You are on page 1of 284

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪64‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء الرابع‬
‫والستون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة‬
‫‪‍ 1403‬ه ‪ 1983 -‬م دار احياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان ‪ -‬بناية‬
‫كليوباترا ‪ -‬مثارع دكاش ‪ -‬ص ‪ -‬ب ‪ 11 / 7957‬تلفون المستودع‪:‬‬
‫‪ - 278766 - 273 - 32 - 274696‬المنزل ‪83 - 717 - 82 - 711‬‬
‫برقيا‪ :‬التراث ‪ -‬تلكس ل ى ‪ 23644 /‬تراث‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل الذي فضل نوع النسان على سائر الحيوان‬
‫بالسلم واليمان * وجعل لهما جنودا من مكارم الشيم ومحاسن الخصال‬
‫* لتكون لهما حصونا من نزغات الشيطان * والصلة والسلم على النبي‬
‫الكريم * الرؤوف الرحيم * الموصوف بالخلق العظيم * المبعوث لتتميم‬
‫مكارم الخلق * محمد وآله المخصوصين بين أصناف البرايا بأطيب‬
‫العراق * المنصوصين بالفضل والشرف في السبع الطباق * الممدوحين‬
‫بأطهر الصفات * وأفخر السمات في جميع الفاق‪ .‬أما بعد‪ :‬فهذا هو المجلد‬
‫الخامس عشر من كتاب بحار النوار‪ ،‬في بيان السلم واليمان‬
‫وشرائطهما وتوابعهما من مكارم الخلق ومحاسن العراق وآداب‬
‫معاشرة أصناف الخلق من القارب والجانب‪ ،‬وبيان معاني الكفر وما‬
‫يوجبه والنفاق وما يستلزمه من مقابح الخصال ومذام الخلل‪ ،‬وقد أفردت‬
‫لبواب العشرة كتابا لصلوحها لجعلها مجلدا برأسها‪ ،‬وإن أدخلناها في هذا‬
‫المجلد في الفهرس المذكور في أول الكتاب‪ ،‬وأطلب من ال المعونة في‬
‫نيل الحق والصواب في كل باب‪.‬‬

‫]‪[2‬‬

‫* )أبواب( * * )اليمان‪ ،‬والسلم‪ ،‬والتشيع‪ ،‬ومعانيها وفضلها وصفاتها( * * *‬


‫* أقول‪ :‬سيجئ في كتاب العشرة وفي كتاب الداب والسنن ما يتعلق بهذه‬
‫البواب من الخبار فانتظره‪) * 1 .‬باب( * * " )فضل اليمان وجمل‬
‫شرائطه( " * اليات‪ :‬البقرة‪ " :‬هدى للمتقين * الذين يومنون بالغيب‬
‫ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك‬
‫وما انزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم‬
‫واولئك هم المفلحون )‪ ." (1‬وقال تعالى‪ " :‬وبشر الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات أن لهم جنات " الية )‪ (2‬وقال تعالى‪ " :‬وآمنوا بما أنزلت‬
‫مصدقا لما معكم ول تكونوا أول كافر به " )‪ .(3‬وقال عزوجل‪ " :‬والذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) 5 - 1 :‬البقرة‪ (3) .25 :‬البقرة‪ (4) 41 :‬السورة‪72 :‬‬

‫]‪[3‬‬

‫وقال تعالى‪ " :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك‬
‫منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال‬
‫بغافل عما تعملون )‪ .(1‬وقال جل وعل‪ :‬قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن‬
‫كنتم مؤمنين )‪ .(2‬وقال عز من قائل‪ :‬من كان عدوا ل وملئكته ورسله‬
‫وجبريل وميكال فان ال عدو للكافرين )‪ .(3‬وقال تعالى‪ " :‬قولوا آمنا بال‬
‫وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط‬
‫وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد‬
‫منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن‬
‫تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم " )‪ .(4‬وقال‬
‫سبحانه‪ " :‬إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين " )‪ .(5‬وقال تعالى‪" :‬‬
‫فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام‬
‫لها وال سميع عليم * ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور‬
‫‪ -‬إلى قوله ‪ -‬هم فيها خالدون " )‪ .(6‬وقال تعالى‪ " :‬إن الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات وأقاموا الصلة آتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي‬
‫من الربا إن كنتم مؤمنين )‪ .(7‬وقال سبحانه‪ :‬آمن الرسول بما انزل إليه‬
‫من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد‬
‫من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) 85 :‬السورة‪ (3) .93 :‬السورة ‪ (4) 98‬البقرة‪ 136 :‬و ‪(5) 137‬‬
‫السورة‪ (6) 248 :‬البقرة‪ 256 :‬و ‪ (7) 257‬السورة‪ 277 :‬و ‪278‬‬

‫]‪[4‬‬
‫غفرانك ربنا وإليك المصير )‪ .(1‬آل عمران‪ :‬إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين )‬
‫‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم وال‬
‫ل يحب الظالمين )‪ .(3‬وقال سبحانه‪ :‬إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه‬
‫وهذا النبي والذين آمنوا وال ولي المؤمنين )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬قل آمنا بال‬
‫وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب‬
‫والسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين أحد‬
‫منهم ونحن له مسلمون )‪ .(5‬وقال سبحانه‪ :‬وال ذو فضل على المؤمنين‬
‫)‪ .(6‬وقال عز وعل‪ - :‬فآمنوا بال ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر‬
‫عظيم )‪ (7‬وقال عزوجل‪ :‬وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما انزل‬
‫إليكم و ما انزل إليهم خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل اولئك لهم‬
‫أجرهم عند ربهم إن ال سريع الحساب )‪ .(8‬النساء‪ :‬والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا لهم‬
‫فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظل ظليل )‪ .(9‬وقال تعالى‪ :‬والذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها‬
‫أبدا وعد ال حقا ومن أصدق من ال قليل )‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) 285 :‬آل عمران‪ (3) 49 :‬آل عمران‪ (4) 57 :‬السورة‪(5) 68 :‬‬
‫السورة‪ (6) 84 :‬السورة‪ (7) 152 :‬آل عمران‪ (8) 179 :‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (9) .199‬النساء‪ (10) 57 :‬النساء‪.122 :‬‬

‫]‪[5‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله‬
‫والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله و اليوم‬
‫الخر فقد ضل ضلل بعيدا )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬وسوف يؤتي ال المؤمنين‬
‫أجرا عظيما )‪ .(2‬وقال سبحانه‪ :‬والذين آمنوا بال ورسله ولم يفرقوا بين‬
‫أحد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم وكان ال غفورا رحيما )‪ .(3‬وقال‬
‫جل وعل‪ :‬فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم‬
‫من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون‬
‫لهم من دون ال وليا ول نصيرا )‪ .(4‬وقال‪ :‬فأما الذين آمنوا بال‬
‫واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل و يهديهم إليه صراطا‬
‫مستقيما )‪ .(5‬المائدة‪ :‬وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة‬
‫وأجر عظيم )‪ (6‬وقال سبحانه‪ :‬ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا‬
‫عنهم سيئاتهم و لدخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل‬
‫وما انزل إليهم من ربهم لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‪ .‬منهم امة‬
‫مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون )‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا‬
‫والذين هادوا والصائبون والنصارى من آمن بال واليوم الخر وعمل‬
‫صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) 136 :‬النساء‪ (3) 146 :‬السورة‪ (4) 152 :‬النساء ‪(5) .173‬‬
‫النساء‪ (6) 175 :‬المائدة‪ (7) 9 :‬المائدة‪ (8) .66 :‬المائدة‪ ،69 :‬ومثلها‬
‫في سورة البقرة الية ‪ ،62‬وسورة الحج الية‪17 :‬‬

‫]‪[6‬‬

‫النعام‪ :‬فمن آمن وأصلح فل خوف عليهم ول هم يحزنون )‪ .(1‬وقال سبحانه‪:‬‬


‫والذين يؤمنون بالخرة يؤمنون به وهم على صلتهم يحافظون )‪ (2‬وقال‬
‫عز وعل‪ :‬إن في ذلكم ليات لقوم يؤمنون )‪ .(3‬وقال عزوجل‪ :‬أو من كان‬
‫ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات‬
‫ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون )‪ (4‬وقال تعالى‪:‬‬
‫وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا اليات لقوم يذكرون * لهم دار السلم‬
‫عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون )‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬وأن هذا صراطي‬
‫مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به‬
‫لعلكم تتقون )‪ .(6‬وقال تعالى‪ :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي‬
‫ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا إيمانها‬
‫لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون‪) .‬‬
‫‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم‪ .‬دينا قيما ملة‬
‫إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين‪ (8) .‬العراف‪ :‬اتبعوا ما انزل إليكم‬
‫من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قليل ما تذكرون‪ .(9) .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات ل نكلف نفسا إل وسعها اولئك أصحاب‬
‫الجنة هم فيها خالدون‪ (10) .‬وقال سبحانه‪ ...:‬ورحمتي وسعت كل شئ‬
‫فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) 48 :‬النعام‪ (3) .92 :‬السورة‪ (4) .99 :‬السورة‪(5) 122 :‬‬
‫السورة ‪ (6) .127‬النعام‪ (7) .153 :‬النعام‪ (8) 158 :‬النعام‪) 161 :‬‬
‫‪ (9‬العراف‪ (10) 3 :‬العراف‪.42 :‬‬

‫]‪[7‬‬

‫الزكوة والذينهم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه‬
‫مكتوبا عندهم في التورية والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‬
‫ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل‬
‫التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعز روه ونصروه واتبعوا النور الذي‬
‫انزل معه اولئك هم المفلحون‪ .(1) .‬النفال‪ :‬والذين آمنوا وهاجروا‬
‫وجاهدوا في سبيل ال والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم‬
‫مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك‬
‫منكم )‪ (2‬التوبة‪ :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم‬
‫وأنفسهم أعظم درجة عند ال واولئك هم الفائزون‪] (3) .‬وقال تعالى‪[:‬‬
‫وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها‬
‫ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من ال أكبر ذلك هو الفوز العظيم‪.‬‬
‫)‪ (4‬يونس‪ ...:‬وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم‪ (5) .‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من‬
‫تحتهم النهار في جنات النعيم‪ (6) .‬وقال تعالى‪ :‬الذين آمنوا وكانوا يتقون‬
‫* لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الخرة‪ (7) .‬وقال عزوجل‪ :‬وبشر‬
‫المؤمنين‪ (8) .‬وقال جل وعل‪ :‬حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ل إله‬
‫إل الذي‬

‫)‪ (1‬العراف‪ 156 :‬و ‪ (2) 157‬النفال‪ 73 :‬و ‪ (3) .74‬براءة‪ (4) 20 :‬براءة‪:‬‬
‫‪ (5) .72‬يونس‪ (6) 2 :‬يونس‪ (7) .9 :‬يونس‪ 63 :‬و ‪ (8) 64‬يونس‪:‬‬
‫‪87‬‬

‫]‪[8‬‬

‫آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * الن وقد عصيت قبل وكنت من‬
‫المفسدين‪ .(1) .‬وقال سبحانه‪ :‬كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين * قل يا أيها‬
‫الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون ال ولكن أ‬
‫عبد ال الذي يتوفاكم وامرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك‬
‫للدين حنيفا ول تكونن من المشركين‪ (2) .‬هود‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات وأخبتوا إلى ربهم اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * مثل‬
‫الفريقين كالعمى والصم والبصير والسميع هل يستويان مثل أفل‬
‫تذكرون‪ (3) .‬الرعد‪ :‬قل هل يستوي العمى والبصير أم هل تستوي‬
‫الظلمات والنور‪ (4) .‬ابراهيم‪ :‬وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات‬
‫تجري من تحتها النهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم * ألم تر‬
‫كيف ضرب ال مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في‬
‫السماء * تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب ال المثال للناس لعلهم‬
‫يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض مالها‬
‫من قرار * يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة‬
‫ويضل ال الظالمين ويفعل ال ما يشاء‪ (5) .‬النحل‪ :‬ثم أوحينا إليك أن اتبع‬
‫ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين‪ (6) .‬اسرى‪ :‬ويبشر المؤمنين‬
‫الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا‪ .(7) .‬الكهف‪ :‬ويبشر المؤمنين‬
‫الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا‪(8) .‬‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) 91 :‬يونس‪ (3) 105 - 102 :‬هود‪ 23 :‬و ‪ (4) 24‬الرعد‪(5) 16 :‬‬
‫ابراهيم‪ (6) 27 - 23 :‬النحل‪ (7) .123 :‬أسرى‪ (8) 9 :‬الكهف‪.3 - 2 :‬‬

‫]‪[9‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ل نضيع أجر من أحسن عمل *‬
‫اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم النهار‪ (1) .‬وقال سبحانه‪ :‬وما‬
‫منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى ويستغفروا ربهم إل أن تأتيهم سنة‬
‫الولين أو يأتيهم العذاب قبل‪ (2) .‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزل * خالدين فيها ل يبغون عنها‬
‫حول‪ (3) .‬مريم‪ :‬إل من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ول‬
‫يظلمون شيئا‪ .(4) .‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل‬
‫لهم الرحمان ودا‪ (5) .‬طه‪ :‬ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم‬
‫الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك‬
‫جزاء من تزكى‪ (6) .‬وقال تعالى‪ :‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا‬
‫ثم اهتدى‪ (7) .‬النبياء‪ :‬فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فل كفران‬
‫لسعيه وإنا له كاتبون‪ (8) .‬الحج‪ :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات جنات تجري من تحتها النهار إن ال يفعل ما يريد‪ (9) .‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها‬
‫النهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير *‬
‫وهدوا‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) 31 - 30 :‬الكهف‪ (3) 55 :‬الكهف‪ 108 :‬و ‪ (4) 109‬مريم‪) 60 :‬‬
‫‪ (5‬مريم‪ (6) .96 :‬طه‪ 75 :‬و ‪ (7) 76‬طه‪ (8) .82 :‬النبياء‪(9) 94 :‬‬
‫الحج‪14 :‬‬

‫]‪[10‬‬

‫إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد‪ (1) .‬وقال تعالى‪ :‬إن ال يدافع عن‬
‫الذين آمنوا‪ (2) .‬وقال تعالى‪ :‬فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة‬
‫ورزق كريم‪ (3) .‬وقال تعالى‪ :‬وإن ال لهادي الذين آمنوا إلى صراط‬
‫مستقيم‪ (4) .‬وقال تعالى‪ :‬فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم‪.‬‬
‫)‪ (5‬المؤمنون‪ :‬قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلتهم خاشعون ‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪ -‬اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون‪(6) .‬‬
‫النور‪ :‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد‬
‫ذلك وما اولئك بالمؤمنين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى‬
‫ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون‪) .‬‬
‫‪ (7‬وقال سبحانه‪ :‬إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله وإذا كانوا معه‬
‫على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك اولئك الذين‬
‫يؤمنون بال ورسوله‪ (8) .‬النمل‪ :‬هدى وبشرى للمؤمنين * الذين يقيمون‬
‫الصلة ويؤتون الزكاة وهم بالخرة هم يوقنون‪ (9) .‬القصص‪ :‬فأما من‬
‫تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين )‪ (10‬العنكبوت‪ :‬الم‬
‫أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون * ولقد فتنا الذين‬
‫من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين‪(11) .‬‬

‫)‪ (1‬الحج‪ 23 :‬و ‪ (2) 24‬الحج‪ (3) .38 :‬الحج‪ (4) .50 :‬الحج‪ (5) .54 :‬الحج‪:‬‬
‫‪ (6) 56‬المؤمنون‪ (7) 11 - 1 :‬النور‪ (8) 51 - 47 :‬النور‪(9) 62 :‬‬
‫النمل‪ (10) 3 - 2 :‬القصص‪ (11) 67 :‬العنكبوت‪.3 - 1 :‬‬

‫]‪[11‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم‬
‫أحسن الذي كانوا يعملون‪ (1) .‬وقال سبحانه‪ :‬والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات لندخلنهم في الصالحين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وليعلمن ال الذين آمنوا‬
‫وليعلمن المنافقين‪ (2) .‬وقال تعالى‪ :‬إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون )‪(3‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد‬
‫ونحن له مسلمون * وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب‬
‫يؤمنون به ومن هؤلء من يومن به وما يجحد بآياتنا إل الكافرون )‪.(4‬‬
‫وقال عزوجل‪] :‬أولم يكفهم[ أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك‬
‫لرحمة وذكرى لقوم يومنون‪ .(5) .‬وقال سبحانه‪ :‬والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬يتوكلون‪ (6) .‬الروم‪ :‬فأما‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون‪ (7) ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال‬
‫ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا‬
‫الصلة ول تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل‬
‫حزب بما لديهم فرحون‪ (8) .‬وقال سبحانه‪ :‬فأقم وجهك للدين القيم من قبل‬
‫أن يأتي يوم ل مرد له من ال يومئذ يصدعون ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ليجزي الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات من‬
‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) 7 :‬العنكبوت‪ (3) 11 - 9 :‬العنكبوت‪ (4) .24 :‬السورة ‪ 46‬و‬
‫‪ (5) 47‬السورة‪ (6) .51 :‬السورة‪ 58 :‬و ‪ (7) 59‬الروم‪ (8) 15 :‬الروم‬
‫‪32 - 30‬‬

‫]‪[12‬‬

‫فضله ل يحب الكافرين‪ (1) .‬وقال‪ :‬إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون‪(2) .‬‬
‫لقمان‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها‬
‫وعد ال حقا وهو العزيز الحكيم‪ (3) .‬التنزيل‪ :‬إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا‬
‫ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل يستكبرون‪ (4) .‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون * أما الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزل بما كانوا يعملون‪(5) .‬‬
‫الحزاب‪ :‬وبشر المؤمنين بأن لهم من ال فضل كبيرا‪ (6) .‬سبا‪ :‬ليجزي‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة ورزق كريم‪ (7) .‬فاطر‪:‬‬
‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير‪ (8) .‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫وما يستوي العمى والبصير الية‪ (9) .‬يس‪ :‬لينذر من كان حيا الية‪) .‬‬
‫‪ (10‬المؤمن‪ :‬الذين يحملون العرش‪ .‬اليات‪ (11) .‬وقال تعالى‪ :‬ومن عمل‬
‫صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن ]الية[ )‪ .(12‬وقال سبحانه‪ :‬إنا لننصر‬
‫رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد )‪.(13‬‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) .45 - 43 :‬الروم‪ (3) .53 :‬لقمان‪ 8 :‬و ‪ (4) .9‬السجدة‪(5) .15 :‬‬
‫السجدة‪ 18 :‬و ‪ (6) .19‬الحزاب‪ (7) 47 :‬سبأ‪ (8) .4 :‬سبا‪(9) .7 :‬‬
‫السورة‪ (10) .19 :‬يس‪ (11) .70 :‬المؤمن‪ (12) 9 - 6 :‬المؤمن‪) .:‬‬
‫‪ (13‬المؤمن‪.51 :‬‬

‫]‪[13‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬وما يستوي العمى والبصير ‪ -‬الية )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬فلما رأوا بأسنا‬
‫قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم‬
‫لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون )‬
‫‪ .(2‬السجدة‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )‪.(3‬‬
‫حمعسق‪ :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما‬
‫وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كبر‬
‫على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من‬
‫ينيب )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات‬
‫الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر‬
‫ال عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات )‪ .(5‬وقال سبحانه‪ :‬ويستجيب‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله )‪ (6‬الزخرف‪ :‬الذين‬
‫آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون )‪.(7‬‬
‫الجاثية‪ :‬فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك‬
‫هو الفوز المبين )‪ .(8‬الحقاف‪ :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا فل‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون * اولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءا‬
‫بما كانوا يعملون )‪ .(9‬محمد‪ :‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال أضل‬
‫أعمالهم * والذين‬

‫)‪ (1‬المؤمن‪ (2) .58 :‬المؤمن‪ 84 :‬و ‪ (3) 85‬فصلت‪ (4) 8 :‬الشورى‪(5) 13 :‬‬
‫الشورى‪ 22 :‬و ‪ (6) 23‬الشورى‪ (7) .26 :‬الزخرف‪ 69 :‬و ‪(8) 70‬‬
‫الجاثية‪ (9) .30 :‬الحقاف‪ 13 :‬و ‪14‬‬

‫]‪[14‬‬

‫آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم‬
‫سيئاتهم وأصلح بالهم * ذلك بأن الذين كفورا اتبعوا الباطل وأن الذين‬
‫آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب ال للناس أمثالهم )‪ .(1‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم * إن ال‬
‫يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار )‪(2‬‬
‫الفتح‪ :‬ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار خالدين‬
‫فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما )‪ .(3‬وقال تعالى‪:‬‬
‫فأنزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى‬
‫وكانوا أحق بها وأهلها كان ال بكل شئ عليما )‪ .(4‬وقال سبحانه‪ :‬وعد‬
‫ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )‪(5‬‬
‫الحجرات‪ :‬ولكن ال حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر‬
‫والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون * فضل من ال ونعمة وال عليم‬
‫حكيم )‪ .(6‬الذاريات‪ :‬إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من افك )‪ .(7‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين )‪ .(8‬الحديد‪ :‬آمنوا بال ورسوله‬
‫وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير‬
‫* ومالكم ل تؤمنون بال والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم‬
‫إن كنتم مؤمنين * هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من‬
‫الظلمات إلى النور وإن ال بكم لرؤف رحيم )‪.(9‬‬
‫)‪ (1‬القتال‪ (2) 3 - 1 :‬القتال‪ (3) 12 - 11 :‬الفتح‪ (4) .5 :‬الفتح‪ (5) 26 :‬الفتح‪:‬‬
‫‪ (6) .29‬الحجرات‪ (7) 7 - 1 :‬الذاريات‪ (8) 9 - 8 :‬الذاريات‪(9) 55 :‬‬
‫الحديد‪.9 - 7 :‬‬

‫]‪[15‬‬

‫‪ -‬إلى قوله ‪ :-‬يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم‬
‫بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ذلك هو الفوز‬
‫العظيم )‪ (1‬إلى قوله تعالى‪ :‬والذين آمنوا بال ورسله اولئك هم الصديقون‬
‫والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك‬
‫أصحاب الجحيم ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ :-‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة‬
‫عرضها كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله ذلك فضل‬
‫ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم )‪ .(2‬وقال عزوجل‪ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم‬
‫نورا تمشون به ويغفر لكم وال غفور رحيم )‪ .(3‬الحشر‪ :‬ل يستوي‬
‫أصحاب النار وأصحاب الجنة‪ ،‬أصحاب الجنة هم الفائزون‪ (4) .‬الصف‪ :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بال‬
‫ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم‬
‫تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار و‬
‫مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * واخرى تحبونها نصر من‬
‫ال وفتح قريب وبشر المؤمنين * يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما‬
‫قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن‬
‫أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا‬
‫على عدوهم فأصبحوا ظاهرين‪ (5) .‬المنافقين‪ :‬ول العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون )‪ (6‬التغابن‪ :‬فآمنوا بال ورسوله‬
‫والنور الذي أنزلنا وال بما تعملون خبير *‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) 12 :‬الحديد‪ (3) 21 - 19 :‬الحديد‪ (4) 28 :‬الحشر‪(5) 20 :‬‬


‫الصف‪ (6) 14 - 10 :‬المنافقين‪(*) 8 :‬‬

‫]‪[16‬‬

‫يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يكفر عنه‬
‫سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز‬
‫العظيم ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬ومن يؤمن بال يهد قلبه‪ (1) .‬الطلق‪ ...:‬الذين‬
‫آمنوا قد أنزل ال إليكم ذكرا * رسول يتلو عليكم آيات ال مبينات ليخرج‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بال‬
‫ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد‬
‫أحسن ال له رزقا‪ (2) .‬التحريم‪ :‬يوم ل يخزي ال النبي والذين آمنوا معه‬
‫نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا‬
‫إنك على كل شئ قدير‪ (3) .‬الملك‪ :‬أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن‬
‫يمشي سويا على صراط مستقيم‪ (4) .‬القلم‪ :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين‬
‫* مالكم كيف تحكمون‪ (5) .‬الجن‪ :‬فمن يؤمن بربه فل يخاف بخسا ول‬
‫رهقا‪ (6) .‬المطففين‪ :‬إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون *‬
‫وإذا مروا بهم يتغامرون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا‬
‫رأوهم قالوا إن هؤلء لضالون * وما ارسلوا عليهم حافظين * فاليوم‬
‫الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الرائك ينظرون * هل ثوب الكفار‬
‫ما كانوا يفعلون‪ (7) .‬النشقاق‪ :‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر‬
‫غير ممنون‪ (8) .‬البروج‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات‬
‫تجري من تحتها‬

‫)‪ (1‬التغابن‪ (2) 11 - 8 :‬الطلق‪ (3) .11 - 10 :‬التحريم‪ (4) .8 :‬الملك‪(5) 22 :‬‬
‫القلم‪ (6) 36 - 35 :‬الجن‪ (7) 13 :‬المطففين‪ (8) 36 - 29 :‬النشقاق‪:‬‬
‫‪25‬‬

‫]‪[17‬‬

‫النهار ذلك الفوز الكبير‪ (1) .‬البلد‪ :‬ثم كان من الذين آمنوا وتوا بالصبر وتواصوا‬
‫بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة‪ (2) .‬التين‪ :‬إل الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات فلهم أجر غير ممنون‪ (3) .‬البينة‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري‬
‫من تحتها النهار خالدين فيها أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن‬
‫خشي ربه‪ (4) .‬العصر‪ :‬والعصر * إن النسان لفي خسر * إل الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات السورة‪) * (5) .‬تفسير( * " هدى " أي بيان من‬
‫الضللة " للمتقين " )‪ (6‬الذين يتقون الموبقات و يتقون تسليط السفه‬
‫على أنفسهم‪ ،‬حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم‬
‫رضى ربهم‪ ،‬وسيأتي عن الصادق عليه السلم‪ " :‬المتقون شيعتنا " وإنما‬
‫خص المتقين بالهتداء به لنهم المنتفعون به‪ " .‬الذين يؤمنون بالغيب "‬
‫أي بما غاب عن حواسهم من توحيد ال ونبوة النبياء‪ ،‬وقيام القائم عليهم‬
‫السلم‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والبعث‪ ،‬والحساب‪ ،‬والجنة‪ ،‬والنار وسائر المور التي‬
‫يلزمهم اليمان بها‪ ،‬مما ل يعرف بالمشاهدة‪ ،‬وإنما يعرف بدلئل نصبها‬
‫ال عزوجل عليه‪ " ،‬ويقيمون الصلة " بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ‬
‫مواقيتها‪ ،‬وحدودها‪ ،‬وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها‪ " ،‬ومما رزقناهم‬
‫" من الموال والقوى والبدان والجاه والعلم " ينفقون " أي يتصدقون‪،‬‬
‫يحتملون‬

‫)‪ (1‬البروج‪ (2) 1 :‬البلد‪ (3) 18 - 17 :‬التين‪ (4) .6 :‬البينة‪ (5) .8 - 7 :‬العصر‪:‬‬
‫‪ (6) .3 - 1‬البقرة‪.2 :‬‬

‫]‪[18‬‬

‫الكل ويؤدون الحقوق لهاليها‪ ،‬ويقرضون‪ ،‬ويقضون الحاجات‪ ،‬ويأخذون بأيدي‬


‫الضعفاء‪ ،‬يقودون الضرير‪ ،‬وينجون الضعفاء من المهالك‪ ،‬ويحملون عنهم‬
‫المتاع‪ ،‬ويركبون الراجلين‪ ،‬ويؤثرون من هو أفضل منهم في اليمان على‬
‫أنفسهم بالمال والنفس‪ ،‬ويساوون من كان في درجتهم فيه‪ ،‬ويبذلون العلم‬
‫لهله‪ ،‬ويروون فضائل أهل البيت عليهم السلم لمحبيهم‪ :‬ولمن يرجون‬
‫هدايته‪ ،‬أكثر ما تقدم مأخوذ من تفسير المام عليه السلم )‪ (1‬وفي معاني‬
‫الخبار‪ ،‬والعياشي عن الصادق عليه السلم‪ :‬أي مما علمناهم يبثون‪(2) .‬‬
‫" بما انزل إليك " إي من القرآن والشريعة " وما انزل من قبلك " من‬
‫التوراة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬والزبور‪ ،‬وصحف إبراهيم‪ ،‬وسائر كتب ال المنزلة‪،‬‬
‫بأنها حق وصدق من عند رب صادق حكيم كما قال المام عليه السلم )‪.(3‬‬
‫" وبالخرة هم يوقنون " قال عليه السلم بالدار الخرة بعد هذه الدنيا‬
‫يوقنون ل يشكون فيها أنها الدار التي فيها جزاء العمال الصالحة بأفضل‬
‫مما عملوا‪ ،‬وعقاب العمال السيئة بمثل ما كسبوه‪ " .‬اولئك على هدى من‬
‫ربهم " قال عليه السلم‪ :‬أخبر عز جلله بأن هؤلء الموصوفين بهذه‬
‫الصفات " على هدى " أي بيان وصواب " من ربهم " وعلم بما أمرهم‬
‫به " واولئك هم المفلحون " أي الناجون مما منه يوجلون‪ ،‬الفائزون بما‬
‫يأملون‪ .‬وقال عليه السلم في قوله تعالى‪ " :‬وبشر الذين آمنوا " )‪:(4‬‬
‫بال وصدقوك في نبوتك‪ ،‬فاتخذوك إماما وصدقوك في أقوالك‪ ،‬وصوبوك‬
‫في أفعالك‪ ،‬واتخذوا‬

‫)‪ (1‬يعنى التفسير المنسوب الى المام العسكري عليه السلم‪ (2) .‬تفسير العياشي‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ .26‬وفيه " ينبئون "‪ (3) .‬يعنى المام العسكري في التفسير‬
‫المنسوب إليه عليه السلم‪ (4) .‬سورة البقرة‪.25 :‬‬

‫]‪[19‬‬
‫أخاك عليا بعدك إماما‪ ،‬ولك وصيا مرضيا‪ ،‬وانقادوا لما يأمرهم به‪ ،‬وصاروا إلى ما‬
‫أصارهم إليه‪ ،‬ورأوا له ما يرون لك إل النبوة التي افردت بها‪ .‬وأن الجنة‬
‫ل تصير لهم إل بموالته وموالة من ينص لهم عليه من ذريته وموالة‬
‫سائر أهل وليته‪ ،‬ومعاداة أهل مخالفته وعداوته‪ ،‬وأن النيران ل تهدء‬
‫عنهم ول يعدل بهم عن عذابها إل بتنكبهم عن موالة مخالفيهم ومؤازرة‬
‫شانئيهم‪ " .‬وعملوا الصالحات " من أداء الفرائض‪ ،‬واجتناب المحارم‪،‬‬
‫ولم يكونوا كهؤلء الكافرين بك " أن لهم جنات " بساتين " تجري من‬
‫تحتها النهار " من تحت شجرها ومساكنها ‪ -‬إلى آخر ما مر في أبواب‬
‫المعاد ‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬قال ال عزوجل لليهود‪ " :‬وآمنوا " )‪ (1‬أيها‬
‫اليهود " بما أنزلت " على محمد من ذكر نبوته وأنباء إمامة أخيه علي‬
‫وعترته الطاهرين " مصدقا لما معكم " فان مثل هذا الذكر في كتابكم‪ :‬أن‬
‫محمدا النبي سيد الولين والخرين المؤيد بسيد الوصيين‪ ،‬وخليفة رسول‬
‫رب العالمين‪ ،‬فاروق المة‪ ،‬وباب مدينة الحكمة‪ ،‬ووصي رسول الرحمة‪،‬‬
‫" ول تشتروا بآياتي " المنزلة لنبوة محمد وإمامة علي والطيبين من‬
‫عترته " ثمنا قليل " فان ذلك وإن كثر فإلى نفاد وخسار وبوار " وإياي‬
‫فاتقون " في كتمان أمر محمد وأمر وصيه‪ .‬وقيل في قوله تعالى‪ " :‬ول‬
‫تكونوا أول كافر به " تعريض بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به‪،‬‬
‫لنهم كانوا أهل النظر في معجزاته‪ ،‬والعلم بشأنه والمستفتحين به‪،‬‬
‫والمبشرين بزمانه‪ .‬قوله تعالى‪ " :‬وعملوا الصالحات " )‪ (2‬استدلوا‬
‫بالعطف على عدم دخول العما‪ ،‬في اليمان وهو كذلك‪ ،‬لكنه ل ينفي‬
‫الشتراط‪ ،‬بل استدل في بعض الخبار بالمفارنة عليه‪ " .‬أفتؤمنون ببعض‬
‫الكتاب " )‪ (3‬يدل على اشتراط أجزاء اليمان بعضها‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة‪ (2) 41 :‬سورة البقرة‪ (3) .82 :‬البقرة‪.85 :‬‬

‫]‪[20‬‬

‫ببعض‪ ،‬وفسر الخزي في الحياة الدنيا بذل الجزية‪ " ،‬إلى أشد العذاب " قيل‪ :‬أي‬
‫إلى جنس أشد العذاب‪ ،‬يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم‪ .‬والية في‬
‫اليهود وكذا قوله‪ " :‬قل بئسما يأمركم به إيمانكم " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي بموسى‬
‫والتوراة أن تكفروا بي " إن كنتم مؤمنين " ‪ -‬كما تزعمون ‪ -‬بموسى‬
‫والتوراة‪ ،‬ولكن ‪ -‬معاذ ال ‪ -‬ل يأمركم إيمانكم ‪ -‬بموسى والتوراة ‪ -‬بالكفر‬
‫بمحمد صلى ال عليه وآله‪ " .‬من كان عدوا ل " )‪ (2‬بأن يخالفه عنادا‬
‫لنعامه على المقربين من عباده " وملئكته " المبعوثين لنصرتهم "‬
‫ورسله " المخبرين عن فضلهم‪ ،‬الداعين إلى متابعتهم " وجبريل وميكال‬
‫" تخصيص بعد التعميم للهتمام " فان ال عدو للكافرين " يدل على‬
‫وجوب اليمان بالملئكة والرسل‪ ،‬وأن عداوتهما كفر‪ .‬وفي تفسير المام‬
‫عليه السلم‪ " :‬إن ال ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء‬
‫ال فيهم فيما يكرهون‪ ،‬كدفعه عن بخت نصر أن يقتله دانيال‪ ،‬من غير‬
‫ذنب جنى بخت نصر‪ ،‬حتى بلغ كتاب ال في اليهود أجله‪ ،‬وحل بهم ما‬
‫جرى في سابق علمه‪ ،‬وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل‬
‫وميكائيل وملئكة ال النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلم على‬
‫الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم‪ .‬وفي تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬أنها‬
‫نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول ال لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل‬
‫آمنا بك‪ ،‬فانه ملك الرحمة‪ ،‬وهو صديقنا‪ ،‬و جبرئيل ملك العذاب وهو‬
‫عدونا‪ " .‬قولوا آمنا بال " )‪ (3‬في الكافي والعياشي )‪ (4‬عن الباقر عليه‬
‫السلم‪ :‬إنما عنى‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) 93 :‬البقرة‪ (3) .98 :‬البقرة‪ (4) .136 :‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ ،62‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 415‬و ‪ 416‬ولفظه‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن محمد بن النعمان‪ ،‬عن سلم‪ ،‬عن‬
‫أبى جعفر عليه السلم في قوله تعالى‪ :‬قولوا آمنا بال وما أنزل الينا "‬
‫الخ‪.‬‬

‫]‪[21‬‬

‫بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين‪ ،‬وجرت بعدهم في الئمة عليهم السلم‪ ،‬ثم‬
‫رجع القول من ال في الناس فقال‪ " :‬فإن آمنوا " يعني الناس " بمثل ما‬
‫آمنتم به " الية‪ " .‬وما انزل إلينا " يعني القرآن " وما انزل إلى إبراهيم‬
‫" يعني الصحف " و السباط " حفدة يعقوب " وما اوتي موسى وعيسى‬
‫" أي التوراة والنجيل " وما اوتي النبيون " جملة المذكورون منهم‬
‫وغير المذكورين " من ربهم‪ ،‬ل نفرق بين أحد منهم " كاليهود حيث‬
‫آمنوا ببعض وكفروا ببعض‪ .‬و " أحد " لوقوعه في سياق النفي عم‪،‬‬
‫فساغ أن يضاف إليه " بين " ونحن له " أي ل " مسلمون " مذعنون‬
‫مخلصون‪ .‬وفي الفقيه )‪ (1‬في وصايا أمير المؤمنين عليه السلم لبنه "‬
‫فرض على اللسان القرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه فقال عزوجل‪:‬‬
‫" قولوا آمنا بال وما انزل إلينا " الية‪ " .‬فإن آمنوا " أي سائر الناس "‬
‫بمثل ما آمنتم به " أي بما آمنتم به‪ ،‬و المثل مقحم في مثله )‪ " (2‬وإن‬
‫تولوا " أي أعرضوا " فانما هم في شقاق " أي كفر كذا في المجمع )‪(3‬‬
‫عن الصادق عليه السلم وأصله المخالفة والمناواة فان كل واحد من‬
‫المتخالفين في شق غير شق الخر " فسيكفيكهم ال " تسلية وتسكين‬
‫للمؤمنين " وهو السميع " لقوالكم " العليم " بأخلقكم‪.‬‬
‫)‪ (1‬يعنى فقيه من ل يحضره الفقيه ورواه في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 35‬عن أبى عبد ال‬
‫" ع " في حديث طويل في باب أن اليمان مبثوث لجوارح البدن كلها‪:‬‬
‫وفيه فرض ال على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه‬
‫وأقربه‪ ،‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬وقولوا للناس حسنا وقال‪ " :‬قولوا آمنا‬
‫بال وما انزل الينا وما انزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون‪.‬‬
‫فهذا ما فرض ال على اللسان‪ (2) .‬أي في مثل هذه الموارد‪ (3) .‬مجمع‬
‫البيان ج ‪ 1‬ص ‪.218‬‬

‫]‪[22‬‬

‫" فمن يكفر بالطاغوت " )‪ (1‬في المجمع عن الصادق عليه السلم هو الشيطان )‬
‫‪ .(2‬اقول‪ :‬ويستفاد من كثير من الخبار أنه يعم كل ما عبد من دون ال من‬
‫صنم‪ ،‬أو إمام ضلل‪ ،‬أو صاد عن دين ال‪ ،‬وهو فعلوت من الطغيان )‪،(3‬‬
‫وفي تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬هم الذين غصبوا آل محمد حقهم‪ " .‬ويؤمن‬
‫بال " بالتوحيد وتصديق الرسل " فقد استمسك بالعروة الوثقى " أي‬
‫طلب المساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة لمتمسك الحق من‬
‫النظر الصحيح والدين القويم‪ .‬وفي الكافي عن الصادق )‪ (4‬عليه السلم‬
‫هي اليمان بال وحده ل شريك له‪ ،‬وعن الباقر عليه السلم هي مودتنا‬
‫أهل البيت " ل انفصام لها " ل انقطاع لها‪ .‬وفي معاني الخبار عن النبي‪:‬‬
‫من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها‪ ،‬فليستمسك‬
‫بولية أخي ووصيي علي بن أبي طالب‪ ،‬فانه ل يهلك من أحبه وتوله‪ ،‬ول‬
‫ينجو من أبغضه وعاداه )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .256 :‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .364‬قال في المفردات‪:‬‬
‫الطاغوت عبارة عن كل متعد‪ ،‬وكل معبود من دون ال‪ ،‬و يستعمل في‬
‫الواحد والجمع‪ ،‬قال‪ " :‬فمن يكفر بالطاغوت‪ ،‬والذين اجتنبوا الطاغوت‬
‫أولياؤهم الطاغوت‪ ،‬يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت " فعبارة عن كل‬
‫متعد‪ .‬ولما تقدم سمى الساحر‪ ،‬والكاهن‪ ،‬والمارد من الجن‪ ،‬والصارف‬
‫عن طريق الخير طاغوتا‪ .‬ووزنه فيما قيل فعلوت نحو جبروت وملكوت‪،‬‬
‫وقيل أصله طغووت‪ ،‬ولكن قلب لم الفعل‪ ،‬نحو صاعقة وصاقعة‪ ،‬ثم قلب‬
‫الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله‪ (4) .‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ 14‬باب في أن الصبغة هي السلم تحت الرقم ‪ (5) 1‬معاني الخبار ص‬
‫‪ 368‬و ‪ .369‬وسنده هكذا‪ :‬حدثنا محمد بن على ماجيلويه قال‪ :‬حدثنى‬
‫عمى محمد بن أبى القاسم‪ ،‬عن أحمد بن أبى عبد ال البرقى‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن =‬
‫]‪[23‬‬

‫" وال سميع " بالقوال " عليم " بالنيات‪ " .‬ال ولي الذين آمنوا " متولي‬
‫امورهم " يخرجهم " بهدايته وتوفيقه " من الظلمات " أي ظلمات الجهل‬
‫والذنوب " إلى النور " أي نور الهدى والمغفرة‪ ،‬و سيأتي عن أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬المؤمن يتقلب في خمسة من النور‪ :‬مدخله نور‬
‫ومخرجه نور‪ ،‬وعلمه نور‪ ،‬وكلمه نور‪ ،‬ومنظره يوم القيامة إلى النور‪" .‬‬
‫والذين كفروا أوليائهم الطاغوت " في الكافي عن الباقر عليه السلم‪:‬‬
‫أولياؤهم الطواغيت‪ ،‬وفي تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬هم الظالمون آل محمد‪،‬‬
‫أولياؤهم الطاغوت وهم الذين تبعوا من غصبهم " يخرجونهم من النور‬
‫إلى الظلمات " قيل من نور الفطرة إلى فساد الستعداد‪ ،‬وفي الكافي عن‬
‫الصادق عليه السلم النور آل محمد‪ ،‬والظلمات عدوهم )‪ .(1‬وفي الكافي‬
‫والعياشي عن أبي عبد ال عليه السلم‪ " :‬يخرجهم من الظلمات إلى النور‬
‫" يعني ظلمات الكفر إلى نور التوبة والمغفرة لوليتهم كل إمام عادل من‬
‫ال عزوجل‪ ،‬وقال‪ " :‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من‬
‫النور إلى الظلمات " إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور السلم فلما أن‬
‫تولوا كل إمام جائر ليس من ال خرجوا بوليتهم من نور السلم إلى‬
‫ظلمات الكفر فأوجب ال لهم النار مع الكفار )‪ .(2‬وزاد في العياشي‪ :‬قال‬
‫قلت‪ :‬أليس ال عنى بهذا الكفار حين قال‪ :‬والذين كفروا " ؟ قال فقال‪:‬‬
‫وأي نور للكافر فاخرج منه إلى الظلمات "‪ " .‬اولئك أصحاب النار هم فيها‬
‫خالدون " العياشي عن الصادق عليه السلم‪ :‬فأعداء‬

‫= خلف بن حماد السدي‪ ،‬عن أبى الحسن العبدى‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن عباية بن‬
‫ربعى‪ ،‬عن عبد ال بن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫الخ‪ (1) .‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ 289‬والعياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .137‬تفسير‬
‫العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ ،138‬وتراه في الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ ،375‬باب فيمن دان‬
‫ال عزوجل بغير امام من ال جل جلله‪ ،‬تحت الرقم ‪.3‬‬

‫]‪[24‬‬

‫علي هم الخالدون في النار‪ ،‬وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد و‬
‫العبادة )‪ " .(1‬إن الذين آمنوا " )‪ (2‬قيل‪ :‬أي بال ورسله وبما جاءهم منه‬
‫" وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة " عطفهما على ما يعمهما لنافتهما على‬
‫سائر العمال الصالحة " ول خوف عليهم " من آت " ول هم يحزنون "‬
‫على فائت‪ " .‬إن كنتم مؤمنين " )‪ (3‬أي بقلوبكم‪ ،‬فان دليله امتثال ما‬
‫امرتم‪ ،‬أقول‪ :‬تشعر بأن من يأتي بالذنوب الموبقة ليس بمؤمن‪ " .‬آمن‬
‫الرسول بما انزل إليه من ربه " )‪ (4‬قال البيضاوي‪ :‬شهادة و تنصيص‬
‫من ال على صحة إيمانه والعتداد به‪ ،‬وأنه جازم في أمره غير شاك فيه‪.‬‬
‫" والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله " ل يخلو من أن يعطف‬
‫المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا إلى‬
‫الرسول والمؤمنين‪ ،‬أو يجعل مبتدءا فيكون الضمير للمؤمنين‪ ،‬وباعتباره‬
‫يصح وقوع كل بخبره خبر المبتدء ويكون إفراد الرسول بالحكم إما‬
‫لتعظيمه‪ ،‬أو لن إيمانه عن مشاهدة وعيان‪ ،‬وإيمانهم عن نظر واستدلل‪.‬‬
‫" ل نفرق بين أحد من رسله " أي يقولون‪ :‬ل نفرق‪ ،‬و " أحد " في‬
‫معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي‪ ،‬ولذلك دخل عليه " بين " والمراد‬
‫نفي الفرق بالتصديق والتكذيب‪ " ،‬وقالوا سمعنا " أجبنا " وأطعنا "‬
‫أمرك " غفرانك ربنا " أي اغفر لنا غفرانك‪ ،‬أو نطلب غفرانك " وإليك‬
‫المصير " أي المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث انتهى‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .139‬سورة البقرة‪ (3) .277 :‬سورة البقرة‪:‬‬
‫‪ (4) .282‬البقرة‪.285 :‬‬

‫]‪[25‬‬

‫" إن في ذلك " )‪ (1‬أي في إنبائكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " لية "‬
‫ومعجزة " لكم إن كنتم مؤمنين " أي مصدقين غير معاندين‪ " .‬فيوفيهم‬
‫اجورهم " )‪ (2‬اليفاء والتوفية‪ :‬إعطاء الحق وافيا كامل‪ " .‬إن أولى‬
‫الناس بابراهيم " )‪ (3‬أي أخصهم به وأقربهم منه‪ ،‬من " الولي " وهو‬
‫القرب " للذين اتبعوه " من امته " وهذا النبي " خصوصا " والذين‬
‫آمنوا " من امته لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الصالة‪ .‬في‬
‫الكافي )‪ (4‬والعياشي )‪ :(5‬هم الئمة ومن اتبعهم‪ .‬وفي المجمع )‪ :(6‬قال‬
‫أمير المؤمنين‪ :‬إن أولى الناس بالنبياء أعملهم بما جاؤوا به ثم تل هذه‬
‫الية وقال‪ :‬إن ولي محمد صلى ال عليه وآله من أطاع ال‪ ،‬وإن بعدت‬
‫لحمته‪ .‬وإن عدو محمد من عصى ال‪ ،‬وإن قربت قرابته‪ " ،‬وال ولي‬
‫المؤمنين " أي يتولى نصرتهم‪ " .‬قل آمنا " )‪ (7‬أمر للرسول بأن يخبر‬
‫عن نفسه ومتابعيه باليمان " ونحن له مسلمون " أي منقادون مخلصون‬
‫في عبادته‪ " .‬وال ذو فضل على المؤمنين " )‪ (8‬يتفضل عليهم بالعفو‬
‫وغيره في الحوال كلها‪ " .‬فآمنوا بال ورسله " )‪ (9‬مخلصين " وإن‬
‫تؤمنوا " حق اليمان " وتتقوا " النفاق " فلكم أجر عظيم " ل يقادر‬
‫قدره‪ " .‬ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل " )‪ (10‬كما فعله المحرفون من‬
‫أحبارهم‬
‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .49 :‬آل عمران‪ (3) .57 :‬آل عمران‪ (4) .68 :‬الكافي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (5) .416‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (6) .177‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (7) .458‬آل عمران‪ (8) .84 :‬آل عمران‪ (9) .152 :‬آل عمران‪.179 :‬‬
‫)‪ (10‬آل عمران‪.199 :‬‬

‫]‪[26‬‬

‫" اولئك لهم أجرهم " ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوا في آية اخرى " إن ال‬
‫سريع الحساب " لعلمه بالعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء‬
‫فيسرع في الجزاء ويوصل الجر الموعود سريعا‪ " .‬أزواج مطهرة " )‪(1‬‬
‫أي من الدماء‪ ،‬ودرن الدنيا وأنجاسها‪ ،‬وقيل من الخلق السيئة "‬
‫وندخلهم ظل ظليل " أي دائما ل تنسخه الشمس‪ ،‬مشتق من الظل لتأكيده‪،‬‬
‫كما قيل‪ :‬ليل أليل‪ " .‬وعد ال " )‪ (2‬قال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬أي وعد‬
‫ال ذلك وعدا " حقا " مصدر مؤكد لما قبله‪ ،‬كأنه قال‪ :‬احقه حقا " ومن‬
‫أصدق " استفهام فيه معنى النفي‪ ،‬أي ل أجد أصدق من ال قول فيما‬
‫أخبر‪ ،‬ووعدا فيما وعد )‪ " .(3‬يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله " )‬
‫‪ (4‬أي آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم ليوافق ظاهركم‬
‫باطنكم‪ ،‬فالخطاب للمنافقين‪ ،‬وقيل‪ :‬الخطاب للمؤمنين على الحقيقة‪،‬‬
‫والمعنى اثبتوا على هذا اليمان في المستقبل‪ ،‬وداوموا عليه‪ ،‬واختاره‬
‫الجبائي‪ ،‬قال‪ :‬لن اليمان الذي هو التصديق ل يبقى وإنما يستمر بأن‬
‫يجدده النسان حال بعد حال‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب لهل الكتاب‪ ،‬امروا بأن‬
‫يؤمنوا بالنبي‪ ،‬والكتاب الذي انزل عليه‪ ،‬كما آمنوا بما معهم من التوراة‬
‫والنجيل‪ ،‬ويكون وجه أمرهم بالتصديق بهما ‪ -‬وإن كانوا مصدقين بهما ‪-‬‬
‫أحد أمرين‪ :‬إما أن يكون لن التوراة والنجيل فيهما صفات نبينا وتصحيح‬
‫نبوته فمن لم يصدقه ولم يصدق القرآن‪ ،‬ل يكون مصدقا بهما‪ ،‬لن في‬
‫تكذيبه تكذيب التوراة والنجيل‪ .‬وإما أن يكون ال عزوجل أمرهم بالقرار‬
‫بمحمد والقرآن‪ ،‬وبالكتاب‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .57 :‬النساء‪ (3) .122 :‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪ (4) 114‬النساء‪:‬‬
‫‪.136‬‬

‫]‪[27‬‬

‫الذي انزل من قبله‪ ،‬وهو النجيل‪ ،‬وذلك ل يصح إل بالقرار بعيسى عليه السلم‬
‫أيضا وأنه نبي مرسل‪ " .‬ومن يكفر بال " أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو‬
‫يرد أمره ونهيه " وملئكته " أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة ل تليق بهم‪ ،‬كما‬
‫قالوا‪ :‬إنهم بنات ال " وكتبه " فيجحدها " ورسله " فينكرهم " واليوم‬
‫الخر " أي يوم القيامة " فقد ضل ضلل بعيدا " أي ذهب عن الحق‬
‫وقصد السبيل ذهابا بعيدا‪ " .‬ولم يفرقوا بين أحد منهم " )‪ (1‬بأن آمنوا‬
‫بجميعهم " اولئك سوف يؤتيهم " أي يعطيهم " اجورهم " الموعودة‬
‫لهم‪ ،‬سمي الثواب أجرا للدللة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف‪،‬‬
‫للدللة على أنه كائن ل محالة وإن تأخر " وكان ال غفورا " لم يزل يغفر‬
‫ما فرط منهم من المعاصي " رحيما " يتفضل بأنواع النعام‪ " .‬ويزيديهم‬
‫من فضله " )‪ (2‬أي على ما كان وعدهم به من الجزاء " وأما الذين‬
‫استنكفوا " أي أنفوا عن القرار بوحدانيته " واستكبروا " أي تعظموا‬
‫عن القرار له بالطاعة والعبودية " وليا " ينجيهم من عذابه " ول نصيرا‬
‫" أي ناصرا ينقذهم من عقابه‪ " .‬واعتصموا به " )‪ (3‬أي بحبل طاعته أو‬
‫طاعة أنبيائه وحججه‪ ،‬أو بدينه كما قال‪ " :‬واعتصموا بحبل ال جميعا "‪.‬‬
‫وفي تفسير علي بن إبراهيم‪ :‬العتصام التمسك " به "‪ :‬بولية أمير‬
‫المؤمنين وولية الئمة بعده‪ " .‬في رحمة منه " أي ثواب مستحق أو‬
‫نعمة منه وهي الجنة‪ ،‬عن ابن عباس " وفضل " أي إحسان زائد عليه‬
‫وقيل‪ :‬أي ما يبسط لهم من الكرامة‪ ،‬وتضعيف الحسنات‪ ،‬وما يزاد لهم من‬
‫النعم على ما يستحقونه " ويهديهم إليه صراطا مستقيما "‪ .‬قال الطبرسي‬
‫‪ -‬رحمه ال ‪ (4) :-‬صراطا مفعول ثان ليهديهم فانه على‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .152 :‬النساء‪ (3) .173 :‬النساء‪ (4) .175 :‬مجمع البيان ج ‪3‬‬
‫ص ‪.147‬‬

‫]‪[28‬‬

‫معنى يعرفهم‪ ،‬أو حال من الهاء في " إليه " أي يوفقهم لصابة فضله الذي يتفضل‬
‫به على أوليائه‪ ،‬ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليهم من أهل طاعته‪،‬‬
‫واقتفاء آثارهم‪ .‬وأقول‪ :‬في تفسير علي بن إبراهيم )‪ :(1‬الصراط المستقيم‬
‫علي عليه السلم‪ " .‬لهم مغفرة " )‪ (2‬أي لذنوبهم " وأجر " أي ثواب "‬
‫عظيم " قال الطبرسي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬الفرق بين الثواب والجر أن الثواب‬
‫يكون جزاء على الطاعات‪ ،‬والجر قد يكون على سبيل المعاوضة‪ ،‬بمعنى‬
‫الجرة )‪ " .(3‬ولو أن أهل الكتاب " )‪ (4‬قال‪ :‬يعني اليهود والنصارى "‬
‫آمنوا " بمحمد " واتقوا " الكفر والفواحش " لكفرنا عنهم سيئاتهم " أي‬
‫سترناها عليهم‪ ،‬وغفرناها لهم‪ " .‬ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل " أي‬
‫عملوا بما فيهما على ما فيهما‪ ،‬دون أن يحرفوا شيئا منهما‪ ،‬أو عملوا بما‬
‫فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم " وما انزل إليهم من ربهم " أي‬
‫القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬كل ما دل ال عليه من امور الدين " لكلوا من فوقهم "‬
‫بارسال السماء عليهم مدرارا " ومن تحت أرجلهم باعطاء الرض خيرها‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬لكلوا ثمار النخيل والشجار من فوقهم والزروع من تحت أرجلهم‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬لتركوا في بلدهم‪ ،‬ولم يجلوا عن بلدهم‪ ،‬ولم يقتلوا‪ ،‬فكانوا‬
‫يتمتعون بأموالهم‪ ،‬وما رزقهم ال من النعم‪ ،‬وإنما خص سبحانه الكل‪،‬‬
‫لن ذلك أعظم النتفاع‪ ،‬وقيل‪ :‬كناية عن التوسعة كما يقال‪ :‬فلن في الخير‬
‫من قرنه إلى قدمه‪ ،‬أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها‪ .‬أقول‪ :‬وفي‬
‫تفسير علي بن إبراهيم‪ " :‬من فوقهم " المطر " ومن تحت أرجلهم "‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ 606‬و ‪ 612‬وغير ذلك من الموارد التى يفسر كلمة "‬
‫الصراط المستقيم " وهكذا رواه الصدوق في المعاني ص ‪ 32‬عن أبى‬
‫عبد ال عليه السلم‪ (2) .‬المائدة‪ (3) .9 :‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪) .169‬‬
‫‪ (4‬المائدة‪ 65 :‬و ‪.66‬‬

‫]‪[29‬‬

‫النبات‪ ،‬وأقول‪ :‬قال بعض أهل التحقيق‪ " :‬من فوقهم " الفاضات واللهامات‬
‫الربانية " ومن تحت أرجلهم " ما يكتسبونه بالفكر والنظر‪ ،‬ومطالعة‬
‫الكتب‪ ،‬فهو محمول على الرزق الروحاني‪ " .‬منهم امة مقتصدة " قد‬
‫دخلوا في السلم " وكثير منهم ساء ما يعملون " وفيه معنى التعجب‪ ،‬أي‬
‫ما أسوء عملهم‪ ،‬وهم الذين أقاموا على الجحود والكفر‪ " .‬إن الذين آمنوا‬
‫" )‪ (1‬أي بال وبما فرض عليهم اليمان به " والذين هادوا " أي اليهود‬
‫" والصابئون " قال علي بن إبراهيم‪ :‬إنهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم‬
‫يعبدون الكواكب والنجوم ]والنصارى[ " من آمن " منهم أي نزع عن‬
‫كفره " فل خوف عليهم " في الخرة حين يخاف الفاسقون " ول هم‬
‫يحزنون " إذا حزن المخالفون‪ .‬أقول‪ :‬قد ورد مثل هذه الية في البقرة )‬
‫‪ " .(2‬فمن آمن " )‪ (3‬أي صدق الرسل " وأصلح " أي عمل صالحا في‬
‫الدنيا " فل خوف عليهم " من العذاب " ول هم يحزنون " بفوت الثواب‪.‬‬
‫" يؤمنون به " )‪ (4‬أي بالقرآن " وهم على صلتهم يحافظون " فان من‬
‫صدق بالخرة‪ ،‬خاف العاقبة‪ ،‬ول يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر‪،‬‬
‫حتى يؤمن به‪ ،‬ويحافظ على الطاعة‪ ،‬وتخصيص الصلة لنها عماد الدين‪،‬‬
‫وعلم اليمان‪ " .‬إن في ذلكم " )‪ (5‬أي في إنزال الماء من السماء‪،‬‬
‫وإخراج النباتات والشجار والثمار " ليات " على وجود صانع عليم‬
‫حكيم قدير‪ :‬يقدره ويدبره وينقله من حال إلى حال " لقوم يؤمنون " فانهم‬
‫المنتفعون‪.‬‬
‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .69 :‬البقرة‪ :‬الية ‪ (3) .62‬النعام‪ (4) .48 :‬النعام‪(5) .92 :‬‬
‫النعام‪.99 :‬‬

‫]‪[30‬‬

‫" أو من كان ميتا " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى اليمان وإنما‬
‫سمي الكافر ميتا‪ ،‬لنه ل ينتفع بحياته‪ ،‬ول ينفع غيره بحياته‪ ،‬فهو أسوء‬
‫حال من الميت‪ ،‬وسمي المؤمن حيا‪ ،‬لنه له ولغيره المصلحة والمنفعة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نطفة فأحيبناه " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " قيل‪ :‬المراد‬
‫بالنور العلم والحكمة لن العلم يهتدى به إلى الرشاد‪ ،‬كما يهتدى بالنور في‬
‫الطرقات أو القرآن واليمان " كمن مثله " مثل من هو " في الظلمات "‬
‫أي في ظلمة الكفر‪ .‬وسمي القرآن واليمان والعلم نورا لن الناس‬
‫يبصرون بذلك‪ ،‬ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضللة‪ ،‬كما يهتدى‬
‫بسائر النوار‪ ،‬وسمي الكفر ظلمة‪ ،‬لن الكافر ل يهتدي بهداه‪ ،‬ول يبصر‬
‫أمر رشده‪ ،‬كما سمي أعمى " كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " قال‬
‫الحسن‪ :‬زينه وال لهم الشيطان وأنفسهم‪ .‬وفي الكافي )‪ (2‬عن الباقر عليه‬
‫السلم‪ " :‬ميتا " ل يعرف شيئا " ونورا يمشي به في الناس " إماما يأتم‬
‫به " كمن مثله في الظلمات " الذي ل يعرف المام‪ .‬وفي العياشي )‪(3‬‬
‫عنه عليه السلم‪ :‬الميت الذي ل يعرف هذا الشأن يعني هذا المر "‬
‫وجعلنا له نورا " إماما يأتم به يعني علي بن أبي طالب عليه السلم "‬
‫كمن مثله في الظلمات " قال بيده هكذا‪ :‬هذا الخلق الذين ل يعرفون شيئا‪.‬‬
‫وفي المناقب عن الصادق عليه السلم‪ " :‬كان ميتا " عنا " فأحييناه "‬
‫بنا‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ (4) :‬جاهل عن الحق والولية فهديناه إلينا‪،‬‬
‫قال‪ :‬النور الولية " في الظلمات " يعني ولية غير الئمة عليهم السلم‪.‬‬
‫وفي المجمع )‪ (5‬عن الباقر عليه السلم أنها نزلت في عمار بن ياسر‬
‫وأبي جهل‪ " .‬وهذا صراط ربك " )‪ (6‬قيل‪ :‬يعني طريقه وعادته في‬
‫التوفيق والخذلن وقيل‪ :‬السلم أو القرآن " مستقيما " ل اعوجاج فيه‪،‬‬
‫والنصب على الحال " قد فصلنا‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .122 :‬لم نجده في الكافي )‪ (3‬العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .357‬تفسير‬
‫القمى ص‪ (5) 203 :‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪ (6) .359‬النعام‪122 :‬‬

‫]‪[31‬‬

‫اليات " أي بيناها وميزناها " لقوم يذكرون " فيعلمون أن القادر هو ال‪ ،‬وأن كل‬
‫ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه‪ ،‬وأنه عليم بأحوال العباد‪ ،‬حكيم عدل‬
‫فيما يفعل بهم‪ " .‬لهم " للذين تذكروا وعرفوا الحق " دار السلم " أي‬
‫دار ال أو دار السلمة من كل آفة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬يعني في الجنة‬
‫والسلم‪ :‬المان والعافية والسرور‪ " .‬عند ربهم " أي في ضمانه يوصلهم‬
‫إليها ل محالة " وهو وليهم " قيل‪ :‬أي مولهم و محبهم‪ ،‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم‪ :‬أي أولى بهم " بما كانوا يعملون " أي بسبب أعمالهم‪ " .‬وأن‬
‫هذا صراطي " )‪ (1‬أي " ولن "‪ ،‬تعليل للمر باتباعه‪ ،‬وقيل‪ :‬الشارة فيه‬
‫إلى ما ذكر في السورة فانها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة‪ ،‬و بيان‬
‫الشريعة‪ ،‬وقرئ " إن " بالكسر على الستئناف " ول تتبعوا السبل " أي‬
‫الديان المختلفة المتشعبة عن الهوية المتباينة‪ " ،‬فتفرق بكم " أي‬
‫فتفرقكم وتزيلكم " عن سبيله " الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان "‬
‫ذلكم " التباع " وصاكم به لعلكم تتقون " الضلل والتفرق عن الحق‪.‬‬
‫وفي روضة الواعظين عن النبي صلى ال عليه وآله في هذه الية‪ :‬سألت‬
‫ال أن يجعلها لعلى ففعل )‪ .(2‬وروى العياشي عن الباقر عليه السلم أنه‬
‫قال لبريد العجلي‪ :‬تدري ما يعني ‍ب " صراطي مستقيما " قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولية علي والوصياء‪ ،‬قال‪ :‬وتدري ما يعني " ول تتبعوا السبل " ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬ولية فلن وفلن‪ ،‬قال‪ :‬وتدري‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .153 :‬ورواه ابن شهر آشوب في المناقب عن ابراهيم الثقفي‬
‫باسناده الى أبى برذة السلمي ج ‪ 3‬ص ‪.72‬‬

‫]‪[32‬‬

‫ما معنى " فتفرق بكم عن سبيله " قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬يعني سبيل علي عليه‬
‫السلم " )‪ " (1‬هل ينظرون " )‪ (2‬إنكار بمعنى ما ينتظرون ؟ " إل أن‬
‫تأتيهم الملئكة " أي ملئكة الموت أو العذاب " أو يأتي ربك " أي أمره‬
‫بالعذاب " أو يأتي بعض آيات ربك " في الحتجاج عن أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم في معنى هذه الية‪ :‬إنما خاطب نبينا صلى ال عليه وآله‪ :‬هل‬
‫ينتظر المنافقون أو المشركون " إل أن تأتيهم الملئكة " فيعاينوهم " أو‬
‫يأتي ربك " يعني بذلك أمر ربك‪ ،‬واليات هي العذاب في دار ‪ -‬الدنيا كما‬
‫عذب المم السالفة والقرون الخالية )‪ " .(3‬يوم يأتي بعض آيات ربك "‬
‫الخ كأن المعنى أنه ل ينفع اليمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو‬
‫مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا‪ ،‬والية تدل على أن اليمان ل‬
‫ينفع ول يقبل عند معاينة أحوال الخرة‪ ،‬ومشاهدة العذاب كايمان فرعون‪،‬‬
‫وقد مر تفسير الية بتمامها في كتاب المعاد‪ .‬وفي تفسير علي بن إبراهيم‬
‫عن الباقر عليه السلم‪ :‬نزلت " أو اكتسبت في إيمانها خيرا " قال‪ :‬إذا‬
‫طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم‪ ،‬فيومئذ " ل‬
‫ينفع نفسا إيمانها "‪ .‬وفي الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما‬
‫السلم في قوله‪ " :‬يوم يأتي بعض آيات ربك " قال‪ :‬طلوع الشمس من‬
‫الغرب وخروج الدجال و ]ظهور[ الدخان‪ ،‬والرجل يكون مصرا ولم يعمل‬
‫عمل اليمان ثم تجئ اليات فل ينفعه إيمانه‪ .‬وعن أحدهما عليهما السلم‬
‫في قوله‪ " :‬أو كسبت في إيمانها خيرا " قال‪ :‬المؤمن العاصي حالت بينه‬
‫وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ 383‬و ‪ (2) .384‬النعام‪ (3) 158 :‬الحتجاج ص‬
‫‪ (4) .132‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪385‬‬

‫]‪[33‬‬

‫وفي الكافي عن الصادق عليه السلم " من قبل " يعني في الميثاق " أو كسبت في‬
‫إيمانها خيرا " قال‪ :‬النبياء والوصياء وأمير المؤمنين عليهم السلم‬
‫خاصة قال‪ " :‬ل ينفع إيمانها " لنها سلبت )‪ .(1‬وفي الكمال عنه عليه‬
‫السلم في هذه الية‪ :‬يعني خروج القائم المنتظر )‪ ،(2‬و عنه عليه السلم‬
‫قال‪ :‬اليات هم الئمة عليهم السلم والية المنتظرة القائم عليه السلم‬
‫فيومئذ " ل ينفع نفسا إيمانها " )‪ .(3‬وعن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫أنها خروج دابة الرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى‬
‫وطلوع الشمس من مغربها )‪ " .(4‬قل انتظروا إنا منتظرون " وعيد‬
‫وتهديد‪ ،‬أي انتظروا إيتان أحد الثلثة فانا منتظرون له وحينئذ لنا الفوز‪،‬‬
‫ولكم الويل‪ " .‬قل إنني هداني ربي " )‪ (5‬أي بالوحي والرشاد و " دينا "‬
‫أي هداني دينا " قيما " فيعل من قام كالسيد والهين " ملة إبراهيم "‬
‫هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته‪ .‬وفي العياشي )‪ (6‬عن الباقر‬
‫عليه السلم‪ :‬ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الظفار‪ ،‬والخذ من‬
‫الشارب‪ ،‬والختان‪ .‬وعنه عليه السلم ما من أحد من هذه المة يدين بدين‬
‫إبراهيم عليه السلم غيرنا وغير شيعتنا‪ ،‬وعن السجاد عليه السلم ما أحد‬
‫على ملة إبراهيم إل نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .428‬اكمال الدين ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 27‬اكمال الدين ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .5‬اكمال الدين ج ‪ 2‬ص ‪ 207‬و ‪ 208‬في حديث الدجال )‪ (5‬النعام‪:‬‬
‫‪ (6) .161 - 160‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪.388‬‬

‫]‪[34‬‬
‫" ما انزل إليكم " )‪ (1‬أي من القرآن والوحي‪ " ،‬من دونه أولياء " أي شياطين‬
‫الجن والنس‪ ،‬فيحملوكم على الهواء والبدع‪ ،‬ويضلوكم عن دين ال "‬
‫وعما امرتم باتباعه " قليل ما تذكرون " أي تذكرا قليل تتذكرون‪ " .‬ل‬
‫نكلف نفسا إل وسعها " )‪ (2‬اعتراض بين المبتدء والخبر للترغيب في‬
‫اكتساب النعيم المقيم‪ ،‬بما يسعه طاقتهم‪ ،‬ويسهل عليهم‪ " .‬ورحمتي‬
‫وسعت كل شئ " )‪ (3‬أي في الدنيا‪ ،‬فما من مسلم ول كافر ول مطيع ول‬
‫عاص‪ ،‬وهو متقلب في نعمتي‪ .‬أو في الدنيا والخرة‪ ،‬إل أن قوما لم‬
‫يدخلوها لضللهم " فسأكتبها " أي فساثبتها واوجبها في الخرة " للذين‬
‫يتقون " الشرك والمعاصي‪ " .‬ويحل لهم الطيبات " )‪ (4‬يستفاد من بعض‬
‫اليات تأويل الطيبات بأخذ العلم من أهله‪ .‬و " الخبائث " بقول من خالف‬
‫وهو بطن من بطون الية‪ ،‬وقد مر تفسيرها في أبواب الطعمة " ويضع‬
‫عنهم إصرهم " أي يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة‪ .‬وأصل‬
‫الصر‪ :‬الثقل )‪ ،(5‬وكذا الغلل " وعز روه " أي عظموه بالتقوية والذب‬
‫عنه‪ ،‬وأصل التعزير‪ :‬المنع وأما " النور " فقيل‪ :‬هو القرآن وفي كثير من‬
‫الخبار أنه علي عليه السلم‪ " .‬وهاجروا " )‪ (6‬أي فارقوا أوطانهم‬
‫وقومهم حبا ل ولرسوله‪ ،‬وهم‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) 3 :‬العراف‪ (3) 42 :‬العراف‪ (4) 156 :‬العراف‪(5) 157 :‬‬
‫بل المراد‪ :‬وعد الناس بأن اليمان به والتسليم له يجب عما قبله فمن‬
‫آمن به وأسلم له حط من عاتقه ثقل الثام والذنوب التى اكتسبها قبل ذلك‬
‫حتى حقوق الناس أي مظالمهم وأقول‪ :‬على ما ثبت من تأويل الية في‬
‫المهدى " ص " يكون اليمان به والتسليم له يجب عما قبل ذلك من‬
‫الثام والذنوب كلها‪ ،‬اللهم اجعلنا من المنين به‪ (6) .‬النفال‪.73 :‬‬

‫]‪[35‬‬

‫المهاجرون من مكة إلى المدينة‪ " ،‬والذين آووا " أي آووهم إلى ديارهم " و‬
‫نصروا " هم على أعدائهم وهم النصار‪ " ،‬اولئك هم المؤمنون حقا "‬
‫لنهم حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة‪ ،‬والنسلخ من الهل والمال‬
‫والنفس‪ ،‬لجل الدين " لهم مغفرة ورزق كريم " ل تبعة له ول منة فيه‪" .‬‬
‫والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم )‪ " (1‬يريد اللحقين بعد‬
‫السابقين‪ " ،‬فاولئك منكم " أي من جملتكم أيها المهاجرون والنصار‪،‬‬
‫وحكمهم حكمكم في وجوب موالتهم ونصرتهم‪ ،‬وإن تأخر إيمانهم‬
‫وهجرتهم‪ " .‬أعظم درجة " )‪ (2‬أي ممن لم يستجمع هذه الصفات "‬
‫واولئك هم الفائزون " أي المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند ال‪" .‬‬
‫ومساكن طيبة " )‪ (3‬أي يطيب فيها العيش " في جنات عدن " أي إقامة‬
‫وخلود‪ ،‬وقد مضت الخبار في ذلك من باب وصف الجنة " ورضوان من‬
‫ال أكبر " يعني وشئ من رضوانه أكبر من ذلك كله‪ .‬لن رضاه سبب كل‬
‫سعادة‪ ،‬و موجب كل فوز‪ ،‬وبه ينال كرامته التي هي أكبر أصناف الثواب "‬
‫ذلك " الرضوان " هو الفوز العظيم " الذي يستحقر دونه كل لذة وبهجة‪.‬‬
‫" أن لهم قدم صدق عند ربهم " )‪ (4‬أي سابقة وفضل‪ ،‬سميت قدما لن‬
‫السبق بها كما سميت النعمة يدا لنها باليد تعطى‪ ،‬وإضافتها إلى الصدق‬
‫لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية‪ ،‬وفي المجمع‬
‫)‪ (5‬عن الصادق عليه السلم أن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وفي الكافي والعياشي )‪ :(6‬هو رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وفيهما‪ :‬بولية أمير المؤمنين عليه السلم وهذا لن الولية من شروط‬
‫الشفاعة وهما متلزمتان‪ " .‬بايمانهم " )‪ (7‬أي بسبب إيمانهم للستقامة‬
‫على سلوك الطريق المؤدي‬

‫)‪ (1‬النفال‪ (2) .74 :‬برائة‪ (3) 20 :‬براءة‪ (4) 22 :‬يونس‪ (5) .2 :‬مجمع البيان‬
‫ج ‪ 5‬ص ‪ (6) 89‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ 117‬و ‪ (7) 118‬يونس‪.9 :‬‬

‫]‪[36‬‬

‫إلى الجنة " في جنات النعيم " لن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها‪ ،‬أو‬
‫يهديهم في الخرة إليها‪ " .‬وبشر المؤمنين " )‪ (1‬بالنصرة في الدنيا‬
‫والجنة في العقبى‪ " .‬الن وقد عصيت قبل " )‪ (2‬قال الطبرسي )‪- (3‬‬
‫رحمه ال ‪ -‬فيه إضمار أي قيل له الن آمنت حين لم ينفع اليمان‪ ،‬ولم‬
‫يقبل‪ ،‬لنه حال اللجاء‪ ،‬وقد عصيت بترك اليمان في حال ما ينفعك‬
‫اليمان‪ ،‬فهل آمنت قبل ذلك‪ ،‬وإيمان اللجاء ل يستحق به الثواب فل ينفع‪،‬‬
‫انتهى‪ .‬وذكر الرازي لعدم قبول توبة فرعون وجوها‪ :‬منها أنه إنما آمن‬
‫عند نزول العذاب‪ ،‬واليمان في هذا الوقت غير مقبول‪ ،‬لنه عند نزول‬
‫العذاب وقت اللجاء‪ ،‬وفي هذا الحال ل تكون التوبة مقبولة‪ " .‬كذلك حقا‬
‫علينا " )‪ (4‬أي مثل ذلك النجاء " ننجي المؤمنين " منكم حين نهلك‬
‫المشركين " وحقا علينا " اعتراض يعني حق ذلك علينا حقا‪ ،‬وفي‬
‫المجمع )‪ (5‬والعياشي )‪ (6‬عن الصادق عليه السلم ما يمنعكم أن تشهدوا‬
‫على من مات منكم على هذا المر أنه من أهل الجنة‪ ،‬إن ال تعالى يقول‪:‬‬
‫" كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين "‪ " .‬ولكن أ عبد ال الذي يتوفاكم " )‬
‫‪ (7‬فإنه هو الحقيق بأن يخاف ويرجى ويعبد‪ ،‬وإنما خص التوفي بالذكر‬
‫للتهديد‪ " .‬وامرت أن أكون من المؤمنين " المصدقين بالتوحيد‪ ،‬فهذا‬
‫ديني‪.‬‬
‫)‪ (1‬يونس‪ (2) 87 :‬يونس‪ (3) .91 :‬مجمع البيان ج ‪ 5‬ص ‪ (4) 131‬يونس‪:‬‬
‫‪ (5) 102‬مجمع البيان ج ‪ 5‬ص ‪ (6) 138‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪138‬‬
‫)‪ (7‬يونس‪.103 :‬‬

‫]‪[37‬‬

‫" وأن أقم وجهك " )‪ (1‬عطف على " أن أكون " غير أن صلة أن محكية بصيغة‬
‫المر‪ ،‬والمعنى امرت بالستقامة والسداد في الدين‪ ،‬بأداء الفرائض‬
‫والنتهاء عن القبائح‪ " .‬وأخبتوا إلى ربهم " )‪ (2‬أي اطمأنوا إليه‬
‫وخشعوا له‪ " .‬مثل الفريقين " أي الكافر والمؤمن " كالعمى والصم "‬
‫أي كالعمى وكالصم‪ ،‬أو كالعمى الصم " والبصير والسميع " أي‬
‫كالبصير وكالسميع أو كالبصير السميع‪ ،‬وذلك لتعامي الكافر عن آيات ال‪،‬‬
‫وتصامه عن استماع كلم ال‪ ،‬وتأييه عن تدبر معانيه " أفل تذكرون "‬
‫بضرب المثال والتأمل فيها‪ " .‬هل يستوي العمى والبصير " )‪ (3‬قال‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬يعني الكافر والمؤمن " أم هل تستوي الظلمات والنور "‬
‫قال‪ :‬الكفر واليمان‪ " .‬كلمة طيبة " )‪ (4‬قيل‪ :‬أي قول حقا ودعاء إلى‬
‫صلح " كشجرة طيبة " يطيب ثمرها كالنخلة‪ ،‬وفي المجمع )‪ (5‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله أن هذه الشجرة الطيبة النخلة " أصلها ثابت "‬
‫في الرض ضارب بعروقه فيها " تؤتي اكلها " أي تعطي ثمرها " كل‬
‫حين " أي كل وقت وقته ال لثمارها " بإذن ربها " أي بارادة خالقها "‬
‫لعلهم يتذكرون " لن في ضرب المثال تذكيرا وتصويرا للمعاني‬
‫بالمحسوسات لتقريبها من الفهام‪ .‬وفي العياشي )‪ :(6‬عن الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬هذا مثل ضربه ال لهل بيت نبيه ولمن عاداهم‪ .‬وفي الكافي )‪(7‬‬
‫عنه عليه السلم أنه سئل عن الشجرة في هذه الية فقال‪ :‬رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله أصلها‪ ،‬وأمير المؤمنين عليه السلم فرعها‪ ،‬والئمة من‬
‫ذريتهما أغصانها‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) 105 :‬هود‪ 23 :‬و ‪ (3) 24‬الرعد‪ (4) 16 :‬ابراهيم‪(5) 27 - 24 :‬‬
‫مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ (6) .312‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪(7) .224‬‬
‫الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.428‬‬

‫]‪[38‬‬

‫وعلم الئمة ثمرها‪ ،‬وشيعتهم المؤمنون ورقها‪ .‬قال‪ :‬وال إن المؤمن ليولد فتورق‬
‫ورقة فيها‪ ،‬وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها‪ .‬وفي الكمال‪ :‬الحسن‬
‫والحسين ثمرها‪ ،‬والتسعة من ولد الحسين أغصانها‪ .‬وفي معاني الخبار )‬
‫‪ :(1‬وغصن الشجرة فاطمة وثمرها أولدها‪ ،‬وورقها شيعتنا وزاد في‬
‫الكمال‪ " :‬تؤتي اكلها كل حين " ما يخرج من علم المام إليكم في كل‬
‫سنة من كل فج عميق‪ " .‬ومثل كلمة خبيثة " قيل‪ :‬أي قول باطل ودعاء‬
‫إلى ضلل أو فساد " كشجرة خبيثة " ل يطيب ثمرها كشجرة الحنظل "‬
‫اجتثت " أي استوصلت وأخذت جثته بالكلية " من فوق الرض " لن‬
‫عروقها قريبة منه " مالها من قرار " أي استقرار‪ .‬وفي المجمع )‪ (2‬عن‬
‫الباقر عليه السلم إن هذا مثل بني امية‪ ،‬وروى علي بن إبراهيم عنه عليه‬
‫السلم كذلك الكافرون ل تصعد أعمالهم إلى السماء‪ ،‬وبنو امية ل يذكرون‬
‫ال في مجلس ول في مسجد‪ ،‬ول تصعد أعمالهم إلى السماء إل قليل منهم‪.‬‬
‫" بالقول الثابت " قيل أي الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم‪ ،‬وتمكن في‬
‫قلوبهم واطمأنت إليه أنفسهم " في الحياة الدنيا " فل يزلون إذا افتتنوا‬
‫في دينهم " وفي الخرة " فل يتلعثمون )‪ (3‬إذا سئلوا عن معتقدهم "‬
‫ويضل ال الظالمين " الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والقتصار على‬
‫التقليد‪ ،‬فل يهتدون إلى الحق‪ ،‬ول يثبتون في مواقف الفتن‪ .‬وفي التوحيد‬
‫عن الصادق عليه السلم يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته "‬
‫ويفعل ال ما يشاء " من تثبيت المؤمنين وخذلن الظالمين‪ .‬ويظهر من‬
‫كثير من الخبار أن التثبيت في الدنيا عند الموت‪ ،‬وفي الخرة في القبر‪ ،‬أو‬
‫الخرة تشمل الحالتين‪ ،‬وقد مضت الخبار الكثيرة في تفسير اليات‬
‫المذكورة‪ ،‬في كتب المامة‪ ،‬والفتن‪ ،‬والمعاد‪ ،‬وقد أوردنا وجوها كثيرة‬
‫فيها‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) 400‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ (3) .313‬تلعثم‪ :‬توقف‬
‫وتلكأ‪.‬‬

‫]‪[39‬‬

‫فل نعيدها‪ " .‬حنيفا " )‪ (1‬قال الراغب‪ :‬الحنف هو ميل عن الضلل إلى الستقامة‬
‫و الجنف بالعكس )‪ " .(2‬أجرا حسنا " )‪ (3‬هو الجنة " أبدا " بل انقطاع‪.‬‬
‫" إل أن تأتيهم سنة الولين " )‪ (4‬إل إنتظار أن تأتيهم سنة الولين وهي‬
‫الهلك والستئصال " أو يأتيهم العذاب " أي عذاب الخرة " قبل " أي‬
‫عيانا‪ " .‬كانت لهم جنات الفردوس )‪ " (5‬قال في المجمع‪ (6) :‬أي كان في‬
‫حكم ال وعلمه لهم بساتين الفردوس‪ ،‬وهو أطيب موضع في الجنة‪،‬‬
‫وأوسطها وأفضلها وأرفعها " نزل " أي منزل ومأوى‪ ،‬وقيل ذات نزل‪،‬‬
‫وقال الراغب‪ :‬النزل ما يعد للنازل من الزاد )‪ " (7‬ل يبغون عنها حول "‬
‫أي تحول‪ ،‬إذ ل يجدون أطيب منها‪ ،‬حتى تنازعهم إليه أنفسهم‪ " .‬ول‬
‫يظلمون شيئا " )‪ (8‬قيل‪ :‬أي ل ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم‪ ،‬ويجوز‬
‫أن ينتصب شيئا على المصدر‪ " .‬سيجعل لهم الرحمان ودا " )‪ (9‬قيل‪ :‬أي‬
‫سيجعل لهم في القلوب مودة وقد مر )‪ (10‬في أخبار كثيرة أنها نزلت في‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم حيث جعل ال له في قلوب المؤمنين ودا‬
‫وفرض مودته ووليته على الخلق‪.‬‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .123 :‬المفردات‪ :‬ص ‪ 33‬وفيه‪ :‬والجنف ميل عن الستقامة الى‬
‫الضلل‪ (3) .‬الكهف‪ (4) 3 - 2 :‬الكهف‪ (5) .55 :‬الكهف‪(6) 108 :‬‬
‫مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ (7) .498‬المفردات‪ :‬ص ‪ (8) 489‬مريم‪) .60 :‬‬
‫‪ (9‬مريم‪ (10) .96 :‬راجع تاريخ أمير المؤمنين عليه السلم الباب ‪ 14‬ج‬
‫‪ 35‬ص ‪ 360‬من هذه الطبعة‪.‬‬

‫]‪[40‬‬

‫" قد عمل الصالحات " )‪ (1‬أي في الدنيا " لهم الدرجات العلى " أي المنازل‬
‫الرفيعة " جنات عدن " بدل من الدرجات " من تزكى " أي من تطهر من‬
‫أدناس الكفر والمعاصي‪ " .‬لمن تاب " )‪ (2‬أي من الشرك " وآمن " بما‬
‫يجب اليمان به‪ " ،‬ثم اهتدى " أي إلى ولية أهل البيت عليهم السلم كما‬
‫ورد في الخبار الكثيرة التي قد مر بعضها وسيأتي بعضها إنشاء ال‪" .‬‬
‫وهو مؤمن " )‪ (3‬أي بال ورسله " فل كفران لسعيه " أي ل تضييع له‪،‬‬
‫استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لعطائه " وإناله " أي لسعيه "‬
‫كاتبون " أي مثبتون في صحيفة عمله‪ " .‬يفعل ما يريد " )‪ (4‬أي من‬
‫إثابة الموحد الصالح‪ ،‬وعقاب المشرك‪ ،‬ل دافع له ول مانع‪ " .‬من أساور‬
‫" )‪ (5‬جمع أسورة وهي جمع سوار " من ذهب " بيان له " ولؤلؤا "‬
‫عطف عليها ل على ذهب‪ " ،‬إلى الطيب من القول " قيل‪ :‬هو قولهم‪:‬‬
‫الحمد ل الذي صدقنا وعده‪ ،‬أو كلمة التوحيد‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪:‬‬
‫التوحيد والخلص " و هدوا إلى صراط الحميد " قيل أي المحمود نفسه‬
‫أو عاقبته وهو الجنة‪ ،‬أو الحق أو المستحق لذاته الحمد‪ ،‬وهو ال تعالى‪،‬‬
‫وصراطه السلم‪ .‬وفي المحاسن عن الباقر عليه السلم هو وال هذا المر‬
‫الذي أنتم عليه‪ ،‬وفي الكافي )‪ (6‬عن الصادق عليه السلم في هذه الية‬
‫قال‪ :‬ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار هدوا إلى‬
‫أمير المؤمنين‪ " .‬إن ال يدافع عن الذين آمنوا " )‪ (7‬أي غائله‬
‫المشركين‪ " .‬ورزق كريم " )‪ (8‬قيل‪ :‬الكريم من كل نوع ما يجمع فضائله‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .76 - 75 :‬طه‪ (3) .82 :‬النبياء‪ (4) .94 :‬الحج‪ (5) .14 :‬الحج‪:‬‬
‫‪ 23‬و ‪ (6) .24‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (7) .426‬الحج‪ (8) .38 :‬الحج‪.50 :‬‬
‫)*(‬
‫]‪[41‬‬

‫" إلى صراط مستقيم " )‪ (1‬قال علي بن إبراهيم‪ :‬إلى المام المستقيم‪ " .‬قد أفلح‬
‫المؤمنون " )‪ (2‬في الكافي )‪ (3‬عن الباقر عليه السلم‪ :‬أتدري من هم‬
‫قيل‪ :‬أنت أعلم‪ ،‬قال‪ :‬قد أفلح المؤمنون المسلمون‪ ،‬إن المسلمين هم‬
‫النجباء‪ ،‬و روى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬لما خلق‬
‫ال الجنة قال لها‪ :‬تكلمي فقالت‪ :‬قد أفلح المؤمنون الية‪ .‬وأقول‪ :‬تدل‬
‫اليات على اشتراط تأثير اليمان في دخول الجنة بالعمال و إن أمكن‬
‫تأويلها بما سيأتي‪ ،‬وكذا قوله تعالى " ويقولون آمنا " إلى آخر اليات تدل‬
‫على بعض شرائط اليمان‪ ،‬وأن من لم يتحاكم إلى الرسول ولم يرض‬
‫بحكمه فليس بمؤمن‪ " .‬إنما المؤمنون )‪ " (4‬حمل على الكاملين في‬
‫اليمان " الذين آمنوا بال و رسوله " أي من صميم قلوبهم " وإذا كانوا‬
‫معه على أمر جامع " كالجمعة والعياد والحروب والمشاورة في المور‬
‫" حتى يستأذنوه " أي الرسول صلى ال عليه وآله " إن الذين يستأذنونك‬
‫" أعاده مؤكدا على اسلوب أبلغ فانه يفيد أن المستأذن مؤمن ل محالة‪،‬‬
‫وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك‪ ،‬تنبيها على كونه مصداقا لصحة اليمان‬
‫ومميزا للمخلص عن المنافق‪ ،‬وتعظيما للجرم‪ " .‬فعسى أن يكون من‬
‫المفلحين " )‪ (5‬قيل‪ :‬عسى تحقيق على عادة الكرام أو ترجى من التائب‬
‫بمعنى فليتوقع أن يفلح‪ " .‬وهم ل يفتنون " )‪ (6‬أي ل يختبرون وفي‬
‫المجمع )‪ (7‬عن الصادق عليه السلم‬

‫)‪ (1‬الحج‪ (2) .54 :‬المؤمنون‪ (3) .51 :‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 391‬وبعده‪ :‬فالمؤمن‬
‫غريب فطوبى للغرباء‪ ،‬ورواه في المحاسن ص ‪ (4) .272‬المؤمنون‪:‬‬
‫‪ (5) .62‬القصص‪ (6) .67 :‬العنكبوت‪ (7) .3 - 1 :‬مجمع البيان ج ‪8‬‬
‫ص ‪.272‬‬

‫]‪[42‬‬

‫معنى يفتنون‪ :‬يبتلون في أنفسهم وأموالهم‪ ،‬وعن النبي صلى ال عليه وآله أنه لما‬
‫نزلت هذه الية قال‪ :‬لبد من فتنة يبتلى بها المة بها‪ ،‬ليتعين الصادق من‬
‫الكاذب‪ ،‬لن الوحي قد انقطع‪ ،‬وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم‬
‫القيامة‪ .‬وفي الكافي )‪ (1‬عن الكاظم عليه السلم أنه قرأ هذه الية ثم قال‪:‬‬
‫ما الفتنة ؟ قيل الفتنة في الدين فقال‪ :‬يفتنون كما يفتن الذهب‪ ،‬ثم يخلصون‬
‫كما يخلص الذهب‪ " .‬فليعلمن ال الذين صدقوا " أي في الوجود بحيث‬
‫يتميز الذين صدقوا في اليمان والذين كذبوا فيه بعدما كان يعلمهم قبل ذلك‬
‫أنهم سيوجدون ويمتحنون‪ .‬وفي المجمع )‪ (2‬عن أمير المؤمنين والصادق‬
‫عليهما السلم أنهما قرءا بضم الياء و كسر اللم فيهما من العلم أي‬
‫ليعرفنهم الناس‪ .‬وأقول‪ :‬تدل على أن القرار الظاهري غير كاف في‬
‫اليمان الواقعي‪ " .‬أحسن الذي كانوا يعملون " )‪ (3‬أي أحسن جزاء‬
‫أعمالهم‪ " .‬لندخلنهم في الصالحين " )‪ (4‬أي في جملتهم أو في زمرتهم‬
‫في الجنة " ومن الناس من يقول آمنا بال " بلسانه " فإذا اوذي في ال‬
‫" أي في دينه أو في ذاته " جعل فتنة الناس " أي تعذيبهم وأذيتهم "‬
‫كعذاب ال " فيرجع عن الدين‪ ،‬كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة‬
‫عذاب ال‪ " ،‬ولئن جاءهم نصر من ربك " أي فتح وغنيمة " ليقولن إنا‬
‫كنا معكم " في الدين‪ ،‬فأشركونا فيه‪ ،‬والمراد المنافقون أو قوم ضعف‬
‫إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين‪ ،‬ويؤيد الول " أو ليس ال بأعلم بما‬
‫في صدور العالمين " أي من الخلص والنفاق " وليعلمن الذين آمنوا "‬
‫بقلوبهم " وليعلمن المنافقين " فيجازي الفريقين‪ " .‬وقولوا " )‪ (5‬أي‬
‫لهل الكتاب في المجادلة وفي الدعوة إلى الدين‪ ،‬فل‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .370‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (3) .271‬العنكبوت‪(4) .7 :‬‬
‫العنكبوت‪ (5) .11 - 9 :‬العنكبوت‪ 46 :‬و ‪.47‬‬

‫]‪[43‬‬

‫يدل على اشتراط اليمان بالقول " فالذين آتيناهم الكتاب " أي علمه أي مؤمنو ‪-‬‬
‫أهل الكتاب " ومن هؤلء " يعني من العرب‪ ،‬أو من أهل مكة‪ ،‬أو ممن في‬
‫عهد الرسول صلى ال عليه وآله من أهل الكتاب " من يؤمن به " أي‬
‫بالقرآن " وما يجحد بآياتنا " مع ظهورها وقيام الحجة عليها " إل‬
‫الكافرون " المتوغلون في الكفر‪ " .‬يتلى عليهم " )‪ (1‬أي تدوم تلوته‬
‫عليهم " إن في ذلك " أي الكتاب الذي هو آية مستمرة‪ ،‬وحجة مبينة‪" ،‬‬
‫لرحمة " أي لنعمة عظيمة " وذكرى لقوم يؤمنون " أي تذكرة لمن همه‬
‫اليمان دون التعنت‪ " .‬لنبوءنهم " )‪ (2‬لننزلنهم " من الجنة غرفا تجري‬
‫من تحتها النهار خالدين فيها نعم أجر العاملين " المخصوص بالمدح‬
‫محذوف‪ ،‬دل عليه ما قبله‪ ،‬وهو الجنة أو الغرف " الذين صبروا " على‬
‫المحن والمشاق في الدين " وعلى ربهم يتوكلون " أي ل يتوكلون إل‬
‫على ال‪ " .‬فهم في روضة " )‪ (3‬قيل‪ :‬أي أرض ذات أزهار وأنهار "‬
‫يحبرون " أي يسرون سرورا تهللت له وجوههم وقال علي بن إبراهيم‪:‬‬
‫أي يكرمون‪ " .‬فأقم وجهك للدين حنيفا " )‪ (4‬قيل أي مائل مستقيما عليه‪،‬‬
‫وقيل هو تمثيل للقبال والستقامة عليه والهتمام به‪ ،‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم‪ :‬أي طاهرا وروى هو والكليني )‪ (5‬عن الباقر عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬هو الولية‪ ،‬وفي التهذيب عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬أمره أن يقيم‬
‫وجهه لقبلة ليس فيه شئ من عبادة الوثان‪ " .‬فطرة ال " نصب على‬
‫الغراء أو المصدر‪ ،‬لما دل عليه ما بعدها " التي فطر الناس عليها " أي‬
‫خلقهم عليها‪ ،‬قيل‪ :‬وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة السلم‪،‬‬
‫فانهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها‪.‬‬

‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) .51 :‬العنكبوت‪ 58 :‬و ‪ (3) .59‬الروم‪ (4) .15 :‬الروم ‪- 30‬‬
‫‪ (5) .32‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.419‬‬

‫]‪[44‬‬

‫وفي الكافي )‪ (1‬عن الصادق عليه السلم أنه سئل ما تلك الفطرة‪ ،‬قال‪ :‬هي السلم‬
‫فطرهم ال حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال‪ " :‬ألست بربكم " ؟ )‪(2‬‬
‫وفيهم المؤمن والكافر‪ .‬وفي كثير من الخبار )‪ :(3‬فطرهم على التوحيد‪،‬‬
‫وفي بعضها فطرهم على الولية‪ ،‬وفي بعضها فطرهم على التوحيد ومحمد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلم )‪.(4‬‬
‫وعن الباقر عليه السلم )‪ :(5‬فطرهم على التوحيد عند الميثاق على‬
‫معرفة أنه ربهم قال‪ :‬لول ذلك لم يعلموا من ربهم ول من رازقهم‪ ،‬وقد‬
‫مضت الخبار والقوال في ذلك في كتاب العدل‪ " .‬ل تبديل لخلق ال " أي‬
‫ل يقدر أحد أن يغيره‪ ،‬أو ل ينبغي أن يغير ذلك إشارة إلى الدين المأمور‬
‫باقامة الوجه له‪ ،‬أو الفطرة إن فسرت بالملة " الدين القيم " أي المستوي‬
‫الذي ل عوج فيه " ولكن أكثر الناس ل يعلمون " أي استقامته‪ " .‬منيبين‬
‫إليه " أي راجعين إليه مرة بعد اخرى " من الذين فرقوا دينهم " أي‬
‫اختلفوا فيما يعبدونه على اختلف أهوائهم‪ ،‬وقرأ حمزة والكسائي‪" :‬‬
‫فارقوا " أي تركوا " وكانوا شيعا " أي فرقا يشايع كل إمامها الذي أصل‬
‫دينها " كل حزب بما لديهم فرحون " أي مسرورون ظنا بأنه الحق‪" .‬‬
‫للدين القيم )‪ " (6‬أي البليغ الستقامة " ل مرد له " لتحتم مجيئه "‬
‫يومئذ يصدعون " أصله يتصدعون أي يتفرقون‪ :‬فريق في الجنة وفريق‬
‫في السعير‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .12‬العراف‪ (3) .172 :‬راجع الكافي كتاب اليمان‬
‫والكفر باب فطرة الخلق على التوحيد‪ (4) .‬راجع الكافي ج ‪ 1‬ص ‪412‬‬
‫وتراه في كشف الحق بروايته عن النبي صلى ال عليه وآله ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (5) .93‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (6) 40‬الروم‪.43 :‬‬

‫]‪[45‬‬
‫" لهم جنات النعيم " )‪ (1‬قيل أي لهم نعيم جنات‪ ،‬فعكس للمبالغة‪ " .‬خالدين فيها‬
‫" حال من الضمير في لهم‪ ،‬أو من جنات النعيم " وعد ال حقا " مصدران‬
‫موكدان‪ :‬الول لنفسه‪ ،‬والثاني لغيره‪ ،‬لن قوله " لهم جنات " وعد‪،‬‬
‫وليس كل وعد حقا " وهو العزيز " الذي ل يغلبه شئ‪ ،‬فيمنعه عن إنجاز‬
‫وعده ووعيده‪ " ،‬الحكيم " الذى ل يفعل إل ما تستدعيه حكمته‪ " .‬بأن‬
‫لهم من ال فضل كبيرا " )‪ (2‬أي على سائر المم‪ ،‬أو على أجر أعمالهم‬
‫" ورزق كريم " أي ل تعب فيه ول من عليه‪ " .‬وما يستوي العمى‬
‫والبصير )‪ (3‬أي الكافر والمؤمن " ول الظلمات ول النور " أي ول‬
‫الباطل ول الحق‪ " ،‬ول الظل ول الحرور " أي ول الثواب ول العقاب‪" ،‬‬
‫ول " لتأكيد نفي الستواء‪ ،‬وتكريرها على الشقين‪ ،‬لمزيد التأكيد والحرور‬
‫من الحر‪ ،‬غلب على السموم‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬الظل الناس‪ ،‬والحرور‬
‫البهائم‪ ،‬وكأنهم إنما سموا ظل لتعيشهم في الظلل‪ ،‬والبهائم حرورا‬
‫لتعيشهم فيها‪ ،‬وفي بعض النسخ للناس وللبهائم‪ ،‬وهو أصوب وفي بعضها‬
‫ول الحرور‪ ،‬والحرور السمائم وهو أظهر منهما‪ " .‬وما يستوي الحياء‬
‫ول الموات " تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلع من الول‪ ،‬ولذلك كرر‬
‫الفعل وقيل للعلماء والجهلء " إن ال يسمع من يشاء " هدايته‪ ،‬فيوفقه‬
‫لفهم آياته‪ ،‬والتعاظ بعظاته " وما أنت بمسمع من في القبور " أي‬
‫المصرين على الكفر‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬قال‪ :‬هؤلء الكفار ل يسمعون‬
‫منك كما ل يسمع من في القبور‪ " .‬من كان حيا " )‪ (4‬قال ‪ -‬ره ‪ :-‬يعني‬
‫مؤمنا حي القلب‪ ،‬وفي المجمع عن‬

‫)‪ (1‬لقمان‪ 8 :‬و ‪ (2) 9‬الحزاب‪ (3) 47 :‬فاطر‪ (4) 19 :‬يس‪.70 :‬‬

‫]‪[46‬‬

‫أمير المؤمنين عليه السلم أي عاقل " ويحق القول " أي تجب كلمة العذاب "‬
‫على الكافرين " )‪ " .(1‬الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد‬
‫ربهم ويؤمنون به " )‪ (2‬أخبر عنهم باليمان إظهارا لفضله‪ ،‬وتعظيما‬
‫لهله " ويستغفرون للذين آمنوا " في الخبار الكثيرة‪ :‬للذين آمنوا‬
‫بوليتهم عليهم السلم " ربنا " أي يقولون ربنا " وسعت كل شئ رحمة‬
‫وعلما " أي وسعت رحمتك وعلمك كل شئ " فاغفر للذين تابوا واتبعوا‬
‫سبيلك " قيل أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق " وقهم‬
‫عذاب الجحيم "‪ " .‬ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " أي إياها "‬
‫ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " عطف على " هم " الول أي‬
‫أدخلهم ومعهم هؤلء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد " إنك أنت‬
‫العزيز " الذي ل يمتنع عليه مقدور " الحكيم " الذي ل يفعل إل ما‬
‫تقتضيه حكمته‪ ،‬ومن ذلك الوفاء بالوعد‪ " .‬وقهم السيئات " أي العقوبات‪،‬‬
‫أو جزاء السيئات‪ ،‬أو المعاصي في الدنيا لقوله " ومن تق السيئات يومئذ‬
‫فقد رحمته " أي ومن تقها في الدنيا‪ ،‬فقد رحمته في الخرة و " ذلك‬
‫الفوز العظيم " يعني الرحمة‪ ،‬أو الوقاية أو مجموعهما‪ " .‬ومن عمل‬
‫صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها‬
‫بغير حساب " )‪ (3‬قيل‪ :‬أي بغير تقدير وموازنة بالعمل‪ ،‬بل أضعافا‬
‫مضاعفة فضل من ال ورحمة‪ ،‬ولعل جعل العلم عمدة‪ ،‬واليمان حال‪،‬‬
‫للدللة على أنه شرط في اعتبار العمل‪ ،‬وأن ثوابه أعلى من ذلك‪ " .‬إنا‬
‫لننصر رسلنا " )‪ (4‬قيل أي بالحجة والظفر‪ ،‬والنتقام من الكفرة " في‬
‫الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " الشهاد جمع شاهد‪ ،‬والمراد بهم من‬
‫يقوم‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .432‬المؤمن‪ (3) .9 - 6 :‬المؤمن‪(4) 40 :‬‬


