You are on page 1of 27

‫رؤية عن‬

‫عالم جديد‬
‫((( ولقد ذر أنا لجهنم كثيرا من الجـن والنـس لهم قلوب ل يفقـهون بها ولهم‬
‫أعين ل يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بها هم كالنعام بل هم أضل أولئك‬
‫هم الغافلون‪ 179 )).‬العراف ‪ (( ,‬أم تحسب أن أكثرهم يسـمعون أو يعقلون‬
‫إن هم أل كالنعام بل هم أضل سبيل‪ 44)).‬الفرقان ‪ (( ,‬أن الله يدخل الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار والذين كفروا يتمتعون‬
‫ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم‪ 12)).‬محمد‪ ( ).‬القرآن الكريم )‬

‫عبدالله سامي محمود‬


‫مدخل‬
‫‪1‬‬
‫(أن نكون أو ل نكون‪ ,‬ذلك هو السؤال)‬
‫كانت الثنائية التي ميزت النظريات الفلسفية‪ ،‬صدى حقيقي للحال الثاني الذي تمنى النسان أن يكون‬
‫فيه ‪ .‬فأشكال الجنة العديدة التي ارتبطت بواقع النسان البائس هي مجرد أماني ورفض للحيوانية‬
‫المتشبثة بالنسان الذي قرر أخيرا‪ ،‬أن ل يكون ما كان كائنا‪..‬ومن هذه اللحظة يبدأ التاريخ الحقيقي‬
‫للبشرية‪..‬اللحظة‪ ،‬التي أصبح عند ها للنسان تصورا مغايرا لما كان يحيطه ‪ ،‬تصورا ‪ ،‬استمده من‬
‫عالم جديد‪ ،‬يختبئ داخل النسان (( نفسه )) وليس صدفة أن تتطابق لحظة الخلق البيولوجي‬
‫للنسان في القصص الديني مع التكليف اللهي للضمير البشري الذي يدعوه إلى البر وأعمال‬
‫الخير‪.‬والى عالم آخر‪،‬ل يوجد في عالمنا هذا‪ ،‬عالم يخلو من الحيوانية التي تحتوينا خارجا وداخل‪.‬‬
‫تتساوى في هذه الماني‪ ،‬أضيق النظريات الدينية وأبعدها عنها فقد قرر النسان وقد أخذته الدهشة‬
‫من كونه لم يكن غير ما هو كائن‪ ،‬إلى أن يبدأ الرحلة المجهولة ول ينتهي أبدا‪.‬بعيدا عن الحيوانية‬
‫وقريبا من الخلود‪ ،‬في مقاربة إنسانية للتوازن مع الموت ‪ .‬يقول د‪.‬عبد الرحمن بدوي ( أن روح‬
‫الحضارة تستيقظ في اللحظة التي تتجه فيها بنظرها الى الموت اتجاها يكشف لها عن سر‬
‫إذ ( تصبح الحقيقة ليست مجرد شئ يرى ويتأمل بل لمحة خاطفة محملة بعواطف‬ ‫الوجود )‪.2‬‬
‫عندئذ يبحث النسان عن الشيء أو الموضوع الذي يمكن أن‬ ‫الخوف والمل والفزع والرغبة‪،‬‬
‫و مشكلته الولى هي الوصول إلى حل‬ ‫يرى فيه نوازع نفسه ويجد في تمثله حل لمشكلته‪،‬‬
‫وسط بين المتناقضات ‪ 3).‬و هو الطريق الوسط أو الوسط الذهبي ـ على وصف الفيلسوف‬
‫أرسطو ـ الذي يعتقد ( إن القياس وسيلة النسان الصحيحة على التفكير السليم )‪ .‬يقول الفيلسوف‬
‫( كانت ) ( فبهذه الوسيلة نتوقف عن مرتبة الحيوانية و نرتفع من حيوانات لنصبح آلهة )‪.4‬‬
‫والدراسة الملحقة‪ ،‬هي محاولة لستلل هذه الموضوعة من بين آيات القرآن الكريم ومقارنتها مع‬
‫واحدة من أشهر التراجيديات الغريقية وهي أسطورة أوديب‪.‬‬

‫الفصل الول‬

‫آه‪ ،‬أجيال البشر‬


‫أنني أعتبر حياتكم عدما‪.‬‬
‫ما من هالك‬
‫يملك من السعادة أكثر من هذا؛‬
‫أن يظهر وأن ل يكون‪ ،‬ومن ثم بعد أن ظهر‪،‬‬
‫أن يخفق‬
‫_مسرحية(أوديبيوس)‪/‬سوفوكليس( اسخيلوس و أثينا ‪ /‬طومسون ـ ت‪ :‬د‪.‬صالح جواد كاظم ـ ص‬
‫‪ ) 480‬ـ‬

‫تبدأ القصة الغريقية ‪5‬بزيارة الملك (ليوس)_ ملك مدينة طيبة الغريقية_ إلى معبد الله (أبولو)‬
‫في (دلفي) لتمنحه أل لهه وريثا لعرشه؛ غير أن كهنة المعبد ينبؤنه بمقتله على يد هذا الوريث و‬
‫زواجه من الملكة‪ ..‬مما يجعله يكف عن هذه المطالبة‪..‬وتشاء اللهة _ كما تمضي السطورة _‬
‫ولدة هذا الوريث الذي يأمر والده(الملك) بالتخلص منه و ذلك بتسليمه إلى أحد رعاة المملكة الذي‬
‫يقوم بتعليقه متدليا من قدمه على شجرة خارج المدينة ( ومن هنا جاء أسمه‪ -‬أوديب ‪ ،‬أو ذو القدم‬
‫المثقوبة ‪ ) -‬ويتصادف مرور راع آخر من مملكة أخرى هي (كورنثة) الذي يأخذ الطفل وليقدمه‬
‫هدية إلى ملك المدينة المحروم أيضا من وريث لعرشه‪ .‬حيث يتربى ويترعرع في بلط المدينة‬
‫الخيرة حتى يبلغ مبلغ الرجال ‪ ،‬حينها يعلم من أترابه أنه ليس ابنا لملك وملكة المدينة‪ ..‬وعند‬
‫لجوءه إلى معبد الله (أبولو) تنبئه الكهنة بحقيقة أمره من كونه يقتل أباه ويتزوج من والدته ‪ ،‬مما‬
‫يجعله يفر هاربا بعيدا عن المدينة ليصادف والده الحقيقي على الطريق حيث يتشاجر معه متسببا‬
‫في قتله‪ .‬وعند وصوله إلى مدينة ( طيبة ) يجد الوحش ( أبو الهول) الذي يتحكم بها مانعا الداخل‬
‫والخارج إليها قبل الحصول على إجابة لسؤاله الزلي عن ذلك الذي يمشي أول على أربع ثم على‬
‫أثنين ثم على ثلثة ويكون ( أوديب ) ‪ ،‬الوحيد ‪ ،‬الذي يجيب على هذا السؤال‪ ..‬ويدخل المدينة‬
‫بعد قتله للوحش‪ ،‬متوجا‪ ،‬ملكا ومتزوجا من ملكتها (جاكوست) التي هي والدته الحقيقية‪ ..‬ويجتاح‬
‫المدينة‪ -‬بعد مدة ‪ -‬وباء شامل‪ ..‬ويعلن كاهن المدينة (تيرسياس) أن الوباء ل ينحسر عن المدينة‬
‫حتى يتم الكشف عن قاتل الملك (ليوس) الذي يتضح في النهاية أنه (أوديب) ‪ -‬الملك الحالي‪-‬‬
‫الذي قتل الملك السابق وتزوج من والدته بما يتفق والنبؤة الولى التي أعلنتها اللهة‪..‬‬

‫‪2‬‬
‫تنتهي القصة بقتل الملكة لنفسها ويفقأ الملك( أوديب ) عينيه‪ ..‬ويغادر مدينته مطرودا غير أن‬
‫اللهة‪ ،‬تعلن‪ ،‬أخيرا‪ ،‬عن تكريمها له وذلك بجعل التربة التي تثوي جسده مقدسة‪ ،‬لكن لعنة اللهة‬
‫طالت البناء الذين تقرر مصيرهم‪..‬بالقتل‪.‬‬

‫يعلق العلمة (د‪.‬طه حسين) بما يلي ‪( :‬وأذن فقد انتهت حرية النسان إلى شئ من الفوز لم‬
‫تستطع أن تجنب صاحبها المحنة ول أن تنقذه من الشر في هذه الحياة ولكنها قد صفت نفسه‬
‫وطهرت قلبه واستخلصته من الثام كما يستخلص المعدن النقي مما يحيط به من الخبث‪ .‬فليست‬
‫هذه المحنة أذن إل تجربة لحرية النسان ووسيلة إلى تصفية نفسه وتنقية جوهره أن استطاع أن‬
‫‪6‬‬
‫يثبت لللم وينفذ من الخطوب‪).‬‬

‫ومن المناسب تلخيص القصة‪ ،‬بنقاط‪..‬ليتسنى مقابلتها مع الخبار القرآنية حول النبي آدم(ع)‪:‬‬
‫‪-1‬النبؤة المشؤومة حول الوليد المنتظر‪ ،‬المتهم بسفك الدماء وارتكاب السفاح‪..‬‬
‫‪-2‬تميز هذا المخلوق بجوا به على سؤال الوحش المتحكم بالمدينة ودخوله لها متوجا ملكا‪..‬‬
‫‪-3‬الكشف عن أعماله المشينة والدموية من قبل الكاهن والقيام بطرده من المدينة‪..‬‬
‫‪-4‬مباركة اللهة له بعد مقتل الملكة وفقأ عينيه‪..‬‬
‫‪-5‬استمرار أللعنة التي تطارد البناء في مصير دموي ينتهي بالقتل‪..‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪ :‬تتواتر العديد من اليات القرآنية حول الخليفة الذي تقرر من قبل ال عز وجل‪ ..‬واحتجاج‬ ‫أول‬
‫الملئكة على هذا المخلوق الذي يريد أن يفسد بالرض ويسفك الدماء‪..‬‬

‫(((وإذ قال ربك للملئكة أني جاعل في الرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‬
‫ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال أني أعلم ما ل تعلمون‪ 30-)).‬البقرة)‬

‫نجد أن الحوارات التي تضمنتها العديد من اليات القرآنية على لسان إبليس هي تأكيد لهذا التحذير‪..‬‬

‫(((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملئكة أسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس لم يكن من الساجدين ‪.‬‬
‫قال ما منعك إل تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين‪ .‬قال فأهبط منها‬
‫فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج أنك من الصاغرين‪.‬قال أنظرني إلى يوم يبعثون‪ .‬قال أنك من‬

