللزام
- 5الصل امتناع اللزام من النّاس بعضهم لبع ٍ
من اللّه تعالى لعباده ومخلوقاته ،إمّا بطريق التّسخير ،وإمّا بطريق الحكم والمر .
وقد يقع اللزام من النّاس بعضهم لبعضٍ بتسليط اللّه تعالى ،وذلك بطريق الولية سواء
أكانت خاصّةً أم عامّ ًة ،وحينئذٍ قد يكون اللزام واجبا ،فإنّ المام يجب عليه إلزام النّاس
بالخذ بشريعة السلم ،وله سلطة إلزامهم بالقوّة وحملهم على فعل الواجبات وترك
المحرّمات .ولقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :والّذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر
ب فيحطب ،ثمّ آمر بالصّلة فتقام ،ثمّ آمر رجلً فيصلّي بالنّاس ،ثمّ أنطلق معي برجالٍ
بحط ٍ
معهم حزم من حطبٍ إلى قو ٍم ل يشهدون الصّلة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار » .
وقد قاتل أبو بكرٍ رضي ال تعالى عنه مانعي الزّكاة .ومن امتنع من أداء حقوق الدميّين من
ديون وغيرها أخذت منه جبرا إذا أمكن ،ويحبس بها إذا تعذّرت ،إلّ أن يكون معسرا فينظر
إلى ميسرته .
ن للمام إلزام النّاس بها كما إذا اجتمع أهل بلدٍ على
بل إنّ الشّعائر الّتي ليست بفرضٍ ،فإ ّ
ن المام أو نائبه يقاتلهم ،لنّه من شعائر السلم الظّاهرة .وكذلك القاضي
ترك الذان ،فإ ّ
ق فيما وكّل إليهم .
والمحتسب لهم هذا الح ّ
وقد يكون اللزام حراما ،وذلك في المر بالظّلم ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل
طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق » ،وعلى ذلك فمن أمره الوالي بقتل رجلٍ ظلما أو قطعه
أو جلده أو أخذ ماله أو بيع متاعه فل يفعل شيئا من ذلك .
وقد يكون اللزام جائزا كإلزام الوالي بعض النّاس بالمباحات لمصلحةٍ يراها ،وإلزام الرّجل
زوجته بالمتناع عن مباحٍ .
وقد يكون اللزام مستحبّا ،وذلك عندما يكون موضوعه مستحبّا ،كإلزام المام رعيّته
بالجتماع على صلة التّراويح في المساجد .
مواطن البحث
-6تتعدّد مواطن اللزام بتعدّد أسبابه ،فقد يكون بسبب الكراه الملجئ على تفصيلٍ فيه ( .ر
:إكراه ) .
ومن ذلك العقود الّتي يكون من آثارها اللزام بعملٍ معيّنٍ كالبيع إذا تمّ ،فإنّه يترتّب عليه
إلزام البائع بتسليم المبيع وإلزام المشتري بتسليم الثّمن .وكالجارة إذا تمّت يترتّب عليها إلزام
المستأجر بالقيام بالعمل ( ر :عقد -بيع -إجارة ) .
إلغاء *
التّعريف :
س أنّه كان يلغي
- 1اللغاء مصدر ألغيت الشّيء أي :أبطلته ،ومنه الثر عن ابن عبّا ٍ
طلق المكره ،أي يبطله .
ويعرّفه الصوليّون بقولهم :وجود الحكم بدون الوصف صورةً ،وحاصله عدم تأثير الوصف
أي العلّة .
ويأتي اللغاء عند الفقهاء بمعنى :البطال والسقاط والفساد والفسخ ،غير أنّه ل بدّ في تحقّق
ح إلغاء فعلٍ أو شيءٍ لم يوجد .
اللغاء من قيام الحقّ أو الملك الّذي يراد إلغاؤه ،إذ ل يص ّ
ويطلقه الصوليّون في تقسيم المصالح إلى معتبرةٍ ،ومرسلةٍ ،وملغاةٍ ،ويقصدون بهذه
الخيرة ما أبطله الشّرع ،كإلغاء ما في الخمر والميسر والرّبا من مصالح .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البطال :
- 2البطال في اللّغة :إفساد الشّيء وإزالته حقّا كان ذلك الشّيء أو باطلً ،قال اللّه تعالى :
{ ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل } .
وشرعا :الحكم على الشّيء بالبطلن ،ويأتي على ألسنة الفقهاء بمعنى الفسخ والسقاط
والنّقص واللغاء .
ن البطال قد يقع قبل وجود الشّيء ،ول يكون اللغاء
وهو بهذا يكون بمعنى اللغاء ،إلّ أ ّ
إلّ بعد وجود الشّيء أو فعله .
ب -السقاط :
- 3من معاني السقاط لغةً :الزالة ،وهو في اصطلح الفقهاء :إزالة الملك أو الحقّ ل
إلى مالكٍ أو مستحقّ ،كالطّلق فإنّه إزالة ملك النّكاح ،وكالعتق فإنّه إزالة ملك الرّقبة .
وعلى هذا يوافق اللغاء في كونه ل بدّ من قيام الملك والحقّ الّذي يراد إسقاطه أو إلغاؤه حتّى
ض وبغير
يتحقّق السقاط واللغاء ،فيقال أسقط عنه الرّقّ :ألغاه ،كما أنّهما يكونان بعو ٍ
عوضٍ .
ج -الفسخ :
- 4الفسخ لغةً :النّقض ،يقال فسخ الشّيء يفسخه فسخا فانفسخ أي :نقضه فانتقض ،
وتفاسخت القاويل :تناقضت .
ل واحدٍ من العوضين لصاحبه ،
ويطلق اصطلحا على حلّ ارتباط العقد والتّصرّف وقلب ك ّ
وهو بهذا يكون فيه معنى اللغاء والبطال .
وقد يعبّر الفقهاء في المسألة الواحدة تارةً باللغاء والبطال ،وتارةً بالفسخ .غير أنّ الفسخ
غالبا ما يكون في العقود ،ويقلّ في العبادات ،ومنه :فسخ الحجّ إلى العمرة ،وفسخ نيّة
الفرض إلى النّفل ،غير أنّه يكون في العقود قبل تمامها ،وعند تمامها بشروطٍ مثل خيار
الشّرط وخيار الرّؤية وخيار العيب والقالة .
الحكم الجماليّ :
- 5أجاز العلماء إلغاء التّصرّفات والعقود غير اللّازمة من جانب العاقدين ،أمّا في العقود
اللّازمة من جانبٍ واحدٍ فإنّه يصحّ اللغاء من الجانب الخر غير الملتزم به كالوصيّة .
وأمّا في العقود والتّصرّفات الملزمة فل يرد عليها اللغاء بعد نفاذها إلّ برضي العاقدين ،كما
في القالة ،أو بوجود سببٍ مانعٍ من استمرار العقد كظهور الرّضاع بين الزّوج والزّوجة ،
وقد يكون هنا اللغاء بمعنى الفسخ .
اللغاء في الشّروط :
- 6تنقسم الشّروط بالنّسبة إلى اللغاء إلى أقسامٍ :
ب أو سنّةٍ ،كما لو أقرض واشترط
منها شروط يلغى بها العقد مطلقا ،لمخالفتها نصّا من كتا ٍ
ربا على القرض .
ل يبيعه المشتري أو ل يهبه ،
ومنها شروط لغية ول تبطل العقد ،كما إذا باع ثوبا على أ ّ
جاز البيع ويلغى الشّرط كما هو الصّحيح عند الحنفيّة .
ح بها العقد ،لنّها توثيق للعقد ،كما إذا اشترط رهنا أو كفيلً
وشروط غير لغي ٍة تصحّ ويص ّ
بالبيع .
إلغاء التّصرّفات :
- 7تلغى التّصرّفات الّتي ل يقرّها الشّارع ،مثل رهن الخمر وبيع الميتة ونذر المعصية ،
كما تلغى تصرّفات عديم الهليّة كالمجنون والسّفيه ،على تفصيلٍ ( ر :حجر ) .
اللغاء في القرار :
- 8وذلك إذا كذّبه الظّاهر ،أو كذّب المقرّ نفسه ،أو رجع فيما يحقّ له الرّجوع فيه وهو
حقوق اللّه .ومنها الحدود ،وتفصيله في ( القرار ) .
إلغاء الفارق المؤثّر بين الصل والفرع :
- 9وهو يستلزم اتّحاد الحكم بينهما ( ر :إلغاء الفارق ) .
إلغاء الفارق *
التّعريف :
ل من فرقّ بين الشّيئين :إذا فصل
- 1اللغاء في اللّغة هو :البطال .والفارق اسم فاع ٍ
بينهما .
وإلغاء الفارق عند الصوليّين :بيان عدم تأثير الفارق بين الصل والفرع في القياس ،فيثبت
الحكم لما اشتركا فيه ،وذلك كإلحاق المة بالعبد في سراية العتق من بعضه إلى سائره .
وهذه السّراية في العبد ثابتة بحديث الصّحيحين « :من أعتق شركا له في عبدٍ فكان له مال
يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة عدلٍ فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد ،وإلّ فقد عتق
منه ما عتق » فالفارق بين المة والعبد هو النوثة ،ول تأثير لها في السّراية ومنه أيضا أنّ
الية { :والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً } تقتضي
ن الفارق
حدّ قاذف المرأة المحصنة ،وسكتت عن قذف الرّجال المحصنين ،فيلحقون بهنّ ،ل ّ
النوثة وهي ملغاة ،أي ل أثر لها في الحكم .وبعضهم عبّر عنه بنفي الفارق .وشبيه به " :
إلغاء التّفاوت " ومقابله :إبداء الفارق ،أو إبداء الخصوصيّة أو الفرق .وهو من قوادح
العلّة .ويسمّى القياس المعتمد على إلغاء الفارق " القياس في معنى الصل " أو " قياس المعنى
".
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2هناك مصطلحان أصوليّان ملتبسان بإلغاء الفارق أشدّ التباسٍ وأخفاه .
أوّلهما :تنقيح المناط .ويسمّيه الحنفيّة الستدلل ،وهو أن يدلّ نصّ ظاهر على التّعليل
بوصفٍ ،فيحذف خصوصه عن العتبار بالجتهاد ،ويناط الحكم بالعمّ ،أو ككون أوصافٍ
ل الحكم ،فيحذف بعضها عن العتبار بالجتهاد ويناط الحكم بالباقي .
في مح ّ
وثانيهما :السّبر والتّقسيم .وهو حصر الوصاف الموجودة في الصل المقيس عليه وإبطال
ما ل يصلح منها للعّليّة ،فيتعيّن الباقي لها .
ن الوصف في تنقيح المناط في شقّه الوّل
والفرق بين تنقيح المناط والسّبر والتّقسيم أ ّ
منصوص عليه ،بخلفه في السّبر والتّقسيم ،وفي الشّقّ الثّاني منه :إنّما هو في حذف ما ل
يصلح للعّليّة وفي تعيين الباقي لها ،وفي السّبر الجتهاد في الحذف فقط ،فيتعيّن الباقي للعّليّة
ل واحدا ،وفي إلغاء الفارق
.وإلغاء الفارق قريب من السّبر إلّ أنّه في السّبر يبطل الجميع إ ّ
يبطل واحد فتتعيّن العلّة بين الباقي ،والباقي موجود في الفرع فيلزم اشتماله على العلّة .
ويبدو من تعريفي إلغاء الفارق وتنقيح المناط أنّ الملغى في إلغاء الفارق وصف موجود في
ن إلغاء
الفرع ،بخلف الملغى في تنقيح المناط فهو وصف في الصل المقيس عليه ،كما أ ّ
الفارق ليس فيه تعيين للعلّة ،وإنّما يحصل اللحاق بمجرّد اللغاء ،بخلف تنقيح المناط ففيه
اجتهاد في تعيين الباقي من الوصاف للعّليّة .
الحكم الجماليّ :
- 3اختلف الصوليّون في ع ّد إلغاء الفارق من مسالك العلّة ،فذكره بعضهم كصاحب كتاب
المقترح ،وابن السّبكيّ في جمع الجوامع ،بل ذكر ابن قدامة في كتاب " روضة النّاظر "
الخلف في تسمية إلحاق المسكوت بالمنطوق قياسا إذا كان طريقه نفي الفارق المؤثّر على
سبيل القطع .ولم يعدّه أحد من الجدليّين من مسالك التّعليل .
وتمام الكلم عليه محلّه الملحق الصوليّ .
مواطن البحث :
- 4ذكر بعض الصوليّين إلغاء الفارق في مبحث العلّة من مباحث القياس عند كلمهم على
ن الجليّ ما قطع فيه بنفي
مسالك العلّة ،كما ذكروه في تقسيم القياس إلى جليّ وخفيّ ،حيث إ ّ
الفارق ،أو كان تأثير الفارق فيه احتمالً ضعيفا ،والخفيّ بخلفه .كما ذكروه في تقسيم
ن القياس في
القياس باعتبار علّته إلى قياس علّ ٍة وقياس دلل ٍة وقياسٍ في معنى الصل ،وأ ّ
معنى الصل هو ما يكون القياس بإلغاء الفارق فيه .
إلهام *
التّعريف :
- 1اللهام لغ ًة :مصدر ألهم ،يقال :ألهمه اللّه خيرا أي لقّنه إيّاه ،واللهام أن يلقي اللّه في
النّفس أمرا يبعث على الفعل أو التّرك ،وهو نوع من الوحي يخصّ اللّه به من يشاء من
عباده .
ص به اللّه سبحانه بعض
ن له الصّدر يخ ّ
وعند الصوليّين :إيقاع شي ٍء في القلب يطمئ ّ
أصفيائه .
وقد ع ّد الصوليّين اللهام نوعا من أنواع الوحي إلى النبياء ،وفي كتاب التّقرير والتّحبير
عن اللهام من اللّه لرسوله :أنّه إلقاء معنًى في القلب بل واسطة عبارة الملك وإشارته
ن ذلك المعنى منه تعالى .
ن بخلق علمٍ ضروريّ أ ّ
مقرو ٍ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الوسوسة :
ب نشأ من الشّيطان له .
- 2الوسوسة :إلقاء معنًى في النّفس بمباشرة سب ٍ
ب -التّحرّي :
- 3التّحرّي فيه بذل جهدٍ وإعمال فكرٍ ،أمّا اللهام فيقع بل كسبٍ .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
- 4يتّفق الصوليّون على أنّ اللهام من اللّه تعالى لنبيائه حقّ ،وهو بالنّسبة للنّبيّ صلى ال
عليه وسلم حجّة في حقّه ،كذلك هو في حقّ أمّته ،ويكفر منكر حقيقته ،ويفسق تارك العمل
به كالقرآن .
أمّا إلهام غير النبياء من المسلمين ،فإنّه ليس بحجّةٍ ،لنّ من ليس معصوما ل ثقة بخواطره
لنّه ل يأمن من دسيسة الشّيطان فيها ،وهو قول جمهور أهل العلم ،وهو المختار عند
الحنفيّة ،ول عبرة بما قاله قوم من الصّوفيّة بأنّه حجّة في الحكام .
وقيل :هو حجّة على الملهم ل على غيره ،إذا لم يكن له معارض من نصّ أو اجتهادٍ أو
خاطرٍ آخر ،وهذا ذكره غير واحدٍ ،فيجب العمل به في حقّ الملهم ،ول يجوز أن يدعو
صبّاغ من الشّافعيّة .
غيره إليه .واعتمده المام الرّازيّ في أدلّة القبلة ،وابن ال ّ
وهل هو في حقّ النبياء من الوحي الظّاهر أم الوحي الباطن خلف بين الصوليّين .
أولو الرحام *
انظر :أرحام .
أولو المر *
التّعريف :
" - 1أولو " من اللفاظ الملزمة للضافة نحو :أولو الرّأي ،أي أصحاب الرّأي ،وهو اسم
جمعٍ واحده " ذو " وليس له مفرد من لفظه .
والمر في اللّغة :يكون بمعنى :طلب الفعل على طريق الستعلء ،وجمعه أوامر ،ويكون
بمعنى :الشّأن والحال ،وجمعه أمور .
وأولو المر :الرّؤساء والعلماء .وقد ورد في أولي المر قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا
أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي المر منكم } .
- 2وأصحّ القوال الواردة في المراد بأولي المر قولن :
ضحّاك ،
الوّل :أهل القرآن والعلم وهو اختيار مالكٍ ،ونحوه قول ابن عبّاسٍ ،وال ّ
ن أصل المر منهم والحكم
ومجاهدٍ ،وعطاءٍ قالوا :هم الفقهاء والعلماء في الدّين .ذلك ل ّ
إليهم .
الثّاني :قال الطّبريّ عنه :هو أولى القوال بالصّواب :هم المراء والولة ،لصحّة الخبار
عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالمر بطاعة الئمّة والولة ،فيما كان للّه طاعةً
وللمسلمين مصلح ًة .
ويشمل أمراء المسلمين في عهد الرّسول صلى ال عليه وسلم وبعده ،ويندرج فيهم الخلفاء
والسّلطين والمراء ،والقضاة وغيرهم ممّن له ولية عامّة .
ن منهم أمراء السّرايا ،وروي ذلك عن أبي هريرة وميمون بن مهران وابن أبي حاتمٍ
كما أ ّ
س.
س ّديّ ،وأخرجه ابن عساكر عن ابن صالحٍ عن ابن عبّا ٍ
عن ال ّ
ن للمراء تدبير
هذا ،وقد حمله كثير من العلماء على ما يعمّ الجميع ،لتناول السم لهم ،ل ّ
الجيش ،والقتال ،وللعلماء حفظ الشّريعة وبيان ما يجوز ممّا ل يجوز .
اللفاظ ذات الصّلة :
أولياء المور :
- 3يشمل أولياء المور كلّ من له ولية على غيره ،سواء أكانت عا ّمةً أم خاصّةً ،ومن
ي اليتيم ،والقيّم على المجنون ،ووليّ المرأة في الزّواج ،فضلً عمّن سبق ذكرهم من
ذلك ول ّ
أصحاب الولية العامّة من الخليفة فمن دونه .
الشّروط المعتبرة في أولي المر إجمالً :
- 4يشترط فيمن يولّى الخلفة -وهي أعلى درجات أولي المر : -السلم ،والحرّيّة ،
والبلوغ ،والعقل ،والذّكورة ،والعلم ،والعدالة بشروطها الجامعة ،والكفاية .
فالعلم يقصد به :العلم المؤدّي إلى التّصرّف المشروع في المور العامّة .والعدالة يقصد بها
هاهنا :الستقامة في السّيرة والتّجنّب للمعاصي .
ل بحمل النّاس
والكفاية يقصد بها :أن يكون قادرا على إقامة الحدود ،بصيرا بالحروب ،كفي ً
ح معها مباشرة ما يدرك بها ،
س كالسّمع والبصر واللّسان ،ليص ّ
عليها ،مع سلمة الحوا ّ
والمقصود سلمتها ممّا يؤثّر في الرّأي والعقل ،ومن سلمة العضاء من نقصٍ يمنع عن
استيفاء الحركة وسرعة النّهوض ،والمقصود سلمتها ممّا يؤثّر في الرّأي والعمل ،ويكون
متّصفا بالشّجاعة والنّجدة المؤدّية إلى حماية البيضة ،وجهاد العدوّ ،وأن يكون ذا رأيٍ يؤهّله
لسياسة الرّعيّة ،وتدبير المصالح ،قيّما بأمر الحرب والسّياسة .وإقامة الحدود ل تلحقه رأفة
في ذلك .
أمّا من دون الخليفة من أولي المر فلهم شروط أقلّ ممّا ذكر ،بحسب ما يلونه من أمور
المسلمين ،وتعرف في أبواب القضاء والجهاد ونحوهما .ومرجعها إلى توافر القوّة والمانة .
قال اللّه تعالى {:إنّ خير من استأجرت القويّ المين } .
-ما يجب لولي المر على الرّعيّة : 5
ألية *
التّعريف :
- 1اللية :هي العجيزة ،أو ما ركب العجز من لح ٍم وشحمٍ .
ول يختلف المعنى عند الفقهاء عن ذلك ،فقد قالوا :إنّها اللّحم النّاتئ بين الظّهر والفخذ .
والفخذ يلي الرّكبة ،وفوقه الورك ،وفوقه اللية .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
- 2يتعلّق باللية عدّة أحكامٍ في مواضع متفرّق ٍة من أبواب الفقه منها :
ن المتوضّئ إذا نام ومكّن أليته من الرض
أ -في نواقض الوضوء :يرى الحنفيّة والشّافعيّة أ ّ
فل ينتقض وضوءه ،لمن خروج ما ينتقض به وضوءه .
ولم يعتبر المالكيّة هيئة النّائم ،بل المعتبر عندهم صفة النّوم وحدها ثقلً أو خ ّفةً ،والحنابلة
ينظرون إلى صفة النّوم وهيئة النّائم معا ،فمتى كان النّائم ممكّنا مقعدته من الرض فل
ل النّوم الكثير .
ينقض إ ّ
ب -في الضحيّة :يختلف الفقهاء في إجزاء الشّاة إن كانت دون ألي ٍة ،وتسمّى البتراء أو
مقطوعة الذّنب ،ولهم في ذلك أربعة أقوالٍ :
الوّل :عدم الجزاء مطلقا ،وهو قول المالكيّة .
الثّاني :الجزاء إن كانت مخلوق ًة دون أليةٍ ،أمّا مقطوعة اللية فإنّها ل تجزئ ،وهو
الصحّ عند الشّافعيّة .
الثّالث :التّفريق بين ما إذا قطع الكثر أو القلّ ،فإن قطع الكثر تجزئ ،وتجزئ إن بقي
الكثر ،لنّ للكثر حكم الكلّ بقا ًء وذهابا ،وهو قول الحنفيّة .
الرّابع :الجزاء مطلقا .وهو قول الحنابلة .وممّن كان ل يرى بأسا بالبتراء :ابن عمر
وسعيد بن المسيّب والحسن وسعيد بن جبيرٍ والحكم .
ن لها حدّا تنتهي إليه .
ج -وفي الجناية على اللية عمدا القصاص عند جمهور الفقهاء ،ل ّ
وقال المزنيّ :ل قصاص فيها ،لنّها لحم متّصل بلحمٍ ،فأشبه لحم الفخذ .
فإن كانت الجناية خطأً ففي اللية نصف دي ٍة وفي الليتين الدّية الكاملة عند أغلب الفقهاء .
ل ،سواء أكانت ألية رجلٍ أم ألية امرأ ٍة ،هذا باستثناء
وقال المالكيّة :في اللية حكومة عد ٍ
أشهب ،فإنّه فرّق بين ألية الرّجل وألية المرأة ،فأوجب في الولى حكوم ًة ،وفي الثّانية الدّية
،لنّها أعظم على المرأة من ثديها .
وبالضافة إلى المواضع السّابقة يتكلّم الفقهاء عنها عند الفتراش في قعدات الصّلة ،وعند
التّورّك .وفي تكفين الميّت يتكلّمون عن شدّ الليين غرفة بعد وضع قطنٍ بينهما ،ليؤمن من
خروج شي ٍء من الميّت .
أليّة *
انظر :أيمان .
إماء *
انظر :رقّ .
أمارة *
التّعريف :
- 1المارة لغةً :العلمة .
ظّنيّ ،وهو ما يمكن التّوصّل بصحيح النّظر فيه إلى مطلوبٍ
وهي عند الصوليّين :الدّليل ال ّ
خبريّ ظ ّنيّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الدّليل :
ي قطعيّ أو ظنّيّ .وقد
ب خبر ّ
- 2الدّليل :هو ما يتوصّل بصحيح النّظر فيه إلى مطلو ٍ
يخصّ بالقطعيّ .
ب -العلمة :
ن المارة ليست
- 3الدّليل الظّ ّنيّ يسمّى أمارةً وعلم ًة ،إلّ أنّ الحنفيّة اصطلحوا على أ ّ
بشهرة العلمة ،بل العلمة أشهر .والعلمة ل تنفكّ عن الشّيء ،بخلف المارة .
ج -الوصف المخيّل :
- 4الوصف المخيّل يفيد الظّنّ الضّعيف ،أمّا المارة فإنّها تفيد الظّنّ القويّ .
د -القرينة :
- 5القرينة كثيرا ما تطلق على المارة ،والعكس كذلك ،غير أنّ القرينة قد تكون قاطع ًة .
الحكم الجماليّ :
- 6عند الصوليّين ما ليس عليه دللة قاطعة ،بل عليه أمارة فقط كخبر الواحد والقياس ،
فالواجب على المجتهد أن يعمل بموجب هذا الظّنّ الّذي ثبت عنده بهذه المارة ،وهذا بخلف
ن ظنّه ل يصير وسيلةً إلى العلم .
المقلّد ،ل ّ
ويأخذ الفقهاء بالمارات ،ففي معرفة القبلة يستدلّون بهبوب الرّياح ،ومطالع النّجوم .
ن نبات شعر العانة الخشن أمارة على البلوغ ،وكذلك يرى
وفي البلوغ يرى أغلب الفقهاء أ ّ
البعض أنّ فرق أرنبة النف ،وغلظ الصّوت وشهود الثّدي ،ونتن البط ،أمارات على
البلوغ .
-7وفي القضاء :الحكم بالمارات محلّ خلفٍ بين الفقهاء ،منهم من يرى الحكم بها قولً
واحدا عملً بقول اللّه سبحانه { :وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ } .روي أنّ إخوة يوسف لمّا
ب ،فاستدلّ بذلك
أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب ،تأمّله فلم يجد فيه خرقا ول أثر نا ٍ
على كذبهم .فاستدلّ الفقهاء بهذه الية على إعمال المارات في مسائل كثيرةٍ من الفقه .وقد
ن الباب المتمّم السّبعين من تبصرته في القضاء بما يظهر من
خصّص العلمة ابن فرحو ٍ
سنّة ،وذكر ما
قرائن الحوال والمارات وحكم الفراسة ،وأيّد الحكم بها بأدلّ ٍة من الكتاب وال ّ
يربو عن ستّين مسألةً منها ما هو متّفق عليه ،ومنها ما تفرّد به بعضهم .والبعض ل يأخذ
س قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
بالقرائن ،مستدلّا بما أخرجه ابن ماجه عن ابن عبّا ٍ
وسلم « :لو كنت راجما أحدا بغير بيّن ٍة لرجمت فلنة ،فقد ظهر منها الرّيبة في منطقها
وهيئتها ومن يدخل عليها » .
والتّفصيل في مصطلح ( قرينة ) وفي الملحق الصوليّ .
إمارة *
التّعريف :
- 1المارة بالكسر ،والمرة :الولية ،يقال :أمر على القوم يأمر ،من باب قتل فهو أمير
.وأمر يأمر إمارةً وإمرةً :صار لهم أميرا .ويطلق على منصب المير ،وعلى جزءٍ من
الرض يحكمه أمير .
والصطلح الفقهيّ ل يخرج عن هذا المعنى في الجملة ،إلّ أنّ المارة تكون في المور
العامّة ،ول تستفاد إلّ من جهة المام ،أمّا الولية فقد تكون في المور العامّة ،وقد تكون
في المور الخاصّة ،وتستفاد من جهة المام أو من جهة الشّرع أو غيرهما ،كالوصيّة
بالختيار والوكالة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الخلفة :
- 2الخلفة في اللّغة :مصدر خلفه خلف ًة :أي بقي بعده ،أو قام مقامه .
وهي في الصطلح الشّرعيّ :منصب الخليفة .وهي رئاسة عامّة في الدّين والدّنيا نيابةً عن
النّبيّ صلى ال عليه وسلم وتسمّى أيضا المامة الكبرى .
ب -السّلطة :
- 3السّلطة هي :السّيطرة والتّمكّن والقهر والتّحكّم ،ومنه السّلطان وهو من له ولية التّحكّم
والسّيطرة في الدّولة ،فإن كانت سلطته قاصرةً على ناحيةٍ خاصّ ٍة فليس بخليفةٍ ،وإن كانت
عامّ ًة فهو الخليفة ،وقد وجدت في العصور السلميّة المختلفة خلفة بل سلطةٍ ،كما وقع في
أواخر عهد العبّاسيّين ،وسلطة بل خلف ٍة كما وقع في عهد المماليك .
تقسيم المارة ،وحكمها التّكليفيّ :
- 4تنقسم المارة إلى عامّ ٍة وخاصّةٍ :أمّا العامّة فالمراد بها الخلفة أو المامة الكبرى ،
وهي فرض كفايةٍ ،وينظر تفصيل أحكامها في مصطلح ( إمامة كبرى ) .
ن من فروض الكفاية دون غيره ،كالقضاء
وأمّا المارة الخاصّة :فهي لقامة فرضٍ معيّ ٍ
والصّدقات والجند إذا دعت الحاجة إلى ذلك التّخصيص .
وقد يكون التّخصيص مكانيّا ،كالمارة على بلدٍ أو إقليمٍ خاصّ .كما يكون زمانيّا ،كأمير
الحاجّ ونحوه .والمارة الخاصّة من المصالح العامّة للمسلمين والمنوطة بنظر المام .
« وكان الرّسول صلى ال عليه وسلم ينيب عنه عمّالً على القبائل والمدن » ،وفعل ذلك
الخلفاء الرّاشدون .وعدّها أصحاب كتب الحكام السّلطانيّة من المور اللّازمة على المام ،
فيجب عليه أن يقيم المراء على النّواحي والجيوش والمصالح المتعدّدة فيما ل يستطيع أن
يباشره بنفسه .
إمارة الستكفاء :
-هي :أن يفوّض المام باختياره إلى شخ صٍ إمارة بلدٍ أو إقلي مٍ وليةً على جم يع أهله 5
إمام *
انظر :إمامة .
إمامة الصّلة *
المامة الصّغرى
التّعريف :
- 1المامة في اللّغة :مصدر أمّ يؤمّ ،وأصل معناها القصد ،ويأتي بمعنى التّقدّم ،يقال :
أمّهم وأمّ بهم :إذا تقدّمهم .
وفي اصطلح الفقهاء تطلق المامة على معنيين :المامة الصّغرى ،والمامة الكبرى .
ويعرّفون المامة الكبرى بأنّها :استحقاق تص ّرفٍ عامّ على النام ( أي النّاس ) ،وهي رئاسة
عامّة في الدّين والدّنيا خلفةً عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ( .ر :إمامة كبرى ) .أمّا
ط بيّنها
المامة الصّغرى ( وهي إمامة الصّلة ) فهي ارتباط صلة المصلّي بمصلّ آخر بشرو ٍ
الشّرع .فالمام لم يصر إماما إلّ إذا ربط المقتدي صلته بصلته ،وهذا الرتباط هو حقيقة
المامة ،وهو غاية القتداء .
وعرّفها بعضهم بأنّها :كون المام متّبعا في صلته كلّها أو جزءٍ منها .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القدوة :
- 2القدوة اسم للقتداء أي :التّباع ،ويطلق على الشّخص المتبوع ،يقال :فلن قدوة أي
يقتدى به .
ب -القتداء والتّأسّي :
ل منهما بمعنى التّباع ،سواء كان ذلك في صل ٍة أو غيرها ،فالمأموم
- 3القتداء والتّأسّي ك ّ
يقتدي بالمام ويتأسّى به ،فيعمل مثل عمله ،ويطلق على المقتدى به أنّه قدوة وأسوة .
مشروعيّة المامة وفضلها :
- 4إمامة الصّلة تعتبر من خير العمال الّتي يتولّاها خير النّاس ذوو الصّفات الفاضلة من
العلم والقراءة والعدالة وغيرها كما سيأتي ،ول تتصوّر صلة الجماعة إلّ بها .
وصلة الجماعة من شعائر السلم ،ومن السّنن المؤكّدة الّتي تشبه الواجب في القوّة عند
أكثر الفقهاء ،وصرّح بعضهم بوجوبها ،وتفصيله في مصطلح ( :صلة الجماعة ) .
وقد صرّح جمهور الفقهاء ،ومنهم الحنفيّة ،وبعض المالكيّة ،وهو رواية في مذهب أحمد :
بأنّ المامة أفضل من الذان والقامة ،لمواظبة النّبيّ صلى ال عليه وسلم والخلفاء الرّاشدين
عليها ،ولهذا أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يقوم بها أعلم النّاس وأقرؤهم ،كما روي في
ي صلى ال عليه وسلم :إذا كانوا ثلث ًة فليؤمّهم
حديث أبي سعيدٍ الخدريّ .قال « :قال النّب ّ
أحدهم ،وأحقّهم أقرؤهم » .
ولمّا مرض النّبيّ عليه السلم اختار أفضل الصّحابة للمامة حيث قال « :مروا أبا بكرٍ
فليصلّ بالنّاس » ،ففهم الصّحابة من تقديمه في المامة الصّغرى استحقاقه المامة الكبرى .
ل آخر :الذان أفضل ،وهو قول بعض المالكيّة ،ومذهب الشّافعيّ ،ورواية في
وفي قو ٍ
مذهب أحمد ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :المام ضامن والمؤذّن مؤتمن ،اللّهمّ أرشد
الئمّة واغفر للمؤذّنين » والمانة أعلى من الضّمان ،والمغفرة أعلى من الرشاد .وقال
عمر رضي ال عنه " :لول الخلفة لذّنت ".
شروط المامة :
يشترط لصحّة المامة المور التّالية :
أ -السلم :
ح الصّلة
- 5اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في المام أن يكون مسلما .وعلى هذا ل تص ّ
خلف من هو كافر يعلن كفره ،أمّا إذا صلّى خلف من ل يعلم كفره ،ث ّم تبيّن أنّه كافر ،فإنّ
الحنفيّة والحنابلة قالوا :إذا أمّهم زمانا على أنّه مسلم ،ثمّ ظهر أنّه كان كافرا ،فليس عليهم
إعادة الصّلة ،لنّها كانت محكوما بصحّتها ،وخبره غير مقبولٍ في الدّيانات لفسقه باعترافه
.
ن المأموم
وقال الشّافعيّة :لو بان إمامه كافرا معلنا ،وقيل :أو مخفيا ،وجبت العادة ،ل ّ
ن الصحّ عدم وجوب العادة إذا كان المام مخفيا
مقصّر بترك البحث .وقال الشّربينيّ :إ ّ
كفره .ومثله مذهب المالكيّة حيث قالوا :تبطل الصّلة بالقتداء بمن كان كافرا ،سواء أكانت
س ّريّ ًة أم جهريّةً ،وسواء أطالت مدّة صلته إماما بالنّاس أم ل .وصرّح الحنابلة ،وهو
رواية عند المالكيّة ،بعدم جواز إمامة الفاسق ،وهو الّذي أتى بكبيرةٍ كشارب خمرٍ وزانٍ
وآكل الرّبا ،أو داوم على صغيرةٍ .لكنّ الحنفيّة والشّافعيّة ذهبوا إلى جواز إمامة الفاسق مع
الكراهة ،وهذا هو المعتمد عند المالكيّة إذا لم يتعلّق فسقه بالصّلة ،وإلّ بطلت عندهم كقصده
الكبر بالمامة ،وإخلله بركنٍ أو شرطٍ أو سنّةٍ عمدا .وفي صلة الجمعة والعيدين جاز
إمامة الفاسق بغير كراهةٍ ،مع تفصيلٍ ينظر في مواضعه .
ب -العقل :
- 6يشترط في المام أن يكون عاقلً ،وهذا الشّرط أيضا متّفق عليه بين الفقهاء ،فل تصحّ
إمامة السّكران ،ول إمامة المجنون المطبق ،ول إمامة المجنون غير المطبق حال جنونه ،
وذلك لعدم صحّة صلتهم لنفسهم فل تبنى عليها صلة غيرهم .
ح إمامته حال إفاقته .
ن ويفيق ،فتص ّ
أمّا الّذي يج ّ
ت -البلوغ :
- 7جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة -على أنّه يشترط لصحّة المامة في صلة
ض عندهم ،لما ورد عن
الفرض أن يكون المام بالغا ،فل تصحّ إمامة مم ّيزٍ لبالغٍ في فر ٍ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ل تقدّموا صبيانكم » ،ولنّها حال كمالٍ والصّبيّ ليس
ن المام ضامن وليس هو من أهل الضّمان ،ولنّه ل يؤمن معه الخلل
من أهلها ،ول ّ
ن صلة
سرّ .واستدلّوا كذلك على عدم صحّة إمامة الصّبيّ للبالغ في الفرض أ ّ
بالقراءة حال ال ّ
الصّبيّ نافلة فل يجوز بناء الفرض عليها .
ح إمامة المميّز للبالغ عند جمهور
أمّا في غير الفرض كصلة الكسوف أو التّراويح فتص ّ
الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة -لنّه ل يلزم منها بناء القويّ على
الضّعيف .والمختار عند الحنفيّة عدم جواز إمامة المميّز للبالغ مطلقا ،سواء أكانت في
الفرائض أم في النّوافل ،لنّ نفل الصّبيّ ضعيف لعدم لزومه بالشّروع ،ونفل المقتدي البالغ
قويّ لزم مضمون عليه بعد الشّروع .ولم يشترط الشّافعيّة في المام أن يكون بالغا ،فتصحّ
إمامة المميّز للبالغ عندهم مطلقا ،سواء أكانت في الفرائض أم النّوافل ،
لحديث « عمرو بن سلمة أنّه كان يؤمّ قومه على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهو
ابن ستّ أو سبع سنين » لكنّهم قالوا :البالغ أولى من الصّبيّ ،وإن كان الصّبيّ أقرأ أو أفقه ،
لصحّة القتداء بالبالغ بالجماع ،ولهذا نصّ في البويطيّ على كراهة القتداء بالصّبيّ .أمّا
إمامة المميّز لمثله فجائزة في الصّلوات الخمس وغيرها عند جميع الفقهاء .
ث -الذّكورة :
ح إمامة المرأة للرّجال ،وهذا متّفق
- 8يشترط لمامة الرّجال أن يكون المام ذكرا ،فل تص ّ
ن من
عليه بين الفقهاء ،لما ورد في الحديث أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :أخّروه ّ
ن اللّه » والمر بتأخيرهنّ نهي عن الصّلة خلفهنّ .ولما روى جابر مرفوعا « :
حيث أخّره ّ
ل تؤ ّمنّ امرأة رجلً » ولنّ في إمامتها للرّجال افتتانا بها .
أمّا إمامة المرأة للنّساء فجائزة عند جمهور الفقهاء -وهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم
واستدلّ الجمهور لجواز إمامة المرأة للنّساء بحديث « أمّ ورقة أ ّ
أذن لها أن تؤمّ نساء أهل دارها » .
ب أو مندوبٍ ،فإنّه يكره لهنّ
لكن كره الحنفيّة إمامتها لهنّ ،لنّها ل تخلو عن نقصٍ واج ٍ
ن .فإذا صلّت النّساء صلة الجماعة بإمامة
الذان والقامة ،ويكره تقدّم المرأة المام عليه ّ
امرأةٍ وقفت المرأة المام وسطهنّ .أمّا المالكيّة فل تجوز إمامة المرأة عندهم مطلقا ولو لمثلها
في فرضٍ أو نفلٍ .ول تصحّ إمامة الخنثى للرّجال ول لمثلها بل خلفٍ ،لحتمال أن تكون
امرأةً والمقتدي رجلً ،وتصحّ إمامتها للنّساء مع الكراهة أو بدونها عند جمهور الفقهاء ،
خلفا للمالكيّة حيث صرّحوا بعدم جوازها مطلقا .
ج -القدرة على القراءة :
-9يشترط في المام أن يكون قادرا على القراءة وحافظا مقدار ما يتوقّف عليه صحّة الصّلة
على تفصيلٍ يذكر في مصطلح ( قراءة ) .
ح إمامة ال ّميّ
وهذا الشّرط إنّما يعتبر إذا كان بين المقتدين من يقدر على القراءة ،فل تص ّ
للقارئ ،ول إمامة الخرس للقارئ أو ال ّميّ ،لنّ القراءة ركن مقصود في الصّلة ،فلم
ح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه ،ولنّ المام ضامن ويتحمّل القراءة عن المأموم ،ول
يص ّ
يمكن ذلك في ال ّميّ ،ولتفصيل المسألة ( ر :اقتداء ) .
أمّا إمامة المّيّ لل ّميّ والخرس فجائزة ،وهذا متّفق عليه بين الفقهاء .
هذا ،وتكره إمامة الفأفاء ( وهو من يكرّر الفاء ) والتّمتام ( وهو من يكرّر التّاء ) واللّاحن
لحنا غير مغيّرٍ للمعنى عند الشّافعيّة والحنابلة .وقال الحنفيّة :الفأفأة ،والتّمتمة ،واللّثغة
( وهي تحرّك اللّسان من السّين إلى الثّاء ،أو من الرّاء إلى الغين ونحوه ) تمنع من المامة .
وعند المالكيّة في جواز إمامة هؤلء وأمثالهم خلف .
ح -السّلمة من العذار :
- 10يشترط في المام إذا كان يؤمّ الصحّاء أن يكون سالما من العذار ،كسلس البول
وانفلت الرّيح والجرح السّائل والرّعاف ،وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ،وهو رواية عند
الشّافعيّة ،لنّ أصحاب العذار يصلّون مع الحدث حقيقةً ،وإنّما تجوز صلتهم لعذرٍ ،ول
ن المام ضامن ،بمعنى أنّ صلته تضمن صلة
يتعدّى العذر لغيرهم لعدم الضّرورة ،ول ّ
المقتدي ،والشّيء ل يضمن ما هو فوقه .
ول يشترط في المشهور عند المالكيّة -وهو الصحّ عند الشّافعيّة -السّلمة من العذر لصحّة
ق صاحبها عفي عنها في حقّ غيره .
ن الحداث إذا عفي عنها في ح ّ
المامة ،ل ّ
وأمّا إمامة صاحب العذر لمثله فجائزة باتّفاق الفقهاء مطلقا ،أو إن اتّحد عذرهما ( ر :اقتداء
).
خ -القدرة على توفية أركان الصّلة :
- 11يشترط في المام أن يكون قادرا على توفية الركان ،وهذا إذا كان يصلّي بالصحّاء ،
فمن يصلّي باليماء ركوعا أو سجودا ل يصحّ أن يصلّي بمن يقدر عليهما عند جمهور الفقهاء
( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) خلفا للشّافعيّة فإنّهم أجازوا ذلك قياسا على صحّة إمامة
المستلقي أو المضطجع للقاعد .
ن فيه بناء القويّ
واختلفوا في صحّة إمامة القاعد للقائم ،فالمالكيّة والحنابلة ل يجوّزونها ،ل ّ
على الضّعيف ،واستثنى الحنابلة إمام الحيّ إذا كان مرضه ممّا يرجى زواله ،فأجازوا إمامته
،واستحبّوا له إذا عجز عن القيام أن يستخلف ،فإن صلّى بهم قاعدا صحّ .والشّافعيّة يقولون
ي صلى ال عليه وسلم « صلّى آخر
ن النّب ّ
بالجواز ،وهو قول أكثر الحنفيّة ،لحديث عائشة أ ّ
صلةٍ صلّاها بالنّاس قاعدا ،والقوم خلفه قيام » .
أمّا إمامة العاجز عن توفية الركان لمثله فجائزة باتّفاق الفقهاء ،وللتّفصيل ( ر :اقتداء ) .
د -السّلمة من فقد شرطٍ من شروط الصّلة :
- 12يشترط في المام السّلمة من فقد شرطٍ من شروط صحّة الصّلة كالطّهارة من حدثٍ أو
خبثٍ ،فل تصحّ إمامة محدثٍ ول متنجّسٍ إذا كان يعلم ذلك ،لنّه أخلّ بشرطٍ من شروط
الصّلة مع القدرة على التيان به ،ول فرق بين الحدث الكبر والصغر ،ول بين نجاسة
الثّوب والبدن والمكان .
ن علم المقتدي بحدث المام بعد الصّلة مغتفر ،وقال الحنفيّة :
وصرّح المالكيّة والشّافعيّة أ ّ
من اقتدى بإمامٍ ث ّم علم أنّ إمامه محدث أعاد لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من أ ّم قوما
ثمّ ظهر أنّه كان محدثا أو جنبا أعاد صلته » .
وفصّل الحنابلة فقالوا :لو جهله المأموم وحده وعلمه المام يعيدون كلّهم ،أمّا إذا جهله المام
والمأمومون كلّهم حتّى قضوا الصّلة صحّت صلة المأموم وحده ،لقوله صلى ال عليه وسلم
« :إذا صلّى الجنب بالقوم أعاد صلته وتمّت للقوم صلتهم » .وتفصيله في مصطلح :
( طهارة ) .
ذ -ال ّنيّة :
- 13يشترط في المام عند الحنابلة نيّة المامة ،فإنّهم قالوا :من شرط صحّة الجماعة :أن
ينوي المام أنّه إمام وينوي المأموم أنّه مأموم .ولو أحرم منفردا ثمّ جاء آخر فصلّى معه ،
س أنّه قال « :بتّ عند خالتي ميمونة ،فقام
ح في النّفل ،لحديث ابن عبّا ٍ
فنوى إمامته ص ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم متطوّعا من اللّيل ،فقام إلى القربة فتوضّأ ،فقام فصلّى ،فقمت لمّا
رأيته صنع ذلك ،فتوضّأت من القربة ،ث ّم قمت إلى شقّه اليسر ،فأخذ بيدي من وراء ظهره
شقّ اليمن » .
يعدلني كذلك إلى ال ّ
أمّا في الفرض فإن كان ينتظر أحدا ،كإمام المسجد يحرم وحده ،وينتظر من يأتي فيصلّي
معه ،فيجوز ذلك أيضا .
ن الفرض كالنّفل في صحّة صلة من أحرم منفردا ثمّ نوى أن يكون إماما
واختار ابن قدامة أ ّ
ن ،وهذا في
.وقال الحنفيّة :نيّة الرّجل المامة شرط لصحّة اقتداء النّساء إن كنّ وحده ّ
صلةٍ ذات ركوعٍ وسجودٍ ،ل في صلة الجنازة ،لما يلزم من الفساد بمحاذاة المرأة له لو
ح صلته ول تصحّ
حاذته ،وإن لم ينو إمامة المرأة ونوت هي القتداء به لم تضرّه ،فتص ّ
ن الشتراك ل يثبت دون ال ّنيّة .
صلتها ،ل ّ
ول يشترط نيّة المام المامة عند المالكيّة والشّافعيّة ،إلّ في الجمعة والصّلة المعادة
ب عندهم للمام أن ينوي المامة في سائر الصّلوات
والمنذورة عند الشّافعيّة ،لكنّه يستح ّ
للخروج من خلف الموجب لها ،وليحوز فضيلة المامة وصلة الجماعة .
الحقّ بالمامة :
- 14وردت في ذلك الحاديث التّالية :عن أبي سعيدٍ قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم « :إذا كانوا ثلث ًة فليؤمّهم أحدهم ،وأحقّهم بالمامة أقرؤهم » رواه أحمد ومسلم
والنّسائيّ .وعن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
« يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه ،فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسّنّة ،فإن كانوا في
ن الرّجل الرّجل
سنّة سواءً فأقدمهم هجرةً ،فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سنّا ،ول يؤمّ ّ
ال ّ
في سلطانه ،ول يقعد في بيته على تكرمته إلّ بإذنه » .
ض فهو
- 15اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اجتمع قوم وكان فيهم ذو سلطانٍ ،كأميرٍ ووالٍ وقا ٍ
أولى بالمامة من الجميع حتّى من صاحب المنزل وإمام الحيّ ،وهذا إذا كان مستجمعا
لشروط صحّة الصّلة كحفظ مقدار الفرض من القراءة والعلم بأركان الصّلة ،حتّى ولو كان
ن ابن عمر كان يصلّي خلف
بين القوم من هو أفقه أو أقرأ منه ،لنّ وليته عامّة ،ول ّ
ن يقدّم صاحب المنزل ،ويقدّم إمام الحيّ وإن كان غيره
الحجّاج .وإن لم يكن بينهم ذو سلطا ٍ
أفقه أو أقرأ أو أورع منه ،إن شاء تقدّم وإن شاء قدّم من يريده .لكنّه يستحبّ لصاحب
المنزل أن يأذن لمن هو أفضل منه .
واتّفقوا كذلك على أنّ بناء أمر المامة على الفضيلة والكمال ،ومن استجمع خصال العلم
وقراءة القرآن والورع وكبر السّنّ وغيرها من الفضائل كان أولى بالمامة .
ول خلف في تقديم العلم والقرأ على سائر النّاس ،ولو كان في القوم من هو أفضل منه
سنّ وسائر الوصاف .
