Professional Documents
Culture Documents
العلمة المجلسي
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة
فخر المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء
السابع والخمسون دار إحياء التراث العربي بيروت -لبنان الطبعة الثالثة
المصححة 1403ه 1983 -م دار احياء التراث العربي بيروت -لبنان -
][1
الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها ) .(5الفرقان :وهو
الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ) .(6النمل :ومن يرسل الرياح
بشرا بين يدي رحمته ) .(7الروم :ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات
) (1البقرة (2) .164 :العراف (3) .57 :الحجر (4) .22 :السراء.69 :
][2
والذاريات ذروا ) .(2وقال سبحانه :وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم
) .(4القمر :إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ).(5
تفسير " :وهو الذي أرسل الرياح بشرا " قال الرازي :حد الريح أنه هواء
متحرك ،فنقول :كون هذا الهواء متحركا ليس لذاته ول للوازم ذاته وإل
لدامت الحركة بدوام ذاته ،فل بد وأن يكون بتحريك الفاعل المختار وهو
ال جل جلله .قالت الفلسفة :ههنا سبب آخر ،وهو أنه يرتفع من الرض
أجزاء أرضية لطيفة مسخنة ) (7تسخينا قويا شديدا ،فبسبب تلك السخونة
الشديدة ترتفع وتتصاعد ،فإذا وصلت إلى القرب من الفلك كان الهواء
الملتصق بمقعر ) (8الفلك متحركا على استدارة الفلك بالحركة المستديرة
التي حصلت لتلك الطبقة من الهواء ،فهي تمنع هذه الدخنة من الصعود بل
وبسبب ذلك التفرق تحصل الرياح ،ثم كلما كانت تلك الدخنة أكثر وكان
صعودها أقوى كان رجوعها أيضا أشد حركة فكانت الرياح أشد وأقوى.
) (1الروم (2) .44 :الروم (3) .51 :الذاريات (4) .1 :الذاريات(5) .41 :
القمر (6) .19 :المرسلت (7) .3 - 1 :في المصدر :تسخنه (8) .بقعر
)خ(.
][3
الول :أن صعود الجزاء الرضية إنما يكون لشدة تسخنها ،ول شك أن
ذلك التسخن عرضي ،لن الرض باردة يابسة بالطبع ،فإذا كانت تلك
ووصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها بل تبرده
جدا ،وءدا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة
بحركة الفلك ،فبطل مال ذكروه .الثاني :هب أن تلك الجزاء الدخانية
صعدت إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك ،لكنها لما رجعت وجب
أن تنزل على الستقامة ،لن الرض جسم ثقيل ،والثقيل إنما يتحرك
بالستقامة ،والرياح ليست كذلك ،فإنها تتحرك يمنة ويسرة .الثالث :أن
حركة تلك الجزاء الرضية النازلة ل تكون حركة قاهرة ،فإن الرياح إذا
أحضرت الغبار الكثير ثم عاد ذلك الغبار ونزل على السطوح لم يحس أحد
بنزولها وترى هذه الرياح تقلع الشجار وتهدم الجبال وتموج البحار.
الرابع :أنه لو كان المر على ما قالوه لكانت الرياح كلما كانت أشد وجب
أن يكون حصول الجزاء الغبارية الرضية أكثر ،لكنه ليس المر كذلك ،لن
قالوه .وقال المنجمون :إن قوى الكواكب هي التي تحرك هذه الرياح
وتوجب هبوبها وذلك أيضا بعيد ،لن الموجب لهبوب الرياح إن كان طبيعة
الكواكب وجب دوام الرياح بدوام تلك الطبيعة ،وإن كان الموجب هو طبيعة
الكوكب المعين والبرج المعين والطبيعة التي لجلها اقتضت ذلك الثر
الخاص لبد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار فثبت أن محرك الرياح
هو ال سبحانه ،وثبت بالدليل العقلي أيضا صحة قوله " وهو الذي يرسل
الرياح ".
][4
قوله " نشرا " أي منتشرة متفرقة ،فجزء من أجزاء الريح يذهب يمنة،
وجزء آخر يذهب يسرة ،وكذا القول في سائر الجزاء ،فإن كل واحد منها
يذهب إلى جانب آخر فنقول :لشك أن طبيعة الهواء طبيعة واحدة ونسبة
واحدة ،فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الخر بالذهاب
يسرة وجب أن ل يكون ذلك إل بتخصيص الفاعل المختار ) " .(1بين يدي
رحمته " أي بين يدي المطر الذي هو رحمته ،فإن قيل :فقد نجد المطر ول
تتقدمه الرياح ،قلنا :ليس في الية أن هذا التقدم حاصل في كل الحوال فلم
يتوجه السؤال .وأيضا فيجوز أن تتقدمه هذه الرياح وإن كنا ل نشعر بها.
وعن ابن عمر :الرياح ثمان ،أربع منها عذاب وهو :القاصف ،والعاصف،
واهلك عاد بالدبور ،والجنوب من ريح الجنة .و عن كعب :لو حبس ال
الريح عن عباده ثلثة أيام لنتن أكثر الرض ) " .(2فيرسل عليكم قاصفا
من الريح " قال الطبرسي -ره :-أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا
المهلكة في البحر .فيغرقكم بما كفرتم " من نعم ال ) " .(3أن يرسل
الرياح " قال البيضاوي :أي الشمال والصبا والجنوب ،فإنها رياح الرحمة،
وأما الدبور فريح العذاب ،ومنه قوله صلى ال عليه وسلم " اللهم اجعلها
رياحا ول تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير والحمزة والكسائي " الريح "
على إرادة الجنس " مبشرات " بالمطر " وليذيقكم من رحمته " يعني
المنافع التابعة لها ،وقيل :الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو
][5
محذوفة دل عليها " مبشرات " أو عليها باعتبار المعنى ،أو على " يرسل
" بإضمار فعل معلل دل عليه " .ولتبتغوا من فضله " يعني تجارة البحر )
" .(1فرأوه مصفرا " أي فرأوا الثر والزرع ،فإنه مدلول عليه بما تقدم،
وقيل :السحاب لنه إذا كان مصفرا لم يمطر ،واللم موطئة للقسم دخلت
على حرف الشرط .وقوله " لظلوا من بعده يكفرون " جواب سد مسد
الجزاء ولذلك فسر بالستقبال وهذه الية ) (2ناعية على الكفار بقلة تثبتهم
وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم ،فإن النظر
احتبس القطر عنهم ولم ييأسوا من رحمته ،وأن يبادروا إلى الشكر
يصبروا على بلئه إذا ضرب زروعهم بالصفرار ولم يكفروا نعمه ).(4
أقول :وقد مر تفسير الذاريات بالرياح التي تذرو التراب وهشيم النبت.
]و[ من تنشئة سحاب ،أو تلقيح شجر ،أو تذرية طعام ،أو نفع حيوان ،فهي
تعالى " ريحا صرصرا " أي شديدة الهبوب ،وقيل :باردة من الصر وهو
البرد " في يوم نحس ) (6مستمر " أي دائم الشؤم ،استمر عليهم
بنحوسته " سبع ليال وثمانية أيام " حتى أتت عليهم ،وقيل :إنه كان يوما
الربعاء آخر الشهر ل يدور ،رواه العياشي بالسناد عن أبي جعفر عليه
السلم ).(7
) (1انوار التنزيل :ج ،2ص (2) .248في المصدر :اليات (3) .في
المصدر :يلتجئوا (4) .انوار التنزيل :ج ،2ص (5) .249مجمع البيان :ج
،9ص (6) .159في المصدر :أي في يوم شوم (7) .مجمع البيان :ج ،9
ص .190
][6
أقول :وقد مر أيضا تفسير " المرسلت عرفا " بالرياح ارسلت متتابعة
كعرف الفرس ،و " العاصفات عصفا " بالرياح الشديدات الهبوب ،و "
الناشرات نشرا " بالرياح التي تأتي بالمطر تنشر السحاب نشرا للغيث- 1 .
الفقيه :قال علي عليه السلم :للريح رأس وجناحان ) .(1بيان :لعل الكلم
مبني على الستعارة ،أي يشبه الطائر في أنها تطير إلى كل جانب ،وفي
أنها في بدء حدوثها قليلة ثم تنتشر كالطائر الذي بسط جناحه ،و ال يعلم.
- 2الفقيه :عن كامل ،قال :كنت مع أبي جعفر عليه السلم بالعريض،
فهبت ريح شديدة ،فجعل أبو جعفر عليه السلم يكبر ،ثم قال :إن التكبير
يرد الريح .وقال عليه السلم :ما بعث ال ريحا إل رحمة أو عذابا ،فإذا
رأيتموها فقولوا :اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما ارسلت له ،ونعوذ بك من
شرها وشر ما ارسلت له ،وكبروا وارفعوا أصواتكم بالتكبير فإنه يكسرها )
قوم عاد ) - 4 .(3وقال الصادق عليه السلم :نعم الريح الجنوب ،تكسر
عليه السلم :الرياح خمسة ،منها العقيم فنعوذ بال من شرها ،و كان النبي
صلى ال عليه واله إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه
واصفر ،وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع
الصادق عليه السلم :انبهك يا مفضل على الريح وما فيها ،ألست ترى
ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد يأتي على
][7
البقول ،و يعقب الوباء في البدان والفة في الغلت ؟ ففي هذا بيان أن
اخرى ،فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الجسام في الهواء ،والهواء يؤديه
القرطاس لمتل العالم منه ،فكان يكربهم ويفدحهم ،وكانوا يحتاجون في
تجديده والستبدال به أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس ،لن ما
يلقى من الكلم أكثر مما يكتب ،فجعل الخلق الحكيم -جل قدسه -هذا
الهواء قرطاسا خفيفا يحمل الكلم ريثما يبلغ العالم ) (1حاجتهم ،ثم يمحى
فيعود جديدا نقيا ويحمل ما حمل أبدا بل انقطاع ،وحسبك بهذا النسيم
لمسمى هواء عبرة وما فيه من المصالح ،فإنه حياة هذه البدان والممسك
لها من داخل بما يستنشق منه ،ومن خارج بما تباشر من روحه ،وفيه
تطرد هذه الصوات فيؤدي بها من البعيد ،وهو الحامل لهذه الراييح ينقلها
من موضع إلى موضع .أل ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح ؟
فكذلك الصوت ،وهو القابل لهذا الحر والبرد اللذين يعتقبان على العالم
السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكثف فيمطر وتفضه حتى
الماء وتشب النار ،و تجفف الشياء الندية ،وبالجملة إنها تحيي كل ما في
الرض ،فلول الريح لذرى النبات ،ومات الحيوان ،وحمت الشياء وفسدت.
بيان :ركود الريح سكونها ،والتحريض إفساد البدن ،ونهكته الحمى أي
أضنته وهزلته وقوله " والهواء يؤديه " يدل على ما هو المذهب
المنصور من تكيف الهواء بكيفية الصوت كما فصل في محله .ويقال :كربه
][8
الدين أي أثقله ،وريث ما فعل كذا أي قدر ما فعله ،و " يبلغ " إما على
بناء المجرد فالعالم فاعله ،أو على التفعيل فالهواء فاعله ،والروح -بالفتح
-الراحة ونسيم الريح .واطرد الشئ :تبع بعضه بعضا وجرى .والراييح:
جمع جمع للريح .وتزجي السحاب -على بناء الفعال -أي تسوقه ،وتفضه
أي تفرقه ،والتفشي :النتشار ،وترخي الطعمة -على ]بناء[ التفعيل أو
الفعال -أي تصيرها رخوة لطيفة ،وتشب النار أي توقدها - 7 .العلل :عن
أبيه ،عن محمد بن يحيى ،عن الحسين بن إسحق التاجر ،عن علي بن
مهزيار ،عن الحسن بن الحسين ،عن محمد بن فضيل ،عن العرزمي ،قال:
كنت مع أبي عبد ال عليه السلم جالسا في الحجر تحت الميزاب ورجل
يخاصم رجل وأحدهما يقول لصاحبه :وال ما تدري من أين تهب الريح،
فلما أكثر عليه فقال له أبو عبد ال عليه السلم :هل تدري أنت من أين
تهب الريح ) (1؟ فقال :ل ،ولكني أسمع الناس يقولون ،فقلت أنا لبي عبد
ال عليه السلم :من أين تهب الريح ) (2؟ فقال :إن الريح مسجونة تحت
إما جنوبا فجنوب ،وإما شمال فشمال ،وإما صباء فصباء ،وإما دبورا
فدبور ،ثم قال :وآية ذلك أنك ترى ) (5هذا الركن متحركا أبدا في الصيف
والشتاء ) (6والليل والنهار ) .(7معاني الخبار :عن أبيه ،عن سعد بن
) (1في الكافي :هل تدرى انت فقال ل (2) .في معاني الخبار :من اين تهب
الريح جعلت فداك (3) .في الكافي والمعاني :تحت هذا الركن (4) .في
الكافي :يخرج (5) .في المصادر :ل تزال ترى (6) .لفظه " الشتاء " في
المصادر مقدمة على " الصيف " (7) .علل الشرائع :ج ،2ص .133
][9
عن بعض أصحابه ،عن محمد بن الفضيل مثله ) (3بيان :قوله " مسجونة
" يحتمل أن يكون كناية عن قيام الملئكة الذين بهم تهب تلك الرياح فوقه
عند إرادة ذلك كما سيأتي ،ولعل المراد بحركة الركن حركة الثوب المعلق
عليه - 8 .العلل :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن إبراهيم بن هاشم،
عن النوفلي عن السكوني ،عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه واله :ل تسبوا الرياح فإنها مأمورة ،ول
فإنها مقهورة تحت قدرة ال سبحانه مسخرة له تعالى ل يملكون تأخرا عما
قدمهم إليه ول تقدما إلى ما أخرهم عنه ،فسبهم سب لمن ) (5ل يستحقه،
ولعن من ل يستحق اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللعن ،بل هو مظنة
الكفر والشرك لول غفلتهم عما يؤول إليه ،كما ورد في الخبر :لتسبوا
الدهر فإنه هو ال ،أي فاعل الفعال التي تنسبونها إلى الدهر وتسبونه
عليهم الريح العقيم " التي ل تلقح الشجر ول تنبت النبات ،وفي رواية أبي
الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " فأرسلنا عليهم ريحا
صرصرا " والصرصر :الباردة ،في أيام نحسات " أيام مياشبم ).(6
) (1في المعاني :محمد بن الحصين (2) .معاني الخبار(3) .385 :
الكافي :ج ،8ص (4) 271علل الشرائع :ج ،2ص (5) .264من )خ() .
- 10ومنه " :وأرسلنا الرياح لواقح " قال :التي تلقح الشجار )- 11 .(1
العلل :عن أبيه ،عن محمد بن يحيى العطار ،عن محمد بن أحمد ،عن
السياري رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :لم سميت ريح
الشمال ؟ قال :لنها تأتي من شمال العرش ) .(2بيان :كون ريح الشمال
من شمال العرش لنها تهب من قبل الركن الشامي وهو في يسار الكعبة إذا
فرضت رجل مواجها إلينا والحجر السود عن يمين الكعبة وقد ورد في
الخبر أن العرش محاذ للكعبة ،فيمينه يمينها ويساره يسارها ،ويوضح ذلك
ما رواه الصدوق أيضا في العلل بإسناده عن بريد العجلى ،قال :قلت لبي
عبد ال عليه السلم :كيف صار الناس يستلمون الحجر والركن اليماني ول
يستلمون الركنين الخرين ؟ قال :إن الحجر السود والركن اليماني عن
قلت :فكيف صار مقام إبراهيم عن يساره ؟ قال :لن لبراهيم مقاما في
القيامة ولمحمد صلى ال عليه واله مقاما ،فمقام محمد صلى ال عليه واله
عن يمين عرش ربنا عزوجل ومقام إبراهيم عليه السلم عن شمال عرشه،
فمقام إبراهيم في مقامه يوم القيامة وعرش ربنا مقبل غير مدبر .وحاصله
توجه إنسان إلى البيت من جهة الباب كان المقام والركن الشامي عن يمينه
مواجها تنعكس النسبة ،فيمينه يحاذي يسارنا وبالعكس " .وعرش ربنا
مقبل " أي بمنزلة رجل مقبل ،ويمكن أن يكون تسمية الجانب الذي يلي
الشامي شمال في خبر السياري لنه أضعف جانبي الكعبة كما أن الشمال
][11
أجزاء الكعبه وهي الحجر والركن اليماني واقعة على الجانب المقابل ،فهو
بمنزلة اليمين - 12 .العلل :بالسناد إلى وهب ،قال :إن الريح العقيم تحت
هذه الرض التي نحن عليها قدزمت بسبعين ألف زمام من حديد ،قد وكل
بكل زمام سبعون ألف ملك ،فلما سلطها ال عزوجل على عاد استأذنت
خزنة الريح ربها عزوجل أن تخرج منها في مثل منخر الثور ،ولو أذن ال
عزوجل لها ما تركت شيئا على ظهر الرض إل أحرقته ،فأوحى ال
عزوجل إلى خزنة الريح أن أخرجوا منها في مثل ثقب الخاتم فاهلكوا بها،
وبها ينسف ال عزوجل الجبال نسفا ،والتلل والكام والمدائن والقصور
يوم القيامة ،وذلك قوله عزوجل " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي
نسفا فيذرها قاعا صفصفا ل ترى فيها عوجا ول أمتا ) " (1والقاع الذي
لنبات فيه ،و الصفصف الذي لعوج فيه ،والمت المرتفع .وإنما سميت
العقيم لنها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل ) (2إذا كان
عقيما ل يولد له -الخبر .(3) -بيان :قال الجوهري :نسفت البناء نسفا:
المكان المرتفع ،وقوله تعالى " ل ترى فيها عوجا ول أمتا " أي ل
عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن زرعة ،عن
سماعة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا هاجت الرياح فجاءت
بالسافي البيض والسود والصفر فإنه رميم قوم عاد .بيان :في القاموس:
سفت الريح التراب تسفيه :ذرته ،أو حملته -كأسفته -فهو ساف وسفى
) (1طه (2) .107 - 105 :الرحم )خ( (3) .علل الشرائع :ج 1ص .31
- 14العياشي :عن ابن وكيع ،عن رجل ،عن أمير المؤمنين عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :ل تسبوا الريح ،فإنها بشر ،وإنها
إنها مأمورة مبعوثة بأمر ال إما للبشارة بالمطر وغيره ،أو للنذار أول
لقاح الشجار ،أو لسوق السحب إلى القطار كما مر ،فسبها باطل ل ينفعكم
بل يضركم ،فاسألوا ال الذي بعثها ليجعلها نافعة لكم ،ويصرف شرها
عنكم - 15 .العياشي :عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :ل
رياح رحمة لواقح ينشرها بين يدي رحمته - 16 .الكافي :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن الحسن بن محبوب ،عن محمد
بن رئاب (1) .وهشام بن سالم ،عن أبي بصير ،قال :سألت أبا جعفر عليه
عزوجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ،فلكل ريح منها
ملك موكل بها ،فإذا أراد ال عز ذكره أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى
إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها ،قال:
فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج السد المغضب .وقال :ولكل ريح منهن اسم،
أما تسمع قوله عزوجل " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا
عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " ) (2وقال " الريح العقيم )(3
" وقال " ريح فيها عذاب أليم ) " (4وقال " فأصابها إعصار فيه نار
فاحترقت ) " (5وما ذكر من الرياح التي يعذب ال بها من عصاه .وقال:
ول عز
) (1في المصدر " على بن رئاب " والظاهر أنه الصحيح لعدم ذكر من "
محمد بن رئاب " في كتب الرجال (2) .القمر (3) 19 :الذاريات(4) .41 :
][13
ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ينشرها بين يدي رحمته ،منها ما يهيج
السحاب للمطر ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والرض ،ورياح
تعصر السحاب فتمطر بإذن ال ،ومنها رياح تفرق السحاب ،ومنها رياح
مما عدد ) (1ال في الكتاب ،فأما الرياح الربع الشمال والجنوب والصبا
والدبور فإنما هي أسماء الملئكة الموكلين بها فإذا أراد ال أن يهب شمال
أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن
فهبط على البيت الحرام ،فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه )،(4
فتفرقت ) (5ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد ال ،وإذا أراد ال أن
يبعث ) (6الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام
على الركن الشامي فضرب بجناحه ) (7فتفرقت ريح الصبا حيث يريد ال
عزوجل في البر والبحر ،وإذا أراد ال أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه
الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي ،فضرب بجناحه )
(8فتفرقت ريح الدبور حيث يريد ال من البر والبحر .ثم قال أبو جعفر
عليه السلم :أما تسمع لقوله :ريح الشمال ،وريح الصبا ،وريح الصبا،
وريح الدبور إنما تضاف إلى الملئكة الموكلين بها ) .(9الخصال :عن
محمد بن الحسن بن الوليد ،عن محمد بن الحسن الصفار ،عن العباس بن
معروف ،عن ابن محبوب مثله ،إلى قوله " فكيف كان عذابي ونذر " وذكر
رياحا في العذاب ثم قال :فريح الشمال وريح الصبا وريح الجنوب وريح
الدبور أيضا
) (1عد ال )خ( 2) .و 4و 7و (8بجناحيه )خ( (3) .في المصدر :وإذا) .
(5فتفرق )خ( (6) .في المصدر :ريح الصبا (9) .الكافي :ج ،ص .92
][14
تضاف إلى الملئكة الموكلين بها ) .(1بيان :قال الفيروز آبادي :الشمال
بالفتح ويكسر :الريح التي تهب من قبل الحجر ،أو ما استقبلك عن يمينك
وأنت مستقبل القبلة ،والصحيح أنه ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات
النعش ،أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر ،ويكون اسما وصفة،
ول تكاد تهب ليل ،وقال :الجنوب ريح تخالف الشمال ،مهبه ) (2من مطلع
سهيل إلى مطلع الثريا .وقال :الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات
نعش وقال :الدبور ريح تقابل الصبا .وقال الشهيد -قدس سره -في
الذكرى :الجنوب محلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في
العتدالين ،والصبا محلها ما بين الشمس إلى الجدي ،والشمال محلها من
إلى مطلع سهيل .قوله تعالى " ونذر " أي إنذار لهم بالعذاب قبل نزولها،
أو لمن بعدهم في تعذيبهم .والريح العقيم قيل هي الدبور ،وقيل هي الجنوب
وقيل :النكباء .وقال الجوهري :العصار ريح تثير الغبار إلى السماء كأنه
عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق .قوله عليه السلم "
فتفرقت ريح الشمال " ل يتوهم أنه يلزم من ذلك أن يكون مهب جميع
الرياح جهة القبلة ،وذلك لنه لعظمة الملك وجناحه يمكن أن يتحرك رأس
جناحه بأي موضع أراد ،ويرسلها إلى أي جهة امر بالرسال إليها ،وإنما
امر بالقيام على الكعبة لشرافتها وكونها في محل رحماته تعالى ومصدرها.
وقيل :ضرب الجناح علمة أمر الملك الريح للهبوب .قوله عليه السلم "
أما تسمع لقوله " أي لقول القائل ،وكأنه عليه السلم استدل بهذه العبارات
كونها لمية والبيانية نادرة وإن كان القائلون لم يعرفوا هذا المعنى لنهم
سمعوا ممن تقدمهم وهكذا إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه
المعرفة.
][15
- 17الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أبي
يحيى الواسطي ،عن بعض أصحابنا ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن
ل تبارك وتعالى ريحا يقال لها " الزيب " لو ارسل منها مقدار منخر
الثور لثارت ما بين السماء والرض وهي الجنوب ) .(1بيان :قوله "
وهي الجنوب " من كلم بعض الرواة أو من كلمه عليه السلم ،وعلى
التقديرين لعل المراد به أنها نوع منها أو قريب منها .قال في القاموس:
أيضا :-نكباء الصبا والشمال ،و الجربياء :نكباء الشمال والدبور وهي
نيحة الزيب ،والهيف :نكباء الجنوب والدبور وهي نيحة النكيباء .ونحوه
قال الجوهري .وقال :كل ريح استطالت أثرا فهبت عليه ريحا طول فهي
جعفر بن محمد ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله :نصرت بالصبا ،واهلكت عاد بالدبور ،وما هاجت الجنوب إل سقى ال
بها غيثا وأسال بها واديا - 19 .الحتجاج :قال الصادق عليه السلم
للزنديق الذي سأله مسائل :الريح لو حبست أياما لفسدت الشياء جميعا
وتغيرت ) .(3وسأله عن جوهر الريح فقال :الريح هواء إذا تحرك سمي
ريحا ،فإذا سكن سمي هواء ،وبه قوام الدنيا ،ولو كفت ) (4الريح ثلثة
أيام لفسد كل شئ على وجه الرض ونتن ،وذلك أن الريح بمنزلة المروحة
) (1الكافي :ج ،8ص (2) .217في المصدر ،أو (3) .الحتجاج) .1 ،7 ،
خرج عن البدن نتن البدن وتغير ،تبارك ال أحسن الخالقين )- 20 (1
الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن عبد
ال ابن سنان ،عن معروف بن خربوذ ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن
(2العذاب رحمة فعل ،قال :ولن يجعل ال الرحمة من الريح عذابا ،قال:
وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبال عليهم إل من
بعد تحولهم عن طاعته .قال :وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم ال
بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه ،ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب
المقدر عليهم رحمة ،فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم ،وذلك لما
آمنوا به وتضرعوا إليه .قال :وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب ل تلقح
السبع ،وما خرجت منها ريح قط إل على قوم عاد حين غضب ال عليهم،
فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم ،قال :فعتت على
الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيضا منها على قوم عاد ،قال:
فضج الخزان إلى ال عزوجل من ذلك فقالوا :ربنا إنها قد عتت عن أمرنا،
إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلدك ! قال :فبعث ال
إليها جبرئيل ،فاستقبلها بجناحه ،فردها إلى موضعها وقال لها :اخرجي
على ما امرت به ،قال :فخرجت على ما امرت به ،وأهلكت قوم عاد ومن
نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور .الضوء :الصبا هي الريح التي تضرب
إذا استوى الليل والنهار ،وزعموا أن الدبور تزعج السحاب وتشخصه في
) (1الحتجاج (2) .192 :في المصدر :ان يجعل العذاب من الرياح(3) .
][17
إلى نصرة ال تعالى رسوله بالصبا لما أرسلها على الحزاب - 22 .وعن
ابن عمر :الرياح ثمانية :أربع منها رحمة وأربع عذاب ،فأما الرحمة
فتح على عاد من الريح التي أهلكتهم مثل حلقة الخاتم - 24 .وعن مجاهد:
ما بعث ال عزوجل ريحا إل بمكيال ،إل يوم عاد فإنها عتت على الخزانة
فلم يدر ما مقدارها - 25 .وفي الحديث :إن ال تعالى خلق في الجنة ريحا،
وإن من دونها بابا مغلقا ،ولو فتح ذلك الباب لذرت ما بين السماء
أنه قال :تخرج الجنوب من الجنة فتمر على جهنم فغمها منه وبركتها من
وشرها من النار .قلت :وقد سمعت أن السموم ل تكون إل الشمال تهب على
زيادة الحرارة ،فتهب نارا ملتهبة فتقتل وتسود الجلود - 27 .وقال كعب :لو
حبس ال الريح من الرض ثلثة أيام لنتن ما بين السماء والرض- 28 .
وكان النبي صلى ال عليه واله إذا رأى الريح قد هاجت يقول :اللهم اجعلها
بالعكس من ذلك .وقيل :الريح الهواء المتحرك .وفائدة الحديث النباء بأن
ال تعالى خلق نصره في الحزاب بريح الصبا ،تكبهم على وجوههم ،وتثير
النبي صلى ال عليه وسلم .وراوي الحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.
عباس ،قال :الماء والريح جندان من جنود ال ،والريح جند ال العظم )
- 31 .(2وعن ابن عباس ،وعن ابن عمر قال :الريح ثمان ،أربع منها
الذاريات " الرخاء " ) - 32 .(3وفي رواية اخرى :الرياح سبع :الصبا،
فتجئ من المشرق ،وأما الدبور فتجئ من المغرب ،وأما الجنوب فتجئ عن
يسار القبلة ،والشمال ) (4عن يمين القبلة ،وأما النكباء فبين الصبا
والجنوب ،وأما الحزوق فبين الشمال والدبور ،وأما رياح القائم فأنفاس
الخلق ) - 33 .(5وعن الحسن ،قال :جعلت الرياح على الكعبة .فإذا أردت
أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة ،فإن الشمال عن شمالك ،وهي
مما يلي الحجر والجنوب عن يمينك وهي مما يلي الحجر السود ،والصبا
عن مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة ،والدبور من دبر الكعبة )- 34 .(6
وعن حسن ) (7بن علي الجعفي ،قال :سألت إسرائيل بن يونس ،على
) 1و 2و (3الدر المنثور :ج ،1ص (4) .164في المصدر :فيجئ عن) .
(5الدر المنثور :ج ،1ص (6) .164الدر المنثور ج 1ص (7) .164في
المصدر :حسين.
][19
أي شئ سميت الريح ؟ قال :على القبلة ،شماله الشمال ،وجنوبه الجنوب،
وعن ابن عباس ،قال :الشمال ما بين الجدي ومطلع الشمس ،والجنوب
مابين مطلع الشمس وسهيل ،والصبا ما بين مغرب الشمس إلى الجدي،
والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل - 36 .وعن كعب :لو احتبست
صفوان بن سليم ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ل تسبوا الريح
فقال له النبي صلى ال عليه وسلم :ل تلعن الريح فإنها مأمورة ،فإنه من
لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ) - 39 .(4وعن ابن عباس،
قال :ما هبت ريح قط إل جثا النبي صلى ال عليه وسلم على ركبتيه وقال:
اللهم اجعلها رحمة ول تجعلها عذابا ،اللهم اجعلها رياحا ول تجعلها ريحا.
قال ابن عباس :تفسير ) (5ذلك في كتاب ال " :أرسلنا ريحا صرصرا " "
فأرسلنا عليهم الريح العقيم " وقال " :وأرسلنا الرياح لواقح " " وأرسلنا
فسبوها ،فقال ابن عباس :ل تسبوها فإنها تجئ بالرحمة وتجئ بالعذاب،
الرحمن بن أبي ليلى ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :لتسبوا
الليل والنهار ،ول الشمس ،ول القمر ،ول الريح ،فإنها تبعث عذابا على
) (3 - 1الدر المنثور :ج ،1ص (4) .164الدر المنثور :ج ،1ص .164
) (5في المصدر :وال ان تفسير (8 - 5) ..الدر المنثور :ج ،1ص .165
][20
- 42وعن ابن عباس ،قال :الريح العقيم الشديدة التي ل تلقح الشجر ول
تثير السحاب ،ول بركة فيها ول منفعة ،ول ينزل منها غيث ول يلقح بها
شجر ) - 43 .(1وعن ابن عمر ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
الريح مسجنة في الرض الثانية ،فلما أراد ال أن يهلك عادا أمر خازن
الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا قال :أي رب ! ارسل عليهم من
الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار :ل ،إذا تكفأ الرض ومن عليها !
ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم ،فهي التي قال ال " ما تذر من شئ أتت
الجنوب - 45 .وعن علي عليه السلم قال :لم تنزل قطرة من ماء إل
بمكيال على يد ) (3ملك إل يوم الطوفان ) (4فإنه اذن لها دون الخزان
فخرجت ،وذلك ) (5قوله " إنا لما طغى الماء " ولم ينزل شئ من الريح إل
بمكيال ) (6على يد ) (7ملك إل يوم عاد فإنه اذن لها دون الخزان فخرجت،
فذلك قوله " بريح صرصر عاتية " عتت على الخزان ) - 46 .(8وعنه
عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور.
وقال :ما امر الخزان أن يرسلوا على عاد إل مثل موضع الخاتم من الريح،
فعتت على الخزان فخرجت من نواحي البواب ،فذلك قول ال " بريح
صرصر عاتية " قال :عتوها عتت على الخزان فبدأت بأهل البادية منهم،
) 1و (2الدر المنثور :ج ،6ص .115والولى منهما ثلث روايات عن
ابن عباس جمعها المؤلف -ره -في رواية واحدة (3) .في المصدر :يدى
ملك (4) .في المصدر :نوح (5) .في المصدر ..:دون الخزان ،فطغا الماء
على الخزان فخرج ،فذلك ) (6في المصدر :ال بكيل (7) .في المصدر :يدى
][21
الحاضرة ،فلما رأوها قالوا :هذا عارض ممطرنا ،فلما دنت الريح أظلتهم
حتى كانت الريح التي ارسلت إلى عاد ،فاندفق منها شئ ل يعلمون قدره
ول وزنه ول كيله غضبا ل ،ولذلك سميت عاتية ،والماء كذلك حتى )(4
كان أمر نوح عليه السلم ولذلك سمي طاغية ) - 48 .(5وعن عمرو بن
شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
الرياح ثمان ،أربع منها عذاب ،وأربع منها رحمة ،فالعذاب منها :العاصف
المبشرات فتلقح السحاب ،ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب فتدر كما تدر
اللقحة ،ثم تمطر وهن اللواقح .ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد )49 .(6
-وعن خالد بن عرعرة ،قال :قام رجل إلى علي فقال :ما العاصفات
الفلسفة في سبب حدوث الرياح على اصولهم أن البخار إذا ثقل بواسطة
) (1في المصدر :استبق (2) .في المصدر :تقصفهم (3) .الدر المنثور :ج
،6ص (4) .259في المصدر :حين كان (5) .المصدر :ج ،6ص ) .259
][22
بالحركة الموجبة لتلطيفه هواء متحركا وهو الريح ،وقد يكون الندفاع
الخل ،فيصير السحاب من جانب إلى جهة اخرى ،وقد يكون لنبساط الهواء
بالتخلخل في جهة واندفاعه من جهة اخرى ،وقد يكون بسبب برد الدخان
المتصاعد بعد وصوله إلى الطبقة الزمهريرية ونزوله .قالوا :ومن الرياح
ما يكون سموما محرقا لحتراقه في نفسه بالشعة السماوية أو لحدوثه من
بقية مادة الشهب ،أو لمروره بالرض الحارة جدا لجل غلبة نارية عليها.
وقد يقع تقاوم في ما بين ريحين متقابلتين قويتين تلتقيان فتستديران ،أو
في ما بين رياح مختلفة الجهة حادثة ،فتدافع تلك الرياح الجزاء الرضية
المشتملة عليها فتضغط تلك الجزاء بينها مرتفعة كأنها تلتوي على نفسها،
العظام على قطعة من السحاب بل على بخار مرتفع ) (1فترى نارا تدور،
ومهاب الرياح اثنا عشر ،وهي حدود الفق الحاصلة من تقاطعه مع كل من
برأس السرطان والجدي ،ولكل ريح منها اسم ،والمشهورات عند العرب
أربعة :ريح الشمال ،وريح الجنوب وريح الصبا وهي الشرقية ،ريح الدبور
][23
)) (30باب( * )الماء وانواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها ،وعلة
النحل :وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية
تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى
في الرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا ) .(2الفرقان :وهو الذي مرج
البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا
محجورا ) .(3النمل :وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين
البحرين حاجزا ) .(4فاطر :وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ
تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ).(5
حمعسق :ومن آياته الجوار في البحر كالعلم إن يشأ يسكن الريح فيظللن
رواكد على ظهره إن في ذلك ليات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا
ويعف عن كثير
) (1ابراهيم (2) .32 :النحل (3) .15 - 14 :الفرقان (4) .53 :النمل.61 :
][24
ويعلم الذين يجادلون في آياتنا مالهم من محيص ) .(1الجاثية :ال الذي
سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
برزخ ل يبغيان فبأي آلء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي
آلء ربكما تكذبان وله الجوار المنشآت في البحر كالعلم ) .(4الملك :قل
وأسقيناكم ماء فراتا ) .(6تفسير " :وسخر لكم الفلك " إنما نسب إليه
سبحانه مع أنه من أعمال العباد لنه لول أنه تعالى خلق الشجار الصلبة
التي منها يمكن تركيب السفن ،ولول خلقة الحديد وسائر اللت ،ولول
تعريفه العباد كيف يتخذونها ،ولول أنه تعالى خلق الماء على صفة
السلسة التي باعتبارها يصح جري السفينة فيه ،ولول خلقه تعالى الرياح
وخلق الحركات القوية فيها ،ولول أنه وسع النهار وجعل لها من العمق ما
يجوز جري السفن فيها ; لما وقع النتفاع بالسفن ،فصار لجل أنه تعالى
هو الخالق لهذه الحوال وهو المدبر لهذه المور والمسخر لها حسنت
إضافته إليه ،وقيل :لما كان يجري على وجه الماء كما يشتهيه الملح صار
][25
" وسخر لكم النهار " لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات
لجرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير النهار والعيون حتى ينبعث
الماء منها إلى مواضع الزروع والنبات .وأيضا ماء البحر ل يصلح للشرب
والصالح لهذا مياه النهار " .وهو الذي سخر البحر " أي جعلها بحيث
طريا " هو السمك ،ووصفه بالطراوة لنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد
فيسارع إلى أكله ولظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق" .
حلية تلبسونها " كاللؤلؤ والمرجان " .وترى الفلك " أي السفن " مواخر
فيه " أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر وهو شق الماء ،وقيل:
صوت جري الفلك " .ولتبتغوا من فضله " أي من سعة رزقه بركوبها
للتجارة " ولعلكم تشكرون " أي تعرفون نعم ال فتقومون بحقها " .وهو
الذي مرج البحرين " قال البيضاوي :خلهما متجاورين متلصقين بحيث
ل يتمازجان ،من مرج دابته إذا خلها " .هذا عذب فرات " قامع للعطش
من فرط عذوبته " وهذا ملح اجاج " بليغ الملحة ) " (1وجعل بينهما
برزخا " حاجزا من قدرته " وحجرا محجورا " وتنافرا بليغا كأن كل
منهما يقول للخر ما يقوله المتعوذ عليه ،وقيل :حدا محدودا ،وذلك كدجلة
المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل ،و بالبحر الملح البحر الكبير،
تشابهت في الكيفيية )) (3انتهى( ويقال :إن نهر آمل تدخل بحر الخزر
ويبقى على عذوبته ول يختلط بالمالح ،ويأخذون منه الماء العذب في وسط
البحر ،فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخل تحت الية أيضا.
) (1في المصدر :الملوحة (2) .طعمها )خ( (3) .انوار التنزيل :ج ،2ص
.167
][26
" وما يستوي البحران " ضرب مثل للمؤمن والكافر ،والفرات :الذي يكسر
العطش ،والسائع :الذي يسهل انحداره ،والجاج :الذي يحرق بملوحته "
ومن كل تأكلون " استطراد في صفة البحرين وما فيهما ،أو تمام التمثيل،
ما أفسده وغيره عن كمال فطرته ل يساوي المؤمن والكافر وإن اتفق
الخاصية العظمى وبقاء أحدهما على الفطرة الصلية دون الخر ،أو تفضيل
للجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع ،والمراد بالحلية الللي
واليواقيت " .ومن آياته الجوار في البحر " قرأ نافع وأبو عمرو "
الجواري " بياء في الوصل والوقف ،والباقون بحذفها على التخفيف "
كالعلم " أي كالجبال ،فهذه السفن العظيمة التي تكون كأنها الجبال تجري
على وجه الماء عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه وعند سكونها تقف،
ففيه دللة على وجود الصانع المسبب لتلك السباب وقدرته الكاملة
المتعة وإذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن وبالعكس
حصلت المنافع العظيمة في التجارة " .فيظللن رواكد " أي فيبقين ثوابت "
على ظهره " أي ظهر البحر " .لكل صبار " أي لكل من وكل همته وحبس
نفسه على النظر في آيات ال والتفكر في آلئه ،أو لكل مؤمن كامل ،فإنه
روي أن اليمان نصفان :نصف صبر ،ونصف شكر " .أو يوبقهن " أي
يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرفة ،والمراد إهلك أهلها لقوله " بما
كسبوا " وأصله :أو يرسلها فيوبقهن لنه قسيم " يسكن الريح " فاقتصر
فيه على المقصود ،كما في قوله " ويعف عن كثير " إذ المعنى :أو يرسلها
عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجي ناسا على العفو منهم ،وقرئ " يعفو
" على الستئناف " .ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " عطف على علة
مقدرة ،مثل :لينتقم منهم ويعلم ...أو على الجزاء ونصب نصب الواقع
جوابا للشياء الستة لنه أيضا غير واجب ،وقرأ نافع وابن عامر بالرفع
على الستئناف ،وقرئ بالجزم عطفا على " يعف " فيكون
][27
المعنى :أو يجمع بين إهلك وإنجاء قوم وتحذير آخرين " .مالهم من
محيص " من محيد من العذاب " .ال الذي سخر لكم البحر " بأن جعله
أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالخشاب ول يمنع الغوص فيه "
لتجري الفلك فيه بأمره " أي بتسخيره وأنتم راكبوها " ولتبتغوا من فضله
" بالتجارة والغوص والصيد وغيرها " وأنتم تشكرون " هذه النعم" .
والبحر المسجور " أي المملو وهو المحيط ،أو الموقد من قوله " وإذا
البحار سجرت " كما روي أن ال تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا
يسجر بها جهنم ،أو المختلط ،من السجير وهو الخليط ،وقيل :هو بحر
معروف في السماء يسمى بحر الحيوان " .مرج البحرين " أي أرسلهما،
والمعنى :أرسل البحر الملح والبحر العذب " يلتقيان " أي يتجاوران
وتتماس سطوحهما ،أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لنهما
خليجان يتشعبان منه " بينهما برزخ " أي حاجز من قدرة ال تعالى أو من
الرض " ل يبغيان " أي ل يبغي أحدهما على الخر بالممازجة وإبطال
ره :-قيل :المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الرض ،فإن في السماء
حاجز يمنع بحر السماء من النزول وبحر الرض من الصعود ،عن ابن
عباس وغيره ،وقيل :إنهما بحر فارس وبحر الروم فإن آخر طرف هذا
يتصل بآخر طرف ذلك والبرزخ بينهما الجزائر ،وقيل :مرج البحرين خلط
يطلبان أن يختلطا ) " .(1يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي كبار الدر
][28
الحمر ،وإن صح أن الدر يخرج من المالح ) (1فعلى الول إنما قال "
منهما " لنه يخرج من مجتمع المالح ) (2والعذب ،أو لنهما لما اجتمعا
صارا كالشئ الواحد وكان المخرج من أحدهما كالمخرج منها ،ذكره
منهما " ؟ نقول :الجواب عنه من وجوه ) :(4الول ظاهر كلم ال أولى
بالعتبار من كلم بعض الناس الذي ل يوثق بقوله ،ومن علم أن اللؤلؤ ل
المالح ،و لكن لم قلتم ) (6إن الصدف ل يخرج اللؤلؤ بأمر ال من الماء
العذب إلى الماء المالح ؟ وكيف يمكن الجزم به ،والمور الرضية الظاهرة
خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلد فكيف ل يخفى عليهم
ما في قعور البحور ؟ الثاني أن نقول :إن صح قولهم أنه ل يخرج إل من
الماء المالح فنقول فيه وجوه :أحدها أن الصدف ل يتولد فيه اللؤلؤ إل من
ماء المطر وهو بحر السماء ،ثانيها أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف
في البحر المالح عند انعقاد الدر فيه لحال الملوحة ،كالمتوخمة التي تشتهي
في أوائل الحمل فتثقل هناك فل يمكنه الدخلول في العذب ) .(7ثم ذكر بعض
السماء وماء البحر ،فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الصداف فكان
من ذلك القطر اللؤلؤ ،عن ابن عباس ولذلك حمل البحرين على بحر السماء
وبحر الرض ،وقيل :إن العذب والملح يلتقيان ،فيكون العذب كاللقاح
المصدر :من وجهين (5) .في المصدر :وهب ان (6) ..عمارة المصدر
هكذا " لكن ل يلزم من هذا أن ل يوجد في الغير .سلمنا لم قلتم ان الصدف
يخرج بامر ال من الماء العذب الى الماء المالح " وكأن فيه تصحيفا(7) .
][29
فيه العذب والملح ،وذلك معروف عند الملحين )) (1انتهى( .اقول " :وله
الجوار " أي السفن جمع جارية " المنشآت " أي المرفوعات الشرع أو
المصنوعات .وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع ،أو
اللتي ينشئن المواج أو السير " كالعلم " جمع علم وهو الجبل الطويل
" فبأي آلء ربكما تكذبان " من خلق مواد السفن والرشاد إلى أخذها
غيره تعالى " .إن أصبح ماؤكم غورا " أي غائرا في الرض بحيث ل تناله
الدلء ،مصدر وصف به " بماء معين " أي جار ،أو ظاهر سهل المأخذ" .
وأسقيناكم ماء فراتا " بخلق النهار والمنافع فيها - 1 .العلل والعيون :عن
محمد بن عمرو بن علي البصري ،عن محمد بن عبد ال ابن أحمد الواعظ،
عن عبد ال بن أحمد بن عامر الطائي ،عن أبيه ،عن أبي الحسن الرضا
عن آبائه عليهم السلم قال :سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين عليه
السلم عن المد والجزر ما هما ؟ فقال :ملك ) (2موكل بالبحار يقال له "
رومان " فإذا وضع قدميه في البحر فاض ،وإذا أخرجهما غاض )- 2 .(3
العلل :عن محمد بن علي ما جيلويه ،عن عمه محمد بن أبي القاسم ،عن
أحمد ابن أبي عبد ال البرقي ،عن أبيه ،عن خلف بن حماد ،عن أبي
الحسن العبدي ،عن سليمان بن مهران ،عن عباية بن ربعي ،عن ابن
عباس ،أنه سئل عن المد والجزر فقال :إن ال عزوجل وكل ملكا بقاموس
البحر ،فإذا وضح رجليه ) (4فيه فاض وإذا أخرجهما ) (5غاض ).(6
) (1في المصدر " الغواصين " مجمع البيان :ج ،9ص (2) .201في
ج ،1ص (4) .242في المصدر :رجله (5) .في المصدر :اخرجها(6) .
][30
بيان :قال الجزري :قاموس البحر وسطه ومعظمه ،ومنه حديث ابن عباس
وسئل عن المد والجزر -وذكر الخبر -ثم قال :أي زاد ونقص وهو فاعول
من القمس )انتهى( وأقول :اختلف الحكماء في سبب المد والجزر على
أقوال شتى ،وليس شئ منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من
عطش .وما ذكر في الخبر أظهرها وأصحها عقل أيضا ،وقد سمعت من
بعض الثقات أنه قال :إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد
ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر ) .(1وأما ما ذكره الحكماء في ذلك
ففي رسائل إخوان الصفا :أما علة هيجان البحار وارتفاع مياهها ومدودها
على سواحلها وشدة تلطم أمواجها وهبوب الرياح في وقت هيجانها إلى
حميت من قرارها وسكنت ولطفت وتخلخلت وطلبت مكانا أوسع مما كان
فيه ،فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا وشرقا وغربا
مختلفة في جهات مختلفة ،وأما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو
بحسب تشكل الفلك والكواكب ومطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار
في الفاق والوتاد الربعة واتصالت القمر بها عند حلوله في منازله
الثمانية و العشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم ،وأما علة مدود
بعض البحار في وقت طلوعات القمر ومغيبه دون غيرها من البحار فهو
ولتواتر نقله فافهم ،ويمكن أنه كان قد رأى شيئا من البخرة المتصاعدة
من بعيد مقارنا للمد فتوهم انه هو الذى يوجب المد والسباب المادية
الملئكة ،فانها علل طولية تنتهى بالخرة إلى من إليه المنتهى ،ول يخفى
والوضع مضافا إلى المناقشة في شمول ادلة حجية الخبر الواحد لغير ما
][31
في قرارها صخور صلبة وأحجار صلدة ،فإذا أشرق القمر على سطح ذلك
البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور والحجار التي في قرارها،
ثم انعكست من هناك راجعة ،فسخنت تلك المياه وحمت ولطفت وطلبت
مكانا أوسع وارتفع إلى فوق ودفع بعضها بعضا إلى فوق ،وتموجت إلى
وتد سمائه ،فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه
وبردت وانضمت تلك الجزاء وغلظت فرجعت إلى قرارها وجرت النهار
على عادتها ،فل يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الفق الغربي من تلك
البحار ثم يبتدئ المد على عادته وهو في الفق الشرقي ،فل يزال ذلك دأبه
حتى يبلغ القمر إلى وتد الرض ،فينتهي المد من الرأس ،ثم إذا زال القمر
من وتد الرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى افقه الشرقي من
الرأس .فإن قيل :لم ل يكون المد والجزر عند طلوعات الشمس وإشرافاتها
على سطح هذه البحار ؟ فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل والمعلولت
وسنن جريه والجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانعكاس ما
أصناف :منها ما يأتي فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا ،ومنها مال
يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيا مستترا ،ومنها مال يجزر ول يمد ،وقد
تنازع الناس في علتهما ،فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر ،لنه
مجانس للماء وهو يسخنه فيبسط ،وشبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في
القدر وأغلته ،وأن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين ،فإذا غلى
الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس
) (1في المصدر :وانكشاف ما مضى عليه في هيجه وذلك كبحر الحبش...
][32
عذوبة وتستحيل وتحمي كما يعرض ذلك في البلليع والبار ،فإذا حمى ذلك
الماء انبسط ،وإذا انبسط زاد ،وإذا زاد دفع ) (3كل جزء منه صاحبه فطفر
عن سطحه ) (4وبان عن قعره واحتاج إلى أكثر من وهدته ،وأن القمر إذا
امتل أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري.
وقالت طائفة اخرى :لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء
الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خل قعره من
الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الرض بطبعه فيرجع اضطرارا
بالشمس أشد سخونة ،ولو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع
الشمس والجزر عند غيبوبتها .وزعم هؤلء أن علة المد والجزر البخرة
التي تتولد في بطن الرض ،فإنها ل تزال تتولد وتكثف وتكثر فتدفع حينئذ
ماء هذا البحر لكثافتها ،فل تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل،
فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر ،وكان
الجزر من أجل ذلك والمد ليل ونهارا وشتاء وصيفا وفي غيبوبة القمر
وطلوعه وفي غيبوبة الشمس وطلوعها .قالوا :وهذا يدرك بحس البصر )
(5لنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد ،ول يفنى ) (6آخر
المد حتى يبدو أول الجرز ،لنه ل يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت
تولد مكانها غيرها وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره
تولدت تلك البخرة لمكان ما يتصل منها من الرض بمائه ،فكلما عاد
) (1في المصدر تضمها (2) .الرض )خ( (3) .في المصدر :وإذا زاد ارتفع
فدفع (4) .في المصدر :فطفا على سطحه (5) .في المصدر :بالحس(6) .
][33
يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد ال عزوجل وحكمته
وليس للمد والجزر علة في الطبيعة البتة ول قياس .وقال آخرون :ما
هيجان ماء البحر إل كهيجان بعض الطبائع ،فإنك ترى صاحب الصفراء
وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن ولذلك مواد تمدها حال بعد
حال ،فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليل قليل حتى تعود .وذهب طائفة إلى
يستحيل دائما ،فإذا استحال عظم ماء البحر وفار ) (1عند ذلك ،فإذا فار
فاض وإذا فاض فهو المد ،فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء
فعاد ) (2إلى ما كان عليه وهو الجزر وهو دائم ل يفتر ،متصل مترادف
متعاقب ،لن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء ،وقد يجوز أن يكون
ذلك عند امتلء القمر أكثر لن القمر إذا امتل استحال ماء أكثر مما كان
يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد ل للمد نفسه ،لنه قد يكون
والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في
أغلب الوقات .وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر
ويختلف إلى جزائره أن المد والجزر ل يكون في معظم هذا البحر إل مرتين
في السنة ،مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر ،فإذا كان
ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما والى ذلك الصقع ،ومرة يمد
في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر ،وإذا كان ذلك طما الماء في
مغارب البحر والجزر بالصين ،وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن
الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية،
فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية
عالية ،وتقل المياه في جهة البحور ) (3الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس
في الجنوب وسار ) (4الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسال ) (5معه
) (1في المصدر :وفاض عند ذلك ،وإذا فاض البحر فهو المد (2) .في
المصدر :يتنفس فيستحيل هواء فيعود (3) ..في المصدر :البحار 4) .و (5
][34
الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب ،فإن وافق القمر بعض
الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلن وقوي الحر واشتد لذلك )(4
انقلب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس ،وهذا رأي
يتحرك بتحرك الرياح )) (6انتهى( .وجملة القول فيه أن نهر البصرة
ويسمى ذلك بالمد اليومي ،ويكون المد عند زيادة نور القمر أشد ويسمى
ذلك بالمد الشهري وهذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في
الغالب ،بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر ،لكن الظاهر أنه لو كانت
العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر
وتأثيره في البحر والظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى ،وعلى تقدير
صحة استناده إليه فل ريب في بطلن ما جعله القائل الول مناطا له من
سخونة البحر بنور القمر لنه مجانس للماء وكذا سخونة الجو به ،بل ربما
يدعى أن نور القمر يبرد الجو والجسام كما هو المجرب ،نعم ربما يجوز
العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة والرتباط بين نوره وبين
الماء وإن لم نعلمها بخصوصها ،لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط
) (1في المصدر :ينتقل (2) .في المصدر :جهتى (3) .في المصدر :ومدا
شتويا (4) .في المصدر :واشتد لذلك سيلن الهواء فاشتد لذلك انقلب) ...
(5في المصدر :في ما حكاه عنه (6) .مروج الذهب :ج ،1ص .70 - 68
إلى الكواكب على انفرادها أو بمشاركة القمر بعيد غاية البعد ،وكون
الكواكب علل له من حيث الحرارة ظاهر الفساد .وما ذكره الطائفة الثانية
من أنه للبخرة الحادثة في باطن الرض فيرد عليه أن البخرة الكثيرة
باطن الرض ثم خرجت دفعة كما هو الظاهر من كلمه لزم انشقاق الرض
منها انشقاقا فاحشا ثم التئامها في كل يوم وليلة ،لعله مما ل يرتاب أحد في
أنه خلف الواقع ول يظهر للعقل سبب للتئام الرض بعد النشقاق ،وكون
كل التئام مستندا إلى انشقاق حادث في موضع آخر من الرض قريب من
موضع الول في غاية البعد ،ولو خرجت تدريجا لستلزمت غليانا وفورانا
في البحر دائما ل هذا النوع من الحركة والمتلء وهو واضح .وما ذكره
الطائفة الثالثة من أنه كهيجان الطبائع فيرد عليه أنه لو كان المراد أنه
والطبائع تهيج بل سبب فباطل ،ولو قيل بأن ذلك مقتضى الطبيعة فذلك مما
لم يقل به أحد ،ولو اريد أنه بسبب ولو لم يكن معلوما لنا ،فذلك مما ل ثمرة
له إذ الكلم في خصوص السبب وما ذكره الطائفة الرابعة من أنه للنقلب
فل يظهر له وجه ول ينطبق على تلك الخصوصيات .فالوجه أن يقال :إنها
بقدرة ال وتدبيره وحكمته إما بتوسط الملك إن صح الخبر ،أو بما رأى
المصلحة فيه من العلل والسباب ،فإنه تعالى المسبب لها والمقدر لوقاتها،
ولم نكلف بالخوض في عللها وإن أمكنت مدخلية بعض تلك الوجوه التي
تقدم ذكرها ،والعالم بها هو المدبر لها ،ويكفينا ما ظهر لنا من منافعها
وفوائدها - 1 .الخصال :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن هلل
) ،(1عن عيسى بن عبد ال الهاشمي ،عن أبيه عن آبائه ) (2قال :قال
) (1احمد بن هلل أبو جعفر العبرتائى ضعيف جدا ،قال الشيخ في
التهذيب :ان احمد بن هلل مشهور باللعنة والغلو .وروى الكشى عن ابى
الحسن العسكري عليه السلم رواية تشتمل على لعنه والتبرى منه كقوله
عليه السلم " ونحن نبرأ الى ال من ابن هلل لرحمه ال ومن ل يبرأ
][36
وسيحون نهر بما وراء النهر ونهر بالهند ،وقال :جيحون نهر خوارزم
وجيحان نهر بالشام والروم معرب " جهان " )انتهى( .وذكر المولى عبد
العلي البرجندي في بعض رسائله :إن نهر الفرات يخرج من جبال " أرزن
الروم " ) (2ثم يسيل نحو المشرق إلى " ملطية " ثم إلى " سميساط "
حتى ينتهي إلى الكوفة ثم تمر حتى ينصب في البطائح .وقال :النيل أفضل
النهار لبعد منبعه ومروره على الحجار والحصيات ،وليس فيه وحل ول
يخضر الحجر فيه كغيره ،ويمر من الجنوب إلى الشمال وهو سريع الجري،
وزيادته في أيام نقص سائر المياه ،ومنبعه مواضع غير معمورة في جنوب
خط الستواء ،ولذا لم يعلم منبعه على التحقيق .ونقل عن بعض حكماء
اليونان :أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار ،بين كل نهرين منها اثنان
وعشرون فرسخا ،فتنصب تلك النهار في بحيرة ثم منها يخرج نهر مصر
متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر ،فإذا جازها وبلغ " شنطوف "
ثمان وخمسون درجة وعرضه أربع وأربعون درجة ،ويمر في بلد الروم
من الشمال إلى الجنوب إلى بلد أرمن ،ثم إلى قرب " مصيصة " ثم يجتمع
مع جيحان وينصبان في بحر الروم فيما بين أياس وطرسوس ،ونهر
الجنوب بين جبال في حدود الروم إلى أن يمر إلى شمال مصيصة وينصب
في البحر )انتهى( .ثم اعلم أن هذه الرواية مروية في طرق المخالفين
][37
" فالفرات " إلى آخر الخبر ،واختلفوا في تأويله :قال الطيبي في شرح
وهما نهران عظيمان جدا وخص الربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنها
من أنهار الجنة ،أو يراد أنها أربعة أنهار هي اصول أنهار الجنة سماها
بأسامي النهار العظام من أعذب أنهار الدنيا وأفيدها على التشبيه ،فإن ما
في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الخرة ،وكذا مضارها .وقال القاضي:
معنى كونها من أنهار الجنة :أن اليمان يعم بلدها وأن شاربيها صائرة
إليها ،والصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة .وفي معالم
فأسكناه " .أقول :المشبه في الوجه الول أنهار الدنيا ،ووجه الشبه
العذوبة والهضم والبركة .وفي الثاني :أنهار الجنة ،ووجهه الشهرة
ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك السم ،وإنما سميت بأسماء
أنهار الجنة لفضلها وبركتها وكثرة النتفاع بها ،ويحتمل أن يكون المعنى
أن أصل هذه النهار ومادتها من الجنة ،فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء،
ول ينافى ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء
الجنة ،أو يصب فيها بحيث ل نعلم ،أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما
مر في كتاب المعاد وتجري من تحت الرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها.
ويؤيد تلك الوجوه في الجملة ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة )،(1
وبسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات ال عليه قال :نهركم هذا -
يعني ماء الفرات -يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة ) .(2وعن علي بن
الحسين صلوات ال عليهما قال :إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه
ثلثة مثاقيل مسك ) (3من مسك الجنة فيطرحها في الفرات ،وما من نهر
منه ) .(1وأما التأويل بكون أهلها وشاربيها صائرين إلى الجنة فهو في
خصوص الفرات ظاهر ،إذ أكثر القرى والبلد الواقعة عليه وبقربه من
المامية والمحبين لهل البيت عليهم السلم كما تشهد به التجربة ،وقد
روى الكليني بإسناده عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما إخال أحدا يحنك
بماء الفرات إل أحبنا أهل البيت .وقال عليه السلم :ما سقي أهل الكوفة
ماء الفرات إل لمر ما ،وقال :يصب فيه ميزابان من الجنة ) (2أقول :قوله
عليه السلم " لمر ما " أي لرسوخ ولية أهل البيت عليهم السلم في
قلوب أهلها .وعن أمير المؤمنين -صلوات ال عليه -قال :أما إن أهل
الكوفة لو حنكوا أولدهم بماء الفرات لكانوا لنا شيعة ) .(3وأما النهار
الثلثة الخرى فلم أر لها في غير هذا الخبر فضل ،بل روى الكليني عن
أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :ماء نيل مصر يميت القلب )- 2 .(4
الدر المنثور :عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه واله قال :أنزل ال
من الجنة إلى الرض خمسة أنهار :سيحون وهو نهر الهند ،وجيحون وهو
نهر بلخ ،ودجلة والفرات وهما نهرا العراق ،والنيل وهو نهر مصر أنزلها
جبرئيل فرفع من الرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام
إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه النهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى
السماء ،فذلك قوله تعالى " :وإنا على ذهاب به لقادرون " فإذا رفعت هذه
) (1الكافي :ج ،6ص (2) .389الكافي :ج ،6ص (3) .388الكافي ج
،6ص (4) .389الكافي :ج ،6ص (5) .391المؤمنون (6) .19 :الدر
][39
- 3شرح النهج لبن ميثم :قال لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلم من
حرب الجمل خطب الناس فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي صلى ال
يا أهل البصرة ! -يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلثا وعلى ال تمام
الرابعة ! -وساق الخطبة كما مر في كتاب الفتن وسيأتي إلى قوله عليه
السلم -سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلحا لمعاشكم والبحر سببا
لكثرة أموالكم .بيان :قوله عليه السلم " :الماء يغدو عليكم ويروح "
إشارة إلى المد والجزر .وقوله " صلحا لمعاشكم " إلى فائدتهما ،إذ لو
كان الماء دائما على حد النقصان ولم يصل إلى حد المد لما سقي زروعهم
ونخيلهم ،ولو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم ،وفي
نقص النهار بعد زيادتها فائدة اخرى ،هي غسل القذار وإزالة الخبائث عن
شطوطها ،وربما كان فيهما فوائد اخرى كتأثيرهما في حركة السفن و نحو
أحمد بن محمد بن خالد ،عن أبيه ،عن عبد ال ابن القاسم .عن حيان
السراج ،عن داود بن سليمان الكسائي (1) ،عن أبي الطفيل قال :سأل في
أول خلفة عمر يهودي من أولد هارون أمير المؤمنين عليه السلم عن
أول قطرة قطرت على وجه الرض ) ،(2وأول عين فاضت على وجه
الرض (3) ،وأول شجر اهتز على وجه الرض (4) .فقال عليه السلم يا
هاروني أما أنتم فتقولون :أول قطرة قطرت على وجه الرض حيث قتل أحد
ابني آدم صاحبه وليس كذلك ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد
ابنيها ،وأما أنتم فتقولون أول عين فاضت على وجه الرض العين التي
) (1في المصدر :الكنانى (2) .في المصدر :أي قطرة هي ؟ ) (3في
عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح فسقط فيها
فحيي ،وهذا الماء ل يصيب ميتا إل حيي .وأما أنتم فتقولون :أول شجر
اهتز على وجه الرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح ،وليس كذلك
ولكنها النخلة التي هبطت ) (1من الجنة وهي العجوة ،ومنها تفرع كل ما
ترى من أنواع النخل ،فقال :صدقت وال الذي ل إله إل هو ،إني لجد هذا
في كتب أبي هارون عليه السلم كتابة ) (2يده وأمل عمي موسى عليه
السلم ) - 5 .(3اكمال الدين :عن أبيه ومحمد بن الحسن ،عن سعد بن عبد
ال ،ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن أبي عبد
بن فضال ،عن أيمن ابن محرز ،عن محمد بن سماعة ،عن إبراهيم بن أبي
يحيى المدني ،عن أبي عبد ال عليه السلم مثله ،إل أنه قال :قال اليهودي:
أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الرض ،وعن أول عين نبعت على
وجه الرض وعن أول حجر وضع على وجه الرض ،فقال أمير المؤمنين
عليه السلم :أما أول شجرة نبتت على وجه الرض فإن اليهود يزعمون
أنها الزيتونة وكذبوا ،وإنما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم عليه السلم
معه من الجنة فغرسها وأصل النخلة كلة منها .وأما أول عين نبعت على
وجه الرض فإن اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس وتحت
الحجر وكذبوا ،هي عين الحياة التي ما انتهى إليها أحد إل حيي ،وكان
الخضر على مقدمة ذي القرنين فطلب عين الحياة فوجدها الخضر عليه
السلم وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين .وأما أول حجر وضع على وجه
الرض فإن اليهود يزعمون أنه الحجر الذي ببيت المقدس وكذبوا ،إنما هو
الحجر السود هبط به آدم عليه السلم معه من الجنة فوضعه في الركن،
والناس يستلمونه وكان أشد بياضا من الثلج فاسود من خطايا بني آدم.
) (1في المصدر :اهبطت (2) .كتابته بيده )خ( ) (3اعلم الورى.368 :
][41
عليه السلم على الثني عشر عليهم السلم في المجلد التاسع .كتاب
أنهار الجنة :سيحون وجيحون والنيل والفرات - 7 .وعن علي عليه السلم
قال :يا أهل الكوفة نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة - 8 .وروي
عن جعفر الصادق عليه السلم أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد وحمد
ال تعالى ،قال :ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا
على حافتيه القباب ما انغمس فيه ذو عاهة إل برئ .وعن السدي أن
الفرات مد في زمن عمر فألقى رمانة عظيمة منها كرمان الحب فأمر
قال رسول ال صلى ال عليه واله :النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه
حين يخرج لوجدتم من ورقها .وقال في وصف بعض البحار نقل عن
صاحب كتاب عجائب الخبار :هذا البحر فيه طائر مكرم لبويه ،فإنهما إذا
ويتعاهدانهما الزاد والماء إلى أن يموتا ،فإن مات الفرخان قبلهما يأتي
إليهما فرخان آخران من فراخهما ويفعلن بهما كما فعل الفرخان الولن،
وهلم جرا وهذا دأبهما - 10 .قرب السناد :عن السندي بن محمد ،عن أبي
البختري ،عن جعفر ،عن أبيه ) (1عليهم السلم قال " :يخرج منهما
اللؤلؤ والمرجان " قال :من ماء السماء ومن ماء البحر ،فإذا امطرت
) (1في المصدر :عن على عليه السلم (2) .في المصدر :فتحت.
][42
فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة ،واللؤلؤة الكبيرة من القطرة
أبيه ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :نهران مؤمنان،
ونهران كافران ،نهران كافران نهر بلخ ودجلة ،و المؤمنان نيل مصر
والفرات ،فحنكوا أولدكم بماء الفرات .بيان :قال الجزري في النهاية :فيه
" نهران مؤمنان ونهران كافران ،أما المؤمنان فالنيل والفرات ،وأما
الكافران فدجلة ونهر بلخ " جعلهما مؤمنين على التشبيه لنهما يفيضان
وهذان في قلة النفع كالكافرين )انتهى( .وأقول :ربما يومئ التفريع بقوله
" فحنكوا " إلى أن المراد أن للولين مدخل في اليمان وللخرين ) (3في
الكفر وهو في الفرات ظاهر كما عرفت ،وأما في النيل فلعل شقاوة أهله
لسوء تربة مصر كما ورد في الخبار فلو جرى في غيره لم يكن كذلك،
ونهر بلغ هو نهر جيحون .وقال البرجندي :ويخرج عموده من حدود "
بدخشان " من موضع طوله أربع وتسعون درجة وعرضه سبع وثلثون
درجة ثم يجتمع معه أنهار كثيرة ويذهب إلى جهة المغرب والشمال إلى
حدود بلخ ثم يجاوزه إلى " ترمد " ثم يذهب إلى المغرب والجنوب إلى
ولية " زم " ) (4وطوله تسع وثمانون درجة وعرضه سبع وثلثون ،ثم
) (1قرب السناد (2) 85 :بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق
العلمة حديثه ،وتصحيح حديثه ل يقصر عن توثيقه (3) .الخيرين )خ() .
(4بفتح الزاى وتشديد الميم ،بليدة على طريق جيحون بين ترمذ وآمل
)مراصد الطلع(.
][43
طوله ثمان وثمانون درجة وعرضه تسع وثلثون ،ثم يمر إلى أن ينصب )
(1في بحيرة خوارزم .ونهر دجلة مشهور ويخرج من بلد الروم من شمال
" ميارقين " ) (2من تحت حصار ذي القرنين ،ويذهب من جهة الشمال
والمغرب إلى جهة الجنوب والمشرق ويمر بمدينة " آمد " والموصل وسر
من رأى وبغداد ثم إلى " واسط " ثم ينصب في بحر فارس- 12 .
العياشي :عن إبراهيم بن أبي العل ،عن غير واحد ،عن أحدهما عليهما
السلم قال :لما قال ال " يا أرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي " قال
الرض :إنما امرت أن أبلع مائي أنا فقط ،ولم اومر أن أبلع ماء السماء،
قال :فبلعت الرض ماءها وبقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا- 13 .
عن أبيه ،جميعا عن ابن أبي عمير ،عن حفص بن البختري ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن جبرئيل عليه السلم كرى برجله خمسة أنهار
ولسان الماء يتبعه :الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ ،فما سقت
أو سقي منها فللمام .والبحر المطيف بالدنيا ) .(3بيان :قال البرجندي:
نهر مهران هو نهر السند يمر أول في ناحية " ملتان " ثم يميل إلى
الجنوب ويمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر " ديبل " من جانب
المشرق ،وهو نهر عظيم وماؤه في غاية العذوبة وشبيه بنيل مصر ويكون
فيه التمساح كالنيل ،وقيل :إذا وصل إلى موضع طوله مأة وسبع درجات
وعرضه ثلث وعشرون درجة ينقسم إلى شعبتين ،ينصب إحداهما في بحر
الهند والخرى تمر وتنصب فيه بعد مسافة أيضا " .فما سقت " أي
بأنفسها " أو سقي منها " أي سقى الناس منها .وهذا الخبر رواه في
اسم مدينة ببلد الروم (3) .الكافي :ج ،1ص (4) .409الفقيه.159 :
][44
" وهو أفسبكون " ولعله من الصدوق فصار سببا للشكال ،لن "
أفسبكون " معرب " آبسكون " وهو بحر الخزر ،ويقال له :بحر جرجان
وبحر طبرستان وبحر مازندران ،و طوله ثمانمأة ميل وعرضه ستمائة
ميل ،وينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آتل ) (1وهذا البحر غير محيط
بالدنيا بل محاط بالرض من جميع الجوانب ول يتصل بالمحيط ،و لعله إنما
تكلف ذلك لنه ل يحصل من المحيط شئ وهو غير مسلم .وقرأ بعض
الفاضل المطيف -بضم الميم وسكون الطاء وفتح الياء -اسم مفعول أو
اسم مكان من الطواف ول يخفى ضعفه فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم
أو مطوف ،واسم المكان كالول أو مطاف بالفتح ،وربما يقرأ " مطيف "
بتشديد الياء المفتوحة ،وهو أيضا غير مستقيم لنه بالمعنى المشهور
المطيف به الدنيا ،نعم قال في القاموس :طيف تطييفا وطوف :أكثر الطواف
)انتهى( لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد ،وما في الكافي
أظهر وأصوب والمعنى :أن البحر المحيط بالدنيا أيضا للمام عليه السلم.
- 14نوادر الراوندي :بإسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه واله :شر اليهود يهود بيسان ،وشر
النصارى نصارى نجران ،وخير ماء نبع على وجه الرض ماء زمزم،
وشر ماء نبع على وجه الرض ماء برهوت ،واد بحضرموت يرد عليه هام
الكفار وصداهم .بيان :في القاموس :بيسان قرية بالشام ،وقرية بمرو،
وموضع باليمامة .ولعل الول هنا أظهر ،ونجران موضع باليمن .وفي
النهاية :فيه " ل عدوى ول هامة " الهامة الرأس ،واسم طائر ،وهو
المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشأمون بها وهي من طير الليل ،وقيل:
هي البومة ،وقيل :إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي ل يدرك بثأره
تصير هامة فتقول :اسقوني ! اسقوني ! فإذا أدرك بثأره طارت .و قيل:
كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه "
الصدى " فنفاه السلم ونهاهم عنه .وفي القاموس :الصدى الجسد من
][45
طائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية - 15 .كتاب الغارات
المؤمنين عليه السلم عن أول شئ ضج على الرض ،قال :واد باليمن هو
أول واد فار منه الماء - 16 .كتاب النوادر لعلي بن أسباط :عن عيسى بن
عبد ال ،عن أبيه ،عن جده قال :قال عليه السلم :لو عدل في الفرات
لسقي ) (1ما على الرض كله .بيان :يحتمل أن يكون المراد بها الراضي
التي على شطه وبالقرب منه - 17 .الدر المنثور :عن جابر بن عبد ال
قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :ماء زمزم لما شرب له،
من شربه لمرض شفاه ال ،أو لجوع أشبعه ال ،أو لحاجة قضاها ال .قال
الحكيم الترمذي :وحدثني أبي قال :دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني
من البول ما شغلني ،فجعلت أعتصر حتى آذاني وخفت إن خرجت من
المسجد أن أطأ بعض تلك القذار وذلك أيام الحاج ،فذكرت هذا الحديث،
فدخلت زمزم فتبلعت منه فذهب عني إلى الصباح ) - 18 .(2ومنه :عن ابن
عباس " مرج البحرين " قال :أرسل البحرين " بينهما برزخ " قال:
حاجز " ل يبغيان " قال :ل يختلطان ،وروي أيضا عنه قال :بحر السماء
وبحر الرض يلتقيان كل عام " .يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ،قال :إذا
مطرت السماء فتحت الصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر
السماء فهو اللؤلؤ ) - 19 .(3وعن ابن جبير قال :إذا نزل القطر من
السماء تفتحت له الصداف فكان لؤلؤا ) - 20 .(4وعن علي بن أبي طالب
) (1لسقى )خ( (2) .الدر المنثور :ج ،3ص (5 - 3) .221الدر المنثور:
ج ،6ص .142
][46
مسعود :المرجان الخزر الحمر ) - 23 .(2وعن عمير بن سعد قال :كنا مع
علي على شط الفرات فمرت سفينة فقرأ هذه الية " :وله الجوار المنشئات
وعن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :إن ال تعالى أنزل من
الجنة خمسة أنهار :سيحون وهو نهر الهند ،وجيحون وهو نهر بلخ،
ودجلة والفرات ،وهما نهرا العراق ،والنيل وهو نهر مصر ،أنزلها ال
تعالى من عين واحدة وأجراها في الرض وجعل فيها منافع للناس في
أصناف معائشهم وذلك قوله " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في
الرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) - 25 ." (4الكافي :عن محمد بن
يحيى ،عن محمد بن أحمد ،عن محمد بن عبد ال بن أحمد عن علي بن
النعمان ،عن صالح بن حمزة ،عن أبان بن مصعب ،عن يونس بن ظبيان
أو المعلى بن خنيس قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :مالكم من هذه
النهار ) (5؟ فتبسم وقال :إن ال تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق
بإبهامه ثمانية أنهار في الرض منها :سيحان ،وجيحان وهو نهر بلخ،
والخشوع وهو نحر الشاش ،ومهران وهو نهر الهند ،ونيل مصر ،ودجلة،
والفرات ،فما سقت أو استقت فهو لنا ،وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس
لعدونا منه شئ إل ما غصب عليه ،وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه
-يعني بين السماء والرض -ثم تل هذه الية " قل هي للذين آمنوا في
الحياة الدنيا " المغصوبين عليها " خالصة " لهم " يوم القيامة " بل
غصب .توضيح :لعل التبسم لجل " من " التبعيضية " يخرق " كينصر
ويضرب أي
) 1و (2الدر المنثور :ج 6ص (3) .142الدر المنثور ج ،6ص ) .143
][47
يشق ويحفر ،ومنهم من حمل الكلم على الستعارة التمثيلية لبيان أن
حدوث النهار ونحوها مستندة إلى قدرة ال تعالى ردا على الفلسفة الذين
يسندونها إلى الطبائع ،وفي أكثر النسخ هنا " جيحان " باللف وفي
بعضها بالواو ،وهو أصوب لما عرفت أن نهر بلخ بالواو ،وعلى الول إن
كان التفسير من بعض الرواة فيمكن أن يكون اشتباها منه ،و لو كان من
المام عليه السلم وصح الضبط كان الشتباه من اللغويين .و " الشاش "
بلد بما وراء النهر كما في القاموس ونهره على ما ذكره البرجندي بقدر
درجة وطوله إحدى وسبعون درجة ويمر إلى المغرب مائل إلى الجنوب إلى
مذكور فيما رأينا من كتب اللغة وغيرها " فما سقت " أي سقته من
الشجار والراضي والزروع " أو استقت " أي منه ،أي أخذت النهار منه
وهو بحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء ،فالمقصود أن أصلها وفرعها لنا،
أو ضمير " استقت " راجع إلى " ما " باعتبار تأنيث معناه ،والتقدير:
استقت منها ،وضمير " منها " المقدر للنهار ،فالمراد بما سقت ما جرت
عليها من غير عمل ،وبما استقت ما شرب منها بعمل كالدولب وشبهه،
ونسبة الستسقاء ) (1إليها على المجاز ،كذا خطر بالبال وهو أظهر .وقيل:
ضمير " استقت " راجع إلى النهار على السناد المجازي لن الستقاء
فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر والدولب .يقال :استقيت من البئر أي
مغصوبا عليه ،يقال غصبه على الشئ أي قهره ،و الستثناء منقطع إن كان
اللم للستحقاق ،وإن كان للنتفاع فالستثناء متصل و " ذه " إشارة إلى
المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء " المغصوبين عليها " الحاصل أن "
خالصة " حال مقدرة من قبيل قولهم :جاءني زيد صائدا صقره غدا .قال
في مجمع البيان :قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في
][48
ثم اعلم أنه عليه السلم ذكر في الول ثمانية وإنما ذكر في التفصيل سبعة،
فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع بل
قال :منها سيحان -الخبر -وقيل :لما كان سيحان اسما لنهرين :نهر
بالشام ،ونهر بالبصرة ،أراد هنا كليهما ،من قبيل استعمال المشترك في
معنييه ،وهو بعيد ،ولعله سقط واحد منها من الرواة ،وكأنه كان " جيحان
وجيحون " فظن بعض النساخ والرواة زيادة أحدهما فأسقطه وحينئذ
يستقيم التفسير أيضا .فائدة :قال :النيسابوري في تفسير قوله تعالى "
والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس " :قد سلف أن الماء المحيط )
دخل في ذلك الماء من جانب الجنوب متصل بالمحيط الشرقي ومنقطعا عن
الغربي إلى وسط العمارة أربعة خليجات :الول إذا ابتدأ من المغرب الخليج
الشمال مأة وستون فرسخا وعرضه خمسة وثلثون فرسخا ،وعلى ضلعه
الغربي بلد كفار الحبشة وبعض الزنج ،وعلى الشرقي بلد مسلمي
وستون فرسخا وعرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا ،وبين طرفه وفسطاط
مصر الذي على شرق النيل مسيرة ثلثة أيام على البر ،وعلى ضلعه
الغربي بعض بلد البربر وبعض بلد الحبشة ،وعلى ضلعه الشرقي سواحل
عليها فرضة مدينة الرسول صلى ال عليه وآله لقوافل مصر والحبشة إلى
الحجاز ثم سواحل اليمن ثم عدن على الذوابة الشرقية منه .الثالث :خليج
قريب من مائة وثمانين فرسخا ،وعلى سواحل ضلعه الغربي بلد عمان،
ولهذا ينسب البحر هناك إليها ،وجملة ولية العرب وأحيائهم من الحجاز
][49
جزيرة العرب وفيها مكة -زادها ال شرفا -وعلى سواحل ضلعه الشرقي
بلد فارس ،ثم هرموز ثم مكران ،ثم سواحل السند .الرابع الخليج الخضر
مثلث الشكل آخذ من الجنوب إلى الشمال ،ضلعه الشرقي بلد فارس ،ثم
هرموز ،ثم مكران متصل بالمحيط الشرقي وضلعه الغربي خمسمائة فرسخ
تقريبا وعلى سواحل هذا الضلع وليات الصين ،ولهذا يسمى بحر الصين،
ومن زاويته الغربية إلي زاوية من بحر فارس يسمى بحر الهند لكون بعض
وليتهم على سواحله .وأيضا فقد دخل إلى العمارة من جانب الغرب خليج
عظيم يمر من جانب الجنوب على كثير من بلد المغرب ويحاذي أرض
السودان وينتهي إلى بلد مصر والشام ،ومن جانب الشمال على بلد
الروس والجللقة والصقالبة إلى بلد الروم ]والشام[ ويتشعب منه شعبة
من شمال أرض الصقالبة إلى أرض مسلمي " بلغار " يسمى بحر " ورنك
" طوله المعلوم مائة فرسخ وعرضه ثلث وثلثون وإذا جاوز تلك النواحي
امتد نحو المشرق عما وراء جبال غير مسلوكة وأرض غير مسكونة،
فرسخا ،ومن الجنوب إلى الشمال بقرب من مأتين .ومن عجائب البحار
فيها ،فقد يقال في بحر الهند من الجزائر العامرة ألف وثلثمأة وسبعون
منها جزيرة عظيمة في أقصى البحر مقابل أرض الهند في ناحية المشرق،
وعند بلد الصين تسمى جزيرة سرانديب ) (3دورها ثلثة آلف ميل فيها
جبال عظيمة وأنهار كثيرة ومنها يخرج الياقوت الحمر ،وحول هذه
][50
وقرى كثيرة ،ومن جزائر هذا البحر جزيرة " كله " التي يجلب منها
الرصاص القلعي وجزيرة " سريرة " التي يجلب منها الكافور ،وغرائب
البحر كثيرة ولهذا قيل :حدث عن البحر ول حرج .وسئل بعض العقلء :ما
رأيت من عجائب البحر ؟ قال :سلمتي منه .تتمة :قالت الحكماء في سبب
انفجار العيون من الرض :إن البخار إذا احتبس في داخل من الرض لما
فيها من ثقب وفرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء
بخارية ،فإذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث ل تسعه الرض أوجب
انشقاق الرض وانفجرت منها العيون ،أما الجارية على الولء فهي إما
لدفع تاليها سابقها ،أو لنجذابه إليه لضرورة عدم الخلء بأن يكون البخار
الذي انقلب ماء وفاض إلى وجه الرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه
لئل يكون خلء فينقلب هو أيضا ماء ويفيض وهكذا استتبع كل جزء منه
جزء آخر .وأما العيون الراكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من كثرة
موادها وقوتها أن يحصل منها معاونة شديدة ،أو يدفع اللحق السابق.
وأما مياه القنى ) (1والبار فهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن
يشق الرض ،فإذا ازيل ثقل الرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه
بأدنى حركة ،فإن لم يجعل هناك مسيل فهو البئر ،وإن جعل فهو القناة،
ونسبة القنى إلى البار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة ،ويمكن أن تكون
هذه المياه متولدة -كما قاله أبو -البركات البغدادي -من أجزاء مائية
متولدة من أجزاء متفرقة في ثقب أعماق الرض ومنافذها إذا اجتمعت ،بل
هذا أولى لكون مياه العيون والبار والقنوات تزيد بزيادة الثلوج والمطار.
قال الشيخ في النجاة :وهذه البخرة إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب
النهار إليها ،ثم ارتفع من البحار والبطائح والنهار وبطون الجبال خاصة
أبخرة اخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور
دائما.
) (1القنى والقناء -بكسر القاف فيهما :-جمع القناة ،وهى ما يحفر من
][51
)) (31باب( * )الرض وكيفيتها وما أعد ال للناس فيها وجوامع أحوال(
* * )العناصر وما تحت الرضين( * اليات :البقرة :يا أيها الناس اعبدوا
ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الرض فراشا
والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل
فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل
النهار إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون وفي الرض قطع متجاورات وجنات
من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل
بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات لقوم يعقلون .ابراهيم :ال
الثمرات رزقا لكم وسخر الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار
وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتيكم من كل ما
موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ) .(4النحل :هو
الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون
الحجر.20 - 19 :
][52
ذلك ليات لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره إن في ذلك ليات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الرض
مختلفا ألوانه إن في ذلك لية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا
منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه
إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل ) .(2طه :له ما
في السماوات وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى ) .(3وقال تعالى:
الذي جعل لكم الرض مهدا وسلك لكم فيها سبل وأنزل من السماء ماء
لولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ).(4
النبياء :وجعلنا في الرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبل
لعلهم يهتدون ) .(5الشعراء :أو لم يروا إلى الرض كم أنبتنا فيها من كل
زوج كريم إن في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين ) .(6وقال تعالى.
أتتركون فيما ههنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم
) (1النحل (2) .18 - 10 :الكهف (3) .7 :طه (4) .6 :طه(5) .55 - 53 :
النمل :أم من خلق السموات والرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به
يعدلون أم من جعل الرض قرارا وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي
خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم
وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم
هذا خلق ال فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلل مبين
ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن
وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا
فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفل يشكرون سبحان
الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون )
.(4المؤمن :ال الذي جعل لكم الرض قرارا والسماء بناء ) .(5السجدة:
ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن
الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير ) .(6حمعسق :ومن آياته
) (1النمل (2) .61 - 60 :لقمان (3) .11 - 10 :فاطر(4) .28 - 27 :
][54
جمعهم إذا يشاء قدير ) .(1الزخرف :الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم
فيها سبل لعلكم تهتدون ) .(2الجاثية :وسخر لكم ما في السموات وما في
مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى
لكل عبد منيب ) .(4الذاريات :والرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل
شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) .(5الرحمن :والرض وضعها للنام فيها
فاكهة والنخل ذات الكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلء ربكما
اليات لعلكم تعقلون ) .(7الطلق :ال الذي خلق سبع سموات ومن الرض
) (1الشورى (2) .29 :الزخرف (3) .10 :الجاثية (4) .13 :ق) .8 - 7 :
][55
نوح :وال جعل لكم الرض بساطا لتسلكوا منها سبل فجاجا ).(1
المرسلت :ألم نجعل الرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي
شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين ) .(2النبأ :ألم نجعل
الرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا
الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا
وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات الفافا
) .(3الطارق :والرض ذات الصدع ) .(4الغاشية :أفل ينظرون إلى البل
كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الرض
خلقكم " قيل :إنه تعالى عدد في هذا المقام عليهم خمسة دلئل اثنين من
النفس ،وهما خلقهم وخلق اصولهم ،وثلثة من الفاق :بجعل الرض
من السماء وإخراج الثمرات بسببه ،وسبب هذا الترتيب ظاهر ،لن أقرب
الشياء إلى النسان نفسه ،ثم مأمنه ومنشأه وأصله ،ثم الرض التي هي
مكانه ومستقره يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على
فراشه ،ثم السماء التي كالقبة المضروبة والخيمة المبنية على هذا القرار،
ثم ما يحصل من شبه الزدواج بين المقلة والمظلة من إنزال الماء عليها
) (1نوح (2) .20 - 19 :المرسلت (3) .28 - 25 :النبأ(4) .16 - 6 :
][56
وأنواع الثمار رزقا لبني آدم .وأيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل
لجميع النعم وأما خلق الرض والسماء فذاك إنما ينتفع به بشرط حصول
الخلق والحياة والقدرة والشهوة ،وذكر الصول مقدم على ذكر الفروع.