‫‪3‬‬
‫المنظرين‪.‬قال فبما أغويتني ل أقعدن لهم صراطك المستقيم‪.‬ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم‬
‫وعن أيمانهم وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين‪.‬قال فأخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك‬
‫منهم لملن جهنم منكم أجمعين ))‪ 18-11‬العراف )‬
‫(((وأذ قال ربك للملئكة أني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخنا فيه من‬
‫روحي فقعوا له ساجدين‪.‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون إل إبليس أبى أن يكون من الساجدين‪.‬قال يا‬
‫إبليس مالك إل تكون مع الساجدين‪ .‬قال لم أكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون‪.‬قال‬
‫فأخرج فأنك رجيم‪ .‬وان عليك اللعنة إلي يوم الدين‪.‬قال رب فأنظر ني إلى يوم يبعثون‪.‬قال أنك من‬
‫المنظرين‪.‬إلى الوقت المعلوم‪ .‬قال رب بما أغويتني لزيننن لهم في الرض و لغوينهم أجمعين‪.‬‬
‫أل عبادك منهم المخلصين‪ 40-28)).‬الحجر)‬
‫(((وأذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا أل إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا‪.‬قال ارأيتك هذا الذي‬
‫كرمت عليّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لحتنكن ذريته إل قليل‪.‬قال فاذهب فمن تبعك منهم فان‬
‫جهنم جزاؤكم جزأ موفورا‪ 63-61)).‬السراء)‬
‫(((وإذ قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من طين‪.‬فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له‬
‫ساجدين ‪.‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون‪.‬إل إبليس استكبر وكان من الكافرين‪.‬قال يا إبليس ما منعك‬
‫أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين‪.‬قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من‬
‫طين ‪.‬قال فاخرج منها فأنك رجيم‪.‬وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين‪.‬قال فأنظرني إلى يوم يبعثون‪.‬‬
‫قال فأنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم‪ .‬قال فبعزتك ولغوينهم أجمعين‪ .‬أل عبادك منهم‬
‫المخلصين‪ 83-71)).‬ص)‬

‫بينما تتضمن اليات الخاصة بخلق النسان فقط من دون أمر البتلء بـ (المانة)التي‬
‫صرحت بها الية (‪ )72‬من سورة الحزاب ـ تلحظ الفقرة((ثانيا))أدناه ـ على القدرة اللهية التي‬
‫تقول للشيء‪ ،‬كن فيكون‪..‬‬

‫(((بديع السماوات والرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون))‪-117‬البقرة)‬


‫(((قال كذلك يخلق ال ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون‪-47)).‬آل عمران)‬
‫(((إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‪-59)).‬آل عمران)‬
‫(((إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‪-40)).‬النحل)‬
‫(((ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون))‪-32‬مريم)‬
‫(((إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون‪-82)).‬يس)‬
‫(((وهو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون‪-68)).‬غافر)‬

‫‪4‬‬
‫التي تلخصها آيات من القرآن الكريم(((نحن خلقناكم فلو ل تصدقون‪.‬ارأيتم ما تمنون‪.‬ء انتم تخلقونه‬
‫أم نحن الخالقون‪ 59-57 )).‬الواقعة) وهي تختص بصيغة خطاب مختلف عن آيات خلق النسان‬
‫وجعله خليفة المذكورة أعله ـ وتلحظ اليات القرآنية التالية كنصوص خاصة بعظمة الخالق‬
‫مقارنة بالخلق‪..‬‬

‫(((هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجل واجل مسمى عنده ثم انتم تمترون ))‪-2‬النعام)‬
‫(((يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من‬
‫مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفل ثم‬
‫لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى ارذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئا وترى‬
‫الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج‪-5)).‬الحج)‬
‫(((هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفل ثم لتبلغوا اشد كم ثم لتكونوا‬
‫شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجل مسمى ولعلكم تعقلون‪-67)).‬غافر)‬
‫(((الذي احسن كل شئ خلقه وبدأ خلق النسان من طين ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين‪.‬ثم‬
‫سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون‪ 9-7)).‬السجدة)‬
‫(((وال خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من‬
‫يمشي على أربع يخلق ال من يشاء إن ال على كل شئ قدير‪ -45)).‬النور)‬
‫(((ولقد خلقنا النسان من سللة من طين‪.‬ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ‪.‬ثم خلقنا النطفة علقة‬
‫فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال‬
‫أحسن الخالقين‪ 14-12)).‬المؤمنون)‬
‫(((وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا))‪-54‬الفرقان)‬
‫(((خلق من ماء دافق))‪-6‬الطارق)‬
‫(((خلق النسان من علق))‪-2‬العلق)‬
‫(((ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ مسنون‪.‬والجان خلقناه من قبل من نار السموم))‪27-26‬‬
‫الحجر)‬
‫(((ألم نخلقكم من ماء مهين‪.‬فجعلناه في قرار مكين‪.‬إلى قدر معلوم‪.‬فقدرناه فنعم القادرون‪23-20)).‬‬
‫المرسلت)‬
‫(((ولقد خلقناكم أطوارا ))‪-14‬نوح)‬
‫(((لقد خلقنا النسان في كبد ))‪-4‬البلد)‬
‫(((قتل النسان ما أكفره‪.‬من أي شئ خلقه ‪.‬من نطفة خلقه فقدره‪ 19-17)).‬عبس)‬

‫‪5‬‬
‫(((ألم يك من نطفة من منى يمنى‪.‬ثم كان علقة فخلق فسوى ‪.‬فجعل منه الزوجين الذكر‬
‫والنثى‪.‬أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى‪ 40-37)).‬القيامة)‬
‫(((انا خلقنا النسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا‪-2)).‬النسان)‬
‫(((أولم يرى النسان انا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين‪-77)).‬يس)‬
‫(((ولقد خلقنا النسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد‪-16)).‬ق)‬
‫(((خلق النسان من عجل سأوريكم آياتي فل تستعجلون‪-37)).‬النبياء)‬
‫(((إن النسان خلق هلوعا‪-19)).‬المعارج)‬
‫(((ويريد ال أن يخفف عنكم وخلق النسان ضعيفا‪-28)).‬النساء)‬
‫(((خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين‪-4)).‬النحل)‬
‫(((ويدع النسان بالشر دعاءه بالخير وكان النسان عجول‪-11)).‬السراء)‬

‫يقول العلمة القرطبي عند تفسيره اليتين (‪ )20,21‬من سورة والذاريات ((( وفي الرض آيات‬
‫للموقنين وفي أنفسكم أفل تبصرون))‪ )7‬وكذلك في سياق تفسيره لية التوحيد من سورة البقرة الية‬
‫ـ ‪(((63‬إلهكم اله واحد ل اله إل هو الرحمن الرحيم‪ )8)).‬وعند تفسيره للية‪ 4-‬من سورة التين‬
‫(((لقد خلقنا النسان في احسن تقويم ))‪)9‬ما يلي‪:‬‬

‫(فحواس النسان اشرف من الكواكب المضيئة‪ ،‬والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في‬
‫إدراك المدركات بها وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من جنس الرض وفيه من جنس الماء ‪،‬‬
‫العرق وسائر رطوبات البدن‪ ،‬ومن جنس الهواء فيه الروح والنفس ‪ ،‬ومن جنس النار فيه المرة‬
‫الصفراء ‪ ،‬وعروقه بمنزلة النهار في الرض ‪،‬وكبده بمنزلة العيون التي تستمد من الكبد‪،‬ومثانته‬
‫بمنزلة البحر بالنصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب النهار إلى البحر‪ ،‬وعظامه بمنزلة‬
‫الجبال التي هي أوتاد الرض‪.‬وأعضاءه كالشجار؛ فكما أن لكل شجر ورقا أو ثمرا فكذلك لكل‬
‫عضو فعل أو أثر‪ .‬والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الرض ثم إن النسان يحكي‬
‫بلسانه كل صوت حيوان ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان‪ .‬فهو العالم الصغير مع العالم الكبير‬
‫مخلوق محدث لصانع واحد؛ ل اله إل هو‪ ).‬انتهى‪ .‬وهذا يؤيده شواهد من القرآن الكريم‪..‬‬

‫(((وسنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق‪.‬أولم يكف بربك انه على كل شئ‬
‫شهيد‪-53)).‬فصلت)‬
‫(((ال الذي جعل لكم الرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات‬
‫ذلكم ال ربكم فتبارك ال رب العالمين‪-64)).‬غافر)‬

‫‪6‬‬
‫(((خلق السماوات والرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم واليه المصير‪-3)).‬التغابن)‬

‫التميز الذي أراده ال عز وجل لهذا المخلوق الذي علمّه السماء جميعا وأمر الملئكة‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫بالسجود له‪.‬‬

‫(((وعلم أدم السماء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء إن كنتم صادقين‪.‬‬
‫قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم‪.‬قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم فلما انباهم قال‬
‫ألم اقل لكم إني اعلم غيب السماوات والرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون وإذ قلنا للملئكة‬
‫اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين‪.‬وقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة‬
‫وكل منها رغدا حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‪ 35-31)).‬البقرة)‬
‫(((وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه افتتخذونه‬
‫وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدل‪-50)).‬الكهف)‬
‫(((ويا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكل من حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من‬
‫الظالمين‪-19 )).‬العراف)‬
‫((( وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس أبى‪.‬فقلنا يا أدم إن هذا عدو لك ولزوجك فل‬
‫يخرجكما من الجنة فتشقى‪.‬إن لك أل تجوع فيها ولتعرى وانك ل تظمئ فيها ول تضحى‪-116)).‬‬
‫طه)‬

‫يكون من المفيد التقرير إلى أن التسلسل الذي تضمنه سؤال الوحش في السطورة الغريقية‬
‫قد ورد في القرآن الكريم‪..‬‬

‫(((ال الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة‪.‬يخلق ما‬
‫يشاء وهو العلي القدير‪-54)).‬الروم)‬

‫يتعلق هذا التميز بأمر البتلء بـ (المانة) المشار له سابقا والذي صرحت به الية؛ ‪ 72‬من سورة‬
‫الحزاب‪ ((( :‬إنا عرضنا المانة على السماوات والرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها‬
‫وحملها النسان انه كان ظلوما جهول‪))).‬‬

‫‪10‬‬
‫جاء في سياق تفسير هذه الية‪:‬‬
‫(وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره ؛ (النسان) أدم ‪ ،‬تحمل المانة فما تم له يوم حتى‬
‫عصى المعصية التي أخرجته من الجنة وعن ابن عباس إن ال تعالى قال له؛ أتتحمل هذه المانة بما‬

‫‪7‬‬
‫فيها‪.‬قال وما فيها ؟ قال ؛ إن أحسنت جزيت وان أسأت عوقبت‪.‬قال؛ أنا احملها بما فيها بين إذني‬
‫وعاتقي فقال ال تعالى له؛ إني سأعينك‪ ،‬قد جعلت لبصرك حجابا فأغلقه مما ل يحل لك ولفرجك‬
‫لباسا فل تكشفه إل على ما أحللت لك‪).‬‬