‫المؤمن‪51 :‬‬

‫]‪[47‬‬

‫يوم القيامة للشهادة على الناس‪ ،‬من الملئكة والنبياء والمؤمنين‪ .‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم‪ :‬هو في الرجعة إذا رجع رسول ال صلى ال عليه وآله والئمة‬
‫عليهم السلم وروى بإسناده عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬ذلك وال في‬
‫الرجعة أما علمت أن أنبياء ال كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والئمة‬
‫من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة‪ " .‬وما يستوي العمى‬
‫والبصير " )‪ (1‬أي الجاهل والمستبصر " والذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫ول المسئ " أي ول يستوي المؤمن المحسن والمسئ‪ ،‬مؤمنا كان أو‬
‫غيره " قليل ما تتذكرون " أي تذكرا ما قليل تتذكرون‪ " .‬فلما رأوا بأسنا‬
‫" )‪ (2‬أي عذابنا النازل بهم قال في المجمع )‪ (3‬أي عند رؤيتهم بأس ال‬
‫وعذابه لنهم يصيرون عند ذلك ملجيئن‪ ،‬وفعل الملجأ ل يستحق به المدح‬
‫" سنة ال " نصبها على المصدر‪ ،‬أي سن ال هذه السنة في المم‬
‫الماضية كلها إذ ل ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب‪ ،‬والمراد بالسنة هنا‬
‫الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين " وخسر هنالك الكافرون "‬
‫بدخول النار واستحقاق النقمة وفوت الثواب والجنة‪ .‬وفي العيون )‪ (4‬عن‬
‫الرضا عليه السلم‪ :‬أنه سئل لى علة غرق ال فرعون وقد آمن به وأقر‬
‫بتوحيده ؟ قال‪ :‬لنه آمن عند رؤية البأس‪ ،‬واليمان عند رؤية البأس غير‬
‫مقبول‪ ،‬وذلك حكم ال تعالى ذكره في السلف والخلف‪ ،‬قال ال عزوجل "‬
‫فلما رأوا بأسنا " اليتين‪(5) .‬‬
‫)‪ (1‬المؤمن‪ (2) 58 :‬المؤمن‪ 84 :‬و ‪ (3) 85‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪(4) .535‬‬
‫عيون أخبار الرضا عليه السلم ج ‪ 2‬ص ‪ - 77‬ط دار العلم قم‪ (5) .‬قال‬
‫بعد ذلك‪ :‬ولعلة اخرى أغرق ال عزوجل فرعون وهى انه استغاث‬
‫بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بال‪ ،‬فأوحى ال عزوجل إليه يا‬
‫موسى لم تغث فرعون لنك لم تخلقه‪ ،‬ولو استغاث بى لغثته‪ .‬أقول‪:‬‬
‫العلة الولى لعدم قبول ايمانه‪ ،‬وهذه وجه عدم اغاثته ونجاته من الغرق‪.‬‬

‫]‪[48‬‬

‫وقال الرازي في تفسيره‪ :‬فان قيل‪ :‬اذكروا ضابطا في الوقت الذي ل ينفع التيان‬
‫باليمان‪ ،‬قلنا‪ :‬إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملئكة الرحمة والعذاب‪،‬‬
‫لن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى اليمان‪ ،‬فذلك اليمان ل ينفع‪،‬‬
‫إنما ينفع مع القدرة على خلفه حتى يكون المرء مختارا أما إذا عاينوا‬
‫علمات الخرة فل ينفع‪ .‬قوله‪ " :‬غير ممنون " )‪ (1‬أي ل يمن به عليكم‪،‬‬
‫أو غير مقطوع‪ " .‬شرع لكم من الدين " )‪ (2‬أي قرر لكم دين نوح ومحمد‬
‫ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم السلم‪ ،‬وهو الصل المشترك فيما‬
‫بينهم المفسر بقوله‪ " :‬أن أقيموا الدين " وهو اليمان بما يجب تصديقه‪،‬‬
‫والطاعة في أحكام ال " ول تتفرقوا فيه " أي ول تختلفوا في هذا الصل‪،‬‬
‫أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "‪.‬‬
‫" كبر على المشركين " أي عظم عليهم " ما تدعوهم إليه " من التوحيد‬
‫)‪ " (3‬ال يجتبي إليه من يشاء " أي يجتلب إليه‪ ،‬والضمير لما تدعوهم‪،‬‬
‫أو للدين " ويهدي إليه " بالرشاد والتوفيق " من ينيب " أي يقبل إليه‪.‬‬
‫وقال علي بن إبراهيم )‪ :(4‬هم الئمة الذين اختارهم واجتباهم‪ ،‬وعن‬
‫الصادق عليه السلم‪ " :‬أن أقيموا الدين " قال المام‪ " :‬ول تتفرقوا فيه‬
‫" كناية عن أمير المؤمنين " ما تدعوهم إليه " من ولية علي عليه‬
‫السلم " من يشاء " كناية عن علي عليه السلم وسيأتي خبر طويل في‬
‫تأويل هذه الية‪.‬‬

‫)‪ (1‬فصلت‪ (2) .8 :‬الشورى‪ (3) 13 :‬في الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 418‬في حديث الرضا‬
‫عليه السلم أن المراد كبر على المشركين بولية على عليه السلم ما‬
‫تدعوهم إليه يا محمد من ولية على‪ ،‬هكذا في الكتاب مخطوطة )‪(4‬‬
‫وهكذا رواه في كنز جامع الفوائد ص ‪.284‬‬

‫]‪[49‬‬
‫" في روضات الجنات " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي في أطيب بقاعها وأنزهها " لهم ما يشاؤن‬
‫عند ربهم " أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم " ذلك إشارة إلى ما‬
‫للمؤمنين " هو الفضل الكبير " الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا "‬
‫ذلك الذي " أي ذلك الثواب الذي " يبشر " هم " ال به " فحذف الجار‬
‫ثم العائد‪ ،‬أو " ذلك " التبشير " الذي يبشر " ه " ال عباده "‪" .‬‬
‫ويستجيب الذين آمنوا " )‪ (2‬قيل أي يستجيب ال لهم‪ ،‬فحذف اللم‬
‫والمراد إجابة الدعاء‪ ،‬أو الثابة على الطاعة‪ ،‬أو يستجيبون ال بالطاعة‬
‫إذا دعاهم إليها‪ ،‬وفي المجمع )‪ (3‬عن ابن عباس في حديث طويل أن‬
‫النصار عرضوا على النبي صلى ال عليه وآله أموالهم فنزلت‪ " :‬قل ل‬
‫أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى " فخرجوا من عنده مسلمين وقال‬
‫المنافقون‪ " :‬إن هذا الشئ افتراء ‪ -‬وساق إلى قوله ‪ -‬وقال " ويستجيب‬
‫الذين آمنوا " وهم الذين سلموا لقوله‪ .‬وفي الكافي )‪ (4‬عن الباقر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬هو المؤمن يدعو لخيه بظهر الغيب فيقول له الملك‪ :‬آمين‪،‬‬
‫ويقول العزيز الجبار‪ :‬ولك مثل ما سألت لحبك إياه‪ .‬وفي المجمع )‪ (5‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله قال " ويزيدهم من فضله " الشفاعة لمن وجبت‬
‫له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا‪ " .‬الذين آمنوا " )‪ (6‬صفة للمنادى‬
‫في قوله " يا عباد ل خوف عليكم " " تحبرون " أي تسرون أو تزينون‬
‫أو تكرمون إكراما يبالغ فيه‪ " .‬في رحمته " )‪ (7‬التي من جملتها الجنة "‬
‫ذلك هو الفوز المبين " لخلوصه‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ 22 :‬و ‪ (2) .23‬الشورى‪ (3) .26 :‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪(4) 29‬‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .507‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ (6) 30‬الزخرف‪69 :‬‬
‫‪ (7) 70 -‬الجاثية‪30 :‬‬

‫]‪[50‬‬

‫عن الشوائب‪ " .‬قالوا ربنا ال ثم استقاموا " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي جمعوا بين التوحيد‬
‫الذي هو خلصة العلم‪ ،‬والستقامة في المور التي هي منتهى العمل‪ ،‬و "‬
‫ثم " للدللة على تأخير رتبة العمل‪ ،‬وتوقف اعتباره على التوحيد‪ ،‬وقال‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬استقاموا على ولية أمير المؤمنين عليه السلم " فل‬
‫خوف عليهم " من لحوق مكروه " ول هم يحزنون " على فوات محبوب‪.‬‬
‫" وصدوا عن سبيل ال " )‪ (2‬قال علي بن إبراهيم‪ :‬نزلت في أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله الذين ارتدوا بعده‪ ،‬وغصبوا أهل بيته‬
‫حقهم‪ ،‬وصدوا عن أمير المؤمنين‪ ،‬وعن ولية الئمة عليهم السلم‪" ،‬‬
‫أضل أعمالهم " أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله من الجهاد والنصر‪ .‬وروى عن الصادق عليه السلم في قوله "‬
‫وآمنوا بما نزل " قال بما نزل " على محمد " في علي‪ ،‬هكذا نزلت " كفر‬
‫عنهم سيئاتهم " قال‪ :‬نزلت في أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد‪ ،‬لم‬
‫ينقضوا العهد‪ ،‬قال " وآمنوا بما نزل على محمد "‪ :‬أي اثبتوا على الولية‬
‫التي أنزلها ال " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين عليه السلم " بالهم‬
‫" أي حالهم‪ " .‬ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل " قال‪ :‬وهم الذين‬
‫اتبعوا أعداء رسول ال وأمير المؤمنين صلوات ال عليهما‪ ،‬وروى عن‬
‫الصادق عليه السلم قال‪ :‬في سورة محمد صلى ال عليه وآله آية فينا‬
‫وآية في أعدائنا‪ " (3) .‬مولى الذين آمنوا " )‪ (4‬أي ناصرهم على‬
‫أعدائهم‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬يعني الذين ثبتوا على ولية أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم " ل مولى لهم " فيدفع العذاب عنهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحقاف‪ (2) .13 :‬القتال‪ (3) .3 - 1 :‬راجع مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ ،95‬ورواه‬
‫في كنز جامع الفوائد ص ‪ 302‬و ‪ 334‬عن على عليه السلم‪ (4) .‬القتال‪:‬‬
‫‪11‬‬

‫]‪[51‬‬

‫" ليدخل " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي فعل ما فعل ودبر ما دبر ليدخل‪ " .‬ويكفر عنهم سيئاتهم "‬
‫أي يغطيها ول يظهرها " فوزا عظيما " لنه منتهى ما يطلب من جلب نفع‬
‫أو دفع ضرر‪ " .‬وعلى المؤمنين " )‪ (2‬أي أنزل عليهم الثبات والوقار "‬
‫وألزمهم كلمة التقوى " أي كلمة بها يتقى من النار‪ ،‬أو هي كلمة أهل‬
‫التقوى‪ ،‬وقال الكثر‪ :‬هي كلمة الشهادة وروي ذلك عن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وعن الصادق عليه السلم‪ :‬هي اليمان وعن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله في وصف علي عليه السلم هو الكلمة التي ألزمتها المتقين‪) .‬‬
‫‪ (3‬وفي أخبار كثيرة عنهم عليهم السلم " نحن كلمة التقوى " أي‬
‫وليتهم " وكانوا أحق بها " أي بتلك الكلمة من غيرهم " وأهلها " أي‬
‫المستأهل لها " وكان ال بكل شئ عليما " فيعلم أهل كل شئ وييسره له‪.‬‬
‫" حبب إليكم اليمان )‪ " (4‬أي جعله أحب الديان إليكم‪ ،‬بأن أقام الدلة‬
‫على صحته‪ ،‬وبما وعد من الثواب عليه " وزينه في قلوبكم " باللطاف‬
‫الداعية إليه‪ ،‬وفيه إشعار بأن اليمان من فعل القلب " وكره إليكم الكفر "‬
‫بما وصف من العقاب عليه‪ ،‬وبوجوه اللطاف الصارفة عنه " والفسوق "‬
‫أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي " والعصيان " أي جميع المعاصي‬
‫وقيل‪ :‬الفسوق‪ :‬الكذب وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلم )‪ .(5‬وفي‬
‫الكافي وغيره )‪ (6‬عن الصادق عليه السلم أن اليمان أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم والثلثة‬
‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) 5 :‬الفتح‪ (3) 26 :‬منها ما تراه في ج ‪ 35‬ص ‪ 300‬من هذه الطبعة‬
‫في روايات المعراج‪ ،‬وتراه في ج ‪ 6‬؟ ص ‪ 55‬باب له عليه السلم كلمة‬
‫ال أحاديث في ذلك )‪ (4‬الحجرات‪ :‬؟ و ‪ (5) .8‬رواه الطبرسي في مجمع‬
‫البيان ج ‪ 9‬ص ‪ (6) .133‬راجع الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ ،426‬مناقب آل أبى‬
‫طالب ج ‪ 3‬ص ‪ 343‬تفسير القمى ص ‪.640‬‬

‫]‪[52‬‬

‫الثلثة على الترتيب‪ ،‬وفي المحاسن )‪ (1‬عنه عليه السلم أنه سئل عن هذه الية‬
‫وقيل له‪ :‬هل للعباد فيما حبب ال صنع ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ول كرامة‪ .‬وفي الكافي )‬
‫‪ (2‬عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن الحب والبغض أمن اليمان هو ؟‬
‫فقال‪ :‬وهل اليمان إل الحب والبغض ؟ ثم تل هذه الية‪ " .‬اولئك هم‬
‫الراشدون " يعني اولئك الذين فعل بهم ذلك‪ ،‬هم الذين أصابوا الطريق‬
‫السوي‪ " .‬إنكم لفي قول مختلف " )‪ (3‬أي في محمد صلى ال عليه وآله‬
‫شاعر أو مجنون ؟‪ ،‬أو منكم مكذب‪ ،‬ومنكم مصدق‪ ،‬ومنكم شاك‪ ،‬أو في‬
‫القرآن إنه سحر أو كهانة أو ما سطره الولون ؟ " يؤفك عنه من افك "‬
‫الضمير للرسول صلى ال عليه وآله أو القرآن أو اليمان‪ ،‬أي من صرف‬
‫عنه صرف عن الخيرات كلها‪ ،‬أو ل صرف أشد منه‪ ،‬فكأنه ل صرف‬
‫بالنسبة إليه‪ ،‬أو يصرف عنه من صرف في علم ال وقضائه‪ " .‬تنفع‬
‫المؤمنين " )‪ (4‬أي من قدر ال إيمانه‪ ،‬أو من آمن‪ ،‬فانه يزداد بصيرة‪" .‬‬
‫مستخلفين فيه " )‪ (5‬أي من الموال التي جعلكم ال خلفاء في التصرف‬
‫فيها‪ ،‬فهي حقيقة له ل لكم‪ ،‬أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها‬
‫والتصرف فيها‪ " ،‬ومالكم ل تؤمنون " أي أيما عذر لكم في ترك اليمان ؟‬
‫" والرسول يدعوكم " إليه بالحجج والبينات " وقد أخذ ميثاقكم " أي وقد‬
‫أخذ ال ميثاقكم باليمان قبل ذلك " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما فان هذا‬
‫موجب ل مزيد عليه " من الظلمات إلى النور " أي من ظلمات الكفر إلى‬
‫نور اليمان‪.‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .199 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .125‬وتراه في المحاسن ص ‪(3) .262‬‬
‫الذاريات‪ 8 :‬و ‪ (4) .9‬الذاريات‪ (5) .55 :‬الحديد‪.9 - 7 :‬‬

‫]‪[53‬‬

‫" يسعى نورهم " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي ما يهتدون به إلى الجنة " بين أيديهم وبأيمانهم "‬
‫من حيث يؤتون صحائف أعمالهم لن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم‬
‫من هاتين الجهتين " بشراكم اليوم جنات " أي يقولون لهم من يتلقاهم‬
‫من الملئكة " بشراكم " أي المبشر به " جنات " أو بشراكم دخول جنات‬
‫" ذلك هو الفوز العظيم " إشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات‬
‫المخلدة‪ " .‬اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " )‪ (2‬في التهذيب‬
‫عن السجاد عليه السلم إن هذه لنا ولشيعتنا‪ ،‬وفي المحاسن )‪ (3‬عن‬
‫الصادق‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ما من شيعتنا إل صديق شهيد‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم‪ ،‬فقال‪ :‬أما تتلو كتاب ال في‬
‫الحديد " والذين آمنوا بال ورسله اولئك هم الصديقون و الشهداء " قال‪:‬‬
‫لو كان الشهداء ]ليس إل[ كما يقولون كان الشهداء قليل "‪ .‬أقول‪ :‬سيأتي‬
‫أخبار كثيرة في ذلك وقد مر بعضها‪ " .‬لهم أجرهم ونورهم " أي أجر‬
‫الصديقين والشهداء ونورهم‪ " .‬سابقوا " )‪ (4‬أي سارعوا مسارعة‬
‫السابقين في المضمار " إلى مغفرة من ربكم " أي إلى موجباتها "‬
‫كعرض السماء والرض " قيل أي كعرض مجموعهما إذا بسطتا‪ " .‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا )‪ " (5‬أي بالرسل المتقدمة " اتقوا ال " فيما نهاكم عنه‬
‫" يؤتكم كفلين " أي نصيبين " من رحمته " ليمانكم بمحمد وإيمانكم‬
‫بمن قبله " ويجعل لكم نورا تمشون به " قيل يريد المذكور في قوله "‬
‫يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس‪ .‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم )‪ " :(6‬كفلين " نصيبين " من رحمته " أحدهما أن‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) .12 :‬الحديد‪ (3) .19 :‬المحاسن‪ .163 :‬والحديث عن زيد بن أرقم‬
‫عن الحسين بن على عليهما السلم وفيه قال‪ :‬قلت جعلت فداك أنى يكون‬
‫ذلك الخ‪ (4) .‬الحديد‪ (5) 21 :‬الحديد‪ (6) 28 :‬تفسير القمى‪.666 :‬‬

‫]‪[54‬‬

‫ل يدخله النار‪ ،‬وثانيهما أن يدخله الجنة " ويجعل لكم نورا " يعني اليمان‪ .‬وعن‬
‫الصادق عليه السلم )‪ " (1‬كفلين من رحمته "‪ :‬قال‪ :‬الحسن والحسين و‬
‫" نورا تمشون به " يعني إماما تأتمون به‪ ،‬وفي المناقب‪ :‬قال‪ :‬والنور‬
‫علي عليه السلم‪ " .‬ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة )‪ " (2‬قيل‬
‫أي ل يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة‪ ،‬والذين استمهنوها‬
‫فاستحقوا النار‪ " ،‬هم الفائزون " بالنعيم المقيم‪ " .‬تؤمنون " )‪(3‬‬
‫استئناف مبين للتجارة‪ ،‬وهو الجمع بين اليمان والجهاد المؤدي إلى كمال‬
‫عزهم‪ ،‬والمراد به المر‪ ،‬وإنما جئ بلفظ الخبر‪ ،‬إيذانا بأن ذلك مما ل‬
‫يترك‪ " .‬ذلكم خير لكم " يعني ما ذكر من اليمان والجهاد " إن كنتم‬
‫تعلمون " أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل ل يعتد بفعله‪ " .‬يغفر لكم "‬
‫جواب للمر المدلول عليه بلفظ الخبر‪ ،‬أو بشرط أو استفهام دل عليه‬
‫الكلم‪ ،‬تقديره‪ :‬إن تؤمنوا وتجاهدوا‪ .‬أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم "‬
‫ذلك " إشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة‪ " .‬واخرى " أي ولكم‬
‫إلى هذه النعمة المذكورة نعمة اخرى‪ ،‬وقيل مبتدء خبره " نصر من ال‬
‫وفتح قريب " فتح مكة‪ ،‬وفي تفسير علي بن إبراهيم يعني في الدنيا بفتح‬
‫القائم عليه السلم " وبشر المؤمنين " عطف على محذوف مثل‪ :‬قل يا‬
‫أيها الذين آمنوا وبشر‪ .‬أو على تؤمنون به فانه في معنى المر‪ " .‬من‬
‫أنصاري إلى ال " )‪ (4‬أي من جندي متوجها إلى نصرة ال ؟‬
‫والحواريون أصفياؤه‪ " ،‬فآمنت طائفة " أي بعيسى " وأيدنا الذين آمنوا‬
‫" أي بالحجة أو بالحرب‪ ،‬وذلك بعد رفع عيسى عليه السلم " فأصبحوا‬
‫ظاهرين " أي فصاروا غالبين‪ " .‬ول العزة ولرسوله وللمؤمنين " )‪(5‬‬
‫أي ل الغلبة والقوة‪ ،‬ولمن أعزه‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ ،430‬كنز جامع الفوائد‪ (2) .334 :‬الحشر‪ (3) 20 :‬الصف‪:‬‬
‫‪ (4) 10‬الصف‪ (5) .14 :‬المنافقون‪8 :‬‬

‫]‪[55‬‬

‫من رسوله والمؤمنين‪ " ،‬ولكن المنافقين ل يعلمون " من فرط جهلهم وغرورهم‪.‬‬
‫" والنور الذي أنزلناه " )‪ (1‬ذهب أكثر المفسرين إلى أنه القرآن‪ ،‬وقال‬
‫علي بن إبراهيم‪ (2) :‬النور أمير المؤمنين عليه السلم وفي الكافي )‪(3‬‬
‫عن الكاظم عليه السلم المامة هي النور وذلك قوله تعالى‪ " :‬فآمنوا بال‬
‫ورسوله والنور الذي أنزلناه " قال‪ :‬النور هو المام‪ .‬وعن الباقر عليه‬
‫السلم )‪ (4‬أنه سئل عن هذه الية فقال‪ :‬النور ‪ -‬وال ‪ -‬الئمة الخبر‪،‬‬
‫والخبار في ذلك كثيرة أوردناها في كتاب المامة )‪ " .(5‬يوم يجمعكم ليوم‬
‫الجمع " )‪ (6‬لجل ما فيه من الحساب والجزاء‪ ،‬و الجمع جمع الولين‬
‫والخرين " ذلك يوم التغابن " يغبن فيه بعضهم بعضا‪ ،‬لنزول السعداء‬
‫منازل الشقياء‪ ،‬لو كانوا سعداء‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬وفي معاني الخبار )‪ (7‬عن‬
‫الصادق عليه السلم يوم يغبن أهل الجنة أهل النار‪ " .‬ويعمل صالحا " أي‬
‫عمل صالحا " ذلك الفوز العظيم " إشارة إلى مجموع المرين‪ ،‬ولذلك‬
‫جعله الفوز العظيم لنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع‪" .‬‬
‫يهد قلبه " )‪ (8‬قيل أي للثبات‪ ،‬والسترجاع عند حلول المصيبة‪ ،‬وقال‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬أي يصدق ال في قلبه‪ ،‬فإذا بين ال له‪ ،‬اختار الهدى‪،‬‬
‫ويزيده ال كما قال‪ " :‬والذين اهتدوا زادهم هدى "‪ .‬وفي الكافي )‪ (9‬عن‬
‫الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن القلب ليترجج فيما بين المصدر‬

‫)‪ (1‬التغابن ‪ (2) .8‬تفسير القمى ‪ (3) .683‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (4) 196‬الكافي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 194‬و ‪ 195‬حديثان )‪ (5‬راجع ج ‪ 32‬ص ‪ (6) 325 - 304‬التغابن‪:‬‬
‫‪ (7) 9‬معاني الخبار ص ‪ (8) 156‬التغابن‪ (9) 11 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪(*) 421‬‬

‫]‪[56‬‬

‫والحنجرة‪ ،‬حتى يعقد على اليمان‪ ،‬فإذا عقد على اليمان قر‪ ،‬وذلك قول ال‬
‫عزوجل " ومن يؤمن بال يهد قلبه "‪ .‬اقول‪ :‬كأنه عليه السلم قرأ بالهمز‬
‫ورفع قلبه كما قرأ في الشواذ )‪ (1‬منسوبا إلى عكرمة وعمرو بن دينار‪،‬‬
‫أو هو بيان لحاصل المعنى‪ ،‬فيوافق القراءة المشهورة أيضا‪ :‬أي يهدي ال‬
‫قلبه فيسكن‪ " .‬ذكرا رسول " )‪ (2‬عن الرضا عليه السلم أن الذكر هنا‬
‫هو الرسول )‪ (3‬ونحن أهل الذكر‪ ،‬وقال البيضاوي‪ :‬يعني بالذكر جبرئيل‬
‫عليه السلم لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن‪ ،‬أو لكونه مذكورا‬
‫في السماوات‪ ،‬أو ذا ذكر أي شرف‪ ،‬أو محمدا صلى ال عليه وآله‬
‫لمواظبته على تلوة القرآن‪ ،‬أو تبليغه‪ .‬وعبر عن إرساله بالنزال‪،‬‬
‫ترشيحا‪ ،‬أو لنه مسبب عن إنزال الوحي إليه‪ ،‬وابدل عنه رسول للبيان‪،‬‬
‫أو أراد به القرآن ورسول منصوب بمقدر مثل أرسل‪ ،‬أو ذكرا‪ ،‬والرسول‬
‫مفعوله‪ ،‬أو بدله على أنه بمعنى الرسالة " من الظلمات إلى النور " من‬
‫الضللة إلى الهدى " قد أحسن ال له رزقا " قيل‪ :‬فيه تعجيب وتعظيم لما‬
‫رزقوا من الثواب‪ " .‬والذين آمنوا معه " )‪ (4‬عطف على النبي صلى ال‬
‫عليه وآله إحمادا لهم‪ ،‬وتعريضا لمن ناواهم‪ ،‬وقيل‪ :‬مبتدء خبره " نورهم‬
‫يسعى بين أيديهم وبأيمانهم "‪ .‬في المجمع )‪ (5‬عن الصادق في هذه الية‬
‫قال‪ :‬يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى‬
‫ينزلوهم منازلهم في الجنة وروى علي بن‬

‫)‪ (1‬راجع مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ (2) 299‬الطلق‪ (3) .11 - 10 :‬وذلك لن "‬
‫رسول " بيان أو بدل عن " ذكرا " ول يلزم كون الرسول منزل فان‬
‫التقدير انا انزلنا اليكم ذكرا بل انا أرسلنا اليكم رسول " )‪ (4‬التحريم‪.9 :‬‬
‫)‪ (5‬مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ 318‬وهكذا رواه على بن ابراهيم في‬
‫تفسيره ص ‪.459‬‬

‫]‪[57‬‬

‫إبراهيم مثله‪ .‬وعن الباقر عليه السلم فمن كان له نور يومئذ نجا وكل مؤمن له‬
‫نور يقولون إذا طفئ أنوار المنافقين " ربنا أتمم لنا نورنا " وقيل تتفاوت‬
‫أنوارهم بحسب أعمالهم‪ ،‬فيسألون إتمامه تفضل‪ " .‬أفمن يمشي مكبا " )‬
‫‪ (1‬يقال‪ :‬كببته فأكب‪ ،‬وهو من الغرائب أي يعثر كل ساعة ويخر على‬
‫وجهه‪ ،‬لوعورة طريقه‪ ،‬واختلف أجزائه‪ ،‬ولذلك قابله بقوله " أمن يمشي‬
‫سويا " أي قائما سالما من العثار " على صراط مستقيم " أي مستوي‬
‫الجزاء أو الجهة‪ .‬والمراد‪ :‬تشبيه المشرك والموحد بالسالكين‪ ،‬والدينين‬
‫بالمسلكين‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بالمكب‪ :‬العمى‪ ،‬فانه يعتسف فينكب‪ ،‬وبالسوي‪:‬‬
‫البصير‪ ،‬وقيل‪ :‬من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار‪ ،‬ومن‬
‫يمشي سويا‪ :‬الذي يحشر على قدميه إلى الجنة‪ .‬وفي الكافي‪ (2) :‬عن‬
‫الكاظم عليه السلم أنه سئل عن هذه الية‪ ،‬فقال‪ :‬إن ال ضرب مثل من‬
‫حاد عن ولية علي عليه السلم كمن يمشي على وجهه‪ ،‬ل يهتدي لمره‬
‫وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم‪ ،‬والصراط المسقيم‪ :‬أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ " .‬أفنجعل المسلمين " )‪ .(3‬إنكار لقولهم‪ :‬إن صح‬
‫أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا‪ ،‬بل نكون أحسن حال منهم‪،‬‬
‫كما نحن عليه في الدنيا " ما لكم كيف تحكمون " التفات فيه تعجيب من‬
‫حكمهم‪ ،‬واستبعاد له‪ ،‬وإشعار بأنه صادر من اختلل فكر واعوجاج رأي‪.‬‬
‫" فل يخاف بخسا ول رهقا "‪ (4) :‬أي نقصا في الجزاء‪ ،‬أو أن يرهقه‬
‫ذلة‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬البخس‪ :‬النقصان والرهق‪ :‬العذاب‪.‬‬

‫)‪ (1‬الملك‪ (2) .20 :‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) 433‬القلم‪ (4) .35 :‬الجن‪.13 :‬‬

‫]‪[58‬‬

‫وفي الكافي‪ (1) :‬عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلم قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬قوله " لما سمعنا الهدى آمنا به " قال‪ :‬الهدى‪ :‬الولية‪ ،‬آمنا‬
‫بمولنا‪ ،‬فمن آمن بولية موله " فل يخاف بخسا ول رهقا "‪ ،‬قلت‪ :‬تنزيل‬
‫؟ قال‪ :‬ل تأويل‪ " .‬يضحكون " )‪ (2‬أي يستهزؤون‪ " ،‬وإذا مروا بهم‬
‫يتغامزون "‪ :‬أي يغمز بعضهم بعضا‪ ،‬ويشيرون بأعينهم‪ " ،‬انقلبوا فكهين‬
‫"‪ :‬أي ملتذين بالسخرية منهم‪ .‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬إن الذين أجرموا‪:‬‬
‫الول والثاني ومن تبعهما يتغامزون برسول ال‪ ،‬إلى آخر السورة‪ .‬وفي‬
‫المجمع )‪ (3‬قيل‪ :‬نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلم وذلك أنه كان‬
‫في نفر من المسلمين جاؤوا إلى رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فسخر‬
‫منهم المنافقون‪ ،‬وضحكوا وتغامزوا‪ ،‬ثم رجعوا إلى أصحابهم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫رأينا اليوم الصلع‪ ،‬فضحكنا منه فنزلت اليات قبل أن يصل علي وأصحابه‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وآله‪ .‬وعن ابن عباس‪ " (4) :‬إن الذين أجرموا‬
‫" منافقو قريش " والذين آمنوا " علي بن أبي طالب عليه السلم‪ " .‬وإذا‬
‫رأوهم " )‪ :(5‬أي وإذا المؤمنين نسبوهم إلى الضلل‪ " ،‬وما ارسلوا‬
‫عليهم " أي على المؤمنين " حافظين " يحفظون عليهم أعمالهم‪،‬‬
‫ويشهدون برشدهم وضللهم‪ " ،‬فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون "‬
‫حين يرونهم أذلء مغلولين في النار‪ .‬وروي )‪ (6‬أنه يفتح لهم باب إلى‬
‫الجنة‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬اخروجوا إليها‪ ،‬فإذا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ ،433‬في حديث‪ (2) .‬المطففين‪ (3) .28 :‬مجمع البيان ج ‪10‬‬
‫ص ‪ (4) 457‬رواه أيضا في المجمع عن أبى القاسم الحسكاني في كتاب‬
‫شواهد التنزيل )‪ (5‬المطفقين‪ (6) .32 :‬رواه الطبرسي عن أبى صالح ج‬
‫‪ 10‬ص ‪457‬‬

‫]‪[59‬‬

‫وصلوا اغلق دونهم‪ ،‬فيضحك المؤمنون منهم " هل ثوب الكفار "‪ :‬أي اثيبوا‬
‫وجوزوا " ما كانوا يفعلون " من السخرية بالمؤمنين‪ ،‬والستفهام‬
‫للتقرير‪ " .‬غير ممنون "‪ (1) .‬أي غير مقطوع‪ ،‬أو ممنون به عليهم كما‬
‫مر " ذلك الفوز الكبير " )‪ :(2‬إذ الدنيا وما فيها يصغر دونه‪ " .‬وتواصوا‬
‫بالصبر " )‪ (3‬أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة ال تعالى "‬
‫والمرحمة "‪ :‬الرحمة على عباده أو بموجبات رحمة ال " أصحاب‬
‫الميمنة "‪ :‬أي اليمين أو اليمن وقال علي بن إبراهيم‪ :‬أصحاب أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ " .‬والعصر " قيل أقسم بصلة العصر‪ ،‬أو بعصر‬
‫النبوة‪ ،‬أو بالدهر لشتماله على العاجيب‪ " ،‬إن النسان لفي خسر "‪ :‬أي‬
‫في خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم " إل الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات " فإنهم اشتروا الخرة بالدنيا ففازوا بالحياة البدية‪،‬‬
‫والسعادة السرمدية‪ " ،‬وتواصوا بالحق " بالثابت الذي ل يصح إنكاره من‬
‫اعتقاد أو عمل " وتواصوا بالصبر " عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى‬
‫المصائب‪ .‬وفي الكمال عن الصادق عليه السلم قال‪ " :‬العصر " عصر‬
‫خروج القائم عليه السلم " إن النسان لفي خسر " يعني أعداءنا " إل‬
‫الذين آمنوا " يعني بآياتنا " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة الخوان‬
‫" وتواصوا بالحق " يعني المامة " وتواصوا بالصبر " يعني بالعشرة‪.‬‬
‫وقال علي بن إبراهيم‪ " :‬إل الذين آمنوا " بولية أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم " وتواصوا بالحق " ذرياتهم ومن خلفوا بالولية تواصوا بها‬
‫وصبروا عليها‪ .‬وفي المجمع )‪ (4‬عن علي عليه السلم وعلي بن إبراهيم‬
‫عن الصادق عليه السلم أنهما قرءا‪ :‬والعصر إن النسان لفي خسر *‬
‫وإنه فيه إلى آخر الدهر‪.‬‬

‫)‪ (1‬النشقاق‪ 25 :‬والتين ‪ (2) 6‬البروج‪ :‬ج ‪ (3) 12‬البلد‪ (4) 17 :‬مجمع البيان ج‬
‫‪ 10‬ص ‪536‬‬
‫]‪[60‬‬

‫الخبار ‪ - 1‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن محمد بن الحسين ابن أبي‬
‫الخطاب عن علي بن عفان‪ ،‬عن المفضل بن عمر‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إنما سمي المؤمن مؤمنا لنه يؤمن على ال فيجيز أمانه‪(1) .‬‬
‫بيان‪ " :‬يؤمن على ال " أي يدعو ويشفع لغيره في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فيستجاب له‪ ،‬وتقبل شفاعته فيه‪ ،‬وسيأتي التخصيص بالخيرة‪ - 2 .‬سن‪:‬‬
‫عن ابن زيد‪ ،‬عن مروك بن عبيد‪ ،‬عن سنان بن طريف‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم أنه قال‪ :‬لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ فقلت‪ :‬ل أدري إل أنه أراه‬
‫يؤمن بما جاء من عند ال‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت وليس لذلك سمي المؤمن مؤمنا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ قال‪ :‬إنه يؤمن على ال يوم القيامة فيجيز‬
‫أمانه‪ - 3 (2) .‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة‪،‬‬
‫عن جعفر عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أل انبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ ليمانه الناس على أنفسهم وأموالهم‪،‬‬
‫أل انبئكم من المسلم ؟ من سلم الناس من يده ولسانه الخبر‪ (3) .‬بيان‪ :‬فيه‬
‫إيماء إلى أنه يشترط في اليمان أو كماله أن ل يخافه الناس على أنفسهم‬
‫وأموالهم وكذا السلم‪ - 4 .‬شى‪ :‬عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم‪،‬‬
‫عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم‪ ،‬في قول ال " العروة الوثقى‬
‫" )‪ (4‬قال‪ :‬هي اليمان بال يؤمن بال وحده‪(5) .‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 219‬المحاسن‪ (3) .329 :‬علل الشرائع‪) .219 :‬‬
‫‪ (4‬البقرة‪ (5) .256 :‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪.138‬‬

‫]‪[61‬‬

‫‪ - 5‬ختص‪ :‬روي عن الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬المؤمن هاشمي لنه هشم‬
‫الضلل والكفر والنفاق‪ ،‬والمؤمن قرشي لنه أقر للشئ ونحن الشئ‪،‬‬
‫وأنكر ل شئ‪ :‬الدلم وأتباعه ‪ -‬والمؤمن نبطي لنه استنبط الشياء‪ ،‬تعرف‬
‫الخبيث عن الطيب‪ ،‬والمؤمن عربي لنه عرب عنا أهل البيت‪ ،‬والمومن‬
‫أعجمي لنه أعجم عن الدلم فلم يذكره بخير‪ .‬والمؤمن فارسي لنه تفرس‬
‫في السماء‪ ،‬لو كان اليمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس‪ ،‬يعني به‬
‫المتفرس فاختار منها أفضلها‪ ،‬واعتصم بأشرفها‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ال‪ (1) .‬توضيح‪ :‬كأن‬
‫الغرض بيان فضل المؤمن‪ ،‬وأنه يمكن أن يطلق عليه كل اسم حسن بوجه‬
‫من الوجوه‪ ،‬فبين عليه السلم أنه يمكن أن يعد في الهاشميين‪ ،‬لنه هشم‬
‫الضلل وأشباهه أي كسرها وأبطلها‪ .‬في القاموس الهشم‪ :‬كسر الشئ‬
‫اليابس أو الجوف‪ ،‬أو لكسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والنف‪ ،‬أو‬
‫كل شئ‪ ،‬هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم‪ ،‬وهاشم أبو عبد المطلب‬
‫واسمه عمرو لنه أول من ثرد الثريد وهشمه‪ .(2) .‬والقرشي كأنه مبني‬
‫على الشتقاق الكبير أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الستعمال‬
‫كذلك‪ ،‬والمراد بالشئ الحق الثابت‪ ،‬وبالل شئ الباطل المضمحل‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يكون بمعنى المشئ أي ما يصلح أن تتعلق به المشيئة والحق كذلك‪.‬‬
‫والدلم بيان للشئ ويكنى به غالبا في الخبار عن عمر تقية‪ ،‬وقد يطلق‬
‫على سابقه أيضا إما لسواد ظاهرهما‪ ،‬أو باطنهما بالكفر والنفاق‪ ،‬أو‬
‫لنتشار الظلم والفتن بهما في الفاق‪.‬‬

‫)‪ (1‬الختصاص‪ (2) .143 :‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪.190‬‬

‫]‪[62‬‬

‫في القاموس‪ :‬الدلم كسحاب‪ :‬السواد أو السود )‪ (1‬وفي النهاية فيه أميركم رجل‬
‫طوال أدلم‪ :‬الدلم السود الطويل‪ ،‬ومنه الحديث فجاء رجل أدلم فاستأذن‬
‫على النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬قيل هو عمر بن الخطاب انتهى وهذا يدل‬
‫على أن الكناية بعمر أنسب‪ ،‬والقرش‪ :‬القطع والجمع‪ ،‬وفي تسمية قريش‬
‫أقوال شتى ل طائل في ذكرها‪ " .‬لنه عرب عنا " كأنه على بناء المجهول‬
‫من التفعيل‪ ،‬فإن التعريب تهذيب المنطق من اللحن فعن تعليلية‪ ،‬أو على‬
‫بناء المعلوم من التعريب‪ ،‬بمعنى التكلم عن القوم‪ ،‬والعراب‪ :‬البانة‬
‫والفصاح وعدم اللحن في الكلم والرد عن القبيح كل ذلك ذكره‬
‫الفيروزآبادي )‪ .(2‬وفي النهاية‪ :‬عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫العراب والتعريب‪ :‬البانة واليضاح‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬من ل يفصح‬
‫كالعجمي واستعجم‪ :‬سكت‪ .‬قوله عليه السلم " لنه تفرس في السماء "‬
‫التفرس التثبت والنظر‪ ،‬وإعمال الحدس الصائب في المور‪ ،‬وقوله فاختار‬
‫عطف على قوله تفرس‪ ،‬والحديث معترض بينهما لبيان أن الفارس في‬
‫هذا الحديث أيضا المتفرس‪ ،‬والمعنى أن الذين مدحهم الرسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله ليس مطلق العجم‪ ،‬بل أهل الدين واليقين منهم كسلمان‬
‫رضي ال عنه والتفرس في السماء كالتفكر في اليمان والنفاق مثل‬
‫واختيار اليمان‪ ،‬وفي التقوى والفسق واختيار التقوى أو التفكر في أن‬
‫اليمان ما معناه وعلى أي الفرق المختلفة يصح إطلق المومن‪ ،‬فيختار‬
‫من اليمان ما هو حقه وما يصح أن يطلق عليه‪ .‬والحاصل أنه يتدبر‬
‫ويتفكر في الدلئل والبراهين من الكتاب والسنة والدلة العقلية‪ ،‬ويختار‬
‫من العقائد والعمال ما هو أحسنها وأوفقها للدلة‪ .‬وفي النهاية فيه اتقوا‬
‫فراسة المؤمن فانه ينظر بنور ال يقال بمعنيين أحدهما‬
‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪ (2) .113‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪.102‬‬

‫]‪[63‬‬

‫ما دل ظاهر هذا الحديث عليه‪ ،‬وهو ما يوقعه ال تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون‬
‫أحوال الناس بنوع من الكرامات‪ ،‬وإصابة الظن والحدس‪ ،‬والثاني‪ :‬نوع‬
‫يتعلم بالدلئل والتجارب والخلق والخلق فتعرف به أحوال الناس‪،‬‬
‫وللناس فيه تصانيف قديمة وحديثة‪ ،‬ورجل فارس بالمر أي عالم به‬
‫بصير‪ - 6 .‬صفات الشيعة‪ :‬بإسناده عن عمار الساباطي‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم أنه سئل عن أهل السماء هل يرون أهل الرض ؟ قال‪ :‬ل‬
‫يرون إل المومنين‪ ،‬لن المومن من نور كنور الكواكب‪ ،‬قيل‪ :‬فهم يرون‬
‫أهل الرض ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬يرون نوره حيث ما توجه‪ ،‬ثم قال‪ :‬لكل مومن خمس‬
‫ساعات يوم القيامة يشفع فيها‪ - 7 (1) .‬فضاء الحقوق للصوري‪ :‬باسناده‬
‫قال‪ :‬قيل لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬لم سمي المومن مومنا ؟ قال‪ :‬لنه‬
‫اشتق للمؤمن اسما من أسمائه تعالى‪ ،‬فسماه مومنا‪ ،‬وإنما سمي المؤمن‬
‫لنه يؤمن من عذاب ال تعالى‪ ،‬ويومن على ال يوم القيامة فيجيز له ذلك‬
‫ولو أكل أو شرب أو قام أو قعد أو نام أو نكح أو مر بموضع فذر حوله ال‬
‫من سبع أرضين طهرا ل يصل إليه من قذرها شئ وإن المؤمن ليكون يوم‬
‫القيامة بالموقف مع رسول ال صلى ال عليه وآله فيمر بالمسخوط عليه‬
‫المغضوب غير الناصب ول المؤمن‪ ،‬وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة‬
‫عظيمة له عند ال عزوجل‪ ،‬وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له‬
‫الحوائج‪ .‬فيقوم المؤمن اتكال على ال عزوجل فيعرفه بفضل ال فيقول‪:‬‬
‫اللهم هب لي عبدك فلن ابن فلن‪ ،‬قال‪ :‬فيجيبه ال تعالى إلى ذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫وقد حكى ال عزوجل عنهم يوم القيامة قولهم‪ " :‬فمالنا من شافعين " )‬
‫‪ (2‬من النبيين " ول صديق حميم " من الجيران والمعارف‪ ،‬فإذا أيسوا‬
‫من الشفاعة قالوا‪ :‬يعني من ليس بمؤمن " فلو أن لنا كرة فنكون من‬
‫المؤمنين "‪ (3) .‬بيان‪ " :‬بموضع قذر " كأنه متعلق بجميع الفعال‬
‫المتقدمة‪ ،‬والمراد‬

‫)‪ (1‬صفات الشيعة ص ‪ (2) .181‬الشعراء‪ (3) .100 :‬قضاء الحقوق مخطوط‪.‬‬

‫]‪[64‬‬

‫بالقذارة والطهر المعنويان‪ ،‬أو بالطهر فقط المعنوي‪ ،‬والمراد بغير الناصب‬
‫والمؤمن المستضعف‪ ،‬أو المؤمن الفاسق أو العم منهما‪ - 8 .‬كتاب‬
‫المؤمن‪ :‬عن زرارة قال‪ :‬سئل أبو عبد ال عليه السلم وأنا جالس عن قول‬
‫ال عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " )‪ (1‬أيجري لهؤلء‬
‫ممن ل يعرف منهم هذا المر ؟ قال‪ :‬إنما هي للمؤمنين خاصة‪- 9 (2) .‬‬
‫ومنه‪ :‬عن يعقوب بن شعيب قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬ليس لحد على ال ثواب‬
‫على عمل إل للمؤمنين‪ - 10 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا‬
‫أحسن العبد المؤمن ضاعف ال له عمله‪ ،‬لكل عمل سبعمائة ضعف‪ ،‬وذلك‬
‫قول ال عزوجل‪ " :‬وال يضاعف لمن يشاء " )‪ - 11 (3‬ومنه‪ :‬عن‬
‫أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬إن المؤمن ليزهر نوره لهل السماء كما تزهر‬
‫نجوم السماء لهل الرض‪ ،‬وقال عليه السلم‪ :‬إن المؤمن ولي ال يعينه‬
‫ويصنع له‪ ،‬ول يقول على ال إل الحق‪ ،‬ول يخاف غيره‪ - 12 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان‪ ،‬فل يزال ال عزوجل مقبل‬
‫عليهما بوجهه‪ ،‬والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا‪ .‬بيان‪ " :‬ولي‬
‫ال "‪ :‬أي محبه أو محبوبه أو ناصر دينه‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬الولي فعيل‬
‫بمعنى فاعل من وليه إذا قام به‪ ،‬ومنه " ال ولي الذين آمنوا " )‪(4‬‬
‫ويكون الولي بمعنى المفعول في حق المطيع‪ ،‬فيقال‪ :‬المؤمن ولي ال‪.‬‬
‫قوله " يعينه "‪ :‬أي ال يعين المؤمن‪ " ،‬ويصنع له " أي يكفي مهماته "‬
‫ول يقول‪ :‬أي المؤمن " على ال إل الحق "‪ :‬أي إل ما علم أنه حق‪" ،‬‬
‫ول يخاف غيره " وفيه تفكيك بعض الضمائر والظهر أن المعنى‪ :‬يعين‬
‫المؤمن دين ال‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .6 :‬لم يطبع بعد‪ (3) .‬البقرة‪ (4) .261 :‬البقرة‪.257 :‬‬

‫]‪[65‬‬

‫وأولياءه " ويصنع له "‪ :‬أي أعماله خالصة ل سبحانه‪ ،‬في القاموس‪ :‬صنع إليه‬
‫معروفا كمنع صنعا بالضم‪ ،‬وما أحسن صنع ال بالضم وصنيع ال عندك‪.‬‬
‫‪ - 13‬المؤمن‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ل يقدر الخلئق على كنه‬
‫صفة ال عزوجل‪ ،‬فكما ل يقدر على كنه صفة ال عزوجل‪ ،‬فكذلك ل يقدر‬
‫على كنه صفة رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وكما ل يقدر على كنه صفة‬
‫الرسول صلى ال عليه وآله فكذلك ل يقدر على كنه صفة المام عليه‬
‫السلم‪ ،‬وكما ل يقدر على كنه صفة المام عليه السلم كذلك ل يقدر على‬
‫كنه صفة المؤمن‪ - 14 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يقول ال‬
‫عزوجل‪ :‬من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي‪ ،‬وأنا أسرع شئ إلى نصرة‬
‫أوليائي‪ ،‬وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن‪،‬‬
‫إني لحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه‪ ،‬وإنه ليسألني فاعطيه وإنه‬
‫ليدعوني فاجيبه‪ ،‬ولو لم يكن في الدنيا إل عبد مؤمن لستغنيت به عن‬
‫جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه انسا ل يستوحش إلى أحد‪ - 15 .‬ومنه‪:‬‬
‫عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لو كانت ذنوب المؤمن مثل رمل عالج‬
‫ومثل زبد البحر لغفرها ال له فل تجتروا‪ .‬بيان‪ :‬يدل على أنه ليس المراد‬
‫بالمؤمن المومن الكامل‪ ،‬لعدم اجتماع اليمان الكامل مع هذه الذنوب‬
‫الكثيرة‪ ،‬وعدم الجتراء‪ ،‬إما لنه قلما يبقى اليمان مع الصرار على‬
‫الذنوب الكثيرة‪ ،‬أو لن المغفرة وعدم العقوبات ل ينافي حط الدرجات‬
‫وفوت السعادات‪ - 16 .‬المؤمن‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يتوفى‬
‫المؤمن مغفورا له ذنوبه وال جميعا‪ - 17 .‬ومنه‪ :‬عنه عليه السلم قال‪:‬‬
‫إن المؤمن إذا دعا ال أجابه‪ ،‬فشخص بصري نحوه إعجابا )‪ (1‬بما قال‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن ال واسع لخلقه‪.‬‬

‫)‪ (1‬وفى المطبوع " اعجابا بها قال فقال‪ :‬وهو تصحيف‬

‫]‪[66‬‬

‫‪ - 18‬ومنه‪ :‬عن ابن أبي البلد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بعض أهل العلم قال‪ :‬إذا مات المؤمن‬
‫صعد ملكاه فقال‪ :‬يا رب مات فلن‪ ،‬فيقول‪ ،‬انزل فصليا عليه عند قبره‪،‬‬
‫وهللني وكبراني إلى يوم القيامة واكتبا ما تعملن له‪ - 19 .‬ومنه‪ :‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬رأي المومن ورؤياه جزء من سبعين جزءا‬
‫من النبوة ومنهم من يعطى على الثلث‪ .‬بيان‪ " :‬ومنهم من يعطى "‪ :‬إي‬
‫من المؤمنين الكاملين من يعطى ثلث أجزاء النبوة من الرأي والرؤيا أو‬
‫العم‪ - 20 .‬المؤمن‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن عمل المومن‬
‫يذهب فيمهد له في الجنة كما يرسل الرجل غلمه فيفرش له ثم تل‪" :‬‬
‫ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون "‪ - 21 (1) .‬ومنه‪ :‬عنه عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن ال عزوجل يذود المؤمن عما يكره كما يذود الرجل البعير الغريب‬
‫ليس من أهله‪ - 22 .‬ومنه‪ :‬عنه عليه السلم أنه قال‪ :‬كما ل ينفع مع‬
‫الشرك شئ‪ ،‬فل يضر مع اليمان شئ‪ .‬بيان‪ :‬كأنه محمول على ترك‬
‫الصغائر فان ترك الكبائر من اليمان‪ ،‬أو على الضرر الذي يوجب دخول‬
‫النار‪ ،‬أو الخلود فيها‪ - 23 .‬المؤمن‪ :‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬يقول‬
‫ال عزوجل‪ :‬ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي على المؤمن‪ ،‬لني احب‬
‫لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه‪ ،‬ولو لم يكن في الرض إل مؤمن واحد‬
‫لكتفيت به عن جميع خلقي‪ ،‬وجعلت له من إيمانه انسا ل يحتاج فيه إلى‬
‫أحد‪ - 24 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما مؤمن يموت في‬
‫غربة من الرض فيغيب عنه بواكيه‪ ،‬إل بكته بقاع الرض التي كان يعبد‬
‫ال عليها‪ ،‬وبكته أثوابه وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله‪،‬‬
‫وبكاه الملكان الموكلن به‪.‬‬
‫)‪ (1‬الروم‪44 :‬‬

‫]‪[67‬‬

‫واقول‪ :‬ستأتي الخبار في ذلك وشرحها في كتاب الجنائز إن شاء ال‪- 25 .‬‬
‫المؤمن‪ :‬عن أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬إن ذنوب المؤمن مغفورة‪ ،‬فيعمل‬
‫المؤمن لما يستأنف‪ ،‬أما إنها ليست إل لهل اليمان‪ .‬بيان‪ :‬لما يستأنف أي‬
‫لتحصيل الثواب‪ ،‬ل لتكفير السيئات‪ - 26 .‬نهج‪ ،‬في بعض خطبه عليه‬
‫السلم‪ :‬سبيل أبلج المنهاج‪ ،‬أنور السراج فباليمان يستدل على‬
‫الصالحات‪ ،‬وبالصالحات يستدل على اليمان‪ ،‬وباليمان يعمر العلم‪،‬‬
‫وبالعلم يرهب الموت‪ ،‬وبالموت تختم الدنيا‪ ،‬وبالدنيا تحرز الخرة‬
‫وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين‪ ،‬وتبرز الجحيم للغاوين‪ ،‬وإن الخلق ل‬
‫مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى )‪.(1‬‬
‫تبيين‪ :‬بلج الصبح‪ :‬أي أضاء وأشرق‪ ،‬والمنهاج‪ :‬الطريق‪ ،‬والظاهر أن‬
‫الكلم في وصف الدين‪ ،‬ومناهجه‪ :‬قوانينه‪ ،‬وسراجه النور‪ :‬الرسول‬
‫الهادي إليه وأوصياؤه صلوات ال عليهم‪ .‬قال بعض شراح النهج‪ :‬يريد‬
‫باليمان أول مسماه اللغوي وهو التصديق قال ال تعالى‪ " :‬وما أنت‬
‫بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " )‪ (2‬أي بمصدق‪ ،‬و ثانيا بمعناه الشرعي‪:‬‬
‫أي التصديق والقرار والعمل‪ :‬أي من حصل عنده التصديق بالوحدانية‬
‫والرسالة‪ ،‬استدل بهما على وجوب العمال الصالحة عليه‪ ،‬أو ندبه إليها‪،‬‬
‫وبأعماله الصالحة يعلم إيمانه‪ ،‬وبهذا فر من الدور )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة عبده ط مصر ص ‪ 301‬الخطبة ‪ (2) 154‬يوسف‪ (3) 17 :‬بل‬
‫الصحيح أن الستدلل ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفلسفة‬
‫والمتكلمين بل هو بمعناه اللغوى وهو الستهداء والمراد أن اليمان‬
‫يهدى الى عمل الصالحات فيمن آمن ولم يكن ليعمل الصالحات كما أن‬
‫الصالحات تهدى الى اليمان بال فيمن يعمل الصالحات ولم يكن ليؤمن‬
‫بال كما سيجئ احتماله فيما بعد‪.‬‬

‫]‪[68‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬الصالحات معلولت لليمان وثمرات له‪ ،‬فيستدل بوجوده في قلب‬
‫العبد على ملزمته للصالحات استدلل بالعلة على المعلول وبصدورها عن‬
‫العبد على وجوده في القلب استدلل بالمعلول على العلة‪ .‬وعلى هذا الوجه‬
‫يكون اليمان في الموضعين بالمعنى اللغوي‪ ،‬وحينئذ يمكن أن يكون‬
‫المعنى‪ :‬يستدل باليمان على الصالحات‪ ،‬أو يكون اليمان دليل للنسان‬
‫نفسه‪ ،‬وقائدا يؤديه إلى فعل الصالحات‪ ،‬وبأعماله الصالحة يعلم غيره أنه‬
‫من المؤمنين‪ ،‬فالستدلل في الموضعين ليس بمعنى واحد‪ .‬ويمكن أن يراد‬
‫بالثاني أن مشاهدة العمال الصالحة يؤدي من يشاهدها إلى اليمان‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد أن اليمان يهدي إلى صالح العمال‪ ،‬والعمال‬
‫الصالحة تورث كمال اليمان‪ ،‬أو اليمان يقود النسان إلى العمال‬
‫الصالحة والعمال الصالحة الناشية من حسن السريرة وخلوص النية‪،‬‬
‫تورث توفيق الكافر لليمان‪ .‬أو يستدل بايمان الرجل إذا علم‪ ،‬على حسن‬
‫عمله‪ ،‬وبقدر أعماله على قدر إيمانه وكماله‪ ،‬أو يستدل بكل منهما إذا علم‬
‫على الخر‪ ،‬وهذا قريب من الثاني والغرض بيان شدة الرتباط والتلزم‬
‫بينهما‪ " .‬وباليمان يعمر العلم "‪ :‬فان العلم الخالي من اليمان كالخراب ل‬
‫ينتفع به وقيل‪ :‬لن حسن العمل من أجزاء اليمان‪ ،‬والعلم بل عمل‬
‫كالخراب ل فائدة فيه‪ " .‬وبالعلم يرهب الموت "‪ :‬أي يخشى عقاب ال بعد‬
‫الموت كما قال ال تعالى " إنما يخشى ال من عباده العلماء " )‪" (1‬‬
‫وبالموت تختم الدنيا "‪ :‬والموت ل مهرب منه‪ ،‬فلبد من القطع بانقطاع‬
‫الدنيا‪ ،‬ول ينبغي للعاقل أن تكون همته مقصورة عليها‪.‬‬

‫)‪ (1‬فاطر‪.28 :‬‬

‫]‪[69‬‬

‫" وبالدنيا تحرز الخرة "‪ :‬أي تحاز وتجمع سعاداتهما‪ ،‬فان الدنيا مضمار الخرة‪،‬‬
‫ومحل الستعداد‪ ،‬واكتساب الزاد ليوم المعاد‪ ،‬أو المراد بالدنيا‪ :‬الموال‬
‫ونحوها‪ :‬أي يمكن للنسان أن يصرف ما أعطاه ال من المال ونحوه على‬
‫وجه يكتسب به الخرة‪ ،‬والزلفة والزلفى بالضم فيهما‪ :‬القربة‪ ،‬وأبرزه‬
‫الشئ إبرازا وبرزه تبريزا‪ :‬أي أظهره وكشفه‪ .‬والغاوي‪ :‬العامل بما يوجب‬
‫الخيبة أي بالقيامة أو فيها يقرب الجنة للمتقين ليدخلوها أو ليستبشروا‬
‫بها‪ ،‬ويكشف الغطاء عن الجحيم للضالين كما قال سبحانه‪ " :‬وازلفت‬
‫الجنة للمتقين‪ ،‬وبرزت الجحيم للغاوين )‪ " (1‬قيل‪ :‬وفي اختلف الفعلين‬
‫دللة على غلبة الوعد‪ ،‬والقصر بالفتح‪ :‬الغاية‪ ،‬كالقصارى بالضم وقصرت‬
‫الشئ‪ :‬حبسته وقصرت فلنا على كذا‪ :‬رددته على شئ دون ما أراد‪ .‬كذا‬
‫في العين‪ :‬إى ل محبس للخلق أو ل غاية لهم دون القيامة أو ل مرد لهم‬
‫عنها‪ .‬وأرقل‪ :‬أي أسرع‪ ،‬والمضمار‪ :‬موضع تضمير الفرس ومدته‪ ،‬وهو‬
‫أن تعلفه حتى يسمن‪ .‬ثم ترده إلى القوت‪ ،‬وفسر المضمار بالميدان وهو‬
‫أنسب بالمقام‪ - 27 .‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬المؤمن كمثل‬
‫شجرة ل يتحات ورقها شتاء ول قيظا‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال وما هي ؟ قال‪:‬‬
‫النخلة‪ .‬بيان‪ :‬القيظ‪ :‬صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل‪28 .‬‬
‫‪ -‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن أحمد بن محمد العلوي‪ ،‬عن جده‬
‫الحسين‪ ،‬عن أبيه إسحاق بن جعفر‪ ،‬عن أخيه الكاظم‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬يعير ال عزوجل عبدا من عباده‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬عبدي ! ما منعك إذ مرضت أن تعودني ؟ فيقول‪:‬‬
‫سبحانك سبحانك أنت رب العباد ل تألم ول تمرض‪ ،‬فيقول‪ :‬مرض أخوك‬
‫المؤمن فلم تعده‪ ،‬وعزتي وجللي لو عدته لوجدتني عنده‪ ،‬ثم لتكفلت‬
‫بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدي‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ 90 :‬و ‪.91‬‬

‫]‪[70‬‬

‫المؤمن وأنا الرحمان الرحيم )‪ .(1‬أقول‪ :‬وروى باسناده عن أبي هريرة مثله مع‬
‫زيادة السقي والطعام‪ .‬بيان‪ :‬لوجدتني أي وجدت رحمتي أو علمي عنده‪،‬‬
‫والكلم مشتمل على المجاز والستعارة مبالغة في إكرام المؤمن‪- 29 .‬‬
‫مشكاة النوار‪ :‬عن ميسر‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن‬
‫منكم يوم القيامة ليمر به الرجل‪ ،‬وقدر امر به إلى النار‪ ،‬فيقول‪ :‬يا فلن‬
‫أغثني فاني كنت أصنع إليك المعروف في دار الدنيا فيقول للملك‪ :‬خل‬
‫سبيله‪ :‬فيأمر ال به فيخلي سبيله‪ - 30 .‬ومنه‪ :‬عن محمد بن حمران‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال‬
‫له‪ :‬اذكر وتذكر هل لك حسنة ؟ فيقول‪ :‬ما لي حسنة غير أن فلنا عبدك‬
‫المؤمن مر بي فسألني ماء ليتوضأ به فيصلي‪ ،‬فأعطيته فيدعى بذلك العبد‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬نعم يا رب فيقول الرب جل ثناؤه‪ :‬قد غفرت لك‪ ،‬أدخلوا عبدي‬
‫جنتي‪ - 31 .‬ومنه‪ :‬عن المفضل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يقال‬
‫للمؤمن يوم القيامة‪ :‬تصفح وجوه الناس‪ ،‬فمن كان سقاك شربة أو أطعمك‬
‫أكلة‪ ،‬أو فعل بك كذا وكذا فخذ بيده فأدخله الجنة ‪ -‬قال‪ :‬فانه ليمر على‬
‫الصراط ومعه بشر كثير‪ ،‬فيقول الملئكة‪ :‬يا ولي ال إلى أين يا عبد ال ؟‬
‫فيقول جل ثناؤه‪ :‬أجيزوا لعبدي‪ ،‬فأجازوه‪ ،‬وإنما سمي المؤمن مؤمنا لنه‬
‫يجيز على ال فيجيز أمانه‪ - 32 .‬ومنه‪ :‬عن جابر بن يزيد الجعفي قال‪:‬‬
‫قال لي أبو جعفر عليه السلم‪ :‬إن المؤمن ليفوض ال إليه يوم القيامة‬
‫فيصنع ما يشاء‪ ،‬قلت‪ :‬حدثني في كتاب ال أين قال ؟ قال‪ :‬قوله " لهم ما‬
‫يشاؤن فيها ولدينا مزيد " )‪ (2‬فمشية ال مفوضة إليه‪ ،‬والمزيد من ال‬
‫ما ل يحصى‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا جابر ول تستعن بعدو لنا في حاجة‪ ،‬ول تستطعمه‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ 242‬ط النجف‪ (2) .‬ق‪(*) .35 :‬‬
‫]‪[71‬‬

‫ول تسأله شربة‪ ،‬أما إنه ليخلد في النار فيمر به المؤمن‪ ،‬فيقول‪ :‬يا مؤمن ألست‬
‫فعلت كذا وكذا ؟ فيستحيي منه‪ ،‬فيستنقذه من النار‪ ،‬وإنما سمي المؤمن‬
‫مؤمنا لنه يؤمن على ال فيجيز ال أمانه‪ - 33 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬المؤمن زعيم أهل بيته‪ ،‬شاهد عليهم وليتهم‪ ،‬وقال‪ :‬إن‬
‫المؤمن يخشع له كل شئ حتى هوام الرض وسباعها و طير السماء‪34 .‬‬
‫‪ -‬ومنه‪ :‬عن عبد المؤمن النصاري قال‪ :‬قال الباقر عليه السلم‪ :‬إن ال‬
‫أعطى المؤمن ثلث خصال‪ :‬العز في الدنيا وفي دينه‪ ،‬والفلح في الخرة‪،‬‬
‫والمهابة في صدور العالمين‪ - 35 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬المؤمن أعظم حرمة من الكعبة‪ - 36 .‬ومنه‪ :‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن‪ ،‬وليأمن غضبي من أكرم عبدي‬
‫المؤمن‪ ،‬ولو لم يكن في الرض ما بين المشرق والغرب إل عبد واحد مع‬
‫إمام عادل لستغنيت بهما عن جميع ما خلقت في أرضي‪ ،‬ولقامت سبع‬
‫سماوات وسبع أرضين بهما‪ ،‬وجعلت لهما من إيمانهما انسا ل يحتاجون‬
‫إلى انس سواهما‪ - 37 .‬ومنه‪ :‬قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ما من‬
‫شئ أحب إلى ال من اليمان والعمل الصالح‪ ،‬وترك ما أمر أن يترك‪- 38 .‬‬
‫ومنه‪ :‬عنه صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ل يعذب ال أهل قرية وفيها مائة من‬
‫المؤمنين ل يعذب ال أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين‪ ،‬ل يعذب ال‬
‫أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين‪ ،‬ل يعذب ال أهل قرية وفيها خمسة‬
‫من المؤمنين‪ ،‬ل يعذب ال أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين‪- 39 .‬‬
‫ومنه‪ :‬روي أن رسول ال صلى ال عليه وآله نظر إلى الكعبة فقال‪ :‬مرحبا‬
‫بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على ال ؟ ! وال للمؤمن أعظم حرمة‬
‫منك‪ ،‬لن ال حرم منك واحدة‪ ،‬ومن المؤمن ثلثة‪ :‬ماله‪ ،‬ودمه‪ ،‬وأن يظن‬
‫به ظن السوء‪.‬‬

‫]‪[72‬‬

‫‪ - 40‬ومنه‪ :‬عنه صلى ال عليه وآله قال‪ :‬من آذى مؤمنا فقد آذاني‪ ،‬ومن آذاني‬
‫فقد آذى ال عزوجل ومن آذى ال فهو ملعون في التوراة والنجيل‬
‫والزبور والفرقان‪ - 41 .‬ومنه‪ :‬عنه صلى ال عليه وآله قال‪ :‬مثل المؤمن‬
‫كمثل ملك مقرب‪ ،‬وإن المؤمن أعظم حرمة عند ال وأكرم عليه من ملك‬
‫مقرب‪ ،‬وليس شئ أحب إلى ال من مؤمن تائب ومؤمنة تائبة‪ ،‬وإن‬
‫المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده‪ - 42 .‬ومنه‪ :‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال فوض إلى المومن أمره كله ولم‬
‫يفوض إليه أن يكون ذليل‪ ،‬أما تسمع ال عزوجل يقول‪ " :‬ول العزة‬
‫ولرسوله وللمؤمنين " )‪ (1‬فالمؤمن يكون عزيزا ول يكون ذليل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إن المومن أعز من الجبل‪ ،‬يستقل منه بالمعاول‪ ،‬والمؤمن ل يستقل من‬
‫دينه‪ .‬بيان‪ " :‬ولم يفوض إليه أن يكون ذليل "‪ :‬أي نهاه أن يذل نفسه ولو‬
‫كان في المر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر القرب‪ ،‬فإذا علم أنه‬
‫يصير سببا لمذلته وإهانته وأذاه‪ ،‬سقط ذلك عنه‪ ،‬أو المعنى أن ال يعزه‬
‫بعزة دينه ورفعته الواقعية وإن أذل نفسه‪ ،‬فان ال أخبر بعرته وضمنها‬
‫له‪ ،‬وكأن الستشهاد بالية وآخر الخبر بالخير أنسب‪ - 43 .‬ما‪ :‬عن‬
‫المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن محمد الحميري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن‬
‫شريف بن سابق‪ ،‬عن الفضل بن عبد الملك‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫أنه قال يا فضل ل تزهدوا في فقراء شيعتنا‪ ،‬فان الفقير منهم ليشفع يوم‬
‫القيامة في مثل ربيعة ومضر‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا فضل إنما سمي المؤمن مومنا‬
‫لنه يومن على ال فيجيز ال أمانه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما سمعت ال تعالى يقول في‬
‫أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة‪ " :‬فما لنا من‬
‫شافعين ول صديق حميم " )‪ (2‬الخبر )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬المنافقون‪ (2) .8 :‬الشعرا‪ (3) .100 :‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.46‬‬

‫]‪[73‬‬

‫‪ - 44‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫ال عليه السلم يقول‪ :‬لو كشف الغطاء عن الناس‪ ،‬فنظروا إلى ما وصل‬
‫ما بين ال وبين المؤمن‪ ،‬خضعت للمؤمن رقابهم وتسهلت له امورهم‪،‬‬
‫ولنت طاعتهم‪ ،‬ولو نظروا إلى مردود العمال من السماء‪ ،‬لقالوا‪ :‬ما يقبل‬
‫ال من أحد عمل‪) * 2 (1) .‬باب( * * )أن المؤمن ينظر بنور ال‪ ،‬وان‬
‫ال خلقه من نوره( * ‪ - 1‬ير‪ :‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن سليمان‬
‫الجعفري‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬يا سليمان اتق‬
‫فراسة المومن‪ ،‬فانه ينظر بنور ال‪ ،‬فسكت حتى أصبت خلوة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫جعلت فداك سمعتك تقول‪ :‬اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور ال ؟ قال‪:‬‬
‫نعم يا سليمان إن ال خلق المومن من نوره‪ ،‬وصبغهم في رحمته وأخذ‬
‫ميثاقهم لنا بالولية‪ ،‬والمؤمن أخ المومن لبيه وامه‪ ،‬أبوه النور وامه‬
‫الرحمة‪ ،‬وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه‪ (2) .‬بيان‪ :‬الفراسة الكاملة‬
‫لكمل المؤمنين‪ ،‬وهم الئمة عليهم السلم فانهم يعرفون كل من المؤمنين‬
‫والمنافقين بسيماهم كما مر في كتاب المامة‪ ،‬وسائر المؤمنين يتفرسون‬
‫ذلك بقدر إيمانهم‪ " ،‬خلق المؤمن من نوره "‪ :‬أي من روح طيبة منورة‬
‫بنور ال‪ ،‬أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أئمتهم عليهم السلم‪" ،‬‬
‫وصبغهم "‪ :‬أي غمسهم أو لونهم " في رحمته "‪ :‬كناية عن جعلهم قابلة‬
‫لرحماته الخاصة‪ ،‬أو عن تعلق‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .132 :‬بصائر الدرجات‪.79 :‬‬

‫]‪[74‬‬

‫الروح الطيبة التي هي محل الرحمة " أبوه النور وامه الرحمة " كأنه على‬
‫الستعارة أي لشدة ارتباطه بأنوار ال ورحماته‪ ،‬كأن أباه النور وامه‬
‫الرحمة أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح أو بالعكس‪ - 2 .‬ير‪:‬‬
‫عن الحسن بن معاوية‪ ،‬عن محمد بن سليمان‪ ،‬عن أبيه‪ .‬عن عيسى بن‬
‫أسلم‪ ،‬عن معاوية بن عمار قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬جعلت‬
‫فداك هذا الحديث الذي سمعته منك ما تفسيره ؟ قال‪ :‬وما هو ؟ قلت‪ " :‬إن‬
‫المؤمن ينظر بنور ال " قال‪ :‬يا معاوية‪ ،‬إن ال خلق المؤمن من نوره‪،‬‬
‫وصبغهم في رحمته‪ ،‬وأخذ ميثاقهم لنا بالولية على معرفته‪ ،‬يوم عرفه‬
‫نفسه‪ ،‬فالمؤمن أخ المؤمن لبيه وامه‪ ،‬أبوه النور وامه الرحمة‪ ،‬فإنما‬
‫ينظر بذلك النور الذي خلق منه‪ (1) .‬فضائل الشيعة للصدوق‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن عباد بن سليمان‪ ،‬عن محمد ابن سليمان‪ ،‬مثله‪ - 3 (2) .‬ير‪:‬‬
‫عن الحسن بن علي‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن سليمان‪ ،‬عن أبيه عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره‪ ،‬وصبغهم‬
‫في رحمته‪ ،‬وأخذ ميثاقهم لنا بالولية على معرفته يوم عرفهم نفسه‪ ،‬فهو‬
‫المتقبل من محسنهم‪ ،‬المتجاوز عن مسيئهم‪ ،‬من لم يلق ال بما هو عليه‬
‫لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة‪ - 4 (3) .‬ير‪ :‬عن محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن أبي جميلة‪ ،‬عن جابر عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اتقوا فراسة المؤمن‬
‫فإنه ينظر بنور ال‪ ،‬ثم تل‪ " (4) :‬إن في ذلك ليات للمتوسمين "‪(5) .‬‬

‫)‪ (1‬بصائر الدرجات ص ‪ (2) .80‬فضائل الشيعة‪ (3) .150 :‬بصائر الدرجات ص‬
‫‪ (4) .80‬الحجر‪ (5) .75 :‬بصائر الدرجات‪.357 :‬‬

‫]‪[75‬‬

‫‪ - 5‬ير‪ :‬عن أبي طالب‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم في قول ال تعالى‪ " :‬إن في ذلك ليات للمتوسمين " قال‪ :‬هم‬
‫الئمة عليهم السلم‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اتقوا فراسة‬
‫المؤمن فإنه ينظر بنور ال لقول ال‪ " :‬إن في ذلك ليات للمتوسمين "‪) .‬‬
‫‪ - 6 (1‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سليمان الجعفري‪ ،‬عن الرضا عليه السلم قال‪:‬‬
‫قال لي‪ :‬يا سليمان إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمن من نوره وصبغهم‬
‫في رحمته‪ ،‬وأخذ ميثاقهم لنا بالولية‪ ،‬فالمومن أخ المومن لبيه وامه‪،‬‬
‫وأبوه النور وامه الرحمة فاتقوا فراسة المومن فانه ينظر بنور ال الذي‬
‫خلق منه )‪ - 7 (2‬سن‪ :‬محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن الفضيل‪ ،‬عن‬
‫الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى أجرى في‬
‫المومن من ريح روح ال‪ ،‬وال تبارك وتعالى يقول‪ " (3) :‬رحماء بينهم‬
‫"‪ - 8 (4) .‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إياكم وفراسة‬
‫المومن‪ ،‬فإنه ينظر بنور ال تعالى‪ - 9 .‬ن‪ :‬بإسناد التميمي عن الرضا‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله المؤمن‬
‫ينظر بنور ال‪ - 10 (5) .‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬اتقوا‬
‫ظنون المؤمنين‪ ،‬فإن ال سبحانه جعل الحق على ألسنتهم‪ - 11 (6) .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن عمر بن أبان عن‬
‫جابر الجعفي‪ ،‬قال‪ :‬تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلم فقلت‪ :‬جعلت‬
‫فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك‬
‫أهلي في وجهي‬

‫)‪ (1‬بصائر الدرجات‪ (2) .357 :‬المحاسن‪ (3) .131 :‬الفتح‪ (4) .29 :‬المحاسن‪:‬‬
‫‪ (5) .131‬عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ (6) .200‬نهج البلغة‪219 :‬‬
‫تحت الرقم ‪ 309‬من باب الحكم والمواعظ‬

‫]‪[76‬‬

‫وصديقي ؟ قال‪ :‬نعم يا جابر إن ال عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى‬
‫فيهم من ريح روحه‪ ،‬فلذلك المؤمن أخ المؤمن لبيه وامه‪ ،‬فإذا أصاب‬
‫روحا من تلك الرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لنها منها )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬التقبض‪ :‬ظهور أثر الحزن عند النبساط‪ ،‬وفي المحاسن " تنفست‬
‫" )‪ :(2‬أي تأوهت‪ " ،‬من ريح روحه " أي من نسيم من روحه الذي‬
‫نفخه في النبياء والوصياء عليهم السلم كما قال‪ " :‬ونفخت فيه من‬
‫روحي " )‪ (3‬أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلم‪ :‬وال شيعتنا‬
‫من نور ال خلقوا وإليه يعودون‪ .‬أو الضافة بيانية‪ ،‬شبه الروح بالريح‬
‫لسريانه في البدن‪ ،‬كما أن نسبة النفخ إليه لذلك‪ ،‬أي من الروح الذي هو‬
‫كالريح واجتباه واختاره‪ ،‬ويمكن أن يقرء بفتح الراء أي من نسيم رحمته‪،‬‬
‫كما في خبر آخر‪ " :‬وأجرى فيهم من روح رحمته "‪ " .‬لبيه وامه "‬
‫الظاهر تشبيه الطينة بالم والروح بالب ويحتمل العكس‪.‬‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .166‬وتراه في المحاسن‪ (2) .133 :‬أي بدل تقبضت‪(3) .‬‬
‫الحجر‪ ،29 :‬ص‪72 :‬‬

‫]‪[77‬‬

‫‪) * - 3‬باب( * * " )طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس( " * * "‬
‫)وبعض اخبار الميثاق زائدا على ما تقدم( " * * " )في كتاب التوحيد‬
‫والعدل( " * ‪ - 1‬سن‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬رفعه عن جابر‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬خلق ال تبارك وتعالى شيعتنا من طينة مخزونة‪ ،‬ل‬
‫يشذ منها شاذ‪ ،‬ول يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة‪ - 2 .(1) .‬سن‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة‪ - 3 (2) .‬سن‪:‬‬
‫عن أبي إسحاق الخفاف‪ ،‬رفعه قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬المؤمن‬
‫آنس النس جيد الجنس‪ ،‬من طينتنا أهل البيت‪ (3) .‬بيان‪ " :‬آنس " على‬
‫صيغة اسم الفاعل‪ ،‬ويحتمل أفعل التفضيل‪ ،‬ونسبته إلى النس على المجاز‬
‫والمراد‪ :‬النس بأئمتهم عليهم السلم أو بعضهم ببعض‪ - 4 (4) .‬سن‪:‬‬
‫عن علي بن حديد‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال‬
‫إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن والمؤمن من الكافر‪ ،‬بعث ملكا فأخذ‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .134 :‬المصدر‪ (3) .135 :‬المصدر نفسه‪ (4) .135 :‬أو هو‬
‫النس خلف الجن والمعنى أن المؤمن آنس أفراد النس‪(*) .‬‬

‫]‪[78‬‬

‫قطرة من ماء المزن‪ ،‬فألقاها على ورقة‪ ،‬فأكل منها أحد البوين )‪ (1‬فذلك المؤمن‬
‫منه‪ - 5 (2) .‬سن‪ :‬عن الوشاء‪ ،‬عن علي بن ميسر‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك‪ ،‬فل‬
‫يصيبه شئ من الشر حتى يضعه‪ ،‬فإذا صار بشرا سويا‪ ،‬لم يصبه شئ من‬
‫الشر حتى يجري عليه القلم )‪ - 6 .(3‬ختص‪ :‬عن محمد بن حمران‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سألت الصادق عليه السلم من أي شئ خلق ال طينة المؤمن ؟ قال‪ :‬من‬
‫طينة عليين‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فمن أي شئ خلق المؤمن ؟ قال‪ :‬من طينة النبياء‬
‫فلن ينجسه شئ )‪ - 7 .(4‬وبإسناده‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين صلوات ال عليه قال‪ :‬إن ال خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم‬
‫وأبدانهم‪ ،‬وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة‪ ،‬وخلق أبدانهم من دون‬
‫ذلك‪ ،‬وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم‪ ،‬فخلط بين الطينتين‪،‬‬
‫فمن هذا يلد المؤمن الكافر‪ ،‬ويلد الكافر المؤمن‪ ،‬ومن هذا يصيب المؤمن‬
‫السيئة‪ ،‬ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة‪ ،‬فقلوب المؤمنين تحن إلى ما‬
‫خلقوا منه‪ ،‬وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬والمراد الب فانه صاحب النطفة‪ ،‬وبه يلحق الولد‪ ،‬وهذا التعبير وزان قوله‬
‫عليه السلم‪ " :‬اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين "‪(2) .‬‬
‫المحاسن‪ (3) .138 :‬المصدر‪ (4) .138 :‬الختصاص‪ .25 :‬ومثله في‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 3‬باسناده عن صالح بن سهل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬جعلت فداك من أي شئ خلق ال عزوجل طينة المؤمن ؟‬
‫فقال من طينة النبياء فلم تنجس أبدا‪ .‬قال المؤلف قدس سره في شرحه‬
‫مرآت العقول يعنى نجاسة الكفر والشرك‪ (5) .‬الختصاص‪ .24 :‬ومثله‬
‫في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.2‬‬

‫]‪[79‬‬

‫بيان‪ :‬الخلق يكون بمعنى التكوين‪ ،‬وبمعنى التقدير‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬طين عليه‪ :‬أي‬
‫جبل ويقال‪ :‬طانه ال على طينته‪ :‬خلقه على جبلته‪ ،‬وطينة الرجل‪ :‬خلقه‬
‫وأصله‪ ،‬وقال‪ " :‬عليون " اسم للسماء السابعة‪ ،‬وقيل اسم لديوان‬
‫الملئكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد‪ .‬وقيل‪ :‬أراد أعلى‬
‫المكنة وأشرف المراتب وأقربها من ال تعالى في الدار الخرة‪ ،‬وتعرب‬
‫بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها‪ ،‬على أنها جمع أو واحد‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وإضافة الطينة إما بتقدير اللم‪ ،‬أو من‪ ،‬أو في‪ " ،‬قلوبهم وأبدانهم " بدل‬
‫النبيين ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح‬
‫أول بالبخار اللطيف المنبعث منه‪ ،‬فل ينافي ما مر في باب خلق أبدان‬
‫الئمة عليهم السلم من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين‪ ،‬وأرواحهم‬
‫مخلوقة من فوق ذلك‪ .‬على أنه لو اريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة‬
‫مبدءا لها مجازا باعتبار القرب والتعلق‪ ،‬أو بتخصيص النبيين بغير نبينا‬
‫صلى ال عليه وآله ويؤيده بعض الخبار‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬سجين كسكين‬
‫موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الرض السابعة‪ ،‬وفي‬
‫النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن‪ " .‬فخلط الطينتين " أي في جسد‬
‫آدم عليه السلم فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين‪،‬‬
‫" ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة " لخلط طينته بطينة الكافر وكذا‬
‫العكس‪ " ،‬فقلوب المؤمنين تحن "‪ :‬أي تميل وتشتاق‪ ،‬قال الجوهري‪:‬‬
‫الحنين‪ :‬الشوق وتوقان النفس " إلى ما خلقوا منه " أي إلى العمال‬
‫المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها‪ ،‬أو إلى النبياء والوصياء عليهم‬
‫السلم‪ ،‬المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم‪ ،‬وكذا الفقرة الثانية‬
‫تحتمل الوجهين‪ ،‬وقد مر الكلم منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل‪.‬‬
‫وقال بعض المحدثين في تأويله‪ :‬إن ال تعالى لما علم في الزل الرواح‬
‫التي تختار اليمان باختيارها‪ ،‬والتي تختار المعصية باختيارها‪ ،‬سواء‬
‫خلقوا من طينة‬

‫]‪[80‬‬

‫عليين أو من طينة سجين‪ ،‬فلما علم ذلك أعطى أبدان الرواح التي علم أنهم‬
‫يختارون اليمان ]باختيارها[ كيفية عليين لمناسبة‪ ،‬وأعطى أبدان الرواح‬
‫التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين‪ ،‬من غير أن يكون‬
‫للمرين مدخل في اختيارهم اليمان والكفر‪ ،‬وخلط ما بين الطينتين من‬
‫غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة‪ .‬وقال بعض‬
‫أرباب التأويل من المحققين )‪ :(1‬المراد بعلين أشرف المراتب وأقربها من‬
‫ال تعالى وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الخبار من قولهم‪:‬‬
‫أعلى عليين‪ ،‬وكما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والبدان‬
‫كليهما إليه‪ ،‬مع اختلفهما في الرتبة‪ .‬فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت‬
‫والملكوت‪ ،‬جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل والنفس‬
‫وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لنهم المقربون‪ ،‬وأما خلق أبدانهم‬
‫من الملكوت‪ ،‬فذلك لن أبدانهم الحقيقة هي التي في باطن هذه الجلود‬
‫المدبرة لهذه البدان‪ ،‬وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم‪ ،‬ل علقة لهم‬
‫بها‪ ،‬فكأنهم وهم في جلبيب من هذه البدان‪ ،‬قد نفضوها وتجردوا منها‬
‫لعدم ركونهم إليها‪ ،‬وشدة شوقهم إلى النشأة الخرى‪ ،‬ولهذا نعموا‬
‫بالوصول إلى الخرة ومفارقة هذه الدنى‪ ،‬ومن هنا ورد في الحديث‪" :‬‬
‫الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬يريد به الفيلسوف المشهور مل صدرا الشيرازي‪ (2) .‬قال العلمة الطباطبائى‬
‫مد ظله في بعض كلمه‪ :‬الخبار مستفيضة في أن ال تعالى خلق‬
‫السعداء من طينة عليين وخلق الشقياء من طينة سجين ‪ -‬من النار ‪-‬‬
‫وكل يرجع الى حكم طينته من السعادة والشقاء‪ ،‬وقد اورد عليها اول‬
‫بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل‪ .‬أما البحث الول فقد قال ال‬
‫تعالى‪ " :‬هو الذى خلقكم من طين " وقال‪ " :‬بدأ خلق النسان من طين‬
‫" فأفاد أن النسان مخلوق من طين‪ ،‬ثم قال تعالى‪ " :‬ولكل وجهة هو =‬

‫]‪[81‬‬

‫وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لنها مركبة من هذه ومن هذه‬
‫لتعلقهم بهذه البدان العنصرية أيضا ما داموا فيها‪ ،‬وسجين أخس المراتب‬
‫وأبعدها من ال سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي‬
‫مخبوءة تحت عالم الملك‪ ،‬أعني هذا العالم العنصري فإن الرواح مسجونة‬
‫فيه ولهذا ورد في الحديث " المسجون من سجنته الدنيا عن الخرة "‪.‬‬

‫= موليها " الية‪ .‬وقال‪ " :‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم ال في‬
‫كتاب من قبل أن نبرأها " الية‪ :‬فأفاد أن للنسان غاية ونهاية من‬
‫السعادة والشقاء‪ ،‬وهو متوجه إليها‪ ،‬سائر نحوها وقال تعالى‪ :‬كما بدأكم‬
‫تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضللة " الية‪ .‬فأفاد أن ما ينتهى‬
‫إليه أمر النسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه‬
‫طينا‪ ،‬فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء‪ ،‬وآخر السعيد الى الجنة‪،‬‬
‫وآخر الشقى الى النار‪ ،‬فهما أولهما لكون الخر هو الول‪ ،‬وحينئذ صح‬
‫أن السعداء خلقوا من طينة الجنة‪ ،‬والشقياء خلقوا من طينة النار‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪ " :‬كل ان كتاب البرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب‬
‫مرقوم يشهده المقربون كل ان كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما‬
‫سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين " اليات وهى تشعر بأن عليين‬
‫وسجين هما ما ينتهى إليه أمر البرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم‪.‬‬
‫واما البحث الثاني وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة‬
‫والشقاء لزمين حتميين للنسان‪ ،‬ومعه ل يكون أحدهما اختياريا كسبيا‬
‫للنسان وهو الجبر الباطل‪ .‬فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو‬
‫الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من‬
‫سعادة وشقاء‪ ،‬فيرجع الشكال الى سبق قضاء السعادة الشقاء في حق‬
‫النسان قبل أن يخلق‪ ،‬وأن ذلك يستلزم الجبر‪ ،‬والجواب أن القضاء‬
‫متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد‪ ،‬فهو فعل اختياري في عين أنه‬
‫حتمي الوقوع‪ ،‬ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى‬
‫يلزم منه بطلن الختيار‪.‬‬

‫]‪[82‬‬

‫وخلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر‪ ،‬وإنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم‬
‫إليه‪ ،‬وإخلدهم إلى الرض وتثاقلهم إليها‪ ،‬فكأنه ليس لهم من الملكوت‬
‫نصيب‪ ،‬لستغراقهم في الملك‪ .‬والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق‬
‫الرواح الملكوتية بالبدان العنصرية بل نشؤها منها شيئا فشيئا‪ ،‬فكل من‬
‫النشأتين غلبت عليه صار من أهلها‪ ،‬فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا‬
‫أو بين المرين‪ ،‬على حسب مراتب اليمان والكفر انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬هو مبني‬
‫على اصول واصطلحات لم تثبت حقيتها‪ ،‬ولم تعرف حقيقتها‪ ،‬ول ضرورة‬
‫في الخوض فيها‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسن‪ ،‬عن‬
‫النضر بن شعيب‪ ،‬عن عبد الغفار الجازي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن ال عزوجل خلق المؤمن من طينة الجنة‪ ،‬وخلق الكافر من طينة‬
‫النار‪ ،‬وقال‪ :‬إذا أراد ال بعبد خيرا طيب روحه وجسده‪ ،‬فل يسمع شيئا من‬
‫الخير إل عرفه‪ ،‬ول يسمع شيئا من المنكر إل أنكره‪ .‬قال‪ :‬وسمعته يقول‪:‬‬
‫الطينات ثلث‪ :‬طينة النبياء‪ ،‬والمؤمن من تلك الطينة إل أن النبياء هم‬
‫من صفوتها هم الصل ولهم فضلهم‪ ،‬والمؤمنون الفرع من طين لزب‬
‫كذلك‪ ،‬ل يفرق ال عزوجل بينهم وبين شيعتهم‪ ،‬وقال‪ :‬طينة الناصب من‬
‫حمأ مسنون‪ ،‬وأما المستضعفون فمن تراب‪ ،‬ل يتحول مؤمن عن إيمانه‪،‬‬
‫ول ناصب عن نصبه‪ ،‬ول المشية فيهم )‪ .(1‬تبيين‪ " :‬من طينة الجنة "‪:‬‬
‫أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة‪ ،‬أو من طينة‬
‫مرجحة لعمال تصير سببا لدخول الجنة ل على اللجاء " إذا أراد ال بعبد‬
‫خيرا "‪ :‬أي حسن عاقبة وسعادة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.3‬‬

‫]‪[83‬‬

‫" طيب روحه "‪ :‬بالهدايات الخاصة واللطاف المرجحة‪ ،‬وذلك بعد حسن اختياره‬
‫وما يعود إليه من السباب‪ " .‬من طين لزب "‪ :‬قال القاضي‪ :‬هو الحاصل‬
‫من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الرضي وفي القاموس اللزوب‪:‬‬
‫اللصوق والثبوت‪ ،‬ولزب ككرم لزبا ولزوبا‪ :‬دخل بعضه في بعض‪،‬‬
‫والطين‪ :‬لزق وصلب‪ .‬اقول‪ :‬ويمكن أن يكون على هذا التأويل للية‬
‫الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالئمة عليهم السلم وملزمتهم لهم‪،‬‬
‫فقوله " كذلك ل يفرق ال " وفي بعض النسخ " لذلك " أي للزوبهم‬
‫ولصوقهم بأئمتهم عليهم السلم ولصوق طينتهم بطينتهم‪ ،‬ل يفرق ال‬
‫بينهم وبينهم‪ ،‬أو لكونهم من فرع تلك الطينة‪ ،‬ل يفرق ال بينهما في الدنيا‬
‫والخرة لن الفرع محلق بالصل وتابع له‪ " .‬والحمأ "‪ :‬الطين السود و‬
‫" المسنون " المتغير المنتن‪ ،‬وقيل‪ :‬أي مصبوب كأنه افرغ حتى صار‬
‫صورة‪ ،‬وقيل إنه الرطب‪ ،‬وقيل مصور‪ .‬و " الحمأ المسنون " طين سجين‬
‫" فمن تراب "‪ :‬أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلل كما‬
‫مزجت به طينة النبياء والمؤمنين‪ ،‬ول بماء آسن اجاج كما مزجت به‬
‫طينة الكافرين‪ .‬وكأن هذا وجه جمع بين اليات الكريمة‪ ،‬فان مادل على أنه‬
‫خلق من حمأ مسنون فهو في الناصب‪ ،‬وما دل على أنه خلق من طين‬
‫لزب فهو في الشيعة وما دل على أنه خلق من تراب فهو في‬
‫المستضعفين‪ ،‬فيحتمل أن يكون المراد إدخال تا ؟ الطينات في بدن آدم‬
‫عليه السلم لتحصيل قابلية جميع تلك المور والقسام في ولده‪ ،‬أو يكون‬
‫المراد خلق كل صنف من طينة بادخالها في النطفة‪ ،‬أو بحصول تلك النطفة‬
‫من هذه الطينة‪ .‬فالوسط أظهر لما رواه الشيخ في مجالسه باسناده‪ ،‬عن‬
‫عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد ال بن الحسن‪ ،‬عن جده الحسن بن علي‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن في الفردوس‬
‫لعينا أحلى من الشهد‪ ،‬وألين من الزبد‪ ،‬أبرد‬

‫]‪[84‬‬

‫من الثلج‪ ،‬وأطيب من المسك‪ ،‬فيها طينة خلقنا ال عزوجل منها‪ ،‬وخلق شيعتنا‬
‫منها‪ ،‬فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ول من شيعتنا‪ ،‬وهي الميثاق‬
‫الذي أخذه ال عزوجل على ولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‬
‫السلم‪ .‬قال عبيد‪ :‬فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬صدقك‬
‫يحيى ابن عبد ال‪ ،‬هكذا أخبرني أبي‪ ،‬عن جدي عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله قال عبيد‪ :‬أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير‪ ،‬قال‪ :‬نعم‬
‫أخبرني أبي عن جدي‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬إن ل‬
‫ملكا رأسه تحت العرش‪ ،‬وقدماه في تخوم الرض السابعة السفلى‪ ،‬بين‬
‫عينيه راحة أحدكم‪ ،‬فأذا أراد ال أن يخلق خلقا على ولية علي بن أبي‬
‫طالب عليه السلم أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة‪ ،‬فرمى بها في‬
‫النطفة حتى يصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق‪ ،‬قوله " ول المشية‬
‫فيهم "‪ :‬أي في المستضعفين والتعميم بعيد )‪ - 8 .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن إبراهيم ابن مسلم‬
‫الحلواني‪ ،‬عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن في الجنة لشجرة تسمى المزن‪ ،‬فإذا أراد ال أن يخلق مؤمنا أقطر‬
‫منها قطرة فل تصيب بقلة ول ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إل أخرج ال‬
‫عزوجل من صلبه مؤمنا )‪ .(2‬بيان‪ :‬في المصباح‪ :‬حلوان بالضم بلد‬
‫مشهور من سواد العراق‪ ،‬وهي آخر مدن العراق‪ ،‬وبينها وبين بغداد نحو‬
‫خمس مراحل‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬المزن بالضم‬

‫)‪ (1‬بل ل المشية فيهم جميعا وليس المشية مشية جزافية بل هي ما يجرى عليه‬
‫ناموس الكون والفساد الحاكم على النسان وقلبه وفكره وأفعاله كلها‬
‫فمن آمن فقد آمن بمشية ال ومن كفر فقد كفر بمشية ال ومن ارتد عن‬
‫اليمان الى النصب والعناد فقد ارتد بمشية ال‪ ،‬فافهم ذلك‪ (2) .‬الكافي ج‬
‫‪ 2‬ص ‪.14‬‬

‫]‪[85‬‬
‫السحاب أو أبيضه‪ ،‬أو ذو الماء انتهى وكأن التسمية هنا على التشبيه‪ .‬قيل‪ :‬هذا‬
‫الحديث كما يناسب ما قيل إن المراد بالطينة الصول الممتزجات المنتقلة‬
‫في أطوار الخلقة‪ ،‬كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات‪ ،‬والغذاء وما‬
‫بعدها من العلقة‪ ،‬والمضغة‪ ،‬والمزاج‪ :‬النسان القابل للنفس الناطقة‬
‫المدبرة‪ .‬كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لن طينة‬
‫الجنة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة‪ ،‬كما أنه بماء العذب الفرات المذكور‬
‫سابقا وبالجملة خلقه من طينة الجنة ومزجها بماء الفرات أول وتربيتها‬
‫بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن‪ ،‬ليحصل له الوصول‬
‫إلى أعلى مراتب القرب انتهى‪ .‬وقال بعض المحققين من أهل التأويل‪:‬‬
‫الجنة تشتمل جنان الجبروت والملكوت‪ ،‬و " المزن "‪ :‬السحاب‪ ،‬وهو‬
‫أيضا يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم وسحاب ماء المطر والخصب‬
‫والديم وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحابا انفصلت منه في‬
‫عالم الملك‪ ،‬كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت‬
‫والجبروت‪ ،‬وكما أن البقلة والثمرة تتربى بصورتها الملكية كذلك تتربى‬
‫بصورتيها الملكوتية والجبروتية‪ ،‬المخلوقتين من ذكر ال تعالى اللتين من‬
‫شجرة المزن الجناني‪ ،‬وكما أنهما تتربيان بها قبل الكل كذلك تتربيان بها‬
‫بعد الكل في بدن الكل‪ ،‬فانها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في‬
‫التربية‪ .‬فالنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر ال عزوجل عندها وشكر ال‬
‫عليها وصرف قوتها في طاعة ال سبحانه‪ ،‬والفكار اليمانية والخيالت‬
‫الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني‬
‫فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية‪ ،‬فهي من شجرة المزن التي أصلها في‬
‫الجنة‪ .‬وإذا أكلها على غفلة من ال سبحانه‪ ،‬ولم يشكر ال عليها‪ ،‬وصرف‬
‫قوتها في معصية ال تعالى والفكار المموهة الدنيوية‪ ،‬والخيالت‬
‫الشهوانية فقد تربت‬

‫]‪[86‬‬

‫تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إل أن يكون قد‬
‫تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الكل‪ .‬وأما مأكولة الكافر التي يخلق‬
‫منها المؤمن فانما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا ولذكر ال‬
‫عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية وكذلك لحل ثمنها‪ ،‬وتقوى‬
‫زارعها أو غارسها‪ ،‬إلى غير ذلك من السباب‪ - 9 .‬كا‪ :‬العدة‪ :‬عن سهل‪،‬‬
‫وغير واحد‪ ،‬عن الحسين بن الحسن جميعا عن محمد بن اورمة‪ ،‬عن‬
‫محمد بن علي‪ ،‬عن إسماعيل بن يسار‪ ،‬عن عثمان ابن يوسف‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن كيسان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬جعلت فداك أنا‬
‫مولك عبد ال بن كيسان قال‪ :‬أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت له‪ :‬إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس‪ ،‬وإنني اخالط‬
‫الناس في التجارات وغير ذلك‪ ،‬فاخالط الرجل‪ ،‬فأرى له حسن السمت‪،‬‬
‫وحسن الخلق وكثرة أمانة‪ ،‬ثم افتشه فافتشه عن عداوتكم‪ ،‬واخالط الرجل‬
‫فأرى منه سوء الخلق‪ ،‬وقلة أمانة‪ ،‬وزعارة‪ ،‬ثم افتشه فافتشه عن وليتكم‬
‫فيكف يكون ذلك ؟ قال‪ :‬فقال لي‪ :‬أما علمت يا ابن كيسان أن ال عزوجل‬
‫أخذ طينة من الجنة طينة من النار فخلطهما جميعا‪ ،‬ثم نزع هذه من هذه‬
‫من وهذه من هذه ؟ فما رأيت في اولئك من المانة‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬وحسن‬
‫السمت‪ ،‬فمما مستهم من طينة الجنة‪ ،‬وهم يعودون إلى ما خلقوا منه‪ ،‬وما‬
‫رأيت من هؤلء من قلة المانة‪ ،‬وسوء الخلق والزعارة‪ ،‬فمما مستهم من‬
‫طينة النار‪ ،‬وهم يعادون إلى ما خلقوا منه )‪ (1‬توضيح‪ " :‬عن عداوتكم "‬
‫التعدية بعن لتضمين معنى الكشف‪ ،‬و " السمت " الطريق وهيئة أهل‬
‫الخير‪ ،‬و " زعارة " بالزاي والراء المشددة ويخفف‪ ،‬الشراسة وسوء‬
‫الخلق‪ ،‬وفي النسخ بالدال والعين والراء المهملت وهو الفساد والفسق‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.4‬‬

‫]‪[87‬‬

‫والخبث " فخلطهما جميعا " أي في صلب آدم عليه السلم إلى أن يخرجوا من‬
‫أصلب أولده‪ ،‬وهو المراد بقوله " ثم نزع هذه من هذه " إذ يخرج‬
‫المؤمن من صلب الكافر والكافر من صلب المؤمن‪ .‬وحمل الخلط على‬
‫الخلطة في عالم الجساد‪ ،‬واكتساب بعضهم الخلق من بعض بعيد جدا‪،‬‬
‫وقيل " ثم نزع هذه من هذه " معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار‪،‬‬
‫وطينة النار من طينة الجنة‪ ،‬بعد ما مست إحداهما الخرى‪ ،‬ثم خلق أهل‬
‫الجنة من طينة الجنة‪ ،‬وأهل النار من طينة النار‪ .‬و " اولئك " إشارة إلى‬
‫العداء‪ ،‬وهؤلء إلى الولياء‪ ،‬و " ما خلقوا منه " في الول طينة النار‬
‫وفي الثاني طينة الجنة‪ - 10 .‬كا‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن صالح بن أبي‬
‫حماد‪ ،‬عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل لما أراد أن‬
‫يخلق آدم عليه السلم بعث جبرئيل عليه السلم في أول ساعة من يوم‬
‫الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء‬
‫الدنيا‪ ،‬و أخذ من كل سماء تربة‪ ،‬وقبض قبضة اخرى من الرض السابعة‬
‫العليا إلى الرض السابعة القصوى‪ .‬فأمر ال عزوجل كلمته فأمسك القبضة‬
‫الولى بيمينه‪ ،‬والقبضة الخرى بشماله ففلق الطين فلقتين‪ ،‬فذرا من‬
‫الرض ذروا ومن السماوات ذروا‪ ،‬فقال للذي بيمينه‪ :‬منك الرسل والنبياء‬
‫والوصياء والصديقون المؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته‪ ،‬فوجب لهم‬
‫ما قال كما قال‪ ،‬وقال للذي بشماله‪ :‬منك الجبارون و المشركون والكافرون‬
‫والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته‪ ،‬فوجب لهم ما قال كما قال‪ .‬ثم إن‬
‫الطينتين خلطتا جميعا‪ ،‬وذلك قول ال عزوجل " إن ال فالق الحب والنوى‬
‫" )‪ (1‬فالحب طينة المؤمنين التي ألقى ال عليها محبته‪ ،‬والنوى طينة‬

‫)‪ (1‬النعام‪ 95 :‬وما بعدها ذيلها‪.‬‬

‫]‪[88‬‬

‫الكافرين الذين نأوا عن كل خير‪ ،‬وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير‬
‫وتباعد عنه‪ ،‬وقال ال عزوجل‪ " :‬يخرج الحي من الميت ومخرج الميت‬
‫من الحي " فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر‪ ،‬والميت‬
‫الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن‪ ،‬فالحي‬
‫المؤمن والميت الكافر‪ ،‬وذلك قول ال عزوجل‪ " :‬أو من كان ميتا فأحييناه‬
‫" )‪ (1‬فكان موته اختلط طينته مع طينة الكافر‪ ،‬وكان حياته حين فرق ال‬
‫عزوجل بينهما بكلمته‪ ،‬كذلك يخرج ال عزوجل المؤمن في الميلد من‬
‫الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور‪ ،‬ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد‬
‫دخوله إلى النور‪ ،‬وذلك قوله عزوجل‪ " (2) :‬لينذر من كان حيا ويحق‬
‫القول على الكافرين " )‪ .(3‬تبيين‪ :‬قوله " في أول ساعة " الخ قيل‪ :‬لما‬
‫كان خلق آدم عليه السلم بعد خلق السماوات والرض ضرورة تقدم‬
‫البسيط على المركب وكان خلق السماوات والرض وأقواتها في ستة أيام‬
‫من السبوع‪ ،‬وقد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق النسان فيه‪.‬‬
‫والمراد بكلمته جبرئيل عليه السلم لنه حامل كلمته‪ ،‬أو لهتداء الناس به‬
‫كاهتدائهم بكلم ال‪ ،‬أو لكونه مخلوقا بكلمة " كن " بل مادة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫المراد بالسماوات درجات الجنة‪ ،‬وبالرضين دركات سجين‪ ،‬ليطابق‬
‫الخبار الخر ويحتمل أخذها منهما معا‪ .‬وقيل‪ :‬كأن المراد بالتربة ماله‬
‫مدخل في تهيئة المادة القابلة لن يخلق منها شئ فيشمل الطينة بمعنى‬
‫الجبلة‪ ،‬وآثار القوى السماوية المربية للنطفة وبالجملة ماله مدخل في‬
‫السبب القابلي‪ .‬انتهى‪ .‬وقيل‪ :‬إطلق التربة على ما اخذ من السماوات من‬
‫قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليهما‪ ،‬و " القصوى "‬
‫مؤنث القصى أي البعد‪ ،‬ويدل على أن الرض سبع طبقات كالسماوات‬
‫كما قال ال تعالى‪ " :‬ال الذي خلق سبع‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .122 :‬يس‪ (3) 70 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪5‬‬

