You are on page 1of 608

‫بحار النوار الجزء ‪57‬‬

‫العلمة المجلسي‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة‬

‫فخر المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء‬

‫السابع والخمسون دار إحياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان الطبعة الثالثة‬

‫المصححة ‪‍ 1403‬ه ‪ 1983 -‬م دار احياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان ‪-‬‬

‫بناية كليوباترا ‪ -‬شارع دكاش ‪ -‬ص‪ .‬ب ‪ 11 / 7957‬تلفون المستودع‪:‬‬

‫‪ - 278766 - 273032 - 274696‬المنزل ‪ 830717 - 830711‬برقيا‪:‬‬

‫التراث ‪ -‬تلكس ‪ LE / 44632‬تراث‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم )‪) (29‬باب( * )الرياح وأسبابها وأنواعها( *‬

‫اليات‪ :‬البقرة‪ :‬وتصريف الرياح )‪ .(1‬العراف‪ :‬وهو الذي يرسل الرياح‬

‫بشرا بين يدي رحمته )‪ .(2‬الحجر‪ :‬وأرسلنا الرياح لواقح )‪ .(3‬السراء‪:‬‬

‫فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم )‪ .(4‬النبياء‪ :‬ولسليمان‬

‫الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها )‪ .(5‬الفرقان‪ :‬وهو‬

‫الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته )‪ .(6‬النمل‪ :‬ومن يرسل الرياح‬
‫بشرا بين يدي رحمته )‪ .(7‬الروم‪ :‬ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات‬

‫وليذيقكم من رحمته ولتجري‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .164 :‬العراف‪ (3) .57 :‬الحجر‪ (4) .22 :‬السراء‪.69 :‬‬

‫)‪ (5‬النبياء‪ (6) .81 :‬الفرقان‪ (7) .48 :‬النمل‪.63 :‬‬

‫]‪[2‬‬

‫الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬ولئن‬

‫أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون )‪ .(2‬الذاريات‪:‬‬

‫والذاريات ذروا )‪ .(2‬وقال سبحانه‪ :‬وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم‬

‫)‪ .(4‬القمر‪ :‬إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر )‪.(5‬‬

‫المرسلت‪ :‬والمرسلت عرفا فالعاصفات عصفا فالناشرات نشرا )‪(6‬‬

‫تفسير‪ " :‬وهو الذي أرسل الرياح بشرا " قال الرازي‪ :‬حد الريح أنه هواء‬

‫متحرك‪ ،‬فنقول‪ :‬كون هذا الهواء متحركا ليس لذاته ول للوازم ذاته وإل‬

‫لدامت الحركة بدوام ذاته‪ ،‬فل بد وأن يكون بتحريك الفاعل المختار وهو‬

‫ال جل جلله‪ .‬قالت الفلسفة‪ :‬ههنا سبب آخر‪ ،‬وهو أنه يرتفع من الرض‬

‫أجزاء أرضية لطيفة مسخنة )‪ (7‬تسخينا قويا شديدا‪ ،‬فبسبب تلك السخونة‬

‫الشديدة ترتفع وتتصاعد‪ ،‬فإذا وصلت إلى القرب من الفلك كان الهواء‬
‫الملتصق بمقعر )‪ (8‬الفلك متحركا على استدارة الفلك بالحركة المستديرة‬

‫التي حصلت لتلك الطبقة من الهواء‪ ،‬فهي تمنع هذه الدخنة من الصعود بل‬

‫تردها عن سمت حركتها‪ ،‬فحينئذ ترجع تلك الدخنة وتتفرق في الجوانب‬

‫وبسبب ذلك التفرق تحصل الرياح‪ ،‬ثم كلما كانت تلك الدخنة أكثر وكان‬

‫صعودها أقوى كان رجوعها أيضا أشد حركة فكانت الرياح أشد وأقوى‪.‬‬

‫هذا حاصل ما ذكروه وهو باطل‪ ،‬ويدل على بطلنه وجوه‪:‬‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) .44 :‬الروم‪ (3) .51 :‬الذاريات‪ (4) .1 :‬الذاريات‪(5) .41 :‬‬

‫القمر‪ (6) .19 :‬المرسلت‪ (7) .3 - 1 :‬في المصدر‪ :‬تسخنه‪ (8) .‬بقعر‬

‫)خ(‪.‬‬

‫]‪[3‬‬

‫الول‪ :‬أن صعود الجزاء الرضية إنما يكون لشدة تسخنها‪ ،‬ول شك أن‬

‫ذلك التسخن عرضي‪ ،‬لن الرض باردة يابسة بالطبع‪ ،‬فإذا كانت تلك‬

‫الجزاء الرضية متصغرة جدا كانت سريعة النفعال‪ ،‬فإذا تصاعدت‬

‫ووصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها بل تبرده‬

‫جدا‪ ،‬وءدا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة‬

‫بحركة الفلك‪ ،‬فبطل مال ذكروه‪ .‬الثاني‪ :‬هب أن تلك الجزاء الدخانية‬
‫صعدت إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك‪ ،‬لكنها لما رجعت وجب‬

‫أن تنزل على الستقامة‪ ،‬لن الرض جسم ثقيل‪ ،‬والثقيل إنما يتحرك‬

‫بالستقامة‪ ،‬والرياح ليست كذلك‪ ،‬فإنها تتحرك يمنة ويسرة‪ .‬الثالث‪ :‬أن‬

‫حركة تلك الجزاء الرضية النازلة ل تكون حركة قاهرة‪ ،‬فإن الرياح إذا‬

‫أحضرت الغبار الكثير ثم عاد ذلك الغبار ونزل على السطوح لم يحس أحد‬

‫بنزولها وترى هذه الرياح تقلع الشجار وتهدم الجبال وتموج البحار‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أنه لو كان المر على ما قالوه لكانت الرياح كلما كانت أشد وجب‬

‫أن يكون حصول الجزاء الغبارية الرضية أكثر‪ ،‬لكنه ليس المر كذلك‪ ،‬لن‬

‫الرياح قد يعظم عصوفها وهبوبها في وجه البحر مع أن الحس يشهد بأنه‬

‫ليس في ذلك الهواء المتحرك العاصف شئ من الغبار والكدرة‪ ،‬فبطل ما‬

‫قالوه‪ .‬وقال المنجمون‪ :‬إن قوى الكواكب هي التي تحرك هذه الرياح‬

‫وتوجب هبوبها وذلك أيضا بعيد‪ ،‬لن الموجب لهبوب الرياح إن كان طبيعة‬

‫الكواكب وجب دوام الرياح بدوام تلك الطبيعة‪ ،‬وإن كان الموجب هو طبيعة‬

‫الكواكب بشرط حصوله في البرج المعين والدرجة المعينة وجب أن يتحرك‬

‫هواء كل العالم وليس كذلك‪ .‬وأيضا قد بينا أن الجسام متماثلة فاختصاص‬

‫الكوكب المعين والبرج المعين والطبيعة التي لجلها اقتضت ذلك الثر‬

‫الخاص لبد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار فثبت أن محرك الرياح‬
‫هو ال سبحانه‪ ،‬وثبت بالدليل العقلي أيضا صحة قوله " وهو الذي يرسل‬

‫الرياح "‪.‬‬

‫]‪[4‬‬

‫قوله " نشرا " أي منتشرة متفرقة‪ ،‬فجزء من أجزاء الريح يذهب يمنة‪،‬‬

‫وجزء آخر يذهب يسرة‪ ،‬وكذا القول في سائر الجزاء‪ ،‬فإن كل واحد منها‬

‫يذهب إلى جانب آخر فنقول‪ :‬لشك أن طبيعة الهواء طبيعة واحدة ونسبة‬

‫الفلك والنجم والطبائع إلى كل واحد من الجزاء من ذلك الريح نسبة‬

‫واحدة‪ ،‬فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الخر بالذهاب‬

‫يسرة وجب أن ل يكون ذلك إل بتخصيص الفاعل المختار )‪ " .(1‬بين يدي‬

‫رحمته " أي بين يدي المطر الذي هو رحمته‪ ،‬فإن قيل‪ :‬فقد نجد المطر ول‬

‫تتقدمه الرياح‪ ،‬قلنا‪ :‬ليس في الية أن هذا التقدم حاصل في كل الحوال فلم‬

‫يتوجه السؤال‪ .‬وأيضا فيجوز أن تتقدمه هذه الرياح وإن كنا ل نشعر بها‪.‬‬

‫وعن ابن عمر‪ :‬الرياح ثمان‪ ،‬أربع منها عذاب وهو‪ :‬القاصف‪ ،‬والعاصف‪،‬‬

‫والصرصر‪ ،‬و العقيم‪ ،‬وأربع منها رحمة‪ :‬الناشرات‪ ،‬والمبشرات‪،‬‬

‫والمرسلت‪ ،‬والذاريات‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬نصرت بالصبا‪،‬‬

‫واهلك عاد بالدبور‪ ،‬والجنوب من ريح الجنة‪ .‬و عن كعب‪ :‬لو حبس ال‬

‫الريح عن عباده ثلثة أيام لنتن أكثر الرض )‪ " .(2‬فيرسل عليكم قاصفا‬
‫من الريح " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا‬

‫شديده كاسرة للسفينة‪ ،‬وقيل‪ :‬الحاصب‪ :‬الريح المهلكة في البر والقاصف‪:‬‬

‫المهلكة في البحر‪ .‬فيغرقكم بما كفرتم " من نعم ال )‪ " .(3‬أن يرسل‬

‫الرياح " قال البيضاوي‪ :‬أي الشمال والصبا والجنوب‪ ،‬فإنها رياح الرحمة‪،‬‬

‫وأما الدبور فريح العذاب‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم " اللهم اجعلها‬

‫رياحا ول تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير والحمزة والكسائي " الريح "‬

‫على إرادة الجنس " مبشرات " بالمطر " وليذيقكم من رحمته " يعني‬

‫المنافع التابعة لها‪ ،‬وقيل‪ :‬الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو‬

‫الروح الذي هو مع هبوبها‪ ،‬والعطف على علة‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،14‬ص ‪) 140‬من المطبوع بمصر( )‪ (2‬مفاتيح‬

‫الغيب‪ :‬ج ‪ ،14‬ص ‪ (3) .141‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.428‬‬

‫]‪[5‬‬

‫محذوفة دل عليها " مبشرات " أو عليها باعتبار المعنى‪ ،‬أو على " يرسل‬

‫" بإضمار فعل معلل دل عليه‪ " .‬ولتبتغوا من فضله " يعني تجارة البحر )‬

‫‪ " .(1‬فرأوه مصفرا " أي فرأوا الثر والزرع‪ ،‬فإنه مدلول عليه بما تقدم‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬السحاب لنه إذا كان مصفرا لم يمطر‪ ،‬واللم موطئة للقسم دخلت‬
‫على حرف الشرط‪ .‬وقوله " لظلوا من بعده يكفرون " جواب سد مسد‬

‫الجزاء ولذلك فسر بالستقبال وهذه الية )‪ (2‬ناعية على الكفار بقلة تثبتهم‬

‫وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم‪ ،‬فإن النظر‬

‫السوي يقتضي أن يتوكلوا على ال ويلجؤوا )‪ (3‬إليه بالستغفار إذا‬

‫احتبس القطر عنهم ولم ييأسوا من رحمته‪ ،‬وأن يبادروا إلى الشكر‬

‫والستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الستبشار‪ ،‬وأن‬

‫يصبروا على بلئه إذا ضرب زروعهم بالصفرار ولم يكفروا نعمه )‪.(4‬‬

‫أقول‪ :‬وقد مر تفسير الذاريات بالرياح التي تذرو التراب وهشيم النبت‪.‬‬

‫وقال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬الريح العقيم هي التي عقمت عن أن تأتي بخير‪،‬‬

‫]و[ من تنشئة سحاب‪ ،‬أو تلقيح شجر‪ ،‬أو تذرية طعام‪ ،‬أو نفع حيوان‪ ،‬فهي‬

‫كالمرأة الممنوعة عن الولدة‪ ،‬إذ هي ريح الهلك )‪ .(5‬وقال في قوله‬

‫تعالى " ريحا صرصرا " أي شديدة الهبوب‪ ،‬وقيل‪ :‬باردة من الصر وهو‬

‫البرد " في يوم نحس )‪ (6‬مستمر " أي دائم الشؤم‪ ،‬استمر عليهم‬

‫بنحوسته " سبع ليال وثمانية أيام " حتى أتت عليهم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان يوما‬

‫الربعاء آخر الشهر ل يدور‪ ،‬رواه العياشي بالسناد عن أبي جعفر عليه‬

‫السلم )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .248‬في المصدر‪ :‬اليات‪ (3) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬يلتجئوا‪ (4) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (5) .249‬مجمع البيان‪ :‬ج‬

‫‪ ،9‬ص ‪ (6) .159‬في المصدر‪ :‬أي في يوم شوم‪ (7) .‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪،9‬‬

‫ص ‪.190‬‬

‫]‪[6‬‬

‫أقول‪ :‬وقد مر أيضا تفسير " المرسلت عرفا " بالرياح ارسلت متتابعة‬

‫كعرف الفرس‪ ،‬و " العاصفات عصفا " بالرياح الشديدات الهبوب‪ ،‬و "‬

‫الناشرات نشرا " بالرياح التي تأتي بالمطر تنشر السحاب نشرا للغيث‪- 1 .‬‬

‫الفقيه‪ :‬قال علي عليه السلم‪ :‬للريح رأس وجناحان )‪ .(1‬بيان‪ :‬لعل الكلم‬

‫مبني على الستعارة‪ ،‬أي يشبه الطائر في أنها تطير إلى كل جانب‪ ،‬وفي‬

‫أنها في بدء حدوثها قليلة ثم تنتشر كالطائر الذي بسط جناحه‪ ،‬و ال يعلم‪.‬‬

‫‪ - 2‬الفقيه‪ :‬عن كامل‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع أبي جعفر عليه السلم بالعريض‪،‬‬

‫فهبت ريح شديدة‪ ،‬فجعل أبو جعفر عليه السلم يكبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن التكبير‬

‫يرد الريح‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما بعث ال ريحا إل رحمة أو عذابا‪ ،‬فإذا‬

‫رأيتموها فقولوا‪ :‬اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما ارسلت له‪ ،‬ونعوذ بك من‬

‫شرها وشر ما ارسلت له‪ ،‬وكبروا وارفعوا أصواتكم بالتكبير فإنه يكسرها )‬

‫‪ - 3 .(2‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما خرجت ريح قط إل بمكيال‬


‫إل زمن عاد‪ ،‬فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق البرة فأهلكت‬

‫قوم عاد )‪ - 4 .(3‬وقال الصادق عليه السلم‪ :‬نعم الريح الجنوب‪ ،‬تكسر‬

‫البرد عن المساكين‪ ،‬و تلقح الشجر‪ ،‬وتسيل الودية )‪ - 5 .(4‬وقال على‬

‫عليه السلم‪ :‬الرياح خمسة‪ ،‬منها العقيم فنعوذ بال من شرها‪ ،‬و كان النبي‬

‫صلى ال عليه واله إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه‬

‫واصفر‪ ،‬وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع‬

‫إليه لونه‪ ،‬ويقول‪ :‬جاءتكم بالرحمة )‪ - 6 .(5‬توحيد المفضل‪ :‬قال‪ :‬قال‬

‫الصادق عليه السلم‪ :‬انبهك يا مفضل على الريح وما فيها‪ ،‬ألست ترى‬

‫ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد يأتي على‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الفقيه‪ 3) .142 :‬و ‪ 4‬و ‪ (5‬الفقيه‪.143 :‬‬

‫]‪[7‬‬

‫النفوس‪ ،‬ويحرض الصحاء‪ ،‬وينهك المرضى‪ ،‬ويفسد الثمار‪ ،‬ويعفن‬

‫البقول‪ ،‬و يعقب الوباء في البدان والفة في الغلت ؟ ففي هذا بيان أن‬

‫هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلح الخلق‪ ،‬وانبئك عن الهواء بخلة‬

‫اخرى‪ ،‬فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الجسام في الهواء‪ ،‬والهواء يؤديه‬

‫إلى المسامع‪ ،‬والناس يتكلمون في حوائجهم ومعاملتهم طول نهارهم‬


‫وبعض ليلهم‪ ،‬فلو كان أثر هذا الكلم يبقى في الهواء كما يبقى الكتاب في‬

‫القرطاس لمتل العالم منه‪ ،‬فكان يكربهم ويفدحهم‪ ،‬وكانوا يحتاجون في‬

‫تجديده والستبدال به أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس‪ ،‬لن ما‬

‫يلقى من الكلم أكثر مما يكتب‪ ،‬فجعل الخلق الحكيم ‪ -‬جل قدسه ‪ -‬هذا‬

‫الهواء قرطاسا خفيفا يحمل الكلم ريثما يبلغ العالم )‪ (1‬حاجتهم‪ ،‬ثم يمحى‬

‫فيعود جديدا نقيا ويحمل ما حمل أبدا بل انقطاع‪ ،‬وحسبك بهذا النسيم‬

‫لمسمى هواء عبرة وما فيه من المصالح‪ ،‬فإنه حياة هذه البدان والممسك‬

‫لها من داخل بما يستنشق منه‪ ،‬ومن خارج بما تباشر من روحه‪ ،‬وفيه‬

‫تطرد هذه الصوات فيؤدي بها من البعيد‪ ،‬وهو الحامل لهذه الراييح ينقلها‬

‫من موضع إلى موضع‪ .‬أل ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح ؟‬

‫فكذلك الصوت‪ ،‬وهو القابل لهذا الحر والبرد اللذين يعتقبان على العالم‬

‫لصلحه‪ ،‬ومنه هذه الريح الهابة‪ ،‬فالريح تروح عن الجسام‪ ،‬وتزجي‬

‫السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكثف فيمطر وتفضه حتى‬

‫يستخف فيتفشى وتلقح الشجر‪ ،‬وتسير السفن‪ ،‬وترخي الطعمة‪ ،‬وتبرد‬

‫الماء وتشب النار‪ ،‬و تجفف الشياء الندية‪ ،‬وبالجملة إنها تحيي كل ما في‬

‫الرض‪ ،‬فلول الريح لذرى النبات‪ ،‬ومات الحيوان‪ ،‬وحمت الشياء وفسدت‪.‬‬

‫بيان‪ :‬ركود الريح سكونها‪ ،‬والتحريض إفساد البدن‪ ،‬ونهكته الحمى أي‬

‫أضنته وهزلته وقوله " والهواء يؤديه " يدل على ما هو المذهب‬
‫المنصور من تكيف الهواء بكيفية الصوت كما فصل في محله‪ .‬ويقال‪ :‬كربه‬

‫المر أي شق عليه‪ ،‬وفدحه‬

‫)‪ (1‬العام )خ(‪.‬‬

‫]‪[8‬‬

‫الدين أي أثقله‪ ،‬وريث ما فعل كذا أي قدر ما فعله‪ ،‬و " يبلغ " إما على‬

‫بناء المجرد فالعالم فاعله‪ ،‬أو على التفعيل فالهواء فاعله‪ ،‬والروح ‪ -‬بالفتح‬

‫‪ -‬الراحة ونسيم الريح‪ .‬واطرد الشئ‪ :‬تبع بعضه بعضا وجرى‪ .‬والراييح‪:‬‬

‫جمع جمع للريح‪ .‬وتزجي السحاب ‪ -‬على بناء الفعال ‪ -‬أي تسوقه‪ ،‬وتفضه‬

‫أي تفرقه‪ ،‬والتفشي‪ :‬النتشار‪ ،‬وترخي الطعمة ‪ -‬على ]بناء[ التفعيل أو‬

‫الفعال ‪ -‬أي تصيرها رخوة لطيفة‪ ،‬وتشب النار أي توقدها‪ - 7 .‬العلل‪ :‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن الحسين بن إسحق التاجر‪ ،‬عن علي بن‬

‫مهزيار‪ ،‬عن الحسن بن الحسين‪ ،‬عن محمد بن فضيل‪ ،‬عن العرزمي‪ ،‬قال‪:‬‬

‫كنت مع أبي عبد ال عليه السلم جالسا في الحجر تحت الميزاب ورجل‬

‫يخاصم رجل وأحدهما يقول لصاحبه‪ :‬وال ما تدري من أين تهب الريح‪،‬‬

‫فلما أكثر عليه فقال له أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬هل تدري أنت من أين‬

‫تهب الريح )‪ (1‬؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكني أسمع الناس يقولون‪ ،‬فقلت أنا لبي عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬من أين تهب الريح )‪ (2‬؟ فقال‪ :‬إن الريح مسجونة تحت‬

‫الركن )‪ (3‬الشامي‪ ،‬فإذا أراد ال عزوجل أن يرسل )‪ (4‬منها شيئا أخرجه‬

‫إما جنوبا فجنوب‪ ،‬وإما شمال فشمال‪ ،‬وإما صباء فصباء‪ ،‬وإما دبورا‬

‫فدبور‪ ،‬ثم قال‪ :‬وآية ذلك أنك ترى )‪ (5‬هذا الركن متحركا أبدا في الصيف‬

‫والشتاء )‪ (6‬والليل والنهار )‪ .(7‬معاني الخبار‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن‬

‫عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬في الكافي‪ :‬هل تدرى انت فقال ل‪ (2) .‬في معاني الخبار‪ :‬من اين تهب‬

‫الريح جعلت فداك‪ (3) .‬في الكافي والمعاني‪ :‬تحت هذا الركن‪ (4) .‬في‬

‫الكافي‪ :‬يخرج‪ (5) .‬في المصادر‪ :‬ل تزال ترى‪ (6) .‬لفظه " الشتاء " في‬

‫المصادر مقدمة على " الصيف "‪ (7) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.133‬‬

‫]‪[9‬‬

‫العباس بن معروف‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬عن محمد بن الحسين )‪ (1‬عن‬

‫محمد بن الفضيل عن العرزمي مثله )‪ .(2‬الكافي‪ :‬عن أبي علي الشعري‪،‬‬

‫عن بعض أصحابه‪ ،‬عن محمد بن الفضيل مثله )‪ (3‬بيان‪ :‬قوله " مسجونة‬

‫" يحتمل أن يكون كناية عن قيام الملئكة الذين بهم تهب تلك الرياح فوقه‬

‫عند إرادة ذلك كما سيأتي‪ ،‬ولعل المراد بحركة الركن حركة الثوب المعلق‬
‫عليه‪ - 8 .‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪،‬‬

‫عن النوفلي عن السكوني‪ ،‬عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلم قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل تسبوا الرياح فإنها مأمورة‪ ،‬ول‬

‫تسبوا الجبال ول الساعات ول اليام ول الليالي فتأثموا وترجع عليكم )‪.(4‬‬

‫بيان‪ :‬الغرض النهي عن سب الرياح والبقاع والجبال واليام والساعات‬

‫فإنها مقهورة تحت قدرة ال سبحانه مسخرة له تعالى ل يملكون تأخرا عما‬

‫قدمهم إليه ول تقدما إلى ما أخرهم عنه‪ ،‬فسبهم سب لمن )‪ (5‬ل يستحقه‪،‬‬

‫ولعن من ل يستحق اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللعن‪ ،‬بل هو مظنة‬

‫الكفر والشرك لول غفلتهم عما يؤول إليه‪ ،‬كما ورد في الخبر‪ :‬لتسبوا‬

‫الدهر فإنه هو ال‪ ،‬أي فاعل الفعال التي تنسبونها إلى الدهر وتسبونه‬

‫بسببها هو ال تعالى‪ - 9 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ " :‬وفي عاد إذ أرسلنا‬

‫عليهم الريح العقيم " التي ل تلقح الشجر ول تنبت النبات‪ ،‬وفي رواية أبي‬

‫الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " فأرسلنا عليهم ريحا‬

‫صرصرا " والصرصر‪ :‬الباردة‪ ،‬في أيام نحسات " أيام مياشبم )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في المعاني‪ :‬محمد بن الحصين‪ (2) .‬معاني الخبار‪(3) .385 :‬‬

‫الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (4) 271‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (5) .264‬من )خ(‪) .‬‬

‫‪ (6‬تفسير القمى‪.448 :‬‬


‫]‪[10‬‬

‫‪ - 10‬ومنه‪ " :‬وأرسلنا الرياح لواقح " قال‪ :‬التي تلقح الشجار )‪- 11 .(1‬‬

‫العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن‬

‫السياري رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬لم سميت ريح‬

‫الشمال ؟ قال‪ :‬لنها تأتي من شمال العرش )‪ .(2‬بيان‪ :‬كون ريح الشمال‬

‫من شمال العرش لنها تهب من قبل الركن الشامي وهو في يسار الكعبة إذا‬

‫فرضت رجل مواجها إلينا والحجر السود عن يمين الكعبة وقد ورد في‬

‫الخبر أن العرش محاذ للكعبة‪ ،‬فيمينه يمينها ويساره يسارها‪ ،‬ويوضح ذلك‬

‫ما رواه الصدوق أيضا في العلل بإسناده عن بريد العجلى‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي‬

‫عبد ال عليه السلم‪ :‬كيف صار الناس يستلمون الحجر والركن اليماني ول‬

‫يستلمون الركنين الخرين ؟ قال‪ :‬إن الحجر السود والركن اليماني عن‬

‫يمين العرش‪ ،‬وإنما أمر ال تبارك وتعالى أن يستلم ما عن يمين عرشه‪،‬‬

‫قلت‪ :‬فكيف صار مقام إبراهيم عن يساره ؟ قال‪ :‬لن لبراهيم مقاما في‬

‫القيامة ولمحمد صلى ال عليه واله مقاما‪ ،‬فمقام محمد صلى ال عليه واله‬

‫عن يمين عرش ربنا عزوجل ومقام إبراهيم عليه السلم عن شمال عرشه‪،‬‬

‫فمقام إبراهيم في مقامه يوم القيامة وعرش ربنا مقبل غير مدبر‪ .‬وحاصله‬

‫أنه ينبغي أن يتصور أن البيت بإزاء العرش وحذائه في الدنيا والخرة‪،‬‬


‫والبيت بمنزلة رجل وجهه إلى الناس‪ ،‬ووجهه الطرف الذي فيه الباب فإذا‬

‫توجه إنسان إلى البيت من جهة الباب كان المقام والركن الشامي عن يمينه‬

‫والحجر ]السود[ والركن اليماني عن يساره‪ ،‬فإذا فرض البيت إنسانا‬

‫مواجها تنعكس النسبة‪ ،‬فيمينه يحاذي يسارنا وبالعكس‪ " .‬وعرش ربنا‬

‫مقبل " أي بمنزلة رجل مقبل‪ ،‬ويمكن أن يكون تسمية الجانب الذي يلي‬

‫الشامي شمال في خبر السياري لنه أضعف جانبي الكعبة كما أن الشمال‬

‫أضعف جانبي النسان‪ ،‬لن أشرف‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ (2) .350 :‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.264‬‬

‫]‪[11‬‬

‫أجزاء الكعبه وهي الحجر والركن اليماني واقعة على الجانب المقابل‪ ،‬فهو‬

‫بمنزلة اليمين‪ - 12 .‬العلل‪ :‬بالسناد إلى وهب‪ ،‬قال‪ :‬إن الريح العقيم تحت‬

‫هذه الرض التي نحن عليها قدزمت بسبعين ألف زمام من حديد‪ ،‬قد وكل‬

‫بكل زمام سبعون ألف ملك‪ ،‬فلما سلطها ال عزوجل على عاد استأذنت‬

‫خزنة الريح ربها عزوجل أن تخرج منها في مثل منخر الثور‪ ،‬ولو أذن ال‬

‫عزوجل لها ما تركت شيئا على ظهر الرض إل أحرقته‪ ،‬فأوحى ال‬

‫عزوجل إلى خزنة الريح أن أخرجوا منها في مثل ثقب الخاتم فاهلكوا بها‪،‬‬
‫وبها ينسف ال عزوجل الجبال نسفا‪ ،‬والتلل والكام والمدائن والقصور‬

‫يوم القيامة‪ ،‬وذلك قوله عزوجل " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي‬

‫نسفا فيذرها قاعا صفصفا ل ترى فيها عوجا ول أمتا )‪ " (1‬والقاع الذي‬

‫لنبات فيه‪ ،‬و الصفصف الذي لعوج فيه‪ ،‬والمت المرتفع‪ .‬وإنما سميت‬

‫العقيم لنها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل )‪ (2‬إذا كان‬

‫عقيما ل يولد له ‪ -‬الخبر ‪ .(3) -‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬نسفت البناء نسفا‪:‬‬

‫قلعته‪ .‬وقال‪ :‬القاع المستوى من الرض وكذا الصفصف‪ .‬وقال‪ :‬المت‬

‫المكان المرتفع‪ ،‬وقوله تعالى " ل ترى فيها عوجا ول أمتا " أي ل‬

‫انخفاض فيها ول اقاع ؟‪ - 13 .‬قصص الرواندى‪ :‬بإسناده إلى الصدوق‪،‬‬

‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن زرعة‪ ،‬عن‬

‫سماعة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا هاجت الرياح فجاءت‬

‫بالسافي البيض والسود والصفر فإنه رميم قوم عاد‪ .‬بيان‪ :‬في القاموس‪:‬‬

‫سفت الريح التراب تسفيه‪ :‬ذرته‪ ،‬أو حملته ‪ -‬كأسفته ‪ -‬فهو ساف وسفى‬

‫)انتهى( اقول‪ :‬يمكن تخصيصه ببعض البلد القريبة من بلدهم كمدينة‬

‫ضاعف ال شرفها ‪ -‬ولبعد في التعميم أيضا‪.‬‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .107 - 105 :‬الرحم )خ(‪ (3) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.31‬‬

‫والخبر موقوف ل اعتداد به‪.‬‬


‫]‪[12‬‬

‫‪ - 14‬العياشي‪ :‬عن ابن وكيع‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل تسبوا الريح‪ ،‬فإنها بشر‪ ،‬وإنها‬

‫نذر‪ ،‬وإنها لواقح‪ ،‬فاسألوا ال من خيرها وتعوذوا به من شرها‪ .‬بيان‪ :‬أي‬

‫إنها مأمورة مبعوثة بأمر ال إما للبشارة بالمطر وغيره‪ ،‬أو للنذار أول‬

‫لقاح الشجار‪ ،‬أو لسوق السحب إلى القطار كما مر‪ ،‬فسبها باطل ل ينفعكم‬

‫بل يضركم‪ ،‬فاسألوا ال الذي بعثها ليجعلها نافعة لكم‪ ،‬ويصرف شرها‬

‫عنكم‪ - 15 .‬العياشي‪ :‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ل‬

‫رياح رحمة لواقح ينشرها بين يدي رحمته‪ - 16 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن‬

‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن محمد‬

‫بن رئاب‪ (1) .‬وهشام بن سالم‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه‬

‫السلم عن الرياح الربع‪ :‬الشمال‪ ،‬والجنوب‪ ،‬والصبا‪ ،‬والدبور‪ ،‬وقلت له‪:‬‬

‫إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة والجنوب من النار‪ ،‬فقال‪ :‬إن ل‬

‫عزوجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه‪ ،‬فلكل ريح منها‬

‫ملك موكل بها‪ ،‬فإذا أراد ال عز ذكره أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى‬

‫إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها‪ ،‬قال‪:‬‬

‫فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج السد المغضب‪ .‬وقال‪ :‬ولكل ريح منهن اسم‪،‬‬
‫أما تسمع قوله عزوجل " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا‬

‫عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " )‪ (2‬وقال " الريح العقيم )‪(3‬‬

‫" وقال " ريح فيها عذاب أليم )‪ " (4‬وقال " فأصابها إعصار فيه نار‬

‫فاحترقت )‪ " (5‬وما ذكر من الرياح التي يعذب ال بها من عصاه‪ .‬وقال‪:‬‬

‫ول عز‬

‫)‪ (1‬في المصدر " على بن رئاب " والظاهر أنه الصحيح لعدم ذكر من "‬

‫محمد بن رئاب " في كتب الرجال‪ (2) .‬القمر‪ (3) 19 :‬الذاريات‪(4) .41 :‬‬

‫الحقاف‪ (5) .24 :‬البقرة‪.266 :‬‬

‫]‪[13‬‬

‫ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ينشرها بين يدي رحمته‪ ،‬منها ما يهيج‬

‫السحاب للمطر ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والرض‪ ،‬ورياح‬

‫تعصر السحاب فتمطر بإذن ال‪ ،‬ومنها رياح تفرق السحاب‪ ،‬ومنها رياح‬

‫مما عدد )‪ (1‬ال في الكتاب‪ ،‬فأما الرياح الربع الشمال والجنوب والصبا‬

‫والدبور فإنما هي أسماء الملئكة الموكلين بها فإذا أراد ال أن يهب شمال‬

‫أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن‬

‫الشامي فضرب بجناحه )‪ ،(2‬فتفرقت ريح الشمال حيث يريد ال من البر‬


‫والبحر‪ (3) ،‬فإذا أراد ال أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب‬

‫فهبط على البيت الحرام‪ ،‬فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه )‪،(4‬‬

‫فتفرقت )‪ (5‬ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد ال‪ ،‬وإذا أراد ال أن‬

‫يبعث )‪ (6‬الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام‬

‫على الركن الشامي فضرب بجناحه )‪ (7‬فتفرقت ريح الصبا حيث يريد ال‬

‫عزوجل في البر والبحر‪ ،‬وإذا أراد ال أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه‬

‫الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي‪ ،‬فضرب بجناحه )‬

‫‪ (8‬فتفرقت ريح الدبور حيث يريد ال من البر والبحر‪ .‬ثم قال أبو جعفر‬

‫عليه السلم‪ :‬أما تسمع لقوله‪ :‬ريح الشمال‪ ،‬وريح الصبا‪ ،‬وريح الصبا‪،‬‬

‫وريح الدبور إنما تضاف إلى الملئكة الموكلين بها )‪ .(9‬الخصال‪ :‬عن‬

‫محمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار‪ ،‬عن العباس بن‬

‫معروف‪ ،‬عن ابن محبوب مثله‪ ،‬إلى قوله " فكيف كان عذابي ونذر " وذكر‬

‫رياحا في العذاب ثم قال‪ :‬فريح الشمال وريح الصبا وريح الجنوب وريح‬

‫الدبور أيضا‬

‫)‪ (1‬عد ال )خ(‪ 2) .‬و ‪ 4‬و ‪ 7‬و ‪ (8‬بجناحيه )خ(‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وإذا‪) .‬‬

‫‪ (5‬فتفرق )خ(‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ريح الصبا‪ (9) .‬الكافي‪ :‬ج‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫]‪[14‬‬

‫تضاف إلى الملئكة الموكلين بها )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الفيروز آبادي‪ :‬الشمال‬

‫بالفتح ويكسر‪ :‬الريح التي تهب من قبل الحجر‪ ،‬أو ما استقبلك عن يمينك‬

‫وأنت مستقبل القبلة‪ ،‬والصحيح أنه ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات‬

‫النعش‪ ،‬أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر‪ ،‬ويكون اسما وصفة‪،‬‬

‫ول تكاد تهب ليل‪ ،‬وقال‪ :‬الجنوب ريح تخالف الشمال‪ ،‬مهبه )‪ (2‬من مطلع‬

‫سهيل إلى مطلع الثريا‪ .‬وقال‪ :‬الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات‬

‫نعش وقال‪ :‬الدبور ريح تقابل الصبا‪ .‬وقال الشهيد ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في‬

‫الذكرى‪ :‬الجنوب محلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في‬

‫العتدالين‪ ،‬والصبا محلها ما بين الشمس إلى الجدي‪ ،‬والشمال محلها من‬

‫الجدي إلى مغرب الشمس في العتدال‪ ،‬والدبور محلها من مغرب الشمس‬

‫إلى مطلع سهيل‪ .‬قوله تعالى " ونذر " أي إنذار لهم بالعذاب قبل نزولها‪،‬‬

‫أو لمن بعدهم في تعذيبهم‪ .‬والريح العقيم قيل هي الدبور‪ ،‬وقيل هي الجنوب‬

‫وقيل‪ :‬النكباء‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬العصار ريح تثير الغبار إلى السماء كأنه‬

‫عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق‪ .‬قوله عليه السلم "‬

‫فتفرقت ريح الشمال " ل يتوهم أنه يلزم من ذلك أن يكون مهب جميع‬

‫الرياح جهة القبلة‪ ،‬وذلك لنه لعظمة الملك وجناحه يمكن أن يتحرك رأس‬

‫جناحه بأي موضع أراد‪ ،‬ويرسلها إلى أي جهة امر بالرسال إليها‪ ،‬وإنما‬
‫امر بالقيام على الكعبة لشرافتها وكونها في محل رحماته تعالى ومصدرها‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬ضرب الجناح علمة أمر الملك الريح للهبوب‪ .‬قوله عليه السلم "‬

‫أما تسمع لقوله " أي لقول القائل‪ ،‬وكأنه عليه السلم استدل بهذه العبارات‬

‫الشائعة على ما ذكره من أنها أسماء الملئكة‪ ،‬إذ الظاهر من الضافة‬

‫كونها لمية والبيانية نادرة وإن كان القائلون لم يعرفوا هذا المعنى لنهم‬

‫سمعوا ممن تقدمهم وهكذا إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه‬

‫المعرفة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ (2) .123 :‬في القاموس‪ :‬مهبها‪.‬‬

‫]‪[15‬‬

‫‪ - 17‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن أبي‬

‫يحيى الواسطي‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن‬

‫ل تبارك وتعالى ريحا يقال لها " الزيب " لو ارسل منها مقدار منخر‬

‫الثور لثارت ما بين السماء والرض وهي الجنوب )‪ .(1‬بيان‪ :‬قوله "‬

‫وهي الجنوب " من كلم بعض الرواة أو من كلمه عليه السلم‪ ،‬وعلى‬

‫التقديرين لعل المراد به أنها نوع منها أو قريب منها‪ .‬قال في القاموس‪:‬‬

‫الزيب كالحمر الجنوب )‪ (2‬والنكباء تجري بينها وبين الصبا‪ .‬وقال‪:‬‬


‫النكباء ريح انحرفت ووقعت بين ريحين‪ ،‬أو بين الصبا والشمال‪ ،‬أو نكب‬

‫الرياح الربع‪ ،‬الزيب‪ :‬نكباء الصبا والجنوب‪ ،‬والصابية ‪ -‬وتسمى النكيباء‬

‫أيضا ‪ :-‬نكباء الصبا والشمال‪ ،‬و الجربياء‪ :‬نكباء الشمال والدبور وهي‬

‫نيحة الزيب‪ ،‬والهيف‪ :‬نكباء الجنوب والدبور وهي نيحة النكيباء‪ .‬ونحوه‬

‫قال الجوهري‪ .‬وقال‪ :‬كل ريح استطالت أثرا فهبت عليه ريحا طول فهي‬

‫نيحة‪ ،‬فإن اعترضته فهي نسيجته‪ - 18 .‬نوادر الراوندي‪ :‬بإسناده عن‬

‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬نصرت بالصبا‪ ،‬واهلكت عاد بالدبور‪ ،‬وما هاجت الجنوب إل سقى ال‬

‫بها غيثا وأسال بها واديا‪ - 19 .‬الحتجاج‪ :‬قال الصادق عليه السلم‬

‫للزنديق الذي سأله مسائل‪ :‬الريح لو حبست أياما لفسدت الشياء جميعا‬

‫وتغيرت )‪ .(3‬وسأله عن جوهر الريح فقال‪ :‬الريح هواء إذا تحرك سمي‬

‫ريحا‪ ،‬فإذا سكن سمي هواء‪ ،‬وبه قوام الدنيا‪ ،‬ولو كفت )‪ (4‬الريح ثلثة‬

‫أيام لفسد كل شئ على وجه الرض ونتن‪ ،‬وذلك أن الريح بمنزلة المروحة‬

‫تذب وتدفع الفساد عن كل شئ وتطيبه‪ ،‬فهي بمنزله الروح إذا‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (2) .217‬في المصدر‪ ،‬أو‪ (3) .‬الحتجاج‪) .1 ،7 ،‬‬

‫‪ (4‬في المخطوطة‪ :‬كثفت‪.‬‬


‫]‪[16‬‬

‫خرج عن البدن نتن البدن وتغير‪ ،‬تبارك ال أحسن الخالقين )‪- 20 (1‬‬

‫الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد‬

‫ال ابن سنان‪ ،‬عن معروف بن خربوذ‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن‬

‫ل عزوجل رياح رحمته ورياح عذاب‪ ،‬فإن شاء ال أن يجعل الرياح من )‬

‫‪ (2‬العذاب رحمة فعل‪ ،‬قال‪ :‬ولن يجعل ال الرحمة من الريح عذابا‪ ،‬قال‪:‬‬

‫وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبال عليهم إل من‬

‫بعد تحولهم عن طاعته‪ .‬قال‪ :‬وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم ال‬

‫بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه‪ ،‬ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب‬

‫المقدر عليهم رحمة‪ ،‬فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم‪ ،‬وذلك لما‬

‫آمنوا به وتضرعوا إليه‪ .‬قال‪ :‬وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب ل تلقح‬

‫شيئا من الرحام ول شيئا من النبات‪ ،‬وهي ريح تخرج من تحت الرضين‬

‫السبع‪ ،‬وما خرجت منها ريح قط إل على قوم عاد حين غضب ال عليهم‪،‬‬

‫فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم‪ ،‬قال‪ :‬فعتت على‬

‫الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيضا منها على قوم عاد‪ ،‬قال‪:‬‬

‫فضج الخزان إلى ال عزوجل من ذلك فقالوا‪ :‬ربنا إنها قد عتت عن أمرنا‪،‬‬

‫إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلدك ! قال‪ :‬فبعث ال‬

‫إليها جبرئيل‪ ،‬فاستقبلها بجناحه‪ ،‬فردها إلى موضعها وقال لها‪ :‬اخرجي‬
‫على ما امرت به‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت على ما امرت به‪ ،‬وأهلكت قوم عاد ومن‬

‫كان بحضرتهم )‪ - 21 .(3‬الشهاب‪ :‬عن النبي صلى ال عليه واله قال‪:‬‬

‫نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور‪ .‬الضوء‪ :‬الصبا هي الريح التي تضرب‬

‫قفا المصلي‪ ،‬وبإزائها الدبور‪ ،‬والشمال التي تضرب يمين المصلي‪،‬‬

‫وبإزائها الجنوب‪ ،‬وقالوا‪ :‬مهب الصبا المستوي أن تهب من مطلع الشمس‬

‫إذا استوى الليل والنهار‪ ،‬وزعموا أن الدبور تزعج السحاب وتشخصه في‬

‫الهواء ثم تسوقه‪ ،‬فإذا عل كشفت عنه واستقبلته الصبا فوضعته بعضه‬

‫على بعض حتى تصير‬

‫)‪ (1‬الحتجاج‪ (2) .192 :‬في المصدر‪ :‬ان يجعل العذاب من الرياح‪(3) .‬‬

‫الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪.92‬‬

‫]‪[17‬‬

‫كسفا واحدا‪ ،‬والجنوب تلحق روادفه به وتمده من المدد‪ ،‬والشمال تمزق‬

‫السحاب‪ .‬والنكباء هي التي بين الصبا والشمال‪ ،‬والذي في الحديث إشارة‬

‫إلى نصرة ال تعالى رسوله بالصبا لما أرسلها على الحزاب‪ - 22 .‬وعن‬

‫ابن عمر‪ :‬الرياح ثمانية‪ :‬أربع منها رحمة وأربع عذاب‪ ،‬فأما الرحمة‬

‫فالناشرات‪ ،‬والمبشرات‪ ،‬والمرسلت‪ ،‬والذاريات‪ ،‬وأما العذاب فالعقيم‪ ،‬و‬


‫الصرصر وهما في البر‪ ،‬والعاصف والقاصف في البحر‪ - 23 .‬وروي أنه‬

‫فتح على عاد من الريح التي أهلكتهم مثل حلقة الخاتم‪ - 24 .‬وعن مجاهد‪:‬‬

‫ما بعث ال عزوجل ريحا إل بمكيال‪ ،‬إل يوم عاد فإنها عتت على الخزانة‬

‫فلم يدر ما مقدارها‪ - 25 .‬وفي الحديث‪ :‬إن ال تعالى خلق في الجنة ريحا‪،‬‬

‫وإن من دونها بابا مغلقا‪ ،‬ولو فتح ذلك الباب لذرت ما بين السماء‬

‫والرض وهي الزيب‪ ،‬وهي عندكم الجنوب‪ - 26 .‬وعن العوام بن حوشب‬

‫أنه قال‪ :‬تخرج الجنوب من الجنة فتمر على جهنم فغمها منه وبركتها من‬

‫الجنة‪ ،‬وتخرج الشمال من جهنم فتمر على الجنة‪ ،‬فروحها من الجنة‬

‫وشرها من النار‪ .‬قلت‪ :‬وقد سمعت أن السموم ل تكون إل الشمال تهب على‬

‫الرمال المضطرمة والرضين المتوجهة فتكتسي للطافتها ورقتها منها‬

‫زيادة الحرارة‪ ،‬فتهب نارا ملتهبة فتقتل وتسود الجلود‪ - 27 .‬وقال كعب‪ :‬لو‬

‫حبس ال الريح من الرض ثلثة أيام لنتن ما بين السماء والرض‪- 28 .‬‬

‫وكان النبي صلى ال عليه واله إذا رأى الريح قد هاجت يقول‪ :‬اللهم اجعلها‬

‫رياحا ول تجعلها ريحا‪ .‬وأكثر ما في القرآن من الرياح للخير والريح‬

‫بالعكس من ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬الريح الهواء المتحرك‪ .‬وفائدة الحديث النباء بأن‬

‫ال تعالى خلق نصره في الحزاب بريح الصبا‪ ،‬تكبهم على وجوههم‪ ،‬وتثير‬

‫السافياء في أعينهم‪ ،‬فيعجزون عن مقاومة أصحاب‬


‫]‪[18‬‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وراوي الحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس‪.‬‬

‫‪ - 29‬الدر المنثور‪ :‬عن ابي بن كعب‪ ،‬قال‪ :‬كل شئ في القرآن من الرياح‬

‫فهي رحمة‪ ،‬وكل شئ في القرآن من الريح فهو عذاب )‪ - 30 .(1‬وعن ابن‬

‫عباس‪ ،‬قال‪ :‬الماء والريح جندان من جنود ال‪ ،‬والريح جند ال العظم )‬

‫‪ - 31 .(2‬وعن ابن عباس‪ ،‬وعن ابن عمر قال‪ :‬الريح ثمان‪ ،‬أربع منها‬

‫رحمة وأربع منها عذاب‪ ،‬فأما الرحمة فالناشرات‪ ،‬والمبشرات‪،‬‬

‫والمرسلت‪ ،‬والذاريات‪ .‬وأما العذاب فالعقيم‪ ،‬والصرصر وهما في البر‪،‬‬

‫والعاصف‪ ،‬والقاصف وهما في البحر‪ .‬وفي رواية ابن عباس مكان‬

‫الذاريات " الرخاء " )‪ - 32 .(3‬وفي رواية اخرى‪ :‬الرياح سبع‪ :‬الصبا‪،‬‬

‫والدبور‪ ،‬والجنوب‪ ،‬والشمال والحزوق‪ ،‬والنكباء‪ ،‬وريح القائم‪ ،‬فأما الصبا‬

‫فتجئ من المشرق‪ ،‬وأما الدبور فتجئ من المغرب‪ ،‬وأما الجنوب فتجئ عن‬

‫يسار القبلة‪ ،‬والشمال )‪ (4‬عن يمين القبلة‪ ،‬وأما النكباء فبين الصبا‬

‫والجنوب‪ ،‬وأما الحزوق فبين الشمال والدبور‪ ،‬وأما رياح القائم فأنفاس‬

‫الخلق )‪ - 33 .(5‬وعن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬جعلت الرياح على الكعبة‪ .‬فإذا أردت‬

‫أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة‪ ،‬فإن الشمال عن شمالك‪ ،‬وهي‬

‫مما يلي الحجر والجنوب عن يمينك وهي مما يلي الحجر السود‪ ،‬والصبا‬
‫عن مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة‪ ،‬والدبور من دبر الكعبة )‪- 34 .(6‬‬

‫وعن حسن )‪ (7‬بن علي الجعفي‪ ،‬قال‪ :‬سألت إسرائيل بن يونس‪ ،‬على‬

‫)‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ (3‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .164‬في المصدر‪ :‬فيجئ عن‪) .‬‬

‫‪ (5‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (6) .164‬الدر المنثور ج ‪ 1‬ص ‪ (7) .164‬في‬

‫المصدر‪ :‬حسين‪.‬‬

‫]‪[19‬‬

‫أي شئ سميت الريح ؟ قال‪ :‬على القبلة‪ ،‬شماله الشمال‪ ،‬وجنوبه الجنوب‪،‬‬

‫و الصبا ما جاء من قبل وجهها‪ ،‬والدبور ما جاء من خلفها )‪- 35 .(1‬‬

‫وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬الشمال ما بين الجدي ومطلع الشمس‪ ،‬والجنوب‬

‫مابين مطلع الشمس وسهيل‪ ،‬والصبا ما بين مغرب الشمس إلى الجدي‪،‬‬

‫والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل‪ - 36 .‬وعن كعب‪ :‬لو احتبست‬

‫الريح عن الناس ثلثة أيام لنتن ما بين السماء والرض )‪ - 37 .(2‬وعن‬

‫صفوان بن سليم‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تسبوا الريح‬

‫وعوذوا بال من شرها )‪ - 38 .(3‬وعن ابن عباس أن رجل لعن الريح‬

‫فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تلعن الريح فإنها مأمورة‪ ،‬فإنه من‬

‫لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه )‪ - 39 .(4‬وعن ابن عباس‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما هبت ريح قط إل جثا النبي صلى ال عليه وسلم على ركبتيه وقال‪:‬‬

‫اللهم اجعلها رحمة ول تجعلها عذابا‪ ،‬اللهم اجعلها رياحا ول تجعلها ريحا‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬تفسير )‪ (5‬ذلك في كتاب ال‪ " :‬أرسلنا ريحا صرصرا " "‬

‫فأرسلنا عليهم الريح العقيم " وقال‪ " :‬وأرسلنا الرياح لواقح " " وأرسلنا‬

‫عليهم الرياح مبشرات )‪ - 40 ." (6‬وعن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬هاجت ريح‬

‫فسبوها‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬ل تسبوها فإنها تجئ بالرحمة وتجئ بالعذاب‪،‬‬

‫ولكن قولوا‪ :‬اللهم اجعلها رحمة ول تجعلها عذابا )‪ - 41 .(7‬وعن عبد‬

‫الرحمن بن أبي ليلى‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لتسبوا‬

‫الليل والنهار‪ ،‬ول الشمس‪ ،‬ول القمر‪ ،‬ول الريح‪ ،‬فإنها تبعث عذابا على‬

‫قوم ورحمة على آخرين )‪.(8‬‬

‫)‪ (3 - 1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .164‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.164‬‬

‫)‪ (5‬في المصدر‪ :‬وال ان تفسير‪ (8 - 5) ..‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.165‬‬

‫]‪[20‬‬

‫‪ - 42‬وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬الريح العقيم الشديدة التي ل تلقح الشجر ول‬

‫تثير السحاب‪ ،‬ول بركة فيها ول منفعة‪ ،‬ول ينزل منها غيث ول يلقح بها‬

‫شجر )‪ - 43 .(1‬وعن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الريح مسجنة في الرض الثانية‪ ،‬فلما أراد ال أن يهلك عادا أمر خازن‬

‫الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا قال‪ :‬أي رب ! ارسل عليهم من‬

‫الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار‪ :‬ل‪ ،‬إذا تكفأ الرض ومن عليها !‬

‫ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم‪ ،‬فهي التي قال ال " ما تذر من شئ أتت‬

‫عليه إل جعلته كالرميم )‪ - 44 ." (2‬وعن سعيد بن المسيب‪ ،‬قال ؟ هي‬

‫الجنوب‪ - 45 .‬وعن علي عليه السلم قال‪ :‬لم تنزل قطرة من ماء إل‬

‫بمكيال على يد )‪ (3‬ملك إل يوم الطوفان )‪ (4‬فإنه اذن لها دون الخزان‬

‫فخرجت‪ ،‬وذلك )‪ (5‬قوله " إنا لما طغى الماء " ولم ينزل شئ من الريح إل‬

‫بمكيال )‪ (6‬على يد )‪ (7‬ملك إل يوم عاد فإنه اذن لها دون الخزان فخرجت‪،‬‬

‫فذلك قوله " بريح صرصر عاتية " عتت على الخزان )‪ - 46 .(8‬وعنه‬

‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور‪.‬‬

‫وقال‪ :‬ما امر الخزان أن يرسلوا على عاد إل مثل موضع الخاتم من الريح‪،‬‬

‫فعتت على الخزان فخرجت من نواحي البواب‪ ،‬فذلك قول ال " بريح‬

‫صرصر عاتية " قال‪ :‬عتوها عتت على الخزان فبدأت بأهل البادية منهم‪،‬‬

‫فحملتهم بمواشيهم وبيوتهم فأقبلت بهم إلى‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .115‬والولى منهما ثلث روايات عن‬

‫ابن عباس جمعها المؤلف ‪ -‬ره ‪ -‬في رواية واحدة‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬يدى‬
‫ملك‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬نوح‪ (5) .‬في المصدر‪ ..:‬دون الخزان‪ ،‬فطغا الماء‬

‫على الخزان فخرج‪ ،‬فذلك )‪ (6‬في المصدر‪ :‬ال بكيل‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬يدى‬

‫ملك )‪ (8‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.259‬‬

‫]‪[21‬‬

‫الحاضرة‪ ،‬فلما رأوها قالوا‪ :‬هذا عارض ممطرنا‪ ،‬فلما دنت الريح أظلتهم‬

‫استبقوا )‪ (1‬الناس والمواشي فيها فألقت البادية على أهل الحاضرة‬

‫فقصفتهم )‪ (2‬فهلكوا جميعا )‪ - 47 .(3‬وعن قبيصة بن ذؤيب‪ ،‬قال‪ :‬ما‬

‫يخرج من الريح شئ إل عليها خزان يعلمون قدرها وعددها ووزنها وكيلها‬

‫حتى كانت الريح التي ارسلت إلى عاد‪ ،‬فاندفق منها شئ ل يعلمون قدره‬

‫ول وزنه ول كيله غضبا ل‪ ،‬ولذلك سميت عاتية‪ ،‬والماء كذلك حتى )‪(4‬‬

‫كان أمر نوح عليه السلم ولذلك سمي طاغية )‪ - 48 .(5‬وعن عمرو بن‬

‫شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬

‫الرياح ثمان‪ ،‬أربع منها عذاب‪ ،‬وأربع منها رحمة‪ ،‬فالعذاب منها‪ :‬العاصف‬

‫والصرصر و العقيم والقاصف‪ ،‬والرحمة منها‪ :‬الناشرات والمبشرات‬

‫والمرسلت والذاريات‪ .‬فيرسل ال المرسلت فتثير السحاب‪ ،‬ثم يرسل‬

‫المبشرات فتلقح السحاب‪ ،‬ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب فتدر كما تدر‬

‫اللقحة‪ ،‬ثم تمطر وهن اللواقح‪ .‬ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد )‪49 .(6‬‬
‫‪ -‬وعن خالد بن عرعرة‪ ،‬قال‪ :‬قام رجل إلى علي فقال‪ :‬ما العاصفات‬

‫عصفا ؟ قال‪ :‬الرياح )‪ .(7‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬الحزيق‪ :‬الريح الباردة‬

‫الشديدة الهبابة كالحزوق واللينة السهلة ضد والراجعة المستمرة السير أو‬

‫الطويلة الهبوب‪ ،‬واللقحه ‪ -‬بالفتح والكسر ‪ :-‬الناقة الحلوب‪ .‬ذنابة ذكر‬

‫الفلسفة في سبب حدوث الرياح على اصولهم أن البخار إذا ثقل بواسطة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬استبق‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬تقصفهم‪ (3) .‬الدر المنثور‪ :‬ج‬

‫‪ ،6‬ص ‪ (4) .259‬في المصدر‪ :‬حين كان‪ (5) .‬المصدر‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪) .259‬‬

‫‪ 6‬و ‪ (7‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.303‬‬

‫]‪[22‬‬

‫البرودة المكتسبة من الطبقة الزمهريرية واندفع إلى أسفل فصار لتسخنه‬

‫بالحركة الموجبة لتلطيفه هواء متحركا وهو الريح‪ ،‬وقد يكون الندفاع‬

‫يعرض بسبب تراكم السحب الموجبة لحركة ما يليها من الهواء لمتناع‬

‫الخل‪ ،‬فيصير السحاب من جانب إلى جهة اخرى‪ ،‬وقد يكون لنبساط الهواء‬

‫بالتخلخل في جهة واندفاعه من جهة اخرى‪ ،‬وقد يكون بسبب برد الدخان‬

‫المتصاعد بعد وصوله إلى الطبقة الزمهريرية ونزوله‪ .‬قالوا‪ :‬ومن الرياح‬

‫ما يكون سموما محرقا لحتراقه في نفسه بالشعة السماوية أو لحدوثه من‬
‫بقية مادة الشهب‪ ،‬أو لمروره بالرض الحارة جدا لجل غلبة نارية عليها‪.‬‬

‫وقد يقع تقاوم في ما بين ريحين متقابلتين قويتين تلتقيان فتستديران‪ ،‬أو‬

‫في ما بين رياح مختلفة الجهة حادثة‪ ،‬فتدافع تلك الرياح الجزاء الرضية‬

‫المشتملة عليها فتضغط تلك الجزاء بينها مرتفعة كأنها تلتوي على نفسها‪،‬‬

‫فيحصل الدوران المسمى بالزوبعة والعصار‪ ،‬وربما اشتملت الزوابع‬

‫العظام على قطعة من السحاب بل على بخار مرتفع )‪ (1‬فترى نارا تدور‪،‬‬

‫ومهاب الرياح اثنا عشر‪ ،‬وهي حدود الفق الحاصلة من تقاطعه مع كل من‬

‫دائرة نصف النهار والموازيتين لها المماستين للدائمة الظهور والخفاء‪،‬‬

‫ودائرة المشرق والمغرب العتداليين والموازيتين لها المساويتين )‪(2‬‬

‫برأس السرطان والجدي‪ ،‬ولكل ريح منها اسم‪ ،‬والمشهورات عند العرب‬

‫أربعة‪ :‬ريح الشمال‪ ،‬وريح الجنوب وريح الصبا وهي الشرقية‪ ،‬ريح الدبور‬

‫وهي الغربية والبواقي تسمى نكباء‪.‬‬

‫)‪ (1‬مشتعل )خ(‪ (2) .‬في المخطوطة‪ :‬المارتين‪.‬‬

‫]‪[23‬‬

‫)‪) (30‬باب( * )الماء وانواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها‪ ،‬وعلة‬

‫المد( * * والجزر‪ ،‬والممدوح من النهار والمذموم منها( * اليات‪:‬‬


‫ابراهيم‪ :‬وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار )‪.(1‬‬

‫النحل‪ :‬وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية‬

‫تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى‬

‫في الرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا )‪ .(2‬الفرقان‪ :‬وهو الذي مرج‬

‫البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا‬

‫محجورا )‪ .(3‬النمل‪ :‬وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين‬

‫البحرين حاجزا )‪ .(4‬فاطر‪ :‬وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ‬

‫شرابه وهذا ملح اجاج و من كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية‬

‫تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )‪.(5‬‬

‫حمعسق‪ :‬ومن آياته الجوار في البحر كالعلم إن يشأ يسكن الريح فيظللن‬

‫رواكد على ظهره إن في ذلك ليات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا‬

‫ويعف عن كثير‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .32 :‬النحل‪ (3) .15 - 14 :‬الفرقان‪ (4) .53 :‬النمل‪.61 :‬‬

‫)‪ (5‬فاطر‪.12 :‬‬

‫]‪[24‬‬
‫ويعلم الذين يجادلون في آياتنا مالهم من محيص )‪ .(1‬الجاثية‪ :‬ال الذي‬

‫سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‬

‫)‪ .(2‬الطور‪ :‬والبحر المسجور )‪ .(3‬الرحمن‪ :‬مرج البحرين يلتقيان بينهما‬

‫برزخ ل يبغيان فبأي آلء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي‬

‫آلء ربكما تكذبان وله الجوار المنشآت في البحر كالعلم )‪ .(4‬الملك‪ :‬قل‬

‫أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين )‪ .(5‬المرسلت‪:‬‬

‫وأسقيناكم ماء فراتا )‪ .(6‬تفسير‪ " :‬وسخر لكم الفلك " إنما نسب إليه‬

‫سبحانه مع أنه من أعمال العباد لنه لول أنه تعالى خلق الشجار الصلبة‬

‫التي منها يمكن تركيب السفن‪ ،‬ولول خلقة الحديد وسائر اللت‪ ،‬ولول‬

‫تعريفه العباد كيف يتخذونها‪ ،‬ولول أنه تعالى خلق الماء على صفة‬

‫السلسة التي باعتبارها يصح جري السفينة فيه‪ ،‬ولول خلقه تعالى الرياح‬

‫وخلق الحركات القوية فيها‪ ،‬ولول أنه وسع النهار وجعل لها من العمق ما‬

‫يجوز جري السفن فيها ; لما وقع النتفاع بالسفن‪ ،‬فصار لجل أنه تعالى‬

‫هو الخالق لهذه الحوال وهو المدبر لهذه المور والمسخر لها حسنت‬

‫إضافته إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬لما كان يجري على وجه الماء كما يشتهيه الملح صار‬

‫كأنه حيوان مسخر له‪ " .‬بأمره " أي بقدرته وإرادته‪.‬‬


‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .25 - 22 :‬الجاثية‪ (3) .12 :‬الطور‪ (4) .6 :‬الرحمن‪:‬‬

‫‪ (5) .24 - 19‬الملك‪ (6) .30 :‬المرسلت‪.27 :‬‬

‫]‪[25‬‬

‫" وسخر لكم النهار " لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات‬

‫لجرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير النهار والعيون حتى ينبعث‬

‫الماء منها إلى مواضع الزروع والنبات‪ .‬وأيضا ماء البحر ل يصلح للشرب‬

‫والصالح لهذا مياه النهار‪ " .‬وهو الذي سخر البحر " أي جعلها بحيث‬

‫يتمكنون من النتفاع به بالركوب والصطياد والغوص‪ " .‬لتأكلوا منه لحما‬

‫طريا " هو السمك‪ ،‬ووصفه بالطراوة لنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد‬

‫فيسارع إلى أكله ولظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق‪" .‬‬

‫حلية تلبسونها " كاللؤلؤ والمرجان‪ " .‬وترى الفلك " أي السفن " مواخر‬

‫فيه " أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر وهو شق الماء‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫صوت جري الفلك‪ " .‬ولتبتغوا من فضله " أي من سعة رزقه بركوبها‬

‫للتجارة " ولعلكم تشكرون " أي تعرفون نعم ال فتقومون بحقها‪ " .‬وهو‬

‫الذي مرج البحرين " قال البيضاوي‪ :‬خلهما متجاورين متلصقين بحيث‬

‫ل يتمازجان‪ ،‬من مرج دابته إذا خلها‪ " .‬هذا عذب فرات " قامع للعطش‬

‫من فرط عذوبته " وهذا ملح اجاج " بليغ الملحة )‪ " (1‬وجعل بينهما‬
‫برزخا " حاجزا من قدرته " وحجرا محجورا " وتنافرا بليغا كأن كل‬

‫منهما يقول للخر ما يقوله المتعوذ عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬حدا محدودا‪ ،‬وذلك كدجلة‬

‫يدخل البحر فيشقه فيجري في خلله فراسخ ل يتغير طعمهما )‪ .(2‬وقيل‪:‬‬

‫المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل‪ ،‬و بالبحر الملح البحر الكبير‪،‬‬

‫وبالبرزخ ما يحول بينهما من الرض‪ ،‬فتكون القدرة في الفصل واختلف‬

‫الصفة‪ ،‬مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلصقت و‬

‫تشابهت في الكيفيية )‪) (3‬انتهى( ويقال‪ :‬إن نهر آمل تدخل بحر الخزر‬

‫ويبقى على عذوبته ول يختلط بالمالح‪ ،‬ويأخذون منه الماء العذب في وسط‬

‫البحر‪ ،‬فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخل تحت الية أيضا‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الملوحة‪ (2) .‬طعمها )خ(‪ (3) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص‬

‫‪.167‬‬

‫]‪[26‬‬

‫" وما يستوي البحران " ضرب مثل للمؤمن والكافر‪ ،‬والفرات‪ :‬الذي يكسر‬

‫العطش‪ ،‬والسائع‪ :‬الذي يسهل انحداره‪ ،‬والجاج‪ :‬الذي يحرق بملوحته "‬

‫ومن كل تأكلون " استطراد في صفة البحرين وما فيهما‪ ،‬أو تمام التمثيل‪،‬‬

‫والمعنى‪ :‬كما أنهما وإن اشتر كا في بعض الفوائد ل يتساويان من حيث‬


‫إنهما ل يتساويان في ما هو المقصود بالذات من الماء‪ ،‬فإنه خالط أحدهما‬

‫ما أفسده وغيره عن كمال فطرته ل يساوي المؤمن والكافر وإن اتفق‬

‫اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لختلفهما في ما هو‬

‫الخاصية العظمى وبقاء أحدهما على الفطرة الصلية دون الخر‪ ،‬أو تفضيل‬

‫للجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع‪ ،‬والمراد بالحلية الللي‬

‫واليواقيت‪ " .‬ومن آياته الجوار في البحر " قرأ نافع وأبو عمرو "‬

‫الجواري " بياء في الوصل والوقف‪ ،‬والباقون بحذفها على التخفيف "‬

‫كالعلم " أي كالجبال‪ ،‬فهذه السفن العظيمة التي تكون كأنها الجبال تجري‬

‫على وجه الماء عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه وعند سكونها تقف‪،‬‬

‫ففيه دللة على وجود الصانع المسبب لتلك السباب وقدرته الكاملة‬

‫وحكمته التامة‪ ،‬لنه تعالى خص كل جانب من جوانب الرض بنوع من‬

‫المتعة وإذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن وبالعكس‬

‫حصلت المنافع العظيمة في التجارة‪ " .‬فيظللن رواكد " أي فيبقين ثوابت "‬

‫على ظهره " أي ظهر البحر‪ " .‬لكل صبار " أي لكل من وكل همته وحبس‬

‫نفسه على النظر في آيات ال والتفكر في آلئه‪ ،‬أو لكل مؤمن كامل‪ ،‬فإنه‬

‫روي أن اليمان نصفان‪ :‬نصف صبر‪ ،‬ونصف شكر‪ " .‬أو يوبقهن " أي‬

‫يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرفة‪ ،‬والمراد إهلك أهلها لقوله " بما‬

‫كسبوا " وأصله‪ :‬أو يرسلها فيوبقهن لنه قسيم " يسكن الريح " فاقتصر‬
‫فيه على المقصود‪ ،‬كما في قوله " ويعف عن كثير " إذ المعنى‪ :‬أو يرسلها‬

‫عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجي ناسا على العفو منهم‪ ،‬وقرئ " يعفو‬

‫" على الستئناف‪ " .‬ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " عطف على علة‬

‫مقدرة‪ ،‬مثل‪ :‬لينتقم منهم ويعلم‪ ...‬أو على الجزاء ونصب نصب الواقع‬

‫جوابا للشياء الستة لنه أيضا غير واجب‪ ،‬وقرأ نافع وابن عامر بالرفع‬

‫على الستئناف‪ ،‬وقرئ بالجزم عطفا على " يعف " فيكون‬

‫]‪[27‬‬

‫المعنى‪ :‬أو يجمع بين إهلك وإنجاء قوم وتحذير آخرين‪ " .‬مالهم من‬

‫محيص " من محيد من العذاب‪ " .‬ال الذي سخر لكم البحر " بأن جعله‬

‫أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالخشاب ول يمنع الغوص فيه "‬

‫لتجري الفلك فيه بأمره " أي بتسخيره وأنتم راكبوها " ولتبتغوا من فضله‬

‫" بالتجارة والغوص والصيد وغيرها " وأنتم تشكرون " هذه النعم‪" .‬‬

‫والبحر المسجور " أي المملو وهو المحيط‪ ،‬أو الموقد من قوله " وإذا‬

‫البحار سجرت " كما روي أن ال تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا‬

‫يسجر بها جهنم‪ ،‬أو المختلط‪ ،‬من السجير وهو الخليط‪ ،‬وقيل‪ :‬هو بحر‬

‫معروف في السماء يسمى بحر الحيوان‪ " .‬مرج البحرين " أي أرسلهما‪،‬‬

‫والمعنى‪ :‬أرسل البحر الملح والبحر العذب " يلتقيان " أي يتجاوران‬
‫وتتماس سطوحهما‪ ،‬أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لنهما‬

‫خليجان يتشعبان منه " بينهما برزخ " أي حاجز من قدرة ال تعالى أو من‬

‫الرض " ل يبغيان " أي ل يبغي أحدهما على الخر بالممازجة وإبطال‬

‫الخاصية أو ل يتجاوزان حديهما‪ ،‬أو بإغراق ما بينهما‪ .‬وقال الطبرسي ‪-‬‬

‫ره ‪ :-‬قيل‪ :‬المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الرض‪ ،‬فإن في السماء‬

‫بحرا يمسكه ال بقدرته ينزل منه المطر فيلتقيان في كل سنة‪ ،‬وبينهما‬

‫حاجز يمنع بحر السماء من النزول وبحر الرض من الصعود‪ ،‬عن ابن‬

‫عباس وغيره‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهما بحر فارس وبحر الروم فإن آخر طرف هذا‬

‫يتصل بآخر طرف ذلك والبرزخ بينهما الجزائر‪ ،‬وقيل‪ :‬مرج البحرين خلط‬

‫طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتهما " ل يبغيان " أي ل‬

‫يطلبان أن يختلطا )‪ " .(1‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي كبار الدر‬

‫وصغاره‪ ،‬وقيل‪ :‬المرجان الخرر‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪.201‬‬

‫]‪[28‬‬

‫الحمر‪ ،‬وإن صح أن الدر يخرج من المالح )‪ (1‬فعلى الول إنما قال "‬

‫منهما " لنه يخرج من مجتمع المالح )‪ (2‬والعذب‪ ،‬أو لنهما لما اجتمعا‬
‫صارا كالشئ الواحد وكان المخرج من أحدهما كالمخرج منها‪ ،‬ذكره‬

‫البيضاوي )‪ .(3‬وقال الرازي‪ :‬اللؤلؤ ل يخرج إل من المالح فكيف قال "‬

‫منهما " ؟ نقول‪ :‬الجواب عنه من وجوه )‪ :(4‬الول ظاهر كلم ال أولى‬

‫بالعتبار من كلم بعض الناس الذي ل يوثق بقوله‪ ،‬ومن علم أن اللؤلؤ ل‬

‫يخرج من الماء العذب ؟ غاية علمكم )‪ (5‬أن الغواصين ما أخرجوه إل من‬

‫المالح‪ ،‬و لكن لم قلتم )‪ (6‬إن الصدف ل يخرج اللؤلؤ بأمر ال من الماء‬

‫العذب إلى الماء المالح ؟ وكيف يمكن الجزم به‪ ،‬والمور الرضية الظاهرة‬

‫خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلد فكيف ل يخفى عليهم‬

‫ما في قعور البحور ؟ الثاني أن نقول‪ :‬إن صح قولهم أنه ل يخرج إل من‬

‫الماء المالح فنقول فيه وجوه‪ :‬أحدها أن الصدف ل يتولد فيه اللؤلؤ إل من‬

‫ماء المطر وهو بحر السماء‪ ،‬ثانيها أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف‬

‫في البحر المالح عند انعقاد الدر فيه لحال الملوحة‪ ،‬كالمتوخمة التي تشتهي‬

‫في أوائل الحمل فتثقل هناك فل يمكنه الدخلول في العذب )‪ .(7‬ثم ذكر بعض‬

‫الوجوه المتقدمة‪ .‬وقال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬قيل‪ :‬يخرج منهما أي من ماء‬

‫السماء وماء البحر‪ ،‬فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الصداف فكان‬

‫من ذلك القطر اللؤلؤ‪ ،‬عن ابن عباس ولذلك حمل البحرين على بحر السماء‬

‫وبحر الرض‪ ،‬وقيل‪ :‬إن العذب والملح يلتقيان‪ ،‬فيكون العذب كاللقاح‬

‫للملح‪ ،‬ول يخرج اللؤلؤ إل من الموضع الذي يلتقي‬


‫)‪ 1‬و ‪ (2‬في انوار التنزيل‪ :‬الملح‪ (3) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ (4) .485 ،2‬في‬

‫المصدر‪ :‬من وجهين‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬وهب ان‪ (6) ..‬عمارة المصدر‬

‫هكذا " لكن ل يلزم من هذا أن ل يوجد في الغير‪ .‬سلمنا لم قلتم ان الصدف‬

‫يخرج بامر ال من الماء العذب الى الماء المالح " وكأن فيه تصحيفا‪(7) .‬‬

‫مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،29‬ص ‪.101‬‬

‫]‪[29‬‬

‫فيه العذب والملح‪ ،‬وذلك معروف عند الملحين )‪) (1‬انتهى(‪ .‬اقول‪ " :‬وله‬

‫الجوار " أي السفن جمع جارية " المنشآت " أي المرفوعات الشرع أو‬

‫المصنوعات‪ .‬وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع‪ ،‬أو‬

‫اللتي ينشئن المواج أو السير " كالعلم " جمع علم وهو الجبل الطويل‬

‫" فبأي آلء ربكما تكذبان " من خلق مواد السفن والرشاد إلى أخذها‬

‫وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب ل يقدر على خلقها وجمعها‬

‫غيره تعالى‪ " .‬إن أصبح ماؤكم غورا " أي غائرا في الرض بحيث ل تناله‬

‫الدلء‪ ،‬مصدر وصف به " بماء معين " أي جار‪ ،‬أو ظاهر سهل المأخذ‪" .‬‬

‫وأسقيناكم ماء فراتا " بخلق النهار والمنافع فيها‪ - 1 .‬العلل والعيون‪ :‬عن‬

‫محمد بن عمرو بن علي البصري‪ ،‬عن محمد بن عبد ال ابن أحمد الواعظ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن أحمد بن عامر الطائي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن الرضا‬

‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين عليه‬

‫السلم عن المد والجزر ما هما ؟ فقال‪ :‬ملك )‪ (2‬موكل بالبحار يقال له "‬

‫رومان " فإذا وضع قدميه في البحر فاض‪ ،‬وإذا أخرجهما غاض )‪- 2 .(3‬‬

‫العلل‪ :‬عن محمد بن علي ما جيلويه‪ ،‬عن عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن‬

‫أحمد ابن أبي عبد ال البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن خلف بن حماد‪ ،‬عن أبي‬

‫الحسن العبدي‪ ،‬عن سليمان بن مهران‪ ،‬عن عباية بن ربعي‪ ،‬عن ابن‬

‫عباس‪ ،‬أنه سئل عن المد والجزر فقال‪ :‬إن ال عزوجل وكل ملكا بقاموس‬

‫البحر‪ ،‬فإذا وضح رجليه )‪ (4‬فيه فاض وإذا أخرجهما )‪ (5‬غاض )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر " الغواصين " مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪ (2) .201‬في‬

‫العيون‪ ،‬ملك من ملئكة ال عزوجل‪ (3) .‬العل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 240‬والعيون‪:‬‬

‫ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .242‬في المصدر‪ :‬رجله‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬اخرجها‪(6) .‬‬

‫العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪240‬‬

‫]‪[30‬‬

‫بيان‪ :‬قال الجزري‪ :‬قاموس البحر وسطه ومعظمه‪ ،‬ومنه حديث ابن عباس‬

‫وسئل عن المد والجزر ‪ -‬وذكر الخبر ‪ -‬ثم قال‪ :‬أي زاد ونقص وهو فاعول‬
‫من القمس )انتهى( وأقول‪ :‬اختلف الحكماء في سبب المد والجزر على‬

‫أقوال شتى‪ ،‬وليس شئ منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من‬

‫عطش‪ .‬وما ذكر في الخبر أظهرها وأصحها عقل أيضا‪ ،‬وقد سمعت من‬

‫بعض الثقات أنه قال‪ :‬إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد‬

‫ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر )‪ .(1‬وأما ما ذكره الحكماء في ذلك‬

‫ففي رسائل إخوان الصفا‪ :‬أما علة هيجان البحار وارتفاع مياهها ومدودها‬

‫على سواحلها وشدة تلطم أمواجها وهبوب الرياح في وقت هيجانها إلى‬

‫الجهات في أوقات مختلفة من الشتاء والصيف والربيع والخريف وأوائل‬

‫الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار فهي من أجل أن مياهها إذا‬

‫حميت من قرارها وسكنت ولطفت وتخلخلت وطلبت مكانا أوسع مما كان‬

‫فيه‪ ،‬فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا وشرقا وغربا‬

‫وجنوبا وشمال للتساع فيكون في الوقت الواحد على سواحلها أمواج‬

‫مختلفة في جهات مختلفة‪ ،‬وأما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو‬

‫بحسب تشكل الفلك والكواكب ومطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار‬

‫في الفاق والوتاد الربعة واتصالت القمر بها عند حلوله في منازله‬

‫الثمانية و العشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم‪ ،‬وأما علة مدود‬

‫بعض البحار في وقت طلوعات القمر ومغيبه دون غيرها من البحار فهو‬

‫من أجل أن تلك البحار‬


‫)‪ (1‬لو كان ما ادعى رؤيته مما يرى بالحس لرآه كل من يسكن السواحل‬

‫ولتواتر نقله فافهم‪ ،‬ويمكن أنه كان قد رأى شيئا من البخرة المتصاعدة‬

‫من بعيد مقارنا للمد فتوهم انه هو الذى يوجب المد والسباب المادية‬

‫لحصول الجزر والمد وسائر ما يحدث في الرض والبحار والجو صارت‬

‫اليوم ببركة العلوم التحربية من الواضحات بل تكاد تكون بديهية ول ينافى‬

‫ذلك ما ذكر في الروايات من استنادها إلى ارادة ال تعالى أو أفعال‬

‫الملئكة‪ ،‬فانها علل طولية تنتهى بالخرة إلى من إليه المنتهى‪ ،‬ول يخفى‬

‫ان كثيرا من الروايات الواردة في امثال هذه المعاني لم تسلم عن الدس‬

‫والوضع مضافا إلى المناقشة في شمول ادلة حجية الخبر الواحد لغير ما‬

‫يتضمن بيان الحكام الفرعية‪.‬‬

‫]‪[31‬‬

‫في قرارها صخور صلبة وأحجار صلدة‪ ،‬فإذا أشرق القمر على سطح ذلك‬

‫البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور والحجار التي في قرارها‪،‬‬

‫ثم انعكست من هناك راجعة‪ ،‬فسخنت تلك المياه وحمت ولطفت وطلبت‬

‫مكانا أوسع وارتفع إلى فوق ودفع بعضها بعضا إلى فوق‪ ،‬وتموجت إلى‬

‫سواحلها‪ ،‬وفاضت عل سطوحها‪ ،‬ورجعت مياه تلك النهار التي كانت‬


‫تنصب إليها إلى خلف راجعة‪ ،‬فل يزال ذلك دأبها مادام القمر مرتفعا إلى‬

‫وتد سمائه‪ ،‬فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه‬

‫وبردت وانضمت تلك الجزاء وغلظت فرجعت إلى قرارها وجرت النهار‬

‫على عادتها‪ ،‬فل يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الفق الغربي من تلك‬

‫البحار ثم يبتدئ المد على عادته وهو في الفق الشرقي‪ ،‬فل يزال ذلك دأبه‬

‫حتى يبلغ القمر إلى وتد الرض‪ ،‬فينتهي المد من الرأس‪ ،‬ثم إذا زال القمر‬

‫من وتد الرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى افقه الشرقي من‬

‫الرأس‪ .‬فإن قيل‪ :‬لم ل يكون المد والجزر عند طلوعات الشمس وإشرافاتها‬

‫على سطح هذه البحار ؟ فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل والمعلولت‬

‫)انتهى(‪ .‬وقال المسعودي في مروج الذهب‪ :‬المد هو مضي الماء بسجيته‬

‫وسنن جريه والجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانعكاس ما‬

‫يمضي عليه في نهجه وهما يكونان في البحر الحبشي )‪ (1‬الذي هو‬

‫الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس‪ ،‬وذلك أن البحار على ثلثة‬

‫أصناف‪ :‬منها ما يأتي فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا‪ ،‬ومنها مال‬

‫يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيا مستترا‪ ،‬ومنها مال يجزر ول يمد‪ ،‬وقد‬

‫تنازع الناس في علتهما‪ ،‬فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر‪ ،‬لنه‬

‫مجانس للماء وهو يسخنه فيبسط‪ ،‬وشبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في‬

‫القدر وأغلته‪ ،‬وأن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين‪ ،‬فإذا غلى‬
‫الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس‬

‫لن من شرط الحرارة أن تبسط الجسام‪ ،‬ومن شرط‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وانكشاف ما مضى عليه في هيجه وذلك كبحر الحبش‪...‬‬

‫]‪[32‬‬

‫البرودة أن تضغطها )‪ (1‬وذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها )‪(2‬‬

‫عذوبة وتستحيل وتحمي كما يعرض ذلك في البلليع والبار‪ ،‬فإذا حمى ذلك‬

‫الماء انبسط‪ ،‬وإذا انبسط زاد‪ ،‬وإذا زاد دفع )‪ (3‬كل جزء منه صاحبه فطفر‬

‫عن سطحه )‪ (4‬وبان عن قعره واحتاج إلى أكثر من وهدته‪ ،‬وأن القمر إذا‬

‫امتل أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري‪.‬‬

‫وقالت طائفة اخرى‪ :‬لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء‬

‫الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خل قعره من‬

‫الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الرض بطبعه فيرجع اضطرارا‬

‫بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض لكان‬

‫بالشمس أشد سخونة‪ ،‬ولو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع‬

‫الشمس والجزر عند غيبوبتها‪ .‬وزعم هؤلء أن علة المد والجزر البخرة‬

‫التي تتولد في بطن الرض‪ ،‬فإنها ل تزال تتولد وتكثف وتكثر فتدفع حينئذ‬
‫ماء هذا البحر لكثافتها‪ ،‬فل تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل‪،‬‬

‫فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر‪ ،‬وكان‬

‫الجزر من أجل ذلك والمد ليل ونهارا وشتاء وصيفا وفي غيبوبة القمر‬

‫وطلوعه وفي غيبوبة الشمس وطلوعها‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا يدرك بحس البصر )‬

‫‪ (5‬لنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد‪ ،‬ول يفنى )‪ (6‬آخر‬

‫المد حتى يبدو أول الجرز‪ ،‬لنه ل يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت‬

‫تولد مكانها غيرها وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره‬

‫تولدت تلك البخرة لمكان ما يتصل منها من الرض بمائه‪ ،‬فكلما عاد‬

‫تولدت وكلما فاض تنفست )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر تضمها‪ (2) .‬الرض )خ(‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬وإذا زاد ارتفع‬

‫فدفع‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فطفا على سطحه‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬بالحس‪(6) .‬‬

‫في المصدر‪ :‬ل ينقضى )‪ (7‬تنقصت )خ(‬

‫]‪[33‬‬

‫وذهب آخرون من أهل الديانات‪ :‬أن كل ما ل يعلم له في الطبيعة مجرى ول‬

‫يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد ال عزوجل وحكمته‬

‫وليس للمد والجزر علة في الطبيعة البتة ول قياس‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ما‬
‫هيجان ماء البحر إل كهيجان بعض الطبائع‪ ،‬فإنك ترى صاحب الصفراء‬

‫وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن ولذلك مواد تمدها حال بعد‬

‫حال‪ ،‬فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليل قليل حتى تعود‪ .‬وذهب طائفة إلى‬

‫إبطال سائر ما وصفنا من القول وزعموا أن الهواء المطل على البحر‬

‫يستحيل دائما‪ ،‬فإذا استحال عظم ماء البحر وفار )‪ (1‬عند ذلك‪ ،‬فإذا فار‬

‫فاض وإذا فاض فهو المد‪ ،‬فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء‬

‫فعاد )‪ (2‬إلى ما كان عليه وهو الجزر وهو دائم ل يفتر‪ ،‬متصل مترادف‬

‫متعاقب‪ ،‬لن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء‪ ،‬وقد يجوز أن يكون‬

‫ذلك عند امتلء القمر أكثر لن القمر إذا امتل استحال ماء أكثر مما كان‬

‫يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد ل للمد نفسه‪ ،‬لنه قد يكون‬

‫والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في‬

‫أغلب الوقات‪ .‬وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر‬

‫ويختلف إلى جزائره أن المد والجزر ل يكون في معظم هذا البحر إل مرتين‬

‫في السنة‪ ،‬مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر‪ ،‬فإذا كان‬

‫ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما والى ذلك الصقع‪ ،‬ومرة يمد‬

‫في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر‪ ،‬وإذا كان ذلك طما الماء في‬

‫مغارب البحر والجزر بالصين‪ ،‬وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن‬

‫الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية‪،‬‬
‫فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية‬

‫عالية‪ ،‬وتقل المياه في جهة البحور )‪ (3‬الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس‬

‫في الجنوب وسار )‪ (4‬الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسال )‪ (5‬معه‬

‫ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وفاض عند ذلك‪ ،‬وإذا فاض البحر فهو المد‪ (2) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬يتنفس فيستحيل هواء فيعود‪ (3) ..‬في المصدر‪ :‬البحار‪ 4) .‬و ‪(5‬‬

‫في المصدر‪ :‬سال‪.‬‬

‫]‪[34‬‬

‫قلت المياه في الجهة الجنوبية‪ ،‬وتنقل )‪ (1‬ماء البحر في هذين الميلين‬

‫أعني في جهة )‪ (2‬الشمال والجنوب يسمى جزرا ومدا )‪ ،(3‬وذلك أن مد‬

‫الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب‪ ،‬فإن وافق القمر بعض‬

‫الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلن وقوي الحر واشتد لذلك )‪(4‬‬

‫انقلب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس‪ ،‬وهذا رأي‬

‫الكندي وأحمد بن الخصيب السرخسي في ما حكي عنهما )‪ (5‬أن البحر‬

‫يتحرك بتحرك الرياح )‪) (6‬انتهى(‪ .‬وجملة القول فيه أن نهر البصرة‬

‫والنهار المقاربة له يمد في كل يوم وليلة مرتين ويدور ذلك في اليوم‬


‫واليلة ول يخص وقتا كطلوع الشمس وغروبها وارتفاعها وانخفاضها‪،‬‬

‫ويسمى ذلك بالمد اليومي‪ ،‬ويكون المد عند زيادة نور القمر أشد ويسمى‬

‫ذلك بالمد الشهري وهذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في‬

‫الغالب‪ ،‬بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر‪ ،‬لكن الظاهر أنه لو كانت‬

‫العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر‬

‫وتأثيره في البحر والظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى‪ ،‬وعلى تقدير‬

‫صحة استناده إليه فل ريب في بطلن ما جعله القائل الول مناطا له من‬

‫سخونة البحر بنور القمر لنه مجانس للماء وكذا سخونة الجو به‪ ،‬بل ربما‬

‫يدعى أن نور القمر يبرد الجو والجسام كما هو المجرب‪ ،‬نعم ربما يجوز‬

‫العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة والرتباط بين نوره وبين‬

‫الماء وإن لم نعلمها بخصوصها‪ ،‬لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط‬

‫المقارنة )‪ (7‬والتأخر على الوجه المذكور‪ .‬وأما المد اليومي فبطلن‬

‫استناده إلى القمر واضح واستناده‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ينتقل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬جهتى‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬ومدا‬

‫شتويا‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬واشتد لذلك سيلن الهواء فاشتد لذلك انقلب‪) ...‬‬

‫‪ (5‬في المصدر‪ :‬في ما حكاه عنه‪ (6) .‬مروج الذهب‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.70 - 68‬‬

‫)‪ (7‬أو )خ(‪.‬‬


‫]‪[35‬‬

‫إلى الكواكب على انفرادها أو بمشاركة القمر بعيد غاية البعد‪ ،‬وكون‬

‫الكواكب علل له من حيث الحرارة ظاهر الفساد‪ .‬وما ذكره الطائفة الثانية‬

‫من أنه للبخرة الحادثة في باطن الرض فيرد عليه أن البخرة الكثيرة‬

‫الكثيفة التي تفور البحر مع عظمته لخروجها لو اجتمعت واحتبست في‬

‫باطن الرض ثم خرجت دفعة كما هو الظاهر من كلمه لزم انشقاق الرض‬

‫منها انشقاقا فاحشا ثم التئامها في كل يوم وليلة‪ ،‬لعله مما ل يرتاب أحد في‬

‫أنه خلف الواقع ول يظهر للعقل سبب للتئام الرض بعد النشقاق‪ ،‬وكون‬

‫كل التئام مستندا إلى انشقاق حادث في موضع آخر من الرض قريب من‬

‫موضع الول في غاية البعد‪ ،‬ولو خرجت تدريجا لستلزمت غليانا وفورانا‬

‫في البحر دائما ل هذا النوع من الحركة والمتلء وهو واضح‪ .‬وما ذكره‬

‫الطائفة الثالثة من أنه كهيجان الطبائع فيرد عليه أنه لو كان المراد أنه‬

‫والطبائع تهيج بل سبب فباطل‪ ،‬ولو قيل بأن ذلك مقتضى الطبيعة فذلك مما‬

‫لم يقل به أحد‪ ،‬ولو اريد أنه بسبب ولو لم يكن معلوما لنا‪ ،‬فذلك مما ل ثمرة‬

‫له إذ الكلم في خصوص السبب وما ذكره الطائفة الرابعة من أنه للنقلب‬

‫فل يظهر له وجه ول ينطبق على تلك الخصوصيات‪ .‬فالوجه أن يقال‪ :‬إنها‬

‫بقدرة ال وتدبيره وحكمته إما بتوسط الملك إن صح الخبر‪ ،‬أو بما رأى‬
‫المصلحة فيه من العلل والسباب‪ ،‬فإنه تعالى المسبب لها والمقدر لوقاتها‪،‬‬

‫ولم نكلف بالخوض في عللها وإن أمكنت مدخلية بعض تلك الوجوه التي‬

‫تقدم ذكرها‪ ،‬والعالم بها هو المدبر لها‪ ،‬ويكفينا ما ظهر لنا من منافعها‬

‫وفوائدها‪ - 1 .‬الخصال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن هلل‬

‫)‪ ،(1‬عن عيسى بن عبد ال الهاشمي‪ ،‬عن أبيه عن آبائه )‪ (2‬قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أربعة أنهار من الجنة‪ :‬الفرات والنيل‬

‫وسيحان وجيحان‪ ،‬فالفرات الماء في الدنيا والخرة‬

‫)‪ (1‬احمد بن هلل أبو جعفر العبرتائى ضعيف جدا‪ ،‬قال الشيخ في‬

‫التهذيب‪ :‬ان احمد بن هلل مشهور باللعنة والغلو‪ .‬وروى الكشى عن ابى‬

‫الحسن العسكري عليه السلم رواية تشتمل على لعنه والتبرى منه كقوله‬

‫عليه السلم " ونحن نبرأ الى ال من ابن هلل لرحمه ال ومن ل يبرأ‬

‫منه "‪ (2) .‬في الخصال‪ :‬عن على عليه السلم‪.‬‬

‫]‪[36‬‬

‫والنيل العسل‪ ،‬وسيحان الخمر‪ ،‬وجيحان اللبن )‪ .(1‬بيان‪ :‬الفرات أفضل‬

‫النهار بحسب الخبار‪ ،‬وقد أوردتها في كتاب المزار والنيل بمصر‬

‫معروف‪ ،‬وسيحان وجيحان قال في النهاية‪ :‬هما نهران بالعواصم عند‬


‫المصيصة والطرسوس‪ .‬وفي القاموس‪ :‬سيحان نهر بالشام وآخر بالبصرة‪،‬‬

‫وسيحون نهر بما وراء النهر ونهر بالهند‪ ،‬وقال‪ :‬جيحون نهر خوارزم‬

‫وجيحان نهر بالشام والروم معرب " جهان " )انتهى(‪ .‬وذكر المولى عبد‬

‫العلي البرجندي في بعض رسائله‪ :‬إن نهر الفرات يخرج من جبال " أرزن‬

‫الروم " )‪ (2‬ثم يسيل نحو المشرق إلى " ملطية " ثم إلى " سميساط "‬

‫حتى ينتهي إلى الكوفة ثم تمر حتى ينصب في البطائح‪ .‬وقال‪ :‬النيل أفضل‬

‫النهار لبعد منبعه ومروره على الحجار والحصيات‪ ،‬وليس فيه وحل ول‬

‫يخضر الحجر فيه كغيره‪ ،‬ويمر من الجنوب إلى الشمال وهو سريع الجري‪،‬‬

‫وزيادته في أيام نقص سائر المياه‪ ،‬ومنبعه مواضع غير معمورة في جنوب‬

‫خط الستواء‪ ،‬ولذا لم يعلم منبعه على التحقيق‪ .‬ونقل عن بعض حكماء‬

‫اليونان‪ :‬أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار‪ ،‬بين كل نهرين منها اثنان‬

‫وعشرون فرسخا‪ ،‬فتنصب تلك النهار في بحيرة ثم منها يخرج نهر مصر‬

‫متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر‪ ،‬فإذا جازها وبلغ " شنطوف "‬

‫انقسم قسمين ينصبان في البحر‪ .‬وقال‪ :‬سيحان منبعه من موضع طوله‬

‫ثمان وخمسون درجة وعرضه أربع وأربعون درجة‪ ،‬ويمر في بلد الروم‬

‫من الشمال إلى الجنوب إلى بلد أرمن‪ ،‬ثم إلى قرب " مصيصة " ثم يجتمع‬

‫مع جيحان وينصبان في بحر الروم فيما بين أياس وطرسوس‪ ،‬ونهر‬

‫جيحان منبعه من موضع طوله ثمان و خمسون درجه‪ ،‬وعرضه ست‬


‫وأربعون درجة وهو قريب من نهر الفرات في العظمة ويمر من الشمال إلى‬

‫الجنوب بين جبال في حدود الروم إلى أن يمر إلى شمال مصيصة وينصب‬

‫في البحر )انتهى(‪ .‬ثم اعلم أن هذه الرواية مروية في طرق المخالفين‬

‫أيضا‪ ،‬إل أنه ليس فيها‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ (2) .117 :‬أرزن روم )خ(‪.‬‬

‫]‪[37‬‬

‫" فالفرات " إلى آخر الخبر‪ ،‬واختلفوا في تأويله‪ :‬قال الطيبي في شرح‬

‫المشكاة في شرح هذا الخبر‪ :‬سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون‪،‬‬

‫وهما نهران عظيمان جدا وخص الربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنها‬

‫من أنهار الجنة‪ ،‬أو يراد أنها أربعة أنهار هي اصول أنهار الجنة سماها‬

‫بأسامي النهار العظام من أعذب أنهار الدنيا وأفيدها على التشبيه‪ ،‬فإن ما‬

‫في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الخرة‪ ،‬وكذا مضارها‪ .‬وقال القاضي‪:‬‬

‫معنى كونها من أنهار الجنة‪ :‬أن اليمان يعم بلدها وأن شاربيها صائرة‬

‫إليها‪ ،‬والصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة‪ .‬وفي معالم‬

‫التنزيل‪ :‬أنزلها ال تعالى من الجنة واستودعها الجبال لقوله تعالى "‬

‫فأسكناه "‪ .‬أقول‪ :‬المشبه في الوجه الول أنهار الدنيا‪ ،‬ووجه الشبه‬
‫العذوبة والهضم والبركة‪ .‬وفي الثاني‪ :‬أنهار الجنة‪ ،‬ووجهه الشهرة‬

‫والفائدة والعذوبة‪ .‬وفي الثالث وجهه المجاورة والنتفاع )انتهى(‪ .‬وأقول‪:‬‬

‫ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك السم‪ ،‬وإنما سميت بأسماء‬

‫أنهار الجنة لفضلها وبركتها وكثرة النتفاع بها‪ ،‬ويحتمل أن يكون المعنى‬

‫أن أصل هذه النهار ومادتها من الجنة‪ ،‬فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء‪،‬‬

‫ول ينافى ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء‬

‫الجنة‪ ،‬أو يصب فيها بحيث ل نعلم‪ ،‬أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما‬

‫مر في كتاب المعاد وتجري من تحت الرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها‪.‬‬

‫ويؤيد تلك الوجوه في الجملة ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد‬

‫ال عليه السلم قال‪ :‬يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة )‪،(1‬‬

‫وبسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات ال عليه قال‪ :‬نهركم هذا ‪-‬‬

‫يعني ماء الفرات ‪ -‬يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة )‪ .(2‬وعن علي بن‬

‫الحسين صلوات ال عليهما قال‪ :‬إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه‬

‫ثلثة مثاقيل مسك )‪ (3‬من مسك الجنة فيطرحها في الفرات‪ ،‬وما من نهر‬

‫في شرق الرض ول غربها أعظم بركة‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الكافي‪ ،6 :‬ص ‪ (3) .388‬في المصدر‪ :‬مسكا‪.‬‬


‫]‪[38‬‬

‫منه )‪ .(1‬وأما التأويل بكون أهلها وشاربيها صائرين إلى الجنة فهو في‬

‫خصوص الفرات ظاهر‪ ،‬إذ أكثر القرى والبلد الواقعة عليه وبقربه من‬

‫المامية والمحبين لهل البيت عليهم السلم كما تشهد به التجربة‪ ،‬وقد‬

‫روى الكليني بإسناده عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما إخال أحدا يحنك‬

‫بماء الفرات إل أحبنا أهل البيت‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما سقي أهل الكوفة‬

‫ماء الفرات إل لمر ما‪ ،‬وقال‪ :‬يصب فيه ميزابان من الجنة )‪ (2‬أقول‪ :‬قوله‬

‫عليه السلم " لمر ما " أي لرسوخ ولية أهل البيت عليهم السلم في‬

‫قلوب أهلها‪ .‬وعن أمير المؤمنين ‪ -‬صلوات ال عليه ‪ -‬قال‪ :‬أما إن أهل‬

‫الكوفة لو حنكوا أولدهم بماء الفرات لكانوا لنا شيعة )‪ .(3‬وأما النهار‬

‫الثلثة الخرى فلم أر لها في غير هذا الخبر فضل‪ ،‬بل روى الكليني عن‬

‫أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬ماء نيل مصر يميت القلب )‪- 2 .(4‬‬

‫الدر المنثور‪ :‬عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه واله قال‪ :‬أنزل ال‬

‫من الجنة إلى الرض خمسة أنهار‪ :‬سيحون وهو نهر الهند‪ ،‬وجيحون وهو‬

‫نهر بلخ‪ ،‬ودجلة والفرات وهما نهرا العراق‪ ،‬والنيل وهو نهر مصر أنزلها‬

‫ال من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على‬

‫جناحي جبرائيل فاستودعها الجبال وأجراها في الرض وجعلها منافع‬

‫للناس في أصناف معائشهم‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬وأنزلنا من السماء ماء بقدر‬


‫فأسكناه في الرض " )‪ .(5‬فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوح أرسل ال‬

‫جبرئيل فرفع من الرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام‬

‫إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه النهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى‬

‫السماء‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪ " :‬وإنا على ذهاب به لقادرون " فإذا رفعت هذه‬

‫الشياء من الرض فقد أهلها خير الدنيا والخرة )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (2) .389‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .388‬الكافي ج‬

‫‪ ،6‬ص ‪ (4) .389‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (5) .391‬المؤمنون‪ (6) .19 :‬الدر‬

‫المنثور‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪.8‬‬

‫]‪[39‬‬

‫‪ - 3‬شرح النهج لبن ميثم‪ :‬قال لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلم من‬

‫حرب الجمل خطب الناس فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي صلى ال‬

‫عليه واله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫يا أهل البصرة ‪ ! -‬يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلثا وعلى ال تمام‬

‫الرابعة ! ‪ -‬وساق الخطبة كما مر في كتاب الفتن وسيأتي إلى قوله عليه‬

‫السلم ‪ -‬سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلحا لمعاشكم والبحر سببا‬

‫لكثرة أموالكم‪ .‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪ " :‬الماء يغدو عليكم ويروح "‬
‫إشارة إلى المد والجزر‪ .‬وقوله " صلحا لمعاشكم " إلى فائدتهما‪ ،‬إذ لو‬

‫كان الماء دائما على حد النقصان ولم يصل إلى حد المد لما سقي زروعهم‬

‫ونخيلهم‪ ،‬ولو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم‪ ،‬وفي‬

‫نقص النهار بعد زيادتها فائدة اخرى‪ ،‬هي غسل القذار وإزالة الخبائث عن‬

‫شطوطها‪ ،‬وربما كان فيهما فوائد اخرى كتأثيرهما في حركة السفن و نحو‬

‫ذلك‪ - 4 .‬اعلم الورى‪ :‬بإسناده عن الكليني‪ ،‬عن عدة من أصحابه‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال ابن القاسم‪ .‬عن حيان‬

‫السراج‪ ،‬عن داود بن سليمان الكسائي‪ (1) ،‬عن أبي الطفيل قال‪ :‬سأل في‬

‫أول خلفة عمر يهودي من أولد هارون أمير المؤمنين عليه السلم عن‬

‫أول قطرة قطرت على وجه الرض )‪ ،(2‬وأول عين فاضت على وجه‬

‫الرض‪ (3) ،‬وأول شجر اهتز على وجه الرض‪ (4) .‬فقال عليه السلم يا‬

‫هاروني أما أنتم فتقولون‪ :‬أول قطرة قطرت على وجه الرض حيث قتل أحد‬

‫ابني آدم صاحبه وليس كذلك ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد‬

‫ابنيها‪ ،‬وأما أنتم فتقولون أول عين فاضت على وجه الرض العين التي‬

‫ببيت المقدس‪ ،‬وليس هو كذلك ولكنها‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الكنانى‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬أي قطرة هي ؟ )‪ (3‬في‬

‫المصدر‪ :‬أي عين هي ؟ )‪ (4‬في المصدر‪ :‬أي شجرة هي ؟‬


‫]‪[40‬‬

‫عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح فسقط فيها‬

‫فحيي‪ ،‬وهذا الماء ل يصيب ميتا إل حيي‪ .‬وأما أنتم فتقولون‪ :‬أول شجر‬

‫اهتز على وجه الرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح‪ ،‬وليس كذلك‬

‫ولكنها النخلة التي هبطت )‪ (1‬من الجنة وهي العجوة‪ ،‬ومنها تفرع كل ما‬

‫ترى من أنواع النخل‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت وال الذي ل إله إل هو‪ ،‬إني لجد هذا‬

‫في كتب أبي هارون عليه السلم كتابة )‪ (2‬يده وأمل عمي موسى عليه‬

‫السلم )‪ - 5 .(3‬اكمال الدين‪ :‬عن أبيه ومحمد بن الحسن‪ ،‬عن سعد بن عبد‬

‫ال‪ ،‬ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن أبي عبد‬

‫ال البرقي ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن علي‬

‫بن فضال‪ ،‬عن أيمن ابن محرز‪ ،‬عن محمد بن سماعة‪ ،‬عن إبراهيم بن أبي‬

‫يحيى المدني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬قال اليهودي‪:‬‬

‫أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الرض‪ ،‬وعن أول عين نبعت على‬

‫وجه الرض وعن أول حجر وضع على وجه الرض‪ ،‬فقال أمير المؤمنين‬

‫عليه السلم‪ :‬أما أول شجرة نبتت على وجه الرض فإن اليهود يزعمون‬

‫أنها الزيتونة وكذبوا‪ ،‬وإنما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم عليه السلم‬

‫معه من الجنة فغرسها وأصل النخلة كلة منها‪ .‬وأما أول عين نبعت على‬
‫وجه الرض فإن اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس وتحت‬

‫الحجر وكذبوا‪ ،‬هي عين الحياة التي ما انتهى إليها أحد إل حيي‪ ،‬وكان‬

‫الخضر على مقدمة ذي القرنين فطلب عين الحياة فوجدها الخضر عليه‬

‫السلم وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين‪ .‬وأما أول حجر وضع على وجه‬

‫الرض فإن اليهود يزعمون أنه الحجر الذي ببيت المقدس وكذبوا‪ ،‬إنما هو‬

‫الحجر السود هبط به آدم عليه السلم معه من الجنة فوضعه في الركن‪،‬‬

‫والناس يستلمونه وكان أشد بياضا من الثلج فاسود من خطايا بني آدم‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬اهبطت‪ (2) .‬كتابته بيده )خ( )‪ (3‬اعلم الورى‪.368 :‬‬

‫]‪[41‬‬

‫اقول‪ :‬الخبران طويلن أوردتهما بأسانيدهما في باب نص أمير المؤمنين‬

‫عليه السلم على الثني عشر عليهم السلم في المجلد التاسع‪ .‬كتاب‬

‫القاليم والبلدان والنهار‪ :‬للفرات فضائل كثيرة‪ - 6 :‬روي أن أربعة من‬

‫أنهار الجنة‪ :‬سيحون وجيحون والنيل والفرات‪ - 7 .‬وعن علي عليه السلم‬

‫قال‪ :‬يا أهل الكوفة نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة‪ - 8 .‬وروي‬

‫عن جعفر الصادق عليه السلم أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد وحمد‬

‫ال تعالى‪ ،‬قال‪ :‬ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا‬
‫على حافتيه القباب ما انغمس فيه ذو عاهة إل برئ‪ .‬وعن السدي أن‬

‫الفرات مد في زمن عمر فألقى رمانة عظيمة منها كرمان الحب فأمر‬

‫المسلمين أن يقسموها بينهم‪ ،‬فكانوا يزعمون أنها من الجنة‪ - 9 .‬وقال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه‬

‫حين يخرج لوجدتم من ورقها‪ .‬وقال في وصف بعض البحار نقل عن‬

‫صاحب كتاب عجائب الخبار‪ :‬هذا البحر فيه طائر مكرم لبويه‪ ،‬فإنهما إذا‬

‫كبرا وعجزا عن القيام بأمر أنفسهما‪ ،‬يجتمع عليهما فرخان من فراخهما‬

‫فيحملنهما على ظهورهما إلى مكان حصين‪ ،‬ويبنيان لهما عشا‬

‫ويتعاهدانهما الزاد والماء إلى أن يموتا‪ ،‬فإن مات الفرخان قبلهما يأتي‬

‫إليهما فرخان آخران من فراخهما ويفعلن بهما كما فعل الفرخان الولن‪،‬‬

‫وهلم جرا وهذا دأبهما‪ - 10 .‬قرب السناد‪ :‬عن السندي بن محمد‪ ،‬عن أبي‬

‫البختري‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه )‪ (1‬عليهم السلم قال‪ " :‬يخرج منهما‬

‫اللؤلؤ والمرجان " قال‪ :‬من ماء السماء ومن ماء البحر‪ ،‬فإذا امطرت‬

‫ففتحت )‪ (2‬الصداف أفواهها في البحر‪ ،‬فيقع فيها من ماء المطر‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬عن على عليه السلم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فتحت‪.‬‬

‫]‪[42‬‬
‫فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة‪ ،‬واللؤلؤة الكبيرة من القطرة‬

‫الكبيرة )‪ - 11 .(1‬كامل الزيارة‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسن بن متيل )‪ ،(2‬عن‬

‫عمران بن موسى عن الجاموراني‪ ،‬عن الحسن بن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬نهران مؤمنان‪،‬‬

‫ونهران كافران‪ ،‬نهران كافران نهر بلخ ودجلة‪ ،‬و المؤمنان نيل مصر‬

‫والفرات‪ ،‬فحنكوا أولدكم بماء الفرات‪ .‬بيان‪ :‬قال الجزري في النهاية‪ :‬فيه‬

‫" نهران مؤمنان ونهران كافران‪ ،‬أما المؤمنان فالنيل والفرات‪ ،‬وأما‬

‫الكافران فدجلة ونهر بلخ " جعلهما مؤمنين على التشبيه لنهما يفيضان‬

‫على الرض فيسقيان الحرث بل مؤنة‪ ،‬وجعل الخرين كافرين لنهما ل‬

‫يسقيان ول ينتفع بهما إل بمؤنة وكلفة‪ ،‬فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين‪،‬‬

‫وهذان في قلة النفع كالكافرين )انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬ربما يومئ التفريع بقوله‬

‫" فحنكوا " إلى أن المراد أن للولين مدخل في اليمان وللخرين )‪ (3‬في‬

‫الكفر وهو في الفرات ظاهر كما عرفت‪ ،‬وأما في النيل فلعل شقاوة أهله‬

‫لسوء تربة مصر كما ورد في الخبار فلو جرى في غيره لم يكن كذلك‪،‬‬

‫ونهر بلغ هو نهر جيحون‪ .‬وقال البرجندي‪ :‬ويخرج عموده من حدود "‬

‫بدخشان " من موضع طوله أربع وتسعون درجة وعرضه سبع وثلثون‬

‫درجة ثم يجتمع معه أنهار كثيرة ويذهب إلى جهة المغرب والشمال إلى‬

‫حدود بلخ ثم يجاوزه إلى " ترمد " ثم يذهب إلى المغرب والجنوب إلى‬
‫ولية " زم " )‪ (4‬وطوله تسع وثمانون درجة وعرضه سبع وثلثون‪ ،‬ثم‬

‫يمر إلى المغرب والشمال إلى موضع‬

‫)‪ (1‬قرب السناد‪ (2) 85 :‬بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق‬

‫وسكون الياء المثناة من تحت على ما ضبطه العلمة في الخلصة‬

‫واليضاح‪ ،‬وحكى عن ابن داود ضم الميم وفتح التاء المشددة‪ .‬قال‬

‫النجاشي الحسن بن متيل وجه من وجوه أصحابنا كثير الحديث‪ ،‬وصحح‬

‫العلمة حديثه‪ ،‬وتصحيح حديثه ل يقصر عن توثيقه‪ (3) .‬الخيرين )خ(‪) .‬‬

‫‪ (4‬بفتح الزاى وتشديد الميم‪ ،‬بليدة على طريق جيحون بين ترمذ وآمل‬

‫)مراصد الطلع(‪.‬‬

‫]‪[43‬‬

‫طوله ثمان وثمانون درجة وعرضه تسع وثلثون‪ ،‬ثم يمر إلى أن ينصب )‬

‫‪ (1‬في بحيرة خوارزم‪ .‬ونهر دجلة مشهور ويخرج من بلد الروم من شمال‬

‫" ميارقين " )‪ (2‬من تحت حصار ذي القرنين‪ ،‬ويذهب من جهة الشمال‬

‫والمغرب إلى جهة الجنوب والمشرق ويمر بمدينة " آمد " والموصل وسر‬

‫من رأى وبغداد ثم إلى " واسط " ثم ينصب في بحر فارس‪- 12 .‬‬

‫العياشي‪ :‬عن إبراهيم بن أبي العل‪ ،‬عن غير واحد‪ ،‬عن أحدهما عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬لما قال ال " يا أرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي " قال‬

‫الرض‪ :‬إنما امرت أن أبلع مائي أنا فقط‪ ،‬ولم اومر أن أبلع ماء السماء‪،‬‬

‫قال‪ :‬فبلعت الرض ماءها وبقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا‪- 13 .‬‬

‫الكافي‪ :‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم‬

‫عن أبيه‪ ،‬جميعا عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن حفص بن البختري‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن جبرئيل عليه السلم كرى برجله خمسة أنهار‬

‫ولسان الماء يتبعه‪ :‬الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ‪ ،‬فما سقت‬

‫أو سقي منها فللمام‪ .‬والبحر المطيف بالدنيا )‪ .(3‬بيان‪ :‬قال البرجندي‪:‬‬

‫نهر مهران هو نهر السند يمر أول في ناحية " ملتان " ثم يميل إلى‬

‫الجنوب ويمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر " ديبل " من جانب‬

‫المشرق‪ ،‬وهو نهر عظيم وماؤه في غاية العذوبة وشبيه بنيل مصر ويكون‬

‫فيه التمساح كالنيل‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا وصل إلى موضع طوله مأة وسبع درجات‬

‫وعرضه ثلث وعشرون درجة ينقسم إلى شعبتين‪ ،‬ينصب إحداهما في بحر‬

‫الهند والخرى تمر وتنصب فيه بعد مسافة أيضا‪ " .‬فما سقت " أي‬

‫بأنفسها " أو سقي منها " أي سقى الناس منها‪ .‬وهذا الخبر رواه في‬

‫الفقيه بسند صحيح عن أبي البختري )‪ (4‬وزاد في آخره‬


‫)‪ (1‬في اكثر النسخ‪ :‬يصب‪ (2) .‬كذا‪ :‬والظاهر أنه مصحف " ميافارقين "‬

‫اسم مدينة ببلد الروم‪ (3) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .409‬الفقيه‪.159 :‬‬

‫]‪[44‬‬

‫" وهو أفسبكون " ولعله من الصدوق فصار سببا للشكال‪ ،‬لن "‬

‫أفسبكون " معرب " آبسكون " وهو بحر الخزر‪ ،‬ويقال له‪ :‬بحر جرجان‬

‫وبحر طبرستان وبحر مازندران‪ ،‬و طوله ثمانمأة ميل وعرضه ستمائة‬

‫ميل‪ ،‬وينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آتل )‪ (1‬وهذا البحر غير محيط‬

‫بالدنيا بل محاط بالرض من جميع الجوانب ول يتصل بالمحيط‪ ،‬و لعله إنما‬

‫تكلف ذلك لنه ل يحصل من المحيط شئ وهو غير مسلم‪ .‬وقرأ بعض‬

‫الفاضل المطيف ‪ -‬بضم الميم وسكون الطاء وفتح الياء ‪ -‬اسم مفعول أو‬

‫اسم مكان من الطواف ول يخفى ضعفه فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم‬

‫أو مطوف‪ ،‬واسم المكان كالول أو مطاف بالفتح‪ ،‬وربما يقرأ " مطيف "‬

‫بتشديد الياء المفتوحة‪ ،‬وهو أيضا غير مستقيم لنه بالمعنى المشهور‬

‫واوي فالمفعول من باب التفعيل مطوف‪ ،‬وأيضا كان ينبغي أن يقال‪:‬‬

‫المطيف به الدنيا‪ ،‬نعم قال في القاموس‪ :‬طيف تطييفا وطوف‪ :‬أكثر الطواف‬

‫)انتهى( لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد‪ ،‬وما في الكافي‬

‫أظهر وأصوب والمعنى‪ :‬أن البحر المحيط بالدنيا أيضا للمام عليه السلم‪.‬‬
‫‪ - 14‬نوادر الراوندي‪ :‬بإسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬شر اليهود يهود بيسان‪ ،‬وشر‬

‫النصارى نصارى نجران‪ ،‬وخير ماء نبع على وجه الرض ماء زمزم‪،‬‬

‫وشر ماء نبع على وجه الرض ماء برهوت‪ ،‬واد بحضرموت يرد عليه هام‬

‫الكفار وصداهم‪ .‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬بيسان قرية بالشام‪ ،‬وقرية بمرو‪،‬‬

‫وموضع باليمامة‪ .‬ولعل الول هنا أظهر‪ ،‬ونجران موضع باليمن‪ .‬وفي‬

‫النهاية‪ :‬فيه " ل عدوى ول هامة " الهامة الرأس‪ ،‬واسم طائر‪ ،‬وهو‬

‫المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشأمون بها وهي من طير الليل‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫هي البومة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي ل يدرك بثأره‬

‫تصير هامة فتقول‪ :‬اسقوني ! اسقوني ! فإذا أدرك بثأره طارت‪ .‬و قيل‪:‬‬

‫كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه "‬

‫الصدى " فنفاه السلم ونهاهم عنه‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الصدى الجسد من‬

‫الدمي بعد موته‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬آمل )خ(‪.‬‬

‫]‪[45‬‬
‫طائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية‪ - 15 .‬كتاب الغارات‬

‫لبراهيم بن محمد الثقفي‪ :‬رفعه عن الصبغ بن نباته قال‪ :‬سئل أمير‬

‫المؤمنين عليه السلم عن أول شئ ضج على الرض‪ ،‬قال‪ :‬واد باليمن هو‬

‫أول واد فار منه الماء‪ - 16 .‬كتاب النوادر لعلي بن أسباط‪ :‬عن عيسى بن‬

‫عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬لو عدل في الفرات‬

‫لسقي )‪ (1‬ما على الرض كله‪ .‬بيان‪ :‬يحتمل أن يكون المراد بها الراضي‬

‫التي على شطه وبالقرب منه‪ - 17 .‬الدر المنثور‪ :‬عن جابر بن عبد ال‬

‫قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬ماء زمزم لما شرب له‪،‬‬

‫من شربه لمرض شفاه ال‪ ،‬أو لجوع أشبعه ال‪ ،‬أو لحاجة قضاها ال‪ .‬قال‬

‫الحكيم الترمذي‪ :‬وحدثني أبي قال‪ :‬دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني‬

‫من البول ما شغلني‪ ،‬فجعلت أعتصر حتى آذاني وخفت إن خرجت من‬

‫المسجد أن أطأ بعض تلك القذار وذلك أيام الحاج‪ ،‬فذكرت هذا الحديث‪،‬‬

‫فدخلت زمزم فتبلعت منه فذهب عني إلى الصباح )‪ - 18 .(2‬ومنه‪ :‬عن ابن‬

‫عباس " مرج البحرين " قال‪ :‬أرسل البحرين " بينهما برزخ " قال‪:‬‬

‫حاجز " ل يبغيان " قال‪ :‬ل يختلطان‪ ،‬وروي أيضا عنه قال‪ :‬بحر السماء‬

‫وبحر الرض يلتقيان كل عام‪ " .‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‪ ،‬قال‪ :‬إذا‬

‫مطرت السماء فتحت الصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر‬

‫السماء فهو اللؤلؤ )‪ - 19 .(3‬وعن ابن جبير قال‪ :‬إذا نزل القطر من‬
‫السماء تفتحت له الصداف فكان لؤلؤا )‪ - 20 .(4‬وعن علي بن أبي طالب‬

‫قال‪ :‬المرجان عظام اللؤلؤ‪ .‬وعن ابن عباس مثله )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬لسقى )خ(‪ (2) .‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪ (5 - 3) .221‬الدر المنثور‪:‬‬

‫ج ‪ ،6‬ص ‪.142‬‬

‫]‪[46‬‬

‫‪ - 21‬وفي رواية اخرى عنه‪ :‬المرجان اللؤلؤ الصغار )‪ - 22 .(1‬وعن ابن‬

‫مسعود‪ :‬المرجان الخزر الحمر )‪ - 23 .(2‬وعن عمير بن سعد قال‪ :‬كنا مع‬

‫علي على شط الفرات فمرت سفينة فقرأ هذه الية‪ " :‬وله الجوار المنشئات‬

‫في البحر كالعلم )‪ - 24 ." (3‬مجمع البيان‪ :‬روى مقاتل عن عكرمة‬

‫وعن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬إن ال تعالى أنزل من‬

‫الجنة خمسة أنهار‪ :‬سيحون وهو نهر الهند‪ ،‬وجيحون وهو نهر بلخ‪،‬‬

‫ودجلة والفرات‪ ،‬وهما نهرا العراق‪ ،‬والنيل وهو نهر مصر‪ ،‬أنزلها ال‬

‫تعالى من عين واحدة وأجراها في الرض وجعل فيها منافع للناس في‬

‫أصناف معائشهم وذلك قوله " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في‬

‫الرض وإنا على ذهاب به لقادرون )‪ - 25 ." (4‬الكافي‪ :‬عن محمد بن‬

‫يحيى‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن أحمد عن علي بن‬
‫النعمان‪ ،‬عن صالح بن حمزة‪ ،‬عن أبان بن مصعب‪ ،‬عن يونس بن ظبيان‬

‫أو المعلى بن خنيس قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬مالكم من هذه‬

‫النهار )‪ (5‬؟ فتبسم وقال‪ :‬إن ال تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق‬

‫بإبهامه ثمانية أنهار في الرض منها‪ :‬سيحان‪ ،‬وجيحان وهو نهر بلخ‪،‬‬

‫والخشوع وهو نحر الشاش‪ ،‬ومهران وهو نهر الهند‪ ،‬ونيل مصر‪ ،‬ودجلة‪،‬‬

‫والفرات‪ ،‬فما سقت أو استقت فهو لنا‪ ،‬وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس‬

‫لعدونا منه شئ إل ما غصب عليه‪ ،‬وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه‬

‫‪ -‬يعني بين السماء والرض ‪ -‬ثم تل هذه الية " قل هي للذين آمنوا في‬

‫الحياة الدنيا " المغصوبين عليها " خالصة " لهم " يوم القيامة " بل‬

‫غصب‪ .‬توضيح‪ :‬لعل التبسم لجل " من " التبعيضية " يخرق " كينصر‬

‫ويضرب أي‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪ (3) .142‬الدر المنثور ج ‪ ،6‬ص ‪) .143‬‬

‫‪ (4‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪ (5) .102‬في المصدر‪ :‬الرض‪.‬‬

‫]‪[47‬‬

‫يشق ويحفر‪ ،‬ومنهم من حمل الكلم على الستعارة التمثيلية لبيان أن‬

‫حدوث النهار ونحوها مستندة إلى قدرة ال تعالى ردا على الفلسفة الذين‬
‫يسندونها إلى الطبائع‪ ،‬وفي أكثر النسخ هنا " جيحان " باللف وفي‬

‫بعضها بالواو‪ ،‬وهو أصوب لما عرفت أن نهر بلخ بالواو‪ ،‬وعلى الول إن‬

‫كان التفسير من بعض الرواة فيمكن أن يكون اشتباها منه‪ ،‬و لو كان من‬

‫المام عليه السلم وصح الضبط كان الشتباه من اللغويين‪ .‬و " الشاش "‬

‫بلد بما وراء النهر كما في القاموس ونهره على ما ذكره البرجندي بقدر‬

‫ثلثي الجيحون‪ ،‬ومنبعه من بلد الترك من موضع عرضه اثنتان وأربعون‬

‫درجة وطوله إحدى وسبعون درجة ويمر إلى المغرب مائل إلى الجنوب إلى‬

‫خجند ثم إلى فاراب ثم ينصب في بحيرة خوارزم‪ ،‬وتسميته بالخشوع غير‬

‫مذكور فيما رأينا من كتب اللغة وغيرها " فما سقت " أي سقته من‬

‫الشجار والراضي والزروع " أو استقت " أي منه‪ ،‬أي أخذت النهار منه‬

‫وهو بحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء‪ ،‬فالمقصود أن أصلها وفرعها لنا‪،‬‬

‫أو ضمير " استقت " راجع إلى " ما " باعتبار تأنيث معناه‪ ،‬والتقدير‪:‬‬

‫استقت منها‪ ،‬وضمير " منها " المقدر للنهار‪ ،‬فالمراد بما سقت ما جرت‬

‫عليها من غير عمل‪ ،‬وبما استقت ما شرب منها بعمل كالدولب وشبهه‪،‬‬

‫ونسبة الستسقاء )‪ (1‬إليها على المجاز‪ ،‬كذا خطر بالبال وهو أظهر‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫ضمير " استقت " راجع إلى النهار على السناد المجازي لن الستقاء‬

‫فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر والدولب‪ .‬يقال‪ :‬استقيت من البئر أي‬

‫أخرجت الماء منها‪ .‬وبالجملة يعتبر في الستقاء ما ل يعتبر في السقي من‬


‫الكسب والمبالغة في العتمال " إل ما غصب عليه " على بناء المعلوم‬

‫والضمير للعدو أي غصبنا عليه أو على بناء المجهول أي إل شئ صار‬

‫مغصوبا عليه‪ ،‬يقال غصبه على الشئ أي قهره‪ ،‬و الستثناء منقطع إن كان‬

‫اللم للستحقاق‪ ،‬وإن كان للنتفاع فالستثناء متصل و " ذه " إشارة إلى‬

‫المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء " المغصوبين عليها " الحاصل أن "‬

‫خالصة " حال مقدرة من قبيل قولهم‪ :‬جاءني زيد صائدا صقره غدا‪ .‬قال‬

‫في مجمع البيان‪ :‬قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في‬

‫الطيبات في الدنيا ثم يخلص ال‬

‫)‪ (1‬الستقاء )ظ(‪.‬‬

‫]‪[48‬‬

‫الطيبات في الخرة للذين آمنوا‪ ،‬وليس للمشركين فيها شئ )‪) (1‬انتهى(‪.‬‬

‫ثم اعلم أنه عليه السلم ذكر في الول ثمانية وإنما ذكر في التفصيل سبعة‪،‬‬

‫فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع بل‬

‫قال‪ :‬منها سيحان ‪ -‬الخبر ‪ -‬وقيل‪ :‬لما كان سيحان اسما لنهرين‪ :‬نهر‬

‫بالشام‪ ،‬ونهر بالبصرة‪ ،‬أراد هنا كليهما‪ ،‬من قبيل استعمال المشترك في‬

‫معنييه‪ ،‬وهو بعيد‪ ،‬ولعله سقط واحد منها من الرواة‪ ،‬وكأنه كان " جيحان‬
‫وجيحون " فظن بعض النساخ والرواة زيادة أحدهما فأسقطه وحينئذ‬

‫يستقيم التفسير أيضا‪ .‬فائدة‪ :‬قال‪ :‬النيسابوري في تفسير قوله تعالى "‬

‫والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس "‪ :‬قد سلف أن الماء المحيط )‬

‫‪ (2‬بأكثر جوانب القدر المعمور من الرض فذلك هو البحر المحيط‪ ،‬وقد‬

‫دخل في ذلك الماء من جانب الجنوب متصل بالمحيط الشرقي ومنقطعا عن‬

‫الغربي إلى وسط العمارة أربعة خليجات‪ :‬الول إذا ابتدأ من المغرب الخليج‬

‫البربري لكونه في حدود بربر من أرض الحبشة‪ ،‬طوله من الجنوب إلى‬

‫الشمال مأة وستون فرسخا وعرضه خمسة وثلثون فرسخا‪ ،‬وعلى ضلعه‬

‫الغربي بلد كفار الحبشة وبعض الزنج‪ ،‬وعلى الشرقي بلد مسلمي‬

‫الحبشة‪ .‬والثاني الخليج الحمر‪ ،‬طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة‬

‫وستون فرسخا وعرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا‪ ،‬وبين طرفه وفسطاط‬

‫مصر الذي على شرق النيل مسيرة ثلثة أيام على البر‪ ،‬وعلى ضلعه‬

‫الغربي بعض بلد البربر وبعض بلد الحبشة‪ ،‬وعلى ضلعه الشرقي سواحل‬

‫عليها فرضة مدينة الرسول صلى ال عليه وآله لقوافل مصر والحبشة إلى‬

‫الحجاز ثم سواحل اليمن ثم عدن على الذوابة الشرقية منه‪ .‬الثالث‪ :‬خليج‬

‫فارس‪ ،‬طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا‪ ،‬وعرضه‬

‫قريب من مائة وثمانين فرسخا‪ ،‬وعلى سواحل ضلعه الغربي بلد عمان‪،‬‬
‫ولهذا ينسب البحر هناك إليها‪ ،‬وجملة ولية العرب وأحيائهم من الحجاز‬

‫واليمن والطائف وغيرها وبواديهم بين الضلع الغربي من هذا‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ (2) .413‬محيط )ظ(‪.‬‬

‫]‪[49‬‬

‫البحر والشرقي من الخليج الحمر‪ ،‬فلهذا سميت العمارة الواقعة بينهما‬

‫جزيرة العرب وفيها مكة ‪ -‬زادها ال شرفا ‪ -‬وعلى سواحل ضلعه الشرقي‬

‫بلد فارس‪ ،‬ثم هرموز ثم مكران‪ ،‬ثم سواحل السند‪ .‬الرابع الخليج الخضر‬

‫مثلث الشكل آخذ من الجنوب إلى الشمال‪ ،‬ضلعه الشرقي بلد فارس‪ ،‬ثم‬

‫هرموز‪ ،‬ثم مكران متصل بالمحيط الشرقي وضلعه الغربي خمسمائة فرسخ‬

‫تقريبا وعلى سواحل هذا الضلع وليات الصين‪ ،‬ولهذا يسمى بحر الصين‪،‬‬

‫ومن زاويته الغربية إلي زاوية من بحر فارس يسمى بحر الهند لكون بعض‬

‫وليتهم على سواحله‪ .‬وأيضا فقد دخل إلى العمارة من جانب الغرب خليج‬

‫عظيم يمر من جانب الجنوب على كثير من بلد المغرب ويحاذي أرض‬

‫السودان وينتهي إلى بلد مصر والشام‪ ،‬ومن جانب الشمال على بلد‬

‫الروس والجللقة والصقالبة إلى بلد الروم ]والشام[ ويتشعب منه شعبة‬

‫من شمال أرض الصقالبة إلى أرض مسلمي " بلغار " يسمى بحر " ورنك‬
‫" طوله المعلوم مائة فرسخ وعرضه ثلث وثلثون وإذا جاوز تلك النواحي‬

‫امتد نحو المشرق عما وراء جبال غير مسلوكة وأرض غير مسكونة‪،‬‬

‫وتتشعب )‪ (1‬منه أيضا شعبة يسمى بحر طرابزون‪ .‬فهذه هي البحار‬

‫المتصلة بالمحيط‪ ،‬وأما غير المتصلة فأعظمها بحر طبرستان وجيلن‬

‫وباب البواب والخزر وأبسيكون )‪ ،(2‬لكون هذه الوليات على سواحله‬

‫مستطيل الشكل آخذ من المشرق إلى المغرب بأكثر من مأتين وخمسين‬

‫فرسخا‪ ،‬ومن الجنوب إلى الشمال بقرب من مأتين‪ .‬ومن عجائب البحار‬

‫الحيوانات المختلفة العظام والنواع والصناف‪ ،‬ومنها الجزائر الواقعة‬

‫فيها‪ ،‬فقد يقال في بحر الهند من الجزائر العامرة ألف وثلثمأة وسبعون‬

‫منها جزيرة عظيمة في أقصى البحر مقابل أرض الهند في ناحية المشرق‪،‬‬

‫وعند بلد الصين تسمى جزيرة سرانديب )‪ (3‬دورها ثلثة آلف ميل فيها‬

‫جبال عظيمة وأنهار كثيرة ومنها يخرج الياقوت الحمر‪ ،‬وحول هذه‬

‫الجزيرة تسع عشرة جزيرة عامرة فيها مدائن‬

‫)‪ (1‬تنشعب )خ(‪ (2) .‬آبسكون )خ(‪ (3) .‬سرنديب )خ(‪.‬‬

‫]‪[50‬‬
‫وقرى كثيرة‪ ،‬ومن جزائر هذا البحر جزيرة " كله " التي يجلب منها‬

‫الرصاص القلعي وجزيرة " سريرة " التي يجلب منها الكافور‪ ،‬وغرائب‬

‫البحر كثيرة ولهذا قيل‪ :‬حدث عن البحر ول حرج‪ .‬وسئل بعض العقلء‪ :‬ما‬

‫رأيت من عجائب البحر ؟ قال‪ :‬سلمتي منه‪ .‬تتمة‪ :‬قالت الحكماء في سبب‬

‫انفجار العيون من الرض‪ :‬إن البخار إذا احتبس في داخل من الرض لما‬

‫فيها من ثقب وفرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء‬

‫بخارية‪ ،‬فإذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث ل تسعه الرض أوجب‬

‫انشقاق الرض وانفجرت منها العيون‪ ،‬أما الجارية على الولء فهي إما‬

‫لدفع تاليها سابقها‪ ،‬أو لنجذابه إليه لضرورة عدم الخلء بأن يكون البخار‬

‫الذي انقلب ماء وفاض إلى وجه الرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه‬

‫لئل يكون خلء فينقلب هو أيضا ماء ويفيض وهكذا استتبع كل جزء منه‬

‫جزء آخر‪ .‬وأما العيون الراكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من كثرة‬

‫موادها وقوتها أن يحصل منها معاونة شديدة‪ ،‬أو يدفع اللحق السابق‪.‬‬

‫وأما مياه القنى )‪ (1‬والبار فهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن‬

‫يشق الرض‪ ،‬فإذا ازيل ثقل الرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه‬

‫بأدنى حركة‪ ،‬فإن لم يجعل هناك مسيل فهو البئر‪ ،‬وإن جعل فهو القناة‪،‬‬

‫ونسبة القنى إلى البار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة‪ ،‬ويمكن أن تكون‬

‫هذه المياه متولدة ‪ -‬كما قاله أبو ‪ -‬البركات البغدادي ‪ -‬من أجزاء مائية‬
‫متولدة من أجزاء متفرقة في ثقب أعماق الرض ومنافذها إذا اجتمعت‪ ،‬بل‬

‫هذا أولى لكون مياه العيون والبار والقنوات تزيد بزيادة الثلوج والمطار‪.‬‬

‫قال الشيخ في النجاة‪ :‬وهذه البخرة إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب‬

‫النهار إليها‪ ،‬ثم ارتفع من البحار والبطائح والنهار وبطون الجبال خاصة‬

‫أبخرة اخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور‬

‫دائما‪.‬‬

‫)‪ (1‬القنى والقناء ‪ -‬بكسر القاف فيهما ‪ :-‬جمع القناة‪ ،‬وهى ما يحفر من‬

‫الرض ليجرى فيها الماء‪.‬‬

‫]‪[51‬‬

‫)‪) (31‬باب( * )الرض وكيفيتها وما أعد ال للناس فيها وجوامع أحوال(‬

‫* * )العناصر وما تحت الرضين( * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬يا أيها الناس اعبدوا‬

‫ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الرض فراشا‬

‫والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل‬

‫تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون )‪ .(1‬الرعد‪ :‬وهو الذي مد الرض وجعل‬

‫فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل‬

‫النهار إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون وفي الرض قطع متجاورات وجنات‬
‫من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل‬

‫بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات لقوم يعقلون‪ .‬ابراهيم‪ :‬ال‬

‫الذي خلق السماوات والرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من‬

‫الثمرات رزقا لكم وسخر الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار‬

‫وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتيكم من كل ما‬

‫سألتموه وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها إن النسان لظلوم كفار )‪.(3‬‬

‫الحجر‪ :‬والرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ‬

‫موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين )‪ .(4‬النحل‪ :‬هو‬

‫الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .22 - 21 :‬الرعد‪ (3) .4 - 3 :‬ابراهيم‪(4) .34 - 32 :‬‬

‫الحجر‪.20 - 19 :‬‬

‫]‪[52‬‬

‫ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات إن في‬

‫ذلك ليات لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم‬

‫مسخرات بأمره إن في ذلك ليات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الرض‬

‫مختلفا ألوانه إن في ذلك لية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا‬
‫منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه‬

‫ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم‬

‫وأنهارا وسبل لعلكم تهتدون وعلمات وبالنجم هم يهتدون ‪ -‬إلى قوله‬

‫تعالى ‪ -‬وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها إن ال لغفور رحيم )‪ .(1‬الكهف‪:‬‬

‫إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل )‪ .(2‬طه‪ :‬له ما‬

‫في السماوات وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى )‪ .(3‬وقال تعالى‪:‬‬

‫الذي جعل لكم الرض مهدا وسلك لكم فيها سبل وأنزل من السماء ماء‬

‫فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك ليات‬

‫لولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى )‪.(4‬‬

‫النبياء‪ :‬وجعلنا في الرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبل‬

‫لعلهم يهتدون )‪ .(5‬الشعراء‪ :‬أو لم يروا إلى الرض كم أنبتنا فيها من كل‬

‫زوج كريم إن في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين )‪ .(6‬وقال تعالى‪.‬‬

‫أتتركون فيما ههنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم‬

‫وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .18 - 10 :‬الكهف‪ (3) .7 :‬طه‪ (4) .6 :‬طه‪(5) .55 - 53 :‬‬

‫النبياء‪ (6) .31 :‬الشعراء‪ (7) .8 - 7 :‬الشعراء‪.149 - 144 :‬‬


‫]‪[53‬‬

‫النمل‪ :‬أم من خلق السموات والرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به‬

‫حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرهاءإله مع ال بل هم قوم‬

‫يعدلون أم من جعل الرض قرارا وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي‬

‫وجعل بين البحرين حاجزاءإله مع ال بل أكثرهم ل يعلمون )‪ .(1‬لقمان‪:‬‬

‫خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم‬

‫وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم‬

‫هذا خلق ال فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلل مبين‬

‫)‪ .(2‬فاطر‪ :‬ألم تر أن ال أنزل من السما ماء فأخرجنا به ثمرات مخلتفا‬

‫ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن‬

‫الناس والدواب والنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى ال من عباده‬

‫العلماء إن ال عزيز غفور )‪ .(3‬يس‪ :‬وآية لهم الرض الميتة أحييناها‬

‫وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا‬

‫فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفل يشكرون سبحان‬

‫الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون )‬

‫‪ .(4‬المؤمن‪ :‬ال الذي جعل لكم الرض قرارا والسماء بناء )‪ .(5‬السجدة‪:‬‬

‫ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن‬
‫الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير )‪ .(6‬حمعسق‪ :‬ومن آياته‬

‫خلق السموات والرض وما بث فيهما من دابة وهو على‬

‫)‪ (1‬النمل‪ (2) .61 - 60 :‬لقمان‪ (3) .11 - 10 :‬فاطر‪(4) .28 - 27 :‬‬

‫يس‪ (5) .36 - 33 :‬المؤمن‪ (6) .64 :‬فصلت‪.39 :‬‬

‫]‪[54‬‬

‫جمعهم إذا يشاء قدير )‪ .(1‬الزخرف‪ :‬الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم‬

‫فيها سبل لعلكم تهتدون )‪ .(2‬الجاثية‪ :‬وسخر لكم ما في السموات وما في‬

‫الرض جميعا منه إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون )‪ .(3‬ق‪ :‬والرض‬

‫مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى‬

‫لكل عبد منيب )‪ .(4‬الذاريات‪ :‬والرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل‬

‫شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )‪ .(5‬الرحمن‪ :‬والرض وضعها للنام فيها‬

‫فاكهة والنخل ذات الكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلء ربكما‬

‫تكذبان )‪ .(6‬الحديد‪ :‬اعلموا أن ال يحيي الرض بعد موتها قد بينا لكم‬

‫اليات لعلكم تعقلون )‪ .(7‬الطلق‪ :‬ال الذي خلق سبع سموات ومن الرض‬

‫مثلهن يتنزل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شئ قدير وأن ال قد أحاط‬


‫بكل شئ علما )‪ .(8‬الملك‪ :‬هو الذي جعل لكم الرض ذلول فامشوا في‬

‫مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )‪.(9‬‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .29 :‬الزخرف‪ (3) .10 :‬الجاثية‪ (4) .13 :‬ق‪) .8 - 7 :‬‬

‫‪ (5‬الذاريات‪ (6) .49 - 48 :‬الرحمن‪ (7) .13 - 10 :‬الحديد‪(8) .17 :‬‬

‫الطلق‪ (9) .12 :‬الملك‪.15 :‬‬

‫]‪[55‬‬

‫نوح‪ :‬وال جعل لكم الرض بساطا لتسلكوا منها سبل فجاجا )‪.(1‬‬

‫المرسلت‪ :‬ألم نجعل الرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي‬

‫شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين )‪ .(2‬النبأ‪ :‬ألم نجعل‬

‫الرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا‬

‫الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا‬

‫وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات الفافا‬

‫)‪ .(3‬الطارق‪ :‬والرض ذات الصدع )‪ .(4‬الغاشية‪ :‬أفل ينظرون إلى البل‬

‫كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الرض‬

‫كيف سطحت )‪ .(5‬الشمس‪ :‬والرض وما طحيها )‪ .(6‬تفسير‪ " :‬الذي‬

‫خلقكم " قيل‪ :‬إنه تعالى عدد في هذا المقام عليهم خمسة دلئل اثنين من‬
‫النفس‪ ،‬وهما خلقهم وخلق اصولهم‪ ،‬وثلثة من الفاق‪ :‬بجعل الرض‬