كالفراش على ما ظن ،فسواء كانت كذلك وعلى شكل الكرة فالفتراش غير
عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي وهو وسط الفلك ،لن الثقال
بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق ،والفوق من
جميع الجوانب ما يلي السماء ،والتحت ما يلي المركز ،فكما أنه يستبعد
حركة الرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة
ذلك ،لن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن ل حاجة في سكون
بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها ،وركز فيها من الميل الطبيعي إلى
تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده " .ومما من ال على عباده
البنية منها ،ويتأتى حفر البار وإجراء النهار .ومنها أن لم تخلق في
نهاية اللطافة والشفيف لتستقر النوار عليها وتتسخن منها فيمكن جوازها
][57
وتركب الختلفين لمن يسير على سمت بين السمتين ،إلى غير ذلك من
قطع متجاورات " ومنها اختلف ألوانها " ومن الجبال جدد بيض وحمر
مختلف ألوانها وغرابيب سود " .ومنها انصداعها بالنبات " والرض ذات
الصدع " .ومنها جذبها للماء المنزل من السماء " وأنزلنا من السماء ماء
بقدر فأسكناه في الرض " .ومنها العيون والنهار العظام التي فيها "
والرض مددناها " ومنها أن لها طبع الكرم والسماحة ،تأخذ واحدة وترد
سبعمائة " كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة " ومنها
حياتها وموتها " وآية لهم الرض الميتة أحييناها " ومنها الدواب
المختلفة " وبث فيها من كل دابة " ومنها النباتات المتنوعة " وأنبتنا
فيها من كل زوج بهيج " فاختلف ألوانها دللة ،واختلف طعومها دللة،
واختلف روائحها دللة ،فمنها قوت البشر ومنها قوت البهائم " كلوا
وارعوا أنعامكم " ومنها الطعام ،ومنها الدام ،ومنها الدواء ومنها
وبعضها للبنية ،فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته،
وانظر إلى الياقوت الحمر مع عزته وانظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير،
وقلة النفع بهذا الخطير ،ومنها ما أودع ال تعالى فيها من المعادن الشريفة
الجليلة ،واستخرجوا
][58
اتخاذ الذهب والفضة ،والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية،
وهذه الفائدة ل تحصل إل عند العزة ،والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه
الحكمة ،فلذلك ضرب ال دونهما بابا مسدودا ،ومن ههنا اشتهر في
اللسنة :من طلب المال بالكيمياء أفلس .ومنها ما يوجد على الجبال
الحاجة في الخبز والطبخ ،ولعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه ،فإذا
تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن
كان ممن يسمع ويبصر ويعتبر .واما منافع السماء :فان ال تعالى زينها
بمصابيح " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " وبالقمر " وجعل القمر
فيهن نورا " وبالشمس " وجعل الشمس سراجا " وبالعرش " رب
العرش العظيم " وبالكرسي " وسع كرسيه السماوات والرض " وباللوح
" في لوح محفوظ " وبالقلم " ن والقلم وما يسطرون " .وسماها سقفا
محفوظا وسبعا طباقا ،وسبعا شدادا ،وذكر أن خلقها مشتمل على حكم
بليغة ،وغايات صحيحة " ربنا ما خلقت هذا باطل " " وما خلقنا السماء
والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا " وجعلها مصعد العمال
ومهبط النوار ،وقبلة الدعاء ،ومحل الضياء والصفاء ،وجعل لونها أنفع
اللوان وهو المستنير ،وشكلها أفضل الشكال وهو المستدير ونجومها
الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى العضاء .و أيضا لول الطلوع ل نجمدت المياه،
حيوان ونبات ،فهي بمنزلة السراج يوضع لهل بيت بمقدار حاجتهم ،ثم
][59
وأما ارتفاع الشمس وانحطاطها فقد جعله ال تعالى سببا لقامة الفصول
الربعة ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منه مواد
وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار ،و تتحلل فضول البدان ،ويجف
وجه الرض ويتهيأ للعمارة والزراعة .وفي الخريف يظهر البرد واليبس
فتدرك الثمار ،وتستعد البدان قليل قليل للشتاء .وأما القمر فهو تلو
وفي غيبته مصلحة .يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليل ففقده ،فلما طلع
القمر وجده فنظر إلى القمر وقال :إن ال صورك ونورك ،وعلى البروج
دورك ،فإذا شاء نورك وإذا شاء كورك ،فل أعلم مزيدا أسأله لك ،فإن
أهديت إلي سرورا فقد أهدى ال إليك نورا .ثم أنشأ في ذلك أبياتا .وقال
الجاحظ :إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه،
على أن العالم مخلوق بتدبير كامل ،وتقدير شامل ،وحكمة بالغة ،وقدرة
غير متناهية .ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الرض ،قال بعضهم:
السماء أفضل لنها معبد الملئكة ،وما فيها بقعة عصي ال فيها ،ولما أتى
آدم بالمعصية اهبط من الجنة وقال ال :ل يسكن في جواري من عصاني !
وقال تعالى " وجعلنا السماء سقفا محفوظا " وقال " تبارك الذي جعل في
السماء بروجا " وورد في الكثر ذكر السماء مقدما على ذكر الرض.
][60
وقال آخرون :بل الرض أفضل ،لنه تعالى وصف بقاعا من الرض
بالبركة " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " " في البقعه
المباركة " " إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله " مشارق الرض
ومغاربها التي باركنا حولها " يعنى أرض الشام ،ووصف جملة الرض
بالبركة " وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام " .فإن قيل :أي
البركات قال " وفي الرض آيات للموقنين " تشريفا لهم ،لنهم هم
المنتفعون بها كما قال " هدى للمتقين " وخلق النبياء منها " منها
خلقناكم " وأودعهم فيها " وفيها نعيدكم " وأكرم نبيه المصطفى فجعل
خرجت بقدرته ومشيته -أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها
كالنطفة في خلق الولد ،وهو قادر على إنشاء الشياء بل أسباب ومواد،
كما أنشأ نفوس السباب والمواد ،ولكن له في هذا التدريج والتسبيب حكما
يتبصر بها من يستبصر ،ويتفطن لها من يعتبر " .ومن " في " من
الثمرات " للتبعيض ،كما أنه قصد بتنكير " ماء " و " رزقا " معنى
الثمرات ليكون بعض رزقكم .ويجوز أن يكون للبيان ،كقولك :أنفقت من
الدراهم ألفا والند :المثل المناوي " .وأنتم تعلمون " حال من ضمير " فل
تجعلوا " ومفعول " تعلمون " مطروح ،أي حالكم أنكم من أهل العلم
والنظر وإصابة الرأي ،فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد
وهو :أنها ل تماثله ول تقدر على مثل ما يفعله " .وهو الذي مد الرض "
قال الرازي :أي جعل الرض ) (1بذلك المقدار المعين الحاصل ل أزيد ول
أنقص ،والدليل عليه هو أن كون الرض أزيد مقدارا مما هو الن أو أنقص
منه أمر جائز ،فاختصاصه بذلك المقدار المعين لبد وأن يكون
][61
بتخصيص مخصص ،وبتقدير مقدر .وقال أبو بكر الصم :المد البسط إلى
ما يدرك منتهاه ،أي جعل حجمها عظيما وإل لما كمل النتفاع بها .وقال
قوم :كانت الرض مدورة فمدها ودحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا
وكذا .وهذا إنما يتم إذا كانت الرض مسطحة ل كرة ،وهو خلف ما ثبت
بالدليل .ومد الرض ل ينافي كونها كرة ،ولن الكرة إذا كانت في غاية
الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح ) " .(1وجعل فيها رواسي " أي
جبال ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها .والستدلل بها على
واحدة ،فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لبد وأن يكون
بتخليق القادر الحكيم .قال ) (2الفلسفة :هذه الجبال إنما تولدت لن البحار
كانت في هذا الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج .ثم يقوى
تأثير الشمس فيها فينقلب حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع .ثم إن الماء كان
يغور ويقل فيتحجر البقية ،فلهذا السبب تولدت هذه الجبال .قالوا :وإنما
والشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الرض فكان التسخين
أقوى ،وشدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات ،فحين كان الحضيض في
جانب الشمال كانت البحار في جانب الشمال ،والن لما انتقل الوج إلى
جانب الشمال والحضيض إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب
الجنوب ،فبقيت هذه الجبال في الشمال هذا حاصل كلم القوم في هذا الباب
وهو ضعيف من وجوه :الول :أن حصول الطين في البحر أمر عام ،فلم
حصل الجبل في بعض الجوانب دون بعض ) (3؟ .الثاني :هو أنا نشاهد في
) (1مفاتيح الغيب :ج ،19ص ) 2ملخصا( (2) .في المصدر :قالت(3) .
واللبن.
][62
فسافا ،كأن البناء بناه من لبنات كثيرة موضوع بعضها على بعض ،ويبعد
حصول مثل هذا التركيب من السبب الذي ذكروه .الثالث :أن أوج الشمس
الن قريب من أول السرطان ،فعلى هذا من الوقت الذي انتقل أوج الشمس
إلى الجانب الشمالي مضى قريبا من تسعة آلف سنة ،وبهذا التقدير إن
الحجار شئ ،لكن ليس المر كذلك ،فعلمنا أن السبب الذي ذكروه ضعيف.
ما يحصل فيها من معادن الفلزات السبعة ،ومواضع الجواهر النفيسة ،وقد
يحصل منها معادن الزاجات والملح ،وقد تحصل معادن النفط والقير
والكبريت ،فكون الرض واحدة في الطبيعة وكون الجبل واحدا في الطبيعة
) (1وكون تأثير الشمس واحدا في الكل يدل دللة ظاهرة على أن الكل
أن بسببها تتولد النهار على وجه الرض ،وذلك لن الحجر جسم صلب،
فإذا تصاعدت البخرة من قعر الرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك ول
يزال يتكامل المر ) (2فيحصل تحت الجبال مياه كثيرة ،ثم إنها لكثرتها
وقوتها تنقب ) (3وتخرج وتسيل على وجه الرض ،فمنفعة الجبال في تولد
النهار هو من هذا الوجه ،ولهذا السبب في أكثر المر أينما ذكر ال تعالى
الجبال قرن بها ذكر النهار مثل هذه الية ومثل قوله " وجعلنا فيها
رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا " .ثم استدل سبحانه بعجائب خلقة
النبات بقوله " ومن كل الثمرات -الخ -فإن الحبة إذا وقعت ) (4في
) (1في المصدر :الطبع (2) .في المصدر :فل تزال تتكامل فيحصل(3) ..
][63
ذلك ينشق أعلها وأسفلها ،فيخرج من الشق العلى الشجرة الصاعدة،
(1ان طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والفلك والكواكب فيها
واحد ،ثم إنه خرج من الجانب العلى من تلك الحبة جرم صاعد إلى
الهواء ،ومن الجانب السفل منه جرم غائص في الرض ،ومن المحال أن
تدبير المدبر الحكيم والمقدر القديم ل بسبب الطبع والخاصية .ثم إن
الشجرة النابتة في تلك الحبة بعضها يكون خشبة ،وبعضها نورا ،وبعضها
ثمرة .ثم إن تلك الثمرة أيضا تحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع ،فالجوز له
القشرة المحيطة باللب ،وتحت تلك القشرة قشرة اخرى في غاية الرقة
تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا .وأيضا فقد تحصل في الثمرة
الواحدة الطبائع المختلفة ،فالترج قشره حار يابس ،ولحمه حار رطب،
وحماضه بارد يابس ،وبذره حار يابس ،وكذلك العنب قشره وعجمه باردان
يابسان ،ولحمه وماؤه حار رطب ) ،(2فتولد هذه الطبائع المختلفة من
وأن يكون لجل الحكيم القديم ) .(3والمراد بزوجين اثنين صنفين اثنين،
نوع حصل من فردين كالنسان من آدم وحواء ،وهكذا .إن في ذلك ليات
لقوم يتفكرون " إنما قال ذلك لن الفلسفة يسندون الحوادث إلى اختلفات
الشكال الكوكبية ،فما لم تقم الدللة على دفع هذا السؤال ليتم المقصود،
) (1فيه :لن (2) .في المصدر :حاران رطبان (3) .فيه :لجل تدبير الحكيم
القادر القديم.
][64
الفلك وأوضاعها إلى واجب الوجود بالذات القادر الحكيم ،والثاني ما يذكر
في اليات التية حيث قال " وفي الرض قطع متجاورات -الية " -
وهي مع ذلك متجاورة ،فبعضها تكون سبخة وبعضها حرة ،وبعضها صلبة
الشمس وسائر الكواكب في تلك القطع على السوية ،ودل هذا على اختلفها
تسقى بماء واحد يكون تأثير الشمس فيها متشابها ) ،(1ثم إن تلك الثمار
تجيئ مختلفة في الطعم واللون والطبيعة والخاصية حتى أنك قد تأخذ
عنقودا من العنب وتكون جميع حباته حلوة نضيجة إل الحبة الواحدة فإنها
بقيت حامضة يابسة ،ونحن نعلم بالضرورة أن نسبة الطبائع والفلك إلى
الكل على السوية بل نقول ههنا ما يعد أعجب منه ،وهو أنه يوجد في بعض
أنواع الورد ما يكون أحد وجهيه في غاية الحمرة والوجه الثاني في غاية
وصل تأثير الشمس إلى أحد طرفيه دون الثاني ،وهذا يدل دللة قطعية على
أن الكل بتقدير الفاعل المختار ،ل بسبب التصالت الفلكية ،وهو المراد من
قوله تعالى " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل "
فبهذا تمت الحجة ،فإن هذه الحوادث السفلية لبد لها من مؤثر وبينا أن
ذلك المؤثر ليس هو الكواكب والفلك والطبائع ،فعند هذا يجب القطع بأنه
لبد من فاعل مختار آخر سوى هذه الشياء ،فعند هذا يتم الدليل ول يبقى
بعده للتفكر مقام ،فلهذا قال ههنا " إن في ذلك لقوم يعقلون " لن ل دافع
البستان الذي يحصل فيه النخل والكرم والزرع ،والصنوان :جمع صنو،
مثل قنوان وقنو ،والصنو أن يكون الصل واحدا وتنبت منه النخلتان
والثلثة وأكثر ،فكل واحد صنو ،وعن ابن العرابي :الصنو :المثل ،أي
][65
يؤكل ،وعن غيره :الكل :المهيا للكل ) .(1و " ال الذي خلق السماوات
والرض " مبتدأ وخبر " .وسخر لكم الفلك " امتن على عباده بتسخير
الفلك ،لن انتفاع العباد يتوقف ) (2عليها ،لنه تعالى خص كل طرف من
أطراف الرض بنوع آخر من النعمة ،حتى أن نعمة هذا الطرف إذا نقلت
إلى الجانب الخر من الرض أو بالعكس كثر الربح في التجارات ،ول يمكن
هذا إل بسفن البر وهي الجمال ،أو بسفن البحر وهي الفلك .ونسبة
التسخير إلى نفسه لنه سبحانه خلق الشجار الصلبة التي منها يمكن
تركيب السفن ،ولول خلقه الحديد وسائر اللت ،ولول تعريفه العباد كيف
يتخذونه ،ولول أنه تعالى خلق الماء على صفة السلسة ) (3التي
باعتبارها يصح جري السفينة ،ولول خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات
القوية فيها ،ولول أنه وسع النهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري
السفن فيها لما وقع النتفاع بالسفن ،فصار لجل أنه تعالى هو الخالق لهذه
الحوال وهو المدبر لهذه المور والمسخر لها حسنت إضافته إليه .وأضاف
التسخير إلى أمره لن الملك العظيم قل ما يوصف أنه فعل ،وإنما يقال فيه:
إنه أمر بكذا ،تعظيما لشأنه " .وسخر لكم النهار " لما كان ماء البحر قل
ما ينتفع في الزراعات لعمقه و ملوحته ذكر تعالى إنعامه على الخلق
بتفجير النهار والعيون ،حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع
" قيل :أي بلسان حالكم بحسب استعداداتكم وقابلياتكم " وإن تعدوا نعمة
ال ل تحصوها " قال الرازي :اعلم أن النسان إذا أراد أن يعرف أن
عجز نفسه .ونحن نذكر منه مثالين :المثال الول :أن الطباء ذكروا أن
) (1مفاتيح الغيب :ج ،19ص ) 8 - 3ملخصا ونقل بالمعنى( (2) .في
][66
نخاعية ،أما الدماغية فإنها سبعة ،ثم أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم
واحد من تلك الرواح السبعة تنقسم إلى شعب كثيرة ،وكل واحد من تلك
الشعب أيضا إلى شعب دقيقة أدق من الشعر ،ولكل واحد منها ممر إلى
العضاء ،ولو أن شعبة واحدة اختلت إما بسبب الكمية والكيفية أو بسبب
الوضع لختلت مصالح البنية .ثم إن تلك الشعب الدقيقة تكون كثيرة العدد
جدا ،ولكل واحد منها حكمة مخصوصة ،فإذا نظر النسان في هذا المعنى
عظيمة لو فاتت لعظم الضرر عليه ،وعرف قطعا أنه ل سبيل له إلى
الوقوف عليها و الطلع على أحوالها ،وعند هذا يقطع بصحة قوله تعالى
" وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية
الباب بحر ل يساحل .وإذا اعتبرت هذا في بدن النسان الواحد فاعرف
أقسام نعم ال تعالى في نفسه وفي روحه ،فإن عجائب عالم الرواح أكثر
من عجائب عالم الجساد .ثم لما اعتبرت حال الحيوان الواحد فعند ذلك
اعتبر أحوال عالم الفلك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر
وجعلت عقل واحدا ،ثم بذلك العقل يتأمل النسان في عجائب حكمة ال
تعالى في أقل الشياء لما أدرك منها إل القليل ! فسبحانه وتقدس عن أوهام
المتوهمين .المثال الثاني :أنه إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في الفم
فانظر إلى ما قبلها وما بعدها ،أما المور التي قبلها أن ) (1تلك اللقمة من
الخبز ل تتم ول تكمل إل إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه
][67
في الحركات ،وفي كيفيتها في الجهة ،وفي السرعة والبطء ،ثم بعد تكون
في أرحام الجبال .ثم إن اللت الحديدية ل يمكن إصلحها إل بآلت اخرى
اللت ،فتأمل أنها كيف تكونت على الشكال المخصوصة ،ثم إذا حصلت
والماء والهواء والنار -حتى يمكن طبخ الخبز من ذلك الدقيق .فهذا هو
النظر في ما تقدم على هذه اللقمة ! أما النظر في ما بعد حدوثها فتأمل في
تركيب بدن الحيوان ،وهو أنه تعالى كيف خلق هذه البدان حتى يمكنها
النتفاع بتلك اللقمة ،وأنه كيف يتضرر الحيوان في الكل ) (1وفي أي
العضاء تحدث تلك المضار ،ول يمكنك أن تعرف القليل من هذه الشياء إل
بمعرفة علم التشريح وعلم الطب بالكلية .فظهر بما ذكرنا أن النتفاع
صحة قوله تعالى " وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " )) (3انتهى كلمه(.
وأقول :يمكن سلوك طريق آخر في ذلك أدق وأوسع مما ذكره ،بأن يقال:
بعد أن عرفت النعم التي على إنسان واحد كزيد مثل من السماوات
والكواكب والعرش والكرسي وجميع الرضيات فإن لها جميعا مدخل في
وجوده وبقائه و نموه فنقول :جميع هذه النعم متعلقة بعمرو أيضا
لمدخليتها في وجوده وبقائه أيضا ،وكل هذه أيضا نعمة لزيد لتوقف وجود
زيد وبقائه على وجود عمرو لكون النسان مدنيا بالنوع ،وكذا بالنسبة إلى
بكر وخالد ،وكذا كل نعمة ل على كل حيوان من الحيونات التي لها مدخل
) (1فيه :بالكل (2) .في المصدر :بهذا البرهان القاهر (3) .مفاتيح الغيب:
][68
بذاته ،ومرة باعتبار كونها نعمة على كل واحد واحد من أفراد البشر،
لمدخلية وجودهم في وجوده ونظام أحواله ،فيضرب عدد تلك النعم في عدد
الشخاص والحيوانات مرات ل تتناهى .ثم لما كان وجود زيد موقوفا على
وجود أبويه فكل نعمة على كل من أبويه وعلى كل من كان في عصر أبويه
نعمة عليه ،وكذا كل نعمة على والدي بكر وخالد نعمة عليه لتوقف وجوده
وبقائه ونظام أحواله على وجود بكر ،ووجوده متوقف على وجود والديه
ووجودهما وبقاؤهما وسائر امورهما متوقفة على جميع النعم على أهل
عصرهما ،فمن هذه الجهة أيضا جميعها نعمة عليه ،فيضرب جميع هذه
العداد الغير المتناهية في جميع تلك العداد الغير المتناهية مرات غير
ينتهي إلى آدم وحواء عليهما السلم ويضرب كل من تلك المراتب في ما
حصل من المراتب السابقة ،وهذا حساب ل يحيط به علم البشر ،ولو اجتمع
المراتب ل يقدرون عليه ،مع أن كل قطرة من قطرات البحار وكل ذرة من
يقدر على إحصاء شعبة واحدة من شعب نعمه الغير المتناهية إل هو ! وله
الحمد بعدد كل نعمة له علينا وعلى كل خلق من مخلوقاته " .إن النسان
لظلوم " يظلم النعمة بإغفال شكرها ،أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان
" كفار " شديد الكفران ،وقيل :ظلوم في الشدة يشكو ويجزع ،كفار في
النعمة يجمع ويمنع " .من كل شئ موزون " قيل :أي بميزان الحكمة،
ومقدر بقدر الحاجة وذلك أن الوزن سبب معرفة المقدار فاطلق اسم السبب
على المسبب .وقيل :أي له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة ،وقيل:
فيها .وقيل :أي متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن
][69
" وجعلنا لكم فيها " أي في الرض ،أو في الجبال ،أو في تلك الموزونات
" معايش " ما يتوصل به إلى المعيشة " ومن لستم له برازقين " عطف
على محل " لكم " أو على " معايش " أي وجعلنا لكم من لستم له
برازقين ،وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو
ال وحده ل الباء والسادات والمخاديم ،ويدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي
على ال رزقها " " .ينبت لكم به الزرع " الذي هو الغذاء الصلي "
والزيتون " الذي هو فاكهة من وجه وغذاء من وجه لكثرة ما فيه من
الدهن " والنخيل والعناب " اللتين هما أشرف الفواكه ،ثم أشار إلى سائر
الثمرات بقوله " ومن كل الثمرات " قال الزمخشري :إنما لم يقل :وكل
الثمرات ،لن كلها ل تكون إل في الجنة .وقيل :قدم الغذاء الحيواني في
قوله سبحانه " والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " على
الغذاء النباتي لن النعمة فيه أعظم لنه أسرع تشبها ببدن النسان ،وفي
ذكر الغذاء النباتي قدم غذاء الحيوان -وهو الشجر -على غذاء النسان -
وهو الزرع وغيره -بناء على مكارم الخلق ،وهو أن يكون اهتمام
النسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه " .وما ذرأ لكم في
الرض " أي خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك " مختلفا ألوانه
" فإن ذرء هذه الشياء على حالة اختلف اللوان والشكال مع تساوي
الكل في الطبيعة الجسمية وفي تأثير الفلكيات فيها آية على وجود الصانع
تعالى شأنه " .رواسي " أي جبال ثوابت " أن تميد بكم " أي كراهة أن
تميد بكم وتضطرب " وأنهارا " أي وجعل فيها أنهارا ،لن " ألقى " فيه
معناه " وسبل لعلكم تهتدون " لمقاصدكم أو إلى معرفة ال " وعلمات "
أي معالم تستدل بها السابلة من جبل ومنهل وريح ونحو ذلك " وبالنجم هم
يهتدون " بالليل في البراري والبحار " إن ال لغفور " حيث يتجاوز عن
تقصيركم في أداء شكرها " رحيم " ل يقطعها لتفريطكم فيه ول يعاجلكم
][70
بالعقوبة على كفرانها " .إنا جعلنا ما على الرض زينة لها " قيل :ما على
وقيل :ل يدخل المكلف فيه ،لن ما على الرض ليس زينة لها على
الحقيقة ،وإنما هو لهلها لغرض البتلء ،فالذي له الزينة يكون خارجا عن
الزينة " لنبلوهم أيهم أحسن عمل " في تعاطيه ،وهو من زهد فيه ولم
يغتر به وقنع منه بالكفاف " .له ما في السماوات " قال الرازي :مالك لما
والفلزات ،ومالك لما بينهما من الهواء ،ومالك لما تحت الثرى .فإن قيل:
تحته شئ ،فهو إما الثور أو الحوت أو الصخرة أو البحر أو الهواء على
الرض من الكنوز والموات ) " .(2الذي جعل لكم الرض مهدا " أي
كالمهد تتمهدونها " وسلك لكم فيها سبل " أي وحصل لكم فيها سبل بين
الجبال والودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها" .
وأنزل من السماء ماء " أي مطرا " فأخرجنا به " قيل :عدل من لفظ
الغيبة إلى التكلم على الحكاية لكلم ال تعالى ،تنبيها على ظهور ما فيه من
الدللة على كمال القدرة والحكمة ،وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الشياء المختلفة
بمشيته " .أزواجا " أي أصنافا " من نبات " بيان وصفة ل " أزواجا "
وكذلك " شتى " ويحتمل أن يكون صفة للنبات ،فإنه من حيث إنه مصدر
في الصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع " شتيت " كمريض
) (1مفاتيح الغيب :ج ،22ص (2) .8مجمع البيان ج ،7ص .2
][71
يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم ،فلذلك قال " كلوا وارعوا أنعامكم "
وهو حال من ضمير " فأخرجنا " على إرادة القول ،أي أخرجنا أصناف
والعلف آذنين فيه " لولي النهى " أي لذوي العقول الناهية عن اتباع
الباطل وارتكاب القبائح ،جمع نهية ،وعن الصادق عليه السلم :نحن اولوا
النهى .وعن الباقر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
خياركم اولوا النهى ،قيل :يا رسول ال ! ومن اولوا النهى ؟ قال :هم اولوا
الخلق الحسنة والحلم الرزينة ،وصلة الرحام ،والبررة بالمهات
ويفشون السلم في العالم ،ويصلون والناس نيام غافلون " .منها خلقناكم
" فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم ،وأول مواد أبدانكم وسيأتي وجه آخر
في الخبر إن شاء ال " .وفيها نعيدكم " بالموت وتفكيك الجزاء " ومنها
نخرجكم تارة اخرى " بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على
الصور السابقة ورد الرواح فيها " .وجعلنا فيها " أي في الرض ،أو في
الرواسي " فجاجا سبل " مسالك واسعة ،و إنما قدم " فجاجا " وهو
وصف له ليصير حال يدل على أنه حين خلقها كذلك ،أو ليبدل منها " سبل
" فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة ،مع ما يكون فيه من التأكيد
" لعلهم يهتدون " إلى مصالحهم " .أولم يروا إلى الرض " أي أولم
وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى .قيل :وههنا يحتمل أن تكون مقيدة لما
يتضمن الدللة على القدرة ،وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إل
وله فائدة إما وحده أو مع غيره .و " كل " لحاطة الزواج ،و " كم "
لكثرتها " .إن في ذلك " أي في إثبات ) (1تلك الصناف ،أو في كل واحد
" لية " على أن منبتها تام القدرة والحكمة ،سابغ النعمة والرحمة.
) (1انبات )ظ(.
][72
" أتتركون " إنكار لن يتركوا كذلك ،أو تذكير بالنعمة في تخلية ال إياهم
و أسباب تنعمهم آمنين ،ثم فسر بقوله " في جنات وعيون وزروع ونخل
طلعها هضيم " أي لطيف لين ،للطف التمر ،أو لن النخل انثى وطلع إناث
النخل ألطف وهو يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو ،أو
متدل منكسر من كثرة الحمل " فارهين " أي حاذقين ،أو بطرين " .حدائق
ذات بهجة " أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه ولم يقل :ذوات بهجة،
لنه أراد تأنيث الجماعة ،ولو أراد تأنيث العيان لقال :ذوات " ...قوم
يعدلون " أي يشركون بال غيره " قرارا " أي مستقرا ل تميل ول تميد
بأهلها " وجعل خللها " أي في وسط الرض وفي مسالكها ونواحيها "
أنهارا " جارية ينبت بها الزرع ويحيى به الخلق " وجعل لها رواسي "
أي ثوابت اثبتت بها الرض " وجعل بين البحرين حاجزا " أي مانعا من
قدرته بين العذب والمالح ،فل يختلط أحدهما بالخر " مختلفة ألوانها "
قيل :أي أجناسها ،أو أوصافها على أن كل منها لها أصناف مختلفة أو
هيآتها من الصفرة والخضرة ونحوهما " .من الجبال جدد " أي ذو جدد
وخطوط وطرائق ،يقال :جدة الحمار ،للخطة السوداء على ظهره " مختلف
ألوانها " بالشدة والضعف " وغرابيب سود " عطف على " بيض " أو
على " جدد " كأنه قيل :ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ،ومنها غرابيب
متحدة اللون ،وهو تأكيد مضمر يفسره ،فإن الغربيب تأكيد للسود وحق
التأكيد أن يتبع المؤكد " .مختلف ألوانه كذلك " أي كاختلف الثمار
والجبال " .إنما يخشى ال من عباده العلماء " إذ شرط الخشية معرفة
المخشي والعلم بصفاته وأفعاله ،فمن كان أعلم به كان أخشى منه " إن ال
عزيز غفور " تعليل لوجوب الخشية لدللته على أنه معاقب للمصر على
طغيانه غفور للتائب عن عصيانه " .وأخرجنا منها حبا " المراد جنس
الحب " فمنه يأكلون " قيل :قدم الصلة للدللة على أن الحب معظم ما
يؤكل ويعاش به " من نخيل وأعناب " أي من أنواع النخل والعنب " من
العيون " أي شيئا من العيون ،و " من " مزيدة عند الخفش " من ثمره
" أي من ثمر ما ذكر وهو الجنات ،وقيل :الضمير ل عليه طريقة اللتفات،
و
][73
الضافة إليه لن الثمر مخلوقه " وما عملته أيديهم " عطف على الثمر،
والمراد ما يتخذ منه العصير والدبس ونحوهما ،وقيل " :ما " نافية،
والمراد أن الثمر بخلق ال ل بفعلهم " أفل يشكرون " أمر بالشكر من
حيث إنه إنكار لتركه " .خلق الزواج كلها " أي النواع والصناف " مما
تنبت الرض " من النبات والشجر " ومن أنفسهم " الذكر والنثى " ومما
ل يعلمون " أي وأزواجا مما لم يطلعهم ال عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى
معرفته " .ترى الرض خاشعة " أي يابسة متطأمنة ،مستعار من الخشوع
بمعنى التذلل " اهتزت " أي تحركت بالنبات " وربت " أي انتفخت
وارتفعت قبل أن تنبت ،وقيل اهتزت بالنبات وربت بكثرة ريعها " .وما بث
" عطف على السماوات أو الخلق " من دابة " قيل :أي من حي على
إطلق اسم السبب على المسبب ،أو مما يدب على الرض وما يكون في
أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة " إذا يشاء " أي في أي وقت
يشاء " قدير " متمكن منه " .وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض
جميعا " بأن خلقها نافعة لكم " منه " حال من " ما " أي سخر هذه
الشياء كائنة منه ،أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه ،أو لما في
السماوات و " سخر لكم " تكرير للتأكيد ،أو لما في الرض " .من كل
زوج بهيج " أي من كل صنف حسن " لكل عبد منيب " أي راجع إلى ربه
متفكر في بدائع صنعه " .والرض فرشناها " أي مهدناها ليستقروا عليها
" فنعم الماهدون " أي نحن " ومن كل خلقنا زوجين " أي نوعين " لعلكم
يقبل النقسام والتعدد .وروي عن الرضا عليه السلم في خطبة طويلة قد
تقدم في كتاب التوحيد مشروحا :وبمضادته بين الشياء عرف أن ل ضد
له ،وبمقارنته بين الشياء عرف أن ل قرين له ،ضاد النور بالظلمة
مفرقا بين متدانياتها ،دالة بتفريقها على مفرقها ،وبتأليفها على مؤلفها،
][74
شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " " .والرض وضعها " أي حفظها
مدحوة " للنام " للخلق ،وقيل :النام كل ذي روح " فيها فاكهة " أي
ضروب مما يتفكه به " والنخل ذات الكمام " هي أوعية التمر جمع " كم
كالمكموم وكالجذع " .والحب " كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به "
ذوالعصف " هو ورق النبات اليابس كالتين " والريحان " يعني المشموم،
أو الرزق من قولهم :خرجت أطلب ريحان ال وعن الرضا عليه السلم "
والرض وضعها للنام " قال :للناس " فيها فاكهة والنخل ذات الكمام "
قال :يكبر ثمر النخل في القمع ثم يطلع منه .قوله " والحب ذو العصف
والريحان " قال :الحب الحنطة والشعير والحبوب ،والعصف التين ،و
الريحان ما يؤكل منه " .فبأي آلء ربكما تكذبان " المخاطبة للثقلين ،وفي
الحديث أنه في الباطن مخاطبة للولين ،والمعنى :فبأي النعمتين تكفران
بمحمد أم بعلي ؟ وفي خبر آخر :بالنبي أم بالوصى ؟ " .ومن الرض
مثلهن " قال الطبرسي -ره :-وفي ) (2الرض خلق مثلهن في العدد ل
في الكيفية ،لن كيفية السماء مخالفة لكيفية الرض ،وليس في القرآن آية
تدل على أن الرضين سبع مثل السماوات إل هذه الية ،ول خلف في
السماوات أنها سماء فوق سماء ،وأما الرضون فقال قوم :إنها سبع
أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات ،لنها لو كانت مصمتة لكانت
أرضا واحدة ،وفي كل أرض خلق خلقهم ال تعالى كيف شاء ،وروى أبو
صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض ،تفرق
بينهن البحار ،وتظل جميعهن السماء وال سبحانه أعلم بصحة ما استأثر
بعلمه واشتبه على خلقه .وقد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد،
عن أبي الحسن عليه السلم قال :بسط كفيه ثم وضع اليمنى عليها فقال:
) (1كفرى -بضم الولين وفتحهما وكسرهما وتشديد الراء المفتوحة ،-
وعاء طلع النخل (2) .كذا في نسخ الكتاب ،وفى المجمع :وخلق من الرض
مثلهن..
][75
الدنيا عليها قبة ،والرض الثانية فوق سماء ) (1الدنيا والسماء الثانية
فوقها قبة ،و الرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة،
السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة ،وعرش الرحمن فوق السماء
السابعة ،وهو قوله " سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن
" وإنما صاحب المر النبي صلى ال عليه واله وهو على وجه الرض
يكون المعنى :تتنزل الملئكة بأوامره إلى النبياء ،وقيل :معناه ينزل )(3
وسلمة حي وهلك آخر ،وغنى إنسان وفقر آخر ،وتصريف المور على
الحكمة )) (4انتهى( .وقال الرازي :قال الكلبي :خلق سبع سماوات بعضها
فوق بعض مثل القبة " ومن الرض مثلهن " في كونها طبقات )(5
وطبقة طينية وهي غير محضة ،وطبقة منكشفة بعضها في البر وبعضها
في البحر وهي المعمورة .ول يبعد من قوله " ومن الرض مثلهن " كونها
سبعة أقاليم على ) (6سبع سماوات وسبعة كواكب فيها وهي السيارة ،فإن
لكل واحد من هذه الكواكب خواص تظهر آثار تلك الخواص في كل أقاليم
الرض ،فتصير سبعة بهذا العتبار ،فهذه هي الوجوه التي ل يأباها العقل،
وما عداها من الوجوه المنقولة من أهل التفسير فمما يأباه العقل مثل ما
يقال :السماوات السبع أولها موج مكفوف وثانيها صخر ،وثالثها حديد،
ورابعها نحاس ،وخامسها فضة ،وسادسها ذهب ،و سابعها ياقوت ،وقول
من قال :بين كل واحدة منها وبين الخرى مائة ) (7عام وغلظ
) (1في بعض النسخ وفى المصدر :السماء 2) .و (3في المصدر :يتنزل) .
(4مجمع البيان :ج ،10ص (5) .310في المصدر :طباقا (6) .فيه :على
][76
كل واحد منها كذلك ،فذلك غير معتبر عند أهل التحقيق ويمكن أن يكون
أكثر من ذلك ،وال أعلم بأنه ما هو وكيف هو )) (1انتهى( .واقول :وقد مر
بعض الوجوه في الرضين السبع في باب الهواء " .لتعلموا " علة الخلق،
أو يتنزل ) (2أو يعمها ،فإن كل منهما يدل على كمال قدرته وعلمه" .
ذلول " قيل :أي لينة فسهل ) (3لكم السلوك فيها " فامشوا في مناكبها "
أي في جوانبها وجبالها ،وهو مثل لفرط التذليل ،فإن منكب البعير ينبو عن
أن يطأه الراكب ول يتذلل له ،فإذا جعل الرض في الذل بحيث يمشي في
مناكبها لم يبق شئ لم يتذلل " .وكلوا من رزقه " أي والتمسوا من نعم ال
" وإليه النشور " أي المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم " .بساطا "
أي مبسوطة ليمكنكم المشي عليها والستقرار فيها " .سبل فجاجا " أي
طرقا واسعة ،وقيل :طرقا مختلفة ،عن ابن عباس ،وقيل :سبل في
الصحاري ،وفجاجا في الجبال " .كفاتا " قال الطبرسي -ره :-كفت الشئ
يكفته كفتا وكفاتا إذا ضمه ،و منه الحديث " اكفتوا صبيانكم " أي ضموهم
إلى أنفسكم ،ويقال للوعاء كفت وكفيت قال أبو عبيد :كفاتا أي أوعية.
والمعنى :جعلنا الرض كفاتا للعباد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم
المؤمنين عليه السلم أنه نظر إلى الجبانة ) (4فقال :هذه كفات الموات،
ثم نظر إلى البيوت فقال :هذه كفات الحياء .وقوله " أحياء وأمواتا " أي
منها ما ينبت و منها مال ينبت ،فعلى هذا يكون أحياء وأمواتا نصبا على
الحال ،وعلى القول الول على المفعول به " .رواسي شامخات " أي جبال
) (1مفاتيح الغيب :ج ،30ص (2) 40التنزل )ظ( (3) .كذا ،والظهر "
وجعلنا لكم سقيا من الماء العذب ،عن ابن عباس " .ويل يومئذ للمكذبين "
بهذه النعم وأنها من جهة ال ) " .(1مهادا " أي وطاء وقرارا ومهيأ
للتصرف فيه من غير أذية ،والمصدر بمعنى المفعول ،أو الحمل على
المبالغة ،أو المعنى ذات مهاد " .وخلقناكم أزواجا " أي أشكال كل واحد
شكل للخر ،أو ذكرانا وإناثا حتى يصح منكم التناسل ويتمتع بعضكم
ببعض ،أو أصنافا أبيض وأسود ،وصغيرا وكبيرا ،إلى غير ذلك " .وجعلنا
نومكم سباتا " أي راحة ودعة لجسادكم ،أو قطعا لعمالكم وتصرفكم أي
سباتا ليس بموت على الحقيقة ول مخرج عن الحياة والدراك " وجعلنا
الليل لباسا " أي غطاء وسترة يستر كل شئ بظلمته وسواده " .وجعلنا
النهار معاشا " أي مطلب معاش ،أو وقت معاشكم .وبنينا فوقكم سبعا
شدادا " أي سبع سماوات محكمة أحكمنا صنعها وأوثقنا بناءها " .وجعلنا
سراجا وهاجا " يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متللئا
بالنور يستضيئون بها .وقيل :الوهج مجمع ) (2النور والحر " .و أنزلنا
الرياح فتمطر ،كقولهم أحصد الزرع ،أي حان له أن يحصد " ماء ثجاجا "
أي منصبا بكثرة " لنخرج به حبا ونباتا " فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع
الذي يحصد ،والنبات الكل من الحشيش والزروع ونحوها ،قيل :حبا يأكله
الناس ،ونباتا تنبته الرض مما تأكله النعام " وجنات ألفافا " أي بساتين
ملتفة بالشجر ،أو بعضها ببعض ،وإنما سميت جنة لن الشجر تجنها أي
تسترها " .ذات الصدع " أي ما يتصدع عنه الرض من النبات ،أو الشق
بالنبات والعيون .أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت " خلقا دال على كمال
قدرته وحسن
][78
تدبيره ،حيث خلقها لجر الثقال إلى البلد النائية ،فجعلها عظيمة ،باركة
للحمل ناهضة به ،منقادة لمن اقتادها ،طوال العنان لتنوء بالوقار ،ترعى
كل نابت ،وتحمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البراري
والمفاوز مع مالها من منافع اخر فلذا خصت بالذكر ،ولنها أعجب ما عند
العرب من هذا النوع .وقيل :المراد بها السحاب على الستعارة " .وإلى
السماء كيف رفعت " بل عمد " وإلى الجبال كيف نصبت " فهي راسخة ل
تميل " وإلى الرض كيف سطحت " أي بسطت حتى صارت مهادا " .وما
طحيها " أي ومن طحيها ،أو مصدرية ،وطحوها تسطيحها وبسطها- 1 .
الحتجاج :عن هشام بن الحكم ،قال :سأل الزنديق في ما سأل أبا عبد ال
عليه السلم :فقال النهار قبل الليل ؟ فقال :نعم ،خلق النهار قبل الليل،
والشمس قبل القمر ،والرض قبل السماء ،ووضع الرض على الحوت،
والملك على الثرى ،والثرى على الريح ) (1والريح على الهواء ،والهواء
تمسكه القدرة ،وليس تحت الريح العقيم إل الهواء والظلمات ،ول وراء
من الكرسي ) - 2 .(3تفسير على بن ابراهيم :عن أبيه ،عن علي بن
فالحوت على أي شئ هو ؟ قال :على الماء ،فقيل له :فالماء على أي شئ
هو ؟ قال :على الثرى ،قيل له :فالثرى على أي شئ هو ؟ قال :عند ذلك
) (1في المصدر :الريح العقيم (2) .في المصدر :خلقه ال (3) .الحتجاج:
- 3ومنه :عن محمد بن أبي عبد ال ،عن سهل بن زياد ،عن ابن محبوب،
عن جميل بن صالح ،عن أبان بن تغلب ،قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم
عن الرض على أي شئ هي ؟ قال :على الحوت ،قلت :فالحوت على أي
فقال :هيهات ! عند ذلك ضل علم العلماء ) .(1الكافي :عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب مثله ) .(2بيان :الملس :الصحيح
الظهر ،ولعل المراد هنا أنه لم يلحقه من هذا الحمل دبر وجراحة في ظهره.
وفي القاموس :الثرى :الندى ،والتراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا،
والخير )انتهى( " .ضل علم العلماء " أي غير المعصومين أو المراد
عن الخلق وقد يقال :المراد بالثرى هنا الخير الكامل يعني القدرة ،فإن
استقرار جميع الشياء على قدرة ال تعالى ،وقيل :المراد بالثرى هنا ما هو
منتهى الموجودات ،ولما كان تعقل النفي الصرف صعبا على الفهام قال:
عند ذلك ضل علم العلماء ،للف الناس بالبعاد القارة وجسم خلف جسم،
ولذا ذهب بعض المتكلمين إلى أبعاد موهومة غير متناهية وقالوا بالخل4 .
-التفسير :عن أبيه ،عن الحسين بن خالد ،عن أبي الحسن الرضا عليه
السلم قال :قلت :أخبرني عن قول ال " والسماء ذات الجبك " فقال :هي
محبوكة إلى الرض -وشبك بين أصابعه -فقلت :كيف تكون محبوكة إلى
الرض وال يقول " رفع السماوات بغير عمد ترونها " ؟ فقال :سبحان
ال ! أليس يقول " بغير عمد ترونها " ؟ قلت :بلى فقال :فثم عمد ولكن
][80
كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها ،فقال :هذه أرض الدنيا ،والسماء الدنيا
عليها ) (1فوقها قبة ; والرض الثانية فوق السماء الدنيا ،والسماء الثانية
فوقها قبة ; والرض الثالثة فوق السماء الثانية ،والسماء الثالثة فوقها
قبة ،والرض الرابعة فوق السماء الثالثة ،والسماء الرابعة فوقها قبة ;
وعرش الرحمان تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قول ال " الذي
خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن " فأما صاحب
المر ) (2فهو رسول ال صلى ال عليه واله والوصي بعد رسول ال صلى
ال عليه واله قائم هو على وجه الرض ،فإنما ينزل المر إليه من فوق
فقال :ما تحتنا إل أرض واحدة ،وإن الست لهن ) (3فوقنا ) .(4العياشي:
عن الحسين بن خالد مثله .بيان :قال الفيروز آبادي " :الحبك " الشد
)انتهى( .فالمراد بكونها محبوكة :أنها متصلة بالرض معتمدة عليها ،وأن
كل سماء على كل أرض كالقبة الموضوعة عليها ،ولما كان هذا ظاهرا
وأوفقهما للشواهد العقلية -أن يكون المراد بالرض ما سوى السماء من
العناصر ،ويكون المراد نفي توهم أن بين السماء والرض خل ،بل هو
مملو من سائر العناصر ،والمراد بالرضين السبع هذه الرض وستة من
) (1كذا (2) .الرض )خ( (3) .في المصدر :لهى (4) .تفسير القمى.646 :
][81
الرض أرض لنا والسماء الولى سماء لنا تظلنا ،والسطح المحدب للسماء
الولى أرض للملئكة المستقرين عليها ،والسماء الثانية سماء لهم ،وهكذا
محدب كل سماء أرض لما فوقها ومقعر السماء الذي فوقها سماء بالنسبة
إليها إلى السماء السابعة ،فإنها سماء وليست بأرض ،والرض التي نحن
عليها أرض وليست بسماء ،والسماوات الستة الباقية كل منها سماء من
جهة وأرض من جهة .وثانيهما :أن يكون المعنى أن السماوات سبع كرات
في جوف كل سماء أرض وليست السماوات بعضها في جوف بعض كما هو
المشهور بل بعضها فوق بعض معتمدا بعضها على بعض ،فالمراد بقوله "
إلى الرض " أي مع الرض ،أو إلى أن ينتهي إلى هذه الرض التي نحن
عليها .قوله عليه السلم " فأما صاحب المر " أي الذي ينزل هذا المر
إليه - 5 .العيون والعلل :في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه
الخطاب العور ،رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمد عليهم السلم قال:
" وفي الرض قطع متجاورات " يعني هذه الرض الطيبة يجاورها هذه
المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم - 7 .الختصاص:
عن ابن عباس .سأل ابن سلم النبي صلى ال عليه واله ما الستون ؟ قال:
الرض لها ستون عرقا والناس خلقوا على ستين لونا ) - 8 .(2معاني
الخبار :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن القاسم بن محمد الصبهاني
عن سليمان بن داوود المنقري ،عن حماد بن عيسى ،عن أبي عبد ال
عليه السلم أنه نظر إلى المقابر فقال :يا حماد هذه كفات الموات ،ونظر
إلى البيوت فقال :هذه كفات الحياء ثم تل " ألم نجعل الرض كفاتا أحياء
) (1العيون :ج ،1ص ،241علل الشرائع :ج ،2ص (2) .280
][82
بيان :لعل المعنى أن دفن الشعر والظفر في الرض لما كان مستحبا فهذا
أيضا داخل في كفات الحياء ،أو في كفات الموات لعدم حلول الحياة فيهما،
و الول أظهر - 9 .العيون :عن المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري
عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم السلم في قوله عزوجل " :الذي
جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء " قال :جعلها ملئمة لطبائعكم موافقة
فتجمدكم ،ول شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ،ول شديدة النتن فتعطبكم
ول شديدة اللين كالماء فتغرقكم ول شديدة الصلبة فتمتنع عليكم في دوركم
) (2و أبنيتكم وقبور ) (3موتاكم ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما
ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فذلك " جعل الرض فراشا
" ثم قال " :والسماء بناء " سقفا ) (5محفوظا من فوقكم يدير فيها
شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم .ثم قال عزوجل " :وأنزل من السماء
ماء " يعني المطر ينزله من علي ) (6ليبلغ قلل جبالكم وتللكم وهضابكم
وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابل وهطل وطل لتنشفه أرضوكم ،ولم يجعل
ذلك المطر نازل عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم
وثماركم ،ثم قال عزوجل " فأخرج به من الثمرات رزقا لكم " يعني مما
يخرجه من الرض رزقا لكم " فل تجعلوا ل أندادا " أي أشباها وأمثال من
الصنام التي لتعقل ول تسمع ول تبصر ول تقدر على شئ " وأنتم تعلمون
" أنها ل تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم
تبارك وتعالى ) .(7الحتجاج :بالسناد إلى أبي محمد عليه السلم مثله )
.(8
) (1البقرة (2) .22 :في الحتجاج :حرثكم (3) .فيه :دفن موتاكم(4) .
فيه :من اللين ما تنقاد به لحرثكم (5) .فيه :يعنى سقفا (6) ..فيه :علو) .
][83
تفسير المام :عليه السلم مثله .بيان " :فتصدع " على بناء التفعيل من
والندى أو فوقه ودون المطر ،كل ذلك ذكره الفيروز آبادي - 10 .التوحيد:
عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن إبراهيم بن هاشم وغيره عن خلف بن
حماد ،عن الحسن بن زيد الهاشمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
جاءت زينب العطارة الحولء إلى نساء رسول ال صلى ال عليه واله
وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل ) (1رسول ال صلى ال عليه واله
وهي عندهن فقال :إذا أتيتنا طابت بيوتنا ،فقالت :بيوتك بريحك أطيب يا
رسول ال ،فقال :إذا بعت فاحشي ) (2ول تغشي ،فإنه أتقى وأبقى للمال،
فقالت :ماجئت ) (3لشئ من بيعي وإنما جئتك أسألك عن عظمة ال ،قال:
جل جلله ،سأحدثك عن بعض ذلك ،ثم قال :إن هذه الرض بمن فيها )(4
ومن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة ) (5في فلة قي ،وهاتان ومن
فيهما ومن عليهما عند التي تحتهما كحلقة ) (6في فلة قي ،والثالثة حتى
انتهى إلى السابعة ثم تل هذه الية " :خلق سبع سماوات ومن الرض
مثلهن " والسبع ) (7ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة )(8
في فلة قي ،والديك له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجله في التخوم،
والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة ) (9في فلة قي،
والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة )
(10في فلة قي ،والسبع والديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم
) (1في الكافي :فجاء (2) .في التوحيد والكافي :فأحسني (3) .في الكافي:
فقالت :يا رسول ال ما أتيت بشئ من بيعي وإنما أتيت (4) .فيه :بمن
عليها (5) .في التوحيد .كحلقة في فلة (6) ..في الكافي :كحلقة ملقاة(7) ..
][84
قي ،والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة )
(1في فلة قي ،والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء
عند الثرى كحلقة ) (2في فلة قي ثم تلهذه الية " :له ما في السموات
وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى ) " (3ثم انقطع الخبر )(4
والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه
ومن عليه عند السماء الولى كحلقة في فلة قي ،وهذا و السماء ) (5الدنيا
ومن فيها ومن عليها عند التي فوقها كحلقة في فلة قي ،وهذا و هاتان
السماوان عند الثالثة كحلقة في فلة قي ،وهذا وهذه الثلث عند الرابعة
بمن فيهن ومن عليهن كحلقة في فلة قي حتى انتهى إلى السابعة ،وهذه
السبع ) (6و من فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الرض
كحلقة في فلة قي ،و السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في
فلة قي ،ثم تل هذه الية " :و ينزل من السماء من جبال فيها من برد )(7
" وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد ) (8عند حجب النور كحلقة
في فلة قي ،وهو سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالبصار ،وهذا والسبع
والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب عند الهواء الذي تحار قيه
القلوب كحلقة في فلة قي ،والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد و الهواء
) (9والحجب في الكرسي كحلقة في فلة قي ،ثم تلهذه الية " :وسع
كرسيه السماوات والرض ول يؤده حفظهما وهو العلي العظيم )" (10
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب والكرسي عند
في التوحيد والكافي :سماء (6) .في الكافي :وهن (7) .النور (8) .43 :في
الكافي :وجبال البرد عند الهواء (9) .في الكافي .:والهواء عند حجب النور
كحلقة في فلة قى ،وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء
][85
ثم تل هذه الية " :الرحمان على العرش استوى ) " (1ما تحمله الملك
عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن عبد الرحمان بن أبي نجران
عن صفوان ،عن خلف بن حماد مثله .بيان " :فإنه أتقى " أي أقرب إلى
التقوى وأنسب بها ،أو أحفظ لصاحبه عن مفاسد الدنيا والخرة .وقال
الجوهري :الفلة المفازة .وقال :القي بالكسر والتشديد " فعل " من القواء
وهي الرض القفر الخالية .وقال :التخم منتهى كل قرية أو أرض يقال:
فلن على تخم من الرض ،والجمع تخوم .قوله عليه السلم " ثم انقطع
الخبر " وفي الكافي " عند الثرى " والمعنى أنا لم نخبر به أو لم نؤمر
بالخبار به .قوله " المكفوف عن أهل الرض " أي ممنوع عنهم ل ينزل
منه ماء إليهم ،وفي الكافي بعد قوله " :من جبال فيها من برد " هكذا:
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه
القلوب كحلقة في فلة قي ،وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد
والهواء عند حجب النور كحلقة في فلة قي ،وهذه السبع والبحر المكفوف
وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلة قي ،وهذه السبع
والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي -إلى
قوله :-وتل هذه الية " :الرحمان على العرش استوى " ثم قال :وفي
رواية الحسن :الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب ،أي كانت الرواية
في كتاب الحسن بن محبوب هكذا موافقا لما نقله الصدوق .ثم اعلم أن
الخبر يدل على أن الرضين طبقات بعضها فوق بعض ،وقد يستشكل فيما
والبحر المظلم والهواء والثرى عند السماء الولى كحلقة في فلة قي ،فيدل
على أن جميع ذلك ليس لها قدر محسوس عند فلك القمر ،مع أن الرض
) (1الكافي :ج ،8ص ،153والية في سورة طه (2) .5 :التوحيد.199 :
][86
عنده بدللة الخسوف واختلف المنظر وغير ذلك مما علم في البعاد
والجرام .وقد يجاب عن ذلك بأنه لما لم يمكن أن تحمل النسب التي ذكرت
بين هذه الموجودات في هذا الحديث على النسب المقدارية التي اعتبر مثلها
بين الحلقة والفلة اللتين هما المشبه بهما في جميع المراتب فإنه خلف ما
والحسابية التي ل يحوم حولها الشك أصل ول تعتريها الشبهة قطعا ،فيمكن
أن يأول ويحمل على أن المعنى أن نسبة الحكم والمصالح المرعية في خلق
كل من تلك المراتب إلى ماروعي فيما ذكر بعده كنسبة مقدار الحلقة إلى
فكيف إلى ما فوقه .وأجاب آخرون :بأن المعنى ارتفاع ثقل كل من تلك
الموجودات عما اتصل به ،فالطبقة الولى من الرض رفع ال ثقلها عن
الطبقة الثانية فليس ثقلها عليها إل كثقل حلقة على فلة سواء كانت أكبر
منها حجما أو أصغر .وأقول :على ما احتملنا سابقا من كون جميع الفلك
أجزاء من السماء الدنيا داخلة فيها كما هو ظاهر الية الكريمة يمكن حمل
هذا التشبيه على ظاهره من غير تأويل ،وال يعلم حقائق الموجودات11 .
-توحيد المفضل :قال :قال الصادق عليه السلم :فكر يا مفضل فيما خلق
ال عزوجل عليه هذه الجواهر الربعة ليتسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك
سعة هذه الرض وامتدادها ،فلول ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس
الموحشة يقول :ما المنفعة فيها ؟ فهي مأوى هذه الوحوش ومحالها
ومرعاها ،ثم فيها بعد متنفس ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الستبدال
بأوطانهم ،وكم بيداءوكم فدفد حالت قصورا وجنانا بانتقال الناس إليها
وحلولهم فيها ،ولول سعة الرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار
ضيق ل يجد
) (1في بعض النسخ " الخاوية " والظاهر من بيان المؤلف انه كان كذلك
في نسخته
][87
مندوحة عن وطنه إذا أحزنه ) (1أمر يضطره إلى النتقال عنه .ثم فكر في
خلق هذه الرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة ،فيكون موطنا
واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلزل على قلة مكثها حتى يصيروا إلى
ترك منازلهم والهرب عنها .فإن قال قائل :فلم صارت هذه الرض تزلزل ؟
قيل له :إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس ليرعوا
في التدبير على ما فيه صلحهم واستقامتهم ويدخر لهم إن صلحوا من
ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلحا للعامة والخاصة .ثم إن الرض
في طباعها الذي طبعها ال عليه باردة يابسة وكذلك الحجارة ،و إنما الفرق
بينها وبين الحجارة فضل يبس في الحجارة ،أفرأيت لو أن اليبس أفرط على
الرض قليل حتى تكون حجرا صلدا أكانت تنبت هذا النبات الذي به حياة
الحيوان وكان يمكن بها حرث أو بناء ؟ أفل ترى كيف نقصت عن )(2
للعتماد ،ومن تدبير الحكيم -جل وعل -في خلقة الرض أن مهب الشمال
أرفع من مهب الجنوب ،فلم يجعل ال عزوجل كذلك إل لتنحدر المياه على
وجه الرض فتسقيها وترويها ثم يفيض آخر ذلك إلى البحر ،فكما يرفع أحد
جانبي السطح ويخفض ) (3الخر لينحدر الماء عنه ول تقوم عليه كذلك
جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها ،ولول ذلك لبقي
الماء متحيرا على وجه الرض فكان يمنع الناس من أعمالها ويقطع الطرق
والمسالك .ثم الماء لول كثرته وتدفقه في العيون والودية والنهار لضاق
) (1في بعض النسخ " حزبه " والظاهر من بيان المؤلف انه موافق
][88
فيه الحيتان ودواب الماء ،وفيه منافع اخر أنت بها عارف ،وعن عظم
موقعها غافل ،فإنه سوى المر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع
ما على الرض من الحيوان والنبات يمزج بالشربة فتلين وتطيب لشاربها،
وبه تنظف البدان والمتعة من الدرن الذي يغشاها ،وبه يبل التراب فيصلح
للعتمال ،وبه نكف عادية النار إذا اضطرمت وأشرف الناس على المكروه
وبه يستحم المتعب الكال فيجد الراحة من أوصابه ،إلى أشباه هذا من
المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها .فإن شككت في
منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار وقلت :ما الرب فيه ؟ فاعلم أنه
مكتنف ومضطرب مال يحصى من أصناف السمك ودواب البحر ومعدن
الناس ومحمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة ،كمثل ما يجلب
من الصين إلى العراق ،ومن العراق إلى العراق ،فإن هذه التجارات لو لم
يكن لها محمل إل على الظهر لبارت ) (1وبقيت في بلدانها وأيدي أهلها،
لن أجر حملها كان يجاوز أثمانها فل يتعرض أحد لحملها ،وكان يجتمع في
ذلك أمران :أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها ،والخر :انقطاع
معاش من يحملها ويتعيش بفضلها .و هكذا الهواء لول كثرته وسعته
لختنق هذا النام من الدخان والبخار التي يتحير فيه ويعجز عما يخول إلى
السحاب والضبات أول أول ،وقد تقدم من صفته ما فيه كفاية .والنار أيضا
كذلك ،فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم والماء كانت تحرق العالم وما فيه ولم
ما احتيج إلى بقائها لئل تخبوا ،فل هي تمسك بالمادة والحطب فتعظم
المؤونة في ذلك ،ول هي تظهر مبثوثة فتحرق كلما هي فيه ،بل هي على
][89
والسلمة من ضررها .ثم فيها خلة اخرى وهي أنها مما خص به النسان
دون جميع الحيوان لماله فيها من المصلحة ،فإنه لو فقد النار لعظم يدخل
ولما قدر ال عزوجل أن يكون هذا هكذا خلق للنسان كفا وأصابع مهيأة
لقدح النار واستعمالها ،ولم يعط البهائم مثل ذلك ،لكنها اغنيت بالصبر على
الجفاء والخلل في المعاش لكيل ينالها في فقد النار ما ينال النسان .وانبئك
من منافع النار على خلة صغيرة عظيم موقعها ،وهي هذا المصباح الذي
لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور ،فمن كان يستطيع أن
يكتب أو يحفظ أو ينسج في ظلمة الليل ؟ وكيف كانت حال من عرض له
وجع في وقت من أوقات الليل فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا أو
الساكنة ،وهدأ هدء وهدوء :سكن ،و قوله عليه السلم :رجراجة :أي
ويكسر :-الصلب الملس .قوله عليه السلم " إن مهب الشمال أرفع " أي
بعد ما خرجت الرض من الكروية الحقيقية صار ما يلي الشمال منها في
أكثر المعمورة أرفع مما يلي الجنوب ،ولذا ترى أكثر النهار -كدجلة
والفرات وغيرهما -تجري من الشمال إلى الجنوب ،ولما كان الماء الساكن
في جوف الرض تابعا للرض في ارتفاعه وانخفاضه فلذا صارت العيون
][90
تجري على وجه الرض ،ولذا حكموا بفوقية الشمال على الجنوب في حكم
اجتماع البئر والبالوعة وإذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك ما بينه عليه السلم
من الحكم في ذلك وأنه ل ينافي كروية الرض .والتدفق :التصبب .قوله
عليه السلم " فإنه سوى المر الجليل " الضمير راجع إلى الماء وهو اسم
" إن " و " يمزج " خبره ،أي للماء سوى النفع الجليل المعروف -وهو
كونه سببا لحياة كل شئ -منافع اخرى :منها أنه يمزج مع الشربة .وقال
الجوهري :الحميم :الماء الحلو ،وقد استحممت :إذا اغتسلت به ثم صار كل
على المرجان مجازا ويحتمل أن يكون المراد ما يستخرج منه بالغوص وإن
لم يتكون فيه .واليلنجوج :عود البخور ،و " من العراق " أي البصرة "
إلى العراق " أي الكوفة ،أو بالعكس .قوله عليه السلم " ويعجز " أي
لول كثرة الهواء لعجز الهواء عما يستحيل الهواء إليه من السحاب
والضباب التي تتكون من الهواء " أول أول " أي تدريجا ،أي كان الهواء
ل يفي بذلك أو ل يتسع لذلك ،والضباب -بالفتح -ندى كالغيم ،أو سحاب
رقيق كالدخان .والحايين جمع أحيان وهو جمع حين بمعنى الدهر
والزمان .قوله عليه السلم " فل هي تمسك بالمادة والحطب " أي دائما
بحيث إذا انطفت لم يمكن إعادتها ،و المادة :الزيادة المتصلة والمراد هنا
المنثور :سئل عن ابن عباس :هل تحت الرض خلق ؟ قال :نعم أل ترى
إلى قوله تعالى " خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر
) (1الدفاء -بالكسر :-ما يستدفأ به )ل الستدفاء دفع البرد( ولم نجد في
كتب اللغة شاهدا على ما ذكره ،والظاهر أنه هنا " الدفأ " كالظمأ بمعنى
][91
- 13وعن قتادة في قوله " سبع سماوات ومن الرض مثلهن قال :في كل
سماء وكل أرض خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه )14 .(1
-وعن مجاهد في قوله " :يتنزل المر بينهن " قال :من السماء السابعة
إلى الرض السابعة ملفوفة ) - 15 .(2وعن الحسن في الية قال :بين كل
سماء وأرض خلق وأمر ) - 16 .(3وعن ابن جريح قال :بلغني أن عرض
كل سماء ) (4مسيرة خمسمائة سنة ،وأن بين كل أرضين مسيرة خمسمأة
فوق الثرى واسمها تخوم ; وأن أرواح الكفار فيها ،فإذا كان يوم القيامة
ألقتهم إلى برهوت ،والثرى فوق الصخرة التي قال ال " :في صخرة "
والصخرة على الثور له قرنان وله ثلث قوائم يبتلع ماء الرض كلها يوم
القيامة ،و الثور على الحوت وذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الرض
السفلى وطرفاه منعقدان تحت العرش ،ويقال ،الرض السفلى عمد ) (5بين
قرني الثور ،ويقال :بل على ظهره واسمها يهموت ) ،(6واخبرت أن عبد
ال بن سلم سأل النبي صلى ال عليه واله :على ما الحوت ؟ قال :على
ماء أسود ،وما أخذ منه الحوت إل كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من
هذه البحار ،وحدثت أن إبليس يغلغل إلى الحوت فيعظم ) (7له نفسه وقال:
ليس خلق بأعظم منك عزا ) (8ول أقوى منك ،فوجد الحوت في نفسه
فتحرك
) 1و (2الدر المنثور :ج ،6ص ،238وليس في الثاني لفظة " ملفوفة
" (3) .كذا في المصدر واكثر نسخ الكتاب ،وفى طبعة امين الضرب صحح
الرواية على مثل رواية قتادة ،والظاهر أنه سهو من المصحح (4) .في
المصدر وبعض نسخ الكتاب :به موت (7) .كذا في جميع نسخ الكتاب ،وفى
المصدر " تغلغل الى الحوت فعظم له نفسه " وهو الصواب (8) .في
المصدر :غنى.
][92
فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك ،فبعث ال حوتا صغيرا فأسكنه في اذنه فإذا
ذهب يتحرك تحرك الذي في اذنه فيسكن ) - 17 .(1وعن ابن عباس في
قوله " ومن الرض مثلهن " قال :سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم،
وآدم كآدم ،ونوح كنوح ،وإبراهيم كإبراهيم ،وعيسى كعيسى )- 18 .(2
وعن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :إن الرضين بين
كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ،والعليا منها على ظهر حوت
قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك،
والثانية مسجن الريح فلما أراد ال أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل
عليهم ريحا يهلك عادا ،فقال :يا رب ارسل عليهم من الريح قدر منخر
الثور ؟ فقال له الجبار :إذن تكفأ الرض ومن عليها ،ولكن أرسل عليهم
بقدر خاتم ،فهي التي قال ال في كتابه " ما تذر من شئ أتت عليه إل
جعلته كالرميم " والثالثة فيها حجارة جهنم .والرابعة فيها كبريت جهنم،
فقالوا :يارسول ال أللنار كبريت ؟ قال :نعم والذي نفسي بيده إن فيها
حيات جهنم ،إن أفواهها كالودية تلسع الكافر اللسعة فل يبقى منه لحم
على وضم .والسادسة فيها عقارب جهنم ،إن أدنى عقربة منها كالبغال
المؤكفة تضرب الكافر ضربة ينسيه ضربها حر جهنم .والسابعة فيها سقر
وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه ،فإذا أراد ال أن يطلقه لما
يشاء أطلقه ) - 19 .(3وعن أبي الدرداء قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :كنف الرض مسيرة خمسمائة عام ،والثانية مثل ذلك ،وما بين
كل أرض أرضين مثل ذلك ) - 20 .(4وعن ابن عباس قال :سيد السماوات
) 1و (2الدر المنثور :ج ،6ص (3) .238الدر المنثور :ج ،6ص .238
][93
الرضين الرض التي نحن فيها ) - 21 (1وعن كعب قال :الرضون السبع
في الماء ) (2على الريح ،والريح على الهواء ريح عقيم ل تلقح ،وإن
قرونها معلقة بالعرش ) - 22 .(3وعن أبي مالك قال :الصخرة التي تحت
الرض منتهى الخلق ،على أرجائها أربعة أملك رؤوسهم تحت العرش )
الحوت ) - 24 .(5وعن ابن عباس قال :إن أول شئ خلقه ال القلم فقال
له :اكتب ،قال :يا رب وما أكتب ؟ قال :اكتب القدر يجري ) (6من ذلك اليوم
بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ،ثم طوى الكتاب ورفع القلم وكان عرشه
على الماء ،فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ،ثم خلق النون فبسطت
عليه الرض ،والرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الرض
فاثبتت بالجبال ،فإن الجبال لتفخر على الرض إلى يوم القيامة ،ثم قرأ ابن
عباس " ن والقلم وما يسطرون " - 25 .وعن ابن عباس قال :قال رسول
ال صلى ال عليه واله :إن أول ما خلق ال القلم والحوت ،وقال ما أكتب ؟
قال :كل شئ كائن إلى يوم القيامة ،ثم قرأ " ن والقلم " فالنون الحوت26 .
-وعنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :النون السمكة التي عليها
قرار الرضين والقلم الذي خط به ربنا عزوجل القدر خيره وشره ونفعه
وضرره " وما يسطرون " قال :الكرام الكاتبون ) .(7بيان :في القاموس:
) (1الدر المنثور ج 6ص (2) .238في المصدر :والماء على الريح- 3) .
(5الدر المنثور :ج ،6ص (6) .239في المصدر :فجرى من ذلك اليوم
][94
والسمن :ذاب .وقال :الوضم -محركة :-ما وقيت به اللحم عن الرض من
خشب وحصير .وقال :إكاف الحمار ككتاب وغراب ووكافه :برذعته ،وآكف
الحمار إيكافا وأكفه تأكيفا :شده عليه - 27 .نوادر الراوندي :بإسناده عن
جعفر بن محمد ،عن آبائه عليهم السلم قال :أقبل رجلن إلى رسول ال
صلى ال عليه واله فقال أحدهما لصاحبه :اجلس على اسم ال تعالى
والبركة فقال رسول ال صلى ال عليه واله :اجلس على استك فأقبل
يضرب الرض بعصا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل تضربها
فإنها امكم وهي بكم برة - 28 .وبهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :تمسحوا بالرض فإنها امكم وهي بكم برة .بيان :قال في
النهاية :في الحديث " تمسحوا بالرض فإنها بكم برة " أي مشفقة عليكم
كالوالدة البرة بأولدها ،يعني أن منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد
الموت معادكم ،والتمسح أراد به التيمم ،وقيل :أراد مباشرة ترابها بالجباه
الجلوس على الرض بغير حائل ،والكل على الرض من غير مائدة بقرينة
الرض لتقبل الدم أنه لما قتل قابيل أخاه هابيل غضب آدم على الرض فل
تقبل الدم لهذه العلة - 30 .العلل :عن علي بن أحمد الدقاق ،عن الكليني،
عن علن بإسناده رفعه قال :أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن
مسائل فكان فيما سأله :أخبرني عن قرار هذه الرض على ما هو ؟ فقال
عليه السلم :قرار هذه الرض ل يكون إل على عاتق ملك وقدما ذلك الملك
على صخرة ،والصخرة على قرن ثور ،والثور قوائمه علي ظهر الحوت في
اليم السفل ،واليم على الظلمة ،والظلمة على العقيم ،والعقيم على الثرى
][95
- 31النهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم في خطبة التوحيد :ل يجري
عليه السكون والحركة ،وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود فيه ما هو
أبداه ،ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ إذا لتفاوتت ذاته ،ولتجزأ كنهه ،ولمتنع
من الزل معناه ،ولكان له وراء إذ وجد له أمام ،وللتمس التمام إذ لزمه
النقصان ) .(1بيان :قال بعض شراح النهج في قوله عليه السلم " ولتجزأ
كنهه " إشارة إلى نفي الجوهر الفرد ; وقال :قوله عليه السلم " ولكان له
وراء إذ كان له أمام " يؤكد ذلك لن من أثبته يقول يصح أن تحله الحركة
اتفقوا على أن الرض كروية بحسب الحس وكذا الماء المحيط بها ،وصارا
بمنزلة كرة واحدة ،فالماء ليس بتام الستدارة بل هو على هيئة كرة مجوفة
قطع بعض منها وملئت الرض على وجه صارت الرض مع الماء بمنزلة
كرة واحدة ،ومع ذلك ليس شئ من سطحيه صحيح الستدارة ،أما المحدب
فلما فيه من المواج ،وأما المقعر فللتضاريس فيه من الرض .وقد أخرج
ال تعالى قريبا من الربع من الرض من الماء بمحض عنايته الكاملة ،أو
المركبات المحوجة إلى غلبة العنصر اليابس الصلب لحفظ الصور والشكال
وربط العضاء والوصال .ومما يدل على كروية الرض ما أومأنا إليه
وغروبها في الغربية بقدر ما تقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين على ما
علم من ارصاد كسوفات بعينها لسيما القمرية في بقاع مختلفة ،فإن ذلك
وكون الختلف متقدرا بقدر البعاد دليل على الستدارة المتشابهة السائرة
بحدبتها المواضع التي يتلو بعضها بعضا على قياس واحد بين الخافقين،
][96
إلى الشمال وبالعكس للسائرين إلى الجنوب بحسب سيرهما دليل على
الدالة على أن الفصل المشترك بين المستضئ من الرض وما ينبعث منه
متفقة الطول إلى غير ذلك .ولو كانت اسطوانية قاعدتاها نحو القطبين لم
يكن لساكني الستدارة كوكب أبدي الظهور ،بل إما الجميع طالعة غاربة أو
أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة وليس كذلك ،وأيضا فالسائر إلى الشمال
قد يغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له ،وتظهر له كواكب كانت تغيب
عنه بقدر إمعانه في السير ،وذلك يدل على استدارتها في هاتين الجهتين
أيضا .ومما يدل على استدارة سطح الماء الواقف طلوع رؤوس الجبال
الشامخة على السائرين في البحر أول ثم ما يلي رؤوسها شيئا بعد شئ في
جميع الجهات .وقالوا :التضاريس التي على وجه الرض من جهة الجبال
على ما وجدوه فرسخان وثلث فرسخ ،ونسبتها إلى جرم الرض كنسبة
جرم سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بل أقل من ذلك .ويظهر من
كلم أكثر المتأخرين :أن عدم قدح تلك المور في كرويتها الحسية معناه
أنها لتخل بشكل جملتها كالبيضة الزقت بها حبات شعير لم يقدح ذلك في
شكل جملتها ،واعترض عليه :بأن كون الرض أو البيضة حينئذ على
الشكل الكروي أو البيضى عند الحس ممنوع ،وكيف يمكن دعوى ذلك مع
ما يرى على كل منهما ما يخرج به الشكل مما اعتبروا فيه وعرفوه به ؟ و
ربما يوجه بوجه آخر وهو أن الجبال والوهاد الواقعة على سطح الرض
غير محسوسة عادة عند الحساس بجملة كرة الرض على ما هي عليه في
الواقع .بيانه :أن رؤية الشياء تختلف بالقرب والبعد ،فيرى القريب أعظم
مما هو الواقع والبعيد أصغر منه وهو ظاهر ،وقد أطبق القائلون بالنطباع
][97
في رؤية المرئي بسبب القرب والبعد إنما هو تابع لختلف الزاوية
الحاصلة عند مركز الجليدية في رأس المخروط الشعاعي بحسب التوهم أو
بحسب الواقع عند انطباق قاعدته على سطح المرئي ،فكلما قرب المرئي
عظمت تلك الزاوية ،وكلما بعد صغرت .وقد تقرر أيضا بين محققيهم أن
رؤية الشئ على ما هو عليه إنما هو ) (1في حالة يكون البعد بين الرائي
والمرئي على قدر يقتضي أن تكون الزاوية المذكورة قائمة .فبناء على ذلك
إذا فرضت الزاوية المذكورة بالنسبة إلى مرئي قائمة يجب أن يكون البعد
بين رأس المخروط وقاعدته المحيطة بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته على
ما تقرر في الصول .فلما كان قطر الرض أزيد من ألفي فرسخ بل شبهة ل
والوهاد المذكورة غير محسوسة عادة عند هذا البعد من المسافة فل يكون
لها قدر محسوس عند الرض بالمعنى الذي مهدنا .ثم إنهم استعلموا
ومضروب القطر في المحيط مساحة سطح الرض وهي عشرون ألف ألف
وثلثمائة وستون ألف فرسخ وربع ذلك مساحة الربع المسكون من
والموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل الكلي فمساحته ثلثة آلف ألف
وسبعمائة وخمسة وستين ألفا وأربعمائة وعشرين فرسخا وهو قريب من
سدس سطح جميع الرض وسدس عشره .والفرسخ ثلثة أميال بالتفاق،
وكل ميل أربعة آلف ذراع عند المحدثين ،وثلثة آلف عند القدماء ،وكل
ذراع أربع و عشرون إصبعا عند المحدثين ،واثنان وثلثون عند القدماء،
وكل إصبع بالتفاق مقدار ست شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور
][98
الثانية :الطبقة الطينية وهي المجاورة للماء ; الثالثة .الطبقة المنكشفة من
الماء وهي التي تحتبس فيها البخرة والدخنة وتتولد منها المعادن
جعل ال الطبقة الظاهرة منها ملونة كثيفة غبراء لتقبل الضياء وخلق ما
فوقها من العناصر مشفة لطيفة بالطباع لينفذ فيها ويصل إلى غيرها ساطع
على مركز العالم ،وذلك لتساوي ارتفاع الكواكب وانحطاطها مدة ظهورها
وظهور النصف من الفلك دائما وتطابق أظلل الشمس في وقتي طلوعها
وغروبها عند كونها على المدار الذي يتساوى فيه زمان ظهورها وخفائها
للشمس ،فإن الول يمنع ميلها إلى أحد الخافقين ،والثاني إلى أحد
السمتين :الرأس والقدم ،و الثالث إلى أحد القطبين ،والرابع إلى شئ منها
أو من غيرها من الجهات كما ل يخفى .وكما أن مركز حجمها منطبق على
مركز العالم فكذا مركز ثقلها ،وذلك لن الثقال تميل بطبعها إلى الوسط كما
دلت عليه التجربة ،فهي إذن ل تتحرك عن الوسط ،بل هي ساكنة فيه
متدافعة بأجزائها من جميع الجوانب إلى المركز تدافعا متساويا ،فل محالة
ينطبق مركز ثقلها الحقيقي المتحد بمركز حجمها التقريبي على مركز العالم
ومستقرها عند وسط العالم لتكافؤ القوى بل تزلزل واضطراب يحدث فيها
لثباتها بالسبب المذكور ،ولكون الثقال المنتقلة من جانب منها إلى الخر
في غاية الصغر بالقياس إليها ل يوجب انتقال مركز ثقلها من نقطة إلى
المبائنة لها تهوي إليها وهي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب.
هذا ما ذكروه في هذا المقام ،ول نعرف من ذلك إل كون الجميع بقدرة
القادر العليم وإرادة المدبر الحكيم كما ستعرف ذلك إن شاء ال تعالى .وقال
الشيخ المفيد -قدس سره -في كتاب المقالت :أقول :إن العالم هو السماء
أهل التوحيد خلفا في ذلك .أقول :لعل مراده -قدس سره -بالسماوات ما
تقول بها الحكماء .ثم قال -رحمه ال -وأقول :إن الفلك هو المحيط
بالرض الدائر عليها وفيه الشمس والقمر وسائر النجوم ،والرض في
وسطه بمنزلة النقطة في وسط الدائرة ،وهذا مذهب أبي القاسم البلخي
خالف فيه جماعة من بصرية المعتزلة وغيرهم من أهل النحل .وأقول :إن
المتحرك من الفلك إنما يتحرك حركة دورية كما يتحرك الدائر على الكرة،
وإلى هذا ذهب البلخي وجماعة من أهل التوحيد ،والرض على هيئة الكرة
في وسط الفلك وهي ساكنة ل تتحرك ،وعلة سكونها أنها في المركز ،وهو
مذهب أبي القاسم وأكثر القدماء والمنجمين ،وقد خالف فيه الجبائي وابنه
وخالف فيه الجبائي وابنه وجماعة متكلمي أهل الحشو والجبر والتشبيه- .
ثم قال :-وأقول :إن المكان هو ما أحاط بالشئ من جميع جهاته ،ول يصح
وليس بحادث مخصوص والزمان اسم يقع على حركات الفلك فلذلك لم يكن
الفعل محتاجا في وجوده إلى وقت ول زمان ،وعلى هذا القول سائر
تعالى يعلم
][100
والثامنة من السماء نقطع أن هناك فراغا أم ل ؟ فإن قلت :ل ،طالبتك بما
وراء المل ،القديم تعالى يعلم أن هناك نهاية ،فإن قلت :نعم ،طالبتك أي شئ
وراء النهاية ؟ فأجاب -رحمه ال :-إن الفراغ ل يوصف بأنه منته ،ول
أنه غير منته على وجه الحقيقة ،وإنما يوصف بذلك مجازا واتساعا ،وأما
الثامنة من الرض فما نعرفها ،والذي نطق به القرآن " :سبع سموات
طباقا ومن الرض مثلهن " فأما غير ذلك فل سبيل للقطع به من عقل ول
الكتاب ،ومحله علم الكلم) 32 .باب آخر( * )في قسمة الرض الى القاليم
وذكر جبل قاف وسائر الجبال( * * )وكيفية خلقها وسبب الزلزلة وعلتها(
إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما -إلى قوله -وكان وعد ربي حقا
) .(3النبياء :وجعلنا في الرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا
سبل لعلهم
][101
يهتدون ) .(1وقال تعالى :حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) .(4ص :إنا
سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق ) .(5ق :وألقينا فيها رواسي
) .(6الطور :والطور ) - (7وقال تعالى -وتسير الجبال سيرا ).(8
والتين والزيتون وطور سينين ) .(12تفسير " :أن تميد بكم " قال المبرد:
أي منع الرض أن تميد ،وقيل :لئل تميد ،وقيل :أي كراهة أن تميد ،وقال
ليمنع من رجوفها ،ورووا عن ابن عباس أنه قال :إن الرض بسطت على
الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة فأرساها ال تعالى بالجبال .ثم
إنهم
) (1النبياء (2) .31 :النبياء (3) .95 :لقمان (4) .100 :فاطر(5) .27 :
ص (6) .18 :ق (7) .7 :الطور (8) .1 :الطور (9) .10 :المرسلت.27 :
][102
اختلفوا في أنه لما صارت الجبال سببا لسكون الرض على أقوال ،وذكروا
لذلك وجوها ولنذكر بعضها :الول :ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره :أن
السفينة إذا القيت على وجه الماء فإنها تميل ) (1من جانب إلى جانب
وتضطرب فإذا وقعت الجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء ،فكذلك
لما خلق ال تعالى الرض على وجه الماء اضطربت ومادت ،فخلق ال
تعالى عليها هذه الجبال ووتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل
الجبال .ثم قال :لقائل أن يقول :هذا يشكل من وجوه :الول أن هذا المعلل
إما أن يقول بأن حركات الجسام بطباعها أو يقول ليست بطباعها بل هي
واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها ،فعلى التقدير الول نقول :لشك أن
فامتنع أن يقال :إنها كانت تميد وتضطرب بخلف السفينة فإنها متخذة من
الخشب وفي داخل الخشب تجويفات غير مملوءة ) (2فلذلك تميد وتضطرب
على وجه الماء ،فإذا ارسيت بالجسام الثقيلة استقرت وسكنت فظهر
الفرق .وأما على التقدير الثاني وهو أن يقال ليس للرض والماء طبائع
بجعلها كذلك ،وإنما صار الماء محيطا بالرض لمجرد إجراء العادة ليس
ههنا طبيعة للرض ول للماء توجب حالة مخصوصة ،فنقول :على هذا
كونها مائدة مضطربة هو أن ال تعالى يخلق فيها الحركة ،فيفسد القول بأن
ال تعالى خلق الجبال لتبقى الرض ،ساكنة فثبت أن التعليل مشكل على كل
التقديرين .الشكال الثاني :أن إرساء الرض بالجبال إنما يعقل لجل أن
تبقى الرض على وجه الماء من غير أن تميد وتميل من جانب إلى جانب،
وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الرض على وجهه واقفا .فنقول :فما
][103
المخصوص ؟ فإن قلت :إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين
فحينئذ يفسد القول بأن الرض إنما وقفت بسبب أن ال تعالى أرساها
بالجبال .وإن قلت :إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن ال
تعالى أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص ،فنقول :فلم ل تقول
مثله في سكون الرض ؟ وحينئذ يفسد هذا التعليل أيضا .الشكال الثالث:
أن مجموع الرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته ويضطرب على وجه
البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس .فإن قيل :أليس أن الرض
حصلت الحركة في تلك القطعة ظهرت تلك الحركة ،فإن ظهور الحركة في
تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلج عضو من بدن النسان ،أما لو
تحركت كلية الرض تظهر ،أل ترى أن الساكن في سفينة ل يحس بحركة
كلية السفينة وإن كانت على أسرع الوجوه وأقواها )) (1انتهى كلمه(.