‫((( يا بني أدم ل يفتننكم الشيطان‪ ،‬كما اخرج أبويكم من الجنة فينزع عنهما لباسهما ليريهما‬
‫سوءاتهما‪.‬انه يراكم هو وقبيله من حيث ل ترونهم‪.‬انا جعلنا الشياطين أولياء للذين ل يؤمنون‪-27)).‬‬
‫العراف)‬

‫فالدين صقل وتطهير للرادة النسانية وتعمل أحكام العقاب والثواب كرافعة لتطوير الحياة البشرية‬
‫وصول إلى المثالية وليجد النسان عند ال تعالى ‪ ،‬المل والعزاء في غفران الذنوب جميعها حتى‬
‫يحظى بالخلود‪ .‬وهذه حقيقة التوحيد السلمي‪ ،‬كما نعتقدها‪.‬‬

‫(((إني غفار للذنوب لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى‪-82)).‬طه)‬


‫(((فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان ال يتوب عليه إن ال غفور رحيم‪-39)).‬المائدة)‬
‫(((إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بال فقد افترى إثما‬
‫عظيما‪48)).‬‬
‫((ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر يجد ال غفورا رحيما))‪110‬‬
‫((إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بال فقد ضل ضلل‬
‫بعيدا‪ - 111)).‬النساء)‬

‫لذا فأننا نخالف دراسة الدكتور (صادق جلل العظم) حول التراجيديا في القصة القرآنية بين‬
‫(الرادة والمشيئة اللهية)‪11‬والتي ضمنها كتابه (نقد الفكر الديني) وهي من المواضيع القديمة التي‬
‫تناولتها بعض الشيع الدينية تحت مفهوم (البداء) ‪ -‬أي بدا ل غير ما أراد ‪ -‬يقول الدكتور حول‬
‫(إبليس) ‪:‬‬
‫( يجب أن نرد له اعتباره بصفته ملكا يقوم بخدمة ربه بكل تفان وإخلص وينفذ أحكام مشيئته بكل‬
‫أي خضوعه من بين كافة المخلوقات للتوحيد الخالص بالرغم من تعارض هذا‬ ‫‪12‬‬
‫دقة وعناية‪).‬‬
‫الموقف مع أحكام المر والنهي اللهي‪ .‬يشير الدكتور إلى إننا ( إذا نظرنا إلى المور من هذه‬
‫الزاوية بإمكاننا أن نعتبر المر والنهي أشياء طارئة وعرضية إذا قيست بسرمدية المشيئة الربانية‬
‫وقدم الذات اللهية)‪13‬مستخدما صفة(المكر اللهي)‪ 14‬لتبرير تغيير أل رادات اللهية‪ ..‬ومنهيا رأيه‬
‫باعتبار( إبليس ) شهيدا‪ ،‬تردد النجوم والجرام صدى صرخته الدامية؛ إني شهيد!‪.15‬حين يختم على‬
‫الرحلة الدينية‪ ..‬وهذا ل يمكن تأييده لكونه ل يتفق وحقيقة الخطاب القرآني ومكانة الثواب والعقاب‬

‫‪8‬‬
‫فيه‪ ،‬كما بينتها العديد من اليات القرآنية والتي أشير لها أعله وكذلك ما تبنته العقائد السلمية التي‬
‫ناهضت الفكار الصوفية والحركات الفلسفية المتلبسة بالفلطونية الحديثة وكافة النظريات التي‬
‫جردت الحياة النسانية وانتهت بها إلى طقوس وتمائم‪ ..‬هذا من جانب ‪ ،‬ومن جانب آخر فانه ل‬
‫توجد عند ال عز وجل‪ ،‬تفرقة بين مخلوقاته‪..‬إنسا أو جنا‪،‬رغم تمييزهما الذي هو من بديع الخلق ‪..‬‬
‫) ((خلق النسان من صلصال كالفخار‪.‬وخلق الجان من مارج من نار‪ 15-14 )).‬الرحمن)‬
‫ويكون التميز الذي طلبه (إبليس) ـ على رأي الدكتور ‪16‬ـ في سورة (ص) ‪ /‬الية‪76:‬‬
‫((قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)) غير ذي معنى بالنسبة إلى ال عز وجل‪..‬‬

‫فالخلق جميعه متساوي والخالق واحد‪..‬‬

‫(((يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والرض فأنفذوا ل تنفذون إل‬
‫بسلطان‪ -33)).‬الرحمن)‬
‫(((وما كان له عليهم من سلطان أل لنعلم من يؤمن بالخرة ممن هو في شك وربك على كل شئ‬
‫حفيظ‪ -21)).‬سبأ)‬

‫وتصبح الشارات العديدة المبثوثة في القرآن الكريم تكثيف للمتحان الديني للنسان والذي‬
‫تصدّر السطورة الغريقية في تلك النبؤة المشئومة التي حامت حول (أوديب) قبل ولدته‪..‬‬

‫‪17‬‬
‫الكشف عن عصيان (أدم)ع للمر اللهي وطرده من الجنة‬ ‫ثالثا‪:‬‬

‫(((فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو لكم في الرض‬
‫مستقر ومتاع إلى حين‪-36)).‬البقرة)‬
‫(((فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سؤتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه‬
‫الشجرة إل أن تكونا ملكيين أو تكونا خالدين‪ .‬و قاسمهما إني لكما من الناصحين‪.‬فدلهما بغرور‬
‫فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما‬
‫عن تلك الشجرة واقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين‪ .‬قال ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا‬
‫وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪ 23-20)).‬العراف)‬
‫(((فوسوس إليه الشيطان قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد ‪18‬وملك ل يبلى‪.‬فأكل منها فبدت‬
‫لهما سؤاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى‪ 121-120)).‬طه)‬

‫‪9‬‬
‫إن هذه النصوص الصريحة حول الغواية والمعصية ثم ما قاما به ـ أي أدم وحواء ـ‬
‫بخصف أوراق الجنة للتغطية على الخطيئة التي هي معصية الخالق العظيم وجرائم سفك دماء‬
‫وسفاح قربى في السطورة الغريقية‪..‬لدليل على العجز النساني بالرغم من عدم استسلمه‬
‫للخفاق وتطلعه إلى عالم جديد‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تحقق التوبة لدم ع‪..‬‬

‫(((فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم‪ - 37)).‬البقرة)‬
‫(((ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى‪.‬قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى‬
‫فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى‪.‬ومن اعرض عن ذكري فانه له معيشة ضنكا ونحشره يوم‬
‫القيامة أعمى‪ .‬قال رب لم حشرتني أعمى وقـد كنت بصيرا‪.‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك‬
‫اليوم تنسى‪.‬وكذلك نجزي من أسرف ول يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة اشد أبقى‪126-122)).‬‬
‫طه)‬
‫وهذه إحالة إلى بداية الخبر من نفس السورة \الية؛ ‪ ((115‬ولقد عهدنا إلى أدم من قبل فنسى‬
‫ولم نجد له عزما‪ )).‬وهو نفس مصير(أوديب) في السطورة الغريقية حين فقأ عينيه وطرد من‬
‫المدينة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬تطابق مصير البناء في القصة الغريقية والخبار القرآنية الخاصة بابني أدم (ع) ؛‬

‫(((واتل عليهم نبأ ابني أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر‪.‬قال لقتلنك‬
‫قال إنما يتقبل ال من المتقين‪ .‬لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي ل قتلنك إني أخاف ال‬
‫رب العالمين‪.‬إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين‪.‬فطوعت‬
‫له نفسه قتل أخيه فقتله فاصبح من الخاسرين‪.‬فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري‬
‫سوءة أخيه قال أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة آخي فاصبح من النادمين‪)) .‬‬
‫‪ 31-27‬المائدة )‬

‫لقد استهلت الحداث بالتحذير من الفساد وسفك الدماء وانتهت إلى طوفان من الدم الذي طال‬
‫البناء وختم على مصيرهم بالموت البشع في رهاب مرضي كان يعبر عن حال العجز البشري من‬
‫(الخلود)‪ ..‬وهو الموضوع الذي سكن الذاكرة البشرية ولم يغادرها منذ جلجامش ‪..‬‬
‫إلى أين تسعى يا جلجامش‬

‫‪10‬‬
‫إن الحياة التي تبغي لن تجد‬
‫حينما خلقت اللهة العظام البشر‬
‫قدرت الموت على البشرية‬
‫واستأثرت هي بالحياة‬
‫أما أنت يا جلجامش فليكن كرشك مليئا على الدوام‬
‫وكن فرحا مبتهجا نهار مساء‬
‫وأقم الفراح في كل يوم من أيامك‬
‫وارقص والعب مساء نهار‬
‫واجعل ثيابك نظيفة زاهية‬
‫واغسل رأسك واستحم في الماء‬
‫ودلل الصغير الذي يمسك بيدك‬
‫وافرح الزوجة التي بين أحضانك‬
‫وهذا هو نصيب البشرية‪ ( .‬ملحمة جلجامش ــ د‪.‬طه باقر‪/‬ط ‪ 3‬ـ بغداد ‪ /‬ص ‪135‬ـ ‪) 138‬‬

