Professional Documents
Culture Documents
:تمهيد
إن مشاكل البيئة ل تعرف الحدود ،وهذا العصر يشهد تحديات بيئية مختلفة أخذت
تهدد الجيال بسبب قيم ومثل وأعراف وأخلقيات تؤصل في النفس أهمية التقدم
القتصادي والثراء المادي على حساب الستغلل السليم لموارد الطبيعة ،إن
التحسين في مستويات المعيشة الذي تجلبه التنمية قد يضيع بسبب التكاليف التي قد
يفرضها التردي البيئي على الصحة ونوعية الحياة.فمن واجب كل فرد المحافظة على
البيئة وتحسينها لمصلحة عامة الناس وفي إطار التنمية المستدامة حتى يتحقق له
.العيش في بيئة تتفق مع حقوقه وكرامته النسانية
وقد حاولنا من خلل هذا الموضوع أن نتطرق إلى ماهية التنمية المستدامة ،ثم إلى
.أبعادها الرئيسية ،وفي الخير تناولنا معوقات وتحديات التنمية المستدامة
ل :ماهية التنمية المستديمة
:أو ً
من خلل هذا المبحث تناولنا ظهور فكرة التنمية المستدامة ،مفهومها ،والمتغيرات
:الساسية المؤثرة في التنمية المستدامة على النحو التالي
:ظهور فكرة التنمية المستدامة ϖ
التنمية المستدامة هي عبارة تم استخدامها على مدى العقدين الماضيين للتعّرف على
الحتياجات اللزمة لتخفيض الفاقة من خلل نمو اقتصادي يحفظ صحة النظام البيئي
وكذلك حفظ مخزون طويل المد للمصادر الطبيعية .والخلفات القائمة حاليًا تتمحور
)حول كيفية وضع موازنة بين الحاجات النسانية والحماية البيئية1).
فبين عام 1972وعام 2002استكملت المم المتحدة عقد ثلثة مؤتمرات دولية ذات
أهمية خاصة ،الول عقد في استوكهولم )السويد( عام 1972تحت اسم مؤتمر المم
المتحدة حول بيئة النسان ،والثاني عقد في ريو دي جانيرو )البرازيل( عام 1992
تحت اسم مؤتمر المم المتحدة حول البيئة والتنمية ،والثالث أنعقد في جوهانسبورغ
)جنوب إفريقيا( في سبتمبر 2002تحت إسم مؤتمر المم المتحدة حول التنمية
المستدامة .تغير السماء يعبر عن تطور مفاهيم العالم واستيعاب العلقة بين النسان
.والمحيط الحيوي الذي يعيش فيه ويمارس نشاطات الحياة
في عام 1972أصدر نادي رذوماذ تقريره الفريد )حدود النمو( الذي شرح فكرة
محدودية الموارد الطبيعية ،وأنه إذا استمر تزايد معدلت الستهلك فإن الموارد
الطبيعية لن تفي باحتياجات المستقبل ،وأن استنزاف الموارد البيئية المتجددة
)المزارع ،المراعي ،الغابات ،مصايد السماك( والموارد غير المتجددة )رواسب
المعادن ،حقول النفط والغاز الطبيعي ،طبقات الفحم( يهدد المستقبل .وفي عام 1973
هزت أزمة البترول العالم ونبهت إلى أن الموارد محدودة الحجم .وفي عام 1980
صدرت وثيقة الستراتيجية العالمية للصون ،نبهت هذه الوثيقة الذهان إلى أهمية
تحقيق التوازن بين ما يحصده النسان من موارد البيئة وقدرة النظم البيئية على
العطاء .وفي عام 1987أصدرت اللجنة العالمية للتنمية والبيئة تقرير )مستقبلنا
المشترك( ،كانت رسالة هذا التقرير الدعوة إلى أن تراعي تنمية الموارد البيئية تلبية
الحاجات المشروعة للناس في حاضرهم من دون الخلل بقدرة النظم البيئية على
.العطاء الموصول لتلبية حاجات الجيال المستقبلية
ولما انعقد مؤتمر المم المتحدة عن البيئة والتنمية عام ،1992برزت فكرة التنمية
المستدامة أو المتواصلة كواحدة من قواعد العمل الوطني والعالمي .ووضع المؤتمر
وثيقة مفصلة )برنامج العمل في القرن الحادي والعشرين :أجندة ) (21(1تضمنت
ل تناولت ما ينبغي السترشاد به في مجالت التنمية القتصادية أربعين فص ً
)الزراعة ،الصناعة ،الموارد الطبيعية( والتنمية الجتماعية )الصحة ،التعليم( ،وفي
مشاركة قطاعات المجتمع في مساعي التنمية وفي الحصول على نصيب عادل من
.ثمارها
في 2002انعقد مؤتمر المم المتحدة حول التنمية المستدامة ،ليراجع حصيلة
استجابة العالم لفكرة التنمية المتواصلة ،إذا فالتطور من فكرة بيئة النسان 1972إلى
فكرة البيئة والتنمية 1992إلى فكرة التنمية المتواصلة ،2002ينطوي على تقدم
ناضج .ذلك أن العلقة بين النسان والبيئة ل تقتصر على أثار حالة البيئة على صحة
النسان كما كان الظن ،1972إنما للعلقة وجه آخر هو أن البيئة هي خزانة الموارد
التي يحولها النسان بجهده وبما حصله من المعارف العلمية و الوسائل التقنية إلى
ثروات ،تحويل الموارد إلى ثروات هو جوهر التنمية ،فكرة التنمية المتواصلة تتقدم
بنا خطوة إلى المام إذ تضيف أبعاد اجتماعية وأخلقية لعلقة النسان بالبيئة ،وتضع
التنبيه على ثلث ركائز :الكفاءة القتصادية ،صون البيئة وعناصرها وقدرتها على
)العطاء ،العدل الجتماعي بين الناس جميعا في حاضرهم ومستقبل أبنائهم6).