في الورع وال ّ
ن العلم بأحكام الفقه أولى بالمامة
وجمهور الفقهاء ( :الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) على أ ّ
من القرأ ،لحديث « :مروا أبا بكرٍ فليصلّ بالنّاس » وكان ثمّة من هو أقرأ منه ،ل أعلم
منه ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أقرؤكم أبيّ » ،ولقول أبي سعيدٍ ":كان أبو بك ٍر أعلمنا
ن الحاجة
" ،وهذا آخر المرين من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فيكون المعوّل عليه .ول ّ
ن واحدٍ ،والفقه يحتاج
إلى الفقه أهمّ منها إلى القراءة ،لنّ القراءة إنّما يحتاج إليها لقامة رك ٍ
إليه لجميع الركان والواجبات والسّنن .
ن أقرأ النّاس أولى بالمامة ممّن هو
وقال الحنابلة ،وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة :إ ّ
أعلمهم ،لحديث أبي سعيدٍ قال :قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا كانوا ثلثة فليؤمّهم
أحدهم ،وأحقّهم بالمامة أقرؤهم » ولنّ القراءة ركن ل بدّ منه ،والحاجة إلى العلم إذا
عرض عارض مفسد ليمكنه إصلح صلته ،وقد يعرض وقد ل يعرض .
- 16أمّا إذا تفرّقت خصال الفضيلة من العلم والقراءة والورع وكبر السّنّ وغيرها في
أشخاصٍ فقد اختلفت أقوال الفقهاء .فمنهم من قدّم العلم على القرأ ،وقالوا :إنّما أمر النّبيّ
ن أصحابه كان أقرؤهم أعلمهم ،فإنّهم كانوا إذا تعلّموا
صلى ال عليه وسلم بتقديم القارئ ،ل ّ
القرآن تعلّموا معه أحكامه ،وهذا قول جمهور الفقهاء .والصل في أولويّة المامة حديث أبي
ن النّبيّ عليه السلم قال « :يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه ،فإن كانوا في
مسعودٍ النصاريّ أ ّ
سنّة سوا ًء فأقدمهم هجر ًة ،فإن كانوا في الهجرة
سنّة ،فإن كانوا في ال ّ
القراءة سوا ًء فأعلمهم بال ّ
سوا ًء فأقدمهم سنّا » .
- 17وفي ترتيب الولويّة في المامة بعد الستواء في العلم والقراءة ،قال الحنفيّة والشّافعيّة
:يقدّم أورعهم أي الكثر اتّقا ًء للشّبهات ،لقوله عليه الصلة والسلم « :من صلّى خلف
سنّة نسخ
ن الهجرة المذكورة بعد القراءة والعلم بال ّ
ي فكأنّما صلّى خلف نبيّ » ول ّ
عالمٍ تق ّ
وجوبها بحديث « :ل هجرة بعد الفتح » فجعلوا الورع -وهو هجر المعاصي -مكان تلك
الهجرة .
ومثله ما صرّح به المالكيّة حيث قالوا :الولويّة بعد العلم والقرأ للكثر عباد ًة .ثمّ إن
استووا في الورع يقدّم عند الجمهور القدم إسلما ،فيقدّم شابّ نشأ في السلم على شيخٍ
أسلم حديثا .أمّا لو كانوا مسلمين من الصل ،أو أسلموا معا فإنّه يقدّم الكبر سنّا ،لقوله
ن يكون أخشع قلبا عاد ًة ،وفي
ن الكبر في السّ ّ
عليه السلم « :وليؤمّكما أكبركما سنّا » .ول ّ
تقديمه كثرة الجماعة .
- 18فإن استووا في الصّفات والخصال المتقدّمة من العلم والقراءة والورع والسّنّ ،قال
الحنفيّة يقدّم الحسن خلقا ،لنّ حسن الخلق من باب الفضيلة ،ومبنى المامة على الفضيلة ،
فإن كانوا فيه سوا ًء فأحسنهم وجها ،لنّ رغبة النّاس في الصّلة خلفه أكثر ،ث ّم الشرف
نسبا ،ثمّ النظف ثوبا .فإن استووا يقرع بينهم .
وقال المالكيّة :يقدّم بعد السنّ الشرف نسبا ،ثمّ الحسن صورةً ،ثمّ الحسن أخلقا ،ثمّ
الحسن ثوبا .
ت ،وطيّب
والشّافعيّة كالمالكيّة في تقديم الشرف نسبا ،ثمّ النظف ثوبا وبدنا ،وحسن صو ٍ
صفةٍ وغيرها ،ثمّ يقرع بينهم .أمّا الحنابلة فقد صرّحوا أنّه إن استووا في القراءة والفقه
فأقدمهم هجر ًة ،ثمّ أسنّهم ،ثمّ أشرفهم نسبا ،ثمّ أتقاهم وأورعهم ،فإن استووا في هذا كلّه
أقرع بينهم .ول يقدّم بحسن الوجه عندهم ،لنّه ل مدخل له في المامة ،ول أثر له فيها .
وهذا التّقديم إنّما هو على سبيل الستحباب وليس على سبيل الشتراط ول اليجاب ،فلو قدّم
صحّة ،لكن مع الكراهة عند الحنابلة .
المفضول كان جائزا اتّفاقا ما دام مستجمعا شرائط ال ّ
والمقصود بذكر هذه الوصاف وربط الولويّة بها هو كثرة الجماعة ،فكلّ من كان أكمل فهو
أفضل ،لنّ رغبة النّاس فيه أكثر .
اختلف صفة المام والمقتدي :
- 19الصل أنّ المام إذا كان أقوى حالً من المقتدي أو مساويا له صحّت إمامته اتّفاقا ،أمّا
إذا كان أضعف حالً ،كأن كان يصلّي نافلةً والمقتدي يصلّي فريض ًة ،أو كان المام معذورا
والمقتدي سليما ،أو كان المام غير قادرٍ على القيام مثلً والمقتدي قادرا ،فقد اختلفت آراء
الفقهاء ،وإجمالها فيما يأتي :
أ ّولً :تجوز إمامة الماسح للغاسل وإمامة المسافر للمقيم اتّفاقا ،وتجوز إمامة المتيمّم
للمتوضّئ عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، -وقيّد الشّافعيّة هذا الجواز بما
إذا لم تجب على المام العادة .
ثانيا :جمهور الفقهاء على عدم جواز إمامة المتنفّل للمفترض ،والمفترض للّذي يؤدّي فرضا
آخر ،وعدم إمامة الصّبيّ للبالغ في فرضٍ ،وإمامة المعذور للسّليم ،وإمامة العاري للمكتسي
ف وتفصيلٍ في بعض الفروع ،أمّا
ن للقادر عليه ،مع خل ٍ
،وإمامة العاجز عن توفية رك ٍ
إمامة هؤلء لمثالهم فجائزة باتّفاق الفقهاء .وللتّفصيل يرجع إلى بحث ( :اقتداء ) .
موقف المام :
ن المام يتقدّمهم في الموقف ،لفعل رسول اللّه
- 20إذا كان يصلّي مع المام اثنان أو أكثر فإ ّ
صلى ال عليه وسلم وعمل المّة بذلك .وقد روي أنّ « جابرا وجبّارا وقف أحدهما عن يمين
النّبيّ صلى ال عليه وسلم والخر عن يساره ،فأخذ بأيديهما حتّى أقامهما خلفه » .ولنّ
المام ينبغي أن يكون بحالٍ يمتاز بها عن غيره ،ول يشتبه على الدّاخل ليمكنه القتداء به .
سنّة .ويرى الحنابلة بطلن
صفّ أو في ميسرته جاز مع الكراهة لتركه ال ّ
ولو قام في وسط ال ّ
صلة من يقف على يسار المام ،إذا لم يكن أحد عن يمينه .
ي يعقل الصّلة وقف المام عن يساره والمأموم عن
ولو كان مع المام رجل واحد أو صب ّ
ي صلى ال عليه وسلم فأداره إلى
س « أنّه وقف عن يسار النّب ّ
يمينه ،لما روي عن ابن عبّا ٍ
يمينه » .ويندب في هذه الحالة تأخّر المأموم قليلً خوفا من التّقدّم .ولو وقف المأموم عن
يساره أو خلفه جاز مع الكراهة إلّ عند الحنابلة فتبطل على ما سبق .
ن من حيث أخّرهنّ اللّه » .
ولو كان معه امرأة أقامها خلفه ،لقوله عليه السلم « :أخّروه ّ
ولو كان معه رجل وامرأة أقام الرّجل عن يمينه والمرأة خلفه ،وإن كان رجلن وامرأة أقام
الرّجلين خلفه والمرأة وراءهما .
سنّة أن تقف المرأة الّتي تؤ ّم النّساء وسطهنّ ،لما روي أنّ عائشة وأ ّم سلمة أمّتا
-21وال ّ
نساءً فقامتا وسطهنّ وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
أمّا المالكيّة فقد صرّحوا بعدم جواز إمامتها ولو لمثلها ،في فريض ٍة كانت أو في نافلةٍ كما
تقدّم في شروط المامة .
- 22ول يجوز تأخّر المام عن المأموم في الموقف عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة
والحنابلة -لحديث « :إنّما جعل المام ليؤتمّ به » ومعنى الئتمام التّباع ،والمتقدّم غير تابعٍ
.وأجاز المالكيّة تأخّره في الموقف إذا أمكن للمأمومين متابعته في الركان ،لكنّهم صرّحوا
بكراهة تقدّم المقتدي على المام أو محاذاته له إلّ لضرورةٍ .والختيار في التّقدّم والتّأخّر
للقائم بالعقب ،وللقاعد باللية ،وللمضطجع بالجنب .
ل إذا أراد المام
- 23هذا ،ويكره أن يكون موقف المام عاليا عن موقف المقتدين اتّفاقا ،إ ّ
ن النّبيّ
ل عند الشّافعيّة ،لما روي « أ ّ
تعليم المأمومين ،فالسّنّة أن يقف المام في موضعٍ عا ٍ
صلى ال عليه وسلم فعل ذلك ثمّ قال { :أيّها النّاس :إنّما فعلت هذا لتأتمّوا بي ،ولتعلموا
صلتي » .أمّا إذا أراد المام بذلك الكبر فممنوع .ول بأس عند الحنابلة بالعل ّو اليسير ،
وقدّروه بمثل درجة المنبر .وقدّر الحنفيّة العلوّ المكروه بما كان قدر ذراعٍ على المعتمد .
ولتفصيل هذه المسائل يراجع مصطلح ( :صلة الجماعة ) ( واقتداء ) .
من تكره إمامتهم :
- 24إنّ بناء أمر المامة على الفضيلة والكمال ،فكلّ من كان أكمل فهو أفضل ،وإن تقدّم
المفضول على الفاضل جاز وكره وإذا أذن الفاضل للمفضول لم يكره ،وهذا القدر متّفق عليه
بين الفقهاء .وقد سبق بيانه في بحث الولويّة .
ثمّ قال الحنفيّة :يكره تقديم العبد لنّه ل يتفرّغ للتّعلّم ،والعرابيّ وهو من يسكن البادية لغلبة
الجهل عليه ،ويكره تقديم الفاسق لنّه ل يهتمّ بأمر دينه ،والعمى لنّه ل يتوقّى النّجاسة ،
كما يكره إمامة ولد الزّنى ،والمبتدع بدعةً غير مكفّرةٍ ،كذلك يكره إمامة أمرد وسفيهٍ
ج وأبرص شاع برصه .ولنّ في تقديم هؤلء تنفير الجماعة ،لكنّه إن تقدّموا جاز ،
ومفلو ٍ
لقوله عليه السلم « :صلّوا خلف ك ّل برّ وفاج ٍر » .
ي أفضل من
والكراهة في حقّهم لما ذكر من النّقائص ،فلو عدمت بأن كان العراب ّ
الحضريّ ،والعبد من الحرّ ،وولد الزّنى من ولد الرّشدة والعمى من البصير زالت الكراهة
.أمّا الفاسق والمبتدع فل تخلو إمامتهما عن الكراهة بحالٍ ،حتّى صرّح بعضهم بأنّ كراهة
تقديمهما كراهة تحريمٍ .
وقال المالكيّة :كره إمامة مقطوع اليد أو الرّجل والشلّ والعرابيّ لغيره وإن كان أقرأ ،
وكره إمامة ذي السّلس والقروح للصّحيح ،وإمامة من يكرهه بعض الجماعة ،فإن كرهه
الكلّ أو الكثر ،أو ذو الفضل منهم -وإن قلّوا -فإمامته حرام ،لقوله عليه السلم « :لعن
رسول اللّه ثلث ًة :رجل أمّ قوما وهم له كارهون » ...كما كره أن يجعل إماما راتبا كلّ من
الخصيّ أو المأبون أو القلف ( غير المختون ) أو ولد الزّنى ،أو مجهول الحال .
وقال الشّافعيّة :يكره إمامة الفاسق والقلف وإن كان بالغا ،كما يكره إمامة المبتدع ،ومن
يكرهه أكثر القوم لمرٍ مذمومٍ فيه شرعا ،والتّمتام والفأفاء ،واللّاحن لحنا غير مغيّرٍ للمعنى ،
ن العمى ل ينظر ما يشغله
لكن العمى والبصير سيّان في المامة ،لتعارض فضيلتهما ،ل ّ
فهو أخشع ،والبصير ينظر الخبث فهو أحفظ لتجنّبه .وإمامة الحرّ أولى من العبد ،والسّميع
أولى من الصمّ ،والفحل أولى من الخصيّ والمجبوب ،والقرويّ أولى من البدويّ .وقال
الحنابلة :تكره إمامة العمى والصمّ والّلحّان الّذي ل يحيل المعنى ،ومن يصرع ،ومن
اختلف في صحّة إمامته ،وكذا إمامة القلف وأقطع اليدين أو إحداهما ،أو الرّجلين أو
ل في دينه أو فضله .ول بأس
إحداهما ،والفأفاء والتّمتام ،وأن يؤمّ قوما أكثرهم يكرهه لخل ٍ
بإمامة ولد الزّنى واللّقيط والمنفيّ باللّعان والخصيّ والعرابيّ إذا سلم دينهم وصلحوا لها .
هذا ،والكراهة إنّما تكون فيما إذا وجد في القوم غير هؤلء ،وإلّ فل كراهة اتّفاقا .
ما يفعله المام قبل بداية الصّلة :
ن « بللً كان يستأذن النّبيّ صلى ال
- 25إذا أراد المام الصّلة يأذن للمؤذّن أن يقيمها ،فإ ّ
عليه وسلم للقامة » ،ويسنّ للمام أن يقوم للصّلة حين يقال ( حيّ على الفلح ) أو حين
قول المؤذّن ( :قد قامت الصّلة ) أو مع القامة أو بعدها بقدر الطّاقة على تفصيلٍ عند
الفقهاء ،وإذا كان مسافرا يخبر المأمومين بذلك ليكونوا على علمٍ بحاله ،ويصحّ أن يخبرهم
بعدم تمام الصّلة ليكملوا صلتهم .كما يسنّ أن يأمر بتسوية الصّفوف فيلتفت عن يمينه
وشماله قائلً :اعتدلوا وسوّوا صفوفكم ،لما روى محمّد بن مسلمٍ قال « :صلّيت إلى جانب
ن النّبيّ
أنس بن مالكٍ يوما فقال :هل تدري لم صنع هذا العود ؟ فقلت :ل واللّه .فقال :إ ّ
صلى ال عليه وسلم كان إذا قام إلى الصّلة أخذه بيمينه فقال :اعتدلوا وسوّوا صفوفكم ،ثمّ
أخذه بيساره وقال :اعتدلوا وسوّوا صفوفكم » ،وفي روايةٍ « :اعتدلوا في صفوفكم
وتراصّوا ،فإنّي أراكم من وراء ظهري » .
ما يفعله المام أثناء الصّلة :
أ -الجهر أو السرار بالقراءة :
- 26يجهر المام بالقراءة في الفجر والرّكعتين الوليين من المغرب والعشاء أدا ًء وقضاءً ،
وكذلك في الجمعة والعيدين والتّراويح والوتر بعدها .ويسرّ في غيرها من الصّلوات .
والجهر فيما يجهر فيه والمخافتة فيما يخافت فيه واجب على المام عند الحنفيّة ،وسنّة عند
غيرهم .وتفصيله في مصطلح ( :قراءة ) .
ب -تخفيف الصّلة :
ن للمام أن يخفّف في القراءة والذكار مع فعل البعاض والهيئات ،ويأتي بأدنى
- 27يس ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا صلّى أحدكم
الكمال ،لما روي عن أبي هريرة أ ّ
بالنّاس فليخفّف ،فإنّ فيهم السّقيم والضّعيف والكبير » ،ولحديث معاذٍ أنّه كان يطوّل بهم
القراءة ،فقال عليه الصلة والسلم « :أفتّان أنت يا معاذ ،صلّ بالقوم صلة أضعفهم » ،
ن المنع لجلهم ،وقد رضوا .
لكنّه إن صلّى بقومٍ يعلم أنّهم يؤثرون التّطويل لم يكره ،ل ّ
ويكره له السراع ،بحيث يمنع المأموم من فعل ما يسنّ له ،كتثليث التّسبيح في الرّكوع
والسّجود ،وإتمام ما يسنّ في التّشهّد الخير .
ج -النتظار للمسبوق :
ص داخلٍ وهو راكع ،ينتظره يسيرا ما لم يشقّ على من خلفه ،
س المام بشخ ٍ
- 28إن أح ّ
وهذا عند الحنابلة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،لنّه انتظار ينفع ول يشقّ ،فشرع كتطويل
ي صلى ال عليه وسلم كان يطيل الرّكعة الولى
ن النّب ّ
الرّكعة وتخفيف الصّلة ،وقد ثبت « أ ّ
حتّى ل يسمع وقع قدمٍ » .وكان ينتظر الجماعة فإن رآهم قد اجتمعوا عجّل ،وإذا رآهم قد
ح عند الشّافعيّة .
أبطئوا أخّر .ويكره ذلك عند الحنفيّة والمالكيّة ،وهو مقابل الص ّ
د -الستخلف :
- 29إذا حدث للمام عذر ل تبطل به صلة المأمومين يجوز للمام أن يستخلف غيره من
المأمومين لتكميل الصّلة بهم ،وهذا عند جمهور الفقهاء .
وفي كيفيّة الستخلف وشروطه وأسبابه تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( :استخلف ) .
ما يفعله المام عقب الفراغ من الصّلة :
- 30يستحبّ للمام والمأمومين عقب الصّلة ذكر اللّه والدّعاء بالدعية المأثورة ،منها ما
ل صلةٍ مكتوبةٍ :ل إله إلّ
رواه الشّيخان « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقول في دبر ك ّ
ل شي ٍء قدير ...إلخ » ،كما يستحبّ
اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على ك ّ
له إذا فرغ من الصّلة أن يقبل على النّاس بوجهه يمينا أو شمالً إذا لم يكن بحذائه أحد ،لما
روي عن سمرة قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا صلّى صل ًة أقبل علينا بوجهه » .
ويكره له المكث على هيئته مستقبل القبلة ،لما روي عن عائشة « أنّ النّبيّ صلى ال عليه
وسلم كان إذا فرغ من الصّلة ل يمكث في مكانه إلّ مقدار أن يقول :اللّهمّ أنت السّلم ومنك
ن المكث يوهم الدّاخل أنّه في الصّلة فيقتدي به
السّلم تباركت يا ذا الجلل والكرام » ،ول ّ
.كما يكره له أن يتنفّل في المكان الّذي أمّ فيه .
وإذا أراد النصراف فإن كان خلفه نساء استحبّ له أن يلبث يسيرا ،حتّى ينصرف النّساء ول
يختلطن بالرّجال ،لما روت أ ّم سلمة « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان إذا سلّم قام
النّساء حين يقضي سلمه ،فيمكث يسيرا قبل أن يقوم » .ثمّ ينصرف المام حيث شاء عن
يمينٍ وشمالٍ .
- 31ويستحبّ كذلك للمام المسافر إذا صلّى بمقيمين أن يقول لهم عقب تسليمه :أتمّوا
صلتكم فإنّا سفر ،لما روي عن عمران بن حصينٍ « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّى
بأهل مكّة ركعتين ،ثمّ قال لهم :صلّوا أربعا فإنّا سفر » .
هذا ،وقد فرّق الحنفيّة بين الصّلوات الّتي بعدها سنّة وبين الّتي ليست بعدها سنّة ،فقالوا :إن
كانت صلةً ل تصلّى بعدها سنّة ،كالفجر والعصر فإن شاء المام قام ،وإن شاء قعد يشتغل
بالدّعاء ،مغيّرا هيئته أو منحرفا عن مكانه .وإن كانت صلةً بعدها سنّة يكره له المكث
قاعدا ،ولكن يقوم ويتنحّى عن ذلك المكان ثمّ يتنفّل .
ووجه التّفرقة عندهم أنّ السّنن بعد الفرائض شرعت لجبر النّقصان ،ليقوم في الخرة مقام ما
ترك فيها لعذرٍ ،فيكره الفصل بينهما بمكثٍ طويلٍ ،ول كذلك الصّلوات الّتي ليست بعدها
سنّة .ولم يعثر على هذه التّفرقة في كتب غير الحنفيّة .
الجر على المامة :
- 32ذهب جمهور الفقهاء - :الشّافعيّة والحنابلة ،والمتقدّمون من الحنفيّة -إلى عدم جواز
الستئجار لمامة الصّلة ،لنّها من العمال الّتي يختصّ فاعلها بكونه من أهل القربة ،فل
يجوز الستئجار عليها كنظائرها من الذان وتعليم القرآن ،لقوله عليه الصلة والسلم « :
ن المام يصلّي لنفسه ،فمن أراد اقتدى به وإن لم ينو
اقرءوا القرآن ول تأكلوا به » .ول ّ
المامة ،وإن توقّف على نيّته شيء فهو إحراز فضيلة الجماعة ،وهذه فائدة تختصّ به .
ن العبد فيما يعمله من القربات والطّاعات عامل لنفسه ،قال سبحانه وتعالى { :من عمل
ول ّ
صالحا فلنفسه } ،ومن عمل لنفسه ل يستحقّ الجر على غيره .
وقال المالكيّة :جاز أخذ الجرة على الذان وحده أو مع صلةٍ ،وكره الجر على الصّلة
وحدها ،فرضا كانت أو نفلً من المصلّين .
والمفتى به عند متأخّري الحنفيّة جواز الستئجار لتعليم القرآن والفقه والمامة والذان ،
ويجبر المستأجر على دفع المسمّى بالعقد أو أجر المثل إذا لم تذكر مدّة .
واستدلّوا للجواز بالضّرورة ،وهي خشية ضياع القرآن لظهور التّواني في المور الدّينيّة
اليوم .وهذا كلّه في الجر .وأمّا الرّزق من بيت المال فيجوز على ما يتعدّى نفعه من هذه
المور بل خلفٍ ،لنّه من باب الحسان والمسامحة ،بخلف الجارة فإنّها من باب
ن بيت المال لمصالح المسلمين ،فإذا كان بذله لمن يتعدّى نفعه إلى المسلمين
المعاوضة ،ول ّ
محتاجا إليه كان من المصالح ،وكان للخذ أخذه ،لنّه من أهله وجرى مجرى الوقف على
من يقوم بهذه المصالح .
المامة الكبرى
التّعريف :
( - 1المامة ) :مصدر أمّ القوم وأ ّم بهم .إذا تقدّمهم وصار لهم إماما .والمام -وجمعه
ل من ائتمّ به قوم سواء أكانوا على صراطٍ مستقيمٍ :كما في قوله تعالى { :
أئمّة : -ك ّ
وجعلناهم أئمّ ًة يهدون بأمرنا } أم كانوا ضالّين كقوله تعالى { :وجعلناهم أئمّ ًة يدعون إلى
النّار ويوم القيامة ل ينصرون } .
ل من صار قدو ًة في فنّ من فنون العلم .فالمام أبو
ثمّ توسّعوا في استعماله ،حتّى شمل ك ّ
حنيفة قدوة في الفقه ،والمام البخاريّ قدوة في الحديث ...إلخ ،غير أنّه إذا أطلق ل
ينصرف إلّ إلى صاحب المامة العظمى ،ول يطلق على الباقي إلّ بالضافة ،لذلك عرّف
ل شخصٍ يقتدى به في الدّين .
الرّازيّ المام بأنّه :ك ّ
والمامة الكبرى في الصطلح :رئاسة عامّة في الدّين والدّنيا خلفةً عن النّبيّ صلى ال
عليه وسلم وسمّيت كبرى تمييزا لها عن المامة الصّغرى ،وهم إمامة الصّلة وتنظر في
موضعها .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الخلفة :
ل من
- 2الخلفة في اللّغة :مصدر خلف يخلف خلف ًة :أي :بقي بعده أو قام مقامه ،وك ّ
يخلف شخصا آخر يسمّى خليف ًة ،لذلك سمّي من يخلف الرّسول صلى ال عليه وسلم في
إجراء الحكام الشّرعيّة ورئاسة المسلمين في أمور الدّين والدّنيا خليف ًة ،ويسمّى المنصب
خلف ًة وإمامةً .
أمّا في الصطلح الشّرعيّ :فهي ترادف المامة ،وقد عرّفها ابن خلدونٍ بقوله :هي حمل
الكافّة على مقتضى النّظر الشّرعيّ ،في مصالحهم الخرويّة ،والدّنيويّة الرّاجعة إليها ،ثمّ
فسّر هذا التّعريف بقوله :فهي في الحقيقة خلفة عن صاحب الشّرع في حراسة الدّين والدّنيا
.
ب -المارة :
- 3المارة لغةً :الولية ،والولية إمّا أن تكون عامّ ًة ،فهي الخلفة أو المامة العظمى ،
ل خاصّ من شئون
وإمّا أن تكون خاصّ ًة على ناحي ٍة كأن ينال أمر مصرٍ ونحوه ،أو على عم ٍ
الدّولة كإمارة الجيش وإمارة الصّدقات ،وتطلق على منصبٍ أمير .
ج -السّلطة :
- 4السّلطة هي :السّيطرة والتّمكّن والقهر والتّحكّم ومنه السّلطان وهو من له ولية التّحكّم
والسّيطرة في الدّولة ،فإن كانت سلطته قاصرةً على ناحيةٍ خاصّ ٍة فليس بخليفةٍ ،وإن كانت
عامّ ًة فهو الخليفة ،وقد وجدت في العصور السلميّة المختلفة خلفة بل سلطةٍ ،كما وقع في
أواخر العبّاسيّين ،وسلطة بل خلفةٍ كما كان الحال في عهد المماليك .
د -الحكم :
- 5الحكم هو في اللّغة :القضاء ،يقال :حكم له وعليه وحكم بينهما ،فالحاكم هو القاضي
في عرف اللّغة والشّرع .
وقد تعارف النّاس في العصر الحاضر على إطلقه على من يتولّى السّلطة العامّة .
الحكم التّكليفيّ :
ن المّة يجب عليها النقياد لمامٍ
- 6أجمعت المّة على وجوب عقد المامة ،وعلى أ ّ
عادلٍ ،يقيم فيهم أحكام اللّه ،ويسوسهم بأحكام الشّريعة الّتي أتى بها رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم ولم يخرج عن هذا الجماع من يعتدّ بخلفه .
ن الصّحابة رضي ال عنهم ،بمجرّد
واستدلّوا لذلك ،بإجماع الصّحابة والتّابعين ،وقد ثبت أ ّ
أن بلغهم نبأ وفاة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بادروا إلى عقد اجتماعٍ في سقيفة بني ساعدةٍ
،واشترك في الجتماع كبار الصّحابة ،وتركوا أه ّم المور لديهم في تجهيز رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم وتشييع جثمانه الشّريف ،وتداولوا في أمر خلفته .
وهم ،وإن اختلفوا في بادئ المر حول الشّخص الّذي ينبغي أن يبايع ،أو على الصّفات الّتي
ينبغي أن تتوفّر فيمن يختارونه ،فإنّهم لم يختلفوا في وجوب نصب إمامٍ للمسلمين ،ولم يقل
أحد مطلقا إنّه ل حاجة إلى ذلك ،وبايعوا أبا بكرٍ رضي ال عنه ،ووافق بقيّة الصّحابة الّذين
سنّة في كلّ العصور ،فكان ذلك إجماعا على
لم يكونوا حاضرين في السّقيفة ،وبقيت هذه ال ّ
وجوب نصب المام .
وهذا الوجوب وجوب كفايةٍ ،كالجهاد ونحوه ،فإذا قام بها من هو أهل لها سقط الحرج عن
الكافّة ،وإن لم يقم بها أحد ،أثم من المّة فريقان :
أ -أهل الختيار وهم :أهل الحلّ والعقد من العلماء ووجوه النّاس ،حتّى يختاروا إماما للمّة
.
ب -أهل المامة وهم :من تتوفّر فيهم شروط المامة ،إلى أن ينصب أحدهم إماما .
ما يجوز تسمية المام به :
- 7اتّفق الفقهاء على جواز تسمية المام :خليف ًة ،وإماما ،وأمير المؤمنين .
فأمّا تسميته إماما فتشبيها بإمام الصّلة في وجوب التّباع والقتداء به فيما وافق الشّرع ،
ولهذا سمّي منصبه بالمامة الكبرى .
وأمّا تسميته خليف ًة فلكونه يخلف النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حراسة الدّين وسياسة الدّنيا في
المّة ،فيقال خليفة بإطلق ،وخليفة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
واختلفوا في جواز تسميته خليفة اللّه ،فذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز تسميته بخليفة اللّه
،ل نّ أ با بك ٍر ر ضي ال ع نه ن هى عن ذلك لمّا د عي به ،وقال :ل ست خلي فة اللّه ،ولكنّي
خلي فة ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم .ول نّ ال ستخلف إنّ ما هو في ح قّ الغائب ،واللّه
منزّه عن ذلك .وأجازه بعضهم اقتباسا من الخلفة العامّة للدميّين في قوله تعالى :
{ إنّي جاعل في الرض خليفةً } وقوله { :هو الّذي جعلكم خلئف في الرض } .
معرفة المام باسمه وعينه :
ن الخلفة
- 8ل تجب معرفة المام باسمه وعينه على كافّة المّة ،وإنّما يلزمهم أن يعرفوا أ ّ
أفضت إلى أهلها ،لما في إيجاب معرفته عليهم باسمه وعينه من المشقّة والحرج ،وإنّما يجب
ذلك على أهل الختيار الّذين تنعقد ببيعتهم الخلفة ،وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء .
حكم طلب المامة :
- 9يختلف الحكم باختلف حال الطّالب ،فإن كان ل يصلح لها إلّ شخص وجب عليه أن
يطلبها ،ووجب على أهل الحلّ والعقد أن يبايعوه .
ل أجبر
ح أن يطلبها واحد منهم ،ووجب اختيار أحدهم ،وإ ّ
وإن كان يصلح لها جماعة ص ّ
أحدهم على قبولها جمعا لكلمة المّة .وإن كان هناك من هو أولى منه كره له طلبها ،وإن
كان غير صالحٍ لها حرم عليه طلبها .
شروط المامة :
- 10يشترط الفقهاء للمام شروطا ،منها ما هو متّفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه .
فالمتّفق عليه من شروط المامة :
أ -السلم ،لنّه شرط في جواز الشّهادة .وصحّة الولية على ما هو دون المامة في
اله ّميّة .قال تعالى { :ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلً } والمامة كما قال ابن
حزمٍ :أعظم ( السّبيل ) ،وليراعى مصلحة المسلمين .
ن ،لنّهما في ولية
ح إمامة صبيّ أو مجنو ٍ
ب -التّكليف :ويشمل العقل ،والبلوغ ،فل تص ّ
غيرهما ،فل يليان أمر المسلمين ،وجاء في الثر « تعوّذوا باللّه من رأس السّبعين ،وإمارة
الصّبيان » .
ت -الذّكورة :فل تصحّ إمارة النّساء ،لخبر « :لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأ ًة » ولنّ هذا
المنصب تناط به أعمال خطيرة وأعباء جسيمة تتنافى مع طبيعة المرأة ،وفوق طاقتها .
فيتولّى المام قيادة الجيوش ويشترك في القتال بنفسه أحيانا .
ث -الكفاية ولو بغيره ،والكفاية هي الجرأة والشّجاعة والنّجدة ،بحيث يكون قيّما بأمر
الحرب والسّياسة وإقامة الحدود والذّبّ عن المّة .
ج -الح ّريّة :فل يصحّ عقد المامة لمن فيه رقّ ،لنّه مشغول في خدمة سيّده .
ح -سلمة الحواسّ والعضاء ممّا يمنع استيفاء الحركة للنّهوض بمهامّ المامة .وهذا القدر
من الشّروط متّفق عليه .
- 11أمّا المختلف فيه من الشّروط فهو :
أ -العدالة والجتهاد .ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العدالة والجتهاد شرطا
صحّةٍ ،فل يجوز تقليد الفاسق أو المقلّد إلّ عند فقد العدل والمجتهد .
ح تقليد الفاسق والعا ّميّ ،ولو عند وجود العدل
وذهب الحنفيّة إلى أنّهما شرطا أولويّ ٍة ،فيص ّ
والمجتهد .
ب -السّمع والبصر وسلمة اليدين والرّجلين .
ح إمامة العمى والصمّ ومقطوع اليدين
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّها شروط انعقادٍ ،فل تص ّ
والرّجلين ابتدا ًء ،وينعزل إذا طرأت عليه ،لنّه غير قادرٍ على القيام بمصالح المسلمين ،
ويخرج بها عن أهليّة المامة إذا طرأت عليه .
وذهب بعض الفقهاء إلى أنّه ل يشترط ذلك ،فل يضرّ المام عندهم أن يكون في خلقه عيب
جسديّ أو مرض منفّر ،كالعمى والصّمم وقطع اليدين والرّجلين والجدع والجذام ،إذ لم يمنع
ذلك قرآن ول سنّة ول إجماع .
ج -النّسب :ويشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المام قرشيّا لحديث « :الئمّة من
قريشٍ » وخالف في ذلك بعض العلماء منهم أبو بكرٍ الباقلّانيّ ،واحتجّوا بقول عمر ":لو كان
سالم مولى أبي حذيفة حيّا لولّيته " ،ول يشترط أن يكون هاشميّا ول علويّا باتّفاق فقهاء
ن الثّلثة الول من الخلفاء الرّاشدين لم يكونوا من بني هاشمٍ ،ولم يطعن
المذاهب الربعة ،ل ّ
أحد من الصّحابة في خلفتهم ،فكان ذلك إجماعا في عصر الصّحابة .
دوام المامة :
- 12يشترط لدوام المامة دوام شروطها ،وتزول بزوالها إلّ العدالة ،فقد اختلف في أثر
زوالها على منصب المامة على النّحو التّالي :
ح تقليد الفاسق المامة عندهم مع
عند الحنفيّة ليست العدالة شرطا لصحّة الولية ،فيص ّ
ل ،ثمّ جار في الحكم ،وفسق بذلك أو غيره ل
الكراهة ،وإذا قلّد إنسان المامة حال كونه عد ً
ينعزل ،ولكن يستحقّ العزل إن لم يستلزم عزله فتنةً ،ويجب أن يدعى له بالصّلح ونحوه ،
ول يجب الخروج عليه ،كذا نقل الحنفيّة عن أبي حنيفة ،وكلمتهم قاطب ًة متّفقة في توجيهه
ن بعض الصّحابة رضي ال عنهم صلّوا خلف أئمّة الجور وقبلوا الولية
على أنّ وجهه :هو أ ّ
عنهم .وهذا عندهم للضّرورة وخشية الفتنة .
وقال الدّسوقيّ :يحرم الخروج على المام الجائر لنّه ل يعزل السّلطان بالظّلم والفسق
وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته ،وإنّما يجب وعظه وعدم الخروج عليه ،إنّما هو لتقديم
أخفّ المفسدتين ،إلّ أن يقوم عليه إمام عدل ،فيجوز الخروج عليه وإعانة ذلك القائم .وقال
الخرشيّ :روى ابن القاسم عن مالكٍ :إن كان المام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على
النّاس الذّبّ عنه والقتال معه ،وأمّا غيره فل ،دعه وما يراد منه ،ينتقم اللّه من الظّالم بظالمٍ
،ثمّ ينتقم من كليهما .
ن الجرح في عدالة المام ،وهو الفسق على ضربين :
وقال الماورديّ :إ ّ
أحدهما ما تبع فيه الشّهوة ،والثّاني ما تعلّق فيه بشبهةٍ .فأمّا الوّل منهما فمتعلّق بأفعال
الجوارح ،وهو ارتكابه للمحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيما للشّهوة وانقيادا للهوى ،
فهذا فسق يمنع من انعقاد المامة ومن استدامتها ،فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها
،فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى المامة إلّ بعقدٍ جديدٍ .وقال بعض المتكلّمين :يعود إلى
المامة بعودة العدالة من غير أن يستأنف له عقد ول بيعة ،لعموم وليته ولحوق المشقّة في
استئناف بيعته .
وأمّا الثّاني منهما فمتعلّق بالعتقاد المتأوّل بشبهةٍ تعترض ،فيتأوّل لها خلف الحقّ ،فقد
اختلف العلماء فيها :فذهب فريق منهم إلى أنّها تمنع من انعقاد المامة ومن استدامتها ،
ويخرج منها بحدوثه لنّه لمّا استوى حكم الكفر بتأويلٍ وغير تأويلٍ وجب أن يستوي حال
ل .وقال كثير من علماء البصرة :إنّه ل يمنع من انعقاد المامة ،
الفسق بتأويلٍ وغير تأوي ٍ
ول يخرج به منها ،كما ل يمنع من ولية القضاء وجواز الشّهادة .
وقال أبو يعلى :إذا وجدت هذه الصّفات حالة العقد ،ثمّ عدمت بعد العقد نظرت ،فإن كان
جرحا في عدالته ،وهو الفسق ،فإنّه ل يمنع من استدامة المامة .سواء كان متعلّقا بأفعال
الجوارح .وهو ارتكاب المحظورات ،وإقدامه على المنكرات اتّباعا لشهوته ،أو كان متعلّقا
بالعتقاد ،وهو المتأوّل لشبهةٍ تعرض يذهب فيها إلى خلف الحقّ .وهذا ظاهر كلمه
ل ،يغزى معه ،وقد كان يدعو
( أحمد ) في رواية المروزيّ في المير يشرب المسكر ويغ ّ
المعتصم بأمير المؤمنين ،وقد دعاه إلى القول بخلق القرآن .
وقال حنبل :في ولية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد اللّه قالوا :هذا أمر قد تفاقم
وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن -نشاورك في أنّا لسنا نرضى بإمرته ول سلطانه .
فقال :عليكم بالنّكير بقلوبكم ،ول تخلعوا يدا من طاعةٍ ،ول تشقّوا عصا المسلمين .وقال
أحمد في رواية المروزيّ ،وذكر الحسن بن صالح بن حيّ الزّيديّ فقال :كان يرى السّيف ،
ول نرضى بمذهبه .
ما تنعقد به المامة :
سنّة :
تنعقد المامة بطرقٍ ثلث ٍة ،باتّفاق أهل ال ّ
أوّلً -البيعة :
- 13والمراد بالبيعة بيعة أهل الحلّ والعقد ،وهم :علماء المسلمين ورؤساؤهم ووجوه النّاس
،الّذين يتيسّر اجتماعهم حالة البيعة بل كلفةٍ عرفا ،ولكن هل يشترط عدد معيّن ؟ اختلف في
ذلك الفقهاء ،فنقل عن بعض الحنفيّة أنّه يشترط جماعة دون تحديد عددٍ معيّنٍ .وذهب
المالكيّة والحنابلة إلى أنّها ل تنعقد إلّ بجمهور أهل الحلّ والعقد ،بالحضور والمباشرة بصفقة
اليد ،وإشهاد الغائب منهم من كلّ بلدٍ ،ليكون الرّضى به عامّا ،والتّسليم بإمامته إجماعا .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يشترط اتّفاق أهل الحلّ والعقد من سائر البلد ،لتعذّر ذلك وما فيه
من المشقّة ،وذكروا أقوالً خمس ًة في ذلك فقالت طائفة :أقلّ ما تنعقد به المامة خمسة ،
يجتمعون على عقدها أو يعقد أحدهم برضى الباقين ،واستدلّوا بخلفة أبي بكرٍ لنّها انعقدت
بخمس ٍة اجتمعوا عليها ،ثمّ تابعهم النّاس فيها .وجعل عمر الشّورى في ستّةٍ ليعقدوا لحدهم
برضى الخمسة .
وذهبت طائفة إلى أنّ المامة ل تنعقد بأقلّ من أربعين ،لنّها أشدّ خطرا من الجمعة ،وهي
ل تنعقد بأقلّ من أربعين ،والرّاجح عندهم :أنّه ل يشترط عدد معيّن ،بل ل يشترط عدد ،
ل والعقد بواحدٍ مطاعٍ كفت بيعته لنعقاد المامة ،ولزم على
حتّى لو انحصرت أهليّة الح ّ
النّاس الموافقة والمتابعة .
شروط أهل الختيار :
- 14يشترط الفقهاء لهل الختيار أمورا ،هي :العدالة بشروطها ،والعلم بشروط
المامة ،والرّأي والحكمة والتّدبير .
ويزيد الشّافعيّة شرطا آخر وهو :أن يكون مجتهدا في أحكام المامة إن كان الختيار من
واحدٍ ،وأن يكون فيهم مجتهد إن كان أهل الختيار جماع ًة .
ثانيا :ولية العهد ( :الستخلف ) :
ح إليه العهد ليكون إماما بعده .قال الماورديّ :
-وهي :عهد المام بالخلفة إلى من يص ّ 15
انعقاد المامنة بعهند منن قبله ممّا انعقند الجماع على جوازه ،ووقنع التّفاق على صنحّته ،
لمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما .
أحده ما :أ نّ أ با بكرٍ ر ضي ال ع نه ع هد ب ها إلى ع مر ر ضي ال ع نه ،فأث بت الم سلمون
إمامته بعهده .
ن عمر رضي ال عنه عهد بها إلى أهل الشّورى ،فقبلت الجماعة دخولهم فيها ،
والثّاني :أ ّ
وهم أعيان العصر اعتقادا لصحّة العهد بها وخرج باقي الصّحابة منها ،وقال عليّ للعبّاس
رضوان ال عليهما حين عاتبه على الدّخول في الشّورى ":كان أمرا عظيما في أمور السلم
لم أر لنفسي الخروج منه " .فصار العهد بها إجماعا في انعقاد المامة ،فإذا أراد المام أن
يعهد بها فعليه أن يجتهد رأيه في الحقّ بها والقوم بشروطها ،فإذا تعيّن له الجتهاد في
واحدٍ نظر فيه :
فإن لم يكن ولدا ول والدا جاز أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه ،وإن لم يستشر
فيه أحدا من أهل الختيار ،لكن اختلفوا هل يكون ظهور الرّضى منهم شرطا في انعقاد بيعته
أو ل ؟ فذهب بعض علماء أهل البصرة إلى أنّ رضى أهل الختيار لبيعته شرط في لزومها
ن بيعته
للمّة ،لنّها حقّ يتعلّق بهم ،فلم تلزمهم إلّ برضى أهل الختيار منهم ،والصّحيح أ ّ
ن بيعة عمر رضي ال عنه لم تتوقّف على رضى
ن الرّضى بها غير معتبرٍ ،ل ّ
منعقدة وأ ّ
ن المام أحقّ بها فكان اختياره فيها أمضى ،وقوله فيها أنفذ .
الصّحابة ،ول ّ
ي العهد ولدا أو والدا فقد اختلف في جواز انفراده بعقد البيعة له على ثلثة مذاهب
وإن كان ول ّ
.
أحدهما :ل يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لولدٍ ول لوالدٍ ،حتّى يشاور فيه أهل الختيار فيرونه
ن ذلك منه تزكية له تجري مجرى الشّهادة ،
أهلً لها ،فيصحّ منه حينئذٍ عقد البيعة له ،ل ّ
وتقليده على المّة يجري مجرى الحكم ،وهو ل يجوز أن يشهد لوالدٍ ول لول ٍد ،ول يحكم
لواحدٍ منهما للتّهمة العائدة إليه بما جبل من الميل إليه .
والمذهب الثّاني :يجوز أن يفرد بعقدها لولدٍ ،ووال ٍد ،لنّه أمير المّة نافذ المر لهم وعليهم
.فغلب حكم المنصب على حكم النّسب ،ولم يجعل للتّهمة طريقا على أمانته ول سبيلً إلى
معارضته ،وصار فيها كعهده بها إلى غير ولده ووالده ،وهل يكون رضى أهل الختيار
بعد صحّة العهد معتبرا في لزومه للمّة أو ل ؟ على ما قدّمناه من الوجهين .
والمذهب الثّالث :أنّه يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده ،ول يجوز أن ينفرد بها لولده ،لنّ
ل ما يقتنيه
الطّبع يبعث على ممايلة الولد أكثر من ممّا يبعث على ممايلة الوالد ،ولذلك كان ك ّ
في الغلب مذخورا لولده دون والده .
فأمّا عقدها لخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء الجانب في جواز تفرّده
بها .وقال ابن خلدونٍ ،بعد أن قدّم الكلم في المامة ومشروعيّتها لما فيها من المصلحة ،
وأنّ حقيقتها للنّظر في مصالح المّة لدينهم ودنياهم .قال :فالمام هو وليّهم والمين عليهم ،
ينظر لهم ذلك في حياته ،ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته ،ويقيم لهم من يتولّى أمورهم
كما كان هو يتولّاها ،ويثقون بنظره لهم في ذلك ،كما وثقوا به فيما قبل ،وقد عرف ذلك من
الشّرع بإجماع المّة على جوازه وانعقاده ،إذ وقع بعهد أبي بكرٍ رضي ال عنه لعمر
بمحضرٍ من الصّحابة ،وأجازوه ،وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضي ال عنه وعنهم
ستّة بقيّة العشرة ،وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين ،
،وكذلك عهد عمر في الشّورى إلى ال ّ
ف ،فاجتهد وناظر
ض ،حتّى أفضى ذلك إلى عبد الرّحمن بن عو ٍ
ففوّض بعضهم إلى بع ٍ
المسلمين فوجدهم متّفقين على عثمان وعلى عليّ ،فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقته إيّاه
ل ما يعرض له دون اجتهاده ،فانعقد أمر عثمان لذلك ،
على لزوم القتداء بالشّيخين في ك ّ
وأوجبوا طاعته ،والمل من الصّحابة حاضرون للولى والثّانية ،ولم ينكره أحد منهم ،فدلّ
على أنّهم متّفقون على صحّة هذا العهد ،عارفون بمشروعيّته ،والجماع حجّة كما عرف ،
ول يتّهم المام في هذا المر وإن عهد إلى أبيه أو ابنه ،لنّه مأمون على النّظر لهم في حياته
،فأولى أن ل يحتمل فيها تبعةً بعد مماته ،خلفا لمن قال باتّهامه في الولد والوالد ،أو لمن
ظنّة في ذلك كلّه ،ل سيّما إذا كانت هناك
خصّص التّهمة بالولد دون الوالد ،فإنّه بعيد عن ال ّ
ظنّة في ذلك رأسا .
داعية تدعو إليه من إيثار مصلح ٍة أو توقّع مفسد ٍة فتنتفي ال ّ
هذا ،وللمام أن يجعلها شورى بين اثنين فأكثر من أهل المامة ،فيتعيّن من عيّنوه بعد موت
المام ،لنّ عمر رضي ال عنه جعل المر شورى بين ستّ ٍة ،فاتّفقوا على عثمان رضي ال
عنه ،فلم يخالف من الصّحابة أحد ،فكان ذلك إجماعا .
استخلف الغائب :
- 16صرّح الفقهاء بأنّه يصحّ استخلف غائبٍ عن البلد ،إن علم حياته ،ويستقدم بعد موت
المام ،فإن طال غيابه وتضرّر المسلمون بغيابه يجوز لهل الختيار نصب نائبٍ عنه ،
وينعزل النّائب بقدومه .
شروط صحّة ولية العهد :
- 17يشترط جمهور الفقهاء لصحّة ولية العهد شروطا منها :
أ -أن يكون المستخلف جامعا لشروط المامة ،فل يصحّ الستخلف من المام الفاسق أو
الجاهل .
ب -أن يقبل وليّ العهد في حياة المام ،فإن تأخّر قبوله عن حياة المام تكون وصيّةً
بالخلفة ،فيجري فيها أحكام الوصيّة ،وعند الشّافعيّة قول ببطلن الوصيّة في الستخلف ،
ن المام يخرج عن الولية بالموت .