ويمكن أن يجاب عنها :أما عن الشكال الول فبأن يختار أنها طالبة بطبعها
للمركز لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية
وتغوص قطعة منها وتخرج قطعة منها ،ولما أرساها ال تعالى بالجبال
وأثقلها قاومت الماء وأمواجه بثقلها فكانت كالوتاد مثبتة لها .ومنه يظهر
سكون الماء في حيز معين ممنوع .وأما عن الشكال الثالث فبأن يقال:
ليس المتنان بمجرد عدم ظهور حركة الرض حتى يقال :إنه على تقدير
إنما هي إذا كانت في جهة مخصوصة وعلى وضع واحد كحركة وضعية
واحدة كحركة السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب ،وأما إذا تحركت
في جهات مختلفة واضطربت فيحس بها كحركة السفينة عند تلطم البحر
واضطرابه ،وهذا هو الفرق بين حالة الزلزلة وبين حركة الرض في
الظهور وعدمه ،فأنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير مضطربة في سيرها
لما احس بها كما ل يحس بحركة كلها بل باضطراب الحركة وكونها في
الوجه الثاني :ما ذكره الفاضل المقدم ذكره أيضا في تفسيره واختاره حيث
قال :والذي عندي في هذا الموضع المشكل أن يقال :إنه ثبت بالدلئل
اليقينية أن الرض كرة وأن هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى
خشونات وتضريسات تحصل على وجه هذه الكرة .إذا ثبت هذا فنقول :إذا
بأدنى سبب ،لن الجرم البسيط المستدير وإن لم يجب كونه متحركا
بالستدارة عقل ،إل أنه بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه ،أما إذا حصل
على سطح كرة الرض هذه الجبال وكانت كالخشونات الواقعة على وجه
الكرة ،فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم ،وتوجه
ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى
الوتد الذي يمنع كرة الرض من الستدارة ،فكان تخليق هذه الجبال على
الباب وال أعلم )) (2انتهى( .واعترض عليه بأن كلمه ل يخلو عن
تشويش واضطراب ،والذي يظهر من أوائل كلمه هو أنه جعل المناط في
) (1في المصدر :بحثي (2) .مفاتيح الغيب :ج ،20ص .9
][105
ولعله خلف الظاهر في معرض المتنان بخلق الجبال وهو خلف الظاهر
من قوله تعالى " وجعل فيها رواسي من فوقها " والقول بأن ما في الماء
أيضا فوقها فلعل المراد تلك الجبال ل يخلوا عن بعد مع أنها ربما كانت
معاونة لحركة الرض ،كما إذا تحركت كرة الماء بتموجها بأجمعها أو
تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات ،وإنما يمانعها عن الحركة أحيانا
عند حركة أبعاضها ،وإما لممانعة الجزاء الهوائية المقارنة للجبال الكائنة
على الربع الظاهر فكانت الوتاد مثبتة لها في الهواء مانعة عن تحريك
الماء بتموجه إياها كما يمانع الجبال المخلوقة في الماء عن تحريك الرياح
إياها ،وحينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة الرض في
بعض الصور معاوقا عنها في بعضها ،ول مدخل حينئذ لثقل الجبال وتركبها
في سكون الرض واستقرارها ،والذي يظهر من قوله " لن الجرم البسيط
-الخ " -أن البساطة توجب حركة الرض ،إما بانفرادها أو بمشاركة عدم
الخشونة ولعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة أجزائه إلى
أجزاء المكان وإنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الرض على
مركز العالم على أي وضع كان ،والماء ل يقوى على إخراج الكرة عن
مكانها نعم يحركها بالحركة المستديرة ،بخلف المركب فإنه ربما كان
بعض أجزائه مقتضيا لوضع خاص كمحاذاة أحد القطبين مثل حتى تكون
الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الرض وإن لم يكن هناك جبل وارتفاع،
فل يكون المتنان بخلق الجبل من حيث أنه جبل ،بل من حيث أنه مركب،
إل على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من
مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى ،إل أن يكون الوصف لترتب فوائد اخر
عليها ،وحينئذ ل مدخل لثقل الجبال في سكون الرض كما يظهر من قوله
أخيرا ،فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم ،وتوجه
ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى
الوتد الذي يمنع كرة الرض من الستدارة ،ومع ذلك ل ينفع في نفي
][106
بمعنى أنها منعت الرض عن الحركة المستديرة .الوجه الثالث :ما يخطر
بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الرض بسبب اشتباكها
الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا للتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها،
وهذا معلوم ظاهر لمن حفر البار في الرض فإنها تنتهي عند المبالغة في
حفرها إلى الحجار الصلبة ،و أنت ترى أكثر قطع الرض واقعة بين جبال
محيطة بها ،فكأنها مع ما يتصل بها من القطعة الحجرية المتصلة بها من
تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتت والتفرق والضطراب
عند عروض السباب الداعية إلى ذلك .الوجه الرابع :ما ذكره بعض
ذلك السكون في بعض الشياء صحة الستقرار على ذلك والتصرف عليه،
تكون مغمورة بالماء ليحصل للحيوان الستقرار والتصرف عليها ،ل جرم
مستلزمين لصحة استقراره مانعين من عدمه ،ل جرم حسنت نسبة اليتاد
إلى الصخور والجبال .وأما إشعاره بالميدان فلن الحيوان كما يكون صادقا
عليه أنه غير مستقر على الرض بسبب انغمارها في الماء لو لم يوجد
الجبال كذلك يصدق على الرض أنها غير مستقرة تحته ومضطربة بالنسبة
إليه ،فثبت حينئذ أنه لول وجود الجبال في سطح الرض لكانت مضطربة
][107
هذه الجهات .ثم لما كانت النبياء والعلماء هم السبب في انتظام امور الدنيا
وعدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالوتاد للرض ،فل جرم صحت
استعارة لفظ الجبال لهم ،ولذلك صح في العرف أن يقال :فلن جبل منيع
يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات والحوائج ،والعلماء
كالوتاد في الرض أن يهتدى بها إلى طرقها والمقاصد فيها ،فل تميد
ومقاصدهم .وهذه الوجوه الثلثة ذكرها بعض المتعسفين ،و هذا دأبه في
أكثر اليات والخبار حيث يؤولها بل ضرورة داعية وعلة مانعة عن القول
بظاهرها ،وهل هذا إل افتراء على مالك يوم الدين ،وافتراء على حجج رب
مجموع كرة الرض وبكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان
ال تعالى ،أو لغير ذلك من السباب التي يعلمها مبدعها ومنشئها .وهذا
الخامس في باب أحواله ،ولنذكر هنا بعض ما مضى برواية اخرى :قال
][108
كان ذوالقرنين رجل من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره
وكان اسمه " اسكندروس " ويقال :كان اسمه " عياش " وكان عبدا
صالحا ،فلما استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى ال إليه :يا ذاالقرنين !
إني بعثتك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين وجعلتك حجتي عليهم ،وهذا
تأويل رؤياك وإني باعثك إلى امم الرض كلهم وهم سبع امم مختلفة
ألسنتهم ،منهم امتان بينهما عرض الرض ،وامتان بينهما طول الرض،
وثلث امم في وسط الرض ،وهم الجن والنس ويأجوج ومأجوج .فأما
المتان اللتان بينهما طول الرض فامة عند المغرب يقال لها " ناسك "
وامة اخرى بحيالها عند مطلع الشمس يقال لها " منسك " وأما اللتان
بينهما عرض الرض فامة في قطر الرض اليمن يقال لها " هاويل "
وامة في قطر الرض اليسر يقال لها " قاويل " فلما قال ال سبحانه ذلك
قال ذوالقرنين :إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم ل يقدر قدره إل أنت
فأخبرني عن المم التي بعثتني إليها بأي قوة اكاثرهم ؟ أو بأي جمع وحيلة
اكابرهم ؟ وبأي صبر اقاسيهم ؟ وبأي لسان اناطقهم ؟ وكيف لي بأن أفهم
لغاتهم ؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم ؟ وبأي بصر انفذهم ؟ وبأي حجة
اخاصمهم ؟ وبأي عقل أعقل عنهم ؟ وبأي قلب وحكمة ادبر امورهم ؟
وبأي قسط أعدل بينهم ؟ وبأي حلم اصابرهم ؟ وبأي معرفة أفصل بينهم ؟
وبأي علم اتقن امورهم ؟ وبأي يد أستطيل عليهم ؟ وبأي رجل أطأهم ؟
وبأي طاقة احصيهم ؟ وبأي جند اقاتلهم ؟ وبأي رفق أتألفهم ؟ وليس
عندي يا إلهي شئ مما ذكرت يقوم لهم ويقوى عليهم و أنت الرؤف الرحيم
لك فهمك فنفقه كل شئ ،وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شئ ،وأفتح لك
وألبسك الهيبة فل يروعك شئ ،واسخر الظلمة من ورائك .فلما قيل له ذلك
][109
عليه قومه بالمقام فلم يفعل وقال :ل بد من طاعة ال تعالى .ثم أمرهم أن
ينصبوا فيه السواري .قالوا كيف نصنع ؟ قال :إذا فرغتم من بنيان الحائط
فرضتم من الذهب على الموسر قدره وعلى المقتر قدره ،ثم قطعتموه مثل
قلمة الظفر ،ثم خلطتموه بذلك الكبس وجعلتم خشبا من نحاس ،ووتدا من
نحاس ،وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم تمكنون من العمل كيف شئتم
على أرض مستوية .وجعلتم طول كل خشبة مأتي ذراع وأربعة وعشرين
ذراعا :مأتا ذراع في ما بين الحائطين لكل حائط اثنا عشر ذراعا ثم تدعون
المساكين لنقل التراب فيتسارعون إليه لجل ما فيه من الذهب والفضة فمن
حمل شيئا فهو له .ففعلوا ذلك ،فأخرج المساكين التراب واستقر السقف بما
عليه و استغنى المساكين ،فجندهم أربعين ألفا ،وجعلهم أربعة أجناد في كل
جند عشرة آلف ثم عرضهم فوجدهم في ما قيل ألف ألف وأربعمأة ألف
رجل منهم من جنده ثمانمأة ألف ومن جند دارا ) (1ستمأة ألف ومن
المساكين أربعين ألفا .ثم انطلق يؤم المة التي عند مغرب الشمس ،فذلك
قوله تعالى " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة "
أي ذات حمأة .ومن قرأ " حامية " باللف من غير همز فمعناها :حارة.
فلما بلغ مغرب الشمس وجد جمعا وعددا ل يحصيهم إل ال تعالى وقوة
وبأسا ل يطيقه إل ال عزوجل " ورأى ألسنة مختلفة وأهواء متشتة وذلك
قول ال تعالى " ووجد عندها قوما " يعني ناسا كثيرة يقال لها " ناسك "
فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة ،فضرب حولهم ثلثة عساكر منها فأحاط بهم
من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد ،ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى
ال عزوجل وعبادته " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى
الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وانوفهم وآذانهم
كل جانب منهم ،فهاجوا فيه وتحيروا ،فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا
][110
فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته .فجند من أهل المغرب امما
عظيمة فجعلهم جندا واحدا ،ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من
خلفهم وتحرسهم من خلفهم والنور أمامهم يقوده ويدله وهو يسير في
ناحية الرض اليمنى ،وهو يريد المة التي في قطر الرض اليمن التي
يقال لها " هاويل " وسخر ال له قلبه ويده ورأيه وعقله ونظره فل يخطئ
إذا عمل عمل ،فانطلق يقود تلك المم وهي تتبعه ،فإذا هي أتت إلى بحر أو
مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار ،أمثال البغال ،فنظمها في ساعة ثم حمل
فيها جميع من معه من تلك المم وتلك الجنود فإذا هي قطع النهار والبحار
فتقها .ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلم يكرثه حمله فلم يزل ذلك دأبه
حتى انتهى إلى " هاويل " فعمل فيها كفعله في " ناسك " فلما فرغ منها
مضى على وجهه في ناحية الرض اليمنى حتى انتهى إلى " منسك " عند
مطلع الشمس فعمل فيها وجند جنودا كفعله في المتين قبلهما ،ثم كر مقبل
حتى أخذ ناحية ]الرض[ اليسرى وهو يريد " قاويل " وهي المة التي
بحيال " هاويل " وهما متقابلتان بينهما عرض الرض كله ،فلما بلغها
عمل فيها وجند فيها كفعله في ما قبلها ،فذلك قوله تعالى " حتى إذا بلغ
مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " يعني:
مسكنا .قال قتادة :لم يكن بينهم وبين الشمس ستر ،وذلك أنهم كانوا في
مكان ل يستقر عليه بناء ،وكانوا يكونون في أسراب لهم ،حتى إذا زالت
الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم .وقال الحسن :كانت أرضهم
أرضا ل تحتمل البناء فكانوا إذا طلعت عليهم الشمس هووا في الماء ،فإذا
ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما تتراعى البهائم .و قال ابن جريح:
وجاءهم جيش مرة وقال لهم أهلها ل يطلع عليكم الشمس وأنتم بها !
فقالوا :ما ؟ ؟ ؟ ؟ تطلع الشمس فنراها ،فماتوا .وقيل :فذهبوا بها هاربين
في الرض .وقال ؟ ؟ ؟ :هم امة يقال لها منسك حفاة عماة عن الحق .قال:
وحدثنا عمرو بن مالك ؟ ؟ قال :وجدت رجل بسمرقند يحدث الناس وهم
يجتمعون حوله فسألت بعض من سمع فأخبرني أنه حدثهم عن القوم الذين
][111
قال :قال :خرجت حتى إذا جاوزت الصين ،ثم سألت عنهم ،فقيل :إن بينك
وبينهم مسيرة يوم وليله ،فاستأجرت رجل فسرت بقية عشيتي وليلتي حتى
صبحتهم ،فإذا أحدهم يفرش اذنه ويلبس الخرى وان صاحبي يحسن
لسانهم فسألهم ،وقال :جئنا ننظر كيف تطلع الشمس ،فبينا نحن كذلك إذ
سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علي فأفقت وهم يمسحونني بالدهن ،فلما
طلعت الشمس على الماء فإذا هو يغلي كهيئة الزيت ،وإذا طرف السماء
كهيئة الفسطاط .فلما ارتفعت أدخلوني في سرب لهم أنا وصاحبي .فلما
بالشمس فينضج .ثم قال الثعلبي :قالت العلماء بأخبار القدماء :لما فرغ
عطف فيها إلى المم التي في وسط الرض من الجن والنس ويأجوج
ومأجوج .فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك نحو المشرق
قالت له امة صالحة من النس :يا ذاالقرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من
خلق ال تعالى ليس فيهم مشابه النس وهم مشابه البهائم ،يأكلون العشب
وليست ) (1ل تعالى خلق ينمو نماءهم .ول يزداد كزيادتهم ! فإن أتت مدة
أهلها منها ويظهرون عليها ويفسدون فيها ،وليست تمر بنا سنة مذ
جاوزناهم إل ونحن نتوقعهم أن يطلع علينا أو لهم من بين هذين الجبلين "
فهل نجعل لك خرجا " أي جعل وأجرا " على أن تجعل بيننا وبينهم سدا "
حاجزا فل يصلون إلينا ؟ فقال لهم ذوالقرنين " ما مكني فيه ربي خير "
أي ما قواني عليه خير من خرجكم " ولكن أعينوني بقوة أجعل بينكم
وبينهم ردما " أي حاجزا كالحائط .قالوا :وما تلك القوة ؟ قال :فعلة
وصناع يحسنون البناء والعمل وآلة ) .(2قالوا :وما تلك اللة ؟ " قال
][112
زبرة -وآتوني بالنحاس .فقالوا :ومن أين لنا الحديد والنحاس ما يسع هذا
العمل ؟ قال :ساريكم على ) (1معادن الحديد والنحاس ،فضرب لهم في
بأي قوة نقطع الحديد والنحاس ؟ فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الرض
يقال له " السامور " وهو أشد ما خلق ال تعالى بياضا ،وهو الذي قطع به
سليمان أساطين بيت المقدس وصخوره وجواهره ،ثم قاس ما بين الجبلين
ثم أوقد على جمع ) (2من الحديد والنحاس النار ،فصنع منه زبرا أمثال
الصخور العظام ،ثم أذاب النحاس فجعله كالطين والملط لتلك الصخور من
الحديد ثم بنى .وكيفية بنائه على ما ذكر أهل السير هو أنه لما قاس ما بين
الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ ،فلما أنشأ في عمله حفر له الساس
حتى بلغ الماء ،ثم جعل عرضه خمسين فرسخا ،ثم وضع الحطب بين
الجبلين ثم نسج عليه الحديد ثم نسج الحطب على الحديد ،فلم يزل يجعل
الحديد على الحطب والحطب على الحديد " حتى ساوى بين الصدفين "
وهما الجبلن ،ثم أمر بالنار فارسلت فيه ثم " قال انفخوا حتى جعله نارا "
ثم جعل يفرغ القطر عليه وهو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب
فيصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس ،فصار كأنه برد
حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد وغبرته ،فصار سدا طويل
عظيما حصينا كما قال تعالى " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له
نقبا " .وقال قتادة :ذكر لنا أن رجل قال :يا نبي ال قد رأيت سد يأجوج
ومأجوج قال :انعته لي .قال كالبرد الحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء.
قال :قد رأيته .ويقال :إن موضع السد وراء " مل ذجرد " بقرب مشرق
الصيف ) (3بينه وبين الخزرة مسيرة اثنين وسبعين يوما .وروي عن علي
بن أبي طالب عليه السلم أنه قال :كان ذوالقرنين قد ملك ما بين المشرق
والمغرب وكان له خليل من الملئكة اسمه " رفائيل " يأتيه ويزوره،
فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال ذوالقرنين :يا رفائيل ! حدثني عن
عبادتكم في السماء
) (1لفظة " على " زائدة ظاهرا (2) .ما جمع )ظ( (3) .كذا.
][113
فبكى وقال :يا ذاالقرنين ! وما عبادتكم عند عبادتنا ؟ ! إن في السماء من
ومنهم الراكع ل يستوي قائما أبدا ،يقول :سبحان الملك القدوس رب
ثم قال :إني لحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته ! فقال رفائيل:
أو تحب ذلك يا ذاالقرنين ؟ قال :نعم ،فقال رفائيل :فإن ل تعالى عينا في
الرض تسمى " عين الحياة " فيها من ال عزوجل عزيمة أنه من شرب
منها لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت ! فقال ذوالقرنين
هل تعلمون أنتم موضع تلك العين ؟ فقال :ل ،غير أنا نتحدث في السماء أن
ل تعالى في الرض ظلمة ل يطأها إنس ول جان ،فنحن نظن أن تلك العين
في تلك الظلمة .فجمع ذوالقرنين علماء أهل الرض وأهل دراسة الكتب
وضع في الرض عينا سماها " عين الحياة " ؟ فقالت العلماء :ل ،فقال
عالم من العلماء -واسمه " فتحيز ) - " (1إني قرأت وصية آدم فوجدت
فيها أن ال خلق في الرض ظلمة لم يطأها إنس ول جان ووضع فيها عين
الخلد .فقال ذوالقرنين :صدقت .ثم حشد إليه الفقهاء والشراف والملوك
وسار يطلب مطلع الشمس ،فسار اثني عشرة سنة إلى أن بلغ طرف
الظلمة ،فإذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل ،فعسكر هناك ثم جمع
علماء عسكره فقال :إني اريد أن أسلك هذه الظلمة ! فقال العلماء :أيها
الملك إنه من كان قبلك من النبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فل
تطلبها ،فإنا نخاف أن ينفتق عليك أمر تكرهه ويكون فيه فساد أهل الرض.
تطلبها ،فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسحط ال علينا ل
تبعناك ولكنا نخاف العنت من ال تعالى وفسادا في الرض ومن عليها.
فقال
][114
أي الدواب أبصر ؟ قالوا :الخيل .قال :فأي الخيل أبصر ؟ قالوا :الناث .قال:
فأي الناث أبصر ؟ قالوا :البكارة .فأرسل ذوالقرنين فجمع له ستة آلف
فرس انثى بكارة ثم انتخب من عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلف رجل،
فدفع إليهم كل رجل فرسا ،وعقد للخضر على مقدمته على ألفين وبقي
هذا اثني عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم وإل فارجعوا إلى ) (1بلدكم.
فقال الخضر :أيها الملك ،إنا نسلك ظلمة ]هو[ ل ندري كم السير ) (2فيها
ول يبصر بعضنا بعضا ،فكيف نصنع بالضلل إذا أصابنا ؟ فدفع ذوالقرنين
إلى الخضر خرزة حمراء فقال :حيث يصيبكم الضلل فاطرح هذه في
الرض فإذا صاحت فليرجع أهل الضلل إليها أين صاحت .فصار الخضر
بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر وينزل ذوالقرنين ،فبينما الخضر يسير
إذ عرض له واد فظن أن العين في الوادي والقي في قلبه ذلك ،فقام على
بالخرزة فمكث طويل ثم أجابته الخرزة فطلب صوتها فانتهى إليها ،فإذا هي
على جانب العين ،فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من
اللبن وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ولبس ثيابه ،ثم رمى
بالخرزة نحو أصحابه فوقفت الخرزة فصاحت ،فرجع الخضر إلى صوتها
وإلى أصحابه ،فركب وقال لصحابه :سيروا باسم ال .ومر ذوالقرنين
فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وليلة ،ثم خرجوا إلى ضوء
مصوتة -فإذا هو بقصر مبني في تلك الرض طوله فرسخ في فرسخ عليه
باب فنزل ذوالقرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر ،فإذا حديدة قد
وضعت طرفاها على جانب القصر من ههنا وههنا وإذا بطائر ) (3أسود
شبيه بالخطاف مزموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء والرض
) (1في اكثر النسخ :على (2) .نسير )خ( (3) .طائر )خ(:
][115
فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال :من هذا ؟ قال :أنا ذوالقرنين.
فقال الطائر :يا ذاالقرنين أما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ؟ ! ثم قال
الطائر :يا ذاالقرنين حدثني فقال ذوالقرنين :سل ،فقال :هل كثر بناء الجر
والجص في الرض ؟ قال :نعم فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث
الحديدة ،ثم قال :يا ذاالقرنين هل كثرت المعازف ؟ قال :نعم ،فانتفض الطير
وامتل حتى مل من الحديدة ثلثيها ،ثم قال :هل كثرت شهادات الزور في
الرض ؟ قال :نعم ،فانتفض الطائر انتفاضة فمل الحديدة وسد ما بين
الطائر :يا ذاالقرنين ل تخف ! حدثني .قال :سل ،قال هل يترك ) (2الناس
شهادة أن ل إله إل ال قال :ل ،قال :فانضم الطائر ثلثا ،ثم قال :يا ذاالقرنين
هل ترك الناس الصلة المفروضة ]بعد[ ؟ قال :ل ،قال :فانضم الطائر ثلثا،
ثم قال :يا ذاالقرنين هل ترك الناس غسل الجنابة بعد ؟ قال :ل ،قال فصار
الطائر كما كان .ثم قال :اسلك يا ذاالقرنين هذه الدرجة درجة إلى أعلى
القصر ،فسلكها ذوالقرنين وهو خائف وجل ل يدري على م يهجم ،حتى
استوى على صدر الدرج ،فإذا سطح ممدود عليه صورة رجل شاب قائم
عليه ثياب بيض ،رافعا وجهه إلى السماء واضعا يديه على فيه ،فلما سمع
خشخشة ذي القرنين قال :ما هذا ؟ قال :أنا ذوالقرنين .قال :يا ذاالقرنين إن
الساعة قد اقتربت ،وأنا أنتظر أمر ربي يأمرني أن أنفخ فأنفخ .ثم أخذ
صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال :خذها يا ذاالقرنين ! فإن
شبع هذا شبعت وإن جاع هذا جعت .فأخذ ذوالقرنين الحجر ونزل إلى
أصحابه ،فحدثهم بأمر الطائر وما قال له وما رد عليه وما قال صاحب
الصور .ثم جمع علماء عسكره فقال :أخبروني عن هذا الحجر ما أمره ؟
فقالوا :أيها الملك أخبرنا بما قال لك فيه صاحب الصور .فقال ذوالقرنين:
إنه قال لي :إن شبع هذا شبعت وإن جاع جعت .فوضعت العلماء ذلك الحجر
في إحدى كفتي الميزان وأخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الخرى ثم
][116
رفعوا الميزان فإذا الذي جاء به ذوالقرنين يميل ،فوضعوا معه آخر ورفعوا
الميزان فإذا هو يميل بهن فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر
فرفعوا الميزان فمال باللف جميعا ! فقالت العلماء :انقطع علمنا دون هذا
ل ندري أسحر هذا أم علم ما ل نعلمه ! فقال الخضر وكان قد وافاه :نعم،
أنا أعلمه .فأخذ الخضر الميزان بيده ،ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذوالقرنين
الخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه على الحجر الذي جاء به ذوالقرنين،
ثم رفع الميزان فاستوى ! فخرت العلماء سجدا ل تعالى وقالوا :سبحان
ال ! هذا علم ل يبلغه علمنا ،وال لقد وضعنا ألفا فما استقل به .فقال
الخضر :أيها الملك ،إن سلطان ال عزوجل قاهر لخلقه ،وأمره نافذ فيهم،
وحكمه جار عليهم ،فان ال تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض :فابتلى العالم
بي وابتلني بك .فقال ذوالقرنين :صدقت ،فأخبرنا عن هذا المثل .فقال
الخضر :هذا مثل ضربه لك صاحب الصور :إن ال عزوجل مكن لك في
البلد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا فلم
تشبع ،فأبت نفسك شرها حتى بلغت من سلطان ال ما لم يطأه إنس ول
جان ،فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن ابن آدم ل يشبع أبدا دون أن
يحثى عليه التراب ،ول مل جوفه إل التراب .فبكى ذوالقرنين ،ثم قال:
صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل ،ل جرم ل أطلب أثرا في البلد بعد
مسيري هذا حتى أموت .ثم انصرف راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمة
وطأ الوادي الذي فيه الزبرجد ،فقال من معه لما سمعوا خشخشة تحت
أقدامهم وأقدام دوابهم :ما هذا تحتنا يا أيها الملك ؟ فقال ذوالقرنين :خذوا
منه فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم ،فمنهم من أخذ الشئ ومنهم من تركه،
فلما خرجوا من الظلمة إذا هو الزبرجد ،فندم الخذ والتارك .قال :وكان
رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :رحم ال أخي ذاالقرنين ،لو ظفر
بوادي الزبرجد في مبتداه ما ترك منها شيئا حتى يخرجه إلى الناس لنه
كان راغبا في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا ل حاجة له فيها .ثم
][117
ومات في طريقه بشهر روز ) .(1وقال علي بن أبي طالب -صلوات ال :-
ثم إنه رجع إلى " دومة الجندل " وكان منزله فأقام بها حتى مات -انتهى
.-وقال الطبرسي -ره -في قوله تعالى " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في
ودوابهم .وقيل :كانوا يخرجون أيام الربيع فل يدعون شيئا أخضر إل أكلوه
ول يابس إل احتملوه ،عن الكلبي -وقيل :أراد أنهم سيفسدون في
المستقبل عند خروجهم .وورد في الخبر عن حذيفة :قال :سألت رسول ال
صلى ال عليه وآله عن يأجوج ومأجوج ،فقال :يأجوج امة ،ومأجوج امة
كل امة أربعمأة امة ل يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه
كل قد حمل السلح قلت :يا رسول ال صفهم لنا .قال :هم ثلثة أصناف:
صنف منهم أمثال الزر :قلت :يا رسول ال وما الزر ؟ قال :شجر بالشام
طويل ،ومنهم طوله وعرضه ) (2سواء ،وهؤلء الذين ل يقوم لهم جبل
ول حديد ،وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالخرى ول
يمرون بفيل ول وحش ول جمل ول خنزير إل أكلوه .من مات منهم أكلوه،
طبرية " قال وهب ومقاتل :إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك .وقال
فضرب السد فبقيت خارجته ،وقال قتادة :إن ذاالقرنين بنى السد على إحدى
وعشرين قبيلة ،وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك .وقال كعب :هم
نادرة من ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب
فخلق ال من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة
الب دون الم .وهذا بعيد ) " .(3وهم من كل حدب ينسلون " قال -ره :-
) (1بشهر زور )خ( (2) .في المصدر ...:طول ،وصنف منهم طولهم
][118
مسرعين ) .(1وقال -رحمه ال -في " ق " قيل :هو اسم الجبل المحيط
عليه موسى بالرض المقدسة ،وقيل :هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من
أنواع نعمه ) .(3وفي قوله تعالى " وإلى الجبال كيف نصبت " :أي أفل
يتفكرون في خلق ال سبحانه الجبال أوتادا للرض ومسكنة لها ،و أنه
لولها لمادت الرض بأهلها ) - 1 .(4الخصال :عن أبيه ،عن سعد بن عبد
ال ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أبي يحيى الواسطي ،بإسناده رفعه
إلى الصادق عليه السلم قال :الدنيا سبعة أقاليم ،يأجوج ومأجوج والروم
والصين والزنج وقوم موسى وأقاليم بابل ) .(5بيان :لعل المراد هنا بيان
والغرض إما حصرهم فيها فأقاليم بابل المراد بها ما يشمل أشباههم من
العرب والعجم ،والصين يشمل جميع الترك ،والزنج يشمل الهنود ،أو بيان
غرائب الصناف من الخلق وهو أظهر .والمراد بقوم أهل جابلقا وجابرسا
عن علي بن الحسن بن ) (6سعيد البزاز ،عن حميد ) (7بن زنجويه ،عن
الحضرمي ،عن عطا ،عن ابن عباس ،عن النبي صلى ال عليه وآله قال:
من الجبال التي تطايرت يوم موسى عليه السلم سبعة أجبل ،فلحقت
بالحجاز واليمن ،منها بالمدينة :أحد ،وورقان ،وبمكة :ثور ،وثبير وحرى،
و
) (1مجمع البيان :ج ،7ص (2) .64المصدر :ج ،9ص (3) .141
المصدر :ج ،9ص (4) .163المصدر :ج :10ص (5) .480الخصال :ج
2ص ) 10أبواب السبعة( (6) .في المصدر :أبو الحسن على بن سعيد
][119
باليمن :صبر ،وحضور ) (1توضيح :قال الفيروز ابادي " :ورقان " بكسر
الراء جبل أسود بين العرج والرويثة بيمين المصعد من المدينة إلى مكة -
حرسهما ال تعالى -وقال " :ثور " جبل بمكة .وقال :ثبير والثبرة وثبير
وقال :حراء -ككتاب وكعلى عن عياض يؤنث ويمنع :-جبل بمكة فيه غار
تحنث فيه النبي صلى ال عليه وسلم أي تعبد واعتزل .وقال :الصبر -
ككتف ول يسكن إل في ضرورة شعر -جبل مطل على تعز .وقال :تعز -
كتقل -قاعدة اليمن .وقال :حضور كصبور جبل وبلد باليمن - 3 .الخصال:
عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد ،عن أحمد بن إدريس ومحمد ابن
يحيى العطار معا ،عن محمد بن أحمد الشعري ،عن محمد بن الحسين،
عن أحمد بن علي ،عن زيد بن مهران ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن
من البحر العظم المحدق بالدنيا ،و من النار ،ومن دموع ملك يقال له
إبراهيم ،ومن بئر طيبة ) .(2والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
بيان " :خلق الجبل " كذا في بعض النسخ بالجيم والباء الموحدة ،وفي
أكثر النسخ بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية .وعلى التقديرين لعل
فيه تجوزا واستعارة ،مع أن الخبر موقوف لم يسند إلى إمام وكأن في "
البئر " أيضا تحريفا - 4 .تفسير على بن ابراهيم " :ق والقرآن المجيد "
قال :ق جبل محيط بالدنيا وراء يأجوج ومأجوج ،وهو قسم ) - 5 .(3ومنه:
عن أحمد بن علي وأحمد بن إدريس معا ،عن محمد بن أحمد العلوي عن
العمركي ،عن محمد بن الجمهور ،عن سليمان بن سماعة ،عن عبد ال بن
القاسم
) (1الخصال :ج 2ص ) 3أبواب السبعة( (2) .الخصال (3) .123 :تفسير
القمي.643 :
][120
عن يحيى بن ميسرة الخثعمي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :سمعته
يقول " :عسق " عداد سني القائم ) (1و " ق " جبل محيط بالدنيا من
زمرد أخضر ،فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم علي كله في " عسق "
) - 6 .(2العيون والعلل :في خبر الشامي :سأل أمير المؤمنين عليه السلم
مما خلقت الجبال ؟ قال :من المواج ) - 7 .(3البصائر :عن أحمد بن
مهران ،عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم انه قال :إن عليا عليه
والذلول ،فاختار الصعب ،فكان في الصعب ملك ما تحت الرض وفي الذلول
ملك ما فوق الرض ،واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين
فوجد ثلث خراب وأربع عوامر - 8 .ومنه :عن أحمد بن محمد ،عن ابن
سنان ،عن أبي خالد وأبي سلم ،عن سورة ) ،(4عن أبي جعفر عليه
السلم قال :أما إن ذاالقرنين قد خير بين السحابين فاختار الذلول وذخر
لصاحبكم الصعب .قال :قلت :وما الصعب ؟ قال :ما كان من سحاب فيه رعد
وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه .أما إنه سيركب السحاب ويرقى في
خرابان .بيان :لعل الخامسة عمارتها قليلة فعدت في الخبر السابق من
) (1القسم )خ( (2) .تفسير القمى 595 :وفيه :وعلم كل شئ في عسق) .
(3العيون :ج ،1ص ،241العلل :ج ،2ص (4) .280الظاهر أنه سورة
بن كليب بن معاوية السدي لتصريحه في جامع الرواة برواية أبى سلم
يستشهد به لصحة عقيدته لكنه ل يصير دليل على قبول قوله .قال الشهيد
الثاني في التعليقة " ل يخفى ان الخبر ل يدل على قبول روايته لو سلم
سنده فكيف مع ضعفه " (5) .لم نجد له ذكرا في كتب الرجال.
][121
عليه السلم قال :إن ال خلق جبل محيطا بالدنيا من زبرجد أخضر ،وإنما
خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل ،وخلق خلقا لم يفترض عليهم شيئا
مما افترض على خلقه من صلة وزكاة ،وكلهم يلعن رجلين من هذه المة
وما خلفه ،قال :خلفه سبعون أرضا من ذهب ،وسبعون أرضا من فضة،
وسبعون أرضا من مسك ،خلفه سبعون أرضا سكانها الملئكة ل يكون فيها
حر ول برد ،وطول كل أرض مسيرة عشرة ألف سنة .قيل :وما خلف
الملئكة ؟ قال :حجاب من ظلمة ،قيل :وما خلفه ؟ قال :حجاب من ريح،
قيل :وما خلفه ؟ قال :حجاب من نار ،قيل :وما خلفه ؟ قال :حية محيطة
بالدنيا كلها تسبح ال إلى يوم القيامة وهي ملك الحيات كلها .قيل :وما
خلفه ؟ قال :حجاب من نور .قيل :وما خلفه ؟ قال :علم ال وقضاؤه .وسئل
مسيرة ألف سنة من ياقوت أحمر قضيبه من فضة بيضاء وزجه ) (1ومن
زمردة خضراء ،له ثلث ذوائب من نور :ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب،
والخرى في وسط السماء عليها مكتوب ثلثة أسطر :الول بسم ال
رسول ال - 11 .الدر المنثور عن كعب ،في قوله " حتى توارت بالحجاب
" قال :حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلئق ،فمنه اخضرت السماء
التي يقال لها :السماء الخضراء واخضر البحر من السماء فمن ثم يقال:
البحر الخضر ) .(2وعن ابن مسعود أيضا مثله .بيان :الخبار المنقولة من
الكتابين ضعيفة عامية وقد مر أشياهها وبعض القول فيها في باب العوالم.
) (1الزنج -بضم الزاى وتشديد الجيم ،-الحديدة التى في أسفل الرمح
ويقابله السنان (2) .الدر المنثور :ج ،5ص .309وليس رواية ابن
مسعود مثلها بل هي هكذا ،قال :تورات بالحجاب من وراء قرية خضرة
السماء منها.
][122
- 12كتاب القاليم والبلدان :قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من
قرأ " فسبحان ال حين تمسون وحين تصبحون -إلى -وكذلك تخرجون "
كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج ) (1على جبل سيلن .وما السيلن
يا رسول ال ؟ قال :جبل بأرمنية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة
وفيه قبر من قبور النبياء .قال أبو حامد الندلسي :على رأس هذا الجبل
عين عظيمة مع غاية ارتفاعه ،ماؤه أبرد من ماء الثلج كأنما يشبه بالعسل
لشدة عذوبته ،وبجوف هذا الجبل ماء يخرج من عين يصلق البيض
القزويني :ولقد رأيت الخيل والدواب ترعى في هذا الجبل فإذا قربت من
ذلك الحشيش نفرت وولت منهزمة كالمطرودة ،وقال :قال القزويني :في
قرية من قرى قزوين جبل حدثني من صعده أن عليه صورة كل حيوان من
الحيوان على اختلف أجناسها وصور الدميين على أنواع أشكالها عدد ل
تحصى وقد مسخوا حجارة وفيه الراعي متكئا على عصاه ،والماشية حوله
كلها حجارة ،وامرأة تحلب بقرة وقد تحجر ،والرجل يجامع امرأته وقد
تحجر ،وامرأة ترضع ولدها وهلم جرا هكذا - 13 .وقال :حكي أنه دخل
على جعفر الصادق عليه السلم رجل من همدان ،فقال له جعفر الصادق
عليه السلم :من أين أنت ؟ قال :من همدان ،فقال له :أتعرف جبلها "
راوند " قال له الرجل :جعلت فداك إنه " أروند " قال :نعم ،إن فيه عينا
من عيون الجنة .بيان :كان الجبل مسمى بكل السمين ،والصحيح من
اسمه " راوند " وإنما صدقه لنه هكذا أعرف عندهم .وقال :جبل قاف
محيط بالرض كإحاطة بياض العين بسوادها ،وما وراء جبل قاف فهو من
حكم الخرة ل من حكم الدنيا .وقال بعض المفسرين :إن ل سبحانه وتعالى
من وراء جبل قاف أرضا بيضاء كالفضة المجلوة طولها مسيرة أربعين
يوما للشمس وبها ملئكة شاخصون إلى العرش ل يعرف الملك منهم من
][123
ول يعرفون ما آدم وما إبليس ،هكذا إلى يوم القيامة .وقيل :إن يوم القيامة
تبدل أرضنا هذه بتلك الرض وال أعلم .وقال :السرنديب هو جبل بأعلى
الصين في بحر الهند وهو الجبل الذي اهبط عليه آدم عليه السلم وعليه
أثر قدمه غائص في الصخرة طوله سبعون شبرا ،وعلى هذا الجبل ضوء
كالبرق ول يتمكن أحد أن ينظر إليه ،ول بد لكل يوم فيه من المطر فيغسل
قدم آدم عليه السلم .وحوله من أنواع اليواقيت والحجار النفيسة وأصناف
العطر والدوية ما ل يوصف ،فإن آدم خطا من هذا الجبل إلى ساحل البحر
خطوة واحدة وهو مسيرة يومين .وقال :حكي عن عبادة بن الصامت قال:
أرسلني أبو بكر إلى ملك الروم رسول لدعوه إلى السلم ،فسرت حتى
دخلت بلد الروم ،فلح لنا جبل يعرف بأهل الكهف فوصلنا إلى دير فيه
وسألنا أهل الدير عنهم ،فأوقفونا على سرب في الجبل فوهبنا لهم شيئا
وقلنا نريد أن ننظر إليهم ،فدخلوا ودخلنا معهم ،وكان عليهم باب من حديد
ففتحوه لنا فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلثة عشر رجل
مضطجعين على ظهورهم كأنهم رقود وعلى كل واحد منهم جبة غبراء
وكساء أغبر قد غطوا بها من رؤسهم إلى أقدامهم ،فلم ندر ما ثيابهم من
صوف أو وبر إل أنها كانت أصلب من الديباج فلمسناها فإذا هي تتقعقع من
مضمومة وعلى زي المسلمين ،فانتهينا إلى آخرهم فإذا فيهم مضروب على
وجهه بسيف كأنما ضرب في يومه ! فسألنا عن حالهم وما يعلمون من
امورهم ،فذكروا أنهم يدخلون عليهم في كل عام يوما ،ويجتمع أهل تلك
ويقلم أظفارهم
][124
ويقص شواربهم ويتركهم على هيئتهم هذه .قلنا لهم :هل تعرفون من هم
وكم مدة هم ههنا ؟ فذكروا أنهم يجدون في كتبهم أنهم كانوا أنبياء بعثوا
إلى هذه البلد في زمان واحد قيل المسيح بأربعمائة سنة .وعن ابن عباس
أن أصحاب الكهف سبعة - 14 .نوادر علي بن أسباط :عن إبراهيم بن علي
المحمودي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن موسى ،عن أبيه ،عن جده جعفر بن
محمد ،عن محمد بن علي عليهم السلم ،عن جابر بن عبد ال النصاري
قال :خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله ذات يوم ونحن في مسجده
فقال :من ههنا ؟ قلت :أنا يا رسول ال وسلمان الفارسي .فقال :يا سلمان
ادع لي مولك عليا ،فقد جاءتني فيه عزيمة من رب العالمين .قال جابر:
فذهب سلمان فاستخرج عليا من منزله ،فلما دنا من رسول ال صلى ال
عليه وآله خلبه فأطال مناجاته ،كل ذلك يسر إليه رسول ال صلى ال عليه
وآله سرا خفيا عنا ووجه رسول ال صلى ال عليه وآله يقطر عرقا كنظم
الدر يتهلل حسنا ،ثم قال له لما انصرف من مناجاته :قد سمعت ووعيت
فاحفظ يا علي .ثم قال :يا جابر ادع عمر وأبا بكر .قال جابر :فذهبت إليهما
فدعوتهما ،فلما حضراه قال :يا جابر ادع لي عبد الرحمن بن عوف .قال
جابر :فدعوته ،فلما أتاه قال :يا سلمان اذهب إلى بيت ام سلمة فأتني
بالبساط الخيبري .قال جابر :فما لبثنا أن جاءنا سلمان بالبساط فأمره أن
يبسط ،ثم أمر القوم فجلس كل واحد منهم على ركن من أركانه وكانوا
ثلثة ،ثم خل رسول ال صلى ال عليه وآله فأطال مناجاته وأسر إليه سرا
خفيا ثم أمره أن يجلس على الركن الرابع من البساط .ثم قال النبي صلى
ال عليه وآله :يا على اجلس متوسطا وقل ما أمرتك به فإنك لو قلته على
الجبال لسارت ،أو قلته على الرض لتقطعت من ورائك ،ولطويت كل من
بين يديك ،ولو كلمت به الموتى لجابوك بإذن ال .فقال له بعض القوم :يا
رسو ل ال هذا لعلي خاصة ؟ قال :نعم ،فاعرفوا ذلك له .قال جابر :فلما
أخذ كل واحد مجلسه اختلج البساط فلم أره إل ما بين السماء والرض .فلما
رجع سلمان خبرني أنهم ساروا ما بين السماء والرض ل يدرون أشرقا أم
غربا حتى انقض بهم البساط على كهف عظيم عليه باب من حجر واحد.
قال سلمان :فقمت بالذي أمرني به رسول ال صلى ال عليه وآله .قال
جابر :فقلت لسلمان :ما أمرك رسو ل ال صلى ال عليه وآله ؟ قال:
][125
أمرني إذا استقر البساط مكانه من الرض وصرنا عند الكهف أن آمر أبا
بكر بالسلم على أهل ذلك الكهف وعلى الجميع ،فأمرته ،فسلم عليهم
بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا ،ثم سلم اخرى فلم يجب ،فشهد أصحابه
على ذلك وشهدت عليه .ثم أمرت عمر فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا
عليه شيئا ،ثم سلم اخرى فلم يجب ،فشهد أصحابه على ذلك وشهدت عليه،
ثم أمرت عبد الرحمن بن عوف فسلم عليهم فلم يجب فشهدوا أصحابه على
ذلك وشهدت عليه .ثم قمت أنا فأسمعت الحجارة والودية صوتي فلم اجب،
فقلت لعلي :فداك أبي وامي ،أنت بمنزلة رسول ال صلى ال عليه وآله
حتى نرجع لك ولك السمع والطاعة ،وقد أمرني أن آمرك بالسلم على أهل
هذا الكهف آخر القوم ،وذلك لما يريد ال لك وبك الشرف من شرف
الدرجات .فقام علي فسلم بصوت خفي فانفتح الباب فسمعنا له صريرا
شديدا ،ونظرنا إلى داخل الغار يتوقد نارا ،فملئنا رعبا وولى القوم فرارا،
فقلت لهم :مكانكم ! حتى نسمع ما يقال ،وإنه ل بأس عليكم .فرجعوا ،فأعاد
علي عليه السلم فقال :السلم عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم .فقالوا:
وامهاتنا أنت يا وصي محمد خاتم النبيين وقائد المرسلين ونذير العالمين
وبشير المؤمنين ،أقرئه منا السلم ورحمة ال يا إمام المتقين .قد شهدنا
لبن عمك بالنبوة ولك بالولية و المامة والسلم على محمد يوم ولد ويوم
يموت ويوم يبعث حيا .قال :ثم أعاد علي عليه السلم فقال :السلم عليكم
أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزدناهم هدى .فقالوا :عليك السلم ورحمة
ال وبركاته يا مولنا وإمامنا .الحمد ل الذي أرانا وليتك وأخذ ميثاقنا بذلك
وزادنا إيمانا وتثبيتا على التقوى ،قد سمع من بحضرتك أن الولية لك
دونهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .قال سلمان :فلما سمعوا ذلك
أقبلوا على علي عليه السلم وقالوا :شهدنا وسمعنا فاشفع لنا إلى نبينا
ليرضى عنا برضاك .ثم تكلم علي عليه السلم بما أمره رسول ال صلى ال
عليه وآله مادرينا أشرقا أم غربا حتى نزلنا كالطير الذي يهوي من مكان
بعيد وإذا نحن على باب المسجد ،فخرج إلينا رسول ال صلى ال عليه وآله
فقال :كيف رأيتم ؟ فقال القوم :نشهد كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما
آمنوا .فقال:
][126
إن تفعلوا تهتدوا وما على الرسول إل البلغ المبين ،فإن لم تفعلوا تختلفوا
فمن وافى وافى ال ) (1له ،ومن نكص فعلى عقبيه ينقلب ،أفبعد المعرفة
والحجة ؟ ! والذي نفسي بيده لقد امرت أن آمركم ببيعته وطاعته ،فبايعوه
وأطيعوه ،فقد نزل الوحي بذلك " :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا
الرسول واولي المر منكم ) ." (2قال جابر :فبايعناه ،فقال رسول ال صلى
ال عليه وآله :إن استقمتم على الطريقة لعلي في وليته اسقيتم ماء غدقا،
وأكلتم من فوق رؤسكم ومن تحت أرجلكم ،وأن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم
وشمت بكم عدوكم ،ولتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا ،لو دخلوا جحر ضب
لتبعتموهم فيه ! وطوبى لمن تمسك بولية علي من بعدي حتى يموت
وبلغني وأنا عنه راض ،قال جابر :وكان ذهابهم ومجيئهم من زوال
الشمس إلى وقت العصر - 15 .الدر المنثور :عن ابن عباس قال :خلق ال
تعالى من وراء هذه الرض بحرا محيطا بها ،ثم خلق من وراء ذلك جبل
يقال له " ق " ،السماء الدنيا مترفرفة عليه ،ثم خلق من وراء ذلك الجبل
أيضا ) (3مثل تلك الرض سبع مرات ،ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا
بها ،ثم خلق من وراء ذلك جبل يقال له " ق " السماء الثانية مترفرفة
عليه .حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل ) (4قال :وذلك قوله
" والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ) - 16 ." (5وعن عبد ال بن بريدة
قال " :ق " جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء ) - 17 .(6وعن
) (1فمن وفى وفى ال له )خ( (2) .النساء (3) .58 :في المصدر " أرضا
" وهو الصواب (4) .في المصدر :وسبع سماوات (5) .الدر المنثور :ج
،6ص ،101والية في سورة لقمان (6) .27 :الدر المنثور :ج ،6ص
][127
- 18وعن ابن عباس قال :خلق ال جبل يقال له " ق " محيط بالعالم
وعروقه إلى الصخرة التي عليها الرض فإذا أراد ال أن يزلزل قرية أمر
ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية ،فيزلزلها ويحركها ،فمن ثم
بن علي ماجيلويه ،عن محمد بن يحيى العطار ،عن محمد بن أحمد
عن عبد ال بن حماد ،عن أبي عبد ال الصادق جعفر بن محمد عليه
السلم قال :إن ذاالقرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات ،فإذا
هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع .فقال له الملك :يا ذاالقرنين،
أما كان خلفك مسلك ؟ فقال له ذوالقرنين :من أنت ؟ قال :أنا ملك من
ملئكة الرحمن موكل بهذا الجبل ،فليس من جبل خلقه ال عزوجل إل وله
عرق إلى هذا الجبل ،فإذا أراد ال عزوجل أن يزلزل مدينة أوحى إلي
فزلزلتها ) .(2العياشي :عن جميل بن دراج ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :سألته عن الزلزلة فقال :أخبرني أبي عن آبائه ،قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :إن ذاالقرنين لما انتهى إلى السد -إلى آخر الخبر .-
الفقيه :مرسل مثله ) .(3بيان " :أما كان خلفك مسلك " أي لي شئ جئت
ههنا مع سعة الرض خلفك ؟ - 20العلل :عن أبيه ،عن محمد بن يحيى،
عن محمد بن أحمد الشعري ،عن يعقوب بن يزيد ،عن بعض أصحابه ،عن
محمد بن سنان ،عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال
عزوجل خلق الرض فأمر الحوت فحملتها ،فقالت :حملتها بقوتي ،فبعث
ال عزوجل حوتا قدر شبر ،فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا !
فإذا أراد
) (1الدر المنثور :ج ،6ص (2) .102العلل :ج ،2ص 241مرسل(3) .
من ل يحضره الفقيه ،142 :وفيه :وقد تكون الزلزلة من غير ذلك.
][128
ال عزوجل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت
الرض فرقا ) .(1الفقيه :مرسل مثله .وفيه " قدر فتر " ) .(2بيان :الفتر
-بالكسر :-ما بين السبابة والبهام إذا فرقتهما .وتأنيث " فحملتها " و "
قالت " بتأويل الحوتة أو السمكة .و " الفرق " بالتحريك :الخوف- 21 .
بإسناد له رفعه إلى أحدهم عليهم السلم أن ال تبارك وتعالى أمر الحوت
بحمل الرض وكل بلدة من البلدان على فلس من فلوسه ،فإذا أراد ال
عزوجل أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه ،ولو رفع
السلم مثله ) .(4بيان :قال الصدوق -قدس سره -بعد إيراد تلك الخبار
الولى ،وقد تكون بالعلة الثانية ،وقد تكون بالعلة الثالثة ،ويحتمل اجتماع
الجزئية اليسيرة .ويؤيد الخبر الول أن أكثر الزلزل تبتدئ من الجبال ،وكل
أرض تكون أقرب من الجبل فهي فيها أشد - 22 .الكافي :عن علي بن
محمد ،عن صالح بن أبي حماد ،عن محمد بن سنان عن ابن مسكان ،عن
أبي بكر الحضرمي ،عن تميم بن حاتم ،قال :كنا مع أمير المؤمنين عليه
السلم فاضطربت الرض فوجأها ) (5ثم قال لها :اسكني ! مالك ؟ ثم التفت
إلينا فقال :أما إنها لو كانت التي قال ال لجابتني ولكنها ) (6ليست بتلك )
.(7
) (1العلل :ج ،2ص (2) .241الفقيه (3) .142 :العلل :ج ،2ص .241
) (4الفقيه (5) .141 :في المصدر :فوحاها (6) .في المصدر :ولكن(7) .
][129
- 23العلل :عن أحمد بن محمد ،عن أبيه ،عن محمد بن أحمد ،عن يحيى
بن محمد ابن أيوب ،عن علي بن مهزيار ،عن ابن سنان ،عن يحيى
الحلبي ،عن عمر بن أبان عن جابر ،قال :حدثني تميم بن حذيم ،قال :كنا
مع علي عليه السلم حيث توجهنا إلى البصرة .قال :فبينما نحن نزول إذا
اضطربت الرض فضربها علي عليه السلم بيده ثم قال لها :مالك ؟ ثم أقبل
علينا بوجهه ثم قال لنا :أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها ال عزوجل
في كتابه لجابتني ولكنها ليست بتلك ) (1بيان :هذا إشارة إلى ما ورد في
الخبار أن " النسان " في سورة الزلزال هو أمير المؤمنين عليه السلم
يقول للرض :مالك ؟ فتحدثه الرض أخبارها .كما روى في العلل عن
فاطمة عليها السلم قالت :أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر -وساقت
الحديث إلى قولها -فقال لهم علي عليه السلم :كأنكم قد هالكم ما ترون !
الرض بيده ثم قال :مالك ؟ اسكني .فسكنت ،فقال :أنا الرجل الذي قال ال
" إذا زلزلت الرض زلزالها وأخرجت الرض أثقالها وقال النسان مالها "
فأنا النسان الذي يقول لها :مالك ؟ " يومئذ تحدث أخبارها " إياي تحدث.
فهذا معنى قوله عليه السلم " إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها ال في
كتابه " أي في سورة الزلزال وهي زلزلة القيامة " لجابتني " أي لحدثت
وتكلمت معي " ولكنها ليست بتلك " أي زلزلة القيامة ) - 24 .(2العلل:
بالسناد المتقدم عن محمد بن أحمد ،عن إبراهيم بن إسحق ،عن محمد بن
قال :آية .قلت :وما سببها ؟ قال :إن ال تبارك وتعالى وكل بعروق الرض
ملكا فإذا أراد ال أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عروق كذا
وكذا .قال :فيحرك ذلك الملك عروق تلك الرض التي أمره ال فتتحرك
بأهلها .قال :قلت :فإذا كان ذلك فما أصنع ؟ قال :صل صلة الكسوف فإذا
][130
من بعده إنه كان حليما غفورا أمسك عنا السوء إنك على كل شئ قدير )(1
" .الفقيه :بإسناده عن سليمان الديلمي مثله ) .(2بيان " :آية " أي علمة
من علمات غضبه أو قدرته " .أن تزول " أي كراهة أن تزول ،أو لتضمن
وفي الفقيه بعد قوله " غفورا " :يا من يمسك السماء أن تقع على الرض
إل بإذنه أمسك - 25 ..الكافي :عن علي بن محمد ،عن صالح بن أبي
حماد ،،عن بعض أصحابه ،عن عبد الصمد بن بشير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن الحوت الذي يحمل الرض أسر في نفسه أنه إنما
يحمل الرض بقوته فأرسل ال عزوجل إليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من
فتر ،فدخل في خياشيمه فصعق ،فمكث بذلك أربعين يوما .ثم إن ال
عزوجل رأف به ورحمه وخرج ،فإذا أراد ال عزوجل بأرض زلزلة بعث
ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزت الرض )- 26 .(3
المفضل :قال الصادق عليه السلم :فإن قال قائل :فلم صارت هذه الرض
تزلزل ؟ قيل له :إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس
) (1علل الشرائع :ج ،2ص (2) .242من ل يحضره الفقيه(3) .142 :
][131
التي تحدث على سطح الرض إذا فرض معدل النهار قاطعا للعالم الجسماني
تسمى خط الستواء ،وإذا فرضت عظيمة اخرى على وجه الرض تمر
المسكون ،والباقية إما غامرة في البحار غير مسكونة وإما عامرة غير
معلومة الحوال ،وطول كل ربع بقدر نصف الدائرة العظيمة وعرضه بقدر
ربعها .وهذا الربع المسكون أيضا ليس كله معمورا إذ بعضه في جانب
الشمال لفرط البرد ل يمكن لحيوان التعيش فيه ،وهي المواضع التي يكون
عرضها أزيد من تمام الميل الكلي ،وفي القدر المعمور أيضا بحار كثيرة
بعضها متصل بالمحيط وبعضها غير متصل كما عرفت ،وجبال وآكام وآجام
ومبدأ العمارة عند المنجمين من جانب الغرب وكانت هناك جزائر تسمى "
الجزائر الخالدات " وهي الن معمورة في الماء فجعلها بعضهم مبدأ
الطول ،وآخرون جعلوا ساحل البحر الغربي مبدأ وبينهما عشر درجات،
ونهاية العمارة من الجانب الشرقي عندهم " كنك ذر " وهو مستقر
ثم قسموا المعمور من هذا الربع في جانب العرض بسبعة أقاليم بدوائر
متناسبة بحسب الحر والبرد والمزاج واللوان والخلق .فمبدأ القليم الول
في العرض عند الكثر مواضع يكون عرضها اثنتا ) (1عشر درجة وثلثا
درجة ونهارهم الطول اثنتا عشر ساعة ونصف وربع ولم يعدوا من خط
القليم الثاني حيث عرضه عشرون درجة ونصف ونهاره الطول ثلث
عشرة ساعة وربع .ومساحة سطح القليم الول على الول كما ذكره
البرجندي ستمائة ألف واثنان وستون ألف فرسخ وأربعة وأربعون فرسخا
ونصف
][132
وصحار وسندان ،وكولم ،وعلقى .وقال بعضهم :وهذا القليم يبتدئ في
الطول من المشرق وأراضي الصين وتمر هناك على أنهار عظيمة ثم تمر
على سواحل البحر الجنوبي و بعض أرض الصين وبعض البلد الجنوبية
من الهند والسند ،ثم على جزيرة " كرك " التي والها من قبل ملك اليمن
ثم يمر على خليج فارس وجزيرة العرب وعلى أكثر بلد اليمن كمعلى،
ومدينة الطيب ،وصحار قصبة ) (1عمان ،ثم على الخليج الحمر ،و دار
ملك الحبشة ،وبلد النوبة ،وعلى غاية معدن الذهب من بلد السودان )(2
المغرب ثم على بلد بربر إلى المحيط المغربي .وعدد البلد المشهورة
منسوب إلى زحل .ومساحة سطح ما بين خط الستواء والقليم الول ألف
ألف فرسخ ومائة وستة عشر ألف فرسخ وسبعمائة وخمسة وثلثون
ألف فرسخ واثنان وسبعون ألف فرسخ وستة وستون فرسخا وثلث فرسخ.
بلد الشام ،وينبع ،وجدة ،وخيبر ،وبطن مر ،والطائف والفيد ،والفرع،
) (1في مراصد الطلع :صحار بالضم وآخره راء :هضبة عمان مما يلى
الجبل ،وقوام قصبتها مما يلى الساحل مدينة طيبة كثيرة الخيرات مبنية
بالجر والساج -انتهى -والهضبة :الجبل المنبسط على وجه الرض(2) .
سودان )خ(.
][133
وأسيوط ،واسوان ،وإسنا ،وعيذاب ،ولمطه من أقصى المغرب ،وسوس
وقال بعضهم :هذا القليم يأخذ في الطول من بلد الصين ويمر بمعظم بلد
الهند ،ومنها " دهلي " ثم بشمال جبال معروفة في ديارهم ،ويمر بمعظم
ديار السند منها " منصورة " ويصل إلى عمان ،ويقطع جزيرة العرب من
وهرمز من كرمان ويقطع القلزم ويصل إلى صعيد مصر ويقطع النيل ويأخذ
في أرض المغرب ويمر بأواسط بلد إفريقية ثم ببلد البربر ويصل إلى
المحيط .والبلد المشهورة الواقعة في هذا القليم أيضا خمسون ،وفيه من
الجبال عشرون ،ومن النهار مثلها .ولون عامة أهله بين السواد
والسمرة ،ويزعمون أنه منسوب إلى الشمس .ومبدأ القليم الثالث عرضه
سبع وعشرون درجة ونصف ،ونهاية طول اليام ثلث عشرة ساعة وثلث
أرباع ساعة .ومساحة سطحه أربعمائة وستون ألف فرسخ وأحد وتسعون
بلد سعيد وأكثر بلدها الواقعة على النيل ،ورشيد ،ودمياط من بلد مصر،
وقلزم على ساحل بحر اليمن ،وفسطاط من بلد مصر ،وعين الشمس
منها ،وأسفي ) (1من أقصى المغرب ،وسل ،وفاس ،ومراكش )(2
) (1بفتحتين وكسر الفاء :بلدة على شاطئ البحر المحيط بأقصى المغرب
)مراصد الطلع( (2) .بالفتح ثم التشديد وضم الكاف وشين معجمة :أعظم
مدينة بالمغرب وأجلها وبها سرير ملوكه في وسط بلد البربر وبينه وبين
البحر عشرة أيام .ومعنى مراكش بالبريرية " أسرع المشى " لنها كانت
موضع مخافة (3) .كذا في نسختين مخطوطتين ،وفى بعضها " قسطنطنية
" وهى غلط لنها من بلد الروم وهى التى تسمى اليوم " استانبول " من
بلد تركيا ،والظاهر ان الصواب " قسطنطينية " بضم القاف وفتح السين
وسكون النون الولى وفتح الياء المخففة الثانية وهى في افريقية مما يلى
][134
وغزة ،وعسقلن ،و قيسارية ،ورملة ،وبيت المقدس كلها من بلد فلسطين
وتستر ،وحبى ،وعسكر مكرم ،والهواز ،ودورق ،وأرجان كلها -ما عدا
الثلثة الول -من بلد خوزستان ; وسيف البحر ،وجور ،وأبرقوه ،و
،(1و دارا بجرد كلها من بلد فارس ونواحيها ; ويزد ،وبافد ،وبردسير،
يبتدئ من شرقي أرض الصين ودار ملكهم ،وتمر بوسط مملكة الهند ،و
وسيستان ،و كيج ،ويزده سير مدينة كرمان ،وخبيص ; ويزد ; وفارس ;
والمدائن وإذا جاوز هذه البلد يمر بديار ربيعة ومضر ; ودمشق ; وحمص
; وبيت المقدس ; والصورية ; والطبرية والقيسارية ; وعسقلن ;
) (1هي التى تسمى اليوم " فسا " (2) .في طبعة امين الضرب " زرنه ".
) (3في بعض النسخ " سروان " وفى المراصد " شرواد ".
][135
وينتهي إلي المحيط .و عدد البلد المشهورة الواقعة فيه مائة وثمانية
ولون أكثر أهله السمرة ; ويزعمون أنه منسوب إلى عطارد .وأما القليم
الرابع فعرض أوله ثلث وثلثون درجة وأربعون دقيقة ،وأطول نهاره أربع
عشرة ساعة وربع ،ومساحة سطحه ثلثمأة ألف وثمانية وسبعون ألفا
وثمانية وثلثون فرسخا وربع ،والبلد المشهورة فيه :قصر عبد الكريم،
) (1افريقية )خ( (2) .كذا ،وفى المراصد " سبتة " (3) .كذا ،في المراصد
" اشبيلية " (4) .بل من بلد الندلس )اسبانيا( (5) .ميورقة جزيرة في
شرقي الندلس )مراصد الطلع( (6) .وساس )خ( (7) .في بعض النسخ
" ارته " وفى بعضها " أرته " (8) .في بعض النسخ " مغرة " وهى
][136
أعمال حلب وبعضها من أعمال الشام وحلب ،وحران ; ورقة كلهما من
ووخش ،وصغانيان ،و شومان ،وآثينية كلها من بلد المغرب ويقال إنه بلد
حكماء يونان .وقال بعض الفاضل :هذا القليم وسط القاليم ،ووسط معظم
عمارة العالم ،ويبتدئ من شمال بلد الصين ويمر ببلد التبت الداخل،
) (6كذا في جميع النسخ ،وفى المراصد " ارجيش " بالشين المعجمة(7) .
الظاهر انها هي التى تسمى اليوم " دشت مغان " (1) .كذا ،والظاهر أنه "
شبرقان " (2) .قال في المراصد :الناس يختلفون في هذا السم والمعروف
انه بكسر التاء والميم وأهل تلك المدينة متداول على لسانهم بفتح التاء
][137
المغرب .وعدد البلد المشهورة الواقعة فيه مائتان واثنا عشر ،وفيه من
الجبال خمسة وعشرون ،ومن النهار اثنان وعشرون .ولون عامة أهله
بين السمرة والبياض ،وهو منسوب إلى المشتري على الصح بزعمهم.
وأما القليم الخامس فمبدأه حيث عرضه تسع وثلثون درجة ،وغاية طول
نهارهم أربع عشرة ساعة وثلثة أرباع ساعة .ومساحة سطحه مائتا ألف
وتسع وتسعون ألف فرسخ وأربعمأة وثلثة وتسعون فرسخا وثلثة أعشار
) (1في المراصد :غرشستان (2) .فيه :وهى أبيورد (3) .كذا ،ولعله
مصحف " آمو " فان " آمد " بلد قديم تحيط دجلة بأكثره ،ومن البعيد
من أقصى بلد الترك ; ويمر على مواضع التراك المشهورة إلى حد
اندلس إلى أن ينتهي إلى المحيط .وعدد البلد المشهورة الواقعة فيه
مائتان ،وفيه من الجبال ثلثون ،ومن النهار خمسة عشر .ولون عامة
أهله البياض ،وهو منسوب إلى الزهرة بزعمهم .وأما القليم السادس
فمبدأه حيث عرضه ثلث وأربعون درجة ونصف ،وغاية طول نهاره
خمسة عشر ساعة وربع .ومساحة سطحه مائتا ألف وخمسة وثلثون ألف
) (1الظاهر انه " آنقرة " التى هي عاصمة تركيا اليوم (2) .ويقال:
أقصرى ،وأقصراى ) (3كذا والمضبوط " خلط " (4) .في المراصد:
كرمينية (5) .كذا والمضبوط " ايلق " (6) .كذا والمضبوط " اسروشنه
][139
المشهورة الواقعة فيه تسعون ،وفيه من الجبال أحد عشر ،ومن النهار
أربعون .ولون غالب أهله الشقرة ،وهو عندهم منسوب إلى القمر .وأما
القليم السابع فمبدأه حيث العرض سبع وأربعون درجة وربع ; وغاية طول
نهاره خمس عشرة ساعة وثلثة أرباع ساعة .ومساحة سطحه مائة ألف
فرسخ .وفي هذا القليم العمارة قليلة ; والبلد المشهورة فيه :كرش ;
يأجوج ومأجوج ثم على غياض وجبال يأوي إليها أتراك كالوحوش ،ثم
على بلغار الروس والصقالبة ويقطع بحر الشام وينتهي إلى المحيط .وعدد
بلد هذا القليم اثنان وعشرون ،وفيه من الجبال أحد عشر ،ومن النهار
) (1سفسين )خ( (2) .التتر )خ( (3) .بلر )خ( (4) .كفى )خ((5) .
منسوب عندهم إلى المريخ .وأهل بعض بلده يسكنون مدة ستة أشهر في
الحمامات لشدة البرد .وآخر القاليم حيث عرضه خمسون درجة ونصف
وغاية طول نهاره ست عشرة ساعة وربع ،ثم إلى عرض التسعين ل
ويمر على جزيرة " چمكوت " ثم ببلد الصين مما يلي الجنوب ،وعلى "
كنك ذر " الذي من أراضي الصين ثم على جزائر " زأرة " التي تسمى
أرض الذهب ،وعلى جنوب جزيرة سرنديب بين جزيرتي كله وسريره
وعلى وسط جزائر ديويره ) (1ثم على شمال جزائر الزنج ومعظم بلدهم
ثم على شمال جبال القمر ،وجنوب سودان المغرب إلى المحيط .وأما طول
النهار لسائر البقاع سوى القاليم السبعة فالنهار الطول يبلغ سبع عشرة
ساعة حيث العرض أربع وخمسون درجة وكسر ،ويبلغ ثماني عشرة
ساعة حيث العرض ثمان وخمسون درجة ،ويبلغ تسع عشرة ساعة حيث
العرض إحدى وستون درجة ،ويبلغ عشرين ساعة حيث العرض ثلث
وستون .وهناك جزيرة تسمى " تولي " يقال إن أهلها يسكنون الحمامات
مدة كون الشمس بعيدة عن سمت رؤسهم .والمشهور أنها منتهى العمارة
في العرض ويبلغ إحدى وعشرين ساعة حيث العرض أربع وستون درجة
ونصف .قال بطلميوس :إن سكان هذا الموضع قوم من الصقالبة ل
وعشرين ساعة حيث العرض خمس وستون درجة وكسر ويبلغ ثلثا
ساعة حيث العرض مثل تمام الميل الكلي .ويبلغ شهرا حيث العرض سبع
وستون درجة وربع ،وشهرين حيث العرض سبعون درجة إل ربعا ،وثلثة
أشهر حيث العرض ثلث وسبعون درجة ونصف وأربعة أشهر حيث
العرض ثمان وسبعون درجة ونصف ،وخمسة أشهر حيث العرض أربع
وثمانون درجة ،ونصف السنة تقريبا حيث العرض ربع الدور .و منهم من
في المعمورة ،وقسما لم يدخل فيهما ،فالول مبدأه حيث عرضه خمسون
][141
وخمسون ألف فرسخ ومائة واثنان وثلثون فرسخا وربع فرسخ .وفيه
جزيرة برطانية ،وجزيرة صوداق ،وجزيرة تولى ومدينة يأجوج ومأجوج.
قالوا :عرض تلك المدينة ثلث وستون درجة وطولها مائة واثنان وسبعون
ونصف ،وغاية طول نهاره سبع وأربعون ساعة .ومساحة سطحه أربعمائة
ألف واثنان وعشرون ألف فرسخ وأربعمائة وسبعة فراسخ وخمس فرسخ.
وقيل :في عرض خمس وسبعين درجة موضع أهله يسكنون في الشتاء في
الحمامات ،ول يفهم كلمهم .الفائدة الثانية :في ذكر بعض خواص خط
الستواء والفاق المائلة ،فأما خط الستواء فدوائر آفاق البقاع التي تكون
عليه تنصف جميع المدارات اليومية ،فلذلك يكون النهار والليل في جميع
السنة متساويين ،وأيضا يكون زمان ظهور كل نقطة على الفلك مساويا
لزمان خفائه ،فإن كان تفاوت كان بسبب اختلف السير سرعة وبطء
العتدالين ،ول تبعد الشمس عن سمت رؤوسهم إل بقدر غاية ميل فلك
البروج عن معدل النهار ،وتكون الشمس نصف السنة تقريبا في جهة من
جهتي الشمال والجنوب ،ويكون ظل نصف النهار إلى خلف تلك الجهة،
ولكون مبدأ الصيف الوقت الذي يكون فيه الشمس إلى سمت الرأس أقرب
ومبدأ الشتاء الوقت الذي يكون الشمس منه أبعد ،يكون وقت كونها في
نقطتي العتدال مبدأ صيفهم ،ووقت كونها في نقطتي النقلب مبدأ
شتائهم ،ويكون مبادئ الفصلين الخيرين أوساط الرباع ،ويلزم على ذلك
أن يكون لهم في كل سنة ثمانية فصول ،ويكون دور الفلك هناك دولبيا،
لن سطوح جميع المدارات يقطع سطح الفق على قوائم ،ويسمى لذلك
آفاقها آفاق الفلك المستقيم .والشيخ ابن سينا حكم بأنها أعدل البقاع ،لن
الشمس ل تمكث على سمت الرأس كثيرا بل إنما يمر به وقتي اجتيازها عن
إحدى الجهتين إلى الخرى ،ويكون هناك حركتها في الميل والبعد عن
سمت رأسهم أسرع ما يكون فل تكون لذلك حرارة صيفهم شديدة .وأيضا
لتساوي
][142
منهما بالخرى فيعتدل الزمان .وحكم أيضا بأن أحر البقاع صيفا التي تكون
مسامتتها قريبا من شهرين ،ونهارها حينئذ يطول وليلها يقصر .ورد الفخر
الرازي عليه الحكم الول بأن قال :لبث الشمس في خط الستواء وإن كان
قليل لكنها ل تبعد كثيرا عن المسامتة ،فهي طول السنة في حكم المسامتة،
ونحن نرى بقاعا أكثر ارتفاعات الشمس فيها ل يزيد على أقل ارتفاعاتها
بخط الستواء وحرارة صيفها في غاية الشدة .فيعلم من ذلك أن حرارة
شتاء خط الستواء تكون أضعاف حرارة صيف تلك البقاع .وحكم بأن أعدل
البقاع هو القليم الرابع .وقال المحقق الطوسي -ره :-الحق في ذلك أنه
إن عنى بالعتدال تشابه الحوال فلشك أنه في خط الستواء أبلغ كما ذكره
يدل عليه شدة سواد لون سكانه من أهل الزنج والحبشة وشدة جعود
شعورهم وغير ذلك مما تقتضيه حرارة الهواء ،وأضداد ذلك في القليم
الرابع تدل على كون هوائه أعدل .بل السبب الكلي في توفر العمارات
من الرض يدل على كونها أعدل من غيرها ،وما يقرب من وسطها ل
محالة يكون أقرب إلى العتدال مما يكون على أطرافها .فإن الحتراق
ذكره -قدس سره -سكان القليم الرابع أعدل الناس خلقا وخلقا ،و أجودهم
فطانة وذكاء .ومن ثمة كان معدن الحكماء والعلماء ،وبعدهم سكان
عما هو أفضل ،يدل عليه سماجة صورهم وسوء أخلقهم وشدة احتراقهم
][143
الثالث ) (1أن يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلي ،الرابع أن يكون
عرضه أكثر من الميل وأقل من تمامه ،الخامس أن يكون عرضه أكثر من
تمام الميل .ففي جميع تلك الفاق يكون أحد قطبي المعدل فوق الرض
مرتفعا عن الفق بقدر عرض البلد والخر منحطا عن الفق بهذا المقدار.
وجميع تلك الفاق ينصف معدل النهار على زوايا ]قوائم[ فيكون دور الفلك
الوقات تحقيقي وفي بعضها تقريبي .ويكون النهار أطول من الليل عند
بعكس ذلك .وكلما كان عرض البلد أكثر كان مقدار التفاوت بين الليل
والنهار أكثر ،وكل مدار بعده عن القطب الشمالي مثل ارتفاع القطب عن
الفق فهو بجميع ما فيه وبجميع ما تحويه دائرته إلى القطب الشمالي من
الكواكب والمدارات أبدي الظهور ،ونظيره من ناحية الجنوب بجميع ما فيه
وما تحويه دائرته إلى القطب الجنوبي أبدي الخفاء .وهذا هي الحوال
ما يكون العرض أقل من الميل الكلي فالمدار الذي يكون بعده عن المعدل
من جهة القطب الظاهر بقدر عرض البلد يقطع منطقة البروج على نقطتين
متساويتي البعد من المنقلب فإذا وصلت الشمس إلى إحدى هاتين النقطتين
ل يكون في نصف نهار هذا اليوم لشئ ظل ،وما دامت الشمس في القوس
) (1في أكثر النسخ هكذا :الثالث أن يكون عرضه أكثر من الميل وأقل من
تمامه الرابع ان يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلى (2) .جمع قوس،
وأصله قووس -على ما ذكره الصرفيون -فانقلب اللم مكان العين ثم قلبت
الواوان يائين وادغمت الولى في الثانية وكسرت القاف والسين فصار "
قسيا ".
][144
الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الخفي ،وما دامت الشمس في
القوس الخر يقع الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الظاهر،
ولرتفاع الشمس في النقصان غايتان :إحداهما من جهة القطب الظاهر
وهو أكثر ،والخرى من جهة القطب الخفي وهو أقل ،ول تكون فصول
السنة في تلك الفاق متساوية ،بل إذا كانت النقطتان المذكورتان متقاربتين
كان صيفهم أطول من غيره ،لن الشمس تسامت رؤسهم مرتين وليس
بعدها على قدر يكون في وسطه فتور للسخونة ،وإن زادت على الربعة
كما إذا كانت النقطتان متباعدتين لم تكن متشابهة لختلف غايتي بعد
وأما القسم الثاني فمدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر يمر بسمت
الرأس ومدار المنقلب الخر بسمت الرجل ،ول يكون لرتفاع الشمس إل
غاية واحدة في جانب النقصان ،وفي جانب الزيادة يكون تسعين درجة،
ويكون الظل أبدا عند الزوال في جهة القطب الظاهر ،إل في يوم واحد حين
كونها في المنقلب الظاهر ،فإنه ل يكون في هذا اليوم عند الزوال لشئ ظل،
ويكون أحد قطبي فلك البروج أبدي الظهور والخر أبدي الخفاء.
وارتفاعات الشمس تتزايد من أحد النقلبين إلى الخر ،ثم ترجع وتتناقص
إلى أن تعود إليه وتصير فصول السنة أربعة لغير وتكون متساوية
المقادير .وأما القسم الثالث فل تنتهي الشمس إلى سمت الرأس ،ويكون لها
ارتفاعان :أعلى ،وهو ما يكون بقدر مجموع الميل الكلي وتمام عرض
البلد .وأسفل ،وهو يكون بقدر فضل تمام عرض البلد على الميل الكلي،
وسائر الحوال كما مر .وأما القسم الرابع فيصير مدار المنقلب الذي في
جهة القطب الظاهر أبدي الظهور ومدار المنقلب الخر أبدي الخفاء .ويمر
مدار قطب فلك البروج الظاهر بسمت الرأس ،ومدار القطب الخر بمقابله،
وفي كل دورة تنطبق منطقة البروج مرة على الفق ،ثم يرتفع النصف
الشرقي من المنطقة دفعة عن الفق وينحط نصفها الخر عنه كذلك ،ثم
يطلع النصف الخفي جزء بعد جزء في جميع أجزاء نصف الفق الشرقي
][145
ويغيب النصف الظاهر جزء بعد جزء كذلك في جميع نصف الفق الغربي
في مدة اليوم بليلته إلى أن يعود وضع الفلك إلى حاله الولى ،ويزيد النهار
في تلك الفاق إلى أن يصير مقدار يوم بليلته نهارا كلها ،وذلك عند وصول
الشمس إلى المنقلب الظاهر .وهذا إذا اعتبر ابتداء النهار من وصول مركز
الشمس إلى الفق ،وإن اعتبر ابتداء النهار من ظهور الضوء واختفاء
الثوابت كان نهارهم عند الوصول المذكور شهرا -على ما بينه " ساو
ذوسيوس " في الرسالة التي بين فيها حال المساكن -ثم يحدث ليل في
غاية القصر بحيث يتداخل الشفق والفجر ،ويزيد شيئا فشيئا إلى أن يصير
مقدار يوم بليلته ليلة كله ،وبعد ذلك يحدث نهار قصير ،وهكذا .وفي هذا
القسم نهاية العمارة في جانب الشمال ،ول تمكن العمارة بعده لشدة البرد.
وأما القسم الخامس فيكون فيه أعظم المدارات البدية الظهور قاطعا
لمنطقة البروج على نقطتين يساوي ميلهما في جهة القطب الظاهر ،وأعظم
المدارات البدية الخفاء قاطعا لها على نقطتين متقابلتين لهما ; فتنقسم
إحديهما أبدي الظهور وهي التي يتوسطها المنقلب الذي في جهة القطب
الظاهر ،ومدة كون الشمس فيها نهارهم الطول .والثانية أبدي الخفاء وهي
التي يتوسطها المنقلب الخر ،ومدة كون الشمس فيها ليلهم الطول وأما
القوسان الباقيتان فالتي يتوسطها أول الحمل تطلع معكوسة أي يطلع آخرها
قبل أولها ،وتغرب مستوية أي يغرب أولها قبل آخرها إن كان القطب
جنوبيا ; والتي يتوسطها أول الميزان يكون بالضد من ذلك .ومثلوا لتصوير
أحكام هذا القسم لقلة الجدوى .وأما الموضع الذي عرضه ربع الدور وهو
تسعون درجة فأوضاعه غريبة جدا وذلك ل يكون على الرض إل عند
موضعين يكون أحد قطبي المعدل على سمت الرأس والخر على سمت
القدم ،فتصير ل محالة دائرة معدل النهار منطبقة على الفق ،و يدور الفلك
ول مغرب باعتبار هذه الحركة أصل ول باعتبار غيرها بحيث يتميز أحدهما
عن الخر في الجهة ،ول يتعين أيضا نصف النهار ،بل في جميع الجهات
يمكن أن تبلغ الشمس وسائر الكواكب غاية ارتفاعها ،كما يمكن أن تطلع
وتغرب فيها ،فيكون النصف من الفلك الذي يكون من معدل النهار في جهة
مادامت في النصف الظاهر من فلك البروج يكون نهارا ،وما دامت في
النصف الخفي منه يكون ليل ،فيكون سنة كلها يوما بليلة ،و يفضل أحدهما
على الخر من جهة بطء حركتها وسرعتها وهو تقريبا سبعة أيام بلياليها
من أيامنا .ففي هذه الزمنة يزيد نهاره عن ليله بمثل هذه المدة .وهذا إذا
اعتبر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها ،وأما إذا كان النهار من ظهور
ضوئها واختفاء الثوابت إلى ضدهما فيكون نهارهم أكثر من سبعة أشهر
بسبعة أيام ،وليلهم قريبا من خمسة أشهر ،إذ من ظهور ضوء الشمس إلى
طلوعها خمسة عشر يوما وكذا من غروبها إلى اختفاء الضوء ،على ما
حققه " ساوذوسيوس " وأما إذا كان النهار من طلوع الصبح إلى غروب
الشفق فكان نهارهم سبعة أشهر وسبعة عشر يوما من أيامنا تقريبا .وقال
على مركز أصل المقياس أصغرها إذا كانت الشمس في المنقلب الظاهر.
وأعظمها إذا كانت عند الفق بقرب العتدالين ،ول يكون لشئ من الكواكب
الثانية المختصة بكل منها ل في موضع بعينه من الفق .و يكون للكواكب
مدارها عن منطقة البروج وقربها إليه ،فما كان مداره أبعد عنها في جهة
القطب الظاهر كان زمان ظهوره أكثر من زمان ظهور مامداره أقرب منها
][147
الجهة الخرى .والكواكب التي عرضها مساو للميل كله تماس الفق في
دور واحد من الحركة الثانية مرة واحدة إما من فوق وإما من تحت ،ول
يكون لها ول للتي يزيد عرضها في أحد جانبي فلك البروج على الميل الكلي
طلوع ول غروب ،بل تكون إما ظاهرة أبدا وإما خفية أبدا .الفائدة الثالثة:
قالوا :السبب الكثري في تولد الحجار والجبال عمل الحرارة في الطين
اللزج بحيث يستحكم انعقاد رطبه بيابسه بإذن ال تعالى .وقد ينعقد الماء
السيال حجرا إما لقوة معدنية محجرة أو لرضية غالبة على ذلك الماء .فإذا
صادف الحر العظيم طينا كثير الرخا إما دفعة وإما على مرور اليام تكون
الحجر العظيم .فإذا ارتفع بأن يجعل الزلزلة العظيمة طائفة من الرض تل
من التلل ،أو يحصل من تراكم عمارات تخربت ثم تحجرت ،أو يكون الطين
بالمياه والرياح وتغور تلك الحفر بالتدريح غورا شديدا وتبقى الصلبة
مرتفعة أو بغير ذلك من السباب فهو الجبل .و قد يرى بعض الجبال
منضودة ساقا فساقا كأنها سافات الجدار ،فيشبه أن يكون حدوث مادة
الفوقاني بعد تحجر التحتاني وقد سال على كل ساف من خلف جوهره ما
صار حائل بينه وبين الخر .وقد يوجد في كثير من الحجار عند كسرها
الدهر مغمورة في البحر فحصل الطين اللزج الكثير وتحجر بعد النكشاف،
والرياح ،كذا قيل ،وقد مر بعض الكلم فيه سابقا .والحق أن ال تعالى
خلقها بفضله وقدرته إما بغير أسباب ظاهرة أو بأسباب ل نعلمها .وهذه
السباب المذكورة ناقصة ،ولو كانت هذه أسبابها فلم ل يحدث من الزمنة
التي أحصى الحكماء تلك الجبال إلى تلك الزمان جبل آخر ،إل أن يقال :لما
كان في بدء خلق الرض زلزلة ورجفة واضطراب عظيم في الرض صارت
أسبابا لحدوث تلك الجبال ،فلما حدثت استقرت الرض وسكنت ،فلهذا ل
][148
ثم اعلم أن منافع الجبال كثيرة :منها كونها أوتادا للرض كما مر ; ومنها
أن انبعاث العيون والسحب المستلزمة للخيرات الكثيرة منها أكثر من
كما قال في الشفاء :إذا تتبعت الودية المعروفة في العالم وجدتها كلها
منبعثة من عيون جبلية ومنها تكون الجواهر المعدنية منها ومنها إنباتها
مأوى الحيوانات بل بعض الناس .ومنها كونها أسبابا لهتداء الخلق في
طرقهم وسبلهم ،ومنها اتخاذ الحجار منها للرحية والبنيه وغيرها ،إلى
غير ذلك من المنافع الكثيرة التي تصل عقول الخلق إلى بعضها وتعجز عن
أكثرها .قال الصادق عليه السلم في خبر التوحيد الذي رواه عنه المفضل
بن عمر :انظر يا مفضل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة
التي يحسبها الغافلون فضل ل حاجة إليها ،والمنافع فيها كثيرة :فمن ذلك
أن يسقط عليها الثلوج ،فتبقى في قللها لمن يحتاج إليه ويذوب ما ذاب
منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها النهار العظام ،وتنبت
فيها ضروب من النبات والعقاقير التي ل ينبت منها في السهل ،وتكون فيها
فيها معادن لضروب من الجواهر ،و فيها خلل اخرى ل يعرفها إل المقدر
لها في سابق علمه .بيان " :المقائل " كأنه من القيلولة ،وفي بعض النسخ
بالغين المعجمة من الغيل وهو الشجر الملتف ،وفي بعضها " معاقل "
جمع معقل وهو الشجر الملتف ) .(1الفائدة الرابعة :قالوا في علة حدوث
) (1كذا في جميع النسخ ،والظاهر انه سهو القلم ،فان المعقل بمعنى الملجأ
و مكان عقل البل والجبل المرتفع ،والمناسب للعبارة هو " معاقل " بمعنى
][149
فخسفت الرض فتخرج منه نار لشدة الحركة الموجبة لشتعال البخار
والدخان لسيما إذا امتزجا امتزاجا مقربا إلى الدهنية ،وربما قويت المادة
عوالي وهدات في باطن الرض فيتموج بها الهواء المحتقن فيتزلزل بها
الرض ،وقليل ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لبعض السباب .وقد
يوجد في بعض نواحي الرض قوة كبريتية ينبعث منها دخان و في الهواء
مزاج دهني ،وربما اشتعل بأشعة الكواكب وغيرها فيرى بالليل شعل
مضيئة .وقال شارح المقاصد :قد يعرض لجزء من الرض حركة بسبب ما
يتحرك تحتها فيحرك ما فوقه ويسمى الزلزلة ،وذلك إذا تولد تحت الرض
بخار أو دخان أو ريح أو ما يناسب ذلك وكان وجه الرض متكاثفا عديم
المسام أو ضيقها جدا وحاول ذلك الخروج ولم يتمكن لكثافة الرض تحرك
في ذاته وحرك الرض ،وربما شقتها لقوته ،وقد ينفصل منه نار محرقة
وأصوات هائلة لشدة المحاكة والمصاكة ،وقد يسمع منها دوي لشدة الريح.
ول يوجد الزلزلة في الراضي الرخوة لسهولة خروج البخرة وقلما تكون
في الصيف لقلة تكاثف وجه الرض .والبلد التي تكثر فيها الزلزلة إذا
حفرت فيها آبار كثيرة حتى كثرت مخالص البخرة قلت الزلزلة .وقد يصير
البرد الذي يعرض بغتة يفعل مال يفعل العارض بالتدريج .قال ذلك وأمثاله
الثار إلى القادر المختار قاطعة ،وطرق الهدى إلى ذلك واضحة ،لكن من لم
آثار الئمة البرار وعدم الخروج عن مدلول اليات والخبار :ولما كانت
][150
يزلزل الرض أمر الملك أن يحرك عروقها فيتحرك بأهلها ،وما أشبه ذلك
من العبارات على اختلفها ،والعلم عند ال -انتهى .-وأقول :قد عرفت
معارضات نقلية جرأة على الغرير الجبار ،ول نقول في جميع ذلك إل ما
ورد عنهم صلوات ال عليهم ،وما لم تصل إليه عقولنا نرد علم ذلك إليهم.
)) (33باب( * )تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه( * - 1مجالس
الصدوق :عن الحسين بن أحمد بن إدريس ،عن أبيه ،عن أحمد ،ابن محمد
بن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن إسمعيل المنقري ،عن جده زياد بن أبي
زياد ،عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلم قال :من أكل الطين
فإنه تقع الحكة في جسده ،ويورثه البواسير ،ويهيج عليه داء السوء،
صحته قبل أن يأكله حوسب عليه وعذب به .مجالس الشيخ :عن أبيه ،عن
الحسين بن عبيد ال الغضائري ،عن الصدوق إلى آخر السند مثله .ثواب
العمال :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن محمد بن عيسى
إلى أبي عبد ال عن آبائه عليهم السلم في وصايا النبي صلى ال عليه
واله
][151
إلى علي عليه السلم :يا علي ثلث ) (1من الوسواس :أكل الطين ،وتقليم
الظفار بالسنان وأكل اللحية ) - 3 .(2ومنه :عن أبيه ،عن سعد بن عبد
ال ،عن محمد بن عيسى اليقطيني ،عن عبيدال الدهقان ،عن درست ،عن
إبراهيم بن عبد الحميد ،عن أبي الحسن الول عليه السلم قال :أربعة من
الوسواس :أكل الطين ،وفت الطين ،وتقليم الظفار بالسنان وأكل اللحية )
المسمى بالوسواس كما قال تعالى " الوسواس الخناس " قال الجوهري:
بكسر الواو .والوسواس -بالفتح :-السم ،و " الوسواس " اسم الشيطان
ويعسر عليه تركها - 4 .العيون :عن أحمد بن زياد الهمداني ،عن علي بن
إبراهيم ،عن ياسر قال :سأل بعض القواد أبا الحسن الرضا عليه السلم
عن أكل الطين ،وقال :إن بعض جواريه يأكلن الطين ،فغضب ثم قال :أكل
الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فانههن عن ذلك )- 5 .(4
مجالس ابن الشيخ :عن والده ،عن علي بن محمد بن حشيش عن محمد بن
عبد ال ،عن أحمد بن محمد بن سعيد ،عن علي بن الحسن بن فضال ،عن
جعفر بن إبراهيم بن ناجية ،عن سعد بن سعد الشعري ،عن أبي الحسن
الرضا عليه السلم قال :سألته عن الطين الذي ]يؤكل[ تأكله الناس ،فقال:
كل طين حرام كالميتة والدم وما اهل لغير ال به ما خل طين قبر الحسين
][152
- 6العلل :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن محمد بن أبي عبد
ال البرقي عن الحسن بن علي ،عن هشام بن الحكم ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن ال عز و جل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته
) .(1المحاسن :عن الحسن بن علي مثله ) - 7 .(2العلل :عن أبيه ،عن
أحمد بن إدريس ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أبي يحيى الواسطي،
عن رجل قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :الطين حرام أكله ) (3كلحم
الخنزير ،ومن أكله ثم مات فيه لم اصل عليه ،إل طين القبر ،فمن أكله
شهوة لم يكن فيه شفاء ) .(4بيان :رواه الكليني في الكافي عن محمد بن
وجماعة عن مشايخه بهذا السناد ،وفيهما " حرام كله -إلى قوله -إل
طين القبر ،فإن فيه شفاء من كل داء ،ومن أكله بشهوة لم يكن له فيه
شفاء ) ." (5وعدم صلته عليه السلم عليه ل ينافي وجوف الصلة عليه
وأمره غيره بالصلة عليه ،وهذا من التأديبات الشرعية لنزجار الناس عن
مثلها ،فإن ذلك من أبلغ التعذيرات ) - 8 .(6العلل :عن محمد بن موسى بن
المتوكل ،عن عبد ال بن جعفر الحميري ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن
محبوب ،عن إبراهيم بن مهزم ،عن طلحة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه ) .(7المحاسن :عن
ابن محبوب مثله ) .(8بيان :قال الجوهري :انهمك الرجل في المر أي جد
ولج.