‫]‪[89‬‬
‫سماوات ومن الرض مثلهن " )‪ .(1‬قوله عليه السلم " ففلق الطين فلقتين "‬
‫ضمير فلق إما راجع إلى ال أو إلى جبرئيل وكذا قوله " فذرا " وفي‬
‫القاموس‪ :‬فلقه يفلقه شقه كفلقه‪ ،‬وفالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج‬
‫الورق منه‪ ،‬وقال‪ :‬ذرت الريح الشئ أو أذرته‪ ،‬وذرته أطارته وأذهبته وذرا‬
‫هو بنفسه‪ .‬اقول‪ :‬الكلم يحتمل وجوها‪ :‬الول أن يكون قوله " ففلق "‬
‫تفريعا وتأكيدا لما مضى أي فصار بقبض بعض الطين باليمين وبعضه‬
‫بالشمال الطين صنفين‪ .‬ففرق من الرض أي ما كان في يده من طين‬
‫الرض‪ ،‬وكذا الثاني‪ ،‬فقال ال أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرو أو للذي‬
‫كان بيمينه بعده‪ .‬الثاني أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينتين فلقة‪،‬‬
‫أي جعل كل منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة‬
‫للمستضعفين والطفال و المجانين‪ ،‬وقال لما بقي في اليمين‪ " :‬منك‬
‫الرسل " الخ ولما بقي في الشمال " منك الجبارون " الخ وعلى هذا لعل‬
‫إرجاع الضمائر إلى ال أولى‪ ،‬فيقرء " اريد " في الموضعين بصيغة‬
‫المتكلم‪ ،‬وعلى الوجه الخر يقرء بصيغة الغائب المجهول‪ .‬الثالث ما ذكره‬
‫بعض الفاضل حيث قال‪ :‬كأن الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين‬
‫لخلق النسان‪ ،‬وإنما ذرا من كل منهما ما ذرا‪ ،‬لنه كان فيهما ما ليس له‬
‫مدخل في خلق النسان وإنما كان مادة لسائر الكوان خاصة‪ .‬قوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬ثم إن الطينتين خلطتا " أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين‬
‫المذروء منهما وغير المذروء‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬فالحب طينة‬
‫المؤمنين " هذا بطن من بطون الية‪ ،‬وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق‬
‫كل منهما وإخراج الخر منه‪ ،‬أو شق كل منهما‬

‫)‪ (1‬الطلق‪ ،12 :‬ولكنها ل تدل على أن الرض ذات طباق كالسماوات ولعل المراد‬
‫مثلهن عددا‪ ،‬أو مثلهن قطعا فينطبق مع سبع قارات لرضنا هذه التى‬
‫نحن عليها‪.‬‬

‫]‪[90‬‬

‫عن صاحبه‪ ،‬أو خلقهما‪ " .‬من أجل أنه نأى "‪ :‬كأن مناسبة نأى ونوى من جهة‬
‫الشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فان الول‬
‫مهموز الوسط والثاني من المعتل )‪ .(1‬ويحتمل أن يكون أصل المهموز‬
‫من المعتل أو بالعكس‪ ،‬ويؤيده أن صاحب مصباح المنير‪ ،‬والراغب في‬
‫المفردات ذكرا " نأى " في باب النون مع الواو‪ ،‬أو يقال ليس الغرض هنا‬
‫بيان الشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد وذكر نأى لتناسب اللفظين‬
‫فان الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى‪ ،‬قال في القاموس‪ :‬النية الوجه الذي‬
‫يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما انتهى‪ .‬والية في سورة النعام هكذا‪ " :‬إن‬
‫ال فالق الحب والنوى " )‪ (2‬قال‪ :‬في مجمع البيان )‪ (3‬أي شاق الحبة‬
‫اليابسة الميتة فيخرج منه النبات‪ ،‬وشاق النواة اليابسة فيخرج منه النخل‬
‫والشجر‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما‪ ،‬وقيل‬
‫المراد به ما في الحبة والنواة من الشق وهو من عجيب قدرة ال تعالى في‬
‫استوائه‪ " .‬يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي " )‪ (4‬أي‬
‫يخرج النبات الغض الطري الخضر‪ ،‬من الحب اليابس ويخرج الحب‬
‫اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج‪ ،‬والعرب تسمي الشجرة مادام‬
‫غضا قائما بأنه حي‪ ،‬فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا‪ .‬وقيل‪ :‬معناه‬
‫يخلق الحي من النطفة وهي موات ويخلق النطفة وهي موات من الحي‬
‫عن الحسن وغيره وهذا أصح وقيل‪ :‬معناه يخرج الطير من البيض‬
‫والبيض من‬

‫)‪ (1‬ولعل ذلك اشارة الى أن الحب وهو ما كان له قشر ولباب يؤكل انما يناسب‬
‫المؤمن ذا اللب وأن النوى وهو ما كان كله كالقشر وليس له لباب يؤكل‬
‫انما يناسب الكافر ليس له لب‪ 2) .‬و ‪ (4‬النعام‪ (3) .95 :‬مجمع البيان ج‬
‫‪ 4‬ص ‪.338‬‬

‫]‪[91‬‬

‫الطير عن الجبائي )‪ ،(1‬وقيل‪ :‬يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن‪ .‬ثم قال‬
‫سبحانه في هذه السورة أيضا‪ " :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا‬
‫يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " )‪ (2‬قال‬
‫الطبرسي )‪ " (3‬أو من كان مينا "‪ :‬أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى‬
‫اليمان عن ابن عباس وغيره‪ ،‬شبه سبحانه الكفر بالموت واليمان‬
‫بالحياة‪ ،‬وقيل معناه من كان نطفة فأحييناه " وجعلنا له نورا " المراد‬
‫بالنور العلم والحكمة أو القرآن‪ ،‬أو اليمان وبالظلمات ظلمات الكفر‪ .‬وإنما‬
‫سمى ال الكافر ميتا لنه ل ينتفع بحياته‪ ،‬ول ينتفع غيره بحياته‪ ،‬فهو‬
‫أسوء حال من الميت‪ ،‬إذ ل يوجد من الميت ما يعاقب عليه‪ ،‬ول يتضرر‬
‫غيره به‪ .‬وسمى المؤمن حيا لنه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته‪،‬‬
‫و كذلك سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله‪ " :‬إنك ل‬
‫تسمع الموتى " )‪ (4‬و " لينذر من كان حيا )‪ " (5‬وقوله " وما يستوي‬
‫الحياء ول الموات " )‪ (6‬وسمى القرآن واليمان والعلم نورا لن الناس‬
‫يبصرون بذلك‪ ،‬ويهتدون به من ظلمات الكفر‪ ،‬وحيرة الضللة‪ ،‬كما يهتدي‬
‫بسائر النوار‪ ،‬وسمى الكفر ظلمة لن الكافر ل يهتدي بهداه‪ ،‬ول يبصر‬
‫أمر رشده انتهى‪ .‬واقول‪ :‬على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير‬
‫المذكورة قوله تعالى " يخرج الحي " بيان لقوله " فالق الحب "‪ .‬قوله "‬
‫حين فرق ال بينهما بكلمته " أي بقدرته أو بأمر " كن " أو بجبرئيل‬

‫)‪ (1‬وليس بشئ فان النطفة ليست بميتة بل الحيوانات والنباتات كلها انما يخلقون‬
‫من نطفة حى‪ (2) .‬النعام‪ (3) .122 :‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪(4) .359‬‬
‫النمل‪ (5) .80 :‬يس‪ (6) .70 :‬فاطر‪.22 :‬‬

‫]‪[92‬‬

‫والتفريق في الميلد أو في الطينة‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬فقوله " كذلك " تشبيه الخراج‬
‫من الظلمات إلى النور وبالعكس‪ ،‬باخراج الحي من الميت وبالعكس‪ ،‬في‬
‫أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس‪ .‬وليس‬
‫المراد تأويل تتمة تلك الية أعني قوله سبحانه " أو من كان ميتا الخ "‬
‫فانه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة بل فيها أنه في‬
‫الظلمات ليس بخارج منها‪ ،‬بل هو إشارة إلى قوله تعالى " ال ولي الذين‬
‫آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " الية‪ .‬ول ينافيه قوله عليه السلم‬
‫" ويخرج الكافر " مع أن في الية نسب الخراج إلى الطاغوت لن‬
‫لخذلنه سبحانه مدخل في ذلك مع أنه يمكن أن يقرء على بناء المجرد‬
‫المعلوم‪ ،‬أو على بناء المجهول‪ .‬وما قيل من أنه يظهر من هذا الحديث أن‬
‫إخراج المؤمن من الكافر و بالعكس في وقتين‪] :‬وقت[ تفريق الطين ووقت‬
‫الولدة فليس بظاهر كما عرفت ثم استشهد عليه السلم لطلق الحياة‬
‫على اليمان‪ ،‬أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه " لينذر من كان‬
‫حيا " أي كان من طينة الجنة على تأويله عليه السلم‪ .‬قال الطبرسي )‪:(1‬‬
‫أي أنزلناه ليخوف به من معاصي ال من كان مؤمنا لن الكافر كالميت بل‬
‫أقل من الميت‪ ،‬أو من كان عاقل كما روي عن علي عليه السلم وقيل‪ :‬من‬
‫كان حي القلب حي البصر‪ " .‬ويحق القول على الكافرين " أي يجب‬
‫الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم‪ ،‬وأقول على تأويله عليه السلم‬
‫يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه " منك الجبارون‬
‫والمشركون والكافرون " إلى آخره‪ - 11 .‬مع‪ :‬سئل الحسن بن علي بن‬
‫محمد عليهم السلم عن الموت ما هو ؟ فقال‪ :‬هو التصديق بما ل يكون‬
‫حدثني أبي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن‬
‫إذا مات لم يكن ميتا فان الميت هو الكافر إن ال عزوجل يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪432‬‬


‫]‪[93‬‬

‫" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " )‪ (1‬يعني المؤمن من الكافر‬
‫والكافر من المومن )‪ - 12 .(2‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬
‫عن صالح بن سهل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬جعلت فداك من‬
‫أي شئ خلق ال عزوجل طينة المؤمن ؟ فقال‪ :‬من طينة النبياء فلن‬
‫تنجس أبدا )‪ .(3‬بيان‪ " :‬فلن تنجس أبدا " أي بنجاسة الكفر والشرك‪،‬‬
‫وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ورحمة الرب تعالى وقيل‪:‬‬
‫أي لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون وإخلد يذهله عن الخرة‪ - 13 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن صالح بن سهل قال‪ :‬قلت لبي ‪ -‬عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬المؤمنون من طينة النبياء ؟ قال‪ :‬نعم )‪ .(4‬بيان‪ :‬أي من‬
‫فضل طينتهم‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري ومحمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن زرارة‪،‬‬
‫عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لو علم الناس كيف ابتدأ الخق ]‍ل[ ما‬
‫اختلف اثنان‪ :‬إن ال عزوجل قبل أن يخلق الخلق‪ ،‬قال‪ :‬كن ماء عذبا أخلق‬
‫منك جنتي وأهل طاعتي‪ ،‬وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي‪،‬‬
‫ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن‪ ،‬ثم‬
‫أخذ طينة من أديم الرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون‪ ،‬فقال‬
‫لصحاب اليمين‪ :‬إلى الجنة بسلم وقال لصحاب الشمال‪ :‬إلى النار ول‬
‫ابالي‪ .‬ثم أمر نارا فاسعرت‪ ،‬فقال لصحاب الشمال‪ :‬ادخلوها فهابوها‪ ،‬وقال‬
‫لصحاب اليمين‪ :‬ادخلوها فدخلوها‪ ،‬فقال‪ :‬كوني بردا وسلما فكانت بردا‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) 18 :‬معاني الخبار‪ (3) 290 :‬الكافي ج ‪ .3 :2‬وفيه فلم تنجس أبدا‬
‫)‪ (4‬الكافي ج ‪.5 :2‬‬

‫]‪[94‬‬

‫وسلما‪ .‬فقال أصحاب الشمال‪ :‬يا رب أقلنا قال‪ :‬قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها‬
‫فثم ثبتت الطاعة والمعصية‪ ،‬ول يستطيع هؤلء أن يكونوا من هؤلء‪ ،‬ول‬
‫هؤلء من هؤلء‪ (1) .‬تبيين‪ " :‬لما اختلف اثنان "‪ :‬أي في مسألة‬
‫الستطاعة والختيار والجبر أو لما تنازع اثنان في أمر من امور الدين‬
‫لختلف أفهامهم وقابلياتهم وطينهم‪ ،‬ولما بالغوا في هداية الخلق‪ " .‬كن‬
‫ماء عذبا " أمر تكويني‪ ،‬أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باخلف‬
‫مواد الخلق واستعداداتهم وما هم إليه صائرون‪ ،‬وفي القاموس ماء اجاج‪:‬‬
‫ملح مر وقال‪ :‬أديم النهار‪ :‬عامته أو بياضه ومن الضحى‪ :‬أوله‪ ،‬ومن‬
‫السماء والرض‪ :‬ما ظهر وقال‪ :‬عركه‪ :‬دلكه وحكه حتى عفاه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الذر‪ :‬صغار النمل ومائة منهازنة حبة شعير‪ ،‬الواحدة ذرة‪ ،‬وقال‪ :‬دب يدب‬
‫دبا وديبا‪ :‬مشى على هنيئة‪ ،‬وقال أقلته‪ :‬فسخته واستقاله طلب إليه أن‬
‫يقيله‪ ،‬وقال‪ :‬هابه يهابه هيبا ومهابة‪ :‬خافه‪ .‬وقال السيد رضي ال عنه في‬
‫نهج البلغة‪ (2) :‬روى اليماني عن أحمد بن قتيبة‪ ،‬عن عبد ال بن يزيد‪،‬‬
‫عن مالك بن دحية‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند أمير المؤمنين علي عليه السلم وقد ذكر‬
‫اختلف الناس قال‪ :‬إنما فرق بينهم مبادي طينهم‪ ،‬وذلك أنهم كانوا فلقة‬
‫من سبخ أرض وعذبها‪ ،‬وحزن تربة وسهلها‪ ،‬فهم على حسب قرب‬
‫أرضهم يتقاربون‪ ،‬وعلى قدر اختلفهم يتفاوتون‪ ،‬فتام الرواء ناقص العقل‪،‬‬
‫وماد القامة قصير الهمة‪ ،‬وزاكي العمل قبيح المنظر‪ ،‬وقريب القعر بعيد‬
‫السبر‪ ،‬ومعروف الضريبة منكر الجليبة‪ ،‬ونائر القلب متفرق اللب‪ ،‬وطليق‬
‫اللسان حديد الجنان‪ .‬وقال ابن ميثم )‪ (3‬في قوله عليه السلم " إنما فرق‬
‫بينهم " الخ‪ :‬أي تقاربهم في‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) 6 :2‬نهج البلغة ط مصر عبده ج ‪ 1‬ص ‪ (3) 253‬شرح النهج‬
‫لبن مثيم ص ‪ 419‬ط ايران قديم‪.‬‬

‫]‪[95‬‬

‫الصور والخلق تابع لتقارب طينهم‪ ،‬وتقارب مباديه وهي السهل والحزن والسبخ‬
‫والعذب‪ ،‬وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة‪ .‬وقال أهل‬
‫التأويل‪ :‬الضافة بمعنى اللم أي المبادي لطينهم كناية عن الجزاء‬
‫العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات المزجة )‪ (1‬أو السبخ كناية‬
‫عن الحار اليابس‪ ،‬والعذب عن الحار الرطب‪ ،‬والسهل عن البارد الرطب‪،‬‬
‫والحزن عن البارد اليابس انتهى‪ .‬واقول‪ :‬ل يبعد أن يكون الماء العذب‬
‫كناية عما خلق ال في النسان من الدواعي إلى الخير والصلح كالعقل‬
‫والنفس الملكوتي‪ ،‬والماء الجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى‬
‫الشهوات الدنية‪ ،‬واللذات الجسمانية من البدن‪ ،‬وما ركب فيه من الدواعي‬
‫إلى الشهوات‪ .‬ومزجهما كناية عن تركيبهما في النسان‪ ،‬فقوله " أخلق‬
‫منك " أي من أجلك " جنتي وأهل طاعتي " إذ لول ما في النسان من‬
‫جهة الخير‪ ،‬لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد‪ ،‬ولم يصر أحد‬
‫مطيعا له تعالى‪ .‬وكذا قوله " أخلق منك ناري " إذ لول ما في النسان من‬
‫دواعي الشرور لم يكن يعصي ال أحد‪ ،‬ولم يحتج إلى خلق النار‪ ،‬للزجر‬
‫عن الشرور‪ .‬ثم لظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر‬
‫للملئكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر‪،‬‬
‫وميز من علم منهم اليمان ممن علم منهم خلفه‪ ،‬وكلفهم بدخول النار‪،‬‬
‫ليعلموا قبل التكليف في عالم الجساد‬
‫)‪ (1‬بل الصحيح كما اشرنا إليه قبل أن النطفة هي التى خلقت من سللة من الطين‬
‫فليس النسان مركبا من الماء والتراب وانما ذلك هو النطفة ولست أعنى‬
‫الماء الدافق ول " اسپرماتوزئيد " على اصطلح المتأخرين بل هي شئ‬
‫آخر سميت بالنطفة عند المتأخرين في داخل " اسپرماتوزئيد " وانما‬
‫شخصية الجنين بها فالنطفة التى اخذت واستلت من سهل الرض غير ما‬
‫اخذت واستلت من حزنها وما اخذت من طين لزب رس غير ما اخذت‬
‫من حما مسنون وهكذا‪.‬‬

‫]‪[96‬‬

‫أن ما علم منهم مطابق للواقع‪ " .‬فثم ثبتت الطاعة والمعصية " وعلم الملئكة من‬
‫يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في اللواح مطابقا لعلمه تعالى‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر " أي لجل ما قرر في النسان‬
‫من جهتي الخير والشر‪ ،‬ترى الب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي‬
‫الخير‪ ،‬وزاجرا للشهوات فيصير من الخيار‪ ،‬والبن يتبع الهوى‬
‫والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الشرار‪ ،‬مع نهاية الرتباط‬
‫بينهما‪ .‬وقوله " ول يستطيع هؤلء " أي ل يتخلف ما علم ال تعالى‬
‫منهم‪ ،‬لكن ل يختارونها إل باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم‪ ،‬هذا ما خطر‬
‫بالبال على وجه الحتمال وال يعلم غوامض أسرارهم عليهم السلم‪ .‬وقال‬
‫بعض أهل التأويل‪ :‬عبر عن المادة تارة بالماء‪ ،‬واخرى بالتربة لشتراكهما‬
‫في قبول الشكال‪ ،‬ولجتماعهما في طينة النسان‪ ،‬وتركيب خلقته و " أديم‬
‫الرض " وجهها‪ ،‬وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء‬
‫للنسان‪ ،‬ويحصل منه النطفة‪ ،‬أو تتربى به و " العرك " الدلك وكأنه كناية‬
‫عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة و " الذر "‪ :‬النمل‬
‫الصغار‪ ،‬ووجه الشبه الحس والحركة‪ ،‬وكونهم محل الشعور مع صغر‬
‫الجثة والخفاء‪ .‬وهذا الخطاب إنما كان في عالم المر‪ ،‬ولشدة ارتباط الملك‬
‫بالملكوت‪ ،‬وقوامه به‪ ،‬جاز إسناد مادته إليه‪ ،‬وإن كان عالم المر مجردا‬
‫عن المادة‪ ،‬واجتماعهم في الوجود عند ال إنما هو لجتماع الجسام‬
‫الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم المر‪ ،‬وإن كانت متفرقة‬
‫مبسوطة متدرجة في عالم الخلق‪ .‬ووجودهم في عالم المر وجود ملكوتي‬
‫ظلي‪ ،‬ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني‪ ،‬وهو صورة علمه‬
‫سبحانه بها‪ ،‬وعنه عبر بالظلل في حديث آخر‪ .‬وأمره تعالى إياهم إلى‬
‫الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما‪ ،‬ثم توفيقه أو خذلنه‪ ،‬ولعل المراد‬
‫بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية‪ ،‬وتحصيل المعرفة‬

‫]‪[97‬‬
‫المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها‪ .‬واستقالة أصحاب الشمال كناية عن‬
‫تمنيهم الطاعة‪ ،‬وعدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشهوة عليهم‪ ،‬وكونهم‬
‫مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا‪ " :‬ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا‬
‫قوما ضالين " )‪ (1‬انتهى‪ .‬ولعل إبداء تلك التأويلت في الخبار جرأة على‬
‫ال ورسوله والئمة الخيار‪ ،‬إل أن يكون على سبيل الحتمال‪ ،‬لكن بعد‬
‫ثبوت ما بنوا عليه الكلم من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان واليقين‪ ،‬بل‬
‫بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫البزنطي‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن محمد الحلبي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلم أرسل الماء‬
‫على الطين‪ ،‬ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده‪ ،‬ثم ذراهم فإذا‬
‫هم يدبون‪ .‬ثم رفع لهم نارا‪ ،‬فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها‬
‫فهابوها‪ ،‬ولم يدخلوها‪ ،‬ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها‪ ،‬فذهبوا فدخلوها‪،‬‬
‫فأمر ال عزوجل النار‪ ،‬فكانت عليهم بردا وسلما‪ .‬فلما رأى ذلك أهل‬
‫الشمال‪ ،‬قالوا‪ :‬ربنا أقلنا‪ ،‬فأقالهم‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬ادخلوها فذهبوا فقاموا‬
‫عليها ولم يدخلوها‪ ،‬فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه السلم‪ .‬وقال أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬فلن يستطيع هؤلء أن يكونوا من هؤلء‪ ،‬ول هؤلء‬
‫أن يكونوا من هؤلء‪ ،‬قال‪ :‬فيرون أن رسول ال صلى ال عليه وآله أول‬
‫من دخل تلك النار‪ ،‬فلذلك قوله عزوجل )‪ " (2‬قل إن كان للرحمان ولد فأنا‬
‫أول العابدين "‪ (3) .‬بيان‪ :‬فيرون أي علماء أهل البيت عليهم السلم‪" ،‬‬
‫قل إن كان " الية قد مر فيه‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) .107 :‬الزخرف‪ (3) .81 :‬الكافي ج ‪.7 :2‬‬

‫]‪[98‬‬

‫وجوه من التأويل‪ (1) :‬الول فأنا أول العابدين منكم‪ :‬فإن النبي يكون أعلم بال‬
‫وبما يصح له‪ ،‬وبما ل يصح له‪ ،‬وأولى بتعظيم ما يجب تعظيمه‪ ،‬ومن حق‬
‫تعظيم الوالد تعظيم ولده‪ ،‬ول يستلزم ذلك إمكاك كينونة الولد وعبادته له‪،‬‬
‫فإن المحال قد يستلزم المحال‪ ،‬بل المراد نفيهما‪ .‬والثاني أن معناه إن كان‬
‫له ولد في زعمكم‪ ،‬فأنا أول العابدين ل‪ ،‬الموحدين له ]المنكرين لقولكم[‪.‬‬
‫والثالث أن المعنى فأنا أول النفين منه )‪ (2‬أو من أن يكون له ولد‪ ،‬من‬
‫عبد يعبد إذا اشتد أنفة‪ (3) .‬الرابع أن كلمة " إن " نافية‪ ،‬أي ما كان له‬
‫ولد‪ ،‬فأنا أول الموحدين من أهل مكة‪ ،‬وبناء الخبر على التفسير الول‪ ،‬إذ‬
‫ظهر منه أنه صلى ال عليه وآله كان مبادرا إلى كل خير وسعادة وإطاعة‪،‬‬
‫فلبد أن يكون مبادرا في دخول النار عند المر به‪ - 16 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن صالح بن‬
‫عقبة‪ ،‬عن عبد ال بن محمد الجعفي وعقبة جميعا‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل خلق الخلق‪ ،‬فخلق من أحب مما أحب‪ ،‬فكان ما‬
‫أحب أن خلقه من طينة الجنة‪ ،‬وخلق ما أبغض مما أبغض‪ ،‬وكان ما أبغض‬
‫أن خلقه من طينة النار‪ ،‬ثم بعثهم في الظلل‪.‬‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 3‬ص ‪ 256‬من هذه الطبعة الجديدة‪ (2) .‬واختاره على بن ابراهيم في‬
‫تفسيره‪ ،‬وفى الحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلم أول العابدين أي‬
‫الجاحدين‪ (3) .‬قال الجوهرى‪ :‬قال أبو زيد‪ :‬العبد بالتحريك‪ :‬الغضب‬
‫والنف والسم العبدة مثل النفة‪ ،‬وقد عبد أي أنف قال الفرزدق‪ :‬اولئك‬
‫أحلسى فجئني بمثلهم * وأعبد أن أهجو كليبا بدارم‪ .‬قال أبو عمرو‪:‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬فأنا أول العابدين من النف والغضب‪.‬‬

‫]‪[99‬‬

‫فقلت‪ :‬وأي شئ الظلل ؟ فقال عليه السلم‪ :‬ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس‬
‫بشئ ؟‪ .‬ثم بعث فيهم النبيين‪ ،‬فدعوهم إلى القرار بال عزوجل وهو قوله‬
‫تعالى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال " )‪ (1‬ثم دعوهم إلى القرار‬
‫بالنبيين‪ ،‬فأقر بعضهم‪ ،‬وأنكر بعضهم‪ ،‬ثم دعوهم إلى وليتنا فأقر بها وال‬
‫من أحب‪ ،‬وأنكرها من أبغض‪ ،‬وهو قوله " ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به‬
‫من قبل )‪ (2‬ثم قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬كان التكذيب ثم‪ (3) .‬بيان‪" :‬‬
‫فخلق من أحب مما أحب " قيل‪ " :‬ما " في قوله " ما أحب " و " ما‬
‫أبغض " مصدرية‪ .‬وأقول‪ :‬يمكن تأويله بالعلم‪ ،‬أي بأنه لما علم ال تعالى‬
‫حين خلقهم أنهم سيصيرون من الشقياء‪ ،‬وأبغضهم‪ ،‬فكأنه خلقهم مما‬
‫أبغض‪ ،‬أو أنه إشارة إلى اختلف استعداداتهم وقابلياتهم‪ ،‬في اختيار الحق‬
‫وقبوله‪ .‬والمراد بالظل إما عالم الرواح‪ ،‬أو عالم المثال‪ ،‬فعلى الول شبه‬
‫الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته وعدم كثافته‪،‬‬
‫أو لكونه تابعا لعالم الجساد الصلية‪ ،‬وعلى الثاني ظاهر‪ .‬وقوله " شيئا "‬
‫بتقدير " تحسه " أو الرؤية بمعنى العلم لكن ل يناسبه تعديتها بإلى‪،‬‬
‫والظهر " شئ " كما ورد في هذه الرواية بسند آخر‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بقوله "‬
‫وليس بشئ " أن الحياة والتكليف في ذلك الوقت ل يصيران سببين للثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬كأفعال النائم‪ ،‬ول يبقى‪ ،‬بل مثال وحكاية عن الحياة والتكليف في‬
‫البدان‪ ،‬ولذا سمي الوجود الذهني بالوجود الظلي لعدم كونه منشأ للثار‬
‫ومبدءا للحكام‪ .‬وقيل‪ :‬يمكن أن يراد به عالم الذر المبائن لعالم الجساد‬
‫الكثيفة‪ ،‬وهو‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪ (2) .87 :‬يونس‪ (3) .74 :‬الكافي ج ‪10 :2‬‬
‫]‪[100‬‬

‫يحكي عن هذا العالم ويشبهه‪ ،‬وليس منه‪ ،‬فهو ظل بالنسبة إليه أو عالم الرواح‬
‫كما قال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه‪ :‬أل إن الذرية أفنان أنا‬
‫شجرتها‪ ،‬و دوحة أنا ساقتها‪ ،‬وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء‪،‬‬
‫كنا أظلل تحت العرش قبل ]خلق[ البشر‪ ،‬وقبل خلق الطينة التي كان منها‬
‫البشر‪ ،‬أشباحا خالية ل أجساما نامية‪ " .‬ليقولن ال " أي خلقنا ال‪ ،‬أو‬
‫ال خلقنا‪ ،‬على اختلف في تقديم المحذوف وتأخيره‪ ،‬والمشهور الول‪،‬‬
‫والغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب‪ ،‬بمقتضى العهد والميثاق‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫" ما كانوا ليؤمنوا " الية في سورة العراف )‪ (1‬هكذا‪ " :‬تلك القرى‬
‫نقص عليك من أنبائها ولقد جائتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليومنوا بما‬
‫كذبوا من قبل كذلك يطبع ال على قلوب الكافرين " وكأن التغيير من‬
‫النساخ أو النقل بالمعنى )‪ .(2‬وقال البيضاوي‪ :‬فما كانوا ليؤمنوا عند‬
‫مجيئهم بالمعجزات بما كذبوا من قبل أي ما كذبوه قبل الرسل بل كانوا‬
‫مستمرين على التكذيب‪ ،‬أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به‬
‫أول‪ ،‬حين جائتهم الرسل‪ ،‬ولم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة‪ ،‬واليات‬
‫المتتابعة‪ ،‬واللم لتأكيد النفي‪ ،‬والدللة على أنهم ما صلحوا لليمان‪،‬‬
‫لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر‪ ،‬والطبع على قلوبهم‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن أبي بصير‬
‫قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم كيف أجابوا وهم ذر ؟ قال‪ :‬جعل فيهم‬
‫ما إذا‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .101 :‬بل كما أشرنا إليه سابقا الية في يونس ‪ 74‬بزيادة لفظ "‬
‫به " وهى قوله تعالى‪ :‬ثم بعثنا من بعده رسل الى قومهم فجاؤهم‬
‫بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب‬
‫المعتدين "‪(*) .‬‬

‫]‪[101‬‬

‫سألهم أجابوا يعني في الميثاق )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ما إذا سألهم " كلمة " ما "‬
‫موصولة‪ ،‬والعائد محذوف‪ ،‬أي أجابوه به‪ ،‬أي جعل في كل ذرة العقل‪ ،‬وآلة‬
‫السمع‪ ،‬وآلة النطق‪ ،‬ومن حمل الية على الستعارة والتمثيل حمل الخبر‬
‫على أن المراد به أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم البدان أجابوا بلسان‬
‫المقال )‪ (2‬وهو بعيد‪ - 18 .‬شى‪ :‬عن الصبغ بن نباته عن علي عليه‬
‫السلم قال‪ :‬أتاه ابن الكوا فقال‪ :‬يا أمير المومنين أخبرني عن ال تبارك‬
‫وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال علي عليه السلم‪ :‬قد‬
‫كلم ال جميع خلقه برهم وفاجرهم‪ ،‬وردوا عليه الجواب فثقل ذلك على ابن‬
‫الكوا ولم يعرفه‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف كان ذلك يا أمير المومنين ؟ فقال له‪ :‬أو ما‬
‫تقرء كتاب ال إذ يقول لنبيك " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم‬
‫ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى )‪ " (3‬فأسمعهم‬
‫كلمه وردوا عليه الجواب‪ ،‬كما تسمع في قول ال‪ ،‬يا ابن الكواء " قالوا‪:‬‬
‫بلى " فقال‪ :‬إني أنا ال ل إله إل أنا وأنا الرحمان‪ ،‬فأقروا له بالطاعة‬
‫والربوبية‪ ،‬وميز الرسل والنبياء والوصياء‪ ،‬وأمر الخلق بطاعتهم‪،‬‬
‫فأقروا بذلك في الميثاق فقالت الملئكة‪ :‬شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا‬
‫يوم القيامة إنا كنا عن هذا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .12‬قال الفيض رحمه ال في تفسير الية‪ :‬ان ال نصب‬
‫لهم دلئل ربوبيته‪ ،‬وركب في عقولهم ما يدعوهم الى القرار بها‪ ،‬حتى‬
‫صاروا بمنزلة الشهاد على طريقة التمثيل‪ ،‬نظير ذلك قوله عزوجل‪" :‬‬
‫انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " وقوله جل وعل "‬
‫فقال لها وللرض ائتيا قالتا أتينا طائعين " ومعلوم أنه ل قول ثمة‪ ،‬وانما‬
‫هو تمثيل وتصوير للمعنى‪ .‬وذلك حين كانت أنفسهم في أصلب آبائهم‬
‫العقلية‪ ،‬ومعادنهم الصلية‪ ،‬يعنى شاهدهم وهم دقائق في تلك الحقائق‪،‬‬
‫وعبر عن تلك الباء بالظهور‪ ،‬لن كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة‬
‫من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلية نورية ظاهرة بذاتها‪(3) .‬‬
‫العراف‪.171 :‬‬

‫]‪[102‬‬

‫غافلين )‪ - 19 .(1‬شى‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫أخبرني عن الذر حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى وال‪،‬‬
‫وأسر بعضهم خلف ما أظهر‪ ،‬كيف علموا القول حيث قيل لهم‪ " :‬ألست‬
‫بربكم " ؟ قال‪ :‬إن ال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه )‪ - 20 .(2‬شى‪ :‬عن‬
‫أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " ألست بربكم قالوا‬
‫بلى " قلت‪ :‬قالوا بألسنتهم ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وقالوا بقلوبهم‪ ،‬قلت‪ :‬وأي شئ‬
‫كانوا يومئذ ؟ قال‪ :‬صنع فيهم ما اكتفى به )‪ - 21 .(3‬أقول‪ :‬وجدت في‬
‫بعض الكتب مرويا عن أحمد بن محمد الكوفي‪ ،‬عن حنان بن سدير‪ ،‬عن‬
‫أبيه سدير الصيرفي‪ ،‬عن أبي إسحاق الليثي قال‪ :‬قلت للمام الباقر محمد‬
‫بن علي عليهما السلم‪ :‬يا ابن رسول ال أخبرني عن المؤمن من شيعة‬
‫أمير المؤمنين إذا بلغ وكمل في المعرفة هل يزني ؟ قال عليه السلم‪ :‬ل‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فيلوط ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قلت‪ :‬فيسرق ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قلت‪ :‬فيشرب خمرا ؟ قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قلت‪ :‬فيذنب ذنبا ؟ قال‪ :‬ل قال الراوي‪ :‬فتحيرت من ذلك‪ ،‬وكثر تعجبي‬
‫منه‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال إني أجد من شيعة أمير المؤمنين ومن مواليكم‬
‫من يشرب الخمر‪ ،‬ويأكل الربا‪ ،‬و يزني ويلوط‪ ،‬ويتهاون بالصلة والزكاة‬
‫والصوم والحج والجهاد وأبواب البر حتى أن أخاه المؤمن يأتيه في حاجة‬
‫يسيرة فل يقضيها له‪ ،‬فكيف هذا يا ابن رسول ال ؟ ومن أي شئ هذا ؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتبسم المام عليه السلم وقال‪ :‬يا أبا إسحاق هل عندك شئ غير ما‬
‫ذكرت ؟ قلت‪ :‬نعم يا ابن رسول ال وإني أجد الناصب الذي ل أشك في‬
‫كفره يتورع عن هذه‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .41‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 42‬تفسير‬
‫العياشي ج ‪ 2‬ص ‪40‬‬

‫]‪[103‬‬

‫الشياء‪ :‬ل يستحل الخمر ول يستحل درهما لمسلم‪ ،‬ول يتهاون بالصلة والزكاة‬
‫والصيام والحج والجهاد‪ ،‬ويقوم بحوائج المؤمنين والمسلمين‪ ،‬ل وفي ال‬
‫تعالى فكيف هذا ولم هذا ؟‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬يا إبراهيم لهذا أمر باطن‪،‬‬
‫وهو سر مكنون‪ ،‬وباب مغلق مخزون‪ ،‬وقد خفي عليك وعلى كثير من‬
‫أمثالك وأصحابك‪ ،‬وإن ال عزوجل لم يؤذن أن يخرج سره وغيبه إل إلى‬
‫من يحتمله وهو أهله‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال إني وال لمحتمل من‬
‫أسراركم‪ ،‬ولست بمعاند ول بناصب‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬يا إبراهيم نعم أنت‬
‫كذلك‪ ،‬ولكن علمنا صعب مستصعب ل يحتمله إل ملك مقرب‪ ،‬أو نبي‬
‫مرسل‪ ،‬أو مؤمن امتحن ال قلبه لليمان‪ ،‬وإن التقية من ديننا ودين آبائنا‬
‫ومن ل تقية له فل دين له‪ .‬يا إبراهيم لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلة‬
‫لكنت صادقا‪ ،‬يا إبراهيم إن من حديثنا وسرنا وباطن علمنا ما ل يحتمله‬
‫ملك مقرب‪ ،‬ول نبي مرسل‪ ،‬ول مؤمن ممتحن‪ .‬قلت‪ :‬يا سيدي ومولي‬
‫فمن يحتمله إذا ؟ قال‪ :‬ما شاء ال وشئنا‪ ،‬أل من أذاع سرنا إل إلى أهله‪،‬‬
‫فليس منا ‪ -‬ثلثا ‪ -‬أل من أذاع سرنا أذاقه ال حر الحديد‪ .‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫إبراهيم خذ ما سألتني علما باطنا مخزونا في علم ال تعالى الذي حبا ال‬
‫جل جلله به رسوله صلى ال عليه وآله‪ ،‬وحبابه رسوله وصيه أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم ثم قرء عليه السلم هذه الية " عالم الغيب فل‬
‫يظهر على غيبه أحدا * إل من ارتضى من رسول " )‪ (1‬ويحك يا إبراهيم‬
‫إنك قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولنا أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب وعن زهاد الناصبة وعبادهم‪ ،‬من ههنا قال ال عزوجل " وقد منا‬
‫إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " )‪ (2‬ومن ههنا قال ال‬
‫عزوجل‪ " :‬عاملة‬
‫)‪ (1‬الجن‪ 27 :‬و ‪ (2) .28‬الفرقان‪.21 :‬‬

‫]‪[104‬‬

‫ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية )‪ ." (1‬وهذا الناصب قد جبل‬
‫على بغضنا‪ ،‬ورد فضلنا‪ ،‬ويبطل خلفة أبينا أمير المؤمنين عليه السلم‪،‬‬
‫ويثبت خلفة معاوية وبني امية‪ ،‬ويزعم أنهم خلفاء ال في أرضه‪ ،‬و يزعم‬
‫أن من خرج عليهم وجب عليه القتل‪ ،‬ويروي في ذلك كذبا وزورا‪ ،‬ويروي‬
‫أن الصلة جايزة خلف من غلب‪ ،‬وإن كان خارجيا ظالما‪ ،‬ويروي أن المام‬
‫الحسين بن علي صلوات ال عليهما كان خارجيا خرج على يزيد بن‬
‫معاوية‪ ،‬و يزعم أنه يجب على كل مسلم أن يدفع زكاة ماله إلى السلطان‬
‫وإن كان ظالما‪ .‬يا إبراهيم هذا كله رد على ال تعالى وعلى رسوله صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬سبحان ال قد افتروا على ال الكذب‪ ،‬وتقولوا على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله الباطل‪ ،‬وخالفوا ال و خالفوا رسوله وخلفاءه‪ .‬يا‬
‫إبراهيم لشرحن لك هذا من كتاب ال‪ ،‬الذي ل يستطيعون له إنكارا ول منه‬
‫فرارا‪ ،‬ومن رد حرفا من كتاب ال فقد كفر بال ورسوله‪ .‬فقلت‪ :‬يا ابن‬
‫رسول ال إن الذي سألتك في كتاب ال ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬هذا الذي سألتني في‬
‫أمر شيعة أمير المؤمنين صلوات ال عليه وأمر عدوه الناصب في كتاب‬
‫ال عزوجل‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال هذا بعينه ؟ قال‪ :‬نعم هذا بعينه في‬
‫كتاب ال الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم‬
‫حميد‪ .‬يا إبراهيم اقرأ هذه الية " الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل‬
‫اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الرض )‪" (2‬‬
‫أتدري ما هذه الرض ؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال عليه السلم‪ :‬اعلم أن ال عزوجل‬
‫خلق أرضا طيبة طاهرة‪ ،‬وفجر فيها ماء عذبا زلل‪ ،‬فراتا سائغا‪ ،‬فعرض‬
‫عليها وليتنا أهل البيت فقبلتها‪ ،‬فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام‪ ،‬ثم‬
‫نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا‪ ،‬فجعله‬
‫طين الئمة عليهم السلم ثم أخذ جل جلله ثفل‬

‫)‪ (1‬الغاشية‪ (2) .4 :‬النجم‪.32 :‬‬

‫]‪[105‬‬

‫ذلك الطين‪ ،‬فخلق منه شيعتنا‪ ،‬ومحبونا من فضل طينتنا‪ ،‬فلو ترك يا إبراهيم طينتكم‬
‫كما ترك طينتنا لكنتم أنتم ونحن سواء‪ .‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال ما صنع‬
‫بطينتنا ؟ قال‪ :‬مزج طينتكم ولم يمزج طينتنا قلت‪ :‬يا ابن رسول ال وبما ذا‬
‫مزج طينتنا ؟ قال عليه السلم‪ :‬خلق ال عزوجل أيضا أرضا سبخة خبيثة‬
‫منتنة‪ ،‬وفجر فيها ماء اجاجا مالحا آسنا‪ ،‬ثم عرض عليها جلت عظمته‬
‫ولية أمير المؤمنين عليه السلم فلم تقبلها‪ ،‬وأجرى ذلك الماء عليها‬
‫سبعة أيام‪ ،‬ثم نضب ذلك الماء عنها‪ .‬ثم أخذ من كدورة ذلك الطين المنتن‬
‫الخبيث وخلق منه أئمة الكفر و الطغاة والفجرة‪ ،‬ثم عمد إلى بقية ذلك‬
‫الطين فمزج بطينتكم‪ ،‬ولو ترك طينتهم على حاله ولم يمزج بطينتكم ما‬
‫عملوا أبدا عمل صالحا‪ ،‬ول أدوا أمانة إلى أحد ول شهدوا الشهادتين‪ ،‬ول‬
‫صاموا ول صلوا ول زكوا ول حجوا ول أشبهوكم في الصور أيضا‪ .‬يا‬
‫إبراهيم ليس شئ أعظم على المؤمن أن يرى صورة حسنة في عدو من‬
‫أعداء ال عزوجل‪ ،‬والمؤمن ل يعلم أن تلك الصورة من طين المؤمن‬
‫ومزاجه‪ .‬يا إبراهيم ثم مزج الطينتان بالماء الول والماء الثاني‪ ،‬فما تراه‬
‫من شيعتنا من ربا وزنا ولواطة وخيانة وشرب خمر وترك صلة وصيام‬
‫وزكاة وحج و جهاد‪ ،‬فهي كلها من عدونا الناصب‪ ،‬وسنخه ومزاجه الذي‬
‫مزج بطينته‪ ،‬وما رأيته في هذا العدو الناصب من الزهد والعبادة‬
‫والمواظبة على الصلة وأداء الزكاة و الصوم والحج والجهاد وأعمال البر‬
‫والخير‪ ،‬فذلك كله من طين المؤمن وسنخه ومزاجه‪ .‬فإذا عرض أعمال‬
‫المؤمن وأعمال الناصب على ال‪ ،‬يقول عزوجل‪ :‬أنا عدل ل أجور‪،‬‬
‫ومنصف ل أظلم‪ ،‬وعزتي وجللي وارتفاع مكاني ما أظلم مومنا بذنب‬
‫مرتكب من سنخ الناصب وطينه ومزاجه‪ .‬هذه العمال الصالحة كلها من‬
‫طين المؤمن ومزاجه‪ ،‬والعمال الردية‬

‫]‪[106‬‬

‫التي كانت من المؤمن من طين العدو الناصب‪ ،‬ويلزم ال تعالى كل واحد منهم ما‬
‫هو من أصله وجوهره وطينته‪ ،‬وهو أعلم بعباده من الخلئق كلهم‪ ،‬أفترى‬
‫ههنا ظلما وجورا وعدوانا ؟ ثم قرء عليه السلم " معاذ ال أن نأخذ إل‬
‫من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون )‪ ." (1‬يا إبراهيم إن الشمس إذا‬
‫طلعت فبدا شعاعها في البلدان كلها‪ ،‬أهو بائن من القرصة أم هو متصل‬
‫بها ؟ شعاعها تبلغ في الدنيا في المشرق والمغرب حتى إذا غابت يعود‬
‫الشعاع ويرجع إليها‪ ،‬أليس ذلك كذلك ؟ قلت‪ :‬بلى يا ابن رسول ال قال‪:‬‬
‫فكذلك يرجع كل شئ إلى أصله وجوهره وعنصره‪ .‬فإذا كان يوم القيامة‬
‫ينزع ال تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره‬
‫وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن‪ ،‬وينزع ال من‬
‫المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله‬
‫السيئة الردية‪ ،‬ويرده إلى الناصب عدل منه جل جلله‪ ،‬وتقدست أسماؤه‪،‬‬
‫ويقول للناصب‪ :‬ل ظلم عليك‪ ،‬هذه العمال الخبيثة من طينتك ومزاجك‪،‬‬
‫وأنت أولى بها وهذه العمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه‪ ،‬وهو‬
‫أولى بها ! " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ل ظلم اليوم إن ال سريع‬
‫الحساب )‪ ." (2‬أفترى ههنا ظلما وجورا ؟ قلت‪ :‬ل يا ابن رسول ال‪ ،‬بل‬
‫أرى حكمة بالغة فاضلة‪ ،‬وعدل بينا واضحا‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬أزيدك‬
‫بيانا في هذا المعنى من القرآن ؟ قلت‪ :‬بلى يا بن رسول ال قال‪ :‬أليس ال‬
‫عزوجل يقول‪ " :‬الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين‬
‫والطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " )‬
‫‪ (3‬وقال عزوجل‪ " :‬والذين كفروا إلى جهنم يحشرون * ليميز ال الخبيث‬
‫من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض‬

‫)‪ (1‬يوسف‪ (2) .79 :‬المؤمن‪ (3) .17 :‬النور‪.24 :‬‬

‫]‪[107‬‬

‫فيركمه جميعا فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون "‪ (1) .‬فقلت‪ :‬سبحان ال‬
‫العظيم ما أوضح ذلك لمن فهمه ؟ وما أعمى قلوب هذا الخلق المنكوس‬
‫عن معرفته ؟ فقال عليه السلم‪ :‬يا إبراهيم من هذا قال ال تعالى " إن هم‬
‫إل كالنعام بل هم أضل سبيل " )‪ (2‬ما رضي ال تعالى أن يشبههم‬
‫بالحمير والبقر والكلب والدواب حتى زادهم فقال‪ " :‬بل هم أضل سبيل "‪.‬‬
‫يا إبراهيم قال ال عزوجل ذكره في أعدائنا الناصبة‪ " :‬وقدمنا إلى ما‬
‫عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " )‪ (3‬وقال عزوجل " يحسبون أنهم‬
‫يحسنون صنعا " )‪ (4‬وقال جل جلله " يحسبون أنهم على شئ أل إنهم‬
‫هم الكاذبون " )‪ (5‬وقال عزوجل‪ " :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة‬
‫يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا " )‪ (6‬كذلك الناصب يحسب‬
‫ما قدم من عمله نافعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‪ .‬ثم ضرب مثل آخر "‬
‫أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب‬
‫ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يريها ومن لم يجعل ال له‬
‫نورا فماله من نور "‪ 7) .‬ثم قال عليه السلم يا إبراهيم أزيدك في هذا‬
‫المعنى من القرآن ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬يا بن رسول ال قال عليه السلم‪ :‬قال ال‬
‫تعالى " يبدل ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا‬

‫)‪ (1‬النفال‪ 37 :‬و ‪ (2) 38‬الفرقان‪ (3) .44 :‬الفرقان‪ (4) 21 :‬الكهف‪(5) 105 :‬‬
‫المجادلة‪ (6) 18 :‬النور‪ (7) 40 :‬النور‪41 :‬‬

‫]‪[108‬‬

‫رحيما " )‪ (1‬يبدل ال سيئات شيعتنا حسنات‪ ،‬وحسنات أعدائنا سيئات‪ ،‬يفعل ال ما‬
‫يشاء ويحكم ما يريد‪ ،‬ل معقب لحكمه‪ ،‬ول راد لقضائه‪ ،‬ل يسأل عما يفعل‬
‫وهم يسألون‪ .‬هذا يا إبراهيم من باطن علم ال المكنون‪ ،‬ومن سره‬
‫المخزون‪ ،‬أل أزيدك من هذا الباطن شيئا في الصدور ؟ قلت‪ :‬بلى يا ابن‬
‫رسول ال قال عليه السلم‪ " :‬قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا‬
‫ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ وإنهم لكاذبون *‬
‫وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون‬
‫" )‪ (2‬وال الذي ل إله إل هو فالق الصباح‪ ،‬فاطر السماوات والرض‪،‬‬
‫لقد أخبرتك بالحق‪ ،‬وأنبأتك بالصدق‪ ،‬وال أعلم وأحكم‪ .‬بيان‪ :‬قد مر هذا‬
‫الخبر نقل من العلل )‪ (3‬مع اختلف ما‪ ،‬وزيادة ونقص وهو من غوامض‬
‫السرار‪ .‬وقال بعض المحققين في شرحه‪ :‬جملة القول في بيان السر فيه‬
‫أنه قد تحقق وثبت أن كل من العوالم الثلثة‪ ،‬له مدخل في خلق النسان‪،‬‬
‫وفي طينته ومادته‪ ،‬من كل حظ ونصيب‪ ،‬ولعل " الرض الطيبة " كناية‬
‫عماله في جملة طينته من آثار عالم الملكوت الذي منه الرواح المثالية‪،‬‬
‫والقوى الخيالية الفلكية‪ ،‬المعبر عنهم بالمدبرات أمرا‪ .‬و " الماء العذب "‬
‫عما له في طينته من إفاضات عالم الجبروت‪ ،‬الذي منه الجواهر القدسية‪،‬‬
‫والرواح العالية‪ ،‬المجردة عن الصور‪ ،‬المعبر عنهم بالسابقات سبعا‪ .‬و "‬
‫الرض الخبيثة " عما له في طينته من أجزاء عالم الملك الذي منه البدان‬
‫العنصرية المسخرة تحت الحركات الفلكية‪ ،‬المسخرة لما فوقها‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) 71 :‬العنكبوت‪ 12 :‬و ‪ (3) .13‬راجع علل الشرايع ج ‪.293 :2‬‬

‫]‪[109‬‬

‫و " الماء الجاج المالح السن " عماله في طينته من تهيجات الوهام الباطلة‬
‫والهواء المموهة الردية‪ ،‬الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت‪ ،‬مما ل‬
‫أصل له ول حقيقة‪ .‬ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه‬
‫إفاضة الجبروت من ذلك والثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه‪ ،‬و "‬
‫كدورة الطين المنتن الخبيث " مما غلب عليه طبايع عالم الملك‪ ،‬وما يتبعه‬
‫من الهواء المضلة‪ .‬وإنما لم يذكر نصيب عالم الملك للئمة عليهم السلم‪،‬‬
‫مع أن أبدانهم العنصرية منه‪ ،‬لنهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا ول بهذه الجساد‬
‫تعلق ركون وإخلد‪ ،‬فهم وإن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية‪،‬‬
‫ولكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه‪ .‬قال الصادق عليه السلم في‬
‫حديث حفص بن غياث‪ " :‬يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إل بمنزلة‬
‫الميتة‪ ،‬إذا اضطررت إليها أكلت منها " فل جرم نفضوا أذيالهم منها‬
‫بالكلية‪ ،‬إذا ارتحلوا عنها‪ ،‬ولم يبق معهم منها كدورة‪ ،‬وإنما لم يذكر نصيب‬
‫الناصب وأئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت‪ ،‬مع أن لهم منه حظ الشعور‬
‫والدراك وغير ذلك‪ ،‬لعدم تعلقهم ول ركونهم إليه‪ ،‬ولذا تراهم تشمئز‬
‫نفوسهم من سماع العلم والحكمة ويثقل عليهم‪ ،‬فهم السرار والمعارف‪،‬‬
‫فليس لهم من ذلك العالم إل كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه‬
‫وما دعاء الكافرين إل في ضلل نسوا ال فأنساهم أنفسهم فل جرم ذهب‬
‫عنهم نصيبهم من ذلك العالم‪ ،‬حيث أخلدوا إلى الرض‪ ،‬واتبعوا أهواءهم‪.‬‬
‫فإذا جاء يوم الفصل وميز ال الخبيث من الطيب‪ ،‬ارتقى من غلب عليه‬
‫إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت وأعلى الجنان والتحق بالمقربين‪،‬‬
‫ومن غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت‪ ،‬ومواصلة الحور والولدان‪،‬‬
‫والتحق بأصحاب اليمين‪ ،‬وبقي من غلب عليه الملك في الحسرة والثبور‬
‫والهوان‪ ،‬والتعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه وبين محبوباته‬
‫ومشتهياته‪.‬‬

‫]‪[110‬‬

‫فالشقياء وإن انتقلوا إلى نشأة من جنس نشأة الملكوت‪ ،‬خلقت بتبعيتها بالعرض‪،‬‬
‫إل أنهم يحملون معهم من الدنيا من صور أعمالهم وأخلقهم وعقائدهم‬
‫مما ل يمكن انفكاكهم عنه مما يتأذون به‪ ،‬ويعذبون بمجاورته‪ ،‬من سموم‬
‫وحميم وظل من يحموم‪ ،‬ومن حيات وعقارب وذوات لدغ وسموم‪ ،‬ومن‬
‫ذهب وفضة كنزوها في دار الدنيا ولم ينفقوها في سبيل ال واشرب في‬
‫قلوبهم محبتها‪ ،‬فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم‬
‫لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ومن آلهة يعبدونها من دون ال من حجر‬
‫أو خشب أو حيوان أو غيرها‪ ،‬مما يعتقدون فيه أنه ينفعهم وهو يضرهم‪،‬‬
‫إذ يقال إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم ‪ -‬وبالجملة المرء مع‬
‫من أحب فمحبوب الشقياء لما كان من متاع الدنيا الذي ل حقيقة له ول‬
‫أصل‪ ،‬بل هو متاع الغرور‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة وبرزت وحواق المور‬
‫كسد متاعهم‪ ،‬وصار ل شيئا محضا فيتألمون بذلك‪ ،‬ويتمنون الرجوع إلى‬
‫الدنيا التي هي وطنهم المألوف‪ ،‬لنهم من أهلها ليسوا من أهل النشأة‬
‫الباقية‪ ،‬لنهم رضوا بالحياة الدنيا‪ ،‬واطمأنوا بها‪ ،‬فإذا فارقوها عذبوا‬
‫بفراقها في نار جهنم‪ .‬أعمالهم التي أحاطت بهم‪ ،‬وجميع المعاصي‬
‫والشهوات‪ ،‬يرجع إلى متاع هذه النشأة الدنياوية ومحبتها‪ ،‬فمن كان من‬
‫أهلها عذب بمفارقتها ل محالة‪ ،‬ومن ليس من أهلها وإنما ابتلي بها‪،‬‬
‫وارتكبها مع إيمان منه بقبحها‪ ،‬وخوف من ال سبحانه في إتيانها‪ ،‬فل‬
‫جرم يندم على ارتكابها‪ ،‬إذا رجع إلى عقله‪ ،‬وأناب إلى ربه فيصير ندامته‬
‫عليها‪ ،‬والعتراف بها‪ ،‬وذل مقامه بين يدي ربه حياء منه تعالى سببا‬
‫لتنوير قلبه‪ ،‬وهذا المعنى تبديل سيئاتهم حسنات‪ .‬فالشقياء إنما عذبوا بما‬
‫لم يفعلوا لحنينهم إلى ذلك‪ ،‬وشهوتهم له‪ ،‬وعقد ضمائرهم على فعله دائما‬
‫إن تيسر لهم‪ ،‬لنهم كانوا من أهله ومن جنسه‪ ،‬ولو ردوا لعادوا لما نهوا‬
‫عنه‪ .‬والسعداء إنما لم يخلدوا في العذاب‪ ،‬ولم يشتد عليهم العقاب‪ ،‬بما‬
‫فعلوا من القبائح‪ ،‬لنهم ارتكبوا على كره من عقولهم‪ ،‬وخوف من ربهم‪،‬‬
‫لنهم لم‬

‫]‪[111‬‬

‫يكونوا من أهلها‪ ،‬ول من جنسها‪ ،‬بل اثيبوا بما لم يفعلوا من الخيرات لحنينهم إليه‪،‬‬
‫وعزمهم عليه‪ ،‬وعقد ضمائرهم على فعله‪ ،‬إن تيسر لهم‪ .‬فإنما العمال‬
‫بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما ينوي كل ما ناسب طينته‪ ،‬ويقتضيه‬
‫جبلته‪ ،‬كما قال ال سبحانه‪ " :‬قل كل يعمل على شاكلته " )‪ (1‬ولهذا ورد‬
‫في الحديث‪ :‬إن كل من أهل الجنة والنار‪ ،‬إنما يخلدون فيما يخلدون على‬
‫نياتهم‪ ،‬وإنما يعذب بعض السعداء حين خروجهم من الدنيا بسبب مفارقة‬
‫ما مزج بطينتهم من طينة الشقياء مما أنسوا به قليل‪ ،‬وألفوه بسبب‬
‫ابتلئهم به ما داموا في الدنيا‪ .‬وروى الشيخ الصدوق رحمه ال في‬
‫اعتقاداته مرسل‪ :‬أنه ل يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا‬
‫دخلوها‪ ،‬وإنما يصيبهم آلم عند الخروج منها فيكون تلك اللم جزاء بما‬
‫كسبت أيديهم‪ ،‬وما ال بظلم للعبيد‪ ،‬انتهى‪ .‬واقول‪ :‬بناء هذه التأويلت‬
‫على امور ليست مخالفتها لصول متكلمي المامية أقل من مخالفة ظواهر‬
‫تلك الخبار‪ ،‬وقد تكلمنا في أمثال هذه الروايات في كتاب العدل‪ ،‬وكان ترك‬
‫الخوض فيها وفي أمثالها‪ ،‬ورد علمها مع صحتها إلى من صدرت عنه‬
‫أحوط وأولى‪ ،‬كما قال مولنا أمير المؤمنين صلوات ال عليه وقد سئل عن‬
‫القدر‪ :‬طريق مظلم فل تسلكوه‪ ،‬وبحر عميق فل تلجوه‪ ،‬وسر ال فل‬
‫تتكلفوه‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن محمد بن‬
‫اذينة‪ ،‬عن زرارة أن رجل سأل أبا جعفر عليه السلم عن قوله عزوجل‪" :‬‬
‫وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم‬
‫ألست بربكم قالوا بلى " )‪ (2‬إلى آخر الية فقال وأبوه يسمع عليهما‬
‫السلم‪ :‬حدثني أبي أن ال عزوجل قد قبض قبضة من تراب التربة التي‬
‫خلق ال‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .84 :‬العراف‪.171 :‬‬

‫]‪[112‬‬

‫منها آدم عليه السلم فصب عليها الماء العذب الفرات‪ ،‬ثم تركها أربعين صباحا‪ ،‬ثم‬
‫صب عليها الماء المالح الجاج‪ ،‬فتركها أربعين صباحا‪ ،‬فلما اختمرت‬
‫الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله‪،‬‬
‫وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار‪ ،‬فدخل أصحاب اليمين‪ ،‬فصارت عليهم‬
‫بردا وسلما‪ ،‬وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها )‪ .(1‬بيان‪ :‬ظاهر الحديث‬
‫أن السؤال عن الباقر عليه السلم كان في زمن أبيه عليه السلم و هو‬
‫حاضر‪ ،‬وفيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسين عليه السلم‬
‫فيتحمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل‪ ،‬ولم يكن زرارة حاضرا عند‬
‫السؤال‪ ،‬مع أنه يمكن إدراكه زمان السجاد عليه السلم‪ ،‬وعدم روايته‬
‫عنه‪ ،‬ولذا لم يعد في أصحابه‪ .‬وفي تفسير العياشي )‪ (2‬هكذا‪ :‬عن زرارة‬
‫أن رجل سأل أبا عبد ال عليه السلم إلى آخر الخبر‪ ،‬وهو أصوب‪ " .‬وإذ‬
‫أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " قال البيضاوي‪ :‬أي أخرج من‬
‫أصلبهم نسل على ما يتوالدون قرنا بعد قرن‪ ،‬و " من ظهورهم " بدل‬
‫من بني آدم بدل البعض‪ ،‬وقرء نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب "‬
‫ذرياتهم " و " أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم " أي نصب لهم دلئل‬
‫ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى القرار بها‪ ،‬حتى صاروا بمنزلة‬
‫من قيل‪ " :‬ألست بربكم قالوا بلى " فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم‬
‫منه‪ ،‬منزلة الشهاد والعتراف‪ ،‬على طريقة التمثيل‪ ،‬ويدل عليه قوله "‬
‫قالوا بلى شهدنا "‪ " .‬أن تقولوا يوم القيامة "‪ :‬أي كراهة أن تقولوا " إنا‬
‫كنا عن هذا غافلين " لم نتنبه عليه بدليل " أو تقولوا " عطف على " أن‬
‫تقولوا "‪ " .‬إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " فاقتدينا بهم‪،‬‬
‫لن‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .7‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪.39‬‬

‫]‪[113‬‬

‫التقليد عند قيام الدليل‪ ،‬والتمكن من العلم به‪ ،‬ل يصلح عذرا " أفتهلكنا بما فعل‬
‫المبطلون " يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك‪ ،‬وقيل‪ :‬لما خلق ال‬
‫آدم أخرج من ذريته ذرية كالذر‪ ،‬وأحياهم‪ ،‬وجعل لهم العقل والنطق‪،‬‬
‫وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر )‪ (1‬انتهى‪ .‬وقال بعض المحققين‪ :‬لعل‬
‫معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بألسنة‬
‫قابليات جواهرها‪ ،‬وألسن استعدادات ذواتها‪ ،‬وأن تصديقهم به كان بلسان‬
‫طباع المكان‪ ،‬قبل نصب الدلئل لهم‪ ،‬أو بعد نصب الدلئل أو أنه نزل‬
‫تمكينهم من العلم وتمكنهم منه‪ ،‬بمنزلة الشهاد والعتراف‪ ،‬على طريقة‬
‫التخيل‪ .‬نظير ذلك قوله عزوجل " إنما قولنا لشئ " )‪ (2‬الخ وقوله عز‬
‫وعل " فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " )‪(3‬‬
‫ومعلوم أنه ل قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شئ بحمد ربه‪ ،‬وذلك لنهم‬
‫مفطورون على التوحيد‪ .‬قوله عليه السلم " من تراب التربة " هذا من‬
‫قبيل إضافة الجزء إلى الكل‪ ،‬قوله " من يمينه وشماله " الضميران‬
‫راجعان إلى الملك المأمور بهذا المر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب‪،‬‬
‫فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن والبركة‪ ،‬والشمال للخرى أو‬
‫اليمين لصفة الرحمانية والشمال لصفة القهارية‪ ،‬فالضميران راجعان إلى‬
‫ال تعالى‪ ،‬كما في الدعاء‪ " :‬والخير في يديك‪ :‬أي كلما يصدر منك من‬
‫خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير‪ ،‬ومشتمل على المصالح الجليلة‪- 23 .‬‬
‫كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬راجع الدر المنثور ج ‪ 3‬ص ‪ ،142‬ففيه أحاديث متعددة عن رسول ال " ص‬
‫" بأسانيد مختلفة‪ (2) .‬النحل‪ (3) .40 :‬فصلت‪.11 :‬‬

‫]‪[114‬‬

‫داود العجلي‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن حمران‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال‬
‫تبارك وتعالى حيث خلق الخلق‪ ،‬خلق ماء عذبا‪ ،‬وماء مالحا اجاجا‪،‬‬
‫فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الرض فعركه عركا شديدا‪ ،‬فقال‬
‫لصحاب اليمين‪ ،‬وهم كالذر يدبون‪ :‬إلى الجنة بسلم‪ ،‬وقال لصحاب‬
‫الشمال‪ :‬إلى النار ول ابالي ثم قال‪ :‬ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا‪ ،‬أن‬
‫تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين‪ .‬ثم أخذ الميثاق على النبيين‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪ :‬فثبتت لهم النبوة‪ ،‬وأخذ الميثاق على اولي العزم‪ ،‬أنني ربكم‪،‬‬
‫ومحمد رسولي‪ ،‬وعلي أمير المؤمنين‪ ،‬وأوصياؤه من بعده ولة أمري‪،‬‬
‫وخزان علمي‪ ،‬وأن المهدي أنتصر به لديني‪ ،‬واظهر به دولتي وأنتقم به‬
‫من أعدائي‪ ،‬واعبد به طوعا وكرها‪ ،‬قالوا‪ :‬أقررنا يا رب وشهدنا ولم‬
‫يجحد آدم ولم يقر‪ .‬فثبتت العزيمة لهؤلء الخمسة في المهدي‪ ،‬ولم يكن‬
‫لدم عزم على القرار به‪ ،‬وهو قوله عزوجل " ولقد عهدنا إلى آدم من‬
‫قبل فنسي ولم نجد له عزما " )‪ (1‬قال‪ :‬إنما هو فترك‪ .‬ثم أمر نارا‬
‫فاججت‪ ،‬فقال لصحاب الشمال‪ :‬ادخلوها فهابوها‪ ،‬وقال لصحاب اليمين‪:‬‬
‫ادخلوها فدخلوها‪ ،‬فكانت عليهم بردا وسلما‪ ،‬فقال أصحاب الشمال‪ :‬يا رب‬
‫أقلنا‪ ،‬فقال‪ :‬قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها‪ ،‬فهابوها‪ ،‬فثم ثبتت الطاعة والولية‬
‫والمعصية )‪ .(2‬توضيح‪ :‬قوله عليه السلم " فأخذ طينا "‪ :‬أي مزجه‬
‫بالمائين‪ ،‬ليحصل فيه استعداد الخير والشر‪ " ،‬إلى الجنة "‪ :‬أي امضوا‬
‫إليها سالمين من العذاب والنكال‪ ،‬أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه‬
‫الشياطين ووساوسهم‪ " .‬أن تقولوا " كذا في أكثر النسخ بصيغة الخطاب‪،‬‬
‫كما في القراآت المشهورة‬
‫)‪ (1‬طه‪ (2) .115 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.8‬‬

‫]‪[115‬‬

‫فيكون ذكر تتمة الية استطرادا‪ ،‬والصوب هنا‪ " .‬أن يقولوا " بصيغة الغيبة‬
‫موافقا لقرائة أبي عمرو في الية‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬ثم أخذ " لعل كلمة‬
‫" ثم " هنا للتراخي الرتبي ل الزماني لما بين الميثاقين من التفاوت وإل‬
‫فالظاهر تقدم أخذ الميثاق من النبيين على غيرهم كما أن ميثاق اولي العزم‬
‫مقدم على غيرهم أيضا‪ ،‬واريد باولي العزم‪ :‬نوح وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪،‬‬
‫وعيسى‪ ،‬ومحمد صلوات ال عليهم‪ ،‬ول ينافي دخول القرار بنبوة نبينا‬
‫صلى ال عليه وآله فيما عهد إليهم‪ ،‬دخوله في المعهود إليهم‪ .‬قيل‪ :‬ولما‬
‫كانوا معهودين معلومين‪ ،‬جاز أن يشار إليهم بهؤلء الخمسة مع عدم‬
‫ذكرهم مفصل‪ ،‬وإنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته وشرفه‬
‫لن التكليف إنما يكون بقدر الفهم والستعداد‪ ،‬فكلما زاد زاد‪ ،‬وإنما يعرف‬
‫مراتب الوجود من له حظ منها وبقدر حظه منها‪ ،‬وأما آدم فلما لم يعزم‬
‫على القرار بالمهدي‪ ،‬لم يعد من اولي العزم وإنما عزم على القرار بغيره‬
‫من الوصياء‪ " .‬إنما هو فترك " يعني معنى " فنسي " هنا ليس إل "‬
‫فترك "‪ ،‬ولعل السر في عدم عزمه عليه السلم على القرار بالمهدي‪،‬‬
‫استبعاده أن يكون لهذا النوع النساني اتفاق على أمر واحد انتهى‪ .‬وأقول‪:‬‬
‫الظاهر أن المراد بعدم العزم‪ ،‬عدم الهتمام به وبتذكره‪ ،‬أو عدم التصديق‬
‫اللساني‪ ،‬حيث لم يكن شئ من ذلك واجبا‪ ،‬ل عدم التصديق به مطلقا فإنه‬
‫ل يناسب منصب النبوة‪ ،‬بل ول ما هو أدون منه‪ ،‬وقوله‪ " :‬إنما هو فترك‬
‫" أي معنى النسيان هنا الترك‪ ،‬لن النسيان غير مجوز على النبياء‬
‫عليهم السلم‪ ،‬أو كان في قرا نهم عليهم السلم‪ " :‬ترك " مكان " فنسي‬
‫"‪ .‬أو المعنى أن الزم إنما هو ما ذكر‪ ،‬أي العزم على القرار المذكور فترك‬
‫آدم عليه السلم‪ ،‬أو كان المطلوب القرار التام ولم يأت به‪ ،‬أو عزم أول ثم‬
‫ترك والول كأنه أظهر‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الجيج تلهب النار كالتأجج‪،‬‬
‫وأججتها تأجيجا فتأججت‪.‬‬

‫]‪[116‬‬

‫‪ - 24‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه عن‬
‫الحسن بن محبوب‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن حبيب السجستاني قال‪:‬‬
‫سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول‪ :‬إن ال عزوجل لما أخرج ذرية بني آدم‬
‫من ظهره‪ ،‬ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له‪ ،‬وبالنبوة لكل نبي‪ ،‬فكان أول‬
‫من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته‪ ،‬محمد بن عبد ال صلى ال عليه وآله‪.‬‬
‫ثم قال ال عزوجل لدم‪ :‬انظر ماذا ترى ؟ قال‪ :‬فنظر آدم عليه السلم إلى‬
‫ذريته وهم ذر قد ملؤا السماء‪ ،‬قال آدم عليه السلم‪ :‬يا رب ما أكثر‬
‫ذريتي ؟ ولمر ما خلقتهم ! فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم ؟ قال ال‬
‫عزوجل‪ :‬يعبدونني ول يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم‪ .‬قال‬
‫آدم‪ :‬يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض ؟ وبعضهم له نور‬
‫كثير ؟ وبعضهم له نور قليل ؟ وبعضهم ليس له نور أصل ؟ فقال ال‬
‫عزوجل‪ :‬وكذلك خلقتهم لبلوهم في كل حالتهم‪ .‬قال آدم عليه السلم‪ :‬يا‬
‫رب فتأذن لي في الكلم فأتكلم ؟ قال ال عزوجل‪ :‬تكلم فإن روحك من‬
‫روحي‪ ،‬وطبيعتك خلف كينونتني‪ ،‬قال آدم عليه السلم‪ :‬فلو كنت خلقتهم‬
‫على مثال واحد‪ ،‬وقدر واحد‪ ،‬وطبيعة واحدة‪ ،‬وجبلة واحدة وألوان واحدة‪،‬‬
‫وأعمار واحدة‪ ،‬وأرزاق سواء‪ ،‬لم يبغ بعضهم على بعض ولم يك بينهم‬
‫تحاسد ول تباغض‪ ،‬ول اختلف في شئ من الشياء‪ .‬قال ال عزوجل‪ :‬يا‬
‫آدم بروحي نطقت‪ ،‬وبضعف طبيعتك تكلمت مال علم لك به‪ ،‬وأنا الخالق‬
‫العليم‪ ،‬بعلمي خالفت بين خلقهم‪ .‬وبمشيتي يمضي فيهم أمري‪ ،‬وإلى‬
‫تدبيري وتقديري صائرون‪ ،‬ول تبديل لخلقي‪ ،‬إنما خلقت الجن والنس‬
‫ليعبدوني‪ ،‬وخلقت الجنة لمن عبدني فأطاعني منهم واتبع رسلي‪ ،‬ول‬
‫ابالي‪ ،‬وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني‪ ،‬ولم يتبع رسلي ول ابالي‪.‬‬
‫وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم‪ ،‬وإنما خلقتك وخلقتهم‬
‫لبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عمل في دار الدنيا في حياتكم‪ ،‬وقبل مماتكم‬

‫]‪[117‬‬

‫فلذلك خلقت الدنيا والخرة‪ ،‬والحياة والموت‪ ،‬والطاعة والمعصية‪ ،‬والجنة والنار‪.‬‬
‫وكذلك أردت في تقديري وتدبيري‪ ،‬وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم‬
‫وأجسامهم‪ ،‬وألوانهم وأعمارهم‪ ،‬وأرزاقهم‪ ،‬وطاعتهم ومعصيتهم‪ ،‬فجعلت‬
‫منهم الشقي والسعيد‪ ،‬والبصير والعمى‪ ،‬والقصير والطويل‪ ،‬والجميل‬
‫والدميم‪ ،‬والعالم والجاهل والغني والفقير‪ ،‬والمطيع والعاصي‪ ،‬والصحيح‬
‫والسقيم‪ ،‬ومن به الزمانة‪ ،‬ومن ل عاهة به‪ .‬فينظر الصحيح إلى الذي به‬
‫العاهة‪ ،‬فيحمدني على عافيته‪ ،‬وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح‬
‫فيدعوني ويسألني أن اعافيه‪ ،‬ويصبر على بلئي فاثيبه جزيل عطائي‪،‬‬
‫وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني‪ ،‬وينظر الفقير إلى الغني‬
‫فيدعوني ويسألني‪ ،‬وينظر المؤمن إلى الكافر‪ ،‬فيحمدني على ما هديته‪.‬‬
‫فلذلك )‪ (1‬خلقتهم لبلوهم في السراء والضراء‪ ،‬وفيما اعافيهم‪ ،‬وفيما‬
‫أبتليهم وفيما اعطيهم‪ ،‬وفيما أمنعهم‪ ،‬وأنا ال الملك القادر‪ ،‬ولي أن أمضي‬
‫جميع ما قدرت على ما دبرت‪ ،‬ولي أن اغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت‪،‬‬
‫واقدم من ذلك ما أخرت‪ ،‬واؤخر من ذلك ما قدمت‪ ،‬وأنا ال الفعال لما اريد‪،‬‬
‫ل اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون )‪ .(2‬تبيين‪ :‬قوله "‬
‫فكان " و " ثم قال " و " فنظر " الكل معطوف على أخرج‪ ،‬وقوله‪" :‬‬
‫قال آدم " جواب لما‪ ،‬و " لمر ما " أي لمر عظيم‪ ،‬قوله " يعبدونني "‬
‫أي اريد منهم أن يعبدوني‪ ،‬قوله " ل يشركون بي شيئا " حال أو استيناف‬
‫بياني‪ .‬قوله " وكذلك خلقتهم " في بعض النسخ " لذلك " أي لجل‬
‫الختلف كما قال سبحانه " ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك‬
‫خلقهم " )‪ (3‬على بعض التفاسير‪ ،‬أو لن يعبدوني ول يشركوا بى شيئا‪.‬‬

‫)‪ (1‬فكذلك ظ‪ ،‬وزان قوله فيما سبق وكذلك خلقتهم‪ ،‬وكذلك أردت في تقديري‪(2) .‬‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 10 - 8‬هود‪.118 :‬‬

‫]‪[118‬‬

‫" من روحي " أي من روح اصطفيته واخترته‪ ،‬أو من عالم المجردات‪ ،‬بناء على‬
‫تجرد النفس‪ ،‬قيل‪ :‬الروح الول النفس والثاني جبرئيل‪ ،‬ول يخفى ما فيه‪.‬‬
‫" وطبيعتك " أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها " خلف‬
‫كينونتي " أي وجودي فانها من عالم الماديات‪ ،‬ول تناسب عالم‬
‫المجردات‪ ،‬و الخطاء والوهم ناش منها‪ .‬وقيل‪ :‬الكينونة هنا مصدر كان‬
‫الناقصة‪ ،‬والضافة أيضا للتشريف‪ :‬أي صفاتك البدنية مخالفة للداب‬
‫المرضية لي‪ ،‬ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى‪ " ،‬والجبلة "‬
‫بكسر الجيم والباء وتشديد اللم‪ :‬الخلقة‪ ،‬قوله " وبضعف طبيعتك تكلفت‬
‫ما ل علم لك به " في بعض النسخ‪ :‬وبضعف قوتك تكلمت‪ .‬والحاصل أن‬
‫حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب‪،‬‬
‫إنما نشأ من الوهام التابعة للقوى البدنية‪ ،‬فانهم لو كانوا كذلك‪ ،‬لم يتيسر‬
‫التكليف المعرض لهم لرفع الدرجات‪ ،‬ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا‬
‫الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم‪ ،‬إلى غير ذلك من الحكم والمصالح‪.‬‬
‫" بعلمي خالفت بين خلقهم " إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلحهم‬
‫وبقاء نوعهم‪ " ،‬وبمشيتي " أي إرادتي التابعة لحكمتي‪ " ،‬يمضي فيهم‬
‫أمري " أي المر التكويني أو التكليفي أو العم‪ " ،‬ل تبديل لخلقي "‪ :‬أي‬
‫لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات والستعدادات‪ .‬وقيل‪ :‬أي من‬
‫حسنت أحواله في ذلك الوقت‪ ،‬حسنت أحواله في الدنيا ومن حسنت أحواله‬
‫في الدنيا‪ ،‬حسنت أحواله في الخرة‪ ،‬ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت‬
‫قبحت أحواله في الموطنين الخرين‪ ،‬ل يتبدل هؤلء إلى هؤلء‪ ،‬ول هؤلء‬
‫إلى هؤلء‪ .‬اقول‪ :‬قد مر وسيأتي الكلم في تفسير قوله تعالى‪ " :‬ل تبديل‬
‫لخلق ال " )‪ (1‬وكأن هذا إشارة إليه‪ " .‬وإنما خلقت الجن والنس‬
‫ليعبدوني " إشارة إلى قوله‬

‫)‪ (1‬الروم‪.30 :‬‬


‫]‪[119‬‬

‫تعالى‪ " :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون " )‪ .(1‬واورد على ظاهر الية أن‬
‫بعض الجن والنس ل يعبدون أصل‪ ،‬إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ‬
‫أو نحو ذلك‪ ،‬وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع‪ ،‬واجيب‬
‫بوجوه أربعة‪ :‬الول‪ :‬أنه أراد سبحانه بالجن والنس اللذين بلغوا حد‬
‫التكليف قبل الممات‪ ،‬والتعليل المفهوم من اللم‪ ،‬أعم من العلة الغائية‪ ،‬كما‬
‫روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الول عليه السلم أنه قال‪:‬‬
‫معنى قول النبي صلى ال عليه وآله " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " )‬
‫‪ (2‬أن ال عزوجل خلق الجن والنس ليعبدوه‪ ،‬ولم يخلقهم ليعصوه‪ ،‬وذلك‬
‫قوله عزوجل " وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون " فيسر كل لما خلق‬
‫الجن له‪ .‬فالويل لمن استحب العمى على الهدى‪ .‬الثاني‪ :‬أنه إن سلمنا أن‬
‫المراد بالجن والنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللم للعلية الغائية‪ ،‬ل‬
‫نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله " ليعبدون " إذ لعل المراد عبادة‬
‫بعض الجن والنس‪ .‬الثالث‪ :‬إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا‪ ،‬فل‬
‫نسلم رجوع الضمير إلى الجن والنس‪ ،‬إذ يمكن عوده إلى المؤمنين‬
‫المذكورين قبل هذه الية‪ ،‬في قوله تعالى‪ " :‬فذكر فان الذكرى تنفع‬
‫المؤمنين " فتدل على أن خلق غير المؤمنين لجل المؤمنين‪ ،‬كما يومئ‬
‫إليه قوله تعالى في هذا الخبر‪ " ،‬وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك‬
‫خلقتهم " الخ‪ .‬الرابع‪ :‬لو سلمنا جميع ذلك‪ ،‬نقول‪ :‬ترتب الغاية على فعل‬
‫الحكيم ووجوبه‬

‫)‪ (1‬الذاريات‪ (2) .56 :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله ما منكم من أحد ال وقد‬
‫كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول ال أفل نتكل على‬
‫كتابنا وندع العمل‪ ،‬قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل‬
‫السعادة فسييسر لعمل السعادة‪ ،‬وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر‬
‫لعلم الشقاوة‪ ،‬متفق عليه‪ ،‬كما في مشكاة المصابيح ص ‪.20‬‬

‫]‪[120‬‬

‫إنما هو فيما هو غاية بالذات‪ ،‬والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة‪ ،‬والعبادة‬
‫غاية بالعرض‪ ،‬والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والنس‪ ،‬للروايات الدالة‬
‫على أن الطفال والمجانين يكلفون في القيامة‪ ،‬كما سيأتي في كتاب‬
‫الجنايز‪ .‬قوله " وقبل مماتكم " كأن تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان‬
‫داخل في الحياة‪ ،‬للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة‪،‬‬
‫" لبلوك وأبلوهم " أي لعاملك وإياهم معاملة المختبر‪ " ،‬أيكم أحسن‬
‫عمل " مفعول ثان للبلوى‪ ،‬بتضمين معنى العلم‪ .‬قوله " والطاعة‬
‫والمعصية " إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة أو المراد‬
‫به‪ :‬جعل المعصية معصية والطاعة طاعة‪ ،‬أو المراد بالخلق‪ :‬التقدير على‬
‫عموم المجاز‪ ،‬أو الشتراك‪ ،‬وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان‪ ،‬كما هو‬
‫مذهب أكثر المامية بل كلهم‪ ،‬وأكثر العامة‪ ،‬وقد مر الكلم فيه في كتاب‬
‫المعاد‪ " .‬وبعلمي النافذ فيهم "‪ :‬أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم‬
‫وأعمالهم‪ ،‬كأنه نفذ في أعماقهم‪ ،‬أو الجاري أثره فيهم " فجعلت منهم‬
‫الشقي والسعيد " أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا‪ ،‬أو المادة‬
‫القابلة للشقاوة‪ ،‬وإن لم يكن مجبورا عليها‪ ،‬وكذا السعيد " والبصير " أي‬
‫بصرا أو بصيرة وكذا " العمى "‪ .‬و " الذميم " في أكثر النسخ بالذال‬
‫المعجمة أي المذموم الخلقة‪ ،‬في القاموس ذمه ذما ومذمة فهو مذموم‬
‫وذميم‪ ،‬وبئر ذميم وذميمة‪ :‬قليلة الماء‪ ،‬وغزيرة ضد وبه ذميمة‪ :‬أي‬
‫زمانة تمنعه الخروج وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب‪ (1) .‬وفي‬
‫بعض النسخ بالدال المهملة‪ ،‬في القاموس‪ (2) :‬والدمة بالكسر‪ :‬الرجل‬
‫القصير الحقير وأدم‪ :‬أقبح‪ ،‬أو ولد له ولد قبيح دميم‪ ،‬وقال‪ :‬الزمانة‪:‬‬
‫العاهة وقوله " لبلوهم " بدل لقوله‪ " :‬لذلك خلقتهم " قوله " ولي أن‬
‫اغير " إشارة إلى أن‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪ 115‬و ‪ (2) .116‬القاموس‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.113‬‬

‫]‪[121‬‬

‫الطينات المختلفة‪ ،‬والخلق منها‪ ،‬وتقدير المور المذكورة فيهم‪ ،‬ليس مما ينفي‬
‫اختيار الخير والشر‪ ،‬أو من المور الحتمية التي ل تقبل البداء‪ " .‬ل اسأل‬
‫عما أفعل " إنما ل يسأل لنه سبحانه الكامل بالذات‪ ،‬العادل في كل ما أراد‪،‬‬
‫العالم بالحكم والمصالح الخفية التي ل تصل إليها عقول الخلق بخلف‬
‫غيره فانهم مسؤلون عن أعمالهم وأحوالهم‪ ،‬لن فيها الحسن والقبيح‬
‫واليمان والكفر‪ ،‬ل بالمعنى الذي تذهب إليه الشاعرة أنه يجوز أن يدخل‬
‫النبياء عليهم السلم النار‪ .‬والكافر الجنة‪ ،‬ول يجب عليه شئ‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق‪ ،‬وجواز تخلف المعلول عن العلة‬
‫التامة‪ ،‬كما اختاره هذا القائل‪ .‬وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا‬
‫الخبر‪ :‬إنما ملؤا السماء لن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملؤها‪،‬‬
‫وكانوا يومئذ ملكوتيين‪ ،‬والسر في تفاوت الخلئق في الخيرات والشرور‪،‬‬
‫واختلفهم في السعادة والشقاوة‪ ،‬اختلف استعداداتهم وتنوع حقائقهم‪،‬‬
‫لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة‪ ،‬واختلف أمزجتهم في القرب‬
‫والبعد من العتدال الحقيقي‪ ،‬واختلف الرواح التي بازائها في الصفاء‬
‫والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من ال سبحانه‬
‫والبعد عنه كما اشير إليه في الحديث‪ (1) :‬الناس معادن كمعادن الذهب و‬
‫الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في السلم‪ ،‬وأما أسر هذا السر أعني‬
‫سر اختلف الستعدادات وتنوع الحقائق‪ ،‬فهو تقابل صفات ال سبحانه‬
‫وأسمائه الحسنى‪ ،‬التي هي من أوصاف الكمال‪ ،‬ونعوت الجلل وضرورة‬
‫تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك السماء‪ ،‬فكل من السماء يوجب‬
‫تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه‪ ،‬من حيث اتصافه‬
‫بتلك الصفة‪ ،‬فلبد من‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ 177‬ولفظه‪ :‬الناس معادن كمعادن الذهب‬
‫والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في السلم أصل‪ ،‬ورواه‬
‫السيوطي في الجامع الصغير ولفظه كما في المتن وبعده‪ " :‬إذا تفقهوا‬
‫"‪.‬‬

‫]‪[122‬‬

‫إيجاد المخلوقات كلها على اختلفها‪ ،‬وتباين أنواعها لتكون مظاهر لسمائه‬
‫الحسنى جميعا‪ ،‬ومجالي لصفاته العليا قاطبة‪ ،‬كما اشير إلى لمعة منه في‬
‫هذا الحديث انتهى‪ .‬اقول‪ :‬هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية‪ ،‬إنما‬
‫نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم‪ - 25 .‬كا‪ :‬عن أحمد‬
‫بن محمد‪ ،‬عن محمد بن خالد‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن عبد ال ابن سنان‬
‫قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬جعلت فداك إني لرى بعض أصحابنا‬
‫يعتريه النزق والحدة والطيش‪ .‬فأغتم لذلك غما شديدا‪ ،‬وأرى من خالفنا‬
‫فأراه حسن السمت‪ ،‬قال‪ :‬ل تقل حسن السمت‪ ،‬فان السمت سمت الطريق‪،‬‬
‫ولكن قل‪ :‬حسن السيماء‪ ،‬فان ال عزوجل يقول‪ " :‬سيماهم في وجوههم‬
‫" )‪ (1‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فأراه حسن السيماء‪ ،‬له وقار‪ ،‬فأغتم لذلك‪ ،‬قال‪ :‬ل تغتم‬
‫لما رأيت من نزق أصحابك‪ ،‬ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك‪ ،‬إن ال‬
‫تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم‪ ،‬خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين‪،‬‬
‫فقال لصحاب اليمين‪ :‬كونوا خلقا بإذني‪ ،‬فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى‪،‬‬
‫وقال لصحاب الشمال‪ :‬كونوا خلقا باذني‪ ،‬فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج‪.‬‬
‫ثم رفع لهم نارا فقال )‪ :(2‬ادخلوها بإذني‪ ،‬فكان أول من دخلها محمد صلى‬
‫ال عليه وآله ثم اتبعه اولو العزم من الرسل‪ .‬وأوصياؤهم وأتباعهم‪ ،‬ثم‬
‫قال لصحاب الشمال‪ :‬ادخلوها باذني‪ ،‬فقالوا‪ :‬ربنا خلقتنا لتحرقنا ؟‬
‫فعصوا‪ ،‬فقال لصحاب اليمين‪ :‬اخرجوا بإذني من النار‪ ،‬فخرجوا لم تكلم‬
‫منهم النار كلما‪ ،‬ولم تؤثر فيهم أثرا‪ .‬فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا‪ :‬ربنا‬
‫نرى أصحابنا قد سلموا‪ ،‬فأقلنا ومرنا بالدخول‪ ،‬قال‪ :‬قد أقلتكم فادخلوها‪،‬‬
‫فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا ل صبر لنا على الحتراق‪،‬‬
‫فعصوا فأمرهم بالدخول ثلثا‪ ،‬كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر اولئك ثلثا‬
‫كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم‪ :‬كونوا طينا باذني‪ ،‬فخلق منه آدم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتح ‪ (2) .29‬فقال لصحاب اليمين ظ‪.‬‬

‫]‪[123‬‬

‫قال‪ :‬فمن كان من هؤلء‪ ،‬ل يكون من هؤلء‪ ،‬ومن كان من هؤلء ل يكون من‬
‫هؤلء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم‪ ،‬فمما اصاب من لطخ أصحاب‬
‫الشمال‪ ،‬وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من‬
‫لطخ أصحاب اليمين )‪ .(1‬توضيح‪ :‬يقال‪ :‬عراه واعتراه‪ :‬أي غشيه وأتاه‪،‬‬
‫و " النزق " بالفتح و التحريك‪ :‬الخفة عند الغضب‪ ،‬والحدة والطيش‬
‫قريبان منه‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬السمت‪ :‬الطريق‪ ،‬وسمت يسمت بالضم أي‬
‫قصد‪ ،‬والسمت هيئة أهل الخير‪ ،‬يقال‪ :‬ما أحسن سمته أي هديه‪(2) ،‬‬
‫وقال‪ :‬السيما مقصور من الواو‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬سيماهم في وجوههم " وقد‬
‫يجئ السيماء والسيمياء ممدودين )‪ .(3‬وقال الفيروز آبادي‪ :‬السمت‪:‬‬
‫الطريق وهيئة أهل الخير والسير على الطريق بالظن‪ ،‬وحسن النحو‪،‬‬
‫وقصد الشئ )‪ ،(4‬وقال‪ :‬السيمة والسيماء والسيمياء بكسرهن‪ :‬العلمة )‬
‫‪ .(5‬وقال الجزري‪ :‬السمت‪ :‬الهيئة الحسنة‪ ،‬ومنه فينظرون إلى سمته‬
‫وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين‪ ،‬وليس من الحسن والجمال‪،‬‬
‫وقيل هو من السمت الطريق‪ ،‬يقال‪ :‬الزم هذا السمت وفلن حسن السمت‪:‬‬
‫أي حسن القصد‪ .‬وقال الزمخشري‪ :‬السمت أخذ النهج ولزوم المحجة‪،‬‬
‫يقال‪ :‬ما أحسن سمته‪ :‬أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي‬
‫بزي الصالحين‪ .‬وفي المصباح‪ :‬السمت‪ :‬الطريق والقصد والسكينة‬
‫والوقار والهيئة انتهى‪ .‬ولعل منعه عليه السلم عن إطلق السمت لن‬
‫السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن‪ ،‬فعبر‬
‫عليه السلم بعبارة اخرى ل يوهم ذلك‪ ،‬أو لما‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .11‬الصحاح ص ‪ (3) .254‬الصحاح‪(4) .1956 :‬‬


‫القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (5) 150‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪133‬‬

‫]‪[124‬‬

‫لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا‪ ،‬أمر بعبارة اخرى أفصح منه‪ ،‬أو أنه‬
‫عليه السلم علم أنه أراد بالسمت السيماء لهيئة أهل الخير والطريقة‬
‫الحسنة‪ ،‬و الفعال المحمودة‪ ،‬فلدا نبهه عليه السلم بأن السمت لم يأت‬
‫بالمعنى الذي أردت‪ ،‬و هذا قريب من الول‪ .‬والوقار‪ :‬الطمينان والسكينة‬
‫البدنية‪ " ،‬لصحاب اليمين " أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره‬
‫بتفريقها‪ ،‬أو للذين كانوا في يمين العرش‪ ،‬أو للذين علم أنهم سيصيرون‬
‫من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش‪ " .‬كونوا خلقا "‬
‫أي مخلوقين ذوي أرواح‪ ،‬وقيل‪ :‬أي كونوا أرواحا " بمنزلة الذر " أي‬
‫النمل الصغار‪ " ،‬يسعى " وإطلق السعي هنا‪ ،‬والدرج فيما سيأتي‪ ،‬إما‬
‫لمحض التفنن في العبارة‪ ،‬أو المراد بالسعي سرعة السير‪ ،‬وبالدرج‬
‫المشي الضعيف‪ ،‬كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه‪ ،‬فيكون إشارة‬
‫إلى مسارعة الولين إلى الخيرات وبطء الخرين عنها وقيل‪ :‬المراد سعي‬
‫الولين إلى العلو‪ ،‬والخرين إلى السفل‪ .‬ول دللة في اللفظ عليهما‪ " .‬ثم‬
‫اتبعه اولو العزم "‪ :‬أي سائرهم عليهم السلم‪ ،‬و " الكلم " الجرح‪،‬‬
‫والفعل كضرب‪ ،‬وقد يبنى على التفعيل‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬وهج النار تهج‬
‫وهجا ووهجانا‪ :‬اتقدت‪ ،‬والسم الوهج محركة‪ .‬واقول‪ :‬يمكن أن يقال في‬
‫تأويل هذا الخبر‪ :‬إنه لما كان من علم ال منهم السعادة تابعين للعقل‬
‫ولمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم‪ ،‬ومن علم ال منهم الشقاوة‪،‬‬
‫تابعين للشهوات البدنية‪ ،‬ودواعي النفس المارة فكأنها طينتهم ولما مزج‬
‫ال بينهما في عالم الشهود‪ ،‬جري في غالب الناس الطاعة والمعصية‬
‫والصفات القدسية والملكات الردية‪ ،‬فما كان من الخيرات فهو من جهة‬
‫العقل والنفس‪ ،‬وهما طينة أصحاب اليمين‪ ،‬وإن كان في أصحاب الشمال‪،‬‬
‫وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الجزاء البدنية التي هي طينة‬
‫أصحاب الشمال‪ ،‬وإن كان في أصحاب اليمين‪.‬‬

‫]‪[125‬‬

‫ويمكن أيضا أن يقال‪ :‬المعنى أن ال تعالى قرر في خلقة آدم عليه السلم وطينته‬
‫دواعي الخير والشر‪ ،‬وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والشقياء‪ ،‬وخلق‬
‫آدم عليه السلم مع علمه بذلك‪ ،‬فكأنه خلط بين الطينتين‪ ،‬ولما كان أولد‬
‫آدم مدنيين بالطبع‪ ،‬لبد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة‪،‬‬
‫فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الشقياء وبالعكس‪ ،‬فلعل‬
‫قوله " من لطخ أصحاب الشمال " و " من لطخ أصحاب اليمين " إشارة‬
‫إلى هذا المعنى‪ .‬ولما كان السبب القوى في اكتساب السعداء صفات‬
‫الشقياء استيلء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم‪ ،‬وعلم‬
‫ال أن المؤمنين إنما يرتكبون الثام‪ ،‬لستيلء أهل الباطل عليهم‪ ،‬وعدم‬
‫تولي أئمة الحق لسياستهم‪ ،‬فيعذرهم بذلك ويعفو عنهم‪ ،‬ويعذب أئمة‬
‫الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم‪ ،‬مع ما يستحقون من جرائم‬
‫أنفسهم‪ ،‬وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في الخبار التية إنشاء ال تعالى‪26 .‬‬
‫‪ -‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل بن عمر‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمن من نور عظمته‪،‬‬
‫وجلل كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على ال في‬
‫عرشه‪ ،‬وليس هو من ال في ولية وإنما هو شرك شيطان )‪ .(1‬بيان‪" :‬‬
‫وليس هو من ال في ولية "‪ :‬أي ليس من أولياء ال وأحبائه وأنصاره‬
‫أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم ال ويواليهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬ذلك‬
‫بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم )‪ " (2‬أو ليس من‬
‫حزب ال‪ ،‬بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر‪ :‬خرج من ولية‬
‫ال إلى ولية الشيطان‪ - 27 .‬رياض الجنان‪ :‬لفضل ال بن محمد الفارسي‬
‫باسناده عن بشر بن أبي عتبة‪ ،‬عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم‬
‫قال‪ :‬إن ال خلق محمدا من طينة من‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) 132 :‬القتال ‪.11‬‬

‫]‪[126‬‬

‫جوهرة من تحت العرش وإنه كان لطينته نضج‪ ،‬فجعل طينة أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم من نضج طينة رسول ال صلى ال عليه وآله وكان لطينة أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم نضج‪ ،‬فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين‪.‬‬
‫وكانت لطينتنا نضج ؟ جعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا‪ ،‬فقلوبهم تحن‬
‫إلينا وقلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد‪ ،‬ونحن لهم خير منهم‬
‫لنا‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وآله لنا خير ونحن له خير‪ - 28 .‬ومنه‪:‬‬
‫بإسناده عن أبي الحجاج قال‪ :‬قال لي أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا أبا الحجاج‬
‫إن ال خلق محمدا وآل محمد صلى ال عليهم من طين عليين‪ ،‬وخلق‬
‫قلوبهم )‪ (1‬من طين عليين‪ ،‬فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬وإن ال تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين‪ ،‬وخلق‬
‫قلوبهم أخبث من ذلك‪ ،‬وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين‪ ،‬فقلوبهم‬
‫من أبدان اولئك‪ ،‬وكل قلب يحن إلى بدنه‪ - 29 .‬بشا‪ :‬عن ابن الشيخ عن‬
‫والده‪ ،‬عن المفيد‪ ،‬عن الجعابي‪ ،‬عن جعفر بن محمد الحسيني‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن عبد المنعم‪ ،‬عن عبد ال بن محمد الفزاري‪ ،‬عن جعفر بن محمد عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جابر النصاري وبالسناد عن أحمد بن عبد المنعم‪ .‬عن عمرو‬
‫بن شمر عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم عن جابر قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله لعلي بن أبي ‪ -‬طالب عليه السلم‪ :‬أل ابشرك أل‬
‫أمنحك ؟ قال‪ :‬بلى يا رسول ال قال‪ :‬فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة‪،‬‬
‫ففضلت منها فضلة‪ ،‬فخلق منها شيعتنا‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة دعي الناس‬
‫بامهاتهم إل شيعتك‪ ،‬فانهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم )‪- 30 .(2‬‬
‫بشا‪ :‬عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن‪ ،‬عن أبي منصور محمد بن‬
‫محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل‪ ،‬عن أبي عمير السماك‪ ،‬عن محمد‬
‫بن أحمد المهدي‪ ،‬عن عمر بن الخطاب السجستاني‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫العباس الحمصي‪ ،‬عن أبي زياد‬

‫)‪ (1‬كأنه يعنى قلوب شيعتهم‪ (2) .‬بشارة المصطفى ص ‪ 115‬و ‪.17‬‬

‫]‪[127‬‬

‫عن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول لعلي عليه السلم‪:‬‬
‫أل ابشرك يا علي ؟ قال‪ :‬بلى بأبي وامي يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬أنا وأنت‬
‫وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة‪ ،‬وفضلت منها فضلة‬
‫فجعل )‪ (1‬منها شيعتنا ومحبينا‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء‬
‫امهاتهم‪ ،‬ما خل نحن وشيعتنا ومحبينا‪ ،‬فانهم يدعون بأسمائهم وأسماء‬
‫آبائهم )‪ - 31 .(2‬بشا‪ :‬عن ابن شيخ الطائفة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن المفيد‪ ،‬عن‬
‫المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى الهاشمي‪ ،‬عن محمد بن عبد ال الزراري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن أبي زكريا الموصلي‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن جده عليهم السلم أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال لعلي‪ :‬أنت‬
‫الذي احتج ال بك في ابتداء الخلق‪ ،‬حيث أقامهم أشباحا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ألست‬
‫بربكم ؟ قالوا‪ :‬بلى قال‪ :‬ومحمد رسولي ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬وعلي أمير‬
‫المؤمنين ؟ فأبى الخلق جميعا إل استكبارا وعتوا عن وليتك‪ ،‬إل نفر قليل‪،‬‬
‫وهم أقل القليل‪ ،‬وهم أصحاب اليمين )‪ - 32 .(3‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‬
‫وغيره عن أحمد بن محمد وغيره‪ ،‬عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي قال‪ :‬سمعت أبا جعفر‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬إن ال عزوجل خلقنا من أعلى عليين‪ ،‬وخلق قلوب‬
‫شيعتنا مما خلقنا منه‪ ،‬وخلق أبدانهم من دون ذلك‪ ،‬وقلوبهم تهوي إلينا‬
‫لنها خلقت مما خلقنا‪ ،‬ثم تل هذه الية " كل إن كتاب البرار لفي عليين *‬
‫وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم يشهده المقربون )‪ ." (4‬وخلق عدونا‬
‫من سجين‪ ،‬وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه‪ ،‬وأبدانهم‬

‫)‪ (1‬فخلق خ ل‪ (2) .‬بشارة المصطفى ‪ (3) .24‬بشارة المصطفى‪(4) .144 :‬‬
‫المطففين‪.21 - 18 :‬‬

‫]‪[128‬‬
‫من دون ذلك‪ ،‬فقلوبهم تهوي إليهم‪ ،‬لنها خلقت مما خلقوا منه‪ ،‬ثم تل هذه الية "‬
‫كل إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * )‬
‫‪] (1‬ويل يومئذ للمكذبين "[‪ (2) .‬بيان‪ :‬قد مر الخبر وشرحه في باب خلق‬
‫أبدان الئمة عليهم السلم )‪ .(3‬وقال بعض أرباب التأويل‪ :‬كل ما يدركه‬
‫النسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه‪ ،‬ويجتمع في صحيفة ذاته‬
‫وخزانة مدركاته‪ ،‬وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره‬
‫مكتوبا ثمة‪ ،‬وسيما ما رسخت بسبب الهيئات وتأكدت به الصفات‪ ،‬وصار‬
‫خلقا وملكة‪ .‬فالفاعيل المتكررة‪ ،‬والعقائد الراسخة في النفوس‪ ،‬وهي‬
‫بمنزلة النقوش الكتابية في اللواح‪ ،‬كما قال ال تعالى " اولئك كتب في‬
‫قلوبهم اليمان " )‪ (4‬وهذه اللواح النفيسة يقال لها‪ :‬صحائف العمال‪،‬‬
‫وإليه الشارة بقوله سبحانه " وإذا الصحف نشرت " )‪ (5‬وقوله عزوجل‬
‫" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه‬
‫منشورا " )‪ (6‬فيقال له‪ " :‬قد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك‬
‫فبصرك اليوم حديد " )‪ " (7‬هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ‬
‫ما كنتم تعملون "‪ (8) .‬فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين‪ ،‬وكانت‬
‫معلوماته امورا قدسية وأخلقه زكية‪ ،‬وأعماله صالحة‪ " ،‬فقد اوتي كتابه‬
‫بيمينه " )‪ (9‬أعني من الجانب‬

‫)‪ (1‬المطففين‪ (2) .10 - 7 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .4‬كتاب المامة المجلد السابع )‬
‫‪ (4‬المجادلة‪ (5) .22 :‬كورت ‪ (6) .10‬أسرى‪ (7) .13 :‬ق‪(8) .22 :‬‬
‫الجاثية‪ (9) .28 :‬أسرى‪ - 71 :‬الحاقة‪(*) .19 :‬‬