لّ
ج -أن يكون وليّ العهد مستجمعا لشروط المامة ،وقت عهد الولية إليه ،مع استدامتها
إلى ما بعد موت المام ،فل يصحّ -عند جمهور الفقهاء -عهد الولية إلى صبيّ أو مجنونٍ
أو فاسقٍ وإن كملوا بعد وفاة المام ،وتبطل بزوال أحد الشّروط من وليّ العهد في حياة المام
.وذهب الحنفيّة إلى جواز العهد إلى صبيّ وقت العهد ،ويفوّض المر إلى والٍ يقوم به ،
ي العهد .وصرّحوا أيضا بأنّه إذا بلغ جدّدت بيعته وانعزل الوالي المفوّض عنه
حتّى يبلغ ول ّ
ببلوغه .
ثالثا :الستيلء بالقوّة :
- 18قال الماورديّ :اختلف أهل العلم في ثبوت إمامة المتغلّب وانعقاد وليته بغير عقدٍ ول
اختيارٍ ،فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت وليته ،وانعقاد إمامته ،وحمل المّة على
ن مقصود الختيار تمييز المولّى ،وقد تميّز هذا
طاعته وإن لم يعقدها أهل الختيار ،ل ّ
ل بالرّضى والختيار ،
بصفته .وذهب جمهور الفقهاء والمتكلّمين إلى أنّ إمامته ل تنعقد إ ّ
ل بعاقدٍ .
ن المامة عقد ل يتمّ إ ّ
لكن يلزم أهل الختيار عقد المامة له ،فإن توقّفوا أثموا ل ّ
وقال أبو يعلى :المامة تنعقد من وجهين :
ل والعقد .
أحدهما :باختيار أهل الح ّ
والثّاني :بعهد المام من قبل .
ل بجمهور أهل الحلّ والعقد .قال أحمد ،
فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد ،فل تنعقد إ ّ
في رواية إسحاق بن إبراهيم :المام :الّذي يجتمع عليه ،كلّهم يقول :هذا إمام .
وظاهر هذا :أنّها تنعقد بجماعتهم .
ل على أنّها تثبت بالقهر والغلبة ،ول تفتقر إلى العقد .فقال في رواية
وروي عنه ما د ّ
عبدوس بن مالكٍ العطّار :ومن غلب عليهم بالسّيف حتّى صار خليف ًة وسمّي أمير المؤمنين ،
فل يحلّ لحدٍ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يبيت ول يراه إماما ،برّا كان أو فاجرا .وقال
أيضا في رواية أبي الحارث -في المام يخرج عليه من يطلب الملك ،فيكون مع هذا قوم
ومع هذا قوم : -تكون الجمعة مع من غلب واحتجّ بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن
الحرّة .وقال ":نحن مع من غلب ".
وجه الرّواية الولى :أنّه لمّا اختلف المهاجرون والنصار ،فقالت النصار ":منّا أمير
ومنكم أمير " حاجّهم عمر ،وقال لبي بكرٍ رضي ال عنهما ":مدّ يدك أبايعك "فلم يعتبر
الغلبة واعتبر العقد مع وجود الختلف .
ووجه الثّانية :ما ذكره أحمد عن ابن عمر وقوله :نحن مع من غلب ولنّها لو كانت تقف
ح رفعه وفسخه بقولهم وقوله ،كالبيع وغيره من العقود ،ولمّا ثبت أنّه ( أي
على عقدٍ لص ّ
المتغلّب ) لو عزل نفسه أو عزلوه لم ينعزل ،دلّ على أنّه ل يفتقر إلى عقده .
ن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزّبير واستولى على البلد وأهلها ،حتّى بايعوه
ول ّ
طوعا وكرها ،فصار إماما يحرم الخروج عليه ،ولما في الخروج عليه من شقّ عصا
المسلمين ،وإراقة دمائهم ،وذهاب أموالهم .ولخبر « :اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد
حبشيّ أجدع » .وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء .
وذكر الشّافعيّة قولً :يشترط لصحّة إمامة المتغلّب استجماع شروط المامة .كما يشترط
الشّافعيّة أيضا :أن يستولي على المر بعد موت المام المبايع له ،وقبل نصب إمامٍ جديدٍ
بالبيعة ،أو أن يستولي على حيّ متغلّبٍ مثله .أمّا إذا استولى على المر وقهر إماما مولّى
بالبيعة أو بالعهد فل تثبت إمامته ،ويبقى المام المقهور على إمامته شرعا .
اختيار المفضول مع وجود الفضل :
- 19اتّفق الفقهاء على أنّه إذا تعيّن لهل الختيار واحد هو أفضل الجماعة ،فبايعوه على
المامة ،فظهر بعد البيعة من هو أفضل منه ،انعقدت بيعتهم إمامة الوّل ولم يجز العدول
عنه إلى من هو أفضل منه .كما اتّفقوا على أنّه لو ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الفضل
لعذرٍ ،ككون الفضل غائبا أو مريضا ،أو كون المفضول أطوع في النّاس ،وأقرب إلى
قلوبهم ،انعقدت بيعة المفضول وصحّت إمامته ،ولو عدلوا عن الفضل في البتداء لغير
عذرٍ لم يجز .
أمّا النعقاد فقد اختلفوا في انعقاد بيعة المفضول مع وجود الفضل بغير عذرٍ ،فذهبت طائفة
ن الختيار إذا دعا إلى أولى المرين لم يجز العدول عنه إلى غيره
ن بيعته ل تنعقد ،ل ّ
إلى أ ّ
ن المامة جائزة للمفضول مع وجود الفضل ،
.وذهب الكثر من الفقهاء والمتكلّمين إلى أ ّ
وصحّت إمامته إذا توفّرت فيه شروط المامة .كما يجوز في ولية القضاء تقليد المفضول
ن زيادة الفضل مبالغة في الختيار ،وليست شرطا فيه .وقال أبو بكرٍ
مع وجود الفضل ل ّ
يوم السّقيفة :قد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين :أبي عبيدة بن الجرّاح ،وعمر بن الخطّاب
.وهما -على فضلهما دون أبي بكرٍ في الفضل ،ولم ينكره أحد .
ودعت النصار إلى بيعة سعدٍ ،ولم يكن أفضل الصّحابة بالتّفاق ،ثمّ عهد عمر رضي ال
عنه إلى ستّ ٍة من الصّحابة ،ول بدّ أن يكون بعضهم أفضل من بعضٍ .
وقد أجمع أهل السلم حينئذٍ على أنّه لو بويع أحدهم فهو المام الواجب طاعته .فصحّ بذلك
إجماع الصّحابة رضي ال عنهم ،على جواز إمامة المفضول .
عقد البيعة لمامين :
ت واحدٍ ،ول يجوز
- 20ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز كون إمامين في العالم في وق ٍ
إلّ إمام واحد .واستدلّوا بخبر « :إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما » .وقوله تعالى { :
وأطيعوا اللّه ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا } .
ووجه الستدلل :أنّ اللّه سبحانه وتعالى :حرّم على المسلمين التّفرّق والتّنازع ،وإذا كان
إمامان فقد حصل التّفرّق المحرّم ،فوجد التّنازع ووقعت المعصية للّه تعالى .
فإن عقدت لثنين معا بطلت فيهما ،أو مرتّبا فهي للسّابق منهما .ويعزّر الثّاني ومبايعوه .
لخبر « :إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما » .وإن جهل السّابق منهما بطل العقد فيهما
عند الشّافعيّة ،لمتناع تعدّد الئمّة ،وعدم المرجّح لحدهما .
وعند المام أحمد روايتان :إحداهما :بطلن العقد ،والثّانية :استعمال القرعة .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا تباعدت البلد ،وتعذّرت الستنابة ،جاز تعدّد الئمّة بقدر
الحاجة ،وهو قول عند الشّافعيّة ..
طاعة المام :
- 21اتّفقت المّة جمعاء على وجوب طاعة المام العادل وحرمة الخروج عليه للدلّة الواردة
في ذلك كخبر « :من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ،فإن جاء
آخر ينازعه فاضربوا عنق الخر » .وقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا
الرّسول وأولي المر منكم } وحديث « :من خرج من الطّاعة ،وفارق الجماعة فمات ،
مات ميت ًة جاهليّةً » .
أمّا حكم الخروج على الجائر من الئمّة فقد سبق بيانه عند الكلم عن دوام المامة .
ويدعو للمام بالصّلح والنّصرة وإن كان فاسقا .ويكره تحريما وصفه بما ليس فيه من
الصّفات كالصّالح والعادل ،كما يحرم أن يوصف بما ل يجوز وصف العباد به .مثل
شاهنشاه العظم ،ومالك رقاب النّاس ،لنّ الوّل من صفات اللّه فل يجوز وصف العباد
به ،والثّاني كذب .
من ينعزل بموت المام :
- 22ل ينعزل بموت المام من عيّنه المام في وظيف ٍة عامّ ٍة كالقضاة ،وأمراء القاليم ،
ونظّار الوقف ،وأمين بيت المال ،وأمير الجيش .وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء ،لنّ الخلفاء
الرّاشدين -رضي ال عنهم -ولّوا حكّاما في زمنهم ،فلم ينعزل أحد بموت المام ،ولنّ
الخليفة أسند إليهم الوظائف نيابةً عن المسلمين ،ل نوّابا عن نفسه ،فل ينعزلون بموته ،وفي
انعزالهم ضرر على المسلمين وتعطيل للمصالح .
ن الوزارة نيابة عن المام فينعزل النّائب
أمّا الوزراء فينعزلون بموت المام وانعزاله ،ل ّ
بموت المستنيب .لنّ المام استناب الوزير ليعينه في أمور الخلفة .
عزل المام وانعزاله :
- 23سبق نقل كلم الماورديّ في مسألة عزل المام لطروء الفسق والجور عند الكلم عن
ص فينقسم ثلثة أقسامٍ :
دوام المام .ثمّ قال الماورديّ :أمّا ما طرأ على بدنه من نق ٍ
أحدها :نقص الحواسّ ،والثّاني :نقص العضاء ،والثّالث :نقص التّصرّف .
فأمّا نقص الحواسّ فينقسم ثلثة أقسامٍ :قسم يمنع من المامة ،وقسم ل يمنع منها ،وقسم
مختلف فيه .
فأمّا القسم المانع منها فشيئان :أحدهما :زوال العقل .والثّاني :ذهاب البصر .
فأمّا زوال العقل فضربان :أحدهما :ما كان عارضا مرج ّو الزّوال كالغماء ،فهذا ل يمنع
من انعقاد المامة ول يخرج منها ،لنّه مرض قليل اللّبث سريع الزّوال «،وقد أغمي على
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في مرضه » .
والضّرب الثّاني :ما كان لزما ل يرجى زواله كالجنون والخبل ،فهو على ضربين :
أحدهما :أن يكون مطبقا دائما ل يتخلّله إفاقة ،فهذا يمنع من عقد المامة واستدامتها ،فإذا
طرأ هذا بطلت به المامة بعد تحقّقه والقطع به ،
والضّرب الثّاني :أن يتخلّله إفاقة يعود بها إلى حال السّلمة فينظر فيه :فإن كان زمان
الخبل أكثر من زمان الفاقة فهو كالمستديم يمنع من عقد المامة واستدامتها ،ويخرج بحدوثه
منها ،وإن كان زمان الفاقة أكثر من زمان الخبل منع من عقد المامة .
واختلف في منعه من استدامتها ،فقيل :يمنع من استدامتها كما يمنع من ابتدائها ،فإذا طرأ
ن في استدامته إخللً بالنّظر المستحقّ فيه ،وقيل :ل يمنع من استدامة
بطلت به المامة ،ل ّ
المامة ،وإن منع من عقدها في البتداء ،لنّه يراعى في ابتداء عقدها سلمة كاملة ،وفي
الخروج منها نقص كامل .
وأمّا ذهاب البصر فيمنع من عقد المامة واستدامتها ،فإذا طرأ بطلت به المامة ،لنّه لمّا
أبطل ولية القضاء ،ومنع من جواز الشّهادة ،فأولى أن يمنع من صحّة المامة .
ل يبصر عند دخول اللّيل ،فل يمنع من المامة في عقدٍ ول
وأمّا غشاء العين ،وهو :أ ّ
استدام ٍة ،لنّه مرض في زمان الدّعة يرجى زواله .
وأمّا ضعف البصر ،فإن كان يعرف به الشخاص إذا رآها لم يمنع من المامة ،وإن كان
يدرك الشخاص ول يعرفها منع من المامة عقدا واستدامةً .
وأمّا القسم الثّاني من الحواسّ ،الّتي ل يؤثّر فقدها في المامة فشيئان :أحدهما :الخشم في
النف الّذي يدرك به شمّ الرّوائح .والثّاني :فقد الذّوق الّذي يفرّق به بين الطّعوم .فل يؤثّر
هذا في عقد المامة ،لنّهما يؤثّران في الّلذّة ،ول يؤثّران في الرّأي والعمل .
س المختلف فيها فشيئان :الصّمم ،والخرس ،فيمنعان من ابتداء
وأمّا القسم الثّالث من الحوا ّ
ن كمال الوصاف بوجودهما مفقود .
عقد المامة ،ل ّ
واختلف في الخروج بهما من المامة ،فقالت طائفة :يخرج بهما منها كما يخرج بذهاب
البصر لتأثيرهما في التّدبير والعمل ،وقال آخرون :ل يخرج بهما من المامة ،لقيام الشارة
ل بنقصٍ كاملٍ .وقال آخرون :إن كان يحسن الكتابة لم يخرج
مقامهما ،فلم يخرج منها إ ّ
ن الكتابة مفهومة والشارة
بهما من المامة ،وإن كان ل يحسنها خرج من المامة بهما ،ل ّ
موهومة ،والوّل من المذاهب أصحّ .
وأمّا تمتمة اللّسان ،وثقل السّمع ،مع إدراك الصّوت إذا كان عاليا ،فل يخرج بهما من
المامة إذا حدثا .واختلف في ابتداء عقدها معهما ،فقيل :يمنع ذلك ابتداء عقدها ،لنّهما
ن نبيّ اللّه موسى عليه السلم لم
نقص يخرج بهما عن حال الكمال ،وقيل :ل يمنع ،ل ّ
تمنعه عقدة لسانه عن النّبوّة فأولى ألّ يمنع من المامة .
وأمّا فقد العضاء فينقسم إلى أربعة أقسامٍ :
أحدها :ما ل يمنع من صحّة المامة في عق ٍد ول استدامةٍ ،وهو ما ل يؤثّر فقده في رأيٍ ول
عملٍ ول نهوضٍ ول يشين في المنظر ،فل يمنع من عقد المامة ول من استدامتها بعد
ن فقده ل يؤثّر في الرّأي والحنكة .مثل قطع الذنين لنّهما ل يؤثّران في رأيٍ ول
العقد ،ل ّ
ل ،ولهما شين يمكن أن يستتر فل يظهر .
عم ٍ
والقسم الثّاني :ما يمنع من عقد المامة ومن استدامتها :وهو ما يمنع من العمل ،كذهاب
اليدين ،أو من النّهوض كذهاب الرّجلين ،فل تصحّ معه المامة في عقدٍ ول استدامةٍ ،
ل أو نهضةٍ .
لعجزه عمّا يلزمه من حقوق المّة في عم ٍ
والقسم الثّالث :ما يمنع من عقد المامة :واختلف في منعه من استدامتها ،وهو ما ذهب به
بعض العمل ،أو فقد به بعض النّهوض كذهاب إحدى اليدين أو إحدى الرّجلين ،فل يصحّ
معه عقد المامة لعجزه عن كمال التّصرّف ،فإن طرأ بعد عقد المامة ففي خروجه منها
مذهبان للفقهاء :
أحدهما :يخرج به من المامة ،لنّه عجز يمنع من ابتدائها فمنع من استدامتها .
ن المعتبر في عقدها
والمذهب الثّاني :أنّه ل يخرج به من المامة وإن منع من عقدها ،ل ّ
كمال السّلمة ،وفي الخروج منها كمال النّقص .
والقسم الرّابع :ما ل يمنع من استدامة المامة .واختلف في منعه من ابتداء عقدها ،وهو ما
يشين ويقبّح ،ول يؤثّر في عملٍ ول في نهضةٍ ،كجدع النف وسمل إحدى العينين ،فل
يخرج به من المامة بعد عقدها ،لعدم تأثيره في شيءٍ من حقوقها ،وفي منعه من ابتداء
عقدها مذهبان للفقهاء :
أحدهما :أنّه ل يمنع من عقدها ،وليس ذلك من الشّروط المعتبرة فيها لعدم تأثيره في حقوقها
.
والمذهب الثّاني :أنّه يمنع من عقد المامة ،وتكون السّلمة منه شرطا معتبرا في عقدها
ص يزدرى ،فتقلّ به الهيبة ،وفي قلّتها نفور عن
ليسلم ولة الملّة من شينٍ يعاب ونق ٍ
الطّاعة ،وما أدّى إلى هذا فهو نقص في حقوق المّة .
وأمّا نقص التّصرّف فضربان :حجر ،وقهر .
فأمّا الحجر :فهو أن يستولي عليه من أعوانه من يستبدّ بتنفيذ المور من غير تظاهرٍ بمعصيةٍ
ول مجاهر ٍة بمشاقّةٍ ،فل يمنع ذلك من إمامته ،ول يقدح في صحّة وليته .
وأمّا القهر فهو أن يصير مأسورا في يد عد ّو قاهرٍ ل يقدر على الخلص منه ،فيمنع ذلك عن
عقد المامة له ،لعجزه عن النّظر في أمور المسلمين ،وسواء كان العد ّو مشركا أو مسلما
باغيا ،وللمّة اختيار من عداه من ذوي القدرة .وإن أسر بعد أن عقدت له المامة فعلى كافّة
المّة استنقاذه ،لما أوجبته المامة من نصرته ،وهو على إمامته ما كان مرج ّو الخلص
مأمول الفكاك إمّا قتال أو فداء ،فإن وقع اليأس منه ،لم يخل حال من أسره من أن يكونوا
مشركين أو بغاة المسلمين ،فإن كان في أسر المشركين خرج من المامة لليأس من
خلصه ،واستأنف أهل الختيار بيعة غيره على المامة ،وإن خلص قبل الياس فهو على
إمامته .وإن كان مأسورا مع بغاة المسلمين ،فإن كان مرج ّو الخلص فهو على إمامته ،وإن
لم يرج خلصه ،فالمام المأسور في أيديهم خارج من المامة بالياس من خلصه ،وعلى
أهل الختيار في دار العدل أن يعقدوا المامة لمن ارتضوا لها ،فإن خلص المأسور لم يعد
إلى المامة لخروجه منها .
واجبات المام :
- 24من تعريف الفقهاء للمامة الكبرى بأنّها رئاسة عامّة في سياسة الدّنيا وإقامة الدّين نيابةً
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتبيّن أنّ واجبات المام إجمالً هي كما يلي :
سنّة وإجماع سلف المّة وإقامة شعائر الدّين .
أ -حفظ الدّين على أصوله الثّابتة بالكتاب وال ّ
ب -رعاية مصالح المسلمين بأنواعها .
كما أنّهم -في معرض الستدلل لفرضيّة نصب المام بالحاجة إليه -يذكرون أمورا ل بدّ
للمّة ممّن يقوم بها وهي :تنفيذ الحكام ،وإقامة الحدود ،وسدّ الثّغور ،وتجهيز الجيوش ،
وأخذ الصّدقات ،وقبول الشّهادات ،وتزويج الصّغار والصّغائر الّذين ل أولياء لهم ،وقسمة
الغنائم .وعدّها أصحاب كتب الحكام السّلطانيّة عشر ًة .ول تخرج في عمومها عمّا ذكره
ن ذلك يزيد وينقص بحسب تجدّد الحاجات الزّمنيّة وما تقضي
الفقهاء فيما مرّ ،على أ ّ
المصالح بأن ل يتولّاه الفراد والهيئات ،بل يتولّاه المام .
وليات المام :
- 25الولة من قبل المام تنقسم وليتهم إلى أربعة أقسامٍ :
أ -ولية عامّة في العمال العامّة ،وهي :الوزارة ،فهي نيابة عن المام في المور كلّها
من غير تخصيصٍ .
ص بها عامّ
ب -ولية عامّة في أعمالٍ خاصّ ٍة ،وهي المارة في القاليم ،لنّ النّظر فيما خ ّ
في جميع المور .
ج -ولية خاصّة في العمال العامّة :كرئاسة القضاء ونقابة الجيش ،لنّ كليهما مقصور
على نظرٍ خاصّ في جميع العمال .
د -ولية خاصّة في أعمالٍ خاصّةٍ كقاضي بلدٍ ،أو مستوفي خراجه ،وجابي صدقاته ،لنّ
ص بعملٍ مخصوصٍ ل يتجاوزه ،
كلّا من ولية هؤلء خا ّ
والتّفصيل في مصطلحي ( :وزارة ،إمارة )
مؤاخذة المام بتصرّفاته :
س بغير خطٍأ في الحكم أو تقصيرٍ في تنفيذ الحدّ
- 26يضمن المام ما أتلفه بيده من مالٍ أو نف ٍ
ص منه إن قتل عمدا ،وتجب الدّية عليه أو على عاقلته أو بيت
والتّعزير كآحاد النّاس فيقت ّ
المال في الخطأ وشبه العمد ،ويضمن ما أتلفه بيده من مالٍ ،كما يضمن ما هلك بتقصيره في
الحكم ،وإقامة الحدّ ،والتّعزير .بالقصاص أو الدّية من ماله أو عاقلته أو بيت المال حسب
أحكام الشّرع ،وحسب ظروف التّقصير وجسامة الخطأ .وينظر التّفصيل في مصطلحات ( :
حدّ ،وتعزير ،وقصاص ،وضمان ) .
ن المؤمنين تتكافأ دماؤهم ،وأموالهم
وهذا القدر متّفق عليه بين الفقهاء ،لعموم الدلّة ،ول ّ
ي صلى ال عليه وسلم " أقاد من نفسه » وكان عمر
ن النّب ّ
ل بحقّها ،وثبت « أ ّ
معصومة إ ّ
رضي ال عنه يقيد من نفسه .والمام والمعتدى عليه نفسان معصومتان كسائر الرّعيّة .
واختلفوا في إقامة الحدّ عليه ،فذهب الشّافعيّة إلى أنّه يقام عليه الحدّ كما يقام على سائر النّاس
لعموم الدلّة ،ويتولّى التّنفيذ عليه من يتولّى الحكم عنه .
ن الحدّ حقّ اللّه تعالى ،والمام نفسه هو المكلّف
وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يقام عليه الحدّ ،ل ّ
ن إقامته تستلزم الخزي والنّكال ول يفعل أحد ذلك
بإقامته ،ول يمكن أن يقيمه على نفسه ،ل ّ
بنفسه ،بخلف حقّ العباد .أمّا حدّ القذف فقالوا :المغلّب فيه حقّ اللّه ،فحكمه حكم سائر
الحدود ،فإقامته إليه كسائر الحدود .ول ولية لحدٍ عليه .ليستوفيه ،وفائدة اليجاب
الستيفاء ،فإذا تعذّر لم يجب .وفرّقوا بين الحدّ ،وبين القصاص وضمان المتلفات بأنّهما من
حقوق العباد فيستوفيهما صاحب الحقّ ،ول يشترط القضاء ،بل المكان والتّمكّن ،ويحصل
ذلك بتمكينه من نفسه ،إن احتاج إلى منع ٍة .فالمسلمون منعته ،فبهم يقدر على الستيفاء
فكان الوجوب مفيدا .
هدايا المام لغيره :
ص فل يختلف حكمه عن غيره من الفراد ،
- 27هدايا المام لغيره إن كانت من ماله الخا ّ
وينظر في مصطلح ( :هديّة ) .
ل عامّ فهو رزق ،وإن كان عطا ًء شاملً
أمّا إن كانت من بيت المال ،فإذا كان مقابلً لعم ٍ
للنّاس من بيت المال فهو عطاء ،وإن كانت الهديّة بمبادر ٍة من المام ميّز بها فردا عن غيره
فهي الّتي تسمّى ( جائزة السّلطان ) وقد اختلف فيها ،فكرهها أحمد تورّعا لما في بعض
موارد بيت المال من الشّبهة ،لكنّه نصّ على أنّها ليست بحرامٍ على آخذها ،لغلبة الحلل
على موارد بيت المال ،وكرهها ابن سيرين لعدم شمولها للرّعيّة ،وممّن تنزّه عن الخذ منها
حذيفة وأبو عبيدة ومعاذ وأبو هريرة وابن عمر .هذا من حيث أخذ الجوائز .
أمّا من حيث تصرّف المام بالعطاء فيجب أن يراعى فيه المصلحة العامّة للمسلمين دون
ن تصرّف المام في الموال العامّة وغيرها من أمور المسلمين
اتّباع الهوى والتّشهّي ،ل ّ
منوط بالمصلحة .
قبول المام الهدايا :
- 28لم يختلف العلماء في كراهية الهديّة إلى المراء .
ن المام ( بمعنى الوالي ) ل تحلّ له الهديّة ،للدلّة -الواردة
ذكر ابن عابدين في حاشيته :أ ّ
في هدايا العمّال ولنّه رأس العمّال .
وقال ابن حبيبٍ :لم يختلف العلماء في كراهية الهديّة إلى السّلطان الكبر وإلى القضاة
سنّة « .وكان النّبيّ صلى
والعمّال وجباة الموال .وهذا قول مالكٍ ومن قبله من أهل العلم وال ّ
ي صلى ال عليه وسلم معصوم ممّا
ال عليه وسلم يقبل الهديّة » ،وهذا من خواصّه ،والنّب ّ
ي صلى ال
يتّقي على غيره منها ،ولمّا " ردّ عمر بن عبد العزيز الهديّة ،قيل له :كان النّب ّ
عليه وسلم يقبلها ،فقال :كانت له هديّ ًة وهي لنا رشوة ،لنّه كان يتقرّب إليه لنبوّته ل
لوليته ،ونحن يتقرّب بها إلينا لوليتنا " .
هدايا الكفّار للمام :
-ل يجوز للمام قبول هديّ ٍة من كفّارٍ أشرفت حصونهم على ال سّقوط بيد المسلمين ،لما 29
في ذلك من توه ين الم سلمين وت ثبيط همّت هم .أمّا إذا كانوا بق ّوةٍ ومنعةٍ جاز له قبول هديّت هم .
وهني للمام إن كاننت منن قريب ٍن له ،أو كاننت مكافأ ًة ،أو رجاء ثوابٍن ( أي مقابلٍ ) .وإن
كانت من غير قريبٍ ،وأهدى بعد دخول المام بلدهم فهي غنيمة .وهم فيء قبل الدّخول في
بلدهم .
هذا إذا كا نت من الفراد ،أمّا إذا كا نت من الطّاغ ية أي رئي سهم ،فإنّ ها ف يء إن أهدى ق بل
دخول المسلمين في بلدهم ،وغنيمة بعد الدّخول فيه ،وهذا التّفصيل للمالكيّة .وعند أحمد :
لنن « النّبيّ صنلى ال علينه وسنلم قبنل هديّة
يجوز للمام قبول الهديّة منن أهنل الحرب ّ ،
المقوقنس صناحب مصنر » ،فإن كان ذلك فني حال الغزو فمنا أهداه الكفّار لمينر الجينش أو
ل خوفا من المسلمين ،فأشبه ما لو أخذه قهرا .
لبعض قوّاده فهو غنيمة ،لنّه ل يفعل ذلك إ ّ
وأمّا إن أهدى من دار الحرب ،فهو لمن أهدى إليه سواء كان المام أو غيره « ،ل نّ النّبيّ
صلى ال عل يه و سلم ق بل الهديّة من هم » ،فكا نت له دون غيره .وعزا ا بن قدا مة هذا إلى
الشّافع يّ أيضا ،ون قل عن المام أ بي حني فة :أنّ ها للمهدى له بكلّ حالٍ ،لنّه خ صّه ب ها ،
فأش به ما لو أهدي له من دار السلم ،وح كى في ذلك رواي ًة عن أح مد وذهب الشّافعيّة إلى
أنّه لو أهدى مشرك إلى المير أو إلى المام هديّةً ،والحرب قائمة فهي غنيمة ،بخلف ما لو
أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار السلم ،فإنّه للمهدى إليه .
وقال عبد الغن يّ النّابلسيّ :قال الماورد يّ :فنزاهته عنها أولى من قبولها ،فإن قبلها جاز ولم
يم نع ،وهذا ح كم الهدا يا للقضاة ،أمّا الهدا يا للئمّة ف قد قال في الحاوي :إنّ ها إن كا نت من
هدايا دار السلم فهي على ثلثة أقسامٍ :
أحد ها :أن يهدي إل يه من ي ستعين به على حقّ ي ستوفيه ،أو على ظل مٍ يدف عه ع نه ،أو على
ل يعينه عليه ،فهذه الرّشوة المحرّمة .
باط ٍ
الثّا ني :أن يهدي إل يه من كان يهاد يه ق بل الول ية ،فإن كان بقدر ما كان ق بل الول ية لغ ير
حاجةٍ عر ضت فيجوز له قبول ها ،وإن اقترن ب ها حا جة عر ضت إل يه فيم نع من القبول ع ند
الحاجة ،ويجوز أن يقبلها بعد الحاجة .وإن زاد في هديّته على قدر العادة لغير حاج ٍة ،فإن
كا نت الزّيادة من ج نس الهديّة جاز قبول ها لدخول ها في المألوف ،وإن كا نت من غ ير ج نس
الهديّة منع من القبول .
الثّالث :أن يهدي إليه من لم يكن يهاديه قبل الولية ،فإن ( كان ) لجل وليته فهي رشوة ،
ل صندر ( له ) مننه إمّا واجبا أو تنبرّعا فل يجوز
ويحرم علينه أخذهنا ،وإن كان لجنل جمي ٍ
قبولها أيضا .وإن كان ل ل جل ولي ٍة ،بل لمكافأةٍ على جميلٍ ،فهذه هديّة ب عث عليها جاه ،
فإن كافأه عليها جاز له قبولها ،وإن لم يكافئ عليها فل يقبلها لنفسه ،وإن كانت من هدايا دار
الماوردين فني الحكام السنّلطانيّة قال :والفرق بينن
ّ الحرب جاز له قبول هداياهنم ،وذكنر
ن الرّشوة ما أخذت طلبا ،والهديّة ما بذلت عفوا .
الرّشوة والهديّة أ ّ
أثر فسق المام على وليته الخاصّة :
- 30اختلف الفقهاء في سلب الولية الخاصّة عن المام بفسقه ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة
والحنابلة إلى أنّه ل يشترط -عندهم -العدالة في ولية النّكاح أصلً ،حتّى يسلبها الفسق ،
فيزوّج بناته القاصرات بالولية الخاصّة ،يستوي في ذلك المام ،وغيره من الولياء .
ن الولية الخاصّة تسلب بالفسق ،فل يصحّ له تزويج بناته بالولية
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
الخاصّة كغيره من الفسقة ،لخروجه بالفسق عن الولية الخاصّة كأفراد النّاس ،وإن لم يسلبه
ن في ذلك خلفا سبق بيانه .
عن الولية العامّة تعظيما لشأن المامة ،على أ ّ
ن بالولية العامّة
وتنتقل ولية النّكاح إلى البعيد من العصبة ،فإن لم توجد عصبة زوّجه ّ
ي لهنّ .لحديث « :السّلطان وليّ من ل وليّ له » .
ن ممّن ل ول ّ
كغيره ّ
أمان *
التّعريف :
- 1المان في اللّغة :عدم توقّع مكرو ٍه في الزّمن التي ،وأصل المن طمأنينة النّفس
وزوال الخوف ،والمن والمانة والمان مصادر للفعل ( أمن ) ،ويرد المان تار ًة اسما
للحالة الّتي يكون عليها النسان من الطّمأنينة ،وتار ًة لعقدٍ المان أو صكّه .
ي ورقّه وماله حين قتاله أو الغرم عليه ،مع
وعرّفه الفقهاء بأنّه :رفع استباحة دم الحرب ّ
استقراره تحت حكم السلم .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الهدنة :
ض وبغير عوضٍ ،
- 2الهدنة هي :أن يعقد لهل الحرب عقد على ترك القتال مدّةً بعو ٍ
ن عقد الهدنة ل يعقده
وتسمّى :مهادنةً وموادعةً ومعاهد ًة .ويختلف عقد الهدنة عن المان بأ ّ
ح من أفراد المسلمين .
إلّ المام أو نائبه ،أمّا المان فيص ّ
ب -الجزية :
- 3عقد الجزية موجب لعصمة الدّماء وصيانة الموال والعراض إلى غير ذلك ممّا يترتّب
ل المام .كما أنّ عقد
ن عقد الجزية مثل الهدنة ل يعقده إ ّ
عليه .ويختلف عن المان في أ ّ
الجزية مؤبّد ل ينقض ،بخلف المان فهو عقد غير لزمٍ ،أي قابلٍ للنّقض بشروطه .
الحكم الجماليّ :
- 4الصل أنّ إعطاء المان أو طلبه مباح ،وقد يكون حراما أو مكروها إذا كان يؤدّي إلى
ضررٍ أو إخللٍ بواجبٍ أو مندوبٍ .
وحكم المان هو ثبوت المن للكفرة عن القتل والسّبي وغنم أموالهم ،فيحرم على المسلمين
قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريّهم واغتنام أموالهم .
ما يكون به المان :
ح أو كناي ٍة يفيد الغرض ،بأيّ لغةٍ كان ،وينعقد بالكتابة
ظ صري ٍ
- 5ينعقد المان بكلّ لف ٍ
والرّسالة والشارة المفهمة .لنّ التّأمين إنّما هو معنًى في النّفس ،فيظهره المؤمّن تارةً
بالنّطق ،وتار ًة بالكتابة ،وتار ًة بالشارة ،فكلّ ما بيّن به التّأمين فإنّه يلزم .
شروط المان :
- 6ذهب المالكيّة والحنابلة وأكثر الشّافعيّة إلى أنّ شرط المان انتفاء الضّرر ،ولو لم تظهر
المصلحة .
وقيّد البلقينيّ جواز المان بمجرّد انتفاء الضّرر بغير المان المعطى من المام ،فل بدّ فيه
من المصلحة والنّظر للمسلمين .
وقال الحنفيّة :يشترط في المان أن تكون فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين وذلك بأن يعطى في
حال ضعف المسلمين وقوّة أعدائهم ،لنّ الجهاد فرض والمان يتضمّن تحريم القتال ،
فيتناقض ،إلّ إذا كان في حال ضعف المسلمين وقوّة الكفرة ،لنّه إذ ذاك يكون قتالً معنًى ،
لوقوعه وسيل ًة إلى الستعداد للقتال ،فل يؤدّي إلى التّناقض .
من له حقّ إعطاء المان :
- 7المان إمّا أن يعطى من المام أو من آحاد المسلمين :
ح أمان المام لجميع الكفّار وآحادهم ،لنّه مقدّم للنّظر والمصلحة ،
أ -أمان المام :يص ّ
نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضارّ .وهذا ما ل خلف فيه .
ح لعددٍ محصورٍ
ب -أمان آحاد المسلمين :يرى جمهور الفقهاء أنّ أمان آحاد المسلمين يص ّ
ن صغيرٍ ،أمّا تأمين العدد الّذي ل ينحصر فهو من خصائص المام
كأهل قري ٍة صغيرةٍ وحص ٍ
ح من الواحد ،سواء أمّن جماع ًة كثير ًة أو قليلةً أو أهل
ن المان يص ّ
.وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
مصرٍ أو قريةٍ ،فليس حينئذٍ لحدٍ من المسلمين قتالهم .
شروط المؤمّن :
ح أمان الكافر ،وإن كان يقاتل مع المسلمين .
- 8أ -السلم :فل يص ّ
ب -العقل :فل يصحّ أمان المجنون والصّبيّ الّذي ل يعقل .
ج -البلوغ :بلوغ المؤمّن شرط عند جمهور الفقهاء .وقال محمّد بن الحسن الشّيبانيّ :ليس
بشرطٍ .
د -عدم الخوف من الحربيّين :فل يصحّ أمان المقهورين في أيدي الكفرة .
أمّا الذّكورة فليست بشرطٍ لصحّة المان عند جمهور الفقهاء ،فيصحّ أمان المرأة لنّها ل
تعجز عن الوقوف على حال القوّة والضّعف .
ن أمان المرأة والعبد والصّبيّ ل يجوز ابتداءً ،ولكن إن
وقال ابن الماجشون من المالكيّة :إ ّ
وقع يمضي إن أمضاه المام وإن شاء ردّه .
مواطن البحث :
فصّل الفقهاء أحكام المان في أبواب السّير والجهاد فتنظر فيها ،ويرجع إلى مصطلح
( مستأمن ) .
أمانة *
التّعريف :
- 1المانة :ضدّ الخيانة ،والمانة تطلق على :كلّ ما عهد به إلى النسان من التّكاليف
الشّرعيّة وغيرها كالعبادة الوديعة ،ومن المانة :الهل والمال .
وبالتّتبّع تبيّن أنّ المانة قد استعملها الفقهاء بمعنيين :
أحدهما :بمعنى الشّيء الّذي يوجد عند المين ،وذلك يكون في :
أ -العقد الّذي تكون المانة فيه هي المقصد الصليّ ،وهو الوديعة وهي ،العين الّتي توضع
ص من المانة ،فكلّ وديع ٍة أمانة ول عكس .
ص ليحفظها ،فهي أخ ّ
عند شخ ٍ
ب -العقد الّذي تكون المانة فيه ضمنا ،وليست أصلً بل تبعا ،كالجارة والعاريّة
والمضاربة والوكالة والشّركة والرّهن .
ج -ما كانت بدون عقدٍ كاللّقطة ،وكما إذا ألقت الرّيح في دار أحدٍ مال جاره ،وذلك ما
يسمّى بالمانات الشّرعيّة .
الثّاني :بمعنى الصّفة وذلك في :
أ -ما يسمّى ببيع المانة ،كالمرابحة والتّولية والسترسال ( الستئمان ) وهي العقود الّتي
يحتكم فيها المبتاع إلى ضمير البائع وأمانته .
ب -في الوليات سواء كانت عا ّمةً كالقاضي ،أم خاصّةً كالوصيّ وناظر الوقف .
ج -فيمن يترتّب على كلمه حكم كالشّاهد .
د -تستعمل المانة في باب اليمان كمقسمٍ بها باعتبارها صف ًة من صفات اللّه تعالى .
الحكم الجماليّ :
أوّلً :المانة بمعنى الشّيء الّذي يوجد عند المين :
- 2للمانة بهذا المعنى عدّة أحكا ٍم إجمالها فيما يلي :
أ -الصل إباحة أخذ الوديعة واللّقطة ،وقيل يستحبّ الخذ لمن قدر على الحفظ والداء ،
لقوله تعالى { :وتعاونوا على البرّ والتّقوى } .
وقد يعرض الوجوب لمن يثق في أمانة نفسه وخيف على اللّقطة أخذ خائنٍ لها ،وعلى الوديعة
من الهلك أو الفقد عند عدم اليداع ،لنّ مال الغير واجب الحفظ ،وحرمة المال كحرمة
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :حرمة مال المؤمن
النّفس ،وقد روى ابن مسعودٍ أ ّ
كحرمة دمه » .وقد يحرم الخذ لمن يعجز عن الحفظ ،أو ل يثق بأمانة نفسه ،وفي ذلك
تعريض المال للهلك .وهذا في الجملة .وتفصيله في الوديعة واللّقطة .
ب -وجوب المحافظة على المانة عامّةً ،وديع ًة كانت أو غيرها ،يقول العلماء :حفظ
ل أمانةٍ ،
المانة يوجب سعادة الدّارين ،والخيانة توجب الشّقاء فيهما ،والحفظ يكون بحسب ك ّ
فالوديعة مثلً يكون حفظها بوضعها في حرز مثلها .والعاريّة والشّيء المستأجر يكون
حفظهما بعدم التّعدّي في الستعمال المأذون فيه ،وبعدم التّفريط .وفي مال المضاربة يكون
بعدم مخالفة ما أذن فيه للمضارب من التّصرّفات وهكذا .
ن اللّه يأمركم أن تؤدّوا المانات إلى أهلها }
ت -وجوب ال ّردّ عند الطّلب لقوله تعالى { :إ ّ
وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أدّ المانة إلى من ائتمنك ،ول تخن من خانك » .
ث -وجوب الضّمان بالجحود أو التّعدّي أو التّفريط .
ج -سقوط الضّمان إذا تلفت المانة دون تعدّ أو تفريطٍ .
وهذا في غير العاريّة عند الحنابلة والشّافعيّة ،فالعاريّة عندهم مضمونة .
ح -التّعزير على ترك أداء المانات كالودائع وأموال اليتام وغلّات الوقوف ،وما تحت
أيدي الوكلء والمقارضين وشبه ذلك ،فإنّه يعاقب على ذلك كلّه حتّى يؤدّي ما يجب عليه .
وللفقهاء في كلّ ذلك تفصيلت وفروع يرجع إليها في مواضعها من ( وديعة ،ولقطة ،
وعاريّة ،وإجارة ،ورهن ،وضمان ،ووكالة ) .
ثانيا :المانة بمعنى الصّفة :
- 3تختلف أحكام المانة بهذا المعنى لختلف مواضعها ،وبيان ذلك إجمالً فيما يأتي :
ن المشتري ائتمن البائع في
أ -بيع المانة كالمرابحة ،والمرابحة تعتبر بيع أمانةٍ ،ل ّ
إخباره عن الثّمن الوّل من غير بيّن ٍة ول استحلفٍ ،فتجب صيانتها عن الخيانة والتّهمة ،
ن التّحرّز عن ذلك كلّه واجب ما أمكن ،قال اللّه تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تخونوا اللّه
لّ
ي صلى ال عليه وسلم « :ليس منّا من
والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .وقال النّب ّ
غشّنا » .
وعلى ذلك فإذا ظهرت الخيانة في بيع المرابحة ففي الجملة يكون المشتري بالخيار ،إن شاء
أخذ المبيع ،وإن شاء ردّه ،وقيل :بحطّ الزّيادة على أصل رأس المال ونسبتها من الرّبح مع
إمضاء البيع .
ل كثيرٍ ينظر في ( بيع -مرابحة -تولية -استرسال ) .
هذا مع تفصي ٍ
ب -اعتبار المانة شرطا فيمن تكون له ولية ونظر في مال غيره كالوصيّ وناظر الوقف ،
فقد اشترط الفقهاء صفة المانة في الوصيّ وناظر الوقف ،وأنّه يعزل لو ظهرت خيانته ،أو
يضمّ إليه أمين في بعض الحوال ،وهذا في الجملة .كذلك من له ولية عامّة كالقاضي ،
فالصل اعتبار المانة فيه .وللفقهاء في ذلك تفصيل ( ر :قضاء ،وصيّ ) .
ج -من يترتّب على كلمه حكم كالشّاهد :فقد اشترط الفقهاء في الشّاهد العدالة ،لقول اللّه
تعالى { :وأشهدوا ذوي عد ٍل منكم } .وقوله تعالى { :إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا } ،فأمر
اللّه تعالى بالتّوقّف عن نبأ الفاسق ،والشّهادة نبأ فيجب عدم قبول شهادة الفاسق ،واعتبر
ن الخيانة من الفسق ،واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تجوز شهادة
الفقهاء أ ّ
خائنٍ ول خائن ٍة » .
ن من حلف بالمانة مع إضافتها إلى اسم اللّه
د -الحلف بالمانة :يرى جمهور الفقهاء أ ّ
ن ذلك يعتبر يمينا توجب الكفّارة .
سبحانه وتعالى فقال :وأمانة اللّه لفعلن كذا ،فإ ّ
أمّا الحلف بالمانة فقط دون إضافةٍ إلى لفظ الجللة ،فإنّه يرجع فيه إلى نيّة الحالف ،فإن
أراد بالمانة صفة اللّه تعالى فالحلف بها يمين ،وإن أراد بالمانة ما في قوله تعالى { :إنّا
عرضنا المانة على السّموات والرض } أي التّكاليف الّتي كلّف اللّه بها عباده فليس بيمينٍ .
ويكون الحلف بها غير مشروعٍ لنّه حلف بغير اللّه ،واستدلّ لذلك بحديث « :من حلف
بالمانة فليس منّا » .
مواطن البحث :
- 4يأتي ذكر المانة في كثيرٍ من البواب الفقهيّة :كالبيع ،والوكالة ،والشّركة ،
والمضاربة ،الوديعة ،والعاريّة ،والجارة ،والرّهن ،والوقف ،والوصيّة ،واليمان ،
والشّهادة ،والقضاء .وقد سبقت الشارة إلى ذكر ذلك إجمالً .
كذلك يأتي ذكر المانة في باب الحضانة باعتبارها شرطا من شروط الحاضن والحاضنة ،
وفي باب الحجّ في الرّفقة المأمونة بالنّسبة لسفر المرأة ،وفي باب الصّيام بالنّسبة لمن يخبر
برؤية الهلل .
امتثال *
انظر :طاعة
امتشاط *
التّعريف :
- 1المتشاط لغةً :هو ترجيل الشّعر ،والتّرجيل :تسريح الشّعر ،وتنظيفه ،وتحسينه .
وعند الفقهاء معناه كالمعنى اللّغويّ .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
- 2يستحبّ ترجيل شعر الرّأس واللّحية من الرّجل ،وكذا الرّأس من المرأة ،لما ورد :
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان جالسا في المسجد فدخل رجل ثائر الرّأس واللّحية ،
«أّ
فأشار إليه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيده أن اخرج .كأنّه يعني إصلح شعر رأسه
ولحيته ،ففعل الرّجل ثمّ رجع ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أليس هذا خيرا من أن
يأتي أحدكم ثائر الرّأس ،كأنّه شيطان »
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من كان له شعر
ولحديث أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ
فليكرمه » ويفصّل الفقهاء ذلك في خصال الفطرة ،والحظر والباحة .
- 3وفي الحرام :يحرم المتشاط إن علم أنّه يزيل شعرا ،وكذا إن كان يدهن ولم يزل
ن من الفقهاء من أباحه ،ومنهم من كرهه
شعرا ،فإن كان ل يزيل شعرا وكان بغير طيبٍ فإ ّ
على تفصيلٍ ينظر في مصطلح ( إحرام )
- 4ول يمنع امتشاط المحدّة عند أغلب الفقهاء ،إن كان التّرجيل خاليا عن موادّ الزّينة ،فإن
ن أو طيبٍ حرم .
كان بده ٍ
وقال الحنفيّة :يحرم امتشاط المحدّة بمشطٍ ضيّقٍ ،وإن لم يكن معه طيب ،وتفصيل هذه
الحكام يذكرها الفقهاء في ( الحداد ) ( ج 2ص 107ف . ) 14
امتناع *
التّعريف :
- 1المتناع لغ ًة :مصدر امتنع .يقال :امتنع من المر :إذا كفّ عنه .ويقال :امتنع
بقومه أي :تقوّى بهم وعزّ ،فلم يقدر عليه .
والمتناع في الصطلح ل يخرج عن هذين المعنيين .
الحكم الجماليّ :
- 2إنّ المتناع عن الفعل المحرّم واجب ،كالمتناع عن الزّنى وشرب الخمر ،وامتناع
الحائض عن الصّلة ،وعن مسّ المصحف ،والجلوس في المسجد .
والمتناع عن الواجب حرام ،كامتناع المكلّف غير المعذور عن الصّلة والصّوم والحجّ ،
ومثل امتناع المحتكر عن بيع القوات ،والمتناع عن إنقاذ المشرف على الهلك ممّن هو
قادر على إنقاذه .
والمتناع عن المندوب يكون مكروها ،كامتناع المريض عن التّداوي مع قدرته عليه .
والمتناع عن المكروه يكون مندوبا إليه ،كالمتناع عن التّدخين عند من يقول بكراهته ،
والمتناع عن تولّي القضاء لمن يخاف على نفسه الزّلل .
والمتناع عن المباح مباح ،كالمتناع عن طعامٍ معيّنٍ في الحوال المعتادة ،ومثل امتناع
المرأة عن الدّخول حتّى تقبض مقدّم المهر ،وامتناع البائع من تسليم المبيع حتّى يقبض الثّمن
.ويرجع لمعرفة حكم كلّ نوعٍ من هذه النواع في بابه .