) (1العلل :ج ،2ص (2) .219المحاسن (3) .565 :كله )خ( (4) .العلل:
ج ،2ص (5) .219الكافي :ج ،6ص (6) .265في بعض النسخ "
التقديرات " والظاهر " التحذيرات " (7) .العلل :ج ،2ص (8) .219
المحاسن.565 :
][153
عن علي بن حسان ،عن عبد الرحمان بن كثير ،عن يحيى بن عبد ال بن
الحسن ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أكل طين الكوفة فقد أكل
لحوم الناس ،لن الكوفة كانت أجمة ثم كانت مقبرة ما حولها .وقد قال أبو
عبد ال عليه السلم :قال رسول ال صلى ال عليه واله :من أكل الطين
فهو ملعون ) .(1بيان :يدل على عدم جواز أكل طين قبر أمير المؤمنين
عليه السلم وكان هذا التعليل لشدة حرمة خصوص طين الكوفة وحواليها،
ويدل على أن طين قبر الحسين عليه السلم أيضا إذا كان من المواضع التي
يظن خلط لحوم الناس وعظامهم به ل يجوز أكله ،و أكثر المواضع القريبة
بن أبي عبد ال البرقي ،عن علي بن الحكم ،عن إسماعيل بن محمد بن أبي
زياد عن جده زياد ،عن أبي جعفر عليه السلم :إن من عمل الوسوسة
وأكثر ) (2مصائد الشيطان أكل ) (3الطين .إن أكل الطين يورث السقم في
الجسد ،ويهيج الداء ،ومن أكل الطين فضعفت قوته التي كانت قبل أن يأكله
وضعف عن عمله الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على مابين ضعفه
وقوته وعذب عليه ) .(4ثواب العمال :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال،
عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم مثله ) .(5المحاسن :عن علي بن
الحكم مثله ) .(6بيان :في الكافي وغيره :عن إسماعيل بن محمد عن جده
ان عمل الوسوسة واكثر مصائد الشيطان من أكل الطين (4) .العلل :ج ،2
][154
الكافي :أن التمني عمل الوسوسة وأكثر مكائد الشيطان ) .(1وكان ما في
سائر النسخ أظهر ،وفي المحاسن " أكبر " بالباء الموحدة - 11 .كامل
الزيارة :عن محمد بن الحسن بن الوليد ،عن محمد بن الحسن الصفار عن
عباد بن سليمان ،عن سعد بن سعد قال :سألت أبا الحسن عليه السلم عن
الطين .قال :فقال :أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ،إل طين
قبر الحسين عليه السلم فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف ).(2
عن أبيه ،عن بعض أصحابه ،عن أحدهما عليهما السلم قال :إن ال تبارك
وتعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده .قال :فقلت :ما تقول في
طين قبر الحسين عليه السلم ؟ فقال :يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل
لهم أكل لحومنا ؟ ولكن الشئ ) (3منه مثل الحمصة ) - 13 .(4ومنه :روي
عن سماعة بن مهران ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كل طين محرم
على ابن آدم ما خل طين قبر أبي عبد ال عليه السلم من أكله من وجع
شفاه ال ) - 14 .(5المحاسن :عن عثمان بن عيسى ،عن طلحة بن يزيد،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أكل الطين يورث النفاق )- 15 .(6
ومنه :عن النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه )
- 16 .(7ومنه :عن ابن فضال ،عن ابن القداح ،عن أبي عبد ال عن أبيه
عليهما السلم قال :قيل لعلي عليه السلم في رجل يأكل الطين ،فنهاه وقال:
) (1الكافي :ج ،6ص .266وفيه " مصائد الشيطان " (2) .كامل
الزيارة (3) .285 :في المصدر :الشئ اليسير منه (4) .كامل الزيارة:
][155
- 17ومنه :عن محمد بن علي ،عن كلثم بنت مسلم ،قالت :ذكر الطين عند
أبي الحسن عليه السلم فقال :أترين أنه ليس من مصائد الشيطان ؟ ! إنه
من مصائده الكبار وأبوابه العظام ) - 18 .(1المكارم :سئل أبو عبد ال
عليه السلم عن طين الرمني أيؤخذ للكسير والمبطون أيحل أخذه ؟ قال :ل
بأس به ،أما إنه من طين قبر ذي القرنين ،وطين قبر الحسين عليه السلم
خير منه ) .(2المتهجد :عن محمد بن جمهور العمى عن بعض أصحابه
عنه عليه السلم مثله .دعوات الرواندى :عنه عليه السلم مثله- 19 .
وروى سدير عن الصادق عليه السلم أنه قال :من أكل طين قبر الحسين
عليه السلم غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا - 20 .طب الئمة :عن
بشر بن عبد الحميد النصاري ،عن الحسن بن علي الوشاء ،عن محمد بن
الفضيل ،عن أبي حمزة الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم ان رجل شكى
إليه الزحير ،فقال له :خذ من الطين الرمني وأقله بنار لينة واستسف )(3
منه فإنه يسكن عنك - 21 .وعنه عليه السلم أنه قال في الزحير :تأخذ
الزيارة :عن محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار ،عن أبيه ،عن جده علي
بن مهزيار ،عن الحسن بن سعيد ،عن عبد ال الصم ،عن ابن أبي عمير،
عن أبي حمزة الثمالي :عن أبي عبد ال عليه السلم في حديثه أنه سئل
) (1المحاسن (2) .565 :مكارم الخلق (3) .190 :استفات الدواء أخذه
غير ملتوت ،وفى بعض النسخ " واستشف منه " (4) .في بعض النسخ "
شئ من الشفاء ؟ فقال :يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة
أميال ،وكذلك قبر جدي رسول ال صلى ال عليه واله وكذلك طين قبر
الحسن وعلي ومحمد ،فخذ منها فإنها شفاء من كل داء وسقم ،وجنة مما
يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها -وذكر الحديث
إلى أن قال - :ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف بها
حتى أن بعضهم يضعها ) (1في مخلة البغل والحمار وفي وعاء الطعام
والخرج ! فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده ) (2؟ ! بيان :أقول :قال
الشيخ البهائي -قدس ال روحه -في الكشكول :مما نقله جدي من خط
السيد الجليل الطاهر ذي المناقب والمفاخر السيد رضي الدين علي بن
طاوس -قدس سره -من الجزء الثاني من كتاب الزيارات لمحمد بن أحمد
بن داود القمي أن أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه السلم :إني رأيت
أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه السلم يستشفون ؟ فهل في
ذلك شئ مما يقولون من الشفاء ؟ فقال :يستشفى ما بينه وبين القبر على
رأس أربعة أميال ،وكذلك قبر رسول ال صلى ال عليه واله وكذلك قبر
الحسن وعلي ومحمد .فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم ،وجنة مما يخاف.
ثم أمر بتعظيمها وأخذها باليقين بالبرء وتختمها إذا اخذت -انتهى .-
واقول :هذا الخبر بهذين السندين يدل على جواز الستشفاء بطين قبر
الرسول صلى ال عليه وآله سائر الئمة عليهم السلم ولم يقل به أحد من
الستشفاء بغير الكل كحملها والتمسح بها وأمثال ذلك .والمراد بعلي إما
صلى ال عليه واله تأكيدا وإن كان بعيدا - 23 .المتهجد :عن حنان بن
سدير ،عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال :من أكل طين قبر الحسين
][157
- 24قال :وروي أن رجل سأل الصادق عليه السلم فقال :إني سمعتك
تقول :إن تربة الحسين عليه السلم من الدوية المفردة ،وإنها لتمر بداء
إل هضمته .فقال :قد قلت ذلك ،فما بالك ؟ قلت :إني تناولتها فما انتفعت
بها .قال :أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع
بها .قال :فقال له :ما يقول إذا تناولها ؟ قال :تقبلها قبل كل شئ وتضعها
على عينيك ،ول تناول أكثر من حمصة .فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما
عن تميم بن عبد ال القرشي ،عن أبيه ،عن أحمد بن علي النصاري ،عن
موسى بن جعفر عليه السلم أنه أخبره بموته ودفنه وقال :ل ترفعوا قبري
فوق أربع أصابع مفرجات ،ول تأخذوا من تربتي شيئا لتبركوا به ،فإن كل
تربة لنا محرمة إل تربة جدي الحسين بن علي عليه السلم فإن ال
عن محمد بن عبد ال بن جعفر ،عن أبيه ،عن علي بن محمد بن سالم عن
محمد بن خالد ،عن عبد ال بن حماد ،عن الصم ،عن مدلج ،عن محمد بن
مسلم في حديث أنه كان مريضا فبعث إليه أبو عبد ال عليه السلم بشراب
فشربه ،فكأنما نشط من عقال ،فدخل عليه فقال :كيف وجدت الشراب ؟
فقال :لقد كنت آئسا من نفسي فشربته فأقبلت إليك فكأنما نشطت من عقال
فقال :يا محمد إن الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور ) (2آبائي،
وهو أفضل ما تستشفي به ،فل تعدل به ،فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى
منه كل الخير ) .(3بيان :يدل الخبر على جواز إدخال التربة في الدوية
][158
الحوط أن ل يكون الداخل فيما يشربه أكثر من الحمصة .وإنما قلنا الحوط
يشكل الحكم بالحرمة كما سنشير إليه - 27 .معاني الخبار :عن أبيه ،عن
سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي ،عن المعاذي ،عن
معمر ،عن أبي الحسن عليه السلم قال :قلت له ما يروي الناس في الطين
ال صلى ال عليه واله نهى عن أكل المدر .حدثني بذلك محمد بن الحسن
بن الوليد ،عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي )
دون المدر اليابس كما فهمه الصدوق ظاهرا ،وهذا مما لم يقل به صريحا
غيرهما مما يستهلك في الدبس ويقع على الثمار وسائر المطعومات ،وعلى
هذا فالحصر إما إضافي بالنسبة إلى ما ذكرنا أو المراد بالمدر ما يشمل
ظاهرها المبلول وإطلقه على غيره مجاز فل يمكنكم الستدلل بها على
تحريم التراب والمدر وعلى التقادير الكراهة محمولة على الحرمة .وقال
المحدث السترابادي :إنما المكروه ذاك الطين المتعارف بين الناس مبلوله
ويابسه لطين الحسين عليه السلم -انتهى .-وأقول :مع قطع النظر عن
أكثر الخبار إنما ورد بلفظ الطين ،وهذا الخبر ظاهره الختصاص .وقال
الراغب في المفردات :الطين ; التراب والماء المختلط به ،وقد يسمى بذلك
وإن زال عنه قوة الماء -انتهى .-لكن استثناء طين الحسين عليه السلم
][159
أنه ليس الستشفاء بخصوص المبلول ،بل الغالب عدمه .وعلى أي حال ل
سره -الظاهر أنه ل خلف في تحريم الطين ،و ظاهر اللفظ عرفا ولغة أنه
تراب مخلوط بالماء .ويؤيده صحيحة معمر بن خلد -و ذكر الخبر ثم قال -
وهذه تدل على أنه بعد اليبوسة أيضا حرام ول يشترط بقاء الرطوبة ولكن
المحرمات والمشهور بين المتفقهة أنه يحرم التراب والرض كلها حتى
فيه من الضرار بالبدن .والضرر مطلقا غير واضح ،ولعل وجه المشهور
أنه إذا كان الطين حراما وليس فيه إل الماء والتراب ومعلوم عدم تحريم
الماء ول معنى لتحريم شئ بسبب انضمام محلل ،فلولم يكن التراب محرما
لم يكن الطين كذلك ،وإنما التراب جزء الرض فيكون كلها حراما .وفيه
تأمل واضح فتأمل ول تترك الحتياط -انتهى .-وأقول :الوجه الذي حمل
الخبر عليه غير ما ذكرنا ،ومع احتمال تلك الوجوه بل أظهرية بعضها
يشكل الستدلل بهذا الوجه ،ثم الحكم بتحريم ما سوى الطين والتراب من
أجزاء الرض كالحجارة والياقوت والزبرجد وأنواع المعادن مما لوجه له،
واليات والخبار دالة على أن الصل في الشياء الحل ،ولم يرد خبر
بتحريم هذه الشياء ،وقياسها على التراب باطل .وأما المستثنى منه وهو
حل طين قبر الحسين عليه السلم فالظاهر أنه ل خلف في حله في الجملة،
المستفادة من الخبار :الول :المكان الذي يؤخذ منه التربة .ففي بعض
الخبار " طين القبر " وهي تدل ظاهرا على أنها التربة المأخوذة من
المواضع القريبة مما جاور القبر ،وفي بعضها " طين حائر الحسين عليه
السلم " فيدل على جواز أخذه من جميع الحائر وعدم دخول ما خرج منه.
وفي بعضها " عشرون ذراعا مكسرة " وهو أضيق ،وفي بعضها "
خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب من جوانب القبر " وفي بعضها "
][160
عند القبر على سبعين ذراعا " وفي بعضها " فيه شفاء وإن اخذ على
رأس ميل " وفي بعضها " البركة من قبره عليه السلم على عشرة أميال
" وفي بعضها " حرم الحسين عليه السلم فرسخ في فرسخ من أربع
جوانب القبر " وفي بعضها " حرمه عليه السلم خمس فراسخ في )(1
أربع جوانبه " .وجمع الشيخ -ره -ومن تأخر عنه بينها بالحمل على
اختلف مراتب الفضل وتجويز الجميع ،وهو حسن ،والحوط في الكل أن
ل يجاوز الميل بل السبعين ،و كلما كان أقرب كان أحوط وأفضل .قال
الحسين عليه السلم فكل ما يصدق عليه التربة يكون مباحا و مستثنى،
وفي بعض الروايات " طين قبر الحسين عليه السلم " فالظاهر أن الذي
يؤخذ من القبر الشريف حلل ،ولما كان الظاهر عدم إمكان ذلك دائما
فيمكن دخول ما قرب منه وحواليه فيه أيضا .ويؤيده ما ورد في بعض
الخبار " طين الحائر " وفي بعض " على سبعين ذراعا " وفي بعض "
على عشرة أميال " -انتهى .-الثاني :شرائط الخذ .فقد ورد في بعض
كما سيأتي في كتاب المزار إن شاء ال تعالى .و لما كان أكثر الخبار
الواردة في ذلك خالية عن ذكر هذه الشروط والداب فالظاهر أنها من
مكملت فضلها وتأثيرها ،ول يشترط الحل بها كما هو المشهور بين
كثيرة ،والصحاب مطبقون عليه ،وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة " إنا
أنزلناه " ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ،بل مع شرائط اخرى
حتى ورد أنه قال شخص :إني أكلت و ما شفيت ،فقال عليه السلم له :افعل
كذا وكذا .وورد أيضا أن له غسل وصلة خاصة و الخذ على وجه خاص
وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ،ويكون أخذه مقدارا خاصا ،ويحتمل
أن يكون ذلك لزيادة الشفاء وسرعته وتبقيته ل مطلقا ،فيكون مطلقا جائزا
كما هو المشهور ،وفي كتب الفقه مسطور .الثالث :ما يؤكل له ،ول ريب
][161
مرض كان وربما يوسع بحيث يشمل المراض الروحانية ،وفيه إشكال.
الخبار وعموم بعضها ،لكن ورد في بعض الخبار جواز إفطار العيد به
وإفطار يوم عاشورا أيضا به ،وجوزه فيهما بعض الصحاب ول يخلو من
قال المحقق الردبيلي -ره :-ول بد أن يكون بقصد الستشفاء وإل فيحرم
ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى ويدل عليه غيرها أيضا .وقد
نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الفطار بها يوم العيد ولم تثبت
صحته فل يؤكل إل للشفاء -انتهى .-وقال ابن فهد -قدس سره :-ذهب
ابن إدريس إلى تحريم التناول إل عند الحاجة ،وأجاز الشيخ في المصباح
الفطار عليه في عيد الفطر ،وجنح العلمة إلى قول ابن إدريس لعموم
النهي عن أكل الطين مطلقا ،وكذا المحقق في النافع ،ثم قال :يحرم التناول
إل عند الحاجة عند ابن إدريس ويجوز على قصد الستشفاء والتبرك وإن
لم يكن هناك ضرورة عند الشيخ .الرابع :المقدار المجوز للكل .والظاهر
أنه ل يجوز التجاوز في كل مرة عن قدر الحمصة وإن جاز التكرار إذا لم
الحوط عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي بن
إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن معاوية بن عمار قال :قلت لبي
عبد ال عليه السلم :إن الناس يروون أن النبي صلى ال عليه واله قال:
إن العدس بارك عليه سبعون نبيا .فقال :هو الذي تسمونه عندكم الحمص
ونحن نسميه العدس ) .(1و في الصحيح عن رفاعة ،عنه عليه السلم قال:
إن ال عزوجل لما عافى أيوب عليه السلم نظر إلى بني إسرائيل قد
ازدرعت ،فرفع طرفه إلى السماء فقال :إلهي وسيدي ،عبدك أيوب المبتلى
عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني إسرائيل زرع ،فأوحى ال عزوجل إليه:
يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره ،وكانت سبحته فيها ملح ،فأخذ أيوب كفا
][162
منها فبذره فخرج هذا العدس وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس )
(1لنهما يدلن على أنه يطلق الحمص على العدس أيضا فيمكن أن يكون
عليهم السلم كانوا يسمون الحمصة عدسة ل العكس ،فتأمل ،وكذا فهمهما
هل يجوز الستشفاء به واستعماله في الدوية ؟ فقيل :نعم ،لنه ورد في
الخبار المؤيدة بعمومات دلئل حل المحرمات عند الضطرار ،و قيل :ل،
لعدم صلحية تلك الخبار لتخصيص أخبار التحريم ،وقد ورد المنع عن
التداوي بالحرام ،والكثر لم يعتنوا بهذه الخبار ،وجعلوا الخلف فيه فرعا
وإن لم يرد فيه خبر .قال المحقق -روح ال روحه -في الشرائع :وفي
الرمني :رواية بالجواز حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها .وقال
لم يدع إليه حاجة ،فإن في بعض الطين خواص ومنافع ل تحصل في غيره،
فإذا اضطر إليه لتلك المنفعة بإخبار طبيب عارف يحصل الظن بصدقه جاز
تناول ما تدعو إليه الحاجة لعموم قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ول
عاد فل إثم عليه " وقد وردت الرواية بجواز تناول الرمني وهو طين
وربما قيل بالمنع لعموم ما دل على تحريم الطين ،وقوله صلى ال عليه
واله " ما جعل شفاؤكم في ما حرم عليكم " وقوله صلى ال عليه واله "
ل شفاء في محرم " وجوابه أن المر عام مخصوص بما ذكر ،وقوله صلى
ال عليه واله " لضرر ول إضرار " والخبران نقول بموجبهما لنا نمنع
من تحريمه حال الضرورة ،والمراد :مادام محرما ،وموضع الخلف ما إذا
لم يخف الهلك وإل جاز بغير إشكال -انتهى .-وسيأتي تمام الكلم في
التداوي بالحرام في بابه إن شاء ال تعالى .وقال ابن فهد -ره :-الطين
الرمني
][163
إذا دعت الضرورة إليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره ،وقيل :إنه من
طين قبر إسكندر .والفرق بينه وبين التربة من وجوه :الول أن التربة
ل يتجاوز منها قدر الحمصة ،وفي الرمني يباح القدر الذي تدعو إليه
الحاجة وإن زاد عن ذلك .الثالث أن التربة محترمة ل يجوز تقريبها من
النجاسة وليس كذلك الرمني .المتهجد :يستحب صوم هذا العشر ،فإذا كان
يوم العاشر أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ،ثم يتناول شيئا
بإسناده إلى علي ابن محمد بن سليمان النوفلي ،قال :قلت لبي الحسن
عليه السلم :إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر ،قال لي :جمعت بركة
وسنة .قال السيد -رضي ال عنه :-يعني بذلك التربة المقدسة على
واله أنه نهى عن أكل الطين وقال :إن ال عزوجل خلق آدم من طين فحرم
أكل الطين على ذريته .ومن أكل الطين فقد أعان على نفسه ،ومن أكله
فمات لم اصل عليه - 31 .وقال جعفر بن محمد عليهما السلم :أكل الطين
) (1القبال (2) .281 :قدمر مرسل عن المحاسن تحت الرقم ).(14
][164
تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) .(3النبياء :قلنا يا نار كوني بردا
والطير وكنا فاعلين .وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل
أنتم شاكرون .ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا
وكثير حق عليه العذاب ) .(6سبأ :ولقد آتينا داود منا فضل يا جبال أو بي
معه والطير وألنا له الحديد -إلى قوله تعالى -وأسلنا له عين القطر ).(7
) (1الحجر (2) .19 :النحل (3) .49 - 48 :السراء (4) .44 :النبياء:
][165
من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ) .(1ص :إنا سخرنا الجبال معه
" أولم يروا إلى ما خلق ال من شئ " قيل :استفهام إنكار ،أي قد رأوا
أمثال هذه الصنائع ،فما بالهم لم يتفكروا ليظهر لهم كمال قدرته وقهره
فيخافوا منه ؟ ! و " ما " موصولة مبهمة بيانها " يتفيؤ ظلله " أي أولم
ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلل متفيئة " عن اليمين والشمائل " أي
عن أيمانها وشمائلها ،أي جانبي كل واحد منها ،استعارة عن يمين النسان
وشماله ،ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل لعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد
الضمير في " ظلله " وجمعه في قوله " سجدا ل وهم داخرون " وهما
والستسلم ،سواء كان بالطبع أو بالختيار ،يقال :سجدت النخلة :إذا مالت
لكثرة الحمل ; وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب .وقال الشاعر :ترى
الكم فيها سجدا للحوافر و " سجدا " حال من الظلل " وهم داخرون "
لما قدر لها من التفيوء ،أو واقعة على الرض ملتصقة بها كهيئة الساجد،
) (1فاطر (2) .41 :ص (3) .18 :ص (4) .36 :الحديد.25 :
][166
الرتفاع والسطوع ،وشماله هو الجانب الغربي المقابل له ،فإن الظلل في
أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الرض ،وعند
الزوال يبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الرض كما ذكره
البيضاوي وغيره .وقال بعضهم :كان الحسن يقول :أما ظلك فيسجد لربك
وأما أنت فل تسجد لربك ! بئس ما صنعت .وعن مجاهد :ظل الكافر يصلي
وهو ل يصلي .وقيل :ظل كل شئ يسجد ل سواء كان ذلك ساجدا أم ل.
وقال الطبرسي -ره -وقيل :إن المراد بالظل هو الشخص بعينه ،قال
الشاعر " كأن في أظللهن الشمس " أي في أشخاصهن ،فعلى هذا يكون
تأويل الظلل في الية تأويل الجسام التي عنها الظلل " وهم داخرون "
أي أذلة صاغرون ،قد نبه ال سبحانه بهذا على أن جميع الشياء تخضع
له بما فيها من الدللة على الحاجة إلى واضعها ومدبرها بما لوله لبطلت
ولم يكن لها قوام طرفة عين فهي في ذلك كالساجد من العباد بفعله الخاضع
بذله -انتهى .-وقال النيسابوري في تأويلها بعد تفسيرها بمامر " :إلى ما
يتفيؤ ظلله " فإن الجسام ظلل الرواح ،فتارة تميل بعمل أهل السعادة
إلى أصحاب اليمين ،واخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال "
سجدا ل " منقادين لمره مسخرين لما خلقوا لجله ،وإنما وحد اليمين
وجمع الشمائل لكثرة أصحاب الشمال ،وسجود كل موجود يناسب حاله كما
أن تسبيح كل منهم يلئم لسانه -انتهى .-وأقول :ويحتمل أن يكون المراد
بظلله مثاله على القول بعالم المثال كما مر .تحقيقه أو روحه كما عبر في
إلى السعادة والتشبه بأصحاب اليمين ،وبالشمائل خلفه .وهذا كلم على
وحججه الكرام عليهم السلم " .ول يسجد " قال الرازي :قد ذكرنا أن
][167
هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما ،لنه ل
يرجح أحد الطرفين على الخر إل لمرجح .إذا عرفت هذا فنقول :من الناس
من قال :المراد بالسجود المذكور في هذه الية السجود بالمعنى الثاني وهو
بالملئكة هو السجود بهذا المعنى ،لن السجود بالمعنى الثاني حاصل في
بين المعنيين ،وحمل اللفظ المشترك لفادة مجموع معنييه جائز ،فحمل لفظ
القول ضعيف لنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لفادة جميع مفهوماته
معا غير جائز .قوله " من دابة " قال الخفش :يريد من الدواب ،وقال ابن
عباس :يريد كل مادب على الرض .فإن قيل :ما الوجه في تخصيص
الدواب والملئكة بالذكر ؟ قلنا :فيه وجوه :الول :أنه تعالى بين في آية
الملئكة ،فلما بين في أخسها وأشرفها كونها منقادة ل تعالى وبين بهذه
الية أن الحيوانات بأسرها منقادة ل تعالى كان ذلك دليل على أنها بأسرها
لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب فلما ميز ال الملئكة من الدابة علمنا
أنها ليست مما يدب بل هي أرواح محضة مجردة .ويمكن الجواب عنه بأن
الطير بالجناح مغائر للدبيب ) (1بدليل قوله تعالى " وما من دابة في
) (1في المصدر :بان الجناح للطيران مغائر للدبيب (2) .النعام(3) .31 :
][168
وأقول :التخصيص بعد التعميم أيضا شائع كعطف جبرئيل على الملئكة كما
على تقدير تسليمه ل حاجة في التعميم على حمله على ذلك ،بل يمكن حمله
على معنى النقياد والتواضع ،وهو يشمل النقياد لرادته وتأثيره طبعا،
والنقياد لتكليفه وأمره طوعا كما حمل عليه البيضاوي .وقال بعضهم :هذه
الية تدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة إل كل مخلوق له قوة
أعيان أنفسهم لمن حيث هياكلهم ،فإن هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له
والسجود ،فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة ،أل تراها تشهد على النفوس
والنفوس أيضا لها جهتان :فمن جهة مسخرة منقادة لربها في جميع ما
أراد منها ،ومن جهة اخرى عاصية مخالفة لربها ،بل من هذه الجهة أيضا
مسخرة ساجدة خاضعة لرادة ربها حيث أقدرها على ما أرادت ،ودالة على
وجود صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على التيان بما أرادت،
فهي من هذه الجهة أيضا مسبحة لربها ذاكرة لها دالة عليها منادية بلسان
حالها من جهة إمكانها وحدوثها وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا
لحكمته وكماله وعنايته الزلية كما قال بعض العارفين بالفارسية " عين
إنكار منكر إقراراست " والكلم في هذا المقام دقيق ل يمكن إجراء أكثر من
ذلك منه على القلم ،ويصعب دركها على الفهام ،وقد أومأت إلى شئ منه
في شرح كتاب توحيد الكافي في توضيح أخبار إرادة ال تعالى وبيان
معانيها .قوله سبحانه " تسبح له السموات " قال النيسابوري :قالت
العقلء :تسبيح الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول " سبحان ال "
واخرى بدللة أحواله على وجود الصانع الحكيم ،وتسبيح غيره ل يكون إل
من القبيل الثاني .وقد تقرر في الصول أن اللفظ المشترك ل يحمل على
][169
ههنا على المعنى الثاني ليشمل الكل .هذا ما عليه المحققون ،واورد عليه:
أنه لو كان المراد بالتسبيح ما ذكرتم لم يقل " ولكن ل تفقهون تسبيحهم "
لن التسبيح بهذا الوجه مفقوه معلوم .واجيب :بأن دللة كل شئ على
وجود الصانع معلومة على الجمال دون التفصيل ،فإنك إذا أخذت تفاحة
واحدة فلشك أنها مركبة من أجزاء ل تتجزأ ولكن عدد تلك الجزاء وصفة
كل منها من الطبع والطعم واللون والحيز والجهة وغيرها ل يعلمها إل ال.
وأيضا الخطاب للمشركين وأنهم وإن كانوا مقرين بالخالق إل أنهم أثبتوا
شريكا وأنكروا قدرته على البعث والعادة ولم ينظروا في المعجزات الدالة
على نبوة محمد صلى ال عليه واله فكأنهم لم يفقهوا التسبيح ،إذ لم
يتوسلوا به إلى نتيجة النظر الصحيح ،ولهذا ختم الية بقوله " إنه كان
حليما غفورا " حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم .وزعم
كل بلغته ولسانه الذي ل نعرف نحن ول نفقه .وزعم أيضا أن الحيوان إذا
ذبح ل يسبح ،وكذا غصن الشجرة إذا كسر .فاورد عليه أن كونه جمادا ل
يمنع من كونه مسبحا فكيف صار ذبح الحيوان مانعا عن التسبيح وكذا
الذي خلق عليه ،فإذا بطل ذلك التركيب وفكك ذلك النظم لم يبق مسبحا
مطلقا أول على ذلك النحو .وقال في تأويلها :لكل ذرة من ذرات الموجودات
ملكوت ،لقوله " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ ) " (1والملكوت باطن
الكون ،وهو الخرة ،والخرة حيوان لجماد لقوله " وإن الدار الخرة لهي
الحيوان ) " (2فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والحمد تنزيها
لصاحبه وحمدا له على ما أوله من نعمه ،وبهذا اللسان نطق الحصا في
كف النبي صلى ال عليه واله وبه تنطق الرض يوم القيامة " .يومئذ
تحدث أخبارها ) " (3وبه تنطق الجوارح " أنطقنا ال الذي أنطق كل شئ
) (1يس (2) .83 :العنكبوت (3) .64 :الزلزال (4) 4 :فصلت.21 :
][170
السموات والرض " قالتا أتينا طائعين " " .إنه كان حليما " في الزل ،إذ
أخرج من العدم من يكفر به ويجحده " غفورا " لمن تاب عن كفره " .قلنا
يا نار كوني بردا " قال الطبرسي .هذا مثل ،فإن النار جماد ل يصح خطابه،
والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلمة ل يصيبه من أذيها شئ ،كما قال
سبحانه " كونوا قردة خاسئين ) " (1والمعنى أنه صيرهم كذلك ل أنه
خاطبهم وأمرهم بذلك .وقيل :يجوز أن يتكلم ال سبحانه بذلك ويكون ذلك
صلحا للملئكة ولطفا لهم .وذكر في كون النار بردا وسلما على إبراهيم
وجوها :أحدها أن ال سبحانه أحدث فيها بردا بدل من شدة الحرارة فيها
فلم تؤذه .وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه .وثالثها
سبحانه تلك العتمادات .وعلى الجملة فعلمنا أن ال سبحانه منع النار من
هواء طيبة ليس ببدع ،غير أنه هكذا على خلف المعتاد فهو إذن من
معجزاته .وقيل :كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في
السمندر ،ويشعر به قوله " على إبراهيم " ) - (3انتهى .-وأقول :على
مذهب الشاعرة ل إشكال في ذلك ،لنهم يقولون :ل مؤثر في الوجود إل
ال ،وإنما أجرى عادته بالحراق عند قرب شئ من النار ،فإذا أراد غير
ذلك ل يخلق الحراق .وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم
الصفات لها فيشكل ذلك عندهم ،والولى أن يقال :إحراق النار وتبريد الثلج
وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية
المادة وغيرها فلم ل يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر
) (1البقرة ،65 :والعراف (2) .165 :مجمع البيان :ج ،7ص (3) .54
انوار التنزيل :ج ،2ص (4) .86هذا تنزيل لمقام إرادته القاهرة التى بها
تسببت السباب وانسجم نظام الكون .و يستلزم جعلها في عداد الشرائط
][171
بذلك انتفى تأثيرها ،كما أن ال تعالى أقدر العباد على أفعالهم لكن بشرط
عدم تعلق إرادته القاهرة بخلفه ،ولذا ورد في الخبار أنه ل يحدث شئ في
السماء والرض إل بإذنه سبحانه .قوله تعالى " وسخرنا مع داود الجبال
يسبحن والطير " قال الطبرسي -ره :-قيل :معناه سيرنا الجبال مع داود
حيث سار ،فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الية العظيمة التي تدعو إلى
تسبيح ال وتعظيمه وتنزيهه عن كل مال يليق به ،وكذلك تسخير الطير له
تسبيح يدل على أن مسخرها قادر ل يجوز عليه ما يجوز على العباد .و
قيل :إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح بالغداة والعشي
يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله " وإن من شئ إل يسبح بحمده "
> -جميع اليات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذى نتعاهده معاشر
الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية .وعدمية ومعدات لكن
ليس خرقا للنظام العلى والمعلولي رأسا ،فجعل النار بردا مثل ليس إبطال
للنظام السببي ،لمسببي الحاكم على العالم بحذافيره ،بل إعمال لسباب
السلم أو حول بدنه أو تسخير النار ليجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء
اليوم له ،كل ذلك لمن طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهى وطريق
غيبي ومجرى نفسي غير مشهود للعامة ،وال على كل شئ قدير .فان قيل:
مرجع الخير إلى أن ال تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت ،وهذه إبطال
لسببية النار للحراق -لعدم امكان سببية شئ واحد لضدين ومتقابلين -أو
للصورة الحادثة ،ول يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف
الى ذلك حديث تعدد الجهات .وأما استناد الحوادث إلى إرادة ال تعالى من
غير واسطة فمخالف للسنة اللهية التى لن تجد لها تبديل ولن تجد لها
ال تعالى فوق العلل المادية وفى طولها لفى رتبتها وهو القاهر فوق
][172
بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما .وأما المعتزلة
فقالوا :لو حصل الكلم في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل ال تعالى فيه،
والول محال لن بنية الجبل ل تحتمل الحياة والعلم والقدرة ،وما ل يكون
حيا عالما قادرا يستحيل منه الفعل ،والثاني أيضا محال ،لن المتكلم عندهم
من كان فاعل للكلم لمن كان محل له ،فلو كان فاعل ذلك الكلم هو ال
التفعيل للتكثير مثل قوله " يا جبال أو بي معه " والحاصل :سيري معه.
واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لتقبل الحياة ،وهذا ممنوع ،و
على أن التكلم من فعل ال وهو أيضا ممنوع .وأما الطير فل امتناع في أن
يصدر عنها الكلم ولكن اجتمعت المة على أن المكلفين إما الجن )(1
والنس أو الملئكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل
يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا ،فصار ذلك
معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق .وأيضا دللته على قدرة
ال وعلى تنزيهه مما ل يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال -انتهى -
) " .(2وعملناه صنعة لبوس لكم " أي علمناه كيف يصنع الدروع .قال
قتادة :أول من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح ،جعل ال سبحانه
والتحصين " .ولسليمان " أي سخرنا له " الريح عاصفة " أي شديدة
الهبوب " .ألم تر أن ال يسجد له " لعل المراد بالسجود غاية الخضوع
منهم غاية النقياد الذي يتأتى منهم ،وكذا الملئكة وصالحوا المؤمنين.
وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية النقياد أخرجهم وقال " وكثير
من الناس " لنهم وإن كانوا في الوامر التكوينية منقادين فليسوا في
) (1في المصدر :أو (2) .مفاتيح الغيب :ج ،22ص .200
][173
كما عرفت سابقا .وقال الرازي :الرؤية هنا بمعنى العلم ،وفي السجود
وجوه :أحدها قال الزجاج :أجود الوجوه في سجود هذه المور أنها تسجد
مطيعة ل تعالى وهو كقوله " فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها -
الية " " -أن نقول له كن فيكون " " وإن منها لما يهبط من خشية ال
" " وإن من شئ إل يسبح بحمده " " وسخرنا مع داود الجبال " والمعنى
أن هذه الجسام لما كانت قابلة لجميع العراض التي يحدثها ال تعالى فيها
من غير امتناع البتة أشبهت الطاعة والنقياد وهو السجود .وأما قوله "
وكثير من الناس " ففيه وجوه :أحدها أن السجود بالمعنى الذي ذكرناه
وإن كان عاما في حق الكل إل أن بعضهم تمرد وتكبر وترك السجود في
الظاهر ،فهذا الشخص وإن كان ساجدا بذاته لكنه متمرد بظاهره ،أما
المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره ،فلجل هذا الفرق حصل التخصيص
بالذكر .وثانيها أن نقطع قوله " وكثير من الناس " عما قبله ،ثم فيه ثلثة
بمعنى الطاعة والعبادة لئل يلزم استعمال المشترك في معنييه جميعا .الثاني
أن يكون قوله " وكثير من الناس " مبتدءا خبره محذوف وهو ،مثاب ،لن
خبر مقابله يدل عليه وهو قوله " حق عليه العذاب " .والثالث أن يبالغ في
تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف " كثير " على " كثير " ثم يخبر عنهم ب
" حق عليهم العذاب " وثالثها من يجوز استعمال اللفظ المشترك في
وفي حق الجمادات النقياد .فان قيل :قوله " من في السموات والرض "
لفظ العموم فيدخل فيه الناس ،فلم قال مرة اخرى " وكثير من الناس " ؟
قلنا :لو اقتصر على ما تقدم لوهم أن كل الناس يسجدون ،فبين أن كثيرا
منهم يسجدون طوعا دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك .القول الثاني في
تفسير السجود أن كل ما سوى ال تعالى فهو ممكن لذاته ،و الممكن لذاته
ل يترجح وجوده على عدمه إل عند النتهاء إلى الواجب لذاته كما قال:
][174
" وأن إلى ربك المنتهى " ) (1وكما أن المكان لزم للممكن حال حدوثه
وبقائه فافتقاره إلى الواجب حاصل حال حدوثه وحال بقائه ،وهذا الفتقار
الذاتي اللزم للماهية أدل على الخضوع والتواضع من وضع الجبهة على
الرض ،فإن ذلك علمة وضعية للفتقار ،وقد يتطرق إليه الصدق والكذب،
أما نفس الفتقار الذاتي فإنه ممتنع التغير والتبدل ،فجميع الممكنات ساجدة
بهذا المعنى ل أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه
وتكوينه ،وعلى هذا تأولوا قوله " وإن من شئ إل يسبح بحمده " وهذا
قول القفال .القول الثالث أن سجود هذه الشياء سجود ظلها كقوله تعالى "
يتفيؤ ظلله -الية " -وهذا قول مجاهد ) - (2انتهى .-قوله تعالى " أو
بي معه " قال البيضاوي :أي ارجعي معه التسبيح على الذنب أو النوحة،
وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها ،أو بحملها إياه على التسبيح إذا
تأمل ) (3فيها ،أو :سيري معه حيث سار .و " الطير " عطف على محل "
الجبال " " .وألنا له الحديد " جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء
من غير إحماء وطرق بآلته أو بقوة " عين القطر " أي النحاس المذاب
أسال ) (4له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا.
و ]كان[ ذلك باليمن ) " .(5إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول "
أي كراهة أن تزول ،فإن الممكن حال بقائه لبد له من حافظ أو يمنعهما أن
تزول لن المساك منع " .ولئن زالتا إن أمسكهما " أي ما أمسكهما " من
الجوابين ،و " من " الولى مزيدة ،والثانية للبتداء " إنه كان حليما
غفورا " حيث أمسكهما وكانتا جديرتين أن تهدا هدا ،لعمال العباد .قوله
تعالى " فيه بأس شديد " فإن آلت الحرب متخذة عنه " ومنافع للناس "
باستعمال السلحة
) (1النجم (2) .42 :مفاتيح الغيب :ج (3) .20 ،23في المصدر :تأملها )
][175
ومجاهدة الكفار ،والعطف على محذوف دل عليه ما قبله ،فإنه حال يتضمن
تعليل أو اللم صلة لمحذوف ،أي أنزله ليعلم ال " بالغيب " حال من
المستكن في " ينصره " " .إن ال قوي " على إهلك من أراد إهلكه "
عزيز " ل يفتقر إلى نصرة ،وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا
ثواب المتثال فيه .وقال الرازي :وأما الحديد ففيه البأس الشديد فإن آلت
الحرب متخذة منه ،وفيه أيضا منافع كثيرة منها قوله تعالى " وعلمناه
صنعة لبوس لكم " ومنها أن مصالح العالم إما اصول وإما فروع ،أما
النسان يضطر إلى طعام يأكله وثوب يلبسه وبناء يسكن فيه ،والنسان
مدني بالطبع فل تتم مصلحته إل عند اجتماع جمع من أبناء جنسه ليشتغل
كل واحد منهم بمهم خاص فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل وذلك
النتظام لبد وأن يفضي إلى المزاحمة ولبد من شخص يدفع ضرر البعض
عن البعض وذلك هو السلطان ،فثبت أنه ل تنتظم مصلحة العالم إل بهذه
الصول الربعة .أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد وذلك من كرب الرض
وحفرها ،ثم عند تكون هذه الحبوب وتولدها لبد من جزها وتنقيتها وذلك
لتيم إل بالحديد ) .(1ثم لبد من خبزها ول يتم إل بالنار ولبد فيها من
على الوجوه الموافقة للكل ول يتم ذلك إل بالحديد .ثم يحتاج في آلت
الحياكة إلى الحديد ثم نفزع ) (2في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد،
في الدنيا ما كان يختل شئ من مصالح الدنيا ،ولو لم يوجد الحديد لختل
جميع مصالح الدنيا .ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل
الوجدان كثير الوجود والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود،
وعند هذا يظهر أثر جود ال ورحمته على عبيده ،فإن كل ما كانت حاجاتهم
) (1في المصدر :ثم الحبوب لبد من طحنها وذلك ليتم ال بالحديد ) (2في
المصدر :يحتاج.
][176
الحكماء :إن أعظم المور حاجة إليه هو الهواء فإنه لو انقطع وصوله إلى
القلب لحظة مات النسان في الحال ،فل جرم جعله ال أسهل الشياء
وجدانا ،وهيأ أسباب التنفس وآلته ،حتى أن النسان يتنفس دائما بمقتضى
طبعه من غير حاجة فيه إلى تكلف عمل .وبعد الهواء الماء ،إل أنه لما
كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق
قليل من تحصيل الهواء .وبعد الماء الطعام ،ولما كانت الحاجة إلى الطعام
أقل من الحاجة إلى الماء جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء .ثم
تتفاوت الطعمة في درجات الحاجة والعزة ،فكل ما كانت الحاجة إليه أكثر
كان وجدانه أسهل ،وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل،
والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا لجرم كانت عزيزة جدا .فعلمنا
أن كل شئ كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل ولما كانت الحاجة إلى
عمه محمد بن أبي القاسم ،عن أحمد ابن أبي عبد ال البرقي ،عن علي بن
محمد القاساني ،عن إبراهيم بن محمد الثقفي ،عن علي بن المعلى ،عن
إبراهيم بن الخطاب بن الفراء رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :شكت
يحمل بعضك بعضا ) .(2الكافي :عن العدة ،عن البرقي ،عن إبراهيم الثقفي
مثله ) .(3المحاسن :عن القاساني مثله ،إل أن فيه :يحمل بعضها بعضا )
التكويني كما قيل :في قوله تعالى " وآتيكم من كل ما سألتموه " أي بلسان
استعداداتكم وقابلياتكم
) (1مفاتيح الغيب :ج ،29ص (2) .242العلل :ج ،2ص (3) .150
][177
أو يكون استعارة تمثيلية لبيان أن ال تعالى خلق الجزاء الرضية
والترابية بحيث يلتصق بعضها ببعض ،ول يكون ثقل الجميع على السافل
فتنهدم سريعا - 2 .المحاسن :عن علي بن أسباط ،عن داود البرقي ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن قوله تعالى " وإن من شئ إل
يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " قال :نقض الجدر تسبيحها ).(1
الكافي :عن العدة ،عن سهل بن زياد ،عن ابن أسباط مثله ،إل أن فيه:
تنقض الجدر ) - 3 .(2المحاسن :عن ابن أسباط ،عن علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير ،قال :سألت أبا عبد ال عن قول ال عزوجل " وإن من شئ
إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " قال :نقض الجدر تسبيحها !
الصلح ،قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال " :وإن من شئ
إل يسبح بحمده " قال :كل شئ يسبح بحمده ،وإنا لنرى أن تنقض الجدار
هو تسبيحها .ومنه :في رواية الحسين بن سعيد عنه عليه السلم مثله5 .
-ومنه :عن زرارة قال :سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال " وإن
من شئ إل يسبح بحمده " قال :إنا نرى أن تنقض الحيطان تسبيحها- 6 .
ومنه :عن مسعدة بن صدقة ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه عليهما السلم
أنه دخل عليه رجل فقال له :فداك أبي وامي ،إني أجد ال يقول في كتابه "
وإن من شئ إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " فقال :هو كما
قال ،فقال له :أتسبح الشجرة اليابسة ؟ فقال :نعم ،أما سمعت خشب البيت
) (1المحاسن (2) .623 :الكافي :ج ،6ص (3) .531المحاسن.623 :
][178
أيضا :ظله يسبح ال .بيان :قد مضى من البيان في تفسير اليات ما يمكن
به فهم هذه الخبار .و الحاصل أن تنقض الجدار لدللتها على حدوث التغير
فيها وفنائها نداء منها بلسان حالها على افتقارها إلى من يوجدها ويبقيها
منزها عن صفاتها المحوجة إلى ذلك .وأيضا نقصانات الخلئق دلئل على
الشريك عنه والند والضد له كما قال أمير المؤمنين -صلوات ال عليه " -
الجو ونغماتها ،كلها طاعة لخالقها وسجدة وتسبيح وتنزيه له سبحانه .قال
) (1زلزالها )خ( (2) .ليس هذه الجملة في النهج (3) .في النهج :المور.
][179
الرض والشمس والقمر -الية " (1) -وخاطب بهاتين اليتين نبيه الذي
أشهده ذلك ورآه فقال " ألم تر " ولم يقل " ألم تروا " فإنا ما رأيناه ،فهو
لنا إيمان ،و لمحمد صلى ال عليه واله عيان ،فأشهده سجود كل شئ
وتواضعه ل ،وكل من أشهده ال ذلك ورآه دخل تحت .هذا الخطاب .وهذا
تسبيح فطري وسجود ذاتي عن تجل تجلى لهم فأحبوه فانبعثوا إلى الثناء
عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي ،وهذه هي العبادة الذاتية التي أقامهم
ال فيها بحكم الستحقاق الذي يستحقه .وفي القاموس :تنقض البيت:
تشقق فسمع له صوت .وقوله " بكاء السماء احمرارها " أي خارجا عن
العادة فإنه من علمات غضبه تعالى ،فكأنه يبكي على من استحق الغضب
أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين عليه
السلم .وقوله " حركتها من غير ريح " أي عند الزلزلة ،أو بالنمو فيكون
ما بعده تأكيدا له - 8 .تفسير علي بن إبراهيم :في رواية أبي الجاورد عن
أبي جعفر عليه السلم في قوله " وأنبتنا فيها من كل شئ موزون " فإن
وأشباهها - 9 .تفسير علي بن إبراهيم " :أولم يروا إلى ما خلق ال من
شئ يتفيؤ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل وهم داخرون " قال :تحويل
كل ظل خلقه ال هو سجوده ل لنه ليس شئ إل له ظل يتحرك بتحريكه،
) (1الحج (2) .18 :تفسير القمى (3) .250 :التفسير (4) .361 :تفسير
][180
وفي قوله تعالى " وأسلنا له عين القطر " قال :الصفر ) - 12 .(1المناقب
لبن شهر اشوب :قال :قال ضباع بن نصر الهندي للرضا عليه السلم ما
أصل الماء ؟ قال :أصل الماء خشية ال ،بعضه من السماء ويسلكه في
الرض ينابيع وبعضه ماء عليه الرضون ،وأصله واحد عذب فرات .قال:
فكيف منها عيون نفط و كبريت وقار ) (2وملح وأشباه ذلك ؟ قال :غيره
الجوهر وانقلبت كانقلب العصير خمرا ،وكما انقلبت الخمر فصارت خل،
وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا .قال :فمن أين اخرجت أنواع
مجتمعة مبنية على المتضادات الربع .قال ) :(3إذا كانت الرض خلقت من
الماء والماء بارد رطب فكيف صارت الرض باردة يابسة ؟ قال :سلبت
النداوة فصارت يابسة .قال :الحر أنفع أم البرد ؟ قال :بل الحر أنفع من
قوله " خشية ال " إشارة إلى ما ورد في بعض الكتب السماوية أن ال
تعالى خلق أول درة بيضاء فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء " ماء عليه
الرضون " أي البحر العظم " غيره الجوهر " أي جوهر الرض التي
الغريزية سببان للحياة ،وزوالهما سبب للموت .وفيه إشارة إلى ما ذكره
والحيوانات .ووجه الحصر أنه إن تحقق فيه مبدأ التغذية فإما مع تحقق
مبدأ الحس والحركة الرادية فهو الحيوان ،أو بدونه وهو النبات ،وإن لم
يتحقق
) (1التفسير (2) .537 :في المصدر :ومنها قار (3) ..في المصدر :قال
ذلك فيه فالمعادن .وقال بعضهم :وإنما قلنا مع تحقق الحس والحركة لنه
لقطع بعدمهما في النبات والمعدن ،بل ربما يدعى حصول الشعور والرادة
للنبات لمارات تدل على ذلك ،مثل ما يشاهد في ميل النخلة النثى إلى الذكر
وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر ،وميل عروق الشجار إلى جهة
الماء ،وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى الفضاء .ثم ليس
وخواصها لبد أن يبلغ قبل النتفاء إلى حد الضعف والخفاء ،و كذا النباتية.
ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى افق النباتية ،ومن النباتات
ما وصل إلى افق الحيوانية كالنخلة ،وإليه الشارة بقوله صلى ال عليه
واله " أكرموا عمتكم النخلة " .وقال بعضهم :اخرى طبقات المعادن
في قعر البحر ،وهو قريب من النباتات التي تنبت في فصل الربيع وتذبل
وتفنى سريعا .واخرى طبقات النبات تتصل باولى طبقة الحيوانات كالنخل
فإنها شبيهة بالحيوان في أنها إذا غرقت في الماء أو تقطع رأسها تموت
ول تثمر كثيرا بدون اللقاح ،ورائحة طلعها شبيهة برائحة المني ،وتعشق
بعضها بعضا بحيث لتحمل إل إذا صب فيها من طلعه ،ويميل بعضها إلى
بعض ،وهي قريبة من الحيوانات المتولدة في الراضي الندية كالخراطين
فإنهما تتعلمان بأدنى تعليم ،وفي كثير من الصفات شبيهة بالنسان ،وهي
قريبة من بعض أفراد النسان كالسودان والتراك الذين ليس فيهم من
النسانية إل الكل والشرب والنوم والسفاد .ثم إنهم قالوا :إن البخرة
والزلزلة وانفجار العيون ،وإذا لم تكن كثيرة اختلطت على ضروب من
والعدادات ،فتكون منها الجسام المعدنية بإذن ال تعالى ،وهي أول ما
يحدث من المركبات العنصرية التامة المزاجية .ثم إذا غلب البخار على
الدخان
][182
تتولد مثل اليشم والبلور والزيبق وغيرها من الجواهر المشفة وإن غلب
الدخان يتولد الملح والزاج والكبريت والنوشادر .ثم من اختلط بعض هذه
مع بعض يتولد غيرها من المعادن ،وأصنافها خمسة ،لنها إما ذائبة أو
غير ذائبة ،والذائبة إما منطرقة أو غير منطرقة ،والغير المنطرقة إما
مشتعلة أو غير مشتعلة ،وغير الذائبة إما عدم ذوبانه لفرط الرطوبة ،أو
لفرط اليبوسة ،فأقسامها :ذائب منطرق ،وذائب مشتعل ،وذائب غير
منطرق ول مشتعل ،وغير ذائب لفرط الرطوبة ،وغير ذائب لفرط اليبوسة.
فالذائب المنطرق هو الجسم الذي انجمد فيه الرطب واليابس بحيث ل يقدر
النار على تفريقهما مع بقاء دهنية قوية بسببها يقبل ذلك الجسم النطراق
دون انفصال شئ ،والذوبان سيلن الجسم بسبب تلزم رطبه ويابسه.
شبيه بالنحاس يتخذ منها مرايالها خواص وذكر بعضهم أنه ل يوجد في
الحديد ظاهر وأما في الحديد فيكون بالحيلة كما يعرفه أرباب الصنعة.
عن الخر .أما المارات فهي أنها سيما الرصاص يذوب إلى مثل الزيبق،
والزيبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص والزيبق يتعلق بهذه
الجساد .وأما كيفية تكون تلك الجساد منهما فهي أنه إذا كان الزيبق
والكبريت صافيين وكان انطباخ أحدهما بالخر تاما فإن كان الكبريت مع
بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة ،وإن كان أحمر وفيه قوة صباغة
لطيفة غير
][183
محترقة تكون الذهب ،وإن كانا نقيين وفي الكبريت قوة صباغة لكن وصل
إليه قبل كمال النضج برد مجمد عاقد تكون الخارصيني ،وإن كان الزيبق
نقيا والكبريت رديا فإن كان مع الرداءة فيه قوة إحراقية تكون النحاس،
وإن كان غير شديد المخالطة بالزيبق بل متداخل إياه سافا فسافا تولد
الرصاص ،وإن كان الزيبق والكبريت رديين فإن قوي التركيب وفي الزيبق
تخلخل أرضي وفي الكبريت إحراق تكون الحديد ،وإن ضعف التركيب تكون
ال سرب ويسمى الرصاص السود .قال صاحب المواقف بعد إيراد مثل هذا
التقسيم :وأنت خبير بأن القسمة غير حاصرة وأن التكون على هذا الوجه
لسبيل فيه إلى اليقين ول يرجى له إل الحدس والتخمين وإن سلم فتكونها
على غير هذا الوجه مما لم يقم على امتناعه دليل ،كيف والمهوسون
والفضية تفنن والكل عندنا للفاعل المختار من غير إحالة على شئ مما
ذكروه -انتهى .-والثاني أي الذائب المشتعل هو الجسم الذي فيه رطوبة
دهنية مع يبوسة غير مستحكم المزاج ،ولذلك يقوى النار على تفريق رطبه
بالرضية والهوائية تخمرا شديدا بالحرارة حتى صارت تلك المائية دهنية
وانعقدت بالبرد ،وقيل دخانية تخمر بها بخارية تخمرا شديدا بالحر حتى
حصل فيها دهنية ثم انعقدت بالبرد ،وكالزرنيخ وهو كذلك إل أن الدهنية فيه
وتولدها من ماء خالطه دخان حار لطيف كثير النارية وانعقد باليبس مع
المتزاج بين أجزائه الرطبة الغالبة والجزاء اليابسة بحيث ل يقوى النار
][184
من مائية صافية جدا خالطتها دخانية كبريتية لطيفة مخالطة شديدة بحيث ل
ينفصل منه سطح إل ويغشاه من تلك اليبوسة شئ ،فلذلك ل يعلق باليد ول
ينحصر انحصارا شديدا بشكل ما يحويه ،ومثاله قطرات الماء الواقعة على
تراب في غاية اللطافة فإنه يحيط بالقطرة سطح ترابي حاصر للماء
كالغلف له بحيث تبقى القطرة على شكلها في وجه التراب ،وإذا تلقت
تفريقهما مع إحالة البرد للمائية إلى الرضية بحيث ل تبقى رطوبة حسية
دهنية ،ولذا ل ينطرق .ولما كان تعقده باليبس ل يذوب إل بالحيلة بحيث ل
يبقى ذلك الجوهر بخلف الحديد المذاب وذلك كالياقوت واللعل والزبرجد
وهل يمكن أن يعمل حقيقة هذه الجواهر بالصنعة من غير جهة العجاز ؟
فذهب كثير من العقلء إلى أن تكون الذهب والفضة بالصنعة واقع .ذهب
ابن سينا إلى أنه لم يظهر له إمكان فضل عن الوقوع ،لن الفصول الذاتية
التي بها تصير هذه الجساد أنواعا امور مجهولة ،والمجهول ل يمكن
إيجاده .نعم يمكن أن يعمل النحاس بصبغ الفضة ،والفضة بصبغ الذهب،
وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص ،لكن هذه المور
تختلف إل بالعوارض التي يمكن زوالها بالتدبير .ولو سلم فإن اريد
فممنوع ،كيف وقد علم أنها مبادر لهذه الخواص والعراض ،وإن اريد أنها
][185
المواد على وجه حصل الظن بفيضان الصور عنده لسباب لتعلم على
الترياق وما فيه من الخواص والثار شاهدا على إمكان ذلك .نعم ،الكلم في
الوقوع وفي العلم بجميع المواد وتحصيل الستعداد ،ولهذا جعل الكيمياء
في اسم بل مسمى .اقول :ويظهر من بعض الخبار تحققه ،لكن علم غير
المعصوم به غير معلوم ومن رأينا وسمعنا ممن يدعي علم ذلك منهم
بأنفس الثمان وغالبوا بها - 14 .الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد
بن محمد ،عن ابن فضال ،عن عبد ال ابن عبداالرحمن ،عن يحيى الحلبي،
عن الثمالي ،قال :مررت مع أبي عبد ال عليه السلم في سوق النحاس،
فقلت :جعلت فداك ،هذا النحاس أيش ) (1أصله ،فقال :فضة إل أن الرض
أفسدتها ،فمن قدر على أن يخرج الفساد منها انتفع بها )- 15 .(2
المجازات النبوية للرضي :قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله في
الجبل :ظهورها حرز ،وبطونها كنز .قال السيد -ره :-هذا القول خارج
عن طريق المجاز ،لن بطون الجبل على الحقيقة كنز ،وإنما أراد أن
المهارب - 16 .الخرائج :روى أحمد بن عمر الحلل قال :قلت لبي الحسن
الثاني عليه السلم :جعلت فداك ،إني أخاف عليك من هذا صاحب الرقة،
قال :ليس علي منه بأس ،إن ل بلدا تنبت الذهب قد حماها بأضعف خلقه
) (1في المصدر :أي شئ (2) .الكافي :ج ،5ص .307
][186
قال الوشاء :إني سألت عن هذه البلد وقد سمعت الحديث قبل مسألتي،
فاخبرت أنه بين البلخ والنبت ،وأنها تنبت الذهب ،وفيها نمل كبار أشباه
الكلب على حلقها قلس ل يمر بها الطير فضل عن غيره ،تكمن بالليل في
حجرها وتظهر بالنهار ،فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلثين
ويخرجون ،فإذا النمل خرجت في الطلب ،فل تلحق شيئا إل قطعته فتشبه
بالريح من سرعتها ،وربما شغلوهم ) (1باللحم يتخذ لها إذا لحقتهم يطرح
لها في الطريق إن لحقتهم قطعتهم ودوابهم .بيان :الرقة بلد على الفرات،
والمراد بصاحبها هارون ،لنه كان في تلك اليام فيها .والقلس حبل ضخم
- 17الكافي :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عمن
ذكره قال :قيل للرضا عليه السلم :إنك تتكلم بهذا الكلم والسيف يقطر
دما ؟ ! فقال :إن ل واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامته
البخاتي لم تصل إليه - 18 .توحيد المفضل :قال :قال الصادق عليه السلم:
فكر يا مفضل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل
والنفط وغير ذلك مما يستعمله الناس في مأربهم .فهل يخفى على ذي عقل
أن هذه كلها ذخائر ذخرت للنسان في هذه الرض ليستخرجها فيستعملها
عند الحاجة إليها ؟ ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها على
حرصهم واجتهادهم في ذلك ،فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان
][187
قيمة ،ويبطل النتفاع بهما في الشرى والبيع والمعاملت ،ول كان يجبي
والذهب من الفضة وأشباه ذلك مما ل مضرة فيه .فانظر كيف اعطوا
إرادتهم في مال ضرر فيه ،ومنعوا ذلك في ما كان ضارا لهم لو ناولوه.
ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجرى منصلتا بماء غزير ،ل
يدرك غوره ول حيلة في عبوره ،ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة .تفكر
الن في هذا من تدبير الخالق الحكيم ،فإنه أراد -جل ثناؤه -أن يرى العباد
الفضة لفعل ،لكن لصلح لهم في ذلك لنه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا
سقوط هذا الجوهر عند الناس وقلة انتفاعهم به .واعتبر ذلك بأنه قد يظهر
الشئ الطريف مما يحدثه الناس من الواني والمتعة ،فما دام عزيزا قليل
فهو نفيس جليل آخذ الثمن ،فإذا فشاوكثر في أيدي الناس سقط عندهم
الصاروج ،والجبس -بالكسر :-الجص ،و في أكثر النسح " الجبسين "
ولم أجده في ما عندنا من كتب اللغة ،لكن في لغة الطب كما في أكثر النسخ.
والمرتك -كمقعد -المرداسنج ،و " القوبنا " بالباء الموحدة أو الياء
القطعة من الحديد أو الصفر يرقع بها الناء .وفي بعض النسخ " والتوتيا
" وفي كتب اللغة أنه حجر يكتحل به .والقار :القير .وجبى الخراج جباية:
][188
إرادته القاهرة بخلفها ،كما أنه أجرى عادته بخلق النسان من اجتماع
الذكر والنثى وتولد النطفة منهما وقرارها في رحم النثى وتدرجها علقة
ومضغة وهكذا فإذا أراد غير ذلك فهو قادر على أن يخلق من غير أب
كعيسى ،ومن غير ام أيضا كآدم وحواء ،وكخفاش عيسى وطير إبراهيم
الحراق في النار ،فلما أراد غير ذلك قال للنار :كوني بردا وسلما على
بمشي كثير على الماء ورفعهم إلى السماء وجعل في طبع الماء النحدار
فأجرى حكمه عليه بأن تقف أمثال الجبال منه في الهواء حتى تعبر بنو
) (1ل بأس بتذييل لهذا التتميم يجعل نفعه أعم وفائدته أتم ،فنقول :هناك
امور ل مجال للرتياب فيها لمن له قدم في العلوم اللهية) .الول( كل ما
سوى ال تعالى مخلوق له محتاج إليه في جميع شؤونه الوجودية ،سواء
في ذلك الشؤون العلمية والرادية وغيرها) .الثاني( ان ال تعالى غنى عن
جميع ما سواه وليحتاج إلى غيره في شئ أصل ،وليس لقدرته تعالى حد
ونهاية ،فهو القادر على كل أمر ممكن في ذاته ،وليس لقدرته على شئ من
الشياء شرط ول مانع ،سبحانه وتعالى عما يصفون) .الثالث( كل ممكن في
ذاته يستوى نسبته إلى الوجود والعدم ،ولبد في ترجح أحدهما من مرجح
وهذا حكم ضروري ل يكاد يشك فيه عاقل فضل عن النكار اللهم ال من لم
لمن باب كشف شرائط قدرته تعالى على الشياء فتفطن .و من الواضح ان
معرفة سبب ما لشئ ل تنفي سببية شئ آخر له وقد ثبت في محله ان هذا
][189
المعجزات اليقينية المتواترة عن النبياء والوصياء عليهم السلم .وكذا
الرضية والسماوية لبعض المصالح ،فإذا أراد إظهار كمال قدرته ورفع
شأن وليه يجعل الحصا في كفه دفعة جوهرا ثمينا ،و الحديد في يد نبيه
عجينا ،ويخرج الجساد البالية دفعة من التراب في يوم الحساب .فهذه كلها
بعضهم حذرا من التشهير والتفكير :إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي
كان لها في الدنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة
كما نطقت
> -من صدور الواحد من الكثير لمكان تعدد الحيثيات .ول اظن أن يرتاب
كالشاعرة حيث قالوا بان عادة ال جرت على ايجاد شئ عقيب شئ آخر
بالعلية وارتباط المعلول بالعلة ينافي التوحيد ،وجهل بأن هذا منهم هدم
الواجب تعالى ليس مستقل في التأثير كما أنه ليس مستقل في الوجود،
فكما انها تحتاج في ذاتها إلى علة اخرى حتى تنتهى إلى الواجب تبارك
الشياء من حيث هو اثر وجودي إل وهو مستند إلى ال تعالى قبل استناده
إلى سائر علله ويشهد لهذا المعنى آيات كثيرة جدا نسب فيها افعال العباد
انتسابها إلى عللها المتوسطة وتأثير العلل باذن ربها ،فاستناد خلق النسان
إلى ال تعالى ل ينافي توسط ملئكة وتأثير اسباب ومعدات بل يستلزمها ،ل
لنه سبحانه يحتاج إليها وقدرته على الخلق يتوقف عليها بل لن مرتبة
الفعل هي التى تقتضي ذلك ،فكل معلول له مرتبة تخصه وحدود يتشخص
بها بحيث لو تبدل بعضها إلى بعض لنقلب إلى شئ آخر ،كما ان كل عدد له
مرتبة خاصة ليتقدم عليها ول يتأخر عنها وإل لنقلب إلى عدد آخر،
وفيض الوجود مطلق ل يقيد من ناحية ذات المفيض تعالى بشئ بل مجارى
الفيض هي التى تحدده حتى تتقدر باقدار خاصة تسعها ظروف المعاليل
المتأخرة " وما ننزله إل بقدر معلوم " فتقدره انما هو عند نزوله واما
عنده تعالى فالخزائن التى ل تتناهى وقد جرت سنته تعالى باجراء المور
به الشريعة ممكن غير مستحيل ول استبعاد أيضا فيها ول يلزم أن يكون
حدوث لياقته واستعداده لتعلقها مما يحصل له شيئا فشيئا ككونه أول نطفة
ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم طفل إلى تمام الخلقة حسب ما يقتضيه
للنسان في هذا النحو ،لجواز أن يتكون دفعة تاما كامل لجل خصوصية
> -ولن تجد لسنة ال تحويل .نعم ،من السباب ما يكون واضحا وكيفية
بعد جهد بالغ وتجارب كثيرة ،ومنها ما يكون غير عادى ل يستطاع
كان الناس يزعمون استحالة كثير من المور التى حصلت اليوم ببركة العلم
الحديث ،وكما كان كثير من القوام يزعمون استحالة حدوث بعض اليات
قبل مشاهدتها ويسندونها إلى سحر العين بعد رؤيتها .لكن العقل السليم ل
يأبى وجود اسباب خفية على الناس وغير طائعة لهم كما ل ينكر تأثير
واسطة إلى ال تعالى لستلزام ذلك اختلل سلسلة العلل و المعاليل وتقدر
علوا كبيرا -وان فرضت حادثة في خارج ذاته كانت مخلوقه له محتاجه
إلى ارادة اخرى متسلسلة وتغيير العبارة والتعبير بالمشيئة ل يحل المشكلة
وان فرضت قديمة لزم انفكاك المعلول عن العلة وأما الرادة المنتزعة عن
مقام الفعل فمنشأ انتزاعها نفس الفعل فل تكون مرجحة له وهذا ليس
بمعنى اشتراط قدرته تعالى على الفعل بحصول السباب واجتماع الشرائط
واستعداد المواد ،فان قدرته تعالى ليست محدودة بشئ ول متوقفة على
شئ ،بل بمعنى نقص المقدور ومحدوديته ذاتا وتأخره عن علله رتبة
وارتباطه بها ثبوتا ،وبعبارة اخرى المعلول الخاص هو الذى يكون محدودا
بحدود وقيود خاصة وإل لم يكن ذاك المعلول ل أن ال تعالى ل يكون قادرا
على ايجاد هذا المعلول إل بهذه الخصوصيات كما انه ل ينافي تكون
الشياء بنفس امر ال تعالى ،فان أمره يوجب وجودها في ظروفها و < -
][191
تعالى ) (1في إيجاد الناس وتكوين أجسادهم دفعة واحدة ،ونفخ أرواحهم
في أجسادهم المتكونة نفخة واحدة ،بتوسط بعض ملئكته .فرد ال تعالى
بواسطة واهب الصور تلك الصور إلى موادها لحصول المزاج الخاص مرة
اخرى كما تتكون الوف كثيرة من أصناف الحيوانات كالذباب وغيرها في
الصيف من العفونات تكونا دفعيا ،ول يلزم أن يكون نحو التعلق واحدا في
المبدء والعادة ،بل يجوز أن يكون التعلق الخري إلى البدن على وجه ل
اقتدارها على إيجاد صور عجيبة غريبة حسنة أو قبيحة مناسبة لوصافها
وأخلقها -انتهى -وأنت تعلم إذا تأملت في مجاري كلمه أنه مع إعمال
التقية فيه لوح إلى مرامه .ونقل بعض قدماء الطباء عن جالينوس في
بيان تشريح العضاء وفوائدها أنه قال :وشعر الحاجبين أيضا مما لم
يقصر فيه ولم يتوان عنه ،وهو والشفار دون سائر الشعر جعل له مقدار
يقف عنده فل يطول أكثر منه ،وأما شعر الرأس واللحية فإنه يطول كثيرا،
جهة التغطية والستر تختلف على وجوه شتى ،وذلك لن حاجتنا إلى
تعالى لمن قيود أمره و ايجاده فافهم .إذا عرفت هذه المور علمت ان
حصول استعدادات للمواد ،وان انكر ذلك منكر فل يعاب به على القواعد
العقلية كما ل يعاب بغلط المحاسب على قواعد الحساب ،فنفس القواعد امر
واجراؤها في مواردها امر آخر .وال يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) .
][192
السنان وأزمان السنة والبلدان وإخراج البدن ،لن حاجة الرجل التام إلى
طول الشعر ليست كحاجة الصبي الصغير إلى ذلك ،ول كحاجة الشيخ الفاني
ول كحاجة المرأة ،وكذلك أيضا ليست الحاجة إلى طول الشعر في الصيف
والشتاء سواء ،ول في البلد الحارة والباردة ،ول حاجة من كانت عينه
معتلة من الرمد أو كان رأسه يصدع إلى ذلك كحاجة من هو صحيح البدن
لعلة به ،فاحتيج لذلك أن نكون نحن نجعل طول الشعر في الوقات
المختلفة بأقدار مختلفة .بحسب ما يوافق كل وقت منها .وأما الحاجبان
والشفار فإنه إن زيد فيه أو نقص منه فسدت منفعته ،وذاك أن الشفار
تحوط العين بمنزلة الجدار ليحجب عنها ويمنع من أن يسقط فيها شئ من
الجرام الصغار إذا كانت مفتوحة .وشعر الحاجبين جعل يلقي ما ينحدر من
الرأس قبل وصوله إلى العين بمنزلة الصور المانع ،فمتى قصرت من طوله
أو قللت من عدده أكثر مما ينبغي كان ما يدخل على منفعته من الفساد
بحسب ما ينقص من المقدار الذي يحتاج إليه .و ذاك أن الشفار حينئذ
تطلق ما قد كانت تمنعه قبل النقصان من الوصول إلى العين ،و شعر
الشياء التي تسيل من الرأس .فإن أنت طولت هذا الشعر وكثرته فوق
المقدار الذي ينبغي لم يقم حينئذ للعين مقام الحاجب ول مقام السور المانع،
لكنه يغطي العين ويعلو عليها حتى يصير منه في مثل حبس ضيق .وذاك
أنه يستر الحدقة ويحجبها حتى تظلم ،والحدقة أحوج الحواس كلها إلى أن
ل تحجب ول يحال بينها وبين ما يدركه البصر .وإذا كان المر على ما
وصفت فما الذي ينبغي أن نقول فيه ؟ أنقول :إن الخالق أمر هذا الشعر أن
يبقى على مقدار واحد ول يطول أكثر منه ،وأن الشعر قبل ذلك المر فأطاع
فيبقى ل يخالف ما امر به إما للفزع والخوف من المخالفة لمر ال ،وإما
][193
كل شئ كما قال موسى ،وزيادة المبدأ الذي من المادة .فإن خالقنا إنما جعل
الشفار وشعر الحاجبين يحتاج أن يبقى على مقدار واحد من الطول ،لن
هكذا كان أوفق وأصلح ،فلما علم أن هذا الشعر كان ينبغي أن يجعل على
هذا جعل تحت الشفار جزما صلبا يشبه الغضروف يمتد في طول الجفن،
وفرش تحت الحاجبين جلدة صلبة ملزقة بغضروف الحاجبين ،وذلك )(1
أنه لم يكن يكتفي في بقاء الشعر على مقدار واحد من الطول بأن يشاء
الخالق أن يكون هكذا ،كما أنه لو شاء أن يجعل الحجر دفعة إنسانا لم يكن
اليونانيين هو هذا :موسى يزعم أنه يكتفي بأن يشاء ال أن يزين المادة و
يهيئها لغير ،فيتزين ويتهيأ على المكان ،وذاك أنه يظن أن الشياء كلها
لفعل .وأما نحن فل نعرف هذا ،ولكنا نقول :إن من الشياء أشياء في
أنفسها غير ممكنة ،وهذه الشياء ل يشاء ال أصل أن تكون ،وإنما يشاء
أن تكون الشياء الممكنة ،وأيضا ل يختار إل أجودها وأوفقها وأفضلها.
ولذا لما كان الصلح والوفق للشفار وشعر الحاجبين أن يبقى على مقداره
من الطول على عدده الذي هو عليه دائما أبدا لسنا نقول في هذا الشعر إن
ال إنما شاء أن يكون على ما هو عليه فصار من ساعته على ما شاء ال،
و ذاك أنه لو شاء ألف ألف مرة أن يكون هذا الشعر على هذا لم يكن ذلك
أبدا بعد أن يجعل منشأه من جلدة رخوة إل أنه لو لم يغرس اصول الشعر
في جرم صلب لكان مع ما يتغير كثير مما هو عليه ل يبقى أيضا قائما
منتصبا .وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول :إن ال سبب لمرين :أحدهما اختيار
أجود الحالت وأصلحها وأوفقها لما يفعل .والثاني اختيار المادة الموافقة.
ومن ذلك أنه لما كان الصلح والجود أن يكون شعر الشفار قائما منتصبا
وأن يدوم بقاؤه على حالة واحدة في مقدار طوله وفي عدده ،جعل مغرس
الشجر ومركزه في جرم صلب ،ولو أنه غرسه في جرم رخو لكان أجهل
من موسى ،وأجهل من قائد جيش سخيف يصنع أساس سور مدينة أو
حصنه
][194
على أرض رخوة غارقة بالماء .وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على
حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة ،وكما أن العشب وسائر النبات
ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا
حسنا ،وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه ل ينمو ول يطول ،كذلك
أحد المرين -انتهى كلمه ضاعف ال عذابه وانتقامه .-وأقول :قد لح
من الكلم الردئ المشتمل على الكفر الجلي امور :الول ما أسلفنا من أن
شأنه -على استعداد المواد ،ول استحالة تعلق إرادته بإيجاد شئ من شئ
الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة النبياء ولم يؤمنوا بهم ،وأنهم
يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم ،يخطئون ويصيبون ،ولم
يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم .الثالث أنهم
كانوا منكرين لكثر معجزات النبياء عليهم السلم فإن أكثرها مما عدوها
) (1من الناس من يفرط في حسن الظن بفلسفة اليونان لسيما القدمين
منهم ،ويظن أن علومهم مأخوذة من النبياء -عليهم السلم -بل يظن أن
فيهم من كان نبيا ،ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم
ويفسدوا عليهم عقائدهم ! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل
خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط ،والذى نرى لزوم التنبيه عليه
امور - 1 .ان وقوع الختلف الكثير بين الفلسفة منذ العهد القدم دليل
][195
قال الشيخ المفيد -قدس سره -في كتاب المقالت :أقول :إن الطباع معان
تحل الجسم يتهيأ بها للنفعال كالبصر وما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ
لحلول الحس فيه والدراك .ثم قال :وإن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه
بالفعل في المطبوع وأنه لفعل على الحقيقة لشئ من الطباع ،وهذا مذهب
أبي القاسم الكعبي ،وهو خلف مذهب المعتزلة في الطباع وخلف الفلسفة
الملحدين أيضا في ما ذهبوا إليه من أفعال الطباع .ثم قال :قد ذهب كثير من
خلفه ول ينحل إل إليه ،وهذا ظاهر مكشوف لست أجد لدفعه حجة أعتمد
عليها ،ول أراه مفسدا لشئ من التوحيد أو العدل أو الوعيد أو النبوات أو
> -من كل فيلسوف ليس بحيث يعد وحيا منزل ونصا محكما يستحق بذل
والطعن ينتهى إلى ما ترجم عن كتب ليعرف مؤلفها ومصنفها ،ول يوثق
بناقلها ومترجمها ،مثل ما ينسبه طبيب إلى جالينوس ،أو شكاك إلى سقراط
! فربما ينسب كتاب إلى فيلسوف ويترجم بما انه حاك عن آراء مكتب
وينسب إلى فيلسوف آخر من مكتب مخالف للمكتب الول ،ويلتمس له
شواهد وقرائن ربما ل تترجح على شواهد النسبة الولى .وما ندرى لعله
لعبت بكثير من هذه التراجم أيدى خائنة ،أو حرفتها اقلم قاصرة أو
مقصرة ،أضف إلى ذلك عويصة الصطلحات العلمية ونقلها إلى لسان
آخر .فكيف نعتمد على مثلها في تعظيم رجال أو تحطيمهم ؟ لسيما إذا انجر
المر إلى تقديسهم والحكم بلزوم اتباعهم والقتداء بهم بما أنهم أئمة
المعرفة وأصحاب الكشف واليقين ،أو الى تكفيرهم والحكم عليهم بالخلود
للشرائع والنبوات فليس ذلك بحيث يسرى الحاده إلى كل من سمي فيلسوفا
حتى وان كان مصرحا بتصديق النبياء ثم يجب علينا ان ل نقصر في < -
][196
هو مؤيد للدين مؤكد لدلة ال تعالى على ربوبيته وحكمته وتوحيده ،وممن
دان به من رؤساء المتكلمين النظام ،وذهب إليه البلخي ومن اتبعه في
المقال .وقال الشيخ الرضي أمين الدين الطبرسي -نور ال مرقده -في
مجمع البيان في تفسير سورة الفيل بعد إيراد القصة المشهورة :وفيه حجة
للعادات ،فإنه ل يمكن نسبة شئ مما ذكره ال من أمر أصحاب الفيل إلى
طبع وغيره ،كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرها مما أهلك
ال تعالى به المم الخالية إلى ذلك ،إذ ل يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة
إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهيأة لهلك أقوام معينين
قاصدات إياهم دون من سواهم ،فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم ،ل
يتعدى ذلك إلى غيرهم .ول يشك من له مسكة من عقل ولب أن هذا ل يكون
> -قدحه والطعن عليه دون أن نحمل كلمه على التقية من المسلمين
فليس طعن فقيه على الفلسفة الملحدين دليل على بطلن رأى كل فيلسوف
يصير دليل على حقية جميع آراء الفلسفة في جميع الزمنة والمكنة !
والحق أحق أن يتبع أينما وجد - 4 .ان الذى ثبت من مدح الفلسفة
اللهيين أنهم رفعوا لواء التوحيد في عهد وفى أرض كان يسيطر فكرة
الشرك والوثنية على القلوب ،ووجهوا أنظار الجمهور إلى ما وراء الطبيعة
بينما كان ائمة الكفر يدعون الناس إلى الطبيعة والدهر ،وقادوا بالهمم إلى
العالم البدي وحياة الخرة حينما كانت تقصر على العالم المادى وتخلد إلى
الرض والحياة الدنيا .وإذا كانت علوم الطب والهندسة وامثالها ترتضع من
ثدى النبوة فل غروان تكون منشأ تلك المعارف العالية تعاليم رجال الوحى
وان وقع فيها بعد حين تحريف أو سوء تعبير وتفسير .وأما أنهم هل كانوا
يدينون دين الحق ،أو كانوا يرفضون دعوة النبياء ويجحدون الحق بعد ما
تمت عليهم الحجة وقامت عليهم البينة ،أو كانوا مختلفين في ذلك ،فذلك
مما لم يتحقق لنا بعد ولعل من يصر على أنهم ملحدون جاحدون للحق
ويدعو عليهم بمضاعفة العذاب له حجة على مدعاه ،وال عليم بذات
الصدور .نستعيذ بال تعالى من لحن القول ولهو الحديث ونسأله التوفيق
][197
تعالى مسبب السباب ،ومذلل الصعاب ،وليس لحد أن ينكر هذا ،لن نبينا
صلى ال عليه وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل
وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل ،فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل
لنكروه وجحدوه .وكيف وإنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة
وموت قصي بن كعب وغير ذلك .وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه
ونقلته الرواة عنهم .وأقول :هذه الجناية على الدين ،وتشهير كتب الفلسفة
بين المسلمين ،من بدع خلفاء الجور المعاندين لئمة الدين ،ليصرفوا
الناس عنهم وعن الشرع المبين .و يدل على ذلك ما ذكره الصفدي في
شرح لمية العجم :إن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى -أظنه
صاحب جزيرة قبرس -طلب منهم خزانة كتب اليونان -وكانت عندهم
مجموعة في بيت ل يظهر عليه أحد -فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي
واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إل مطران واحد فإنه
قال :جهزها إليهم ،ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إل أفسدتها
وأوقعت الختلف بين علمائها .وقال في موضع آخر :إن المأمون لم يبتكر
النقل والتعريب -أي لكتب الفلسفة -بل نقل قبله كثير ،فإن يحيى بن خالد
بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل " كليلة ودمنة " وعرب لجله
كتاب " المجسطي " من كتب اليونان .والمشهور أن أول من عرب كتب
اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما اولع بكتب الكيمياء .ويدل على أن
الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة ،وأن يحيى البرمكي كان محبا
قال :كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على
الفلسفة ،فأحب أن يغري به هارون ويضربه على القتل -ثم ذكر قصة
طويلة في ذلك أوردناها في باب أحوال أصحاب الكاظم عليه السلم وفيها:
-انه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا الكلم إلى
المامة وأظهر الحق فيها ،وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف
-رحمه ال .-وعد أصحاب الرجال من كتبه " كتاب الرد على أصحاب
الطبائع " و
][198
" كتاب الرد على أرسطاطا ليس " في التوحيد .وعد الشيخ منتجب الدين
في فهرسه من كتب قطب الدين الراوندي " كتاب تهافت الفلسفة " وعد
النجاشي من كتب الفضل بن شاذان " كتاب رد على الفلسفة " وهو من
أجلة الصحاب .وطعن عليهم الصدوق -ره -في مفتتح كتاب " إكمال
الدين " .وقال الرازي عند تفسير قوله تعالى " كلما جاءتهم رسلهم
بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " :فيه وجوه -ثم ذكر من جملة
الوجوه -أن يريد علم الفلسفة والدهريين من بني يونان ،وكانوا إذا
سمعوا بوحي ال صغروا علم النبياء إلى علمهم .وعن سقراط أنه سمع
بموسى عليه السلم وقيل له :أو هاجرت إليه ؟ فقال :نحن قوم مهذبون فل
حاجة إلى من يهذبنا .وقال الرازي في " المطالب العالية " :أظن أن قول
إبراهيم لبيه " يا أبت لم تعبد مال يسمع ول يبصر ول يغني عنك شيئا "
إنما كان لجل أن أباه كان على دين الفلسفة ،وكان ينكر كونه تعالى قادرا
وينكر كونه تعالى عالما بالجزئيات فل جرم خاطبه بذلك الخطاب) 35 .باب
نادر( - 1الخصال :عن أبيه ،عن محمد بن يحيى العطار ،عن محمد بن
أحمد ،عن هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صدقة ،عن جعفر بن محمد،
عن أبيه عليهما السلم أن النبي صلى ال عليه واله قال :ما خلق ال
عزوجل خلقا إل وقد أمر عليه آخر يغلبه به ،وذلك أن ال تبارك وتعالى لما
خلق السحاب ) (1فخرت وزخرت وقالت :أي شئ يغلبني ؟ فخلق ال
عزوجل الفلك فأدارها بها وذللها .ثم إن الرض فخرت وقالت :أي شئ
يغلبني ؟ فخلق الجبال فأثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها
وقالت :أي شئ يغلبني فخلق ال الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت .ثم إن
][199
أي شئ يغلبني فخلق ال النار فأذابت الحديد فذل الحديد .ثم إن النار زفرت
و شهقت وفخرت وقالت :أي شئ يغلبني ؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت .ثم إن
الماء فخر وزخر وقال :أي شئ يغلبني ؟ فخلق الريح فحركت أمواجه
وقال :من أشد مني قوة ؟ فخلق الموت فقهره فذل النسان .ثم إن الموت
فخر في نفسه فقال ال -جل جلله :-ل تفخر ،فإني أذبحك ) (1بين
الفريقين :أهل الجنة والنار ،ثم ل احييك أبدا ،فذل وخاف ) .(2بيان" :
فخلق ال الفلك فأدارها بها " لعل المعنى أن الفلك بأجرامها النيرة
الكليني هكذا " :وذلك أن ال تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت
فذلت ،ثم إن الرض فخرت -إلى آخر الخبر " -وهو الظاهر ،بل ل يستقيم
ما في الخصال كما ل يخفى ،وقد سبق شرح الخبر في الباب الول- 2 .
الخصال :عن أبيه ،عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي نجران عن
عاصم بن حميد ،عن محمد بن قيس ،عن أبي جعفر عليه السلم :في ما
سأل رسول معاوية لسئلة ملك الروم الحسن بن علي عليهما السلم قال:
الحجر ،وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر ،و أشد من الحديد النار
تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار ،وأشد من الماء السحاب
يحمل الماء ،وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب ،وأشد من الريح الملك
الذي يرسلها ،وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ،وأشد من ملك
الموت الموت الذي يميت ملك الموت ،وأشد من الموت أمر ]ال[ رب
العالمين
) (1في المصدر :ذابحك (2) .الخصال (3) .58 :تذيبها )خ(.