‫]‪[129‬‬

‫القوى الروحاني‪ ،‬وهو جهة عليين‪ ،‬وذلك لن كتابه من جنس اللواح العالية‬
‫والصحف المكرمة‪ ،‬المرفوعة المطهرة‪ ،‬بأيدي سفرة‪ ،‬كرام بررة )‪(1‬‬
‫يشهده المقربون‪ .‬ومن كان من الشقياء المردودين‪ ،‬وكانت معلوماته‬
‫مقصورة على الجرميات وأخلقه سيئة‪ ،‬وأعماله خبيثة‪ ،‬فقد اوتي كتابه‬
‫بشماله‪ ،‬أعني من جانبه الضعف الجسماني‪ ،‬وهو جهة سجين‪ ،‬وذلك لن‬
‫كتابه من جنس الوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للحتراق‪ ،‬فل‬
‫جرم يعذب بالنار‪ .‬وإنما عود الرواح إلى ما خلقت منه‪ ،‬كما قال سبحانه "‬
‫كما بدأكم تعودون " )‪ " (2‬كما بدأنا أول خلق نعيده " )‪ (3‬فما خلق من‬
‫عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين‪ ،‬فكتابه في سجين انتهى‪.‬‬
‫وسياق تلك التحقيقات على مذاقه من اصول الدين‪ ،‬ولما لم يصرح بنفي ما‬
‫حققه جماهير المامية من أصحاب اليقين‪ ،‬ل أدري أنها ثبتت له في عليين‬
‫أو سجين‪ ،‬وفقنا ال لسلوك مسالك المتقين‪ - 33 .‬بشا‪ :‬عن ابن الشيخ‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن محمد بن خالد‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي ‪ -‬جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إنا وشيعتنا خلقنا من طينة عليين‪ ،‬وخلق ال عدونا من طينة‬
‫خبال من حماء مسنون )‪ .(4‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬فيه من شرب الخمر‬
‫سقاه ال من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال‬
‫عصارة أهل النار‪ ،‬والخبال في الصل الفساد ويكون من الفعال والبدان‬
‫والعقول‪.‬‬

‫)‪ (1‬اقتباس من قوله تعالى في عبس‪ (2) .16 - 13 :‬العراف‪ (3) 29 :‬النبياء‪:‬‬
‫‪ (4) 104‬بشارة المصطفى‪.105 :‬‬

‫]‪[130‬‬

‫‪) * - 4‬باب( * * " )فطرة ال سبحانه وصبغته( " * * )اليات( * البقرة‪ :‬صبغة‬
‫ال ومن أحسن من ال صبغة ونحن له عابدون‪ (1) .‬الروم‪ :‬فأقم وجهك‬
‫للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين‬
‫القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون )‪) * (2‬تفسير( * صبغة ال‪ ،‬قال‬
‫البيضاوي‪ :‬أي صبغنا ال صبغته‪ ،‬وهي فطرة ال التي فطر الناس عليها‪،‬‬
‫فانها حلية النسان‪ ،‬كما أن الصبغة حلية المصبوغ‪ ،‬أو هدانا هدايته‬
‫وأرشدنا حجته‪ ،‬أو طهر قلوبنا باليمان تطهيره‪ ،‬وسماه صبغة لنه ظهر‬
‫أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ‪ ،‬وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ‬
‫الثوب‪ .‬أو للمشاكلة فان النصارى كانوا يغمسون أولدهم في ماء أصفر‪،‬‬
‫يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم‪ ،‬وبه تحقق نصرانيتهم‪،‬‬
‫ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله " آمنا " وقيل‪ :‬على الغراء‪ ،‬وقيل‬
‫على البدل من ملة إبراهيم‪ " .‬ومن أحسن من ال صبغة " ل صبغة أحسن‬
‫من صبغته‪ " ،‬ونحن له عابدون " تعريض بهم أي ل نشرك به كشرككم‪.‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) 138 :‬الروم‪.30 :‬‬

‫]‪[131‬‬

‫وأقول‪ :‬قد مضى تفسير الية الثانية في باب فضل اليمان )‪ - 1 .(1‬كا‪ :‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه ومحمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد جميعا‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬
‫عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال عزوجل‬
‫" صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " )‪ (2‬قال‪ :‬السلم‪ ،‬وقال في قوله‬
‫عزوجل‪ " :‬فقد استمسك بالعروة الوثقى " )‪ (3‬قال‪ :‬هي اليمان بال‬
‫وحده ل شريك له )‪ .(4‬بيان‪ :‬قيل‪ :‬على هذه الخبار يحتمل أن تكون "‬
‫صبغة " منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك " ل‬
‫نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " )‪ (5‬ثم يحتمل أن يكون معناها‬
‫وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين ‍ب " قولوا " في صدر‬
‫اليات حيث قال‪ " :‬قولوا آمنا بال وما انزل إلينا " )‪ (6‬دون سائر أفراد‬
‫بني آدم‪ .‬بل يتعين هذا المعنى إن فسر السلم بالخضوع والنقياد للوامر‬
‫والنواهي كما فعلوه‪ ،‬وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه‬
‫التعميم في فطرة ال كما سيأتي إنشاء ال‪ .‬وقيل‪ :‬صبغة ال إبداع‬
‫الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من‬
‫الصفات والغايات وغيرهما‪ .‬قوله‪ " :‬فقد استمسك " قال تعالى‪ " :‬فمن‬
‫يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها "‬
‫وفسر الطاغوت في الخبار بالشيطان وبأئمة الضلل‪ ،‬والولى التعميم‬
‫ليشمل كل من عبد من دون ال من صنم أو صاد عن سبيل ال‪ ،‬و " يؤمن‬
‫بال " بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم‪ " .‬فقد استمسك بالعروة‬
‫الوثقى "‪ :‬أي طلب المساك من نفسه بالحبل الوثيق‬

‫)‪ (1‬راجع ص ‪ 43‬و ‪ 44‬فيما سبق )‪ (2‬البقرة‪ (3) .138 :‬البقرة‪(4) .256 :‬‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 5) .14‬و ‪ (6‬البقرة‪.136 :‬‬

‫]‪[132‬‬

‫وهي مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحيح‪ ،‬والدين القويم‪ " ،‬ل انفصام لها "‬
‫أي ل انقطاع لها‪ ،‬وما ورد في الخبر من تفسيره باليمان‪ ،‬كأن المراد به‬
‫أنه تعالى شبه اليمان الكامل بالعروة الوثقى‪ .‬وعلى ما ورد في كثير من‬
‫الخبار من أن المراد بالطاغوت‪ :‬الغاصبون للخلفة فالمعنى من رفض‬
‫متابعة أئمة الضلل‪ ،‬وآمن بما جاء من عند ال في علي والوصياء من‬
‫بعده عليهم السلم فقد آمن بال وحده ل شريك له‪ ،‬وإل فهو مشرك‪ ،‬كما‬
‫روي في معاني الخبار )‪ (1‬عن النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬من أحب أن‬
‫يستمسك بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها فليستمسك بولية أخي‬
‫ووصيي علي بن أبي طالب فانه ل يهلك من أحبه وتوله‪ ،‬ول ينجو من‬
‫أبغضه وعاداه‪ ،‬وعن الباقر عليه السلم‪ :‬أن العروة الوثقى هي مودتنا أهل‬
‫البيت‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن داود بن سرحان‪،‬‬
‫عن عبد ال بن فرقد‪ ،‬عن حمران‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في قول‬
‫ال عزوجل‪ " :‬صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " قال‪ :‬الصبغة هي‬
‫السلم )‪ - 3 .(2‬يد‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد‬
‫بن سنان‪ ،‬عن العل ابن الفضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته‬
‫عن قول ال عزوجل " فطرة ال التي فطر الناس عليها " قال‪ :‬على‬
‫التوحيد‪ - 4 (3) .‬ير‪ :‬عن أحمد بن موسى‪ ،‬عن الحسن بن موسى‬
‫الخشاب‪ ،‬عن علي بن حسان‪ ،‬عن عبد الرحمان بن كثير‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم في قوله‪ " :‬فطرة ال التي فطر الناس عليها " )‪ (4‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬على التوحيد ومحمد رسول ال صلى ال عليه وآله وعلي أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .368 :‬الكافي ج ‪ (3) .14 :2‬كتاب التوحيد‪(4) 341 :‬‬
‫الروم‪ (5) .30 :‬بصائر الدرجات‪78 :‬‬

‫]‪[133‬‬

‫بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬فيه كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬الفطر‪ :‬البتداء والختراع‪،‬‬
‫والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة‪ ،‬والمعنى أنه يولد على نوع من‬
‫الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين‪ ،‬فلو ترك عليها لستمر على لزومها‪،‬‬
‫ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لفة من آفات البشر‬
‫والتقليد‪ ،‬ثم تمثل بأولد اليهود والنصارى في اتباعهم لبائهم‪ ،‬والميل إلى‬
‫أديانهم‪ ،‬عن مقتضى الفطرة السليمة‪ .‬وقيل‪ :‬معناه كل مولود يولد على‬
‫معرفة ال والقرار به‪ ،‬فل تجد أحدا إل وهو يقر بأن ال صانعه‪ ،‬وإن‬
‫سماه بغير اسمه‪ ،‬أو عبد معه غيره‪ ،‬ومنه حديث حذيفة " على غير فطرة‬
‫محمد " أراد دين السلم الذي هو منسوب إليه انتهى‪ .‬وقيل‪ :‬الفطرة‬
‫بالكسر مصدر للنوع من اليجاد‪ ،‬وهو إيجاد النسان على نوع مخصوص‬
‫من الكمال‪ ،‬وهو التوحيد ومعرفة الربوبية‪ ،‬مأخوذا عليهم ميثاق العبودية‪،‬‬
‫والستقامة على سنن العدل‪ .‬وقال بعض العامة‪ :‬الفطرة ما سبق من سعادة‬
‫أو شقاوة‪ ،‬فمن علم ال سعادته ولد على فطرة السلم‪ ،‬ومن علم شقاوته‪،‬‬
‫ولد على فطرة الكفر‪ ،‬تعلق بقوله تعالى " ل تبديل لخلق ال " )‪(1‬‬
‫وبحديث الغلم الذي قتله الخضر عليه السلم‪ ،‬طبع يوم طبع كافرا‪ ،‬فانه‬
‫يمنع من كون تولده على فطرة السلم‪ .‬واجيب عن الول بأن معنى ل‬
‫تبديل ل تغيير‪ ،‬يعني ل يكون بعضهم على فطرة الكفر‪ ،‬وبعضهم على فطرة‬
‫السلم‪ ،‬ويؤيده قوله صلى ال عليه وآله " كل مولود يولد على الفطرة‪،‬‬
‫فأبواه يهودانه وينصرانه " فان المراد بهذه الفطرة فطرة السلم‪ .‬وعن‬
‫الثاني‪ :‬بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت‪ ،‬وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة‬
‫التي ولد عليها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬المراد بالفطرة‪ :‬كونه خلقا قابل للهداية‪،‬‬
‫ومتهيئا لها‪ ،‬لما أوجد فيه من القوة القابلة لها‪ ،‬لن فطرة السلم‬
‫وصوابها موضوع في العقول‬
‫)‪ (1‬الروم‪.30 :‬‬

‫]‪[134‬‬

‫وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير البوين‪ ،‬أو غيرهما‪ .‬واجيب عنه بأن حمل‬
‫الفطرة على السلم ل يأباه العقل‪ ،‬وظاهر الروايات يدل عليه‪ .‬وحملها‬
‫على خلف الظاهر ل وجه له من غير مستند‪ - 5 .‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‬
‫بن النعمان‪ ،‬عن عبد ال بن مسكان‪ ،‬عن زرارة قال‪ :‬سألت أبا جعفر عليه‬
‫السلم عن قول ال عزوجل‪ " :‬فطرة ال التي فطر الناس عليها " قال‪:‬‬
‫فطرهم على معرفة أنه ربهم‪ ،‬ولول ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن‬
‫رازقهم )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في المصباح المنير‪ :‬فطر ال الخلق فطرا من باب‬
‫قتل‪ :‬خلقهم‪ ،‬و السم‪ :‬الفطرة بالكسر‪ ،‬قال ال تعالى " فطرة ال التي فطر‬
‫الناس عليها " وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬كل مولود يولد على الفطرة‪،‬‬
‫قيل‪ :‬معناه الفطرة السلمية والدين الحق‪ ،‬وإنما أبواه يهودانه وينصرانه‪:‬‬
‫أي ينقلنه إلى دينهما‪ .‬وهذا التفسير مشكل‪ ،‬إن حمل اللفظ على حقيقته‬
‫فقط‪ ،‬لنه يلزم منه أن ل يتوارث المشركون مع أولدهم الصغار قبل أن‬
‫يهودوهم وينصروهم‪ ،‬واللزم منتف بل الوجه حمله على حقيقته ومجازه‬
‫معا‪ .‬أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ‪ ،‬وذلك أن إقامة البوين على‬
‫دينهما سبب لجعل الولد تابعا لهما‪ ،‬فلما كانت القامة سببا جعلت تهويدا‬
‫وتنصيرا مجازا‪ ،‬ثم اسند إلى البوين توبيخا لهما‪ ،‬وتقبيحا عليهما كأنه‬
‫قال‪ :‬أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلنه مشركا‪ ،‬ويفهم من هذا أنه لو‬
‫أقام أحدهما على الشرك‪ ،‬وأسلم الخر‪ ،‬ل يكون مشركا بل مسلما‪ ،‬وقد‬
‫جعل البيهقي هذا معنى الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬قد جعل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله حكم الولد قبل أن يختاروا لنفسهم حكم الباء‪ ،‬فيما يتعلق بأحكام‬
‫الدنيا‪ ،‬وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الولد‪.‬‬
‫‪ - 6‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ 241 :‬والية في الروم‪30 :‬‬

‫]‪[135‬‬

‫سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن قول ال عزوجل " فطرة ال‬
‫التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة ؟ قال‪ :‬هي السلم‪ ،‬فطرهم ال‬
‫حين أخذ ميثاقهم على التوحيد )‪ .(1‬بيان‪ :‬على التوحيد متعلق بفطر وأخذ‬
‫على التنازع‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن ابن‬
‫اذينة‪ ،‬عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سألته عن قول ال‬
‫عزوجل " حنفاء ل غير مشركين به " )‪ (2‬قال‪ :‬الحنيفية من الفطرة التي‬
‫فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال‪ ،‬قال‪ :‬فطرهم على المعرفة به‪ .‬فقال‬
‫زرارة‪ :‬وسألته عن قول ال عزوجل " وإذ أخذ ربك من بني آدم من‬
‫ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " )‪ (3‬قال‪:‬‬
‫أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة‪ ،‬فخرجوا كالذر‪ ،‬فعرفهم وأراهم‬
‫نفسه‪ ،‬ولول ذلك لم يعرف أحد ربه‪ .‬وقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن ال عزوجل‬
‫خالقه‪ ،‬وكذلك قوله‪ " (4) :‬ولئن سألتهم من خلق السموات والرض‬
‫ليقولن ال " )‪ .(5‬تبيين‪ :‬قوله‪ " :‬حنفاء ل " إشارة إلى قوله سبحانه في‬
‫سورة الحج‪ " :‬فاجتنبوا الرجس من الوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء ل‬
‫غير مشركين به " أي اجتنبوا الرجس الذي هو الوثان‪ ،‬كما يجتنب‬
‫النجاس وكل افتراء‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم الرجس من الوثان‪:‬‬
‫الشطرنج‪ ،‬وقول الزور‪ :‬الغناء‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،12‬والية في الروم‪ (2) 30 :‬الحج‪ (3) 3 :‬العراف‪) 171 :‬‬
‫‪ (4‬لقمان‪ (5) .25 :‬الكافي ج ‪ 12 :2‬و ‪13‬‬

‫]‪[136‬‬

‫قال الطبرسي )‪ (1‬رحمه ال‪ " :‬حنفاء ل "‪ :‬أي مستقيمي الطريقة على ما أمر ال‬
‫مائلين عن سائر الديان‪ " ،‬غير مشركين به " أي حجاجا مخلصين‪ ،‬وهم‬
‫مسلمون موحدون ل يشركون في تلبية الحج به أحدا‪ .‬وقال في النهاية‪:‬‬
‫فيه خلقت عبادي حنفاء‪ :‬أي طاهري العضاء من المعاصي‪ ،‬ل أنه خلقهم‬
‫كلهم مسلمين لقوله تعالى " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " )‬
‫‪ (2‬وقيل‪ :‬أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق " ألست‬
‫بربكم قالوا بلى " فل يوجد أحد إل وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به‬
‫واختلفوا فيه‪ .‬والحنفاء جمع حنيف‪ ،‬وهو المائل إلى السلم‪ ،‬الثابت عليه‪،‬‬
‫والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم‪ ،‬وأصل الحنف‪ :‬الميل‪،‬‬
‫ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة‪ :‬انتهى‪ " .‬ل تبديل لخلق ال‬
‫"‪ :‬أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل كان كلهم‬
‫مسلمين مقرين به‪ ،‬أو قابلين للمعرفة‪ " ،‬وأراهم نفسه "‪ :‬أي بالرؤية‬
‫العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور‪ ،‬ليرسخ فيهم معرفته‪،‬‬
‫ويعرفوه في دار التكليف‪ ،‬ولول تلك المعرفة الميثاقية‪ ،‬لم يحصل لهم تلك‬
‫القابلية‪ ،‬وفسر عليه السلم الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة‬
‫الصانع والذعان به‪ " .‬كذلك قوله " أي هذه الية أيضا محمولة على هذا‬
‫المعنى‪ " ،‬ولئن سألتهم " أي كفار مكة‪ ،‬كما ذكره المفسرون‪ ،‬أو العم‪،‬‬
‫كما هو الظهر من الخبر " ليقولن ال " لفطرتهم على المعرفة‪ ،‬وقال‬
‫البيضاوي‪ :‬لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره‪ ،‬بحيث‬
‫اضطروا إلى إذعانه انتهى‪ .‬والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم‬
‫يكونوا ينكرون أن الصانع هو ال‪ ،‬بل كانوا يعبدون الصنام‪ ،‬لزعمهم أنها‬
‫شفعاء عند ال‪ ،‬وظاهر الخبر أن‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .83‬التعابن‪.2 :‬‬

‫]‪[137‬‬

‫كل كافر لو خلي وطبعه‪ ،‬وترك العصبية ومتابعة الهواء‪ ،‬وتقليد السلف والباء‬
‫لقر بذلك‪ ،‬كما ورد ذلك في الخبار الكثيرة‪ .‬قال بعض المحققين‪ :‬الدليل‬
‫على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على ال‪ ،‬ويتوجهون‬
‫توجها غريزيا إلى مسبب السباب‪ ،‬ومسهل المور الصعاب‪ ،‬وإن لم‬
‫يتفطنوا لذلك‪ ،‬ويشهد لهذا قول ال عزوجل " قال‪ :‬أرأيتكم إن أتيكم عذاب‬
‫ال أو أتتكم الساعة أغير ال تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون‬
‫فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون "‪ (1) .‬وفي تفسير‬
‫مولنا العسكري عليه السلم أنه سئل مولنا الصادق عن ال فقال للسائل‬
‫يا با عبد ال هل ركبت سفينة قط قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهل كسر بك حيث ل‬
‫سفينة تنجيك‪ ،‬ول سباحة تغنيك ؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهل تعلق قلبك هناك أن‬
‫شيئا من الشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‬
‫الصادق‪ :‬فذلك الشئ هو ال القادر على النجاء حين ل منجي‪ ،‬وعلى‬
‫الغاثة حين ل مغيث‪ .‬ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب‬
‫المعرفة بال عزوجل متروكين على ما فطروا عليه‪ ،‬مرضيا عنهم بمجرد‬
‫القرار بالقول‪ ،‬ولم يكلفوا الستدلل العلمية في ذلك‪ ،‬وإنما التعمق لزيادة‬
‫البصيرة ولطائفة مخصوصة‪ ،‬وأما الستدلل فللرد على أهل الضلل‪ .‬ثم إن‬
‫أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان‪ ،‬وتحصيل‬
‫الطمينان‪ ،‬كما وكيفا‪ ،‬شدة وضعفا‪ ،‬سرعة وبطئا‪ ،‬حال وعلما‪ ،‬وكشفا‬
‫وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا‪ ،‬إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى‬
‫تنبيه‪ ،‬فلكل طريقة هداه ال عزوجل إليها إن كان من أهل الهداية‪ ،‬والطرق‬
‫إلى ال بعدد أنفاس الخلئق‪ ،‬وهم درجات عند ال يرفع الذين آمنوا منكم‬
‫والذين اوتوا العلم درجات‪.‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ 40 :‬و ‪(*) .41‬‬


‫]‪[138‬‬

‫قال بعض المنسوبين إلى العلم‪ :‬اعلم أن أظهر الموجودات وأجلها هو ال عزوجل‪،‬‬
‫فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف‪ ،‬وأسبقها إلى الفهام‬
‫وأسهلها على العقول‪ ،‬ونرى المر بالضد من ذلك‪ ،‬فلبد من بيان السبب‬
‫فيه‪ .‬وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلها هو ال‪ ،‬لمعنى ل تفهمه إل‬
‫بمثال هو‪ :‬أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثل‪ ،‬كان كونه حيا من أظهر‬
‫الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته‬
‫الظاهرة والباطنة‪ ،‬إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته‬
‫ومرضه‪ ،‬وكل ذلك ل نعرفه‪ ،‬وصفاته الظاهرة ل نعرف بعضها‪ ،‬وبعضها‬
‫نشك فيه‪ ،‬كمقدار طوله‪ ،‬واختلف لون بشرته وغير ذلك من صفاته‪ .‬أما‬
‫حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فانه جلي عندنا‪ ،‬من غير أن‬
‫يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فان هذه الصفات ل تحس بشئ‬
‫من الحواس الخمس‪ ،‬ثم ل يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إل‬
‫بخياطته وحركته‪ ،‬فلو نظرنا إلى كل ما في العلم سواء لم نعرف به صفاته‪،‬‬
‫فما عليه إل دليل واحد‪ ،‬وهو مع ذلك جلي واضح‪ .‬ووجود ال وقدرته‬
‫وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس‬
‫الظاهرة والباطنة من حجر ومدر‪ ،‬ونبات وشجر‪ ،‬وحيوان وسماء وأرض‬
‫وكوكب‪ ،‬وبر وبحر‪ ،‬ونار وهواء‪ ،‬وجوهر وعرض‪ ،‬بل أول شاهد عليه‬
‫أنفسنا‪ ،‬وأجسامنا‪ ،‬وأصنافنا‪ ،‬وتقلب أحوالنا‪ ،‬وتغير قلوبنا‪ ،‬وجميع‬
‫أطوارنا‪ ،‬في حركاتنا وسكناتنا‪ .‬وأظهر الشياء في علمنا أنفسنا‪ ،‬ثم‬
‫محسوساتنا بالحواس الخمس‪ ،‬ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل‪ ،‬وكل واحد‬
‫من هذه المدركات له مدرك واحد‪ ،‬وشاهد ودليل واحد‪ ،‬وجميع ما في العالم‬
‫شواهد ناطقة‪ ،‬وأدلة شاهدة‪ ،‬بوجود خالقها ومدبرها‪ ،‬ومصرفها‬
‫ومحركها‪ ،‬ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته‪ .‬والموجودات المدركة‬
‫ل حصر لها‪ ،‬فان كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا‬

‫]‪[139‬‬

‫وليس يشهد له إل شاهد واحد‪ ،‬وهو ما أحسسنا من حركة يده‪ ،‬فكيف ل يتصور في‬
‫الوجود شئ داخل نفوسنا وخارجها إل وهو شاهد عليه وعلى عظمته‬
‫وجلله إذ كل ذرة فانها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها‪ ،‬ول‬
‫حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها‪ ،‬يشهد بذلك أول تركيب‬
‫أعضائنا وائتلف عظامنا‪ ،‬ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا‪ ،‬وتشكل‬
‫أطرافنا‪ ،‬وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة‪ ،‬فانا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها‪،‬‬
‫كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرك بنفسها‪ .‬ولكن لما لم يبق في الوجود‬
‫مدرك‪ ،‬ومحسوس ومعقول‪ ،‬وحاضر وغائب إل وهو شاهد ومعرف عظم‬
‫ظهوره‪ ،‬فانبهرت العقول‪ ،‬ودهشت عن إدراكه فاذن ما يقصر عن فهمه‬
‫عقولنا له سببان‪ :‬أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه‪ ،‬وذلك ل يخفى‬
‫مثاله‪ ،‬والخر ما يتناهى وضوحه‪ .‬وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل‪ ،‬ول‬
‫يبصر بالنهار‪ ،‬ل لخفاء النهار واستتاره‪ ،‬ولكن لشدة ظهوره‪ ،‬فان بصر‬
‫الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق‪ ،‬فيكون قوة ظهوره مع‬
‫ضعف بصره سببا لمتناع إبصاره فل يرى شيئا إل إذا امتزج الظلم‬
‫بالضوء‪ ،‬وضعف ظهوره‪ .‬فكذلك عقولنا ضعيفة‪ ،‬وجمال الحضرة اللهية‬
‫في نهاية الشراق والستنارة وفي غاية الستغراق والشمول‪ ،‬حتى ل يشذ‬
‫عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والرض‪ ،‬فصار ظهوره سبب‬
‫خفائه‪ ،‬فسبحان من احتجب باشراق نوره‪ ،‬واختفى عن البصائر والبصار‬
‫بظهوره‪ .‬ول تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور‪ ،‬فان الشياء تستبان‬
‫بأضدادها وما عم وجوده حتى ل ضد له عسر إدراكه‪ ،‬فلو اختلف الشياء‬
‫فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب‪ ،‬ولما اشتركت في‬
‫الدللة على نسق واحد أشكل المر‪ .‬ومثاله نور الشمس المشرق على‬
‫الرض‪ ،‬فانا نعمل أنه عرض من العراض‬

‫]‪[140‬‬

‫يحدث في الرض‪ ،‬ويزول عند غيبة الشمس‪ ،‬فلو كانت الشمس دائمة الشراق ل‬
‫غروب لها‪ ،‬لكنا نظن أن ل هيئة في الجسام إل ألوانها وهي السواد‬
‫والبياض وغيرها‪ ،‬فإنا ل نشاهد في السود إل السواد‪ ،‬وفي البيض إل‬
‫البياض‪ ،‬وأما الضوء فل ندركه وحده‪ ،‬لكن لما غابت الشمس وأظلمت‬
‫المواضع‪ ،‬أدركنا تفرقة بين الحالتين‪ ،‬فعلمنا أن الجسام كانت قد‬
‫استضاءت بضوء‪ ،‬واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب‪ ،‬فعرفنا وجود‬
‫النور بعدمه‪ ،‬وما كنا نطلع عليه لو ل عدمه إل بعسر شديد‪ ،‬وذلك‬
‫لمشاهدتنا الجسام متشابهة غير مختلفة في الظلم والنور‪ .‬هذا مع أن‬
‫النور أظهر المحسوسات‪ ،‬إذ به يدرك سائر المحسوسات‪ ،‬فما هو ظاهر‬
‫في نفسه وهو مظهر لغيره‪ ،‬انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب‬
‫ظهوره‪ ،‬لول طريان ضده‪ ،‬فاذن الرب تعالى هو أظهر المور‪ ،‬وبه ظهرت‬
‫الشياء كلها‪ ،‬ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لنهدمت السماوات‬
‫والرض‪ ،‬وبطل الملك والملكوت ولدركت التفرقة بين الحالتين‪ .‬ولو كان‬
‫بعض الشياء موجودا به‪ ،‬وبعضها موجودا بغيره‪ ،‬لدركت التفرقة بين‬
‫الشيئين في الدللة‪ ،‬ولكن دللته عامة في الشياء على نسق واحد‪،‬‬
‫ووجوده دائم في الحوال‪ ،‬يستحيل خلفه‪ ،‬فل جرم أورث شدة الظهور‬
‫خفاء‪ ،‬فهذا هو السبب في قصور الفهام‪ .‬وأما من قويت بصيرته‪ ،‬ولم‬
‫يضعف منته‪ ،‬فانه في حال اعتدال أمره ل يرى إل ال وأفعاله‪ ،‬وأفعاله أثر‬
‫من آثار قدرته‪ ،‬فهي تابعة فل وجود لها بالحقيقة وإنما الوجود للواحد‬
‫الحق الذي به وجود الفعال كلها‪ .‬ومن هذا حاله فل ينظر في شئ من‬
‫الفعال إل ويرى فيه الفاعل‪ ،‬ويذهل عن الفعل‪ ،‬من حيث إنه سماء وأرض‬
‫وحيوان وشجر‪ ،‬بل ينظر فيه من حيث إنه صنع‪ ،‬فل يكون نظره مجاوزا‬
‫له إلى غيره‪ ،‬كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه‪ ،‬ورأى فيه‬
‫الشاعر والمصنف‪ ،‬ورأى آثاره من حيث هي آثاره‪ ،‬ل من حيث إنه حبر‬
‫وعفص وزاج مرقوم على بياض‪ ،‬فل يكون قد نظر إلى غير المصنف‪.‬‬

‫]‪[141‬‬

‫فكل العالم تصنيف ال تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل ال‪ ،‬وعرفها من‬
‫حيث إنها فعل ال‪ ،‬وأحبها من حيث إنها فعل ال‪ ،‬لم يكن ناظرا إل في ال‬
‫ول عارفا إل بال‪ ،‬ول محبا إل ل‪ ،‬وكان هو الموحد الحق الذي ل يرى إل‬
‫ال‪ ،‬بل ل ينظر إلى نفسه من حيث نفسه‪ ،‬بل من حيث هو عبد ال‪ ،‬فهذا‬
‫هو الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد‪ ،‬وإنه فنى في نفسه‪ ،‬وإليه الشارة‬
‫بقول من قال‪ :‬كنا بنا‪ ،‬ففنينا عنا‪ ،‬فبقينا بل نحن‪ .‬فهذه امور معلومة عند‬
‫ذوي البصائر‪ ،‬أشكلت لضعف الفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن‬
‫إيضاحها وبيانها‪ ،‬بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الفهام‪ ،‬ولشتغالهم‬
‫بأنفسهم‪ ،‬واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما ل يغنيهم‪ .‬فهذا هو السبب‬
‫في قصور الفهام عن معرفة ال تعالى‪ ،‬وانضم إليه أن المدركات كلها التي‬
‫هي شاهدة على ال‪ ،‬إنما يدركها النسان في الصبى عند فقد العقل قليل‬
‫قليل‪ ،‬وهو مستغرق الهم بشهواته‪ ،‬وقد أنس بمدركاته ومحسوساته إلفها‪،‬‬
‫فسقط وقعها عن قلبه بطول النس‪ ،‬ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة‬
‫حيوانا غريبا‪ ،‬أو فعل من أفعال ال خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه‬
‫بالمعرفة طبعا فقال‪ " :‬سبحان ال " وهو يرى طول النهار نفسه‬
‫وأعضاءه وساير الحيوانات المألوفة‪ ،‬وكلها شواهد قاطعة‪ ،‬ول يحس‬
‫بشهادتها لطول النس بها‪ .‬ولو فرض أكمه بلغ عاقل‪ ،‬ثم انقشعت الغشاوة‬
‫عن عينه‪ ،‬فامتد بصره إلى السماء والرض‪ ،‬والشجار والنبات‪،‬‬
‫والحيوان‪ ،‬دفعة واحدة على سبيل الفجأة‪ .‬يخاف على عقله أن ينبهر‪ ،‬لعظم‬
‫تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها‪ .‬وهذا وأمثاله من السباب‪ ،‬مع‬
‫النهماك في الشهوات‪ ،‬وهي التي سدت على الخلق سبيل الستضاءة‬
‫بأنوار المعرفة‪ ،‬والسباحة في بحارها الواسعة والجليات إذا صارت‬
‫مطلوبة‪ ،‬صارت معتاصة )‪ ،(1‬فهذا سد المر‪ ،‬فليتحقق ولذلك قيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬اعتاص عليه المر‪ :‬أي التوى‪ ،‬منه رحمه ال‪.‬‬

‫]‪[142‬‬
‫لقد ظهرت فل تخفى على أحد * إل على أكمه ل يعرف القمرا لكن بطنت بما‬
‫أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعرف استترا وفي كلم سيد الشهداء‬
‫أبي عبد ال الحسين صلوات ال على جده وأبيه‪ ،‬وامه وأخيه‪ ،‬وعليه‬
‫وبنيه‪ ،‬ما يرشدك إلى هذا العيان‪ ،‬بل يغنيك عن هذا البيان‪ ،‬حيث قال في‬
‫دعاء عرفة‪ " :‬كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك‪ ،‬أيكون‬
‫لغيرك من الظهور ما ليس لك‪ ،‬حتى يكون هو المظهر لك‪ ،‬متى غبت حتى‬
‫تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الثار هي التي توصل‬
‫إليك‪ ،‬عميت عين ل تراك‪ ،‬ول تزال عليها رقيبا‪ ،‬وخسرت صفقة عبد لم‬
‫تجعل له من حبك نصيبا " وقال‪ :‬أيضا‪ " :‬تعرفت لكل شئ فما جهلك شئ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬تعرفت إلي في كل شئ فرأيتك ظاهرا في كل شئ‪ ،‬فأنت الظاهر لكل‬
‫شئ " انتهى‪ .‬واقول‪ :‬قد مضع اكثر أخبار هذا الباب في كتاب التوحيد )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 3‬ص ‪ 282 - 276‬من هذه الطبعة‪ ،‬باب الدين الحنيف والفطرة‬
‫وصبغة ال والتعريف في الميثاق‪.‬‬

‫]‪[143‬‬

‫‪) * - 5‬باب( * * " )فيما يدفع ال بالمؤمن( " * ‪ - 1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫علي بن الحسن التيمي )‪ ،(1‬عن محمد بن عبد ال ابن زرارة‪ ،‬عن محمد‬
‫بن الفضيل‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال ليدفع‬
‫بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء )‪ .(2‬بيان‪ " :‬عن القرية " أي عن أهلها‬
‫بحذف المضاف‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ " :‬واسأل القرية " )‪ (3‬وذلك الدفع‬
‫إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن أحمد ]بن‬
‫محمد[‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد ابن سنان‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم‪ ،‬قال‪ :‬ل يصيب قرية عذاب‪ ،‬وفيها سبعة من المؤمنين )‬
‫‪ .(4‬بيان‪ :‬ويمكن رفع التنافي بينه وبين الول بوجوه‪ :‬الول‪ :‬أن الول‬
‫محمول على النادر‪ ،‬والثاني على الغالب أو الحتم‪ .‬الثاني‪ :‬أن يراد بالمؤمن‬
‫في الول الكامل‪ ،‬وفي الثاني غيره‪ .‬الثالث‪ :‬أن يحمل على اختلف‬
‫المعاصي واستحقاق العذاب فيها‪ ،‬فانها مختلفة‪ ،‬ففي القليل والخفيف منها‬
‫يدفع بالواحد‪ ،‬وفي الكثير والغليظ منها‬

‫)‪ (1‬منسوب الى تيم اللت‪ ،‬والرجل على بن الحسن بن فضال الفطحى الثقة‪ .‬وفى‬
‫نسخة الكمبانى " الميثمى " وهو تصحيف‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪) 247‬‬
‫‪ (3‬يوسف‪ (4) .82 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪247‬‬
‫]‪[144‬‬

‫ل يدفع إل بالسبعة‪ ،‬مع أن المفهوم ل يعارض المنطوق‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن غير واحد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قيل له في العذاب إذا نزل بقوم‪ ،‬يصيب المؤمنين ؟ قال‪ :‬نعم ولكن‬
‫يخلصون بعده )‪ (1‬بيان‪ " :‬ولكن يخلصون بعده " أي ينجون بعد نزول‬
‫العذاب بهم في البرزخ والقيامة‪ ،‬في المصباح خلص الشئ من التلف‬
‫خلوصا من باب قعد وخلصا ومخلصا سلم ونجا‪ ،‬وخلص الماء من الكدر‪:‬‬
‫صفا انتهى‪ .‬ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين‪ ،‬ويمكن الجمع‬
‫بوجوه‪ :‬الول‪ :‬حمل العذاب في الولين على نوع منه‪ ،‬كعذاب الستيصال‪،‬‬
‫كما أنه سبحانه أخرج لوطا وأهله من بين قومه‪ ،‬ثم أنزل العذاب عليهم‪،‬‬
‫وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط‪ .‬الثاني‪ :‬أن يحمل هذا على‬
‫النادر‪ ،‬وما مر على الغالب‪ ،‬على بعض الوجوه‪ .‬الثالث‪ :‬حمل هذا على أقل‬
‫من السبعة‪ ،‬وحمل الواحد على النادر‪ ،‬وما قيل‪ :‬إن المراد بالخلص‪:‬‬
‫الخلص في الدنيا‪ ،‬فهو بعيد‪ ،‬مع أنه ل ينفع في دفع التنافي‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪247‬‬

‫]‪[145‬‬

‫‪) * - 6‬باب( * * )حقوق المؤمن على ال عزوجل( * * )وما ضمن ال تعالى له(‬
‫* ‪ - 1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن‬
‫مهران‪ ،‬عن علي بن الحسين بن عبيدال اليشكري‪ ،‬عن محمد بن المثنى‬
‫الحضرمي‪ ،‬عن عثمان ابن زيد‪ ،‬عن جابر بن يزيد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬للمؤمن على ال عزوجل عشرون خصلة‪ ،‬يفي له بها‪ ،‬له على‬
‫ال تبارك وتعالى أن ل يفتنه ول يضله‪ ،‬وله على ال أن ل يعريه ول‬
‫يجوعه‪ ،‬وله على ال أن ل يشمت به عدوه‪ ،‬وله على ال أن ل يهتك‬
‫ستره‪ ،‬وله على ال أن ل يخذله ويعزه‪ ،‬وله على ال أن ل يميته غرقا ول‬
‫حرقا‪ ،‬وله على ال أن ل يقع على شئ ول يقع عليه شئ‪ .‬وله على ال أن‬
‫يقيه مكر الماكرين‪ ،‬وله على ال أن يعيذه من سطوات الجبارين‪ ،‬وله على‬
‫ال أن يجعله معنا في الدنيا والخرة‪ ،‬وله على ال أن ل يسلط عليه من‬
‫الداواء ما يشين خلقته‪ ،‬وله على ال أن يعيذه من البرص والجذام‪ ،‬وله‬
‫على ال أن ل يميته على كبيرة‪ ،‬وله على ال أن ل ينسيه مقامه في‬
‫المعاصي حتى يحدث توبة‪ ،‬وله على ال أن ل يحجب عنه علمه ومعرفته‬
‫بحجته‪ .‬وله على ال أن ل يغرز في قلبه الباطل‪ ،‬وله على ال أن يحشره‬
‫يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه‪ ،‬وله على ال أن يوفقه لكل خير‪ ،‬وله‬
‫على ال أن ل يسلط عليه عدوه فيذله‪ ،‬وله على ال أن يختم له بالمن‬
‫واليمان‪ ،‬ويجعله معنا في الرفيق العلى‪ .‬هذه شرائط ال عزوجل‬
‫للمؤمنين )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬الخصال‪ :‬ج ‪.99 :2‬‬

‫]‪[146‬‬

‫بيان‪ :‬قوله عليه السلم " ول يضله " عطف تفسير لقوله " ل يفتنه " " وهتك‬
‫الستر "‪ :‬الفضيحة بالعيوب والمعاصي‪ ،‬وذكر البرص والجذام بعد قوله "‬
‫ما يشين خلقه " تخصيص بعد التعميم‪ ،‬وبذلك عدا شيئين‪ ،‬وكذلك‪ :‬تسليط‬
‫العدو وسطوات الجبارين بينهما العموم والخصوص‪ ،‬فالمراد بالعدو غير‬
‫الجبارين " أن ل يحجب عنه علمه " أي بالحجة أو مطلقا بعد الفحص‪.‬‬
‫وفي المصباح‪ :‬غرزته غرزا من باب ضرب‪ ،‬أثبته بالرض‪ ،‬وفي النهاية‪:‬‬
‫في حديث الدعاء‪ :‬وألحقني بالرفيق العلى‪ :‬الرفيق جماعة النبياء الذين‬
‫يسكنون أعلى عليين‪ ،‬وهو اسم جاء على فعيل‪ ،‬ومعناه‪ :‬الجماعة‪،‬‬
‫كالصديق والخليط‪ ،‬يقع على الواحد والجمع‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬وحسن‬
‫اولئك رفيقا " )‪ (1‬انتهى‪ ،‬ثم إن أكثر هذه الخصال يحتمل أن تكون مبنية‬
‫على الغالب ومشروطة بالشرائط‪ - 2 .‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن الصدوق‪ ،‬عن ابن‬
‫المتوكل‪ ،‬عن السدي‪ ،‬عن النخعي عن النوفلي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫المفضل‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن ال تعالى ضمن للمؤمن‬
‫ضمانا‪ ،‬قال‪ :‬قلت ما هو ؟ قال‪ :‬ضمن له ‪ -‬إن أقر ل بالربوبية ولمحمد‬
‫صلى ال عليه وآله بالنبوة‪ ،‬ولعلي عليه السلم بالمامة‪ ،‬وأدى ما افترض‬
‫عليه ‪ -‬أن يسكنه في جواره‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬هذه وال هي الكرامة التي ل‬
‫تشبهها كرامة الدميين ثم قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬اعملوا قليل‬
‫تنعموا كثيرا )‪ .(2‬ثو‪ :‬ابن المتوكل مثله )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .69 :‬أمالى الشيخ ص ‪ (3) .195‬ثواب العمال ص ‪.15‬‬

‫]‪[147‬‬

‫‪) * - 7‬باب( * * " )الرضا بموهبة اليمان‪ ،‬وانه من اعظم النعم( " * * )وما‬
‫أخذ ال على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الذى( * ‪ - 1‬ما‪ :‬الفحام‬
‫عن المنصوري‪ ،‬عن عم أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن الثالث‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن‬
‫موسى بن جعفر عليهم السلم‪ ،‬قال‪ :‬إن رجل جاء إلى سيدنا الصادق عليه‬
‫السلم فشكى إليه الفقر‪ ،‬فقال‪ :‬ليس المر كما ذكرت‪ ،‬وما أعرفك فقيرا‬
‫قال‪ :‬وال يا سيدي ما استبنت‪ ،‬وذكر من الفقر قطعة‪ ،‬والصادق عليه‬
‫السلم يكذبه‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬خبرني لو اعطيت بالبراءة منا‪ ،‬مائة دينار‪ ،‬كنت‬
‫تأخذ ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إلى أن ذكر الوف دنانير‪ ،‬والرجل يحلف أنه ل يفعل‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬من معه سلعة يعطى هذا المال ل يبيعها‪ ،‬هو فقير ؟‪ .‬بيان‪ " :‬ما‬
‫استبنت "‪ :‬أي ما حققت حالي وما استوضحتها‪ ،‬حيث لم تعرفني فقيرا‪2 .‬‬
‫‪ -‬ير‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن معلى بن محمد‪ ،‬ومحمد بن جمهور‪ ،‬عن‬
‫عبد ال ابن عبد الرحمان‪ ،‬عن الهيثم بن واقد‪ ،‬عن أبي يوسف البزاز قال‪:‬‬
‫تل أبو عبد ال عليه السلم علينا هذه الية " واذكروا آلء ال " )‪(1‬‬
‫قال‪ :‬أتدري ما آلء ل ؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هي أعظم نعم ال على خلقه‪ ،‬وهي‬
‫وليتنا )‪ - 3 .(2‬سن‪ :‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ثعلبة‪ ،‬عن أبي امية يوسف بن‬
‫ثابت بن أبي سعيد‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن تكونوا وحدانيين‬
‫فقد كان رسول ال صلى ال عليه وآله‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .74 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪81‬‬

‫]‪[148‬‬

‫وحدانيا يدعو الناس‪ ،‬فل يستجيبون له‪ ،‬ولقد كان أول من استجاب له علي بن‬
‫أبيطالب عليه السلم وقد قال له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أنت مني‬
‫بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي )‪ - 4 .(1‬سن‪ :‬عن ابن‬
‫فضال‪ ،‬عن علي بن شجرة‪ ،‬عن عبيد بن زرارة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬ما من مؤمن إل وقد جعل ال له من إيمانه انسا يسكن‬
‫إليه‪ ،‬حتى لو كان على قلة جبل ]لم[ يستوحش إلى من خالفه )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫القلة بالضم‪ :‬أعلى الجبل‪ ،‬وقلة كل شئ أعله‪ " ،‬يستوحش إلى من خالفه‬
‫" أي ممن خالفه‪ ،‬والظاهر " لم يستوحش " كما في بعض النسخ‪،‬‬
‫بتضمين معنى الميل‪ :‬أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في‬
‫الدين‪ ،‬ويأنس به في القاموس‪ :‬الوحشة‪ :‬الهم والخلوة والخوف‪،‬‬
‫واستوحش‪ :‬وجد الوحشة‪ - 5 .‬سن‪ :‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن فضيل‪ ،‬عن‬
‫أبي حمزة الثمالي‪ ،‬قال سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬قال ال‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي عن المؤمن‪ ،‬فاني احب‬
‫لقاءه‪ ،‬ويكره الموت‪ ،‬فأزويه عنه‪ ،‬ولو لم يكن في الرض إل مؤمن واحد‬
‫لكتفيت به عن جميع خلقي‪ ،‬وجعلت له من إيمانه انسا ل يحتاج معه إلى‬
‫أحد )‪ - 6 .(3‬سن‪ :‬عن ابن فضال‪ ،‬عن أبي جميلة‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫الحلبي قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬ليأذن‬
‫بحرب مني مستذل عبدي المؤمن وما ترددت في شئ كترددي في موت‬
‫المؤمن‪ ،‬إني لحب لقاءه‪ ،‬ويكره الموت فأصرفه عنه‪ ،‬وإنه ليدعوني في‬
‫أمر فأستجيب له لما هو خير له‪ ،‬ولو لم يكن في الدنيا إل واحد من عبيدي‬
‫مؤمن‪ ،‬لستغنيت به عن جميع خلقي‪ ،‬ولجعلت له من إيمانه‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .159 :‬المحاسن‪ (3) .159 :‬المحاسن‪ 159 :‬و ‪160‬‬

‫]‪[149‬‬

‫انسا‪ ،‬ل يستوحش فيه إلى أحد )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ليأذن بحرب مني " أي ليعلم أني‬
‫احاربه‪ ،‬كناية عن شدة غضبه عليه‪ ،‬أو أنه في حكم محاربي‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى " فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال ورسوله )‪ " (2‬قال الطبرسي‪:‬‬
‫أي أعلموا بحرب‪ ،‬والمعنى أنكم في امتناعكم حرب ل ولرسوله‪ ،‬قوله‪" :‬‬
‫لستغنيت به "‪ :‬أي لقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء‪ ،‬ورفعت‬
‫عن الناس العذاب والبلء لوجود هذا المؤمن‪ ،‬لن هذا يكفي لبقاء هذا‬
‫النظام‪ " ،‬ل يستوحش فيه " كان كلمة في تعليلية‪ ،‬والضمير لليمان‪ ،‬و‬
‫ليست هذه الكلمة في أكثر الروايات‪ ،‬وهو أظهر‪ - 7 .‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫النضر‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن أيوب بن الحر أخي أديم‪ ،‬قال‪ :‬قال لي أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما‬
‫ويشبع يوما‪ ،‬إذا كان على دين ال )‪ - 8 .(3‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن فضيل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سلمة‬
‫الدين وصحة البدن خير من زينة الدنيا حسب )‪ - 9 .(4‬عدة الداعي‪ :‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال‪ :‬ال‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬ليأذن بحرب مني من أذى عبدي المؤمن‪ ،‬وليأمن غضبي‬
‫من أكرم عبدي المؤمن‪ ،‬ولو لم يكن من خلقي في الرض فيما بين‬
‫المشرق والمغرب إل مؤمن واحد مع إمام عادل‪ ،‬لستغنيت بعبادتهما عن‬
‫جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما‬
‫ولجعلت لهما من إيمانهما انسا ل يحتاجان إلى البشر سواهما )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .160 :‬البقرة‪ (3) .279 :‬المحاسن‪ (4) 160 :‬المحاسن‪219 :‬‬
‫)‪ (5‬عدة الداعي‪138 :‬‬

‫]‪[150‬‬

‫‪ - 10‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن كليب بن‬
‫معاوية‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬ما ينبغي للمؤمن‬
‫أن يستوحش إلى أخيه‪ ،‬فمن دونه‪ ،‬المؤمن عزيز في دينه )‪ .(1‬بيان‪" :‬‬
‫أن يستوحش "‪ :‬أي يجد الوحشة‪ ،‬ولعله ضمن معنى الميل والسكون‬
‫فعدي بإلى‪ ،‬أي استوحش من الناس مائل أو ساكنا إلى أخيه‪ .‬قال في‬
‫الوافي‪ :‬ضمن الستيحاش معنى الستيناس‪ ،‬فعداه بإلى‪ ،‬وإنما ل ينبغي له‬
‫ذلك‪ ،‬لنه ذل‪ ،‬فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته ل يرغب في صحبته‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ " :‬إلى " بمعنى " مع " والمراد بأخيه‪ :‬أخوه النسبي‪ ،‬و " من "‬
‫موصولة‪ ،‬و " دون " منصوب بالظرفية‪ ،‬والضمير لخيه‪ ،‬أي ل ينبغي‬
‫للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا‪ ،‬فمن كان دون هذا‬
‫الخ من القارب والجانب‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ل ينبغي للمؤمن أن يستوحش من‬
‫ال ومن اليمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس باليمان‬
‫وقرب الحق من غير وحشة‪ ،‬فلو انتفى النس وتحققت الوحشة‪ ،‬انتفى‬
‫اليمان والقرب‪ .‬وأقول‪ :‬الظهر ما ذكرنا أول من أن المؤمن ل ينبغي أن‬
‫يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه‪ ،‬وكثرة أعدائه ومخالفيه‪ ،‬فيأنس‬
‫لذلك‪ ،‬ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي‪ ،‬فمن دونه من العادي أو‬
‫الجانب‪ ،‬وقوله‪ " :‬المؤمن عزيز في دينه " جملة استينافية‪ ،‬فكأنه يقول‬
‫قائل‪ :‬لم ل يستوحش ؟ فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه‪ ،‬فل يحتاج‬
‫في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به‪ ،‬والحاصل أن‬
‫عزته بالدين ل بالعشاير‪ ،‬والتابعين‪ ،‬فكلمة " في " سببية‪ .‬وأقول‪ :‬في‬
‫بعض النسخ " عمن دونه " وفي بعضها " عن دونه " فهو صلة‬
‫للستيحاش‪ ،‬أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره‪ - 11 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن خالد‪ ،‬عن فضالة ابن‬
‫أيوب‪ ،‬عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة‪ ،‬عن فضيل بن يسار قال‪ :‬دخلت‬
‫على‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪245‬‬

‫]‪[151‬‬

‫أبي عبد ال عليه السلم في مرضة مرضها‪ ،‬لم يبق منه إل رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا فضيل‬
‫إنني كثيرا ما أقول‪ :‬ما على رجل عرفه ال هذا المر‪ ،‬لو كان في رأس‬
‫جبل حتى يأتيه الموت‪ ،‬يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمال‪،‬‬
‫وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم‪ .‬يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو‬
‫أصبح له )‪ (1‬ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا‬
‫أعضاؤه كان ذلك خيرا له‪ ،‬يا فضيل بن يسار ! إن ال ل يفعل بالمؤمن إل‬
‫ما هو خير له‪ ،‬يا فضيل بن يسار ! لو عدلت الدنيا عند ال جناح بعوضة‪،‬‬
‫ما سقى عدوه منها شربة ماء‪ ،‬يا فضيل بن يسار ! إنه من كان همه هما‬
‫واحدا‪ ،‬كفاه ال همه )‪ (2‬ومن كان همه في كل واد‪ ،‬لم يبال ال بأي واد‬
‫هلك )‪ .(3‬محص‪ :‬عن الفضيل مثله‪ ،‬بأدنى تغيير واختصار‪ .‬بيان‪ " :‬في‬
‫مرضة " بالفتح أو بالتحريك‪ ،‬وكلهما مصدر " مرضها " أي مرض بها‬
‫وقيل‪ :‬البارز في " مرضها " مفعول مطلق للنوع‪ " ،‬لم يبق منه إل رأسه‬
‫" من للتبعيض والضمير للمام عليه السلم أي من أعضائه‪ ،‬أو للتعليل‬
‫والضمير للمرض‪ ،‬والول أظهر والمعنى‪ :‬أنه نحف جميع أعضائه‬
‫وهزلت‪ ،‬حتى كأنه لم يبق منها شئ إل رأسه فانه لقلة لحمه ل يعتريه‬
‫الهزال كثيرا‪ ،‬أو المراد‪ :‬أنه لم يبق قوة الحركة في شئ من أعضائه إل في‬
‫رأسه‪ ،‬والول أظهر‪ " .‬كثيرا ما أقول " " ما " زائدة للبهام‪ ،‬و " ما "‬
‫في قوله‪ " :‬ما على رجل " نافية أو استفهامية للنكار‪ ،‬وحاصلهما واحد‪،‬‬
‫أي ل ضرر ول وحشة عليه‪ " ،‬أخذوا يمينا وشمال " أي عدلوا عن‬
‫الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه‪ ،‬من الفراط كالخوارج‪ ،‬أو التفريط‬
‫كالمخالفين له‪ " ،‬ما بين المشرق " أي والحال أن له ما بينهما‪ ،‬أو "‬
‫أصبح " بمعنى صار‪ " ،‬مقطعا " على بناء المفعول للتكثير " أعضاؤه "‬

‫)‪ (1‬في التمحيص‪ :‬لو أصبح له ملك ما بين المشرق الخ )‪ (2‬في التمحيص‪ :‬كفاه‬
‫ال ما أهمه‪ (3) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.246‬‬

‫]‪[152‬‬

‫بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرء " أعضاء " بالنصب‬
‫على التميز‪ .‬وقوله عليه السلم‪ " :‬إن ال ل يفعل بالمؤمن " تعليل لهاتين‬
‫الجملتين‪ ،‬فانه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن‪ ،‬لم يكن ذلك على سبيل‬
‫الستدراج‪ ،‬بل لنه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير‪ ،‬ول يصير‬
‫ذلك سببا لنقص قدره عند ال كما فعل ذلك بسليمان عليه السلم‪ ،‬بخلف‬
‫ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن‪ ،‬فانه لتمام الحجة عليه‪ ،‬واستدراجه‪ ،‬فيصير‬
‫سببا لشده عذابه‪ .‬وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه‪ ،‬فانما هو لمزيد‬
‫قربه عنده تعالى ورفعة درجاته في الخرة‪ ،‬فينبغي أن يشكره سبحانه في‬
‫الحالتين‪ ،‬ويرضى بقضائه فيهما‪ .‬ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين‬
‫وابتلئهم بأنواع البلء‪ ،‬وغنى الكفار والشرار والجهال‪ ،‬رغب الولين‬
‫بالصبر‪ ،‬وحذر الخرين عن الغترار بالدنيا والفخر‪ :‬بقوله عليه السلم "‬
‫لو عدلت الدنيا عند ال جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء " فما‬
‫أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده‪ ،‬بل لهوانهم عليه‪ ،‬ولذا لم يعطهم من‬
‫الخرة التي لها عنده قدر ومنزلة شيئا‪ ،‬وقد قال تعالى‪ " :‬ولول أن يكون‬
‫الناس امة واحدة لجعلنا لن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج‬
‫عليها يظهرون "‪ " (1) .‬إنه من كان همه هما واحدا " الهم‪ :‬القصد‬
‫والعزم والحزن‪ ،‬والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا‪ ،‬وهو طلب‬
‫دين الحق‪ ،‬ورضى ال تعالى وقربه وطاعته‪ ،‬ولم يخلطه بالغراض‬
‫النفسانية والهواء الباطلة فان الحق واحد‪ ،‬و للباطل شعب كثيرة أو‬
‫غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الغراض الدنيوية " كفاه ال‬
‫همه " أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود‪ ،‬ونصره على النفس‬
‫والشيطان وجنود الجهل‪ " ،‬ومن كان همه في كل واد " من أودية‬
‫الضللة والجهالة " لم يبال ال بأي واد هلك " أي صرف ال لطفه‬
‫وتوفيقه عنه‪ ،‬وتركه مع نفسه و‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪33 :‬‬

‫]‪[153‬‬

‫أهوائها‪ ،‬حتى يهلك باختيار واحد من الديان الباطلة‪ ،‬أو الغراض الباطلة‪ .‬أو كل‬
‫واد من أودية الدنيا‪ ،‬وكل شعبة من شعب أهواء النفس المارة بالسوء‪،‬‬
‫من حب المال والجاه والشرف والعلو‪ ،‬ولذة المطاعم والمشارب والملبس‬
‫والمناكح وغير ذلك من المور الفانية الباطلة‪ .‬والحاصل أن من اتبع‬
‫الشهوات النفسانية أو الراء الباطلة‪ ،‬ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى‬
‫دين الحق‪ ،‬وطاعة ال وما يوجب قربه‪ ،‬لم يمدده ال بنصره وتوفيقه‪ ،‬ولم‬
‫يكن له عند ال قدر ومنزلة‪ ،‬ولم يبال بأي طريق سلك‪ ،‬ول في أي واد‬
‫هلك‪ ،‬وقيل‪ :‬بأي واد من أودية جهنم‪ .‬وقيل‪ :‬يمكن أن يراد بالهم الواحد‪:‬‬
‫القصد إلى ال‪ ،‬والتوكل عليه في جميع المور‪ ،‬فانه تعالى يكفيه هم الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬بخلف من اعتمد على رأيه‪ ،‬وقطع علقة التوكل عن نفسه‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بالهم‪ :‬الحزن والغم أي من كان حزنه للخرة كفاه‬
‫ال ذلك‪ ،‬وأوصله إلى سرور البد‪ ،‬ومن كان حزنه للدنيا وكله ال إلى‬
‫نفسه‪ ،‬حتى يهلك في واد من أودية أهوائها‪ - 12 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن فضيل بن‬
‫يسار‪ ،‬عن عبد الواحد بن المختار النصاري‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه‬
‫السلم‪ :‬يا عبد الواحد ما يضر رجل‪ ،‬إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس‬
‫له‪ ،‬ولو قالوا مجنون‪ ،‬وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد ال حتى‬
‫يجيئه الموت‪ (1) .‬بيان‪ " :‬ما يضر " ما نافية‪ ،‬ويحتمل الستفهام على‬
‫النكار‪ " ،‬على ذا الرأي " أي على هذا الرأي‪ ،‬وهو التشيع‪ " ،‬ما قال "‬
‫فاعل ما يضره‪ " ،‬ولو قالوا مجنون " فان هذا أقصى ما يمكن أن يقال‬
‫فيه‪ ،‬كما قالوا في الرسول صلى ال عليه وآله " وما يضره " أي قول‬
‫الناس‪ ،‬وهذا أيضا يحتمل الستفهام على النكار " ولو كان على رأس‬
‫جبل " أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم‪ " ،‬يعبد‬
‫ال "‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪245‬‬

‫]‪[154‬‬

‫حال أو استيناف‪ ،‬كأنه سئل كيف ل يضره ذلك‪ ،‬قال لنه يعبد ال حتى يأتيه الموت‪.‬‬
‫‪ - 13‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن ابن‬
‫مسكان‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬لو لم يكن في الرض إل‬
‫مؤمن واحد‪ ،‬لستغنيت به عن جميع خلقي‪ ،‬ولجعلت له من إيمانه انسا ل‬
‫يحتاج إلى أحد‪ (1) .‬بيان‪ :‬يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد المام‪ ،‬أو‬
‫لبد من أحد غيره يؤمن به‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬لما مر من كون إبراهيم عليه‬
‫السلم امة‪ ،‬وقد مر ما يؤيد الثاني أيضا‪ ،‬وأما كون اليمان سببا للنس‬
‫وعدم الستيحاش‪ ،‬لنه يتفكر في ال وصفاته‪ ،‬وفي صفات النبياء والئمة‬
‫عليهم السلم وحالتهم‪ ،‬وفي درجات الخرة ونعمها ويتلو كتاب ال‪،‬‬
‫ويدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه‪ ،‬كما سئل عن راهب لم ل تستوحش عن‬
‫الخلوة ؟ قال‪ :‬لني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب ال‪ ،‬وإذا أردت أن‬
‫اكلم أحدا اناجي ال‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن ابن أبي نصر‪،‬‬
‫عن الحسين بن موسى عن ابن يسار‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ما‬
‫يبالي من عرفه ال هذا المر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الرض‬
‫حتى يأتيه الموت‪ (2) .‬بيان‪ " :‬ما يبالي " خبر‪ ،‬أو المعنى ينبغي أن ل‬
‫يبالي من عرفه هذا المر أي دين المامية‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن منصور‬
‫الصيقل والمعلى بن خنيس قال‪ :‬سمعنا أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬ما ترددت في شئ أنا‬
‫فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لحب لقاءه ويكره الموت‪،‬‬
‫فأصرفه عنه‪ ،‬وإنه‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 245‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.245‬‬

‫]‪[155‬‬

‫ليدعوني‪ ،‬فاجيبه‪ ،‬وإنه ليسألني فاعطيه‪ ،‬ولو لم يكن في الدنيا إل واحد من عبيدي‬
‫مؤمن لستغنيت به عن جميع خلقي‪ ،‬ولجعلت له من إيمانه انسا ل‬
‫يستوحش إلى أحد‪ (1) .‬تبيين‪ " :‬ما ترددت في شئ " هذا الحديث من‬
‫الحاديث المشهورة بين الفريقين‪ ،‬ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود‬
‫من الخلق في المور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها‪ ،‬إما لجهلهم‬
‫بعواقبها‪ ،‬أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه‪ ،‬ولهذا قال‪ " :‬أنا فاعله‬
‫" أي ل محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به‪ :‬التردد في التقديم‬
‫والتأخير ل في أصل الفعل‪ .‬وعلى التقديرين فلبد فيه من تأويل وفيه‬
‫وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلثة‪ :‬الول أن في الكلم‬
‫إضمارا‪ ،‬والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شئ كترددي في وفاة‬
‫المؤمن‪ .‬الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من‬
‫يحترمه ويوقره كالصديق‪ ،‬وأن ل يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر‬
‫ول حرمة كالعدو‪ ،‬بل يوقعها من غير تردد وتأمل‪ ،‬صح أن يعبر عن توقير‬
‫الشخص واحترامه بالتردد وعن إدلله واحتقاره بعدمه‪ ،‬فالمعنى ليس‬
‫لشئ من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته‪،‬‬
‫فالكلم من قبيل الستعارة التمثيلية‪ .‬الثالث‪ :‬أنه ورد من طريق الخاصة‬
‫والعامة أن ال سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الحتضار من اللطف‬
‫والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في‬
‫النتقال إلى دار القرار‪ ،‬فيقل تأذيه به‪ ،‬ويصير راضيا بنزوله وراغبا في‬
‫حصوله‪ ،‬فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يولم حبيبه ألما يتعقبه‬
‫نفع عظيم‪ ،‬فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا اللم إليه‪ ،‬على وجه يقل‬
‫تأذيه‪ .‬فل يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية‪ ،‬والراحة‬
‫العظيمة‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪.246 :2‬‬

‫]‪[156‬‬

‫إلى أن يتلقاه بالقبول‪ ،‬ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول‪ ،‬فيكون في‬
‫الكلم استعارة تمثيلية‪ .‬وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلثة‪ :‬الول أن‬
‫معناه‪ :‬ما تردد عبدي المؤمن في شئ أنا فاعله كتردده في قبض روحه‪،‬‬
‫فانه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت‪ ،‬فأنا الطفه وابشره حتى‬
‫أصرفه عن كراهة الموت‪ ،‬فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته‬
‫المقدسة كرامة وتعظيما له‪ ،‬كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه‬
‫من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه‪ :‬عبدي ! مرضت فلم‬
‫تعدني ؟ فيقول‪ :‬كيف تمرض وأنت رب العالمين‪ ،‬فيقول‪ :‬مرض عبدي‬
‫فلن فلم تعده‪ ،‬فلو عدته لوجدتني عنده‪ ،‬وكما أضاف مرض وليه وسقمه‬
‫إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده‪ ،‬وتنويها‬
‫بكرامة منزلته‪ ،‬كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك‪ .‬الثاني أن " ترددت "‬
‫في اللغة بمعنى " رددت " مثل قولهم‪ :‬فكرت وتفكرت‪ ،‬ودبرت وتدبرت‬
‫فكأنه يقول‪ :‬ما رددت ملئكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله‪ ،‬مثل ما‬
‫رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن‪ ،‬فارددهم في إعلمه بقبضي له‬
‫وتبشيره بلقائي‪ ،‬وبما أعددت له عندي‪ ،‬كما ردد ملك الموت عليه السلم‬
‫إلى إبراهيم وموسى عليهما السلم في القصتين المشهورتين إلى أن اختار‬
‫الموت فقبضهما‪ ،‬كذلك خواص المؤمنين من الولياء يرددهم إليهم رفقا‬
‫وكرامة‪ ،‬ليميلوا إلى الموت‪ ،‬ويحبوا لقاءه تعالى‪ .‬الثالث أن معناه ما رددت‬
‫العلل والمراض والبر واللطف والرفق‪ ،‬حتى يرى بالبر عطفي وكرمي‪،‬‬
‫فيميل إلى لقائي طمعا‪ ،‬وبالبليا والعلل فيتبرم بالدنيا ول يكره الخروج‬
‫منها‪ .‬وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت‪ ،‬ل ينافي ما‬
‫دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء ال‪ ،‬ول يكرهه‪ ،‬إما‬
‫لما ذكره‬

‫]‪[157‬‬

‫الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء ال غير مفيد بوقت‪ ،‬فيحمل على حال‬


‫الحتضار‪ ،‬ومعاينة ما يحب‪ ،‬فانه ليس شئ حينئذ أحب إليه من الموت‬
‫ولقاء ال أو لنه يكره الموت من حيث التألم به‪ ،‬وهما متغايران وكراهة‬
‫أحد المتغايرين ل يوجب كراهة الخر‪ ،‬أو لن حب لقاء ال يوجب حب‬
‫كثرة العمل النافع وقت لقائه‪ ،‬وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له واللزم‬
‫ل ينافي الملزوم‪ ،‬قوله تعالى " وإنه ليدعوني " بأن يقول يا ال مثل‪" ،‬‬
‫فاجيبه " بأن يقول له لبيك مثل‪ " ،‬وإنه ليسألني " أي يطلب حاجته كأن‬
‫يقول‪ :‬اصرف عني الموت‪ " ،‬لستغنيت به " أي اكتفيت به في إبقاء نظام‬
‫العالم للمصلحة‪ ،‬وضمن " يستوحش " معنى الحتياج ونحوه‪ .‬فعدي بإلى‬
‫كما مر‪) * 8 .‬باب( * " )قلة عدد المؤمنين‪ ،‬وانه ينبغى ان ل يستوحشوا‬
‫لقلتهم( " " )وانس المؤمنين بعضهم ببعض( " اليات‪ :‬قال تعالى‪ :‬وقليل‬
‫من عبادي الشكور )‪ .(1‬وقال‪ :‬وقليل ما هم )‪ .(2‬وقال‪ :‬وما آمن معه إل‬
‫قليل )‪ .(3‬وقال سبحانه‪ :‬بل أكثرهم ل يعقلون )‪ .(4‬وقال‪ :‬ولكن أكثرهم ل‬
‫يشكرون )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬سبأ‪ (2) 13 :‬ص‪ (3) .24 :‬هود‪ (4) .40 :‬العنكبوت‪ (5) .63 :‬يونس‪60 :‬‬
‫النمل‪.73 :‬‬

‫]‪[158‬‬

‫واقول‪ :‬مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الوهام العامية أن الكثرة‬
‫دليل الحقية‪ ،‬والقلة دليل البطلن‪ ،‬ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد‬
‫العظم‪ ،‬مع أن في أعصار جميع النبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف‬
‫أتباعهم وأولياءهم‪ ،‬وقد الكثير مدح القليل‪ ،‬الرب الجليل في التنزيل‪ ،‬وال‬
‫يهدي إلى سواء السبيل‪ - 1 .‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أيها‬
‫الناس ! ل تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله‪ ،‬فإن الناس اجتمعوا‬
‫على مائدة شبعها قصير‪ ،‬وجوعها طويل )‪ .(1‬بيان‪ :‬لما كانت العادة جارية‬
‫بأن يستوحش الناس من الوحدة‪ ،‬وقلة الرفيق في الطريق‪ ،‬لسيما إذا كان‬
‫طويل صعبا غير مأنوس‪ ،‬فنهى عن الستيحاش في تلك الطريق‪ ،‬وكنى به‬
‫عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة‪ ،‬بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم‪،‬‬
‫وكثرة مخالفيهم‪ ،‬كما أشرنا إليه‪ .‬وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة‬
‫الهلك‪ ،‬والسلمة مع الكثرة فنبههم عليه السلم على أنهم في طريق‬
‫الهدى والسلمة‪ ،‬وإن كانوا قليلين‪ ،‬ول يجوز مقايسة طرق الخرة بطرق‬
‫الدنيا‪ .‬ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى‪ ،‬وهي اجتماع الناس‬
‫على الدنيا فقال‪ " :‬فان الناس " واستعار للدنيا المائدة‪ ،‬لكونهما مجتمع‬
‫اللذات‪ ،‬وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها‪ ،‬وعن استعقاب النهماك فيها‬
‫للعذاب الطويل في الخرة بطول جوعها‪ .‬قيل‪ :‬ولفظ الجوع مستعار للحاجة‬
‫الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالت النفسانية‪،‬‬
‫وهو بسبب الغفلة في الدنيا‪ ،‬فلذلك نسب الجوع إليها‪ - 2 .‬صفات الشيعة‬
‫للصدوق‪ :‬باسناده عن المفضل بن قيس‪ ،‬عن أبي عبد ال‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة‪ ،442 :‬الخطبة ‪.199‬‬

‫]‪[159‬‬

‫عليه السلم قال‪ :‬قال لي‪ :‬كم شيعتنا بالكوفة ؟ قال‪ :‬قلت خمسون ألفا فما زال يقول‬
‫إلى أن قال‪ :‬وال لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجل يعرفون‬
‫أمرنا الذي نحن عليه‪ ،‬ول يقولون علينا إل الحق )‪ - 3 .(1‬كا‪ :‬عن محمد‬
‫بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن قتيبة‬
‫العشى قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬المؤمنة أعز من‬
‫المؤمن‪ ،‬و المؤمن أعز من الكبريت الحمر‪ ،‬فمن رأى منكم الكبريت‬
‫الحمر ؟‪ (2) .‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬عز يعز عزا وعزة بكسرهما صار‬
‫عزيزا‪ ،‬كتعزز و وقوي بعد ذلة‪ ،‬والشئ قل‪ ،‬فل يكاد يوجد‪ ،‬فهو عزيز )‬
‫‪ ،(3‬وقال‪ " :‬الكبريت " من الحجارة الموقد بها‪ ،‬والياقوت الحمر‪،‬‬
‫والذهب‪ ،‬وجوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل )‪ (4‬انتهى‪ .‬والمشهور أن‬
‫الكبريت الحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الكسير‪،‬‬
‫وحاصل الحديث‪ :‬أن المرأة المتصفة بصفات اليمان أقل وجودا من الرجل‬
‫المتصف بها‪ ،‬والرجل المتصف بها أعز وجودا من الكسير الذي ل يكاد‬
‫يوجد‪ ،‬ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله‪ " :‬فمن رأى منكم " ؟ وهو‬
‫استفهام انكاري‪ ،‬أي إذا لم تروا الكبريت الحمر‪ ،‬فكيف تطمعون في رؤية‬
‫المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه أو في كثرته‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن العدة‪،‬‬
‫عن سهل‪ ،‬عن ابن أبي نجران‪ ،‬عن مثنى الحناط‪ ،‬عن كامل التمار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول‪ :‬الناس كلهم بهائم ‪ -‬ثلثا ‪ -‬إل قليل من‬
‫المؤمنين‪ ،‬والمؤمن غريب ‪ -‬ثلث مرات )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬صفات الشيعة ص ‪ (2) .170‬الكافي ج ‪ (3) .242 :2‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪.182‬‬
‫)‪ (4‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .155‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪242‬‬

‫]‪[160‬‬

‫بيان‪ " :‬كلهم بهائم "‪ :‬أي شبيه بها في عدم العقل وإدراك الحق‪ ،‬وغلبة الشهوات‬
‫النفسانية على القوى العقلنية‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬إن هم إل كالنعام بل هم‬
‫أضل سبيل " " إل قليل " كذا في أكثر النسخ‪ ،‬وفي بعضها " إل قليل "‬
‫وهو أصوب‪ " .‬المؤمن غريب " لنه قلما يجد مثله فيسكن إليه‪ ،‬فهو بين‬
‫الناس كالغريب الذي بعد عن أهله ووطنه ودياره‪ " ،‬ثلث مرات " أي قال‬
‫هذا الكلم ثلث مرات وكذا قوله‪ " :‬ثلثا " وفي بعض النسخ " عزيز "‬
‫مكان " غريب "‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن‬
‫رئاب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول لبي بصير‪ :‬أما وال لو‬
‫أني أجد منكم ثلثة مؤمنين يكتمون حديثي‪ ،‬ما استحللت أن أكتمهم حديثا )‬
‫‪ .(1‬بيان‪ " :‬ثلثة مؤمنين " ثلثة إما بالتنوين‪ ،‬ومؤمنين صفتها‪ ،‬أو‬
‫بالضافة فمؤمنين تميز‪ ،‬ويدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن‬
‫يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل‪ ،‬وأنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة‪،‬‬
‫كما كانوا يتقون من المخالفين‪ ،‬لنهم كانوا يذيعون‪ ،‬فيصل ذلك إما إلى‬
‫خلفاء الجور‪ ،‬فيتضررون عليهم السلم منهم‪ ،‬أو إلى نواقص العقول الذين‬
‫ل يمكنهم فهمها‪ ،‬فيصير سببا لضللتهم‪ .‬ويمكن أن يقال في سبب تعيين‬
‫الثلثة‪ :‬إن الواحد ل يمكنه ضبط السر‪ ،‬و كذا الثنان‪ ،‬وأما إذا كانوا ثلثة‬
‫فيأنس بعضهم ببعض‪ ،‬ويذكرون ذلك فيما بينهم فل يضيق صدرهم‪،‬‬
‫ويخف عليهم الستتار عن غيرهم كما هو المجرب‪ - 6 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫الحسن‪ ،‬وعلي بن محمد بن بندار‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد ال بن‬
‫حماد النصاري‪ ،‬عن سدير الصيرفي قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال عليه‬
‫السلم فقلت له‪ :‬وال ما يسعك القعود‪ ،‬قال‪ :‬ولم يا سدير ؟ قلت‪ :‬لكثرة‬
‫مواليك و شيعتك وأنصارك‪ ،‬وال لو كان لمير المؤمنين عليه السلم مالك‬
‫من الشيعة والنصار و والموالي‪ ،‬ما طمع فيه تيم ول عدي‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪242 :2‬‬


‫]‪[161‬‬

‫فقال‪ :‬يا سدير ! كم عسى أن يكونوا ؟ قلت‪ :‬مائة ألف‪ .‬قال‪ :‬مائة ألف ؟ قلت‪ :‬نعم‬
‫ومائتي ألف‪ ،‬فقال‪ :‬ومائتي ألف ؟ قلت‪ :‬نعم ونصف الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فسكت‬
‫عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع ؟ قلت‪ :‬نعم فأمر بحمار‬
‫وبغل أن يسرجا‪ ،‬فبادرت فركبت الحمار‪ ،‬فقال‪ :‬يا سدير ترى أن تؤثرني‬
‫بالحمار ؟ قلت‪ :‬البغل أزين وأنبل‪ ،‬قال‪ :‬الحمار أرفق بي‪ ،‬فنزلت‪ ،‬فركب‬
‫الحمار‪ ،‬وركبت البغل‪ .‬فمضينا فحانت الصلة‪ ،‬فقال‪ :‬يا سدير انزل بنا‬
‫نصلي‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه أرض سبخة ل يجوز الصلة فيها‪ ،‬فسرنا حتى صرنا‬
‫إلى أرض حمراء‪ ،‬ونظر إلى غلم يرعى جداء‪ ،‬فقال‪ :‬وال يا سدير لو كان‬
‫لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا‪ ،‬فلما فرغنا من‬
‫الصلة عطفت إلى الجداء‪ ،‬فعددتها فإذا هي سبعة عشر )‪ .(1‬بيان‪ :‬سدير‬
‫كأمير‪ " ،‬ما يسعك القعود " أي ترك القتال والجهاد‪ ،‬وفي المصباح‪ :‬قعد‬
‫عن حاجته‪ :‬تأخر عنها‪ ،‬و " الموالي " الحباء المخلصون من الشيعة و‬
‫" تيم " قبيلة أبي بكر‪ ،‬و " عدي " قبيلة عمر‪ :‬أي ما طمع من غصب‬
‫خلفته التيمي والعدوي‪ ،‬أو قبيلتهما‪ " ،‬قال مائة ألف " على سبيل‬
‫التعجب والنكار‪ " ،‬يخف عليك " بكسر الخاء أي يسهل ول يثقل‪ ،‬وفي‬
‫القاموس‪ :‬خف القوم‪ :‬ارتحلوا مسرعين‪ .‬وقال‪ " :‬ينبع " كينصر حصن له‬
‫عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر )‪ (2‬وفي النهاية‪ :‬على سبع‬
‫مراحل من المدينة من جهة البحر انتهى‪ ،‬وقيل‪ :‬على أربع مراحل وهو من‬
‫أوقاف أمير المؤمنين عليه السلم‪ ،‬وهو عليه السلم أجرى عينه‪ ،‬كما‬
‫يظهر من الخبار‪ " .‬أن يسرجا " بدل اشتمال لقوله‪ :‬حمار وبغل‪ " ،‬أزين‬
‫" أي الزينة في‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 242‬القاموس ج ‪.87 :3‬‬

‫]‪[162‬‬

‫ركوبه أكثر‪ ،‬وعند الناس أحسن‪ ،‬وفي القاموس‪ " :‬النبل " بالضم الذكاء والنجابة‬
‫نبل ككرم نبالة فهو نبيل‪ ،‬وامرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة‪ ،‬وكذا الناقة‬
‫أو الفرس‪ ،‬والرجل )‪ ،(1‬والحاصل أني إنما اخترت لك البغل لنه أشرف‬
‫وأفضل واختار عليه السلم الحمار‪ ،‬لن التواضع فيه أكثر‪ ،‬مع سهولة‬
‫الركوب والنزول والسير‪ " .‬فحانت الصلة " أي قرب أو دخل وقتها‪ ،‬في‬
‫القاموس‪ :‬حان يحين‪ :‬قرب وآن‪ ،‬وكان المر بالنزول أول ثم العراض‬
‫عنه للتنبيه على عدم جواز الصلة فيها وفي المشهور محمول على‬
‫الكراهة إل أن يحصل الستقرار‪ ،‬وسيأتي في كتاب الصلة‪ " :‬وكره‬
‫الصلة في السبخة إل أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا "‬
‫وسنتكلم عليه إنشاء ال‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬الجدي من ولد المعز‪ ،‬وثلثة‪:‬‬
‫أجد فإذا كثرت فهي الجداء‪ ،‬ول تقل الجدايا ول الجدى بكسر الجيم )‪(2‬‬
‫وقال‪ " :‬عطفت " أي ملت ويومئ إلى أن الصاحب عليه السلم مع كثرة‬
‫من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد وقيل‪ :‬أي لبد أن يكون‬
‫في عسكر المام عليه السلم هذا العدد من المخلصين‪ ،‬حتى يمكنه طلب‬
‫حقه بهذا العسكر‪ ،‬ل أن هذا العدد كاف في جواز الخروج‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان عن‬
‫عمار بن مروان‪ ،‬عن سماعة بن مهران‪ ،‬قال‪ :‬قال لي عبد صالح عليه‬
‫السلم‪ :‬يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني‪ ،‬أما وال لقد كانت الدنيا‪،‬‬
‫وما فيها إل واحد يعبد ال‪ ،‬ولو كان معه غيره لضافه ال عزوجل إليه‬
‫حيث يقول‪ " :‬إن إبراهيم كان امة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشركين " )‬
‫‪ (3‬فصبر )‪ (4‬بذلك ما شاء ال‪ ،‬ثم إن ال آنسه باسماعيل وإسحاق‪،‬‬
‫فصاروا ثلثة‪.‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪ (2) .54‬الصحاح‪ (3) .2299 :‬النحل‪ (4) .120 :‬فغبر‪ ،‬خ‬
‫ل ‪ -‬كما في متن الكافي‪.‬‬

‫]‪[163‬‬

‫أما وال إن المؤمن لقليل‪ ،‬وإن أهل الكفر كثير‪ ،‬أتدري لم ذاك ؟ فقلت‪ :‬ل أدري‬
‫جعلت فداك‪ ،‬فقال‪ :‬صيروا انسا للمؤمنين‪ ،‬يبثون إليهم ما في صدروهم‬
‫فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه‪ (1) .‬بيان‪ " :‬أخافوني " أي بالذاعة‬
‫وترك التقية‪ ،‬والضمير في " أمنوا " راجع إلى المدعين للتشيع‪ ،‬الذين لم‬
‫يطيعوا أئمتهم في التقية‪ ،‬وترك الذاعة‪ ،‬وأشار بذلك إلى أنهم ليسوا‬
‫بشيعة لنا‪ ،‬ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله‪ " :‬لقد‬
‫كانت الدنيا وما فيها " الواو للحال‪ ،‬و " ما " نافية‪ " ،‬ولو كان معه غيره‬
‫" أي من أهل اليمان‪ " ،‬لضافه ال عزوجل إليه " لن الغرض ذكر أهل‬
‫اليمان‪ ،‬التاركين للشرك‪ ،‬حيث قال‪ " :‬ولم يك من المشركين " فلو كان‬
‫معه غيره من المؤمنين لذكره معه‪ " .‬إن إبراهيم كان امة " قال في مجمع‬
‫البيان‪ (2) :‬اختلف في معناه‪ ،‬فقيل‪ :‬قدوة ومعلما للخير‪ ،‬قال ابن العرابي‪:‬‬
‫يقال للرجل العالم‪ :‬امة‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد إمام هدى‪ ،‬وقيل‪ :‬سماه امة لن قوام‬
‫المة كان فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬لنه قام بعمل امة‪ ،‬وقيل‪ :‬لنه انفرد في دهره‬
‫بالتوحيد‪ ،‬فكان مؤمنا وحده والناس كفار‪ " .‬قانتا ل " أي مطيعا دائما‬
‫على عبادته‪ ،‬وقيل‪ :‬مصليا‪ " ،‬حنيفا " أي مستقيما على الطاعة وطريق‬
‫الحق وهو السلم‪ " ،‬ولم يك من المشركين " بل كان موحدا انتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يحتمل أن يكون " من " للبتداء أي لم يكن في آبائه مشرك‪ ،‬وهو‬
‫بعيد‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬في حديث قس إنه يبعث يوم القيامة امة واحدة‪ ،‬المة‪:‬‬
‫الرجل المتفرد بدين‪ ،‬كقوله تعالى‪ " :‬إن إبراهيم كان امة قانتا ل " انتهى‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬كأن هذا كان بعد وفات لوط عليه السلم أو أنه لما لم يكن معه‪،‬‬
‫وكان مبعوثا على قوم آخر‪ ،‬لم يكن ممن يؤنسه ويقويه على أمره في‬
‫قومه‪ " ،‬فغبر بذلك "‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .243 :2‬مجمع البيان ج ‪.391 :6‬‬

‫]‪[164‬‬

‫في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة‪ ،‬أي مكث أو مضى وذهب‪ ،‬كما في‬
‫القاموس‪ ،‬فعلى الول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫فاعله ما شاء ال‪ ،‬وفي بعض النسخ " فصبر " فهو موافق للول‪ ،‬وفي‬
‫بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني‪ " .‬وإن أهل الكفر كثير " المراد‬
‫بالكفر هنا مقابل اليمان الكامل‪ ،‬كما قال سبحانه‪ " :‬وما يؤمن أكثرهم بال‬
‫إل وهم مشركون " )‪ " ،(1‬أتدري لم ذاك " هذا بيان لحقية هذا الكلم أي‬
‫قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لن ال تعالى لم جعل‬
‫هؤلء في صورة المؤمنين ؟ أولم خلقهم ؟ والمعنى على التقادير أن ال‬
‫جعل هؤلء المتشيعة انسا للمؤمنين لئل يستوحشوا لقلتهم أو يكون علة‬
‫لخروج هؤلء عن اليمان‪ ،‬فالمعنى أن ال تعالى جعل المخالفين انسا‬
‫للمؤمنين " فيبثون " أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم‪ ،‬فبذلك‬
‫خرجوا عن اليمان‪ .‬ويؤيد الحتمالت المتقدمة خبر علي بن جعفر )‪" (2‬‬
‫فيستريحون إلى ذلك " " إلى " بمعنى " " مع "‪ ،‬أو ضمن في متعلقه‬
‫معنى التوجه ونحوه‪ - 8 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن محمد بن أورمة‪،‬‬
‫عن النضر‪ ،‬عن يحيى ابن أبي خالد القماط‪ ،‬عن حمران بن أعين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬جعلت فداك ما أقلنا ؟ لو اجتمعنا على شاة ما‬
‫أفنيناها ! فقال‪ :‬أل احدثك بأعجب من ذلك ؟ المهاجرون والنصار ذهبوا‬
‫إل ‪ -‬وأشار بيده ‪ -‬ثلثة ‪ -‬قال حمران‪ :‬فقلت‪ :‬جعلت فداك ما حال عمار ؟‬
‫قال‪ :‬رحم ال عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا‪ .‬فقلت في نفسي‪ :‬ما شئ‬
‫أفضل من الشهادة‪ ،‬فنظر إلي فقال‪ :‬لعلك ترى أنه مثل الثلثة أيهات‬
‫أيهات‪ .(3) .‬بيان‪ " :‬ما أقلنا " صيغة تعجب‪ " ،‬ما أفنيناها " أي ما نقدر‬
‫على أكل جميعها " وأشار " كلم الراوي‪ ،‬والمراد به الشارة بثلثة‬
‫أصابع من يده عليه السلم و " ثلثة " كلم المام‪ ،‬والمراد بالثلثة‪:‬‬
‫سلمان وأبو ذر والمقداد‪ ،‬كما روى الكشي‬
‫)‪ (1‬يوسف‪ (2) .106 :‬التى تحت الرقم ‪ (3) 9‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪244‬‬

‫]‪[165‬‬

‫عن الباقر )‪ (1‬عليه السلم أنه قال‪ :‬ارتد الناس إل ثلثة نفر سلمان وأبو ذر‬
‫والمقداد‪ .‬قال الراوي‪ :‬فقلت‪ :‬فعمار قال‪ :‬كان جاض جيضة ثم رجع‪ ،‬ثم إن‬
‫أردت الذي لم يشك‪ ،‬ولم يدخله شئ‪ ،‬فالمقداد‪ ،‬فأما سلمان فإنه عرض في‬
‫قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلم اسم ال العظم لو تكلم به لخذتهم‬
‫الرض وهو هكذا‪ ،‬وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت‪ ،‬ولم يأخذه‬
‫في ال لومة لئم‪ ،‬فأبى إل أن يتكلم‪ " ،‬جاض " أي عدل عن الحق ومال‪.‬‬
‫وقال الجوهري‪ " (2) :‬هيهات " كلمة تبعيد‪ ،‬والتاء مفتوحة مثل كيف‬
‫وأصلها هاء‪ ،‬وناس يكسرونها على كل حال‪ ،‬بمنزلة نون التثنية‪ ،‬وقد تبدل‬
‫الهاء ]الولى[ همزة فيقال‪ :‬أيهات‪ ،‬مثل هراق وأراق‪ .‬قال الكسائي‪ :‬ومن‬
‫كسر التاء وقف عليها بالهاء‪ ،‬فقال‪ :‬هيهاه‪ ،‬ومن نصبها وقف بالتاء وإن‬
‫شاء بالهاء‪ - 9 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن أجمد بن‬
‫محمد بن عبد ال عن علي بن جعفر قال‪ :‬سمعت أبا الحسن عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬ليس كل من يقول بوليتنا مؤمنا ولكن جعلوا انسا للمؤمنين‪(3) .‬‬
‫‪ - 10‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى بن عبيد‪ ،‬عن يونس‬
‫عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن ليسكن إلى‬
‫المؤمن‪ ،‬كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد‪ (4) .‬بيان‪ " :‬إلى المؤمن "‬
‫قيل " إلى " بمعنى " مع "‪ ،‬وأقول‪ :‬كأن فيه تضمينا‪ ،‬وهذا تشبيه كامل‬
‫للمعقول بالمحسوس‪ ،‬فان للظمآن اضطرابا في فراق الماء‪ ،‬ويشتد طلبه‬
‫له‪ ،‬فإذا وجده استقر وسكن‪ ،‬ويصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن‬
‫يشتد شوقه إلى المؤمن‪ ،‬وتعطشه في لقائه‪ ،‬فإذا وجده سكن‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ (2) .16‬الصحاح‪ (3) 2258 :‬الكافي ج ‪(4) .245 :2‬‬
‫الكافي ج ‪.247 :2‬‬

‫]‪[166‬‬

‫ومال إليه‪ ،‬ويحيى به حياة طيبة روحانية‪ ،‬فانه يصير سببا لقوة إيمانه‪ ،‬وإزالة‬
‫شكوكه وشبهاته وزوال وحشته‪ .‬وقيل‪ :‬هذا السكون ينشأ من أمرين‪،‬‬
‫أحدهما التحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مر‪،‬‬
‫والمتجانسان يميل أحدهما إلى الخر‪ ،‬وكلما كان التناسب والتجانس أكمل‪،‬‬
‫كان الميل أعظم‪ ،‬كما روي أن الرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف‪،‬‬
‫وما تناكر منها اختلف‪ ،‬وثانيهما المحبة لن المؤمن لكمال صورته‬
‫الظاهرة والباطنة بالعلم واليمان والخلق والعمال محبوب القلوب وتلك‬
‫الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة‪ ،‬وقد تكون سببا للمحبة والسكون باذن‬
‫ال تعالى وبسبب العلقة في الواقع‪ ،‬وإن لم يعلم تفصيلها‪) * - 9 .‬باب( *‬
‫" )اصناف الناس في اليمان( " * اليات * التوبة‪ :‬العراب أشد كفرا‬
‫ونفاقا وأجدر أن ل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله وال عليم حكيم‬
‫* ومن العراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة‬
‫السوء وال سميع عليم * ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر‬
‫ويتخد ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول أل إنها قربة لهم‬
‫سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم )‪ ،(1‬الشعراء‪ :‬ولو نزلناه‬
‫على بعض العجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬البراءة ‪ (2) .99 - 97‬الشعراء‪.198 :‬‬

‫]‪[167‬‬

‫محمد‪ :‬وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم )‪ .(1‬تفسير‪" :‬‬
‫العراب أشد كفرا ونفاقا " العراب سكان البادية الذين لم يهاجروا إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال الراغب‪ :‬العرب أولد إسماعيل‪ ،‬والعراب‬
‫جمعه في الصل‪ ،‬وصار ذلك إسما لسكان البادية‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬قالت‬
‫العراب آمنا " وقال‪ " :‬العراب أشد كفرا ونفاقا " انتهى )‪ .(2‬وكونهم‬
‫أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وجفائهم و نشوهم‬
‫في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل‪ " ،‬وأجدر أن ل يعلموا " أي‬
‫أحق بأن ل يعلموا " حدود ما أنزل ال على رسوله " من الشرائع‬
‫فرائضها وسننها و أحكامها " وال عليم " يعلم حال كل أحد من أهل‬
‫الوبر والمدر‪ " ،‬حكيم " فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا‪.‬‬
‫" ومن العراب من يتخذ " أي يعد " ما ينفق " أي يصرفه في سبيل ال‬
‫ويتصدق به‪ " ،‬مغرما " أي غرامة وخسرانا إذ ل يحتسبه عند ال‪ ،‬ول‬
‫يرجو عليه ثوابا و إنما ينفق رئاء وتقية‪ " ،‬ويتربص بكم الدوائر " أي‬
‫ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث اليام من الموت والقتل والمغلوبية‪،‬‬
‫فيرجع إلى دين المشركين و يتخلص من النفاق‪ " ،‬عليهم دائرة السوء "‬
‫اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه أو إخبار عن وقوع ما‬
‫يتربصون عليهم " وال سميع " لما يقولون عند النفاق وغيره " عليم‬
‫" بما يضمرون‪ " .‬قربات " أي سبب قربات‪ " ،‬وصلوات الرسول " أي‬
‫وسبب دعواته‪ ،‬لنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة‪ ،‬ويستغفر لهم‬
‫" أل إنها قربة لهم " شهادة من ال لهم بصحة معتقدهم‪ ،‬وتصديق‬
‫لرجائهم‪ " ،‬سيدخلهم ال " وعد لهم باحاطة الرحمة عليهم " إن ال‬
‫غفور رحيم " تقرير له‪..‬‬

‫)‪ (1‬القتال‪ (2) .38 :‬المفردات ‪ ،238‬وفيه العراب ولد اسماعيل‪.‬‬

‫]‪[168‬‬

‫" ما كانوا به مؤمنين " )‪ (1‬لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع العجم‪ ،‬وما قيل‪:‬‬
‫من أن المراد بالعجمين البهائم‪ ،‬فهو في غاية البعد‪ " .‬وإن تتولوا " )‪(2‬‬
‫عطف على " وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم " )‪ (3‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم‪ :‬يعني عن ولية أمير المؤمنين عليه السلم‪ " .‬يستبدل قوما‬
‫غيركم " أي يقم مكانكم قوما آخرين‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬يدخلهم في‬
‫هذا المر‪ " ،‬ثم ل يكونوا أمثالكم " قال‪ :‬في معاداتكم و خلفكم وظلمكم‬
‫لل محمد عليه وعليهم السلم‪ .‬قال في المجمع‪ " :‬وإن تتولوا "‪ :‬أي‬
‫تعرضوا عن طاعته‪ ،‬وعن أمر رسوله " يستبدل قوما غيركم " أمثل‬
‫وأطوع منكم‪ " ،‬ثم ل يكونوا أمثالكم " بل يكونوا خيرا منكم‪ ،‬وأطوع ل‬
‫منكم‪ .‬وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله قالوا‪ :‬يا رسول ال من هؤلء الذين ذكر ال في كتابه ؟ وكان سلمان‬
‫إلى جنب رسول ال فضرب صلى ال عليه وآله يده على فخذ سلمان‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هذا وقومه‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو كان اليمان منوطا بالثريا‪،‬‬
‫لتناوله رجال من فارس‪ .‬وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫إن تتولوا يا معشر العرب‪ ،‬يستبدل قوما غيركم‪ ،‬يعني الموالي‪ ،‬وعن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قد وال أبدل بهم خيرا منهم الموالي )‪- 1 .(4‬‬
‫مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن هارون‬
‫عن أبي يحيى الواسطي‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬قال‪ :‬قال رجل لبي عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن الناس يقولون من لم يكن عربيا صلبا ومولى صريحا‪ ،‬فهو‬
‫سفلي‪ ،‬فقال‪ :‬وأي‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ (2) .198 :‬القتال‪ (3) .38 :‬القتال‪ (4) .36 :‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص‬
‫‪.108‬‬

‫]‪[169‬‬

‫شئ المولى الصريح ؟ فقال له الرجل‪ :‬من ملك أبواه‪ ،‬قال‪ :‬ولم قالوا هذا ؟ قال‪:‬‬
‫لقول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬مولى القوم من أنفسهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫سبحان ال أما بلغك أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬أنا مولى من ل‬
‫مولى له‪ ،‬أنا مولى كل مسلم‪ ،‬عربيها و عجميها‪ ،‬فمن والى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬أليس يكون من نفس رسول ال ؟‪ .‬ثم قال‪ :‬أيهما‬
‫أشرف ؟ من كان من نفس رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬أو من كان من‬
‫نفس أعرابي جلف بائل على عقبيه ؟ ثم قال عليه السلم‪ :‬من دخل في‬
‫السلم رغبة خير ممن دخل رهبة‪ ،‬ودخل المنافقون رهبة‪ ،‬والموالي‬
‫دخلوا رغبة‪ (1) ،‬بيان‪ :‬في القاموس‪ " :‬الصلب " بالضم‪ :‬الشديد‪،‬‬
‫والحسب‪ ،‬والقوة وقال‪ " :‬الصريح "‪ :‬الخالص من كل شئ‪ ،‬وقال )‪" :(2‬‬
‫السفل والسفلة " بكسرهما نقيض العلو‪ ،‬وقد سفل ككرم‪ ،‬وعلم‪ ،‬ونصر‪،‬‬
‫سفال وسفول وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفل ويضم وسفال‬
‫ككتاب وفي الشئ سفول نزل من أعله إلى أسفله‪ ،‬وسفلة الناس بالكسر‬
‫كفرحة أسافلهم وغوغاؤهم‪ " .‬مولى القوم من أنفسهم " كأن غرضه‬
‫صلى ال عليه وآله حثهم على إكرام مواليهم ومعتقيهم‪ ،‬ورعايتهم وعدم‬
‫الزراء بشأنهم وتعييرهم بخسة نسبهم‪ ،‬ل أنهم في حكمهم في جميع‬
‫المور‪ ،‬كما فهمه بعض العامة‪ ،‬قال في النهاية‪ :‬في حديث الزكاة مولى‬
‫القوم منهم‪ ،‬الظاهر من المذهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب‬
‫ل يحرم عليهم أخذ الزكوة‪ ،‬لنتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم‬
‫والمطلب‪ ،‬وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها‬
‫لهذا الحديث‪ .‬ووجه الجمع بين الحديث‪ ،‬ونفي التحريم‪ ،‬أنه إنما قال هذا‬
‫القول تنزيها لهم وبعثا على التشبه بسادتهم‪ ،‬والستنان بسنتهم في‬
‫اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس‪.‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) 405 :‬القاموس ج ‪.396 :3‬‬

‫]‪[170‬‬

‫وأقول‪ :‬غرض القائل أنه ليس غير العرب من نجباء الناس‪ ،‬ولما قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬مولى القوم من أنفسهم فالمولى الصريح أيضا ملحق‬
‫بهم‪ ،‬فحمل الرواية على الحقيقة والعموم‪ ،‬وسائر الناس من أهل فارس‬
‫وغيرهم من سقاط الناس وأراذلهم‪ ،‬وليسوا من أكفاء العرب‪ ،‬كما كان‬
‫عمر لعنه ال يقوله‪ .‬وذلك أنه سمع من النبي صلى ال عليه وآله أن‬
‫أنصار علي وأهل بيته عليهم السلم يكونون من العجم‪ ،‬ولذا حكم بقتل‬
‫العجم جميعا لما استولى على بلد فارس‪ ،‬فمنعه أمير المؤمنين عليه‬
‫لسلم عن ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬سنوابهم سنة‬
‫أهل الكتاب‪ .‬فصار أولدهم من أهل العراق وغيرهم من أصحاب أئمتنا‬
‫صلوات ال عليهم وأنصارهم ومحل أسرارهم‪ ،‬ودونوا الصول‪ ،‬وانتشر‬
‫ببركتهم علوم أهل البيت صلوات ال عليهم في العالم‪ .‬وهذا الكلم الذي‬
‫نقله الراوي عن المتعصبين من المخالفين‪ ،‬الذين كانوا أعداء أهل البيت‬
‫وشيعتهم ومواليهم‪ ،‬كان مبنيا على ما ذكرنا‪ ،‬فأجاب عليه السلم متعجبا‬
‫من كلمهم بأن النبي صلى ال عليه وآله وإن قال‪ :‬مولى القوم من‬
‫أنفسهم‪ ،‬قال أيضا‪ :‬أنا مولى من ل مولى له‪ ،‬فالعجم كلهم رسول ال‬
‫مولهم‪ .‬وأيضا له صلى ال عليه وآله ولء كل مسلم من العرب والعجم‪،‬‬
‫أي هو أولى بامورهم وناصرهم‪ ،‬ومعينهم في الدنيا والخرة‪ ،‬وإن ماتوا‬
‫ول وارث لهم فهو وارثهم‪ ،‬وعليه نفقتهم إن كانوا فقراء‪ ،‬ويجب عليه‬
‫قضاء ديونهم‪ ،‬إن ماتوا ول مال لهم‪ ،‬من بيت مال المسلمين‪ ،‬وكذا بعده‬
‫أوصياؤه عليهم السلم مواليهم بتلك المعاني‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله باتفاق المخالف والمؤالف‪ :‬من كنت موله فعلي موله‪ .‬ثم بين‬
‫عليه السلم أنهم أشرف من الموالي الصريح‪ ،‬الذي ذكره الراوي‪ ،‬لنه‬
‫على مقتضى قوله إذا أعتق والدي رجل أعرابي جلف يبول على عقبيه‪،‬‬
‫ول يغسلهما للشقاق الذي فيهما‪ ،‬وكان ذلك عادتهم‪ ،‬ولذا أمرهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله بغسل رجليهم قبل الصلة‪ ،‬وقال‪ :‬ويل للعقاب من‬
‫النار‪ ،‬فتوهموا أن ذلك في الوضوء‬

‫]‪[171‬‬

‫كما ذكره الجزري في النهاية‪ .‬أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول‪ ،‬فيصل إلى‬
‫أرجلهم رشاشته ول يغسلونها‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬فكان )‪ (1‬هذا الرجل مولى‬
‫صريحا للعرب‪ ،‬وهو عندهم أشرف من العجم‪ ،‬مع أن العجم مولى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬بمقتضى الخبر الثاني‪ ،‬فهو من نفس رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله بمقتضى الخبر الول‪ ،‬فكيف ل يكون أشرف منه ومن‬
‫موله ؟ ثم بين عليه السلم بوجه آخر أن العجم الذين كانوا في ذلك الزمان‬
‫من شيعتهم وأصحابهم أفضل من العرب الذين يفتخرون هؤلء بالنتساب‬
‫بهم‪ ،‬فان " الموالي " أي أولد فارس دخلوا في السلم رغبة‪ ،‬وهم كانوا‬
‫منافقين أظهروا السلم خوفا ورهبة‪ ،‬فقوله‪ " :‬فمن والى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله " أي دخل في السلم ول مولى له وصار رسول ال موله‪،‬‬
‫و " الجلف " في أكثر النسخ بالجيم‪ ،‬في القاموس‪ :‬الجلف بالكسر‪ :‬الرجل‬
‫الجافي‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬الجلف‪ :‬الحمق‪ ،‬وفي بعض النسخ بالخاء المفتوحة‬
‫واللم الساكنة‪ ،‬وهو الردئ من كل شئ‪ - 2 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن الخطاب‪ ،‬عن علي بن محمد الشعث عن الدهقان‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫زيد‪ ،‬عن علي بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلم قال‪ :‬إنما‬
‫شيعتنا المعادن والشراف‪ ،‬وأهل البيوتات ومن مولده طيب‪ ،‬قال علي بن‬
‫جعفر‪ :‬فسألته عن تفسير ذلك فقال‪ :‬المعادن من قريش والشراف من‬
‫العرب وأهل البيوتات من الموالى ومن مولده طيب من أهل السواد )‪.(2‬‬
‫بيان‪ " :‬أهل السواد " أهل العراق‪ ،‬لن أصلهم كانوا من العجم‪ ،‬ثم اختلط‬
‫العرب بهم بعد بناء الكوفة‪ ،‬فل يعدون من العرب ول من العجم‪ ،‬قال في‬
‫المصباح‪ :‬العرب تسمي الخضر السود‪ ،‬لنه يرى كذلك على بعد‪ ،‬ومنه‬
‫سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه‪ - 3 .‬ع‪ :‬القطان‪ ،‬عن السكري‪ ،‬عن‬
‫الجوهري‪ ،‬عن ابن عمارة‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬سمعت الصادق جعفر بن محمد‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬المؤمن علوي‪ ،‬لنه عل في المعرفة‬