امتهان *
التّعريف :
- 1المتهان افتعال من ( مهن ) أي خدم غيره ،وامتهنه :استخدمه ،أو ابتذله .ومنه يتبيّن
ن ) في معنيين :
ن أهل اللّغة يستعملون كلمة ( امتها ٍ
أّ
الوّل :بمعنى ( الحتراف ) ،والثّاني :بمعنى ( البتذال ) .
والبتذال هو :عدم صيانة الشّيء بل تداوله واستخدامه في العمل .
والفقهاء يستعملون المتهان بهذين المعنيين أيضا .
أمّا المتهان بمعنى الحتراف ،فينظر تفصيله في مصطلح ( احتراف ج 1ص ) 69وفيما
يلي ما يتّصل بالمعنى الثّاني وهو البتذال .
اللفاظ ذات الصّلة :
الستخفاف والستهانة :
- 2سبق بيان معنى ( المتهان ) ومنه يتبيّن أنّه غير الستهانة بالشّيء أو الستخفاف به ،
فالستهانة بالشّيء استحقاره ،أمّا المتهان فليس فيه معنى الستحقار .
الحكم الجماليّ :
- 3هناك كثير من الحوال يطلب فيها من المسلم أن يلبس غير ثياب المهنة ،كالجمعة
ل على ذلك حديث { ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة
والعيدين والجماعات ،يد ّ
سوى ثوب مهنته } .
والتّفصيل في مصطلح ( :احتراف ) ( وألبسة ) .كما أنّه يختلف حكم ما فيه صورة ،بين
ن وينظر في مصطلح ( تصوير ) .
أن يكون ممتهنا ( مبتذلً ) أو غير ممته ٍ
أمر *
التّعريف :
-1المر في اللّغة يأتي بمعنيين :
الوّل :يأتي بمعنى الحال أو الشّأن ،ومنه قوله تعالى { :وما أمر فرعون برشيدٍ } أو
الحادثة ،ومنه قول اللّه تعالى { :وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتّى يستأذنوه }
وقوله سبحانه { :وشاورهم في المر }
ي في اليضاح :أي شاورهم في الفعل الّذي تعزم عليه .ويجمع بهذا
قال الخطيب القزوين ّ
المعنى على ( أمورٍ ) .
الثّاني :طلب الفعل ،وهو بهذا المعنى نقيض النّهي .وجمعه ( أوامر ) فرقا بينهما ،كما
قاله الفيّوميّ .
وعند الفقهاء يستعمل المر بالمعنيين المذكورين ،ولكن اختلف الصوليّون من ذلك في
مسائل :
المسألة الولى :قال بعضهم :لفظ ( المر ) مشترك لفظيّ بين المعنيين .وقال آخرون :بل
هو حقيقة في القول المخصوص ،وهو قول الطّالب للفعل ،مجاز في الحال والشّأن .وقيل :
إنّه موضوع للمعنى المشترك بينهما .
المسألة الثّانية :طلب الفعل ل يسمّى أمرا حقيق ًة ،إلّ إن كان على وجه الحتم واللزام .
واستدلّ من قال بذلك بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :لول أن أشقّ على أمّتي لمرتهم
ل وضوءٍ » قالوا :لو لم يكن المر على وجه الحتم ما كان فيه مشقّة .وهذا
بالسّواك مع ك ّ
قول الحنفيّة .وقال الباقلّانيّ وجمهور الشّافعيّة :ل يشترط ذلك ،بل طلب الفعل أمر ولو لم
يكن على وجه التّحتّم ،فيدخل المندوب في المأمور به حقيقةً .
ن طلب الفعل ل يسمّى أمرا حقيق ًة إلّ إذا كان على سبيل الستعلء ،أي
المسألة الثّالثة :إ ّ
استعلء المر على المأمور ،احترازا عن الدّعاء واللتماس ،فهو شرط أكثر الماتريديّة
ي من المعتزلة ،
والمديّ من الشعريّة ،وصحّحه الرّازيّ ،وهو رأي أبي الحسين البصر ّ
لذمّ العقلء الدنى بأمره من هو أعلى .
ل كان دعاءً أو التماسا .
وعند المعتزلة يجب العلوّ في المر ،وإ ّ
وعند الشعريّ ل يشترط العلوّ ول الستعلء ،وبه قال أكثر الشّافعيّة .وفي شرح المختصر
ن هذا لساحر عليم ،يريد أن يخرجكم من
:وهو الحقّ ،لقوله تعالى حكايةً عن فرعون { :إ ّ
أرضكم فماذا تأمرون } .
صيغ المر :
- 2للمر صيغ صريحة وهي ثلثة :فعل المر ،مثل قوله تعالى { :أقيموا الصّلة }
وقوله { :فاسعوا إلى ذكر اللّه } ،واسم فعل المر نحو :نزال ،والمضارع المقترن فاللّام
المر نحو { لينفق ذو سعةٍ من سعته } .
وصيغ غير صريحةٍ ،قال الشّاطبيّ :
-أ -منها :ما جاء مجيء الخبار عن تقرير الحكم ،نحو { :والوالدات يرضعن أولدهنّ
حولين كاملين } .
-ب -ومنها :ما جاء مجيء مدحه أو مدح فاعله نحو { :ومن يطع اللّه ورسوله يدخله
جنّاتٍ } .
ل به فهو
-ج -ومنها :ما يتوقّف عليه المطلوب ،كالمفروض في مسألة ما ل يتمّ الواجب إ ّ
واجب ،كغسل جزءٍ من الرّأس ،لستيفاء غسل الوجه .
دللة صيغة المر الصّريحة :
- 3اختلف الصوليّون في دللة صيغة ( افعل ) غير المقترنة بما يعيّن معناها .
فهي عند الجمهور حقيقة في الوجوب ،وعند أبي هاشمٍ وكثيرٍ من الصوليّين حقيقة في النّدب
وهو أحد قولي الشّافعيّ ،وقيل :مشترك بينهما اشتراكا لفظيّا ،وروي هذا عن الشّافعيّ .
وقيل :إنّها موضوعة لمشتركٍ بينهما وهو القتضاء حتما كان أو ندبا ،وروي هذا عن أبي
منصو ٍر الماتريديّ ،ونسب إلى مشايخ سمرقند .
- 4المر الوارد بعد الحظر هو للباحة عند الكثر ،ومنهم الشّافعيّ والمديّ كقول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « :كنت نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها » .
وللوجوب عند عامّة الحنفيّة وهو المرويّ عن القاضي والمعتزلة واختاره الرّازيّ ،وتوقّف
فيه إمام الحرمين .واختار ابن الهمام والشّيخ زكريّا النصاريّ أنّه يرجع الحكم لما كان عليه
قبل الحظر إباحةً أو وجوبا .
ورود المر لغير الوجوب :
- 5ترد صيغة المر لغير الوجوب في أكثر من عشرين معنًى ،منها :اللتماس والتّهديد .
اقتضاء المر للتّكرار :
- 6المر لطلب الفعل مطلقا ل يقتضي التّكرار عند الحنفيّة ،فيبرأ بالفعل مرّةً ويحتمل
التّكرار ،واختاره الرّازيّ والمديّ .
وقال الستاذ أبو إسحاق السفرايينيّ :هو لزم مدّة العمر إن أمكن ،وعلى هذا جماعة من
الفقهاء والمتكلّمين .
وذهب كثير من أهل الصول إلى أنّها للمرّة ،ول يحتمل التّكرار ،وهو قول أكثر الشّافعيّة .
طهّروا } أو بالصّفة نحو { والسّارق والسّارقة
أمّا إن قيّد بشرطٍ ،نحو { وإن كنتم جنبا فا ّ
فاقطعوا أيديهما } فإنّه يقتضي التّكرار ،بتكرّر الشّرط أو الصّفة ،وقيل بالوقف في ذلك .
دللة المر على الفور أو التّراخي :
ن المر لمجرّد الطّلب ،فيجوز التّأخير كما يجوز البدار ،وعزي
- 7الصّحيح عند الحنفيّة أ ّ
إلى الشّافعيّ وأصحابه .واختاره الرّازيّ والمديّ .
سكّاكيّ والقاضي .
وقيل :يوجب الفور ،وعزي إلى المالكيّة والحنابلة والكرخيّ ،واختاره ال ّ
وتوقّف المام في أنّه للفور أو للقدر المشترك بين الفور والتّراخي .
المر بالمر :
- 8من أمر غيره أن يأمر آخر بفعلٍ ما فليس هذا أمرا للمأمور الثّاني على المختار عند
الصوليّين .فقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين
» ليس أمرا منه للصّبيان بالصّلة .
ن الواسطة مجرّد مبلّ ٍغ كان المر بالمر أمرا للمأمور الثّاني ،ومنه
لكن إن أفهمت القرينة أ ّ
ن عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته وهي حائض ،
ن عمر أخبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم أ ّ
«أّ
فقال :مره فليراجعها » .وليس من موضوع هذه المسألة ما لو صرّح المر بالتّبليغ نحو
ن هذا أمر للثّاني بل خلفٍ .
ن يفعل كذا ) فإ ّ
قوله ( :قل لفل ٍ
تكرار المر :
- 9إذا كرّر المر المر قبل أن ينفّذ المأمور المر الوّل ،فقد يتعيّن الثّاني للتّأكيد ،كما في
نحو :صم هذا اليوم ،صم هذا اليوم ،إذ ل يصام اليوم مرّتين .ونحو :اسقني اسقني ،فإنّ
الحاجة الّتي دعت إلى طلب الماء تندفع بالشّرب الوّل .فإن دار الثّاني بين التّأسيس والتّأكيد
فقيل :يحمل على التّأسيس احتياطا ،ويكون المطلوب التيان بالفعل مكرّرا .وقيل :يحمل
على التّأكيد لكثرته في الكلم .
امتثال المر يقتضي الجزاء :
- 10المأمور إذا أتى بالمأمور به على وجهه كما طلب مع الشّرائط والركان ،يستلزم
الجزاء اتّفاقا ،إذا فسّر الجزاء بالمتثال .
أمّا إن فسّر الجزاء بسقوط القضاء ،فإنّ التيان بالمأمور به على وجهه يسقطه كذلك عند
الجمهور ،خلفا للقاضي عبد الجبّار المعتزليّ .
تعارض المر والنّهي :
- 11النّهي عند الصوليّين يترجّح على المر ،لنّ دفع المفسدة المستفادة من النّهي أولى
من جلب المنفعة ،ولذا يترجّح حديث النّهي عن الصّلة في الوقات المكروهة على حديث
المر بصلة ركعتين قبل الجلوس في المسجد ،في حقّ من دخل المسجد قبيل غروب الشّمس
مثلً .وفي هذه المسائل المتقدّمة خلفات وتفصيلت أوسع ممّا تقدّم ،فليرجع إليها ضمن
مباحث المر من كتب أصول الفقه ،والملحق الصوليّ .
الحكام الفقهيّة إجمالً :
طاعة الوامر :
- 12تجب طاعة أوامر اللّه تعالى الّتي تقتضي الوجوب ،وكذلك أوامر رسوله صلى ال
عليه وسلم .ويطاع سواهما في غير المعصية ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « السّمع
ب وكره ،ما لم يؤمر بمعصي ٍة » فيطاع البوان ووليّ
والطّاعة على المرء المسلم فيما أح ّ
المر ونوّابه في غير الحرام ( .ر :طاعة ) .
المر في الجنايات :
ن فقتله ،فالقصاص على القاتل دون المر ،إن كان القاتل
- 13من أمر إنسانا بقتل إنسا ٍ
مكلّفا ،لكن إن كان للمر ولية على المأمور ،أو خاف المأمور على نفسه لو لم يفعل ،ففي
وجوب القصاص عليهما أو على أحدهما خلف وتفصيل .
ينظر في ( إكراه ،وقتل ،وقصاص )
ضمان المر :
- 14من أمر غيره بعملٍ ،فأتلف شيئا ،فالضّمان على المتلف ل على المر ،ويستثنى من
ذلك صور منها :أن يكون المر سلطانا أو أبا ،أو يكون المأمور صغيرا أو مجنونا أو أجيرا
لدى المر .وفي ذلك تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( ضمان وإكراه ) .
اليجاب أو القبول بصيغة المر :
ح .وكذا لو قال
- 15إذا قال :بعني هذا الثّوب بعشرين ،فقال :بعتك بها ،انعقد البيع وص ّ
البائع :اشتر منّي هذا الثّوب بكذا ،فقال :اشتريته به ،لصدق حدّ اليجاب والقبول عليهما .
وكذا في التّزويج ،لو قال لرجلٍ :زوّجني ابنتك ،فقال :زوّجتكها ،ينعقد النّكاح .وهذا
بخلف الستفهام أو التّمنّي مثلً ،فل ينعقد بهما العقد .كما لو قال :أتبيعني هذا الثّوب بكذا
فقال :بعتكه بها .وفي ذلك تفصيل ،وفي بعضه خلف ( ر :صيغة ،عقد ،زواج ) .
امرأة *
التّعريف :
- 1المرء هو النسان ،والنثى منه ( مرأة ) بإضافة تاء التّأنيث ،وقد تلحق بها همزة
الوصل فتصبح ( امرأة ) وهي اسم للبالغة .
ل أنّها في بعض البواب كالمواريث تصدق على الصّغير
وهذا في اللّغة والصطلح .إ ّ
والكبير .
الحكم الجماليّ :
- 2يمكن إجمال ما يتعلّق بالمرأة من أحكامٍ غالبا فيما يأتي :
ي صلى ال عليه
ن لها حقّ الرّعاية في طفولتها من تربي ٍة وتعليمٍ لقول النّب ّ
أ -المرأة كإنسا ٍ
وسلم « :من كانت له ابنة فأدّبها فأحسن تأديبها ،وعلّمها فأحسن تعليمها ،وأوسع عليها من
نعم اللّه الّتي أسبغ عليه ،كانت له منع ًة وستر ًة من النّار » .
وإذا رشدت كانت لها ذمّتها الماليّة المستقلّة ،وصار لها ح ّريّة التّعبير عن إرادتها ،ولذلك ل
تزوّج بدون إذنها .
ب -والمرأة كأنثى ،مطالبة بالمحافظة على مظاهر أنوثتها ،فلها أن تتزيّن بزينة النّساء ،
ويحرم عليها التّشبّه بالرّجال .ومطالبة كذلك بالتّستّر وعدم الختلط بالرّجال الجانب أو
الخلوة بهم ،ولذلك تقف في الصّلة متأخّرةً عن صفوف الرّجال .
ج -والمرأة كمسلم ٍة ،مطالبة بكلّ التّكاليف الشّرعيّة الّتي فرضها اللّه على عباده ،مع
الختلف عن الذّكر في بعض هيئات العبادة .
د -والمرأة اختصّها اللّه سبحانه وتعالى بالحيض والحمل والولدة ،وترتّب على ذلك بعض
الحكام الفقهيّة كالتّخفيف عنها في العبادات في هذه الحالت .
هن -ولضعف المرأة في الخلقة والتّكوين ،فإنّها ل تتولّى من العمال ما يحتاج إلى بذل
ي كالمارة والقضاء ،ولم يفرض عليها الجهاد في الجملة ،وكانت
الجهد الجسديّ والذّهن ّ
شهادتها على النّصف من شهادة الرّجل .
و -ولنّ المرأة أكثر حنانا وشفق ًة من الرّجل كان حقّها في الحضانة مقدّما على الرّجل .
ز -والصل أن يكون عمل المرأة هو رعاية بيتها وزوجها وأولدها ،لذلك كانت نفقتها على
زوجها ولو كانت غنيّ ًة .وكان الرّجل قوّاما عليها ،يقول اللّه تعالى { :الرّجال قوّامون على
النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم } .
ل هذه المور ينظر في مصطلح ( أنوثة ) .
وتفصيل ك ّ
أمرد *
التّعريف :
- 1المرد في اللّغة من المرد ،وهو نقاء الخدّين من الشّعر ،يقال :مرد الغلم مردا :إذا
طرّ شاربه ولم تنبت لحيته .
وفي اصطلح الفقهاء هو :من لم تنبت لحيته ،ولم يصل إلى أوان إنباتها في غالب النّاس
ن طرور الشّارب وبلوغه مبلغ الرّجال ليس بقي ٍد ،بل هو بيان لغايته ،وأنّ ابتداءه
والظّاهر أ ّ
حين بلوغه سنّا تشتهيه النّساء .
اللفاظ ذات الصّلة :
الجرد :
- 2الجرد في اللّغة هو :من ل شعر على جسده ،والمرأة جرداء .وفي الصطلح :الّذي
ط وأثطّ ( .
ليس على وجهه شعر ،وقد مضى أوان طلوع لحيته .ويقال له في اللّغة أيضا :ث ّ
ر :أجرد ) أمّا إذا كان على جميع بدنه شعر فهو :أشعر .
المراهق :
- 3إذا قارب الغلم الحتلم ولم يحتلم فهو مراهق .فيقال :جارية مراهقة ،وغلم
مراهق ،ويقال أيضا :جارية راهقة وغلم راهق .
الحكام الجماليّة المتعلّقة بالمرد :
أوّلً :النّظر والخلوة :
ص الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه يأخذ حكم
- 4إن كان المرد غير صبيحٍ ول يفتن ،فقد ن ّ
غيره من الرّجال .أمّا إن كان صبيحا حسنا يفتن ،وضابطه أن يكون جميلً بحسب طبع
ن الحسن يختلف باختلف الطّباع فله في هذه الصّورة حالتان :
النّاظر ولو كان أسود ،ل ّ
الولى :أن يكون النّظر والخلوة وغير ذلك من المور المتعلّقة بالمر بل قصد اللتذاذ ،
والنّاظر مع ذلك آمن الفتنة ،كنظر الرّجل إلى ولده أو أخيه المرد الصّبيح ،فهو في غالب
الحوال ل يكون بتلذّذٍ ،فهذا مباح ول إثم فيه عند جمهور الفقهاء .
الثّانية :أن يكون ذلك بلذّ ٍة وشهو ٍة ،فالنّظر إليه حرام .
شكّ
ن المرد يلحق بالمرأة في النّظر إن كان بشهوةٍ ،ولو مع ال ّ
وقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة أ ّ
في وجودها ،وحرمة النّظر إليه بشبه ٍة أعظم إثما ،قالوا :لنّ خشية الفتنة به عند بعض
النّاس أعظم منها .
أمّا الخلوة بالمرد فهي كالنّظر ،بل أقرب إلى المفسدة حتّى رأى الشّافعيّة حرمة خلوة المرد
بالمرد وإن تعدّد ،أو خلوة الرّجل بالمرد وإن تعدّد .نعم إن لم تكن هناك ريبة فل تحرم
كشارعٍ ومسجدٍ مطروقٍ .
ثانيا :مصافحة المرد :
ن المسّ
س ومصافحة المرد الصّبيح بقصد التّلذّذ ،وذلك ل ّ
- 5جمهور الفقهاء على حرمة م ّ
بشهو ٍة عندهم كالنّظر بل أقوى وأبلغ منه .
س المرد ومصافحته .
ويرى الحنفيّة كراهة م ّ
ثالثا :انتقاض الوضوء بمسّ المرد :
- 6يرى المالكيّة ،وهو قول للمام أحمد إنّه ينتقض الوضوء بلمس المرد الصّبيح لشهوةٍ .
ويرى الشّافعيّة ،وهو القول الخر لحمد عدم انتقاضه .
رابعا :إمامة المرد :
- 7جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) على أنّه تكره الصّلة خلف المرد
ل فتنةٍ .ولم نجد نصّا للمالكيّة في هذه المسألة .
الصّبيح ،وذلك لنّه مح ّ
خامسا :ما يراعى في التّعامل مع المرد وتطبيبه :
- 8التّعامل مع المرد الصّبيح من غير المحارم ينبغي أن يكون مع شيءٍ من الحذر غالبا
ولو في مقام تعليمهم وتأديبهم لما فيه من الفات .
وعند الحاجة إلى معاملة المرد للتّعليم أو نحوه ينبغي القتصار على قدر الحاجة ،وبشرط
السّلمة وحفظ قلبه وجوارحه عند التّعامل معهم ،وحملهم على الجدّ والتّأدّب ومجانبة
ن كلّ ما كان سببا للفتنة فإنّه ل يجوز ،حيث يجب سدّ الذّريعة
النبساط معهم .والصل :أ ّ
إلى الفساد إذا لم يعارضها مصلحة .
إمساك *
التّعريف :
- 1من معاني المساك في اللّغة القبض .يقال :أمسكته بيدي إمساكا :قبضته ،ومن معانيه
أيضا الكفّ يقال :أمسكت عن المر :كففت عنه .
واستعمله الفقهاء أيضا في هذين المعنيين في مواضع مختلفةٍ ،لنّ مرادهم بالمساك في
الجنايات القبض باليد .فإذا أمسك رجل آخر فقتله الثّالث يقتل الممسك قصاصا عند المالكيّة
إذا كان المساك بقصد القتل ،وعند غيرهم ل يقتل كما سيأتي .ومرادهم بالمساك في
الصّيام :الكفّ عن المفطرات والمتناع عن الكل والشّرب والجماع ،كما صرّحوا بذلك .
اللفاظ ذات الصّلة :
الحتباس :
ص بما يحبسه النسان لنفسه .تقول :
- 2الحتباس لغ ًة :هو المنع من ح ّريّة السّعي ،ويخت ّ
احتبست الشّيء :إذا اختصصته لنفسك خاصّ ًة .
ويطلق الحتباس عند الفقهاء على تسليم المرأة نفسها لزوجها ،كما قالوا :إنّ النّفقة جزاء
الحتباس .كما يطلقون الحتباس أو الحبس على الوقف ،لما فيه من منع التّصرّف فيه ،
ص من المساك .
وعلى هذا فالحتباس أخ ّ
الحكم الجماليّ :
يختلف حكنم المسناك باختلف الموضوعات الّتني ذكنر فيهنا :منن الصنّيام ،والصنّيد ،
والطّلق ،والقصاص .
أوّلً :إمساك الصّيد :
- 3يطلق إمساك الصّيد على الصطياد ،وعلى إبقاء الصّيد في اليد بدلً من إرساله ،وقد
ن إمساك صيد البرّ حرام إذا كان في حالة الحرام ،أو كان في داخل
اتّفق الفقهاء على أ ّ
حدود الحرم .وكذلك الدّللة والشارة إلى الصّيد والعانة في قتله ،كما هو مبيّن في
مصطلح ( إحرام ) على تفصيلٍ في ذلك .
- 4ويجوز الصطياد بجوارح السّباع والطّير ،كالكلب والفهد والبازي والشّاهين ،ويشترط
في الجارح أن يمسك الصّيد على صاحبه .بشرط كونه معلّما .
والمساك على صاحبه شرط من شروط كون الكلب معلّما عند الجمهور ،فإنّهم صرّحوا أنّ
تعليم الكلب هو أنّه إذا أرسل اتّبع الصّيد .وإذا أخذه أمسكه على صاحبه .ول يأكل منه شيئا
.حتّى لو أخذ صيدا فأكل منه ل يؤكل عند الجمهور ،بدليل قوله تعالى { :فكلوا ممّا أمسكن
ن حدّ تعليم الكلب وما هو في معناه هو المساك على صاحبه وترك الكل
عليكم } إشارةً إلى أ ّ
منه ،والكلب الّذي يأكل إنّما أمسك على نفسه ل على صاحبه ،فكان فعله مضافا إليه ل إلى
ي بن حاتمٍ أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
المرسل فل يجوز أكله .واستدلّ لذلك بحديث « عد ّ
قال له :فإن أكل فل تأكل ،فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه » .
وقال مالك وهو رواية عن أحمد :إنّ المساك ليس شرطا في تعليم الحيوان الّذي يرسل إلى
الصّيد .فالحيوان المعلّم هو الّذي إذا أرسل أطاع وإذا زجر انزجر ،لنّ التّعليم إنّما شرط
حالة الصطياد وهي حالة التّباع .أمّا المساك على صاحبه وترك الكل فيكونان بعد الفراغ
عن الصطياد فل يشترطان .وتفصيله في مصطلح ( صيد ) .
ثانيا :المساك في الصّيام :
- 5المساك عن الكل والشّرب والجماع بشرائط مخصوص ٍة هو معنى الصّيام عند الفقهاء .
ن اليوم من
وهناك إمساك ل يعدّ صوما ،لكنّه واجب في أحوالٍ منها :ما إذا أفطر لعتقاده أ ّ
شعبان ،فتبيّن أنّه من رمضان ،لزمه المساك عن جميع المفطرات لحرمة الشّهر ،وإن كان
ل يحتسب إمساكه هذا صوما .
كذلك يلزم إمساك بقيّة اليوم لكلّ من أفطر في نهار رمضان والصّوم لزم له ،كالمفطر بغير
ن الشّمس قد غابت ولم
ن الفجر لم يطلع وقد كان طلع ،أو ظنّ أ ّ
عذرٍ ،والمفطر يظنّ أ ّ
تغب ،مع وجوب القضاء عند عامّة الفقهاء .
-6أمّا من يباح له الفطر وزال عذره في نهار رمضان كما لو بلغ الصّبيّ ،أو أفاق المجنون
،أو أسلم الكافر ،أو صحّ المريض أو أقام المسافر ،أو طهرت الحائض والنّفساء ،فالمالكيّة
وكذا الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة في رواي ٍة على عدم وجوب المساك عليهم بقيّة يومهم .
وصرّح بعضهم باستحباب إمساكهم لحرمة الشّهر .
أمّا الحنفيّة والشّافعيّة في قولهم الثّاني والحنابلة في روايةٍ فقد صرّحوا بوجوب المساك عليهم
بقيّة يومهم ،كما إذا قامت البيّنة على رؤية هلل رمضان في أثناء النّهار .وللفقهاء في
شكّ خلف وتفصيل ،لكن المالكيّة صرّحوا بأنّه يندب المساك عن المفطر في
صوم يوم ال ّ
شكّ بقدر ما جرت العادة بالثّبوت فيه ليتحقّق الحال .
يوم ال ّ
وللتّفصيل في هذه المسائل يرجع إلى مصطلح ( صيام ) .
ثالثا :المساك في القصاص :
- 7إن أمسك شخص إنسانا وقتله آخر فل خلف أنّ القاتل يقتل قصاصا .أمّا الممسك فإن
ن الجاني كان يريد القتل فل قصاص عليه اتّفاقا ،لنّه متسبّب والقاتل مباشر ،
لم يعلم أ ّ
والقاعدة الفقهيّة تقول ( :إذا اجتمع المباشر والمتسبّب يضاف الحكم إلى المباشر ) .
كذلك إذا كان المساك بقصد القتل بحيث لول إمساكه له لما أدركه القاتل مع علم الممسك بأنّ
الجاني قاصد قتله فقتله الثّالث فالحنفيّة والشّافعيّة على أنّه ل يقتصّ من الممسك ،لتقديم
المباشر على المتسبّب .
ص من القاتل لمباشرته ،
ص من الممسك لتسبّبه كما يقت ّ
وقال مالك وهو رواية عن أحمد :يقت ّ
لنّه لو لم يمسكه لما قدر القاتل على قتله ،وبإمساكه تمكّن من قتله ،فيكونان شريكين .
ن من أمسك شخصا ليقتله الطّالب يحبس الممسك حتّى يموت .لنّه أمسك
وروي عن أحمد أ ّ
القتيل حتّى الموت .وتفصيله في مصطلح ( قصاص )
رابعا :المساك في الطّلق :
- 8المساك من صيغ الرّجعة في الطّلق الرّجعيّ عند الجمهور ( الحنفيّة والحنابلة وهو
الصحّ عند الشّافعيّة ) فتصحّ الرّجعة بقوله :مسكتك أو أمسكتك بدون حاج ٍة إلى ال ّنيّة ،لنّه
ورد به الكتاب لقوله تعالى { :فأمسكوهنّ بمعروفٍ } يعني الرّجعة .
وقال المالكيّة وهو القول الثّاني للشّافعيّة :إن قال :أمسكتها ،يكون مراجعا بشرط ال ّنيّة .
ويصير مراجعا بالمساك الفعليّ إذا كان بشهو ٍة عند الحنفيّة ،وهو رواية عن أحمد ،وكذلك
عند المالكيّة إذا اقترن المساك بالنّيّة .وقال الشّافعيّة :ل تحصل الرّجعة بفعلٍ كوطءٍ
ومقدّماته ،لنّ ذلك حرّم بالطّلق ومقصود الرّجعة حلّه ،فل تحصل به .
أمّا المساك لغير شهوةٍ فليس برجع ٍة عند عامّة الفقهاء .
ن الطّلق في الحيض طلق بدع ٍة لكنّه إن حصل وقع ،وتستحبّ مراجعتها
-9وذكر الفقهاء أ ّ
عند الجمهور .وقال مالك :يجبر على الرّجعة ،لحديث ابن عمر « مره فليراجعها ثمّ
ليمسكها حتّى تطهر ث ّم تحيض ثمّ تطهر » .
فإذا راجعها وجب إمساكها عند عامّة الفقهاء حتّى تطهر من الحيض وندب إمساكها حتّى
تحيض حيضةً أخرى .وتفصيله في مصطلح ( رجعة ) .
إمضاء *
انظر :إجازة .
إملك *
التّعريف :
- 1الملك هو :التّزويج وعقد النّكاح
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
ص به تذكر فيه أحكامه .
- 2الملك بمعنى :عقد النّكاح ،وله مصطلح خا ّ
ووليمة الملك بمعنى وليمة العقد ،فهي سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة ،والجابة إليها سنّة عند
الشّافعيّة ،وهو قول ابن قدامة وغيره من الحنابلة ،وقال بعض الحنابلة :إنّها مباحة .وهل
تتعدّد مع وليمة الدّخول ؟ قال الشّافعيّة :المعتمد أنّها واحدة .ولم نطّلع على حكم وليمة
الملك عند المالكيّة والحنفيّة .ويتكلّم الفقهاء عن الملك في باب الوليمة من كتاب النّكاح ،
وتفصيله في مصطلح ( وليمة ) .
أمّ *
التّعريف :
- 1أ ّم الشّيء في اللّغة :أصله ،والمّ :الوالدة ،والجمع أمّهات وأمّات ولكن كثر
( أمّهات ) في الدميّات ( وأمّات ) في الحيوان .
ويقول الفقهاء :إنّ من ولدت النسان فهي أمّه حقيقةً ،أمّا من ولدت من ولده فهي أمّه مجازا
،وهو الجدّة ،وإن علت كأمّ الب وأ ّم المّ .
ومن أرضعت إنسانا ولم تلده فهي أمّه من الرّضاع .
الحكم الجماليّ :
للمّ أحكام خاصّة في الفقه السلميّ تفصيلها فيما يلي :
برّ الوالدين :
- 2ومن الواجب على المسلم برّ الوالدين وإن كانا فاسقين أو كافرين ،ويجب طاعتهما في
غير معصية اللّه تعالى ،فإن كانا كافرين فليصاحبهما في الدّنيا معروفا ،ول يطعهما في كفرٍ
ول في معصية اللّه تعالى قال سبحانه وتعالى { :وقضى ربّك ألّ تعبدوا إلّ إيّاه وبالوالدين
إحسانا } وقال تعالى { :وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما
وصاحبهما في الدّنيا معروفا }
وهي أولى من الب بالبرّ لقوله تعالى { :ووصّينا النسان بوالديه إحسانا حملته أمّه وهنا
ن وفصاله في عامين } ولنّ« النّبيّ صلى ال عليه وسلم جاءه رجل فقال :يا رسول
على وه ٍ
اللّه من أحقّ بحسن صحابتي ؟ قال :أمّك .قال :ثمّ من ؟ قال :أمّك .قال :ثمّ من ؟ قال :
أمّك قال :ثمّ من ؟ قال :أبوك » وعن ابن مسعودٍ رضي ال عنه قال « :سألت رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم أيّ العمل أفضل ؟ قال :الصّلة لوّل وقتها ،وبرّ الوالدين»
تحريم المّ :
- 3أجمعوا على تحريم نكاح المّ النّسبيّة وإن علت على ابنها لقوله تعالى { :حرّمت عليكم
أمّهاتكم } ومثلها المّ من الرّضاع لقوله تعالى { :وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم } .
النّظر إلى المّ والمسافرة بها :
- 4اتّفق الفقهاء على جواز النّظر إلى المّ ،ولكن اختلفوا في محلّ جواز النّظر ،فذهب
الحنفيّة إلى جواز النّظر من المّ إلى الرّأس والوجه والصّدر والسّاق والعضدين ،فل يجوز
النّظر إلى الظّهر والبطن والفخذ .
وذهب المالكيّة إلى أنّه ينظر إلى الوجه والطراف ،فل يجوز النّظر إلى الصّدر والظّهر
والثّدي والسّاق ،وإن لم يلتذّ به .
ل أنّهم أجازوا النّظر إلى السّاق من المحرم ،وذهب
والحنابلة في المعتمد عندهم كالمالكيّة إ ّ
الشّافعيّة والقاضي من الحنابلة إلى تحريم النّظر من المحرم إلى ما بين السّرّة والرّكبة ويحلّ
ما عداه .واتّفق الفقهاء أيضا على أنّ هذا التّحديد في النّظر على اختلف المذاهب مشروط
بعدم النّظر بشهو ٍة ،فإن كان بشهو ٍة حرم .ويجوز للمّ أن تسافر مع ولدها لنّه من أقوى
ي صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ لمرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الخر أن
المحارم لها ،لقول النّب ّ
تسافر مسيرة يومٍ وليل ٍة ليس معها حرمة » .
النّفقة :
-قال ابن المنذر :أجمع العلماء على وجوب النّفقة للوالدين اللّذين ل كسب لهما ول مال ، 5
سواء أكان الوالدان مسلمين أو كافرين ،وسواء كان الفرع ذكرا أم أنثى ،لقوله تعالى :
ن أطيب ما يأكل الرّجل
{ وصاحبهما في الدّنيا معروفا } ولقوله عليه الصلة والسلم « :إ ّ
من كسبه ،وولده من كسبه » .وللتّفصيل انظر ( نفقة ) .
الحضانة :
- 6تثبت الحضانة للمّ المسلمة اتّفاقا ما لم يكن مانع ،بل هي أولى من غيرها ،وكذا المّ
ف وتفصيلٍ فيها -وتجب عليها الحضانة إذا تعيّنت بألّ يكون غيرها .
الكتابيّة -على خل ٍ
وللتّفصيل :انظر مصطلح ( حضانة ) .
الميراث :
ل:
- 7للمّ في الميراث ثلثة أحوا ٍ
الوّل :استحقاق السّدس فرضا ،وذلك إذا كان للميّت فرع وارث ،أو اثنان من الخوة
والخوات من أيّ جه ٍة كانوا .
الثّاني :استحقاق ثلث التّركة كلّها فرضا ،وذلك عند عدم الفرع الوارث أصلً ،وعدم اثنين
فأكثر من الخوة والخوات .
الثّالث :استحقاق ثلث الباقي من التّركة ،وذلك في مسألتين :
أ -أن يكون الورثة زوجا وأمّا وأبا ،فللمّ ثلث الباقي بعد فرض الزّوج ،وهو يساوي هنا
السّدس .
ب -أن يكون الورثة زوج ًة وأمّا وأبا ،فللمّ ثلث الباقي بعد فرض الزّوجة ،وهو يساوي
هنا الرّبع .وقد سمّى الفقهاء هاتين المسألتين بالغرّاوين أو العمريّتين ،لقضاء عمر رضي ال
عنه فيهما بذلك .
الوصيّة :
- 8ل يدخل الوالدان والولد في الوصيّة للقرباء ،لنّهم يرثون في كلّ حالٍ ،ول يحجبون ،
ث»
وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل وصيّة لوار ٍ
الولية :
- 9يرى جمهور الفقهاء أنّه ل ولية للمّ على مال الصّغير ،لنّ الولية ثبتت بالشّرع فلم
تثبت للمّ كولية النّكاح ،لكن يجوز أن يوصى إليها فتصير وصيّةً باليصاء .
وفي رأيٍ للشّافعيّة -خلف الصحّ -وهو قول ذكره القاضي والشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة من
الحنابلة تكون لها الولية بعد الب والجدّ ،لنّها أكثر شفق ًة على البن .
ن المرأة ل تملك تزويج نفسها ول غيرها ،
وكذلك ل ولية لها في النّكاح عند الجمهور ل ّ
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تزوّج المرأة المرأة ول تزوّج المرأة نفسها » .
وعند أبي حنيفة وزفر والحسن وهو ظاهر الرّواية عن أبي يوسف أنّه تجوز ولية المّ في
النّكاح عند عدم العصبة .
إقامة الح ّد والتّعزير على المّ :
- 10ل يقام حدّ السّرقة على المّ إذا سرقت من مال ولدها .ول تحدّ حدّ القذف أيضا إذا
قذفت ولدها ،وخلف الرّاجح عند المالكيّة تحدّ ،وكذا ل يعزّر الوالدان لحقوق الولد .
القصاص :
ص للقتيل من قبل أصوله ،ومنهم المّ لحديث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
- 11ل يقت ّ
« ل يقاد الوالد بولده » ومثله بقيّة الصول ،ولنّ الصل سبب لحياء الفرع فمن المحال أن
يستحقّ له إفناؤه .وذهب المالكيّة إلى ما ذهب إليه جمهور العلماء ،إلّ إذا قصد الصل
إزهاق روح الفرع ،كأن يرمي عنق الفرع بالسّيف ،أو يضجعه ويذبحه .
شهادة الفرع للمّ وعكسه :
- 12أ -ل تقبل شهادة أحدهما للخر عند جماهير العلماء ،وبه قال شريح والحسن
والشّعبيّ والنّخعيّ وأبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه -وهي
المذهب -وإسحاق وأبو عبيدٍ وأصحاب الرّأي .
ن شهادة البن لصله مقبولة بخلف العكس ،وروي عن عمر
وفي رواي ٍة أخرى عن أحمد أ ّ
ن شهادة كلّ منهما للخر مقبولة وروي ذلك عن شريحٍ ،وبه
بن الخطّاب رضي ال عنه أ ّ
قال عمر بن عبد العزيز وأبو ثورٍ والمزنيّ وداود وإسحاق وابن المنذر .
ب -أمّا شهادة أحدهما -أي الفرع والصل -على صاحبه فتقبل ،وهو قول عامّة أهل
ل لم تقبل .
ل قبول الشّهادة حيث ل عداوة وإ ّ
العلم ،لنتفاء التّهمة ،وصرّح الشّافعيّة بأنّ مح ّ
وللتّفصيل انظر مصطلح ( شهادة ) .
إذن المّ لولدها في الجهاد :
- 13اتّفقوا على أنّه ل يجوز الجهاد للولد في حال كونه فرض كفاي ٍة إلّ بإذن والديه إذا كانا
مسلمين « ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم للرّجل الّذي استأذنه في الجهاد :أحيّ والداك ؟
قال :نعم .قال :ففيهما فجاهد » .
تأديب المّ لولدها :
- 14يجوز للب والمّ ضرب الصّغير والمجنون زجرا لهما عن سيّئ الخلق وإصلحا
لهما .وللتّفصيل :انظر مصطلح ( تعزير )
أمّ الرامل *
التّعريف :
-1المّ لغةً الوالدة ،والرامل جمع أرملةٍ وهي الّتي مات زوجها .ومسألة أ ّم الرامل عند
ت لمّ ،
الفرضيّين :إحدى المسائل الملقّبات وهي جدّتان ،وثلثة زوجاتٍ ،وأربع أخوا ٍ
وثماني أخواتٍ لبوين أو لبٍ ،وتسمّى أيضا بأمّ الفروج لنوثة الجميع ،وتسمّى أيضا
السّبعة عشريّة ،لنسبتها إلى سبعة عشر ،وهو عدد أسهمها .
بيان النصبة فيها :
- 2أصل المسألة من اثني عشر ( وتعول إلى سبعة عشر ) فيكون للجدّتين السّدس ،وهو
اثنان ،لكلّ واحد ٍة سهم ،وللزّوجات الرّبع ،ثلثة ،لكلّ واحد ٍة منهنّ سهم ،وللخوات لمّ
ن سهم ،والثّلثان وهو ثمانية أسهمٍ للخوات الثّماني لكلّ واحدةٍ
الثّلث ،أربعة ،لكلّ واحدةٍ منه ّ
سهم ،ويفصّل الفقهاء هذه المسألة في المواريث في باب العول .
أمّ الدّماغ *
التّعريف :
- 1أ ّم الدّماغ لغةً :الهامة :وقيل الجلدة الرّقيقة المشتملة على الدّماغ .
وعند الفقهاء :الجلدة الّتي تحت العظم فوق الدّماغ ،وتسمّى بأمّ الرّأس ،وخريطة الدّماغ .
الحكم الجماليّ :
شجّة الّتي تصل إلى أمّ الدّماغ دون أن تخرقها تسمّى آ ّمةً ومأموم ًة ،وفيها ثلث الدّية ،
- 2ال ّ
ول قصاص فيها عند الفقهاء ،روى ابن ماجه في سننه عن العبّاس بن عبد المطّلب عن النّبيّ
صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ل قود في المأمومة ول الجائفة ول المنقّلة » ،وفي المغني
" :وليس فيها قصاص عند أحدٍ من أهل العلم نعلمه إلّ ما روي عن ابن الزّبير أنّه قصّ من
ص منها قبل ابن الزّبير .
المأمومة فأنكر النّاس عليه ،وقالوا ما سمعنا أحدا ق ّ
شجّة أمّ الدّماغ سمّيت الدّامغة ،وللفقهاء فيها عدّة آراءٍ .
- 3فإن خرقت ال ّ
منها :أنّه يجب فيها ما يجب في المّة ول يزاد لها شيء .
ومنها :أنّه يزاد فيها حكومة بالضافة إلى دية المّة .
ومنها :أنّه يجب فيها ما يجب في النّفس إذ ل يعيش النسان معها غالبا .ويفصّل الفقهاء ذلك
في كتاب الجنايات ( :القصاص فيما دون النّفس ،دية الطراف والمنافع ) .
-وبالضا فة إلى ما تقدّم يتكلّم الفقهاء عن إفطار ال صّائم بو صول شي ٍء إلى أ مّ الدّماغ ، 4
فمنهم من يرى بطلن صومه بوصول شيءٍ إلى أمّ الدّماغ ،ومنهم من ل يرى بطلن صومه
إلّ إذا وصل إلى الدّماغ نفسه .
وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في كتاب الصّيام باب ( ما يفطر الصّائم )
أ ّم الفروخ
التّعريف :
- 1المّ لغةً الوالدة ،والفروخ :جمع فرخٍ ،وهو ولد الطّائر ،وقد استعمل في كلّ صغيرٍ
من الحيوان والنّبات والشّجر وغيرها .
- 2وأمّ الفروخ عند الفرضيّين لقب لمسألةٍ من مسائل الميراث هي :زوج ،وأمّ ،وأختان
ب ،واثنان فأكثر من أولد المّ ،وسمّيت بأمّ الفروخ لكثرة السّهام العائلة فيها ،
شقيقتان أو ل ٍ
ل مسأل ٍة عائلةٍ إلى عشرةٍ .ويقال لهذه
شبّهت بطائرٍ حولها أفراخها ،وقيل :إنّه لقب لك ّ
المسألة أيضا ( البلجاء ) لوضوحها لنّها عالت بثلثيها ،وهو أكثر ما تعول إليه مسألة في
الفرائض ،وتلقّب أيضا ( الشّريحيّة ) لوقوعها في زمن القاضي شريحٍ .
ن رجلً أتاه وهو قاضٍ بالبصرة فسأله عنها ،فجعلها من عشر ٍة كما تقدّم ،فكان الزّوج
روي أ ّ
يلقى الفقيه فيستفتيه قائلً :رجل ماتت امرأته ،ولم تترك ولدا ول ولد ابنٍ ،فيجيبه الفقيه :له
النّصف ،فيقول :واللّه ما أعطيت نصفا ول ثلثا ،فيقول له :من أعطاك ذلك ؟ فيقول :
شريح ،فيلقى الفقيه شريحا فيسأله عن ذلك فيخبره الخبر ،فكان شريح إذا لقي الزّوج يقول
له :إذا رأيتني ذكرت في حكما جائرا إذا رأيتك ذكرت رجلً فاجرا تبيّن لي فجوره ،إنّك
تذيع الشّكوى وتكتم الفتوى .
كيفيّة التّوريث فيها :
- 3للزّوج النّصف ،وللختين لغير أ ّم الثّلثان ،ولل ّم السّدس ،ولولد المّ الثّلث ،
ومجموع ذلك عشرة ،وأصلها من ستّةٍ هذا على قول الجمهور .
ويفصّل الفقهاء هذه المسألة في باب العول من كتب الفرائض .
أمّ الكتاب *
التّعريف :
- 1أ ّم الشّيء في اللّغة :أصله ،وأ ّم الكتاب هي :أصله .
ن أمّ الكتاب }
وبهذا المعنى وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى { :منه آيات محكمات ه ّ
أي أصله الّذي يرجع إليه عند الشتباه ،وأطلق في قوله جلّ شأنه { :يمحو اللّه ما يشاء
ويثبت وعنده أمّ الكتاب } على اللّوح المحفوظ الّذي فيه علم اللّه تعالى .
وقد ورد في عد ٍد من الحاديث والثار إطلق ( أمّ الكتاب ) على سورة الفاتحة .من ذلك
قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من قرأ بأ ّم الكتاب فقد أجزأت عنه » وقوله صلى ال
عليه وسلم « :من صلّى صلةً لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج »
وينظر تفصيل أحكام ( أ ّم كتاب ) بالطلق الخير في مصطلح ( الفاتحة ،وقراءة ) .
أمّ الولد *
انظر :استيلد .
أمّهات المؤمنين *
التّعريف :
ل امرأةٍ عقد عليها رسول
- 1يؤخذ من استعمال الفقهاء أنّهم يريدون ب " أمّهات المؤمنين " ك ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم ودخل بها ،وإن طلّقها بعد ذلك على الرّاجح .
ن من عقد عليها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولم يدخل بها فإنّها ل يطلق
وعلى هذا فإ ّ
عليها لفظ " أمّ المؤمنين " .
ومن دخل بها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على وجه التّسرّي ،ل على وجه النّكاح ،ل
يطلق عليها " أمّ المؤمنين " كمارية القبطيّة .
ويؤخذ ذلك من قوله تعالى في سورة الحزاب { وأزواجه أمّهاتهم } .
عدد أمّهات المؤمنين :
ن أمّهات
- 2النّساء اللّاتي عقد عليهنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ودخل بهنّ -وه ّ
ن كما يلي :
ن على ترتيب دخوله به ّ
المؤمنين -اثنتا عشرة امرأةً ،ه ّ
- 1 -خديجة بنت خويلدٍ .
- 2 -سودة بنت زمعة ،وقيل :إنّه دخل بها بعد عائشة .
صدّيق التّيميّة .
- 3 -عائشة بنت أبي بكرٍ ال ّ
- 4 -حفصة بنت عمر بن الخطّاب العدويّة .
- 5 -زينب بنت خزيمة الهلليّة .
- 6 -أ ّم سلمة ،واسمها :هند بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّة .
- 7 -زينب بنت جحشٍ السديّة .
- 8 -جويرية بنت الحارث الخزاعيّة .
- 9 -ريحانة بنت زيد بن عمرٍو القرظيّة .
- 10 -أ ّم حبيبة ،واسمها :رملة بنت أبي سفيان المويّة .
- 11 -صفيّة بنت حييّ بن أخطب النّضيريّة .
ن الهلليّة .
- 12 -ميمونة بنت الحارث بن حز ٍ
وتوفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن تسعٍ منهنّ ،وهنّ :سودة -وعائشة -وحفصة
-وأمّ سلمة -وزينب بنت جحشٍ -وأمّ حبيبة -وجويرية -وصفيّة -وميمونة .وقد وقع
الخلف بين العلماء في ( ريحانة ) فقيل :كان دخول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بها
ح ،وقيل :كان دخوله بها دخول تسرّ بملك اليمين ،والصّحيح الوّل .
دخول نكا ٍ
ممّا يجب أن تتّصف به أمّهات المؤمنين :
يجب أن تتّصف أمّهات المؤمنين بالصّفات التّالية :
أ -السلم :
ن كلّهنّ مسلماتٍ مؤمناتٍ ،وذكر
- 3لم تكن واحدة من أمّهات المؤمنين كتابيّةً ،بل ك ّ
المالكيّة والشّافعيّة :أنّه يحرم على رسول اللّه أن يتزوّج بكتابيّةٍ ،لنّه عليه الصلة والسلم
أشرف من أن يضع نطفته في رحمٍ كافر ٍة ،بل لو نكح كتابيّةً لهديت إلى السلم كرامةً له ،
لخبر « سألت ربّي ألّ أزوّج إلّ من كان معي في الجنّة فأعطاني » .