‫فراشا‪ ،‬والسماء بناء‪ ،‬والمور الحاصلة من مجموعهما‪ ،‬وهي إنزال الماء‬

‫من السماء وإخراج الثمرات بسببه‪ ،‬وسبب هذا الترتيب ظاهر‪ ،‬لن أقرب‬

‫الشياء إلى النسان نفسه‪ ،‬ثم مأمنه ومنشأه وأصله‪ ،‬ثم الرض التي هي‬

‫مكانه ومستقره يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على‬

‫فراشه‪ ،‬ثم السماء التي كالقبة المضروبة والخيمة المبنية على هذا القرار‪،‬‬

‫ثم ما يحصل من شبه الزدواج بين المقلة والمظلة من إنزال الماء عليها‬

‫والخراج به من بطنها أشباه النسل من الحيوان ألوان الغذاء‬

‫)‪ (1‬نوح‪ (2) .20 - 19 :‬المرسلت‪ (3) .28 - 25 :‬النبأ‪(4) .16 - 6 :‬‬

‫الطارق‪ (5) .12 :‬الغاشية‪ (6) 20 - 17 :‬الشمس‪.6 :‬‬

‫]‪[56‬‬

‫وأنواع الثمار رزقا لبني آدم‪ .‬وأيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل‬

‫لجميع النعم وأما خلق الرض والسماء فذاك إنما ينتفع به بشرط حصول‬

‫الخلق والحياة والقدرة والشهوة‪ ،‬وذكر الصول مقدم على ذكر الفروع‪.‬‬

‫وأيضا كل ما كان في السماء والرض من الدلئل على وجود الصانع فهو‬

‫حاصل في النسان بزيادة الحياة والقدرة والشهوة والعقل‪ ،‬ولما كانت‬


‫وجوه الدللة فيه أتم كان تقديمه في الذكر أهم‪ .‬والفراش‪ :‬اسم لما يفرش‬

‫كالبساط لما يبسط‪ ،‬وليس من ضرورات الفتراش أن يكون سطحا مستويا‬

‫كالفراش على ما ظن‪ ،‬فسواء كانت كذلك وعلى شكل الكرة فالفتراش غير‬

‫مستنكر ول مدفوع لعظم جرمها وتباعد أطرافها‪ ،‬ولكنه ل يتم الفتراش‬

‫عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي وهو وسط الفلك‪ ،‬لن الثقال‬

‫بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق‪ ،‬والفوق من‬

‫جميع الجوانب ما يلي السماء‪ ،‬والتحت ما يلي المركز‪ ،‬فكما أنه يستبعد‬

‫حركة الرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة‬

‫ذلك‪ ،‬لن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن ل حاجة في سكون‬

‫الرض وقرارها في حيزها إلى علقة من فوقها ول إلى دعامة من تحتها‪،‬‬

‫بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها‪ ،‬وركز فيها من الميل الطبيعي إلى‬

‫الوسط الحقيقي بقدرته واختياره " إن ال يمسك السماوات والرض أن‬

‫تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده "‪ .‬ومما من ال على عباده‬

‫في خلق الرض أن لم تجعل في غاية الصلبة كالحجر ول في غاية اللين‬

‫والنغمار كالماء‪ ،‬ليسهل النوم والمشي عليها‪ ،‬وأمكنت الزراعة واتخاذ‬

‫البنية منها‪ ،‬ويتأتى حفر البار وإجراء النهار‪ .‬ومنها أن لم تخلق في‬

‫نهاية اللطافة والشفيف لتستقر النوار عليها وتتسخن منها فيمكن جوازها‬

‫)‪ .(1‬ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيه‬


‫لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها‪ ،‬وسبب انكشاف ما برز منها ‪ -‬وهو‬

‫قريب من ربعها ‪ -‬أن لم تخلق صحيحة الستدارة‪ ،‬بل خلقت هي والماء‬

‫بمنزلة كرة واحدة‪ ،‬يدل على ذلك في ما بين الخافقين‬

‫)‪ (1‬جوارها )خ(‬

‫]‪[57‬‬

‫تقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها‬

‫للمغربيين‪ ،‬وفي ما بين الشمال والجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظاهر‬

‫وانحطاط الخفي للواغلين في الشمال‪ ،‬وبالعكس للواغلين في الجنوب‪،‬‬

‫وتركب الختلفين لمن يسير على سمت بين السمتين‪ ،‬إلى غير ذلك من‬

‫العراض الخاصة بالستدارة يستوي في ذلك راكب البر و راكب البحر‪،‬‬

‫وهذه الجبال وإن شمخت ل تخرجها عن أصل الستدارة‪ ،‬لنها بمنزلة‬

‫الخشونة القادحة في ملسة الكرة ل في استدارتها‪ .‬ومنها الشياء المتولدة‬

‫فيها من المعادن والنبات والحيوان والثار العلوية والسفلية‪ ،‬ول يعلم‬

‫تفاصيلها إل موجدها‪ ،‬ومنها اختلف بقاعها في الرخاوة والصلبة‬

‫والدماثة والوعورة بحسب اختلف الحاجات والغراض " وفي الرض‬

‫قطع متجاورات " ومنها اختلف ألوانها " ومن الجبال جدد بيض وحمر‬
‫مختلف ألوانها وغرابيب سود "‪ .‬ومنها انصداعها بالنبات " والرض ذات‬

‫الصدع "‪ .‬ومنها جذبها للماء المنزل من السماء " وأنزلنا من السماء ماء‬

‫بقدر فأسكناه في الرض "‪ .‬ومنها العيون والنهار العظام التي فيها "‬

‫والرض مددناها " ومنها أن لها طبع الكرم والسماحة‪ ،‬تأخذ واحدة وترد‬

‫سبعمائة " كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة " ومنها‬

‫حياتها وموتها " وآية لهم الرض الميتة أحييناها " ومنها الدواب‬

‫المختلفة " وبث فيها من كل دابة " ومنها النباتات المتنوعة " وأنبتنا‬

‫فيها من كل زوج بهيج " فاختلف ألوانها دللة‪ ،‬واختلف طعومها دللة‪،‬‬

‫واختلف روائحها دللة‪ ،‬فمنها قوت البشر ومنها قوت البهائم " كلوا‬

‫وارعوا أنعامكم " ومنها الطعام‪ ،‬ومنها الدام‪ ،‬ومنها الدواء ومنها‬

‫الفواكه‪ ،‬ومنها كسوة البشر نباتية كالقطن والكتان‪ ،‬وحيوانية كالشعر‬

‫والصوف والبريسم والجلود‪ ،‬ومنها الحجار المختلفة بعضها للزينة‬

‫وبعضها للبنية‪ ،‬فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته‪،‬‬

‫وانظر إلى الياقوت الحمر مع عزته وانظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير‪،‬‬

‫وقلة النفع بهذا الخطير‪ ،‬ومنها ما أودع ال تعالى فيها من المعادن الشريفة‬

‫كالذهب والفضة‪ .‬ثم تأمل أن البشر استنبطوا الحرف الدقيقة‪ ،‬والصنائع‬

‫الجليلة‪ ،‬واستخرجوا‬
‫]‪[58‬‬

‫السمك من قعر البحر‪ ،‬واستنزلوا الطير من أوج الهواء‪ ،‬وعجزوا عن‬

‫اتخاذ الذهب والفضة‪ ،‬والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية‪،‬‬

‫وهذه الفائدة ل تحصل إل عند العزة‪ ،‬والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه‬

‫الحكمة‪ ،‬فلذلك ضرب ال دونهما بابا مسدودا‪ ،‬ومن ههنا اشتهر في‬

‫اللسنة‪ :‬من طلب المال بالكيمياء أفلس‪ .‬ومنها ما يوجد على الجبال‬

‫والراضي من الشجار الصالحة للبناء والسقف والحطب‪ ،‬وما اشتد إليه‬

‫الحاجة في الخبز والطبخ‪ ،‬ولعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه‪ ،‬فإذا‬

‫تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن‬

‫كان ممن يسمع ويبصر ويعتبر‪ .‬واما منافع السماء‪ :‬فان ال تعالى زينها‬

‫بمصابيح " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " وبالقمر " وجعل القمر‬

‫فيهن نورا " وبالشمس " وجعل الشمس سراجا " وبالعرش " رب‬

‫العرش العظيم " وبالكرسي " وسع كرسيه السماوات والرض " وباللوح‬

‫" في لوح محفوظ " وبالقلم " ن والقلم وما يسطرون "‪ .‬وسماها سقفا‬

‫محفوظا وسبعا طباقا‪ ،‬وسبعا شدادا‪ ،‬وذكر أن خلقها مشتمل على حكم‬

‫بليغة‪ ،‬وغايات صحيحة " ربنا ما خلقت هذا باطل " " وما خلقنا السماء‬

‫والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا " وجعلها مصعد العمال‬

‫ومهبط النوار‪ ،‬وقبلة الدعاء‪ ،‬ومحل الضياء والصفاء‪ ،‬وجعل لونها أنفع‬
‫اللوان وهو المستنير‪ ،‬وشكلها أفضل الشكال وهو المستدير ونجومها‬

‫رجوما للشياطين‪ ،‬وعلمات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر‪ ،‬وقيض‬

‫للشمس طلوعا وسهل معه التقلب لقضاء الوطار في الطراف‪ ،‬وغروبا‬

‫يصلح معه الهدء والقرار في الكناف‪ ،‬لتحصيل الراحة وانبعاث القوة‬

‫الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى العضاء‪ .‬و أيضا لول الطلوع ل نجمدت المياه‪،‬‬

‫وغلبت البرودة والكثافة‪ ،‬وأفضت إلى جمود الحرارة الغريزية وانكسار‬

‫سورتها‪ ،‬ولول الغروب لحميت الرض حتى يحترق كل من عليها من‬

‫حيوان ونبات‪ ،‬فهي بمنزلة السراج يوضع لهل بيت بمقدار حاجتهم‪ ،‬ثم‬

‫يرفع عنهم ليستقروا ويستريحوا‪ ،‬فصار النور والظلمة مع تضادهما‬

‫متظاهرين على ما فيه صلح قطان الرض‪.‬‬

‫]‪[59‬‬

‫وأما ارتفاع الشمس وانحطاطها فقد جعله ال تعالى سببا لقامة الفصول‬

‫الربعة ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منه مواد‬

‫الثمار‪ ،‬ويستكثف الهواء فيكثر السحاب والمطر‪ .‬وتقوى أبدان الحيوانات‬

‫بسبب احتقان الحرارة الغريزية في البواطن‪ ،‬وفي الربيع تتحرك الطبائع‪،‬‬

‫وتظهر المواد المتولدة في الشتاء وينور الشجر‪ ،‬ويهيج الحيوان للسفاد‪.‬‬

‫وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار‪ ،‬و تتحلل فضول البدان‪ ،‬ويجف‬
‫وجه الرض ويتهيأ للعمارة والزراعة‪ .‬وفي الخريف يظهر البرد واليبس‬

‫فتدرك الثمار‪ ،‬وتستعد البدان قليل قليل للشتاء‪ .‬وأما القمر فهو تلو‬

‫الشمس وخليفتها‪ ،‬وبه يعلم عدد السنين والحساب‪ ،‬وتضبط المواقيت‬

‫الشرعية‪ ،‬ومنه يحصل النماء والرواء‪ ،‬وقد جعل ال في طلوعه مصلحة‬

‫وفي غيبته مصلحة‪ .‬يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليل ففقده‪ ،‬فلما طلع‬

‫القمر وجده فنظر إلى القمر وقال‪ :‬إن ال صورك ونورك‪ ،‬وعلى البروج‬

‫دورك‪ ،‬فإذا شاء نورك وإذا شاء كورك‪ ،‬فل أعلم مزيدا أسأله لك‪ ،‬فإن‬

‫أهديت إلي سرورا فقد أهدى ال إليك نورا‪ .‬ثم أنشأ في ذلك أبياتا‪ .‬وقال‬

‫الجاحظ‪ :‬إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه‪،‬‬

‫فالسماء مرفوعة كالسقف‪ ،‬والرض ممدودة كالبساط‪ ،‬والنجوم منضودة‬

‫كالمصابيح والنسان كما لك البيت المتصرف فيه‪ ،‬وضروب النبات مهيأة‬

‫لمنافعه‪ ،‬وصنوف الحيوان متصرفة في مصالحه‪ ،‬فهذه جملة واضحة دالة‬

‫على أن العالم مخلوق بتدبير كامل‪ ،‬وتقدير شامل‪ ،‬وحكمة بالغة‪ ،‬وقدرة‬

‫غير متناهية‪ .‬ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الرض‪ ،‬قال بعضهم‪:‬‬

‫السماء أفضل لنها معبد الملئكة‪ ،‬وما فيها بقعة عصي ال فيها‪ ،‬ولما أتى‬

‫آدم بالمعصية اهبط من الجنة وقال ال‪ :‬ل يسكن في جواري من عصاني !‬

‫وقال تعالى " وجعلنا السماء سقفا محفوظا " وقال " تبارك الذي جعل في‬
‫السماء بروجا " وورد في الكثر ذكر السماء مقدما على ذكر الرض‪.‬‬

‫والسماوات مؤثرة والرضيات متأثرة‪ ،‬والمؤثر أشرف من المتأثر‪.‬‬

‫]‪[60‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬بل الرض أفضل‪ ،‬لنه تعالى وصف بقاعا من الرض‬

‫بالبركة " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " " في البقعه‬

‫المباركة " " إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله " مشارق الرض‬

‫ومغاربها التي باركنا حولها " يعنى أرض الشام‪ ،‬ووصف جملة الرض‬

‫بالبركة " وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام "‪ .‬فإن قيل‪ :‬أي‬

‫بركه في المفاوز المهلكة ؟ قلت‪ :‬إنها مساكن الوحوش ومراعيها ومساكن‬

‫الناس إذا احتاجوا إليها‪ ،‬ومساكن خلق ل يعلمهم إل ال تعالى‪ .‬فلهذه‬

‫البركات قال " وفي الرض آيات للموقنين " تشريفا لهم‪ ،‬لنهم هم‬

‫المنتفعون بها كما قال " هدى للمتقين " وخلق النبياء منها " منها‬

‫خلقناكم " وأودعهم فيها " وفيها نعيدكم " وأكرم نبيه المصطفى فجعل‬

‫الرض كلها له مسجدا وطهورا‪ .‬ومعنى إخراج الثمرات بالماء ‪ -‬وإنما‬

‫خرجت بقدرته ومشيته ‪ -‬أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها‬

‫كالنطفة في خلق الولد‪ ،‬وهو قادر على إنشاء الشياء بل أسباب ومواد‪،‬‬

‫كما أنشأ نفوس السباب والمواد‪ ،‬ولكن له في هذا التدريج والتسبيب حكما‬
‫يتبصر بها من يستبصر‪ ،‬ويتفطن لها من يعتبر‪ " .‬ومن " في " من‬

‫الثمرات " للتبعيض‪ ،‬كما أنه قصد بتنكير " ماء " و " رزقا " معنى‬

‫البعضية‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض‬

‫الثمرات ليكون بعض رزقكم‪ .‬ويجوز أن يكون للبيان‪ ،‬كقولك‪ :‬أنفقت من‬

‫الدراهم ألفا والند‪ :‬المثل المناوي‪ " .‬وأنتم تعلمون " حال من ضمير " فل‬

‫تجعلوا " ومفعول " تعلمون " مطروح‪ ،‬أي حالكم أنكم من أهل العلم‬

‫والنظر وإصابة الرأي‪ ،‬فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد‬

‫للممكنات‪ ،‬منفرد بوجود الذات‪ ،‬متعال عن مشابهة المخلوقات‪ .‬أو منوي‪،‬‬

‫وهو‪ :‬أنها ل تماثله ول تقدر على مثل ما يفعله‪ " .‬وهو الذي مد الرض "‬

‫قال الرازي‪ :‬أي جعل الرض )‪ (1‬بذلك المقدار المعين الحاصل ل أزيد ول‬

‫أنقص‪ ،‬والدليل عليه هو أن كون الرض أزيد مقدارا مما هو الن أو أنقص‬

‫منه أمر جائز‪ ،‬فاختصاصه بذلك المقدار المعين لبد وأن يكون‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مختصة بذلك‪..‬‬

‫]‪[61‬‬

‫بتخصيص مخصص‪ ،‬وبتقدير مقدر‪ .‬وقال أبو بكر الصم‪ :‬المد البسط إلى‬

‫ما يدرك منتهاه‪ ،‬أي جعل حجمها عظيما وإل لما كمل النتفاع بها‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬كانت الرض مدورة فمدها ودحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا‬

‫وكذا‪ .‬وهذا إنما يتم إذا كانت الرض مسطحة ل كرة‪ ،‬وهو خلف ما ثبت‬

‫بالدليل‪ .‬ومد الرض ل ينافي كونها كرة‪ ،‬ولن الكرة إذا كانت في غاية‬

‫الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح )‪ " .(1‬وجعل فيها رواسي " أي‬

‫جبال ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها‪ .‬والستدلل بها على‬

‫وجود الصانع القادر الحكيم من وجوه‪ :‬الول أن طبيعة الرض طبيعة‬

‫واحدة‪ ،‬فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لبد وأن يكون‬

‫بتخليق القادر الحكيم‪ .‬قال )‪ (2‬الفلسفة‪ :‬هذه الجبال إنما تولدت لن البحار‬

‫كانت في هذا الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج‪ .‬ثم يقوى‬

‫تأثير الشمس فيها فينقلب حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع‪ .‬ثم إن الماء كان‬

‫يغور ويقل فيتحجر البقية‪ ،‬فلهذا السبب تولدت هذه الجبال‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما‬

‫كانت البحار حاصلة في هذا الجانب من العالم لن أوج الشمس وحضيضها‬

‫متحركان‪ ،‬ففي الدهر القدم كان حضيض الشمس في جانب الشمال‪،‬‬

‫والشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الرض فكان التسخين‬

‫أقوى‪ ،‬وشدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات‪ ،‬فحين كان الحضيض في‬

‫جانب الشمال كانت البحار في جانب الشمال‪ ،‬والن لما انتقل الوج إلى‬

‫جانب الشمال والحضيض إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب‬

‫الجنوب‪ ،‬فبقيت هذه الجبال في الشمال هذا حاصل كلم القوم في هذا الباب‬
‫وهو ضعيف من وجوه‪ :‬الول‪ :‬أن حصول الطين في البحر أمر عام‪ ،‬فلم‬

‫حصل الجبل في بعض الجوانب دون بعض )‪ (3‬؟‪ .‬الثاني‪ :‬هو أنا نشاهد في‬

‫بعض الجبال كأن تلك الحجار موضوعة سافا )‪(4‬‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،19‬ص ‪) 2‬ملخصا(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قالت‪(3) .‬‬

‫في المصدر‪ :‬البعض‪ (4) .‬الساف والسافة ‪ -‬بالفاء‪ :‬الصف من الطين‬

‫واللبن‪.‬‬

‫]‪[62‬‬

‫فسافا‪ ،‬كأن البناء بناه من لبنات كثيرة موضوع بعضها على بعض‪ ،‬ويبعد‬

‫حصول مثل هذا التركيب من السبب الذي ذكروه‪ .‬الثالث‪ :‬أن أوج الشمس‬

‫الن قريب من أول السرطان‪ ،‬فعلى هذا من الوقت الذي انتقل أوج الشمس‬

‫إلى الجانب الشمالي مضى قريبا من تسعة آلف سنة‪ ،‬وبهذا التقدير إن‬

‫الجبال كانت في هذه المدة الطويلة في التفتت‪ ،‬فوجب أن ل يبقى من‬

‫الحجار شئ‪ ،‬لكن ليس المر كذلك‪ ،‬فعلمنا أن السبب الذي ذكروه ضعيف‪.‬‬

‫والوجه الثاني من الستدلل بأحوال الجبال على وجود الصانع ذي الجلل‬

‫ما يحصل فيها من معادن الفلزات السبعة‪ ،‬ومواضع الجواهر النفيسة‪ ،‬وقد‬

‫يحصل منها معادن الزاجات والملح‪ ،‬وقد تحصل معادن النفط والقير‬
‫والكبريت‪ ،‬فكون الرض واحدة في الطبيعة وكون الجبل واحدا في الطبيعة‬

‫)‪ (1‬وكون تأثير الشمس واحدا في الكل يدل دللة ظاهرة على أن الكل‬

‫بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات والمحدثات‪ .‬والوجه الثالث‬

‫أن بسببها تتولد النهار على وجه الرض‪ ،‬وذلك لن الحجر جسم صلب‪،‬‬

‫فإذا تصاعدت البخرة من قعر الرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك ول‬

‫يزال يتكامل المر )‪ (2‬فيحصل تحت الجبال مياه كثيرة‪ ،‬ثم إنها لكثرتها‬

‫وقوتها تنقب )‪ (3‬وتخرج وتسيل على وجه الرض‪ ،‬فمنفعة الجبال في تولد‬

‫النهار هو من هذا الوجه‪ ،‬ولهذا السبب في أكثر المر أينما ذكر ال تعالى‬

‫الجبال قرن بها ذكر النهار مثل هذه الية ومثل قوله " وجعلنا فيها‬

‫رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا "‪ .‬ثم استدل سبحانه بعجائب خلقة‬

‫النبات بقوله " ومن كل الثمرات ‪ -‬الخ ‪ -‬فإن الحبة إذا وقعت )‪ (4‬في‬

‫الرض وأثرت فيها نداوة الرض ربت وكبرت‪ ،‬وبسبب‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الطبع‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فل تزال تتكامل فيحصل‪(3) ..‬‬

‫فيه‪ :‬تثقب‪ (4) .‬فيه‪ :‬وضعت‪.‬‬

‫]‪[63‬‬
‫ذلك ينشق أعلها وأسفلها‪ ،‬فيخرج من الشق العلى الشجرة الصاعدة‪،‬‬

‫ومن الشق السفل العروق الغائصة في أسفل الرض‪ .‬وهذا من العجائب )‬

‫‪ (1‬ان طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والفلك والكواكب فيها‬

‫واحد‪ ،‬ثم إنه خرج من الجانب العلى من تلك الحبة جرم صاعد إلى‬

‫الهواء‪ ،‬ومن الجانب السفل منه جرم غائص في الرض‪ ،‬ومن المحال أن‬

‫يتولد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضادتان‪ ،‬فعلمنا أن ذلك كان بسبب‬

‫تدبير المدبر الحكيم والمقدر القديم ل بسبب الطبع والخاصية‪ .‬ثم إن‬

‫الشجرة النابتة في تلك الحبة بعضها يكون خشبة‪ ،‬وبعضها نورا‪ ،‬وبعضها‬

‫ثمرة‪ .‬ثم إن تلك الثمرة أيضا تحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع‪ ،‬فالجوز له‬

‫أربعة أنواع من القشور‪ :‬القشر العلى‪ ،‬وتحته القشرة الخشبية‪ ،‬وتحته‬

‫القشرة المحيطة باللب‪ ،‬وتحت تلك القشرة قشرة اخرى في غاية الرقة‬

‫تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا‪ .‬وأيضا فقد تحصل في الثمرة‬

‫الواحدة الطبائع المختلفة‪ ،‬فالترج قشره حار يابس‪ ،‬ولحمه حار رطب‪،‬‬

‫وحماضه بارد يابس‪ ،‬وبذره حار يابس‪ ،‬وكذلك العنب قشره وعجمه باردان‬

‫يابسان‪ ،‬ولحمه وماؤه حار رطب )‪ ،(2‬فتولد هذه الطبائع المختلفة من‬

‫الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع وتأثيرات النجم والفلك لبد‬

‫وأن يكون لجل الحكيم القديم )‪ .(3‬والمراد بزوجين اثنين صنفين اثنين‪،‬‬

‫والختلف إما من حيث الطعم كالحلو و الحامض‪ ،‬أو الطبيعة كالحار‬


‫والبارد‪ ،‬أو اللون كالبيض والسود‪ .‬وفائدة قوله " اثنين " بيان أن كل‬

‫نوع حصل من فردين كالنسان من آدم وحواء‪ ،‬وهكذا‪ .‬إن في ذلك ليات‬

‫لقوم يتفكرون " إنما قال ذلك لن الفلسفة يسندون الحوادث إلى اختلفات‬

‫الشكال الكوكبية‪ ،‬فما لم تقم الدللة على دفع هذا السؤال ليتم المقصود‪،‬‬

‫ودفعه بوجهين‪ :‬الول أنه إن سلمنا جوار ذلك فلبد من استناد‬

‫)‪ (1‬فيه‪ :‬لن‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬حاران رطبان‪ (3) .‬فيه‪ :‬لجل تدبير الحكيم‬

‫القادر القديم‪.‬‬

‫]‪[64‬‬

‫الفلك وأوضاعها إلى واجب الوجود بالذات القادر الحكيم‪ ،‬والثاني ما يذكر‬

‫في اليات التية حيث قال " وفي الرض قطع متجاورات ‪ -‬الية ‪" -‬‬

‫وتقريره من وجهين‪ :‬الول أنه حصل في الرض قطع مختلفة بالطبيعة‬

‫وهي مع ذلك متجاورة‪ ،‬فبعضها تكون سبخة وبعضها حرة‪ ،‬وبعضها صلبة‬

‫وبعضها حجرية أو رملية وبعضها طينا لزجا ثم إنها متجاورة وتأثير‬

‫الشمس وسائر الكواكب في تلك القطع على السوية‪ ،‬ودل هذا على اختلفها‬

‫في صفاتها بتقدير المقدر العليم‪ .‬والثاني أن القطعة الواحدة من الرض‬

‫تسقى بماء واحد يكون تأثير الشمس فيها متشابها )‪ ،(1‬ثم إن تلك الثمار‬
‫تجيئ مختلفة في الطعم واللون والطبيعة والخاصية حتى أنك قد تأخذ‬

‫عنقودا من العنب وتكون جميع حباته حلوة نضيجة إل الحبة الواحدة فإنها‬

‫بقيت حامضة يابسة‪ ،‬ونحن نعلم بالضرورة أن نسبة الطبائع والفلك إلى‬

‫الكل على السوية بل نقول ههنا ما يعد أعجب منه‪ ،‬وهو أنه يوجد في بعض‬

‫أنواع الورد ما يكون أحد وجهيه في غاية الحمرة والوجه الثاني في غاية‬

‫السواد‪ ،‬مع أن ذلك الورد في غاية الرقة والنعومة‪ ،‬فيستحيل أن يقال‪:‬‬

‫وصل تأثير الشمس إلى أحد طرفيه دون الثاني‪ ،‬وهذا يدل دللة قطعية على‬

‫أن الكل بتقدير الفاعل المختار‪ ،‬ل بسبب التصالت الفلكية‪ ،‬وهو المراد من‬

‫قوله تعالى " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل "‬

‫فبهذا تمت الحجة‪ ،‬فإن هذه الحوادث السفلية لبد لها من مؤثر وبينا أن‬

‫ذلك المؤثر ليس هو الكواكب والفلك والطبائع‪ ،‬فعند هذا يجب القطع بأنه‬

‫لبد من فاعل مختار آخر سوى هذه الشياء‪ ،‬فعند هذا يتم الدليل ول يبقى‬

‫بعده للتفكر مقام‪ ،‬فلهذا قال ههنا " إن في ذلك لقوم يعقلون " لن ل دافع‬

‫لهذه الحجة إل أن يقال إنها حدثت ل لمؤثر ول يقوله عاقل‪ .‬والجنة‪:‬‬

‫البستان الذي يحصل فيه النخل والكرم والزرع‪ ،‬والصنوان‪ :‬جمع صنو‪،‬‬

‫مثل قنوان وقنو‪ ،‬والصنو أن يكون الصل واحدا وتنبت منه النخلتان‬

‫والثلثة وأكثر‪ ،‬فكل واحد صنو‪ ،‬وعن ابن العرابي‪ :‬الصنو‪ :‬المثل‪ ،‬أي‬

‫متشابهة وغير متشابهة وعن الزجاج‪ :‬الكل‪ :‬الثمر الذي‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬متساويا‪.‬‬

‫]‪[65‬‬

‫يؤكل‪ ،‬وعن غيره‪ :‬الكل‪ :‬المهيا للكل )‪ .(1‬و " ال الذي خلق السماوات‬

‫والرض " مبتدأ وخبر‪ " .‬وسخر لكم الفلك " امتن على عباده بتسخير‬

‫الفلك‪ ،‬لن انتفاع العباد يتوقف )‪ (2‬عليها‪ ،‬لنه تعالى خص كل طرف من‬

‫أطراف الرض بنوع آخر من النعمة‪ ،‬حتى أن نعمة هذا الطرف إذا نقلت‬

‫إلى الجانب الخر من الرض أو بالعكس كثر الربح في التجارات‪ ،‬ول يمكن‬

‫هذا إل بسفن البر وهي الجمال‪ ،‬أو بسفن البحر وهي الفلك‪ .‬ونسبة‬

‫التسخير إلى نفسه لنه سبحانه خلق الشجار الصلبة التي منها يمكن‬

‫تركيب السفن‪ ،‬ولول خلقه الحديد وسائر اللت‪ ،‬ولول تعريفه العباد كيف‬

‫يتخذونه‪ ،‬ولول أنه تعالى خلق الماء على صفة السلسة )‪ (3‬التي‬

‫باعتبارها يصح جري السفينة‪ ،‬ولول خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات‬

‫القوية فيها‪ ،‬ولول أنه وسع النهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري‬

‫السفن فيها لما وقع النتفاع بالسفن‪ ،‬فصار لجل أنه تعالى هو الخالق لهذه‬

‫الحوال وهو المدبر لهذه المور والمسخر لها حسنت إضافته إليه‪ .‬وأضاف‬

‫التسخير إلى أمره لن الملك العظيم قل ما يوصف أنه فعل‪ ،‬وإنما يقال فيه‪:‬‬
‫إنه أمر بكذا‪ ،‬تعظيما لشأنه‪ " .‬وسخر لكم النهار " لما كان ماء البحر قل‬

‫ما ينتفع في الزراعات لعمقه و ملوحته ذكر تعالى إنعامه على الخلق‬

‫بتفجير النهار والعيون‪ ،‬حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع‬

‫والنباتات‪ ،‬وأيضا ماء البحر ل يصلح للشرب‪ " .‬وآتيكم من كل ما سألتموه‬

‫" قيل‪ :‬أي بلسان حالكم بحسب استعداداتكم وقابلياتكم " وإن تعدوا نعمة‬

‫ال ل تحصوها " قال الرازي‪ :‬اعلم أن النسان إذا أراد أن يعرف أن‬

‫الوقوف على أقسام نعم ال ممتنع فعليه أن يتأمل في شئ واحد ليعرف‬

‫عجز نفسه‪ .‬ونحن نذكر منه مثالين‪ :‬المثال الول‪ :‬أن الطباء ذكروا أن‬

‫العصاب قسمان‪ :‬منها دماغية‪ ،‬ومنها‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،19‬ص ‪) 8 - 3‬ملخصا ونقل بالمعنى(‪ (2) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬انما يكمل بوجود الفلك‪ (3) ..‬في المصدر السيلن‪.‬‬

‫]‪[66‬‬

‫نخاعية‪ ،‬أما الدماغية فإنها سبعة‪ ،‬ثم أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم‬

‫الناشئة من كل واحد من تلك الرواح السبعة‪ ،‬ثم مما ل شك فيه أن كل‬

‫واحد من تلك الرواح السبعة تنقسم إلى شعب كثيرة‪ ،‬وكل واحد من تلك‬

‫الشعب أيضا إلى شعب دقيقة أدق من الشعر‪ ،‬ولكل واحد منها ممر إلى‬
‫العضاء‪ ،‬ولو أن شعبة واحدة اختلت إما بسبب الكمية والكيفية أو بسبب‬

‫الوضع لختلت مصالح البنية‪ .‬ثم إن تلك الشعب الدقيقة تكون كثيرة العدد‬

‫جدا‪ ،‬ولكل واحد منها حكمة مخصوصة‪ ،‬فإذا نظر النسان في هذا المعنى‬

‫عرف أن ل بحسب كل شظية من تلك الشظايا العصبية على العبد نعمة‬

‫عظيمة لو فاتت لعظم الضرر عليه‪ ،‬وعرف قطعا أنه ل سبيل له إلى‬

‫الوقوف عليها و الطلع على أحوالها‪ ،‬وعند هذا يقطع بصحة قوله تعالى‬

‫" وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية‬

‫فاعتبر مثله في الشرايين والوردة في كل واحد من العضاء البسيطة‬

‫والمركبة بحسب الكمية والكيفية والوضع والفعل والنفعال‪ ،‬وأقسام هذا‬

‫الباب بحر ل يساحل‪ .‬وإذا اعتبرت هذا في بدن النسان الواحد فاعرف‬

‫أقسام نعم ال تعالى في نفسه وفي روحه‪ ،‬فإن عجائب عالم الرواح أكثر‬

‫من عجائب عالم الجساد‪ .‬ثم لما اعتبرت حال الحيوان الواحد فعند ذلك‬

‫اعتبر أحوال عالم الفلك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر‬

‫والنبات والحيوان وعند هذا تعرف أن عقول جميع الخلئق لو ركبت‬

‫وجعلت عقل واحدا‪ ،‬ثم بذلك العقل يتأمل النسان في عجائب حكمة ال‬

‫تعالى في أقل الشياء لما أدرك منها إل القليل ! فسبحانه وتقدس عن أوهام‬

‫المتوهمين‪ .‬المثال الثاني‪ :‬أنه إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في الفم‬

‫فانظر إلى ما قبلها وما بعدها‪ ،‬أما المور التي قبلها أن )‪ (1‬تلك اللقمة من‬
‫الخبز ل تتم ول تكمل إل إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه‬

‫الصوب‪ ،‬لن الحنطة ل بد منها‪ ،‬وإنها ل تنبت إل بمعونة الفصول الربعة‬

‫وتركيب الطبائع وظهور الرياح والمطار‪ ،‬ول يحصل شئ منها إل بعد‬

‫دوران الفلك واتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فاعرف أن‪...‬‬

‫]‪[67‬‬

‫في الحركات‪ ،‬وفي كيفيتها في الجهة‪ ،‬وفي السرعة والبطء‪ ،‬ثم بعد تكون‬

‫الحنطة ل بد من آلت الطحن والخبز‪ ،‬وهي ل تحصل إل عند تولد الحديد‬

‫في أرحام الجبال‪ .‬ثم إن اللت الحديدية ل يمكن إصلحها إل بآلت اخرى‬

‫حديدية سابقة عليها ول بد من انتهائها إلى آلة حديدية هي أول هذه‬

‫اللت‪ ،‬فتأمل أنها كيف تكونت على الشكال المخصوصة‪ ،‬ثم إذا حصلت‬

‫تلك اللت فانظر أنه ل بد من اجتماع العناصر الربعة ‪ -‬وهي الرض‬

‫والماء والهواء والنار ‪ -‬حتى يمكن طبخ الخبز من ذلك الدقيق‪ .‬فهذا هو‬

‫النظر في ما تقدم على هذه اللقمة ! أما النظر في ما بعد حدوثها فتأمل في‬

‫تركيب بدن الحيوان‪ ،‬وهو أنه تعالى كيف خلق هذه البدان حتى يمكنها‬

‫النتفاع بتلك اللقمة‪ ،‬وأنه كيف يتضرر الحيوان في الكل )‪ (1‬وفي أي‬
‫العضاء تحدث تلك المضار‪ ،‬ول يمكنك أن تعرف القليل من هذه الشياء إل‬

‫بمعرفة علم التشريح وعلم الطب بالكلية‪ .‬فظهر بما ذكرنا أن النتفاع‬

‫باللقمة الواحدة ل يمكن معرفته إل بمعرفة جملة هذه المور‪ ،‬والعقول‬

‫قاصرة عن إدراك ذرة من هذه المباحث‪ ،‬فظهر بالبراهين )‪ (2‬الباهرة‬

‫صحة قوله تعالى " وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " )‪) (3‬انتهى كلمه(‪.‬‬

‫وأقول‪ :‬يمكن سلوك طريق آخر في ذلك أدق وأوسع مما ذكره‪ ،‬بأن يقال‪:‬‬

‫بعد أن عرفت النعم التي على إنسان واحد كزيد مثل من السماوات‬

‫والكواكب والعرش والكرسي وجميع الرضيات فإن لها جميعا مدخل في‬

‫وجوده وبقائه و نموه فنقول‪ :‬جميع هذه النعم متعلقة بعمرو أيضا‬

‫لمدخليتها في وجوده وبقائه أيضا‪ ،‬وكل هذه أيضا نعمة لزيد لتوقف وجود‬

‫زيد وبقائه على وجود عمرو لكون النسان مدنيا بالنوع‪ ،‬وكذا بالنسبة إلى‬

‫بكر وخالد‪ ،‬وكذا كل نعمة ل على كل حيوان من الحيونات التي لها مدخل‬

‫في نظام أحوال النسان فهي نعمة على زيد مرة‬

‫)‪ (1‬فيه‪ :‬بالكل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬بهذا البرهان القاهر‪ (3) .‬مفاتيح الغيب‪:‬‬

‫ج ‪ ،19‬ص ‪.130 - 129‬‬

‫]‪[68‬‬
‫بذاته‪ ،‬ومرة باعتبار كونها نعمة على كل واحد واحد من أفراد البشر‪،‬‬

‫لمدخلية وجودهم في وجوده ونظام أحواله‪ ،‬فيضرب عدد تلك النعم في عدد‬

‫الشخاص والحيوانات مرات ل تتناهى‪ .‬ثم لما كان وجود زيد موقوفا على‬

‫وجود أبويه فكل نعمة على كل من أبويه وعلى كل من كان في عصر أبويه‬

‫نعمة عليه‪ ،‬وكذا كل نعمة على والدي بكر وخالد نعمة عليه لتوقف وجوده‬

‫وبقائه ونظام أحواله على وجود بكر‪ ،‬ووجوده متوقف على وجود والديه‬

‫ووجودهما وبقاؤهما وسائر امورهما متوقفة على جميع النعم على أهل‬

‫عصرهما‪ ،‬فمن هذه الجهة أيضا جميعها نعمة عليه‪ ،‬فيضرب جميع هذه‬

‫العداد الغير المتناهية في جميع تلك العداد الغير المتناهية مرات غير‬

‫متناهية ! ثم ننقل الكلم في كل عصر من العصار وآباء كل منهم إلى أن‬

‫ينتهي إلى آدم وحواء عليهما السلم ويضرب كل من تلك المراتب في ما‬

‫حصل من المراتب السابقة‪ ،‬وهذا حساب ل يحيط به علم البشر‪ ،‬ولو اجتمع‬

‫جميع المحاسبين من الثقلين وأرادوا استيفاء حساب مرتبة من هذا‬

‫المراتب ل يقدرون عليه‪ ،‬مع أن كل قطرة من قطرات البحار وكل ذرة من‬

‫ذرات الجو والرض نعمة على كل شخص من الشخاص‪ .‬فسبحان من ل‬

‫يقدر على إحصاء شعبة واحدة من شعب نعمه الغير المتناهية إل هو ! وله‬

‫الحمد بعدد كل نعمة له علينا وعلى كل خلق من مخلوقاته‪ " .‬إن النسان‬

‫لظلوم " يظلم النعمة بإغفال شكرها‪ ،‬أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان‬
‫" كفار " شديد الكفران‪ ،‬وقيل‪ :‬ظلوم في الشدة يشكو ويجزع‪ ،‬كفار في‬

‫النعمة يجمع ويمنع‪ " .‬من كل شئ موزون " قيل‪ :‬أي بميزان الحكمة‪،‬‬

‫ومقدر بقدر الحاجة وذلك أن الوزن سبب معرفة المقدار فاطلق اسم السبب‬

‫على المسبب‪ .‬وقيل‪ :‬أي له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫أراد أن مقاديرها من العناصر معلومة وكذا مقدار تأثير الشمس والكواكب‬

‫فيها‪ .‬وقيل‪ :‬أي متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن‬

‫واللطافة‪ ،‬يقال كلم موزون أي متناسب‪ ،‬وفلن موزون الحركات‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫أراد ما يوزن من نحو الذهب والفضة والنحاس وغيرها من الموزونات‬

‫كأكثر الفواكه والنبات‪.‬‬

‫]‪[69‬‬

‫" وجعلنا لكم فيها " أي في الرض‪ ،‬أو في الجبال‪ ،‬أو في تلك الموزونات‬

‫" معايش " ما يتوصل به إلى المعيشة " ومن لستم له برازقين " عطف‬

‫على محل " لكم " أو على " معايش " أي وجعلنا لكم من لستم له‬

‫برازقين‪ ،‬وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو‬

‫ال وحده ل الباء والسادات والمخاديم‪ ،‬ويدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي‬

‫العقول من النعام والدواب والوحوش والطير‪ ،‬كقوله " و ما من دابة إل‬

‫على ال رزقها "‪ " .‬ينبت لكم به الزرع " الذي هو الغذاء الصلي "‬
‫والزيتون " الذي هو فاكهة من وجه وغذاء من وجه لكثرة ما فيه من‬

‫الدهن " والنخيل والعناب " اللتين هما أشرف الفواكه‪ ،‬ثم أشار إلى سائر‬

‫الثمرات بقوله " ومن كل الثمرات " قال الزمخشري‪ :‬إنما لم يقل‪ :‬وكل‬

‫الثمرات‪ ،‬لن كلها ل تكون إل في الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬قدم الغذاء الحيواني في‬

‫قوله سبحانه " والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " على‬

‫الغذاء النباتي لن النعمة فيه أعظم لنه أسرع تشبها ببدن النسان‪ ،‬وفي‬

‫ذكر الغذاء النباتي قدم غذاء الحيوان ‪ -‬وهو الشجر ‪ -‬على غذاء النسان ‪-‬‬

‫وهو الزرع وغيره ‪ -‬بناء على مكارم الخلق‪ ،‬وهو أن يكون اهتمام‬

‫النسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه‪ " .‬وما ذرأ لكم في‬

‫الرض " أي خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك " مختلفا ألوانه‬

‫" فإن ذرء هذه الشياء على حالة اختلف اللوان والشكال مع تساوي‬

‫الكل في الطبيعة الجسمية وفي تأثير الفلكيات فيها آية على وجود الصانع‬

‫تعالى شأنه‪ " .‬رواسي " أي جبال ثوابت " أن تميد بكم " أي كراهة أن‬

‫تميد بكم وتضطرب " وأنهارا " أي وجعل فيها أنهارا‪ ،‬لن " ألقى " فيه‬

‫معناه " وسبل لعلكم تهتدون " لمقاصدكم أو إلى معرفة ال " وعلمات "‬

‫أي معالم تستدل بها السابلة من جبل ومنهل وريح ونحو ذلك " وبالنجم هم‬

‫يهتدون " بالليل في البراري والبحار " إن ال لغفور " حيث يتجاوز عن‬

‫تقصيركم في أداء شكرها " رحيم " ل يقطعها لتفريطكم فيه ول يعاجلكم‬
‫]‪[70‬‬

‫بالعقوبة على كفرانها‪ " .‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها " قيل‪ :‬ما على‬

‫الرض‪ ،‬المواليد الثلثة‪ :‬المعادن والنباتات والحيونات‪ ،‬وأشرفها النسان‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬ل يدخل المكلف فيه‪ ،‬لن ما على الرض ليس زينة لها على‬

‫الحقيقة‪ ،‬وإنما هو لهلها لغرض البتلء‪ ،‬فالذي له الزينة يكون خارجا عن‬

‫الزينة " لنبلوهم أيهم أحسن عمل " في تعاطيه‪ ،‬وهو من زهد فيه ولم‬

‫يغتر به وقنع منه بالكفاف‪ " .‬له ما في السماوات " قال الرازي‪ :‬مالك لما‬

‫في السماوات من ملك ونجم وغيرهما ومالك لما في الرض من المعادن‬

‫والفلزات‪ ،‬ومالك لما بينهما من الهواء‪ ،‬ومالك لما تحت الثرى‪ .‬فإن قيل‪:‬‬

‫الثرى هو السطح الخير من العالم فل يكون تحته شئ فكيف يكون ال‬

‫تعالى مالكا له ؟ قلنا‪ :‬الثرى في اللغة هو التراب الندي‪ ،‬فيحتمل أن تكون‬

‫تحته شئ‪ ،‬فهو إما الثور أو الحوت أو الصخرة أو البحر أو الهواء على‬

‫اختلف الروايات )‪) (1‬انتهى(‪ .‬وقال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬الثرى التراب‬

‫الندي‪ ،‬يعني‪ :‬وما وارى الثرى من كل شئ‪ ،‬وقيل‪ :‬يعنى ما في ضمن‬

‫الرض من الكنوز والموات )‪ " .(2‬الذي جعل لكم الرض مهدا " أي‬

‫كالمهد تتمهدونها " وسلك لكم فيها سبل " أي وحصل لكم فيها سبل بين‬

‫الجبال والودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها‪" .‬‬
‫وأنزل من السماء ماء " أي مطرا " فأخرجنا به " قيل‪ :‬عدل من لفظ‬

‫الغيبة إلى التكلم على الحكاية لكلم ال تعالى‪ ،‬تنبيها على ظهور ما فيه من‬

‫الدللة على كمال القدرة والحكمة‪ ،‬وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الشياء المختلفة‬

‫بمشيته‪ " .‬أزواجا " أي أصنافا " من نبات " بيان وصفة ‍ل " أزواجا "‬

‫وكذلك " شتى " ويحتمل أن يكون صفة للنبات‪ ،‬فإنه من حيث إنه مصدر‬

‫في الصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع " شتيت " كمريض‬

‫ومرضى‪ ،‬أي متفرقات في الصور والعراض والمنافع‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،22‬ص ‪ (2) .8‬مجمع البيان ج ‪ ،7‬ص ‪.2‬‬

‫]‪[71‬‬

‫يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم‪ ،‬فلذلك قال " كلوا وارعوا أنعامكم "‬

‫وهو حال من ضمير " فأخرجنا " على إرادة القول‪ ،‬أي أخرجنا أصناف‬

‫النبات قائلين‪ :‬كلوا وارعوا ]أنعامكم[ والمعنى‪ :‬معديها لنتفاعكم بالكل‬

‫والعلف آذنين فيه " لولي النهى " أي لذوي العقول الناهية عن اتباع‬

‫الباطل وارتكاب القبائح‪ ،‬جمع نهية‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم‪ :‬نحن اولوا‬

‫النهى‪ .‬وعن الباقر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬

‫خياركم اولوا النهى‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال ! ومن اولوا النهى ؟ قال‪ :‬هم اولوا‬
‫الخلق الحسنة والحلم الرزينة‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬والبررة بالمهات‬

‫والباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى‪ ،‬ويطعمون الطعام‪،‬‬

‫ويفشون السلم في العالم‪ ،‬ويصلون والناس نيام غافلون‪ " .‬منها خلقناكم‬

‫" فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم‪ ،‬وأول مواد أبدانكم وسيأتي وجه آخر‬

‫في الخبر إن شاء ال‪ " .‬وفيها نعيدكم " بالموت وتفكيك الجزاء " ومنها‬

‫نخرجكم تارة اخرى " بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على‬

‫الصور السابقة ورد الرواح فيها‪ " .‬وجعلنا فيها " أي في الرض‪ ،‬أو في‬

‫الرواسي " فجاجا سبل " مسالك واسعة‪ ،‬و إنما قدم " فجاجا " وهو‬

‫وصف له ليصير حال يدل على أنه حين خلقها كذلك‪ ،‬أو ليبدل منها " سبل‬

‫" فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة‪ ،‬مع ما يكون فيه من التأكيد‬

‫" لعلهم يهتدون " إلى مصالحهم‪ " .‬أولم يروا إلى الرض " أي أولم‬

‫ينظروا في عجائبها ؟ " من كل زوج كريم " أي محمود كثير المنفعة‪،‬‬

‫وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى‪ .‬قيل‪ :‬وههنا يحتمل أن تكون مقيدة لما‬

‫يتضمن الدللة على القدرة‪ ،‬وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إل‬

‫وله فائدة إما وحده أو مع غيره‪ .‬و " كل " لحاطة الزواج‪ ،‬و " كم "‬

‫لكثرتها‪ " .‬إن في ذلك " أي في إثبات )‪ (1‬تلك الصناف‪ ،‬أو في كل واحد‬

‫" لية " على أن منبتها تام القدرة والحكمة‪ ،‬سابغ النعمة والرحمة‪.‬‬
‫)‪ (1‬انبات )ظ(‪.‬‬

‫]‪[72‬‬

‫" أتتركون " إنكار لن يتركوا كذلك‪ ،‬أو تذكير بالنعمة في تخلية ال إياهم‬

‫و أسباب تنعمهم آمنين‪ ،‬ثم فسر بقوله " في جنات وعيون وزروع ونخل‬

‫طلعها هضيم " أي لطيف لين‪ ،‬للطف التمر‪ ،‬أو لن النخل انثى وطلع إناث‬

‫النخل ألطف وهو يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو‪ ،‬أو‬

‫متدل منكسر من كثرة الحمل " فارهين " أي حاذقين‪ ،‬أو بطرين‪ " .‬حدائق‬

‫ذات بهجة " أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه ولم يقل‪ :‬ذوات بهجة‪،‬‬

‫لنه أراد تأنيث الجماعة‪ ،‬ولو أراد تأنيث العيان لقال‪ :‬ذوات‪ " ...‬قوم‬

‫يعدلون " أي يشركون بال غيره " قرارا " أي مستقرا ل تميل ول تميد‬

‫بأهلها " وجعل خللها " أي في وسط الرض وفي مسالكها ونواحيها "‬

‫أنهارا " جارية ينبت بها الزرع ويحيى به الخلق " وجعل لها رواسي "‬

‫أي ثوابت اثبتت بها الرض " وجعل بين البحرين حاجزا " أي مانعا من‬

‫قدرته بين العذب والمالح‪ ،‬فل يختلط أحدهما بالخر " مختلفة ألوانها "‬

‫قيل‪ :‬أي أجناسها‪ ،‬أو أوصافها على أن كل منها لها أصناف مختلفة أو‬

‫هيآتها من الصفرة والخضرة ونحوهما‪ " .‬من الجبال جدد " أي ذو جدد‬

‫وخطوط وطرائق‪ ،‬يقال‪ :‬جدة الحمار‪ ،‬للخطة السوداء على ظهره " مختلف‬
‫ألوانها " بالشدة والضعف " وغرابيب سود " عطف على " بيض " أو‬

‫على " جدد " كأنه قيل‪ :‬ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون‪ ،‬ومنها غرابيب‬

‫متحدة اللون‪ ،‬وهو تأكيد مضمر يفسره‪ ،‬فإن الغربيب تأكيد للسود وحق‬

‫التأكيد أن يتبع المؤكد‪ " .‬مختلف ألوانه كذلك " أي كاختلف الثمار‬

‫والجبال‪ " .‬إنما يخشى ال من عباده العلماء " إذ شرط الخشية معرفة‬

‫المخشي والعلم بصفاته وأفعاله‪ ،‬فمن كان أعلم به كان أخشى منه " إن ال‬

‫عزيز غفور " تعليل لوجوب الخشية لدللته على أنه معاقب للمصر على‬

‫طغيانه غفور للتائب عن عصيانه‪ " .‬وأخرجنا منها حبا " المراد جنس‬

‫الحب " فمنه يأكلون " قيل‪ :‬قدم الصلة للدللة على أن الحب معظم ما‬

‫يؤكل ويعاش به " من نخيل وأعناب " أي من أنواع النخل والعنب " من‬

‫العيون " أي شيئا من العيون‪ ،‬و " من " مزيدة عند الخفش " من ثمره‬

‫" أي من ثمر ما ذكر وهو الجنات‪ ،‬وقيل‪ :‬الضمير ل عليه طريقة اللتفات‪،‬‬

‫و‬

‫]‪[73‬‬

‫الضافة إليه لن الثمر مخلوقه " وما عملته أيديهم " عطف على الثمر‪،‬‬

‫والمراد ما يتخذ منه العصير والدبس ونحوهما‪ ،‬وقيل‪ " :‬ما " نافية‪،‬‬

‫والمراد أن الثمر بخلق ال ل بفعلهم " أفل يشكرون " أمر بالشكر من‬
‫حيث إنه إنكار لتركه‪ " .‬خلق الزواج كلها " أي النواع والصناف " مما‬

‫تنبت الرض " من النبات والشجر " ومن أنفسهم " الذكر والنثى " ومما‬

‫ل يعلمون " أي وأزواجا مما لم يطلعهم ال عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى‬

‫معرفته‪ " .‬ترى الرض خاشعة " أي يابسة متطأمنة‪ ،‬مستعار من الخشوع‬

‫بمعنى التذلل " اهتزت " أي تحركت بالنبات " وربت " أي انتفخت‬

‫وارتفعت قبل أن تنبت‪ ،‬وقيل اهتزت بالنبات وربت بكثرة ريعها‪ " .‬وما بث‬

‫" عطف على السماوات أو الخلق " من دابة " قيل‪ :‬أي من حي على‬

‫إطلق اسم السبب على المسبب‪ ،‬أو مما يدب على الرض وما يكون في‬

‫أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة " إذا يشاء " أي في أي وقت‬

‫يشاء " قدير " متمكن منه‪ " .‬وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض‬

‫جميعا " بأن خلقها نافعة لكم " منه " حال من " ما " أي سخر هذه‬

‫الشياء كائنة منه‪ ،‬أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه‪ ،‬أو لما في‬

‫السماوات و " سخر لكم " تكرير للتأكيد‪ ،‬أو لما في الرض‪ " .‬من كل‬

‫زوج بهيج " أي من كل صنف حسن " لكل عبد منيب " أي راجع إلى ربه‬

‫متفكر في بدائع صنعه‪ " .‬والرض فرشناها " أي مهدناها ليستقروا عليها‬

‫" فنعم الماهدون " أي نحن " ومن كل خلقنا زوجين " أي نوعين " لعلكم‬

‫تذكرون " فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات ل‬

‫يقبل النقسام والتعدد‪ .‬وروي عن الرضا عليه السلم في خطبة طويلة قد‬
‫تقدم في كتاب التوحيد مشروحا‪ :‬وبمضادته بين الشياء عرف أن ل ضد‬

‫له‪ ،‬وبمقارنته بين الشياء عرف أن ل قرين له‪ ،‬ضاد النور بالظلمة‬

‫واليبس بالبلل‪ ،‬والخشن باللين‪ ،‬والصرد بالحرور‪ ،‬مؤلفا بين متعادياتها‪،‬‬

‫مفرقا بين متدانياتها‪ ،‬دالة بتفريقها على مفرقها‪ ،‬وبتأليفها على مؤلفها‪،‬‬

‫وذلك قوله " ومن كل‬

‫]‪[74‬‬

‫شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون "‪ " .‬والرض وضعها " أي حفظها‬

‫مدحوة " للنام " للخلق‪ ،‬وقيل‪ :‬النام كل ذي روح " فيها فاكهة " أي‬

‫ضروب مما يتفكه به " والنخل ذات الكمام " هي أوعية التمر جمع " كم‬

‫" أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفرى )‪ (1‬فإنه ينتفع به‬

‫كالمكموم وكالجذع‪ " .‬والحب " كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به "‬

‫ذوالعصف " هو ورق النبات اليابس كالتين " والريحان " يعني المشموم‪،‬‬

‫أو الرزق من قولهم‪ :‬خرجت أطلب ريحان ال وعن الرضا عليه السلم "‬

‫والرض وضعها للنام " قال‪ :‬للناس " فيها فاكهة والنخل ذات الكمام "‬

‫قال‪ :‬يكبر ثمر النخل في القمع ثم يطلع منه‪ .‬قوله " والحب ذو العصف‬

‫والريحان " قال‪ :‬الحب الحنطة والشعير والحبوب‪ ،‬والعصف التين‪ ،‬و‬

‫الريحان ما يؤكل منه‪ " .‬فبأي آلء ربكما تكذبان " المخاطبة للثقلين‪ ،‬وفي‬
‫الحديث أنه في الباطن مخاطبة للولين‪ ،‬والمعنى‪ :‬فبأي النعمتين تكفران‬

‫بمحمد أم بعلي ؟ وفي خبر آخر‪ :‬بالنبي أم بالوصى ؟‪ " .‬ومن الرض‬

‫مثلهن " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬وفي )‪ (2‬الرض خلق مثلهن في العدد ل‬

‫في الكيفية‪ ،‬لن كيفية السماء مخالفة لكيفية الرض‪ ،‬وليس في القرآن آية‬

‫تدل على أن الرضين سبع مثل السماوات إل هذه الية‪ ،‬ول خلف في‬

‫السماوات أنها سماء فوق سماء‪ ،‬وأما الرضون فقال قوم‪ :‬إنها سبع‬

‫أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات‪ ،‬لنها لو كانت مصمتة لكانت‬

‫أرضا واحدة‪ ،‬وفي كل أرض خلق خلقهم ال تعالى كيف شاء‪ ،‬وروى أبو‬

‫صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض‪ ،‬تفرق‬

‫بينهن البحار‪ ،‬وتظل جميعهن السماء وال سبحانه أعلم بصحة ما استأثر‬

‫بعلمه واشتبه على خلقه‪ .‬وقد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد‪،‬‬

‫عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬بسط كفيه ثم وضع اليمنى عليها فقال‪:‬‬

‫هذه الرض الدنيا والسماء‬

‫)‪ (1‬كفرى ‪ -‬بضم الولين وفتحهما وكسرهما وتشديد الراء المفتوحة ‪،-‬‬

‫وعاء طلع النخل‪ (2) .‬كذا في نسخ الكتاب‪ ،‬وفى المجمع‪ :‬وخلق من الرض‬

‫مثلهن‪..‬‬
‫]‪[75‬‬

‫الدنيا عليها قبة‪ ،‬والرض الثانية فوق سماء )‪ (1‬الدنيا والسماء الثانية‬

‫فوقها قبة‪ ،‬و الرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة‪،‬‬

‫حتى ذكر الرابعة و الخامسة والسادسة فقال‪ :‬والرض السابعة فوق‬

‫السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة‪ ،‬وعرش الرحمن فوق السماء‬

‫السابعة‪ ،‬وهو قوله " سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن‬

‫" وإنما صاحب المر النبي صلى ال عليه واله وهو على وجه الرض‬

‫وإنما ينزل )‪ (2‬المر من فوق من بين السماوات والرضين‪ ،‬فعلى هذا‬

‫يكون المعنى‪ :‬تتنزل الملئكة بأوامره إلى النبياء‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه ينزل )‪(3‬‬

‫المر بين السماوات و الرضين من ال سبحانه بحيوة بعض وموت بعض‪،‬‬

‫وسلمة حي وهلك آخر‪ ،‬وغنى إنسان وفقر آخر‪ ،‬وتصريف المور على‬

‫الحكمة )‪) (4‬انتهى(‪ .‬وقال الرازي‪ :‬قال الكلبي‪ :‬خلق سبع سماوات بعضها‬

‫فوق بعض مثل القبة " ومن الرض مثلهن " في كونها طبقات )‪(5‬‬

‫متلصقة كما هو المشهور أن الرض ثلث طبقات‪ :‬طبقة أرضية محضة‪،‬‬

‫وطبقة طينية وهي غير محضة‪ ،‬وطبقة منكشفة بعضها في البر وبعضها‬

‫في البحر وهي المعمورة‪ .‬ول يبعد من قوله " ومن الرض مثلهن " كونها‬

‫سبعة أقاليم على )‪ (6‬سبع سماوات وسبعة كواكب فيها وهي السيارة‪ ،‬فإن‬

‫لكل واحد من هذه الكواكب خواص تظهر آثار تلك الخواص في كل أقاليم‬
‫الرض‪ ،‬فتصير سبعة بهذا العتبار‪ ،‬فهذه هي الوجوه التي ل يأباها العقل‪،‬‬

‫وما عداها من الوجوه المنقولة من أهل التفسير فمما يأباه العقل مثل ما‬

‫يقال‪ :‬السماوات السبع أولها موج مكفوف وثانيها صخر‪ ،‬وثالثها حديد‪،‬‬

‫ورابعها نحاس‪ ،‬وخامسها فضة‪ ،‬وسادسها ذهب‪ ،‬و سابعها ياقوت‪ ،‬وقول‬

‫من قال‪ :‬بين كل واحدة منها وبين الخرى مائة )‪ (7‬عام وغلظ‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ وفى المصدر‪ :‬السماء‪ 2) .‬و ‪ (3‬في المصدر‪ :‬يتنزل‪) .‬‬

‫‪ (4‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪ (5) .310‬في المصدر‪ :‬طباقا‪ (6) .‬فيه‪ :‬على‬

‫حسب‪ (7) ..‬فيه‪ :‬خمسمائة سنة‪.‬‬

‫]‪[76‬‬

‫كل واحد منها كذلك‪ ،‬فذلك غير معتبر عند أهل التحقيق ويمكن أن يكون‬

‫أكثر من ذلك‪ ،‬وال أعلم بأنه ما هو وكيف هو )‪) (1‬انتهى(‪ .‬واقول‪ :‬وقد مر‬

‫بعض الوجوه في الرضين السبع في باب الهواء‪ " .‬لتعلموا " علة الخلق‪،‬‬

‫أو يتنزل )‪ (2‬أو يعمها‪ ،‬فإن كل منهما يدل على كمال قدرته وعلمه‪" .‬‬

‫ذلول " قيل‪ :‬أي لينة فسهل )‪ (3‬لكم السلوك فيها " فامشوا في مناكبها "‬

‫أي في جوانبها وجبالها‪ ،‬وهو مثل لفرط التذليل‪ ،‬فإن منكب البعير ينبو عن‬

‫أن يطأه الراكب ول يتذلل له‪ ،‬فإذا جعل الرض في الذل بحيث يمشي في‬
‫مناكبها لم يبق شئ لم يتذلل‪ " .‬وكلوا من رزقه " أي والتمسوا من نعم ال‬

‫" وإليه النشور " أي المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم‪ " .‬بساطا "‬

‫أي مبسوطة ليمكنكم المشي عليها والستقرار فيها‪ " .‬سبل فجاجا " أي‬

‫طرقا واسعة‪ ،‬وقيل‪ :‬طرقا مختلفة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وقيل‪ :‬سبل في‬

‫الصحاري‪ ،‬وفجاجا في الجبال‪ " .‬كفاتا " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬كفت الشئ‬

‫يكفته كفتا وكفاتا إذا ضمه‪ ،‬و منه الحديث " اكفتوا صبيانكم " أي ضموهم‬

‫إلى أنفسكم‪ ،‬ويقال للوعاء كفت وكفيت قال أبو عبيد‪ :‬كفاتا أي أوعية‪.‬‬

‫والمعنى‪ :‬جعلنا الرض كفاتا للعباد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم‬

‫ومنازلهم‪ ،‬وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم وتضمهم‪ .‬وروي عن أمير‬

‫المؤمنين عليه السلم أنه نظر إلى الجبانة )‪ (4‬فقال‪ :‬هذه كفات الموات‪،‬‬

‫ثم نظر إلى البيوت فقال‪ :‬هذه كفات الحياء‪ .‬وقوله " أحياء وأمواتا " أي‬

‫منها ما ينبت و منها مال ينبت‪ ،‬فعلى هذا يكون أحياء وأمواتا نصبا على‬

‫الحال‪ ،‬وعلى القول الول على المفعول به‪ " .‬رواسي شامخات " أي جبال‬

‫ثابتة عالية " وأسقيناكم ماء فراتا " أي‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،30‬ص ‪ (2) 40‬التنزل )ظ(‪ (3) .‬كذا‪ ،‬والظهر "‬

‫يسهل "‪ (4) .‬الجبانة ‪ -‬بتشديد الباء الموحدة من تحت ‪ :-‬المقبرة‪.‬‬


‫]‪[77‬‬

‫وجعلنا لكم سقيا من الماء العذب‪ ،‬عن ابن عباس‪ " .‬ويل يومئذ للمكذبين "‬

‫بهذه النعم وأنها من جهة ال )‪ " .(1‬مهادا " أي وطاء وقرارا ومهيأ‬

‫للتصرف فيه من غير أذية‪ ،‬والمصدر بمعنى المفعول‪ ،‬أو الحمل على‬

‫المبالغة‪ ،‬أو المعنى ذات مهاد‪ " .‬وخلقناكم أزواجا " أي أشكال كل واحد‬

‫شكل للخر‪ ،‬أو ذكرانا وإناثا حتى يصح منكم التناسل ويتمتع بعضكم‬

‫ببعض‪ ،‬أو أصنافا أبيض وأسود‪ ،‬وصغيرا وكبيرا‪ ،‬إلى غير ذلك‪ " .‬وجعلنا‬

‫نومكم سباتا " أي راحة ودعة لجسادكم‪ ،‬أو قطعا لعمالكم وتصرفكم أي‬

‫سباتا ليس بموت على الحقيقة ول مخرج عن الحياة والدراك " وجعلنا‬

‫الليل لباسا " أي غطاء وسترة يستر كل شئ بظلمته وسواده‪ " .‬وجعلنا‬

‫النهار معاشا " أي مطلب معاش‪ ،‬أو وقت معاشكم‪ .‬وبنينا فوقكم سبعا‬

‫شدادا " أي سبع سماوات محكمة أحكمنا صنعها وأوثقنا بناءها‪ " .‬وجعلنا‬

‫سراجا وهاجا " يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متللئا‬

‫بالنور يستضيئون بها‪ .‬وقيل‪ :‬الوهج مجمع )‪ (2‬النور والحر‪ " .‬و أنزلنا‬

‫من المعصرات " أي من الرياح ذات العاصير‪ ،‬وذلك أن الريح يستدر‬

‫المطر‪ .‬وقيل‪ :‬المعصرات السحائب إذا اعصرت أي شارفت أن تعصرها‬

‫الرياح فتمطر‪ ،‬كقولهم أحصد الزرع‪ ،‬أي حان له أن يحصد " ماء ثجاجا "‬

‫أي منصبا بكثرة " لنخرج به حبا ونباتا " فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع‬
‫الذي يحصد‪ ،‬والنبات الكل من الحشيش والزروع ونحوها‪ ،‬قيل‪ :‬حبا يأكله‬

‫الناس‪ ،‬ونباتا تنبته الرض مما تأكله النعام " وجنات ألفافا " أي بساتين‬

‫ملتفة بالشجر‪ ،‬أو بعضها ببعض‪ ،‬وإنما سميت جنة لن الشجر تجنها أي‬

‫تسترها‪ " .‬ذات الصدع " أي ما يتصدع عنه الرض من النبات‪ ،‬أو الشق‬

‫بالنبات والعيون‪ .‬أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت " خلقا دال على كمال‬

‫قدرته وحسن‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪) 417‬ملخصا(‪ (2) .‬يجمع )خ(‪.‬‬

‫]‪[78‬‬

‫تدبيره‪ ،‬حيث خلقها لجر الثقال إلى البلد النائية‪ ،‬فجعلها عظيمة‪ ،‬باركة‬

‫للحمل ناهضة به‪ ،‬منقادة لمن اقتادها‪ ،‬طوال العنان لتنوء بالوقار‪ ،‬ترعى‬

‫كل نابت‪ ،‬وتحمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البراري‬

‫والمفاوز مع مالها من منافع اخر فلذا خصت بالذكر‪ ،‬ولنها أعجب ما عند‬

‫العرب من هذا النوع‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بها السحاب على الستعارة‪ " .‬وإلى‬

‫السماء كيف رفعت " بل عمد " وإلى الجبال كيف نصبت " فهي راسخة ل‬

‫تميل " وإلى الرض كيف سطحت " أي بسطت حتى صارت مهادا‪ " .‬وما‬

‫طحيها " أي ومن طحيها‪ ،‬أو مصدرية‪ ،‬وطحوها تسطيحها وبسطها‪- 1 .‬‬
‫الحتجاج‪ :‬عن هشام بن الحكم‪ ،‬قال‪ :‬سأل الزنديق في ما سأل أبا عبد ال‬

‫عليه السلم‪ :‬فقال النهار قبل الليل ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬خلق النهار قبل الليل‪،‬‬

‫والشمس قبل القمر‪ ،‬والرض قبل السماء‪ ،‬ووضع الرض على الحوت‪،‬‬

‫والحوت في الماء والماء في صخرة مجوفة‪ .‬والصخرة على عاتق ملك‪،‬‬

‫والملك على الثرى‪ ،‬والثرى على الريح )‪ (1‬والريح على الهواء‪ ،‬والهواء‬

‫تمسكه القدرة‪ ،‬وليس تحت الريح العقيم إل الهواء والظلمات‪ ،‬ول وراء‬

‫ذلك سعة ول ضيق ول شئ يتوهم‪ ،‬ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات‬

‫والرض‪ ،‬والكرسي أكبر من كل شئ خلق )‪ ،(2‬ثم خلق العرش فجعله أكبر‬

‫من الكرسي )‪ - 2 .(3‬تفسير على بن ابراهيم‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن‬

‫مهزيار‪ ،‬عن عل المكفوف عن بعض أصحابه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬سئل عن الرض على أي شئ هي ؟ قال الحوت‪ ،‬فقيل له‪:‬‬

‫فالحوت على أي شئ هو ؟ قال‪ :‬على الماء‪ ،‬فقيل له‪ :‬فالماء على أي شئ‬

‫هو ؟ قال‪ :‬على الثرى‪ ،‬قيل له‪ :‬فالثرى على أي شئ هو ؟ قال‪ :‬عند ذلك‬

‫انقضى علم العلماء )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الريح العقيم‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬خلقه ال‪ (3) .‬الحتجاج‪:‬‬

‫‪ (4) .193‬تفسير القمى‪.418 :‬‬


‫]‪[79‬‬

‫‪ - 3‬ومنه‪ :‬عن محمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬

‫عن جميل بن صالح‪ ،‬عن أبان بن تغلب‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم‬

‫عن الرض على أي شئ هي ؟ قال‪ :‬على الحوت‪ ،‬قلت‪ :‬فالحوت على أي‬

‫شئ هو ؟ قال‪ :‬على الماء قلت‪ :‬فالماء على أي شئ هو ؟ قال‪ :‬على‬

‫الصخرة‪ ،‬قلت‪ :‬فالصخرة على أي شئ هي ؟ قال‪ :‬على قرن ثور أملس‪،‬‬

‫قلت‪ :‬فعلى أي شئ الثور ؟ قال‪ :‬على الثرى‪ ،‬قلت‪ :‬فعلى أي شئ الثرى ؟‬

‫فقال‪ :‬هيهات ! عند ذلك ضل علم العلماء )‪ .(1‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬

‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪ .(2‬بيان‪ :‬الملس‪ :‬الصحيح‬

‫الظهر‪ ،‬ولعل المراد هنا أنه لم يلحقه من هذا الحمل دبر وجراحة في ظهره‪.‬‬

‫وفي القاموس‪ :‬الثرى‪ :‬الندى‪ ،‬والتراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا‪،‬‬

‫والخير )انتهى(‪ " .‬ضل علم العلماء " أي غير المعصومين أو المراد‬

‫بالعلماءهم‪ ،‬والمعنى أنهم امروا بكتمانه عن سائر الخلق فكأنه ضل علمهم‬

‫عن الخلق وقد يقال‪ :‬المراد بالثرى هنا الخير الكامل يعني القدرة‪ ،‬فإن‬

‫استقرار جميع الشياء على قدرة ال تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بالثرى هنا ما هو‬

‫منتهى الموجودات‪ ،‬ولما كان تعقل النفي الصرف صعبا على الفهام قال‪:‬‬

‫عند ذلك ضل علم العلماء‪ ،‬للف الناس بالبعاد القارة وجسم خلف جسم‪،‬‬

‫ولذا ذهب بعض المتكلمين إلى أبعاد موهومة غير متناهية وقالوا بالخل‪4 .‬‬
‫‪ -‬التفسير‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسين بن خالد‪ ،‬عن أبي الحسن الرضا عليه‬

‫السلم قال‪ :‬قلت‪ :‬أخبرني عن قول ال " والسماء ذات الجبك " فقال‪ :‬هي‬

‫محبوكة إلى الرض ‪ -‬وشبك بين أصابعه ‪ -‬فقلت‪ :‬كيف تكون محبوكة إلى‬

‫الرض وال يقول " رفع السماوات بغير عمد ترونها " ؟ فقال‪ :‬سبحان‬

‫ال ! أليس يقول " بغير عمد ترونها " ؟ قلت‪ :‬بلى فقال‪ :‬فثم عمد ولكن‬

‫لترونها‪ .‬قلت‪ :‬كيف ذلك جعلني ال فداك ؟ قال‪ :‬فبسط‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .418 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪.89‬‬

‫]‪[80‬‬

‫كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها‪ ،‬فقال‪ :‬هذه أرض الدنيا‪ ،‬والسماء الدنيا‬

‫عليها )‪ (1‬فوقها قبة ; والرض الثانية فوق السماء الدنيا‪ ،‬والسماء الثانية‬

‫فوقها قبة ; والرض الثالثة فوق السماء الثانية‪ ،‬والسماء الثالثة فوقها‬

‫قبة‪ ،‬والرض الرابعة فوق السماء الثالثة‪ ،‬والسماء الرابعة فوقها قبة ;‬

‫والرض الخامسة فوق السماء الرابعة‪ ،‬والسماء الخامسة فوقها قبة ;‬

‫والرض السادسة فوق السماء الخامسة‪ ،‬والسماء السادسة فوقها قبة ;‬

‫والرض السابعة فوق السماء السادسة‪ ،‬والسماء السابعة فوقها قبة ;‬

‫وعرش الرحمان تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قول ال " الذي‬
‫خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن " فأما صاحب‬

‫المر )‪ (2‬فهو رسول ال صلى ال عليه واله والوصي بعد رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله قائم هو على وجه الرض‪ ،‬فإنما ينزل المر إليه من فوق‬

‫السماء من بين السماوات والرضين‪ ،‬قلت‪ :‬فما تحتنا إل أرض واحدة ؟‬

‫فقال‪ :‬ما تحتنا إل أرض واحدة‪ ،‬وإن الست لهن )‪ (3‬فوقنا )‪ .(4‬العياشي‪:‬‬

‫عن الحسين بن خالد مثله‪ .‬بيان‪ :‬قال الفيروز آبادي‪ " :‬الحبك " الشد‬

‫والحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب‪ ،‬يحبكه ويحبكه فهو حبيك‬

‫ومحبوك‪ ،‬والحبك من السماء طرائق النجوم والتحبيك التوثيق والتخطيط‬

‫)انتهى(‪ .‬فالمراد بكونها محبوكة‪ :‬أنها متصلة بالرض معتمدة عليها‪ ،‬وأن‬

‫كل سماء على كل أرض كالقبة الموضوعة عليها‪ ،‬ولما كان هذا ظاهرا‬

‫مخالفا للحس والعيان‪ ،‬فيمكن تأويله بوجهين‪ :‬أولهما ‪ -‬وهو أقربهما‬

‫وأوفقهما للشواهد العقلية ‪ -‬أن يكون المراد بالرض ما سوى السماء من‬

‫العناصر‪ ،‬ويكون المراد نفي توهم أن بين السماء والرض خل‪ ،‬بل هو‬

‫مملو من سائر العناصر‪ ،‬والمراد بالرضين السبع هذه الرض وستة من‬

‫السماوات التي فوقنا‪ ،‬فإن الرض ما يستقر عليه‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬الرض )خ(‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬لهى‪ (4) .‬تفسير القمى‪.646 :‬‬
‫]‪[81‬‬

‫الحيوانات وسائر الشياء‪ ،‬والسماء ما يظلهم ويكون فوقهم‪ ،‬فسطح هذه‬

‫الرض أرض لنا والسماء الولى سماء لنا تظلنا‪ ،‬والسطح المحدب للسماء‬

‫الولى أرض للملئكة المستقرين عليها‪ ،‬والسماء الثانية سماء لهم‪ ،‬وهكذا‬

‫محدب كل سماء أرض لما فوقها ومقعر السماء الذي فوقها سماء بالنسبة‬

‫إليها إلى السماء السابعة‪ ،‬فإنها سماء وليست بأرض‪ ،‬والرض التي نحن‬

‫عليها أرض وليست بسماء‪ ،‬والسماوات الستة الباقية كل منها سماء من‬

‫جهة وأرض من جهة‪ .‬وثانيهما‪ :‬أن يكون المعنى أن السماوات سبع كرات‬

‫في جوف كل سماء أرض وليست السماوات بعضها في جوف بعض كما هو‬

‫المشهور بل بعضها فوق بعض معتمدا بعضها على بعض‪ ،‬فالمراد بقوله "‬

‫إلى الرض " أي مع الرض‪ ،‬أو إلى أن ينتهي إلى هذه الرض التي نحن‬

‫عليها‪ .‬قوله عليه السلم " فأما صاحب المر " أي الذي ينزل هذا المر‬

‫إليه‪ - 5 .‬العيون والعلل‪ :‬في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه‬

‫السلم عن الرض مم خلق ؟ قال‪ :‬من زبد الماء )‪ - 6 .(1‬العياشي‪ :‬عن‬

‫الخطاب العور‪ ،‬رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمد عليهم السلم قال‪:‬‬

‫" وفي الرض قطع متجاورات " يعني هذه الرض الطيبة يجاورها هذه‬

‫المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم‪ - 7 .‬الختصاص‪:‬‬

‫عن ابن عباس‪ .‬سأل ابن سلم النبي صلى ال عليه واله ما الستون ؟ قال‪:‬‬
‫الرض لها ستون عرقا والناس خلقوا على ستين لونا )‪ - 8 .(2‬معاني‬

‫الخبار‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن القاسم بن محمد الصبهاني‬

‫عن سليمان بن داوود المنقري‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم أنه نظر إلى المقابر فقال‪ :‬يا حماد هذه كفات الموات‪ ،‬ونظر‬

‫إلى البيوت فقال‪ :‬هذه كفات الحياء ثم تل " ألم نجعل الرض كفاتا أحياء‬

‫وأمواتا )‪ ." (3‬وروي أنه دفن الشعر والظفر )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،241‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪(2) .280‬‬

‫الختصاص‪ (3) 4 :‬المرسلت‪ (4) .26 - 25 :‬معاني الخبار‪.342 :‬‬

‫]‪[82‬‬

‫بيان‪ :‬لعل المعنى أن دفن الشعر والظفر في الرض لما كان مستحبا فهذا‬

‫أيضا داخل في كفات الحياء‪ ،‬أو في كفات الموات لعدم حلول الحياة فيهما‪،‬‬

‫و الول أظهر‪ - 9 .‬العيون‪ :‬عن المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري‬

‫عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم السلم في قوله عزوجل‪ " :‬الذي‬

‫جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء " قال‪ :‬جعلها ملئمة لطبائعكم موافقة‬

‫لجسادكم‪ ،‬ولم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم ول شديدة البرودة‬

‫فتجمدكم‪ ،‬ول شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم‪ ،‬ول شديدة النتن فتعطبكم‬
‫ول شديدة اللين كالماء فتغرقكم ول شديدة الصلبة فتمتنع عليكم في دوركم‬

‫)‪ (2‬و أبنيتكم وقبور )‪ (3‬موتاكم ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما‬

‫تنتفعون به ]وتتماسكون[ وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم‪ ،‬وجعل فيها )‪(4‬‬

‫ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فذلك " جعل الرض فراشا‬

‫" ثم قال‪ " :‬والسماء بناء " سقفا )‪ (5‬محفوظا من فوقكم يدير فيها‬

‫شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم‪ .‬ثم قال عزوجل‪ " :‬وأنزل من السماء‬

‫ماء " يعني المطر ينزله من علي )‪ (6‬ليبلغ قلل جبالكم وتللكم وهضابكم‬

‫وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابل وهطل وطل لتنشفه أرضوكم‪ ،‬ولم يجعل‬

‫ذلك المطر نازل عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم‬

‫وثماركم‪ ،‬ثم قال عزوجل " فأخرج به من الثمرات رزقا لكم " يعني مما‬

‫يخرجه من الرض رزقا لكم " فل تجعلوا ل أندادا " أي أشباها وأمثال من‬

‫الصنام التي لتعقل ول تسمع ول تبصر ول تقدر على شئ " وأنتم تعلمون‬

‫" أنها ل تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم‬

‫تبارك وتعالى )‪ .(7‬الحتجاج‪ :‬بالسناد إلى أبي محمد عليه السلم مثله )‬

‫‪.(8‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .22 :‬في الحتجاج‪ :‬حرثكم‪ (3) .‬فيه‪ :‬دفن موتاكم‪(4) .‬‬

‫فيه‪ :‬من اللين ما تنقاد به لحرثكم‪ (5) .‬فيه‪ :‬يعنى سقفا‪ (6) ..‬فيه‪ :‬علو‪) .‬‬

‫‪ (7‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (8) .137‬لحتجاج‪(*) .253 :‬‬

‫]‪[83‬‬

‫تفسير المام‪ :‬عليه السلم مثله‪ .‬بيان‪ " :‬فتصدع " على بناء التفعيل من‬

‫الصداع‪ .‬وأعطبه‪ :‬أهلكه‪ ،‬والرذاذ ‪ -‬كسحاب ‪ :-‬المطر الضعيف أو الساكن‬

‫الدائم الصغار القطر كالغبار‪ ،‬والوابل‪ :‬المطر الشديد الضخم‪ ،‬والهطل‪،‬‬

‫المطر الضعيف الدائم‪ ،‬والطل‪ :‬المطر الضعيف أو أخف المطر وأضعفه‬

‫والندى أو فوقه ودون المطر‪ ،‬كل ذلك ذكره الفيروز آبادي‪ - 10 .‬التوحيد‪:‬‬

‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم وغيره عن خلف بن‬

‫حماد‪ ،‬عن الحسن بن زيد الهاشمي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬

‫جاءت زينب العطارة الحولء إلى نساء رسول ال صلى ال عليه واله‬

‫وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل )‪ (1‬رسول ال صلى ال عليه واله‬

‫وهي عندهن فقال‪ :‬إذا أتيتنا طابت بيوتنا‪ ،‬فقالت‪ :‬بيوتك بريحك أطيب يا‬

‫رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬إذا بعت فاحشي )‪ (2‬ول تغشي‪ ،‬فإنه أتقى وأبقى للمال‪،‬‬

‫فقالت‪ :‬ماجئت )‪ (3‬لشئ من بيعي وإنما جئتك أسألك عن عظمة ال‪ ،‬قال‪:‬‬

‫جل جلله‪ ،‬سأحدثك عن بعض ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هذه الرض بمن فيها )‪(4‬‬
‫ومن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة )‪ (5‬في فلة قي‪ ،‬وهاتان ومن‬

‫فيهما ومن عليهما عند التي تحتهما كحلقة )‪ (6‬في فلة قي‪ ،‬والثالثة حتى‬

‫انتهى إلى السابعة ثم تل هذه الية‪ " :‬خلق سبع سماوات ومن الرض‬

‫مثلهن " والسبع )‪ (7‬ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة )‪(8‬‬

‫في فلة قي‪ ،‬والديك له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجله في التخوم‪،‬‬

‫والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة )‪ (9‬في فلة قي‪،‬‬

‫والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة )‬

‫‪ (10‬في فلة قي‪ ،‬والسبع والديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم‬

‫كحلقة )‪ (11‬في فلة‬

‫)‪ (1‬في الكافي‪ :‬فجاء‪ (2) .‬في التوحيد والكافي‪ :‬فأحسني‪ (3) .‬في الكافي‪:‬‬

‫فقالت‪ :‬يا رسول ال ما أتيت بشئ من بيعي وإنما أتيت‪ (4) .‬فيه‪ :‬بمن‬

‫عليها‪ (5) .‬في التوحيد‪ .‬كحلقة في فلة‪ (6) ..‬في الكافي‪ :‬كحلقة ملقاة‪(7) ..‬‬

‫في الكافي‪ :‬والسبع الرضين بمن‪ (11 - 8) ...‬فيه‪ :‬كحلقة ملقاة‪.‬‬

‫]‪[84‬‬

‫قي‪ ،‬والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة )‬

‫‪ (1‬في فلة قي‪ ،‬والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء‬
‫عند الثرى كحلقة )‪ (2‬في فلة قي ثم تلهذه الية‪ " :‬له ما في السموات‬

‫وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى )‪ " (3‬ثم انقطع الخبر )‪(4‬‬

‫والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه‬

‫ومن عليه عند السماء الولى كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذا و السماء )‪ (5‬الدنيا‬

‫ومن فيها ومن عليها عند التي فوقها كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذا و هاتان‬

‫السماوان عند الثالثة كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذا وهذه الثلث عند الرابعة‬

‫بمن فيهن ومن عليهن كحلقة في فلة قي حتى انتهى إلى السابعة‪ ،‬وهذه‬

‫السبع )‪ (6‬و من فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الرض‬

‫كحلقة في فلة قي‪ ،‬و السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في‬

‫فلة قي‪ ،‬ثم تل هذه الية‪ " :‬و ينزل من السماء من جبال فيها من برد )‪(7‬‬

‫" وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد )‪ (8‬عند حجب النور كحلقة‬

‫في فلة قي‪ ،‬وهو سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالبصار‪ ،‬وهذا والسبع‬

‫والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب عند الهواء الذي تحار قيه‬

‫القلوب كحلقة في فلة قي‪ ،‬والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد و الهواء‬

‫)‪ (9‬والحجب في الكرسي كحلقة في فلة قي‪ ،‬ثم تلهذه الية‪ " :‬وسع‬

‫كرسيه السماوات والرض ول يؤده حفظهما وهو العلي العظيم )‪" (10‬‬

‫وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب والكرسي عند‬

‫العرش كحلقة في فلة قي‬


‫)‪ 1‬و ‪ (2‬وفيه‪ :‬كحلقة ملقاة‪ (3) .‬طه‪ (4) .6 :‬في الكافي‪ :‬عند الثرى‪(5) .‬‬

‫في التوحيد والكافي‪ :‬سماء‪ (6) .‬في الكافي‪ :‬وهن‪ (7) .‬النور‪ (8) .43 :‬في‬

‫الكافي‪ :‬وجبال البرد عند الهواء‪ (9) .‬في الكافي‪ .:‬والهواء عند حجب النور‬

‫كحلقة في فلة قى‪ ،‬وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء‬

‫وحجب النور عند الكرسي‪ (10) .‬البقرة‪.255 :‬‬

‫]‪[85‬‬

‫ثم تل هذه الية‪ " :‬الرحمان على العرش استوى )‪ " (1‬ما تحمله الملك‬

‫إل بقول ل إله إل ال ول حول ول قوة إل بال ]العلي العظيم )‪ .[(2‬الكافي‪:‬‬

‫عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن عبد الرحمان بن أبي نجران‬

‫عن صفوان‪ ،‬عن خلف بن حماد مثله‪ .‬بيان‪ " :‬فإنه أتقى " أي أقرب إلى‬

‫التقوى وأنسب بها‪ ،‬أو أحفظ لصاحبه عن مفاسد الدنيا والخرة‪ .‬وقال‬

‫الجوهري‪ :‬الفلة المفازة‪ .‬وقال‪ :‬القي بالكسر والتشديد " فعل " من القواء‬

‫وهي الرض القفر الخالية‪ .‬وقال‪ :‬التخم منتهى كل قرية أو أرض يقال‪:‬‬

‫فلن على تخم من الرض‪ ،‬والجمع تخوم‪ .‬قوله عليه السلم " ثم انقطع‬

‫الخبر " وفي الكافي " عند الثرى " والمعنى أنا لم نخبر به أو لم نؤمر‬

‫بالخبار به‪ .‬قوله " المكفوف عن أهل الرض " أي ممنوع عنهم ل ينزل‬
‫منه ماء إليهم‪ ،‬وفي الكافي بعد قوله‪ " :‬من جبال فيها من برد " هكذا‪:‬‬

‫وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه‬

‫القلوب كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد‬

‫والهواء عند حجب النور كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذه السبع والبحر المكفوف‬

‫وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلة قي‪ ،‬وهذه السبع‬

‫والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي ‪ -‬إلى‬

‫قوله ‪ :-‬وتل هذه الية‪ " :‬الرحمان على العرش استوى " ثم قال‪ :‬وفي‬

‫رواية الحسن‪ :‬الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب‪ ،‬أي كانت الرواية‬

‫في كتاب الحسن بن محبوب هكذا موافقا لما نقله الصدوق‪ .‬ثم اعلم أن‬

‫الخبر يدل على أن الرضين طبقات بعضها فوق بعض‪ ،‬وقد يستشكل فيما‬

‫اشتمل عليه هذا الخبر من أن الرضين السبع والديك والصخرة والحوت‬

‫والبحر المظلم والهواء والثرى عند السماء الولى كحلقة في فلة قي‪ ،‬فيدل‬

‫على أن جميع ذلك ليس لها قدر محسوس عند فلك القمر‪ ،‬مع أن الرض‬

‫وحدها لها قدر محسوس‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،153‬والية في سورة طه‪ (2) .5 :‬التوحيد‪.199 :‬‬

‫]‪[86‬‬
‫عنده بدللة الخسوف واختلف المنظر وغير ذلك مما علم في البعاد‬

‫والجرام‪ .‬وقد يجاب عن ذلك بأنه لما لم يمكن أن تحمل النسب التي ذكرت‬

‫بين هذه الموجودات في هذا الحديث على النسب المقدارية التي اعتبر مثلها‬

‫بين الحلقة والفلة اللتين هما المشبه بهما في جميع المراتب فإنه خلف ما‬

‫دل عليه العقول الصحيحة السليمة بعد التأمل في البراهين الهندسية‬

‫والحسابية التي ل يحوم حولها الشك أصل ول تعتريها الشبهة قطعا‪ ،‬فيمكن‬

‫أن يأول ويحمل على أن المعنى أن نسبة الحكم والمصالح المرعية في خلق‬

‫كل من تلك المراتب إلى ماروعي فيما ذكر بعده كنسبة مقدار الحلقة إلى‬

‫الفلة ليدل على أن ما يمكننا أن نشاهد أو ندرك من آثار صنعه وعجائب‬

‫حكمته في الشواهد ليس له نسبة محسوسة إلى أدنى ما هو محجوب عنا‬

‫فكيف إلى ما فوقه‪ .‬وأجاب آخرون‪ :‬بأن المعنى ارتفاع ثقل كل من تلك‬

‫الموجودات عما اتصل به‪ ،‬فالطبقة الولى من الرض رفع ال ثقلها عن‬

‫الطبقة الثانية فليس ثقلها عليها إل كثقل حلقة على فلة سواء كانت أكبر‬

‫منها حجما أو أصغر‪ .‬وأقول‪ :‬على ما احتملنا سابقا من كون جميع الفلك‬

‫أجزاء من السماء الدنيا داخلة فيها كما هو ظاهر الية الكريمة يمكن حمل‬

‫هذا التشبيه على ظاهره من غير تأويل‪ ،‬وال يعلم حقائق الموجودات‪11 .‬‬

‫‪ -‬توحيد المفضل‪ :‬قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬فكر يا مفضل فيما خلق‬

‫ال عزوجل عليه هذه الجواهر الربعة ليتسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك‬
‫سعة هذه الرض وامتدادها‪ ،‬فلول ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس‬

‫ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم والعقاقير العظيمة‬

‫والمعادن الجسيمة غناؤها‪ ،‬ولعل من ينكر هذه الفلوات الخالية )‪ (1‬والقفار‬

‫الموحشة يقول‪ :‬ما المنفعة فيها ؟ فهي مأوى هذه الوحوش ومحالها‬

‫ومرعاها‪ ،‬ثم فيها بعد متنفس ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الستبدال‬

‫بأوطانهم‪ ،‬وكم بيداءوكم فدفد حالت قصورا وجنانا بانتقال الناس إليها‬

‫وحلولهم فيها‪ ،‬ولول سعة الرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار‬

‫ضيق ل يجد‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " الخاوية " والظاهر من بيان المؤلف انه كان كذلك‬

‫في نسخته‬

‫]‪[87‬‬

‫مندوحة عن وطنه إذا أحزنه )‪ (1‬أمر يضطره إلى النتقال عنه‪ .‬ثم فكر في‬

‫خلق هذه الرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة‪ ،‬فيكون موطنا‬

‫مستقرا للشياء فيتمكن الناس من السعي عليها في مأربهم‪ ،‬والجلوس‬

‫عليها لراحتهم‪ ،‬والنوم لهدوئهم‪ ،‬والتقان لعمالهم‪ ،‬فإنها لو كانت‬

‫رجراجة متكفئة لم يكونوا يستطيعون أن يتقنوا البناء والتجارة والصناعة‬


‫وما أشبه ذلك‪ ،‬بل كانوا ل يتهنؤن بالعيش والرض ترتج من تحتهم‬

‫واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلزل على قلة مكثها حتى يصيروا إلى‬

‫ترك منازلهم والهرب عنها‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فلم صارت هذه الرض تزلزل ؟‬

‫قيل له‪ :‬إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس ليرعوا‬

‫عن المعاصي‪ ،‬وكذلك ما ينزل بهم من البلء في أبدانهم وأموالهم يجري‬

‫في التدبير على ما فيه صلحهم واستقامتهم ويدخر لهم إن صلحوا من‬

‫الثواب والعوض في الخرة ما ل يعدله شئ من امور الدنيا‪ ،‬وربما عجل‬

‫ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلحا للعامة والخاصة‪ .‬ثم إن الرض‬

‫في طباعها الذي طبعها ال عليه باردة يابسة وكذلك الحجارة‪ ،‬و إنما الفرق‬

‫بينها وبين الحجارة فضل يبس في الحجارة‪ ،‬أفرأيت لو أن اليبس أفرط على‬

‫الرض قليل حتى تكون حجرا صلدا أكانت تنبت هذا النبات الذي به حياة‬

‫الحيوان وكان يمكن بها حرث أو بناء ؟ أفل ترى كيف نقصت عن )‪(2‬‬

‫يبس الحجارة وجعلت على ما هي عليه من اللين والرخاوة وليتهيأ‬

‫للعتماد‪ ،‬ومن تدبير الحكيم ‪ -‬جل وعل ‪ -‬في خلقة الرض أن مهب الشمال‬

‫أرفع من مهب الجنوب‪ ،‬فلم يجعل ال عزوجل كذلك إل لتنحدر المياه على‬

‫وجه الرض فتسقيها وترويها ثم يفيض آخر ذلك إلى البحر‪ ،‬فكما يرفع أحد‬

‫جانبي السطح ويخفض )‪ (3‬الخر لينحدر الماء عنه ول تقوم عليه كذلك‬

‫جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها‪ ،‬ولول ذلك لبقي‬
‫الماء متحيرا على وجه الرض فكان يمنع الناس من أعمالها ويقطع الطرق‬

‫والمسالك‪ .‬ثم الماء لول كثرته وتدفقه في العيون والودية والنهار لضاق‬

‫عما يحتاج الناس‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " حزبه " والظاهر من بيان المؤلف انه موافق‬

‫لنسخته‪ (2) .‬من )خ(‪ (3) .‬ينخفض )خ(‪.‬‬

‫]‪[88‬‬

‫إليه لشربهم وشرب أنعامهم ومواشيهم وسقي زروعهم وأشجارهم‬

‫وأصناف غلتهم‪ ،‬و شرب ما يرده من الوحوش والطير والسباع وتتقلب‬

‫فيه الحيتان ودواب الماء‪ ،‬وفيه منافع اخر أنت بها عارف‪ ،‬وعن عظم‬

‫موقعها غافل‪ ،‬فإنه سوى المر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع‬

‫ما على الرض من الحيوان والنبات يمزج بالشربة فتلين وتطيب لشاربها‪،‬‬

‫وبه تنظف البدان والمتعة من الدرن الذي يغشاها‪ ،‬وبه يبل التراب فيصلح‬

‫للعتمال‪ ،‬وبه نكف عادية النار إذا اضطرمت وأشرف الناس على المكروه‬

‫وبه يستحم المتعب الكال فيجد الراحة من أوصابه‪ ،‬إلى أشباه هذا من‬

‫المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها‪ .‬فإن شككت في‬

‫منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار وقلت‪ :‬ما الرب فيه ؟ فاعلم أنه‬
‫مكتنف ومضطرب مال يحصى من أصناف السمك ودواب البحر ومعدن‬

‫اللؤلؤ والياقوت والعنبر وأصناف شتى تستخرج من البحر وفي سواحله‬

‫منابت العود اليلنجوج وضروب من الطيب والعقاقير‪ ،‬ثم هو بعد مركب‬

‫الناس ومحمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة‪ ،‬كمثل ما يجلب‬

‫من الصين إلى العراق‪ ،‬ومن العراق إلى العراق‪ ،‬فإن هذه التجارات لو لم‬

‫يكن لها محمل إل على الظهر لبارت )‪ (1‬وبقيت في بلدانها وأيدي أهلها‪،‬‬

‫لن أجر حملها كان يجاوز أثمانها فل يتعرض أحد لحملها‪ ،‬وكان يجتمع في‬

‫ذلك أمران‪ :‬أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها‪ ،‬والخر‪ :‬انقطاع‬

‫معاش من يحملها ويتعيش بفضلها‪ .‬و هكذا الهواء لول كثرته وسعته‬

‫لختنق هذا النام من الدخان والبخار التي يتحير فيه ويعجز عما يخول إلى‬

‫السحاب والضبات أول أول‪ ،‬وقد تقدم من صفته ما فيه كفاية‪ .‬والنار أيضا‬

‫كذلك‪ ،‬فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم والماء كانت تحرق العالم وما فيه ولم‬

‫يكن بد من ظهورها في الحايين لغنائها في كثير من المصالح‪ ،‬فجعلت‬

‫كالمخزونة في الخشاب تلتمس عند الحاجة إليها وتمسك بالمادة والحطب‬

‫ما احتيج إلى بقائها لئل تخبوا‪ ،‬فل هي تمسك بالمادة والحطب فتعظم‬

‫المؤونة في ذلك‪ ،‬ول هي تظهر مبثوثة فتحرق كلما هي فيه‪ ،‬بل هي على‬

‫تهيئة وتقدير اجتمع فيها الستمتاع بمنافعها‬


‫)‪ (1‬بار السوق أو السلعة‪ :‬كسدت‪.‬‬

‫]‪[89‬‬

‫والسلمة من ضررها‪ .‬ثم فيها خلة اخرى وهي أنها مما خص به النسان‬

‫دون جميع الحيوان لماله فيها من المصلحة‪ ،‬فإنه لو فقد النار لعظم يدخل‬

‫عليه من الضرر في معاشه‪ ،‬فأما البهائم فل تستعمل النار ول تستمتع بها‪،‬‬

‫ولما قدر ال عزوجل أن يكون هذا هكذا خلق للنسان كفا وأصابع مهيأة‬

‫لقدح النار واستعمالها‪ ،‬ولم يعط البهائم مثل ذلك‪ ،‬لكنها اغنيت بالصبر على‬

‫الجفاء والخلل في المعاش لكيل ينالها في فقد النار ما ينال النسان‪ .‬وانبئك‬

‫من منافع النار على خلة صغيرة عظيم موقعها‪ ،‬وهي هذا المصباح الذي‬

‫يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاؤوا من ليلهم‪ ،‬ولول هذه الخلة‬

‫لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور‪ ،‬فمن كان يستطيع أن‬

‫يكتب أو يحفظ أو ينسج في ظلمة الليل ؟ وكيف كانت حال من عرض له‬

‫وجع في وقت من أوقات الليل فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا أو‬

‫شيئا يستشفى به ؟ فأما منافعها في نضج الطعمة ودفأ البدان وتجفيف‬

‫أشياء وتحليل أشياء وأشباه ذلك فأكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى‪.‬‬

‫تبيان )‪ :(1‬العقاقير اصول الدوية‪ ،‬والغناء ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬المنفعة‪ ،‬والخاوية‪:‬‬

‫الخالية‪ ،‬والفدفد‪ :‬الفلة والمكان الصلب الغليظ والمرتفع والرض‬


‫المستوية‪ ،‬والفسحة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬السعة‪ ،‬ويقال‪ :‬لي عن هذا المر مندوحة‬

‫ومنتدح أي سعة‪ ،‬وحزبه أمر أي أصابه‪ ،‬والراتبة‪ :‬الثابتة‪ ،‬والراكنة‪:‬‬

‫الساكنة‪ ،‬وهدأ هدء وهدوء‪ :‬سكن‪ ،‬و قوله عليه السلم‪ :‬رجراجة‪ :‬أي‬

‫متزلزلة متحركة‪ ،‬والتكفي‪ :‬النقلب والتمايل والتحريك والرتجاج‪:‬‬

‫الضطراب‪ ،‬والرعواء‪ :‬الرجوع عن الجهل والكف عن القبيح‪ ،‬و الصلد ‪-‬‬

‫ويكسر ‪ :-‬الصلب الملس‪ .‬قوله عليه السلم " إن مهب الشمال أرفع " أي‬

‫بعد ما خرجت الرض من الكروية الحقيقية صار ما يلي الشمال منها في‬

‫أكثر المعمورة أرفع مما يلي الجنوب‪ ،‬ولذا ترى أكثر النهار ‪ -‬كدجلة‬

‫والفرات وغيرهما ‪ -‬تجري من الشمال إلى الجنوب‪ ،‬ولما كان الماء الساكن‬

‫في جوف الرض تابعا للرض في ارتفاعه وانخفاضه فلذا صارت العيون‬

‫المنفجرة تجري هكذا من الشمال إلى الجنوب حتى‬

‫)‪ (1‬تبين )خ(‪.‬‬

‫]‪[90‬‬

‫تجري على وجه الرض‪ ،‬ولذا حكموا بفوقية الشمال على الجنوب في حكم‬

‫اجتماع البئر والبالوعة وإذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك ما بينه عليه السلم‬

‫من الحكم في ذلك وأنه ل ينافي كروية الرض‪ .‬والتدفق‪ :‬التصبب‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم " فإنه سوى المر الجليل " الضمير راجع إلى الماء وهو اسم‬

‫" إن " و " يمزج " خبره‪ ،‬أي للماء سوى النفع الجليل المعروف ‪ -‬وهو‬

‫كونه سببا لحياة كل شئ ‪ -‬منافع اخرى‪ :‬منها أنه يمزج مع الشربة‪ .‬وقال‬

‫الجوهري‪ :‬الحميم‪ :‬الماء الحلو‪ ،‬وقد استحممت‪ :‬إذا اغتسلت به ثم صار كل‬

‫اغتسال استحماما بأي ماء كان )انتهى(‪ .‬والوصب ‪ -‬محركة ‪ :-‬المرض‬

‫والمكتنف ‪ -‬بفتح النون من الكنف بمعنى الحفظ والحاطة‪ ،‬واكتنفه أي‬

‫أحاط به ويظهر منه أن نوعا من الياقوت يتكون في البحر‪ ،‬وقيل‪ :‬اطلق‬

‫على المرجان مجازا ويحتمل أن يكون المراد ما يستخرج منه بالغوص وإن‬

‫لم يتكون فيه‪ .‬واليلنجوج‪ :‬عود البخور‪ ،‬و " من العراق " أي البصرة "‬

‫إلى العراق " أي الكوفة‪ ،‬أو بالعكس‪ .‬قوله عليه السلم " ويعجز " أي‬

‫لول كثرة الهواء لعجز الهواء عما يستحيل الهواء إليه من السحاب‬

‫والضباب التي تتكون من الهواء " أول أول " أي تدريجا‪ ،‬أي كان الهواء‬

‫ل يفي بذلك أو ل يتسع لذلك‪ ،‬والضباب ‪ -‬بالفتح ‪ -‬ندى كالغيم‪ ،‬أو سحاب‬

‫رقيق كالدخان‪ .‬والحايين جمع أحيان وهو جمع حين بمعنى الدهر‬

‫والزمان‪ .‬قوله عليه السلم " فل هي تمسك بالمادة والحطب " أي دائما‬

‫بحيث إذا انطفت لم يمكن إعادتها‪ ،‬و المادة‪ :‬الزيادة المتصلة والمراد هنا‬

‫الدهر ومثله‪ .‬ودفاء البدان )‪ - (1‬بالكسر ‪ -‬دفع البرد عنها‪ - 12 .‬الدر‬

‫المنثور‪ :‬سئل عن ابن عباس‪ :‬هل تحت الرض خلق ؟ قال‪ :‬نعم أل ترى‬
‫إلى قوله تعالى " خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر‬

‫بينهن )‪." (2‬‬

‫)‪ (1‬الدفاء ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما يستدفأ به )ل الستدفاء دفع البرد( ولم نجد في‬

‫كتب اللغة شاهدا على ما ذكره‪ ،‬والظاهر أنه هنا " الدفأ " كالظمأ بمعنى‬

‫التسخن‪ (2) .‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪238‬‬

‫]‪[91‬‬

‫‪ - 13‬وعن قتادة في قوله " سبع سماوات ومن الرض مثلهن قال‪ :‬في كل‬

‫سماء وكل أرض خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه )‪14 .(1‬‬

‫‪ -‬وعن مجاهد في قوله‪ " :‬يتنزل المر بينهن " قال‪ :‬من السماء السابعة‬

‫إلى الرض السابعة ملفوفة )‪ - 15 .(2‬وعن الحسن في الية قال‪ :‬بين كل‬

‫سماء وأرض خلق وأمر )‪ - 16 .(3‬وعن ابن جريح قال‪ :‬بلغني أن عرض‬

‫كل سماء )‪ (4‬مسيرة خمسمائة سنة‪ ،‬وأن بين كل أرضين مسيرة خمسمأة‬

‫سنة ؟ واخبرت أن الريح بين الرض الثانية والثالثة ; والرض السابعة‬

‫فوق الثرى واسمها تخوم ; وأن أرواح الكفار فيها‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‬

‫ألقتهم إلى برهوت‪ ،‬والثرى فوق الصخرة التي قال ال‪ " :‬في صخرة "‬

‫والصخرة على الثور له قرنان وله ثلث قوائم يبتلع ماء الرض كلها يوم‬
‫القيامة‪ ،‬و الثور على الحوت وذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الرض‬

‫السفلى وطرفاه منعقدان تحت العرش‪ ،‬ويقال‪ ،‬الرض السفلى عمد )‪ (5‬بين‬

‫قرني الثور‪ ،‬ويقال‪ :‬بل على ظهره واسمها يهموت )‪ ،(6‬واخبرت أن عبد‬

‫ال بن سلم سأل النبي صلى ال عليه واله‪ :‬على ما الحوت ؟ قال‪ :‬على‬

‫ماء أسود‪ ،‬وما أخذ منه الحوت إل كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من‬

‫هذه البحار‪ ،‬وحدثت أن إبليس يغلغل إلى الحوت فيعظم )‪ (7‬له نفسه وقال‪:‬‬

‫ليس خلق بأعظم منك عزا )‪ (8‬ول أقوى منك‪ ،‬فوجد الحوت في نفسه‬

‫فتحرك‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،238‬وليس في الثاني لفظة " ملفوفة‬

‫"‪ (3) .‬كذا في المصدر واكثر نسخ الكتاب‪ ،‬وفى طبعة امين الضرب صحح‬

‫الرواية على مثل رواية قتادة‪ ،‬والظاهر أنه سهو من المصحح‪ (4) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬أرض )‪ (5‬في المصدر‪ :‬على عمد من قرنى الثور )‪ (6‬في‬

‫المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ :‬به موت‪ (7) .‬كذا في جميع نسخ الكتاب‪ ،‬وفى‬

‫المصدر " تغلغل الى الحوت فعظم له نفسه " وهو الصواب‪ (8) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬غنى‪.‬‬

‫]‪[92‬‬
‫فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك‪ ،‬فبعث ال حوتا صغيرا فأسكنه في اذنه فإذا‬

‫ذهب يتحرك تحرك الذي في اذنه فيسكن )‪ - 17 .(1‬وعن ابن عباس في‬

‫قوله " ومن الرض مثلهن " قال‪ :‬سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم‪،‬‬

‫وآدم كآدم‪ ،‬ونوح كنوح‪ ،‬وإبراهيم كإبراهيم‪ ،‬وعيسى كعيسى )‪- 18 .(2‬‬

‫وعن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬إن الرضين بين‬

‫كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام‪ ،‬والعليا منها على ظهر حوت‬

‫قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك‪،‬‬

‫والثانية مسجن الريح فلما أراد ال أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل‬

‫عليهم ريحا يهلك عادا‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب ارسل عليهم من الريح قدر منخر‬

‫الثور ؟ فقال له الجبار‪ :‬إذن تكفأ الرض ومن عليها‪ ،‬ولكن أرسل عليهم‬

‫بقدر خاتم‪ ،‬فهي التي قال ال في كتابه " ما تذر من شئ أتت عليه إل‬

‫جعلته كالرميم " والثالثة فيها حجارة جهنم‪ .‬والرابعة فيها كبريت جهنم‪،‬‬

‫فقالوا‪ :‬يارسول ال أللنار كبريت ؟ قال‪ :‬نعم والذي نفسي بيده إن فيها‬

‫لودية من كبريت لو ارسل فيها الجبال الرواسي لماعت‪ .‬والخامسة فيها‬

‫حيات جهنم‪ ،‬إن أفواهها كالودية تلسع الكافر اللسعة فل يبقى منه لحم‬

‫على وضم‪ .‬والسادسة فيها عقارب جهنم‪ ،‬إن أدنى عقربة منها كالبغال‬

‫المؤكفة تضرب الكافر ضربة ينسيه ضربها حر جهنم‪ .‬والسابعة فيها سقر‬

‫وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه‪ ،‬فإذا أراد ال أن يطلقه لما‬
‫يشاء أطلقه )‪ - 19 .(3‬وعن أبي الدرداء قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله‪ :‬كنف الرض مسيرة خمسمائة عام‪ ،‬والثانية مثل ذلك‪ ،‬وما بين‬

‫كل أرض أرضين مثل ذلك )‪ - 20 .(4‬وعن ابن عباس قال‪ :‬سيد السماوات‬

‫السماء التي فيها العرش‪ ،‬وسيد‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .238‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.238‬‬

‫)‪ (4‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.239‬‬

‫]‪[93‬‬

‫الرضين الرض التي نحن فيها )‪ - 21 (1‬وعن كعب قال‪ :‬الرضون السبع‬

‫على صخرة‪ ،‬والصخرة في كف ملك والملك على جناح الحوت‪ ،‬والحوت‬

‫في الماء )‪ (2‬على الريح‪ ،‬والريح على الهواء ريح عقيم ل تلقح‪ ،‬وإن‬

‫قرونها معلقة بالعرش )‪ - 22 .(3‬وعن أبي مالك قال‪ :‬الصخرة التي تحت‬

‫الرض منتهى الخلق‪ ،‬على أرجائها أربعة أملك رؤوسهم تحت العرش )‬

‫‪ - 23 .(4‬وعنه قال‪ :‬الصخرة تحت الرضين على حوت‪ ،‬والسلسلة في اذن‬

‫الحوت )‪ - 24 .(5‬وعن ابن عباس قال‪ :‬إن أول شئ خلقه ال القلم فقال‬

‫له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬يا رب وما أكتب ؟ قال‪ :‬اكتب القدر يجري )‪ (6‬من ذلك اليوم‬

‫بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬ثم طوى الكتاب ورفع القلم وكان عرشه‬
‫على الماء‪ ،‬فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات‪ ،‬ثم خلق النون فبسطت‬

‫عليه الرض‪ ،‬والرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الرض‬

‫فاثبتت بالجبال‪ ،‬فإن الجبال لتفخر على الرض إلى يوم القيامة‪ ،‬ثم قرأ ابن‬

‫عباس " ن والقلم وما يسطرون "‪ - 25 .‬وعن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول‬

‫ال صلى ال عليه واله‪ :‬إن أول ما خلق ال القلم والحوت‪ ،‬وقال ما أكتب ؟‬

‫قال‪ :‬كل شئ كائن إلى يوم القيامة‪ ،‬ثم قرأ " ن والقلم " فالنون الحوت‪26 .‬‬

‫‪ -‬وعنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬النون السمكة التي عليها‬

‫قرار الرضين والقلم الذي خط به ربنا عزوجل القدر خيره وشره ونفعه‬

‫وضرره " وما يسطرون " قال‪ :‬الكرام الكاتبون )‪ .(7‬بيان‪ :‬في القاموس‪:‬‬

‫ماع الشئ يميع‪ :‬جرى على وجه الرض منبسطا في هينة‬

‫)‪ (1‬الدر المنثور ج ‪ 6‬ص ‪ (2) .238‬في المصدر‪ :‬والماء على الريح‪- 3) .‬‬

‫‪ (5‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (6) .239‬في المصدر‪ :‬فجرى من ذلك اليوم‬

‫ما‪ (7) ..‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.250‬‬

‫]‪[94‬‬

‫والسمن‪ :‬ذاب‪ .‬وقال‪ :‬الوضم ‪ -‬محركة ‪ :-‬ما وقيت به اللحم عن الرض من‬

‫خشب وحصير‪ .‬وقال‪ :‬إكاف الحمار ككتاب وغراب ووكافه‪ :‬برذعته‪ ،‬وآكف‬
‫الحمار إيكافا وأكفه تأكيفا‪ :‬شده عليه‪ - 27 .‬نوادر الراوندي‪ :‬بإسناده عن‬

‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬أقبل رجلن إلى رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬اجلس على اسم ال تعالى‬

‫والبركة فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬اجلس على استك فأقبل‬

‫يضرب الرض بعصا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تضربها‬

‫فإنها امكم وهي بكم برة‪ - 28 .‬وبهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله‪ :‬تمسحوا بالرض فإنها امكم وهي بكم برة‪ .‬بيان‪ :‬قال في‬

‫النهاية‪ :‬في الحديث " تمسحوا بالرض فإنها بكم برة " أي مشفقة عليكم‬

‫كالوالدة البرة بأولدها‪ ،‬يعني أن منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد‬

‫الموت معادكم‪ ،‬والتمسح أراد به التيمم‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد مباشرة ترابها بالجباه‬

‫في السجود من غير حائل )انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل أن يراد به ما يشمل‬

‫الجلوس على الرض بغير حائل‪ ،‬والكل على الرض من غير مائدة بقرينة‬

‫الخبر الول‪ - 29 .‬العلل‪ :‬لمحمد بن علي بن إبراهيم قال‪ :‬العلة في أن‬

‫الرض لتقبل الدم أنه لما قتل قابيل أخاه هابيل غضب آدم على الرض فل‬

‫تقبل الدم لهذه العلة‪ - 30 .‬العلل‪ :‬عن علي بن أحمد الدقاق‪ ،‬عن الكليني‪،‬‬

‫عن علن بإسناده رفعه قال‪ :‬أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن‬

‫مسائل فكان فيما سأله‪ :‬أخبرني عن قرار هذه الرض على ما هو ؟ فقال‬

‫عليه السلم‪ :‬قرار هذه الرض ل يكون إل على عاتق ملك وقدما ذلك الملك‬
‫على صخرة‪ ،‬والصخرة على قرن ثور‪ ،‬والثور قوائمه علي ظهر الحوت في‬

‫اليم السفل‪ ،‬واليم على الظلمة‪ ،‬والظلمة على العقيم‪ ،‬والعقيم على الثرى‬

‫وما يعلم تحت الثرى إل ال عزوجل )الخبر( )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪) 2 - 1‬مع تقطيع(‪.‬‬

‫]‪[95‬‬

‫‪ - 31‬النهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم في خطبة التوحيد‪ :‬ل يجري‬

‫عليه السكون والحركة‪ ،‬وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود فيه ما هو‬

‫أبداه‪ ،‬ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ إذا لتفاوتت ذاته‪ ،‬ولتجزأ كنهه‪ ،‬ولمتنع‬

‫من الزل معناه‪ ،‬ولكان له وراء إذ وجد له أمام‪ ،‬وللتمس التمام إذ لزمه‬

‫النقصان )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال بعض شراح النهج في قوله عليه السلم " ولتجزأ‬

‫كنهه " إشارة إلى نفي الجوهر الفرد ; وقال‪ :‬قوله عليه السلم " ولكان له‬

‫وراء إذ كان له أمام " يؤكد ذلك لن من أثبته يقول يصح أن تحله الحركة‬

‫وليكون أحد وجهيه غير الخر‪ .‬فائدة اعلم أن الطبيعيين والرياضيين‬

‫اتفقوا على أن الرض كروية بحسب الحس وكذا الماء المحيط بها‪ ،‬وصارا‬

‫بمنزلة كرة واحدة‪ ،‬فالماء ليس بتام الستدارة بل هو على هيئة كرة مجوفة‬

‫قطع بعض منها وملئت الرض على وجه صارت الرض مع الماء بمنزلة‬
‫كرة واحدة‪ ،‬ومع ذلك ليس شئ من سطحيه صحيح الستدارة‪ ،‬أما المحدب‬

‫فلما فيه من المواج‪ ،‬وأما المقعر فللتضاريس فيه من الرض‪ .‬وقد أخرج‬

‫ال تعالى قريبا من الربع من الرض من الماء بمحض عنايته الكاملة‪ ،‬أو‬

‫لبعض السباب المتقدمة لتكون مسكنا للحيوانات المتنفسة وغيرها من‬

‫المركبات المحوجة إلى غلبة العنصر اليابس الصلب لحفظ الصور والشكال‬

‫وربط العضاء والوصال‪ .‬ومما يدل على كروية الرض ما أومأنا إليه‬

‫سابقا من طلوع الكواكب وغروبها في البقاع الشرقية قبل طلوعها‬

‫وغروبها في الغربية بقدر ما تقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين على ما‬

‫علم من ارصاد كسوفات بعينها لسيما القمرية في بقاع مختلفة‪ ،‬فإن ذلك‬

‫ليس في ساعات متساوية البعد من نصف النهار على الوجه المذكور‪،‬‬

‫وكون الختلف متقدرا بقدر البعاد دليل على الستدارة المتشابهة السائرة‬

‫بحدبتها المواضع التي يتلو بعضها بعضا على قياس واحد بين الخافقين‪،‬‬

‫وازدياد ارتفاع القطب والكواكب الشمالية وانحطاط الجنوبية للسائرين‬

‫)‪ (1‬نهج البلغه‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.356‬‬

‫]‪[96‬‬
‫إلى الشمال وبالعكس للسائرين إلى الجنوب بحسب سيرهما دليل على‬

‫استدارتها بين الجنوب والشمال‪ ،‬وتركب الختلفين يعطي الستدارة في‬

‫جميع المتدادات‪ .‬ويؤيده مشاهدة استدارة أطراف المنكسف من القمر‬

‫الدالة على أن الفصل المشترك بين المستضئ من الرض وما ينبعث منه‬

‫الظل دائرة‪ ،‬وكذلك اختلف ساعات النهر )‪ (1‬الطوال والقصار في مساكن‬

‫متفقة الطول إلى غير ذلك‪ .‬ولو كانت اسطوانية قاعدتاها نحو القطبين لم‬

‫يكن لساكني الستدارة كوكب أبدي الظهور‪ ،‬بل إما الجميع طالعة غاربة أو‬

‫كانت كواكب يكون من كل واحد من القطبين على بعد تستره القاعدتان‬

‫أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة وليس كذلك‪ ،‬وأيضا فالسائر إلى الشمال‬

‫قد يغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له‪ ،‬وتظهر له كواكب كانت تغيب‬

‫عنه بقدر إمعانه في السير‪ ،‬وذلك يدل على استدارتها في هاتين الجهتين‬

‫أيضا‪ .‬ومما يدل على استدارة سطح الماء الواقف طلوع رؤوس الجبال‬

‫الشامخة على السائرين في البحر أول ثم ما يلي رؤوسها شيئا بعد شئ في‬

‫جميع الجهات‪ .‬وقالوا‪ :‬التضاريس التي على وجه الرض من جهة الجبال‬

‫و الغوار ل تقدح في كرويتها الحسية‪ ،‬إذ ارتفاع أعظم الجبال وأرفعها‬

‫على ما وجدوه فرسخان وثلث فرسخ‪ ،‬ونسبتها إلى جرم الرض كنسبة‬

‫جرم سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بل أقل من ذلك‪ .‬ويظهر من‬

‫كلم أكثر المتأخرين‪ :‬أن عدم قدح تلك المور في كرويتها الحسية معناه‬
‫أنها لتخل بشكل جملتها كالبيضة الزقت بها حبات شعير لم يقدح ذلك في‬

‫شكل جملتها‪ ،‬واعترض عليه‪ :‬بأن كون الرض أو البيضة حينئذ على‬

‫الشكل الكروي أو البيضى عند الحس ممنوع‪ ،‬وكيف يمكن دعوى ذلك مع‬

‫ما يرى على كل منهما ما يخرج به الشكل مما اعتبروا فيه وعرفوه به ؟ و‬

‫ربما يوجه بوجه آخر وهو أن الجبال والوهاد الواقعة على سطح الرض‬

‫غير محسوسة عادة عند الحساس بجملة كرة الرض على ما هي عليه في‬

‫الواقع‪ .‬بيانه‪ :‬أن رؤية الشياء تختلف بالقرب والبعد‪ ،‬فيرى القريب أعظم‬

‫مما هو الواقع والبعيد أصغر منه وهو ظاهر‪ ،‬وقد أطبق القائلون بالنطباع‬

‫وبخروج الشعاع كلهم على أن هذا الختلف‬

‫)‪ (1‬النهر ‪ -‬بضمتين ‪ :-‬جمع النهار‪.‬‬

‫]‪[97‬‬

‫في رؤية المرئي بسبب القرب والبعد إنما هو تابع لختلف الزاوية‬

‫الحاصلة عند مركز الجليدية في رأس المخروط الشعاعي بحسب التوهم أو‬

‫بحسب الواقع عند انطباق قاعدته على سطح المرئي‪ ،‬فكلما قرب المرئي‬

‫عظمت تلك الزاوية‪ ،‬وكلما بعد صغرت‪ .‬وقد تقرر أيضا بين محققيهم أن‬

‫رؤية الشئ على ما هو عليه إنما هو )‪ (1‬في حالة يكون البعد بين الرائي‬
‫والمرئي على قدر يقتضي أن تكون الزاوية المذكورة قائمة‪ .‬فبناء على ذلك‬

‫إذا فرضت الزاوية المذكورة بالنسبة إلى مرئي قائمة يجب أن يكون البعد‬

‫بين رأس المخروط وقاعدته المحيطة بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته على‬

‫ما تقرر في الصول‪ .‬فلما كان قطر الرض أزيد من ألفي فرسخ بل شبهة ل‬

‫تكون مرئية على ما هي عليه من دون ألف فرسخ‪ ،‬ومعلوم أن الجبال‬

‫والوهاد المذكورة غير محسوسة عادة عند هذا البعد من المسافة فل يكون‬

‫لها قدر محسوس عند الرض بالمعنى الذي مهدنا‪ .‬ثم إنهم استعلموا‬

‫بزعمهم مساحة الرض وأجزاءها ودوائرها في زمان المأمون وقبله‬

‫فوجدوا مقدار محيط الدائرة العظمى من الرض ثمانية آلف فرسخ‪،‬‬

‫وقصرها ألفين وخمسمائة وخمسة وأربعين فرسخا ونصف فرسخ تقريبا‪،‬‬

‫ومضروب القطر في المحيط مساحة سطح الرض وهي عشرون ألف ألف‬

‫وثلثمائة وستون ألف فرسخ وربع ذلك مساحة الربع المسكون من‬

‫الرض‪ .‬وأما القدر المعمور من الربع المسكون وهوما بين خط الستواء‬

‫والموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل الكلي فمساحته ثلثة آلف ألف‬

‫وسبعمائة وخمسة وستين ألفا وأربعمائة وعشرين فرسخا وهو قريب من‬

‫سدس سطح جميع الرض وسدس عشره‪ .‬والفرسخ ثلثة أميال بالتفاق‪،‬‬

‫وكل ميل أربعة آلف ذراع عند المحدثين‪ ،‬وثلثة آلف عند القدماء‪ ،‬وكل‬

‫ذراع أربع و عشرون إصبعا عند المحدثين‪ ،‬واثنان وثلثون عند القدماء‪،‬‬
‫وكل إصبع بالتفاق مقدار ست شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور‬

‫بعض من الشعيرات المعتدلة‪ .‬وذكروا أن للرض ثلث طبقات‪ :‬الولى‪:‬‬

‫الرض الصرفة المحيطة بالمركز‬

‫)‪ (1‬هي )خ(‪.‬‬

‫]‪[98‬‬

‫الثانية‪ :‬الطبقة الطينية وهي المجاورة للماء ; الثالثة‪ .‬الطبقة المنكشفة من‬

‫الماء وهي التي تحتبس فيها البخرة والدخنة وتتولد منها المعادن‬

‫والنباتات والحيوانات‪ .‬وزعموا أن البسائط كلها شفافة ل تحجب عن إبصار‬

‫ما ورائها ما عدا الكواكب‪ ،‬وأن الرض الصرفة المتجاورة )‪ (1‬للمركز‬

‫أيضا شفافة‪ ،‬والطبقتان الخريان ليستا بسيطتين فهما كثيفتان‪ .‬فالرض‬

‫جعل ال الطبقة الظاهرة منها ملونة كثيفة غبراء لتقبل الضياء وخلق ما‬

‫فوقها من العناصر مشفة لطيفة بالطباع لينفذ فيها ويصل إلى غيرها ساطع‬

‫الشعاع‪ ،‬فإن الكواكب وسيما الشمس والقمر أكثر تأثيراتها في العوالم‬

‫السفلى بوسيلة أشعتها المستقيمة والمنعطفة والمنعكسة بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫وقالوا‪ :‬الرض في وسط السماء كالمركز في الكرة فينطبق مركز حجمها‬

‫على مركز العالم‪ ،‬وذلك لتساوي ارتفاع الكواكب وانحطاطها مدة ظهورها‬
‫وظهور النصف من الفلك دائما وتطابق أظلل الشمس في وقتي طلوعها‬

‫وغروبها عند كونها على المدار الذي يتساوى فيه زمان ظهورها وخفائها‬

‫على خط مستقيم‪ ،‬أو عند كونها في جزئين متقابلين من الدائرة التي‬

‫يقطعها بسيرها الخاص بها‪ ،‬وانخساف القمر في مقاطراته )‪ (2‬الحقيقية‬

‫للشمس‪ ،‬فإن الول يمنع ميلها إلى أحد الخافقين‪ ،‬والثاني إلى أحد‬

‫السمتين‪ :‬الرأس والقدم‪ ،‬و الثالث إلى أحد القطبين‪ ،‬والرابع إلى شئ منها‬

‫أو من غيرها من الجهات كما ل يخفى‪ .‬وكما أن مركز حجمها منطبق على‬

‫مركز العالم فكذا مركز ثقلها‪ ،‬وذلك لن الثقال تميل بطبعها إلى الوسط كما‬

‫دلت عليه التجربة‪ ،‬فهي إذن ل تتحرك عن الوسط‪ ،‬بل هي ساكنة فيه‬

‫متدافعة بأجزائها من جميع الجوانب إلى المركز تدافعا متساويا‪ ،‬فل محالة‬

‫ينطبق مركز ثقلها الحقيقي المتحد بمركز حجمها التقريبي على مركز العالم‬

‫ومستقرها عند وسط العالم لتكافؤ القوى بل تزلزل واضطراب يحدث فيها‬

‫لثباتها بالسبب المذكور‪ ،‬ولكون الثقال المنتقلة من جانب منها إلى الخر‬

‫في غاية الصغر بالقياس إليها ل يوجب انتقال مركز ثقلها من نقطة إلى‬

‫اخرى بحركة شئ منها‪ ،‬وكذا الجزاء‬

‫)‪ (1‬المجاورة )خ(‪ (2) .‬المقاطرة‪ :‬مقابلة القطرين‪.‬‬


‫]‪[99‬‬

‫المبائنة لها تهوي إليها وهي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب‪.‬‬

‫هذا ما ذكروه في هذا المقام‪ ،‬ول نعرف من ذلك إل كون الجميع بقدرة‬

‫القادر العليم وإرادة المدبر الحكيم كما ستعرف ذلك إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال‬

‫الشيخ المفيد ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في كتاب المقالت‪ :‬أقول‪ :‬إن العالم هو السماء‬

‫والرض وما بينهما وفيهما من الجواهر والعراض‪ ،‬ولست أعرف بين‬

‫أهل التوحيد خلفا في ذلك‪ .‬أقول‪ :‬لعل مراده ‪ -‬قدس سره ‪ -‬بالسماوات ما‬

‫يشمل العرش والكرسي والحجب‪ ،‬وغرضه نفي الجواهر المجردة التي‬

‫تقول بها الحكماء‪ .‬ثم قال ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬وأقول‪ :‬إن الفلك هو المحيط‬

‫بالرض الدائر عليها وفيه الشمس والقمر وسائر النجوم‪ ،‬والرض في‬

‫وسطه بمنزلة النقطة في وسط الدائرة‪ ،‬وهذا مذهب أبي القاسم البلخي‬

‫وجماعة كثيرة من أهل التوحيد‪ ،‬ومذهب أكثر القدماء والمنجمين وقد‬

‫خالف فيه جماعة من بصرية المعتزلة وغيرهم من أهل النحل‪ .‬وأقول‪ :‬إن‬

‫المتحرك من الفلك إنما يتحرك حركة دورية كما يتحرك الدائر على الكرة‪،‬‬

‫وإلى هذا ذهب البلخي وجماعة من أهل التوحيد‪ ،‬والرض على هيئة الكرة‬

‫في وسط الفلك وهي ساكنة ل تتحرك‪ ،‬وعلة سكونها أنها في المركز‪ ،‬وهو‬

‫مذهب أبي القاسم وأكثر القدماء والمنجمين‪ ،‬وقد خالف فيه الجبائي وابنه‬

‫وجماعة غيرهما من أهل الراء والمذاهب من المقلدة والمتكلمين‪ - .‬ثم قال‬


‫‪ :-‬وأقول‪ :‬إن العالم مملوءة من الجواهر وإنه لخل فيه‪ ،‬ولو كان فيه خل‬

‫لما صح فرق بين المجتمع والمتفرق من الجواهر والجسام وهو مذهب‬

‫أبي القاسم خاصة من البغداديين‪ ،‬ومذهب أكثر القدماء من المتكلمين‬

‫وخالف فيه الجبائي وابنه وجماعة متكلمي أهل الحشو والجبر والتشبيه‪- .‬‬

‫ثم قال ‪ :-‬وأقول‪ :‬إن المكان هو ما أحاط بالشئ من جميع جهاته‪ ،‬ول يصح‬

‫تحرك الجواهر إل في الماكن ; والوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشئ‬

‫وليس بحادث مخصوص والزمان اسم يقع على حركات الفلك فلذلك لم يكن‬

‫الفعل محتاجا في وجوده إلى وقت ول زمان‪ ،‬وعلى هذا القول سائر‬

‫الموحدين‪ .‬وسئل السيد المرتضى ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬الفراغ له نهاية ؟ والقديم‬

‫تعالى يعلم‬

‫]‪[100‬‬

‫منتهى نهايته ؟ وهذا الفراغ أي شئ هو ؟ وكذلك الطبقة الثامنة من الرض‬

‫والثامنة من السماء نقطع أن هناك فراغا أم ل ؟ فإن قلت‪ :‬ل‪ ،‬طالبتك بما‬

‫وراء المل‪ ،‬القديم تعالى يعلم أن هناك نهاية‪ ،‬فإن قلت‪ :‬نعم‪ ،‬طالبتك أي شئ‬

‫وراء النهاية ؟ فأجاب ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬إن الفراغ ل يوصف بأنه منته‪ ،‬ول‬

‫أنه غير منته على وجه الحقيقة‪ ،‬وإنما يوصف بذلك مجازا واتساعا‪ ،‬وأما‬

‫قوله‪ :‬وهذا الفراغ أي شئ هو ؟ فقد علمنا )‪ (1‬أنه لجوهر ول عرض‬


‫ولقديم ول محدث ول هو ذات ول هو معلوم كالمعلومات‪ .‬وأما الطبقة‬

‫الثامنة من الرض فما نعرفها‪ ،‬والذي نطق به القرآن‪ " :‬سبع سموات‬

‫طباقا ومن الرض مثلهن " فأما غير ذلك فل سبيل للقطع به من عقل ول‬

‫شرع )انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬بسط الكلم في هذه المور خروج عن مقصود‬

‫الكتاب‪ ،‬ومحله علم الكلم‪) 32 .‬باب آخر( * )في قسمة الرض الى القاليم‬

‫وذكر جبل قاف وسائر الجبال( * * )وكيفية خلقها وسبب الزلزلة وعلتها(‬

‫* اليات‪ :‬النحل‪ :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم )‪ .(2‬الكهف‪ :‬حتى‬

‫إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وكان وعد ربي حقا‬

‫)‪ .(3‬النبياء‪ :‬وجعلنا في الرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا‬

‫سبل لعلهم‬

‫)‪ (1‬قلنا )خ(‪ (2) .‬النحل‪ (3) .15 :‬الكهف‪.98 - 93 :‬‬

‫]‪[101‬‬

‫يهتدون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب‬

‫ينسلون )‪ .(2‬لقمان‪ :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم )‪ .(3‬فاطر‪:‬‬

‫ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود )‪ .(4‬ص‪ :‬إنا‬

‫سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق )‪ .(5‬ق‪ :‬وألقينا فيها رواسي‬
‫)‪ .(6‬الطور‪ :‬والطور )‪ - (7‬وقال تعالى ‪ -‬وتسير الجبال سيرا )‪.(8‬‬

‫المرسلت‪ :‬وجعلنا فيها رواسي شامخات )‪ .(9‬النبأ‪ :‬ألم نجعل الرض‬

‫مهادا والجبال أوتادا )‪ .(10‬الغاشية‪ :‬وإلى الجبال كيف نصبت )‪ .(11‬التين‪:‬‬

‫والتين والزيتون وطور سينين )‪ .(12‬تفسير‪ " :‬أن تميد بكم " قال المبرد‪:‬‬

‫أي منع الرض أن تميد‪ ،‬وقيل‪ :‬لئل تميد‪ ،‬وقيل‪ :‬أي كراهة أن تميد‪ ،‬وقال‬

‫بعض المفسرين‪ :‬الميد الضطراب في الجهات الثلث‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الرض‬

‫كانت تميد وترجف رجوف السقف بالوطء فثقلها ال بالجبال الرواسي‬

‫ليمنع من رجوفها‪ ،‬ورووا عن ابن عباس أنه قال‪ :‬إن الرض بسطت على‬

‫الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة فأرساها ال تعالى بالجبال‪ .‬ثم‬

‫إنهم‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .31 :‬النبياء‪ (3) .95 :‬لقمان‪ (4) .100 :‬فاطر‪(5) .27 :‬‬

‫ص‪ (6) .18 :‬ق‪ (7) .7 :‬الطور‪ (8) .1 :‬الطور‪ (9) .10 :‬المرسلت‪.27 :‬‬

‫)‪ (10‬النبأ‪ (11) .6 :‬الغاشية‪ (12) .19 :‬التين‪.2 - 1 :‬‬

‫]‪[102‬‬

‫اختلفوا في أنه لما صارت الجبال سببا لسكون الرض على أقوال‪ ،‬وذكروا‬

‫لذلك وجوها ولنذكر بعضها‪ :‬الول‪ :‬ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره‪ :‬أن‬
‫السفينة إذا القيت على وجه الماء فإنها تميل )‪ (1‬من جانب إلى جانب‬

‫وتضطرب فإذا وقعت الجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء‪ ،‬فكذلك‬

‫لما خلق ال تعالى الرض على وجه الماء اضطربت ومادت‪ ،‬فخلق ال‬

‫تعالى عليها هذه الجبال ووتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل‬

‫الجبال‪ .‬ثم قال‪ :‬لقائل أن يقول‪ :‬هذا يشكل من وجوه‪ :‬الول أن هذا المعلل‬

‫إما أن يقول بأن حركات الجسام بطباعها أو يقول ليست بطباعها بل هي‬

‫واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها‪ ،‬فعلى التقدير الول نقول‪ :‬لشك أن‬

‫الرض أثقل من الماء‪ ،‬والثقل يغوص في الماء ول يبقى طافيا عليه‬

‫فامتنع أن يقال‪ :‬إنها كانت تميد وتضطرب بخلف السفينة فإنها متخذة من‬

‫الخشب وفي داخل الخشب تجويفات غير مملوءة )‪ (2‬فلذلك تميد وتضطرب‬

‫على وجه الماء‪ ،‬فإذا ارسيت بالجسام الثقيلة استقرت وسكنت فظهر‬

‫الفرق‪ .‬وأما على التقدير الثاني وهو أن يقال ليس للرض والماء طبائع‬

‫توجب الثقل والرسوب‪ ،‬والرض إنما تنزل لن ال تعالى أجرى عادته‬

‫بجعلها كذلك‪ ،‬وإنما صار الماء محيطا بالرض لمجرد إجراء العادة ليس‬

‫ههنا طبيعة للرض ول للماء توجب حالة مخصوصة‪ ،‬فنقول‪ :‬على هذا‬

‫التقدير علة سكون الرض هي أن ال تعالى يخلق فيها السكون وعلة‬

‫كونها مائدة مضطربة هو أن ال تعالى يخلق فيها الحركة‪ ،‬فيفسد القول بأن‬

‫ال تعالى خلق الجبال لتبقى الرض‪ ،‬ساكنة فثبت أن التعليل مشكل على كل‬
‫التقديرين‪ .‬الشكال الثاني‪ :‬أن إرساء الرض بالجبال إنما يعقل لجل أن‬

‫تبقى الرض على وجه الماء من غير أن تميد وتميل من جانب إلى جانب‪،‬‬

‫وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الرض على وجهه واقفا‪ .‬فنقول‪ :‬فما‬

‫المقتضي لسكونه في ذلك الحيز‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬تميد‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬مملوة من الهواء‪.‬‬

‫]‪[103‬‬

‫المخصوص ؟ فإن قلت‪ :‬إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين‬

‫فحينئذ يفسد القول بأن الرض إنما وقفت بسبب أن ال تعالى أرساها‬

‫بالجبال‪ .‬وإن قلت‪ :‬إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن ال‬

‫تعالى أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص‪ ،‬فنقول‪ :‬فلم ل تقول‬

‫مثله في سكون الرض ؟ وحينئذ يفسد هذا التعليل أيضا‪ .‬الشكال الثالث‪:‬‬

‫أن مجموع الرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته ويضطرب على وجه‬

‫البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس‪ .‬فإن قيل‪ :‬أليس أن الرض‬

‫تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلزل وتظهر تلك الحركات‬

‫للناس ؟ قلنا البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الرض‪ ،‬فلما‬

‫حصلت الحركة في تلك القطعة ظهرت تلك الحركة‪ ،‬فإن ظهور الحركة في‬
‫تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلج عضو من بدن النسان‪ ،‬أما لو‬

‫تحركت كلية الرض تظهر‪ ،‬أل ترى أن الساكن في سفينة ل يحس بحركة‬

‫كلية السفينة وإن كانت على أسرع الوجوه وأقواها )‪) (1‬انتهى كلمه(‪.‬‬

‫ويمكن أن يجاب عنها‪ :‬أما عن الشكال الول فبأن يختار أنها طالبة بطبعها‬

‫للمركز لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية‬

‫ويزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة‪ ،‬فكانت تميد وتضطرب بأهلها‬

‫وتغوص قطعة منها وتخرج قطعة منها‪ ،‬ولما أرساها ال تعالى بالجبال‬

‫وأثقلها قاومت الماء وأمواجه بثقلها فكانت كالوتاد مثبتة لها‪ .‬ومنه يظهر‬

‫الجواب عن الشكال الثاني‪ ،‬على أن توقف إرساء الرض بالجبال على‬

‫سكون الماء في حيز معين ممنوع‪ .‬وأما عن الشكال الثالث فبأن يقال‪:‬‬

‫ليس المتنان بمجرد عدم ظهور حركة الرض حتى يقال‪ :‬إنه على تقدير‬

‫حركتها بكليتها ل يظهر للناس بل بخروج البقاع من الماء وعدم غرقها‬

‫بحركة الرض وميدانها بأهلها‪ ،‬على أن الظاهر أن الحركة التي ل تحس‬

‫إنما هي إذا كانت في جهة مخصوصة وعلى وضع واحد كحركة وضعية‬

‫مستمرة أو حركة أينية على جهة‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،20‬ص ‪8‬‬


‫]‪[104‬‬

‫واحدة كحركة السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب‪ ،‬وأما إذا تحركت‬

‫في جهات مختلفة واضطربت فيحس بها كحركة السفينة عند تلطم البحر‬

‫واضطرابه‪ ،‬وهذا هو الفرق بين حالة الزلزلة وبين حركة الرض في‬

‫الظهور وعدمه‪ ،‬فأنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير مضطربة في سيرها‬

‫لما احس بها كما ل يحس بحركة كلها بل باضطراب الحركة وكونها في‬

‫جهات مختلفة تحس الحركة‪ ،‬سواء كان محلها كل الرض أو بعضها‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬ما ذكره الفاضل المقدم ذكره أيضا في تفسيره واختاره حيث‬

‫قال‪ :‬والذي عندي في هذا الموضع المشكل أن يقال‪ :‬إنه ثبت بالدلئل‬

‫اليقينية أن الرض كرة وأن هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى‬