:مفهوم التنمية المستدامة ϖ
التنمية في أصلها هي ناتج عمل النسان على تحويل عناصر فطرية في البيئة
)تراكيب وبنيات جيولوجية (...إلى ثروات ،أي إلى سلع وخدمات تقابل حاجات
النسان ،هذا التحويل يعتمد على جهد النسان وما يوظفه من معارف علمية وما
يستعين به من أدوات ووسائل تقنية ،التنمية هي تغيير في البيئة يهدد توازنها
الفطري ،ويصل إلى درجة الضرار إذا تجاوز قدرة الفطرة البيئية على الحتمال
.وقدرتها على استعادة التوازن ورأب التصدعات
ومن هنا ظهرت أهمية التنمية المستدامة كمفهوم جديد ،و رغبة من بعض المؤلفين
في جعل مفهوم التنمية المستدامة أقرب من التحديد وضعوا تعريفًا ضيقًا لها ينصب
على الجوانب المادية للتنمية المستدامة .فتعرف التنمية المستدامة بعدد من التعاريف،
:منها ما يلي
التنمية التي تلبي المتطلبات الحالية مع الخذ بعين العتبار إمكانية الجيال القادمة"
)على تلبية متطلباتهم"1).
أنها التنمية التي تهيئ للجيل الحاضر متطلباته الساسية والمشروعة ،دون أن تخل"
بقدرة المحيط الطبيعي على أن يهيئ للجيال التالية متطلباتهم" ،أو بعبارة أخرى،
"استجابة التنمية لحاجات الحاضر ،دون المساومة على قدرة الجيال المقبلة على
)الوفاء بحاجاتها"2).
التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الجيال المقبلة على الوفاء"
)باحتياجاتها"3).
:التعريف القتصادي للتنمية المستدامة •
تركز بعض التعريفات القتصادية للتنمية المستدامة على الدارة المثلى لموارد
الطبيعية ،وذلك بالتركيز على "الحصول على الحد القصى من منافع التنمية
القتصادية ،بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية ونوعيتها" .كما انصبت
تعريفات أخرى على الفكرة العريضة القائلة بأن "استخدام الموارد اليوم ينبغي أن ل
يقلل من الدخل الحقيقي في المستقبل" .وتقف وراء هذا المفهوم الفكرة القائلة بأن
القرارات الحالية ينبغي أل تضر بإمكانيات المحافظة على مستويات المعيشة في
المستقبل أو تحسينها وهو ما يعني أن نظمنا القتصادية ينبغي أن تدار بحيث نعيش
)على أرباح مواردنا ونحتفظ بقاعدة الصول المادية ونحسنها6).
:تعريفها من طرف اللجنة العالمية للتنمية المستدامة •
انتهت اللجنة في تقريرها المعنون "بمستقبلنا المشترك" إلى "أن هناك حاجة إلى
طريق جديد للتنمية ،طريق يستديم التقدم البشري ل في مجرد أماكن قليلة أو لبضع
سنين قليلة ،بل للكرة الرضية بأسرها وصول إلى المستقبل البعيد" .و التنمية
المستدامة حسب تعريف وضعته هذه اللجنة عام 1987تعمل على "تلبية احتياجات
الحاضر دون أن تؤدي إلى تدمير قدرة الجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها
)الخاصة"6).
إن الهدف الساسي للتنمية المستدامة هو الوفاء بحاجات البشر وتحقيق الرعاية
الجتماعية على المدى الطويل ،مع الحفاظ على قاعدة الموارد البشرية والطبيعية
ومحاولة الحد من التدهور البيئي ،ومن أجل تحقيق ذلك ،يجب التوصل إلى توازن
ديناميكي بين التنمية القتصادية والجتماعية من جهة ،وإدارة الموارد وحماية البيئة
من جهة أخرى .غير أن أوسع التعريفات شيوعا للتنمية المستدامة" -:أنها التنمية
التي تهيئ للجيل الحاضر متطلباته الساسية والمشروعة ،دون أن تخل بقدرة المحيط
الطبيعي على أن يهيئ للجيال التالية متطلباتهم" ،أو بعبارة أخرى" ،استجابة التنمية
لحاجات الحاضر ،دون المساومة على قدرة الجيال المقبلة على الوفاء بحاجاتها").
)2
:المتغيرات الساسية المؤثرة في التنمية المستدامة ϖ
:مكانة التكنولوجيا في تعريف التنمية المستدامة •
كما أفاض بعض المؤلفين في توسيع تعريف التنمية المستدامة لتشمل تحقيق التحول
السريع في القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية ،وأشاروا إلى أن هناك حاجة إلى
تكنولوجيا جديدة تكون أنظف وأكفأ وأقدر على إنقاذ الموارد الطبيعية ،حتى يتسنى
الحد من التلوث ،والمساعدة على تحقيق استقرار المناخ ،واستيعاب النمو في عدد
)السكان وفي النشاط القتصادي6).
:مكانة النسان ضمن التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة •
ويشكل النسان محور التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة حيث تتضمن تنمية
.بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاهية الجتماعي
وهناك اعتراف اليوم بهذه التنمية البشرية على اعتبار أنها حاسمة بالنسبة للتنمية
القتصادية وبالنسبة للتثبيت المبكر للسكان .وحسب تعبير تقرير التنمية البشرية
الصادر عن برنامج المم المتحدة النمائي فإن "الرجال والنساء والطفال ينبغي أن
يكونوا محور الهتمام -فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية".
وتؤكد تعريفات التنمية المستدامة بصورة متزايدة على أن التنمية ينبغي أن تكون
بالمشاركة ،بحيث يشارك الناس ديمقراطيًا في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم
)سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا6).
:مكانة العدالة في تعريف التنمية المستدامة •
والعنصر الهام الذي تشير إليه مختلف تعريفات التنمية المستدامة هو عنصر
النصاف أو العدالة .فهناك نوعان من النصاف هما إنصاف الجيال البشرية التي لم
تولد بعد ،وهي التي ل تؤخذ مصالحها في العتبار عند وضع التحليلت القتصادية
ول تراعي قوى السوق المتوحشة هذه المصالح .أما النصاف الثاني فيتعلق بمن
يعيشون اليوم والذين ل يجدون فرصا متساوية للحصول على الموارد الطبيعية أو
على "الخيرات" الجتماعية والقتصادية .فالعالم يعيش منذ أواسط عقد السبعينات
تحت هيمنة مطلقة للرأسمال المالي العالمي الذي يكرس تفاوتًا صارخًا بين دول
الجنوب ودول الشمال كما يكرس هذا التفاوت داخل نفس الدول .لذلك فإن التنمية
المستدامة يجب أن تأخذ بعين العتبار هذين النوعين من النصاف .لكن تحقق هذين
النوعين من النصاف لن يتأتى في ظل الهيمنة المطلقة للرأسمال المالي العالمي،
وإنما يتحقق تحت ضغط قوى شعبية عمالية أممية يمكن من استعادة التوازن
)للعلقات الجتماعية الكونية6).