‫)‪ (1‬جواب قوله‪ " :‬إذا أعتق "‪ (2) .‬معاني الخبار‪.158 :‬‬

‫]‪[172‬‬

‫والمؤمن هاشمي لنه هشم الضللة‪ ،‬والمؤمن قرشي‪ ،‬لنه أقر بالشئ المأخوذ عنا‪،‬‬
‫والمؤمن عجمي‪ ،‬لنه استعجم عليه أبواب الشر‪ ،‬والمؤمن عربي لن نبيه‬
‫صلى ال عليه وآله عربي‪ ،‬وكتابه المنزل بلسان عربي مبين‪ ،‬والمؤمن‬
‫نبطي‪ ،‬لنه استنبط العلم‪ ،‬والمؤمن مهاجري‪ ،‬لنه هجر السيئات‪ ،‬والمؤمن‬
‫أنصاري‪ ،‬لنه نصر ال ورسوله وأهل بيت رسول ال‪ ،‬والمؤمن مجاهد‪،‬‬
‫لنه يجاهد أعداء ال عز وجل في دولة الباطل بالتقية‪ ،‬وفي دولة الحق‬
‫بالسيف )‪ .(1‬بيان‪ :‬كأن المقصود من هذه الرواية أن مناط الشرف‬
‫والفضل والكرامة اليمان والتقوى والعمل الصالح‪ ،‬فإذا انضمت إليه سائر‬
‫الجهات كانت أحسن وأشرف‪ ،‬وإن افترقتا‪ ،‬فصاحب اليمان والنقوي‬
‫أشرف‪ ،‬وبالكرامة أحرى‪ .‬بل يمكن إثبات تلك الصفات له أيضا‪ ،‬لنه‬
‫متصف بما هو مناط الشرف فيها فالمؤمن علوي لن فضل العلوي من‬
‫جهة النتساب إلى علي عليه السلم من جهة النسب وفضله عليه السلم‬
‫من جهة كماله في اليمان والمعرفة‪ .‬والعلم والعمل‪ ،‬فمن انتسب إليه عليه‬
‫السلم بهذه الجهات‪ ،‬كان انتسابه الروحاني إليه أقوى من النتساب‬
‫الجسماني‪ ،‬من جهة النسب فقط‪ ،‬فهو علوي لعلوه في المعرفة‪ ،‬وانتسابه‬
‫إليه من هذه الجهة‪ .‬وكذا الهاشمي لن شرافة النتساب إلى هاشم إما‬
‫لشرفه‪ ،‬أو لشرف الرسول صلى ال عليه وآله فإن النتساب إليه يستلزم‬
‫قرابته‪ ،‬فعلى الول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصياء إبراهيم عليه‬
‫السلم وكسره للضللة والبدع أقوى من إطعامه وكسره للثريد‪ ،‬فالنتساب‬
‫إليه من هذه الجهة أقوى‪ ،‬والمؤمن منسوب إليه من تلك الجهة‪ ،‬وأما على‬
‫الثاني فظاهر بتقريب ما مر في العلوي‪ .‬قال الفيروز آبادي )‪ " :(2‬الهشم‬
‫" كسر الشئ اليابس‪ ،‬أو الجوف‪ ،‬أو كسر العظام‪ ،‬والرأس خاصة‪ ،‬أو‬
‫الوجه والنف‪ ،‬أو كل شئ‪ ،‬وهاشم أبو عبد المطلب‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .152‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ .190‬وقد مر نقله فيما‬
‫سبق‪.‬‬
‫]‪[173‬‬

‫واسمه عمرو‪ ،‬لنه أول من ثرد الثريد وهشمه‪ .‬وهذا البيان بوجهه جاء في‬
‫القرشي‪ ،‬وقوله " لنه أقر بالشئ " لرعاية المناسبة اللفظية‪ ،‬ل لبيان‬
‫جهة الشتقاق‪ ،‬وإن أمكن حمله على الشتقاق الكبير‪ .‬قال في القاموس )‬
‫‪ :(1‬قرشه يقرشه ويقرشه‪ :‬قطعه وجمعه من ههنا وههنا وضم بعضه إلى‬
‫بعض‪ ،‬ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرام‪ ،‬أو لنهم كانوا يتقرشون البياعات‬
‫فيشترونها‪ ،‬أو لن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما‪ ،‬فقالوا‪ :‬تقرش أو‬
‫لنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش‪ ،‬أي شديد‪ ،‬أو لن قصيا كان‬
‫يقال له‪ :‬القرشي‪ ،‬أو لنهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها إلى أن‬
‫قال‪ :‬والنسبة قرشي وقريشي‪ .‬وقال‪ " (2) :‬العجم " بالضم وبالتحريك‬
‫خلف العرب‪ ،‬والعجم‪ :‬من ل يفصح كالعجمي‪ ،‬والخرس والعجمي من‬
‫جنسه العجم وإن أفصح‪ ،‬وأعجم فلن الكلم‪ :‬ذهب به إلى العجمة‪،‬‬
‫واستعجم‪ :‬سكت‪ ،‬والقراءة‪ :‬لم يقدر عليها لغلبة النعاس‪ .‬وفي النهاية‪ :‬كل‬
‫من ل يقدر على الكلم‪ ،‬فهو أعجم ومستعجم‪ ،‬ومنه الحديث فإذا قام أحدكم‬
‫من الليل فاستعجم القرآن على لسانه‪ :،‬أي ارتج عليه فلم يقدر أن يقرء‪،‬‬
‫كأنه صار عجمة انتهى‪ .‬والحاصل‪ :‬أنه ل يهتدي إلى الشر‪ ،‬ول يأتي منه‬
‫إل الخير‪ ،‬فهو على بناء المجهول‪ ،‬ويحتمل المعلوم‪ ،‬وسيأتي الكلم في‬
‫النبطي‪ ،‬وسائر الفقرات ظاهرة مما مر‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى أن‬
‫المؤمن لشرفه وكماله يمكن أن يطلق عليه كل من هذه اللفاظ بوجه‬
‫حسن‪ ،‬وإن كان قريبا مما مر‪ ،‬أو المعنى أنه من أي هذه الصناف كان‪،‬‬
‫فاطلقه عليه بوجه حسن يتضمن مدحا عظيما‪ ،‬والول أظهر‪ - 4 .‬فس‪" :‬‬
‫ولو نزلناه على بعض العجمين فقرأه ما كانوا به مؤمنين " )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 283 :2‬و ‪ (2) .284‬المصدر ج ‪ (3) .147 :4‬الشعراء‪.198 :‬‬

‫]‪[174‬‬

‫قال الصادق عليه السلم‪ :‬لو نزل القرآن على العجم‪ ،‬ما آمنت به العرب‪ ،‬وقد نزل‬
‫على العرب‪ ،‬فآمنت به العجم‪ .‬فهذه فضيلة العجم‪ - 5 .‬فس‪ :‬عن محمد‬
‫الحميري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن السندي بن محمد‪ ،‬عن يونس بن يعقوب‪ ،‬عن‬
‫يعقوب بن قيس‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا ابن قيس " وإن‬
‫تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم " )‪ (1‬عنى أبناء الموالي‬
‫المعتقين‪ - 6 .‬ب‪ :‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن علوان‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لو كان العلم‬
‫منوطا بالثريا لتناولته رجال من فارس )‪ - 7 (2‬ب‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وآله في فارس‪ :‬ضربتموهم على تنزيله ول تنقضي‬
‫الدنيا حتى يضربوكم على تأويله‪ - 8 (3) .‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن‬
‫هاشم‪ ،‬عن عبد ال بن حماد‪ ،‬عن شريك‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تسبوا قريشا‪ ،‬ول‬
‫تبغضوا العرب‪ ،‬ول تذلوا الموالي‪ ،‬ول تساكنوا الخوز‪ ،‬ول تزوجوا إليهم‪،‬‬
‫فان لهم عرقا يدعوهم إلى غير الوفاء )‪ .(4‬بيان‪ " :‬الموالي " المعتقون‬
‫وأبناؤهم‪ ،‬ومن لحق بقبيلة وليس منهم‪ ،‬وكان المراد في الخبار العجم‪،‬‬
‫فان أولد الفرس غلب العرب على آبائهم‪ ،‬فكأنهم أعتقوهم‪ ،‬أو أنهم‬
‫ليمانهم الحقوا بأئمتهم‪ ،‬فصاروا موالي العرب‪ ،‬وفي القاموس )‪" (5‬‬
‫الخوز " بالضم‪ :‬جيل من الناس‪ ،‬واسم لجميع بلد خوزستان‪ - 9 .‬ع‪ :‬عن‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن أبي بكر‬
‫الحضرمي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن الرجل يفتري‬
‫على الرجل‬

‫)‪ (1‬القتال‪ (2) .38 :‬قرب السناد‪ 52 :‬ط حجري‪ (3) .‬قرب السناد ص ‪(4) 52‬‬
‫علل الشرائع ج ‪ (5) .79 :2‬القاموس ج ‪.175 :2‬‬

‫]‪[175‬‬

‫من جاهلية العرب ؟ قال‪ :‬يضرب حدا‪ ،‬قلت حدا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن )‪ (1‬يدخل على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله )‪ (2‬بيان‪ :‬كأنه محمول على ما إذا سرى‬
‫شينه إليه صلى ال عليه وآله‪ ،‬كأجداده وجداته أو أقاربه القريبة‪ ،‬كما‬
‫يومئ إليه قوله‪ " :‬إنه يدخل " أي عيبه وعاره‪ ،‬أو هو من الدخل بمعنى‬
‫العيب‪ ،‬ولو كان " إن يدخل " كما في بعض النسخ‪ ،‬كان ما ذكرنا أظهر‪.‬‬
‫‪ - 10‬ع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن عبد العظيم‬
‫الحسني‪ ،‬عن حرب‪ ،‬عن شيخ من بني أسد يقال له عمرو‪ ،‬عن ذريح عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أصاب بعيرا لنا علة‪ ،‬ونحن في ماء لبني‬
‫سليم‪ ،‬فقال الغلم لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬يا مولي أنحره ؟ قال‪ :‬ل‬
‫تلبث فلما سرنا أربعة أميال‪ ،‬قال‪ :‬يا غلم انزل فانحره‪ ،‬ولن تأكله السباع‬
‫أحب إلي من أن تأكله العراب‪ - 11 (3) .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫القاسم ماجيلويه‪ ،‬عن محمد بن علي الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫حنان بن سدير‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬صعد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله المنبر يوم فتح مكة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس إن ال تبارك‬
‫وتعالى قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها‪ ،‬أل إنكم من آدم‬
‫وآدم من طين‪ ،‬وخير عباد ال عنده أتقاهم‪ ،‬إن العربية ليست بأب والد‪،‬‬
‫ولكنها لسان ناطق‪ ،‬فمن قصر به عمله )‪ (4‬فلم يبلغه رضوان ال حسبه‪،‬‬
‫أل إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة‪ ،‬فهو تحت قدمي هاتين إلى يوم‬
‫القيامة‪ (5) .‬بيان‪ " :‬إن العربية " إلخ أي العربية الممدوحة إنما هي‬
‫باللسان‪ ،‬بأن‬

‫)‪ (1‬انه يدخل‪ ،‬خ ل‪ (2) .‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .79‬علل الشرائع ج ‪.286 :2‬‬
‫)‪ (4‬علمه ولم يبلغه خ ل‪ (5) .‬معاني الخبار‪.207 :‬‬

‫]‪[176‬‬

‫يقر بالحق‪ ،‬ويلحق بالرسول وأهل بيته‪ ،‬وإن كان من العجم ل يكون آباؤه من‬
‫العرب ثم بين عليه السلم أن الحسب ل ينفع بدون العمل‪ " ،‬تحت قدمي "‬
‫أي أبطلته ل يطلب به في السلم‪ - 12 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن الخطاب‪ ،‬عن الحسن بن يوسف عن صالح بن عقبة‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن موسى عليه السلم قال‪ :‬قال‪ :‬الناس ]ثلثة[ عربي ومولى‪ ،‬وعلج‪،‬‬
‫فأما العرب فنحن‪ ،‬وأما المولى فمن والنا‪ ،‬وأما العلج فمن تبرأ منا‬
‫وناصبنا‪ (1) .‬بيان‪ :‬في النهاية‪ " :‬العلج " الرجل من كفار العجم وغيرهم‪.‬‬
‫‪ - 13‬مع‪ :‬بالسناد المتقدم عن الحسن بن يوسف‪ ،‬عن عثمان بن جبلة‪،‬‬
‫عن ضريس بن عبد الملك‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪:‬‬
‫نحن قريش‪ ،‬وشيعتنا العرب‪ ،‬وعدونا العجم‪ (2) .‬بيان‪ " :‬وشيعتنا العرب‬
‫" أي العرب الممدوح من كان من شيعتنا‪ ،‬وإن كان عجما‪ ،‬والعجم‬
‫المذموم من كان عدونا‪ ،‬وإن كان عربا‪ - 14 .‬مع‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن‬
‫سلمة‪ ،‬عن عمرو بن سعيد بن خثيم‪ ،‬عن أخيه معمر‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫عليه السلم قال‪ :‬نحن العرب‪ ،‬وشيعتنا منا‪ ،‬سائر الناس همج أو هبج‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وما الهمج ؟ قال‪ :‬الذباب‪ ،‬فقلت‪ :‬وما الهبج ؟ قال‪ :‬البق‪(3) .‬‬
‫بيان‪ :‬في القاموس‪ " :‬الهمج " محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على‬
‫وجوه الغنم‪ ،‬والحمير‪ ،‬و " الهبج " بهذا المعنى لم أجده في كتب اللغة قال‬
‫في القاموس‪ " :‬الهبج " محركة كالورم في ضرع الناقة‪ - 15 .‬مع‪ :‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) 403 :‬المصدر‪ (3) .403 :‬المصدر‪.404 :‬‬

‫]‪[177‬‬

‫داود بن الحصين‪ ،‬عن يعقوب بن شعيب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت‬
‫له‪ :‬ما يزال الرجل ممن ينتحل أمرنا‪ ،‬يقول لمن من ال عليه بالسلم‪ :‬يا‬
‫نبطي‪ ،‬قال فقال‪ :‬نحن أهل البيت والنبط‪ ،‬من ذرية إبراهيم )‪ ،(1‬إنما هما‬
‫نبطان من النبط الماء والطين‪ ،‬وليس بضاره في ذريته شئ فقوم استنبطوا‬
‫العلم فنحن هم‪ (2) .‬بيان‪ :‬قال في المصباح‪ :‬النبط جيل من الناس كانوا‬
‫ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلط الناس وعوامهم‪ ،‬والجمع أنباط‪،‬‬
‫كسبب وأسباب الواحد نباطي بزيادة ألف والنون تضم وتفتح‪ ،‬قال الليث‪:‬‬
‫ورجل نبطي‪ ،‬ومنعه ابن العرابي واستنبطت الحكم‪ :‬استخرجته بالجتهاد‪،‬‬
‫وأنبطته إنباطا مثله‪ ،‬وأصله من استنبط الحافر الماء وأنبطه إنباطا‪ ،‬إذا‬
‫استخرجه بعلمه‪ .‬وفي النهاية‪ :‬نبط الماء ينبط إذا نبع‪ ،‬وأنبط الحفار بلغ‬
‫الماء في البئر والستنباط الستخراج‪ ،‬والنبط والنبيط‪ :‬الماء يخرج من‬
‫قعر البئر إذا احتفرت‪ .‬وفي حديث عمر‪ :‬تمعدوا ول تستنبطوا‪ ،‬أي تشبهوا‬
‫بمعد‪ ،‬ول تشبهوا بالنبط النبط والنبيط‪ :‬جيل معروف كانوا ينزلون‬
‫بالبطايح بين العراقين‪ ،‬ومنه حديثه الخر‪ :‬ل تنبطوا في المدائن أي ل‬
‫تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذ العقار والملك‪ .‬وحديث ابن عباس‪ :‬نحن‬
‫معاشر قريش من النبط من أهل كوثى )‪ ،(3‬قيل لن إبراهيم الخليل صلوات‬
‫ال عليه ولد بها‪ ،‬وكان النبط سكانها‪ .‬ومنه حديث عمرو بن معد يكرب‬
‫سأله عمر عن سعد فقال‪ :‬أعرابي في حبوته نبطي في جبوته‪ ،‬أراد أنه في‬
‫جباية الخراج‪ ،‬وعمارة الرضين كالنبط حذقابها ومهارة فيها لنهم كانوا‬
‫سكان العراق وأربابها‪.‬‬

‫)‪ (1‬من ذرية آدم وابراهيم انما هما نبطيان من أنبط الماء والطين خ ل‪ (2) .‬معاني‬
‫الخبار ص ‪ (3) .404‬كوثى ‪ -‬بالضم ‪ -‬بلدة بالعراق قاله الفيروز آبادى‪.‬‬

‫]‪[178‬‬

‫وفي حديث الشعبي أن رجل قال لخر‪ :‬يا نبطي‪ ،‬قال‪ :‬لحد عليه‪ ،‬كلنا نبط‪ ،‬يريد‬
‫الجوار والدار‪ ،‬دون الولدة‪ .‬وفي الصحاح‪ (1) :‬في كلم أيوب بن القرية‪:‬‬
‫أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبيط استعربوا‪ .‬وفي القاموس‪:‬‬
‫النبط محركة أول ما يظهر من ماء البئر وأنبط الحافر انتهى إليها وغور‬
‫المرء وجيل ينزلون بالبطايح بنى العراقين‪ ،‬كالنبيط والنباط‪ ،‬وهو نبطي‬
‫محركة‪ ،‬وتنبط تشبه بهم‪ ،‬أو تنسب إليهم‪ ،‬والكلم استخرجه‪ ،‬وكل ما‬
‫اظهر بعد خفاء‪ ،‬فقد انبط واستنبط مجهولين‪ ،‬واستنبط الفقيه‪ :‬استخرج‬
‫الفقه الباطن بفهمه واجتهاده )‪ .(2‬إذا عرفت هذا‪ ،‬فاعلم أن الخبر يحتمل‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما أن المراد أنا أهل البيت والنبط جميعا من ذرية إبراهيم‪،‬‬
‫إما على الحقيقة أو على التأويل‪ ،‬لنه عليه السلم كان يساكنهم في‬
‫ديارهم‪ ،‬فلهم أيضا شرافة النسب‪ ،‬ثم بين عليه السلم فضلهم من جهة‬
‫اشتقاق اللفظ فقال‪ :‬النبط له اشتقاقان‪ :‬أحدهما من استنباط الماء‪ ،‬وتعمير‬
‫الرض‪ ،‬وهذا ل يضرهم إن لم يفعلوا مثل أفعالهم‪ ،‬فإن فعل الباء ل يضر‬
‫البناء‪ ،‬فهذا ل يصير سببا لذمهم كما يوهمه كلم عمر‪ ،‬وثانيهما‪ :‬استنباط‬
‫العلم والحكمة فنحن أنباط بهذا المعنى‪ ،‬وشيعتنا الذين يستبطون منا‬
‫داخلون في ذلك‪ ،‬كما قال سبحانه‪ " :‬لعلمه الذين يستنبطونه منهم " )‪.(3‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أن يكون المعنى أنا أهل بيت النبي صلى ال عليه وآله وخلفاؤه‪،‬‬
‫وبذلك لنا الفضيلة على سائر الخلق‪ ،‬وليس لغيرنا فضل على النبط‪ ،‬لنهم‬
‫أيضا من‬

‫)‪ (1‬الصحاح‪ (2) .1162 :‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .387‬النساء‪.83 :‬‬

‫]‪[179‬‬

‫ذرية إبراهيم‪ .‬ثم بين عليه السلم أن للنبطي بحسب الشتقاق معنيين‪ :‬أحدهما‬
‫مستخرج الماء من الطين‪ ،‬وهذا ل يضرهم في شرافة نسبهم‪ ،‬والخر‬
‫استنباط العلم فنحن هم فل يكون النبطي شتما لهم‪ ،‬بل هو مدح لهم‪ ،‬وعلى‬
‫التقديرين ضمير ضاره عائد إلى إبراهيم عليه السلم وكذا ضمير ذريته‪،‬‬
‫ويحتمل عودهما إلى النبطي‪ ،‬وعود الول إلى النبطي‪ ،‬والثاني إلى إبراهيم‬
‫عليه السلم‪ :‬وفي بعض النسخ من ذرية آدم وإبراهيم‪ ،‬ول يختلف المعنى‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بالنبط‪ :‬من يقال له على وجه الذم نبطي‪ :،‬أي‬
‫الذين أسلموا بعد الكفر والسر‪ ،‬وهم كانوا غالبا إما من قريش‪ ،‬أو أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وهم من ذرية إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ويحتمل الخبر وجوها اخر‪،‬‬
‫تظهر مما ذكرنا للمتدبر‪ - 15 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أيوب بن‬
‫نوح‪ ،‬عن صفوان بن يحيى عن أخي دارم‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول‪ :‬من ولد في السلم فهو عربي‪ ،‬ومن‬
‫دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها‪ ،‬والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا‬
‫من أرضه ويسلم‪ ،‬فذلك المولى )‪ - 16 (1‬مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن محمد‬
‫العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن عبد ربه بن نافع‪،‬‬
‫عن الحباب بن موسى‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬من ولد في السلم‬
‫حرا‪ ،‬فهو عربي‪ ،‬ومن كان له عهد‪ ،‬فخفر في عهده فهو مولى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ ،‬ومن دخل في السلم طوعا‪ ،‬فهو مهاجر )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫" فهو عربي " أي في حقيقته الشرعية‪ ،‬أو في حكم وجوب الكرام‬
‫والحترام‪ " ،‬ومن كان له عهد " أي ذمة وأمان من مسلم‪ " ،‬فهو مولى‬
‫رسول ال " فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده وأمانه‪ ،‬فإذا خفر في عهده‬
‫ونقض أمانه‪ ،‬فقد نقض عهد مولى رسول ال‪.‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .404 :‬معاني الخبار‪.405 :‬‬


‫]‪[180‬‬

‫في القاموس‪ :‬خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا‪ :‬أجاره‪ ،‬ومنعه‪ ،‬وآمنه وخفر به‬
‫خفرا‪ ،‬وخفورا‪ :‬نقض عهده‪ ،‬وغدره‪ ،‬كأخفره )‪ ،(1‬وقال‪ :‬المولى‪ :‬العبد‪،‬‬
‫والمعتق‪ ،‬والمعتق‪ ،‬والجار‪ ،‬والحليف‪ ،‬والمنعم‪ ،‬والمنعم عليه‪ " ،‬فهو‬
‫مهاجر " أي في حكمه في الجر‪ ،‬والحرمة‪ - 17 .‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن سلمة بن الخطاب‪ ،‬عن الحسين بن يوسف عن صالح بن عقبة‪ ،‬عن‬
‫أبي الحسن موسى عليه السلم قال‪ :‬الناس ثلثة‪ :‬عربي‪ ،‬ومولى وعلج‪،‬‬
‫فأما العرب فنحن‪ ،‬وأما الموالي فمن والنا‪ ،‬وأما العلج فمن تبرأ منا‬
‫وناصبنا )‪ - 18 .(2‬مع‪ :‬روي أن الصادق عليه السلم قال‪ :‬من ولد في‬
‫السلم فهو عربي‪ ،‬ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر‪ ،‬ومن سبي‬
‫واعتق فهو مولى‪ ،‬ومولى القوم من أنفسهم )‪ - 19 .(3‬سن‪ :‬عن إسماعيل‬
‫بن مهران‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن إسحاق بن جرير‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬جاءني ابن عمك‪ ،‬كأنه أعرابي مجنون‪ ،‬عليه إزار وطيلسان‬
‫ونعلن في يده‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن قوما يقولون فيك‪ ،‬فقلت‪ :‬ألست عربيا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬فقلت‪ :‬إن العرب ل تبغض عليا‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬لعلك ممن يكذب بالحوض‬
‫أما وال لئن أبغضته ثم وردت عليه الحوض‪ ،‬لتموتن عطشا )‪ .(4‬بيان‪" :‬‬
‫يقولون فيك "‪ :‬أي بالمامة‪ ،‬أو أقوال‪ - 20 .‬شى‪ :‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن هذه الية‪ " :‬فسوف‬
‫يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ (2) .22 :2‬الخصال ج ‪ (3) .60 :1‬معاني الخبار‪(4) .239 :‬‬
‫المحاسن‪ 89 :‬و ‪.90‬‬

‫]‪[181‬‬

‫على الكافرين " )‪ 1‬قال‪ :‬الموالي )‪ .(2‬بيان‪ " :‬الموالي "‪ :‬العجم‪ - 21 .‬كتاب‬
‫الستدراك‪ :‬باسناده عن ابن عقدة‪ ،‬باسناده‪ ،‬عن يحيى بن زكريا بن‬
‫شيبان‪ ،‬عن الحسن بن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن سيف بن عميرة‪ ،‬عن‬
‫منصور بن حازم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬نحن العرب‪،‬‬
‫وشبعتنا الموالي وسائر الناس همج‪) * - 10 .‬باب( * * " )لزوم البيعة‬
‫وكيفيتها وذم نكثها( " * * اليات * النحل‪ :‬وأوفوا بعهد ال إذا عاهدتم‬
‫ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها وقد جعلتم ال عليكم كفيل إن ال يعلم ما‬
‫تفعلون * ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون‬
‫أيمانكم دخل بينكم أن تكون امة هي أربى من امة إنما يبلوكم ال به‬
‫وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬ول تتخذوا‬
‫أيمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن‬
‫سبيل ال ولكم عذاب عظيم * ول تشتروا بعهد ال ثمنا قليل إنما عند ال‬
‫هو خير لكم إن كنتم تعلمون )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .54 :‬تفسير العياشي ج ‪ (3) .327 :1‬النحل‪.95 - 91 :‬‬

‫]‪[182‬‬

‫الفتح‪ :‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال يد ال فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث‬
‫على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه ال فسيؤتيه أجرا عظيما )‪.(1‬‬
‫الممتحنة‪ " :‬يا أيها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن‬
‫بال شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان‬
‫يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر‬
‫لهن ال إن ال غفور رحيم )‪) * (2‬تفسير( * " وأوفوا بعهد ال " قال‬
‫الطبرسي )‪ - (3‬رحمه ال ‪ -‬قال ابن عباس‪ :‬الوعد من العهد وقال‬
‫المفسرون‪ :‬العهد الذي يجب الوفاء به‪ ،‬هو الذي يحسن فعله‪ ،‬وعاهد ال‬
‫ليفعلنه فانه يصير واجبا عليه " ول تنقضوا اليمان " هذا نهي منه‬
‫سبحانه عن حنث اليمان وقوله " بعد توكيدها " أي بعد عقدها وإبرامها‬
‫وتوثيقها باسم ال تعالى‪ ،‬وقيل بعد تشديدها وتغليظها‪ ،‬بالعزم والعقد على‬
‫اليمين‪ ،‬بخلف لغو اليمين " وقد جعلتم ال عليكم كفيل " أي حسيبا فيما‬
‫عاهدتموه عليه وقيل كفيل بالوفاء " إن ال يعلم ما تفعلون " من نقض‬
‫العهد أو الوفاء به‪ ،‬فاياكم أن تلقوه وقد نقضتم‪ .‬وهذه الية نزلت في الذين‬
‫بايعوا النبي صلى ال عليه وآله على السلم فقال سبحانه للمسلمين الذين‬
‫بايعوه‪ :‬ل يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة‪ ،‬فان‬
‫ال حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه باليمان‬
‫انتهى‪ " .‬ول تكونوا كالتي نقضت غزلها " أي كالمرأة غزلت ثم نكثت‬
‫غزلها " من بعد قوة " أي من بعد إحكام وفتل " أنكاثا " جمع نكث‬
‫بالكسر وهو ما ينكث فتله‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) .10 :‬الممتحنة‪ (3) .12 :‬مجمع البيان ج ‪382 :6‬‬

‫]‪[183‬‬

‫وروي علي بن إبراهيم )‪ (1‬عن الباقر عليه السلم‪ :‬التي نقضت غزلها امرأة من‬
‫بني تيم ابن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن‬
‫غالب‪ ،‬كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته‪ ،‬فقال‬
‫ال " كالتي نقضت غزلها " الية‪ .‬قال‪ :‬إن ال تعالى أمر بالوفاء‪ ،‬ونهى‬
‫عن نقض العهد‪ ،‬فضرب لهم مثل‪ " .‬تتخذون أيمانكم دخل بينكم " أي‬
‫دغل وخيانة‪ ،‬ومكرا وخديعة‪ ،‬وذلك لنهم كانوا حين عهدهم يضمرون‬
‫الخيانة‪ ،‬والناس يسكنون إلى عهدهم‪ .‬والدخل‪ :‬أن يكون الباطن خلف‬
‫الظاهر‪ ،‬وأصله أن يدخل في الشئ ما لم يكن منه " أن تكون امة هي أربى‬
‫من امة " يعني ل تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهم كفرة قريش‬
‫أزيد عددا وأوفر مال من امة يعني جماعة المؤمنين " إنما يبلوكم ال به‬
‫" أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أتوفون بعهد ال أم تغترون بكثرة‬
‫قريش وقوتهم وثروتهم‪ ،‬وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم " وليبينن لكم‬
‫يوم القيامة " وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى ال عليه وآله‪" .‬‬
‫ول تتخذوا " تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح‬
‫المنهي عنه " فتزل قدم " عن محجة السلم " بعد ثبوتها " عليها أي‬
‫فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى‪ ،‬يقال‪ :‬زل قدم فلن في أمر‬
‫كذا‪ :‬إذا عدل عن الصواب‪ ،‬والمراد أقدامهم‪ ،‬وإنما وحد ونكر‪ ،‬للدللة على‬
‫أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة‪ " ،‬وتذوقوا السوء " في‬
‫الدنيا‪ " ،‬بما صددتم عن سبيل ال " أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها‬
‫لنهم لو نقضوا العهد وارتدوا‪ ،‬لتخذ نقضها سنة يستن بها‪ " ،‬ولكم عذاب‬
‫عظيم " في الخرة‪ .‬وفي الجوامع‪ :‬عن الصادق عليه السلم أنه قال‪:‬‬
‫نزلت في ولية علي والبيعة له حين قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬سلموا‬
‫على علي بإمرة المؤمنين‪ .‬واقول‪ :‬قد مر أن في قراءتهم عليهم السلم‪ :‬أن‬
‫تكون أئمة هي أزكى‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪.365 :‬‬

‫]‪[184‬‬

‫من أئمتكم )‪ " .(1‬إنما يبايعون ال " )‪ (2‬لنه المقصود بيعته " يد ال فوق أيديهم‬
‫" يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك‪ ،‬إنما هي بمنزلة يد ال‪،‬‬
‫لنهم في الحقيقة يبايعون ال عزوجل ببيعتك‪ " ،‬ومن نكث " أي نقض‬
‫العهد‪ " ،‬فانما ينكث على نفسه " أي ل يعود ضرر نكثه إل عليه‪ " ،‬ومن‬
‫أوفى بما عاهد عليه ال " أي في مبايعته " فسيؤتيه أجرا عظيما " هو‬
‫الجنة‪ " .‬ول يقتلن أولدهن " )‪ (3‬يريد البنات‪ ،‬أو السقاط‪ " ،‬ول يأتين‬
‫ببهتان " في الجوامع‪ :‬كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا‬
‫ولدي منك‪ ،‬كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي‬
‫تلصقه بزوجها كذبا‪ ،‬لن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين‪ ،‬فرجها الذي‬
‫تلده به بين الرجلين‪ " ،‬ول يعصينك في معروف " أي في حسنة تأمرهن‬
‫بها " فبايعهن " بضمان الثواب على الوفاء بهذه الشياء‪ .‬وفي المجمع )‬
‫‪ :(4‬روى الزهري‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وآله يبايع‬
‫النساء بالكلم بهذه الية " أن ل يشركن بال شيئا " وما مست يد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه‬
‫ثم غمس أيديهن فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي‪.‬‬
‫‪ - 1‬ن‪ :‬بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة‬
‫لنفسه بإمرة المؤمنين‪ ،‬وللرضا عليه السلم بولية العهد‪ ،‬وللفضل‬
‫بالوزارة‪ ،‬أمر بثلثة كراسي فنصبت لهم‪ ،‬فلما قعدوا عليها أذن للناس‬
‫فدخلوا يبايعون‪ ،‬فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلثة من أعلى‬
‫البهام إلى الخنصر‪ ،‬ويخرجون‪ ،‬حتى‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 36‬ص ‪ 81‬و ‪ 148‬من تاريخ أمير المؤمنين عليه السلم وتراه في‬
‫تفسير العياشي ج ‪ (2) .268 :2‬الفتح‪ (3) 10 :‬الممتحنة‪(4) - 12 :‬‬
‫مجمع البيان ج ‪276 :9‬‬

‫]‪[185‬‬

‫بايع في آخر الناس فتى من النصار‪ ،‬فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى‬
‫البهام‪ ،‬فتبسم أبو الحسن عليه السلم فقال‪ :‬كل من بايعنا بايع بفسخ‬
‫البيعة غير هذا الفتى‪ ،‬فانه بايعنا بعقدها‪ .‬فقال المأمون‪ :‬وما فسخ البيعة ؟‬
‫وما عقدها ؟ قال أبو الحسن عليه السلم‪ :‬عقد البيعة هو من أعلى‬
‫الخنصر إلى أعلى البهام‪ ،‬وفسخها من أعلى البهام إلى أعلى الخنصر‬
‫قال‪ :‬فماج الناس في ذلك‪ ،‬وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما‬
‫وصف أبو الحسن عليه السلم فقال الناس‪ :‬كيف يستحق المامة من ل‬
‫يعرف عقد البيعة‪ ،‬إن من علم أولى بها ممن ل يعلم‪ ،‬فحمله ذلك على ما‬
‫فعله من سمه )‪ - 2 .(1‬ل‪ :‬عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة‪ ،‬عن عبيدال بن‬
‫موسى‪ ،‬عن شيبان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلثة ل يكلمهم ال عزوجل ول‬
‫يزكيهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم )‪ :(2‬رجل بايع إماما ل يبايعه إل لدنيا‪ ،‬إن أعطاه‬
‫]منها[ ما يريده وفي له‪ ،‬وإل كف‪ ،‬ورجل بايع رجل بسلعة بعد العصر‪،‬‬
‫فحلف بال عزوجل لقد أعطى بها كذا وكذا‪ ،‬فصدقه وأخذها‪ ،‬ولم يعط فيها‬
‫ما قال‪ ،‬ورجل على فضل ماء بالفلة يمنعه ابن السبيل )‪ .(3‬بيان‪ " :‬ل‬
‫يكلمهم ال " أي بما يسرهم أو بشئ أصل‪ ،‬فان الملئكة يسألونهم‪ ،‬أو هو‬
‫كناية عن سخطه سبحانه عليهم‪ " ،‬ول يزكيهم " أي ل يثني عليهم أو ل‬
‫يقبل منهم عمل‪ ،‬أو ل يطهرهم مما يوجب العذاب‪ ،‬بالعفو والمغفرة‪- 3 .‬‬
‫سن‪ :‬عن عبد ال بن علي العمري‪ ،‬عن علي بن الحسن‪ ،‬عن علي بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أخيه عليه السلم قال‪ :‬ثلث موبقات‪ :‬نكث الصفقة‪ ،‬وترك‬
‫السنة‪ ،‬وفراق‬

‫)‪ (1‬عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ .238‬الباب ‪ (2) 59‬اقتباس من قوله تعالى في‬
‫البقرة‪ (3) 174 :‬الخصال ج ‪53 :1‬‬

‫]‪[186‬‬

‫الجماعة )‪ - 4 .(1‬الدرة الباهرة‪ :‬قال الرضا عليه السلم‪ :‬ل يعدم المرء دائرة‬
‫السوء مع نكث الصفقة‪ .‬بيان‪ :‬قال الراغب‪ :‬الدائرة في المكروه‪ ،‬كما يقال‪:‬‬
‫دولة في المحبوب‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬نخشى أن تصيبنا دائرة " )‪ (2‬وقوله "‬
‫يتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء " )‪ (3‬أي محيط به السوء إحاطة‬
‫الدائرة‪ ،‬فل سبيل لهم إلى النفكاك منه بوجه )‪ .(4‬وقال الجوهري‪ :‬صفقت‬
‫له بالبيع والبيعة صفقا‪ :‬أي ضربت بيدي على يده‪ ،‬وتصافق القوم عند‬
‫البيعة )‪ - 5 .(5‬شا‪ :‬في بيعة الناس للرضا عليه السلم عند المأمون في‬
‫حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون ووضع للرضا عليه السلم‬
‫وسادتين عظيمتين‪ ،‬وأجلس الرضا عليه السلم عليهما في الخضرة وعليه‬
‫عمامة وسيف‪ ،‬ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا‬
‫يده فتلقى بها وجهه‪ ،‬وببطنها وجوههم‪ ،‬فقال له المأمون‪ :‬أبسط يدك‬
‫للبيعة‪ ،‬فقال الرضا‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله هكذا كان يبايع‪،‬‬
‫فبايعه الناس ويده فوق أيديهم )‪ - 6 .(6‬ل‪ :‬بإسناده عن جابر الجعفي‪ ،‬عن‬
‫الباقر عليه السلم في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء‪ ،‬قال‪ :‬ول تبايع‬
‫إل من وراء الثياب )‪ - 7 .(7‬ثو‪ :‬باسناده عن أبي عبد ال عليه السلم أن‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إن في‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .94 :‬المائدة‪ (3) 52 :‬براءة‪ (4) 98 :‬المفردات في غريب‬
‫القرآن‪ (5) .174 :‬الصحاح‪ (6) 1057 :‬الرشاد‪ (7) 291 :‬الخصال ج‬
‫‪141 :2‬‬

‫]‪[187‬‬

‫النار لمدينة يقال لها الحصينة‪ ،‬أفل تسألوني ما فيها ؟ فقيل له‪ :‬وما فيها يا أمير‬
‫المؤمنين ؟ قال‪ :‬فيها أيدي الناكثين )‪ - 8 .(1‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫البزنطي‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لما فتح رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله مكة بايع الرجال‪ ،‬ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل ال‬
‫عزوجل‪ " :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ‪ -‬إلى قوله ‪ " :-‬فان‬
‫ال غفور رحيم " )‪ .(2‬قالت هند‪ :‬أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم‬
‫كبارا‪ ،‬وقالت ام حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي‬
‫جهل‪ :‬يا رسول ال ما ذلك المعروف الذي أمرنا ال أن ل نعصيك فيه ؟‬
‫قال‪ :‬ل تلطمن خدا ول تخمشن وجها‪ ،‬ول تنتفن شعرا‪ ،‬ول تشققن جيبا‪،‬‬
‫ول تسودن ثوبا‪ ،‬ول تدعين بويل‪ ،‬فبايعهن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫على هذا‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول ال كيف نبايعك ؟ قال‪ :‬إنني ل اصافح النساء‬
‫فدعا بقدح من ماء‪ ،‬فأدخل يده ثم أخرجها فقال‪ :‬أدخلن أيديكن في هذا‬
‫الماء فهي البيعة )‪ - 9 .(3‬كا‪ :‬باسناده عن المفضل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‬
‫عليه السلم كيف ماسح رسول ال صلى ال عليه وآله النساء حين‬
‫بايعهن ؟ قال‪ :‬دعا بمركنه‪ ،‬الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء‪ ،‬ثم غمس‬
‫يده‪ ،‬فكلما بايع واحدة منهن‪ ،‬قال‪ :‬اغمسي يدك‪ ،‬فتغمس كما غمس رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله فكان هذا مماسحته إياهن )‪ .(4‬بيان‪ :‬المركن‬
‫كمنبر‪ :‬الجانة‪ - 10 .‬كا‪ :‬باسناده عن سعدان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬أتدري كيف‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال‪ (2) 227 :‬الممتحنة‪ (3) .13 :‬الكافي ج ‪ 5‬ص ‪ (4) 527‬الكافي‬
‫ج ‪ 5‬ص ‪526‬‬

‫]‪[188‬‬

‫بايع رسول ال صلى ال عليه وآله النساء ؟ قلت‪ :‬ال أعلم‪ ،‬وابن رسوله أعلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬جمعهن حوله‪ ،‬ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا‪ ،‬ثم غمس يده‬
‫فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اسمعن يا هؤلء ! ابايعكن على أن ل تشركن بال شيئا‪،‬‬
‫وتسرقن ول تزنين‪ ،‬ول تقتلن أولدكن‪ ،‬ول تأتين ببهتان تفترينه بين‬
‫أيديكن وأرجلكن‪ ،‬ول تعصين بعلولتكن في معروف‪ ،‬أقررتن ؟ قلن‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فأخرج يده من التور‪ ،‬ثم قال لهن‪ :‬اغمسن أيديكن‪ ،‬ففعلن‪ ،‬فكانت يد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف انثى ليست له‬
‫بمحرم )‪ .(1‬بيان‪ :‬في النهاية‪ :‬التور‪ :‬إناء من صفر أو حجارة كالجانة‪،‬‬
‫وقد يتوضأ منه‪ ،‬وقال‪ :‬البرمة بالضم‪ :‬القدر مطلقا‪ ،‬وجمعها برام‪ ،‬وهي في‬
‫الصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن‪ ،‬والنضوح كصبور‪:‬‬
‫طيب‪ .‬اقول‪ :‬قد مر تفسير اليات وسائر الخبار في النكث وكيفية البيعة في‬
‫باب فتح مكة )‪ ،(2‬وأبواب نكث طلحة والزبير‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 5‬ص ‪ (2) .256‬راجع ج ‪ 21‬ص ‪.99 - 95‬‬


‫]‪[189‬‬

‫‪) * - 11‬باب آخر( * * " )في ان المؤمن صنفان( " * ‪ - 1‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن‬
‫أحمد‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬المؤمن مؤمنان‪ :‬فمؤمن صدق بعهد ال‪ ،‬ووفا بشرطه‪ ،‬و ذلك‬
‫قوله عزوجل‪ " :‬رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه " )‪ (1‬فذلك الذي ل‬
‫تصيبه أهوال الدنيا‪ ،‬ول أهوال الخرة‪ ،‬وذلك ممن يشفع ول يشفع له‪،‬‬
‫ومؤمن كخامة الزرع‪ ،‬تعوج أحيانا وتقوم أحيانا‪ ،‬فذلك ممن يصيبه أهوال‬
‫الدنيا و أهوال الخرة‪ ،‬وذل ممن يشفع له‪ ،‬ول يشفع )‪ .(2‬بيان‪ :‬قال ال‬
‫سبحانه‪ " :‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه " قال‬
‫البيضاوي‪ :‬من الثبات مع الرسول‪ ،‬والمقاتلة لعداء الدين‪ ،‬من " صدقني‬
‫" إذا قال لك الصدق فان العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق‪ " ،‬فمنهم من‬
‫قضى نحبه " أي نذره بأن قاتل حتى استشهد‪ ،‬كحمزة‪ ،‬ومصعب بن عمير‪،‬‬
‫وأنس بن النضر‪ ،‬و " النحب " النذر استعير للموت‪ ،‬لنه كنذر لزم في‬
‫رقبة كل حيوان‪ " ،‬ومنهم من ينتظر " أي الشهادة‪ " ،‬وما بدلوا " العهد‬
‫ول غيروه " تبديل " أي شيئا من التبديل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحزاب‪ (2) 23 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.248‬‬

‫]‪[190‬‬

‫قال الطبرسي رحمه ال‪ " (1) :‬فمنهم من قضى نحبه " يعني حمزة بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬وجعفر بن أبيطالب‪ " ،‬ومنهم من ينتظر " يعني علي بن أبيطالب‬
‫عليه السلم‪ .‬وروي في الخصال )‪ (2‬عن الباقر عليه السلم في حديث‬
‫طويل قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬لقد كنت عاهدت ال ورسوله‬
‫أنا‪ ،‬وعمي حمزة‪ ،‬وأخي جعفر‪ ،‬وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به ل‬
‫تعالى ولرسوله‪ ،‬فتقدمني أصحابي‪ ،‬وتخلفت بعدهم لما أراد ال تعالى‪،‬‬
‫فأنزل ال فينا " من المؤمنين رجال " الية حمزة‪ ،‬وجعفر‪ ،‬و عبيدة‪ ،‬وأنا‬
‫وال المنتظر وما بدلت تبديل‪ .‬فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلم‬
‫استدل بهذه الية على أن المؤمنين صنفان لنه تعالى قال‪ :‬من المؤمنين‬
‫رجال‪ ،‬فصنف منهم مؤمن صدق بعهد ال‪ ،‬قيل‪ :‬الباء بمعنى " في " أي‬
‫في عهد ال فقوله‪ " :‬صدق " كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في‬
‫الية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا ال عليه‪ ،‬ويمكن أن يقرأ‬
‫صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الية‪ ،‬أي صدقوا بعهد ال وما وعدهم‬
‫من الثواب‪ ،‬وما اشترط في الثواب من اليمان‪ .‬والعمل الصالح‪ ،‬والول‬
‫أظهر‪ ،‬والمراد بالعهد اصول الدين من القرار بالتوحيد والنبوة والمامة‬
‫والمعاد‪ ،‬والوفاء بالشرط التيان بالمأمورات والنتهاء عن المنهيات‪،‬‬
‫وقيل أراد بالعهد الميثاق بقوله‪ " :‬ألست بربكم " وبالشرط قوله تعالى "‬
‫إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم )‪ ." (3‬وأقول‪ :‬يحتمل‬
‫أن يكون المراد بهما ما مر في كتاب المامة عنه عليه السلم حيث قال‪:‬‬
‫إنكم ل تكونون صالحين حتى تعرفوا‪ ،‬ول تعرفون حتى تصدقوا‪ ،‬ول‬
‫تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة ل يصلح أولها إل بآخرها‪ ،‬ضل أصحاب‬
‫الثلثة‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ ،349‬وفيه‪ :‬قال ابن عباس‪ .‬من قضى نحبه حمزة بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬ومن قتل معه‪ ،‬وأنس بن نضر وأصحابه‪ ،‬وروى الحاكم أبو‬
‫القاسم الحسكاني بالسناد عن عمرو بن ثابت‪ ،‬عن أبى اسحاق عن على‬
‫عليه السلم قال‪ :‬فينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا ال‪ ،‬فأنا وال‬
‫المنتظر‪ .‬وما بدلت تبديل‪ .‬نعم ما نقله رحمه ال انما يوجد في تفسير‬
‫القمى ص ‪ (2) .527‬الخصال ج ‪ (3) .21 :2‬النساء‪.31 :‬‬

‫]‪[191‬‬

‫تاهوا تيها بعيدا‪ ،‬إن ال تبارك وتعالى‪ ،‬ل يقبل إل العمل الصالح‪ ،‬ول يقبل ال إل‬
‫الوفاء بالشروط والعهود‪ ،‬فمن وفى ل عزوجل بشرطه‪ ،‬واستعمل ما‬
‫وصف في عهده‪ ،‬نال ما عنده‪ ،‬واستعمل عهده‪ .‬إن ال تبارك وتعالى أخبر‬
‫العباد بطريق الهدى‪ ،‬وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال‪:‬‬
‫" وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى )‪ " (1‬وقال‪ " :‬إنما‬
‫يتقبل ال من المتقين )‪ " (2‬إلى آخر الخبر‪ ،‬فالشروط والعهود هي التوبة‪،‬‬
‫واليمان والعمال الصالحة‪ ،‬والهتداء بالئمة عليهم السلم‪ " .‬فذلك الذي‬
‫ل تصيبه أهوال الدنيا‪ ،‬ول أهوال الخرة " قيل‪ :‬المراد بأهوال الدنيا‪:‬‬
‫القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة‪ ،‬وما يراه عند الموت من سكراته‬
‫وأهواله‪ ،‬وأهوال الخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد‬
‫بأهوال الدنيا‪ :‬الهموم من فوات نعيمها‪ ،‬لن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله‪،‬‬
‫فكيف الهموم من فواتها‪ ،‬أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها‬
‫ومصائبها‪ ،‬لنها عنده نعمة مرغوبة ل أهوال مكروهة‪ ،‬أو لنها ل تصيبه‬
‫لجل المعصية‪ ،‬فل ينافي إصابتها لرفع الدرجة‪ ،‬ول يخفى بعد تلك الوجوه‪.‬‬
‫والظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي‪ ،‬لنها‬
‫عنده من أعظم المصائب والهوال‪ ،‬بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون إطلق الهوال عليها على مجاز المشاكلة‪ " .‬وذلك ممن‬
‫يشفع " على بناء المعلوم‪ ،‬أي يشفع للمؤمنين من المذنبين " ول يشفع‬
‫له " على بناء المجهول‪ ،‬أي إنه ل يحتاج إلى الشفاعة‪ ،‬لنه من المقربين‬
‫الذين ل خوف عليهم ول يحزنون‪ ،‬وإنما الشفاعة لهل المعاصي‪" .‬‬
‫كخامة الزرع " قال في النهاية‪ :‬فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع‬
‫تفيئها الرياح‪ :‬هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع‪ ،‬وألفها منقلبة عن واو‪.‬‬
‫انتهى‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .82 :‬المائدة‪27 :‬‬

‫]‪[192‬‬

‫وأشار عليه السلم إلى وجه الشبه بقوله‪ " :‬يعوج أحيانا " والمراد بإعوجاجه‬
‫ميله إلى الباطل وهو متاع الدنيا‪ ،‬والشهوات النفسانية‪ ،‬وبقيامه‪ :‬استقامته‬
‫على طريق الحق‪ ،‬و مخالفته للهواء والوساوس الشيطانية‪ " ،‬ول يشفع‬
‫" أي ل يؤذن له في الشفاعة‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عبد ال‪ ،‬عن خالد القمي‪ ،‬عن خضر بن عمرو‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬المؤمن مؤمنان‪ :‬مؤمن وفى ل بشروطه التي‬
‫اشترطها عليه‪ ،‬فذلك مع النبيين والصديقين‪ ،‬والشهداء‪ ،‬و الصالحين‪،‬‬
‫وحسن اولئك رفيقا‪ ،‬وذلك ممن يشفع‪ ،‬ول يشفع له‪ ،‬وذلك ممن ل يصيبه‬
‫أهوال الدنيا ول أهوال الخرة‪ ،‬ومؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما‬
‫كفته الريح انكفى‪ ،‬وذلك من تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الخرة‪ ،‬ويشفع له‬
‫وهو على خير )‪ .(1‬بيان‪ " :‬خضر " بكسر الخاء وسكون الضاد‪ ،‬أو بفتح‬
‫الخاء وسكون الضاد صحح بهما في القاموس وغيره‪ " ،‬وفى ل بشروطه‬
‫" العهود داخلة تحت الشروط هنا‪ " ،‬فذلك مع النبيين " إشارة إلى قوله‬
‫تعالى " ومن يطع ال والرسول فاولئك مع الذين أنعم ال عليهم من‬
‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا )‪ " (2‬وهذا‬
‫مبني على ما ورد في الخبار الكثيرة أن الصديقين و الشهداء والصالحين‬
‫هم الئمة عليهم السلم‪ ،‬والمراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من‬
‫المؤمنين‪ ،‬وقد مر عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال بعد قراءة هذه الية‪:‬‬
‫فمنا النبي ومنا الصديق‪ ،‬والشهداء والصالحون‪ .‬وفي تفسير علي بن‬
‫إبراهيم )‪ :(3‬قال‪ :‬النبيين‪ :‬رسول ال‪ ،‬والصديقين علي‪ ،‬والشهداء‪:‬‬
‫الحسن والحسين‪ ،‬والصالحين‪ :‬الئمة‪ .‬وحسن اولئك رفيقا‪ :‬القائم من آل‬
‫محمد صلوات ال عليهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .248 :2‬النساء‪ (3) .69 :‬تفسير القمى ص ‪.131‬‬

‫]‪[193‬‬
‫فل يحتاج إلى ما قيل‪ :‬إن الظاهر أنه كان من النبيين‪ ،‬لن الصنف الول إما نبي‪ ،‬أو‬
‫صديق‪ ،‬أو شهيد‪ ،‬أو صالح‪ ،‬والصنف الثاني‪ ،‬يكون مع هؤلء بشفاعتهم‪،‬‬
‫" زلت به قدم " كأن الباء للتعدية‪ ،‬أي أزلته قدم وإقدام على المعصية‬
‫وقيل‪ :‬الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه‪ ،‬أي فعله عمدا من غير نسيان‬
‫وإكراه و " كيفما " مركب من " كيف " للشرط نحو كيف تصنع أصنع‪ ،‬و‬
‫" ما " زائدة للتأكيد‪ .‬وفي النهاية‪ :‬يقال‪ :‬كفأت الناء‪ ،‬وأكفأته‪ :‬إذا كببته‪،‬‬
‫وإذا أملته‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬كفأه كمنعه‪ :‬صرفه وكبه وقلبه‪ ،‬كأكفأه واكتفأه‪،‬‬
‫وانكفأ‪ :‬رجع ولونه تغير )‪ - 3 .(1‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن‬
‫مهران‪ ،‬عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم النصاري‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين أخبرنا عن الخوان‪ ،‬فقال‪ :‬الخوان صنفان‪ :‬إخوان الثقة‪،‬‬
‫وإخوان المكاشرة‪ :‬فأما إخوان الثقة‪ :‬فهم الكف والجناح‪ ،‬والهل والمال‪،‬‬
‫فإذا كنت من أخيك على حد الثقة‪ ،‬فابذل له مالك وبدنك‪ ،‬وصاف من‬
‫صافاه‪ ،‬وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه‪ ،‬وأظهر منه الحسن‪ ،‬واعلم أيها‬
‫السائل أنهم أقل من الكبريت الحمر‪ .‬وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب‬
‫لذتك منهم‪ ،‬فل تقطعن ذلك منهم‪ ،‬ول تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم‪،‬‬
‫وابذل لهم ما بذلوا لك من طلقة الوجه‪ ،‬و حلوة اللسان )‪ .(2‬بيان‪" :‬‬
‫الخوان صنفان " المراد بالخوان‪ :‬إما مطلق المؤمنين‪ ،‬فإن المؤمنين‬
‫إخوة‪ ،‬أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم‪ ،‬ويظهرون له المودة‬
‫والخوة‬

‫)‪ (1‬القاموس‪ :‬ج ‪ (2) .26 :1‬الكافي ج ‪.248 :2‬‬

‫]‪[194‬‬

‫أو العم من المؤمنين وغيرهم إذا كانوا كذلك‪ .‬والمراد باخوان الثقة‪ :‬أهل الصلح‬
‫والصدق والمانة الذين يثق بهم‪ ،‬و يعتمد عليهم في الدين‪ ،‬وعدم النفاق‪،‬‬
‫وموافقة ظاهرهم لباطنهم‪ ،‬وباخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة‪،‬‬
‫ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة‪ ،‬أو للمصلحة والتقية فيجالسهم ويضاحكهم‪،‬‬
‫ول يعتمد عليهم‪ ،‬ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لزالة الوحشة‬
‫ودفع الضرر‪ .‬قال في النهاية‪ :‬فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام‪ ،‬الكشر‪:‬‬
‫ظهور السنان في الضحك‪ ،‬وكاشره‪ :‬إذا ضحك في وجهه وباسطه‪،‬‬
‫والسم‪ :‬الكشرة كالعشرة‪ " .‬فهم الكف " الحمل على المبالغة والتشبيه‪،‬‬
‫أي هم بمنزلة كفك في إعانتك وكف الذى عنك‪ ،‬فينبغي أن تراعيه‬
‫وتحفظه كما تحفظ كفك‪ .‬قال في المصباح‪ :‬قال الزهري‪ :‬الكف‪ :‬الراحة مع‬
‫الصابع‪ ،‬سميت بذلك لنها تكف الذى عن البدن‪ ،‬وقال‪ :‬جناح الطائر‬
‫بمنزلة اليد للنسان‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬الجناح‪ :‬اليد‪ ،‬والعضد‪ ،‬والبط‪،‬‬
‫والجانب‪ ،‬ونفس الشئ‪ ،‬و الكنف‪ ،‬والناحية‪ ،‬انتهى‪ ،‬وأكثر المعاني‬
‫مناسبة‪ ،‬والعضد أظهر‪ ،‬والحمل كما سبق‪ ،‬أي هم بمنزلة عضدك في‬
‫إعانتك‪ ،‬فراعهم كما تراعي عضدك‪ ،‬وكذا الهل والمال‪ ،‬ويمكن أن يكون‬
‫المراد بكونهم مال أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه‪ " .‬فإذا كنت‬
‫من أخيك " أي بالنسبة إليه‪ ،‬كقول النبي‪ :‬أنت مني بمنزلة هارون من‬
‫موسى‪ " ،‬على حد الثقة " أي على مرتبة الثقة والعتماد‪ ،‬أو على أول‬
‫حد من حدودها‪ ،‬والثقة في الخوة والديانة‪ ،‬والتصاف بصفات المؤمنين‪،‬‬
‫وكون باطنه موافقا لظاهره‪ " .‬فابذل له مالك وبدنك " بذل المال‪ :‬هو أن‬
‫يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل‪ ،‬وبذل البدن‪ :‬هو أن‬
‫يخدمه ويدفع الذى عنه قول وفعل وهما متفرعان على كونهم الكف‬
‫والجناح‪ ،‬والهل والمال‪ " ،‬وصاف من صافاه "‬

‫]‪[195‬‬

‫أي أخلص الود لمن أخلص له الود‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬صفا‪ :‬خلص من الكدر و‬
‫أصفيته الوداد أخلصته‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬صافاه‪ :‬صدقه الخاء‪ ،‬كأصفاه‪" .‬‬
‫وعاد من عاداه " أي في الدين‪ ،‬أو العم إذا كان الخ محقا‪ ،‬وإنما أطلق‬
‫لن المؤمن الكامل ل يكون إل محقا‪ ،‬ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه‬
‫في النهج )‪ :(1‬أنه قال‪ :‬أصدقاؤك ثلثة‪ ،‬وأعداؤك ثلثة‪ ،‬فأصدقاؤك‪:‬‬
‫صديقك‪ ،‬وصديق صديقك‪ ،‬وعدو عدوك‪ ،‬وأعداؤك‪ :‬عدوك‪ ،‬وعدو صديقك‪،‬‬
‫وصديق عدوك‪ " .‬واكتم سره " أي ما أمرك بإخفائه‪ ،‬أو تعلم أن إظهاره‬
‫يضره‪ " ،‬وعيبه " أي إن كان له عيب نادرا‪ ،‬أو ما يعيبه الناس عليه ولم‬
‫يكن قبيحا واقعا كالفقر والمراض الخفية‪ " ،‬وأظهر منه الحسن "‬
‫بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقل وشرعا‪ ،‬من الصفات والخلق‬
‫والعمال‪ ،‬ويمكن أن يقرء بالضم‪ " .‬فإنك تصيب لذتك منهم " أي تلتذ‬
‫بحسن صحبتهم ومؤانستهم‪ ،‬وتحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم‪ ،‬بل‬
‫الخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم ومفاوضتهم فل تقطعن ذلك الحظ منهم‬
‫بالستيحاش عنهم‪ ،‬وترك مصاحبتهم‪ ،‬فتصير وحيدا لندرة النوع الول‪،‬‬
‫كما قال عليه السلم في حديث آخر‪ :‬زهدك في راغب فيك نقصان حظ‪،‬‬
‫ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس‪ " .‬ول تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم "‬
‫أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق‪،‬‬
‫فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم‪ ،‬أو يظهر لك منهم سوء عقيدة‬
‫وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك‪ .‬أو المعنى‪ :‬ل تتوقع منهم موافقة‬
‫ضميرهم لك وحبهم الواقعي‪ ،‬واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم‬
‫موافقة قلبهم للسانهم‪ ،‬كما يرشد إليه قوله عليه السلم‪ " :‬وابذل لهم ما‬
‫بذلوا لك من طلقة الوجه " أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه‪.‬‬
‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ 217‬تحت الرقم ‪ 295‬من الحكم والمواعظ‪.‬‬

‫]‪[196‬‬

‫في المصباح‪ :‬رجل طلق الوجه‪ :‬أي فرح ظاهر البشر‪ ،‬وهو طليق الوجه قال أبو‬
‫زيد‪ :‬متهلل بسام‪ .‬وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والكتفاء بظواهر‬
‫أحوالهم‪ ،‬وعدم تجسس ما في بواطنهم‪ ،‬فانه أقرب إلى هدايتهم وإرشادهم‬
‫إلى الحق‪ ،‬وتعليم الجهال وهداية أهل الضلل‪ ،‬وأبعد من التضرر منهم‬
‫والتنفر عنهم‪ ،‬والخبار في حسن المعاشرة كثيرة‪ ،‬لسيما مع المدعين‬
‫للتشيع واليمان‪ ،‬وال المستعان‪) * - 12 .‬باب( * * )شدة ابتلء المؤمن‬
‫وعلته( * * )وفضل البلء( * * اليات * البقرة‪ :‬أم حسبتم أن تدخلوا‬
‫الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء‬
‫وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر‬
‫ال قريب )‪ .(1‬آل عمران‪ :‬لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين‬
‫اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا‬
‫فإن ذلك من عزم المور )‪ .(2‬النعام‪ :‬ولقد أرسلنا إلى امم من قبلك‬
‫فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .214 :‬آل عمران‪.188 :‬‬

‫]‪[197‬‬

‫يتضرعون * فلول إذ جائهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان‬
‫ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى‬
‫إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )‪ .(1‬تفسير‪ " :‬أم‬
‫حسبتم " قال في المجمع‪ (2) :‬أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون " أن‬
‫تدخلوا الجنة " ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم‬
‫به فتصبروا كما صبروا‪ ،‬وهذا استدعاء إلى الصبر‪ ،‬وبعده الوعد بالنصر‪.‬‬
‫ثم ذكر سبحانه ما أصاب اولئك فقال‪ " :‬مستهم البأساء والضراء "‬
‫والمس واللمس واحد‪ ،‬والبأساء نقيض النعماء‪ ،‬والضراء نقيض السراء‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬البأساء‪ :‬القتل‪ ،‬والضراء‪ :‬الفقر‪ " ،‬وزلزلوا " أي حركوا بأنواع‬
‫البليا‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه هنا ازعجوا بالمخافة من العدو‪ ،‬وذلك لفرط الحيرة‪" .‬‬
‫متى نصر ال " قيل‪ :‬هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن‪ ،‬وإنما قال‬
‫الرسول استبطاء للنصر‪ ،‬وقيل‪ :‬إن معناه الدعاء ل بالنصر ول يجوز أن‬
‫يكون على جهة الستبطاء لنصر ال‪ ،‬لن الرسول يعلم أن ال ل يؤخره‬
‫عن الوقت الذي توجبه الحكمة‪ ،‬ثم أخبر ال أنه ناصر لوليائه‪ ،‬فقال‪ " :‬أل‬
‫إن نصر ال قريب "‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا من كلمهم فانهم قالوا عند الياس‪:‬‬
‫منى نصر ال‪ ،‬ثم تفكروا وعلموا أن ال منجز وعده‪ ،‬فقالوا‪ :‬أل إن نصر‬
‫ال قريب‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ذكر كلم الرسول والمؤمنين جملة وتفصيله‪ :‬وقال‬
‫المؤمنون متى نصر ال‪ ،‬وقال الرسول‪ :‬أل إن نصر ال قريب انتهى‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬روى في الخرائج عن زين العابدين‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫فما تمدون أعينكم ؟ لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه‪ ،‬يؤخذ‬
‫فتقطع يده ورجله ويصلب ثم تل‪ " :‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " الية‪.‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .46 - 44 :‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ ،308‬وفيه‪ :‬معناه‪ :‬بل أظننم‬
‫وخلتم الخ‪(*) .‬‬

‫]‪[198‬‬

‫وروى في الكافي‪ :‬عن بكر بن محمد قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقرء "‬
‫وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول "‪ .‬وقال في المجمع )‪ (1‬في قوله‬
‫تعالى‪ " :‬لتبلون " أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد " في أموالكم‬
‫" بذهابها ونقصانها " وفي أنفسكم " أيها المؤمنون بالقتل والمصائب‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بفرض الجهاد وغيره " ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب " يعنى‬
‫اليهود والنصارى‪ " ،‬ومن الذين أشركوا " يعني كفار مكة وغيرهم "‬
‫أذى كثيرا " من تكذيب النبي صلى ال عليه وآله ومن الكلم الذي يغمهم‬
‫" من عزم المور " أي مما بان رشده وصوابه‪ ،‬ووجب على العاقل العزم‬
‫عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬أي من محكم المور‪ .‬وقال في قوله تعالى )‪ " :(2‬ولقد‬
‫أرسلنا " أي رسل " إلى امم من قبلك " فخالفوهم‪ " ،‬فأخذناهم بالبأساء‬
‫والضراء " يريد بالفقر والبؤس والسقام والوجاع عن ابن عباس "‬
‫لعلهم يتضرعون " معناه لكي يتضرعوا " فلول إذ جائهم بأسنا تضرعوا‬
‫" معناه فهل تضرعوا إذ جاءهم بأسنا‪ " ،‬ولكن قست قلوبهم " فأقاموا‬
‫على كفرهم ولم تنجع فيهم العظة " وزين لهم الشيطان " بالوسوسة‬
‫والغراء بالمعصية‪ ،‬لما فيها من عاجل اللذة " ما كانوا يعملون " يعني‬
‫أعمالهم‪ " .‬فلما نسوا ما ذكروا به " أي تركوا ما وعظوا به‪ " ،‬فتحنا‬
‫عليهم أبواب كل شئ " أي كل نعمة وبركة من السماء والرض‪ ،‬والمعنى‬
‫أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا ويتوبوا‪ ،‬فلما تركوا ذلك فتح‬
‫عليهم أبواب النعم‪ ،‬والتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الخرة "‬
‫حتى إذا فرحوا بما اوتوا " من النعيم واشتغلوا بالتلذذ‪ ،‬ولم يروه نعمة من‬
‫ال حتى يشكروه " أخذناهم بغتة " أي مفاجأة من حيث ل يشعرون‪" ،‬‬
‫فإذا هم مبلسون " أي آيسون من النجاة والرحمة‪ .‬وروي عن النبي صلى‬
‫ال عليه وآله قال‪ :‬إذا رأيت ال يعطي على المعاصي فذلك استدراج‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ .551‬والية في آل عمران‪ (2) .186 :‬مجمع البيان ج‬
‫‪ ،301 :4‬والية في النعام‪.44 :‬‬

‫]‪[199‬‬

‫منه ثم تل هذه الية‪ ،‬ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬يا‬
‫ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره انتهى )‪ .(1‬ويظهر من‬
‫اليات أن البليا والمصائب نعم من ال‪ ،‬ليتعظوا ويتذكروا بها ويتركوا‬
‫المعاصي‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السلم )‪ :(2‬ولو أن الناس حين‬
‫تنزل بهم النقم‪ ،‬وتزول عنهم النعم‪ ،‬فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم‬
‫ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد‪ ،‬وأصلح لهم كل فاسد‪ .‬وتدل على أن‬
‫تواتر النعم على العباد‪ ،‬وعدم ابتلئهم بالبليا استدراج منه سبحانه غالبا‬
‫كما قال علي بن إبراهيم‪ " ،‬لعلهم يتضرعون " يعني كي يتضرعوا فلما لم‬
‫يتضرعوا فتح ال عليهم الدنيا وأغناهم لفعلهم الردى " فإذا هم مبلسون‬
‫" أي آيسون وذلك قول ال في مناجاته لموسى عليه السلم‪ .‬حدثني أبي‪،‬‬
‫عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن سليمان بن داود‪ ،‬عن حفص بن غياث عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان في مناجاة ال تعالى لموسى‪ :‬يا موسى إذا‬
‫رأيت الفقر مقبل فقل مرحبا بشعار الصالحين‪ ،‬وإذا رأيت الغنى مقبل فقل‬
‫ذنب عجلت عقوبته‪ ،‬فما فتح ال على أحد في هذه الدنيا إل بذنب لينسيه‬
‫ذلك الذنب فل يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه )‪ .(1‬وروى‬
‫الكشي )‪ (2‬والعياشي باسنادهما‪ ،‬عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‬
‫السلم أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلم ادخل على الحجاج فقال‪:‬‬
‫ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ قال‪ :‬كنت اوضيه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما‬
‫كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال‪ :‬كان يتلو هذه الية " فلما نسوا ما‬
‫ذكروا به " إلى قوله‪:‬‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ (2) .302 :4‬نهج البلغة ج ‪ 353 :1‬تحت الرقم ‪ 176‬من‬
‫الخطب )‪ (3‬أخرجه الديلمى في ارشاد القلوب‪ ،219 :‬الباب ‪ ،48‬وتراه‬
‫في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .263‬راجع تفسير القمى ذيل هذه الية‪ (4) .‬رجال‬
‫الكشى‪.70 :‬‬

‫]‪[200‬‬
‫" فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد ل رب العالمين " )‪(1‬‬
‫فقال الحجاج‪ :‬أظنه كان يتأوله علينا ؟ قال‪ :‬نعم )‪ - 1 .(2‬كتاب صفات‬
‫الشيعة للصدوق رحمه ال باسناده‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫البرص شبه اللعنة‪ ،‬ل يكون فينا‪ ،‬ول في ذريتنا‪ ،‬ول في شيعتنا‪ .‬وباسناده‬
‫عن معاوية بن عمار قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن لم يؤمن‬
‫المؤمن من البليا في الدنيا‪ ،‬ولكن امنه من العمى في الخرة ومن الشقاء‬
‫يعني عمى البصر )‪ - 2 .(3‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن‬
‫السلم بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا‪ ،‬فطوبى للغرباء فقيل‪ :‬ومن هم يا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله ؟ قال‪ :‬الذين يصلحون إذا فسد الناس‪ ،‬إنه‬
‫ل وحشة ول غربة على مؤمن‪ ،‬وما من مؤمن يموت في غربته إل بكت‬
‫عليه الملئكة رحمة له‪ ،‬حيث قلت بواكيه‪ ،‬وفسح له في قبره بنور يتلل‬
‫من حيث دفن إلى مسقط رأسه‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير عن هشام بن سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن أشد الناس‬
‫بلء النبياء ثم الذين يلونهم ثم المثل فالمثل )‪ .(4‬بيان‪ " :‬أشد الناس "‬
‫بلء " قيل‪ :‬المراد بالناس هنا الكمل من النبياء والوصياء والولياء‪،‬‬
‫فانهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس‪ ،‬كما ورد في الخبار والبلء‪ :‬ما‬
‫يختبر ويمتحن به من خير أو شر‪ ،‬وأكثر ما يأتي مطلقا الشر‪ ،‬وما اريد به‬
‫الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى‪ " .‬بلء حسنا " )‪ (5‬وأصله‪ :‬المحنة‪.‬‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .45 :‬تفسير العياشي ج ‪ (3) .359 :1‬صفات الشيعة‪(4) .180 :‬‬
‫الكافي ج ‪ (5) .252 :2‬النفال‪.17 :‬‬

‫]‪[201‬‬

‫وال تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره‪ ،‬وبما يكره ليمتحن صبره‪،‬‬
‫يقال‪ :‬بلء ال بخير أو شر يبلوه بلوا‪ ،‬وأبله إبلء‪ ،‬وابتله ابتلء بمعنى‬
‫امتحنه‪ ،‬والسم‪ :‬البلء مثل سلم‪ ،‬والبلوى والبلية مثله‪ .‬وقال في النهاية‪:‬‬
‫فيه أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل‪ :‬أي الشرف فالشرف‪،‬‬
‫والعلى فالعلى في الرتبة والمنزلة‪ ،‬ثم يقال‪ :‬هذا أمثل من هذا أي أفضل‬
‫وأدنى إلى الخير‪ ،‬وأماثل الناس‪ :‬خيارهم انتهى‪ " .‬ثم الذين يلونهم " أي‬
‫يقربون منهم ويكونون بعدهم‪ ،‬في المصباح‪ :‬الولي مثل فلس‪ :‬القرب‪،‬‬
‫وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين‪ ،‬والثانية من باب وعد وهي‬
‫قليلة الستعمال‪ ،‬وجلست مما يليه أي يقاربه‪ ،‬وقيل‪ :‬الولي‪ :‬حصول الثاني‬
‫بعد الول من غير فصل انتهى والمراد بهم الصياء عليهم السلم‪ - 4 .‬كا‪:‬‬
‫عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن معاوية ابن‬
‫عمار‪ ،‬عن ناجية قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬إن المغيرة يقول‪ :‬إن‬
‫المؤمن ل يبتلى بالجذام ول بالبرص‪ ،‬ول بكذا ول بكذا‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان‬
‫لغافل عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه‪ ،‬فقال‪ :‬كأني أنظر‬
‫إلى تكنيعه‪ ،‬أتاهم فأنذرهم‪ ،‬ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن‬
‫المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة‪ ،‬إل أنه ل يقتل نفسه )‪ .(1‬بيان‪:‬‬
‫المغيرة‪ :‬هو المغيرة بن سعيد‪ ،‬وقد ذكر الكشي )‪ (2‬أحاديث كثيرة في‬
‫لعنه‪ ،‬وقال العلمة قدس سره‪ :‬إنه كان يدعو إلى محمد بن عبد ال بن‬
‫الحسن وقال رحمه ال في مناهج اليقين‪ :‬القائلون بامامة الباقر عليه‬
‫السلم اختلفوا بعد موته فالمامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه السلم‪،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إنه لم يمت‪ ،‬ومنهم من ساقها إلى غير ولده‪ ،‬فذهب‬
‫بعضهم إلى أن المام بعد الباقر عليه السلم محمد بن عبد ال بن الحسن‬
‫بن الحسن‪ ،‬وهم أصحاب المغيرة بن سعيد‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) 254 :2‬رجال الكشى‪.198 - 194 :‬‬

‫]‪[202‬‬

‫وروى الكشي )‪ (1‬عن الصادق عليه السلم أنه قال يوما لصحابه‪ :‬لعن ال المغيرة‬
‫ابن سعيد ولعن ال يهودية كان يختلف إليها‪ ،‬يتعلم منها السحر‪ ،‬والشعبذة‬
‫والمخاريق‪ ،‬إن المغيرة كذب على أبي عليه السلم فسلبه ال اليمان وإن‬
‫قوما كذبوا علي‪ ،‬مالهم أذاقهم ال حر الحديد‪ .‬وروى أيضا عن الرضا‬
‫عليه السلم )‪ (2‬أنه قال‪ :‬كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه السلم‬
‫فأذاقه ال حر الحديد‪ .‬وقال في المواقف‪ :‬قال مغيرة بن سعيد العجلي‪ :‬ال‬
‫جسم على صورة إنسان من نور‪ ،‬على رأسه تاج‪ ،‬وقلبه منبع الحكمة‪،‬‬
‫ولما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالسم العظم‪ ،‬فطار‪ ،‬فوقع تاجا على‬
‫رأسه‪ ،‬ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد فغضب من المعاصي‪ ،‬فعرق‪،‬‬
‫فحصل منه بحران أحدهما‪ :‬مالح مظلم‪ ،‬والخر حلو نير‪ ،‬ثم اطلع في البحر‬
‫النير‪ ،‬فأبصر فيه ظله‪ ،‬فانتزعه فجعل منه الشمس والقمر‪ ،‬وأفنى الباقي‬
‫من الظل نفيا للشريك‪ ،‬ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم‪،‬‬
‫والمؤمنين من النير‪ .‬ثم أرسل محمدا‪ ،‬والناس في ضلل‪ ،‬وعرض المانة‬
‫على السماوات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها‬
‫النسان وهو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلفة بعده له وقوله‬
‫تعالى‪ " :،‬كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر " )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى‪ (2) .196 :‬المصدر نفسه ص ‪ .194‬أقول وروى باسناده الى‬
‫هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬كان المغيرة بن‬
‫سعيد يتعمد الكذب على أبى‪ ،‬ويأخذ كتب أصحابه ‪ -‬وكان أصحابه‬
‫المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها الى‬
‫المغيرة ‪ .-‬فكان يدس فيها الكفر والزندقة‪ :‬ويسندها الى أبى‪ ،‬ثم يدفعها‬
‫الى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة‪ ،‬فكلما كان في كتب أصحاب‬
‫أبى من الغلو‪ ،‬فذاك مما دسه المغيرة ابن سعيد في كتبهم‪ (3) .‬الحشر‪:‬‬
‫‪.16‬‬

‫]‪[203‬‬

‫نزلت في أبي بكر وعمر‪ .‬والمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين‬
‫بن علي‪ ،‬وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج‪ ،‬وقتل المغيرة‬
‫فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا انتهى‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫المغيرة بن سعد‪ ،‬وكان يلقب بالبتر‪ ،‬فنسبت إليه البترية من الزيدية‪ ،‬ولم‬
‫أدر من أين أخذه‪ " (1) .‬فقال إن كان لغافل " إن‪ :‬مخففة من المثقلة "‬
‫وصاحب ياسين " هو حبيب النجار‪ ،‬وإنذاره إشارة إلى قوله تعالى‪" :‬‬
‫واضرب لهم مثل أصحاب القرية " )‪ (2‬وهذه القرية هي أنطاكية في قول‬
‫المفسرين " إذ جائها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين " أي رسولين من‬
‫رسلنا " فكذبوهما " أي الرسولين‪ .‬قال ابن عباس ضربوهما وسجنوهما‬
‫" فعززنا بثالث " أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث‪ ،‬قيل‪ :‬كان‬
‫اسم الرسولين شمعون ويوحنا‪ ،‬والثالث بولس و وقال ابن عباس وكعب‪:‬‬
‫صادق‪ ،‬وصدوق والثالث سلوم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهم رسل عيسى‬

‫)‪ (1‬قال الفيروزآبادى في القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ 366‬في مادة " بتر "‪ :‬والبتر لقب‬
‫المغيرة بن سعد والبترية ‪ -‬بالضم ‪ -‬من الزيدية تنسب إليه‪ .‬ولكن قال‬
‫الكشى في رجاله ص ‪ :202‬البترية هم أصحاب كثير النوا والحسن بن‬
‫صالح بن يحيى ]حى ظ[‪ ،‬وسالم بن أبى حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة‬
‫بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد‪ ،‬وهم الذين دعوا الى ولية علي عليه‬
‫السلم ثم خلطوها بولية أبى بكر وعمر ويثبتون لهما امامتهما‬
‫ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة‪ ،‬ويرون الخروج مع بطون‬
‫ولد علي بن أبى طالب الخ‪ .‬وانما قيل لهم البترية لن جماعة من الزيدية‬
‫دخلوا على أبى جعفر الباقر عليه السلم وكان عنده زيد بن على‪،‬‬
‫فأظهروا عقائدهم وما يقولون به‪ ،‬فقال لهم زيد‪ :‬بترتم أمرنا بتركم ال‪) .‬‬
‫‪ (2‬يس‪ .13 :‬وما بعدها ذيلها‪.‬‬

‫]‪[204‬‬
‫وهم الحواريون‪ ،‬وإنما أضافهم إلى نفسه لن عيسى عليه السلم أرسلهم بأمره "‬
‫فقالوا إنا إليكم مرسلون "‪ " .‬قالوا " يعني أهل القرية " ما أنتم إل بشر‬
‫مثلنا " فل تصلحون للرسالة كما ل نصلح نحن لها " وما أنزل الرحمن‬
‫من شئ إن أنتم إل تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما‬
‫علينا إل البلغ المبين "‪ .‬إلى قوله تعالى‪ " :‬وجاء من أقصى المدينة رجل‬
‫يسعى " وكان اسمه حبيب النجار‪ ،‬عن ابن عباس وجماعة من المفسرين‪،‬‬
‫وكان قد آمن بالرسول عند ورودهم القرية وكان منزله عند أقصى باب من‬
‫أبواب المدينة‪ ،‬فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم‪ ،‬جاء يعدو‬
‫ويشتد‪ " ،‬قال يا قوم اتبعوا المرسلين " الذين أرسلهم ال إليكم‪ ،‬وأقروا‬
‫برسالتهم‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما علم هو نبوتهم لنهم لما دعوه قال‪ :‬أتأخذون على‬
‫ذلك أجرا ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان به زمانة أو جذام فأبرؤوه فآمن بهم‬
‫عن ابن عباس‪ " .‬اتبعوا من ل يسئلكم أجرا وهم مهتدون * ومالي ل أعبد‬
‫الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر‬
‫ل تغن عني شفاعتهم شيئا ول هم ينقذون * إني إذا لفي ضلل مبين * إني‬
‫آمنت بربكم فاسمعون " فاسمعوا قولي واقبلوه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه خاطب بذلك‬
‫الرسل‪ ،‬أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند ال عن ابن مسعود‪ .‬قال‪:‬‬
‫ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه‪ ،‬وطئوه بأرجلهم‪ ،‬حتى مات فأدخله‬
‫ال الجنة وهو حي فيها يرزق‪ ،‬وهو قوله‪ " :‬قيل ادخل الجنة " وقيل‪:‬‬
‫رجموه حتى قتلوه‪ ،‬وقيل‪ :‬إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه ال إليه فهو‬
‫في الجنة ول يموت إل بفناء الدنيا وهلك الجنة‪ ،‬عن الحسن ومجاهد‪،‬‬
‫وقال إن الجنة التي دخلها يجوز هلكها‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم قتلوه إل أن ال‬
‫سبحانه أحياه وأدخله الجنة‪ ،‬فلما دخلها قال‪ " :‬يا ليت قومي يعلمون بما‬
‫غفر لي ربي وجعلني من المكرمين "‪.‬‬

‫]‪[205‬‬

‫وفي تفسير الثعلبي بالسناد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله قال‪ :‬سباق المم ثلثة لم يكفروا بال طرفة عين‪ :‬علي‬
‫بن أبي طالب وصاحب ياسين‪ ،‬ومؤمن آل فرعون‪ ،‬فهم الصديقون وعلي‬
‫أفضلهم‪ .‬كل ذلك ذكره الطبرسي )‪ (1‬رحمه ال في مجمع البيان‪ ،‬والخبار‬
‫الطويلة المشتملة على تلك القصة قد تقدمت في المجلد الخامس‪ " .‬إنه‬
‫كان مكنعا " في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة‪ ،‬وفي بعضها بالتاء‬
‫وفي القاموس‪ :‬كنع كمنع كنوعا‪ :‬انقبض وانضم‪ ،‬وأصابعه‪ :‬ضربها‬
‫فأيبسها‪ ،‬وكفرح يبس وتشنج ولزم‪ ،‬وشيخ كنع ككتف‪ :‬شنج‪ ،‬والكنيع‪:‬‬
‫المكسور اليد‪ ،‬والكنع الشل‪ ،‬وكمعظم ومجمل‪ :‬المقفع اليد‪ - :‬أي‬
‫متشنجها أو ‪ -‬المقطوعها‪ ،‬وكنع يده‪ :‬أشلها‪ (2) ،‬وقال‪ :‬كتع كمنع‪ :‬انقبض‬
‫وانضم‪ ،‬والكتع‪ :‬من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه‪ (3) .‬وأقول‪:‬‬
‫كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه كما سيأتي تفسيره بالجذام أو كان هذا‬
‫الداء أيضا مذكورا في الدواء التي نفاها عن المؤمن‪ ،‬أو الغرض بيان أن‬
‫البتلء بالدواء العظيمة الشنيعة ل ينافي كمال اليمان وقيل‪ :‬كانت‬
‫أصابعه سقطت من الجدام فأشار عليه السلم بضم أصابعه إلى كفه إلى‬
‫ذلك‪ " .‬ثم رد أصابعه " هذا من كلم الراوي أي رد عليه السلم أصابعه‬
‫إلى كفه إشارة إلى تكنيعه‪ ،‬فقال‪ " :‬كأني أنظر إلى تكنيعه " أي أعلم ذلك‬
‫وكيفيته بعين اليقين " أتاهم " أي حبيب " فأنذرهم " وخوفهم عقاب ال‬
‫على ترك اتباع الرسل‪ ،‬بما حكى ال تعالى عنه‪ ،‬وربما يتوهم التنافي بين‬
‫هذا الخبر‪ ،‬وبين ما ورد عن الصادق عليه السلم أنه إذا بلغ المؤمن‬
‫أربعين سنة آمنه ال من الدواء الثلثة‪ :‬البرص والجذام‪ ،‬والجنون‪،‬‬
‫ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب‪ ،‬فل ينافي البتلء بعد‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .421 - 417‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (3) .80‬القاموس‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪.77‬‬

‫]‪[206‬‬

‫الربعين نادرا‪ ،‬مع أنه يمكن أن يكون ابتلء المؤمن قبل الربعين‪ ،‬وأيضا الخبر‬
‫ليس بصريح في ابتلئه بالجذام‪ " .‬والميتة " بالكسر للحال والهيئة‪ ،‬ويدل‬
‫على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة‪ ،‬أو بشرب السم‪ ،‬أو‬
‫بترك الكل والشرب‪ ،‬أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها‪ ،‬أما لو‬
‫أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات فالظاهر أنه أيضا‬
‫داخل في هذا الحكم خلفا لبعض العامة فإنه أخرجه منه‪ ،‬لنه فر من موت‬
‫إلى موت وهو ضعيف‪ ،‬وربما يحمل على من استحل قتل نفسه‪ ،‬والظاهر‬
‫أن المراد بالمؤمن‪ :‬الكامل‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن عثمان النوا‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل يبتلي المؤمن بكل بلية‪ ،‬ويميته بكل ميتة‪ ،‬ول‬
‫يبتليه بذهاب عقله‪ ،‬أما ترى أيوب كيف سلط ال إبليس على ماله‪ ،‬وعلى‬
‫ولده وعلى أهله‪ ،‬وعلى كل شئ من‪ ،‬ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد‬
‫ال به )‪ .(1‬بيان‪ " ::‬ول يبتليه بذهاب عقله " لن فائدة البتلء التصبر‬
‫والتذكر والرضا ونحوها‪ ،‬ول يتصور شئ من ذلك بذهاب العقل وفساد‬
‫القلب‪ ،‬ول ينافي ذهاب العقل ل لغرض البتلء‪ ،‬على أن الموضع هو‬
‫المؤمن‪ ،‬والمجنون ل يتصف باليمان كذا قيل‪ ،‬لكن ظاهر الخبر أن المؤمن‬
‫الكامل ل يبتلي بذلك‪ ،‬وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم اليمان‪ ،‬وكان‬
‫بحكم المؤمن‪ .‬ويمكن أن يكون هذا غالبيا فانا نرى كثيرا من صلحاء‬
‫المؤمنين‪ ،‬يبتلون في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل‪ ،‬أو يخص بنوع‬
‫منه‪ ،‬والوجه الول ل يخلو من وجه‪ " ،‬وعلى كل شئ منه " ظاهره‬
‫تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله وقد يؤول بتسلطه على بيته‪،‬‬
‫وأثاث بيته‪ ،‬وأمثال ذلك‪ ،‬وأحبائه وأصدقائه‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.256‬‬

‫]‪[207‬‬

‫وقد سبق بسط القول في قصص أيوب عليه السلم ودفع الشبه الواردة فيها في‬
‫المجلد الخامس فل نعيدها حذرا من التكرار‪ - 6 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد الرحمان ابن الحجاج قال‪ :‬ذكر‬
‫عند أبي عبد ال عليه السلم‪ :‬البلء وما يخص ال عزوجل به المؤمن‪،‬‬
‫فقال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وآله من أشد الناس بلء في الدنيا ؟‬
‫فقال‪ :‬النبيون ثم المثل فالمثل‪ ،‬ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه‪،‬‬
‫وحسن أعماله‪ ،‬فمن صح إيمانه‪ ،‬وحسن عمله‪ ،‬اشتد بلؤه‪ ،‬ومن سخف‬
‫إيمانه وضعف عمله قل بلؤه )‪ .(1‬محص‪ :‬عن عبد الرحمان مئله‪ .‬بيان‪:‬‬
‫" السخف " الخفة في العقل وغيره ذكره الجزري والفعل ككرم " وضعف‬
‫عمله " أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫ابن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عمار بن مروان‪ ،‬عن زيد الشحام‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن عظيم الجر لمع عظيم البلء‪ ،‬وما‬
‫أحب ال قوما إل ابتلهم )‪ .(2‬بيان‪ :‬يدل على أن عظيم البلء سبب للجر‬
‫العظيم‪ ،‬وعلمة لمحبة الرب الرحيم‪ ،‬إذا كان في المؤمن الكريم‪ - 8 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن أبي‬
‫بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ل عزوجل عبادا في الرض‬
‫من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الرض إل صرفها عنهم‬
‫إلى غيرهم‪ ،‬ول بلية إل صرفها إليهم )‪ .(3‬نبه‪ :‬عن ابن رئاب وكرام بن‬
‫عمرو‪ ،‬عن أبى بصير مثله‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .252‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .252‬المصدر ص ‪.253‬‬

‫]‪[208‬‬

‫بيان‪ " :‬ما ينزل من السماء " أي يقدر فيها " تحفة " أي من التحف الدنيوية‬
‫وكذا " البلية "‪ - 9 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أحمد بن عبيد‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن علوان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم إنه قال وعنده سدير‪ :‬إن‬
‫ال إذا أحب عبدا غته بالبلء غتا‪ ،‬وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي )‬
‫‪ .(1‬بيان‪ " :‬غته " أي غمسه‪ ،‬والباء بمعنى " في " ويحتمل القهر‬
‫والغم‪ ،‬في النهاية‪ :‬فيه يغتهم ال في العذاب غتا‪ ،‬أي يغمسهم فيه غمسا‬
‫متتابعا‪ ،‬ومنه حديث الدعاء‪ :‬يا من ل يغته دعاء الداعين‪ :‬أي يغلبه‬
‫ويقهره‪ ،‬وفي حديث الحوض‪ :‬يغت فيه ميزابان‪ ،‬مدادهما من الجنة‪ ،‬أي‬
‫يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬غته بالمر كده‪ ،‬وفي‬
‫الماء غطه‪ ،‬وفلنا غمه وخنقه‪ " (2) ،‬لنصبح به " أي بالغت أو بالبلء‪.‬‬
‫‪ - 10‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫الوليد بن العل‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫ال تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلء غتا‪ ،‬وثجه بالبلء ثجا‪ ،‬فإذا‬
‫دعاه قال‪ :‬لبيك عبدي ! لئن عجلت لك ما سألت‪ ،‬إني على ذلك لقادر‪ ،‬ولئن‬
‫ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك )‪ .(3‬جع‪ :‬عنه عليه السلم مثله‪(4) .‬‬
‫بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬ثج الماء‪ :‬سال‪ ،‬وثجه‪ :‬أساله‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬فيه أفضل‬
‫الحج العج الثج‪ ،‬الثج‪ :‬سيلن دماء الهدي والضاجي )‪ ،(4‬يقال‪ :‬ثجه‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) 253‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .153‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪) .253‬‬


‫‪ (4‬روى الصدوق في معاني الخبار ص ‪ 223‬باسناده عن النخعي عن‬
‫عمه عن اسماعيل بن مسلم‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن على‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬نزل جبرئيل على النبي صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا‬
‫محمد ! مر أصحابك بالعج والثج‪ ،‬فالعج رفع الصوات بالتلبية‪ ،‬والثج‬
‫نحر البدن‪.‬‬

‫]‪[209‬‬

‫يثجه ثجا‪ ،‬ومنه فحلب فيه ثجا‪ ،‬أي لبنا سائل كثيرا‪ ،‬وحديث المستحاضة إنى أثجه‬
‫ثجا انتهى‪ .‬واقول‪ :‬ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف واليصال‬
‫والباء زائدة أي ثج عليه البلء أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه‬
‫وحزنه‪ ،‬كأنه يذوب من البلء ويسيل‪ ،‬أو عن توجهه إلى جناب الحق‬
‫سبحانه بالدعاء والتضرع لدفعه‪ ،‬وقيل‪ :‬أي أسال دم قلبه بالبلء‪ .‬واقول‪:‬‬
‫في جامع الخبار )‪ (1‬وغيره " بجه " بالباء الموحدة والبج‪ :‬الشق‬
‫والطعن بالرمح‪ " .‬فإذا دعاه " أي لدفع البلء‪ ،‬أو لغيره من المطالب‬
‫أيضا‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬ألب‪ :‬أقام كلب‪ ،‬ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك‬
‫إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة‪ ،‬أو معناه اتجاهي وقصدي لك‪ ،‬من‪ :‬داري‬
‫تلب داره‪ :‬أي تواجهها‪ ،‬أو معناه‪ :‬محبتي لك‪ ،‬من‪ :‬امرأة لبة‪ :‬محبة‬
‫لزوجها‪ ،‬أو معناه إخلصي لك من‪ :‬حسب لباب‪ :‬خالص )‪ - 11 .(2‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن زيد الزراد‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن‬
‫عظيم البلء يكافأ به عظيم الجزاء‪ ،‬فإذا أحب ال عبدا ابتله ال بعظيم‬
‫البلء‪ ،‬فمن رضي فله عند ال الرضا‪ ،‬ومن سخط البل فله عند ال السخط‬
‫)‪ .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن الحسن اللؤلؤي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن سنان‪ ،‬عن زيد الشحام‪ ،‬عنه عليه السلم مثله )‪ .(4‬محص‪ :‬عن‬
‫الشحام مثله‪ .‬بيان‪ " :‬يكافأ به " على بناء المجهول‪ ،‬أي يحازى‪ ،‬أو‬
‫يساوى‪ ،‬في القاموس‪:‬‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار‪ (2) .134 :‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ 126‬و ‪ (3) 127‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .253‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪12‬‬

‫]‪[210‬‬

‫كافأه مكافأة وكفاء‪ :‬جازاه‪ ،‬وفلنا‪ :‬ماثله وراقبه )‪ ،(1‬والحمد ل كفاء الواجب اي‬
‫ما يكون مكافئا له‪ " .‬فإذا أحب ال عبدا " أي أراد أن يوصل الجزاء‬
‫العظيم إليه‪ ،‬ويرضى عنه ووجده أهل لذلك ابتله بعظيم البلء من‬
‫المراض الجسمانية‪ ،‬والمكاره الروحانية " فمن رضي " أي ببلئه‬
‫وقضائه‪ ،‬والظاهر أن المراد بالموصول في الموضعين أعم من العبد‬
‫المحبوب المتقدم‪ ،‬فان العبد المحبوب ل سبحانه ل يسخط قضاءه‪ ،‬و‬
‫يحتمل أن يكون المراد بالمحبة‪ ،‬تعريضه للمثوبة‪ ،‬سواء رضي أم ل "‬
‫فمن رضي فله عند ال الرضا " أي يرضى ال عنه‪ " ،‬ومن سخط "‬
‫القضاء " فله عند ال السخط " أي الغضب‪ - 12 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن زكريا بن الحر‪ ،‬عن‬
‫جابر بن يزيد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إنما يبتلي المؤمن في الدنيا‬
‫على قدر دينه‪ ،‬أو قال على حسب دينه )‪ .(2‬بيان‪ " :‬أو قال " الشك من‬
‫الراوي‪ ،‬و " الحسب " بالتحريك المقدار‪ ،‬فمآل الروايتين واحد‪ ،‬قال في‬
‫المصباح‪ :‬قولهم‪ :‬يجزى المرء على حسب عمله‪ :‬أي على مقداره‪- 13 .‬‬
‫كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن محمد‬
‫بن المثنى الحضرمي‪ ،‬عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان‪ ،‬كلما زيد في إيمانه‬
‫زيد في بلئه )‪ .(3‬بيان‪ " :‬إنما المؤمن " كأن المعنى أن حال المومن في‬
‫إيمانه وبلئه بمنزلة كفتي الميزان‪ ،‬كما ورد‪ :‬الصلة ميزان فمن وفى‬
‫استوفى‪ ،‬وقيل‪ :‬المعنى أن المومن ككفة الميزان‪ ،‬في أنه كلما وضع فيه‬
‫يوضع في الكفة الخرى‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 26‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 253‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪254‬‬
‫]‪[211‬‬

‫ما يوازنه عند الوزن‪ ،‬فكلما زيد في المومن من اليمان زيد في الكفة الخرى وهو‬
‫الكافر الذي بلء المؤمن بسببه‪ ،‬سواء كان من النس أو الجن‪ ،‬فيزيد‬
‫بلؤه و أذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبي أيوب‪ ،‬عن محمد بن مسلم قال‪ :‬سمعت‬
‫أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬المؤمن ل يمضي عليه أربعون ليلة إل‬
‫عرض له أمر يحزنه يذكر به )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أمر يحزنه " بالضم‪ ،‬قال في‬
‫المصباح‪ :‬حزن حزنا من باب تعب والسم الحزن بالضم فهو حزين‪،‬‬
‫ويتعدى في لغة قريش بالحركة‪ ،‬يقال‪ :‬حزنني المر يحزنني‪ ،‬من باب قتل‬
‫قاله تغلب والزهري وفي لغة تميم باللف‪ ،‬ومثل الزهري باسم الفاعل‬
‫والمفعول في اللغتين على بابهما ومنع أبو زيد الماضي من الثلثي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل يقال‪ :‬حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلثي فيقال‪ :‬يحزنه انتهى‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬يذكر به " على بناء المفعول من التفعيل‪ ،‬كأنه سئل عن سبب‬
‫عروض ذلك المر‪ ،‬فقال‪ :‬يذكر به ذنوبه‪ ،‬والتوبة منها‪ ،‬لقوله سبحانه‪" :‬‬
‫ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )‪ ." (2‬وربه القادر على دفع ذلك‬
‫عنه‪ ،‬فيتضرع لذلك‪ ،‬ويدعو ال لرفعه‪ ،‬وسفالة الدنيا )‪ (3‬ودناءتها لشيوع‬
‫أمثال ذلك فيها فيزهد فيها‪ ،‬والخرة وخلوص لذاتها عن الحزان‬
‫والكدورات فيرغب إليها ول يصلح القلب إصلح الحزن شئ وقد قيل‪ :‬إن‬
‫القلب الذي ل حزن فيه كبيت الخراب‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد الشعري‪ ،‬عن عبد بن زرارة‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن المومن من ال عزوجل‬
‫لبأفضل مكان ‪ -‬ثلثا ‪ -‬إنه ليبتليه بالبلء‪ ،‬ثم ينزع نفسه عضوا عضوا‬

‫)‪ (1‬المصدر ‪ (2) .253‬الشورى‪ (3) 30 :‬أي ويذكر سفالة الدنيا‪ .‬وهكذا قوله‪:‬‬
‫والخرة الخ‪.‬‬

‫]‪[212‬‬

‫من جسده‪ ،‬وهو يحمد ال على ذلك )‪ .(1‬بيان‪ " :‬من ال " أي بالنسبة إليه " ثلثا‬
‫" أي قال هذا الكلم ثلث مرات " نفسه عضوا عضوا " أي روحه من‬
‫بدنه بالتدريج‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو‬
‫سلب الروح منه‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬النفس بضم النون والفاء جمع نفيس أي‬
‫يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام‪ ،‬ول يخفى ما فيه والول أظهر‪ - 16 .‬كا‪:‬‬
‫عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن فضيل ابن‬
‫عثمان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن في الجنة منزلة ل يبلغها‬
‫عبد إل بالبتلء في جسده )‪ .(2‬بيان‪ :‬يدل على أن بعض درجات الجنة‬
‫يمكن البلوغ إليها بالعمل و السعي‪ ،‬وبعضها ل يمكن الوصول إليها ال‬
‫بالبتلء في الجسد‪ ،‬فيمن ال تعالى على من أحب من عبده بالبتلء‬
‫ليصلوا إليها‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫محمد الشعري عن أبي يحيى الحناط‪ ،‬عن عبد ال بن أبي يعفور‪ ،‬قال‪:‬‬
‫شكوت إلى أبي عبد ال عليه السلم ما ألقى من الوجاع ‪ -‬وكان مسقاما ‪-‬‬
‫فقال لي‪ :‬يا عبد ال لو يعلم المؤمن ماله من الجزاء في المصائب‪ ،‬لتمنى‬
‫أنه قرض بالمقاريض )‪ .(3‬بيان‪ " :‬وكان مسقاما " هذا كلم أبي يحيى‪،‬‬
‫وضمير كان عائد إلى عبد ال و " المسقام " بالكسر الكثير السقم‬
‫والمرض‪ " ،‬إنه قرض " على بناء المفعول بالتخفيف‪ ،‬أو بالتشديد للتكثير‬
‫والمبالغة‪ .‬وفي المصباح‪ :‬قرضت الشئ قرضا من باب ضرب‪ :‬قطعته‬
‫بالمقراضين‪ ،‬و المقراض أيضا بكسر الميم والجمع‪ :‬مقاريض‪ ،‬ول يقال‪:‬‬
‫إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة وإنما يقال عند اجتماعهما‬
‫قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .254‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 255‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪255‬‬

‫]‪[213‬‬

‫وفي الواحد قطعته بالمقراض‪ - 18 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬
‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن يونس بن رباط قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة‬
‫قليلة وعافية طويلة )‪ .(1‬نبه‪ :‬عن ابن رباط مثله‪ .‬بيان‪ " :‬منذ كانوا "‬
‫تامة " وفي شدة " خبر " لم يزالوا " " إلى مدة قليلة " أي إلى انتهاء‬
‫مدة قليلة هي العمر‪ ،‬ينهي إلى " عافية طويلة " في البرزخ والخرة‬
‫وقيل‪ " :‬إلى " بمعنى مع‪ - 19 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بعض‬
‫أصحابه‪ ،‬عن الحسين بن المختار عن أبي اسامة‪ ،‬عن حمران‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل ليتعاهد المؤمن بالبلء كما يتعاهد‬
‫الرجل أهله بالهدية من الغيبة‪ ،‬ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس تعهده وتعاهده‪ :‬تفقده وأحدث العهد به‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حمى المريض ما يضره‪ :‬منعه إياه فاحتمى‪ ،‬وتحمى‪ :‬امتنع‪ .‬واقول‪ :‬وجه‬
‫الشبه في الفقرتين في المشبه وإن كان أقوى‪ ،‬لكن المشبه به عند الناس‬
‫أظهر وأجلى‪ - 20 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن‬
‫محمد بن يحيى الخثعمي عن محمد بن بهلول العبدي قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫ال عليه السلم يقول‪ :‬لم يؤمن ال المؤمن من هزاهز الدنيا‪ ،‬ولكنه آمنه‬
‫من العمى فيها والشقاء في الخرة )‪ .(3‬بيان‪ " :‬من هزاهز الدنيا " أي‬
‫الفتن والبليا التي يهتز فيها الناس و " العمى "‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .255‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 255‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫]‪[214‬‬