][200
الشعبي ،قال :قال ابن الكواء لمير المؤمنين عليه السلم :أي ]شئ[ خلق
ال أشد ؟ قال :إن أشد خلق ال عشرة :الجبال الرواسي ،والحديد تنحت به
الجبال ،والنار تأكل الحديد ،والماء يطفئ النار ،والسحاب المسخر بين
السماء والرض تحمل الماء ،والريح تقل السحاب والنسان يغلب الريح
يتقيها بيديه ويذهب لحاجته ،والسكر يغلب النسان ،و النوم يغلب السكر،
والهم يغلب النوم ،فأشد خلق ربك الهم - 4 .العلل :عن أحمد بن محمد
العلوي ،عن محمد بن إبراهيم بن أسباط ،عن أحمد ابن محمد بن زياد ،عن
أحمد بن محمد بن عبد ال ،عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه
عن عمر بن علي ،عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلم أنه سئل :مما
خلق ال عزوجل الذر الذي يدخل في كوة البيت ؟ فقال :إن موسى عليه
السلم لما قال :رب أرني أنظر إليك ،قال ال عزوجل :إن استقر الجبل
لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إلي ،وإن لم يستقر فل تطيق إبصاري
لضعفك ،فلما تجلى ال تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلث قطع :فقطعة ارتفعت
في السماء ،وقطعة غاضت تحت الرض و قطعة تفتت ،فهذا الذر من ذلك
الغبار غبار الجبل ) .(2بيان :هذا الخبر على تقدير صحته وصدوره عن
المام ،لعل المعنى أن له أيضا مدخلية في تلك الذرات في بعض البلد أو
][201
يونس :ولقد بو أنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات ).(1
النبياء :ونجيناه ولوطا إلى الرض التي باركنا فيها للعالمين ) .(2وقال
تعالى :ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها )
.(3المؤمنون :وآوينا هما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .(4القصص :آنس
من جانب الطور نارا -إلى قوله تعالى -فلما أتيها نودي من شاطئ الواد
) .(5سبأ :بلدة طيبة ورب غفور -إلى قوله تعالى -وجعلنا بينهم وبين
القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة ) .(6النازعات :إذ ناديه ربه بالوادي
المقدس طوى ) .(7البلد :لاقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) .(8التين:
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين ) .(9تفسير " :مبوء
صدق " أي مكانا محمودا حسنا ،وهو بيت المقدس والشام ،و
) (1يونس (2) .93 :النبياء (3) .71 :النبياء (4) .81 :المؤمنون.50 :
) (5القصص (6) .30 - 29 :سبأ (7) .18 - 15 :النازعات(8) .16 :
][202
قيل :يريد به مصر .وقال علي بن إبراهيم :ردهم إلى مصر وغرق فرعون
) " .(1و رزقناهم من الطيبات " أي النعم اللذيذة " إلى الرض التي
باركنا فيها للعالمين " قيل :هي أرض الشام ،أي نجينا إبراهيم ولوطا من
" كوثا " إلى الشام ،وإنما قال " باركنا فيها " لنها بلد خصب ،وقيل:
إلى أرض بيت المقدس لن بها مقام النبياء .و الحاصل أن أكثر أنبياء بني
التي هي مبادئ الخيرات الدينية والدنيوية .وقيل :نجاهما إلى مكة كما قال
" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ) " (2روي
ذلك عن ابن عباس " .إلى الرض التي باركنا فيها " وهي أرض الشام
لنها كانت مأواه كما ذكره المفسرون " .وآويناهما " أي عيسى وامه "
إلى ربوة " قال الطبرسي -ره :-أي جعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا
عن سعيد بن المسيب ،وقيل :مصر ،عن ابن زيد .و قيل :بيت المقدس ،عن
قتادة وكعب ،قال كعب :وهي أقرب الرض إلى السماء .و قيل :هي حيرة
الكوفة وسوادها ،والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات ،عن أبي جعفر
وأبي عبد ال عليهما السلم .وقيل :ذات قرار أي ذات موضع قرار أي هي
أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها ،وقيل :ذات ثمار ،لنه لجل الثمار
يستقر فيها ساكنوها ،ومعين ماء جار وظاهر للعيون ) " .(3في البقعة
المباركة " قال الطبرسي -ره :-هي البقعة التي قال فيها لموسى اخلع
نعليك إنك بالواد المقدس طوى " وإنما كانت مباركة لنها معدن الوحي و
) (1تفسير القمى (2) .292 :آل عمران (3) .96 :مجمع البيان :ج ،7ص
(4) .108في المجع :لكثرة الشجار والثمار (5) .مجمع البيان :ج ،7ص
.251
][203
المباركة هي كربلء " بلدة طيبة " قيل :أي هذه بلدة نزهة أرضها عذبة
أراد به صحة هوائها وعذوبة مائها وسلمة تربتها وأنه ليس فيها حر
يؤذي في القيظ وبرد يؤذي في الشتاء " .وبين القرى التي باركنا فيها "
أي بالتوسعة على أهلها ،أو بما مر وهي قرى الشام ،وفي تفسير علي بن
إبراهيم :هي مكة ) " .(1قرى ظاهرة " أي متواصلة يظهر بعضها لبعض.
وقد مر تأويل " القرى التي باركنا فيها " بالئمة عليهم السلم و " القرى
الظاهرة " برواة أخبارهم وفقهاء شيعتهم و " السير " بالعلم " آمنين "
من الشك والضلل " .بالوادي المقدس " أي المطهر " طوى " اسم
الوادي الذي كلم ال فيه موسى عليه السلم " .ل اقسم بهذا البلد " قال
الطبرسي -ره :-أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام " وأنت
حل بهذا البلد " وأنت يا محمد مقيم به وهو محلك ،وهذا تنبيه على أن
حال فيه ،كما سميت المدينة " طيبة " لنها طابت به حيا وميتا .وقيل:
معناه ل اقسم بهذا البلد وأنت حل فيه منتهك الحرمة ،فلم يبق للبلد حرمة
حيث هتك حرمتك ،عن أبي مسلم ،وهو المروي عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا فيه فقال :ل اقسم بهذا
البلد وأنت حل بهذا البلد ،يريد :أنهم استحلوك فيه فكذبوك وشتموك وكانوا
ل يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه .ويتقلدون لحاء شجر الحرم فيأمنون
من غيره فعاب ال ذلك عليهم ) .(2وقال -قدس سره -في قوله سبحانه "
والتين والزيتون " :أقسم ال سبحانه بالتين الذي يؤكل والزيتون الذي
يعصر منه الزيت ،عن ابن عباس وغيره .وقيل :التين الجبل
) (1تفسير القمى (2) .538 :مجمع البيان :ج ،10ص .492
][204
الذي عليه دمشق ،والزيتون الجبل الذى عليه بيت المقدس ،عن قتادة.
وقال عكرمة :هما جبلن ،وإنما سميابهما لنهما نبتا ) (1بهما ،وقيل:
التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس ،عن كعب الحبار وغيره .وقيل:
التين مسجد نوح عليه السلم الذي بنى على الجودي ،والزيتون بيت
المقدس ،عن ابن عباس .وقيل :التين مسجد الحرام و الزيتون المسجد
القصى ،عن الضحاك " .وطور سينين " يعني الجبل الذي كلم ال عليه
موسى عليه السلم عن الحسن .وسينين وسيناء واحد ،وقيل :إن سينين
معناه المبارك الحسن كأنه قيل :جبل الخير الكثير لنه إضافة تعريف ،عن
مجاهد وقتادة .وقيل :معناه كثير النبات والشجر ،عن مكرمة .وقيل :إن كل
جبل فيه شجر مثمر ) (2فهو سينين وسيناء بلغة النبط ،عن مقاتل ،وروي
عن موسى بن جعفر عليه السلم :وطور سيناء " وهذا البلد المين "
يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية والسلم فالمين
بمعنى المؤمن ،مؤمن ) (3من يدخله ،وقيل :هو بمعنى المن ،ويؤيده قوله
" إنا جعلناه حرما آمنا ) ." (4الكشى :قال :وجدت بخط جبرئيل بن أحمد،
الرحمان ،عن الهيثم بن واقد ،عن ميمون بن عبد ال ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن عليا عليه السلم لما أراد الخروج من البصرة قام على
أطرافها ثم قال :لعنك ال يا أنتن الرض ترابا ،وأسرعها خرابا ،و أشدها
عذابا ،فيك الداء الدوي ! قيل :ما هو يا أمير المؤمنين ! قال :كلم القدر
الذي فيه الفرية على ال ،وبغضنا أهل البيت ،وفيه سخط ال وسخط نبيه،
عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار ،عن محمد بن أحمد بن خالد عن أبى
][205
محمد بن أحمد الشعري ،عن أبي عبد ال الرازي ،عن الحسن بن علي بن
أبي عثمان عن موسى بن بكر ،عن أبي الحسن الول عليه السلم قال :قال
عزوجل " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين " فالتين
المدينة والزيتون بيت المقدس ،وطور سينين الكوفة ،وهذا البلد المين
مكة -الخبر .(1) -بيان :لعله إنما كنى عن المدينة بالتين لوفوره وجودته
فيها ،أو لكونها من أشارف البلد كما أن التين من أفاضل الثمار كما
سيأتي .وكنى عن الكوفة بطور سينين لن ظهرها وهو النجف كان محل
مناجاة سيد الوصياء كما أن الطور كان محل مناجاة الكليم ،أو لن الجبل
الذي سأل عليه موسى الرؤية فتقطع وقع جزء منه هناك كما ورد في
بعض الخبار ،أو أنه لما أراد ابن نوح أن يعتصم بهذا الجبل تقطع فصار
بعضها في طور سيناء ،أو أنه هو طور سيناء حقيقة وغلط فيه المفسرون
واللغويون كما روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن الثمالى عن أبى جعفر
عليه السلم قال :كان في وصية أمير المؤمنين عليه السلم أن أخرجوني
إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني ،وهو أول طور
سيناء .ففعلوا ذلك - 3 .المجالس لبن الشيخ :عن أبيه ،عن المفيد ،عن
أحمد بن محمد بن الوليد عن أبيه ،عن الصفار ،عن أحمد بن محمد بن
عيسى ،عن ابن أبي عمير ،عن الحسن بن أبي فاختة ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :لما قتل الحسين عليه السلم بكت عليه السماوات السبع
والرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار وما
يرى وما ل يرى إل ثلثة أشياء :البصرة ،ودمشق ،وآل الحكم بن العاص -
الخبر .-بيان :بكاء البلد والبقاع بكاء أهلها وظهور آثار الحزن فيهم- 4 .
العلل :في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه السلم عن أكرم واد
على وجه الرض ،فقال له :واد يقال له " سرانديب ) " (2سقط فيه آدم
][206
سأله عن شر واد على وجه الرض فقال :واد باليمن يقال له " برهوت "
وهو من أودية جهنم ) .(1بيان :قال في النهاية :في حديث علي " شر بئر
في الرض برهوت " هي بفتح الباء والراء بئر عميقة بحضرموت ل
يستطاع النزول إلى قعرها .وقيل :برهوت بضم الباء وسكون الراء ،فتكون
تاؤها على الول زائدة وعلى الثاني أصلية ،أخرجه الهروي عن علي،
واله .و قال الفيروز آبادي :برهوت واد وبئر بحضرموت -انتهى -وكونه
من أودية جهنم لشباهته بها ولتعذيب أرواح الكفار فيه كما ورد في
الخبار ،ويحتمل أن يكون لجهنم طريق إليه - 5 .الخصال :عن أحمد بن
الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى ،عن أحمد ابن يحيى بن زكريا
القطان ،عن بكر بن عبد ال بن حبيب ،عن تميم بن بهلول ،عن أبي
معاوية الضرير ،عن العمش ،عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال:
ستة عشر صنفا من امة جدي ل يحبونا ول يحببونا إلى الناس -إلى أن قال
-وأهل مدينة تدعى " سجستان " هم لنا أهل عداوة ونصب ،وهم شر
مدينة تدعى " الري " هم أعداء ال وأعداء رسوله وأعداء أهل بيته
يرون حرب أهل بيت رسول ال صلى ال عليه واله جهادا ومالهم مغنما و
لهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والخرة ولهم عذاب مقيم ،وأهل مدينة
تدعى " الموصل " هم شر من على وجه الرض ،وأهل مدينة تسمى "
يوالون في عداوتنا ،ويرون حربنا فرضا ،وقتالنا حتما .يا بني فاحذر هؤلء
ثم احذرهم فإنه ل يخلو اثنان منهم بأحد من أهلك إل هموا بقتله -الخبر ) -
على دجلة
][207
أن تتبدل أحوال أهل هذه البلد باختلف الزمنة ويكون ما ذكر في الخبر
حالهم في ذلك الزمان - 6 .العلل :عن علي بن عبدالوراق ،عن سعد بن
عبد ال ،عن أحمد بن محمد ابن عيسى والفضل بن عامر ،عن سليمان بن
مقبل ،عن محمد بن زياد الزدي ،عن عيسى بن عبد ال الشعري عن
الصادق جعفر بن محمد عليه السلم قال :حدثني أبي عن جدي عن أبيه
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :لما اسري بي إلى السماء حملني
جبرئيل على كتفه اليمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا
من الزعفران وأطيب ريحا من المسك ،فإذا فيها شيخ على رأسه برنس،
فقلت لجبرئيل :ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران
وأطيب ريحا من المسك ؟ قال :بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي .فقلت :من
الشيخ صاحب البرنس ؟ قال :إبليس .قلت :فما يريد منهم ؟ قال :يريد أن
يصدهم عن ولية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور ،فقلت :يا
جبرئيل أهو بنا إليهم ،فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر
ونسائهم ،فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان .فسميت " قم "
) .(1بيان :البرنس قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر السلم،
عن جده ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله لما اسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها
أربعة أركان وأربعة أبواب كأنها من إستبرق أخضر ،قلت :يا جبرئيل ما
هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها ؟ فقال :حبيبي محمد،
هذه صورة مدينة يقال لها " قم " يجتمع فيها عباد ال المؤمنون ينتظرون
والمكاره .قال :فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلم :متى ينتظرون
][208
تاريخ قم :عن أبي مقاتل الديلمي عنه عليه السلم مثله .بيان :المراد به إما
ظهور الماء في أصل البلد ،أو لم يكن في هذا الزمان فيه ماء جار أصل،
كما ذكر في تاريخ قم مبدأ حدوث الوادي بقم وأنه كانت فيه قنوات ولم يكن
فيه نهر جار - 8 .تفسير على بن ابراهيم :عن الحسين بن عبد ال
السكيني ،عن أبي سعيد البجلي ،عن عبد الملك بن هارون ،عن أبي عبد
ال عن آبائه -صلوات ال عليهم -قال لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلم
أمر معاوية وأنه في مائة ألف ،قال :من أي القوم ؟ قالوا :من أهل الشام.
قال :ل تقولوا من أهل الشام ،ولكن قولوا :من أهل الشوم ،هم أبناء مصر
لعنوا على لسان داود عليه السلم فجعل ال منهم القردة والخنازير -الخبر
) .- (1بيان :يمكن الجمع بين اليات والخبار الواردة في مدح الشام
ومصر وذمه بما أومأنا إليه سابقا من اختلف أحوال أهله في الزمان،
فإنه كان في أول الزمان محل النبياء والصلحاء فكان من البلد المباركة
الشريفة ،فلما صار أهله من أشقى الناس وأكفرهم صار من شر البلد ،كما
أن يوم عاشوراء كان من اليام المتبركة -كما يظهر من بعض الخبار -
فلما قتل فيه الحسين عليه السلم صار من أنحس اليام - 9 .قرب السناد:
عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن البزنطي ،قال :قلت للرضا عليه السلم:
إن أهل مصر يزعمون أن بلدهم مقدسة .قال :وكيف ذلك ؟ قلت :جعلت
فداك ،يزعمون أنه يحشر من جيلهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب
! قال :ل ،لعمري ما ذاك كذلك ،وما غضب ال على بني اسرائيل إل أدخلهم
مصر ،ول رضي عنهم إل أخرجهم منها إلى غيرها .ولقد أوحى ال تبارك
وتعالى إلى موسى عليه السلم أن يخرج عظام يوسف منها ،فاستدل
موسى على من يعرف القبر ،فدل على امرأة عمياء زمنة ،فسألها موسى
أن تدله عليه ،فأبت إل على خصلتين :فيدعو ال فيذهب زمانتها ويصيرها
معه في الجنة في الدرجة التي هو فيها ،فأعظم ذلك موسى ،فأوحى ال إليه
][209
وما يعظم عليك من هذا أعطها ما سألت .ففعل فتوعدته ) (1طلوع القمر،
مرمر ،فحمله موسى عليه السلم ولقد قال رسول ال صلى ال عليه واله:
عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن أبي جميلة ،عن محمد الحلبي عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم
يقبلها إل أهل الكوفة .بيان :أي قبول كامل كما في الخبر التي- 11 .
البصائر :عن يعقوب بن يزيد ،عن ابن سنان ،عن عتيبة بياع القصب عن
أبي بصير ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن وليتنا عرضت
على السموات والرض والجبال والمصار ما قبلها قبول أهل الكوفة- 12 .
النهج :من كلم له عليه السلم في ذكر الكوفة :كأني بك يا كوفة تمدين مد
الديم العكاظي ،تعركين بالنوازل ،وتركبين بالزلزل ،وإني لعلم أنه ما
أراد بك جبار سوء إل ابتله ال بشاغل ،ورماه بقاتل .بيان " :الديم "
الجلد أو مدبوغه ،و " عكاظ " بالضم موضع بناحية مكة كانت العرب
يتناشدون ،وينسب إليه الديم لكثرة البيع فيه ،والديم العكاظي مستحكم
الدباغ شديد المد ،وذلك وجه الشبه ،والعرك :الدلك والحك ،وعركه :أي
حمل عليه الشر ،وعركت القوم في الحرب :إذا مارستهم حتى أتعبتهم )(3
" والنوازل " المصائب والشدائد ،و " الزلزل " البليا .و " تركبين " -
اتبعتهم )خ(.
][210
أي تجعلين مركوبة لها أو بها على أن تكون الباء للسببية كالسابقة.
والشدائد التي أصابت الكوفة وأهلها معروفة مذكورة في السير .وروي عن
أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا .وعن
الصادق صلى ال عليه واله أنه قال :تربة تحبنا ونحبها .وعنه عليه
الكيدري في شرح النهج :فمن الجبابرة الذين ابتلهم ال بشاغل فيها زياد،
وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليا -صلوات ال عليه -فخرج الحاجب
وقال :انصرفوا ،فإن المير مشغول ،وقد أصابه الفالج في هذه الساعة !
وابنه عبيدال بن زياد وقد أصابه الجذام ،والحجاج بن يوسف وقد تولدت
الحيات في بطنه حتى هلك ،وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما
البرص ،وخالد القسري وقد حبس فطولب حتى مات جوعا .وأما الذين
وغيرهم قتلوا جميعا ،ويزيد بن المهلب قتل على أسوأ حال- 13 .
القصص :بالسناد إلى الصدوق ،بإسناده عن ابن محبوب ،عن داود الرقي،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان أبو جعفر -صلوات ال عليهما -
يقول :نعم الرض الشام وبئس القوم أهلها اليوم ،وبئس البلد مصر ،أما
إنها سجن من سخط ال عليه من بني إسرائيل ،ولم يكن دخل بنو إسرائيل
الرض المقدسة التي كتب ال لكم ) " (1يعني الشام ،فأبوا أن يدخلوها
وعصوا فتاهوا في الرض أربعين سنة .قال :وما كان خروجهم من مصر
ودخولهم الشام إل من بعد توبتهم ورضا ال عنهم .ثم قال أبو جعفر -
صلوات ال عليه -إني أكره أن آكل شيئا طبخ في فخار مصر ،وما أحب أن
العياشي :عن داود مثله - 14 .القصص :بالسناد إلى الصدوق ،عن أبيه،
عن سعد ،عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط ،عن الحسين بن أحمد ،عن
][211
عبد ال عليه السلم :إن بني ) (1ينازعني مصر .فقال :مالك ومصر ؟ أما
علمت أنها مصر الحتوف ؟ ! ول أحسبه إل قال :يساق إليها أقصر الناس
أعمارا - 15 .ومنه :بهذا السناد ،عن ابن أسباط ،عن أحمد بن محمد بن
الحضير ،عن يحيى بن عبد ال بن الحسن ،رفعه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه واله :انتحوا مصر ول تطلبوا المكث فيها .ول أحسبه إل قال:
وهو يورث الدياثة .بيان :قال في القاموس :نحاه قصده كانتحاه- 16 .
القصص :بالسناد المتقدم عن ابن أسباط ،عن أبي الحسن عليه السلم
قال :ل تأكلوا في فخارها ول تغسلوا رؤسكم بطينها فإنها تورث الذلة
وتذهب بالغيرة - 17 .كامل الزيارة :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن
عن أبي سعيد ،عن الحسين بن ثوير ويونس وأبي سلمة السراج والمفضل
بن عمر قالوا سمعنا أبا عبد ال عليه السلم يقول لما مضى أبو عبد ال
بن مسعود وعلي بن محمد معا ،عن الحسين بن عبيدال عن عبد ال بن
على ،عن أحمد بن حمزة ،عن عمران القمي ،عن حماد الناب قال :كنا عند
أبي عبد ال عليه السلم ونحن جماعة إذ دخل عليه عمران بن عبد ال
القمي فسأله وبره وبشه ،فلما أن قام قلت لبي عبد ال عليه السلم :من
هذا الذي بررت به هذا البر فقال :من أهل البيت النجباء -يعني أهل قم -ما
أحمد بن حمزة ،عن المرزبان بن عمران ،عن أبان بن عثمان ،قال :دخل
عمران بن عبد ال على أبي عبد ال عليه السلم فقال له :كيف أنت ؟
وكيف ولدك ؟ وكيف أهلك ؟ وكيف بنو عمك ؟ وكيف أهل بيتك ؟ ثم حدثه
مليا ،فلما خرج قيل لبي عبد ال عليه السلم :من هذا ؟ قال :هذا نجيب
][212
نصب لهم جبار إل قصمه ال .قال حسين :عرضت هذين الحديثين على
قم تأليف الحسن بن محمد بن الحسن القمي :قال روى سعد ابن عبد ال بن
أبي خلف ،عن الحسن بن محمد بن سعد ،عن الحسن بن علي الخزاعي
عن عبد ال بن سنان ،سئل أبو عبد ال عليه السلم :أين بلد الجبل ؟ فإنا
قد روينا أنه إذا رد إليكم المر يخسف ببعضها .فقال :إن فيها موضعا يقال
له " بحر " ويسمى بقم وهو معدن شيعتنا ،فأما الري فويل له من
جناحيه ،وإن المن فيه من جهة قم و أهله .قيل :وما جناحاه ؟ قال عليه
السلم :أحدهما بغداد ،والخر خراسان ،فإنه تلتقي فيه سيوف الخراسانيين
وسيوف البغداديين ،فيعجل ال عقوبتهم ويهلكهم فيأوي أهل الري إلى قم
فيؤويهم أهله ثم ينتقلون منه إلى موضع يقال له " أردستان "- 21 .
وبإسناده عن عبد الواحد البصري ،عن أبي وائل ،عن عبد ال الليثي عن
ثابت البناني ) (1عن أنس بن مالك قال :كنت ذات يوم جالسا عند النبي
صلى ال عليه واله إذ دخل عليه علي بن أبي طالب عليه السلم فقال صلى
ال عليه واله :إلي يا أبا الحسن ،ثم اعتنقه و قبل ]ما[ بين عينيه وقال :يا
السابعة فزينها بالعرش ،ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت
المعمور ،ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب ،ثم عرضها على
الرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة ،ثم سبقت إليها المدينة فزينها
بي ،ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك ،ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب وفتح
إليه بابا من أبواب الجنة - 22 .وعن محمد بن قتيبة الهمداني والحسن بن
علي الكشمارجاني ) (2عن علي ابن النعمان ،عن أبي الكراد علي بن
الموحدة منسوب إلى بنانه وهم بنو سعد بن لوى -وهو الذى يروى عن
][213
إن ال احتج بالكوفة على سائر البلد وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم
من أهل البلد واحتج ببلدة قم على سائر البلد ،وبأهلها على جميع أهل
وفقهم وأيدهم .ثم قال :إن الدين وأهله بقم ذليل ،ولول ذلك لسرع الناس
إليه فخرب قم وبطل أهله فلم يكن حجة على سائر البلد ،وإذا كان كذلك لم
تستقر السماء والرض ولم ينظروا طرفة عين وإن البليا مدفوعة عن قم
وأهله ،وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلئق ،وذلك في
زمان غيبة قائمنا عليه السلم إلى ظهوره ولول ذلك لساخت الرض
بأهلها ،وإن الملئكة لتدفع البليا عن قم وأهله ،وما قصده جبار بسوء إل
قصمه قاصم الجبارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو ،وينسي ال
الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله كما نسوا ذكر ال - 23 .ثم قال :وروي
بأسانيد عن الصادق عليه السلم أنه ذكر كوفة وقال :ستخلو كوفة من
المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ،ثم يظهر العلم ببلدة
يقال لها قم ،وتصير معدنا للعلم والفضل حتى ل يبقى في الرض مستضعف
في الدين حتى المخدرات في الحجال ،وذلك عند قرب ظهور قائمنا ،فيجعل
ال قم وأهله قائمين مقام الحجة ،ولول ذلك لساخت الرض بأهلها ولم يبق
في الرض حجة ،فيفيض العلم منه إلى سائر البلد في المشرق والمغرب،
فيتم حجة ال على الخلق حتى ل يبقى أحد على الرض لم يبلغ إليه الدين
والعلم ،ثم يظهر القائم عليه السلم ويسير سببا لنقمة ال وسخطه على
مقاتل الديلمي نقيب الري ،قال :سمعت أبا الحسن علي بن محمد عليه
السلم يقول :إنما سمي قم به لنه لما وصلت السفينة إليه في طوفان نوح
عليه السلم قامت ،وهو قطعة من بيت المقدس - 25 .وعن الحسن بن
يوسف ،عن خالد بن يزيد ) (1عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
) (1في أكثر النسخ " خالد بن أبى يزيد " والظاهر أنه أبو يزيد خالد بن
يزيد العكلى الثقة ،فاشتبه على بعض النساخ كنيته بكنية أبيه.
][214
إن ال اختار من جميع البلد كوفة وقم وتفليس - 26 .وعن أحمد بن محمد
بن عيسى ،عن الحسن بن محبوب ،عن أبي جميلة المفضل ابن صالح ،عن
رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم
بن سعد ،عن أخيه موسى بن خزرج ،قال :قال لي أبو الحسن الرضا عليه
السلم :أتعرف موضعا يقال له " وراردهار " ؟ قلت :نعم ،ولي فيه
ضيعتان .فقال :الزمه وتمسك به .ثم قال ثلث مرات :نعم الموضع
البرقي ،عن سعد بن سعد الشعري ،عن جماعة ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إذا عمت البليا فالمن في كوفة ونواحيها من السواد وقم من
اليسع ،عن أبيه ،عن جده ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا فقد المن
من العباد وركب الناس على الخيول واعتزلوا النساء والطيب فالهرب
الهرب عن جوارهم .فقلت :جعلت فداك ،إلى أين ؟ قال :إلى الكوفة
ونواحيها ،أو إلى قم وحواليها فإن البلء مدفوع عنهما - 30 .وعن يعقوب
بن يزيد ،عن محمد بن أبي عمير ،عن جميل بن دراج ،عن زرارة بن
أعين ،عن الصادق عليه السلم قال :أهل خراسان أعلمنا ،وأهل قم
أنصارنا ،وأهل كوفة أوتادنا ،وأهل هذا السواد منا ونحن منهم - 31 .وعن
سهل بن زياد ،عن عبد العظيم الحسني ،عن إسحاق الناصح مولى جعفر،
عن أبي الحسن الول عليه السلم قال :قم عش آل محمد ومأوى شيعتهم،
سوء - 32 .وعن سهل ،عن الحسين بن محمد الكوفي ،عن محمد بن
حمزة بن القاسم العلوي ،عن عبد ال بن العباس الهاشمي ،عن محمد بن
][215
قال :إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم ،فإنه مأوى الفاطميين ،ومستراح
المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا ،وذلك
مصلحة لهم لكيل يعرفوا بوليتنا ،ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم .وما
أراد أحد بقم وأهله سوءا إل أذله ال وأبعده من رحمته - 33 .وعن سهل،
عن أحمد بن عيسى البزاز القمي ،عن أبي إسحاق العلف النيشابوري عن
واسط بن سليمان ،عن أبي الحسن الرضا عليه السلم قال :إن للجنة
ثمانية أبواب ،ولهل قم واحد منها ،فطوبى لهم ،ثم طوبى لهم ،ثم طوبى
لهم - 34 .وعن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن خالد ،عن بعض
أصحابه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كنا عنده جالسين إذ قال مبتدئا:
على الجمال مسرعين إلى قم - 35 .وعن يعقوب بن يزيد ،عن أبي الحسن
الكرخي ،عن سليمان بن صالح قال :كنا ذات يوم عند أبي عبد ال عليه
السلم فذكر فتن بني عباس وما يصيب الناس منهم فقلنا :جعلنا فداك ،فأين
المفزع والمفر في ذلك الزمان ؟ فقال :إلى الكوفة وحواليها وإلى قم
ونواحيها .ثم قال :في قم شيعتنا وموالينا ،وتكثر فيها العمارة ،ويقصده
الناس ويجتمعون فيه حتى يكون الجمر بين بلدتهم .وفي بعض روايات
الشيعة أن قم يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم36 .
-وفي خطبة الملحم لمير المؤمنين عليه السلم التي خطب بها بعد وقعة
ورجله حتى يأتي نيسابور فيفتحها ويقسم أبوابها ثم يأتي إصبهان ،ثم إلى
قم ،فيقع بينه وبين أهل قم وقعة عظيمة يقتل فيها خلق كثير فينهزم أهل
فيفزع أهل قم إلى جبل يقال لها " وراردهار " فيقيم الحسنى ببلدهم
أربعين يوما ،ويقتل منهم عشرين رجل ،ويصلب منهم رجلين ثم يرحل
عنهم.
][216
- 37وعن علي بن عيسى ،عن أيوب بن يحيى الجندل ،عن أبي الحسن
الول عليه السلم قال :رجل من أهل قم يدعوا الناس إلى الحق ،يجتمع
معه قوم كزبر الحديد ،لتزلهم الرياح العواصف ،ول يملون من الحرب ،ول
عفان البصري ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال لي :أتدري لم سمي
قم ؟ قلت :ال ورسوله وأنت أعلم .قال :إنما سمي قم لن أهله يجتمعون
صفوان بن يحيى بياع السابري قال :كنت يوما عند أبي الحسن عليه السلم
فجرى ذكر قم وأهله وميلهم إلى المهدي عليه السلم فترحم عليهم وقال:
رضي ال عنهم .ثم قال :إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لهل قم ،وهم
خيار شيعتنا من بين سائر البلد ،خمر ال تعالى وليتنا في طينتهم- 40 .
وروى بعض أصحابنا قال :كنت عند أبي عبد ال عليه السلم جالسا إذ قرأ
هذه الية " حتى إذا جاء ،وعد اوليهما بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس
شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعول " فقلنا :جعلنا فداك ،من
هؤلء ؟ فقال ثلث مرات :هم وال أهل قم - 41 .وروي عن عدة من أهل
الري أنهم دخلوا على أبي عبد ال عليه السلم وقالوا :نحن من أهل الري.
فقال :مرحبا بإخواننا من أهل قم ! فقالوا :نحن من أهل الري فأعاد الكلم،
قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أول ،فقال :إن ل حرما وهو
مكة ،وإن للرسول ) (1حرما وهو المدينة ،وإن لمير المؤمنين حرما وهو
الكوفة ،وإن لنا حرما وهو بلدة قم ،وستدفن فيها امرأة من أولدي تسمى
فاطمة
][217
فمن زارها وجبت له الجنة .قال الراوي :وكان هذا الكلم منه قبل أن يولد
واله لما اسري به رأى إبليس باركا بهذه البقعة فقال له :قم يا ملعون !
الدين - 44 .وروي مرفوعا إلى محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى علي
بن موسى الرضا عليه السلم قال :إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم
لزكريا ابن آدم القمي حين قال الشيخ عنده :يا سيدي إني اريد الخروج عن
أهل بيتي ،فقد كثرت السفهاء .فقال :ل تفعل ،فإن البلء يدفع بك عن أهل
قم ،كما يدفع البلء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلم- 46 .
وعن سهل بن زياد ،عن علي بن إبراهيم الجعفري ،عن محمد بن الفضيل
عن عدة من أصحابه ،عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم قال :إن
لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه ل يريدها جبار بسوء إل أذابه ال كذوب
الملح في الماء .ثم أشار إلى عيسى بن عبد ال فقال :سلم ال على أهل
قم .يسقي ) (1ال بلدهم الغيث ،وينزل ال عليهم البركات ،ويبدل ال
سيئاتهم حسنات ،هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود ،هم الفقهاء العلماء
الفهماء ،هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة - 47 .وقال أبو عبد ال
الفقيه الهمداني في كتاب البلدان :إن أبا موسى الشعري روى أنه سأل
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم عن أسلم المدن وخير
المواضع عند نزول الفتن وظهور السيف ،فقال :أسلم المواضع يومئذ
أرض الجبل ،فإذا اضطربت خراسان ووقعت الحرب بين أهل جرجان
التي يخرج منها أنصار خير الناس أبا واما وجدا وجدة وعما وعمة تلك
التي تسمى الزهراء .بها موضع قدم جبرئيل ،وهو الموضع الذي نبع منه
الماء
) (1سقى )خ(.
][218
الذي من شرب منه أمن من الداء ،ومن ذلك الماء عجن الطين الذي عمل
منه كهيئة الطير ،ومنه يغتسل الرضا عليه السلم ،ومن ذلك الموضع
بن بابويه بأسانيد ذكرها عن أبي عبد ال الصادق عليه السلم أن رجل
دخل عليه فقال :يا ابن رسول ال إني اريد أن أسألك عن مسألة لم يسألك
أحد قبلي ول يسألك أحد بعدي ! فقال :عساك تسألني عن الحشر والنشر )
(1؟ فقال الرجل :إي والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا ما أسألك إل
عنه .فقال :محشر الناس كلهم إلى بيت المقدس إل بقعة بأرض الجبل يقال
لها قم ،فإنهم يحاسبون في حفرهم ويحشرون من حفرهم إلى الجنة .ثم
قال :أهل قم مغفور لهم .قال :فوثب الرجل على رجليه وقال :يا ابن رسول
ال هذا خاصة لهل قم ؟ قال :نعم ومن يقول بمقالتهم .ثم قال :أزيدك ؟
قال :نعم ،حدثني أبي عن أبيه عن جده قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله :نظرت إلى بقعة بأرض الجبل خضراء أحسن لونا من الزعفران
وأطيب رائحة من المسك وإذا فيها شيخ بارك على رأسه برنس ،فقلت:
حبيبي جبرئيل ما هذه البقعة ؟ قال :فيها شيعة وصيك علي بن أبي طالب.
قلت :فمن الشيخ البارك فيها ؟ قال :ذلك إبليس اللعين -عليه اللعنة -قلت:
فما يريد منهم ؟ قال :يريد أن يصدهم عن ولية وصيك علي ويدعوهم إلى
الفسق والفجور .فقلت :يا جبرئيل أهو بنا إليه ،فأهوى بنا إليه في أسرع
من برق خاطف .فقلت له :قم يا ملعون فشارك المرجئة في نسائهم
وأموالهم ،لن أهل قم شيعتي وشيعة وصيي علي بن أبي طالب- 49 .
عن محمد بن بهلول ،عن أبي مسلم العبدي ،عن أبي عبد ال الصادق عليه
السلم قال :تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم ل يريدهم جبار بسوء
][219
إخوانهم ) ! (1فإذا فعلوا ذلك سلط ال عليهم جبابرة سوء ! أما إنهم أنصار
قائمنا ودعاة ) (2حقنا .ثم رفع رأسه إلى السماء وقال :اللهم اعصمهم من
كل فتنة ونجهم من كل هلكة .ثم ذكر صاحب التاريخ المشاهد والقبور
الواقعة في بلدة قم فقال :منها قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما
السلم وروي أن زيارتها تعادل الجنة .وروى مشايخ قم أنه لما أخرج
المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلم من المدينة إلى المرو في سنة
مأتين خرجت فاطمة اخته في سنة إحدى ومأتين تطلبه ،فلما وصلت إلى "
ساوه " مرضت فسألت :كم بيني وبين " قم " ؟ قالوا :عشرة فراسخ،
فأمرت خادمها فذهب بها إلى قم وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد.
والصح أنه لما وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها أن يطلبوا
منها النزول في بلدة قم ،فخرج من بينهم موسى بن خزرج ،فلما وصل
إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى قم وأنزلها في داره ،فكانت فيها ستة )(3
عشر يوما ثم مضت إلى رحمة ال ورضوانه ،فدفنها موسى بعد التغسيل
والتكفين في أرض له ،وهي التي الن مدفنها وبنى على قبرها سقفا من
البواري إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلم عليها قبة .وحدثني
أحمد بن الوليد أنه لما توفيت فاطمة -رضي ال عنها -وغسلوها وكفنوها
ذهبوا بها إلى بابلن ووضعوها على سرداب حفروه لها ،فاختلف آل سعد
بينهم في من يدخل السرداب ويدفنها فيه ،فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير
صالح يقال له " قادر " فلما بعثوا إليها رأوا راكبين سريعين متلثمين
يأتيان من جانب الرملة ،فلما قربا من الجنازة نزل وصليا عليها ودخل
السرداب و أخذا الجنازة فدفناها ،ثم خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد من
هما .والمحراب الذي كانت فاطمة عليها السلم تصلي إليها موجود إلى
الن في دار موسى بن الخزرج .ثم ماتت ام محمد بنت موسى بن محمد بن
علي الرضا عليه السلم فدفنوها في جنب فاطمة -رضي ال عنها -
) (1ما لم يحولوا أحوالهم )خ( (2) .رعاة )خ( (3) .في بعض النسخ "
][220
ثم توفيت ميمونة اختها فدفنوها هناك أيضا وبنوا عليهما أيضا قبة ،ودفن
فيها ام إسحاق جارية محمد وام حبيب جارية محمد بن أحمد الرضا واخت
محمد بن موسى .ثم قال :ومنها قبر أبي جعفر موسى بن محمد بن علي
الرضا عليه السلم قال :وهو أول من دخل من السادات الرضوية قم ،وكان
مبرقعا دائما فأخرجه العرب من قم ،ثم اعتذروا منه و أدخلوه وأكرموه
أيضا قرى ومزارع ،فجاءت إليه أخواته زينب وام محمد وميمونة بنات
الجواد عليه السلم ثم " بريهيه " بنت موسى فدفن كلهن عند فاطمة -
رضي ال عنها -وتوفي موسى ليلة الربعاء ثامن شهر ربيع الخر من
السلم توفي في سنة خمس عشر وثلثمأة ،ودفن في مقبرة محمد بن
موسى .ثم ذكر مقابر كثير من السادات الرضوية وكثير من أولد محمد بن
جعفر الصادق عليه السلم وكثير من أحفاد علي بن جعفر وقبور كثير من
ال عليه واله :اللهم اغفر للشعريين صغيرهم وكبيرهم .وقال :الشعريون
مني وأنا منهم .وروي عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن خالد،
عن أبي البختري ،عن محمد بن إسحاق ،عن الزهري قال :قال رسول ال
وبهذا السناد عن أبي البختري عن الزهري ،عن زيد بن أسلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله للشعريين لما قدموا :أنتم المهاجرون إلى
النبياء من ولد إسماعيل .ثم ذكر أخبارا كثيرة في فضائلهم ،ثم قال :من
الشعري .ومنها أنه قال الرضا عليه السلم لزكريا بن آدم بن عبد ال بن
سعد الشعري :إن ال يدفع البلء بك عن أهل قم كما يدفع البلء عن أهل
بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهما السلم ومنها أنهم وقفوا المزارع
والعقارات الكثيرة على الئمة عليهم السلم ،ومنها أنهم أول من بعث
الخمس إليهم .ومنها أنهم عليهم السلم أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا
والتحف والكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس ،وزكريا بن آدم ،وعيسى بن
عبد ال بن
][221
سعد وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكلم ،وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع،
وأنهم اشتروا من دعبل الخزاعي ثوب الرضا عليه السلم بألف دينار من
الذهب .ومنها أن الصادق عليه السلم قال لعمران بن عبد ال :أظلك ال
المامية .بيان :يظهر من هذا التاريخ أن " وراردهار " اسم بعض رساتيق
قم وتوابعه وقال :فيه سبع عشرة قرية وكان من رساتيق إصبهان فالحق
بقم .والجمر اسم نهر من النهار التي كانت قبل بناء بلدة قم كما يلوح من
التاريخ .وروى الكشي خبر زكريا ابن آدم عن محمد بن قولويه ،عن سعد
بن عبد ال ،عن محمد بن حمزة ،عن زكريا بن آدم قال :قلت للرضا عليه
السلم :إني اريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم ،فقال :ل
تفعل ،فإن أهل بيتك يدفع عنهم بك كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن
واله :امرت بقرية تأكل القرى تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد.
يريد عليه السلم الهجرة إلى المدينة ،قال السيد -ره :-فقوله " امرت
بقرية تأكل القرى " مجاز ،والمراد أن أهلها يقهرون أهل القرى فيملكون
بلدهم وأموالهم ،فكأنهم بهذه الحوال يأكلونهم .وخرج هذا القول على
طريقة للعرب معروفة لنهم يقولون " أكل فلن جاره " إذا عدا عليه
فانتهك حرمته واصطفى حريبته .وعلى ذلك قول علقة ابن عقيل بن علقة
لبيه في أبيات :أكلت بيتك اكل الضب حتى * وجدت مدارة الكل ) (1الوبيل
ومن ذلك قوله عليه السلم في غزوة الحديبية " ويح قريش أكلهم )(2
الحرب " يريد أنها قد أفنت رجالهم وانتهكت أموالهم ،فكانت من هذا الوجه
كأنها آكلة لهم قال ذلك في حديث طويل ،والمراد بقوله " تنفي الخبث كما
ينفي الكير خبث الحديد " أن أهلها يتمحضون فينتفي عنها الشرار ،ويبقى
][222
والقشاب ،ول يصبر عليها إل الصميم واللباب ،فيكون بمنزلة الكير الذي
ينفي الخباث والدران ،ويخلص الرصاص ،وهذا أيضا مجاز .وقد ورد هذا
الخبر بلفظ آخر ذكره عمر بن عبد العزيز قال :سمعنا عن رسول ال صلى
ال عليه واله أنه قال :المدينة تنفي خبث الرجال كما ينفي الكير خبث
الحديد .والمعنى في اللفظين واحد - 51 .كتاب جعفر بن محمد بن شريح:
عن المعلى الطحان ،عن محمد بن زياد ،عن ميمون ،عن ابن عباس ،عن
النبي صلى ال عليه واله أنه كان إذا دخل عليه اناس من اليمن قال :مرحبا
برهط شعيب وأحبار موسى - 52 .وعنه قال :سمعت قيس بن الربيع يرفعه
إلى النبي صلى ال عليه واله قال :حضرموت خير من الحارثيين- 53 .
مجالس الشيخ :عن أحمد بن عبدون ،عن علي بن محمد بن الزبير ،عن
قال :دخلنا على أبي عبد ال عليه السلم فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه
فسألنا :من أنتم ؟ قلنا :من أهل الكوفة فقال :أما إنه ليس من بلد من
البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ثم هذه العصابة خاصة ،إن ال هداكم
.-بيان " :ثم هذه العصابة " أي هم فيها أكثر من غيرها من البلدان،
والمراد عصابة الشيعة فإن المحب أعم منها .والعصابة -بالكسر :-
الطيالسي ،عن زريق الخلقاني قال :كنت عند أبي عبد ال عليه السلم يوما
إذا دخل عليه رجلن من أهل الكوفة من أصحابنا ،فقال أبو عبد ال عليه
السلم :أتعرفهما ؟ قلت :نعم ،هما من مواليك ،فقال :نعم ،والحمد ل الذي
جعل أجلة موالي بالعراق -الخبر - 55 .-أقول :وجدت بخط الشيخ محمد
][223
الشيخ محمد بن مكي -قدس ال روحه -وجد بخط جمال الدين ابن
المطهر :وجدت بخط والدي -ره -قال :وجدت رقعة عليها مكتوب بخط
العالم عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي ابن زهرة الحسيني الحلبي إملء
من لفظه عند نزوله بالحلة السيفية -وقد وردها حاجا سنة أربع وسبعين
وخمسمائة -ورأيته يلتفت يمنة ويسرة ،فسألته عن سبب ذلك ،قال :إنني
لعلم أن لمدينتكم هذه فضل جزيل .قلت :وما هو ؟ قال :أخبرني أبي ،عن
أبيه ،عن جعفر بن محمد بن قولويه ،عن الكليني قال :حدثني على بن
إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ،عن أبي حمزة الثمالي ،عن الصبغ بن
نباته قال :صحبت مولي أمير المؤمنين عليه السلم عند وروده إلى صفين
وقد وقف على تل عرير ) (1ثم أومأ إلى أجمة ما بين بابل والتل وقال:
مدينة وأي مدينة ! فقلت له :يا مولي أراك تذكر مدينة ،أكان ههنا مدينة
وانمحت آثارها ؟ فقال :ل ،ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة السيفية
يمدنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على ال لبر
قسمه .بيان " :عرير " بالمهملتين أي مفرد ،وفي القاموس :العرير
بخط الشيخ المتقدم نقل من خط الشهيد -قدس سره :-قال الراوندي :قال
الباقر عليه السلم :إن ال وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه "
الضراح ثم بعث ملئكة فأمرهم ببناء بيت في الرض بمثاله وقدره ،فلما
كان الطوفان رفع ،فكانت النبياء يحجونه ول يعلمون مكانه حتى بوأه ال
لبراهيم فأعلمه مكانه ،فبناه من خمسة أجبل :من حراء وثبير ،ولبنان،
وجبل الطور ،وجبل الخمر .قال الطبري :وهو جبل بدمشق .بيان :قال
][224
-بالضم :-جبل بالشام - 57 .كنز الكراجكى :قال :روى الشريف أبو محمد
) (1قال :حدثني أمير المؤمنين عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني- 58 .
شرح النهج لبن ميثم :قال :لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلم من حرب
الجمل خطب الناس بالبصرة فحمد ال وأثني عليه وصلى على النبي صلى
ال عليه واله ثم قال :يا أهل البصرة ! يا أهل المؤتفكة أئتفكت بأهلها ثلثا
أنتن بلد ال تربة ،وأبعدها من السماء ،بها تسعة أعشار الشر المحتبس
فيها بذنبه ،والخارج منها بعفو ال ،كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها
الماء حتى ما يرى منها إل شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر -
وساق إلى قوله :إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا ،وآجامها
عن استاده الشيخ محمد الحرفوشى قال :لما كنت بالشام عمدت يوما إلى
مسجد مشهور بعيد من العمران فرأيت شيخا أزهر الوجه عليه ثياب بيض
وهيئة جميلة ..ثم تحققت منه السم والنسبة ثم بعد جهد طويل قال :أبا
معمر أبو الدنيا المغربي صاحب أمير المؤمنين عليه السلم وحضرت معه
صفين وهذه الشجة في وجهى من رمحة فرسه -سلم ال عليه -ثم ذكر
لي من الصفات والعلمات ما تحققت معه صدقه في كل ما قال ثم استجزته
كتب الخبار فاجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع ائمتنا حتى انتهى في
الجازة إلى صاحب الدار -عجل ال فرجه -وله قصص عجيبة منها ما
رواها عنه أبو محمد العلوى حدثه بها في دار عمه طاهر بن يحيى ،وكيف
كان فحديثه يعد حسنا إن لم يكن صحيحا (2) .أي صوت وضج (3) .فهربتم
][225
ثم التفت عن يمينه فقال :كم بينكم وبين البلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود:
فداك أبي وامي :أربعة فراسخ .قال له :صدقت ،فوالذي بعث محمدا صلى
ال عليه واله وأكرمه بالنبوة ،وخصه بالرسالة ،وعجل بروحه إلى الجنة
لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال :يا علي هل علمت أن بين التي
تسمى البصرة والتي تسمى البلة أربعة فراسخ وسيكون في التي تسمى
البلة موضع أصحاب العشور ،يقتل في ذلك الموضع من امتي سبعون ألف
شهيد ،هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر .فقال له المنذر :يا أمير المؤمنين،
ومن يقتلهم ؟ فداك أبي وأمي .قال :يقتلهم أخوان وهم جيل كأنهم
الشياطين ،سود ألوانهم ،منتنة أرواحهم ،شديد كلبهم ،قليل سلبهم ،طوبى
لمن قتلوه .ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من
أهل ذلك الزمان ،مجهولون في الرض ،معروفون في السماء ،تبكي
السماء عليهم وسكانها ،والرض وسكانها -ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال:
المؤمنين ،وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ؟ وما الويح ؟ فقال:
هما بابان :فالويح باب رحمة ،والويل باب عذاب يا ابن الجارود ،نعم،
تارات عظيمة :منها عصبة يقتل بعضها بعضا ،ومنها فتنة يكون بها
إخراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وسباء نساء يذبحن ذبحا ،ياويل
أمرهن حديث عجيب ! ومنها أن يستحل بها الدجال الكبر العور الممسوح
العين اليمنى والخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ،ناتئ
الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ،فيتبعه من أهلها عدة من قتل
يهرب ،ثم رجف ،ثم قذف ،ثم خسف ثم مسخ ،ثم الجوع الغبر ،ثم الموت
الحمر وهو الغرق .يا منذر إن للبصرة ثلثة أسماء سوى البصرة في الزبر
الول ) (1ل يعلمها إل العلماء :منها الخريبة ،ومنها تدمر ،ومنها المؤتفكة
) (1في بعض النسخ المخطوط " زبر الول " وهو الصواب ظاهرا.
][226
فيكم أفضل ذلك ،وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم :أنتم أقوم الناس قبلة،
قبلتكم على المقام حيث يقوم المام بمكة ،وقارئكم أقرأ الناس ،وزاهدكم
أزهد الناس ،و عابدكم أعبد الناس ،وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في
تجارته ،ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ،وغنيكم أشد الناس بذل وتواضعا،
وشريفكم أحسن الناس خلقا وأنتم أكثر الناس جوارا ،وأقلهم تكلفا لما ل
تبعل ،سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلحا لمعاشكم والبحر سببا
لكثرة أموالكم ،فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيل وظل
ظليل ،غير أن حكم ال ماض ،وقضاؤه نافذ ل معقب لحكمه وهو سريع
الحساب .يقول ال " وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو
معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ) - " (1ثم ساق الخطبة
إلى قوله -إن رسول ال صلى ال عليه واله قال لي يوما وليس معه
غيري :إن جبرئيل الروح المين حملني على منكبه اليمن حتى أراني
الرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلمني ما فيها وما قد كان على
ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك ]علي[ كما لم يكبر على أبي
آدم علمه السماء كلها ولم تعلمها الملئكة المقربون ،وإني رأيت بقعة
على شاطئ البحر تسمى البصرة ،فإذا هي أبعد الرض من السماء وأقربها
من الماء ،وأنها لسرع الرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدها عذابا ،ولقد
خسف بها في القرون الخالية مرارا ،و ليأتين عليها زمان ،وإن لكم يا أهل
البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلؤه ،وإني لعلم
موضع منفجره من قريتكم هذه ،ثم امور قبل ذلك تدهمكم عظيمة اخفيت
عنكم وعلمناها ،فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من ال سبقت له،
ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما ال بظلم للعبيد .توضيح:
المؤتفكة :المنقلبة ،والنقلب هنا إما حقيقة كقرى قوم لوط أو لنها غرقت
][227
جمع أجمة -بالتحريك -وهي منبت القصب ،وقيل :هي الشجر الكثير
الملتف .والبلة -بضم الهمزة والباء وتشديد اللم :-الموضع الذي به
مدينة البصرة اليوم وكان من قرى البصرة وبساتينها يومئذ ،وكانوا يعدونه
إحدى الجنات الربع ،وفي البلة اليوم موضع العشارين حسب ما أخبر به.
والجيل -بالكسر :-الصنف من الناس وقيل :كل قوم يختصون بلغة فهم
جيل .والرواح :جمع الريح بمعنى الرائحة .و الكلب -بالتحريك :-الشر
والذى وشبه جنون يعرض لمن عضه الكلب الكلب .والسلب -بالتحريك :-
ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه و معه ]من[
سلح وثياب ودابة غيرها .ينفر لجهادهم :أي يخرج لقتالهم .ويقال "
هملت عينه " أي فاضت بالدمع .والرهج -بالتحريك -الغبار .والحس -
بالكسر -صوت المشي والصوت الخفي وهو إشارة إلى صاحب الزنج كما
مر .والتارات جمع التارة بمعنى المرة ،أي فتن عظيمة مرة بعد اخرى.
الموال :أخذها بما ل يحل .وسباء النساء -بالكسر والمد :-أسرهن .و "
يستحل بها الدجال " أي يتخذها منزل ويسكنها .والدجال من الدجل وهو
الخلط والتلبيس والكذب ،ووصفه بالكبر يدل على تعدد من يدعي الباطيل.
ما هو أقبح منها .ووصف الجوع بالغبر إما لن الجوع يكون في السنين
المجدبة ،وسنوا الجدب تسمى غبرا لغبرار آفاقها من قلة المطار
وأرضيها من عدم النبات ،أو لن وجه الجائع يشبه الوجه المغبر .والموت
الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة :-علم محلة من محال
][228
المفتاح .ولم يكبر ذلك علي :أي قويت عليه وقدرت ،أولم أستعظمها من
فضل ربي .والتنوين في " زمان " للتفخيم أي زمان شديد فظيع.
عليه السلم أنه قال :إن ل حرما وهو مكة ،أل إن لرسول ال حرما وهو
المدينة ،أل وإن لمير المؤمنين حرما وهو الكوفة ،أل وإن قم الكوفة
الصغيرة .أل إن للجنة ثمانية أبواب ثلثة منها إلى قم ،تقبض فيها امرأة
من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى ،وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة
بأجمعهم - 60 .وعن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلم قال :يا سعد من
زارها فله الجنة - 61 .وعنه عليه السلم قال :إذا عمت البلدان الفتن
والبليا فعليكم بقم وحواليها ونواحيها ،فإن البليا مدفوع ) (1عنها- 62 .
وعن الرضا عليه السلم قال :للجنة ثمانية أبواب فثلثة منها لهل قم،
فطوبى لهم ثم طوبى لهم - 63 .وعن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال:
صلوات ال على أهل قم ،ورحمة ال على أهل قم ،سقى ال بلدهم الغيث -
واله قال :لما عرج بي إلى السماء مررت بأرض بيضاء كافورية شممت
بها رائحة طيبة ،فقلت :يا جبرئيل ما هذه البقعة ؟ قال :يقال لها " آبة "
عرضت عليها رسالتك وولية ذريتك فقبلت ،وإن ال يخلق منها رجال
قال :روي أنه في التورية مكتوب :الري باب من أبواب الرض وإليها
) (1كذا في جميع النسخ التى بأيدينا ،والظاهر " مدفوعة ".
][229
الناس .قال :وروي عن جعفر الصادق عليه السلم أن الري وقزوين
وساوه ملعونات شؤمات - 56 .كشف الغمة :عن ابن أعثم الكوفي ،عن
أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :ويحا للطالقان فإن ل تعالى بها كنوزا
من اصول أصحابنا أظن أنه لوالد الصدوق أو ممن عاصره عن عبد العزيز
بن جعفر بن محمد ،عن عبد العزيز بن يونس الموصلي ،عن إبراهيم بن
عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :قزوين
باب من أبواب الجنة - 58 .الدر المنثور :من عدة كتب عن ابن عباس قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمكة :ما أطيبك من بلدة وأحبك إلى !
لول أن .قومك أخرجوني منك ما خرجت .وفي رواية اخرى :ما سكنت
غيرك ) - 59 .(1وعن عبد الرحمان بن سابط قال :لما أراد رسول ال
صلى ال عليه واله وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط
المسجد والتفت إلى البيت فقال :إني لعلم ما وضع ال في الرض بيتا
أحب إليه منك ،وما في الرض بلد أحب إليه منك ،وما خرجت عنك رغبة
وبلدانها تأليف بعض المخالفين :قال :بلد المهدي مدينة حسنة حصينة
بناها المهدي الفاطمي وحصنها وجعل لها أبوابا من حديد ،في كل باب ما
يزيد على المائة قنطار ،ولما بناها وأحكمها قال :الن أمنت على
الفاطميين .بيان :اقول :لهذه المدينة قصة طويلة غريبة أوردتها في كتاب
الغيبة - 71 .ومن الكتاب المذكور :قال دخل ذوالقرنين جزيرة عظيمة فوجد
بها قوما قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحمم السود فسلم عليهم فردوا
عليه السلم فسألهم :ما عيشكم يا قوم في هذا المكان ؟ قالوا :ما رزقنا ال
) (1الدر المنثور :ج 1ص (2) .123الدر المنثور :ج ،1ص .123
][230
المياه العذبة .قال لهم أل أنقلكم إلى عيشة أطيب مما أنتم فيه وأخصب ؟
فقالوا له :و ما نصنع به ؟ إن عندنا في جزيرتنا هذه ما يغني جميع العالم
ويكفيهم لو صاروا إليه و أقبلوا عليه ! قال :وما هو ؟ فانطلقوا إلى واد ل
ل يحتمله العقول ول يوصف ،ولو اجتمع العالم على نقله أو بعضه لعجزوا،
وجنات وغياض ،فلما رأى ذو القرنين ذلك سبح ال العظيم واستصغر أمر
الوادي وما به من الجواهر عند ذلك المنظر البهيج الزاهر .فلما تعجب قالوا
له :في ملك ملك في الدنيا بعض ما ترى ؟ قال :ل وحق عالم السر
والنجوى .فقالوا :كل هذا بين أيدينا ول تميل أنفسنا إلى شئ من ذلك
واقتنعنا بما نقوى به على عبادة الرب الخالق ،ومن ترك ل شيئا عوضه
ال خيرا منه ،فسرعنا ودعنا بحالنا ،أرشدنا ال وإياك .ثم ودعوه وفارقوه
وقالوا له :دونك والوادي فاحمل منه ما تريد .فأبى أن يأخذ من ذلك شيئا.
قال :ثم أتى ذوالقرنين جزيرة عظيمة فرأى بها قوما لباسهم ورق الشجر،
فأجابوه بأحسن جواب وألطف خطاب ،فقال لهم :سلوا حوائجكم لتقضى،
فقالوا له :نسألك الخلد في الدنيا .فقال :وأنى به لنفسي ؟ ! ومن ل يقدر
على زيادة نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد ؟ ! فقال كبيرهم :نسألك
صحة في أبداننا ما بقينا .فقال :وهذا أيضا ل أقدر عليه .فقالوا :فعرفنا بقية
أعمارنا فقال :ل أعرف ذلك لروحي فكيف بكم ؟ فقالوا له :فرغنا نطلب ذلك
ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك .وجعل الناس ينظرون إلى كثرة جنوده
وعظمة موكبه ،وبينهم شيخ صعلوك ل يرفع رأسه ،فقال له ذوالقرنين:
مالك ل تنظر إلى ما ينظر إليه الناس ؟ قال الشيخ :ما أعجبني الملك الذي
][231
وما ذاك ؟ قال الشيخ :كان عندنا ملك وآخر صعلوك ) (1فماتا في يوم واحد
قال :فتركهم ذوالقرنين وانصرف عنهم - 62 .العيون :عن تميم بن عبد ال
القرشي ،عن أبيه ،عن أحمد بن علي النصاري ،عن أبي الصلت الهروي
قال :كنت عند الرضا عليه السلم فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه
فرد عليهم وقربهم ثم قال لهم :مرحبا بكم وأهل ! فأنتم شيعتنا حقا،
فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس ،أل فمن زارني وهو على
غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) - 73 .(3ومنه :عن محمد بن أحمد
السناني ،عن محمد بن جعفر السدي ،عن سهل ابن زياد ،عن عبد العظيم
بن عبد ال الحسني قال :سمعت علي بن محمد العسكري عليه السلم
يقول :أهل قم وأهل آبة مغفور لهم لزيارتهم لجدي علي بن موسى الرضا
عليه السلم بطوس أل ومن زاره فأصابه في طريقه قطرة من السماء حرم
ال جسده على النار ) - 74 .(4الكافي :عن أبي علي الشعري ،عن محمد
بن سالم ; وعلي بن إبراهيم عن أبيه ،جميعا عن أحمد بن النضر ; ومحمد
بن يحيى ،عن محمد بن أبي القاسم ،عن الحسين ابن أبي قتادة ،جميعا عن
عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :خرج رسول
ال صلى ال عليه واله لعرض الخيل -وساق الحديث إلى قوله -فمر
بفرس ) (5فقال عيينة ابن حصين :إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت .فقال
رسول ال صلى ال عليه واله :ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك .فقال :وأنا أعلم
بالرجال منك .فغضب رسول ال صلى ال عليه واله حتى ظهر الدم في
وجهه ،فقال له :فأي الرجال أفضل ؟ فقال عيينة بن حصين :رجال يكونون
بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ،ورماحهم على كواثب خيلهم ،ثم
) (1صلعوك )خ( (2) .الصلعوك )خ( ) 3و (4العيون :ج ،2ص ) .260
][232
فقال رسول ال صلى ال عليه واله :كذبت ،بل رجال أهل اليمن أفضل،
اليمان يماني ) ،(1و الحكمة يمانية ،ولول الهجرة لكنت امرءا من أهل
خير من رعل وذكوان ،وإن يهلك لحيان فل ابالي .ثم قال :لعن ال الملوك
الحديث إلى قوله -لعن ال رعل وذكوان وعضل ولحيان والمجذمين من
أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبل ذا السنان وابني مليكة ) (2بن
عن معلى الطحان ،عن بريد بن ) (4يزيد ابن جابر ،عن عبد ال بن بشير،
عن ابن عيينة بن حصين قال :عرض رسول ال صلى ال عليه واله يوما
خيل وعنده أبي -عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر -فقال رسول ال
صلى ال عليه واله :أنا أبصر بالخيل منك .فقال عيينة :وأنا أبصر بالرجال
منك يا رسول ال .فقال النبي صلى ال عليه وآله :كيف ؟ قال :فقال :إن
خير الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم ،ويعرضون رماحهم على
مناكب خيولهم من أهل نجد .فقال النبي صلى ال عليه واله :كذبت ،إن خير
الرجال أهل اليمن ،واليمان يمان وأنا يماني ،وأكثر قبائل دخول الجنة يوم
) (1يمان )خ( (2) .ملكة )خ( (3) .الكافي :ج ،8ص (4) .72 - 70وفى
بعض النسخ " يزيد بن جابر " وفى بعضها " يزيد بن جابر " وأياما كان
][233
وكيت وكيت -بالكسر " -والتاء فيهما هاء في الصل فصارت تاءا .وفي
النهاية :الكواثب جمع كاثبة ،وهي من الفرس :مجتمع كتفيه قدام السرج.
وقال :رجل قدم -بضمتين -أي شجاع ،ومضى قدما أي لم يعرج ولم ينثن.
وقال :فيه " اليمان يمان والحكمة يمانية " إنما قال ذلك لن اليمان بدا
من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال :الكعبة
اليمانية .وقيل :إنه قال هذا القول للنصار لنهم يمانون وهم نصروا
بلد للعرب ،والنسبة إليهم يمني ،ويمان مخففة واللف عوض من ياء
النسب فل يجتمعان ،قال سيبويه :وبعضهم يقول يماني بالتشديد -انتهى .-
وقال في شرح السنة :هذا ثناء على أهل اليمن لسراعهم إلى اليمان
وحسن قبولهم إياه .قوله صلى ال عليه واله " لول الهجرة " لعل المعنى:
لول أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن إذ مكة منها ،أو المراد
أنه لول أن المدينة كانت أول دار هجرتي واخترتها بأمر ال لتخذت اليمن
وطنا ،أو الغرض أنه لول أن الهجرة أشرف لعددت نفسي من النصار.
الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ،واحدهم فداد ،يقال :فد الرجل
يفد فديدا إذا اشتد صوته ،وقيل :هم المكثرون من البل .وقيل :هم
-واحدها فدان -مشددا -وهي البقر التي يحرث بها ،وأهلها أهل جفاء
وقسوة ) - (1انتهى .-قوله " أصحاب الوبر " أي أهل البوادي ،فإن
بيوتهم يتخذونها منه .قوله " :من حيث يطلع قرن الشمس " قال
الجوهري :قرن الشمس أعلها وأول ما يبدو منها في الطلوع -انتهى -
ولعل المراد أهل البوادي من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي
في شرقي المدينة .وروى في شرح السنة بإسناده عن عقبة بن عمرو قال:
أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال :اليمان يمان
ههنا ،إل أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند اصول أذناب البل حيث
][234
وبإسناده عن ابن عمر أنه قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يشير
إلى المشرق ويقول :إن الفتنة ههنا ! إن الفتنة ههنا ! من حيث يطلع قرن
الشيطان .وقال النووي :قرنا الشيطان قبل المشرق أي جمعاه المغويان أو
صلى ال عليه وسلم ويكون حين يخرج الدجال من المشرق ،وهو في ما
بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الترك العاتية -انتهى -ول يبعد أن
يكون في هذا الخبر أيضا " قرن الشيطان " فصحف .وقال الجوهري:
مذحج -كمسجد :-أبو قبيلة من اليمن .وقال :حضرموت اسم بلد وقبيلة
أيضا ،وهما اسمان جعل واحدا إن شئت بنيت السم الول على الفتح
وأعربت الثاني بإعراب مال ينصرف قلت :هذا حضرموت ،وإن شئت
أضفت الول إلى الثاني قلت :هذا حضرموت ،أعربت حضرا وخفضت موتا،
وكذلك القول في سام أبرص ورام هرمز .وقال :عامر بن صعصعة أبو
سليم .وقال :لحيان أبو قبيلة .وقال :مخوس -كمنبر -ومشرح وجمد
وأبضعة بنو معدي كرب الملوك الربعة الذين لعنهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم ولعن اختهم العمردة وفدوا مع الشعث فأسلموا ثم ارتدوا فقتلوا
يوم النجير ،فقالت نائحتهم " يا عين بكي للملوك الربعة " وقال :العمرد -
النبي صلى ال عليه وسلم -انتهى -و " المجذمين " لعل المراد بهم
المنسوبون إلى الجذيمة ،ولعل أسدا وغطفان كلتيهما منسوبتان إليها .قال
الجوهري :جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي -بالتحريك -
وكذلك إلى جذيمة بني أسد .وقال الفيروز آبادي :غطفان -محركة -حي
من قيس .ولعل شهبل -بالشين المعجمة والباء الموحدة ،و في بعض
النسخ السين المهملة والياء المثناة -اسم ،وكذا ما بعده إلى آخر الخبر
الفتن ،وسيأتي أخبار مدح الكوفة والغري وكربل وطوس ومكة والمدينة
][235
- 76اكمال الدين :عن عبد ال بن محمد بن عبد الوهاب ،عن أحمد بن
-يقول :حكى أبو القاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن حمادويه
بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله،
الهرام ،فإنه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلك ،وأمر ألفا من
الفعلة أن يطلبوا الباب وكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا وكلوا،
فلما هموا بالنصراف بعد الياس منه وترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه
الباب الذي يطلبونه فلما بلغوا آخره وجدوا بلطة قائمة من مرمر فقدروا
أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها ،فإذا عليها كتابة
يونانية ،فجمعوا حكماء مصر و علماءها فلم يهتدوا لها ،وكان في القوم
رجل يعرف بأبي عبد ال المدائني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها ،فقال لبي
عليه ثلثمائة وستون سنة يعرف هذا الخط ،وقد كان عزم على أن يعلمنيه
فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق .فكتب أبو الحسن إلى ملك
الحبشة يسأله أن يحمل هذا السقف إليه ،فأجابه أن هذا قد طعن في السن
وحطمه الزمان وإنما يحفظه هذا الهواء ،وخاف عليه إن نقل إلى هواء
آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف ،وفي بقائه لنا
تسألونه فالكتب بذلك .فحملت البلطة في قارب إلى بلد " أسوان " من
الصعيد العلى ،وحملت من أسوان على العجلة إلى بلد الحبشة وهي
قريبة من أسوان ،فلما وصلت قرأها السقف وفسر ما فيها بالحبشية ثم
نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب " :أنا الريان بن دومغ " فسئل أبو عبد
ال عن الريان من هو ؟ قال :هو والد العزيز ملك يوسف عليه السلم
][236
عمر العزيز سبعمائة سنة وعمر الريان والده ألف وسبعمائة سنة وعمر
دومغ ثلثة آلف سنة .فإذا فيها " :أنا الريان بن دومغ ،خرجت في طلب
علم النيل ،لعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مغيضه ) (1فخرجت ومعي
ممن صحبت أربعة آلف ]ألف[ رجل ،فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت
إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا ،فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر
فيه ولم يكن له منفذ وتماوت أصحابي وبقيت ) (2في أربعة آلف رجل
فخشيت على ملكي فرجعت إلى مصر وبنيت الهرام والبرابي وبنيت
صنعه * وأحكمته وال أقوى وأحكم وحاولت علم النيل من بدء ) (3فيضه
* فأعجزني والمرء بالعجز ملجم ثمانين شاهورا قطعت مسائحا * وحولي
بنو حجر وجيش عرمرم إلى أن قطعت الجن والنس كلهم * وعارضني لج
من البحر مظلم فأيقنت أن ل منفذا بعد منزلي * لذي هيئة بعدي ول متقدم
فأبت إلى ملكي وأرسيت ناديا * بمصر ول اليام بؤس وأنعم أنا صاحب
الهرام في مصر كلها * وباني برابيها بهاو المقدم تركت بها آثار كفي
وللدهر أمر مرة وتهجم سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي * ولي لربي آخر
الدهر يسجم بأكناف بيت ال تبدو اموره * ولبد أن يعلو ويسمو به السم
][237
ومن بعد هذا كر تسعون تسعة * وتلك البرابي تستخر وتهدم وتبدى كنوزي
كلها غير أنني * أرى كل هذا أن يفرقه الدم رمزت مقالي في صخور
قطعتها * ستفنى وأفنى بعدها ثم اعدم ) (1فحينئذ قال أبو الحسن حمادويه
بن أحمد :هذا شئ ليس لحد فيها حيلة إل القائم من آل محمد عليهم السلم
وردت البلطة مكانها كما كانت .ثم إن أبا الحسن ) (2بعد ذلك بسنة قتله
طاهر الخادم على فراشه وهو سكران ،ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين
ومن بناهما .فهذا أصح ما يقال في خبر النيل والهرمين .بيان :السرب -
بالصعيد بمصر .كل ذلك ذكره الفيروز آبادي .وقال :الهرمان -بالتحريك -
بناءان أوليان بناهما إدريس عليه السلم لحفظ العلوم فيهما عن الطوفان،
أو بناء سنان بن المشلشل أو بناء الوائل لما علموا بالطوفان من جهة
أبو ريحان في كتاب الثار الباقية :إن الفرس وعامة المجوس أنكروا
الطوفان بكليته ،وزعموا أن الملك متصل فيه من لدن " كيومرث گل شاه
" الذي هو النسان الول عندهم ،ووافقهم على إنكارهم إياه الهند والصين
في زمان طهمورث لم يعم العمران كلها ولم يغرق فيه إل امم قليلة ،وإنه لم
يجاوز عقبة حلوان ولم يبلغ ممالك المشرق .وقالوا :إن أهل المغرب لما
أنذر به حكماؤهم بنوا أبنية كالهرمين المبنيتين في أرض مصر ،وقالوا :إذا
كانت الفة من السماء دخلناها وإذا كانت من الرض صعدناها ،فزعموا أن
آثار ماء الطوفان وتأثيرات المواج بينة على أنصاف هذين الهرمين لم
يجاوزهما .وقيل :إن يوسف عليه السلم بناهما وجعل فيهما الطعام و
][238
الميرة سني القحط .وقالوا :إن طهمورث لما اتصل به النذار وذلك قبل
كونه بمأتين وإحدى وثلثين سنة أمر باختيار موضع في مملكته صحيح
الهواء والتربة ،فلم يجدوا أحق بهذه الصفة من إصبهان ،فأمر بتجليد
العلوم ودفنها في أسلم المواضع منه ،وقد يشهد لذلك ما وجد في زماننا
أعدال كثيرة من لحاء الشجرة التي يلتبس بها القسي والترسة ويسمى "
عن محمد بن الفيض ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال أبو جعفر الدوانيقي
) (2للصادق عليه السلم :تدري ما هذا ؟ وما هو ؟ قال :جبل هناك يقطر
منه ]في السنة[ قطرات فيجمد ) (3فهو جيد للبياض يكون في العين يكحل
به فيذهب بإذن ال تعالى .قال :نعم ،أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه
وحاله .هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه ،فعبد
ال عليه ،فعلم قومه فقتلوه ،وهو يبكي على ذلك النبي ،وهذه القطرات من
بكائه له ،ومن الجانب ) (4الخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ول
يوصل إلى تلك العين ) - 78 .(5الدر المنثور :قال :أخرج الزبير بن بكار
مرآة كانت معلقة بمنارة السكندرية فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من
) (6قائل بكفه كذا باسط يده أي ليس خلفي مسلك ،فل يطأ تلك البلد أحد
) (1يجئ )خ( (2) .الدوانيق )خ( (3) .كذا في جميع النسخ ،والظاهر "
فتجمد " (4) .في اكثر النسخ " ومن جانب الخر " والصواب ما في المتن
موافقا لنسخة مخطوطة (5) .المناقب :ج ،4ص (6) .236الندلس )خ(.
][239
عاد ،فإذا كانت الشهر الحرم اكرم هطل منه الماء وسقوا ) (1وصبوا في
الحياض فإذا انقضت الشهر الحرم انقطع ذلك الماء ; وشجرة من نحاس
عليها سودانية ) (2من نحاس بأرض رومية ،فإذا كان أوان الزيتون
وسرجهم سنتهم إلى قابل ) - 79 (3الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد
بن محمد ،عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن من وراء اليمن واديا يقال له " وادي برهوت " ول
يجاوز ذلك الوادي إل الحيات السود والبوم من الطير ) (4في ذلك الوادي
بئر يقال لها " بلموت ) " (5يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين ،يسقون
من ماء الصديد ،خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم " الذريح " لما أن بعث
ال عزوجل محمدا صلى ال عليه وآله صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه
ونادى فيهم :يا آل الذريح ! -بصوت فصيح -أتى رجل بتهامة يدعو إلى
شهادة أن ل إله إل ال .قالوا :لمر ما أنطق ال هذا العجل ! قال :فنادى
فيهم ثانية ،فعزموا على أن يبنوا سفينة ،فبنوها و نزل فيها سبعة منهم،
في البحر ،فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة ،فأتوا النبي صلى ال
عليه واله فقال لهم النبي صلى ال عليه واله :أنتم أهل الذريح نادى فيكم
وسقوا (2) ..في مخطوطة " سودائية " وكذا في ما يأتي (3) .الدر
المنثور :ج ،3ص (4) .97في المصدر :الطيور (5) .في بعض النسخ
وكذا في المصدر :بلهوت (6) .في بعض النسخ وكذا في المصدر :شراعها.
][240
والفرائض والشرائع كما جاء من عند ال -عز ذكره -وولى عليهم رجل
من بني هاشم سيره معهم ،فما بينهم اختلف حتى الساعة ) - 80 .(1حياة
الحيوان :الهرام من عجائب أبنية الدنيا ،وهي قبور الملوك ،أرادوا أن
يتميزوا على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عليهم في حياتهم ،قيل:
إن المأمون لما وصل إلى مصر أمر بنقب أحد الهرمين فنقب بعد جهد جهيد
وغرامة نفقة عظيمة فوجد داخله مراق دمها ويعسر سلوكها ،ووضع في
أعلها بيت مكعب طول كل ضلع من أضلعه ثمانية أذرع ،وفي وسطه
حوض فيه مائة رمة بالية قد أتت عليها العصور فكف عن نقب ما سواه.
ونقل أن هرمس الول أخنوخ وهو إدريس عليه السلم استدل من أحوال
الكواكب على كون الطوفان ،فأمر ببنيان الهرام ،ويقال :إنه ابتناها في مدة
ستة أشهر وكتب فيها :قل لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة عام والهدم
مكتوب :أنا بنيتها ) (2بملكي فمن ادعى قوة فليهدمها ) (3فإن الهدم أيسر
من البناء .قال ابن المنادي :بلغنا أنهم قدروا خراج الدنيا مرارا فإذا هو ل
) (1روضة الكافي (2) .261 :بنيتهما )خ( (3) .فليهمدهما )خ(.
][241
)) (37باب نادر( أقول :وجدت في بعض الكتب القديمة هذه الرواية،
فأوردتها بلفظها ،ووجدتها أيضا في كتاب " ذكر القاليم والبلدان والجبال
اللفاظ أشرت إلى بعضها في سياق الرواية ،وهي هذه :مسائل عبد ال بن
سلم وكان اسمه " اسماويل " فسماه النبي صلى ال عليه واله عبد ال،
عن ابن عباس -رضي ال عنه -قال :لما بعث النبي صلى ال عليه واله
أمر عليا أن يكتب كتابا إلى الكفار وإلى النصارى وإلى اليهود ،فكتب كتابا
أمله جبرئيل على النبي صلى ال عليه واله فكتب " :بسم ال الرحمن
الرحيم " من محمد رسول ال إلى يهود خيبر أما بعد فإن الرض ل
والعاقبة للمتقين والسلم على من اتبع الهدى ولحول ول قوة إل بال
العلي العظيم " ثم ختم الكتاب وأرسله إلى يهود خيبر .فلما وصل الكتاب
إليهم أتوا إلى شيخهم ابن سلم فقالوا :يا ابن سلم هذا كتاب محمد إليك
فاقرأه علينا فقرأه عليهم فقال لهم :ما تريدون من هذا الكلم ؟ وقد أرى
فيه علمات وجدنا في التوراة أن هذا محمد الذي بشرنا به موسى ابن
عمران .فقالوا :ينسخ كتابنا ويحرم علينا ما احل لنا من قبل .فقال لهم ابن
سلم يا قوم اخترتم الدنيا على الخرة والعذاب على المغفرة ! فقالوا :يا
ابن سلم لو كان محمد على ديننا لكان أحب إلينا من غيره .فقال :أنا أروح
إليه وأسأله عن أشياء من التوراة فإن أجابني عنها دخلت في دينه وخليت
دين اليهودية ،وقام وأخذ التورات واستخرج منها ألف مسألة وأربعمائة
مسألة وأربع مسائل من غامض المسائل فأخذها وأتى بها إلى محمد وهو
في مسجده فقال :السلم عليك يا محمد وعلى أصحابك .فقالوا :وعلى من
اتبع الهدى السلم ورحمة ال وبركاته ،من أنت يا هذا الرجل ؟ قال :أنا
][242
أنا من رسل بني إسرائيل وممن قرأ التوراة ،وأنا رسول اليهود إليك مع
شئ لتبينه لنا ما هو وأنت من المحسنين .فقال النبي صلى ال عليه واله:
اجلس يا ابن سلم وسل عما شئت وإن شئت أخبرتك عما تسألني عنه.
فقال :أخبرني يا محمد فإنني أزداد فيك يقينا .فقال :يا ابن سلم جئت
فنكس عبد ال بن سلم رأسه وبكى وقال :صدقت يا محمد .فقال :أنبي أنت
أم رسول ؟ فقال :يا ابن سلم إن ال بعثني نبيا ورسول وأنا خاتم النبيين،
أفما قرأت في التوراة " محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا ) - (1الية " -؟ وأنزل علي " ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين ) " (2قال :صدقت
يا محمد ،أخبرني أكليم أنت أم وحي ؟ قال :يا ابن سلم بل وحي يأتيني به
من بني آدم ؟ قال :يا ابن سلم ،خلق ال مائة ألف نبي وأربعة وعشرين
ألف نبي .قال :صدقت يا محمد ،أخبرني كم المرسلون منهم ؟ قال :يا ابن
سلم كان المرسلون ثلثمأة وثلثة عشر .قال :صدقت يا محمد فأخبرني
من كان أول النبياء ؟ قال :آدم .قال :صدقت يا محمد ،أخبرني آدم كان نبيا
مرسل ؟ قال :نعم ،أفما قرأت في التوراة " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم )(3
-الية " -؟ قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن رسل العرب كم كانوا ؟
قال :ستة ) (4أولهم إبراهيم وإسماعيل ولوط وصالح وشعيب ومحمد .قال:
صدقت يا محمد ،فأخبرني كم كان بين موسى وعيسى من نبي ؟ قال :ألف،
قال :صدقت يا محمد ،فعلى أي دين كانوا ؟ قال :على دين ال تعالى ودين
ملئكته ودين السلم .قال :وما السلم ؟ وما اليمان ؟ قال :أما السلم
وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحج إلى بيت ال الحرام
إن استطعت إليه سبيل ،وأما اليمان فتؤمن بال وملئكته والكتاب والنبيين
) (1الفتح (2) .29 :الحزاب (3) 40 :البقرة (4) .33 :سبعة )خ(.
][243
تعالى ؟ قال :دين واحد وهو السلم .قال :صدقت يا محمد ،فبم كانت
الشرائع ؟ قال :كانت مختلفة في المم الماضية .قال :صدقت يا محمد ،فأهل
قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كم أنزل ال كتابا ؟ قال :يا ابن سلم أنزل
ال مائة كتاب وأربعة كتب .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني على من انزلت
هذه الكتب ؟ قال :يا ابن سلم ،أنزل ال عزوجل على آدم أربعة ) (2عشرة
صحيفة وأنزل على إبراهيم عشرين صحيفة -وفي قول أربعة ) (3عشرة
صحيفة -وعلى شيث بن آدم خمسين صحيفة ،وأنزل على إدريس ثلثين )
(4صحيفة ،وأنزل الزبور على داود وأنزل التوراة على موسى ،وأنزل
النجيل على عيسى ،وأنزل علي الفرقان .قال :صدقت يا محمد ،فهل أنزل
عليك كتابا ؟ قال :نعم ،قال :وأي كتاب هو ؟ قال :الفرقان قال :يا محمد لم
سماه الرب فرقانا ؟ قال :يا ابن سلم لنه يفرق اليات والسور و انزل بغير
قال :صدقت يا محمد ،فهل في كتابك شئ من هذه الصحف ؟ قال :نعم يا ابن
سلم .قال :ما هو يا محمد ؟ فقرأ النبي صلى ال عليه وآله " قد أفلح من
تزكى -إلى قوله -صحف إبراهيم وموسى ) " (5قال :صدقت يا محمد،
فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه ؟ قال :يا ابن سلم ابتداؤه بسم ال
فأخبرني عن خمسة أشياء خلقها ال بيده ما هي ؟ قال :يا ابن سلم إن ال
عزوجل خلق جنة عدن بيده ،وغرس شجرة طوبى بيده ،وصور آدم بيده،
وكتب التوراة بيده ،وبنى السماوات بيده -قال صدقت يا محمد -
والسماوات مطويات بيمينه .قال :صدقت ]قال[ يا ابن سلم أما سمعت قوله
][244
بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) " (1قال :صدقت يا محمد ،أخبرني من أخبرك
بهذا ،قال :أخبرني جبرائيل .قال :عن من ؟ قال :عن ميكائيل .قال :عن
من ؟ قال :عن إسرافيل .قال :عن من ؟ قال :عن اللوح المحفوظ .قال :عن
من ؟ قال :عن القلم .قال :عن من ؟ قال :عن رب العالمين .قال :وكيف ذلك
يا محمد ؟ قال ]النبي صلى ال عليه واله[ :يأمر ال القلم يكتب في اللوح،
في زي الناث ؟ قال :يا ابن سلم بل هو في زي الذكران .قال :فأخبرني ما
طعامه وما شرابه ؟ قال :يا ابن سلم طعامه التسبيح وشرابه التهليل .قال:
صدقت يا محمد فأخبرني ما طوله ؟ وما عرضه ؟ وما صفته ؟ وما لباسه ؟
قال :يا ابن سلم على قدر الملئكة ل بالطويل العلى ول بالقصير الدنى،
أغر ،مكحول ،ضوؤه كضوء النهار عند ظلمة الليل ،له أربعة وعشرون
النف ،مدور الحدق (3) ،ل يأكل ول يشرب ول يمل ول يسهو وهو قائم
بوحي ال تعالى إلى يوم القيامة .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن بدء
خلق الدنيا ،وأخبرني عن بدء خلق آدم كيف خلقه ال تعالى ؟ قال :نعم يا
ابن سلم ،إن ال -سبحانه و تعالى ،تقدست أسماؤه ول إله غيره -خلقه
من طين بيده ،وخلق الطين من الزبد ،و خلق الزبد من الموج ،وخلق
قال :يا ابن سلم لنه خلق من طين الرض وأديمها .قال :صدقت يا محمد،
فآدم خلق من الطين كله أو بعضه أو من طين واحد ؟ قال :يا ابن سلم بل
خلقه ال من الطين كله ،ولؤ أن آدم خلق من طين واحد لما عرف بعضهم
بعضا وكانوا على صورة واحدة .قال :صدقت يا محمد ،هل لهم مثل بذلك )
) (1الزمر (2) .67 :خضرا )خ( (3) .الحدقة )خ( (4) .في مخطوطة :هل
][245
أفما تنظر إلى التراب منه أبيض ،ومنه أسود ،ومنه أحمر ،ومنه أصفر،
ومنه أشقر ومنه أغبر ،ومنه أزرق ،وفيه عذب وخشن ،وفيه لين ،وكذلك
بنو آدم فيهم خشن وفيهم لين وفيهم عذب كذلك ]التراب[ قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني من آدم لما خلقه ال عزوجل من أين دخلت الروح فيه ؟
قال :يا ابن سلم دخلت من فيه .قال :صدقت يا محمد ،أدخلت فيه على رضا
أم على كره ؟ قال :يا ابن سلم أدخله ) (1ال كرها ويخرجها كرها .قال:
صدقت يا محمد ،ما قال ال لدم ؟ قال :يا ابن سلم قال ال لدم :يا آدم
اسكن أنت وزوجك الجنة فكل منها رغدا حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين .قال :صدقت يا محمد ،فكم أكل منها حبة ؟ قال :حبتين
قال :وكم أكلت حواء ؟ قال :حبتين .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني ما صفة
الشجرة ! وكم لها غصن ) (2؟ وكم كان طول السنبلة ؟ قال :يا ابن سلم
كان لها ثلثة أغصان ،و كان طول كل سنبلة ثلثة أشبار .قال :صدقت يا
محمد ،فكم سنبلة فرك منها آدم ؟ قال :سنبلة واحدة .قال :صدقت يا محمد،
فكم كان في السنبلة من حبة ؟ قال :كان فيها خمس حبات .قال :فأخبرني ما
صفة الحبة ؟ قال :يا ابن سلم كانت بمنزلة البيض الكبار .قال فأخبرني عن
الحبة التي بقيت مع آدم ما صنع بها ؟ قال :يا ابن سلم انزلت مع آدم من
الجنة فزرع آدم تلك الحبة فتناسل من تلك الحبة البركة ) .(3قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني عن آدم أين اهبط من الرض ؟ قال :اهبط بالهند .قال:
صدقت يا محمد ،فأين اهبطت حواء ؟ قال :بجدة ،قال :صدقت يا محمد
]فأين اهبطت الحبة ) (4؟ قال :باصبهان ،قال :صدقت يا محمد[ فأين اهبط
إبليس ؟ قال :ببيسان .قال :صدقت يا محمد ،قال :ما أغزر علمك ! وما
أصدق لسانك ! فأخبرني ماكان لباس آدم لما اهبط من الجنة ؟ قال :ثلث
) (1كذا (2) .كذا (3) .فتناسل منها الحب في الرض فبورك فيها (4) .في
][246
قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني خلقت حواء من آدم أم آدم من حواء ؟ قال:
يا ابن سلم خلقت حواء من آدم ،ولو أن خلق آدم من حواء لكان الطلق
بيد النساء ولم يكن بيد الرجال .قال :فأخبرني خلقت من كله أو من بعضه ؟
قال :خلقت من بعضه ولو خلقت من كله لكان القضاء في النساء ولم يكن
قال :يا ابن سلم بل خلقت من باطنه ،ولو خلقت من ظاهره لكشفت النساء
من أبدانهن كما تكشف الرجال .قال :فمن يمينه خلقت أم من شماله ؟ قال:
بل خلقت من شماله ،ولو خلقت من يمينه لكان حظ النثى مثل حظ الذكر
وشهادتها كشهادته ،ومن أجل ذلك جعل ال للذكر مثل حظ النثيين .قال:
فأخبرني من أي موضع خلقت ؟ قال :يا ابن سلم خلقت من ضلعه القصر
) .(1قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني من كان يسكن الرض قبل آدم ؟ قال:
الجن .قال :فبعد الجن ؟ قال :الملئكة .قال :فبعد الملئكة ؟ قال :آدم
وذريته .قال :وكم كان بين الجن وبين آدم ؟ قال سبعة آلف سنة .قال:
صدقت يا محمد ،فأخبرني عن آدم فهل حج إلى بيت ال الحرام ؟ قال :نعم،
قال :فمن حلق رأس آدم ؟ قال :جبرئيل .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني هل
اختتن آدم أم ل ؟ قال :نعم يا ابن سلم ،ختن نفسه بيده .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني عن الدنيا لم سميت دنيا ؟ قال :يا ابن سلم لن الدنيا
خلقت من دون الخرة ،ولو خلقت مع الخرة لم تفن كما لم تفن )(2
يا ابن سلم لن مقام الخلئق فيها للحساب .قال :فأخبرني لم سميت الخرة
آخرة ؟ قال :لنها متأخرة ]عنها[ بعد الدنيا ل يوصف سنوها ،ول تحصى
أيامها ول يموت ساكنها .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن أول يوم خلق
ال تعالى الدنيا فيه ،قال :يوم الحد .قال :ولم سماه أحدا ؟ قال :لن ال
واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ول ولدا .قال :صدقت يا محمد .فالثنين
لم
سمي اثنين ؟ قال :لنه ثاني يوم الدنيا .قال :فالثلثاء لم سمي ثلثاء ؟ قال:
لنه ثالث يوم الدنيا .قال :فالربعاء لم سمي أربعاء ؟ قال :لنه رابع يوم
الدنيا .قال :فالخميس لم سمي خميسا ؟ قال :لنه خامس يوم الدنيا .قال:
فالجمعة لم سمي جمعة ؟ قال :لنه يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود
وهو سادس يوم من أيام الدنيا .قال :فالسبت لم سمي سبتا ؟ قال :يا ابن
سلم لنه يوم يوكل فيه ملك ،لنه مع كل عبد ملكان :ملك عن يمينه ،وملك
قلمهما ؟ ومادواتهما ؟ وما لوحهما ؟ وما مدادهما ؟ قال :يا ابن سلم
ولوحهما فؤاده ،يكتبان أعماله إلى مماته .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني
ما خلق ال في ذلك اليوم ؟ قال :ن و القلم وما يسطرون .قال :فأخبرني كم
طول القلم ؟ وكم عرضه ؟ وكم أسنانه ؟ قال :يا ابن سلم طول القلم
خمسمائة عام ،وله ثلثون سنا يخرج المداد من بين أسنانه و يجري في
اللوح المحفوظ ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة بأمر ال عزوجل.