:ثانيًا علقة التنمية المستدامة بالبيئة
ل يزال النسان ومنذ مر العصور يعمل دائمًا وأبدًا علي استغلل موارد الطبيعة في
حياته اليومية ولبناء تقدمه وحضارته ،إل أن استغلله لهذه الموارد تتم في أغلبها
بطرق عشوائية وخاطئة المر الذي أدى إلي الضرار بالبيئة واختلل توازنها بحيث
أصبحت ضعيفة هشة ل تستطيع الوفاء بمتطلباته .وعلى هذا الساس ،فإن النهوض
بالبيئة من جديد ل يكون فقط بالقضاء على مصادر التلوث ،وإنما العمل علي تنمية
)مواردها وتحسين استخدام هذه الموارد1).
ويعتمد بقاء التنوع الحيوي بشكل رئيسي على استمرارية وبقاء المصادر الطبيعية،
وقد أدى استنزاف المصادر الطبيعية المتجددة والغير متجددة إلى الخلل بالتنوع
الحيوي على الرض .وللمحافظة قدر المكان على التنوع الحيوي ،ل بد من إتباع
:عدة طرق للحد من هذا الستنزاف الحاد للمصادر الطبيعية مثل
.العمل على إيجاد مصادر طاقة جديدة 1.
التخفيف من استهلك المصادر غير المتجددة المتاحة حاليا ،بتطوير تكنولوجيات 2.
معينة قادرة على استخدام المصادر المتاحة بكفاءة عالية وتقليل التلوث الناتج من
)استخدامها1).
تكمن إحدى المشاكل المحورية فيما يتصل بمعالجة الروابط بين التمدين والمسائل
البيئية في أن التنمية القتصادية تؤدي إلى تفاقم العديد من المشاكل البيئية )كالنفايات
ل( لن كمية النفايات التي ينتجها الفرد تزداد الصلبة والتلوث الناجم عن السيارات مث ً
باضطراد مع ارتفاع معدل الدخل الفردي .وبالضافة إلى ذلك ،فإن "الثار
اليكولوجية" على المدن ازدادت اتساعًا في العقود الخيرة مع الرتفاع الحاصل في
الدخول والنخفاض الحاصل في تكاليف النقل في العديد من البلدان .فقد لجأ
المستهلكون ولجأت الصناعات في المدن إلى العتماد المتزايد على القدرة
الستيعابية للمناطق الريفية .مما أدى إلى فصل الثر البيئي لحتياجات المدينة من
الموارد الطبيعية عن المدينة نفسها ،إلى درجة أن سكانها وأعمالها التجارية أصبحت
)غير واعية بما تتسبب فيه من أثر بيئي3).
وهناك جدال مستمر متعلق بموضوع العلقة بين النمو القتصادي والبيئة .البعض قد
يعتقد بأنه ما دام هناك نمو اقتصادي فإن الناس سيستهلكون أكثر وبالتالي يهدرون
ويلوثون المصادر بشكل أكبر .والخرين يجادلون بأنه "الغنى يعني النظف" وهذا
يحدث فقط عندما تصبح حياة مجتمع فوق مستوى معيشة محدد .وتصل إلى حد معين
من الثروة يمكّنها من امتلك تكنولوجيا قادرة على تقليل انبعاث الغازات وتطهير
البيئة من النفايات.علوة على ذلك ،في البلدان النامية تجد السكان يحاولون بصورة
)يائسة تحسين نوعية حياتهم1).
إن المدن بإمكانها أن توفر لسكانها ظروفا بيئية صحية وآمنة ومشجعة دون أن
يفضي ذلك إلى متطلبات غير مستدامة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية والنظم
اليكولوجية .والمدينة الناجحة ،بهذا المفهوم ،هي المدينة التي تلبي أهدافا متعددة ،بما
في ذلك توفير بيئات معيشية ومهنية صحية لسكانها ،وتوفير المداد بالمياه وخدمات
التصحيح وجمع النفايات الصلبة؛ توفير الصرف الصحي والطرق المعبدة وممرات
المشاة والشكال الخرى من الهياكل الساسية الضرورية للصحة؛ وتكفل وجود
علقة مستدامة من الناحية اليكولوجية بين متطلبات المستهلكين والعمال التجارية
)والموارد ووحدات التخلص من النفايات والنظم اليكولوجية التي تعتمد عليها3).
:أبعاد التنمية المستدامة
إن الفكرة الساسية التي بنيت عليها أجندة القرن الحادي والعشرين هي فكرة التنمية
المستدامة أو المتواصلة .ومفهوم التنمية المستدامة متعدد الستخدامات ،ومتنوع
المعاني ،فالبعض يتعامل مع التنمية المستدامة كرؤية أخلقية تناسب اهتمامات
النظام العالمي الجديد ،والبعض يرى أن التنمية المستدامة نموذج تنموي وبديل
مختلف عن النموذج الصناعي الرأسمالي ،أو ربما أسلوبًا لصلح أخطاء وعثرات
هذا النموذج في علقته بالبيئة .ولقد حاول تقرير الموارد العالمية والذي نشر عام
1992في مؤتمر )ريو دي جانيرو – قمة الرض( والذي خصص بكامله لموضوع
التنمية المستدامة أو المتواصلة وجعلها محور خطة العمل التي وضعها للقرن الحادي
والعشرين ،وأصبحت الفكرة محور الحديث في كامل المجتمع ،حيث حصر عشرين
تعريفًا واسع التداول ،وزعها على أربع مجموعات هي القتصادية ،والبيئية،
والجتماعية والنسانية ،والتقنية والدارية .ومن حينها برزت لها أبعاد جديدة تتصل
بالوسائل التقنية التي يعتمد عليها الناس في جهدهم التنموي ،في الصناعة والزراعة
وغيرها ،وتتصل بالمناهج القتصادية التي يجري عليها حساب المأخوذ والمردود).