‫خشونات وتضريسات تحصل على وجه هذه الكرة‪ .‬إذا ثبت هذا فنقول‪ :‬إذا‬

‫فرضنا أن هذه الخشونات ما كانت حاصله بل كانت الرض كرة حقيقية‬

‫خالية عن هذه الخشونات والتضريسات لصارت بحيث تتحرك بالستدارة‬

‫بأدنى سبب‪ ،‬لن الجرم البسيط المستدير وإن لم يجب كونه متحركا‬

‫بالستدارة عقل‪ ،‬إل أنه بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه‪ ،‬أما إذا حصل‬

‫على سطح كرة الرض هذه الجبال وكانت كالخشونات الواقعة على وجه‬

‫الكرة‪ ،‬فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم‪ ،‬وتوجه‬

‫ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى‬
‫الوتد الذي يمنع كرة الرض من الستدارة‪ ،‬فكان تخليق هذه الجبال على‬

‫الرض كالوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها عن الحركة المستديرة‪،‬‬

‫وكانت مانعة للرض عن الميد والميل والضطراب بمعنى أنها منعت‬

‫الرض عن الحركة المستديرة‪ ،‬فهذا ما وصل إليه خاطري )‪ (1‬في هذا‬

‫الباب وال أعلم )‪) (2‬انتهى(‪ .‬واعترض عليه بأن كلمه ل يخلو عن‬

‫تشويش واضطراب‪ ،‬والذي يظهر من أوائل كلمه هو أنه جعل المناط في‬

‫استقرار الرض الخشونات والتضريسات من حيث إنها خشونات‬

‫وتضريسات‪ ،‬وذلك إما لممانعة الجزاء المائية الملصقة لتلك التضريسات‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬بحثي‪ (2) .‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،20‬ص ‪.9‬‬

‫]‪[105‬‬

‫لستلزام حركة الرض زوالها عن مواضعها‪ ،‬وحينئذ يكون علة السكون‬

‫هي الجبال الموجودة في الماء ل ما خلقت في الربع المكشوف من الرض‪،‬‬

‫ولعله خلف الظاهر في معرض المتنان بخلق الجبال وهو خلف الظاهر‬

‫من قوله تعالى " وجعل فيها رواسي من فوقها " والقول بأن ما في الماء‬

‫أيضا فوقها فلعل المراد تلك الجبال ل يخلوا عن بعد مع أنها ربما كانت‬

‫معاونة لحركة الرض‪ ،‬كما إذا تحركت كرة الماء بتموجها بأجمعها أو‬
‫تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات‪ ،‬وإنما يمانعها عن الحركة أحيانا‬

‫عند حركة أبعاضها‪ ،‬وإما لممانعة الجزاء الهوائية المقارنة للجبال الكائنة‬

‫على الربع الظاهر فكانت الوتاد مثبتة لها في الهواء مانعة عن تحريك‬

‫الماء بتموجه إياها كما يمانع الجبال المخلوقة في الماء عن تحريك الرياح‬

‫إياها‪ ،‬وحينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة الرض في‬

‫بعض الصور معاوقا عنها في بعضها‪ ،‬ول مدخل حينئذ لثقل الجبال وتركبها‬

‫في سكون الرض واستقرارها‪ ،‬والذي يظهر من قوله " لن الجرم البسيط‬

‫‪ -‬الخ ‪ " -‬أن البساطة توجب حركة الرض‪ ،‬إما بانفرادها أو بمشاركة عدم‬

‫الخشونة ولعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة أجزائه إلى‬

‫أجزاء المكان وإنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الرض على‬

‫مركز العالم على أي وضع كان‪ ،‬والماء ل يقوى على إخراج الكرة عن‬

‫مكانها نعم يحركها بالحركة المستديرة‪ ،‬بخلف المركب فإنه ربما كان‬

‫بعض أجزائه مقتضيا لوضع خاص كمحاذاة أحد القطبين مثل حتى تكون‬

‫الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الرض وإن لم يكن هناك جبل وارتفاع‪،‬‬

‫فل يكون المتنان بخلق الجبل من حيث أنه جبل‪ ،‬بل من حيث أنه مركب‪،‬‬

‫إل على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من‬

‫التركب والتضريس‪ ،‬و الظاهر من وصف الجبال بالشامخات في الية‬

‫مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى‪ ،‬إل أن يكون الوصف لترتب فوائد اخر‬
‫عليها‪ ،‬وحينئذ ل مدخل لثقل الجبال في سكون الرض كما يظهر من قوله‬

‫أخيرا‪ ،‬فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم‪ ،‬وتوجه‬

‫ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى‬

‫الوتد الذي يمنع كرة الرض من الستدارة‪ ،‬ومع ذلك ل ينفع في نفي‬

‫]‪[106‬‬

‫الحركة المشرقية والمغربية بل يؤيدها‪ ،‬ويمكن أن يكون مراده أن العلة هي‬

‫المجموع من المور الثلثة‪ ،‬ولعله جعل الطبيعية الرضية كافية في‬

‫استقرارها في مكانها‪ ،‬وإنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالستدارة حركة‬

‫وضعية‪ ،‬ولذا قال أخيرا‪ :‬وكانت مانعة للرض عن الميد والضطراب‪،‬‬

‫بمعنى أنها منعت الرض عن الحركة المستديرة‪ .‬الوجه الثالث‪ :‬ما يخطر‬

‫بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الرض بسبب اشتباكها‬

‫واتصال بعضها ببعض في أعماق الرض بحيث تمنعها عن تفتت أجزائها‬

‫وتفرقها‪ ،‬فهي بمنزلة الوتاد المغروزة المثبتة في البواب المركبة من قطع‬

‫الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا للتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها‪،‬‬

‫وهذا معلوم ظاهر لمن حفر البار في الرض فإنها تنتهي عند المبالغة في‬

‫حفرها إلى الحجار الصلبة‪ ،‬و أنت ترى أكثر قطع الرض واقعة بين جبال‬

‫محيطة بها‪ ،‬فكأنها مع ما يتصل بها من القطعة الحجرية المتصلة بها من‬
‫تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتت والتفرق والضطراب‬

‫عند عروض السباب الداعية إلى ذلك‪ .‬الوجه الرابع‪ :‬ما ذكره بعض‬

‫المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ الموتود في بعض‬

‫المواضع عن الحركة والضطراب حتى يكون قارا ساكنا‪ ،‬وكان من لوازم‬

‫ذلك السكون في بعض الشياء صحة الستقرار على ذلك والتصرف عليه‪،‬‬

‫وكان من فائدة وجود الجبال والتضريسات الموجودة في وجه الرض أن ل‬

‫تكون مغمورة بالماء ليحصل للحيوان الستقرار والتصرف عليها‪ ،‬ل جرم‬

‫كان بين الوتاد والجبال الخارجة من الماء في الرض اشتراك في كونهما‬

‫مستلزمين لصحة استقراره مانعين من عدمه‪ ،‬ل جرم حسنت نسبة اليتاد‬

‫إلى الصخور والجبال‪ .‬وأما إشعاره بالميدان فلن الحيوان كما يكون صادقا‬

‫عليه أنه غير مستقر على الرض بسبب انغمارها في الماء لو لم يوجد‬

‫الجبال كذلك يصدق على الرض أنها غير مستقرة تحته ومضطربة بالنسبة‬

‫إليه‪ ،‬فثبت حينئذ أنه لول وجود الجبال في سطح الرض لكانت مضطربة‬

‫ومائدة بالنسبة إلى الحيوان‪ ،‬لعدم تمكنه من الستقرار عليها‪.‬‬

‫]‪[107‬‬

‫الوجه الخامس‪ :‬أن يكون المراد بالجبال الرواسي النبياء والولياء‬

‫والعلماء‪ ،‬وبالرض الدنيا‪ .‬أما وجه التجوز بالجبال عن النبياء والعلماء‬


‫فلن الجبال لما كانت على غاية من الثبات والستقرار مانعة لما يكون‬

‫تحتها من الحركة والضطراب عاصمة لما يلتجئ إليها من الحيوان عما‬

‫يوجب له الهرب فيسكن بذلك اضطرابه وقلقلته أشبهت الوتاد من بعض‬

‫هذه الجهات‪ .‬ثم لما كانت النبياء والعلماء هم السبب في انتظام امور الدنيا‬

‫وعدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالوتاد للرض‪ ،‬فل جرم صحت‬

‫استعارة لفظ الجبال لهم‪ ،‬ولذلك صح في العرف أن يقال‪ :‬فلن جبل منيع‬

‫يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات والحوائج‪ ،‬والعلماء‬

‫أوتاد ال في الرض‪ .‬الوجه السادس‪ :‬أن يكون المقصود من جعل الجبال‬

‫كالوتاد في الرض أن يهتدى بها إلى طرقها والمقاصد فيها‪ ،‬فل تميد‬

‫جهاتها المشتبهة بأهلها ول تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم‬

‫ومقاصدهم‪ .‬وهذه الوجوه الثلثة ذكرها بعض المتعسفين‪ ،‬و هذا دأبه في‬

‫أكثر اليات والخبار حيث يؤولها بل ضرورة داعية وعلة مانعة عن القول‬

‫بظاهرها‪ ،‬وهل هذا إل افتراء على مالك يوم الدين‪ ،‬وافتراء على حجج رب‬

‫العالمين ؟ !‪ .‬الوجه السابع‪ :‬أن يقال‪ :‬المراد بالرض قطعاتها وبقاعها ل‬

‫مجموع كرة الرض وبكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان‬

‫والضطراب بالزلزلة ونحوها إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن‬

‫ال تعالى‪ ،‬أو لغير ذلك من السباب التي يعلمها مبدعها ومنشئها‪ .‬وهذا‬

‫وجه قريب ويؤيده ما سيأتي في باب الزلزلة من حديث ذي القرنين‪ .‬أقول‪:‬‬


‫وأما حديث ذي القرنين والسد وغيره من أحواله فقد مضى في المجلد‬

‫الخامس في باب أحواله‪ ،‬ولنذكر هنا بعض ما مضى برواية اخرى‪ :‬قال‬

‫الثعلبي في العرائس‪ :‬روى وهب بن منبه وغيره من أهل الكتب قالوا‪:‬‬

‫]‪[108‬‬

‫كان ذوالقرنين رجل من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره‬

‫وكان اسمه " اسكندروس " ويقال‪ :‬كان اسمه " عياش " وكان عبدا‬

‫صالحا‪ ،‬فلما استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى ال إليه‪ :‬يا ذاالقرنين !‬

‫إني بعثتك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين وجعلتك حجتي عليهم‪ ،‬وهذا‬

‫تأويل رؤياك وإني باعثك إلى امم الرض كلهم وهم سبع امم مختلفة‬

‫ألسنتهم‪ ،‬منهم امتان بينهما عرض الرض‪ ،‬وامتان بينهما طول الرض‪،‬‬

‫وثلث امم في وسط الرض‪ ،‬وهم الجن والنس ويأجوج ومأجوج‪ .‬فأما‬

‫المتان اللتان بينهما طول الرض فامة عند المغرب يقال لها " ناسك "‬

‫وامة اخرى بحيالها عند مطلع الشمس يقال لها " منسك " وأما اللتان‬

‫بينهما عرض الرض فامة في قطر الرض اليمن يقال لها " هاويل "‬

‫وامة في قطر الرض اليسر يقال لها " قاويل " فلما قال ال سبحانه ذلك‬

‫قال ذوالقرنين‪ :‬إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم ل يقدر قدره إل أنت‬

‫فأخبرني عن المم التي بعثتني إليها بأي قوة اكاثرهم ؟ أو بأي جمع وحيلة‬
‫اكابرهم ؟ وبأي صبر اقاسيهم ؟ وبأي لسان اناطقهم ؟ وكيف لي بأن أفهم‬

‫لغاتهم ؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم ؟ وبأي بصر انفذهم ؟ وبأي حجة‬

‫اخاصمهم ؟ وبأي عقل أعقل عنهم ؟ وبأي قلب وحكمة ادبر امورهم ؟‬

‫وبأي قسط أعدل بينهم ؟ وبأي حلم اصابرهم ؟ وبأي معرفة أفصل بينهم ؟‬

‫وبأي علم اتقن امورهم ؟ وبأي يد أستطيل عليهم ؟ وبأي رجل أطأهم ؟‬

‫وبأي طاقة احصيهم ؟ وبأي جند اقاتلهم ؟ وبأي رفق أتألفهم ؟ وليس‬

‫عندي يا إلهي شئ مما ذكرت يقوم لهم ويقوى عليهم و أنت الرؤف الرحيم‬

‫الذي ل تكلف نفسا إل وسعها ول تكلفها إل طاقتها‪ .‬فقال ال عز وجل‪ :‬إني‬

‫ساطوقك ما حملتك‪ :‬أشرح لك سمعك فتسمع كل شئ وتعي كل شئ وأشرح‬

‫لك فهمك فنفقه كل شئ‪ ،‬وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شئ‪ ،‬وأفتح لك‬

‫بصرك فتنفذ كل شئ‪ ،‬واحصي لك فل يفوتك شئ‪ ،‬وأشد لك عضدك فل‬

‫يهولك شئ وأشد لك ركنك فل يغلبك شئ‪ ،‬وأشد لك قلبك فل يفزعك شئ‪،‬‬

‫وأشد لك يدك فتسطو فوق كل شئ وأشد لك وطأتك فتهد على كل شئ‪،‬‬

‫وألبسك الهيبة فل يروعك شئ‪ ،‬واسخر الظلمة من ورائك‪ .‬فلما قيل له ذلك‬

‫حدث نفسه بالمسير وألح‬

‫]‪[109‬‬
‫عليه قومه بالمقام فلم يفعل وقال‪ :‬ل بد من طاعة ال تعالى‪ .‬ثم أمرهم أن‬

‫يبنوا له مسجدا وأن يجعلوا طول المسجد أربعمأة ذراع‪ ،‬وأمرهم أن ل‬

‫ينصبوا فيه السواري‪ .‬قالوا كيف نصنع ؟ قال‪ :‬إذا فرغتم من بنيان الحائط‬

‫فاكبسوها بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد‪ ،‬فإذا فرغتم‬

‫فرضتم من الذهب على الموسر قدره وعلى المقتر قدره‪ ،‬ثم قطعتموه مثل‬

‫قلمة الظفر‪ ،‬ثم خلطتموه بذلك الكبس وجعلتم خشبا من نحاس‪ ،‬ووتدا من‬

‫نحاس‪ ،‬وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم تمكنون من العمل كيف شئتم‬

‫على أرض مستوية‪ .‬وجعلتم طول كل خشبة مأتي ذراع وأربعة وعشرين‬

‫ذراعا‪ :‬مأتا ذراع في ما بين الحائطين لكل حائط اثنا عشر ذراعا ثم تدعون‬

‫المساكين لنقل التراب فيتسارعون إليه لجل ما فيه من الذهب والفضة فمن‬

‫حمل شيئا فهو له‪ .‬ففعلوا ذلك‪ ،‬فأخرج المساكين التراب واستقر السقف بما‬

‫عليه و استغنى المساكين‪ ،‬فجندهم أربعين ألفا‪ ،‬وجعلهم أربعة أجناد في كل‬

‫جند عشرة آلف ثم عرضهم فوجدهم في ما قيل ألف ألف وأربعمأة ألف‬

‫رجل منهم من جنده ثمانمأة ألف ومن جند دارا )‪ (1‬ستمأة ألف ومن‬

‫المساكين أربعين ألفا‪ .‬ثم انطلق يؤم المة التي عند مغرب الشمس‪ ،‬فذلك‬

‫قوله تعالى " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة "‬

‫أي ذات حمأة‪ .‬ومن قرأ " حامية " باللف من غير همز فمعناها‪ :‬حارة‪.‬‬

‫فلما بلغ مغرب الشمس وجد جمعا وعددا ل يحصيهم إل ال تعالى وقوة‬
‫وبأسا ل يطيقه إل ال عزوجل " ورأى ألسنة مختلفة وأهواء متشتة وذلك‬

‫قول ال تعالى " ووجد عندها قوما " يعني ناسا كثيرة يقال لها " ناسك "‬

‫فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة‪ ،‬فضرب حولهم ثلثة عساكر منها فأحاط بهم‬

‫من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد‪ ،‬ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى‬

‫ال عزوجل وعبادته " فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى‬

‫الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وانوفهم وآذانهم‬

‫وأحداقهم وأجوافهم‪ ،‬ودخلت في بيوتهم ودورهم‪ ،‬وغشيهم من فوقهم ومن‬

‫كل جانب منهم‪ ،‬فهاجوا فيه وتحيروا‪ ،‬فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا‬

‫إليه بصوت واحد‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع النسخ‪.‬‬

‫]‪[110‬‬

‫فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته‪ .‬فجند من أهل المغرب امما‬

‫عظيمة فجعلهم جندا واحدا‪ ،‬ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من‬

‫خلفهم وتحرسهم من خلفهم والنور أمامهم يقوده ويدله وهو يسير في‬

‫ناحية الرض اليمنى‪ ،‬وهو يريد المة التي في قطر الرض اليمن التي‬

‫يقال لها " هاويل " وسخر ال له قلبه ويده ورأيه وعقله ونظره فل يخطئ‬
‫إذا عمل عمل‪ ،‬فانطلق يقود تلك المم وهي تتبعه‪ ،‬فإذا هي أتت إلى بحر أو‬

‫مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار‪ ،‬أمثال البغال‪ ،‬فنظمها في ساعة ثم حمل‬

‫فيها جميع من معه من تلك المم وتلك الجنود فإذا هي قطع النهار والبحار‬

‫فتقها‪ .‬ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلم يكرثه حمله فلم يزل ذلك دأبه‬

‫حتى انتهى إلى " هاويل " فعمل فيها كفعله في " ناسك " فلما فرغ منها‬

‫مضى على وجهه في ناحية الرض اليمنى حتى انتهى إلى " منسك " عند‬

‫مطلع الشمس فعمل فيها وجند جنودا كفعله في المتين قبلهما‪ ،‬ثم كر مقبل‬

‫حتى أخذ ناحية ]الرض[ اليسرى وهو يريد " قاويل " وهي المة التي‬

‫بحيال " هاويل " وهما متقابلتان بينهما عرض الرض كله‪ ،‬فلما بلغها‬

‫عمل فيها وجند فيها كفعله في ما قبلها‪ ،‬فذلك قوله تعالى " حتى إذا بلغ‬

‫مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " يعني‪:‬‬

‫مسكنا‪ .‬قال قتادة‪ :‬لم يكن بينهم وبين الشمس ستر‪ ،‬وذلك أنهم كانوا في‬

‫مكان ل يستقر عليه بناء‪ ،‬وكانوا يكونون في أسراب لهم‪ ،‬حتى إذا زالت‬

‫الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬كانت أرضهم‬

‫أرضا ل تحتمل البناء فكانوا إذا طلعت عليهم الشمس هووا في الماء‪ ،‬فإذا‬

‫ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما تتراعى البهائم‪ .‬و قال ابن جريح‪:‬‬

‫وجاءهم جيش مرة وقال لهم أهلها ل يطلع عليكم الشمس وأنتم بها !‬

‫فقالوا‪ :‬ما ؟ ؟ ؟ ؟ تطلع الشمس فنراها‪ ،‬فماتوا‪ .‬وقيل‪ :‬فذهبوا بها هاربين‬
‫في الرض‪ .‬وقال ؟ ؟ ؟‪ :‬هم امة يقال لها منسك حفاة عماة عن الحق‪ .‬قال‪:‬‬

‫وحدثنا عمرو بن مالك ؟ ؟ قال‪ :‬وجدت رجل بسمرقند يحدث الناس وهم‬

‫يجتمعون حوله فسألت بعض من سمع فأخبرني أنه حدثهم عن القوم الذين‬

‫تطلع عليهم الشمس‪.‬‬

‫]‪[111‬‬

‫قال‪ :‬قال‪ :‬خرجت حتى إذا جاوزت الصين‪ ،‬ثم سألت عنهم‪ ،‬فقيل‪ :‬إن بينك‬

‫وبينهم مسيرة يوم وليله‪ ،‬فاستأجرت رجل فسرت بقية عشيتي وليلتي حتى‬

‫صبحتهم‪ ،‬فإذا أحدهم يفرش اذنه ويلبس الخرى وان صاحبي يحسن‬

‫لسانهم فسألهم‪ ،‬وقال‪ :‬جئنا ننظر كيف تطلع الشمس‪ ،‬فبينا نحن كذلك إذ‬

‫سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علي فأفقت وهم يمسحونني بالدهن‪ ،‬فلما‬

‫طلعت الشمس على الماء فإذا هو يغلي كهيئة الزيت‪ ،‬وإذا طرف السماء‬

‫كهيئة الفسطاط‪ .‬فلما ارتفعت أدخلوني في سرب لهم أنا وصاحبي‪ .‬فلما‬

‫ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه‬

‫بالشمس فينضج‪ .‬ثم قال الثعلبي‪ :‬قالت العلماء بأخبار القدماء‪ :‬لما فرغ‬

‫ذوالقرنين من أمر المم الذين هم بأطراف الرض وطاف الشرق والغرب‬

‫عطف فيها إلى المم التي في وسط الرض من الجن والنس ويأجوج‬

‫ومأجوج‪ .‬فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك نحو المشرق‬
‫قالت له امة صالحة من النس‪ :‬يا ذاالقرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من‬

‫خلق ال تعالى ليس فيهم مشابه النس وهم مشابه البهائم‪ ،‬يأكلون العشب‬

‫ويفترسون الدواب والوحش كما تفترسها السباع‪ ،‬ويأكلون حشرات الرض‬

‫كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق ال تعالى في الرض‪،‬‬

‫وليست )‪ (1‬ل تعالى خلق ينمو نماءهم‪ .‬ول يزداد كزيادتهم ! فإن أتت مدة‬

‫على ما يرى من نمائهم وزيادتهم فل شك أنهم سيملؤون الرض ويجلون‬

‫أهلها منها ويظهرون عليها ويفسدون فيها‪ ،‬وليست تمر بنا سنة مذ‬

‫جاوزناهم إل ونحن نتوقعهم أن يطلع علينا أو لهم من بين هذين الجبلين "‬

‫فهل نجعل لك خرجا " أي جعل وأجرا " على أن تجعل بيننا وبينهم سدا "‬

‫حاجزا فل يصلون إلينا ؟ فقال لهم ذوالقرنين " ما مكني فيه ربي خير "‬

‫أي ما قواني عليه خير من خرجكم " ولكن أعينوني بقوة أجعل بينكم‬

‫وبينهم ردما " أي حاجزا كالحائط‪ .‬قالوا‪ :‬وما تلك القوة ؟ قال‪ :‬فعلة‬

‫وصناع يحسنون البناء والعمل وآلة )‪ .(2‬قالوا‪ :‬وما تلك اللة ؟ " قال‬

‫آتوني زبر الحديد " يعني قطعا ‪ -‬واحدتها‬

‫)‪ (1‬ليس )ظ(‪ (2) .‬اللة )خ(‪.‬‬

‫]‪[112‬‬
‫زبرة ‪ -‬وآتوني بالنحاس‪ .‬فقالوا‪ :‬ومن أين لنا الحديد والنحاس ما يسع هذا‬

‫العمل ؟ قال‪ :‬ساريكم على )‪ (1‬معادن الحديد والنحاس‪ ،‬فضرب لهم في‬

‫جبلين حتى فلقهما ثم استخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس‪ .‬قالوا‪:‬‬

‫بأي قوة نقطع الحديد والنحاس ؟ فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الرض‬

‫يقال له " السامور " وهو أشد ما خلق ال تعالى بياضا‪ ،‬وهو الذي قطع به‬

‫سليمان أساطين بيت المقدس وصخوره وجواهره‪ ،‬ثم قاس ما بين الجبلين‬

‫ثم أوقد على جمع )‪ (2‬من الحديد والنحاس النار‪ ،‬فصنع منه زبرا أمثال‬

‫الصخور العظام‪ ،‬ثم أذاب النحاس فجعله كالطين والملط لتلك الصخور من‬

‫الحديد ثم بنى‪ .‬وكيفية بنائه على ما ذكر أهل السير هو أنه لما قاس ما بين‬

‫الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ‪ ،‬فلما أنشأ في عمله حفر له الساس‬

‫حتى بلغ الماء‪ ،‬ثم جعل عرضه خمسين فرسخا‪ ،‬ثم وضع الحطب بين‬

‫الجبلين ثم نسج عليه الحديد ثم نسج الحطب على الحديد‪ ،‬فلم يزل يجعل‬

‫الحديد على الحطب والحطب على الحديد " حتى ساوى بين الصدفين "‬

‫وهما الجبلن‪ ،‬ثم أمر بالنار فارسلت فيه ثم " قال انفخوا حتى جعله نارا "‬

‫ثم جعل يفرغ القطر عليه وهو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب‬

‫فيصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس‪ ،‬فصار كأنه برد‬

‫حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد وغبرته‪ ،‬فصار سدا طويل‬

‫عظيما حصينا كما قال تعالى " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له‬
‫نقبا "‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن رجل قال‪ :‬يا نبي ال قد رأيت سد يأجوج‬

‫ومأجوج قال‪ :‬انعته لي‪ .‬قال كالبرد الحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء‪.‬‬

‫قال‪ :‬قد رأيته‪ .‬ويقال‪ :‬إن موضع السد وراء " مل ذجرد " بقرب مشرق‬

‫الصيف )‪ (3‬بينه وبين الخزرة مسيرة اثنين وسبعين يوما‪ .‬وروي عن علي‬

‫بن أبي طالب عليه السلم أنه قال‪ :‬كان ذوالقرنين قد ملك ما بين المشرق‬

‫والمغرب وكان له خليل من الملئكة اسمه " رفائيل " يأتيه ويزوره‪،‬‬

‫فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال ذوالقرنين‪ :‬يا رفائيل ! حدثني عن‬

‫عبادتكم في السماء‬

‫)‪ (1‬لفظة " على " زائدة ظاهرا‪ (2) .‬ما جمع )ظ(‪ (3) .‬كذا‪.‬‬

‫]‪[113‬‬

‫فبكى وقال‪ :‬يا ذاالقرنين ! وما عبادتكم عند عبادتنا ؟ ! إن في السماء من‬

‫الملئكة من هو قائم أبدا ل يجلس‪ ،‬ومنهم الساجد ل يرفع رأسه أبدا‪،‬‬

‫ومنهم الراكع ل يستوي قائما أبدا‪ ،‬يقول‪ :‬سبحان الملك القدوس رب‬

‫الملئكة والروح‪ ،‬ربنا ما عبدناك حق عبادتك‪ .‬فبكى ذوالقرنين بكاء شديدا‬

‫ثم قال‪ :‬إني لحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته ! فقال رفائيل‪:‬‬

‫أو تحب ذلك يا ذاالقرنين ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال رفائيل‪ :‬فإن ل تعالى عينا في‬
‫الرض تسمى " عين الحياة " فيها من ال عزوجل عزيمة أنه من شرب‬

‫منها لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت ! فقال ذوالقرنين‬

‫هل تعلمون أنتم موضع تلك العين ؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬غير أنا نتحدث في السماء أن‬

‫ل تعالى في الرض ظلمة ل يطأها إنس ول جان‪ ،‬فنحن نظن أن تلك العين‬

‫في تلك الظلمة‪ .‬فجمع ذوالقرنين علماء أهل الرض وأهل دراسة الكتب‬

‫وآثار النبوة فقال لهم‪ :‬أخبروني هل وجدتم في ما قرأتم من كتب ال تعالى‬

‫وما جاءكم من أحاديث النبياء و من كان قبلكم من العلماء أن ال تعالى‬

‫وضع في الرض عينا سماها " عين الحياة " ؟ فقالت العلماء‪ :‬ل‪ ،‬فقال‬

‫عالم من العلماء ‪ -‬واسمه " فتحيز )‪ - " (1‬إني قرأت وصية آدم فوجدت‬

‫فيها أن ال خلق في الرض ظلمة لم يطأها إنس ول جان ووضع فيها عين‬

‫الخلد‪ .‬فقال ذوالقرنين‪ :‬صدقت‪ .‬ثم حشد إليه الفقهاء والشراف والملوك‬

‫وسار يطلب مطلع الشمس‪ ،‬فسار اثني عشرة سنة إلى أن بلغ طرف‬

‫الظلمة‪ ،‬فإذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل‪ ،‬فعسكر هناك ثم جمع‬

‫علماء عسكره فقال‪ :‬إني اريد أن أسلك هذه الظلمة ! فقال العلماء‪ :‬أيها‬

‫الملك إنه من كان قبلك من النبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فل‬

‫تطلبها‪ ،‬فإنا نخاف أن ينفتق عليك أمر تكرهه ويكون فيه فساد أهل الرض‪.‬‬

‫فقال‪ :‬ل بد من أن أسلكها‪ .‬فقالوا‪ :‬أيها الملك كف عن هذه الظلمة ول‬

‫تطلبها‪ ،‬فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسحط ال علينا ل‬
‫تبعناك ولكنا نخاف العنت من ال تعالى وفسادا في الرض ومن عليها‪.‬‬

‫فقال‬

‫)‪ (1‬خضر )ظ(‪(*) .‬‬

‫]‪[114‬‬

‫ذوالقرنين‪ :‬ل بد من أن أسلكها‪ .‬فقالت العلماء‪ :‬شأنك بها‪ .‬فقال ذوالقرنين‪:‬‬

‫أي الدواب أبصر ؟ قالوا‪ :‬الخيل‪ .‬قال‪ :‬فأي الخيل أبصر ؟ قالوا‪ :‬الناث‪ .‬قال‪:‬‬

‫فأي الناث أبصر ؟ قالوا‪ :‬البكارة‪ .‬فأرسل ذوالقرنين فجمع له ستة آلف‬

‫فرس انثى بكارة ثم انتخب من عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلف رجل‪،‬‬

‫فدفع إليهم كل رجل فرسا‪ ،‬وعقد للخضر على مقدمته على ألفين وبقي‬

‫ذوالقرنين في أربعة آلف‪ .‬وقال ذوالقرنين للناس‪ :‬ل تبرحوا من معسكركم‬

‫هذا اثني عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم وإل فارجعوا إلى )‪ (1‬بلدكم‪.‬‬

‫فقال الخضر‪ :‬أيها الملك‪ ،‬إنا نسلك ظلمة ]هو[ ل ندري كم السير )‪ (2‬فيها‬

‫ول يبصر بعضنا بعضا‪ ،‬فكيف نصنع بالضلل إذا أصابنا ؟ فدفع ذوالقرنين‬

‫إلى الخضر خرزة حمراء فقال‪ :‬حيث يصيبكم الضلل فاطرح هذه في‬

‫الرض فإذا صاحت فليرجع أهل الضلل إليها أين صاحت‪ .‬فصار الخضر‬

‫بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر وينزل ذوالقرنين‪ ،‬فبينما الخضر يسير‬
‫إذ عرض له واد فظن أن العين في الوادي والقي في قلبه ذلك‪ ،‬فقام على‬

‫شفير الوادي وقال لصحابه‪ :‬قفوا ول يبرحن رجل من موقفه ! فرمى‬

‫بالخرزة فمكث طويل ثم أجابته الخرزة فطلب صوتها فانتهى إليها‪ ،‬فإذا هي‬

‫على جانب العين‪ ،‬فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من‬

‫اللبن وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ولبس ثيابه‪ ،‬ثم رمى‬

‫بالخرزة نحو أصحابه فوقفت الخرزة فصاحت‪ ،‬فرجع الخضر إلى صوتها‬

‫وإلى أصحابه‪ ،‬فركب وقال لصحابه‪ :‬سيروا باسم ال‪ .‬ومر ذوالقرنين‬

‫فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وليلة‪ ،‬ثم خرجوا إلى ضوء‬

‫ليس بضوء شمس ول قمر ول أرض حمراء ورملة خشخاشة ‪ -‬أي‬

‫مصوتة ‪ -‬فإذا هو بقصر مبني في تلك الرض طوله فرسخ في فرسخ عليه‬

‫باب فنزل ذوالقرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر‪ ،‬فإذا حديدة قد‬

‫وضعت طرفاها على جانب القصر من ههنا وههنا وإذا بطائر )‪ (3‬أسود‬

‫شبيه بالخطاف مزموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء والرض‬

‫)‪ (1‬في اكثر النسخ‪ :‬على‪ (2) .‬نسير )خ(‪ (3) .‬طائر )خ(‪:‬‬

‫]‪[115‬‬
‫فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال‪ :‬من هذا ؟ قال‪ :‬أنا ذوالقرنين‪.‬‬

‫فقال الطائر‪ :‬يا ذاالقرنين أما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ؟ ! ثم قال‬

‫الطائر‪ :‬يا ذاالقرنين حدثني فقال ذوالقرنين‪ :‬سل‪ ،‬فقال‪ :‬هل كثر بناء الجر‬

‫والجص في الرض ؟ قال‪ :‬نعم فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث‬

‫الحديدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ذاالقرنين هل كثرت المعازف ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فانتفض الطير‬

‫وامتل حتى مل من الحديدة ثلثيها‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل كثرت شهادات الزور في‬

‫الرض ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فانتفض الطائر انتفاضة فمل الحديدة وسد ما بين‬

‫جداري القصر‪ ،‬فخشي )‪ (1‬وخاف ذوالقرنين وفرق فرقا شديدا‪ ،‬فقال‬

‫الطائر‪ :‬يا ذاالقرنين ل تخف ! حدثني‪ .‬قال‪ :‬سل‪ ،‬قال هل يترك )‪ (2‬الناس‬

‫شهادة أن ل إله إل ال قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فانضم الطائر ثلثا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ذاالقرنين‬

‫هل ترك الناس الصلة المفروضة ]بعد[ ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فانضم الطائر ثلثا‪،‬‬

‫ثم قال‪ :‬يا ذاالقرنين هل ترك الناس غسل الجنابة بعد ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال فصار‬

‫الطائر كما كان‪ .‬ثم قال‪ :‬اسلك يا ذاالقرنين هذه الدرجة درجة إلى أعلى‬

‫القصر‪ ،‬فسلكها ذوالقرنين وهو خائف وجل ل يدري على م يهجم‪ ،‬حتى‬

‫استوى على صدر الدرج‪ ،‬فإذا سطح ممدود عليه صورة رجل شاب قائم‬

‫عليه ثياب بيض‪ ،‬رافعا وجهه إلى السماء واضعا يديه على فيه‪ ،‬فلما سمع‬

‫خشخشة ذي القرنين قال‪ :‬ما هذا ؟ قال‪ :‬أنا ذوالقرنين‪ .‬قال‪ :‬يا ذاالقرنين إن‬

‫الساعة قد اقتربت‪ ،‬وأنا أنتظر أمر ربي يأمرني أن أنفخ فأنفخ‪ .‬ثم أخذ‬
‫صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال‪ :‬خذها يا ذاالقرنين ! فإن‬

‫شبع هذا شبعت وإن جاع هذا جعت‪ .‬فأخذ ذوالقرنين الحجر ونزل إلى‬

‫أصحابه‪ ،‬فحدثهم بأمر الطائر وما قال له وما رد عليه وما قال صاحب‬

‫الصور‪ .‬ثم جمع علماء عسكره فقال‪ :‬أخبروني عن هذا الحجر ما أمره ؟‬

‫فقالوا‪ :‬أيها الملك أخبرنا بما قال لك فيه صاحب الصور‪ .‬فقال ذوالقرنين‪:‬‬

‫إنه قال لي‪ :‬إن شبع هذا شبعت وإن جاع جعت‪ .‬فوضعت العلماء ذلك الحجر‬

‫في إحدى كفتي الميزان وأخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الخرى ثم‬

‫)‪ (1‬فجثى )خ(‪ (2) .‬ترك )ظ(‪.‬‬

‫]‪[116‬‬

‫رفعوا الميزان فإذا الذي جاء به ذوالقرنين يميل‪ ،‬فوضعوا معه آخر ورفعوا‬

‫الميزان فإذا هو يميل بهن فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر‬

‫فرفعوا الميزان فمال باللف جميعا ! فقالت العلماء‪ :‬انقطع علمنا دون هذا‬

‫ل ندري أسحر هذا أم علم ما ل نعلمه ! فقال الخضر وكان قد وافاه‪ :‬نعم‪،‬‬

‫أنا أعلمه‪ .‬فأخذ الخضر الميزان بيده‪ ،‬ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذوالقرنين‬

‫فوضعه في إحدى الكفتين فأخذ حجرا من تلك الحجارة فوضعه في الكفة‬

‫الخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه على الحجر الذي جاء به ذوالقرنين‪،‬‬
‫ثم رفع الميزان فاستوى ! فخرت العلماء سجدا ل تعالى وقالوا‪ :‬سبحان‬

‫ال ! هذا علم ل يبلغه علمنا‪ ،‬وال لقد وضعنا ألفا فما استقل به‪ .‬فقال‬

‫الخضر‪ :‬أيها الملك‪ ،‬إن سلطان ال عزوجل قاهر لخلقه‪ ،‬وأمره نافذ فيهم‪،‬‬

‫وحكمه جار عليهم‪ ،‬فان ال تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض‪ :‬فابتلى العالم‬

‫بالعالم‪ ،‬والجاهل بالجاهل‪ ،‬والعالم بالجاهل‪ ،‬والجاهل بالعالم‪ ،‬وإنه ابتلك‬

‫بي وابتلني بك‪ .‬فقال ذوالقرنين‪ :‬صدقت‪ ،‬فأخبرنا عن هذا المثل‪ .‬فقال‬

‫الخضر‪ :‬هذا مثل ضربه لك صاحب الصور‪ :‬إن ال عزوجل مكن لك في‬

‫البلد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا فلم‬

‫تشبع‪ ،‬فأبت نفسك شرها حتى بلغت من سلطان ال ما لم يطأه إنس ول‬

‫جان‪ ،‬فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن ابن آدم ل يشبع أبدا دون أن‬

‫يحثى عليه التراب‪ ،‬ول مل جوفه إل التراب‪ .‬فبكى ذوالقرنين‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل‪ ،‬ل جرم ل أطلب أثرا في البلد بعد‬

‫مسيري هذا حتى أموت‪ .‬ثم انصرف راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمة‬

‫وطأ الوادي الذي فيه الزبرجد‪ ،‬فقال من معه لما سمعوا خشخشة تحت‬

‫أقدامهم وأقدام دوابهم‪ :‬ما هذا تحتنا يا أيها الملك ؟ فقال ذوالقرنين‪ :‬خذوا‬

‫منه فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم‪ ،‬فمنهم من أخذ الشئ ومنهم من تركه‪،‬‬

‫فلما خرجوا من الظلمة إذا هو الزبرجد‪ ،‬فندم الخذ والتارك‪ .‬قال‪ :‬وكان‬

‫رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬رحم ال أخي ذاالقرنين‪ ،‬لو ظفر‬
‫بوادي الزبرجد في مبتداه ما ترك منها شيئا حتى يخرجه إلى الناس لنه‬

‫كان راغبا في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا ل حاجة له فيها‪ .‬ثم‬

‫رجع إلى العراق وملك ملوك الطوائف‬

‫]‪[117‬‬

‫ومات في طريقه بشهر روز )‪ .(1‬وقال علي بن أبي طالب ‪ -‬صلوات ال ‪:-‬‬

‫ثم إنه رجع إلى " دومة الجندل " وكان منزله فأقام بها حتى مات ‪ -‬انتهى‬

‫‪ .-‬وقال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ -‬في قوله تعالى " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في‬

‫الرض " فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم‬

‫ودوابهم‪ .‬وقيل‪ :‬كانوا يخرجون أيام الربيع فل يدعون شيئا أخضر إل أكلوه‬

‫ول يابس إل احتملوه‪ ،‬عن الكلبي ‪ -‬وقيل‪ :‬أراد أنهم سيفسدون في‬

‫المستقبل عند خروجهم‪ .‬وورد في الخبر عن حذيفة‪ :‬قال‪ :‬سألت رسول ال‬

‫صلى ال عليه وآله عن يأجوج ومأجوج‪ ،‬فقال‪ :‬يأجوج امة‪ ،‬ومأجوج امة‬

‫كل امة أربعمأة امة ل يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه‬

‫كل قد حمل السلح قلت‪ :‬يا رسول ال صفهم لنا‪ .‬قال‪ :‬هم ثلثة أصناف‪:‬‬

‫صنف منهم أمثال الزر‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال وما الزر ؟ قال‪ :‬شجر بالشام‬

‫طويل‪ ،‬ومنهم طوله وعرضه )‪ (2‬سواء‪ ،‬وهؤلء الذين ل يقوم لهم جبل‬

‫ول حديد‪ ،‬وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالخرى ول‬
‫يمرون بفيل ول وحش ول جمل ول خنزير إل أكلوه‪ .‬من مات منهم أكلوه‪،‬‬

‫مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان‪ ،‬يشربون أنهار المشرق وبحيرة "‬

‫طبرية " قال وهب ومقاتل‪ :‬إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك‪ .‬وقال‬

‫السدي‪ :‬الترك سرية من يأجوج ومأجوج‪ ،‬خرجت تغير‪ ،‬فجاء ذوالقرنين‬

‫فضرب السد فبقيت خارجته‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬إن ذاالقرنين بنى السد على إحدى‬

‫وعشرين قبيلة‪ ،‬وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك‪ .‬وقال كعب‪ :‬هم‬

‫نادرة من ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب‬

‫فخلق ال من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة‬

‫الب دون الم‪ .‬وهذا بعيد )‪ " .(3‬وهم من كل حدب ينسلون " قال ‪ -‬ره ‪:-‬‬

‫أي من كل نشز من الرض يسرعون‪ ،‬يعني أنهم متفرقون في الرض فل‬

‫ترى أكمة إل وقوم منهم يهبطون منها‬

‫)‪ (1‬بشهر زور )خ(‪ (2) .‬في المصدر‪ ...:‬طول‪ ،‬وصنف منهم طولهم‬

‫وعرضهم سواء‪ (3) .‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.494‬‬

‫]‪[118‬‬

‫مسرعين )‪ .(1‬وقال ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في " ق " قيل‪ :‬هو اسم الجبل المحيط‬

‫بالرض من زمردة خضراء خضرة السماء منها‪ ،‬عن الضحاك وعكرمة )‬


‫‪ .(2‬وقال ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬في " والطور "‪ :‬أقسم سبحانه بالجبل الذي كلم‬

‫عليه موسى بالرض المقدسة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من‬

‫أنواع نعمه )‪ .(3‬وفي قوله تعالى " وإلى الجبال كيف نصبت "‪ :‬أي أفل‬

‫يتفكرون في خلق ال سبحانه الجبال أوتادا للرض ومسكنة لها‪ ،‬و أنه‬

‫لولها لمادت الرض بأهلها )‪ - 1 .(4‬الخصال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد‬

‫ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن أبي يحيى الواسطي‪ ،‬بإسناده رفعه‬

‫إلى الصادق عليه السلم قال‪ :‬الدنيا سبعة أقاليم‪ ،‬يأجوج ومأجوج والروم‬

‫والصين والزنج وقوم موسى وأقاليم بابل )‪ .(5‬بيان‪ :‬لعل المراد هنا بيان‬

‫أقاليم الدنيا باعتبار أصناف الناس واختلف صورهم وألوانهم وطبائعهم‪،‬‬

‫والغرض إما حصرهم فيها فأقاليم بابل المراد بها ما يشمل أشباههم من‬

‫العرب والعجم‪ ،‬والصين يشمل جميع الترك‪ ،‬والزنج يشمل الهنود‪ ،‬أو بيان‬

‫غرائب الصناف من الخلق وهو أظهر‪ .‬والمراد بقوم أهل جابلقا وجابرسا‬

‫كما مر‪ - 2 .‬الخصال‪ :‬عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه السراج‪،‬‬

‫عن علي بن الحسن بن )‪ (6‬سعيد البزاز‪ ،‬عن حميد )‪ (7‬بن زنجويه‪ ،‬عن‬

‫عبد ال بن يوسف‪ ،‬عن خالد بن يزيد بن صبيح‪ ،‬عن طلحة بن عمرو‬

‫الحضرمي‪ ،‬عن عطا‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪:‬‬

‫من الجبال التي تطايرت يوم موسى عليه السلم سبعة أجبل‪ ،‬فلحقت‬
‫بالحجاز واليمن‪ ،‬منها بالمدينة‪ :‬أحد‪ ،‬وورقان‪ ،‬وبمكة‪ :‬ثور‪ ،‬وثبير وحرى‪،‬‬

‫و‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪ (2) .64‬المصدر‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪(3) .141‬‬

‫المصدر‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪ (4) .163‬المصدر‪ :‬ج ‪ :10‬ص ‪ (5) .480‬الخصال‪ :‬ج‬

‫‪ 2‬ص ‪) 10‬أبواب السبعة(‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬أبو الحسن على بن سعيد‬

‫البزاز‪ (7) .‬في المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ :‬سعيد بن زنجويه‪.‬‬

‫]‪[119‬‬

‫باليمن‪ :‬صبر‪ ،‬وحضور )‪ (1‬توضيح‪ :‬قال الفيروز ابادي‪ " :‬ورقان " بكسر‬

‫الراء جبل أسود بين العرج والرويثة بيمين المصعد من المدينة إلى مكة ‪-‬‬

‫حرسهما ال تعالى ‪ -‬وقال‪ " :‬ثور " جبل بمكة‪ .‬وقال‪ :‬ثبير والثبرة وثبير‬

‫الخضراء والنصع والزنج والعرج والحدب وغنياء جبال بظاهر مكة‪.‬‬

‫وقال‪ :‬حراء ‪ -‬ككتاب وكعلى عن عياض يؤنث ويمنع ‪ :-‬جبل بمكة فيه غار‬

‫تحنث فيه النبي صلى ال عليه وسلم أي تعبد واعتزل‪ .‬وقال‪ :‬الصبر ‪-‬‬

‫ككتف ول يسكن إل في ضرورة شعر ‪ -‬جبل مطل على تعز‪ .‬وقال‪ :‬تعز ‪-‬‬

‫كتقل ‪ -‬قاعدة اليمن‪ .‬وقال‪ :‬حضور كصبور جبل وبلد باليمن‪ - 3 .‬الخصال‪:‬‬

‫عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬عن أحمد بن إدريس ومحمد ابن‬
‫يحيى العطار معا‪ ،‬عن محمد بن أحمد الشعري‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪،‬‬

‫عن أحمد بن علي‪ ،‬عن زيد بن مهران‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن‬

‫الحسين بن زيد‪ ،‬قال‪ :‬بلغني أن ال عزوجل خلق الجبل من أربعة أشياء‪:‬‬

‫من البحر العظم المحدق بالدنيا‪ ،‬و من النار‪ ،‬ومن دموع ملك يقال له‬

‫إبراهيم‪ ،‬ومن بئر طيبة )‪ .(2‬والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة‪.‬‬

‫بيان‪ " :‬خلق الجبل " كذا في بعض النسخ بالجيم والباء الموحدة‪ ،‬وفي‬

‫أكثر النسخ بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية‪ .‬وعلى التقديرين لعل‬

‫فيه تجوزا واستعارة‪ ،‬مع أن الخبر موقوف لم يسند إلى إمام وكأن في "‬

‫البئر " أيضا تحريفا‪ - 4 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ " :‬ق والقرآن المجيد "‬

‫قال‪ :‬ق جبل محيط بالدنيا وراء يأجوج ومأجوج‪ ،‬وهو قسم )‪ - 5 .(3‬ومنه‪:‬‬

‫عن أحمد بن علي وأحمد بن إدريس معا‪ ،‬عن محمد بن أحمد العلوي عن‬

‫العمركي‪ ،‬عن محمد بن الجمهور‪ ،‬عن سليمان بن سماعة‪ ،‬عن عبد ال بن‬

‫القاسم‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪) 3‬أبواب السبعة(‪ (2) .‬الخصال‪ (3) .123 :‬تفسير‬

‫القمي‪.643 :‬‬

‫]‪[120‬‬
‫عن يحيى بن ميسرة الخثعمي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سمعته‬

‫يقول‪ " :‬عسق " عداد سني القائم )‪ (1‬و " ق " جبل محيط بالدنيا من‬

‫زمرد أخضر‪ ،‬فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم علي كله في " عسق "‬

‫)‪ - 6 .(2‬العيون والعلل‪ :‬في خبر الشامي‪ :‬سأل أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫مما خلقت الجبال ؟ قال‪ :‬من المواج )‪ - 7 .(3‬البصائر‪ :‬عن أحمد بن‬

‫محمد‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن‬

‫مهران‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم انه قال‪ :‬إن عليا عليه‬

‫السلم ملك ما في الرض وما تحتها‪ ،‬فعرضت له السحابان‪ :‬الصعب‪،‬‬

‫والذلول‪ ،‬فاختار الصعب‪ ،‬فكان في الصعب ملك ما تحت الرض وفي الذلول‬

‫ملك ما فوق الرض‪ ،‬واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين‬

‫فوجد ثلث خراب وأربع عوامر‪ - 8 .‬ومنه‪ :‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن‬

‫سنان‪ ،‬عن أبي خالد وأبي سلم‪ ،‬عن سورة )‪ ،(4‬عن أبي جعفر عليه‬

‫السلم قال‪ :‬أما إن ذاالقرنين قد خير بين السحابين فاختار الذلول وذخر‬

‫لصاحبكم الصعب‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما الصعب ؟ قال‪ :‬ما كان من سحاب فيه رعد‬

‫وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه‪ .‬أما إنه سيركب السحاب ويرقى في‬

‫السباب أسباب السموات السبع والرضين السبع‪ :‬خمس عوامر‪ ،‬واثنتان‬

‫خرابان‪ .‬بيان‪ :‬لعل الخامسة عمارتها قليلة فعدت في الخبر السابق من‬

‫الخراب لذلك‪ - 9 .‬البصائر للصفار ومنتخب البصائر لسعد بن عبد ال عن‬


‫سلمة‪ ،‬عن أحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن محمد بن سليمان‪ ،‬عن يقطين‬

‫الجواليقي‪ ،‬عن قلقلة )‪ (5‬عن أبي جعفر‬

‫)‪ (1‬القسم )خ(‪ (2) .‬تفسير القمى‪ 595 :‬وفيه‪ :‬وعلم كل شئ في عسق‪) .‬‬

‫‪ (3‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،241‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (4) .280‬الظاهر أنه سورة‬

‫بن كليب بن معاوية السدي لتصريحه في جامع الرواة برواية أبى سلم‬

‫عنه ذكره العلمة في القسم الول من الخلصة‪ ،‬وروى الكشى حديثا‬

‫يستشهد به لصحة عقيدته لكنه ل يصير دليل على قبول قوله‪ .‬قال الشهيد‬

‫الثاني في التعليقة " ل يخفى ان الخبر ل يدل على قبول روايته لو سلم‬

‫سنده فكيف مع ضعفه "‪ (5) .‬لم نجد له ذكرا في كتب الرجال‪.‬‬

‫]‪[121‬‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن ال خلق جبل محيطا بالدنيا من زبرجد أخضر‪ ،‬وإنما‬

‫خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل‪ ،‬وخلق خلقا لم يفترض عليهم شيئا‬

‫مما افترض على خلقه من صلة وزكاة‪ ،‬وكلهم يلعن رجلين من هذه المة‬

‫وسماهما‪ - 10 .‬جامع الخبار‪ :‬سئل النبي صلى ال عليه وآله عن القاف‬

‫وما خلفه‪ ،‬قال‪ :‬خلفه سبعون أرضا من ذهب‪ ،‬وسبعون أرضا من فضة‪،‬‬

‫وسبعون أرضا من مسك‪ ،‬خلفه سبعون أرضا سكانها الملئكة ل يكون فيها‬
‫حر ول برد‪ ،‬وطول كل أرض مسيرة عشرة ألف سنة‪ .‬قيل‪ :‬وما خلف‬

‫الملئكة ؟ قال‪ :‬حجاب من ظلمة‪ ،‬قيل‪ :‬وما خلفه ؟ قال‪ :‬حجاب من ريح‪،‬‬

‫قيل‪ :‬وما خلفه ؟ قال‪ :‬حجاب من نار‪ ،‬قيل‪ :‬وما خلفه ؟ قال‪ :‬حية محيطة‬

‫بالدنيا كلها تسبح ال إلى يوم القيامة وهي ملك الحيات كلها‪ .‬قيل‪ :‬وما‬

‫خلفه ؟ قال‪ :‬حجاب من نور‪ .‬قيل‪ :‬وما خلفه ؟ قال‪ :‬علم ال وقضاؤه‪ .‬وسئل‬

‫صلى ال عليه وآله عن عرض قاف وطوله واستدارته‪ ،‬فقال‪ :‬عرضه‬

‫مسيرة ألف سنة من ياقوت أحمر قضيبه من فضة بيضاء وزجه )‪ (1‬ومن‬

‫زمردة خضراء‪ ،‬له ثلث ذوائب من نور‪ :‬ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب‪،‬‬

‫والخرى في وسط السماء عليها مكتوب ثلثة أسطر‪ :‬الول بسم ال‬

‫الرحمن الرحيم‪ ،‬الثاني الحمد ل رب العالمين‪ ،‬الثالث ل إله إل ال‪ ،‬محمد‬

‫رسول ال‪ - 11 .‬الدر المنثور عن كعب‪ ،‬في قوله " حتى توارت بالحجاب‬

‫" قال‪ :‬حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلئق‪ ،‬فمنه اخضرت السماء‬

‫التي يقال لها‪ :‬السماء الخضراء واخضر البحر من السماء فمن ثم يقال‪:‬‬

‫البحر الخضر )‪ .(2‬وعن ابن مسعود أيضا مثله‪ .‬بيان‪ :‬الخبار المنقولة من‬

‫الكتابين ضعيفة عامية وقد مر أشياهها وبعض القول فيها في باب العوالم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الزنج ‪ -‬بضم الزاى وتشديد الجيم ‪ ،-‬الحديدة التى في أسفل الرمح‬

‫ويقابله السنان‪ (2) .‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .309‬وليس رواية ابن‬
‫مسعود مثلها بل هي هكذا‪ ،‬قال‪ :‬تورات بالحجاب من وراء قرية خضرة‬

‫السماء منها‪.‬‬

‫]‪[122‬‬

‫‪ - 12‬كتاب القاليم والبلدان‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬

‫قرأ " فسبحان ال حين تمسون وحين تصبحون ‪ -‬إلى ‪ -‬وكذلك تخرجون "‬

‫كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج )‪ (1‬على جبل سيلن‪ .‬وما السيلن‬

‫يا رسول ال ؟ قال‪ :‬جبل بأرمنية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة‬

‫وفيه قبر من قبور النبياء‪ .‬قال أبو حامد الندلسي‪ :‬على رأس هذا الجبل‬

‫عين عظيمة مع غاية ارتفاعه‪ ،‬ماؤه أبرد من ماء الثلج كأنما يشبه بالعسل‬

‫لشدة عذوبته‪ ،‬وبجوف هذا الجبل ماء يخرج من عين يصلق البيض‬

‫لحرارته يقصدها الناس لمصالحهم‪ ،‬وبحضيض هذا الجبل شجر كثير‬

‫ومراع وشئ من حشيش ل يتناوله إنسان ول حيوان إل مات لساعته‪ .‬قال‬

‫القزويني‪ :‬ولقد رأيت الخيل والدواب ترعى في هذا الجبل فإذا قربت من‬

‫ذلك الحشيش نفرت وولت منهزمة كالمطرودة‪ ،‬وقال‪ :‬قال القزويني‪ :‬في‬

‫قرية من قرى قزوين جبل حدثني من صعده أن عليه صورة كل حيوان من‬

‫الحيوان على اختلف أجناسها وصور الدميين على أنواع أشكالها عدد ل‬

‫تحصى وقد مسخوا حجارة وفيه الراعي متكئا على عصاه‪ ،‬والماشية حوله‬
‫كلها حجارة‪ ،‬وامرأة تحلب بقرة وقد تحجر‪ ،‬والرجل يجامع امرأته وقد‬

‫تحجر‪ ،‬وامرأة ترضع ولدها وهلم جرا هكذا‪ - 13 .‬وقال‪ :‬حكي أنه دخل‬

‫على جعفر الصادق عليه السلم رجل من همدان‪ ،‬فقال له جعفر الصادق‬

‫عليه السلم‪ :‬من أين أنت ؟ قال‪ :‬من همدان‪ ،‬فقال له‪ :‬أتعرف جبلها "‬

‫راوند " قال له الرجل‪ :‬جعلت فداك إنه " أروند " قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن فيه عينا‬

‫من عيون الجنة‪ .‬بيان‪ :‬كان الجبل مسمى بكل السمين‪ ،‬والصحيح من‬

‫اسمه " راوند " وإنما صدقه لنه هكذا أعرف عندهم‪ .‬وقال‪ :‬جبل قاف‬

‫محيط بالرض كإحاطة بياض العين بسوادها‪ ،‬وما وراء جبل قاف فهو من‬

‫حكم الخرة ل من حكم الدنيا‪ .‬وقال بعض المفسرين‪ :‬إن ل سبحانه وتعالى‬

‫من وراء جبل قاف أرضا بيضاء كالفضة المجلوة طولها مسيرة أربعين‬

‫يوما للشمس وبها ملئكة شاخصون إلى العرش ل يعرف الملك منهم من‬

‫إلى جانبه من هيبة ال تعالى‬

‫)‪ (1‬ثلج تقع على‪) ...‬خ(‪.‬‬

‫]‪[123‬‬

‫ول يعرفون ما آدم وما إبليس‪ ،‬هكذا إلى يوم القيامة‪ .‬وقيل‪ :‬إن يوم القيامة‬

‫تبدل أرضنا هذه بتلك الرض وال أعلم‪ .‬وقال‪ :‬السرنديب هو جبل بأعلى‬
‫الصين في بحر الهند وهو الجبل الذي اهبط عليه آدم عليه السلم وعليه‬

‫أثر قدمه غائص في الصخرة طوله سبعون شبرا‪ ،‬وعلى هذا الجبل ضوء‬

‫كالبرق ول يتمكن أحد أن ينظر إليه‪ ،‬ول بد لكل يوم فيه من المطر فيغسل‬

‫قدم آدم عليه السلم‪ .‬وحوله من أنواع اليواقيت والحجار النفيسة وأصناف‬

‫العطر والدوية ما ل يوصف‪ ،‬فإن آدم خطا من هذا الجبل إلى ساحل البحر‬

‫خطوة واحدة وهو مسيرة يومين‪ .‬وقال‪ :‬حكي عن عبادة بن الصامت قال‪:‬‬

‫أرسلني أبو بكر إلى ملك الروم رسول لدعوه إلى السلم‪ ،‬فسرت حتى‬

‫دخلت بلد الروم‪ ،‬فلح لنا جبل يعرف بأهل الكهف فوصلنا إلى دير فيه‬

‫وسألنا أهل الدير عنهم‪ ،‬فأوقفونا على سرب في الجبل فوهبنا لهم شيئا‬

‫وقلنا نريد أن ننظر إليهم‪ ،‬فدخلوا ودخلنا معهم‪ ،‬وكان عليهم باب من حديد‬

‫ففتحوه لنا فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلثة عشر رجل‬

‫مضطجعين على ظهورهم كأنهم رقود وعلى كل واحد منهم جبة غبراء‬

‫وكساء أغبر قد غطوا بها من رؤسهم إلى أقدامهم‪ ،‬فلم ندر ما ثيابهم من‬

‫صوف أو وبر إل أنها كانت أصلب من الديباج فلمسناها فإذا هي تتقعقع من‬

‫الصفاقة‪ ،‬وعلى أرجلهم الخفاف إلى أنصاف سوقهم مستنعلين بنعال‬

‫مخصوفة )‪ (1‬وخفافهم ونعالهم في جودة الخز ولين لجلود ما لم ير مثله‪.‬‬

‫قال‪ :‬فكشفنا عن وجوههم رجل رجل فإذا هم في وضاءة الوجوه وصفاء‬

‫اللوان وحسن التخطيط‪ ،‬وهم كالحياء بعضهم في نضارة الشباب‪،‬‬


‫وبعضهم قد خطه الشيب‪ ،‬وبعضهم شعورهم مظفورة‪ ،‬وبعضهم شعورهم‬

‫مضمومة وعلى زي المسلمين‪ ،‬فانتهينا إلى آخرهم فإذا فيهم مضروب على‬

‫وجهه بسيف كأنما ضرب في يومه ! فسألنا عن حالهم وما يعلمون من‬

‫امورهم‪ ،‬فذكروا أنهم يدخلون عليهم في كل عام يوما‪ ،‬ويجتمع أهل تلك‬

‫الناحية على الباب فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم وأكسيتهم‪،‬‬

‫ويقلم أظفارهم‬

‫)‪ (1‬محفوفة )خ(‪.‬‬

‫]‪[124‬‬

‫ويقص شواربهم ويتركهم على هيئتهم هذه‪ .‬قلنا لهم‪ :‬هل تعرفون من هم‬

‫وكم مدة هم ههنا ؟ فذكروا أنهم يجدون في كتبهم أنهم كانوا أنبياء بعثوا‬

‫إلى هذه البلد في زمان واحد قيل المسيح بأربعمائة سنة‪ .‬وعن ابن عباس‬

‫أن أصحاب الكهف سبعة‪ - 14 .‬نوادر علي بن أسباط‪ :‬عن إبراهيم بن علي‬

‫المحمودي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن موسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده جعفر بن‬

‫محمد‪ ،‬عن محمد بن علي عليهم السلم‪ ،‬عن جابر بن عبد ال النصاري‬

‫قال‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وآله ذات يوم ونحن في مسجده‬

‫فقال‪ :‬من ههنا ؟ قلت‪ :‬أنا يا رسول ال وسلمان الفارسي‪ .‬فقال‪ :‬يا سلمان‬
‫ادع لي مولك عليا‪ ،‬فقد جاءتني فيه عزيمة من رب العالمين‪ .‬قال جابر‪:‬‬

‫فذهب سلمان فاستخرج عليا من منزله‪ ،‬فلما دنا من رسول ال صلى ال‬

‫عليه وآله خلبه فأطال مناجاته‪ ،‬كل ذلك يسر إليه رسول ال صلى ال عليه‬

‫وآله سرا خفيا عنا ووجه رسول ال صلى ال عليه وآله يقطر عرقا كنظم‬

‫الدر يتهلل حسنا‪ ،‬ثم قال له لما انصرف من مناجاته‪ :‬قد سمعت ووعيت‬

‫فاحفظ يا علي‪ .‬ثم قال‪ :‬يا جابر ادع عمر وأبا بكر‪ .‬قال جابر‪ :‬فذهبت إليهما‬

‫فدعوتهما‪ ،‬فلما حضراه قال‪ :‬يا جابر ادع لي عبد الرحمن بن عوف‪ .‬قال‬

‫جابر‪ :‬فدعوته‪ ،‬فلما أتاه قال‪ :‬يا سلمان اذهب إلى بيت ام سلمة فأتني‬

‫بالبساط الخيبري‪ .‬قال جابر‪ :‬فما لبثنا أن جاءنا سلمان بالبساط فأمره أن‬

‫يبسط‪ ،‬ثم أمر القوم فجلس كل واحد منهم على ركن من أركانه وكانوا‬

‫ثلثة‪ ،‬ثم خل رسول ال صلى ال عليه وآله فأطال مناجاته وأسر إليه سرا‬

‫خفيا ثم أمره أن يجلس على الركن الرابع من البساط‪ .‬ثم قال النبي صلى‬

‫ال عليه وآله‪ :‬يا على اجلس متوسطا وقل ما أمرتك به فإنك لو قلته على‬

‫الجبال لسارت‪ ،‬أو قلته على الرض لتقطعت من ورائك‪ ،‬ولطويت كل من‬

‫بين يديك‪ ،‬ولو كلمت به الموتى لجابوك بإذن ال‪ .‬فقال له بعض القوم‪ :‬يا‬

‫رسو ل ال هذا لعلي خاصة ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فاعرفوا ذلك له‪ .‬قال جابر‪ :‬فلما‬

‫أخذ كل واحد مجلسه اختلج البساط فلم أره إل ما بين السماء والرض‪ .‬فلما‬

‫رجع سلمان خبرني أنهم ساروا ما بين السماء والرض ل يدرون أشرقا أم‬
‫غربا حتى انقض بهم البساط على كهف عظيم عليه باب من حجر واحد‪.‬‬

‫قال سلمان‪ :‬فقمت بالذي أمرني به رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬قال‬

‫جابر‪ :‬فقلت لسلمان‪ :‬ما أمرك رسو ل ال صلى ال عليه وآله ؟ قال‪:‬‬

‫]‪[125‬‬

‫أمرني إذا استقر البساط مكانه من الرض وصرنا عند الكهف أن آمر أبا‬

‫بكر بالسلم على أهل ذلك الكهف وعلى الجميع‪ ،‬فأمرته‪ ،‬فسلم عليهم‬

‫بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا‪ ،‬ثم سلم اخرى فلم يجب‪ ،‬فشهد أصحابه‬

‫على ذلك وشهدت عليه‪ .‬ثم أمرت عمر فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا‬

‫عليه شيئا‪ ،‬ثم سلم اخرى فلم يجب‪ ،‬فشهد أصحابه على ذلك وشهدت عليه‪،‬‬

‫ثم أمرت عبد الرحمن بن عوف فسلم عليهم فلم يجب فشهدوا أصحابه على‬

‫ذلك وشهدت عليه‪ .‬ثم قمت أنا فأسمعت الحجارة والودية صوتي فلم اجب‪،‬‬

‫فقلت لعلي‪ :‬فداك أبي وامي‪ ،‬أنت بمنزلة رسول ال صلى ال عليه وآله‬

‫حتى نرجع لك ولك السمع والطاعة‪ ،‬وقد أمرني أن آمرك بالسلم على أهل‬

‫هذا الكهف آخر القوم‪ ،‬وذلك لما يريد ال لك وبك الشرف من شرف‬

‫الدرجات‪ .‬فقام علي فسلم بصوت خفي فانفتح الباب فسمعنا له صريرا‬

‫شديدا‪ ،‬ونظرنا إلى داخل الغار يتوقد نارا‪ ،‬فملئنا رعبا وولى القوم فرارا‪،‬‬

‫فقلت لهم‪ :‬مكانكم ! حتى نسمع ما يقال‪ ،‬وإنه ل بأس عليكم‪ .‬فرجعوا‪ ،‬فأعاد‬
‫علي عليه السلم فقال‪ :‬السلم عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم‪ .‬فقالوا‪:‬‬

‫وعليك السلم يا علي ورحمة ال وبركاته وعلى من أرسلك‪ ،‬بآبائنا‬

‫وامهاتنا أنت يا وصي محمد خاتم النبيين وقائد المرسلين ونذير العالمين‬

‫وبشير المؤمنين‪ ،‬أقرئه منا السلم ورحمة ال يا إمام المتقين‪ .‬قد شهدنا‬

‫لبن عمك بالنبوة ولك بالولية و المامة والسلم على محمد يوم ولد ويوم‬

‫يموت ويوم يبعث حيا‪ .‬قال‪ :‬ثم أعاد علي عليه السلم فقال‪ :‬السلم عليكم‬

‫أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزدناهم هدى‪ .‬فقالوا‪ :‬عليك السلم ورحمة‬

‫ال وبركاته يا مولنا وإمامنا‪ .‬الحمد ل الذي أرانا وليتك وأخذ ميثاقنا بذلك‬

‫وزادنا إيمانا وتثبيتا على التقوى‪ ،‬قد سمع من بحضرتك أن الولية لك‬

‫دونهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‪ .‬قال سلمان‪ :‬فلما سمعوا ذلك‬

‫أقبلوا على علي عليه السلم وقالوا‪ :‬شهدنا وسمعنا فاشفع لنا إلى نبينا‬

‫ليرضى عنا برضاك‪ .‬ثم تكلم علي عليه السلم بما أمره رسول ال صلى ال‬

‫عليه وآله مادرينا أشرقا أم غربا حتى نزلنا كالطير الذي يهوي من مكان‬

‫بعيد وإذا نحن على باب المسجد‪ ،‬فخرج إلينا رسول ال صلى ال عليه وآله‬

‫فقال‪ :‬كيف رأيتم ؟ فقال القوم‪ :‬نشهد كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما‬

‫آمنوا‪ .‬فقال‪:‬‬

‫]‪[126‬‬
‫إن تفعلوا تهتدوا وما على الرسول إل البلغ المبين‪ ،‬فإن لم تفعلوا تختلفوا‬

‫فمن وافى وافى ال )‪ (1‬له‪ ،‬ومن نكص فعلى عقبيه ينقلب‪ ،‬أفبعد المعرفة‬

‫والحجة ؟ ! والذي نفسي بيده لقد امرت أن آمركم ببيعته وطاعته‪ ،‬فبايعوه‬

‫وأطيعوه‪ ،‬فقد نزل الوحي بذلك‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا‬

‫الرسول واولي المر منكم )‪ ." (2‬قال جابر‪ :‬فبايعناه‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬

‫ال عليه وآله‪ :‬إن استقمتم على الطريقة لعلي في وليته اسقيتم ماء غدقا‪،‬‬

‫وأكلتم من فوق رؤسكم ومن تحت أرجلكم‪ ،‬وأن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم‬

‫وشمت بكم عدوكم‪ ،‬ولتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا‪ ،‬لو دخلوا جحر ضب‬

‫لتبعتموهم فيه ! وطوبى لمن تمسك بولية علي من بعدي حتى يموت‬

‫وبلغني وأنا عنه راض‪ ،‬قال جابر‪ :‬وكان ذهابهم ومجيئهم من زوال‬

‫الشمس إلى وقت العصر‪ - 15 .‬الدر المنثور‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬خلق ال‬

‫تعالى من وراء هذه الرض بحرا محيطا بها‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك جبل‬

‫يقال له " ق "‪ ،‬السماء الدنيا مترفرفة عليه‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك الجبل‬

‫أيضا )‪ (3‬مثل تلك الرض سبع مرات‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا‬

‫بها‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك جبل يقال له " ق " السماء الثانية مترفرفة‬

‫عليه‪ .‬حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل )‪ (4‬قال‪ :‬وذلك قوله‬

‫" والبحر يمده من بعده سبعة أبحر )‪ - 16 ." (5‬وعن عبد ال بن بريدة‬
‫قال‪ " :‬ق " جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء )‪ - 17 .(6‬وعن‬

‫مجاهد قال‪ " :‬ق " جبل محيط بالرض )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬فمن وفى وفى ال له )خ(‪ (2) .‬النساء‪ (3) .58 :‬في المصدر " أرضا‬

‫" وهو الصواب‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬وسبع سماوات‪ (5) .‬الدر المنثور‪ :‬ج‬

‫‪ ،6‬ص ‪ ،101‬والية في سورة لقمان‪ (6) .27 :‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص‬

‫‪ (7) .101‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.102‬‬

‫]‪[127‬‬

‫‪ - 18‬وعن ابن عباس قال‪ :‬خلق ال جبل يقال له " ق " محيط بالعالم‬

‫وعروقه إلى الصخرة التي عليها الرض فإذا أراد ال أن يزلزل قرية أمر‬

‫ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية‪ ،‬فيزلزلها ويحركها‪ ،‬فمن ثم‬

‫تحرك القرية دون القرية )‪ - 19 .(1‬العلل والمجالس للصدوق‪ :‬عن محمد‬

‫بن علي ماجيلويه‪ ،‬عن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن محمد بن أحمد‬

‫الشعري‪ ،‬عن عيسى بن محمد‪ ،‬عن علي بن مهزيار عن عبد ال بن عمر‪،‬‬

‫عن عبد ال بن حماد‪ ،‬عن أبي عبد ال الصادق جعفر بن محمد عليه‬

‫السلم قال‪ :‬إن ذاالقرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات‪ ،‬فإذا‬

‫هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع‪ .‬فقال له الملك‪ :‬يا ذاالقرنين‪،‬‬
‫أما كان خلفك مسلك ؟ فقال له ذوالقرنين‪ :‬من أنت ؟ قال‪ :‬أنا ملك من‬

‫ملئكة الرحمن موكل بهذا الجبل‪ ،‬فليس من جبل خلقه ال عزوجل إل وله‬

‫عرق إلى هذا الجبل‪ ،‬فإذا أراد ال عزوجل أن يزلزل مدينة أوحى إلي‬

‫فزلزلتها )‪ .(2‬العياشي‪ :‬عن جميل بن دراج‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬

‫قال‪ :‬سألته عن الزلزلة فقال‪ :‬أخبرني أبي عن آبائه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‬

‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ذاالقرنين لما انتهى إلى السد ‪ -‬إلى آخر الخبر ‪.-‬‬

‫الفقيه‪ :‬مرسل مثله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬أما كان خلفك مسلك " أي لي شئ جئت‬

‫ههنا مع سعة الرض خلفك ؟ ‪ - 20‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬

‫عن محمد بن أحمد الشعري‪ ،‬عن يعقوب بن يزيد‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن‬

‫محمد بن سنان‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال‬

‫عزوجل خلق الرض فأمر الحوت فحملتها‪ ،‬فقالت‪ :‬حملتها بقوتي‪ ،‬فبعث‬

‫ال عزوجل حوتا قدر شبر‪ ،‬فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا !‬

‫فإذا أراد‬

‫)‪ (1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (2) .102‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 241‬مرسل‪(3) .‬‬

‫من ل يحضره الفقيه‪ ،142 :‬وفيه‪ :‬وقد تكون الزلزلة من غير ذلك‪.‬‬

‫]‪[128‬‬
‫ال عزوجل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت‬

‫الرض فرقا )‪ .(1‬الفقيه‪ :‬مرسل مثله‪ .‬وفيه " قدر فتر " )‪ .(2‬بيان‪ :‬الفتر‬

‫‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما بين السبابة والبهام إذا فرقتهما‪ .‬وتأنيث " فحملتها " و "‬

‫قالت " بتأويل الحوتة أو السمكة‪ .‬و " الفرق " بالتحريك‪ :‬الخوف‪- 21 .‬‬

‫العلل‪ :‬عن محمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار‪،‬‬

‫بإسناد له رفعه إلى أحدهم عليهم السلم أن ال تبارك وتعالى أمر الحوت‬

‫بحمل الرض وكل بلدة من البلدان على فلس من فلوسه‪ ،‬فإذا أراد ال‬

‫عزوجل أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه‪ ،‬ولو رفع‬

‫الفلس ل نقلبت الرض بإذن ال )‪ .(3‬الفقية‪ :‬مرسل عن الصادق عليه‬

‫السلم مثله )‪ .(4‬بيان‪ :‬قال الصدوق ‪ -‬قدس سره ‪ -‬بعد إيراد تلك الخبار‬

‫الثلثة في الفقيه‪ :‬والزلزلة تكون من هذه الوجوه الثلثة وليست هذه‬

‫الخبار بمختلفة )انتهى( والظاهر أن مراده أن الزلزلة قد تكون بالعلة‬

‫الولى‪ ،‬وقد تكون بالعلة الثانية‪ ،‬وقد تكون بالعلة الثالثة‪ ،‬ويحتمل اجتماع‬

‫تلك العلل في كل زلزلة‪ ،‬ويمكن أن تكون الثانية في الزلزلة العامة لجميع‬

‫الرض كزلزلة القيامة‪ ،‬والثالثة في ما إذا حصل بسببها خسف وانقلب‬

‫وتغير عظيم في الرض وبالجملة الزلزلة العظيمة‪ ،‬والولى في الزلزل‬

‫الجزئية اليسيرة‪ .‬ويؤيد الخبر الول أن أكثر الزلزل تبتدئ من الجبال‪ ،‬وكل‬

‫أرض تكون أقرب من الجبل فهي فيها أشد‪ - 22 .‬الكافي‪ :‬عن علي بن‬
‫محمد‪ ،‬عن صالح بن أبي حماد‪ ،‬عن محمد بن سنان عن ابن مسكان‪ ،‬عن‬

‫أبي بكر الحضرمي‪ ،‬عن تميم بن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع أمير المؤمنين عليه‬

‫السلم فاضطربت الرض فوجأها )‪ (5‬ثم قال لها‪ :‬اسكني ! مالك ؟ ثم التفت‬

‫إلينا فقال‪ :‬أما إنها لو كانت التي قال ال لجابتني ولكنها )‪ (6‬ليست بتلك )‬

‫‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .241‬الفقيه‪ (3) .142 :‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.241‬‬

‫)‪ (4‬الفقيه‪ (5) .141 :‬في المصدر‪ :‬فوحاها‪ (6) .‬في المصدر‪ :‬ولكن‪(7) .‬‬

‫روضة الكافي‪.256 :‬‬

‫]‪[129‬‬

‫‪ - 23‬العلل‪ :‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن يحيى‬

‫بن محمد ابن أيوب‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن يحيى‬

‫الحلبي‪ ،‬عن عمر بن أبان عن جابر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني تميم بن حذيم‪ ،‬قال‪ :‬كنا‬

‫مع علي عليه السلم حيث توجهنا إلى البصرة‪ .‬قال‪ :‬فبينما نحن نزول إذا‬

‫اضطربت الرض فضربها علي عليه السلم بيده ثم قال لها‪ :‬مالك ؟ ثم أقبل‬

‫علينا بوجهه ثم قال لنا‪ :‬أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها ال عزوجل‬

‫في كتابه لجابتني ولكنها ليست بتلك )‪ (1‬بيان‪ :‬هذا إشارة إلى ما ورد في‬
‫الخبار أن " النسان " في سورة الزلزال هو أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫يقول للرض‪ :‬مالك ؟ فتحدثه الرض أخبارها‪ .‬كما روى في العلل عن‬

‫فاطمة عليها السلم قالت‪ :‬أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر ‪ -‬وساقت‬

‫الحديث إلى قولها ‪ -‬فقال لهم علي عليه السلم‪ :‬كأنكم قد هالكم ما ترون !‬

‫قالوا‪ :‬وكيف ل يهولنا ولم نر مثلها قط ؟ قالت‪ :‬فحرك شفتيه ثم ضرب‬

‫الرض بيده ثم قال‪ :‬مالك ؟ اسكني‪ .‬فسكنت‪ ،‬فقال‪ :‬أنا الرجل الذي قال ال‬

‫" إذا زلزلت الرض زلزالها وأخرجت الرض أثقالها وقال النسان مالها "‬

‫فأنا النسان الذي يقول لها‪ :‬مالك ؟ " يومئذ تحدث أخبارها " إياي تحدث‪.‬‬

‫فهذا معنى قوله عليه السلم " إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها ال في‬

‫كتابه " أي في سورة الزلزال وهي زلزلة القيامة " لجابتني " أي لحدثت‬

‫وتكلمت معي " ولكنها ليست بتلك " أي زلزلة القيامة )‪ - 24 .(2‬العلل‪:‬‬

‫بالسناد المتقدم عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحق‪ ،‬عن محمد بن‬

‫سليمان الديلمي قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن الزلزلة ما هي ؟‬

‫قال‪ :‬آية‪ .‬قلت‪ :‬وما سببها ؟ قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى وكل بعروق الرض‬

‫ملكا فإذا أراد ال أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عروق كذا‬

‫وكذا‪ .‬قال‪ :‬فيحرك ذلك الملك عروق تلك الرض التي أمره ال فتتحرك‬

‫بأهلها‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإذا كان ذلك فما أصنع ؟ قال‪ :‬صل صلة الكسوف فإذا‬

‫فرغت خررت ساجدا وتقول في سجودك‬


‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .242‬المصدر‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.243‬‬

‫]‪[130‬‬

‫" يا من يمسك السموات والرض أن تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد‬

‫من بعده إنه كان حليما غفورا أمسك عنا السوء إنك على كل شئ قدير )‪(1‬‬

‫"‪ .‬الفقيه‪ :‬بإسناده عن سليمان الديلمي مثله )‪ .(2‬بيان‪ " :‬آية " أي علمة‬

‫من علمات غضبه أو قدرته‪ " .‬أن تزول " أي كراهة أن تزول‪ ،‬أو لتضمن‬

‫المساك معنى الحفظ أو المنع عدي به " إن أمسكهما " أي ما أمسكهما‪.‬‬

‫وفي الفقيه بعد قوله " غفورا "‪ :‬يا من يمسك السماء أن تقع على الرض‬

‫إل بإذنه أمسك‪ - 25 ..‬الكافي‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن صالح بن أبي‬

‫حماد‪ ،،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن عبد الصمد بن بشير‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن الحوت الذي يحمل الرض أسر في نفسه أنه إنما‬

‫يحمل الرض بقوته فأرسل ال عزوجل إليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من‬

‫فتر‪ ،‬فدخل في خياشيمه فصعق‪ ،‬فمكث بذلك أربعين يوما‪ .‬ثم إن ال‬

‫عزوجل رأف به ورحمه وخرج‪ ،‬فإذا أراد ال عزوجل بأرض زلزلة بعث‬

‫ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزت الرض )‪- 26 .(3‬‬

‫العلل‪ :‬لمحمد بن علي بن إبراهيم‪ :‬العلة في زلزلة الرض أن الحوت الذي‬


‫يحمل الرض له فلوس‪ ،‬فإذا أراد ال عزوجل زلزلة أرض أو مكان رفع‬

‫الحوت الفلس الذي في ذلك الموضع وحركه فتزلزل الرض‪ - 27 .‬توحيد‬

‫المفضل‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬فلم صارت هذه الرض‬

‫تزلزل ؟ قيل له‪ :‬إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس‬

‫ليرعوا وينزعوا عن المعاصي‪ .‬فوائد الولى‪ :‬قسمة المعمور من الرض‬

‫بالقاليم السبعة‪ .‬قالوا‪ :‬الدائرة العظيمة‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .242‬من ل يحضره الفقيه‪(3) .142 :‬‬

‫روضة الكافي‪.255 :‬‬

‫]‪[131‬‬

‫التي تحدث على سطح الرض إذا فرض معدل النهار قاطعا للعالم الجسماني‬

‫تسمى خط الستواء‪ ،‬وإذا فرضت عظيمة اخرى على وجه الرض تمر‬

‫بقطبيها انقسمت الرض بهما أرباعا‪ ،‬أحد القسمين الشماليين هو الربع‬

‫المسكون‪ ،‬والباقية إما غامرة في البحار غير مسكونة وإما عامرة غير‬

‫معلومة الحوال‪ ،‬وطول كل ربع بقدر نصف الدائرة العظيمة وعرضه بقدر‬

‫ربعها‪ .‬وهذا الربع المسكون أيضا ليس كله معمورا إذ بعضه في جانب‬

‫الشمال لفرط البرد ل يمكن لحيوان التعيش فيه‪ ،‬وهي المواضع التي يكون‬
‫عرضها أزيد من تمام الميل الكلي‪ ،‬وفي القدر المعمور أيضا بحار كثيرة‬

‫بعضها متصل بالمحيط وبعضها غير متصل كما عرفت‪ ،‬وجبال وآكام وآجام‬

‫وبطائح ومغايض وبراري لتقبل العمارة‪ ،‬ووجدوا في جنوب خط الستواء‬

‫قليل من العمارة من الزنج والسودان لكن لقلتها لم يعدوها من المعمورة‪.‬‬

‫ومبدأ العمارة عند المنجمين من جانب الغرب وكانت هناك جزائر تسمى "‬

‫الجزائر الخالدات " وهي الن معمورة في الماء فجعلها بعضهم مبدأ‬

‫الطول‪ ،‬وآخرون جعلوا ساحل البحر الغربي مبدأ وبينهما عشر درجات‪،‬‬

‫ونهاية العمارة من الجانب الشرقي عندهم " كنك ذر " وهو مستقر‬

‫الشياطين بزعمهم‪ ،‬وسموا ما بين النهايتين على خط الستواء قبة الرض‪.‬‬

‫ثم قسموا المعمور من هذا الربع في جانب العرض بسبعة أقاليم بدوائر‬

‫موازية لخط الستواء‪ ،‬طول كل إقليم ما بين الخافقين‪ ،‬وعرضه بقدر‬

‫تفاضل نصف ساعة في النهار الطول‪ ،‬لن أحوال كل إقليم متشابهة‬

‫متناسبة بحسب الحر والبرد والمزاج واللوان والخلق‪ .‬فمبدأ القليم الول‬

‫في العرض عند الكثر مواضع يكون عرضها اثنتا )‪ (1‬عشر درجة وثلثا‬

‫درجة ونهارهم الطول اثنتا عشر ساعة ونصف وربع ولم يعدوا من خط‬

‫الستواء إلى هذه المواضع من المعمورة لقلة المعمارة فيها‪ ،‬وبعضهم‬

‫يجعل مبدأ القليم خط الستواء‪ ،‬لكن على التقديرين ل خلف في أن مبدأ‬

‫القليم الثاني حيث عرضه عشرون درجة ونصف ونهاره الطول ثلث‬
‫عشرة ساعة وربع‪ .‬ومساحة سطح القليم الول على الول كما ذكره‬

‫البرجندي ستمائة ألف واثنان وستون ألف فرسخ وأربعة وأربعون فرسخا‬

‫ونصف‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع النسخ‪.‬‬

‫]‪[132‬‬

‫فرسخ‪ .‬والبلد المشهورة الواقعة فيه‪ :‬نجران‪ ،‬وجند‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬وصعدة‪،‬‬

‫وصحار وسندان‪ ،‬وكولم‪ ،‬وعلقى‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬وهذا القليم يبتدئ في‬

‫الطول من المشرق وأراضي الصين وتمر هناك على أنهار عظيمة ثم تمر‬

‫على سواحل البحر الجنوبي و بعض أرض الصين وبعض البلد الجنوبية‬

‫من الهند والسند‪ ،‬ثم على جزيرة " كرك " التي والها من قبل ملك اليمن‬

‫ثم يمر على خليج فارس وجزيرة العرب وعلى أكثر بلد اليمن كمعلى‪،‬‬

‫وحضرموت‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬وزبيد‪ ،‬وعدن‪ ،‬وشهر‪ ،‬وقلهات‪ ،‬و ظفار‪ ،‬وسبا‪،‬‬

‫ومدينة الطيب‪ ،‬وصحار قصبة )‪ (1‬عمان‪ ،‬ثم على الخليج الحمر‪ ،‬و دار‬

‫ملك الحبشة‪ ،‬وبلد النوبة‪ ،‬وعلى غاية معدن الذهب من بلد السودان )‪(2‬‬

‫المغرب ثم على بلد بربر إلى المحيط المغربي‪ .‬وعدد البلد المشهورة‬

‫الواقعة في هذا القليم خمسون‪ ،‬وفيه من الجبال والنهار العظيمة عشرون‬


‫جبل وثلثون نهرا‪ ،‬ولون أكثر أهله السواد‪ ،‬ويزعمون أن هذا القليم‬

‫منسوب إلى زحل‪ .‬ومساحة سطح ما بين خط الستواء والقليم الول ألف‬

‫ألف فرسخ ومائة وستة عشر ألف فرسخ وسبعمائة وخمسة وثلثون‬

‫فرسخا وسدس فرسخ‪ .‬والبلد المشهورة الواقعة فيها‪ :‬عدن‪ ،‬وشبام‬

‫وحضرموت‪ ،‬ومرباط‪ ،‬وسقوطره‪ ،‬وجزيرة سرنديب‪ ،‬وجزيرة لمرى‪،‬‬

‫وجزيرة كله وغانه‪ ،‬وكوكو‪ ،‬وسقالة‪ ،‬وبربرا‪ ،‬وزغاوة من بلد الزنج‪،‬‬

‫وهدية‪ ،‬وزيلع كلهما من بلد الحبشة‪ .‬ومساحة القليم الثاني خمسمائة‬

‫ألف فرسخ واثنان وسبعون ألف فرسخ وستة وستون فرسخا وثلث فرسخ‪.‬‬

‫والبلد المشهورة فيه‪ :‬مكة‪ ،‬والمدينة ‪ -‬ضاعف ال شرفهما ‪ -‬وتيماء من‬

‫بلد الشام‪ ،‬وينبع‪ ،‬وجدة‪ ،‬وخيبر‪ ،‬وبطن مر‪ ،‬والطائف والفيد‪ ،‬والفرع‪،‬‬

‫ويمامة‪ ،‬والحساء‪ ،‬وقطيف‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والقفط‪ ،‬وصعيد‬

‫)‪ (1‬في مراصد الطلع‪ :‬صحار بالضم وآخره راء‪ :‬هضبة عمان مما يلى‬

‫الجبل‪ ،‬وقوام قصبتها مما يلى الساحل مدينة طيبة كثيرة الخيرات مبنية‬

‫بالجر والساج ‪ -‬انتهى ‪ -‬والهضبة‪ :‬الجبل المنبسط على وجه الرض‪(2) .‬‬

‫سودان )خ(‪.‬‬

‫]‪[133‬‬
‫وأسيوط‪ ،‬واسوان‪ ،‬وإسنا‪ ،‬وعيذاب‪ ،‬ولمطه من أقصى المغرب‪ ،‬وسوس‬

‫أقصى‪ ،‬و سجلماسة‪ ،‬وديبل من بلد السند‪ ،‬ومكران‪ ،‬وبيرون‪،‬‬

‫والمنصورة‪ ،‬وصنم صومنات من بلد الهند‪ ،‬وكنبايت‪ ،‬وماهوره‪ ،‬وقنوج‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬هذا القليم يأخذ في الطول من بلد الصين ويمر بمعظم بلد‬

‫الهند‪ ،‬ومنها " دهلي " ثم بشمال جبال معروفة في ديارهم‪ ،‬ويمر بمعظم‬

‫ديار السند منها " منصورة " ويصل إلى عمان‪ ،‬ويقطع جزيرة العرب من‬

‫أرض نجد وتهامة‪ ،‬ويمر بالطائف ومكة ‪ -‬شرفها ال تعالى ‪ -‬ومدينة‬

‫الرسول ال صلى ال عليه واله ويثرب‪ ،‬وهجر‪ ،‬وقطيف‪ ،‬والبحرين‪،‬‬

‫وهرمز من كرمان ويقطع القلزم ويصل إلى صعيد مصر ويقطع النيل ويأخذ‬

‫في أرض المغرب ويمر بأواسط بلد إفريقية ثم ببلد البربر ويصل إلى‬

‫المحيط‪ .‬والبلد المشهورة الواقعة في هذا القليم أيضا خمسون‪ ،‬وفيه من‬

‫الجبال عشرون‪ ،‬ومن النهار مثلها‪ .‬ولون عامة أهله بين السواد‬

‫والسمرة‪ ،‬ويزعمون أنه منسوب إلى الشمس‪ .‬ومبدأ القليم الثالث عرضه‬

‫سبع وعشرون درجة ونصف‪ ،‬ونهاية طول اليام ثلث عشرة ساعة وثلث‬

‫أرباع ساعة‪ .‬ومساحة سطحه أربعمائة وستون ألف فرسخ وأحد وتسعون‬

‫فرسخا وخمسا فرسخ‪ .‬والبلد المشهورة فيه‪ :‬السكندرية‪ ،‬ومنفلوط من‬

‫بلد سعيد وأكثر بلدها الواقعة على النيل‪ ،‬ورشيد‪ ،‬ودمياط من بلد مصر‪،‬‬

‫وقلزم على ساحل بحر اليمن‪ ،‬وفسطاط من بلد مصر‪ ،‬وعين الشمس‬
‫منها‪ ،‬وأسفي )‪ (1‬من أقصى المغرب‪ ،‬وسل‪ ،‬وفاس‪ ،‬ومراكش )‪(2‬‬

‫ودرعة‪ ،‬وميلة‪ ،‬وتاهرت‪ .‬وقسطينة )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬بفتحتين وكسر الفاء‪ :‬بلدة على شاطئ البحر المحيط بأقصى المغرب‬

‫)مراصد الطلع(‪ (2) .‬بالفتح ثم التشديد وضم الكاف وشين معجمة‪ :‬أعظم‬

‫مدينة بالمغرب وأجلها وبها سرير ملوكه في وسط بلد البربر وبينه وبين‬

‫البحر عشرة أيام‪ .‬ومعنى مراكش بالبريرية " أسرع المشى " لنها كانت‬

‫موضع مخافة‪ (3) .‬كذا في نسختين مخطوطتين‪ ،‬وفى بعضها " قسطنطنية‬

‫" وهى غلط لنها من بلد الروم وهى التى تسمى اليوم " استانبول " من‬

‫بلد تركيا‪ ،‬والظاهر ان الصواب " قسطنطينية " بضم القاف وفتح السين‬

‫وسكون النون الولى وفتح الياء المخففة الثانية وهى في افريقية مما يلى‬

‫المغرب كما في مراصد الطلع‪.‬‬

‫]‪[134‬‬

‫وسطيف كلها من بلد المغرب‪ ،‬وتينزرت‪ ،‬وتونس‪ ،‬وقابس‪ ،‬وقيروان‪،‬‬

‫ومهدية‪ ،‬و صفاقس‪ ،‬واطرابلس‪ ،‬وقصر أحمد كلها من بلد إفريقية‪،‬‬

‫وغزة‪ ،‬وعسقلن‪ ،‬و قيسارية‪ ،‬ورملة‪ ،‬وبيت المقدس كلها من بلد فلسطين‬

‫; ونابلس‪ ،‬وعكا‪ ،‬وبيسان وصور‪ ،‬وعمان‪ ،‬وكرك‪ ،‬وبيروت‪ ،‬وصيدا‬


‫وأذرعات‪ ،‬وبصرى‪ ،‬ودمشق‪ ،‬وصرخد كلها من بلد الشام‪ ،‬وهيت‪،‬‬

‫والقادسية‪ ،‬وحيرة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬والنبار‪ ،‬وبغداد‪ ،‬و صرصر‪ ،‬والمدائن‪،‬‬

‫وبابل‪ ،‬ونعمانية‪ ،‬ونهروان‪ ،‬وقصر بن هبيرة‪ ،‬ونهر الملك كلها من بلد‬

‫العراق ونواحيها ; وبصرة‪ ،‬وابله‪ ،‬وعبادان‪ ،‬وطيب‪ ،‬وسوس‪ ،‬و قرقوب‪،‬‬

‫وتستر‪ ،‬وحبى‪ ،‬وعسكر مكرم‪ ،‬والهواز‪ ،‬ودورق‪ ،‬وأرجان كلها ‪ -‬ما عدا‬

‫الثلثة الول ‪ -‬من بلد خوزستان ; وسيف البحر‪ ،‬وجور‪ ،‬وأبرقوه‪ ،‬و‬

‫كازرون‪ ،‬ونوبندجان‪ ،‬وفيروزآباد‪ ،‬وشيراز‪ ،‬والبيضاء‪ ،‬وإصطخر‪ ،‬وبسا )‬

‫‪ ،(1‬و دارا بجرد كلها من بلد فارس ونواحيها ; ويزد‪ ،‬وبافد‪ ،‬وبردسير‪،‬‬

‫وجيرفت‪ ،‬وسيرجان وزرند‪ ،‬وبم‪ ،‬وهرموز كلها من بلد كرمان ; وزرنج )‬

‫‪ (2‬وشروان )‪ (3‬وبست كلها من بلد سيستان ; وملتان من بلد السند ;‬

‫وتعبر من بلد الهند‪ ،‬وزيتون من بلد الصين وإصبهان وأردستان‪،‬‬

‫وطبس‪ ،‬وبيروزكوه‪ ،‬وميمند‪ ،‬وغزنة وكابل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هذا القليم‬

‫يبتدئ من شرقي أرض الصين ودار ملكهم‪ ،‬وتمر بوسط مملكة الهند‪ ،‬و‬

‫قندهار‪ ،‬وكشمير‪ ،‬ويمر بمولتان من أرض السند‪ ،‬وبزابل‪ ،‬وبست‪،‬‬

‫وسيستان‪ ،‬و كيج‪ ،‬ويزده سير مدينة كرمان‪ ،‬وخبيص ; ويزد ; وفارس ;‬

‫وإصفهان ; والهواز وعسكر ; وكوفة ; وبصرة وواسط ; وبغداد ;‬

‫والمدائن وإذا جاوز هذه البلد يمر بديار ربيعة ومضر ; ودمشق ; وحمص‬
‫; وبيت المقدس ; والصورية ; والطبرية والقيسارية ; وعسقلن ;‬

‫والمدين ; ويأخذ طرفا من أرض مصر فيه دمياط وفسطاط‬

‫)‪ (1‬هي التى تسمى اليوم " فسا "‪ (2) .‬في طبعة امين الضرب " زرنه "‪.‬‬

‫)‪ (3‬في بعض النسخ " سروان " وفى المراصد " شرواد "‪.‬‬

‫]‪[135‬‬

‫والسكندرية ثم يمر ببلد الفريقية )‪ (1‬وبلد قيروان ; والسوس ;‬

‫وطرابلس المغرب ; ثم بقبائل السرير في أرض المغرب ; وبلد طنجة ;‬

‫وينتهي إلي المحيط‪ .‬و عدد البلد المشهورة الواقعة فيه مائة وثمانية‬

‫وعشرون ; وفيه من الجبال ثلثة وثلثون ; ومن النهار اثنان وعشرون‪.‬‬

‫ولون أكثر أهله السمرة ; ويزعمون أنه منسوب إلى عطارد‪ .‬وأما القليم‬

‫الرابع فعرض أوله ثلث وثلثون درجة وأربعون دقيقة‪ ،‬وأطول نهاره أربع‬

‫عشرة ساعة وربع‪ ،‬ومساحة سطحه ثلثمأة ألف وثمانية وسبعون ألفا‬

‫وثمانية وثلثون فرسخا وربع‪ ،‬والبلد المشهورة فيه‪ :‬قصر عبد الكريم‪،‬‬

‫وطنجة وسبسته )‪ (2‬وتلمسان‪ ،‬وبجاية من بلد المغرب ; وبوند‪ ،‬وقصر‬

‫أحمد‪ ،‬من بلد إفريقية وإشبيله )‪ (3‬وقرطبة‪ ،‬ومالقة‪ ،‬وغرناطة‪ ،‬وبلنسية‬

‫كلها من بلد الشام )‪ (4‬وتوابعها وجزيرة يابسة‪ ،‬وجزيرة ما يرقه )‪ (5‬فيها‬


‫بحيرة محيطها تسعة أميال‪ ،‬وجزيرة سردانية وجزيرة صقلية‪ ،‬وجزيرة‬

‫وسامس )‪ (6‬وجزيرة رودس‪ ،‬وجزيرة قبرس كل هذه الجزائر في بحر‬

‫الروم ; وطرسوس‪ ،‬وأياس‪ ،‬وأرطة )‪ (7‬ومصيصة‪ ،‬وبرس برت‪ ،‬وتل‬

‫حمدون كلها من بلد أرمن ; وأطرابلس‪ ،‬وبلنباس‪ ،‬وبعلبك‪ ،‬وعرقة‪ ،‬وجبلة‬

‫من بلد الشام وسبس‪ ،‬وصهيون‪ ،‬وبغراس‪ ،‬وحارم‪ ،‬وحصن الكراد‪،‬‬

‫والحمص‪ ،‬وحماة‪ ،‬وشيزر ومرعش‪ ،‬وحصن منصور‪ ،‬ومنبج‪ ،‬ومعرة )‬

‫‪ ،(8‬وقنسرين‪ ،‬وسميساط بعضها من‬

‫)‪ (1‬افريقية )خ(‪ (2) .‬كذا‪ ،‬وفى المراصد " سبتة "‪ (3) .‬كذا‪ ،‬في المراصد‬

‫" اشبيلية "‪ (4) .‬بل من بلد الندلس )اسبانيا(‪ (5) .‬ميورقة جزيرة في‬

‫شرقي الندلس )مراصد الطلع(‪ (6) .‬وساس )خ(‪ (7) .‬في بعض النسخ‬

‫" ارته " وفى بعضها " أرته "‪ (8) .‬في بعض النسخ " مغرة " وهى‬

‫أيضا موضع بالشام‪.‬‬

‫]‪[136‬‬

‫أعمال حلب وبعضها من أعمال الشام وحلب‪ ،‬وحران ; ورقة كلهما من‬

‫ديار مضر ; وماردين من ديار ربيعة ; وميا فارقين من بلد الجزيرة ;‬

‫وقرقيسياء‪ ،‬وجيران‪ ،‬ونصيبين‪ ،‬و جزيرة ابن عمر‪ ،‬وسنجار من ديار‬


‫ربيعة ; وتل أعفر‪ ،‬وموصل‪ ،‬والحديثة‪ ،‬و دقوقاء‪ ،‬وآمد‪ ،‬وعانة‪ ،‬وسعرت‪،‬‬

‫وتكريت‪ ،‬وسامراء‪ ،‬ودسكرة‪ ،‬وجلولء‪ ،‬و خانقين‪ ،‬وحلوان بعضها من‬

‫العراق وبعضها من الجزائر ; ودلي من بلد الهند ; و انطاليا من بلد‬

‫الروم ; وأرزن‪ ،‬وبدليس‪ ،‬وأرجليس )‪ (1‬كلها من أرمنية ; وسلماس‬

‫وخوى‪ ،‬ومراغه‪ ،‬وأوجان‪ ،‬وأردبيل‪ ،‬وميانج‪ ،‬ومرند‪ ،‬وتبريز كلها من بلد‬

‫آذربيجان ; وموقان )‪ (2‬وإربل‪ ،‬وشهر زور‪ ،‬وقصر شيرين‪ ،‬وصيمرة‪،‬‬

‫ودينور وسيروان‪ ،‬وما سبدان‪ ،‬وسهرورد‪ ،‬وزنجان‪ ،‬ونهاوند‪ ،‬وهمدان‪،‬‬

‫وبروجرد‪ ،‬و أبهر‪ ،‬وساوه‪ ،‬وقزوين‪ ،‬وآبه‪ ،‬وجرباذقان‪ ،‬وقم‪ ،‬وطالقان‪،‬‬

‫وقاشان‪ ،‬والري وكرج أكثرها من بلد الجبل ; ولهجان‪ ،‬وروذبار‪،‬‬

‫وسالوس‪ ،‬وناتل‪ ،‬وأرجان وآمل‪ ،‬وسارية كلها من بلد طبرستان ;‬

‫وسمنان‪ ،‬ودامغان‪ ،‬وبسطام‪ ،‬وإستراباد وآبسكون‪ ،‬وجرجان‪ ،‬ودهستان‪،‬‬

‫وخسروجرد‪ ،‬وقصبة سبزوار‪ ،‬وإسفراين‪ ،‬و نيسابور‪ ،‬ونسا‪ ،‬وطوس‪،‬‬

‫ونوقان‪ ،‬وأبيورد‪ ،‬وقوهستان‪ ،‬وقاين‪ ،‬وزوزن‪ ،‬و جزجرد‪ ،‬وبوزجان‪،‬‬

‫وسرخس‪ ،‬وفوشنج‪ ،‬وهراة‪ ،‬وبادغيس‪ ،‬ومالين‪ ،‬وشيورغان )‪(3‬‬

‫وأسفزار‪ ،‬ومرورود‪ ،‬ومرو‪ ،‬وشاه جهان‪ ،‬وفارياب‪ ،‬وشهرستان‪،‬‬

‫وسمنجان كلها من خراسان وأعمالها ; وبدخشان‪ ،‬وترمد )‪ (4‬وختلن‪،‬‬

‫ووخش‪ ،‬وصغانيان‪ ،‬و شومان‪ ،‬وآثينية كلها من بلد المغرب ويقال إنه بلد‬

‫حكماء يونان‪ .‬وقال بعض الفاضل‪ :‬هذا القليم وسط القاليم‪ ،‬ووسط معظم‬
‫عمارة العالم‪ ،‬ويبتدئ من شمال بلد الصين ويمر ببلد التبت الداخل‪،‬‬

‫وجرجير‪ ،‬وخطا‪ ،‬وختن‪ ،‬وبجبال‬

‫)‪ (6‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬وفى المراصد " ارجيش " بالشين المعجمة‪(7) .‬‬

‫الظاهر انها هي التى تسمى اليوم " دشت مغان "‪ (1) .‬كذا‪ ،‬والظاهر أنه "‬

‫شبرقان "‪ (2) .‬قال في المراصد‪ :‬الناس يختلفون في هذا السم والمعروف‬

‫انه بكسر التاء والميم وأهل تلك المدينة متداول على لسانهم بفتح التاء‬

‫وكسر الميم‪ ،‬وبعضهم يقول بضمها ‪ -‬الخ ‪.-‬‬

‫]‪[137‬‬

‫كشمير‪ ،‬وبدخشان‪ ،‬وصغانيان‪ ،‬وكابل‪ ،‬ويمر بطخارستان‪ ،‬وغور‪ ،‬وبلخ‪،‬‬

‫وتزمد وهرات‪ ،‬ومرو‪ ،‬وشاهجهان‪ ،‬ومرو رود‪ ،‬وسرخس‪ ،‬وجوزجان‪،‬‬

‫وفارياب ; و غرجستان )‪ ،(1‬وباورد )‪ (2‬ونسا‪ ،‬وسبزوار‪ ،‬وطوس‪،‬‬

‫ونيشابور‪ ،‬وإسفراين‪ ،‬و قهستان‪ ،‬وقومس‪ ،‬وجرجان‪ ،‬وطبرستان‪ ،‬وآمد )‬

‫‪ (3‬وقم‪ ،‬وآمل‪ ،‬وكاشان‪ ،‬و همدان‪ ،‬وأبهر‪ ،‬وقزوين‪ ،‬والديلم‪ ،‬وساوه‪،‬‬

‫وألموت‪ ،‬وكرج‪ ،‬وكيلن‪ ،‬ومازندران وساري‪ ،‬وسمنان‪ ،‬ودامغان‪،‬‬

‫واستراباد‪ ،‬وبسطام‪ ،‬ونهاوند‪ ،‬ودينور‪ ،‬وحلوان وشهرزور‪ ،‬وزنجان‪،‬‬

‫وسلطانية‪ ،‬وأردبيل‪ ،‬والموصل‪ ،‬وسامره‪ ،‬وأرمنية )‪ (4‬ومراغه‪ ،‬وتبريز‪،‬‬


‫وسنجار‪ ،‬ونصيبين‪ ،‬وسمياط‪ ،‬وملطية‪ ،‬وأرزنجان‪ ،‬ورأس العين‪ ،‬وقاليقل‪،‬‬

‫وسميساط‪ ،‬وحلب‪ ،‬وأنطاكية‪ ،‬وقنسرين‪ ،‬وطرابلس الشام‪ ،‬و حمص‪،‬‬

‫وطرسوس‪ ،‬وجزيرة قبرس‪ ،‬ورودس‪ ،‬ويمر بأرض المغرب على بلد‬

‫إفرنجة وطنجة‪ ،‬وينتهي إلى المحيط على الرقاق من الندلس وبلد‬

‫المغرب‪ .‬وعدد البلد المشهورة الواقعة فيه مائتان واثنا عشر‪ ،‬وفيه من‬

‫الجبال خمسة وعشرون‪ ،‬ومن النهار اثنان وعشرون‪ .‬ولون عامة أهله‬

‫بين السمرة والبياض‪ ،‬وهو منسوب إلى المشتري على الصح بزعمهم‪.‬‬

‫وأما القليم الخامس فمبدأه حيث عرضه تسع وثلثون درجة‪ ،‬وغاية طول‬

‫نهارهم أربع عشرة ساعة وثلثة أرباع ساعة‪ .‬ومساحة سطحه مائتا ألف‬

‫وتسع وتسعون ألف فرسخ وأربعمأة وثلثة وتسعون فرسخا وثلثة أعشار‬

‫فرسخ‪ .‬ومن البلد الواقعة فيها‪ :‬اشبونه‪ ،‬وشنترين‪ ،‬وبطليوس‪ ،‬وماردة‪،‬‬

‫وطليطلة‪ ،‬ومرسية‪ ،‬ودانية‪ ،‬ومدينة‬

‫)‪ (1‬في المراصد‪ :‬غرشستان‪ (2) .‬فيه‪ :‬وهى أبيورد‪ (3) .‬كذا‪ ،‬ولعله‬

‫مصحف " آمو " فان " آمد " بلد قديم تحيط دجلة بأكثره‪ ،‬ومن البعيد‬

‫ذكره بين طبرستان وقم مع ما يشاهد من رعاية الترتيب ‪ -‬إلى حد ما ‪ -‬في‬

‫ذكر اسماء البلد‪ (4) .‬ارمية )ظ(‪.‬‬


‫]‪[138‬‬

‫سالم‪ ،‬وسرقسطة‪ ،‬وطرطوشة‪ ،‬ولردة‪ ،‬وهيكل الزهرة‪ ،‬واربونة‪ ،‬وأنقورية‬

‫)‪ (1‬وعمورية‪ ،‬وآق شهر‪ ،‬وقونية‪ ،‬وقيسارية‪ ،‬وأقسرا )‪ (2‬وملطية‪،‬‬

‫وسيواس‪ ،‬و توقات‪ ،‬وأرزن‪ ،‬وأرزنجان‪ ،‬وموش‪ ،‬وملزجرد‪ ،‬وأخلط )‬

‫‪ ; (3‬وشروان ; و نشوى ; وبردعة ; وشمكور ; وتفليس ; وبيلقان ;‬

‫وباب البواب ; وكنجة ; وسلطانية وفراوة ; وكركنج ; وكات ; وزمخشر ;‬

‫وهزار أسب ; ودرغان ; وطواويس ; وبيكند وكرمنيه )‪ ; (4‬ونخشب ;‬

‫وكش ; وأربنجن ; وإشتيخن ; وسمرقند ; وكشائية ; و شاش ; وبنكث ;‬

‫وإيلقي )‪ (5‬واسروشه )‪ (6‬وساباط ; وخجند ; وشاوكث ; وتنكت‬

‫وإمسيكث ; وكاسان ; وفرغانة ; وقبا ; وختن ; وخيوه ; ورومية الكبرى‪،‬‬

‫و ماقذونية من أعمال قسطنطنية‪ .‬وقال بعض الفاضل‪ :‬يبتدئ هذا القليم‬

‫من أقصى بلد الترك ; ويمر على مواضع التراك المشهورة إلى حد‬

‫كاشغر‪ ،‬وختن ; وبيت المقدس ; وفرغانة ; وطراز وخجند ; ويمر بشر‬

‫وان ; وخوارزم ; وبخارا ; وشاش ; ونسف ; وسمرقند ; و كش ; وببحر‬

‫خزر وديار أرمنية وبعض بلد الروم كعمورية ; وقونية ; وأقسراي‬

‫وقيصرية ; وسيواس ; وأرزن الروم ; ويمر بساحل بحر الشام وبلد‬

‫اندلس إلى أن ينتهي إلى المحيط‪ .‬وعدد البلد المشهورة الواقعة فيه‬

‫مائتان‪ ،‬وفيه من الجبال ثلثون‪ ،‬ومن النهار خمسة عشر‪ .‬ولون عامة‬
‫أهله البياض‪ ،‬وهو منسوب إلى الزهرة بزعمهم‪ .‬وأما القليم السادس‬

‫فمبدأه حيث عرضه ثلث وأربعون درجة ونصف‪ ،‬وغاية طول نهاره‬

‫خمسة عشر ساعة وربع‪ .‬ومساحة سطحه مائتا ألف وخمسة وثلثون ألف‬

‫)‪ (1‬الظاهر انه " آنقرة " التى هي عاصمة تركيا اليوم‪ (2) .‬ويقال‪:‬‬

‫أقصرى‪ ،‬وأقصراى )‪ (3‬كذا والمضبوط " خلط "‪ (4) .‬في المراصد‪:‬‬

‫كرمينية‪ (5) .‬كذا والمضبوط " ايلق "‪ (6) .‬كذا والمضبوط " اسروشنه‬

‫" بزيادة نون بعد الشين المعجمة‪.‬‬

‫]‪[139‬‬

‫فرسخ وأربعة وثلثون فرسخا وثلثا فرسخ‪ .‬وفيه من البلد المشهورة‪:‬‬

‫تطيلة‪ ،‬وتبلوته وبردال‪ ،‬ولمريا‪ ،‬وجزيرة نقر بيت‪ ،‬وأماسية‪ ،‬وقسطمونيه‪،‬‬

‫وسنوب‪ ،‬وجند‪ ،‬وفاراب وإسفيجاب‪ ،‬وطراز‪ ،‬وشلج‪ ،‬وخان بالق‪،‬‬

‫وكاشغر ; وسمورة‪ ،‬ولنبرديه ; وبيذه ; وبندقيه وبرشان ; وقسطنطنية ;‬

‫وبلنجر‪ .‬وقال بعض المحققين‪ :‬من بلده معظم الروم ; و الخزر ;‬

‫والتركستان ; فيبتدئ من المشرق ويمر بمساكن أتراك الشرق‪ ،‬ويقطع‬

‫وسط بحر طبرستان‪ ،‬ويمر على خزر ; وموقان ; وسقسين )‪ ; (1‬وعلى‬

‫الصقالبة ; وبلد آس وأران‪ ،‬وباب البواب ; والروس ; ثم بمعظم بلد‬


‫الروم مثل قسطنطنية وبشمال اندلس‪ ،‬وينتهي إلى المحيط‪ .‬وعدد البلد‬

‫المشهورة الواقعة فيه تسعون‪ ،‬وفيه من الجبال أحد عشر‪ ،‬ومن النهار‬

‫أربعون‪ .‬ولون غالب أهله الشقرة‪ ،‬وهو عندهم منسوب إلى القمر‪ .‬وأما‬

‫القليم السابع فمبدأه حيث العرض سبع وأربعون درجة وربع ; وغاية طول‬

‫نهاره خمس عشرة ساعة وثلثة أرباع ساعة‪ .‬ومساحة سطحه مائة ألف‬

‫وسبعة وثمانون ألف فرسخ وسبعمائة وواحد وعشرون فرسخا وثلثا‬

‫فرسخ‪ .‬وفي هذا القليم العمارة قليلة ; والبلد المشهورة فيه‪ :‬كرش ;‬

‫وازرق ; وصراى ‪ -‬وهو مستقر سلطان تتر )‪ - (2‬واكل ; ويلر )‪(3‬‬

‫ويفص له بلغار ‪ -‬وأفجا كرمان ; وصارى كرمان ; وقرقر ; و صلغات ;‬

‫وكفا )‪ (4‬وصقجى )‪ (5‬وشنتياقر )‪ (6‬وهرقلة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هذا القليم‬

‫يأخذ في طوله من المشرق ويمر بنهايات التراك الشرقية ; وبشمال بلد‬

‫يأجوج ومأجوج ثم على غياض وجبال يأوي إليها أتراك كالوحوش‪ ،‬ثم‬

‫على بلغار الروس والصقالبة ويقطع بحر الشام وينتهي إلى المحيط‪ .‬وعدد‬

‫بلد هذا القليم اثنان وعشرون‪ ،‬وفيه من الجبال أحد عشر‪ ،‬ومن النهار‬

‫أربعون‪ .‬ولون أهله بين الشقرة والبياض‪ ،‬وهو‬

‫)‪ (1‬سفسين )خ(‪ (2) .‬التتر )خ(‪ (3) .‬بلر )خ(‪ (4) .‬كفى )خ(‪(5) .‬‬

‫عبقحى )خ(‪ (6) .‬في المراصد‪ :‬شنت ياقب‪.‬‬


‫]‪[140‬‬

‫منسوب عندهم إلى المريخ‪ .‬وأهل بعض بلده يسكنون مدة ستة أشهر في‬

‫الحمامات لشدة البرد‪ .‬وآخر القاليم حيث عرضه خمسون درجة ونصف‬

‫وغاية طول نهاره ست عشرة ساعة وربع‪ ،‬ثم إلى عرض التسعين ل‬

‫يعدونه من القاليم‪ .‬واعلم أن خط الستواء يبتدئ من شرقي أرض الصين‬

‫ويمر على جزيرة " چمكوت " ثم ببلد الصين مما يلي الجنوب‪ ،‬وعلى "‬

‫كنك ذر " الذي من أراضي الصين ثم على جزائر " زأرة " التي تسمى‬

‫أرض الذهب‪ ،‬وعلى جنوب جزيرة سرنديب بين جزيرتي كله وسريره‬

‫وعلى وسط جزائر ديويره )‪ (1‬ثم على شمال جزائر الزنج ومعظم بلدهم‬

‫ثم على شمال جبال القمر‪ ،‬وجنوب سودان المغرب إلى المحيط‪ .‬وأما طول‬

‫النهار لسائر البقاع سوى القاليم السبعة فالنهار الطول يبلغ سبع عشرة‬

‫ساعة حيث العرض أربع وخمسون درجة وكسر‪ ،‬ويبلغ ثماني عشرة‬

‫ساعة حيث العرض ثمان وخمسون درجة‪ ،‬ويبلغ تسع عشرة ساعة حيث‬

‫العرض إحدى وستون درجة‪ ،‬ويبلغ عشرين ساعة حيث العرض ثلث‬

‫وستون‪ .‬وهناك جزيرة تسمى " تولي " يقال إن أهلها يسكنون الحمامات‬

‫مدة كون الشمس بعيدة عن سمت رؤسهم‪ .‬والمشهور أنها منتهى العمارة‬

‫في العرض ويبلغ إحدى وعشرين ساعة حيث العرض أربع وستون درجة‬
‫ونصف‪ .‬قال بطلميوس‪ :‬إن سكان هذا الموضع قوم من الصقالبة ل‬

‫يعرفون‪ .‬وعلى هذا يكون هو منتهى العمارة في العرض‪ ،‬ويبلغ اثنتين‬

‫وعشرين ساعة حيث العرض خمس وستون درجة وكسر ويبلغ ثلثا‬

‫وعشرين ساعة حيث العرض ست وستون درجة‪ ،‬ويبلغ أربعا وعشرين‬

‫ساعة حيث العرض مثل تمام الميل الكلي‪ .‬ويبلغ شهرا حيث العرض سبع‬

‫وستون درجة وربع‪ ،‬وشهرين حيث العرض سبعون درجة إل ربعا‪ ،‬وثلثة‬

‫أشهر حيث العرض ثلث وسبعون درجة ونصف وأربعة أشهر حيث‬

‫العرض ثمان وسبعون درجة ونصف‪ ،‬وخمسة أشهر حيث العرض أربع‬

‫وثمانون درجة‪ ،‬ونصف السنة تقريبا حيث العرض ربع الدور‪ .‬و منهم من‬

‫قسم ما سوى القاليم من الربع قسمين‪ :‬قسما لم يدخل في القاليم ويدخل‬

‫في المعمورة‪ ،‬وقسما لم يدخل فيهما‪ ،‬فالول مبدأه حيث عرضه خمسون‬

‫درجة وثلث‪ ،‬وغاية‬

‫)‪ (1‬ديوه )خ(‪(*) .‬‬

‫]‪[141‬‬

‫طول نهاره ست عشرة ساعة وربع‪ ،‬ومساحة سطحه سبعمائة ألف‬

‫وخمسون ألف فرسخ ومائة واثنان وثلثون فرسخا وربع فرسخ‪ .‬وفيه‬
‫جزيرة برطانية‪ ،‬وجزيرة صوداق‪ ،‬وجزيرة تولى ومدينة يأجوج ومأجوج‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬عرض تلك المدينة ثلث وستون درجة وطولها مائة واثنان وسبعون‬

‫درجة ونصف‪ .‬والقسم الثاني مبدأه حيث عرضه ست وستون درجة‬

‫ونصف‪ ،‬وغاية طول نهاره سبع وأربعون ساعة‪ .‬ومساحة سطحه أربعمائة‬

‫ألف واثنان وعشرون ألف فرسخ وأربعمائة وسبعة فراسخ وخمس فرسخ‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬في عرض خمس وسبعين درجة موضع أهله يسكنون في الشتاء في‬

‫الحمامات‪ ،‬ول يفهم كلمهم‪ .‬الفائدة الثانية‪ :‬في ذكر بعض خواص خط‬

‫الستواء والفاق المائلة‪ ،‬فأما خط الستواء فدوائر آفاق البقاع التي تكون‬

‫عليه تنصف جميع المدارات اليومية‪ ،‬فلذلك يكون النهار والليل في جميع‬

‫السنة متساويين‪ ،‬وأيضا يكون زمان ظهور كل نقطة على الفلك مساويا‬

‫لزمان خفائه‪ ،‬فإن كان تفاوت كان بسبب اختلف السير سرعة وبطء‬

‫بالحركة الغربية في النصفين‪ ،‬وذلك ل يكون محسوسا‪ .‬وتمر الشمس في‬

‫السنة الواحدة مرتين بسمت رؤوسهم‪ ،‬وذلك عند كونها في نقطتي‬

‫العتدالين‪ ،‬ول تبعد الشمس عن سمت رؤوسهم إل بقدر غاية ميل فلك‬

‫البروج عن معدل النهار‪ ،‬وتكون الشمس نصف السنة تقريبا في جهة من‬

‫جهتي الشمال والجنوب‪ ،‬ويكون ظل نصف النهار إلى خلف تلك الجهة‪،‬‬

‫ولكون مبدأ الصيف الوقت الذي يكون فيه الشمس إلى سمت الرأس أقرب‬

‫ومبدأ الشتاء الوقت الذي يكون الشمس منه أبعد‪ ،‬يكون وقت كونها في‬
‫نقطتي العتدال مبدأ صيفهم‪ ،‬ووقت كونها في نقطتي النقلب مبدأ‬

‫شتائهم‪ ،‬ويكون مبادئ الفصلين الخيرين أوساط الرباع‪ ،‬ويلزم على ذلك‬

‫أن يكون لهم في كل سنة ثمانية فصول‪ ،‬ويكون دور الفلك هناك دولبيا‪،‬‬

‫لن سطوح جميع المدارات يقطع سطح الفق على قوائم‪ ،‬ويسمى لذلك‬

‫آفاقها آفاق الفلك المستقيم‪ .‬والشيخ ابن سينا حكم بأنها أعدل البقاع‪ ،‬لن‬

‫الشمس ل تمكث على سمت الرأس كثيرا بل إنما يمر به وقتي اجتيازها عن‬

‫إحدى الجهتين إلى الخرى‪ ،‬ويكون هناك حركتها في الميل والبعد عن‬

‫سمت رأسهم أسرع ما يكون فل تكون لذلك حرارة صيفهم شديدة‪ .‬وأيضا‬

‫لتساوي‬

‫]‪[142‬‬

‫زماني نهارهم وليلهم دائما تنكسر سورتا كل واحدة من الكيفيتين الحادثتين‬

‫منهما بالخرى فيعتدل الزمان‪ .‬وحكم أيضا بأن أحر البقاع صيفا التي تكون‬

‫عروضها مساوية للميل الكلي‪ ،‬فان الشمس تسامتها وتلبث في قرب‬

‫مسامتتها قريبا من شهرين‪ ،‬ونهارها حينئذ يطول وليلها يقصر‪ .‬ورد الفخر‬

‫الرازي عليه الحكم الول بأن قال‪ :‬لبث الشمس في خط الستواء وإن كان‬

‫قليل لكنها ل تبعد كثيرا عن المسامتة‪ ،‬فهي طول السنة في حكم المسامتة‪،‬‬

‫ونحن نرى بقاعا أكثر ارتفاعات الشمس فيها ل يزيد على أقل ارتفاعاتها‬
‫بخط الستواء وحرارة صيفها في غاية الشدة‪ .‬فيعلم من ذلك أن حرارة‬

‫شتاء خط الستواء تكون أضعاف حرارة صيف تلك البقاع‪ .‬وحكم بأن أعدل‬

‫البقاع هو القليم الرابع‪ .‬وقال المحقق الطوسي ‪ -‬ره ‪ :-‬الحق في ذلك أنه‬

‫إن عنى بالعتدال تشابه الحوال فلشك أنه في خط الستواء أبلغ كما ذكره‬

‫الشيخ‪ ،‬وإن عنى به تكافؤ الكيفيتين فل شك أن خط الستواء ليس كذلك‪،‬‬

‫يدل عليه شدة سواد لون سكانه من أهل الزنج والحبشة وشدة جعود‬

‫شعورهم وغير ذلك مما تقتضيه حرارة الهواء‪ ،‬وأضداد ذلك في القليم‬

‫الرابع تدل على كون هوائه أعدل‪ .‬بل السبب الكلي في توفر العمارات‬

‫وكثرة التوالد والتناسل في القاليم السبعة دون سائر المواضع المنكشفة‬

‫من الرض يدل على كونها أعدل من غيرها‪ ،‬وما يقرب من وسطها ل‬

‫محالة يكون أقرب إلى العتدال مما يكون على أطرافها‪ .‬فإن الحتراق‬

‫والفجاجة اللزمين من الكيفيتين ظاهران في الطرفين ‪ -‬انتهى ‪ .-‬فعلى ما‬

‫ذكره ‪ -‬قدس سره ‪ -‬سكان القليم الرابع أعدل الناس خلقا وخلقا‪ ،‬و أجودهم‬

‫فطانة وذكاء‪ .‬ومن ثمة كان معدن الحكماء والعلماء‪ ،‬وبعدهم سكان‬

‫القليمين‪ :‬الثالث‪ ،‬والخامس‪ .‬وأما سائر القاليم فأكثرها ناقصون في الجبلة‬

‫عما هو أفضل‪ ،‬يدل عليه سماجة صورهم وسوء أخلقهم وشدة احتراقهم‬

‫من الحر أو فجاجتهم من البرد كالحبشة والزنج في الول والثاني‪،‬‬

‫وكيأجوج ومأجوج وبعض الصقالبة في السادس والسابع‪ .‬وأما الفاق التي‬


‫لها عرض أقل من الربع فهي على خمسة أقسام‪ :‬الول أن يكون عرضه‬

‫أقل من الميل الكلي‪ ،‬الثاني أن يكون عرضه مساويا للميل الكلي‬

‫]‪[143‬‬

‫الثالث )‪ (1‬أن يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلي‪ ،‬الرابع أن يكون‬

‫عرضه أكثر من الميل وأقل من تمامه‪ ،‬الخامس أن يكون عرضه أكثر من‬

‫تمام الميل‪ .‬ففي جميع تلك الفاق يكون أحد قطبي المعدل فوق الرض‬

‫مرتفعا عن الفق بقدر عرض البلد والخر منحطا عن الفق بهذا المقدار‪.‬‬

‫وجميع تلك الفاق ينصف معدل النهار على زوايا ]قوائم[ فيكون دور الفلك‬

‫هناك حمائليا‪ ،‬وتقطع المدارات التي تقطعها بقطعتين مختلفتين‪ .‬والقسي )‬

‫‪ (2‬الظاهرة للمدارات الشمالية أعظم من التي تحت الرض‪ ،‬و للجنوبية‬

‫بالخلف من ذلك ول يستوي الليل والنهار فيها إل عند بلوغ الشمس‬

‫نقطتي العتدال‪ ،‬وذلك في يوم النيروز والمهرجان والمساواة في بعض‬

‫الوقات تحقيقي وفي بعضها تقريبي‪ .‬ويكون النهار أطول من الليل عند‬

‫كون الشمس في البروج الشمالية وعند كونها في البروج الجنوبية المر‬

‫بعكس ذلك‪ .‬وكلما كان عرض البلد أكثر كان مقدار التفاوت بين الليل‬

‫والنهار أكثر‪ ،‬وكل مدار بعده عن القطب الشمالي مثل ارتفاع القطب عن‬

‫الفق فهو بجميع ما فيه وبجميع ما تحويه دائرته إلى القطب الشمالي من‬
‫الكواكب والمدارات أبدي الظهور‪ ،‬ونظيره من ناحية الجنوب بجميع ما فيه‬

‫وما تحويه دائرته إلى القطب الجنوبي أبدي الخفاء‪ .‬وهذا هي الحوال‬

‫المشتركة‪ .‬وأما ما يختص بالقسم الول من القسام الخمسة المتقدمة وهو‬

‫ما يكون العرض أقل من الميل الكلي فالمدار الذي يكون بعده عن المعدل‬

‫من جهة القطب الظاهر بقدر عرض البلد يقطع منطقة البروج على نقطتين‬

‫متساويتي البعد من المنقلب فإذا وصلت الشمس إلى إحدى هاتين النقطتين‬

‫ل يكون في نصف نهار هذا اليوم لشئ ظل‪ ،‬وما دامت الشمس في القوس‬

‫الذي بين تينك النقطتين في جهة القطب الظاهر يقع‬

‫)‪ (1‬في أكثر النسخ هكذا‪ :‬الثالث أن يكون عرضه أكثر من الميل وأقل من‬

‫تمامه الرابع ان يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلى‪ (2) .‬جمع قوس‪،‬‬

‫وأصله قووس ‪ -‬على ما ذكره الصرفيون ‪ -‬فانقلب اللم مكان العين ثم قلبت‬

‫الواوان يائين وادغمت الولى في الثانية وكسرت القاف والسين فصار "‬

‫قسيا "‪.‬‬

‫]‪[144‬‬

‫الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الخفي‪ ،‬وما دامت الشمس في‬

‫القوس الخر يقع الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الظاهر‪،‬‬
‫ولرتفاع الشمس في النقصان غايتان‪ :‬إحداهما من جهة القطب الظاهر‬

‫وهو أكثر‪ ،‬والخرى من جهة القطب الخفي وهو أقل‪ ،‬ول تكون فصول‬

‫السنة في تلك الفاق متساوية‪ ،‬بل إذا كانت النقطتان المذكورتان متقاربتين‬

‫كان صيفهم أطول من غيره‪ ،‬لن الشمس تسامت رؤسهم مرتين وليس‬

‫بعدها على قدر يكون في وسطه فتور للسخونة‪ ،‬وإن زادت على الربعة‬

‫كما إذا كانت النقطتان متباعدتين لم تكن متشابهة لختلف غايتي بعد‬

‫الشمس عن سمت الرأس في الجهتين بخلف خط الستواء لتساويهما‪.‬‬

‫وأما القسم الثاني فمدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر يمر بسمت‬

‫الرأس ومدار المنقلب الخر بسمت الرجل‪ ،‬ول يكون لرتفاع الشمس إل‬

‫غاية واحدة في جانب النقصان‪ ،‬وفي جانب الزيادة يكون تسعين درجة‪،‬‬

‫ويكون الظل أبدا عند الزوال في جهة القطب الظاهر‪ ،‬إل في يوم واحد حين‬

‫كونها في المنقلب الظاهر‪ ،‬فإنه ل يكون في هذا اليوم عند الزوال لشئ ظل‪،‬‬

‫ويكون أحد قطبي فلك البروج أبدي الظهور والخر أبدي الخفاء‪.‬‬

‫وارتفاعات الشمس تتزايد من أحد النقلبين إلى الخر‪ ،‬ثم ترجع وتتناقص‬

‫إلى أن تعود إليه وتصير فصول السنة أربعة لغير وتكون متساوية‬

‫المقادير‪ .‬وأما القسم الثالث فل تنتهي الشمس إلى سمت الرأس‪ ،‬ويكون لها‬

‫ارتفاعان‪ :‬أعلى‪ ،‬وهو ما يكون بقدر مجموع الميل الكلي وتمام عرض‬

‫البلد‪ .‬وأسفل‪ ،‬وهو يكون بقدر فضل تمام عرض البلد على الميل الكلي‪،‬‬
‫وسائر الحوال كما مر‪ .‬وأما القسم الرابع فيصير مدار المنقلب الذي في‬

‫جهة القطب الظاهر أبدي الظهور ومدار المنقلب الخر أبدي الخفاء‪ .‬ويمر‬

‫مدار قطب فلك البروج الظاهر بسمت الرأس‪ ،‬ومدار القطب الخر بمقابله‪،‬‬

‫وفي كل دورة تنطبق منطقة البروج مرة على الفق‪ ،‬ثم يرتفع النصف‬

‫الشرقي من المنطقة دفعة عن الفق وينحط نصفها الخر عنه كذلك‪ ،‬ثم‬

‫يطلع النصف الخفي جزء بعد جزء في جميع أجزاء نصف الفق الشرقي‬

‫]‪[145‬‬

‫ويغيب النصف الظاهر جزء بعد جزء كذلك في جميع نصف الفق الغربي‬

‫في مدة اليوم بليلته إلى أن يعود وضع الفلك إلى حاله الولى‪ ،‬ويزيد النهار‬

‫في تلك الفاق إلى أن يصير مقدار يوم بليلته نهارا كلها‪ ،‬وذلك عند وصول‬

‫الشمس إلى المنقلب الظاهر‪ .‬وهذا إذا اعتبر ابتداء النهار من وصول مركز‬

‫الشمس إلى الفق‪ ،‬وإن اعتبر ابتداء النهار من ظهور الضوء واختفاء‬

‫الثوابت كان نهارهم عند الوصول المذكور شهرا ‪ -‬على ما بينه " ساو‬

‫ذوسيوس " في الرسالة التي بين فيها حال المساكن ‪ -‬ثم يحدث ليل في‬

‫غاية القصر بحيث يتداخل الشفق والفجر‪ ،‬ويزيد شيئا فشيئا إلى أن يصير‬

‫مقدار يوم بليلته ليلة كله‪ ،‬وبعد ذلك يحدث نهار قصير‪ ،‬وهكذا‪ .‬وفي هذا‬

‫القسم نهاية العمارة في جانب الشمال‪ ،‬ول تمكن العمارة بعده لشدة البرد‪.‬‬
‫وأما القسم الخامس فيكون فيه أعظم المدارات البدية الظهور قاطعا‬

‫لمنطقة البروج على نقطتين يساوي ميلهما في جهة القطب الظاهر‪ ،‬وأعظم‬

‫المدارات البدية الخفاء قاطعا لها على نقطتين متقابلتين لهما ; فتنقسم‬

‫منطقة البروج ل محالة إلى أربع قسي يتوسطها العتدالن والنقلبان‪:‬‬

‫إحديهما أبدي الظهور وهي التي يتوسطها المنقلب الذي في جهة القطب‬

‫الظاهر‪ ،‬ومدة كون الشمس فيها نهارهم الطول‪ .‬والثانية أبدي الخفاء وهي‬

‫التي يتوسطها المنقلب الخر‪ ،‬ومدة كون الشمس فيها ليلهم الطول وأما‬

‫القوسان الباقيتان فالتي يتوسطها أول الحمل تطلع معكوسة أي يطلع آخرها‬

‫قبل أولها‪ ،‬وتغرب مستوية أي يغرب أولها قبل آخرها إن كان القطب‬

‫الظاهر شماليا وتطلع مستوية وتغرب معكوسة إن كان القطب الظاهر‬

‫جنوبيا ; والتي يتوسطها أول الميزان يكون بالضد من ذلك‪ .‬ومثلوا لتصوير‬

‫الطلوع والغروب المعكوسين مثال لسهولة تصورهما تركناه مع سائر‬

‫أحكام هذا القسم لقلة الجدوى‪ .‬وأما الموضع الذي عرضه ربع الدور وهو‬

‫تسعون درجة فأوضاعه غريبة جدا وذلك ل يكون على الرض إل عند‬

‫موضعين يكون أحد قطبي المعدل على سمت الرأس والخر على سمت‬

‫القدم‪ ،‬فتصير ل محالة دائرة معدل النهار منطبقة على الفق‪ ،‬و يدور الفلك‬

‫بالحركة الولى التابعة للفلك العظم رحوية ول يبقى في الفق مشرق‬


‫]‪[146‬‬

‫ول مغرب باعتبار هذه الحركة أصل ول باعتبار غيرها بحيث يتميز أحدهما‬

‫عن الخر في الجهة‪ ،‬ول يتعين أيضا نصف النهار‪ ،‬بل في جميع الجهات‬

‫يمكن أن تبلغ الشمس وسائر الكواكب غاية ارتفاعها‪ ،‬كما يمكن أن تطلع‬

‫وتغرب فيها‪ ،‬فيكون النصف من الفلك الذي يكون من معدل النهار في جهة‬

‫القطب الظاهر أبدى الظهور‪ ،‬والنصف الخر أبدي الخفاء‪ .‬والشمس‬

‫مادامت في النصف الظاهر من فلك البروج يكون نهارا‪ ،‬وما دامت في‬

‫النصف الخفي منه يكون ليل‪ ،‬فيكون سنة كلها يوما بليلة‪ ،‬و يفضل أحدهما‬

‫على الخر من جهة بطء حركتها وسرعتها وهو تقريبا سبعة أيام بلياليها‬

‫من أيامنا‪ .‬ففي هذه الزمنة يزيد نهاره عن ليله بمثل هذه المدة‪ .‬وهذا إذا‬

‫اعتبر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها‪ ،‬وأما إذا كان النهار من ظهور‬

‫ضوئها واختفاء الثوابت إلى ضدهما فيكون نهارهم أكثر من سبعة أشهر‬

‫بسبعة أيام‪ ،‬وليلهم قريبا من خمسة أشهر‪ ،‬إذ من ظهور ضوء الشمس إلى‬

‫طلوعها خمسة عشر يوما وكذا من غروبها إلى اختفاء الضوء‪ ،‬على ما‬

‫حققه " ساوذوسيوس " وأما إذا كان النهار من طلوع الصبح إلى غروب‬

‫الشفق فكان نهارهم سبعة أشهر وسبعة عشر يوما من أيامنا تقريبا‪ .‬وقال‬

‫المحقق الطوسي ‪ -‬قدس سره ‪ :-‬ويكون مدة غروب الشفق أو طلوع‬

‫الصبح في خمسين يوما من أيامنا‪ .‬ويكون غاية ارتفاع الشمس وغاية‬


‫انحطاطه بقدر غاية الميل‪ .‬وأظلل المقاييس تفعل دوائر متوازية بالتقريب‬

‫على مركز أصل المقياس أصغرها إذا كانت الشمس في المنقلب الظاهر‪.‬‬

‫وأعظمها إذا كانت عند الفق بقرب العتدالين‪ ،‬ول يكون لشئ من الكواكب‬

‫طلوع ولغروب بالحركة الولى‪ ،‬بل يكون طلوعها وغروبها بالحركة‬

‫الثانية المختصة بكل منها ل في موضع بعينه من الفق‪ .‬و يكون للكواكب‬

‫التي يكون عرضها من منطقة البروج ينقص من الميل الكلي طلوع‬

‫وغروب بالحركة الخاصة‪ ،‬وتختلف مدة )‪ (1‬الظهور والخفاء بحسب بعد‬

‫مدارها عن منطقة البروج وقربها إليه‪ ،‬فما كان مداره أبعد عنها في جهة‬

‫القطب الظاهر كان زمان ظهوره أكثر من زمان ظهور مامداره أقرب منها‬

‫في هذا الجهة‪ ،‬وينعكس الحكم في‬

‫)‪ (1‬مدتا )خ(‪.‬‬

‫]‪[147‬‬

‫الجهة الخرى‪ .‬والكواكب التي عرضها مساو للميل كله تماس الفق في‬

‫دور واحد من الحركة الثانية مرة واحدة إما من فوق وإما من تحت‪ ،‬ول‬

‫يكون لها ول للتي يزيد عرضها في أحد جانبي فلك البروج على الميل الكلي‬

‫طلوع ول غروب‪ ،‬بل تكون إما ظاهرة أبدا وإما خفية أبدا‪ .‬الفائدة الثالثة‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬السبب الكثري في تولد الحجار والجبال عمل الحرارة في الطين‬

‫اللزج بحيث يستحكم انعقاد رطبه بيابسه بإذن ال تعالى‪ .‬وقد ينعقد الماء‬

‫السيال حجرا إما لقوة معدنية محجرة أو لرضية غالبة على ذلك الماء‪ .‬فإذا‬

‫صادف الحر العظيم طينا كثير الرخا إما دفعة وإما على مرور اليام تكون‬

‫الحجر العظيم‪ .‬فإذا ارتفع بأن يجعل الزلزلة العظيمة طائفة من الرض تل‬

‫من التلل‪ ،‬أو يحصل من تراكم عمارات تخربت ثم تحجرت‪ ،‬أو يكون الطين‬

‫المتحجر مختلف الجزاء في الصلبة والرخاوة فتنحفر أجزاؤه الرخوة‬

‫بالمياه والرياح وتغور تلك الحفر بالتدريح غورا شديدا وتبقى الصلبة‬

‫مرتفعة أو بغير ذلك من السباب فهو الجبل‪ .‬و قد يرى بعض الجبال‬

‫منضودة ساقا فساقا كأنها سافات الجدار‪ ،‬فيشبه أن يكون حدوث مادة‬

‫الفوقاني بعد تحجر التحتاني وقد سال على كل ساف من خلف جوهره ما‬

‫صار حائل بينه وبين الخر‪ .‬وقد يوجد في كثير من الحجار عند كسرها‬

‫أجزاء الحيوانات المائية فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف‬

‫الدهر مغمورة في البحر فحصل الطين اللزج الكثير وتحجر بعد النكشاف‪،‬‬

‫ولذلك كثر الجبال‪ ،‬ويكون انحفار ما بينها بأسباب تقتضيه كالسيول‬

‫والرياح‪ ،‬كذا قيل‪ ،‬وقد مر بعض الكلم فيه سابقا‪ .‬والحق أن ال تعالى‬

‫خلقها بفضله وقدرته إما بغير أسباب ظاهرة أو بأسباب ل نعلمها‪ .‬وهذه‬

‫السباب المذكورة ناقصة‪ ،‬ولو كانت هذه أسبابها فلم ل يحدث من الزمنة‬
‫التي أحصى الحكماء تلك الجبال إلى تلك الزمان جبل آخر‪ ،‬إل أن يقال‪ :‬لما‬