‫فالتسليم الخلقي للنسان بالسعي لنجاز العمال المجيدة قد جاء كرد فعل على (الخفاق) ‪-‬‬
‫حسب تعبير سوفوكليس‪ -‬في وصف حال (أوديب)‪ .‬أو(الحيرة)‪ 19‬التي تملكت ابن أدم أمام جثمان‬
‫أخيه المقتول‪.‬أو(الحباط) الذي انتاب (جلجامش) بعد فقدانه لنبات (عودة الشيخ إلى شبابه)‪.‬أو الكثير‬
‫من المواقف النسانية العظيمة والتي هي تنويع على فرادة الهم البشري في القلق من الموت‪ ،‬وكان‬
‫ترياقا حضاريا للعصاب الرضّي ـ على حد قول العلمة (فرويد)‪20‬ـ الذي استثاره ( نصيب‬
‫البشرية) في العجز عن الخلود‪..‬‬
‫يقول العلمة (ألبرت أشفيتسر) ‪( :‬إن الحضارة تنشأ حينما يستلهم الناس عزما واضحا‬
‫صادقا على بلوغ التقدم ويكرسون أنفسهم‪ ،‬تبعا لذلك لخدمة الحياة وخدمة العالم‪ .‬وفي الخلق‬
‫وحدها نجد الدافع القوي إلى مثل هذا العمل‪ ،‬فنتجاوز حدود وجودنا‪.‬إن شيئا ذا قيمة لم يتحقق في‬
‫هذه الدنيا إل بالحماسة والتضحية بالنفس‪.21)..‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫يتبين من البحث السابق‪ ،‬نتيجة مهمة نرى أن يتم تسجيلها بشكل منفصل وهي أن (القرآن‬
‫الكريم) ‪ ،‬كتاب متميز بالمآثر الخارقة والخصب الذي ل حد له‪.‬ذلك إن الخطاب الذي تناولته النباء‬
‫القرآنية كانت تتوجه إلى ما عنيناه في مدخل دراستنا هذه أي إلى (( النسان نفسه ))‪ ..‬مسجل له‬
‫رسالة أبدية ما دام على الرض ‪..‬يحيا و يتأمل‪ .‬و تكمن أهمية قولنا هذا في إن التجربة السلمية‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬أي نظام الخلفة‪ -‬والتي اعتمدت بشكل أساسي في تشريعها على القران الكريم‪ ،‬قد تعرضت الى‬
‫إخفاق لسباب عديدة وأدت إلى إثارة الكثير من اللغط و المفارقات‪ .‬فالمستشرقون عامة فسروا هذا‬
‫الخفاق على انه فشل القران الكريم في احتواء التجربة العميقة الموجودة في الكتب المقدسة السابقة‬
‫أو الى انه يهدف بشكل أساسي إلى جمع القبائل العربية وتوحيدها لغرض بناء كيانها الحضاري ‪،‬‬
‫حيث يشير المستشرق الفرنسي (ل‪ .‬آ‪ .‬سيديو ) إلى( إن محمد لم يبتغ في تأليفه إن يمنح البشرية أدبا‬
‫أفضل مما في النجيل أو إن يفرض دستورا واحدا على جميع أمم الشرق‪ ،‬أو إن يحصر الشعور‬
‫الديني في حدود أبدية ل تتبدل‪ ،‬و إنما أراد أن يربط جميع قبائل الجزيرة العرب بقاعدة مشتركة و‬
‫إن يوحدها تحت لواء واحد و إن يجعل بينها تضامنا قويا في المنافع فتقلع عما تعودنه من الثرة‬
‫المحلية و إن يعودها على الخضوع لنظم واحدة فتنزع من صدورها الحقاد فتتضافر على تعجيل‬
‫‪23‬‬
‫حضارتها‪).‬‬
‫وقد أشار المستشرق المريكي (غوستاف جروينباوم) إلى الرأي الول بقوله‪ ( :‬ولم يظهر السلم‬
‫البتة‪ ،‬ذلك الفيض من الفكار ول ذلك الخصب الذي ل حد له وهما قوام عظمة الغريق ‪ ،‬ول هو‬
‫أنهك نفسه‪ ،‬التقدم الفائق في ظلمات المجهول غير عابئ بما وراء ذلك من ضياع ما هو حاصل في‬
‫يده كما هي طريقة الغرب‪.24).‬‬
‫بينما كانت طريقة الباحثين المسلمين(عامة) حين درسوا هذا الخفاق هو النأي بعيدا عن‬
‫كتاب المسلمين العظيم‪ .‬فأن ( د‪.‬طه حسين )عند تحدثه عن إخفاق الخليفة (علي بن أبي طالب ) في‬
‫بسط خلفته ‪ ،‬إلى انه( لم يخفق وحده وإنما اخفق معه نظام الخلفة كله)‪ ،25‬فهو يحيلنا إلى نظام‬
‫الخلفة ( الدنيوي )‪ ،26‬أي إرجاعه إلى فشل العرب أنفسهم في تمثل مؤسسات الدولة التي انشأوها‬
‫نتيجة جهادهم الديني‪.‬يقول(د‪.‬محمد عبد الحي شعبان)‪( :‬لقد فشل العرب حتى ألن بحل المشاكل‬
‫الجتماعية والسياسية في المبراطورية التي انشأ وها بسهولة كبيرة‪ 27).‬في حين يضع العلمة‬
‫(احمد أمين)‪ ،28‬الدين‪ ،‬ضمن قائمة من السباب التي يجد إنها تؤثر في الحضارة‪(:‬على أن الدين في‬
‫كل أمة هو ليس كل شيء و رقي المم وانحطاطها يرجع إلى أسباب كثيرة أحدها الدين‪ ).‬ويكون‬
‫فضل البحث السابق هو الرد على المستشرقين‪ .‬كذلك البرهان على عمق الخطاب القرآني الذي يمتد‬
‫عموديا في التجربة الوجودية النسانية ورفض للصورة المتهافتة التي يريدون أن يكون بها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الهوامش‬
‫‪/1‬هملت ـ وليم شكسبير‪/‬ت‪:‬جبرا إبراهيم جبرا ـ ص ‪-104‬تلحظ أيضا ترجمة خليل مطران ـ ص ‪63‬‬
‫‪ /2‬الموت و العبقرية ـ د‪.‬عبد الرحمن بدوي ‪/‬الكويت و بيروت ـ ص ‪31‬‬
‫‪ / 3‬السطورة ـ د‪.‬نبيلة إبراهيم ‪/‬الموسوعة الصغيرة ـ ص ‪86‬‬
‫‪/4‬قصة الفلسفة ـ ول‪ .‬ديورانت ـ ت‪ :‬د‪.‬فتح ال المشعشع ‪ /‬مكتبة المعارف ـ بيروت ‪ /‬ص ‪،119 ،87‬‬
‫‪351‬‬
‫‪/5‬التلخيص عن مقدمة مسرحية(أوديب)ل ندريه جيد‪/‬بقلم د‪.‬طه حسين‬
‫‪/6‬مقدمة مسرحية(أوديب) لندريه جيد‪/‬د‪.‬طه حسين ـ ص ‪23‬‬
‫‪/7‬الجامع لحكام القرآن ـ العلمة القرطبي‪/‬ط ‪ 2‬ـ القاهرة‪/‬ج ‪ 17‬ـ ص ‪40‬‬
‫‪/8‬المصدر السابق‪/‬ج ‪ 2‬ـ ص ‪203‬‬
‫‪/9‬المصدر السابق‪/‬ج ‪ 20‬ـ ص ‪114‬‬
‫‪/10‬المصدر السابق‪/‬ج ‪ 14‬ـ ص ‪258-257‬‬
‫‪/11‬نقد الفكر الديني ـ د‪.‬صادق جلل العظم‪/‬ط ‪ 2‬ـ بيروت‪/‬ص ‪115‬‬
‫‪/12‬المصدر السابق‪/‬ص ‪128‬‬
‫‪/13‬المصدر السابق‪/‬ص ‪90-89‬‬
‫‪/14‬المصدر السابق‪/‬ص ‪120‬‬
‫‪/15‬المصدر السابق‪/‬ص ‪132‬‬
‫‪/16‬المصدر السابق‪/‬ص ‪91‬وما بعدها‬
‫‪/17‬يقوم الكاهن(تيرسياس)بكشف جريمة(أوديب)بما يشبه دور(إبليس)في الخبار القرآنية حين يكشف عن‬
‫ضعف وخطيئة(آدم)‪.‬ويرى(د‪.‬العظم)في كتابـه أعله ‪ /‬ص ‪(: 117‬أن إبليس صنيعة الرادة اللهية خاضعا‬
‫لحكامها منفذا لطلباتها‪).‬انتهى‪ .‬وقد جاء في القــرآن الكريم (((كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر فلما‬
‫كفر قال أنا برئ منك إني أخاف ال رب العالمين‪16)).‬الحشر)‬
‫‪/18‬يلحظ أن الشارة إلى ((الشجرة))هو من المواضيع القديمة التي أشير لها مرارا‪..‬‬
‫يقول العلمة (انطوان مورتكارت)في كتابه‪-‬الفن في العراق القديم‪-‬ص ‪374‬‬

‫‪13‬‬
‫ما يلي ‪(:‬فالموضوع المتكون من الشجرة المقدسـة المتحدة مع شكل الراعي الملكي والحامي للحياة ‪،‬هو‬
‫مفهوم سومري لم يختف من الشرق الدنى أبدا منذ بداية فجر الحضارة العظمى لعصر فجر التاريخ في‬
‫حدود ثلثة آلف قبل الميلد‪).‬‬
‫‪ /19‬هذه الحيرة تملكت الشيطان ـ كما تخيل مارك توين في كتابه عن مذكرات أدم و حواء ( ص ‪115‬‬
‫ت‪:‬سليم عبد المير حمدان ) ـ حين أراد أن يخبر حواء بمقتل ولدها (فكيف أستطيع إن اشرح لك‬
‫الموت ) فقد فهم ( انه بطريقة ما‪ ،‬نوم ) ‪.‬فالنوم(أخو الموت) على ما فهم(ابن منظور المصري)في كتابه‪/‬‬
‫( الناس نيام‪ ،‬و إذا ماتوا انتبهوا‪ ،‬فأنتبه أيها الخ من نوم‬ ‫لسان العرب ـ مادة رقد ـ ج ‪ /6‬ص ‪.201‬‬
‫الغفلة و رقدة الجهالة ) الرسالة (‪ /)25‬رسائل أخـوان الصفاء و خلن الوفاء ـ ج ‪ / 2‬ص ‪/ 455‬‬
‫بيروت ‪ 2004‬ـ دار صادر‪.‬‬

‫‪/20‬موسى والتوحيد ـ سيغموند فرويد‪/‬ت‪:‬جورج طرابيشي‪/‬بيروت ـ ص ‪96‬‬


‫يقول العلمة (فرويـد)في كتابه_مستقبل وهم_ص ‪( 45‬ل يزال النقاد يصرون على إطلق صفة‬
‫((التدين العميق)) على كل إنسان يراوده من شعور بتفاهة النسان وبالعجز البشري في مواجهة الكون‪،‬‬
‫وهذا بالرغم من إن جوهر التدين ل يقوم على ذلك الشـعور وإنما بالحرى على المسـعى الذي يعقبه‬
‫ويتفرع منه أي رد فعـل النسان على ذلك الشعور في محاولة لتقائه والتحصن ضده‪).‬‬
‫‪/21‬فلسفة الحضارة ـ البرت اشفيتسر‪/‬ت‪:‬عبد الرحمن بدوي‪/‬القاهرة ـ ص ‪5-4‬‬
‫‪/22‬يقول العلمة(د‪.‬جواد علي)في كتابه_تاريخ العرب في السلم‪ /‬ج ‪-1‬ص ‪:9‬‬
‫(وآية ذلك أن معظم المسـتشرقين النـصارى هم من طبقة رجال الدين أو من المتخرجين من‬
‫كليات ((اللهوت))وإنهم حين تطرقوا إلى الموضوعات الحساسة في السلم‪ ،‬حاولوا جهد إمكانهم ردها‬
‫إلى اصل نصراني‪.‬وطائفة المستشرقين اليـهود‪ ،‬وخاصة بعد تأسيس((إسرائيل))وتحكم الصهيونية في‬
‫غالبيتهم ويجهدون أنفسـهم لرد كل ما هو إسلمي و عربي إلى اصل يهودي وكلتا الطائفتين في هذا الباب‬
‫تبع لسـلطان العواطف والهـواء‪).‬وكذلك؛ (يعد((يوحـنا الدمشـقي))ممهد الجادة للمستشرقين المعروفين‬
‫بتحاملهم على السلم‪.‬فاكثر ما يزعمونه ويذكرونه عنه ما كان قد قاله ودونه قبلهم لما يزيد على ألـف‬
‫عام‪-).‬ص ‪ 22‬ويــلحظ أيضا ص ‪ 95‬حول المستشرق((كيتاني))‪.‬‬
‫‪/23‬تاريخ العرب العام ـ ل‪.‬آ‪ ,‬سيديو‪/‬ت‪ :‬عادل زعيتر‪/‬بيروت ـ ص ‪117‬‬
‫‪/24‬حضارة السلم ـ غوستاف جرونيباوم‪/‬ت‪:‬الشيخ عبد العزيز جاويش‪/‬القاهرة ـ ص ‪437‬‬
‫‪/25‬إسلميات ـ د‪.‬طه حسين‪/‬بيروت ـ ص ‪956‬‬
‫‪/26‬يلحظ كتاب‪-‬السلم أصول الحكم _للشيخ علي عبد الرزاق‪/‬تح‪:‬د‪.‬محمد عمارة‪/‬ط ‪ 2‬ـ ص ‪ 173‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪/27‬صدر السلم والدولة الموية ـ د‪.‬محمد عبد الحي شعبان‪/‬ص ‪184‬‬
‫‪/28‬يوم السلم ـ احمد أمين‪/‬بيروت ـ ص ‪137‬‬