)6)،(2
:البعاد القتصادية ϖ
وتتطلب التنمية المتواصلة ترشيد المناهج القتصادية ،على رأس ذلك تأتي فكرة
"المحاسبة البيئية للموارد الطبيعية" ،فقد جرى المر على عدم إدراج قيمة ما يؤخذ
من عناصر البيئة المختزنة في حقول النفط والغاز ورواسب الفحم ومناجم التعدين
وغيرها في حساب الكلفة ،كذلك جرى المر على عدم إدراج قيمة ما يحصد من
ثروة سمكية في قيمة المخزون السمكي ،وما يحصد من حقول الزراعة في قيمة
النقص في خصوبة الرض ،وفي كثير من الحوال ل يحسب لمياه الري قيمة مالية
في عمليات الحساب الزراعي ،في هذا وغيره نجد أن الحسابات القتصادية تنقصها
عناصر جوهرية .كذلك نلحظ أن أوجهًا من الحساب تحتاج إلى تعديل :حساب الناتج
الزراعي )المحصول( من وحدة المياه ،حساب الناتج الصناعي من وحدة الطاقة،
ومن أدوات الحساب القتصادي الضرائب والحوافز المالية ،وينبغي أن توظف هذه
)الدوات لتعظيم كفاءة النتاج وخدمة أغراض التنمية المتواصلة6).
:حصة الستهلك الفردي من الموارد الطبيعية •
بالنسبة للدول الصناعية في الشمال :فإن التنمية المستدامة تعنى إجراء خفض عميق
ومتواصل في استهلك هذه الدول من الطاقة والموارد الطبيعية ،وإجراء تحولت
جذرية في النماط الحياتية السائدة ،واقتناعها بتصدير نموذجها التنموي الصناعي
عالميًا ،أما بالنسبة للدول الفقيرة فالتنمية المستدامة تعنى توظيف الموارد من أجل
)رفع مستوى المعيشة للسكان الكثر فقرًا في الجنوب2).
فبالنسبة للبعاد القتصادية للتنمية المستدامة نلحظ أن سكان البلدان الصناعية
يستغلون قياسًا على مستوى نصيب الفرد من الموارد الطبيعية في العالم ،أضعاف ما
يستخدمه سكان البلدان النامية .ومن ذلك مثل أن استهلك الطاقة الناجمة عن النفط
والغاز والفحم هو في الوليات المتحدة أعلى منه في الهند ب 33مرة ،وهو في بلدان
أعلى بعشر مرات في المتوسط " "OCDEمنظمة التعاون والتنمية القتصادية الـ
)منه في البلدان النامية مجتمعة6).
:إيقاف تبديد الموارد الطبيعية •
فالتنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية تتلخص في إجراء تخفيضات متواصلة من
مستويات الستهلك المبددة للطاقة والموارد الطبيعية وذلك عبر تحسين مستوى
الكفاءة وإحداث تغيير جذري في أسلوب الحياة .ول بد في هذه العملية من التأكد من
عدم تصدير الضغوط البيئية إلى البلدان النامية .وتعني التنمية المستدامة أيضا تغيير
أنماط الستهلك التي تهدد التنوع البيولوجي في البلدان الخرى دون ضرورة،
)كاستهلك الدول المتقدمة للمنتجات الحيوانية المهددة بالنقراض6).
:مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث وعن معالجته •
وتقع على البلدان الصناعية مسؤولية خاصة في قيادة التنمية المستدامة ،لن
استهلكها المتراكم في الماضي من الموارد الطبيعية مثل المحروقات -وبالتالي
إسهامها في مشكلت التلوث العالمي -كان كبيرا بدرجة غير متناسبة .يضاف إلى
هذا أن البلدان الغنية لديها الموارد المالية والتقنية والبشرية الكفيلة بأن تضطلع
بالصدارة في استخدام تكنولوجيات أنظف وتستخدم الموارد بكثافة أقل ،وفي القيام
بتحويل اقتصادياتها نحو حماية النظم الطبيعية والعمل معها ،وفي تهيئة أسباب ترمي
إلى تحقيق نوع من المساواة والشتراكية للوصول إلى الفرص
القتصادية والخدمات الجتماعية داخل مجتمعاتها .والصدارة تعني أيضا توفير
الموارد التقنية والمالية لتعزيز للتنمية المستدامة في البلدان الخرى -باعتبار أن ذلك
)استثمار في مستقبل الكرة الرضية6).
ففي الوليات المتحدة واستجابًة لحوادث بيئية تخص مّكبات النفايات ،قام الرئيس
(Executive Ordersكلينتون في 11شباط 1994بإصدار أوامر تنفيذية
لوكالة حماية البيئة تقضي بموجبها إنشاء مكتب للعدالة البيئية .وفي)12.898
نيسان 1998قامت أي.بي.أي بتعريف مصطلح )العدالة البيئية( على انه معاملة
عادلة ،بمعنى" :ل توجد مجموعة من الناس بغض النظر عن صفاتها العنصرية
والعرقية أو وضعها القتصادي الجتماعي ،مضطرة لحتمال حصة غير متكافئة
من النتائج البيئية السلبية الناتجة عن أي عملية صناعية كانت أو بلدية أو تجارية ،أو
تلك الناتجة عن تنفيذ سياسات أو مشاريع اتحادية ،أو تلك التابعة للولية ،أو محلية أو
عشائرية" .وحسب هذا التعريف فانه يصبح من غير الضروري تضمين وذكر
التمييز المتعمد ،بالتالي أي موقع يسبب الضرر للمجموعات المحمية ،سياسيًا ،يقع
في إطار النتهاك لقاعدة أي.بي.أي )وكالة حماية البيئة( و هنا تبرز الصعوبة عند
محاولة تعريف ما الذي يجب أن يقاس وبالمقارنة مع ماذا؟ وكخطوة أولى في تحديد
الجماعة المتضررة بإفراط ،يجب على متخذي القرار السياسي الخذ بعين العتبار
.المتضررين الفعليين
وهناك معلومات متعلقة بإحصائيات تفحص الحدود والمناطق إذا كان هذا المرفق
سيقام في منطقة غنية ،واقعة بالقرب من منطقة فقيرة عندها يتم تحديد موقعه بالقرب
من الحدود الفقيرة ،كيف سيعالج متخذ القرار هذا التجاه؟ هل يجب أن تؤخذ الرياح
السائدة بعين العتبار؟ الكثير من المواقع الصناعية تقام حيث توجد الراضي
الرخيصة ،و الناس ذوي الدخول المنخفضة والذين يختارون العيش هناك من أجل
)تقليل نفقات الحياة .كيف يمكن وزن مثل هذه القرارات؟)1
وتظهر صعوبة أخرى عند تحديد إذا ما كانت بعض المجموعات ستتضرر وكيف؟
فالمّكبات ،الُمَنِبتات الكيميائية ،وغيرها من العمال الصناعية تجلب الفائدة على
بعض الجماعات ومن ناحية أخرى تجلب الضرر لجماعات أخرى .فمن ناحية
الفائدة ،تقوم هذه العمال بخلق فرص عمل ،و تغيير قيمة الرض )رفع أثمانها
ربما( ،هذه العائدات المتشابكة يجب أن تأخذ بعين العتبار المخاطر الصحية الناتجة
عن مثل هذه المرافق بالمقارنة مع العوائد الصحية الكلية التي من الممكن اعتبارها
كنتاج ليجاد فرص العمل وارتفاع مستوى الدخولت؟ فما يمكن التوصل إليه أن
اتخاذ القرارات فيما يتعلق بمكان إقامة منشآت صناعية و مرافق لمعالجة النفايات
)تولد خلفات حتمية1).