قال :صدقت يا محمد ،كم لحظة ل عزوجل في كل يوم وليلة ؟ قال :يا ابن
سلم ثلثمائة وستون لحظة :يمضي ويقضي ويرفع ويضع ويسعد ويشقي
ويعز ويذل و يعلي ويقهر ويغني ويفقر .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني ما
خلق ال تعالى بعد ذلك ؟ قال :يا ابن سلم السماء السابعة مما يلي العرش،
وأمرها أن ترتفع إلى مكانها فارتفعت ثم خلق الستة الباقية ،وأمر كل سماء
أن تستقر مكانها فاستقرت .قال :صدقت يا محمد فلم سماها سماءا ؟ قال:
لرتفاعها .قال :فأخبرني ما بال سماء الدنيا خضراء ؟ قال يا ابن سلم
خلقت من موج مكفوف .قال :وما الموج المكفوف ؟ قال :يا ابن سلم ماء
][248
وهي مغلقة ،ولها مفاتيح وهي مخزونة .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني
عن أبواب السماء ماهي ؟ قال :ذهب .قال فما أقفالها ؟ قال :من نور .قال:
كل سماء وعرضها ،وكم ارتفاعها ؟ وما سكانها ؟ قال :يا ابن سلم طول
كل سماء خمسمائة عام وعرضها كذلك وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة
عام ،وسكان كل سماء جند من الملئكه ل يعلم عددهم إل ال تعالى .قال:
صدقت يا محمد ،فأخبرني عن السماء الثانية مما خلقت ؟ قال :من الغمام.
زبرجدة خضراء .قال :فالرابعة ؟ قال :من ذهب أحمر .قال :صدقت يا
محمد ،فالخامسة ؟ قال :من ياقوتة حمراء .قال :فالسادسة ؟ قال من فضة
بيضاء .قال فالسابعة ؟ قال :من ذهب .قال صدقت يا محمد ،فأخبرني ما
فوق السماء السابعة ؟ قال :بحر الحيوان .قال :فما فوقه ؟ قال :بحر
الظلمة .قال :فما فوقه ؟ قال :بحر النور .قال :فما فوقه ؟ قال :الحجب.
قال :فما فوقه ؟ قال :سدرة المنتهى .قال :فما فوق سدرة المنتهى ؟ قال:
جنة المأوى .قال :فما فوق جنة المأوى ؟ قال :حجاب المجد .قال :فما فوق
حجاب المجد ؟ قال :حجاب الحمد .قال :فما فوق حجاب الحمد ؟ قال :حجاب
الجبروت .قال :فما فوق حجاب الجبروت ؟ قال :حجاب العز .قال :فما فوق
حجاب العز ؟ قال :حجاب العظمة .قال :فما فوق حجاب العظمة ؟ قال:
حجاب الكبرياء .قال :فما فوق حجاب الكبرياء ؟ قال :الكرسي قال :صدقت
يا محمد ،قال :قد اوتيت علوم الولين والخرين وإنك لتنطق بالحق اليقين
قال :فما فوق الكرسي ؟ قال :العرش .قال فما فوق العرش ؟ قال :ال تعالى
وهو فوق الفوق وعلمه تحت التحت .قال :صدقت يا محمد .قال :فأخبرني
هل يستوي مخلوق على عرشه ؟ قال :معاذ ال يا ابن سلم .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني عن الشمس والقمر أهما مؤمنان أم كافران ؟ قال :يا ابن
سلم بل هما مؤمنان طائعان ل عزوجل مسخران تحت قهر المشية .قال:
الضوء والنور ؟ قال :يا ابن سلم إن ال محا آية الليل وجعل آية النهار
من الليل.
][249
قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن الليل لم سمي ليل ؟ قال :لنه يليل
الرجال من النساء جعله ال إلفا ولباسا .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني لم
سمي النهار نهارا ؟ قال :يا ابن سلم لن فيه كل من الخلق يطلب معاشه.
قال :صدقت يا محمد ،قال :فأخبرني عن النجوم كم جزءا هي ؟ قال :يا ابن
سلم ثلثة أجزاء :جزء منها بأركان العرش يصل ضوؤها إلى السماء
السابعة ،والجزء الثاني بسماء الدنيا كأمثال القناديل المعلقة وهي تضئ
معلقة في الهواء وهي ضوء البحار وما فيها وما عليها .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني ما بال النجوم تبان صغارا وكبارا ؟ قال :يا ابن سلم لن
بينها وبين سماء الدنيا بحارا تضرب الرياح أمواجها فتبان من تحتها
صغارا أو كبارا ،ومقدار النجوم كلها مقدار واحد .قال صدقت يا محمد،
فأخبرني كم ريحا بيننا وبين سماء الدنيا ؟ قال :ثلثة أرياح :الريح العقيم
التي ارسلت على قوم عاد حملت الشجار والثمار ،والريح التي هي سوداء
مظلمة يعذب بها أهل النار ،و ]ريح[ تحمل البحار ،وريح لهل الرض بها
حملت الشجار والثمار تغدو في جوانبها ،ولول تلك الريح لحترقت الرض
كم هم صنفا ؟ قال :ثمانون صنفا ،طول كل صنف ألف ألف فرسخ،
أرضين ،ولو أن طائرا يطير من اذن أحدهم اليمنى إلى اليسرى ألف سنة
من سنين ) (1الدنيا لم يبلغ إلى الذن الخر حتى يموت هرما -أي شيخا -
التهليل .والصنف الول نصفه ثلج ونصفه نار ل يذيب النار الثلج ول الثلج
يطفئ النار ،والصنف الثاني نصفه رعد ونصفه برق ،والصنف الثالث
نصفه ماء ونصفه مدر ل الماء يذيب المدر ول المدر يذيب الماء ،والصنف
الرابع نصفه ريح ونصفه ماء ل الريح يهيج الماء ول الماء يسبق الريح.
قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن طائر يطير بين السماء والرض ليس
][250
أعرافها كأعراف الخيل تبيض في الجو على أذنابها ،وتفرخ على مناكبها
في الهواء إلى يوم القيامة .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن مولود أشد
من أبيه .قال :يا ابن سلم ذلك الحديد يولد من الحجر وهو أشد من الحجر.
قال :صدقت يا محمد ،قال :فأخبرني عن بقعة أصابتها الشمس مرة واحدة
فل تعود إليها إلى يوم القيامة .قال :يا ابن سلم ذلك موضع أغرق ال فيه
فرعون حين انفلق البحر وانطبق عليه .قال :صدقت يا محمد فأخبرني عن
بيت له اثنا عشر بابا اخرج منه اثنا عشر عينا لثني عشر سبطا .قال النبي
صلى ال عليه واله :لما جاوز ]موسى[ بني ) (1إسرائيل البحر ودخل بهم
إلى البرية فشكوا إلى موسى العطش فمر بحجر مربع فأوحى ال إليه أن
اضرب بعصاك الحجر ،فضرب به موسى ،فانفجر منه اثنتا عشرة عينا
عن نبي لمن الجن والنس ،ول من الطير ول من الوحش قال :يا ابن
سلم ذلك النملة التي أنذرت قومها حين قالت " يا أيها النمل ادخلوا
سلم النحل أوحى ال إليها " أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما
يعرشون ) " (4قال :صدقت يا محمد قال :فأخبرني ما أوحى ال إليه من
الرض ما هو ؟ قال :يا ابن سلم أوحى ال إلى جبل طور سيناء أن ارفع
موسى إلى السماء حتى يتناول اللواح من رب العالمين .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني عن مخلوق أوله عود وآخره روح .قال :يا ابن سلم تلك
هي حية تسعى .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن ثلث ) (5ذكور لم
يولدوا عن فحل .قال :يا ابن سلم ذلك عيسى بن مريم وآدم وكبش
) (1كذا والظاهر " ببنى اسرائيل " (2) .في اكثر النسخ " لثنتى عشرة
" (3) .النمل (4) .18 :النحل (5) .68 :كذا في جميع النسخ.
][251
عن وسط الدنيا في أي موضع هو ؟ قال :بيت المقدس ،قال :وكيف ذلك ؟
قال :لن فيه المحشر والمنشر والصراط والميزان .قال :صدقت يا محمد،
قال :فأخبرني عن الفلك المشحون ما هو ؟ قال :يا ابن سلم ،السفن المبنية
في البحر ،أما قرأت في التوراة " و حملناه على ذات ألواح ودسر ) " (1؟
قال :صدقت يا محمد ،قال :ما اللواح ؟ قال :الشجار التي سفقت ) (2طول
هي اللواح .فأخبرني عن الدسر .قال :يا ابن سلم المسامير والعوارض
]من[ الحديد .قال :صدقت يا محمد ،قال :فأخبرني كم كان طول السفينة ؟
وكم عرضها ؟ وكم كان ارتفاعها ؟ قال :يا ابن سلم كان طولها ثلثمائة
ذراع وعرضها مائة وخمسين ذراعا وارتفاعها مائتي ذراع .قال :صدقت يا
محمد ،قال :فأخبرني من أين ركبها نوح ؟ قال :من العراق ،قال :أين ثبت ؟
قال :طافت بالبيت العتيق اسبوعا وبيت المقدس اسبوعا واستوت على
الجودي .قال :صدقت يا محمد ،قال :فأخبرني عن البيت المعمور أين كان
لما أغرق ال الدنيا ؟ قال :يا ابن سلم رفعه ال تعالى إلى السماء السابعة
قبل الطوفان .قال :صدقت يا محمد ]قال :فأخبرني أين كانت الصخرة وقت
الطوفان ؟[ قال :وأمر ال تعالى أبا قبيس أن يحمل الصخرة في بطنه .قال:
فالبيت المقدس لما أغرق ال الدنيا أين كان ؟ قال :في جبل أبي قبيس .قال:
صدقت يا محمد ،فأخبرني عن مولود لم يشبه أباه وربما أشبه خاله وربما
أشبه عمه .قال :يا ابن سلم إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة
المرأة على شهوة الرجل خرج الولد إلى خاله وإن غلبت شهوة الرجل على
شهوة المرأة خرج إلى عمه وإن استويا خرج الولد إلى أمه وأبيه .قال:
صدقت يا محمد .أقول :في الرواية الخرى هكذا " قال :فأخبرني عن
المولود إذا لم يشبه أباه وربما يشبه خاله وعمه .قال :إذا جامع الرجل
امرأته فإن غلبت شهوة الرجل شهوة المرأة خرج الرجل بأبيه أشبه وإن
غلبت شهوة المرأة خرج الولد بامه أشبه ،وإن استويا خرج شبيها بهما،
فإن سبقت شهوة الرجل خرج الولد بعمه أشبه ،وإن سبقت
][252
شهوة المرأة كان الولد بخاله أشبه .قال :صدقت " رجعنا إلى الرواية
سلم ،إن ال تبارك وتعالى عدل ليجور في قضائه .قال :صدقت ،قال:
فأخبرني عن أطفال المشركين في الجنة أم في النار ؟ قال :يا ابن سلم ،ال
أولى بهم ،ولكن إذا كان يوم القيامة وجمع الخلق لفصل القضاء أمر ال
تعالى بأطفال المشركين فيؤتى بهم فيقول لهم :عبادي وأبناء عبادي
وإمائي ،من ربكم ؟ وما دينكم ؟ وما أعمالكم ؟ فيقولون :اللهم أنت ربنا
وأنت خالقنا ولم نكن شيئا وأمتنا ولم تجعل لنا لسانا ننطق به ول عقل
نعقل به ول قوة في العضاء نتعبد بها ولعلم لنا إل ما علمتنا فيقول ال
لهم -وهو أجل قائل -فالن لكم ألسنة وعقول وقوة للحركة في العضاء
فإن أمرتكم بأمر يا عبادي تفعلوه ؟ فيقولون :السمع والطاعة لك يا إلهنا
وخالقنا ورازقنا ومالكنا .فيأمر ال تعالى ]مالكا[ فتزجر جهنم حتى تفور
ويأمر أطفال المشركين :ألقوا أنفسكم في تلك النار .فمن سبق له في علم
ال أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها ،فتكون النار عليه بردا وسلما كما
كانت على إبراهيم خليل الرحمن ،ومن سبق له في علم ال أن يكون شقيا
امتنع أن يلقي نفسه في تلك النار فيكونون تبعا لبائهم وامهاتهم في النار،
بررت وبينت وأزلت الشك يا محمد فزدني يقينا[ فأخبرني عن الرض لم
سميت أرضا ؟ قال :لنها أرض يداس عليها .قال :فمم خلقت ؟ قال :من
زبرجد ]من الزبد[ قال :فالزبرجدة مم خلقت ؟ قال :من الموج ،قال:
فالموج مم خلق ؟ قال :من البحر .قال :صدقت يا محمد ،فكيف ذلك ؟ قال:
إن ال عزوجل لما خلق البحر أمر الريح أن تضرب المواج بعضها في
بعض فاضطرب المواج حتى ظهر الزبد ،ثم أمرها أن تجتمع فاجتمعت ،ثم
أمرها أن تلين فلنت ،ثم أمرها أن تعتدل فاعتدلت ،ثم أمرها أن تمتد
قال :من جبل قاف وهو أصل أوتاد الرض التي نحن عليها .قال :فأخبرني
ما تحت هذه الرض ؟ قال :تحتها ثور ،قال :وما صفته ؟ قال :يا ابن سلم،
له أربع قوائم ،وهو قائم على صخرة بيضاء .قال :فأخبرني
][253
ما صفته ؟ قال :يا ابن سلم ،له أربعون قرنا وأربعون سنا ،رأسه
بالمشرق وذنبه بالمغرب وهو ساجد ل تعالى إلى يوم القيامة ،من القرن
إلى القرن مسيرة خمسين ألف سنة .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني ما
تحت الصخرة ؟ قال :تحتها جبل يقال له الصعود .قال :ولمن ذلك الجبل ؟
قال :لهل النار ،يصعده المشركون إلى يوم القيامة وهو مسيرة ألف سنة -
حتى إذا بلغوا أعل ذلك الجبل ضربوا بمقامع فيسقطون إلى أسفله
الجبل ؟ قال :أرض ،قال :وما اسمها ؟ قال :جارية ،قال :وما تحتها ؟ قال:
بحر ،قال :وما اسمه ؟ قال :سهك .قال :صدقت يا محمد ،قال :فما تحت ذلك
البحر ؟ قال :أرض ،قال :وما اسمها ؟ قال :ناعمة ،قال :وما تحتها ؟ قال:
بحر ،قال :وما اسمه ؟ قال :الزاخر قال :وما تحته ؟ قال :أرض ،قال :وما
اسمها ؟ قال :فسيحة ،قال :فصف لي هذه الرض ،قال :يا ابن سلم ،هي
قال :فأخبرني أين تكون هذه الرض التي نحن عليها اليوم ؟ قال النبي
صلى ال عليه واله :يا ابن سلم تبدل هذه الرض غيرها .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني ما تحت تلك الرض ؟ قال :البحر ،قال :وما اسمه ؟ قال:
القمقام ،قال :وما فيه ؟ قال :الحوت ،قال :وما اسمه ؟ قال :يهموت )(3
قال :صدقت يا محمد .قال :فصف لي الحوت .قال :يا ابن سلم رأسه
بالمشرق وذنبه بالمغرب .قال :فما على ظهره ؟ قال :الرض والبحار
والظلمة والجبال .قال فما بين عينيه ؟ قال :سبعة أبحر في كل بحر سبعون
ألف مدينة في كل مدينة ألف لواء تحت كل لواء سبعون ألف ملك .قال فما
يقولون ؟ قال يقولون ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد
يحيي ويميت وهو حى ل يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير .قال:
صدقت يا محمد ،فأخبرني ما تحت الريح ،قال :الظلمة ،قال :فما تحت
الظلمة ؟ قال:
) (1في اكثر النسخ " فيسبحون " والصواب ما في المتن موافقا لنسخة
مخطوطة (2) .كذا والظاهر " يحشر " (3) .في بعض المخطوطات " به
][254
الثرى ،قال :فما تحت الثرى ؟ قال :ل يعلمه إل ال عزوجل .قال :صدقت يا
محمد فأخبرني عن ثلث من رياض الجنة في الرض أين تكون ؟ قال :يا
ابن سلم ،أولها مكة ،وثانيها بيت المقدس ،وثالثها مدينة محمد .قال:
أولها إرم ذات العماد ،والثانية المنصورية ) (1وهى مدينة بالشام ،والثالثة
في الدنيا أي موضع هي ؟ قال :يا ابن سلم ،أولها قيروان وهي إفريقية،
بأرض العراق ،والرابعة بخراسان وهي خلف نهر يقال له جيحون .قال:
يا ابن سلم ،أولها مدينة فرعون في أرض مصر ،والثانية أنطاكية وهي
المدائن وهي بأرض العراق .قال :صدقت يا محمد ،قال :فأخبرني عن أربعة
أنهار في الدنيا وهي من أنهار الجنة .قال :أولها الفرات وهو بأرض )(6
الشام ،و الثاني النيل وهو بأرض مصر ،والثالث نهر سيحان وهو نهر
الهند ،والرابع جيحون وهو بأرض بلخ .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني
عن شئ ل شئ ،وشئ بعض شئ وشئ ل يفنى ) (7منه شئ .قال :يا ابن
) (1المنصورة من بلد الهند )خ( 2) .و (3ارمينية )خ( ) (4عبادان )خ(.
) (5ارمينية )خ( (6) .في حدود الشام )خ( (7) .في اكثر النسخ " ل يغنى
][255
من الجنة نعيمها ول ينقص من النار عذابها ،فمن قال من العباد إن نعيمها
يفنى ) (1أو عذاب ال ينقضي فهو كافر بال في كل شئ .قال :صدقت يا
محمد ،فأخبرني عن جبل قاف ما خلفه ؟ وما دونه ؟ قال :يا ابن سلم،
قال :فما سكان هذه الرضين ؟ قال الملئكة قال :كم طول كل أرض منها ؟
وكم عرضها ؟ قال :طول كل أرض منها عشرة آلف سنة وعرضها كذلك
قال :صدقت يا محمد ،فما وراء ذلك ؟ قال :حجاب الريح ،قال :فما وراء
ذلك ؟ قال ]من صح[ ) (3كيف محيط بالدنيا كلها تسبح ال تعالى .قال:
امه يأكل مما تأكل امه ويشرب مما تشربه ول يبول ول يتغوط ولوراث في
بطنها وبال لنشق بطنها .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن أنهار الجنة
ماهي ؟ قال :يا ابن سلم ،لبن لم يتغير طعمه ،وخمر ،وعسل مصفى ،وماء
غير آسن قال :صدقت يا محمد ،فجامدة هي أم جارية ؟ قال :بل جارية بين
أشجارها .قال :فهل تنقص أم تزيد ؟ قال ل يا ابن سلم ،قال :فهل لذلك مثل
في الدنيا ; قال :نعم ،قال وما هو ؟ قال يا ابن سلم انظر إلى البحار تمطر
فيها السماء وتمدها النهار من الرض فل تزيد ول تنقص قال :وصف لي
أنهار الجنة .قال :يا ابن سلم .في الجنة نهر يقال له الكوثر رائحته أطيب
من رائحة المسك الذفر والعنبر ،حصاه الدر والياقوت عليه ختام من
اللؤلؤ البيض ،وهو منزل أولياء ال تعالى .قال :صدقت يا محمد فصف لي
أشجار الجنة .قال :في الجنة شجرة يقال لها طوبى ،أصلها من در
ول موضع إل وهي متدلية عليه .قال :صدقت يا محمد ،فهل في الدنيا لها
من مثل ؟ قال :نعم ،الشمس المشرقة تشرق على بقاع الدنيا ول يخلو من
شعاعها مكان .قال :صدقت يا محمد ،فهل في الجنة ريح ؟ قال :نعم ،يا ابن
سلم
) (1يغنى )خ( (2) .كذا والظاهر " سبع " (3) .كذا ،وكان فيه تصحيفا.
][256
فيها ريح واحدة خلقت من نور مكتوب عليها الحياة ) (1واللذات يقال لها
البهاء ،فإذا اشتاق أهل الجنة أن يزوروا ربهم هبت تلك الريح عليهم
وطرب لمات الخلئق شوقا إلى الجنة ،والملئكة يدخلون عليهم )(2
فيقولون كما قال ال عزوجل في محكم كتابه العزيز " سلم عليكم طبتم
فادخلوها خالدين ) (3سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " ) (4قال:
صدقت يا محمد .قال :فأخبرني عن أرض الجنة ما هي ؟ قال :يا ابن سلم،
وسقفها عرش الرحمن .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني مما يأكل أهل الجنة
إذا دخلوها ،قال :يا ابن سلم ،يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الرض
وما عليها واسمه " به موت " قال صدقت يا محمد .قال :فأخبرني عن أهل
المسك وأزكى من العنبر ،ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار
فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته ؟ وكم طوله ؟ وكم ارتفاعه ؟ قال :يا ابن
قوائمه من فضة بيضاء ،له ثلث ذوائب من نور :ذؤابة بالمشرق ،وذؤابة
فيه مكتوب ؟ قال :ثلثة أسطر :السطر الول بسم ال الرحمن الرحيم،
والسطر
) (1الحباءات )خ( (2) .في اكثر النسخ " يدخلون عليهم الملئكة "(3) .
][257
ال .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن الجنة والنار أيتهما خلق ال قبل ؟
قال :يا ابن سلم ،خلق ال الجنة قبل النار ،ولو خلق النار قبل الجنة لخلق
العذاب قبل الرحمة .قال :فأخبرني عن الجنة أين هي ؟ قال :في السماء
السابعة والنار في تخوم الرض السفلى .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كم
للجنة من باب ؟ وكم للنار من باب ؟ قال :يا ابن سلم للجنة ثمانية أبواب،
وللنار سبعة أبواب .قال :فأخبرني كم بين الباب والباب من الجنة ؟ قال:
مسيرة ألف سنة .قال :وكم ارتفاعه ؟ قال :خمسمائة عام ،عليه سرادق من
ذهب بطانته من زمرد ،على كل باب جند من الملئكة ل يحصي عددهم إل
ال تعالى .قال :فأخبرني فما ) (1يقولون ؟ قال :يقولون :طوبى لهل الجنة
وما يلقون من نعيم ال .قال :فصف لي من يدخل الجنة ،قال :يا ابن سلم،
يدخلونها أبناء ثلثين وبنات ثلثين سنة في حسن يوسف وطول آدم وخلق
محمد .قال :فصف لي بعض نعيم أهل الجنة .قال :إن أدنى من في الجنة -
وليس في الجنة دني -لو نزل به جميع من في الرض لوسعهم طعاما ول
ينقص منه شئ ،ولو أن رجل من أهل الجنة يبصق في البحار المالحة
لعذبت ،ولو نزل من ذؤابته من السماء إلى الرض بلغ ضوءها كضوء
الشمس و نور القمر .قال :صدقت يا محمد ،فصف لي الحور العين .قال :يا
ابن سلم ،الحور العين بيض الوجوه ،فحام العيون بمنزلة جناح النسر،
قال :فصف لي النار .قال :يا ابن سلم ،اوقد عليها ألف عام حتى احمرت،
وألف عام حتى ابيضت ،وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة
ممزوجة بغضب ال تعالى ،ل يهدأ لهيبها ،ول يخمد جمرها .يا ابن سلم لو
أن جمرة من جمرها القيت في دار الدنيا للهبت ) (2ما بين المشرق
والمغرب لعظم خلقها ،وهي سبعة أطباق :الطبقة الولى للمنافقين ،والثانية
][258
عن السابعة وبكى حتى ارفضت ) (1دموعه على لحيته وقال -أما السابعة
وهي أهونها لهل الكبائر من امتي .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عن
القيامة وكيف تقوم ؟ قال :يا ابن سلم ،إذا كان يوم القيامة كورت الشمس
الرض غير الرض .قال :صدقت يا محمد .قال :النبي صلى ال عليه واله:
الدواوين ،ويبرز الرب لفضل القضاء .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كيف
يميت ال الخلئق يوم القيامة ؟ قال :يا ابن سلم ،يأمر ال ملك الموت
فيقف على صخرة بيت المقدس ،فيضع يمينه على السماوات ويده اليسرى
تحت الثرى ويصيح بهم صيحة واحدة فل يبقى ملك مقرب ول إنس ول
جان ول طائر يطير إل خر ميتا ،فتبقى السماوات خالية من سكانها،
محمد ،فأخبرني عن ملك الموت هل يذوق الموت أم ل ؟ قال :يا ابن سلم،
إذا أمات ال الخلئق ولم يبق شئ له روح يقول ال عزوجل :يا ملك الموت
! من أبقيته من خلقي ؟ -وهو أعلم -فيقول :يا رب أنت أعلم مني بما بقي
من خلقك ،ما خلق إل وقد ذاق الموت إل عبدك الضعيف ملك الموت .فيقول
ال عزوجل :يا ملك الموت أذقت عبادي وأنبيائي وأوليائي ورسلي الموت،
وقد سبق في علمي القديم -وأنا علم الغيوب -أن كل شئ هالك إل وجهي
]وهذه نوبتك ![ فيقول :إلهي وسيدي ارحم عبدك ملك الموت فإنه ضعيف.
فيقول ال عزوجل له :يا ملك الموت ،ضع يمينك تحت خدك اليمن بين
الجنة والنار ومت .قال عبد ال بن سلم :بأبي أنت وأمي يا رسول ال،
وكم بين الجنة والنار ؟ قال :مسيرة ثلثين ألف سنة من سنين ) (2الدنيا -
فيضطجع ملك الموت على يمينه ويضع يده اليمنى تحت خده اليمن ،ويده
الشمال على وجهه ويصرخ صرخة فلو أن أهل السماوات والرض أحياء
كطي السجل للكتب ثم يقول ال -جل جلله وتقدست أسماؤه ول إله غيره
ول معبود سواه :-أين الملوك وأبناء الملوك ؟ أين الجبابرة وأبناء
الجبابرة ؟ فل يجيبه أحد ،ثم يقول :لمن الملك اليوم ؟ فل يجيبه أحد ،فيرد
على نفسه :الملك ل الواحد القهار .اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لظلم
اليوم إن ال سريع الحساب .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كيف يحشر ال
الخلئق يوم القيامة بعد موتهم ؟ قال النبي صلى ال عليه واله :يا ابن
سلم ،يحيي ال إسرافيل وهو أول من يحييه من خدمه وهو صاحب الصور
إسرافيل في الصور ؟ قال :يا ابن سلم ،يقول أيتها العظام البالية،
هم قيام ينظرون .قال :فكم طول كل نفخة ؟ قال :ميسرة أربعين ألف سنة.
قال :صدقت يا محمد ،فكم كلمة يتكلم فيه إسرافيل ؟ قال :ست كلمات ،قال:
وما تلك الكلمات ؟ قال :الكلمة الولى يكون الناس طينا ،والثانية يكونون
صورا ،والكلمة الثالثة تستوي البدان ،والكلمة الرابعة يجري الدم في
العروق ،والكلمة الخامسة ينبت الشعر والكلمة السادسة قوموا ،فإذا هم
قيام ينظرون .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كيف يقوم الخلئق يوم
القيامة من القبور ؟ قال :يا ابن سلم ،يقومون عراة حفاة أبدانهم خالية
والنساء ينظرون إلى الرجال ؟ قال :هيهات يا ابن سلم ! لكل امرئ منهم
يومئذ شأن يغنيه من شدة هول القيامة .قال :صدقت يا محمد ،ثم أمسك ابن
سلم عن الكلم ،قال :النبي صلى ال عليه واله :سل عما شئت يا ابن
) (1في مخطوطة :وهو اول من يحييه من المقربين وهو صاحب الصور
فيأمره ال (2) ..فيه )خ( (3) .في بعض النسخ :حال الرجال والنساء،
الرجال -الخ -وفى بعضها " جال " بالجيم ،وفى بعضها ،قال :الرجال الى
][260
وجهك المليح ،فأخبرني إذا كان يوم القيامة أين يحشر الخلئق ؟ قال النبي
صلى ال عليه واله :يحشر ال الخلئق إلى بيت المقدس ،قال :وكيف
ذلك ؟ قال :يأمر ال عزوجل نارا فتحيط بالدنيا وتضرب وجوه الخلئق
فيهربون منها ويمرون على وجوههم فيجتمعون إلى بيت المقدس قال:
قال :يا ابن سلم ،من كان مؤمنا بال سارت به الملئكة وانقضت النار عن
وجهه ،ومن كان كافرا تلفح وجهه النار حتى يؤتى به إلى بيت المقدس.
قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني كم تكون صفوف الخلئق ؟ قال :يا ابن
سلم ،مائة وعشرون صفا .قال :فكم طول كل صف ؟ وكم عرضه ؟ قال :يا
ابن سلم ،طوله مسيرة أربعين ألف سنة وعرضه عشرون ألف سنة ،قال:
قال :صدقت يا محمد قال :فما صفة المؤمنين ؟ وما صفة الكافرين ؟ قال :يا
ابن سلم ،أما المؤمنون فغر محجلون من أثر الوضوء والسجود ،وأما
الكافرون فمسودون الوجوه فيؤتى بهم إلى الصراط .قال :وكم طول
الصراط ؟ قال :مسيرة ثلثون ) (2ألف سنة ،قال :صدقت يا محمد فأخبرني
كيف تمر الخلئق على الصراط ،قال :يا ابن سلم ،يكسو ال الخلئق نورا
فأما نور المسلمين ونور المؤمنين فمن نور العرش ،ونور الملئكة من
نور الكرسي ونور الجنة فل يطفأ نورهم أبدا ،وأما الكافرون فمن الرض
قال :صدقت يا محمد ،فصف لي ذلك ،قال :يا ابن سلم ،في المؤمنين من
يجوز على الصراط عشرين عاما فإذا بلغ أولهم الجنة تركب الكفار على
والصحاب والخوة ؟ فيقولون :أولم نكن معكم في دار الدنيا ؟ قالوا " :بلى
ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الماني حتى جاء أمر ال
) (1كذا ،والظاهر " ثلثة " (2) .كذا ،والظاهر " ثلثين ".
][261
المصير ) " (1فيأمر ال عزوجل جهنم فتصيح بهم صيحة على وجوههم
قال :صدقت يا محمد فأخبرني ما يصنع ال بالموت ؟ قال :يا ابن سلم ،إذا
استوى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار اتي بالموت كأنه كبش
أملح ،فيوقف بين الجنة والنار ،فيقال لهل الجنة يا أولياء ال هذا الموت،
ربنا ،اذبحوه حتى ل يكون موت أبدا .فيقولون لهل النار :يا أعداء ال !
هذا الموت هل تعرفونه ؟ فيقولون :نعم ،فتقول الملئكة :نذبحه ؟ فيقولون:
يا ملئكة ربنا ل تذبحوه ودعوه لعل ال يقضي علينا بالموت فنستريح .قال
النبي صلى ال عليه واله :ويذبح الموت بين الجنة والنار فييأس أهل النار
من الخروج منها وتطمئن قلوب أهل الجنة للخلود فيها ،فعندي لك أن
تسلم ،قال :صدقت يا محمد] ،ونهض على قدميه[ وقال :امدد يدك الشريفة
أنا أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أنك ) (3رسول ال،
وأن الجنة حق ،والميزان حق ،والحساب حق ،والساعة آتية لريب فيها،
وأن ال يبعث من في القبور .فكبرت الصحابة عند ذلك وسماه رسول ال "
عبد ال ) (4بن سلم " وصار من الصحابة ونقمة على اليهود .توضيح:
إنما أوردت هذه الرواية لشتهارها بين الخاصة والعامة ،وذكر الصدوق -
بعضها .وإنما أوردتها في هذا المجلد لمناسبة أكثر أجزائه لبوابه ،وفي
بعضها مخالفة ما لسائر الخبار ،فهي إما محمولة على أنه صلى ال عليه
) (1الحديد (2) .15 - 14 :كذا ،في جميع النسخ ،والصواب " وينجو
المؤمنون " أو " وينجى المؤمنين " (3) .لرسول )خ( (4) .في اكثر
أو غير ذلك من الوجوه والمحامل التي تظهر على الناقد البصير ،وفي
كان نبيا مرسل " كأن المعنى :هل كان في الجنة نبيا مرسل ؟ فأجاب صلى
ال عليه وآله بأنه كان نبيا مرسل على الملئكة حيث امر بإنبائهم .وفي
عد إبراهيم من رسل العرب مخالفة للمشهور .قوله " فتشهد " أي ظاهرا.
قوله " فتؤمن " أي باطنا وقلبا .قوله " أربعة كتاب " ل يوافق الجمال
التفصيل ،ولعل في أحدهما خطأ أو تصحيفا .وسؤاله " هل انزل عليك كتاب
" بعد قوله " وأنزل علي الفرقان " ل يخلو من شئ إل أن يكون حمل ذلك
على أنه قدر أنه سينزل .و " ختمه صدق ال " ..يعني أنه ينبغي أن يختم
به ،ل أنه جزؤه .وفي القاموس " :بيسان " قرية بالشام ،وقرية بمرو،
وموضع باليمامة .أقول :وفي بعض النسخ بالنون ،والول أظهر ،وله
شواهد " .ولم يكن في الرجال " أي مختصا بهم .قوله " لن ال واحد "
كأنه على هذا يعني يوم الحد يوم ال .قوله " لنه يوم " لعل المعنى :أول
يوم مع أن وجه التسمية ل يلزم اطراده .قوله " وعلمه تحت التحت " أي
أحاط علمه بكل تحت ول ينافي ارتفاع ذاته وعلوه على كل شئ إحاطة
علمه بكل شئ مما في العرش أو تحت الثرى .وفي القاموس :غرد الطائر -
كفرح -وغرد تغريدا وأغرد وتغرد :رفع صوته وطرب به .وفي النهاية:
الرضراض :الحصا الصغار .قوله " فحام العيون " لعله من الفحمة بمعنى
السواد .وفي القاموس :العشراء من النوق التي مضت لحملها عشرة أشهر
والعشار اسم يقع على النوق حتى ينتج بعضها وبعضها ينتظر نتاجها.
وقال :الدكداك ) - (1و يكسر -من الرمل ما تكبس واستوى وما التبد منه
) (1في القاموس :الدكدك ويكسر والدكداك من الرمل ..الخ وينتهى الى
][263
أرض مدكدكة مدعوكة كثر بها الناس فكثر آثار المال والبوال حتى تفسدها
إضرارها به كما ينقض الطائر أو الكواكب في الهواء .و " تلفح وجهه
النار " أي تحرقه .وقال في النهاية :فيه " امتي الغر المحجلون " أي
ورجليه ).(1
][264
السدي ،عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير ،عن بعض أصحابنا ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :سمي النسان إنسانا لنه ينسى ،وقال ال
عزوجل " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ) ." (1بيان :النسان فعلن
عند البصريين لموافقته مع النس لفظا ومعنى ،وقال الكوفيون :هو إفعان
من " نسي " أصله إنسيان على إفعلن ،فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما
يجري على ألسنتهم فإذا صغروه ردوه إلى أصله لن التصغير ل يكثر ،و
هذا الخبر يدل على مذهب الكوفيين ،ورواه العامة عن ابن عباس أيضا قال
إنسيان ،لن جماعته أناسي ،وتصغيره انيسيان ،بترجيع المدة التي حذفت
وهو ) (2الياء وكذلك إنسان العين .وحكى الشيخ في التبيان عن ابن عباس
أنه قال :إنما سمي إنسانا لنه عهد إليه فنسي .قال ال تعالى " ولقد عهدنا
إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " وقال الراغب في مفرداته:
) (1العلل :ج ،1ص .14والية في سورة طه ،آية (2) .115كذا،
والصواب :وهى.
][265
له إل بانس بعضهم ببعض ،ولهذا قيل :النسان مدني بالطبع ،من حيث إنه
بذلك لنه يأنس بكل ما يألفه .وقيل :هو إفعلن وأصله إنسيان سمي بذلك
لنه عهد إليه فنسي - 2 .العلل :عن علي بن أحمد بن محمد ،عن محمد بن
أبي عبد ال الكوفي ،عن موسى بن عمران النخعي ،عن عمه الحسين بن
يزيد النوفلي ،عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :سميت المرأة مرأة لنها خلقت من المرء ،يعني خلقت حواء
من آدم ) - 3 .(1معاني الخبار :مرسل :معنى النسان أنه ينسى ،ومعنى
النساء أنهن انس للرجال ،ومعنى المرأة أنها خلقت من المرء ) .(2بيان:
كون النساء من النس إما مبني على القلب ،أو على الشتقاق الكبير أو
على أنه إذا أنسوا بهن نسوا غيرهن فاشتقاقه من النسيان - 4 .الدر
المنثور :عن ابن عباس قال :خلق ال آدم من أديم الرض يوم الجمعة بعد
العصر ،فسماه آدم ،ثم عهد إليه فنسي ،فسماه النسان .قال ابن عباس
فبال ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى اهبط من الجنة .قال :وإنما
نصف ساعة ثم اهبط إلى الرض لتمام تسع ساعات من يوم الجمعة وذلك
في وقت صلوة العصر قال :وسميت العصر لن آدم عصر بالبلء .قال:
ألقى ال النوم على آدم فأخذ ضلعه القصير ) (4من جانبه اليسر فخلق منه
حواء فلم يؤذه ذلك ،ولو آذاه ذلك ما عطف عليها أبدا .فقال آدم :ما هذه ؟
قال :هذه امرأة لنها من المرء خلقت ،قال :ما اسمها ؟ قال :حواء ،لنها
) (1العلل :ج ،1ص (2) .16معاني الخبار (3) .48 :الدر المنثور :ج ،1
][266
كل حي .قال جعفر :سمين النساء لنس آدم بحواء حين اهبط إلى الرض
ولم يكن له انس غيرها .فائدة :اعلم أنه قد اتفقت كلمة المليين من
فخالفوا فيه على أقوال :أما الفلسفة فزعموا أنه ل أول لنوع البشر ول
لغيرهم من النواع المتوالدة ،وأما الهند فمن كان منهم على رأي الفلسفة
فهو يوافقهم في ما ذكر ،ومن لم يكن منهم على رأي الفلسفة وقال
بحدوث الجسام ل يثبت ) (1آدم ويقول :إن ال تعالى خلق الفلك وخلق
فيها طباعا محركة لها بذاتها فلما تحركت وحشوها أجسام لستحالة الخل
وكانت الجسام على طبيعة واحدة فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية ،وكان
القريب من الفلك أسخن و ألطف ،والبعيد أبرد وأكثف ،ثم اختلطت العناصر
وتكونت منها المركبات ،ومما تكون منه نوع البشر كما يتكون الدود في
بعضه من بعض بالتوالد ،ونسي التخليق الول الذي كان بالتولد ،ومن
استغنت عن طريق ثان .وأما المجوس فل يعرفون آدم ،ول نوحا ولساما
ول حاما و ]ل[ يافث .وأول متكون من البشر عندهم كيومرث ،ولقبه
كيومرث :حي ناطق ميت ،قالوا :وكان قد رزق من الحس مال يقع عليه
بصر حيوان إل وله واغمي عليه .ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن
يزدان وهو الصانع الول عندهم فكر في أمر أهر من -وهو الشيطان
عندهم -فكرة أوجبت أن عرق جبينه ،فمسح العرق ورمى به فصارت منه
كيومرث .ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهر من عن فكرة يزدان أو من
][267
بينهم خلف في قدم أهر من وحدوثه .ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في
الوجود ،فقال الكثرون :ثلثون سنة ،وقال القلون :أربعون سنة ،وقال
قوم منهم :إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلثة آلف سنة،
وهي :ألف الحمل ،وألف الثور ،و ألف الجوزاء ; ثم اهبط إلى الرض
وكان بها آمنا مطمئنا ثلثة آلف سنة اخرى وهي :ألف السرطان ،وألف
السد ،وألف السنبلة ; ثم مكث بعد ذلك ثلثين أو أربعين سنة في حرب
وخصام بينه وبين أهر من حتى هلك .واختلفوا في كيفية هلكه مع اتفاقهم
على أنه هلك قتل ،فالكثرون قالوا :إنه قتل ابنا لهر من يسمى " جزوذه
" فاستغاث أهر من منه إلى يزدان ،فلم يجد بدا من أن يقاصه حفظا للعهود
التي كانت بينه وبين أهرمن ،فقتله بابن أهرمن .وقال قوم :بل قتله أهر من
في صراع كان بينه وبين أهرمن ،وذكروا في كيفيته أن كيومرث كان هو
القاهر لهر من في بادئ الحال وأنه ركبه وجعل يطوف به في العالم إلى أن
جهنم ،فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه ولم يستمسك،
فعله وسأله عن أي الجهات يبتدئ به في الكل ،فقال له :من جهة الرجل
لكون ) (2ناظرا حسن العالم مدة ما ،فابتدأه أهرمن فأكله من عند رأسه
فبلغ إلى موضع الخصي ،وأ عية المني من الصلب ،فقطر من كيومرث
قطرتا نطفة على الرض ،فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر ،ثم
وتمت أجزاؤه فتصور منهما بشران :ذكرو انثى ،وهما ميشا وميشانه،
وهما بمنزلة آدم وحواء عند المليين ،ويسميهما مجوس خوارزم :مرد،
منعمين غير متأذيين بشئ حتى ظهر لهما أهرمن في صورة شيخ كبير
فحملهما على تناول فواكه الشجار وأكل منها وهما يبصرانه شيخا فعاد
شابا ،فأكل منها حينئذ فوقعا في البليا ،وظهر فيهما الحرص حتى تزاوجا
][268
ألقى ال تعالى في قلوبهما رأفة فولد بعد ذلك ستة أبطن كل بطن ذكرو
انثى ،وأسماؤهم في كتاب زردشت معروفة ،ثم كان البطن السابع " سيامك
" و " فرواك " فتزاوجا ،فولد لهما الملك المعروف الذي لم يعرف قبله
ملك ،وهو هوشنج .وهو الذي خلف جده كيومرث وعقد التاج وجلس على
ذكروها ،واليات والخبار ناطقة بما هو الحق المبين وتبطل أقوال الفرق
أحواله( * اليات :البقرة :وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض
عجل ) .(5الفرقان :وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا
) (1البقرة (2) .34 - 30 :النعام (3) .98 :الحجر (4) .26 :السراء:
][269
الروم :ال الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من
بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) .(1الحزاب :إنا
منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول ليعذب ال المنافقين والمنافقات
غفورا رحيما ) .(2فاطر :ومن الناس والدواب والنعام مختلف ألوانه كذلك
) .(3يس :سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم
خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وال بما تعملون بصير ) .(10البلد :لاقسم
بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا النسان في كبد
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مال لبدا أيحسب أن لم يره أحد
ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ) .(11التين :لقد خلقنا
) (1الروم (2) 54 :الحزاب (3) .73 - 72 :فاطر (4) .28 :يس) .36 :
(5الصافات (6) .11 :الزمر (7) .6 :المؤمن (8) .64 :الرحمن) 4 - 3 :
(9الرحمن (10) .14 :التغابن (11) .2 :البلد (12) .10 - 1 :التين- 4 :
5
][270
العلق :اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم
الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم ) .(1تفسير " :وإذ قال ربك
للملئكة " هذه اليات مما استدل به على تفضيل النسان على الملئكة،
وسيأتي وجه الستدلل بها " .من نفس واحدة " أي من آدم عليه السلم
لن ال تعالى خلقنا منه جميعا ،وخلق حواء من فضل طينته ،أو من ضلع
من أضلعه ،ومن علينا بهذا لن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا
أقرب إلى التألف " فمستقر ومستودع " أي مستقر في الرحم إلى أن يولد
أو مستقر على ظهر الرض في الدنيا ومستودع عند ال في الخرة ،أو
مستقرها أيام حياتها ومستودعها حيث ) (2يموت وحيث يبعث ،أو مستقر
في القبر ومستودع في الدنيا ،أو مستقر فيه اليمان ومستودع يسلب منه
كما ورد في الخبر " .من صلصال " أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا
نقر ،وقيل :من صلصل إذا نتن تضعيف صل " .من حمأ " من طين تغير
واسود من طول مجاورة الماء " .مسنون " أي مصور من سنة الوجه ،أو
وهو الصب ،كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ،قيبس حتى
نقر وصلصل ،ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه،
أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما
يكون منتنا يسمى سنين " .ولقد كرمنا بني آدم " قال الرازي :اعلم أن
الموجودة في العالم السفلي ،لن النفس النباتية قواها الصلية ثلثة وهي:
القوة العاقلة المدركة لحقائق الشياء كما هي ،وهي التي يتجلى
][271
فيها نور معرفة ال ،ويشرق فيها ضوء كبريائه ،وهو الذي يطلع على
المجردة اللهية ،فهذه القوة لنسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى
الخمسة النباتية والحيوانية ،وإذا كان المر كذلك ظهر أن النفس النسانية
أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء :أحدها :روى ميمون بن
مهران عن ابن عباس في قوله " ولقد كرمنا بني آدم " قال :كل شئ يأكل
بفيه إل ابن آدم ،فإنه يأكل بيديه .عن الرشيد أنه احضرت الطعمة عنده،
فدعا بالملعق وعنده أبو يوسف فقال له :جاء في تفسير ) (1قوله تعالى
" ولقد كرمنا بني آدم " :وجعلنا لهم أصابع يأكلون بها ،فاحضرت
الملعق فردها وأكل بأصابعه .وثانيها :قال الضحاك :بالنطق والتميز )(2
وتحقيق الكلم أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه
عارفا بذلك الشئ أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الول فهو جملة حال
الحيوان سوى النسان ،فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن
تعريف غيرها تلك الحوال تعريفا تاما وافيا .وأما القسم الثاني فهو
النسان ،فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه
قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا .وبهذا البيان
يظهر أن النسان الخرس داخل في هذا الوصف ،لنه وإن عجز عن
تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الشارة
وبطريق الكتابة وغيرهما ،ول يدخل فيه الببغاء ،لنه وإن قدر على
تعريفات قليلة فل قدرة له على تعريف جميع الحوال على سبيل الكمال
والتمام .وثالثها :قال عطاء بامتداد القامة .واعلم أن هذا الكلم غير تمام،
لن
) (1في المصدر :جاء في التفسير عن جدك في قوله (2) ..فيه :التمييز.
][272
الشجار أطول قامة من النسان ،بل ينبغي أن يشرط فيه شرط ،وهو طول
صوركم " ولما ذكر ال تعالى خلقة النسان قال " فتبارك ال أحسن
الخالقين " وقال " صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " وإن شئت فتأمل
عضوا واحدا من أعضاء النسان وهو العين ،فخلق الحدقة سوداء ،ثم
أحاط بذلك السواد بياض العين ،ثم أحاط بذلك البياض سواد الشفار ،ثم
أحاط بذلك السواد بياض الجفان ،ثم خلق فوق بياض الجفن سواد
الحاجبين ،ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ،ثم خلق فوق الجبهة
سواد الشعر .وليكن هذا المثال الواحد انموذجا لك في هذا الباب .وخامسها
قال بعضهم :من كرامات الدمي أن آتاه ال الخط .وتحقيق الكلم في هذا
الباب أن العلم الذي يقدر النسان الواحد على استنباطه يكون قليل ،أما إذا
بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء اخرى ،ثم ل يزالون يتعاقبون
وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين ،كثرت العلوم وقويت
والكتب ،ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى " اقرأ وربك الكرم الذي علم
بالقلم علم النسان ما لم يعلم " .وسادسها أن أجسام هذا العالم إما البسائط
تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى " وقد سماه
ال تعالى بأسماء بالنسبة إلينا ،وهي :الفراش ،والمهاد ،والمهد وأما الماء
لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر .وأما الهواء
فهو مادة حياتنا ،ولول هبوب الرياح لستولي النتن على هذه المعمورة.
][273
المظلمة ،وهي الدافعة لضرر البرد .وأما المركبات فهي إما الثار )(1
على كل هذه القسام والمنتفع بها والمستسخر لكل أقسامها ،فهذا العالم
المطاع ،وسائر الحيوانات بالنسبة إليه كالعبيد ،وكل ذلك يدل على كونه
تنقسم إلى أربعة أقسام :إلى ما حصلت له هذه القوة العقلية الحكمية ولم
تحصل له القوة الشهوانية وهم الملئكة ،وإلى ما يكون بالعكس وهم
من البهيمة والسبع ،ول شك أيضا أنه أفضل من الجسام الخالية عن
القوتين مثل النبات والمعادن والجمادات وإذا ثبت ذلك ظهر أن ال تعالى
فضل النسان على أكثر أقسام المخلوقات .بقي ههنا بحث في أن الملك
بحث آخر .وثامنها الموجود إما أن يكون أزليا وأبديا معا وهو ال سبحانه،
والنبات والحيوان وهذا أخس القسام ،وإما أن يكون أزليا وليكون أبديا،
وهذا ممتنع الوجود لن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ،وإما أن ل يكون أزليا
) (1كذا في المصدر :وفى بعض النسخ " الباء " وفى بعضها " اليات
" (2) .في المصدر :معد 3) .و (4في المصدر " أم " في الموضعين.
][274
وعاشرها أشرف الموجودات هو ال تعالى ،وإذا كان كذلك فكل موجود كان
قربه من ال أتم وجب أن يكون أشرف ،لكن أقرب موجودات هذا العالم من
ال تعالى هو النسان ،بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة ال ،ولسانه مشرف
بذكر ال ،وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة ال ،فوجب الجزم بأن أشرف
ممكن لذاته ل يوجد إل بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للنسان من
فلهذا المعنى قال تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " ومن تمام كرامته على ال
أنه لما خلقه في أول المر وصف نفسه بأنه أكرم ،فقال " اقرأ باسم ربك
الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم "
ووصف نفسه بالتكريم عند تربية النسان فقال " ولقد كرمنا بني آدم "
ووصف نفسه بالكرم في آخر أحوال النسان فقال " :يا أيها النسان ما
غرك بربك الكريم " وهذا يدل على أنه ل نهاية لكرم ال تعالى وتفضله
وإحسانه مع النسان .الحادى عشر قال بعضهم :هذ التكريم معناه أنه تعالى
خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون ،ومن كان مخلوقا بيدي ال
كانت العناية به أتم ،فكان ) (1أكرم وأكمل ،ولما جعلنا من أولده وجب
كون بني آدم أكرم وأكمل " .وحملناهم في البر والبحر " قال ابن عباس:
في البر على الخيل والبغال و الحمير والبل ،وفي البحر على السفن ،وهذا
) (1في بعض النسخ " أتم واكمل " وفى المصدر :كانت العناية به أتم
][275
أول ،لنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو
ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما ) (1يختص به ابن آدم ،كل ذلك مما
يدل على أن النسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع" .
ورزقناهم من الطيبات " وذلك لن الغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكل
القسمين فإن النسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد
التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ ،وذلك مما ل يصلح إل
للنسان " .وفضلناهم " الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل
النسان على سائر الحيوانات بامور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق
والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ،ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك
والثاني هو التفضيل " .على كثير ممن خلقنا تفضيل " لم يقل :وفضلناهم
على الكل ،فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات ال تعالى شئ ل يكون
النسان مفضل عليه ،وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملئكة ،فلزم
القول بأن الملك أفضل من النسان ،و هذا القول مذهب ابن عباس واختيار
الرجاج على ما رواه الواحدي في البسيط .واعلم أن هذا الكلم مشتمل على
بحثين :أحدهما أن النبياء أفضل أم الملئكة ،وقد سبق القول فيه في
سورة البقرة .والثانى أن عوام الملئكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل ،منهم
من قال بتفضيل المؤمنين على الملئكة ،واحتجوا عليه بما روي عن زيد
بن أسلم أنه قال :قالت الملئكة :ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا ) (2يأكلون
فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الخرة ،فقال تعالى :وعزتي وجللي ل
أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له " كن " فكان .فقال أبو هريرة:
][276
أورده الواحدي في البسيط .وأما القائلون بأن الملك أفضل من البشر على
الطلق فقد عولوا على هذه الية وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب )
) (1انتهى( .وقال الطبرسي -قدس سره :-استدل بعضهم بهذا على أن
الملئكة أفضل من النبياء ،قال :لن قوله " على كثير " يدل على أن ههنا
من لم يفضلهم عليه ،و ليس إل الملئكة ،لن بني آدم أفضل من كل حيوان
سوى الملئكة بالتفاق ،وهذا باطل من وجوه :أحدها أن التفضيل ههنا لم
يرد به الثواب ،لن الثواب ل يجوز التفضيل به ابتداءا ،وإنما المراد بذلك
بالكثير الجميع ،فوضع الكثير موضع الجميع ،والمعنى :أنا فضلناهم على
من خلقنا وهم كثير ،كما يقال :بذلت له العريض من جاهي ،وأبحته المنيع
من حريمي .ول يراد بذلك أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس
بعريض وأبحته منيع حريمي ولم ابحه ما ليس منيعا ،بل المقصود أني
بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض ،وفي القرآن ومحاورات العرب
من ذلك مال يحصى ،ول يخفى ذلك على من عرف كلمهم .وثالثها أنه إذا
سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وأن لفظة " من " في قوله " ممن
خلقنا " تفيد التبعيض فل يمتنع أن يكون جنس الملئكة أفضل من جنس
بني آدم ،لن الفضل في الملئكة عام لجميعهم أو أكثرهم ،والفضل من )(2
بني آدم يختص بقليل من كثير ،وعلى هذا فغير منكر أن يكون النبياء
أفضل من الملئكة وإن كان جنس الملئكة أفضل من جنس بني آدم )(3
)انتهى( .وأقول :كلمه -ره -في هذه الية مأخوذ مما سننقله عن السيد
) (1مفاتيح الغيب :ج ،21ص (2) .16 - 12في المصدر :في (3) .مجمع
][277
" خلق النسان من عجل " قال البيضاوي :كأنه خلق منه لفرط استعجاله
و قلة تأنيه ،كقولك :خلق زيد من الكرم ،وجعل ما طبع عليه بمنزلة
المطبوع ،هو منه مبالغة في لزومه له ،ولذلك قيل :إنه على القلب ،ومن
عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله الوعيد )) (1انتهى( وفي تفسير علي
بن إبراهيم قال :لما أجرى ال في آدم الروح ) (2من قدميه فبلغت إلى
ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر ،فقال ال :خلق النسان من عجل )" .(3
خلق من الماء بشرا " قيل :يعني الذي خمر به طينة آدم ثم جعله جزءا من
مادة البشر ليجتمع ويسلس ويقبل الشكال بسهولة ،أو النطفة " فجعله
نسبا وصهرا " أي فقسمه قسمين :ذوي نسب ،أي ذكورا ينسب إليهم ;
وذوات صهر ،أي إناثا يصاهر بهن " وكان ربك قديرا " حيث خلق من
متقابلين .وروي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن هذه الية فقال :إن
ال تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها
من أسفل أعضائه ،فجرى بذلك الضلع بينهما سبب ونسب ثم زوجها إياه،
فجرى بينهما بسبب ذلك صهر ،فذلك قوله " نسبا وصهرا " فالنسب ماكان
بسبب الرجال ،والصهر ما كان بسبب النساء ،وقد أوردنا أخبارا كثيرة في
أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه السلم :أنها نزلت في النبي وأمير
المؤمنين وتزويج فاطمة صلوات ال عليهم " .ال الذي خلقكم من ضعف
" قيل :أي ابتدأكم ضعفاء ،أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة " ثم
جعل من بعد ضعف قوة " وهو بلوغكم الشد " ثم جعل من بعد قوة ضعفا
وشيبة " إذا أخذ منكم السن " يخلق ما يشاء " من ضعف وقوة و شيبة )
.(4
) (1انوار التنزيل :ج ،2ص (2) .82في المصدر :روحه (3) .تفسير
" إنا عرضنا المانة " هذه الية من المتشابهات ،وقد اختلف في تأويله
الثم العظيم ،وكذلك في ترك أوامر ال تعالى وأحكامه ،فبين سبحانه جرأة
المانة على أهل السماوات والرض والجبال من الملئكة والنس والجن "
فأبين أن يحملنها " أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها
" وأشفقن منها " أي أشفق أهلهن عن ) (1حملها " وحملها النسان إنه
كان ظلوما " لنفسه بارتكاب المعاصي " جهول " بموضع المانة في
استحقاق العقاب على الخيانة فيها ،فالمراد بحمل المانة تضييعها .قال
الزجاج :كل من خان المانة فقد حملها ،ومن لم يحمل المانة فقد أداها.
والثانى :أن معنى " عرضنا " عارضنا وقابلنا ،فإن عرض الشئ على
المانة أرجح وأثقل وزنا ،و معنى قوله " فأبين أن يحملنها " ضعفن عن
حملها كذلك " وأشفقن منها " لن الشفقة ضعف القلب ،ولذلك صار كناية
عن الخوف الذي يضعف عنده القلب ،ثم قال :إن هذه المانة التي من
صفتها أنها أعظم من هذه الشياء العظيمة تقلدها النسان ،فلم يحفظها بل
حملها وضيعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب .والثالث ما
ذكره البيضاوي حيث قال :تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة ،و سماها
أمانة من حيث إنها واجبة الداء ،والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو
عرضت على هذه الجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لبين أن
يحملنها ،وحملها النسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لجرم فاز الراعي
][279
كان ظلوما " حيث لم يف بها ولم يراع حقها " جهول " بكنه عاقبتها،
وهذا وصف للجنس باعتبار الغلب )) (1انتهى( .وقال الطبرسي -قدس
سره :-إنه على وجه التقدير أجرى ) (2عليه لفظ الواقع ،لن الواقع أبلغ
من المقدر ،معناه :لو كانت السماوات والرض والجبال عاقلة ثم عرضت
عليها المانة وهي وظائف الدين اصول وفروعا عرض تخيير لستثقلت
ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها ،ولمتنعت من حملها خوفا من
القصور عن أداء حقها ،ثم حملها النسان مع ضعف جسمه ،ولم يخف
الوعيد لظلمه وجهله ،وعلى هذا يحمل ماروي عن ابن عباس أنها عرضت
العرض والباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلم ،بل المراد تعظيم شأن
المانة ،ل مخاطبة الجماد ،والعرب تقول " سألت الربع وخاطبت الدار
فامتنعت عن الجواب " وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب
والسؤال ،وتقول " أتى فلن بكذب ل تحمله الجبال " وقال سبحانه " فقال
لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " وخطاب من ل يفهم ل
وجحدها لظلمه ) .(3ويرجع إليه ما قيل :المراد بالمانة الطاعة التي تعم
أدائها ،ومنه قولهم " حامل المانة ومحتملها " لمن ل يؤديها فتبرأ ذمته،
قيكون الباء عنه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منه ،والظلم والجهالة للخيانة
والتقصير .والخامس ما قيل :إنه تعالى لما خلق هذه الجرام فيها فهما )(4
وقال لها:
) (1انوار التنزيل :ج ،2ص (2) .282 - 281في المصدر :ال انه
اجرى (3) ..مجمع البيان :ج ،8ص (4) .374كذا في جميع النسخ التى
][280
إني قد فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها ،ونارا لمن عصاني،
فقلن :نحن مسخرات على ما خلقتنا ،ل نحتمل فريضة ول نبغي ثوابا
ولعقابا ،ولما خلق آدم عليه السلم عرض عليه مثل ذلك فتحمله ،وكان
ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهول بوخامة عاقبته .والسادس ما
والستعداد ،وبحمل النسان قابليته واستعداده لها ،وكونه ظلوما جهول لما
غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية ،وعلى هذا يحسن أن يكون علة
للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين ،حافظا لهما
وتصحيح تتمة الية على أحد الوجوه المتقدمة .الثامن :أن المراد بالمانة
المامة ) (2والخلفة الكبرى ،وحملها ادعاؤها بغير حق ،والمراد بالنسان
أبو بكر ،وقد وردت الخبار الكثيرة في ذلك أوردتها في كتاب المامة
وغيرها ،فقد روي بأسانيد عن الرضا عليه السلم قال :المانة الولية من
والنهي ،عرضت على السماوات والرض والجبال " فأبين أن يحملنها "
قال :أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها " وأشفقن منها وحملها النسان "
الول " إنه كان ظلوما جهول ) ." (1وعن الصادق عليه السلم :المانة
الولية ،والنسان أبو الشرور المنافق .وعن الباقر عليه السلم :هي
الولية ،أبين أن يحملنها كفرا ،وحملها النسان ،والنسان أبو فلن .ومما
يدل على أن المراد بها التكليف ما روي أن عليا عليه السلم كان إذا حضر
وقت
) (1الحدود )خ( (2) .المارة )خ( (3) .تفسير على بن ابراهيم535 :
)مقطعا(.
][281
الصلوة تغير لونه ،فسئل عن ذلك فقال :حضر وقت أمانة عرضها ال على
للمسلمين :ثم أداء المانة ،فقد خاب من ليس من أهلها ،إنها عرضت على
أطول ول أعرض ول أعظم منها ،ولو امتنع شئ منها بطول أو عرض أو
أضعف منهن وهو النسان ،إنه كان ظلوما جهول .وعن الصادق عليه
السلم أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول :ابتع لي ثوبا ،فيطلب في
السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق ،فيعطيه من عنده ،قال :ل
يقربن هذا ول يدنس نفسه ،إن ال عزوجل يقول " :إنا عرضنا المانة -
الية ." -والحق أن الجميع داخل في الية بحسب بطونها ،كما قيل :إن
المراد بالمانة التكليف بالعبودية ل على وجهها والتقرب بها إلى ال
سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها ،وأعظمها الخلفة اللهية
لهلها ،ثم تسليم من لم يكن من أهلها لهلها ،وعدم ادعاء منزلتها لنفسه،
ثم سائر التكاليف ،والمراد بعرضها على السماوات والرض والجبال النظر
اللياقة ،وتحمل النسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها،
أو مع تقصيره بحسب وصف الجنس باعتبار الغلب ،فهذه معانيها الكلية
وكل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند
التدبر والتوفيق من ال سبحانه .قال السيد المرتضى -رضي ال عنه -في
أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الية :إنه لم يكن عرض
في الحقيقة على السماوات والرض والجبال بقول صريح أو دليل ينوب
مناب القول ،وإنما الكلم في هذه الية مجاز اريد به اليضاح عن عظم
المانة وثقل التكليف بها وشدته على النسان ،وإن السماوات والرض
والجبال لو كانت مما يقبل لبت حمل المانة ولم تؤد مع ذلك حقها ،و
][282
نظير ذلك قوله تعالى " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر
من اليمان ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون ،وتفوه به
مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات و الرض والجبال ،وأن الوزر به
كذلك ،وكان الكلم في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه،
ومثل ذلك قوله تعالى " وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار -الية ) -
المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية ال تعالى وما يجب أن يكون العبد
عليه من خشية ال ]تعالى[ وقد بين ال ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه "
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال -الية " (3) -فبين بهذا المثل عن جللة
القرآن وعظم قدره وعلو شانه وأنه لو كان كلم يكون به ما عده ووصفه
لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلم وقد قيل :إن المعنى في قوله "
إنا عرضنا المانة " عرضها على أهل السماوات وأهل الرض وأهل
الجبال ،والعرب يخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم باسمه قال
ال تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها والعير ) " (4يريد أهل القرية
وأهل العير وكان العرض على أهل السماوات وأهل الرض وأهل الجبال
قبل خلق آدم وخيروا بين التكليف لما كلفه آدم وبنوه فأشفقوا من التفريط
فيه واستعفوا منه فاعفوا ،فتكلفه النسان ففرط فيه ،وليست الية على ما
ظنه السائل أنها هي الوديعة وما في بابها ولكنها التكليف الذي وصفناه.
وأنها عرضت قبل خلق آدم على السماوات والرض والجبال ليأتوا بها
على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها وكلفها
) (1مريم (2) .91 :البقرة (3) .74 :الرعد (4) .33 :يوسف.82 :
][283
" ليعذب ال المنافقين " تعليل للحمل من حيث إنه نتيجة كالتأديب للضرب
في " ضربته تأديبا " وذكر التوبة في الوعد إشعار بأن كونهم ظلوما
جهول في جبلتهم ل يخليهم عن فرطات " وكان ال غفورا رحيما " حيث
تاب على فرطاتهم ،وأثاب بالفوز على طاعاتهم " .كذلك " أي كاختلف
الثمار والجبال " .خلق الزواج كلها " أي النواع والصناف " مما تنبت
الرض " من النبات والشجر " ومن أنفسهم " الذكر والنثى " ومما ل
يعلمون " أي وأزواجا مما لم يطلعهم ال عليه ،ولم يجعل لهم طريقا إلى
معرفته ،وسيأتي تأويل آخر برواية علي ابن إبراهيم " .من طين لزب "
أي ممتزج متماسك يلزم بعضه بعضا ،يقال :طين لزب يلزق باليد
لشتداده ،وقال علي بن إبراهيم :يعني يلزق ) (1باليد " .ثم جعل منها
ولنتفاعها " .فأحسن صوركم " بأن خلقكم منتصب القامة ،بادي البشرة،
" ورزقكم من الطيبات " أي اللذائذ " .علمه البيان " قيل :إيماء بأن خلق
البشر وما يميز به عن سائر الحيوانات من البيان ،وهو التعبير عما في
الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع.
وفي تفسير علي بن إبراهيم :عن أبيه ،عن الحسين بن خالد ،عن الرضا
عليه السلم في قوله " الرحمن علم القرآن " قال :ال علم محمدا القرآن،
قلت " :خلق النسان " ؟ قال :ذلك أمير المؤمنين ،قلت " :علمه البيان
" ؟ قال :علمه تبيان كل شئ يحتاج الناس إليه -الخبر " .(2) -من
صلصال كالفخار " قيل :الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة ،والفخار
الخزف ،وقد خلق ال آدم من تراب جعله طينا ،ثم حمأ مسنونا ،ثم
) (1في المصدر :يلصق .تفسير القمى (2) .555 :تفسير القمى.658 :
][284
ذلك قوله " من تراب " ونحوه " .فمنكم كافر " أي يصير كافرا ،أو كان
في علم ال أنه كافر .وفي الكافي وتفسير علي ابن إبراهيم ،عن الصادق
عليه السلم أنه سئل عن تفسير هذه الية فقال :عرف ال إيمانهم بوليتنا
وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر ) " .(1لقد
خلقنا النسان في كبد " قيل :في تعب ومشقة ،فإنه يكابد مصائب الدنيا
في الخبر أنه منتصب في بطن امه " .ألم نجعل له عينين " يبصر بهما "
ولسانا " يترجم عن ضمائره " وشفتين " يستر بهما فاه ،ويستعين بهما
على النطق والكل والشرب وغيرها " وهديناه النجدين " طريقي الخير
عليه السلم :نجد الخير والشر .وفي مجمع البيان عن أمير المؤمنين عليه
السلم :سبيل الخير وسبيل الشر .وعنه عليه السلم أنه قيل له :إن اناسا
يقولون في قوله " وهديناه النجدين " إنهما الثديان ،فقال :ل ،هما الخير
والشر ) " .(3لقد خلقنا النسان " قيل :يريد به الجنس " في أحسن تقويم
الكائنات ونظائر سائر الممكنات " ثم رددناه أسفل سافلين " بأن جعلناه
من أهل النار ،أو إلى أسفل سافلين وهو النار ،وقيل :أو ذل العمر ،وقال
قال :النسان الول ،ثم رددناه أسفل سافلين ببغضه أمير المؤمنين .وأقول:
على سبيل الحتمال يمكن أن يكون رده إلى أسفل سافلين ابتلؤه بالقوى
الشهوانية والعلئق الجسمانية ،فإن روحه كان من عالم القدس ،فلما ابتلي
) (1الكافي :ج ،1ص ،413وتفسير القمى (2) .682 :تفسير القمى:
][285
بعد التعلق بالبدن بالصفات البهيمية والعلئق الدنية ) (1فقد تنزل من أعلى
عليين إلى أسفل سافلين ،فهم باقون في تلك الدركات منهمكون في تلك
التعلقات " إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم نفضوا عن أذيالهم
أدناس تلك النشأة الفانية ،واختاروا الدرجات العالية ،فرجعوا إلى النشأة
المقربين ،وسكنوا في غرفات الجنان آمنين " .باسم ربك الذي خلق " أي
جميع المخلوقات على مقتضى حكمته .وعن الباقر عليه السلم :خلق نورك
القديم قبل الشياء " من علق " أي من دم جامد بعد النطفة " الذي علم
بالقلم " قال علي بن إبراهيم علم النسان بالكتابة ) (2التي بها يتم امور
الدنيا في مشارق الرض ومغاربها ) " .(3علم النسان ما لم يعلم " من
أنواع الهدى و البيان ،وقال علي بن إبراهيم :قال :يعني علم عليا من
الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك ) .(4قيل :عدد سبحانه مبدأ أمر النسان
ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من نقله من أخس المراتب إلى أعلها تقريرا
الملئكة على البشر أو العكس ،فذهب أكثر الشاعرة إلى أن النبياء أفضل
من الملئكة ،وصرح بعضهم بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام
أكثر المعتزلة إلى أن الملئكة أفضل من جميع البشر ،ول خلف بين
المامية في أن النبياء والئمة عليهم السلم أفضل من جميع الملئكة،
الحجة ،وأما سائر المؤمنين ففي فضل كلهم أو بعضهم على جميع الملئكة
أو بعضهم ،فل يظهر من اليات والخبار ظهورا بينا يمكن الحكم بأحد
الجانبين ،فنحن فيه من المتوقفين .قال الشيخ المفيد -قدس ال سره )- (5
) (1المدنية )خ( (2) .في المصدر :الكتابة 3) .و (4تفسير القمى) .731 :
(5روحه )خ(.
][286
الحديث ،وأجمعت المعتزلة على خلف ذلك ،وزعم الجمهور منهم أن
بالوقف في تفضيل أحد الفريقين على الخر ،وكان اختلفهم في هذا الباب
على ما وصفناه وإجماعهم على خلف القطع بفضل النبياء على الملئكة
]عليهم السلم[ حسب ما شرحناه .ثم قال :أما الرسل من الملئكة والنبياء
عليهم السلم فقولي فيهم مع أئمة آل محمد عليهم السلم كقولي في
النبياء والرسل عليهم السلم ،وأما باقي الملئكة فإنهم وإن بلغوا
ثوابا عند ال عزوجل بأدلة ليس موضعها هذا الكتاب )انتهى( .وقال
مع مشقة التكليف .وقال العلمة -قدس سره -في شرحه :اختلف الناس
والرسل والحجج عليهم السلم أنهم أفضل من الملئكة ،ثم ذكر الدلئل
وبسط القول فيها كما ذكرناه في كتاب المامة .وقال السيد الشريف
المرتضى -رضي ال عنه -في كتاب الغرر والدرر في تفضيل النبياء على
الملئكة عليهم السلم :اعلم أنه ل طريق من جهة العقل إلى القطع بفضل
مكلف على الخر ،لن الفضل المراعى في هذا الباب هو زيادة استحقاق
الثواب ،ول سبيل :إلى معرفة مقادير الثواب من ظواهر فعل الطاعات ،لن
الطاعتين قد تتساوى في ظاهر المر حالهما وإن زاد ثواب واحدة على
الخرى زيادة عظيمة ،وإذا لم يكن للعقل في ذلك مجال فالمرجع فيه إلى
السمع ،فإن دل سمع مقطوع به من ذلك على شئ عول عليه ،وإل كان
آية واحدة مما يتعلق به في تفضيل النبياء على الملئكة عليهم السلم
][287
على ضرب من الترتيب نذكره .والمعتمد -في القطع على أن النبياء أفضل
من الملئكة -على إجماع الشيعة المامية على ذلك ،لنهم ل يختلفون في
هذا ،بل يزيدون عليه ويذهبون إلى أن الئمة عليهم السلم أفضل من
الملئكة أجمعين ،وإجماعهم حجة ،لن المعصوم في جملتهم وقد بينا في
سؤال يسأل عنه فيها ،وبينا كيف الطريق مع غيبة المام إلى العلم بمذاهبه
و أقواله ،وشرحنا ذلك ،فل معنى للتشاغل به ههنا .ويمكن أن يستدل على
ذلك بأمره تعالى للملئكة بالسجود لدم عليه السلم ،وأنه يقتضي تعظيمه
عليهم وتقديمه وإكرامه وإذا كان المفضول ل يجوز تعظيمه وتقديمه على
الفاضل علمنا أن آدم عليه السلم أفضل من الملئكة ،وكل من قال إن آدم
أفضل من الملئكة ذهب إلى أن جميع النبياء عليهم السلم أفضل من
جميع الملئكة ،ول أحد من المة فصل بين المرين .فان قيل :ومن أين أنه
أمرهم بالسجود على جهة التقديم والتعظيم ؟ قلنا :ل يخلو تعبدهم بالسجود
وتقديم ،أو يكون على ما ذكرناه ،فإن كان الول لم يجز أنفة إبليس من
السجود وتكبره عنه ،وقوله " أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) " (1وقوله
" أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) " (2والقرآن كله ناطق
لم يكن المر على هذا لوجب أن يرده ال تعالى عنه ويعلمه أنه ما أمره
بالسجود على وجه تعظيمه له ول تفضيله ،بل على الوجه الخر الذي لحظ
للتفضيل فيه ،وما جاز إغفال ذلك وهو سبب معصية إبليس وضللته ،فلما
لم يقع ذلك دل على أن المر بالسجود لم يكن إل على جهة التفضيل
والتعظيم ،وكيف يقع شك في أن المر على ما ذكرناه وكل نبي أراد تعظيم
آدم عليه السلم ووصفه بما اقتضى الفخر والشرف نفسه بإسجاد الملئكة
له ،وجعل
][288
ذلك من أعظم فضائله ،وهذا مما لشبهة فيه .فأما اعتماد بعض أصحابنا
في تفضيل النبياء على الملئكة على أن المشقة في طاعة النبياء عليهم
السلم أكثر وأوفر من حيث كانت لهم شهوات في القبائح ونفار عن
الواجبات فليس بمعتمد ،لنا لنقطع على أن مشاق النبياء أعظم من مشاق
ثبوته وجب القطع على انتفائه ونحن نعلم على الجملة أن الملئكة إذا كانوا
ثوابا على طاعاتهم ،والتكليف إنما يحسن في كل مكلف تعريضا للثواب ،ول
يكون التكليف شاقا عليهم إل وتكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ونفار
عما أوجب ،وإذا كان المر على هذا فمن أين يعلم أن مشاق النبياء عليهم
السلم أكثر من مشاق الملئكة ،وإذا كانت المشقة عامة لتكليف المة ول
طريق إلى القطع على زيادتها في تكليف بعض ونقصانها في تكليف آخرين
فالواجب التوقف والشك ،ونحن الن نذكر شبه من فضل الملئكة على
النبياء عليهم السلم ونتكلم عليها بعون ال :فمما تعلقوا به في ذلك قوله
تعالى حكاية عن إبليس مخاطبا لدم وحواء عليهما السلم " ما نهاكما
وليس يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة هي دون منزلته حتى
يحمله ذلك على خلف ال تعالى ومعصيته ،وهذا يقتضي فضل الملئكة
على النبياء عليهم السلم .وتعلقوا أيضا بقوله تعالى " لن يستنكف
الملئكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم ،لن العادة إنما جرت أن
يقال :لن يستنكف الوزير أن يفعل هذا ول الخليفة ،فيقدم الدون ويؤخر
العظم ،ولم تجر بأن يقال :لن يستنكف المير أن يفعل كذا ول الحارس،
][289
على النبياء عليهم السلم .وتعلقوا بقوله تعالى " :ولقد كرمنا بني آدم
خلقنا تفضيل ) " (1قالوا :وليس بعد بني آدم مخلوق يستعمل في الخبر
عنه لفظة " من " التي ل تستعمل إل في العقلء إل الجن والملئكة ،ولما
لم يقل :وفضلناهم على من ،بل قال :على كثير ممن خلقنا ،علم أنه إنما
أخرج الملئكة عمن فضل بني آدم عليه ،لنه ل خلف في بني آدم أنه
أفضل من الجن ،وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم )
(2فل شبهة في أنهم الملئكة .وتعلقوا بقوله تعالى " ول أقول لكم عندي
خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك ) " (3فلول أن حال الملئكة
أفضل من حال النبي لما قال ذلك .فيقال لهم في ما تعلقوا به أول :لم زعمتم
أن قوله تعالى " إل أن تكونا ملكين " معناه :أن تصيرا أو تتقلبا إلى صفة
الملئكة ؟ فإن هذه اللفظة ليست بصريح لما ذكرتم بل أحسن الحوال أن
تكون محتملة له ،وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة
غيركما ،وإذا النهي يختص الملئكة والخالدين دونكما ،ويجري ذلك مجرى
قول أحدنا لغيره :ما نهيت عن كذا إل أن تكون فلنا ،وإنما يعني أن المنهي
هو فلن دونك ،ولم يرد :إل أن تتقلب فتصير فلنا ،ولما كان غرض إبليس
إيقاع الشبهة لهما فمن أوكد الشبهة إيهامهما أنهما لم ينهيا وإنما المنهي
غيرهما .ومن وكيد ما تفسد به هذه الشبهة أن يقال :ما أنكرتم أن يكونا
رغبا في أن ينقل إلى صفة الملئكة وخلقهم كما رغبهما إبليس في ذلك،
ول تدل هذه الرغبة على أن الملئكة أفضل منهما ،لنه بالتقلب إلى خلقة
غيره ل يتقلب ول يتغير الحقيقة بانقلب الصورة والخلق ،فإنه إنما يستحق
) (1السراء (2) 0 :كذا ،والصواب :بنو آدم عليه (3) .النعام(4) .50 :
يرغبه في الثواب ول الفضل ،فإن الثواب فضل ليتبع الهيئات والصور ،أل
ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين ،وليس الخلود مما يقتضي مزية
في ثواب ول فضل فيه ،وإنما هو نفع عاجل ،وكذلك ل يمتنع أن يكون
الرغبة منهما في أن يصيرا ملكين إنما كانت على هذا الوجه .ويمكن أن
يقال للمعتزلة خاصة وكل من أجاز على النبياء الصغائر :ما أنكرتم أن
يكونا اعتقدا أن الملك أفضل من النبي وغلطا في ذلك وكان منهما ذنبا
صغيرا ؟ لن الصغائر عندكم تجوز على النبياء ،فمن أين لكم إذا اعتقدا أن
تجويزكم عليهم الذنوب ؟ و ليس لهم أن يقولوا :إن الصغائر إنما تدخل في
أفعال الجوارح دون القلوب ،لن ذلك تحكم بغير برهان ،وليس يمتنع على
معنى هذا الحد في أفعال القلوب كما ل يمتنع في أفعال الجوارح .ويقال لهم
فيما تعلقوا به ثانيا :ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما توجه إلى قوم
لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ول أبوك ،وإن كان القائل يعتقد أن أباه أفضل،
وإنما اخرج الكلم على حسب اعتقاد المخاطب ل المخاطب .ومما يجوز أن
يقال أيضا :أنه ل تفاوت في الفضل بين النبياء والملئكة وإن ذهبنا إلى أن
النبياء أفضل منهم ،ومع التقارب والتداني يحسن أن يؤخر ذكر الفضل
يحسن ذلك ،أل ترى أنه يحسن أن يقول القائل :ما يستنكف المير فلن من
) (1في مخطوطة " على الهيئة على الملئكة " وسائر النسخ موافق
][291
فلن من كذا ،وإن كانا متساويين متناظرين أو متقاربين ،ول يحسن أن
يقول :ما يستنكف المير من كذا ول الحارس ،لجل التفاوت .وأقوى من
هذا أن يقال :إنما اخر ذكر الملئكة عن ذكر المسيح لن جميع الملئكة
أفضل من المسيح عليه السلم ،وإنما الخلف في ذلك .ويقال لهم في ما
تعلقوا به ثالثا :ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى " على كثير ممن
خلقنا تفضيل " أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير ولم يرد التبعيض ،و
يجري ذلك مجرى قوله تعالى " ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ) " (1معناه:
ل تشتروا بها ثمنا قليل فكل ثمن تأخذونه عنها قليل ،ولم يرد التخصيص
والمنع من الثمن القليل خاصة .ومثله قول الشاعر :من اناس ليس في
أخلقهم * عاجل الفحش ول سوء الجزع وإنما أراد نفي الفحش كله عن
أخلقهم وإن وصفه بأنه عاجل ،ونفي الجزع عنهم وإن وصفه بالسوء،
تحصى ،وقد كنا أملينا في تأويل هذه الية كلما منفردا استقصيناه وشرحنا
هذا الوجه وأكثرنا من ذكر أمثلته .ووجه آخر في تأويل هذه الية ،وهو أنه
غير ممتنع أن يكون جميع الملئكة أفضل من جميع بني آدم وإن كان في
جملة بني آدم من النبياء عليهم السلم من يفضل كل واحد منهم على كل
واحد من الملئكة ،لن الخلف إنما هو في فضل كل بني آدم على كل ملك،
وغير ممتنع أن يكون جميع الملئكة فضلء يستحق كل واحد منهم الجزيل
الكثر من الثواب ،فيزيد ثواب جميعهم على ثواب جميع بني آدم ،لن
الفاضل من بني آدم أقل عددا ،وإن كان في بني آدم آحاد كل واحد منهم
][292
المنافع الدنيوية ،أل ترى إلى قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " والكرامة
إنما هي الترقية وما يجري مجراه ،ثم قال " وحملناهم في البر والبحر
الطيبات خارج مما يستحق به الثواب ويقتضي التفضيل الذي وقع إطلقه
فيه ،ويجب أن يكون ما عطف عليه من التفضيل داخل في هذا الباب وفي
هذا القبيل ،فإنه أشبه من أن يكون المراد به غير ما سياق الية وارد ]به
و[ مبني عليه ،وأقل الحوال أن تكون لفظة " فضلناهم " مجتمعة
للمرين ،فل يجوز الستدلل بها على خلف ما نذهب إليه .ويقال لهم فيما
تعلقوا به رابعا :ل دللة في هذه الية على أن حال الملئكة أفضل من حال
النبياء ،لن الغرض في الكلم إنما هو نفي ما لم يكن عليه ،ل التفضيل
لذلك على ما هو عليه .أل ترى أن أحدنا لو ظن أنه على صفة وهو ليس
عليها جاز أن ينفيها عن نفسه بمثل هذا اللفظ وإن كان على أحوال هي
أفضل من تلك الحال و أرفع ،وليس يجب إذا انتفى مما تبرأ منه من علم
الغيب وكون خزائن ال تعالى عنده أن يكون فيه فضل أن يكون ذلك معتمدا
في كل ما يقع النفي له والتبرؤ منه ،وإذا لم يكن ملكا عنده خزائن ال
تعالى جاز أن ينتفي من المرين من غير ملحظة ،لن حاله دون هاتين
الحالتين .ومما يوضح هذا ويزيل الشكال فيه أنه تعالى حكى عنه قوله في
آية اخرى " ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا )" (1
ونحن نعلم أن هذه منزلة غير جليلة ،وهو على كل حال أرفع منها وأعلى،
فما المنكر أن يكون نفي الملكية عنه في أنه ل يقتضي أن حاله دون حال
الملك بمنزلة نفي هذه المنزلة .والتعلق بهذه الية ضعيف جدا ،وفيما
أوردناه كفاية وبال التوفيق )انتهى( .وذكر -رضي ال عنه -نحوا من
هذا في أجوبة المسائل التي وردت عليه من الري .وقال الدواني في شرح
][293
أيضا أفضل من عامة الملئكة ،وعند المعتزلة وأبي عبد ال الحليمي )(1
والقاضي أبي بكر منا الملئكة أفضل ،والمراد بالفضل أكثر ثوابا ،وذلك أن
عبادة الملئكة فطرية ل مزاحم لهم عنها بخلف عبادة البشر ،فإن لهم
مزاحمات فتكون عبادتهم أشق ،وقال النبي صلى ال عليه واله " أفضل
العمال أضرها ) " (2أي أشقها .قلت :وعلى هذا يندفع ما يتوهم أن
إساءة الدب مع الملئكة كفر ومع آحاد المؤمنين ليس بكفر ،فتكون
الملئكة أفضل ،لن ذلك يدل على أن كون الملك أشرف بسبب كثرة
مناسبته مع المبدأ في النزاهة وقلة الوسط ،لعلى أنه أفضل بمعنى كونه
أكثر ثوابا .وقال شارح المقاصد :ذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن
وجوه عقلية ونقلية :الولى :أن ال تعالى أمر الملئكة بالسجود لدم،
بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين يدل على أن المأمور به كان
سجود تكرمة وتعظيم ،ل سجود تحية وزيارة ،ول سجود العلى للدنى
إعظاما له ورفعا لمنزلته وهضما لنفوس لساجدين .الثاني :أن آدم أنبأهم
الية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم ،و دفع
ما توهموا فيه من النقصان ،ولذا قال تعالى " ألم أقل لكم إني أعلم غيب
السماوات والرض ) " (3وبهذا يندفع ما يقال :إن لهم أيضا علوما جمة
][294
المتوالية .الثالث :قوله تعالى " :إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم
وآل عمران على العالمين ) " (1وقد حض من آل إبراهيم وآل عمران غير
النبياء بدليل الجماع فيكون آدم ونوح وجميع النبياء مصطفون ) (2على
العالمين الذين منهم الملئكة ،إذل مخصص للملئكة من العالمين ،ول جهة
والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق
الثواب .ول معنى للفضلية سوى استحقاق الثواب والكرامة .ل يقال :لو
المقدار وباقي الصفات ،وعبادة الملئكة أكثر وأدوم .فإنهم يسبحون الليل
الساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم ،لن طريقهم العيان ل
ينازع فيه أحد ،ووجود المشقة واللم في العبادة والعمل عند عدم المنافي
أضعف وأدنى مما ل يسمع ول يقبل .وقد يتمسك بأن للملئكة عقل بل
شهوة ،وللبهائم شهوة بل عقل ،وللنسان كليهما ،فإذا ترجح شهوته على
عقله يكون أدنى من البهائم لقوله تعالى " بل هم أضل " ) ،" (3فإذا
ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعل من الملئكة ،وهذا عائد إلى ما
) (1آل عمران (2) .33 :كذا في جميع النسخ :والصواب " مصطفين ") .