‫عمى القلب‪ ،‬الموجب للجهل بال‪ ،‬والتنفر عن الحق والبعد عن لوازم اليمان وكل‬
‫ذلك يوجب الشقاء والتعب في الخرة‪ - 21 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫أبي عبد ال‪ ،‬عن نوح بن شعيب‪ ،‬عن أبي داود المسترق رفعه قال‪ :‬قال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬دعى النبي صلى ال عليه وآله إلى طعام فلما‬
‫دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على‬
‫وتدفي حائط‪ ،‬فثبتت عليه‪ ،‬ولم تسقط ولم تنكس‪ ،‬فتعجب النبي صلى ال‬
‫عليه وآله منها فقال له الرجل‪ :‬أعجبت من هذه البيضة ؟ فو الذي بعثك‬
‫بالحق ما رزئت شيئا قط‪ .‬فنهض رسول ال صلى ال عليه وآله ولم يأكل‬
‫من طعامه شيئا‪ ،‬وقال‪ :‬من لم يرزء فما ل فيه من حاجة )‪ .(1‬بيان‪" :‬‬
‫فتقع " أي فوقعت‪ ،‬واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه‬
‫المواضع شائع‪ " ،‬ما رزئت شيئا " أي ما نقصت‪ ،‬في القاموس‪ :‬رزأه‬
‫ماله ‪ -‬كجعله وعلمه ‪ -‬رزعا بالضم‪ :‬أصاب منه شئيا كارتزأه ماله‪ ،‬ورزأ‬
‫الشئ‪ :‬نقصه‪ ،‬والرزيئة المصيبة‪ ،‬وما رزئته بالكسر‪ :‬ما نقصته )‪ .(2‬وفي‬
‫النهاية‪ :‬في حديث سراقه‪ :‬فلم يرزءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال‪:‬‬
‫رزأته أرزأه وأصله النقص‪ ،‬فقوله‪ :‬رزئت على بناء المجهول ومفعول‪،‬‬
‫الثاني محذوف‪ " .‬فما ل فيه من حاجة " استعمال الحاجة في ال سبحانه‬
‫مجاز‪ ،‬والمراد أنه ليس من خلص المؤمنين‪ ،‬وممن أعده ال لهداية الخلق‬
‫ولعبادته ومعرفته‪ ،‬فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلء‪ .‬فكأنه محتاج‬
‫إليهم في ذلك‪ ،‬أو أنهم لما كانوا من حزب ال‪ ،‬وعبدته حقيقة‪ ،‬وأنصار‬
‫دينه‪ ،‬فكأنه سبحانه محتاج إليهم‪ ،‬كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل‬
‫ذلك‪ .‬أو المراد حاجة النبياء والوصياء في ترويج الدين‪ ،‬ونسب ذلك إلى‬
‫ذاته‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .256 :2‬القاموس ج ‪.16 :1‬‬

‫]‪[215‬‬

‫تعظيما لهم كما ورد في قوله تعالى‪ " :‬إن تنصروا ال ينصركم " )‪ " (1‬وما‬
‫ظلمونا " )‪ (2‬وأمثالهما‪ .‬أو أنه تعالى لما طلب من عباده العبادات‬
‫بالوامر وغيرها‪ ،‬كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه‪ ،‬فاستعملت الحاجة فيه‬
‫مجازا‪ ،‬أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به‪ ،‬وترك القبال عليه‪ ،‬لن‬
‫اللطف والقبال منا لزمان للحاجة‪ ،‬فنفى الملزوم وأراد نفي اللزم‪،‬‬
‫والوجوه متقاربة‪ .‬وإنما امتنع صلى ال عليه وآله من طعامه لن ما ذكره‬
‫كان من صفات المستدرجين ومن ل خير فيه ل خير في طعامه‪ ،‬والمال‬
‫الذي لم ينقص منه شئ ملعون كالبدن وقد قال صلى ال عليه وآله‪ :‬ملعون‬
‫كل مال ل يزكى‪ ،‬ملعون كل بدن ل يزكى )‪ (3‬مع أنه يمكن أن يكون علم‬
‫صلى ال عليه وآله من تقريره أنه ل يؤدي الحقوق الواجبة أيضا‪ .‬وأيضا‬
‫لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام‪ ،‬مرغوبة بالطبع لسائر‬
‫الخلق‪ ،‬أراد صلى ال عليه وآله المبالغة في ذمها‪ ،‬لئل ترغب الصحابة‬
‫فيها‪ ،‬وليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫علي بن الحكم‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن عبد الرحمان عن أبي عبد ال‪،‬‬
‫وأبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ل حاجة ل فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب )‪ .(4‬بيان‪" :‬‬
‫فيمن ليس له " أي ل‪ ،‬وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد‪ ،‬والظاهر أن‬
‫المراد بالنصيب‪ :‬النقص الذي وقع بقضاء ال وقدره‪ ،‬في ماله أو بدنه‪،‬‬
‫بغير اختيار ويحتمل شموله للختياري أيضا‪ ،‬كأداء الحقوق المالية‪،‬‬
‫وإبلء البدن بالطاعة‪ - 23 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن ابن فضال‪ ،‬عن علي‬

‫)‪ (1‬القتال ‪ (2) .7‬البقرة‪ (3) .57 :‬سيأتي الحديث ص ‪ (4) .219‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪(* .256‬‬

‫]‪[216‬‬

‫ابن عقبة‪ ،‬عن سليمان بن خالد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال إنه ليكون للعبد‬
‫منزلة عند ال‪ ،‬فما ينالها إل باحدى الخصلتين‪ :‬إما بذهاب ماله‪ ،‬أو ببلية‬
‫في جسده )‪ .(1‬بيان‪ " :‬بذهاب ماله " بكسر اللم‪ ،‬وقد يقرء بالفتح وعلى‬
‫الول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده وأهله وأقاربه وأشباه‬
‫ذلك‪ ،‬والمراد بالعبد‪ :‬المؤمن الخالص الذي يحبه ال‪ - 24 .‬كا‪ :‬بالسناد‬
‫المتقدم عن البرقي‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن مثنى الحناط عن أبي اسامة‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬لول أن يجد عبدي المؤمن‬
‫في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد ل يصدع رأسه أبدا )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫" لول أن يجد عبدي المؤمن في قلبه " كأن مفعول الوجدان محذوف أي‬
‫شكا أو حزنا شديدا‪ ،‬أو يكون الوجد بمعنى الغضب‪ ،‬أو بمعنى الحزن‪،‬‬
‫فقوله‪ " :‬في قلبه " للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه‪ .‬في‬
‫المصباح‪ :‬وجدته أجده وجدانا بالكسر‪ ،‬ووجدت عليه موجدة في الغضب‬
‫ووجدت به في الحزن وجدا بالفتح انتهى‪ .‬والعصابة بالكسر‪ :‬ما يشد على‬
‫الرأس والعمامة‪ ،‬والعصب‪ :‬الطي الشديد وعصب رأسه بالعصابة‪،‬‬
‫وعصب أيضا بالتشديد أي شده بها‪ ،‬و " الصداع " كغراب وجع الرأس‪،‬‬
‫يقال‪ :‬صدع على بناء المفعول من التفعيل‪ ،‬وجوز في الشعر التخفيف وذكر‬
‫الرأس هنا على التجريد‪ ،‬والعصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه‬
‫ويؤذيه‪ .‬وتخصيص الرأس لن أكثر المراض العظيمة ينشأ منه وأكثر‬
‫القوى فيه وذكر الصداع لنه أقل مراتب اللم والوجاع وأخفها‪ ،‬أي فكيف‬
‫ما فوقه‪ ،‬ويحتمل كون تخصيص الرأس لذلك‪ .‬والحاصل أنه‪ :‬لول مخافة‬
‫انكسار قلب المؤمن‪ ،‬أو ضعف يقينه‪ ،‬لما يراه على‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .257‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.257‬‬

‫]‪[217‬‬

‫الكافر من العافية المستمرة‪ ،‬لقويت الكافر‪ ،‬وصححت جسمه‪ ،‬حتى ل يرى وجعا‬
‫وألما في الدنيا أبدا‪ .‬وقيل تعصيب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة‬
‫على رأسه‪ ،‬وذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث ل تحصل فيه ثملة‪ ،‬ول‬
‫يخفى بعده‪ .‬وفيه إشارة إلى قوله سبحانه‪ " :‬لول أن يكون الناس امة‬
‫واحدة " )‪ (1‬قال الطبرسي رحمه ال‪ :‬أي لول أن يجتمع الناس على‬
‫الكفر‪ ،‬فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد‪ ،‬لميلهم إلى الدنيا‪ ،‬وحرصهم‬
‫عليها " لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة " فالسقف إذا‬
‫كان من فضة فالحيطان من فضة " ومعارج عليها يظهرون " أي وجعلنا‬
‫درجا وسلليم من فضة لتلك السقف‪ ،‬عليها يعلون ويصعدون‪ " .‬ولبيوتهم‬
‫أبوابا وسررا عليها " أي على تلك السرر " يتكئون وزخرفا " أي ذهبا‪،‬‬
‫أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا‪ ،‬وقيل‪ :‬الزخرف‪ :‬النقوش‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الفرش‬
‫ومتاع البيت‪ ،‬والمعنى لعطى الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها‪ ،‬لقلتها‬
‫وحقارتها عنده‪ ،‬ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة‪ " ،‬وإن‬
‫كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين " خاصة لهم )‪.(2‬‬
‫‪ - 25‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن حسين بن عثمان‬
‫عن ابن مسكان‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬مثل المؤمن كمثل خامة الزرع‪ ،‬تكفئها‬
‫الرياح كذا وكذا‪ ،‬وكذلك المؤمن تكفئه الوجاع والمراض‪ ،‬ومثل المنافق‬
‫كمثل الرزبة المستقيمة التي ل يصيبها شئ حتى يأتيه الموت فيقصفه‬
‫قصفا )‪ .(3‬بيان‪ :‬قد مر معنى " خامة الزرع " في باب أن المؤمن صنفان‬
‫)‪ (4‬والفرق‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪ (2) .35 - 33 :‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ (3) .47‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .257‬راجع ص ‪ 191‬فيما سبق‬
‫]‪[218‬‬

‫بين التشبيه هنا وبين ما سبق‪ ،‬حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها وههنا جميعهم‬
‫بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح‪ ،‬وههنا شبه البليا والمراض بها‪،‬‬
‫" تكفئها " بالهمز أي تقلبها‪ ،‬في القاموس‪ :‬كفأه كمنعه‪ :‬صرفه وكبه‬
‫وقلبه‪ ،‬كأكفأه )‪ (1‬وقال‪ :‬الزربة‪ ،‬والمرزبة مشددتان‪ ،‬أو الولى فقط‪:‬‬
‫عصية من حديد )‪ (2‬و " حتى " في قوله‪ " :‬حتى يأتيه الموت " متعلق‬
‫بالجار والمجرور في قوله‪ " :‬كمثل الرزبة "‪ ،‬وفي المصباح‪ :‬قصفت‬
‫العود قصفا فانقصفت‪ ،‬مثل كسرته فانكسر‪ ،‬لفظا ومعنا‪ .‬ومثل هذه الرواية‬
‫رواها مسلم في صحيحه باسناده عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم قال‪:‬‬
‫مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح‪ :‬تصرفها مرة‪ ،‬وتعدلها‬
‫اخرى‪ ،‬حتى يأتيه أجله‪ ،‬ومثل المنافق مثل الرزة )‪ (3‬المجذية التي ل‬
‫يصيبها شئ حتى يكون انجعافها مرة واحدة‪ ،‬وفي رواية اخرى مثل‬
‫الكافر‪ .‬قال عياض‪ :‬الخامة هي الزرع أول ما ينبت‪ ،‬ومعنى تكفئها بضم‬
‫التاء تميلها الريح وتلقيها بالرض كالمصروع‪ ،‬ثم تقيمه يقوم على سوقه‪،‬‬
‫ومعنى المجذية‪ :‬الثابتة‪ ،‬يقال‪ :‬أجذى يجذي‪ ،‬و " النجعاف "‪ :‬النقطاع‪،‬‬
‫يقال‪ :‬جعفت الرجل صرعته‪ .‬وقال محيي الدين‪ :‬الرزة ‪ -‬بالفتح ‪ -‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬هي الرزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة‪ ،‬وأنكره أبو عبيد‪،‬‬
‫وقال أهل اللغة‪ :‬الرزة بالمد الثابتة‪ ،‬وهذا المعنى صحيح ههنا‪ ،‬فانكار أبي‬
‫عبيد إنكار الرواية ل إنكار اللغة‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬شبه المومن بالخامة التي‬
‫تميلها الريح‪ ،‬لنه يرزأ في نفسه وماله‪ ،‬وشبه الكافر بالرزة لنه ل يرزأ‬
‫في شئ حتى يموت‪ ،‬وإن رزئ لم يوجر حتى يلقى ال بذنوب جمة‪- 26 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .26‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .73‬في نسخة الكمبانى "‬
‫الرزبة " وهو تصحيف‪.‬‬

‫]‪[219‬‬

‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله يوما لصحابه‪:‬‬
‫ملعون كل مال ل يزكى ملعون كل جسد ل يزكى‪ ،‬ولو في كل أربعين يوما‬
‫مرة‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول ال أما زكاة المال فقد عرفناها‪ ،‬فما زكاة الجساد ؟‬
‫فقال لهم‪ :‬أن تصاب بآفة‪ .‬قال‪ :‬فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه‪ ،‬فلما‬
‫رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم‪ :‬هل تدرون ما عنيت بقولي ؟ قالوا‪ :‬ل يا‬
‫رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬بلى الرجل يخدش الخدشة‪ ،‬وينكب النكبة‪ ،‬ويعثر العثرة‪،‬‬
‫ويمرض المرضة‪ ،‬ويشاك الشوكة وما أشبه هذا‪ ،‬حتى ذكر في آخر حديثه‬
‫اختلج العين )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ملعون كل مال ل يزكى " قال الشيخ البهائي‬
‫برد ال مضجعه‪ :‬أي بعيد عن الخير والبركة‪ ،‬يعني ل خير فيه لصاحبه ول‬
‫بركة‪ ،‬ويجوز أن يراد ملعون صاحبه‪ ،‬على حذف مضاف‪ ،‬أي مطرود مبعد‬
‫عن رحمة ال تعالى وقس عليه قوله صلى ال عليه وآله‪ " :‬ملعون كل‬
‫جسد ل يزكى " وذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة ويجوز أن يكون‬
‫استعارة تبعية‪ ،‬ووجه الشبه أن كل منهما وإن كان نقصا بحسب الظاهر إل‬
‫أنه موجب لمزيد الخير والبركة في نفس المر‪ " .‬فتغيرت وجوه الذين‬
‫سمعوا ذلك " لنهم ظنوا أن مراده بالفة‪ :‬العاهة والبلية الشديدة التي‬
‫كثيرا ما يخلوا عنهما النسان سنين عديدة‪ ،‬فضل عن أربعين يوما‪" ،‬‬
‫قال‪ :‬بلى " أقول‪ :‬كأنه جواب عن سؤال مقدر‪ ،‬كأن القوم قالوا‪ :‬أل تفسر‬
‫لنا ؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬وصحف بعض الفاضل فقرأ " بلى الرجل " مصدرا مضافا‬
‫إلى الرجل أي خلقه‪ ،‬كأن البليا تبلي الجسد وتخلقها و " يخدش " صفة‬
‫الرجل لن اللم للعهد الذهني‪ ،‬ول يخفى ما فيه‪ .‬وقال الشيخ المتقدم ذكره‬
‫قدس سره‪ " :‬يخدش " بالبناء للمفعول‪ ،‬وكذا " ينكب " والخدشة تفرق‬
‫اتصال في الجلد‪ ،‬من ظفر ونحوه‪ ،‬سواء خرج منه الدم أو ل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.258‬‬

‫]‪[220‬‬

‫وأقول‪ :‬النكبة‪ :‬أن يقع رجله على الحجارة ونحوها‪ ،‬أو يسقط على وجهه أو‬
‫أصابته بلية خفيفة من بليا الدهر‪ ،‬في القاموس‪ :‬النكب‪ :‬الطرح‪ ،‬ونكب‬
‫الناء‪ :‬هراق ما فيه‪ ،‬والكنانة‪ :‬نثر ما فيها‪ ،‬والحجارة رجله لثمتها‪ ،‬أو‬
‫أصابتها‪ ،‬فهو منكوب ونكب‪ ،‬وبه‪ :‬طرحه‪ ،‬والنكبة بالفتح‪ :‬المصيبة ونكبه‬
‫الدهر نكبا ونكبا‪ :‬بلغ منه‪ ،‬أو أصابه بنكبة )‪ .(1‬وفي النهاية‪ :‬وقد نكب‬
‫بالحرة‪ :‬أي نالته حجارتها‪ ،‬وأصابته‪ ،‬ومنه النكبة وهي ما يصيب النسان‬
‫من الحوادث‪ :‬ومنه الحديث‪ :‬أنه نكبت أصبعه أي نالته الحجارة‪ " .‬ويعثر‬
‫العثرة " في القاموس‪ :‬العثرة‪ :‬المرة من العثار في المشي‪ ،‬وقال الشيخ‬
‫رحمه ال‪ :‬المراد عثرة الرجل‪ ،‬ويجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان‬
‫أيضا لكنه بعيد‪ " .‬ويشاك الشوكة " يقال‪ :‬شاكته الشوكة‪ ،‬تشوكه شاكة‬
‫وشيكة‪ :‬إذا دخلت في جسده‪ ،‬وانتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة‪،‬‬
‫كانتصاب الخدشة‪ ،‬والنكبة والعثرة‪ ،‬فان‪ :‬قلت تلك مصادر بخلف الشوكة‪،‬‬
‫فكيف يكون مفعول مطلقا ؟ قلت‪ :‬قد يجئ المفعول المطلق غير مصدر إذا‬
‫لبس المصدر باللية ونحوها‪ ،‬نحو ضربته سوطا‪ ،‬وإن أبيت فاجعل‬
‫انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة‪ .‬اقول‪ :‬وفي القاموس‪ :‬شاكته‬
‫الشوكة‪ :‬دخلت في جسمه‪ ،‬وشكته أنا أشوكه وأشكته‪ :‬أدخلتها في جسمه‪،‬‬
‫وشاك يشاك شاكة وشيكة ‪ -‬بالكسر‪ :‬وقع في الشوك‪ ،‬والشوكة ‪ -‬خالطها‪،‬‬
‫وما أشاكه شوكة ول شاكه بها‪ :‬ما أصابه بها انتهى )‪ .(2‬فعلى بعض‬
‫الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعول ثانيا من غير تقدير‪ .‬وقال‪ " :‬وما‬
‫أشبه هذا " يحتمل أن يكون من كلم النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وأن يكون‬
‫من كلم الراوي‪.‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (2) 134‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪.309‬‬

‫]‪[221‬‬

‫اقول‪ :‬الظاهر أنه من كلم الصادق عليه السلم إلى آخر الخبر‪ ،‬وضمير حديثه‬
‫راجع إلى النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬وقال قدس سره‪ :‬عد صلى ال عليه‬
‫وآله اختلج العين من الفات لن الختلج مرض من المراض‪ ،‬وقد ذكره‬
‫الطباء‪ ،‬وهو حركة سريعة متواترة غير عادية‪ ،‬يعرض لجزء من البدن‪،‬‬
‫كالجلد ونحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل‪ ،‬فتصير ريحا بخاريا غليظا‬
‫يعسر خروجه من المسام‪ ،‬وتزاول الدافعة دفعه‪ ،‬فتقع بينهما مدافعة‬
‫واضطراب‪ - 27 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪،‬‬
‫عن ابن فضال عن ابن بكير قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم أيبتلي‬
‫المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا ؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬وهل كتب البلء إل على‬
‫المؤمن )‪ .(1‬بيان‪ " :‬وهل كتب البلء إل على المؤمن " أي غالبا‪- 28 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عمن رواه‪ ،‬عن الحلبي عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن ليكرم على ال‪ ،‬حتى لو سأله‬
‫الجنة بما فيها‪ ،‬أعطاه ذلك‪ ،‬من غير أن ينتقص من ملكه شيئا وإن الكافر‬
‫ليهون على ال حتى لو سأله الدنيا بما فيها لعطاه من غير أن ينقص من‬
‫ملكه شيئا‪ ،‬وإن ال ليتعاهد عبده المؤمن بالبلء‪ ،‬كما يتعاهد الغائب أهله‬
‫بالطرف‪ ،‬وإنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض )‪ .(2‬بيان‪ :‬كلمة "‬
‫لو " في الموضعين شرطية امتناعية‪ ،‬و " أعطاه " جزاؤه‪ ،‬أي لو سأل‬
‫المؤمن الجنة أعطاه‪ ،‬لكنه ل يسأله ذلك‪ ،‬لنه يعلم عدم المصلحة في ذلك‬
‫أو يحب الشركاء فيها ول يطلب التفرد‪ ،‬مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة‬
‫بالفعل ويخلق أمثالها وأضعافها لغيره‪ .‬وأما الكفار فانه أيضا ل يسأل‬
‫جميع الدنيا‪ ،‬لنه ل يؤمن بال وسعد قدرته بل يعد ذلك ممتنعا‪ ،‬وقيل‪ :‬لنه‬
‫ممتنع أن يسأل ال‪ ،‬لنه سبحانه ل يدرك‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .258‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.258‬‬


‫]‪[222‬‬

‫بالكنه ول بالشخص‪ ،‬بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية‪ ،‬و الكافر‬
‫ل يعرفه كذلك‪ ،‬وإليه يشير قوله تعالى‪ " :‬اجيب دعوة الداع إذا دعان " )‬
‫‪ " (1‬وانتقص " يكون لزما ومتعديا‪ ،‬والمراد هنا الثاني‪ ،‬في القاموس‪:‬‬
‫نقص لزم متعد‪ ،‬وأنقصه وانتقصه‪ ،‬ونقصه‪ :‬فانتقص )‪ :(2‬وقيل‪ " :‬شيئا‬
‫" قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا وفي المصباح‪:‬‬
‫" الطرفة " ما يستطرف أي يستملح‪ ،‬والجمع طرف‪ ،‬مثل غرفة وغرف‪،‬‬
‫وفي القاموس‪ :‬أطرف فلنا‪ :‬أعطاه ما لم يعطه أحد قبله والسم‪ :‬الطرفة‬
‫بالضم‪ - 29 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن سماعة‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن في كتاب علي عليه السلم‪ :‬إن أشد‬
‫الناس بلء النبيون‪ ،‬ثم الوصيون ثم المثل فالمثل‪ ،‬وإنما يبتلي المؤمن‬
‫على قدر أعماله الحسنة‪ ،‬فمن صح دينه وحسن عمله‪ ،‬اشتد بلؤه وذلك‬
‫أن ال عزوجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن‪ ،‬و ل عقوبة لكافر‪ ،‬ومن سخف‬
‫دينه وضعف عمله قل بلؤه‪ ،‬وإن البلء أسرع إلى المؤمن التقي من‬
‫المطر إلى قرار الرض )‪ .(3‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن ابن محبوب مثله )‪ .(4‬جع‪ :‬عن النبي صلى ال عليه وآله مثله )‪ (5‬إل‬
‫أن قوله‪ " :‬وذلك أن ال " إلى قوله‪ " :‬لكافر " في آخر الخبر‪ ،‬وهو‬
‫أنسب‪ .‬بيان‪ " :‬وذلك أن ال " أقول‪ :‬دفع لما يتوهم من أن المؤمن‬
‫لكرامته على ال كان ينبغي أن يكون بلؤه أقل‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن المؤمن لما‬
‫كان محل ثوابه الخرة‪ ،‬لن الدنيا لفنائها وانقطاعها ل يصح أن يكون‬
‫ثوابا له‪ ،‬فينبغي‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .185 :‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 320‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(4) .259‬‬
‫علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .42‬جامع الخبار ص ‪.133‬‬

‫]‪[223‬‬

‫أن ل يكون له في الدنيا إل ما يوجب الثواب في الخرة‪ ،‬وكذا الكافر لما كنت‬
‫عقوبته في الخرة‪ ،‬لن الدنيا لنقطاعها ل تصلح أن تكون عقوبته فيها‪،‬‬
‫فل يبتلي في الدنيا كثيرا‪ ،‬بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا‪،‬‬
‫بدفع البلء والسعة في النعماء‪ .‬وفي القاموس‪ " :‬القرار والقرارة "‪ :‬ما‬
‫قر فيه‪ ،‬والمطمئن من الرض )‪ (1‬شبه عليه السلم البلء النازل إلى‬
‫المؤمن بالمطر النازل إلى الرض‪ ،‬ووجه الشبه متعدد وهو السرعة‬
‫والستقرار بعد النزول‪ ،‬وكثرة النفع‪ ،‬والتسبب للحياة‪ ،‬فان البلء للمؤمن‬
‫سبب للحياة البدية‪ ،‬والمطر سبب للحياة الرضية‪ - 30 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم عن مالك بن‬
‫عطية‪ ،‬عن يونس بن عمار قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إن هذا‬
‫الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن ال لم يبتل به عبدا له فيه حاجة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال لي‪ :‬لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الصابع‪ ،‬فكان يقول‪ :‬هكذا ‪-‬‬
‫ويمد يديه ‪ -‬و يقول‪ " :‬يا قوم اتبعوا المرسلين " )‪ .(2‬ثم قال لي‪ :‬إذا كان‬
‫الثلث الخير من الليل‪ ،‬في أوله فتوضأ وقم إلى صلتك التي تصليها‪ ،‬فإذا‬
‫كنت في السجدة الخيرة من الركعتين الوليين‪ ،‬فقل وأنت ساجد‪ " :‬يا‬
‫علي يا عظيم‪ ،‬يا رحمان يا رحيم‪ ،‬يا سامع الدعوات‪ ،‬يا معطي الخيرات‬
‫صل على محمد وآل محمد‪ ،‬وأعطني من خير الدنيا والخرة ما أنت أهله‪،‬‬
‫واصرف عني من شر الدنيا والخرة ما أنت أهله‪ ،‬وأذهب عني هذا الوجع‬
‫‪ -‬وتسميه ‪ -‬فانه قد غاظني وأحزنني‪ .‬وألح في الدعاء‪ ،‬قال‪ :‬فما وصلت‬
‫إلى الكوفة حتى أذهب ال به عني كله )‪ .(3‬بيان‪ :‬الظاهر أن الثار التي‬
‫ظهرت بوجهه كان برصا‪ ،‬ويحتمل الجذام و‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ (2) .115 :2‬يس‪ (3) .13 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.259‬‬

‫]‪[224‬‬

‫على الول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلء المؤمن بالجذام‪ ،‬جاز ابتلؤه‬
‫بالبرص بطريق أولى لن الجذام أشد وأخبث‪ .‬وأما ذكر مومن آل فرعون‬
‫في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة‪ ،‬أو النساخ لن الية المذكورة إنما‬
‫هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا )‪ ،(1‬و ربما يوجه‬
‫بوجهين‪ :‬أحدهما أن المراد بالفرعون هنا‪ :‬فرعون عيسى عليه السلم‬
‫وهو الجبار الذي كان بالنطاكية حين ورده رسل عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫والفرعون يطلق على كل جبار متكبر‪ ،‬نعم شاع إطلقه على ثلثة‪ :‬فرعون‬
‫الخليل واسمه‪ :‬سنان‪ ،‬و فرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد‪،‬‬
‫وفرعون موسى واسمه‪ :‬الوليد بن مصعب وإضافته إلى آل فرعون عيسى‬
‫بأدنى الملبسة‪ ،‬وهو كونه فيهم واشتغاله بإنذارهم‪ ،‬أو باعتبار كونه منهم‬
‫في نفس المر‪ .‬وثانيهما‪ :‬كونهما واحدا وكان طويل العمر جدا‪ ،‬ومع‬
‫إدراكه زمان موسى أدراك زمان عيسى عليهما السلم أيضا مع أنه كان‬
‫بينهما على رواية ابن الجوزي في التنقيح ألف وستمائة واثنان وثلثون‬
‫سنة‪ ،‬وكان اسمه حبيبا النجار‪ ،‬وكان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر في‬
‫الخبر‪ ،‬وقال في القاموس‪ :‬خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين )‪ .(2‬وقال‬
‫علي بن إبراهيم )‪ (3‬في قوله تعالى‪ " :‬وقال رجل مؤمن من آل فرعون‬
‫يكتم إيمانه )‪ " (4‬قال‪ :‬كتم إيمانه ستمائة سنة قال‪ :‬وكان مجذوما مكنعا‪،‬‬
‫وهو الذي قد وقعت أصابعه‪ ،‬وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين‪،‬‬
‫ويقول‪ " :‬يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد )‪ " (5‬وفي بعض النسخ‪:‬‬
‫مكتعا وهو الذي قد عقفت‬

‫)‪ (1‬تحت الرقم‪ (2) .4 :‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (3) .367‬تفسير القمى ص ‪(4) .585‬‬
‫المؤمن‪ (5) .30 :‬غافر‪.38 :‬‬

‫]‪[225‬‬

‫أصابعه‪ ،‬وكان يسير بيديه المعقوفتين‪ ،‬ويقول‪ :‬والعقف‪ :،‬العطف‪ ،‬ول يخفي بعد‬
‫الوجهين‪ ،‬لسيما الخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المومنين‪.‬‬
‫" وإذا كان الثلث " " كان " تامة‪ ،‬وقيل ناقصة‪ ،‬واسمه ضمير مستتر‬
‫راجع إلى العالم أو نحوه‪ ،‬و " الثلث " منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة‬
‫" في أوله " فانه بدل الثلث والظرف خبر كان‪ ،‬و " تسميه " كلم المام‬
‫عليه السلم اعترض بين الدعاء أي وتسمي الوجع بأن تقول مكان هذا‬
‫الوجع هذا البرص‪ ،‬وفيه إشعار بأن الدعاء ل يخص البرص‪ " .‬وأحزنني‬
‫" وفيما سيأتي في كتاب الدعاء " حزنني " وكلهما صحيح فيقال‪ :‬حزنه‬
‫وأحزنه‪ ،‬و " اللحاح "‪ :‬المداومة والمبالغة بالتضرع‪ ،‬والتكرار‬
‫والستشفاع بالنبي صلى ال عليه وآله والئمة صلوات ال عليهم وأشباه‬
‫ذلك‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬ألح السحاب إلحاحا‪ :‬دام مطره‪ ،‬ومنه ألح الرجل‬
‫على الشئ‪ :‬إذا أقبل عليه مواظبا‪ - 31 .‬ب‪ :‬عن محمد بن الوليد‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن بكير‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم أيبتلي المؤمن بالجذام‬
‫والبرص وأشباه هذا ؟ قال‪ :‬وهل كتب البلء إل على المؤمن ؟‪- 32 (1) .‬‬
‫ل‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه رفعه إلى زرارة‬
‫بن أوفى قال‪ :‬دخلت على علي بن الحسين عليهما السلم فقال‪ :‬يا زرارة‬
‫الناس في زماننا على ست طبقات‪ :‬أسد‪ ،‬وذئب‪ ،‬وثعلب‪ ،‬وكلب‪ ،‬وخنزير‬
‫وشاة‪ .‬فأما السد فملوك الدنيا‪ ،‬يحب كل واحد أن يغلب ول يغلب‪ .‬وأما‬
‫الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا‪ ،‬ويمدحون إذا باعوا‪ .‬وأما الثعلب‪:‬‬
‫فهؤلء الذين يأكلون بأديانهم‪ ،‬ول يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم‪.‬‬
‫وأما الكلب يهر على الناس بلسانه‪ ،‬ويكرهه الناس من شره لسانه‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪.81‬‬

‫]‪[226‬‬

‫وأما الخنزير‪ :‬فهؤلء المخنثون وأشباههم‪ ،‬ل يدعون إلى فاحشة إل أجابوا‪ .‬وأما‬
‫الشاة‪ :‬فالذين تجر شعورهم )‪ (1‬ويؤكل لحومهم‪ ،‬ويكسر عظمهم فكيف‬
‫تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير )‪ .(2‬بيان‪ :‬المراد‬
‫بالشاة‪ :‬المؤمن المبتلى بهولء‪ ،‬وجر الشعر‪ :‬كناية عن الستيلء عليهم‪،‬‬
‫وجرهم إلى بيوت الظلمة للدعاوي الباطلة‪ ،‬أو الستخفاف بهم وفي بعض‬
‫النسخ بالزاي فهو بالمعنى الخير‪ ،‬وأكل لحومهم‪ :‬غيبتهم‪ ،‬وكسر عظمهم‪:‬‬
‫ضربهم وشدة الجور عليهم‪ - 33 .‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما كان ول‬
‫يكون إلى يوم القيامة مؤمن إل وله جار يؤذيه )‪ .(3‬صح‪ :‬عنه عليه‬
‫السلم مثله )‪ - 34 .(4‬ما‪ :‬عن الفحام‪ ،‬عن المنصوري‪ ،‬عن عم أبيه‪ ،‬عن‬
‫أبي الحسن الثالث عن آبائه‪ ،‬عن الصادق عليهم السلم مثله )‪ (5‬وفيه‪:‬‬
‫رجل مؤمن‪ - 35 .‬ما‪ :‬عن الغضائري‪ ،‬عن هارون بن موسى‪ ،‬عن محمد‬
‫بن همام‪ ،‬عن الحسين بن أحمد المالكي‪ ،‬عن اليقطيني‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫زكريا‪ ،‬عن داود بن كثير‪ ،‬عن أبي خالد البرقي قال‪ :‬حدثنا أبو عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال عزوجل‪:‬‬
‫لول أني أستحيي من عبدي المؤمن‪ ،‬ما تركت عليه خرقة يتوارى بها وإذا‬
‫كملت له اليمان ابتليته بضعف في قوته‪ ،‬وقلة في رزقه‪ ،‬فان هو حرج‬
‫أعدت إليه‪ ،‬فإن صبر باهيت به ملئكتي‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر المطبوع‪ :‬تجز شعورهم بالزاى‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪(3) .165‬‬
‫عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .33‬صحيفة الرضا ص ‪ (5) .32‬أمالى‬
‫الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪.286‬‬

‫]‪[227‬‬

‫أل وقد جعلت عليا علما للناس فمن تبعه كان هاديا‪ ،‬ومن تركه كان ضال ل يحبه إل‬
‫مؤمن ول يبغضه إل منافق )‪ .(1‬بيان‪ :‬فان هو حرج ‪ -‬كفرح ‪ -‬أي ضاق‬
‫صدره ولم يصبر‪ " ،‬أعدت إليه " أي ما أخذت منه‪ :‬الرزق أو القوة‪- 36 .‬‬
‫ما‪ :‬عن علي بن شبل‪ ،‬عن ظفر بن حمدون‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق عن‬
‫أبي جعفر المطلبي‪ ،‬عن محمد بن خالد التميمي‪ ،‬عن علي بن أبان‪ ،‬عن‬
‫ابن نباته قال‪ :‬كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلم فأتاه رجل فقال‪:‬‬
‫وال يا أمير المؤمنين إني لحبك في السر‪ ،‬كما احبك في العلنية‪ .‬قال‪:‬‬
‫فنكت بعوده ذلك في الرض طويل ثم رفع رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت إن طينتنا‬
‫طينة مرحومة‪ ،‬أخذ ال ميثاقها يوم أخذ الميثاق‪ ،‬فل يشذ منها شاذ‪ ،‬ول‬
‫يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة‪ ،‬أما إنه فاتخذ للفقر جلبابا )‪ (2‬فإني‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬الفاقة إلى محبيك أسرع من‬
‫السيل من أعلى الوادي إلى أسفله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬أما إنه " كأنه سقط هنا‬
‫شئ وفيه تقدير أي أما إنه إن كان كذلك فاتخذ‪ ،‬وفي البصاير‪ :‬أما فاتخذ‪،‬‬
‫وفي النهاية‪ :‬في حديث علي‪ :‬من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي‬
‫ليزهد في الدنيا‪ ،‬وليصبر على الفقر والقلة‪ ،‬والجلباب‪ :‬الزار والرداء‬
‫وقيل‪ :‬هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه‬
‫جلبيب كني به عن الصبر‪ ،‬لنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن وقيل‪:‬‬
‫إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر‪ ،‬أي فليلبس الفقر‪ ،‬ويكون منه‬

‫)‪ (1‬أمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .312‬روى الصدوق في معاني الخبار ص ‪،182‬‬
‫باسناده عن أحمد بن المبارك قال‪ :‬قال رجل لبي عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫حديث يروى أن رجل قال لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬انى احبك فقال‬
‫له‪ :‬أعد للفقر جلبابا‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬ليس هكذا‪ ،‬قال‪ :‬انما قال له‪:‬‬
‫أعددت لفاقتك جلبابا ‪ -‬يعنى يوم القيامة‪ (3) .‬أمالى الشيخ ج ‪.24 :2‬‬

‫]‪[228‬‬

‫على حالة تعمه وتشتمله‪ ،‬لن الغنى من أحوال أهل الدنيا‪ ،‬ول يتهيأ الجمع بين حب‬
‫الدنيا‪ ،‬وحب أهل البيت‪ - 37 .‬ع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لو أن مؤمنا كان في قلة جبل‪ ،‬لبعث ال‬
‫عزوجل إليه من يؤذيه ليأجره على ذلك )‪ .(1‬بيان‪ :‬قلة الجبل بالضم‪:‬‬
‫أعله‪ ،‬والمراد بالبعث‪ :‬التخلية وعدم الصرف‪ - 38 .‬ع‪ :‬عن حمزة بن‬
‫محمد العلوي‪ ،‬عن أحمد بن محمد الكوفي‪ ،‬عن عبيد ال بن حمدون‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن نصير‪ ،‬عن خالد بن حصين‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن الحسن‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما زلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين‪،‬‬
‫مبتلين بمن يؤذينا‪ ،‬ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض ال عزوجل له‬
‫من يؤذيه‪ ،‬ليأجره على ذلك‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬مازلت‬
‫مظلوما منذ ولدتني امي‪ ،‬حتى أن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول ل تذروني‬
‫)‪ (2‬حتى تذروا عليا فيذروني وما بي من رمد )‪ - 39 .(3‬ع‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن صفوان بن يحيى‪ ،‬عن معاوية بن عمار‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الصاعقة ل تصيب المؤمن‪ ،‬فقال له‬
‫رجل‪ :‬فإنا قد رأينا فلنا يصلي في المسجد الحرام فأصابته‪ ،‬فقال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬إنه كان يرمي حمام الحرم‪ .‬وبهذا السناد قال‪ :‬الصاعقة‬
‫تصيب المؤمن والكافر‪ ،‬ول تصيب ذاكرا )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .42‬يقال‪ :‬ذر الملح‪ :‬نثره وفرقه والدواء في‬
‫العين‪ :‬بذره‪ (3) .‬علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .42‬علل الشرايع ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.147‬‬

‫]‪[229‬‬

‫بيان‪ " :‬إنه كان يرمي " يدل على أن المراد بالمؤمن في أول الخبر‪ :‬المؤمن‬
‫الكامل‪ ،‬كما يدل عليه الرواية التية‪ ،‬ويحتمل أن ل يكون من أصابته‬
‫مؤمنا‪ ،‬ولم ير عليه السلم المصلحة في إظهار ذلك‪ ،‬فأسنده إلى بعض‬
‫أعماله والول أظهر‪ - 40 .‬ع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب عن محمد بن قيس قال‪ :‬سمعت أبا جعفر عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬إن ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء‪ ،‬فقال أحدهما‬
‫لصاحبه‪ :‬فيما هبطت ؟ قال‪ :‬بعثني ال عزوجل إلى بحر إيل‪ ،‬أحشر سمكة‬
‫إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر‪ ،‬فأمرني أن أحشر‬
‫إلى الصياد سمك البحر‪ ،‬حتى يأخذها له‪ ،‬ليبلغ ال عزوجل غاية مناه في‬
‫كفره‪ ،‬ففيما بعثت أنت ؟ قال‪ :‬بعثني ال عزوجل في أعجب من الذي بعثك‬
‫فيه‪ :‬بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم‪ ،‬المعروف دعاؤه وصوته في‬
‫السماء‪ ،‬لكفئ قدره التي طبخها لفطاره‪ ،‬ليبلغ ال في المؤمن الغاية في‬
‫اختبار إيمانه )‪ .(1‬توضيح‪ :‬كأن " إيل " اسم بحر‪ ،‬وهو غير معروف في‬
‫اللغة " اشتهى عليه " كذا في النسخ‪ ،‬ويمكن إرجاع الضمير إلى ال أي‬
‫سأل ال في ذلك واعتمد عليه‪ ،‬وهو ل ينافي كفره كدعاء فرعون‪ ،‬أو إلى‬
‫نفسه أي لنفسه‪ ،‬أو ملزما على نفسه‪ ،‬كناية عن الهتمام بها‪ ،‬وكأنه كان‬
‫في علته كما سيأتي نقل من تفسير المام‪ ،‬وفي القاموس كفأه كمنعه‪ :‬كبه‬
‫وقلبه‪ ،‬كأكفأه‪ ،‬وقال‪ :‬القدر بالكسر معروف انثى‪ ،‬أو يونث‪ - 41 .‬ع‪ :‬عن‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن علي بن الحكم عن عبد ال بن‬
‫جندب‪ ،‬عن سفيان بن السمط‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إذا أراد‬
‫ال عزوجل بعبد خيرا فأذنب ذنبا تبعه بنقمة‪ ،‬ويذكره الستغفار‪ ،‬وإذا أراد‬
‫ال عزوجل بعبد شرا فأذنب ذنبا‪ ،‬تبعه بنعمة لينسيه الستغفار ويتمادى‬
‫به‪ ،‬وهو‬

‫)‪ (1‬لم نظفر عليه‪.‬‬

‫]‪[230‬‬

‫قول ال عزوجل‪ " :‬سنستدرجهم من حيث ل يعلمون " )‪ (1‬بالنعم عند المعاصي )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬استدرجه‪ :‬خدعه‪ ،‬وأدناه‪ ،‬واستدراج ال تعالى‬
‫العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الستغفار وأن يأخذه قليل‬
‫قليل ول يباغته )‪ - 42 .(3‬ع‪ :‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن عبد ال بن غالب السدي عن أبيه‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‬
‫قال‪ :‬سألت علي بن الحسين عليه السلم عن قول ال عزوجل " لول أن‬
‫يكون الناس امه واحدة " قال‪ :‬عنى بذلك امة محمد أن يكونوا على دين‬
‫واحد كفارا كلهم‪ " ،‬لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة‬
‫ومعارج عليها يظهرون " )‪ (4‬ولو فعل ذلك بامة محمد صلى ال عليه‬
‫وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك‪ ،‬ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم )‪ .(5‬بيان‪:‬‬
‫" لول أن يكون الناس امة واحدة " قال البيضاوي‪ :‬لول أن يرغبوا في‬
‫الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم‪ ،‬لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه "‬
‫ومعارج " أي مصاعد‪ ،‬جمع معرج " عليها يظهرون " أي يعلون لحقارة‬
‫الدنيا " ولبيوتهم " بدل من " لمن " بدل الشتمال‪ ،‬أو علة‪ ،‬كقولك هيأت‬
‫له ثوبا لقميصه‪ - 43 .‬ل‪ :‬الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما‬
‫من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت‪ ،‬حتى يبتلي ببلية تمحص‬
‫بها ذنوبه‪ ،‬إما في مال‪ ،‬وإما في ولد‪ ،‬وإما في نفسه‪ ،‬حتى يلقى ال‬
‫عزوجل وماله ذنب‪ ،‬وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه‪ ،‬فيشدد به عليه عند‬
‫موته )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬العراف‪ ،182 :‬القلم‪ (2) .44 :‬علل الشرايع ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .248‬القاموس ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ .188‬وفيه وأدناه كدرجه ‪ -‬بالتشديد ‪ -‬وأقلقه حتى تركه يدرج‬
‫على الرض‪ (4) .‬الزخرف‪ (5) .34 :‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪(6) .276‬‬
‫الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.169‬‬

‫]‪[231‬‬

‫‪ - 44‬ص‪ :‬بالسناد إلى الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‬
‫يرفعه فقال‪ :‬التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬أين تريد ؟ قال‪ :‬بعثني ربي‬
‫أحبس السمك‪ ،‬فان فلن الملك اشتهى سمكة‪ ،‬فأمر بي أن أحبسه له ليؤخذ‬
‫له الذي يشتهي منه‪ ،‬فأنت أين تريد ؟ قال‪ :‬بعثني ربي إلى فلن العابد فانه‬
‫قد طبخ قدرا وهو صائم‪ ،‬فأرسلني ربي أكفاؤها‪ - 45 .‬ص‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن‬
‫الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام‬
‫بن سالم‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن أشد الناس بلء النبياء‪ ،‬ثم‬
‫الذين يلونهم‪ ،‬ثم المثل فالمثل‪ - 46 .‬ما‪ :‬عن الحسين بن إبراهيم‬
‫القزويني‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن أحمد بن إبراهيم‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫علي الزعفراني‪ ،‬عن أحمد البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫هشام مثله )‪ - 47 .(1‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬البلء زين‬
‫المؤمن‪ ،‬وكرامة لمن عقل لن في مباشرته‪ ،‬والصبر عليه‪ ،‬والثبات عنده‪،‬‬
‫تصحيح نسبة اليمان‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬نحن معاشر النبياء‬
‫أشد الناس بلء‪ ،‬فالمؤمن من المثل فالمثل‪ ،‬ومن ذاق طعم البلء تحت‬
‫ستر‪ ،‬حفظ ال له تلذذه أكثر من تلذذه بالنعمة‪ ،‬ويشتاق إليه إذا فقده‪ ،‬لن‬
‫تحت يد البلء والمحنة أنوار النعمة‪ ،‬وتحت أنوار النعمة نيران البلء‬
‫والمحنة‪ ،‬وقد ينجو من البلء كثير‪ ،‬ويهلك في النعمة كثير‪ .‬وما أثنى ال‬
‫تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى ال عليه وآله إل‬
‫بعد ابتلئه‪ ،‬ووفاء حق العبودية فيه‪ ،‬فكرامات ال في الحقيقة نهايات‬
‫بداياتها البلء ومن خرج من سبيكة البلوى‪ ،‬جعل سراج المؤمنين‪،‬‬
‫ومونس المقربين‪ ،‬ودليل القاصدين‪ ،‬ول خير في عبد شكى من محنة‬
‫تقدمها آلف نعمة‪ ،‬وأتبعها آلف راحة‪ ،‬ومن ل يقضي حق الصبر على‬
‫البلء‪ ،‬حرم قضاء الشكر في النعماء‪ ،‬كذلك‬

‫)‪ (1‬أمالى الشيخ ج ‪ 2‬ص ‪.273‬‬

‫]‪[232‬‬

‫من ل يؤدي حق الشكر في النعماء‪ ،‬يحرم عن قضاء الصبر في البلء ومن حرمهما‬
‫فهو من المطرودين‪ .‬وقال أيوب عليه السلم في دعائه‪ :‬اللهم قد أتى علي‬
‫سبعون في الرخاء‪ ،‬حتى أتى علي سبعون في البلء‪ .‬وقال وهب‪ :‬البلء‬
‫للمؤمن كالشكاك للدابة‪ ،‬والعقال للبل‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السلم‪:‬‬
‫الصبر من اليمان كالرأس من الجسد‪ ،‬ورأس الصبر البلء‪ ،‬وما يعقلها إل‬
‫العالمون )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ووفاء حق العبودية " أي وفائه بما هو حق‬
‫العبودية " فيه " أي في البلء من الصبر والشكر والرضا بالقضاء‪" ،‬‬
‫الشكاك " ككتاب‪ :‬اسم للحبل الذي يشد به قوائم الدابة‪ ،‬و " العقال "‬
‫ككتاب أيضا ما يعقل به رجل البعير‪ ،‬والمعنى أن البليا تمنع المؤمن من‬
‫ارتكاب الخطايا‪ - 48 .‬م‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ :‬لعبدال بن يحيى الحمد ل الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا‬
‫في الدنيا بمحنتهم‪ ،‬لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها‪ .‬فقال عبد‬
‫ال بن يحيى‪ :‬يا أمير المؤمنين وإنا ل نجازي بذنوبنا إل في الدنيا ؟ قال‪:‬‬
‫نعم أما سمعت قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا سجن المؤمن‬
‫وجنة الكافر ؟ إن ال تعالى يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا‪ ،‬بما يبتليهم‬
‫به من المحن‪ ،‬وبما يغفره لهم‪ ،‬فان ال يقول‪ " :‬وما أصابكم من مصيبة‬
‫فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " )‪ (2‬حتى إذا وردوا القيامة توفرت‬
‫عليهم طاعاتهم وعباداتهم‪ .‬وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون‬
‫منهم في الدنيا‪ ،‬وإن كان ل وزن لها‪ ،‬لنه ل إخلص معها‪ ،‬إذا وافوا‬
‫القيامة حملت عليهم ذنوبهم‪ ،‬وبغضهم لمحمد وآله وخيار أصحابه‪ ،‬فقذفوا‬
‫في النار‪.‬‬

‫)‪ (1‬مصباح الشريعة ص ‪ .61‬الباب ‪ (2) .90‬الشورى‪.30 :‬‬

‫]‪[233‬‬

‫ولقد سمعت محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬إنه كان فيما مضى قبلكم‬
‫رجلن‪ :‬أحدهما مطيع ل مؤمن‪ ،‬والخر كافر به‪ ،‬مجاهر بعداوة أوليائه‬
‫وموالة أعدائه وكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الرض‪ .‬فمرض‬
‫الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها‪ ،‬لن ذلك الصنف من السمك كان في‬
‫ذلك الوقت في اللجج بحيث ل يقدر عليه فآيسته الطباء من نفسه‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫استخلف في ملكك من يقوم به‪ ،‬فلست بأخلد من أصحاب القبور‪ ،‬فان‬
‫شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها‪ ،‬ول سبيل إليها‪ ،‬فبعث ال ملكا‬
‫وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له ]تلك‬
‫السمكة[ فأكلها وبرأ من مرضه وبقي في ملكه سنين بعدها‪ .‬ثم إن ذلك‬
‫الملك المؤمن‪ ،‬مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه ل يفارق‬
‫الشطوط التي يسهل أخذه منها‪ ،‬مثل علة الكافر فاشتهى تلك السمكة و‬
‫وصفها له الطباء‪ ،‬وقالوا‪ :‬طب نفسا فهذا أوانه‪ ،‬تؤخذ لك فتأكل منها‪،‬‬
‫وتبرأ فبعث ال ذلك الملك‪ ،‬فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط‬
‫إلى اللجج لئل يقدر عليه‪ ،‬فلم توجد حتى مات المؤمن من شهوته‪ ،‬وبعد‬
‫]م[ دوائه فعجب من ذلك ملئكة السماء‪ ،‬وأهل ذلك البلد في الرض‪ ،‬حتى‬
‫كادوا يفتنون‪ ،‬لن ال تعالى سهل على الكافر مال سبيل ]له[ إليه‪ ،‬وعسر‬
‫على المؤمن ما كان السبيل إليه سهل‪ .‬فأوحى ال إلى ملئكة السماء وإلى‬
‫نبي ذلك الزمان في الرض‪ :‬إني أنا ال الكريم‪ ،‬المتفضل القادر‪ ،‬ل يضرني‬
‫ما اعطي‪ ،‬ول ينقصني ما أمنع‪ ،‬ول أظلم أحدا مثقال ذرة‪ .‬فأما الكافر فانما‬
‫سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها‪،‬‬
‫إذ كان حقا أل ابطل لحد حسنة‪ ،‬حتى يرد القيامة ول حسنة في صحيفته‪،‬‬
‫ويدخل النار بكفره‪ ،‬ومنعت العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه‪،‬‬
‫فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة‪ ،‬وإعدام ذلك الداء‪ ،‬وليأتيني ول‬
‫ذنب‬

‫]‪[234‬‬

‫عليه فيدخل الجنة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فلست بأخلد من أصحاب القبور " لعل المعنى أن‬
‫ال لم يجعلك من الخالدين في الدنيا‪ ،‬وأسباب موتك قد تسببت‪ ،‬فلبد من‬
‫موتك‪ .‬أو المعنى أن بقاءك في الدنيا مع هذا المرض‪ ،‬كحياة أصحاب‬
‫القبور في الستحالة العادية‪ - 49 .‬م‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي عليهما السلم إن ينصر في‬
‫الدنيا على أعدائه‪ ،‬فقد جمع له خير الدارين‪ ،‬وإن امتحن في الدنيا فقد‬
‫ادخر له في الخرة مال يكون لمحنته في الدنيا قدر عند إضافتها إلى نعم‬
‫الخرة وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت‪ ،‬إن خذل في الدنيا‪ ،‬وغلب‬
‫بأيدي المؤمنين‪ ،‬فقد جمع عليه عذاب الدارين‪ ،‬وإن امهل في الدنيا واخر‬
‫عنه عذابها كان له في الخرة من عجائب العذاب‪ ،‬وضروب العقاب‪ ،‬ما‬
‫يود لو كان في الدنيا مسلما‪ ،‬ومال قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند‬
‫الضافة إلى تلك البليا‪ .‬فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا‪ ،‬وأطولهم‬
‫فيها عمرا من مخالفينا‪ :‬غمس يوم القيامة في النار غمسة‪ ،‬ثم سئل هل‬
‫لقيت نعيما قط ؟ لقال‪ :‬ل‪ ،‬ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا‪ ،‬وأعظمهم‬
‫بلء من موافقينا وشيعتنا‪ :‬غمس يوم القيامة في الجنة غمسة‪ ،‬ثم سئل‪:‬‬
‫لقيت بؤسا قط ؟ لقال‪ :‬ل‪ ،‬فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما‪ ،‬فذلك النعيم‬
‫فاطلبوه ]وذلك العذاب فاتقوه[‪ - 50 .‬كا‪ :‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الهوازي‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬عن الحكم بن عتيبة قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن العبد إذا كثرت ذنوبه‪ ،‬ولم يكن عنده ما يكفرها ابتله ال تعالى‬
‫بالحزن ليكفر عنه ذنوبه )‪ .(2‬محص‪ :‬عن الحكم مثله‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسير المام ص ‪ 8‬ذيل تفسير البسملة‪ (2) .‬مجالس المفيد ص ‪ 22‬تحت‬
‫الرقم‪.3 :‬‬

‫]‪[235‬‬

‫‪ - 51‬جا‪ :‬عن محمد بن محمد بن طاهر الموسوي‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫زكريا‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن أحمد بن سليمان القمي قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن كان النبي من النبياء ليبتلي بالجوع‪ ،‬حتى‬
‫يموت جوعا‪ ،‬وإن كان النبي من النبياء ليبتلي بالعطش حتى يموت‬
‫عطشا‪ ،‬وإن كان النبي من النبياء ليبتلي بالعراء حتى يموت عريانا‪ ،‬وإن‬
‫كان النبي من النبياء ليبتلي بالسقم والمراض حتى تتلفه‪ ،‬وإن كان النبي‬
‫ليأتي قومه فيقوم فيهم‪ ،‬يأمرهم بطاعة ال ويدعوهم إلى توحيد ال‪ ،‬وما‬
‫معه مبيت ليلة‪ ،‬فما يتركونه يفرغ من كلمه‪ ،‬ول يستمعون إليه حتى‬
‫يقتلوه‪ ،‬وإنما يبتلي ال تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده )‪.(1‬‬
‫‪ - 52‬جا‪ :‬عن أحمد بن الوليد )‪ (2‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن ابن محبوب عن ابن عطية‪ ،‬عن ابن فرقد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن فيما ناجى ال به موسى بن عمران أن‪ :‬يا موسى ما خلقت‬
‫خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن وإني إنما ابتليته لما هو خير له‪ ،‬وأنا‬
‫أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلئي وليشكر نعمائي‪ ،‬وليرض‬
‫بقضائي‪ ،‬أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري )‬
‫‪ - 53 .(3‬ضه‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن العبد إذا كثرت ذنوبه‪ ،‬ولم‬
‫يجد ما يكفرها به‪ ،‬ابتله ال عزوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به‪ ،‬فإن‬
‫فعل ذلك به‪ ،‬وإل فعذبه في قبره‪ ،‬ليلقاه ال عزوجل يوم يلقاه وليس شئ‬
‫يشهد عليه بشئ من ذنوبه‪ - 54 .‬جع‪ :‬قال أمير المؤمنين علي عليه‬
‫السلم الجزع عند البلء تمام المحنة‪ .‬وقال عليه السلم )‪ :(4‬إن البلء‬
‫للظالم أدب‪ ،‬وللمؤمن امتحان وللنبياء درجة وللولياء كرامة‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ 31‬تحت الرقم‪ (2) .5 :‬هو أحمد بن محمد بن الحسن بن‬
‫الوليد‪ (3) .‬مجالس المفيد ص ‪ 63‬تحت الرقم‪ (4) .11 :‬في المصدر‪:‬‬
‫وقال النبي )ص(‪.‬‬

‫]‪[236‬‬

‫وقال رسول ال صلى ال عليه وآله )‪ :(1‬من ابتلي فصبر‪ ،‬واعطي فشكر‪ ،‬وظلم‬
‫فغفر‪ ،‬وظلم فاستغفر‪ ،‬قالوا‪ :‬ما باله ؟ قال‪ :‬اولئك لهم المن وهم مهتدون‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يتعاهد وليه بالبلء‪ ،‬كما يتعاهد المريض أهله‬
‫بالدواء وإن ال ليحمي عبده الدنيا كما يحمي المريض الطعام‪ .‬وروي عن‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬إذا أراد ال بقوم‬
‫خيرا ابتلهم‪ .‬وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل‬
‫يزال البلء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده‪ ،‬حتى يلقى ال‬
‫وما عليه من خطيئة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليودن أهل العافية يوم القيامة أن‬
‫جلودهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلء‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫يا داود قل لعبادي‪ :‬يا عبادي من لم يرض بقضائي‪ ،‬ولم يشكر نعمائي‪ ،‬ولم‬
‫يصبر على بلئي‪ ،‬فليطلب ربا سوائي‪ .‬وقال الباقر عليه السلم‪ :‬يا بني من‬
‫كتم بلء ابتلى به من الناس‪ ،‬وشكى ذلك إلى ال عزوجل‪ ،‬كان حقا على‬
‫ال أن يعافيه من ذلك البلء‪ .‬قال عليه السلم‪ :‬يبتلي المرؤ على قدر حبه‪.‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬ما من عبد اريد أن‬
‫ادخله الجنة إل ابتليته في جسده‪ ،‬فان كان ذلك كفارة لذنوبه‪ ،‬وإل ضيقت‬
‫عليه في رزقه فان كان ذلك كفارة لذنوبه‪ ،‬وإل شددت عليه الموت‪ ،‬حتى‬
‫يأتيني ول ذنب له ثم ادخله الجنة‪ .‬وما من عبد اريد أن ادخله النار‪ ،‬إل‬
‫صححت جسمه‪ ،‬فان كان ذلك تماما لطلبته‪ ،‬وإل أمنت له وعن سلطانه‪،‬‬
‫فان كان ذلك تماما لطلبته‪ ،‬وإل هونت عليه الموت‪ ،‬حتى يأتيني ول حسنة‬
‫له‪ ،‬ثم أدخلته النار‪ .‬وعن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال تبارك‬
‫وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلء‪ :‬إما بمرض في جسده‪ ،‬أو بمصيبة في أهل‪،‬‬
‫أو مال‪ ،‬أو مصيبة من مصائب الدنيا‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وقال عليه السلم‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫ليأجره عليها‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما من مؤمن إل وهو يذكر في كل أربعين يوما‬
‫ببلء‪ :‬إما في ماله‪ ،‬أو في ولده‪ ،‬أو في نفسه‪ ،‬فيوجر عليه‪ ،‬أو هم ل يدري‬
‫من أين هو ؟‪ .‬وعن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن في الجنة لمنزلة ل‬
‫يبلغها العبد إل ببلء في جسده‪ .‬وعن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬خرج‬
‫موسى عليه السلم فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى‬
‫الظهر‪ ،‬فقال له‪ :‬اجلس حتى أجيئك وخط عليه خطة ثم رفع رأسه إلى‬
‫السماء فقال‪ :‬إني استودعتك صاحبي وأنت خير مستودع‪ ،‬ثم مضى فناجاه‬
‫ال بما أحب أن يناجيه‪ ،‬ثم انصرف نحو صاحبه‪ ،‬فإذا أسد قد وثب عليه‪،‬‬
‫فشق بطنه وفرث لحمه وشرب دمه‪ ،‬قلت‪ :‬وما فرث اللحم ؟ قال‪ :‬قطع‬
‫أوصاله فرفع موسى رأسه فقال‪ :‬يا رب استودعتك وأنت خير مستودع‪،‬‬
‫فسلطت عليه شر كلبك‪ ،‬فشق بطنه وفرث لحمه‪ ،‬وشرب دمه ؟ فقيل‪ :‬يا‬
‫موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة‪ ،‬لم يكن يبلغها إل بما صنعت‬
‫به‪ ،‬انظر ‪ -‬وكشف له الغطاء ‪ -‬فنظر موسى فإذا منزل شريف‪ ،‬فقال‪ :‬رب‬
‫رضيت‪ .‬وعن الكاظم عليه السلم قال‪ :‬لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلء‬
‫نعمة‪ ،‬والرخاء مصيبة‪ ،‬وذلك أن الصبر عند البلء أعظم من الغفلة عند‬
‫الرخاء‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تكون مؤمنا حتى تعد البلء‬
‫نعمة‪ ،‬والرخاء محنة لن بلء الدنيا نعمة في الخرة‪ ،‬ورخاء الدنيا محنة‬
‫في الخرة‪ .‬وعن أبي الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قالوا‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن المؤمن إذا قارف الذنوب‬
‫ابتلي بها بالفقر‪ ،‬فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه‪ ،‬وإل ابتلي بالمرض‪ ،‬فإن‬
‫كان في ذلك كفارة لذنوبه‪ ،‬وإل ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه‪ ،‬فإن كان‬
‫ذلك كفارة لذنوبه وإل ضيق عليه عند خروج نفسه‪ ،‬حتى يلقى ال حين‬
‫يلقاه‪ ،‬وماله من ذنب يدعيه عليه‪ ،‬فيأمر به إلى الجنة‪ .‬وإن الكافر‬
‫والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما‪ ،‬حتى يلقيا ال حين‬

‫]‪[238‬‬
‫يلقيانه ومالهما عنده من حسنة يدعيانها عليه‪ ،‬فيأمر بهما إلى النار‪ .‬وعنه عليه‬
‫السلم قال‪ :‬كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته )‪ .(1‬بيان‪ :‬في‬
‫القاموس فرث الجلة يفرث ويفرث‪ :‬نثر ما فيها‪ ،‬وكبده يفرثها ضربها وهو‬
‫حي كفرثها تفريثا‪ ،‬فانفرثت كبده انتثرت )‪ - 55 (2‬بشا‪ :‬عن ابن شيخ‬
‫الطائفة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن المفيد‪ ،‬عن زيد بن محمد السلمي‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫الحكم الكندي‪ ،‬عن إسماعيل بن صبيح‪ ،‬عن خالد بن العل عن المنهال بن‬
‫عمرو قال‪ :‬كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر عليهما السلم إذ جاءه‬
‫رجل فسلم عليه فرد عليه السلم فقال الرجل‪ :‬كيف أنتم ؟ فقال له محمد‪:‬‬
‫أو ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن ؟ إنما مثلنا في هذه المة مثل بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬كان يذبح أبناؤهم ويستحي نساؤهم‪ ،‬أل وإن هؤلء يذبحون‬
‫أبناءنا ويستحيون نساءنا‪ :‬زعمت العرب أن لهم فضل على العجم‪ ،‬فقال‬
‫العجم‪ :‬وبما ذاك ؟ قالوا‪ :‬كان محمد منا عربي‪ ،‬قالوا لهم‪ :‬صدقتم وزعمت‬
‫قريش أن لها فضل على غيرها من العرب‪ ،‬فقالت لهم العرب من غيرهم‪:‬‬
‫وبما ذاك ؟ قالوا‪ :‬كان محمد قرشيا‪ ،‬قالوا لهم‪ :‬صدقتم‪ .‬فان كان القوم‬
‫صدقوا فلنا فضل على الناس لنا ذرية محمد‪ ،‬وأهل بيته خاصة وعترته‪،‬‬
‫ل يشركنا في ذلك غيرنا‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬وال إني لحبكم أهل البيت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاتخذ للبلء جلبابا‪ ،‬فو ال إنه لسرع إلينا والى شعيتنا من السيل في‬
‫الوادي‪ ،‬وينا يبدء البلء ثم بكم وبنا يبدء الرخاء ثم بكم )‪ .(3‬بيان‪ :‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬آن أينك‪ :‬أي حان حينك‪ ،‬وآن لك أن تفعل كذايئين أينا‪ ،‬عن أبي‬
‫زيد أي حان مثل أنى لك وهو مقلوب منه )‪ - 56 .(4‬جع‪ :‬قال النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‪ .‬وقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار‪ ،132 :‬الباب ‪ (2) .70‬القاموس‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .172‬بشارة‬
‫المصطفى ص ‪ (4) .107‬الصحاح ص ‪.2076‬‬

‫]‪[239‬‬

‫لو كان المؤمن في جحر فارة لقيض ال فيه من يؤذيه‪ .‬وقال‪ :‬المؤمن مكفر‪ .‬وروي‬
‫عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬ل يكون في الدنيا مؤمن إل وله‬
‫جار يؤذيه وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما كان ول يكون ول هو‬
‫كائن )‪ (1‬نبي ول مؤمن إل وله قرابة يؤذيه أو جار يؤذيه )‪- 57 .(2‬‬
‫ختص‪ :‬عن ربعي‪ ،‬عن الفضيل قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪:‬‬
‫إن الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم‪ ،‬ثم قال هكذا بيده‪:‬‬
‫إل ما دفع ال )‪ .(3‬بيان‪ :‬كأنه عليه السلم أشار إلى جهة السماء‪- 58 .‬‬
‫ختص‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الحسن بن موسى عن‬
‫إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن علي بن عثمان‪ ،‬عن أبي الحسن موسى بن جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إن النبياء وأولد النبياء وأتباع النبياء خصوا بثلث‬
‫خصال‪ :‬السقم في البدان‪ ،‬وخوف السلطان‪ ،‬والفقر )‪ - 59 .(4‬محص‪:‬‬
‫عن محمد بن همام‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد وعبد ال ابني محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب وكرام‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان علي عليه السلم يقول‪ :‬إن البلء أسرع إلى‬
‫شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي )‪ - 60 .(5‬محص‪ :‬عن كثير‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض‬
‫البراذين‪ .‬بيان‪ :‬الركض‪ :‬تحريك الرجل‪ ،‬ومنه " اركض برجلك " )‪(6‬‬
‫والدفع‬

‫)‪ (1‬في المصدر‪ :‬وليس بكائن‪ (2) .‬جامع الخبار‪ .150 :‬الباب ‪(3) .87‬‬
‫الختصاص ص ‪ (4) .30‬الختصاص ص ‪ (5) 213‬كتاب التمحيص‬
‫مخطوط‪ (6) .‬ص‪42 :‬‬

‫]‪[240‬‬

‫واستحثاث الفرس للعدو‪ ،‬والهرب‪ ،‬والعدو‪ ،‬وركض الفرس كعني فركض هو عدا‪،‬‬
‫فهو راكض ومركوض ذكره الفيروزآبادي )‪ - 61 .(1‬محص‪ :‬عن أبي‬
‫بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لو أن مؤمنا على لوح في البحر‬
‫لقيض ال له منافقا يؤذيه‪ .‬جع‪ :‬عنه عليه السلم مثله )‪ - 62 .(2‬محص‪:‬‬
‫عن أبي عبيدة الحذاء قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا زاد إن ال يتعهد‬
‫عبده المؤمن بالبلء‪ ،‬كما يتعهد الغائب أهله بالهدية‪ ،‬ويحميه الدنيا كما‬
‫يحمي الطبيب المريض‪ - 63 .‬محص‪ :‬عن زيد الشحام‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬نعم جرعة الغيظ لمن صبر عليها‪ ،‬وإن عظيم الجر مع‬
‫عظيم البلء‪ ،‬وما أحب ال قوما إل ابتلهم‪ - 64 .‬محص‪ :‬عن طلحة بن‬
‫زيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن ال جعل‬
‫المؤمنين في دار الدنيا غرضا لعدوهم‪ - 65 .‬محص‪ :‬عن الثمالي قال‪ :‬قال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إل وله بليا‬
‫أربع‪ :‬إما يكون له جار يؤذيه‪ ،‬أو منافق يقفو أثره‪ ،‬أو منافق يرى قتاله‬
‫جهادا‪ ،‬أو مؤمن يحسده‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما إنه أشد الربعة عليه‪ ،‬لنه يقول‬
‫فيصدق عليه ويقال‪ :‬هذا رجل من إخوانه‪ ،‬فما بقاء المؤمن بعد هذه‪- 66 .‬‬
‫محص‪ :‬عن ابن أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لو يعلم‬
‫المؤمن ماله في المصائب من الجر لتمنى أن يقرض بالمقاريض‪- 67 .‬‬
‫محص‪ :‬عن عبد ال بن المبارك قال‪ :‬سمعت جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم يقول‪ :‬إذا اضيف البلء إلى البلء كان من البلء عافية‪ .‬وعن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .332‬جامع الخبار ص ‪ 150‬الباب‪.87 :‬‬

‫]‪[241‬‬

‫أصابكم تمحيص فاصبروا‪ ،‬فانما يبتلي ال المومنين‪ ،‬ولم يزل إخوانكم قليل‪ ،‬أل‬
‫وإن أقل أهل المحشر المؤمنون‪ .‬بيان‪ " :‬كان من البلء عافية " لعل‬
‫المعنى أن عند اشتداد البلء وتواتره يرجى الفرج‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬إن‬
‫مع العسر يسرا )‪ - 68 .(1‬محص‪ :‬عن معاوية بن عمار قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ما من مؤمن إل وهو يذكر‪ ،‬لبلء يصيبه في‬
‫كل أربعين يوما‪ ،‬أو بشئ في ماله وولده ليأجره ال عليه‪ ،‬أو بهم ل يدري‬
‫من أين هو ؟‪ - 69 .‬محص‪ :‬عن أبي الحسن الحمسي‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال ليتعهد عبده‬
‫المؤمن بأنواع البلء‪ ،‬كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام‪ .‬توضيح‪:‬‬
‫الظاهر أن الحمسي هو الحسين بن عثمان الثقة‪ ،‬و " أهل البيت "‬
‫بالنصب‪ ،‬و " سيدهم " بالرفع‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬الطريف‪ :‬القريب من الثمر‬
‫وغيره‪ - 70 .‬محص‪ :‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما‬
‫أفلت المومن من واحدة من ثلث وربما اجتمعت الثلث عليه‪ :‬إما أن يكون‬
‫معه في الدار من يغلق عليه الباب يوذيه‪ ،‬أو جار يوذيه‪ ،‬أو شئ في طريقه‬
‫وحوائجه يوذيه‪ ،‬ولو أن مومنا على قلة جبل لبعث ال إليه شيطانا ويجعل‬
‫له من إيمانه انسا ل يستوحش إلى أحد‪ - 71 .‬محص‪ :‬عن هشام بن سالم‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن أشد الناس بلء النبياء‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ - 72 .‬محص‪ :‬عن سدير قال‪ :‬قلت لبي جعفر‬
‫عليه السلم‪ :‬هل يبتلي ال المؤمن ؟ فقال‪ :‬هل يبتلى إل المومن ؟ حتى أن‬
‫صاحب ياسين‪ " :‬قال يا ليت قومي يعلمون " )‪ (2‬كان مكنعا‪ ،‬قلت‪ :‬وما‬
‫المكنع ؟ قال‪ :‬كان به جدام‪.‬‬

‫)‪ (1‬النشراح‪ (2) .5 :‬يس‪130 :‬‬

‫]‪[242‬‬

‫‪ - 73‬محص‪ :‬عن عمر بن يزيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما من مؤمن إل‬
‫وبه وجع في شئ من بدنه ل يفارقه حتى يموت يكون ذلك كفارة لذنوبه‪.‬‬
‫‪ - 74‬محص‪ :‬عن الحمسي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ل تزال‬
‫الغموم والهموم بالمؤمن حتى ل تدع له ذنبا‪ .‬وعن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ل يمضي على المؤمن أربعون ليلة إل عرض له أمر يحزنه‬
‫يذكره ربه‪ - 75 .‬محص‪ :‬عن الحارث بن عمر قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ول‬
‫ذنب له‪ - 76 .‬محص‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬قال ال‪ :‬لول أن يجد عبدي المؤمن في نفسه‪ ،‬لعصبت المنافق‬
‫عصابة ل يجد ألما حتى يموت‪ .‬بيان‪] :‬في النهاية[ في حديث اليمان إني‬
‫سائلك فل تجد علي‪ ،‬أي ل تغضب من سؤالي يقال‪ :‬وجد عليه يجد وجدا‬
‫وموجدة‪ - 77 .‬محص‪ :‬عن علي عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‪ ،‬فأما المؤمن فيروع فيها‪،‬‬
‫وأما الكافر فيمتع فيها‪ .‬بيان‪ :‬الروع‪ :‬الفزع كالرتياع والتروع‪ ،‬والروعة‪:‬‬
‫الفزعة‪ ،‬وراع‪ :‬أفزع كروع لزم متعد )‪ - 78 .(1‬محص‪ :‬عن أبي جميلة‪،‬‬
‫عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن العبد ليكرم على ال تعالى حتى أنه لو‬
‫سأله الدنيا وما فيها أعطاه إياها‪ ،‬ولم ينقصاه ذلك‪ ،‬ولو سأله من الجنة‬
‫شبرا حرمه‪ ،‬وإن ال يتعهد المؤمن بالبلء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية‬
‫ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض‪ .‬بيان‪ :‬الظاهر أنه سقط من صدر‬
‫الخبر فقرات‪ - 79 .‬محص‪ :‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬المؤمن‬
‫بعرض كل خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له‪ ،‬ولو ولي شرقها وغربها‬
‫كان خيرا له‪.‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪.32‬‬

‫]‪[243‬‬

‫بيان‪ " :‬بعرض كل خير " أي بمعرض كل خير ومحل عروضه وظهوره " لو قطع‬
‫أنملة أنملة " في المصباح‪ :‬النملة من الصابع العقدة‪ ،‬وبعضهم يقول‪:‬‬
‫النامل رؤوس الصابع‪ ،‬والنملة بفتح الهمزة وفتح الميم أكثر من ضمها‪،‬‬
‫وابن قتيبة يجعل المضموم من لحن العوام‪ ،‬وبعض المتأخرين من النحاة‬
‫حكى تثليث الهمزة‪ ،‬مع تثليث الميم‪ ،‬فتصير تسع لغات‪ .‬واقول‪ :‬كأن المعنى‬
‫قطع جميع بدنه بمقدار النملة وكون المراد قطع أنامل يديه ورجليه‬
‫تدريجا بعيد‪ - 80 .‬محص‪ :‬عن عيسى بن أبي منصور‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إن ال يذود المؤمن عما يشتهيه‪ ،‬كما يذود أحدكم‬
‫الغريب عن إبله ليس منها‪ .‬بيان‪ :‬في المصباح‪ :‬ذاد الراعي إبله عن الماء‬
‫ذودا وذيادا‪ :‬منعها‪ - 81 .‬محص‪ :‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله إن العبد المؤمن ليطلب المارة‬
‫والتجارة‪ ،‬حتى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث ال ملكا‪ ،‬وقال‬
‫له‪ :‬عق عبدي وصده عن أمر لو استمكن منه أدخله النار فيقبل الملك‬
‫فيصده بلطف ال فيصبح وهو يقول‪ :‬لقد دهيت ومن دهاني فعل ال به‬
‫وفعل‪ ،‬وما يدري أن ال الناظر له في ذلك‪ ،‬ولو ظفر به أدخله النار‪ .‬بيان‪:‬‬
‫في القاموس دهاه دهيا ودهاه‪ :‬أصابه بداهية وهي المر العظيم )‪ (1‬وفعل‬
‫ال به وفعل‪ :‬كناية عن شتم كثير ودعاء عليه بالسوء‪ - 82 .‬ما‪ :‬عن‬
‫جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن محمد بن جعفر الرزاز‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسين بن أبي الخطاب‪ ،‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‬
‫عن أبي لحسن موسى بن جعفر عليهما السلم قال‪ :‬مثل المؤمن مثل كفتي‬
‫الميزان‪ ،‬كلما زيد في إيمان زيد في بلئه‪ ،‬ليلقى ال عزوجل ول خطيئة له‬
‫)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪ ،329‬وفيه‪ :‬دهاه دهيا ودهاه‪ :‬نسبه الى الدهاء‪ ،‬أو عابه‬
‫وتنقصه‪ ،‬أو أصابه بداهية الخ )‪ (2‬أمالى الشيخ ج ‪ 2‬ص ‪244‬‬

‫]‪[244‬‬

‫محص‪ :‬عن علي بن أبي حمزة عنه عليه السلم مثله جع‪ :‬عنه عليه السلم مثله )‬
‫‪ - 83 .(1‬كتاب المامة والتبصرة‪ :‬عن أحمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسن‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن‬
‫النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن جعفر ابن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله السقم يمحو الذنوب وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ساعات الهموم ساعات الكفارات‪ ،‬ول يزال الهم بالمؤمن حتى‬
‫يدعه وماله من ذنب‪ - 84 .‬كش‪ :‬عن محمد بن مسعود‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن العمركي بن علي‪ ،‬عن محمد بن حبيب الزدي‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫حماد‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمان الصم‪ ،‬عن ذريح‪ ،‬عن محمد بن مسلم‬
‫قال‪ :‬خرجت إلى المدينة وأنا وجع ثقيل فقيل له‪ :‬محمد بن مسلم وجع‪،‬‬
‫فأرسل إلي أبو جعفر عليه السلم بشراب مع الغلم مغطى بمنديل‪ ،‬فناولنيه‬
‫الغلم وقال لي‪ :‬اشربه‪ ،‬فانه قد أمرني أن ل أرجع حتى تشربه فتناولته‬
‫فإذا رائحة المسك عنه‪ ،‬وإذا شراب طيب الطعم بارد‪ ،‬فإذا شربته قال لي‬
‫الغلم‪ :‬يقول لك‪ :‬إذا شربته فتعال‪ ،‬ففكرت فيما قال لي‪ ،‬ول أقدر على‬
‫النهوض قبل ذلك على رجلي‪ .‬فلما استقر الشراب في جوفي‪ ،‬فكأنما‬
‫نشطت من عقال‪ ،‬فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي‪ :‬صح الجسم‪،‬‬
‫ادخل ادخل‪ ،‬فدخلت وأنا باك‪ ،‬وسلمت عليه‪ ،‬وقبلت يديه ورأسه‪ ،‬فقال لي‪،‬‬
‫وما يبكيك يا محمد ؟ فقلت‪ :‬جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة‪،‬‬
‫وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك‪ .‬فقال‪ :‬أما قلة المقدرة فكذلك‬
‫جعل ال أولياءنا وأهل مودتنا‪ ،‬وجعل البلء إليهم سريعا‪ ،‬وأما ما ذكرت‬
‫من الغربة‪ ،‬فلك بأبي عبد ال عليه السلم اسوة‪ ،‬بأرض ناء عنا بالفرات‬
‫صلى ال عليه وأما ما ذكرت من بعد الشقة‪ ،‬فان المؤمن في هذه الدار‬
‫غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة ال‪،‬‬
‫وأما ما ذكرت‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ص ‪134‬‬

‫]‪[245‬‬

‫من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك ل تقدر على ذلك فال يعلم ما في قلبك وجزاؤك‬
‫عليه )‪ .(1‬قب‪ :‬مرسل مثله )‪ .(2‬ختص‪ :‬عن عدة من أصحابه‪ ،‬عن محمد‬
‫بن جعفر المؤدب‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن الصم‪ ،‬عن مدلج‬
‫مثله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬قيل له " أي لبي جعفر عليه السلم‪ ،‬وفي المناقب‪:‬‬
‫قيل لبي جعفر عليه السلم وفي النهاية‪ :‬في حديث السحر فكأنما انشط‬
‫من عقال أي حل‪ ،‬وكثيرا ما يجئ في الرواية‪ ،‬كأنما نشط من عقال‪ ،‬وليس‬
‫بصحيح يقال‪ :‬نشطت العقدة‪ :‬إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها‪ ،‬وفي‬
‫القاموس‪ " :‬الشقة " بالضم والكسر‪ ،‬البعد و الناحية التي يقصدها‬
‫المسافر‪ ،‬والسفر البعيد والمشقة‪ " .‬فلك بأبي عبد ال " أي الحسين‬
‫صلوات ال عليه " اسوة " أي اقتداء‪ ،‬أي شهابهته في الغربة‪ ،‬والتفكر‬
‫في حاله يسهل عليك غربتك‪ .‬ويكشف هذا الحزن عنك‪ ،‬في القاموس‪:‬‬
‫السوة بالكسر والضم‪ :‬القدوة‪ ،‬وما يأتسي به الحزين وأساه تأسية‬
‫فتأسى‪ :‬عزاه فتعزى )‪ " .(4‬وفي هذا الخلق " عطف على قوله " وفي‬
‫هذه الدار " أي بين هذا الخلق غريب‪ ،‬وإنما وصفهم بالنكس‪ ،‬لنهم‬
‫انخلعوا عن النسانية‪ ،‬فصاروا كالبهائم والنعام‪ ،‬أو انقلبوا عن حدود‬
‫النسانية إلى حد البهيمية‪ ،‬أو هم منكوسو ‪ -‬القلوب‪ ،‬ل تعي قلوبهم شيئا‬
‫من الحق‪ ،‬أو هو كناية عن الخيبة والخسران‪ ،‬أو شبه أسوء حالتهم‬
‫الروحانية بأسوء حالتهم الجسمانية‪ ،‬أو أنهم لما أعرضوا عن العروج‬
‫على معارج الكمالت الروحانية‪ ،‬وقصروا نظرهم على الشهوات‬
‫الجسمانية‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ ،150‬تحت الرقم‪ (2) 67 :‬مناقب آل أبى طالب ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (3) 181‬الختصاص ص ‪ (4) .52‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪299‬‬

‫]‪[246‬‬

‫فكأنهم انتكسوا وانقلبوا‪ .‬وفي المناقب " وفي هذا الخلق منكوس " أي يرونه‬
‫كذلك‪ ،‬أو بينهم بشر الحوال ل يقدر على شئ كالمنكوس‪ ،‬في القاموس‪:‬‬
‫نكسه‪ ،‬قلبه على رأسه كنكسه والنكس بالكسر الضعيف‪ ،‬وكمحدث الفرس‬
‫ل يسمو برأسه ول بهاديه إذا جرى ضعفا أو الذي لم يلحق الخيل‪،‬‬
‫وانتكس‪ :‬وقع على رأسه )‪ .(1‬وفي النهاية‪ :‬في حديث أبي هريرة‪ :‬تعس‬
‫عبد الدنيا وانتكس‪ :‬أي انقلب على رأسه‪ ،‬وهو دعاء عليه بالخيبة‪ ،‬لن‬
‫من انتكس في أمره فقد خاب وخسر‪ ،‬وفي حديث ابن مسعود‪ .‬قيل له‪ :‬إن‬
‫فلنا يقرء القرآن منكوسا‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك منكوس القلب‪ " .‬فال يعلم ما في‬
‫قلبك "‪ ،‬في المناقب " فلك ما في قلبك "‪ ،‬وما في رجال الكشي اظهر‪85 .‬‬
‫‪ -‬كتاب المؤمن‪ :‬بإسناده عن سعد بن طريف‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند أبي جعفر‬
‫عليه السلم فجاء جميل الزرق‪ ،‬فدخل عليه‪ ،‬قال‪ :‬فذكروا بليا للشيعة وما‬
‫يصيبهم‪ ،‬فقال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬إن اناسا أتوا علي بن الحسين عليه‬
‫السلم وعبد ال بن عباس‪ ،‬فذكروا لهما نحو ما ذكرتم‪ ،‬قال‪ :‬فأتيا الحسين‬
‫بن علي عليهما السلم‪ ،‬فذكرا له ذلك‪ ،‬فقال الحسين عليه السلم‪ :‬وال‬
‫البلء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين‪ ،‬ومن السيل‬
‫إلى صمره‪ ،‬قلت‪ :‬وما الصمر ؟ قال‪ :‬منتهاه‪ ،‬ولول أن تكونوا كذلك‪ ،‬لرأينا‬
‫أنكم لستم منا‪ .‬بيان‪ :‬في القاموس‪ ،‬صمر الماء‪ :‬جرى من حدور في‬
‫مستوى فسكن‪ ،‬وهو جار والصمر بالكسر‪ :‬مستقره )‪ - 86 .(2‬المؤمن‪:‬‬
‫باسناده عن الفضيل بن يسار‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪:‬‬
‫إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم‪ - 87 .‬محص‪ :‬عن‬
‫جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إذا أحب ال عبدا نظر إليه‪ ،‬فإذا‬
‫نظر إليه أتحفه من ثلث بواحدة‪ ،‬إما صداع وإما حمى وإما رمد‪.‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 256‬القاموس ج ‪.72 :2‬‬

‫]‪[247‬‬

‫‪ - 88‬نهج‪ :‬قال عليه السلم وقد توفي سهل بن حنيف النصاري رحمه ال بالكوفة‬
‫مرجعه معه من صفين‪ ،‬وكان من أحب الناس إليه‪ :‬لو أحبني جبل لتهافت‪.‬‬
‫قال السيد رضي ال عنه‪ :‬ومعنى ذلك‪ :‬أن المحبة تغلظ عليه‪ ،‬فتسرع‬
‫المصائب إليه‪ ،‬ول يفعل ذلك إل بالتقياء البرار‪ ،‬والمصطفين الخيار‪،‬‬
‫وهذا مثل قوله عليه السلم‪ :‬من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا‪ ،‬وقد‬
‫تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره )‪ .(1‬تبيان‪ " :‬مرجعه "‬
‫منصوب على الظرفية‪ " ،‬والتهافت "‪ :‬التساقط قطعة قطعة‪ ،‬من هفت‬
‫كضرب‪ ،‬إذا سقط كذلك‪ ،‬وقيل هفت أي تطاير لخفته‪ ،‬والمراد تلشي‬
‫الجزاء‪ ،‬وتفرقها‪ ،‬لعدم الطاقة‪ ،‬و " تغلظ " في بعض النسخ على صيغة‬
‫المجهول من باب التفعيل‪ ،‬وفي بعضها على صيغة المجرد المعلوم‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫غلظ الشئ ككرم ضد رق‪ ،‬كما في النسخة‪ ،‬وجاء كضرب‪ ،‬والستعداد‬
‫للشئ التهيؤ له‪ .‬ولفظ الرواية على ما ذكره ابن الثير في النهاية أظهر‬
‫قال‪ :‬في حديث علي عليه السلم‪ :‬من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا )‬
‫‪ (2‬أي ليزهد في الدنيا‪ ،‬وليصبر على الفقر والعلة‪ ،‬و " الجلباب " الزار‪،‬‬
‫والرداء‪ ،‬وقيل‪ :‬هو كالمقنعة‪ ،‬تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها‪،‬‬
‫وجمعه جلبيب‪ ،‬كنى به عن الصبر‪ ،‬لنه يستر الفقر‪ ،‬كما يستر الجلباب‬
‫البدن‪ .‬وقيل‪ :‬إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر‪،‬‬
‫و يكون منه على حالة تعمه وتشمله‪ ،‬لن الغنا من أحوال أهل الدنيا‪ ،‬ول‬
‫يتهيا الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت انتهى‪ .‬وقال ابن أبي الحديد )‬
‫‪ :(3‬قد ثبت أن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ل يحبك إل مؤمن‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ 168‬تحت الرقم ‪ 111‬من الحكم والمواعظ‪ (2) .‬قد مر‬
‫في ذيل ص ‪ 227‬حديث عن المعاني‪ ،‬يقول فيه الصادق عليه السلم أن‬
‫أصل الحديث " من أحبنا فليعده للفقر جلبابا‪ ،‬فراجع‪ (3) .‬راجع شرح‬
‫النهج ج ‪ 4‬ص ‪ 289‬ط مصر‪.‬‬

‫]‪[248‬‬

‫ول يبغضك إل منافق‪ ،‬وقد ثبت أن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن البلوى أسرع‬
‫إلى المؤمن من الماء إلى الحدور‪ ،‬هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة‪،‬‬
‫هي أنه عليه السلم لو أحبه جبل لتهافت‪ ،‬ولعل هذا هو مراد الرضي ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬بقوله‪ :‬معنى آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى‪ ،‬وفيه‬
‫تأمل‪ .‬وقال ابن ميثم )‪ :(1‬الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر‬
‫والصبر عليه ووجه الستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض‬
‫الفقر‪ ،‬وظهوره في سوء الخلق‪ ،‬وضيق الصدر‪ ،‬والتحير الذي ربما أدى‬
‫إلى الكفر‪ ،‬كما يستر بالملحفة ولما كانت محبتهم عليهم السلم بصدق‬
‫يستلزم متابعتهم‪ ،‬والستشعار بشعارهم‪ ،‬ومن شعارهم الفقر‪ ،‬ورفض‬
‫الدنيا والصبر على ذلك‪ ،‬وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر ومستعدا‬
‫له جلبابا من توطين النفس عليه والصبر‪ .‬وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬فقال‪ :‬من أحبنا فليقتصر على التقلل من الدنيا‪ ،‬والتقنع‬
‫فيها‪ ،‬قال‪ :‬وشبه الصبر على الفقر بالجلباب لنه يستر الفقر‪ ،‬كما يستر‬
‫الجلباب البدن‪ ،‬قال‪ :‬ويشهد بصحة هذا التأويل‪ ،‬ما روي أنه رأى قوما‬
‫على بابه‪ ،‬فقال‪ :‬يا قنبر من هؤلء ؟ فقال‪ :‬شيعتك يا أمير المؤمنين فقال‪:‬‬
‫مالي ل أرى فيهم سيماء الشيعة ؟ قال‪ :‬وما سيماء الشيعة ؟ قال‪ :‬خمص‬
‫البطون من الطوى‪ ،‬يبس الشفاه من الظماء‪ ،‬عمش العيون من البكاء‪.‬‬
‫وقال أبو عبيد‪ :‬إنه لم يرد الفقر في الدنيا‪ ،‬أل ترى أن فيمن يحبهم مثل ما‬
‫في سائر الناس من الغنى ؟ وإنما أراد الفقر يوم القيامة‪ ،‬وأخرج الكلم‬
‫مخرج الوعظ والنصيحة‪ ،‬والحث على الطاعات‪ ،‬فكأنه أراد من أحبنا فليعد‬
‫لفقره يوم القيامة ما يحسره من الثواب‪ ،‬والتقرب إلى ال تعالى والزلفة‬
‫عنده‪ .‬قال‪ :‬وقال السيد المرتضى ره‪ :‬والوجهان جميعا حسنان‪ ،‬وإن كان‬
‫قول ابن قتيبة أحسن‪ ،‬فذلك معنى قول السيد رضي ال عنه‪ ،‬وقد تؤول ذلك‬
‫على معنى آخر‪ ،‬انتهى كلم ابن ميثم‪.‬‬

‫)‪ (1‬شرح النهج لبن ميثم البحراني ص ‪594‬‬

‫]‪[249‬‬

‫وقال القطب الراوندي رحمه ال بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة وأبي‬
‫عبيد‪ :‬وقال المرتضى فيه وجها ثالثا‪ ،‬أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها إلى‬
‫الطاعات‪ ،‬وليذللها على الصبر عما كره منها‪ ،‬فالفقر‪ :‬أن يحز أنف البعير‬
‫فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب‪ ،‬يقال‪ :‬فقره إذا فعل به ذلك انتهى‪ .‬ول‬
‫يخفي أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار‬
‫الحاجة إلى الناس‪ ،‬وذلك هو المعبر عنه بالجلباب‪ ،‬كما أشير إليه أول‪ ،‬ل‬
‫يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن‪ :‬فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من‬
‫الغنى‪ ،‬لن المر بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتله ال بالفقر‪،‬‬
‫فالمراد‪ :‬أن من ابتلى من محبينا بالفقر‪ ،‬فليصبر عليه ول يكشفها‪ ،‬ول‬
‫يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة‪ .‬وأما الخبر الول فقد قيل‪ :‬يحتمل أن‬
‫تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة‪ ،‬فيكون قريبا من قوله عليه‬
‫السلم‪ :‬إن أمرنا صعب مستصعب‪ ،‬ل يحتمله إل ملك مقرب‪ ،‬أو نبي‬
‫مرسل‪ ،‬أو عبد امتحن ال قلبه لليمان )‪ .(1‬فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا‬
‫الحمل‪ ،‬وشدة المهابة‪ ،‬كقوله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته‬
‫خاشعا متصدعا من خشية ال " )‪ (2‬وقوله تعالى‪ " :‬إنا عرضنا المانة‬
‫على السماوات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " )‪(3‬‬
‫والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة‪ ،‬ما في العوام والوساط بل ما‬
‫يستلزم التشبه به عليه السلم على وجه كامل‪ ،‬والقتداء التام به عليه‬
‫السلم في الفضائل ومحاسن العمال‪ ،‬على قدر الطاقة‪ ،‬وإن كانت درجته‬
‫الرفيعة فوق إدراك الفهام‪ ،‬وأعلى من أن تناله الوهام‪ ،‬وحق للجبل أن‬
‫يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل‪.‬‬

‫)‪ (1‬راجع الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ .401‬بصائر الدرجات ص ‪ (2) .20‬الحشر‪(3) .21 :‬‬
‫الحزاب‪.73 :‬‬

‫]‪[250‬‬
‫* تتميم * في هذه الحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامة‪ ،‬دللة واضحة على‬
‫أن النبياء والوصياء عليهم السلم في المراض الحسية‪ ،‬والبليا‬
‫الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير‪ ،‬تعظيما لجرهم‪ ،‬الذي يوجب‬
‫التفاضل في الدرجات ول يقدح ذلك في رتبتهم‪ ،‬بل هو تثبيت لمرهم وأنهم‬
‫بشر‪ ،‬إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر‪ ،‬مع ما يظهر في أيديهم من‬
‫خرق العادة‪ ،‬لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم‪ .‬وقد ورد هذا التأويل‬
‫في الخبر‪ ،‬وابتلؤهم تحفة لهم‪ ،‬لرفع الدرجات التي ل يمكن الوصول إليها‬
‫بشئ من العمل إل ببلية‪ ،‬كما أن بعض الدرجات ل يمكن الوصول إليها إل‬
‫بالشهادة‪ ،‬فيمن ال سبحانه على من أحب من عباده بها‪ ،‬تعظيما وتكريما‬
‫له‪ ،‬كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلم أنه رأى النبي صلى‬
‫ال عليه وآله في المنام فقال له‪ :‬يا حسين لك درجة في الجنة ل تصل إليها‬
‫إل بالشهادة‪ .‬واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص‪ ،‬ومنفر للخلق عنهم‬
‫كالجنون والجذام والبرص‪ ،‬وحمل استعاذة النبي صلى ال عليه وآله عنها‬
‫على أنها تعليم للخلق‪ .‬وقال المحقق الطوسي قدس سره في التجريد‪ :‬فما‬
‫يجب كونه في كل نبي‪ :‬العصمة‪ ،‬وكمال العقل‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والفطنة‪ ،‬وقوة‬
‫الرأي‪ ،‬وعدم السهو‪ ،‬وكلما ينفر عنه الخلق من دناءة الباء‪ ،‬وعهر‬
‫المهات‪ ،‬والفظاظة‪ ،‬والغلظة‪ ،‬والبنة وشبهها‪ ،‬والكل على الطريق‬
‫وشبهه‪ .‬وقال العلمة في شرحه‪ :‬وأن يكون منزها عن ال مرضا المنفرة‬
‫نحو البنة وسلس الريح‪ ،‬والجذام‪ ،‬والبرص‪ ،‬لن ذلك كله مما ينفر عنه‪،‬‬
‫فيكون منافيا للغرض من البعثة‪ ،‬وضم القوشجي سلس البول أيضا‪ .‬وقال‬
‫القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء‪ :‬قال ال تعالى‪:‬‬

‫]‪[251‬‬

‫" وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على‬
‫أعقابكم " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ما المسيح بن مريم إل رسول قد خلت من قبله‬
‫الرسل وامه صديقة كانا يأكلن الطعام " )‪ (2‬وقال‪ " :‬وما أرسلنا من قبلك‬
‫من المرسلين إل أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في السواق " )‪ (3‬وقال‪:‬‬
‫" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " )‪ .(4‬فمحمد صلى ال عليه وآله‬
‫وسائر النبياء من البشر‪ ،‬ارسلوا إلى البشر‪ ،‬ولول ذلك لما أطاق الناس‬
‫مقاومتهم‪ ،‬والقبول عنهم‪ ،‬ومخاطبتهم‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬ولو جعلناه ملكا‬
‫لجعلناه رجل " )‪ (5‬أي لما كان إل في صورة البشر‪ ،‬الذين يمكنكم‬
‫مخالطتهم إذ ل تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته‪ ،‬إذا كان على‬
‫صورته‪ ،‬وقال‪ " :‬لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم‬
‫من السماء ملكا رسول " )‪ (6‬أي ل يمكن في سنة ال إرسال الملك إل‬
‫لمن هو من جنسه‪ ،‬أو من خص ال تعالى واصطفاه وقواه على مقاومته‪،‬‬
‫كالنبياء والرسل‪ .‬فالنبياء والرسل وسائط بين ال وخلقه‪ ،‬يبلغونهم‬
‫أوامره ونواهيه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره‪،‬‬
‫وخلقه‪ ،‬وجلله‪ ،‬وسلطانه‪ ،‬وجبروته وملكوته‪ ،‬فظواهرهم وأجسادهم‬
‫وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر‪ ،‬طارئ عليها ما يطرء على البشر من‬
‫العراض والسقام‪ ،‬والموت والفناء‪ ،‬ونعوت النسانية‪ ،‬وأرواحهم‬
‫وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر‪ ،‬متعلقة بالماء العلى‪،‬‬
‫متشبهة بصفات الملئكة‪ ،‬سليمة من التغيير والفات‪ ،‬ول يلحقها غالبا‬
‫عجز البشرية‪ ،‬ول ضعف النسانية‪.‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .144 :‬المائدة‪ (3) 78 :‬الفرقان‪ (4) .20 :‬الكهف‪(5) .11 :‬‬
‫النعام‪ (6) .9 :‬السراء‪95 :‬‬

‫]‪[252‬‬

‫إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم‪ ،‬لما أطاقوا الخذ عن الملئكة‬
‫ورؤيتهم ومخاطبتهم‪ ،‬كما ل يطيقه غيرهم من البشر‪ ،‬ولو كانت أجسامهم‬
‫وظواهرهم متسمة بنعوت الملئكة‪ ،‬وبخلف صفات البشر‪ ،‬لما أطاق‬
‫البشر ومن ارسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول ال تعالى‪ .‬فجعلوا من‬
‫جهة الجسام والظواهر مع البشر‪ ،‬ومن جهة الرواح والبواطن مع‬
‫الملئكة‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وآله‪ :‬تنام عيناي ول ينام قلبي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني‪ ،‬فبواطنهم منزهة عن‬
‫الفات‪ ،‬مطهرة من النقائص والعتللت‪ .‬وقال في موضع آخر‪ :‬قد قدمنا‬
‫أنه صلى ال عليه وآله وسائر النبياء والرسل من البشر‪ ،‬وأن جسمه‬
‫وظاهره خالص للبشر‪ ،‬يجوز عليه من الفات والتغييرات‪ ،‬واللم‬
‫والسقام‪ ،‬وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر‪ ،‬هذا كله ليس بنقيصة‬
‫فيه‪ ،‬لن الشئ إنما يسمى ناقصا بالضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من‬
‫نوعه‪ ،‬وقد كتب ال على أهل هذه الدار " فيها تحيون وفيها تموتون‬
‫ومنها تخرجون " )‪ ،(1‬وخلق جميع البشر بمدرجة الغير‪ ،‬فقد مرض‬
‫صلى ال عليه وآله واشتكى وأصابه الحر والقر‪ ،‬وأدركه الجوع والعطش‪،‬‬
‫ولحقه الغضب والضجر وناله العياء والتعب‪ ،‬ومسه الضعف والكبر‪،‬‬
‫وسقط فجحش شقه‪ ،‬وشجه الكفار وكسروا رباعيته‪ ،‬وسقي السم‪ ،‬وسحر‬
‫وتداوى‪ ،‬واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفي صلى ال عليه وآله ولحق‬
‫بالرفيق العلى وتخلص من دار المتحان والبلوى‪ .‬وهذه سمات البشر‬
‫التي ل محيص عنها‪ ،‬وأصاب غيره من النبياء ما هو أعظم منها‪ ،‬وقتلوا‬
‫قتل‪ ،‬ورموا في النار‪ ،‬ووشروا بالمياشير )‪ ،(2‬ومنهم من وقاه ال‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .25 :‬المياشير‪ :‬المناشير‪ :‬جمع ميشار بمعنى منشار‪.‬‬
‫]‪[253‬‬

‫ذلك في بعض الوقات‪ ،‬ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلى ال عليه وآله بعد‬
‫من الناس‪ .‬فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم احد‪ ،‬ول‬
‫حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف‪ ،‬فلقد أخذ على عيون قريش‬
‫عند خروجه إلى ثور‪ ،‬وأمسك عنه سيف غورث‪ ،‬وحجر أبي جهل‪ ،‬وفرس‬
‫سراقة‪ ،‬ولئن لم يقه من سحر ابن العصم‪ ،‬فلقد وقاه ما هو أعظم من سم‬
‫اليهودية‪ ،‬وكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى‪ .‬وذلك من تمام حكمته‪ ،‬ليظهر‬
‫شرفهم في هذه المقامات‪ ،‬ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم‪ ،‬وليحقق‬
‫بامتحانهم بشريتهم‪ ،‬ويرتفع اللتباس عن أهل الضعف فيهم لئل يضلوا بما‬
‫يظهر من العجائب على أيديهم‪ ،‬ضلل النصارى بعيسى بن مريم‪ ،‬وليكون‬
‫في محنهم تسلية لممهم‪ ،‬ووفور لجورهم عند ربهم‪ ،‬تماما على الذي‬
‫أحسن إليهم‪ .‬قال بعض المحققين‪ :‬وهذه الطواري والتغييرات المذكورة‪،‬‬
‫إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني‬
‫آدم‪ ،‬لمشاكلة الجسم‪ ،‬وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك‪ ،‬معصومة منه‪،‬‬
‫متعلقة بالملء العلى والملئكة لخذها عنهم‪ ،‬تلقيها الوحي منهم‪ ،‬وقد‬
‫قال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن عيني تنامان ول ينام قلبي‪ ،‬وقال‪ :‬إني لست‬
‫كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني‪ ،‬وقال‪ :‬إني لست أنسى‪،‬‬
‫ولكن انسى ليستن بي‪ .‬فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلف جسمه‬
‫وظاهره‪ ،‬وأن الفات التي تحل ظاهره من ضعف‪ ،‬وجوع‪ ،‬ونوم‪ ،‬وسهر‪ ،‬ل‬
‫يحل منها شئ باطنه‪ ،‬بخلف غيره من البشر في حكم الباطن‪ ،‬لن غيره‬
‫إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه‪ ،‬وهو في نومه عليه السلم حضر‬
‫القلب‪ ،‬كما هو في يقظته‪ ،‬حتى أنه جاء في بعض الثار أنه كان محروسا‬
‫من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه‪.‬‬