:المساواة في توزيع الموارد •
إن الوسيلة الناجعة للتخفيف من عبء الفقر وتحسين مستويات المعيشة أصبحت
مسؤولية كل من البلدان الغنية والفقيرة ،وتعتبر هذه الوسيلة ،غاية في حد ذاتها،
وتتمثل في جعل فرص الحصول على الموارد والمنتجات والخدمات فيما بين جميع
الفراد داخل المجتمع أقرب إلى المساواة .فالفرص غير المتساوية في الحصول على
التعليم والخدمات الجتماعية وعلى الراضي والموارد الطبيعية الخرى وعلى
حرية الختيار وغير ذلك من الحقوق السياسية ،تشكل حاجزًا هامًا أمام التنمية .فهذه
المساواة تساعد على تنشيط التنمية والنمو القتصادي الضروريين لتحسين مستويات
)المعيشة6).
:الحد من التفاوت في المداخيل •
فالتنمية المستدامة تعني إذن الحد من التفاوت المتنامي في الدخل وفي فرص
الحصول على الرعاية الصحية في البلدان الصناعية مثل الوليات المتحدة وإتاحة
حيازات الراضي الواسعة وغير المنتجة للفقراء الذين ل يملكون أرضا في مناطق
مثل أمريكا الجنوبية أو للمهندسين الزراعيين العاطلين كما هو الشأن بالنسبة لبلدنا؛
وكذا تقديم القروض إلى القطاعات القتصادية غير الرسمية وإكسابها الشرعية؛
وتحسين فرص التعليم والرعاية الصحية بالنسبة للمرأة في كل مكان .وتجب الشارة
إلى أن سياسة تحسين فرص الحصول على الراضي والتعليم وغير ذلك من
الخدمات الجتماعية لعبت دورًا حاسمًا في تحفيز التنمية السريعة والنمو في
)اقتصاديات النمور السيوية مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان6).
:تقليص النفاق العسكري •
كما أن التنمية المستدامة يجب أن تعني في جميع البلدان تحويل الموال من النفاق
على الغراض العسكرية وأمن الدولة إلى النفاق على احتياجات التنمية .ومن شأن
إعادة تخصيص ولو جزء صغير من الموارد المكرسة الن للغراض العسكرية
)السراع بالتنمية بشكل ملحوظ6).
:البعاد الجتماعية و النسانية ϖ
على الصعيد النساني والجتماعي فان التنمية المستدامة تسعى إلى الستقرار في
النمو السكاني ،ووقف تدفق أو زحف الفراد على المدن ،وذلك من خلل تطوير
مستوى الخدمات الصحية والتعليمية في الرياف ،وتحقيق أكبر قدر من المشاركة
)الشعبية في التخطيط للتنمية2).
وفي مجال الوسائل الجتماعية تبرز فكرة التنمية المستدامة ركيزة أساسية في رفض
الفقر والبطالة والتفرقة التي تظلم المرأة ،والتفاوت البالغ بين الغنياء والمدقعين.
العدل الجتماعي أساس الستدامة ،ويقتضي هذا عدة أمور ينبغي أن يجد المجتمع
:سبله إليها
ضبط السكان ،فالزيادة السكانية تبلغ نحو 80مليون نسمة كل عام ،وهي زيادة ل1.
تتسع لها الوضاع القتصادية والجتماعية السائدة وأغلب الزيادة ) (%85في دول
العالم الثالث الموسوم بالكتظاظ والفقر والتخلف ،استمرار هذا الحال يزيد الفقراء
.فقرًا ،وهذا باب من أبواب الخطر على العالم جميعًا
فكرة العدالة الجتماعية تتضمن العدالة بين الناس والخذ بيد الفئات المستضعفة2. ،
والعدالة بين الجيال حتى يقال أن مابين أيدينا من ثروات طبيعية هو ملك البناء
.والحفاد وينبغي أن نصونه ليرثوه سليما خصب العطاء
فكرة تنمية البشر وسعت معنى التعليم ومراميه ،في كل عام يصدر برنامج المم 3.
المتحدة النمائي تقريرًا عن "التنمية البشرية" التي تقاس بمعايير تنموية واقتصادية
واجتماعية ،ويصنف التقرير دول العالم درجات حسب نجاحها في تحقيق التنمية
البشرية ،والمؤسف أن الدول العربية تقع في ذيل الدرجات والسؤال المطروح :هل
تخرج مؤسسات التعليم أفراد قادرين على السهام اليجابي في التنمية والتقدم
الجتماعي؟ أم تخرج أعباء اجتماعية تذهب إلى ساحات البطالة ل إلى سوق العمل؟
.فالتنمية المتواصلة تطلب منا أن نعيد النظر في نهج التعليم وأساليبه ومؤسساته
من الركائز الجوهرية لنجاح التنمية المتواصلة مشاركة الناس ،المشاركة الفاعلة 4.