‫كان في بدء خلق الرض زلزلة ورجفة واضطراب عظيم في الرض صارت‬

‫أسبابا لحدوث تلك الجبال‪ ،‬فلما حدثت استقرت الرض وسكنت‪ ،‬فلهذا ل‬

‫يحدث بعدها مثلها كما دلت عليه اليات والخبار‪.‬‬

‫]‪[148‬‬

‫ثم اعلم أن منافع الجبال كثيرة‪ :‬منها كونها أوتادا للرض كما مر ; ومنها‬

‫أن انبعاث العيون والسحب المستلزمة للخيرات الكثيرة منها أكثر من‬

‫غيرها‪ ،‬بل ل تنفجر العيون إل من أرض صلبة أو من جوار أرض صلبة‪،‬‬

‫كما قال في الشفاء‪ :‬إذا تتبعت الودية المعروفة في العالم وجدتها كلها‬

‫منبعثة من عيون جبلية ومنها تكون الجواهر المعدنية منها ومنها إنباتها‬

‫النباتات الكثيرة والشجار العظيمة‪ ،‬ومنها المغارات الحادثة فيها فإنها‬

‫مأوى الحيوانات بل بعض الناس‪ .‬ومنها كونها أسبابا لهتداء الخلق في‬

‫طرقهم وسبلهم‪ ،‬ومنها اتخاذ الحجار منها للرحية والبنيه وغيرها‪ ،‬إلى‬

‫غير ذلك من المنافع الكثيرة التي تصل عقول الخلق إلى بعضها وتعجز عن‬

‫أكثرها‪ .‬قال الصادق عليه السلم في خبر التوحيد الذي رواه عنه المفضل‬

‫بن عمر‪ :‬انظر يا مفضل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة‬

‫التي يحسبها الغافلون فضل ل حاجة إليها‪ ،‬والمنافع فيها كثيرة‪ :‬فمن ذلك‬
‫أن يسقط عليها الثلوج‪ ،‬فتبقى في قللها لمن يحتاج إليه ويذوب ما ذاب‬

‫منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها النهار العظام‪ ،‬وتنبت‬

‫فيها ضروب من النبات والعقاقير التي ل ينبت منها في السهل‪ ،‬وتكون فيها‬

‫كهوف ومقائل للوحوش من السباع العادية‪ ،‬ويتخذ منها الحصون والقلع‬

‫المنيعة للتحرز من العداء وينحت منها الحجارة للبناء والرحاء‪ ،‬وتوجد‬

‫فيها معادن لضروب من الجواهر‪ ،‬و فيها خلل اخرى ل يعرفها إل المقدر‬

‫لها في سابق علمه‪ .‬بيان‪ " :‬المقائل " كأنه من القيلولة‪ ،‬وفي بعض النسخ‬

‫بالغين المعجمة من الغيل وهو الشجر الملتف‪ ،‬وفي بعضها " معاقل "‬

‫جمع معقل وهو الشجر الملتف )‪ .(1‬الفائدة الرابعة‪ :‬قالوا في علة حدوث‬

‫الزلزلة والرجفة‪ :‬إذا غلظ البخار و بعض الدخنة والرياح في الرض‬

‫بحيث ل ينفذ في مجاريها لشدة استحصافها )‪ (2‬و تكاثفها اجتمع طالبا‬

‫للخروج ولم يمكنه النفوذ فزلزلت الرض‪ ،‬وربما اشتدت الزلزلة‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬والظاهر انه سهو القلم‪ ،‬فان المعقل بمعنى الملجأ‬

‫و مكان عقل البل والجبل المرتفع‪ ،‬والمناسب للعبارة هو " معاقل " بمعنى‬

‫الملجئ "‪ (2) .‬أي استحكامها‪.‬‬

‫]‪[149‬‬
‫فخسفت الرض فتخرج منه نار لشدة الحركة الموجبة لشتعال البخار‬

‫والدخان لسيما إذا امتزجا امتزاجا مقربا إلى الدهنية‪ ،‬وربما قويت المادة‬

‫على شق الرض فتحدث أصوات هائلة‪ ،‬وربما حدثت الزلزلة من تساقط‬

‫عوالي وهدات في باطن الرض فيتموج بها الهواء المحتقن فيتزلزل بها‬

‫الرض‪ ،‬وقليل ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لبعض السباب‪ .‬وقد‬

‫يوجد في بعض نواحي الرض قوة كبريتية ينبعث منها دخان و في الهواء‬

‫رطوبة بخارية فيحصل من اختلط دخان الكبريت بالجزاء الرطبة الهوائية‬

‫مزاج دهني‪ ،‬وربما اشتعل بأشعة الكواكب وغيرها فيرى بالليل شعل‬

‫مضيئة‪ .‬وقال شارح المقاصد‪ :‬قد يعرض لجزء من الرض حركة بسبب ما‬

‫يتحرك تحتها فيحرك ما فوقه ويسمى الزلزلة‪ ،‬وذلك إذا تولد تحت الرض‬

‫بخار أو دخان أو ريح أو ما يناسب ذلك وكان وجه الرض متكاثفا عديم‬

‫المسام أو ضيقها جدا وحاول ذلك الخروج ولم يتمكن لكثافة الرض تحرك‬

‫في ذاته وحرك الرض‪ ،‬وربما شقتها لقوته‪ ،‬وقد ينفصل منه نار محرقة‬

‫وأصوات هائلة لشدة المحاكة والمصاكة‪ ،‬وقد يسمع منها دوي لشدة الريح‪.‬‬

‫ول يوجد الزلزلة في الراضي الرخوة لسهولة خروج البخرة وقلما تكون‬

‫في الصيف لقلة تكاثف وجه الرض‪ .‬والبلد التي تكثر فيها الزلزلة إذا‬

‫حفرت فيها آبار كثيرة حتى كثرت مخالص البخرة قلت الزلزلة‪ .‬وقد يصير‬

‫الكسوف سببا للزلزلة لفقد الحرارة الكائنة عن الشعاع دفعة‪ ،‬وحصول‬


‫البرد الحاقن للرياح في تجاويف الرض بالتحصيف )‪ (1‬بغتة‪ ،‬ول شك أن‬

‫البرد الذي يعرض بغتة يفعل مال يفعل العارض بالتدريج‪ .‬قال ذلك وأمثاله‬

‫نقل عن الحكماء‪ .‬ثم قال‪ :‬ولعمري إن النصوص الواردة في استناد هذه‬

‫الثار إلى القادر المختار قاطعة‪ ،‬وطرق الهدى إلى ذلك واضحة‪ ،‬لكن من لم‬

‫يجعل ال له نورا فماله من نور ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وقال بعض من يدعي اقتفاء‬

‫آثار الئمة البرار وعدم الخروج عن مدلول اليات والخبار‪ :‬ولما كانت‬

‫البخرة والدخنة المحتقنة في تجاويف الرض بمنزلة عروقها وإنما‬

‫تتحرك بقوى روحانية ورد في الحديث أن ال سبحانه إذا أراد أن‬

‫)‪ (1‬بالتخسيف )خ(‪.‬‬

‫]‪[150‬‬

‫يزلزل الرض أمر الملك أن يحرك عروقها فيتحرك بأهلها‪ ،‬وما أشبه ذلك‬

‫من العبارات على اختلفها‪ ،‬والعلم عند ال ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬قد عرفت‬

‫مرارا أن تأويل النصوص والثار واليات والخبار بل ضرورة عقلية أو‬

‫معارضات نقلية جرأة على الغرير الجبار‪ ،‬ول نقول في جميع ذلك إل ما‬

‫ورد عنهم صلوات ال عليهم‪ ،‬وما لم تصل إليه عقولنا نرد علم ذلك إليهم‪.‬‬

‫)‪) (33‬باب( * )تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه( * ‪ - 1‬مجالس‬
‫الصدوق‪ :‬عن الحسين بن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬ابن محمد‬

‫بن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن إسمعيل المنقري‪ ،‬عن جده زياد بن أبي‬

‫زياد‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلم قال‪ :‬من أكل الطين‬

‫فإنه تقع الحكة في جسده‪ ،‬ويورثه البواسير‪ ،‬ويهيج عليه داء السوء‪،‬‬

‫ويذهب بالقوة من ساقيه وقدميه‪ ،‬وما نقص من عمله في ما بينه وبين‬

‫صحته قبل أن يأكله حوسب عليه وعذب به‪ .‬مجالس الشيخ‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫الحسين بن عبيد ال الغضائري‪ ،‬عن الصدوق إلى آخر السند مثله‪ .‬ثواب‬

‫العمال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‬

‫مثله )‪ .(1‬المحاسن‪ :‬عن علي بن الحكم مثله )‪ - 2 .(2‬الخصال‪ :‬بإسناده‬

‫إلى أبي عبد ال عن آبائه عليهم السلم في وصايا النبي صلى ال عليه‬

‫واله‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال‪ (2) .237 :‬المحاسن‪.565 :‬‬

‫]‪[151‬‬

‫إلى علي عليه السلم‪ :‬يا علي ثلث )‪ (1‬من الوسواس‪ :‬أكل الطين‪ ،‬وتقليم‬

‫الظفار بالسنان وأكل اللحية )‪ - 3 .(2‬ومنه‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد‬

‫ال‪ ،‬عن محمد بن عيسى اليقطيني‪ ،‬عن عبيدال الدهقان‪ ،‬عن درست‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عبد الحميد‪ ،‬عن أبي الحسن الول عليه السلم قال‪ :‬أربعة من‬

‫الوسواس‪ :‬أكل الطين‪ ،‬وفت الطين‪ ،‬وتقليم الظفار بالسنان وأكل اللحية )‬

‫‪ .(3‬بيان‪ " :‬من الوسواس " أي من وسوسة الشيطان‪ ،‬أو من الشيطان‬

‫المسمى بالوسواس كما قال تعالى " الوسواس الخناس " قال الجوهري‪:‬‬

‫الوسوسة حديث النفس‪ ،‬يقال‪ :‬وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا‬

‫بكسر الواو‪ .‬والوسواس ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬السم‪ ،‬و " الوسواس " اسم الشيطان‬

‫‪ -‬انتهى ‪ .-‬والحاصل أنها من العمال الشيطانية التي يولع بها النسان‬

‫ويعسر عليه تركها‪ - 4 .‬العيون‪ :‬عن أحمد بن زياد الهمداني‪ ،‬عن علي بن‬

‫إبراهيم‪ ،‬عن ياسر قال‪ :‬سأل بعض القواد أبا الحسن الرضا عليه السلم‬

‫عن أكل الطين‪ ،‬وقال‪ :‬إن بعض جواريه يأكلن الطين‪ ،‬فغضب ثم قال‪ :‬أكل‬

‫الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فانههن عن ذلك )‪- 5 .(4‬‬

‫مجالس ابن الشيخ‪ :‬عن والده‪ ،‬عن علي بن محمد بن حشيش عن محمد بن‬

‫عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن سعيد‪ ،‬عن علي بن الحسن بن فضال‪ ،‬عن‬

‫جعفر بن إبراهيم بن ناجية‪ ،‬عن سعد بن سعد الشعري‪ ،‬عن أبي الحسن‬

‫الرضا عليه السلم قال‪ :‬سألته عن الطين الذي ]يؤكل[ تأكله الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫كل طين حرام كالميتة والدم وما اهل لغير ال به ما خل طين قبر الحسين‬

‫عليه السلم فإنه شفاء من كل داء‪ .‬الخرائج‪ :‬عن ذي الفقار بن معبد‬

‫الحسني عن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن ابن حشيش مثله‪.‬‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ثلثة‪ (2) .‬الخصال‪ (3) .60 :‬الخصال‪(4) .103 :‬‬

‫العيون‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.15‬‬

‫]‪[152‬‬

‫‪ - 6‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي عبد‬

‫ال البرقي عن الحسن بن علي‪ ،‬عن هشام بن الحكم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬إن ال عز و جل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته‬

‫)‪ .(1‬المحاسن‪ :‬عن الحسن بن علي مثله )‪ - 7 .(2‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن إدريس‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن أبي يحيى الواسطي‪،‬‬

‫عن رجل قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الطين حرام أكله )‪ (3‬كلحم‬

‫الخنزير‪ ،‬ومن أكله ثم مات فيه لم اصل عليه‪ ،‬إل طين القبر‪ ،‬فمن أكله‬

‫شهوة لم يكن فيه شفاء )‪ .(4‬بيان‪ :‬رواه الكليني في الكافي عن محمد بن‬

‫يحيى عن أحمد بن محمد ; وابن قولويه في كامل الزيارة عن الكليني‬

‫وجماعة عن مشايخه بهذا السناد‪ ،‬وفيهما " حرام كله ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إل‬

‫طين القبر‪ ،‬فإن فيه شفاء من كل داء‪ ،‬ومن أكله بشهوة لم يكن له فيه‬

‫شفاء )‪ ." (5‬وعدم صلته عليه السلم عليه ل ينافي وجوف الصلة عليه‬

‫وأمره غيره بالصلة عليه‪ ،‬وهذا من التأديبات الشرعية لنزجار الناس عن‬
‫مثلها‪ ،‬فإن ذلك من أبلغ التعذيرات )‪ - 8 .(6‬العلل‪ :‬عن محمد بن موسى بن‬

‫المتوكل‪ ،‬عن عبد ال بن جعفر الحميري‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن‬

‫محبوب‪ ،‬عن إبراهيم بن مهزم‪ ،‬عن طلحة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬

‫قال‪ :‬من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه )‪ .(7‬المحاسن‪ :‬عن‬

‫ابن محبوب مثله )‪ .(8‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬انهمك الرجل في المر أي جد‬

‫ولج‪.‬‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .219‬المحاسن‪ (3) .565 :‬كله )خ(‪ (4) .‬العلل‪:‬‬

‫ج ‪ ،2‬ص ‪ (5) .219‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (6) .265‬في بعض النسخ "‬

‫التقديرات " والظاهر " التحذيرات "‪ (7) .‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪(8) .219‬‬

‫المحاسن‪.565 :‬‬

‫]‪[153‬‬

‫‪ - 9‬العلل‪ :‬عن محمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار‪،‬‬

‫عن علي بن حسان‪ ،‬عن عبد الرحمان بن كثير‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن‬

‫الحسن‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أكل طين الكوفة فقد أكل‬

‫لحوم الناس‪ ،‬لن الكوفة كانت أجمة ثم كانت مقبرة ما حولها‪ .‬وقد قال أبو‬

‫عبد ال عليه السلم‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من أكل الطين‬
‫فهو ملعون )‪ .(1‬بيان‪ :‬يدل على عدم جواز أكل طين قبر أمير المؤمنين‬

‫عليه السلم وكان هذا التعليل لشدة حرمة خصوص طين الكوفة وحواليها‪،‬‬

‫ويدل على أن طين قبر الحسين عليه السلم أيضا إذا كان من المواضع التي‬

‫يظن خلط لحوم الناس وعظامهم به ل يجوز أكله‪ ،‬و أكثر المواضع القريبة‬

‫سوى ما اتصل بالضريح المقدس في تلك الزمنة كذلك‪ - 10 .‬العلل‪ :‬عن‬

‫محمد بن موسى بن المتوكل‪ ،‬عن علي بن الحسين السعد ابادي عن أحمد‬

‫بن أبي عبد ال البرقي‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن إسماعيل بن محمد بن أبي‬

‫زياد عن جده زياد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‪ :‬إن من عمل الوسوسة‬

‫وأكثر )‪ (2‬مصائد الشيطان أكل )‪ (3‬الطين‪ .‬إن أكل الطين يورث السقم في‬

‫الجسد‪ ،‬ويهيج الداء‪ ،‬ومن أكل الطين فضعفت قوته التي كانت قبل أن يأكله‬

‫وضعف عن عمله الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على مابين ضعفه‬

‫وقوته وعذب عليه )‪ .(4‬ثواب العمال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪،‬‬

‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم مثله )‪ .(5‬المحاسن‪ :‬عن علي بن‬

‫الحكم مثله )‪ .(6‬بيان‪ :‬في الكافي وغيره‪ :‬عن إسماعيل بن محمد عن جده‬

‫زياد بن أبي زياد‪ .‬وفي‬


‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .220‬في المحاسن‪ :‬أكبر‪ (3) .‬في ثواب العمال‪:‬‬

‫ان عمل الوسوسة واكثر مصائد الشيطان من أكل الطين‪ (4) .‬العلل‪ :‬ج ‪،2‬‬

‫ص ‪ (5) .220‬ثواب العمال‪ (6) .237 :‬المحاسن‪.565 :‬‬

‫]‪[154‬‬

‫الكافي‪ :‬أن التمني عمل الوسوسة وأكثر مكائد الشيطان )‪ .(1‬وكان ما في‬

‫سائر النسخ أظهر‪ ،‬وفي المحاسن " أكبر " بالباء الموحدة‪ - 11 .‬كامل‬

‫الزيارة‪ :‬عن محمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار عن‬

‫عباد بن سليمان‪ ،‬عن سعد بن سعد قال‪ :‬سألت أبا الحسن عليه السلم عن‬

‫الطين‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ،‬إل طين‬

‫قبر الحسين عليه السلم فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف )‪.(2‬‬

‫‪ - 12‬ومنه‪ :‬عن محمد بن أحمد بن يعقوب‪ ،‬عن علي بن الحسن بن فضال‪،‬‬

‫عن أبيه‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬إن ال تبارك‬

‫وتعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما تقول في‬

‫طين قبر الحسين عليه السلم ؟ فقال‪ :‬يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل‬

‫لهم أكل لحومنا ؟ ولكن الشئ )‪ (3‬منه مثل الحمصة )‪ - 13 .(4‬ومنه‪ :‬روي‬

‫عن سماعة بن مهران‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كل طين محرم‬

‫على ابن آدم ما خل طين قبر أبي عبد ال عليه السلم من أكله من وجع‬
‫شفاه ال )‪ - 14 .(5‬المحاسن‪ :‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن طلحة بن يزيد‪،‬‬

‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أكل الطين يورث النفاق )‪- 15 .(6‬‬

‫ومنه‪ :‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه )‬

‫‪ - 16 .(7‬ومنه‪ :‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن القداح‪ ،‬عن أبي عبد ال عن أبيه‬

‫عليهما السلم قال‪ :‬قيل لعلي عليه السلم في رجل يأكل الطين‪ ،‬فنهاه وقال‪:‬‬

‫ل تأكله‪ ،‬فإنك إن أكلته ومت فقد أعنت على نفسك )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .266‬وفيه " مصائد الشيطان "‪ (2) .‬كامل‬

‫الزيارة‪ (3) .285 :‬في المصدر‪ :‬الشئ اليسير منه‪ (4) .‬كامل الزيارة‪:‬‬

‫‪ (5) .286‬كامل الزيارة‪ (8 - 6) .286 :‬المحاسن‪.565 :‬‬

‫]‪[155‬‬

‫‪ - 17‬ومنه‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن كلثم بنت مسلم‪ ،‬قالت‪ :‬ذكر الطين عند‬

‫أبي الحسن عليه السلم فقال‪ :‬أترين أنه ليس من مصائد الشيطان ؟ ! إنه‬

‫من مصائده الكبار وأبوابه العظام )‪ - 18 .(1‬المكارم‪ :‬سئل أبو عبد ال‬

‫عليه السلم عن طين الرمني أيؤخذ للكسير والمبطون أيحل أخذه ؟ قال‪ :‬ل‬

‫بأس به‪ ،‬أما إنه من طين قبر ذي القرنين‪ ،‬وطين قبر الحسين عليه السلم‬
‫خير منه )‪ .(2‬المتهجد‪ :‬عن محمد بن جمهور العمى عن بعض أصحابه‬

‫عنه عليه السلم مثله‪ .‬دعوات الرواندى‪ :‬عنه عليه السلم مثله‪- 19 .‬‬

‫وروى سدير عن الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬من أكل طين قبر الحسين‬

‫عليه السلم غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا‪ - 20 .‬طب الئمة‪ :‬عن‬

‫بشر بن عبد الحميد النصاري‪ ،‬عن الحسن بن علي الوشاء‪ ،‬عن محمد بن‬

‫الفضيل‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم ان رجل شكى‬

‫إليه الزحير‪ ،‬فقال له‪ :‬خذ من الطين الرمني وأقله بنار لينة واستسف )‪(3‬‬

‫منه فإنه يسكن عنك‪ - 21 .‬وعنه عليه السلم أنه قال في الزحير‪ :‬تأخذ‬

‫جزء من خر بق أبيض‪ ،‬وجزء من بزر القطونا‪ ،‬وجزء من صمغ عربي‪،‬‬

‫وجزء من الطين الرمني يقلى بنار لينة وتستسف )‪ (4‬منه‪ - 22 .‬كامل‬

‫الزيارة‪ :‬عن محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده علي‬

‫بن مهزيار‪ ،‬عن الحسن بن سعيد‪ ،‬عن عبد ال الصم‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪،‬‬

‫عن أبي حمزة الثمالي‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم في حديثه أنه سئل‬

‫عن طين الحائر‪ :‬هل فيه‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .565 :‬مكارم الخلق‪ (3) .190 :‬استفات الدواء أخذه‬

‫غير ملتوت‪ ،‬وفى بعض النسخ " واستشف منه "‪ (4) .‬في بعض النسخ "‬

‫تستشف منه "‪.‬‬


‫]‪[156‬‬

‫شئ من الشفاء ؟ فقال‪ :‬يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة‬

‫أميال‪ ،‬وكذلك قبر جدي رسول ال صلى ال عليه واله وكذلك طين قبر‬

‫الحسن وعلي ومحمد‪ ،‬فخذ منها فإنها شفاء من كل داء وسقم‪ ،‬وجنة مما‬

‫تخاف‪ ،‬ول يعدلها شئ من الشياء الذي يستشفى بها إل الدعاء‪ .‬وإنما‬

‫يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ‪ -‬وذكر الحديث‬

‫إلى أن قال‪ - :‬ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف بها‬

‫حتى أن بعضهم يضعها )‪ (1‬في مخلة البغل والحمار وفي وعاء الطعام‬

‫والخرج ! فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده )‪ (2‬؟ ! بيان‪ :‬أقول‪ :‬قال‬

‫الشيخ البهائي ‪ -‬قدس ال روحه ‪ -‬في الكشكول‪ :‬مما نقله جدي من خط‬

‫السيد الجليل الطاهر ذي المناقب والمفاخر السيد رضي الدين علي بن‬

‫طاوس ‪ -‬قدس سره ‪ -‬من الجزء الثاني من كتاب الزيارات لمحمد بن أحمد‬

‫بن داود القمي أن أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه السلم‪ :‬إني رأيت‬

‫أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه السلم يستشفون ؟ فهل في‬

‫ذلك شئ مما يقولون من الشفاء ؟ فقال‪ :‬يستشفى ما بينه وبين القبر على‬

‫رأس أربعة أميال‪ ،‬وكذلك قبر رسول ال صلى ال عليه واله وكذلك قبر‬

‫الحسن وعلي ومحمد‪ .‬فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم‪ ،‬وجنة مما يخاف‪.‬‬
‫ثم أمر بتعظيمها وأخذها باليقين بالبرء وتختمها إذا اخذت ‪ -‬انتهى ‪.-‬‬

‫واقول‪ :‬هذا الخبر بهذين السندين يدل على جواز الستشفاء بطين قبر‬

‫الرسول صلى ال عليه وآله سائر الئمة عليهم السلم ولم يقل به أحد من‬

‫الصحاب ومخالف لسائر الخبار عموما وخصوصا‪ ،‬ويمكن حمله على‬

‫الستشفاء بغير الكل كحملها والتمسح بها وأمثال ذلك‪ .‬والمراد بعلي إما‬

‫أمير المؤمنين أو السجاد وبمحمد الباقر عليهم السلم ويحتمل الرسول‬

‫صلى ال عليه واله تأكيدا وإن كان بعيدا‪ - 23 .‬المتهجد‪ :‬عن حنان بن‬

‫سدير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬من أكل طين قبر الحسين‬

‫عليه السلم غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا ‪ -‬الحديث ‪.-‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ليطرحها‪ (2) .‬كامل الزيارة‪.280 :‬‬

‫]‪[157‬‬

‫‪ - 24‬قال‪ :‬وروي أن رجل سأل الصادق عليه السلم فقال‪ :‬إني سمعتك‬

‫تقول‪ :‬إن تربة الحسين عليه السلم من الدوية المفردة‪ ،‬وإنها لتمر بداء‬

‫إل هضمته‪ .‬فقال‪ :‬قد قلت ذلك‪ ،‬فما بالك ؟ قلت‪ :‬إني تناولتها فما انتفعت‬

‫بها‪ .‬قال‪ :‬أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع‬

‫بها‪ .‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬ما يقول إذا تناولها ؟ قال‪ :‬تقبلها قبل كل شئ وتضعها‬
‫على عينيك‪ ،‬ول تناول أكثر من حمصة‪ .‬فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما‬

‫أكل من لحومنا ودمائنا‪ ،‬فإذا تناولت فقل ‪ -‬وذكر الدعاء ‪ - 25 .-‬العيون‪:‬‬

‫عن تميم بن عبد ال القرشي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن علي النصاري‪ ،‬عن‬

‫سليمان بن جعفر البصري عن عمرو بن واقد‪ ،‬عن المسيب بن زهير‪ ،‬عن‬

‫موسى بن جعفر عليه السلم أنه أخبره بموته ودفنه وقال‪ :‬ل ترفعوا قبري‬

‫فوق أربع أصابع مفرجات‪ ،‬ول تأخذوا من تربتي شيئا لتبركوا به‪ ،‬فإن كل‬

‫تربة لنا محرمة إل تربة جدي الحسين بن علي عليه السلم فإن ال‬

‫عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ‪ -‬الخبر ‪ - 26 .(1) -‬كامل الزيارة‪:‬‬

‫عن محمد بن عبد ال بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن محمد بن سالم عن‬

‫محمد بن خالد‪ ،‬عن عبد ال بن حماد‪ ،‬عن الصم‪ ،‬عن مدلج‪ ،‬عن محمد بن‬

‫مسلم في حديث أنه كان مريضا فبعث إليه أبو عبد ال عليه السلم بشراب‬

‫فشربه‪ ،‬فكأنما نشط من عقال‪ ،‬فدخل عليه فقال‪ :‬كيف وجدت الشراب ؟‬

‫فقال‪ :‬لقد كنت آئسا من نفسي فشربته فأقبلت إليك فكأنما نشطت من عقال‬

‫فقال‪ :‬يا محمد إن الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور )‪ (2‬آبائي‪،‬‬

‫وهو أفضل ما تستشفي به‪ ،‬فل تعدل به‪ ،‬فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى‬

‫منه كل الخير )‪ .(3‬بيان‪ :‬يدل الخبر على جواز إدخال التربة في الدوية‬

‫التي يستشفى بها‪ ،‬و‬


‫)‪ (1‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .104‬في المصدر‪ :‬قبر الحسين عليه السلم‪) .‬‬

‫‪ (3‬كامل الزيارة‪.276 :‬‬

‫]‪[158‬‬

‫الحوط أن ل يكون الداخل فيما يشربه أكثر من الحمصة‪ .‬وإنما قلنا الحوط‬

‫في ذلك لن في دخول التراب والطين في المأكولت مع استهلكها فيها‬

‫يشكل الحكم بالحرمة كما سنشير إليه‪ - 27 .‬معاني الخبار‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي‪ ،‬عن المعاذي‪ ،‬عن‬

‫معمر‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬قلت له ما يروي الناس في الطين‬

‫وكراهته‪ ،‬قال‪ :‬إنما ذلك المبلول وذلك المدر )‪ - 28 .(1‬وروي أن رسول‬

‫ال صلى ال عليه واله نهى عن أكل المدر‪ .‬حدثني بذلك محمد بن الحسن‬

‫بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي )‬

‫‪ .(2‬بيان‪ :‬ظاهر الخبر الول أن حرمة الطين مخصوصة بالطين المبلول‬

‫دون المدر اليابس كما فهمه الصدوق ظاهرا‪ ،‬وهذا مما لم يقل به صريحا‬

‫أحد‪ ،‬ويمكن أن يحمل على أن المعنى أن المحرم إنما هو المبلول والمدر ل‬

‫غيرهما مما يستهلك في الدبس ويقع على الثمار وسائر المطعومات‪ ،‬وعلى‬

‫هذا فالحصر إما إضافي بالنسبة إلى ما ذكرنا أو المراد بالمدر ما يشمل‬

‫التراب أيضا‪ .‬ويحتمل أن يكون إلزاما على المخالفين النافين‪ .‬للستشفاء‬


‫بتربة الحسين عليه السلم بأن ما استدللتم من الخبار على تحريم الطين‬

‫ظاهرها المبلول وإطلقه على غيره مجاز فل يمكنكم الستدلل بها على‬

‫تحريم التراب والمدر وعلى التقادير الكراهة محمولة على الحرمة‪ .‬وقال‬

‫المحدث السترابادي‪ :‬إنما المكروه ذاك الطين المتعارف بين الناس مبلوله‬

‫ويابسه لطين الحسين عليه السلم ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬مع قطع النظر عن‬

‫الشهرة بين الصحاب بل إجماعهم على تعميم التحريم لم يبعد القول‬

‫بتخصيصه بالمبلول‪ ،‬إذ الظاهر أن الطين في اللغة حقيقة في المبلول‪ ،‬و‬

‫أكثر الخبار إنما ورد بلفظ الطين‪ ،‬وهذا الخبر ظاهره الختصاص‪ .‬وقال‬

‫الراغب في المفردات‪ :‬الطين ; التراب والماء المختلط به‪ ،‬وقد يسمى بذلك‬

‫وإن زال عنه قوة الماء ‪ -‬انتهى ‪ .-‬لكن استثناء طين الحسين عليه السلم‬

‫منه مما يؤيد التعميم‪ ،‬فإنه معلوم‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬معاني الخبار‪.263 :‬‬

‫]‪[159‬‬

‫أنه ليس الستشفاء بخصوص المبلول‪ ،‬بل الغالب عدمه‪ .‬وعلى أي حال ل‬

‫محيص عن العمل بما هو المشهور في ذلك‪ .‬قال المحقق الردبيلي ‪ -‬قدس‬

‫سره ‪ -‬الظاهر أنه ل خلف في تحريم الطين‪ ،‬و ظاهر اللفظ عرفا ولغة أنه‬
‫تراب مخلوط بالماء‪ .‬ويؤيده صحيحة معمر بن خلد ‪ -‬و ذكر الخبر ثم قال ‪-‬‬

‫وهذه تدل على أنه بعد اليبوسة أيضا حرام ول يشترط بقاء الرطوبة ولكن‬

‫لبد أن يكون ممتزجا فل يحرم غير ذلك للصل والعمومات وحصر‬

‫المحرمات والمشهور بين المتفقهة أنه يحرم التراب والرض كلها حتى‬

‫الرمل والحجار‪ .‬قال في المسالك‪ :‬المراد به ما يشمل التراب والمدر لما‬

‫فيه من الضرار بالبدن‪ .‬والضرر مطلقا غير واضح‪ ،‬ولعل وجه المشهور‬

‫أنه إذا كان الطين حراما وليس فيه إل الماء والتراب ومعلوم عدم تحريم‬

‫الماء ول معنى لتحريم شئ بسبب انضمام محلل‪ ،‬فلولم يكن التراب محرما‬

‫لم يكن الطين كذلك‪ ،‬وإنما التراب جزء الرض فيكون كلها حراما‪ .‬وفيه‬

‫تأمل واضح فتأمل ول تترك الحتياط ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬الوجه الذي حمل‬

‫الخبر عليه غير ما ذكرنا‪ ،‬ومع احتمال تلك الوجوه بل أظهرية بعضها‬

‫يشكل الستدلل بهذا الوجه‪ ،‬ثم الحكم بتحريم ما سوى الطين والتراب من‬

‫أجزاء الرض كالحجارة والياقوت والزبرجد وأنواع المعادن مما لوجه له‪،‬‬

‫واليات والخبار دالة على أن الصل في الشياء الحل‪ ،‬ولم يرد خبر‬

‫بتحريم هذه الشياء‪ ،‬وقياسها على التراب باطل‪ .‬وأما المستثنى منه وهو‬

‫حل طين قبر الحسين عليه السلم فالظاهر أنه ل خلف في حله في الجملة‪،‬‬

‫وإنما الكلم في شرائطه وخصوصياته ولنشر إليها وإلى بعض الحكام‬

‫المستفادة من الخبار‪ :‬الول‪ :‬المكان الذي يؤخذ منه التربة‪ .‬ففي بعض‬
‫الخبار " طين القبر " وهي تدل ظاهرا على أنها التربة المأخوذة من‬

‫المواضع القريبة مما جاور القبر‪ ،‬وفي بعضها " طين حائر الحسين عليه‬

‫السلم " فيدل على جواز أخذه من جميع الحائر وعدم دخول ما خرج منه‪.‬‬

‫وفي بعضها " عشرون ذراعا مكسرة " وهو أضيق‪ ،‬وفي بعضها "‬

‫خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب من جوانب القبر " وفي بعضها "‬

‫تؤخذ طين قبر الحسين عليه السلم من‬

‫]‪[160‬‬

‫عند القبر على سبعين ذراعا " وفي بعضها " فيه شفاء وإن اخذ على‬

‫رأس ميل " وفي بعضها " البركة من قبره عليه السلم على عشرة أميال‬

‫" وفي بعضها " حرم الحسين عليه السلم فرسخ في فرسخ من أربع‬

‫جوانب القبر " وفي بعضها " حرمه عليه السلم خمس فراسخ في )‪(1‬‬

‫أربع جوانبه "‪ .‬وجمع الشيخ ‪ -‬ره ‪ -‬ومن تأخر عنه بينها بالحمل على‬

‫اختلف مراتب الفضل وتجويز الجميع‪ ،‬وهو حسن‪ ،‬والحوط في الكل أن‬

‫ل يجاوز الميل بل السبعين‪ ،‬و كلما كان أقرب كان أحوط وأفضل‪ .‬قال‬

‫المحقق الردبيلي ‪ -‬طيب ال تربته ‪ -‬وأما المستثنى فالمشهور أنه تربة‬

‫الحسين عليه السلم فكل ما يصدق عليه التربة يكون مباحا و مستثنى‪،‬‬

‫وفي بعض الروايات " طين قبر الحسين عليه السلم " فالظاهر أن الذي‬
‫يؤخذ من القبر الشريف حلل‪ ،‬ولما كان الظاهر عدم إمكان ذلك دائما‬

‫فيمكن دخول ما قرب منه وحواليه فيه أيضا‪ .‬ويؤيده ما ورد في بعض‬

‫الخبار " طين الحائر " وفي بعض " على سبعين ذراعا " وفي بعض "‬

‫على عشرة أميال " ‪ -‬انتهى ‪ .-‬الثاني‪ :‬شرائط الخذ‪ .‬فقد ورد في بعض‬

‫الخبار شرائط كثيرة من الغسل و الصلة والدعاء والوزن المخصوص‪،‬‬

‫كما سيأتي في كتاب المزار إن شاء ال تعالى‪ .‬و لما كان أكثر الخبار‬

‫الواردة في ذلك خالية عن ذكر هذه الشروط والداب فالظاهر أنها من‬

‫مكملت فضلها وتأثيرها‪ ،‬ول يشترط الحل بها كما هو المشهور بين‬

‫الصحاب‪ .‬قال المحقق الردبيلي ‪ -‬ره ‪ :-‬الخبار في جواز أكلها للستشفاء‬

‫كثيرة‪ ،‬والصحاب مطبقون عليه‪ ،‬وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة " إنا‬

‫أنزلناه " ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك‪ ،‬بل مع شرائط اخرى‬

‫حتى ورد أنه قال شخص‪ :‬إني أكلت و ما شفيت‪ ،‬فقال عليه السلم له‪ :‬افعل‬

‫كذا وكذا‪ .‬وورد أيضا أن له غسل وصلة خاصة و الخذ على وجه خاص‬

‫وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا‪ ،‬ويكون أخذه مقدارا خاصا‪ ،‬ويحتمل‬

‫أن يكون ذلك لزيادة الشفاء وسرعته وتبقيته ل مطلقا‪ ،‬فيكون مطلقا جائزا‬

‫كما هو المشهور‪ ،‬وفي كتب الفقه مسطور‪ .‬الثالث‪ :‬ما يؤكل له‪ ،‬ول ريب‬

‫في أنه يجوز للستشفاء من مرض حاصل وإن‬


‫)‪ (1‬من )خ(‪.‬‬

‫]‪[161‬‬

‫ظن إمكان المعالجة بغيره من الدوية‪ .‬والظاهر المراض الجسمانية أي‬

‫مرض كان وربما يوسع بحيث يشمل المراض الروحانية‪ ،‬وفيه إشكال‪.‬‬

‫وأما الكل بمحض التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض‬

‫الخبار وعموم بعضها‪ ،‬لكن ورد في بعض الخبار جواز إفطار العيد به‬

‫وإفطار يوم عاشورا أيضا به‪ ،‬وجوزه فيهما بعض الصحاب ول يخلو من‬

‫قوة‪ ،‬والحتياط في الترك إل أن يكون له مرض يقصد الستشفاء به أيضا‪.‬‬

‫قال المحقق الردبيلي ‪ -‬ره ‪ :-‬ول بد أن يكون بقصد الستشفاء وإل فيحرم‬

‫ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى ويدل عليه غيرها أيضا‪ .‬وقد‬

‫نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الفطار بها يوم العيد ولم تثبت‬

‫صحته فل يؤكل إل للشفاء ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وقال ابن فهد ‪ -‬قدس سره ‪ :-‬ذهب‬

‫ابن إدريس إلى تحريم التناول إل عند الحاجة‪ ،‬وأجاز الشيخ في المصباح‬

‫الفطار عليه في عيد الفطر‪ ،‬وجنح العلمة إلى قول ابن إدريس لعموم‬

‫النهي عن أكل الطين مطلقا‪ ،‬وكذا المحقق في النافع‪ ،‬ثم قال‪ :‬يحرم التناول‬

‫إل عند الحاجة عند ابن إدريس ويجوز على قصد الستشفاء والتبرك وإن‬

‫لم يكن هناك ضرورة عند الشيخ‪ .‬الرابع‪ :‬المقدار المجوز للكل‪ .‬والظاهر‬
‫أنه ل يجوز التجاوز في كل مرة عن قدر الحمصة وإن جاز التكرار إذا لم‬

‫يحصل الشفاء بالول‪ ،‬وقد مر التصريح بهذا المقدار في الخبار‪ ،‬وكان‬

‫الحوط عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي بن‬

‫إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن معاوية بن عمار قال‪ :‬قلت لبي‬

‫عبد ال عليه السلم‪ :‬إن الناس يروون أن النبي صلى ال عليه واله قال‪:‬‬

‫إن العدس بارك عليه سبعون نبيا‪ .‬فقال‪ :‬هو الذي تسمونه عندكم الحمص‬

‫ونحن نسميه العدس )‪ .(1‬و في الصحيح عن رفاعة‪ ،‬عنه عليه السلم قال‪:‬‬

‫إن ال عزوجل لما عافى أيوب عليه السلم نظر إلى بني إسرائيل قد‬

‫ازدرعت‪ ،‬فرفع طرفه إلى السماء فقال‪ :‬إلهي وسيدي‪ ،‬عبدك أيوب المبتلى‬

‫عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني إسرائيل زرع‪ ،‬فأوحى ال عزوجل إليه‪:‬‬

‫يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره‪ ،‬وكانت سبحته فيها ملح‪ ،‬فأخذ أيوب كفا‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.343‬‬

‫]‪[162‬‬

‫منها فبذره فخرج هذا العدس وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس )‬

‫‪ (1‬لنهما يدلن على أنه يطلق الحمص على العدس أيضا فيمكن أن يكون‬

‫المراد بالحمصة في تلك الخبار العدسة‪ .‬لكن العدول عن الحقيقة لمحض‬


‫إطلقه في بعض الخبار على غيره غير موجه‪ ،‬مع أن ظاهر الخبرين أنهم‬

‫عليهم السلم كانوا يسمون الحمصة عدسة ل العكس‪ ،‬فتأمل‪ ،‬وكذا فهمهما‬

‫الكليني حيث أوردهما في باب الحمص ل العدس‪ .‬الخامس‪ :‬الطين الرمني‬

‫هل يجوز الستشفاء به واستعماله في الدوية ؟ فقيل‪ :‬نعم‪ ،‬لنه ورد في‬

‫الخبار المؤيدة بعمومات دلئل حل المحرمات عند الضطرار‪ ،‬و قيل‪ :‬ل‪،‬‬

‫لعدم صلحية تلك الخبار لتخصيص أخبار التحريم‪ ،‬وقد ورد المنع عن‬

‫التداوي بالحرام‪ ،‬والكثر لم يعتنوا بهذه الخبار‪ ،‬وجعلوا الخلف فيه فرعا‬

‫للخلف في جواز التداوي بالحرام وعدمه‪ ،‬ولذا ألحقوا به الطين المختوم‬

‫وإن لم يرد فيه خبر‪ .‬قال المحقق ‪ -‬روح ال روحه ‪ -‬في الشرائع‪ :‬وفي‬

‫الرمني‪ :‬رواية بالجواز حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها‪ .‬وقال‬

‫الشهيد الثاني ‪ -‬نور ال ضريحه ‪ :-‬موضع التحريم في تناول الطين ما إذا‬

‫لم يدع إليه حاجة‪ ،‬فإن في بعض الطين خواص ومنافع ل تحصل في غيره‪،‬‬

‫فإذا اضطر إليه لتلك المنفعة بإخبار طبيب عارف يحصل الظن بصدقه جاز‬

‫تناول ما تدعو إليه الحاجة لعموم قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ول‬

‫عاد فل إثم عليه " وقد وردت الرواية بجواز تناول الرمني وهو طين‬

‫مخصوص يجلب من أرمنية تترتب عليه منافع خصوصا في زمن الوباء‬

‫وللسهال وغيره مما هو مذكور في كتب الطب و مثله الطين المختوم‪،‬‬

‫وربما قيل بالمنع لعموم ما دل على تحريم الطين‪ ،‬وقوله صلى ال عليه‬
‫واله " ما جعل شفاؤكم في ما حرم عليكم " وقوله صلى ال عليه واله "‬

‫ل شفاء في محرم " وجوابه أن المر عام مخصوص بما ذكر‪ ،‬وقوله صلى‬

‫ال عليه واله " لضرر ول إضرار " والخبران نقول بموجبهما لنا نمنع‬

‫من تحريمه حال الضرورة‪ ،‬والمراد‪ :‬مادام محرما‪ ،‬وموضع الخلف ما إذا‬

‫لم يخف الهلك وإل جاز بغير إشكال ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وسيأتي تمام الكلم في‬

‫التداوي بالحرام في بابه إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال ابن فهد ‪ -‬ره ‪ :-‬الطين‬

‫الرمني‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪.343‬‬

‫]‪[163‬‬

‫إذا دعت الضرورة إليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه من‬

‫طين قبر إسكندر‪ .‬والفرق بينه وبين التربة من وجوه‪ :‬الول أن التربة‬

‫يجوز تناولها لطلب الستشفاء من المراض وإن لم يصفها الطبيب بل وإن‬

‫حذر منها‪ ،‬والرمني ل يجوز تناوله إل أن يكون موصوفا‪ .‬الثاني أن التربة‬

‫ل يتجاوز منها قدر الحمصة‪ ،‬وفي الرمني يباح القدر الذي تدعو إليه‬

‫الحاجة وإن زاد عن ذلك‪ .‬الثالث أن التربة محترمة ل يجوز تقريبها من‬

‫النجاسة وليس كذلك الرمني‪ .‬المتهجد‪ :‬يستحب صوم هذا العشر‪ ،‬فإذا كان‬
‫يوم العاشر أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر‪ ،‬ثم يتناول شيئا‬

‫يسيرا من التربة‪ - 29 .‬القبال‪ :‬روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني‬

‫بإسناده إلى علي ابن محمد بن سليمان النوفلي‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي الحسن‬

‫عليه السلم‪ :‬إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر‪ ،‬قال لي‪ :‬جمعت بركة‬

‫وسنة‪ .‬قال السيد ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :-‬يعني بذلك التربة المقدسة على‬

‫صاحبها السلم )‪ - 30 .(1‬دعائم السلم‪ :‬عن رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله أنه نهى عن أكل الطين وقال‪ :‬إن ال عزوجل خلق آدم من طين فحرم‬

‫أكل الطين على ذريته‪ .‬ومن أكل الطين فقد أعان على نفسه‪ ،‬ومن أكله‬

‫فمات لم اصل عليه‪ - 31 .‬وقال جعفر بن محمد عليهما السلم‪ :‬أكل الطين‬

‫يورث النفاق )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬القبال‪ (2) .281 :‬قدمر مرسل عن المحاسن تحت الرقم )‪.(14‬‬

‫]‪[164‬‬

‫)‪) (34‬باب المعادن( * )وأحوال الجمادات والطبائع وتأثيراتها وانقلبات(‬

‫* * )الجواهر وبعض النوادر( * اليات‪ :‬الحجر‪ :‬وأنبتنا فيها من كل شئ‬

‫مورون )‪ .(1‬النحل‪ :‬أولم يروا إلى ما خلق ال من شئ يتفيؤ ظلله عن‬

‫اليمين والشمائل سجدا ل وهم داخرون‪ .‬ول يسجد ما في السموات وما‬


‫في الرض من دابة والملئكة وهم ل يستكبرون )‪ .(2‬اسرى‪ :‬تسبح له‬

‫السموات السبع والرض ومن فيهن وإن من شئ إل يسبح بحمده ولكن‬

‫تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا )‪ .(3‬النبياء‪ :‬قلنا يا نار كوني بردا‬

‫وسلما على إبراهيم )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬وسخرنا مع داود الجبال يسبحن‬

‫والطير وكنا فاعلين‪ .‬وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل‬

‫أنتم شاكرون‪ .‬ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا‬

‫فيها )‪ .(5‬الحج‪ :‬ألم تر أن ال يسجد له من في السموات ومن في الرض‬

‫والشمس و القمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس‬

‫وكثير حق عليه العذاب )‪ .(6‬سبأ‪ :‬ولقد آتينا داود منا فضل يا جبال أو بي‬

‫معه والطير وألنا له الحديد ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬وأسلنا له عين القطر )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬الحجر‪ (2) .19 :‬النحل‪ (3) .49 - 48 :‬السراء‪ (4) .44 :‬النبياء‪:‬‬

‫‪ (5) .60‬النبياء‪ (6) .81 - 79 :‬الحج‪ (7) .18 :‬سبأ‪.12 - 10 :‬‬

‫]‪[165‬‬

‫فاطر‪ :‬إن ال يمسك السموات والرض أن تزول ولئن زالتا إن أمسكهما‬

‫من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا )‪ .(1‬ص‪ :‬إنا سخرنا الجبال معه‬

‫يسبحن بالعشي والشراق )‪ .(2‬وقال سبحانه‪ :‬فسخرنا له الريح تجري‬


‫بأمره رخاء حيث أصاب )‪ .(3‬الحديد‪ :‬وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع‬

‫للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز )‪ .(4‬تفسير‪:‬‬

‫" أولم يروا إلى ما خلق ال من شئ " قيل‪ :‬استفهام إنكار‪ ،‬أي قد رأوا‬

‫أمثال هذه الصنائع‪ ،‬فما بالهم لم يتفكروا ليظهر لهم كمال قدرته وقهره‬

‫فيخافوا منه ؟ ! و " ما " موصولة مبهمة بيانها " يتفيؤ ظلله " أي أولم‬

‫ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلل متفيئة " عن اليمين والشمائل " أي‬

‫عن أيمانها وشمائلها‪ ،‬أي جانبي كل واحد منها‪ ،‬استعارة عن يمين النسان‬

‫وشماله‪ ،‬ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل لعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد‬

‫الضمير في " ظلله " وجمعه في قوله " سجدا ل وهم داخرون " وهما‬

‫حالن عن الضمير في " ظلله " والمراد من السجود ; النقياد‬

‫والستسلم‪ ،‬سواء كان بالطبع أو بالختيار‪ ،‬يقال‪ :‬سجدت النخلة‪ :‬إذا مالت‬

‫لكثرة الحمل ; وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب‪ .‬وقال الشاعر‪ :‬ترى‬

‫الكم فيها سجدا للحوافر و " سجدا " حال من الظلل " وهم داخرون "‬

‫من الضمير‪ ،‬والمعنى‪ :‬يرجع الظلل بارتفاع الشمس وانحدارها أو‬

‫باختلف مشارقها ومغاربها بتقدير ال تعالى من جانب إلى جانب منقادة‬

‫لما قدر لها من التفيوء‪ ،‬أو واقعة على الرض ملتصقة بها كهيئة الساجد‪،‬‬

‫والجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة منقادة لفعال ال فيها‪ .‬وجمع‬

‫" داخرون لن من جملتها من يعقل‪ ،‬أو لن الدخور من أوصاف العقلء‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬المراد باليمين والشمائل عن يمين الفلك وهو جانبه الشرقي‪ ،‬لن‬

‫الكوكب يظهر منه أخذه في‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .41 :‬ص‪ (3) .18 :‬ص‪ (4) .36 :‬الحديد‪.25 :‬‬

‫]‪[166‬‬

‫الرتفاع والسطوع‪ ،‬وشماله هو الجانب الغربي المقابل له‪ ،‬فإن الظلل في‬

‫أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الرض‪ ،‬وعند‬

‫الزوال يبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الرض كما ذكره‬

‫البيضاوي وغيره‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كان الحسن يقول‪ :‬أما ظلك فيسجد لربك‬

‫وأما أنت فل تسجد لربك ! بئس ما صنعت‪ .‬وعن مجاهد‪ :‬ظل الكافر يصلي‬

‫وهو ل يصلي‪ .‬وقيل‪ :‬ظل كل شئ يسجد ل سواء كان ذلك ساجدا أم ل‪.‬‬

‫وقال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ -‬وقيل‪ :‬إن المراد بالظل هو الشخص بعينه‪ ،‬قال‬

‫الشاعر " كأن في أظللهن الشمس " أي في أشخاصهن‪ ،‬فعلى هذا يكون‬

‫تأويل الظلل في الية تأويل الجسام التي عنها الظلل " وهم داخرون "‬

‫أي أذلة صاغرون‪ ،‬قد نبه ال سبحانه بهذا على أن جميع الشياء تخضع‬

‫له بما فيها من الدللة على الحاجة إلى واضعها ومدبرها بما لوله لبطلت‬

‫ولم يكن لها قوام طرفة عين فهي في ذلك كالساجد من العباد بفعله الخاضع‬
‫بذله ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وقال النيسابوري في تأويلها بعد تفسيرها بمامر‪ " :‬إلى ما‬

‫خلق ال من شئ " هو عالم الجسام‪ ،‬فإن عالم الرواح خلق من ل شئ "‬

‫يتفيؤ ظلله " فإن الجسام ظلل الرواح‪ ،‬فتارة تميل بعمل أهل السعادة‬

‫إلى أصحاب اليمين‪ ،‬واخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال "‬

‫سجدا ل " منقادين لمره مسخرين لما خلقوا لجله‪ ،‬وإنما وحد اليمين‬

‫وجمع الشمائل لكثرة أصحاب الشمال‪ ،‬وسجود كل موجود يناسب حاله كما‬

‫أن تسبيح كل منهم يلئم لسانه ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد‬

‫بظلله مثاله على القول بعالم المثال كما مر‪ .‬تحقيقه أو روحه كما عبر في‬

‫الخبار الكثيرة عن عالم الرواح بالظلل‪ ،‬فالمراد بالتفيؤ عن اليمين ميلهم‬

‫إلى السعادة والتشبه بأصحاب اليمين‪ ،‬وبالشمائل خلفه‪ .‬وهذا كلم على‬

‫سبيل الحتمال في مقابلة ما ذكروه من ذلك‪ ،‬وال يعلم تفسير كلمه‬

‫وحججه الكرام عليهم السلم‪ " .‬ول يسجد " قال الرازي‪ :‬قد ذكرنا أن‬

‫السجود على نوعين‪ :‬سجود هو عبادة كسجود المسلمين ل تعالى‪،‬‬

‫وسجود هو عبارة عن النقياد والخضوع‪ ،‬ويرجع حاصل‬

‫]‪[167‬‬

‫هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما‪ ،‬لنه ل‬

‫يرجح أحد الطرفين على الخر إل لمرجح‪ .‬إذا عرفت هذا فنقول‪ :‬من الناس‬
‫من قال‪ :‬المراد بالسجود المذكور في هذه الية السجود بالمعنى الثاني وهو‬

‫التواضع والنقياد والدليل عليه أن اللئق بالدابة ليس إل هذا السجود‪،‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬المراد بالسجود ههنا هو المعنى الول‪ ،‬لن اللئق‬

‫بالملئكة هو السجود بهذا المعنى‪ ،‬لن السجود بالمعنى الثاني حاصل في‬

‫كل الحيوانات والنباتات والجمادات‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬السجود لفظ مشترك‬

‫بين المعنيين‪ ،‬وحمل اللفظ المشترك لفادة مجموع معنييه جائز‪ ،‬فحمل لفظ‬

‫السجود في هذه الية على المرين معا‪ ،‬أما في حق الدابة فبمعنى‬

‫التواضع‪ ،‬وأما في حق الملئكة فبمعنى سجود المسلمين ل تعالى‪ .‬وهذا‬

‫القول ضعيف لنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لفادة جميع مفهوماته‬

‫معا غير جائز‪ .‬قوله " من دابة " قال الخفش‪ :‬يريد من الدواب‪ ،‬وقال ابن‬

‫عباس‪ :‬يريد كل مادب على الرض‪ .‬فإن قيل‪ :‬ما الوجه في تخصيص‬

‫الدواب والملئكة بالذكر ؟ قلنا‪ :‬فيه وجوه‪ :‬الول‪ :‬أنه تعالى بين في آية‬

‫الظلل أن الجمادات بأسرها منقادة ل تعالى‪ ،‬لن أخسها الدواب وأشرفها‬

‫الملئكة‪ ،‬فلما بين في أخسها وأشرفها كونها منقادة ل تعالى وبين بهذه‬

‫الية أن الحيوانات بأسرها منقادة ل تعالى كان ذلك دليل على أنها بأسرها‬

‫منقادة خاضعة ل تعالى‪ .‬والوجه الثاني‪ :‬قال حكماء السلم‪ :‬الدابة‬

‫اشتقاقها من الدبيب‪ ،‬والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية‪ ،‬فالدابة اسم‬

‫لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب فلما ميز ال الملئكة من الدابة علمنا‬
‫أنها ليست مما يدب بل هي أرواح محضة مجردة‪ .‬ويمكن الجواب عنه بأن‬

‫الطير بالجناح مغائر للدبيب )‪ (1‬بدليل قوله تعالى " وما من دابة في‬

‫الرض ول طائر يطير بجناحيه )‪ - " (2‬انتهى ‪.(3) -‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬بان الجناح للطيران مغائر للدبيب‪ (2) .‬النعام‪(3) .31 :‬‬

‫مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،20‬ص ‪.43‬‬

‫]‪[168‬‬

‫وأقول‪ :‬التخصيص بعد التعميم أيضا شائع كعطف جبرئيل على الملئكة كما‬

‫ذكره البيضاوي‪ ،‬وما ذكره من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه‬

‫على تقدير تسليمه ل حاجة في التعميم على حمله على ذلك‪ ،‬بل يمكن حمله‬

‫على معنى النقياد والتواضع‪ ،‬وهو يشمل النقياد لرادته وتأثيره طبعا‪،‬‬

‫والنقياد لتكليفه وأمره طوعا كما حمل عليه البيضاوي‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هذه‬

‫الية تدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة إل كل مخلوق له قوة‬

‫التفكر‪ ،‬وليس إل النفوس الناطقة النسانية والحيوانية خاصة من حيث‬

‫أعيان أنفسهم لمن حيث هياكلهم‪ ،‬فإن هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له‬

‫والسجود‪ ،‬فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة‪ ،‬أل تراها تشهد على النفوس‬

‫المسخرة لها يوم القيامة من الجلود واليدي والرجل واللسنة والسمع‬


‫والبصر وجميع القوى‪ ،‬فالحكم ل العلي الكبير ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬والرواح‬

‫والنفوس أيضا لها جهتان‪ :‬فمن جهة مسخرة منقادة لربها في جميع ما‬

‫أراد منها‪ ،‬ومن جهة اخرى عاصية مخالفة لربها‪ ،‬بل من هذه الجهة أيضا‬

‫مسخرة ساجدة خاضعة لرادة ربها حيث أقدرها على ما أرادت‪ ،‬ودالة على‬

‫وجود صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على التيان بما أرادت‪،‬‬

‫فهي من هذه الجهة أيضا مسبحة لربها ذاكرة لها دالة عليها منادية بلسان‬

‫حالها من جهة إمكانها وحدوثها وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا‬

‫لحكمته وكماله وعنايته الزلية كما قال بعض العارفين بالفارسية " عين‬

‫إنكار منكر إقراراست " والكلم في هذا المقام دقيق ل يمكن إجراء أكثر من‬

‫ذلك منه على القلم‪ ،‬ويصعب دركها على الفهام‪ ،‬وقد أومأت إلى شئ منه‬

‫في شرح كتاب توحيد الكافي في توضيح أخبار إرادة ال تعالى وبيان‬

‫معانيها‪ .‬قوله سبحانه " تسبح له السموات " قال النيسابوري‪ :‬قالت‬

‫العقلء‪ :‬تسبيح الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول " سبحان ال "‬

‫واخرى بدللة أحواله على وجود الصانع الحكيم‪ ،‬وتسبيح غيره ل يكون إل‬

‫من القبيل الثاني‪ .‬وقد تقرر في الصول أن اللفظ المشترك ل يحمل على‬

‫معنييه معا في حالة واحدة‪ ،‬فتعين التسبيح‬

‫]‪[169‬‬
‫ههنا على المعنى الثاني ليشمل الكل‪ .‬هذا ما عليه المحققون‪ ،‬واورد عليه‪:‬‬

‫أنه لو كان المراد بالتسبيح ما ذكرتم لم يقل " ولكن ل تفقهون تسبيحهم "‬

‫لن التسبيح بهذا الوجه مفقوه معلوم‪ .‬واجيب‪ :‬بأن دللة كل شئ على‬

‫وجود الصانع معلومة على الجمال دون التفصيل‪ ،‬فإنك إذا أخذت تفاحة‬

‫واحدة فلشك أنها مركبة من أجزاء ل تتجزأ ولكن عدد تلك الجزاء وصفة‬

‫كل منها من الطبع والطعم واللون والحيز والجهة وغيرها ل يعلمها إل ال‪.‬‬

‫وأيضا الخطاب للمشركين وأنهم وإن كانوا مقرين بالخالق إل أنهم أثبتوا‬

‫شريكا وأنكروا قدرته على البعث والعادة ولم ينظروا في المعجزات الدالة‬

‫على نبوة محمد صلى ال عليه واله فكأنهم لم يفقهوا التسبيح‪ ،‬إذ لم‬

‫يتوسلوا به إلى نتيجة النظر الصحيح‪ ،‬ولهذا ختم الية بقوله " إنه كان‬

‫حليما غفورا " حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم‪ .‬وزعم‬

‫بعض الظاهريين أن ما سوى الحي المكلف يسبح ل تعالى باللسان أيضا‪،‬‬

‫كل بلغته ولسانه الذي ل نعرف نحن ول نفقه‪ .‬وزعم أيضا أن الحيوان إذا‬

‫ذبح ل يسبح‪ ،‬وكذا غصن الشجرة إذا كسر‪ .‬فاورد عليه أن كونه جمادا ل‬

‫يمنع من كونه مسبحا فكيف صار ذبح الحيوان مانعا عن التسبيح وكذا‬

‫كسر الغصن ؟ ويمكن أن يجاب بأن تسبيح كل شئ لعله يختص بتركيبه‬

‫الذي خلق عليه‪ ،‬فإذا بطل ذلك التركيب وفكك ذلك النظم لم يبق مسبحا‬

‫مطلقا أول على ذلك النحو‪ .‬وقال في تأويلها‪ :‬لكل ذرة من ذرات الموجودات‬
‫ملكوت‪ ،‬لقوله " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ )‪ " (1‬والملكوت باطن‬

‫الكون‪ ،‬وهو الخرة‪ ،‬والخرة حيوان لجماد لقوله " وإن الدار الخرة لهي‬

‫الحيوان )‪ " (2‬فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والحمد تنزيها‬

‫لصاحبه وحمدا له على ما أوله من نعمه‪ ،‬وبهذا اللسان نطق الحصا في‬

‫كف النبي صلى ال عليه واله وبه تنطق الرض يوم القيامة‪ " .‬يومئذ‬

‫تحدث أخبارها )‪ " (3‬وبه تنطق الجوارح " أنطقنا ال الذي أنطق كل شئ‬

‫" )‪ (4‬وبه نطقت‬

‫)‪ (1‬يس‪ (2) .83 :‬العنكبوت‪ (3) .64 :‬الزلزال‪ (4) 4 :‬فصلت‪.21 :‬‬

‫]‪[170‬‬

‫السموات والرض " قالتا أتينا طائعين "‪ " .‬إنه كان حليما " في الزل‪ ،‬إذ‬

‫أخرج من العدم من يكفر به ويجحده " غفورا " لمن تاب عن كفره‪ " .‬قلنا‬

‫يا نار كوني بردا " قال الطبرسي‪ .‬هذا مثل‪ ،‬فإن النار جماد ل يصح خطابه‪،‬‬

‫والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلمة ل يصيبه من أذيها شئ‪ ،‬كما قال‬

‫سبحانه " كونوا قردة خاسئين )‪ " (1‬والمعنى أنه صيرهم كذلك ل أنه‬

‫خاطبهم وأمرهم بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز أن يتكلم ال سبحانه بذلك ويكون ذلك‬

‫صلحا للملئكة ولطفا لهم‪ .‬وذكر في كون النار بردا وسلما على إبراهيم‬
‫وجوها‪ :‬أحدها أن ال سبحانه أحدث فيها بردا بدل من شدة الحرارة فيها‬

‫فلم تؤذه‪ .‬وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه‪ .‬وثالثها‬

‫أن الحراق يحصل بالعتمادات التي في النار صعدا فيجوز أن يذهب‬

‫سبحانه تلك العتمادات‪ .‬وعلى الجملة فعلمنا أن ال سبحانه منع النار من‬

‫إحراقه وهو أعلم بتفاصيله )‪ - (2‬انتهى ‪ .-‬وقال البيضاوي‪ :‬انقلب النار‬

‫هواء طيبة ليس ببدع‪ ،‬غير أنه هكذا على خلف المعتاد فهو إذن من‬

‫معجزاته‪ .‬وقيل‪ :‬كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في‬

‫السمندر‪ ،‬ويشعر به قوله " على إبراهيم " )‪ - (3‬انتهى ‪ .-‬وأقول‪ :‬على‬

‫مذهب الشاعرة ل إشكال في ذلك‪ ،‬لنهم يقولون‪ :‬ل مؤثر في الوجود إل‬

‫ال‪ ،‬وإنما أجرى عادته بالحراق عند قرب شئ من النار‪ ،‬فإذا أراد غير‬

‫ذلك ل يخلق الحراق‪ .‬وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم‬

‫الصفات لها فيشكل ذلك عندهم‪ ،‬والولى أن يقال‪ :‬إحراق النار وتبريد الثلج‬

‫وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية‬

‫المادة وغيرها فلم ل يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر‬

‫المختار بخلفه )‪ (4‬فإذا تعلقت‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ ،65 :‬والعراف‪ (2) .165 :‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪(3) .54‬‬

‫انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (4) .86‬هذا تنزيل لمقام إرادته القاهرة التى بها‬
‫تسببت السباب وانسجم نظام الكون‪ .‬و يستلزم جعلها في عداد الشرائط‬

‫المادية‪ ،‬ويترتب عليه لوازم نغمض عن ذكرها‪ .‬والحق أن ‪< -‬‬

‫]‪[171‬‬

‫بذلك انتفى تأثيرها‪ ،‬كما أن ال تعالى أقدر العباد على أفعالهم لكن بشرط‬

‫عدم تعلق إرادته القاهرة بخلفه‪ ،‬ولذا ورد في الخبار أنه ل يحدث شئ في‬

‫السماء والرض إل بإذنه سبحانه‪ .‬قوله تعالى " وسخرنا مع داود الجبال‬

‫يسبحن والطير " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬قيل‪ :‬معناه سيرنا الجبال مع داود‬

‫حيث سار‪ ،‬فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الية العظيمة التي تدعو إلى‬

‫تسبيح ال وتعظيمه وتنزيهه عن كل مال يليق به‪ ،‬وكذلك تسخير الطير له‬

‫تسبيح يدل على أن مسخرها قادر ل يجوز عليه ما يجوز على العباد‪ .‬و‬

‫قيل‪ :‬إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح بالغداة والعشي‬

‫معجزة له ‪ -‬انتهى )‪ .- (1‬وقال الرازي‪ :‬قال أصحاب المعاني‪ :‬يحتمل أن‬

‫يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله " وإن من شئ إل يسبح بحمده "‬

‫وتخصيص داود عليه السلم بذلك إنما كان‬

‫> ‪ -‬جميع اليات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذى نتعاهده معاشر‬

‫الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية‪ .‬وعدمية ومعدات لكن‬
‫ليس خرقا للنظام العلى والمعلولي رأسا‪ ،‬فجعل النار بردا مثل ليس إبطال‬

‫للنظام السببي‪ ،‬لمسببي الحاكم على العالم بحذافيره‪ ،‬بل إعمال لسباب‬

‫وشرائط لنتعاعدها ويكفى له إيجاد مانع من تأثير النار في جسمه عليه‬

‫السلم أو حول بدنه أو تسخير النار ليجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء‬

‫اليوم له‪ ،‬كل ذلك لمن طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهى وطريق‬

‫غيبي ومجرى نفسي غير مشهود للعامة‪ ،‬وال على كل شئ قدير‪ .‬فان قيل‪:‬‬

‫مرجع الخير إلى أن ال تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت‪ ،‬وهذه إبطال‬

‫لسببية النار للحراق ‪ -‬لعدم امكان سببية شئ واحد لضدين ومتقابلين ‪ -‬أو‬

‫التزام بحصول معلول مادى من غير حصول علته المسانخة له قلنا‪:‬‬

‫الحتراق عبارة عن تبدل الصورة تبدل خاصا والنار معدة له ل مفيضة‬

‫للصورة الحادثة‪ ،‬ول يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف‬

‫الى ذلك حديث تعدد الجهات‪ .‬وأما استناد الحوادث إلى إرادة ال تعالى من‬

‫غير واسطة فمخالف للسنة اللهية التى لن تجد لها تبديل ولن تجد لها‬

‫تحويل‪ ،‬ومستلزم للطفرة واختلل نظام العلل والمعاليل‪ .‬والحاصل أن إرادة‬

‫ال تعالى فوق العلل المادية وفى طولها لفى رتبتها وهو القاهر فوق‬

‫عباده‪ (1) .‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪.58‬‬

‫]‪[172‬‬
‫بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما‪ .‬وأما المعتزلة‬

‫فقالوا‪ :‬لو حصل الكلم في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل ال تعالى فيه‪،‬‬

‫والول محال لن بنية الجبل ل تحتمل الحياة والعلم والقدرة‪ ،‬وما ل يكون‬

‫حيا عالما قادرا يستحيل منه الفعل‪ ،‬والثاني أيضا محال‪ ،‬لن المتكلم عندهم‬

‫من كان فاعل للكلم لمن كان محل له‪ ،‬فلو كان فاعل ذلك الكلم هو ال‬

‫تعالى لكان المتكلم هو ال ل الجبل‪ ،‬فجعلوا التسبيح من السباحة وبناء‬

‫التفعيل للتكثير مثل قوله " يا جبال أو بي معه " والحاصل‪ :‬سيري معه‪.‬‬

‫واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لتقبل الحياة‪ ،‬وهذا ممنوع‪ ،‬و‬

‫على أن التكلم من فعل ال وهو أيضا ممنوع‪ .‬وأما الطير فل امتناع في أن‬

‫يصدر عنها الكلم ولكن اجتمعت المة على أن المكلفين إما الجن )‪(1‬‬

‫والنس أو الملئكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل‬

‫يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا‪ ،‬فصار ذلك‬

‫معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق‪ .‬وأيضا دللته على قدرة‬

‫ال وعلى تنزيهه مما ل يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال ‪ -‬انتهى ‪-‬‬

‫)‪ " .(2‬وعملناه صنعة لبوس لكم " أي علمناه كيف يصنع الدروع‪ .‬قال‬

‫قتادة‪ :‬أول من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح‪ ،‬جعل ال سبحانه‬

‫الحديد في يده كالعجين فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة‬

‫والتحصين‪ " .‬ولسليمان " أي سخرنا له " الريح عاصفة " أي شديدة‬
‫الهبوب‪ " .‬ألم تر أن ال يسجد له " لعل المراد بالسجود غاية الخضوع‬

‫والنقياد الممكن من الشئ‪ ،‬ففي الجمادات والعجم من الحيوانات يحصل‬

‫منهم غاية النقياد الذي يتأتى منهم‪ ،‬وكذا الملئكة وصالحوا المؤمنين‪.‬‬

‫وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية النقياد أخرجهم وقال " وكثير‬

‫من الناس " لنهم وإن كانوا في الوامر التكوينية منقادين فليسوا في‬

‫الوامر التكليفية كذلك‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أو‪ (2) .‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،22‬ص ‪.200‬‬

‫]‪[173‬‬

‫فالسجود محمول على معنى واحد وليس من استعمال المشترك في معنييه‬

‫كما عرفت سابقا‪ .‬وقال الرازي‪ :‬الرؤية هنا بمعنى العلم‪ ،‬وفي السجود‬

‫وجوه‪ :‬أحدها قال الزجاج‪ :‬أجود الوجوه في سجود هذه المور أنها تسجد‬

‫مطيعة ل تعالى وهو كقوله " فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها ‪-‬‬

‫الية ‪ " " -‬أن نقول له كن فيكون " " وإن منها لما يهبط من خشية ال‬

‫" " وإن من شئ إل يسبح بحمده " " وسخرنا مع داود الجبال " والمعنى‬

‫أن هذه الجسام لما كانت قابلة لجميع العراض التي يحدثها ال تعالى فيها‬

‫من غير امتناع البتة أشبهت الطاعة والنقياد وهو السجود‪ .‬وأما قوله "‬
‫وكثير من الناس " ففيه وجوه‪ :‬أحدها أن السجود بالمعنى الذي ذكرناه‬

‫وإن كان عاما في حق الكل إل أن بعضهم تمرد وتكبر وترك السجود في‬

‫الظاهر‪ ،‬فهذا الشخص وإن كان ساجدا بذاته لكنه متمرد بظاهره‪ ،‬أما‬

‫المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره‪ ،‬فلجل هذا الفرق حصل التخصيص‬

‫بالذكر‪ .‬وثانيها أن نقطع قوله " وكثير من الناس " عما قبله‪ ،‬ثم فيه ثلثة‬

‫أوجه‪ :‬الول أن نقول‪ :‬تقدير الية‪ :‬ول يسجد من في السماوات والرض و‬

‫يسجد له كثير من الناس‪ .‬فيكون السجود الول بمعنى النقياد والثاني‬

‫بمعنى الطاعة والعبادة لئل يلزم استعمال المشترك في معنييه جميعا‪ .‬الثاني‬

‫أن يكون قوله " وكثير من الناس " مبتدءا خبره محذوف وهو‪ ،‬مثاب‪ ،‬لن‬

‫خبر مقابله يدل عليه وهو قوله " حق عليه العذاب "‪ .‬والثالث أن يبالغ في‬

‫تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف " كثير " على " كثير " ثم يخبر عنهم ‍ب‬

‫" حق عليهم العذاب " وثالثها من يجوز استعمال اللفظ المشترك في‬

‫مفهوميه جميعا يقول‪ :‬إن المراد بالسجود في حق الحياء العقلء السجود‪،‬‬

‫وفي حق الجمادات النقياد‪ .‬فان قيل‪ :‬قوله " من في السموات والرض "‬

‫لفظ العموم فيدخل فيه الناس‪ ،‬فلم قال مرة اخرى " وكثير من الناس " ؟‬

‫قلنا‪ :‬لو اقتصر على ما تقدم لوهم أن كل الناس يسجدون‪ ،‬فبين أن كثيرا‬

‫منهم يسجدون طوعا دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك‪ .‬القول الثاني في‬
‫تفسير السجود أن كل ما سوى ال تعالى فهو ممكن لذاته‪ ،‬و الممكن لذاته‬

‫ل يترجح وجوده على عدمه إل عند النتهاء إلى الواجب لذاته كما قال‪:‬‬

‫]‪[174‬‬

‫" وأن إلى ربك المنتهى " )‪ (1‬وكما أن المكان لزم للممكن حال حدوثه‬

‫وبقائه فافتقاره إلى الواجب حاصل حال حدوثه وحال بقائه‪ ،‬وهذا الفتقار‬

‫الذاتي اللزم للماهية أدل على الخضوع والتواضع من وضع الجبهة على‬

‫الرض‪ ،‬فإن ذلك علمة وضعية للفتقار‪ ،‬وقد يتطرق إليه الصدق والكذب‪،‬‬

‫أما نفس الفتقار الذاتي فإنه ممتنع التغير والتبدل‪ ،‬فجميع الممكنات ساجدة‬

‫بهذا المعنى ل أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه‬

‫وتكوينه‪ ،‬وعلى هذا تأولوا قوله " وإن من شئ إل يسبح بحمده " وهذا‬

‫قول القفال‪ .‬القول الثالث أن سجود هذه الشياء سجود ظلها كقوله تعالى "‬

‫يتفيؤ ظلله ‪ -‬الية ‪ " -‬وهذا قول مجاهد )‪ - (2‬انتهى ‪ .-‬قوله تعالى " أو‬

‫بي معه " قال البيضاوي‪ :‬أي ارجعي معه التسبيح على الذنب أو النوحة‪،‬‬

‫وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها‪ ،‬أو بحملها إياه على التسبيح إذا‬

‫تأمل )‪ (3‬فيها‪ ،‬أو‪ :‬سيري معه حيث سار‪ .‬و " الطير " عطف على محل "‬

‫الجبال "‪ " .‬وألنا له الحديد " جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء‬

‫من غير إحماء وطرق بآلته أو بقوة " عين القطر " أي النحاس المذاب‬
‫أسال )‪ (4‬له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا‪.‬‬

‫و ]كان[ ذلك باليمن )‪ " .(5‬إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول "‬

‫أي كراهة أن تزول‪ ،‬فإن الممكن حال بقائه لبد له من حافظ أو يمنعهما أن‬

‫تزول لن المساك منع‪ " .‬ولئن زالتا إن أمسكهما " أي ما أمسكهما " من‬

‫أحد من بعده " أي من بعد ال أو من بعد الزوال‪ ،‬والجملة سادة مسد‬

‫الجوابين‪ ،‬و " من " الولى مزيدة‪ ،‬والثانية للبتداء " إنه كان حليما‬

‫غفورا " حيث أمسكهما وكانتا جديرتين أن تهدا هدا‪ ،‬لعمال العباد‪ .‬قوله‬

‫تعالى " فيه بأس شديد " فإن آلت الحرب متخذة عنه " ومنافع للناس "‬

‫إذ ما من صنعة إل والحديد آلتها " وليعلم ال من ينصره ورسله "‬

‫باستعمال السلحة‬

‫)‪ (1‬النجم‪ (2) .42 :‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ (3) .20 ،23‬في المصدر‪ :‬تأملها )‬

‫‪ (4‬فيه‪ :‬أساله‪ (5) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.285‬‬

‫]‪[175‬‬

‫ومجاهدة الكفار‪ ،‬والعطف على محذوف دل عليه ما قبله‪ ،‬فإنه حال يتضمن‬

‫تعليل أو اللم صلة لمحذوف‪ ،‬أي أنزله ليعلم ال " بالغيب " حال من‬

‫المستكن في " ينصره "‪ " .‬إن ال قوي " على إهلك من أراد إهلكه "‬
‫عزيز " ل يفتقر إلى نصرة‪ ،‬وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا‬

‫ثواب المتثال فيه‪ .‬وقال الرازي‪ :‬وأما الحديد ففيه البأس الشديد فإن آلت‬

‫الحرب متخذة منه‪ ،‬وفيه أيضا منافع كثيرة منها قوله تعالى " وعلمناه‬

‫صنعة لبوس لكم " ومنها أن مصالح العالم إما اصول وإما فروع‪ ،‬أما‬

‫الصول فأربعة‪ :‬الزراعة‪ ،‬والحياكة‪ ،‬وبناء البيوت‪ ،‬والسلطنة‪ .‬وذلك لن‬

‫النسان يضطر إلى طعام يأكله وثوب يلبسه وبناء يسكن فيه‪ ،‬والنسان‬

‫مدني بالطبع فل تتم مصلحته إل عند اجتماع جمع من أبناء جنسه ليشتغل‬

‫كل واحد منهم بمهم خاص فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل وذلك‬

‫النتظام لبد وأن يفضي إلى المزاحمة ولبد من شخص يدفع ضرر البعض‬

‫عن البعض وذلك هو السلطان‪ ،‬فثبت أنه ل تنتظم مصلحة العالم إل بهذه‬

‫الصول الربعة‪ .‬أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد وذلك من كرب الرض‬

‫وحفرها‪ ،‬ثم عند تكون هذه الحبوب وتولدها لبد من جزها وتنقيتها وذلك‬

‫لتيم إل بالحديد )‪ .(1‬ثم لبد من خبزها ول يتم إل بالنار ولبد فيها من‬

‫المقدحة الحديدية‪ .‬وأما الفواكه فل بد من تنظيفها من قشورها وقطعها‬

‫على الوجوه الموافقة للكل ول يتم ذلك إل بالحديد‪ .‬ثم يحتاج في آلت‬

‫الحياكة إلى الحديد ثم نفزع )‪ (2‬في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد‪،‬‬

‫والذهب ل يقوم مقام الحديد في شئ من هذه المصالح‪ ،‬فلو لم يوجد الذهب‬

‫في الدنيا ما كان يختل شئ من مصالح الدنيا‪ ،‬ولو لم يوجد الحديد لختل‬
‫جميع مصالح الدنيا‪ .‬ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل‬

‫الوجدان كثير الوجود والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود‪،‬‬

‫وعند هذا يظهر أثر جود ال ورحمته على عبيده‪ ،‬فإن كل ما كانت حاجاتهم‬

‫إليه أكثر جعل وجدانه أسهل‪ .‬ولهذا قال بعض‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ثم الحبوب لبد من طحنها وذلك ليتم ال بالحديد )‪ (2‬في‬

‫المصدر‪ :‬يحتاج‪.‬‬

‫]‪[176‬‬

‫الحكماء‪ :‬إن أعظم المور حاجة إليه هو الهواء فإنه لو انقطع وصوله إلى‬

‫القلب لحظة مات النسان في الحال‪ ،‬فل جرم جعله ال أسهل الشياء‬

‫وجدانا‪ ،‬وهيأ أسباب التنفس وآلته‪ ،‬حتى أن النسان يتنفس دائما بمقتضى‬

‫طبعه من غير حاجة فيه إلى تكلف عمل‪ .‬وبعد الهواء الماء‪ ،‬إل أنه لما‬

‫كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق‬

‫قليل من تحصيل الهواء‪ .‬وبعد الماء الطعام‪ ،‬ولما كانت الحاجة إلى الطعام‬

‫أقل من الحاجة إلى الماء جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء‪ .‬ثم‬

‫تتفاوت الطعمة في درجات الحاجة والعزة‪ ،‬فكل ما كانت الحاجة إليه أكثر‬

‫كان وجدانه أسهل‪ ،‬وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل‪،‬‬
‫والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا لجرم كانت عزيزة جدا‪ .‬فعلمنا‬

‫أن كل شئ كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل ولما كانت الحاجة إلى‬

‫رحمة ال أشد من الحاجة إلى كل شئ فنرجو من رحمة ال أن يجعلها‬

‫أسهل الشياء وجدانا )‪ - 1 .(1‬العلل‪ :‬عن محمد بن علي ماجيلويه‪ ،‬عن‬

‫عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن أحمد ابن أبي عبد ال البرقي‪ ،‬عن علي بن‬

‫محمد القاساني‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد الثقفي‪ ،‬عن علي بن المعلى‪ ،‬عن‬

‫إبراهيم بن الخطاب بن الفراء رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬شكت‬

‫أسافل الحيطان إلى ال عزوجل من ثقل أعاليها‪ ،‬فأوحى ال عزوجل إليها‪:‬‬

‫يحمل بعضك بعضا )‪ .(2‬الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن إبراهيم الثقفي‬

‫مثله )‪ .(3‬المحاسن‪ :‬عن القاساني مثله‪ ،‬إل أن فيه‪ :‬يحمل بعضها بعضا )‬

‫‪ .(4‬بيان‪ :‬لعل الشكاية بلسان الفتقار والضطرار‪ ،‬والوحي بالخطاب‬

‫التكويني كما قيل‪ :‬في قوله تعالى " وآتيكم من كل ما سألتموه " أي بلسان‬

‫استعداداتكم وقابلياتكم‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،29‬ص ‪ (2) .242‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪(3) .150‬‬

‫الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (4) .532‬المحاسن‪.623 :‬‬

‫]‪[177‬‬
‫أو يكون استعارة تمثيلية لبيان أن ال تعالى خلق الجزاء الرضية‬

‫والترابية بحيث يلتصق بعضها ببعض‪ ،‬ول يكون ثقل الجميع على السافل‬

‫فتنهدم سريعا‪ - 2 .‬المحاسن‪ :‬عن علي بن أسباط‪ ،‬عن داود البرقي‪ ،‬عن‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن قوله تعالى " وإن من شئ إل‬

‫يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " قال‪ :‬نقض الجدر تسبيحها )‪.(1‬‬

‫الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن ابن أسباط مثله‪ ،‬إل أن فيه‪:‬‬

‫تنقض الجدر )‪ - 3 .(2‬المحاسن‪ :‬عن ابن أسباط‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪،‬‬

‫عن أبي بصير‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عن قول ال عزوجل " وإن من شئ‬

‫إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " قال‪ :‬نقض الجدر تسبيحها !‬

‫قلت‪ :‬نقض الجدر تسبيحها ؟ ! قال‪ :‬نعم )‪ - 4 .(3‬العياشي‪ :‬عن أبي‬

‫الصلح‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال‪ " :‬وإن من شئ‬

‫إل يسبح بحمده " قال‪ :‬كل شئ يسبح بحمده‪ ،‬وإنا لنرى أن تنقض الجدار‬

‫هو تسبيحها‪ .‬ومنه‪ :‬في رواية الحسين بن سعيد عنه عليه السلم مثله‪5 .‬‬

‫‪ -‬ومنه‪ :‬عن زرارة قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال " وإن‬

‫من شئ إل يسبح بحمده " قال‪ :‬إنا نرى أن تنقض الحيطان تسبيحها‪- 6 .‬‬

‫ومنه‪ :‬عن مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم‬

‫أنه دخل عليه رجل فقال له‪ :‬فداك أبي وامي‪ ،‬إني أجد ال يقول في كتابه "‬

‫وإن من شئ إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم " فقال‪ :‬هو كما‬
‫قال‪ ،‬فقال له‪ :‬أتسبح الشجرة اليابسة ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت خشب البيت‬

‫تنقض ؟ وذلك تسبيحه‪ ،‬فسبحان ال على كل حال‪.‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .623 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .531‬المحاسن‪.623 :‬‬

‫]‪[178‬‬

‫‪ - 7‬العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬بكاء السماء احمرارها من غير‬

‫غيم وبكاء الرض زلزلها )‪ (1‬وتسبيح الشجر حركتها من غير ريح‪،‬‬

‫وتسبيح البحار زيادتها ونقصانها‪ ،‬وتسبيح الشجر نموه ونشوؤه‪ .‬وقال‬

‫أيضا‪ :‬ظله يسبح ال‪ .‬بيان‪ :‬قد مضى من البيان في تفسير اليات ما يمكن‬

‫به فهم هذه الخبار‪ .‬و الحاصل أن تنقض الجدار لدللتها على حدوث التغير‬

‫فيها وفنائها نداء منها بلسان حالها على افتقارها إلى من يوجدها ويبقيها‬

‫منزها عن صفاتها المحوجة إلى ذلك‪ .‬وأيضا نقصانات الخلئق دلئل على‬

‫كمالت الخالق‪ ،‬وكثراتها واختلفاتها ومضاداتها شواهد وحدانيته وانتفاء‬

‫الشريك عنه والند والضد له كما قال أمير المؤمنين ‪ -‬صلوات ال عليه ‪" -‬‬

‫بتشعيره المشاعر عرف أن ل مشعر له‪ ،‬وبتجهيره الجواهر عرف أن ل‬

‫جوهر له )‪ (2‬وبمضادته بين الشياء )‪ (3‬عرف أن لضد له‪ ،‬وبمقارنته‬

‫بين الشياء عرف أن لقرين له )‪ " (4‬والحاصل أن جميع المصنوعات‬


‫والممكنات بصفاتها ولوازمها وآثارها دالة على صانعها وبارئها‬

‫ومصورها وعلمه وحكمته‪ ،‬شاهدة بتنزهه عن صفاتها المستلزمة للعجز‬

‫والنقصان‪ ،‬مطيعة لربها في ما خلقها له وأمرها به من مصالح عالم‬

‫الكون‪ ،‬موجهة إلى ما خلقت له‪ .‬فسكون الرض خدمتها وتسبيحها ;‬

‫وصرير الماء وجريه تسبيحه وطاعته ; وقيام الشجار والنباتات ونموها‪،‬‬

‫وجري الريح وأصواتها‪ ،‬وهذه البنية وسقوطها‪ ،‬وتحريق النار ولهبها‪،‬‬

‫وأصوات الصواعق وإضاءة البروق وجلجل الرعود وجري الطيور في‬

‫الجو ونغماتها‪ ،‬كلها طاعة لخالقها وسجدة وتسبيح وتنزيه له سبحانه‪ .‬قال‬

‫بعض العارفين ; خلق ال الخلق ليوحدوه فأنطقهم بالتسبيح والثناء عليه‬

‫والسجود فقال " ألم تر أن ال يسبح له من في السموات والرض والطير‬

‫صافات كل قد علم صلته وتسبيحه )‪ " (5‬وقال أيضا ألم تر أن ال يسجد‬

‫له من في السموات ومن في‬

‫)‪ (1‬زلزالها )خ(‪ (2) .‬ليس هذه الجملة في النهج‪ (3) .‬في النهج‪ :‬المور‪.‬‬

‫)‪ (4‬النهج‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (5) .355‬النور‪.41 :‬‬

‫]‪[179‬‬
‫الرض والشمس والقمر ‪ -‬الية ‪ " (1) -‬وخاطب بهاتين اليتين نبيه الذي‬

‫أشهده ذلك ورآه فقال " ألم تر " ولم يقل " ألم تروا " فإنا ما رأيناه‪ ،‬فهو‬

‫لنا إيمان‪ ،‬و لمحمد صلى ال عليه واله عيان‪ ،‬فأشهده سجود كل شئ‬

‫وتواضعه ل‪ ،‬وكل من أشهده ال ذلك ورآه دخل تحت‪ .‬هذا الخطاب‪ .‬وهذا‬

‫تسبيح فطري وسجود ذاتي عن تجل تجلى لهم فأحبوه فانبعثوا إلى الثناء‬

‫عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي‪ ،‬وهذه هي العبادة الذاتية التي أقامهم‬

‫ال فيها بحكم الستحقاق الذي يستحقه‪ .‬وفي القاموس‪ :‬تنقض البيت‪:‬‬

‫تشقق فسمع له صوت‪ .‬وقوله " بكاء السماء احمرارها " أي خارجا عن‬

‫العادة فإنه من علمات غضبه تعالى‪ ،‬فكأنه يبكي على من استحق الغضب‬

‫أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين عليه‬

‫السلم‪ .‬وقوله " حركتها من غير ريح " أي عند الزلزلة‪ ،‬أو بالنمو فيكون‬

‫ما بعده تأكيدا له‪ - 8 .‬تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬في رواية أبي الجاورد عن‬

‫أبي جعفر عليه السلم في قوله " وأنبتنا فيها من كل شئ موزون " فإن‬

‫ال تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر‬

‫والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذه لتباع إل وزنا‬

‫)‪ .(2‬بيان‪ :‬لعل المراد بالجوهر الحجار كالياقوت والعقيق والفيروزج‬

‫وأشباهها‪ - 9 .‬تفسير علي بن إبراهيم‪ " :‬أولم يروا إلى ما خلق ال من‬

‫شئ يتفيؤ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل وهم داخرون " قال‪ :‬تحويل‬
‫كل ظل خلقه ال هو سجوده ل لنه ليس شئ إل له ظل يتحرك بتحريكه‪،‬‬

‫وتحويله سجوده )‪ - 10 .(3‬ومنه‪ :‬في قوله تعالى " وإن من شئ إل يسبح‬

‫بحمده " فحركة كل شئ تسبيح ل عزوجل )‪ - 11 .(4‬ومنه‪ :‬في قوله "‬

‫والشجر والدواب " لفظ الشجر واحد ومعناه جمع )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الحج‪ (2) .18 :‬تفسير القمى‪ (3) .250 :‬التفسير‪ (4) .361 :‬تفسير‬

‫القمى‪ (5) .382 :‬التفسير‪.437 :‬‬

‫]‪[180‬‬

‫وفي قوله تعالى " وأسلنا له عين القطر " قال‪ :‬الصفر )‪ - 12 .(1‬المناقب‬

‫لبن شهر اشوب‪ :‬قال‪ :‬قال ضباع بن نصر الهندي للرضا عليه السلم ما‬

‫أصل الماء ؟ قال‪ :‬أصل الماء خشية ال‪ ،‬بعضه من السماء ويسلكه في‬

‫الرض ينابيع وبعضه ماء عليه الرضون‪ ،‬وأصله واحد عذب فرات‪ .‬قال‪:‬‬

‫فكيف منها عيون نفط و كبريت وقار )‪ (2‬وملح وأشباه ذلك ؟ قال‪ :‬غيره‬

‫الجوهر وانقلبت كانقلب العصير خمرا‪ ،‬وكما انقلبت الخمر فصارت خل‪،‬‬

‫وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا‪ .‬قال‪ :‬فمن أين اخرجت أنواع‬

‫الجواهر ؟ قال‪ :‬انقلبت منها كانقلب النطفة علقة ثم مضغة ثم خلقة‬

‫مجتمعة مبنية على المتضادات الربع‪ .‬قال )‪ :(3‬إذا كانت الرض خلقت من‬
‫الماء والماء بارد رطب فكيف صارت الرض باردة يابسة ؟ قال‪ :‬سلبت‬

‫النداوة فصارت يابسة‪ .‬قال‪ :‬الحر أنفع أم البرد ؟ قال‪ :‬بل الحر أنفع من‬

‫البرد‪ ،‬لن الحر من حر الحياة والبرد من برد )‪ (4‬الموت‪ ،‬وكذلك السموم‬

‫القاتلة الحارة منها أسلم وأقل ضررا من السموم الباردة )‪ .(5‬توضيح‪:‬‬

‫قوله " خشية ال " إشارة إلى ما ورد في بعض الكتب السماوية أن ال‬

‫تعالى خلق أول درة بيضاء فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء " ماء عليه‬

‫الرضون " أي البحر العظم " غيره الجوهر " أي جوهر الرض التي‬

‫نبع منها " من حر الحياة " أي من جنسه لن الروح الحيواني والحرارة‬

‫الغريزية سببان للحياة‪ ،‬وزوالهما سبب للموت‪ .‬وفيه إشارة إلى ما ذكره‬

‫الحكماء في تولد المعادن‪ ،‬فلنذكر ما ذكروه في ذلك‪ :‬قالوا‪ :‬المركبات التي‬

‫لها مزاج‪ ،‬ثلثة أنواع تسمى بالمواليد‪ ،‬وهي‪ :‬المعادن والنباتات‪،‬‬

‫والحيوانات‪ .‬ووجه الحصر أنه إن تحقق فيه مبدأ التغذية فإما مع تحقق‬

‫مبدأ الحس والحركة الرادية فهو الحيوان‪ ،‬أو بدونه وهو النبات‪ ،‬وإن لم‬

‫يتحقق‬

‫)‪ (1‬التفسير‪ (2) .537 :‬في المصدر‪ :‬ومنها قار‪ (3) ..‬في المصدر‪ :‬قال‬

‫عمران‪ (4) .‬بعد )خ(‪ (5) .‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪.354‬‬


‫]‪[181‬‬

‫ذلك فيه فالمعادن‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬وإنما قلنا مع تحقق الحس والحركة لنه‬

‫لقطع بعدمهما في النبات والمعدن‪ ،‬بل ربما يدعى حصول الشعور والرادة‬

‫للنبات لمارات تدل على ذلك‪ ،‬مثل ما يشاهد في ميل النخلة النثى إلى الذكر‬

‫وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر‪ ،‬وميل عروق الشجار إلى جهة‬

‫الماء‪ ،‬وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى الفضاء‪ .‬ثم ليس‬

‫هذا ببعيد عن القواعد الفلسفية‪ ،‬فإن تباعد المزجة عن العتدال الحقيقي‬

‫إنما هو على غاية من التدريج‪ ،‬فانتقاض استحقاق الصور الحيوانية‬

‫وخواصها لبد أن يبلغ قبل النتفاء إلى حد الضعف والخفاء‪ ،‬و كذا النباتية‪.‬‬

‫ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى افق النباتية‪ ،‬ومن النباتات‬

‫ما وصل إلى افق الحيوانية كالنخلة‪ ،‬وإليه الشارة بقوله صلى ال عليه‬

‫واله " أكرموا عمتكم النخلة "‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬اخرى طبقات المعادن‬

‫متصلة باولى طبقات النباتات كما أن المرجان التي هي من المعادن ينمو‬

‫في قعر البحر‪ ،‬وهو قريب من النباتات التي تنبت في فصل الربيع وتذبل‬

‫وتفنى سريعا‪ .‬واخرى طبقات النبات تتصل باولى طبقة الحيوانات كالنخل‬

‫فإنها شبيهة بالحيوان في أنها إذا غرقت في الماء أو تقطع رأسها تموت‬

‫ول تثمر كثيرا بدون اللقاح‪ ،‬ورائحة طلعها شبيهة برائحة المني‪ ،‬وتعشق‬

‫بعضها بعضا بحيث لتحمل إل إذا صب فيها من طلعه‪ ،‬ويميل بعضها إلى‬
‫بعض‪ ،‬وهي قريبة من الحيوانات المتولدة في الراضي الندية كالخراطين‬

‫وأشباهها‪ .‬واخرى طبقة الحيوانات تتصل بافق النسان كالفيل والقردة‪،‬‬

‫فإنهما تتعلمان بأدنى تعليم‪ ،‬وفي كثير من الصفات شبيهة بالنسان‪ ،‬وهي‬

‫قريبة من بعض أفراد النسان كالسودان والتراك الذين ليس فيهم من‬

‫النسانية إل الكل والشرب والنوم والسفاد‪ .‬ثم إنهم قالوا‪ :‬إن البخرة‬

‫والدخنة المحتبسة في باطن الرض إذا كثرت يتولد منها ما مر من الرجفة‬

‫والزلزلة وانفجار العيون‪ ،‬وإذا لم تكن كثيرة اختلطت على ضروب من‬

‫الختلطات المختلفة في الكم والكيف والمزج بحسب المكنة والزمنة‬

‫والعدادات‪ ،‬فتكون منها الجسام المعدنية بإذن ال تعالى‪ ،‬وهي أول ما‬

‫يحدث من المركبات العنصرية التامة المزاجية‪ .‬ثم إذا غلب البخار على‬

‫الدخان‬

‫]‪[182‬‬

‫تتولد مثل اليشم والبلور والزيبق وغيرها من الجواهر المشفة وإن غلب‬

‫الدخان يتولد الملح والزاج والكبريت والنوشادر‪ .‬ثم من اختلط بعض هذه‬

‫مع بعض يتولد غيرها من المعادن‪ ،‬وأصنافها خمسة‪ ،‬لنها إما ذائبة أو‬

‫غير ذائبة‪ ،‬والذائبة إما منطرقة أو غير منطرقة‪ ،‬والغير المنطرقة إما‬

‫مشتعلة أو غير مشتعلة‪ ،‬وغير الذائبة إما عدم ذوبانه لفرط الرطوبة‪ ،‬أو‬
‫لفرط اليبوسة‪ ،‬فأقسامها‪ :‬ذائب منطرق‪ ،‬وذائب مشتعل‪ ،‬وذائب غير‬

‫منطرق ول مشتعل‪ ،‬وغير ذائب لفرط الرطوبة‪ ،‬وغير ذائب لفرط اليبوسة‪.‬‬

‫فالذائب المنطرق هو الجسم الذي انجمد فيه الرطب واليابس بحيث ل يقدر‬

‫النار على تفريقهما مع بقاء دهنية قوية بسببها يقبل ذلك الجسم النطراق‬

‫وهو الندفاع في السحق بانبساط يعرض للجسم في الطول والعرض قليل‬

‫دون انفصال شئ‪ ،‬والذوبان سيلن الجسم بسبب تلزم رطبه ويابسه‪.‬‬

‫والمشهور من أنواع الذائب المنطرق سبعة‪ :‬الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والرصاص‪،‬‬

‫والسرب‪ ،‬والحديد‪ ،‬والنحاس‪ ،‬والخارصيني‪ .‬وقيل‪ :‬الخارصيني هو جوهر‬

‫شبيه بالنحاس يتخذ منها مرايالها خواص وذكر بعضهم أنه ل يوجد في‬

‫عهدنا )‪ (1‬والذي يتخذ منه المرايا ويسمى بالحديد الصيني والهفتجوش‬

‫فجوهر مركب من بعض الفلزات‪ ،‬وليس بالخارصيني‪ .‬والذوبان في غير‬

‫الحديد ظاهر وأما في الحديد فيكون بالحيلة كما يعرفه أرباب الصنعة‪.‬‬

‫وشهدت المارات بأن مادة الجساد السبعة الزيبق والكبريت‪ ،‬واختلف‬

‫النواع والصناف عائد إلى اختلف صفاتهما واختلطهما وتأثر أحدهما‬

‫عن الخر‪ .‬أما المارات فهي أنها سيما الرصاص يذوب إلى مثل الزيبق‪،‬‬

‫والزيبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص والزيبق يتعلق بهذه‬

‫الجساد‪ .‬وأما كيفية تكون تلك الجساد منهما فهي أنه إذا كان الزيبق‬

‫والكبريت صافيين وكان انطباخ أحدهما بالخر تاما فإن كان الكبريت مع‬
‫بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة‪ ،‬وإن كان أحمر وفيه قوة صباغة‬

‫لطيفة غير‬

‫)‪ (1‬عصرنا )خ(‪.‬‬

‫]‪[183‬‬

‫محترقة تكون الذهب‪ ،‬وإن كانا نقيين وفي الكبريت قوة صباغة لكن وصل‬

‫إليه قبل كمال النضج برد مجمد عاقد تكون الخارصيني‪ ،‬وإن كان الزيبق‬

‫نقيا والكبريت رديا فإن كان مع الرداءة فيه قوة إحراقية تكون النحاس‪،‬‬

‫وإن كان غير شديد المخالطة بالزيبق بل متداخل إياه سافا فسافا تولد‬

‫الرصاص‪ ،‬وإن كان الزيبق والكبريت رديين فإن قوي التركيب وفي الزيبق‬

‫تخلخل أرضي وفي الكبريت إحراق تكون الحديد‪ ،‬وإن ضعف التركيب تكون‬

‫ال سرب ويسمى الرصاص السود‪ .‬قال صاحب المواقف بعد إيراد مثل هذا‬

‫التقسيم‪ :‬وأنت خبير بأن القسمة غير حاصرة وأن التكون على هذا الوجه‬

‫لسبيل فيه إلى اليقين ول يرجى له إل الحدس والتخمين وإن سلم فتكونها‬

‫على غير هذا الوجه مما لم يقم على امتناعه دليل‪ ،‬كيف والمهوسون‬

‫بالكيمياء لهم في الجساد السبعة والرواح التي تفيد الصورة الذهبية‬

‫والفضية تفنن والكل عندنا للفاعل المختار من غير إحالة على شئ مما‬
‫ذكروه ‪ -‬انتهى ‪ .-‬والثاني أي الذائب المشتعل هو الجسم الذي فيه رطوبة‬

‫دهنية مع يبوسة غير مستحكم المزاج‪ ،‬ولذلك يقوى النار على تفريق رطبه‬

‫عن يابسه وهو الشتعال‪ ،‬وذلك كالكبريت المتولد من مائية تخمرت‬

‫بالرضية والهوائية تخمرا شديدا بالحرارة حتى صارت تلك المائية دهنية‬

‫وانعقدت بالبرد‪ ،‬وقيل دخانية تخمر بها بخارية تخمرا شديدا بالحر حتى‬

‫حصل فيها دهنية ثم انعقدت بالبرد‪ ،‬وكالزرنيخ وهو كذلك إل أن الدهنية فيه‬

‫أقل‪ .‬والثالث أي الذائب الذي ل ينطرق ول يشتعل ما ضعف امتزاج رطبه‬

‫ويابسه وكثرت رطوبته المنعقدة بالحر واليبس كالزاجات وتولدها من‬

‫ملحية وكبريتية وحجارة‪ ،‬وفيها قوة بعض الجساد الذائبة‪ ،‬وكالملح‬

‫وتولدها من ماء خالطه دخان حار لطيف كثير النارية وانعقد باليبس مع‬

‫غلبة الرضية الدخانية‪ ،‬ولهذا يتخذ الملح من الرماد المحترق بالطبخ‬

‫والتصفية‪ .‬والرابع أي الذي ل يذوب ول ينطرق لرطوبته ما استحكم‬

‫المتزاج بين أجزائه الرطبة الغالبة والجزاء اليابسة بحيث ل يقوى النار‬

‫على تفريقهما كالزيبق وهو مركب‬

‫]‪[184‬‬

‫من مائية صافية جدا خالطتها دخانية كبريتية لطيفة مخالطة شديدة بحيث ل‬

‫ينفصل منه سطح إل ويغشاه من تلك اليبوسة شئ‪ ،‬فلذلك ل يعلق باليد ول‬
‫ينحصر انحصارا شديدا بشكل ما يحويه‪ ،‬ومثاله قطرات الماء الواقعة على‬

‫تراب في غاية اللطافة فإنه يحيط بالقطرة سطح ترابي حاصر للماء‬

‫كالغلف له بحيث تبقى القطرة على شكلها في وجه التراب‪ ،‬وإذا تلقت‬

‫قطرتان منهما فربما ينخرق الغلفان ويصير الماءان في غلف واحد‪.‬‬

‫وبياض الزيبق لصفاء المائية وبياض الرضية وممازجة الهوائية‪.‬‬

‫والخامس أي الذي ل يذوب ول ينطرق ليبوسة ما اشتد المتزاج بين‬

‫أجزائه الرطبة والجزاء اليابسة المستولية بحيث ل يقدر النار على‬

‫تفريقهما مع إحالة البرد للمائية إلى الرضية بحيث ل تبقى رطوبة حسية‬

‫دهنية‪ ،‬ولذا ل ينطرق‪ .‬ولما كان تعقده باليبس ل يذوب إل بالحيلة بحيث ل‬

‫يبقى ذلك الجوهر بخلف الحديد المذاب وذلك كالياقوت واللعل والزبرجد‬

‫ونحو ذلك من الحجار‪ .‬ثم إن من المعادن ما يتولد بالصنعة بتهيئة المواد‬

‫وتكميل الستعداد كالنوشادر والملح‪ ،‬وإن منها ما يعمل له شبيه يعسر‬

‫التميز في بادئ النظر كالذهب والفضة واللعل وكثير من الحجار المعدنية‪.‬‬

‫وهل يمكن أن يعمل حقيقة هذه الجواهر بالصنعة من غير جهة العجاز ؟‬

‫فذهب كثير من العقلء إلى أن تكون الذهب والفضة بالصنعة واقع‪ .‬ذهب‬

‫ابن سينا إلى أنه لم يظهر له إمكان فضل عن الوقوع‪ ،‬لن الفصول الذاتية‬

‫التي بها تصير هذه الجساد أنواعا امور مجهولة‪ ،‬والمجهول ل يمكن‬

‫إيجاده‪ .‬نعم يمكن أن يعمل النحاس بصبغ الفضة‪ ،‬والفضة بصبغ الذهب‪،‬‬
‫وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص‪ ،‬لكن هذه المور‬

‫المحسوسة يجوز أن ل تكون هي الفصول بل عوارض ولوازم‪ .‬واجيب بأنا‬

‫ل نسلم اختلف الجسام بالفصول والصور النوعية بل هي متماثلة ل‬

‫تختلف إل بالعوارض التي يمكن زوالها بالتدبير‪ .‬ولو سلم فإن اريد‬

‫بمجهولية الصور النوعية والفصول الذاتية أنها مجهولة من كل وجه‬

‫فممنوع‪ ،‬كيف وقد علم أنها مبادر لهذه الخواص والعراض‪ ،‬وإن اريد أنها‬

‫مجهولة بحقائقها وتفاصيلها فل نسلم أن اليجاد موقوف على العلم بذلك‬

‫وأنه ل يكفي العلم بجميع‬

‫]‪[185‬‬

‫المواد على وجه حصل الظن بفيضان الصور عنده لسباب لتعلم على‬

‫التفصيل كالحية من الشعر والعقرب من البادروج ونحو ذلك‪ ،‬وكفى بصنعة‬

‫الترياق وما فيه من الخواص والثار شاهدا على إمكان ذلك‪ .‬نعم‪ ،‬الكلم في‬

‫الوقوع وفي العلم بجميع المواد وتحصيل الستعداد‪ ،‬ولهذا جعل الكيمياء‬

‫في اسم بل مسمى‪ .‬اقول‪ :‬ويظهر من بعض الخبار تحققه‪ ،‬لكن علم غير‬

‫المعصوم به غير معلوم ومن رأينا وسمعنا ممن يدعي علم ذلك منهم‬

‫أصحاب خديعة وتدليس‪ ،‬ومكر وتلبيس ول يتبعهم إل مخدوع‪ ،‬وصرف‬

‫العمر فيه ل يسمن ول يغني من جوع‪ - 13 .‬توحيد المفضل‪ :‬قال‪ :‬قال‬


‫الصادق عليه السلم‪ :‬لو فطنوا طالبوا الكيمياء لما في العذرة لشتروها‬

‫بأنفس الثمان وغالبوا بها‪ - 14 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‬

‫بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن عبد ال ابن عبداالرحمن‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪،‬‬

‫عن الثمالي‪ ،‬قال‪ :‬مررت مع أبي عبد ال عليه السلم في سوق النحاس‪،‬‬

‫فقلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬هذا النحاس أيش )‪ (1‬أصله‪ ،‬فقال‪ :‬فضة إل أن الرض‬

‫أفسدتها‪ ،‬فمن قدر على أن يخرج الفساد منها انتفع بها )‪- 15 .(2‬‬

‫المجازات النبوية للرضي‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله في‬

‫الجبل‪ :‬ظهورها حرز‪ ،‬وبطونها كنز‪ .‬قال السيد ‪ -‬ره ‪ :-‬هذا القول خارج‬

‫عن طريق المجاز‪ ،‬لن بطون الجبل على الحقيقة كنز‪ ،‬وإنما أراد أن‬

‫أصحابها يستخرجون منها من الفلذ ما تنمى به أموالهم وتحسن معه‬

‫أحوالهم‪ .‬وظهورها حرز‪ :‬أراد أنها منجاة من المعاطب‪ ،‬وملجأة عند‬

‫المهارب‪ - 16 .‬الخرائج‪ :‬روى أحمد بن عمر الحلل قال‪ :‬قلت لبي الحسن‬

‫الثاني عليه السلم‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬إني أخاف عليك من هذا صاحب الرقة‪،‬‬

‫قال‪ :‬ليس علي منه بأس‪ ،‬إن ل بلدا تنبت الذهب قد حماها بأضعف خلقه‬

‫بالذر‪ ،‬فلو أرادتها الفيلة ما وصلت إليها‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬أي شئ‪ (2) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪.307‬‬
‫]‪[186‬‬

‫قال الوشاء‪ :‬إني سألت عن هذه البلد وقد سمعت الحديث قبل مسألتي‪،‬‬

‫فاخبرت أنه بين البلخ والنبت‪ ،‬وأنها تنبت الذهب‪ ،‬وفيها نمل كبار أشباه‬

‫الكلب على حلقها قلس ل يمر بها الطير فضل عن غيره‪ ،‬تكمن بالليل في‬

‫حجرها وتظهر بالنهار‪ ،‬فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلثين‬

‫فرسخا في ليلة ليعرف شئ من الدواب يصبر صبرها‪ ،‬فيوقرون أحمالهم‬

‫ويخرجون‪ ،‬فإذا النمل خرجت في الطلب‪ ،‬فل تلحق شيئا إل قطعته فتشبه‬

‫بالريح من سرعتها‪ ،‬وربما شغلوهم )‪ (1‬باللحم يتخذ لها إذا لحقتهم يطرح‬

‫لها في الطريق إن لحقتهم قطعتهم ودوابهم‪ .‬بيان‪ :‬الرقة بلد على الفرات‪،‬‬

‫والمراد بصاحبها هارون‪ ،‬لنه كان في تلك اليام فيها‪ .‬والقلس حبل ضخم‬

‫من ليف أو خوص أو غيرهما‪ ،‬وكأنه وصف المشبه به أي الكلب المعلمة‪.‬‬

‫‪ - 17‬الكافي‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عمن‬

‫ذكره قال‪ :‬قيل للرضا عليه السلم‪ :‬إنك تتكلم بهذا الكلم والسيف يقطر‬

‫دما ؟ ! فقال‪ :‬إن ل واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامته‬

‫البخاتي لم تصل إليه‪ - 18 .‬توحيد المفضل‪ :‬قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪:‬‬

‫فكر يا مفضل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل‬

‫الجص‪ ،‬والكلس‪ ،‬والجبسين‪ ،‬والزرانيخ والمرتك‪ ،‬والقوينا )‪ (2‬والزيبق‪،‬‬

‫والنحاس‪ ،‬والرصاص‪ ،‬والفضة‪ ،‬والذهب‪ ،‬و الزبرجد‪ ،‬والياقوت‪ ،‬والزمرد‪،‬‬


‫وضروب الحجارة‪ ،‬وكذلك ما يخرج منها من القار‪ ،‬والموميا‪ ،‬والكبريت‪،‬‬

‫والنفط وغير ذلك مما يستعمله الناس في مأربهم‪ .‬فهل يخفى على ذي عقل‬

‫أن هذه كلها ذخائر ذخرت للنسان في هذه الرض ليستخرجها فيستعملها‬

‫عند الحاجة إليها ؟ ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها على‬

‫حرصهم واجتهادهم في ذلك‪ ،‬فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان‬

‫ل محالة سيظهر و يستفيض في العالم حتى تكثر الفضة والذهب‪ ،‬ويسقطا‬

‫عند الناس‪ ،‬فل يكون لهما‬

‫)‪ (1‬شغلوها )ظ(‪ (2) .‬القوبنا )خ(‪.‬‬

‫]‪[187‬‬

‫قيمة‪ ،‬ويبطل النتفاع بهما في الشرى والبيع والمعاملت‪ ،‬ول كان يجبي‬

‫السلطان الموال ول يدخرهما أحد للعقاب‪ ،‬وقد اعطي الناس مع هذا‬

‫صنعة الشبه من النحاس والزجاج من الرمل‪ ،‬والفضة من الرصاص‪،‬‬

‫والذهب من الفضة وأشباه ذلك مما ل مضرة فيه‪ .‬فانظر كيف اعطوا‬

‫إرادتهم في مال ضرر فيه‪ ،‬ومنعوا ذلك في ما كان ضارا لهم لو ناولوه‪.‬‬

‫ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجرى منصلتا بماء غزير‪ ،‬ل‬

‫يدرك غوره ول حيلة في عبوره‪ ،‬ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة‪ .‬تفكر‬
‫الن في هذا من تدبير الخالق الحكيم‪ ،‬فإنه أراد ‪ -‬جل ثناؤه ‪ -‬أن يرى العباد‬

‫مقدرته )‪ (1‬وسعة خزائنه‪ ،‬ليعلموا أنه لو شاء أن يمنحهم كالجبال من‬

‫الفضة لفعل‪ ،‬لكن لصلح لهم في ذلك لنه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا‬

‫سقوط هذا الجوهر عند الناس وقلة انتفاعهم به‪ .‬واعتبر ذلك بأنه قد يظهر‬

‫الشئ الطريف مما يحدثه الناس من الواني والمتعة‪ ،‬فما دام عزيزا قليل‬

‫فهو نفيس جليل آخذ الثمن‪ ،‬فإذا فشاوكثر في أيدي الناس سقط عندهم‬

‫وخست قيمته‪ .‬ونفاسة الشياء من عزتها‪ .‬بيان‪ :‬الكلس ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬

‫الصاروج‪ ،‬والجبس ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الجص‪ ،‬و في أكثر النسح " الجبسين "‬

‫ولم أجده في ما عندنا من كتب اللغة‪ ،‬لكن في لغة الطب كما في أكثر النسخ‪.‬‬

‫والمرتك ‪ -‬كمقعد ‪ -‬المرداسنج‪ ،‬و " القوبنا " بالباء الموحدة أو الياء‬

‫المثناة من تحت‪ ،‬ولم أجدهما في كتب اللغة‪ ،‬لكن في القاموس‪ :‬القونة‬

‫القطعة من الحديد أو الصفر يرقع بها الناء‪ .‬وفي بعض النسخ " والتوتيا‬

‫" وفي كتب اللغة أنه حجر يكتحل به‪ .‬والقار‪ :‬القير‪ .‬وجبى الخراج جباية‪:‬‬

‫جمعه‪ .‬واليغال‪ :‬المبالغة في الدخول والذهاب‪ .‬وانصلت‪ :‬مضى وسبق‪.‬‬

‫تتميم نفعه عميم اعلم أن الذي يستفاد من اليات المتظافرة والخبار‬

‫المتواترة هو أن تأثيره سبحانه في الممكنات ل يتوقف على المواد‬

‫والستعدادات‪ ،‬وإنما أمره إذا أراد شيئا‬


‫)‪ (1‬قدرته )ظ(‪.‬‬

‫]‪[188‬‬

‫أن يقول له كن فيكون )‪ .(1‬وهو سبحانه جعل للشياء منافع وتأثيرات‬

‫وخواص أودعها فيها‪ ،‬وتأثيراتها مشروطة بإذن ال تعالى وعدم تعلق‬

‫إرادته القاهرة بخلفها‪ ،‬كما أنه أجرى عادته بخلق النسان من اجتماع‬

‫الذكر والنثى وتولد النطفة منهما وقرارها في رحم النثى وتدرجها علقة‬

‫ومضغة وهكذا فإذا أراد غير ذلك فهو قادر على أن يخلق من غير أب‬

‫كعيسى‪ ،‬ومن غير ام أيضا كآدم وحواء‪ ،‬وكخفاش عيسى وطير إبراهيم‬

‫وغير ذلك من المعجزات المتواترة عن النبياء في إحياء الموتى‪ .‬وجعل‬

‫الحراق في النار‪ ،‬فلما أراد غير ذلك قال للنار‪ :‬كوني بردا وسلما على‬

‫إبراهيم‪ .‬وجعل الثقيل يرسب في الماء وينحدر من الهواء‪ ،‬فأظهر قدرته‬

‫بمشي كثير على الماء ورفعهم إلى السماء وجعل في طبع الماء النحدار‬

‫فأجرى حكمه عليه بأن تقف أمثال الجبال منه في الهواء حتى تعبر بنو‬

‫إسرائيل من البحر‪ .‬ومع عدم القول بذلك ل يمكن تصديق شئ من‬

‫)‪ (1‬ل بأس بتذييل لهذا التتميم يجعل نفعه أعم وفائدته أتم‪ ،‬فنقول‪ :‬هناك‬

‫امور ل مجال للرتياب فيها لمن له قدم في العلوم اللهية‪) .‬الول( كل ما‬
‫سوى ال تعالى مخلوق له محتاج إليه في جميع شؤونه الوجودية‪ ،‬سواء‬

‫في ذلك الشؤون العلمية والرادية وغيرها‪) .‬الثاني( ان ال تعالى غنى عن‬

‫جميع ما سواه وليحتاج إلى غيره في شئ أصل‪ ،‬وليس لقدرته تعالى حد‬

‫ونهاية‪ ،‬فهو القادر على كل أمر ممكن في ذاته‪ ،‬وليس لقدرته على شئ من‬

‫الشياء شرط ول مانع‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يصفون‪) .‬الثالث( كل ممكن في‬

‫ذاته يستوى نسبته إلى الوجود والعدم‪ ،‬ولبد في ترجح أحدهما من مرجح‬

‫وهذا حكم ضروري ل يكاد يشك فيه عاقل فضل عن النكار اللهم ال من لم‬

‫يتصور طرفي القضية أو عرض له شبهة لم يستطع دفعها أو مكابر ينكر‬

‫باللسان ما يعترف به قلبا‪ .‬و هذا أساس جل براهين التوحيد بل المعارف‬

‫الحقة‪) .‬الرابع( طريق معرفة العلل والمرجحات ‪ -‬سوى ما يعرفه النسان‬

‫وجدانا وبالضرورة ‪ -‬اختبار ارتباط وجود شئ بشئ وكشف حدود ذاك‬

‫الرتباط‪ ،‬وهذا من معرفة صنع ال تعالى وكشف مجارى مشيئته في خلقه‪،‬‬

‫لمن باب كشف شرائط قدرته تعالى على الشياء فتفطن‪ .‬و من الواضح ان‬

‫معرفة سبب ما لشئ ل تنفي سببية شئ آخر له وقد ثبت في محله ان هذا‬

‫ليس ‪< -‬‬

‫]‪[189‬‬
‫المعجزات اليقينية المتواترة عن النبياء والوصياء عليهم السلم‪ .‬وكذا‬

‫جرى عادته على انعقاد الجواهر في المعادن بأسباب من المؤثرات‬

‫الرضية والسماوية لبعض المصالح‪ ،‬فإذا أراد إظهار كمال قدرته ورفع‬

‫شأن وليه يجعل الحصا في كفه دفعة جوهرا ثمينا‪ ،‬و الحديد في يد نبيه‬

‫عجينا‪ ،‬ويخرج الجساد البالية دفعة من التراب في يوم الحساب‪ .‬فهذه كلها‬

‫وأمثالها ل تستقيم مع الذعان بقواعدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة‪ .‬وقال‬

‫بعضهم حذرا من التشهير والتفكير‪ :‬إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي‬

‫كان لها في الدنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة‬

‫كما نطقت‬

‫> ‪ -‬من صدور الواحد من الكثير لمكان تعدد الحيثيات‪ .‬ول اظن أن يرتاب‬

‫أحد في سببية السباب والعلل لمسبباتها ومعلولتها وارتباط الثانية بالولى‬

‫ارتباطا ذاتيا وجوديا إل ان تعرض شبهة لمن ل يستطيع على حلها‬

‫كالشاعرة حيث قالوا بان عادة ال جرت على ايجاد شئ عقيب شئ آخر‬

‫دون ان يرتبط به ارتباطا وجوديا‪ ،‬والتزموا بذلك زعما منهم ان القول‬

‫بالعلية وارتباط المعلول بالعلة ينافي التوحيد‪ ،‬وجهل بأن هذا منهم هدم‬

‫لساس التوحيد وإنكار لسنة ال تعالى في خلقه‪) .‬الخامس( كل علة غير‬

‫الواجب تعالى ليس مستقل في التأثير كما أنه ليس مستقل في الوجود‪،‬‬
‫فكما انها تحتاج في ذاتها إلى علة اخرى حتى تنتهى إلى الواجب تبارك‬

‫وتعالى فكذا في أفعالها وجميع شؤونها فما من اثر وجودي في شئ من‬

‫الشياء من حيث هو اثر وجودي إل وهو مستند إلى ال تعالى قبل استناده‬

‫إلى سائر علله ويشهد لهذا المعنى آيات كثيرة جدا نسب فيها افعال العباد‬

‫والمخلوقات إلى ال تعالى أو انيط فيها تأثير الشياء باذن ال تعالى‬

‫ومشيئته‪ ،‬لكن استناد الفعال والثار إلى ال سبحانه ل يوجب سلب‬

‫انتسابها إلى عللها المتوسطة وتأثير العلل باذن ربها‪ ،‬فاستناد خلق النسان‬

‫إلى ال تعالى ل ينافي توسط ملئكة وتأثير اسباب ومعدات بل يستلزمها‪ ،‬ل‬

‫لنه سبحانه يحتاج إليها وقدرته على الخلق يتوقف عليها بل لن مرتبة‬

‫الفعل هي التى تقتضي ذلك‪ ،‬فكل معلول له مرتبة تخصه وحدود يتشخص‬

‫بها بحيث لو تبدل بعضها إلى بعض لنقلب إلى شئ آخر‪ ،‬كما ان كل عدد له‬

‫مرتبة خاصة ليتقدم عليها ول يتأخر عنها وإل لنقلب إلى عدد آخر‪،‬‬

‫وفيض الوجود مطلق ل يقيد من ناحية ذات المفيض تعالى بشئ بل مجارى‬

‫الفيض هي التى تحدده حتى تتقدر باقدار خاصة تسعها ظروف المعاليل‬

‫المتأخرة " وما ننزله إل بقدر معلوم " فتقدره انما هو عند نزوله واما‬

‫عنده تعالى فالخزائن التى ل تتناهى وقد جرت سنته تعالى باجراء المور‬

‫من اسبابها ولن تجد لسنة ال تبديل ‪< -‬‬


‫]‪[190‬‬

‫به الشريعة ممكن غير مستحيل ول استبعاد أيضا فيها ول يلزم أن يكون‬

‫حدوث لياقته واستعداده لتعلقها مما يحصل له شيئا فشيئا ككونه أول نطفة‬

‫ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم طفل إلى تمام الخلقة حسب ما يقتضيه‬

‫التوالد والتناسل‪ ،‬فإن ذلك نحو خاص من الحدوث‪ ،‬والحدوث ل ينحصر‬

‫للنسان في هذا النحو‪ ،‬لجواز أن يتكون دفعة تاما كامل لجل خصوصية‬

‫بعض الزمنة والوقات‪ ،‬والوضاع الفلكية ترجح إرادة ال‬

‫> ‪ -‬ولن تجد لسنة ال تحويل‪ .‬نعم‪ ،‬من السباب ما يكون واضحا وكيفية‬

‫تأثيره وشرائطه معروفة ومنها ما يكون خفيا ل يطلع عليها إل الخواص‬

‫بعد جهد بالغ وتجارب كثيرة‪ ،‬ومنها ما يكون غير عادى ل يستطاع‬

‫الحصول عليه إل لمن شاء ال تعالى فربما يدعى من ليعرف هذين‬

‫النوعين من السباب انحصار سبب شئ في ما هو الواضح المتعارف‪ ،‬كما‬

‫كان الناس يزعمون استحالة كثير من المور التى حصلت اليوم ببركة العلم‬

‫الحديث‪ ،‬وكما كان كثير من القوام يزعمون استحالة حدوث بعض اليات‬

‫قبل مشاهدتها ويسندونها إلى سحر العين بعد رؤيتها‪ .‬لكن العقل السليم ل‬

‫يأبى وجود اسباب خفية على الناس وغير طائعة لهم كما ل ينكر تأثير‬

‫نفوس قدسية بأمر ال تعالى ول يعد المعجزات وخوارق العادات تجويزا‬


‫للمحال ول ناقضا لقانون العلية‪ ،‬لكن يأبى استناد الحوادث أياما كانت بل‬

‫واسطة إلى ال تعالى لستلزام ذلك اختلل سلسلة العلل و المعاليل وتقدر‬

‫الفيض من غير مقدر والترجح بل مرجح وأما مرجحية ارادة ال تعالى و‬

‫مقدريتها للفيض فالرادة ان فرضت حادثة في ذاته سبحانه استلزمت‬

‫صيرورة الدات محل للحوادث ومعرضا للكيفيات ‪ -‬جل وتعالى عن ذلك‬

‫علوا كبيرا ‪ -‬وان فرضت حادثة في خارج ذاته كانت مخلوقه له محتاجه‬

‫إلى ارادة اخرى متسلسلة وتغيير العبارة والتعبير بالمشيئة ل يحل المشكلة‬

‫وان فرضت قديمة لزم انفكاك المعلول عن العلة وأما الرادة المنتزعة عن‬

‫مقام الفعل فمنشأ انتزاعها نفس الفعل فل تكون مرجحة له وهذا ليس‬

‫بمعنى اشتراط قدرته تعالى على الفعل بحصول السباب واجتماع الشرائط‬

‫واستعداد المواد‪ ،‬فان قدرته تعالى ليست محدودة بشئ ول متوقفة على‬

‫شئ‪ ،‬بل بمعنى نقص المقدور ومحدوديته ذاتا وتأخره عن علله رتبة‬

‫وارتباطه بها ثبوتا‪ ،‬وبعبارة اخرى المعلول الخاص هو الذى يكون محدودا‬

‫بحدود وقيود خاصة وإل لم يكن ذاك المعلول ل أن ال تعالى ل يكون قادرا‬

‫على ايجاد هذا المعلول إل بهذه الخصوصيات كما انه ل ينافي تكون‬

‫الشياء بنفس امر ال تعالى‪ ،‬فان أمره يوجب وجودها في ظروفها و ‪< -‬‬

‫]‪[191‬‬
‫تعالى )‪ (1‬في إيجاد الناس وتكوين أجسادهم دفعة واحدة‪ ،‬ونفخ أرواحهم‬

‫في أجسادهم المتكونة نفخة واحدة‪ ،‬بتوسط بعض ملئكته‪ .‬فرد ال تعالى‬

‫بواسطة واهب الصور تلك الصور إلى موادها لحصول المزاج الخاص مرة‬

‫اخرى كما تتكون الوف كثيرة من أصناف الحيوانات كالذباب وغيرها في‬

‫الصيف من العفونات تكونا دفعيا‪ ،‬ول يلزم أن يكون نحو التعلق واحدا في‬

‫المبدء والعادة‪ ،‬بل يجوز أن يكون التعلق الخري إلى البدن على وجه ل‬

‫يكون مانعا من حصول الفعال الغريبة والثار العجيبة‪ ،‬ومشاهدة امور‬

‫غيبية لم يكن من شأن النفس مشاهدتها إياها في النشأة الدنيوية‪ ،‬وكذا‬

‫اقتدارها على إيجاد صور عجيبة غريبة حسنة أو قبيحة مناسبة لوصافها‬

‫وأخلقها ‪ -‬انتهى ‪ -‬وأنت تعلم إذا تأملت في مجاري كلمه أنه مع إعمال‬

‫التقية فيه لوح إلى مرامه‪ .‬ونقل بعض قدماء الطباء عن جالينوس في‬

‫بيان تشريح العضاء وفوائدها أنه قال‪ :‬وشعر الحاجبين أيضا مما لم‬

‫يقصر فيه ولم يتوان عنه‪ ،‬وهو والشفار دون سائر الشعر جعل له مقدار‬

‫يقف عنده فل يطول أكثر منه‪ ،‬وأما شعر الرأس واللحية فإنه يطول كثيرا‪،‬‬

‫والسبب في ذلك أن شعر الرأس واللحية له منفعتان‪ :‬إحديهما تغطية ما‬

‫تحته من العضاء وسترها‪ ،‬والخرى إفناء الفضول الغليظة‪ .‬ومنفعته من‬

‫جهة التغطية والستر تختلف على وجوه شتى‪ ،‬وذلك لن حاجتنا إلى‬

‫التغطية والستر تختلف بقدر اختلف‬


‫> ‪ -‬على حدودها‪ ،‬وتعين الحدود والقيود من شؤون الموجود بأمر ال‬

‫تعالى لمن قيود أمره و ايجاده فافهم‪ .‬إذا عرفت هذه المور علمت ان‬

‫قواعد الفلسفة ل تنفي خوارق العادات وتكون الشياء من غير طريق‬

‫اسبابها المتعارفة‪ ،‬كما ل توجب محدودية قدرته تعالى وتوقفها على‬

‫حصول استعدادات للمواد‪ ،‬وان انكر ذلك منكر فل يعاب به على القواعد‬

‫العقلية كما ل يعاب بغلط المحاسب على قواعد الحساب‪ ،‬فنفس القواعد امر‬

‫واجراؤها في مواردها امر آخر‪ .‬وال يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم‪) .‬‬

‫‪ (1‬ل يخفى ما في هذه العبارة‪ ،‬فارادة ال تعالى قاهرة للشياء ل مقهورة‬

‫لها ومترجحة بها‪ ،‬إل أن يكون مراده ما أشرنا إليه سابقا‪.‬‬

‫]‪[192‬‬

‫السنان وأزمان السنة والبلدان وإخراج البدن‪ ،‬لن حاجة الرجل التام إلى‬

‫طول الشعر ليست كحاجة الصبي الصغير إلى ذلك‪ ،‬ول كحاجة الشيخ الفاني‬

‫ول كحاجة المرأة‪ ،‬وكذلك أيضا ليست الحاجة إلى طول الشعر في الصيف‬

‫والشتاء سواء‪ ،‬ول في البلد الحارة والباردة‪ ،‬ول حاجة من كانت عينه‬

‫معتلة من الرمد أو كان رأسه يصدع إلى ذلك كحاجة من هو صحيح البدن‬

‫لعلة به‪ ،‬فاحتيج لذلك أن نكون نحن نجعل طول الشعر في الوقات‬
‫المختلفة بأقدار مختلفة‪ .‬بحسب ما يوافق كل وقت منها‪ .‬وأما الحاجبان‬

‫والشفار فإنه إن زيد فيه أو نقص منه فسدت منفعته‪ ،‬وذاك أن الشفار‬

‫تحوط العين بمنزلة الجدار ليحجب عنها ويمنع من أن يسقط فيها شئ من‬

‫الجرام الصغار إذا كانت مفتوحة‪ .‬وشعر الحاجبين جعل يلقي ما ينحدر من‬

‫الرأس قبل وصوله إلى العين بمنزلة الصور المانع‪ ،‬فمتى قصرت من طوله‬

‫أو قللت من عدده أكثر مما ينبغي كان ما يدخل على منفعته من الفساد‬

‫بحسب ما ينقص من المقدار الذي يحتاج إليه‪ .‬و ذاك أن الشفار حينئذ‬

‫تطلق ما قد كانت تمنعه قبل النقصان من الوصول إلى العين‪ ،‬و شعر‬

‫الحاجبين يرسل ما قد كان يحبسه ويمنعه من الوصول إلى العين من‬

‫الشياء التي تسيل من الرأس‪ .‬فإن أنت طولت هذا الشعر وكثرته فوق‬

‫المقدار الذي ينبغي لم يقم حينئذ للعين مقام الحاجب ول مقام السور المانع‪،‬‬

‫لكنه يغطي العين ويعلو عليها حتى يصير منه في مثل حبس ضيق‪ .‬وذاك‬

‫أنه يستر الحدقة ويحجبها حتى تظلم‪ ،‬والحدقة أحوج الحواس كلها إلى أن‬

‫ل تحجب ول يحال بينها وبين ما يدركه البصر‪ .‬وإذا كان المر على ما‬

‫وصفت فما الذي ينبغي أن نقول فيه ؟ أنقول‪ :‬إن الخالق أمر هذا الشعر أن‬

‫يبقى على مقدار واحد ول يطول أكثر منه‪ ،‬وأن الشعر قبل ذلك المر فأطاع‬

‫فيبقى ل يخالف ما امر به إما للفزع والخوف من المخالفة لمر ال‪ ،‬وإما‬

‫للمجاملة والستحياء من ال الذي أمره بهذا المر‪ ،‬وإما لن الشعر نفسه‬


‫يعلم أن هذا أولى به وأحمد من فعله‪ .‬أما موسى فهذا رأيه في الشياء‬

‫الطبيعية‪ ،‬وهذا الرأي عندي أحمد وأولى أن يتمسك به من رأى أفيقورس‪،‬‬

‫إل أن الجود الضراب عنهما جميعا والحتفاظ بأن ال هو مبدئ خلق‬

‫]‪[193‬‬

‫كل شئ كما قال موسى‪ ،‬وزيادة المبدأ الذي من المادة‪ .‬فإن خالقنا إنما جعل‬

‫الشفار وشعر الحاجبين يحتاج أن يبقى على مقدار واحد من الطول‪ ،‬لن‬

‫هكذا كان أوفق وأصلح‪ ،‬فلما علم أن هذا الشعر كان ينبغي أن يجعل على‬

‫هذا جعل تحت الشفار جزما صلبا يشبه الغضروف يمتد في طول الجفن‪،‬‬

‫وفرش تحت الحاجبين جلدة صلبة ملزقة بغضروف الحاجبين‪ ،‬وذلك )‪(1‬‬

‫أنه لم يكن يكتفي في بقاء الشعر على مقدار واحد من الطول بأن يشاء‬

‫الخالق أن يكون هكذا‪ ،‬كما أنه لو شاء أن يجعل الحجر دفعة إنسانا لم يكن‬

‫ذلك بممكن‪ .‬والفرق في ما بين إيمان موسى وإيماننا وأفلطون وسائر‬

‫اليونانيين هو هذا‪ :‬موسى يزعم أنه يكتفي بأن يشاء ال أن يزين المادة و‬

‫يهيئها لغير‪ ،‬فيتزين ويتهيأ على المكان‪ ،‬وذاك أنه يظن أن الشياء كلها‬

‫ممكنة عند ال فإنه لو شاء ال أن يخلق من الرماد فرسا أو ثورا دفعة‬

‫لفعل‪ .‬وأما نحن فل نعرف هذا‪ ،‬ولكنا نقول‪ :‬إن من الشياء أشياء في‬

‫أنفسها غير ممكنة‪ ،‬وهذه الشياء ل يشاء ال أصل أن تكون‪ ،‬وإنما يشاء‬
‫أن تكون الشياء الممكنة‪ ،‬وأيضا ل يختار إل أجودها وأوفقها وأفضلها‪.‬‬

‫ولذا لما كان الصلح والوفق للشفار وشعر الحاجبين أن يبقى على مقداره‬

‫من الطول على عدده الذي هو عليه دائما أبدا لسنا نقول في هذا الشعر إن‬

‫ال إنما شاء أن يكون على ما هو عليه فصار من ساعته على ما شاء ال‪،‬‬

‫و ذاك أنه لو شاء ألف ألف مرة أن يكون هذا الشعر على هذا لم يكن ذلك‬

‫أبدا بعد أن يجعل منشأه من جلدة رخوة إل أنه لو لم يغرس اصول الشعر‬

‫في جرم صلب لكان مع ما يتغير كثير مما هو عليه ل يبقى أيضا قائما‬

‫منتصبا‪ .‬وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول‪ :‬إن ال سبب لمرين‪ :‬أحدهما اختيار‬

‫أجود الحالت وأصلحها وأوفقها لما يفعل‪ .‬والثاني اختيار المادة الموافقة‪.‬‬

‫ومن ذلك أنه لما كان الصلح والجود أن يكون شعر الشفار قائما منتصبا‬

‫وأن يدوم بقاؤه على حالة واحدة في مقدار طوله وفي عدده‪ ،‬جعل مغرس‬

‫الشجر ومركزه في جرم صلب‪ ،‬ولو أنه غرسه في جرم رخو لكان أجهل‬

‫من موسى‪ ،‬وأجهل من قائد جيش سخيف يصنع أساس سور مدينة أو‬

‫حصنه‬

‫)‪ (1‬ذاك )خ(‪.‬‬

‫]‪[194‬‬
‫على أرض رخوة غارقة بالماء‪ .‬وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على‬

‫حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة‪ ،‬وكما أن العشب وسائر النبات‬

‫ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا‬

‫حسنا‪ ،‬وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه ل ينمو ول يطول‪ ،‬كذلك‬

‫أحد المرين ‪ -‬انتهى كلمه ضاعف ال عذابه وانتقامه ‪ .-‬وأقول‪ :‬قد لح‬

‫من الكلم الردئ المشتمل على الكفر الجلي امور‪ :‬الول ما أسلفنا من أن‬

‫النبياء المخبرين عن وحي السماء لم يقولوا بتوقف تأثير الصانع ‪ -‬تعالى‬

‫شأنه ‪ -‬على استعداد المواد‪ ،‬ول استحالة تعلق إرادته بإيجاد شئ من شئ‬

‫بدون مرور زمان أو إعداد‪ ،‬وله أن يخلق كل شئ كان من أي شئ أراد‪.‬‬

‫الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة النبياء ولم يؤمنوا بهم‪ ،‬وأنهم‬

‫يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم‪ ،‬يخطئون ويصيبون‪ ،‬ولم‬

‫يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم‪ .‬الثالث أنهم‬

‫كانوا منكرين لكثر معجزات النبياء عليهم السلم فإن أكثرها مما عدوها‬

‫من المستحيلت‪ .‬الرابع‪ :‬أنهم كانوا في جميع العصار معارضين لرباب‬

‫الشرائع والديانات كما هم في تلك الزمنة كذلك )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬من الناس من يفرط في حسن الظن بفلسفة اليونان لسيما القدمين‬

‫منهم‪ ،‬ويظن أن علومهم مأخوذة من النبياء ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬بل يظن أن‬
‫فيهم من كان نبيا‪ ،‬ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم‬

‫والمترجمة من كتبهم وتأويلها بما يوافق الحق في زعمه و منهم من يفرط‬

‫في حقهم بل في حق من سمى فيلسوفا من علماء السلم‪ ،‬ويتهم فلسفة‬

‫السلم أيضا بأنهم أدخلوا انفسهم في المسلمين ليضيعوا عليهم دينهم‬

‫ويفسدوا عليهم عقائدهم ! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل‬

‫منهما لثبات مدعاه بما ل يليق التمسك به للمحققين‪ .‬ولعمري كلهما‬

‫خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط‪ ،‬والذى نرى لزوم التنبيه عليه‬

‫امور‪ - 1 .‬ان وقوع الختلف الكثير بين الفلسفة منذ العهد القدم دليل‬

‫على أن كل رأى ‪< -‬‬

‫]‪[195‬‬

‫قال الشيخ المفيد ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في كتاب المقالت‪ :‬أقول‪ :‬إن الطباع معان‬

‫تحل الجسم يتهيأ بها للنفعال كالبصر وما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ‬

‫لحلول الحس فيه والدراك‪ .‬ثم قال‪ :‬وإن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه‬

‫بالفعل في المطبوع وأنه لفعل على الحقيقة لشئ من الطباع‪ ،‬وهذا مذهب‬

‫أبي القاسم الكعبي‪ ،‬وهو خلف مذهب المعتزلة في الطباع وخلف الفلسفة‬

‫الملحدين أيضا في ما ذهبوا إليه من أفعال الطباع‪ .‬ثم قال‪ :‬قد ذهب كثير من‬

‫الموحدين إلى أن الجسام كلها مركبة من الطبائع الربع‪ ،‬وهي‪ :‬الحرارة‪،‬‬


‫والبرودة‪ ،‬والرطوبة‪ ،‬واليبوسة‪ .‬واحتجوا في ذلك بانحلل كل جسم إليها‬

‫وبما يشاهدونه من استحالتها كاستحالة الماء بخارا‪ ،‬والبخار ماءا‪،‬‬

‫والموات حيوانا‪ ،‬والحيوان مواتا‪ ،‬ووجود النارية والمائية الهوائية و‬

‫الترابية في كل جسم وأنه ل ينفك جسم من الجسام من ذلك ول يعقل على‬

‫خلفه ول ينحل إل إليه‪ ،‬وهذا ظاهر مكشوف لست أجد لدفعه حجة أعتمد‬

‫عليها‪ ،‬ول أراه مفسدا لشئ من التوحيد أو العدل أو الوعيد أو النبوات أو‬

‫الشرائع فأطرحه لذلك بل‬

‫> ‪ -‬من كل فيلسوف ليس بحيث يعد وحيا منزل ونصا محكما يستحق بذل‬

‫الجهود في تفسيره وتأويله والتوفيق بينه وبين آراء سائر الحكماء‬

‫وتطبيقه على المعارف الدينية الحقيقية‪ - 2 .‬ان كثيرا من مدارك التأييد‬

‫والطعن ينتهى إلى ما ترجم عن كتب ليعرف مؤلفها ومصنفها‪ ،‬ول يوثق‬

‫بناقلها ومترجمها‪ ،‬مثل ما ينسبه طبيب إلى جالينوس‪ ،‬أو شكاك إلى سقراط‬

‫! فربما ينسب كتاب إلى فيلسوف ويترجم بما انه حاك عن آراء مكتب‬

‫خاص من المكاتب الفلسفية ثم بعد حين يشكك في النسبة وفى الترجمة‬

‫وينسب إلى فيلسوف آخر من مكتب مخالف للمكتب الول‪ ،‬ويلتمس له‬

‫شواهد وقرائن ربما ل تترجح على شواهد النسبة الولى‪ .‬وما ندرى لعله‬

‫لعبت بكثير من هذه التراجم أيدى خائنة‪ ،‬أو حرفتها اقلم قاصرة أو‬
‫مقصرة‪ ،‬أضف إلى ذلك عويصة الصطلحات العلمية ونقلها إلى لسان‬