‫‪14‬‬
‫‪1‬‬ ‫تطبيق ‪-‬‬

‫رحلة حكايات إلف ليلة و ليلة بين الشرق و الغرب‬


‫للكشف عن مشتركنا الوجودي‬
‫عبدالله سامي محمود‬

‫تحتل حكايات إلف ليلة و ليلة و راويتها شهرزاد مكانة متعاظمة الثر في الثقافة المعاصرة‬
‫منذ مصادفة اكتشافها و ترجمتها من قبل الفرنسي (غالن )عام ‪1704‬م ثم انتشارها في أوربا و‬
‫ادوارد لين و جون بين و‬ ‫خاصة بريطانيا الفيكتورية على أيدي العديد من المستشرقين مثل –‬
‫غيرهما ‪.‬الذين وجدوا في الليالي العربية مجموعة من الحوادث الغريبة و المدهشة تنعقد في سلسلة‬
‫من الحكايات اللنهائية تتلوها شهرزاد بطلة قصة الطار التي احتوتها طائعة بكل تنوعها المكاني‬
‫و الزماني الممتد على طول وعرض المساحة السلمية ملتهمة لكل ما يمكن تقديمه لها من ثقافات‬
‫و خرافات و نزعات و ميول‪ .‬فقد (اجتمعت عناصر هندية و فارسية و يهودية ويونانية و بابلية و‬
‫مصرية فضل عن عناصر عربية أصيلة فأصبحت كل واحدا على أيدي أساتذة مجهولين يرجع‬
‫مجموع إلف ليلة وليلة و راحت اللغة‬ ‫إليهم الفضل في تلك الجزالة الهائلة التي ينطوي عليها‬
‫العربية من حيث الظاهر و الروح السلمي من حيث الداخل توحد هذه الخطوط المتعددة و تتولى‬
‫حبكها في بساط فاتن يخطف البصار‪.‬و إن إلف ليلة و ليلة في تأليفها بين كل ما هو مختلف و كل‬
‫ما هو متفاوت لشبه الشياء بمثال مصغر للحضارة السلمية بوجه الجمال ‪ 1 ).‬و يقسم الباحث‬
‫النكليزي ( ماكدونالد )‪ – 2‬مترجم الليالي العربية عام ‪1924‬م – مصادر الحكايات إلى خمسة‬
‫أصول هي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬اللب الفارسي‬
‫‪ – 2‬الصل العربي‬
‫‪ – 3‬قصة الطار مع بعض القصص العربية‬
‫‪ – 4‬الموضوعات الفاطمية من القرن الثاني عشر الميلدي‬

‫‪15‬‬
‫‪ -5‬التنقيحات السورية حيث تم اعتماد أول ترجمة أوربية حسب المخطوط السوري‬
‫من القرن السادس عشر الميلدي ‪.‬‬

‫و يعتبر (ماكدونالد ) المرحلتين ( ‪ 2‬و ‪ ) 3‬تختصان بالمستوى البغدادي بينما المرحلتين( ‪ 4‬و ‪) 5‬‬
‫تمثلن المستوى المصري اللحق للمستوى السابق‪.‬و تضيف المحققة(نبيهة عبود) مرحلة سادسة و‬
‫أخيرة تعكس أحوال المنطقة في القرن السادس عشر الميلدي و تطغي على موضوعاتها الملحم‬
‫الشعبية حيث تكون كلها الصل للطبعات العربية من القرن التاسع عشر الميلدي وهي طبعات –‬
‫بولق و كلكتا و برسلو– التي تميزت كل منها بعدد مختلف من الحكايات‪.‬و يرى الباحث العراقي‬
‫‪ -‬د‪.‬محسن مهدي‪ 3-‬إن حجم الليالي في العصور الوسطى كانت اصغر بكثير من الطبعات الحالية‬
‫بحوالي الربع غير أنها أكثر تماسكا وذات مرجعية تاريخية مستبعدا عند تحقيقه عام ‪ 1984‬في‬
‫بريل – هولندا للمخطوطات التي اعتمدها(غالن) في ترجمته للحكايات المنقولة شفويا عن الراوية‬
‫الرمني وهي حكايات ( رحلت السندباد السبعة وعلء الدين و المصباح السحري و علي بابا و‬
‫الربعين حرامي) لكن مترجم الطبعة الثانية من التحقيق ( د‪ .‬حسين هداوي) قد أعاد ضم هذه‬
‫الحكايات إلى متن حكايات الطبعة السابقة المترجمة إلى النكليزية من قبل نفس المترجم وذلك‬
‫عام ‪1995‬م عندما تأكد للباحث( مهدي) توافق هذه الحكايات مع الحكايات الخرى كونها تخضع‬
‫مختارة للقصة الطار كما هو حال بقية القصص أو ربما أية قصص أخرى تستجد لحقا– حسب‬
‫ما يرى الباحث المريكي(دانيال بيومنت) منتقدا (مهدي) لستبعاده الحكايات المذكورة في الترجمة‬
‫الولى عام ‪1990‬م ‪.‬‬

‫و تنتظم الحكايات في نسق أو مخطط عام دعاه الباحث الجزائري(جمال الدين بن الشيخ) في كتابه‬
‫( القول السير)‪ 4‬بالخطاطة المولدة التي هي صيغ حكائية مختارة تقبل التحليل إلى وحدات إجرائية‬
‫البحث عن‬ ‫و شخصيات فاعلة تعمل فقط لصالح مشروع حكائي يمكن تحديد الهدف منه في‬
‫وفق إشارته عن حكاية – حاسب كريم – ‪ 6‬الذي اختارته القصة ليستمع حتى النهاية إلى‬ ‫‪5‬‬
‫الخلود‬
‫مغامرة بلوقيا الهائم في السماء بحثا عن اليمان ملتقيا( جانشاه ) ذاك الهائم على الرض باحثا عن‬
‫و ذلك‬ ‫‪8‬‬
‫الحب ‪ 7‬في سرد قصصي يستبعد الوعظ الخلقي‪-‬حسب د‪.‬محسن الموسوي–‬
‫بموجب الجماليات الدبية للفلسفة المتسامية الباطنية التي ل ترى في التجربة الحسية أو اللمسية‬
‫قدرة على بلوغ الدراك و هي تجد ضمنا إن الكون متكامل عضويا و يرتبط غامضه‬
‫بواضحه‪,‬غريبه بشائعه و خارقه بدنيويه‪ .‬فكل فعل حتى و إن كان خارج حدود المنطق والدراك‬
‫العتيادي له مسبباته و نتائجه في استعراض عفوي لقدرة النسان حينا و عجزه أحيانا كثيرة‬
‫ممعنا في تصوير الضعف النساني و مشاكل الحياة و همومها عندما ( ل يتراءى للقاص حل‬

‫‪16‬‬
‫معقول لها ) كما يقول إحسان سركيس في كتابه عن ( الثنائية في إلف ليلة و ليلة ) ‪9‬ففي كل مكان‬
‫– حسب الموسوي‪10 -‬كان الراوي يمزج بمهارة لحمة الغامض و المستحيل بسداة الفعلي و‬
‫المحدود ‪ .‬أي إن رقاص سردها يتحرك إلى المام و إلى الخلف بين الواقعي و المثالي ‪,‬بين‬
‫الحقيقة المحدودة بوضوح و بين الفكر المطلق غير المقيد ‪ .‬هكذا يمكننا القول بان الفن وحده‬
‫يصبح (بديل الحياة )‪ 11‬مفسرا استمرار المنصتين و القراء منذ قرون خلت لكتاب تفتقر صيغته‬
‫المتداولة إلى أية قيمة أدبية فأن كل حكاية ترد على لسان شهرزاد تندمج في هذا الكل الغائم و‬
‫الجلي– على رأي ابن الشيخ ‪12 -‬في مصالحة محببة كأنما تستبطن مشاعر الغريق الذي يتلقف‬
‫قطعة النجاة الوحيدة في المحيط الشاسع‪ .‬إن عمق الحساس بالنهاية الوشيكة والمل بالنجاة‬
‫لستبقاء الحياة كان يتجلى في كل حكايات إلف ليلة و ليلة ‪.‬‬

‫و نرى في حكاية ( هرون الرشيد و البنت العربية ) إن الشعر يحتل مركز الحدث تاركا هامش‬
‫الحكاية الذي طالما عودتنا باقي الحكايات إن يكون مطرزا بالشعر كتزويق أو ليصال معنى معين‬
‫‪13‬‬
‫أو لتسهيل مهمة إفهام جمهور السامعين الواسع عند إنصاتهم للراوية و هو يحدثهم بالحكايات ‪.‬‬
‫و قد وردت الحكاية قبل ذلك على ما يعتقد في كتاب – إعلم الناس بما وقع للبرامكة مع بني‬
‫العباس – للتليدي تحت عنوان ( الرشيد و المستقية ) حيث يظهر الخليفة ومرافقه جعفر البرمكي‬
‫كهامش للعرابية التي راحت تتلو أبيات الشعر المنظومة في صيغة الرباعية في عدد متواصل‬
‫يبلغ أربع لتشكيك الخليفة في صحة نظمها للبيات ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫النص‬

‫يحكى إن هرون الرشيد مر في بعض اليام و بصحبته جعفر البرمكي و إذا هو بعدة بنات يستقون‬
‫الماء فعرج عليهن يريد الشرب و إذا أحداهن تقول ‪:‬‬

‫عن مضجعي وقت المنام‬ ‫ينثني‬ ‫قولي لطيفك‬


‫العظام‬ ‫نار تأجج في‬ ‫كي أستريح و تنطفي‬
‫سقام‬ ‫على بساط من‬ ‫الكف‬ ‫دنف تقلبه‬
‫ــت فهل لوصلك من دوام ؟‬ ‫علمــــ‬ ‫إما إنا فكما‬