(3الفرقان.44 :
][295
وأرذل ممن آثره بدونه ،لن إيثار الشئ مع وجود المضاد والمنافي أرجح
النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه .وأما التمسك بقوله ]تعالى[ " ولقد
كرمنا بني آدم " والتكريم المطلق لحد الجناس يشعر بفضله على غيره،
فضعيف ،لن التكريم ل يوحب التفضيل سيما مع قوله تعالى " وفضلناهم
على كثير ممن خلقنا " فإنه يشير بعدم التفضيل على القليل وليس غير
الملئكة بالجماع ،كيف وقد وصف الملئكة أيضا بأنهم عباد مكرمون .ثم
قال :واحتج المخالفون أيضا بوجوه نقلية وعقلية :أما النقليات فمنها قوله
كذلك وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم ; ووصفهم باستمرار الخوف
وامتثال الوامر ومن جملتها اجتناب المنهيات .ومنها :قوله ]تعالى[ "
على الطاعة والتسبيح .ومنها قوله تعالى " بل عباد مكرمون ل يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون -إلى أن قال -وهم من خشيته مشفقون )" (3
][296
ومنها قوله تعالى " قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول
أقول لكم إني ملك ) " (1فإن مثل هذا الكلم إنما يحسن إذا كان الملك
أفضل .والجواب :أنه إنما قال ذلك حين استعجله قريش العذاب الذي
اوعدوا به بقوله تعالى " والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا
يفسقون ) " (2والمعنى أني لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على
إنزال العذاب بإذن ال كما كان لجبرئيل عليه السلم ،أو يكون له العلم بذلك
بإخبار من ال تعالى بل واسطة .ومنها قوله تعالى " ما نهاكما ربكما عن
هذه الشجرة إل أن تكونا ملكين ) " (3أي إل كراهة أن تكونا ملكين ،يعني
أن الملئكة بالمرتبة العليا ،وفي الكل من الشجرة ارتقاء إليهما .والجواب:
الصورة وعظم الخلق وكمال القوة يحصل بأكل الشجرة ،ولو سلم فغايته
التفضيل على آدم قبل النبوة .ومنها قوله تعالى " علمه شديد القوى )" (4
يعني جبرئيل عليه السلم ،والمعلم أفضل من المتعلم .والجواب :أن ذلك
بطريق التبليغ وإنما التعليم من ال تعالى .ومنها قوله تعالى " لن يستنكف
من العبودية ول من هو أرفع منه درجة ،كقولك :لن يستنكف من هذا المر
البصراء بأساليب الكلم .وعليه قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ول
) (1النعام (2) .50 :النعام (3) .49 :العراف (4) .19 :النجم(5) .5 :
][297
أي مع أنهم أقرب مودة لهل السلم ،ولهذا خص الملئكة بالمقربين منهم
لكونهم أفضل .والجواب :أن الكلم سيق لرد مقالة النصارى وغيرهم في
لكونه روح ال ولد بل أب لكونه يبرئ الكمه والبرص ،والمعنى :ل يترفع
أب لهم ول ام ،ول يقدرون على ما ل يقدر عليه عيسى عليه السلم ،ول
دللة على الفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالت أل ترى أن فيما
السلطان وقرب المودة في النصارى .ومنها :اطراد تقديم ذكر الملئكة على
ذكر النبياء والرسل ،ول تعقل له جهة سوى الفضلية .والجواب :أنه
يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود ،أو في قوة اليمان بهم والهتمام
به لنه أخفى ،فاليمان بهم أقوى وبالتحريص عليه أحرى .واما العقليات:
مبرأة عن ظلمة المادة ،وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدءا الشرور
والقبائح ،متصفة بالكمالت العلمية والعملية بالفعل ،من غير شوائب الجهل
والنقص والخروج عن القوة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط،
قوية على الفعال العجيبة ،وإحداث السحب والزلزل وأمثال ذلك ،مطلعة
على أسرار الغيب ،سابقة إلى أنواع الخير ،ول كذلك حال البشر .والجواب:
أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة .ومنها :أن أعمالهم الموجبة
للمثوبات أكثر لطول زمانهم ،وأدوم لعدم تخلل الشواغل ،وأقوم لسلمتها
والجواب :أن هذا ل يمنع كون أعمال النبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا
لجهات اخر ،كقهر المضاد والمنافي ،وتحمل المتاعب والمشاق ونحو ذلك
فضل النبياء والئمة عليهم السلم على الملئكة ،وإن كان فيها ما يوهم
خلف ذلك ،وهي متفرقة في أبواب مجلدات الحجة ،لم نوردها ههنا حذرا
عليه السلم :الرسول أفضل أم الملك المرسل إليه ؟ قال عليه السلم :بل
الرسول أفضل ) - 2 .(1مجالس ابن الشيخ :عن أبيه ،عن جماعة ،عن أبي
المفضل الشيباني عن علي بن محمد بن الحسن النخعي ،عن جده سليم بن
عن عمرو بن خالد ،عن زيد بن علي ،عن أبيه عليه السلم في قوله تعالى
" ولقد كرمنا بني آدم " يقول :فضلنا بنى آدم على سائر الخلق "
وحملناهم في البر والبحر " يقول :على الرطب واليابس " ورزقناهم من
الطيبات " يقول :من طيبات الثمار كلها " وفضلناهم " يقول :ليس من
دابة ول طائر إل هي تأكل وتشرب بفيها لترفع بيدها إلى فيها طعاما ول
شرابا غير ابن آدم ،فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه ،فهذا من التفضيل.
اللف ،فالرطب البحر ،واليابس البر - 3 .مجالس ابن الشيخ :عن أبيه ،عن
جماعة ،عن أبي المفضل ،عن أحمد بن الحسن بن هارون ،عن يحيى بن
السري الضرير ،عن محمد بن حازم أبي معاوية الضرير قال :دخلت على
هارون الرشيد ،قيل لي ،وكانت بين يديه المائدة ،فسألني عن تفسير هذه
الية " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من
الطيبات
][299
-الية " -فقلت :يا أمير المؤمنين ،قد تأولها جدك عبد ال بن عباس،
عباس في هذه الية " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر
ورزقناهم من الطيبات " قال :كل دابة تأكل بفيها إل ابن آدم فإنه يأكل
بالصابع .قال أبو معاوية :فبلغني أنه رمى بملعقة كانت بيده من فضة،
وتناول من الطعام بإصبعه - 4 .ومنه :عن أبيه ،عن جماعة ،عن أبي
المفضل ،عن عبد ال بن محمد بن عبد العزيز البغوي ،عن يحيى بن عبد
الحميد الحماني ،عن حجاج بن تميم ،عن ميمون بن مهران .عن ابن
عباس في قوله تعالى عز وجل " ولقد كرمنا بني آدم -إلى قوله -تفضيل
" قال :ليس من دابة إل وهي تأكل بفيها إل ابن آدم فإنه يأكل بيده- 5 .
العلل :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن
علي ابن الحكم ،عن عبد ال بن سنان ،قال :سألت أبا عبد ال جعفر بن
محمد الصادق عليه السلم فقلت :الملئكة أفضل أم بنوا آدم ؟ فقال :قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم إن ال عزوجل ركب في
الملئكة عقل بل شهوة ،وركب في البهائهم شهوة بل عقل ،و ركب في
بني آدم كلتيهما ،فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملئكة ،ومن غلب
عنه عليه السلم عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :مثل المؤمن عند ال كمثل ملك مقرب ،وإن المؤمن عند ال عز وجل
- 7 .(3ومنه :بهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :إن
) (1في المصدر :غلبت ) (2علل الشرائع :ج ،1ص (3) 5صحيفة
الرضا.6 :
][300
كما يعرف الرجل أهله وولده ،وإنه أكرم عند ال ) (1عزوجل من ملك
مقرب ) - 8 .(2العياشي :عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم في قوله
تعالى " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل " قال :خلق كل شئ منكبا
غير النسان فإنه خلق منتصبا - 9 .الكافي :عن العدة ،عن أحمد بن محمد،
عن ابن فضال ،عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال ال عزوجل :يا ابن آدم اذكرني في مل أذكرك في مل
قال ال عزوجل لعيسى عليه السلم :يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في
ربما يستدل بالخبرين على كون الملئكة أفضل من بني آدم ،ويمكن أن
يجاب بأن خيرية مل الملئكة باعتبار كون الجميع معصومين بخلف مل
البشر ل ينافي كون بعض البشر أفضل من الملئكة ،على أنه يمكن أن
يكون المراد بالمل الثاني ما يشتمل على أرواح النبيين عليهم السلم ،لكن
البزاز ،عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،قال :لما حمل المأمون أبا هدية
مولى أنس إلى خراسان بلغني ذلك ،فخرجت في لقائه فصادفني في بعض
المنازل ،فرأيت رجل طويل خفيف العارضين منحنيا من الكبر وقد اجتمع
عليه الناس ،فقلت له :حدثني -رحمك ال -فإني أتيتك من بلد بعيد أسمع
منك ،فلم يحدثني من الزحمة التي كانت عليه ،ثم رحل فتبعته إلى المرحلة
) (1في المصدر :على ال (2) .الصحيفة (3) .8 :الكافي :ج ،2ص .498
][301
-رحمك ال تعالى -قال :أنت صاحبي بالمس ؟ قلت :نعم ،قال :إذا وال ل
احدثك إل قائما لما بدامني إليك ،لني سمعت رسول ال صلى ال عليه واله
يقول :من كان عنده علم فكتمه ألجمه ال يوم القيامة بلجام من نار ،ثم قام
قائما وقال :كنت رأيت مولي أنس بن مالك وهو معصب بعصابة بيضاء،
فقلت :وما هذه العصابة ؟ قال :هذه دعوة علي بن أبي طالب ،فقلت :وكيف
؟ فقال :اهدي إلى رسول ال صلى ال عليه واله طائر ورسول ال صلى
ال عليه واله في بيت أم سلمة رضي ال عنها وأنا حينئذ أحجب رسول ال
صلى ال عليه واله فأصلحته ام سلمة رضي ال عنها وأتت به رسول ال
صلى ال عليه واله وقالت ام سلمة :الزم الباب لينال رسول ال صلى ال
عليه واله منه ،فلزمت الباب وقدمته إلى النبي صلى ال عليه واله ،فلما
وضعته بين يديه رفع رسول ال صلى ال عليه واله يديه وقال :اللهم ائتني
بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ،فسمعت دعوة رسول ال صلى
ال عليه واله وأحببت أن يكون رجل من قومي ،فأتى علي ابن أبي طالب،
فقلت :إن رسول ال عنك مشغول فانصرف ،ثم دعا رسول ال صلى ال
عليه واله ثانية وقال :اللهم أئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا
الطائر ،فأتى علي ابن أبي طالب ،فقلت :إن رسول ال عنك مشغول
فانصرف ،ثم رفع رسول ال صلى ال عليه واله رأسه ودعا ثالثة وقال :يا
رب ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فأتى علي فقلت:
رسول ال عنك مشغول ،فقال :وما يشغل رسول ال صلى ال عليه واله
عني ؟ ودفعني فدخل ،فلما رآه رسول ال صلى ال عليه واله قبل ما بين
عينيه وقال :يا أخي ! من الذي حبسك عني وقد دعوت ال ثلثا أن يأتيني
بأحب خلقه إليه يأكل معي من هذا الطائر ؟ فقال يا رسول ال ؟ قد جئت
ثلثا كل ذلك يردني أنس ،فقال :لم رددت عليا ؟ فقلت :يا رسول ال إني
سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجل من النصار فأفتخر به إلى البد ،فقال
علي عليه السلم :اللهم ارم أنسا بوضح ل يستره من الناس ،فظهر علي
هذا الذي ترى وهي دعوة علي .بيان :في سائر الخبار أن دعوة أمير
المؤمنين عليه السلم عليه حين استشهده فأبى أن يشهد وهذا من الخبار
المتواترة ،ومما احتج به يوم الشورى فصدقوه ،ويدل على أنه عليه السلم
أفضل ]جميع[ خلق ال ،وخرج الرسول صلى ال عليه واله بالجماع
والنصوص المتواترة
][302
فيدل على فضله الملئكة ،وكل من قال بفضله قال بفضل سائر الئمة
الحميد القناد ،عن هشام بن بشير ،عن ابن جبير ،عن ابن عباس ،قال :قال
والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،وأبوهما خير منهما ،وإن فاطمة سيدة
عن ابن شاذان ،عن محمد بن عبد ال ،عن جعفر بن علي الدقاق عن عبد
ال بن محمد الكاتب ،عن سليمان بن الربيع ،عن نصر بن مزاحم ،عن علي
بن عبد ال ،عن الشعث ،عن مرة ،عن أبي ذر ،قال :نظر النبي صلى ال
عليه واله إلى علي بن أبي طالب عليه السلم فقال :خير الولين والخرين
من أهل السماوات والرضين ،هذا سيد الصديقين ،وسيد الوصيين ،وإمام
المتقين ،وقائد الغر المحجلين ،إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق
الجنة ،قد أضاءت القيامة من نورها ،على رأسه تاج مرصع بالزبرجد
والياقوت ،فتقول الملئكة :هذا ملك مقرب ،ويقول النبيون :هذا نبي
مرسل ،فينادي مناد من تحت بطنان العرش :هذا الصديق الكبر ،هذا وصي
حبيب ال رب العالمين ،هذا علي بن أبي طالب عليه السلم ،فيجئ علي
حتى يقف على متن جهنم ،فيخرج منها من يحب ،ويأتي أبواب الجنة
فيدخل فيها أولياءه بغير حساب - 14 .ومنه :عن ابن شاذان ،عن الحسن )
(1بن أحمد ،عن أبي بكر بن محمد عن عيسى بن مهران ،عن عيسى بن
عبد الحميد ،عن قيس بن الربيع ،عن العمش عن عباية ،عن حميد
المغربي ،قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :أنا سيد الولين والخرين ،وأنت يا علي سيد الخلئق بعدي،
][303
- 15ومن الكتاب المذكور :عن ابن شاذان ،عن جعفر بن محمد بن
مسروق اللحام ،عن حسين بن محمد ،عن أحمد بن علويه ،عن إبراهيم بن
محمد الثقفي ،عن عبد ال ابن صالح ،عن حريز بن عبد الحميد ،عن
مجاهد ،عن ابن عباس ،قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه واله يقول:
بن أبي طالب ،حتى ظننت أن اسم علي بن أبي طالب في السماوات أشهر
من اسمي ،فلما بلغت السماء الرابعة ونظرت إلى ملك الموت قال لي :يا
محمد ! ما خلق ال خلقا إل وأنا أقبض روحه إل أنت وعلي ،فإن ال جل
جلله يقبض أرواحكما بقدرته وجزت تحت العرش إذ أنا ) (1بعلي بن أبي
طالب واقفا تحت العرش ،فقلت :يا علي سبقتني ؟ فقال جبرئيل :من هذا
الذي تكلمه يا محمد ؟ فقلت :هذا علي بن أبي طالب ،فقال :يا محمد ! ليس
هذا علي بن أبي طالب ،ولكنه ملك من الملئكة خلقه ال تعالى على صورة
علي بن أبي طالب عليه السلم فنحن الملئكة المقربون كلما اشتقنا إلى
وجه علي بن أبي طالب عليه السلم زرنا هذا الملك ،لكرامة علي بن أبي
طالب على ال سبحانه .أقول :دللته أول وآخرا على فضله ل يخفى على
السلم ليلة المبيت ويوم احد ،وقول جبرئيل عليه السلم :أنا منكما- 16 .
العيون والعلل وكمال الدين :عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن
فرات بن إبراهيم ،عن ابن عقدة ،عن العباس بن عبد ال البخاري ،عن
محمد بن القاسم بن إبراهيم ،عن أبي الصلت الهروي ،عن الرضا ،عن
آبائه ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله :ما خلق ال عزوجل خلقا أفضل مني ول أكرم عليه مني ،قال علي
عليه السلم :فقلت :يا رسول ال فأنت أفضل أو جبرئيل ؟ فقال صلى ال
عليه واله :يا علي إن ال تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على
لك يا علي وللئمة عليهم السلم من بعدك وإن الملئكة لخدامنا وخدام
][304
يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بوليتنا ،يا علي ! لول نحن
ما خلق آدم ،ول حواء ،ول الجنة ،ول النار ،ول السماء ،ول الرض،
فكيف ل نكون أفضل من الملئكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه
وتهليله وتقديسه ؟ -وساق الحديث إلى قوله -فكيف ل نكون أفضل من
الملئكة وقد سجدوا لدم كلهم أجمعون لكوننا في صلبه ؟ وإنه لما عرج
بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ،وأقام مثنى مثنى ،ثم قال لي :تقدم
يا محمد ،فقلت له :يا جبرئيل ! أتقدم عليك ؟ فقال :نعم ،لن ال تبارك
وتعالى فضل أنبياءه على الملئكة ) (1أجمعين ،وفضلك خاصة -إلى آخر
الخبر بطوله - 17 .(2) -العلل :بإسناده إلى عمرو بن جميع ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :كان جبرئيل عليه السلم إذا أتى النبي صلى ال عليه
واله قعد بين يديه قعدة العبيد ) (3وكان ل يدخل حتى يستأذنه )- 18 .(4
الحتجاج وتفسير المام :قال :سأل المنافقون النبي صلى ال عليه واله
لمحمد وعلي وقبولها لوليتهما ؟ إنه ل أحد من محبي علي نظف قلبه من
قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إل كان أطهر وأفضل من الملئكة
-الخبر - 19 .(5) -كمال الدين :بإسناده إلى الرضا عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :أنا سيد من خلق ال ،وأنا خير من جبرئيل
الحديث .-
) (1في العلل :ملئكته (2) .علل الشرائع :ج ،1ص ،6العيون :ج ،1ص
(3) .262في المصدر :العبد (4) .علل الشرائع :ج ،1ص (5) .7
الحتجاج.31 :
][305
وأقول :الخبار في ذلك كثيرة قد أوردناها في أبواب فضائل النبي صلى ال
عليه واله و الئمة عليهم السلم فليرجع إليها .تذييل قال السيد الجل
المرتضى في كتاب الغرر بعد أن سئل عن تفسير قوله تعالى " خلق
النسان من عجل " :قد ذكر في هذه الية وجوه من التأويل ،نحن نذكرها
النسان بكثرة العجلة ،وأنه شديد الستعجال لما يؤثره من المور ،لهج
باستدناء ما يجلب إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا ،ولهم عادة في استعمال
مثل هذا اللفظ عند المبالغة ،كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم :ما خلقت إل
من نوم ،وما خلق فلن إل من شر ،إذا أرادوا كثرة وقوع الشر منه ،وربما
قالوا :إنما أنت أكل وشرب ،وما أشبه ذلك .قالت الخنساء تصف بقرة :ترتع
مارتعت حتى إذا ادكرت * وإنما هي إقبال وإدبار .وإنما أرادت ما ذكرناه
من كثرة وقوع القبال والدبار منها ،ويشهد لهذا التأويل قوله عزوجل في
موضع آخر " وكان النسان عجول " ويطابقه أيضا قوله تعالى " فل
تستعجلون " لن وصفهم بكثرة العجلة وأن من شأنهم فعلها توبيخا لهم و
سبحانه " وقد بلغني الكبر " أي قد بلغت الكبر ،وبقوله تعالى " ما إن
مفاتحه لتنوء بالعصبة " و المعنى أن العصبة تنوء بها ،وتقول العرب:
عرضت الناقة على الحوض ،وإنما هو :عرضت الحوض على الناقة ،ثم
ذكر -ره -شواهد وابياتا كثيرة في ذلك ،ثم قال :ويبقى على صاحب هذا
][306
يقال :وما المعنى والفائدة في قوله عزوجل " خلق العجل من النسان " ؟
العجلة فعل من أفعال النسان ،فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره ؟ ولو كان
كذلك لما جاز أن ينهاهم عن الستعجال في الية فيقول " ساريكم آياتي فل
تستعجلون " لنه ل ينهاهم عما خلقه فيهم ،فإن قالوا :لم يرد أنه تعالى
خلقها ،لكنه أراد كثرة فعل النسان لها وأنه ل يزال يستعملها ،قيل لهم :هذا
هو الجواب الذي قدمناه من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير ،وإذا
كان هذا المعنى يتم وينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فل حاجة بنا إليه.
وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره واختاره وقواه ،و سأل
نفسه عنه وقال :كيف جاز أن يقول :فل تستعجلون ،وهو خلق العجلة فيهم
؟ وأجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طبائعهم وكفها ،وقد يكون
النسان مطبوعا عليها وهو مع ذلك مأمور بالتثبت قادر على أن يجانب
بالمتناع منه ،وهذا الذي ذكره البلخي تصريح بأن المراد بالعجل غيره،
وهو الطبع الداعي إليه ،والشهوة المتناولة له ،و يجب أيضا أن يكون
المراد ب " من " ههنا " في " لن شهوة العجل ل تكون مخلوقة من
النسان ،وإنما تكون فيه ،وهذا تجوز على تجوز ،وتوسع على توسع ،لن
القلب أول مجاز ،ثم هو من بعيد المجاز ،وذكر العجل والمراد به غيره
مجاز آخر ،و إقامة " من " مقام " في " كذلك ،على أنه تعالى إذا نهاهم
عن العجلة بقوله عز وجل " فل تستعجلون " أي معنى لتقديم قوله :إني
خلقت شهوة العجلة فيهم ،والطبع الداعي إليها -على ما عبر به البلخي
-؟ وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليهم،
وأيسر الحوال أن ل يكون عذرا ول احتجاجا ،فل يكون لتقديمه معنى .وفي
الجواب الول حسن تقديم ذلك على طريق الذم والتوبيخ والتقريع من غير
إضافة له إليه عز وجل ،فالجواب الول أوضح وأصح .وثالثها جواب روي
عن الحسن ،قال :يعني بقوله " من عجل " أي من ضعف وهي النطفة
المنتنة المهينة الضعيفة ،وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل
][307
الخفش أجاب به ،وهو أن يكون المراد أن النسان خلق من تعجيل المر،
لنه تعالى قال " :إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )" (1
فإن قيل :كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد " فل تستعجلون " ؟ قلنا:
أعلمهم تعالى أنه ممن ل يعجزه شئ إذا أراده ول يمتنع عليه ،وأن من
خلق النسان بل كلفة ول مؤونة بأن قال له كن فكان ،مع ما فيه من بدائع
الصنعة وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كل قادر ويحار فيها كل ناظر ل
العجل الطين ،فكأنه تعالى قال :خلق النسان من طين ،كما قال في موضع
آخر " بدأ خلق النسان من طين ) " (2واستشهد بقول الشاعر :والنبع
يخرج بين الصخر ضاحية * والنخل ينبت بين الماء والعجل ووجدنا قوما
حكى صاحب كتاب العين عن بعضهم أن العجل الحمأة ،ولم يستشهد عليه
إل أن البيت الذي أنشدناه يمكن أن يكون شاهدا له ،وقد رواه تغلب عن ابن
بين ذلك وبين قوله تعالى " فل تستعجلون " على نحو ما ذكرناه ،وهو أن
من خلق النسان مع الحكمة الظاهرة فيه من الطين ل يعجزه إظهار ما
استعجلوه من اليات ،أو يكون المعنى أنه ل يجب بمن خلق من الطين
المهين وكان أصله هذا الصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل ال تعالى
وآياته وشرائعه ،لنه تعالى قال قبل هذه الية " :وإذا رآك الذين كفروا إن
][308
وسادسها أن يكون المراد بالنسان آدم عليه السلم ومعنى " من عجل "
أي في سرعة من خلقه ،لنه تعالى لم يخلقه من نطفة ،ثم من علقة ،ثم من
مضغة كما خلق غيره وإنما ابتدأه ال ابتداء وأنشأه إنشاء ،فكأنه تعالى نبه
بذلك على الية العجيبة في خلقه له ،وأنه عزوجل يري عباده من آياته
روي عن مجاهد وغيره أن ال تعالى خلق آدم بعد خلق كل شئ آخر نهار
يوم الجمعة على سرعة معاجل به غروب الشمس ،وروي أن آدم عليه
السلم لما نفخت فيه الروح وبلغت أعالي جسده ولم تبلغ أسافله قال :رب
عجلن مبادرا إلى ثمار الجنة .وقال :قوم بل هم بالوثوب ،فهذا معنى قوله
" خلق النسان من عجل " وهذه الجوبة الثلثة المتأخرة مبنية على أن
المراد بالنسان فيها آدم عليه السلم دون غيره) 40 .باب آخر( نورد ما
المضمومة نسبة الى " رهنه " قرية بكرمان ،وحكى ابن داود عن نسخة
" الدهنى " بالدال قال النجاشي :محمد ابن بحر الرهنى :أبو الحسن
الشيباني ساكن نرماشير من ارض كرمان قال اصحابنا انه كان في مذهبه
ارتفاع ،وحديثه قريب من السلمة ،ول ادرى من اين قيل وقال في محكى
وكان عالما بالخبار فقيها ال انه متهم بالغلو وله نحو من خمسمائة
تفضيل الئمه وعلو رتبتهم عليهم السلم ولم يثبت منه قول بحلون أو
أورده الصدوق -ره -في كتاب علل الشرائع ناقل عنه حيث قال :قال
مفضلوا النبياء والرسل والحجج على الملئكة :إنا نظرنا إلى جميع ما
فإذا هي ثلثة أشياء بأجماع :حيوان نام وجماد ،وأفلك سائرة ،وبالطبع
الذي طبعها عليه صانعها دائرة ،وفي ما دونها عن إرادة خالقها مؤثرة.
وإنهم نظروا في النواع الثلثة وفي الشياء التي هي أجناس منقسمة إلى
الثلثة هو نوع لما فوقه وجنس لما تحته أنفع وأرفع ،وأيها أدون وأوضع.
فوجدنا أرفع الثلثة الحيوان ،وذلك بحق الحياة التي بان بها النامي
تقدست أسماؤه جعل النامي له أغذاء ،وجعل له عند كل داء دواء ،وفي ما
الحيوان الرفيع مما دونه يغذو ،ومنه لوقاية الحر والبرد يكسو ،وعليه أيام
حياته ينشو .وجعل الجماد له مركزا ومكديا فامتهنه له امتهانا ،وجعل له
مسرحا وأكنانا ،ومجامع وبلدانا ،ومصانع وأوطانا ،و جعل له حزنا محتاجا
وسهل محتاجا إليه ،وعلوا ينتفع بعلوه ،وسفل ينتفع به وبمكاسبه برا
والزيادة والزبول عند الزبول ) (1وتتخذ المركز عند التجسيم والتأليف من
الجسم المؤلف ،تبارك ال رب العالمين .قالوا :ثم ]إنا[ نظرنا ،فإذا ال
عزوجل قد جعل المتخذ بالروح والنمو والجسم أعلى وأرفع مما يتخذ
بالنمو والجسم والتأليف والتصريف ،ثم جعل الحي الذي هو بالحياة التي
هي غيره نوعين :ناطقا وأعجم ،ثم أبان الناطق من العجم بالنطق والبيان
اللذين جعلهما له ،فجعله أعلى منه بفضيلة النطق والبيان .ثم جعل
) (1في بعض النسخ " الذبول " في الموضعين ،وفى نسخة " الذلول "
][310
ال الحجة واختصاصه إياه بعلم علوي يخصه له دون المحجوجين ،فجعله
معلما من جهة باختصاصه إياه ،وعلما بأمره إياه أن يعلم بأن ال عزوجل
معلم الحجة دون أن يكله إلى أحد من خلقه ،فهو متعال به ،وبعضهم يتعالى
على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجة .قالوا :ثم رأينا أصل
الشئ الذي هو آدم ،فوجدناه قد جعله ]علما[ على كل روحاني خلقه قبله،
وجسماني ذرأه وبرأه منه ،فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل ول بعد،
وفهمه فهما لم يفهمهم قبل ول بعد .ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه
لقامة الحجج من نسله على نسله ،ثم جعل آدم لرفعة قدره وعلو أمره
للملئكة الروحانيين قبلة ،وأقامه لهم محنة ،فابتلهم بالسجود إليه ،فجعل
-ل محالة -من اسجد له له أعلى وأفضل ممن أسجدهم ،ولن من جعل
بلوى وحجة أفضل ممن حجهم به ،و لن إسجاده جل وعز إياهم للخضوع
والستكانة دون من أمرهم بالخضوع له ،أل ترى إلى من أبى الئتمار لذلك
الخضوع ولتلك الستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع
القالة آخر البد فرأينا السبب الذي أوجب ال عزوجل لدم عليهم فضل،
فعل بعلمه من ل يعلم .ثم أمره جل وعز أن يسألهم سؤال تنبيه ل سؤال
تكليف عما علمه بتعليم ال عزوجل إياه مما لم يكن علمهم ،ليريهم جل
وعز علو منزلة العلم ورفعة قدره ،كيف خص العلم محل وموضعا اختاره
له ،وأبان ذلك المحل عنهم بالرفعة والفضل .ثم علمنا أن سؤال آدم إياهم
عما سألهم عنه مما ليس في وسعهم وطوقهم الجواب عنه سؤال تنبيه ل
سؤال تكليف ،لنه جل وعز ل يكلف ما ليس في وسع المكلف القيام به.
فلما لم يطيقوا الجواب عما سألوا علمنا أن السؤال كان كالتقرير منه لهم
يقرن )(1
][311
به اتضاعهم بالجهالة عما علمه إياه ،وعلو خطره وقدره ،واختصاصه )(1
إياه بعلم لم يخصهم به ،فالتزموا الجواب بأن قالوا " :سبحانك لعلم لنا إل
ما علمتنا ) ." (2ثم جعل ال عزوجل آدم عليه السلم معلم الملئكة بقوله
" أنبئهم " لن النباء من النبأ تعليم ،والمر بالنباء من المر تكليف
والتعريف تكليف يقتضي طاعة وعصيانا ،فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلم
على المعلم ،والموقف على الموقف ،والمعرف على المعرف ،كان في
فإنه على قياد مذهبه أن تكون الرض التى هي المركز أعلى من النامي
الذي هو عليها الذي فضله ال عزوجل بالنمو ،والنامي أفضل وأعلى من
الحجة التي هي حجة ال عزوجل فيها ،والمتعلم أعلى من المعلم وقد جعل
له أولية الحجة .فقد روي لنا أن حبيب بن مظاهر السدي -بيض ال
وجهه -أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلم :أي شئ كنتم
قبل أن يخلق ال عزو جل آدم عليه السلم ؟ قال :كنا أشباح نور ندور حول
دقيق ليس هذا مكان شرحه ،وقد بيناه في غيره .قال مفضلوا الملئكة :إن
والعلو ،والزلفة والسمو ،وقد وصف ال جلت عظمته الملئكة من ذلك بما
لم يصف به غيرهم ،ثم وصفهم بالطاعة التي عليها موضع المر و الزجر
][312
ثم جعل محلهم الملكوت العلى ،فبراهينهم على توحيده أكثر ،وأدلتهم عليه
أشهر وأوفر ،وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل ،ومن المعرفة
بالصانع أفضل .قالوا :ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار
نعتهم ووصفهم بالطاعة لما وصفهم " ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون " قالوا :كيف يجوز فضل جنس فيهم كل عيب ولهم كل ذنب على
من ل عيب فيهم ول ذنب منهم ل صغائر ول كبائر ؟ والجواب :أن مفضلي
النبياء والحجج عليهم السلم قالوا :إنا ل نفضل ههنا الجنس على
الجنس ،ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس ،كما أن الملئكة كلهم
وكشياطين النس المرتكبين المحارم ،المقدمين على المآثم .وأما قولكم في
الزلفة والقربة فإنكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فال عزوجل
أجل ،ومما توهمتموه أنزه ،و في النبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه
بخلقه ،وهو من ذلك نزيه .وأما قولهم في الذنوب والعيوب فإن ال جلت
أسماؤه جعل المر والزجر أسبابا وعلل ،والذنوب والمعاصي وجوها ،فال
رأس البالسة ،وهو الداعي إلى عصيان الصانع ،والموسوس والمزين لكل
من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان ،وقد امهل الملعون لبلوى أهل
البلوى في دار البتلء ،فكم من برية نبيه ،وفي طاعة ال عزوجل وجيه،
وعن معصيته بعيد وقد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه ،فلم يلوله على
أمر إذا أمره ول انتهى عن زجر إذا زجر له لمات في قلوب الخلق مكافئ
][313
بالملئكة ،والبتلء به قائما كما قام في البشر ،ودائما كما دام ،لكثرت من
الملئكة المعاصي ،وقلت فيهم الطاعات ،إذا تمت فيهم اللت ،فقد رأينا
انخدع بحيث دنا من طاعته ،وكيف بعد مما لم يبعد منه النبياء والحجج
الذين اختارهم ال على علم على العالمين ،إذ ليست هفوات البشر كهفوة
والخنوع حلية ،فجعل مداها وغايتها آدم عليه السلم ففازت الملئكة في
هذه الحلية وأخذوا منها بنصيب الفضل والسبق ،فجعل للطاعة فأطاعوا ال
فيه ،ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر ،كما لم يطعه قابيل،
فصار إمام كل قاتل .جواب مفضلي النبياء والحجج عليهم السلم ،قالوا:
عن غير شيطان مغو وعدو مطغي ،فاصل بغوايته بين الطائعين
ابتلى فلم يعتصم بعصمة ال الوثقى ،بل استرسل للخادع الذي كان أضعف
منها .وقد روينا عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال :إن في الملئكة من
باقة بقل خير منه ،والنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه،
وقد أقر مفضلوا الملئكة بالتفاضل بينهم كما أقر بالتفاضل بين ذوي الفضل
من البشر .ومن قال :إن الملئكة جنس من خلق ال عزوجل تقل فيهم
ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل ال
عزوجل الملئكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حزن
][314
قال مفضلوا الملئكة :إن الحسن البصري يقول :إن هاروت وماروت
بهما وبإبليس فتحتجون علينا بجني فيه .قال مفضلوا النبياء والحجج
أن يكون ما يقول كما يقول ،وأنتم تعلمون أن الشئ ل يستثنى إل من
الترائي بما جعل ال عزوجل فيهم من القدرة على ذلك ،وأن إبليس من
صفوف ) (1الملئكة وغير جائز في كلم العرب أن يقول قائل :جاءت البل
وقول الحسن في هاروت وماروت بأنهما علجان من أهل بابل شذوذ شذ به
عن جميع أهل التفسير ،وقول ال عزوجل يكذبه إذ قال " وما انزل على
الملكين -بفتح اللم -ببابل هاروت وماروت " وليس في قولكم عن قول
الحسن فرج لكم ،فادعوا ) (2ما ل فائدة فيه من علة ،ول عائدة من حجة.
هم عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) ." (3قال
التي تزيح العلل من الجميع مقنع ،إذ ذكرنا ترتيب ال عزوجل خلقه ،فجعل
الرض دون النامي ،والنامي أعلى وأفضل من الرض ،وجعل النامي دون
) (1في المصدر :صنوف (2) .فدعوا )خ( (3) .النبياء .27 - 26 :وفى
][315
وجعل الحيوان العجم دون الناطق ،وجعل الحيوان الناطق أفضل من
الحيوان العجم وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق،
وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجة ،ويجب
على هذا الترتيب أن المعرب المبين أفضل من العجم غير الفصيح ،ويكون
المعاصي والوسوسة إليه .ثم هذا الجنس نوعان :حجة ومحجوج ،والحجة
أفضل من المحجوج ،ولم يحجج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من
فجعله العالم بما لم يعلموا وخصه بالتعليم ليبين لهم أن المخصوص بما
الترتيب حكمة ال عزوجل ،فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من
مذهبه وإلحاد في طلبه .فانتهى الفضل إلى محمد صلى ال عليه واله لنه
ورث آدم وجميع النبياء ،ولنه الصطفاء الذي ذكره ال عزوجل فقال "
إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين )" (1
فمحمد الصفوة والخالص ،نجيب النجابة ) (2من آل إبراهيم فصار خير آل
ابراهيم بقوله " ذرية بعضها من بعض " واصطفى ال جل جلله آدم ممن
على محمد وآله ]و[ حسبنا ال ونعم الوكيل .قال الصدوق :إنما أردت أن
تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب ،وليس قولي في إبليس أنه كان من
الملئكة ،بل كان من الجن ،إل أنه كان يعبد ال بين الملئكة وهاروت
وماروت ملكان ،وليس قولي فيهما قول أهل الحشو ،بل كانا عندي
معصومين
][316
ومعنى هذه الية " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان -الية ) -
" (1إنما هو :واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وعلى ما انزل
على الملكين ببابل هاروت وماروت ،وقد أخرجت في ذلك خبرا مسندا في
كتاب عيون الخبار عن الرضا عليه السلم ) .(2توضيح :قوله " وجماد "
لعل مراده بالجماد غير الحيوان ليشمل النبات ،و كأنه كان هكذا :حيوان،
ونام وجماد ،فقوله " وأفلك " عطف على ثلثة أو على جماد وهما قسم
واحد ،لن الفلك أيضا على مذهب أهل الحق من الجماد .قوله " إلى
جنس الجناس " الظرف متعلق ب " نظروا " ويحتمل تعلقه ب " منقسمة
" على شبه القلب ،أي هي أقسامه ،كأنه جعل جنس الجناس مفهوم
الشيئية ول يقول بإطلق الشئ على الواجب تعالى شأنه ،وفيه نظر من
وجوه ،ويحتمل أن تكون كلمة " إذ " زائدة ،فتأمل .قوله " هو نوع "
صفة للثلثة ،أي كل منها " بان بها النامي " أي من النامي " جعل النامي
له " أي للحيوان " وجعل له " أي جعله له ،وكأنه كان كذلك .قوله "
ومكديا " كذا في النسخ ،وكأنه من الكدية ،قال في النهاية :الكدية قطعة
غليظة صلبة ل يعمل فيها الفأس ،وأكدى الحافر إذا بلغها ،وفيه أن فاطمة
خرجت في تعزية بعض جيرانها ،فلما انصرفت قال لها رسول ال صلى ال
عليه وسلم :لعلك بلغت معهم الكدى ،أراد المقابر ،وذلك لنها كانت
مقابرهم في مواضع صلبة وهي جمع كدية )انتهى( ويشبه أن يكون فيه
يجمع فيه ماء المطر كالمصنع ،والمصانع :الجمع ،والقرى ،والمباني من
القصور والحصون )انتهى( " .دون من أمرهم " أي أدون منهم ،والمدى:
الغاية ،ويطلق على المسافة أيضا وفي المصباح :نبه -بالضم -نباهة:
) (1البقرة (2) .102 :علل الشرائع :ج ،1ص .26 - 19والحديث الذى
][317
في النهاية :فيه " فانطلق الناس ل يلوي أحد على أحد " أي ل يلتفت ول
يعطف عليه .وقال :فيه " لبن آدم لمتان :لمة من الملك ،ولمة من
الشيطان " اللمة :الهمة و الخطرة تقع في القلب ،أراد إلمام الملك أو
الشيطان به والقرب منه ،فما كان من خطرات الخير فهو من الملك ،وما
كان من خطرات الشر فهو من الشيطان .قوله " من طاعته " أي طاعة
الشيطان .والهفوة :الزلة ،وفي النهاية :الخانع الذليل الخاضع .قوله "
حلية " في أكثر النسخ بالياء المثناة ،والظهر أنه بالباء الموحدة في
وغايتها " أي غاية الحلبة في السباق ،وعلى النسخة الولى كان المعنى
أنه كان قبلة للخنوع والخضوع ،فجعل على بناء المجهول ،والضمير
للسبق أو آدم .وفي الصحاح :استرسل إليه :انبسط واستأنس .وقال :الباقة
من البقل :الحزمة منه .وفي المصباح :العلج :الرجل الضخم من كفار
العجم ،وبعض العرب قد يطلق العلج على الكافر مطلقا .قوله " لجتنانهم "
أي استتارهم ،وفي الصحاح :زاح الشئ يزيح زيحا :بعد وذهب) 41 .باب(
* )بدء خلق النسان في الرحم الى آخر أحواله( * اليات :آل عمران :هو
][318
واستعمركم فيها ) .(2الرعد :ال يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الرحام
وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار ) .(3النحل :خلق النسان من نطفة فإذا
هو خصيم مبين ) .(4مريم :أول يذكر النسان أنا خلقناه من قبل ولم يك
شيئا ) .(5الحج :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من
ونقر في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم
ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم شيئا )
قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين ثم إنكم
بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) .(7الروم :ومن آياته أن
خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) .(8لقمان :حملته امه وهنا على
النسان من طين ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين ثم سويه ونفخ فيه
من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون ).(10
) (1النعام (2) .2 :هود (3) .61 :الرعد (4) .8 :النحل (5) .4 :مريم:
(6) .67الحج (7) .5 :المؤمنون (8) .16 - 12 :الروم (9) .20 :لقمان:
][319
فاطر :وال خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من
كتاب إن ذلك على ال يسير ) .(1يس :أولم ير النسان أنا خلقناه من نطفة
ثم من علقة ثم يخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من
يتوفى من قبل ولتبلغوا أجل مسمى ولعلكم تعقلون ) .(4حمعسق :ل ملك
السماوات والرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء
الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ).(5
النجم :هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم -
إلى قوله تعالى -وإنه خلق الزوجين الذكر والنثى من نطفة إذا تمنى ).(6
وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في
أطوارا -إلى قوله تعالى -وال أنبتكم من الرض نباتا ثم يعيدكم فيها
) (1فاطر (2) .11 :يس (3) .77 :الزمر (4) .6 :المؤمن(5) .67 :
][320
القيامة :ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه
الزوجين الذكر والنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) .(1الدهر:
هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا النسان
من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) .(2المرسلت :ألم نخلقكم
من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون
فأقبره ثم إذا شاء أنشره كل لما يقض ما أمره ) .(5النفطار :ما غرك بربك
فلينظر النسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب
) .(7تفسير " :هو الذي يصوركم " قال الطبرسي -رحمه ال .-أي يخلق
صوركم " في الرحام كيف يشاء " على أي صورة شاء ،وعلى أي صفة
شاء ،من ذكر وانثى أو صبيح أو دميم ،أو طويل أو قصير " .ل إله إل هو
العزيز " في سلطانه " الحكيم " في أفعاله .ودلت الية على وحدانية ال
سبحانه وتمام قدرته وكمال حكمته حيث صور الولد في رحم الم على هذه
الصفة ،وركب فيه أنواع البدائع من غير آلة ول كلفة ،وقد تقرر في عقل
وهذا الستدلل مروي عن جعفر بن محمد عليهما السلم ) " .(1من نفس
واحدة " أي آدم " وخلق منها زوجها " حواء كما مر " وبث منهما رجال
كثيرا ونساء " أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجال
النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر ،وذكر " كثيرا " حمل على
الجمع ) " .(2خلقكم من طين " قيل أي ابتدأ خلقكم منه ،فإنه المادة
الولى ،أو إن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه ،أو خلق أباكم ،فحذف
المضاف إليه )انتهى( و يحتمل أن يكون المراد الطين الذي سيأتي في
الخبار أنه يذر في النطفة " .هو أنشأكم من الرض " قيل :أي هو كونكم
منها ل غيره ،فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من الرض.
" واستعمركم فيها " قيل :أي عمركم فيها واستبقاكم من العمر ،أو أقدركم
على عمارتها وأمركم بها .وقيل :هو من العمرى ،بمعنى أعمركم فيها
دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ،أو جعلكم معمرين دياركم
تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم " .ال يعلم ما تحمل كل انثى "
الذي تنقصه الرحام من المدة التي هي تسعة أشهر " وما تزداد " على
ذلك ،عن أكثر المفسرين ،وقيل :ما تغيض الولد الذي تأتي به المرأة لقل
من ستة أشهر ،وما تزداد الولد الذي تأتي به لقصى مدة الحمل ،وقيل:
معناه ما تنقص الرحام من دم الحيض وهو انقطاع الحيض ،وما تزداد بدم
) (1مجمع البيان :ج ،2ص (2) .408انوار التنزيل :ج ،1ص (3) .255
انوار التنزيل :ج ،1ص (4) .369مجمع البيان :ج ،6ص .280
][322
وقال البيضاوي :أي وما تنقصه وما تزداد في الجنة والمدة والعدد .وقيل:
المراد نقصان دم الحيض وازدياده ،و " غاض " جاء لزما ومتعديا ،وكذا
" ازداد ) " ." (1وكل شئ عنده بمقدار " قيل :أي بقدر ل يجاوزه ول
ينقص عنه ،وفي الخبار :أي بتقدير خلق النسان من نطفة .قال
البيضاوي :من جماد لحس بها ول حراك ،سيالة ل تحفظ الوضع والشكل
" فإذا هو خصيم " منطيق ) (2مجادل " مبين " للحجة ،أو خصيم مكافح
لخالقه قائل :من يحيى العظام وهي رميم ) (3؟ " ولم يك شيئا " بل كان
عدما صرفا ،فإنه أعجب من جميع المواد بعد التفريق الذي ينكر منكر
البعث " .في ريب من البعث " قال البيضاوي :من إمكانه وكونه مقدورا "
فإنا خلقناكم " أي فانظروا في بدء خلقكم ،فإنه يزيح ريبكم ،فإنا خلقناكم "
من تراب " بخلق آدم منها ) (4والغذية التي يتكون منها المني " ثم من
نطفة " أي من مني ،من النطف وهو الصب " ثم من علقة " قطعة من
الدم جامدة " ثم من مضغة " قطعة من اللحم بقدر ) (5ما يمضغ " مخلقة
وغير مخلقة " مسواة ل نقص فيها ولعيب ،وغير مسواة أو تامة
وساقطة ،أو مصورة وغير مصورة " لنبين لكم " بهذا التدريج قدرتنا
وحكمتنا فإن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها اخرى ،وإن من قدر
على تغييره وتصويره أول قدر على ذلك ثانيا ،وحذف المفعول إيماء إلى أن
الفعال هذه يتبين بها من قدرته وحكمته مال يحيط به الذكر " ونقر في
الرحام ما نشاء " أن نقره " إلى أجل مسمى " هو وقت الوضع ،وقرئ "
ونقر " بالنصب ،وكذا قوله " ثم نخرجكم " عطفا على " نبين " كأن
وينشؤوا ،أو يبلغوا حد التكليف ،و " طفل " حال اجريت على تأويل كل
واحد ،أو للدللة على الجنس ،أو لنه في الصل مصدر " ثم لتبلغوا أشدكم
"
) (1انوار التنزيل :ج ،1ص (2) .616في المصدر :منطيق مناظر مجادل.
) (3انوار التنزيل :ج ،1ص (4) .657في المصدر :إذ خلق آدم منه(5) .
][323
أي كمالكم في القوة والعقل ،جمع شدة " .ومنكم من يتوفى " عند بلوغ
الشد أو قبله " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " أي الهرم والخرف "
لكيل يعلم من بعد علم شيئا " أي ليعود كهيئته الولى في أوان الطفولية
من سخافة العقل وقلة الفهم فينسي ما علمه وينكر من عرفه ،وأنه استدلل
ثان على إمكان البعث بما يعتري النسان في أسنانه من المور المختلفة
والحوال المتضادة ،فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره ) " .(1من
سللة " من خلصة سلت من بين الكدر " من طين " متعلق بمحذوف لنه
كالول ،و النسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين ،أو الجنس فإنهم
خلقوا من سللت جعلت نطفا بعد أدوار ،وقيل :المراد بالطين آدم لنه خلق
منه ،والسللة نطفته " ثم جعلناه " أي ثم جعلنا نسله ،فحذف المضاف "
نطفة " بأن خلقناه منها ،أو ثم جعلنا السللة نطفة ،وتذكير الضمير على
تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء " في قرار مكين " أي مستقر حصين
يعني الرحم " ثم خلقنا النطفة علقة " بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة
حمراء " فخلقنا العلقة مضغة " أي فصيرناها قطعة لحم " فخلقنا المضغة
عظاما " بأن صلبناها " فكسونا العظام لحما " مما بقي من المضغة ،أو
مما أنبتنا عليها مما يصل إليها ،واختلف العواطف لتفاوت الستحالت،
والجمع لختلفها في الهيئة والصلبة " ثم أنشأناه خلقا آخر " هو صورة
البدن والروح والقوى بنفخة فيه أو المجموع ،و " ثم " لما بين الخلقتين
من التفاوت " أحسن الخالقين " أي المقدرين تقديرا " .ثم إذا أنتم بشر "
أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الرض " .وهنا " أي ذات
وهن أو تهن وهنا " على وهن " أي تضعف ضعفا فوق ضعف ،فإنها ل
تزال يتضاعف ضعفها ،والجملة في موضع الحال " وفصاله في عامين "
أي وفطامه في انقضاء عامين " .الذي أحسن كل شئ خلقه " أي خلقه
موفرا عليه ما يستعده ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة ،و " خلقه "
بدل من " كل " بدل الشتمال ،وقيل :علم كيف يخلقه .وقرأ نافع
والكوفيون بفتح اللم على الوصف " وبدأ خلق النسان " يعني آدم
][324
" من طين ثم جعل نسله " أي ذريته ،سميت به لنها تنسل منه أي تنفصل
" من سللة من ماء مهين " أي ممتهن .وقال الطبرسي -رحمه ال -أي
ضعيف ،وقيل :حقير مهان ،أشار إلى أنه من شئ حقير لقيمة له وإنما
يصير ذا قيمة بالعلم والعمل ) " .(1ثم سواه " قال البيضاوي :أي قومه
بتصوير أعضائه على ما ينبغي " ونفخ من روحه " أضافه إلى نفسه
الحضرة الربوبية ،ولجله من عرف نفسه فقد عرف ربه " وجعل لكم
السمع والبصار والفئدة " خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا " قليل ما
تشكرون " أي تشكرون شكرا قليل ) " .(3من تراب " بخلق آدم منه " ثم
من نطفة " بخلق ذريته منها " ثم جعلكم أزواجا " ذكرانا وإناثا " إل
بعلمه " أي إل معلومة له " وما يعمر من معمر " أي و ما يمد في عمر
من مصيره إلى الكبر " ول ينقص من عمره " من عمر المعمر لغيره بأن
بجعله ناقصا ،والضمير له وإن لم يذكر لدللة مقابله عليه ،أو للمعمر على
التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم :ل يثيب ال عبدا ول يعاقبه إل بحق.
وقيل :الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة اثبتت في
اللوح ،مثل أن يكون فيه :إن حج واعتمر ) (4فعمره ستون سنة وإل
فأربعون .وقيل :المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقص ،فإنه يكتب في
صحيفة عمره يوما فيوما " إل في كتاب " هو علم ال أو اللوح أو
الصحيفة " إن ذلك على ال يسير " إشارة إلى الحفظ أو الزيادة والنقص )
.(5
) (1مجمع البيان :ج ،8ص (2) 327في المصدر :إشعارا (3) .انوار
التنزيل :ج ،2ص (4) .260في المصدر :ان حج عمر وفعمره(5) ..
][325
" يخلقكم في بطون امهاتكم " بيان لكيفية خلق ما ذكر من الناسي
والنعام إظهارا لما فيه من عجائب القدرة ،غير أنه غلب اولي العقل أو
خصهم بالخطاب لنهم المقصودون " خلقا من بعد خلق " حيوانا سويا من
بعد عظام مكسوة لحما ،من بعد عظام عارية ،من بعد مضغ ،من بعد علق،
من بعد نطف " في ظلمات ثلث " ظلمة البطن والرحم والمشيمة ،أو
الصلب والرحم والبطن .اقول :الول رواه الطبرسي -رحمه ال -عن أبي
جعفر عليه السلم ) " .(1ثم لتبلغوا " أي ثم يبقيكم لتبلغوا ،وكذا قوله
تعالى " ثم لتكونوا " " .من قبل " أي من قبل الشيخوخة ) (2أو بلوغ
الشد " ولتبلغوا " قيل :أي ويفعل ذلك لتبلغوا " أجل مسمى " هو وقت
الموت أو يوم القيامة " ولعلكم تعقلون " ما في ذلك من الحجج والعبر" .
يهب لمن يشاء إناثا " قال البيضاوي :المعنى يجعل أحوال العباد في الولد
مختلفة على مقتضى المشية ،فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو انثى
أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ،ولعل تقديم الناث لنه ) (3أكثر لتكثير
النسل ،أو لن مساق الية للدللة على أن الواقع ما يتعلق به مشية ال
تعدهن بلء ،أو لتطييب قلوب آبائهن ،أو للمحافظة على الفواصل )" .(4
هو أعلم بكم " أي أعلم بأحوالكم منكم " إذ أنشأكم " أي علم أحوالكم
ومصارف اموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم ،وحين ما صوركم
في الرحام " .من نطفة إذا تمنى " أي تدفق في الرحم أو تخلق أو يقدر
منها الولد من مني إذا قدر " .أفرأيتم ما تمنون " أي تقذفونه في الرحام
) (1مجمع البيان :ج ،8ص (2) .491الشيخوخية )خ( (3) .في المصدر:
][326
بشرا سويا " .وصوركم فأحسن صوركم " قيل :أي فصوركم من جملة ما
المخلوقات " وإليه المصير " فأحسنوا سرائركم حتى ل يمسخ بالعذاب
ظواهركم " .وجعل لكم السمع " لتسمعوا المواعظ " والبصار " لتنظروا
صنائعه " والفئدة " لتعتبروا وتتفكروا " قليل ما تشكرون " باستعمالها
في ما خلقت لجلها " .ل ترجون ل وقارا " قيل :أي ل تأملون له توقيرا
أي تعظيما لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم
" وقد خلقكم أطوارا " حال مقدرة للنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فان
خلقهم أطوارا أي تارات ،إذ خلقهم أول عناصر ،ثم مركبات يغذي النسان،
ثم أخلطا ثم نطفا ،ثم علقا ،ثم مضغا ،ثم عظاما ولحوما ،ثم أنشأهم خلقا
آخر ،فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة اخرى فيعظمهم بالثواب وعلى
أنه تعالى عظيم القدرة ،تام الحكمة .وقال علي بن إبراهيم :في رواية أبي
الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " ل ترجون ل وقارا " يقول:
ل تخافون ل عظمة .وقال علي بن إبراهيم في قوله " وقد خلقكم أطوارا "
قال :على اختلف الهواء و الرادات والمشيات ) " .(1وال أنبتكم من
الرض نباتا " قيل :أي أنشأكم منها ،فاستعير النبات للنشاء لنه أدل
ويخرجكم إخراجا " بالحشر ،وأكده بالمصدر كما أكد به الول دللة على أن
العادة محققة كالبتداء وأنها تكون ل محالة .وقال علي بن إبراهيم :من
الرض أي على الرض ) " .(2فخلق فسوى " قيل :أي قدره فعدله "
فجعل منه الزوجين " أي الصنفين " .هل أتى على النسان " قال
][327
بقد ،وأصله أهل " .حين من الدهر " طائفة محدودة من الزمان الممتد
الغير المحدود " لم يكن شيئا مذكورا " بل كان نسيا ) (1منسيا غير
لحين بحذف الراجع ،والمراد بالنسان الجنس لقوله " إنا خلقنا النسان
من نطفة " أو آدم ،بين أول خلقه ،ثم ذكر خلق بنيه من نطفة " أمشاج "
أي أخلط ،جمع مشيج أو مشج ،من مشجت الشئ إذا خلطته ،وجمع )(2
النطفة به لن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة ،وكل منهما مختلفة
المرأة أصفر فإذا اختلطا اخضرا ،أو أطوار ،فإن النطفة تصير علقة ثم
مضغة إلى تمام الخلقة " نبتليه " في موضع الحال ،أي مبتلين له بمعنى
مريدين اختباره ،أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعار له البتلء "
فجعلناه سميعا بصيرا " ليتمكن من مشاهدة الدلئل واستماع اليات فهو
كالمسبب من البتلء ولذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به ورتب عليه
قوله " إنا هديناه السبيل ) ." (3وقال الطبرسي -رحمه ال :-قد كان
شيئا إل أنه لم يكن مذكورا ،لنه كان ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح.
وقيل :إنه أتى على آدم أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا ل في السماء ول
في الرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح .وروي عن
ابن عباس أنه تم ) (4خلقه بعد عشرين ومائة سنة .وروى العياشي
بإسناده عن عبد ال بن بكير عن زرارة قال :سألت أبا جعفر عليه السلم
عن قوله " لم يكن شيئا مذكورا " قال :كان شيئا ولم يكن مذكورا.
) (1في المصدر :شيئا (2) .في المصدر :وصف (3) .انوار التنزيل :ج ،2
][328
وبإسناده عن شعيب ) (1الحداد عن أبي جعفر عليه السلم قال :كان
مذكورا في العلم ولم يكن مذكورا في الخلق .وعن عبد العلى مولى آل سام
عن أبي عبد ال عليه السلم مثله .وعن حمران بن أعين قال :سألته عنه
فقال :كان شيئا مقدرا ) (2ولم يكن مكونا ) .(3وفي هذا دللة على أن
المعدوم معلوم وإن لم يكن مذكورا ،وأن المعدوم يسمى شيئا .فإذا حمل
النسان على الجنس فالمراد أنه قبل الولدة ليعرف ول يذكر ول يدرى من
هو وما يراد به ،بل يكون معدوما ،ثم يوجد في صلب أبيه ،ثم في رحم أمه
إلى وقت الولدة " .أمشاج " أي أخلط من ماء الرجل وماء المرأة في
أمشاج أطوار ،وقيل :أراد اختلف اللوان فنطفة الرجل بيضاء وحمراء،
ونطفة المرأة خضراء وحمراء ) (4فهي مختلفة اللوان ،و قيل :نطفة
مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض ،وقيل هي العروق التي تكون
الحيوانية المعدلة الخلط ،ثم جعل فيه الحياة ،ثم شق له السمع والبصر
ويروى عنه سيف بن عميرة وابن ابى عمير وغيرهما ولم يذكروا روايته
عن ابى جعفر عليه السلم بل واسطة .وفى مجمع البيان " سعيد الحداد "
والصحيح في ضبطه كما عن غير العلمة في الخلصة " سعد " بلياء
وهو من اصحاب الباقر عليه السلم مجهول (2) .مقدورا )خ( (3) .مذكورا
)خ( (4) .في المصدر :صفراء (5) .في المصدر :بناه ال (6) ..في
][329
العناصر المختلفة والصفات المتضادة ،والمواد المتبائنه " .من ماء مهين
" نطفة قذرة ذليلة ،وقال علي بن إبراهيم :منتن " في قرار مكين " قال:
في الرحم ) " .(1إلى قدر معلوم " أي إلى قدر ) (2معلوم من الوقت قدره
ال للولدة " فقدرنا " على ذلك أو فقدرناه ،ويدل عليه قراءة نافع
والكسائي بالتشديد " فنعم القادرون " نحن " فويل يومئذ للمكذبين "
بقدرتنا على ذلك أو على العادة " .وخلقناكم أزواجا " أي ذكرا وانثى "
قتل النسان ما أكفره " قيل :دعاء عليه بأشنع الدعوات وتعجب من
إفراطه في الكفران " من أي شئ خلقه " بيان لما أنعم عليه خصوصا من
مبدأ حدوثه واستفهام للتحقير ،ولذلك أجاب عنه بقوله " من نطفة خلقه
فقدره " أي فهيأه لما يصلح له من العضاء والشكال ،أو فقدر أطوارا إلى
أن تم خلقه " ثم السبيل يسره " أي ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح
فوهة الرحم ،وألهمه أن ينتكس ،أو ذلل ) (3له سبيل الخير والشر ،وفيه -
على المعنى الخير -إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ،ولذا عقبه
بقوله " ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره " عد الماتة والقبار في النعم
لن الماتة وصلة في الجملة إلى الحياة البدية واللذات الخالصة ،والمر
بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع " .ما غرك بربك الكريم " أي أي شئ
خدعك وجرأك على عصيانه ؟ قيل :ذكر الكريم للمبالغة في المنع عن
الغترار والشعار بمابه يغره الشيطان ،فإنه يقول له :افعل ما شئت فإن
ربك كريم ل يعذب أحدا ،وقيل :إنما قال سبحانه " الكريم " دون سائر
أسمائه وصفاته لنه كأنه لقنه الجواب حتى يقول :غرني كرم الكريم .وفي
مجمع البيان :روي أن النبي صلى ال عليه واله لما تل هذه الية قال:
) (1تفسير القمى (2) .708 :مقدار )خ( (3) .دلل )خ( (4) .مجمع البيان:
ج ،10ص .449
][330
" فسواك أي جعل أعضاءك سليمة مسواة معدة لمنافعها " فعدلك " قيل:
التعديل جعل البنية معتدلة متناسبة العضاء ،أو معدلة بما يستعدها من
القوى .وقرأ الكوفيون " فعدلك " بالتخفيف ،أي عدل بعض أعضائك
ببعض حتى اعتدلت ،أو فصرفك عن خلقة غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة
سائر الحيوانات " .في أي صورة ما شاء ركبك " إي ركبك في أي صورة
شاءها ،و " ما " مزيدة ،وقيل :شرطية و " ركبك " جوابها ،والظرف
صفة عدلك ،وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لنها بيان ل " عدلك "" .
فلينظر النسان مم خلق " قيل :ليعلم صحة إعادته فل يملي على حافظيه
إل ما ينفعه في عاقبته " خلق من ماء دافق " قال الرازي :الدفق صب
الماء ،يقال :دفقت الماء إذا صببته فهو مدفوق ومندفق ،واختلف في أنه
كيف وصف بأنه دافق :الول أن معناه ذو اندفاق كما يقال دارع وتارس
ولبن وتامر أي ذو درع و ترس ولبن وتمر .الثاني أنهم يسمون المفعول
باسم الفاعل ،قال الفراء :وأهل الحجاز أجعل لهذا من غيرهم ،يجعلون
الفاعل مفعول إذا كان في مذهب النعت كقولهم :سر كاتم وهم ناصب ،وليل
قائم ،وكقوله تعالى " في عيشة راضية " .الثالث ذكر الخليل :دفق الماء
دفقا ودفوقا إذا انصب .الرابع صاحب الماء لما كان دافقا اطلق ذلك على
المجاز " .بين الصلب والترائب " قال الجوهري " التريبة واحدة الترائب،
وهي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الشذوة )انتهى( وقال الرازي :ترائب
المرأة عظام صدرها حيث تكون القلدة ،وكل عظم من ذلك تريبة ،وهذا
قول جميع أهل اللغة .ثم قال :في هذه الية قولن :أحدهما أن الولد مخلوق
من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة ،وقال آخرون :إنه
][331
الرجل خارج من الصلب فقط وماء المرأة خارج من ترائب المرأة ) (1فقط،
وعلى هذا التقدير ل يحصل هناك ماء خرج من بين الصلب والترائب ،وذلك
على خلف الية .الثاني أنه تعالى بين أن النسان مخلوق من ماء دافق،
والذي وصف بذلك هو ماء الرجل ،ثم وصفه بأنه يخرج هذا الدافق من بين
الصلب والترائب وذلك يدل على أن الولد مخلوق من ماء الرجل فقط.
وأجاب القائلون بالقول الول عن الحجة الولى أنه يجوز أن يقال للشيئين
المتبائنين إنه يخرج من بين هذين خير كثير ،و لن الرجل والمرأة عند
اجتماعهما يصيران كالشئ الواحد ،فحسن هذا اللفظ هناك .وعن الثانية بأن
هذا من باب إطلق اسم البعض على الكل ،فلما كان أحد قسمي المني دافقا
أطلق هذا السم على المجموع .ثم قالوا :والذي يدل على أن الولد مخلوق
منهما أن مني الرجل وحده صغير ول يكفي ،وروي أنه صلى ال عليه
وسلم قال :إذا غلب ماء الرجل يكون ذكرا ويعود شبهه إليه وإلى أقاربه،
وإذا غلب ماء المرأة فإليها وإلى أقاربها يعود الشبه .وذلك يقتضي صحة
القول الول .ثم قال :واعلم أن الملحدين طعنوا في هذه الية فقالوا :إن كان
المراد من قوله " يخرج من بين الصلب والترائب " أن المني إنما ينفصل
من تلك المواضع فليس المر كذلك لنه إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع،
(2فيصير مستعدا لن يتولد منه مثل تلك العضاء ،ولذلك قيل :إن المفرط
في الجماع يستولي الضعف عليه في جميع أعضائه وإذا كان المراد أن
معظم المني يتولد هناك فهو ضعيف بل معظم أجزائه إنما يتولد ) (3في
الدماغ ،والدليل عليه أنه في صورته يشبه الدماغ ،ولن المكثر منه يظهر
الضعف أول في عينيه ،وإن كان المراد أن مستقر المني هناك فهو ضعيف
لن مستقر المني هو أوعية المني وهي عروق تلتف بعضها ببعض عند
) (1في المصدر :الترائب (2) .في المصدر :طبيعته وخاصيته (3) .في
المصدر :يتربى.
][332
المني هناك فهو ضعيف فإن الحس يدل على أنه ليس كذلك .والجواب:
وهي النخاع في الصلب ،وشعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن وهو التريبة،
الضعيف وكلم ال أولى بالقبول )) (2انتهى( .وقال البيضاوي " :من بين
الصلب والترائب " بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام صدرها،
العضاء حتى يستعد ) (4أن يتولد منها مثل تلك العضاء ،ومقرها عروق
التف بعضها ببعض عند البيضتين ،فالدماغ أعظم العضاء معونة في
توليدها ،ولذلك تشبهه ويسرع الفراط في الجماع بالضعف فيه ،وله خليفة
وهي النخاع وهو في الصلب ،و شعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب
إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر )) (5انتهى( .وأقول :على تقدير تسليم
ما ذكره الطباء في ذلك يمكن أن يكون المراد خروج المني من الرجل
والمرأة ،و يكون هذا التعبير لبيان كثرة مدخلية الصلب والترائب فيهما،
وكون ماء المرأة غير دافق ممنوع ،بل الظاهر أن له أيضا دفقا لكنه لما
) (1من )خ( ) (2مفاتيح الغيب :ج ،31ص (3) .129في المصدر :فضل.
) (4في المصدر :تستعدلن (5) .انوار التنزيل :ج ،2ص .597
][333
في مني الرجل والترائب في مني المرأة ،ويؤيده أن الطباء ذكروا من آداب
الجماع دغدغة ثدي المرأة لتهييج شهوتها ،وعللوه بأن الثدي شديد
بن سالم ،قال :دخل أبو حنيفة على الصادق عليه السلم فقال عليه السلم
له :البول أقذر أم المني ؟ قال :البول ،قال :يجب على قياسك أن يجب الغسل
من البول دون المني وقد أوجب ال الغسل من المني دون البول .ثم قال:
ضرورة ويكون في اليوم مرات ) .(1قال أبو حنيفة :كيف يخرج من جميع
الجسد وال يقول " من بين الصلب والترائب " ؟ قال أبو عبد ال عليه
السلم :فهل قال ل يخرج من غير هذين الموضعين ؟ ثم قال عليه السلم:
لم ل تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال :لأدري ،قال عليه السلم :حبس ال
الدم فجعله غذاء للولد -إلى آخر الخبر بطوله - 2 .(2) -تفسير النعماني:
بإسناده عن الصادق عليه السلم قال :سئل أمير المؤمنين عليه السلم عن
مشابه ) (3الخلق ،فقال :هو على ثلثة أوجه .فمنه خلق الختراع كقوله
سبحانه " خلق السماوات والرض في ستة أيام " ) (4وخلق الستحالة،
قوله تعالى " يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلث
) " (5وقوله " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة -الية " (6) -وأما
خلق التقدير فقوله لعيسى " وإذ تخلق من الطين ) - (7الية - 3 ." -
الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن
أحمد
) (1في المصدر :وهو مختار والخر متولج (2) .المناقب :ج ،4ص .253
) (3متشابه )خ( (4) .العراف ،53 :يونس ،3 :هود ،57 :الحديد) .4 :
][334
ابن أشيم ،عن بعض أصحابه ،قال :أصاب رجل غلمين في بطن ،فهنأه أبو
عبد ال عليه السلم ثم قال :أيهما أكبر ؟ فقال :الذي خرج أول ،فقال أبو
عبد ال عليه السلم :الذي خرج آخرا هو أكبر ! أما تعلم أنها حملت بذاك
أول وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج هذا ؟ فالذي
به ،ولعله ليس غرضه عليه السلم الكبر الذي هو مناط الحكام الشرعية.
- 4الكافي :عن العدة ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن أبيه ،عن وهب ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال أمير المؤمنين عليه السلم :يعيش الولد لستة
أشهر ولسبعة أشهر ولتسعة أشهر ،ول يعيش لثمانية أشهر )- 5 .(3
ومنه :عن علي بن محمد ،عن صالح بن أبي حماد ،عن يونس بن عبد
الرحمن عن عبد الرحمن بن سيابة ،عمن حدثه ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن امه كم هو ؟ فإن الناس
يقولون :ربما يبقى ) (4في بطنها سنين ،فقال :كذبوا ،أقصى حد الحمل
تسعة أشهر ل يزيد لحظة ،ولو زاد ساعة لقتل أمه قبل أن يخرج )- 6 .(5
ومنه :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن الحسن ،عن يعقوب بن يزيد ،عن
ابن أبي عمير ،عن محمد بن مسلم ،قال :كنت جالسا عند أبي عبد ال عليه
السلم إذ دخل يونس ابن يعقوب ،فرأيته يئن ،فقال له أبو عبد ال عليه
السلم :مالي أراك تئن ؟ قال :طفل لي تأذيت به الليل أجمع .فقال له أبو
عبد ال عليه السلم :يا يونس ! حدثني أبي محمد بن علي عن آبائه عليهم
ورسول ال وعلي
) (1الكافي :ج ،6ص (2) .53المناقب :ج ،4ص (3) .270الكافي :ج
،6ص (4) .52في المصدر :بقى (5) .الكافي :ج ،6ص .52
][335
يئنان ،فقال جبرئيل :يا حبيب ال ! مالي أراك تئن ؟ فقال رسول ال صلى
ال عليه واله :من أجل طفلين لنا تأذينا ببكائهما .فقال جبرئيل :مه يا محمد
! فإنه سيبعث لهؤلء القوم شيعة إذا بكى أحدهم فبكاؤه ل إله إل ال إلى أن
يأتي عليه سبع سنين ،فإذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه إلى أن يأتي
عليه الحد ،فإذا جاز الحد فما أتى من حسنة فلوالديه وما أتى من سيئة فل
عليهما ) .(1بيان " :فبكاؤه ل إله إل ال " لعل المعنى أنه يعطى والداه
عن سعد بن عبد ال ،عن أحمد بن حمزة الشعري ،عن ياسر الخادم ،قال:
سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلم يقول :إن أوحش ما يكون هذا الخلق
في ثلثة مواطن :يوم يلد ) (2ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ،ويوم
يموت ويعاين ) (3الخرة وأهلها ،ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار
الدنيا ،وقد سلم ال عزوجل على يحيى عليه السلم في هذه المواطن
الثلثة ) (4وآمن روعته ،فقال " وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم
يبعث حيا " وقد سلم عيسى بن مريم عليهما السلم على نفسه في هذه
المواطن الثلثة ) (5فقال " والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث
حيا ) - 8 .(6المناقب :قال عمران الصابي للرضا عليه السلم :ما بال
الرجل إذا كان مؤنثا والمرأة إذا كانت مذكرة ؟ قال عليه السلم :علة ذلك
أن المرأة إذا حملت وصار الغلم منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا،
وإذا صارت الجارية موضع الغلم كانت مذكرة وذلك أن موضع الغلم في
) (1الكافي ج 6ص (2) .52كذا ،والصواب " يولد " (3) .في العيون:
فيعاين 4) .و (5في اكثر النسخ :الثلثة المواطن (6) .العيون :ج ،1ص
][336
وربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد ،فأن عظم ثدياها جميعا تحمل
توأمين وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليل على أنه ) (1تلد واحدا ،إل أنه
إذا كان الثدي اليمن أعظم كان المولود ذكرا وإذا كان اليسر أعظم كان
المولود انثى ،وإذا كانت حامل فضمر ثديها اليمن فإنها تسقط غلما ،وإذا
ضمر ثديها اليسر فإنها تسقط انثى ،وإذا ضمرا جميعا تسقطها جميعا.
قال :من أي شئ الطول والقصر في النسان ؟ فقال :من قبل النطفة ،إذا
خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر ،وإن استطالت جاء الطول )9 .(2
-تفسير المام والحتجاج :بالسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلم
عن جابر بن عبد ال ،قال :سأل ابن صوريا النبي صلى ال عليه واله
صلى ال عليه واله :أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم
والدم والشعر فمن المرأة .قال :صدقت يا محمد ،ثم قال :يا محمد فما بال
الولد يشبه أعمامه ليس فيه ) (3من شبه أخواله شئ ،ويشبه أخواله ليس
فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه واله :أيهما عل
ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له .قال :صدقت يا محمد ،فأخبرني عمن )(4
ل يولد له ومن يولد له .فقال :إذا مغرت النطفة لم يولد له -أي إذا احمرت
ثوبان ،قال :إن يهوديا جاء إلى النبي صلى ال عليه واله فقال :يا محمد
أسألك عن شئ ل يعلمه إل نبي .قال :وما هو ؟ قال :عن شبه الولد أباه و
امه .قال :ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ،فإذا عل ماء
الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن ال عزوجل ومن قبل ذلك يكون
الشبه ،وإذا عل ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد انثى بإذن ال تعالى ومن
قبل ذلك يكون الشبه -الخبر .(6) -العلل :عن علي بن أحمد بن محمد،
) (1كذا (2) .المناقب :ج ،4ص (3) .354في الحتجاج :له (4) .فيه:
][337
الحسين بن الجنيد البزاز ،عن إبراهيم بن موسى الفراء ،عن محمد بن
ثور ،عن معمر ابن يحيى ،عن يحيى بن أبي كثير ،عن عبد ال بن مرة،
عن ثوبان مثله ) .(1اقول :سيأتي أخبار الخضر في هذا المعنى في باب
النفس وأحوالها - 11 .تفسير على بن ابراهيم :عن أبيه ،عن سليمان بن
خالد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا بلغ الولد أربعة أشهر فقد صار
فلينظر النسان مم خلق خلق من ماء دافق " قال :النطفة التي تخرج بقوة
" يخرج من بين الصلب والترائب " قال :الصلب الرجل والترائب المرأة
ل عن أبيه عليهما السلم قال :إن ال عزوجل خلق خلقين ،فإذا أراد أن
يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه " منها خلقناكم
وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ) " (4فعجن النطفة بتلك التربة
التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة ،فإذا تمت له ) (5أربعة
أشهر قالوا :يا رب تخلق ماذا ؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر ) (6وانثى،
أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه
كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو انثى ،فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة
) .(7بيان " :خلقين " أي ملئكة خلقين ،والخلق هنا بمعنى التقدير ل
اليجاد وظاهره خروج المني الول بعينها من فيه أو عينه ،ويمكن أن
يحفظ ال تعالى جزء من تلك النطفة مدة حياته ،ويحتمل أن يكون المراد أن
) (1علل الشرائع :ج ،1ص (2) .90تفسير القمى (3) .446 :التفسير:
(4) .720طه (5) .57 :في المصدر :لها (6) .فيه :أو (7) .الكافي :ج ،3
ص .167
][338
- 14الكافي :عن العدة ،عن سهل ،عن الحجال ،عن ابن بكير ،عن أبي
منهال ،عن الحارث بن المغيرة ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث ال عزوجل ملكا فأخذ من التربة التي
يدفن فيها فماثها في النطفة فل يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها ).(1
بيان :الموث :الخلط ،والحنين :الشوق - 15 .العلل :عن علي بن أحمد بن
محمد بن ) (2يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال :أتى علي بن
والعصب ؟ فقال عليه السلم :أما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق
نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه ،ومن نطفة
الرجل يكون العظم والعصب وإذا سبق نطفة المرأة نطفة الرجل إلى الرحم
خرج شبه الولد إلى أخواله ،ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لنها
صفراء رقيقة -الخبر - 16 .(4) -ومنه :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال،
عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير ،قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم فقلت له :إن الرجل ربما
أشبه أخواله وربما أشبه عمومته .فقال :إن نطفة الرجل بيضاء غليظة
ونطفة المرأة صفراء رقيقة ،فإن غلبت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه
الرجل أباه وعمومته ،وإن غلبت نطفة المرأة نطفة الرجل أشبه الرجل
أخواله ) - 17 .(5ومنه :عن علي بن حاتم -في ما كتب إلي -عن القاسم
بن محمد ،عن حمدان بن الحسين ،عن الحسين بن الوليد ،عن ابن بكير،
) (1الكافي :ج ،3ص (2) .203في المصدر وبعض نسخ الكتاب :عن
محمد بن يعقوب (3) .في المصدر :والدم (4) .العلل :ج ،1ص (5) .1
][339
أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :المولود يشبه أباه وعمه .قال :إذا
سبق ماء الرجل ماء المرأة فالولد يشبه أباه وعمه ،وإذا سبق ماء المرءة
ماء الرجل يشبه الولد امه وخاله ) - 18 .(1ومنه :عن العباس بن محمد )
الطويل ،عن أنس بن مالك ،قال :سأل عبد ال بن سلم النبي صلى ال
عليه واله فقال :من ينزع الولد إلى أبيه أو إلى امه ؟ قال صلى ال عليه
واله :إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه -الخبر ) .- (5بيان:
في القاموس :نزع أباه وإليه :أشبهه .وأقول :يحتمل أن يكون المراد
بالسبق الغلبة ليوافق خبر أبي بصير ،أو العلو ليطابق رواية ثوبان وغيره،
ويمكن كون كل منها سببا لذلك .أقول :مضامين تلك الخبار مروية من
طرق العامة أيضا وفي كتبهم ،ورووا أيضا أن حبرا من أحبار اليهود سأل
النبي صلى ال عليه واله عن الولد فقال :ماء الرجل أبيض وماء المرأة
أصفر ،فإذا اجتمعا فعل مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن ال تعالى .وقال
بعضهم :معنى العلو الغلبة على الخر ،ومعنى السبق الخروج أول ،وزعم
اليناث ،ورد ذلك التفصيل بأنه جعل في حديث الحبر العلو علة الذكار
واليناث .وأجاب عنه بعضهم بأن العلو في حديث الحبر بمعنى السبق إلى
الرحم لن ما عل سبق ويتعين تفسيره بذلك ،فإنه في حديث آخر جعل العلو
علة شبه العمام والخوال وجعله في حديث الحبر علة الذكار واليناث،
) (1العلل :ج ،1ص (2) .88كذا :والصواب :أبو العباس محمد بن
ابراهيم بن إسحاق الطالقاني (3) .في بعض النسخ بالحاء المهملة وفى
بعضها بالجبم ،ولم نجد له ذكرا في كتب الرجال ) (4كذا في جميع نسخ
الكتاب ،والظاهر ان الصواب " السهمى " كما في المصدر لنه الذى يروى
بابه لزم بمقتضى الحديث أن يكون العلو علة في شبه العمال والخوال
وفي الذكار واليناث ،ول يصح لن الحس يكذبه ،لنا نشاهد الولد ذكرا
ويشبه الخوال ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور في
العمام والخوال ،والسبق إلى الرحم علة للتذكير والتأنيث ،ويخرج من
مجموع ذلك أن القسام أربعة :إن سبق ماء الرجل وعل أذكر وأشبه الولد
أعمامه ،وإن سبق ماء المرأة وعل ماؤه انث وأشبه الولد أعمامه )انتهى(
) - 19 .(1العلل :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ،عن محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب عن جعفر بن بشير ،عن رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إن ال تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين
أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم فل يقولن أحد هذا ل يشبهني ول
العلوي ،عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ،عن أبيه ،عن علي بن
الحسن ،عن محمد بن عبد ال بن زرارة ،عن علي بن عبد ال ،عن أبيه،
عن جده ،عن أمير المؤمنين عليه السلم قال :تعتلج النطفتان في الرحم
فأيتهما أكثر جاءت تشبهها ،فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه
أخواله وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه .وقال :تحول
النطفة في الرحم أربعين يوما ،فمن أراد أن يدعو ال عزوجل ففي تلك
الربعين قبل أن تخلق ،ثم يبعث ال عزوجل ملك الرحام فيأخذها فيصعد
بها إلى ال عزوجل فيقف منه ما شاء ال ،فيقول :يا إلهي أذكر أم انثى ؟
فيوحي ال عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك ،ثم يقول :إلهي
) (1كذا في جميع نسخ الكتاب ،والظاهر سقوط قسمين من القسام الربعة
في العبارة وهما :ان سبق ماء الرجل وعل ماء المرأة اذكر واشبه الولد
اخواله ،وان سبق ماء المرأة وعل ايضا انث واشبه الولد اخواله(2) .
][341
فيقول :اللهم ) (1كم رزقه ؟ وما أجله ؟ ثم يكتبه ويكتب كل شئ يصيبه في
الدنيا بين عينيه ،ثم يرجع به فيرده في الرحم ،فذلك قول ال عزوجل " ما
) ." (2بيان] :في القاموس[ اعتلجوا :اتخذوا صراعا وقتال ،والرض:
طال نباتها والمواج :التطمت - 21 .العلل :عن أبيه ،عن محمد بن أبي
القاسم ،عن محمد بن علي الكوفي ،عن عبد ال بن عبد الرحمان الصم،
عن الهيثم بن واقد ،عن مقرن ) (3عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سأل
سلمان -رضي ال عنه -عليا عليه السلم عن رزق الولد في بطن امه،
فقال :إن ال تبارك وتعالى حبس عليها الحيضة فجعلها رزقه في بطن امه
) - 22 .(4ومنه :عن الحسين بن أحمد ،عن أبيه ،عن ابن عيسى ،عن
البزنطي عن عبد الرحمان بن حماد ،قال :سألت أبا إبراهيم عليه السلم
عن الميت لم يغسل غسل الجنابة ؟ قال :إن ال تبارك وتعالى أعل أخلص
من أن يبعث الشياء بيده ،إن ل تبارك و تعالى ملكين خلقين ،فإذا أراد أن
يخلق خلقا أمر أولئك الخلقين فأخذوا من التربة التي قال ال في كتابه "
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ) " (5فعجنوها
بالنطفة المسكنة في الرحم ،فإذا عجنت النطفة بالتربة قال :يا رب ما
تخلق ؟ قال :فيوحي ال تبارك وتعالى ) (6ما يريد من ذلك ذكرا أو انثى،
مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض ،شقيا أو سعيدا .فإن مات سالت منه تلك
) (1في المصدر :الهى (2) .علل الشرائع :ج ،1ص 89والية في سورة
الحديد (3) .22 :ذكر الشيخ في رجاله عدة من اصحاب الصادق عليه
السلم بهذا السم وحال جميعهم مجهول (4) .علل الشرائع :ج ،1ص
][342
ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة ) .(1بيان " :أمر اولئك الخلقين " كأن
الجمعية على المجاز ،أو المراد بالملكين نوعين ) (2من الملك لكل امرأة
أبيه ،عن هارون بن الجهم ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن ال تبارك وتعالى يقول في كتابه " لقد خلقنا النسان في
كبد ) (3يعني منتصبا في بطن امه ،مقاديمه إلى مقاديم امه ،ومواخيره إلى
مواخير امه ،غذاؤه مما تأكل أمه ويشرب مما تشرب تنسمه تنسيما،
وميثاقه الذي أخذ ال عليه بين عينيه فإذا دنا ولدته أتاه ملك يسمى "
الزاجر " فيزجره فينقلب ،فيصير مقاديمه إلى مواخر ) (4امه ومواخيره
إلى مقدم امه ،ليسهل ال على المرأة والولد أمره ،ويصيب ذلك جميع
الناس إل إذا كان عاتيا ،فإذا زجره فزع وانقلب ووقع إلى الرض باكيا من
أحوال الدواب والنعام - 24 .العياشي :عن عبد الملك بن أعين ،قال :إذا
زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عمل جميعا ،ثم تختلف النطفتان فيخلق
ال منهما فيكون شرك الشيطان - 25 .ومنه :عن محمد بن مسلم ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :سألته عن شرك الشيطان قوله " وشاركهم في
الموال والولد " قال :ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان قال:
ويكون مع الرجل حتى يجامع ،فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان
ودما بعد أربعين سنة أنه لم يكن في رحم ولبطن وكان ظاهرا بارزا فتحول
لحما ودما بعد أربعين سنة - 27 .المناقب :عن سلم بن المستنير ،عن أبي
) (1العلل :ج ،1ص (2) .284نوعان )ظ( (3) .البلد (4) .4 :في
][343
فيه خلق الولد في بطن امه ،قال :ويبعث ال ملكا يقال له " الزاجر "
فيزجره زجرة فيفزع الولد منها وينقلب ،فتصير رجله أسفل البطن ليسهل
ال عزوجل على المرأة وعلى الولد الخروج .قال :فإن احتبس زجره زجرة
اخرى شديدة ،فيفزع منها فيسقط إلى الرض فزعا باكيا من الزجر ).(1
بن المستنير ،قال :سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال عزوجل "
مخلقة وغير مخلقة ) " (2فقال :المخلقة هم الذر الذين خلقهم ال في
صلب آدم عليه السلم أخذ عليهم الميثاق ،ثم أجراهم في أصلب الرجال
وأرحام النساء ،وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق.