‫آخر‪ .‬فكيف نعتمد على مثلها في تعظيم رجال أو تحطيمهم ؟ لسيما إذا انجر‬

‫المر إلى تقديسهم والحكم بلزوم اتباعهم والقتداء بهم بما أنهم أئمة‬

‫المعرفة وأصحاب الكشف واليقين‪ ،‬أو الى تكفيرهم والحكم عليهم بالخلود‬

‫في النار ومضاعفة العذاب ! ‪ - 3‬انه لو سلم إلحاد متفلسف وانكاره‬

‫للشرائع والنبوات فليس ذلك بحيث يسرى الحاده إلى كل من سمي فيلسوفا‬

‫حتى وان كان مصرحا بتصديق النبياء ثم يجب علينا ان ل نقصر في ‪< -‬‬

‫]‪[196‬‬

‫هو مؤيد للدين مؤكد لدلة ال تعالى على ربوبيته وحكمته وتوحيده‪ ،‬وممن‬

‫دان به من رؤساء المتكلمين النظام‪ ،‬وذهب إليه البلخي ومن اتبعه في‬

‫المقال‪ .‬وقال الشيخ الرضي أمين الدين الطبرسي ‪ -‬نور ال مرقده ‪ -‬في‬

‫مجمع البيان في تفسير سورة الفيل بعد إيراد القصة المشهورة‪ :‬وفيه حجة‬

‫لئحة قاصمة لظهور الفلسفة والملحدين والمنكرين لليات الخارقة‬

‫للعادات‪ ،‬فإنه ل يمكن نسبة شئ مما ذكره ال من أمر أصحاب الفيل إلى‬

‫طبع وغيره‪ ،‬كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرها مما أهلك‬

‫ال تعالى به المم الخالية إلى ذلك‪ ،‬إذ ل يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة‬

‫إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهيأة لهلك أقوام معينين‬
‫قاصدات إياهم دون من سواهم‪ ،‬فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم‪ ،‬ل‬

‫يتعدى ذلك إلى غيرهم‪ .‬ول يشك من له مسكة من عقل ولب أن هذا ل يكون‬

‫إل من فعل ال‬

‫> ‪ -‬قدحه والطعن عليه دون أن نحمل كلمه على التقية من المسلمين‬

‫والخوف من التكفير والتشهير والحاصل أن الحكم ليس دائرا مدار السم‪،‬‬

‫فليس طعن فقيه على الفلسفة الملحدين دليل على بطلن رأى كل فيلسوف‬

‫في كل عصر وفى كل مسألة‪ ،‬كما ان تجليل حكيم للفلسفة اللهيين ل‬

‫يصير دليل على حقية جميع آراء الفلسفة في جميع الزمنة والمكنة !‬

‫والحق أحق أن يتبع أينما وجد‪ - 4 .‬ان الذى ثبت من مدح الفلسفة‬

‫اللهيين أنهم رفعوا لواء التوحيد في عهد وفى أرض كان يسيطر فكرة‬

‫الشرك والوثنية على القلوب‪ ،‬ووجهوا أنظار الجمهور إلى ما وراء الطبيعة‬

‫بينما كان ائمة الكفر يدعون الناس إلى الطبيعة والدهر‪ ،‬وقادوا بالهمم إلى‬

‫العالم البدي وحياة الخرة حينما كانت تقصر على العالم المادى وتخلد إلى‬

‫الرض والحياة الدنيا‪ .‬وإذا كانت علوم الطب والهندسة وامثالها ترتضع من‬

‫ثدى النبوة فل غروان تكون منشأ تلك المعارف العالية تعاليم رجال الوحى‬

‫وان وقع فيها بعد حين تحريف أو سوء تعبير وتفسير‪ .‬وأما أنهم هل كانوا‬

‫يدينون دين الحق‪ ،‬أو كانوا يرفضون دعوة النبياء ويجحدون الحق بعد ما‬
‫تمت عليهم الحجة وقامت عليهم البينة‪ ،‬أو كانوا مختلفين في ذلك‪ ،‬فذلك‬

‫مما لم يتحقق لنا بعد ولعل من يصر على أنهم ملحدون جاحدون للحق‬

‫ويدعو عليهم بمضاعفة العذاب له حجة على مدعاه‪ ،‬وال عليم بذات‬

‫الصدور‪ .‬نستعيذ بال تعالى من لحن القول ولهو الحديث ونسأله التوفيق‬

‫لملزمة الحق وسواء الطريق‪.‬‬

‫]‪[197‬‬

‫تعالى مسبب السباب‪ ،‬ومذلل الصعاب‪ ،‬وليس لحد أن ينكر هذا‪ ،‬لن نبينا‬

‫صلى ال عليه وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل‬

‫أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه‪،‬‬

‫وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل‪ ،‬فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل‬

‫لنكروه وجحدوه‪ .‬وكيف وإنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة‬

‫وموت قصي بن كعب وغير ذلك‪ .‬وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه‬

‫ونقلته الرواة عنهم‪ .‬وأقول‪ :‬هذه الجناية على الدين‪ ،‬وتشهير كتب الفلسفة‬

‫بين المسلمين‪ ،‬من بدع خلفاء الجور المعاندين لئمة الدين‪ ،‬ليصرفوا‬

‫الناس عنهم وعن الشرع المبين‪ .‬و يدل على ذلك ما ذكره الصفدي في‬

‫شرح لمية العجم‪ :‬إن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى ‪ -‬أظنه‬

‫صاحب جزيرة قبرس ‪ -‬طلب منهم خزانة كتب اليونان ‪ -‬وكانت عندهم‬
‫مجموعة في بيت ل يظهر عليه أحد ‪ -‬فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي‬

‫واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إل مطران واحد فإنه‬

‫قال‪ :‬جهزها إليهم‪ ،‬ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إل أفسدتها‬

‫وأوقعت الختلف بين علمائها‪ .‬وقال في موضع آخر‪ :‬إن المأمون لم يبتكر‬

‫النقل والتعريب ‪ -‬أي لكتب الفلسفة ‪ -‬بل نقل قبله كثير‪ ،‬فإن يحيى بن خالد‬

‫بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل " كليلة ودمنة " وعرب لجله‬

‫كتاب " المجسطي " من كتب اليونان‪ .‬والمشهور أن أول من عرب كتب‬

‫اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما اولع بكتب الكيمياء‪ .‬ويدل على أن‬

‫الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة‪ ،‬وأن يحيى البرمكي كان محبا‬

‫لهم ناصرا لمذهبهم ما رواه الكشي بإسناده عن يونس بن عبد الرحمان‪،‬‬

‫قال‪ :‬كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على‬

‫الفلسفة‪ ،‬فأحب أن يغري به هارون ويضربه على القتل ‪ -‬ثم ذكر قصة‬

‫طويلة في ذلك أوردناها في باب أحوال أصحاب الكاظم عليه السلم وفيها‪:‬‬

‫‪ -‬انه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا الكلم إلى‬

‫المامة وأظهر الحق فيها‪ ،‬وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف‬

‫‪ -‬رحمه ال ‪ .-‬وعد أصحاب الرجال من كتبه " كتاب الرد على أصحاب‬

‫الطبائع " و‬
‫]‪[198‬‬

‫" كتاب الرد على أرسطاطا ليس " في التوحيد‪ .‬وعد الشيخ منتجب الدين‬

‫في فهرسه من كتب قطب الدين الراوندي " كتاب تهافت الفلسفة " وعد‬

‫النجاشي من كتب الفضل بن شاذان " كتاب رد على الفلسفة " وهو من‬

‫أجلة الصحاب‪ .‬وطعن عليهم الصدوق ‪ -‬ره ‪ -‬في مفتتح كتاب " إكمال‬

‫الدين "‪ .‬وقال الرازي عند تفسير قوله تعالى " كلما جاءتهم رسلهم‬

‫بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم "‪ :‬فيه وجوه ‪ -‬ثم ذكر من جملة‬

‫الوجوه ‪ -‬أن يريد علم الفلسفة والدهريين من بني يونان‪ ،‬وكانوا إذا‬

‫سمعوا بوحي ال صغروا علم النبياء إلى علمهم‪ .‬وعن سقراط أنه سمع‬

‫بموسى عليه السلم وقيل له‪ :‬أو هاجرت إليه ؟ فقال‪ :‬نحن قوم مهذبون فل‬

‫حاجة إلى من يهذبنا‪ .‬وقال الرازي في " المطالب العالية "‪ :‬أظن أن قول‬

‫إبراهيم لبيه " يا أبت لم تعبد مال يسمع ول يبصر ول يغني عنك شيئا "‬

‫إنما كان لجل أن أباه كان على دين الفلسفة‪ ،‬وكان ينكر كونه تعالى قادرا‬

‫وينكر كونه تعالى عالما بالجزئيات فل جرم خاطبه بذلك الخطاب‪) 35 .‬باب‬

‫نادر( ‪ - 1‬الخصال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن محمد بن‬

‫أحمد‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪،‬‬

‫عن أبيه عليهما السلم أن النبي صلى ال عليه واله قال‪ :‬ما خلق ال‬

‫عزوجل خلقا إل وقد أمر عليه آخر يغلبه به‪ ،‬وذلك أن ال تبارك وتعالى لما‬
‫خلق السحاب )‪ (1‬فخرت وزخرت وقالت‪ :‬أي شئ يغلبني ؟ فخلق ال‬

‫عزوجل الفلك فأدارها بها وذللها‪ .‬ثم إن الرض فخرت وقالت‪ :‬أي شئ‬

‫يغلبني ؟ فخلق الجبال فأثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها‬

‫فذلت واستقرت ثم إن الجبال فخرت على الرض فشمخت واستطالت‬

‫وقالت‪ :‬أي شئ يغلبني فخلق ال الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت‪ .‬ثم إن‬

‫الحديد فخر على الجبال وقا‬

‫)‪ (1‬في المصدر " البحار " وهو الصواب ظاهرا‪.‬‬

‫]‪[199‬‬

‫أي شئ يغلبني فخلق ال النار فأذابت الحديد فذل الحديد‪ .‬ثم إن النار زفرت‬

‫و شهقت وفخرت وقالت‪ :‬أي شئ يغلبني ؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت‪ .‬ثم إن‬

‫الماء فخر وزخر وقال‪ :‬أي شئ يغلبني ؟ فخلق الريح فحركت أمواجه‬

‫وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل الماء‪ .‬ثم إن الريح فخرت‬

‫وعصفت وأرخت أذيالها وقالت‪ :‬أي شئ يغلبني ؟ فخلق النسان فاحتال‬

‫واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح‪ .‬ثم إن النسان طغى‬

‫وقال‪ :‬من أشد مني قوة ؟ فخلق الموت فقهره فذل النسان‪ .‬ثم إن الموت‬

‫فخر في نفسه فقال ال ‪ -‬جل جلله ‪ :-‬ل تفخر‪ ،‬فإني أذبحك )‪ (1‬بين‬
‫الفريقين‪ :‬أهل الجنة والنار‪ ،‬ثم ل احييك أبدا‪ ،‬فذل وخاف )‪ .(2‬بيان‪" :‬‬

‫فخلق ال الفلك فأدارها بها " لعل المعنى أن الفلك بأجرامها النيرة‬

‫مسلطة على السحاب تبعثها وتثيرها وتدنيها )‪ (3‬وتفرقها‪ .‬وقد مر برواية‬

‫الكليني هكذا‪ " :‬وذلك أن ال تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت‬

‫وزخرت وقالت‪ :‬أي شئ يغلبني ؟ فخلق الرض فسطحها على ظهرها‬

‫فذلت‪ ،‬ثم إن الرض فخرت ‪ -‬إلى آخر الخبر ‪ " -‬وهو الظاهر‪ ،‬بل ل يستقيم‬

‫ما في الخصال كما ل يخفى‪ ،‬وقد سبق شرح الخبر في الباب الول‪- 2 .‬‬

‫الخصال‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي نجران عن‬

‫عاصم بن حميد‪ ،‬عن محمد بن قيس‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‪ :‬في ما‬

‫سأل رسول معاوية لسئلة ملك الروم الحسن بن علي عليهما السلم قال‪:‬‬

‫وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شئ خلقه ال عزوجل‬

‫الحجر‪ ،‬وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر‪ ،‬و أشد من الحديد النار‬

‫تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار‪ ،‬وأشد من الماء السحاب‬

‫يحمل الماء‪ ،‬وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب‪ ،‬وأشد من الريح الملك‬

‫الذي يرسلها‪ ،‬وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك‪ ،‬وأشد من ملك‬

‫الموت الموت الذي يميت ملك الموت‪ ،‬وأشد من الموت أمر ]ال[ رب‬

‫العالمين‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ذابحك‪ (2) .‬الخصال‪ (3) .58 :‬تذيبها )خ(‪.‬‬

‫]‪[200‬‬

‫الذي يميت الموت )‪ - 3 .(1‬كتاب الغارات‪ :‬لبراهيم بن محمد الثقفي‪ ،‬عن‬

‫الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن الكواء لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أي ]شئ[ خلق‬

‫ال أشد ؟ قال‪ :‬إن أشد خلق ال عشرة‪ :‬الجبال الرواسي‪ ،‬والحديد تنحت به‬

‫الجبال‪ ،‬والنار تأكل الحديد‪ ،‬والماء يطفئ النار‪ ،‬والسحاب المسخر بين‬

‫السماء والرض تحمل الماء‪ ،‬والريح تقل السحاب والنسان يغلب الريح‬

‫يتقيها بيديه ويذهب لحاجته‪ ،‬والسكر يغلب النسان‪ ،‬و النوم يغلب السكر‪،‬‬

‫والهم يغلب النوم‪ ،‬فأشد خلق ربك الهم‪ - 4 .‬العلل‪ :‬عن أحمد بن محمد‬

‫العلوي‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم بن أسباط‪ ،‬عن أحمد ابن محمد بن زياد‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه‬

‫عن عمر بن علي‪ ،‬عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلم أنه سئل‪ :‬مما‬

‫خلق ال عزوجل الذر الذي يدخل في كوة البيت ؟ فقال‪ :‬إن موسى عليه‬

‫السلم لما قال‪ :‬رب أرني أنظر إليك‪ ،‬قال ال عزوجل‪ :‬إن استقر الجبل‬

‫لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إلي‪ ،‬وإن لم يستقر فل تطيق إبصاري‬

‫لضعفك‪ ،‬فلما تجلى ال تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلث قطع‪ :‬فقطعة ارتفعت‬

‫في السماء‪ ،‬وقطعة غاضت تحت الرض و قطعة تفتت‪ ،‬فهذا الذر من ذلك‬
‫الغبار غبار الجبل )‪ .(2‬بيان‪ :‬هذا الخبر على تقدير صحته وصدوره عن‬

‫المام‪ ،‬لعل المعنى أن له أيضا مدخلية في تلك الذرات في بعض البلد أو‬

‫كلها بأن تكون تفرقت بقدرة ال تعالى في جميع البلد‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ (2) .58 :‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.183‬‬

‫]‪[201‬‬

‫)‪) (36‬باب( * )الممدوح من البلدان والمذموم منها وغرائبها( * اليات‪:‬‬

‫يونس‪ :‬ولقد بو أنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات )‪.(1‬‬

‫النبياء‪ :‬ونجيناه ولوطا إلى الرض التي باركنا فيها للعالمين )‪ .(2‬وقال‬

‫تعالى‪ :‬ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها )‬

‫‪ .(3‬المؤمنون‪ :‬وآوينا هما إلى ربوة ذات قرار ومعين )‪ .(4‬القصص‪ :‬آنس‬

‫من جانب الطور نارا ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬فلما أتيها نودي من شاطئ الواد‬

‫اليمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا ال رب العالمين‬

‫)‪ .(5‬سبأ‪ :‬بلدة طيبة ورب غفور ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬وجعلنا بينهم وبين‬

‫القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة )‪ .(6‬النازعات‪ :‬إذ ناديه ربه بالوادي‬

‫المقدس طوى )‪ .(7‬البلد‪ :‬لاقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد )‪ .(8‬التين‪:‬‬
‫والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين )‪ .(9‬تفسير‪ " :‬مبوء‬

‫صدق " أي مكانا محمودا حسنا‪ ،‬وهو بيت المقدس والشام‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .93 :‬النبياء‪ (3) .71 :‬النبياء‪ (4) .81 :‬المؤمنون‪.50 :‬‬

‫)‪ (5‬القصص‪ (6) .30 - 29 :‬سبأ‪ (7) .18 - 15 :‬النازعات‪(8) .16 :‬‬

‫البلد‪ (9) .2 - 1 :‬التين ‪.3 - 1‬‬

‫]‪[202‬‬

‫قيل‪ :‬يريد به مصر‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬ردهم إلى مصر وغرق فرعون‬

‫)‪ " .(1‬و رزقناهم من الطيبات " أي النعم اللذيذة " إلى الرض التي‬

‫باركنا فيها للعالمين " قيل‪ :‬هي أرض الشام‪ ،‬أي نجينا إبراهيم ولوطا من‬

‫" كوثا " إلى الشام‪ ،‬وإنما قال " باركنا فيها " لنها بلد خصب‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫إلى أرض بيت المقدس لن بها مقام النبياء‪ .‬و الحاصل أن أكثر أنبياء بني‬

‫إسرائيل بعثوا في الشام وبيت المقدس‪ ،‬فانتشرت في العالمين شرائعهم‬

‫التي هي مبادئ الخيرات الدينية والدنيوية‪ .‬وقيل‪ :‬نجاهما إلى مكة كما قال‬

‫" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين )‪ " (2‬روي‬

‫ذلك عن ابن عباس‪ " .‬إلى الرض التي باركنا فيها " وهي أرض الشام‬

‫لنها كانت مأواه كما ذكره المفسرون‪ " .‬وآويناهما " أي عيسى وامه "‬
‫إلى ربوة " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬أي جعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا‬

‫واسعا‪ .‬والربوة هي الرملة من فلسطين‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬وقيل‪ :‬دمشق‪،‬‬

‫عن سعيد بن المسيب‪ ،‬وقيل‪ :‬مصر‪ ،‬عن ابن زيد‪ .‬و قيل‪ :‬بيت المقدس‪ ،‬عن‬

‫قتادة وكعب‪ ،‬قال كعب‪ :‬وهي أقرب الرض إلى السماء‪ .‬و قيل‪ :‬هي حيرة‬

‫الكوفة وسوادها‪ ،‬والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات‪ ،‬عن أبي جعفر‬

‫وأبي عبد ال عليهما السلم‪ .‬وقيل‪ :‬ذات قرار أي ذات موضع قرار أي هي‬

‫أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها‪ ،‬وقيل‪ :‬ذات ثمار‪ ،‬لنه لجل الثمار‬

‫يستقر فيها ساكنوها‪ ،‬ومعين ماء جار وظاهر للعيون )‪ " .(3‬في البقعة‬

‫المباركة " قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬هي البقعة التي قال فيها لموسى اخلع‬

‫نعليك إنك بالواد المقدس طوى " وإنما كانت مباركة لنها معدن الوحي و‬

‫الرسالة وكلم ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬مباركة كثيرة )‪ (4‬الثمار والشجار والخير‬

‫والنعم بها‪ ،‬والول أصح )‪ - (5‬انتهى ‪ -‬وأقول‪ :‬روى في التهذيب عن‬

‫الصادق عليه السلم أنه قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .292 :‬آل عمران‪ (3) .96 :‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص‬

‫‪ (4) .108‬في المجع‪ :‬لكثرة الشجار والثمار‪ (5) .‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،7‬ص‬

‫‪.251‬‬
‫]‪[203‬‬

‫شاطئ الوادي اليمن الذي ذكره ال في القرآن هو الفرات‪ ،‬والبقعة‬

‫المباركة هي كربلء " بلدة طيبة " قيل‪ :‬أي هذه بلدة نزهة أرضها عذبة‬

‫تخرج النبات وليست بسبخة وليس فيها شئ من الهوام المؤذية‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫أراد به صحة هوائها وعذوبة مائها وسلمة تربتها وأنه ليس فيها حر‬

‫يؤذي في القيظ وبرد يؤذي في الشتاء‪ " .‬وبين القرى التي باركنا فيها "‬

‫أي بالتوسعة على أهلها‪ ،‬أو بما مر وهي قرى الشام‪ ،‬وفي تفسير علي بن‬

‫إبراهيم‪ :‬هي مكة )‪ " .(1‬قرى ظاهرة " أي متواصلة يظهر بعضها لبعض‪.‬‬

‫وقد مر تأويل " القرى التي باركنا فيها " بالئمة عليهم السلم و " القرى‬

‫الظاهرة " برواة أخبارهم وفقهاء شيعتهم و " السير " بالعلم " آمنين "‬

‫من الشك والضلل‪ " .‬بالوادي المقدس " أي المطهر " طوى " اسم‬

‫الوادي الذي كلم ال فيه موسى عليه السلم‪ " .‬ل اقسم بهذا البلد " قال‬

‫الطبرسي ‪ -‬ره ‪ :-‬أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام " وأنت‬

‫حل بهذا البلد " وأنت يا محمد مقيم به وهو محلك‪ ،‬وهذا تنبيه على أن‬

‫شرف البلد بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى توحيده وإخلص‬

‫عبادته وبيان أن تعظيمه له وقسمه به لجله صلى ال عليه واله ولكونه‬

‫حال فيه‪ ،‬كما سميت المدينة " طيبة " لنها طابت به حيا وميتا‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫معناه ل اقسم بهذا البلد وأنت حل فيه منتهك الحرمة‪ ،‬فلم يبق للبلد حرمة‬
‫حيث هتك حرمتك‪ ،‬عن أبي مسلم‪ ،‬وهو المروي عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا فيه فقال‪ :‬ل اقسم بهذا‬

‫البلد وأنت حل بهذا البلد‪ ،‬يريد‪ :‬أنهم استحلوك فيه فكذبوك وشتموك وكانوا‬

‫ل يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه‪ .‬ويتقلدون لحاء شجر الحرم فيأمنون‬

‫بتقليدهم إياه فاستحلوا من رسول ال صلى ال عليه واله ما لم يستحلوا‬

‫من غيره فعاب ال ذلك عليهم )‪ .(2‬وقال ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في قوله سبحانه "‬

‫والتين والزيتون "‪ :‬أقسم ال سبحانه بالتين الذي يؤكل والزيتون الذي‬

‫يعصر منه الزيت‪ ،‬عن ابن عباس وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬التين الجبل‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .538 :‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪.492‬‬

‫]‪[204‬‬

‫الذي عليه دمشق‪ ،‬والزيتون الجبل الذى عليه بيت المقدس‪ ،‬عن قتادة‪.‬‬

‫وقال عكرمة‪ :‬هما جبلن‪ ،‬وإنما سميابهما لنهما نبتا )‪ (1‬بهما‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس‪ ،‬عن كعب الحبار وغيره‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫التين مسجد نوح عليه السلم الذي بنى على الجودي‪ ،‬والزيتون بيت‬

‫المقدس‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬التين مسجد الحرام و الزيتون المسجد‬

‫القصى‪ ،‬عن الضحاك‪ " .‬وطور سينين " يعني الجبل الذي كلم ال عليه‬
‫موسى عليه السلم عن الحسن‪ .‬وسينين وسيناء واحد‪ ،‬وقيل‪ :‬إن سينين‬

‫معناه المبارك الحسن كأنه قيل‪ :‬جبل الخير الكثير لنه إضافة تعريف‪ ،‬عن‬

‫مجاهد وقتادة‪ .‬وقيل‪ :‬معناه كثير النبات والشجر‪ ،‬عن مكرمة‪ .‬وقيل‪ :‬إن كل‬

‫جبل فيه شجر مثمر )‪ (2‬فهو سينين وسيناء بلغة النبط‪ ،‬عن مقاتل‪ ،‬وروي‬

‫عن موسى بن جعفر عليه السلم‪ :‬وطور سيناء " وهذا البلد المين "‬

‫يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية والسلم فالمين‬

‫بمعنى المؤمن‪ ،‬مؤمن )‪ (3‬من يدخله‪ ،‬وقيل‪ :‬هو بمعنى المن‪ ،‬ويؤيده قوله‬

‫" إنا جعلناه حرما آمنا )‪ ." (4‬الكشى‪ :‬قال‪ :‬وجدت بخط جبرئيل بن أحمد‪،‬‬

‫حدثني محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن الفضيل‪ ،‬عن عبد ال بن عبد‬

‫الرحمان‪ ،‬عن الهيثم بن واقد‪ ،‬عن ميمون بن عبد ال‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن عليا عليه السلم لما أراد الخروج من البصرة قام على‬

‫أطرافها ثم قال‪ :‬لعنك ال يا أنتن الرض ترابا‪ ،‬وأسرعها خرابا‪ ،‬و أشدها‬

‫عذابا‪ ،‬فيك الداء الدوي ! قيل‪ :‬ما هو يا أمير المؤمنين ! قال‪ :‬كلم القدر‬

‫الذي فيه الفرية على ال‪ ،‬وبغضنا أهل البيت‪ ،‬وفيه سخط ال وسخط نبيه‪،‬‬

‫وكذبهم علينا أهل البيت واستحللهم الكذب علينا‪ - 2 .‬معاني الخبار‬

‫والخصال‪ :‬عن الحسين بن )‪ (5‬إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ينبتان‪ (2) .‬فيه‪ :‬وثمر‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬يؤمن‪(4) .‬‬

‫مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪ (5) .510‬كذا في الخصال‪ ،‬ورواها في المعاني‬

‫عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن خالد عن أبى‬

‫عبد ال الرازي ‪ -‬الخ ‪.-‬‬

‫]‪[205‬‬

‫محمد بن أحمد الشعري‪ ،‬عن أبي عبد ال الرازي‪ ،‬عن الحسن بن علي بن‬

‫أبي عثمان عن موسى بن بكر‪ ،‬عن أبي الحسن الول عليه السلم قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬إن ال اختار من البلدان أربعة‪ ،‬فقال‬

‫عزوجل " والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين " فالتين‬

‫المدينة والزيتون بيت المقدس‪ ،‬وطور سينين الكوفة‪ ،‬وهذا البلد المين‬

‫مكة ‪ -‬الخبر ‪ .(1) -‬بيان‪ :‬لعله إنما كنى عن المدينة بالتين لوفوره وجودته‬

‫فيها‪ ،‬أو لكونها من أشارف البلد كما أن التين من أفاضل الثمار كما‬

‫سيأتي‪ .‬وكنى عن الكوفة بطور سينين لن ظهرها وهو النجف كان محل‬

‫مناجاة سيد الوصياء كما أن الطور كان محل مناجاة الكليم‪ ،‬أو لن الجبل‬

‫الذي سأل عليه موسى الرؤية فتقطع وقع جزء منه هناك كما ورد في‬

‫بعض الخبار‪ ،‬أو أنه لما أراد ابن نوح أن يعتصم بهذا الجبل تقطع فصار‬

‫بعضها في طور سيناء‪ ،‬أو أنه هو طور سيناء حقيقة وغلط فيه المفسرون‬
‫واللغويون كما روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن الثمالى عن أبى جعفر‬

‫عليه السلم قال‪ :‬كان في وصية أمير المؤمنين عليه السلم أن أخرجوني‬

‫إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني‪ ،‬وهو أول طور‬

‫سيناء‪ .‬ففعلوا ذلك‪ - 3 .‬المجالس لبن الشيخ‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن المفيد‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن محمد بن الوليد عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬

‫عيسى‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن الحسن بن أبي فاختة‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم قال‪ :‬لما قتل الحسين عليه السلم بكت عليه السماوات السبع‬

‫والرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار وما‬

‫يرى وما ل يرى إل ثلثة أشياء‪ :‬البصرة‪ ،‬ودمشق‪ ،‬وآل الحكم بن العاص ‪-‬‬

‫الخبر ‪ .-‬بيان‪ :‬بكاء البلد والبقاع بكاء أهلها وظهور آثار الحزن فيهم‪- 4 .‬‬

‫العلل‪ :‬في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه السلم عن أكرم واد‬

‫على وجه الرض‪ ،‬فقال له‪ :‬واد يقال له " سرانديب )‪ " (2‬سقط فيه آدم‬

‫من السماء‪ .‬و‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ ،365 :‬الخصال‪ (2) .105 :‬سرنديب )خ(‪.‬‬

‫]‪[206‬‬
‫سأله عن شر واد على وجه الرض فقال‪ :‬واد باليمن يقال له " برهوت "‬

‫وهو من أودية جهنم )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬في حديث علي " شر بئر‬

‫في الرض برهوت " هي بفتح الباء والراء بئر عميقة بحضرموت ل‬

‫يستطاع النزول إلى قعرها‪ .‬وقيل‪ :‬برهوت بضم الباء وسكون الراء‪ ،‬فتكون‬

‫تاؤها على الول زائدة وعلى الثاني أصلية‪ ،‬أخرجه الهروي عن علي‪،‬‬

‫وأخرجه الطبراني في المعجم عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه‬

‫واله‪ .‬و قال الفيروز آبادي‪ :‬برهوت واد وبئر بحضرموت ‪ -‬انتهى ‪ -‬وكونه‬

‫من أودية جهنم لشباهته بها ولتعذيب أرواح الكفار فيه كما ورد في‬

‫الخبار‪ ،‬ويحتمل أن يكون لجهنم طريق إليه‪ - 5 .‬الخصال‪ :‬عن أحمد بن‬

‫الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى‪ ،‬عن أحمد ابن يحيى بن زكريا‬

‫القطان‪ ،‬عن بكر بن عبد ال بن حبيب‪ ،‬عن تميم بن بهلول‪ ،‬عن أبي‬

‫معاوية الضرير‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪:‬‬

‫ستة عشر صنفا من امة جدي ل يحبونا ول يحببونا إلى الناس ‪ -‬إلى أن قال‬

‫‪ -‬وأهل مدينة تدعى " سجستان " هم لنا أهل عداوة ونصب‪ ،‬وهم شر‬

‫الخلق والخليقة‪ ،‬عليهم من العذاب ما على فرعون وهامان وقارون‪ ،‬وأهل‬

‫مدينة تدعى " الري " هم أعداء ال وأعداء رسوله وأعداء أهل بيته‬

‫يرون حرب أهل بيت رسول ال صلى ال عليه واله جهادا ومالهم مغنما و‬

‫لهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والخرة ولهم عذاب مقيم‪ ،‬وأهل مدينة‬
‫تدعى " الموصل " هم شر من على وجه الرض‪ ،‬وأهل مدينة تسمى "‬

‫الزوراء " تبنى في آخر الزمان يستشفون بدمائنا‪ ،‬ويتقربون ببغضنا‪،‬‬

‫يوالون في عداوتنا‪ ،‬ويرون حربنا فرضا‪ ،‬وقتالنا حتما‪ .‬يا بني فاحذر هؤلء‬

‫ثم احذرهم فإنه ل يخلو اثنان منهم بأحد من أهلك إل هموا بقتله ‪ -‬الخبر ‪) -‬‬

‫‪ .(2‬بيان‪ :‬الموصل ‪ -‬بفتح الميم وسكون الواو ‪ -‬معروف‪ ،‬والزوراء يطلق‬

‫على دجلة‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .282‬الخصال‪.96 :‬‬

‫]‪[207‬‬

‫بغداد وعلى بغداد لن أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة‪ ،‬ويمكن‬

‫أن تتبدل أحوال أهل هذه البلد باختلف الزمنة ويكون ما ذكر في الخبر‬

‫حالهم في ذلك الزمان‪ - 6 .‬العلل‪ :‬عن علي بن عبدالوراق‪ ،‬عن سعد بن‬

‫عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد ابن عيسى والفضل بن عامر‪ ،‬عن سليمان بن‬

‫مقبل‪ ،‬عن محمد بن زياد الزدي‪ ،‬عن عيسى بن عبد ال الشعري عن‬

‫الصادق جعفر بن محمد عليه السلم قال‪ :‬حدثني أبي عن جدي عن أبيه‬

‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬لما اسري بي إلى السماء حملني‬

‫جبرئيل على كتفه اليمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا‬
‫من الزعفران وأطيب ريحا من المسك‪ ،‬فإذا فيها شيخ على رأسه برنس‪،‬‬

‫فقلت لجبرئيل‪ :‬ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران‬

‫وأطيب ريحا من المسك ؟ قال‪ :‬بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي‪ .‬فقلت‪ :‬من‬

‫الشيخ صاحب البرنس ؟ قال‪ :‬إبليس‪ .‬قلت‪ :‬فما يريد منهم ؟ قال‪ :‬يريد أن‬

‫يصدهم عن ولية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬

‫جبرئيل أهو بنا إليهم‪ ،‬فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر‬

‫اللمح‪ .‬فقلت‪ :‬قم يا ملعون ! فشارك أعداءهم في أموالهم وأولدهم‬

‫ونسائهم‪ ،‬فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان‪ .‬فسميت " قم "‬

‫)‪ .(1‬بيان‪ :‬البرنس قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر السلم‪،‬‬

‫ذكره الجوهري‪ - 7 .‬الختصاص‪ :‬روى علي بن محمد العسكري عن أبيه‪،‬‬

‫عن جده‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله لما اسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها‬

‫أربعة أركان وأربعة أبواب كأنها من إستبرق أخضر‪ ،‬قلت‪ :‬يا جبرئيل ما‬

‫هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها ؟ فقال‪ :‬حبيبي محمد‪،‬‬

‫هذه صورة مدينة يقال لها " قم " يجتمع فيها عباد ال المؤمنون ينتظرون‬

‫محمدا وشفاعته للقيامة و الحساب‪ ،‬يجري عليهم الغم والهم والحزان‬

‫والمكاره‪ .‬قال‪ :‬فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلم‪ :‬متى ينتظرون‬

‫الفرج ؟ قال‪ :‬إذا ظهر الماء على وجه الرض )‪.(2‬‬


‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .259‬الختصاص‪.101 :‬‬

‫]‪[208‬‬

‫تاريخ قم‪ :‬عن أبي مقاتل الديلمي عنه عليه السلم مثله‪ .‬بيان‪ :‬المراد به إما‬

‫ظهور الماء في أصل البلد‪ ،‬أو لم يكن في هذا الزمان فيه ماء جار أصل‪،‬‬

‫كما ذكر في تاريخ قم مبدأ حدوث الوادي بقم وأنه كانت فيه قنوات ولم يكن‬

‫فيه نهر جار‪ - 8 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ :‬عن الحسين بن عبد ال‬

‫السكيني‪ ،‬عن أبي سعيد البجلي‪ ،‬عن عبد الملك بن هارون‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ال عن آبائه ‪ -‬صلوات ال عليهم ‪ -‬قال لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫أمر معاوية وأنه في مائة ألف‪ ،‬قال‪ :‬من أي القوم ؟ قالوا‪ :‬من أهل الشام‪.‬‬

‫قال‪ :‬ل تقولوا من أهل الشام‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬من أهل الشوم‪ ،‬هم أبناء مصر‬

‫لعنوا على لسان داود عليه السلم فجعل ال منهم القردة والخنازير ‪ -‬الخبر‬

‫)‪ .- (1‬بيان‪ :‬يمكن الجمع بين اليات والخبار الواردة في مدح الشام‬

‫ومصر وذمه بما أومأنا إليه سابقا من اختلف أحوال أهله في الزمان‪،‬‬

‫فإنه كان في أول الزمان محل النبياء والصلحاء فكان من البلد المباركة‬

‫الشريفة‪ ،‬فلما صار أهله من أشقى الناس وأكفرهم صار من شر البلد‪ ،‬كما‬

‫أن يوم عاشوراء كان من اليام المتبركة ‪ -‬كما يظهر من بعض الخبار ‪-‬‬
‫فلما قتل فيه الحسين عليه السلم صار من أنحس اليام‪ - 9 .‬قرب السناد‪:‬‬

‫عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬قال‪ :‬قلت للرضا عليه السلم‪:‬‬

‫إن أهل مصر يزعمون أن بلدهم مقدسة‪ .‬قال‪ :‬وكيف ذلك ؟ قلت‪ :‬جعلت‬

‫فداك‪ ،‬يزعمون أنه يحشر من جيلهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب‬

‫! قال‪ :‬ل‪ ،‬لعمري ما ذاك كذلك‪ ،‬وما غضب ال على بني اسرائيل إل أدخلهم‬

‫مصر‪ ،‬ول رضي عنهم إل أخرجهم منها إلى غيرها‪ .‬ولقد أوحى ال تبارك‬

‫وتعالى إلى موسى عليه السلم أن يخرج عظام يوسف منها‪ ،‬فاستدل‬

‫موسى على من يعرف القبر‪ ،‬فدل على امرأة عمياء زمنة‪ ،‬فسألها موسى‬

‫أن تدله عليه‪ ،‬فأبت إل على خصلتين‪ :‬فيدعو ال فيذهب زمانتها ويصيرها‬

‫معه في الجنة في الدرجة التي هو فيها‪ ،‬فأعظم ذلك موسى‪ ،‬فأوحى ال إليه‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪.596 :‬‬

‫]‪[209‬‬

‫وما يعظم عليك من هذا أعطها ما سألت‪ .‬ففعل فتوعدته )‪ (1‬طلوع القمر‪،‬‬

‫فحبس ال القمر حتى جاء موسى لموعده‪ ،‬فأخرجه من النيل في سفط‬

‫مرمر‪ ،‬فحمله موسى عليه السلم ولقد قال رسول ال صلى ال عليه واله‪:‬‬

‫ل تغسلوا رؤسكم بطينها ول تأكلوا في فخارها فإنه يورث الذلة ويذهب‬


‫الغيرة‪ .‬قلنا له‪ :‬قد قال ذلك رسول ال صلى ال عليه واله ؟ فقال‪ :‬نعم )‪.(2‬‬

‫العياشي‪ :‬عن علي بن أسباط عن الرضا عليه السلم مثله‪ - 10 .‬البصائر‪:‬‬

‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن أبي جميلة‪ ،‬عن محمد الحلبي عن‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم‬

‫يقبلها إل أهل الكوفة‪ .‬بيان‪ :‬أي قبول كامل كما في الخبر التي‪- 11 .‬‬

‫البصائر‪ :‬عن يعقوب بن يزيد‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن عتيبة بياع القصب عن‬

‫أبي بصير‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن وليتنا عرضت‬

‫على السموات والرض والجبال والمصار ما قبلها قبول أهل الكوفة‪- 12 .‬‬

‫النهج‪ :‬من كلم له عليه السلم في ذكر الكوفة‪ :‬كأني بك يا كوفة تمدين مد‬

‫الديم العكاظي‪ ،‬تعركين بالنوازل‪ ،‬وتركبين بالزلزل‪ ،‬وإني لعلم أنه ما‬

‫أراد بك جبار سوء إل ابتله ال بشاغل‪ ،‬ورماه بقاتل‪ .‬بيان‪ " :‬الديم "‬

‫الجلد أو مدبوغه‪ ،‬و " عكاظ " بالضم موضع بناحية مكة كانت العرب‬

‫تجتمع في كل سنة ويقيمون به سوقا مدة شهر ويتعاكظون أي يتفاخرون و‬

‫يتناشدون‪ ،‬وينسب إليه الديم لكثرة البيع فيه‪ ،‬والديم العكاظي مستحكم‬

‫الدباغ شديد المد‪ ،‬وذلك وجه الشبه‪ ،‬والعرك‪ :‬الدلك والحك‪ ،‬وعركه‪ :‬أي‬

‫حمل عليه الشر‪ ،‬وعركت القوم في الحرب‪ :‬إذا مارستهم حتى أتعبتهم )‪(3‬‬

‫" والنوازل " المصائب والشدائد‪ ،‬و " الزلزل " البليا‪ .‬و " تركبين " ‪-‬‬

‫على بناء المجهول كالفعلين السابقين ‪-‬‬


‫)‪ (1‬في المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ ،‬فوعدته )‪ (2‬قرب السناد‪(3) .220 :‬‬

‫اتبعتهم )خ(‪.‬‬

‫]‪[210‬‬

‫أي تجعلين مركوبة لها أو بها على أن تكون الباء للسببية كالسابقة‪.‬‬

‫والشدائد التي أصابت الكوفة وأهلها معروفة مذكورة في السير‪ .‬وروي عن‬

‫أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا‪ .‬وعن‬

‫الصادق صلى ال عليه واله أنه قال‪ :‬تربة تحبنا ونحبها‪ .‬وعنه عليه‬

‫السلم‪ :‬اللهم ارم من رماها‪ ،‬وعاد من عاداها‪ .‬وقال محمد بن الحسين‬

‫الكيدري في شرح النهج‪ :‬فمن الجبابرة الذين ابتلهم ال بشاغل فيها زياد‪،‬‬

‫وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليا ‪ -‬صلوات ال عليه ‪ -‬فخرج الحاجب‬

‫وقال‪ :‬انصرفوا‪ ،‬فإن المير مشغول‪ ،‬وقد أصابه الفالج في هذه الساعة !‬

‫وابنه عبيدال بن زياد وقد أصابه الجذام‪ ،‬والحجاج بن يوسف وقد تولدت‬

‫الحيات في بطنه حتى هلك‪ ،‬وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما‬

‫البرص‪ ،‬وخالد القسري وقد حبس فطولب حتى مات جوعا‪ .‬وأما الذين‬

‫رماهم ال بقاتل فعبد ال بن زياد‪ ،‬ومصعب بن الزبير‪ ،‬وأبو السرايا‬

‫وغيرهم قتلوا جميعا‪ ،‬ويزيد بن المهلب قتل على أسوأ حال‪- 13 .‬‬
‫القصص‪ :‬بالسناد إلى الصدوق‪ ،‬بإسناده عن ابن محبوب‪ ،‬عن داود الرقي‪،‬‬

‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان أبو جعفر ‪ -‬صلوات ال عليهما ‪-‬‬

‫يقول‪ :‬نعم الرض الشام وبئس القوم أهلها اليوم‪ ،‬وبئس البلد مصر‪ ،‬أما‬

‫إنها سجن من سخط ال عليه من بني إسرائيل‪ ،‬ولم يكن دخل بنو إسرائيل‬

‫مصر إل من سخطة ومعصية منهم ل‪ ،‬لن ال عزوجل قال " ادخلوا‬

‫الرض المقدسة التي كتب ال لكم )‪ " (1‬يعني الشام‪ ،‬فأبوا أن يدخلوها‬

‫وعصوا فتاهوا في الرض أربعين سنة‪ .‬قال‪ :‬وما كان خروجهم من مصر‬

‫ودخولهم الشام إل من بعد توبتهم ورضا ال عنهم‪ .‬ثم قال أبو جعفر ‪-‬‬

‫صلوات ال عليه ‪ -‬إني أكره أن آكل شيئا طبخ في فخار مصر‪ ،‬وما أحب أن‬

‫أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي‪.‬‬

‫العياشي‪ :‬عن داود مثله‪ - 14 .‬القصص‪ :‬بالسناد إلى الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬

‫عن سعد‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط‪ ،‬عن الحسين بن أحمد‪ ،‬عن‬

‫أبي إبراهيم الموصلي‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي‬

‫)‪ (1‬المائدة‪(*) .23 :‬‬

‫]‪[211‬‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬إن بني )‪ (1‬ينازعني مصر‪ .‬فقال‪ :‬مالك ومصر ؟ أما‬

‫علمت أنها مصر الحتوف ؟ ! ول أحسبه إل قال‪ :‬يساق إليها أقصر الناس‬

‫أعمارا‪ - 15 .‬ومنه‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن أسباط‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬

‫الحضير‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن الحسن‪ ،‬رفعه قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله‪ :‬انتحوا مصر ول تطلبوا المكث فيها‪ .‬ول أحسبه إل قال‪:‬‬

‫وهو يورث الدياثة‪ .‬بيان‪ :‬قال في القاموس‪ :‬نحاه قصده كانتحاه‪- 16 .‬‬

‫القصص‪ :‬بالسناد المتقدم عن ابن أسباط‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم‬

‫قال‪ :‬ل تأكلوا في فخارها ول تغسلوا رؤسكم بطينها فإنها تورث الذلة‬

‫وتذهب بالغيرة‪ - 17 .‬كامل الزيارة‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن‬

‫الحسين بن عبيدال عن الحسن بن علي بن أبي عثمان‪ ،‬عن عبد الجبار‪،‬‬

‫عن أبي سعيد‪ ،‬عن الحسين بن ثوير ويونس وأبي سلمة السراج والمفضل‬

‫بن عمر قالوا سمعنا أبا عبد ال عليه السلم يقول لما مضى أبو عبد ال‬

‫الحسين بن علي ‪ -‬صلوات ال عليهما ‪ -‬بكى عليه جميع ما خلق ال إل‬

‫ثلثة أشياء‪ :‬البصرة‪ ،‬ودمشق‪ ،‬وآل عثمان )‪ - 18 .(2‬الكشى‪ :‬عن محمد‬

‫بن مسعود وعلي بن محمد معا‪ ،‬عن الحسين بن عبيدال عن عبد ال بن‬

‫على‪ ،‬عن أحمد بن حمزة‪ ،‬عن عمران القمي‪ ،‬عن حماد الناب قال‪ :‬كنا عند‬

‫أبي عبد ال عليه السلم ونحن جماعة إذ دخل عليه عمران بن عبد ال‬

‫القمي فسأله وبره وبشه‪ ،‬فلما أن قام قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬من‬
‫هذا الذي بررت به هذا البر فقال‪ :‬من أهل البيت النجباء ‪ -‬يعني أهل قم ‪ -‬ما‬

‫أرادهم جبار من الجبابرة إل قصمه ال‪ - 19 .‬ومنه‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن حمزة‪ ،‬عن المرزبان بن عمران‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬قال‪ :‬دخل‬

‫عمران بن عبد ال على أبي عبد ال عليه السلم فقال له‪ :‬كيف أنت ؟‬

‫وكيف ولدك ؟ وكيف أهلك ؟ وكيف بنو عمك ؟ وكيف أهل بيتك ؟ ثم حدثه‬

‫مليا‪ ،‬فلما خرج قيل لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬من هذا ؟ قال‪ :‬هذا نجيب‬

‫قوم النجباء‪ ،‬ما‬

‫)‪ (1‬ابني )خ(‪ (2) .‬كامل الزيارة‪.80 :‬‬

‫]‪[212‬‬

‫نصب لهم جبار إل قصمه ال‪ .‬قال حسين‪ :‬عرضت هذين الحديثين على‬

‫أحمد بن حمزة فقال‪ :‬أعرفهما ول أحفظ من رواهما لي‪ - 20 .‬كتاب تاريخ‬

‫قم تأليف الحسن بن محمد بن الحسن القمي‪ :‬قال روى سعد ابن عبد ال بن‬

‫أبي خلف‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن سعد‪ ،‬عن الحسن بن علي الخزاعي‬

‫عن عبد ال بن سنان‪ ،‬سئل أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أين بلد الجبل ؟ فإنا‬

‫قد روينا أنه إذا رد إليكم المر يخسف ببعضها‪ .‬فقال‪ :‬إن فيها موضعا يقال‬

‫له " بحر " ويسمى بقم وهو معدن شيعتنا‪ ،‬فأما الري فويل له من‬
‫جناحيه‪ ،‬وإن المن فيه من جهة قم و أهله‪ .‬قيل‪ :‬وما جناحاه ؟ قال عليه‬

‫السلم‪ :‬أحدهما بغداد‪ ،‬والخر خراسان‪ ،‬فإنه تلتقي فيه سيوف الخراسانيين‬

‫وسيوف البغداديين‪ ،‬فيعجل ال عقوبتهم ويهلكهم فيأوي أهل الري إلى قم‬

‫فيؤويهم أهله ثم ينتقلون منه إلى موضع يقال له " أردستان "‪- 21 .‬‬

‫وبإسناده عن عبد الواحد البصري‪ ،‬عن أبي وائل‪ ،‬عن عبد ال الليثي عن‬

‫ثابت البناني )‪ (1‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كنت ذات يوم جالسا عند النبي‬

‫صلى ال عليه واله إذ دخل عليه علي بن أبي طالب عليه السلم فقال صلى‬

‫ال عليه واله‪ :‬إلي يا أبا الحسن‪ ،‬ثم اعتنقه و قبل ]ما[ بين عينيه وقال‪ :‬يا‬

‫علي إن ال عز اسمه عرض وليتك على السماوات‪ ،‬فسبقت إليها السماء‬

‫السابعة فزينها بالعرش‪ ،‬ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت‬

‫المعمور‪ ،‬ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب‪ ،‬ثم عرضها على‬

‫الرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة‪ ،‬ثم سبقت إليها المدينة فزينها‬

‫بي‪ ،‬ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك‪ ،‬ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب وفتح‬

‫إليه بابا من أبواب الجنة‪ - 22 .‬وعن محمد بن قتيبة الهمداني والحسن بن‬

‫علي الكشمارجاني )‪ (2‬عن علي ابن النعمان‪ ،‬عن أبي الكراد علي بن‬

‫ميمون الصائغ‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬


‫)‪ (1‬في أكثر النسخ " ثابتة الشبانى " وفى بعضها " ثابت النباتي "‬

‫والظاهران الصواب ما أثبتناه في المتن وهو ثابت بن أسلم البنانى ‪ -‬بضم‬

‫الموحدة منسوب إلى بنانه وهم بنو سعد بن لوى ‪ -‬وهو الذى يروى عن‬

‫أنس بن مالك وغيره‪ (2) .‬الكمشارجانى )خ(‪.‬‬

‫]‪[213‬‬

‫إن ال احتج بالكوفة على سائر البلد وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم‬

‫من أهل البلد واحتج ببلدة قم على سائر البلد‪ ،‬وبأهلها على جميع أهل‬

‫المشرق والمغرب من الجن والنس‪ ،‬ولم يدع ال قم وأهله مستضعفا بل‬

‫وفقهم وأيدهم‪ .‬ثم قال‪ :‬إن الدين وأهله بقم ذليل‪ ،‬ولول ذلك لسرع الناس‬

‫إليه فخرب قم وبطل أهله فلم يكن حجة على سائر البلد‪ ،‬وإذا كان كذلك لم‬

‫تستقر السماء والرض ولم ينظروا طرفة عين وإن البليا مدفوعة عن قم‬

‫وأهله‪ ،‬وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلئق‪ ،‬وذلك في‬

‫زمان غيبة قائمنا عليه السلم إلى ظهوره ولول ذلك لساخت الرض‬

‫بأهلها‪ ،‬وإن الملئكة لتدفع البليا عن قم وأهله‪ ،‬وما قصده جبار بسوء إل‬

‫قصمه قاصم الجبارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو‪ ،‬وينسي ال‬

‫الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله كما نسوا ذكر ال‪ - 23 .‬ثم قال‪ :‬وروي‬

‫بأسانيد عن الصادق عليه السلم أنه ذكر كوفة وقال‪ :‬ستخلو كوفة من‬
‫المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها‪ ،‬ثم يظهر العلم ببلدة‬

‫يقال لها قم‪ ،‬وتصير معدنا للعلم والفضل حتى ل يبقى في الرض مستضعف‬

‫في الدين حتى المخدرات في الحجال‪ ،‬وذلك عند قرب ظهور قائمنا‪ ،‬فيجعل‬

‫ال قم وأهله قائمين مقام الحجة‪ ،‬ولول ذلك لساخت الرض بأهلها ولم يبق‬

‫في الرض حجة‪ ،‬فيفيض العلم منه إلى سائر البلد في المشرق والمغرب‪،‬‬

‫فيتم حجة ال على الخلق حتى ل يبقى أحد على الرض لم يبلغ إليه الدين‬

‫والعلم‪ ،‬ثم يظهر القائم عليه السلم ويسير سببا لنقمة ال وسخطه على‬

‫العباد‪ ،‬لن ال ل ينتقم من العباد إل بعد إنكارهم حجة‪ - 24 .‬وعن أبي‬

‫مقاتل الديلمي نقيب الري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا الحسن علي بن محمد عليه‬

‫السلم يقول‪ :‬إنما سمي قم به لنه لما وصلت السفينة إليه في طوفان نوح‬

‫عليه السلم قامت‪ ،‬وهو قطعة من بيت المقدس‪ - 25 .‬وعن الحسن بن‬

‫يوسف‪ ،‬عن خالد بن يزيد )‪ (1‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في أكثر النسخ " خالد بن أبى يزيد " والظاهر أنه أبو يزيد خالد بن‬

‫يزيد العكلى الثقة‪ ،‬فاشتبه على بعض النساخ كنيته بكنية أبيه‪.‬‬

‫]‪[214‬‬
‫إن ال اختار من جميع البلد كوفة وقم وتفليس‪ - 26 .‬وعن أحمد بن محمد‬

‫بن عيسى‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن أبي جميلة المفضل ابن صالح‪ ،‬عن‬

‫رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم‬

‫وحواليها ونواحيها‪ ،‬فإن البلء مدفوع عنها‪ - 27 .‬وعن أحمد بن خزرج‬

‫بن سعد‪ ،‬عن أخيه موسى بن خزرج‪ ،‬قال‪ :‬قال لي أبو الحسن الرضا عليه‬

‫السلم‪ :‬أتعرف موضعا يقال له " وراردهار " ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ولي فيه‬

‫ضيعتان‪ .‬فقال‪ :‬الزمه وتمسك به‪ .‬ثم قال ثلث مرات‪ :‬نعم الموضع‬

‫وراردهار‪ - 28 .‬وعن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن خالد‬

‫البرقي‪ ،‬عن سعد بن سعد الشعري‪ ،‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬إذا عمت البليا فالمن في كوفة ونواحيها من السواد وقم من‬

‫الجبل‪ ،‬ونعم الموضع قم للخائف الطائف‪ - 29 .‬وعن محمد بن سهل بن‬

‫اليسع‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا فقد المن‬

‫من العباد وركب الناس على الخيول واعتزلوا النساء والطيب فالهرب‬

‫الهرب عن جوارهم‪ .‬فقلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬إلى أين ؟ قال‪ :‬إلى الكوفة‬

‫ونواحيها‪ ،‬أو إلى قم وحواليها فإن البلء مدفوع عنهما‪ - 30 .‬وعن يعقوب‬

‫بن يزيد‪ ،‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن جميل بن دراج‪ ،‬عن زرارة بن‬

‫أعين‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬أهل خراسان أعلمنا‪ ،‬وأهل قم‬

‫أنصارنا‪ ،‬وأهل كوفة أوتادنا‪ ،‬وأهل هذا السواد منا ونحن منهم‪ - 31 .‬وعن‬
‫سهل بن زياد‪ ،‬عن عبد العظيم الحسني‪ ،‬عن إسحاق الناصح مولى جعفر‪،‬‬

‫عن أبي الحسن الول عليه السلم قال‪ :‬قم عش آل محمد ومأوى شيعتهم‪،‬‬

‫ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية )‪ (1‬آبائهم والستخفاف‬

‫والسخرية بكبرائهم ومشايخهم ومع ذلك يدفع ال عنهم شر العادي وكل‬

‫سوء‪ - 32 .‬وعن سهل‪ ،‬عن الحسين بن محمد الكوفي‪ ،‬عن محمد بن‬

‫حمزة بن القاسم العلوي‪ ،‬عن عبد ال بن العباس الهاشمي‪ ،‬عن محمد بن‬

‫جعفر‪ ،‬عن أبيه الصادق عليه السلم‬

‫)‪ (1‬بعقوبة )خ(‪.‬‬

‫]‪[215‬‬

‫قال‪ :‬إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم‪ ،‬فإنه مأوى الفاطميين‪ ،‬ومستراح‬

‫المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا‪ ،‬وذلك‬

‫مصلحة لهم لكيل يعرفوا بوليتنا‪ ،‬ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم‪ .‬وما‬

‫أراد أحد بقم وأهله سوءا إل أذله ال وأبعده من رحمته‪ - 33 .‬وعن سهل‪،‬‬

‫عن أحمد بن عيسى البزاز القمي‪ ،‬عن أبي إسحاق العلف النيشابوري عن‬

‫واسط بن سليمان‪ ،‬عن أبي الحسن الرضا عليه السلم قال‪ :‬إن للجنة‬

‫ثمانية أبواب‪ ،‬ولهل قم واحد منها‪ ،‬فطوبى لهم‪ ،‬ثم طوبى لهم‪ ،‬ثم طوبى‬
‫لهم‪ - 34 .‬وعن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن خالد‪ ،‬عن بعض‬

‫أصحابه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كنا عنده جالسين إذ قال مبتدئا‪:‬‬

‫خراسان ! خراسان ! سجستان ! سجستان ! كأني أنظر إلى أهلهما راكبين‬

‫على الجمال مسرعين إلى قم‪ - 35 .‬وعن يعقوب بن يزيد‪ ،‬عن أبي الحسن‬

‫الكرخي‪ ،‬عن سليمان بن صالح قال‪ :‬كنا ذات يوم عند أبي عبد ال عليه‬

‫السلم فذكر فتن بني عباس وما يصيب الناس منهم فقلنا‪ :‬جعلنا فداك‪ ،‬فأين‬

‫المفزع والمفر في ذلك الزمان ؟ فقال‪ :‬إلى الكوفة وحواليها وإلى قم‬

‫ونواحيها‪ .‬ثم قال‪ :‬في قم شيعتنا وموالينا‪ ،‬وتكثر فيها العمارة‪ ،‬ويقصده‬

‫الناس ويجتمعون فيه حتى يكون الجمر بين بلدتهم‪ .‬وفي بعض روايات‬

‫الشيعة أن قم يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم‪36 .‬‬

‫‪ -‬وفي خطبة الملحم لمير المؤمنين عليه السلم التي خطب بها بعد وقعة‬

‫الجمل بالبصرة قال‪ :‬يخرج الحسني صاحب طبرستان مع جم كثير من خيله‬

‫ورجله حتى يأتي نيسابور فيفتحها ويقسم أبوابها ثم يأتي إصبهان‪ ،‬ثم إلى‬

‫قم‪ ،‬فيقع بينه وبين أهل قم وقعة عظيمة يقتل فيها خلق كثير فينهزم أهل‬

‫قم‪ ،‬فينهب الحسني أموالهم ويسبي ذراريهم ونساءهم ويخرب دورهم‪،‬‬

‫فيفزع أهل قم إلى جبل يقال لها " وراردهار " فيقيم الحسنى ببلدهم‬

‫أربعين يوما‪ ،‬ويقتل منهم عشرين رجل‪ ،‬ويصلب منهم رجلين ثم يرحل‬

‫عنهم‪.‬‬
‫]‪[216‬‬

‫‪ - 37‬وعن علي بن عيسى‪ ،‬عن أيوب بن يحيى الجندل‪ ،‬عن أبي الحسن‬

‫الول عليه السلم قال‪ :‬رجل من أهل قم يدعوا الناس إلى الحق‪ ،‬يجتمع‬

‫معه قوم كزبر الحديد‪ ،‬لتزلهم الرياح العواصف‪ ،‬ول يملون من الحرب‪ ،‬ول‬

‫يجبنون‪ ،‬وعلى ال ال يتوكلون‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ - 38 .‬وبإسناده عن‬

‫عفان البصري‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال لي‪ :‬أتدري لم سمي‬

‫قم ؟ قلت‪ :‬ال ورسوله وأنت أعلم‪ .‬قال‪ :‬إنما سمي قم لن أهله يجتمعون‬

‫مع قائم آل محمد ‪ -‬صلوات ال عليه ‪ -‬ويقومون معه ويستقيمون عليه‬

‫وينصرونه‪ - 39 .‬وعن علي بن عيسى‪ ،‬عن علي بن محمد الربيع‪ ،‬عن‬

‫صفوان بن يحيى بياع السابري قال‪ :‬كنت يوما عند أبي الحسن عليه السلم‬

‫فجرى ذكر قم وأهله وميلهم إلى المهدي عليه السلم فترحم عليهم وقال‪:‬‬

‫رضي ال عنهم‪ .‬ثم قال‪ :‬إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لهل قم‪ ،‬وهم‬

‫خيار شيعتنا من بين سائر البلد‪ ،‬خمر ال تعالى وليتنا في طينتهم‪- 40 .‬‬

‫وروى بعض أصحابنا قال‪ :‬كنت عند أبي عبد ال عليه السلم جالسا إذ قرأ‬

‫هذه الية " حتى إذا جاء‪ ،‬وعد اوليهما بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس‬

‫شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعول " فقلنا‪ :‬جعلنا فداك‪ ،‬من‬

‫هؤلء ؟ فقال ثلث مرات‪ :‬هم وال أهل قم‪ - 41 .‬وروي عن عدة من أهل‬
‫الري أنهم دخلوا على أبي عبد ال عليه السلم وقالوا‪ :‬نحن من أهل الري‪.‬‬

‫فقال‪ :‬مرحبا بإخواننا من أهل قم ! فقالوا‪ :‬نحن من أهل الري فأعاد الكلم‪،‬‬

‫قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أول‪ ،‬فقال‪ :‬إن ل حرما وهو‬

‫مكة‪ ،‬وإن للرسول )‪ (1‬حرما وهو المدينة‪ ،‬وإن لمير المؤمنين حرما وهو‬

‫الكوفة‪ ،‬وإن لنا حرما وهو بلدة قم‪ ،‬وستدفن فيها امرأة من أولدي تسمى‬

‫فاطمة‬

‫)‪ (1‬لرسوله )خ(‪.‬‬

‫]‪[217‬‬

‫فمن زارها وجبت له الجنة‪ .‬قال الراوي‪ :‬وكان هذا الكلم منه قبل أن يولد‬

‫الكاظم عليه السلم‪ - 42 .‬وفي روايات الشيعة أن رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله لما اسري به رأى إبليس باركا بهذه البقعة فقال له‪ :‬قم يا ملعون !‬

‫فسميت بذلك‪ - 43 .‬وروي عن الئمة عليهم السلم‪ :‬لول القميون لضاع‬

‫الدين‪ - 44 .‬وروي مرفوعا إلى محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى علي‬

‫بن موسى الرضا عليه السلم قال‪ :‬إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم‬

‫وحواليها ونواحيها‪ ،‬فإن البلء مرفوع عنها‪ - 45 .‬وقال عليه السلم‬

‫لزكريا ابن آدم القمي حين قال الشيخ عنده‪ :‬يا سيدي إني اريد الخروج عن‬
‫أهل بيتي‪ ،‬فقد كثرت السفهاء‪ .‬فقال‪ :‬ل تفعل‪ ،‬فإن البلء يدفع بك عن أهل‬

‫قم‪ ،‬كما يدفع البلء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلم‪- 46 .‬‬

‫وعن سهل بن زياد‪ ،‬عن علي بن إبراهيم الجعفري‪ ،‬عن محمد بن الفضيل‬

‫عن عدة من أصحابه‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪ :‬إن‬

‫لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه ل يريدها جبار بسوء إل أذابه ال كذوب‬

‫الملح في الماء‪ .‬ثم أشار إلى عيسى بن عبد ال فقال‪ :‬سلم ال على أهل‬

‫قم‪ .‬يسقي )‪ (1‬ال بلدهم الغيث‪ ،‬وينزل ال عليهم البركات‪ ،‬ويبدل ال‬

‫سيئاتهم حسنات‪ ،‬هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود‪ ،‬هم الفقهاء العلماء‬

‫الفهماء‪ ،‬هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة‪ - 47 .‬وقال أبو عبد ال‬

‫الفقيه الهمداني في كتاب البلدان‪ :‬إن أبا موسى الشعري روى أنه سأل‬

‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم عن أسلم المدن وخير‬

‫المواضع عند نزول الفتن وظهور السيف‪ ،‬فقال‪ :‬أسلم المواضع يومئذ‬

‫أرض الجبل‪ ،‬فإذا اضطربت خراسان ووقعت الحرب بين أهل جرجان‬

‫وطبرستان وخربت سجستان فأسلم المواضع يومئذ قصبة قم تلك البلدة‬

‫التي يخرج منها أنصار خير الناس أبا واما وجدا وجدة وعما وعمة تلك‬

‫التي تسمى الزهراء‪ .‬بها موضع قدم جبرئيل‪ ،‬وهو الموضع الذي نبع منه‬

‫الماء‬
‫)‪ (1‬سقى )خ(‪.‬‬

‫]‪[218‬‬

‫الذي من شرب منه أمن من الداء‪ ،‬ومن ذلك الماء عجن الطين الذي عمل‬

‫منه كهيئة الطير‪ ،‬ومنه يغتسل الرضا عليه السلم‪ ،‬ومن ذلك الموضع‬

‫يخرج كبش إبراهيم وعصا موسى وخاتم سليمان‪ - 48 .‬ومن روايات‬

‫الشيعة في فضل قم وأهلها ما رواه الحسن بن علي بن الحسين ابن موسى‬

‫بن بابويه بأسانيد ذكرها عن أبي عبد ال الصادق عليه السلم أن رجل‬

‫دخل عليه فقال‪ :‬يا ابن رسول ال إني اريد أن أسألك عن مسألة لم يسألك‬

‫أحد قبلي ول يسألك أحد بعدي ! فقال‪ :‬عساك تسألني عن الحشر والنشر )‬

‫‪ (1‬؟ فقال الرجل‪ :‬إي والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا ما أسألك إل‬

‫عنه‪ .‬فقال‪ :‬محشر الناس كلهم إلى بيت المقدس إل بقعة بأرض الجبل يقال‬

‫لها قم‪ ،‬فإنهم يحاسبون في حفرهم ويحشرون من حفرهم إلى الجنة‪ .‬ثم‬

‫قال‪ :‬أهل قم مغفور لهم‪ .‬قال‪ :‬فوثب الرجل على رجليه وقال‪ :‬يا ابن رسول‬

‫ال هذا خاصة لهل قم ؟ قال‪ :‬نعم ومن يقول بمقالتهم‪ .‬ثم قال‪ :‬أزيدك ؟‬

‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬حدثني أبي عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬نظرت إلى بقعة بأرض الجبل خضراء أحسن لونا من الزعفران‬

‫وأطيب رائحة من المسك وإذا فيها شيخ بارك على رأسه برنس‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫حبيبي جبرئيل ما هذه البقعة ؟ قال‪ :‬فيها شيعة وصيك علي بن أبي طالب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فمن الشيخ البارك فيها ؟ قال‪ :‬ذلك إبليس اللعين ‪ -‬عليه اللعنة ‪ -‬قلت‪:‬‬

‫فما يريد منهم ؟ قال‪ :‬يريد أن يصدهم عن ولية وصيك علي ويدعوهم إلى‬

‫الفسق والفجور‪ .‬فقلت‪ :‬يا جبرئيل أهو بنا إليه‪ ،‬فأهوى بنا إليه في أسرع‬

‫من برق خاطف‪ .‬فقلت له‪ :‬قم يا ملعون فشارك المرجئة في نسائهم‬

‫وأموالهم‪ ،‬لن أهل قم شيعتي وشيعة وصيي علي بن أبي طالب‪- 49 .‬‬

‫وروى محمد بن الحسين بن أبي الخطاب‪ ،‬عن محمد بن الحسن الحضرمي‬

‫عن محمد بن بهلول‪ ،‬عن أبي مسلم العبدي‪ ،‬عن أبي عبد ال الصادق عليه‬

‫السلم قال‪ :‬تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم ل يريدهم جبار بسوء‬

‫إل عجلت عقوبته ما لم يخونوا‬

‫)‪ (1‬المحشر والمنشر )خ(‪(*) .‬‬

‫]‪[219‬‬

‫إخوانهم )‪ ! (1‬فإذا فعلوا ذلك سلط ال عليهم جبابرة سوء ! أما إنهم أنصار‬

‫قائمنا ودعاة )‪ (2‬حقنا‪ .‬ثم رفع رأسه إلى السماء وقال‪ :‬اللهم اعصمهم من‬

‫كل فتنة ونجهم من كل هلكة‪ .‬ثم ذكر صاحب التاريخ المشاهد والقبور‬

‫الواقعة في بلدة قم فقال‪ :‬منها قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما‬
‫السلم وروي أن زيارتها تعادل الجنة‪ .‬وروى مشايخ قم أنه لما أخرج‬

‫المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلم من المدينة إلى المرو في سنة‬

‫مأتين خرجت فاطمة اخته في سنة إحدى ومأتين تطلبه‪ ،‬فلما وصلت إلى "‬

‫ساوه " مرضت فسألت‪ :‬كم بيني وبين " قم " ؟ قالوا‪ :‬عشرة فراسخ‪،‬‬

‫فأمرت خادمها فذهب بها إلى قم وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد‪.‬‬

‫والصح أنه لما وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها أن يطلبوا‬

‫منها النزول في بلدة قم‪ ،‬فخرج من بينهم موسى بن خزرج‪ ،‬فلما وصل‬

‫إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى قم وأنزلها في داره‪ ،‬فكانت فيها ستة )‪(3‬‬

‫عشر يوما ثم مضت إلى رحمة ال ورضوانه‪ ،‬فدفنها موسى بعد التغسيل‬

‫والتكفين في أرض له‪ ،‬وهي التي الن مدفنها وبنى على قبرها سقفا من‬

‫البواري إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلم عليها قبة‪ .‬وحدثني‬

‫الحسين بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه عن محمد بن الحسن بن‬

‫أحمد بن الوليد أنه لما توفيت فاطمة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬وغسلوها وكفنوها‬

‫ذهبوا بها إلى بابلن ووضعوها على سرداب حفروه لها‪ ،‬فاختلف آل سعد‬

‫بينهم في من يدخل السرداب ويدفنها فيه‪ ،‬فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير‬

‫صالح يقال له " قادر " فلما بعثوا إليها رأوا راكبين سريعين متلثمين‬

‫يأتيان من جانب الرملة‪ ،‬فلما قربا من الجنازة نزل وصليا عليها ودخل‬

‫السرداب و أخذا الجنازة فدفناها‪ ،‬ثم خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد من‬
‫هما‪ .‬والمحراب الذي كانت فاطمة عليها السلم تصلي إليها موجود إلى‬

‫الن في دار موسى بن الخزرج‪ .‬ثم ماتت ام محمد بنت موسى بن محمد بن‬

‫علي الرضا عليه السلم فدفنوها في جنب فاطمة ‪ -‬رضي ال عنها ‪-‬‬

‫)‪ (1‬ما لم يحولوا أحوالهم )خ(‪ (2) .‬رعاة )خ(‪ (3) .‬في بعض النسخ "‬

‫سبعة عشر "‪.‬‬

‫]‪[220‬‬

‫ثم توفيت ميمونة اختها فدفنوها هناك أيضا وبنوا عليهما أيضا قبة‪ ،‬ودفن‬

‫فيها ام إسحاق جارية محمد وام حبيب جارية محمد بن أحمد الرضا واخت‬

‫محمد بن موسى‪ .‬ثم قال‪ :‬ومنها قبر أبي جعفر موسى بن محمد بن علي‬

‫الرضا عليه السلم قال‪ :‬وهو أول من دخل من السادات الرضوية قم‪ ،‬وكان‬

‫مبرقعا دائما فأخرجه العرب من قم‪ ،‬ثم اعتذروا منه و أدخلوه وأكرموه‬

‫واشتروا من أموالهم له دارا ومزارع‪ ،‬وحسن حاله‪ ،‬واشترى من ماله‬

‫أيضا قرى ومزارع‪ ،‬فجاءت إليه أخواته زينب وام محمد وميمونة بنات‬

‫الجواد عليه السلم ثم " بريهيه " بنت موسى فدفن كلهن عند فاطمة ‪-‬‬

‫رضي ال عنها ‪ -‬وتوفي موسى ليلة الربعاء ثامن شهر ربيع الخر من‬

‫سنة ست وتسعين ومأتين ودفن في الموضع المعروف أنه مدفنه‪ .‬ومنها‬


‫قبر أبي علي محمد بن أحمد بن موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‬

‫السلم توفي في سنة خمس عشر وثلثمأة‪ ،‬ودفن في مقبرة محمد بن‬

‫موسى‪ .‬ثم ذكر مقابر كثير من السادات الرضوية وكثير من أولد محمد بن‬

‫جعفر الصادق عليه السلم وكثير من أحفاد علي بن جعفر وقبور كثير من‬

‫السادات الحسنية‪ ،‬وكان أكثر أهل قم من الشعريين‪ ،‬وقال رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله‪ :‬اللهم اغفر للشعريين صغيرهم وكبيرهم‪ .‬وقال‪ :‬الشعريون‬

‫مني وأنا منهم‪ .‬وروي عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن خالد‪،‬‬

‫عن أبي البختري‪ ،‬عن محمد بن إسحاق‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬قال رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬الزد والشعريون وكندة مني ل يعدلون ول يجبنون‪.‬‬

‫وبهذا السناد عن أبي البختري عن الزهري‪ ،‬عن زيد بن أسلم قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله للشعريين لما قدموا‪ :‬أنتم المهاجرون إلى‬

‫النبياء من ولد إسماعيل‪ .‬ثم ذكر أخبارا كثيرة في فضائلهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬من‬

‫مفاخرهم أن أول من أظهر التشيع بقم موسى بن عبد ال بن سعد‬

‫الشعري‪ .‬ومنها أنه قال الرضا عليه السلم لزكريا بن آدم بن عبد ال بن‬

‫سعد الشعري‪ :‬إن ال يدفع البلء بك عن أهل قم كما يدفع البلء عن أهل‬

‫بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهما السلم ومنها أنهم وقفوا المزارع‬

‫والعقارات الكثيرة على الئمة عليهم السلم‪ ،‬ومنها أنهم أول من بعث‬

‫الخمس إليهم‪ .‬ومنها أنهم عليهم السلم أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا‬
‫والتحف والكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس‪ ،‬وزكريا بن آدم‪ ،‬وعيسى بن‬

‫عبد ال بن‬

‫]‪[221‬‬

‫سعد وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكلم‪ ،‬وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع‪،‬‬

‫وأنهم اشتروا من دعبل الخزاعي ثوب الرضا عليه السلم بألف دينار من‬

‫الذهب‪ .‬ومنها أن الصادق عليه السلم قال لعمران بن عبد ال‪ :‬أظلك ال‬

‫يوم لظل إل ظله‪ .‬انتهى ما أخرجته من تاريخ قم‪ ،‬ومؤلفه من علماء‬

‫المامية‪ .‬بيان‪ :‬يظهر من هذا التاريخ أن " وراردهار " اسم بعض رساتيق‬

‫قم وتوابعه وقال‪ :‬فيه سبع عشرة قرية وكان من رساتيق إصبهان فالحق‬

‫بقم‪ .‬والجمر اسم نهر من النهار التي كانت قبل بناء بلدة قم كما يلوح من‬

‫التاريخ‪ .‬وروى الكشي خبر زكريا ابن آدم عن محمد بن قولويه‪ ،‬عن سعد‬

‫بن عبد ال‪ ،‬عن محمد بن حمزة‪ ،‬عن زكريا بن آدم قال‪ :‬قلت للرضا عليه‬

‫السلم‪ :‬إني اريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬

‫تفعل‪ ،‬فإن أهل بيتك يدفع عنهم بك كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن‬

‫الكاظم عليه السلم‪ - 50 .‬المجازات النبوية‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬امرت بقرية تأكل القرى تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد‪.‬‬

‫يريد عليه السلم الهجرة إلى المدينة‪ ،‬قال السيد ‪ -‬ره ‪ :-‬فقوله " امرت‬
‫بقرية تأكل القرى " مجاز‪ ،‬والمراد أن أهلها يقهرون أهل القرى فيملكون‬

‫بلدهم وأموالهم‪ ،‬فكأنهم بهذه الحوال يأكلونهم‪ .‬وخرج هذا القول على‬

‫طريقة للعرب معروفة لنهم يقولون " أكل فلن جاره " إذا عدا عليه‬

‫فانتهك حرمته واصطفى حريبته‪ .‬وعلى ذلك قول علقة ابن عقيل بن علقة‬

‫لبيه في أبيات‪ :‬أكلت بيتك اكل الضب حتى * وجدت مدارة الكل )‪ (1‬الوبيل‬

‫ومن ذلك قوله عليه السلم في غزوة الحديبية " ويح قريش أكلهم )‪(2‬‬

‫الحرب " يريد أنها قد أفنت رجالهم وانتهكت أموالهم‪ ،‬فكانت من هذا الوجه‬

‫كأنها آكلة لهم قال ذلك في حديث طويل‪ ،‬والمراد بقوله " تنفي الخبث كما‬

‫ينفي الكير خبث الحديد " أن أهلها يتمحضون فينتفي عنها الشرار‪ ،‬ويبقى‬

‫فيها الخيار‪ ،‬ويفارقها الخلط‬

‫)‪ (1‬الكل )خ(‪ (2) .‬اكلتهم )خ(‪.‬‬

‫]‪[222‬‬

‫والقشاب‪ ،‬ول يصبر عليها إل الصميم واللباب‪ ،‬فيكون بمنزلة الكير الذي‬

‫ينفي الخباث والدران‪ ،‬ويخلص الرصاص‪ ،‬وهذا أيضا مجاز‪ .‬وقد ورد هذا‬

‫الخبر بلفظ آخر ذكره عمر بن عبد العزيز قال‪ :‬سمعنا عن رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله أنه قال‪ :‬المدينة تنفي خبث الرجال كما ينفي الكير خبث‬
‫الحديد‪ .‬والمعنى في اللفظين واحد‪ - 51 .‬كتاب جعفر بن محمد بن شريح‪:‬‬

‫عن المعلى الطحان‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن ميمون‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن‬

‫النبي صلى ال عليه واله أنه كان إذا دخل عليه اناس من اليمن قال‪ :‬مرحبا‬

‫برهط شعيب وأحبار موسى‪ - 52 .‬وعنه قال‪ :‬سمعت قيس بن الربيع يرفعه‬

‫إلى النبي صلى ال عليه واله قال‪ :‬حضرموت خير من الحارثيين‪- 53 .‬‬

‫مجالس الشيخ‪ :‬عن أحمد بن عبدون‪ ،‬عن علي بن محمد بن الزبير‪ ،‬عن‬

‫علي بن الحسن بن فضال‪ ،‬عن العباس بن عامر‪ ،‬عن عبد ال بن الوليد‪،‬‬

‫قال‪ :‬دخلنا على أبي عبد ال عليه السلم فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه‬

‫فسألنا‪ :‬من أنتم ؟ قلنا‪ :‬من أهل الكوفة فقال‪ :‬أما إنه ليس من بلد من‬

‫البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ثم هذه العصابة خاصة‪ ،‬إن ال هداكم‬

‫لمر جهله الناس‪ ،‬أحببتمونا وأبغضنا الناس‪ ،‬وصدقتمونا وكذبنا الناس‪،‬‬

‫واتبعتمونا وخالفنا الناس‪ ،‬فجعل ال محياكم محيانا ومماتكم مماتنا ‪ -‬الخبر‬

‫‪ .-‬بيان‪ " :‬ثم هذه العصابة " أي هم فيها أكثر من غيرها من البلدان‪،‬‬

‫والمراد عصابة الشيعة فإن المحب أعم منها‪ .‬والعصابة ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬

‫الجماعة من الناس‪ - 54 .‬مجالس الشيخ‪ :‬عن الحسين بن عبيدال‬

‫الغضائري‪ ،‬عن التلعكبري عن محمد بن همام‪ ،‬عن عبد ال الحميري‪ ،‬عن‬

‫الطيالسي‪ ،‬عن زريق الخلقاني قال‪ :‬كنت عند أبي عبد ال عليه السلم يوما‬

‫إذا دخل عليه رجلن من أهل الكوفة من أصحابنا‪ ،‬فقال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬أتعرفهما ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬هما من مواليك‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬والحمد ل الذي‬

‫جعل أجلة موالي بالعراق ‪ -‬الخبر ‪ - 55 .-‬أقول‪ :‬وجدت بخط الشيخ محمد‬

‫بن علي الجباعي ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬قال‬

‫]‪[223‬‬

‫الشيخ محمد بن مكي ‪ -‬قدس ال روحه ‪ -‬وجد بخط جمال الدين ابن‬

‫المطهر‪ :‬وجدت بخط والدي ‪ -‬ره ‪ -‬قال‪ :‬وجدت رقعة عليها مكتوب بخط‬

‫عتيق ما صورته‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم هذا ما أخبرنا به الشيخ الجل‬

‫العالم عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي ابن زهرة الحسيني الحلبي إملء‬

‫من لفظه عند نزوله بالحلة السيفية ‪ -‬وقد وردها حاجا سنة أربع وسبعين‬

‫وخمسمائة ‪ -‬ورأيته يلتفت يمنة ويسرة‪ ،‬فسألته عن سبب ذلك‪ ،‬قال‪ :‬إنني‬

‫لعلم أن لمدينتكم هذه فضل جزيل‪ .‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬أخبرني أبي‪ ،‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن قولويه‪ ،‬عن الكليني قال‪ :‬حدثني على بن‬

‫إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬عن الصبغ بن‬

‫نباته قال‪ :‬صحبت مولي أمير المؤمنين عليه السلم عند وروده إلى صفين‬

‫وقد وقف على تل عرير )‪ (1‬ثم أومأ إلى أجمة ما بين بابل والتل وقال‪:‬‬

‫مدينة وأي مدينة ! فقلت له‪ :‬يا مولي أراك تذكر مدينة‪ ،‬أكان ههنا مدينة‬

‫وانمحت آثارها ؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة السيفية‬
‫يمدنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على ال لبر‬

‫قسمه‪ .‬بيان‪ " :‬عرير " بالمهملتين أي مفرد‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬العرير‬

‫الغريب في القول أو بالمعجمتين أي منيع رفيع‪ .‬والحلة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬بلدة‬

‫معروفة‪ ،‬ووصفها بالسيفية لنها بناها سيف الدولة‪ - 56 .‬ووجدت أيضا‬

‫بخط الشيخ المتقدم نقل من خط الشهيد ‪ -‬قدس سره ‪ :-‬قال الراوندي‪ :‬قال‬

‫الباقر عليه السلم‪ :‬إن ال وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه "‬

‫الضراح ثم بعث ملئكة فأمرهم ببناء بيت في الرض بمثاله وقدره‪ ،‬فلما‬

‫كان الطوفان رفع‪ ،‬فكانت النبياء يحجونه ول يعلمون مكانه حتى بوأه ال‬

‫لبراهيم فأعلمه مكانه‪ ،‬فبناه من خمسة أجبل‪ :‬من حراء وثبير‪ ،‬ولبنان‪،‬‬

‫وجبل الطور‪ ،‬وجبل الخمر‪ .‬قال الطبري‪ :‬وهو جبل بدمشق‪ .‬بيان‪ :‬قال‬

‫الفيروز آبادي‪ :‬الخمر ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬جبل بالقدس‪ .‬وقال‪ :‬لبنان‬

‫)‪ (1‬عزيز )خ(‪.‬‬

‫]‪[224‬‬

‫‪ -‬بالضم ‪ :-‬جبل بالشام‪ - 57 .‬كنز الكراجكى‪ :‬قال‪ :‬روى الشريف أبو محمد‬

‫الحسن بن محمد الحسيني عن علي بن عثمان الشج المعروف بأبي الدنيا‬

‫)‪ (1‬قال‪ :‬حدثني أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني‪- 58 .‬‬

‫شرح النهج لبن ميثم‪ :‬قال‪ :‬لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلم من حرب‬

‫الجمل خطب الناس بالبصرة فحمد ال وأثني عليه وصلى على النبي صلى‬

‫ال عليه واله ثم قال‪ :‬يا أهل البصرة ! يا أهل المؤتفكة أئتفكت بأهلها ثلثا‬

‫وعلى ال تمام الرابعة ! يا جند المرأة وأعوان البهيمة‪ ،‬رغا )‪ (2‬فأجبتم‪،‬‬

‫وعقر فانهزمتم )‪ (3‬أخلقكم دقاق‪ ،‬ودينكم نفاق وماؤكم زعاق )‪ (4‬بلدكم‬

‫أنتن بلد ال تربة‪ ،‬وأبعدها من السماء‪ ،‬بها تسعة أعشار الشر المحتبس‬

‫فيها بذنبه‪ ،‬والخارج منها بعفو ال‪ ،‬كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها‬

‫الماء حتى ما يرى منها إل شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ‪-‬‬

‫وساق إلى قوله‪ :‬إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا‪ ،‬وآجامها‬

‫قصورا‪ ،‬فالهرب ! الهرب ! فإنه لبصرة لكم يومئذ‪.‬‬

‫)‪ (1‬حكى السيد نعمة ال الجزائري عن السيد هاشم بن الحسين الحسائي‬

‫عن استاده الشيخ محمد الحرفوشى قال‪ :‬لما كنت بالشام عمدت يوما إلى‬

‫مسجد مشهور بعيد من العمران فرأيت شيخا أزهر الوجه عليه ثياب بيض‬

‫وهيئة جميلة‪ ..‬ثم تحققت منه السم والنسبة ثم بعد جهد طويل قال‪ :‬أبا‬

‫معمر أبو الدنيا المغربي صاحب أمير المؤمنين عليه السلم وحضرت معه‬

‫صفين وهذه الشجة في وجهى من رمحة فرسه ‪ -‬سلم ال عليه ‪ -‬ثم ذكر‬
‫لي من الصفات والعلمات ما تحققت معه صدقه في كل ما قال ثم استجزته‬

‫كتب الخبار فاجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع ائمتنا حتى انتهى في‬

‫الجازة إلى صاحب الدار ‪ -‬عجل ال فرجه ‪ -‬وله قصص عجيبة منها ما‬

‫رواها عنه أبو محمد العلوى حدثه بها في دار عمه طاهر بن يحيى‪ ،‬وكيف‬

‫كان فحديثه يعد حسنا إن لم يكن صحيحا‪ (2) .‬أي صوت وضج‪ (3) .‬فهربتم‬

‫)خ(‪ (4) .‬أي مر ل يطاق شربه‪.‬‬

‫]‪[225‬‬

‫ثم التفت عن يمينه فقال‪ :‬كم بينكم وبين البلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود‪:‬‬

‫فداك أبي وامي‪ :‬أربعة فراسخ‪ .‬قال له‪ :‬صدقت‪ ،‬فوالذي بعث محمدا صلى‬

‫ال عليه واله وأكرمه بالنبوة‪ ،‬وخصه بالرسالة‪ ،‬وعجل بروحه إلى الجنة‬

‫لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال‪ :‬يا علي هل علمت أن بين التي‬

‫تسمى البصرة والتي تسمى البلة أربعة فراسخ وسيكون في التي تسمى‬

‫البلة موضع أصحاب العشور‪ ،‬يقتل في ذلك الموضع من امتي سبعون ألف‬

‫شهيد‪ ،‬هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر‪ .‬فقال له المنذر‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬

‫ومن يقتلهم ؟ فداك أبي وأمي‪ .‬قال‪ :‬يقتلهم أخوان وهم جيل كأنهم‬

‫الشياطين‪ ،‬سود ألوانهم‪ ،‬منتنة أرواحهم‪ ،‬شديد كلبهم‪ ،‬قليل سلبهم‪ ،‬طوبى‬

‫لمن قتلوه‪ .‬ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من‬
‫أهل ذلك الزمان‪ ،‬مجهولون في الرض‪ ،‬معروفون في السماء‪ ،‬تبكي‬

‫السماء عليهم وسكانها‪ ،‬والرض وسكانها ‪ -‬ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال‪:‬‬

‫‪ -‬ويحك يا بصرة من جيش لرهج له ول حس ! فقال له المنذر‪ :‬يا أمير‬

‫المؤمنين‪ ،‬وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ؟ وما الويح ؟ فقال‪:‬‬

‫هما بابان‪ :‬فالويح باب رحمة‪ ،‬والويل باب عذاب يا ابن الجارود‪ ،‬نعم‪،‬‬

‫تارات عظيمة‪ :‬منها عصبة يقتل بعضها بعضا‪ ،‬ومنها فتنة يكون بها‬

‫إخراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وسباء نساء يذبحن ذبحا‪ ،‬ياويل‬

‫أمرهن حديث عجيب ! ومنها أن يستحل بها الدجال الكبر العور الممسوح‬

‫العين اليمنى والخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة‪ ،‬ناتئ‬

‫الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء‪ ،‬فيتبعه من أهلها عدة من قتل‬

‫بالبلة من الشهداء‪ ،‬أنا جيلهم في صدورهم‪ ،‬يقتل من يقتل‪ ،‬ويهرب من‬

‫يهرب‪ ،‬ثم رجف‪ ،‬ثم قذف‪ ،‬ثم خسف ثم مسخ‪ ،‬ثم الجوع الغبر‪ ،‬ثم الموت‬

‫الحمر وهو الغرق‪ .‬يا منذر إن للبصرة ثلثة أسماء سوى البصرة في الزبر‬

‫الول )‪ (1‬ل يعلمها إل العلماء‪ :‬منها الخريبة‪ ،‬ومنها تدمر‪ ،‬ومنها المؤتفكة‬

‫‪ -‬وساق إلى أن قال ‪ -‬يا أهل البصرة إن ال لم يجعل لحد من أمصار‬

‫المسلمين خطة شرف ول كرم إل وقد جعل‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ المخطوط " زبر الول " وهو الصواب ظاهرا‪.‬‬
‫]‪[226‬‬

‫فيكم أفضل ذلك‪ ،‬وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم‪ :‬أنتم أقوم الناس قبلة‪،‬‬

‫قبلتكم على المقام حيث يقوم المام بمكة‪ ،‬وقارئكم أقرأ الناس‪ ،‬وزاهدكم‬

‫أزهد الناس‪ ،‬و عابدكم أعبد الناس‪ ،‬وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في‬

‫تجارته‪ ،‬ومتصدقكم أكرم الناس صدقة‪ ،‬وغنيكم أشد الناس بذل وتواضعا‪،‬‬

‫وشريفكم أحسن الناس خلقا وأنتم أكثر الناس جوارا‪ ،‬وأقلهم تكلفا لما ل‬

‫يعنيه‪ ،‬وأحرصهم على الصلة في جماعة ثمرتكم أكثر الثمار‪ ،‬وأموالكم‬

‫أكثر الموال‪ ،‬وصغاركم أكيس الولد‪ ،‬ونساؤكم أمنع النساء وأحسنهن‬

‫تبعل‪ ،‬سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلحا لمعاشكم والبحر سببا‬

‫لكثرة أموالكم‪ ،‬فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيل وظل‬

‫ظليل‪ ،‬غير أن حكم ال ماض‪ ،‬وقضاؤه نافذ ل معقب لحكمه وهو سريع‬

‫الحساب‪ .‬يقول ال " وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو‬

‫معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا )‪ - " (1‬ثم ساق الخطبة‬

‫إلى قوله ‪ -‬إن رسول ال صلى ال عليه واله قال لي يوما وليس معه‬

‫غيري‪ :‬إن جبرئيل الروح المين حملني على منكبه اليمن حتى أراني‬

‫الرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلمني ما فيها وما قد كان على‬

‫ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك ]علي[ كما لم يكبر على أبي‬
‫آدم علمه السماء كلها ولم تعلمها الملئكة المقربون‪ ،‬وإني رأيت بقعة‬

‫على شاطئ البحر تسمى البصرة‪ ،‬فإذا هي أبعد الرض من السماء وأقربها‬

‫من الماء‪ ،‬وأنها لسرع الرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدها عذابا‪ ،‬ولقد‬

‫خسف بها في القرون الخالية مرارا‪ ،‬و ليأتين عليها زمان‪ ،‬وإن لكم يا أهل‬

‫البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلؤه‪ ،‬وإني لعلم‬

‫موضع منفجره من قريتكم هذه‪ ،‬ثم امور قبل ذلك تدهمكم عظيمة اخفيت‬

‫عنكم وعلمناها‪ ،‬فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من ال سبقت له‪،‬‬

‫ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما ال بظلم للعبيد‪ .‬توضيح‪:‬‬

‫المؤتفكة‪ :‬المنقلبة‪ ،‬والنقلب هنا إما حقيقة كقرى قوم لوط أو لنها غرقت‬

‫كأنها انقلبت‪ .‬طبقها الماء ‪ -‬بالتشديد ‪ -‬أي غطاها وعمها و‬

‫)‪ (1‬السراء‪.58 :‬‬

‫]‪[227‬‬

‫الخصاص‪ :‬جمع خص ‪ -‬بالضم ‪ -‬بيت يعمل من الخشب والقصب‪ .‬والجام‪:‬‬

‫جمع أجمة ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬وهي منبت القصب‪ ،‬وقيل‪ :‬هي الشجر الكثير‬

‫الملتف‪ .‬والبلة ‪ -‬بضم الهمزة والباء وتشديد اللم ‪ :-‬الموضع الذي به‬

‫مدينة البصرة اليوم وكان من قرى البصرة وبساتينها يومئذ‪ ،‬وكانوا يعدونه‬
‫إحدى الجنات الربع‪ ،‬وفي البلة اليوم موضع العشارين حسب ما أخبر به‪.‬‬

‫والجيل ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الصنف من الناس وقيل‪ :‬كل قوم يختصون بلغة فهم‬

‫جيل‪ .‬والرواح‪ :‬جمع الريح بمعنى الرائحة‪ .‬و الكلب ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الشر‬

‫والذى وشبه جنون يعرض لمن عضه الكلب الكلب‪ .‬والسلب ‪ -‬بالتحريك ‪:-‬‬

‫ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه و معه ]من[‬

‫سلح وثياب ودابة غيرها‪ .‬ينفر لجهادهم‪ :‬أي يخرج لقتالهم‪ .‬ويقال "‬

‫هملت عينه " أي فاضت بالدمع‪ .‬والرهج ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬الغبار‪ .‬والحس ‪-‬‬

‫بالكسر ‪ -‬صوت المشي والصوت الخفي وهو إشارة إلى صاحب الزنج كما‬

‫مر‪ .‬والتارات جمع التارة بمعنى المرة‪ ،‬أي فتن عظيمة مرة بعد اخرى‪.‬‬

‫والعصبة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الجماعة أو بالتحريك بمعنى القرباء‪ .‬وانتهاك‬

‫الموال‪ :‬أخذها بما ل يحل‪ .‬وسباء النساء ‪ -‬بالكسر والمد ‪ :-‬أسرهن‪ .‬و "‬

‫يستحل بها الدجال " أي يتخذها منزل ويسكنها‪ .‬والدجال من الدجل وهو‬

‫الخلط والتلبيس والكذب‪ ،‬ووصفه بالكبر يدل على تعدد من يدعي الباطيل‪.‬‬

‫والعور من ذهب إحدى عينيه‪ .‬والممسوح صفة مخصصة للعور‪.‬‬

‫والناتئ‪ :‬المرتفع‪ .‬وطفا على الماء‪ :‬علولم يرسب‪ .‬والرجفة‪ :‬الزلزلة‬

‫والضطراب‪ .‬والقذف‪ :‬الرمي بالحجارة ونحوها‪ .‬والخسف‪ :‬الذهاب في‬

‫الرض‪ ،‬وخسف المكان أن يغيب في الرض‪ .‬والمسخ‪ :‬تحويل صورة إلى‬

‫ما هو أقبح منها‪ .‬ووصف الجوع بالغبر إما لن الجوع يكون في السنين‬
‫المجدبة‪ ،‬وسنوا الجدب تسمى غبرا لغبرار آفاقها من قلة المطار‬

‫وأرضيها من عدم النبات‪ ،‬أو لن وجه الجائع يشبه الوجه المغبر‪ .‬والموت‬

‫الحمر يعبر به في الكثر عن القتل‪ ،‬وفسرهنا بالغرق‪ .‬والخريبة ‪ -‬بضم‬

‫الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة ‪ :-‬علم محلة من محال‬

‫البصرة كانوا يسمونها البصرة الصغرى‪ .‬وتدمر ‪ -‬كتنصر ‪ :-‬من الدمار‬

‫بمعنى الهلك‪ ،‬وفي اللغة أنها بلد بالشام‪.‬‬

‫]‪[228‬‬

‫والخطة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬المر والقصة‪ .‬والقاليد‪ :‬جمع إقليد ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو‬

‫المفتاح‪ .‬ولم يكبر ذلك علي‪ :‬أي قويت عليه وقدرت‪ ،‬أولم أستعظمها من‬

‫فضل ربي‪ .‬والتنوين في " زمان " للتفخيم أي زمان شديد فظيع‪.‬‬

‫والمرابطة‪ :‬الرصاد لحفظ الثغر‪ - 59 .‬اقول‪ :‬وروى القاضي نور ال‬

‫التستري ]قدس ال روحه[ في كتاب " مجالس المؤمنين " عن الصادق‬

‫عليه السلم أنه قال‪ :‬إن ل حرما وهو مكة‪ ،‬أل إن لرسول ال حرما وهو‬

‫المدينة‪ ،‬أل وإن لمير المؤمنين حرما وهو الكوفة‪ ،‬أل وإن قم الكوفة‬

‫الصغيرة‪ .‬أل إن للجنة ثمانية أبواب ثلثة منها إلى قم‪ ،‬تقبض فيها امرأة‬

‫من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى‪ ،‬وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة‬

‫بأجمعهم‪ - 60 .‬وعن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬يا سعد من‬
‫زارها فله الجنة‪ - 61 .‬وعنه عليه السلم قال‪ :‬إذا عمت البلدان الفتن‬

‫والبليا فعليكم بقم وحواليها ونواحيها‪ ،‬فإن البليا مدفوع )‪ (1‬عنها‪- 62 .‬‬

‫وعن الرضا عليه السلم قال‪ :‬للجنة ثمانية أبواب فثلثة منها لهل قم‪،‬‬

‫فطوبى لهم ثم طوبى لهم‪ - 63 .‬وعن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪:‬‬

‫صلوات ال على أهل قم‪ ،‬ورحمة ال على أهل قم‪ ،‬سقى ال بلدهم الغيث ‪-‬‬

‫إلى آخر ما مر عن الصادق عليه السلم‪ - 64 .‬وأقول‪ :‬روى الشيخ الجل‬

‫عبد الجليل الرازي في كتاب القصص بإسناده عن النبي صلى ال عليه‬

‫واله قال‪ :‬لما عرج بي إلى السماء مررت بأرض بيضاء كافورية شممت‬

‫بها رائحة طيبة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا جبرئيل ما هذه البقعة ؟ قال‪ :‬يقال لها " آبة "‬

‫عرضت عليها رسالتك وولية ذريتك فقبلت‪ ،‬وإن ال يخلق منها رجال‬

‫يتولونك ويتولون ذريتك فبارك ال عليها وعلى أهلها‪ - 65 .‬معجم البلدان‪:‬‬

‫قال‪ :‬روي أنه في التورية مكتوب‪ :‬الري باب من أبواب الرض وإليها‬

‫متجر الخلق‪ .‬وقال الصمعي‪ :‬الري عروس الدنيا وإليها متجر‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع النسخ التى بأيدينا‪ ،‬والظاهر " مدفوعة "‪.‬‬

‫]‪[229‬‬
‫الناس‪ .‬قال‪ :‬وروي عن جعفر الصادق عليه السلم أن الري وقزوين‬

‫وساوه ملعونات شؤمات‪ - 56 .‬كشف الغمة‪ :‬عن ابن أعثم الكوفي‪ ،‬عن‬

‫أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬ويحا للطالقان فإن ل تعالى بها كنوزا‬

‫ليست من ذهب ول فضة‪ ،‬ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا ال حق معرفته‬

‫وهم أنصار المهدي في آخر الزمان‪ - 57 .‬وأقول‪ :‬وجدت في أصل عتيق‬

‫من اصول أصحابنا أظن أنه لوالد الصدوق أو ممن عاصره عن عبد العزيز‬

‫بن جعفر بن محمد‪ ،‬عن عبد العزيز بن يونس الموصلي‪ ،‬عن إبراهيم بن‬

‫الحسين‪ ،‬عن محمد بن خلف‪ ،‬عن موسى بن إبراهيم عن الكاظم عن أبيه‬

‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬قزوين‬

‫باب من أبواب الجنة‪ - 58 .‬الدر المنثور‪ :‬من عدة كتب عن ابن عباس قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمكة‪ :‬ما أطيبك من بلدة وأحبك إلى !‬

‫لول أن‪ .‬قومك أخرجوني منك ما خرجت‪ .‬وفي رواية اخرى‪ :‬ما سكنت‬

‫غيرك )‪ - 59 .(1‬وعن عبد الرحمان بن سابط قال‪ :‬لما أراد رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط‬

‫المسجد والتفت إلى البيت فقال‪ :‬إني لعلم ما وضع ال في الرض بيتا‬

‫أحب إليه منك‪ ،‬وما في الرض بلد أحب إليه منك‪ ،‬وما خرجت عنك رغبة‬

‫ولكن الذين كفروا هم أخرجوني )‪ - 60 .(2‬كتاب قسمة أقاليم الرض‬

‫وبلدانها تأليف بعض المخالفين‪ :‬قال‪ :‬بلد المهدي مدينة حسنة حصينة‬
‫بناها المهدي الفاطمي وحصنها وجعل لها أبوابا من حديد‪ ،‬في كل باب ما‬

‫يزيد على المائة قنطار‪ ،‬ولما بناها وأحكمها قال‪ :‬الن أمنت على‬

‫الفاطميين‪ .‬بيان‪ :‬اقول‪ :‬لهذه المدينة قصة طويلة غريبة أوردتها في كتاب‬

‫الغيبة‪ - 71 .‬ومن الكتاب المذكور‪ :‬قال دخل ذوالقرنين جزيرة عظيمة فوجد‬

‫بها قوما قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحمم السود فسلم عليهم فردوا‬

‫عليه السلم فسألهم‪ :‬ما عيشكم يا قوم في هذا المكان ؟ قالوا‪ :‬ما رزقنا ال‬

‫من السماك وأنواع النبات ونشرب من هذه‬

‫)‪ (1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .123‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.123‬‬

‫]‪[230‬‬

‫المياه العذبة‪ .‬قال لهم أل أنقلكم إلى عيشة أطيب مما أنتم فيه وأخصب ؟‬

‫فقالوا له‪ :‬و ما نصنع به ؟ إن عندنا في جزيرتنا هذه ما يغني جميع العالم‬

‫ويكفيهم لو صاروا إليه و أقبلوا عليه ! قال‪ :‬وما هو ؟ فانطلقوا إلى واد ل‬

‫نهاية لطوله وعرضه وهو منضد من ألوان الدر والياقوت والزبرجد‬

‫والبلخش والحجار التي لم تر في الدنيا والجواهر التي ل تقوم‪ ،‬ورأى شيئا‬

‫ل يحتمله العقول ول يوصف‪ ،‬ولو اجتمع العالم على نقله أو بعضه لعجزوا‪،‬‬

‫فقال‪ :‬ل إله إل ال وسبحان من له الملك العظيم ويخلق ال مال يعلمه‬


‫الخلئق‪ .‬ثم انطلقوا به من شفير ذلك الوادي حتى أتوا به إلى مستو واسع‬

‫من الرض به أصناف الشجار‪ ،‬وأنواع الثمار‪ ،‬وألوان الزهار‪ ،‬وأجناس‬

‫الطيار‪ ،‬وخرير النهار‪ ،‬وأفياء وظلل‪ ،‬ونسيم ذو اعتدال‪ ،‬ونزه ورياض‪،‬‬

‫وجنات وغياض‪ ،‬فلما رأى ذو القرنين ذلك سبح ال العظيم واستصغر أمر‬

‫الوادي وما به من الجواهر عند ذلك المنظر البهيج الزاهر‪ .‬فلما تعجب قالوا‬

‫له‪ :‬في ملك ملك في الدنيا بعض ما ترى ؟ قال‪ :‬ل وحق عالم السر‬

‫والنجوى‪ .‬فقالوا‪ :‬كل هذا بين أيدينا ول تميل أنفسنا إلى شئ من ذلك‬

‫واقتنعنا بما نقوى به على عبادة الرب الخالق‪ ،‬ومن ترك ل شيئا عوضه‬

‫ال خيرا منه‪ ،‬فسرعنا ودعنا بحالنا‪ ،‬أرشدنا ال وإياك‪ .‬ثم ودعوه وفارقوه‬

‫وقالوا له‪ :‬دونك والوادي فاحمل منه ما تريد‪ .‬فأبى أن يأخذ من ذلك شيئا‪.‬‬

‫قال‪ :‬ثم أتى ذوالقرنين جزيرة عظيمة فرأى بها قوما لباسهم ورق الشجر‪،‬‬

‫وبيوتهم كهوف في الصخر والحجر فسألهم عن مسائل في الحكمة‪،‬‬

‫فأجابوه بأحسن جواب وألطف خطاب‪ ،‬فقال لهم‪ :‬سلوا حوائجكم لتقضى‪،‬‬

‫فقالوا له‪ :‬نسألك الخلد في الدنيا‪ .‬فقال‪ :‬وأنى به لنفسي ؟ ! ومن ل يقدر‬

‫على زيادة نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد ؟ ! فقال كبيرهم‪ :‬نسألك‬

‫صحة في أبداننا ما بقينا‪ .‬فقال‪ :‬وهذا أيضا ل أقدر عليه‪ .‬فقالوا‪ :‬فعرفنا بقية‬

‫أعمارنا فقال‪ :‬ل أعرف ذلك لروحي فكيف بكم ؟ فقالوا له‪ :‬فرغنا نطلب ذلك‬

‫ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك‪ .‬وجعل الناس ينظرون إلى كثرة جنوده‬
‫وعظمة موكبه‪ ،‬وبينهم شيخ صعلوك ل يرفع رأسه‪ ،‬فقال له ذوالقرنين‪:‬‬

‫مالك ل تنظر إلى ما ينظر إليه الناس ؟ قال الشيخ‪ :‬ما أعجبني الملك الذي‬

‫رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى ملكك‪ .‬فقال‪:‬‬

‫]‪[231‬‬

‫وما ذاك ؟ قال الشيخ‪ :‬كان عندنا ملك وآخر صعلوك )‪ (1‬فماتا في يوم واحد‬

‫ثم جئت إليهما واجتهدت أن أعرف الملك من الصعلوك )‪ (2‬فلم أعرفه‪.‬‬

‫قال‪ :‬فتركهم ذوالقرنين وانصرف عنهم‪ - 62 .‬العيون‪ :‬عن تميم بن عبد ال‬

‫القرشي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن علي النصاري‪ ،‬عن أبي الصلت الهروي‬

‫قال‪ :‬كنت عند الرضا عليه السلم فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه‬

‫فرد عليهم وقربهم ثم قال لهم‪ :‬مرحبا بكم وأهل ! فأنتم شيعتنا حقا‪،‬‬

‫فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس‪ ،‬أل فمن زارني وهو على‬

‫غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )‪ - 73 .(3‬ومنه‪ :‬عن محمد بن أحمد‬

‫السناني‪ ،‬عن محمد بن جعفر السدي‪ ،‬عن سهل ابن زياد‪ ،‬عن عبد العظيم‬

‫بن عبد ال الحسني قال‪ :‬سمعت علي بن محمد العسكري عليه السلم‬

‫يقول‪ :‬أهل قم وأهل آبة مغفور لهم لزيارتهم لجدي علي بن موسى الرضا‬

‫عليه السلم بطوس أل ومن زاره فأصابه في طريقه قطرة من السماء حرم‬

‫ال جسده على النار )‪ - 74 .(4‬الكافي‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن محمد‬
‫بن سالم ; وعلي بن إبراهيم عن أبيه‪ ،‬جميعا عن أحمد بن النضر ; ومحمد‬

‫بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن الحسين ابن أبي قتادة‪ ،‬جميعا عن‬

‫عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬خرج رسول‬

‫ال صلى ال عليه واله لعرض الخيل ‪ -‬وساق الحديث إلى قوله ‪ -‬فمر‬

‫بفرس )‪ (5‬فقال عيينة ابن حصين‪ :‬إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت‪ .‬فقال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك‪ .‬فقال‪ :‬وأنا أعلم‬

‫بالرجال منك‪ .‬فغضب رسول ال صلى ال عليه واله حتى ظهر الدم في‬

‫وجهه‪ ،‬فقال له‪ :‬فأي الرجال أفضل ؟ فقال عيينة بن حصين‪ :‬رجال يكونون‬

‫بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم‪ ،‬ورماحهم على كواثب خيلهم‪ ،‬ثم‬

‫يضربون بها قدما‪.‬‬

‫)‪ (1‬صلعوك )خ(‪ (2) .‬الصلعوك )خ( )‪ 3‬و ‪ (4‬العيون‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪) .260‬‬

‫‪ (5‬في بعض النسخ " فمر به فرس "‪.‬‬

‫]‪[232‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬كذبت‪ ،‬بل رجال أهل اليمن أفضل‪،‬‬

‫اليمان يماني )‪ ،(1‬و الحكمة يمانية‪ ،‬ولول الهجرة لكنت امرءا من أهل‬

‫اليمن‪ .‬الجفاء والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر من حيث‬


‫يطلع قرن الشمس‪ ،‬ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة‪ ،‬وحضرموت خير من‬

‫عامر بن صعصعة ‪ -‬وروى بعضهم‪ :‬خير من الحرث بن معاوية ‪ -‬وبجيلة‬

‫خير من رعل وذكوان‪ ،‬وإن يهلك لحيان فل ابالي‪ .‬ثم قال‪ :‬لعن ال الملوك‬

‫الربعة‪ :‬جمدا‪ ،‬ومخوسا‪ ،‬ومشرحا‪ ،‬وأبضعة‪ ،‬واختهم العمردة ‪ -‬و ساق‬

‫الحديث إلى قوله ‪ -‬لعن ال رعل وذكوان وعضل ولحيان والمجذمين من‬

‫أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبل ذا السنان وابني مليكة )‪ (2‬بن‬

‫جزيم ومروان وهوذة وهونة )‪ - 65 .(3‬كتاب جعفر بن محمد بن شريح‪:‬‬

‫عن معلى الطحان‪ ،‬عن بريد بن )‪ (4‬يزيد ابن جابر‪ ،‬عن عبد ال بن بشير‪،‬‬

‫عن ابن عيينة بن حصين قال‪ :‬عرض رسول ال صلى ال عليه واله يوما‬

‫خيل وعنده أبي ‪ -‬عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر ‪ -‬فقال رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬أنا أبصر بالخيل منك‪ .‬فقال عيينة‪ :‬وأنا أبصر بالرجال‬

‫منك يا رسول ال‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬كيف ؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬إن‬

‫خير الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم‪ ،‬ويعرضون رماحهم على‬

‫مناكب خيولهم من أهل نجد‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه واله‪ :‬كذبت‪ ،‬إن خير‬

‫الرجال أهل اليمن‪ ،‬واليمان يمان وأنا يماني‪ ،‬وأكثر قبائل دخول الجنة يوم‬

‫القيامة مذحج‪ ،‬وحضرموت خير من بني الحرث بن معاوية حي من كندة‪،‬‬

‫إن يهلك لحيان فل ابالي‪ ،‬فلعن ال الملوك الربعة‪ :‬جمدا‪ ،‬ومخوسا‪،‬‬


‫ومشرحا وأبضعة‪ ،‬واختهم العمردة‪ .‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬قال أبو عبيدة‪:‬‬

‫يقال " كان من المر كيت وكيت ‪ -‬بالفتح ‪-‬‬

‫)‪ (1‬يمان )خ(‪ (2) .‬ملكة )خ(‪ (3) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (4) .72 - 70‬وفى‬

‫بعض النسخ " يزيد بن جابر " وفى بعضها " يزيد بن جابر " وأياما كان‬

‫فلم نجد له ذكرا في كتب الرجال‪.‬‬

‫]‪[233‬‬

‫وكيت وكيت ‪ -‬بالكسر ‪ " -‬والتاء فيهما هاء في الصل فصارت تاءا‪ .‬وفي‬

‫النهاية‪ :‬الكواثب جمع كاثبة‪ ،‬وهي من الفرس‪ :‬مجتمع كتفيه قدام السرج‪.‬‬

‫وقال‪ :‬رجل قدم ‪ -‬بضمتين ‪ -‬أي شجاع‪ ،‬ومضى قدما أي لم يعرج ولم ينثن‪.‬‬

‫وقال‪ :‬فيه " اليمان يمان والحكمة يمانية " إنما قال ذلك لن اليمان بدا‬

‫من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال‪ :‬الكعبة‬

‫اليمانية‪ .‬وقيل‪ :‬إنه قال هذا القول للنصار لنهم يمانون وهم نصروا‬

‫اليمان والمؤمنين وآووهم فنسب اليمان إليهم‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬اليمن‬

‫بلد للعرب‪ ،‬والنسبة إليهم يمني‪ ،‬ويمان مخففة واللف عوض من ياء‬

‫النسب فل يجتمعان‪ ،‬قال سيبويه‪ :‬وبعضهم يقول يماني بالتشديد ‪ -‬انتهى ‪.-‬‬

‫وقال في شرح السنة‪ :‬هذا ثناء على أهل اليمن لسراعهم إلى اليمان‬
‫وحسن قبولهم إياه‪ .‬قوله صلى ال عليه واله " لول الهجرة " لعل المعنى‪:‬‬

‫لول أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن إذ مكة منها‪ ،‬أو المراد‬

‫أنه لول أن المدينة كانت أول دار هجرتي واخترتها بأمر ال لتخذت اليمن‬

‫وطنا‪ ،‬أو الغرض أنه لول أن الهجرة أشرف لعددت نفسي من النصار‪.‬‬

‫وفي النهاية‪ :‬فيه أن الجفاء والقسوة في الفدادين‪ .‬الفدادون بالتشديد هم‬

‫الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم‪ ،‬واحدهم فداد‪ ،‬يقال‪ :‬فد الرجل‬

‫يفد فديدا إذا اشتد صوته‪ ،‬وقيل‪ :‬هم المكثرون من البل‪ .‬وقيل‪ :‬هم‬

‫الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان‪ ،‬وقيل‪ .‬إنما هو الفدادين ‪ -‬مخففا‬

‫‪ -‬واحدها فدان ‪ -‬مشددا ‪ -‬وهي البقر التي يحرث بها‪ ،‬وأهلها أهل جفاء‬

‫وقسوة )‪ - (1‬انتهى ‪ .-‬قوله " أصحاب الوبر " أي أهل البوادي‪ ،‬فإن‬

‫بيوتهم يتخذونها منه‪ .‬قوله‪ " :‬من حيث يطلع قرن الشمس " قال‬

‫الجوهري‪ :‬قرن الشمس أعلها وأول ما يبدو منها في الطلوع ‪ -‬انتهى ‪-‬‬

‫ولعل المراد أهل البوادي من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي‬

‫في شرقي المدينة‪ .‬وروى في شرح السنة بإسناده عن عقبة بن عمرو قال‪:‬‬

‫أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال‪ :‬اليمان يمان‬

‫ههنا‪ ،‬إل أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند اصول أذناب البل حيث‬

‫يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر‬


‫)‪ (1‬في النهاية‪ :‬اهل جفاء وغلظة‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪.187‬‬

‫]‪[234‬‬

‫وبإسناده عن ابن عمر أنه قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يشير‬

‫إلى المشرق ويقول‪ :‬إن الفتنة ههنا ! إن الفتنة ههنا ! من حيث يطلع قرن‬

‫الشيطان‪ .‬وقال النووي‪ :‬قرنا الشيطان قبل المشرق أي جمعاه المغويان أو‬

‫شيعتاه من الكفار‪ ،‬يريد مزيد تسلطه في المشرق‪ ،‬وكان ذلك في عهده‬

‫صلى ال عليه وسلم ويكون حين يخرج الدجال من المشرق‪ ،‬وهو في ما‬

‫بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الترك العاتية ‪ -‬انتهى ‪ -‬ول يبعد أن‬

‫يكون في هذا الخبر أيضا " قرن الشيطان " فصحف‪ .‬وقال الجوهري‪:‬‬

‫مذحج ‪ -‬كمسجد ‪ :-‬أبو قبيلة من اليمن‪ .‬وقال‪ :‬حضرموت اسم بلد وقبيلة‬

‫أيضا‪ ،‬وهما اسمان جعل واحدا إن شئت بنيت السم الول على الفتح‬

‫وأعربت الثاني بإعراب مال ينصرف قلت‪ :‬هذا حضرموت‪ ،‬وإن شئت‬

‫أضفت الول إلى الثاني قلت‪ :‬هذا حضرموت‪ ،‬أعربت حضرا وخفضت موتا‪،‬‬

‫وكذلك القول في سام أبرص ورام هرمز‪ .‬وقال‪ :‬عامر بن صعصعة أبو‬

‫قبيلة وهو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‪ .‬وفي القاموس‪:‬‬

‫بجيلة ‪ -‬كسفينة ‪ :-‬حي باليمن من معد‪ .‬ورعل وذكوان قبيلتان من بني‬

‫سليم‪ .‬وقال‪ :‬لحيان أبو قبيلة‪ .‬وقال‪ :‬مخوس ‪ -‬كمنبر ‪ -‬ومشرح وجمد‬
‫وأبضعة بنو معدي كرب الملوك الربعة الذين لعنهم رسول ال صلى ال‬

‫عليه وسلم ولعن اختهم العمردة وفدوا مع الشعث فأسلموا ثم ارتدوا فقتلوا‬

‫يوم النجير‪ ،‬فقالت نائحتهم " يا عين بكي للملوك الربعة " وقال‪ :‬العمرد ‪-‬‬

‫كعملس ‪ :-‬الطويل من كل شئ ‪ -‬إلى أن قال ‪ -‬وبهاء‪ :‬اخت الذين لعنهم‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬انتهى ‪ -‬و " المجذمين " لعل المراد بهم‬

‫المنسوبون إلى الجذيمة‪ ،‬ولعل أسدا وغطفان كلتيهما منسوبتان إليها‪ .‬قال‬

‫الجوهري‪ :‬جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي ‪ -‬بالتحريك ‪-‬‬

‫وكذلك إلى جذيمة بني أسد‪ .‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬غطفان ‪ -‬محركة ‪ -‬حي‬

‫من قيس‪ .‬ولعل شهبل ‪ -‬بالشين المعجمة والباء الموحدة‪ ،‬و في بعض‬

‫النسخ السين المهملة والياء المثناة ‪ -‬اسم‪ ،‬وكذا ما بعده إلى آخر الخبر‬

‫أسماء رجال‪ .‬وأقول‪ :‬قد مضت الخبار الكثيرة في ذم البصرة في كتب‬

‫الفتن‪ ،‬وسيأتي أخبار مدح الكوفة والغري وكربل وطوس ومكة والمدينة‬

‫في كتاب المزار وكتاب الحج لم نوردها ههنا حذرا من التكرار‪.‬‬

‫]‪[235‬‬

‫‪ - 76‬اكمال الدين‪ :‬عن عبد ال بن محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬عن أحمد بن‬

‫محمد بن عبد ال بن زيد الشعراني من ولد عمار بن ياسر ‪ -‬رضي ال عنه‬

‫‪ -‬يقول‪ :‬حكى أبو القاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن حمادويه‬
‫بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله‪،‬‬

‫فاغري بالهرمين فأشار عليه ثقاته وحاشيته وبطانته أن ل يتعرض لهدم‬

‫الهرام‪ ،‬فإنه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلك‪ ،‬وأمر ألفا من‬

‫الفعلة أن يطلبوا الباب وكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا وكلوا‪،‬‬

‫فلما هموا بالنصراف بعد الياس منه وترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه‬

‫الباب الذي يطلبونه فلما بلغوا آخره وجدوا بلطة قائمة من مرمر فقدروا‬

‫أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها‪ ،‬فإذا عليها كتابة‬

‫يونانية‪ ،‬فجمعوا حكماء مصر و علماءها فلم يهتدوا لها‪ ،‬وكان في القوم‬

‫رجل يعرف بأبي عبد ال المدائني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها‪ ،‬فقال لبي‬

‫الحسن )‪ (1‬حمادويه بن أحمد‪ :‬أعرف في بلد الحبشة اسقفا قد عمر وأتى‬

‫عليه ثلثمائة وستون سنة يعرف هذا الخط‪ ،‬وقد كان عزم على أن يعلمنيه‬

‫فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق‪ .‬فكتب أبو الحسن إلى ملك‬

‫الحبشة يسأله أن يحمل هذا السقف إليه‪ ،‬فأجابه أن هذا قد طعن في السن‬

‫وحطمه الزمان وإنما يحفظه هذا الهواء‪ ،‬وخاف عليه إن نقل إلى هواء‬

‫آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف‪ ،‬وفي بقائه لنا‬

‫شرف وفرج وسكينة‪ ،‬فان كان لكم شئ يقرأه أو يفسره أو )‪ (2‬مسألة‬

‫تسألونه فالكتب بذلك‪ .‬فحملت البلطة في قارب إلى بلد " أسوان " من‬

‫الصعيد العلى‪ ،‬وحملت من أسوان على العجلة إلى بلد الحبشة وهي‬
‫قريبة من أسوان‪ ،‬فلما وصلت قرأها السقف وفسر ما فيها بالحبشية ثم‬

‫نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب‪ " :‬أنا الريان بن دومغ " فسئل أبو عبد‬

‫ال عن الريان من هو ؟ قال‪ :‬هو والد العزيز ملك يوسف عليه السلم‬

‫واسمه الريان بن دومغ‪ ،‬وقد كان‬

‫)‪ (1‬الجيش )خ(‪ (2) .‬و )خ(‪.‬‬

‫]‪[236‬‬

‫عمر العزيز سبعمائة سنة وعمر الريان والده ألف وسبعمائة سنة وعمر‬

‫دومغ ثلثة آلف سنة‪ .‬فإذا فيها‪ " :‬أنا الريان بن دومغ‪ ،‬خرجت في طلب‬

‫علم النيل‪ ،‬لعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مغيضه )‪ (1‬فخرجت ومعي‬

‫ممن صحبت أربعة آلف ]ألف[ رجل‪ ،‬فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت‬

‫إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا‪ ،‬فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر‬

‫فيه ولم يكن له منفذ وتماوت أصحابي وبقيت )‪ (2‬في أربعة آلف رجل‬

‫فخشيت على ملكي فرجعت إلى مصر وبنيت الهرام والبرابي وبنيت‬

‫الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري‪ ،‬وقلت في ذلك شعرا‪ :‬وأدرك علمي‬

‫بعض ما هو كائن * ول علم لي بالغيب وال أعلم وأتقنت ما حاولت إتقان‬

‫صنعه * وأحكمته وال أقوى وأحكم وحاولت علم النيل من بدء )‪ (3‬فيضه‬
‫* فأعجزني والمرء بالعجز ملجم ثمانين شاهورا قطعت مسائحا * وحولي‬

‫بنو حجر وجيش عرمرم إلى أن قطعت الجن والنس كلهم * وعارضني لج‬

‫من البحر مظلم فأيقنت أن ل منفذا بعد منزلي * لذي هيئة بعدي ول متقدم‬

‫فأبت إلى ملكي وأرسيت ناديا * بمصر ول اليام بؤس وأنعم أنا صاحب‬

‫الهرام في مصر كلها * وباني برابيها بهاو المقدم تركت بها آثار كفي‬

‫وحكمتي * على الدهر ل تبلى ول تتهدم وفيها كنوز جمة وعجائب *‬

‫وللدهر أمر مرة وتهجم سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي * ولي لربي آخر‬

‫الدهر يسجم بأكناف بيت ال تبدو اموره * ولبد أن يعلو ويسمو به السم‬

‫ثمان وتسع واثنتان وأربع * وتسعون اخرى من قتيل وملجم‬

‫)‪ (1‬مفيضه )خ(‪ (2) .‬فبقيت )خ(‪ (3) .‬بعد )خ(‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫ومن بعد هذا كر تسعون تسعة * وتلك البرابي تستخر وتهدم وتبدى كنوزي‬

‫كلها غير أنني * أرى كل هذا أن يفرقه الدم رمزت مقالي في صخور‬

‫قطعتها * ستفنى وأفنى بعدها ثم اعدم )‪ (1‬فحينئذ قال أبو الحسن حمادويه‬

‫بن أحمد‪ :‬هذا شئ ليس لحد فيها حيلة إل القائم من آل محمد عليهم السلم‬

‫وردت البلطة مكانها كما كانت‪ .‬ثم إن أبا الحسن )‪ (2‬بعد ذلك بسنة قتله‬
‫طاهر الخادم على فراشه وهو سكران‪ ،‬ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين‬

‫ومن بناهما‪ .‬فهذا أصح ما يقال في خبر النيل والهرمين‪ .‬بيان‪ :‬السرب ‪-‬‬

‫بالتحريك ‪ :-‬الحفير تحت الرض‪ .‬والبلطة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الحجارة التي تفرش‬

‫في الدار‪ .‬والقارب‪ :‬السفينة الصغيرة‪ .‬والسوان ‪ -‬بالضم و يفتح ‪ -‬بلد‬

‫بالصعيد بمصر‪ .‬كل ذلك ذكره الفيروز آبادي‪ .‬وقال‪ :‬الهرمان ‪ -‬بالتحريك ‪-‬‬

‫بناءان أوليان بناهما إدريس عليه السلم لحفظ العلوم فيهما عن الطوفان‪،‬‬

‫أو بناء سنان بن المشلشل أو بناء الوائل لما علموا بالطوفان من جهة‬

‫النجوم وفيهما كل طب وطلسم وهنالك أهرام صغار كثيرة ‪ -‬انتهى ‪ .-‬وقال‬

‫أبو ريحان في كتاب الثار الباقية‪ :‬إن الفرس وعامة المجوس أنكروا‬

‫الطوفان بكليته‪ ،‬وزعموا أن الملك متصل فيه من لدن " كيومرث گل شاه‬

‫" الذي هو النسان الول عندهم‪ ،‬ووافقهم على إنكارهم إياه الهند والصين‬

‫وأصناف المم المشرقية‪ ،‬وأقربه بعض الفرس ووصفوه بغير الصفة‬

‫الموصوف بها في كتب النبياء‪ ،‬وقالوا‪ :‬كان من ذلك شئ بالشام والمغرب‬

‫في زمان طهمورث لم يعم العمران كلها ولم يغرق فيه إل امم قليلة‪ ،‬وإنه لم‬

‫يجاوز عقبة حلوان ولم يبلغ ممالك المشرق‪ .‬وقالوا‪ :‬إن أهل المغرب لما‬

‫أنذر به حكماؤهم بنوا أبنية كالهرمين المبنيتين في أرض مصر‪ ،‬وقالوا‪ :‬إذا‬

‫كانت الفة من السماء دخلناها وإذا كانت من الرض صعدناها‪ ،‬فزعموا أن‬
‫آثار ماء الطوفان وتأثيرات المواج بينة على أنصاف هذين الهرمين لم‬

‫يجاوزهما‪ .‬وقيل‪ :‬إن يوسف عليه السلم بناهما وجعل فيهما الطعام و‬

‫)‪ (1‬عدم )خ(‪ (2) .‬ابا الجيش )خ(‪.‬‬

‫]‪[238‬‬

‫الميرة سني القحط‪ .‬وقالوا‪ :‬إن طهمورث لما اتصل به النذار وذلك قبل‬

‫كونه بمأتين وإحدى وثلثين سنة أمر باختيار موضع في مملكته صحيح‬

‫الهواء والتربة‪ ،‬فلم يجدوا أحق بهذه الصفة من إصبهان‪ ،‬فأمر بتجليد‬

‫العلوم ودفنها في أسلم المواضع منه‪ ،‬وقد يشهد لذلك ما وجد في زماننا‬

‫بجئ )‪ (1‬من مدينة إصبهان من التلل التي انشقت عن بيوت مملوءة‬

‫أعدال كثيرة من لحاء الشجرة التي يلتبس بها القسي والترسة ويسمى "‬

‫التوز " مكتوبة بكتابة لم يدر ما هي وما فيها ‪ -‬انتهى ‪ - 77 .-‬المناقب‪:‬‬

‫عن محمد بن الفيض‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال أبو جعفر الدوانيقي‬

‫)‪ (2‬للصادق عليه السلم‪ :‬تدري ما هذا ؟ وما هو ؟ قال‪ :‬جبل هناك يقطر‬

‫منه ]في السنة[ قطرات فيجمد )‪ (3‬فهو جيد للبياض يكون في العين يكحل‬

‫به فيذهب بإذن ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه‬

‫وحاله‪ .‬هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه‪ ،‬فعبد‬
‫ال عليه‪ ،‬فعلم قومه فقتلوه‪ ،‬وهو يبكي على ذلك النبي‪ ،‬وهذه القطرات من‬

‫بكائه له‪ ،‬ومن الجانب )‪ (4‬الخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ول‬

‫يوصل إلى تلك العين )‪ - 78 .(5‬الدر المنثور‪ :‬قال‪ :‬أخرج الزبير بن بكار‬

‫في الموفقيات عن عبد ال بن عمرو بن العاص‪ ،‬قال‪ :‬عجائب الدنيا أربعة‪:‬‬

‫مرآة كانت معلقة بمنارة السكندرية فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من‬

‫بالقسطنطنية وبينهما عرض البحر ; وفرس كان من نحاس بأرض اندلس‬

‫)‪ (6‬قائل بكفه كذا باسط يده أي ليس خلفي مسلك‪ ،‬فل يطأ تلك البلد أحد‬

‫إل أكلته النمل ; ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض‬

‫)‪ (1‬يجئ )خ(‪ (2) .‬الدوانيق )خ(‪ (3) .‬كذا في جميع النسخ‪ ،‬والظاهر "‬

‫فتجمد "‪ (4) .‬في اكثر النسخ " ومن جانب الخر " والصواب ما في المتن‬

‫موافقا لنسخة مخطوطة‪ (5) .‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ (6) .236‬الندلس )خ(‪.‬‬

‫]‪[239‬‬

‫عاد‪ ،‬فإذا كانت الشهر الحرم اكرم هطل منه الماء وسقوا )‪ (1‬وصبوا في‬

‫الحياض فإذا انقضت الشهر الحرم انقطع ذلك الماء ; وشجرة من نحاس‬

‫عليها سودانية )‪ (2‬من نحاس بأرض رومية‪ ،‬فإذا كان أوان الزيتون‬

‫صفرت السودانية التي من نحاس فتجئ كل سودانية من الطيارات بثلث‬


‫زيتونات‪ :‬زيتونتين برجليها‪ ،‬وزيتونة بمنقارها حتى تلقيه على تلك‬

‫السودانية التي هي من نحاس‪ ،‬فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لدامهم‬

‫وسرجهم سنتهم إلى قابل )‪ - 79 (3‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‬

‫بن محمد‪ ،‬عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن من وراء اليمن واديا يقال له " وادي برهوت " ول‬

‫يجاوز ذلك الوادي إل الحيات السود والبوم من الطير )‪ (4‬في ذلك الوادي‬

‫بئر يقال لها " بلموت )‪ " (5‬يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين‪ ،‬يسقون‬

‫من ماء الصديد‪ ،‬خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم " الذريح " لما أن بعث‬

‫ال عزوجل محمدا صلى ال عليه وآله صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه‬

‫ونادى فيهم‪ :‬يا آل الذريح ! ‪ -‬بصوت فصيح ‪ -‬أتى رجل بتهامة يدعو إلى‬

‫شهادة أن ل إله إل ال‪ .‬قالوا‪ :‬لمر ما أنطق ال هذا العجل ! قال‪ :‬فنادى‬

‫فيهم ثانية‪ ،‬فعزموا على أن يبنوا سفينة‪ ،‬فبنوها و نزل فيها سبعة منهم‪،‬‬

‫وحملوا من الزاد ما قذف ال في قلوبهم‪ ،‬ثم رفعوا شراعا )‪ (6‬و سيبوها‬

‫في البحر‪ ،‬فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة‪ ،‬فأتوا النبي صلى ال‬

‫عليه واله فقال لهم النبي صلى ال عليه واله‪ :‬أنتم أهل الذريح نادى فيكم‬

‫العجل ! قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬اعرض علينا يا رسول ال الدين والكتاب‪،‬‬

‫فعرض عليهم رسول ال الدين والكتاب والسنن‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬فإذا كانت الشهر الحرم هطل منه الماء فشرب الناس‬

‫وسقوا‪ (2) ..‬في مخطوطة " سودائية " وكذا في ما يأتي‪ (3) .‬الدر‬

‫المنثور‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪ (4) .97‬في المصدر‪ :‬الطيور‪ (5) .‬في بعض النسخ‬

‫وكذا في المصدر‪ :‬بلهوت‪ (6) .‬في بعض النسخ وكذا في المصدر‪ :‬شراعها‪.‬‬

‫]‪[240‬‬

‫والفرائض والشرائع كما جاء من عند ال ‪ -‬عز ذكره ‪ -‬وولى عليهم رجل‬

‫من بني هاشم سيره معهم‪ ،‬فما بينهم اختلف حتى الساعة )‪ - 80 .(1‬حياة‬

‫الحيوان‪ :‬الهرام من عجائب أبنية الدنيا‪ ،‬وهي قبور الملوك‪ ،‬أرادوا أن‬

‫يتميزوا على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عليهم في حياتهم‪ ،‬قيل‪:‬‬

‫إن المأمون لما وصل إلى مصر أمر بنقب أحد الهرمين فنقب بعد جهد جهيد‬

‫وغرامة نفقة عظيمة فوجد داخله مراق دمها ويعسر سلوكها‪ ،‬ووضع في‬

‫أعلها بيت مكعب طول كل ضلع من أضلعه ثمانية أذرع‪ ،‬وفي وسطه‬

‫حوض فيه مائة رمة بالية قد أتت عليها العصور فكف عن نقب ما سواه‪.‬‬

‫ونقل أن هرمس الول أخنوخ وهو إدريس عليه السلم استدل من أحوال‬

‫الكواكب على كون الطوفان‪ ،‬فأمر ببنيان الهرام‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه ابتناها في مدة‬

‫ستة أشهر وكتب فيها‪ :‬قل لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة عام والهدم‬

‫أيسر من البنيان ! وكسوناها الديباج فليكسها الحصر والحصر أيسر من‬


‫الديباج‪ .‬وقال ابن الجوزي في كتاب " سلوة الحزان "‪ :‬ومن عجائب‬

‫الهرمين أن سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع من رخام وزمرد وفيها‬

‫مكتوب‪ :‬أنا بنيتها )‪ (2‬بملكي فمن ادعى قوة فليهدمها )‪ (3‬فإن الهدم أيسر‬

‫من البناء‪ .‬قال ابن المنادي‪ :‬بلغنا أنهم قدروا خراج الدنيا مرارا فإذا هو ل‬

‫يقوم بهدمها ‪ -‬وال أعلم ‪.-‬‬

‫)‪ (1‬روضة الكافي‪ (2) .261 :‬بنيتهما )خ(‪ (3) .‬فليهمدهما )خ(‪.‬‬

‫]‪[241‬‬

‫)‪) (37‬باب نادر( أقول‪ :‬وجدت في بعض الكتب القديمة هذه الرواية‪،‬‬

‫فأوردتها بلفظها‪ ،‬ووجدتها أيضا في كتاب " ذكر القاليم والبلدان والجبال‬

‫والنهار والشجار " مع اختلف يسير في المضمون وتباين كثير في‬

‫اللفاظ أشرت إلى بعضها في سياق الرواية‪ ،‬وهي هذه‪ :‬مسائل عبد ال بن‬

‫سلم وكان اسمه " اسماويل " فسماه النبي صلى ال عليه واله عبد ال‪،‬‬

‫عن ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬لما بعث النبي صلى ال عليه واله‬

‫أمر عليا أن يكتب كتابا إلى الكفار وإلى النصارى وإلى اليهود‪ ،‬فكتب كتابا‬

‫أمله جبرئيل على النبي صلى ال عليه واله فكتب‪ " :‬بسم ال الرحمن‬

‫الرحيم " من محمد رسول ال إلى يهود خيبر أما بعد فإن الرض ل‬
‫والعاقبة للمتقين والسلم على من اتبع الهدى ولحول ول قوة إل بال‬

‫العلي العظيم " ثم ختم الكتاب وأرسله إلى يهود خيبر‪ .‬فلما وصل الكتاب‬

‫إليهم أتوا إلى شيخهم ابن سلم فقالوا‪ :‬يا ابن سلم هذا كتاب محمد إليك‬

‫فاقرأه علينا فقرأه عليهم فقال لهم‪ :‬ما تريدون من هذا الكلم ؟ وقد أرى‬

‫فيه علمات وجدنا في التوراة أن هذا محمد الذي بشرنا به موسى ابن‬

‫عمران‪ .‬فقالوا‪ :‬ينسخ كتابنا ويحرم علينا ما احل لنا من قبل‪ .‬فقال لهم ابن‬

‫سلم يا قوم اخترتم الدنيا على الخرة والعذاب على المغفرة ! فقالوا‪ :‬يا‬

‫ابن سلم لو كان محمد على ديننا لكان أحب إلينا من غيره‪ .‬فقال‪ :‬أنا أروح‬

‫إليه وأسأله عن أشياء من التوراة فإن أجابني عنها دخلت في دينه وخليت‬

‫دين اليهودية‪ ،‬وقام وأخذ التورات واستخرج منها ألف مسألة وأربعمائة‬

‫مسألة وأربع مسائل من غامض المسائل فأخذها وأتى بها إلى محمد وهو‬

‫في مسجده فقال‪ :‬السلم عليك يا محمد وعلى أصحابك‪ .‬فقالوا‪ :‬وعلى من‬

‫اتبع الهدى السلم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬من أنت يا هذا الرجل ؟ قال‪ :‬أنا‬

‫عبد ال بن سلم‪ ،‬و‬

‫]‪[242‬‬

‫أنا من رسل بني إسرائيل وممن قرأ التوراة‪ ،‬وأنا رسول اليهود إليك مع‬

‫شئ لتبينه لنا ما هو وأنت من المحسنين‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫اجلس يا ابن سلم وسل عما شئت وإن شئت أخبرتك عما تسألني عنه‪.‬‬

‫فقال‪ :‬أخبرني يا محمد فإنني أزداد فيك يقينا‪ .‬فقال‪ :‬يا ابن سلم جئت‬

‫تسألني عن ألف مسألة وأربعمائة مسألة وأربع مسائل نسختها من التوراة‪.‬‬

‫فنكس عبد ال بن سلم رأسه وبكى وقال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬فقال‪ :‬أنبي أنت‬

‫أم رسول ؟ فقال‪ :‬يا ابن سلم إن ال بعثني نبيا ورسول وأنا خاتم النبيين‪،‬‬

‫أفما قرأت في التوراة " محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار‬

‫رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا )‪ - (1‬الية ‪ " -‬؟ وأنزل علي " ما كان‬

‫محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين )‪ " (2‬قال‪ :‬صدقت‬

‫يا محمد‪ ،‬أخبرني أكليم أنت أم وحي ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم بل وحي يأتيني به‬

‫جبرائيل عن رب العالمين‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أخبرني كم خلق ال نبيا‬

‫من بني آدم ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬خلق ال مائة ألف نبي وأربعة وعشرين‬

‫ألف نبي‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أخبرني كم المرسلون منهم ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم كان المرسلون ثلثمأة وثلثة عشر‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد فأخبرني‬

‫من كان أول النبياء ؟ قال‪ :‬آدم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أخبرني آدم كان نبيا‬

‫مرسل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أفما قرأت في التوراة " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم )‪(3‬‬

‫‪ -‬الية ‪ " -‬؟ قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن رسل العرب كم كانوا ؟‬

‫قال‪ :‬ستة )‪ (4‬أولهم إبراهيم وإسماعيل ولوط وصالح وشعيب ومحمد‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم كان بين موسى وعيسى من نبي ؟ قال‪ :‬ألف‪،‬‬
‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فعلى أي دين كانوا ؟ قال‪ :‬على دين ال تعالى ودين‬

‫ملئكته ودين السلم‪ .‬قال‪ :‬وما السلم ؟ وما اليمان ؟ قال‪ :‬أما السلم‬

‫فتشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له والقرار بأن محمدا عبده ورسوله‬

‫وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحج إلى بيت ال الحرام‬

‫إن استطعت إليه سبيل‪ ،‬وأما اليمان فتؤمن بال وملئكته والكتاب والنبيين‬

‫والبعث بعد الموت والقدر‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) .29 :‬الحزاب‪ (3) 40 :‬البقرة‪ (4) .33 :‬سبعة )خ(‪.‬‬

‫]‪[243‬‬

‫خيره وشره من ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أخبرني كم من دين ال‬

‫تعالى ؟ قال‪ :‬دين واحد وهو السلم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فبم كانت‬