ب -الح ّريّة :
ن حرائر ،بل ذكر المالكيّة والشّافعيّة :أنّه
ن كلّه ّ
- 4ولم تكن واحدة منهنّ رقيق ًة ،بل ك ّ
يحرم على رسول اللّه أن يتزوّج بأمةٍ ولو كانت مسلمةً ،لنّ نكاحها لعدم الطّول ( القدرة
على زواج الحرّة ) وخوف العنت ( الزّنى ) ،وهو غنيّ عن الوّل ابتداءً وانتهاءً ،لنّ له أن
يتزوّج بغير مهرٍ -كما سيأتي -وعن الثّاني للعصمة الّتي عصمه اللّه تعالى بها .
ج -عدم المتناع عن الهجرة :
- 5لقد حرّم اللّه تعالى على رسوله صلى ال عليه وسلم أن يتزوّج من وجبت عليها الهجرة
فلم تهاجر ،ولو كانت مؤمن ًة مسلمةً ،لقوله تعالى في سورة الحزاب { :يا أيّها النّبيّ إنّا
ن وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك
أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجوره ّ
وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالتك اللّاتي هاجرن معك } .ولما رواه التّرمذيّ وحسّنه
وابن أبي حاتمٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي ال عنهما قال « :نهي رسول اللّه عن أصناف
النّساء ،إلّ ما كان من المؤمنات المهاجرات » ولحديث « أمّ هانئٍ قالت :خطبني رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذرٍ فعذرني ،فأنزل اللّه تعالى { :إنّا أحللنا لك أزواجك
ل له ،لنّي لم أهاجر
} ...الية إلى قوله تعالى { اللّاتي هاجرن معك } قالت :فلم أكن أح ّ
معه ،كنت من الطّلقاء » .
ن اللّاتي لم يهاجرن
وقال المام أبو يوسف -من الحنفيّة : -ل دللة في الية الكريمة على أ ّ
ن محرّماتٍ على الرّسول عليه الصلة والسلم ،لنّ تخصيص الشّيء بالذّكر ل ينفي ما
كّ
عداه .ويجوز للرّسول صلى ال عليه وسلم أن يتزوّج من نساء النصار ،قد تزوّج عليه
الصلة والسلم من غير المهاجرات صفيّة وجويرية ،وفي مسند المام أحمد عن أبي برزة
رضي ال عنه قال « :كانت النصار إذا كان لحدهم أيّم لم يزوّجها حتّى يعلم هل للنّبيّ
ل له التّزوّج من نساء النصار
صلى ال عليه وسلم فيها حاجة أم ل » فلو ل علمهم بأنّه يح ّ
لما كان هناك داعٍ للتّربّص والنتظار .
د -التّنزّه عن الزّنى :
- 6أمّهات المؤمنين بحكم كونهنّ زوجات رسول اللّه صلى ال عليه وسلم منزّهات عن
طيّبات للطّيّبين
الزّنى ،لما في ذلك من تنفير النّاس عن الرّسول ،ولقوله تعالى { :ال ّ
سيّدة عائشة
س :ما بغت امرأة نبيّ قطّ ،وما رميت به ال ّ
طيّبات } .قال ابن عبّا ٍ
طيّبون لل ّ
وال ّ
ل شأنه { :إنّ
من الفك فرية كاذبة خاطئة برّأها اللّه تعالى منها في القرآن الكريم بقوله ج ّ
الّذين جاءوا بالفك عصبة منكم ل تحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم ،لكلّ امرئٍ منهم ما
اكتسب من الثم ،والّذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم } .اليات إلى قوله { يعظكم اللّه أن
تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين } .
أحكام أمّهات المؤمنين مع الرّسول صلى ال عليه وسلم :
العدل بين الزّوجات :
ن ،ول يطالب رسول
- 7ل حقّ لمّهات المؤمنين في القسم في المبيت ول في العدل بينه ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم بذلك ،ويجوز له أن يفضّل من شاء منهنّ على غيرها في المبيت
والكسوة والنّفقة لقوله تعالى { :ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء ،ومن ابتغيت
ممّن عزلت فل جناح عليك } .
ب القرظيّ قال « :كان رسول اللّه موسّعا عليه في قسم
وأخرج ابن سعدٍ عن محمّد بن كع ٍ
أزواجه يقسم بينهنّ كيف شاء » .
وعلّل ذلك بعضهم بأنّ في وجوب القسم عليه شغلً عن لوازم الرّسالة .
وقد صرّح العلماء أنّ القسم لم يكن واجبا عليه لكنّه كان يقسم من نفسه تطييبا لقلوبهنّ .
تحريم نكاح أمّهات المؤمنين على التّأبيد :
ل شأنه { وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ول أن
- 8ثبت ذلك بنصّ القرآن الكريم ،فقال ج ّ
ن ذلكم كان عند اللّه عظيما } .
تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ،إ ّ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قبل الدّخول كالمستعيذة -وهي أسماء بنت
وأمّا اللّاتي فارقه ّ
النّعمان ،وكالتي رأى في كشحها بياضا -وهي عمرة بنت يزيد عندما دخل عليها ،فللفقهاء
في تأبيد التّحريم رأيان :
أحدهما :أنّهنّ يحرمن ،وهو الّذي عليه الشّافعيّ وصحّحه في الرّوضة لعموم الية السّابقة ،
وذلك لنّ المراد من قوله تعالى { :ول أن تنكحوا أزواجه من بعده } أي من بعد نكاحه .
ن الشعث بن قيسٍ نكح المستعيذة في زمن عمر بن الخطّاب
والثّاني :ل يحرمن .لما روي أ ّ
،فقام عمر برجمه ورجمها ،فقالت له :كيف ترجمني ولم يضرب عليّ حجاب ،ولم أسمّ
للمؤمنين أمّا ؟ فكفّ عمر عن ذلك .
ن في النّفقة والسّكنى خلف .
وفي وجوب عدّة الوفاة على أمّهات المؤمنين واستمرار حقّه ّ
علوّ منزلتهنّ :
- 9إذا عقد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على امرأةٍ ودخل بها صارت أمّا للمؤمنين
والمؤمنات عند البعض ،ورجّحه القرطبيّ بدللة صدر الية { النّبيّ أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم } .
وعند البعض الخر :تصبح أمّا للمؤمنين دون المؤمنات ،ورجّحه ابن العربيّ مستدلّا بما
روي عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت لها امرأة :يا أمّه ،فقالت لها عائشة :لست لك
بأمّ ،إنّما أنا أمّ رجالكم .
دخولهنّ في آل بيت الرّسول صلى ال عليه وسلم :
- 10اختلف العلماء في دخول أمّهات المؤمنين في أهل بيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
.فمنهم من قال :يدخل نساء النّبيّ صلى ال عليه وسلم في أهل البيت ،وبه قالت عائشة
وابن عبّاسٍ وعكرمة وعروة وابن عطيّة ،وابن تيميّة وغيرهم ،ويستدلّ هؤلء بما رواه
ن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفر ًة من
الخلّال بإسناده عن ابن أبي مليكة أ ّ
ل لنا الصّدقة ،وكان عكرمة ينادي في السّوق {
الصّدقة فردّتها وقالت :إنّا آل مح ّمدٍ ل تح ّ
إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا } نزلت في نساء النّبيّ صلى
ن ما قبلها وما بعدها
ل عليه سياق الية ،ل ّ
ال عليه وسلم خاصّ ًة .وهذا القول هو الّذي يد ّ
ن ول تبرّجن تبرّج الجاهليّة
خطاب لمّهات المؤمنين .قال اللّه تعالى { :وقرن في بيوتك ّ
الولى وأقمن الصّلة وآتين الزّكاة وأطعن اللّه ورسوله ،إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس
ن من آيات اللّه والحكمة إنّ اللّه كان
أهل البيت ويطهّركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتك ّ
لطيفا خبيرا } ومنهم من قال :ل يدخل نساء النّبيّ في آل بيت رسول اللّه ،ويستدلّ هؤلء
بما رواه التّرمذيّ عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول اللّه قال « :نزلت هذه الية على النّبيّ
صلى ال عليه وسلم { إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا } في
ي خلف ظهره ،فجلّلهم
بيت أمّ سلمة ،فدعا النّبيّ فاطمة وحسنا وحسينا فجلّلهم بكساءٍ وعل ّ
بكسا ٍء ثمّ قال :اللّهمّ هؤلء أهل بيتي ،فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ،قالت أ ّم سلمة
:وأنا معهم يا نبيّ اللّه ؟ قال أنت على مكانك ،وأنت إلى خيرٍ » .
حقوق أمّهات المؤمنين :
- 11من حقّ أمّهات المؤمنين أن يحترمن ويعظّمن ،ويصنّ عن العين واللسن ،وذلك
ن.
واجب على المسلمين نحوه ّ
فإن تطاول من ل خلق له على تناولهنّ بالقذف أو السّبّ ،ففي القذف يفرّق جمهور الفقهاء
بين قذف عائشة رضي ال عنها ،وقذف غيرها من أمّهات المؤمنين .
فمن قذف عائشة رضي ال عنها بما برّأها اللّه تعالى منه -من الزّنى -فقد كفر ،وجزاؤه
ن من أتى شيئا من ذلك فقد
القتل ،وقد حكى القاضي أبو يعلى وغيره الجماع على ذلك ،ل ّ
كذّب القرآن ،ومن كذّب القرآن قتل ،لقوله تعالى { :يعظكم اللّه أن تعودوا لمثله أبدا إن
كنتم مؤمنين } .أمّا من قذف واحدةً من أمّهات المؤمنين غير عائشة فقد اختلف العلماء في
عقوبته ،فقال بعضهم ومنهم ابن تيميّة :إنّ حكم قذف واحد ٍة منهنّ كحكم قذف عائشة رضي
ال عنها -أي يقتل -لنّ فيه عارا وغضاض ًة وأذًى لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم بل في
ذلك قدح بدين رسول اللّه صلوات اللّه وسلمه عليه .
وقال بعضهم :إنّ قذف واحد ٍة من أمّهات المؤمنين غير عائشة كقذف واحدٍ من الصّحابة
رضي ال عنه ،أو واحدٍ من المسلمين ،أي يح ّد القاذف حدّا واحدا لعموم قوله تعالى { :
والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلد ًة ول تقبلوا لهم شهادةً
ن شرف المنزلة ل يؤثّر في الحدود
ن زياد ًة في حدّ من قذفهنّ ،ل ّ
أبدا } لنّه ل يقتضي شرفه ّ
.وقال بعضهم ومنهم مسروق بن الجدع وسعيد بن جبيرٍ :من قذف أمّهات المؤمنين غير
عائشة يح ّد حدّين للقذف -أي يجلد مائ ًة وستّين جلدةً -
أمّا سبّ واحد ٍة من أمّهات المؤمنين -بغير الزّنى -من غير استحللٍ لهذا السّبّ ،فهو
فسق ،وحكمه حكم سبّ واحدٍ من الصّحابة رضوان ال عليهم ،يعزّر فاعله .
أ ّميّ *
التّعريف :
-1ال ّميّ :المنسوب إلى المّ ،ويطلق على من ل يقرأ ول يكتب ،نسب إلى المّ لنّه بقي
ن الكتابة والقراءة مكتسبة .
على ما ولدته عليه أمّه .ل ّ
صلة ال ّميّ :
- 2ال ّميّ الّذي ل يحسن قراءة الفاتحة ،ويحسن قراءة آيةٍ منها ويريد الصّلة ،قال البعض
:إنّه يكرّر هذا الّذي يحسنه سبع مرّاتٍ ،ليكون بمنزلة سبع آيات الفاتحة ،وقال آخرون :ل
يكرّره .
وإن كان ل يحسن الفاتحة ويحسن غيرها ،قرأ ما يحسنه من القرآن الكريم .
فإن كان ل يحسن شيئا واجتهد آناء اللّيل والنّهار فلم يقدر على التّعلّم ،قال أبو حنيفة وبعض
المالكيّة :يصلّي دون أن يقرأ شيئا ل من القرآن ول من الذكار .وقال الشّافعيّ وأحمد بن
حنبلٍ وبعض المالكيّة :يصلّي ويحمد اللّه تعالى ويهلّله ويكبّره بدل القراءة ،لما روي عن
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا قمت إلى الصّلة فإن كان معك قرآن فاقرأ به ،
ل فاحمده وهلّله وكبّره » .
وإ ّ
وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب ( الصّلة ) عند كلمهم على القراءة في الصّلة .
أمن *
التّعريف :
- 1المن ضدّ الخوف ،وهو :عدم توقّع مكروهٍ في الزّمان التي ،ول يخرج استعمال
الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -أمان :
- 2المان :ضدّ الخوف ،يقال :أمّنت السير :أعطيته المان فأمن ،فهو كالمن .
وأمّا عند الفقهاء ،فله معنًى يختلف عن المن ،إذ هو عندهم ،عقد يفيد ترك القتال مع
الكفّار فردا أو جماعةً مؤقّتا أو مؤبّدا .
ب -خوف :
- 3الخوف :الفزع ،وهو ضدّ المن
ج -إحصار :
- 4الحصار :المنع والحبس .
ج أو العمرة ،
ج بعدوّ ونحوه من بعض أعمالٍ معيّنةٍ في الح ّ
ويستعمله الفقهاء في منع الحا ّ
كالوقوف بعرفة والطّواف .
حاجة النّاس إلى المن وواجب المام تجاه ذلك :
ن النّاس على
- 5المن للفرد وللمجتمع وللدّولة من أهمّ ما تقوم عليه الحياة ،إذ به يطمئ ّ
دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم ،ويتّجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم وينهض
ن -حدوث الختلف بينهم ،
بأمّتهم .ومن طبائع المجتمعات البشريّة -كما يقول ابن خلدو ٍ
ووقوع التّنازع الّذي يؤدّي إلى المشاحنات والحروب ،وإلى الهرج وسفك الدّماء والفوضى ،
بل إلى الهلك إذا خلّي بينهم وبين أنفسهم بدون وازعٍ .
ن وجود المام هو الّذي يمنع الفوضى ،فيقول :المامة موضوعة لخلفة
وبيّن الماورديّ أ ّ
النّبوّة في حراسة الدّين وسياسة الدّنيا ،ولول الولة لكان النّاس فوضى مهملين وهمجا
مضيّعين .ث ّم يوضّح الماورديّ واجبات المام في ذلك فيقول :الّذي يلزم المام من المور
العامّة عشرة أشياء :
أحدها :حفظ الدّين على أصوله المستقرّة وما أجمع عليه سلف المّة ،فإن نجم مبتدع أو زاغ
.ذو شبهةٍ عنه أوضح له الحجّة ،وبيّن له الصّواب ،وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ،
ليكون الدّين محروسا من خللٍ ،والمّة ممنوعةً من زللٍ .
الثّاني :تنفيذ الحكام بين المتشاجرين ،وقطع الخصام بين المتنازعين ،حتّى تعمّ النّصفة ،
فل يتعدّى ظالم ،ول يضعف مظلوم .
الثّالث :حماية البيضة والذّبّ عن الحريم ليتصرّف النّاس في المعايش وينتشروا في السفار ،
س أو مالٍ .
آمنين من تغريرٍ بنف ٍ
الرّابع :إقامة الحدود لتصان محارم اللّه تعالى عن النتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلفٍ
واستهلكٍ .
الخامس :تحصين الثّغور بالعدّة المانعة والقوّة الدّافعة ،حتّى ل تظفر العداء بغرّةٍ ،ينتهكون
فيها محرما ،أو يسفكون فيها لمسلمٍ أو معاهدٍ دما .
السّادس :جهاد من عاند السلم بعد الدّعوة حتّى يسلم ،أو يدخل في ال ّذمّة ،ليقام بحقّ اللّه
تعالى في إظهاره على الدّين كلّه .
السّابع :جباية الفيء والصّدقات على ما أوجبه الشّرع نصّا واجتهادا من غير خوفٍ ول
عسفٍ .
ق في بيت المال من غير سرفٍ ول تقتيرٍ ،ودفعه في وقتٍ
الثّامن :تقدير العطايا وما يستح ّ
ل تقديم فيه ول تأخير .
التّاسع :استكفاء المناء وتقليد النّصحاء فيما يفوّض إليهم من العمال ويوكّل إليهم من
الموال ،لتكون العمال بالكفاءة مضبوطةً ،والموال بالمناء محفوظ ًة .
العاشر :أن يباشر بنفسه مشارفة المور وتصفّح الحوال ،لينهض بسياسة المّة وحراسة
الملّة ،ول يعوّل على التّفويض تشاغلً بل ّذةٍ أو عبادةٍ ،فقد يخون المين ،ويغشّ النّاصح .
اشتراط المن بالنّسبة لداء العبادات :
- 6المن مقصود به سلمة النّفس والمال والعرض والدّين والعقل ،وهي الضّروريّات الّتي
ن أمن النسان على نفسه وماله
ل بدّ منها لقيام مصالح الدّين والدّنيا ،وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
ن المحافظة على النّفوس والعضاء للقيام بمصالح
وعرضه شرط في التّكليف بالعبادات .ل ّ
الدّنيا والخرة أولى من تعريضها للضّرر بسبب العبادة .
ويتّضح ذلك من المثلة التية :
ل :في الطّهارة :
أ ّو ً
- 7الطّهارة بالماء الطّهور من الحدث الصغر أو الكبر من شرائط الصّلة لكن من كان
بينه وبين الماء عدوّ أو لصّ أو سبع أو حيّة يخاف على نفسه الهلك أو الضّرر الشّديد أبيح
له التّيمّم ،لنّ إلقاء النّفس إلى التّهلكة حرام ،وكذا من كان به جراحة أو مرض ويخشى
على نفسه التّلف باستعمال الماء فإنّه يتيمّم ،لقوله تعالى { :وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو
جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النّساء فلم تجدوا ما ًء فتيمّموا صعيدا طيّبا } وقوله تعالى :
{ ول تقتلوا أنفسكم } وقد روى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما أنّ « رجلً أصابه جرح في رأسه
على عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ أصابه احتلم فأمر بالغتسال ،فاغتسل فكزّ فمات ،
فبلغ ذلك النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :قتلوه قتلهم اللّه » .
( ر :طهارة -وضوء -غسل -تيمّم ) .
ثانيا :في الصّلة :
- 8أ -من شرائط الصّلة استقبال القبلة مع المن ،فإذا لم يتحقّق المن بأن خاف من نحو
عد ّو أو سبعٍ سقط الستقبال وصلّى على حاله لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا أمرتكم
بشي ٍء فأتوا منه ما استطعتم » ( ر :استقبال ) .
ل أنّها ل تجب على خائفٍ على نفسه أو ماله إجماعا .
ب -صلة الجمعة فرض إ ّ
ج -صلة الجماعة سنّة أو فرض على الكفاية على اختلفٍ بين الفقهاء ،ولكن الجماعة
ن النّبيّ
س رضي ال عنهما أ ّ
ض ،لما روى ابن عبّا ٍ
تسقط لخوفٍ على نفسٍ أو مالٍ أو عر ٍ
صلى ال عليه وسلم قال « :من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر -قالوا :وما
العذر ؟ قال :خوف أو مرض -لم تقبل منه الصّلة الّتي صلّى » .
ثالثا :في الحجّ :
ج أمن الطّريق في النّفس والمال والعرض ،فمن خاف على ذلك من
- 9يشترط لوجوب الح ّ
ص أو غير ذلك لم يلزمه الحجّ إن لم يجد طريقا آخر آمنا .وإذا لم يكن
عد ّو أو سبعٍ أو ل ّ
ج .لقوله تعالى :
ج مثلً طريق إلّ بالبحر ،وكان الغالب عدم سلمة الوصول لم يجب الح ّ
للح ّ
ج البيت من استطاع إليه سبيلً } وقوله { :ل يكلّف اللّه نفسا إلّ وسعها }
{ وللّه على النّاس ح ّ
( ر حجّ ) .
رابعا :في المر بالمعروف والنّهي عن المنكر :
- 10المر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجب على .سبيل الكفاية لقوله تعالى { :ولتكن
منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وشرط وجوبه أن يأمن
النسان على نفسه أو ماله وإن قلّ أو غير ذلك .لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من
رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف
اليمان » ( ر :أمر بالمعروف )
اشتراط المن بالنّسبة للمتناع عن المحرّمات :
- 11الحفاظ على النّفس والمال والعرض من مقاصد الشّريعة ،وقد تبيّن ممّا تقدّم ،أنّه لو
كان في القيام بعبادةٍ ما تلف للنسان في نفسه أو ماله فإنّه يرخّص ويخفّف عنه فيها .ومثل
ذلك يقال في المحرّمات .فلو كان فيما حرّمه الشّارع ضرر يلحق النسان في نفسه لو امتنع
عنه امتثالً للنّهي ،فإنّه حينئ ٍذ يباح له ما حرم في الصل ول إثم عليه .
والصل في ذلك قوله تعالى { :فمن اضطرّ غير باغٍ ول عا ٍد فل إثم عليه } وقوله تعالى :
ل ما اضطررتم إليه } ومن القواعد الفقهيّة في ذلك :الضّرر يزال ،والضّرورات تبيح
{إّ
المحظورات .والمثلة على ذلك كثيرة في الفقه السلميّ ،ومنها :
أ -يجوز بل يجب تناول الميتة والدّم والخنزير عند المخمصة إذا لم يجد النسان غيرها لقوله
تعالى { :إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به فمن اضط ّر غير
باغٍ ول عادٍ فل إثم عليه } .
ب -يباح تناول الخمر لزالة الغصّة .
ج -يجوز التّلفّظ بكلمة الكفر عند الكراه الملجئ إلى ذلك
د -يجوز إلقاء المتاع من السّفينة المشرفة على الغرق .
هن -يجوز دفع الصّائل ولو أدّى إلى قتله .وغير ذلك كثير ،وينظر تفصيله والخلف فيه
في بحث ( ضرورة ) ( وإكراه ) .
اشتراط المن في سكن الزّوجة :
- 12من حقوق الزّوجة على زوجها وجوب توفير المسكن الملئم ،لقوله تعالى في شأن
ل على وجوب
ن من حيث سكنتم من وجدكم } .فإنّه يد ّ
المعتدّات من الطّلق { :أسكنوه ّ
إسكان المطلّقة أثناء العدّة ،وإذا كان إسكان المطلّقة أثناء العدّة واجبا ،كان إسكان الزّوجة
حال قيام الزّوجيّة واجبا بالطّريق الولى .
ت من الدّار
ومن شروط المسكن أن تأمن فيه الزّوجة على نفسها ومالها ،ولو أسكنها في بي ٍ
ن الضّرر بالخوف على المتاع
ن آخر ،ل ّ
مفردا وله غلق كفاها ،وليس لها أن تطالبه بمسك ٍ
وعدم التّمكّن من الستمتاع قد زال .وإن أساء الزّوج عشرتها ولم تستطع إثبات ذلك أسكنها
القاضي إلى جانب ثقةٍ يمنعه من الضرار بها والتّعدّي عليها .وهذا باتّفاقٍ في الجملة ( .ر
:سكنى -نفقة -نكاح )
اشتراط المن في القصاص فيما دون النّفس وعند إقامة حدّ الجلد :
- 13القصاص في الجروح والطراف أمر مقرّر في الشّريعة ،لقوله تعالى { :والجروح
قصاص } إلّ أنّه يشترط للقصاص فيما دون النّفس إمكان استيفاء المثل من غير حيفٍ ول
زياد ٍة مع المن من السّراية ،لقوله تعالى { :وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ،ولنّ
ل في قدر جنايته ،فما زاد عليها يبقى على العصمة ،فيحرم استيفاؤه بعد
دم الجاني معصوم إ ّ
الجناية لتحريمه قبلها ،ومن ضرورة المنع من الزّيادة المنع من القصاص ،لنّها من لوازمه
ل ما كان فيه القود فيما دون النّفس متلفا ،فل قود فيه .كما أنّه ل يستوفى
.وهكذا ك ّ
القصاص بآل ٍة يخشى منها الزّيادة ،كأن تكون سامّ ًة أو كالّةً ،لما روى شدّاد بن أوسٍ أنّ
ل شيءٍ فإذا قتلتم فأحسنوا
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ اللّه كتب الحسان على ك ّ
القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح ،وليحدّ أحدكم شفرته ،وليرح ذبيحته » .ولخوف التّلف
يؤخّر القصاص فيما دون النّفس للحرّ المفرط والبرد المفرط ،ومرض الجاني ،وحتّى تضع
الحامل .وهذا باتّفاق الفقهاء في الجملة ،وينظر تفصيل ذلك في ( قصاص ) .وكذلك المر
ن هذا الحدّ
بالنّسبة لقامة حدّ الجلد ،إذ يشترط ألّ يكون في إقامة حدّ الجلد خوف الهلك ،ل ّ
شرع زاجرا ل مهلكا ،وعلى ذلك فل يقام حدّ الجلد في الحرّ الشّديد والبرد الشّديد ،ول على
ض حتّى يبرأ ،ول على حاملٍ حتّى تضع ( .ر :حدّ وجلد )
مري ٍ
اشتراط المن لمريد السّفر بمال الشّركة أو المضاربة أو الوديعة :
أ -في الشّركة والمضاربة :
ل بإذن
- 14ل يجوز ليّ من الشّريكين أن يسافر بمال الشّركة ،إذا كان الطّريق مخوفا إ ّ
شريكه باتّفاق الفقهاء ،لنّ السّفر بمال الشّركة في الطّريق المخوف يؤدّي إلى تعريضه
للخطار ،وتعريض مال الغير للخطر ل يجوز دون إذن صاحبه .ومثل ذلك مال
المضاربة ،فإنّه ل يجوز لعامل المضاربة السّفر بمال المضاربة إلّ عند أمن الطّريق .
ب -في الوديعة :
- 15عند الحنفيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة :يجوز السّفر بمال الوديعة إن كان الطّريق
ل ضمن .ومذهب
آمنا ولم يخف عليها ،فإن كان الطّريق مخوفا فل يجوز له السّفر بها ،وإ ّ
الشّافعيّة والمالكيّة :أنّ من كانت عنده وديعة ،وأراد السّفر ،وجب عليه تسليمها لصاحبها أو
ن اليداع يقتضي الحفظ في
ن ،فإن سافر بها مع وجود أحدٍ من هؤلء ضمن ،ل ّ
وكيله أو أمي ٍ
الحرز ،وليس السّفر من مواضع الحفظ ،لنّه إمّا أن يكون مخوفا أو آمنا ل يوثق بأمنه ،
ولذلك ل يجوز السّفر الوديعة مع عدم الضّرورة ( .ر :وديعة ) .
استفادة أمن الطّريق في القرض :
ض جرّ منفع ًة فهو ممنوع ،لنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى
ل قر ٍ
- 16الصل أنّ ك ّ
عن قرضٍ جرّ منفع ًة » وعلى هذا تخرج مسألة السّفاتج .وهي :اشتراط القضاء ببل ٍد آخر ،
لنتفاع المقرض بدفع خطر الطّريق .
والقرض بهذا الشّرط ممنوع عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة ورواية عن
المام أحمد -لنّ القرض عقد إرفاقٍ وقربةٍ ،فإذا شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه ،إلّ
ن المالكيّة يجيزونه في هذه الحالة للضّرورة صيانةً للموال .
إذا ع ّم الخوف برّا وبحرا فإ ّ
وإن كان بدون شرطٍ فهو جائز باتّفاقٍ ،لنّه من حسن القضاء ،وقد روي أنّ « رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم استلف من رجلٍ بكرا ،فقدمت عليه إبل من إبل الصّدقة ،فأمر أبا رافعٍ
أن يقضي الرّجل بكره ،فرجع إليه أبو رافعٍ ،فقال :لم أجد فيها إلّ خيارا رباعيّا فقال :
أعطه إيّاه ،إنّ خيار النّاس أحسنهم قضاءً » ( 34م ) 2وروي عن ابن عبّاسٍ رضي ال
عنهما أنّه " كان يستقرض بالمدينة ويردّ بالكوفة " وذلك بدون شرطٍ .
والصّحيح عند الحنابلة أنّه جائز ولو بشرطٍ ،لنّه مصلحة للمقرض والمقترض من غير
ضررٍ بواحدٍ منها ،والشّرع ل يرد بتحريم المصالح الّتي ل مضرّة فيها بل بمشروعيّتها ،
ن هذا ليس بمنصوصٍ على تحريمه ،ول في معنى المنصوص ،فوجب بقاؤه على
ول ّ
ن للوصيّ قرض مال اليتيم في بلدٍ أخرى ليربح خطر الطّريق .
الباحة .وذكر القاضي :أ ّ
وقال عطاء :كان ابن الزّبير رضي ال عنهما يأخذ من قو ٍم بمكّة دراهم ،ثمّ يكتب لهم بها
س رضي ال عنهما فلم ير
إلى أخيه مصعب بالعراق ،فيأخذونها منه ،فسئل عن ذلك ابن عبّا ٍ
به بأسا ،وروي عن عليّ رضي ال عنه أنّه سئل عن مثل هذا فلم ير به بأسا .
تحقّق المن بالنّسبة للمحرم
- 17كان الحرم موضع أمنٍ لهله ومن لجأ إليه ،وكان هذا معروفا في الجاهليّة واستمرّ في
السلم .قال اللّه تعالى { :وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدا آمنا } ،وقال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكّة « :إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والرض ،
فهو حرام يحرّمه اللّه تعالى إلى يوم القيامة ،وإنّه لم يحلّ القتال فيه لحدٍ قبلي ،ولم يحلّ لي
إلّ ساعةً من نهارٍ ،فهو حرام بحرمة اللّه تعالى إلى يوم القيامة ل يعضد شوكه ،ول ينفّر
صيده ،ول يلتقط لقطته إلّ من عرفها ،ول يختلى خله ،فقال العبّاس :يا رسول اللّه إلّ
الذخر فإنّه لقينهم وبيوتهم ،فقال صلى ال عليه وسلم :إلّ الذخر »
ولستيفاء باقي أحكام الحرم ،وتفاصيله ( ر :حرم ) .
تحقّق المن لغير المسلمين :
ن حكم السلم بالنّسبة للمسلمين في الدّنيا هو عصمة النّفس والمال ،لقول
- 18من المقرّر أ ّ
ل اللّه فإذا قالوا ل
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا :ل إله إ ّ
إله إلّ اللّه عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّ بحقّها ،وحسابهم على اللّه » .
وبهذا يتقرّر المن للمسلم في نفسه وماله .أمّا غير المسلم فإنّه يتحقّق له المن بتأمين
المسلمين له وإعطائه المان ،لنّ حكم المان هو ثبوت المن للكفرة عن القتل والسّبي
والستغنام ،فيحرم على المسلمين قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريّهم واستغنام أموالهم .
والصل في إعطاء المان للكفّار قوله تعالى { :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى
يسمع كلم اللّه ،ثمّ أبلغه مأمنه } .
- 19والمان قسمان :
الوّل :أمان يعقده المام أو نائبه ،وهو نوعان :
مؤقّت ،وهو ما يسمّى بالهدنة وبالمعاهدة وبالموادعة -وهو عقد المام أو نائبه على ترك
ن « رسول اللّه
القتال مدّةً معلوم ًة -مع اختلف الفقهاء في مقدار مدّة الموادعة .وقد روي أ ّ
صلى ال عليه وسلم وادع أهل مكّة عام الحديبية على أن توضع الحرب بين الفريقين عشر
سنين » .
والنّوع الثّاني :المان المؤبّد ،وهو ما يسمّى عقد ال ّذمّة ،وهو إقرار بعض الكفّار على
كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام السلم والصل فيه قوله تعالى { :قاتلوا الّذين ل
يؤمنون باللّه ول باليوم الخر ول يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ول يدينون دين الحقّ من
الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } .
هذا مع اختلف الفقهاء في غير أهل الكتاب ،هل تقبل منهم الجزية ويقرّون على حالهم أم ل
يقبل منهم إلّ السلم ،فإن لم يسلموا قتلوا .
والقسم الثّاني من المان :هو المان الّذي يصدر من أحد المسلمين لعددٍ محصورٍ من
الكفّار ،ويدلّ عليه حديث « :المؤمنون تتكافأ دماؤهم ،وهم يد على من سواهم ،ويسعى
بذمّتهم أدناهم » .وأخبار أخرى ،وينظر تفصيل ذلك في ( أمان ،وذمّة ،ومعاهدة ) .
أمة *
انظر :رقّ .
إمهال *
التّعريف :
- 1المهال لغةً :النظار وتأخير الطّلب .
وعند الفقهاء يستعمل كذلك بمعنى :النظار والتّأجيل .والمهال ينافي التّعجيل .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2أ -العذار :وهو سؤال الحاكم من توجّه عليه موجب الحكم :هل له ما يسقطه ؟
وينظر مصطلح ( :إعذار ) .
ب -التّنجيم :هو تأجيل العوض بأجلين فصاعدا .
ل للزّوج مدّ ًة قبل
ج -التّلوّم :وهو التّمكّث والتّمهّل والتّصبّر ،ومنه أن يتصبّر الحاكم مث ً
التّطليق عليه للعسار .
د -التّربّص :وهو بمعنى النتظار .ومدّة المهال تار ًة تكون مقدّرةً كإمهال المولى ،وتارةً
تكون غير مقدّر ٍة ،وقد يختلف ذلك عند بعض الفقهاء عن البعض الخر .
الحكم الجماليّ :
- 3يجب إنظار من ثبت إعساره عند الئمّة الربعة إلى وقت اليسار ،ول يحبس ،لقول اللّه
سبحانه { وإن كان ذو عسر ٍة فنظرة إلى ميسرةٍ } .
والعنّين يضرب له القاضي سن ًة عند الجمهور " ،كما فعل عمر رضي ال عنه " رواه
الشّافعيّ وغيره ،فقد يكون تعذّر الجماع لعارض حرار ٍة فيزول في الشّتاء ،أو برود ٍة فيزول
في الصّيف ،أو يبوس ٍة فتزول في الرّبيع ،أو رطوبةٍ فتزول في الخريف ،فإذا مضت السّنة
ولم يطأ ،علمنا أنّه عجز خلقيّ ( .ر :عنّين ) .
- 4وأجل المولي أربعة أشهرٍ ،لقول اللّه سبحانه { للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة
ن اللّه غفور رحيم } ( ر :إيلء ) .
أشهرٍ فإن فاءوا فإ ّ
- 5وفي القضاء لو استمهل المدّعي لحضار بيّنته ،فإنّ أغلب الفقهاء على أنّه يمهل ،وهل
هذا المهال واجب أو مستحبّ ،خلف بين الفقهاء .
وقدّر بعضهم مدّة المهال ثلثة أيّامٍ ،وبعضهم جعلها إلى اجتهاد القاضي .
وانظر للتّفصيل مصطلح ( قضاء ) .
وفي المهال لعذرٍ ،وفي منعه عند طلب الخصم ،يراجع ( قضاء ،ودعوى ) .
والمهال يمتنع فيما تشترط فيه الفوريّة ،كاستمهال من طلّق إحدى زوجتيه :لتعيين المطلّقة
منهما ،واستمهال المشتري ردّ المبيع بالعيب ،والشّفيع في طلب الشّفعة ،وغير ذلك من
المور الّتي تشترط فيها الفوريّة .
مواطن البحث :
- 6من المواطن الّتي يذكر فيها المهال :مباحث الكفالة ،فيمهل الكفيل لحضار المكفول
عنه من مسافة القصر فما دونها .ومنها :النّفقة ،فيمهل الزّوج لحضار ماله الّذي في مسافة
القصر .وفي الصّداق تمهل الزّوجة للدّخول ،وكذا يمهل الزّوج لوجود بعض العذار
كالتّنظيف ونحوه .
أموال *
انظر :مال .
أموال الحربيّين *
انظر :أنفال .
أمير *
انظر :إمارة .
أمين *
انظر :أمانة .
إناء *
انظر :آنيّة .
إنابة *
انظر :نيابة -توبة .
إنبات *
انظر :بلوغ .
أنبياء *
انظر :نبيّ .
انتباذ *
انظر :أشربة .
انتحار *
التّعريف :
- 1النتحار في اللّغة مصدر :انتحر الرّجل ،بمعنى نحر نفسه أي :قتلها .
ولم يستعمله الفقهاء بهذا المعنى .لكنّهم عبّروا عنه بقتل النسان نفسه .
وفي حديث أبي هريرة « :أنّ رجلً قاتل في سبيل اللّه أشدّ القتال ،فقال النّبيّ صلى ال عليه
وسلم :إنّه من أهل النّار ،فبينما هو على ذلك إذ وجد الرّجل ألم الجرح ،فأهوى بيده إلى
كنانته ،فانتزع منها سهما فانتحر بها » .
وفي الحديث نفسه « :انتحر فلن فقتل نفسه » رواه البخاريّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النّحر والذّبح :
- 2النّحر عند الفقهاء هو :فري الوداج وقطع كلّ الحلقوم ،ومحلّه من أسفل الحلقوم .
ويطلق النتحار على قتل النسان نفسه بأيّ وسيل ٍة كانت .
ولهذا ذكروا أحكامه باسم ( قتل الشّخص نفسه )
بم يتحقّق النتحار :
ع متعدّد ٍة كالقتل .
- 3النتحار نوع من القتل فيتحقّق بوسائل مختلفةٍ .ويتنوّع بأنوا ٍ
ل منهيّ عنه ،كاستعمال السّيف أو الرّمح أو البندقيّة
فإذا كان إزهاق الشّخص نفسه بإتيان فع ٍ
سمّ أو إلقاء نفسه من شاهقٍ أو في النّار " ليحترق أو في الماء ليغرق وغير ذلك من
أو أكل ال ّ
الوسائل ،فهو انتحار بطريق اليجاب .
واذا كان الزهاق بالمتناع عن الواجب ،كالمتناع من الكل والشّرب وترك علج الجرح
الموثوق ببرئه بما فيه من خلفٍ سيأتي ،أو عدم الحركة في الماء أو في النّار أو عدم
التّخلّص من السّبع الّذي يمكن النّجاة منه ،فهو انتحار بطريق السّلب .
-4ويقسّم النتحار بحسب إرادة المنتحر إلى نوعين :النتحار عمدا والنتحار خطأً .
فإذا ارتكب الشّخص عملً حصل منه قتل نفسه ،وأراد النّتيجة الحاصلة من العمل ،يعتبر
ل.
القتل انتحارا عمدا .كرمي نفسه بقصد القتل مث ً
وإذا أراد صيدا أو قتل العد ّو فأصاب نفسه ،ومات ،يعتبر انتحارا خطأً .
وستأتي أحكامهما قريبا .
ويمكن أن يحصل النتحار بطريقٍ يعتبر شبه العمد عند غير المالكيّة ،كقتل النسان نفسه بما
ل يقتل غالبا ،كالسّوط والعصا .ر ( :قتل ) .
أمثلة من النتحار بطريق السّلب :
أوّلً :المتناع من المباح :
- 5من امتنع من المباح حتّى مات كان قاتلً نفسه ،متلفا لها عند جميع أهل العلم .لنّ
الكل للغذاء والشّرب لدفع العطش فرض بمقدار ما يدفع الهلك ،فإن ترك الكل والشّرب
ن فيه إلقاء النّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه في محكم التّنزيل .
حتّى هلك فقد انتحر ،ل ّ
ن الهلك
وإذا اضطرّ النسان للكل أو الشّرب من المحرّم كالميتة والخنزير والخمر حتّى ظ ّ
جوعا لزمه الكل والشّرب ،فإذا امتنع حتّى مات صار قاتلً نفسه ،بمنزلة من ترك أكل
ن تاركه ساعٍ في إهلك نفسه ،وقد قال اللّه تعالى :
الخبز وشرب الماء في حال المكان ،ل ّ
{ ول تقتلوا أنفسكم } .
وكذلك حكم الكراه على أكل المحرّم ،فل يباح للمكره المتناع من أكل الميتة أو الدّم أو لحم
ن هذه الشياء ممّا يباح عند الضطرار لقوله تعالى { :إلّ ما
الخنزير في حالة الكراه ،ل ّ
اضطررتم إليه } والستثناء من التّحريم إباحة ،وقد تحقّق الضطرار بالكراه ،ولو امتنع
عنه حتّى قتل يؤاخذ به ويعدّ منتحرا ،لنّه بالمتناع عنه صار ملقيا نفسه إلى التّهلكة .
ثانيا :ترك الحركة عند القدرة :
- 6من ألقي في ما ٍء جارٍ أو راك ٍد ل يعدّ مغرقا ،كمنبسطٍ يمكنه الخلص منه عاد ًة ،فمكث
فيه مضطجعا مثلً مختارا لذلك حتّى هلك ،يعتبر منتحرا وقاتلً نفسه ،ولذلك ل قود ول
دية على الّذي ألقاه في الماء عند عامّة العلماء ،لنّ هذا الفعل لم يقتله ،وإنّما حصل الموت
بلبثه فيه ،وهو فعل نفسه ،فلم يضمنه غيره .كذلك إن تركه في نا ٍر يمكنه الخلص منها
لقلّتها ،أو لكونه في طرفٍ منها يمكنه الخروج بأدنى حركةٍ ،فلم يخرج حتّى مات .وفي
وجهٍ عند الحنابلة :لو تركه في نارٍ يمكنه التّخلّص منها فلم يخرج يضمن ،لنّه جانٍ باللقاء
المفضي إلى الموت .وفارق الماء ،لنّه غير مهلكٍ بنفسه ،ولهذا يدخله النّاس للسّباحة ،أمّا
ن النّار لها حرارة شديدة ،فربّما أزعجته حرارتها عن معرفة ما
النّار فيسيرها يهلك ،ول ّ
يتخلّص به ،أو أذهبت عقله بألمها وروعتها .
ثالثا :ترك العلج والتّداوي :
- 7المتناع من التّداوي في حالة المرض ل يعتبر انتحارا عند عامّة الفقهاء ،فمن كان
مريضا وامتنع من العلج حتّى مات ،ل يعتبر عاصيا ،إذ ل يتحقّق بأنّه يشفيه .
كذلك لو ترك المجروح علج جرحٍ مهلكٍ فمات ل يعتبر منتحرا ،بحيث يجب القصاص على
جارحه ،إذ البرء غير موثوقٍ به وإن عالج .
أمّا إذا كان الجرح بسيطا والعلج موثوقا به ،كما لو ترك المجنيّ عليه عصب العرق ،فإنّه
يعتبر قد قتل نفسه ،حتّى ل يسأل جارحه عن القتل عند الشّافعيّة .وصرّح الحنابلة بخلفه ،
وقالوا :إن ترك شدّ الفصاد مع إمكانه ل يسقط الضّمان ،كما لو جرح فترك مداواة جرحه .
ن البرء غير موثوقٍ به ،قالوا :
ن ترك العلج ل يعتبر عصيانا ،ل ّ
ومع تصريح الحنفيّة بأ ّ
إن ضرب رجلً بإبر ٍة في غير المقتل عمدا فمات ،ل قود فيه فقد فصّلوا بين الجرح المهلك
ن ترك الجرح اليسير لنزف الدّم حتّى الموت يشبه
وغير المهلك الشّافعيّة ،فيفهم منه أ ّ
ص للمالكيّة في هذه المسألة .
النتحار .ولم نعثر على ن ّ
حكمه التّكليفيّ :
- 8النتحار حرام بالتّفاق ،ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشّرك باللّه .قال اللّه تعالى { :
ل بالحقّ } وقال { :ول تقتلوا أنفسكم إنّ اللّه كان بكم رحيما
ول تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إ ّ
}.
وقد قرّر الفقهاء أنّ المنتحر أعظم وزرا من قاتل غيره ،وهو فاسق وباغٍ على نفسه ،حتّى
قال بعضهم :ل يغسّل ول يصلّى عليه كالبغاة ،وقيل :ل تقبل توبته تغليظا عليه .
ن ظاهر بعض الحاديث يدلّ على خلوده في النّار .منها قوله « من تردّى من جبلٍ
كما أ ّ
فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالدا مخلّدا فيها أبدا » .
وهناك حالت خاصّة تشبه النتحار ،لكنّه ل عقاب على مرتكبها ،ول يأثم فاعلها ،لنّها
ليست انتحارا في الواقع كالتي :
أوّلً :النتقال من سبب موتٍ إلى آخر :
- 9إذا وقع حريق في سفينةٍ ،وعلم أنّه لو ظلّ فيها احترق ،ولو وقع في الماء غرق .
فالجمهور ( المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة ،وهو قول أبي حنيفة ) على أنّ له أن يختار أيّهما
شاء .فإذا رمى نفسه في الماء ومات جاز ،ول يعتبر ذلك انتحارا محرّما إذا استوى المران
.وقال الصّاحبان من الحنفيّة ،وهو رواية عن أحمد :أنّه يلزمه المقام والصّبر ،لنّه إذا
رمى نفسه في الماء كان موته بفعله ،وإن أقام فموته بفعل غيره .
ت آخر ،إذا كان في السّبب الّذي ينتقل إليه
ت إلى سبب مو ٍ
كذلك جاز له النتقال من سبب مو ٍ
نوع خفّ ٍة مع التّأكّد من القتل فيهما عند أبي حنيفة ،قال الزّيلعيّ :ولو قال له :لتلقين نفسك
في النّار أو من الجبل ،أو لقتلنك ،وكان اللقاء بحيث ل ينجو منه ،ولكن فيه نوع خ ّفةٍ ،
فله الخيار إن شاء فعل ذلك ،وإن شاء لم يفعل وصبر حتّى يقتل ،لنّه ابتلي ببليّتين فيختار
ما هو الهون في زعمه ،وهذا هو مذهب الشّافعيّة .وعند الصّاحبين من الحنفيّة يصبر ول
يفعل ذلك ،لنّ مباشرة الفعل سعي في إهلك نفسه فيصبر تحاميا عنه .
ن السّلمة في النتقال من سببٍ إلى سببٍ آخر للموت ،أو رجا طول الحياة ولو مع
أمّا إذا ظ ّ
ن حفظ النّفوس واجب
ت أشدّ وأصعب من الموت المعجّل ،قد صرّح المالكيّة بوجوبه ،ل ّ
مو ٍ
ما أمكن ،وعبّر الحنابلة بأنّه هو الولى ،ممّا يدلّ على عدم الوجوب .
ت إلى سبب موتٍ آخر ما ذكروا من أنّه لو تبع بسيفٍ
- 10ومن أمثلة النتقال من سبب مو ٍ
ح فمات ،فل ضمان عليه في قولٍ
ونحوه مميّزا هاربا منه فرمى نفسه بماءٍ أو نارٍ من سط ٍ
عند الشّافعيّة ،وهو قياس مذهب الحنفيّة ،لمباشرته إهلك نفسه عمدا ،كما لو أكره إنسانا
على أن يقتل نفسه فقتلها .فكأنّه يشبه النتحار عندهم .والقول الخر عند الشّافعيّة أنّ عليه
نصف الدّية .أمّا لو وقع بشي ٍء ممّا ذكر جاهلً به ،لعمًى أو ظلم ٍة مثلً أو تغطية بئرٍ ،أو
ألجأه إلى السّبع
بمضيقٍ ضمن من تبعه ،لنّه لم يقصد إهلك نفسه وقد ألجأه التّابع إلى الهرب المفضي
للهلك .وكذا لو انخسف به سقف في هربه في الصحّ .
وقال الحنابلة :إذا طلب إنسانا بسيفٍ مشهورٍ فهرب منه ،فتلف في هربه ضمنه ،سواء أكان
من الشّاهق ،أم انخسف به سقف أم خرّ في بئرٍ ،أم لقيه سبع ،أم غرق في ماءٍ ،أم احترق
ل أم مجنونا .وفصّل
بنارٍ .وسواء أكان المطلوب صغيرا أم كبيرا ،أعمى أم بصيرا ،عاق ً
المالكيّة في الموضوع فقالوا :من أشار إلى رجلٍ بسيفٍ ،وكانت بينهما عداوة ،فتمادى
بالشارة إليه وهو يهرب منه ،فطلبه حتّى مات فعليه القصاص بدون القسامة إذا كان الموت
بدون السّقوط ،وإذا سقط ومات فعليه القصاص مع القسامة .
أمّا إذا كان بدون عداو ٍة فل قصاص ،وفيه الدّية على العاقلة .
ف العدوّ :
ثانيا :هجوم الواحد على ص ّ
ل من المسلمين وحده على جيش العدوّ ،مع التّيقّن
- 11اختلف الفقهاء في جواز هجوم رج ٍ
بأنّه سيقتل .