‫]‪[254‬‬

‫وكذلك غيره إذا جاع‪ ،‬ضعف لذلك جسمه‪ ،‬وحارت قوته‪ ،‬وبطلت في الكلية حملته‪،‬‬
‫وهو عليه السلم قد أخبر أنه ل يعتريه ذلك‪ ،‬وأنه بخلفهم‪ ،‬بقوله‪ :‬لست‬
‫كهيئتكم‪ ،‬وكذلك أقول إنه في هذه الحوال كلها من وصب ومرض‪ ،‬وسحر‬
‫وغضب‪ ،‬لم يجر على باطنه ما يحل به‪ ،‬ول فاض منه على لسانه‬
‫وجوارحه مال يليق به‪ ،‬كما يعتري غيره من البشر‪ * .‬تذييل * قال‬
‫المحقق الطوسي قدس ال روحه في التجريد‪ :‬بعض اللم قبيح يصدر منا‬
‫خاصة‪ ،‬وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومنا‪ ،‬وحسنه إما لستحقاقه‪ ،‬أو‬
‫لشتماله على النفع‪ ،‬أو دفع الضرر الزائدين‪ ،‬أو لكونه عاديا‪ ،‬أو على‬
‫وجه الدفع‪ ،‬ويجوز في المستحق كونه عقابا‪ ،‬ول يكفي اللطف في ألم‬
‫المكلف في الحسن ول يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل‪ ،‬والعوض‬
‫نفع مستحق خال عن تعظيم وإجلل ويستحق عليه تعالى بإنزال اللم‪،‬‬
‫وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال الغموم سواء استندت إلى علم‬
‫ضروري‪ ،‬أو مكتسب‪ ،‬أو ظن‪ ،‬ل ما يستند إلى فعل العبد‪ .‬وأمر عباده‬
‫بالمضار وإباحته‪ ،‬أو تمكين غير العاقل‪ ،‬بخلف الحراق عند اللقاء في‬
‫النار‪ ،‬والقتل عند شهادة الزور‪ ،‬والنتصاف عليه تعالى واجب عقل‬
‫وسمعا‪ ،‬فل يجوز تمكين الظالم من الظلم‪ ،‬من دون عوض في الحال‬
‫يوازي ظلمه‪ .‬فان كان المظلوم من أهل الجنة فرق ال أعواضه على‬
‫الوقات‪ ،‬أو تفضل عليه بمثلها‪ ،‬وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا‬
‫من عقابه‪ ،‬بحيث ل يظهر له التخفيف‪ ،‬بأن يفرق الناقص على الوقات‪،‬‬
‫ول يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه اللم‪ ،‬وإن كان منقطعا‪ ،‬ول‬
‫يجب حصوله في الدنيا لحتمال مصلحة التأخير واللم على القطع ممنوع‪،‬‬
‫مع أنه غير محل النزاع‪ ،‬ول يجب إشعار صاحبه بايصاله عوضا‪ ،‬ول‬
‫يتعين منافعه‪ ،‬ل يصح إسقاطه‪ ،‬والعوض عليه تعالى يجب‬

‫]‪[255‬‬

‫تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل‪ ،‬وعلينا تجب مساواته‪ .‬وقال العلمة نور ال‬
‫ضريحه في شرحه‪ :‬اعلم أنا قد بينا وجوب اللطاف والمصالح‪ ،‬وهي‬
‫ضربان‪ :‬مصالح في الدين‪ ،‬ومصالح في الدنيا‪ ،‬أعني المنافع الدنياوية‪،‬‬
‫ومصالح الدين إما مضار‪ ،‬أو منافع‪ ،‬والمضار منها آلم وأمراض و‬
‫غيرهما‪ ،‬كالجال والغلء‪ ،‬والمنافع‪ :‬الصحة‪ ،‬والسعة في الرزق والرخص‪.‬‬
‫واختلف الناس في قبح اللم وحسنه‪ ،‬فذهبت الثنوية إلى قبح جميع اللم‬
‫وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من ال تعالى‪ ،‬وذهبت البكرية‪ ،‬وأهل‬
‫التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها‪ ،‬وقبح الباقي‪ ،‬واختلفوا في وجه‬
‫الحسن‪ .‬إلى أن قال‪ :‬وقالت المعتزلة‪ :‬إنه يحسن عند شروطه‪ :‬أحدها‪ :‬أن‬
‫يكون مستحقا‪ ،‬وثانيها‪ :‬أن يكون نفع عظيم يوفى عليها‪ ،‬وثالثها‪ :‬أن يكون‬
‫فيها دفع ضرر أعظم منها ورابعها‪ :‬أن يكون مفعول على مجرى العادة‪:‬‬
‫كما يفعله ال تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار وخامسها‪ :‬أن يكون مفعول‬
‫على سبيل الدفع عن النفس‪ ،‬كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا‪ ،‬لنا متى علمنا‬
‫اشتمال اللم على أحد هذه الوجوه‪ ،‬حكمنا بحسنه قطعا‪ ،‬وشرط حسن اللم‬
‫المبتدأ الذي يفعله ال تعالى كونه مشتمل على اللطف‪ ،‬إما للمتألم أو‬
‫لغيره‪ ،‬لن خلو اللم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه اللم‪ ،‬يستلزم‬
‫الظلم‪ ،‬وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان‪ ،‬ولذا أوجب أبو‬
‫هاشم في أمراض الصبيان مع العواض الزائدة اشتمالها على اللطف‬
‫لمكلف آخر‪ .‬وجوز المصنف كأبي الحسين البصري‪ :‬أن تقع اللم في‬
‫الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق‪ ،‬ومنه قاضي القضاة من ذلك‪ ،‬وجزم‬
‫بكون أمراضهم محنا ل عقوبات‪ ،‬وذهب المصنف كالقاضي والشيخين إلى‬
‫أنه ل يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن‪ ،‬بل لبد من عوض‪ ،‬خلفا‬
‫لجماعة اكتفوا باللطف‪ ،‬ولو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل‬
‫عليه اللم‪ ،‬هل يحسن منه تعالى فعل اللم بالحي‬

‫]‪[256‬‬

‫لجل لطف الغير‪ ،‬مع العوض الذي يختار المكلف لو عرض عليه ؟ قال أبو هاشم‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬وأبو الحسين منع ذلك‪ ،‬وتبعه المصنف‪ .‬ول يشترط في حسن اللم‬
‫المفعول ابتداء من ال تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل‪،‬‬
‫وقيد الخلو عن تعظيم وإجلل‪ ،‬ليخرج به الثواب‪ .‬والوجه التي يستحق به‬
‫العوض على ال تعالى امور‪ :‬الول‪ :‬إنزال اللم بالعبد كالمرض وغيره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تفويت المنافع‪ ،‬إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير‪ ،‬فلو أمات ال‬
‫تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش ل ينفع به زيد لستحق‬
‫عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده‪ ،‬ولو كان في معلومه تعالى‬
‫عدم انتفاعه به‪ ،‬لنه يموت قبل النتفاع منه لم يستحق منه عوضا‪ ،‬لعدم‬
‫تفويت المنفعة منه تعالى‪ ،‬و لذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك‪،‬‬
‫سواء أشعر بهلك ماله أو لم يشعر‪ ،‬لن تفويت المنفعة كإنزال اللم‪ ،‬ولو‬
‫آلمه ولم يشعر به لستحق العوض وكذا لو فوت عليه منفعة لم يشعر بها‪،‬‬
‫وعندي في هذا الوجه نظر‪ .‬الثالث‪ :‬إنزال الغموم بأن يفعل ال تعالى‬
‫أسباب الغم‪ ،‬أما الغم الحاصل من العبد نفسه فانه ل عوض فيه عليه‬
‫تعالى‪ .‬الرابع أمر ال تعالى عباده بإيلم الحيوان‪ ،‬أو إباحته‪ ،‬سواء كان‬
‫المر لليجاب‪ ،‬أو للندب فان العوض في ذلك كله على ال تعالى‪ .‬الخامس‪:‬‬
‫تمكين غير العاقل‪ ،‬مثل سباع الوحش‪ ،‬وسباع الطير‪ ،‬والهوام وقد اختلف‬
‫أهل العدل هنا على أربعة أقوال‪ :‬فذهب بعضهم إلى أن العوض على ال‬
‫تعالى مطلقا‪ ،‬ويعزى إلى الجبائي‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إن العوض على فاعل‬
‫اللم عن أبي علي‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ل عوض هنا على ال تعالى ول على‬
‫الحيوان‪ .‬وقال القاضي‪ :‬إن كان الحيوان ملجأ إلى اليلم كان العوض عليه‬
‫تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان‪ ،‬وإذا طرحنا صبيا في‬
‫النار فاحترق فان الفاعل لللم هو ال تعالى‪ ،‬والعوض علينا ويحسن‪ ،‬لن‬
‫فعل اللم واجب‬

‫]‪[257‬‬

‫في الحكمة‪ ،‬من حيث إجراء العادة‪ ،‬وال قد منعنا من طرحه‪ ،‬ونهانا عنه‪ ،‬فصار‬
‫الطارح كأنه الموصل إليه اللم‪ ،‬فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى‪،‬‬
‫وكذلك إذا شهد عند المام شاهدا زور بالقتل‪ ،‬فان العوض على الشهود‪،‬‬
‫وإن كان ال تعالى قد أوجب القتل‪ ،‬والمام توله‪ ،‬وليس عليهما عوض‪،‬‬
‫لنهما أوجبا بشهادتهما على المام إيصال اللم إليه‪ ،‬من جهة الشرع‪،‬‬
‫فصار كأنهما فعله‪ ،‬لن قبول الشاهدين عادة شرعية‪ ،‬يجب إجراؤها على‬
‫قانونها كالعادات الحسية‪ .‬واختلف أهل العدل في وجوب النتصاف عليه‬
‫تعالى‪ ،‬فذهب قوم منهم إلى أن النتصاف للمظلوم من الظالم واجب على‬
‫ال تعالى عقل‪ ،‬لنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده‪ ،‬وقال‬
‫آخرون منهم‪ :‬أنه يجب سمعا‪ ،‬والمصنف رحمه ال اختار وجوبه عقل‬
‫وسمعا‪ ،‬وهل يجوز أن يمكن ال تعالى من الظلم‪ ،‬من ل عوض له في‬
‫الحال يوازي ظلمه ؟ فمنع منه المصنف قدس سره‪ .‬وقد اختلف أهل العدل‬
‫هنا‪ ،‬فقال أبو هاشم والكعبي‪ :‬إنه يجوز‪ ،‬لكنهما اختلفا‪ ،‬فقال الكعبي‪ :‬يجوز‬
‫أن يخرج من الدنيا ول عوض له يوازي ظلمه‪ ،‬وقال‪ :‬إن ال تعالى يتفضل‬
‫عليه بالعوض المستحق عليه‪ ،‬ويدفعه إلى المظلوم‪ ،‬وقال أبو هاشم‪ :‬ل‬
‫يجوز بل يجب التقية‪ ،‬لن النتصاف واجب‪ ،‬والتفضل ليس بواجب ول‬
‫يجوز تعليق الواجب بالجائز‪ .‬وقال السيد المرتضى رضي ال عنه‪ :‬إن‬
‫التقية تفضل أيضا‪ ،‬فل يجوز تعليق النتصاف بها‪ ،‬فلهذا وجب العوض في‬
‫الحال‪ ،‬واختاره المصنف رحمه ال لما ذكرناه‪ .‬واعلم أن المستحق للعوض‬
‫إما أن يكون مستحقا للجنة‪ ،‬أو للنار‪ ،‬فان كان مستحقا للجنة‪ ،‬فان قلنا‪ :‬إن‬
‫العوض دائم فل بحث‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬إنه منقطع توجه الشكال‪ ،‬بأن يقال‪ :‬لو‬
‫أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له اللم بانقطاعه‪ .‬والجواب من‬
‫وجهين‪ :‬الول‪ :‬أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الوقات بحيث ل يتبين‬
‫له انقطاعه‪ ،‬فل يحصل له اللم‪ ،‬الثاني‪ :‬أن يتفضل ال تعالى عليه‬

‫]‪[258‬‬

‫بعد انقطاعه بمثله دائما‪ ،‬فل يحصل له ألم وإن كان مستحقا للعقاب جعل ال عوضه‬
‫جزءا من عقابه‪ ،‬بمعنى أنه يسقط من عقابه بازاء ما يستحقه من‬
‫العواض‪ ،‬إذ ل فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في اليثار‪.‬‬
‫فإذا خفف عقابه‪ ،‬وكانت آلمه عظيمة‪ ،‬علم أن آلمه بعد إسقاط ذلك القدر‬
‫من العقاب أشد‪ ،‬ول يظهر له أنه كان في راحة‪ ،‬أو نقل‪ :‬إنه تعالى ينقص‬
‫من آلمه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الوقات‪ ،‬بحيث ل تظهر له‬
‫الخفة من قبل‪ .‬واختلف في أنه هل يجب دوام العوض أم ل ؟ فقال‪ :‬الجبائي‬
‫يجب دوامه وقال أبو هاشم‪ :‬ل يجب‪ ،‬واختاره المصنف رحمه ال‪ ،‬ول‬
‫يجب إشعار مستحق العوض بتوفيره عوضا له‪ ،‬بخلف الثواب‪ ،‬وحينئذ‬
‫أمكن أن يوفره ال تعالى في الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين‪،‬‬
‫وأن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا‪ ،‬ول تجب إعادتهم في الخرة‪،‬‬
‫والعوض ل يجب إيصاله في منفعة معينة دون اخرى بل يصح توفيره بكل‬
‫ما يحصل فيه شهوة المعوض‪ ،‬بخلف الثواب‪ ،‬لنه يجب أن يكون من‬
‫جنس ما ألفه المكلف من ملذه‪ .‬ول يصح إسقاط العوض ول هبته ممن‬
‫وجب عليه في الدنيا ول في الخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو‬
‫علينا‪ ،‬هذا قول أبي هاشم والقاضي‪ ،‬وجزم أبو ‪ -‬الحسين بصحة إسقاط‬
‫العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم‪ ،‬وجعله في حل بخلف العوض‬
‫عليه تعالى فإنه ل يسقط‪ ،‬لن إسقاطه عنه تعالى عبث‪ ،‬لعدم انتفاعه به‪.‬‬
‫ثم قال بعد إيراد دليل القاضي على عدم صحة الهبة مطلقا‪ :‬والوجه عندي‬
‫جواز ذلك‪ ،‬لنه حقه‪ ،‬وفي هبته نفع للموهوب‪ ،‬ويمكن نقل هذا الحق إليه‬
‫وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى‪ ،‬أمكن هبة مستحقة لغيره‬
‫من العباد أما الثواب المستحق عليه تعالى فل يصح مناهبته لغيرنا‪ ،‬لنه‬
‫مستحق بالمدح فل يصح نقله إلى من ل يستحقه‪.‬‬

‫]‪[259‬‬

‫ثم قال‪ :‬العوض الواجب عليه تعالى يجب أن يكون زائدا على اللم الحاصل بفعله‪،‬‬
‫أو بأمره‪ ،‬أو بإباحته‪ ،‬أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا‬
‫من كل عاقل بذلك العوض‪ ،‬في مقابلة ذلك اللم لو فعل به‪ ،‬لنه لول ذلك‬
‫لزم الظلم‪ ،‬أما مع مثل هذا العوض‪ ،‬فانه يصير كأنه لم يفعل‪ .‬وأما العوض‬
‫علينا فانه يجب مساواته لما فعله من اللم‪ ،‬أو فوته من المنفعة لن الزائد‬
‫على ما يستحق عليه من الضمان يكون ظلما‪ ،‬ول يخرج ما فعلناه‬
‫بالضمان عن كونه ظلما قبيحا‪ ،‬فل يلزم أن يبلغ الحد الذي شرطناه في‬
‫اللم الصادرة عنه تعالى‪ .‬انتهى ملخص ما ذكره قدس سره‪ ،‬وإنما‬
‫ذكرناها بطولها لتطلع على ما ذكره أصحابنا تبعا لصحاب العتزال‪ ،‬وأكثر‬
‫دلئلهم على جل ما ذكر في غاية العتلل‪ ،‬بل ينافي بعض ما ذكروه كثير‬
‫من اليات والخبار‪ ،‬ونقلها وتحصيلها وشرحها وتفصيلها ل يناسب هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وال أعلم بالصواب‪ ،‬وسيأتي بعض القول إنشاء ال تعالى عن‬
‫قريب‪) * - 13 .‬باب( * * " )ان المؤمن مكفر( " * أقول‪ :‬سنورد إنشاء‬
‫ال تعالى عدة أخبار في هذا المعنى في طي بابين من أبواب كتاب العشرة‬
‫كما ستعرف‪ ،‬ولنذكر هنا أيضا شطرا منها‪ - 1 .‬ع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن‬
‫السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬باسناده يرفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬المؤمن مكفر‪ ،‬وذلك أن معروفه يصعد إلى ال عز وجل‪ ،‬فل ينتشر‬
‫في الناس‪ ،‬والكافر مشهور‪ ،‬وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس‬

‫]‪[260‬‬

‫ول يصعد إلى السماء )‪ - 2 .(1‬ع‪ :‬عن علي بن حاتم‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن الحسين بن موسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن‬
‫أبي طالب عليهم السلم قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله مكفرا ل‬
‫يشكر معروفه‪ ،‬ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي‪ ،‬ومن‬
‫كان أعظم معروفا من رسول ال صلى ال عليه وآله على هذا الخلق‪.‬‬
‫وكذلك نحن أهل البيت مكفرون ل يشكر معروفنا‪ ،‬وخيار المؤمنين‬
‫مكفرون ل يشكر معروفهم )‪ - 3 .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن الحجال‪ ،‬عن داود بن أبي يزيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬المؤمن مكفر‪ ،‬وفي رواية اخرى‪ :‬وذلك أن معروفه يصعد إلى ال فل‬
‫ينشر في الناس والكافر مشكور )‪ .(3‬بيان‪ " :‬المؤمن مكفر " على بناء‬
‫المفعول من التفعيل‪ :‬أي ل يشكر الناس معروفه‪ ،‬بقرينة تتمة الخبر‪ ،‬وقد‬
‫قال الفيروزآبادي‪ :‬المكفر كمعظم‪ :‬المجحود النعمة مع إحسانه‪ ،‬والموثق‬
‫في الحديد‪ ،‬وقال الجزري في النهاية‪ :‬فيه " المؤمن مكفر "‪ :‬أي مرزأ في‬
‫نفسه وماله لتكفر خطاياه‪ ،‬انتهى‪ ،‬وهذا الوجه ل يحتمل في هذه الخبار‪.‬‬
‫وكأن المراد بالتعليل أن معروفه لما كان خالصا ل‪ ،‬مقبول عنده ل يرضى‬
‫له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته‪ ،‬ليكمل ثوابه في الخرة‪ ،‬والكافر لما لم‬
‫يكن مستحقا لثواب الخرة‪ ،‬يثاب في الدنيا كعمل الشيطان‪ .‬وقيل‪ :‬هو مبني‬
‫على أن المؤمن يخفي معروفه من الناس‪ ،‬ول يفعله رئاء ول سمعة‪،‬‬
‫فيصعد إلى ال‪ ،‬ول ينتشر في الناس‪ ،‬والكافر يفعله علنية رياء وسمعة‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .247‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .247‬الكاف ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.251‬‬

‫]‪[261‬‬

‫فينتشر في الناس ول يقبله ال‪ ،‬ول يصعد إليه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أن معروفه الكثير‬
‫الذي يدل عليه صيغة التفعيل‪ ،‬ل يعمله إل ال‪ ،‬ومن علمه بالوحي من قبله‬
‫تعالى‪ ،‬لن معروفه ليس من قبيل الدراهم والدنانير بل من جملة معروفه‬
‫حياة سائر الخلق‪ ،‬وبقائهم بسببه‪ ،‬وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية‪.‬‬
‫وربما يقال في وجه التعليل‪ :‬أن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء‬
‫والفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس‪ ،‬ول ذكر‪ ،‬فل يذكر ذلك في‬
‫الخلق‪ ،‬والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء‪ ،‬والذين يذكرونه في‬
‫الناس فينتشر فيهم‪ .‬فإن قيل‪ :‬بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي‪ ،‬في باب‬
‫الرئاء أن ال تعالى يظهر العمل الخالص‪ ،‬ويكثره في أعين الناس‪ ،‬ومن‬
‫أراد بعمله الناس‪ ،‬يقلله ال في أعينهم‪ ،‬قلنا‪ :‬يمكن حمل هذا على الغالب‪،‬‬
‫وذاك على النادر‪ ،‬أو هذا على المؤمن الخالص‪ ،‬وذاك على غيرهم‪ ،‬أو هذا‬
‫على العبادات المالية‪ ،‬وذاك على العبادات البدنية‪) * - 14 .‬باب( *‬
‫)علمات المؤمن وصفاته( * اليات * النفال‪ :‬إنما المؤمنون الذين إذا‬
‫ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم‬
‫يتوكلون * الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون * اولئك هم‬
‫المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم )‪ .(1‬التوبة‪،‬‬
‫والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون‬
‫عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون ال ورسوله اولئك‬
‫سيرحمهم‬

‫)‪ (1‬النفال‪.4 - 2 :‬‬

‫]‪[262‬‬

‫ال إن ال عزيز حكيم )‪ .(1‬يوسف‪ :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون )‪.(2‬‬
‫المؤمنون‪ :‬قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلوتهم خاشعون * والذينهم‬
‫عن اللغو معرضون * والذينهم للزكوة فاعلون * والذينهم لفروجهم‬
‫حافظون * إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن‬
‫ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون * والذينهم لماناتهم وعهدهم راعون‬
‫* والذينهم على صلواتهم يحافظون * اولئك هم الوارثون * الذين يرثون‬
‫الفردوس هم فيها خالدون )‪ .(3‬القصص‪ :‬الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم‬
‫به مؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من‬
‫قبله مسلمين * اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة‬
‫السيئة ومما رزقناهم ينفقون * وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا‬
‫أعمالنا ولكن أعمالكم سلم عليكم ل نبتغي الجاهلين )‪ .(4‬التنزيل‪ :‬إنما‬
‫يومن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل‬
‫يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا‬
‫ومما رزقناهم ينفقون * فل تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء‬
‫بما كانوا يعملون * أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون * أما‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزل بما كانوا يعملون )‬
‫‪ .(5‬حمعسق‪ :‬وما عند ال خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون *‬
‫والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوهم يغفرون * والذين‬
‫استجابوا‬

‫)‪ (1‬براءة ‪ (2) .71‬يوسف‪ (3) .106 :‬المؤمنون‪ (4) .11 - 1 :‬القصص‪- 52 :‬‬
‫‪ (5) .55‬السجدة‪.19 - 15 :‬‬

‫]‪[263‬‬
‫لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا‬
‫أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح‬
‫فأجره على ال إنه ل يحب الظالمين )‪ (1‬الفتح‪ :‬محمد رسول ال والذين‬
‫معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضل من‬
‫ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية‬
‫ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه‬
‫يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫منهم مغفرة وأجرا عظيما )‪ .(2‬البينة‪ :‬وما امروا إل ليعبدوا ال مخلصين‬
‫له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويوتوا الزكوة وذلك دين القيمة ‪ -‬إلى‬
‫قوله‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم‬
‫عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا رضي ال‬
‫عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه )‪ .(3‬تفسير‪ " :‬إنما المؤمنون " )‬
‫‪ (4‬قيل أي الكاملون في اليمان " وجلت قلوبهم " أي فزعت لذكره‬
‫استعظاما له‪ ،‬وهيبة من جلله‪ " ،‬زادتهم إيمانا "‪ :‬ازدادوا بها يقينا‬
‫وطمأنينة نفس‪ " ،‬وعلى ربهم يتوكلون "‪ :‬أي وإليه يفوضون امورهم‬
‫فيما يخافون ويرجون " اولئك هم المؤمنون حقا " لنهم حققوا إيمانهم‬
‫بضم مكارم الخلق‪ ،‬ومحاسن أفعال الجوارح إليه‪ " ،‬لهم درجات عند ال‬
‫" أي كرامة وعلو منزلة‪ " ،‬ومغفرة " لما فرط منهم‪ " ،‬ورزق كريم "‬
‫اعد لهم في الجنة‪ .‬قال علي بن إبراهيم‪ (5) :‬نزلت في أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ ،‬وأبي ذر وسلمان‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .40 - 36 :‬الفتح‪ (3) .29 :‬البينة‪ (4) .8 - 5 :‬النفال‪(5) .2 :‬‬
‫تفسير القمى ص ‪.236‬‬

‫]‪[264‬‬

‫والمقداد‪ " .‬أولياء بعض " )‪ (1‬أي أحباؤهم وأنصارهم‪ ،‬أو أولى بتولي امورهم "‬
‫سيرحمهم ال " السين مؤكدة للوقوع‪ " .‬إل وهم مشركون " )‪ (2‬قيل‪:‬‬
‫بعبادة غيره‪ ،‬أو باتخاذ الحبار أربابا أو نسبة التبني إليه‪ ،‬أو القول بالنور‬
‫والظلمة‪ ،‬أو النظر إلى السباب‪ ،‬ونحو ذلك وسيأتي تفسيرها في الخبار‬
‫أنها شرك طاعة‪ :‬أطاعوا فيها الشيطان‪ ،‬أو الستعانة أو التوسل بغيره‬
‫تعالى‪ ،‬ونحو ذلك‪ " .‬قد أفلح المؤمنون " )‪ (3‬عن الباقر عليه السلم‪:‬‬
‫أنهم المؤمنون المسلمون‪ ،‬إن المسلمين هم النجباء )‪ " (4‬خاشعون " قال‬
‫علي بن إبراهيم غضك بصرك في صلتك‪ ،‬وإقبالك ]عليها[‪ ،‬وروي رمي‬
‫البصر إلى الرض‪ ،‬وسيأتي تفسيرها في كتاب الصلة إنشاء ال تعالى‪.‬‬
‫وفسر اللغو في بعض الخبار بالغناء والملهي‪ ،‬وفي بعضها بكل قول ليس‬
‫فيه ذكر‪ ،‬وفي بعضها بالستماع إلى القصاص‪ ،‬وفي بعضها أن يتقول‬
‫الرجل عليك بالباطل‪ ،‬أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه‪ " ،‬اولئك هم‬
‫العادون " أي الكاملون في العدوان‪ " .‬لماناتهم وعهدهم " أي لما‬
‫يؤتمنون ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق " راعون " قائمون بحفظها‬
‫وإصلحها‪ " ،‬يحافظون " أي على أوقاتها وحدودها " اولئك " الجامعون‬
‫لهذه " هم الوارثون " وعن أمير المؤمنين عليه السلم أن هذه الية في‬
‫نزلت )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .71 :‬يوسف ‪ (3) .106‬المؤمنون‪ (4) 1 :‬رواه الكليني في الكافي‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ 391‬باسناده عن كامل التمار عنه عليه السلم‪ (5) .‬تفسير‬
‫القمى ص ‪445‬‬

‫]‪[265‬‬

‫" الذين آتيناهم الكتاب " قيل‪ :‬نزلت في مومني أهل الكتاب " آمنا به " أي بأنه‬
‫كلم ال " إنا كنا من قبله مسلمين " لما رأوا ذكره في الكبت المتقدمة "‬
‫بما صبروا " عن الصادق عليه السلم‪ :‬بما صبروا على التقية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الحسنة التقية والسيئة‪ :‬الذاعة‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬هم الئمة عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬وقوله‪ " :‬ويدرؤن بالحسنة السيئة " أي يدفعون سيئة من‬
‫أساء إليهم بحسناتهم‪ " .‬ينفقون " أي في سبيل الخير‪ " ،‬وإذا سمعوا‬
‫اللغو أعرضوا عنه " تكرما وقال علي بن إبراهيم‪ :‬قال‪ :‬اللغو‪ :‬الكذب‪،‬‬
‫واللهو‪ ،‬والغناء‪ ،‬قال‪ :‬وهم الئمة عليهم السلم يعرضون عن ذلك كله‪" ،‬‬
‫وقالوا " أي للغين " سلم عليكم " قالوا ذلك متاركة لهم وتوديعا‪ " ،‬ل‬
‫نبتغي الجاهلين " ل نطلب صحبتهم ول نريدها‪ " .‬إذا ذكروا بها " )‪ (1‬أي‬
‫وعظوا بها‪ " ،‬خروا سجدا " خوفا من عذاب ال " وسبحوا بحمد ربهم "‬
‫أي نزهوه عما ل يليق به‪ ،‬كالعجز عن البعث‪ ،‬حامدين له شكرا على ما‬
‫وفقهم للسلم‪ ،‬وآتاهم الهدى‪ " ،‬وهم ل يستكبرون " عن اليمان‬
‫والطاعة " تتجافى جنوبهم " أي ترفع وتتنحى عن المضاجع‪ ،‬أي عن‬
‫الفرش ومواضع النوم‪ .‬في المجمع )‪ (2‬عن الباقر والصادق عليهما‬
‫السلم‪ :‬هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلة‪" ،‬‬
‫ويدعون ربهم " داعين إياه " خوفا " من سخطه " وطمعا " في رحمته‪،‬‬
‫" من قرة أعين " أي مما تقر به عيونهم‪ .‬وعن الصادق عليه السلم‪ :‬ما‬
‫من عمل حسن يعمله العبد إل وله ثواب في القرآن إل صلة الليل فان ال‬
‫عزوجل لم يبين ثوابها لعظم خطره )‪ (3‬فقال " تتجافى جنوبهم " إلى‬
‫قوله‪ " :‬يعملون "‪ " .‬كمن كان فاسقا " أي خارجا عن اليمان‪ " ،‬ل‬
‫يستوون " في الشرف والمثوبة‬
‫)‪ (1‬السجدة‪ (2) .15 :‬مجمع البيان ج ‪ (3) .331 :8‬رواه أيضا في المجمع ج ‪8‬‬
‫ص ‪.331‬‬

‫]‪[266‬‬

‫" نزل " النزل‪ :‬ما يعد للنازل من طعام‪ ،‬وشراب‪ ،‬وصلة‪ " .‬وما عند ال " )‪ (1‬أي‬
‫ثواب الخرة‪ " ،‬خير وأبقى " لخلوص نفعه ودوامه " والذين استجابوا‬
‫لربهم " أي قبلوا ما امروا به‪ " ،‬وأمرهم شورى بينهم " أي تشاور بينهم‬
‫ل ينفردون برأي‪ ،‬حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه‪ ،‬وذلك من فرط يقظتهم‬
‫في المور‪ ،‬قال علي بن إبراهيم )‪ :(2‬يشاورون المام فيما يحتاجون إليه‬
‫من أمر دينهم‪ " .‬هم ينتصرون " أي ينتقمون ممن بغى عليهم من غير أن‬
‫يعتدوا‪ ،‬وقيل‪ :‬أي يتناصرون‪ :‬ينصر بعضهم بعضا‪ ،‬وقيل‪ :‬جعل ال‬
‫المؤمنين صنفين‪ :‬صنف يعفون ]وصنف ينتصرون[ )‪ (3‬وقيل‪ :‬وصفهم‬
‫بالشجاعة بعد وصفهم بسائر امهات الفضائل وهو ل ينافي وصفهم‬
‫بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور‪ ،‬والنتصار يشعر بمقاومة‬
‫الخصم‪ ،‬والحلم عن العاجز محمود‪ ،‬وعن المتغلب مذموم‪ ،‬لنه إجراء‬
‫وإغراء على البغي‪ " .‬سيئة مثلها " سمي الثانية سيئة للزدواج‪ ،‬ولنها‬
‫تسوء من تنزل به‪ ،‬وهذا منع عن التعدي في النتصار‪ " ،‬فمن عفا‬
‫وأصلح " بينه وبين عدوه‪ " ،‬فأجره على ال " عدة مبهمة تدل على‬
‫عظم الموعود‪ .‬وروى في المجمع )‪ (4‬عن النبي صلى ال عليه وآله إذا‬
‫كان يوم القيامة نادى مناد‪ :‬من كان أجره على ال فليدخل الجنة‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫من ذا الذي أجره على ال ؟ فيقال‪ :‬العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير‬
‫حساب‪ " ،‬إنه ل يحب الظالمين " أي المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في‬
‫النتقام‪.‬‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .36 :‬تفسير القمى ص ‪ (3) .654‬الزيادة من مجمع البيان‬
‫للطبرسي‪ :‬قال‪ :‬وقيل جعل ال المؤمنين صنفين‪ :‬صنف يعفون عمن‬
‫ظلمهم وهم الذين ذكروا قبل هذه الية وهو قوله " وإذا ما غضبوهم‬
‫يغفرون " وصنف ينتصرون ممن ظلمهم وهم الذين ذكروا في هذه الية‪.‬‬
‫)‪ (4‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪.34‬‬

‫]‪[267‬‬

‫" محمد رسول ال " )‪ (1‬جملة مبينة للمشهود به‪ ،‬في قوله " وكفى بال شهيدا‬
‫" أو استيناف مع معطوفه وما بعدهما خبر " والذين معه أشداء على‬
‫الكفار رحماء بينهم " أي يغلظون على من خالف دينهم‪ ،‬ويتراحمون فيما‬
‫بينهم‪ " ،‬تراهم ركعا سجدا " لنهم مشتغلون بالصلة في أكثر أوقاتهم‪" ،‬‬
‫يبتغون فضل من ال ورضوانا " أي يطلبون الثواب والرضا‪ " ،‬سيماهم‬
‫في وجوههم " قيل‪ :‬يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة الصلة‪،‬‬
‫وعن الصادق عليه السلم‪ :‬هو السهر في الصلة أي أثره‪ " .‬ذلك مثلهم‬
‫في التورية " أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها‪ ،‬أي أخبر ال تعالى‬
‫في التوراة والنجيل بأن هذه صفتهم‪ " ،‬أخرج شطأه " أي فراخه "‬
‫فآزره " أي فقواه‪ " ،‬فاستغلظ " أي فصار من الدقة إلى الغلظ‪" ،‬‬
‫فاستوى على سوقه " هو جمع ساق‪ ،‬أي فاستوى على قصبه‪ " ،‬يعجب‬
‫الزراع " بكثافته‪ ،‬وقوته وغلظه وحسن منظره‪ .‬قيل‪ :‬هو مثل ضربه ال‬
‫للصحابة قلوا في بدو السلم‪ ،‬ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث‬
‫أعجب الناس‪ " ،‬ليغيظ بهم الكفار " علة لتشبيههم بالزرع في ذكائه‬
‫واستحكامه‪ .‬وفي مجالس الصدوق‪ :‬أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم والذين تحت لوائه في القيامة‪ ،‬ينادون إن ربكم يقول لكم‪ :‬عندي‬
‫مغفرة وأجر عظيم‪ ،‬يعني الجنة‪ " .‬مخلصين له الدين " )‪ (2‬أي ل‬
‫يشركون به‪ " ،‬حنفاء " أي مائلين عن العقائد الزائغة‪ " ،‬ذلك دين القيمة‬
‫" أي دين الملة القيمة‪ " ،‬اولئك هم خير البرية " أي الخليقة‪ ،‬وفي‬
‫الخبار أنهم علي وشيعته )‪ " ،(3‬ورضوا عنه " لنه بلغهم أقصى‬
‫أمانيهم " ذلك لمن خشي ربه " فان الخشية ملك المر‪ ،‬والباعث على كل‬
‫خير‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) 29 :‬البينة‪ (3) .5 :‬راجع سعد السعود‪.108 :‬‬

‫]‪[268‬‬

‫‪ - 1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫محبوب‪ ،‬عن جميل بن صالح‪ ،‬عن عبد الملك بن غالب‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬ينبغي للمؤمن أن تكون فيه ثمان خصال‪ :‬وقورا عند‬
‫الهزاهز‪ ،‬صبروا عند البلء‪ ،‬شكورا عند الرخاء‪ ،‬قانعا بما رزقه ال‪ ،‬ل‬
‫يظلم العداء‪ ،‬ول يتحامل للصدقاء بدنه منه في تعب‪ ،‬والناس منه في‬
‫راحة‪ .‬إن العلم خليل المؤمن‪ ،‬والحلم وزيره‪ ،‬والعقل أمير جنوده‪ ،‬والرفق‬
‫أخوه والبر والده )‪ .(1‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن جميل‬
‫بن صالح‪ ،‬عن عبد ال ابن غالب عنه عليه السلم مثله )‪ .(2‬ل‪ :‬عن ابن‬
‫المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن جميل‪ ،‬عن‬
‫عبد ال‪ ،‬مثله )‪ .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى مثله )‪.(4‬‬
‫محص‪ :‬عنه عليه السلم مثله‪ .‬بيان‪ :‬أقول‪ :‬ما في تلك السانيد‪ :‬من عبد‬
‫ال‪ ،‬أظهر من عبد الملك‪ ،‬لن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال‪،‬‬
‫وعبد ال به غالب السدي الشاعر‪ ،‬مذكور فيها ثقة‪ ،‬وهو الذي قال له أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬إن ملكا يلقي عليه الشعر‪ ،‬وأنا أعرف ذلك الملك )‪(5‬‬
‫في سائر الكتب‪ ،‬والسند الثاني للكافي‪ ،‬وقور‪ ،‬وصبور‪ ،‬وشكور‪ ،‬وقانع‬
‫بالرفع و " الوقور " فعول‪ ،‬من الوقار بالفتح‪ :‬وهو الحكم والرزانة‪ ،‬و "‬
‫الهز "‪:‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) 47 :2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .230‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪(4) 38‬‬
‫المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ 38‬وفيه‪ :‬والصبر أمير جنوده‪ (5) .‬راجع رجال‬
‫الكشى‪ 288 :‬تحت الرقم ‪.176‬‬

‫]‪[269‬‬

‫التحريك‪ ،‬و " الهزاهز "‪ :‬الفتن التي يفتتن الناس بها‪ ،‬أي ل يعرض له شك عند‬
‫الفتن التي تصير سببا لشك الناس وكفرهم‪ " .‬صبورا عند البلء " البلء‬
‫اسم لما يمتحن به من خير‪ ،‬أو شر‪ ،‬وكثر استعماله في الشر‪ ،‬وهو المراد‬
‫هنا‪ ،‬و " الصبر "‪ :‬حبس النفس‪ ،‬على المور الشاقة عليها وترك‬
‫العتراض على المقدر لها‪ ،‬وعدم الشكاية والجزع‪ ،‬وهو من أعظم خصال‬
‫اليمان‪ " .‬شكورا عند الرخاء " الرخاء‪ :‬النعمة‪ ،‬والخصب‪ ،‬وسعة‬
‫العيش‪ ،‬والشكر‪ :‬العتراف بالنعمة ظاهرا وباطنا‪ ،‬ومعرفة المنعم‪،‬‬
‫وصرفها فيما أمر به‪ ،‬و " الشكور " مبالغة فيه‪ " ،‬قانعا بما رزقه ال "‬
‫أي ل يبعثه الحرص على طلب الحرام‪ ،‬والشبهة وتضييع العمر في جمع‬
‫مال يحتاج إليه‪ " .‬ل يظلم العداء " الغرض نفي الظلم مطلقا‪ ،‬وإنما خص‬
‫العداء بالذكر لنهم مورد الظلم غالبا ولنه يستلزم ترك ظلم غيرهم‬
‫بالطريق الولى‪ " .‬ول يتحامل للصدقاء " في القاموس‪ :‬تحامل في‬
‫المر‪ ،‬وبه‪ :‬تكلفه على مشقة‪ ،‬وعليه كلفه مال يطيق )‪ ،(1‬فالكلم يحتلم‬
‫وجوها‪ :‬الول‪ :‬أنه ل يظلم الناس لجل الصدقاء‪ .‬الثاني أنه ل يتحمل‬
‫الوزر لجلهم‪ ،‬كأن يشهد لهم بالزور‪ ،‬أو يكتم الشهادة لرعايتهم‪ ،‬أو يسعى‬
‫لهم في حرام‪ .‬الثالث‪ :‬أن يراد به أنه ل يحمل على نفسه للصدقاء مال‬
‫يمكنه الخروج عنه‪ " .‬بدنه منه في تعب " لشتغاله بالعبادات‪ ،‬وإعراضه‬
‫عن الرسول والعادات‪ ،‬وسعيه في إعانة المؤمنين‪ " ،‬والناس منه في‬
‫راحة " لعدم تعرضه لهم وإعانته إياهم‪ " .‬إن العلم " استيناف‪ ،‬وليس من‬
‫جملة العدد‪ " ،‬خليل المؤمن " الخلة‪ :‬الصداقة والمحبة التي تخللت القلب‪،‬‬
‫فصارت خلله‪ :‬أي في باطنه‪ ،‬والخليل‪ :‬الصديق‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪361‬‬


‫]‪[270‬‬

‫فعيل بمعنى فاعل‪ ،‬وإنما كان العلم خليل المؤمن‪ ،‬لنه ل ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬فكما ل يفارق الخليل‪ ،‬ول يتجاوز عن مصلحته‪ ،‬ينبغي‬
‫أن ل يفارق العلم‪ ،‬ول يتجاوز عن مقتضاه )‪ " .(1‬والحلم وزيره " فإنه‬
‫يعاونه في امور دنياه وآخرته‪ ،‬كمعاونة الوزير الناصح الملك " والعقل‬
‫أمير جنوده " إذ جنوده في رفع وساوس الشيطان وصولتهم العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬والخلق الحسنة‪ ،‬وكلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود‬
‫العقل‪ .‬وفي ثاني سندي الكافي وسائر الكتب‪ :‬والصبر أمير جنوده‪ ،‬وهو‬
‫أيضا كذلك " والرفق أخوه " أي اللين واللطف والمداراة مع الصديق‬
‫والعدو‪ ،‬وتميشة المور بتدبير وتأمل‪ ،‬بمنزلة الخ له‪ ،‬في أنه يصاحبه‪،‬‬
‫ول يفارقه‪ ،‬أو على إعانته وإيصال النفع إليه‪ ،‬و " البر " أي الحسان إلى‬
‫الوالدين‪ ،‬أو إلى جميع من يستحق البر " والده " أي بمنزلة والده في‬
‫رعايته‪ ،‬واختياره على جميع المور‪ ،‬أو في النتفاع منه وكونه سببا‬
‫لحياته المعنوية‪ .‬وفي ثانية روايتي الكافي " واللين ]والده " والفرق بينه‬
‫وبين الرفق‪ :‬إما بحمل الرفق على اللطف والحسان وهو أحد معانيه‪،‬‬
‫واللين على ترك الخشونة أو بحمل الرفق على ترك العنف‪ ،‬واللين على‬
‫شدة الرفق وكثرته‪ ،‬أو الرفق على المعاملت‪ ،‬واللين على المعاشرات‬
‫وسيأتي بعض القول فيهما[ )‪ - 2 .(2‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن منصور بن يونس‪ ،‬عن أبي‬
‫حمزة‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما السلم قال‪ :‬المؤمن يصمت ليسلم‪،‬‬
‫وينطق ليغنم‪ ،‬ل يحدث أمانته الصدقاء‪ ،‬ول يكتم شهائه من البعداء‪ ،‬ول‬
‫يعمل شيئا من الخير رئاء‪ ،‬ول يتركه حياء‪ ،‬إن زكي خاف مما يقولون‪،‬‬
‫ويستغفر‬

‫)‪ (1‬في نسخة الكمبانى طبع هناك ما جعلناه بين العلمتين بعد عشرة أسطر‪(2) .‬‬
‫ما بين العلمتين طبع في نسخة الكمبانى قبل ذلك وهو في غير محله كما‬
‫ل يخفى‪.‬‬

‫]‪[271‬‬

‫ال لما ل يعلمون‪ :‬ل يغره قول من جهله‪ ،‬ويخاف إحصاء ما عمله )‪ .(1‬بيان‪ :‬ليغنم‬
‫أي الفوائد الخروية‪ ،‬أو ليزيد علمه‪ ،‬ل لظهار الكمال " ول يكتم شهادته‬
‫من البعداء " أي من الباعد عنه نسبا أو محبة فكيف القارب‪ ،‬وفي بعض‬
‫النسخ من العداء‪ " ،‬خاف مما يقولون " أن يصير سببا لغروره وعجبه‪،‬‬
‫" لما ل يعلمون " أي من ذنوبه‪ " .‬ل يغره قول من جهله " أي ل يخدعه‬
‫ثناء من جهل ذنوبه وعيوبه‪ ،‬فيعجب بنفسه‪ " ،‬ويخاف إحصاء ما عمله "‬
‫أي إحصاء ال والحفظة‪ ،‬أو إحصاء نفسه‪ ،‬وعلى الخير يحتمل أن يكون‬
‫منصوبا بنزع الخافض‪ ،‬أي يخاف ال لحصائه ما قد عمله وفي المجالس‬
‫كما سيأتي إحصاء من قد علمه‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن عدة من أصحابه‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد بن خالد‪ ،‬عن بعض من رواه‪ ،‬رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬المؤمن له قوة في دين‪ ،‬وحزم في لين وإيمان في يقين‪ ،‬وحرص في‬
‫فقه‪ ،‬ونشاط في هدى‪ ،‬وبر في استقامة‪ ،‬وعلم في حلم‪ ،‬وكيس في رفق‪،‬‬
‫وسخاء في حق‪ ،‬وقصد في غنى‪ ،‬وتجمل في فاقة‪ ،‬وعفو في قدرة‪ ،‬وطاعة‬
‫ل في نصيحة‪ ،‬وانتهاء في شهوة‪ ،‬وورع في رغبة‪ ،‬وحرص في جهاد‪،‬‬
‫وصلة في شغل‪ ،‬وصبر في شدة‪ .‬وفي الهزاهز وقور‪ ،‬وفي المكاره‬
‫صبور‪ ،‬وفي الرخاء شكور‪ .‬ول يغتاب ول يتكبر‪ ،‬ول يقطع الرحم‪ ،‬وليس‬
‫بواهن‪ ،‬ول فظ‪ ،‬ول غليظ‪ .‬ل يسبقه بصره‪ ،‬ول يفضحه بطنه‪ ،‬ول يغلبه‬
‫فرجه‪ ،‬ول يحسد الناس يعير ول يعير‪ ،‬ول يسرف )‪ (2‬ينصر المظلوم‪،‬‬
‫ويرحم المسكين‪ .‬نفسه منه في عناء‪ ،‬والناس منه في راحة‪ ،‬ل يرغب في‬
‫عز الدنيا‪ ،‬ول يجزع من ذلها‪ ،‬للناس هم قد أقبلوا عليه‪ ،‬وله هم قد شغله‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) 231‬ول يحسد الناس بعز‪ ،‬ول يقتر‪ ،‬ول يسرف خ ل‪.‬‬

‫]‪[272‬‬

‫ل يرى في حكمه نقص‪ ،‬ول في رأيه وهن‪ ،‬ول في دينه ضياع‪ ،‬يرشد من استشاره‬
‫ويساعد من ساعده‪ ،‬ويكيع عن الخناء والجهل )‪ .(1‬بيان‪ " :‬المؤمن له‬
‫قوة في دين " قد عرفت أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو‪ ،‬وفي‬
‫بعضها مستقر‪ ،‬وهو تفنن حسن‪ ،‬وإن أمكن أن يكون في الجميع لغوا‬
‫بتكلفات بعيدة ل حاجة إليها‪ ،‬ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو‪ ،‬و "‬
‫في " للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب‪ " ،‬وحزم في لين " أي مع‬
‫لين‪ ،‬فالظرف مستقر‪ ،‬بأن يكون صفة‪ ،‬أو حال‪ ،‬ويحتمل أن يكون لغوا أي‬
‫هو في اللين صاحب حزم لكنه بعيد‪ .‬وقال بعض الفاضل‪ :‬أي له ضبط‬
‫وتيقظ في اموره الدينية والدنيوية ممزوجا بلين الطبع‪ ،‬وعدم الفظاظة‪،‬‬
‫والخشونة مع معامليه‪ ،‬وهو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق‪ ،‬وقد‬
‫تكون عن تواضع‪ ،‬وقد تكون عن مهانة‪ ،‬وضعف نفس‪ ،‬والول هو‬
‫المطلوب‪ ،‬وهو المقارن للحزم في المور‪ ،‬ومصالح النفس‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫رذيلة ل يمكن معه الحزم‪ ،‬لنفعال المهين عن كل حادث‪ .‬وبيان الظرفية‬
‫على ثلثة أوجه‪ :‬الول‪ :‬أن الظرفية مجازية بتشبيه ملبسة الحزم للين‬
‫الطبع في الجتماع معه‪ ،‬بملبسة المظروف للظرف‪ ،‬فتكون لفظة " في "‬
‫استعارة تبعية‪ .‬الثاني‪ :‬أن يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم واللين‪،‬‬
‫ومصاحبة أحدهما الخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف‬
‫ومصاحبتهما‪ ،‬فيكون الكلم استعارة تمثيلية‪ ،‬لكنه لم يصرح من اللفاظ‬
‫التي هي بإزاء المشبه به‪ ،‬إل بكلمة " في " فان مدلولها هو العمدة في‬
‫تلك الهيئة‪ ،‬وما عداه تبع له‪ ،‬يلحظ معه في ضمن ألفاظ منوية‪ ،‬فل تكون‬
‫لفظة " في " استعارة‪ ،‬بل هي على معناها الحقيقي‪ .‬الثالث‪ :‬أن تشبه‬
‫اللين بما يكون محل وظرفا للشئ‪ ،‬على طريقة الستعارة بالكناية‪ ،‬وتكون‬
‫كلمة " في " قرينة وتخييل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.231‬‬

‫]‪[273‬‬

‫" وإيمان في يقين " أي مع يقين‪ ،‬أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد أو في‬
‫الثواب والعقاب‪ ،‬أو في القضاء والقدر‪ ،‬كما عرفت في باب اليقين "‬
‫وحرص في فقه " أي هو حريص في معرفة مسائل الدين أو حريص في‬
‫العبادة مع معرفته لسمائل الدين‪ " ،‬ونشاط في هدى " أي ناشط راغب في‬
‫العبادة‪ ،‬مع اهتدائه إلى الحق ومعرفته باصول الدين كما مر في تفسير‬
‫قوله تعالى‪ " :‬من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " )‪ (1‬وراغب في‬
‫الهتداء‪ ،‬وما يصير سببا لهدايته أو في هداية غيره‪ " .‬وبر في استقامة "‬
‫أي مع الستقامة في الدين‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬الذين قالوا ربنا ال ثم‬
‫استقاموا " )‪ (2‬أو المراد به‪ :‬الستقامة في البر أي يضع البر في محله‬
‫وموضعه‪ " ،‬وعلم في حلم " أي مع أناة وعفو‪ ،‬أو مع عقل‪ " ،‬وكيس في‬
‫رفق " أي كياسة مع رفق بالخلق‪ ،‬ل كالكياس في امور الدنيا‪ ،‬يريدون‬
‫التسلط على الخلق‪ ،‬وإيذاءهم‪ ،‬أو يستعمل الكياسة في الرفق‪ ،‬فيرفق في‬
‫محله‪ ،‬ويخشن في موضعه‪ " .‬وسخاء في حق " أي سخاوته في الحقوق‬
‫اللزمة‪ ،‬ل في المور الباطلة‪ ،‬كما ورد‪ :‬أسخى الناس من أدى زكاة ماله‪،‬‬
‫أو مع رعاية الحق فيه‪ ،‬بحيث ل ينتهي إلى السراف والتبذير‪ ،‬ويؤكده‬
‫قوله‪ " :‬وقصد في غنى " أي يقتصد بين السراف والتقتير‪ ،‬في حال الغنا‬
‫والثروة‪ ،‬أو مع استغنائه عن الخلق‪ " .‬وتجمل في فاقة " التجمل‪ :‬التزين‪:‬‬
‫والفاقة‪ :‬الفقر والحاجة‪ ،‬أي يتزين في حال الفقر‪ :‬لتضمنه الشكاية من ال‪،‬‬
‫أو يظهر الغنى لذلك‪ ،‬كما قال الجوهري‪ :‬التجمل‪ :‬تكلف الجميل‪ ،‬وقد يقرء‬
‫بالحاء المهملة‪ ،‬أي تحمل وصبر في الفقر‪ " .‬في قدرة " أي على النتقام‬
‫" في نصيحة " أي مع نصيحة ل‪ ،‬أو لئمة المسلمين أو للمؤمنين‪ ،‬أو‬
‫العم من الجميع‪ ،‬ونصيحة ال إخلص العمل له‪ .‬وفي النهاية‪ :‬فيه‪ :‬إن‬
‫الدين النصيحة ل‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬ولئمة‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .82 :‬فصلت‪ 33 :‬الحقاف ‪.13‬‬


‫]‪[274‬‬

‫المسلمين‪ ،‬وعامتهم‪ ،‬النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح‬
‫له وأصل النصح في اللغة‪ :‬الخلوص‪ ،‬ومعنى نصيحة ال‪ :‬صحة العتقاد‬
‫في وحدانيته وإخلص النية في عبادته‪ ،‬والنصيحة لكتاب ال‪ :‬هو‬
‫التصديق به والعمل بما فيه ونصيحة رسوله صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫التصديق بنبوته ورسالته‪ ،‬والنقياد لما أمر به ونهى عنه‪ ،‬ونصيحة‬
‫الئمة‪ :‬أن يطيعهم في الحق‪ ،‬ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى‬
‫مصالحهم انتهى‪ " .‬وانتهاء في شهوة " أي يقبل نهي ال في حال شهوة‬
‫المحرمات‪ ،‬في الصحاح‪ :‬نهيته عن كذا فانتهى عنه‪ ،‬وتناهى أي كف ؟ "‬
‫وورع في رغبة " أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها‪ ،‬فان‬
‫الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات‪ ،‬وقيل‪ :‬في الرغبة عنها‪ ،‬وعدم الميل‬
‫إليها وهو بعيد‪ " .‬وحرص في جهاد " الجهاد‪ :‬بالكسر والمجاهدة‪ :‬القتال‬
‫مع العدو‪ ،‬ويطلق على مجاهدة النفس أيضا‪ ،‬وهو الجهاد الكبر‪ ،‬أي‬
‫حرص في القتال‪ ،‬أو في العبادة مع مجاهدة النفس‪ ،‬وعلى الول " في "‬
‫بمعنى " على " وفي بعض النسخ " في اجتهاد " " وصلة في شغل "‬
‫أي مع شغل القلب بها‪ ،‬أو في حال اشتغاله بالمور الدنيوية كما قال‬
‫سبحانه‪ " :‬رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلة )‪" (1‬‬
‫وروي عن الصادق عليه السلم في تفسير هذه الية أنه قال‪ :‬كانوا‬
‫أصحاب تجارة‪ ،‬فإذا حضرت الصلة تركوا التجارة‪ ،‬وانطلقوا إلى الصلة‪،‬‬
‫وهم أعظم أجرا ممن ل يتجر )‪ .(2‬وقيل‪ :‬المراد ذكر ال في أشغاله وهو‬
‫بعيد‪ " ،‬وفي الهزاهز وقور " عطف على قوله‪ " :‬له قوة في دين " "‬
‫وليس بواهن " أي في امور الدين‪ " .‬ول فظ ول غليظ " الفظ‪ :‬الخشن‬
‫الخلق في القول والفعل‪ ،‬والغلظة‪ :‬غلظة القلب‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬ولو كنت‬
‫فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .37 :‬مجمع البيان ج ‪ (3) .145 :7‬آل عمران‪159 :‬‬

‫]‪[275‬‬

‫في القاموس‪ :‬الفظ‪ :‬الغليظ الجانب‪ ،‬السئ الخلق‪ ،‬القاسي الخشن الكلم انتهى )‪،(1‬‬
‫والمعنى أن قوته الغضبية قائمة على حد العتدال‪ ،‬خرجت عن الوهن‬
‫المتضمن للتفريط‪ ،‬والفضاضة الموجبة للفراط‪ " .‬ول يسبقه بصره " أي‬
‫يملك بصره‪ ،‬ول ينظر إلى شئ إل بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه‪ ،‬ول‬
‫يضره في الدنيا والخرة‪ " ،‬ول يفضحه بطنه " بأن يرتكب بسبب شهوات‬
‫البطن‪ ،‬ما يفضحه في الدنيا والخرة‪ ،‬كالسرقة والظلم‪ ،‬وقيل‪ :‬بأن يحضر‬
‫طعاما بغير طلب‪ " ،‬ول يغلبه " أي ل يغلب عقله فرجه‪ ،‬أي شهوة فرجه‬
‫فيوقعه في الزنا واللواطة وأشباههما من المحرمات والشبهات‪ " .‬يعير "‬
‫بفتح الياء المشددة " ول يعير " بكسر الياء‪ ،‬أي يعيره الناس بسبب عدم‬
‫التعارف وأمثاله‪ ،‬وهو ل يعير أحدا‪ .‬وفي بعض النسخ‪ " :‬ل يحسد الناس‬
‫بعز " أي بسبب عزه‪ " ،‬ول يقتر ول يسرف " ولعله أصوب‪ ،‬وما سيأتي‬
‫برواية الخصال أظهر‪ ،‬و " العنا " بالفتح والمد النصب والمشقة‪" .‬‬
‫للناس هم " أي فكر ومقصد من الدنيا وعزها وفخرها ومالها‪ " ،‬وله هم‬
‫" أي فكر وقصد من أمر الخرة‪ ،‬قد شغله عما أقبل الناس عليه‪ " ،‬ل يرى‬
‫" على بناء المفعول‪ " ،‬في حكمه " أي بين الناس‪ ،‬أو في حكمته‪ ،‬وفي‬
‫الخصال " في حله " " ول في رأيه وهن " أي هو صاحب عزم قوي‪،‬‬
‫وليس رأيه ضعيفا واهنا‪ " ،‬ول في دينه ضياع " أي دينه قوي متين‪ ،‬ل‬
‫يضيع بالشكوك والشبهات‪ ،‬ول بارتكاب السيئات‪ " .‬ويساعد من ساعده "‬
‫أي يعاون من عاونه‪ ،‬وحمله على طلب العانة بعيد من اللقصد وقيل‪:‬‬
‫المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فان كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين‬
‫بتصديق دينهم‪ ،‬وموافقته لهم في اليمان‪ ،‬و " يكيع " كيبيع بالياء المثناة‬
‫التحتانية‪ ،‬وفي بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية‪ ،‬وفي بعضها‬
‫بالنون‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪.397‬‬

‫]‪[276‬‬

‫والكل متقاربة في المعنى‪ ،‬قال في القاموس‪ :‬كعت عنه أكيع وأكاع كيعا‪ :‬إذا هبته‬
‫وجبنت عنه‪ ،‬وقال‪ :‬كنع عن المر كمنع هرب وجبن‪ ،‬وقال‪ :‬كتع كمنع‪:‬‬
‫هرب )‪ (1‬وفي النهاية‪ " :‬الخناء "‪ :‬الفحش في القول‪ ،‬والجهل مقابل‬
‫العلم‪ ،‬أو السفاهة والسب‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن بعض‬
‫أصحابنا رفعه عن أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬مر أمير المومنين عليه‬
‫السلم بمجلس من قريش‪ ،‬فإذا هو بقوم بيض ثيابهم‪ ،‬صافية ألوانهم‪،‬‬
‫كثير ضحكحهم‪ ،‬يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم‪ ،‬ثم مر بمجلس‬
‫للوس والخزرج‪ ،‬فإذا أقوام بليت منهم البدان‪ ،‬ودقت منهم الرقاب‪،‬‬
‫واصفرت منهم اللوان‪ ،‬وقد تواضعوا بالكلم‪ .‬فتعجب علي عليه السلم من‬
‫ذلك‪ ،‬ودخل على رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬بأبي أنت وامي !‬
‫إني مررت بمجلس لل فلن ثم وصفهم‪ ،‬ومررت بمجلس للوس والخزرج‬
‫فوصفهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬وجميع مؤمنون‪ ،‬فأخبرني يا رسول ال بصفة المؤمن‪.‬‬
‫فنكس رسول ال صلى ال عليه وآله ثم رفع رأسه فقال‪ :‬عشرون خصلة‬
‫في المؤمن فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه‪ ،‬إن من أخلق المومنين يا‬
‫علي‪ :‬الحاضرون الصلة والمسارعون إلى الزكاة )‪ (2‬والمطعمون‬
‫المساكين‪ ،‬الماسحون رأس اليتيم المطهرون أطمارهم‪ ،‬المتزرون على‬
‫أوساطهم‪ ،‬الذين إن حدثوا لم يكذبوا‪ ،‬و إذا وعدوا لم يخلفوا‪ ،‬وإذا ائتمنوا‬
‫لم يخونوا‪ ،‬وإذا تكلموا صدقوا‪ ،‬رهبان بالليل اسد بالنهار‪ ،‬صائمون‬
‫النهار‪ ،‬قائمون الليل‪ ،‬ل يؤذون جارا‪ ،‬ول يتأذى بهم جار الذين مشيهم‬
‫على الرض هون‪ ،‬وخطاهم إلى بيوت الرامل وعلى إثر الجنائز جعلنا ال‬
‫وإياكم من المتقين )‪ .(3‬لن‪ :‬عن علي بن عيسى‪ ،‬عن علي بن محمد‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .80‬زاد في أمالى الصدوق‪ :‬والحاجون لبيت ال‬
‫الحرام‪ .‬والصائمون في شهر رمضان‪ ،‬وهو الصحيح‪ (3) .‬الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪.232‬‬

‫]‪[277‬‬

‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن أبي الجارود‪ ،‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن نباته قال‪ :‬سمعت‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫عن صفة المؤمن فنكس صلى ال عليه وآله رأسه ثم رفعه فقال‪ :‬في‬
‫المؤمنين عشرون خصلة‪ ،‬فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن‬
‫المؤمنين هم الحاضرون إلى آخر الخبر )‪ (1‬وسنشير إلى بعض الختلف‪.‬‬
‫بيان‪ " :‬بيض " بالكسر جمع أبيض‪ ،‬ويحتمل فيه وفي نظائره الجر‬
‫والرفع " يشيرون بأصابعهم " استهزاء وإشارة إلى عيوبهم و " الوس‬
‫والخزرج " )‪ (2‬قبيلتان من النصار‪ " ،‬بليت منهم البدان " أي خلقت‬
‫ونحفت لكثرة العبادة والرياضة " ودقت منهم الرقاب " لنحافتهم‪" ،‬‬
‫واصفرت منهم اللوان " لكثرة سهرهم وصومهم " وقد تواضعوا بالكلم‬
‫" الباء بمعنى " في " أي كانوا يتكلمون بالتواضع‪ ،‬بعضهم لبعض‪ ،‬أو‬
‫تكلموا معه بالتواضع‪ .‬وفي بعض النسخ‪ :‬تواصفوا بالصاد المهملة والفاء‪،‬‬
‫أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلم‪ ،‬ل بالشارة‪ ،‬كما مر في الفرقة‬
‫الخرى‪ ،‬أو لم يكن كلمهم لغوا‪ ،‬بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول‬
‫صلى ال عليه وآله‪ " ،‬وجميع مؤمنون " أي ظاهرا ويحتمل الستفهام‪،‬‬
‫" بصفة المؤمن " أي الواقعي‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬الناكس‪ :‬المتطأطئ رأسه‪،‬‬
‫ونكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات والتصاف بها‪ ،‬وتركها بعد‬
‫السماع أسوء لهم كما مر في حقوق الخوان‪ .‬وقيل‪ :‬النكس كان للتأسف‬
‫على أحوال قريش والتفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه‪ ،‬وأهل بيته‬
‫بعده‪ " ،‬الحاضرون الصلة " أي للتيان بها جماعة‪ " ،‬إلى‬
‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ص ‪ ،326‬المجلس‪ (2) .81 :‬هما بطنان عظيمان من الزد من‬
‫القحطانية‪ ،‬وهم بنو أوس وبنو الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة البهلول بن‬
‫عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرء القيس‬
‫البطريق ابن ثعلبة العنقاء بن مازن بن الزد‪ .‬كانوا في الجاهلية يعبدون‬
‫مناة‪ ،‬وإذا حجوا وقفوا مع الناس‪ ،‬فإذا نفروا أتوا مناة وحلقوا رؤوسهم‬
‫عنده‪ ،‬وأقاموا عنده ل يرون لحجهم تماما ال بذلك‪.‬‬

‫]‪[278‬‬

‫الزكاة " أي إلى أدائها عند أول وقت وجوبها‪ .‬وفي المجالس بعد ذلك‪" :‬‬
‫والحاجون لبيت ال الحرام‪ ،‬والصائمون في شهر رمضان " وهو أظهر‬
‫لن بهما يتم العدد‪ ،‬وعلى ما في الكافي قد يتكلف بجعل خطاهم إلى الجنائز‬
‫خصلتين‪ ،‬والدعاء آخر الخبر خصلة‪ ،‬إشارة إلى التقوى‪ " .‬الماسحون‬
‫رأس اليتيم " شفقة عليهم‪ " ،‬المطهرون أطمارهم " أي ثيابهم البالية‬
‫بالغسل أو بالتشمير‪ ،‬وهما مرويان في قوله سبحانه‪ " :‬وثيابك فطهر " )‬
‫‪ .(1‬قال الطبرسي قدس سره‪ :‬أي وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة‬
‫للصلة‪ ،‬و قيل‪ :‬وثيابك فقصر‪ ،‬روي ذلك عن أبي عبد ال عليه السلم قال‬
‫الزجاج‪ :‬لن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الرض‪ ،‬لم‬
‫يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وقيل‪ :‬ل يكن لباسك من حرام‪ ،‬وروى أبو‬
‫بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المومنين عليه السلم‬
‫غسل الثياب يذهب الهم والحزن‪ ،‬وهو طهور للصلة‪ ،‬وتشمير الثياب‬
‫طهور لها‪ ،‬وقد قال ال سبحانه‪ :‬و " ثيابك فطهر " أي فشمر )‪ .(2‬وفي‬
‫القاموس‪ :‬الطمر بالكسر‪ :‬الثوب الخلق‪ ،‬أو الكساء البالي من غير الصوف‬
‫والجمع أطمار‪ .‬اقول‪ :‬ويمكن جعل هذا إشارة إلى خصلتين هما التطهير‬
‫والكتفاء بلبس أخلق الثياب‪ ،‬فينفع في إتمام العدد على بعض الوجوه‪.‬‬
‫وفي المجالس‪ " :‬المطهرون أظفارهم " وله وجه‪ " ،‬المتزرون على‬
‫أوساطهم " أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة‪ ،‬فإنهم‬
‫كانوا ل يلبسون السراويل‪ ،‬أو المراد شد الوسط بالزار كالمنطقة ليجمع‬
‫الثياب‪ ،‬وما توهمه بعض الصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هو كناية عن الهتمام في العبادة في القاموس‪ :‬الزار الملحفة‪ ،‬ويؤنث‬
‫كالمئزر وائتزر به وتأزر ول تقل‪ :‬اتزر وقد جاء في بعض الحاديث ولعله‬
‫من تحريف الرواة )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬المدثر‪ (2) .5 :‬مجمع البيان ج ‪ (3) 385 :10‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪.363‬‬

‫]‪[279‬‬
‫وفي النهاية في حديث العتكاف كان إذا دخل العشر الواخر أيقظ أهله‪ ،‬وشد‬
‫المئزر‪ ،‬والمئزر‪ :‬الزار‪ ،‬وكني بشده عن اعتزال النساء‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد‬
‫تشميره للعبادة يقال‪ :‬شددت لهذا المر مئزري أي تشمرت له‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪ :‬كان يباشر بعض نسائه وهي مؤتزرة في حالة الحيض أي‬
‫مشدودة الزار‪ ،‬وقد جاء في بعض الروايات وهي متزرة‪ ،‬وهو خطأ لن‬
‫الهمزة ل تدغم في التاء‪ " .‬وإن حدثوا لم يكذبوا " فيه شائبة تكرار مع‬
‫قوله‪ " :‬وإن تكلموا صدقوا " ويمكن حمل الول على الحديث عن النبي‬
‫والئمة عليهم السلم‪ ،‬والثاني على سائر الكلم‪ ،‬أو يقرء " حدثوا " على‬
‫بناء المجهول من التفعيل‪ ،‬و " لم يكذبوا " على بناء المعلوم من التفعيل‬
‫ويمكن عدهما خصلة واحدة للتأكيد على بعض الوجوه‪ " .‬وإذا وعدوا لم‬
‫يخلفوا " على بناء الفعال‪ ،‬والمشهور بين الصحاب استحباب الوفاء‬
‫بالوعد‪ ،‬ويظهر من الية وبعض الخبار الوجوب‪ ،‬ول يمكن الستدلل بهذا‬
‫الخبر على الوجوب‪ ،‬لشتماله على كثير من المستحبات‪ " ،‬وإذا ائتمنوا "‬
‫على مال أو عرض أو كلم " لم يخونوا‪ ،‬رهبان بالليل " أي يمضون إلى‬
‫الخلوات ويتضرعون رهبة من ال‪ ،‬أو يتحملون مشقة السهر والعبادة‬
‫كالرهبان‪ ،‬وفسر الرهبانية في قوله تعالى‪ " :‬ورهبانية ابتدعوها )‪" (1‬‬
‫بصلة الليل‪ .‬قال الراغب‪ :‬الترهب‪ :‬التعبد‪ ،‬وهو استعمال الرهبة‪،‬‬
‫والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬ورهبانية‬
‫ابتدعوها " والرهبان يكون واحدا وجمعا )‪ " .(2‬اسد بالنهار " أي‬
‫شجعان في الجهاد كالسد‪ ،‬في الصحاح‪ :‬السد جمعه اسود واسد مقصور‬
‫]مثقل[ منه واسد مخفف )‪ " ،(3‬قائمون بالليل " الفرق بينه وبين رهبان‬
‫بالليل‪ :‬أن الرهبان إشارة إلى التضرع والرهبة‪ ،‬أو التخلي‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) .27 :‬مفردات غريب القرآن ص ‪ (3) 204‬الصحاح‪(*) .438 :‬‬

‫]‪[280‬‬

‫والترهب‪ ،‬وقيام الليل للصلة ل يستلزم شيئا من ذلك‪ " ،‬ول يتأذى بهم جار "‬
‫الفرق بينه وبين ما سبق أن المراد بالجار في الول من آمنه‪ ،‬وفي الثاني‪:‬‬
‫جار الدار‪ ،‬أو في الول جار الدار‪ ،‬وفي الثاني من يجاوره في المجلس‪ ،‬أو‬
‫في الول اليذاء بل واسطة‪ ،‬وفي الثاني تأذيه بسبب خدمه وأعوانه‪،‬‬
‫فالجار في الموضعين جار الدار‪ " .‬مشيهم على الرض هون " إشارة إلى‬
‫قوله سبحانه‪ :‬و " عباد الرحمان الذين يمشون على الرض هونا )‪" (1‬‬
‫قال البيضاوي‪ :‬أي هينين‪ ،‬أو مشيا هينا مصدر وصف به‪ ،‬والمعنى أنهم‬
‫يمشون بسكينة وتواضع‪ " ،‬إلى بيوت الرامل " للصدقة عليهن‬
‫وإعانتهن‪ " ،‬وعلى إثر الجنائز " كأن فيه إشعارا باستحباب المشي خلف‬
‫الجنازة‪ - 5 .‬لى‪ :‬عن ابن موسى‪ ،‬عن السدي‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن مبارك‬
‫مولى الرضا عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬ل يكون المؤمن مؤمنا حتى‬
‫يكون فيه ثلث خصال‪ :‬سنة من ربه‪ ،‬وسنة من نبيه‪ ،‬وسنة من وليه‪ :‬فأما‬
‫السنة من ربه فكتمان سره‪ ،‬قال ال جل جلله " عالم الغيب فل يظهر‬
‫على غيبه أحدا إل من ارتضى من رسول )‪ " (2‬وأما السنة من نبيه‬
‫فمداراة الناس‪ ،‬فان ال عزوجل أمر نبيه صلى ال عليه وآله بمداراة‬
‫الناس فقال‪ " :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )‪ " (3‬وأما‬
‫السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء‪ ،‬يقول ال جل جلله‪" (4) :‬‬
‫والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك‬
‫هم المتقون )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ :‬ص ‪ (2) .63‬الجن‪ (3) .27 :‬العراف‪ (4) .199 :‬البقرة‪(5) .177 :‬‬
‫أمالى الصدوق ص ‪ 198‬المجلس ‪53‬‬

‫]‪[281‬‬

‫ن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن الحارث ابن‬
‫الدلهاث مولى الرضا عنه عليه السلم مثله )‪ .(1‬كا‪ :‬عن علي بن محمد بن‬
‫بندار‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن سهل بن الحرث عن الدلهاث مولى‬
‫الرضا عليه السلم قال‪ :‬سمعت الرضا عليه السلم يقول وذكر مثله إلى‬
‫قوله فالصبر في البأساء والضراء وليس فيه ذكر الية‪ ،‬وليس فيه "‬
‫وأعرض عن الجاهلين " أيضا وكأنهما سقطا من بعض الرواة )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫" عالم الغيب " قال الطبرسي رحمه ال أي هو عالم الغيب‪ ،‬يعلم متى‬
‫تكون القيامة‪ " ،‬فل يظهر على غيبه أحدا " أي ل يطلع على الغيب أحدا‬
‫من عباده ثم استثنى فقال‪ " :‬إل من ارتضى من رسول " يعني الرسل فانه‬
‫يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب‪ ،‬ليكون آية معجزة لهم‪ ،‬ومعناه إل‬
‫من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة‪ ،‬فانه يطلعه على ما شاء من غيبه‪،‬‬
‫على حسب ما يراه من المصلحة انتهى )‪ .(3‬وقد مر عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬كان وال محمد ممن ارتضاه‪ ،‬وفي الخرائج عن الرضا عليه‬
‫السلم في قوله تعالى‪ " :‬إل من ارتضى من رسول " قال‪ :‬فرسول ال‬
‫عند ال مرتضى‪ ،‬ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه ال على ما يشاء‬
‫من غيبه‪ ،‬فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة )‪ .(4‬وفي تفسير علي‬
‫بن إبراهيم‪ :‬إل من ارتضى من رسول يعني عليا المرتضى من الرسول‪،‬‬
‫وهو منه )‪ .(5‬ثم اعلم أن الستشهاد بالية الكريمة يدل على أن المراد‬
‫بكتمان السر‪:‬‬
‫)‪ (1‬عيون أخبار الرضا عليه السلم ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .256‬الكافي ج ‪(3) .141 :2‬‬
‫المجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ (4) .374‬مختار الخرائج والجرائح ص ‪204‬‬
‫في حديث طويل‪ (5) .‬تفسير القمى ص ‪.699‬‬

‫]‪[282‬‬

‫الكتمان عن غير أهله‪ ،‬وعمن ل يكتمه‪ " .‬خذ العفو " قال في المجمع‪ :‬أي خذ يا‬
‫محمد ما عفي من أموال الناس أي ما فضل من النفقة‪ ،‬فكان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يأخذ الفضل من أموالهم‪ ،‬ليس فيها شئ موقت‪ ،‬ثم‬
‫نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه خذ العفو من أخلق‬
‫الناس‪ ،‬واقبل الميسور منها‪ ،‬ومعناه أنه أمره بالتساهل‪ ،‬وترك الستقصاء‬
‫في القضاء والقتضاء‪ ،‬وهذا يكون في الحقوق الواجبة ل‪ ،‬وللناس وفي‬
‫غيرها‪ ،‬وقيل‪ :‬هو العفو في قبول العذر عن المعتذر‪ ،‬وترك المؤاخذة‬
‫بالساءة‪ " .‬وأمر بالعرف " يعني بالمعروف‪ ،‬وهو كل ما حسن في العقل‬
‫فعله أو في الشرع ولم يكن منكرا ول قبيحا عند العقلء‪ ،‬وقيل‪ :‬بكل خصلة‬
‫حميدة‪ " ،‬و أعرض عن الجاهلين " معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجة‬
‫عليهم‪ ،‬والياس من قبولهم‪ ،‬ول تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك‪ ،‬فان‬
‫مجاوبة السفيه تضع عن القدر ول يقال هذه الية منسوخة بآية القتال‪،‬‬
‫لنها عامة خص عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل )‪ " .(1‬والصابرين في‬
‫البأساء " )‪ .(2‬أقول‪ :‬الية هكذا‪ " :‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل‬
‫المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب‬
‫والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل والسائلين وفي الرقاب و أقام الصلة وآتى الزكاة والموفون‬
‫بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء و الضراء وحين البأس اولئك‬
‫الذين صدقوا واولئك هم المتقون "‪ .‬والكثر على أن نصب الصابرين على‬
‫المدح‪ ،‬وقال البيضاوي‪ :‬عن الزهري البأساء في الموال كالفقر‪،‬‬
‫والضراء في النفس كالمرض‪ " ،‬وحين البأس " وقت مجاهدة العدو‪،‬‬
‫ويدل الخبر على أن هذه الية نزلت في الئمة عليهم السلم فهم‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ (2) .512 :4‬البقرة‪.177 :‬‬

‫]‪[283‬‬

‫الصادقون الذين أمر ال بالكون معهم حيث قال‪ " :‬وكونوا مع الصادقين " )‪6 .(1‬‬
‫‪ -‬الشهاب‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬المؤمن غر كريم‪ ،‬والفاجر‬
‫خب لئيم‪ .‬الضوء‪ :‬رجل غر وغرير‪ :‬أي غير مجرب‪ ،‬وجارية غرة‬
‫وغريرة‪ ،‬وغر أيضا بينة الغرارة‪ ،‬وجمع الغر‪ :‬أغرار‪ ،‬والغرير‪ :‬أغراء‪،‬‬
‫وقد غر يغر بالكسر غرارة‪ ،‬والسم‪ :‬الغرة‪ ،‬يقال‪ :‬كان ذلك في غرارتي‬
‫وحداثتي أي في غرتي‪ ،‬و الغرة‪ :‬الغفلة‪ ،‬والغار‪ :‬الغافل‪ ،‬واغتره‪ ،‬أتاه على‬
‫غرة منه‪ ،‬واغتر بالشئ‪ :‬خدع به )‪ .(2‬والكرم‪ :‬الجود‪ .‬وإذا وصف ال‬
‫بالكرم فهو عبارة عن الحسان والنعام المترادف وإذا كان وصفا للدمي‬
‫فهو للخلق والفعال المحمودة فيه‪ ،‬والكرم كالحرية إل أنه أكبر منها‬
‫درجة‪ ،‬ونقيض الكرم اللؤم‪ ،‬وقد كرم الرجل فهو كريم‪ ،‬وقوم كرام‬
‫وكرماء‪ ،‬ونسوة كرائم ويقال‪ :‬رجل كرم‪ ،‬وامرأة كرم‪ ،‬ونسوة كرم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫فتنبو العين عن كرم عجاف )‪ (3‬والكرام كالكريم‪ ،‬والكرام فوق ذلك )‪.(4‬‬
‫والفجور‪ :‬الفسق‪ ،‬وأصل ف ج ر‪ :‬الشق‪ ،‬ومنه الفجر الطالع‪ ،‬وفجر الماء‬
‫فكأن الفجور شق لباس الدين‪ ،‬وأكثر ما يذكر في القرآن والحديث يراد به‬
‫الكافر‪.‬‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .119 :‬أخذه من صحاح الجوهرى راجع ص ‪ (3) .768‬قيل‪ :‬الشعر‬
‫لمرداس بن أدية وقيل لسعيد الشيباني‪ ،‬ونسبه في اللسان الى أبى خالد‬
‫القنانى والبيات هكذا‪ :‬لقد زاد الحياة الى حبا * بناتى انهن من الضعاف‬
‫مخافة أن يرين البؤس بعدى * وأن يشربن رنقا بعد صاف وأن يعرين ان‬
‫كسى الجوارى * فتنبو العين عن كرم عجاف ولول ذاك قد سومت مهرى‬
‫* وفى الرحمن للضعاء كاف ‪ -‬الخ )‪ (4‬راجع الصحاح‪.2020 :‬‬

‫]‪[284‬‬

‫والخب‪ :‬الخداع الجربز‪ (1) ،‬وقد خببت يا رجل تخب خبا بالكسر‪ ،‬وقد خبب فلن‬
‫فلنا أي خدعه‪ ،‬واللؤم‪ :‬الدنائة والشح وأصله الهمز‪ ،‬وقد لؤم لؤما‬
‫وملمة ولمة كقولك لئامة ويا ملمان خلف يا مكرمان‪ .‬فوصف صلى ال‬
‫عليه وآله المؤمن بالغفلة عما ل يعنيه‪ ،‬والهمال ما ليس من شأنه‪ ،‬و‬
‫بالجود الذي هو تاج المفاخر‪ ،‬وواسطة المآثر‪ ،‬وعكس ذلك كله للكافر‬
‫فوصفه بالجربزة والخبث والشيطنة‪ ،‬وقرن بذلك اللؤم والشح‪ ،‬وجعله ل‬
‫يبض حجره )‪ (2‬ول يورق شجره‪ ،‬وهو وصف معناه الترغيب في خصال‬
‫الخير‪ ،‬وتجنب خصال الشر وفائدة الحديث المر بالتغافل عن بعض‬
‫المور‪ ،‬وترك الستقصاء فيها‪ ،‬والمساهلة في المعاملة‪ ،‬والنهي عن الخب‬
‫وسوء المعاملة‪ ،‬والخداع الستهزاء‪ ،‬والبخل بما في اليد‪ ،‬وراوي الحديث‬
‫أبو هريرة‪ .‬مزيد ايضاح‪ :‬قال في النهاية‪ :‬فيه المؤمن غر كريم‪ ،‬والفاجر‬
‫خب لئيم‪ :‬غر أي ليس بذي نكر‪ ،‬فهو ينخدع لنقياده ولينه‪ ،‬وهو ضد‬
‫الخب‪ ،‬يقال‪ :‬فتى غر‪ ،‬وفتاة غر‪ ،‬وقد غررت تغر غرارة‪ ،‬يريد أن المؤمن‬
‫المعهود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر‪ ،‬وترك البحث عنه‪ ،‬وليس‬
‫ذلك منه جهل ولكنه كرم وحسن خلق‪ .‬ومنه حديث الجنة‪ :‬يدخلني غرة‬
‫الناس‪ ،‬أي البله الذين لم يجربوا المور فهم قليلو الشر منقادون‪ ،‬فان من‬
‫آثر الخمول وإصلح نفسه والتزود لمعاده ونبذ امور الدنيا فليس غرا فيما‬
‫قصد له‪ ،‬ول مذموما بنوع من الذم‪ ،‬والخب بالفتح‪ :‬الخداع‪ ،‬وهو الجربز‬
‫الذي يسعى بين الناس بالفساد‪ ،‬رجل خب‪ ،‬و امرأة خبة وقد تكسر خاؤه‪،‬‬
‫وأما المصدر فبالكسر ل غير‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سليمان الجعفري‪ ،‬عن أبي ‪-‬‬

‫)‪ (1‬الخب ‪ -‬بالفتح والكسر ‪ -‬والجربز ‪ -‬بالضم ‪ -‬الخب الخبيث معرف كربز‬
‫والمصدر الجربزة قاله الفيروزآبادى‪ ،‬وقال في برهان قاطع‪ :‬كربز بضم‬
‫الول والثالث هو قثاء الحمار‪ (2) .‬أي ل ينال خيره‪.‬‬

‫]‪[285‬‬

‫الحسن الرضا‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫قوم في بعض غزواته‪ ،‬فقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من القوم ؟ فقالوا‪:‬‬
‫مؤمنون يا رسول ال قال‪ :‬وما بلغ من إيمانكم ؟ قالوا‪ :‬الصبر عند البلء‪،‬‬
‫والشكر عند الرخاء‪ ،‬والرضا بالقضاء فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬حلماء )‪ (1‬علماء‪ ،‬كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما‬
‫تصفون‪ ،‬فل تبنوا مال تسكنون‪ ،‬ول تجمعوا مال تأكلون‪ ،‬و اتقوا ال الذي‬
‫إليه ترجعون )‪ .(2‬بيان‪ " :‬رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وآله "‬
‫كمنع على بناء المعلوم أي أسرعوا إليه‪ ،‬أو على بناء المجهول أي‬
‫ظهروا‪ ،‬فان الرفع ملزوما للظهور‪ ،‬قال في المصباح رفعته‪ :‬أذعته‪ ،‬ومنه‬
‫رفعت على العامل رفيعة‪ ،‬ورفع البعير في سيره‪ :‬أسرع‪ ،‬و رفعته‪:‬‬
‫أسرعت به‪ ،‬يتعدى ول يتعدى انتهى‪ .‬وقال الكرماني في شرح البخاري‪:‬‬
‫فيه فرفعت لنا صخرة‪ ،‬أي ظهرت لبصارنا‪ ،‬وفيه فرفع لي البيت المعمور‪:‬‬
‫أي قرب وكشف انتهى‪ ،‬ويمكن أن يقرء بالدال‪ ،‬ولكن قد عرفت أنه ل‬
‫حاجة إليه‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬رفعت إلى كذا بالبناء للمفعول‪ :‬انتهيت إليه‪.‬‬
‫" من القوم ؟ " أي من أي صنف من الناس أنتم ؟ " فقالوا مؤمنون "‬
‫أي نحن مؤمنون " وما بلغ من إيمانكم " من‪ ،‬تبعيضية‪ ،‬أي بأي حد بلغ‬
‫بعض إيمانكم أي اذكروا بعض شرائط اليمان منكم بأي حد بلغ‪ ،‬أو زائدة‪،‬‬
‫أو سببية أي ما بلغكم ووصل إليكم بسبب إيمانكم‪ ،‬أو البلوغ بمعنى الكمال‬
‫و " من " للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم‪ " .‬حلماء " أي هم‬
‫حلماء‪ ،‬من الحلم بالكسر بمعنى العقل‪ ،‬أو عدم المبادرة عند الغضب " مال‬
‫تسكنون " أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن‪ ،‬وكذا " ل‬
‫تجمعوا " ما لم تدعكم الضرورة للكل إليه‪ ،‬ويمكن تعميم الكل بحيث‬
‫)‪ (1‬حكماء خ ل‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.48‬‬

‫]‪[286‬‬

‫يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى‪ " :‬ول تأكلوا مال اليتيم " )‪ " (1‬ول‬
‫تأكلوا أموالكم بينكم )‪ " (2‬أو خصهما بالذكر لنهما عمدة مطالب الراغبين‬
‫في الدنيا‪ " ،‬واتقوا ال " الخ لما كانت تلك الصفات‪ ،‬تقتضي الزهد في‬
‫الدنيا والتقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما‪ - 8 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن ابن بزيع‪ ،‬عن محمد بن عذافر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬بينا رسول ال صلى ال عليه وآله في بعض أسفاره إذ لقيه‬
‫ركب فقالوا‪ :‬السلم عليك يا رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنتم ؟ فقالوا‪ :‬نحن‬
‫مؤمنون يا رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬فما حقيقة إيمانكم ؟ قالوا‪ :‬الرضا بقضاء ال‪،‬‬
‫والتفويض إلى ال‪ ،‬والتسليم لمر ال‪ ،‬فقال رسول ال‪ :‬علماء حكماء‪،‬‬
‫كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء‪ ،‬فان كنتم صادقين فل تبنوا ما ل‬
‫تسكنون‪ ،‬ول تجمعوا ما ل تأكلون‪ ،‬واتقوا ال الذي إليه ترجعون )‪ .(3‬يد )‬
‫‪ (4‬مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن ابن بزيع‬
‫مثله إل في تقديم التسليم على التفويض )‪ .(5‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫ابن أبي الخطاب مثله )‪ .(6‬مشكاة النوار‪ :‬نقل من كتاب المحاسن )‪(7‬‬
‫مثله‪ .‬توضيح‪ " :‬بينا رسول ال " بينا هي " بين " الظرفية‪ ،‬اشبعت‬
‫فتحتها‬

‫)‪ (1‬اقتباس من قوله تعالى‪ :‬ول تقربوا مال اليتيم ال بالتى هي أحسن‪ :‬أسرى‪34 :‬‬
‫والنعام‪ (2) .152 :‬البقرة‪ (3) .188 :‬الكافي ج ‪ (4) .52 :2‬التوحيد‪:‬‬
‫‪ (5) .379‬معاني الخبار‪ (6) .187 :‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (7) 71‬راجع‬
‫المحاسن ص ‪.226‬‬

‫]‪[287‬‬

‫فصارت ألفا‪ ،‬ويقع بعدها حينئذ إذ الفجائية غالبا وعاملها محذوف‪ ،‬يفسره الفعل‬
‫الواقع بعد إذ عند بعض‪ ،‬وبعضهم يجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من‬
‫الفعل‪ ،‬أي بين أوقات سفره لقاء الركب‪ ،‬وقد يقع بعدها إذا الفجائية أيضا‬
‫والركب جمع راكب كصحب وصاحب‪ " .‬فقال‪ :‬ما أنتم ؟ " أي أي صنف‬
‫أنتم من الناس ؟ قيل‪ :‬كما أن " ما " تكون سؤال عن حقيقة الشئ تكون‬
‫سؤال عن خواصه وآثاره المترتبة عليه وهو المراد هنا‪ ،‬فلذلك أجابوا بها‬
‫" فقالوا‪ :‬نحن مؤمنون " انتهى‪ .‬وقال الراغب في معاني " ما "‪ :‬الثالث‪:‬‬
‫الستفهام‪ ،‬ويسأل به عن جنس ذات الشئ ونوعه‪ ،‬وعن جنس صفات‬
‫الشئ ونوعها‪ ،‬وقد يسأل به عن الشخاص والعيان في غير الناطقين‬
‫انتهى )‪ " .(1‬فما حقيقة إيمانكم " لما كانت لليمان حقائق مختلفة‬
‫ودرجات متفاوتة سألهم صلى ال عليه وآله عن حقيقة اليمان الذي‬
‫يدعونه‪ ،‬فأجابوا بلوازمه وآثاره ليظهر حقيقة ما ادعوه‪ ،‬أو المراد‬
‫بالحقيقة‪ :‬ما يحقه ويثبته‪ ،‬أي اليمان أمر قلبي إنما يثبت بآثاره‪ ،‬فما ظهر‬
‫من آثار إيمانكم ليدل على ثبوته في قلوبكم ؟ والمعنى الول أنسب بما مر‬
‫من مضمون هذا الخبر‪ ،‬حيث قال‪ :‬وما بلغ من إيمانكم فان الظاهر اتحاد‬
‫الواقعة‪ ،‬والتفويض إلى ال هنا التوكل عليه في جميع المور‪ - 9 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫مسكان‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬استقبل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله حارثة بن مالك بن النعمان النصاري فقال له‪:‬‬
‫كيف أنت يا حارثة بن مالك ]النعماني[ فقال‪ :‬يا رسول ال مؤمن حقا‪ ،‬فقال‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لكل شئ حقيقة فما حقيقة قولك ؟ فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال ! عزفت نفسي عن الدنيا‪ ،‬فأسهرت ليلي‪ ،‬وأظمأت هواجري‪،‬‬
‫وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد وضع للحساب‪ ،‬وكأني أنظر إلى أهل الجنة‬
‫يتزاورون في الجنة‪ ،‬وكأني أسمع عواء أهل النار في النار‪.‬‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ص ‪.479‬‬

‫]‪[288‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬عبد نور ال قلبه أبصرت فاثبت‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال ادع ال لي أن يرزقني الشهادة معك فقال‪ :‬اللهم ارزق حارثة‬
‫الشهادة‪ ،‬فلم يلبث إل أياما حتى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله بسرية‬
‫فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل‪ .‬وفي رواية القاسم بن بريد‪،‬‬
‫عن أبي بصير قال‪ :‬استشهد مع جعفر بن أبي طالب عليه السلم بعد تسعة‬
‫نفر وكان هو العاشر )‪ .(1‬تبيين‪ " :‬مؤمن حقا " قوله‪ " :‬حقا " مصدر‬
‫مؤكد كقولهم هذا عبد ال حقا‪ ،‬والحاصل أني مؤمن حق اليمان‪ ،‬وكما‬
‫ينبغي أن يكون المؤمن‪ " ،‬فأسهرت ليلي " على صيغة الغيبة‪ ،‬بارجاع‬
‫الضمير إلى النفس‪ ،‬أو على صيغة التكلم‪ ،‬وكذا الفقرة التالية تحتمل‬
‫الوجهين‪ .‬ويقال‪ :‬تزاوروا‪ :‬أي زار بعضهم بعضا‪ ،‬وقال في النهاية‪ :‬في‬
‫حديث حارثة كأني أسمع عواء أهل النار‪ ،‬أي صياحهم‪ ،‬والعواء‪ :‬صوت‬
‫السباع وكأنه بالذئب والكلب أخص‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬عوى يعوي عيا‬
‫وعواء بالضم لوى خطمه ثم صوت‪ ،‬أو مد صوته ولم يفصح‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫السرية من خمسة أنفس إلى ثلث مائة أو أربعمائة وفي الصحاح‪ :‬السرية‬
‫قطعة من الجيش‪ ،‬وقوله‪ :‬وفي رواية القاسم بن بريد يحتمل الرسال‪ ،‬أو‬
‫يكون الراوي عنه ابن سنان‪ .‬ثم اعلم أن هاتين الروايتين تدلن على أن‬
‫حارثة استشهد في زمن الرسول صلى ال عليه وآله‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫وينافيه ما ذكر الشيخ في رجال حيث قال‪ :‬حارثة ابن النعمان النصاري‬
‫كنيته أبو عبد ال شهد بدرا واحدا وما بعدهما من المشاهد وذكر هو أنه‬
‫رأى جبرئيل دفعتين على صورة دحية الكلبي‪ :‬أولهما حين خرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله إلى بني قريظة‪ ،‬والثاني حين رجع من حنين‪ ،‬وشهد‬
‫مع أمير المؤمنين القتال وتوفي في زمن معاوية انتهى‪ .‬وهو خطأ لن‬
‫المذكور في الخبر حارثة بن مالك‪ ،‬وجده النعمان‪ ،‬وما‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .54‬وتراه في المحاسن ص ‪ 246‬و ‪.250‬‬

‫]‪[289‬‬

‫ذكره الشيخ حارثة بن النعمان وهو غيره‪ ،‬نعم ما سيأتي من ذهاب بصره ينافي‬
‫ذلك في الجملة‪ ،‬ويمكن توجيهه بتكلف‪ ،‬والعجب أن هذا الحديث مذكور في‬
‫كتب العامة أيضا كما يظهر من النهاية وهذا الرجل غير مذكور في‬
‫رجالهم‪ ،‬وكأنه لعدم الرواية عنه‪ ،‬كما أن أصحابنا أيضا لم يذكروه لذلك‪.‬‬
‫‪ - 10‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن صفوان‬
‫بن يحيى‪ ،‬عن عبد ال بن سنان قال‪ :‬ذكر رجل المؤمن عند أبي عبد ال‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬إنما المومن ]الذي[ إذا سخط لم يخرجه سخطه من‬
‫الحق‪ ،‬والمؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‪ ،‬والمؤمن الذي‬
‫إذا قدر لم يتعاط ما ليس له )‪ .(1‬ل‪ :‬عن الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن جرير‬
‫الطبري‪ ،‬عن صالح الكناني‪ ،‬عن يحيى بن عبد الحميد الحماني‪ ،‬عن‬
‫شريك‪ ،‬عن هشام بن معاذ‪ ،‬عن الباقر عليه السلم في حديث طويل مثله‬
‫إل أن فيه لم يتناول ما ليس له )‪ - 11 .(2‬لى‪ :‬ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال ابن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي بصير‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬إن لهل الدين علمات يعرفون بها‪ :‬صدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‬
‫والوفاء بالعهد‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬ورحمة الضعفاء‪ ،‬وقلة المؤاتاة للنساء‪،‬‬
‫وبذل المعروف وحسن الخلق‪ ،‬وسعة الخلق )‪ (3‬واتباع العلم‪ ،‬وما يقرب‬
‫إلى ال عزوجل طوبى لهم وحسن مآب‪ .‬وطوبى شجرة في الجنة أصلها‬
‫في دار النبي وليس من مؤمن إل وفي داره غصن منها‪ ،‬ل تخطر على‬
‫قلبه شهوة شئ إل أتاه به ذلك الغصن‪ ،‬ولو أن راكبا مجدا صار في ظلها‬
‫مائة عام ما خرج منها‪ ،‬ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلها حتى‬
‫يسقط هرما أل في هذا فارغبوا‪.‬‬
‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ .52‬وفيه " ما ليس له بنفسه "‪ (2) .‬الخصال‪ :‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (3) .51‬وسعة الحلم خ ل‪.‬‬

‫]‪[290‬‬

‫إن المؤمن نفسه منه في شغل‪ ،‬والناس منه في راحة‪ ،‬إذا جن عليه الليل افترش‬
‫وجهه‪ ،‬وسجد ل عزوجل بمكارم بدنه‪ ،‬يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته‬
‫أل هكذا فكونوا )‪ - 12 .(1‬ل‪ :‬المظفر العلوي‪ ،‬عن ابن العياشي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن إبراهيم ابن علي‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن ابن سنان‪،‬‬
‫عن ابن مسكان عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم‬
‫قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬إن لهل التقوى علمات وساق‬
‫الحديث كما مر إل أن فيه‪ :‬والوفاء بالعهد وقلة الفخر والبخل‪ ،‬وصلة‬
‫الرحام‪ ،‬وفيه‪ :‬ل ينوي في قلبه شيئا إل أتاه‪ ،‬وفيه ولو أن غرابا طار من‬
‫أصلها ما بلغ أعلها حتى يبياض هرما )‪ .(2‬مشكاة النوار‪ :‬نقل من كتاب‬
‫المحاسن إلى قوله طوبى لهم وحسن مآب‪ .‬بيان‪ :‬في النهاية‪ :‬فيه خير‬
‫النساء المؤاتية لزوجها‪ ،‬المؤاتاة حسن المطاوعة والموافقة وأصله‬
‫الهمز‪ ،‬فخفف‪ ،‬وكثر حتى صار يقال بالواو الخالصة‪ ،‬وليس بالوجه "‬
‫وبذل المعروف " أي الحسان بالمال أو غيره " في ظلها " أي تحت‬
‫أعصانها فانه ليس في الجنة ظل‪ ،‬بل كلها ظل ممدود‪ ،‬كما قيل ولذا قال في‬
‫النهاية‪ :‬إن في الجنة شجرة يصير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها‬
‫وناحيتها‪ ،‬قوله‪ :‬غراب إنما خص به لنه أطول الطيور أعمارا‪ ،‬وفي‬
‫القاموس‪ :‬ابيض وابياض ضد اسود واسواد‪ :‬وابيضاض الغراب عند غاية‬
‫كبره وسيأتي شرحه مبسوطا في باب جوامع المكارم إن شاء ال‪- 13 .‬‬
‫لى‪ :‬الطالقاني‪ ،‬عن أحمد بن دبيس المفسر‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي‬
‫البهلول‪ ،‬عن الفضل بن هرمزديار الطبري‪ ،‬عن الحسن بن شجاع البلخي‪،‬‬
‫عن سليمان بن الربيع‪ ،‬عن كادح بن أحمد‪ ،‬عن مقاتل بن سليمان‪ ،‬عن‬
‫الضحاك قال‪ :‬سأل رجل ابن عباس ما الذي أخفى ال تبارك وتعالى من‬
‫الجنة وقد أخبر‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.87‬‬

‫]‪[291‬‬

‫عن أزواجها وعن خدمها وطيبها وشرابها وثمرها ؟ وما ذكر ال تبارك وتعالى من‬
‫أمرها وأنزله في كتابه ؟ فقال ابن عباس‪ :‬هي جنة عدن‪ ،‬خلقها ال يوم‬
‫الجمعة ثم أطبق عليها‪ ،‬فلم يرها مخلوق من أهل السماوات والرض‪ ،‬حتى‬
‫يدخلها أهلها‪ ،‬قال لها عزوجل ثلث مرات تكلمي‪ ،‬فقالت‪ :‬طوبى للمؤمنين‪،‬‬
‫قال جل جلله‪ :‬طوبى للمؤمنين وطوبى لك‪ .‬قال مقاتل‪ :‬قال الضحاك‪ :‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أل من كان فيه ست خصال‬
‫فانه منهم‪ ،‬من صدق حديثه‪ ،‬وأنجز موعوده‪ ،‬وأدى أمانته‪ ،‬وبر والديه‪،‬‬
‫ووصل رحمه‪ ،‬واستغفر من ذنبه‪ ،‬فهو مؤمن )‪ .(1‬بيان‪ :‬كان سؤاله عن‬
‫قوله سبحانه‪ " :‬فل تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين " )‪ (2‬قوله‬
‫صلى ال عليه وآله‪ " :‬من صدق " على بناء التفعيل أي جعل حديثه‬
‫صادقا‪ ،‬أو على بناء المجرد فحديثه مرفوع‪ " ،‬أمانته " أي المانة التي‬
‫عنده من الناس‪ - 14 .‬لى‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن علي بن الحسين‬
‫صلوات ال عليه قال‪ :‬المؤمن خلط علمه بالحلم‪ ،‬يجلس ليعلم‪ ،‬وينصت‬
‫ليسلم‪ ،‬وينطق ليفهم‪ ،‬ل يحدث أمانته الصدقاء‪ ،‬ول يكتم شهادته العداء‪،‬‬
‫ول يفعل شيئا من الحق رياء‪ ،‬ول يتركه حياء‪ ،‬إن زكي خاف ما يقولون‪،‬‬
‫ويستغفر ال مما ل يعلمون‪ ،‬ل يغره قول من جهله‪ ،‬ويخشى إحصاء من‬
‫قد علمه‪ .‬والمنافق ينهى ول ينتهي‪ ،‬ويأمر بمال يأتي‪ ،‬إذا قام في الصلة‬
‫اعترض‪ ،‬وإذا ركع ربض‪ ،‬وإذا سجد نقر‪ ،‬وإذا جلس شغر‪ ،‬يمسي وهمه‬
‫الطعام وهو مفطر‪ ،‬ويصبح وهمه النوم ولم يسهر‪ ،‬إن حدثك كذبك‪ ،‬وإن‬
‫وعدك أخلفك‪ ،‬وإن ائتمنته‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق‪ 164 :‬ط قم المجلس ‪ 46‬تحت الرقم‪ (2) .9 :‬السجدة‪.17 :‬‬

‫]‪[292‬‬

‫خانك‪ ،‬وإن خالفته اغتابك )‪ .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫علي بن النعمان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن الثمالي مثله إلى قوله‪ :‬ويخشى‬
‫أحصاء ما قد عمله )‪ .(2‬بيان‪ " :‬خلط علمه " في الكافي " عمله "‬
‫بتقديم الميم‪ ،‬وما هنا أوفق بسائر الخبار وأظهر‪ ،‬إذ العلم بل عمل يصير‬
‫غالبا سببا للتكبر والترفع والسفاهة وترك الحلم‪ " ،‬يجلس ليعلم " أي‬
‫يختار مجلسا يحصل فيه التعلم‪ ،‬وإنما يجلس له ل للغراض الفاسدة‪" ،‬‬
‫ليسلم " أي من مفاسد الكلم‪ " ،‬وينطق ليفهم " أي إنما ينطق في تلك‬
‫المجالس‪ ،‬ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه ل للمجادلة‪ ،‬وإظهار الفضل‪،‬‬
‫" ل يحدث أمانته " أي السر‪ ،‬أو المال الذي ائتمن عليه‪ ،‬أو أسرار اموره‬
‫التي يخشى عليه الضرر‪ ،‬فاطلق المانة باعتبار أنه يجعله أمانة عند من‬
‫يحدثه " الصدقاء " فكيف العداء‪ " .‬ول يكتم " أي لو كان عنده شهادة‬
‫لعدو‪ ،‬ل تحمله عداوته على أن ل يقول له أنا شاهد لك‪ ،‬أو ل يكتمه إذ‬
‫استشهده‪ ،‬فالمراد للعداء " شيئا من الحق " أي العبادات الحقة‪ ،‬ليراه‬
‫الناس‪ ،‬وفيه إشعار بأنه ل يفعل غير الحق ول يأتي ببدعة " ول يتركه "‬
‫أي الحق حياء‪ ،‬لنه ل حياء في الحق كما قال ال تعالى‪ " :‬وال ل‬
‫يستحيي من الحق " )‪ " .(3‬إن زكي " أي اثني عليه ومدح بما يفعله "‬
‫خاف ما يقولون " وفي الكافي " مما يقولون " أي خاف أن يكون قولهم‬
‫سببا لعجابه بنفسه وعمله‪ ،‬فيضيع عمله أو يكونوا كاذبين‪ ،‬ورضى‬
‫بكذبهم فيعاقب على ذلك مع أنه ل ينفع تزكيتهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬ل تزكوا‬
‫أنفسكم " )‪ " (4‬بل ال يزكي من يشاء )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق‪ 295 :‬ط قم المجلس ‪ (2) .74‬ترى شطره الول في الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪ .231‬باب المؤمن وعلماته تحت الرقم ‪ ،3‬وشطره الثاني ص ‪396‬‬
‫باب صفة النفاق والمنافق تحت الرقم ‪ 3‬أيضا‪ (3) .‬الحزاب‪(4) .53 :‬‬
‫النجم‪ (5) .32 :‬النساء‪.49 :‬‬