في مراحل التخطيط والتنفيذ للتنمية الوطنية ،وتعتمد هذه المشاركة على القبول
الجتماعي ،وهي جوهر الديمقراطية ،فغياب هذه الخيرة يحرم الناس من المشاركة
وكأنما يعفيها من المسؤولية ،وفي هذا ما يعطل قدرتهم على الداء ،المنظمات
الهلية والمؤسسات غير الحكومية من أدوات المشاركة الجماهيرية ،برامج العلم
والرشاد الصحيحة تبصر الناس بأدوارهم وترشدهم إلى مناط الفعل النافع والسهام
.اليجابي في تحقيق التنمية المتواصلة
تستكمل الوسائل الجتماعية ضبط السلوك الستهلكي للناس ،وقبول حدود 5.
رشيدة تبعد عن حد السراف ول تحرم من الغذاء الراشد ،الوضاع الحالية وخاصة
في مجتمعات الوفرة ،أقرب إلى حدود السراف غير الرشيد ،حيث الزيادة في قدر
)الستهلك وما يتبعها من زيادة في كمية المخلفات6).
:البعاد التكنولوجية ϖ
:استعمال تكنولوجيات أنظف في المرافق الصناعية •
كثيرًا ما تؤدي المرافق الصناعية إلى تلويث ما يحيط بها من هواء ومياه وأرض.
وفي البلدان المتقدمة النمو ،يتم الحد من تدفق النفايات وتنظيف التلوث بنفقات كبيرة؛
أما في البلدان النامية ،فإن النفايات المتدفقة في كثير منها ل يخضع للرقابة إلى حد
كبير .ومع هذا فليس التلوث نتيجة ل مفر منها من نتائج النشاط الصناعي .وأمثال
هذه النفايات المتدفقة تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إلى الكفاءة أو لعمليات التبديد،
.وتكون نتيجة أيضًا للهمال والفتقار إلى فرض العقوبات القتصادية
وتعني التنمية المستدامة هنا التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ وتقلص من
استهلك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد .وينبغي أن يتمثل الهدف
في عمليات أو نظم تكنولوجية تتسبب في نفايات أو ملوثات أقل في المقام الول،
وتعيد تدوير النفايات داخليًا ،وتعمل مع النظم الطبيعية أو تساندها .وفي بعض
)الحالت التي تفي التكنولوجيات التقليدية بهذه المعايير فينبغي المحافظة عليها6).
:الخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة •
والتكنولوجيات المستخدمة الن في البلدان النامية كثيرًا ما تكون أقل كفاءة وأكثر
تسببًا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية .والتنمية المستدامة
تعني السراع بالخذ بالتكنولوجيات المحسنة ،وكذلك بالنصوص القانونية الخاصة
بفرض العقوبات في هذا المجال وتطبيقها .ومن شأن التعاون التكنولوجي -سواء
بالستحداث أو التطويع لتكنولوجيات أنظف وأكفأ تناسب الحتياجات المحلية -الذي
يهدف إلى سد الفجوة بين البلدان الصناعية والنامية أن يزيد من النتاجية القتصادية،
وأن يحول أيضًا دون مزيد من التدهور في نوعية البيئة .وحتى تنجح هذه الجهود،
فهي تحتاج أيضًا إلى استثمارات كبيرة في التعليم والتنمية البشرية ،ولسيما في
البلدان الشد فقرًا .والتعاون التكنولوجي يوضح التفاعل بين البعاد القتصادية
)والبشرية والبيئية والتكنولوجية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة6).
:المحروقات والحتباس الحراري •
كما أن استخدام المحروقات يستدعي اهتمامًا خاصًا لنه مثال واضح على العمليات
الصناعية غير المغلقة .فالمحروقات يجري استخراجها وإحراقها وطرح نفاياتها
داخل البيئة ،فتصبح بسبب ذلك مصدرًا رئيسيًا لتلوت الهواء في المناطق العمرانية،
وللمطار الحمضية التي تصيب مناطق كبيرة ،والحتباس الحراري الذي يهدد بتغير
المناخ .والمستويات الحالية لنبعاث الغازات الحرارية من أنشطة البشر تتجاوز قدرة
الرض على امتصاصها؛ وإذا كانت الثار قد أصبحت خلل العقد الخير من القرن
العشرين واضحة المعالم ،فإن معظم العلماء متفقون على أن أمثال هذه النبعاثات ل
يمكن لها أن تستمر إلى ما ل نهاية سواء بالمستويات الحالية أو بمستويات متزايدة،
دون أن تتسبب في إحترار عالمي للمناخ .وسيكون للتغييرات التي تترتب عن ذلك
في درجات الحرارة وأنماط سقوط المطار ومستويات سطح البحر فيما بعد
-ولسيما إذا جرت التغييرات سريعًا -آثار مدمرة على النظم اليكولوجية وعلى رفاه
الناس ومعاشهم ،ولسيما بالنسبة لمن يعتمدون اعتمادًا مباشرًا على النظم الطبيعية).
)6
:الحد من انبعاث الغازات •
وترمي التنمية المستدامة في هذا المجال إلى الحد من المعدل العالمي لزيادة انبعاث
الغازات الحرارية .وذلك عبر الحد بصورة كبيرة من استخدام المحروقات ،وإيجاد
مصادر أخرى للطاقة لمداد المجتمعات الصناعية .وسيكون من المتعين على البلدان
الصناعية أن تتخذ الخطوات الولى للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
واستحداث تكنولوجيات جديدة لستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكبر ،وتوفير
إمدادات من الطاقة غير الحرارية تكون مأمونة وتكون نفقتها محتملة .على أنه حتى
تتوافر أمثال هذه التكنولوجيات ،فالتنمية المستدامة تعني استخدام المحروقات بأكفأ ما
)يستطاع في جميع البلدان6).
:الحيلولة دون تدهور طبقة الزون •
والتنمية المستدامة تعني أيضا الحيلولة دون تدهور طبقة الوزون الحامية للرض.
وتمثل الجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة سابقة مشجعة :فاتفاقية كيوتو
جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيًا من المواد الكيميائية المهددة للوزون ،وتوضح
بأن التعاون الدولي لمعالجة مخاطر البيئة العالمية هو أمر مستطاع .لكن تعنت
الوليات المتحدة المريكية واعتدادها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة المجتمع الدولي
جعلها ترفض التوقيع على هذه التفاقية ما دام أن ل أحدا يستطيع إجبارها على ذلك).
)6
:البعاد البيئية ϖ
على الصعيد البيئي فان التنمية المستدامة هي الستخدام المثل للراضي الزراعية،
والموارد المائية في العالم ،مما يؤدى إلى مضاعفة المساحة الخضراء على سطح
)الكرة الرضية2).