‫فأعجب أمير المؤمنين ملحتها و فصاحتها‪ .‬فقال لها‪ :‬يا بنت الكرام هذا من قولك أم من منقولك ؟‬
‫قالت ‪ :‬من قولي ‪ .‬قال‪ :‬إن كان كلمك صحيحا فامسكي المعنى و غيري القافية‪.‬فأنشدت تقول ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫عن مضجعي وقت الوسن‬ ‫ينثني‬ ‫قولي لطيفك‬
‫البدن‬ ‫نار تأجج في‬ ‫كي أستريح و تنطفي‬
‫شجن‬ ‫على بساط من‬ ‫الكف‬ ‫دنف تقلبه‬
‫ــت فهل لوصلك من ثمن؟‬ ‫علمــــ‬ ‫إما إنا فكما‬

‫قال ‪:‬إن كان كلمك فامسكي المعنى و غيري‬ ‫فقال لها ‪:‬و الخر مسروق ‪.‬قالت ‪ :‬بل كلمي ‪.‬‬
‫القافية ‪ .‬فقالت‪:‬‬
‫عن مضجعي وقت الرقاد‬ ‫ينثني‬ ‫قولي لطيفك‬
‫الفؤاد‬ ‫نار تأجج في‬ ‫كي أستريح و تنطفي‬
‫حداد‬ ‫على بساط من‬ ‫الكف‬ ‫دنف تقلبه‬
‫ــت فهل لوصلك من سداد؟‬ ‫إما إنا فكما علمــــ‬

‫فقال لها‪ :‬و الخر مسروق‪ .‬فقالت ‪ :‬بل كلمي ‪.‬فقال لها‪ :‬إن كان كلمك فامسكي المعنى و غيري‬
‫القافية ‪ .‬فقالت ‪:‬‬
‫عن مضجعي وقت الهجوع‬ ‫ينثني‬ ‫قولي لطيفك‬
‫الضلوع‬ ‫نار تأجج في‬ ‫كي أستريح و تنطفي‬
‫دموع‬ ‫على بساط من‬ ‫الكف‬ ‫دنف تقلبه‬
‫ــت فهل لوصلك من رجوع؟‬ ‫علمــــ‬ ‫إما إنا فكما‬

‫فقال لها أمير المؤمنين ‪ :‬أنت من هذا الحي ‪.........‬‬

‫وأصل هذه البيات يعود للشاعر العباسي ( ديك الجن ألحمصي ) المتوفي عام ‪849‬م و هي‬
‫عبارة عن موشح نظمه بعد تجربة شخصية قاسية حيث قضى معظم حياته ( و هو يعض بنان‬
‫‪15‬‬
‫الندم و يبكي دما ل دموعا على زوجته و حبيبته التي قتلها بيديه بعد إن استسلم لوشاية كاذبة )‬

‫عند المنام‬ ‫عن مضجعي‬ ‫ينثني‬ ‫قولي لطيفك‬


‫عند الوسن‬ ‫عند الهجود‬ ‫عند الرقاد عند الهجوع‬
‫العظام‬ ‫نار تأجج في‬ ‫فتنطفي‬ ‫فعسى أنام‬
‫البدن‬ ‫في الكبود في‬ ‫في الضلوع‬ ‫في الفؤاد‬
‫سقام‬ ‫على فراش من‬ ‫الكف‬ ‫جسد تقلبه‬

‫‪18‬‬
‫من حزن‬ ‫من وقود‬ ‫من دموع‬ ‫من قتاد‬
‫ـــت فهل لوصلك من دوام‬ ‫علمـــ‬ ‫إما إنا فكما‬
‫ثمن؟‬ ‫من‬ ‫من وجود‬ ‫من رجوع‬ ‫من معاد‬

‫و المقطوعة – كما نرى – تتكون من أربعة مقاطع في قالب الموشح تعبر عن أربعة حالت نفسية‬
‫تتكامل متصاعدة مع نمو المعاناة النسانية للشاعر الذي صدمته جريمة قتله لزوجته ففي المقطع‬
‫الول يتوسل طيفها إن يتركه عند المنام الذي سله كما يتبين من المترادفات الخرى المستخدمة‬
‫في المقطع(الرقاد ‪,‬الهجوع ‪,‬الهجود‪ ,‬الوسن) التي ل تعني نوما هنيئا‪ .‬حيث يعود في المقطع الثاني‬
‫ليؤكد طلبه الملح للنوم لنسيان صدمة جريمته حتى تنطفئ النار التي اشتعلت في عظامه و فؤاده‬
‫و ضلوعه ثم في كامل بدنه‪ .‬في المقطع الثالث نعلم من الشاعر انه جسد بل روح تتداوله اليدي‬
‫ويَشبه فراشه من شدة لوعته بفراش القتاد الذي هو نبات الشوك‬ ‫و تقلبه على فراش المرض‬
‫المنزوع أو يشبهه بفراش الدموع أو الوقود أو الحزن وهي كنايات تصف مبلغ حالة السوء التي‬
‫يتدهور لها الشاعر‪ .‬يختتم الموشح بالمقطع الرابع و فيه يستصرخ الطيف الذي زاره في المقطع‬
‫الول يسأله معاودة الوصل متوسل بالمعاد أو الرجوع للوجود بأي ثمن وهذا تعبير أخاذ عن‬
‫الخلود ‪.‬‬

‫إما الحكاية في الليالي فإنها تستعيد الوقع المأساوي بعد تأطيرها بقصة الطار لترتفع بها إلى‬
‫مستوى أخر يخفي هوية الشاعر عبر تراكم الصور المتحقق من الصيغ المتناوبة القافية مستثيرة‬
‫في جمهور القراء والمستمعين‪ ,‬لذة الستكشاف من خلل المشاركة الوجدانية إلى ما وراء الحكاية‬
‫في الكثير من السئلة القائمة بدون جواب حول الوجود والخلود والعالم الجديد الذي تتطلع له‬
‫النسانية مع تواصلها في تقليب صفحات عقد الحكايات الجميل‪ (.‬فالتشكيل الصوري في عالم‬
‫شهرزاد تشكيل طباقي منفتح على رحابة السلوب ‪ ,‬يتخطى منطق الدوال والثنائيات المفردة –‬
‫ليل‪ /‬نهار ‪ ,‬موت ‪ /‬حياة ‪ -..‬إلى فضاء الدينامية النصية )‪16‬وهي حركة الصور المتراكبة في‬
‫تشكيل التواصل المطلوب بين المتلقي و الثر الدبي‪......‬‬

‫‪19‬‬
‫الهوامش‬
‫‪ – 1‬حضارة السلم ‪ /‬غوستاف غرونيباوم – ت ‪ :‬عبد العزيز توفيق جاويد ‪ /‬ص ‪405‬‬
‫‪ – 2‬موقع الليالي العربية على النترنيت ‪.‬‬
‫‪ – 3‬دراسة (دانيال بيومنت ) على النترنيت حول الليالي العربية في العصور الوسطى – بالنكليزية‬
‫‪ – 4‬القول السير ‪/‬جمال الدين بن الشيخ – ت ‪ :‬محمد زفزاف ‪ /‬ص ‪84‬‬
‫‪ – 5‬نفس المصدر ‪ /‬ص ‪161‬‬
‫‪ – 6‬يستبعد (د‪.‬محسن مهدي ) الحكاية من الطبعة المحققة من قبله عام ‪1984‬‬
‫‪ – 7‬ابن الشيخ – المصدر السابق ‪ /‬ص ‪183‬‬
‫‪ – 8‬الخروج من دائرة السحر ‪ /‬د‪ .‬محسن الموسوي – ص ‪201‬‬
‫‪ – 9‬الثنائية في إلف ليلة و ليلة ‪ /‬إحسان سركيس –ص ‪198‬‬
‫‪ – 10‬الموسوي – ص ‪197‬‬
‫‪ – 11‬الموسوي – ص ‪12‬‬
‫‪ – 12‬ابن الشيخ – ص ‪184‬‬
‫‪ – 13‬يراجع ‪/‬ديوان إلف ليلة و ليلة – لعبد الصاحب العقابي ‪ /‬المقدمة‬
‫‪ – 14‬إعلم الناس بما حدث للبرامكة مع بني العباس ‪ /‬التليدي – حكاية (الرشيد و المستقية ) و المجلد الثالث من‬
‫مجموعة إلف ليلة وليلة ‪ /‬حكاية (هرون الرشيد و البنت العربية )‬
‫‪ – 15‬مجلة العربي الكويتية ‪ /‬العدد ( ‪ ) 504‬مقال ( جمال العربية ) لفاروق شوشة‬
‫‪ – 16‬بيان شهرزاد ‪ /‬شرف الدين مجادولين – ص ‪106‬‬

‫تطبيق ‪2-‬‬

‫‪20‬‬
‫منظر آسيس و غالتيه– كلود لورين ‪ /‬المرسومة عام ‪1657‬م ( الشياطين – ص ‪ 487‬و المراهق – ص ‪. ) 347‬‬

‫السر البدي‬
‫عبدالله سامي محمود‬
‫عندما يصل ( دوستوفيسكي ) في خطابه لحياء ذكرى شاعر روسيا (بوشكين) و إزاحة الستار‬
‫عن تمثاله في موسكو بتاريخ ‪ 6‬حزيران عام ‪ 1880‬إلى الفقرة الخيرة‪ ((:‬لقد مات بوشكين و هو‬
‫في تمام قدرته على التطور‪,‬ول جدال في انه اخذ معه إلى مثواه الخير سرا عظيما ما‪ ,‬وهنا نحن‬
‫الن نحاول بدونه أن نحزر هذا السر‪1))..‬فقد دوت‪ ,‬فجأة‪ ,‬صالة المجتمعين تصيح بأصوات ((أنت‬
‫في إحالة إلى الرث الثري الذي‬ ‫حزرته ))‪ 2‬مصحوبة بعواصف التصفيق و التهليل الحماسي ‪.‬‬
‫تركه لنا الكاتب العظيم‪.‬فأبطال رواياته– كما يقول اوسكار وايلد– (( يدهشوننا دائما بما يقولونه و‬
‫يفعلونه و يحتفظون لنفسهم إلى النهاية بالسر البدي للوجود ))‪.3‬كأننا ندور في حلقة ل تنتهي من‬
‫الحالت التي تبقي على السر ول تكشفه لنا‪ .‬فهؤلء البطال (( مأخوذون بفكرة مجردة ل تهمهم‬
‫وحدهم فقط‪,‬بل تهم مجموع الجنس البشري‪,‬فهم يتساءلون عما يستطيعه النسان و يختارون أنفسهم‬
‫كوسائل تجربة ‪ ,‬فالقضية التي يطرحونها هي دائما نفسها‪:‬هل النسان سيد مصيره أو عليه أن‬
‫يخضع لرادة ما عليا حتى أذا لم يفعل حكم عليه بالفشل الذريع المؤلم كـ (برومثيوس )))‪ .4‬و‬
‫يرى (سيجموند فرويد)‪ ,‬أن دوستوفيسكي (( روائي مثقَل بالحساس بالذنب)) تطبيقا لنظريته عن‬
‫جريمة قتل الب‪ ,‬حيث يرى انه قد (( أضاع الفرصة لن يكون معلما و محررا للبشرية و جعل‬
‫نفسه واحدا من سجانيها )) لفشله في فتح (( طريق الرسول ))‪ ,5‬على حد قوله‪ .‬بينما يرى آخرون‬
‫‪,‬أن دوستوفيسكي ((مبدع الرواية المتعددة الصوات))‪ 6‬و (( سيد كل المكتشفين ))‪. 7‬‬