فذهب المالكيّة إلى جواز إقدام الرّجل المسلم على الكثير من الكفّار ،إن كان قصده إعلء
كلمة اللّه ،وكان فيه قوّة وظنّ تأثيره فيهم ،ولو علم ذهاب نفسه ،فل يعتبر ذلك انتحارا .
وقيل إذا طلب الشّهادة ،وخلصت ال ّنيّة فليحمل ،لنّ مقصوده واحد من العداء ،وذلك بيّن
في قوله تعالى { :ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه } .
وقيّده بعضهم بأن يكون قد غلب على ظنّه أن سيقتل من حمل عليه وينجو ،وكذلك لو علم
وغلب على ظنّه أنّه يقتل ،لكن سينكي نكاي ًة أو سيبلي أو يؤثّر أثرا ينتفع به المسلمون .ول
يعتبر هذا إلقاء النّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه بقوله تعالى { :ول تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة }
ن معنى التّهلكة -كما فسّرها أكثر المفسّرين -هو القامة في الموال وإصلحها وترك
لّ
الجهاد .لما روى التّرمذيّ عن أسلم أبي عمران حكايةً عن غزو القسطنطينيّة أنّه « حمل
رجل من المسملين على صفّ الرّوم حتّى دخل فيهم ،فصاح النّاس ،وقالوا :سبحان اللّه ،
يلقي بيديه إلى التّهلكة ،فقام أبو أيّوب النصاريّ فقال :يا أيّها النّاس ،إنّكم تتأوّلون هذه
الية هذا التّأويل ،وإنّما أنزلت هذه الية فينا معاشر النصار لمّا أع ّز اللّه السلم وكثر
ناصروه ،فقال بعضنا لبعضٍ سرّا دون رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّ أموالنا قد
ن اللّه قد أعزّ السلم وكثر ناصروه ،فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع
ضاعت ،وإ ّ
منها ،فأنزل على نبيّه صلى ال عليه وسلم يردّ على ما قلنا { وأنفقوا في سبيل اللّه ول تلقوا
بأيديكم إلى التّهلكة } فكانت التّهلكة القامة على الموال وإصلحها وتركنا الغزو » .
ونقل الرّازيّ روايةً عن الشّافعيّ أنّ « رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ذكر الجنّة ،فقال له
رجل :أرأيت إن قتلت في سبيل اللّه فأين أنا ؟ قال :في الجنّة ،فألقى تمراتٍ في يديه ثمّ
قاتل حتّى قتل » .
ن فيه أربعة أوج ٍه :
كذلك قال ابن العربيّ :والصّحيح عندي جوازه ،ل ّ
الوّل :طلب الشّهادة .
الثّاني :وجود النّكاية .
الثّالث :تجرئة المسلمين عليهم .
ن هذا صنع واحدٍ منهم فما ظنّك بالجميع .
الرّابع :ضعف نفوس العداء ،ليروا أ ّ
وصرّح الحنفيّة بأنّه :إن علم أنّه إذا حارب قتل ،وإذا لم يحارب أسر لم يلزمه القتال ،لكنّه
إذا قاتل حتّى قتل جاز بشرط أن ينكي فيهم .
أمّا إذا علم أنّه ل ينكي فيهم فإنّه ل يحلّ له أن يحمل عليهم ،لنّه ل يحصل بحملته شيء من
إعزاز الدّين كما نقل عن محمّد بن الحسن أنّه قال :لو حمل رجل واحد على ألف رجلٍ من
المشركين ،وهو وحده ،لم يكن بذلك بأس ،إذا كان يطمع في نجاةٍ أو نكاي ٍة في العدوّ .
ثالثا :النتحار لخوف إفشاء السرار :
ن العد ّو سوف يطّلع
- 12إذا خاف المسلم السر ،وعنده أسرار هامّة للمسلمين ،ويتيقّن أ ّ
على هذه السرار ،ويحدث ضررا بيّنا بصفوف المسلمين وبالتّالي يقتل ،فهل له أن يقتل
نفسه وينتحر أو يستسلم ؟ .
لم نجد في جواز النتحار خوف إفشاء السرار ،ول في عدم جوازه نصّا صريحا في كتب
ن جمهور الفقهاء أجازوا قتال الكفّار إذا تترّسوا بالمسلمين ولو تأكّدوا أنّ المسلمين
الفقه .إلّ أ ّ
سيقتلون معهم ،بشرط أن يقصد بالرّمي الكفّار ،ويتوقّى المسلمين بقدر المكان ،وقيّده
بعضهم بما إذا كانت الحرب قائمةً ،وعلمنا أنّنا لو كففنا عنهم ظفروا بنا أو عظمت نكايتهم
ص لدفع الضّرر العامّ ) .
فينا ،وجعلوا هذا من تطبيقات قاعدة ( :يتحمّل الضّرر الخا ّ
والمعروف أنّ الفقهاء لم يجوّزوا إلقاء شخصٍ في البحر لخفّة ثقل السّفينة المشرفة للغرق ،
ي المالكيّ عن اللّخميّ من جواز ذلك
لجل نجاة ركّابها مهما كثر عددهم ،إلّ ما نقل الدّسوق ّ
بالقرعة .
أمر الشّخص لغيره بقتله :
إذا قال الرّجل لخر :اقتلني ،أو قال للقائل إن قتلتني أبرأتك ،أو قد وهبت لك دمي ،فقتله
عمدا ،اختلف الفقهاء في ذلك على ثلثة أقوال :
الوّل :
- 13أنّ القتل في هذه الحال ل يعتبر انتحارا ،لكن ل يجب به القصاص ،وتجب الدّية في
مال القاتل .هذا هو المذهب عند الحنفيّة -ما عدا زفر -وإليه ذهب بعض الشّافعيّة ،ورواه
سحنون عن مالكٍ ،ووصفه بأنّه أظهر القوال ،لنّ الباحة ل تجري في النّفوس ،وإنّما
سقط القصاص للشّبهة باعتبار الذن ،والشّبهة ل تمنع وجوب المال ،فتجب الدّية في مال
القاتل لنّه عمد ،والعاقلة ل تحمل دية العمد .
وفصّل الحنفيّة في وجوب الدّية فقالوا :إن قتله بالسّيف فل قصاص ،لنّ الباحة ل تجري
في النّفس ،وسقط القصاص لشبهة الذن ،وتجب الدّية في ماله ،وإن قتله بمثقلٍ فل قصاص
لكنّه تجب الدّية على العاقلة .
الثّاني :
- 14أنّ القتل في هذه الحال قتل عمدٍ ،ول يأخذ شيئا من أحكام النتحار ،ولهذا يجب
القصاص .وهذا قول عند المالكيّة حسّنه ابن القاسم ،وهو قول عند الشّافعيّة ،وإليه ذهب
زفر من الحنفيّة ،لنّ المر بالقتل لم يقدح في العصمة ،لنّ عصمة النّفوس ممّا ل تحتمل
ن القصاص لوارثه ل له ،ولنّه أسقط حقّا قبل وجوبه .
الباحة بحالٍ ،وإذنه ل يعتبر ،ل ّ
الثّالث :
- 15أنّ القتل في هذه الحال له حكم النتحار ،فل قصاص على من قتله ول دية .
وهذا مذهب الحنابلة ،والظهر عند الشّافعيّة ،وهو رواية عند الحنفيّة ،وصحّحه القدوريّ ،
وهو رواية مرجوحة في مذهب مالكٍ .
ن صيغة المر تورث شبهةً ،
أمّا سقوط القصاص فللذن له في القتل والجناية ،ول ّ
والقصاص عقوبة مقدّرة تسقط بالشّبهة .
وأمّا سقوط الدّية فلنّ ضمان نفسه هو حقّ له فصار كإذنه بإتلف ماله ،كما لو قال :اقتل
دابّتي ففعل فل ضمان إجماعا ،فصحّ المر ،ولنّ المورث أسقط الدّية أيضا فل تجب
للورثة .وإذا كان المر أو الذن مجنونا أو صغيرا فل يسقط إذنه شيئا من القصاص ول
الدّية ،لنّه ل اعتبار بإذنهما .
- 16لو قال :اقطع يدي ،فإن كان لمنع السّراية كما إذا وقعت في يده آكلة فل بأس بقطعه
اتّفاقا .وإن كان لغير ذلك فل يحلّ ،ولو قطع بإذنه فلم يمت من القطع فل قصاص ول دية
على القاطع عند الجمهور ،لنّ الطراف يسلك بها مسلك الموال ،فكانت قابل ًة للسّقوط
بالباحة والذن ،كما لو قال له :أتلف مالي فأتلفه .
وقال المالكيّة :إن قال له :اقطع يدي ول شيء عليك ،فله القصاص إن لم يستمرّ على
البراء بعد القطع ،ما لم يترام به القطع حتّى مات منه ،فلوليّه القسامة والقصاص أو الدّية .
- 17ولو أمره أن يشجّه فشجّه عمدا ،ومات منها ،فل قصاص عليه عند الجمهور ( الحنفيّة
والشّافعيّة والحنابلة ) .
واختلفوا في وجوب الدّية على الجارح :فقال الحنابلة وأبو حنيفة وهو رواية مرجوحة عند
شجّة ل يكون عفوا عن القتل ،فكذا المر
الشّافعيّة :يجب على القاتل الدّية ،لنّ العفو عن ال ّ
ل أنّه سقط لوجود الشّبهة ،
شجّة ل يكون أمرا بالقتل ،وكان القياس وجوب القصاص ،إ ّ
:بال ّ
ن الفعل وقع قتلً ،والمأمور به هو القطع ل القتل .أمّا لو
فتجب الدّية .ولنّه لمّا مات تبيّن أ ّ
عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه فهو عفو عن النّفس .
وقال الشّافعيّ في الرّاجح ،وهو ما ذهب إليه الصّاحبان من الحنفيّة :إن سرى القطع المأذون
شجّة المأذون فيهما يشبه النتحار ،فل
ن القتل الحاصل من القطع وال ّ
به إلى النّفس فهدر ،ل ّ
شجّة يكون عفوا عن القتل ،فكذا المر بالشّجّة
ن العفو عن ال ّ
يجب فيه قصاص ول دية ،ول ّ
ح ثبوت الدّية للمورث ابتداءً ،وقد أسقطها بإذنه .وما تقدّم عن
ن الص ّ
يكون أمرا بالقتل .ول ّ
المالكيّة يفيد ثبوت القصاص في هذه الحال إن لم يستمرّ على البراء .
أمر النسان غيره بأن يقتل نفسه :
- 18إذا أمر النسان غيره -أمرا لم يصل إلى درجة الكراه -بقتل نفسه فقتل نفسه ،فهو
منتحر عند جميع الفقهاء ،ول شيء على المر ،لنّ المأمور قتل نفسه باختياره ،وقد قال
اللّه تعالى { :ول تقتلوا أنفسكم } ومجرّد المر ل يؤثّر في الختيار ول في الرّضى ،ما لم
يصل إلى درجة الكراه التّامّ الّذي سيأتي بيانه .
الكراه على النتحار :
- 19الكراه هو :حمل المكره على أمرٍ يكرهه .وهو نوعان :ملجئ وغير ملجئٍ .
فالملجئ :هو الكراه الكامل ،وهو أن يكره بما يخاف على نفسه أو على تلف عضوٍ من
أعضائه .وهذا النّوع يعدم الرّضى ،ويوجب اللجاء ،ويفسد الختيار .
وغير الملجئ :هو أن يكرهه بما ل يخاف على نفسه ،ول يوجب اللجاء ول يفسد الختيار
.والمراد هنا الكراه الملجئ الّذي يعدم الرّضى ويفسد الختيار.
ل قتلتك ،فقتله
-20إذا أكره إنسان غيره إكراها ملجئا ليقتل المكره ،بأن قال له :اقتلني وإ ّ
فهو في حكم النتحار ،حتّى ل يجب على القاتل القصاص ول الدّية عند الجمهور ( الحنفيّة
لنن المكره ( بفتنح الرّاء ) كاللة بيند المكره فني
والحنابلة ،وهنو الظهنر عنند الشّافعيّة ) ّ
الكراه التّا مّ ( الملجئ ) فينسب الفعل إلى المكره وهو المقتول ،فصار كأنّه قتل نفسه ،كما
ن إذن المكلّف يسقط الدّية والقصاص معا كما قال الشّافعيّة ،فكيف إذا
ل به الحنفيّة ،ول ّ
استد ّ
اشت ّد المر إلى درجة الكراه الملجئ ؟ وفي قولٍ عند الشّافعيّة :تجب الدّية على المكره ،لنّ
نصن فني
ّ ل أن ّه شبهنة تسنقط القصناص .ولم نعثنر للمالكي ّة على
القتنل ل يباح بالذن ،إ ّ
-إذا 21 الموضوع ،و قد سبق رأي هم بوجوب الق صاص على القا تل إذا أمره المقتول بالق تل .
أكره شخص غيره إكراها ملجئا ليقتل الغير نفسه ،بأن قال له :اقتل نفسك وإلّ قتلتك ،فليس
لنن المكره علينه ل يختلف عنن المكره بنه ،
ّ له أن يقتنل نفسنه ،وإلّ يعدّ منتحرا وآثما ،
فكلهما قتل ،فلن يقتله المكره أولى من أن يقتل هو نفسه .
ب أخرى ،فليس له أن
ولنّه يمكن أن ينجو من القتل بتراجع المكره ،أو بتغيّر الحالة بأسبا ٍ
ينتحر ويقتل نفسه .
ويتفرّع على هذا أنّه إذا قتل نفسه فل قصاص على المكره في الظهر عند الشّافعيّة ،لنتفاء
كونه إكراها حقيقةً ،لتّحاد المأمور به والمخوّف به ،فكأنّه اختار القتل كما علّله الشّافعيّة ،
لكنّه يجب على المر نصف الدّية ،بنا ًء على أنّ المكره شريك ،وسقط عنه القصاص للشّبهة
بسبب مباشرة المكره قتل نفسه .
وقال الحنابلة ،وهو قول عند الشّافعيّة :يجب القصاص على المكره ،إذا قتل المكره نفسه ،
كما لو أكرهه على قتل غيره .
ولو أكر هه على ق تل نف سه ب ما يتضمّن تعذيبا شديدا كإحرا قٍ أو تمثيلٍ إن لم يق تل نف سه ،كان
إكراها كما جرى عليه البزّار ،ومال إليه الرّافعيّ من علماء الشّافعيّة ،وإن نازع فيه البلقينيّ
.وف صّل الحنفيّة في الموضوع فقالوا :لو قال لتلقين نفسك في النّار أو من رأس الجبل أو
لقتلنّك بال سّيف ،فألقى نفسه من الجبل ،فعند أبي حنيفة تجب الدّية على عاقلة المكره ،لنّه
لو با شر بنف سه ل ي جب عل يه الق صاص عنده ،لنّه ق تل بالمث قل ،فكذا إذا أكره عل يه .وع ند
أبني يوسنف تجنب الدّينة على المكره فني ماله ،وعنند محمّدٍ يجنب القصناص ،لنّه كالقتنل
بال سّيف عنده .أمّا إذا أل قى نف سه في النّار فاحترق ،في جب الق صاص على المكره ع ند أ بي
حنيفة أيضا .هذا ،ولم نجد في المسألة نصّا عند المالكيّة ،وانظر ( إكراه ) .
اشتراك المنتحر مع غيره :
-22اختلف الفقهاء فيمن جرح نفسه ،ثم جرحه غيره فمات منهما ،فهل يعتبر انتحارا ؟
وهل يجب على المشارك له قصاص أو دية ؟ يختلف الحكم عندهم بحسب الصور :
أ-فلو جرح نف سه عمدا أوخطأً ،كأن أراد ضرب من اعتدى عل يه بجرح فأ صاب نف سه ،أو
خاط جر حه فصادف اللحم الحي ،ثم جر حه ش خص آخر خطأً ،فمات منهما ،فل قصاص
عنند عامنة الفقهاء ،لننه لقصناص على المخطنئ بالجماع ،ويلزم عاقلة الشرينك نصنف
الدية ،كما لو قتله اثنان خطأً .
ب-أ ما لوجرح نف سه خطأً ،وجر حه ش خص آ خر عمدا ،فل ق صاص عل يه ع ند الجمهور
( الحنفية والمالكية والشافعية ،وهو أصح الوجهين عند الحنابلة ) بناء على القاعدة التي تقول
:ليقتل شريك من لقصاص عليه كالمخطئ والصغير ،وعلى المتعمد نصف دية العمد في
ماله ،إذ ل يدرى من أي المرين مات .وفي وجه آخر للحنابلة :يقتص من الشريك العامد ،
لنه قصد القتل ،وخطأ شريكه ليؤثر في قصده .
ج-وإذا جرح نفسه عمدا ،وجرحه آخر عمدا ،ومات منهما ،يقتص من الشريك العامد في
وجه عند الحابلة ،وهو الظهر عند الشافعية ،وقول عند المالكية بشرط القسامة ،لنه قتل
عمد متمحض ،فوجب القصاص على الشريك فيه كشريك الب .
وقال الحنفية ،وهو قول عند المالكية ،ومقابل الظهر عند الشافعية ،ووجه عند الحنابلة :
لقصاص على شريك قاتل نفسه ،وإن كان جرحاهما عمدا ،لنه أخف من شريك المجطئ ،
كما يقول الشافعية ،ولنه شارك من ليجب عليه القصاص ،فلم يلزمه القصاص ،كشريك
المخطئ ،ولنه قتل تركب من موجب وغير موجب ،كما استدل به الحنفية .
وإذا لم ي جب الق صاص فعلى الجارح ن صف الد ية في ماله ،ول يشترط الق سامة في وجوب
نصف الدية عند المالكية ،لكنهم أضافوا :أن الجارح يضرب مائة ويحبس عاما كذلك .
-23والمعلوم أن الدية تقسم على من اشترك في القتل ،وعلى الفعال التي تؤدي إلى القتل ،
فإذا ح صل الق تل بف عل نف سه وبف عل الشر يك ولم ن قل بوجوب الق صاص ،ي جب على الشر يك
ن صف الد ية ،وبهذا صرح الحنف ية بأ نه إن مات ش خص بف عل نف سه وف عل ز يد وأ سد وح ية
ضمن زيد ثلث الدية ،لن فعل السد والحية جنس واحد ،وهو هدر في الدارين ،وفعل زيد
معتبر في الدارين ،وفعل نفسه هدر في الدنيا ل العقبى ،حتى يأثم بالجماع .
-24وتعرض الشافعية والحنابلة إلى مسألة أخرى لها أهميتها في اشتراك الشخص في ق تل
نفسه ،وهي مداواة الجرح بالسم المهلك .فإن جرحه إنسان فتداوى بسم مذفف يقتل في الحال
،فقند قتنل نفسنه وقطنع سنراية الجرح ،وجرى مجرى منن ذبنح نفسنه بعند أن جرح ،فل
قصاص ول دية على جارحه في النفس ،وينظر في الجرح ،فإن كان موجبا للقصاص فلوليه
استيفاؤه ،وإل فلوليه الرش .وإن كان السم ليقتل في الغالب ،أو لم يعلم حاله ،أو قد يقتل
بفعل الرجل في نفسه ،فالقتل شبه عمد ،والحكم في شريكه كالحكم في شريك المخطئ .وإذا
لم يجب القصاص على الجارح فعليه نصف الدية .
وإن كان ال سم يق تل غالبا ،وعلم حاله ،فحك مه كشر يك جارح نف سه ،فيلز مه الق صاص في
الظهر عند الشافعية ،وهو وجه عند الحنابلة ،أوهو شريك مخطئ في قول آخر للشافعية ،
وهو وجه آخر عند الحنابلة ،فل قود عليه ،لنه لم يقصد القتل ،وإنما قصد التداوي .
أمنا الحنفينة فل قصناص عندهنم على الجارح بحال ،سنواء أكان التداوي بالسنم عمدا أم كان
خطأ ،لن الصل عندهم أنه ليقتل شريك من ل قصاص عليه كما تقدم .
كذلك ل قصناص على الجارح عنند المالكينة قولً واحدا إذا تداوى المقتول بالسنم خطنأ ،بناء
على أصنلهم أننه ( ل يقتنل شرينك مخطنئ ) وقند تقدم أن فني شرينك جارح نفسنه عمدا عنند
المالكية قولين .
الثار المترتّبة على النتحار :
أوّلً :إيمان أو كفر المنتحر :
- 25ورد في الحاديث الصّحيحة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ما يدلّ ظاهره على خلود
ن النّبيّ صلى
قاتل نفسه في النّار وحرمانه من الجنّة .منها ما رواه الشّيخان عن أبي هريرة أ ّ
ال عليه وسلم قال « :من تردّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نارٍ جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا ،
ومن قتل نفسه بحديد ٍة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا »
ومنها حديث جندبٍ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :كان برجلٍ جراح فقتل نفسه ،
فقال اللّه :بدرني عبدي نفسه ،حرّمت عليه الجنّة »
وظاهر هذين الحديثين وغيرهما من الحاديث يدلّ على كفر المنتحر ،لنّ الخلود في النّار
سنّة والجماعة .لكنّه لم يقل بكفر المنتحر أحد من
والحرمان من الجنّة جزاء الكفّار عند أهل ال ّ
ن الكفر هو النكار والخروج عن دين السلم ،وصاحب الكبيرة
علماء المذاهب الربعة ،ل ّ
سنّة والجماعة ،وقد صحّت الرّوايات أنّ
-غير الشّرك -ل يخرج عن السلم عند أهل ال ّ
العصاة من أهل التّوحيد يعذّبون ثمّ يخرجون .بل قد صرّح الفقهاء في أكثر من موضعٍ بأنّ
المنتحر ل يخرج عن السلم ،ولهذا قالوا بغسله والصّلة عليه كما سيأتي ،والكافر ل
يصلّى عليه إجماعا .ذكر في الفتاوى الخانيّة :المسلم إذا قتل نفسه في قول أبي حنيفة ومح ّمدٍ
يغسّل ويصلّى عليه .
وهذا صريح في أنّ قاتل نفسه ل يخرج عن السلم ،كما وصفه الزّيلعيّ وابن عابدين بأنّه
فاسق كسائر فسّاق المسلمين كذلك نصوص الشّافعيّة تدلّ على عدم كفر المنتحر .
وما جاء في الحاديث من خلود المنتحر في النّار محمول على من استعجل الموت بالنتحار ،
سنّة ،والكافر
واستحلّه ،فإنّه باستحلله يصير كافرا ،لنّ مستحلّ الكبيرة كافر عند أهل ال ّ
مخلّد في النّار بل ريبٍ ،وقيل :ورد مورد الزّجر والتّغليظ وحقيقته غير مرادةٍ .ويقول ابن
سنّة والجماعة ،
عابدين في قبول توبته :القول بأنّه ل توبة له مشكل على قواعد أهل ال ّ
لطلق النّصوص في قبول توبة العاصي بل التّوبة من الكافر مقبولة قطعا ،وهو أعظم وزرا
ل .المراد ما إذا تاب حالة اليأس ،كما إذا فعل بنفسه ما ل يعيش معه عادة ،كجرحٍ
.ولع ّ
مزهقٍ في ساعته ،وإلقائه نفسه في بحرٍ أو نارٍ فتاب .
أمّا لو جرح نفسه فبقي حيّا أيّاما مثلً ثمّ تاب ومات ،فينبغي الجزم بقبول توبته .
ل على أنّ المنتحر تحت المشيئة ،وليس مقطوعا بخلوده في النّار ،حديث جاب ٍر أنّه
وممّا يد ّ
قال « :لمّا هاجر النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرٍو ،وهاجر
معه رجل من قومه فاجتووا المدينة ،فمرض فجزع ،فأخذ مشاقص ،فقطع بها براجمه
فشخبت يداه حتّى مات ،فرآه الطّفيل بن عمرٍو في منامه وهيئته حسنة ،ورآه مغطّيا يديه ،
فقال له :ما صنع بك ربّك ؟ قال :غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلى ال عليه وسلم فقال :
مالي أراك مغطّيا يديك ؟ قال :قيل لي :لن نصلح منك ما أفسدت ،فقصّها الطّفيل على
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وَِل َي َديْه فاغفر » وهذا
ن المنتحر ل يخرج بذلك عن كونه مسلما ،لكنّه ارتكب كبير ًة فيسمّي فاسقا .
كلّه يدلّ على أ ّ
ثانيا :جزاء المنتحر :
- 26ل خلف بين الفقهاء في أنّه إذا لم يمت من حاول النتحار عوقب على محاولته
النتحار ،لنّه أقدم على قتل النّفس الّذي يعتبر من الكبائر .
كذلك ل دية عليه سواء أكان النتحار عمدا أم خطأً عند جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة
ن العقوبة تسقط بالموت ،ولنّ عامر بن الكوع بارز
والشّافعيّة ورواية عن الحنابلة ) ل ّ
ي صلى ال عليه وسلم قضى
ن النّب ّ
مرحبا يوم خيبر ،فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يبلغنا أ ّ
فيه بدي ٍة ول غيرها ،ولو وجبت لبيّنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم ولنّه جنى على نفسه فلم
يضمنه غيره ،ولنّ وجوب الدّية على العاقلة في الخطأ إنّما كان مواساةً للجاني وتخفيفا
عنه ،وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إلى العانة والمواساة ،فل وجه ليجابه .وفي
ن على عاقلة المنتحر خطًأ ديته لورثته ،وبه قال الوزاعيّ وإسحاق ،
رواي ٍة عند الحنابلة أ ّ
لنّها جناية خطأٍ ،فكان عقلها ( ديتها ) على عاقلته كما لو قتل غيره .فعلى هذه الرّواية إن
كانت العاقلة الورثة لم يجب شيء ،لنّه ل يجب للنسان شيء على نفسه ،وإن كان بعضهم
وارثا سقط عنه ما يقابل نصيبه ،وعليه ما زاد على نصيبه ،وله ما بقي إن .كان نصيبه
من الدّين أكثر من الواجب عليه
- 27اختلفوا في وجوب الكفّارة ،فقال الشّافعيّة في وجهٍ -وهو رأي الحنابلة في قتل الخطأ
ل آدميّ من مسلمٍ -ولو في دار
-تلزم الكفّارة من سوى الحربيّ مميّزا كان أم ل ،بقتل ك ّ
الحرب -وذ ّميّ وجنينٍ وعبدٍ ونفسه عمدا أو خطأً .هكذا عمّموا في وجوب الكفّارة ،وتخرج
من تركة المنتحر في العمد والخطأ .واستدلّوا بعموم قوله تعالى { :ومن قتل مؤمنا خطأً
فتحرير رقبةٍ مؤمن ٍة ودية مسلّمة إلى أهله } ولنّه آدميّ مقتول خطأً ،فوجبت الكفّارة على
قاتله كما لو قتله غيره .
وقال الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة :ل كفّارة على قاتل نفسه خطأً أو عمدا .وهذا
هو قول الحنابلة في العمد ،لسقوط صلحيّته للخطاب بموته ،كما تسقط ديته عن العاقلة
لورثته .قال ابن قدامة :هذا أقرب إلى الصّواب إن شاء اللّه ،فإنّ عامر بن الكوع قتل
نفسه خطأً ولم يأمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيه بكفّارةٍ .وقوله تعالى { :ومن قتل مؤمنا
خطًأ } إنّما أريد به إذا قتل غيره ،بدليل قوله تعالى { :ودية مسلّمة إلى أهله } وقاتل نفسه ل
ن قوله تعالى { :فمن لم يجد فصيام
تجب فيه دية .كذلك ردّ المالكيّة وجوب الكفّارة بدليل أ ّ
شهرين متتابعين } مخرج قاتل نفسه ،لمتناع تصوّر هذا الجزء من الكفّارة ،وإذا بطل
الجزء بطل الكلّ .
ثالثا :غسل المنتحر :
- 28من قتل نفسه خطأً ،كأن صوّب سيفه إلى عدوّه ليضربه به فأخطأ وأصاب نفسه
ومات ،غسّل وصلّي عليه بل خلفٍ ،كما عدّه بعضهم من الشّهداء .
وكذلك المنتحر عمدا ،لنّه ل يخرج عن السلم بسبب قتله نفسه عند الفقهاء كما سبق ،
ولهذا صرّحوا بوجوب غسله كغيره من المسلمين وادّعى الرّمليّ الجماع عليه حيث قال :
وغسله وتكفينه والصّلة عليه وحمله ودفنه فروض كفاي ٍة إجماعا ،للمر به في الخبار
الصّحيحة ،سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره .
رابعا :الصّلة على المنتحر :
ن المنتحر يصلّى عليه ،لنّه لم
- 29يرى جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) أ ّ
يخرج عن السلم بسبب قتله نفسه كما تقدّم ،ولما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه
ل اللّه » ولنّ الغسل والصّلة متلزمان عند المالكيّة ،
قال « :صلّوا على من قال ل إله إ ّ
فكلّ من وجب غسله وجبت الصّلة عليه ،وكلّ من لم يجب غسله ل تجب الصّلة عليه .
وقال عمر بن عبد العزيز والوزاعيّ -وهو رأي أبي يوسف من الحنفيّة ،وصحّحه بعضهم
-ل يصلّى على قاتل نفسه بحالٍ ،لما روى جابر بن سمرة « :أنّه أتى النّبيّ صلى ال عليه
ل انطلق إلى
ن رج ً
وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصلّ عليه » ولما روى أبو داود « أ ّ
ل قد مات قال :وما يدريك ؟ قال :رأيته ينحر
النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأخبره عن رج ٍ
نفسه ،قال :أنت رأيته ؟ قال :نعم .قال .إذن ل أصلّي عليه » .وعلّله بعضهم بأنّ
المنتحر ل توبة له فل يصلّى عليه.
وقال الحنابلة :ل يصلّي المام على من قتل نفسه عمدا ،ويصلّي عليه سائر النّاس .أمّا
ي صلى ال عليه
ن النّب ّ
عدم صلة المام على المنتحر فلحديث جابر بن سمرة السّابق ذكره أ ّ
وسلم لم يصلّ على قاتل نفسه ،وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم هو المام ،فألحق به غيره
من الئمّة .
وأمّا صلة سائر النّاس عليه ،فلما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه حين امتنع عن
الصّلة على قاتل نفسه لم ينه عن الصّلة عليه .ول يلزم من ترك صلة النّبيّ صلى ال عليه
ي صلى ال عليه وسلم كان في بدء السلم ل يصلّي على
ن النّب ّ
وسلم ترك صلة غيره ،فإ ّ
ل على هذا التّخصيص ما روي
من عليه دين ل وفاء له ،ويأمرهم بالصّلة عليه .كما يد ّ
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :أمّا أنا فل أصلّي عليه »
ن عدم صلة المام على المنتحر أمر مستحسن ،لكنّه لو
وذكر في بعض كتب الحنابلة أ ّ
صلّى عليه فل بأس .فقد ذكر في القناع :ول يسنّ للمام العظم وإمام كلّ قريةٍ -وهو
واليها في القضاء -الصّلة على قاتل نفسه عمدا ،ولو صلّى عليه فل بأس .
خامسا :تكفين المنتحر ودفنه في مقابر المسلمين :
- 30اتّفق الفقهاء على وجوب تكفين الميّت المسلم ودفنه ،وصرّحوا بأنّهما من فروض
الكفاية كالصّلة عليه وغسله ،ومن ذلك المنتحر ،لنّ المنتحر ل يخرج عن السلم بارتكابه
قتل نفسه كما مرّ .
انتساب *
التّعريف :
ن :عزا نفسه إليه ،والنّسبة
- 1النتساب لغ ًة :مصدر انتسب ،وانتسب فلن إلى فل ٍ
والنّسبة ،والنّسب :القرابة ،ويكون النتساب إلى الباء وإلى القبائل ،وإلى البلد ،ويكون
إلى الصّنائع .والنتساب في الصطلح ل يخرج عن هذه المعاني
أنواع النتساب :
أ -النتساب للبوين :
- 2ويكون بالبنوّة أو التّبنّي .فإذا كان بالبنوّة فحكمه الوجوب عند الصّدق ،والحرمة عند
الكذب ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أيّما امرأ ٍة أدخلت على قومٍ من ليس منهم ،فليست
من اللّه في شيءٍ ،ولن يدخلها اللّه جنّته ،وأيّما رجلٍ جحد ولده ،وهو ينظر إليه احتجب اللّه
منه يوم القيامة ،وفضحه على رءوس الوّلين والخرين » .وإذا كان بالتّبنّي -فحكمه
الحرمة لقوله تعالى { ادعوهم لبائهم هو أقسط عند اللّه ،فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في
الدّين ومواليكم } ( ر :نسب ،وتبنّي )
ب -النتساب إلى ولء العتاقة :
- 3من آثاره :الرث والعقل ( المشاركة في تحمّل الدّية ) في الجملة .
فإذا مات العتيق ول وارث له بنسبٍ ول نكاحٍ ،ولم تستغرق فروض الوارثين التّركة ،وليس
له عصبة بالنّسب يكون المال كلّه ،أو الباقي بعد الفرض لمن أعتقه ،وفي تقديم ذوي
الرحام ،وال ّردّ عليه رأيان ( ر :إرث ،ولء )
ج -النتساب إلى ولء الموالة :
- 4قال به الحنفيّة ،فإذا أسلم رجل مكلّف على يد آخر وواله أو والى غيره على أن يرثه
إذا مات ،ويعقل عنه إذا جنى ،صحّ هذا العقد ،وعقله ( ديته ) عليه ،وإرثه له ،وكذا لو
ح لعدم المانع
شرط الرث من الجانبين ،وكذا ا لو والى صبيّ عاقل بإذن أبيه أو وصيّه ص ّ
د -النتساب إلى الصّنعة أو القبيلة أو القرية :
ن القرشيّ
- 5النتساب إلى الصّنعة أو القبيلة أو القرية كال ّنجّار والخزفيّ جائز ،وكفل ٍ
والتّميميّ نسبةً إلى قريشٍ وإلى تميمٍ ،والبخاريّ ،والقرطبيّ نسب ًة إلى بخارى ،وقرطبة ،
وعلى ذلك إجماع المّة من غير نكيرٍ .
هن -انتساب ولد الملعنة :
-6إذا قذف الرّجل زوجته ،ونفى نسب الولد منه ،وتمّ اللّعان بينهما بشروطه ،نفى الحاكم
نسبه عن أبيه وألحقه بأمّه .ر ( :لعان )
و -النتساب إلى القرابة من جهة المّ :
- 7للنتساب إلى المّ وأصولها وفروعها أحكام متعدّدة ،مثل حكم النّظر ،والرث ،
والولية في عقد النّكاح ،والوصيّة ،وحرمة النّكاح ،وغير ذلك من أحكامٍ تترتّب على هذه
النّسبة .ويراجع في ذلك تلك البواب من كتب الفقه والمصطلحات المختصّة بتلك البواب ،
نحو ( إرث ،ولية ،نكاح ،نظر ،سفر )
انتشاء *
انظر :سكر ،مخدّر
انتشار *
التّعريف :
- 1النتشار مصدر :انتشر ،يقال انتشر الخبر :إذا ذاع .وانتشر النّهار :طال وامتدّ .
ول يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
-أ -الستفاضة :
ل في الخبار ،بخلف
-2يقال استفاض الخبر :إذا ذاع " وانتشر .ول تكون الستفاضة إ ّ
النتشار
ب -الشاعة :
-أشاع الخبر بمعنى :أظهره فانتشر
الحكم الجماليّ :
يطلق الفقهاء لفظ النتشار على معنيين :
الوّل :بمعنى إنعاظ الذّكر :أي قيامه .
الثّاني :بمعنى شيوع الشّيء .
- 3فالنتشار بالمعنى الوّل له أثر في ترتّب الحكام الفقهيّة عليه ،ومن ذلك :
ل المطلّقة ثلثا لمن طلّقها فمن طلّق زوجته ثلثا ل تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ،
أ-حّ
ل إلّ بالوطء في
ويطأها ،لقوله تعالى { :فل تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره } ول تح ّ
ل ،لما
الفرج ،وأدناه تغييب الحشفة ،ول بدّ من النتشار ،فإن لم يوجد النتشار فل تح ّ
روي « أنّ رفاعة القرظيّ طلّق امرأته وبتّ طلقها -فتزوّجها عبد الرّحمن بن الزّبير ،
فجاءت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه إنّي كنت عند رفاعة وطلّقني ثلث
ت ،فتزوّجني عبد الرّحمن بن الزّبير ،وإنّه واللّه يا رسول اللّه ما معه إلّ مثل هذه
تطليقا ٍ
الهدبة ،فتبسّم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،فقال :لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ،
ل واللّه حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » ،فقد علّق النّبيّ صلى ال عليه وسلم الحكم
بذوق العسيلة وذلك ل يحصل من غير انتشارٍ ،وهذا باتّفاقٍ .
ب -ومن ذلك أثر النتشار في وجوب الح ّد على من أكره على الزّنا .وفي ذلك خلف .
فعند الحنابلة وبعض المالكيّة ،ومقابل الظهر عند الشّافعيّة ،وعند أبي حنيفة في إكراه غير
ل بالنتشار ،والكراه
ن الوطء ل يكون إ ّ
السّلطان ،إذا أكره الرّجل فزنى ،فعليه الحدّ ،ل ّ
ينافيه ،فإذا وجد النتشار انتفى الكراه ،فيلزمه الحدّ .
وفي الظهر عند الشّافعيّة ،وبعض المالكيّة ،وأبي يوسف ومح ّمدٍ وعند أبي حنيفة ،في
إكراه ذي السّلطان ،أنّه إذا أكره الرّجل على الزّنى فل حدّ عليه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه
وسلم « :رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ولنّ النتشار متردّد ،لنّه قد
يكون من غير قصدٍ ،لنّ النتشار قد يكون طبعا ل طوعا كما في النّائم .ر ( :إكراه )
- 4أمّا النتشار بالمعنى الثّاني :وهو الشّيوع ،فقد ذكره الفقهاء في ثبوت الهلل بالخبر
المنتشر ،وينظر تفصيل ذلك في ( استفاضة -صوم ) .
وذكروه في انتشار حرمة النّكاح بسبب الرّضاع إلى أصول المرضعة وفروعها .
وانتشار الحرمة أيضا بسبب الزّنا -وينظر في ( رضاع -ونكاح ) .
مواطن البحث :
- 5تتعدّد المسائل الفقهيّة الّتي تبنى الحكام فيها على النتشار ،وذلك في باب الوضوء ،
وباب الغسل ،وباب الصّوم ،وفي النّظر إلى الجنبيّة ،وفي المحرّمات في باب النّكاح ،
وباب الرّضاع .
انتفاع *
التّعريف :
- 1النتفاع مصدر :انتفع من النّفع ،وهو ضدّ الضّرّ ،وهو ما يتوصّل به النسان إلى
مطلوبه .فالنتفاع :الوصول إلى المنفعة ،يقال انتفع بالشّيء :إذا وصل به إلى منفعةٍ .ول
يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن هذا المعنى اللّغويّ .وذكر الشّيخ محمّد قدري باشا في
مرشد الحيران أنّ ( النتفاع الجائز هو حقّ المنتفع في استعمال العين واستغللها ما دامت
قائم ًة على حالها ،وإن لم تكن رقبتها مملوك ًة )
- 2واستعمل هذا اللّفظ غالبا مع كلمة ( حقّ ) فيقال :حقّ النتفاع ويراد به الحقّ الخاصّ
بشخص المنتفع غير القابل للنتقال للغير .وقد يستعمل مع كلمتي ( ملك وتمليك ) فيقال :
ملك النتفاع ،وتمليك النتفاع .ولعلّ المراد بالملك ،والتّمليك أيضا :حقّ الصّرف
الشّخصيّ الّذي يباشر النسان بنفسه فقط .
مقارنة بين حقّ النتفاع وملك المنفعة :
- 3يفرّق الفقهاء بين حقّ النتفاع وملك المنفعة من ناحية المنشأ والمفهوم والثار .وخلصة
ما قيل في الفرق بينهما وجهان :
الوّل :سبب حقّ النتفاع أع ّم من سبب ملك المنفعة ،لنّه كما يثبت ببعض العقود كالجارة
والعارة مثلً ،كذلك يثبت بالباحة الصليّة ،كالنتفاع من الطّرق العامّة والمساجد ومواقع
ص .كما لو أباح شخص لخر أكل طعامٍ مملوكٍ
النّسك ،ويثبت أيضا بالذن من مالكٍ خا ّ
له ،أو استعمال بعض ما يملك .
أمّا المنفعة فل تملك إلّ بأسبابٍ خاصّةٍ ،وهي الجارة والعارة والوصيّة بالمنفعة والوقف ،
على تفصيلٍ وخلفٍ سيأتي .وعلى ذلك ،فكلّ من يملك المنفعة يسوغ له النتفاع ،ول
ل من له النتفاع يملك المنفعة ،كما في الباحة مثلً .
عكس ،فليس ك ّ
الثّاني :أنّ النتفاع المحض حقّ ضعيف بالنّسبة لملك المنفعة ،لنّ صاحب المنفعة يملكها
ويتصرّف فيها تصرّف الملّاك في الحدود الشّرعيّة ،بخلف حقّ النتفاع المجرّد ،لنّه
رخصة ،ل يتجاوز شخص المنتفع .
وعلى هذا فمن ملك منفعة شي ٍء يملك أن يتصرّف فيه بنفسه ،أو أن ينقلها إلى غيره ،ومن
ملك النتفاع بالشّيء ل يملك أن ينقله إلى غيره .فالمنفعة أعمّ أثرا من النتفاع ،يقول
القرافيّ :تمليك النتفاع نريد به أن يباشره هو بنفسه فقط ،وتمليك المنفعة هو أعمّ وأشمل ،
ض كالعاريّة .
ض كالجارة وبغير عو ٍ
فيباشر بنفسه ،ويمكّن غيره من النتفاع بعو ٍ
مثال الوّل :سكنى المدارس ،والرّباطات والمجالس ،في الجوامع ،والمساجد ،والسواق ،
ومواضع النّسك ،كالمطاف والمسعى ونحو ذلك ،فله أن ينتفع بنفسه فقط .ولو حاول أن
يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره أو يعاوض عليه بطريقٍ من طرق المعاوضات امتنع ذلك
.وكذلك بقيّة النّظائر المذكورة معه .
وأمّا مالك المنفعة ،فكمن استأجر دارا أو استعارها ،فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه
بغير عوضٍ ،ويتصرّف في هذه المنفعة تصرّف الملّاك في أملكهم على جري العادة ،على
ن الموصى له يملك المنفعة ،وله
الوجه الّذي ملكه ومثله ما ذكره ابن نجيمٍ من الحنفيّة من أ ّ
حقّ العارة والمستأجر يمكنه العارة والجارة للغير فيما ل يختلف باختلف المستعملين .
ويملك المستعير والموقوف عليه السّكنى المنفعة ،فيمكن لهما نقل المنفعة إلى الغير بدون
عوضٍ ،لكن الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ل يجيزون للمستعير أن يؤجّر المستعار للغير ،
خلفا للمالكيّة
- 4وملك المنفعة قد يكون حقّا شخصيّا غير تابعٍ للعين المملوكة ،كما هو ثابت للمستعير
ل من مالكٍ
والمستأجر في العارة والجارة ،وقد يكون حقّا عينيّا تابعا للعين المملوكة منتق ً
ق الرتفاق
ل في العقار ،وهذا ما يسمّى بح ّ
إلى مالكٍ بالتّبع ضمن انتقال الملكيّة ،ول يكون إ ّ
.وتفصيله في مصطلح ( ارتفاق ) .
حكمه التّكليفيّ :
- 5النتفاع إمّا أن يكون واجبا أو حراما أو جائزا ،وذلك باعتبار متعلّقه وهو العين المنتفع
بها ،ونظرا للشّروط المتعلّقة بالعين وبالشّخص المنتفع بها ،وفيما يلي أمثلة للنتفاع الواجب
والحرام والجائز باختصارٍ .
أ -النتفاع الواجب :
- 6ل خلف في أنّ النتفاع يكون واجبا بأكل المباح ،إذا خاف النسان على نفسه الهلك ،
ن المتناع منه إلقاء بالنّفس إلى التّهلكة ،وهو منهيّ عنه بقوله تعالى { :ول تلقوا بأيديكم
لّ
ن الجمهور أوجبوا الكل والشّرب في حالة الضطرار ،ولو كانت العين
إلى التّهلكة } حتّى إ ّ
المنتفع بها محرّمةً .
ب -النتفاع المحرّم :
- 7قد يكون النتفاع بالشّيء محرّما ،إذا كانت العين المنتفع بها محرّمةً شرعا ،كالميتة
والدّم ولحم الخنزير والحيوانات والطّيور المحرّمة وأمثال ذلك في غير حالة الضطرار .
وقد يكون النتفاع بعينٍ من العيان المباحة محرّما سبب وصفٍ قائمٍ بشخص المنتفع ،
كالنتفاع بلحم الصّيد للمحرم ،وكانتفاع باللّقطة للغنيّ عند الحنفيّة .فإذا زال هذا الوصف
ل بالقاعدة العامّة ( :إذا زال المانع عاد الممنوع ) .
حلّ النتفاع عم ً
وقد يكون النتفاع بالشّيء محرّما ،إذا كان فيه اعتداء على ملك الغير وعدم إذن المالك ،
فيوجب الضّمان والعقاب ،كالنتفاع بالموال المغصوبة والمسروقة كما هو مبيّن في موضعه
.
أسباب النتفاع :
-المراد بأ سباب النتفاع ما يش مل المنف عة الّ تي يم كن نقل ها إلى الغ ير ،و ما هو خا صّ 9
بشخص المنتفع ول يقبل التّحويل للغير ،وسواء كانت العين المنتفع بها ممّا يجوز النتفاع بها
ابتداءً ،أم كاننت محرّم ًة ينتفنع بهنا بشروط ٍن خاصّنٍة فأسنباب النتفاع بهذا المعننى عبارة عنن
الباحة ،والضّرورة ،والعقد .
أوّلً :الباحة
- 10الباحة :هي الذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل .ويعرّفها بعض الفقهاء بأنّها :
الطلق في مقابلة الحظر الّذي هو المنع .وهي بهذا المعنى تشمل :
أ -الباحة الصليّة :
ص من الشّرع ،لكن ورد بصفةٍ عا ّمةٍ أنّه يباح النتفاع بناءً
وهي الّتي لم يرد فيها نصّ خا ّ
على الباحة الصليّة ،حينما تكون العيان والحقوق المتعلّقة بها مخصّص ًة لمنفعة الكافّة ،
ول يملكها واحد من النّاس ،كالنهر العامّة ،والهواء ،والطّرق غير المملوكة .
فالنتفاع من النهر العامّة مباح ل لحقّ الشّفة ( شرب النسان والحيوان ) فحسب ،بل لسقي
ل أن يسقي أرضه من بحرٍ أو نهرٍ عظيمٍ كدجلة
الراضي أيضا كما يقول ابن عابدين :لك ّ
والفرات إن لم يض ّر بالعامّة .وكذلك النتفاع بالمرور في الشّوارع والطّرق غير المملوكة
ثابت للنّاس جميعا بالباحة الصليّة ،ويجوز الجلوس فيها للستراحة والتّعامل ونحوهما ،إذا
لم يضيّق على المارّة وله تظليل مجلسه بما ل يضرّ المارّة عرفا .
ومثله النتفاع بشمسٍ وقمرٍ وهوا ٍء إذا لم يضرّ بأحدٍ لنّ هواء الطّريق كأصل الطّريق حقّ
المارّة جميعا .والنّاس في المرور في الطّريق شركاء .
ب -الباحة الشّرعيّة :
ل النتفاع بها وذلك إمّا
ص خاصّ يدلّ على ح ّ
- 11الباحة الشّرعيّة :هي الّتي ورد فيها ن ّ
ل ،كما في قوله تعالى { :أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم } .
أن يكون بلفظ الح ّ
أو بالمر بعد النّهي ،كما في قوله عليه الصلة والسلم « :كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم
الضاحيّ ،فكلوا وادّخروا » .
أو بالستثناء من التّحريم كما في قوله تعالى { :وما أكل السّبع إلّ ما ذكّيتم } .
أو بنفي الجناح أو الثم ،أو بغير ذلك من صيغ الباحة كما بيّنه الصوليّون .
ج -الباحة بإذن المالك :
- 12هذه الباحة تثبت من مالكٍ خاصّ لغيره بالنتفاع بعينٍ من العيان المملوكة :
إمّا بالستهلك ،كإباحة الطّعام والشّراب في الولئم والضّيافات ،أو بالستعمال كما لو أباح
إنسان لخر استعمال ما يشاء من أملكه الخاصّة .