‫الشرائع ؟ قال‪ :‬كانت مختلفة في المم الماضية‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأهل‬

‫الجنة يدخلون بالسلم أم باليمان أم بأعمالهم ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‬

‫استوجبوا الجنة باليمان ويدخلون برحمة ال و يقسمونها )‪ (1‬بأعمالهم‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم أنزل ال كتابا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم أنزل‬

‫ال مائة كتاب وأربعة كتب‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني على من انزلت‬

‫هذه الكتب ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬أنزل ال عزوجل على آدم أربعة )‪ (2‬عشرة‬
‫صحيفة وأنزل على إبراهيم عشرين صحيفة ‪ -‬وفي قول أربعة )‪ (3‬عشرة‬

‫صحيفة ‪ -‬وعلى شيث بن آدم خمسين صحيفة‪ ،‬وأنزل على إدريس ثلثين )‬

‫‪ (4‬صحيفة‪ ،‬وأنزل الزبور على داود وأنزل التوراة على موسى‪ ،‬وأنزل‬

‫النجيل على عيسى‪ ،‬وأنزل علي الفرقان‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فهل أنزل‬

‫عليك كتابا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وأي كتاب هو ؟ قال‪ :‬الفرقان قال‪ :‬يا محمد لم‬

‫سماه الرب فرقانا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم لنه يفرق اليات والسور و انزل بغير‬

‫اللواح وغير الصحف‪ ،‬والتوراة والنجيل والزبور كلها جملة في اللواح‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فهل في كتابك شئ من هذه الصحف ؟ قال‪ :‬نعم يا ابن‬

‫سلم‪ .‬قال‪ :‬ما هو يا محمد ؟ فقرأ النبي صلى ال عليه وآله " قد أفلح من‬

‫تزكى ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬صحف إبراهيم وموسى )‪ " (5‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم ابتداؤه بسم ال‬

‫الرحمن الرحيم‪ ،‬وختمه صدق ال ]العلي[ العظيم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فأخبرني عن خمسة أشياء خلقها ال بيده ما هي ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم إن ال‬

‫عزوجل خلق جنة عدن بيده‪ ،‬وغرس شجرة طوبى بيده‪ ،‬وصور آدم بيده‪،‬‬

‫وكتب التوراة بيده‪ ،‬وبنى السماوات بيده ‪ -‬قال صدقت يا محمد ‪-‬‬

‫والسماوات مطويات بيمينه‪ .‬قال‪ :‬صدقت ]قال[ يا ابن سلم أما سمعت قوله‬

‫تعالى " والسماء‬


‫)‪ (1‬يقتسمونها )خ(‪ 2) .‬و ‪ (3‬كذا‪ (4) .‬عشرين )خ(‪ (5) .‬العلى‪.19 :‬‬

‫]‪[244‬‬

‫بنيناها بأيد وإنا لموسعون )‪ " (1‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أخبرني من أخبرك‬

‫بهذا‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني جبرائيل‪ .‬قال‪ :‬عن من ؟ قال‪ :‬عن ميكائيل‪ .‬قال‪ :‬عن‬

‫من ؟ قال‪ :‬عن إسرافيل‪ .‬قال‪ :‬عن من ؟ قال‪ :‬عن اللوح المحفوظ‪ .‬قال‪ :‬عن‬

‫من ؟ قال‪ :‬عن القلم‪ .‬قال‪ :‬عن من ؟ قال‪ :‬عن رب العالمين‪ .‬قال‪ :‬وكيف ذلك‬

‫يا محمد ؟ قال ]النبي صلى ال عليه واله[‪ :‬يأمر ال القلم يكتب في اللوح‪،‬‬

‫وينزل في اللوح على إسرافيل‪ ،‬ويبلغ إسرافيل ميكائيل ويبلغ ميكائيل‬

‫جبرائيل‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن جبرائيل في زي الذكران أم‬

‫في زي الناث ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم بل هو في زي الذكران‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني ما‬

‫طعامه وما شرابه ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم طعامه التسبيح وشرابه التهليل‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد فأخبرني ما طوله ؟ وما عرضه ؟ وما صفته ؟ وما لباسه ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم على قدر الملئكة ل بالطويل العلى ول بالقصير الدنى‪،‬‬

‫أغر‪ ،‬مكحول‪ ،‬ضوؤه كضوء النهار عند ظلمة الليل‪ ،‬له أربعة وعشرون‬

‫جناحا خضراء )‪ (2‬مكللة بالدر والياقوت مختومة باللؤلؤ عليه وشاح‬

‫بطانته من إستبرق وظهارته الوقار والكرامة‪ ،‬وجهه كالزعفران‪ ،‬أقنى‬

‫النف‪ ،‬مدور الحدق‪ (3) ،‬ل يأكل ول يشرب ول يمل ول يسهو وهو قائم‬
‫بوحي ال تعالى إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن بدء‬

‫خلق الدنيا‪ ،‬وأخبرني عن بدء خلق آدم كيف خلقه ال تعالى ؟ قال‪ :‬نعم يا‬

‫ابن سلم‪ ،‬إن ال ‪ -‬سبحانه و تعالى‪ ،‬تقدست أسماؤه ول إله غيره ‪ -‬خلقه‬

‫من طين بيده‪ ،‬وخلق الطين من الزبد‪ ،‬و خلق الزبد من الموج‪ ،‬وخلق‬

‫الموج من الماء‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن آدم لم سمي آدم ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم لنه خلق من طين الرض وأديمها‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فآدم خلق من الطين كله أو بعضه أو من طين واحد ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم بل‬

‫خلقه ال من الطين كله‪ ،‬ولؤ أن آدم خلق من طين واحد لما عرف بعضهم‬

‫بعضا وكانوا على صورة واحدة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬هل لهم مثل بذلك )‬

‫‪ (4‬في الدنيا ؟ قال‪ :‬نعم يا ابن سلم‬

‫)‪ (1‬الزمر‪ (2) .67 :‬خضرا )خ(‪ (3) .‬الحدقة )خ(‪ (4) .‬في مخطوطة‪ :‬هل‬

‫هم كذلك في الدنيا‪.‬‬

‫]‪[245‬‬

‫أفما تنظر إلى التراب منه أبيض‪ ،‬ومنه أسود‪ ،‬ومنه أحمر‪ ،‬ومنه أصفر‪،‬‬

‫ومنه أشقر ومنه أغبر‪ ،‬ومنه أزرق‪ ،‬وفيه عذب وخشن‪ ،‬وفيه لين‪ ،‬وكذلك‬

‫بنو آدم فيهم خشن وفيهم لين وفيهم عذب كذلك ]التراب[ قال‪ :‬صدقت يا‬
‫محمد‪ ،‬فأخبرني من آدم لما خلقه ال عزوجل من أين دخلت الروح فيه ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم دخلت من فيه‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬أدخلت فيه على رضا‬

‫أم على كره ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم أدخله )‪ (1‬ال كرها ويخرجها كرها‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬ما قال ال لدم ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم قال ال لدم‪ :‬يا آدم‬

‫اسكن أنت وزوجك الجنة فكل منها رغدا حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة‬

‫فتكونا من الظالمين‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فكم أكل منها حبة ؟ قال‪ :‬حبتين‬

‫قال‪ :‬وكم أكلت حواء ؟ قال‪ :‬حبتين‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما صفة‬

‫الشجرة ! وكم لها غصن )‪ (2‬؟ وكم كان طول السنبلة ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‬

‫كان لها ثلثة أغصان‪ ،‬و كان طول كل سنبلة ثلثة أشبار‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فكم سنبلة فرك منها آدم ؟ قال‪ :‬سنبلة واحدة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فكم كان في السنبلة من حبة ؟ قال‪ :‬كان فيها خمس حبات‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني ما‬

‫صفة الحبة ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم كانت بمنزلة البيض الكبار‪ .‬قال فأخبرني عن‬

‫الحبة التي بقيت مع آدم ما صنع بها ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم انزلت مع آدم من‬

‫الجنة فزرع آدم تلك الحبة فتناسل من تلك الحبة البركة )‪ .(3‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن آدم أين اهبط من الرض ؟ قال‪ :‬اهبط بالهند‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأين اهبطت حواء ؟ قال‪ :‬بجدة‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‬

‫]فأين اهبطت الحبة )‪ (4‬؟ قال‪ :‬باصبهان‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا محمد[ فأين اهبط‬

‫إبليس ؟ قال‪ :‬ببيسان‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬ما أغزر علمك ! وما‬
‫أصدق لسانك ! فأخبرني ماكان لباس آدم لما اهبط من الجنة ؟ قال‪ :‬ثلث‬

‫أوراق من ورق الجنة متوشحا بالواحدة‪ ،‬متزرا بالخرى متعمما بالثالثة‪.‬‬

‫]قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني في أي مكان اجتمعا ؟ قال‪ :‬بعرفات[‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬كذا‪ (3) .‬فتناسل منها الحب في الرض فبورك فيها‪ (4) .‬في‬

‫بعض النسخ " الحبة "‪.‬‬

‫]‪[246‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني خلقت حواء من آدم أم آدم من حواء ؟ قال‪:‬‬

‫يا ابن سلم خلقت حواء من آدم‪ ،‬ولو أن خلق آدم من حواء لكان الطلق‬

‫بيد النساء ولم يكن بيد الرجال‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني خلقت من كله أو من بعضه ؟‬

‫قال‪ :‬خلقت من بعضه ولو خلقت من كله لكان القضاء في النساء ولم يكن‬

‫في الرجال‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن باطنه خلقت أم من ظاهره ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم بل خلقت من باطنه‪ ،‬ولو خلقت من ظاهره لكشفت النساء‬

‫من أبدانهن كما تكشف الرجال‪ .‬قال‪ :‬فمن يمينه خلقت أم من شماله ؟ قال‪:‬‬

‫بل خلقت من شماله‪ ،‬ولو خلقت من يمينه لكان حظ النثى مثل حظ الذكر‬

‫وشهادتها كشهادته‪ ،‬ومن أجل ذلك جعل ال للذكر مثل حظ النثيين‪ .‬قال‪:‬‬

‫فأخبرني من أي موضع خلقت ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم خلقت من ضلعه القصر‬
‫)‪ .(1‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني من كان يسكن الرض قبل آدم ؟ قال‪:‬‬

‫الجن‪ .‬قال‪ :‬فبعد الجن ؟ قال‪ :‬الملئكة‪ .‬قال‪ :‬فبعد الملئكة ؟ قال‪ :‬آدم‬

‫وذريته‪ .‬قال‪ :‬وكم كان بين الجن وبين آدم ؟ قال سبعة آلف سنة‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن آدم فهل حج إلى بيت ال الحرام ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬

‫قال‪ :‬فمن حلق رأس آدم ؟ قال‪ :‬جبرئيل‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني هل‬

‫اختتن آدم أم ل ؟ قال‪ :‬نعم يا ابن سلم‪ ،‬ختن نفسه بيده‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن الدنيا لم سميت دنيا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم لن الدنيا‬

‫خلقت من دون الخرة‪ ،‬ولو خلقت مع الخرة لم تفن كما لم تفن )‪(2‬‬

‫الخرة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن القيامة لم سميت قيامة ؟ قال‪:‬‬

‫يا ابن سلم لن مقام الخلئق فيها للحساب‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني لم سميت الخرة‬

‫آخرة ؟ قال‪ :‬لنها متأخرة ]عنها[ بعد الدنيا ل يوصف سنوها‪ ،‬ول تحصى‬

‫أيامها ول يموت ساكنها‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أول يوم خلق‬

‫ال تعالى الدنيا فيه‪ ،‬قال‪ :‬يوم الحد‪ .‬قال‪ :‬ولم سماه أحدا ؟ قال‪ :‬لن ال‬

‫واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ول ولدا‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬فالثنين‬

‫لم‬

‫)‪ (1‬اليسر )خ(‪ (2) .‬كذا والظاهر " ل تفنى "‪.‬‬


‫]‪[247‬‬

‫سمي اثنين ؟ قال‪ :‬لنه ثاني يوم الدنيا‪ .‬قال‪ :‬فالثلثاء لم سمي ثلثاء ؟ قال‪:‬‬

‫لنه ثالث يوم الدنيا‪ .‬قال‪ :‬فالربعاء لم سمي أربعاء ؟ قال‪ :‬لنه رابع يوم‬

‫الدنيا‪ .‬قال‪ :‬فالخميس لم سمي خميسا ؟ قال‪ :‬لنه خامس يوم الدنيا‪ .‬قال‪:‬‬

‫فالجمعة لم سمي جمعة ؟ قال‪ :‬لنه يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود‬

‫وهو سادس يوم من أيام الدنيا‪ .‬قال‪ :‬فالسبت لم سمي سبتا ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم لنه يوم يوكل فيه ملك‪ ،‬لنه مع كل عبد ملكان‪ :‬ملك عن يمينه‪ ،‬وملك‬

‫عن شماله‪ .‬فالذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب‬

‫السيئات‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن مقعد الملكين من العبد وما‬

‫قلمهما ؟ ومادواتهما ؟ وما لوحهما ؟ وما مدادهما ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‬

‫مقعدهما على كتفيه‪ ،‬وقلمهما لسانه‪ ،‬ودواتهما فوه‪ ،‬ومدادهما ريقه‪،‬‬

‫ولوحهما فؤاده‪ ،‬يكتبان أعماله إلى مماته‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني‬

‫ما خلق ال في ذلك اليوم ؟ قال‪ :‬ن و القلم وما يسطرون‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني كم‬

‫طول القلم ؟ وكم عرضه ؟ وكم أسنانه ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم طول القلم‬

‫خمسمائة عام‪ ،‬وله ثلثون سنا يخرج المداد من بين أسنانه و يجري في‬

‫اللوح المحفوظ ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة بأمر ال عزوجل‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬كم لحظة ل عزوجل في كل يوم وليلة ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم ثلثمائة وستون لحظة‪ :‬يمضي ويقضي ويرفع ويضع ويسعد ويشقي‬
‫ويعز ويذل و يعلي ويقهر ويغني ويفقر‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما‬

‫خلق ال تعالى بعد ذلك ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم السماء السابعة مما يلي العرش‪،‬‬

‫وأمرها أن ترتفع إلى مكانها فارتفعت ثم خلق الستة الباقية‪ ،‬وأمر كل سماء‬

‫أن تستقر مكانها فاستقرت‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد فلم سماها سماءا ؟ قال‪:‬‬

‫لرتفاعها‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني ما بال سماء الدنيا خضراء ؟ قال يا ابن سلم‬

‫اخضرت من جبل قاف‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬فأخبرني مم خلقت ؟ قال‪:‬‬

‫خلقت من موج مكفوف‪ .‬قال‪ :‬وما الموج المكفوف ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم ماء‬

‫قائم ل اضطراب له‪ ،‬وكانت )‪ (1‬الصل دخانا‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فأخبرني عن السماوات ألها أبواب ؟ قال‪ :‬نعم لها أبواب‬

‫)‪ (1‬كذا والظاهر " وكان في الصل "‪.‬‬

‫]‪[248‬‬

‫وهي مغلقة‪ ،‬ولها مفاتيح وهي مخزونة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني‬

‫عن أبواب السماء ماهي ؟ قال‪ :‬ذهب‪ .‬قال فما أقفالها ؟ قال‪ :‬من نور‪ .‬قال‪:‬‬

‫فمفاتيحها ؟ قال‪ :‬بسم ال العظيم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن طول‬

‫كل سماء وعرضها‪ ،‬وكم ارتفاعها ؟ وما سكانها ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم طول‬

‫كل سماء خمسمائة عام وعرضها كذلك وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة‬
‫عام‪ ،‬وسكان كل سماء جند من الملئكه ل يعلم عددهم إل ال تعالى‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن السماء الثانية مما خلقت ؟ قال‪ :‬من الغمام‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن السماء الثالثة مم خلقت ؟ قال‪ :‬من‬

‫زبرجدة خضراء‪ .‬قال‪ :‬فالرابعة ؟ قال‪ :‬من ذهب أحمر‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فالخامسة ؟ قال‪ :‬من ياقوتة حمراء‪ .‬قال‪ :‬فالسادسة ؟ قال من فضة‬

‫بيضاء‪ .‬قال فالسابعة ؟ قال‪ :‬من ذهب‪ .‬قال صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما‬

‫فوق السماء السابعة ؟ قال‪ :‬بحر الحيوان‪ .‬قال‪ :‬فما فوقه ؟ قال‪ :‬بحر‬

‫الظلمة‪ .‬قال‪ :‬فما فوقه ؟ قال‪ :‬بحر النور‪ .‬قال‪ :‬فما فوقه ؟ قال‪ :‬الحجب‪.‬‬

‫قال‪ :‬فما فوقه ؟ قال‪ :‬سدرة المنتهى‪ .‬قال‪ :‬فما فوق سدرة المنتهى ؟ قال‪:‬‬

‫جنة المأوى‪ .‬قال‪ :‬فما فوق جنة المأوى ؟ قال‪ :‬حجاب المجد‪ .‬قال‪ :‬فما فوق‬

‫حجاب المجد ؟ قال‪ :‬حجاب الحمد‪ .‬قال‪ :‬فما فوق حجاب الحمد ؟ قال‪ :‬حجاب‬

‫الجبروت‪ .‬قال‪ :‬فما فوق حجاب الجبروت ؟ قال‪ :‬حجاب العز‪ .‬قال‪ :‬فما فوق‬

‫حجاب العز ؟ قال‪ :‬حجاب العظمة‪ .‬قال‪ :‬فما فوق حجاب العظمة ؟ قال‪:‬‬

‫حجاب الكبرياء‪ .‬قال‪ :‬فما فوق حجاب الكبرياء ؟ قال‪ :‬الكرسي قال‪ :‬صدقت‬

‫يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬قد اوتيت علوم الولين والخرين وإنك لتنطق بالحق اليقين‬

‫قال‪ :‬فما فوق الكرسي ؟ قال‪ :‬العرش‪ .‬قال فما فوق العرش ؟ قال‪ :‬ال تعالى‬

‫وهو فوق الفوق وعلمه تحت التحت‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني‬

‫هل يستوي مخلوق على عرشه ؟ قال‪ :‬معاذ ال يا ابن سلم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬
‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن الشمس والقمر أهما مؤمنان أم كافران ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم بل هما مؤمنان طائعان ل عزوجل مسخران تحت قهر المشية‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني ما بال الشمس والقمر ل يستويان في‬

‫الضوء والنور ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم إن ال محا آية الليل وجعل آية النهار‬

‫مبصرة نعمة من ال وفضل‪ ،‬ولول ذلك ما عرف الليل من النهار ول النهار‬

‫من الليل‪.‬‬

‫]‪[249‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن الليل لم سمي ليل ؟ قال‪ :‬لنه يليل‬

‫الرجال من النساء جعله ال إلفا ولباسا‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني لم‬

‫سمي النهار نهارا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم لن فيه كل من الخلق يطلب معاشه‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن النجوم كم جزءا هي ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم ثلثة أجزاء‪ :‬جزء منها بأركان العرش يصل ضوؤها إلى السماء‬

‫السابعة‪ ،‬والجزء الثاني بسماء الدنيا كأمثال القناديل المعلقة وهي تضئ‬

‫لسكانها وترمي الشياطين بشررها إذا استرقوا السمع‪ ،‬والجزء الثالث‬

‫معلقة في الهواء وهي ضوء البحار وما فيها وما عليها‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني ما بال النجوم تبان صغارا وكبارا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم لن‬

‫بينها وبين سماء الدنيا بحارا تضرب الرياح أمواجها فتبان من تحتها‬
‫صغارا أو كبارا‪ ،‬ومقدار النجوم كلها مقدار واحد‪ .‬قال صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فأخبرني كم ريحا بيننا وبين سماء الدنيا ؟ قال‪ :‬ثلثة أرياح‪ :‬الريح العقيم‬

‫التي ارسلت على قوم عاد حملت الشجار والثمار‪ ،‬والريح التي هي سوداء‬

‫مظلمة يعذب بها أهل النار‪ ،‬و ]ريح[ تحمل البحار‪ ،‬وريح لهل الرض بها‬

‫حملت الشجار والثمار تغدو في جوانبها‪ ،‬ولول تلك الريح لحترقت الرض‬

‫والجبال من حر الشمس‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬فأخبرني عن حملة العرش‬

‫كم هم صنفا ؟ قال‪ :‬ثمانون صنفا‪ ،‬طول كل صنف ألف ألف فرسخ‪،‬‬

‫وعرضه خمسمائة عام‪ ،‬ورؤسهم تحت العرش وأقدامهم تحت سبع‬

‫أرضين‪ ،‬ولو أن طائرا يطير من اذن أحدهم اليمنى إلى اليسرى ألف سنة‬

‫من سنين )‪ (1‬الدنيا لم يبلغ إلى الذن الخر حتى يموت هرما ‪ -‬أي شيخا ‪-‬‬

‫لهم ثياب من در وياقوت شعرهم كالزعفران‪ ،‬طعامهم التسبيح‪ ،‬وشرابهم‬

‫التهليل‪ .‬والصنف الول نصفه ثلج ونصفه نار ل يذيب النار الثلج ول الثلج‬

‫يطفئ النار‪ ،‬والصنف الثاني نصفه رعد ونصفه برق‪ ،‬والصنف الثالث‬

‫نصفه ماء ونصفه مدر ل الماء يذيب المدر ول المدر يذيب الماء‪ ،‬والصنف‬

‫الرابع نصفه ريح ونصفه ماء ل الريح يهيج الماء ول الماء يسبق الريح‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن طائر يطير بين السماء والرض ليس‬

‫له في السماء مكان ول في الرض مسكن ما هم يا محمد ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم تلك حيات‬


‫)‪ (1‬سنى )خ(‪.‬‬

‫]‪[250‬‬

‫أعرافها كأعراف الخيل تبيض في الجو على أذنابها‪ ،‬وتفرخ على مناكبها‬

‫في الهواء إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن مولود أشد‬

‫من أبيه‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم ذلك الحديد يولد من الحجر وهو أشد من الحجر‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن بقعة أصابتها الشمس مرة واحدة‬

‫فل تعود إليها إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم ذلك موضع أغرق ال فيه‬

‫فرعون حين انفلق البحر وانطبق عليه‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد فأخبرني عن‬

‫بيت له اثنا عشر بابا اخرج منه اثنا عشر عينا لثني عشر سبطا‪ .‬قال النبي‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬لما جاوز ]موسى[ بني )‪ (1‬إسرائيل البحر ودخل بهم‬

‫إلى البرية فشكوا إلى موسى العطش فمر بحجر مربع فأوحى ال إليه أن‬

‫اضرب بعصاك الحجر‪ ،‬فضرب به موسى‪ ،‬فانفجر منه اثنتا عشرة عينا‬

‫لثني )‪ (2‬عشر سبطا من بني إسرائيل‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني‬

‫عن نبي لمن الجن والنس‪ ،‬ول من الطير ول من الوحش قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم ذلك النملة التي أنذرت قومها حين قالت " يا أيها النمل ادخلوا‬

‫مساكنكم )‪ " (3‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن من أوحى ال إليه لمن‬


‫الجن ولمن الملئكة ول من النس ول من الوحش ما هو ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم النحل أوحى ال إليها " أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما‬

‫يعرشون )‪ " (4‬قال‪ :‬صدقت يا محمد قال‪ :‬فأخبرني ما أوحى ال إليه من‬

‫الرض ما هو ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم أوحى ال إلى جبل طور سيناء أن ارفع‬

‫موسى إلى السماء حتى يتناول اللواح من رب العالمين‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن مخلوق أوله عود وآخره روح‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم تلك‬

‫عصا موسى بن عمران‪ ،‬أمره ال أن يلقيها في بيت المقدس فألقاها فإذا‬

‫هي حية تسعى‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن ثلث )‪ (5‬ذكور لم‬

‫يولدوا عن فحل‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم ذلك عيسى بن مريم وآدم وكبش‬

‫إسماعيل‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني‬

‫)‪ (1‬كذا والظاهر " ببنى اسرائيل "‪ (2) .‬في اكثر النسخ " لثنتى عشرة‬

‫"‪ (3) .‬النمل‪ (4) .18 :‬النحل‪ (5) .68 :‬كذا في جميع النسخ‪.‬‬

‫]‪[251‬‬

‫عن وسط الدنيا في أي موضع هو ؟ قال‪ :‬بيت المقدس‪ ،‬قال‪ :‬وكيف ذلك ؟‬

‫قال‪ :‬لن فيه المحشر والمنشر والصراط والميزان‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫قال‪ :‬فأخبرني عن الفلك المشحون ما هو ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬السفن المبنية‬
‫في البحر‪ ،‬أما قرأت في التوراة " و حملناه على ذات ألواح ودسر )‪ " (1‬؟‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬ما اللواح ؟ قال‪ :‬الشجار التي سفقت )‪ (2‬طول‬

‫هي اللواح‪ .‬فأخبرني عن الدسر‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم المسامير والعوارض‬

‫]من[ الحديد‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني كم كان طول السفينة ؟‬

‫وكم عرضها ؟ وكم كان ارتفاعها ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم كان طولها ثلثمائة‬

‫ذراع وعرضها مائة وخمسين ذراعا وارتفاعها مائتي ذراع‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني من أين ركبها نوح ؟ قال‪ :‬من العراق‪ ،‬قال‪ :‬أين ثبت ؟‬

‫قال‪ :‬طافت بالبيت العتيق اسبوعا وبيت المقدس اسبوعا واستوت على‬

‫الجودي‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن البيت المعمور أين كان‬

‫لما أغرق ال الدنيا ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم رفعه ال تعالى إلى السماء السابعة‬

‫قبل الطوفان‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد ]قال‪ :‬فأخبرني أين كانت الصخرة وقت‬

‫الطوفان ؟[ قال‪ :‬وأمر ال تعالى أبا قبيس أن يحمل الصخرة في بطنه‪ .‬قال‪:‬‬

‫فالبيت المقدس لما أغرق ال الدنيا أين كان ؟ قال‪ :‬في جبل أبي قبيس‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن مولود لم يشبه أباه وربما أشبه خاله وربما‬

‫أشبه عمه‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة‬

‫المرأة على شهوة الرجل خرج الولد إلى خاله وإن غلبت شهوة الرجل على‬

‫شهوة المرأة خرج إلى عمه وإن استويا خرج الولد إلى أمه وأبيه‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ .‬أقول‪ :‬في الرواية الخرى هكذا " قال‪ :‬فأخبرني عن‬
‫المولود إذا لم يشبه أباه وربما يشبه خاله وعمه‪ .‬قال‪ :‬إذا جامع الرجل‬

‫امرأته فإن غلبت شهوة الرجل شهوة المرأة خرج الرجل بأبيه أشبه وإن‬

‫غلبت شهوة المرأة خرج الولد بامه أشبه‪ ،‬وإن استويا خرج شبيها بهما‪،‬‬

‫فإن سبقت شهوة الرجل خرج الولد بعمه أشبه‪ ،‬وإن سبقت‬

‫)‪ (1‬القمر‪ (2) .13 :‬في مخطوطة " شقت "‪.‬‬

‫]‪[252‬‬

‫شهوة المرأة كان الولد بخاله أشبه‪ .‬قال‪ :‬صدقت " رجعنا إلى الرواية‬

‫الولى‪ :‬قال‪ :‬فأخبرني هل يعذب ال عبده بل حجة ؟ قال‪ :‬معاذ ال يا ابن‬

‫سلم‪ ،‬إن ال تبارك وتعالى عدل ليجور في قضائه‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‪:‬‬

‫فأخبرني عن أطفال المشركين في الجنة أم في النار ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬ال‬

‫أولى بهم‪ ،‬ولكن إذا كان يوم القيامة وجمع الخلق لفصل القضاء أمر ال‬

‫تعالى بأطفال المشركين فيؤتى بهم فيقول لهم‪ :‬عبادي وأبناء عبادي‬

‫وإمائي‪ ،‬من ربكم ؟ وما دينكم ؟ وما أعمالكم ؟ فيقولون‪ :‬اللهم أنت ربنا‬

‫وأنت خالقنا ولم نكن شيئا وأمتنا ولم تجعل لنا لسانا ننطق به ول عقل‬

‫نعقل به ول قوة في العضاء نتعبد بها ولعلم لنا إل ما علمتنا فيقول ال‬

‫لهم ‪ -‬وهو أجل قائل ‪ -‬فالن لكم ألسنة وعقول وقوة للحركة في العضاء‬
‫فإن أمرتكم بأمر يا عبادي تفعلوه ؟ فيقولون‪ :‬السمع والطاعة لك يا إلهنا‬

‫وخالقنا ورازقنا ومالكنا‪ .‬فيأمر ال تعالى ]مالكا[ فتزجر جهنم حتى تفور‬

‫ويأمر أطفال المشركين‪ :‬ألقوا أنفسكم في تلك النار‪ .‬فمن سبق له في علم‬

‫ال أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها‪ ،‬فتكون النار عليه بردا وسلما كما‬

‫كانت على إبراهيم خليل الرحمن‪ ،‬ومن سبق له في علم ال أن يكون شقيا‬

‫امتنع أن يلقي نفسه في تلك النار فيكونون تبعا لبائهم وامهاتهم في النار‪،‬‬

‫والفرقة الخرى يخرجون إلى الجنة مع المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪] ،‬قال‪:‬‬

‫بررت وبينت وأزلت الشك يا محمد فزدني يقينا[ فأخبرني عن الرض لم‬

‫سميت أرضا ؟ قال‪ :‬لنها أرض يداس عليها‪ .‬قال‪ :‬فمم خلقت ؟ قال‪ :‬من‬

‫زبرجد ]من الزبد[ قال‪ :‬فالزبرجدة مم خلقت ؟ قال‪ :‬من الموج‪ ،‬قال‪:‬‬

‫فالموج مم خلق ؟ قال‪ :‬من البحر‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فكيف ذلك ؟ قال‪:‬‬

‫إن ال عزوجل لما خلق البحر أمر الريح أن تضرب المواج بعضها في‬

‫بعض فاضطرب المواج حتى ظهر الزبد‪ ،‬ثم أمرها أن تجتمع فاجتمعت‪ ،‬ثم‬

‫أمرها أن تلين فلنت‪ ،‬ثم أمرها أن تعتدل فاعتدلت‪ ،‬ثم أمرها أن تمتد‬

‫فامتدت فصارت أرضا قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني من أين سكونها ؟‬

‫قال‪ :‬من جبل قاف وهو أصل أوتاد الرض التي نحن عليها‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني‬

‫ما تحت هذه الرض ؟ قال‪ :‬تحتها ثور‪ ،‬قال‪ :‬وما صفته ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪،‬‬

‫له أربع قوائم‪ ،‬وهو قائم على صخرة بيضاء‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني‬
‫]‪[253‬‬

‫ما صفته ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬له أربعون قرنا وأربعون سنا‪ ،‬رأسه‬

‫بالمشرق وذنبه بالمغرب وهو ساجد ل تعالى إلى يوم القيامة‪ ،‬من القرن‬

‫إلى القرن مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما‬

‫تحت الصخرة ؟ قال‪ :‬تحتها جبل يقال له الصعود‪ .‬قال‪ :‬ولمن ذلك الجبل ؟‬

‫قال‪ :‬لهل النار‪ ،‬يصعده المشركون إلى يوم القيامة وهو مسيرة ألف سنة ‪-‬‬

‫حتى إذا بلغوا أعل ذلك الجبل ضربوا بمقامع فيسقطون إلى أسفله‬

‫فيسحبون )‪ (1‬على وجوههم‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما تحت ذلك‬

‫الجبل ؟ قال‪ :‬أرض‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمها ؟ قال‪ :‬جارية‪ ،‬قال‪ :‬وما تحتها ؟ قال‪:‬‬

‫بحر‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمه ؟ قال‪ :‬سهك‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فما تحت ذلك‬

‫البحر ؟ قال‪ :‬أرض‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمها ؟ قال‪ :‬ناعمة‪ ،‬قال‪ :‬وما تحتها ؟ قال‪:‬‬

‫بحر‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمه ؟ قال‪ :‬الزاخر قال‪ :‬وما تحته ؟ قال‪ :‬أرض‪ ،‬قال‪ :‬وما‬

‫اسمها ؟ قال‪ :‬فسيحة‪ ،‬قال‪ :‬فصف لي هذه الرض‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬هي‬

‫أرض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك وضوؤها كالقمر ونباتها‬

‫كالزعفران يحشرون )‪ (2‬عليها المتقون يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫قال‪ :‬فأخبرني أين تكون هذه الرض التي نحن عليها اليوم ؟ قال النبي‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬يا ابن سلم تبدل هذه الرض غيرها‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬
‫محمد‪ ،‬فأخبرني ما تحت تلك الرض ؟ قال‪ :‬البحر‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمه ؟ قال‪:‬‬

‫القمقام‪ ،‬قال‪ :‬وما فيه ؟ قال‪ :‬الحوت‪ ،‬قال‪ :‬وما اسمه ؟ قال‪ :‬يهموت )‪(3‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬قال‪ :‬فصف لي الحوت‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم رأسه‬

‫بالمشرق وذنبه بالمغرب‪ .‬قال‪ :‬فما على ظهره ؟ قال‪ :‬الرض والبحار‬

‫والظلمة والجبال‪ .‬قال فما بين عينيه ؟ قال‪ :‬سبعة أبحر في كل بحر سبعون‬

‫ألف مدينة في كل مدينة ألف لواء تحت كل لواء سبعون ألف ملك‪ .‬قال فما‬

‫يقولون ؟ قال يقولون ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‬

‫يحيي ويميت وهو حى ل يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما تحت الريح‪ ،‬قال‪ :‬الظلمة‪ ،‬قال‪ :‬فما تحت‬

‫الظلمة ؟ قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬في اكثر النسخ " فيسبحون " والصواب ما في المتن موافقا لنسخة‬

‫مخطوطة‪ (2) .‬كذا والظاهر " يحشر "‪ (3) .‬في بعض المخطوطات " به‬

‫موت " وفى بعضها " بلهوت "‪.‬‬

‫]‪[254‬‬

‫الثرى‪ ،‬قال‪ :‬فما تحت الثرى ؟ قال‪ :‬ل يعلمه إل ال عزوجل‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد فأخبرني عن ثلث من رياض الجنة في الرض أين تكون ؟ قال‪ :‬يا‬
‫ابن سلم‪ ،‬أولها مكة‪ ،‬وثانيها بيت المقدس‪ ،‬وثالثها مدينة محمد‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أربع مدائن من مدائن الجنة في الدنيا‪ .‬قال‪:‬‬

‫أولها إرم ذات العماد‪ ،‬والثانية المنصورية )‪ (1‬وهى مدينة بالشام‪ ،‬والثالثة‬

‫قيسارية وهي مدينة بساحل البحر في الشام‪ ،‬والرابعة هي البلفاء وهي‬

‫أرمنية )‪ .(2‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أربع منابر من منابر الجنة‬

‫في الدنيا أي موضع هي ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬أولها قيروان وهي إفريقية‪،‬‬

‫والثانية باب البواب وهي بأرض أرمنية )‪ ،(3‬والثالثة عبدان )‪ (4‬وهي‬

‫بأرض العراق‪ ،‬والرابعة بخراسان وهي خلف نهر يقال له جيحون‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أربع مدائن من مدائن جهنم في الدنيا‪ .‬قال‪:‬‬

‫يا ابن سلم‪ ،‬أولها مدينة فرعون في أرض مصر‪ ،‬والثانية أنطاكية وهي‬

‫بأرض الشام‪ ،‬والثالثة بأرض سيحان وهي بأرض أرمنية )‪ (5‬الرابعة‬

‫المدائن وهي بأرض العراق‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن أربعة‬

‫أنهار في الدنيا وهي من أنهار الجنة‪ .‬قال‪ :‬أولها الفرات وهو بأرض )‪(6‬‬

‫الشام‪ ،‬و الثاني النيل وهو بأرض مصر‪ ،‬والثالث نهر سيحان وهو نهر‬

‫الهند‪ ،‬والرابع جيحون وهو بأرض بلخ‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني‬

‫عن شئ ل شئ‪ ،‬وشئ بعض شئ وشئ ل يفنى )‪ (7‬منه شئ‪ .‬قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم‪ .‬أما شئ ل شئ فهي الدنيا يذهب نعيمها ويموت ساكنها‪ ،‬ويخمد‬


‫ضوءها ; وأما الشئ بعض الشئ وقوف الخلئق في صعيد واحد فهو شئ‬

‫بعض شئ‪ ،‬وأما شئ ل يفنى )‪ (8‬منه شئ فالجنة والنار ل يفنى )‪(9‬‬

‫)‪ (1‬المنصورة من بلد الهند )خ(‪ 2) .‬و ‪ (3‬ارمينية )خ( )‪ (4‬عبادان )خ(‪.‬‬

‫)‪ (5‬ارمينية )خ(‪ (6) .‬في حدود الشام )خ(‪ (7) .‬في اكثر النسخ " ل يغنى‬

‫"‪ ،‬والظاهران الصواب ما في المتن موافقا لبعض النسخ المخطوطة‪(8) .‬‬

‫ل يغنى )خ(‪ (9) .‬يغنى )خ(‪.‬‬

‫]‪[255‬‬

‫من الجنة نعيمها ول ينقص من النار عذابها‪ ،‬فمن قال من العباد إن نعيمها‬

‫يفنى )‪ (1‬أو عذاب ال ينقضي فهو كافر بال في كل شئ‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن جبل قاف ما خلفه ؟ وما دونه ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪،‬‬

‫خلفه أرض ذهب وسبعون أرضا من فضة وسبعة )‪ (2‬أرضين من مسك‪.‬‬

‫قال‪ :‬فما سكان هذه الرضين ؟ قال الملئكة قال‪ :‬كم طول كل أرض منها ؟‬

‫وكم عرضها ؟ قال‪ :‬طول كل أرض منها عشرة آلف سنة وعرضها كذلك‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فما وراء ذلك ؟ قال‪ :‬حجاب الريح‪ ،‬قال‪ :‬فما وراء‬

‫ذلك ؟ قال ]من صح[ )‪ (3‬كيف محيط بالدنيا كلها تسبح ال تعالى‪ .‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أهل الجنة يأكلون ويشربون ول يتغوطون‬


‫ول يبولون ؟ قال نعم يا ابن سلم‪ ،‬مثلهم في الدنيا كمثل الجنين في بطن‬

‫امه يأكل مما تأكل امه ويشرب مما تشربه ول يبول ول يتغوط ولوراث في‬

‫بطنها وبال لنشق بطنها‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن أنهار الجنة‬

‫ماهي ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬لبن لم يتغير طعمه‪ ،‬وخمر‪ ،‬وعسل مصفى‪ ،‬وماء‬

‫غير آسن قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فجامدة هي أم جارية ؟ قال‪ :‬بل جارية بين‬

‫أشجارها‪ .‬قال‪ :‬فهل تنقص أم تزيد ؟ قال ل يا ابن سلم‪ ،‬قال‪ :‬فهل لذلك مثل‬

‫في الدنيا ; قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال وما هو ؟ قال يا ابن سلم انظر إلى البحار تمطر‬

‫فيها السماء وتمدها النهار من الرض فل تزيد ول تنقص قال‪ :‬وصف لي‬

‫أنهار الجنة‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ .‬في الجنة نهر يقال له الكوثر رائحته أطيب‬

‫من رائحة المسك الذفر والعنبر‪ ،‬حصاه الدر والياقوت عليه ختام من‬

‫اللؤلؤ البيض‪ ،‬وهو منزل أولياء ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد فصف لي‬

‫أشجار الجنة‪ .‬قال‪ :‬في الجنة شجرة يقال لها طوبى‪ ،‬أصلها من در‬

‫وأغصانها من الزبرجد وثمرها الجوهر‪ ،‬ليس في الجنة عرفة ول حجرة‬

‫ول موضع إل وهي متدلية عليه‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فهل في الدنيا لها‬

‫من مثل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬الشمس المشرقة تشرق على بقاع الدنيا ول يخلو من‬

‫شعاعها مكان‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فهل في الجنة ريح ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬يا ابن‬

‫سلم‬
‫)‪ (1‬يغنى )خ(‪ (2) .‬كذا والظاهر " سبع "‪ (3) .‬كذا‪ ،‬وكان فيه تصحيفا‪.‬‬

‫]‪[256‬‬

‫فيها ريح واحدة خلقت من نور مكتوب عليها الحياة )‪ (1‬واللذات يقال لها‬

‫البهاء‪ ،‬فإذا اشتاق أهل الجنة أن يزوروا ربهم هبت تلك الريح عليهم‬

‫]التي[ لم تخلق من حر ول من برد بل خلقت من نور العرش تنفخ في‬

‫وجوههم‪ ،‬فتبهي وجوههم وتطيب قلوبهم ويزدادوا نورا على نورهم‪،‬‬

‫وتضرب أبواب الجنان‪ ،‬وتجري النهار‪ ،‬وتسبح الشجار وتغرد الطيار‪،‬‬

‫فلو أن من في السماوات والرض قيام يسمعون ما في الجنة من سرور‬

‫وطرب لمات الخلئق شوقا إلى الجنة‪ ،‬والملئكة يدخلون عليهم )‪(2‬‬

‫فيقولون كما قال ال عزوجل في محكم كتابه العزيز " سلم عليكم طبتم‬

‫فادخلوها خالدين )‪ (3‬سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " )‪ (4‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن أرض الجنة ما هي ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪،‬‬

‫أرضها من ذهب‪ ،‬و ترابها المسك والعنبر‪ ،‬ورضراضها الدر والياقوت‪،‬‬

‫وسقفها عرش الرحمن‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني مما يأكل أهل الجنة‬

‫إذا دخلوها‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الرض‬

‫وما عليها واسمه " به موت " قال صدقت يا محمد‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن أهل‬

‫الجنة كيف يصرفون ما يأكلون من ثمارها ؟ وكيف يخرج من أجوافهم ؟‬


‫قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬ليس يخرج من أجوافهم شئ‪ ،‬بل عرقا صبا أطيب من‬

‫المسك وأزكى من العنبر‪ ،‬ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار‬

‫لسكر ما بين السماء والرض من طيب رائحته‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪،‬‬

‫فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته ؟ وكم طوله ؟ وكم ارتفاعه ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم‪ ،‬طوله ألف سنة‪ ،‬وأسنانه من ياقوتة ]حمراء وياقوتة[ خضراء‪،‬‬

‫قوائمه من فضة بيضاء‪ ،‬له ثلث ذوائب من نور‪ :‬ذؤابة بالمشرق‪ ،‬وذؤابة‬

‫بالمغرب‪ ،‬والثالثة في وسط الدنيا‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم سطر‬

‫فيه مكتوب ؟ قال‪ :‬ثلثة أسطر‪ :‬السطر الول بسم ال الرحمن الرحيم‪،‬‬

‫والسطر‬

‫)‪ (1‬الحباءات )خ(‪ (2) .‬في اكثر النسخ " يدخلون عليهم الملئكة "‪(3) .‬‬

‫الزمر‪ (4) .73 :‬الرعد‪.26 :‬‬

‫]‪[257‬‬

‫الثاني الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والسطر الثالث ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول‬

‫ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن الجنة والنار أيتهما خلق ال قبل ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬خلق ال الجنة قبل النار‪ ،‬ولو خلق النار قبل الجنة لخلق‬

‫العذاب قبل الرحمة‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الجنة أين هي ؟ قال‪ :‬في السماء‬
‫السابعة والنار في تخوم الرض السفلى‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم‬

‫للجنة من باب ؟ وكم للنار من باب ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم للجنة ثمانية أبواب‪،‬‬

‫وللنار سبعة أبواب‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني كم بين الباب والباب من الجنة ؟ قال‪:‬‬

‫مسيرة ألف سنة‪ .‬قال‪ :‬وكم ارتفاعه ؟ قال‪ :‬خمسمائة عام‪ ،‬عليه سرادق من‬

‫ذهب بطانته من زمرد‪ ،‬على كل باب جند من الملئكة ل يحصي عددهم إل‬

‫ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني فما )‪ (1‬يقولون ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬طوبى لهل الجنة‬

‫وما يلقون من نعيم ال‪ .‬قال‪ :‬فصف لي من يدخل الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪،‬‬

‫يدخلونها أبناء ثلثين وبنات ثلثين سنة في حسن يوسف وطول آدم وخلق‬

‫محمد‪ .‬قال‪ :‬فصف لي بعض نعيم أهل الجنة‪ .‬قال‪ :‬إن أدنى من في الجنة ‪-‬‬

‫وليس في الجنة دني ‪ -‬لو نزل به جميع من في الرض لوسعهم طعاما ول‬

‫ينقص منه شئ‪ ،‬ولو أن رجل من أهل الجنة يبصق في البحار المالحة‬

‫لعذبت‪ ،‬ولو نزل من ذؤابته من السماء إلى الرض بلغ ضوءها كضوء‬

‫الشمس و نور القمر‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فصف لي الحور العين‪ .‬قال‪ :‬يا‬

‫ابن سلم‪ ،‬الحور العين بيض الوجوه‪ ،‬فحام العيون بمنزلة جناح النسر‪،‬‬

‫صفاؤهن كصفاء اللؤلؤ البيض الذي في الصدف الذي لم تمسه اليدى‪.‬‬

‫قال‪ :‬فصف لي النار‪ .‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬اوقد عليها ألف عام حتى احمرت‪،‬‬

‫وألف عام حتى ابيضت‪ ،‬وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة‬

‫ممزوجة بغضب ال تعالى‪ ،‬ل يهدأ لهيبها‪ ،‬ول يخمد جمرها‪ .‬يا ابن سلم لو‬
‫أن جمرة من جمرها القيت في دار الدنيا للهبت )‪ (2‬ما بين المشرق‬

‫والمغرب لعظم خلقها‪ ،‬وهي سبعة أطباق‪ :‬الطبقة الولى للمنافقين‪ ،‬والثانية‬

‫للمجوس‪ ،‬والثالثة للنصارى‪ ،‬والرابعة لليهود‪ ،‬والخامسة سقر‪ ،‬والسادسة‬

‫السعير ‪ -‬وأمسك النبي صلى ال عليه واله‬

‫)‪ (1‬مما )خ(‪ (2) .‬لسدت )خ(‪.‬‬

‫]‪[258‬‬

‫عن السابعة وبكى حتى ارفضت )‪ (1‬دموعه على لحيته وقال ‪ -‬أما السابعة‬

‫وهي أهونها لهل الكبائر من امتي‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عن‬

‫القيامة وكيف تقوم ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬إذا كان يوم القيامة كورت الشمس‬

‫واسودت‪ ،‬وطمست النجوم‪ ،‬وسيرت الجبال‪ ،‬وعطلت العشار‪ ،‬وبدلت‬

‫الرض غير الرض‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ .‬قال‪ :‬النبي صلى ال عليه واله‪:‬‬

‫يقام الخلئق لفصل القضاء‪ ،‬ويمد الصراط‪ ،‬وينصب الميزان‪ ،‬وتنشر‬

‫الدواوين‪ ،‬ويبرز الرب لفضل القضاء‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كيف‬

‫يميت ال الخلئق يوم القيامة ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬يأمر ال ملك الموت‬

‫فيقف على صخرة بيت المقدس‪ ،‬فيضع يمينه على السماوات ويده اليسرى‬

‫تحت الثرى ويصيح بهم صيحة واحدة فل يبقى ملك مقرب ول إنس ول‬
‫جان ول طائر يطير إل خر ميتا‪ ،‬فتبقى السماوات خالية من سكانها‪،‬‬

‫والرض خرابا من عمارها‪ ،‬والعشار معطلة‪ ،‬والبحار جامدة حيتانها‪،‬‬

‫والجبال مدكدكة‪ ،‬والشمس منكسفة‪ ،‬والنجوم منطمسة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا‬

‫محمد‪ ،‬فأخبرني عن ملك الموت هل يذوق الموت أم ل ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪،‬‬

‫إذا أمات ال الخلئق ولم يبق شئ له روح يقول ال عزوجل‪ :‬يا ملك الموت‬

‫! من أبقيته من خلقي ؟ ‪ -‬وهو أعلم ‪ -‬فيقول‪ :‬يا رب أنت أعلم مني بما بقي‬

‫من خلقك‪ ،‬ما خلق إل وقد ذاق الموت إل عبدك الضعيف ملك الموت‪ .‬فيقول‬

‫ال عزوجل‪ :‬يا ملك الموت أذقت عبادي وأنبيائي وأوليائي ورسلي الموت‪،‬‬

‫وقد سبق في علمي القديم ‪ -‬وأنا علم الغيوب ‪ -‬أن كل شئ هالك إل وجهي‬

‫]وهذه نوبتك ![ فيقول‪ :‬إلهي وسيدي ارحم عبدك ملك الموت فإنه ضعيف‪.‬‬

‫فيقول ال عزوجل له‪ :‬يا ملك الموت‪ ،‬ضع يمينك تحت خدك اليمن بين‬

‫الجنة والنار ومت‪ .‬قال عبد ال بن سلم‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول ال‪،‬‬

‫وكم بين الجنة والنار ؟ قال‪ :‬مسيرة ثلثين ألف سنة من سنين )‪ (2‬الدنيا ‪-‬‬

‫فيضطجع ملك الموت على يمينه ويضع يده اليمنى تحت خده اليمن‪ ،‬ويده‬

‫الشمال على وجهه ويصرخ صرخة فلو أن أهل السماوات والرض أحياء‬

‫لماتوا لشدة صرخته‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‬

‫)‪ (1‬أي سالت وترششت‪ (2) .‬سنى )خ(‪.‬‬


‫]‪[259‬‬

‫فأخبرني مايصنع ال بالسماوات إذا مات سكانها ؟ قال‪ :‬يطويها بيمينه‬

‫كطي السجل للكتب ثم يقول ال ‪ -‬جل جلله وتقدست أسماؤه ول إله غيره‬

‫ول معبود سواه ‪ :-‬أين الملوك وأبناء الملوك ؟ أين الجبابرة وأبناء‬

‫الجبابرة ؟ فل يجيبه أحد‪ ،‬ثم يقول‪ :‬لمن الملك اليوم ؟ فل يجيبه أحد‪ ،‬فيرد‬

‫على نفسه‪ :‬الملك ل الواحد القهار‪ .‬اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لظلم‬

‫اليوم إن ال سريع الحساب‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كيف يحشر ال‬

‫الخلئق يوم القيامة بعد موتهم ؟ قال النبي صلى ال عليه واله‪ :‬يا ابن‬

‫سلم‪ ،‬يحيي ال إسرافيل وهو أول من يحييه من خدمه وهو صاحب الصور‬

‫أول )‪ (1‬فيأمره ال عزوجل أن ينفخ في الصور‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني ما يقول‬

‫إسرافيل في الصور ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬يقول أيتها العظام البالية‪،‬‬

‫والعضاء المتفرقة‪ ،‬والشعور المنفصلة‪ ،‬هلموا إلى العرض على ال تعالى‬

‫الملك الجبار خالق السماوات والرض ثم ينفخ في الصور )‪ (2‬اخرى فإذا‬

‫هم قيام ينظرون‪ .‬قال‪ :‬فكم طول كل نفخة ؟ قال‪ :‬ميسرة أربعين ألف سنة‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فكم كلمة يتكلم فيه إسرافيل ؟ قال‪ :‬ست كلمات‪ ،‬قال‪:‬‬

‫وما تلك الكلمات ؟ قال‪ :‬الكلمة الولى يكون الناس طينا‪ ،‬والثانية يكونون‬

‫صورا‪ ،‬والكلمة الثالثة تستوي البدان‪ ،‬والكلمة الرابعة يجري الدم في‬
‫العروق‪ ،‬والكلمة الخامسة ينبت الشعر والكلمة السادسة قوموا‪ ،‬فإذا هم‬

‫قيام ينظرون‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كيف يقوم الخلئق يوم‬

‫القيامة من القبور ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬يقومون عراة حفاة أبدانهم خالية‬

‫بطونهم‪ ،‬مظلمة أبصارهم‪ ،‬وجلة ! قال )‪ :(3‬الرجال ينظرون إلى النساء‪،‬‬

‫والنساء ينظرون إلى الرجال ؟ قال‪ :‬هيهات يا ابن سلم ! لكل امرئ منهم‬

‫يومئذ شأن يغنيه من شدة هول القيامة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬ثم أمسك ابن‬

‫سلم عن الكلم‪ ،‬قال‪ :‬النبي صلى ال عليه واله‪ :‬سل عما شئت يا ابن‬

‫سلم‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد ل الذي من علي بالنظر إلى‬

‫)‪ (1‬في مخطوطة‪ :‬وهو اول من يحييه من المقربين وهو صاحب الصور‬

‫فيأمره ال‪ (2) ..‬فيه )خ(‪ (3) .‬في بعض النسخ‪ :‬حال الرجال والنساء‪،‬‬

‫الرجال ‪ -‬الخ ‪ -‬وفى بعضها " جال " بالجيم‪ ،‬وفى بعضها‪ ،‬قال‪ :‬الرجال الى‬

‫النساء والنساء الى الرجال ينظرون ؟‬

‫]‪[260‬‬

‫وجهك المليح‪ ،‬فأخبرني إذا كان يوم القيامة أين يحشر الخلئق ؟ قال النبي‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬يحشر ال الخلئق إلى بيت المقدس‪ ،‬قال‪ :‬وكيف‬

‫ذلك ؟ قال‪ :‬يأمر ال عزوجل نارا فتحيط بالدنيا وتضرب وجوه الخلئق‬
‫فيهربون منها ويمرون على وجوههم فيجتمعون إلى بيت المقدس قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني ما يصنع ال بالطفل الصغير والشيخ الكبير ؟‬

‫قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬من كان مؤمنا بال سارت به الملئكة وانقضت النار عن‬

‫وجهه‪ ،‬ومن كان كافرا تلفح وجهه النار حتى يؤتى به إلى بيت المقدس‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم تكون صفوف الخلئق ؟ قال‪ :‬يا ابن‬

‫سلم‪ ،‬مائة وعشرون صفا‪ .‬قال‪ :‬فكم طول كل صف ؟ وكم عرضه ؟ قال‪ :‬يا‬

‫ابن سلم‪ ،‬طوله مسيرة أربعين ألف سنة وعرضه عشرون ألف سنة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني كم صف المؤمنين وكم صف الكافرين ؟ قال‪:‬‬

‫صفوف المؤمنين ثلث )‪ (1‬صفوف‪ ،‬ومائة وسبعة عشر صفا للكافرين‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد قال‪ :‬فما صفة المؤمنين ؟ وما صفة الكافرين ؟ قال‪ :‬يا‬

‫ابن سلم‪ ،‬أما المؤمنون فغر محجلون من أثر الوضوء والسجود‪ ،‬وأما‬

‫الكافرون فمسودون الوجوه فيؤتى بهم إلى الصراط‪ .‬قال‪ :‬وكم طول‬

‫الصراط ؟ قال‪ :‬مسيرة ثلثون )‪ (2‬ألف سنة‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا محمد فأخبرني‬

‫كيف تمر الخلئق على الصراط‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬يكسو ال الخلئق نورا‬

‫فأما نور المسلمين ونور المؤمنين فمن نور العرش‪ ،‬ونور الملئكة من‬

‫نور الكرسي ونور الجنة فل يطفأ نورهم أبدا‪ ،‬وأما الكافرون فمن الرض‬

‫والجبال‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن أول من يجوز على الصراط‪ ،‬قال‪ :‬المؤمنون‪،‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فصف لي ذلك‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬في المؤمنين من‬
‫يجوز على الصراط عشرين عاما فإذا بلغ أولهم الجنة تركب الكفار على‬

‫الصراط‪ ،‬حتى إذا توسطوا أطفأ ال نورهم فيبقون بل نور‪ ،‬فينادون‬

‫بالمؤمنين‪ :‬انظرونا نقتبس من نوركم‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬أليس فيكم النبياء‬

‫والصحاب والخوة ؟ فيقولون‪ :‬أولم نكن معكم في دار الدنيا ؟ قالوا‪ " :‬بلى‬

‫ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الماني حتى جاء أمر ال‬

‫وغركم بال الغرور‪ .‬فاليوم‬

‫)‪ (1‬كذا‪ ،‬والظاهر " ثلثة "‪ (2) .‬كذا‪ ،‬والظاهر " ثلثين "‪.‬‬

‫]‪[261‬‬

‫ل يؤخذ منكم فدية ول من الذين كفروا مأويكم النار هي موليكم وبئس‬

‫المصير )‪ " (1‬فيأمر ال عزوجل جهنم فتصيح بهم صيحة على وجوههم‬

‫فيقعون في النار حيارى نادمين وينجو المؤمنين )‪ (2‬ببركة ال وعونه‪.‬‬

‫قال‪ :‬صدقت يا محمد فأخبرني ما يصنع ال بالموت ؟ قال‪ :‬يا ابن سلم‪ ،‬إذا‬

‫استوى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار اتي بالموت كأنه كبش‬

‫أملح‪ ،‬فيوقف بين الجنة والنار‪ ،‬فيقال لهل الجنة يا أولياء ال هذا الموت‪،‬‬

‫أتعرفونه فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقولون لهم‪ :‬نذبحه ؟ فيقولون‪ :‬نعم يا ملئكة‬

‫ربنا‪ ،‬اذبحوه حتى ل يكون موت أبدا‪ .‬فيقولون لهل النار‪ :‬يا أعداء ال !‬
‫هذا الموت هل تعرفونه ؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فتقول الملئكة‪ :‬نذبحه ؟ فيقولون‪:‬‬

‫يا ملئكة ربنا ل تذبحوه ودعوه لعل ال يقضي علينا بالموت فنستريح‪ .‬قال‬

‫النبي صلى ال عليه واله‪ :‬ويذبح الموت بين الجنة والنار فييأس أهل النار‬

‫من الخروج منها وتطمئن قلوب أهل الجنة للخلود فيها‪ ،‬فعندي لك أن‬

‫تسلم‪ ،‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪] ،‬ونهض على قدميه[ وقال‪ :‬امدد يدك الشريفة‬

‫أنا أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أنك )‪ (3‬رسول ال‪،‬‬

‫وأن الجنة حق‪ ،‬والميزان حق‪ ،‬والحساب حق‪ ،‬والساعة آتية لريب فيها‪،‬‬

‫وأن ال يبعث من في القبور‪ .‬فكبرت الصحابة عند ذلك وسماه رسول ال "‬

‫عبد ال )‪ (4‬بن سلم " وصار من الصحابة ونقمة على اليهود‪ .‬توضيح‪:‬‬

‫إنما أوردت هذه الرواية لشتهارها بين الخاصة والعامة‪ ،‬وذكر الصدوق ‪-‬‬

‫ره ‪ -‬وغيره من أصحابنا أكثر أجزائها بأسانيدهم في مواضع‪ ،‬وقد مر‬

‫بعضها‪ .‬وإنما أوردتها في هذا المجلد لمناسبة أكثر أجزائه لبوابه‪ ،‬وفي‬

‫بعضها مخالفة ما لسائر الخبار‪ ،‬فهي إما محمولة على أنه صلى ال عليه‬

‫واله أخبره موافقا لما في كتبهم ليصير سببا لسلمه‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) .15 - 14 :‬كذا‪ ،‬في جميع النسخ‪ ،‬والصواب " وينجو‬

‫المؤمنون " أو " وينجى المؤمنين "‪ (3) .‬لرسول )خ(‪ (4) .‬في اكثر‬

‫النسخ " عبد سلم بن سلم "‪.‬‬


‫]‪[262‬‬

‫أو غير ذلك من الوجوه والمحامل التي تظهر على الناقد البصير‪ ،‬وفي‬

‫بعضها تصحيفات نرجو من ال الظفر بنسخة اخرى لتصحيحها‪ .‬قوله "‬

‫كان نبيا مرسل " كأن المعنى‪ :‬هل كان في الجنة نبيا مرسل ؟ فأجاب صلى‬

‫ال عليه وآله بأنه كان نبيا مرسل على الملئكة حيث امر بإنبائهم‪ .‬وفي‬

‫عد إبراهيم من رسل العرب مخالفة للمشهور‪ .‬قوله " فتشهد " أي ظاهرا‪.‬‬

‫قوله " فتؤمن " أي باطنا وقلبا‪ .‬قوله " أربعة كتاب " ل يوافق الجمال‬

‫التفصيل‪ ،‬ولعل في أحدهما خطأ أو تصحيفا‪ .‬وسؤاله " هل انزل عليك كتاب‬

‫" بعد قوله " وأنزل علي الفرقان " ل يخلو من شئ إل أن يكون حمل ذلك‬

‫على أنه قدر أنه سينزل‪ .‬و " ختمه صدق ال‪ " ..‬يعني أنه ينبغي أن يختم‬

‫به‪ ،‬ل أنه جزؤه‪ .‬وفي القاموس‪ " :‬بيسان " قرية بالشام‪ ،‬وقرية بمرو‪،‬‬

‫وموضع باليمامة‪ .‬أقول‪ :‬وفي بعض النسخ بالنون‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬وله‬

‫شواهد‪ " .‬ولم يكن في الرجال " أي مختصا بهم‪ .‬قوله " لن ال واحد "‬

‫كأنه على هذا يعني يوم الحد يوم ال‪ .‬قوله " لنه يوم " لعل المعنى‪ :‬أول‬

‫يوم مع أن وجه التسمية ل يلزم اطراده‪ .‬قوله " وعلمه تحت التحت " أي‬

‫أحاط علمه بكل تحت ول ينافي ارتفاع ذاته وعلوه على كل شئ إحاطة‬

‫علمه بكل شئ مما في العرش أو تحت الثرى‪ .‬وفي القاموس‪ :‬غرد الطائر ‪-‬‬
‫كفرح ‪ -‬وغرد تغريدا وأغرد وتغرد‪ :‬رفع صوته وطرب به‪ .‬وفي النهاية‪:‬‬

‫الرضراض‪ :‬الحصا الصغار‪ .‬قوله " فحام العيون " لعله من الفحمة بمعنى‬

‫السواد‪ .‬وفي القاموس‪ :‬العشراء من النوق التي مضت لحملها عشرة أشهر‬

‫أو ثمانية أو هي كالنفساء من النساء‪ ،‬والجمع‪ :‬عشراوات وعشار‪،‬‬

‫والعشار اسم يقع على النوق حتى ينتج بعضها وبعضها ينتظر نتاجها‪.‬‬

‫وقال‪ :‬الدكداك )‪ - (1‬و يكسر ‪ -‬من الرمل ما تكبس واستوى وما التبد منه‬

‫بالرض أو هي أرض فيها غلظ‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬في القاموس‪ :‬الدكدك ويكسر والدكداك من الرمل‪ ..‬الخ وينتهى الى‬

‫قوله " مدعوكه "‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪.302‬‬

‫]‪[263‬‬

‫أرض مدكدكة مدعوكة كثر بها الناس فكثر آثار المال والبوال حتى تفسدها‬

‫‪ -‬انتهى ‪ .-‬وانقضاض النار عن وجهه كناية عن سرعة ذهابها عنه وعدم‬

‫إضرارها به كما ينقض الطائر أو الكواكب في الهواء‪ .‬و " تلفح وجهه‬

‫النار " أي تحرقه‪ .‬وقال في النهاية‪ :‬فيه " امتي الغر المحجلون " أي‬

‫بيض مواضع الوضوء من اليدي والقدام‪ .‬استعار أثر الوضوء في الوجه‬


‫واليدين والرجلين للنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه‬

‫ورجليه )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬النهاية‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.204‬‬

‫]‪[264‬‬

‫)أبواب( * )النسان والروح والبدن وأجزائه وقواهما وأحوالهما( * ‪38‬‬

‫)باب( * )أنه لم سمى النسان انسانا والمرأة مرأة والنساء نساءا( * *‬

‫)والحواء حواء( * ‪ - 1‬العلل‪ :‬عن علي بن أحمد بن محمد بن جعفر‬

‫السدي‪ ،‬عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمي النسان إنسانا لنه ينسى‪ ،‬وقال ال‬

‫عزوجل " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي )‪ ." (1‬بيان‪ :‬النسان فعلن‬

‫عند البصريين لموافقته مع النس لفظا ومعنى‪ ،‬وقال الكوفيون‪ :‬هو إفعان‬

‫من " نسي " أصله إنسيان على إفعلن‪ ،‬فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما‬

‫يجري على ألسنتهم فإذا صغروه ردوه إلى أصله لن التصغير ل يكثر‪ ،‬و‬

‫هذا الخبر يدل على مذهب الكوفيين‪ ،‬ورواه العامة عن ابن عباس أيضا قال‬

‫الخليل في كتاب العين‪ :‬سمي النسان من النسيان‪ ،‬والنسان في الصل‪:‬‬

‫إنسيان‪ ،‬لن جماعته أناسي‪ ،‬وتصغيره انيسيان‪ ،‬بترجيع المدة التي حذفت‬
‫وهو )‪ (2‬الياء وكذلك إنسان العين‪ .‬وحكى الشيخ في التبيان عن ابن عباس‬

‫أنه قال‪ :‬إنما سمي إنسانا لنه عهد إليه فنسي‪ .‬قال ال تعالى " ولقد عهدنا‬

‫إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " وقال الراغب في مفرداته‪:‬‬

‫النسان‪ ،‬قيل‪ :‬سمي بذلك لنه خلق خلقة لقوام‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .14‬والية في سورة طه‪ ،‬آية ‪ (2) .115‬كذا‪،‬‬

‫والصواب‪ :‬وهى‪.‬‬

‫]‪[265‬‬

‫له إل بانس بعضهم ببعض‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬النسان مدني بالطبع‪ ،‬من حيث إنه‬

‫لقوام لبعضهم إل ببعض ول يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه‪ .‬وقيل‪ :‬سمي‬

‫بذلك لنه يأنس بكل ما يألفه‪ .‬وقيل‪ :‬هو إفعلن وأصله إنسيان سمي بذلك‬

‫لنه عهد إليه فنسي‪ - 2 .‬العلل‪ :‬عن علي بن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن‬

‫أبي عبد ال الكوفي‪ ،‬عن موسى بن عمران النخعي‪ ،‬عن عمه الحسين بن‬

‫يزيد النوفلي‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬سميت المرأة مرأة لنها خلقت من المرء‪ ،‬يعني خلقت حواء‬

‫من آدم )‪ - 3 .(1‬معاني الخبار‪ :‬مرسل‪ :‬معنى النسان أنه ينسى‪ ،‬ومعنى‬

‫النساء أنهن انس للرجال‪ ،‬ومعنى المرأة أنها خلقت من المرء )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫كون النساء من النس إما مبني على القلب‪ ،‬أو على الشتقاق الكبير أو‬

‫على أنه إذا أنسوا بهن نسوا غيرهن فاشتقاقه من النسيان‪ - 4 .‬الدر‬

‫المنثور‪ :‬عن ابن عباس قال‪ :‬خلق ال آدم من أديم الرض يوم الجمعة بعد‬

‫العصر‪ ،‬فسماه آدم‪ ،‬ثم عهد إليه فنسي‪ ،‬فسماه النسان‪ .‬قال ابن عباس‬

‫فبال ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى اهبط من الجنة‪ .‬قال‪ :‬وإنما‬

‫سميت المرأة مرأة لنها خلقت من المرء‪ ،‬وسميت حواء لنها ام كل حي )‬

‫‪ - 5 .(3‬العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم‪ :‬قال‪ :‬كان مكث آدم في الجنة‬

‫نصف ساعة ثم اهبط إلى الرض لتمام تسع ساعات من يوم الجمعة وذلك‬

‫في وقت صلوة العصر قال‪ :‬وسميت العصر لن آدم عصر بالبلء‪ .‬قال‪:‬‬

‫ألقى ال النوم على آدم فأخذ ضلعه القصير )‪ (4‬من جانبه اليسر فخلق منه‬

‫حواء فلم يؤذه ذلك‪ ،‬ولو آذاه ذلك ما عطف عليها أبدا‪ .‬فقال آدم‪ :‬ما هذه ؟‬

‫قال‪ :‬هذه امرأة لنها من المرء خلقت‪ ،‬قال‪ :‬ما اسمها ؟ قال‪ :‬حواء‪ ،‬لنها‬

‫خلقت من شئ حي‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬سميت حواء لنها ام‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .16‬معاني الخبار‪ (3) .48 :‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪،1‬‬

‫ص ‪ (4) .52‬القصيرى )خ(‪.‬‬

‫]‪[266‬‬
‫كل حي‪ .‬قال جعفر‪ :‬سمين النساء لنس آدم بحواء حين اهبط إلى الرض‬

‫ولم يكن له انس غيرها‪ .‬فائدة‪ :‬اعلم أنه قد اتفقت كلمة المليين من‬

‫المسلمين واليهود والنصارى على أن أول البشر هو آدم‪ ،‬وأما الخرون‬

‫فخالفوا فيه على أقوال‪ :‬أما الفلسفة فزعموا أنه ل أول لنوع البشر ول‬

‫لغيرهم من النواع المتوالدة‪ ،‬وأما الهند فمن كان منهم على رأي الفلسفة‬

‫فهو يوافقهم في ما ذكر‪ ،‬ومن لم يكن منهم على رأي الفلسفة وقال‬

‫بحدوث الجسام ل يثبت )‪ (1‬آدم ويقول‪ :‬إن ال تعالى خلق الفلك وخلق‬

‫فيها طباعا محركة لها بذاتها فلما تحركت وحشوها أجسام لستحالة الخل‬

‫وكانت الجسام على طبيعة واحدة فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية‪ ،‬وكان‬

‫القريب من الفلك أسخن و ألطف‪ ،‬والبعيد أبرد وأكثف‪ ،‬ثم اختلطت العناصر‬

‫وتكونت منها المركبات‪ ،‬ومما تكون منه نوع البشر كما يتكون الدود في‬

‫الفاكهة واللحم‪ ،‬والبق في البطائح و المواضع العفنة‪ ،‬ثم تكون البشر‬

‫بعضه من بعض بالتوالد‪ ،‬ونسي التخليق الول الذي كان بالتولد‪ ،‬ومن‬

‫الممكن أن يقول‪ :‬يتولد بعض البشر في بعض الراضي القاصية مخلوقة‬

‫بالتولد‪ ،‬وإنما انقطع التولد لن الطبيعة إذا وجدت للتكون )‪ (2‬طريقا‬

‫استغنت عن طريق ثان‪ .‬وأما المجوس فل يعرفون آدم‪ ،‬ول نوحا ولساما‬

‫ول حاما و ]ل[ يافث‪ .‬وأول متكون من البشر عندهم كيومرث‪ ،‬ولقبه‬

‫كوهشاه أي ملك الجبل وقد كان كيومرث في الجبال‪ ،‬ومنهم من يسميه‬


‫گلشاه أي ملك الطين لنه لم يكن حينئذ بشر يملكهم‪ .‬وقيل‪ :‬تفسير‬

‫كيومرث‪ :‬حي ناطق ميت‪ ،‬قالوا‪ :‬وكان قد رزق من الحس مال يقع عليه‬

‫بصر حيوان إل وله واغمي عليه‪ .‬ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن‬

‫يزدان وهو الصانع الول عندهم فكر في أمر أهر من ‪ -‬وهو الشيطان‬

‫عندهم ‪ -‬فكرة أوجبت أن عرق جبينه‪ ،‬فمسح العرق ورمى به فصارت منه‬

‫كيومرث‪ .‬ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهر من عن فكرة يزدان أو من‬

‫إعجابه بنفسه أو من توحشه‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬لم يثبت )خ(‪ (2) .‬للكون )خ(‪.‬‬

‫]‪[267‬‬

‫بينهم خلف في قدم أهر من وحدوثه‪ .‬ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في‬

‫الوجود‪ ،‬فقال الكثرون‪ :‬ثلثون سنة‪ ،‬وقال القلون‪ :‬أربعون سنة‪ ،‬وقال‬

‫قوم منهم‪ :‬إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلثة آلف سنة‪،‬‬

‫وهي‪ :‬ألف الحمل‪ ،‬وألف الثور‪ ،‬و ألف الجوزاء ; ثم اهبط إلى الرض‬

‫وكان بها آمنا مطمئنا ثلثة آلف سنة اخرى وهي‪ :‬ألف السرطان‪ ،‬وألف‬

‫السد‪ ،‬وألف السنبلة ; ثم مكث بعد ذلك ثلثين أو أربعين سنة في حرب‬

‫وخصام بينه وبين أهر من حتى هلك‪ .‬واختلفوا في كيفية هلكه مع اتفاقهم‬
‫على أنه هلك قتل‪ ،‬فالكثرون قالوا‪ :‬إنه قتل ابنا لهر من يسمى " جزوذه‬

‫" فاستغاث أهر من منه إلى يزدان‪ ،‬فلم يجد بدا من أن يقاصه حفظا للعهود‬

‫التي كانت بينه وبين أهرمن‪ ،‬فقتله بابن أهرمن‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل قتله أهر من‬

‫في صراع كان بينه وبين أهرمن‪ ،‬وذكروا في كيفيته أن كيومرث كان هو‬

‫القاهر لهر من في بادئ الحال وأنه ركبه وجعل يطوف به في العالم إلى أن‬

‫سأله أهرمن عن أي الشياء أخوف )‪ (1‬وأهولها عنده‪ .‬فقال له‪ :‬باب‬

‫جهنم‪ ،‬فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه ولم يستمسك‪،‬‬

‫فعله وسأله عن أي الجهات يبتدئ به في الكل‪ ،‬فقال له‪ :‬من جهة الرجل‬

‫لكون )‪ (2‬ناظرا حسن العالم مدة ما‪ ،‬فابتدأه أهرمن فأكله من عند رأسه‬

‫فبلغ إلى موضع الخصي‪ ،‬وأ عية المني من الصلب‪ ،‬فقطر من كيومرث‬

‫قطرتا نطفة على الرض‪ ،‬فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر‪ ،‬ثم‬

‫ظهرت على تينك الريباستين العضاء البشرية في أول الشهر التاسع‬

‫وتمت أجزاؤه فتصور منهما بشران‪ :‬ذكرو انثى‪ ،‬وهما ميشا وميشانه‪،‬‬

‫وهما بمنزلة آدم وحواء عند المليين‪ ،‬ويسميهما مجوس خوارزم‪ :‬مرد‪،‬‬

‫ومردانه‪ ،‬وزعموا أنهما مكثا خمسين سنة مستغنيين عن الطعام و الشراب‬

‫منعمين غير متأذيين بشئ حتى ظهر لهما أهرمن في صورة شيخ كبير‬

‫فحملهما على تناول فواكه الشجار وأكل منها وهما يبصرانه شيخا فعاد‬
‫شابا‪ ،‬فأكل منها حينئذ فوقعا في البليا‪ ،‬وظهر فيهما الحرص حتى تزاوجا‬

‫وولد لهما ولد فأكله حرصا ثم‬

‫)‪ (1‬اخوف له )خ( )‪ (2‬فاكون )خ(‪.‬‬

‫]‪[268‬‬

‫ألقى ال تعالى في قلوبهما رأفة فولد بعد ذلك ستة أبطن كل بطن ذكرو‬

‫انثى‪ ،‬وأسماؤهم في كتاب زردشت معروفة‪ ،‬ثم كان البطن السابع " سيامك‬

‫" و " فرواك " فتزاوجا‪ ،‬فولد لهما الملك المعروف الذي لم يعرف قبله‬

‫ملك‪ ،‬وهو هوشنج‪ .‬وهو الذي خلف جده كيومرث وعقد التاج وجلس على‬

‫السرير وبنى مدينتين‪ :‬بابل‪ ،‬والسوس‪ .‬أقول‪ :‬هذه هي الخرافات التي‬

‫ذكروها‪ ،‬واليات والخبار ناطقة بما هو الحق المبين وتبطل أقوال الفرق‬

‫المضلين‪) 39 .‬باب( * )فضل النسان وتفضيله على الملك وبعض جوامع‬

‫أحواله( * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض‬

‫خليفة ‪ -‬إلى قوله سبحانه ‪ -‬وكان من الكافرين )‪ .(1‬النعام‪ :‬وهو الذي‬

‫أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا اليات لقوم يفقهون )‬

‫‪ .(2‬الحجر‪ :‬ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ مسنون )‪ .(3‬السراء‪:‬‬

‫ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات‬


‫وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل )‪ .(4‬النبياء‪ :‬خلق النسان من‬

‫عجل )‪ .(5‬الفرقان‪ :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا‬

‫وكان ربك قديرا )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .34 - 30 :‬النعام‪ (3) .98 :‬الحجر‪ (4) .26 :‬السراء‪:‬‬

‫‪ (5) .70‬النبياء‪ (6) .37 :‬الفرقان‪.54 :‬‬

‫]‪[269‬‬

‫الروم‪ :‬ال الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من‬

‫بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )‪ .(1‬الحزاب‪ :‬إنا‬

‫عرضنا المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن‬

‫منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول ليعذب ال المنافقين والمنافقات‬

‫والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال‬

‫غفورا رحيما )‪ .(2‬فاطر‪ :‬ومن الناس والدواب والنعام مختلف ألوانه كذلك‬

‫)‪ .(3‬يس‪ :‬سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم‬

‫ومما ل يعلمون )‪ .(4‬الصافات‪ :‬أنا خلقناهم من طين لزب )‪ .(5‬الزمر‪:‬‬

‫خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها )‪ .(6‬المؤمن‪ :‬وصوركم فأحسن‬

‫صوركم ورزقكم من الطيبات )‪ .(7‬الرحمن‪ :‬خلق النسان علمه البيان )‪.(8‬‬


‫وقال تعالى‪ :‬خلق النسان من صلصال كالفخار )‪ .(9‬التغابن‪ :‬هو الذي‬

‫خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وال بما تعملون بصير )‪ .(10‬البلد‪ :‬لاقسم‬

‫بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا النسان في كبد‬

‫أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مال لبدا أيحسب أن لم يره أحد‬

‫ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين )‪ .(11‬التين‪ :‬لقد خلقنا‬

‫النسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين )‪.(12‬‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) 54 :‬الحزاب‪ (3) .73 - 72 :‬فاطر‪ (4) .28 :‬يس‪) .36 :‬‬

‫‪ (5‬الصافات‪ (6) .11 :‬الزمر‪ (7) .6 :‬المؤمن‪ (8) .64 :‬الرحمن‪) 4 - 3 :‬‬

‫‪ (9‬الرحمن‪ (10) .14 :‬التغابن‪ (11) .2 :‬البلد‪ (12) .10 - 1 :‬التين‪- 4 :‬‬

‫‪5‬‬

‫]‪[270‬‬

‫العلق‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم‬

‫الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم )‪ .(1‬تفسير‪ " :‬وإذ قال ربك‬

‫للملئكة " هذه اليات مما استدل به على تفضيل النسان على الملئكة‪،‬‬

‫وسيأتي وجه الستدلل بها‪ " .‬من نفس واحدة " أي من آدم عليه السلم‬

‫لن ال تعالى خلقنا منه جميعا‪ ،‬وخلق حواء من فضل طينته‪ ،‬أو من ضلع‬
‫من أضلعه‪ ،‬ومن علينا بهذا لن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا‬

‫أقرب إلى التألف " فمستقر ومستودع " أي مستقر في الرحم إلى أن يولد‬

‫ومستودع في القبر‪ ،‬أو مستقر في بطون المهات ومستودع في الصلب‪،‬‬

‫أو مستقر على ظهر الرض في الدنيا ومستودع عند ال في الخرة‪ ،‬أو‬

‫مستقرها أيام حياتها ومستودعها حيث )‪ (2‬يموت وحيث يبعث‪ ،‬أو مستقر‬

‫في القبر ومستودع في الدنيا‪ ،‬أو مستقر فيه اليمان ومستودع يسلب منه‬

‫كما ورد في الخبر‪ " .‬من صلصال " أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا‬

‫نقر‪ ،‬وقيل‪ :‬من صلصل إذا نتن تضعيف صل‪ " .‬من حمأ " من طين تغير‬

‫واسود من طول مجاورة الماء‪ " .‬مسنون " أي مصور من سنة الوجه‪ ،‬أو‬

‫مصبوب لييبس‪ ،‬أو مصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب من السن‬

‫وهو الصب‪ ،‬كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف‪ ،‬قيبس حتى‬

‫نقر وصلصل‪ ،‬ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه‪،‬‬

‫أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما‬

‫يكون منتنا يسمى سنين‪ " .‬ولقد كرمنا بني آدم " قال الرازي‪ :‬اعلم أن‬

‫النسان جوهر مركب من النفس والبدن‪ ،‬فالنفس النسانية أشرف النفوس‬

‫الموجودة في العالم السفلي‪ ،‬لن النفس النباتية قواها الصلية ثلثة وهي‪:‬‬

‫الغتذاء‪ ،‬والنمو‪ ،‬والتوليد‪ .‬والنفس الحيوانية لها قوتان اخريان‪ :‬الحاسة‪،‬‬


‫والمحركة بالختيار‪ .‬ثم إن النفس النسانية مختصة بقوة اخرى‪ ،‬وهي‬

‫القوة العاقلة المدركة لحقائق الشياء كما هي‪ ،‬وهي التي يتجلى‬

‫)‪ (1‬العلق‪ (2) .5 - 1 :‬حين )خ(‪.‬‬

‫]‪[271‬‬

‫فيها نور معرفة ال‪ ،‬ويشرق فيها ضوء كبريائه‪ ،‬وهو الذي يطلع على‬

‫أسرار عالمي الخلق والمر‪ ،‬ويحيط بأقسام مخلوقات ال من الرواح‬

‫والجسام كما هي‪ ،‬وهذه القوة من سنخ الجواهر القدسية‪ ،‬والرواح‬

‫المجردة اللهية‪ ،‬فهذه القوة لنسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى‬

‫الخمسة النباتية والحيوانية‪ ،‬وإذا كان المر كذلك ظهر أن النفس النسانية‬

‫أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم‪ .‬وأما بيان أن البدن النساني‬

‫أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء‪ :‬أحدها‪ :‬روى ميمون بن‬

‫مهران عن ابن عباس في قوله " ولقد كرمنا بني آدم " قال‪ :‬كل شئ يأكل‬

‫بفيه إل ابن آدم‪ ،‬فإنه يأكل بيديه‪ .‬عن الرشيد أنه احضرت الطعمة عنده‪،‬‬

‫فدعا بالملعق وعنده أبو يوسف فقال له‪ :‬جاء في تفسير )‪ (1‬قوله تعالى‬

‫" ولقد كرمنا بني آدم "‪ :‬وجعلنا لهم أصابع يأكلون بها‪ ،‬فاحضرت‬

‫الملعق فردها وأكل بأصابعه‪ .‬وثانيها‪ :‬قال الضحاك‪ :‬بالنطق والتميز )‪(2‬‬
‫وتحقيق الكلم أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه‬

‫عارفا بذلك الشئ أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الول فهو جملة حال‬

‫الحيوان سوى النسان‪ ،‬فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن‬

‫تعريف غيرها تلك الحوال تعريفا تاما وافيا‪ .‬وأما القسم الثاني فهو‬

‫النسان‪ ،‬فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه‬

‫قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا‪ .‬وبهذا البيان‬

‫يظهر أن النسان الخرس داخل في هذا الوصف‪ ،‬لنه وإن عجز عن‬

‫تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الشارة‬

‫وبطريق الكتابة وغيرهما‪ ،‬ول يدخل فيه الببغاء‪ ،‬لنه وإن قدر على‬

‫تعريفات قليلة فل قدرة له على تعريف جميع الحوال على سبيل الكمال‬

‫والتمام‪ .‬وثالثها‪ :‬قال عطاء بامتداد القامة‪ .‬واعلم أن هذا الكلم غير تمام‪،‬‬

‫لن‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬جاء في التفسير عن جدك في قوله‪ (2) ..‬فيه‪ :‬التمييز‪.‬‬

‫]‪[272‬‬

‫الشجار أطول قامة من النسان‪ ،‬بل ينبغي أن يشرط فيه شرط‪ ،‬وهو طول‬

‫القامة مع استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية‪ .‬ورابعها‪ :‬قال‬


‫يمان‪ :‬بحسن الصورة‪ ،‬والدليل عليه قوله تعالى " وصوركم فأحسن‬

‫صوركم " ولما ذكر ال تعالى خلقة النسان قال " فتبارك ال أحسن‬

‫الخالقين " وقال " صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " وإن شئت فتأمل‬

‫عضوا واحدا من أعضاء النسان وهو العين‪ ،‬فخلق الحدقة سوداء‪ ،‬ثم‬

‫أحاط بذلك السواد بياض العين‪ ،‬ثم أحاط بذلك البياض سواد الشفار‪ ،‬ثم‬

‫أحاط بذلك السواد بياض الجفان‪ ،‬ثم خلق فوق بياض الجفن سواد‬

‫الحاجبين‪ ،‬ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة‪ ،‬ثم خلق فوق الجبهة‬

‫سواد الشعر‪ .‬وليكن هذا المثال الواحد انموذجا لك في هذا الباب‪ .‬وخامسها‬

‫قال بعضهم‪ :‬من كرامات الدمي أن آتاه ال الخط‪ .‬وتحقيق الكلم في هذا‬

‫الباب أن العلم الذي يقدر النسان الواحد على استنباطه يكون قليل‪ ،‬أما إذا‬

‫استنبط النسان علما وأودعه في الكتاب وجاء النسان الثاني واستعان‬

‫بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء اخرى‪ ،‬ثم ل يزالون يتعاقبون‬

‫وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين‪ ،‬كثرت العلوم وقويت‬

‫الفضائل والمعارف‪ ،‬وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية أقصى‬

‫الغايات وأكمل النهايات‪ ،‬ومعلوم أن هذا الباب ل يتأتى إل بواسطة الخط‬

‫والكتب‪ ،‬ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى " اقرأ وربك الكرم الذي علم‬

‫بالقلم علم النسان ما لم يعلم "‪ .‬وسادسها أن أجسام هذا العالم إما البسائط‬

‫وإما المركبات‪ ،‬أما البسائط فهي الرض‪ ،‬والماء‪ ،‬والهواء‪ ،‬والنار‪.‬‬


‫والنسان ينتفع بكل هذه الربعة‪ ،‬أما الرض فهي لنا كالم الحاضنة‪ ،‬قال‬

‫تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى " وقد سماه‬

‫ال تعالى بأسماء بالنسبة إلينا‪ ،‬وهي‪ :‬الفراش‪ ،‬والمهاد‪ ،‬والمهد وأما الماء‬

‫فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراثة ظاهر‪ ،‬وأيضا سخر البحر لنأكل‬

‫لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر‪ .‬وأما الهواء‬

‫فهو مادة حياتنا‪ ،‬ولول هبوب الرياح لستولي النتن على هذه المعمورة‪.‬‬

‫وأما النار فيها طبخ‬

‫]‪[273‬‬

‫الغذية والشربة ونضجها‪ ،‬وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي‬

‫المظلمة‪ ،‬وهي الدافعة لضرر البرد‪ .‬وأما المركبات فهي إما الثار )‪(1‬‬

‫العلوية‪ ،‬وإما المعادن‪ ،‬وإما النبات‪ ،‬وإما الحيوان‪ .‬والنسان كالمستولي‬

‫على كل هذه القسام والمنتفع بها والمستسخر لكل أقسامها‪ ،‬فهذا العالم‬

‫بأسرها جرى مجرى قرية معمورة وخان مغلة )‪ (2‬وجميع منافعها‬

‫ومصالحها مصروفة إلى النسان والنسان فيه كالرئيس المخدوم والملك‬

‫المطاع‪ ،‬وسائر الحيوانات بالنسبة إليه كالعبيد‪ ،‬وكل ذلك يدل على كونه‬

‫مخصوصا من عند ال بمزيد التكريم والتفضيل‪ .‬وسابعها أن المخلوقات‬

‫تنقسم إلى أربعة أقسام‪ :‬إلى ما حصلت له هذه القوة العقلية الحكمية ولم‬
‫تحصل له القوة الشهوانية وهم الملئكة‪ ،‬وإلى ما يكون بالعكس وهم‬

‫البهائم‪ ،‬وإلى ما خل عن القسمين وهو النبات والجمادات‪ ،‬وإلى ما حصل‬

‫النوعان فيه وهو النسان‪ ،‬ول شك أن النسان لكونه مستجمعا للقوة‬

‫العقلية القدسية والقوة الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية يكون أفضل‬

‫من البهيمة والسبع‪ ،‬ول شك أيضا أنه أفضل من الجسام الخالية عن‬

‫القوتين مثل النبات والمعادن والجمادات وإذا ثبت ذلك ظهر أن ال تعالى‬

‫فضل النسان على أكثر أقسام المخلوقات‪ .‬بقي ههنا بحث في أن الملك‬

‫أفضل من )‪ (3‬البشر‪ ،‬والمعنى أن الجوهر البسيط الموصوف بالقوة العقلية‬

‫القدسية المحضة أفضل )‪ (4‬من البشر المستجمع لهاتين القوتين‪ ،‬وذلك‬

‫بحث آخر‪ .‬وثامنها الموجود إما أن يكون أزليا وأبديا معا وهو ال سبحانه‪،‬‬

‫وإما أن ل يكون أزليا ول أبديا وهو عالم الدنيا مع كل ما فيه من المعادن‬

‫والنبات والحيوان وهذا أخس القسام‪ ،‬وإما أن يكون أزليا وليكون أبديا‪،‬‬

‫وهذا ممتنع الوجود لن ما ثبت قدمه امتنع عدمه‪ ،‬وإما أن ل يكون أزليا‬

‫ولكنه يكون أبديا وهو‬

‫)‪ (1‬كذا في المصدر‪ :‬وفى بعض النسخ " الباء " وفى بعضها " اليات‬

‫"‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬معد‪ 3) .‬و ‪ (4‬في المصدر " أم " في الموضعين‪.‬‬
‫]‪[274‬‬

‫النسان والملك‪ ،‬ول شك أن هذا القسم أشرف من القسم الثاني والثالث‪،‬‬

‫وذلك يقتضي كون النسان أشرف من أكثر المخلوقات‪ .‬وتاسعها العالم‬

‫العلوي أشرف من العالم السفلي‪ ،‬وروح النسان من جنس الرواح العلوية‬

‫والجواهر القدسية‪ ،‬وليس في موجودات العالم السفلي شئ حصل من العالم‬

‫العلوي إل النسان‪ ،‬فوجب كون النسان أشرف موجودات العالم السفلي‪.‬‬

‫وعاشرها أشرف الموجودات هو ال تعالى‪ ،‬وإذا كان كذلك فكل موجود كان‬

‫قربه من ال أتم وجب أن يكون أشرف‪ ،‬لكن أقرب موجودات هذا العالم من‬

‫ال تعالى هو النسان‪ ،‬بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة ال‪ ،‬ولسانه مشرف‬

‫بذكر ال‪ ،‬وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة ال‪ ،‬فوجب الجزم بأن أشرف‬

‫موجودات هذا العالم السفلي هو النسان‪ ،‬ولما ثبت أن النسان موجود‬

‫ممكن لذاته ل يوجد إل بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للنسان من‬

‫المراتب العالية والصفات الشريفة فهي إنما حصلت بإحسان ال وإنعامه‪،‬‬

‫فلهذا المعنى قال تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " ومن تمام كرامته على ال‬

‫أنه لما خلقه في أول المر وصف نفسه بأنه أكرم‪ ،‬فقال " اقرأ باسم ربك‬

‫الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم "‬

‫ووصف نفسه بالتكريم عند تربية النسان فقال " ولقد كرمنا بني آدم "‬

‫ووصف نفسه بالكرم في آخر أحوال النسان فقال‪ " :‬يا أيها النسان ما‬
‫غرك بربك الكريم " وهذا يدل على أنه ل نهاية لكرم ال تعالى وتفضله‬

‫وإحسانه مع النسان‪ .‬الحادى عشر قال بعضهم‪ :‬هذ التكريم معناه أنه تعالى‬

‫خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون‪ ،‬ومن كان مخلوقا بيدي ال‬

‫كانت العناية به أتم‪ ،‬فكان )‪ (1‬أكرم وأكمل‪ ،‬ولما جعلنا من أولده وجب‬

‫كون بني آدم أكرم وأكمل‪ " .‬وحملناهم في البر والبحر " قال ابن عباس‪:‬‬

‫في البر على الخيل والبغال و الحمير والبل‪ ،‬وفي البحر على السفن‪ ،‬وهذا‬

‫أيضا من مؤكدات التكريم المذكور‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " أتم واكمل " وفى المصدر‪ :‬كانت العناية به أتم‬

‫وأكمل وكان أكرم وأكمل‪.‬‬

‫]‪[275‬‬

‫أول‪ ،‬لنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو‬

‫ويقاتل ويذب عن نفسه‪ .‬وكذلك تسخير ال تعالى المياه والسفن وغيرهما‬

‫ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما )‪ (1‬يختص به ابن آدم‪ ،‬كل ذلك مما‬

‫يدل على أن النسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع‪" .‬‬

‫ورزقناهم من الطيبات " وذلك لن الغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكل‬

‫القسمين فإن النسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد‬
‫التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ‪ ،‬وذلك مما ل يصلح إل‬

‫للنسان‪ " .‬وفضلناهم " الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل‬

‫النسان على سائر الحيوانات بامور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق‬

‫والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة‪ ،‬ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك‬

‫العقل والفهم لكتساب العقائد الحقة والخلق الفاضلة فالول هو التكريم‬

‫والثاني هو التفضيل‪ " .‬على كثير ممن خلقنا تفضيل " لم يقل‪ :‬وفضلناهم‬

‫على الكل‪ ،‬فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات ال تعالى شئ ل يكون‬

‫النسان مفضل عليه‪ ،‬وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملئكة‪ ،‬فلزم‬

‫القول بأن الملك أفضل من النسان‪ ،‬و هذا القول مذهب ابن عباس واختيار‬

‫الرجاج على ما رواه الواحدي في البسيط‪ .‬واعلم أن هذا الكلم مشتمل على‬

‫بحثين‪ :‬أحدهما أن النبياء أفضل أم الملئكة‪ ،‬وقد سبق القول فيه في‬

‫سورة البقرة‪ .‬والثانى أن عوام الملئكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل‪ ،‬منهم‬

‫من قال بتفضيل المؤمنين على الملئكة‪ ،‬واحتجوا عليه بما روي عن زيد‬

‫بن أسلم أنه قال‪ :‬قالت الملئكة‪ :‬ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا )‪ (2‬يأكلون‬

‫فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الخرة‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬وعزتي وجللي ل‬

‫أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له " كن " فكان‪ .‬فقال أبو هريرة‪:‬‬

‫المؤمن أكرم على ال من الملئكة الذين عنده‪ ،‬هكذا‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مما‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬الدنيا‪(*) .‬‬

‫]‪[276‬‬

‫أورده الواحدي في البسيط‪ .‬وأما القائلون بأن الملك أفضل من البشر على‬

‫الطلق فقد عولوا على هذه الية وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب )‬

‫‪) (1‬انتهى(‪ .‬وقال الطبرسي ‪ -‬قدس سره ‪ :-‬استدل بعضهم بهذا على أن‬

‫الملئكة أفضل من النبياء‪ ،‬قال‪ :‬لن قوله " على كثير " يدل على أن ههنا‬

‫من لم يفضلهم عليه‪ ،‬و ليس إل الملئكة‪ ،‬لن بني آدم أفضل من كل حيوان‬

‫سوى الملئكة بالتفاق‪ ،‬وهذا باطل من وجوه‪ :‬أحدها أن التفضيل ههنا لم‬

‫يرد به الثواب‪ ،‬لن الثواب ل يجوز التفضيل به ابتداءا‪ ،‬وإنما المراد بذلك‬

‫ما فضلهم ال به من فنون النعم التي عددنا بعضها‪ .‬وثانيها أن المراد‬

‫بالكثير الجميع‪ ،‬فوضع الكثير موضع الجميع‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنا فضلناهم على‬

‫من خلقنا وهم كثير‪ ،‬كما يقال‪ :‬بذلت له العريض من جاهي‪ ،‬وأبحته المنيع‬

‫من حريمي‪ .‬ول يراد بذلك أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس‬

‫بعريض وأبحته منيع حريمي ولم ابحه ما ليس منيعا‪ ،‬بل المقصود أني‬

‫بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض‪ ،‬وفي القرآن ومحاورات العرب‬

‫من ذلك مال يحصى‪ ،‬ول يخفى ذلك على من عرف كلمهم‪ .‬وثالثها أنه إذا‬

‫سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وأن لفظة " من " في قوله " ممن‬
‫خلقنا " تفيد التبعيض فل يمتنع أن يكون جنس الملئكة أفضل من جنس‬

‫بني آدم‪ ،‬لن الفضل في الملئكة عام لجميعهم أو أكثرهم‪ ،‬والفضل من )‪(2‬‬

‫بني آدم يختص بقليل من كثير‪ ،‬وعلى هذا فغير منكر أن يكون النبياء‬

‫أفضل من الملئكة وإن كان جنس الملئكة أفضل من جنس بني آدم )‪(3‬‬

‫)انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬كلمه ‪ -‬ره ‪ -‬في هذه الية مأخوذ مما سننقله عن السيد‬

‫المرتضى ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬

‫)‪ (1‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،21‬ص ‪ (2) .16 - 12‬في المصدر‪ :‬في‪ (3) .‬مجمع‬

‫البيان‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.429‬‬

‫]‪[277‬‬

‫" خلق النسان من عجل " قال البيضاوي‪ :‬كأنه خلق منه لفرط استعجاله‬

‫و قلة تأنيه‪ ،‬كقولك‪ :‬خلق زيد من الكرم‪ ،‬وجعل ما طبع عليه بمنزلة‬

‫المطبوع‪ ،‬هو منه مبالغة في لزومه له‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬إنه على القلب‪ ،‬ومن‬

‫عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله الوعيد )‪) (1‬انتهى( وفي تفسير علي‬

‫بن إبراهيم قال‪ :‬لما أجرى ال في آدم الروح )‪ (2‬من قدميه فبلغت إلى‬

‫ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر‪ ،‬فقال ال‪ :‬خلق النسان من عجل )‪" .(3‬‬

‫خلق من الماء بشرا " قيل‪ :‬يعني الذي خمر به طينة آدم ثم جعله جزءا من‬
‫مادة البشر ليجتمع ويسلس ويقبل الشكال بسهولة‪ ،‬أو النطفة " فجعله‬

‫نسبا وصهرا " أي فقسمه قسمين‪ :‬ذوي نسب‪ ،‬أي ذكورا ينسب إليهم ;‬

‫وذوات صهر‪ ،‬أي إناثا يصاهر بهن " وكان ربك قديرا " حيث خلق من‬

‫مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة‪ ،‬وجعله قسمين‬

‫متقابلين‪ .‬وروي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن هذه الية فقال‪ :‬إن‬

‫ال تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها‬

‫من أسفل أعضائه‪ ،‬فجرى بذلك الضلع بينهما سبب ونسب ثم زوجها إياه‪،‬‬

‫فجرى بينهما بسبب ذلك صهر‪ ،‬فذلك قوله " نسبا وصهرا " فالنسب ماكان‬

‫بسبب الرجال‪ ،‬والصهر ما كان بسبب النساء‪ ،‬وقد أوردنا أخبارا كثيرة في‬

‫أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أنها نزلت في النبي وأمير‬

‫المؤمنين وتزويج فاطمة صلوات ال عليهم‪ " .‬ال الذي خلقكم من ضعف‬

‫" قيل‪ :‬أي ابتدأكم ضعفاء‪ ،‬أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة " ثم‬

‫جعل من بعد ضعف قوة " وهو بلوغكم الشد " ثم جعل من بعد قوة ضعفا‬

‫وشيبة " إذا أخذ منكم السن " يخلق ما يشاء " من ضعف وقوة و شيبة )‬

‫‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .82‬في المصدر‪ :‬روحه‪ (3) .‬تفسير‬

‫القمى‪ (4) .429 :‬في بعض النسخ المخطوطة‪ :‬شبيبة وشيبة‪.‬‬


‫]‪[278‬‬

‫" إنا عرضنا المانة " هذه الية من المتشابهات‪ ،‬وقد اختلف في تأويله‬

‫المفسرون والروايات على وجوه‪ :‬الول‪ :‬أن المراد بالمانة التكليف‬

‫بالوامر والنواهي‪ ،‬والمراد بعرضها على السماوات والرض والجبال‬

‫العرض على أهلها‪ ،‬وعرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن في تضييع المانة‬

‫الثم العظيم‪ ،‬وكذلك في ترك أوامر ال تعالى وأحكامه‪ ،‬فبين سبحانه جرأة‬

‫النسان على المعاصي وإشفاق الملئكة من ذلك‪ ،‬فيكون المعنى عرضنا‬

‫المانة على أهل السماوات والرض والجبال من الملئكة والنس والجن "‬

‫فأبين أن يحملنها " أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها‬

‫" وأشفقن منها " أي أشفق أهلهن عن )‪ (1‬حملها " وحملها النسان إنه‬

‫كان ظلوما " لنفسه بارتكاب المعاصي " جهول " بموضع المانة في‬

‫استحقاق العقاب على الخيانة فيها‪ ،‬فالمراد بحمل المانة تضييعها‪ .‬قال‬

‫الزجاج‪ :‬كل من خان المانة فقد حملها‪ ،‬ومن لم يحمل المانة فقد أداها‪.‬‬

‫والثانى‪ :‬أن معنى " عرضنا " عارضنا وقابلنا‪ ،‬فإن عرض الشئ على‬

‫الشئ ومعارضته به سواء والمعنى أن هذه المانة في جللة موقعها وعظم‬

‫شأنها لو قيست السماوات والرض والجبال وعورضت بها لكانت هذه‬

‫المانة أرجح وأثقل وزنا‪ ،‬و معنى قوله " فأبين أن يحملنها " ضعفن عن‬
‫حملها كذلك " وأشفقن منها " لن الشفقة ضعف القلب‪ ،‬ولذلك صار كناية‬

‫عن الخوف الذي يضعف عنده القلب‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هذه المانة التي من‬

‫صفتها أنها أعظم من هذه الشياء العظيمة تقلدها النسان‪ ،‬فلم يحفظها بل‬

‫حملها وضيعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب‪ .‬والثالث ما‬

‫ذكره البيضاوي حيث قال‪ :‬تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة‪ ،‬و سماها‬

‫أمانة من حيث إنها واجبة الداء‪ ،‬والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو‬

‫عرضت على هذه الجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لبين أن‬

‫يحملنها‪ ،‬وحملها النسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لجرم فاز الراعي‬

‫لها والقائم بحقوقها بخير الدارين " إنه‬

‫)‪ (1‬من )خ(‪.‬‬

‫]‪[279‬‬

‫كان ظلوما " حيث لم يف بها ولم يراع حقها " جهول " بكنه عاقبتها‪،‬‬

‫وهذا وصف للجنس باعتبار الغلب )‪) (1‬انتهى(‪ .‬وقال الطبرسي ‪ -‬قدس‬

‫سره ‪ :-‬إنه على وجه التقدير أجرى )‪ (2‬عليه لفظ الواقع‪ ،‬لن الواقع أبلغ‬

‫من المقدر‪ ،‬معناه‪ :‬لو كانت السماوات والرض والجبال عاقلة ثم عرضت‬

‫عليها المانة وهي وظائف الدين اصول وفروعا عرض تخيير لستثقلت‬
‫ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها‪ ،‬ولمتنعت من حملها خوفا من‬

‫القصور عن أداء حقها‪ ،‬ثم حملها النسان مع ضعف جسمه‪ ،‬ولم يخف‬

‫الوعيد لظلمه وجهله‪ ،‬وعلى هذا يحمل ماروي عن ابن عباس أنها عرضت‬

‫على نفس السماوات والرض فامتنعت من حملها‪ .‬والرابع أن معنى‬

‫العرض والباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلم‪ ،‬بل المراد تعظيم شأن‬

‫المانة‪ ،‬ل مخاطبة الجماد‪ ،‬والعرب تقول " سألت الربع وخاطبت الدار‬

‫فامتنعت عن الجواب " وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب‬

‫والسؤال‪ ،‬وتقول " أتى فلن بكذب ل تحمله الجبال " وقال سبحانه " فقال‬

‫لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " وخطاب من ل يفهم ل‬

‫يصح‪ .‬فالمانة على هذا ما أودع ال سبحانه السماوات والرض والجبال‬

‫من الدلئل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والنسان الكافر كتمها‬

‫وجحدها لظلمه )‪ .(3‬ويرجع إليه ما قيل‪ :‬المراد بالمانة الطاعة التي تعم‬

‫الطبيعية والختيارية‪ ،‬وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من‬

‫المختار وإرادة صدوره من غيره‪ ،‬وبحملها الخيانة فيها والمتناع عن‬

‫أدائها‪ ،‬ومنه قولهم " حامل المانة ومحتملها " لمن ل يؤديها فتبرأ ذمته‪،‬‬

‫قيكون الباء عنه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منه‪ ،‬والظلم والجهالة للخيانة‬

‫والتقصير‪ .‬والخامس ما قيل‪ :‬إنه تعالى لما خلق هذه الجرام فيها فهما )‪(4‬‬

‫وقال لها‪:‬‬
‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .282 - 281‬في المصدر‪ :‬ال انه‬

‫اجرى‪ (3) ..‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (4) .374‬كذا في جميع النسخ التى‬

‫بأيدينا والظاهر " جعل فيها فهما "‪.‬‬

‫]‪[280‬‬

‫إني قد فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها‪ ،‬ونارا لمن عصاني‪،‬‬

‫فقلن‪ :‬نحن مسخرات على ما خلقتنا‪ ،‬ل نحتمل فريضة ول نبغي ثوابا‬

‫ولعقابا‪ ،‬ولما خلق آدم عليه السلم عرض عليه مثل ذلك فتحمله‪ ،‬وكان‬

‫ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهول بوخامة عاقبته‪ .‬والسادس ما‬

‫قيل‪ :‬إن المراد بالمانة العقل والتكليف‪ ،‬وبعرضها عليهن اعتبارها‬

‫بالضافة إلى استعدادهن‪ ،‬وبإبائهن الباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة‬

‫والستعداد‪ ،‬وبحمل النسان قابليته واستعداده لها‪ ،‬وكونه ظلوما جهول لما‬

‫غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية‪ ،‬وعلى هذا يحسن أن يكون علة‬

‫للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين‪ ،‬حافظا لهما‬

‫عن التعدي ومجاوزة الحد )‪ (1‬ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر‬

‫سورتهما‪ .‬والسابع أن المراد بالمانة أداء المانة ضد الخيانة‪ ،‬أو قبولها‪،‬‬

‫وتصحيح تتمة الية على أحد الوجوه المتقدمة‪ .‬الثامن‪ :‬أن المراد بالمانة‬
‫المامة )‪ (2‬والخلفة الكبرى‪ ،‬وحملها ادعاؤها بغير حق‪ ،‬والمراد بالنسان‬

‫أبو بكر‪ ،‬وقد وردت الخبار الكثيرة في ذلك أوردتها في كتاب المامة‬

‫وغيرها‪ ،‬فقد روي بأسانيد عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬المانة الولية من‬

‫ادعاها بغير حق كفر‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬المانة هي المامة والمر‬

‫والنهي‪ ،‬عرضت على السماوات والرض والجبال " فأبين أن يحملنها "‬

‫قال‪ :‬أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها " وأشفقن منها وحملها النسان "‬

‫الول " إنه كان ظلوما جهول )‪ ." (1‬وعن الصادق عليه السلم‪ :‬المانة‬

‫الولية‪ ،‬والنسان أبو الشرور المنافق‪ .‬وعن الباقر عليه السلم‪ :‬هي‬

‫الولية‪ ،‬أبين أن يحملنها كفرا‪ ،‬وحملها النسان‪ ،‬والنسان أبو فلن‪ .‬ومما‬

‫يدل على أن المراد بها التكليف ما روي أن عليا عليه السلم كان إذا حضر‬

‫وقت‬

‫)‪ (1‬الحدود )خ(‪ (2) .‬المارة )خ(‪ (3) .‬تفسير على بن ابراهيم‪535 :‬‬

‫)مقطعا(‪.‬‬

‫]‪[281‬‬

‫الصلوة تغير لونه‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬حضر وقت أمانة عرضها ال على‬

‫السماوات و الرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها‪ .‬ومما يدل‬


‫على كون المراد بها المانة المعروفة ما في نهج البلغة في جملة وصاياه‬

‫للمسلمين‪ :‬ثم أداء المانة‪ ،‬فقد خاب من ليس من أهلها‪ ،‬إنها عرضت على‬

‫السماوات المبنية‪ ،‬والرض المدحوة‪ ،‬والجبال ذات الطول المنصوبة‪ ،‬فل‬

‫أطول ول أعرض ول أعظم منها‪ ،‬ولو امتنع شئ منها بطول أو عرض أو‬

‫قوة أوعز لمتنعن‪ ،‬ولكن أشفقن من العقوبة‪ ،‬وعقلن ما جهل من هو‬

‫أضعف منهن وهو النسان‪ ،‬إنه كان ظلوما جهول‪ .‬وعن الصادق عليه‬

‫السلم أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول‪ :‬ابتع لي ثوبا‪ ،‬فيطلب في‬

‫السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق‪ ،‬فيعطيه من عنده‪ ،‬قال‪ :‬ل‬

‫يقربن هذا ول يدنس نفسه‪ ،‬إن ال عزوجل يقول‪ " :‬إنا عرضنا المانة ‪-‬‬

‫الية ‪ ." -‬والحق أن الجميع داخل في الية بحسب بطونها‪ ،‬كما قيل‪ :‬إن‬

‫المراد بالمانة التكليف بالعبودية ل على وجهها والتقرب بها إلى ال‬

‫سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها‪ ،‬وأعظمها الخلفة اللهية‬

‫لهلها‪ ،‬ثم تسليم من لم يكن من أهلها لهلها‪ ،‬وعدم ادعاء منزلتها لنفسه‪،‬‬

‫ثم سائر التكاليف‪ ،‬والمراد بعرضها على السماوات والرض والجبال النظر‬

‫إلى استعدادهن لذلك‪ ،‬وبإبائهن الباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم‬

‫اللياقة‪ ،‬وتحمل النسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها‪،‬‬

‫أو مع تقصيره بحسب وصف الجنس باعتبار الغلب‪ ،‬فهذه معانيها الكلية‬

‫وكل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند‬
‫التدبر والتوفيق من ال سبحانه‪ .‬قال السيد المرتضى ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في‬

‫أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الية‪ :‬إنه لم يكن عرض‬

‫في الحقيقة على السماوات والرض والجبال بقول صريح أو دليل ينوب‬

‫مناب القول‪ ،‬وإنما الكلم في هذه الية مجاز اريد به اليضاح عن عظم‬

‫المانة وثقل التكليف بها وشدته على النسان‪ ،‬وإن السماوات والرض‬

‫والجبال لو كانت مما يقبل لبت حمل المانة ولم تؤد مع ذلك حقها‪ ،‬و‬

‫]‪[282‬‬

‫نظير ذلك قوله تعالى " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر‬

‫الجبال هدا )‪ (1‬ومعلوم أن السماوات والرض والجبال جماد ل تعرف الكفر‬

‫من اليمان ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون‪ ،‬وتفوه به‬

‫الضالون‪ ،‬وأقدم به المجرمون من الكفر بال تعالى‪ ،‬وأنه من عظمه جار‬

‫مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات و الرض والجبال‪ ،‬وأن الوزر به‬

‫كذلك‪ ،‬وكان الكلم في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه‪،‬‬

‫ومثل ذلك قوله تعالى " وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار ‪ -‬الية ‪) -‬‬

‫‪ " (2‬ومعلوم أن الحجارة جماد ل يعلم فيخشى أو يرجو ويؤمل وإنما‬

‫المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية ال تعالى وما يجب أن يكون العبد‬

‫عليه من خشية ال ]تعالى[ وقد بين ال ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه "‬
‫ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ‪ -‬الية ‪ " (3) -‬فبين بهذا المثل عن جللة‬

‫القرآن وعظم قدره وعلو شانه وأنه لو كان كلم يكون به ما عده ووصفه‬

‫لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلم وقد قيل‪ :‬إن المعنى في قوله "‬

‫إنا عرضنا المانة " عرضها على أهل السماوات وأهل الرض وأهل‬

‫الجبال‪ ،‬والعرب يخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم باسمه قال‬

‫ال تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها والعير )‪ " (4‬يريد أهل القرية‬

‫وأهل العير وكان العرض على أهل السماوات وأهل الرض وأهل الجبال‬

‫قبل خلق آدم وخيروا بين التكليف لما كلفه آدم وبنوه فأشفقوا من التفريط‬

‫فيه واستعفوا منه فاعفوا‪ ،‬فتكلفه النسان ففرط فيه‪ ،‬وليست الية على ما‬

‫ظنه السائل أنها هي الوديعة وما في بابها ولكنها التكليف الذي وصفناه‪.‬‬

‫ولقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى المامة جواب تعلقوا به من جهة‬

‫بعض الخبار وهي أن المانة هي الولية لمير المؤمنين عليه السلم‪،‬‬

‫وأنها عرضت قبل خلق آدم على السماوات والرض والجبال ليأتوا بها‬

‫على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها وكلفها‬

‫الناس فتكلفوها ولم يؤد أكثرهم حقها )انتهى(‪.‬‬

‫)‪ (1‬مريم‪ (2) .91 :‬البقرة‪ (3) .74 :‬الرعد‪ (4) .33 :‬يوسف‪.82 :‬‬
‫]‪[283‬‬

‫" ليعذب ال المنافقين " تعليل للحمل من حيث إنه نتيجة كالتأديب للضرب‬

‫في " ضربته تأديبا " وذكر التوبة في الوعد إشعار بأن كونهم ظلوما‬

‫جهول في جبلتهم ل يخليهم عن فرطات " وكان ال غفورا رحيما " حيث‬

‫تاب على فرطاتهم‪ ،‬وأثاب بالفوز على طاعاتهم‪ " .‬كذلك " أي كاختلف‬

‫الثمار والجبال‪ " .‬خلق الزواج كلها " أي النواع والصناف " مما تنبت‬

‫الرض " من النبات والشجر " ومن أنفسهم " الذكر والنثى " ومما ل‬

‫يعلمون " أي وأزواجا مما لم يطلعهم ال عليه‪ ،‬ولم يجعل لهم طريقا إلى‬

‫معرفته‪ ،‬وسيأتي تأويل آخر برواية علي ابن إبراهيم‪ " .‬من طين لزب "‬

‫أي ممتزج متماسك يلزم بعضه بعضا‪ ،‬يقال‪ :‬طين لزب يلزق باليد‬

‫لشتداده‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬يعني يلزق )‪ (1‬باليد‪ " .‬ثم جعل منها‬

‫زوجها " أي من جزئها‪ ،‬أو من طينتها‪ ،‬أو من نوعها‪ ،‬أو لجلها‬

‫ولنتفاعها‪ " .‬فأحسن صوركم " بأن خلقكم منتصب القامة‪ ،‬بادي البشرة‪،‬‬

‫متناسب العضاء والتخطيطات‪ ،‬متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالت‬

‫" ورزقكم من الطيبات " أي اللذائذ‪ " .‬علمه البيان " قيل‪ :‬إيماء بأن خلق‬

‫البشر وما يميز به عن سائر الحيوانات من البيان‪ ،‬وهو التعبير عما في‬

‫الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع‪.‬‬

‫وفي تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسين بن خالد‪ ،‬عن الرضا‬
‫عليه السلم في قوله " الرحمن علم القرآن " قال‪ :‬ال علم محمدا القرآن‪،‬‬

‫قلت‪ " :‬خلق النسان " ؟ قال‪ :‬ذلك أمير المؤمنين‪ ،‬قلت‪ " :‬علمه البيان‬

‫" ؟ قال‪ :‬علمه تبيان كل شئ يحتاج الناس إليه ‪ -‬الخبر ‪ " .(2) -‬من‬

‫صلصال كالفخار " قيل‪ :‬الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة‪ ،‬والفخار‬

‫الخزف‪ ،‬وقد خلق ال آدم من تراب جعله طينا‪ ،‬ثم حمأ مسنونا‪ ،‬ثم‬

‫صلصال‪ ،‬فل يخالف‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬يلصق‪ .‬تفسير القمى‪ (2) .555 :‬تفسير القمى‪.658 :‬‬

‫]‪[284‬‬

‫ذلك قوله " من تراب " ونحوه‪ " .‬فمنكم كافر " أي يصير كافرا‪ ،‬أو كان‬

‫في علم ال أنه كافر‪ .‬وفي الكافي وتفسير علي ابن إبراهيم‪ ،‬عن الصادق‬

‫عليه السلم أنه سئل عن تفسير هذه الية فقال‪ :‬عرف ال إيمانهم بوليتنا‬

‫وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر )‪ " .(1‬لقد‬

‫خلقنا النسان في كبد " قيل‪ :‬في تعب ومشقة‪ ،‬فإنه يكابد مصائب الدنيا‬

‫وشدائد الخرة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬أي منتصبا )‪ .(2‬وسيأتي تفسيره‬

‫في الخبر أنه منتصب في بطن امه‪ " .‬ألم نجعل له عينين " يبصر بهما "‬

‫ولسانا " يترجم عن ضمائره " وشفتين " يستر بهما فاه‪ ،‬ويستعين بهما‬
‫على النطق والكل والشرب وغيرها " وهديناه النجدين " طريقي الخير‬

‫والشر‪ ،‬وقيل‪ :‬الثديين‪ ،‬وأصله المكان المرتفع‪ .‬وفي الكافي عن الصادق‬

‫عليه السلم‪ :‬نجد الخير والشر‪ .‬وفي مجمع البيان عن أمير المؤمنين عليه‬

‫السلم‪ :‬سبيل الخير وسبيل الشر‪ .‬وعنه عليه السلم أنه قيل له‪ :‬إن اناسا‬

‫يقولون في قوله " وهديناه النجدين " إنهما الثديان‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬هما الخير‬

‫والشر )‪ " .(3‬لقد خلقنا النسان " قيل‪ :‬يريد به الجنس " في أحسن تقويم‬

‫" أي تعديل بأن خص بانتصاب القامة وحسن الصورة واستجماع خواص‬

‫الكائنات ونظائر سائر الممكنات " ثم رددناه أسفل سافلين " بأن جعلناه‬

‫من أهل النار‪ ،‬أو إلى أسفل سافلين وهو النار‪ ،‬وقيل‪ :‬أو ذل العمر‪ ،‬وقال‬

‫علي بن إبراهيم‪ :‬نزلت في الول‪ ،‬وفي المناقب عن الكاظم عليه السلم‬

‫قال‪ :‬النسان الول‪ ،‬ثم رددناه أسفل سافلين ببغضه أمير المؤمنين‪ .‬وأقول‪:‬‬

‫على سبيل الحتمال يمكن أن يكون رده إلى أسفل سافلين ابتلؤه بالقوى‬

‫الشهوانية والعلئق الجسمانية‪ ،‬فإن روحه كان من عالم القدس‪ ،‬فلما ابتلي‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،413‬وتفسير القمى‪ (2) .682 :‬تفسير القمى‪:‬‬

‫‪ (3) .725‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪.494‬‬

‫]‪[285‬‬
‫بعد التعلق بالبدن بالصفات البهيمية والعلئق الدنية )‪ (1‬فقد تنزل من أعلى‬

‫عليين إلى أسفل سافلين‪ ،‬فهم باقون في تلك الدركات منهمكون في تلك‬

‫التعلقات " إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم نفضوا عن أذيالهم‬

‫أدناس تلك النشأة الفانية‪ ،‬واختاروا الدرجات العالية‪ ،‬فرجعوا إلى النشأة‬

‫الولى وتعلقت أرواحهم بالملء العلى‪ ،‬فصاروا أشرف من الملئكة‬

‫المقربين‪ ،‬وسكنوا في غرفات الجنان آمنين‪ " .‬باسم ربك الذي خلق " أي‬

‫جميع المخلوقات على مقتضى حكمته‪ .‬وعن الباقر عليه السلم‪ :‬خلق نورك‬

‫القديم قبل الشياء " من علق " أي من دم جامد بعد النطفة " الذي علم‬

‫بالقلم " قال علي بن إبراهيم علم النسان بالكتابة )‪ (2‬التي بها يتم امور‬

‫الدنيا في مشارق الرض ومغاربها )‪ " .(3‬علم النسان ما لم يعلم " من‬

‫أنواع الهدى و البيان‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬قال‪ :‬يعني علم عليا من‬

‫الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك )‪ .(4‬قيل‪ :‬عدد سبحانه مبدأ أمر النسان‬

‫ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من نقله من أخس المراتب إلى أعلها تقريرا‬

‫لربوبيته وتحقيقا لكرميته‪ .‬فائدة‪ :‬اعلم أن المسلمين اختلفوا في تفضيل‬

‫الملئكة على البشر أو العكس‪ ،‬فذهب أكثر الشاعرة إلى أن النبياء أفضل‬

‫من الملئكة‪ ،‬وصرح بعضهم بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام‬

‫الملئكة‪ ،‬وخواص الملئكة أفضل من عوام البشر أي غير النبياء‪ ،‬وذهب‬

‫أكثر المعتزلة إلى أن الملئكة أفضل من جميع البشر‪ ،‬ول خلف بين‬
‫المامية في أن النبياء والئمة عليهم السلم أفضل من جميع الملئكة‪،‬‬

‫والخبار في ذلك مستفيضة أوردنا ]ها[ في كتاب النبوة وسائر مجلدات‬

‫الحجة‪ ،‬وأما سائر المؤمنين ففي فضل كلهم أو بعضهم على جميع الملئكة‬

‫أو بعضهم‪ ،‬فل يظهر من اليات والخبار ظهورا بينا يمكن الحكم بأحد‬

‫الجانبين‪ ،‬فنحن فيه من المتوقفين‪ .‬قال الشيخ المفيد ‪ -‬قدس ال سره )‪- (5‬‬

‫في كتاب المقالت‪ :‬اتفقت المامية على أن أنبياء ال ورسله من البشر‬

‫أفضل من الملئكة‪ ،‬ووافقهم على ذلك أصحاب‬

‫)‪ (1‬المدنية )خ(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬الكتابة‪ 3) .‬و ‪ (4‬تفسير القمى‪) .731 :‬‬

‫‪ (5‬روحه )خ(‪.‬‬

‫]‪[286‬‬

‫الحديث‪ ،‬وأجمعت المعتزلة على خلف ذلك‪ ،‬وزعم الجمهور منهم أن‬

‫الملئكة أفضل من النبياء والرسل‪ ،‬وقال نفر منهم سوى من ذكرناه‬

‫بالوقف في تفضيل أحد الفريقين على الخر‪ ،‬وكان اختلفهم في هذا الباب‬

‫على ما وصفناه وإجماعهم على خلف القطع بفضل النبياء على الملئكة‬

‫]عليهم السلم[ حسب ما شرحناه‪ .‬ثم قال‪ :‬أما الرسل من الملئكة والنبياء‬

‫عليهم السلم فقولي فيهم مع أئمة آل محمد عليهم السلم كقولي في‬
‫النبياء والرسل عليهم السلم‪ ،‬وأما باقي الملئكة فإنهم وإن بلغوا‬

‫بالملئكة فضل‪ ،‬فالئمة من آل محمد عليهم السلم أفضل منهم وأعظم‬

‫ثوابا عند ال عزوجل بأدلة ليس موضعها هذا الكتاب )انتهى(‪ .‬وقال‬

‫صاحب الياقوت‪ :‬النبياء أفضل من الملئكة‪ ،‬لختصاصهم بشرف الرسالة‬

‫مع مشقة التكليف‪ .‬وقال العلمة ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في شرحه‪ :‬اختلف الناس‬

‫في ذلك فذهب )‪ (1‬المامية وجماعة من الشاعرة إلى أن النبياء عليهم‬

‫السلم أشرف من الملئكة وقالت المعتزلة والفلسفة‪ :‬بل الملئكة أشرف‪.‬‬

‫وقال الصدوق ‪ -‬قدس سره ‪ -‬في رسالة العقائد‪ :‬اعتقادنا في النبياء‬

‫والرسل والحجج عليهم السلم أنهم أفضل من الملئكة‪ ،‬ثم ذكر الدلئل‬

‫وبسط القول فيها كما ذكرناه في كتاب المامة‪ .‬وقال السيد الشريف‬

‫المرتضى ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في كتاب الغرر والدرر في تفضيل النبياء على‬

‫الملئكة عليهم السلم‪ :‬اعلم أنه ل طريق من جهة العقل إلى القطع بفضل‬

‫مكلف على الخر‪ ،‬لن الفضل المراعى في هذا الباب هو زيادة استحقاق‬

‫الثواب‪ ،‬ول سبيل‪ :‬إلى معرفة مقادير الثواب من ظواهر فعل الطاعات‪ ،‬لن‬

‫الطاعتين قد تتساوى في ظاهر المر حالهما وإن زاد ثواب واحدة على‬

‫الخرى زيادة عظيمة‪ ،‬وإذا لم يكن للعقل في ذلك مجال فالمرجع فيه إلى‬

‫السمع‪ ،‬فإن دل سمع مقطوع به من ذلك على شئ عول عليه‪ ،‬وإل كان‬

‫الواجب التوقف عنه والشك فيه‪ ،‬وليس في القرآن ول في سمع مقطوع‬


‫على صحته ما يدل على فضل نبي على ملك ول ملك علي نبي‪ .‬وسنبين أن‬

‫آية واحدة مما يتعلق به في تفضيل النبياء على الملئكة عليهم السلم‬

‫يمكن أن يستدل بها‬

‫)‪ (1‬فذهبت )خ(‪.‬‬

‫]‪[287‬‬

‫على ضرب من الترتيب نذكره‪ .‬والمعتمد ‪ -‬في القطع على أن النبياء أفضل‬

‫من الملئكة ‪ -‬على إجماع الشيعة المامية على ذلك‪ ،‬لنهم ل يختلفون في‬

‫هذا‪ ،‬بل يزيدون عليه ويذهبون إلى أن الئمة عليهم السلم أفضل من‬

‫الملئكة أجمعين‪ ،‬وإجماعهم حجة‪ ،‬لن المعصوم في جملتهم وقد بينا في‬

‫مواضع من كتبنا كيفية الستدلل بهذه الطريقة‪ ،‬ورتبناه وأجبنا عن كل‬

‫سؤال يسأل عنه فيها‪ ،‬وبينا كيف الطريق مع غيبة المام إلى العلم بمذاهبه‬

‫و أقواله‪ ،‬وشرحنا ذلك‪ ،‬فل معنى للتشاغل به ههنا‪ .‬ويمكن أن يستدل على‬

‫ذلك بأمره تعالى للملئكة بالسجود لدم عليه السلم‪ ،‬وأنه يقتضي تعظيمه‬

‫عليهم وتقديمه وإكرامه وإذا كان المفضول ل يجوز تعظيمه وتقديمه على‬

‫الفاضل علمنا أن آدم عليه السلم أفضل من الملئكة‪ ،‬وكل من قال إن آدم‬

‫أفضل من الملئكة ذهب إلى أن جميع النبياء عليهم السلم أفضل من‬
‫جميع الملئكة‪ ،‬ول أحد من المة فصل بين المرين‪ .‬فان قيل‪ :‬ومن أين أنه‬

‫أمرهم بالسجود على جهة التقديم والتعظيم ؟ قلنا‪ :‬ل يخلو تعبدهم بالسجود‬

‫له من أن يكون على سبيل القبلة والجهة من غير أن يقترن به تعظيم‬

‫وتقديم‪ ،‬أو يكون على ما ذكرناه‪ ،‬فإن كان الول لم يجز أنفة إبليس من‬

‫السجود وتكبره عنه‪ ،‬وقوله " أرأيتك هذا الذي كرمت علي )‪ " (1‬وقوله‬

‫" أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )‪ " (2‬والقرآن كله ناطق‬

‫بأن امتناع إبليس من السجود إنما هو لعتقاده التفضيل به والتكرمة‪ ،‬فلو‬

‫لم يكن المر على هذا لوجب أن يرده ال تعالى عنه ويعلمه أنه ما أمره‬

‫بالسجود على وجه تعظيمه له ول تفضيله‪ ،‬بل على الوجه الخر الذي لحظ‬

‫للتفضيل فيه‪ ،‬وما جاز إغفال ذلك وهو سبب معصية إبليس وضللته‪ ،‬فلما‬

‫لم يقع ذلك دل على أن المر بالسجود لم يكن إل على جهة التفضيل‬

‫والتعظيم‪ ،‬وكيف يقع شك في أن المر على ما ذكرناه وكل نبي أراد تعظيم‬

‫آدم عليه السلم ووصفه بما اقتضى الفخر والشرف نفسه بإسجاد الملئكة‬

‫له‪ ،‬وجعل‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .62 :‬العراف‪ ،11 :‬ص‪.76 :‬‬

‫]‪[288‬‬
‫ذلك من أعظم فضائله‪ ،‬وهذا مما لشبهة فيه‪ .‬فأما اعتماد بعض أصحابنا‬

‫في تفضيل النبياء على الملئكة على أن المشقة في طاعة النبياء عليهم‬

‫السلم أكثر وأوفر من حيث كانت لهم شهوات في القبائح ونفار عن‬

‫الواجبات فليس بمعتمد‪ ،‬لنا لنقطع على أن مشاق النبياء أعظم من مشاق‬

‫الملئكة في التكليف والشك في مثل ذلك واجب‪ ،‬وليس كل شئ لم يظهر لنا‬

‫ثبوته وجب القطع على انتفائه ونحن نعلم على الجملة أن الملئكة إذا كانوا‬

‫مكلفين فل بد من أن تكون عليهم مشاق في تكليفهم لول ذلك ما استحقوا‬

‫ثوابا على طاعاتهم‪ ،‬والتكليف إنما يحسن في كل مكلف تعريضا للثواب‪ ،‬ول‬

‫يكون التكليف شاقا عليهم إل وتكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ونفار‬

‫عما أوجب‪ ،‬وإذا كان المر على هذا فمن أين يعلم أن مشاق النبياء عليهم‬

‫السلم أكثر من مشاق الملئكة‪ ،‬وإذا كانت المشقة عامة لتكليف المة ول‬

‫طريق إلى القطع على زيادتها في تكليف بعض ونقصانها في تكليف آخرين‬

‫فالواجب التوقف والشك‪ ،‬ونحن الن نذكر شبه من فضل الملئكة على‬

‫النبياء عليهم السلم ونتكلم عليها بعون ال‪ :‬فمما تعلقوا به في ذلك قوله‬

‫تعالى حكاية عن إبليس مخاطبا لدم وحواء عليهما السلم " ما نهاكما‬

‫ربكما عن هذه الشجرة إل أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )‪" (1‬‬

‫فرغبهما في التناول من الشجرة في منزلة الملئكة حتى تناول وعصيا‪،‬‬

‫وليس يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة هي دون منزلته حتى‬
‫يحمله ذلك على خلف ال تعالى ومعصيته‪ ،‬وهذا يقتضي فضل الملئكة‬

‫على النبياء عليهم السلم‪ .‬وتعلقوا أيضا بقوله تعالى " لن يستنكف‬

‫المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون )‪ " (2‬وتأخير ذكر‬

‫الملئكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم‪ ،‬لن العادة إنما جرت أن‬

‫يقال‪ :‬لن يستنكف الوزير أن يفعل هذا ول الخليفة‪ ،‬فيقدم الدون ويؤخر‬

‫العظم‪ ،‬ولم تجر بأن يقال‪ :‬لن يستنكف المير أن يفعل كذا ول الحارس‪،‬‬

‫وهذا يقتضي تفضيل الملئكة‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .19 :‬النساء‪.171 :‬‬

‫]‪[289‬‬

‫على النبياء عليهم السلم‪ .‬وتعلقوا بقوله تعالى‪ " :‬ولقد كرمنا بني آدم‬

‫وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن‬

‫خلقنا تفضيل )‪ " (1‬قالوا‪ :‬وليس بعد بني آدم مخلوق يستعمل في الخبر‬

‫عنه لفظة " من " التي ل تستعمل إل في العقلء إل الجن والملئكة‪ ،‬ولما‬

‫لم يقل‪ :‬وفضلناهم على من‪ ،‬بل قال‪ :‬على كثير ممن خلقنا‪ ،‬علم أنه إنما‬

‫أخرج الملئكة عمن فضل بني آدم عليه‪ ،‬لنه ل خلف في بني آدم أنه‬

‫أفضل من الجن‪ ،‬وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم )‬
‫‪ (2‬فل شبهة في أنهم الملئكة‪ .‬وتعلقوا بقوله تعالى " ول أقول لكم عندي‬

‫خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك )‪ " (3‬فلول أن حال الملئكة‬

‫أفضل من حال النبي لما قال ذلك‪ .‬فيقال لهم في ما تعلقوا به أول‪ :‬لم زعمتم‬

‫أن قوله تعالى " إل أن تكونا ملكين " معناه‪ :‬أن تصيرا أو تتقلبا إلى صفة‬

‫الملئكة ؟ فإن هذه اللفظة ليست بصريح لما ذكرتم بل أحسن الحوال أن‬

‫تكون محتملة له‪ ،‬وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة‬

‫غيركما‪ ،‬وإذا النهي يختص الملئكة والخالدين دونكما‪ ،‬ويجري ذلك مجرى‬

‫قول أحدنا لغيره‪ :‬ما نهيت عن كذا إل أن تكون فلنا‪ ،‬وإنما يعني أن المنهي‬

‫هو فلن دونك‪ ،‬ولم يرد‪ :‬إل أن تتقلب فتصير فلنا‪ ،‬ولما كان غرض إبليس‬

‫إيقاع الشبهة لهما فمن أوكد الشبهة إيهامهما أنهما لم ينهيا وإنما المنهي‬

‫غيرهما‪ .‬ومن وكيد ما تفسد به هذه الشبهة أن يقال‪ :‬ما أنكرتم أن يكونا‬

‫رغبا في أن ينقل إلى صفة الملئكة وخلقهم كما رغبهما إبليس في ذلك‪،‬‬

‫ول تدل هذه الرغبة على أن الملئكة أفضل منهما‪ ،‬لنه بالتقلب إلى خلقة‬

‫غيره ل يتقلب ول يتغير الحقيقة بانقلب الصورة والخلق‪ ،‬فإنه إنما يستحق‬

‫الثواب على العمال دون الهيئات )‪ (4‬وغير ممتنع أن‬

‫)‪ (1‬السراء‪ (2) 0 :‬كذا‪ ،‬والصواب‪ :‬بنو آدم عليه‪ (3) .‬النعام‪(4) .50 :‬‬

‫الهيئة )خ(‪(*) .‬‬


‫]‪[290‬‬

‫يكونا رغبا في أن يصيرا على الهيئة الملئكة )‪ (1‬وصورها‪ ،‬وليس ذلك‬

‫يرغبه في الثواب ول الفضل‪ ،‬فإن الثواب فضل ليتبع الهيئات والصور‪ ،‬أل‬

‫ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين‪ ،‬وليس الخلود مما يقتضي مزية‬

‫في ثواب ول فضل فيه‪ ،‬وإنما هو نفع عاجل‪ ،‬وكذلك ل يمتنع أن يكون‬

‫الرغبة منهما في أن يصيرا ملكين إنما كانت على هذا الوجه‪ .‬ويمكن أن‬

‫يقال للمعتزلة خاصة وكل من أجاز على النبياء الصغائر‪ :‬ما أنكرتم أن‬

‫يكونا اعتقدا أن الملك أفضل من النبي وغلطا في ذلك وكان منهما ذنبا‬

‫صغيرا ؟ لن الصغائر عندكم تجوز على النبياء‪ ،‬فمن أين لكم إذا اعتقدا أن‬

‫الملئكة أفضل من النبياء ورغبا في ذلك أن المر على ما اعتقداه مع‬

‫تجويزكم عليهم الذنوب ؟ و ليس لهم أن يقولوا‪ :‬إن الصغائر إنما تدخل في‬

‫أفعال الجوارح دون القلوب‪ ،‬لن ذلك تحكم بغير برهان‪ ،‬وليس يمتنع على‬

‫اصولهم أن تدخل الصغائر في أفعال القلوب والجوارح معا‪ ،‬لن حد‬

‫الصغيرة عندهم ما نقص عقابه عن ثواب طاعات فاعله‪ ،‬وليس يمتنع‬

‫معنى هذا الحد في أفعال القلوب كما ل يمتنع في أفعال الجوارح‪ .‬ويقال لهم‬

‫فيما تعلقوا به ثانيا‪ :‬ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما توجه إلى قوم‬

‫اعتقدوا أن الملئكة أفضل من النبياء فاخرج الكلم على حسب اعتقادهم و‬


‫اخر ذكر الملئكة لذلك ؟ ويجري هذا القول مجرى قول من قال منا لغيره‪:‬‬

‫لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ول أبوك‪ ،‬وإن كان القائل يعتقد أن أباه أفضل‪،‬‬

‫وإنما اخرج الكلم على حسب اعتقاد المخاطب ل المخاطب‪ .‬ومما يجوز أن‬

‫يقال أيضا‪ :‬أنه ل تفاوت في الفضل بين النبياء والملئكة وإن ذهبنا إلى أن‬

‫النبياء أفضل منهم‪ ،‬ومع التقارب والتداني يحسن أن يؤخر ذكر الفضل‬

‫الذي ل تفاوت بينه وبين غيره في الفضل‪ ،‬وإنما مع التفاوت والتنافي ل‬

‫يحسن ذلك‪ ،‬أل ترى أنه يحسن أن يقول القائل‪ :‬ما يستنكف المير فلن من‬

‫كذا‪ ،‬ول المير‬

‫)‪ (1‬في مخطوطة " على الهيئة على الملئكة " وسائر النسخ موافق‬

‫للمتن‪ ،‬والظاهر‪ .‬على هيئة الملئكة‪.‬‬

‫]‪[291‬‬

‫فلن من كذا‪ ،‬وإن كانا متساويين متناظرين أو متقاربين‪ ،‬ول يحسن أن‬

‫يقول‪ :‬ما يستنكف المير من كذا ول الحارس‪ ،‬لجل التفاوت‪ .‬وأقوى من‬

‫هذا أن يقال‪ :‬إنما اخر ذكر الملئكة عن ذكر المسيح لن جميع الملئكة‬

‫أكثر ثوابا ل محالة من المسيح منفردا وهذا ل يقتضي أن كل واحد منهم‬

‫أفضل من المسيح عليه السلم‪ ،‬وإنما الخلف في ذلك‪ .‬ويقال لهم في ما‬
‫تعلقوا به ثالثا‪ :‬ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى " على كثير ممن‬

‫خلقنا تفضيل " أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير ولم يرد التبعيض‪ ،‬و‬

‫يجري ذلك مجرى قوله تعالى " ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل )‪ " (1‬معناه‪:‬‬

‫ل تشتروا بها ثمنا قليل فكل ثمن تأخذونه عنها قليل‪ ،‬ولم يرد التخصيص‬

‫والمنع من الثمن القليل خاصة‪ .‬ومثله قول الشاعر‪ :‬من اناس ليس في‬

‫أخلقهم * عاجل الفحش ول سوء الجزع وإنما أراد نفي الفحش كله عن‬

‫أخلقهم وإن وصفه بأنه عاجل‪ ،‬ونفي الجزع عنهم وإن وصفه بالسوء‪،‬‬

‫وهذا من غريب البلغة ودقيقها‪ ،‬ونظائره في الشعر والكلم الفصيح ل‬

‫تحصى‪ ،‬وقد كنا أملينا في تأويل هذه الية كلما منفردا استقصيناه وشرحنا‬

‫هذا الوجه وأكثرنا من ذكر أمثلته‪ .‬ووجه آخر في تأويل هذه الية‪ ،‬وهو أنه‬

‫غير ممتنع أن يكون جميع الملئكة أفضل من جميع بني آدم وإن كان في‬

‫جملة بني آدم من النبياء عليهم السلم من يفضل كل واحد منهم على كل‬

‫واحد من الملئكة‪ ،‬لن الخلف إنما هو في فضل كل بني آدم على كل ملك‪،‬‬

‫وغير ممتنع أن يكون جميع الملئكة فضلء يستحق كل واحد منهم الجزيل‬

‫الكثر من الثواب‪ ،‬فيزيد ثواب جميعهم على ثواب جميع بني آدم‪ ،‬لن‬

‫الفاضل من بني آدم أقل عددا‪ ،‬وإن كان في بني آدم آحاد كل واحد منهم‬

‫أفضل من كل واحد من الملئكة‪ .‬ووجه آخر ومما يمكن أن يقال في هذه‬


‫الية أيضا‪ :‬أن مفهوم الية إذا تؤملت يقتضي أنه تعالى لم يرد الفضل الذي‬

‫هو زيادة الثواب‪ ،‬وإنما أراد النعم و‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ ،41 ،‬والمائدة‪.47 :‬‬

‫]‪[292‬‬

‫المنافع الدنيوية‪ ،‬أل ترى إلى قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " والكرامة‬