وبشكل عام ،فإن البلدان التي يوجد بها أكبر معدل فردي من حيث استنزاف موارد
العالم الطبيعية )على سبيل المثال ،أعلى مستويات لستخدام الموارد وإنتاج النفايات
و انبعاثات غازات الدفيئة( هي أيضا البلدان التي تعيش أكبر نسبة من سكانها في
ل عن ذلك ،فإن أكبر قدر من استخدام الموارد وإنتاج المناطق الحضرية .وفض ً
.النفايات في العالم يتركز داخل المناطق الحضرية
وللسياسات الحضرية آثار مهمة للغاية فيما يتصل بالمستويات المستقبلية لنبعاثات
غازات الدفيئة واستخدام أغلب الموارد في الدولة بالنظر إلى دورها في تصميم
وتشييد المباني في المناطق الحضرية وفي الشكل المكاني الذي تتخذه المدن والنظم
.الحضرية
وتلعب سياسات التمدين التي تشجع إتباع إنشاء المباني ووحدات النتاج ذات الفعالية
ل عمرانية ل تعتمد بشكل متزايد على في استخدام الطاقة ،والتي تكفل أيضا أشكا ً
مستويات مرتفعة من استخدام السيارات الخاصة ،دورًا رئيسيًا في الفصل بين ارتفاع
مستويات المعيشة وارتفاع معدلت انبعاثات غازات الدفيئة .وهكذا ،ينبغي أن
تضطلع السياسات والخطط والتنظيمات الحضرية بدور مركزي في أي إستراتيجية
وطنية لتشجيع التنمية المستدامة ،كما أن حكومات المدن والبلديات تكون أطرافًا
)فاعلة مهمة في أي إستراتيجية يؤمل لها النجاح3).
:البعاد التقنية والدارية ϖ
أما على الصعيد التقني والداري فان التنمية المستدامة هي التنمية التي تنقل المجتمع
إلى عصر الصناعات والتقنيات النظيفة التي تستخدم أقل قدر ممكن من الطاقة
والموارد ،وتنتج الحد الدنى من الغازات والملوثات التي تؤدى إلى رفع درجة
)حرارة سطح الرض والضارة بالوزون2).
ويؤكد تقرير الموارد الطبيعية أن القاسم المشترك لهذه التعريفات القتصادية
:والجتماعية والبيئية والتقنية ،هي أن التنمية لكي تكون مستديمة يجب أن
ل :أل تتجاهل الضوابط والمحددات البيئية .أو ً
.ثانيًا :ل تؤدى إلى دمار و/أو استنزاف الموارد الطبيعية
ثالثًا :تؤدى إلى تطوير الموارد البشرية )المسكن ،الصحة ،مستوى المعيشة ،أوضاع
).المرأة ،الديمقراطية ،تطبيق حقوق النسان
)رابعًا :تحدث تحولت في القاعدة الصناعية السائدة2).
:ثالثًا :المعوقات والتحديات الرئيسية للتنمية المستدامة
:المعوقات ϖ
تتمثل أهم معوقات التنمية المستدامة في الفقر الشديد والموارد الطبيعية المستنزفة
والزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية ومالها من تأثير سلبي وخطير على قطاع
عريض من طبقات المجتمع وانتشار المراض الوبائية مثل مرض نقص المناعة
المكتسبة )اليدز( ووباء الملريا علوة على ذلك ،نقص البنية التحتية المناسبة فضل
)عن النقص في تدفق المساعدات التنموية الرسمية ومشكلة الديون الخارجية4).
أن هناك وعيًا متزايدًا بأن قضايا السكان والفقر وأنماط النتاج والستهلك والبيئة
هي قضايا وثيقة الرتباط لدرجة أنه ل يمكن بحث أي منها على انفراد .وينظر إلى
العوامل السكانية في بعض الحيان باعتبارها مثبطات للتنمية المستدامة ،لن
العوامل الديمغرافية ،عندما تقترن بالفقر والفتقار إلى فرصة الوصول إلى الموارد
في بعض المجالت ،والفراط في الستهلك وأنماط النتاج التنديدية في مجالت
أخرى ،تسبب أو تؤدي إلى تفاقم مشاكل التدهور البيئي ونفاد الموارد ،ومن ثم تعرقل
)التنمية المستدامة3).
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حصل خلل الفترة التي أعقبت إعلن ريو في
مجال العمل البيئي ومسيرة التنمية المستدامة في الدول السلمية ،فإن هناك بعض
المعوقات التي واجهت العديد من هذه الدول في تبّني خطط وبرامج التنمية
:المستدامة ،كان من أهمها ما يلي
أ( الفقر الذي هو أساس لكثير من المعضلت الصحية والجتماعية والزمات النفسية
والخلقية ،وعلى المجتمعات المحلية والوطنية والدولية أن تضع من السياسات
التنموية وخطط الصلح القتصادي ،ما يقضي على هذه المشاكل بإيجاد فرص
العمل ،والتنمية الطبيعية والبشرية والقتصادية والتعليمية للمناطق الكثر فقرًا،
.والشّد تخلفًا ،والعمل على مكافحة المية
ب( الديون التي تمّثل -إضافة إلى الكوارث الطبيعية بما فيها مشكلت الجفاف
والتصحر والتخلف الجتماعي الناجم عن الجهل والمرض والفقر -أهّم المعّوقات
التي تحول دون نجاح خطط التنمية المستدامة وتؤثر سلبًا في المجتمعات الفقيرة
بخاصة والسرة الدولية بعامة ،ومن واجب الجميع التضامن للتغلب على هذه
.الصعوبات حماية للنسانية من مخاطرها وتأثيراتها السلبية على المجتمع
ج( الحروب والمنازعات المسلحة والحتلل الجنبي التي تؤثر بشكل مضر على
البيئة وسلمتها ،وضرورة تنفيذ قرارات المم المتحدة الداعية إلى إنهاء الحتلل
الجنبي ووضع تشريعات والتزامات تحّرم وتجّرم تلويث البيئة أو قطع أشجارها أو
إبادة حيواناتها ،ومراعاة الكرامة في معاملة السرى طبقًا للقوانين الدولية وعدم
.التمثيل بالموتى ومنع تخريب المنازل والمنشآت المدنية ومصادر المياه
د( التضخم السكاني غير الرشيد وخاصة في مدن الدول النامية وتدهور الحوال
المعيشية في المناطق العشوائية وتزايد الطلب على الموارد والخدمات الصحية
.والجتماعية
هـ( تدهور قاعدة الموارد الطبيعية واستمرار استنزافها لدعم أنماط النتاج
والستهلك الحالية مما يزيد في نضوب قاعدة الموارد الطبيعية وإعاقة تحقيق التنمية
.المستدامة في الدول النامية
و( عدم توفر التقنيات الحديثة والخبرات الفنية اللزمة لتنفيذ برامج التنمية المستدامة
.وخططها
ي( نقص الخبرات اللزمة لدى الدول السلمية لتتمكن من اليفاء باللتزامات حيال
قضايا البيئة العالمية ومشاركة المجتمع الدولي في الجهود الرامية لوضع الحلول لهذه
)القضايا6).