فالنتفاع في هذه الحالت ل يتجاوز الشّخص المباح له ،وهو ل يملك الشّيء المنتفع به ،
فليس له أن يبيحه لغيره ،كما نصّ عليه في الفتاوى الهنديّة .
ن من
وذكر المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة مثل ذلك ،فقال البجيرميّ في شرحه على الخطيب :إ ّ
أبيح له الطّعام بالوليمة أو الضّيافة يحرم عليه أن ينقله إلى غيره ،أو بإطعام نحو هرّةٍ منه ،
ول يطعم منه سائلً إلّ إذا علم الرّضى .وكذلك من أبيح له النتفاع بعينٍ من العيان
المملوكة بإذن المالك ،كالذن بسكنى داره ،أو ركوب سيّارته ،أو استعمال كتبه ،أو
ل كان ضامنا .
ملبسه الخاصّة ،فليس للمباح له أن يأذن لغيره بالنتفاع بها ،وإ ّ
ثانيا :الضطرار
" - 13الضطرار هو الخوف على النّفس من الهلك علما أو ظنّا " أو " بلوغ النسان حدّا
ل النتفاع بالمحرّم لنقاذ النّفس من
إن لم يتناول الممنوع يهلك " وهو سبب من أسباب ح ّ
الهلك .وهو في الحقيقة نوع من الباحة الشّرعيّة للنّصوص الواردة في حال الضّرورة .
ل النتفاع به أن يكون الضطرار ملجئا ،بحيث يجد النسان نفسه في حالةٍ
ويشترط لح ّ
يخشى فيها الموت ،وأن يكون الخوف قائما في الحال ل منتظرا ،وألّ يكون لدفعه وسيلة
أخرى .فليس للجائع أن ينتفع من الميتة قبل أن يجوع جوعا يخشى منه الهلك ،وليس له أن
يتناول من مال الغير إذا استطاع شراء الطّعام أو دفع الجوع بفعلٍ مباحٍ .وكذلك يشترط
ل يتجاوز القدر اللّازم لدفعه .
للنتفاع بالحرام حال الضطرار أ ّ
والصل في حلّ النتفاع من المحرّم حال الضطرار قوله تعالى { :فمن اضطرّ غير باغٍ ول
عادٍ فل إثم عليه } وقوله تعالى { :وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّ ما اضطررتم إليه } .
والبحث في النتفاع بالمحرّم حال الضطرار يتناول الموضوعات التية :
أ -النتفاع من الطعمة المحرّمة :
- 14إذا خاف النسان على نفسه الهلك ،ولم يجد من الحلل ما يتغذّى به ،جاز له النتفاع
بالمحرّم لكي ينقذ حياته من الهلك ،ميتةً كان أو دما أو مال الغير أو غير ذلك .وهذا ممّا ل
خلف فيه بين الفقهاء .
لكنّهم اختلفوا في صفة النتفاع من المحرّم حال الضطرار ،هل هو واجب يثاب عليه فاعله
ويعاقب تاركه ،أم هو جائز ل ثواب ول عقاب في فعله أو تركه .؟
فالجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة ) على الوجوب ،
ن المتناع من الكل والشّرب حال الضطرار إلقاء بالنّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه بقوله
لّ
تعالى { :ول تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة } .
فالكل للغذاء ولو من حرامٍ أو ميتةٍ أو مال غيره حال الضطرار واجب يثاب عليه إذا أكل
مقدار ما يدفع به الهلك عن نفسه " ومن خاف على نفسه موتا أو مرضا مخوفا ووجد محرّما
لزمه أكله " .وقال الشّافعيّة في مقابل الصحّ ،وهو وجه عند الحنابلة ،ورواية عن أبي
يوسف من الحنفيّة :إنّ النتفاع من الطعمة المحرّمة ليس بواجبٍ ،بل هو مباح فقط ،لنّ
إباحة الكل في حالة الضطرار رخصة ،فل تجب عليه كسائر الرّخص .
- 15واتّفقوا على أنّه إذا لم يكن صاحب المال مضطرّا إليه لزمه بذله للمضطرّ ،لنّه يتعلّق
به إحياء نفس آدميّ معصو ٍم فلزمه بذله له .فإن امتنع واحتيج إلى القتال ،فللمضطرّ المقاتلة
.فإن قتل المضطرّ فهو شهيد ،وعلى قاتله ضمانه .وإن قتل صاحبه فهو هدر ،لنّه ظالم
ن الحنفيّة جوّزوا القتال بغير سلحٍ .وهذا كلّه إذا لم يستطع المضطرّ شراء
بقتاله ،إلّ أ ّ
الطّعام .فإن استطاع اشتراه ولو بأكثر من ثمن المثل .
ب -النتفاع بالخمر :
- 16اتّفق الفقهاء على جواز النتفاع بالخمر لساغة الغصّة ودفع الهلك في حالة
الضطرار حتّى إنّ الجمهور على وجوب شربها في هذه الحالة .فمن لم يجد غير الخمر ،
ن شربها في هذه
فأساغ اللّقمة بها ،فل حدّ عليه ،لوجوب شربها عليه إنقاذا للنّفس .ول ّ
الحالة متحقّق النّفع ،ولذا يأثم بتركه مع القدرة عليه حتّى يموت .
وأمّا شرب الخمر للجوع والعطش فالمالكيّة ،والشّافعيّة على تحريمه لعموم النّهي ،ولنّ
ل عطشا .وقال الحنفيّة :لو خاف الهلك عطشا وعنده خمر فله شرب قدر
شربها لن يزيده إ ّ
ما يدفع العطش إن علم أنّه يدفعه .كذلك لو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم
يحدّ .وفرّق الحنابلة بين الممزوجة وغير الممزوجة فقالوا :إن شربها للعطش نظر ،فإن
كانت ممزوج ًة بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضّرورة ،كما تباح الميتة عند
المخمصة ،وكما يباح شرب الخمر لدفع الغصّة .وإن شربها صرفا ،أو ممزوج ًة بشيءٍ
يسيرٍ ل يروي من العطش لم يبح وعليه الحدّ
- 17وأمّا تعاطي الخمر للتّداوي فالجمهور على تحريمه ،وتفصيله في ( أشربة ) .
ي الميّت :
ح -النتفاع بلحم الدم ّ
ن حرمة
- 18ذهب الجمهور إلى جواز النتفاع بلحم الدميّ الميّت حالة الضطرار ،ل ّ
النسان الحيّ أعلى من حرمة الميّت .واستثنى منه بعض الحنفيّة ،وهو قول عند الحنابلة
النتفاع بلحم الميّت المعصوم .
ل حيّ مهدر الدّم عند الشّافعيّة والحنابلة
وذهب المالكيّة إلى أنّه ل يجوز .ومثل الميّت ك ّ
وبعض الحنفيّة .ويبيح الشّافعيّ للمضطرّ أن يقطع من جسمه فلذ ًة ليأكلها في حالة الضّرورة
إن كان الخوف في قطعها أقلّ منه في تركها .وخالفه في ذلك بقيّة الفقهاء .
د -ترتيب النتفاع بالمحرّم :
- 19ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة ) إلى أنّه إذا وجدت
ب فل يجوز النتفاع
ميتة ،أو ما صاده محرم ،أو ما صيد في الحرم وطعام شخصٍ غائ ٍ
بمال الغير ،لنّ أكل الميتة منصوص عليه وأكل مال الدميّ مجتهد فيه ،والعدول إلى
المنصوص عليه أولى .ولنّ حقوق اللّه تعالى مبنيّة على المسامحة والمساهلة ،وحقوق
شحّ والتّضييق .
الدميّ مبنيّة على ال ّ
وقال مالك ،وهو قول للشّافعيّ :يقدّم مال الغير على الميتة ،ونحوها ممّا سبق إن أمن أن
يعدّ سارقا ،لنّه قادر على الطّعام الحلل ،فلم يجز له أكل الميتة ،كما لو بذله له صاحبه .
أمّا التّرتيب في النتفاع بين الميتة وصيد الحرم أو المحرم ،فقد قال أحمد والشّافعيّ وبعض
ن إباحتها منصوص عليها .وقال المالكيّة وبعض الحنفيّة :صيد
الحنفيّة :تقدّم الميتة ،ل ّ
المحرم للمضطرّ أولى من الميتة .هذا بالنّسبة لكل لحم الميتة حال الضطرار .
- 20أمّا النتفاع بالميتة بغير الكل ،وفي غير حالة الضطرار فالجمهور ( الحنفيّة
ب دبغ فقد طهر ،ويجوز النتفاع
ل إها ٍ
والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد ) على أنّ ك ّ
به إلّ جلد الخنزير والدميّ .أمّا الخنزير فلنّه نجس العين ،وأمّا الدميّ فلكرامته ،فل
يجوز النتفاع به كسائر أجزائه .واستثنى الشّافعيّة جلد الكلب أيضا لنّه ل يطهر بال ّدبّاغ
عندهم .واستثنى الحنابلة جلود السّباع ،فل يجوز النتفاع بها قبل الدّبغ ول بعده .
ونقل عن مالكٍ التّوقّف في جواز النتفاع بجلود الحمار والبغل والفرس ولو بعد الدّبغ .وفي
النتفاع بعظم الميتة وشعرها وشحمها تفصيل وخلف يرجع إليه في مصطلح ( ميتة ) .
ثالثا :العقد
-العقد من أهمّ أسباب النتفاع ،لنّه وسيلة تبادل الموال والمنافع بين النّاس على أساس 21
الرّ ضى .وهناك عقود ت قع على المنف عة مباشر ًة ،فتن قل المنف عة من جهةٍ إلى جهةٍ أخرى ،
كالجارة والعارة ،والوصنيّة بالمنفعنة والوقنف .وهناك عقود أخرى ل تقنع على المنافنع
بشروطن خاص ّنةٍ وفني حدو ٍد ضيّقةٍ ،كالرّهنن
ٍ بالذّات ،ولكنّه يأتني النتفاع فيهنا تبعا ،وذلك
ل من هذه العقود في بابه .
الوديعة .وتفصيل ك ّ
وجوه النتفاع :
النتفاع بالشّيء إمّا أن يكون بإتلف العين أو ببقائها ،وفي هذه الحالة إمّا أن ينتفع الشّخص
من العين بالستعمال أو بالستغلل .فالحالت ثلث :
الحالة الولى :الستعمال :
- 22يحصل النتفاع غالبا باستعمال الشّيء مع بقاء عينه ،وذلك كما في العاريّة ،فإنّ
المستعير ينتفع بالمستعار باستعماله والستفادة منه ،ول يجوز له أن ينتفع باستغلله
ن من شروط العاريّة إمكان النتفاع بها مع بقاء عينها .
( تحصيل غلّته ) أو استهلكه ،ل ّ
ح أن يستغلّها ويملكها غيره بعوضٍ .
والمستعير يملك المنافع بغير عوضٍ ،فل يص ّ
هذا عند الجمهور ،وذهب المالكيّة إلى أنّ مالك المنفعة بالستعارة له أن يؤجّرها خلل مدّة
العارة .
وكذلك الجارة فيما يختلف باختلف المستعمل أو إذا اشترط المالك على المستأجر النتفاع
بنفسه .فالنتفاع في هذه الحالة قاصر على شخص المستأجر ،ول يجوز له أن يستهلك
ن عقد الجارة يقتضي النتفاع بالمأجور مع بقاء العين
المأجور أو يستغلّه بإجارته للغير ،ل ّ
.وليس له إيجارها فيما يختلف باختلف المستعمل .
الحالة الثّانية :الستغلل :
- 23قد يحصل النتفاع باستغلل الشّيء وأخذ العوض عنه ،كما في الوقف والوصيّة إذا
ن الموقوف عليه والموصى له يستطيعان
ن له أن ينتفع كيف شاء ،فإ ّ
نصّ عند إنشائهما على أ ّ
أن يؤجّرا العين الموقوفة والموصى بمنفعتها للغير إذا أجازهما الواقف والموصي من غير
خلفٍ .
الحالة الثّالثة :الستهلك :
- 24قد يحصل النتفاع باستهلك العين كالنتفاع بأكل الطّعام والشّراب في الولئم
والضّيافات ،والنتفاع باللّقطة إذا كانت ممّا يتسارع إليه الفساد .وكذلك عاريّة المكيلت
ل باستهلكها ،فإنّهم قالوا :عاريّة
والموزونات والشياء المثليّة الّتي ل يمكن النتفاع بها إ ّ
الثّمنين ( الذّهب والفضّة ) والمكيل والموزون والمعدود قرض ،لنّه ل يمكن النتفاع بها إلّ
باستهلك عينها ور ّد مثلها .
حدود النتفاع :
النتفاع بالشّ يء له حدود ي جب على المنت فع مراعات ها وإلّ كان ضامنا .و من الحدود المقرّرة
الّتي بحثها الفقهاء في النتفاع بالشّيء ما يأتي :
- 25أ ّولً :يجب أن يكون النتفاع موافقا للشّروط الشّرعيّة ول يكون على وج ٍه يبطل حقّ
الغير .ولهذا اشترط الفقهاء في جميع عقود النتفاع ( الجارة والعارة والوصيّة بالمنفعة )
أن تكون العين منتفعا بها انتفاعا مباحا .كما اشترطوا في الوقف أن يكون على مصرفٍ
ن المنافع ل يتصوّر استحقاقها بالمعاصي .
مباحٍ ،ل ّ
ن النتفاع بالمباح إنّما يجوز إذا لم يضرّ بأحدٍ .والنتفاع بالمنافع العامّة مقيّد
كذلك قالوا :إ ّ
بعدم الضرار بالغير .والجلوس على الطّرق العامّة للستراحة أو المعاملة ونحوهما ،
ووضع المظلّات إنّما يجوز إذا لم يضيّق على المارّة .
وكذلك النتفاع بالمحرّم حال الضطرار مقيّد بقيودٍ .فقد اتّفق الفقهاء على أنّ المضطرّ يجوز
له النتفاع بالمحرّمات بمقدار ما يسدّ الرّمق ويأمن معه الموت .
وذهب المالكيّة ،وهو قول عند الشّافعيّة ،ورواية عن أحمد إلى أنّه يأكل من المحرّمات إلى
ن ما جاز سدّ الرّمق منه جاز الشّبع منه كالمباح .بل
حدّ الشّبع إذا لم يوجد غيرها ،ل ّ
المالكيّة جوّزوا التّزوّد من المحرّمات احتياطا خشية استمرار حالة الضطرار ،كما تدلّ عليه
نصوصهم .وقال الحنفيّة ،وهو أحد قولين للشّافعيّ ،والظهر عند الحنابلة :أنّه ل يجوز
للمضطرّ النتفاع من المحرّمات بأكثر ممّا يدفع الهلك ويسدّ الرّمق ،فليس له أن يأكل إلى
ن الضّرورة تقدّر بقدرها .
حدّ الشّبع ،وليس له أن يتزوّد ،ل ّ
ن من مالكٍ خاصّ
- 26ثانيا :يلزم المنتفع أن يراعي حدود إذن المالك ،إذا ثبت النتفاع بإذ ٍ
ن صاحبه ل يرضى بإطعام الغير ،فل
،كإباحة الطّعام والشّراب في الضّيافة ،فإنّه إذا علم أ ّ
يحلّ له أن يطعم غيره كما تقدّم .وكذلك الذن بسكنى الدّار وركوب الدّابّة للشّخص ،فإنّ
النتفاع بها محدود بشروط المبيح .
- 27ثالثا :يلزم المنتفع التّقيّد بالقيود المتّفق عليها في العقد ،إذا كان مسبّب النتفاع عقدا .
ن الصل مراعاة الشّروط بقدر المكان .فإذا حدّد النتفاع في الجارة أو العاريّة أو
لّ
الوصيّة بوقتٍ أو منفعةٍ معيّن ٍة فل يتجاوزها ما لم تكن الشّروط مخالفةً للشّرع .
- 28رابعا :يلزم المنتفع أن ل يتجاوز الحدّ المعتاد إذا لم يكن النتفاع مقيّدا بقيدٍ أو شرطٍ ،
ن المطلق يقيّد بالعرف والعادة ،والمعروف عرفا كالمشروط شرطا كما جرى على ألسنة
لّ
ل ما هو مهيّأ له .وما هو
الفقهاء .فلو أعاره وأطلق فللمستعير النتفاع بحسب العرف في ك ّ
غير مه ّيأٍ له يعيّنه العرف ولو قال :آجرتكها لما شئت صحّ ،ويفعل ما يشاء لرضاه به ،لكن
يشترط أن ينتفع به على الوجه المعتاد كالعاريّة .
أحكام النتفاع الخاصّة :
النتفاع المجرّد ملك ناقص ،وله أحكام وآثار خاصّة تميّزه عن الملك التّامّ .
من هذه الحكام ما يأتي :
أوّلً :تقييد النتفاع بالشّروط :
- 29يقبل حقّ النتفاع التّقييد والشتراط ،لنّه حقّ ناقص ليس لصاحبه إلّ التّصرّفات الّتي
ن النتفاع موجب
يجيزها المالك ،وعلى الوجه الّذي يعيّنه صف ًة وزمنا ومكانا ،وإلّ فإ ّ
للضّمان ،فإذا أعار إنسانا داّبةً على أن يركبها المستعير بنفسه فليس له أن يعيرها غيره ،
واذا أعار ثوبا على أن يلبسه بنفسه فليس له أن يلبسه غيره .وكذلك إن قيّدها بوقتٍ أو منفعةٍ
أو بهما فل يتجاوز إلى ما سوى ذلك .
ع شاء وفي أيّ وقتٍ أراد ،لنّه يتصرّف في ملك الغير فل
وإن أطلق فله أن ينتفع بأيّ نو ٍ
يملك التّصرّف إلّ على الوجه الّذي أذن له من تقييدٍ أو إطلقٍ .
ومن استأجر دارا للسّكنى إلى مدّ ٍة معيّنةٍ فليس له أن يسكنها بعد انقضاء المدّة إلّ بأجرة
ن النتفاع مقيّد بقيد الزّمان فيجب اعتباره .
المثل ،ل ّ
كذلك لو قيّد الواقف النتفاع بالوقف بشروطٍ محدّدةٍ ،فالجمهور على أنّه يرجع إلى شرط
ن الشّروط الّتي يذكرها الواقفون هي الّتي تنظّم طريق النتفاع به ،وهذه الشّروط
الواقف ل ّ
ن النتفاع بالمأجور والمستعار
معتبرة ما لم تحالف الشّرع .هذا ،وجمهور الفقهاء على أ ّ
بمثل المشروط أو أقلّ منه ضررا جائز لحصول الرّضى ولو حكما .وقال بعضهم :إن نهاه
عن مثل المشروط أو الدون منه امتنع .
ن التّقييد في النتفاع لشخصٍ دون شخصٍ معتبر فيما يكون
- 30وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
التّقييد فيه مفيدا ،وذلك فيما يختلف باختلف المستعمل كركوب الدّابّة ولبس الثّوب .
أمّا فيما ل يختلف باختلف المستعمل كسكنى الدّار مثلً فقد اختلفوا فيه :فذهب الحنفيّة إلى
عدم اعتبار القيد ،لنّ النّاس ل يتفاوتون فيه عادةً .فلم يكن التّقييد بسكناه مفيدا ،إلّ إذا كان
حدّادا أو قصّارا أو نحوهما ممّا يوهن عليه البناء .
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار القيد مطلقا ما لم يكن مخالفا للشّرع .وقال الشّافعيّة :لو
شرط المؤجّر على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فسد العقد ،كما لو شرط على مشترٍ أن ل
يبيع العين للغير .
ثانيا :توريث النتفاع :
- 31إذا كان سبب النتفاع الجارة أو الوصيّة ،فقد ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة
والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّه يقبل التّوريث .فالجارة ل تنفسخ بموت الشّخص المستأجر ،
ويقوم وارثه مقامه في النتفاع بها إلى أن تنتهي المدّة ،أو تفسخ الجارة بأسبابٍ أخرى ،لنّ
ن الحنابلة قالوا :
الجارة عقد لزم ،فل تنفسخ بموت العاقد مع سلمة المعقود عليه .إلّ أ ّ
إن مات المكتري ،ولم يكن له وارث تنفسخ الجارة فيما بقي من المدّة .
وكذلك الوصيّة بالمنفعة ل تنتهي بموت الموصى له ،لنّها تمليك وليست إباح ًة للزومها
بالقبول ،فيجوز لورثته أن ينتفعوا بها بالمدّة الباقية ،لنّه مات عن حقّ ،فهو لورثته - 32 .
أمّا إذا كان سبب النتفاع العاريّة ،فقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بعدم توريث النتفاع بها ،
لنّها عقد غير لزمٍ ،تنفسخ بموت العاقدين .ولنّ العاريّة إباحة النتفاع عندهم ،فل تصلح
أن تنتقل إلى الغير حتّى في حياة المستعير .
ن النتفاع ل يقبل التّوريث مطلقا .فالوصيّة بالمنفعة تبطل بموت
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
الموصى له ،وليس لورثته النتفاع بها ،كما تبطل العاريّة بموت المستعير ،والجارة بموت
ن المنافع ل تحتمل الرث ،لنّها تحدث شيئا فشيئا ،والّتي تحدث بعد الموت
المستأجر ،ل ّ
ليست موجودةً حين الموت ،حتّى تكون ترك ًة على ملك المتوفّى فتورث .
وعلى ذلك يعود ملك المنفعة بعد وفاة الموصى له بالمنفعة إلى الموصى له بالرّقبة ،إن كان
قد أوصى بالرّقبة إلى آخر ،وإن لم يكن قد أوصى بها عاد ملك المنفعة إلى ورثة الموصي ،
كما صرّح به الكاسانيّ .
ثالثا :نفقات العين المنتفع بها :
- 33ل خلف بين فقهاء المذاهب في أنّ نفقات العين المنتفع بها تكون على صاحب العين ،
إذا كان النتفاع بمقابلٍ ،ل على من له النتفاع .وعلى ذلك فتكسية الدّار المستأجرة وإصلح
ب الدّار ( المؤجّر ) .وكذلك علف الدّابّة المستأجرة
مرافقها وما وهن من بنائها على ر ّ
ن النّفقة
ن الحنابلة قالوا :إن شرط المكري أ ّ
ومئونة ردّ العين المستأجرة على الجر .حتّى إ ّ
الواجبة عليه تكون على المكتري فالشّرط فاسد .
وإذا أنفق المكتري على ذلك احتسب به على المكري .لكن الحنفيّة يقولون :إذا أصلح
المستأجر شيئا من ذلك لم يحتسب له بما أنفق ،لنّه أصلح ملك غيره بغير أمره فكان متبرّعا
.كما ذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه ل يجبر آجر الدّار على إصلحها للمكتري ،ويخيّر
السّاكن بين النتفاع بالسّكنى ،فيلزمه الكراء والخروج منها .
- 34أمّا إذا كان النتفاع بالمجّان ،كما في العاريّة والوصيّة ،فقد ذهب الحنفيّة -وهو قول
عند المالكيّة في العاريّة ،والصّحيح عند الحنابلة في الوصيّة -إلى أنّ نفقات العين المنتفع
بها تكون على من له النتفاع .وعلى ذلك فعلف الدّابّة ونفقات الدّار المستعارة على المستعير
ن نفقة الدّار الموصى بمنفعتها على الموصى له ،لنّهما يملكان النتفاع بالمجّان ،
،كما أ ّ
ن صاحبها فعل معروفا فل يليق أن يشدّد عليه .
فكانت النّفقة عليهما ،إذ الغرم بالغنم .ول ّ
ن مئونة المستعار على المعير دون المستعير ،سواء أكانت العاريّة صحيحةً
وقال الشّافعيّة :إ ّ
أم فاسد ًة .فإن أنفق المستعير لم يرجع إلّ بإذن حاكمٍ أو إشهاد بيّنةٍ على الرّجوع عند فقد
الحاكم .
كذلك في الوصيّة بالنتفاع ،فإنّ الوارث أو الموصى له بالرّقبة هو الّذي يتحمّل نفقات العين
الموصى بمنفعتها ،إن أوصى بمنفعتها مدّ ًة ،لنّه هو المالك للرّقبة ،وكذلك للمنفعة فيما عدا
تلك المدّة كما علّله الرّمليّ .وهذا هو أحد القولين عند المالكيّة في العاريّة ،وهو وجه عند
الحنابلة في الوصيّة .وعلّله الخرشيّ بأنّها لو كانت على المستعير لكان كراءً ،وربّما كان
علف الدّابّة ،أكثر من الكراء .
رابعا :ضمان النتفاع :
- 35الصل أنّ النتفاع المباح والمأذون بعينٍ من العيان ل يوجب الضّمان ،وعلى ذلك
فمن انتفع بالمأجور على الوجه المشروع ،وبالصّفة الّتي عيّنت في العقد ،أو بمثلها ،أو
ن يد المكتري يد أمانةٍ مدّة
دونها ضررا ،أو على الوجه المعتاد فتلف ل يضمن ،ل ّ
الجارة ،وكذا بعدها إن لم يستعملها استصحابا لما كان .
ومن استعار عينا فانتفع بها ،وهلكت بالستعمال المأذون فيه بل تعدّ ل يضمن عند الحنفيّة
والشّافعيّة .وكذلك إذا هلكت بدون استعمالٍ عند الحنفيّة ،لنّ ضمان العدوان ل يجب إلّ
على المتعدّي ،ومع الذن بالقبض ل يوصف بالتّعدّي .
وعند الشّافعيّة يضمن إذا هلكت في غير حال الستعمال ،لنّه قبض مال الغير لنفسه ل عن
استحقاقٍ ،فأشبه الغصب .وقال الحنابلة :العاريّة المقبوضة مضمونة بقيمتها يوم التّلف بكلّ
حالٍ ،ول فرق بين أن يتعدّى فيها أو يفرّط فيها أو ل .أمّا إذا انتفع بها وردّها على صفتها
فل شيء عليه .
وفرّق المالكيّة بين ما يغاب عليه ( يحتمل الخفاء ) وبين ما ل يغاب عليه ،فقالوا :يضمن
المستعير ما يغاب عليه ،كالحليّ والثّياب ،إن ادّعى الضّياع إلّ ببيّن ٍة على ضياعه بل سببٍ
منه ،كذلك يضمن بانتفاعه بها بل إذن ربّها إذا تلفت أو تعيّبت بسبب ذلك .
أمّا فيما ل يغاب عليه وفيما قامت البيّنة على تلفه فهو غير مضمونٍ .والنتفاع بالرّهن بإذن
الرّاهن حكمه حكم العاريّة ،فلو هلك في حالة الستعمال والعمل ل يضمن عند عامّة الفقهاء ،
ن النتفاع المأذون ل يوجب الضّمان .وإذا انتفع به بدون إذن الرّاهن يضمن مع تفصيلٍ
لّ
سبق ذكره .
- 36ويستثن من هذا الصل النتفاع بمال الغير حال الضطرار ،فإنّه وإن كان مأذونا
شرعا ،لكنّه يوجب الضّمان عند الجمهور ،عملً بقاعدةٍ فقهيّ ٍة أخرى هي :أنّ الضطرار ل
ن النتفاع المباح ل
يبطل حقّ الغير .وذهب المالكيّة إلى عدم الضّمان عملً بالصل ،وهو أ ّ
يوجب الضّمان .وهذا إذا لم يكن عند المضطرّ ثمن الطّعام ليشتريه ،لنّه لم يتعلّق بذمّته كما
علّل بذلك الدّردير .
- 37أمّا النتفاع بالمغصوب الوديعة فموجب للضّمان عند جمهور الفقهاء ،لنّه غير مأذونٍ
فيه ،إلّ ما ذكر الشّافعيّة في الوديعة من عدم ضمان لبس الثّوب لدفع العفونة وركوب ما ل
ينقاد للسّقي .كذلك تضمن منفعة الدّار بالتّفويت والفوات ،بأن سكن الدّار وركب الدّابّة ،أو
ن المالكيّة قالوا
لم يفعل ذلك عند الشّافعيّة ،وهو ما تدلّ عليه نصوص المالكيّة والحنابلة ،ولك ّ
:لو غصب العين لستيفاء المنفعة ،ل لتملّك الذّات ،فتلفت العين المنتفع بها فل يضمنها
المتعدّي .فمن سكن دارا غاصبا للسّكنى ،فانهدمت من غير فعله فل يضمن إلّ قيمة السّكنى
.
ن منافع العيان المنقولة المغصوبة ليست بمضمون ٍة .فإذا غصب دابّةً
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
فأمسكها أيّاما ولم يستعملها ،ث ّم ردّها إلى يد مالكها ل يضمن ،لنّه لم يوجد تفويت يد المالك
عن المنافع ،لنّها أعراض تحدث شيئا فشيئا .فالمنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن
موجودةً في يد المالك ،فلم يوجد تفويت يد المالك عنها .لكن إن كان المغصوب مال وقفٍ أو
مال صغيرٍ أو كان معدّا للستغلل يلزمه ضمان المنفعة .
ويرجع لتفصيله إلى مصطلح ( ضمان ) .
خامسا :تسليم العين المنتفع بها :
- 38ل خلف في أنّه يلزم تسليم العين المنتفع بها إلى من له النتفاع ،إذا ثبت النتفاع
ض ،كالجارة .فالمؤجّر مكلّف بعد انعقاد العقد أن يسلّم المأجور إلى
بالعقد اللّازم وبعو ٍ
المستأجر ،ويمكّنه من النتفاع به عند عامّة الفقهاء .أمّا النتفاع بالعقد غير اللّازم فل يوجب
ن التّبرّع
تسليم العين للمنتفع ،كالعارة ،فل يلزم المعير أن يسلّم المستعار إلى المستعير ،ل ّ
ل أثر له قبل القبض .
- 39أمّا ردّ العين المنتفع بها إلى مالكها ،فقد ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة
ض كالعاريّة فردّ العين واجب على المستعير ،
ن النتفاع إذا كان بدون عو ٍ
والحنابلة ) إلى أ ّ
ممّن طلب المعير ذلك ،لنّ العاريّة من العقود غير اللّازمة ،فلكلّ واح ٍد منهما ردّها متى
شاء ،ولو مؤقّتةً بوقتٍ لم ينقض أمده ،لقوله عليه الصلة والسلم « :المنحة مردودة ،
ن الذن هو السّبب لباحة النتفاع وقد انقطع بالطّلب .ولهذا لو كانت
والعاريّة مؤدّاة » .ول ّ
مؤقّتةً ،فأمسكها بعد مضيّ الوقت ،ولم يردّها حتّى هلكت ضمن .
ولكن إذا أعار أرضا لزراع ٍة ورجع قبل إدراك الزّرع فعليه البقاء إلى الحصاد ،وله الجرة
من وقت وجوب إرجاعها إلى حصاد الزّرع .كما لو أعاره دابّ ًة ثمّ رجع في أثناء الطّريق ،
ن بأجر المثل .
فإنّ عليه نقل متاعه إلى مأم ٍ
وقال المالكيّة :لزمت العاريّة المقيّدة بعملٍ أو أجلٍ لنقضائه ،فليس لربّها أخذها قبله ،سواء
كان المستعار أرضا لزراع ٍة ،أو سكنى ،أو كان حيوانا أو كان عرضا .
ض كالجارة ،فل يكلّف المستأجر ردّ المأجور بعد النقضاء ،
- 40أمّا إذا كان النتفاع بعو ٍ
وليس للجر أن يستردّ المأجور قبل استيفاء المنفعة المعقودة ،ول قبل مضيّ المدّة المقرّرة .
وحكم بقاء الزّرع إلى الحصاد بعد انقضاء مدّة الجارة كحكم العاريّة ،فللمستأجر أن يبقي
الزّرع في الرض إلى إدراكه بأجرة المثل .
ن الشّافعيّة قيّدوه بما إذا لم يكن تأخير الزّراعة بسبب تقصير المستأجر والمستعير .
لك ّ
ن العين
أمّا مؤنة ردّ العين المنتفع بها ،فقد اتّفقوا على أنّها في الجارة على المؤجّر ،ل ّ
ن النتفاع له ،عملً
المستأجرة مقبوضة لمنفعته بأخذ الجر ،وعلى المستعير في العاريّة ل ّ
بقاعدة ( الغرم بالغنم ) .
إنهاء النتفاع وانتهاؤه :
- 41إنهاء النتفاع معناه وقف آثار النتفاع في المستقبل بإرادة المنتفع أو مالك الرّقبة أو
القاضي ،وعبّر عنه الفقهاء بلفظ ( فسخ ) .وانتهاء النتفاع معناه أن تتوقّف آثاره بدون
إرادة المنتفع أو مالك العين ،وعبّر عنه الفقهاء بلفظ ( انفساخ ) .
ل :إنهاء النتفاع :ينهى النتفاع في الحالت التية :
أ ّو ً
أ -الرادة المنفردة :
- 42يمكن إنهاء النتفاع بالرادة المنفردة في عقود التّبرّع ،سواء أكان من قبل مالك الرّقبة
أو المنتفع نفسه .فكما أنّ الوصيّة بالنتفاع يمكن إنهاؤها من قبل الموصى له في حياته ،
يصحّ إنهاؤها من قبل الموصى له بعد موت الموصي .وكما أنّ العارة يمكن إنهاؤها من
ي وقتٍ شاء على رأي الجمهور ،خلفا للمالكيّة كما تقدّم .
قبل المعير ،فله أن يرجع في أ ّ
ت شاء .لنّ العارة والوصيّة من العقود غير اللّازمة
كذلك يسوغ للمستعير أن يردّها أيّ وق ٍ
ت لم ينقض أمده ،
من الطّرفين كالوكالة ،فلكلّ واح ٍد منهما فسخها متى شاء ،ولو مؤقّت ًة بوق ٍ
إلّ في صو ٍر مستثنا ٍة لدفع الضّرر .
ب -حقّ الخيار :
ح إنهاء النتفاع باستعمال الخيار في بعض العقود كالجارة ،فإنّها تفسخ بالعيب ،
- 43يص ّ
ن المعقود عليه في الجارة -وهي المنافع -
سواء أكان العيب مقارنا للعقد أو حادثا بعده ،ل ّ
يحدث شيئا فشيئا ،فما وجد من العيب يكون حادثا قبل القبض في حقّ ما بقي من المنافع ،
فيوجد الخيار .
كذلك يمكن إنهاء النتفاع في الجارة بفسخها بسبب خيار الشّرط ،وخيار الرّؤية عند من
ن الجارة بيع المنافع ،فكما يجوز فسخ البيع بخيار الشّرط والرّؤية ،كذلك يصحّ
يقول به ،ل ّ
إنهاء النتفاع في الجارة بسبب هذين الخيارين .
وتفصيل ذلك في خيار الشّرط وخيار الرّؤية .
- 44وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز إنهاء النتفاع في حالة تعذّره ،وذلك في العقود
اللّازمة ،كالجارة .أمّا العقود غير اللّازمة كالعارة فإنّها قابلة للفسخ بدون التّعذّر كما سبق
.والتّعذّر أعمّ من التّلف عند المالكيّة ،فيشمل الضّياع والمرض والغصب وغلق الحوانيت
قهرا .وقد توسّع الحنفيّة والحنابلة في إنهاء النتفاع بسبب العذر .وعرّفه الحنفيّة بأنّه :عجز
ل بتحمّل ضر ٍر زائدٍ ،كمن استأجر حانوتا يتّجر فيه فأفلس
العاقد عن المضيّ بموجب العقد إ ّ
.
وصرّح الحنابلة بأنّه إن تعذّر الزّرع بسبب غرق الرض أو انقطاع مائها فللمستأجر الخيار .
وإن قلّ الماء بحيث ل يكفي الزّرع فله الفسخ .وكذلك إذا انقطع الماء بالكّليّة ،أو حدث بها
عيب ،أو حدث خوف عا ّم يمنع من سكنى المكان الّذي فيه العين المستأجرة .وقال الشّافعيّة
:ل تنفسخ الجارة بعذرٍ ،كتعذّر وقود الحمّام أو خراب ما حول الدّار وال ّدكّان .ومع ذلك
فقد وافقوا الجمهور على جواز إنهاء النتفاع في بعض الصّور حيث قالوا :إذا انقطع ماء
أرضٍ للزّراعة فللمستأجر الخيار في الفسخ ،وما يمنع استيفاء المنفعة شرعا يوجب الفسخ ،
كما لو سكن ألم السّنّ المستأجر على قلعه .
ج -القالة :
- 45ل خلف في أنّ النتفاع يمكن إنهاؤه بسبب القالة ،وهي فسخ العقد بإرادة الطّرفين .
وهذا إذا كان النتفاع حاصلً بسبب عقدٍ لزمٍ كالجارة .
أمّا في غير العقد ،وفي العقود غير اللّازمة ،فل يحتاج للقالة ،لنّه يمكن بالرّجوع عن
الذن أو الرادة المنفردة ،كما تقدّم .
ثانيا :انتهاء النتفاع :
ينتهي النتفاع في الحالت التية :
أ -انتهاء المدّة :
- 46ل خلف بين الفقهاء أنّ النتفاع ينتهي بانتهاء المدّة المعيّنة أيّا كان سببه ،فإذا أباح
شخص لخر النتفاع من أملكه الخاصّة لمدّةٍ معلومةٍ ينتهي النتفاع بانتهاء تلك المدّة .وإذا
آجره أو أعاره دابّ ًة لشهرٍ فإنّ النتفاع بها ينتهي بمضيّ هذه المدّة ،وليس له أن ينتفع بها
بعدها ،وإلّ يكون غاصبا كما تقدّم .
ب -هلك المحلّ أو غصبه :
- 47ينتهي النتفاع بهلك العين المنتفع بها عند عامّة الفقهاء .فتنفسخ الجارة والعارة
والوصيّة بهلك الدّابّة المستأجرة ،وبتلف العين المستعارة ،وبانهدام الدّار الموصى بمنفعتها
.أمّا غصب المحلّ فموجب لفسخ العقد عند الجمهور ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض
ن الغصب أيضا موجب للنفساخ ،لزوال
الحنفيّة ) ل للنفساخ .وقال بعض الحنفيّة :إ ّ
التّمكّن من النتفاع .
ج -وفاة المنتفع :
سبق عند الكلم على توريث النتفاع ما يتّصل بهذا السّبب .انظر فقرة ( . ) 30
زوال الوصف المبيح :
- 48ينتهي النتفاع كذلك بزوال الوصف المبيح كما في حالة الضطرار ،حيث قالوا :إذا
زالت حالة الضطرار زال حلّ النتفاع .
انتقال *
التّعريف :
- 1النتقال في اللّغة :التّحوّل من موضعٍ إلى آخر .ويستعمل مجازا في التّحوّل المعنويّ ،
فيقال :انتقلت المرأة من عدّة الطّلق إلى عدّة الوفاة .ويطلق عند الفقهاء على هذين المعنيين
كما سيأتي .
اللفاظ ذات الصّلة :
الزّوال :
-2الزّوال في اللّغة بمعنى :التّنحّي ،ومعنى العدم .
والفرق بين النتقال والزّوال :أنّ الزّوال يعني العدم في بعض الحيان ،والنتقال ل يعني
ن النتقال يكون في الجهات كلّها ،أمّا الزّوال فإنّه يكون في بعض الجهات
ذلك .وأيضا :أ ّ
ل إلى علوٍ ،
ل إلى علوٍ .ويقال :انتقل من سف ٍ
دون بعضٍ ،أل ترى أنّه ل يقال :زال من سف ٍ
ح أو مق ّدرٍ ،تقول :زال
ت صحي ٍ
ن الزّوال ل يكون إلّ بعد استقرارٍ وثبا ٍ
وثمّة فرق ثالث هو أ ّ
ملك فلنٍ ،ول تقول :ذلك إلّ بعد ثبات الملك له ،وتقول :زالت الشّمس ،وهذا وقت
ن من
ن الشّمس تستقرّ في كبد السّماء ثمّ تزول ،وذلك لما يظ ّ
الزّوال ،وذلك أنّهم يقدّرون أ ّ
بطء حركتها .وليس كذلك النتقال .فعلى هذا يكون النتقال أتمّ من الزّوال .
الحكم التّكليفيّ :
قد يكون النتقال واجبا ،وقد يكون جائزا .
أ -النتقال الواجب :
- 3إذا تعذّر الصل وجب النتقال إلى البدل ،والمتتبّع لحكام الفقه يجد كثيرا من التّطبيقات
ن من
لهذه القاعدة ،من ذلك أنّه إذا هلك المغصوب في يد الغاصب وجب مثله أو قيمته .وأ ّ
عجز عن الوضوء لفقد الماء وجب عليه النتقال إلى التّيمّم ،ومن عجز عن القيام في الصّلة
انتقل إلى القعود ،ومن عجز عن الصّيام لشيخوخةٍ وجبت عليه الفدية ،ومن عجز عن أداء
صلة الجمعة لمرضٍ أو غيره وجبت عليه صلة الظّهر ،ومن أتلف لخر شيئا ل مثل له
ن المطلوبة من البل أخذ سنّا
وجبت عليه قيمته ،وإذا لم يجد المصدّق -جابي الصّدقة -السّ ّ
أعلى منها ودفع الفرق ،أو أخذ سنّا أدنى منها وأخذ الفرق ،ومن تزوّج امرأ ًة على خمرٍ
وجب النتقال إلى مهر المثل .ومن عجز عن خصال كفّارة اليمين انتقل إلى البدل وهو
ل كفّارةٍ لها بدل ،يصار إلى البدل عند تعذّر الصل .
الصّيام ،وهكذا ك ّ
ب -النتقال الجائز :
- 4النتقال الجائز قد يكون بحكم الشّرع ،وقد يكون باتّفاق الطّرفين ،ويجوز النتقال من
الصل إلى البدل إذا كان في البدل مصلحة ظاهرة شرعا ،فيجوز عند بعض الفقهاء الحنفيّة
دفع بدل الواجب في الزّكاة ،والصّدقة ،وزكاة الفطر ،والنّذر ،والكفّارة ،والعشر ،
والخراج .كما يجوز باتّفاق أصحاب العلقة النتقال من الواجب إلى البدل في دين القرض ،
وبدل المتلفات مثلً وقيمته ،وثمن المبيع ،والجرة ،والصّداق ،وعوض الخلع ،وبدل
الدّم ،ول يجوز ذلك في دين المسلم .
أنواع النتقال :
يتنوّع النتقال إلى النواع التية :
أ -النتقال الحسّيّ :
- 5إذا انتقلت الحاضنة من بلد الوليّ إلى آخر للستيطان سقط حقّها في الحضانة .وينتقل
القاضي أو نائبه أو من يندبه إلى المخدّرة ( وهي من ل تخرج في العادة لقضاء حاجتها )
والعاجزة لسماع شهادتها ،ول تكلّف هي بالحضور إلى مجلس القاضي لداء الشّهادة .ول
تنتقل المعتدّة رجعيّا من بيعها إلّ لضرورةٍ اقتضت ذلك
ب -انتقال الدّين :
- 6ينتقل الدّين الثّابت في ال ّذمّة إلى ذمّة شخصٍ آخر بالحوالة .
ج -انتقال ال ّنيّة :
- 7انتقال ال ّنيّة أثناء أداء العبادات البدنيّة المحضة يفسد تلك العبادة .
ل إذا رافقها شروع في غيرها ،ففي الصّلة مثلً :إذا انتقل وهو في
وقال الحنفيّة :ل تفسد إ ّ
ل ،فسدت صلته عند
ض آخر ،أو إلى نف ٍ
الصّلة من نيّة الفرض الّذي نواه إلى نيّة فر ٍ
ل إذا كبّر للصّلة الخرى .
الجمهور ،وعند الحنفيّة ل تفسد إ ّ
ح الصّلة الجديدة الّتي انتقل إليها ؟
وإذا فسدت صلته ،فهل تص ّ
قال الجمهور :ل تصحّ ،وقال الحنفيّة :تصحّ مستأنفةً من حين التّكبير ،وقال بعضهم :إن
نقل نيّة الفرض إلى النّفل صحّ النّفل ،وقال آخرون :ل تصحّ .ومن صور انتقال ال ّنيّة أيضا
نيّة المقتدي النفصال عن المام ،وقد أجاز ذلك بعض الئمّة ومنعه آخرون ،
وتفصيل ذلك في مصطلح ( اقتداء ) .
د -انتقال الحقوق :
ق ل تقبل النتقال
ق تقبل النتقال ،وحقو ٍ
الحقوق من حيث قابليّتها للنتقال على نوعين ،حقو ٍ
.
-الحقوق الّتي ل تقبل النتقال : 1 -
- 8أ ّولً :الحقوق المتعلّقة بشخص النسان ،وتتعلّق بإرادته ،وهي حقوق غير ماليّةٍ في
الغالب كاللّعان ،والفيء بعد اليلء ،والعود في الظّهار ،والختيار بين النّسوة اللّاتي أسلم
ن ،وحقّ
ن أكثر من أربعٍ ،واختيار إحدى زوجتيه الختين اللّتين أسلم عليه ّ
ن إذا ك ّ
عليه ّ
ق الوليّ في فسخ النّكاح لعدم الكفاءة ،وما
الزّوجة في الطّلق بسبب الضّرر ونحوه ،وح ّ
فوّض إليه من الوليات والمناصب كالقضاء والتّدريس والمانات والوكالت ونحو ذلك .
وقد تكون حقوقا ماليّةً ،كحقّ الفسخ بخيار الشّرط ،وحقّ الرّجوع بالهبة ،وحقّ الخيار في
قبول الوصيّة ،إذ ل تنتقل هذه الحقوق إلى الورثة بالموت .
على خلفٍ وتفصيلٍ يعرف في أبوابها
- 9ثانيا :حقوق اللّه تعالى البدنيّة الخالصة المفروضة فرضا عينيّا ،كالصّلة ،والصّيام ،
والحدود إلّ القذف لما فيه من حقّ العبد .
-الحقوق الّتي تقبل النتقال : 2 -
- 10قال القرافيّ :من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ،ومنها ما ل ينتقل ،فمن حقّ النسان
أن يلعن عند سبب اللّعان ،وأن يفيء بعد اليلء ،وأن يعود بعد الظّهار ،وأن يختار من
ن أكثر من أربعٍ ،وأن يختار إحدى الختين إذا أسلم عليهنّ ،وإذا
نسو ٍة إذا أسلم عليهنّ ،وه ّ
حمل المتبايعان له الخيار فمن حقّه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه ،ومن حقّه ما فوّض
إليه من الوليات والمناصب ،كالقصاص والمامة والخطابة وغيرهما ،وكالمانة والوكالة ،
فجميع هذه الحقوق ل ينتقل للوارث منها شيء ،وإن كانت ثابت ًة للمورث .بل الضّابط لما
ينتقل إليه ما كان متعلّقا بالمال ،أو يدفع ضررا عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه .وما
ن الورثة
سرّ في الفرق أ ّ
كان متعلّقا بنفس المورث وعقله وشهواته ل ينتقل للوارث .وال ّ
يرثون المال فيرثون ما يتعلّق به تبعا له ،ول يرثون عقله ول شهوته ول نفسه ،فل يرثون
ما يتعلّق بذلك ،وما ل يورث ل يرثون ما يتعلّق به ،فاللّعان يرجع إلى أمرٍ يعتقده ل يشاركه
فيه غيره غالبا ،والعتقادات ليست من باب المال ،والفيئة شهوته ،والعود إرادته ،واختيار
الختين والنّسوة إربه وميله ،وقضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته ورأيه ومناصبه وولياته
وآراؤه واجتهاداته وأفعاله الدّينيّة فهو دينه ،ول ينتقل شيء من ذلك للوارث ،لنّه لم يرث
مستنده وأصله .
وانتقل للوارث خيار الشّرط في البيعات ،وقاله الشّافعيّ رحمه ال تعالى ،وقال أبو حنيفة
وأحمد بن حنبلٍ :ل ينتقل إليه .وينتقل للوارث خيار الشّفعة عندنا ( عند المالكيّة ) وخيار
التّعيين إذا اشترى موروثه عبدا من عبدين على أن يختار ،وخيار الوصيّة إذا مات الموصى
له بعد موت الموصي ،وخيار القالة والقبول إذا أوجب البيع لزيدٍ فلوارثه القبول وال ّردّ .