‫إنما هي الترقية وما يجري مجراه‪ ،‬ثم قال " وحملناهم في البر والبحر‬

‫ورزقناهم من الطيبات " ول شبهة في أن الحمل لهم في البر والبحر ورزق‬

‫الطيبات خارج مما يستحق به الثواب ويقتضي التفضيل الذي وقع إطلقه‬

‫فيه‪ ،‬ويجب أن يكون ما عطف عليه من التفضيل داخل في هذا الباب وفي‬

‫هذا القبيل‪ ،‬فإنه أشبه من أن يكون المراد به غير ما سياق الية وارد ]به‬

‫و[ مبني عليه‪ ،‬وأقل الحوال أن تكون لفظة " فضلناهم " مجتمعة‬

‫للمرين‪ ،‬فل يجوز الستدلل بها على خلف ما نذهب إليه‪ .‬ويقال لهم فيما‬

‫تعلقوا به رابعا‪ :‬ل دللة في هذه الية على أن حال الملئكة أفضل من حال‬

‫النبياء‪ ،‬لن الغرض في الكلم إنما هو نفي ما لم يكن عليه‪ ،‬ل التفضيل‬

‫لذلك على ما هو عليه‪ .‬أل ترى أن أحدنا لو ظن أنه على صفة وهو ليس‬

‫عليها جاز أن ينفيها عن نفسه بمثل هذا اللفظ وإن كان على أحوال هي‬
‫أفضل من تلك الحال و أرفع‪ ،‬وليس يجب إذا انتفى مما تبرأ منه من علم‬

‫الغيب وكون خزائن ال تعالى عنده أن يكون فيه فضل أن يكون ذلك معتمدا‬

‫في كل ما يقع النفي له والتبرؤ منه‪ ،‬وإذا لم يكن ملكا عنده خزائن ال‬

‫تعالى جاز أن ينتفي من المرين من غير ملحظة‪ ،‬لن حاله دون هاتين‬

‫الحالتين‪ .‬ومما يوضح هذا ويزيل الشكال فيه أنه تعالى حكى عنه قوله في‬

‫آية اخرى " ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا )‪" (1‬‬

‫ونحن نعلم أن هذه منزلة غير جليلة‪ ،‬وهو على كل حال أرفع منها وأعلى‪،‬‬

‫فما المنكر أن يكون نفي الملكية عنه في أنه ل يقتضي أن حاله دون حال‬

‫الملك بمنزلة نفي هذه المنزلة‪ .‬والتعلق بهذه الية ضعيف جدا‪ ،‬وفيما‬

‫أوردناه كفاية وبال التوفيق )انتهى(‪ .‬وذكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬نحوا من‬

‫هذا في أجوبة المسائل التي وردت عليه من الري‪ .‬وقال الدواني في شرح‬

‫العقائد‪ :‬هم أي النبياء أفضل من الملئكة العلوية عند‬

‫)‪ (1‬هود‪.31 :‬‬

‫]‪[293‬‬

‫أكثر الشاعرة‪ ،‬ومن الملئكة السفلية بالتفاق‪ ،‬وعامة البشر من المؤمنين‬

‫أيضا أفضل من عامة الملئكة‪ ،‬وعند المعتزلة وأبي عبد ال الحليمي )‪(1‬‬
‫والقاضي أبي بكر منا الملئكة أفضل‪ ،‬والمراد بالفضل أكثر ثوابا‪ ،‬وذلك أن‬

‫عبادة الملئكة فطرية ل مزاحم لهم عنها بخلف عبادة البشر‪ ،‬فإن لهم‬

‫مزاحمات فتكون عبادتهم أشق‪ ،‬وقال النبي صلى ال عليه واله " أفضل‬

‫العمال أضرها )‪ " (2‬أي أشقها‪ .‬قلت‪ :‬وعلى هذا يندفع ما يتوهم أن‬

‫إساءة الدب مع الملئكة كفر ومع آحاد المؤمنين ليس بكفر‪ ،‬فتكون‬

‫الملئكة أفضل‪ ،‬لن ذلك يدل على أن كون الملك أشرف بسبب كثرة‬

‫مناسبته مع المبدأ في النزاهة وقلة الوسط‪ ،‬لعلى أنه أفضل بمعنى كونه‬

‫أكثر ثوابا‪ .‬وقال شارح المقاصد‪ :‬ذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن‬

‫النبياء أفضل من الملئكة خلفا للمعتزلة والقاضي وأبي عبد ال الحليمي‪،‬‬

‫وصرح بعض أصحابنا بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام‬

‫الملئكة‪ ،‬وخواص الملئكة أفضل من عوام البشر أي غير النبياء‪ .‬لنا‬

‫وجوه عقلية ونقلية‪ :‬الولى‪ :‬أن ال تعالى أمر الملئكة بالسجود لدم‪،‬‬

‫والحكيم ل يأمر بسجود الفضل للدنى‪ ،‬وإباء إبليس واستكباره والتعليل‬

‫بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين يدل على أن المأمور به كان‬

‫سجود تكرمة وتعظيم‪ ،‬ل سجود تحية وزيارة‪ ،‬ول سجود العلى للدنى‬

‫إعظاما له ورفعا لمنزلته وهضما لنفوس لساجدين‪ .‬الثاني‪ :‬أن آدم أنبأهم‬

‫بالسماء وبما علمه ال من الخصائص‪ ،‬والمعلم أفضل من المتعلم‪ ،‬وسوق‬

‫الية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم‪ ،‬و دفع‬
‫ما توهموا فيه من النقصان‪ ،‬ولذا قال تعالى " ألم أقل لكم إني أعلم غيب‬

‫السماوات والرض )‪ " (3‬وبهذا يندفع ما يقال‪ :‬إن لهم أيضا علوما جمة‬

‫أضعاف العلم بالسماء‬

‫)‪ (1‬الحلبي )خ(‪ (2) .‬احمزها )خ(‪ (3) .‬البقرة‪.33 :‬‬

‫]‪[294‬‬

‫لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الزمنة المتطاولة بالتجارب والنظار‬

‫المتوالية‪ .‬الثالث‪ :‬قوله تعالى‪ " :‬إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم‬

‫وآل عمران على العالمين )‪ " (1‬وقد حض من آل إبراهيم وآل عمران غير‬

‫النبياء بدليل الجماع فيكون آدم ونوح وجميع النبياء مصطفون )‪ (2‬على‬

‫العالمين الذين منهم الملئكة‪ ،‬إذل مخصص للملئكة من العالمين‪ ،‬ول جهة‬

‫لتفسيره بالكثير من المخلوقات‪ .‬الرابع‪ :‬أن للبشر شواغل عن الطاعات‬

‫العلمية والعملية‪ ،‬كالشهوة والغضب وسائر الحاجات الشاغلة والموانع‬

‫الخارجة والداخلة‪ ،‬فالمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالت بالقهر‬

‫والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق‬

‫الثواب‪ .‬ول معنى للفضلية سوى استحقاق الثواب والكرامة‪ .‬ل يقال‪ :‬لو‬

‫سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملئكة فالعبادة مع‬


‫كثرة البواعث والشواغل إنما يكون أشق وأفضل من الخرى إذا استويا في‬

‫المقدار وباقي الصفات‪ ،‬وعبادة الملئكة أكثر وأدوم‪ .‬فإنهم يسبحون الليل‬

‫والنهار ل يفترون والخلص الذي به القوام والنظام واليقين الذي هو‬

‫الساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم‪ ،‬لن طريقهم العيان ل‬

‫البيان والمشاهدة ل المراسلة‪ .‬لنا نقول‪ :‬انتفاء الشواغل في حقهم مما ل‬

‫ينازع فيه أحد‪ ،‬ووجود المشقة واللم في العبادة والعمل عند عدم المنافي‬

‫والمضاد مما ل يعقل قلت أو كثرت‪ ،‬وكون باقي الصفات في حق النبياء‬

‫أضعف وأدنى مما ل يسمع ول يقبل‪ .‬وقد يتمسك بأن للملئكة عقل بل‬

‫شهوة‪ ،‬وللبهائم شهوة بل عقل‪ ،‬وللنسان كليهما‪ ،‬فإذا ترجح شهوته على‬

‫عقله يكون أدنى من البهائم لقوله تعالى " بل هم أضل " )‪ ،" (3‬فإذا‬

‫ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعل من الملئكة‪ ،‬وهذا عائد إلى ما‬

‫سبق لن تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال‪،‬‬

‫وكل من فعل كذا فهو أضل‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .33 :‬كذا في جميع النسخ‪ :‬والصواب " مصطفين "‪) .‬‬

‫‪ (3‬الفرقان‪.44 :‬‬

‫]‪[295‬‬
‫وأرذل ممن آثره بدونه‪ ،‬لن إيثار الشئ مع وجود المضاد والمنافي أرجح‬

‫وأبلغ من إيثاره بدونه‪ ،‬فيلزم أن يكون من آثر الكمال مع التمكن من‬

‫النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه‪ .‬وأما التمسك بقوله ]تعالى[ " ولقد‬

‫كرمنا بني آدم " والتكريم المطلق لحد الجناس يشعر بفضله على غيره‪،‬‬

‫فضعيف‪ ،‬لن التكريم ل يوحب التفضيل سيما مع قوله تعالى " وفضلناهم‬

‫على كثير ممن خلقنا " فإنه يشير بعدم التفضيل على القليل وليس غير‬

‫الملئكة بالجماع‪ ،‬كيف وقد وصف الملئكة أيضا بأنهم عباد مكرمون‪ .‬ثم‬

‫قال‪ :‬واحتج المخالفون أيضا بوجوه نقلية وعقلية‪ :‬أما النقليات فمنها قوله‬

‫تعالى " ول يسجد ما في السموات وما في الرض من دابة والملئكة وهم‬

‫ل يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )‪ " (1‬خصهم‬

‫بالتواضع وترك الستكبار في السجود‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن غيرهم ليس‬

‫كذلك وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم ; ووصفهم باستمرار الخوف‬

‫وامتثال الوامر ومن جملتها اجتناب المنهيات‪ .‬ومنها‪ :‬قوله ]تعالى[ "‬

‫ومن عنده ل يستكبرون عن عبادته ول يستحسرون يسبحون الليل والنهار‬

‫ل يفترون )‪ " (2‬وصفهم بالقرب والشرف عنده‪ ،‬وبالتواضع و المواظبة‬

‫على الطاعة والتسبيح‪ .‬ومنها قوله تعالى " بل عباد مكرمون ل يسبقونه‬

‫بالقول وهم بأمره يعملون ‪ -‬إلى أن قال ‪ -‬وهم من خشيته مشفقون )‪" (3‬‬

‫وصفهم بالكرامة المطلقة والمتثال والخشية وهذه المور أساس كافة‬


‫الخيرات‪ .‬والجواب‪ :‬أن جميع ذلك إنما يدل على فضيلتهم ل على أفضليتهم‬

‫ل سيما على النبياء‪.‬‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .50 - 49 :‬النبياء‪ (3) .20 - 19 :‬النبياء‪.28 - 26 :‬‬

‫]‪[296‬‬

‫ومنها قوله تعالى " قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول‬

‫أقول لكم إني ملك )‪ " (1‬فإن مثل هذا الكلم إنما يحسن إذا كان الملك‬

‫أفضل‪ .‬والجواب‪ :‬أنه إنما قال ذلك حين استعجله قريش العذاب الذي‬

‫اوعدوا به بقوله تعالى " والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا‬

‫يفسقون )‪ " (2‬والمعنى أني لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على‬

‫إنزال العذاب بإذن ال كما كان لجبرئيل عليه السلم‪ ،‬أو يكون له العلم بذلك‬

‫بإخبار من ال تعالى بل واسطة‪ .‬ومنها قوله تعالى " ما نهاكما ربكما عن‬

‫هذه الشجرة إل أن تكونا ملكين )‪ " (3‬أي إل كراهة أن تكونا ملكين‪ ،‬يعني‬

‫أن الملئكة بالمرتبة العليا‪ ،‬وفي الكل من الشجرة ارتقاء إليهما‪ .‬والجواب‪:‬‬

‫أن ذلك تمويه من الشيطان وتخييل أن ما يشاهد في الملك من حسن‬

‫الصورة وعظم الخلق وكمال القوة يحصل بأكل الشجرة‪ ،‬ولو سلم فغايته‬

‫التفضيل على آدم قبل النبوة‪ .‬ومنها قوله تعالى " علمه شديد القوى )‪" (4‬‬
‫يعني جبرئيل عليه السلم‪ ،‬والمعلم أفضل من المتعلم‪ .‬والجواب‪ :‬أن ذلك‬

‫بطريق التبليغ وإنما التعليم من ال تعالى‪ .‬ومنها قوله تعالى " لن يستنكف‬

‫المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون )‪ " (5‬أي ل يترفع عيسى‬

‫من العبودية ول من هو أرفع منه درجة‪ ،‬كقولك‪ :‬لن يستنكف من هذا المر‬

‫الوزير ول السلطان‪ ،‬ولو عكست أحلت )‪ (6‬بشهادة علماء البيان‪ ،‬و‬

‫البصراء بأساليب الكلم‪ .‬وعليه قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ول‬

‫النصارى )‪" (7‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .50 :‬النعام‪ (3) .49 :‬العراف‪ (4) .19 :‬النجم‪(5) .5 :‬‬

‫النساء‪ (6) .171 :‬حلت )خ(‪ (7) .‬البقرة‪.120 :‬‬

‫]‪[297‬‬

‫أي مع أنهم أقرب مودة لهل السلم‪ ،‬ولهذا خص الملئكة بالمقربين منهم‬

‫لكونهم أفضل‪ .‬والجواب‪ :‬أن الكلم سيق لرد مقالة النصارى وغيرهم في‬

‫المسيح وادعائهم فيه مع النبوة البنوة‪ ،‬بل اللوهية والترفع عن العبودية‪،‬‬

‫لكونه روح ال ولد بل أب لكونه يبرئ الكمه والبرص‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل يترفع‬

‫عيسى عن العبودية ول من هو فوقه في هذا المعنى‪ ،‬وهم الملئكة الذين ل‬

‫أب لهم ول ام‪ ،‬ول يقدرون على ما ل يقدر عليه عيسى عليه السلم‪ ،‬ول‬
‫دللة على الفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالت أل ترى أن فيما‬

‫ذكرت من المثال لم يقصد الزيادة والرفعة في الفضل والشرف والكمال بل‬

‫في ما هو مظنة الستنكاف والرضا كالغلبة والستكبار والستعلء في‬

‫السلطان وقرب المودة في النصارى‪ .‬ومنها‪ :‬اطراد تقديم ذكر الملئكة على‬

‫ذكر النبياء والرسل‪ ،‬ول تعقل له جهة سوى الفضلية‪ .‬والجواب‪ :‬أنه‬

‫يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود‪ ،‬أو في قوة اليمان بهم والهتمام‬

‫به لنه أخفى‪ ،‬فاليمان بهم أقوى وبالتحريص عليه أحرى‪ .‬واما العقليات‪:‬‬

‫فمنها أن الملئكة روحانيات مجردة في ذاتها‪ ،‬متعلقة بالهياكل العلوية‪،‬‬

‫مبرأة عن ظلمة المادة‪ ،‬وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدءا الشرور‬

‫والقبائح‪ ،‬متصفة بالكمالت العلمية والعملية بالفعل‪ ،‬من غير شوائب الجهل‬

‫والنقص والخروج عن القوة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط‪،‬‬

‫قوية على الفعال العجيبة‪ ،‬وإحداث السحب والزلزل وأمثال ذلك‪ ،‬مطلعة‬

‫على أسرار الغيب‪ ،‬سابقة إلى أنواع الخير‪ ،‬ول كذلك حال البشر‪ .‬والجواب‪:‬‬

‫أن مبنى ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة‪ .‬ومنها‪ :‬أن أعمالهم الموجبة‬

‫للمثوبات أكثر لطول زمانهم‪ ،‬وأدوم لعدم تخلل الشواغل‪ ،‬وأقوم لسلمتها‬

‫عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب‪ ،‬وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم‬

‫نورانيين يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات وأسرار المغيبات‪.‬‬


‫]‪[298‬‬

‫والجواب‪ :‬أن هذا ل يمنع كون أعمال النبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا‬

‫لجهات اخر‪ ،‬كقهر المضاد والمنافي‪ ،‬وتحمل المتاعب والمشاق ونحو ذلك‬

‫على ما مر )انتهى(‪ .‬واقول‪ :‬والعمدة في ذلك الخبار الكثيرة الدالة على‬

‫فضل النبياء والئمة عليهم السلم على الملئكة‪ ،‬وإن كان فيها ما يوهم‬

‫خلف ذلك‪ ،‬وهي متفرقة في أبواب مجلدات الحجة‪ ،‬لم نوردها ههنا حذرا‬

‫من الطناب وحجم الكتاب‪ - 1 .‬الحتجاج‪ :‬في ما سأل الزنديق الصادق‬

‫عليه السلم‪ :‬الرسول أفضل أم الملك المرسل إليه ؟ قال عليه السلم‪ :‬بل‬

‫الرسول أفضل )‪ - 2 .(1‬مجالس ابن الشيخ‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي‬

‫المفضل الشيباني عن علي بن محمد بن الحسن النخعي‪ ،‬عن جده سليم بن‬

‫إبراهيم بن عبيد‪ ،‬عن نصربن مزاحم المنقري‪ ،‬عن إبراهيم بن الزبرقان‪،‬‬

‫عن عمرو بن خالد‪ ،‬عن زيد بن علي‪ ،‬عن أبيه عليه السلم في قوله تعالى‬

‫" ولقد كرمنا بني آدم " يقول‪ :‬فضلنا بنى آدم على سائر الخلق "‬

‫وحملناهم في البر والبحر " يقول‪ :‬على الرطب واليابس " ورزقناهم من‬

‫الطيبات " يقول‪ :‬من طيبات الثمار كلها " وفضلناهم " يقول‪ :‬ليس من‬

‫دابة ول طائر إل هي تأكل وتشرب بفيها لترفع بيدها إلى فيها طعاما ول‬

‫شرابا غير ابن آدم‪ ،‬فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه‪ ،‬فهذا من التفضيل‪.‬‬

‫بيان‪ :‬لعله أراد بالرطب الحيوانات المتحركة النامية‪ ،‬وباليابس الخشاب‬


‫اليابسة التي تعمل منها السفن‪ ،‬ويحتمل كون النشر على خلف ترتيب‬

‫اللف‪ ،‬فالرطب البحر‪ ،‬واليابس البر‪ - 3 .‬مجالس ابن الشيخ‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن أحمد بن الحسن بن هارون‪ ،‬عن يحيى بن‬

‫السري الضرير‪ ،‬عن محمد بن حازم أبي معاوية الضرير قال‪ :‬دخلت على‬

‫هارون الرشيد‪ ،‬قيل لي‪ ،‬وكانت بين يديه المائدة‪ ،‬فسألني عن تفسير هذه‬

‫الية " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من‬

‫الطيبات‬

‫)‪ (1‬الحتجاج‪.191 :‬‬

‫]‪[299‬‬

‫‪ -‬الية ‪ " -‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬قد تأولها جدك عبد ال بن عباس‪،‬‬

‫أخبرني الحجاج بن إبراهيم الخوزي‪ ،‬عن ميمون بن مهران‪ ،‬عن ابن‬

‫عباس في هذه الية " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر‬

‫ورزقناهم من الطيبات " قال‪ :‬كل دابة تأكل بفيها إل ابن آدم فإنه يأكل‬

‫بالصابع‪ .‬قال أبو معاوية‪ :‬فبلغني أنه رمى بملعقة كانت بيده من فضة‪،‬‬

‫وتناول من الطعام بإصبعه‪ - 4 .‬ومنه‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي‬

‫المفضل‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عبد العزيز البغوي‪ ،‬عن يحيى بن عبد‬
‫الحميد الحماني‪ ،‬عن حجاج بن تميم‪ ،‬عن ميمون بن مهران‪ .‬عن ابن‬

‫عباس في قوله تعالى عز وجل " ولقد كرمنا بني آدم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬تفضيل‬

‫" قال‪ :‬ليس من دابة إل وهي تأكل بفيها إل ابن آدم فإنه يأكل بيده‪- 5 .‬‬

‫العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬

‫علي ابن الحكم‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال جعفر بن‬

‫محمد الصادق عليه السلم فقلت‪ :‬الملئكة أفضل أم بنوا آدم ؟ فقال‪ :‬قال‬

‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم إن ال عزوجل ركب في‬

‫الملئكة عقل بل شهوة‪ ،‬وركب في البهائهم شهوة بل عقل‪ ،‬و ركب في‬

‫بني آدم كلتيهما‪ ،‬فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملئكة‪ ،‬ومن غلب‬

‫)‪ (1‬شهوته عقله فهو شر من البهائم )‪ - 6 .(2‬صحيفة الرضا‪ :‬بالسناد‬

‫عنه عليه السلم عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫وآله‪ :‬مثل المؤمن عند ال كمثل ملك مقرب‪ ،‬وإن المؤمن عند ال عز وجل‬

‫أعظم من الملك‪ ،‬وليس شئ أحب إلى ال من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة )‬

‫‪ - 7 .(3‬ومنه‪ :‬بهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬إن‬

‫المؤمن ليعرف في السماء‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬غلبت )‪ (2‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (3) 5‬صحيفة‬

‫الرضا‪.6 :‬‬
‫]‪[300‬‬

‫كما يعرف الرجل أهله وولده‪ ،‬وإنه أكرم عند ال )‪ (1‬عزوجل من ملك‬

‫مقرب )‪ - 8 .(2‬العياشي‪ :‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم في قوله‬

‫تعالى " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل " قال‪ :‬خلق كل شئ منكبا‬

‫غير النسان فإنه خلق منتصبا‪ - 9 .‬الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬

‫عن ابن فضال‪ ،‬عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫عليه السلم قال‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬يا ابن آدم اذكرني في مل أذكرك في مل‬

‫خير من ملك )‪ - 10 .(3‬ومنه‪ :‬بالسناد المتقدم عن ابن فضال‪ ،‬رفعه قال‪:‬‬

‫قال ال عزوجل لعيسى عليه السلم‪ :‬يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في‬

‫نفسي‪ ،‬واذكرني في ملك أذكرك في مل خير من مل الدميين )‪ .(4‬بيان‪:‬‬

‫ربما يستدل بالخبرين على كون الملئكة أفضل من بني آدم‪ ،‬ويمكن أن‬

‫يجاب بأن خيرية مل الملئكة باعتبار كون الجميع معصومين بخلف مل‬

‫البشر ل ينافي كون بعض البشر أفضل من الملئكة‪ ،‬على أنه يمكن أن‬

‫يكون المراد بالمل الثاني ما يشتمل على أرواح النبيين عليهم السلم‪ ،‬لكن‬

‫وقع التصريح في بعض الخبار بمل من الملئكة‪ - 11 .‬كتاب تفضيل أمير‬

‫المؤمنين‪ :‬الكراجكي‪ ،‬عن علي بن الحسن بن مندة‪ ،‬عن الحسن بن يعقوب‬

‫البزاز‪ ،‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬لما حمل المأمون أبا هدية‬
‫مولى أنس إلى خراسان بلغني ذلك‪ ،‬فخرجت في لقائه فصادفني في بعض‬

‫المنازل‪ ،‬فرأيت رجل طويل خفيف العارضين منحنيا من الكبر وقد اجتمع‬

‫عليه الناس‪ ،‬فقلت له‪ :‬حدثني ‪ -‬رحمك ال ‪ -‬فإني أتيتك من بلد بعيد أسمع‬

‫منك‪ ،‬فلم يحدثني من الزحمة التي كانت عليه‪ ،‬ثم رحل فتبعته إلى المرحلة‬

‫الخرى فلما نزل فقلت له‪ :‬حدثني‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬على ال‪ (2) .‬الصحيفة‪ (3) .8 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.498‬‬

‫)‪ (4‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.502‬‬

‫]‪[301‬‬

‫‪ -‬رحمك ال تعالى ‪ -‬قال‪ :‬أنت صاحبي بالمس ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إذا وال ل‬

‫احدثك إل قائما لما بدامني إليك‪ ،‬لني سمعت رسول ال صلى ال عليه واله‬

‫يقول‪ :‬من كان عنده علم فكتمه ألجمه ال يوم القيامة بلجام من نار‪ ،‬ثم قام‬

‫قائما وقال‪ :‬كنت رأيت مولي أنس بن مالك وهو معصب بعصابة بيضاء‪،‬‬

‫فقلت‪ :‬وما هذه العصابة ؟ قال‪ :‬هذه دعوة علي بن أبي طالب‪ ،‬فقلت‪ :‬وكيف‬

‫؟ فقال‪ :‬اهدي إلى رسول ال صلى ال عليه واله طائر ورسول ال صلى‬

‫ال عليه واله في بيت أم سلمة رضي ال عنها وأنا حينئذ أحجب رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله فأصلحته ام سلمة رضي ال عنها وأتت به رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله وقالت ام سلمة‪ :‬الزم الباب لينال رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله منه‪ ،‬فلزمت الباب وقدمته إلى النبي صلى ال عليه واله‪ ،‬فلما‬

‫وضعته بين يديه رفع رسول ال صلى ال عليه واله يديه وقال‪ :‬اللهم ائتني‬

‫بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر‪ ،‬فسمعت دعوة رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله وأحببت أن يكون رجل من قومي‪ ،‬فأتى علي ابن أبي طالب‪،‬‬

‫فقلت‪ :‬إن رسول ال عنك مشغول فانصرف‪ ،‬ثم دعا رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله ثانية وقال‪ :‬اللهم أئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا‬

‫الطائر‪ ،‬فأتى علي ابن أبي طالب‪ ،‬فقلت‪ :‬إن رسول ال عنك مشغول‬

‫فانصرف‪ ،‬ثم رفع رسول ال صلى ال عليه واله رأسه ودعا ثالثة وقال‪ :‬يا‬

‫رب ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فأتى علي فقلت‪:‬‬

‫رسول ال عنك مشغول‪ ،‬فقال‪ :‬وما يشغل رسول ال صلى ال عليه واله‬

‫عني ؟ ودفعني فدخل‪ ،‬فلما رآه رسول ال صلى ال عليه واله قبل ما بين‬

‫عينيه وقال‪ :‬يا أخي ! من الذي حبسك عني وقد دعوت ال ثلثا أن يأتيني‬

‫بأحب خلقه إليه يأكل معي من هذا الطائر ؟ فقال يا رسول ال ؟ قد جئت‬

‫ثلثا كل ذلك يردني أنس‪ ،‬فقال‪ :‬لم رددت عليا ؟ فقلت‪ :‬يا رسول ال إني‬

‫سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجل من النصار فأفتخر به إلى البد‪ ،‬فقال‬

‫علي عليه السلم‪ :‬اللهم ارم أنسا بوضح ل يستره من الناس‪ ،‬فظهر علي‬

‫هذا الذي ترى وهي دعوة علي‪ .‬بيان‪ :‬في سائر الخبار أن دعوة أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم عليه حين استشهده فأبى أن يشهد وهذا من الخبار‬

‫المتواترة‪ ،‬ومما احتج به يوم الشورى فصدقوه‪ ،‬ويدل على أنه عليه السلم‬

‫أفضل ]جميع[ خلق ال‪ ،‬وخرج الرسول صلى ال عليه واله بالجماع‬

‫والنصوص المتواترة‬

‫]‪[302‬‬

‫فيدل على فضله الملئكة‪ ،‬وكل من قال بفضله قال بفضل سائر الئمة‬

‫وجميع النبياء عليهم السلم فثبت فضل الجيمع‪ - 12 .‬ومن الكتاب‬

‫المذكور‪ :‬عن محمد بن أحمد بن شاذان‪ ،‬عن طلحة بن أحمد عن عبد‬

‫الحميد القناد‪ ،‬عن هشام بن بشير‪ ،‬عن ابن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬علي أفضل من خلق ال غيري‪ ،‬والحسن‬

‫والحسين سيدا شباب أهل الجنة‪ ،‬وأبوهما خير منهما‪ ،‬وإن فاطمة سيدة‬

‫نساء العالمين‪ ،‬ولو أن لفاطمة خيرا من علي لم ازوجها منه‪ - 13 .‬ومنه‪:‬‬

‫عن ابن شاذان‪ ،‬عن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن جعفر بن علي الدقاق عن عبد‬

‫ال بن محمد الكاتب‪ ،‬عن سليمان بن الربيع‪ ،‬عن نصر بن مزاحم‪ ،‬عن علي‬

‫بن عبد ال‪ ،‬عن الشعث‪ ،‬عن مرة‪ ،‬عن أبي ذر‪ ،‬قال‪ :‬نظر النبي صلى ال‬

‫عليه واله إلى علي بن أبي طالب عليه السلم فقال‪ :‬خير الولين والخرين‬

‫من أهل السماوات والرضين‪ ،‬هذا سيد الصديقين‪ ،‬وسيد الوصيين‪ ،‬وإمام‬
‫المتقين‪ ،‬وقائد الغر المحجلين‪ ،‬إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق‬

‫الجنة‪ ،‬قد أضاءت القيامة من نورها‪ ،‬على رأسه تاج مرصع بالزبرجد‬

‫والياقوت‪ ،‬فتقول الملئكة‪ :‬هذا ملك مقرب‪ ،‬ويقول النبيون‪ :‬هذا نبي‬

‫مرسل‪ ،‬فينادي مناد من تحت بطنان العرش‪ :‬هذا الصديق الكبر‪ ،‬هذا وصي‬

‫حبيب ال رب العالمين‪ ،‬هذا علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬فيجئ علي‬

‫حتى يقف على متن جهنم‪ ،‬فيخرج منها من يحب‪ ،‬ويأتي أبواب الجنة‬

‫فيدخل فيها أولياءه بغير حساب‪ - 14 .‬ومنه‪ :‬عن ابن شاذان‪ ،‬عن الحسن )‬

‫‪ (1‬بن أحمد‪ ،‬عن أبي بكر بن محمد عن عيسى بن مهران‪ ،‬عن عيسى بن‬

‫عبد الحميد‪ ،‬عن قيس بن الربيع‪ ،‬عن العمش عن عباية‪ ،‬عن حميد‬

‫المغربي‪ ،‬قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬

‫عليه واله‪ :‬أنا سيد الولين والخرين‪ ،‬وأنت يا علي سيد الخلئق بعدي‪،‬‬

‫أولنا كآخرنا‪ .‬أقول‪ :‬الستدلل بهذه الخبار بتقريب ما مر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحسين )خ(‪.‬‬

‫]‪[303‬‬

‫‪ - 15‬ومن الكتاب المذكور‪ :‬عن ابن شاذان‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن‬

‫مسروق اللحام‪ ،‬عن حسين بن محمد‪ ،‬عن أحمد بن علويه‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫محمد الثقفي‪ ،‬عن عبد ال ابن صالح‪ ،‬عن حريز بن عبد الحميد‪ ،‬عن‬

‫مجاهد‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه واله يقول‪:‬‬

‫لما اسري بي إلى السماء ما مررت بملء من الملئكة إل سألتني عن علي‬

‫بن أبي طالب‪ ،‬حتى ظننت أن اسم علي بن أبي طالب في السماوات أشهر‬

‫من اسمي‪ ،‬فلما بلغت السماء الرابعة ونظرت إلى ملك الموت قال لي‪ :‬يا‬

‫محمد ! ما خلق ال خلقا إل وأنا أقبض روحه إل أنت وعلي‪ ،‬فإن ال جل‬

‫جلله يقبض أرواحكما بقدرته وجزت تحت العرش إذ أنا )‪ (1‬بعلي بن أبي‬

‫طالب واقفا تحت العرش‪ ،‬فقلت‪ :‬يا علي سبقتني ؟ فقال جبرئيل‪ :‬من هذا‬

‫الذي تكلمه يا محمد ؟ فقلت‪ :‬هذا علي بن أبي طالب‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد ! ليس‬

‫هذا علي بن أبي طالب‪ ،‬ولكنه ملك من الملئكة خلقه ال تعالى على صورة‬

‫علي بن أبي طالب عليه السلم فنحن الملئكة المقربون كلما اشتقنا إلى‬

‫وجه علي بن أبي طالب عليه السلم زرنا هذا الملك‪ ،‬لكرامة علي بن أبي‬

‫طالب على ال سبحانه‪ .‬أقول‪ :‬دللته أول وآخرا على فضله ل يخفى على‬

‫المتأمل‪ ،‬ودلت عليه الخبار المستفيضة الدالة على مباهاة ال به عليه‬

‫السلم ليلة المبيت ويوم احد‪ ،‬وقول جبرئيل عليه السلم‪ :‬أنا منكما‪- 16 .‬‬

‫العيون والعلل وكمال الدين‪ :‬عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن‬

‫فرات بن إبراهيم‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن العباس بن عبد ال البخاري‪ ،‬عن‬

‫محمد بن القاسم بن إبراهيم‪ ،‬عن أبي الصلت الهروي‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن‬
‫آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬ما خلق ال عزوجل خلقا أفضل مني ول أكرم عليه مني‪ ،‬قال علي‬

‫عليه السلم‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال فأنت أفضل أو جبرئيل ؟ فقال صلى ال‬

‫عليه واله‪ :‬يا علي إن ال تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على‬

‫ملئكته المقربين‪ ،‬وفضلني على جميع النبيين والمرسلين‪ .‬والفضل بعدي‬

‫لك يا علي وللئمة عليهم السلم من بعدك وإن الملئكة لخدامنا وخدام‬

‫محبينا‪ ،‬يا علي ! الذين يحملون العرش ومن حوله‬

‫)‪ (1‬إذا انا )خ(‪.‬‬

‫]‪[304‬‬

‫يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بوليتنا‪ ،‬يا علي ! لول نحن‬

‫ما خلق آدم‪ ،‬ول حواء‪ ،‬ول الجنة‪ ،‬ول النار‪ ،‬ول السماء‪ ،‬ول الرض‪،‬‬

‫فكيف ل نكون أفضل من الملئكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه‬

‫وتهليله وتقديسه ؟ ‪ -‬وساق الحديث إلى قوله ‪ -‬فكيف ل نكون أفضل من‬

‫الملئكة وقد سجدوا لدم كلهم أجمعون لكوننا في صلبه ؟ وإنه لما عرج‬

‫بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى‪ ،‬وأقام مثنى مثنى‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬تقدم‬

‫يا محمد‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا جبرئيل ! أتقدم عليك ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬لن ال تبارك‬
‫وتعالى فضل أنبياءه على الملئكة )‪ (1‬أجمعين‪ ،‬وفضلك خاصة ‪ -‬إلى آخر‬

‫الخبر بطوله ‪ - 17 .(2) -‬العلل‪ :‬بإسناده إلى عمرو بن جميع‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ال عليه السلم قال‪ :‬كان جبرئيل عليه السلم إذا أتى النبي صلى ال عليه‬

‫واله قعد بين يديه قعدة العبيد )‪ (3‬وكان ل يدخل حتى يستأذنه )‪- 18 .(4‬‬

‫الحتجاج وتفسير المام‪ :‬قال‪ :‬سأل المنافقون النبي صلى ال عليه واله‬

‫فقالوا‪ :‬يا رسول ال أخبرنا عن علي هو أفضل أم ملئكة ال المقربون ؟‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬وهل شرفت الملئكة إل ]بحبها[‬

‫لمحمد وعلي وقبولها لوليتهما ؟ إنه ل أحد من محبي علي نظف قلبه من‬

‫قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إل كان أطهر وأفضل من الملئكة‬

‫‪ -‬الخبر ‪ - 19 .(5) -‬كمال الدين‪ :‬بإسناده إلى الرضا عليه السلم قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أنا سيد من خلق ال‪ ،‬وأنا خير من جبرئيل‬

‫وإسرافيل وحملة العرش وجميع الملئكة المقربين وأنبياء ال المرسلين ‪-‬‬

‫الحديث ‪.-‬‬

‫)‪ (1‬في العلل‪ :‬ملئكته‪ (2) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،6‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‬

‫‪ (3) .262‬في المصدر‪ :‬العبد‪ (4) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪(5) .7‬‬

‫الحتجاج‪.31 :‬‬
‫]‪[305‬‬

‫وأقول‪ :‬الخبار في ذلك كثيرة قد أوردناها في أبواب فضائل النبي صلى ال‬

‫عليه واله و الئمة عليهم السلم فليرجع إليها‪ .‬تذييل قال السيد الجل‬

‫المرتضى في كتاب الغرر بعد أن سئل عن تفسير قوله تعالى " خلق‬

‫النسان من عجل "‪ :‬قد ذكر في هذه الية وجوه من التأويل‪ ،‬نحن نذكرها‬

‫و نرجح الرجح منها‪ :‬فأولها أن يكون معنى القول المبالغة في وصف‬

‫النسان بكثرة العجلة‪ ،‬وأنه شديد الستعجال لما يؤثره من المور‪ ،‬لهج‬

‫باستدناء ما يجلب إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا‪ ،‬ولهم عادة في استعمال‬

‫مثل هذا اللفظ عند المبالغة‪ ،‬كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم‪ :‬ما خلقت إل‬

‫من نوم‪ ،‬وما خلق فلن إل من شر‪ ،‬إذا أرادوا كثرة وقوع الشر منه‪ ،‬وربما‬

‫قالوا‪ :‬إنما أنت أكل وشرب‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬قالت الخنساء تصف بقرة‪ :‬ترتع‬

‫مارتعت حتى إذا ادكرت * وإنما هي إقبال وإدبار‪ .‬وإنما أرادت ما ذكرناه‬

‫من كثرة وقوع القبال والدبار منها‪ ،‬ويشهد لهذا التأويل قوله عزوجل في‬

‫موضع آخر " وكان النسان عجول " ويطابقه أيضا قوله تعالى " فل‬

‫تستعجلون " لن وصفهم بكثرة العجلة وأن من شأنهم فعلها توبيخا لهم و‬

‫تقريعا‪ ،‬ثم نهاهم عن الستعجال باستدعاء اليات من حيث كانوا متمكنين‬

‫من مفارقة طريقتهم في الستعجال‪ ،‬وقادرين على التثبت والتأيد‪ .‬وثانيها‬

‫ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب ]بن المستنير[ وغيرهما من أن في الكلم‬


‫قلبا‪ ،‬والمعنى‪ :‬خلق العجل من النسان‪ ،‬واستشهدوا على ذلك بقوله‬

‫سبحانه " وقد بلغني الكبر " أي قد بلغت الكبر‪ ،‬وبقوله تعالى " ما إن‬

‫مفاتحه لتنوء بالعصبة " و المعنى أن العصبة تنوء بها‪ ،‬وتقول العرب‪:‬‬

‫عرضت الناقة على الحوض‪ ،‬وإنما هو‪ :‬عرضت الحوض على الناقة‪ ،‬ثم‬

‫ذكر ‪ -‬ره ‪ -‬شواهد وابياتا كثيرة في ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ويبقى على صاحب هذا‬

‫الجواب مع التغاضي له عن حمل كلمه تعالى على القلب أن‬

‫]‪[306‬‬

‫يقال‪ :‬وما المعنى والفائدة في قوله عزوجل " خلق العجل من النسان " ؟‬

‫أتريدون بذلك أن ال تعالى خلق العجلة في النسان ؟ وهذا ل يجوز‪ ،‬لن‬

‫العجلة فعل من أفعال النسان‪ ،‬فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره ؟ ولو كان‬

‫كذلك لما جاز أن ينهاهم عن الستعجال في الية فيقول " ساريكم آياتي فل‬

‫تستعجلون " لنه ل ينهاهم عما خلقه فيهم‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬لم يرد أنه تعالى‬

‫خلقها‪ ،‬لكنه أراد كثرة فعل النسان لها وأنه ل يزال يستعملها‪ ،‬قيل لهم‪ :‬هذا‬

‫هو الجواب الذي قدمناه من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير‪ ،‬وإذا‬

‫كان هذا المعنى يتم وينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فل حاجة بنا إليه‪.‬‬

‫وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره واختاره وقواه‪ ،‬و سأل‬

‫نفسه عنه وقال‪ :‬كيف جاز أن يقول‪ :‬فل تستعجلون‪ ،‬وهو خلق العجلة فيهم‬
‫؟ وأجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طبائعهم وكفها‪ ،‬وقد يكون‬

‫النسان مطبوعا عليها وهو مع ذلك مأمور بالتثبت قادر على أن يجانب‬

‫العجلة‪ ،‬وذلك كخلقه في البشر شهوة النكاح‪ ،‬وأمرهم في كثير من الوقات‬

‫بالمتناع منه‪ ،‬وهذا الذي ذكره البلخي تصريح بأن المراد بالعجل غيره‪،‬‬

‫وهو الطبع الداعي إليه‪ ،‬والشهوة المتناولة له‪ ،‬و يجب أيضا أن يكون‬

‫المراد ‍ب " من " ههنا " في " لن شهوة العجل ل تكون مخلوقة من‬

‫النسان‪ ،‬وإنما تكون فيه‪ ،‬وهذا تجوز على تجوز‪ ،‬وتوسع على توسع‪ ،‬لن‬

‫القلب أول مجاز‪ ،‬ثم هو من بعيد المجاز‪ ،‬وذكر العجل والمراد به غيره‬

‫مجاز آخر‪ ،‬و إقامة " من " مقام " في " كذلك‪ ،‬على أنه تعالى إذا نهاهم‬

‫عن العجلة بقوله عز وجل " فل تستعجلون " أي معنى لتقديم قوله‪ :‬إني‬

‫خلقت شهوة العجلة فيهم‪ ،‬والطبع الداعي إليها ‪ -‬على ما عبر به البلخي‬

‫‪ -‬؟ وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليهم‪،‬‬

‫وأيسر الحوال أن ل يكون عذرا ول احتجاجا‪ ،‬فل يكون لتقديمه معنى‪ .‬وفي‬

‫الجواب الول حسن تقديم ذلك على طريق الذم والتوبيخ والتقريع من غير‬

‫إضافة له إليه عز وجل‪ ،‬فالجواب الول أوضح وأصح‪ .‬وثالثها جواب روي‬

‫عن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬يعني بقوله " من عجل " أي من ضعف وهي النطفة‬

‫المنتنة المهينة الضعيفة‪ ،‬وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل‬
‫]‪[307‬‬

‫يكون عبارة عن الضعف أو عن معناه‪ .‬ورابعها ما حكي أن أبا الحسن‬

‫الخفش أجاب به‪ ،‬وهو أن يكون المراد أن النسان خلق من تعجيل المر‪،‬‬

‫لنه تعالى قال‪ " :‬إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )‪" (1‬‬

‫فإن قيل‪ :‬كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد " فل تستعجلون " ؟ قلنا‪:‬‬

‫يمكن أن يكون وجه المطابقة أنه لما استعجلوا باليات واستبطؤوها‬

‫أعلمهم تعالى أنه ممن ل يعجزه شئ إذا أراده ول يمتنع عليه‪ ،‬وأن من‬

‫خلق النسان بل كلفة ول مؤونة بأن قال له كن فكان‪ ،‬مع ما فيه من بدائع‬

‫الصنعة وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كل قادر ويحار فيها كل ناظر ل‬

‫يعجزه إظهار ما استعجلوه من اليات‪ .‬وخامسها ما أجاب به بعضهم من أن‬

‫العجل الطين‪ ،‬فكأنه تعالى قال‪ :‬خلق النسان من طين‪ ،‬كما قال في موضع‬

‫آخر " بدأ خلق النسان من طين )‪ " (2‬واستشهد بقول الشاعر‪ :‬والنبع‬

‫يخرج بين الصخر ضاحية * والنخل ينبت بين الماء والعجل ووجدنا قوما‬

‫يطعنون في هذا الجواب ويقولون‪ :‬ليس بمعروف أن العجل هو الطين‪ ،‬وقد‬

‫حكى صاحب كتاب العين عن بعضهم أن العجل الحمأة‪ ،‬ولم يستشهد عليه‬

‫إل أن البيت الذي أنشدناه يمكن أن يكون شاهدا له‪ ،‬وقد رواه تغلب عن ابن‬

‫العرابي وخالف في شئ من ألفاظه‪ ،‬وإذا صح هذا الجواب فوجه المطابقة‬

‫بين ذلك وبين قوله تعالى " فل تستعجلون " على نحو ما ذكرناه‪ ،‬وهو أن‬
‫من خلق النسان مع الحكمة الظاهرة فيه من الطين ل يعجزه إظهار ما‬

‫استعجلوه من اليات‪ ،‬أو يكون المعنى أنه ل يجب بمن خلق من الطين‬

‫المهين وكان أصله هذا الصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل ال تعالى‬

‫وآياته وشرائعه‪ ،‬لنه تعالى قال قبل هذه الية‪ " :‬وإذا رآك الذين كفروا إن‬

‫يتخذونك إل هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم )‪." (3‬‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .40 :‬ألم السجدة‪ (3) .7 :‬النبياء‪.36 :‬‬

‫]‪[308‬‬

‫وسادسها أن يكون المراد بالنسان آدم عليه السلم ومعنى " من عجل "‬

‫أي في سرعة من خلقه‪ ،‬لنه تعالى لم يخلقه من نطفة‪ ،‬ثم من علقة‪ ،‬ثم من‬

‫مضغة كما خلق غيره وإنما ابتدأه ال ابتداء وأنشأه إنشاء‪ ،‬فكأنه تعالى نبه‬

‫بذلك على الية العجيبة في خلقه له‪ ،‬وأنه عزوجل يري عباده من آياته‬

‫وبيناته ]أول[ أول ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم‪ .‬وسابعها ما‬

‫روي عن مجاهد وغيره أن ال تعالى خلق آدم بعد خلق كل شئ آخر نهار‬

‫يوم الجمعة على سرعة معاجل به غروب الشمس‪ ،‬وروي أن آدم عليه‬

‫السلم لما نفخت فيه الروح وبلغت أعالي جسده ولم تبلغ أسافله قال‪ :‬رب‬

‫استعجل بخلقي قبل غروب الشمس‪ .‬وثامنها ما روي عن ابن عباس‬


‫والسدي أن آدم عليه السلم لما خلق وجعلت الروح في أكثر جسده وثب‬

‫عجلن مبادرا إلى ثمار الجنة‪ .‬وقال‪ :‬قوم بل هم بالوثوب‪ ،‬فهذا معنى قوله‬

‫" خلق النسان من عجل " وهذه الجوبة الثلثة المتأخرة مبنية على أن‬

‫المراد بالنسان فيها آدم عليه السلم دون غيره‪) 40 .‬باب آخر( نورد ما‬

‫ذكره محمد بن بحر الشيباني المعروف بالدهني )‪ (1‬في كتابه من قول‬

‫مفضلي النبياء والرسل ]والئمة[ والحجج على الملئكة صلوات ال‬

‫عليهم أجمعين على ما‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع نسخ البحار‪ ،‬والمشهور ضبطه بالراء المهملة‬

‫المضمومة نسبة الى " رهنه " قرية بكرمان‪ ،‬وحكى ابن داود عن نسخة‬

‫" الدهنى " بالدال قال النجاشي‪ :‬محمد ابن بحر الرهنى‪ :‬أبو الحسن‬

‫الشيباني ساكن نرماشير من ارض كرمان قال اصحابنا انه كان في مذهبه‬

‫ارتفاع‪ ،‬وحديثه قريب من السلمة‪ ،‬ول ادرى من اين قيل وقال في محكى‬

‫الفهرست‪ ،‬محمد بن بحر الرهنى من اهل سجستان وكان من المتكلمين‬

‫وكان عالما بالخبار فقيها ال انه متهم بالغلو وله نحو من خمسمائة‬

‫مصنف ورسالة ‪ -‬انتهى ‪ -‬والظاهران منشأ اتهامه بالغلو مبالغته في‬

‫تفضيل الئمه وعلو رتبتهم عليهم السلم ولم يثبت منه قول بحلون أو‬

‫اتحاد أو تفويض ونحوها فل يبعد كونه حسنا‪.‬‬


‫]‪[309‬‬

‫أورده الصدوق ‪ -‬ره ‪ -‬في كتاب علل الشرائع ناقل عنه حيث قال‪ :‬قال‬

‫مفضلوا النبياء والرسل والحجج على الملئكة‪ :‬إنا نظرنا إلى جميع ما‬

‫خلق ال عزوجل من شئ عل علوا طبعا واختيارا أو علي به قسرا‬

‫واضطرارا‪ ،‬وما سفل شئ طبعا واختيارا أو ما سفل به قسرا واضطرارا‪،‬‬

‫فإذا هي ثلثة أشياء بأجماع‪ :‬حيوان نام وجماد‪ ،‬وأفلك سائرة‪ ،‬وبالطبع‬

‫الذي طبعها عليه صانعها دائرة‪ ،‬وفي ما دونها عن إرادة خالقها مؤثرة‪.‬‬

‫وإنهم نظروا في النواع الثلثة وفي الشياء التي هي أجناس منقسمة إلى‬

‫جنس الجناس الذي هو شئ إذ يعطي كل شئ اسمه‪ .‬قالوا‪ :‬ونظرنا أي‬

‫الثلثة هو نوع لما فوقه وجنس لما تحته أنفع وأرفع‪ ،‬وأيها أدون وأوضع‪.‬‬

‫فوجدنا أرفع الثلثة الحيوان‪ ،‬وذلك بحق الحياة التي بان بها النامي‬

‫والجماد‪ ،‬وإنما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع وترتيبها أن ال‬

‫تقدست أسماؤه جعل النامي له أغذاء‪ ،‬وجعل له عند كل داء دواء‪ ،‬وفي ما‬

‫قدر له صحة وشفاء فسبحانه ما أحسن ما دبره في ترتيب حكمته ! إذ‬

‫الحيوان الرفيع مما دونه يغذو‪ ،‬ومنه لوقاية الحر والبرد يكسو‪ ،‬وعليه أيام‬

‫حياته ينشو‪ .‬وجعل الجماد له مركزا ومكديا فامتهنه له امتهانا‪ ،‬وجعل له‬

‫مسرحا وأكنانا‪ ،‬ومجامع وبلدانا‪ ،‬ومصانع وأوطانا‪ ،‬و جعل له حزنا محتاجا‬
‫وسهل محتاجا إليه‪ ،‬وعلوا ينتفع بعلوه‪ ،‬وسفل ينتفع به وبمكاسبه برا‬

‫وبحرا‪ .‬فالحيوان مستمتع‪ ،‬فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة‬

‫والزيادة والزبول عند الزبول )‪ (1‬وتتخذ المركز عند التجسيم والتأليف من‬

‫الجسم المؤلف‪ ،‬تبارك ال رب العالمين‪ .‬قالوا‪ :‬ثم ]إنا[ نظرنا‪ ،‬فإذا ال‬

‫عزوجل قد جعل المتخذ بالروح والنمو والجسم أعلى وأرفع مما يتخذ‬

‫بالنمو والجسم والتأليف والتصريف‪ ،‬ثم جعل الحي الذي هو بالحياة التي‬

‫هي غيره نوعين‪ :‬ناطقا وأعجم‪ ،‬ثم أبان الناطق من العجم بالنطق والبيان‬

‫اللذين جعلهما له‪ ،‬فجعله أعلى منه بفضيلة النطق والبيان‪ .‬ثم جعل‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " الذبول " في الموضعين‪ ،‬وفى نسخة " الذلول "‬

‫في الموضع الثاني‪.‬‬

‫]‪[310‬‬

‫الناطق نوعين‪ :‬حجة ومحجوجا‪ ،‬فجعل الحجة أعلى من المحجوج‪ ،‬لبانة‬

‫ال الحجة واختصاصه إياه بعلم علوي يخصه له دون المحجوجين‪ ،‬فجعله‬

‫معلما من جهة باختصاصه إياه‪ ،‬وعلما بأمره إياه أن يعلم بأن ال عزوجل‬

‫معلم الحجة دون أن يكله إلى أحد من خلقه‪ ،‬فهو متعال به‪ ،‬وبعضهم يتعالى‬

‫على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجة‪ .‬قالوا‪ :‬ثم رأينا أصل‬
‫الشئ الذي هو آدم‪ ،‬فوجدناه قد جعله ]علما[ على كل روحاني خلقه قبله‪،‬‬

‫وجسماني ذرأه وبرأه منه‪ ،‬فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل ول بعد‪،‬‬

‫وفهمه فهما لم يفهمهم قبل ول بعد‪ .‬ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه‬

‫لقامة الحجج من نسله على نسله‪ ،‬ثم جعل آدم لرفعة قدره وعلو أمره‬

‫للملئكة الروحانيين قبلة‪ ،‬وأقامه لهم محنة‪ ،‬فابتلهم بالسجود إليه‪ ،‬فجعل‬

‫‪ -‬ل محالة ‪ -‬من اسجد له له أعلى وأفضل ممن أسجدهم‪ ،‬ولن من جعل‬

‫بلوى وحجة أفضل ممن حجهم به‪ ،‬و لن إسجاده جل وعز إياهم للخضوع‬

‫ألزمهم التضاع منهم له‪ ،‬والمأمورين بالتضاع بالخضوع والخشوع‬

‫والستكانة دون من أمرهم بالخضوع له‪ ،‬أل ترى إلى من أبى الئتمار لذلك‬

‫الخضوع ولتلك الستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع‬

‫كيف لعن وطرد عن الولية‪ ،‬وادخل في العداوة‪ ،‬فل يرجى له من كبوته‬

‫القالة آخر البد فرأينا السبب الذي أوجب ال عزوجل لدم عليهم فضل‪،‬‬

‫فإذا هو العلم خصه ال عزوجل دونهم‪ ،‬فعلمه السماء‪ ،‬وبين له الشياء‪،‬‬

‫فعل بعلمه من ل يعلم‪ .‬ثم أمره جل وعز أن يسألهم سؤال تنبيه ل سؤال‬

‫تكليف عما علمه بتعليم ال عزوجل إياه مما لم يكن علمهم‪ ،‬ليريهم جل‬

‫وعز علو منزلة العلم ورفعة قدره‪ ،‬كيف خص العلم محل وموضعا اختاره‬

‫له‪ ،‬وأبان ذلك المحل عنهم بالرفعة والفضل‪ .‬ثم علمنا أن سؤال آدم إياهم‬

‫عما سألهم عنه مما ليس في وسعهم وطوقهم الجواب عنه سؤال تنبيه ل‬
‫سؤال تكليف‪ ،‬لنه جل وعز ل يكلف ما ليس في وسع المكلف القيام به‪.‬‬

‫فلما لم يطيقوا الجواب عما سألوا علمنا أن السؤال كان كالتقرير منه لهم‬

‫يقرن )‪(1‬‬

‫)‪ (1‬في العلل‪ :‬يقرر‪.‬‬

‫]‪[311‬‬

‫به اتضاعهم بالجهالة عما علمه إياه‪ ،‬وعلو خطره وقدره‪ ،‬واختصاصه )‪(1‬‬

‫إياه بعلم لم يخصهم به‪ ،‬فالتزموا الجواب بأن قالوا‪ " :‬سبحانك لعلم لنا إل‬

‫ما علمتنا )‪ ." (2‬ثم جعل ال عزوجل آدم عليه السلم معلم الملئكة بقوله‬

‫" أنبئهم " لن النباء من النبأ تعليم‪ ،‬والمر بالنباء من المر تكليف‬

‫يقتضي طاعة وعصيانا‪ ،‬والصغاء من الملئكة للتعليم والتوقيف والتفهيم‬

‫والتعريف تكليف يقتضي طاعة وعصيانا‪ ،‬فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلم‬

‫على المعلم‪ ،‬والموقف على الموقف‪ ،‬والمعرف على المعرف‪ ،‬كان في‬

‫تفضيله تعكيس لحكمة ال عزوجل‪ ،‬وقلب لترتيبها التي رتبها ال عزوجل‪،‬‬

‫فإنه على قياد مذهبه أن تكون الرض التى هي المركز أعلى من النامي‬

‫الذي هو عليها الذي فضله ال عزوجل بالنمو‪ ،‬والنامي أفضل وأعلى من‬

‫الحيوان الذي فضله ال جل جلله بالحياة والنمو والروح‪ ،‬والحيوان‬


‫العجم الخارج عن التكليف والمر و الزجر أعلى وأفضل من الحيوان‬

‫الناطق المكلف للمر والزجر‪ ،‬والحيوان الذي هو المحجوج أعلى من‬

‫الحجة التي هي حجة ال عزوجل فيها‪ ،‬والمتعلم أعلى من المعلم وقد جعل‬

‫ال عزوجل آدم حجة على كل من خلق من روحاني وجسماني إل من جعل‬

‫له أولية الحجة‪ .‬فقد روي لنا أن حبيب بن مظاهر السدي ‪ -‬بيض ال‬

‫وجهه ‪ -‬أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلم‪ :‬أي شئ كنتم‬

‫قبل أن يخلق ال عزو جل آدم عليه السلم ؟ قال‪ :‬كنا أشباح نور ندور حول‬

‫عرش الرحمن‪ ،‬فنعلم للملئكة التسبيح والتهليل والتحميد‪ .‬ولهذا تأويل‬

‫دقيق ليس هذا مكان شرحه‪ ،‬وقد بيناه في غيره‪ .‬قال مفضلوا الملئكة‪ :‬إن‬

‫مدار الخلق روحانيا كان أو جسمانيا على الدنو من ال عزوجل والرفعة‬

‫والعلو‪ ،‬والزلفة والسمو‪ ،‬وقد وصف ال جلت عظمته الملئكة من ذلك بما‬

‫لم يصف به غيرهم‪ ،‬ثم وصفهم بالطاعة التي عليها موضع المر و الزجر‬

‫والثواب والعقاب‪ ،‬فقال عزوجل " ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما‬

‫يؤمرون )‪" (3‬‬

‫)‪ (1‬باختصاصه )خ(‪ (2) .‬البقرة‪ (3) .32 :‬التحريم‪.6 :‬‬

‫]‪[312‬‬
‫ثم جعل محلهم الملكوت العلى‪ ،‬فبراهينهم على توحيده أكثر‪ ،‬وأدلتهم عليه‬

‫أشهر وأوفر‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل‪ ،‬ومن المعرفة‬

‫بالصانع أفضل‪ .‬قالوا‪ :‬ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار‬

‫كلها من الجنس الذي فضلتموه على من قال ال عزوجل في نعتهم لما‬

‫نعتهم ووصفهم بالطاعة لما وصفهم " ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما‬

‫يؤمرون " قالوا‪ :‬كيف يجوز فضل جنس فيهم كل عيب ولهم كل ذنب على‬

‫من ل عيب فيهم ول ذنب منهم ل صغائر ول كبائر ؟ والجواب‪ :‬أن مفضلي‬

‫النبياء والحجج عليهم السلم قالوا‪ :‬إنا ل نفضل ههنا الجنس على‬

‫الجنس‪ ،‬ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس‪ ،‬كما أن الملئكة كلهم‬

‫ليسوا كإبليس وهاروت وماروت لم يكن البشر كلهم كفرعون الفراعنة‬

‫وكشياطين النس المرتكبين المحارم‪ ،‬المقدمين على المآثم‪ .‬وأما قولكم في‬

‫الزلفة والقربة فإنكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فال عزوجل‬

‫أجل‪ ،‬ومما توهمتموه أنزه‪ ،‬و في النبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه‬

‫بالصالحات‪ ،‬والقربات )‪ (1‬الحسنات‪ ،‬و بالنيات الطاهرات من كل خلق‬

‫خلقهم‪ ،‬والقرب والبعد من ال جلت عظمته بالمسافة والمدى تشبيه له‬

‫بخلقه‪ ،‬وهو من ذلك نزيه‪ .‬وأما قولهم في الذنوب والعيوب فإن ال جلت‬

‫أسماؤه جعل المر والزجر أسبابا وعلل‪ ،‬والذنوب والمعاصي وجوها‪ ،‬فال‬

‫جل جلله هو الذي جعل قاعدة الذنوب من جميع المذنبين من الولين‬


‫والخرين إبليس‪ ،‬وهو من حزب الملئكة وممن كان في صفوفهم‪ ،‬وهو‬

‫رأس البالسة‪ ،‬وهو الداعي إلى عصيان الصانع‪ ،‬والموسوس والمزين لكل‬

‫من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان‪ ،‬وقد امهل الملعون لبلوى أهل‬

‫البلوى في دار البتلء‪ ،‬فكم من برية نبيه‪ ،‬وفي طاعة ال عزوجل وجيه‪،‬‬

‫وعن معصيته بعيد وقد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه‪ ،‬فلم يلوله على‬

‫أمر إذا أمره ول انتهى عن زجر إذا زجر له لمات في قلوب الخلق مكافئ‬

‫من المعاصي لمات الرحمن‪ ،‬فلمات الرحمن‬

‫)‪ (1‬العزمات )خ(‪.‬‬

‫]‪[313‬‬

‫دافعة للماته ووسوسته وخطراته‪ ،‬ولو كانت المحنة بالملعون واقعة‬

‫بالملئكة‪ ،‬والبتلء به قائما كما قام في البشر‪ ،‬ودائما كما دام‪ ،‬لكثرت من‬

‫الملئكة المعاصي‪ ،‬وقلت فيهم الطاعات‪ ،‬إذا تمت فيهم اللت‪ ،‬فقد رأينا‬

‫المبتلى من صفوف )‪ (1‬الملئكة بالمر و الزجر مع آلت الشهوات كيف‬

‫انخدع بحيث دنا من طاعته‪ ،‬وكيف بعد مما لم يبعد منه النبياء والحجج‬

‫الذين اختارهم ال على علم على العالمين‪ ،‬إذ ليست هفوات البشر كهفوة‬

‫إبليس في الستكبار‪ ،‬وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور‪ .‬قال‬


‫مفضلوا الملئكة‪ :‬إن ال جل جلله وضع الخضوع والخشوع والتضرع‬

‫والخنوع حلية‪ ،‬فجعل مداها وغايتها آدم عليه السلم ففازت الملئكة في‬

‫هذه الحلية وأخذوا منها بنصيب الفضل والسبق‪ ،‬فجعل للطاعة فأطاعوا ال‬

‫فيه‪ ،‬ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر‪ ،‬كما لم يطعه قابيل‪،‬‬

‫فصار إمام كل قاتل‪ .‬جواب مفضلي النبياء والحجج عليهم السلم‪ ،‬قالوا‪:‬‬

‫إن البتلء الذي ابتلى به ال عزوجل الملئكة من الخشوع والخضوع لدم‬

‫عن غير شيطان مغو وعدو مطغي‪ ،‬فاصل بغوايته بين الطائعين‬

‫والعاصين ; والمقيمين على الستقامة عن الميل‪ ،‬وعن غير آلت المعاصي‬

‫التي هي الشهوات المركبات في عباده المبتلين‪ ،‬وقد ابتلى من الملئكة من‬

‫ابتلى فلم يعتصم بعصمة ال الوثقى‪ ،‬بل استرسل للخادع الذي كان أضعف‬

‫منها‪ .‬وقد روينا عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬إن في الملئكة من‬

‫باقة بقل خير منه‪ ،‬والنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه‪،‬‬

‫وقد أقر مفضلوا الملئكة بالتفاضل بينهم كما أقر بالتفاضل بين ذوي الفضل‬

‫من البشر‪ .‬ومن قال‪ :‬إن الملئكة جنس من خلق ال عزوجل تقل فيهم‬

‫العصاة كهاروت وماروت وكإبليس اللعين‪ ،‬إذ البتلء فيهم قل )‪ (2‬فليس‬

‫ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل ال‬

‫عزوجل الملئكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حزن‬

‫ول هم ول نصب ول سقم ول فقر‪.‬‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬صنوف‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬قليل‪.‬‬

‫]‪[314‬‬

‫قال مفضلوا الملئكة‪ :‬إن الحسن البصري يقول‪ :‬إن هاروت وماروت‬

‫علجان من أهل بابل‪ ،‬وأنكر أن يكونا من الملئكة‪ ،‬فلم تعترضونا بالحجة‬

‫بهما وبإبليس فتحتجون علينا بجني فيه‪ .‬قال مفضلوا النبياء والحجج‬

‫عليهم السلم‪ :‬ليس شذوذ الحسن عن جميع المفسرين من المة بموجب‬

‫أن يكون ما يقول كما يقول‪ ،‬وأنتم تعلمون أن الشئ ل يستثنى إل من‬

‫جنسه‪ ،‬وتعلمون أن الجن سموا جنا لجتنانهم عن الرؤية إل إذا أرادوا‬

‫الترائي بما جعل ال عزوجل فيهم من القدرة على ذلك‪ ،‬وأن إبليس من‬

‫صفوف )‪ (1‬الملئكة وغير جائز في كلم العرب أن يقول قائل‪ :‬جاءت البل‬

‫كلها إل حمارا‪ ،‬ووردت البقر كلها إل فرسا‪ ،‬فإبليس من جنس ما استثني‪.‬‬

‫وقول الحسن في هاروت وماروت بأنهما علجان من أهل بابل شذوذ شذ به‬

‫عن جميع أهل التفسير‪ ،‬وقول ال عزوجل يكذبه إذ قال " وما انزل على‬

‫الملكين ‪ -‬بفتح اللم ‪ -‬ببابل هاروت وماروت " وليس في قولكم عن قول‬

‫الحسن فرج لكم‪ ،‬فادعوا )‪ (2‬ما ل فائدة فيه من علة‪ ،‬ول عائدة من حجة‪.‬‬

‫قال مفضلوا الملئكة‪ :‬قد علمتم ما للملئكة في كتاب ال عزوجل من المدح‬


‫والثناء مما بانوا به عن خلق ال جل وعل‪ ،‬إذ لو لم يكن فيه إل قوله " بل‬

‫هم عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون )‪ ." (3‬قال‬

‫مفضلوا النبياء والحجج عليهم السلم‪ :‬لو استقصينا آي القرآن في تفضيل‬

‫النبياء والحجج صلوات ال عليهم أجمعين لحتجنا لذلك إلى التطويل‬

‫والكثار‪ ،‬وترك اليجاز والختصار‪ ،‬وفي ما جئنا به من الحجج النظرية‬

‫التي تزيح العلل من الجميع مقنع‪ ،‬إذ ذكرنا ترتيب ال عزوجل خلقه‪ ،‬فجعل‬

‫الرض دون النامي‪ ،‬والنامي أعلى وأفضل من الرض‪ ،‬وجعل النامي دون‬

‫الحيوان‪ ،‬والحيوان أعلى وأرفع من النامي‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬صنوف‪ (2) .‬فدعوا )خ(‪ (3) .‬النبياء‪ .27 - 26 :‬وفى‬

‫المصدر بعد ذكر الية " لكفى "‪.‬‬

‫]‪[315‬‬

‫وجعل الحيوان العجم دون الناطق‪ ،‬وجعل الحيوان الناطق أفضل من‬

‫الحيوان العجم وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق‪،‬‬

‫وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجة‪ ،‬ويجب‬

‫على هذا الترتيب أن المعرب المبين أفضل من العجم غير الفصيح‪ ،‬ويكون‬

‫المأمور المزجور مع تمام الشهوات وما فيهم من طباع حب اللذات ومنع‬


‫النفس من الطلبات والبغيات ومع البلوى بعدو يمهل يمتحن بمعصيته إياه‬

‫وهو يزينها له محسنا بوسوسته في قلبه وعينه أفضل من المأمور‬

‫المزجور مع فقد آلة الشهوات وعدم معاداة هذا المتوصل له بتزيين‬

‫المعاصي والوسوسة إليه‪ .‬ثم هذا الجنس نوعان‪ :‬حجة ومحجوج‪ ،‬والحجة‬

‫أفضل من المحجوج‪ ،‬ولم يحجج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من‬

‫الملئكة تفضيل من ال عزوجل إياه عليهم‪ ،‬وحجج جماهير الملئكة آدم‪،‬‬

‫فجعله العالم بما لم يعلموا وخصه بالتعليم ليبين لهم أن المخصوص بما‬

‫خصه به مما لم يخصهم أفضل من غير المخصوص بما لم يخصه به وهذا‬

‫الترتيب حكمة ال عزوجل‪ ،‬فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من‬

‫مذهبه وإلحاد في طلبه‪ .‬فانتهى الفضل إلى محمد صلى ال عليه واله لنه‬

‫ورث آدم وجميع النبياء‪ ،‬ولنه الصطفاء الذي ذكره ال عزوجل فقال "‬

‫إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين )‪" (1‬‬

‫فمحمد الصفوة والخالص‪ ،‬نجيب النجابة )‪ (2‬من آل إبراهيم فصار خير آل‬

‫ابراهيم بقوله " ذرية بعضها من بعض " واصطفى ال جل جلله آدم ممن‬

‫اصطفاه عليهم من روحاني وجسماني‪ .‬والحمد ل رب العالمين وصلى ال‬

‫على محمد وآله ]و[ حسبنا ال ونعم الوكيل‪ .‬قال الصدوق‪ :‬إنما أردت أن‬

‫تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب‪ ،‬وليس قولي في إبليس أنه كان من‬

‫الملئكة‪ ،‬بل كان من الجن‪ ،‬إل أنه كان يعبد ال بين الملئكة وهاروت‬
‫وماروت ملكان‪ ،‬وليس قولي فيهما قول أهل الحشو‪ ،‬بل كانا عندي‬

‫معصومين‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .33 :‬في المصدر‪ :‬النجباء‪.‬‬

‫]‪[316‬‬

‫ومعنى هذه الية " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ‪ -‬الية ‪) -‬‬

‫‪ " (1‬إنما هو‪ :‬واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وعلى ما انزل‬

‫على الملكين ببابل هاروت وماروت‪ ،‬وقد أخرجت في ذلك خبرا مسندا في‬

‫كتاب عيون الخبار عن الرضا عليه السلم )‪ .(2‬توضيح‪ :‬قوله " وجماد "‬

‫لعل مراده بالجماد غير الحيوان ليشمل النبات‪ ،‬و كأنه كان هكذا‪ :‬حيوان‪،‬‬

‫ونام وجماد‪ ،‬فقوله " وأفلك " عطف على ثلثة أو على جماد وهما قسم‬

‫واحد‪ ،‬لن الفلك أيضا على مذهب أهل الحق من الجماد‪ .‬قوله " إلى‬

‫جنس الجناس " الظرف متعلق ‍ب " نظروا " ويحتمل تعلقه ‍ب " منقسمة‬

‫" على شبه القلب‪ ،‬أي هي أقسامه‪ ،‬كأنه جعل جنس الجناس مفهوم‬

‫الشيئية ول يقول بإطلق الشئ على الواجب تعالى شأنه‪ ،‬وفيه نظر من‬

‫وجوه‪ ،‬ويحتمل أن تكون كلمة " إذ " زائدة‪ ،‬فتأمل‪ .‬قوله " هو نوع "‬

‫صفة للثلثة‪ ،‬أي كل منها " بان بها النامي " أي من النامي " جعل النامي‬
‫له " أي للحيوان " وجعل له " أي جعله له‪ ،‬وكأنه كان كذلك‪ .‬قوله "‬

‫ومكديا " كذا في النسخ‪ ،‬وكأنه من الكدية‪ ،‬قال في النهاية‪ :‬الكدية قطعة‬

‫غليظة صلبة ل يعمل فيها الفأس‪ ،‬وأكدى الحافر إذا بلغها‪ ،‬وفيه أن فاطمة‬

‫خرجت في تعزية بعض جيرانها‪ ،‬فلما انصرفت قال لها رسول ال صلى ال‬

‫عليه وسلم‪ :‬لعلك بلغت معهم الكدى‪ ،‬أراد المقابر‪ ،‬وذلك لنها كانت‬

‫مقابرهم في مواضع صلبة وهي جمع كدية )انتهى( ويشبه أن يكون فيه‬

‫تصحيف‪ .‬والمهنة ‪ -‬بالكسر والفتح والتحريك وككلمة ‪ :-‬الحذق بالخدمة‬

‫وامتهنه‪ :‬استعمله للمهنة‪ .‬ذكره الفيروز آبادي‪ .‬وقال‪ :‬المصنعة كالحوض‬

‫يجمع فيه ماء المطر كالمصنع‪ ،‬والمصانع‪ :‬الجمع‪ ،‬والقرى‪ ،‬والمباني من‬

‫القصور والحصون )انتهى(‪ " .‬دون من أمرهم " أي أدون منهم‪ ،‬والمدى‪:‬‬

‫الغاية‪ ،‬ويطلق على المسافة أيضا وفي المصباح‪ :‬نبه ‪ -‬بالضم ‪ -‬نباهة‪:‬‬

‫شرف‪ ،‬وهو نبيه‪ .‬وأقمأه‪ :‬صغره وأذله‪ .‬و‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .102 :‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .26 - 19‬والحديث الذى‬

‫اشار إليه في العيون‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.267‬‬

‫]‪[317‬‬
‫في النهاية‪ :‬فيه " فانطلق الناس ل يلوي أحد على أحد " أي ل يلتفت ول‬

‫يعطف عليه‪ .‬وقال‪ :‬فيه " لبن آدم لمتان‪ :‬لمة من الملك‪ ،‬ولمة من‬

‫الشيطان " اللمة‪ :‬الهمة و الخطرة تقع في القلب‪ ،‬أراد إلمام الملك أو‬

‫الشيطان به والقرب منه‪ ،‬فما كان من خطرات الخير فهو من الملك‪ ،‬وما‬

‫كان من خطرات الشر فهو من الشيطان‪ .‬قوله " من طاعته " أي طاعة‬

‫الشيطان‪ .‬والهفوة‪ :‬الزلة‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬الخانع الذليل الخاضع‪ .‬قوله "‬

‫حلية " في أكثر النسخ بالياء المثناة‪ ،‬والظهر أنه بالباء الموحدة في‬

‫القاموس‪ :‬الحلبة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الدفعة من الخيل في الرهان‪ ،‬وخيل تجمع‬

‫للسباق من كل أوب ل تخرج من اصطبل واحد )انتهى(‪ " .‬فجعل مداها‬

‫وغايتها " أي غاية الحلبة في السباق‪ ،‬وعلى النسخة الولى كان المعنى‬

‫أنه كان قبلة للخنوع والخضوع‪ ،‬فجعل على بناء المجهول‪ ،‬والضمير‬

‫للسبق أو آدم‪ .‬وفي الصحاح‪ :‬استرسل إليه‪ :‬انبسط واستأنس‪ .‬وقال‪ :‬الباقة‬

‫من البقل‪ :‬الحزمة منه‪ .‬وفي المصباح‪ :‬العلج‪ :‬الرجل الضخم من كفار‬

‫العجم‪ ،‬وبعض العرب قد يطلق العلج على الكافر مطلقا‪ .‬قوله " لجتنانهم "‬

‫أي استتارهم‪ ،‬وفي الصحاح‪ :‬زاح الشئ يزيح زيحا‪ :‬بعد وذهب‪) 41 .‬باب(‬

‫* )بدء خلق النسان في الرحم الى آخر أحواله( * اليات‪ :‬آل عمران‪ :‬هو‬

‫الذي يصوركم في الرحام كيف يشاء ل إله إل هو العزيز الحكيم )‪.(1‬‬


‫النساء‪ :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها‬

‫زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .6 :‬النساء‪.1 :‬‬

‫]‪[318‬‬

‫النعام‪ :‬هو الذي خلقكم من طين )‪ .(1‬هود‪ :‬هو أنشأكم من الرض‬

‫واستعمركم فيها )‪ .(2‬الرعد‪ :‬ال يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الرحام‬

‫وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار )‪ .(3‬النحل‪ :‬خلق النسان من نطفة فإذا‬

‫هو خصيم مبين )‪ .(4‬مريم‪ :‬أول يذكر النسان أنا خلقناه من قبل ولم يك‬

‫شيئا )‪ .(5‬الحج‪ :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من‬

‫تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم‬

‫ونقر في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم‬

‫ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم شيئا )‬

‫‪ .(6‬المؤمنون‪ :‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في‬

‫قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما‬

‫فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين ثم إنكم‬

‫بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )‪ .(7‬الروم‪ :‬ومن آياته أن‬
‫خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون )‪ .(8‬لقمان‪ :‬حملته امه وهنا على‬

‫وهن وفصاله في عامين )‪ .(9‬التنزيل‪ :‬الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق‬

‫النسان من طين ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين ثم سويه ونفخ فيه‬

‫من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون )‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .2 :‬هود‪ (3) .61 :‬الرعد‪ (4) .8 :‬النحل‪ (5) .4 :‬مريم‪:‬‬

‫‪ (6) .67‬الحج‪ (7) .5 :‬المؤمنون‪ (8) .16 - 12 :‬الروم‪ (9) .20 :‬لقمان‪:‬‬

‫‪ (10) .14‬السجدة‪.9 - 7 :‬‬

‫]‪[319‬‬

‫فاطر‪ :‬وال خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من‬

‫انثى ول تضع إل بعلمه وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره إل في‬

‫كتاب إن ذلك على ال يسير )‪ .(1‬يس‪ :‬أولم ير النسان أنا خلقناه من نطفة‬

‫فإذا هو خصيم مبين )‪ .(2‬الزمر‪ :‬يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد‬

‫خلق في ظلمات ثلث )‪ .(3‬المؤمن‪ :‬هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة‬

‫ثم من علقة ثم يخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من‬

‫يتوفى من قبل ولتبلغوا أجل مسمى ولعلكم تعقلون )‪ .(4‬حمعسق‪ :‬ل ملك‬

‫السماوات والرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء‬
‫الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير )‪.(5‬‬

‫النجم‪ :‬هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ‪-‬‬

‫إلى قوله تعالى ‪ -‬وإنه خلق الزوجين الذكر والنثى من نطفة إذا تمنى )‪.(6‬‬

‫الواقعة‪ :‬أفرأيتم ما تمنون ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )‪ .(7‬التغابن‪:‬‬

‫وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير )‪ .(8‬الملك‪ :‬قل هو الذي أنشأكم‬

‫وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في‬

‫الرض وإليه تحشرون )‪ .(9‬نوح‪ :‬مالكم ل ترجون ل وقارا وقد خلقكم‬

‫أطوارا ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬وال أنبتكم من الرض نباتا ثم يعيدكم فيها‬

‫ويخرجكم إخراجا )‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .11 :‬يس‪ (3) .77 :‬الزمر‪ (4) .6 :‬المؤمن‪(5) .67 :‬‬

‫الشورى‪ (6) .50 - 49 :‬النجم‪ (7) .46 - 32 :‬الواقعة‪(8) .59 - 58 :‬‬

‫التغابن‪ (9) .3 :‬الملك‪ (10) .24 - 23 :‬نوح‪.18 - 13 :‬‬

‫]‪[320‬‬

‫القيامة‪ :‬ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه‬

‫الزوجين الذكر والنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى )‪ .(1‬الدهر‪:‬‬

‫هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا النسان‬
‫من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا )‪ .(2‬المرسلت‪ :‬ألم نخلقكم‬

‫من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون‬

‫ويل يومئذ للمكذبين )‪ .(3‬النبأ‪ :‬وخلقناكم أزواجا )‪ .(4‬عبس‪ :‬قتل النسان‬

‫ما أكفره من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته‬

‫فأقبره ثم إذا شاء أنشره كل لما يقض ما أمره )‪ .(5‬النفطار‪ :‬ما غرك بربك‬

‫الكريم الذي خلقك فسويك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك )‪ .(6‬الطارق‪:‬‬

‫فلينظر النسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب‬

‫)‪ .(7‬تفسير‪ " :‬هو الذي يصوركم " قال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ .-‬أي يخلق‬

‫صوركم " في الرحام كيف يشاء " على أي صورة شاء‪ ،‬وعلى أي صفة‬

‫شاء‪ ،‬من ذكر وانثى أو صبيح أو دميم‪ ،‬أو طويل أو قصير‪ " .‬ل إله إل هو‬

‫العزيز " في سلطانه " الحكيم " في أفعاله‪ .‬ودلت الية على وحدانية ال‬

‫سبحانه وتمام قدرته وكمال حكمته حيث صور الولد في رحم الم على هذه‬

‫الصفة‪ ،‬وركب فيه أنواع البدائع من غير آلة ول كلفة‪ ،‬وقد تقرر في عقل‬

‫كل عاقل أن العالم لو اجتمعوا أن يجعلوا من الماء بعوضة و يصوروا منه‬

‫صورة في حال ما يشاهدونه ويعرفونه لم يقدروا على ذلك ول وجدوا إليه‬

‫)‪ (1‬القيامة‪ (2) .40 - 37 :‬الدهر‪ (3) .2 - 1 :‬المرسلت‪(4) .24 - 20 :‬‬

‫النبأ‪ (5) .8 :‬عبس‪ (6) .23 - 17 :‬النفطار‪ (7) .8 - 6 :‬الطارق‪.7 - 5 :‬‬


‫]‪[321‬‬

‫سبيل‪ ،‬فكيف يقدرون على الخلق في الرحام ؟ فتبارك ال أحسن الخالقين‪.‬‬

‫وهذا الستدلل مروي عن جعفر بن محمد عليهما السلم )‪ " .(1‬من نفس‬

‫واحدة " أي آدم " وخلق منها زوجها " حواء كما مر " وبث منهما رجال‬

‫كثيرا ونساء " أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجال‬

‫كثيرا ونساء‪ .‬وقال البيضاوي‪ :‬واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف‬

‫النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر‪ ،‬وذكر " كثيرا " حمل على‬

‫الجمع )‪ " .(2‬خلقكم من طين " قيل أي ابتدأ خلقكم منه‪ ،‬فإنه المادة‬

‫الولى‪ ،‬أو إن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه‪ ،‬أو خلق أباكم‪ ،‬فحذف‬

‫المضاف إليه )انتهى( و يحتمل أن يكون المراد الطين الذي سيأتي في‬

‫الخبار أنه يذر في النطفة‪ " .‬هو أنشأكم من الرض " قيل‪ :‬أي هو كونكم‬

‫منها ل غيره‪ ،‬فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من الرض‪.‬‬

‫" واستعمركم فيها " قيل‪ :‬أي عمركم فيها واستبقاكم من العمر‪ ،‬أو أقدركم‬

‫على عمارتها وأمركم بها‪ .‬وقيل‪ :‬هو من العمرى‪ ،‬بمعنى أعمركم فيها‬

‫دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم‪ ،‬أو جعلكم معمرين دياركم‬

‫تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم‪ " .‬ال يعلم ما تحمل كل انثى "‬

‫قال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو انثى تام‬


‫أو غير تام‪ ،‬ويعلم لونه وصفاته " وما تغيض الرحام " أي يعلم الوقت‬

‫الذي تنقصه الرحام من المدة التي هي تسعة أشهر " وما تزداد " على‬

‫ذلك‪ ،‬عن أكثر المفسرين‪ ،‬وقيل‪ :‬ما تغيض الولد الذي تأتي به المرأة لقل‬

‫من ستة أشهر‪ ،‬وما تزداد الولد الذي تأتي به لقصى مدة الحمل‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫معناه ما تنقص الرحام من دم الحيض وهو انقطاع الحيض‪ ،‬وما تزداد بدم‬

‫النفاس بعد الوضع )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .408‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪(3) .255‬‬

‫انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .369‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.280‬‬

‫]‪[322‬‬

‫وقال البيضاوي‪ :‬أي وما تنقصه وما تزداد في الجنة والمدة والعدد‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫المراد نقصان دم الحيض وازدياده‪ ،‬و " غاض " جاء لزما ومتعديا‪ ،‬وكذا‬

‫" ازداد )‪ " ." (1‬وكل شئ عنده بمقدار " قيل‪ :‬أي بقدر ل يجاوزه ول‬

‫ينقص عنه‪ ،‬وفي الخبار‪ :‬أي بتقدير خلق النسان من نطفة‪ .‬قال‬

‫البيضاوي‪ :‬من جماد لحس بها ول حراك‪ ،‬سيالة ل تحفظ الوضع والشكل‬

‫" فإذا هو خصيم " منطيق )‪ (2‬مجادل " مبين " للحجة‪ ،‬أو خصيم مكافح‬

‫لخالقه قائل‪ :‬من يحيى العظام وهي رميم )‪ (3‬؟ " ولم يك شيئا " بل كان‬
‫عدما صرفا‪ ،‬فإنه أعجب من جميع المواد بعد التفريق الذي ينكر منكر‬

‫البعث‪ " .‬في ريب من البعث " قال البيضاوي‪ :‬من إمكانه وكونه مقدورا "‬

‫فإنا خلقناكم " أي فانظروا في بدء خلقكم‪ ،‬فإنه يزيح ريبكم‪ ،‬فإنا خلقناكم "‬

‫من تراب " بخلق آدم منها )‪ (4‬والغذية التي يتكون منها المني " ثم من‬

‫نطفة " أي من مني‪ ،‬من النطف وهو الصب " ثم من علقة " قطعة من‬

‫الدم جامدة " ثم من مضغة " قطعة من اللحم بقدر )‪ (5‬ما يمضغ " مخلقة‬

‫وغير مخلقة " مسواة ل نقص فيها ولعيب‪ ،‬وغير مسواة أو تامة‬

‫وساقطة‪ ،‬أو مصورة وغير مصورة " لنبين لكم " بهذا التدريج قدرتنا‬

‫وحكمتنا فإن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها اخرى‪ ،‬وإن من قدر‬

‫على تغييره وتصويره أول قدر على ذلك ثانيا‪ ،‬وحذف المفعول إيماء إلى أن‬

‫الفعال هذه يتبين بها من قدرته وحكمته مال يحيط به الذكر " ونقر في‬

‫الرحام ما نشاء " أن نقره " إلى أجل مسمى " هو وقت الوضع‪ ،‬وقرئ "‬

‫ونقر " بالنصب‪ ،‬وكذا قوله " ثم نخرجكم " عطفا على " نبين " كأن‬

‫خلقهم مدرج لغرضين‪ :‬تبين القدرة‪ ،‬وتقريرهم في الرحام حتى يولدوا‬

‫وينشؤوا‪ ،‬أو يبلغوا حد التكليف‪ ،‬و " طفل " حال اجريت على تأويل كل‬

‫واحد‪ ،‬أو للدللة على الجنس‪ ،‬أو لنه في الصل مصدر " ثم لتبلغوا أشدكم‬

‫"‬
‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .616‬في المصدر‪ :‬منطيق مناظر مجادل‪.‬‬

‫)‪ (3‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (4) .657‬في المصدر‪ :‬إذ خلق آدم منه‪(5) .‬‬

‫في المصدر‪ :‬وهى في الصل قدر ما يمضغ‪.‬‬

‫]‪[323‬‬

‫أي كمالكم في القوة والعقل‪ ،‬جمع شدة‪ " .‬ومنكم من يتوفى " عند بلوغ‬

‫الشد أو قبله " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " أي الهرم والخرف "‬

‫لكيل يعلم من بعد علم شيئا " أي ليعود كهيئته الولى في أوان الطفولية‬

‫من سخافة العقل وقلة الفهم فينسي ما علمه وينكر من عرفه‪ ،‬وأنه استدلل‬

‫ثان على إمكان البعث بما يعتري النسان في أسنانه من المور المختلفة‬

‫والحوال المتضادة‪ ،‬فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره )‪ " .(1‬من‬

‫سللة " من خلصة سلت من بين الكدر " من طين " متعلق بمحذوف لنه‬

‫صفة لسللة أو بمعنى سللة‪ ،‬لنها في معنى مسلولة‪ ،‬فتكون ابتدائية‬

‫كالول‪ ،‬و النسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين‪ ،‬أو الجنس فإنهم‬

‫خلقوا من سللت جعلت نطفا بعد أدوار‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بالطين آدم لنه خلق‬

‫منه‪ ،‬والسللة نطفته " ثم جعلناه " أي ثم جعلنا نسله‪ ،‬فحذف المضاف "‬

‫نطفة " بأن خلقناه منها‪ ،‬أو ثم جعلنا السللة نطفة‪ ،‬وتذكير الضمير على‬

‫تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء " في قرار مكين " أي مستقر حصين‬
‫يعني الرحم " ثم خلقنا النطفة علقة " بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة‬

‫حمراء " فخلقنا العلقة مضغة " أي فصيرناها قطعة لحم " فخلقنا المضغة‬

‫عظاما " بأن صلبناها " فكسونا العظام لحما " مما بقي من المضغة‪ ،‬أو‬

‫مما أنبتنا عليها مما يصل إليها‪ ،‬واختلف العواطف لتفاوت الستحالت‪،‬‬

‫والجمع لختلفها في الهيئة والصلبة " ثم أنشأناه خلقا آخر " هو صورة‬

‫البدن والروح والقوى بنفخة فيه أو المجموع‪ ،‬و " ثم " لما بين الخلقتين‬

‫من التفاوت " أحسن الخالقين " أي المقدرين تقديرا‪ " .‬ثم إذا أنتم بشر "‬

‫أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الرض‪ " .‬وهنا " أي ذات‬

‫وهن أو تهن وهنا " على وهن " أي تضعف ضعفا فوق ضعف‪ ،‬فإنها ل‬

‫تزال يتضاعف ضعفها‪ ،‬والجملة في موضع الحال " وفصاله في عامين "‬

‫أي وفطامه في انقضاء عامين‪ " .‬الذي أحسن كل شئ خلقه " أي خلقه‬

‫موفرا عليه ما يستعده ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة‪ ،‬و " خلقه "‬

‫بدل من " كل " بدل الشتمال‪ ،‬وقيل‪ :‬علم كيف يخلقه‪ .‬وقرأ نافع‬

‫والكوفيون بفتح اللم على الوصف " وبدأ خلق النسان " يعني آدم‬

‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.96 - 95‬‬

‫]‪[324‬‬
‫" من طين ثم جعل نسله " أي ذريته‪ ،‬سميت به لنها تنسل منه أي تنفصل‬

‫" من سللة من ماء مهين " أي ممتهن‪ .‬وقال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬أي‬

‫ضعيف‪ ،‬وقيل‪ :‬حقير مهان‪ ،‬أشار إلى أنه من شئ حقير لقيمة له وإنما‬

‫يصير ذا قيمة بالعلم والعمل )‪ " .(1‬ثم سواه " قال البيضاوي‪ :‬أي قومه‬

‫بتصوير أعضائه على ما ينبغي " ونفخ من روحه " أضافه إلى نفسه‬

‫تشريفا‪ ،‬وإظهارا )‪ (2‬بأنه خلق عجيب‪ ،‬وأن له شأنا له مناسبة إلى‬

‫الحضرة الربوبية‪ ،‬ولجله من عرف نفسه فقد عرف ربه " وجعل لكم‬

‫السمع والبصار والفئدة " خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا " قليل ما‬

‫تشكرون " أي تشكرون شكرا قليل )‪ " .(3‬من تراب " بخلق آدم منه " ثم‬

‫من نطفة " بخلق ذريته منها " ثم جعلكم أزواجا " ذكرانا وإناثا " إل‬

‫بعلمه " أي إل معلومة له " وما يعمر من معمر " أي و ما يمد في عمر‬

‫من مصيره إلى الكبر " ول ينقص من عمره " من عمر المعمر لغيره بأن‬

‫يعطى له عمر ناقص من عمره‪ ،‬أول ينقص من عمر المنقوص عمره‬

‫بجعله ناقصا‪ ،‬والضمير له وإن لم يذكر لدللة مقابله عليه‪ ،‬أو للمعمر على‬

‫التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم‪ :‬ل يثيب ال عبدا ول يعاقبه إل بحق‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة اثبتت في‬

‫اللوح‪ ،‬مثل أن يكون فيه‪ :‬إن حج واعتمر )‪ (4‬فعمره ستون سنة وإل‬

‫فأربعون‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقص‪ ،‬فإنه يكتب في‬
‫صحيفة عمره يوما فيوما " إل في كتاب " هو علم ال أو اللوح أو‬

‫الصحيفة " إن ذلك على ال يسير " إشارة إلى الحفظ أو الزيادة والنقص )‬

‫‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (2) 327‬في المصدر‪ :‬إشعارا‪ (3) .‬انوار‬

‫التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (4) .260‬في المصدر‪ :‬ان حج عمر وفعمره‪(5) ..‬‬

‫انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.299‬‬

‫]‪[325‬‬

‫" يخلقكم في بطون امهاتكم " بيان لكيفية خلق ما ذكر من الناسي‬

‫والنعام إظهارا لما فيه من عجائب القدرة‪ ،‬غير أنه غلب اولي العقل أو‬

‫خصهم بالخطاب لنهم المقصودون " خلقا من بعد خلق " حيوانا سويا من‬

‫بعد عظام مكسوة لحما‪ ،‬من بعد عظام عارية‪ ،‬من بعد مضغ‪ ،‬من بعد علق‪،‬‬

‫من بعد نطف " في ظلمات ثلث " ظلمة البطن والرحم والمشيمة‪ ،‬أو‬

‫الصلب والرحم والبطن‪ .‬اقول‪ :‬الول رواه الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬عن أبي‬

‫جعفر عليه السلم )‪ " .(1‬ثم لتبلغوا " أي ثم يبقيكم لتبلغوا‪ ،‬وكذا قوله‬

‫تعالى " ثم لتكونوا "‪ " .‬من قبل " أي من قبل الشيخوخة )‪ (2‬أو بلوغ‬

‫الشد " ولتبلغوا " قيل‪ :‬أي ويفعل ذلك لتبلغوا " أجل مسمى " هو وقت‬
‫الموت أو يوم القيامة " ولعلكم تعقلون " ما في ذلك من الحجج والعبر‪" .‬‬

‫يهب لمن يشاء إناثا " قال البيضاوي‪ :‬المعنى يجعل أحوال العباد في الولد‬

‫مختلفة على مقتضى المشية‪ ،‬فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو انثى‬

‫أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين‪ ،‬ولعل تقديم الناث لنه )‪ (3‬أكثر لتكثير‬

‫النسل‪ ،‬أو لن مساق الية للدللة على أن الواقع ما يتعلق به مشية ال‬

‫]تعالى[ ل مشية النسان والناث كذلك‪ ،‬أو لن الكلم في البلء والعرب‬

‫تعدهن بلء‪ ،‬أو لتطييب قلوب آبائهن‪ ،‬أو للمحافظة على الفواصل )‪" .(4‬‬

‫هو أعلم بكم " أي أعلم بأحوالكم منكم " إذ أنشأكم " أي علم أحوالكم‬

‫ومصارف اموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم‪ ،‬وحين ما صوركم‬

‫في الرحام‪ " .‬من نطفة إذا تمنى " أي تدفق في الرحم أو تخلق أو يقدر‬

‫منها الولد من مني إذا قدر‪ " .‬أفرأيتم ما تمنون " أي تقذفونه في الرحام‬

‫من النطف " ءأنتم تخلقونه " أي تجعلونه‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،8‬ص ‪ (2) .491‬الشيخوخية )خ(‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬

‫لنها‪ (4) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.401‬‬

‫]‪[326‬‬
‫بشرا سويا‪ " .‬وصوركم فأحسن صوركم " قيل‪ :‬أي فصوركم من جملة ما‬

‫خلق في السماوات والرض بأحسن صورة‪ ،‬حيث زينكم بصفوة أوصاف‬

‫الكائنات‪ ،‬وخصكم بخلصة خصائص المبدعات‪ ،‬وجعلكم انموذج جميع‬

‫المخلوقات " وإليه المصير " فأحسنوا سرائركم حتى ل يمسخ بالعذاب‬

‫ظواهركم‪ " .‬وجعل لكم السمع " لتسمعوا المواعظ " والبصار " لتنظروا‬

‫صنائعه " والفئدة " لتعتبروا وتتفكروا " قليل ما تشكرون " باستعمالها‬

‫في ما خلقت لجلها‪ " .‬ل ترجون ل وقارا " قيل‪ :‬أي ل تأملون له توقيرا‬

‫أي تعظيما لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم‬

‫" وقد خلقكم أطوارا " حال مقدرة للنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فان‬

‫خلقهم أطوارا أي تارات‪ ،‬إذ خلقهم أول عناصر‪ ،‬ثم مركبات يغذي النسان‪،‬‬

‫ثم أخلطا ثم نطفا‪ ،‬ثم علقا‪ ،‬ثم مضغا‪ ،‬ثم عظاما ولحوما‪ ،‬ثم أنشأهم خلقا‬

‫آخر‪ ،‬فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة اخرى فيعظمهم بالثواب وعلى‬

‫أنه تعالى عظيم القدرة‪ ،‬تام الحكمة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬في رواية أبي‬

‫الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " ل ترجون ل وقارا " يقول‪:‬‬

‫ل تخافون ل عظمة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم في قوله " وقد خلقكم أطوارا "‬

‫قال‪ :‬على اختلف الهواء و الرادات والمشيات )‪ " .(1‬وال أنبتكم من‬

‫الرض نباتا " قيل‪ :‬أي أنشأكم منها‪ ،‬فاستعير النبات للنشاء لنه أدل‬

‫على الحدوث والتكوين من الرض‪ ،‬وأصله‪ :‬أنبتكم إنباتا فنبتم نباتا‪،‬‬


‫فاختصر اكتفاء بالدللة اللتزامية " ثم يعيدكم فيها " مقبورين "‬

‫ويخرجكم إخراجا " بالحشر‪ ،‬وأكده بالمصدر كما أكد به الول دللة على أن‬

‫العادة محققة كالبتداء وأنها تكون ل محالة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬من‬

‫الرض أي على الرض )‪ " .(2‬فخلق فسوى " قيل‪ :‬أي قدره فعدله "‬

‫فجعل منه الزوجين " أي الصنفين‪ " .‬هل أتى على النسان " قال‬

‫البيضاوي‪ :‬استفهام تقرير وتقريب‪ ،‬ولذلك فسر‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬تفسير القمى‪ .697 :‬وفيه‪ :‬على وجه الرض‪.‬‬

‫]‪[327‬‬

‫بقد‪ ،‬وأصله أهل‪ " .‬حين من الدهر " طائفة محدودة من الزمان الممتد‬

‫الغير المحدود " لم يكن شيئا مذكورا " بل كان نسيا )‪ (1‬منسيا غير‬

‫مذكور بالنسانية كالعنصر‪ ،‬و النطفة‪ ،‬والجملة حال من النسان أو وصف‬

‫لحين بحذف الراجع‪ ،‬والمراد بالنسان الجنس لقوله " إنا خلقنا النسان‬

‫من نطفة " أو آدم‪ ،‬بين أول خلقه‪ ،‬ثم ذكر خلق بنيه من نطفة " أمشاج "‬

‫أي أخلط‪ ،‬جمع مشيج أو مشج‪ ،‬من مشجت الشئ إذا خلطته‪ ،‬وجمع )‪(2‬‬

‫النطفة به لن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة‪ ،‬وكل منهما مختلفة‬

‫الجزاء في الرقة والقوام والخواص‪ ،‬ولذلك يصير كل جزء منهما مادة‬


‫عضو وقيل‪ :‬مفرد كأعشار‪ ،‬وقيل‪ :‬ألوان‪ ،‬فإن ماء الرجل أبيض وماء‬

‫المرأة أصفر فإذا اختلطا اخضرا‪ ،‬أو أطوار‪ ،‬فإن النطفة تصير علقة ثم‬

‫مضغة إلى تمام الخلقة " نبتليه " في موضع الحال‪ ،‬أي مبتلين له بمعنى‬

‫مريدين اختباره‪ ،‬أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعار له البتلء "‬

‫فجعلناه سميعا بصيرا " ليتمكن من مشاهدة الدلئل واستماع اليات فهو‬

‫كالمسبب من البتلء ولذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به ورتب عليه‬

‫قوله " إنا هديناه السبيل )‪ ." (3‬وقال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬قد كان‬

‫شيئا إل أنه لم يكن مذكورا‪ ،‬لنه كان ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إنه أتى على آدم أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا ل في السماء ول‬

‫في الرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح‪ .‬وروي عن‬

‫ابن عباس أنه تم )‪ (4‬خلقه بعد عشرين ومائة سنة‪ .‬وروى العياشي‬

‫بإسناده عن عبد ال بن بكير عن زرارة قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه السلم‬

‫عن قوله " لم يكن شيئا مذكورا " قال‪ :‬كان شيئا ولم يكن مذكورا‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬شيئا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬وصف‪ (3) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪،2‬‬

‫ص ‪ (4) .569‬في المصدر‪ :‬انه تعالى خلقه‪(*) .‬‬

‫]‪[328‬‬
‫وبإسناده عن شعيب )‪ (1‬الحداد عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬كان‬

‫مذكورا في العلم ولم يكن مذكورا في الخلق‪ .‬وعن عبد العلى مولى آل سام‬

‫عن أبي عبد ال عليه السلم مثله‪ .‬وعن حمران بن أعين قال‪ :‬سألته عنه‬

‫فقال‪ :‬كان شيئا مقدرا )‪ (2‬ولم يكن مكونا )‪ .(3‬وفي هذا دللة على أن‬

‫المعدوم معلوم وإن لم يكن مذكورا‪ ،‬وأن المعدوم يسمى شيئا‪ .‬فإذا حمل‬

‫النسان على الجنس فالمراد أنه قبل الولدة ليعرف ول يذكر ول يدرى من‬

‫هو وما يراد به‪ ،‬بل يكون معدوما‪ ،‬ثم يوجد في صلب أبيه‪ ،‬ثم في رحم أمه‬

‫إلى وقت الولدة‪ " .‬أمشاج " أي أخلط من ماء الرجل وماء المرأة في‬

‫الرحم فأيهما عل صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس وغيره‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫أمشاج أطوار‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد اختلف اللوان فنطفة الرجل بيضاء وحمراء‪،‬‬

‫ونطفة المرأة خضراء وحمراء )‪ (4‬فهي مختلفة اللوان‪ ،‬و قيل‪ :‬نطفة‬

‫مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض‪ ،‬وقيل هي العروق التي تكون‬

‫في النطفة‪ ،‬وقيل‪ :‬أخلط من الطبائع التي تكون في النسان من الحرارة‬

‫والبرودة والرطوبة واليبوسة جعلها ال في النطفة‪ ،‬ثم بناه )‪ (5‬البنية‬

‫الحيوانية المعدلة الخلط‪ ،‬ثم جعل فيه الحياة‪ ،‬ثم شق له السمع والبصر‬

‫فتبارك ال أحسن الخالقين )‪) (6‬انتهى( )‪ .(7‬وأقول ‪ -‬على سبيل الحتمال‬

‫‪ :-‬ل يبعد أن يكون كونه أمشاجا إشارة إلى‬


‫)‪ (1‬شعيب بن اعين الحداد كوفى ثقه روى عن الصادق عليه السلم‬

‫ويروى عنه سيف بن عميرة وابن ابى عمير وغيرهما ولم يذكروا روايته‬

‫عن ابى جعفر عليه السلم بل واسطة‪ .‬وفى مجمع البيان " سعيد الحداد "‬

‫والصحيح في ضبطه كما عن غير العلمة في الخلصة " سعد " بلياء‬

‫وهو من اصحاب الباقر عليه السلم مجهول‪ (2) .‬مقدورا )خ(‪ (3) .‬مذكورا‬

‫)خ(‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬صفراء‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬بناه ال‪ (6) ..‬في‬

‫المصدر‪ :‬رب العالمين‪ (7) .‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ ،10‬ص ‪.406‬‬

‫]‪[329‬‬

‫الشؤون المختلفة التي جعلها ال في النسان بتبعية ما جعل فيه من‬

‫العناصر المختلفة والصفات المتضادة‪ ،‬والمواد المتبائنه‪ " .‬من ماء مهين‬

‫" نطفة قذرة ذليلة‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬منتن " في قرار مكين " قال‪:‬‬

‫في الرحم )‪ " .(1‬إلى قدر معلوم " أي إلى قدر )‪ (2‬معلوم من الوقت قدره‬

‫ال للولدة " فقدرنا " على ذلك أو فقدرناه‪ ،‬ويدل عليه قراءة نافع‬

‫والكسائي بالتشديد " فنعم القادرون " نحن " فويل يومئذ للمكذبين "‬

‫بقدرتنا على ذلك أو على العادة‪ " .‬وخلقناكم أزواجا " أي ذكرا وانثى "‬

‫قتل النسان ما أكفره " قيل‪ :‬دعاء عليه بأشنع الدعوات وتعجب من‬

‫إفراطه في الكفران " من أي شئ خلقه " بيان لما أنعم عليه خصوصا من‬
‫مبدأ حدوثه واستفهام للتحقير‪ ،‬ولذلك أجاب عنه بقوله " من نطفة خلقه‬

‫فقدره " أي فهيأه لما يصلح له من العضاء والشكال‪ ،‬أو فقدر أطوارا إلى‬

‫أن تم خلقه " ثم السبيل يسره " أي ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح‬

‫فوهة الرحم‪ ،‬وألهمه أن ينتكس‪ ،‬أو ذلل )‪ (3‬له سبيل الخير والشر‪ ،‬وفيه ‪-‬‬

‫على المعنى الخير ‪ -‬إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها‪ ،‬ولذا عقبه‬

‫بقوله " ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره " عد الماتة والقبار في النعم‬

‫لن الماتة وصلة في الجملة إلى الحياة البدية واللذات الخالصة‪ ،‬والمر‬

‫بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع‪ " .‬ما غرك بربك الكريم " أي أي شئ‬

‫خدعك وجرأك على عصيانه ؟ قيل‪ :‬ذكر الكريم للمبالغة في المنع عن‬

‫الغترار والشعار بمابه يغره الشيطان‪ ،‬فإنه يقول له‪ :‬افعل ما شئت فإن‬

‫ربك كريم ل يعذب أحدا‪ ،‬وقيل‪ :‬إنما قال سبحانه " الكريم " دون سائر‬

‫أسمائه وصفاته لنه كأنه لقنه الجواب حتى يقول‪ :‬غرني كرم الكريم‪ .‬وفي‬

‫مجمع البيان‪ :‬روي أن النبي صلى ال عليه واله لما تل هذه الية قال‪:‬‬

‫غره جهله )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .708 :‬مقدار )خ(‪ (3) .‬دلل )خ(‪ (4) .‬مجمع البيان‪:‬‬

‫ج ‪ ،10‬ص ‪.449‬‬
‫]‪[330‬‬

‫" فسواك أي جعل أعضاءك سليمة مسواة معدة لمنافعها " فعدلك " قيل‪:‬‬

‫التعديل جعل البنية معتدلة متناسبة العضاء‪ ،‬أو معدلة بما يستعدها من‬

‫القوى‪ .‬وقرأ الكوفيون " فعدلك " بالتخفيف‪ ،‬أي عدل بعض أعضائك‬

‫ببعض حتى اعتدلت‪ ،‬أو فصرفك عن خلقة غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة‬

‫سائر الحيوانات‪ " .‬في أي صورة ما شاء ركبك " إي ركبك في أي صورة‬

‫شاءها‪ ،‬و " ما " مزيدة‪ ،‬وقيل‪ :‬شرطية و " ركبك " جوابها‪ ،‬والظرف‬

‫صفة عدلك‪ ،‬وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لنها بيان ‍ل " عدلك "‪" .‬‬

‫فلينظر النسان مم خلق " قيل‪ :‬ليعلم صحة إعادته فل يملي على حافظيه‬

‫إل ما ينفعه في عاقبته " خلق من ماء دافق " قال الرازي‪ :‬الدفق صب‬

‫الماء‪ ،‬يقال‪ :‬دفقت الماء إذا صببته فهو مدفوق ومندفق‪ ،‬واختلف في أنه‬

‫كيف وصف بأنه دافق‪ :‬الول أن معناه ذو اندفاق كما يقال دارع وتارس‬

‫ولبن وتامر أي ذو درع و ترس ولبن وتمر‪ .‬الثاني أنهم يسمون المفعول‬

‫باسم الفاعل‪ ،‬قال الفراء‪ :‬وأهل الحجاز أجعل لهذا من غيرهم‪ ،‬يجعلون‬

‫الفاعل مفعول إذا كان في مذهب النعت كقولهم‪ :‬سر كاتم وهم ناصب‪ ،‬وليل‬

‫قائم‪ ،‬وكقوله تعالى " في عيشة راضية "‪ .‬الثالث ذكر الخليل‪ :‬دفق الماء‬

‫دفقا ودفوقا إذا انصب‪ .‬الرابع صاحب الماء لما كان دافقا اطلق ذلك على‬

‫المجاز‪ " .‬بين الصلب والترائب " قال الجوهري " التريبة واحدة الترائب‪،‬‬
‫وهي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الشذوة )انتهى( وقال الرازي‪ :‬ترائب‬

‫المرأة عظام صدرها حيث تكون القلدة‪ ،‬وكل عظم من ذلك تريبة‪ ،‬وهذا‬

‫قول جميع أهل اللغة‪ .‬ثم قال‪ :‬في هذه الية قولن‪ :‬أحدهما أن الولد مخلوق‬

‫من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إنه‬

‫مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائبه‪ .‬واحتج صاحب‬

‫القول الثاني على مذهبه بوجهين‪ :‬الول أن ماء‬

‫]‪[331‬‬

‫الرجل خارج من الصلب فقط وماء المرأة خارج من ترائب المرأة )‪ (1‬فقط‪،‬‬

‫وعلى هذا التقدير ل يحصل هناك ماء خرج من بين الصلب والترائب‪ ،‬وذلك‬

‫على خلف الية‪ .‬الثاني أنه تعالى بين أن النسان مخلوق من ماء دافق‪،‬‬

‫والذي وصف بذلك هو ماء الرجل‪ ،‬ثم وصفه بأنه يخرج هذا الدافق من بين‬

‫الصلب والترائب وذلك يدل على أن الولد مخلوق من ماء الرجل فقط‪.‬‬

‫وأجاب القائلون بالقول الول عن الحجة الولى أنه يجوز أن يقال للشيئين‬

‫المتبائنين إنه يخرج من بين هذين خير كثير‪ ،‬و لن الرجل والمرأة عند‬

‫اجتماعهما يصيران كالشئ الواحد‪ ،‬فحسن هذا اللفظ هناك‪ .‬وعن الثانية بأن‬

‫هذا من باب إطلق اسم البعض على الكل‪ ،‬فلما كان أحد قسمي المني دافقا‬

‫أطلق هذا السم على المجموع‪ .‬ثم قالوا‪ :‬والذي يدل على أن الولد مخلوق‬
‫منهما أن مني الرجل وحده صغير ول يكفي‪ ،‬وروي أنه صلى ال عليه‬

‫وسلم قال‪ :‬إذا غلب ماء الرجل يكون ذكرا ويعود شبهه إليه وإلى أقاربه‪،‬‬

‫وإذا غلب ماء المرأة فإليها وإلى أقاربها يعود الشبه‪ .‬وذلك يقتضي صحة‬

‫القول الول‪ .‬ثم قال‪ :‬واعلم أن الملحدين طعنوا في هذه الية فقالوا‪ :‬إن كان‬

‫المراد من قوله " يخرج من بين الصلب والترائب " أن المني إنما ينفصل‬

‫من تلك المواضع فليس المر كذلك لنه إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع‪،‬‬

‫وينفصل عن جميع أجزاء البدن حتى يأخذ من كل عضو طبيعة وخاصية )‬

‫‪ (2‬فيصير مستعدا لن يتولد منه مثل تلك العضاء‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬إن المفرط‬

‫في الجماع يستولي الضعف عليه في جميع أعضائه وإذا كان المراد أن‬

‫معظم المني يتولد هناك فهو ضعيف بل معظم أجزائه إنما يتولد )‪ (3‬في‬

‫الدماغ‪ ،‬والدليل عليه أنه في صورته يشبه الدماغ‪ ،‬ولن المكثر منه يظهر‬

‫الضعف أول في عينيه‪ ،‬وإن كان المراد أن مستقر المني هناك فهو ضعيف‬

‫لن مستقر المني هو أوعية المني وهي عروق تلتف بعضها ببعض عند‬

‫النثيين‪ ،‬وإن كان المراد أن مخرج‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الترائب‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬طبيعته وخاصيته‪ (3) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬يتربى‪.‬‬
‫]‪[332‬‬

‫المني هناك فهو ضعيف فإن الحس يدل على أنه ليس كذلك‪ .‬والجواب‪:‬‬

‫لشك أن معظم العضاء معونة في توليد المني هو الدماغ‪ ،‬وللدماغ خليفة‬

‫وهي النخاع في الصلب‪ ،‬وشعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن وهو التريبة‪،‬‬

‫فلهذا السبب خصص ال هذين العضوين بالذكر‪ ،‬على أن كلمكم في كيفية‬

‫تولد المني و كيفية تولد العضاء عن )‪ (1‬المنى محض الوهم والظن‬

‫الضعيف وكلم ال أولى بالقبول )‪) (2‬انتهى(‪ .‬وقال البيضاوي‪ " :‬من بين‬

‫الصلب والترائب " بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام صدرها‪،‬‬

‫ولو صح أن النطفة تتولد من فضلة )‪ (3‬الهضم الرابع وتنفصل عن جميع‬

‫العضاء حتى يستعد )‪ (4‬أن يتولد منها مثل تلك العضاء‪ ،‬ومقرها عروق‬

‫التف بعضها ببعض عند البيضتين‪ ،‬فالدماغ أعظم العضاء معونة في‬

‫توليدها‪ ،‬ولذلك تشبهه ويسرع الفراط في الجماع بالضعف فيه‪ ،‬وله خليفة‬

‫وهي النخاع وهو في الصلب‪ ،‬و شعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب‬

‫إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر )‪) (5‬انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬على تقدير تسليم‬

‫ما ذكره الطباء في ذلك يمكن أن يكون المراد خروج المني من الرجل‬

‫والمرأة من أعضاء محصورة بين الصلب من جهة الخلف والترائب من‬

‫جهة القدام‪ ،‬بأن يكون الصلب والترائب مقصودين في كل من الرجل‬

‫والمرأة‪ ،‬و يكون هذا التعبير لبيان كثرة مدخلية الصلب والترائب فيهما‪،‬‬
‫وكون ماء المرأة غير دافق ممنوع‪ ،‬بل الظاهر أن له أيضا دفقا لكنه لما‬

‫كان في داخل الرحم ل يظهر كثيرا وما ورد في الخبار من تخصيص‬

‫الصلب بالرجل والترائب بالمرأة لكون الصلب أدخل‬

‫)‪ (1‬من )خ( )‪ (2‬مفاتيح الغيب‪ :‬ج ‪ ،31‬ص ‪ (3) .129‬في المصدر‪ :‬فضل‪.‬‬

‫)‪ (4‬في المصدر‪ :‬تستعدلن‪ (5) .‬انوار التنزيل‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪.597‬‬

‫]‪[333‬‬

‫في مني الرجل والترائب في مني المرأة‪ ،‬ويؤيده أن الطباء ذكروا من آداب‬

‫الجماع دغدغة ثدي المرأة لتهييج شهوتها‪ ،‬وعللوه بأن الثدي شديد‬

‫المشاركة للرحم‪ - 1 .‬المناقب‪ :‬أبو جعفر الطوسي في المالي‪ ،‬وأبو نعيم‬

‫في الحلية‪ ،‬وصاحب الروضة بالسناد عن محمد الصيرفي وعبد الرحمن‬

‫بن سالم‪ ،‬قال‪ :‬دخل أبو حنيفة على الصادق عليه السلم فقال عليه السلم‬

‫له‪ :‬البول أقذر أم المني ؟ قال‪ :‬البول‪ ،‬قال‪ :‬يجب على قياسك أن يجب الغسل‬

‫من البول دون المني وقد أوجب ال الغسل من المني دون البول‪ .‬ثم قال‪:‬‬

‫لن المني اختيار‪ ،‬ويخرج من جميع الجسد‪ ،‬ويكون في اليام‪ ،‬والبول‬

‫ضرورة ويكون في اليوم مرات )‪ .(1‬قال أبو حنيفة‪ :‬كيف يخرج من جميع‬

‫الجسد وال يقول " من بين الصلب والترائب " ؟ قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬فهل قال ل يخرج من غير هذين الموضعين ؟ ثم قال عليه السلم‪:‬‬

‫لم ل تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال‪ :‬لأدري‪ ،‬قال عليه السلم‪ :‬حبس ال‬

‫الدم فجعله غذاء للولد ‪ -‬إلى آخر الخبر بطوله ‪ - 2 .(2) -‬تفسير النعماني‪:‬‬

‫بإسناده عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬سئل أمير المؤمنين عليه السلم عن‬

‫مشابه )‪ (3‬الخلق‪ ،‬فقال‪ :‬هو على ثلثة أوجه‪ .‬فمنه خلق الختراع كقوله‬

‫سبحانه " خلق السماوات والرض في ستة أيام " )‪ (4‬وخلق الستحالة‪،‬‬

‫قوله تعالى " يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلث‬

‫)‪ " (5‬وقوله " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ‪ -‬الية ‪ " (6) -‬وأما‬

‫خلق التقدير فقوله لعيسى " وإذ تخلق من الطين )‪ - (7‬الية ‪- 3 ." -‬‬

‫الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن‬

‫أحمد‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وهو مختار والخر متولج‪ (2) .‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪.253‬‬

‫)‪ (3‬متشابه )خ(‪ (4) .‬العراف‪ ،53 :‬يونس‪ ،3 :‬هود‪ ،57 :‬الحديد‪) .4 :‬‬

‫‪ (5‬الزمر‪ (6) .32 :‬المؤمن‪ (7) .67 :‬المائدة‪.113 :‬‬

‫]‪[334‬‬
‫ابن أشيم‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬قال‪ :‬أصاب رجل غلمين في بطن‪ ،‬فهنأه أبو‬

‫عبد ال عليه السلم ثم قال‪ :‬أيهما أكبر ؟ فقال‪ :‬الذي خرج أول‪ ،‬فقال أبو‬

‫عبد ال عليه السلم‪ :‬الذي خرج آخرا هو أكبر ! أما تعلم أنها حملت بذاك‬

‫أول وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج هذا ؟ فالذي‬

‫يخرج آخرا هو أكبرهما )‪ .(1‬المناقب‪ :‬مرسل مثله )‪ .(2‬بيان‪ :‬لم أر قائل‬

‫به‪ ،‬ولعله ليس غرضه عليه السلم الكبر الذي هو مناط الحكام الشرعية‪.‬‬

‫‪ - 4‬الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن وهب‪ ،‬عن‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬يعيش الولد لستة‬

‫أشهر ولسبعة أشهر ولتسعة أشهر‪ ،‬ول يعيش لثمانية أشهر )‪- 5 .(3‬‬

‫ومنه‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن صالح بن أبي حماد‪ ،‬عن يونس بن عبد‬

‫الرحمن عن عبد الرحمن بن سيابة‪ ،‬عمن حدثه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬

‫السلم قال‪ :‬سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن امه كم هو ؟ فإن الناس‬

‫يقولون‪ :‬ربما يبقى )‪ (4‬في بطنها سنين‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا‪ ،‬أقصى حد الحمل‬

‫تسعة أشهر ل يزيد لحظة‪ ،‬ولو زاد ساعة لقتل أمه قبل أن يخرج )‪- 6 .(5‬‬

‫ومنه‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسن‪ ،‬عن يعقوب بن يزيد‪ ،‬عن‬

‫ابن أبي عمير‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬كنت جالسا عند أبي عبد ال عليه‬

‫السلم إذ دخل يونس ابن يعقوب‪ ،‬فرأيته يئن‪ ،‬فقال له أبو عبد ال عليه‬

‫السلم‪ :‬مالي أراك تئن ؟ قال‪ :‬طفل لي تأذيت به الليل أجمع‪ .‬فقال له أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬يا يونس ! حدثني أبي محمد بن علي عن آبائه عليهم‬

‫السلم عن جدي رسول ال صلى ال عليه واله أن جبرئيل نزل عليه‬

‫ورسول ال وعلي‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (2) .53‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ (3) .270‬الكافي‪ :‬ج‬

‫‪ ،6‬ص ‪ (4) .52‬في المصدر‪ :‬بقى‪ (5) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.52‬‬

‫]‪[335‬‬

‫يئنان‪ ،‬فقال جبرئيل‪ :‬يا حبيب ال ! مالي أراك تئن ؟ فقال رسول ال صلى‬

‫ال عليه واله‪ :‬من أجل طفلين لنا تأذينا ببكائهما‪ .‬فقال جبرئيل‪ :‬مه يا محمد‬

‫! فإنه سيبعث لهؤلء القوم شيعة إذا بكى أحدهم فبكاؤه ل إله إل ال إلى أن‬

‫يأتي عليه سبع سنين‪ ،‬فإذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه إلى أن يأتي‬

‫عليه الحد‪ ،‬فإذا جاز الحد فما أتى من حسنة فلوالديه وما أتى من سيئة فل‬

‫عليهما )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فبكاؤه ل إله إل ال " لعل المعنى أنه يعطى والداه‬

‫ببكائه ثواب التهليل‪ - 7 .‬العلل والعيون‪ :‬عن محمد بن الحسن بن الوليد‪،‬‬

‫عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أحمد بن حمزة الشعري‪ ،‬عن ياسر الخادم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلم يقول‪ :‬إن أوحش ما يكون هذا الخلق‬

‫في ثلثة مواطن‪ :‬يوم يلد )‪ (2‬ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا‪ ،‬ويوم‬
‫يموت ويعاين )‪ (3‬الخرة وأهلها‪ ،‬ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار‬

‫الدنيا‪ ،‬وقد سلم ال عزوجل على يحيى عليه السلم في هذه المواطن‬

‫الثلثة )‪ (4‬وآمن روعته‪ ،‬فقال " وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم‬

‫يبعث حيا " وقد سلم عيسى بن مريم عليهما السلم على نفسه في هذه‬

‫المواطن الثلثة )‪ (5‬فقال " والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث‬

‫حيا )‪ - 8 .(6‬المناقب‪ :‬قال عمران الصابي للرضا عليه السلم‪ :‬ما بال‬

‫الرجل إذا كان مؤنثا والمرأة إذا كانت مذكرة ؟ قال عليه السلم‪ :‬علة ذلك‬

‫أن المرأة إذا حملت وصار الغلم منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا‪،‬‬

‫وإذا صارت الجارية موضع الغلم كانت مذكرة وذلك أن موضع الغلم في‬

‫الرحم مما يلي ميامنها‪ ،‬والجارية مما يلي مياسرها‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 6‬ص ‪ (2) .52‬كذا‪ ،‬والصواب " يولد "‪ (3) .‬في العيون‪:‬‬

‫فيعاين‪ 4) .‬و ‪ (5‬في اكثر النسخ‪ :‬الثلثة المواطن‪ (6) .‬العيون‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‬

‫‪ .257‬ولم يوجد في العلل‪.‬‬

‫]‪[336‬‬

‫وربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد‪ ،‬فأن عظم ثدياها جميعا تحمل‬

‫توأمين وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليل على أنه )‪ (1‬تلد واحدا‪ ،‬إل أنه‬
‫إذا كان الثدي اليمن أعظم كان المولود ذكرا وإذا كان اليسر أعظم كان‬

‫المولود انثى‪ ،‬وإذا كانت حامل فضمر ثديها اليمن فإنها تسقط غلما‪ ،‬وإذا‬

‫ضمر ثديها اليسر فإنها تسقط انثى‪ ،‬وإذا ضمرا جميعا تسقطها جميعا‪.‬‬

‫قال‪ :‬من أي شئ الطول والقصر في النسان ؟ فقال‪ :‬من قبل النطفة‪ ،‬إذا‬

‫خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر‪ ،‬وإن استطالت جاء الطول )‪9 .(2‬‬

‫‪ -‬تفسير المام والحتجاج‪ :‬بالسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلم‬

‫عن جابر بن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬سأل ابن صوريا النبي صلى ال عليه واله‬

‫فقال‪ :‬أخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم‬

‫والدم والشعر فمن المرأة‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد فما بال‬

‫الولد يشبه أعمامه ليس فيه )‪ (3‬من شبه أخواله شئ‪ ،‬ويشبه أخواله ليس‬

‫فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أيهما عل‬

‫ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له‪ .‬قال‪ :‬صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرني عمن )‪(4‬‬

‫ل يولد له ومن يولد له‪ .‬فقال‪ :‬إذا مغرت النطفة لم يولد له ‪ -‬أي إذا احمرت‬

‫وكدرت ‪ -‬وإذا كانت صافية ولد له ‪ -‬الخبر )‪ - 10 .- (5‬الحتجاج‪ :‬عن‬

‫ثوبان‪ ،‬قال‪ :‬إن يهوديا جاء إلى النبي صلى ال عليه واله فقال‪ :‬يا محمد‬

‫أسألك عن شئ ل يعلمه إل نبي‪ .‬قال‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬عن شبه الولد أباه و‬

‫امه‪ .‬قال‪ :‬ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق‪ ،‬فإذا عل ماء‬
‫الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن ال عزوجل ومن قبل ذلك يكون‬

‫الشبه‪ ،‬وإذا عل ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد انثى بإذن ال تعالى ومن‬

‫قبل ذلك يكون الشبه ‪ -‬الخبر ‪ .(6) -‬العلل‪ :‬عن علي بن أحمد بن محمد‪،‬‬

‫عن حمزة بن القاسم العلوي‪ ،‬عن علي بن‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ (3) .354‬في الحتجاج‪ :‬له‪ (4) .‬فيه‪:‬‬

‫عما‪ (5) .‬الحتجاج‪ (6) .24 :‬الحتجاج‪.29 :‬‬

‫]‪[337‬‬

‫الحسين بن الجنيد البزاز‪ ،‬عن إبراهيم بن موسى الفراء‪ ،‬عن محمد بن‬

‫ثور‪ ،‬عن معمر ابن يحيى‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير‪ ،‬عن عبد ال بن مرة‪،‬‬

‫عن ثوبان مثله )‪ .(1‬اقول‪ :‬سيأتي أخبار الخضر في هذا المعنى في باب‬

‫النفس وأحوالها‪ - 11 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سليمان بن‬

‫خالد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا بلغ الولد أربعة أشهر فقد صار‬

‫فيه الحياة ‪ -‬الخبر )‪ - 12 .- (2‬ومنه‪ :‬قال علي بن إبراهيم في قوله "‬

‫فلينظر النسان مم خلق خلق من ماء دافق " قال‪ :‬النطفة التي تخرج بقوة‬

‫" يخرج من بين الصلب والترائب " قال‪ :‬الصلب الرجل والترائب المرأة‬

‫وهي صدرها )‪ - 13 .(3‬الكافي‪ :‬عن علي بن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن‬


‫إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن محمد ابن سليمان الديلمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ل عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل خلق خلقين‪ ،‬فإذا أراد أن‬

‫يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه " منها خلقناكم‬

‫وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى )‪ " (4‬فعجن النطفة بتلك التربة‬

‫التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة‪ ،‬فإذا تمت له )‪ (5‬أربعة‬

‫أشهر قالوا‪ :‬يا رب تخلق ماذا ؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر )‪ (6‬وانثى‪،‬‬

‫أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه‬

‫كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو انثى‪ ،‬فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة‬

‫)‪ .(7‬بيان‪ " :‬خلقين " أي ملئكة خلقين‪ ،‬والخلق هنا بمعنى التقدير ل‬

‫اليجاد وظاهره خروج المني الول بعينها من فيه أو عينه‪ ،‬ويمكن أن‬

‫يحفظ ال تعالى جزء من تلك النطفة مدة حياته‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد أن‬

‫هذا الماء من جنس النطفة فعلة الغسل مشتركة‪.‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .90‬تفسير القمى‪ (3) .446 :‬التفسير‪:‬‬

‫‪ (4) .720‬طه‪ (5) .57 :‬في المصدر‪ :‬لها‪ (6) .‬فيه‪ :‬أو‪ (7) .‬الكافي‪ :‬ج ‪،3‬‬

‫ص ‪.167‬‬

‫]‪[338‬‬
‫‪ - 14‬الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن الحجال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن أبي‬

‫منهال‪ ،‬عن الحارث بن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪:‬‬

‫إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث ال عزوجل ملكا فأخذ من التربة التي‬

‫يدفن فيها فماثها في النطفة فل يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها )‪.(1‬‬

‫بيان‪ :‬الموث‪ :‬الخلط‪ ،‬والحنين‪ :‬الشوق‪ - 15 .‬العلل‪ :‬عن علي بن أحمد بن‬

‫محمد بن )‪ (2‬يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال‪ :‬أتى علي بن‬

‫أبي طالب يهودي فسأله عن مسائل‪ ،‬فكان في ما سأله‪ :‬أخبرني عن شبه‬

‫الولد أعمامه وأخواله‪ ،‬ومن أي النطفتين يكون الشعر )‪ (3‬واللحم والعظم‬

‫والعصب ؟ فقال عليه السلم‪ :‬أما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق‬

‫نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه‪ ،‬ومن نطفة‬

‫الرجل يكون العظم والعصب وإذا سبق نطفة المرأة نطفة الرجل إلى الرحم‬

‫خرج شبه الولد إلى أخواله‪ ،‬ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لنها‬

‫صفراء رقيقة ‪ -‬الخبر ‪ - 16 .(4) -‬ومنه‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪،‬‬

‫عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪،‬‬

‫عن أبي بصير‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم فقلت له‪ :‬إن الرجل ربما‬

‫أشبه أخواله وربما أشبه عمومته‪ .‬فقال‪ :‬إن نطفة الرجل بيضاء غليظة‬

‫ونطفة المرأة صفراء رقيقة‪ ،‬فإن غلبت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه‬

‫الرجل أباه وعمومته‪ ،‬وإن غلبت نطفة المرأة نطفة الرجل أشبه الرجل‬
‫أخواله )‪ - 17 .(5‬ومنه‪ :‬عن علي بن حاتم ‪ -‬في ما كتب إلي ‪ -‬عن القاسم‬

‫بن محمد‪ ،‬عن حمدان بن الحسين‪ ،‬عن الحسين بن الوليد‪ ،‬عن ابن بكير‪،‬‬

‫عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪ (2) .203‬في المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ :‬عن‬

‫محمد بن يعقوب‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬والدم‪ (4) .‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪(5) .1‬‬

‫العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪88‬‬

‫]‪[339‬‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬المولود يشبه أباه وعمه‪ .‬قال‪ :‬إذا‬

‫سبق ماء الرجل ماء المرأة فالولد يشبه أباه وعمه‪ ،‬وإذا سبق ماء المرءة‬

‫ماء الرجل يشبه الولد امه وخاله )‪ - 18 .(1‬ومنه‪ :‬عن العباس بن محمد )‬

‫‪ (2‬بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن يوسف الخلل )‪ (3‬عن‬

‫محمد بن خليل المحرمي‪ ،‬عن عبد ال بن بكر المسمعي )‪ (4‬عن حميد‬

‫الطويل‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬سأل عبد ال بن سلم النبي صلى ال‬

‫عليه واله فقال‪ :‬من ينزع الولد إلى أبيه أو إلى امه ؟ قال صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه ‪ -‬الخبر )‪ .- (5‬بيان‪:‬‬

‫في القاموس‪ :‬نزع أباه وإليه‪ :‬أشبهه‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل أن يكون المراد‬
‫بالسبق الغلبة ليوافق خبر أبي بصير‪ ،‬أو العلو ليطابق رواية ثوبان وغيره‪،‬‬

‫ويمكن كون كل منها سببا لذلك‪ .‬أقول‪ :‬مضامين تلك الخبار مروية من‬

‫طرق العامة أيضا وفي كتبهم‪ ،‬ورووا أيضا أن حبرا من أحبار اليهود سأل‬

‫النبي صلى ال عليه واله عن الولد فقال‪ :‬ماء الرجل أبيض وماء المرأة‬

‫أصفر‪ ،‬فإذا اجتمعا فعل مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن ال تعالى‪ .‬وقال‬

‫بعضهم‪ :‬معنى العلو الغلبة على الخر‪ ،‬ومعنى السبق الخروج أول‪ ،‬وزعم‬

‫بعضهم أن العلو علة شبه العمام والخوال‪ ،‬والسبق علة الذكار و‬

‫اليناث‪ ،‬ورد ذلك التفصيل بأنه جعل في حديث الحبر العلو علة الذكار‬

‫واليناث‪ .‬وأجاب عنه بعضهم بأن العلو في حديث الحبر بمعنى السبق إلى‬

‫الرحم لن ما عل سبق ويتعين تفسيره بذلك‪ ،‬فإنه في حديث آخر جعل العلو‬

‫علة شبه العمام والخوال وجعله في حديث الحبر علة الذكار واليناث‪،‬‬

‫فلو أبقينا العلو في حديث الحبر على‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .88‬كذا‪ :‬والصواب‪ :‬أبو العباس محمد بن‬

‫ابراهيم بن إسحاق الطالقاني‪ (3) .‬في بعض النسخ بالحاء المهملة وفى‬

‫بعضها بالجبم‪ ،‬ولم نجد له ذكرا في كتب الرجال )‪ (4‬كذا في جميع نسخ‬

‫الكتاب‪ ،‬والظاهر ان الصواب " السهمى " كما في المصدر لنه الذى يروى‬

‫عن حميد الطويل‪ (5) .‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.89‬‬


‫]‪[340‬‬

‫بابه لزم بمقتضى الحديث أن يكون العلو علة في شبه العمال والخوال‬

‫وفي الذكار واليناث‪ ،‬ول يصح لن الحس يكذبه‪ ،‬لنا نشاهد الولد ذكرا‬

‫ويشبه الخوال ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور في‬

‫هذا الحديث يعني به الشبه العم من كونه في التذكير والتأنيث وشبه‬

‫العمام والخوال‪ ،‬والسبق إلى الرحم علة للتذكير والتأنيث‪ ،‬ويخرج من‬

‫مجموع ذلك أن القسام أربعة‪ :‬إن سبق ماء الرجل وعل أذكر وأشبه الولد‬

‫أعمامه‪ ،‬وإن سبق ماء المرأة وعل ماؤه انث وأشبه الولد أعمامه )انتهى(‬

‫)‪ - 19 .(1‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن محمد بن الحسين بن‬

‫أبي الخطاب عن جعفر بن بشير‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬

‫قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين‬

‫أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم فل يقولن أحد هذا ل يشبهني ول‬

‫يشبه شيئا من آبائي )‪ - 20 .(2‬ومنه‪ :‬عن المظفر بن جعفر بن المظفر‬

‫العلوي‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن‬

‫الحسن‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن زرارة‪ ،‬عن علي بن عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬

‫عن جده‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬تعتلج النطفتان في الرحم‬

‫فأيتهما أكثر جاءت تشبهها‪ ،‬فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه‬
‫أخواله وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه‪ .‬وقال‪ :‬تحول‬

‫النطفة في الرحم أربعين يوما‪ ،‬فمن أراد أن يدعو ال عزوجل ففي تلك‬

‫الربعين قبل أن تخلق‪ ،‬ثم يبعث ال عزوجل ملك الرحام فيأخذها فيصعد‬

‫بها إلى ال عزوجل فيقف منه ما شاء ال‪ ،‬فيقول‪ :‬يا إلهي أذكر أم انثى ؟‬

‫فيوحي ال عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك‪ ،‬ثم يقول‪ :‬إلهي‬

‫أشقي أم سعيد ؟ فيوحي ال عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك‬

‫)‪ (1‬كذا في جميع نسخ الكتاب‪ ،‬والظاهر سقوط قسمين من القسام الربعة‬

‫في العبارة وهما‪ :‬ان سبق ماء الرجل وعل ماء المرأة اذكر واشبه الولد‬

‫اخواله‪ ،‬وان سبق ماء المرأة وعل ايضا انث واشبه الولد اخواله‪(2) .‬‬

‫العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.97‬‬

‫]‪[341‬‬

‫فيقول‪ :‬اللهم )‪ (1‬كم رزقه ؟ وما أجله ؟ ثم يكتبه ويكتب كل شئ يصيبه في‬

‫الدنيا بين عينيه‪ ،‬ثم يرجع به فيرده في الرحم‪ ،‬فذلك قول ال عزوجل " ما‬

‫أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها‬

‫)‪ ." (2‬بيان‪] :‬في القاموس[ اعتلجوا‪ :‬اتخذوا صراعا وقتال‪ ،‬والرض‪:‬‬

‫طال نباتها والمواج‪ :‬التطمت‪ - 21 .‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫القاسم‪ ،‬عن محمد بن علي الكوفي‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمان الصم‪،‬‬

‫عن الهيثم بن واقد‪ ،‬عن مقرن )‪ (3‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سأل‬

‫سلمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عليا عليه السلم عن رزق الولد في بطن امه‪،‬‬

‫فقال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى حبس عليها الحيضة فجعلها رزقه في بطن امه‬

‫)‪ - 22 .(4‬ومنه‪ :‬عن الحسين بن أحمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬

‫البزنطي عن عبد الرحمان بن حماد‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا إبراهيم عليه السلم‬

‫عن الميت لم يغسل غسل الجنابة ؟ قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى أعل أخلص‬

‫من أن يبعث الشياء بيده‪ ،‬إن ل تبارك و تعالى ملكين خلقين‪ ،‬فإذا أراد أن‬

‫يخلق خلقا أمر أولئك الخلقين فأخذوا من التربة التي قال ال في كتابه "‬

‫منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى )‪ " (5‬فعجنوها‬

‫بالنطفة المسكنة في الرحم‪ ،‬فإذا عجنت النطفة بالتربة قال‪ :‬يا رب ما‬

‫تخلق ؟ قال‪ :‬فيوحي ال تبارك وتعالى )‪ (6‬ما يريد من ذلك ذكرا أو انثى‪،‬‬

‫مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض‪ ،‬شقيا أو سعيدا‪ .‬فإن مات سالت منه تلك‬

‫النطفة بعينها ل غيرها‪ ،‬فمن‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الهى‪ (2) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 89‬والية في سورة‬

‫الحديد‪ (3) .22 :‬ذكر الشيخ في رجاله عدة من اصحاب الصادق عليه‬
‫السلم بهذا السم وحال جميعهم مجهول‪ (4) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‬

‫‪ (5) .276‬طه‪ (6) .57 :‬في المصدر‪ :‬اليهما ما يريد‪..‬‬

‫]‪[342‬‬

‫ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أمر اولئك الخلقين " كأن‬

‫الجمعية على المجاز‪ ،‬أو المراد بالملكين نوعين )‪ (2‬من الملك لكل امرأة‬

‫شخصان‪ ،‬فيجري فيهما التثنية والجمع باعتبارين‪ - 23 .‬المحاسن‪ :‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن هارون بن الجهم‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى يقول في كتابه " لقد خلقنا النسان في‬

‫كبد )‪ (3‬يعني منتصبا في بطن امه‪ ،‬مقاديمه إلى مقاديم امه‪ ،‬ومواخيره إلى‬

‫مواخير امه‪ ،‬غذاؤه مما تأكل أمه ويشرب مما تشرب تنسمه تنسيما‪،‬‬

‫وميثاقه الذي أخذ ال عليه بين عينيه فإذا دنا ولدته أتاه ملك يسمى "‬

‫الزاجر " فيزجره فينقلب‪ ،‬فيصير مقاديمه إلى مواخر )‪ (4‬امه ومواخيره‬

‫إلى مقدم امه‪ ،‬ليسهل ال على المرأة والولد أمره‪ ،‬ويصيب ذلك جميع‬

‫الناس إل إذا كان عاتيا‪ ،‬فإذا زجره فزع وانقلب ووقع إلى الرض باكيا من‬

‫زجرة الزاجر‪ ،‬ونسي الميثاق )‪ .(5‬أقول‪ :‬تمامه وشرحه في باب جوامع‬

‫أحوال الدواب والنعام‪ - 24 .‬العياشي‪ :‬عن عبد الملك بن أعين‪ ،‬قال‪ :‬إذا‬

‫زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عمل جميعا‪ ،‬ثم تختلف النطفتان فيخلق‬
‫ال منهما فيكون شرك الشيطان‪ - 25 .‬ومنه‪ :‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي‬

‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬سألته عن شرك الشيطان قوله " وشاركهم في‬

‫الموال والولد " قال‪ :‬ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان قال‪:‬‬

‫ويكون مع الرجل حتى يجامع‪ ،‬فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان‬

‫حراما‪ - 26 .‬العلل‪ :‬لمحمد بن علي بن إبراهيم‪ :‬العلة في تحويل آدم لحما‬

‫ودما بعد أربعين سنة أنه لم يكن في رحم ولبطن وكان ظاهرا بارزا فتحول‬

‫لحما ودما بعد أربعين سنة‪ - 27 .‬المناقب‪ :‬عن سلم بن المستنير‪ ،‬عن أبي‬

‫جعفر عليه السلم في خبر طويل يذكر‬

‫)‪ (1‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .284‬نوعان )ظ(‪ (3) .‬البلد‪ (4) .4 :‬في‬

‫المصدر‪ :‬مواخير‪ (5) .‬المحاسن‪.304 :‬‬

‫]‪[343‬‬

‫فيه خلق الولد في بطن امه‪ ،‬قال‪ :‬ويبعث ال ملكا يقال له " الزاجر "‬

‫فيزجره زجرة فيفزع الولد منها وينقلب‪ ،‬فتصير رجله أسفل البطن ليسهل‬

‫ال عزوجل على المرأة وعلى الولد الخروج‪ .‬قال‪ :‬فإن احتبس زجره زجرة‬

‫اخرى شديدة‪ ،‬فيفزع منها فيسقط إلى الرض فزعا باكيا من الزجر )‪.(1‬‬

‫‪ - 28‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬وعلي بن إبراهيم‬


‫عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن محمد بن النعمان‪ ،‬عن سلم‬