وأما قوله " وغير مخلقة " فهم كل نسمة لم يخلقهم ال في صلب آدم عليه
السلم حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق ،وهم النطف من العزل والسقط
قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء ) .(3بيان :على تأويله عليه السلم
يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير ،أي ما قدر في الذر أن ينفخ فيه
الروح وما لم يقدر - 29 .الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد،
عن الحسين بن سعيد ،عن حماد بن عيسى ،عن حريز ،عمن ذكره ،عن
أحدهما عليهما السلم في قول ال عزوجل " يعلم ما تحمل كل انثى وما
تغيض الرحام وما تزداد ) " (4قال :الغيض كل حمل دون تسعة أشهر،
وما يزداد ) (5كل شئ يزداد على تسعة أشهر ،فكلما رأت المرأة الدم
الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد اليام التي رأت في حملها من الدم ).(6
- 30ومنه :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن
الحسن ابن الجهم ،قال :سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلم يقول :قال
أبو جعفر عليه السلم :إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ،ثم تصير
) (1المناقب :ج ،4ص (2) .200الحج (3) .5 :الكافي :ج ،6ص ) .12
(4الرعد (5) .8 :في المصدر :تزداد (6) .الكافي :ج ،6ص 12
][344
فإذا كمل أربعة أشهر بعث ال عزوجل ملكين خلقين فيقولن :يا رب ما
ذلك أشياء -ويكتبان الميثاق بين عينيه ،فإذا أكمل ال الجل بعث ال ملكا
فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق .وقال الحسن بن الجهم :فقلت له:
أفيجوز أن يدعو ال عزوجل فيحول النثى ذكرا أو الذكر انثى ؟ فقال :إن
ال يفعل ما يشاء ) .(1بيان :قيل :كتابة الميثاق كناية عن مفطوريته على
خلقه قابلة للتوحيد وسائر المعارف ،ونسيان الميثاق كناية عن دخوله في
عالم السباب المشتمل على موانع تعقل ما فطر عليه .أقول :قد مر بسط
عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه جميعا عن ابن محبوب ،عن
ابن رئاب ،عن زرارة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال عزوجل إذا
أراد أن يخلق النطفة التي ) (2أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو
له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع ،وأوحى إلى الرحم أن افتحي
بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري ،فتفتح الرحم بابها فتصل
النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ،ثم تصير علقة أربعين يوما ،ثم
تصير مضغة أربعين يوما ،ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ،ثم
المرأة من فم المرأة فيصلن إلى الرحم ،وفيها الروح القديمة المنقولة في
أصلب الرجال وأرحام النساء ،فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ،ويشقان
له السمع والبصر وجميع الجوارح ،وجميع ما في البطن بإذن ال تعالى .ثم
يوحي ال إلى الملكين :اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي
البداء في ما تكتبان
) (1الكافي :ج ،6ص (2) .13في المصدر :مما اخذ (3) .في المصدر:
يشاء ال فيقتحمان.
][345
فيقولن :يا رب ما نكتب ؟ قال :فيوحي ال عزوجل إليهما أن ارفعا
رؤوسكما إلى رأس أمه ،فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة امه،
فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته ورؤيته ) (1وأجله وميثاقه شقيا أو
سعيدا وجميع شأنه .قال :فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في
عينيه ،ثم يقيمانه قائما في بطن امه .قال :فربما عتا فانقلب ،ول يكون ذلك
إل في كل عات ) (2أو مارد :فإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام
أوحى ال عزوجل إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي
وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه .قال :فيفتح الرحم باب الولد فيبعث
ال عزوجل إليه ملكا يقال له " زاجر " فيزجره زجرة فيفزع منها الولد،
فينقلب فيصير رجله فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل ال على
المرأة وعلى الولد الخروج .قال :فإذا احتبس زجره الملك زجرة اخرى
فيفزع منها فيسقط الولد إلى الرض باكيا فزعا من الزجرة ) .(3بيان:
قوله " أو ما يبدو له فيه " من البداء ،وقد مر معناه في محله والمعنى :لم
يؤخذ عليه الميثاق أول في صلب آدم ولكن بداله ثانيا بعد خروجه من
المخلقة في الخبر السابق فيكون مشاركا للول في بعض ما سيذكر ،كما أن
القسم الول أيضا قد يسقط قبل كماله فل يجري فيه جميع ما في الخبر،
ويحتمل أيضا أن يراد بالول من يصل إلى حد التكليف ويؤخذ بما اخذ عليه
من الميثاق ،وبالثاني من يموت قبل ذلك " حرك الرجل " بإلقاء الشهوة
عليه ،واليحاء كأنه على سبيل المر التكويني ل التكليفي أي تنفتح بقدرته
وإرادته تعالى ،أو كناية عن فطره إياها على الطاعة طمعا كما قيل" .
فتردد " بحذف إحدى التائين ،أي تتحول من حال إلى حال ،وقد مر أن
الخلق
) (1في المصدر " :زينته " (2) .ومارد )خ( ) (3الكافي :ج ،6ص - 13
.15
][346
المعروف في أصل اللغة " .فيقتحمان " أي يدخلن من غير اختيار لها
وإذن منها " وفيها الروح القديمة " أي الروح المخلوق في الزمان
المتقادم قبل خلق جسده ،وكثيرا ما يطلق القديم في اللغة والعرف على هذا
المعنى كما ل يخفى على من تتبع كتب اللغة وموارد الستعمالت والمراد
بها النفس النباتية أو الروح الحيوانية أو النسانية .قوله " رؤيته " أي ما
يرى منه ،ويمكن أن يقرأ بالتشديد بمعنى التفكر والفهم ،والعتو مجاوزة
الحد والستكبار .ثم اعلم أن للعلماء في أمثال هذا الخبر مسالك :فمنهم من
آمن بظاهرها ووكل علمها إلى من صدرت عنه ،وهذا سبيل المتقين ;
صدر عن أئمة النام عليهم السلم ; ومنهم من قال :هذا على سبيل
التمثيل ،كأنه عليه السلم شبه ما يعلمه سبحانه من حاله وطينته وما
وكتابتهما على جبهته وغير ذلك ; وقال بعضهم :قرع اللوح جبهة أمه كأنه
خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها ،وإنما يستنبط الحوال التي ينبغي
أن يكون الولد عليها من ناصية امه ) (1ويكتب ذلك على وفق ماثمة
للمناسبة التي تكون بينه وبينها ،وذلك لن جوهر الروح إنما يفيض على
البدن بحسب استعداده وقبوله إياه ،واستعداد البدن تابع لستعداد نفس
البوين وصفاتهما وأخلقهما لسيما الم المربية له على وفق ما جاء به
من ظهر أبيه ،فهي حينئذ مشتملة على أحواله البوية والمية .وجعل
عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن الحسين ،عن محمد بن إسماعيل أو
) (1امه مكتوبة )خ(.
][347
غيره ،قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :جعلت فداك ،الرجل يدعو للحبلى
أن يجعل ال ما في بطنها ذكرا سويا .فقال :يدعو ما بينه وبين أربعة
أشهر ،فإنه أربعين ليلة نطفة ،وأربعين ليلة علقة ،وأربعين ليلة مضغة،
فذلك تمام أربعة أشهر ،ثم يبعث ال ملكين خلقين فيقولن :يا رب ما تخلق
وما مدته ؟ فيقال ذلك ،وميثاقه بين عينيه ينظر إليه فل يزال منتصبا في
بطن امه حتى إذا دنا خروجه بعث ال عزوجل إليه ملكا فزجره زجرة
أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر ،عن إسماعيل
بن عمرو ) (2عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أن
للرحم أربعة سبل ،في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد ،واحد أو
اثنان وثلثة وأربعة ،ول يكون إلى سبيل أكثر من واحد ) - 33 .(3ومنه:
عن علي بن محمد ،رفعه عن محمد بن حمران ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن ال عزوجل خلق للرحم أربعة أوعية ،فما كان في الول
فللب ،وما كان في الثاني فللم ،وما كان في الثالث فللعمومة ،وما كان في
الرابع فللخوؤلة ) .(4بيان " :فللب " أي يشبه الولد إذا وقعت فيه وكذا
البواقي ،فسياق هذا الخبر غير سياق الخبر المتقدم من بيان أكثر ما يمكن
من أن تلد المرأة ،وإن كان يظهر ذلك منه إيماه وتلويحا ،ولذا أوردهما
الكليني -ره -في باب أكثر ما تلد المرأة - 34 .النهج :قال :أيها المخلوق
) (1الكافي :ج ،6ص (2) .16كذا ،ولم يذكر في كتب الرجال " اسماعيل
بن عمرو " والظاهر انه اسماعيل بن عمر بن ابان الكلبى ويروى عنه
احمد بن محمد بن ابى نصر على ما ذكره في جامع الرواة وهو ضعيف) .
][348
إلى قدر معلوم وأجل مقسوم ،تمور في بطن امك جنينا ،لتحير دعاء ،ول
تسمع نداء ،ثم اخرجت من مقر ]ك[ إلى دار لم تشهدها ،ولم تعرف سبل
منافعها ،فمن هداك لجترار الغذاء من ثدي امك ،وعرفك عند الحاجة
غير ناقص .وأنشأ الخلق :ابتدأ خلقهم ،والرعاية :الحفظ ،والمرعي :من
بعضها فوق بعض " .بدئت من سللة " ..إشارة إلى قوله تعالى " ولقد
خلقنا النسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) " (2وقد
مر وجوه التفسير فيه ،وهي جارية ههنا .و المكين :المتمكن ،وهو في
الصل صفة للمستقر ،وصف به المحل مبالغة ،أو المراد تمكن الرحم في
مكانها مربوطة برباطات كما سيأتي ،والمعنى :في مستقر حصين هي
الرحم " إلى قدر معلوم " أي مقدار معين من الزمان قدره ال للولدة.
وقسمه -كضربه -وقسمه -بالتشديد -أي جزأه وفرقه ،وقسم أمره أي
بمحذوف ،أي منتهيا إلى أجل مقسوم أو يقال :الوضع في الرحم غايته
ابتداء الجل أي مدة حياة الدنيا ،ويحتمل أن يكون تأكيدا للقدر المعلوم.
ومار الشئ -كقال :-تحرك ،أو بسرعة واضطراب ،والجنين الولد في
البطن لستتاره ،من " جن " أي استتر ،فإذا ولد فهو منفوس .والمحاورة:
الجواب ومراجعة النطق ،ويقال " كلمته فما أحار إلي جوابا " أي يجبني.
و دعوته دعاء :ناديته وطلبت إقباله " .لم تشهدها " أي لم تحضرها قبل
ذلك ولم تعلم بحالها .والجترار :الجذب " .مواضع طلبك " قيل :أي حلمة
الثدي ،والجمع
][349
باعتبار أن الطفل يمتص من غير ثدي امه أيضا ،أو عرفك عند الحاجة إلى
كل شئ في دار الدنيا مواضع طلبك .وفي بعض النسخ " وحرك عند
الحاجة " فالمراد بمواضع الطلب القوى واللت التي يحصل بها اجترار
الغذاء " .هيهات " أي بعد أن يحيط علما بصفات خالقه الذي هو أبعد
المخلوقين من ل يقدر على وصف نفسه مع أنه أقرب الشياء إليه و غيره
لتجلو عن عشاها ،و أشلء جامعة لعضائها ،ملئمة لحنائها ،في تركيب
صورها ومدد عمرها ،بأبدان قائمة بأرفاقها ،وقلوب رائدة لرزاقها ،في
لكم أعمارا سترها عنكم ،وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم -إلى
قوله عليه السلم -أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الرحام وشغف الستار
نطفة دهاقا ،وعلقة محاقا ،وجنينا وراضعا ،ووليدا ويافعا ،ثم منحه قلبا
حافظا ولسانا لفظا ،وبصرا لحظا ،ليفهم معتبرا ،ويقصر مزدجرا ،حتى إذا
قام اعتداله واستوى مثاله ،نفر مستكبرا -إلى آخر الخطبة .(2) -توضيح:
وعاه يعيه :حفظه وجمعه ،وعناه المر يعينه ويعنوه :أهمه ،و العشا -
بالفتح والقصر :-سوء البصر بالليل والنهار ،أو بالليل ،أو العمى ،وتجلو:
بمعنى تكشف ،قيل :أقيم المجلو مقام المجلو عنه ،والتقدير :لتجلو عن
قواها عشاها ،وقيل :كلمة " عن " زائدة أو بمعنى " بعد " والمفعول
محذوف ،والتقدير :لتجلو الذى بعد عشاها ،وهو بعيد ،والمراد جلء العشا
عن البصر الظاهر بأن ينظر إلى ما يعتبر به ،أو عن القلب بأن يفرق بين
الضار والنافع ،والشلء :جمع شلو -بالكسر -وهو العضو ،وفسره في
) (1في المصدر ..:متنه ،وحواجز عافيته وقدر (2) ..نهج البلغة :ج ،1
ص .143
][350
الثاني واضح ،وعلى الول يمكن حملها على العضاء الظاهرة الجامعة
للباطنة كما قيل .واقول :يمكن أن يكون المراد بالعضاء أجزاء العضاء.
كما بين بعضها في علم التشريح وكتب منافع العضاء والظرف متعلق
بالملءمة ،وقيل :كأنه قال :مركبة ومصورة ،فأتى بلفظة " في " كما
بالكسر -وهو المنفعة ،وفي القاموس :هو ما استعين به ،والرفاق على
السببية بخلف الول ،وروي " بأرماقها " والرمق :بقية الروح ،والرود:
الطلب " .في مجللت نعمه " بصيغة الفاعل أي النعم التي تجلل الناس أي
تغطيهم كما يتجلل الرجل بالثوب ،وقيل :أي التي تجلل الناس وتعمهم من
قولهم " سحاب مجلل " أي يطبق الرض ،والظرف متعلق بمحذوف
والموضع نصب على الحال .والمراد بموجبات المنن -على صيغة الفاعل -
النعم التي توجب الشكر ،ويروى على صيغة المفعول أي النعم التي أوجبها
ال على نفسه لكونه الجواد المطلق ،وقيل :أي ما سقط من نعمه وافيض
على العباد من الوجوب بمعنى السقوط .وحواجز العافية :ما يدفع المضار،
ويروى " حواجز بليته " أي ما يمنعها .والمتنان بستر العمار لكون
الطلع عليها واشتغال الخاطر بخوف الموت مما يبطل نظام الدنيا،
والغرض تنبيه الغافل عن انقضاء العمر لستر حده وانتهائه .وخلف العبر
إبقاؤها بعد ارتحال الماضين كأنها خليفة لهم " .أم هذا الذي " ..قيل :أم
ههنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال :أعظكم واذكركم بحال الشيطان
وإغوائه أم بحال النسان من ابتداء وجوده إلى حين مماته وإما أن تكون
][351
بل أتلو عليكم بناء هذا النسان الذي حاله كذا .والشغف -بضمتين -جمع
شغاف -بالفتح -وهو في الصل غلف القلب وحجابه ،استعير هنا لوضع
الولد .والدهاق -بكسر الدال -الذي أدهق أي أفرغ إفراغا ]شديدا[ ،وقيل:
الدهاق المملوءة من قولهم دهق الكأس -كجعله -ملها .ويروى " دفاقا
الوصاف تحقير للنسان كما اومئ إليه بالشارة .والراضع :الطفل يرضع
امه -كيسمع -أي يتمص ثديها ،والم مرضعة .والوليد :المولود وكأن
المراد به الفطيم .واليافع :الغلم الذي شارف الحتلم ولما يحتلم ،يقال:
أيفع الغلم فهو يافع ،وهو من النوادر .قال في " سر الدب " في ترتيب
أحوال النسان :هو مادام في الرحم جنين ،فإذا ولد فوليد ،ثم مادام يرضع
فرضيع ،ثم إذا قطع منه اللبن فهو فطيم ،ثم إذا دب ونمى فهو دارج ،فإذا
بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسي ،فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور ،فإذا
نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثغر ،فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو
مترعرع وناشئ ،فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق ،فإذا احتلم
واجتمعت قوته فهو حرور ،واسمه في جميع هذه الحوال غلم ،فإذا اخضر
شاربه قيل قد بقل وجهه ،فإذا صار ذافتاء فهو فتى وشارخ ،فإذا اجتمعت
لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع ،ثم مادام بين الثلثين والربعين فهو
شاب ،ثم هو كهل إلى أن يستوفي الستين ،وقيل :إذا جاوز أربعا وثلثين
إلى إحدى وخمسين ،فإذا جاوزها فهو شيخ .ثم " منحه " أي أعطاه.
واللفظ :الناطق ،ويقال :لحظ إذا نظر بمؤخر عينيه وكأن المراد هنا مطلق
النظر ،و " يقصر " على بناء الفعال أي ينتهي .والمعنى :أعطاه القوى
الثلثة ليعتبر بحال الماضين ،وما نزل بساحة العاصين ،وينتهي عما
يفضيه إلى أليم النكال " وشديد الوبال ،أو ليفهم دلئل الصنع والقدرة،
ويستدل بشواهد
][352
المحتاج إليها في تحصيل المآرب .و " استوى " أي اعتدل ،والمثال -
بالكسر :-المقدار ،وصفة الشئ ،ويقال :استوى الرجل إذا بلغ أشده أي
قوته ،وهو ما بين ثمانية عشر إلى ثلثين .ونفرت الدابة -كضرب -أي فر
عن مرازم عن جابر بن يزيد ،عن جابر بن عبد ال النصاري ،قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :إذا وقع الولد في جوف ) (1امه صار
وجهه قبل ظهر امه إن كان ذكرا ،وإن كان انثى صار وجهها قبل بطن
امها ،يداه على وجنتيه ،وذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم فهو
كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلى سرة امه ،فبتلك السرة يغتذي من
طعام امه وشرابها إلى الوقت المقدر لولدته ،فيبعث ال تعالى ) (2ملكا
فيكتب على جبهته :شقي أو سعيد ،مؤمن أو كافر ،غني أو فقير ،ويكتب )
(3أجله ورزقه وسقمه وصحته فإذا انقطع الرزق المقدر له من سرة امه
زجره الملك زجرة ،فانقلب فزعا من الزجرة وصار رأسه قبل المخرج )(4
فإذا وقع إلى الرض دفع ) (5إلى هول عظيم وعذاب أليم ،إن أصابته ريح
أو مشقة أو مسته يد وجه لذلك من اللم ما يجده المسلوخ عنه جلده،
والمحبة له امه فتقيه الحر والبرد بنفسها ،وتكاد تفديه بروحها ،وتصير
) (1في المصدر :في بطن (2) .فيه :إليه ملكا ) (3فيكتب )خ( (4) .في
المصدر :الفرج (5) .وقع )خ( ) (6في المصدر :الستطعام (7) .في
المصدر :الستسقاء
][353
تبالي أن تجوع إذا شبع ،وتعطش إذا روي ،وتعرى إذا كسي ،وجعل ال -
تعالى ذكره -رزقه في ثدي امه ،في إحديهما طعامه وفي الخرى شرابه،
حتى إذا رضع آتاه ال في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق ،وإذا أدرك
تضله وتغويه ،فهو هالك إل أن ينجيه ال تعالى وقد ذكر ال -تعالى ذكره -
نسبة النسان في محكم كتابه فقال عزوجل " ولقد خلقنا النسان من سللة
من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة
مضغة فخلقنا المضغة عظاما فسكونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر
فتبارك ال ال أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة
تبعثون ) ." (2قال جابر بن عبد ال النصاري :فقلت :يا رسول ال ! هذه
حالنا فكيف حالك وحال الوصياء بعدك في الولدة ؟ فسكت رسول ال
صلى ال عليه واله مليا ثم قال :يا جابر ! لقد سألت عن أمر جسيم ل
وخلفاؤه على عباده ،وأنواره في بلده ،وحججه على خلقه .يا جابر ! هذا
السير " لنه مجموع اليدين ،من " صررت " جمعت ،وقال :صر الناقة:
شد ضرعها .وقال :ناطه نوطا :علقه .والشره -بالتحريك :-غلبة الحرص.
) (1في المصدر :تعرضه (2) .المؤمنون (3) .16 - 12 :في المصدر :جل
][354
- 37الكافي :عن العدة ،عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن فضال ،و
المؤمنين عليه السلم على أبي الحسن الرضا عليه السلم ومما فيه أن
أمير المؤمنين عليه السلم جعل دية الجنين مائة دينار ،و جعل مني الرجل
إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء ،فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة
جزء ،ثم علقة فهو جزءان ،ثم مضغة فهو ثلثة أجزاء ،ثم عظما فهو
أربعة أجزاء ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة
دينار -إلى قوله -فإذا انشئ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس فيه
ألف دينار كاملة إن كان ذكرا وإن كان انثى فخمسمائة دينار )- 38 .(1
ومنه :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن ابن محبوب
عن أبي أيوب الخزاز ،عن محمد بن مسلم ،قال :سألت أبا جعفر عليه
وقد صار له عظم ،فقال :عليه الدية كاملة ،بهذا قضى أمير -المؤمنين
عليه السلم :قلت :فما صفة ]خلقة[ النطفة التي تعرف بها ؟ فقال :النطفة
تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة ،فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين
يوما ثم تصير إلى علقة .قلت :فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها ؟ فقال:
هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة ،تمكث في الرحم بعد تحويلها عن
النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة .قلت :فما صفة المضغة وخلقتها التي
تعرف بها ؟ قال :هي مضغة لحم حمراء ،فيها عروق خضر مشتبكة ثم
تصير إلى عظم .قلت :فما صفة خلقته إذا كان عظما ؟ فقال :إذا كان عظما
شق له السمع والبصر ،ورتبت جوارحه ،فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة
).(3
) (1الكافي :ج ،7ص (2) .342في المصدر :عليه أربعون (3) ..الكافي:
ج ،7ص .345
][355
- 39ومنه :عن صالح بن عقبة ،عن يونس الشيباني ،قال :قلت لبي عبد
ال عليه السلم :فإن خرج في النطفة قطرة دم ؟ قال :القطرة عشر النطفة
فيها اثنان وعشرون دينارا ،قلت ،فإن قطرت قطرتين ؟ قال :أربعة
وعشرون دينارا ،قال :قلت :فإن قطرت بثلث ؟ قال :فست وعشرون
دينارا ،قلت :فأربع ؟ قال :فثمانية وعشرون دينارا ،وفي خمس ثلثون )
،(1وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى تصير علقة ،فإذا صارت
علقة ففيها أربعون ]دينارا[ فقال له أبو شبل - :وأخبرنا أبو -شبل ،قال:
حضرت يونس وأبو عبد ال عليه السلم يخبره بالديات ،قال :قلت - :فإن
النطفة خرجت متخضخضة بالدم ؟ قال :فقال لي :فقد علقت إن كان دما
صافيا ففيها أربعون دينارا ،وإن كان دما أسود فل شئ عليه إل التعزير،
لنه ماكان من دم صاف فذلك للولد ،وما كان من دم أسود فذلك من الجوف.
قال أبو شبل :فإن العلقة صار فيها شبه العرق من لحم ؟ قال :اثنان
وأربعون العشر ،قال :قلت :فإن عشر الربعين أربعة ،قال :ل ،إنما هو
عشر المضغة ،لنه إنما ذهب عشرها ،فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين.
قال :قلت :فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا ؟ قال :فذلك عظم
كذلك أول ما يبتدئ العظم ،فيبتدئ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير ،فإن زاد
فزاد أربعة أربعة حتى تتم ) (2الثمانين .قال :قلت :وكذلك إذا كسي العظم
لحما ؟ قال :كذلك ،قلت :فإذا وكزها فسقط الصبي فل يدرى أحيا كان أم ل ؟
قال :هيهات يا باشبل ! إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فبه الحياة ،وقد
استوجب الدية ) .(3بيان :الخضخضة تحريك الماء ونحوه " إنما هو عشر
المضغة " أي عشر الدية التي زيدت لصيرورتها مضغة ،والوكز -كالوعد
:-الدفع والطعن والضرب بجمع الكف .ثم إن الخبر يدل على أن ولوج
) (1في المصدر :ثلثون دينارا (2) .في المصدر :يتم (3) .الكافي ،7 :ص
(*) .365
][356
دل عليه غيره من الخبار من أن ولوج الروح بعد الربعة أشهر ،ولعل
المراد أنه قد يكون كذلك - 40 .الكافي :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن
ابن محبوب ،عن عبد ال ابن غالب ،عن أبيه ،عن سعيد المسيب ،قال:
سألت علي بن الحسين عليه السلم عن رجل ضرب امرأته حامل برجله
فطرحت ما في بطنها ميتا ،فقال :إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا،
قلت :فما حد النطفة ؟ فقال :هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه
أربعين ،يوما قال :وإن طرحته وهو علقة فإن عليه أربعين دينارا ،قلت:
فما حد العلقة ؟ فقال :هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين
يوما ،قال :وإن طرحته وهو مضغة فإن عليه ستين دينارا ،قلت :فما حد
المضغة ؟ فقال :هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين
يوما ،قال :وإن طرحته وهو نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب )(1
الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة .قلت له :أرأيت تحوله
في بطنها إلى حال أبروح كان ذلك أو بغير روح ؟ قال :بروح عدا الحياة
القديم المنقول في أصلب الرجال وأرحام النساء ،ولول أنه كان فيه روح
عدا الحياة ما تحول من حال ) (2إلى حال في الرحم ،وما كان إذن على من
يقتلنه ) (3دية وهو في تلك الحال ) .(4توضيح " :مرتب الجوارح " في
بعض النسخ " مزيل الجوارح " أي امتازت وافترقت جوارحه بعضها عن
بعض كما قال تعالى " لو تزيلوا لعذبنا ) " (5وفي بعضها " مربل "
بالراء المهملة والباء الموحدة ،قال الجوهري :تربلت المرأة كثر لحمها" .
بروح غذاء الحياة " المراد إما روح الوالدين أو القوة النامية ،وفي بعضها
" عدا " بالمهملتين من غير مدة ،فالمراد به أن تحوله بروح غير الروح
) (1في المصدر :مزيل (2) .في المصدر :عن حال بعد حال (3) .في
][357
خلق الجساد لنه لم يتعلق به بعد ،فالمراد بالروح الول القوة النامية أو
بالقديم ما تقادم زمانه لنه خلق قبل خلق الجساد كما سيأتي إن شاء ال،
وإطلق القتل على السقاط قبل تعلق الروح مجاز - 41 .الكافي :عن محمد
بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن أبي نصر ،عن الحسين بن خالد،
قال :قلت لبي الحسن عليه السلم :إنا روينا عن النبي صلى ال عليه واله
أنه قال :من شرب الخمر لم يحتسب صلوته أربعين يوما ،قال :فقال:
ول أكثر ؟ فقال :إن ال جل و عز قدر خلق النسان فصيره نطفة أربعين
يوما ،ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين
يوما ،فهو إذا شرب الخمر بقي في مشاشته ) (2أربعين يوما على قدر
انتقال خلقته ،ثم قال عليه السلم :كذلك جميع غذاء أكله وشربه يبقى في
عن عمرو بن عثمان ،عن علي ابن عيسى رفعه ،في ما ناجى ال به
موسى عليه السلم قال :يا موسى ! أنا السيد الكبير ،إني خلقتك من نطفة
من ماء مهين ،من طينة أخرجتها من أرض ممشوجة ) (5فكانت بشرا فأنا
،6ص (5) .402في المصدر :ارض ذليلة ممشوجة .وقال المؤلف -ره -
في مرآت العقول :أي مخلوطة من انواع ،والمراد :أنى خلقتك من نطفة
واصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الرض وهو آدم عليه
السلم واخذت طينته من جميع وجه الرض المشتملة على الوان وأنواع
][358
عمرو بن سعيد ،عن مصدق بن صدقة ،عن عمار بن موسى ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :سئل عن الميت يبلى جسده ؟ قال :نعم ،حتى ل يبقى
لحم ولعظم إل طينته التي خلق منها فإنها لتبلى ،تبقى في القبر مستديرة
حتى يخلق ال منها كما خلق أول مرة ) - 44 .(1ومنه :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن إبراهيم بن مسلم الحلواني،
عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن
في الجنة لثمرة تسمى " المزن " فإذا أراد ال أن يخلق مؤمنا أقطر منها
قطرة ،فل تصيب بقلة ول ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إل أخرج ال من
بن سنان ،عن أبي عبد ال القزويني قال :سألت أبا جعفر محمد بن علي
عليه السلم فقلت :لي علة يولد النسان ههنا ويموت في موضع آخر ؟
قال :إن ) (3ال تبارك وتعالى لما خلق خلقه خلقهم من أديم الرض فيرجع
) (4كل إنسان إلى تربته ) - 46 .(5تفسير المام :قال عليه السلم في
سياق قصة ذبح البقرة :ثم ذبحوها وأخذوا قطعة وهي عجب الذنب الذي
منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أراد خلقا جديدا فضربوه بها -القصة .-
وغيره عن يونس بن ظبيان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا أراد ال
أن يقبض روح إمام و يخلق من بعده إماما أنزل قطرة من ماء تحت العرش
إلى الرض فيلقيها على ثمرة أو بقلة ،فيأكل تلك الثمرة أو تلك البقلة المام
الذي يخلق ال منه نطفة المام الذي يقوم من بعده ،قال :فيخلق ال من
) (1الكافي :ج (2) .251 ،3الكافي :ج ،2ص (3) .14في المصدر :لن.
) (4وفى المصدر وفى بعض نسخ الكتاب :فمرجع (5) .العلل :ج ،1ص
.290
][359
فيمكث فيها أربعين ليلة ،فإذا مضى له أربعون ليلة سمع الصوت ،فإذا
مضى له أربعة أشهر كتب على عضده اليمن " وتمت كلمة ربك صدقا
وعدل ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم ) " (1فإذا خرج إلى الرض
اوتي الحكمة ،وزين بالعلم والوقار والبس الهيبة ،وجعل له مصباح من
نور يعرف به الضمير ،ويرى به أعمال العباد .أقول :قد مضت الخبار في
نعيدها حذرا من التكرار - 48 .العلل :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن
أحمد بن محمد البرقي ،عن أبي هاشم الجعفري ،عن أبي جعفر الثاني عليه
السلم في حديث طوبل ذكر فيه إتيان الخضر أمير المؤمنين عليه السلم
وسؤاله عن مسائل وأمره عليه السلم الحسن بجوابه ،فقال الحسن عليه
وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير
مضطرب استكنت تلك النطفة في ]تلك[ الرحم فخرج الولد يشبه أباه وامه،
وإن ) (2أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب
اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم فوقعت على عرق من العروق،
فإن وقعت على عرق من عروق العمام أشبه الولد أعماله ،وإن وقعت
على عرق من عروق الخوال أشبه ) (3أخواله -إلى آخر ما سيأتي من
الخبر الطويل .(4) -بيان :في القاموس :هدأ -كمنع -هدء وهدوء :سكن.
وأقول :يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم تضطرب النطفة تحصل المشابهة
التامة ،لن المني يخرج من جميع البدن فيقع كل جزء موقعه ،وإذا
اضطربت حصلت المشابهة الناقصة ،فيشبه العمام إذا كان الغلب مني
الرجل لنهم أيضا يشبهون الب مشابهة ناقصة ،وإن غلب مني الم أشبه
الخوال كذلك ،ويمكن أن يكون بعض العروق في بدن الب منسوبا إلى
) (1النعام (2) .115 :في المصدر :وإن هو (3) .في المصدر :أشبه الولد.
][360
العمام وفي بدن الم منسوبا إلى الخوال ،ففي الضطراب يعلو المني
الخارج من ذلك العرق ،فالمراد بالعرق مني العرق ،وهذا ل يخلو من بعد.
- 49تفسير المام :قال عليه السلم في قوله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا
ربكم الذي خلقكم ) " (1من نطفة من ماء مهين ،فجعله في قرار مكين إلى
قدر معلوم ،فقدره فنعم القادر رب العالمين ،قال رسول ال صلى ال عليه
واله :إن النطفة تثبت في الرحم أربعين يوما نطفة ،ثم يصير علقة أربعين
يوما ،ثم مضغة أربعين يوما ،ثم يجعل بعده عظما ،ثم يكسى لحما ،ثم يلبس
ال بعده جلدا ،ثم ينبت عليه شعرا ،ثم يبعث ال عزوجل ملك الرحام،
فيقال له :اكتب أجله وعمله ورزقه ،وشقيا يكون أو سعيدا ،فيقول ملك :يا
رب أنى لي بعلم ذلك ؟ فيقال له :استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ
عيسى ،عن أبي محمد المدائني عن عائذ بن حبيب بياع الهروي ،عن
عيسى بن زيد ،رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :يثغر الغلم لسبع
لربع عشرة ) (2وينتهي طوله إلى اثنين ) (3وعشرين سنة ،وينتهي عقله
الصبي فهو مثغور :سقطت رواضعه ،وأما إذا نبت بعد السقوط فهو مثغر
بالتاء والثاء ،وقد اثغر على افتعل - 51 .الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن
محمد بن أحمد ،عن موسى بن عمر ،عن علي بن الحسين ،عن الحسن
الضرير ،عن حماد بن عيسى ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه )
- 52 .(6ومنه :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني
) (1البقرة (2) .21 :في المصدر :لربع عشرة سنة ) (3في المصدر:
اثنتين (4) .في المصدر :لثمان 5) .و (6الكافي :ج ،6ص 46
][361
عن أبي عبد ال عن أبيه عليهما السلم قال :الغلم يلقح بتفلك ثدياه
وبسطح ) (1ريح إبطيه ) .(2بيان :ل يلقح :ل يجامع (3) ،وهو كناية عن
البلوغ ،وفي القاموس :فلك ثديها وتفلك :استدار - 53 .الكافي :عن محمد
بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه ،جميعا عن ابن
محبوب ،عن خليل بن عمرو اليشكري ،عن جميل بن دراج ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول :إذا كان الغلم
ملتاث الدرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره ويؤمن شره،
قال :وإذا كان الغلم شديد الدرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن ل يرجى
خيره ول يؤمن شره ) .(4توضيح :في أكثر النسخ " ملتاث الدرة " بالتاء
في الخصية ،وكأن المراد بها هنا نفس الخصية أي مسترخي الخصية
متدليها ،وفي بعضها " الزرة " بالزاي ،أي هيئة الئتزار ،والتياثه كناية
عن أنه ليجود شد الزار والمنطقة بحيث يرى منه حسن الئتزار فعجب به
كما هو عادة الظرفاء ،وفي بعضها " ملثاث " بالثائين المثلثتين ،واللث
الهمداني .عن أبي سعيد الشامي ،عن صالح بن عقبة ،قال :سمعت العبد
) (1في اكثر النسخ :يتفلك ثدياه ويسطع ..وفى المصدر :وتسطع(2) .
الكافي :ج ،6ص (3) .46في اكثر النسخ " أو " (4) .الكافي :ج ،6ص
][362
عرامة الغلم ) (1في صغره ليكون حليما في كبره .ثم قال :ما ينبغي إل أن
العرامة :سوء الخلق والفساد والمرح والشرار ،والمراد ميله إلى اللعب
وبغضه للكتاب ،أي عرامته في صغره علمة عقله وحلمه في كبره وينبغي
أن يكون الطفل هكذا ،فأما إذا كان منقادا ساكنا حسن الخلق في صغره
الدر المنثور :عن محمد بن كعب القرطي ،قال :قرأت في التورية -أو قال:
في صحف إبراهيم -فوجدت فيها يقول ال تعالى :يا ابن آدم ما أنصفتني !
خلقتك ولم تك شيئا وجعلتك بشرا سويا ،خلقتك من سللة من طين ثم
جعلتك نطفة في قرار مكين ،ثم خلقت النطفة علقة ،فخلقت العلقة مضغة،
فخلقت المضغة عظاما ،فكسوت العظام لحما ،ثم أنشأتك خلقا آخر .يا ابن
آدم ! هل يقدر على ذلك غيري ؟ ثم خففت ثقلك على امك حتى لتتبرم )(3
بك وتتأذى ،ثم أوحيت إلى المعاء أن انسعي وإلى الجوارح أن تفرقي،
(4على ريشة من جناحه ،فاطلعت عليك فإذا أنت خلق ضعيف ليس لك سن
وعروق ،وقذفت لك في قلب والدتك الرحمة ،وفي قلب أبيك التحنن ،فهما
يكدان ويجهدان ،ويربيانك ويغذيانك ،ولم يناما حتى ينومانك .ابن آدم ! أنا
فعلت ذلك بك ل بشئ استأهلته به مني أو لحاجة استعنت على قضائها .ابن
) (1في المصدر :الصبى (2) .الكافي :ج ،6ص (3) .51في المصدر :ل
فلما ) (2عرفت أني ربك عصيتني ،فالن إذ عصيتني فادعني وإني قريب
عن أحمد بن محمد ،عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة قال :كنت
اجالس أبا عبد ال عليه السلم فل وال ما رأيت مجلسا أنيل ) (4من
مجالسه .قال :فقال لي ذات يوم :من أين تخرج العطسة ؟ فقلت :من النف،
فقال لي :أصبت الخطأ ،فقلت :جعلت فداك ،من أين تخرج ؟ فقال :من جميع
البدن ،كما أن النطفة تخرج من جميع البدن ومخرجها من الحليل .ثم أما
رأيت النسان إذا عطس نفض جميع أعضائه ،وصاحب العطسة يأمن
الموت سبعة أيام ) - 57 .(5الكافي :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد ،عن الحسين بن سعيد ،عن محمد بن الفضيل ،عن أبي حمزة ،قال
سألت أبا جعفر عليه السلم عن الخلق ،فقال :إن ال تعالى لما خلق الخلق
من طين أفاض بها كإفاضة القداح ،فأخرج المسلم فجعله سعيدا وجعل
الكافر شقيا ،فإذا وقعت النطفة تلقتها الملئكة فصوروها ،ثم قالوا :يا رب
أذكر أو اثنى ؟ فيقول الرب جل جلله أي ذلك شاء ،فيقولن :تبارك ال
أحسن الخالقين ! ثم يوضع ) (6في بطنها فتردد تسعة أيام وفي كل عرق
ومفصل منها ،وللرحم ثلثة أقفال :قفل في أعلها مما يلي أعل السرة من
جانب اليمن ،والقفل الخر في وسطها أسفل ) (7من الرحم ،فيوضع بعد
) (1في المصدر :طحن (2) .في المصدر :فاكهة الصيف في اوانها وفاكهة
الشتاء في اوانها فلما أن عرفت (3) .الدر المنثور :ج ،6ص (4) .316
في المصدر وبعض نسخ الكتاب :أنبل (5) .الكافي :ج ،2ص (6) .657
في المصدر :توضع (7) .في المصدر وبعض نسخ الكتاب :والقفل الخر
أسفل...
][364
أشهر ،فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع ،ثم ينزل إلى القفل
الوسط فيمكث فيه ثلثة أشهر ،وسرة الصبي فيها مجمع العروق وعروق
المرأة كلها منها يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق ،ثم ينزل إلى القفل
السفل فيمكث فيه ثلثة أشهر ،فذلك تسعة أشهر ثم تطلق المرأة ،فكلما
طلقت انقطع عرق من سرة الصبي فأصابها ذلك الوجع ،ويده على سرته
حتى يقع على الرض ويده مبسوطة ،فيكون رزقه حينئذ من فيه ).(1
بيان " :أفاض بها كإفاضة القداح " قال الجوهري :إفاضة القداح :الضرب
بها ،والقداح جمع القدح -بالكسر -وهو السهم قبل أن يراش وينصل،
فانهم كانوا يخلطونها ويقرعون بها بعد ما يكتبون عليها أسماءهم .وفي
التشبيه إشارة لطيفة إلى اشتباه خير بني آدم بشرهم إلى أن يميز ال
الخبيث من الطيب ،كذا ذكره بعض الفاضل .أقول :يمكن أن يقرأ " القداح
" بفتح القاف وتشديد الدال وهو صانع القدح ،أي أفاض وشرع في بريها
ونحتها كالقداح ]فيراهم مختلفة كالقداح[ .قوله " فتردد " ..لعل ترددها
كناية عما يؤثر فيها من مزاج الم ،أوما يختلط بها من نطفة الم الخارجة
من جميع عروقها .ثم إنه يحتمل أن يكون نزولها إلى الوسط والسفل
ببعضها لعظم جثتها ل بكلها .قوله " أسفل من الرحم " أي ]هو[ أسفل
موضع منها .وفي القاموس :الطلق وجع الولدة ،وقد طلقت المرأة طلقا
على ما لم يسم فاعله و " يده " أي يد الصبي - 58 .الكافي :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد ،وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن محبوب،
عن ابن رئاب ،عن زرارة بن أعين ،قال :سمعت أبا جعفر عليه السلم
يقول :إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما وتكون علقة
أربعين يوما وتكون مضغة أربعين يوما ،ثم يبعث ال ملكين خلقين فيقال
لهما :اخلقاكما يريد ال ذكرا أو انثى ،صوراه واكتبا أجله ورزقه ومنيته،
الميثاق الذي أخذه ) (1في الذر بين عينيه ،فإذا دنا خروجه من بطن امه
بعث ال إليه ملكا يقال له " زاجر " فيزجره فيفزع فزعا ،فينسى الميثاق
ويقع إلى الرض ]و[ يبكي من زجرة الملك ) - 59 .(2قرب السناد :عن
أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال :سألت
الرضا عليه السلم أن يدعو ال عزوجل لمرأة من أهلنا بها حمل ،فقال:
قال أبو جعفر عليه السلم :الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر ،فقلت له :إنما
لها أقل من هذا ،فدعا لها ،ثم قال :إن النطفة تكون في الرحم ثلثين يوما
وتكون علقة ثلثين يوما وتكون مضغة ثلثين يوما ،وتكون مخلقة وغير
مخلقة ثلثين يوما ،فإذا تمت الربعة أشهر بعث ال تعالى إليها ملكين
خلقين يصورانه ويكتبان رزقه وأجله ،وشقيا أو سعيدا -الخبر 60 .(3) -
-تفسير على بن ابراهيم " :لقد خلقناكم ثم صورناكم " أي خلقناكم في
الصلب وصورناكم في أرحام النساء .ثم قال :وصور ابن مريم في الرحم
دون الصلب وإن كان مخلوقا في أصلب النبياء ،ورفع وعليه مدرعة من
صوف .حدثنا أحمد بن محمد ،عن جعفر بن عبد ال المحمدي ،عن كثير بن
عياش ،عن ) (4أبي جعفر عليه السلم في قوله " ولقد خلقناكم ثم
صورناكم " قال :أما " خلقناكم " فنطفة ثم علقة ،ثم مضغة ،ثم عظاما )
(5ثم لحما ،وأما " صورناكم " فالعين ،والنف والذنين ،والفم ،واليدين،
والرجلين ،صور هذا ونحوه ،ثم جعل الدميم والوسيم والجسيم والطويل
) (1في المصدر :اخذه عليه (2) .الكافي :ج ،6ص (3) .16قرب السناد:
(4) .206في المصدر :عن أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلم(5) .
][366
- 61ومنه " :خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها " يعني آدم
وزوجته حواء " في ظلمات ثلث " قال :البطن ،والرحم ،والمشيمة ).(1
- 62ومنه " :أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "
يعني الظلمات الثلث التي ذكرها ال ،وهي المشيمة والرحم والبطن ).(2
- 63الكافي :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن إسماعيل بن مرار ،عن
يونس ،قال :إنما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة النسان ،لن
ال عزوجل بحكمته خلق النسان من ستة أجزاء فوضع المواريث على
ستة أسهم ،وهو قوله عزوجل " ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين " ففي النطفة دية " ثم خلقنا النطفة علقة "
ففي العلقة دية " فخلقنا العلقة مضغة " وفيها دية " ثم خلقنا المضغة
عظاما " وفيها دية " فكسونا العظام لحما " وفيه دية اخرى " ثم أنشأناه
خلقا آخر " وفيه دية اخرى ،فهذا ذكر آخر المخلوق ) - 64 .(3قصص
رسول ال صلى ال عليه واله المدينة أتاه رهط من اليهود فسألوه عن
مسائل ،منها قالوا :كيف يكون الشبه من المرأة وإنما النطفة للرجل ؟
فقال :انشدكم بال أتعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة وأن نطفة المرأة
حمراء رقيقة ،فأيتها غلب ) (4على صاحبتها كان لها الشبه ؟ قالوا :اللهم
محمد بن أحد بن يحيى عن السياري ،عن إسحق ابن إبراهيم ،عن الرضا
عليه السلم قال :إن الملك قال لدانيال :أشتهي أن يكون لي ابن مثلك،
) (1التفسير (2) .574 :التفسير (3) .132 :الكافي :ج ،7ص (4) .84
][367
قال دانيال :فإذا ) (1جامعت فاجعل همتك في .قال :ففعل الملك ذلك ،فولد له
ابن أشبه خلق ال بدانيال .بيان :أقول :ذكر الطباء أيضا أن للتخيل في
وقت الجماع مدخل في كيفية تصوير الجنين ،قال ابن سينا في القانون :قد
قال قوم من العلماء ولم يعدوا عن حكم الجواز إن من أسباب الشبه ما
متمكنا )انتهى( وقال بعضهم :تصور رجل عند الجماع صورة حية فتولد
منه طفل كان رأسه رأس إنسان وبدنه بدن حية - 66 .قرب السناد :عن
السندي بن محمد ،عن أبي البختري ،عن وهب القرشي عن جعفر عن أبيه
عليهما السلم أن رجل أتى علي بن أبي طالب عليه السلم فقال :إن
امرأتي هذه جارية حدثة وهي عذراء وهي حامل في تسعة أشهر ،ول أعلم
إل خيرا ،وأنا شيخ كبير ما افترعتها وإنها لعلى حالها .فقال له علي عليه
السلم :نشدتك بال هل كنت تهريق على فرجها ؟ قال :نعم ،فقال علي عليه
السلم :إن لكل فرج ثقبتين :ثقب يدخل فيه ماء الرجل وثقب يخرج منه
البول .وأفواه الرحم تحت الثقب الذي يدخل منه ماء الرجل ،فإذا دخل الماء
في فم واحدة من أفواه الرحم حملت المرأة بولد واحد ،وإذا دخل في اثنين
حملت ) (2باثنين ،وإذا دخل من ثلثة حملت بثلثة ،وإذا دخل من أربعة
حملت بأربعة وليس هناك غير ذلك ،وقد ألحقت بك ولدها .فشق عنها )(3
من خلفي وأنا متكئ على جنب ،فتتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل
الماء ،أفعليها غسل أم ل ؟ قال :نعم ،إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء
) (1إذا )خ( (2) .في المصدر :من اثنين حملت المرأة باثنين (3) .في
المصدر " :فسوغتها القوابل " وهو الصواب ظاهرا (4) .قرب السناد:
.91
][368
سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إذا أمنت المرأة والمة من شهوة
جامعها الرجل أولم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل.
- 69ومنه :بإسناده عن يحيى بن أبي طلحة ،أنه سأل عبدا صالحا عن
رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت ،عليها غسل أم ل ؟
قال :أليس قد أنزلت من شهوة ؟ قلت :بلى ،قال :عليها غسل - 70 .ومنه:
بسند صحيح عن ابن بزيع ،قال :سألت الرضا عليه السلم عن الرجل
يجامع المرأة في ما دون الفرج فتنزل المرأة ،هل عليها غسل ؟ قال :نعم.
جالينوس و أكثر الطباء ،وذهب أرسطو وجماعة من الحكماء إلى أنه ليس
للمرأة مني وإنما تنفصل من بيضتها ) (1رطوبة شبيهة بالمني يقال لها
المني مجازا ،إذ عندهم أن المني ما اجتمع فيه خمس صفات :بياض اللون،
وحصول اللذة عند الخروج ،والقوة العاقدة والدفق ،ورائحة شبيهة برائحة
الطلع ،وإذا امتزج مني الرجل بتلك الرطوبة تتولد منه مادة الجنين ،ومني
جالينوس وأتباعه :في كل منهما قوة عاقدة ومنعقدة .والحق أن النزاع في
إطلق المني على رطوبة المرأة وعدمه لفظي ل طائل تحته ،وقد مر في
الخبار الكثيرة أن الولد يتكون من المنيين معا ،وسيأتي بعض القول فيه
أيضا في آخر الباب إن شاء ال - 71 .تفسير على بن ابراهيم :قوله "
سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل
][369
ابن سويد ،عن الحلبي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن النطفة تقع
من السماء إلى الرض على النبات والثمر والشجر ،فتأكل الناس منه
عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي ،عن
أبيه ،عن محمد بن يحيى ،عن حماد بن عثمان ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ابن آدم منتصب في بطن امه ،وذلك قول ال عزوجل " لقد
خلقنا النسان في كبد ) " (2وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه )(3
بين يديه ) - 73 .(4تفسير على بن ابراهيم " :ولقد خلقنا النسان من
سللة من طين " قال :السللة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير
والشراب ،والطعام من أصل الطين ،فهذا معنى قوله " من سللة من طين
" " .ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " أي في النثيين ثم في الرحم " ثم
خلقنا النطفة علقة -إلى قوله -أحسن الخالقين " وهذه استحالة أمر إلى
أمر ،فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعين يوما ثم يصير علقة )- 74 .(6
ومنه :قوله " ولقد خلقنا النسان -إلى قوله -ثم أنشأناه خلقا آخر " فهي
ستة أجزاء وستة استحالت ،وفي كل جزء واستحالة دية محدودة ،ففي
النطفة عشرون دينارا ،وفي العلقة أربعون دينارا ،وفي المضغة ستون
دينارا ،وفي العظم ثمانون دينارا ،وإذا كسي لحما فمائة دينار ،حتى
يستهل ،فإذا استهل فالديه كاملة ) - 75 .(7وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلم في قوله " ثم أنشأناه خلقا آخر " فهو نفخ الروح
فيه ).(8
) (1تفسير القمى (2) 551 :البلد (3) 4 :في نسخة مخطوطة :فرأسه في
دبرة بين يديه (4) .علل الشرائع :ج ،2ص (5) .181في المصدر:
][370
- 76ومنه " :وبدأ خلق النسان من طين " قال :هو آدم عليه السلم " ثم
جعل نسله " أي ولده " من سللة " وهو الصفوة من الطعام والشراب "
من ماء مهين " قال :النطفة المني " ثم سواه " أي استحاله من نطفة إلى
علقة ،ومن العلقة ) (1إلى مضغة ،ثم ) (2نفخ فيه الروح ) - 77 (3ومنه:
في روايه أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " يهب لمن
يشاء إناثا " يعني :ليس معهن ذكر " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني:
ليس معهم انثى " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " أي يهب لمن يشاء ذكرانا
عن محمد بن سعيد ،أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن علي بن محمد عن
مسائل ،وفيها :أخبرنا عن قول ال " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " فهل
يزوج ال عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك ؟ فسأل موسى أخاه أبا
الحسن العسكري عليه السلم فكان من جواب أبي الحسن عليه السلم :أما
قوله " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " فإن ال تعالى زوج ذكران المطيعين
ال أن يكون الجليل عنى ) (6ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة )(7
لرتكاب المآثم ) .(8بيان :ل يخفى بعد ما ذكر في الخبر من سياق الية،
) (1في المصدر :علقة (2) .فيه :حتى ) (3التفسير (4) .511 :التفسير:
(5) .605كذا في نسخ الكتاب ،وفى المصدر " الرازي " وهو الصواب
ظاهرا ،لعدم ذكر من " محمد بن اسماعيل الدارمي " في كتب الرجال(6) .
في اكثر النسخ " اعني " (7) .في المصدر :طلبا لرخصة (8) .تفسير
القمى.605 :
][371
أي لو كان المراد بالتزويج ما زعمت لحتمل محمل صحيحا أيضا ،أو يكون
هذا بطنا من بطون الية .ويمكن تصحيحه بوجه ل يأبي عن سياق الية
بأن يكون الغرض بيان أحوال جميع أفراد البشر أو المؤمنين في الزواج )
يهب لهم إناثا مع الذكران أو بدونهم أو يهب لهم ذكرانا مع الناث وبدونهن
على سبيل منع الخلو ،أو يجعلهم عقيما ل يولد لهم ،وعلى الثاني يزوج
الصفار ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن العباس بن موسى الوراق ،عن
يونس بن عبد الرحمن ،عن أبي جرير القمي ،قال :سألت العبد الصالح
المضغة المخلقة ومايقر في الرحام ؟ قال :إنه يخلق في بطن امه خلقا من
بعد خلق ،يكون نطفة أربعين يوما ،ثم يكون علقة أربعين يوما ،ثم مضغة
أربعين يوما ،ففي النطفة أربعون دينارا ،وفي العلقة ستون دينارا ،وفي
المضغة ثمانون دينارا ،فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار ،قال ال
عزوجل " ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين " فإن كان ذكرا
ففيه الدية ،وإن كانت انثى ففيها ديتها - 80 .معاني الخبار :عن أبيه ،عن
محمد بن يحيى العطار ،عن أحمد بن محمد ) (2عن علي بن السندي ،عن
محمد بن عمرو بن سعيد ،عن أبيه ،قال :كنت عند أبي عبد ال ) (3عليه
السلم حيث دخل عليه داود الرقي ،فقال له :جعلت فداك ،إن الناس يقولون
إذا مضى للحمل ) (4ستة أشهر فقد فرغ ال من خلقته .فقال أبو الحسن
عليه السلم :يا داود ! ادع ولو بشق الصفا -فقلت ) :(5وأي شئ الصفا ؟
) (1الزواج )خ( (2) .في المصدر :عن محمد بن أحمد (3) .كذا في نسخ
الكتاب ،وفى المصدر :عند أبى الحسن عليه السلم (4) .في المصدر:
][372
السلم في دعاء يوم عرفة :ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا،
الدهور ،فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم اليام الماضية والقرون
الكفرة الذين نقضوا عهدك ،وكذبوا رسلك ،لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا
علي للذي سبق لي من الهدى الذي ) (2يسرتني وفيه أنشأتني ،ومن قبل
ولم تجعل إلي شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا ،وحفظتني
في المهد طفل صبيا ،ورزقتني من الغذاء لبنا مريئا ،وعطفت علي قلوب
من الزيادة والنقصان ،فتعاليت يا رحيم يا رحمان .حتى إذا استهللت ناطقا
بالكلم ،أتممت علي سوابغ النعام ،فربيتني زائدا في كل عام حتى إذا كملت
ما جاءت به رسلك ،ويسرت لي تقبل مرضاتك ،ومننت علي في جميع ذلك
وإحسانك القديم إلي ،حتى إذا أتممت علي جميع النعم ،وصرفت عني كل
النقم ،لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقربني إليك،
) (1معاني الخبار (2) .405 :في المصدر :فيه يسرتني (3) .القبال:
.240
][373
بيان " :ثم أسكنتني الصلب " أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلب
آبائي ،فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده ،وكلهم كانوا من علل
وجوده .وريب المنون :حوادث الدهر ،ذكره الجوهري ،و " أمنا " مفعول
له ،أي حفظت مادة وجودي في الصلب لكون آمنا من حوادث الدهر "
واختلف الدهور " وهو معطوف على " ريب " أو " المنون " والظاعن:
السائر ،وقال الجوهري :قدم الشئ -بالضم -قدما فهو قديم ،وتقادم مثله
والخالية :الماضية " .للذي " متعلق بقوله " أخرجتني " ويحتمل أن
يكون اللم للظرفية وللعلة " .الذي يسرتني " أي جعلتني قابل له ،كما قال
تعالى " فسنيسره لليسرى ) " ." (1بين لحم وجلد ودم " الظاهر أنه ليس
تفسيرا للظلمات الثلث ،أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم وجلدها
والدم الذي فيها ،أو كنت بين تلك الجزاء من بدني ،والول أظهر " .لم
تشهرني بخلقي " أي لم تجعل تلك الحالت الخسيسة ظاهرة للخلق في
ابتداء خلقي لصير محقرا مهينا عندهم ،بل سترت تلك الحوال عنهم
المولود ،والصبي :الغلم ،وهما متقاربان في المعنى ،فالصبي إما تأكيد أو
إشارة إلى اختلف مراتب المولود ،بأن يكون الطفولية قبل الصبا ،والول
أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفل وصبيا ،فيكون الجمع
بينهما إشارة إلى حالتي المولود ،فاعتبار نعومة بدنه طفل ،وباعتبار قلة
عقله صبي ،فلذا قال تعالى " كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) " (2وما
يضعفه قوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء )(3
" .قال الراغب :الصبي من لم يبلغ الحلم ،قال تعالى " كيف نكلم من كان
في المهد
][374
صبيا " .وقال :الطفل :الولد مادام ناعما ،وقد يقع على الجمع ،قال تعالى "
ثم يخرجكم طفل " وقال " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء
" وقد يجمع على أطفال ،قال عزوجل " وإذا بلغ الطفال منكم الحلم )" (1
وباعتبار النعمة قيل امرأة طفلة )انتهى( .والغذاء :ما يتغذى به من الطعام
المعتل من قولهم " مريت الناقة مريا " إذا مسحت ضرعها لتدر والمري -
على فعيل :-الناقة الكبير اللبن .والعطف :الشفقة والمالة ،يقال :عطف
العود ،أي ميله ،وعلى الول يكون على بناء التفعيل .والحواضن :النساء
اللتي يقمن بتربية الصبيان ،والحضن ما دون البط إلى الكشح ،وحضن
الطير بيضه لنه يضمه إلى نفسه تحت جناحه ،ولما كانت المهات يحضن
الولد سمين حواضن .والكافل :الحافظ لغيره ،قال تعالى " وكفلها زكريا )
." (2و " كلتني " أي حفظتني " من طوارق الجان " أي جماعة من
الجن يطرقون بشر على الطفال كام الصبيان .والطارق -في الصل :-
الذي يأتي بالليل لحتياجه إلى طرق الباب ثم استعمل في كل شر نزل سواء
صياحه عند الولدة .وكما الفطرة إشارة إلى قوة العضاء والقوى
الظاهرة ،واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة " .أوجبت " أي ألزمت
وأتممت ،و " روعتني " أي أفزعتني وخوفتني ،والعلم بعجائب الفطرة
يصير سببا للخوف للعلم بعظمة الرب سبحانه ووفور نعمه وتقصير المكلف
في أداء شكره ،كما قال تعالى " إنما يخشى ال من عباده العلماء )" (3
) (1النور (2) .59 :آل عمران (3) .37 :فاطر (4) 28 :المؤمنون.58 :
][375
هذا اللفظ بحسب اللغة .وقال الفيروز آبادي :الحر -بالضم :-خيار كل
شئ ،ومن الطين والرمل الطيب ،ومن الرمل وسطه .والثرى :التراب
الندي .أقول :سيأتي شرح تلك الفقرات مستوفى عند ذكر الدعاء بتمامه في
محله إن شاء ال تعالى - 82 .تفسير على بن ابراهيم " :خلق النسان من
نطفة فإذا هو خصيم مبين " قال :خلقه من قطرة من ماء منتن فيكون
خصيما متكلما بليغا ) - 83 .(1ومنه " :أولم ير النسان أنا خلقناه من
نطفة فإذا هو خصيم مبين " قال :أي ناطق عالم بليغ ) - 84 .(2ومنه" :
هو الذي يصوركم في الرحام كيف يشاء " قال :يعني ذكرا وانثى ،أسود
وأبيض وأحمر ،صحيحا وسقيما ) - 85 .(3ومنه " :ثم لقطعنا منه الوتين
" قال :عرق في الظهر يكون منه الولد ) - 86 .(4ومنه " :إذ أنتم أجنة
في بطون امهاتكم " أي مستقرين ،قوله " من نطفة إذا تمنى " قال:
تتحول النطفة إلى الدم ،فتكون أول دما ،ثم تصير نطفة وتكون في الدماغ
في عرق يقال له الوريد وتمر في فقار الظهر ،فل تزال تجوز فقرا فقرا
حتى تصير إلى ) (5الحالبين فتصير أبيض ،وأما نطفة المرأة فإنها تنزل
التفسير (5) .695 :في المصدر :في (6) .تفسير القمى(*) .655 :
][376
بيان :قال الجوهري :الحالبان عرقان مكتنفان بالسرة - 87 .التفسير " :لم
يكن شيئا مذكورا " قال :لم يكن في العلم ول في الذكر ) - 88 .(1وفي
حديث آخر :كان في العلم ولم يكن في الذكر " .نبتليه " أي نختبره ).(2
- 89وفي رواية أبي الجاورد عن أبي جعفر عليه السلم في قوله "
أمشاج " قال :ماء الرجل وماء المرأة اختلطان جميعا ) .(3بيان " :لم يكن
في العلم " أي علم الملئكة - 90 .التفسير " :مخلقة وغير مخلقة " قال:
المخلقة إذا صارت دما ،وغير المخلقة قال :السقط ) - 91 .(4وفي رواية
أبي الجاورد عن أبي جعفر عليه السلم " لنبين لكم " أنكم كنتم كذلك في
محمد بن جعفر ،عن محمد بن أحمد ،عن العباس ،عن ابن أبي نجران عن
محمد بن القاسم ،عن علي بن المغيرة ،عن أبي عبد ال عن أبيه عليهما
السلم قال :إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر ) .(6بيان :ل يبعد أن
يكون " دما " تصحيف " تاما " - 93 .التفسير " :إنا خلقناهم مما
يعلمون " قال :من نطفة ثم من علقة ) - 94 .(7ومنه " :خلق النسان من
) 1و (2التفسير (3) .706 :التفسير 4) .701 :و (5التفسير(6) .435 :
][377
- 95مجمع البيان :روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك لما
قدموا النبي صلى ال عليه واله إلى المدينة سألوه فقالوا :يا محمد ! كيف
نومك ؟ فقد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان .فقال :تنام
عيناي وقلبي يقظان .قالوا :صدقت يا محمد ! فأخبرنا عن الولد يكون من
الرجل أو المرأة ؟ فقال :أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ،وأما
اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة ،قالوا :صدقت يا محمد ! فما بال
الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ ،أو يشبه أخواله وليس
فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال :أيهما عل ماؤه كان الشبه له .قالوا:
أبيه ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :قلت له :رجل ذهبت إحدى بيضتيه فقال :إن كانت
اليسار ففيها الدية قلت :ولم ؟ أليس قلت :ما كان في الجسد اثنان ففيه )(2
عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :الولد يكون
من البيضة اليسرى ،فإذا قطعت ثلثا الدية ،وفي اليمنى ثلث الدية ).(4
بيان :قال الشهيد الثاني -قدس سره :-انحصار التولد في الخصية اليسرى
قد أنكره بعض الطباء ،ونسبه الجاحظ في حياة الحيوان إلى العامة ،ولو
صح نسبته إليهم عليهم السلم لم يلتفت إلى إنكار منكره )انتهى( .واقول:
قاصرة عنه ،مع أنه يمكن أن يحمل على أن اليسرى أدخل في ذلك- 98 .
توحيد المفضل :نبتدئ يا مفضل بذكر خلق النسان فاعتبر به ،فأول
) (1مجمع البيان :ج 3ص (2) .193في المصدر :ففى كل واحد نصف
الدية (3) .الكافي :ج ،7ص (4) .315من ل يحضره الفقيه.511 :
][378
البطن ،وظلمة الرحم ،وظلمة المشيمة ،حيث ل حيلة عنده في طلب غذاء،
ول دفع أذى ،ول استجلب منفعة ،ول دفع مضرة ،فإنه يجري إليه من دم
الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فل يزال ذلك غذاءه حتى إذا كمل
خلقه ،واستحكم بدنه ،وقوي أديمه على مباشرة الهواء ،وبصره على
ملقاة الضياء ،هاج الطلق بامه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد،
وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه إلى ثدييها ،فانقلب
الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء ،وهو أشد موافقة للمولود من الدم،
فيوافيه في وقت حاجته إليه ،فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا
للرضاع ،فهو يجد ثديي امه كالداوتين المعلقتين لحاجته ،فل يزال يغتذي
باللبن مادام رطب البدن رقيق المعاء لين العضاء ،حتى إذا تحرك واحتاج
إلى غذاء فيه صلبة ليشتد ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من السنان
حتى يدرك ،فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه ،فكان ذلك علمة
الذكر وعز الرجل الذي يخرج به عن حد الصبا وشبه النساء ،إن كانت انثى
يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال
لما فيه دوام النسل وبقاؤه .اعتبر يا مفضل في ما يدبر به النسان في هذه
الحوال المختلفة ،هل ترى يمكن أن يكون بالهمال ؟ أفرأيت لو لم يجر إليه
ذلك الدم وهو في الرحم ألم يكن سيذوى ويجف كما يجف النبات إذا فقد
الماء ؟ ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ألم يكن سيبقى في الرحم
كالموؤود في الرض ؟ ولو لم يوافقه اللبن مع ولدته ألم يكن سيموت
جوعا أو يغتذي بغذاء ل يلئمه ول يصلح عليه بدنه ؟ ولو لم تطلع عليه
السنان في وقتها ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته ،أو يقيمه
على الرضاع فل يشتد بدنه ول يصلح لعلم ،ثم كان تشتغل امه بنفسه عن
تربية غيره من الولد ؟ ولو لم يخرج الشعر في وجهه ]في وقته[ ألم يكن
][379
فقال المفضل :فقلت :يا مولي ! فقد رأيت من يبقى على حالته ولينبت
الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر .فقال :ذلك بما قدمت أيديهم وأن ال
ليس بظلم للعبيد ،فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شئ من هذه
المآرب إل الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ،ثم توكل له بمصلحته بعد أن
كان ؟ فإن كان الهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد
بالنظام ،تعالى ال عما يقول الملحدون علوا كبيرا .ولو كان المولود يولد
فهما عاقل لنكر العالم عند ولدته ،ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم
من سبي من ولد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران ،فل يسرع في
تعلم الكلم وقبول الدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل .ثم لو ولد
عاقل كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمول مرضعا معصبا بالخرق
مسجى في المهد ،لنه ل يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حتى
فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافل عما فيه أهله ،فيلقى الشياء بذهن
ضعيف ومعرفة ناقصة .ثم ل يزال يتزيد ) (2في المعرفة قليل قليل و شيئا
بعد شئ وحال بعد حال حتى يألف الشياء ويتمرن ويستمر عليها ،فيخرج
من حد التأمل بها والحيرة فيها إلى التصرف والضطراب إلى المعاش
هذا أيضا وجوه اخر ،فإنه لو كان يولد تام العقل مستقل بنفسه لذهب
موضع حلوة تربية الولد ،وما قدر أن يكون للوالدين في الشتغال بالولد
من المصلحة وما يوجب التربية للباء على البناء من المكافأة بالبر
إلى ذلك منهم .ثم كان الولد ل يألفون آباءهم ول يألف الباء أبناءهم ،لن
يولدون ،فل يعرف الرجل أباه وامه ،ول يمتنع من نكاح امه واخته وذوات
المحارم منه ،إذ كان ل يعرفهن ،وأقل ما في ذلك من القباحة ،بل هو أشنع
وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرح المولود من بطن امه وهو يعقل أن
يرى منها مال يحل له ول يحسن به أن يراه .أفل ترى كيف أقيم كل شئ
من الخلقة على غاية الصواب ،وخل من الخطاء دقيقه وجليله ؟ اعرف يا
رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعلل عظيمة من ذهاب
البصر وغيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة
مرضاته لئل يبكي وهما ل يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة ؟ فهكذا
عرفوا ذلك لم يقضوا على الشئ أنه ل منفعة فيه من أجل أنهم ل يعرفونه
ول يعلمون السبب فيه ،فإن كل مال يعلمه المنكرون يعلمه العارفون وكثيرا
ما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه وعلت كلمته.
فأما ما يسيل من أفواه الطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو
بقيت في أبدانهم لحدثت عليهم المور العظيمة ،كمن تراه قد غلبت عليه
الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من
فتفضل على خلقه بما جهلوه ،ونظر لهم بما لم يعرفوه ،ولو عرفوا نعمه
][381
- 99العلل :عن علي بن حاتم ،عن إسماعيل بن علي بن قدامة ،عن أحمد
ابن علي بن ناصح ،عن جعفر بن محمد الرمني ،عن الحسن بن عبد
الوهاب ،عن علي بن حديد المدائني ،عمن حدثه ،عن المفضل بن عمر،
قال :سألت جعفر بن محمد عليهما السلم عن الطفل يضحك من غير عجب
ويبكي من غير ألم ،فقال :يا مفضل ! مامن طفل إل وهو يرى المام
ويناجيه ،فبكاؤه لغيبة المام عنه ،وضحكه إذا أقبل إليه ،حتى إذا اطلق
لسانه اغلق ذلك الباب عنه ،وضرب على قلبه بالنسبان ) .(1بيان :ل
استبعاد في ظاهر الخبر مع صحته ،ويحتمل أن يكون المراد برؤية .المام
ومناجاته توجهه وشمول شفاعته ولطفه ودعائه له ،فإن لهم تصرفا في
هارون الرشيد ،عن محمد بن أكرم ) (3بن أبي اياس ،عن ابن أبي ذئب،
عن نافع ،عن ابن عمر ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :ل
تضربوا أطفالكم على بكائهم ) (4فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن ل إله
إل ال ،وأربعة أشهر الصلة على النبي وآله ،وأربعة أشهر الدعاء لوالديه
) .(5بيان :يحتمل أن يكون المراد بالخبر مع ضعفه أن لوالديه ثواب هذه
السر فيه أن الطفل أربعة أشهر ليعرف سوى ال عزوجل الذي فطر على
معرفته وتوحيده ،فبكاؤه توسل إليه والتجاء به سبحانه خاصة دون غيره،
فهو شهادة له بالتوحيد ،وأربعة اخرى يعرف امه من حيث إنها وسيلة
) (1علل الشرائع :ج ،2ص (2) .272كذا في نسخ الكتاب ،وفى المصدر:
اللبن من غيرها أيضا في هذه المدة غالبا ،فل يعرف فيها بعد ال إل من
كان وسيلة بين ال وبينه في ارتزاقه الذي هو مكلف به تكليفا طبيعيا من
حيث كونها وسيلة لغير وهذا معنى الرسالة ،فبكاؤه في هذه المدة
بالحقيقة شهادة بالرسالة ،وأربعة اخرى يعرف أبويه وكونه محتاجا إليهما
في الرزق ،فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلمة والبقاء في الحقيقة- 101 .
الدر المنثور :عن ابن عباس ،قال :حضرت عصابة من اليهود نبي ال
الرجل من ماء المرأة ؟ وكيف النثى منه والذكر ؟ فقال :إن ماء الرجل
أبيض غليظ ،وإن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما عل كان له الولد والشبه
بإذن ال تعالى ،إن علماء الرجل كان ذكرا بإذن ال وإن علماء المرأة
كان انثى بإذن ال ]تعالى[ - 102 .وعن أنس قال :سأل عبد ال بن سلم
النبي صلى ال عليه واله فقال :ما ينزع الولد إلى أبيه وإلى امه ؟ قال:
أخبرني جبرئيل أنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد ،وإذا
سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها - 103 .وعن ابن عباس ،في قوله
تعالى " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " قال :خلقوا في ظهر آدم ثم صوروا
في الرحام ) - 104 .(1وفي رواية اخرى عنه :خلقوا في أصلب الرجال،
ثم صوروا في أرحام النساء ) - 105 .(2وفي رواية اخرى عنه قال :أما
قوله " خلقناكم " فآدم ،وأما " صورناكم " فذريته ) - 106 .(3وعن أبي
سعيد الخدري ،قال :سمعت النبي صلى ال عليه واله سئل عن العزل فقال:
ل عليكم أن تفعلوا ،إن يكن مما أخذ ال منها الميثاق فكانت على الصخرة
نفخ
) 1و (2الدر المنثور :ج ،3ص (3) .72الدر المنثور :ج ،3ص .72
][383
فيه الروح ) - 107 .(1وعن ابن مسعود أنه سئل عن العزل فقال :لو أخذ
ال ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لخرجه من ذلك
الصفا ،فإن شئت فاعزل وإن شئت ل تعزل ) - 108 .(2وعن ابن عباس
في قوله تعالى " من سللة " قال :السللة صفر الماء الرقيق الذي يكون
منه الولد ) - 109 .(3وعن ابن عباس -مرفوعا :-النطفة التي يخرج
منها الولد ترعد لها العضاء والعروق كلها إذا خرجت وقعت في الرحم )
- 110 .(4وعن علي عليه السلم قال :إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث
إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلث ،فذلك قوله " ثم أنشأناه
خلقا آخر " يعني نفخ الروح ) - 111 .(5وعن ابن عباس في قوله " ثم
أنشأناه خلقا آخر " يقول :خرج من بطن امه بعد ما خرج ،فكان من بدء
خلقه الخر أن استهل ،ثم كان من خلقه أن دل ) (6على ثدي امه ،ثم كان
من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه ،إلى أن قعد ،إلى أن حبا إلى أن قام
على رجليه ،إلى أن مشى ،إلى أن فطم ،فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام
إلى أن بلغ الحلم ،إلى أن بلغ ،إلى أن يتقلب في البلد ) - 112 .(7وعن
قتادة " ،ثم أنشأناه خلقا آخر " قال :يقول بعضهم هو نبات الشعر وبعضهم
يقول هو نفخ الروح ) - 113 .(8وعن حذيفة بن اسيد ،قال :قال رسول ال
صلى ال عليه واله :يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم
) 1و (2الدر المنثور :ج ،3ص 3) .144و (4الدر المنثور :ج ،5ص
(5) .6الدر المنثور :ج ،5ص (6) .7في المصدر :دله 7) .و (8الدر
][384
ثم تطوى الصحيفة فل يزاد فيها ول ينقص منها ) - 114 .(1وعن أبي ذر
-رضي ال عنه -قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :إذا مكث المني
في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب ،فيقول :يا رب
هو لق .وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله " وصوركم
قال :إذا جئناكم بحديث أتيناكم بتصديقه من كتاب ال .إن النطفة تكون في
الرحم أربعين ،ثم تكون علقة أربعين ،ثم تكون مضغة أربعين ،فإذا أراد ال
أن يخلق الخلق نزل الملك فيقول له :اكتب ،فيقول :ما ذا أكتب ؟ فيقول:
شقيا ) (3أو سعيدا ،ذكرا أو انثى ،وما رزقه وأثره وأجله ،فيوحي ال بما
يشاء ويكتبه الملك .ثم قرأ عبد ال " :إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج
نبتليه " ثم قال عبد ال :أمشاجها عروقها ) - 116 .(4وعن ابن عباس،
في قوله " من نطفه أمشاج " قال :ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان )
- 117 .(5وعن ابن عباس ،أن نافع بن الزرق قال له :أخبرني عن قوله
" من نطفة أمشاج " قال :اختلط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في
الرحم .قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال :نعم ،أما سمعت أبا ذويب وهو
يقول :كأن الريش والفوقين منه * خلل النسل خالطه مشيج )- 118 (6
وعن ابن عباس في قوله " من نطفة أمشاج " قال :مختلفة اللوان ).(7
) (1الدر المنثور :ج ،4ص ) 345مقطعا( (2) .الدر المنثور :ج :6ص
][385
- 119وعن مجاهد " من نطفة أمشاج " قال :ألوان ،نطفة الرجل بيضاء
وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء ) - 120 .(1وعن قتادة " إنا خلقنا
النسان من نطفة أمشاج نبتليه " قال :طورا نطفة وطورا علقة ،وطورا
مضغة ،وطورا عظاما ،ثم كسونا العظام لحما ،وذلك أشد ما يكون إذا كسي
اللحم " ثم أنشأناه خلقا آخر " قال :أنبت له الشعر " فتبارك ال أحسن
الخالقين ،فأنبأه ال مما خلقه وأبناه ،إنما بين ذلك ليبتليه بذلك ،ليعلم كيف
شكره ومعرفته لحقه ،فبين ال له ما أحل له وما حرم عليه ،ثم قال " إنا
هديناه السبيل إما شاكرا -لنعم ال -وإما كفورا -بها - 121 ." (2) -
وعن عكرمة في قوله " أمشاج " قال :الظفر والعظم والعصب من الرجل
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إذا أراد ال أن يخلق النسمة فجامع
الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها ،فإذا كان اليوم السابع
أحضر ال له كل عرق بينه وبين آدم ،ثم قرأ " في أي صورة ما شاء ركبك
) - 123 ." (4وعن مجاهد " في أي صورة ما شاء ركبك " قال :إما
قبيحا وإما حسنا ،و شبه أب أو ام أو خال أو عم ) - 124 .(5وعن علي بن
رياح ،عن أبيه ،عن جده ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال له :ما ولد
لك ؟ قال :يا رسول ال ! ما عسى أن يولد لي ؟ إما غلم وإما جارية .قال:
فمن يشبه ؟ قال :يا رسول ال ! ما عسى أن يشبه ؟ إما أباه وإما امه.
فقال :ل تقولن هذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها ال كل نسب
بينها وبين آدم ،فركب خلقه في صورة من تلك الصور ،أما قرأت هذه اليه
في كتاب ال " في أي صورة ما شاء ركبك " من نسبك ما بينك وبين آدم )
.(6
) (3 - 1الدر المنثور :ج 6ص (4) .298المصدر :ج ،6ص 5) .323و
][386
- 125وعن ابن أبي حاتم في قوله " يخرج من بين الصلب والترائب "
قال :صلب الرجل وترائب المرأة ،ل يكون الولد إل منهما ) - 126 .(1وعن
ابن عباس " يخرج من بين الصلب والترائب " قال :ما بين الجيد والنحر )
- 128 .(3وعن مجاهد ،قال :الترائب أسفل من التراقي ) - 129 .(4وعن
ابن عباس في قوله " والترائب " قال :تريبة المرأة ،وهو موضع القلدة )
- 130 .(5وعن ابن عباس أن نافع بن الزرق قال له :أخبرني عن قوله
عزوجل " يخرج من بين الصلب والترائب " قال :الترائب موضع القلدة
من المرأة .قال :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال :نعم ،أما سمعت قول
الشاعر :والزعفران على ترائبها * شرقا به اللبات والنحر )- 131 (6
وعن عكرمة ،أنه سئل عن قوله " يخرج من بين الصلب والترائب " قال:
صلب الرجل وترائب المرأة ،أما سمعت قول الشاعر :نظام اللؤلؤ على
الترائب بين ثديي المرأة ) - 133 .(8وعن سعيد بن جبير ،قال :الترائب
) (7 - 1المصدر :ج ،6ص (8) 336لم نجد هذه الرواية في الدر المنثور.
][387
- 135وعن العمش ،قال :يخلق العظام والعصب من ماء الرجل ،ويخلق
اللحم والدم من ماء المرأة ) - 136 .(1وعن قتادة في قوله " يخرج من
بين الصلب والترائب " قال :يخرج من بين صلبه ونحره " إنه على رجعه
لقادر " قال :إن ال على بعثه وإعادته لقادر " يوم تبلى السرائر " قال:
إن هذه السرائر مختبرة ،فأسروا خيرا وأعلنوه " فماله من قوة " يمتنع
بها " ول ناصر " ينصره من ال ) - 137 .(2وعن ابن عباس في قوله "
إنه على رجعه لقادر " قال :أن يجعل الشيخ شابا ،والشاب شيخا ).(3
- 138وعن مجاهد " إنه على رجعه لقادر " قال :على رجع النطفة في
الحليل ) .(4بيان :قوله " كأن الريش " ..اقول :أورد الجوهري البيت
هكذا :كأن النصل والفوقين منها * خلل الريش سيط به المشيج فائدة قال
بعض المحققين :مبدأ عقد الصورة في مني الذكر ،ومبدأ انعقادها في مني
النثى ،وهما بالنسبة إلى الجنين كالنفحة واللبن بالقياس إلى الجبن .وقيل:
إن لكل من المنيين قوة عاقدة وقابلة وإن كانت العاقدة في الذكوري أقوى
والمنعقدة في النوثي أقوى ،ورجح ذلك بأنه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن
يتحدا شيئا واحدا ولم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد .وقال
بعضهم :ولهذا إذا كان مزاج النثى قويا ذكوريا كما تكون أمزجة النساء
الشريفة النفس ،القوية القوى ،وكان مزاج كبدها حارا كان المني المنفصل
من الكلية اليمنى مقام مني الرجل في شدة قوة العقد ،والمنفصل من
اليسرى مقام مني النثى في قوة النعقاد ،فينخلق الولد بإذن ال،
وخصوصا إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس متقومة به بحيث يسري
اتصالها به إلى الطبيعة والبدن ،ويغير المزاج ،ويمد جميع القوى في
][388
فتصير أقدر على أفعالها بما ل ينضبط بالقياس ،كما وقع للصديقة مريم
بنت عمران على نبينا وآله وعلى ابنها وعليها السلم حيث تمثل لها روح
القدس بشرا سوي الخلق حسن الصورة ،فتأثر نفسها به فتحركت على
العادية ،حتى يتكلف أمثال تلك التكلفات التي ربما انتهى القول به إلى نسبة
امور إلى النساء المقدسات المطهرات ل يرضى ال بها ،والكف عنها أحوط
وأحرى .ثم قالوا :ابتداء خلقة الجنين ) (1هو حصول الماء في الرحم،
وشبه بالعجين إذا الصق بالتنور ،ثم يتغير عن حاله قليل ويشبه بالبذر إذا
طرح في الرض ويسمى نطفة ،ثم تحصل فيه نقط دموية من دم الحيض
ويسمى علقة ،ثم يظهر فيه حمرة ظاهرة منه فيصير شبيها بالدم الجامد،
ويعظم قليل ،ويهيج فيه ريح حارة ويسمى مضغة ثم يتم ويتميز فيه
جنينا ،ثم يظهر فيه رسوم سائر العضاء ويقوى ويصلب ويجري فيه
الروح ويتحرك ويسمى صبيا ،ثم تنفصل الرسوم وتظهر الصورة وينبت
الشعر ،ثم ينفتح لسانه وتتم خلقته .وتكمل خلقة الذكر قبل خلقة النثى،
جدا تسمى " اسبرماتزوئيد " وأن المرأة تبيض كل شهر في الرحم وتخرج
بيضاتها بدم الحيض ،فإذا وصل منى الرجل باحدى تلك البيضات اجتمع
السبرماتزوئيدات حولها ودخل اقويها فيها وربما دخل الثنان أو اكثر معا
فيتعدد الجنين وعندئذ يحصل للبيضة حالة ل يمكن معها دخول سائر
بالنفصال اثنين ثم اربعة وهكذا ،ثم يظهر فيه نقطتان حمراوان احديهما
موضع القلب والخرى موضع المخ ،ثم يظهر رسوم العضاء ثم صورها
حتى يكتمل جميع العضاء وينفخ فيها الروح (2) .وهى القلب والكبد
والمخ
][389
وجسمها عصبي ليمكن امتدادها واتساعها وقت الولدة والحاجة إلى ذلك،
وتنضم إذا استغنت ،ولها بطنان ينتهيان إلى فم واحد ،وزائدتان تسميان
قرني ) (1الرحم ،وخلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة ،وهما أصغر من
المرأة إلى تجويف الرحم ،وللرحم رقبة منتهية إلى فرج المرأة ،وتلك
الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل ،فإذا امتزج مني الرجل بمني
بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فتغذوه حتى يتم ويكمل فإذا لم يكتف بما
يجيئه من تلك العروق يتحرك حركات قوية طلبا للغذاء ،فيهتك أربطة الرحم
التي قلنا إنها على هيئة السلسلة ويكون منها الولدة )انتهى( .واعلم أنهم
اتفقوا على أن المني يتولد من فضلة الهضم الرابع في العضاء ،قال بقراط
في كتابه في المني :إن جمهور مادة المني هو من الدماغ ،فإنه ينزل منه
إلى العرقين اللذين خلف الذنين ،ثم منهما إلى النخاع لئل يبعد من الدماغ
وما يشبهه مسافة طويلة فيغير مزاجه ،ثم منه إلى الكليتين بعد نفوذه في
ولهذا قيل :إن قطعهما يقطع النسل .ونقل الطبري عن بقراط أن الصقالبة
قول بقراط.
][390
وقال الشيخ :أنا أرى أن المني ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده ،و إن
كانت خميرته منه ،وصح ما يقوله بقراط من أمر العرقين ،بل يجب أن
يكون له من كل عضو رئيس عين ،ومن العضاء الخرى ترشح أيضا إلى
هذه الصول .وقال القرشي في شرح القانون :إنما يكون تولد المني من
الرطوبة المبثوثة على العضاء كالطل ،ومعلوم أنه ليس في كل عضو من
العضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى النثيين ثم إلى
القضيب ،فل يمكن أن يكون وصولها إلى هناك إل بأن تتبخر تلك الرطوبة
من العضاء حتى تتصعد إلى الدماغ ،وهناك تفارقها الحرارة المتبخرة
فتبرد وتتكاثف وتعود إلى قوامها قبل التبخر ،ثم من هناك ينزل إلى العروق
التي خلف الذنين وينفذ إلى النخاع في عروق هناك لئل يتغير عن التعدل
الذي أفاده الدماغ ،فل يتبخر بالحرارة كرة اخرى ،فإذا نزلت من هناك حتى
وصلت إلى قرب النثيين صادف هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى
فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهه بعض الستحالة ،ثم بعد ذلك ينفذ
إلى النثيين ويكمل فيهما تعدله و بياضه ونضجه ،ومنهما يندفع إلى
أوعيته .وأيد ذلك بما نقل من كتاب منسوب إلى هرمس في سر الخليقة قد
فسره بليناس وهو أن المني إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه
إلى بعض وسما إلى الدماغ وأخذ الصورة منه ،ثم نزل في الذكر وخرج
منه .وقال شارح السباب :مادة المني يأتي من الكبد إلى الكليتين في شعب
من الجوف النازل ،ويتصفى فيهما من المائية ،ثم منهما إلى المجرى الذي
المسافة بينهما فينضج فيه المني ويبيض بعد احمراره ،ثم منه إلى
النثيين ،فهما يعينان على تمام تكون المني بإسخانها الدم النافذ في هذه
بجوهر النثيين يصعدان أول إلى العانة وإلى معلق البيضتين ،ثم ينزلن
][391
مجرى البول ،ثم يتصلن إلى المجرى الذي في أصل القضيب ،ويسمى
هذان الوعاءان أوعية المني ،وهذان في الرجال أطول وأوسع منهما في
النساء .وفي القضيب مجار ثلثة :مجرى المني ،ومجرى البول ،ومجرى
الودي ،كذا ذكر الشيخ في القانون .وقال صاحب ترويح الرواح :في
يعلم حقائق المور .وفي القاموس :البربخ منفذ الماء ومجراه ،وهو
من المجلد الرابع عشر -كتاب السماء والعالم -من بحار النوار ،وهو
الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية .وقد قابلناه
على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي ،بما
][392
بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل كما هو أهله ،وكما ينبغي لكرم وجهه
وعز جلله و الصلة والسلم على رسوله وآله .وبعد :فقد بذلنا غاية
المجهود في تصحيح هذا الجزء من كتاب " بحار النوار " -وهو الجزء
ومجرى الودي ،كذا ذكر الشيخ في القانون .وقال صاحب ترويح الرواح:
في القضيب مجريان :أحدهما مجرى البول والودي والخر مجري المني.
يعلم حقائق المور .وفي القاموس :البربخ منفذ الماء ومجراه ،وهو
من المجلد الرابع عشر -كتاب السماء والعالم -من بحار النوار ،وهو
الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية .وقد قابلناه
على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي ،بما
][392
بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل كما هو أهله ،وكما ينبغي لكرم وجهه
وعز جلله و الصلة والسلم على رسوله وآله .وبعد :فقد بذلنا غاية
المجهود في تصحيح هذا الجزء من كتاب " بحار النوار " -وهو الجزء
ومقابلته بالنسخ والمصادر .نشكر ال تعالى على ما وفقنا لذلك ونسأله أن
يديم توفيقنا ويزيدنا من فضله وال ذو الفضل العظيم .قم المشرفة :محمد