‫‪21‬‬
‫دوستوفيسكي بريشة فاسيلي بيروف ‪ .‬مرسومة عام ‪1872‬م ‪ .‬محفوظة في غاليري تريتيكوف في‬
‫موسكو‪ .‬تقول زوجة الكاتب ‪ :‬إن الرسام كان يتردد عليهم (( طوال أسبوع و يفاجئ دوستوفيسكي في شتى أحواله‬
‫اللانسانية و يحاوره و يستفزه خصيصا للخوض في مواضيع شائكة إلى أن تمكن من تصيد أعمق تعبير في‬
‫ملمح زوجي و هو شارد الذهن غارق في تأملته الفنية ‪ .‬التقط ( بيروف ) (( لحظة البداع )) أو الذهول التي‬
‫كنت تلمستها مرارا ‪)).‬‬

‫مجلة نزوة العمانية – العدد ‪ . 15‬ترجمة و إعداد ‪ :‬خيري الضامن‬ ‫مذكرات زوجة الكاتب ‪/‬‬

‫وقائع استكشاف فني أم اعترافات مجرم قاتل أو مجرد حرفي ماهر متمكن من أدوات إبداعه‬
‫التي تعكس أحوال بلده الجتماعية في القرن التاسع عشر في أعادة قراءة له فانعكست على النسان‬
‫(( الفاقد كماله ووحدته)) و هو(( في حالة عدم التوافق )) و(( عدم النسجام مع الواقع و مع حقيقته‬
‫ذاتها ))‪.8‬و هذا ما قصده الناقد الروسي(باختين)في كتابه عن (دوستويفسكي) باستخدامه تعبيره نفسه‬
‫((النسان داخل النسان))‪ .9‬يقول(دوستوفيسكي) في رسالة إلى أخيه بتاريخ ‪16/8/1839‬م ‪ (( :‬إن‬
‫النسان سر يجب كشفه‪ ,‬يجب حله ‪ ,‬فإذا بقيت تحاول طوال حياتك فل تقل انك أضعت وقتك ‪ .‬أنا‬
‫منشغل بهذا السر‪ ,‬لنني أريد أن أكون أنسانا ))‪ .10‬في روايته (الخوة كارامازوف) يصف‬
‫(دوستوفيسكي) لوحة للرسام (ايفان كرامسكوي) بعنوان– المتأمل‪(( :‬إن اللوحة تمثل غابة في فصل‬
‫الشتاء‪ ,‬و قد وقف على الممر الذي يقطعها ‪ ,‬فلح يرتدي قفطانا ممزقا و ينتعل خفيين باليين‪ ,‬فهو‬

‫‪22‬‬
‫في عزلة تامة ‪ .‬لقد ضل الفلح طريقه هناك‪ ,‬فهو يبدو في هذه الخلوة الكاملة مسترسل في التأمل‪.‬‬
‫و الحق إن الرجل ل يتأمل‪ ,‬و إنما هو غارق في ( أحلم غامضة ) ‪ ,‬فلو لكزه احد بكوعه في تلك‬
‫اللحظة لنتفض فجأة كأنه يستيقظ من حلم ‪ ,‬ناظرا حوله ل يفهم شيئا مما جرى له ‪ ,‬و سرعان ما‬
‫يثوب إلى رشده‪ .‬فلو سألته في تلك اللحظة عما كان يفكر فيه لما استطاع أن يجيبك بشئ‪ .‬و لكن ل‬
‫شك في انه سيظل محتفظا في قرارة نفسه بالمشاعر التي تجمعت له أثناء استرساله ذاك في أحلمه‬
‫وهي مشاعر عزيزة عليه‪,‬يجمعَها في نفسه طوال حياته على نحو ل يدركه بل و ل يشعر به‪.‬و هو‬
‫ل يدري طبعا لماذا يفعل ذلك‪.‬و لعل هذه المشاعر التي تراكمت في نفسه خلل سنين أن تدفعه ذات‬
‫يوم إلى أن يهجر كل شئ على حين فجأة فيمضي إلى القدس حاجا ينشد الخلص ‪ ,‬أو تدفعه‪ ,‬ل‬
‫‪11‬‬
‫تدري لماذا ‪,‬إلى أن يشعل النار في قريته فيحرقها ‪ .‬و قد يفعل المرين كليهما ‪)) .‬‬

‫لوحة ( المتأمل ) لـ ( كرامسكوي )‪ .‬مرسومة عام ‪ . 1876‬المتحف الروسي في أوكرانيا‬

‫تقول زوجة الكاتب أنها عثرت بين أوراقه على رسالة مؤرخة في ‪ 3/6/1863‬من رئيس اتحاد الدباء الروس‬
‫خيري الضامن ‪/‬‬ ‫آنذاك إلى القنصل الروسي في القسطنطينية لتسهيل أمر ترحيله إلى القدس‪.‬‬
‫مصدر سابق‬

‫‪23‬‬
‫يمضي كاتبنا ‪,‬حامل مشعله‪,‬ليضئ ما تكدس في النفس النسانية من لحظات زمنية شهدت الصدمة‬
‫الولى التي وعتها البشرية و تركتها مشدوهة مشلولة تراوح بين عالمين‪.‬العالم الذي غادرته للتو ‪,‬‬
‫أي عالم الحيوان‪.‬وعالم أخر ينشد السمو و الخلود‪ .‬فقد((تكشفت الريبة أمام ناظري دوستوفيسكي ‪,‬‬
‫فثابر على إعطائنا اللغاز ))‪.12‬‬
‫يشير ( ستافروغين) – بطل رواية الشياطين – إلى لوحة الرسام ( كلود لورين ) التي تمثل له‬
‫العصر الذهبي (( ركنا من الرخبيل اليوناني‪ ,‬و كنت أنا فيما يبدو قد تقهقرت في الزمان أكثر من‬
‫ثلثة آلف عام ‪ .‬أمواج زرق لعوب ‪ ,‬جزر و صخور‪ ,‬شطآن مزدهرة ‪ .‬و في بعيد ‪ ,‬منظر فاتن‬
‫‪ ,‬منظر نداء الشمس الغاربة ‪ .13))...‬في مقابلة مع الموت و الظلمة و الرهبة من عالم كئيب ‪,‬‬
‫حقيقي ‪ ,‬بطله النسان ‪.‬‬

‫جسد المسيح الميت – هانز هولباين ‪ – 1521‬بازل ‪ /‬سويسرا ‪.‬‬


‫يقول جيفري ميرز في كتابه – اللوحة و الرواية – إن الوصف الذي جاء في دفتر اليوميات لزوجة الكاتب (( شبيه‬
‫حيث أن دوستويفسكي يؤكد هو أيضا على تصوير هولباين‬ ‫بوصف اللوحة الذي يرد في رواية ( البله )‬
‫للمعاناة الليمة و تحلل الجسد و كذلك تشبيه جسد المسيح بجثة حقيقية ‪ )).‬ص ‪. 184‬‬

‫في المشهد الختامي من رواية(البله) المتضمن على اللقاء الخير بين المير ميشكين و روغوجين‬
‫عند جثة (نستاسيا فيليبيوفنا) – وهو واحدا من أقوى المشاهد أثارة في جميع أعمال دوستوفيسكي‬
‫البداعية‪ ,‬كما يرى الناقد (باختين)‪,14‬حين نتلمس التجربة النسانية في الرواية التي أودت بإبطالها‬
‫‪ ,‬تاركة لنا الدهشة الوجدانية و الصدمة التي ينعقد لها تفكيرنا عبر مشاركة حقيقية‪ ,‬تنتشل بقية‬
‫إنسانيتنا و تنقلنا للعالم البعيد الذي جربناه للتو مع الكاتب و أبطاله‪ ,‬عابرين معهم حاجز الزمان‬
‫المتحقق وفق مبدأ ( اللدقة ) الفيزياوي لـ (هايزنبرك)‪ 15‬لستعادة زمان اللحظة الولى‪ .‬فلنتابع‬
‫المير ‪ ,16‬الذي (( تقدم خطوة أخرى ثم توقف ‪ .‬لبث دقيقة أو دقيقتين جامدا ل يتحرك ‪ ,‬محاول‬
‫أن يثقب بنظره الظلم‪ .‬لم يقل احدهما كلمة واحدة طوال المدة التي بقيا خللها قرب السرير‪ .‬كان‬