:التحديات ϖ
إن جذور التحديات التي تواجه لتحقيق التنمية المستدامة ترجع إلى ثلث حقب وعلينا
إتباع منهج ليجاد الحلول المستدامة لتلك التحديات والتي تجذب اتفاق وتعبئة جهود
المجتمع الدولي لتنفيذ تلك الحلول ولبد أن تبحث هذه الحلول عن طرق ووسائل
للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه دول العالم الثالث وتتطلب الفترة القادمة
لتحقيق أهداف التنمية المستدامة جهود تنسيقيه متكاملة على جميع المستويات وتنفيذ
اللتزامات الموضوعة المطلوب تنفيذها من الدول وذلك للمواجهة الشاملة
)لحتياجات شعوبها4).
:وفيما يلي أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة
أ( إيجاد مصادر التمويل اللزم لتحقيق التنمية المستدامة في الدول النامية والتزام
الدول الصناعية بزيادة الدعم المقدم منها للدول النامية ليصبح ) %1,5من الناتج
).الوطني
ب( إعداد البرامج التنموية والصحية والتعليمية للشعوب القل نموًا ،فالدولة
والمجتمعات المحلية والقليمية والوطنية والمنظمات ذات الختصاص ،تشترك في
المسؤولية -على تفاوت بينها -وهي مطالبة بالمساهمة في رعاية الطفولة والمومة،
وتأسيس البنى التحتية والمرافق ،وذلك بتمويل برامج التنمية المستدامة ،ووضع
الخطط والسياسات الفاعلة في هذا المجال ،وتقاس أهلية هذه الطراف جميعًا
وكفاءتها ،بمقدار ما تقدمه من خدمات في هذه المجالت الحيوية ،وبمقدار عنايتها
.بتطوير برامج العمل التنموي على المستويين الحكومي والشعبي ومؤسساته
ج( تحقيق التكامل وتشجيع الستثمار الداخلي والجنبي من خلل إيجاد شراكة
حقيقية بين الدول الصناعية والدول النامية وتحقيق فرص أفضل لمنتجاتها للمنافسة
.في السواق المحلية والعالمية من خلل منظمة التجارة العالمية
.د( إيجاد وسائل تمويل جديدة لدعم جهود التنمية للدول النامية
هـ( نقل وتطويع التقنيات الحديثة الملئمة للبيئة وتشجيع الباحثين ،وتوفير إمكانيات
العمل العلمي لهم باعتباره من أسباب تطوير العمل التنموي واستمراره ،ويرتبط
بذلك نشر الوعي بأهمية التفكير العلمي والبحث في مجالت التنمية المستدامة،
وتطوير وسائل العمل في هذا المجال ،ونقل المجتمع بذلك إلى مراحل متقدمة من
.الرقي والتنمية في وقت أسرع وبتكلفة أقل
س في عنصر التنمية و( حماية التراث الحضاري :للتراث الحضاري دوٌر أسا ٌ
المستدامة لكونه يسهم في تأكيد الذاتية الثقافية ،ويحافظ على خصوصياتها ،ويحمي
هويتها من الذوبان ،ويساعد على بناء الشخصية المستقلة للفراد والجماعات ،ويمنح
العمل التنموي دفعًة ذاتية أقوى في الدفاع عن الشخصية الوطنية والدينية ،وصيانة
المستقبل المشترك ،ولذا فإن التأكيد على البعاد الروحية والخلقية التي تدعو إليها
الديان السماوية يؤثر إيجابيًا في الدفع
.بالتنمية نحو الخير والعمل الصالح والتكافل الجتماعي
ز( التضّرر من الجراءات التي يتخذها المجتمع الدولي لمجابهة قضايا البيئة العالمية
.ومسؤولية المجتمع الدولي في مساعدة الدول السلمية المتضررة
ح( تأمين مشاركة كاملة وفعالة للدول النامية داخل مراكز اتخاذ القرار والمؤسسات
القتصادية الدولية وتعزيز الجهود التي تهدف إلى جعل دواليب القتصاد العالمي
أكثر شفافية وإنصافًا واحترامًا للقوانين المعمول بها على نحو يمكن الدول النامية من
)رفع التحديات التي تواجهها بسبب العولمة6).
وبمختصر العبارة يمكننا القول أن الحد من الفقر يمثل التحدي العظم الذي يواجه
الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي تتطلب شراكة حقيقية بين
)دول المجتمع الدولي بأسره4).
:الخلصة
إن التنمية المستدامة تتمثل في عمارة الرض وإصلحها ،بما ل يخل بالتوازن و
عدم استنفاذ العناصر الضرورية للحفاظ على سلمة البيئة ،والحد من تعريض
الرض وما عليها لمختلف أنواع التلوث ،وتأكيد عدالة توزيع الموارد وعوائد
التنمية ،والحد من أنماط النتاج والستهلك غير الرشيدة وتوجيهها نحو الستدامة.
فالمعادلة بسيطة "إدارة التنمية على مستوى العالم بما يحقق التوازن البيئي" لكن
المعضلة الكبرى تبقى في التطبيق ،فالعالم يمشي ،والفقراء يزدادون فقرًا ،والحاجة
اليوم أكثر من إي وقت مضى إلى عقد عالمي جديد قائم على العدالة .فالتنمية
المستدامة القائمة على الدارة العادلة لموارد العالم والتوزيع العادل للثروات وضمان
الحقوق النسانية للشعوب ،هي الطريق القصر لتحقيق السلم والمن العالمي