وقال ابن الموّاز :إذا قال :من جاءني بعشرةٍ فغلمي له ،فمتى جاء أحد بذلك إلى شهرين
لزمه ،وخيار الهبة وفيه خلف ،ومنع أبو حنيفة خيار الشّفعة ،وسلّم خيار ال ّردّ بالعيب ،
وخيار تعدّد الصّفقة ،وحقّ القصاص ،وحقّ الرّهن ،وحبس المبيع ،وخيار ما وجد من
أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربّه قبل أن يختاره أخذه بعد القسمة ،ووافقناه نحن على
خيار الهبة في الب للبن بالعتصار ،وخيار العتق واللّعان والكتابة والطّلق ،بأن يقول :
طلّقت امرأتي متى شئت ،فيموت المقول له ،وسلّم الشّافعيّ جميع ما سلّمناه ،وسلّم خيار
القالة والقبول .
هن -انتقال الحكام :
ل :إذا طلّق الرّجل زوجته غير الحامل ،ثمّ مات عنها وهي في العدّة فإنّها تنتقل من
- 11أ ّو ً
عدّة الطّلق إلى عدّة الوفاة في الجملة .وإذا طلّقها وهي صغيرة ل تحيض ،فابتدأت عدّتها
بالشهر ثمّ حاضت ،انتقلت عدّتها إلى الحيض .
- 12ثانيا :حجب النّقصان ينتقل فيه الوارث من فرضٍ إلى فرضٍ أقلّ ،فالزّوج -مثلً -
ينتقل فرضه من النّصف إلى الرّبع ،عند وجود الفرع الوارث .
انتهاب *
التّعريف :
- 1النتهاب في اللّغة من نهب نهبا :إذا أخذ الشّيء بالغارة والسّلب .والنّهبة ،والنّهبى :
اسم للنتهاب ،واسم للمنهوب .
ويعرّف الفقهاء النتهاب بقولهم :أخذ الشّيء قهرا ،أي مغالبةً .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الختلس :
- 2يفترق النتهاب عن الختلس ،إذ العتماد في الختلس على سرعة الخذ ،بخلف
ن الختلس يستخفي فيه المختلس في ابتداء
ن ذلك غير معتبرٍ فيه .وأيضا فإ ّ
النتهاب ،فإ ّ
اختلسه ،والنتهاب ل يكون فيه استخفاء في أوّله ول آخره .
ب -الغصب :
ل في أخذ ممنوعٍ أخذه ،
ن الغصب ل يكون إ ّ
- 3يفترق النتهاب عن الغصب :في أ ّ
والنتهاب قد يكون في ممنوعٍ أخذه ،وفيما أبيح أخذه .
ج -الغلول :
- 4الغلول :الخذ من الغنيمة قبل القسمة ،وليس من الغلول أخذ الغزاة ما يحتاجون إليه من
طعامٍ ونحوه ،أو النتفاع بالسّلح مع إعادته عند الستغناء عنه ،فهذا من النتهاب المأذون
به من الشّرع ،وكذلك أخذ السّلب بشروطه ،ر ( :غلول ،سلب ،غنائم ) .
أنواع النتهاب :
- 5النتهاب على ثلثة أنواعٍ :
أ -نوع ل تسبقه إباحة من المالك .
ب -نوع تسبقه إباحة من المالك ،كانتهاب .النّثار الّذي ينثر على رأس العروس ونحو ذلك
ن ناثره -المالك -أباح للنّاس انتهابه .
،فإ ّ
ج -نوع أباحه المالك ليؤكل على وج ٍه ما يؤكل به ،فانتهبه النّاس ،كانتهاب المدعوّين طعام
الوليمة .
حكمه التّكليفيّ :
- 6اتّفق الفقهاء على تحريم النّوع الوّل من النتهاب -وهو انتهاب ما لم يبحه مالكه -لنّه
نوع من الغصب المحرّم بالجماع .ويجب فيه التّعزير ،وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب
السّرقة وكتاب الغصب .
-7أمّا النّوع الثّاني من النتهاب ،كانتهاب النّثار ،فقد اختلف فيه الفقهاء ،فمنهم من منعه
تحريما له كالشّوكانيّ ،ومنهم من منعه كراه ًة له كأبي مسعو ٍد النصاريّ ،وإبراهيم النّخعيّ
وعطاء بن أبي رباحٍ وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن سيرين والشّافعيّ ومالكٍ
وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه .
واستدلّ القائلون بالتّحريم بما ورد من « نهي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن النّهبى » .
واستدلّ الخرون :بأنّ النتهاب المحرّم الّذي ورد النّهي عنه هو ما كانت عليه العرب في
الجاهليّة من الغارات ،وعلى المتناع منه وقعت البيعة في حديث عبادة عند البخاريّ « بايعنا
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على ألّ ننتهب » .
أمّا انتهاب ما أباحه مالكه فهو مباح ،ولكنّه يكره لما في اللتقاط من الدّناءة .
ن تركه أولى ،ولكن ل كراهة فيه ،ومن هؤلء :الحسن
وأمّا من أباح النتهاب ،فقد قال :إ ّ
البصريّ ،وعامر الشّعبيّ وأبو عبيدٍ القاسم بن سلّا ٍم وابن المنذر والحنفيّة وبعض الشّافعيّة
وبعض المالكيّة وأحمد بن حنبلٍ في رواي ٍة ثانيةٍ عنه .
واستدلّ هؤلء بما روته أمّ المؤمنين عائشة رضي ال عنها « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم تزوّج بعض نسائه ،فنثر عليه التّمر » .وبما روى عبد اللّه بن قرطٍ رضي ال عنه أنّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :أحبّ اليّام إلى اللّه يوم النّحر ثمّ يوم عرفة .فقرّبت
ت خمسا أو ستّا فطفقن يزدلفن إليه بأيّتهنّ يبدأ ،فلمّا وجبت -سقطت -جنوبها ،قال
إليه بدنا ٍ
ط -فقلت للّذي كان إلى
كلمةً خفيف ًة لم أفهمها -أي لم يفهمها الرّاوي وهو عبد اللّه بن قر ٍ
جنبي :ما قال رسول اللّه ؟ فقال -قال :من شاء اقتطع » .
ب من النصار فلمّا زوّجوه قال :على
« وشهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إملك شا ّ
اللفة والطّير الميمون والسّعة والرّزق ،بارك اللّه لكم ،دفّفوا على رأس صاحبكم ،فلم يلبث
سكّر ،فأمسك القوم أيديهم ،فقال النّبيّ
أن جاءت الجواري معهنّ الطباق عليها اللّوز وال ّ
صلى ال عليه وسلم :أل تنتهبون ،فقالوا :يا رسول اللّه إنّك نهيت عن النّهبة ،قال :تلك
نهبة العساكر ،فأمّا العرسات فل ،فرأيت رسول اللّه يجاذبهم ويجاذبونه » .
ب ،بل على
- 8أمّا النّوع الثّالث :وهو ما أباحه مالكه لفئةٍ من النّاس ليتملّكوه دون انتها ٍ
وجه التّساوي ،أو على وجهٍ يقرب من التّساوي -كوضعه الطّعام أمام المدعوّين إلى الوليمة
ن مبيحه إنّما أراد أن يتساووا في أكله -مثلً -
-فإنّ انتهابه حرام ل يحلّ ول يجوز ،ل ّ
فمن أخذ منه أكثر ممّا كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الكل ،فقد أخذ حراما وأكل سحتا
.وقد ذكر الفقهاء ذلك عند حديثهم عن الوليمة في كتاب النّكاح .
أثر النتهاب :
- 9يملك المنتهب ما انتهبه ممّا أباحه مالكه بالنتهاب بأخذه ،لنّه مباح ،وتملك المباحات
بالحيازة .أو هو هبة ،فيملك بما تملك به الهبات .
أنثيان *
التّعريف :
- 1النثيان :الخصيتان ،وهما في الصطلح بهذا المعنى .
الحكم الجماليّ :
- 2أ -النثيان من العورة المغلّظة فتأخذ حكمها ( ر :عورة ) .
ب للنسان حرام لنهي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عبد
ب -الختصاء والخصاء والج ّ
اللّه بن مسعودٍ عن الختصاء ،فعن إسماعيل بن قيسٍ قال :قال عبد اللّه « :كنّا نغزو مع
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وليس لنا شيء ،فقلنا :أل نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك » .
ل اللّه لكم } ،
وقيل :نزل في هذا { يا أيّها الّذين آمنوا ل تحرّموا طيّبات ما أح ّ
وفي الباب جملة من الحاديث الّتي تحرّم ذلك .
ج -في الجناية على الخصيتين في غير العمد الدّية ،وفي إحداهما نصف الدّية ،فإن قطع
أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من الدّية ،وإن ذهب نسله بقطع إحداهما لم يجب أكثر من
نصف الدّية ( .ر :دية ) .
أمّا في العمد ففيهما القصاص عند الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة ،وأمّا الحنفيّة فل يوجبون في
النثيين القصاص لنّ ذلك ل يعلم له مفصل فل يمكن استيفاء المثل ( .ر :قصاص ) .
قطع أنثيي الحيوان :
- 3ذهب بعض الفقهاء إلى جوازه قطع أنثيي الحيوان ،وذهب بعضهم إلى كراهته ،على
خلفٍ وتفصيلٍ ينظر في مصطلح ( إخصاء ) .
انحصار *
انظر :حصر .
انحلل *
التّعريف :
- 1النحلل لغةً :النفكاك ،وفي دستور العلماء النحلل :بطلن الصّورة .
والنحلل عند الفقهاء بمعنى البطلن ،والنفكاك ،والنفساخ ،والفسخ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البطلن :
ن البطلن يكون في المنعقد وغيره ،أمّا
- 2يطلق الفقهاء النحلل بمعنى البطلن ،إلّ أ ّ
النحلل فل يتصوّر إلّ في الشّيء المنعقد ،أمّا غير المنعقد فل حلّ له .
ب -النفساخ :
يعبّر الفقهاء في المسألة الواحدة تار ًة بالنفساخ وتار ًة بالنحلل .ونقل الحطّاب عن بعض
ل مجازا .
المالكيّة أنّ النفساخ ل يطلق في العقود الجائزة إ ّ
الحكم الجماليّ ،ومواطن البحث :
- 3يرد لفظ النحلل في كلم الفقهاء أكثر ما يرد في اليمان ،والطّلق ،والعقود .
ن حلّها
ففي اليمان :متى كانت اليمين على فعل واجبٍ أو ترك مح ّرمٍ كان حلّها محرّما ،ل ّ
ب أو ترك مكرو ٍه فحلّها مكروه ،وإن
بفعل المحرّم ،وهو محرّم .وإن كانت على فعل مندو ٍ
كانت على فعل مباحٍ فحلّها مباح ،وإن كانت على فعل مكرو ٍه أو ترك مندوبٍ فحلّها مندوب
ن فرأيت غيرها خيرا منها
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا حلفت على يمي ٍ
إليه .فإ ّ
فأت الّذي هو خير ،وكفّر عن يمينك » .
ن حلّها بفعل الواجب ،
وإن كانت اليمين على فعل مح ّرمٍ أو ترك واجبٍ ،فحلّها واجب ل ّ
وفعل الواجب واجب .
ل اليمين .أمّا أثره فهو الكفّارة في اليمين المنعقدة على
هذا من حيث أصل الحكم التّكليفيّ لح ّ
تفصيلٍ ينظر في ( اليمان ) .
أسباب انحلل اليمين :
- 4لنحلل اليمين أسباب منها :
أ -حصول ما علّق عليه الحالف :فتنحلّ اليمين بوقوع ما علّق عليه ،إلّ إن كانت أداة
التّعليق تقتضي التّكرار فاليمين تتكرّر معها ،فلو قال لزوجته :إن خرجت بغير إذني فأنت
طالق ،انحلّت اليمين بالخروج مرّةً واحدةً .
ل البرّ :كما لو قال إن كلّمت فلنا أو دخلت هذه الدّار فأنت طالق ،فمات
ب -زوال مح ّ
فلن أو جعلت الدّار بستانا بطل اليمين .وانظر بحث ( أيمان )
ج -البرّ ،والحنث :فلو فعل ما حلف على فعله انحلّت يمينه ،وكذا تنحلّ لو انعقدت ثمّ
حصل الحنث بوقوع ما حلف على نفيه .
ت تذكر في بابي الطّلق واليمان ،وقد
د -الستثناء :تنحلّ به اليمين بشروطٍ وتفصيل ٍ
يختلف ذلك في اليمين باللّه عن غيرها في بعض الصّور .
هن -زوال ملك النّكاح :تنحلّ به اليمين بالطّلق عند بعض الفقهاء ومنعه البعض .
ومن المثلة على انفكاك اليمين إذا زال ملك النّكاح :ما إذا قال لزوجته أنت طالق ثلثا إن
فعلت كذا ،ثمّ خالعها قبل وقوع ما علّق عليه ،فإنّ اليمين تنفكّ ،ولو عقد عليها من جديدٍ
فإنّها ل تطلق إن فعلت ما علّق قبل الخلع ،والبعض منع ذلك إن كان بقصد الحتيال .
و -ال ّردّة :تنحلّ بها اليمين عند البعض دون البعض الخر .
ز -ويتمّ النحلل في العقود بأسبابٍ منها :حلّ العقد غير اللّازم من كل المتعاقدين ،أو
ممّن هو غير لز ٍم في حقّه ،ومنها الفسخ بالتّراضي أو بحكم القضاء ،ومنها القالة .
ل من هذه السباب في موضعه .
ويرجع إلى ك ّ
انحناء *
التّعريف :
- 1النحناء في اللّغة مصدر :حنى ،فالنحناء :النعطاف والعوجاج عن وجه الستقامة
.يقال للرّجل إذا انحنى من الكبر حناه الدّهر ،فهو محنيّ ومحن ّو .
ول يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الرّكوع :
ل أنّه في الصّلة على هيئةٍ مخصوصةٍ سيأتي بيانها .
- 2الرّكوع نوع من النحناء ،إ ّ
ب -السّجود :
ن الميلن في
السّجود وضع الجبهة على الرض ،وهو يجتمع مع النحناء بجامع الميل ،إلّ أ ّ
السّجود أكثر بوصول الجبهة إلى الرض .
ج -اليماء :
اليماء هو أن تشير برأسك أو بيدك أو بعينك أو بحاجبك أو بأقلّ من هذا ،كما يومئ
المريض برأسه للرّكوع والسّجود .وقد يكون اليماء بدون انحناءٍ .
الحكم التّكليفيّ :
- 3يختلف حكم النحناء باختلف السّبب الباعث عليه :
فقد يكون النحناء مباحا ،كالنحناء الّذي يقوم به المسلم في أعماله اليوميّة .
وقد يكون فرضا في الصّلة ل تصحّ إلّ به ،كما هو في الرّكوع في الصّلة للقادر عليه .
وقد نصّ الفقهاء على أنّه يكون على صور ٍة مخصوصةٍ ومقدا ٍر معيّنٍ ،وهو عند جمهور
الفقهاء بقدر ما يمدّ يديه فتنال ركبتيه عند الشّخص المعتدل القامة .وتفصيل هذا في
( ركوع ) .
ن أو جمادٍ .وهذا من الضّللت
وقد يكون محرّما ،كالنحناء تعظيما لنسانٍ أو حيوا ٍ
ن النحناء عند اللتقاء بالعظماء ككبار القوم والسّلطين
والجهالت .وقد نصّ الفقهاء على أ ّ
ل للّه تعالى تعظيما له ،ولقوله لرجلٍ
ن النحناء ل يكون إ ّ
تعظيما لهم حرام باتّفاق العلماء .ل ّ
قال له « :يا رسول اللّه ،الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال صلى ال عليه
وسلم :ل » .
أمّا إن كان ذلك النحناء مجرّد تقلي ٍد للمشركين ،دون قصد التّعظيم للمنحنى له فإنّه مكروه ،
سنّة ،وإنّما هو مأخوذ
لنّه يشبه فعل المجوس .قال ابن تيميّة :النحناء للمخلوق ليس من ال ّ
من عادات بعض الملوك والجاهلين .
أمّا لو أكره على النحناء للسّلطان وغيره فتجري عليه أحكام الكراه بشروطه ،لما فيه من
معنى الكفر .وتفصيله في بحث ( إكراه ) .
انحناء المصلّي أثناء القيام :
القيام المطلوب في الصّلة وغيرها قد يعتريه شيء من النحناء لسببٍ أو آخر ،فإن كان قليلً
بح يث يب قى ا سم القيام موجودا ،ول ي صل إلى حدّ الرّكوع المطلوب في ال صّلة فإنّه ل يخلّ
بصنفة القيام المطلوب فني الصنّلة عنند جمهور الفقهاء ،وقند سنمّاه الحنفيّة قياما غينر تامّ .
واختلفوا فني اقتداء المسنتوي خلف الحدب ،فقال الحنفي ّة والشّافعي ّة بجوازه ،وقيّده بعنض
الحنفيّة بأن ل تبلغ حدبته حدّ الرّكوع ،وتمييز قيامه عن ركو عه ،وقال المالكيّة بجوازه مع
الكراهة ،ومنعه الحنابلة مطلقا .
اندراس *
التّعريف :
- 1الندراس :مصدر اندرس ،وأصل الفعل درس ،يقال :درس الشّيء ،واندرس أي :
عفا وخفيت آثاره ،ومثله النمحاء بمعنى ذهاب الثر .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن هذا ،حيث يستعمله الفقهاء في ذهاب معالم الشّيء وبقاء
أثره فقط .
اللفاظ ذات الصّلة :
الزالة -والزّوال :
- 2الزالة لغ ًة :مصدر أزلته إذا نحّيته فزال .ومن معاني الزّوال الهلك والنتهاء .تقول
ل بعد الستقرار والثّبوت ،فالزّوال على هذا
ن إذا انتهى ،ول يكون الزّوال إ ّ
:زال ملك فل ٍ
يشترك مع الندراس في النتهاء ،وإن كان يفترق عنه ،فيطلق على تنحية الشّيء من مكان
إلى آخر مع بقاء ذاته .ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن هذه المعاني .
الحكم الجماليّ :
للندراس أحكام تختلف بحسب موضوعه :
أ -اندراس المساجد :
- 3الكلم عن الندراس في المسجد يتناول ما إذا استغنى النّاس عن المسجد بأن يخلو عن
المصلّين في المحلّة ،أو أن يخرب بحيث ل ينتفع به بالكّليّة ،فذهب أبو حنيفة ومالك
والشّافعيّ ،وهي الرّواية المرجوحة عن أحمد ،ورواية عن أبي يوسف إلى أنّه يبقى مسجدا ،
ول يباح ول يرجع إلى الواقف ،بل يبقى مسجدا عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلى قيام السّاعة
.وذهب محمّد بن الحسن إلى أنّه يعود ملكا للواقف أو ورثته .
وذهب الحنابلة في الرّواية الرّاجحة عن أحمد ،وهي الرّواية الخرى عن أبي يوسف إلى
جواز بيع بعضه لصلح باقيه ،إن أمكن ذلك ،وإن لم يمكن النتفاع بشي ٍء منه بيع جميعه ،
ووضع ثمنه في مسجدٍ آخر .
وهذا الحكم في بقعة المسجد ،أمّا أنقاضه فتنقل إلى أقرب مسجدٍ ،فإن لم يحتج إليها توضع
في مدرسةٍ ونحوها من أماكن الخيرات .
وقال الحنابلة ،وهو قول بعض المالكيّة :يجوز بيعها ووضع ثمنها في مسجدٍ آخر .
ب -اندراس الوقف :
- 4معنى اندراس الوقف أنّه أصبح بحال ٍة ل ينتفع به بالكّليّة ،بألّ يحصل منه شيء أصلً ،
أو ل يفي بمئونته ،كأوقاف المسجد إذا تعطّلت وتعذّر استغللها .في هذه الصّورة جوّز
جمهور الحنفيّة الستبدال على الصحّ عندهم إذا كان بإذن القاضي ورأيه لمصلح ٍة فيه .وأمّا
المالكيّة فقد أجاز جمهورهم استبدال الوقف المنقول فقط إذا دعت إلى ذلك مصلحة ،وهي
ن الموقوف إذا لم يكن عقارا -إذا صار ل
الرّواية المشهورة عن مالكٍ .قال الخرشيّ :إ ّ
ينتفع به في الوجه الّذي وقف فيه كالثّوب يخلق ،والفرس يمرض ،وما أشبه ذلك -فإنّه
يباع ويشتري مثله ممّا ينتفع به .
وأمّا العقار فقد منع المالكيّة استبداله مع شيءٍ من التّفصيل .ففي المساجد :أجمع المالكيّة
على عدم جواز بيعها .وفي الدّور والحوانيت إذا كانت قائمة المنفعة ل يجوز بيعها ،
واستثنوا توسيع المسجد أو المقبرة أو الطّريق العامّ فأجازوا بيعه ،لنّ هذا من المصالح
العامّة للمّة ،واذا لم تبع الحباس لجلها تعطّلت ،وأصاب النّاس ضيق ،ومن الواجب
التّيسير على النّاس في عبادتهم وسيرهم ودفن موتاهم .
وأمّا الشّافعيّة فقد شدّدوا كثيرا في استبدال العين الموقوفة ،حتّى أوشكوا أن يمنعوه مطلقا
ح جواز بيع حصر المسجد إذا بليت
خشية ضياع الوقف أو التّفريط فيه .قال النّوويّ :والص ّ
،وجذوعه إذا انكسرت ،ولم تصلح إلّ للحراق .ولو انهدم مسجد وتعذّر إعادته لم يبع
بحالٍ ،وتصرف غلّة وقفه إلى أقرب المساجد إليه .
ل إذا خيف على نقضه ،فينقض ويحفظ أو يعمّر به مسجد
ن المسجد المنهدم ل ينقض إ ّ
ثمّ إ ّ
آخر إن رآه الحاكم ،والقرب إليه أولى ،ول يصرف نقضه لنحو بئرٍ وقنطرةٍ ورباطٍ .
واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم « :ل يباع أصلها ول تبتاع ول توهب ول تورث » .
ل في جواز الستبدال وعدمه ،وأخذوا حكم العقار
وأمّا الحنابلة :فلم يفرّقوا بين عقارٍ ومنقو ٍ
ن الفرس الحبيسة على الغزو إذا كبرت ولم تصلح للغزو ،وصلحت
من حكم المنقول ،فكما أ ّ
لشيءٍ آخر يجوز بيعها ،فكذلك يقاس المنقول الخر وغير المنقول عليها .فبيع المسجد
للحنابلة لهم فيه روايتان :
ح للغاية المقصودة منه ،كأن
الرّواية الولى :يجوز بيع المسجد إذا صار المسجد غير صال ٍ
ضاق المسجد ،أو خربت النّاحية ،وحينئذٍ يصرف ثمنه في إنشاء مسجدٍ آخر يحتاج إليه في
مكان آخر .قال ابن قدامة :إنّ الوقف إذا خرب وتعطّلت منافعه ،كدا ٍر انهدمت ،أو أرضٍ
خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها ،أو مسجدٍ انتقل أهل القرية عنه وصار في موضعٍ
ل يصلّى فيه ،أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ،أو تشعّب جميعه ،ولم تمكن
ل ببيع بعضه ،جاز بيع بعضه لتعمّر به بقيّته ،وإن لم يمكن
عمارته ،ول عمارة بعضه إ ّ
النتفاع بشي ٍء منه بيع جميعه .
والرّواية الثّانية :ل يجوز بيع المساجد .روى عليّ بن سعيدٍ أنّ المساجد ل تباع وإنّما تنقل
آلتها .وقد رجّح ابن قدامة الرّواية الولى .
ج -اندراس قبور الموتى :
ن الميّت المسلم إذا بلي وصار ترابا جاز نبش قبره ودفن
- 5ذهب جماهير العلماء إلى أ ّ
غيره فيه ،أمّا إذا بقي شيء من عظامه -غير عجب الذّنب -فل يجوز نبشه ول الدّفن فيه
ن صاحب التتارخانية من الحنفيّة يرى أنّ
لحرمة الميّت ،ويعرف ذلك أهل الخبرة .إلّ أ ّ
ن الحرمة باقية .
الميّت إذا صار ترابا في القبر يكره دفن غيره في قبره ،ل ّ
قال ابن عابدين معقّبا على هذا :لكن في ذلك مشقّة عظيمة ،فالولى إناطة الجواز بالبلى ،إذ
ت قبر ل يدفن فيه غيره وإن صار الوّل ترابا ل سيّما في المصار
ل يمكن أن يعدّ لكلّ ميّ ٍ
ن المنع من الحفر إلى ألّ
الكبيرة الجامعة ،وإلّ لزم أن تعمّ القبور السّهل والوعر .على أ ّ
ل أحدٍ
يبقى عظم عسر جدّا ،وإن أمكن ذلك لبعض النّاس ،لكن الكلم في جعله حكما عامّا لك ّ
.واختلفوا في جواز الحرث والزّراعة والبناء في المقبرة المندرسة ،فأجازه الحنفيّة والحنابلة
ص للشّافعيّة في ذلك .وأمّا قبور المشركين فذهب الفقهاء
،ومنعه المالكيّة ،ولم نعثر على ن ّ
ن موضع مسجد النّبيّ كان قبورا للمشركين .
إلى جواز نبشها ،ليتّخذ مكانها مسجدا ،ل ّ
إحياء المندرس :
- 6سبق في إحياء الموات -من أبحاث الموسوعة -أنّ من أحيا أرضا ميّتةً ثمّ تركها
حتّى ،اندرست ،فهل تصير مواتا إذا أحياها غيره ملكها ،أو تبقى على ملك الوّل ؟
ح القولين عند الحنفيّة ،وأحد أقوالٍ ثلث ٍة عند المالكيّة إلى
ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وهو أص ّ
أنّها تبقى على ملك الوّل ،ول يملكها الثّاني بالحياء ،مستدلّين بقوله صلى ال عليه وسلم :
ن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك
« من أحيا أرضا ميّت ًة ليست لحدٍ فهي له » .ول ّ
بالحياء ،كالّتي ملكت بشرا ٍء أو عطيّةٍ .
ل ثانٍ للمالكيّة ،وهو قول عند الحنفيّة :إنّ الثّاني يملكها ،قياسا على الصّيد ،إذا
وفي قو ٍ
ل ثالثٍ للمالكيّة :التّفريق بين أن
أفلت ولحق بالوحش وطال زمانه ،فهو للثّاني .وفي قو ٍ
يكون الوّل أحياه أو اختطّه أو اشتراه ،فإن كان الوّل أحياه كان الثّاني أحقّ به ،وإن كان
الوّل اختطّه أو اشتراه كان الوّل أحقّ به .
إنذار *
التّعريف :
- 1النذار لغ ًة :مصدر أنذره المر ،إذا أبلغه وأعلمه به ،وأكثر ما يستعمل في
التّخويف ،يقال :أنذره إذا خوّفه وحذّر بالزّجر عن القبيح .
ل في تخويفٍ يتّسع مع زمانه للحتراز ،فإن لم
وفي تفسير القرطبيّ :ل يكاد النذار يكون إ ّ
يتّسع زمانه للحتراز كان إشعارا ،ولم يكن إنذارا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العذار :
- 2العذر :الحجّة الّتي يعتذر بها ،والجمع أعذار ،وأعذر إعذارا :أبدى عذرا ،ويكون
أعذر بمعنى اعتذر ،وأعذر ثبت له عذر .وفي التّبصرة :العذار المبالغة في العذر ،ومنه
:قد أعذر من أنذر ،أي قد بالغ في العذار من تقدّم إليك فأنذرك .
وقال ابن عرفة :العذار سؤال الحاكم من توجّه عليه الحكم :هل له ما يسقطه ؟ وإذن ،
فالنذار يمكن أن يكون إعذارا إن كان فيه إثبات الحجّة للمنذر ،ودحض حجّة المنذر إذا ما
وقع به الضّرر .
ب -النّبذ :
- 3النّبذ :طرح الشّيء ،والنّبذ :إعلم العد ّو بترك الموادعة ،وقوله تعالى { :فانبذ إليهم }
أي قل لهم :قد نبذت إليكم عهدكم ،وأنا مقاتلكم ،ليعلموا ذلك .
فالنّبذ مقصود به طرح العهد وعدم اللتزام به .والمر بالنّبذ في الية الكريمة يجمع بين
المرين :طرح العهد ،وإعلمهم بذلك .فهو نوع من النذار .
ج -المناشدة :
- 4نشد الضّالّة :طلبها وعرّفها ،ونشدتك اللّه :أي سألتك باللّه ،والمناشدة :المطالبة
باستعطافٍ ،وناشده مناشد ًة :حلّفه ،وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّي أنشدك عهدك
» ...أي أذكّرك ما عاهدتني به ووعدتني وأطلبه منك .
والمناشدة أيضا تكون بمعنى النذار ،لكن مع الستعطاف ،وهو طلب الكفّ عن الفعل القبيح
،يقول الفقهاء :يقاتل المحارب ( أي قاطع الطّريق ) جوازا ،ويندب أن يكون قتاله بعد
المناشدة ،بأن يقال له ( ثلث مرّاتٍ ) :ناشدتك اللّه إلّ ما خلّيت سبيلي .
الحكم الجماليّ :
- 5يختلف حكم النذار باختلف مواضعه :فقد يكون واجبا :وذلك كإنذار العمى مخافة أن
يقع في محذورٍ ،كخوف وقوعه في بئرٍ ،فإنّه يجب على من رآه -ولو كان في صلةٍ -أن
يحذّره خشية الضّرر .
وكإنذار الكفّار الّذين لم تبلغهم الدّعوة ،فيحرم القدام على قتالهم قبل إبلغهم بالدّعوة
السلميّة .وكإنذار المرتدّ عند من يقول بالوجوب كالحنابلة وغيرهم من العلماء .
وقد يكون مستحبّا :كإنذار الكفّار الّذين بلغتهم الدّعوة ،فإنّه يستحبّ دعوتهم إلى السلم
مبالغةً في النذار .وكإنذار المرتدّ ،فإنّه يستحبّ أن يستتاب ثلثة أيّامٍ يوعظ فيها ويخوّف
ب.
لعلّه يرجع ويتوب .وكتنبيه المام في الصّلة إذا همّ بترك مستح ّ
وقد يكون مباحا :كإنذار الزّوجة النّاشز بالوعظ أو بغيره كما ورد في الية الكريمة { واللّاتي
ن فعظوهنّ } ...الية .وكإنذار صاحب الحائط المائل .
تخافون نشوزه ّ
وقد يكون حراما :كما إذا كان في النذار ضرر أشدّ من ضرر المنكر الواقع .
ما يكون به النذار :
- 6النذار قد يكون بالقول ،وذلك كوعظ المتشاجرين ،واستتابة المرتدّ ،وعرض الدّعوة
على الكفّار ،ووعظ الزّوجة النّاشز .
وقد يكون النذار بالفعل في أحوا ٍل منها :
أ -أن يكون الكلم غير جائزٍ ،كمن كان في الصّلة ورأى رجلً عند بئرٍ ،أو رأى عقربا
ن ،وأمكن تحذيره بغمزه أو لكزه ،فإنّه ل يجوز الكلم حينئذٍ .
تدبّ إلى إنسا ٍ
وهناك صورة أخرى للتّحذير بيّنها النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهي -لمن كان في الصّلة
ورأى ما يجب التّحذير منه -أن يسبّح الرّجل وتصفّق المرأة ،ففي البخاريّ « :يا أيّها
النّاس :ما لكم حين نابكم شيء في الصّلة أخذتم في التّصفيق ؟ إنّما التّصفيق للنّساء » ،وفي
هذا صورة التّحذير بالفعل بدل القول بالنّسبة للمرأة الّتي في الصّلة .
ب -أن يكون الكلم غير مجدٍ ،وذلك إذا لم تفلح طريقة الوعظ بالنّسبة للزّوجة النّاشز ،
فللزّوج بعد الوعظ أن يهجرها ،فإن لم يفلح الهجر ضربها ضربا خفيفا .وكتغيير المنكر
باليد لمن يملك ذلك ،عملً بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من رأى منكم منكرا فليغيّره
بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اليمان » .
من له حقّ النذار :
- 7النذار في الغالب يكون تحذيرا من شي ٍء ضارّ أو عملٍ غير مشروعٍ ،وكلّ ما كان
كذلك فهو من حقّ كلّ مسلمٍ ،عملً بقوله تعالى { :ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من رأى منكم
منكرا فليغيّره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان » .
وقد ذكر الفقهاء ذلك تحت عنوان المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ،وهو فرض كفايةٍ
بشروطه الخاصّة .ر ( :أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ) .
ويتعيّن النذار بالنّسبة لوالي الحسبة ،لنّه خصّص من قبل المام لذلك .ر ( :حسبة ) .
وتثبت ولية الحسبة للزّوج والمعلّم والب .ر ( :حسبة -ولية ) .
مواطن البحث :
يأ تي النذار في كلّ ما هو ضارّ أو غ ير مشرو عٍ ،وم سائله متعدّدة في أبواب الف قه ،و من
ذلك :إنذار تارك الصنّلة ،فني باب الصنّلة وهكذا بقيّنة العبادات .وفني الجنايات فني
ال صّيال ،والحائط المائل ،وف عل ما يضرّ بالم سلمين .و في باب الذان ،و هل يجوز قط عه
لنذار غيره .في باب الجمعة حكم قطع الخطبة للنذار وحكم إنذار المستمع لغيره .
وفي حكم الجوار ،وفي القضاء بالنّسبة للشّهود ،وفي إنذار الزّوج الغائب قبل التّفريق لعدم
النفاق .وغير ذلك .
إنزاء *
التّعريف :
- 1النزاء لغةً :حمل الحيوان على النّزو ،وهو :الوثب ،ول يقال إلّ للشّاء ،والدّوابّ ،
والبقر ،في معنى السّفاد .ول يختلف معناه عند الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -عسب الفحل :
- 2قيل هو :الكراء الّذي يؤخذ على ضراب الفحل ،وقيل :هو ضرابه ،وقيل :ماؤه .
الحكم الجماليّ :
- 3النزاء الّذي ل يضرّ -كالنزاء على مثله أو نحوه أو مقاربه -جائز ،كخيلٍ بمثلها أو
بحميرٍ ،أمّا إذا كان يضرّ -كإنزاء الحمير على الخيل -فإنّ من الفقهاء من كرهه ،أخذا
بحديث عليّ رضي ال عنه قال « :أهديت لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم بغلة فركبها ،
فقلت لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
إنّما يفعل ذلك الّذين ل يعلمون » .وقالوا :وسبب النّهي أنّه سبب لقلّة الخيل وضعفها .قال
الخطّابيّ :يشبه أن يكون المعنى في ذلك واللّه أعلم -أنّ الحمر إذا حملت على الخيل تعطّلت
منافع الخيل ،وقلّ عددها ،وانقطع نماؤها .والخيل يحتاج إليها للرّكوب والطّلب ،وعليها
يجاهد العدوّ وبها تحرز الغنائم ،ولحمها مأكول ،ويسهم للفرس كما يسهم للفارس ،وليس
للبغل شيء من هذه الفضائل ،فأحبّ صلى ال عليه وسلم أن ينمو عدد الخيل ويكثر نسلها لما
فيها من النّفع والصّلح .ولكن قد يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمر جائزا ،لنّ
الكراهة في هذا الحديث إنّما جاءت في حمل الحمر على الخيل ،لئلّ تشغل أرحامها بنسل
الحمر ،فيقطعها ذلك عن نسل الخيل ،فإذا كانت الفحولة خيلً والمّهات حمرا فقد يحتمل أن
ن المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة
ل يكون داخلً في النّهي ،إلّ أن يتأوّل متأوّل ،أ ّ
الحمر ،وكراهة اختلط مائها ،لئلّ يضيع طرقها ،ولئلّ يكون منه الحيوان المركّب من
نوعين مختلفين ،فإنّ أكثر المركّبات المتولّدة بين جنسين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها
الّتي تتولّد منها وأشدّ شراس ًة كالسّمع ،والعسبار ونحوهما ،وكذلك البغل لما يعتريه من
الشّماس والحران والعضاض ،ونحوها من العيوب والفات ،ثمّ هو حيوان عقيم ليس له نسل
ول نماء ول يذكّى ول يزكّى .
ن اللّه سبحانه قال { :والخيل والبغال والحمير لتركبوها
قلت :وما أرى هذا الرّأي طائلً ،فإ ّ
وزينةً } فذكر البغال وامتنّ علينا .بها كامتنانه بالخيل والحمير ،وأفرد ذكرها بالسم الخاصّ
الموضوع لها ،ونبّه على ما فيها من الرب والمنفعة ،والمكروه من الشياء مذموم ل
يستحقّ المدح ول يقع بها المتنان ،وقد « استعمل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم البغل
واقتناه ،وركبه حضرا وسفرا ،وكان يوم حنينٍ على بغلته رمى المشركين بالحصباء .وقال
:شاهت الوجوه فانهزموا » ،ولو كان مكروها لم يقتنه ولم يستعمله واللّه أعلم .والحنفيّة
أجازوا إنزاء الحمير على الخيل وعكسه .
مواطن البحث :
- 4بالضافة إلى ما تقدّم تكلّم الشّافعيّة في امتناع النزاء على الدّابّة المرهونة ،إلّ إن ظنّ
أنّها تلد قبل حلول الدّين .ويفصّل الفقهاء ذلك في باب ( الرّهن ) ،وينظر حكم الجارة على
النزاء في مصطلح ( عسب الفحل ) .
إنزال *
التّعريف :
- 1النزال لغةً :مصدر أنزل :وهو من النّزول ،ومن معناه النحدار من عل ٍو إلى سفلٍ ،
ومنه إنزال الرّجل ماءه إذا أمنى بجماعٍ أو غيره .
وفي الصطلح :يطلق النزال على خروج ماء الرّجل أو المرأة بجماعٍ أو احتلمٍ أو نظرٍ
أو غيره .
اللفاظ ذات الصّلة :
الستمناء :
- 2الستمناء لغ ًة :طلب خروج المنيّ ،واصطلحا :إخراج المنيّ بغير جماعٍ ،محرّما
كان أو غير محرّمٍ .
ن النزال خروج المنيّ بالجماع أو غيره .
فالستمناء على هذا أخصّ من النزال ،ل ّ
أسباب النزال :
- 3يكون النزال بالجماع ،أو باليد ،أو بالمداعبة ،أو النّظر ،أو الفكر ،أو الحتلم .
الحكم الجماليّ :
- 4تختلف أحكام النزال باختلف مواطنه ،فيكون حللً للرّجل والمرأة إذا كان بنكاحٍ
ن .ويكون حراما إذا كان في غير ذلك .
ح ،أو ملك يمي ٍ
صحي ٍ
وكل النزالين يكون حراما في الجملة إذا كان في نهار رمضان .
ويكون حراما بالنّسبة للمحرم بحجّ أو عمرةٍ .
ويحرم في العتكاف الواجب النزال ،أو فعل ما يؤدّي إليه كلمسٍ وقبل ٍة .
النزال بالستمناء :
- 5اختلف الفقهاء في حكم النزال بالستمناء على أقوالٍ ما بين الحرمة والكراهة ،والجواز
والوجوب في حال الضّرورة .وتفصيله في مصطلح ( :استمناء ج ) 99/ 4والنزال
بالستمناء ،يبطل الصّوم عند جمهور الفقهاء ،وخالف في ذلك أبو بكر بن السكاف وأبو
القاسم من الحنفيّة ،فقال بعدم إبطال الصّوم .
وفي وجوب الكفّارة خلف يرجع إليه في ( صوم ) .
ويبطل النزال باليد العتكاف ،وفي هذا تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( :استمناء ) .
ج والعمرة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لكن يجب فيه
والنزال بالستمناء ل يفسد الح ّ
دم ،لنّه كالمباشرة فيما دون الفرج في التّحريم والتّعزير ،فكان بمنزلتها في الجزاء ،أمّا
المالكيّة فقالوا بفساد الحجّ والعمرة به ،وأوجبوا القضاء والكفّارة ،ولو كان ناسيا ،لنّه أنزل
بفعلٍ محظورٍ ،وتفصيله في ( الستمناء ) أيضا .
وفي النزال بالنّظر أو الفكر وأثره على الصّوم أو العتكاف أو الحجّ خلف وتفصيل ينظر
في مبحث ( الستمناء ) .والنزال بالتّفكّر حكمه حكم النزال بالنّظر على الخلف السّابق .
النزال بالحتلم :
ج ول يلزم
- 6النزال بالحتلم ل يبطل الصّوم ،ول يوجب قضا ًء أو كفّارةً ،ول يفسد الح ّ
به فدية ،ول يبطل العتكاف .
ويعرف النزال في الحتلم بعلماتٍ معيّنةٍ ،بوجود منيّ في ثوب نومه أو فراشه ،أو بللٍ
من أثره .فإذا احتلم ولم ينزل فل غسل عليه ،أجمع على ذلك الفقهاء ،وإذا أنزل فعليه
ل ينظر في
الغسل .وإن وجد منيّا ولم يذكر احتلما فعليه الغسل ،على خلفٍ وتفصي ٍ
مصطلح ( :احتلم ) .
حكم الغتسال من النزال :
- 7اتّفق الفقهاء على أنّ المنيّ إذا نزل على وجه الدّفق والشّهوة يجب منه الغسل ،أمّا إذا
نزل ل على وجه الدّفق والشّهوة فل يجب منه الغسل عند الجمهور ،وذهب الشّافعيّة ،وهو
رواية عن أحمد وقول للمالكيّة إلى وجوب الغسل بذلك ،فإذا سكنت الشّهوة قبل خروج المنيّ
إلى الظّاهر ثمّ نزل ففيه خلف يرجع إليه في مصطلح ( :غسل ) .
إنزال المرأة :
ن أمّ سليمٍ
- 8المرأة كالرّجل في الحكام الّتي تترتّب على إنزال المنيّ ،لما روى مسلم أ ّ
حدّثت أنّها « سألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم :المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل ؟ فقال
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل » .
وفي لفظٍ أنّها قالت « :هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال النّبيّ صلى ال عليه
وسلم :نعم إذا رأت الماء » .
فخروج المنيّ بشهو ٍة في يقظةٍ أو نومٍ يوجب الغسل على الرّجل والمرأة ،وهذا باتّفاقٍ .ومثل
ج على ما سبق بيانه .
ذلك سائر الحكام في الصّيام والعتكاف والح ّ
إلّ أنّ الفقهاء يختلفون فيما يتحقّق به نزول المنيّ من المرأة لترتّب الحكام عليه .
ل الّذي تغسله في الستنجاء ،وهو ما يظهر عند جلوسها
ويتحقّق ذلك بوصول المنيّ إلى المح ّ
وقت قضاء الحاجة ،وهذا هو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ،وبهذا قال المالكيّة عدا سندٍ ،
والحنابلة الشّافعيّة بالنّسبة لل ّثيّب .وقال سند من المالكيّة :إنّ بروز المنيّ من المرأة ليس
شرطا ،بل مجرّد النفصال عن محلّه يوجب الغسل ،لنّ عاد ًة منيّ المرأة ينعكس إلى الرّحم
ليتخلّق منه الولد ،وهذا ما يقابل ظاهر الرّواية عند الحنفيّة .
ن داخل
وقال الشّافعيّة في البكر :ل يجب عليها الغسل حتّى يخرج المنيّ من فرجها ،ل ّ
فرجها في حكم الباطن ر ( :انظر :احتلم ) .
إنزال المنيّ لمرضٍ أو بردٍ ونحو ذلك :
- 9يرى جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) أنّ خروج المنيّ لغير لذّ ٍة وشهوةٍ ،
بأن كان بسبب بردٍ أو مرضٍ ،أو ضربةٍ على الظّهر ،أو سقوطٍ من علوٍ ،أو لدغة عقربٍ ،
أو ما شابه ذلك ،ل يوجب الغسل ،ولكن يوجب الوضوء .
أمّا الشّافعيّة فإنّه يجب الغسل عندهم بخروج المنيّ ،سواء أكان بشهو ٍة ولذّ ٍة ،أم كان بغير
ذلك ،بأن كان لمرضٍ ونحوه ممّا سبق ،وهذا إذا خرج المنيّ من المخرج المعتاد ،وكذا
الحكم إذا خرج من غير مخرجه المعتاد وكان مستحكما ،أمّا إذا لم يكن مستحكما مع خروجه
من غير المخرج المعتاد فل يجب الغسل .
انسحاب *
التّعريف :
- 1النسحاب لغ ًة :مصدر انسحب ،مطاوع سحب ،أي جرّ .
ويراد به عند الفقهاء والصوليّين امتداد الفعل في أوقاتٍ متتالي ٍة امتدادا اعتباريّا ،كحكمنا على
نيّة المتوضّئ بالنسحاب في جميع أركان الوضوء ،إذا نوى في أوّل الرّكن الوّل ،ثمّ ذهل
عنها بعد في بقيّة الركان .وكذا الحكم في العزم على امتثال المأمور في الواجب الموسّع في
أجزاء الوقت بمجرّد العزم الوّل .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستصحاب :
- 2الستصحاب في اللّغة :ملزمة الشّيء شيئا آخر .تقول استصحبت الكتاب وغيره :إذا
حملته بصحبتك .ومن هنا قيل :استصحبت الحال :إذا تمسّكت بما كان ثابتا ،كأنّك جعلت
تلك الحالة مصاحب ًة غير مفارقةٍ .
واستصحاب الحال عند الصوليّين معناه :إبقاء ما كان على ما كان عليه لنعدام المغيّر .وقد
ي حيث قالوا :إنّ الذّهول عن استمرار ال ّنيّة في
استعمل الفقهاء الستصحاب بمعناه اللّغو ّ
الوضوء بعد استحضارها مغتفر لمشقّة استصحابها .
ب -النجرار :
- 3النجرار :مصدر انجرّ ،مطاوع جرّ .وهو بمعنى النسحاب في اللّغة ،والفقهاء جرت
عادتهم بالتّعبير بالنجرار في باب الولء ،ومرادهم به :انتقال الولء من مولًى إلى آخر بعد
بطلن ولء الوّل ،وعبّروا بالنسحاب أو الستصحاب في مباحث ال ّنيّة والعزم على العبادة
في الوقت الموسّع .
الحكم الجماليّ :
أ -النسحاب عند الصوليّين :
- 4إذا كان الواجب موسّعا فجميع الوقت وقت لدائه ،فيتخيّر المكلّف أن يأتي به في أيّ
ت إمّا الفعل أو العزم على
ل وق ٍ
وقتٍ شاء من وقته المقدّر له شرعا .والواجب عليه في ك ّ
الفعل ،ول يجب تجديد العزم في كلّ جزءٍ من أجزاء الوقت ،بل يكفي العزم في أوّل
الوقت ،ثمّ ينسحب هذا العزم على بقيّة الجزاء إلى أن يتضيّق الوقت ،على خلفٍ وتفصيلٍ
محلّهما الملحق الصوليّ .
ب -النسحاب عند الفقهاء :
- 5الصل في العبادة الواحدة ذات الفعال المتعدّدة أن يكتفي بال ّنيّة في أوّلها ،ول يحتاج
ل فعلٍ ،اكتفاءً بانسحابها عليها .فعند الحنفيّة ،قال في ال ّدرّ المختار :
إلى تجديدها في ك ّ
المعتمد إنّ العبادة ذات الفعال تنسحب نيّتها على كلّها .
قال ابن عابدين :واحترز بذات الفعال عمّا هي فعل واحد كالصّوم ،فإنّه ل خلف في
الكتفاء بال ّنيّة في أوّله ،ويرد عليه الحجّ ،فإنّه ذو أفعالٍ منها طواف الفاضة ل ب ّد فيه من
أصل نيّة الطّواف ،وإن لم يعيّنه عن الفرض ،حتّى لو طاف نفلً في أيّامه وقع عنه ،
ج ،فباعتبار ركنيّته يندرج في
والجواب أنّ الطّواف عبادة مستقلّة في ذاته كما هو ركن للح ّ
نيّة الحجّ ،فل يشترط تعيينه ،وباعتبار استقلله اشترط فيه أصل نيّة الطّواف ،حتّى لو
ح ،بخلف الوقوف بعرفة ،فإنّه ليس بعباد ٍة إلّ في ضمن
طاف هاربا أو طالبا لغريمٍ ل يص ّ
ن طواف الفاضة يقع
الحجّ ،فيدخل في نيّته ،وعلى هذا الرّمي والحلق والسّعي .وأيضا فإ ّ
ج من وجهٍ دون وجهٍ
ل له سوى النّساء ،وبذلك يخرج من الح ّ
بعد التّحلّل بالحلق ،حتّى إنّه يح ّ
،فاعتبر فيه الشّبهان .
مواطن البحث :
- 6ذكر الصوليّون النسحاب في الكلم على الواجب الموسّع من مباحث الحكام ،كما
ذكره الفقهاء في كلمهم على ال ّنيّة في العبادات في كتب الفروع ،وكتب الشباه والنّظائر .