‫بن المستنير‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه السلم عن قول ال عزوجل "‬

‫مخلقة وغير مخلقة )‪ " (2‬فقال‪ :‬المخلقة هم الذر الذين خلقهم ال في‬

‫صلب آدم عليه السلم أخذ عليهم الميثاق‪ ،‬ثم أجراهم في أصلب الرجال‬

‫وأرحام النساء‪ ،‬وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق‪.‬‬

‫وأما قوله " وغير مخلقة " فهم كل نسمة لم يخلقهم ال في صلب آدم عليه‬

‫السلم حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق‪ ،‬وهم النطف من العزل والسقط‬

‫قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء )‪ .(3‬بيان‪ :‬على تأويله عليه السلم‬

‫يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير‪ ،‬أي ما قدر في الذر أن ينفخ فيه‬

‫الروح وما لم يقدر‪ - 29 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬

‫عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن‬

‫أحدهما عليهما السلم في قول ال عزوجل " يعلم ما تحمل كل انثى وما‬

‫تغيض الرحام وما تزداد )‪ " (4‬قال‪ :‬الغيض كل حمل دون تسعة أشهر‪،‬‬

‫وما يزداد )‪ (5‬كل شئ يزداد على تسعة أشهر‪ ،‬فكلما رأت المرأة الدم‬

‫الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد اليام التي رأت في حملها من الدم )‪.(6‬‬

‫‪ - 30‬ومنه‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن‬

‫الحسن ابن الجهم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلم يقول‪ :‬قال‬
‫أبو جعفر عليه السلم‪ :‬إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما‪ ،‬ثم تصير‬

‫علقة أربعين يوما‪ ،‬ثم تصير مضغة أربعين يوما‬

‫)‪ (1‬المناقب‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ (2) .200‬الحج‪ (3) .5 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪) .12‬‬

‫‪ (4‬الرعد‪ (5) .8 :‬في المصدر‪ :‬تزداد‪ (6) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪12‬‬

‫]‪[344‬‬

‫فإذا كمل أربعة أشهر بعث ال عزوجل ملكين خلقين فيقولن‪ :‬يا رب ما‬

‫تخلق ؟ ذكرا أو انثى ؟ فيؤمران فيقولن‪ :‬يا رب شقيا أو سعيدا ؟ فيؤمران‬

‫فيقولن‪ :‬يا رب ما أجله ؟ وما رزقه ؟ وما كل شئ من حاله ؟ ‪ -‬وعدد من‬

‫ذلك أشياء ‪ -‬ويكتبان الميثاق بين عينيه‪ ،‬فإذا أكمل ال الجل بعث ال ملكا‬

‫فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق‪ .‬وقال الحسن بن الجهم‪ :‬فقلت له‪:‬‬

‫أفيجوز أن يدعو ال عزوجل فيحول النثى ذكرا أو الذكر انثى ؟ فقال‪ :‬إن‬

‫ال يفعل ما يشاء )‪ .(1‬بيان‪ :‬قيل‪ :‬كتابة الميثاق كناية عن مفطوريته على‬

‫خلقه قابلة للتوحيد وسائر المعارف‪ ،‬ونسيان الميثاق كناية عن دخوله في‬

‫عالم السباب المشتمل على موانع تعقل ما فطر عليه‪ .‬أقول‪ :‬قد مر بسط‬

‫القول في تلك الخبار في كتاب العدل‪ - 31 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬

‫عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه جميعا عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫ابن رئاب‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل إذا‬

‫أراد أن يخلق النطفة التي )‪ (2‬أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو‬

‫له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع‪ ،‬وأوحى إلى الرحم أن افتحي‬

‫بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري‪ ،‬فتفتح الرحم بابها فتصل‬

‫النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما‪ ،‬ثم تصير علقة أربعين يوما‪ ،‬ثم‬

‫تصير مضغة أربعين يوما‪ ،‬ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة‪ ،‬ثم‬

‫يبعث ال ملكين خلقين يخلقان في الرحام ما يشاء )‪ (3‬يقتحمان في بطن‬

‫المرأة من فم المرأة فيصلن إلى الرحم‪ ،‬وفيها الروح القديمة المنقولة في‬

‫أصلب الرجال وأرحام النساء‪ ،‬فينفخان فيها روح الحياة والبقاء‪ ،‬ويشقان‬

‫له السمع والبصر وجميع الجوارح‪ ،‬وجميع ما في البطن بإذن ال تعالى‪ .‬ثم‬

‫يوحي ال إلى الملكين‪ :‬اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي‬

‫البداء في ما تكتبان‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (2) .13‬في المصدر‪ :‬مما اخذ‪ (3) .‬في المصدر‪:‬‬

‫يشاء ال فيقتحمان‪.‬‬

‫]‪[345‬‬
‫فيقولن‪ :‬يا رب ما نكتب ؟ قال‪ :‬فيوحي ال عزوجل إليهما أن ارفعا‬

‫رؤوسكما إلى رأس أمه‪ ،‬فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة امه‪،‬‬

‫فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته ورؤيته )‪ (1‬وأجله وميثاقه شقيا أو‬

‫سعيدا وجميع شأنه‪ .‬قال‪ :‬فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في‬

‫اللوح‪ ،‬ويشترطان البداء في ما يكتبان‪ ،‬ثم يختمان الكتاب ويجعلنه بين‬

‫عينيه‪ ،‬ثم يقيمانه قائما في بطن امه‪ .‬قال‪ :‬فربما عتا فانقلب‪ ،‬ول يكون ذلك‬

‫إل في كل عات )‪ (2‬أو مارد‪ :‬فإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام‬

‫أوحى ال عزوجل إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي‬

‫وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه‪ .‬قال‪ :‬فيفتح الرحم باب الولد فيبعث‬

‫ال عزوجل إليه ملكا يقال له " زاجر " فيزجره زجرة فيفزع منها الولد‪،‬‬

‫فينقلب فيصير رجله فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل ال على‬

‫المرأة وعلى الولد الخروج‪ .‬قال‪ :‬فإذا احتبس زجره الملك زجرة اخرى‬

‫فيفزع منها فيسقط الولد إلى الرض باكيا فزعا من الزجرة )‪ .(3‬بيان‪:‬‬

‫قوله " أو ما يبدو له فيه " من البداء‪ ،‬وقد مر معناه في محله والمعنى‪ :‬لم‬

‫يؤخذ عليه الميثاق أول في صلب آدم ولكن بداله ثانيا بعد خروجه من‬

‫صلبه أن يأخذ عليها الميثاق‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد به ما فسربه غير‬

‫المخلقة في الخبر السابق فيكون مشاركا للول في بعض ما سيذكر‪ ،‬كما أن‬

‫القسم الول أيضا قد يسقط قبل كماله فل يجري فيه جميع ما في الخبر‪،‬‬
‫ويحتمل أيضا أن يراد بالول من يصل إلى حد التكليف ويؤخذ بما اخذ عليه‬

‫من الميثاق‪ ،‬وبالثاني من يموت قبل ذلك " حرك الرجل " بإلقاء الشهوة‬

‫عليه‪ ،‬واليحاء كأنه على سبيل المر التكويني ل التكليفي أي تنفتح بقدرته‬

‫وإرادته تعالى‪ ،‬أو كناية عن فطره إياها على الطاعة طمعا كما قيل‪" .‬‬

‫فتردد " بحذف إحدى التائين‪ ،‬أي تتحول من حال إلى حال‪ ،‬وقد مر أن‬

‫الخلق‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ " :‬زينته "‪ (2) .‬ومارد )خ( )‪ (3‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪- 13‬‬

‫‪.15‬‬

‫]‪[346‬‬

‫المنسوب إلى الملك بمعنى التقدير والتصوير والتخطيط كما هو معناه‬

‫المعروف في أصل اللغة‪ " .‬فيقتحمان " أي يدخلن من غير اختيار لها‬

‫وإذن منها " وفيها الروح القديمة " أي الروح المخلوق في الزمان‬

‫المتقادم قبل خلق جسده‪ ،‬وكثيرا ما يطلق القديم في اللغة والعرف على هذا‬

‫المعنى كما ل يخفى على من تتبع كتب اللغة وموارد الستعمالت والمراد‬

‫بها النفس النباتية أو الروح الحيوانية أو النسانية‪ .‬قوله " رؤيته " أي ما‬

‫يرى منه‪ ،‬ويمكن أن يقرأ بالتشديد بمعنى التفكر والفهم‪ ،‬والعتو مجاوزة‬
‫الحد والستكبار‪ .‬ثم اعلم أن للعلماء في أمثال هذا الخبر مسالك‪ :‬فمنهم من‬

‫آمن بظاهرها ووكل علمها إلى من صدرت عنه‪ ،‬وهذا سبيل المتقين ;‬

‫ومنهم من يقول‪ :‬ما يفهم من ظاهره حق ولعبرة باستبعاد الوهام في ما‬

‫صدر عن أئمة النام عليهم السلم ; ومنهم من قال‪ :‬هذا على سبيل‬

‫التمثيل‪ ،‬كأنه عليه السلم شبه ما يعلمه سبحانه من حاله وطينته وما‬

‫يستحقه من الكمالت وما أودع فيه من درجات الستعدادات بمجئ الملكين‬

‫وكتابتهما على جبهته وغير ذلك ; وقال بعضهم‪ :‬قرع اللوح جبهة أمه كأنه‬

‫كناية عن ظهور أحوال امه وصفاتها وأخلقها من ناصيتها وصورتها التي‬

‫خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها‪ ،‬وإنما يستنبط الحوال التي ينبغي‬

‫أن يكون الولد عليها من ناصية امه )‪ (1‬ويكتب ذلك على وفق ماثمة‬

‫للمناسبة التي تكون بينه وبينها‪ ،‬وذلك لن جوهر الروح إنما يفيض على‬

‫البدن بحسب استعداده وقبوله إياه‪ ،‬واستعداد البدن تابع لستعداد نفس‬

‫البوين وصفاتهما وأخلقهما لسيما الم المربية له على وفق ما جاء به‬

‫من ظهر أبيه‪ ،‬فهي حينئذ مشتملة على أحواله البوية والمية‪ .‬وجعل‬

‫الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلقه من ناصيته‬

‫وصورته‪ .‬أقول‪ :‬الحوط والولى عدم التعرض لمثال هذه التأويلت‬

‫الواهية‪ ،‬والتسليم لما ورد عن الئمة الهادية عليهم السلم‪ - 31 .‬الكافي‪:‬‬

‫عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل أو‬
‫)‪ (1‬امه مكتوبة )خ(‪.‬‬

‫]‪[347‬‬

‫غيره‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬الرجل يدعو للحبلى‬

‫أن يجعل ال ما في بطنها ذكرا سويا‪ .‬فقال‪ :‬يدعو ما بينه وبين أربعة‬

‫أشهر‪ ،‬فإنه أربعين ليلة نطفة‪ ،‬وأربعين ليلة علقة‪ ،‬وأربعين ليلة مضغة‪،‬‬

‫فذلك تمام أربعة أشهر‪ ،‬ثم يبعث ال ملكين خلقين فيقولن‪ :‬يا رب ما تخلق‬

‫؟ ذكرا أو انثى ؟ شقيا أو سعيدا ؟ فيقولن‪ :‬يا رب ما رزقه ؟ وما أجله ؟‬

‫وما مدته ؟ فيقال ذلك‪ ،‬وميثاقه بين عينيه ينظر إليه فل يزال منتصبا في‬

‫بطن امه حتى إذا دنا خروجه بعث ال عزوجل إليه ملكا فزجره زجرة‬

‫فيخرج وينسى الميثاق )‪ - 32 .(1‬ومنه‪ :‬عن محمد بن يحيى وغيره‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر‪ ،‬عن إسماعيل‬

‫بن عمرو )‪ (2‬عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أن‬

‫للرحم أربعة سبل‪ ،‬في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد‪ ،‬واحد أو‬

‫اثنان وثلثة وأربعة‪ ،‬ول يكون إلى سبيل أكثر من واحد )‪ - 33 .(3‬ومنه‪:‬‬

‫عن علي بن محمد‪ ،‬رفعه عن محمد بن حمران‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل خلق للرحم أربعة أوعية‪ ،‬فما كان في الول‬
‫فللب‪ ،‬وما كان في الثاني فللم‪ ،‬وما كان في الثالث فللعمومة‪ ،‬وما كان في‬

‫الرابع فللخوؤلة )‪ .(4‬بيان‪ " :‬فللب " أي يشبه الولد إذا وقعت فيه وكذا‬

‫البواقي‪ ،‬فسياق هذا الخبر غير سياق الخبر المتقدم من بيان أكثر ما يمكن‬

‫من أن تلد المرأة‪ ،‬وإن كان يظهر ذلك منه إيماه وتلويحا‪ ،‬ولذا أوردهما‬

‫الكليني ‪ -‬ره ‪ -‬في باب أكثر ما تلد المرأة‪ - 34 .‬النهج‪ :‬قال‪ :‬أيها المخلوق‬

‫السوي‪ ،‬والمنشأ المرعي‪ ،‬في ظلمات الرحام‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (2) .16‬كذا‪ ،‬ولم يذكر في كتب الرجال " اسماعيل‬

‫بن عمرو " والظاهر انه اسماعيل بن عمر بن ابان الكلبى ويروى عنه‬

‫احمد بن محمد بن ابى نصر على ما ذكره في جامع الرواة وهو ضعيف‪) .‬‬

‫‪ (3‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (4) .16‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.17‬‬

‫]‪[348‬‬

‫ومضاعفات الستار‪ ،‬بدئت من سللة من طين‪ ،‬ووضعت في قرار مكين‪،‬‬

‫إلى قدر معلوم وأجل مقسوم‪ ،‬تمور في بطن امك جنينا‪ ،‬لتحير دعاء‪ ،‬ول‬

‫تسمع نداء‪ ،‬ثم اخرجت من مقر ]ك[ إلى دار لم تشهدها‪ ،‬ولم تعرف سبل‬

‫منافعها‪ ،‬فمن هداك لجترار الغذاء من ثدي امك‪ ،‬وعرفك عند الحاجة‬

‫مواضع طلبك وإرادتك ؟ هيهات ! إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة‬


‫والدوات فهو عن صفات خالقه أعجز‪ ،‬ومن تناوله بحدود المخلوقين أبعد‬

‫)‪ .(1‬توضيح‪ :‬السوي‪ :‬العدل‪ ،‬والوسط‪ ،‬ورجل سوي أي مستوي الخلقة‬

‫غير ناقص‪ .‬وأنشأ الخلق‪ :‬ابتدأ خلقهم‪ ،‬والرعاية‪ :‬الحفظ‪ ،‬والمرعي‪ :‬من‬

‫شمله حفظ الراعي‪ .‬ومضاعفات الستار أي الستار المضاعفة‪ ،‬والحجب‬

‫بعضها فوق بعض‪ " .‬بدئت من سللة‪ " ..‬إشارة إلى قوله تعالى " ولقد‬

‫خلقنا النسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )‪ " (2‬وقد‬

‫مر وجوه التفسير فيه‪ ،‬وهي جارية ههنا‪ .‬و المكين‪ :‬المتمكن‪ ،‬وهو في‬

‫الصل صفة للمستقر‪ ،‬وصف به المحل مبالغة‪ ،‬أو المراد تمكن الرحم في‬

‫مكانها مربوطة برباطات كما سيأتي‪ ،‬والمعنى‪ :‬في مستقر حصين هي‬

‫الرحم " إلى قدر معلوم " أي مقدار معين من الزمان قدره ال للولدة‪.‬‬

‫وقسمه ‪ -‬كضربه ‪ -‬وقسمه ‪ -‬بالتشديد ‪ -‬أي جزأه وفرقه‪ ،‬وقسم أمره أي‬

‫قدره‪ .‬والجل المقسوم‪ :‬المده المقدرة لحياة كل أحد‪ ،‬فالظرف متعلق‬

‫بمحذوف‪ ،‬أي منتهيا إلى أجل مقسوم أو يقال‪ :‬الوضع في الرحم غايته‬

‫ابتداء الجل أي مدة حياة الدنيا‪ ،‬ويحتمل أن يكون تأكيدا للقدر المعلوم‪.‬‬

‫ومار الشئ ‪ -‬كقال ‪ :-‬تحرك‪ ،‬أو بسرعة واضطراب‪ ،‬والجنين الولد في‬

‫البطن لستتاره‪ ،‬من " جن " أي استتر‪ ،‬فإذا ولد فهو منفوس‪ .‬والمحاورة‪:‬‬

‫الجواب ومراجعة النطق‪ ،‬ويقال " كلمته فما أحار إلي جوابا " أي يجبني‪.‬‬

‫و دعوته دعاء‪ :‬ناديته وطلبت إقباله‪ " .‬لم تشهدها " أي لم تحضرها قبل‬
‫ذلك ولم تعلم بحالها‪ .‬والجترار‪ :‬الجذب‪ " .‬مواضع طلبك " قيل‪ :‬أي حلمة‬

‫الثدي‪ ،‬والجمع‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ (2) .303‬المؤمنون‪.13 :‬‬

‫]‪[349‬‬

‫باعتبار أن الطفل يمتص من غير ثدي امه أيضا‪ ،‬أو عرفك عند الحاجة إلى‬

‫كل شئ في دار الدنيا مواضع طلبك‪ .‬وفي بعض النسخ " وحرك عند‬

‫الحاجة " فالمراد بمواضع الطلب القوى واللت التي يحصل بها اجترار‬

‫الغذاء‪ " .‬هيهات " أي بعد أن يحيط علما بصفات خالقه الذي هو أبعد‬

‫الشياء منه من حيث الحقيقة لعدم المشابهة والمجانسة وليس له حدود‬

‫المخلوقين من ل يقدر على وصف نفسه مع أنه أقرب الشياء إليه و غيره‬

‫من ذوي الهيئة والدوات‪ ،‬المجانس له في الذات والصفات‪ ،‬المتصف‬

‫بحدود المخلوقين‪ - 35 .‬النهج‪ :‬جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها‪ ،‬وأبصارا‬

‫لتجلو عن عشاها‪ ،‬و أشلء جامعة لعضائها‪ ،‬ملئمة لحنائها‪ ،‬في تركيب‬

‫صورها ومدد عمرها‪ ،‬بأبدان قائمة بأرفاقها‪ ،‬وقلوب رائدة لرزاقها‪ ،‬في‬

‫مجللت نعمه‪ ،‬وموجبات مننه‪ ،‬وحواجز بليته‪ ،‬وحوائز عافيته )‪ (1‬وقدر‬

‫لكم أعمارا سترها عنكم‪ ،‬وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم ‪ -‬إلى‬
‫قوله عليه السلم ‪ -‬أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الرحام وشغف الستار‬

‫نطفة دهاقا‪ ،‬وعلقة محاقا‪ ،‬وجنينا وراضعا‪ ،‬ووليدا ويافعا‪ ،‬ثم منحه قلبا‬

‫حافظا ولسانا لفظا‪ ،‬وبصرا لحظا‪ ،‬ليفهم معتبرا‪ ،‬ويقصر مزدجرا‪ ،‬حتى إذا‬

‫قام اعتداله واستوى مثاله‪ ،‬نفر مستكبرا ‪ -‬إلى آخر الخطبة ‪ .(2) -‬توضيح‪:‬‬

‫وعاه يعيه‪ :‬حفظه وجمعه‪ ،‬وعناه المر يعينه ويعنوه‪ :‬أهمه‪ ،‬و العشا ‪-‬‬

‫بالفتح والقصر ‪ :-‬سوء البصر بالليل والنهار‪ ،‬أو بالليل‪ ،‬أو العمى‪ ،‬وتجلو‪:‬‬

‫بمعنى تكشف‪ ،‬قيل‪ :‬أقيم المجلو مقام المجلو عنه‪ ،‬والتقدير‪ :‬لتجلو عن‬

‫قواها عشاها‪ ،‬وقيل‪ :‬كلمة " عن " زائدة أو بمعنى " بعد " والمفعول‬

‫محذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬لتجلو الذى بعد عشاها‪ ،‬وهو بعيد‪ ،‬والمراد جلء العشا‬

‫عن البصر الظاهر بأن ينظر إلى ما يعتبر به‪ ،‬أو عن القلب بأن يفرق بين‬

‫الضار والنافع‪ ،‬والشلء‪ :‬جمع شلو ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو العضو‪ ،‬وفسره في‬

‫القاموس بالجسد أيضا‪ ،‬وجمعها للعضاء على‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ ..:‬متنه‪ ،‬وحواجز عافيته وقدر‪ (2) ..‬نهج البلغة‪ :‬ج ‪،1‬‬

‫ص ‪.143‬‬

‫]‪[350‬‬
‫الثاني واضح‪ ،‬وعلى الول يمكن حملها على العضاء الظاهرة الجامعة‬

‫للباطنة كما قيل‪ .‬واقول‪ :‬يمكن أن يكون المراد بالعضاء أجزاء العضاء‪.‬‬

‫والملءمة‪ :‬الموافقة والحناء‪ :‬جمع حنو ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو الجانب‪ ،‬وفي‬

‫النهاية‪ :‬لحنائها أي معاطفها والغرض الشارة إلى الحكم والمصالح‬

‫المرعية في تركيب العضاء وترتيبها وجعل كل منها في موضع يليق بها‪،‬‬

‫كما بين بعضها في علم التشريح وكتب منافع العضاء والظرف متعلق‬

‫بالملءمة‪ ،‬وقيل‪ :‬كأنه قال‪ :‬مركبة ومصورة‪ ،‬فأتى بلفظة " في " كما‬

‫تقول‪ :‬ركب في سلحه أو بسلحه أي متسلحا‪ ،‬والرفاق‪ :‬جمع رفق ‪-‬‬

‫بالكسر ‪ -‬وهو المنفعة‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬هو ما استعين به‪ ،‬والرفاق على‬

‫هذا عبارة عن العضاء وسائر ما يستعين به النسان‪ ،‬والباء للستعانة أو‬

‫السببية بخلف الول‪ ،‬وروي " بأرماقها " والرمق‪ :‬بقية الروح‪ ،‬والرود‪:‬‬

‫الطلب‪ " .‬في مجللت نعمه " بصيغة الفاعل أي النعم التي تجلل الناس أي‬

‫تغطيهم كما يتجلل الرجل بالثوب‪ ،‬وقيل‪ :‬أي التي تجلل الناس وتعمهم من‬

‫قولهم " سحاب مجلل " أي يطبق الرض‪ ،‬والظرف متعلق بمحذوف‬

‫والموضع نصب على الحال‪ .‬والمراد بموجبات المنن ‪ -‬على صيغة الفاعل ‪-‬‬

‫النعم التي توجب الشكر‪ ،‬ويروى على صيغة المفعول أي النعم التي أوجبها‬

‫ال على نفسه لكونه الجواد المطلق‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ما سقط من نعمه وافيض‬

‫على العباد من الوجوب بمعنى السقوط‪ .‬وحواجز العافية‪ :‬ما يدفع المضار‪،‬‬
‫ويروى " حواجز بليته " أي ما يمنعها‪ .‬والمتنان بستر العمار لكون‬

‫الطلع عليها واشتغال الخاطر بخوف الموت مما يبطل نظام الدنيا‪،‬‬

‫والغرض تنبيه الغافل عن انقضاء العمر لستر حده وانتهائه‪ .‬وخلف العبر‬

‫إبقاؤها بعد ارتحال الماضين كأنها خليفة لهم‪ " .‬أم هذا الذي‪ " ..‬قيل‪ :‬أم‬

‫ههنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال‪ :‬أعظكم واذكركم بحال الشيطان‬

‫وإغوائه أم بحال النسان من ابتداء وجوده إلى حين مماته وإما أن تكون‬

‫منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادل وتاركا لما وعظهم به‪:‬‬

‫]‪[351‬‬

‫بل أتلو عليكم بناء هذا النسان الذي حاله كذا‪ .‬والشغف ‪ -‬بضمتين ‪ -‬جمع‬

‫شغاف ‪ -‬بالفتح ‪ -‬وهو في الصل غلف القلب وحجابه‪ ،‬استعير هنا لوضع‬

‫الولد‪ .‬والدهاق ‪ -‬بكسر الدال ‪ -‬الذي أدهق أي أفرغ إفراغا ]شديدا[‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫الدهاق المملوءة من قولهم دهق الكأس ‪ -‬كجعله ‪ -‬ملها‪ .‬ويروى " دفاقا‬

‫" من دفقت الماء أي صببته‪ .‬والمحق‪ :‬المحو والبطال والنقص‪ ،‬وسميت‬

‫ثلث ليال من آخر الشهر محاقا لن القمر يقرب من الشمس فتمحقه‪،‬‬

‫واستعير للعلقة لنها لم تتصور ]بعد[ فأشبهت ما ابطلت صورته‪ ،‬وفي‬

‫الوصاف تحقير للنسان كما اومئ إليه بالشارة‪ .‬والراضع‪ :‬الطفل يرضع‬

‫امه ‪ -‬كيسمع ‪ -‬أي يتمص ثديها‪ ،‬والم مرضعة‪ .‬والوليد‪ :‬المولود وكأن‬
‫المراد به الفطيم‪ .‬واليافع‪ :‬الغلم الذي شارف الحتلم ولما يحتلم‪ ،‬يقال‪:‬‬

‫أيفع الغلم فهو يافع‪ ،‬وهو من النوادر‪ .‬قال في " سر الدب " في ترتيب‬

‫أحوال النسان‪ :‬هو مادام في الرحم جنين‪ ،‬فإذا ولد فوليد‪ ،‬ثم مادام يرضع‬

‫فرضيع‪ ،‬ثم إذا قطع منه اللبن فهو فطيم‪ ،‬ثم إذا دب ونمى فهو دارج‪ ،‬فإذا‬

‫بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسي‪ ،‬فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور‪ ،‬فإذا‬

‫نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثغر‪ ،‬فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو‬

‫مترعرع وناشئ‪ ،‬فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق‪ ،‬فإذا احتلم‬

‫واجتمعت قوته فهو حرور‪ ،‬واسمه في جميع هذه الحوال غلم‪ ،‬فإذا اخضر‬

‫شاربه قيل قد بقل وجهه‪ ،‬فإذا صار ذافتاء فهو فتى وشارخ‪ ،‬فإذا اجتمعت‬

‫لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع‪ ،‬ثم مادام بين الثلثين والربعين فهو‬

‫شاب‪ ،‬ثم هو كهل إلى أن يستوفي الستين‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا جاوز أربعا وثلثين‬

‫إلى إحدى وخمسين‪ ،‬فإذا جاوزها فهو شيخ‪ .‬ثم " منحه " أي أعطاه‪.‬‬

‫واللفظ‪ :‬الناطق‪ ،‬ويقال‪ :‬لحظ إذا نظر بمؤخر عينيه وكأن المراد هنا مطلق‬

‫النظر‪ ،‬و " يقصر " على بناء الفعال أي ينتهي‪ .‬والمعنى‪ :‬أعطاه القوى‬

‫الثلثة ليعتبر بحال الماضين‪ ،‬وما نزل بساحة العاصين‪ ،‬وينتهي عما‬

‫يفضيه إلى أليم النكال " وشديد الوبال‪ ،‬أو ليفهم دلئل الصنع والقدرة‪،‬‬

‫ويستدل بشواهد‬
‫]‪[352‬‬

‫الربوبية على وجوب الطاعة والنتهاء عن المعصية‪ ،‬فينزجر عن الخلف‬

‫والعصيان ويتخلص عن الخيبة والخسران‪ .‬والعتدال‪ :‬التناسب والستقامة‬

‫والتوسط بين الحالين في كم أو كيف‪ ،‬وقيام العتدال‪ :‬تمام الخلقة‬

‫والصورة‪ ،‬وتناسب العضاء‪ ،‬وخلوها عن النقص والزيادة‪ ،‬وكمال القوى‬

‫المحتاج إليها في تحصيل المآرب‪ .‬و " استوى " أي اعتدل‪ ،‬والمثال ‪-‬‬

‫بالكسر ‪ :-‬المقدار‪ ،‬وصفة الشئ‪ ،‬ويقال‪ :‬استوى الرجل إذا بلغ أشده أي‬

‫قوته‪ ،‬وهو ما بين ثمانية عشر إلى ثلثين‪ .‬ونفرت الدابة ‪ -‬كضرب ‪ -‬أي فر‬

‫وذهب‪ - 36 .‬الفقيه‪ :‬عن محمد بن علي الكوفي‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪،‬‬

‫عن مرازم عن جابر بن يزيد‪ ،‬عن جابر بن عبد ال النصاري‪ ،‬قال‪ :‬قال‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬إذا وقع الولد في جوف )‪ (1‬امه صار‬

‫وجهه قبل ظهر امه إن كان ذكرا‪ ،‬وإن كان انثى صار وجهها قبل بطن‬

‫امها‪ ،‬يداه على وجنتيه‪ ،‬وذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم فهو‬

‫كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلى سرة امه‪ ،‬فبتلك السرة يغتذي من‬

‫طعام امه وشرابها إلى الوقت المقدر لولدته‪ ،‬فيبعث ال تعالى )‪ (2‬ملكا‬

‫فيكتب على جبهته‪ :‬شقي أو سعيد‪ ،‬مؤمن أو كافر‪ ،‬غني أو فقير‪ ،‬ويكتب )‬

‫‪ (3‬أجله ورزقه وسقمه وصحته فإذا انقطع الرزق المقدر له من سرة امه‬

‫زجره الملك زجرة‪ ،‬فانقلب فزعا من الزجرة وصار رأسه قبل المخرج )‪(4‬‬
‫فإذا وقع إلى الرض دفع )‪ (5‬إلى هول عظيم وعذاب أليم‪ ،‬إن أصابته ريح‬

‫أو مشقة أو مسته يد وجه لذلك من اللم ما يجده المسلوخ عنه جلده‪،‬‬

‫يجوع فل يقدر على استطعام )‪ (6‬ويعطش فل يقدر على استسقاء )‪(7‬‬

‫ويتوجع فل يقدر على الستغاثة‪ ،‬فيوكل ال تعالى به الرحمة والشفقة عليه‬

‫والمحبة له امه فتقيه الحر والبرد بنفسها‪ ،‬وتكاد تفديه بروحها‪ ،‬وتصير‬

‫من التعطف عليه بحال ل ‪-‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬في بطن‪ (2) .‬فيه‪ :‬إليه ملكا )‪ (3‬فيكتب )خ(‪ (4) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬الفرج‪ (5) .‬وقع )خ( )‪ (6‬في المصدر‪ :‬الستطعام‪ (7) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬الستسقاء‬

‫]‪[353‬‬

‫تبالي أن تجوع إذا شبع‪ ،‬وتعطش إذا روي‪ ،‬وتعرى إذا كسي‪ ،‬وجعل ال ‪-‬‬

‫تعالى ذكره ‪ -‬رزقه في ثدي امه‪ ،‬في إحديهما طعامه وفي الخرى شرابه‪،‬‬

‫حتى إذا رضع آتاه ال في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق‪ ،‬وإذا أدرك‬

‫فهمه الهل والمال والشره والحرص‪ ،‬ثم هو مع ذلك بعرض )‪ (1‬الفات‬

‫والعاهات والبليات من كل وجه‪ ،‬و الملئكة تهديه وترشده‪ ،‬والشياطين‬

‫تضله وتغويه‪ ،‬فهو هالك إل أن ينجيه ال تعالى وقد ذكر ال ‪ -‬تعالى ذكره ‪-‬‬
‫نسبة النسان في محكم كتابه فقال عزوجل " ولقد خلقنا النسان من سللة‬

‫من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة‬

‫مضغة فخلقنا المضغة عظاما فسكونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر‬

‫فتبارك ال ال أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة‬

‫تبعثون )‪ ." (2‬قال جابر بن عبد ال النصاري‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال ! هذه‬

‫حالنا فكيف حالك وحال الوصياء بعدك في الولدة ؟ فسكت رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله مليا ثم قال‪ :‬يا جابر ! لقد سألت عن أمر جسيم ل‬

‫يحتمله إل ذوحظ عظيم‪ ،‬إن النبياء والوصياء مخلوقون من نور عظمة‬

‫ال جل ثناؤه )‪ (3‬يودع ال أنوارهم أصلبا طيبة وأرحاما طاهرة‪ ،‬يحفظها‬

‫بملئكته‪ ،‬ويربيها بحكمته‪ ،‬ويغذوها بعلمه‪ ،‬فأمرهم يجل عن أن يوصف‪ ،‬و‬

‫أحوالهم تدق عن أن تعلم‪ ،‬لنهم نجوم ال في أرضه‪ ،‬وأعلمه في بريته‪،‬‬

‫وخلفاؤه على عباده‪ ،‬وأنواره في بلده‪ ،‬وحججه على خلقه‪ .‬يا جابر ! هذا‬

‫من مكنون العلم و مخزونه‪ ،‬فاكتمه إل من أهله )‪ .(4‬بيان‪ :‬في القاموس‪:‬‬

‫الوجنة ‪ -‬مثلثة وككلمة ومحركة ‪ :-‬ما ارتفع من الخدين‪ .‬والمصرور‪:‬‬

‫السير " لنه مجموع اليدين‪ ،‬من " صررت " جمعت‪ ،‬وقال‪ :‬صر الناقة‪:‬‬

‫شد ضرعها‪ .‬وقال‪ :‬ناطه نوطا‪ :‬علقه‪ .‬والشره ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬غلبة الحرص‪.‬‬
‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬تعرضه‪ (2) .‬المؤمنون‪ (3) .16 - 12 :‬في المصدر‪ :‬جل‬

‫ذكره‪ (4) .‬الفقيه‪.589 :‬‬

‫]‪[354‬‬

‫‪ - 37‬الكافي‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬و‬

‫محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬قال‪ :‬عرضنا كتاب الفرائض عن أمير‬

‫المؤمنين عليه السلم على أبي الحسن الرضا عليه السلم ومما فيه أن‬

‫أمير المؤمنين عليه السلم جعل دية الجنين مائة دينار‪ ،‬و جعل مني الرجل‬

‫إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء‪ ،‬فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة‬

‫دينار‪ ،‬وذلك أن ال عزوجل خلق النسان من سللة وهي النطفة فهذا‬

‫جزء‪ ،‬ثم علقة فهو جزءان‪ ،‬ثم مضغة فهو ثلثة أجزاء‪ ،‬ثم عظما فهو‬

‫أربعة أجزاء ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة‬

‫دينار ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬فإذا انشئ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس فيه‬

‫ألف دينار كاملة إن كان ذكرا وإن كان انثى فخمسمائة دينار )‪- 38 .(1‬‬

‫ومنه‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‬

‫عن أبي أيوب الخزاز‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه‬

‫السلم عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة‪ ،‬فقال‪ :‬عليه عشرون‬

‫دينارا‪ ،‬فقلت‪ :‬فيضربها فتطرح العلقة فقال‪ :‬أربعون )‪ (2‬دينارا‪ ،‬قلت‪:‬‬


‫فيضربها فتطرح المضغة‪ ،‬قال‪ :‬عليه ستون دينارا قلت‪ :‬فيضربها فتطرحه‬

‫وقد صار له عظم‪ ،‬فقال‪ :‬عليه الدية كاملة‪ ،‬بهذا قضى أمير ‪ -‬المؤمنين‬

‫عليه السلم‪ :‬قلت‪ :‬فما صفة ]خلقة[ النطفة التي تعرف بها ؟ فقال‪ :‬النطفة‬

‫تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة‪ ،‬فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين‬

‫يوما ثم تصير إلى علقة‪ .‬قلت‪ :‬فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها ؟ فقال‪:‬‬

‫هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة‪ ،‬تمكث في الرحم بعد تحويلها عن‬

‫النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة‪ .‬قلت‪ :‬فما صفة المضغة وخلقتها التي‬

‫تعرف بها ؟ قال‪ :‬هي مضغة لحم حمراء‪ ،‬فيها عروق خضر مشتبكة ثم‬

‫تصير إلى عظم‪ .‬قلت‪ :‬فما صفة خلقته إذا كان عظما ؟ فقال‪ :‬إذا كان عظما‬

‫شق له السمع والبصر‪ ،‬ورتبت جوارحه‪ ،‬فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة‬

‫)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪ (2) .342‬في المصدر‪ :‬عليه أربعون‪ (3) ..‬الكافي‪:‬‬

‫ج ‪ ،7‬ص ‪.345‬‬

‫]‪[355‬‬

‫‪ - 39‬ومنه‪ :‬عن صالح بن عقبة‪ ،‬عن يونس الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي عبد‬

‫ال عليه السلم‪ :‬فإن خرج في النطفة قطرة دم ؟ قال‪ :‬القطرة عشر النطفة‬
‫فيها اثنان وعشرون دينارا‪ ،‬قلت‪ ،‬فإن قطرت قطرتين ؟ قال‪ :‬أربعة‬

‫وعشرون دينارا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن قطرت بثلث ؟ قال‪ :‬فست وعشرون‬

‫دينارا‪ ،‬قلت‪ :‬فأربع ؟ قال‪ :‬فثمانية وعشرون دينارا‪ ،‬وفي خمس ثلثون )‬

‫‪ ،(1‬وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى تصير علقة‪ ،‬فإذا صارت‬

‫علقة ففيها أربعون ]دينارا[ فقال له أبو شبل‪ - :‬وأخبرنا أبو ‪ -‬شبل‪ ،‬قال‪:‬‬

‫حضرت يونس وأبو عبد ال عليه السلم يخبره بالديات‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ - :‬فإن‬

‫النطفة خرجت متخضخضة بالدم ؟ قال‪ :‬فقال لي‪ :‬فقد علقت إن كان دما‬

‫صافيا ففيها أربعون دينارا‪ ،‬وإن كان دما أسود فل شئ عليه إل التعزير‪،‬‬

‫لنه ماكان من دم صاف فذلك للولد‪ ،‬وما كان من دم أسود فذلك من الجوف‪.‬‬

‫قال أبو شبل‪ :‬فإن العلقة صار فيها شبه العرق من لحم ؟ قال‪ :‬اثنان‬

‫وأربعون العشر‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن عشر الربعين أربعة‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬إنما هو‬

‫عشر المضغة‪ ،‬لنه إنما ذهب عشرها‪ ،‬فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين‪.‬‬

‫قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا ؟ قال‪ :‬فذلك عظم‬

‫كذلك أول ما يبتدئ العظم‪ ،‬فيبتدئ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير‪ ،‬فإن زاد‬

‫فزاد أربعة أربعة حتى تتم )‪ (2‬الثمانين‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وكذلك إذا كسي العظم‬

‫لحما ؟ قال‪ :‬كذلك‪ ،‬قلت‪ :‬فإذا وكزها فسقط الصبي فل يدرى أحيا كان أم ل ؟‬

‫قال‪ :‬هيهات يا باشبل ! إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فبه الحياة‪ ،‬وقد‬

‫استوجب الدية )‪ .(3‬بيان‪ :‬الخضخضة تحريك الماء ونحوه " إنما هو عشر‬
‫المضغة " أي عشر الدية التي زيدت لصيرورتها مضغة‪ ،‬والوكز ‪ -‬كالوعد‬

‫‪ :-‬الدفع والطعن والضرب بجمع الكف‪ .‬ثم إن الخبر يدل على أن ولوج‬

‫الروح بعد الخمسة أشهر‪ ،‬وهو خلف المشهور وما‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ثلثون دينارا‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬يتم‪ (3) .‬الكافي‪ ،7 :‬ص‬

‫‪(*) .365‬‬

‫]‪[356‬‬

‫دل عليه غيره من الخبار من أن ولوج الروح بعد الربعة أشهر‪ ،‬ولعل‬

‫المراد أنه قد يكون كذلك‪ - 40 .‬الكافي‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫ابن محبوب‪ ،‬عن عبد ال ابن غالب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعيد المسيب‪ ،‬قال‪:‬‬

‫سألت علي بن الحسين عليه السلم عن رجل ضرب امرأته حامل برجله‬

‫فطرحت ما في بطنها ميتا‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا‪،‬‬

‫قلت‪ :‬فما حد النطفة ؟ فقال‪ :‬هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه‬

‫أربعين‪ ،‬يوما قال‪ :‬وإن طرحته وهو علقة فإن عليه أربعين دينارا‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫فما حد العلقة ؟ فقال‪ :‬هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين‬

‫يوما‪ ،‬قال‪ :‬وإن طرحته وهو مضغة فإن عليه ستين دينارا‪ ،‬قلت‪ :‬فما حد‬

‫المضغة ؟ فقال‪ :‬هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين‬
‫يوما‪ ،‬قال‪ :‬وإن طرحته وهو نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب )‪(1‬‬

‫الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة‪ .‬قلت له‪ :‬أرأيت تحوله‬

‫في بطنها إلى حال أبروح كان ذلك أو بغير روح ؟ قال‪ :‬بروح عدا الحياة‬

‫القديم المنقول في أصلب الرجال وأرحام النساء‪ ،‬ولول أنه كان فيه روح‬

‫عدا الحياة ما تحول من حال )‪ (2‬إلى حال في الرحم‪ ،‬وما كان إذن على من‬

‫يقتلنه )‪ (3‬دية وهو في تلك الحال )‪ .(4‬توضيح‪ " :‬مرتب الجوارح " في‬

‫بعض النسخ " مزيل الجوارح " أي امتازت وافترقت جوارحه بعضها عن‬

‫بعض كما قال تعالى " لو تزيلوا لعذبنا )‪ " (5‬وفي بعضها " مربل "‬

‫بالراء المهملة والباء الموحدة‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬تربلت المرأة كثر لحمها‪" .‬‬

‫بروح غذاء الحياة " المراد إما روح الوالدين أو القوة النامية‪ ،‬وفي بعضها‬

‫" عدا " بالمهملتين من غير مدة‪ ،‬فالمراد به أن تحوله بروح غير الروح‬

‫الذي خلق لجله قبل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬مزيل‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬عن حال بعد حال‪ (3) .‬في‬

‫المصدر‪ :‬يقتله‪ (4) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪ (5) .347‬الفتح‪.25 :‬‬

‫]‪[357‬‬
‫خلق الجساد لنه لم يتعلق به بعد‪ ،‬فالمراد بالروح الول القوة النامية أو‬

‫روح الوالدين‪ ،‬وعلى النسختين المنقول صفة روح ل الحياة‪ ،‬والمراد‬

‫بالقديم ما تقادم زمانه لنه خلق قبل خلق الجساد كما سيأتي إن شاء ال‪،‬‬

‫وإطلق القتل على السقاط قبل تعلق الروح مجاز‪ - 41 .‬الكافي‪ :‬عن محمد‬

‫بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن أبي نصر‪ ،‬عن الحسين بن خالد‪،‬‬

‫قال‪ :‬قلت لبي الحسن عليه السلم‪ :‬إنا روينا عن النبي صلى ال عليه واله‬

‫أنه قال‪ :‬من شرب الخمر لم يحتسب صلوته أربعين يوما‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪:‬‬

‫صدقوا‪ ،‬قلت‪ :‬وكيف ل يحتسب )‪ (1‬صلوته أربعين صباحا لأقل من ذلك‬

‫ول أكثر ؟ فقال‪ :‬إن ال جل و عز قدر خلق النسان فصيره نطفة أربعين‬

‫يوما‪ ،‬ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين‬

‫يوما‪ ،‬فهو إذا شرب الخمر بقي في مشاشته )‪ (2‬أربعين يوما على قدر‬

‫انتقال خلقته‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬كذلك جميع غذاء أكله وشربه يبقى في‬

‫مشاشته )‪ (3‬أربعين يوما )‪ - 42 .(4‬ومنه‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬

‫عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن علي ابن عيسى رفعه‪ ،‬في ما ناجى ال به‬

‫موسى عليه السلم قال‪ :‬يا موسى ! أنا السيد الكبير‪ ،‬إني خلقتك من نطفة‬

‫من ماء مهين‪ ،‬من طينة أخرجتها من أرض ممشوجة )‪ (5‬فكانت بشرا فأنا‬

‫صانعها خلقا ‪ -‬الخبر )‪ - 43 .- (6‬ومنه‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد‬

‫بن أحمد‪ ،‬عن أحمد بن الحسن‪ ،‬عن‬


‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬ل تحتسب )‪ 2‬و ‪ (3‬في المصدر‪ :‬مشاشه‪ (4) .‬الكافي‪ :‬ج‬

‫‪ ،6‬ص ‪ (5) .402‬في المصدر‪ :‬ارض ذليلة ممشوجة‪ .‬وقال المؤلف ‪ -‬ره ‪-‬‬

‫في مرآت العقول‪ :‬أي مخلوطة من انواع‪ ،‬والمراد‪ :‬أنى خلقتك من نطفة‬

‫واصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الرض وهو آدم عليه‬

‫السلم واخذت طينته من جميع وجه الرض المشتملة على الوان وأنواع‬

‫مختلفة‪ (6) .‬روضة الكافي‪44 :‬‬

‫]‪[358‬‬

‫عمرو بن سعيد‪ ،‬عن مصدق بن صدقة‪ ،‬عن عمار بن موسى‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ال عليه السلم قال‪ :‬سئل عن الميت يبلى جسده ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬حتى ل يبقى‬

‫لحم ولعظم إل طينته التي خلق منها فإنها لتبلى‪ ،‬تبقى في القبر مستديرة‬

‫حتى يخلق ال منها كما خلق أول مرة )‪ - 44 .(1‬ومنه‪ :‬عن محمد بن‬

‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن إبراهيم بن مسلم الحلواني‪،‬‬

‫عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن‬

‫في الجنة لثمرة تسمى " المزن " فإذا أراد ال أن يخلق مؤمنا أقطر منها‬

‫قطرة‪ ،‬فل تصيب بقلة ول ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إل أخرج ال من‬

‫صلبه مؤمنا )‪ - 45 .(2‬العلل‪ :‬عن علي بن حاتم‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪،‬‬


‫عن إبراهيم بن مخلد عن أحمد بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن بشير‪ ،‬عن محمد‬

‫بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال القزويني قال‪ :‬سألت أبا جعفر محمد بن علي‬

‫عليه السلم فقلت‪ :‬لي علة يولد النسان ههنا ويموت في موضع آخر ؟‬

‫قال‪ :‬إن )‪ (3‬ال تبارك وتعالى لما خلق خلقه خلقهم من أديم الرض فيرجع‬

‫)‪ (4‬كل إنسان إلى تربته )‪ - 46 .(5‬تفسير المام‪ :‬قال عليه السلم في‬

‫سياق قصة ذبح البقرة‪ :‬ثم ذبحوها وأخذوا قطعة وهي عجب الذنب الذي‬

‫منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أراد خلقا جديدا فضربوه بها ‪ -‬القصة ‪.-‬‬

‫‪ - 47‬البصائر‪ :‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن صالح بن سهل الهمداني‬

‫وغيره عن يونس بن ظبيان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا أراد ال‬

‫أن يقبض روح إمام و يخلق من بعده إماما أنزل قطرة من ماء تحت العرش‬

‫إلى الرض فيلقيها على ثمرة أو بقلة‪ ،‬فيأكل تلك الثمرة أو تلك البقلة المام‬

‫الذي يخلق ال منه نطفة المام الذي يقوم من بعده‪ ،‬قال‪ :‬فيخلق ال من‬

‫تلك القطرة نطفة في الصلب‪ ،‬ثم يصير إلى الرحم‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ (2) .251 ،3‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (3) .14‬في المصدر‪ :‬لن‪.‬‬

‫)‪ (4‬وفى المصدر وفى بعض نسخ الكتاب‪ :‬فمرجع‪ (5) .‬العلل‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‬

‫‪.290‬‬
‫]‪[359‬‬

‫فيمكث فيها أربعين ليلة‪ ،‬فإذا مضى له أربعون ليلة سمع الصوت‪ ،‬فإذا‬

‫مضى له أربعة أشهر كتب على عضده اليمن " وتمت كلمة ربك صدقا‬

‫وعدل ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم )‪ " (1‬فإذا خرج إلى الرض‬

‫اوتي الحكمة‪ ،‬وزين بالعلم والوقار والبس الهيبة‪ ،‬وجعل له مصباح من‬

‫نور يعرف به الضمير‪ ،‬ويرى به أعمال العباد‪ .‬أقول‪ :‬قد مضت الخبار في‬

‫بدء خلق المام وخواصه في المجلدات السابقة المتعلقة بالمامة‪ ،‬فل‬

‫نعيدها حذرا من التكرار‪ - 48 .‬العلل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن‬

‫أحمد بن محمد البرقي‪ ،‬عن أبي هاشم الجعفري‪ ،‬عن أبي جعفر الثاني عليه‬

‫السلم في حديث طوبل ذكر فيه إتيان الخضر أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫وسؤاله عن مسائل وأمره عليه السلم الحسن بجوابه‪ ،‬فقال الحسن عليه‬

‫السلم في سياق الجوبة‪ :‬وأما ما ذكرت من أمر الرجل يشبه أعمامه‬

‫وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير‬

‫مضطرب استكنت تلك النطفة في ]تلك[ الرحم فخرج الولد يشبه أباه وامه‪،‬‬

‫وإن )‪ (2‬أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب‬

‫اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم فوقعت على عرق من العروق‪،‬‬

‫فإن وقعت على عرق من عروق العمام أشبه الولد أعماله‪ ،‬وإن وقعت‬

‫على عرق من عروق الخوال أشبه )‪ (3‬أخواله ‪ -‬إلى آخر ما سيأتي من‬
‫الخبر الطويل ‪ .(4) -‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬هدأ ‪ -‬كمنع ‪ -‬هدء وهدوء‪ :‬سكن‪.‬‬

‫وأقول‪ :‬يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم تضطرب النطفة تحصل المشابهة‬

‫التامة‪ ،‬لن المني يخرج من جميع البدن فيقع كل جزء موقعه‪ ،‬وإذا‬

‫اضطربت حصلت المشابهة الناقصة‪ ،‬فيشبه العمام إذا كان الغلب مني‬

‫الرجل لنهم أيضا يشبهون الب مشابهة ناقصة‪ ،‬وإن غلب مني الم أشبه‬

‫الخوال كذلك‪ ،‬ويمكن أن يكون بعض العروق في بدن الب منسوبا إلى‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .115 :‬في المصدر‪ :‬وإن هو‪ (3) .‬في المصدر‪ :‬أشبه الولد‪.‬‬

‫)‪ (4‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪.91‬‬

‫]‪[360‬‬

‫العمام وفي بدن الم منسوبا إلى الخوال‪ ،‬ففي الضطراب يعلو المني‬

‫الخارج من ذلك العرق‪ ،‬فالمراد بالعرق مني العرق‪ ،‬وهذا ل يخلو من بعد‪.‬‬

‫‪ - 49‬تفسير المام‪ :‬قال عليه السلم في قوله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا‬

‫ربكم الذي خلقكم )‪ " (1‬من نطفة من ماء مهين‪ ،‬فجعله في قرار مكين إلى‬

‫قدر معلوم‪ ،‬فقدره فنعم القادر رب العالمين‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫واله‪ :‬إن النطفة تثبت في الرحم أربعين يوما نطفة‪ ،‬ثم يصير علقة أربعين‬

‫يوما‪ ،‬ثم مضغة أربعين يوما‪ ،‬ثم يجعل بعده عظما‪ ،‬ثم يكسى لحما‪ ،‬ثم يلبس‬
‫ال بعده جلدا‪ ،‬ثم ينبت عليه شعرا‪ ،‬ثم يبعث ال عزوجل ملك الرحام‪،‬‬

‫فيقال له‪ :‬اكتب أجله وعمله ورزقه‪ ،‬وشقيا يكون أو سعيدا‪ ،‬فيقول ملك‪ :‬يا‬

‫رب أنى لي بعلم ذلك ؟ فيقال له‪ :‬استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ‬

‫فيستمليه منهم‪ - 50 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‬

‫عيسى‪ ،‬عن أبي محمد المدائني عن عائذ بن حبيب بياع الهروي‪ ،‬عن‬

‫عيسى بن زيد‪ ،‬رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يثغر الغلم لسبع‬

‫سنين‪ ،‬ويؤمر بالصلوة لتسع‪ ،‬ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم‬

‫لربع عشرة )‪ (2‬وينتهي طوله إلى اثنين )‪ (3‬وعشرين سنة‪ ،‬وينتهي عقله‬

‫إلى ثمان )‪ (4‬وعشرين سنة إل التجارب )‪ .(5‬بيان‪ :‬قال المطرزي‪ :‬ثغر‬

‫الصبي فهو مثغور‪ :‬سقطت رواضعه‪ ،‬وأما إذا نبت بعد السقوط فهو مثغر‬

‫بالتاء والثاء‪ ،‬وقد اثغر على افتعل‪ - 51 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬

‫محمد بن أحمد‪ ،‬عن موسى بن عمر‪ ،‬عن علي بن الحسين‪ ،‬عن الحسن‬

‫الضرير‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير‬

‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه )‬

‫‪ - 52 .(6‬ومنه‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .21 :‬في المصدر‪ :‬لربع عشرة سنة )‪ (3‬في المصدر‪:‬‬

‫اثنتين‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬لثمان‪ 5) .‬و ‪ (6‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪46‬‬
‫]‪[361‬‬

‫عن أبي عبد ال عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬الغلم يلقح بتفلك ثدياه‬

‫وبسطح )‪ (1‬ريح إبطيه )‪ .(2‬بيان‪ :‬ل يلقح‪ :‬ل يجامع‪ (3) ،‬وهو كناية عن‬

‫البلوغ‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬فلك ثديها وتفلك‪ :‬استدار‪ - 53 .‬الكافي‪ :‬عن محمد‬

‫بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬جميعا عن ابن‬

‫محبوب‪ ،‬عن خليل بن عمرو اليشكري‪ ،‬عن جميل بن دراج‪ ،‬عن أبي عبد‬

‫ال عليه السلم قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬إذا كان الغلم‬

‫ملتاث الدرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره ويؤمن شره‪،‬‬

‫قال‪ :‬وإذا كان الغلم شديد الدرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن ل يرجى‬

‫خيره ول يؤمن شره )‪ .(4‬توضيح‪ :‬في أكثر النسخ " ملتاث الدرة " بالتاء‬

‫المثناة ثم الثاء المثلثة من اللوثة بالضم وهي السترخاء‪ ،‬والدرة‪ :‬نفخة‬

‫في الخصية‪ ،‬وكأن المراد بها هنا نفس الخصية أي مسترخي الخصية‬

‫متدليها‪ ،‬وفي بعضها " الزرة " بالزاي‪ ،‬أي هيئة الئتزار‪ ،‬والتياثه كناية‬

‫عن أنه ليجود شد الزار والمنطقة بحيث يرى منه حسن الئتزار فعجب به‬

‫كما هو عادة الظرفاء‪ ،‬وفي بعضها " ملثاث " بالثائين المثلثتين‪ ،‬واللث‬

‫واللثاث و اللثلثة‪ :‬اللحاح والقامة ودوام المطر‪ ،‬والثلثة‪ :‬الضعف‬

‫والحبس )‪ (5‬والتردد في المر‪ ،‬ذكرها الفيروز آبادي‪ ،‬والول أنسب‪- 54 .‬‬


‫الكافي‪ :‬عن علي بن محمد بن بندار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن علي‬

‫الهمداني‪ .‬عن أبي سعيد الشامي‪ ،‬عن صالح بن عقبة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت العبد‬

‫الصالح يقول‪ :‬تستحب‬

‫)‪ (1‬في اكثر النسخ‪ :‬يتفلك ثدياه ويسطع‪ ..‬وفى المصدر‪ :‬وتسطع‪(2) .‬‬

‫الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .46‬في اكثر النسخ " أو "‪ (4) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص‬

‫‪ (5) .51‬في القاموس ]طبعة مصر[‪ ،‬الجيش‪ .‬والظاهران الصواب هو‬

‫الحبس‪ ،‬لنه من معاني اللثلثة‬

‫]‪[362‬‬

‫عرامة الغلم )‪ (1‬في صغره ليكون حليما في كبره‪ .‬ثم قال‪ :‬ما ينبغي إل أن‬

‫يكون هكذا‪ .‬وروي أن أكيس الصبيان أشدهم بغضا للكتاب )‪ .(2‬بيان‪:‬‬

‫العرامة‪ :‬سوء الخلق والفساد والمرح والشرار‪ ،‬والمراد ميله إلى اللعب‬

‫وبغضه للكتاب‪ ،‬أي عرامته في صغره علمة عقله وحلمه في كبره وينبغي‬

‫أن يكون الطفل هكذا‪ ،‬فأما إذا كان منقادا ساكنا حسن الخلق في صغره‬

‫يكون بليدا في كبره كما هو المجرب‪ ،‬والكتاب ‪ -‬بالتشديد ‪ :-‬المكتب‪- 55 .‬‬

‫الدر المنثور‪ :‬عن محمد بن كعب القرطي‪ ،‬قال‪ :‬قرأت في التورية ‪ -‬أو قال‪:‬‬

‫في صحف إبراهيم ‪ -‬فوجدت فيها يقول ال تعالى‪ :‬يا ابن آدم ما أنصفتني !‬
‫خلقتك ولم تك شيئا وجعلتك بشرا سويا‪ ،‬خلقتك من سللة من طين ثم‬

‫جعلتك نطفة في قرار مكين‪ ،‬ثم خلقت النطفة علقة‪ ،‬فخلقت العلقة مضغة‪،‬‬

‫فخلقت المضغة عظاما‪ ،‬فكسوت العظام لحما‪ ،‬ثم أنشأتك خلقا آخر‪ .‬يا ابن‬

‫آدم ! هل يقدر على ذلك غيري ؟ ثم خففت ثقلك على امك حتى لتتبرم )‪(3‬‬

‫بك وتتأذى‪ ،‬ثم أوحيت إلى المعاء أن انسعي وإلى الجوارح أن تفرقي‪،‬‬

‫فاتسعت المعاء من بعد ضيقها‪ ،‬وتفرقت الجوارح من بعد تشبيكها‪ ،‬ثم‬

‫أوحيت إلى الملك الموكل بالرحام أن يخرجك من بطن امك‪ ،‬فاستخلصك )‬

‫‪ (4‬على ريشة من جناحه‪ ،‬فاطلعت عليك فإذا أنت خلق ضعيف ليس لك سن‬

‫يقطع ول ضرس يطحن‪ ،‬فاستخلصت لك في صدر امك ثديا )‪ (5‬يدر لك لبنا‬

‫باردا في الصيف حارا في الشتاء‪ ،‬واستخلصته من بين جلد ولحم ودم‬

‫وعروق‪ ،‬وقذفت لك في قلب والدتك الرحمة‪ ،‬وفي قلب أبيك التحنن‪ ،‬فهما‬

‫يكدان ويجهدان‪ ،‬ويربيانك ويغذيانك‪ ،‬ولم يناما حتى ينومانك‪ .‬ابن آدم ! أنا‬

‫فعلت ذلك بك ل بشئ استأهلته به مني أو لحاجة استعنت على قضائها‪ .‬ابن‬

‫آدم ! فلما قطع‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬الصبى‪ (2) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .51‬في المصدر‪ :‬ل‬

‫تتمرض‪ (4) .‬في المصدر‪ :‬فاستخلصتك )‪ (5‬في المصدر‪ :‬عرقا‪(*) .‬‬


‫]‪[363‬‬

‫سنك وطلع )‪ (1‬ضرسك أطعمتك فاكهة الصيف وفاكهة الشتاء في أوانهما‪،‬‬

‫فلما )‪ (2‬عرفت أني ربك عصيتني‪ ،‬فالن إذ عصيتني فادعني وإني قريب‬

‫مجيب‪ ،‬وادعني فإني غفور رحيم )‪ - 56 .(3‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬

‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة قال‪ :‬كنت‬

‫اجالس أبا عبد ال عليه السلم فل وال ما رأيت مجلسا أنيل )‪ (4‬من‬

‫مجالسه‪ .‬قال‪ :‬فقال لي ذات يوم‪ :‬من أين تخرج العطسة ؟ فقلت‪ :‬من النف‪،‬‬

‫فقال لي‪ :‬أصبت الخطأ‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬من أين تخرج ؟ فقال‪ :‬من جميع‬

‫البدن‪ ،‬كما أن النطفة تخرج من جميع البدن ومخرجها من الحليل‪ .‬ثم أما‬

‫رأيت النسان إذا عطس نفض جميع أعضائه‪ ،‬وصاحب العطسة يأمن‬

‫الموت سبعة أيام )‪ - 57 .(5‬الكافي‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬

‫محمد‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن محمد بن الفضيل‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬قال‬

‫سألت أبا جعفر عليه السلم عن الخلق‪ ،‬فقال‪ :‬إن ال تعالى لما خلق الخلق‬

‫من طين أفاض بها كإفاضة القداح‪ ،‬فأخرج المسلم فجعله سعيدا وجعل‬

‫الكافر شقيا‪ ،‬فإذا وقعت النطفة تلقتها الملئكة فصوروها‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬يا رب‬

‫أذكر أو اثنى ؟ فيقول الرب جل جلله أي ذلك شاء‪ ،‬فيقولن‪ :‬تبارك ال‬

‫أحسن الخالقين ! ثم يوضع )‪ (6‬في بطنها فتردد تسعة أيام وفي كل عرق‬

‫ومفصل منها‪ ،‬وللرحم ثلثة أقفال‪ :‬قفل في أعلها مما يلي أعل السرة من‬
‫جانب اليمن‪ ،‬والقفل الخر في وسطها أسفل )‪ (7‬من الرحم‪ ،‬فيوضع بعد‬

‫تسعة أيام في القفل العلى فيمكث فيه ثلثة‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬طحن‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬فاكهة الصيف في اوانها وفاكهة‬

‫الشتاء في اوانها فلما أن عرفت‪ (3) .‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪(4) .316‬‬

‫في المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ :‬أنبل‪ (5) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪(6) .657‬‬

‫في المصدر‪ :‬توضع‪ (7) .‬في المصدر وبعض نسخ الكتاب‪ :‬والقفل الخر‬

‫أسفل‪...‬‬

‫]‪[364‬‬

‫أشهر‪ ،‬فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع‪ ،‬ثم ينزل إلى القفل‬

‫الوسط فيمكث فيه ثلثة أشهر‪ ،‬وسرة الصبي فيها مجمع العروق وعروق‬

‫المرأة كلها منها يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق‪ ،‬ثم ينزل إلى القفل‬

‫السفل فيمكث فيه ثلثة أشهر‪ ،‬فذلك تسعة أشهر ثم تطلق المرأة‪ ،‬فكلما‬

‫طلقت انقطع عرق من سرة الصبي فأصابها ذلك الوجع‪ ،‬ويده على سرته‬

‫حتى يقع على الرض ويده مبسوطة‪ ،‬فيكون رزقه حينئذ من فيه )‪.(1‬‬

‫بيان‪ " :‬أفاض بها كإفاضة القداح " قال الجوهري‪ :‬إفاضة القداح‪ :‬الضرب‬

‫بها‪ ،‬والقداح جمع القدح ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو السهم قبل أن يراش وينصل‪،‬‬
‫فانهم كانوا يخلطونها ويقرعون بها بعد ما يكتبون عليها أسماءهم‪ .‬وفي‬

‫التشبيه إشارة لطيفة إلى اشتباه خير بني آدم بشرهم إلى أن يميز ال‬

‫الخبيث من الطيب‪ ،‬كذا ذكره بعض الفاضل‪ .‬أقول‪ :‬يمكن أن يقرأ " القداح‬

‫" بفتح القاف وتشديد الدال وهو صانع القدح‪ ،‬أي أفاض وشرع في بريها‬

‫ونحتها كالقداح ]فيراهم مختلفة كالقداح[‪ .‬قوله " فتردد‪ " ..‬لعل ترددها‬

‫كناية عما يؤثر فيها من مزاج الم‪ ،‬أوما يختلط بها من نطفة الم الخارجة‬

‫من جميع عروقها‪ .‬ثم إنه يحتمل أن يكون نزولها إلى الوسط والسفل‬

‫ببعضها لعظم جثتها ل بكلها‪ .‬قوله " أسفل من الرحم " أي ]هو[ أسفل‬

‫موضع منها‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الطلق وجع الولدة‪ ،‬وقد طلقت المرأة طلقا‬

‫على ما لم يسم فاعله و " يده " أي يد الصبي‪ - 58 .‬الكافي‪ :‬عن محمد بن‬

‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬

‫عن ابن رئاب‪ ،‬عن زرارة بن أعين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا جعفر عليه السلم‬

‫يقول‪ :‬إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما وتكون علقة‬

‫أربعين يوما وتكون مضغة أربعين يوما‪ ،‬ثم يبعث ال ملكين خلقين فيقال‬

‫لهما‪ :‬اخلقاكما يريد ال ذكرا أو انثى‪ ،‬صوراه واكتبا أجله ورزقه ومنيته‪،‬‬

‫وشقيا أو سعيدا‪ ،‬واكتبا ل‬

‫)‪ (1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.15‬‬


‫]‪[365‬‬

‫الميثاق الذي أخذه )‪ (1‬في الذر بين عينيه‪ ،‬فإذا دنا خروجه من بطن امه‬

‫بعث ال إليه ملكا يقال له " زاجر " فيزجره فيفزع فزعا‪ ،‬فينسى الميثاق‬

‫ويقع إلى الرض ]و[ يبكي من زجرة الملك )‪ - 59 .(2‬قرب السناد‪ :‬عن‬

‫أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال‪ :‬سألت‬

‫الرضا عليه السلم أن يدعو ال عزوجل لمرأة من أهلنا بها حمل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر‪ ،‬فقلت له‪ :‬إنما‬

‫لها أقل من هذا‪ ،‬فدعا لها‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن النطفة تكون في الرحم ثلثين يوما‬

‫وتكون علقة ثلثين يوما وتكون مضغة ثلثين يوما‪ ،‬وتكون مخلقة وغير‬

‫مخلقة ثلثين يوما‪ ،‬فإذا تمت الربعة أشهر بعث ال تعالى إليها ملكين‬

‫خلقين يصورانه ويكتبان رزقه وأجله‪ ،‬وشقيا أو سعيدا ‪ -‬الخبر ‪60 .(3) -‬‬

‫‪ -‬تفسير على بن ابراهيم‪ " :‬لقد خلقناكم ثم صورناكم " أي خلقناكم في‬

‫الصلب وصورناكم في أرحام النساء‪ .‬ثم قال‪ :‬وصور ابن مريم في الرحم‬

‫دون الصلب وإن كان مخلوقا في أصلب النبياء‪ ،‬ورفع وعليه مدرعة من‬

‫صوف‪ .‬حدثنا أحمد بن محمد‪ ،‬عن جعفر بن عبد ال المحمدي‪ ،‬عن كثير بن‬

‫عياش‪ ،‬عن )‪ (4‬أبي جعفر عليه السلم في قوله " ولقد خلقناكم ثم‬

‫صورناكم " قال‪ :‬أما " خلقناكم " فنطفة ثم علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬ثم عظاما )‬
‫‪ (5‬ثم لحما‪ ،‬وأما " صورناكم " فالعين‪ ،‬والنف والذنين‪ ،‬والفم‪ ،‬واليدين‪،‬‬

‫والرجلين‪ ،‬صور هذا ونحوه‪ ،‬ثم جعل الدميم والوسيم والجسيم والطويل‬

‫والقصير وأشباه هذا )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬اخذه عليه‪ (2) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (3) .16‬قرب السناد‪:‬‬

‫‪ (4) .206‬في المصدر‪ :‬عن أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلم‪(5) .‬‬

‫في المصدر‪ :‬عظما‪ (6) .‬تفسير القمى‪.212 :‬‬

‫]‪[366‬‬

‫‪ - 61‬ومنه‪ " :‬خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها " يعني آدم‬

‫وزوجته حواء " في ظلمات ثلث " قال‪ :‬البطن‪ ،‬والرحم‪ ،‬والمشيمة )‪.(1‬‬

‫‪ - 62‬ومنه‪ " :‬أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "‬

‫يعني الظلمات الثلث التي ذكرها ال‪ ،‬وهي المشيمة والرحم والبطن )‪.(2‬‬

‫‪ - 63‬الكافي‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن إسماعيل بن مرار‪ ،‬عن‬

‫يونس‪ ،‬قال‪ :‬إنما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة النسان‪ ،‬لن‬

‫ال عزوجل بحكمته خلق النسان من ستة أجزاء فوضع المواريث على‬

‫ستة أسهم‪ ،‬وهو قوله عزوجل " ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ثم‬

‫جعلناه نطفة في قرار مكين " ففي النطفة دية " ثم خلقنا النطفة علقة "‬
‫ففي العلقة دية " فخلقنا العلقة مضغة " وفيها دية " ثم خلقنا المضغة‬

‫عظاما " وفيها دية " فكسونا العظام لحما " وفيه دية اخرى " ثم أنشأناه‬

‫خلقا آخر " وفيه دية اخرى‪ ،‬فهذا ذكر آخر المخلوق )‪ - 64 .(3‬قصص‬

‫الراوندي‪ :‬بإسناده عن الصدوق‪ ،‬بإسناده عن شهر بن حوشب قال‪ :‬لما قدم‬

‫رسول ال صلى ال عليه واله المدينة أتاه رهط من اليهود فسألوه عن‬

‫مسائل‪ ،‬منها قالوا‪ :‬كيف يكون الشبه من المرأة وإنما النطفة للرجل ؟‬

‫فقال‪ :‬انشدكم بال أتعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة وأن نطفة المرأة‬

‫حمراء رقيقة‪ ،‬فأيتها غلب )‪ (4‬على صاحبتها كان لها الشبه ؟ قالوا‪ :‬اللهم‬

‫نعم ‪ -‬الخبر ‪ - 65 .-‬ومنه‪ :‬بإسناده عن الصدوق‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬

‫محمد بن أحد بن يحيى عن السياري‪ ،‬عن إسحق ابن إبراهيم‪ ،‬عن الرضا‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن الملك قال لدانيال‪ :‬أشتهي أن يكون لي ابن مثلك‪،‬‬

‫فقال‪ :‬ما محلي من قلبك ؟ قال‪ :‬أجل محل وأعظمه‬

‫)‪ (1‬التفسير‪ (2) .574 :‬التفسير‪ (3) .132 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪(4) .84‬‬

‫كذا‪ ،‬والصواب " غلبت "‬

‫]‪[367‬‬
‫قال دانيال‪ :‬فإذا )‪ (1‬جامعت فاجعل همتك في‪ .‬قال‪ :‬ففعل الملك ذلك‪ ،‬فولد له‬

‫ابن أشبه خلق ال بدانيال‪ .‬بيان‪ :‬أقول‪ :‬ذكر الطباء أيضا أن للتخيل في‬

‫وقت الجماع مدخل في كيفية تصوير الجنين‪ ،‬قال ابن سينا في القانون‪ :‬قد‬

‫قال قوم من العلماء ولم يعدوا عن حكم الجواز إن من أسباب الشبه ما‬

‫يتمثل حال العلوق في وهم المرأة أو الرجل من الصور النسانية تمثل‬

‫متمكنا )انتهى( وقال بعضهم‪ :‬تصور رجل عند الجماع صورة حية فتولد‬

‫منه طفل كان رأسه رأس إنسان وبدنه بدن حية‪ - 66 .‬قرب السناد‪ :‬عن‬

‫السندي بن محمد‪ ،‬عن أبي البختري‪ ،‬عن وهب القرشي عن جعفر عن أبيه‬

‫عليهما السلم أن رجل أتى علي بن أبي طالب عليه السلم فقال‪ :‬إن‬

‫امرأتي هذه جارية حدثة وهي عذراء وهي حامل في تسعة أشهر‪ ،‬ول أعلم‬

‫إل خيرا‪ ،‬وأنا شيخ كبير ما افترعتها وإنها لعلى حالها‪ .‬فقال له علي عليه‬

‫السلم‪ :‬نشدتك بال هل كنت تهريق على فرجها ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال علي عليه‬

‫السلم‪ :‬إن لكل فرج ثقبتين‪ :‬ثقب يدخل فيه ماء الرجل وثقب يخرج منه‬

‫البول‪ .‬وأفواه الرحم تحت الثقب الذي يدخل منه ماء الرجل‪ ،‬فإذا دخل الماء‬

‫في فم واحدة من أفواه الرحم حملت المرأة بولد واحد‪ ،‬وإذا دخل في اثنين‬

‫حملت )‪ (2‬باثنين‪ ،‬وإذا دخل من ثلثة حملت بثلثة‪ ،‬وإذا دخل من أربعة‬

‫حملت بأربعة وليس هناك غير ذلك‪ ،‬وقد ألحقت بك ولدها‪ .‬فشق عنها )‪(3‬‬

‫القوابل‪ ،‬فجاءت بغلم فعاش )‪ - 67 .(4‬التهذيب‪ :‬بإسناده عن محمد بن‬


‫الفضيل‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬قلت‪ :‬تلزمني المرأة أو الجارية‬

‫من خلفي وأنا متكئ على جنب‪ ،‬فتتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل‬

‫الماء‪ ،‬أفعليها غسل أم ل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء‬

‫)‪ (1‬إذا )خ(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬من اثنين حملت المرأة باثنين‪ (3) .‬في‬

‫المصدر‪ " :‬فسوغتها القوابل " وهو الصواب ظاهرا‪ (4) .‬قرب السناد‪:‬‬

‫‪.91‬‬

‫]‪[368‬‬

‫وجب عليها الغسل‪ - 68 .‬ومنه‪ :‬بسند موثق عن معاوية بن حكيم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إذا أمنت المرأة والمة من شهوة‬

‫جامعها الرجل أولم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل‪.‬‬

‫‪ - 69‬ومنه‪ :‬بإسناده عن يحيى بن أبي طلحة‪ ،‬أنه سأل عبدا صالحا عن‬

‫رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت‪ ،‬عليها غسل أم ل ؟‬

‫قال‪ :‬أليس قد أنزلت من شهوة ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬عليها غسل‪ - 70 .‬ومنه‪:‬‬

‫بسند صحيح عن ابن بزيع‪ ،‬قال‪ :‬سألت الرضا عليه السلم عن الرجل‬

‫يجامع المرأة في ما دون الفرج فتنزل المرأة‪ ،‬هل عليها غسل ؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫تبيان‪ :‬أقول‪ :‬الخبار في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬وهي تدل مع ما مر من الخبار‬


‫في شبه العمام والخوال على أن للمرأة منيا كالرجل كما ذهب إليه‬

‫جالينوس و أكثر الطباء‪ ،‬وذهب أرسطو وجماعة من الحكماء إلى أنه ليس‬

‫للمرأة مني وإنما تنفصل من بيضتها )‪ (1‬رطوبة شبيهة بالمني يقال لها‬

‫المني مجازا‪ ،‬إذ عندهم أن المني ما اجتمع فيه خمس صفات‪ :‬بياض اللون‪،‬‬

‫وحصول اللذة عند الخروج‪ ،‬والقوة العاقدة والدفق‪ ،‬ورائحة شبيهة برائحة‬

‫الطلع‪ ،‬وإذا امتزج مني الرجل بتلك الرطوبة تتولد منه مادة الجنين‪ ،‬ومني‬

‫الرجل هي العاقدة والفاعلة‪ ،‬ورطوبة المرأة هي المنعقدة و المنفعلة‪ .‬وقال‬

‫جالينوس وأتباعه‪ :‬في كل منهما قوة عاقدة ومنعقدة‪ .‬والحق أن النزاع في‬

‫إطلق المني على رطوبة المرأة وعدمه لفظي ل طائل تحته‪ ،‬وقد مر في‬

‫الخبار الكثيرة أن الولد يتكون من المنيين معا‪ ،‬وسيأتي بعض القول فيه‬

‫أيضا في آخر الباب إن شاء ال‪ - 71 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ :‬قوله "‬

‫سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل‬

‫يعلمون )‪ " (2‬قال‪ :‬فإنه حدثني أبي‪ ،‬عن النضر‬

‫)‪ (1‬بيضتيها )خ(‪ (2) .‬يس‪.36 :‬‬

‫]‪[369‬‬
‫ابن سويد‪ ،‬عن الحلبي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن النطفة تقع‬

‫من السماء إلى الرض على النبات والثمر والشجر‪ ،‬فتأكل الناس منه‬

‫والبهائم‪ ،‬فيجري فيهم )‪ - 72 .(1‬العلل‪ :‬عن محمد بن موسى بن المتوكل‪،‬‬

‫عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد ال البرقي‪ ،‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن حماد بن عثمان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬

‫السلم قال‪ :‬ابن آدم منتصب في بطن امه‪ ،‬وذلك قول ال عزوجل " لقد‬

‫خلقنا النسان في كبد )‪ " (2‬وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه )‪(3‬‬

‫بين يديه )‪ - 73 .(4‬تفسير على بن ابراهيم‪ " :‬ولقد خلقنا النسان من‬

‫سللة من طين " قال‪ :‬السللة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير‬

‫نطفة‪ ،‬والنطفة أصلها من السللة والسللة هو من )‪ (5‬صفوة الطعام‬

‫والشراب‪ ،‬والطعام من أصل الطين‪ ،‬فهذا معنى قوله " من سللة من طين‬

‫"‪ " .‬ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " أي في النثيين ثم في الرحم " ثم‬

‫خلقنا النطفة علقة ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬أحسن الخالقين " وهذه استحالة أمر إلى‬

‫أمر‪ ،‬فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعين يوما ثم يصير علقة )‪- 74 .(6‬‬

‫ومنه‪ :‬قوله " ولقد خلقنا النسان ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ثم أنشأناه خلقا آخر " فهي‬

‫ستة أجزاء وستة استحالت‪ ،‬وفي كل جزء واستحالة دية محدودة‪ ،‬ففي‬

‫النطفة عشرون دينارا‪ ،‬وفي العلقة أربعون دينارا‪ ،‬وفي المضغة ستون‬

‫دينارا‪ ،‬وفي العظم ثمانون دينارا‪ ،‬وإذا كسي لحما فمائة دينار‪ ،‬حتى‬
‫يستهل‪ ،‬فإذا استهل فالديه كاملة )‪ - 75 .(7‬وفي رواية أبي الجارود عن‬

‫أبي جعفر عليه السلم في قوله " ثم أنشأناه خلقا آخر " فهو نفخ الروح‬

‫فيه )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) 551 :‬البلد‪ (3) 4 :‬في نسخة مخطوطة‪ :‬فرأسه في‬

‫دبرة بين يديه‪ (4) .‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (5) .181‬في المصدر‪:‬‬

‫والنطفة من السللة والسللة من صفوة‪ (6) .‬تفسير القمى‪(7) .445 :‬‬

‫تفسير القمى‪ (8) .445 :‬التفسير‪.446 :‬‬

‫]‪[370‬‬

‫‪ - 76‬ومنه‪ " :‬وبدأ خلق النسان من طين " قال‪ :‬هو آدم عليه السلم " ثم‬

‫جعل نسله " أي ولده " من سللة " وهو الصفوة من الطعام والشراب "‬

‫من ماء مهين " قال‪ :‬النطفة المني " ثم سواه " أي استحاله من نطفة إلى‬

‫علقة‪ ،‬ومن العلقة )‪ (1‬إلى مضغة‪ ،‬ثم )‪ (2‬نفخ فيه الروح )‪ - 77 (3‬ومنه‪:‬‬

‫في روايه أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " يهب لمن‬

‫يشاء إناثا " يعني‪ :‬ليس معهن ذكر " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني‪:‬‬

‫ليس معهم انثى " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " أي يهب لمن يشاء ذكرانا‬

‫وإناثا جميعا‪ ،‬يجمع له البنين والبنات )‪ - 78 .(4‬ومنه‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬


‫المحمودي ومحمد بن عيسى بن عبيد‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل الدارمي )‪(5‬‬

‫عن محمد بن سعيد‪ ،‬أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن علي بن محمد عن‬

‫مسائل‪ ،‬وفيها‪ :‬أخبرنا عن قول ال " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " فهل‬

‫يزوج ال عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك ؟ فسأل موسى أخاه أبا‬

‫الحسن العسكري عليه السلم فكان من جواب أبي الحسن عليه السلم‪ :‬أما‬

‫قوله " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " فإن ال تعالى زوج ذكران المطيعين‬

‫إناثا من الحور العين‪ ،‬وإناث المطيعات من النس ذكران المطيعين‪ ،‬ومعاذ‬

‫ال أن يكون الجليل عنى )‪ (6‬ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة )‪(7‬‬

‫لرتكاب المآثم )‪ .(8‬بيان‪ :‬ل يخفى بعد ما ذكر في الخبر من سياق الية‪،‬‬

‫وكأنه على سبيل التنزل‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬علقة‪ (2) .‬فيه‪ :‬حتى )‪ (3‬التفسير‪ (4) .511 :‬التفسير‪:‬‬

‫‪ (5) .605‬كذا في نسخ الكتاب‪ ،‬وفى المصدر " الرازي " وهو الصواب‬

‫ظاهرا‪ ،‬لعدم ذكر من " محمد بن اسماعيل الدارمي " في كتب الرجال‪(6) .‬‬

‫في اكثر النسخ " اعني "‪ (7) .‬في المصدر‪ :‬طلبا لرخصة‪ (8) .‬تفسير‬

‫القمى‪.605 :‬‬

‫]‪[371‬‬
‫أي لو كان المراد بالتزويج ما زعمت لحتمل محمل صحيحا أيضا‪ ،‬أو يكون‬

‫هذا بطنا من بطون الية‪ .‬ويمكن تصحيحه بوجه ل يأبي عن سياق الية‬

‫بأن يكون الغرض بيان أحوال جميع أفراد البشر أو المؤمنين في الزواج )‬

‫‪ (1‬والولد‪ ،‬فإنهم إما أن يكونوا تزوجوا في الدنيا أم ل‪ ،‬فعلى الول إما‬

‫يهب لهم إناثا مع الذكران أو بدونهم أو يهب لهم ذكرانا مع الناث وبدونهن‬

‫على سبيل منع الخلو‪ ،‬أو يجعلهم عقيما ل يولد لهم‪ ،‬وعلى الثاني يزوج‬

‫المؤمنين والمؤمنات في الخرة‪ - 79 .‬التهذيب‪ :‬عن محمد بن الحسن‬

‫الصفار‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن العباس بن موسى الوراق‪ ،‬عن‬

‫يونس بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي جرير القمي‪ ،‬قال‪ :‬سألت العبد الصالح‬

‫عليه السلم عن النطفة ما فيها من الدية ؟ وما في العلقة ؟ وما في‬

‫المضغة المخلقة ومايقر في الرحام ؟ قال‪ :‬إنه يخلق في بطن امه خلقا من‬

‫بعد خلق‪ ،‬يكون نطفة أربعين يوما‪ ،‬ثم يكون علقة أربعين يوما‪ ،‬ثم مضغة‬

‫أربعين يوما‪ ،‬ففي النطفة أربعون دينارا‪ ،‬وفي العلقة ستون دينارا‪ ،‬وفي‬

‫المضغة ثمانون دينارا‪ ،‬فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار‪ ،‬قال ال‬

‫عزوجل " ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين " فإن كان ذكرا‬

‫ففيه الدية‪ ،‬وإن كانت انثى ففيها ديتها‪ - 80 .‬معاني الخبار‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن أحمد بن محمد )‪ (2‬عن علي بن السندي‪ ،‬عن‬

‫محمد بن عمرو بن سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند أبي عبد ال )‪ (3‬عليه‬
‫السلم حيث دخل عليه داود الرقي‪ ،‬فقال له‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬إن الناس يقولون‬

‫إذا مضى للحمل )‪ (4‬ستة أشهر فقد فرغ ال من خلقته‪ .‬فقال أبو الحسن‬

‫عليه السلم‪ :‬يا داود ! ادع ولو بشق الصفا ‪ -‬فقلت )‪ :(5‬وأي شئ الصفا ؟‬

‫قال‪ :‬ما يخرج مع الولد ‪ -‬فإن‬

‫)‪ (1‬الزواج )خ(‪ (2) .‬في المصدر‪ :‬عن محمد بن أحمد‪ (3) .‬كذا في نسخ‬

‫الكتاب‪ ،‬وفى المصدر‪ :‬عند أبى الحسن عليه السلم‪ (4) .‬في المصدر‪:‬‬

‫للحامل‪ (5) .‬فيه‪ :‬فقلت جعلت فداك‪.‬‬

‫]‪[372‬‬

‫ال عزوجل يفعل ما يشاء )‪ - 81 .(1‬القبال‪ :‬عن الحسين بن علي عليهما‬

‫السلم في دعاء يوم عرفة‪ :‬ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا‪،‬‬

‫وخلقتني من التراب‪ ،‬ثم أسكنتني الصلب‪ ،‬أمنا لريب المنون واختلف‬

‫الدهور‪ ،‬فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم اليام الماضية والقرون‬

‫الخالية‪ ،‬لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أيام‬

‫الكفرة الذين نقضوا عهدك‪ ،‬وكذبوا رسلك‪ ،‬لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا‬

‫علي للذي سبق لي من الهدى الذي )‪ (2‬يسرتني وفيه أنشأتني‪ ،‬ومن قبل‬

‫ذلك رؤفت بي بجميل صنعك‪ ،‬وسوابغ نعمتك‪ ،‬فابتدعت خلقي من مني‬


‫يمنى‪ ،‬ثم أسكنتني في ظلمات ثلث بين لحم وجلد ودم‪ ،‬لم تشهرني بخلقي‪،‬‬

‫ولم تجعل إلي شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا‪ ،‬وحفظتني‬

‫في المهد طفل صبيا‪ ،‬ورزقتني من الغذاء لبنا مريئا‪ ،‬وعطفت علي قلوب‬

‫الحواضن‪ ،‬وكفلتني المهات الرحائم‪ ،‬وكلتني من طوارق الجان‪ ،‬وسلمتني‬

‫من الزيادة والنقصان‪ ،‬فتعاليت يا رحيم يا رحمان‪ .‬حتى إذا استهللت ناطقا‬

‫بالكلم‪ ،‬أتممت علي سوابغ النعام‪ ،‬فربيتني زائدا في كل عام حتى إذا كملت‬

‫فطرتي‪ ،‬واعتدلت سريرتي‪ ،‬أوجبت علي حجتك‪ ،‬بأن ألهمتني معرفتك‪،‬‬

‫وروعتني بعجائب فطرتك‪ ،‬وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من‬

‫بدائع خلقك‪ ،‬ونبهتني لذكرك وشكرك‪ ،‬وواجب طاعتك وعبادتك‪ ،‬وفهمتني‬

‫ما جاءت به رسلك‪ ،‬ويسرت لي تقبل مرضاتك‪ ،‬ومننت علي في جميع ذلك‬

‫بعونك ولطفك‪ ،‬ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي نعمة دون‬

‫اخرى‪ ،‬ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش‪ ،‬بمنك العظيم علي‪،‬‬

‫وإحسانك القديم إلي‪ ،‬حتى إذا أتممت علي جميع النعم‪ ،‬وصرفت عني كل‬

‫النقم‪ ،‬لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقربني إليك‪،‬‬

‫ووفقتني لما يزلفني لديك ‪ -‬إلى آخر الدعاء ‪.(3) -‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .405 :‬في المصدر‪ :‬فيه يسرتني‪ (3) .‬القبال‪:‬‬

‫‪.240‬‬
‫]‪[373‬‬

‫بيان‪ " :‬ثم أسكنتني الصلب " أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلب‬

‫آبائي‪ ،‬فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده‪ ،‬وكلهم كانوا من علل‬

‫وجوده‪ .‬وريب المنون‪ :‬حوادث الدهر‪ ،‬ذكره الجوهري‪ ،‬و " أمنا " مفعول‬

‫له‪ ،‬أي حفظت مادة وجودي في الصلب لكون آمنا من حوادث الدهر "‬

‫واختلف الدهور " وهو معطوف على " ريب " أو " المنون " والظاعن‪:‬‬

‫السائر‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬قدم الشئ ‪ -‬بالضم ‪ -‬قدما فهو قديم‪ ،‬وتقادم مثله‬

‫)انتهى( فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي اليام المتقادمة‪،‬‬

‫والخالية‪ :‬الماضية‪ " .‬للذي " متعلق بقوله " أخرجتني " ويحتمل أن‬

‫يكون اللم للظرفية وللعلة‪ " .‬الذي يسرتني " أي جعلتني قابل له‪ ،‬كما قال‬

‫تعالى " فسنيسره لليسرى )‪ " ." (1‬بين لحم وجلد ودم " الظاهر أنه ليس‬

‫تفسيرا للظلمات الثلث‪ ،‬أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم وجلدها‬

‫والدم الذي فيها‪ ،‬أو كنت بين تلك الجزاء من بدني‪ ،‬والول أظهر‪ " .‬لم‬

‫تشهرني بخلقي " أي لم تجعل تلك الحالت الخسيسة ظاهرة للخلق في‬

‫ابتداء خلقي لصير محقرا مهينا عندهم‪ ،‬بل سترت تلك الحوال عنهم‬

‫وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الحوال الدنية والطفل‪:‬‬

‫المولود‪ ،‬والصبي‪ :‬الغلم‪ ،‬وهما متقاربان في المعنى‪ ،‬فالصبي إما تأكيد أو‬
‫إشارة إلى اختلف مراتب المولود‪ ،‬بأن يكون الطفولية قبل الصبا‪ ،‬والول‬

‫أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفل وصبيا‪ ،‬فيكون الجمع‬

‫بينهما إشارة إلى حالتي المولود‪ ،‬فاعتبار نعومة بدنه طفل‪ ،‬وباعتبار قلة‬

‫عقله صبي‪ ،‬فلذا قال تعالى " كيف نكلم من كان في المهد صبيا )‪ " (2‬وما‬

‫قيل من أن الصبي أعم من الطفل لن المولود إذا فطم ل يسمى طفل‪،‬‬

‫يضعفه قوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء )‪(3‬‬

‫"‪ .‬قال الراغب‪ :‬الصبي من لم يبلغ الحلم‪ ،‬قال تعالى " كيف نكلم من كان‬

‫في المهد‬

‫)‪ (1‬الليل‪ (2) .7 :‬مريم‪ (3) .29 :‬النور‪.31 :‬‬

‫]‪[374‬‬

‫صبيا "‪ .‬وقال‪ :‬الطفل‪ :‬الولد مادام ناعما‪ ،‬وقد يقع على الجمع‪ ،‬قال تعالى "‬

‫ثم يخرجكم طفل " وقال " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء‬

‫" وقد يجمع على أطفال‪ ،‬قال عزوجل " وإذا بلغ الطفال منكم الحلم )‪" (1‬‬

‫وباعتبار النعمة قيل امرأة طفلة )انتهى(‪ .‬والغذاء‪ :‬ما يتغذى به من الطعام‬

‫والشراب‪ ،‬والمري إما من المهموز أي الموافق للطبع فخفف‪ ،‬أو من‬

‫المعتل من قولهم " مريت الناقة مريا " إذا مسحت ضرعها لتدر والمري ‪-‬‬
‫على فعيل ‪ :-‬الناقة الكبير اللبن‪ .‬والعطف‪ :‬الشفقة والمالة‪ ،‬يقال‪ :‬عطف‬

‫العود‪ ،‬أي ميله‪ ،‬وعلى الول يكون على بناء التفعيل‪ .‬والحواضن‪ :‬النساء‬

‫اللتي يقمن بتربية الصبيان‪ ،‬والحضن ما دون البط إلى الكشح‪ ،‬وحضن‬

‫الطير بيضه لنه يضمه إلى نفسه تحت جناحه‪ ،‬ولما كانت المهات يحضن‬

‫الولد سمين حواضن‪ .‬والكافل‪ :‬الحافظ لغيره‪ ،‬قال تعالى " وكفلها زكريا )‬

‫‪ ." (2‬و " كلتني " أي حفظتني " من طوارق الجان " أي جماعة من‬

‫الجن يطرقون بشر على الطفال كام الصبيان‪ .‬والطارق ‪ -‬في الصل ‪:-‬‬

‫الذي يأتي بالليل لحتياجه إلى طرق الباب ثم استعمل في كل شر نزل سواء‬

‫كان بالليل أو بالنهار‪ ،‬والمراد بالزيادة والنقصان ما يصير منهما سببا‬

‫لتشويه الخلقة وضعف البنية‪ .‬والستهلل‪ :‬رفع الصوت‪ ،‬واستهلل الصبي‬

‫صياحه عند الولدة‪ .‬وكما الفطرة إشارة إلى قوة العضاء والقوى‬

‫الظاهرة‪ ،‬واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة‪ " .‬أوجبت " أي ألزمت‬

‫وأتممت‪ ،‬و " روعتني " أي أفزعتني وخوفتني‪ ،‬والعلم بعجائب الفطرة‬

‫يصير سببا للخوف للعلم بعظمة الرب سبحانه ووفور نعمه وتقصير المكلف‬

‫في أداء شكره‪ ،‬كما قال تعالى " إنما يخشى ال من عباده العلماء )‪" (3‬‬

‫وقال " والذين هم من خشيه ربهم مشفقون )‪ " (4‬أو المعنى‪:‬‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .59 :‬آل عمران‪ (3) .37 :‬فاطر‪ (4) 28 :‬المؤمنون‪.58 :‬‬
‫]‪[375‬‬

‫ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة‪ ،‬لكنه بعيد عن الشائع في إطلق‬

‫هذا اللفظ بحسب اللغة‪ .‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬الحر ‪ -‬بالضم ‪ :-‬خيار كل‬

‫شئ‪ ،‬ومن الطين والرمل الطيب‪ ،‬ومن الرمل وسطه‪ .‬والثرى‪ :‬التراب‬

‫الندي‪ .‬أقول‪ :‬سيأتي شرح تلك الفقرات مستوفى عند ذكر الدعاء بتمامه في‬

‫محله إن شاء ال تعالى‪ - 82 .‬تفسير على بن ابراهيم‪ " :‬خلق النسان من‬

‫نطفة فإذا هو خصيم مبين " قال‪ :‬خلقه من قطرة من ماء منتن فيكون‬

‫خصيما متكلما بليغا )‪ - 83 .(1‬ومنه‪ " :‬أولم ير النسان أنا خلقناه من‬

‫نطفة فإذا هو خصيم مبين " قال‪ :‬أي ناطق عالم بليغ )‪ - 84 .(2‬ومنه‪" :‬‬

‫هو الذي يصوركم في الرحام كيف يشاء " قال‪ :‬يعني ذكرا وانثى‪ ،‬أسود‬

‫وأبيض وأحمر‪ ،‬صحيحا وسقيما )‪ - 85 .(3‬ومنه‪ " :‬ثم لقطعنا منه الوتين‬

‫" قال‪ :‬عرق في الظهر يكون منه الولد )‪ - 86 .(4‬ومنه‪ " :‬إذ أنتم أجنة‬

‫في بطون امهاتكم " أي مستقرين‪ ،‬قوله " من نطفة إذا تمنى " قال‪:‬‬

‫تتحول النطفة إلى الدم‪ ،‬فتكون أول دما‪ ،‬ثم تصير نطفة وتكون في الدماغ‬

‫في عرق يقال له الوريد وتمر في فقار الظهر‪ ،‬فل تزال تجوز فقرا فقرا‬

‫حتى تصير إلى )‪ (5‬الحالبين فتصير أبيض‪ ،‬وأما نطفة المرأة فإنها تنزل‬

‫من صدرها )‪.(6‬‬


‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .357 :‬التفسير‪ (3) 553 :‬التفسير‪(4) .87 :‬‬

‫التفسير‪ (5) .695 :‬في المصدر‪ :‬في‪ (6) .‬تفسير القمى‪(*) .655 :‬‬

‫]‪[376‬‬

‫بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬الحالبان عرقان مكتنفان بالسرة‪ - 87 .‬التفسير‪ " :‬لم‬

‫يكن شيئا مذكورا " قال‪ :‬لم يكن في العلم ول في الذكر )‪ - 88 .(1‬وفي‬

‫حديث آخر‪ :‬كان في العلم ولم يكن في الذكر‪ " .‬نبتليه " أي نختبره )‪.(2‬‬

‫‪ - 89‬وفي رواية أبي الجاورد عن أبي جعفر عليه السلم في قوله "‬

‫أمشاج " قال‪ :‬ماء الرجل وماء المرأة اختلطان جميعا )‪ .(3‬بيان‪ " :‬لم يكن‬

‫في العلم " أي علم الملئكة‪ - 90 .‬التفسير‪ " :‬مخلقة وغير مخلقة " قال‪:‬‬

‫المخلقة إذا صارت دما‪ ،‬وغير المخلقة قال‪ :‬السقط )‪ - 91 .(4‬وفي رواية‬

‫أبي الجاورد عن أبي جعفر عليه السلم " لنبين لكم " أنكم كنتم كذلك في‬

‫الرحام " ونقر في الرحام ما نشاء " فل يخرج سقطا )‪ - 92 .(5‬حدثنا‬

‫محمد بن جعفر‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن العباس‪ ،‬عن ابن أبي نجران عن‬

‫محمد بن القاسم‪ ،‬عن علي بن المغيرة‪ ،‬عن أبي عبد ال عن أبيه عليهما‬

‫السلم قال‪ :‬إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر )‪ .(6‬بيان‪ :‬ل يبعد أن‬

‫يكون " دما " تصحيف " تاما "‪ - 93 .‬التفسير‪ " :‬إنا خلقناهم مما‬
‫يعلمون " قال‪ :‬من نطفة ثم من علقة )‪ - 94 .(7‬ومنه‪ " :‬خلق النسان من‬

‫علق " قال‪ :‬من دم )‪.(8‬‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬التفسير‪ (3) .706 :‬التفسير‪ 4) .701 :‬و ‪ (5‬التفسير‪(6) .435 :‬‬

‫تفسير القمى‪ (7) .435 :‬التفسير‪ (8) .696 :‬التفسير‪.731 :‬‬

‫]‪[377‬‬

‫‪ - 95‬مجمع البيان‪ :‬روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك لما‬

‫قدموا النبي صلى ال عليه واله إلى المدينة سألوه فقالوا‪ :‬يا محمد ! كيف‬

‫نومك ؟ فقد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان‪ .‬فقال‪ :‬تنام‬

‫عيناي وقلبي يقظان‪ .‬قالوا‪ :‬صدقت يا محمد ! فأخبرنا عن الولد يكون من‬

‫الرجل أو المرأة ؟ فقال‪ :‬أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل‪ ،‬وأما‬

‫اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة‪ ،‬قالوا‪ :‬صدقت يا محمد ! فما بال‬

‫الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ‪ ،‬أو يشبه أخواله وليس‬

‫فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال‪ :‬أيهما عل ماؤه كان الشبه له‪ .‬قالوا‪:‬‬

‫صدقت يا محمد ! قالوا‪ :‬أخبرنا عن ربك ما هو ؟ فأنزل ال‪ :‬قل هو ال أحد‬

‫إلى آخر السورة )‪ - (1‬الخبر ‪ - 96 .-‬الكافي‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬

‫أبيه‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬رجل ذهبت إحدى بيضتيه فقال‪ :‬إن كانت‬

‫اليسار ففيها الدية قلت‪ :‬ولم ؟ أليس قلت‪ :‬ما كان في الجسد اثنان ففيه )‪(2‬‬

‫نصف الدية ؟ قال‪ :‬لن الولد من البيضة اليسرى )‪ - 97 .(3‬الفقيه‪ :‬بإسناده‬

‫عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬الولد يكون‬

‫من البيضة اليسرى‪ ،‬فإذا قطعت ثلثا الدية‪ ،‬وفي اليمنى ثلث الدية )‪.(4‬‬

‫بيان‪ :‬قال الشهيد الثاني ‪ -‬قدس سره ‪ :-‬انحصار التولد في الخصية اليسرى‬

‫قد أنكره بعض الطباء‪ ،‬ونسبه الجاحظ في حياة الحيوان إلى العامة‪ ،‬ولو‬

‫صح نسبته إليهم عليهم السلم لم يلتفت إلى إنكار منكره )انتهى(‪ .‬واقول‪:‬‬

‫هذا شئ ل يمكن العلم به غالبا إل من طريق الوحي واللهام‪ ،‬و التجربة‪،‬‬

‫قاصرة عنه‪ ،‬مع أنه يمكن أن يحمل على أن اليسرى أدخل في ذلك‪- 98 .‬‬

‫توحيد المفضل‪ :‬نبتدئ يا مفضل بذكر خلق النسان فاعتبر به‪ ،‬فأول‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .193‬في المصدر‪ :‬ففى كل واحد نصف‬

‫الدية‪ (3) .‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،7‬ص ‪ (4) .315‬من ل يحضره الفقيه‪.511 :‬‬

‫]‪[378‬‬

‫ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلث‪ :‬ظلمة‬

‫البطن‪ ،‬وظلمة الرحم‪ ،‬وظلمة المشيمة‪ ،‬حيث ل حيلة عنده في طلب غذاء‪،‬‬
‫ول دفع أذى‪ ،‬ول استجلب منفعة‪ ،‬ول دفع مضرة‪ ،‬فإنه يجري إليه من دم‬

‫الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فل يزال ذلك غذاءه حتى إذا كمل‬

‫خلقه‪ ،‬واستحكم بدنه‪ ،‬وقوي أديمه على مباشرة الهواء‪ ،‬وبصره على‬

‫ملقاة الضياء‪ ،‬هاج الطلق بامه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد‪،‬‬

‫وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه إلى ثدييها‪ ،‬فانقلب‬

‫الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء‪ ،‬وهو أشد موافقة للمولود من الدم‪،‬‬

‫فيوافيه في وقت حاجته إليه‪ ،‬فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا‬

‫للرضاع‪ ،‬فهو يجد ثديي امه كالداوتين المعلقتين لحاجته‪ ،‬فل يزال يغتذي‬

‫باللبن مادام رطب البدن رقيق المعاء لين العضاء‪ ،‬حتى إذا تحرك واحتاج‬

‫إلى غذاء فيه صلبة ليشتد ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من السنان‬

‫والضراس ليمضغ به الطعام‪ ،‬فيلين عليه وسهل له إساغته فل يزال كذلك‬

‫حتى يدرك‪ ،‬فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه‪ ،‬فكان ذلك علمة‬

‫الذكر وعز الرجل الذي يخرج به عن حد الصبا وشبه النساء‪ ،‬إن كانت انثى‬

‫يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال‬

‫لما فيه دوام النسل وبقاؤه‪ .‬اعتبر يا مفضل في ما يدبر به النسان في هذه‬

‫الحوال المختلفة‪ ،‬هل ترى يمكن أن يكون بالهمال ؟ أفرأيت لو لم يجر إليه‬

‫ذلك الدم وهو في الرحم ألم يكن سيذوى ويجف كما يجف النبات إذا فقد‬

‫الماء ؟ ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ألم يكن سيبقى في الرحم‬
‫كالموؤود في الرض ؟ ولو لم يوافقه اللبن مع ولدته ألم يكن سيموت‬

‫جوعا أو يغتذي بغذاء ل يلئمه ول يصلح عليه بدنه ؟ ولو لم تطلع عليه‬

‫السنان في وقتها ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته‪ ،‬أو يقيمه‬

‫على الرضاع فل يشتد بدنه ول يصلح لعلم‪ ،‬ثم كان تشتغل امه بنفسه عن‬

‫تربية غيره من الولد ؟ ولو لم يخرج الشعر في وجهه ]في وقته[ ألم يكن‬

‫سيبقى في هيئة الصبيان والنساء‪ ،‬فل ترى له جللة ول وقارا ؟‬

‫]‪[379‬‬

‫فقال المفضل‪ :‬فقلت‪ :‬يا مولي ! فقد رأيت من يبقى على حالته ولينبت‬

‫الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر‪ .‬فقال‪ :‬ذلك بما قدمت أيديهم وأن ال‬

‫ليس بظلم للعبيد‪ ،‬فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شئ من هذه‬

‫المآرب إل الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن‪ ،‬ثم توكل له بمصلحته بعد أن‬

‫كان ؟ فإن كان الهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد‬

‫والتقدير يأتيان بالخطأ والمحال‪ ،‬لنهما ضد )‪ (1‬الهمال‪ .‬وهذا فظيع من‬

‫القول وجهل من قائلة‪ ،‬لن الهمال ل يأتي بالصواب‪ ،‬والتضاد ل يأتي‬

‫بالنظام‪ ،‬تعالى ال عما يقول الملحدون علوا كبيرا‪ .‬ولو كان المولود يولد‬

‫فهما عاقل لنكر العالم عند ولدته‪ ،‬ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم‬

‫يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلف صور العالم من البهائم والطير‬


‫إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم‪ :‬واعتبر ذلك بأن‬

‫من سبي من ولد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران‪ ،‬فل يسرع في‬

‫تعلم الكلم وقبول الدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل‪ .‬ثم لو ولد‬

‫عاقل كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمول مرضعا معصبا بالخرق‬

‫مسجى في المهد‪ ،‬لنه ل يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حتى‬

‫يولد‪ ،‬ثم كان ل يوجد له من الحلوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل‪،‬‬

‫فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافل عما فيه أهله‪ ،‬فيلقى الشياء بذهن‬

‫ضعيف ومعرفة ناقصة‪ .‬ثم ل يزال يتزيد )‪ (2‬في المعرفة قليل قليل و شيئا‬

‫بعد شئ وحال بعد حال حتى يألف الشياء ويتمرن ويستمر عليها‪ ،‬فيخرج‬

‫من حد التأمل بها والحيرة فيها إلى التصرف والضطراب إلى المعاش‬

‫بعقله وحيلته وإلى العتبار والطاعة والسهو والغفلة ]والمعصية[‪ .‬وفي‬

‫هذا أيضا وجوه اخر‪ ،‬فإنه لو كان يولد تام العقل مستقل بنفسه لذهب‬

‫موضع حلوة تربية الولد‪ ،‬وما قدر أن يكون للوالدين في الشتغال بالولد‬

‫من المصلحة وما يوجب التربية للباء على البناء من المكافأة بالبر‬

‫والعطف عليهم عند حاجتهم‬

‫)‪ (1‬ضدا الهمال )ظ(‪ (2) .‬يتزايد )خ(‪.‬‬


‫]‪[380‬‬

‫إلى ذلك منهم‪ .‬ثم كان الولد ل يألفون آباءهم ول يألف الباء أبناءهم‪ ،‬لن‬

‫الولد كانوا يستغنون عن تربية الباء وحياطتهم‪ ،‬فيتفرقون عنهم حين‬

‫يولدون‪ ،‬فل يعرف الرجل أباه وامه‪ ،‬ول يمتنع من نكاح امه واخته وذوات‬

‫المحارم منه‪ ،‬إذ كان ل يعرفهن‪ ،‬وأقل ما في ذلك من القباحة‪ ،‬بل هو أشنع‬

‫وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرح المولود من بطن امه وهو يعقل أن‬

‫يرى منها مال يحل له ول يحسن به أن يراه‪ .‬أفل ترى كيف أقيم كل شئ‬

‫من الخلقة على غاية الصواب‪ ،‬وخل من الخطاء دقيقه وجليله ؟ اعرف يا‬

‫مفضل ما للطفال في البكاء من المنفعة‪ ،‬واعلم أن في أدمغة الطفال‬

‫رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعلل عظيمة من ذهاب‬

‫البصر وغيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة‬

‫في أبدانهم والسلمة في أبصارهم‪ .‬أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع‬

‫بالبكاء ووالداه ل يعرفان ذلك‪ ،‬فهما دائبان ليسكتانه‪ ،‬ويتوخيان في المور‬

‫مرضاته لئل يبكي وهما ل يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة ؟ فهكذا‬

‫يجوز أن يكون في كثير من الشياء منافع ل يعرفها القائلون بالهمال‪ ،‬ولو‬

‫عرفوا ذلك لم يقضوا على الشئ أنه ل منفعة فيه من أجل أنهم ل يعرفونه‬

‫ول يعلمون السبب فيه‪ ،‬فإن كل مال يعلمه المنكرون يعلمه العارفون وكثيرا‬

‫ما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه وعلت كلمته‪.‬‬
‫فأما ما يسيل من أفواه الطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو‬

‫بقيت في أبدانهم لحدثت عليهم المور العظيمة‪ ،‬كمن تراه قد غلبت عليه‬

‫الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من‬

‫المراض المتلفة كالفالج واللقوة وما أشبههما‪ ،‬فجعل ال تلك الرطوبة‬

‫تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم‪،‬‬

‫فتفضل على خلقه بما جهلوه‪ ،‬ونظر لهم بما لم يعرفوه‪ ،‬ولو عرفوا نعمه‬

‫عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته‪ .‬فسبحانه ! ما أجل نعمته‬

‫وأسبغها على المستحقين وغيرهم من خلقه ! وتعالى عما يقول المبطلون‬

‫علوا كبيرا‪ .‬اقول‪ :‬قدمر شرحه وتمامه في كتاب التوحيد‪.‬‬

‫]‪[381‬‬

‫‪ - 99‬العلل‪ :‬عن علي بن حاتم‪ ،‬عن إسماعيل بن علي بن قدامة‪ ،‬عن أحمد‬

‫ابن علي بن ناصح‪ ،‬عن جعفر بن محمد الرمني‪ ،‬عن الحسن بن عبد‬

‫الوهاب‪ ،‬عن علي بن حديد المدائني‪ ،‬عمن حدثه‪ ،‬عن المفضل بن عمر‪،‬‬

‫قال‪ :‬سألت جعفر بن محمد عليهما السلم عن الطفل يضحك من غير عجب‬

‫ويبكي من غير ألم‪ ،‬فقال‪ :‬يا مفضل ! مامن طفل إل وهو يرى المام‬

‫ويناجيه‪ ،‬فبكاؤه لغيبة المام عنه‪ ،‬وضحكه إذا أقبل إليه‪ ،‬حتى إذا اطلق‬

‫لسانه اغلق ذلك الباب عنه‪ ،‬وضرب على قلبه بالنسبان )‪ .(1‬بيان‪ :‬ل‬
‫استبعاد في ظاهر الخبر مع صحته‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد برؤية‪ .‬المام‬

‫ومناجاته توجهه وشمول شفاعته ولطفه ودعائه له‪ ،‬فإن لهم تصرفا في‬

‫العوالم يقصر العقل عن إدراكه‪ - 100 .‬التوحيد‪ :‬عن القاسم بن محمد‬

‫السراج‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن موسى )‪ (2‬عن محمد بن عبد ال بن‬

‫هارون الرشيد‪ ،‬عن محمد بن أكرم )‪ (3‬بن أبي اياس‪ ،‬عن ابن أبي ذئب‪،‬‬

‫عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل‬

‫تضربوا أطفالكم على بكائهم )‪ (4‬فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن ل إله‬

‫إل ال‪ ،‬وأربعة أشهر الصلة على النبي وآله‪ ،‬وأربعة أشهر الدعاء لوالديه‬

‫)‪ .(5‬بيان‪ :‬يحتمل أن يكون المراد بالخبر مع ضعفه أن لوالديه ثواب هذه‬

‫الذكار والدعية‪ ،‬فينبغي أن ل يملوا ول يضربوهم‪ .‬وقال بعض المحققين‪:‬‬

‫السر فيه أن الطفل أربعة أشهر ليعرف سوى ال عزوجل الذي فطر على‬

‫معرفته وتوحيده‪ ،‬فبكاؤه توسل إليه والتجاء به سبحانه خاصة دون غيره‪،‬‬

‫فهو شهادة له بالتوحيد‪ ،‬وأربعة اخرى يعرف امه من حيث إنها وسيلة‬

‫لغتذائه فقط ل من حيث إنها امه‪ ،‬ولهذا يأخذ‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع‪ :‬ج ‪ ،2‬ص ‪ (2) .272‬كذا في نسخ الكتاب‪ ،‬وفى المصدر‪:‬‬

‫جعفر بن محمد بن ابراهيم السرندى )‪ (3‬في المصدر‪ :‬محمد بن آدم‪(4) .‬‬

‫البكاء‪) :‬خ(‪ (5) .‬التوحيد‪.242 :‬‬


‫]‪[382‬‬

‫اللبن من غيرها أيضا في هذه المدة غالبا‪ ،‬فل يعرف فيها بعد ال إل من‬

‫كان وسيلة بين ال وبينه في ارتزاقه الذي هو مكلف به تكليفا طبيعيا من‬

‫حيث كونها وسيلة لغير وهذا معنى الرسالة‪ ،‬فبكاؤه في هذه المدة‬

‫بالحقيقة شهادة بالرسالة‪ ،‬وأربعة اخرى يعرف أبويه وكونه محتاجا إليهما‬

‫في الرزق‪ ،‬فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلمة والبقاء في الحقيقة‪- 101 .‬‬

‫الدر المنثور‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬حضرت عصابة من اليهود نبي ال‬

‫صلى ال عليه واله فسألوه عن مسائل‪ ،‬فكان في ما سألوه‪ :‬كيف ماء‬

‫الرجل من ماء المرأة ؟ وكيف النثى منه والذكر ؟ فقال‪ :‬إن ماء الرجل‬

‫أبيض غليظ‪ ،‬وإن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما عل كان له الولد والشبه‬

‫بإذن ال تعالى‪ ،‬إن علماء الرجل كان ذكرا بإذن ال وإن علماء المرأة‬

‫كان انثى بإذن ال ]تعالى[‪ - 102 .‬وعن أنس قال‪ :‬سأل عبد ال بن سلم‬

‫النبي صلى ال عليه واله فقال‪ :‬ما ينزع الولد إلى أبيه وإلى امه ؟ قال‪:‬‬

‫أخبرني جبرئيل أنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد‪ ،‬وإذا‬

‫سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها‪ - 103 .‬وعن ابن عباس‪ ،‬في قوله‬

‫تعالى " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " قال‪ :‬خلقوا في ظهر آدم ثم صوروا‬

‫في الرحام )‪ - 104 .(1‬وفي رواية اخرى عنه‪ :‬خلقوا في أصلب الرجال‪،‬‬
‫ثم صوروا في أرحام النساء )‪ - 105 .(2‬وفي رواية اخرى عنه قال‪ :‬أما‬

‫قوله " خلقناكم " فآدم‪ ،‬وأما " صورناكم " فذريته )‪ - 106 .(3‬وعن أبي‬

‫سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه واله سئل عن العزل فقال‪:‬‬

‫ل عليكم أن تفعلوا‪ ،‬إن يكن مما أخذ ال منها الميثاق فكانت على الصخرة‬

‫نفخ‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪ (3) .72‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪.72‬‬

‫]‪[383‬‬

‫فيه الروح )‪ - 107 .(1‬وعن ابن مسعود أنه سئل عن العزل فقال‪ :‬لو أخذ‬

‫ال ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لخرجه من ذلك‬

‫الصفا‪ ،‬فإن شئت فاعزل وإن شئت ل تعزل )‪ - 108 .(2‬وعن ابن عباس‬

‫في قوله تعالى " من سللة " قال‪ :‬السللة صفر الماء الرقيق الذي يكون‬

‫منه الولد )‪ - 109 .(3‬وعن ابن عباس ‪ -‬مرفوعا ‪ :-‬النطفة التي يخرج‬

‫منها الولد ترعد لها العضاء والعروق كلها إذا خرجت وقعت في الرحم )‬

‫‪ - 110 .(4‬وعن علي عليه السلم قال‪ :‬إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث‬

‫إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلث‪ ،‬فذلك قوله " ثم أنشأناه‬

‫خلقا آخر " يعني نفخ الروح )‪ - 111 .(5‬وعن ابن عباس في قوله " ثم‬
‫أنشأناه خلقا آخر " يقول‪ :‬خرج من بطن امه بعد ما خرج‪ ،‬فكان من بدء‬

‫خلقه الخر أن استهل‪ ،‬ثم كان من خلقه أن دل )‪ (6‬على ثدي امه‪ ،‬ثم كان‬

‫من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه‪ ،‬إلى أن قعد‪ ،‬إلى أن حبا إلى أن قام‬

‫على رجليه‪ ،‬إلى أن مشى‪ ،‬إلى أن فطم‪ ،‬فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام‬

‫إلى أن بلغ الحلم‪ ،‬إلى أن بلغ‪ ،‬إلى أن يتقلب في البلد )‪ - 112 .(7‬وعن‬

‫قتادة‪ " ،‬ثم أنشأناه خلقا آخر " قال‪ :‬يقول بعضهم هو نبات الشعر وبعضهم‬

‫يقول هو نفخ الروح )‪ - 113 .(8‬وعن حذيفة بن اسيد‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‬

‫صلى ال عليه واله‪ :‬يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم‬

‫بأربعة أو بخمسة وأربعين ليلة‪ :‬أي رب أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم انثى ؟‬

‫فيقول ال ويكتبان‪ ،‬ثم يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 3) .144‬و ‪ (4‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،5‬ص‬

‫‪ (5) .6‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪ (6) .7‬في المصدر‪ :‬دله‪ 7) .‬و ‪ (8‬الدر‬

‫المنثور‪ :‬ج ‪ ،5‬ص ‪.7‬‬

‫]‪[384‬‬

‫ثم تطوى الصحيفة فل يزاد فيها ول ينقص منها )‪ - 114 .(1‬وعن أبي ذر‬

‫‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬إذا مكث المني‬
‫في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب‬

‫أذكر أم انثى ؟ فيقضي ال ما هو قاض‪ ،‬فيقول‪ :‬أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما‬

‫هو لق‪ .‬وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله " وصوركم‬

‫فأحسن صوركم وإليه المصير " )‪ - 115 .(2‬وعن عبد ال بن مسعود‬

‫قال‪ :‬إذا جئناكم بحديث أتيناكم بتصديقه من كتاب ال‪ .‬إن النطفة تكون في‬

‫الرحم أربعين‪ ،‬ثم تكون علقة أربعين‪ ،‬ثم تكون مضغة أربعين‪ ،‬فإذا أراد ال‬

‫أن يخلق الخلق نزل الملك فيقول له‪ :‬اكتب‪ ،‬فيقول‪ :‬ما ذا أكتب ؟ فيقول‪:‬‬

‫شقيا )‪ (3‬أو سعيدا‪ ،‬ذكرا أو انثى‪ ،‬وما رزقه وأثره وأجله‪ ،‬فيوحي ال بما‬

‫يشاء ويكتبه الملك‪ .‬ثم قرأ عبد ال‪ " :‬إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج‬

‫نبتليه " ثم قال عبد ال‪ :‬أمشاجها عروقها )‪ - 116 .(4‬وعن ابن عباس‪،‬‬

‫في قوله " من نطفه أمشاج " قال‪ :‬ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان )‬

‫‪ - 117 .(5‬وعن ابن عباس‪ ،‬أن نافع بن الزرق قال له‪ :‬أخبرني عن قوله‬

‫" من نطفة أمشاج " قال‪ :‬اختلط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في‬

‫الرحم‪ .‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت أبا ذويب وهو‬

‫يقول‪ :‬كأن الريش والفوقين منه * خلل النسل خالطه مشيج )‪- 118 (6‬‬

‫وعن ابن عباس في قوله " من نطفة أمشاج " قال‪ :‬مختلفة اللوان )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪) 345‬مقطعا(‪ (2) .‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ :6‬ص‬

‫‪ (3) .227‬في المصدر‪ :‬اكتب شقيا‪ (6 - 4) ...‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص‬

‫‪ (7) .297‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.298‬‬

‫]‪[385‬‬

‫‪ - 119‬وعن مجاهد " من نطفة أمشاج " قال‪ :‬ألوان‪ ،‬نطفة الرجل بيضاء‬

‫وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء )‪ - 120 .(1‬وعن قتادة " إنا خلقنا‬

‫النسان من نطفة أمشاج نبتليه " قال‪ :‬طورا نطفة وطورا علقة‪ ،‬وطورا‬

‫مضغة‪ ،‬وطورا عظاما‪ ،‬ثم كسونا العظام لحما‪ ،‬وذلك أشد ما يكون إذا كسي‬

‫اللحم " ثم أنشأناه خلقا آخر " قال‪ :‬أنبت له الشعر " فتبارك ال أحسن‬

‫الخالقين‪ ،‬فأنبأه ال مما خلقه وأبناه‪ ،‬إنما بين ذلك ليبتليه بذلك‪ ،‬ليعلم كيف‬

‫شكره ومعرفته لحقه‪ ،‬فبين ال له ما أحل له وما حرم عليه‪ ،‬ثم قال " إنا‬

‫هديناه السبيل إما شاكرا ‪ -‬لنعم ال ‪ -‬وإما كفورا ‪ -‬بها ‪- 121 ." (2) -‬‬

‫وعن عكرمة في قوله " أمشاج " قال‪ :‬الظفر والعظم والعصب من الرجل‬

‫واللحم والدم والشعر من المرأة )‪ - 122 .(3‬وعن مالك بن الحويرث قال‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذا أراد ال أن يخلق النسمة فجامع‬

‫الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها‪ ،‬فإذا كان اليوم السابع‬

‫أحضر ال له كل عرق بينه وبين آدم‪ ،‬ثم قرأ " في أي صورة ما شاء ركبك‬
‫)‪ - 123 ." (4‬وعن مجاهد " في أي صورة ما شاء ركبك " قال‪ :‬إما‬

‫قبيحا وإما حسنا‪ ،‬و شبه أب أو ام أو خال أو عم )‪ - 124 .(5‬وعن علي بن‬

‫رياح‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال له‪ :‬ما ولد‬

‫لك ؟ قال‪ :‬يا رسول ال ! ما عسى أن يولد لي ؟ إما غلم وإما جارية‪ .‬قال‪:‬‬

‫فمن يشبه ؟ قال‪ :‬يا رسول ال ! ما عسى أن يشبه ؟ إما أباه وإما امه‪.‬‬

‫فقال‪ :‬ل تقولن هذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها ال كل نسب‬

‫بينها وبين آدم‪ ،‬فركب خلقه في صورة من تلك الصور‪ ،‬أما قرأت هذه اليه‬

‫في كتاب ال " في أي صورة ما شاء ركبك " من نسبك ما بينك وبين آدم )‬

‫‪.(6‬‬

‫)‪ (3 - 1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪ (4) .298‬المصدر‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 5) .323‬و‬

‫‪ (6‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.323‬‬

‫]‪[386‬‬

‫‪ - 125‬وعن ابن أبي حاتم في قوله " يخرج من بين الصلب والترائب "‬

‫قال‪ :‬صلب الرجل وترائب المرأة‪ ،‬ل يكون الولد إل منهما )‪ - 126 .(1‬وعن‬

‫ابن أبزى‪ ،‬قال‪ :‬الصلب من الرجل‪ ،‬والترائب من المرأة )‪ - 127 .(2‬وعن‬

‫ابن عباس " يخرج من بين الصلب والترائب " قال‪ :‬ما بين الجيد والنحر )‬
‫‪ - 128 .(3‬وعن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬الترائب أسفل من التراقي )‪ - 129 .(4‬وعن‬

‫ابن عباس في قوله " والترائب " قال‪ :‬تريبة المرأة‪ ،‬وهو موضع القلدة )‬

‫‪ - 130 .(5‬وعن ابن عباس أن نافع بن الزرق قال له‪ :‬أخبرني عن قوله‬

‫عزوجل " يخرج من بين الصلب والترائب " قال‪ :‬الترائب موضع القلدة‬

‫من المرأة‪ .‬قال‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬أما سمعت قول‬

‫الشاعر‪ :‬والزعفران على ترائبها * شرقا به اللبات والنحر )‪- 131 (6‬‬

‫وعن عكرمة‪ ،‬أنه سئل عن قوله " يخرج من بين الصلب والترائب " قال‪:‬‬

‫صلب الرجل وترائب المرأة‪ ،‬أما سمعت قول الشاعر‪ :‬نظام اللؤلؤ على‬

‫ترائبها * شرقا به اللبات والنحر )‪ - 132 (7‬وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬

‫الترائب بين ثديي المرأة )‪ - 133 .(8‬وعن سعيد بن جبير‪ ،‬قال‪ :‬الترائب‬

‫الصدر )‪ .(9‬وعن عكرمة وابن عياض مثله )‪ - 134 .(10‬وعن ابن‬

‫عباس‪ ،‬قال‪ :‬الترائب أربعة أضلع من كل جانب من أسفل الضلع )‪.(11‬‬

‫)‪ (7 - 1‬المصدر‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪ (8) 336‬لم نجد هذه الرواية في الدر المنثور‪.‬‬

‫)‪ (11 - 9‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ ،6‬ص ‪.336‬‬

‫]‪[387‬‬
‫‪ - 135‬وعن العمش‪ ،‬قال‪ :‬يخلق العظام والعصب من ماء الرجل‪ ،‬ويخلق‬

‫اللحم والدم من ماء المرأة )‪ - 136 .(1‬وعن قتادة في قوله " يخرج من‬

‫بين الصلب والترائب " قال‪ :‬يخرج من بين صلبه ونحره " إنه على رجعه‬

‫لقادر " قال‪ :‬إن ال على بعثه وإعادته لقادر " يوم تبلى السرائر " قال‪:‬‬

‫إن هذه السرائر مختبرة‪ ،‬فأسروا خيرا وأعلنوه " فماله من قوة " يمتنع‬

‫بها " ول ناصر " ينصره من ال )‪ - 137 .(2‬وعن ابن عباس في قوله "‬

‫إنه على رجعه لقادر " قال‪ :‬أن يجعل الشيخ شابا‪ ،‬والشاب شيخا )‪.(3‬‬

‫‪ - 138‬وعن مجاهد " إنه على رجعه لقادر " قال‪ :‬على رجع النطفة في‬

‫الحليل )‪ .(4‬بيان‪ :‬قوله " كأن الريش‪ " ..‬اقول‪ :‬أورد الجوهري البيت‬

‫هكذا‪ :‬كأن النصل والفوقين منها * خلل الريش سيط به المشيج فائدة قال‬

‫بعض المحققين‪ :‬مبدأ عقد الصورة في مني الذكر‪ ،‬ومبدأ انعقادها في مني‬

‫النثى‪ ،‬وهما بالنسبة إلى الجنين كالنفحة واللبن بالقياس إلى الجبن‪ .‬وقيل‪:‬‬

‫إن لكل من المنيين قوة عاقدة وقابلة وإن كانت العاقدة في الذكوري أقوى‬

‫والمنعقدة في النوثي أقوى‪ ،‬ورجح ذلك بأنه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن‬

‫يتحدا شيئا واحدا ولم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد‪ .‬وقال‬

‫بعضهم‪ :‬ولهذا إذا كان مزاج النثى قويا ذكوريا كما تكون أمزجة النساء‬

‫الشريفة النفس‪ ،‬القوية القوى‪ ،‬وكان مزاج كبدها حارا كان المني المنفصل‬

‫من الكلية اليمنى مقام مني الرجل في شدة قوة العقد‪ ،‬والمنفصل من‬
‫اليسرى مقام مني النثى في قوة النعقاد‪ ،‬فينخلق الولد بإذن ال‪،‬‬

‫وخصوصا إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس متقومة به بحيث يسري‬

‫اتصالها به إلى الطبيعة والبدن‪ ،‬ويغير المزاج‪ ،‬ويمد جميع القوى في‬

‫أفعالها بالمدد الروحاني‬

‫)‪ (4 - 1‬الدر المنثور‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪.336‬‬

‫]‪[388‬‬

‫فتصير أقدر على أفعالها بما ل ينضبط بالقياس‪ ،‬كما وقع للصديقة مريم‬

‫بنت عمران على نبينا وآله وعلى ابنها وعليها السلم حيث تمثل لها روح‬

‫القدس بشرا سوي الخلق حسن الصورة‪ ،‬فتأثر نفسها به فتحركت على‬

‫مقتضى الجبلة‪ ،‬وسرى الثر من الخيال في الطبيعة‪ ،‬فتحركت شهوتها‬

‫فأنزلت‪ ،‬كما يقع في المنام من الحتلم )انتهى(‪ .‬وأقول‪ :‬قد مر أن نفوذ‬

‫إرادة ال سبحانه وقدرته في أمر ل يتوقف على حصول تلك السباب‬

‫العادية‪ ،‬حتى يتكلف أمثال تلك التكلفات التي ربما انتهى القول به إلى نسبة‬

‫امور إلى النساء المقدسات المطهرات ل يرضى ال بها‪ ،‬والكف عنها أحوط‬

‫وأحرى‪ .‬ثم قالوا‪ :‬ابتداء خلقة الجنين )‪ (1‬هو حصول الماء في الرحم‪،‬‬

‫وشبه بالعجين إذا الصق بالتنور‪ ،‬ثم يتغير عن حاله قليل ويشبه بالبذر إذا‬
‫طرح في الرض ويسمى نطفة‪ ،‬ثم تحصل فيه نقط دموية من دم الحيض‬

‫ويسمى علقة‪ ،‬ثم يظهر فيه حمرة ظاهرة منه فيصير شبيها بالدم الجامد‪،‬‬

‫ويعظم قليل‪ ،‬ويهيج فيه ريح حارة ويسمى مضغة ثم يتم ويتميز فيه‬

‫العضاء الرئيسة الثلثة )‪ (2‬ويظهر لسائر العضاء رسوم خفية ويسمى‬

‫جنينا‪ ،‬ثم يظهر فيه رسوم سائر العضاء ويقوى ويصلب ويجري فيه‬

‫الروح ويتحرك ويسمى صبيا‪ ،‬ثم تنفصل الرسوم وتظهر الصورة وينبت‬

‫الشعر‪ ،‬ثم ينفتح لسانه وتتم خلقته‪ .‬وتكمل خلقة الذكر قبل خلقة النثى‪،‬‬

‫وإذا كمل لم يكتف بما‬

‫)‪ (1‬والذى ثبت في علم الفسيولوجيا أن في منى الرجل حيوانات صغيرة‬

‫جدا تسمى " اسبرماتزوئيد " وأن المرأة تبيض كل شهر في الرحم وتخرج‬

‫بيضاتها بدم الحيض‪ ،‬فإذا وصل منى الرجل باحدى تلك البيضات اجتمع‬

‫السبرماتزوئيدات حولها ودخل اقويها فيها وربما دخل الثنان أو اكثر معا‬

‫فيتعدد الجنين وعندئذ يحصل للبيضة حالة ل يمكن معها دخول سائر‬

‫السبرماتزوئيدات‪ ،‬وبعد ذلك ل يزال ينشأ وينمو ويتزايد بصيرورته‬

‫بالنفصال اثنين ثم اربعة وهكذا‪ ،‬ثم يظهر فيه نقطتان حمراوان احديهما‬

‫موضع القلب والخرى موضع المخ‪ ،‬ثم يظهر رسوم العضاء ثم صورها‬
‫حتى يكتمل جميع العضاء وينفخ فيها الروح‪ (2) .‬وهى القلب والكبد‬

‫والمخ‬

‫]‪[389‬‬

‫يجيئه من الغذاء من دم الحيض‪ ،‬فيتحرك حركات صعبة قوية‪ ،‬وانتهكت‬

‫رباطات الرحم‪ ،‬فكانت الولدة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬الرحم موضوعة في ما بين‬

‫المثانة والمعى المستقيم‪ ،‬وهي مربوطة برباطات على هيئة السلسلة‪،‬‬

‫وجسمها عصبي ليمكن امتدادها واتساعها وقت الولدة والحاجة إلى ذلك‪،‬‬

‫وتنضم إذا استغنت‪ ،‬ولها بطنان ينتهيان إلى فم واحد‪ ،‬وزائدتان تسميان‬

‫قرني )‪ (1‬الرحم‪ ،‬وخلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة‪ ،‬وهما أصغر من‬

‫بيضتي الرجل وأشد تفرطحا )والمفرطح‪ :‬العريض( ومنهما ينصب مني‬

‫المرأة إلى تجويف الرحم‪ ،‬وللرحم رقبة منتهية إلى فرج المرأة‪ ،‬وتلك‬

‫الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل‪ ،‬فإذا امتزج مني الرجل بمني‬

‫المرأة من تجويف الرحم كان العلوق‪ ،‬ثم ينمى من دم الطمث‪ ،‬ويتصل‬

‫بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فتغذوه حتى يتم ويكمل فإذا لم يكتف بما‬

‫يجيئه من تلك العروق يتحرك حركات قوية طلبا للغذاء‪ ،‬فيهتك أربطة الرحم‬

‫التي قلنا إنها على هيئة السلسلة ويكون منها الولدة )انتهى(‪ .‬واعلم أنهم‬

‫اتفقوا على أن المني يتولد من فضلة الهضم الرابع في العضاء‪ ،‬قال بقراط‬
‫في كتابه في المني‪ :‬إن جمهور مادة المني هو من الدماغ‪ ،‬فإنه ينزل منه‬

‫إلى العرقين اللذين خلف الذنين‪ ،‬ثم منهما إلى النخاع لئل يبعد من الدماغ‬

‫وما يشبهه مسافة طويلة فيغير مزاجه‪ ،‬ثم منه إلى الكليتين بعد نفوذه في‬

‫العرقين الطالعين المتشعبين من الجوف إلى العروق التي تأتي النثيين‪،‬‬

‫ولهذا قيل‪ :‬إن قطعهما يقطع النسل‪ .‬ونقل الطبري عن بقراط أن الصقالبة‬

‫إذا أرادوا أن يرتبوا )‪ (2‬أولدهم للدعوة أو للناموس بتروا منهم هذين‬

‫العرقين‪ ،‬فينقطع هذا المقطوع العرق عن الجماع ويصير بصورة النساء‪،‬‬

‫فيتبركون به ويتوسلون به إلى ال تعالى‪ ،‬ويرون أن دعاءه مستجاب وأن‬

‫ال قد اصطفاه واختاره وطهره من الخبائث ! وجالينوس أنكر ذلك وخطأ‬

‫قول بقراط‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرطي الرحم )خ(‪ (2) .‬يربوا )ظ(‪.‬‬

‫]‪[390‬‬

‫وقال الشيخ‪ :‬أنا أرى أن المني ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده‪ ،‬و إن‬

‫كانت خميرته منه‪ ،‬وصح ما يقوله بقراط من أمر العرقين‪ ،‬بل يجب أن‬

‫يكون له من كل عضو رئيس عين‪ ،‬ومن العضاء الخرى ترشح أيضا إلى‬

‫هذه الصول‪ .‬وقال القرشي في شرح القانون‪ :‬إنما يكون تولد المني من‬
‫الرطوبة المبثوثة على العضاء كالطل‪ ،‬ومعلوم أنه ليس في كل عضو من‬

‫العضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى النثيين ثم إلى‬

‫القضيب‪ ،‬فل يمكن أن يكون وصولها إلى هناك إل بأن تتبخر تلك الرطوبة‬

‫من العضاء حتى تتصعد إلى الدماغ‪ ،‬وهناك تفارقها الحرارة المتبخرة‬

‫فتبرد وتتكاثف وتعود إلى قوامها قبل التبخر‪ ،‬ثم من هناك ينزل إلى العروق‬

‫التي خلف الذنين وينفذ إلى النخاع في عروق هناك لئل يتغير عن التعدل‬

‫الذي أفاده الدماغ‪ ،‬فل يتبخر بالحرارة كرة اخرى‪ ،‬فإذا نزلت من هناك حتى‬

‫وصلت إلى قرب النثيين صادف هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى‬

‫النثيين‪ ،‬وتلك العروق مملوءة من الدم‪ ،‬فتتسخن في الكليتين وتعدل‪،‬‬

‫فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهه بعض الستحالة‪ ،‬ثم بعد ذلك ينفذ‬

‫إلى النثيين ويكمل فيهما تعدله و بياضه ونضجه‪ ،‬ومنهما يندفع إلى‬

‫أوعيته‪ .‬وأيد ذلك بما نقل من كتاب منسوب إلى هرمس في سر الخليقة قد‬

‫فسره بليناس وهو أن المني إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه‬

‫إلى بعض وسما إلى الدماغ وأخذ الصورة منه‪ ،‬ثم نزل في الذكر وخرج‬

‫منه‪ .‬وقال شارح السباب‪ :‬مادة المني يأتي من الكبد إلى الكليتين في شعب‬

‫من الجوف النازل‪ ،‬ويتصفى فيهما من المائية‪ ،‬ثم منهما إلى المجرى الذي‬

‫بينهما و بين النثيين‪ ،‬وهو عرق كثير المعاطف والستدارات ليطول‬

‫المسافة بينهما فينضج فيه المني ويبيض بعد احمراره‪ ،‬ثم منه إلى‬
‫النثيين‪ ،‬فهما يعينان على تمام تكون المني بإسخانها الدم النافذ في هذه‬

‫العروق )انتهى(‪ .‬وقالوا‪ :‬ونبت من النثيين وعاءان مثل البربخين شبيهين‬

‫بجوهر النثيين يصعدان أول إلى العانة وإلى معلق البيضتين‪ ،‬ثم ينزلن‬

‫متوربين إلى عنق المثانة أسفل من‬

‫]‪[391‬‬

‫مجرى البول‪ ،‬ثم يتصلن إلى المجرى الذي في أصل القضيب‪ ،‬ويسمى‬

‫هذان الوعاءان أوعية المني‪ ،‬وهذان في الرجال أطول وأوسع منهما في‬

‫النساء‪ .‬وفي القضيب مجار ثلثة‪ :‬مجرى المني‪ ،‬ومجرى البول‪ ،‬ومجرى‬

‫الودي‪ ،‬كذا ذكر الشيخ في القانون‪ .‬وقال صاحب ترويح الرواح‪ :‬في‬

‫القضيب مجريان‪ :‬أحدهما مجرى البول والودي والخر مجري المني‪.‬‬

‫وكلمهم في ذلك كثير اكتفينا بذلك لتطلع في الجملة على بعض‬

‫مصطلحاتهم فتستعملها في فهم ما مر وسيأتي من اليات والخبار‪ ،‬وال‬

‫يعلم حقائق المور‪ .‬وفي القاموس‪ :‬البربخ منفذ الماء ومجراه‪ ،‬وهو‬

‫الردبة والبالوعة من الخزف‪) * .‬بسمه تعالى( * إلى هنا تم الجزء الرابع‬

‫من المجلد الرابع عشر ‪ -‬كتاب السماء والعالم ‪ -‬من بحار النوار‪ ،‬وهو‬

‫الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية‪ .‬وقد قابلناه‬
‫على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي‪ ،‬بما‬

‫فيها من التعليق والتنميق وال ولي التوفيق‪ .‬محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[392‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل كما هو أهله‪ ،‬وكما ينبغي لكرم وجهه‬

‫وعز جلله و الصلة والسلم على رسوله وآله‪ .‬وبعد‪ :‬فقد بذلنا غاية‬

‫المجهود في تصحيح هذا الجزء من كتاب " بحار النوار " ‪ -‬وهو الجزء‬

‫السابع والخمسون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة ‪ -‬وتنميقه والتعليق عليه‬

‫ومقابلته بالنسخ والمصادر‪ .‬نشكر ال ثلثة‪ :‬مجرى المني‪ ،‬ومجرى البول‪،‬‬

‫ومجرى الودي‪ ،‬كذا ذكر الشيخ في القانون‪ .‬وقال صاحب ترويح الرواح‪:‬‬

‫في القضيب مجريان‪ :‬أحدهما مجرى البول والودي والخر مجري المني‪.‬‬

‫وكلمهم في ذلك كثير اكتفينا بذلك لتطلع في الجملة على بعض‬

‫مصطلحاتهم فتستعملها في فهم ما مر وسيأتي من اليات والخبار‪ ،‬وال‬

‫يعلم حقائق المور‪ .‬وفي القاموس‪ :‬البربخ منفذ الماء ومجراه‪ ،‬وهو‬

‫الردبة والبالوعة من الخزف‪) * .‬بسمه تعالى( * إلى هنا تم الجزء الرابع‬

‫من المجلد الرابع عشر ‪ -‬كتاب السماء والعالم ‪ -‬من بحار النوار‪ ،‬وهو‬

‫الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية‪ .‬وقد قابلناه‬
‫على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي‪ ،‬بما‬

‫فيها من التعليق والتنميق وال ولي التوفيق‪ .‬محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[392‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل كما هو أهله‪ ،‬وكما ينبغي لكرم وجهه‬

‫وعز جلله و الصلة والسلم على رسوله وآله‪ .‬وبعد‪ :‬فقد بذلنا غاية‬

‫المجهود في تصحيح هذا الجزء من كتاب " بحار النوار " ‪ -‬وهو الجزء‬

‫السابع والخمسون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة ‪ -‬وتنميقه والتعليق عليه‬

‫ومقابلته بالنسخ والمصادر‪ .‬نشكر ال تعالى على ما وفقنا لذلك ونسأله أن‬

‫يديم توفيقنا ويزيدنا من فضله وال ذو الفضل العظيم‪ .‬قم المشرفة‪ :‬محمد‬

‫تقى المصباح اليزدى‬

You might also like