‫‪24‬‬
‫احد ينام عليه ‪ ,‬ساكنا سكونا مطلقا‪.‬ل صوت يسمع و ل نسمة‪.‬كان النائم مغطى من الرأس إلى‬
‫القدمين بملءة بيضاء‪,‬لكن أعضاءه ل ترتسم أل ارتساما غامضا‪.‬كل ما يراه المرء من نتوءات‬
‫الملءة‪ ,‬انه جسم إنسان مسجى تحتها‪.‬و في كل جهة من حوله‪:‬على السرير‪,‬في أسفل السرير‪,‬فوق‬
‫فستان فخم من‬ ‫المقعد المقابل‪ ,‬و حتى على ارض الغرفة‪ ,‬بعثرت ثياب متناثرة على غير نظام‪:‬‬
‫حرير ابيض‪,‬أزهار‪,‬أشرطة‪.‬وعلى منضدة صغيرة قرب رأس السرير تلتمع جواهر ماس وضعت‬
‫هناك بإهمال‪ .‬و في أخر السرير ‪,17‬كتلة من تطريزات يخرج منها طرف قدم عارية كأنها منحوتة‬
‫من مرمر‪ ,‬قدم جامدة جمودا رهيبا‪.‬كلما أمعن المير النظر‪,‬بدا له صمت هذه الغرفة أعمق و أدل‬
‫على الموت ‪)) .‬‬
‫(( و استيقظت ذبابة على حين فجأة و طفقت تدندن ‪ ,‬و حومَت فوق السرير ‪ ,‬ثم حطت على رأس‬
‫السرير ‪ .‬سرت في جسم المير رعدة ))‬
‫رحلة قصيرة من الزمان تتداعى إلى زمان إنساني شوهته الذبابة كنقطة سوداء تحتل المشهد أو‬
‫نقطة بلون أحمر كانت تلحق (ستافروغين) بطل أخر لـ ( دوستوفيسكي) من رواية (الشياطين )‬
‫‪(( :‬ما كان أحقرني ! تناولت كتابا ثم رميته ‪ ,‬و أخذت أرقب حركات عنكبوت صغير ‪ ,‬احمر ‪.‬‬
‫كان على ورقة نبتة من النباتات التي تزين النافذة ))‪ ((..‬الصمت الن يشبه صمت الموت ‪ ,‬فلو‬
‫‪18‬‬
‫طارت ذبابة لكنت سمعتها ‪ .‬و فجأة جعل قلبي يخفق خفقانا شديدا مرة أخرى ‪)).‬‬
‫صمت الموت واستدعاء ذبابة للسخرية من الوضع النساني الذي تستعرضه مع البطل و الخفقان‬
‫الذي تسببه المفاجأة ‪ ,‬كلها تستعيد كتابة المشهد السابق عند اللحظة الولى حين وعت النسانية‬
‫الموت كجريمة ‪ ,‬يعانيها النسان بشكل مستمر ‪ .‬لذلك يتكرر معاودتها في روايات الكاتب الخالد ‪.‬‬
‫يتذكر(سفيدريجالوف) من أبطال رواية (الجريمة و العقاب) تحت وقع الحمى التي قادته للنتحار‪:‬‬
‫(( بين الزهار يرقد جثمان صبية ترتدي ثوبا من نسيج التول البيض‪ ,‬قد عقدت ذراعيها على‬
‫صدرها و شدَت إحداهما إلى الخرى حتى لكأنهما منحوتتان في المرمر غير إن شعرها المبعثر ‪,‬‬
‫الشقر ‪ ,‬رطب مخضل‪.‬و على جبينها أكليل من الزهر يطوقه‪.‬إن وجهها الذي يظهر من جانب‪ ,‬و‬
‫يعبر عن قسوة‪ ,‬و يبدو متجمدا من الن‪ ,‬يشبه أن يكون مقدودا في مرمر أيضا‪ ,‬و لكن ابتسامة‬
‫شفتيها الشاحبتين مصطبغة بحزن ل نهاية له‪,‬حزن ليس من الطفولة‪,‬حزن كبير))لحظ التأكيد على‬
‫الحزن المطلق الذي ل ينتمي للطفولة تحديدا ثم تعاود المشهد صور الذباب‪ (( :‬ظل سفيدريجالوف‬
‫ينظر إلى الذباب برهة طويلة‪ ,‬و حاول أخيرا أن يلتقط ذبابة من الذبابات بيده اليمنى التي كانت‬
‫طليقة و لكنه لم يفلح))‪.19‬الدهشة تتواصل مع المنولوجات المتدفقة لبطال رواياته‪,‬انتحار(كيريلوف‬
‫) من رواية(الشياطين) بنفس العناصر السابقة‪,‬الظلمة و صمت الموت و الصدمة اللزمنية ‪ (( :‬و‬
‫فجأة التفت بحركة قوية‪,‬و جمد في مكانه‪.‬عند الجدار المقابل توجد خزانة على يمين الباب‪ .‬و على‬
‫يمين هذه الخزانة ‪ ,‬في الزاوية التي تتشكل من التقاءها بالجدار‪ .‬كان كيريلوف واقفا على وضع‬

‫‪25‬‬
‫غريب كل الغرابة ‪ :‬فهو جامد‪ ,‬ساكن‪ ,‬مسبَل يديه على طول جذعه‪ ,‬قائم الرأس ‪ ,‬ملتصق الظهر‬
‫بالجدار ‪ .‬يبدو و كأنه يريد أن يمحَى ‪ ,‬و أن يختفي اكبر اختفاء ممكن ‪ .‬كان يريد قطعا أن يتقي‬
‫نظرة بطرس ستيفانوفيتش ‪ .‬أمر يصعب تصديقه‪ .‬و كان بطرس ستيفانوفيتش ‪ ,‬من المكان الذي‬
‫هو فيه ‪ ,‬ل يرى أل الجزاء البارزة من هذه القامة ‪ ,‬و ل يجرؤ أن يقترب ليرى كيريلوف رؤية‬
‫أوضح ‪ ,‬و ليحل اللغز و يكشف السر‪ .‬إن قلبه يخفق خفقانا ثقيل‪ .‬و فجأة ‪ ,‬استولى عليه حنق‬
‫مجنون ‪ :‬فها هو ذا يصرخ صراخا شديدا ‪ ,‬و يضرب بقدميه الرض ‪ ,‬و يهجم على كيريلوف ‪.‬‬
‫و لكن حين صار على مقربة منه حتى كاد يلمسه ‪ ,‬توقف بغتة و قد استبد به ارتياع ‪ .‬إن الشئ‬
‫الذي شدهه خاصة هو انه رغم صرخاته و وثوبه المسعور ظل الرجل ساكنا سكونا مطلقا ‪ ,‬ل‬
‫يختلج اختلجة واحدة ‪ ,‬فكأنه تمثال من صخر أو لعبة من شمع‪.‬و كان وجهه مصطبغا بصفرة‬
‫‪20‬‬
‫غريبة ‪ ,‬و كانت عيناه السوداوان تحدقان ثابتتين إلى نقطة في الفضاء أمامه ))‬
‫في دعوة ضارعة‪ ,‬و متواصلة – من الكاتب‪ -‬لرفض جريمة الموت الذي يطال أبطاله‪ (( .‬و لكن‬
‫ماذا سيحدث أذا قبل البشر حقيقة الموت يوما كمصير محتوم ؟ أل يجعلهم أفضل بعضهم نحو‬
‫‪21‬‬
‫بعض ؟ أل يخلق بينهم نوعا من الخوة في الشقاء لها ما لشمس الخريف من حلوة و حنين ))‬
‫هذا السؤال الذي يطرحه الناقد الفرنسي(جاك مادول) يستعيد التساؤل الول عن السر الذي أصبحنا‬
‫نتشارك فيه مع الكاتب ‪,‬التي كانت كل حياته هي الدعوة لستجلء الجابة عن هذا السؤال ‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫مجلة الداب الجنبية ‪ /‬دمشق – العدد ‪ 99‬و ‪ / 100‬عدنان جاموس – بوشكين بين تورغنيف و‬ ‫‪1‬‬
‫دوستويفسكي‪.‬‬
‫الداب الجنبية ‪ /‬نفس العدد – عدنان جاموس ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬
‫قضايا البداع عند دوستوفيسكي ‪ /‬م‪.‬ب‪ .‬باختين – ت‪ :‬د‪ .‬جميل نصيف ‪ /.‬ط ‪ / 1986 1‬حا ‪ / 4‬ص‬ ‫‪3‬‬
‫‪. 396-395‬‬
‫دوستوفيسكي ‪ /‬جاك مادول – المؤسسة العربية للدراسات و النشر‪ -‬بيروت ‪ / 1975‬ص ‪99‬‬ ‫‪4‬‬
‫دراسات عن دوستوفيسكي ‪ /‬مجموعة مؤلفين ‪ -‬ت‪ :‬نجيب المانع ‪ /‬ص ‪ 178‬و ص ‪. 164‬‬ ‫‪5‬‬
‫باختين ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪.45-44‬‬ ‫‪6‬‬
‫دراسات عن دوستوفيسكي ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪.278‬‬ ‫‪7‬‬
‫د‪.‬ثائر زين‬ ‫الداب الجنبية ‪ /‬العدد – ‪ / 117‬عودة النسان في فكر و أبداع ف‪.‬م‪.‬دوستوفيسكي – ت‪:‬‬ ‫‪8‬‬
‫الدين ‪.‬‬
‫باختين ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪ 84‬و ص ‪ . 46‬و حسب ي‪ .‬كارياكين في كتابه ( دوستويفسكي – إعادة‬ ‫‪9‬‬
‫قراءة ) ت‪ :‬خليل كلفت ‪ /‬بيروت ‪ (( .1991‬اكتشاف الكائن النساني في النسان)) ‪ /‬ص ‪ .135‬و تعتقد الستاذة‬
‫( الين كيلي – ‪ ( ) Aileen Kelly‬أنها ل تستطيع تصديق الموقف الخاص بأحادية المسار الذي يميز حياة‬
‫دوستوفيسكي ‪ .‬إن أفضل شاهد يتطابق و وصف تولستوي عنه كـ (( رجل ذو صراع كلي )) ) – ينظر مقالتها‬
‫المنشورة في نيويورك ريفيو – بالنكليزية بعنوان (( ‪ )) The Two Dostoevskys‬بتاريخ ‪ 2003 /9/10‬م –‬
‫‪ ) volume 50 ( , number 15‬ردا على الستاذ ( جوزيف فرانك – ‪ ) Joseph Frank‬الذي أنجز عام‬
‫‪ 2002‬م نشر الجزء الخامس من موسوعته عن دوستوفيسكي ‪.‬‬
‫‪ 10‬الداب الجنبية ‪ /‬العدد – ‪ / 117‬د‪.‬ثائر زين الدين ‪.‬‬
‫‪ 11‬رواية – الخوة كارامازوف ‪ /‬ج ‪ / 1‬ص ‪ . 275‬ت‪ :‬المرحوم سامي الدروبي ‪.‬‬
‫‪ 12‬دراسة ( فايز فوق العادة ) على موقع ( معابر ) اللكتروني – ثالوث الريبة ‪ /‬المعري ‪ ,‬دوستوفيسكي و‬
‫هايزنبرغ ‪ .‬و يراجع مصطلح ( التزامن ) – باختين ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪. 43-42‬‬
‫‪ 13‬رواية – الشياطين ‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪ 487‬و رواية – المراهق ‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪. 349-347‬‬
‫‪ 14‬باختين ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪. 254‬‬
‫‪ 15‬فيرنر هايزنبرغ ‪ /‬عالم طبيعة ‪ .‬ولد عام ‪ 1901‬في ألمانيا ‪ .‬من مؤسسي ميكانيك الكم ( الكوانتا ) ‪ .‬فقد حدد‬
‫هايزنبرغ العلقة المتبادلة للشتباه في حركة الذرات حيث تذهب إلى انه من المستحيل تحديد موضع جسيم و‬
‫سرعته في آن واحد بالدقة المطلوبة ‪ .‬الموسوعة الفلسفية ‪ /‬بإشراف ‪ :‬م‪ .‬روزنتال و ي‪ .‬يودين – ت‪ :‬د‪ .‬سمير‬
‫كرم ‪ /‬ط ‪ / 3‬بيروت ‪. 1981‬‬
‫‪ 16‬رواية – البله ‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪. 537-536‬‬
‫‪ 17‬جيفري ميرز ‪ /‬اللوحة و الرواية – ت‪ :‬مي مظفر ‪ /‬بغداد ‪ / 1987‬ص ‪ (( 195‬يسجى جسد نستازيا تحت‬
‫ملءة بيضاء )) مثل جسد السيد المسيح في لوحة ( هانز هولباين ) ‪.‬‬
‫‪ 18‬الشياطين ‪/‬ج ‪ /2‬ص ‪. 482‬‬
‫‪ 19‬رواية – الجريمة و العقاب ‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪ 426‬و ص ‪. 430‬‬
‫‪ 20‬الشياطين ‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪. 372-371‬‬
‫‪ 21‬مادول ‪ /‬المصدر السابق ‪ /‬ص ‪. 148 -147‬‬

‫‪27‬‬

You might also like