‫]‪[293‬‬

‫" مما ل يعلمون " أي عيوبه ومعاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم "‬
‫ل يغره " تأكيد لما سبق‪ ،‬أو استيناف بياني وكذا الفقرة التية على اللف‬
‫والنشر المرتب‪ ،‬أي ل يغتر بتزكية من ل يطلع على عيوبه الخفية فيعجب‬
‫بقولهم‪ " .‬إحصاء من قد علمه " أي الرب أو العم منه ومن النبي‬
‫والئمة عليهم السلم والملئكة الكاتبين‪ ،‬وفي الكافي " ما قد علمه "‬
‫فيكون إضافة إلى المفعول أي إحصاء ما تقدم ذكر أعماله‪ ،‬وسيأتي شرح‬
‫تتمة الخبر في باب صفات المنافق إنشاء ال‪ - 15 .‬ل‪ :‬عن عبد ال بن‬
‫النضر‪ ،‬عن جعفر بن محمد المكى‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عمر‪ ،‬عن‬
‫صالح بن زياد‪ ،‬عن أبي عثمان عبد بن ميمون السكوني‪ ،‬عن عبد ال ابن‬
‫معن الزدي‪ ،‬عن عمران بن سليمان‪ ،‬عن الطاووس بن اليمان قال‪:‬‬
‫سمعت علي ابن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬علمات المؤمن خمس‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وما هن يا ابن رسول ال ؟ قال‪ :‬الورع في الخلوة‪ ،‬والصدقة في‬
‫القلة‪ ،‬والصبر عند المصيبة‪ ،‬والحلم عند الغضب والصدق عند الخوف )‬
‫‪ .(1‬الدرة الباهرة‪ :‬عنه عليه السلم مثله‪ .‬بيان‪ " :‬عند الخوف " كأنه‬
‫محمول على خوف لم يصل إلى حد وجوب التقية‪ - 16 .‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن أحمد بن محمد وغيره باسناده رفعاه‬
‫إلى أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬المؤمن من طاب مكسبه وحسنت‬
‫خليقته‪ ،‬وصحت سريرته‪ ،‬وأنفق الفضل من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من‬
‫كلمه‪ ،‬وكفى الناس من شره‪ ،‬وأنصف الناس من نفسه )‪ .(2‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن منذر بن جيفر عن آدم‬
‫أبي الحسن اللؤلؤي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله إل أن فيه‪" :‬‬
‫وكفى الناس شره " )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .129‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .7‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.234‬‬

‫]‪[294‬‬

‫بيان‪ :‬في رجال الشيخ آدم أبو الحسين‪ " ،‬من طاب مكسبه " أي يكون ما يكتسبه‬
‫من المال حلل‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬فلن طيب المكسب والمكسب أي طيب‬
‫الكسب " خليقته " أي طبيعته بالتخلي عن الرذائل‪ ،‬أو التحلي بالفضائل‪،‬‬
‫" سريرته " أي نيته أو بواطن أمره‪ ،‬بأن ل يكون باطنه خلف ظاهره‪ ،‬أو‬
‫قلبه بصحة عقائده ونياته‪ ،‬و في القاموس‪ :‬السريرة‪ :‬ما يكتم‪ " .‬وأنفق‬
‫الفضل من ماله " أي أنفق ما يفضل عن نفقة نفسه وعياله في سبيل ال‬
‫" والفضل من كلمه " ما ل نفع فيه لخرته‪ " ،‬وكفى الناس شره " بأن‬
‫يكف عنهم ضره‪ " ،‬وأنصف الناس من نفسه " بأن يحكم لهم عليها‪،‬‬
‫ويحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها‪ - 17 .‬ل‪ :‬في وصية النبي‬
‫صلى ال عليه واله إلى علي عليه السلم‪ :‬يا علي ينبغي أن يكون للمؤمن‬
‫ثمان خصال‪ :‬وقار عند الهزاهز‪ ،‬وصبر عند البلء‪ ،‬وشكر عند الرخاء‬
‫وقنوع بما رزقه ال‪ ،‬ل يظلم العداء‪ ،‬ول يتحامل للصدقاء‪ ،‬بدنه منه في‬
‫تعب والناس منه في راحة )‪ - 18 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‬
‫وأحمد بن إدريس معا‪ ،‬عن الشعري عن الحسن بن علي‪ ،‬عن أبي سليمان‬
‫الحلواني‪ ،‬أو عن رجل عنه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬صفة‬
‫المؤمن قوة في دين‪ ،‬وحزم في لين‪ ،‬وإيمان في يقين‪ ،‬وحرص في فقه‬
‫ونشاط في هدى‪ ،‬وبر في استقامة‪ ،‬وإغماض عند شهوة‪ ،‬وعلم في حلم‪،‬‬
‫وشكر في رفق‪ ،‬وسخاء في حق‪ ،‬وقصد في غني‪ ،‬وتجمل في فاقة‪ ،‬وعفو‬
‫في قدرة‪ ،‬وطاعة في نصيحة‪ ،‬وورع في رغبة‪ ،‬وحرص في جهاد‪ ،‬وصلة‬
‫في شغل‪ ،‬وصبر في شدة‪ .‬وفي الهزاهز وقور‪ ،‬وفي المكاره صبور‪ ،‬وفي‬
‫الرخاء شكور‪ ،‬ل يغتاب ول يتكبر‪ ،‬ول يبغي‪ ،‬وإن بغي عليه صبر‪ ،‬ول يقع‬
‫الرحم‪ ،‬وليس بواهن ول فظ ]غليظ[ ول يسبقه بصره‪ ،‬ول يفضحه بطنه‪،‬‬
‫ول يغلبه فرجه‪ ،‬ول يحسد الناس ول يقتر‪ ،‬ول يبذر‪ ،‬ول يسرف‪ ،‬بل‬
‫يقتصد‪ ،‬ينصر المظلوم‪ ،‬ويرحم المساكين‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪(*) .38‬‬

‫]‪[295‬‬
‫نفسه منه في عناء‪ ،‬والناس منه في راحة‪ ،‬ل يرغب في عز الدنيا‪ ،‬ول يجزع من‬
‫المهانة‪ ،‬للناس هم قد أقبلوا عليه‪ ،‬وله هم قد شغله‪ ،‬ل يرى في حلمه‬
‫نقص ول في رأيه وهن‪ ،‬ول في دينه ضياع‪ ،‬يرشد من استشاره‪ ،‬ويساعد‬
‫من ساعده ويكيع عن الباطل والخناء والجهل‪ ،‬فهذه صفة المؤمن )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬قد مر شرحه برواية الكليني )‪ (2‬وإنما أعدناه للختلف الكثير‬
‫بينهما‪ " ،‬وشكر " أي ل بالطاعة " مع رفق " فيها‪ ،‬وعدم المبالغة فيها‬
‫بحيث يتضجر ويضعف عنها‪ ،‬أو مع رفق بالخلق‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد‬
‫شكر الخلق‪ ،‬وفيما مر و " كيس "‪ - 19 .‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى عن ابن محبوب‪ ،‬عن أبي ولد الحناط‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أربع من كن فيه كمل إيمانه‪ ،‬وإن كان‬
‫من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك‪ ،‬وهي‪ :‬الصدق وأداء المانة‪،‬‬
‫والحياء‪ ،‬وحسن الخلق )‪ .(3‬محص‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه واله مثله‪ .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‬
‫مثله )‪ .(4‬بيان‪ " :‬أربع " مبتدأ أي خصال أربع‪ ،‬والموصول بصلته‬
‫خبره‪ " ،‬وإن كان من قرنه " مبالغة في الكثرة‪ ،‬أو كناية عن صدورها من‬
‫كل جارحة من جوارحه ويمكن حملها على الصغائر فان صدور الكبائر‬
‫الكثيرة من صاحب تلك الخصال بعيد‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد أنه يوفق‬
‫للتوبة وهذه الخصال تدعوه إليها‪ ،‬فان كل منها يمنع كثيرا من الذنوب كما‬
‫ل يخفى‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ (2) .131 :2‬تحت الرقم ‪ 3‬ص ‪ (3) .271‬أمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (4) .43‬الكافي ج ‪.98 :2‬‬

‫]‪[296‬‬

‫‪ 20‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن أبي أيوب الخزاز‪،‬‬
‫عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلم قال‪:‬‬
‫كان أبي علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬أربع من كن فيه كمل‬
‫إيمانه‪ ،‬ومحصت عنه ذنوبه‪ ،‬ولقي ربه وهو عنه راض‪ :‬من وفى ل بما‬
‫جعل على نفسه للناس‪ ،‬وصدق لسانه مع الناس واستحيى من كل قبيح‬
‫عند ال وعند الناس‪ ،‬وحسن خلقه مع أهله )‪ .(1‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب مثله )‪ .(2‬بيان‪ :‬في النهاية‪ :‬أصل المحص‪ :‬التخليص‪ ،‬ومنه‬
‫تمحيص الذنوب أي إزالتها‪ " ،‬بما جعل على نفسه للناس " أي بالنذر أو‬
‫العهد أو اليمين كما يومي إليه قوله‪ " :‬وفى ل " ويحتمل التعميم‪ ،‬لن‬
‫الوفاء بالعهد إن لم يكن واجبا فل ريب في رجحانه‪ " ،‬وعند الناس " أي‬
‫إذا لم يكن مستحسنا عند ال‪ ،‬أو المراد بالناس كملهم‪ " ،‬مع أهله "‬
‫التخصيص لنه أفضل وأهم‪ - 21 .‬ما‪ :‬المفيد عن الجعابي‪ ،‬عن ابن عقدة‪،‬‬
‫عن الحسن بن جعفر‪ ،‬عن طاهر بن مدرار‪ ،‬عن رزين بن أنس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت جعفر بن محمد عليهما السلم يقول‪ :‬ل يكون المؤمن مؤمنا حتى‬
‫يكون كامل العقل‪ ،‬ول يكون كامل العقل حتى يكون فيه عشر خصال‪ :‬الخير‬
‫منه مأمول‪ ،‬والشر منه مأمون‪ ،‬يستقل كثير الخير من نفسه‪ ،‬ويستكثر‬
‫قليل الخير من غيره‪ ،‬ويستكثر قليل الشر من نفسه‪ ،‬ويستقل كثير الشر‬
‫من غيره‪ .‬ل يتبرم بطلب الحوائج قبله‪ ،‬ول يسأم من طلب العلم عمره‪،‬‬
‫الذل أحب إليه من العز‪ ،‬والفقر أحب إليه من الغنا‪ ،‬حسبه من الدنيا قوت‪،‬‬
‫والعاشرة وما العاشرة ؟ ل يلقى أحدا إل قال‪ :‬هو خير مني وأتقى‪ .‬إنما‬
‫الناس رجلن‪ :‬رجل خير منه وأتقى‪ ،‬وآخر شر منه وأدنى‪ ،‬فإذا لقي‬

‫)‪ (1‬أمالى الشيخ ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .71‬المحاسن ص ‪.8‬‬

‫]‪[297‬‬

‫الذي هو خير منه ]وأتقى[ تواضع له ليلحق به‪ ،‬وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى‬
‫قال‪ :‬لعل شر هذا ظاهر وخيره باطن‪ ،‬فإذا فعل ذلك عل وساد أهل زمانه )‬
‫‪ .(1‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬البرم محركة‪ :‬السأمة والضجر‪ ،‬وأبرمه فبرم‬
‫كفرح وتبرم‪ :‬أمله فمل‪ " ،‬قلبه " بكسر القاف وفتح الباء أي عنده‪" ،‬‬
‫الذل أحب إليه من العز " لعل المعنى أن ذله عند نفسه أحب إليه من العز‬
‫والتكبر‪ ،‬أو يحب الذل إذا علم أن العز يصير سببا لفساده وبغيه‪ ،‬أو إذا‬
‫أذله ال يرضى بذلك‪ ،‬ويكون أحب إليه لقلة مفاسده‪ ،‬كما هو الظاهر من‬
‫الفقرة التي بعدها‪ ،‬لئل ينافي ما ورد من أنه تعالى ل يرضى بذل المومن‬
‫ولم يدع إليه أن يذل نفسه " حسبه من الدنيا قوت " أي يكتفي بالقوت ول‬
‫يطلب أكثر منه‪ .‬واعلم أن الخصال المذكورة اثنتا عشر‪ :‬فل يوافق العدد‬
‫المذكور أول و يمكن توجيهه بوجوه‪ :‬الول عد استقلل الخير من نفسه‪،‬‬
‫واستكثاره من غيره واحدا لتلزمهما غالبا‪ ،‬وكذا عد القرينتين بعدهما‬
‫واحدا لذلك‪ .‬الثاني عد تقليل الخير من نفسه وتكثير الشر منها واحدا‬
‫لقربهما وتلزمهما وكذا تقليل الشر وتكثير الخير من الغير‪ .‬الثالث عد‬
‫كون الخير مأمول منه والشر مأمونا‪ ،‬واحدا للتلزم غالبا‪ ،‬و جعل الكتفاء‬
‫بالقوت من تتمة الفقرة السابقة ل خصلة اخرى‪ .‬الرابع عد قوله " الذل "‬
‫إلى قوله " قوت " خصلة واحدة لتقارب الجميع ولكل وجه‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يخلو شئ منها من تكلف‪ " ،‬وساد أهل زمانه " أي صار سيدهم وأشرفهم‬
‫حسبا وكرامة‪ - 22 .‬جا )‪ (2‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن أبي سعيد القماط‪ ،‬عن‬
‫المفضل قال‪ :‬سمعت‬

‫)‪ (1‬أمالى الشيخ الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .152‬مجالس المفيد ص ‪ ،219‬المجلس‬


‫‪.42‬‬

‫]‪[298‬‬

‫أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ل يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال‪:‬‬
‫يحسن خلقه‪ ،‬ويستخف نفسه )‪ ،(1‬ويمسك الفضل من قوله‪ ،‬ويخرج‬
‫الفضل من ماله )‪ .(2‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي سعيد القماط مثله )‪- 23 .(3‬‬
‫ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن جعفر بن محمد العلوي‪ ،‬عن علي‬
‫ابن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين‪ ،‬عن الحسين بن زيد بن‬
‫علي‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين صلوات ال‬
‫عليهم قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬المؤمن غر كريم‬
‫والفاجر خب لئيم‪ ،‬وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين‪ ،‬ول خير فيمن‬
‫ل يألف ول يؤلف‪ .‬قال‪ :‬وسمعت رسول ال صلى ال عليه واله يقول‪:‬‬
‫شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم‪ ،‬المشاؤن بالنميمة‪،‬‬
‫المفرقون بين الحبة‪ ،‬الباغون للبراء العيب اولئك ل ينظر ال إليهم يوم‬
‫القيامة ول يزكيهم‪ ،‬ثم تل صلى ال عليه واله " هو الذي أيدك بنصره‬
‫وبالمؤمنين )‪ " (4‬و " ألف بين قلوبهم )‪ ." (5‬بيان‪ :‬مألفة أي محل‬
‫للفتهم يألفون به‪ ،‬أو يألفهم أيضا‪ ،‬قال في المصباح المألف‪ :‬الموضع‬
‫الذي يألفه النسان‪ ،‬وألفته من باب علمت‪ :‬أنست به وأحببته والسم اللفة‬
‫بالضم‪ ،‬واللفة أيضا اسم من الئتلف وهو اللتيام والجتماع‪ ،‬و النميمة‪:‬‬
‫نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الفساد والشر‪ " .‬الباغون " أي‬
‫الطالبون " للبراء " من العيوب " العيب " " ل ينظر ال إليهم " كناية‬
‫من عدم اللطف‪ ،‬أو المعنى ل ينظر ال إليهم نظر رحمة " ول يزكيهم "‬
‫أي ل يثني عليهم ول يقبل أعمالهم‪ ،‬أو ل ينمي أعمالهم‪ ،‬والستشهاد‬
‫بالية لدللتها على‬

‫)‪ (1‬في المالى ويسخو نفسه‪ (2) .‬امالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .235‬المحاسن‬
‫ص ‪ (4) .8‬النفال‪ .62 :‬والية التى بعدها في النفال‪ (5) .63 :‬أمالى‬
‫الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.78‬‬

‫]‪[299‬‬
‫حسن التأليف بين قلوب المؤمنين‪ ،‬والتزاما على قبح التفريق بينهم‪ - 24 .‬ع‪ :‬عن‬
‫الحميري‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة‪ ،‬عن جعفر بن محمد عن أبيه‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬قيل له‪ :‬ما بال المؤمن أحد شئ ؟ قال‪ :‬لن عز القرآن‬
‫في قلبه‪ ،‬ومحض اليمان في صدره‪ ،‬وهو بعد مطيع ل ولرسوله‪ ،‬مصدق‬
‫قيل‪ :‬فما بال المؤمن قد يكون أشح شئ ؟ قال‪ :‬لنه يكسب الرزق من حله‬
‫ومطلب الحلل عزيز‪ ،‬فل يحب أن يفارقه لشدة ما يعلم من عسر مطلبه‪،‬‬
‫وإن هو سخت نفسه فلم يضعه إل في موضعه‪ .‬قيل له‪ :‬فما بال المؤمن قد‬
‫يكون أنكح شئ ؟ قال‪ :‬لحفظه فرجه من فروج ما ل يحل له ولكن ل تميل‬
‫به شهوته هكذا ول هكذا‪ ،‬فإذا ظفر بالحلل اكتفى به واستغنى به عن‬
‫غيره‪ .‬قال صلى ال عليه وآله‪ ،‬إن قوة المؤمن في قلبه أل ترون أنه قد‬
‫تجدونه ضعيف البدن‪ ،‬نحيف الجسم‪ ،‬وهو يقوم الليل ويصوم النهار‪،‬‬
‫وقال‪ :‬المؤمن أشد في دينه من الجبال الراسية‪ ،‬وذلك أن الجبل قد ينحت‬
‫منه‪ ،‬والمؤمن ل يقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئا وذلك لضنه بدينه‪،‬‬
‫وشحه عليه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬لن عز القرآن في قلبه " أي حدته إنما هي في‬
‫الدين لتنمره في ذات ال وعدم المداهنة في دين ال‪ - 25 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن موسى بن القاسم العجلي عن صفوان بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لقي رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله يوما حارثة بن النعمان النصاري قال له‪ :‬كيف‬
‫أصبحت يا حارثة ؟ قال‪ :‬أصبحت يا رسول ال مؤمنا حقا قال‪ :‬إن لكل‬
‫إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال‪ :‬عزفت نفسي عن الدنيا‪ ،‬وأسهرت‬
‫ليلي‪ ،‬وأظمأت نهاري‪ ،‬فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب‪ ،‬وكأني بأهل‬
‫الجنة فيها يتزاورون‪ ،‬وأهل النار فيها يعذبون‪.‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪.244‬‬

‫]‪[300‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أنت مؤمن‪ ،‬نور ال اليمان في قلبك‪ ،‬فاثبت‬
‫ثبتك ال فقال له‪ :‬يا رسول ال ما أنا على نفسي من شئ أخوف مني‬
‫عليها من بصري فدعا له رسول ال صلى ال عليه واله فذهب بصره )‪.(1‬‬
‫‪ - 26‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن حرب‬
‫بن الحسن الطحان‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد ال‪ ،‬عن فضيل بن يسار‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬ل يبلغ أحدكم حقيقة اليمان حتى يكون فيه ثلث‬
‫خصال‪ :‬الموت أحب إليه من الحياة‪ ،‬والفقر أحب إليه من الغنى‪ ،‬والمرض‬
‫أحب إليه من الصحة‪ .‬قلنا‪ :‬ومن يكون كذلك ؟ قال‪ :‬كلكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيما أحب‬
‫إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا ؟ فقلت‪ :‬نموت وال في‬
‫حبكم أحب إلينا‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة قلت‪ :‬أي‬
‫وال )‪ - 27 .(2‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسن بن سيف‪ ،‬عن أخيه علي عن‬
‫سليمان بن عمر عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ل يستكمل‬
‫عبد حقيقة اليمان حتى يكون فيه خصال ثلث‪ :‬التفقه في الدين‪ ،‬وحسن‬
‫التقدير في المعيشة‪ ،‬والصبر على الرزايا )‪ - 28 .(3‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن فضال‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن عبد ال ابن الحسن‪ ،‬عن امه‬
‫فاطمة بنت الحسين قالت‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ثلث خصال‬
‫من كن فيه يستكمل خصال اليمان‪ :‬الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في‬
‫باطل‪ ،‬و إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق‪ ،‬وإذا قدر لم يتعاط ما ليس‬
‫له )‪ .(4‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي مثله )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .187‬معاني الخبار ص ‪ (3) .189‬المحاسن ص ‪) .5‬‬


‫‪ (4‬المحاسن‪ (5) .6 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.239‬‬

‫]‪[301‬‬

‫ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن علي بن الصلت‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن‬
‫عاصم‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن‪ ،‬عن امه فاطمة بنت الحسين‬
‫بن علي عن أبيها مثله )‪ .(1‬بيان‪ :‬الظاهر أن فيه إرسال لن فاطمة بنت‬
‫الحسين عليه السلم لم تعهد روايتها عن النبي صلى ال عليه واله بل لم‬
‫تلقه وكأنه كان عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين كما في الخصال‪" .‬‬
‫يستكمل " أي ل تحصل هذه الخلق في مؤمن إل وقد حصلت فيه سائر‬
‫الخصال لنها أشقها وأشدها‪ ،‬وأيضا أنها مستلزمة للعدل‪ ،‬وهو التوسط‬
‫بين الفراط والتفريط‪ ،‬وهو معيار جميع الكمالت‪ ،‬وفي القاموس التعاطي‪:‬‬
‫التناول وتناول ما ل يحق‪ ،‬والتنازع في الخذ‪ ،‬وركوب المر انتهى )‪.(2‬‬
‫أي بعد القدرة ل يأخذ أو ل يرتكب ما ليس له‪ - 29 .‬سن‪ :‬روي عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ستة ل تكون من مؤمن‪ ،‬قيل‪ :‬وما هي ؟ قال‪:‬‬
‫العسر‪ ،‬والنكد‪ ،‬واللجاجة‪ ،‬والكذب‪ ،‬والحسد‪ ،‬والبغي‪ ،‬وقال‪ :‬ل يكون‬
‫المؤمن محاربا )‪ .(3‬بيان‪ :‬العسر الشدة في المعاملت‪ ،‬وعدم السهولة‪،‬‬
‫والنكد العسر والخشونة في المعاشرات وقلة العطاء والبخل وهو أظهر‪،‬‬
‫في القاموس‪ :‬نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبئر قل ماؤها ونكد فلنا‬
‫كنصر منعه ما سأله أو لم يعطه إل أقله والنكد بالضم قلة العطاء‪ ،‬ويفتح "‬
‫واللجاجة " الخصومة‪ .‬قوله " محاربا " أي بغير حق‪ ،‬وفي بعض النسخ‬
‫" مجازفا " والجزاف معرب " گزاف " وهو بيع الشئ ل يعلم كيله ول‬
‫وزنه‪ ،‬والمجازفة في البيع المساهلة فيه قال في المصباح‪ :‬يقال لمن يرسل‬
‫كلمه إرسال من غير قانون‪ :‬جازف في كلمه‬
‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .52‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪ (3) .364‬المحاسن‪158 :‬‬
‫وفيه‪ :‬مجازفا‪.‬‬

‫]‪[302‬‬

‫فاقيم نهج الصواب مقام الكيل والوزن انتهى‪ .‬واقول‪ :‬كأنه المراد هنا‪ ،‬وفي بعض‬
‫النسخ بالحاء والراء المهملتين و المجارف بفتح الراء المحروم المحدود‬
‫الذي سد عليه أبواب الرزق وفي كونه منافيا لليمان الكامل إشكال إل أن‬
‫يكون مبنيا على الغالب‪ - 30 .‬سن‪ :‬عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي‪ ،‬عن‬
‫ميسر بن سعيد القصير الجوهري‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬يعرف من يصف الحق بثلث خصال‪ :‬نظر إلى أصحابه من هم ؟ وإلى‬
‫صلته كيف هي ؟ وفي أي وقت يصليها فان كان ذا مال نظر أين يضع‬
‫ماله )‪ - 31 .(1‬سن‪ :‬عن فضالة‪ ،‬عن أبان الحمر‪ ،‬عن ابن سيابة‪ ،‬عن‬
‫أبي النعمان عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬أل انبئكم بالمؤمن ؟ المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم‬
‫وامورهم‪ ،‬والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر‬
‫السيئآت فترك ما حرم ال )‪ - 32 .(2‬شا‪ :‬روي عن صعصعة بن صوحان‬
‫العبدي قال‪ :‬صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلم ذات يوم صلة الصبح‪،‬‬
‫فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر ال ل يلتفت يمينا ول شمال‪ ،‬حتى‬
‫صارت الشمس على حائط مسجد كم هذا ‪ -‬يعني جامع الكوفة ‪ -‬قيس رمح‪،‬‬
‫ثم أقبل علينا بوجهه عليه السلم‪ .‬فقال‪ :‬لقد عهدت أقواما على عهد خليلي‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله وإنهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم‬
‫وركبهم‪ ،‬فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا بين أعينهم شبه ركب المعزى‪،‬‬
‫فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجرة في الريح‪ ،‬ثم انهملت عيونهم‬
‫حتى تبل ثيابهم‪ ،‬ثم نهض عليه السلم وهو يقول كأنما القوم باتوا غافلين‬
‫)‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .254‬المحاسن ص ‪ (3) .285‬الرشاد ص ‪.114‬‬

‫]‪[303‬‬

‫بيان‪ :‬في القاموس قيس رمح بالكسر وقاسه‪ :‬قدره )‪ - 33 .(1‬قب‪ :‬قال الباقر عليه‬
‫السلم‪ :‬إن ال تعالى أعطى المؤمن البدن الصحيح‪ ،‬و اللسان الفصيح‪،‬‬
‫والقلب الصريح‪ ،‬وكلف كل عضو منها طاعة لذاته ولنبيه و لخلفائه‪ ،‬فمن‬
‫البدن الخدمة له ولهم‪ ،‬ومن اللسان الشهادة به وبهم‪ ،‬ومن القلب‬
‫الطمأنينة بذكره وبذكرهم‪ ،‬فمن شهد باللسان‪ ،‬واطمأن بالجنان‪ ،‬وخدم‬
‫بالركان أنزله ال الجنان )‪ .(2‬بيان‪ " :‬البدن الصحيح " كأن المعنى‬
‫الصحة من الذنوب والعيوب المعنوية أو الصحة من الفات التي تورث‬
‫الشين‪ ،‬فيكون مختصا بالنبياء الئمة عليهم السلم والصريح‪ :‬الخالص‬
‫من كل شئ‪ ،‬والمراد به هنا الخالص من الغل والحسد والشك والشبهة‪.‬‬
‫‪ - 34‬كتاب صفات الشيعة للصدوق رحمه ال‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن‬
‫عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن الصادق‬
‫جعفر بن محمد عليه السلم أنه قال‪ :‬ل دين لمن ل تقية له‪ ،‬ول إيمان لمن‬
‫ل ورع له‪ .‬وباسناده عن صفوان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إنما‬
‫المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق‪ ،‬والذي إذا رضي لم‬
‫يدخله رضاه في باطل‪ ،‬والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله )‪ .(3‬وباسناده‬
‫عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ما‬
‫ساءته سيئته و سرته حسنته فهو مؤمن‪ .‬وباسناده عن حبيب الواسطي‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله‪.‬‬
‫وباسناده عن حسين بن عمرو‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫المؤمن أشد‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .244‬مناقب آل أبى طالب ج ‪ 4‬ص ‪ (3) .180‬مما له‬
‫خ‬

‫]‪[304‬‬

‫من زبر الحديد‪ ،‬إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير‪ ،‬وإن المؤمن لو قتل ثم نشر‪ ،‬ثم‬
‫قتل لم يتغير قلبه )‪ .(1‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬الزبرة بالضم القطعة من‬
‫الحديد‪ ،‬والجمع زبر وزبر " لم يتغير قلبه " أي عقائده التي في قلبه‪35 .‬‬
‫‪ -‬صفات الشيعة‪ :‬باسناده عن المفضل قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصل واحد‪ ،‬ل يدخل فيهم داخل‪،‬‬
‫ول يخرج منهم خارج‪ ،‬مثلهم وال مثل الرأس في الجسد‪ ،‬ومثل الصابع‬
‫في الكف‪ ،‬فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتا أنه منافق )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫" مثلهم " أي ينبغي أن يكون منزلة كل مؤمن من سائر المؤمنين منزلة‬
‫الرأس من الجسد في التواصل والتعاون‪ ،‬واهتمام المؤمنين بهم بعضهم "‬
‫بتاتا " أي بتا وقطعا‪ - 36 .‬صفات الشيعة‪ :‬باسناده عن محمد بن سليمان‬
‫الديلمي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬الشتاء ربيع المؤمن‪ ،‬يطول‬
‫فيه ليله فيستعين به على قيامه‪ .‬وباسناده عن سعيد بن غزوان قال‪ :‬قال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬المؤمن ل يكون محارفا )‪ .(3‬وباسناده عن‬
‫صالح بن هيثم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلث من كن فيه‬
‫استكمل خصال اليمان‪ :‬من صبر على الظلم وكظم غيظه‪ ،‬واحتسب وعفى‬
‫كان ممن يدخله ال الجنة‪ ،‬وشفع في مثل ربيعة ومضر‪ .‬وباسناده عن‬
‫زيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لم تكونوا مؤتمنين حتى تكونوا‬
‫مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة‪ ،‬وذلك أن الصبر على البلء‬
‫أفضل من العافية عند الرخاء‪.‬‬

‫)‪ (1‬صفات الشيعة ص ‪ (2) .179‬صفات الشيعة ص ‪ (3) .179‬مجازفا خ ل‪.‬‬

‫]‪[305‬‬

‫وباسناده عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المومن من يخافه كل شئ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه عزيز في دين ال‪ ،‬ول يخاف من شئ‪ ،‬وهو علمة كل مومن‪ .‬وباسناده‬
‫عن صفوان الجمال‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن‬
‫المومن يخشع له كل شئ‪ .‬ثم قال‪ :‬إذا كان مخلصا ل قلبه‪ ،‬أخاف ال منه‬
‫كل شئ حتى هوام الرض‪ ،‬وسباعها وطير السماء )‪ - 37 .(1‬نهج‪ :‬قال‬
‫عليه السلم‪ :‬المومن بشره في وجهه‪ ،‬وحزنه في قلبه‪ ،‬أوسع شئ صدرا‪،‬‬
‫وأذل شئ نفسا‪ ،‬يكره الرفعة ويشنأ السمعة‪ ،‬طويل غمه‪ ،‬بعيد همه‪ ،‬كثير‬
‫صمته‪ ،‬مشغول وقته‪ ،‬شكور صبور‪ ،‬مغمور بفكرته‪ :‬ضنين بخلته‪ ،‬سهل‬
‫الخليقة‪ ،‬لين العريكة‪ ،‬نفسه أصلب من الصلد‪ ،‬وهو أذل من العبد )‪.(2‬‬
‫توضيح‪ :‬البشر ‪ -‬بالكسر ‪ -‬الطلقة‪ ،‬وكتمان الحزن من الشكر‪ ،‬ول يختص‬
‫بحزن الخرة كما قيل‪ ،‬وسعة صدره‪ :‬كناية عن قوة حمله‪ ،‬وشدة تحمله‬
‫للمشاق‪ ،‬وذلة نفسه‪ :‬للتواضع‪ ،‬والنظر إلى عظمة ال واستحقار العمل‪" .‬‬
‫يكره الرفعة " أي الشرف والعلو في الدنيا‪ ،‬و " يشنأ " كيمنع ويسمع‬
‫يبغض " السمعة " أي إسماع العمل الناس أو فعله لذلك‪ ،‬وطول الغم لذكر‬
‫الموت والخرة وعدم العلم بالعاقبة " بعيد همه " أي حزنه تأكيدا أوالهم‬
‫بمعنى القصد و العزم أي همته عالية مصروفة إلى المور الباقية "‬
‫مشغول وقته " أي مستغرق في العبادة والذكر والتفكر في آيات ال‪،‬‬
‫وتحصيل العلم وبذله‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬والحاصل أنه ل يضيع العمر‪ " .‬مغمور‬
‫بفكرته " يقال‪ :‬عمره الماء كنصر أي غطاه‪ ،‬والفكر والفكرة إعمال النظر‬
‫والمراد به التفكر في آلء ال وعبره‪ ،‬وعلوم ال وحكمه‪ " .‬ضنين بخلته‬
‫"‪ :‬الضنة البخل‪ ،‬والخلة بالضم الصداقة والمحبة التي تخللت القلب‬
‫فصارت خلله أي في باطنه كما في النهاية‪ ،‬وفي المصباح الخلة بالفتح‬
‫الصداقة‬

‫)‪ (1‬صفات الشيعة ص ‪ (2) .181 - 179‬نهج البلغة ج ‪ 2 224‬تحت الرقم ‪333‬‬
‫من الحكم‪.‬‬
‫]‪[306‬‬

‫والضم لغة‪ ،‬والفتح الفقر والحاجة‪ ،‬فالفقر تحتمل وجوها‪ :‬الول‪ :‬أنه ضنين بخلته‬
‫لترصده مواقع الخلة وأهلها الذين هم إخوان الصدق في ال وهم قليلون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون المراد أنه إذا خال أحدا أي صادقه ضن أن يضيع خلته أو‬
‫يهمل خليله‪ ،‬فالمراد استحكام مودته‪ .‬الثالث أن يكون بفتح الخاء كما روي‬
‫أي إذا عرضت له حاجة ضن بها أن يسأل أحدا فيها ويظهرها‪ .‬و "‬
‫الخليقة " الطبيعة وسهولتها خلوها عن الفظاظة والخشونة‪ ،‬و " العريكة‬
‫" النفس والطبيعة‪ ،‬يقال‪ " :‬فل لين العريكة " إذا كان مطاوعا منقادا قليل‬
‫الخلف والنفور منكسر النخوة و " حجر صلد " بالفتح أي صلب أملس‪،‬‬
‫وصلبته لثباته في طاعة ال وإمضاء اموره وشجاعته وحميته‪ ،‬أو شدة‬
‫إيمانه ويقينه‪ ،‬وعدم تزلزله في الفتن‪ .‬وذلته‪ :‬تواضعه‪ - 38 .‬المجازات‬
‫النبوية‪ :‬قوله عليه السلم من جملة كلم‪ :‬العلم خليل المومن والحلم‬
‫وزيره‪ ،‬والعقل دليله‪ ،‬والعمل قيمه‪ ،‬واللين أخوه‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬والصبر‬
‫أمير جنوده )‪ .(1‬الشهاب‪ :‬عنه صلى ال عليه وآله مثله إل أن فيه‪:‬‬
‫والعمل قائده والبر أخوه‪ .‬قال السيد رضي ال عنه‪ :‬هذه اللفاظ كلها‬
‫مستعارة منها‪ ،‬فالمراد بقوله عليه السلم " العلم خليل المؤمن " أنه‬
‫يأنس به من الوحشة‪ ،‬كما يسكن الحميم إلى حميمه‪ ،‬والمراد بقوله عليه‬
‫السلم " والحلم وزيره " أنه يقوى به على المور‪ ،‬ويوازره على كظم‬
‫المكروه‪ ،‬والمراد بقوله عليه السلم " والعقل دليله " أنه بالعقل يهتدي‬
‫في ظلم المشكلت‪ ،‬وينجو من مضايق الغمرات‪ ،‬فهو كالدليل الذي يرشد‬
‫في المضال ويجنب عن المزال‪.‬‬

‫)‪ (1‬المجازت النبوية ص ‪.123‬‬

‫]‪[307‬‬

‫والمراد بقوله عليه السلم " والعمل قيمة " أن العمل يثقف ميله‪ ،‬ويقوم زل‪ ،‬و‬
‫يسد خلله‪ ،‬فهو كالقيم الذي يأتي بمصالح ما يقوم عليه‪ ،‬ومراشد ما يوكل‬
‫إليه والمراد بقوله عليه السلم " واللين أخوه " أن اللين يفيده مواخاة‬
‫الخوان‪ ،‬ومخالصتهم ويحفظ عليه صفاءهم ومودتهم‪ ،‬فجعله عليه السلم‬
‫أخاه من حيث كان سببا لجتلب الخوان إليه‪ ،‬وحفظ المودات عليه‪.‬‬
‫والمراد بقوله عليه السلم " والرفق والده " كالمراد بقوله‪ ،‬واللين أخوه‪،‬‬
‫لن الرفق يقبل إليه بالقلوب‪ ،‬ويظأر عليه كوامن الصدور‪ ،‬فيصير كل أحد‬
‫في الحنو عليه‪ ،‬والميل إليه كالوالد الرؤف‪ ،‬والحدب العطوف )‪ .(1‬والمراد‬
‫بقوله عليه السلم " والصبر أمير جنوده " أن الصبر ملك أمره‪ ،‬وشداد‬
‫أزره وبه يبلغ الداب‪ ،‬ويدرك المحاب‪ ،‬فهو كأمير جنده الذي يقوى به على‬
‫أعدائه ويصل به إلى أغراضه وطلباته‪ .‬وقد يجوز أن يكون المراد أن‬
‫الصبر رأس خلله ورئيس خصاله‪ ،‬فهو متقدم عليها‪ ،‬وكالمير لسائرها‪،‬‬
‫كما أن المير متقدم على رعيته‪ ،‬وسائس على من في طبقته‪- 39 .‬‬
‫الشهاب‪ :‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬المؤمن يسير المونة‪ .‬الضوء‪ :‬هذا‬
‫إخبار معناه المر‪ ،‬أمر رسول ال صلى ال عليه واله المومن أن يكون‬
‫يسير المؤنة‪ ،‬قانعا بالموجود‪ ،‬صابرا عن المفقود‪ ،‬شاكرا ذاكرا‪ ،‬ل طامح‬
‫البصر إلى زبرج الدنيا‪ ،‬ول جشعا تواقا إلى العليا‪ ،‬منكسر القلب‪ ،‬ذليل‬
‫النفس للرب‪ ،‬تكفيه الكسرة‪ ،‬وترويه الشربة‪ ،‬ويواريه الجرد‪ ،‬ويلفحه‬
‫الحر‪ ،‬وينفحه البرد‪ ،‬كما وصفه أمير المومنين عليه السلم " هو من‬
‫نفسه في تعب‪ ،‬والناس منه في راحة " وفائدة الحديث الحث على التخفف‬
‫من الدنيا‪ ،‬والبتذال فيها وراويه أبو هريرة‪ .‬اقول‪ :‬الجر بالفتح‪ :‬الخلق‬
‫البالي‪ ،‬ولفح النار بحرها‪ :‬أحرقت‪ ،‬و نفحت الريح هبت‪ - 40 .‬الشهاب‪:‬‬
‫قال صلى ال عليه وآله‪ :‬المومن كيس فطن حذر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحدب ككتف‪ :‬العطوف‪ ،‬فذكر العطوف بعده تأكيده‪.‬‬

‫]‪[308‬‬

‫الضوء ‪ -‬الكياسة ضد الحمق‪ ،‬والكيس الظريف‪ ،‬يقال هو كيس مكيس وينسب إلى‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد‬
‫نافع مخيسا )‪ (1‬ومخيس اسم سجن بناه أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫بالعراق‪ ،‬وكان بنى قبله نافعا وحرقه لصوص حبسوا فيه‪ ،‬وكان مبنيا من‬
‫القصب‪ ،‬فبنى مخيسا بالجص والجر ويقال‪ :‬مخيس أي ذليل‪ ،‬ومخيس أي‬
‫موضع التذليل وقد كاس الغلم يكيس كيسا و كياسة‪ ،‬وتكيس تظرف‬
‫وكايسته فكسته‪ :‬أي غلبته‪ .‬والفطنة كالفهم‪ ،‬ورجل فطن‪ ،‬وقد فطن فطنة‬
‫وفطانة وفطانية‪ ،‬والحذر احتراز عن مخيف‪ ،‬يقال حذر حذرا وحذرته‬
‫وحذار أي احذر ! والحذر التحرز مثل الحذر‪ ،‬ورجل حذر وحذر أي متيقظ‬
‫متحرز‪ ،‬والجمع حذرين وحذارى‪ .‬وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار ومعناه‬
‫أمر يأمر رسول ال صلى ال عليه واله الرجل المومن أن يكون كيسا‬
‫ظريفا ضابطا أمر دينه‪ ،‬ودنياه‪ ،‬فطنا غير غافل عما سيد همه متحرزا‬
‫غاية التحرز‪ .‬وقال الحسن‪ :‬المومن فطن هدم دنياه‪ ،‬وبنى بها آخرته‪ ،‬ولم‬
‫يهدم آخرته ويبنى بها دنياه‪ .‬وقال علي بن بكار‪ :‬ذهب الخيار‪ ،‬فلم يبق إل‬
‫من يوثر الدرهمين على دينه‪ .‬وقال يحيى بن معاذ‪ :‬الدرهم عقرب فان لم‬
‫تحسن رقيتها فل تأخذه‪ ،‬فانها إن لذعتك قتلتك بسمها‪ ،‬قيل‪ :‬وما رقيتها‬
‫قال‪ :‬أخذها من حلها‪ ،‬ووضعها في حلها‪.‬‬
‫)‪ (1‬ذكره الجوهرى‪ 923 :‬و ‪ ،969‬ونسبه إلى الراجز‪ ،‬وذكره الفيروزآبادى ج ‪2‬‬
‫ص ‪ ،213‬قال‪ :‬المخيس ‪ -‬كمعظم ومحدث ‪ -‬السجن‪ ،‬وسجن بناء علي‬
‫رضى ال تعالى عنه وكان أول جعله من قصب وسماه نافعا فنقبه‬
‫اللصوص فقال‪ :‬أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد نافع مخيسا بابا‬
‫حصينا وأمينا كيسا‬

‫]‪[309‬‬

‫وإنما شرط صلى ال عليه وآله هذه الخلل للمؤمن‪ ،‬لن فيها جوامع الخير‪ ،‬يكون‬
‫كيسا نظارا في الدلئل الموصلة إلى العلم‪ ،‬فطنا فهما عالما بما يأتي ويذر‪،‬‬
‫حذرا متحرزا مع ذلك كله لن المؤمن منزله بين الخوف والرجاء‪ .‬وفائدة‬
‫الحديث الحث على التنبه والتيقظ‪ ،‬وقلة الركون إلى الدنيا الخداعة المكارة‪،‬‬
‫وراوي الحديث أنس بن مالك‪ - 41 .‬الشهاب‪ :‬قال صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫المؤمن إلف مألوف‪ .‬الضوء‪ :‬اللف اجتماع مع التيام‪ ،‬يقال‪ :‬ألفت بين‬
‫القوم‪ ،‬وألف الموضع آلفه ألفا‪ ،‬آلفنبه ؟ زيد‪ ،‬فأنا آلف‪ ،‬وآلفت الموضع‬
‫اولفه إيلفا وآلفته اؤالفه مؤالفة وإلفا‪ ،‬على أفعل وفاعل )‪ (1‬والتأليف‬
‫جمع أجزاء متفرقة على ترتيب يقدم فيه المقدم‪ ،‬ويؤخر المؤخر‪ ،‬وأوالف‬
‫الطير‪ :‬التي ألفت الدور‪ .‬فيقول عليه السلم‪ :‬إن المومن ينبغي أن يكون‬
‫آلفا مستأنسا بالخلق‪ ،‬مستأنسا به‪ ،‬غير نافر منفر ول منفور منه‪ ،‬يخف‬
‫إلى حاجات أخيه المؤمن‪ ،‬غير رافع نفسه عنه‪ ،‬يغفر زلته‪ ،‬ويقبل عثرته‪،‬‬
‫ول يحسد ول يحقد عليه‪ ،‬موافقا غير منافق‪ ،‬محالفا غير مخالف‪ ،‬مناصحا‬
‫غير مفاضح‪ .‬وفائدة الحديث الحث على اللف‪ ،‬وحسن المصادقة‪ ،‬وراوي‬
‫الحديث جابر ابن عبد ال رضي ال عنه‪ - 42 .‬الشهاب‪ :‬قال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬المؤمن من آمنه الناس على أنفسهم وأموالهم‪ .‬الضوء‪ :‬المن‬
‫طمأنينة النفس وزوال الخوف‪ ،‬والمن والمانة واليمان والمنة قريب من‬
‫قريب‪ ،‬وال تعالى مؤمن لنه آمن عباده من ظلمه إياهم‪ ،‬ورجل أمنة‬
‫وامنة )‪ :(2‬يثق بكل أحد‪.‬‬

‫)‪ (1‬وعبارة الجوهرى في الصحاح‪ :1332 :‬فصار صورة أفعل وفاعل في الماضي‬
‫واحدا‪ (2) .‬الول بالتحريك والثانى كهمزة‬

‫]‪[310‬‬

‫وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار وهو في معنى المر‪ ،‬أي ينبغي أن يكون المؤمن‬
‫موثوقا به‪ ،‬مأمون الجانب‪ ،‬نقيا من المعايب‪ ،‬غير خائن في نفس أو مال‬
‫ول مخفر ذمة‪ ،‬ول ناقض عهد‪ ،‬ول ناكث عقد‪ .‬وفائدة الحديث‪ :‬الحث على‬
‫الديانة والمانة والصيانة‪ ،‬واتباع الحسن في المعاملة‪ ،‬وإيثار الصدق‬
‫والمجاملة‪ ،‬وراويا الحديث أنس بن مالك وفضالة بن عبيد‪ - 43 .‬ين‪ :‬عن‬
‫محمد بن سنان‪ ،‬عن عمار بن مروان والحسين بن المختار عن أبي‬
‫بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إياكم وما يعتذر منه‪ ،‬فان‬
‫المؤمن ل يسيئ ول يعتذر‪ ،‬والمنافق يسئ كل يوم ويعتذر منه )‪- 44 .(1‬‬
‫محص‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬المؤمن ل يغلبه فرجه‪ ،‬ول‬
‫يفضحه بطنه‪ - 45 .‬محص‪ :‬روي أن رسول ال صلى ال عليه واله قال‪:‬‬
‫ل يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلث خصال‪ :‬فعل‪ ،‬وعمل‪،‬‬
‫ونية‪ ،‬وباطن‪ ،‬وظاهر‪ .‬فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬يا رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله ما المائة وثلث خصال ؟ فقال‪ :‬يا علي من صفات‬
‫المؤمن أن يكون جوال الفكر‪ ،‬جوهري الذكر )‪ (2‬كثيرا علمه عظيما‬
‫حلمه‪ ،‬جميل المنازعة‪ ،‬كريم المراجعة‪ ،‬أوسع الناس صدرا‪ ،‬وأذلهم نفسا‪.‬‬
‫ضحكه تبسما‪ ،‬واجتماعه تعلما‪ ،‬مذكر الغافل‪ ،‬معلم الجاهل‪ ،‬ل يؤذي من‬
‫يؤذيه‪ ،‬ول يخوض فيما ل يعنيه‪ ،‬ول يشمت بمصيبة‪ ،‬ول يذكر أحدا بغيبة‬
‫بريئا من المحرمات‪ ،‬واقفا عند الشبهات‪ ،‬كثير العطاء‪ ،‬قليل الذى‪ ،‬عونا‬
‫للغريب وأبا لليتيم‪ ،‬بشره في وجهه‪ ،‬وحزنه في قلبه‪ ،‬متبشرا بفقره‪ .‬أحلى‬
‫من الشهد‪ ،‬وأصلد من الصلد‪ ،‬ل يكشف سرا‪ ،‬ول يهتك سترا‪ ،‬لطيف‬

‫)‪ (1‬هذه المصادر كلها مخطوط‪ (2) .‬جهورى الذكر‪ ،‬خ ل‪.‬‬

‫]‪[311‬‬

‫الحركات‪ ،‬حلو المشاهدة‪ ،‬كثير العبادة‪ ،‬حسن الوقار‪ ،‬لين الجانب‪ ،‬طويل الصمت‬
‫حليما إذا جهل عليه‪ ،‬صبورا على من أساء إليه‪ ،‬يبجل الكبير‪ ،‬ويرحم‬
‫الصغير‪ .‬أمينا على المانات‪ ،‬بعيدا من الخيانات‪ ،‬إلفه التقى‪ ،‬وحلفه‬
‫الحياء‪ ،‬كثير الحذر‪ ،‬قليل الزلل‪ ،‬حركاته أدب‪ ،‬وكلمه عجب‪ ،‬مقيل العثرة‪،‬‬
‫ول يتتبع العورة وقورا‪ ،‬صبورا‪ ،‬رضيا‪ ،‬شكورا‪ .‬قليل الكلم‪ ،‬صدوق‬
‫اللسان‪ ،‬برا‪ ،‬مصونا‪ ،‬حليما‪ ،‬رفيقا‪ ،‬عفيفا‪ ،‬شريفا ل لعان‪ ،‬ول كذاب‪ ،‬ول‬
‫مغتاب‪ ،‬ول سباب‪ ،‬ول حسود‪ ،‬ول بخيل‪ ،‬هشاشا بشاشا‪ ،‬ل حساس‪ ،‬ول‬
‫جساس‪ .‬يطلب من المور أعلها ومن الخلق أسناها‪ ،‬مشمول بحفظ ال‪،‬‬
‫مؤيدا بتوفيق ال‪ ،‬ذا قوة في لين‪ ،‬وعزمة في يقين‪ ،‬ل يحيف على من‬
‫يبغض‪ ،‬ول يأثم فيمن يحب‪ ،‬صبورا في الشدائد‪ ،‬ل يجور ول يعتدي‪ ،‬ول‬
‫يأتي بما يشتهي‪ ،‬الفقر شعاره‪ ،‬والصبر دثاره‪ ،‬قليل المؤنة‪ ،‬كثير المعونة‪،‬‬
‫كثير الصيام‪ ،‬طويل القيام قليل المنام‪ .‬قلبه تقي‪ ،‬وعلمه زكي‪ ،‬إذا قدر عفا‪،‬‬
‫وإذا وعد وفى‪ ،‬يصوم رغبا‪ ،‬ويصلي رهبا‪ ،‬ويحسن في عمله كأنه ناظر‬
‫إليه‪ ،‬غض الطرف‪ ،‬سخي الكف‪ ،‬ل يرد سائل‪ ،‬ل يبخل بنائل‪ ،‬متواصل إلى‬
‫الخوان‪ ،‬مترادفا للحسان‪ ،‬يزن كلمه ويخرس لسانه‪ ،‬ل يغرق في‬
‫بغضه‪ ،‬ول يهلك في حبه‪ ،‬ول يقبل الباطل من صديقه ول يرد الحق على‬
‫عدوه‪ ،‬ول يتعلم إل ليعلم‪ ،‬ول يعلم إل ليعمل‪ .‬قليل حقده‪ ،‬كثيرا شكره‪،‬‬
‫يطلب النهار معيشته‪ ،‬ويبكي الليل على خطيئته إن سلك مع أهل الدنيا كان‬
‫أكيسهم‪ ،‬وإن سلك مع أهل الخرة كان أورعهم ل يرضى في كسبه بشبهة‪،‬‬
‫ول يعمل في دينه برخصة‪ ،‬يعطف على أخيه بزلته‪ ،‬ويرعى ما مضى من‬
‫قديم صحبته )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬التمحيص مخطوط‪.‬‬

‫]‪[312‬‬

‫بيان‪ " :‬جوال الفكر " أي فكره في الحركة دائما‪ " ،‬جهوري الذكر " في‬
‫القاموس‪ :‬كلم جهوري‪ :‬أي عال أي يعلن ذكر ال‪ ،‬أو ذكره عال في‬
‫الناس وفي بعض النسخ " جوهري " وكأن كناية عن خلوص ذكره‬
‫ونفاسته‪ ،‬والظاهر أنه تصحيف‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الصلد ‪ -‬ويكسر ‪ -‬الصلب‬
‫الملس‪ ،‬وصلدت الرض‪ :‬صلبت‪ ،‬والتبجيل‪ :‬التعظيم‪ ،‬واللف بالكسر من‬
‫تألفه ويألفك‪ ،‬والحلف بالكسر الصديق يحلف لصاحبه أن ل يغدر به‪" ،‬‬
‫مصونا " أي عرضه‪ ،‬أو عن الخطاء‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الحس‪ :‬الحيلة )‪،(1‬‬
‫والقتل‪ ،‬والستئصال وبالكسر‪ :‬الصوت‪ ،‬والحاسوس‪ :‬الجاسوس‪،‬‬
‫وحسست به بالكسر‪ :‬أيقنت‪ ،‬وأحسست ظننت ووجدت وأبصرت‪،‬‬
‫والتحسس‪ :‬الستماع لحديث القوم‪ ،‬وطلب خبرهم في الخير‪ .‬وقال )‪:(2‬‬
‫الجس‪ :‬تفحس الخبار كالتجسس‪ ،‬ومنه الجاسوس ول تجسسوا‪ :‬أي خذوا‬
‫ما ظهر‪ ،‬ودعوا ما ستر ال عزوجل‪ ،‬أو ل تفحصوا عن بواطن المور‪ ،‬أو‬
‫ل تبحثوا عن العورات انتهى‪.‬‬

‫)‪ (1‬قال في القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ 206‬طمصر‪ :‬الحس‪ :‬الجلبة‪ ،‬وقال المحشى في‬
‫هامشه‪ :‬هكذا في النسخ وصوابه‪ :‬الجبلة وهو عن ابن العرابي كما نقله‬
‫الصاغانى وصاحب اللسان‪ ،‬كذا قال الشارح‪ ،‬ول وجه لهذا التصويب فان‬
‫المجد مطلع‪ .‬وقال الشرتونى في اقرب الموارد ج ‪ 1‬ص ‪ :191‬الحس‬
‫بالفتح مصدر و ‪ -‬الحيلة تقول‪ :‬أحسست منه حسا أي حيلة‪ ،‬ونقل في‬
‫الذيل ص ‪ 133‬عن اللسان أن الحس بمعنى الجلبة‪ .‬أقول‪ :‬والظاهر أن "‬
‫حيلة " و " جلبة " كليهما تصحيف والصحيح كما صوبه ابن العرابي‬
‫الجبلة ‪ -‬كالبلة ‪ -‬وهى السنة المجدبة كالحس ‪ -‬بالكسر ‪ -‬والحسوس‪) .‬‬
‫‪ (2‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪204‬‬
‫]‪[313‬‬

‫والحاصل أن الحساس والجساس متقاربان في المعنى‪ ،‬وكأن الول إعمال الظنون‬


‫في الناس‪ ،‬والثاني تجسس أحوالهم‪ ،‬ويحتمل الول بعض المعاني‬
‫المتقدمة كما ل يخفى‪ " .‬مشمول بحفظ ال " من شر الشياطين " رغبا "‬
‫في الثواب " رهبا " من العقاب " كأنه ناظر إليه " أي يشاهده بعين‬
‫اليقين‪ ،‬ويحتمل إرجاع الضمير إلى ال بقرينة المقام‪ ،‬كقوله صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬الحسان أن تعبد ال كأنك تراه‪ ،‬أو المعنى كأنه جعل ناظرا على‬
‫نفسه‪ " .‬يزن كلمه " أي يتفكر فيه هل له قدر في ميزان الجر والقبول ؟‬
‫فيتكلم به وإل فيتركه ؟ " ل يغرق في بغضه " من الغراق وهو المبالغة‪،‬‬
‫أو كيفرح كناية عن الهلك فكلمة " في " سببية‪ ،‬والعدد المذكور في‬
‫التفصيل أكثر مما ذكر أول لتكرار بعضها معنى‪ - 46 .‬نوادر الرواندى‪:‬‬
‫باسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله لحارث بن مالك كيف أصبحت ؟ فقال‪ :‬أصبحت وال يا‬
‫رسول ال من المؤمنين‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬لكل مؤمن‬
‫حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال‪ :‬أسهرت ليلي‪ ،‬وأنفقت مالي‪ ،‬وعزفت عن‬
‫الدنيا‪ ،‬وكأني أنظر إلى عرش ربي جل جلله وقد ابرز للحساب‪ ،‬وكأني‬
‫أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى أهل النار في النار‬
‫يتعاوون‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬هذا عبد قد نور ال قلبه‪،‬‬
‫قد أبصرت فألزم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ادع لي بالشهادة‪ ،‬فدعا له فاستشهد‬
‫يوم الثامن‪ - 47 .‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن‬
‫عبيد‪ ،‬عن أبي الحسن الثالث عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬المؤمن ل يحيف على من يبغض‪ ،‬ول يأثم فيمن يحب‪ ،‬وإن بغي‬
‫عليه صبر‪ ،‬حتى يكون ال عزوجل هو المنتصر له )‪.(1‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.193‬‬

‫]‪[314‬‬

‫‪ - 48‬دعوات الراوندي‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬المؤمن صبور في الشدائد‬
‫وقور في الزلزل‪ .‬قنوع بما اوتي‪ ،‬ل يعظم عليه المصائب‪ ،‬ول يحيف على‬
‫مبغض ول يأثم في محب‪ ،‬الناس منه في راحة‪ ،‬والنفس منه في شدة‪49 .‬‬
‫‪ -‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬كان لي فيما مضى أخ في ال‪،‬‬
‫وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه‪ ،‬وكان خارجا من سلطان‬
‫بطنه‪ ،‬فل يشتهي ما ل يجد‪ ،‬و ل يكثر إذا وجد‪ ،‬وكان أكثر دهره صامتا‪،‬‬
‫فان قال بذ القائلين ونقع غليل السائلين وكان ضعيفا مستضعفا‪ .‬فإذا جاء‬
‫الجد فهو ليث غاد )‪ (1‬وصل واد‪ ،‬ل يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا‪ ،‬وكان ل‬
‫يلوم أحدا على ما ]ل[ يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره‪ .‬وكان ل‬
‫يشكو وجعا إل عند برئه‪ ،‬وكان يقول ما يفعل‪ ،‬ول يقول ما ل يفعل وكان‬
‫إن غلب على الكلم‪ ،‬لم يغلب على السكوت‪ ،‬وكان على ما يسمع )‪(2‬‬
‫أحرص منه على أن يتكلم‪ ،‬وكان إذا بدهه أمران‪ .‬نظر أيهما أقرب إلى‬
‫الهوى ؟ فخالفه فعليكم بهذه الخلئق فالزموها‪ ،‬وتنافسوا فيها‪ ،‬فإن لم‬
‫تسطيعوها‪ ،‬فاعلموا أن أخذ القليل‪ ،‬خير من ترك الكثير )‪ .(3‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد ال سبحانه أوثق منه‬
‫بما في يده )‪ .(4‬وقال‪ :‬عليه السلم‪ :‬علمة اليمان أن تؤثر الصدق حيث‬
‫يضرك على الكذب حيث ينفعك‪ ،‬وأن ل يكون في حديثك فضل عن علمك‬
‫وأن تتقي ال في حديث غيرك )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬ليث غا ب خ ل‪ (2) .‬على أن يسمع خ ل‪ (3) .‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ 214‬تحت‬
‫الرقم ‪ 289‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ ،219‬تحت الرقم ‪310‬‬
‫من الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ ،251‬تحت الرقم ‪ 458‬من الحكم‬

‫]‪[315‬‬

‫‪ - 50‬نهج‪ :‬روي أن صاحبا لمير المؤمنين عليه السلم )‪ (1‬يقال له‪ :‬همام كان‬
‫رجل عابدا‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين صف لي المتقين‪ ،‬حتى كأني أنظر‬
‫إليهم‪ ،‬فتثاقل عن جوابه‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬يا همام اتق ال وأحسن !‬
‫فان ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون‪ ،‬فلم يقنع همام بذلك القول‬
‫حتى عزم عليه‪ ،‬قال‪ :‬فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي صلى ال‬
‫عليه واله ثم قال‪ :‬أما بعد فان ال سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن‬
‫طاعتهم‪ ،‬آمنا من معصيتهم‪ ،‬لنه ل تضره معصية من عصاه‪ ،‬ول تنفعه‬
‫طاعة من أطاعه‪ ،‬فقسم بينهم معايشهم‪ ،‬ووضعهم من الدنيا مواضعهم‪.‬‬
‫فالمتقون فيها هم أهل الفضائل‪ :‬منطقهم الصواب‪ ،‬وملبسهم القتصاد‪ ،‬و‬
‫مشيهم التواضع‪ ،‬غضوا أبصارهم عما حرم ال عليهم‪ ،‬ووقفوا أسماعهم‬
‫على العلم النافع لهم‪ ،‬نزلت أنفسهم منهم في البلء كالذي نزلت في‬
‫الرخاء‪ ،‬لو ل الجل الذي كتب ال عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم‬
‫طرفة عين‪ ،‬شوقا إلى الثواب‪ ،‬و خوفا من العقاب‪ .‬عظم الخالق في أنفسهم‬
‫فصغر ما دونه في أعينهم‪ ،‬فهم والجنة كمن قد رآها‪ ،‬فهم فيما منعمون‪،‬‬
‫وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون‪ ،‬قلوبهم محزونة وشرورهم‬
‫مأمونة‪ ،‬أجسادهم نحيفة‪ ،‬وحاجاتهم خفيفة‪ ،‬وأنفسهم عفيفة‪ ،‬صبروا أياما‬
‫قصيرة أعقبتهم راحة طويلة‪ ،‬تجارة مربحة يسرها لهم ربهم‪ ،‬أراداتهم‬
‫الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها‪ .‬أما الليل فصافون أقدامهم‪،‬‬
‫تالين لجزاء القرآن‪ ،‬يرتلونه ترتيل يحزنون به أنفسهم‪ ،‬ويستشيرون به‬
‫دواء دائهم‪ ،‬فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا‪ ،‬وتطلعت‬
‫نفوسهم إليها شوقا‪ ،‬وظنوا أنها نصب أعينهم‪ ،‬وإذا مروا بآية فيها تخويف‬
‫أصغوا إليه مسامع قلوبهم‪ ،‬وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في اصول‬
‫آذانهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 226‬باب المؤمن وعلماته وصفاته مع‬
‫اختلف‪.‬‬

‫]‪[316‬‬

‫فهم حانون على أوساطهم‪ ،‬مفترشون لجباههم‪ ،‬وأكفهم‪ ،‬وركبهم‪ ،‬وأطراف‬


‫أقدامهم‪ ،‬يطلبون إلى ال تعالى فكاك رقابهم‪ .‬وأما النهار فحلماء‪ ،‬علماء‪،‬‬
‫أبرار‪ ،‬أتقياء‪ ،‬قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم‬
‫مرضى‪ ،‬وما بالقوم من مرض‪ ،‬ويقول‪ :‬قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم‬
‫ل يرضون من أعمالهم القليل‪ ،‬ول يستكثرون الكثير‪ ،‬فهم لنفسهم‬
‫متهمون‪ ،‬ومن أعمالهم مشفقون‪ ،‬وإذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له‬
‫فيقول‪ :‬أنا أعلم بنفسي من غيري‪ ،‬وربي أعلم مني بنفسي‪ ،‬اللهم ل‬
‫تؤاخذني بما يقولون‪ ،‬واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما ل يعلمون‪.‬‬
‫فمن علمة أحدهم أنك ترى له قوة في دين‪ ،‬وحزما في لين‪ ،‬وإيمانا في‬
‫يقين وحرصا في علم‪ ،‬وعلما في حلم‪ ،‬وقصدا في غنى‪ ،‬وخشوعا في‬
‫عبادة‪ ،‬وتجمل في فاقة‪ ،‬وصبرا في شدة‪ ،‬وطلبا في حلل‪ ،‬ونشاطا في‬
‫هدى‪ ،‬وتحرجا عن طمع يعمل العمال الصالحة وهو على وجل‪ ،‬يمسي‬
‫وهمه الشكر‪ ،‬ويصبح وهمه الذكر يبيت حذرا‪ ،‬ويصبح فرحا‪ :‬حذرا لما‬
‫حذر من الغفلة‪ ،‬وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة‪ .‬إن استصعبت عليه‬
‫نفسه فيما تكره‪ ،‬لم يعطها سؤلها فيما تحب‪ ،‬قرة عينه فيما ل يزول‪،‬‬
‫وزهادته فيما ل يبقى‪ ،‬يمزج الحلم بالعلم‪ ،‬والقول بالعمل‪ ،‬تراه قريبا أمله‪،‬‬
‫قليل زل‪ ،‬خاشعا قلبه‪ ،‬قانعة نفسه‪ ،‬منزورا أكله‪ ،‬سهل أمره حريزا دينه‪،‬‬
‫ميتة شهوته‪ ،‬مكظوما غيظه‪ ،‬الخير منه مأمول‪ ،‬والشر منه مأمون‪ .‬إن‬
‫كان في الغافلين كتب في الذاكرين‪ ،‬وإن كان في الذاكرين‪ ،‬لم يكتب من‬
‫الغافلين‪ ،‬يعفو عمن ظلمه‪ ،‬ويعطي من حرمه‪ ،‬ويصل من قطعه‪ ،‬بعيدا‬
‫فحشه لينا قوله‪ ،‬غائبا منكره‪ ،‬حاضرا معروفه‪ ،‬مقبل خيره‪ ،‬مدبرا شره‪.‬‬
‫في الزلزل وقور‪ ،‬وفي المكاره صبور‪ ،‬وفي الرخاء شكور‪ ،‬ل يحيف على‬
‫من يبغض‪ ،‬ول يأثم فيمن يحب‪ ،‬يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه‪ ،‬ل‬
‫يضيع ما‬

‫]‪[317‬‬
‫استحفظ‪ ،‬ول ينسى ما ذكر‪ ،‬ول ينابز باللقاب‪ ،‬ول يضار بالجار‪ ،‬ول يشمت‬
‫بالمصائب‪ ،‬ول يدخل في الباطل‪ ،‬ول يخرج من الحق‪ .‬إن صمت لم يغمه‬
‫صمته‪ ،‬وإن ضحك لم يعل صوته‪ ،‬وإن بغي عليه صبر حتى يكون ال هو‬
‫الذي ينتقم له‪ ،‬نفسه منه في عناء‪ ،‬والناس منه في راحة‪ ،‬أتعب نفسه‬
‫لخرته‪ ،‬وأراح الناس من نفسه‪ ،‬بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة‪ ،‬ودنوه‬
‫ممن دنا منه لين ورحمة‪ ،‬ليس تباعده بكبر وعظمة‪ ،‬ول دنوه بمكر‬
‫وخديعة‪ .‬قال‪ :‬فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها‪ ،‬فقال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ :‬أما وال لقد كنت أخافها عليه ثم قال‪ :‬هكذا تصنع المواعظ‬
‫البالغة بأهلها فقال له قائل‪ :‬فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ويحك إن لكل أجل وقتا ل يعدوه وسببا ل يتجاوزه فمهل ل تعد‬
‫لمثلها فانما نفث الشيطان على لسانك )‪ .(1‬تبيين‪ :‬قال الكيدري‪ :‬الهمام‬
‫البعيد الهمة وكان السائل كاسمه‪ ،‬وقال ابن أبي الحديد )‪ :(2‬همام هو همام‬
‫بن شريح بن يزيد بن مرة وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫وأوليائه‪ ،‬وكان ناسكا عابدا وتثاقله عن جوابه لنه علم أن المصلحة في‬
‫تأخير الجواب‪ ،‬وكأنه حضر المجلس من ل يحب عليه السلم أن يجيب ‪-‬‬
‫وهو حاضر‪ .‬ولعله بتثاقله عليه السلم يشتد شوق همام إلى سماع‬
‫الموعظة‪ .‬ولعله من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة‪ .‬ل عن وقت‬
‫الحاجة‪ .‬وقال ابن ميثم )‪ :(3‬تثاقله عليه السلم لخوفه على همام كما يدل‬
‫عليه قوله عليه السلم‪ :‬أما وال لقد كنت أخافها عليه‪ ،‬وأقول‪ :‬هذا أظهر‪.‬‬
‫" اتق ال وأحسن " أي ليس عليك أن تعرف صفات المتقين على‬
‫التفصيل ولعل الصلح لك القناعة بما تعرفه مجمل من صفاتهم‪ ،‬ومراعاة‬
‫التقوى والحسان وكأن المراد بالتقوى الجتناب عما نهى ال عنه‪،‬‬
‫وبالحسان فعل ما أمر ال به‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 419‬ط عبده مصر‪ ،‬تحت الرقم ‪ 191‬من الخطب )‪(2‬‬
‫شرح النهج لبن أبى الحديد ط مصر ج ‪ 2‬ص ‪ (3) 547‬شرح النهج لبن‬
‫ميثم ص ‪.364‬‬

‫]‪[318‬‬

‫فالكلمة جامعة لصفات المتقين وفضائلهم‪ " .‬حتى عزم عليه " عزمت على فلن‪:‬‬
‫أقسمت عليه‪ ،‬وعزمت على المر أي قطعت عليه‪ ،‬وأردت فعله حتما‪،‬‬
‫فالضمير في " عليه " يحتمل عوده إليه عليه السلم‪ ،‬وإلى ما سأله من‬
‫الوصف على التفصيل والول أظهر‪ ،‬ورواية الصدوق تعينه )‪.(1‬‬
‫والتعرض للغنا والمن )‪ (2‬لدفع توهم أن مدح المتقين‪ ،‬والترغيب في‬
‫الطاعة‪ ،‬والتخويف من المعصية‪ ،‬لنتفاعه سبحانه ودفع المضرة عنه‪،‬‬
‫وليس المعنى أن أفعال ال سبحانه ليست معللة بالعراض‪ ،‬كما زعمه‬
‫الحكماء‪ ،‬بل إشارة إلى ما ذكره المتكلمون من أن الغرض ل يعود إليه‬
‫سبحانه بل إلى العباد‪ ،‬لنه أراد أن يثيبهم في الخرة‪ ،‬والثواب هو النفع‬
‫المقارن للتعظيم والجلل‪ ،‬وفعله لمن ل يستحق أصل قبيح عقل‪ ،‬فلذا‬
‫كلفهم وبعث إليهم الرسل ووعدهم وأوعدهم‪ ،‬وعرضهم للمثوبات الدائمة‬
‫الجليلة‪ ،‬وتفصيل ذلك في كتب الكلم‪ .‬و " المعايش " بالياء جمع معيشة‪،‬‬
‫وهي ما يعاش به‪ ،‬أو فيه‪ ،‬وما يكون به الحياة‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬نحن‬
‫قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " )‪ (3‬ومواضع الخلق‪ :‬مراتبهم‪،‬‬
‫قال ال تعالى‪ " :‬ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " )‪ (4‬وهي إشارة‬
‫إلى الدرجات الدنيوية‪ ،‬كالغنا والفقر‪ ،‬والصحة والمرض‪ ،‬أو الدينية‬
‫لختلف استعداداتهم وقابلياتهم في العلم والعمل‪ ،‬أو العم منهما وهو‬
‫أظهر‪ ،‬والتفريع يؤيد الخيرين‪ " :‬منطقهم الصواب " المنطق‪ :‬النطق أي‬
‫ل يقولون إل حقا‪ ،‬ويحترزون عن الكذب والفحش والغيبة وسائر القاويل‬
‫الباطلة‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ل يتكلمون إل في مقام التكلم‪ ،‬كذكر ال تعالى‪ ،‬وإظهار‬
‫حق‪ ،‬وإبطال باطل‪ ،‬وكأن البتداء‬

‫)‪ (1‬حيث قال‪ :‬فقال همام‪ :‬يا أمير المؤمنين أسألك بالذى أكرمك بما خصك الخ‬
‫والرواية في المالى ص ‪ 340‬المجلس‪ 84 :‬كما سيأتي‪ (2) .‬يعنى في‬
‫قوله عليه السلم‪ :‬خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم الخ‪ 3) .‬و‬
‫‪ (4‬الزخرف‪.32 :‬‬

‫]‪[319‬‬

‫بالمنطق لكون النفع والضرر في القول أكثر في الغلب من أعمال سائر الجوارح و‬
‫" الملبس " بفتح الباء‪ :‬ما يلبس‪ ،‬والقتصاد‪ :‬التوسط بين طرفي الفراط‬
‫والتفريط‪ ،‬والمعنى أنهم ل يلبسون ما يلحقهم بدرجة المترفين‪ ،‬ول ما‬
‫يلحقهم بأهل الخسة والدناءة‪ ،‬أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب‬
‫المتصوفين‪ ،‬أو المعنى أن القتصاد في القوال والفعال‪ ،‬صار شعارا لهم‪،‬‬
‫محيطا بهم‪ ،‬كاللباس للنسان كما مر‪ " .‬ومشيهم التواضع " أي ل‬
‫يمشون مشي المختالين والمتكبرين‪ ،‬كما قال عزوجل‪ " :‬ول تمش في‬
‫الرض مرحا " الية )‪ (1‬أو المراد أن سيرتهم وسلوكهم بين الخلق‪ ،‬أو‬
‫في سبيل ال‪ ،‬بالتواضع والتذلل‪ " ،‬غضوا أبصارهم " غض فلن طرفه‪:‬‬
‫كمد أي خفضه‪ ،‬وكذلك غض من صوته‪ ،‬وكل شئ كففته فقد غضضته "‬
‫ووقفت " كضربت أي دمت قائما‪ ،‬ووفقته أنا وقفا‪ :‬أي فعلت به ما وقف‬
‫ووقفت الرجل عن الشئ وقفا أي منعته عنه‪ ،‬ووقفت الدار وقفا أي‬
‫حبستها في سبيل ال‪ ،‬والمراد القتصار على استماع العلم النافع‪ ،‬وفيه‬
‫إيماء إلى ذم الصغاء إلى القصص الكاذبة‪ ،‬بل وكثير من الصادقة‪ ،‬كما‬
‫سيأتي إنشاء ال‪ .‬و " الرخاء " بالفتح سعة العيش‪ .‬قال القطب الراوندي‬
‫رحمه ال‪ :‬يعني أن المتقين يتعبون أبدانهم في الطاعات‪ ،‬فيطيبون نفسا‬
‫بتلك المشقة التي يحتملونها مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء‪،‬‬
‫ول بد من تقدير مضاف لن تشبيه الجمع بالواحد ل يصح أي كل واحد‬
‫منهم إذا نزل في البلء‪ ،‬يكون كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء‪ ،‬ونحوه‬
‫قوله تعالى‪ " :‬مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق " )‪ (2‬قال‪ :‬ويجوز أن‬
‫يكون " الذي " بمعنى ما المصدرية كقوله تعالى‪ " :‬وخضتم كالذي‬
‫خاضوا " )‪ (3‬أي نزوله في البلء كنزوله في الرخاء‪.‬‬

‫)‪ (1‬السراء‪ (2) .37 :‬البقرة‪ (3) .171 :‬براءة‪.70 :‬‬

‫]‪[320‬‬

‫وقال ابن ميثم‪ :‬يحتمل أن يكون المراد بالذي‪ :‬الذين‪ ،‬فحذف النون كما في قوله‬
‫تعالى‪ :‬و " خضتم كالذي خاضوا "‪ .‬وقال ابن أبي الحديد )‪ :(1‬موضع‬
‫كالذي نصب لنه صفة مصدر محذوف والمراد كالنزول الذي‪ ،‬وقد حذف‬
‫العائد إليه‪ ،‬وهو الهاء في نزلته كقولك‪ :‬ضربت الذي ضربت أي ضربت‬
‫الذي ضربته‪ ،‬وتقدير الكلم نزلت أنفسهم منهم في حال البلء نزول‬
‫كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء‪ .‬وقال الكيدري قدس سره‪ :‬نزلت‬
‫أنفسهم الخ لنهم كسروا سورة الشهوة البهيمية‪ ،‬وطيبوا عن أنفسهم‬
‫نفسا‪ ،‬ووقفوا أشباحهم وأرواحهم على مرضاة ال‪ ،‬وحبسوها في سبيله‪،‬‬
‫فل مطمح لهم إلى ما فيه نصيب أنفسهم‪ ،‬بل جل عنايتهم مصروفة إلى‬
‫تحصيل ما خلقوا لجله‪ ،‬من إعداد زاد المعاد‪ ،‬والقبال بكل الوجوه على‬
‫عبادة رب العباد‪ ،‬والتفاتهم إلى البدان يكون على طريق الطبع‪ ،‬كالتفات‬
‫سالك البادية للحج الحقيقي إلى رعي الجمل‪ ،‬وعلموا يقينا أن ما أصابهم‬
‫من الكد في الطريق وإن عظيما‪ ،‬فانه كل شئ في جنب ما يصلون به إليه‬
‫من لقاء المحبوب‪ ،‬ونيل المطلوب‪ ،‬فالمحن عندهم كالمحن‪ ،‬والبلية كالنعم‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬كالذي " نظير قوله تعالى‪ " :‬وخضتم كالذي خاضوا " )‪(2‬‬
‫وبيت الحماسة‪ :‬عسى اليام أن يرجعن يوما كالذي كانوا‪ .‬أي نزلت في‬
‫البلء كالنزول الذي نزلت في الرخاء انتهى‪ .‬والمراد بالبلء المرض‬
‫والضيق ونحوهما أو العم من احتمال المشقة أيضا وليس مخصوصا به‬
‫وطيب قلوبهم للرضا بقضاء اله كما في المجالس )‪ " (3‬فصغر ما دونه‬
‫في أعينهم " في اختلف التعبير دللة على أن الخالق تمكن في قلوبهم‬
‫بخلف ما دونه فلم يتجاوز أعينهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬راجع ج ‪ :2‬ص ‪ .549 - 548‬ط مصر‪ (2) .‬براءة‪ (3) .70 :‬حيث قال‪ :‬نزلت‬
‫أنفسهم منهم في البلء كالتى نزلت منهم في الرخاء‪ ،‬رضى منهم عن ال‬
‫بالقضاء‪.‬‬

‫]‪[321‬‬

‫" فهم والجنة " قال الرواندي رحمه ال‪ :‬الواو بمعنى " مع " وقال ابن أبى‬
‫الحديد‪ :‬بنصب " الجنة " وقد روي بالرفع على أنه معطوف على هم‪،‬‬
‫والول أحسن‪ ،‬وقوله " كمن قدرآها " وقوله " فهم فيها منعمون " إما‬
‫كلهما لقوة اليمان واليقين‪ ،‬أو لشدة الخوف والرجاء‪ ،‬أو الرؤية إشارة‬
‫إلى قوة اليقين‪ ،‬والتنعم والعذاب‪ :‬أي شدة الرجاء والخوف وهما أيضا من‬
‫فروع اليقين‪ ،‬واختار الوالد قدس سره الخير‪ ،‬وقال الكيدري‪ :‬أي حصل‬
‫لهم من العلوم اليقينية ما يجري مجرى الضرورية كما قال عليه السلم لو‬
‫كشف الغطاء ما ازددت يقينا‪ ،‬وروي " والجنة " بالنصب فيكون الواو‬
‫بمعنى مع ويكون خبر المبتدا‪ ،‬الكاف في كمن رآها‪ " .‬قلوبهم محزونة "‬
‫حزن قلوبهم للخوف من العقاب‪ ،‬لحتمال التقصير وعدم شرائط القبول كما‬
‫قال عزوجل " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم‬
‫راجعون " )‪ (1‬والمن من شرورهم لنهم ل يهمون بظلم أحد‪ ،‬كما ورد‬
‫في الخبر‪ :‬المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬وقيل لن أفعالهم‬
‫حسنة في الواقع وإن كانت سيئة في الظاهر‪ ،‬وهو بعيد‪ " .‬نحيفة " أي‬
‫مهزولة لكثرة الصيام والسهر والرياضات‪ ،‬أو للخوف أو لهما وخفة‬
‫حاجاتهم لقلة الرغبة في الدنيا‪ ،‬وترك اتباع الهوى‪ ،‬وقصر المل‪،‬‬
‫وقناعتهم بما رزقهم ال‪ .‬والعفة كف النفس عن المحرمات‪ ،‬بل عن‬
‫الشبهات والمكروهات أيضا وجملة " أعقبتهم " صفة لليام و " تجارة "‬
‫عطف بيان للراحة‪ ،‬أو بدل منه‪ ،‬أو منصوب على المدح‪ ،‬أو على الحال‪ ،‬أو‬
‫على تقدير فعل‪ ،‬أي اتجروا تجارة‪ .‬قال الراوندي رحمه ال‪ :‬نصب المصدر‬
‫مع حذف فعله كثير في الكلم وربح الرجل في تجارته كعلم‪ ،‬ويسند إلى‬
‫التجارة مجازا قال تعالى " فما ربحت تجارتهم " )‪ (2‬وقال الزهري ربح‬
‫الرجل في تجارته أي صادف سو قاذات ربح‪ ،‬وأربحت‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) .60 :‬البقرة‪.16 :‬‬

‫]‪[322‬‬

‫الرجل إرباحا أعطيته ربحا فالتجارة المربحة كأنها تعطي ربحا أو هي الرابحة من‬
‫أفعل بمعنى فعل‪ .‬وقال الكيدري‪ :‬تجارة انتصابه على المصدر من معنى‬
‫الكلم السابق‪ ،‬لن مضمون قوله " صبروا أياما " الخ يدل على أنهم‬
‫اتجروا بذلك أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده أي يسر لهم‬
‫ربهم تجارة‪ ،‬أو على المدح أو التخصيص أي أعني تجارة‪ ،‬أو أخص‬
‫تجارة‪ ،‬وجعلها بدل من راحة على ما زعم صاحب المنهاج ليس بالقوي‬
‫لن التجارة المربحة ليست بنفس الراحة‪ ،‬وإنما صبرهم المستعقب لتلك‬
‫الراحة هي التجارة‪ ،‬انتهى‪ " .‬أرادتهم الدنيا " أي أقبلت إليهم من الوجوه‬
‫المذمومة أو مطلقا‪ ،‬وتمكنوا من تحصيلها بكسب المال والجاه‪ ،‬فلم يقبلوها‬
‫ولم يسعوا في تحصيلها‪ ،‬وقيل‪ :‬ويحتمل أن يراد أهل الدنيا‪ .‬وأسره‬
‫كضربه‪ :‬أي شده وحبسه " والفدية " زخارف الدنيا وملذها التى سلموها‬
‫إلى الدنيا‪ ،‬بالترك والعراض عنها‪ .‬اقول‪ :‬ونقل الكيدري قدس سره ‪-‬‬
‫رواية تمثل الدنيا لمير المومنين عليه السلم وإعراضه عنها كما سننقلها‬
‫عنه في باب ذم الدنيا ثم قال‪ :‬فهذا معنى قوله عليه السلم " أرادتهم الدنيا‬
‫ولم يريدوها " وإذا تدبرت الخلل المذكورة في هذه الخطبة وجدت أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم هو الموصوف بها كلها‪ ،‬وقد أوردت هذه البيات‬
‫وأمثالها في " أنوار العقول من أشعار وصي الرسول "‪ .‬فأما أسرها إياهم‬
‫فلن أرواح الولياء قدسية ومقامها في العالم الجسد أي على خلف‬
‫مقتضى طبيعتها فهي غريبة في هذا العالم وصغوها بالكلية إلى عالمها‬
‫فهي أسيرة هنا من حيث الغربة‪ ،‬وعدم الملءمة‪ ،‬فدائما يستعد ويتهيأ‬
‫للسفر الحقيقي ويزيل المثبطات‪ ،‬ويرفعها من البين‪ ،‬وذلك فداؤها‪ " .‬أما‬
‫الليل " في بعض النسخ بالنصب على حذف حرف الجر‪ ،‬أي أما حالهم في‬
‫الليل‪ ،‬فالمقصود تفصيل حالهم في الليل والنهار وفي بعض النسخ بالرفع‪،‬‬
‫فالغرض تفصيل حال ليلهم ونهارهم‪ ،‬والصف ترتيب الجمع على صف‪،‬‬
‫وصف القدمين‬

‫]‪[323‬‬

‫وضعهما في الصلة بحيث يتحاذى البهامان ويتساوى البعد بين الصدر والعقب‪.‬‬
‫وفي بعض النسخ‪ " :‬تالون " مكان " تالين "‪ " ،‬يرتلونه " أي القرآن‪،‬‬
‫و روي " يرتلونها " فالضمير لجزاء القرآن‪ ،‬ورتل القرآن ترتيل‪ :‬أي‬
‫أحسن تأليفه‪ ،‬وعن أمير المؤمنين عليه السلم أنه " حفظ الوقوف وأداء‬
‫الحروف " وهو جامع لما يعتبره القراء‪ .‬والحزن الهم وحزنه المر‬
‫كنصر‪ ،‬أي جعله حزينا وحزن كعلم أي صار حزينا‪ ،‬وحزنه تحزينا‪ :‬جعل‬
‫فيه حزنا‪ ،‬وفي أكثر النسخ على التفعيل وفي بعضها كينصرون‪ ،‬وتحزين‬
‫النفوس بآيات الوعيد ظاهر وأما آيات الوعد فللخوف من الحرمان‪ ،‬وعدم‬
‫الستعداد‪ .‬وثار الغبار‪ :‬إذا سطع وهاج‪ ،‬وثار القطا‪ :‬إذا نهضت من‬
‫موضعها‪ ،‬وأثار الغبار واستثاره‪ :‬هيجه‪ ،‬ولعل المراد بالدواء العلم وبالداء‬
‫الجهل‪ ،‬واستثارة العلم بالتدبر والتذكر‪ ،‬قال في النهاية‪ :‬في الحديث‪" :‬‬
‫أثيروا القرآن فان فيه علم الولين والخرين‪ ،‬ويحتمل أن يراد استثارة‬
‫العلم الكامنة في النفس‪ ،‬على حسب الستعداد والكمال بالتدبر والتفكر‬
‫والتذكر‪ .‬وقال الوالد قدس سره‪ :‬المراد أنهم يداوون بآيات الخوف داء‬
‫الرجاء الغالب الذي كاد أن يبلغ حد الغترار والمن لمكر ال‪ ،‬وبآيات‬
‫الرجاء داء الخوف إذا قرب ؟ ن القنوط‪ ،‬وبما يستكمل اليقين داء الشبهة‪،‬‬
‫وبالعبر داء القسوة وبما ينفر عن الدنيا والميل إليها داء الرغبة فيها‬
‫ونحو ذلك‪ .‬وركن إلى الشئ‪ :‬كنصر كما في النسخ وكعلم أيضا أي مال‬
‫وسكن‪ ،‬و التطلع إلى الشئ‪ :‬الستشراف له والنتظار لوروده‪ ،‬ونصب‬
‫الشئ رفعه‪ ،‬وأن يستقبل به شئ‪ ،‬والكلمة منصوبة على الظرفية أي ظنوا‬
‫أنها فيما نصب بين أيديهم وفي بعض النسخ مرفوعة على أنها خبر أن‪.‬‬
‫وقال الكيدري‪ " :‬وتطلعت نفوسهم إليها " أي كادت تطلع شموس‬
‫نفسوسهم من أفق عوامل أبدانهم‪ ،‬فتصعد إلى العالم العلوي‪ ،‬شوقا إلى ما‬
‫وعدوا به في تلك‬

‫]‪[324‬‬

‫اليات من أخائر الذخائر‪ ،‬وعظائم الكرائم‪ ،‬وانتصاب " نصب أعينهم " على‬
‫الظرف أي في موضع يقابل أعينهم‪ ،‬ويجوز فيه الرفع‪ .‬وقال الرواندي‬
‫رحمه ال‪ :‬الظن هنا بمعنى اليقين‪ ،‬قال تعالى " أل يظن اولئك أنهم‬
‫مبعوثون " )‪ (1‬أي أيقنوا أن الجنة معدة لهم بين أيديهم وقال ابن أبي‬
‫الحديد‪ :‬ويمكن أن يكون على حقيقته‪ .‬وصغي إليه كرضي أي مال‪ ،‬وأصغى‬
‫سمعه إليه أي أماله‪ ،‬وزفير النار صوت توقدها‪ ،‬والزفير أيضا إخراج‬
‫النفس بعد مده فالمراد زفير أهل جهنم‪ ،‬والشهيق تردد البكاء في الصدر‪،‬‬
‫مع سماع الصوت من الحلق‪ ،‬وشهيق الحمار صوته وكونهما في اصول‬
‫الذان كناية عن تمكنها في الذان‪ " .‬حانون أوساطهم " حنى ظهره يحنيه‬
‫ويحنوه أي عطفه فانحنى وحنوهم على أوساطهم‪ ،‬وصف لحال ركوعهم‪،‬‬
‫والفتراش البسط على الرض‪ ،‬وهو وصف لحال سجودهم‪ .‬قال الكيدري‪:‬‬
‫" فهم حانون " أي منعطفون للركوع‪ ،‬وحنى قد جاء متعديا ولزما‬
‫وتعديته أكثر‪ ،‬فيكون تقديره " حانون ظهورهم على أوساطهم "‪" .‬‬
‫يطلبون إلى ال " أي يسألونه راغبين ومتوجهين إليه‪ ،‬وفك الرقبة كمد‬
‫أي أعتقها‪ ،‬والسير خلصه‪ " ،‬وأما النهار " بالنصب والرفع كما تقدم‪،‬‬
‫قال الكيدري‪ " :‬أما النهار " انتصابه على الظرفية‪ ،‬وتعلقه بما بعده من‬
‫الصفات كحلماء وغيره‪ ،‬وحلماء خبر مبتدء محذوف‪ ،‬أي فهم حلماء في‬
‫النهار‪ ،‬ويجوز فيه الرفع على تقدير " أما النهار فهم حلماء فيه " فيكن‬
‫مبتدءا والجملة بعده خبره وفيها ضمير مقدر يعود إليه‪ ،‬والحلماء‪ :‬ذوو‬
‫الناة أو العقلء‪ ،‬وبرى السهم يبريه‪ :‬أي نحته‪ ،‬والقداح جمع قدح بالكسر‬
‫فيهما‪ ،‬وهو السهم قبل أن يراش وينصل‪ ،‬و هو كناية عن نحافة البدن‪،‬‬
‫وضعف الجسد‪ ،‬أو زوال المال‪ ،‬والمطالب الدنيوية‪ .‬وخولط فلن في‬
‫عقله‪ :‬إذ اختل عقله وصار مجنونا‪ ،‬وخالطه أي مازجه‬

‫)‪ (1‬المطففين‪.4 :‬‬

‫]‪[325‬‬

‫وقال الراوندي وغيره‪ :‬المعنى يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة‪ ،‬بل مازج‬
‫قلوبهم أمر عظيم وهو الخوف فتولهوا لجله‪ ،‬وقيل‪ " :‬ولقد خالطهم " أي‬
‫صار سببا لجنونهم الذي يظنه الناظر " أمر عظيم " هو الخوف‪ .‬وقال‬
‫الكيدري‪ " :‬قد براهم الخوف " أي أنضاهم وأنحفهم‪ " ،‬خولطوا " أي‬
‫خالط عقولهم جنون‪ .‬والستكثار عد الشئ كثيرا‪ ،‬واتهمت فلنا‪ :‬أي ظننت‬
‫فيه ما نسب إليه واتهمته في قوله‪ :‬أي شككت في صدقه‪ ،‬والسم التهمة‬
‫كرطبة‪ ،‬والسكون لغة‪ ،‬و أصل التاء واو‪ ،‬والمراد أنهم يظنون بأنفسهم‬
‫التقصير أو الميل إلى الدنيا‪ ،‬أو عدم الخلص في النية أو العم‪ ،‬أو‬
‫يشكون في شأنها ونياتها‪ ،‬ويخافون أن يكون مقصودها في العبادات‬
‫الرئاء والسمعة‪ ،‬وأن تجرها العبادة إلى العجب‪ ،‬فل يعتمدون عليها‪.‬‬
‫والشفاق‪ :‬الخوف‪ ،‬وإشفاقهم من السيئات وإن تابوا منها لحتمال عدم‬
‫قبول توبتهم‪ ،‬ومن الحسنات لحتمال عدم القبول‪ ،‬لختلل بعض الشرائط‪،‬‬
‫وشوب النية‪ ،‬أو للعمال السيئة وقد قال ال عزوجل‪ " :‬إنما يتقبل ال من‬
‫المتقين )‪ " .(1‬إذا زكي أحدهم " التزكية‪ :‬المدح‪ ،‬وخوفهم من الوقوع في‬
‫العجب والتكال على العمل وسؤال عدم المؤاخذة لذلك‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫كناية عن عدم الرضا بما يقولون‪ ،‬والتبري من التزكية وظن البراءة‬
‫بالنفس فان النفس أمارة بالسوء إل ما رحم ال‪ " .‬واجعلني أفضل مما‬
‫يظنون " أي وفقني لدرجة فوق ما يظنون بي من حسن العمل والقبول‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الحديد‪ :‬قد قاله لقوم مر عليهم‪ ،‬وهم مختلفون في أمره‬
‫فمنهم الحامد له‪ ،‬ومنهم الذام‪ ،‬فقال عليه السلم‪] :‬اللهم[ إن كان ما يقوله‬
‫الذامون‬

‫)‪ (1‬المائدة‪.27 :‬‬

‫]‪[326‬‬

‫حقا فل تؤاخذني به‪ ،‬وإن كان ما يقوله الحامدون حقا فاجعلني أفضل مما يظنون‪.‬‬
‫" فمن علمة أحدهم أنك ترى له " في بعض النسخ " لهم فالضمير راجع‬
‫إلى معنى أحدهم‪ ،‬والقوة في الدين‪ :‬أن ل يتطرق إلى اليمان الشك‬
‫والشبهات وإلى العمال الوساوس والخطرات أو أن ل يدرك العزم في‬
‫المور الدينية ونى ول فتور للوم وغيره‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬يجاهدون في سبيل‬
‫ال ول يخافون لومة لئم " )‪ .(1‬والحزم بالفتح‪ :‬ضبط المر‪ ،‬والخذ فيه‬
‫بالثقة‪ ،‬والحذر من فواته وكأن المعنى أنه ل يصير حزمه سببا لخشونته‪،‬‬
‫بل مع الحزم يداري الخلق ويلينهم‪ .‬والقصد‪ :‬التوسط بين طرفي الفراط‬
‫والتفريط وترك السراف والتقتير‪ :‬أي يقتصد في حال الغنا‪ ،‬أو في تحصيل‬
‫الغنا‪ ،‬أو في النفاق مع غنى النفس‪ ،‬والتجمل‪ :‬التزين‪ ،‬وتكلف الجميل‬
‫وإظهاره‪ ،‬والتجمل في الفاقة‪ :‬سلوك مسلك الغنياء والمتجملين في حال‬
‫الفقر‪ ،‬وذلك بترك الشكوى إلى الخلق‪ ،‬والبتهاج بما أعطى ال‪ ،‬وإظهار‬
‫الغنى عن الخلق‪ ،‬أو التجمل والتزين في الفاقة بما أمكن‪ ،‬وعدم إظهار‬
‫الفاقة للناس‪ ،‬إل ما ل يمكن ستره‪ ،‬أو زائدا على ما هو الواقع‪ ،‬كالفقراء‬
‫الطامعين فيما في أيدي الناس‪ " .‬والصبر في الشدة " الصبر على شدة‬
‫الفقر‪ ،‬أو العبادة‪ ،‬أو المصائب‪ ،‬أو العم والطلب في الحلل‪ :‬الكسب من‬
‫غير الطرق التي نهي عنها‪ ،‬والنشاط بالفتح‪ :‬طيب النفس للعمل وغيره‪،‬‬
‫والهدى‪ :‬الرشاد والدللة‪ ،‬أي ينشط لهداية الناس‪ ،‬أو لهتدائه في نفسه‪،‬‬
‫والتحرج‪ ،‬التأثم‪ ،‬والمعنى جعل الطمع حرجا‪ ،‬وعده إثما وعيبا‪ .‬وقال ابن‬
‫أبي الحديد‪ :‬حرف الجر في بعض هذه المواضع يتعلق بالظاهر‬

‫)‪ (1‬المائدة‪.54 :‬‬

‫]‪[327‬‬

‫فيكون موضعه نصبا بالمفعولية‪ ،‬وفي بعضها يتعلق بمحذوف‪ ،‬فيكون موضعه‬
‫أيضا نصبا على الصفة‪ ،‬ففي قوله " في دين " يتعلق بالظاهر أي " قوة‬
‫" يقال فلن قوى في كذا وعلى كذا‪ ،‬و " في لين " يتعلق بمحذوف أي‬
‫حزما كائنا في لين و " في يقين " و " في علم " يتعلق بالظاهر‪ ،‬و " في‬
‫" بمعنى " على " كقوله تعالى " ولصلبنكم في جذوع النخل " )‪ (1‬و "‬
‫في غنى " يتعلق بمحذوف و " في عبادة " يحتمل المرين و " في فاقة‬
‫" بمحذوف و " في شدة " يحتمل المرين و " في حلل " يتعلق بالظاهر‬
‫و " في " بمعنى اللم و " في هدى " يحتملها و " عن طمع " بالظاهر‪.‬‬
‫والوجل‪ :‬الخوف‪ ،‬وخوفهم من التقصير في العمل كما أو كيفا‪ ،‬أو من‬
‫عذاب ال‪ ،‬إشارة إلى قوله سبحانه‪ " :‬يؤتون ما آتوا " الية )‪ ،(1‬والهم‪:‬‬
‫أول العزم‪ ،‬وما قصده النسان وأضمره في نفسه‪ ،‬وكأن تخصيص الشكر‬
‫بالمساء لن الرزق وإفاضة النعم والفوز بالمكاسب‪ ،‬يكون في اليوم غالبا‪،‬‬
‫وتخصيص الذكر بالصباح لن الشواغل عن الذكر في اليوم أكثر‪ ،‬وكل يوم‬
‫كأنه وقت استيناف العمل‪ .‬والحذر والفرح ككتف صفتان من الحذر والفرح‬
‫بالتحريك‪ ،‬والمراد بالفضل والرحمة‪ ،‬التوفيق والهداية أو ما يشمل النعم‬
‫الدنيوية‪ ،‬وهذا الفرح يعود إلى الشكر وقال بعض الشارحين‪ :‬ليس‬
‫المقصود تخصيص البيات بالحذر والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا‪:‬‬
‫يمسي ويصبح حذرا فرحا‪ ،‬وكذلك تخصيص الشكر بالمساء والذكر‬
‫بالصباح‪ ،‬ويحتمل أن ل يكون مقصودا‪ .‬والصعب نقيض الذلول‪،‬‬
‫واستصعبت على فلن دابته‪ :‬أي صعبت‪ ،‬واستصعبت عليه نفسه‪ :‬أي لم‬
‫تطعه في العبادات المكروهة للنفس وترك المعاصي‪ ،‬لن النفس أمارة‬
‫بالسوء إل ما رحم ال‪.‬‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .71 :‬المؤمنون‪.60 :‬‬

‫]‪[328‬‬

‫" ولم يعطها سؤلها فيما تحب " أي لم يطاوع النفس فيما تريده من هذا المر الذي‬
‫استصعبت عليه‪ ،‬أو في غير من اللذات لتنقاد وتترك الستصعاب‪ ،‬إذ‬
‫إطاعة النفس في لذاتها توجب طغيانها‪ ،‬وقوتها في الباطل‪ ،‬وبعدها عن‬
‫ال‪ ،‬ولذا ترى القوة على العبادة في المرتاضين‪ ،‬ومن أنحلتهم العبادة أكثر‬
‫منها في القوياء والمترفين بالنعم‪ .‬وقرت عين فلن‪ ،‬وأقر ال عينه‪ ،‬كفر‬
‫وعض أي سر وفرح‪ ،‬ومعناه‪ :‬أبرد ال دمعة عينه لن دمعة الفرح‬
‫والسرور باردة‪ ،‬ودمعة الحزن حارة‪ ،‬وقيل‪ :‬معنى أقر ال عينك‪ :‬بلغك‬
‫امنيتك‪ ،‬حتى ترضى نفسك وتسكن عينك‪ ،‬فل تستشرف إلى غيره‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫معناه أبرد ال عينك بأن ينقطع بكاؤها‪ ،‬وقرة عين كل أحد مأموله ومنتهى‬
‫رضاه‪ .‬وما ل يزول‪ :‬ما عند ال والدار الخرة‪ ،‬وما ل يبقى‪ :‬الدنيا‬
‫وزخارفها " يمزج الحلم بالعلم " أي يحلم للعالم بفضله ل لضعف النفس‪،‬‬
‫وعدم المبالة بما قيل له‪ ،‬أو فعل به‪ ،‬أو ل يطيش في المحاورات‬
‫والمباحثات‪ ،‬مع أنه يقول عن علم‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بالحلم‪ :‬العقل‪ ،‬أي يتعلم‬
‫عن تفكر وتدبر‪ ،‬ول يعتمد على الظنون والراء الواهية‪ ،‬أو يتفكر فيما‬
‫علم ويحفظه حتى يتمكن في قلبه‪ " ،‬والقول بالعمل " أي إذا أمر الناس‬
‫بمعروف أو نهاهم عن منكر عمل به‪ ،‬أو يفي بالوعد‪ ،‬أو يقرن اليمان‬
‫بالعمال الصالحة‪ ،‬أو يجمع بين القول الجميل والفعل الحسن‪ .‬والنزر‬
‫والمنزور‪ :‬القليل‪ ،‬والكل كعنق‪ :‬الخط من الدنيا‪ ،‬وفي بعض النسخ " أكله‬
‫" بالفتح أي ل يمتلئ من الطعام‪ ،‬لنه من أسباب الكسل عن العبادة وكثرة‬
‫النوم‪ ،‬والحرز‪ :‬الموضع الحصين‪ ،‬وحرز حريز كحصن حصين‪ ،‬وحرزه‬
‫كنصره‪ :‬حفظه والمراد عدم إهماله في أمر دينه‪ ،‬وعدم تطرق الخلل إليه‬
‫والمأمول‪ :‬المرجو‪ " .‬إن كان في الغافلين " لعل الغرض من القرينتين أنه‬
‫ل يزال ذاكرا ل سواء كان مع الغافلين‪ ،‬أو مع الذاكرين‪ ،‬أما إذا كان في‬
‫الغافلين‪ ،‬فيذكر ال‬

‫]‪[329‬‬

‫بقلبه أو بلسانه أيضا فيصير سببا لذكرهم أيضا‪ ،‬فيكتب أنه في الذاكرين‪ .‬وقوله‬
‫عليه السلم " لم يكتب من الغافلين " كأنه تفنن في العبارة‪ ،‬أو المعنى أنه‬
‫ليس ذكره بمحض اللسان ليكتب من الغافلين بل قلبه أيضا مشغول بذكره‬
‫تعالى‪ .‬والغالب في الصلة والقطع‪ :‬الستعمال في الرحم‪ ،‬وقد يستعملن في‬
‫العم أيضا‪ " .‬وبعيدا " عود إلى السياق السابق‪ ،‬والجمل معترضة‪ ،‬أو‬
‫حال عن فاعل يصل‪ ،‬وقد يعبر بالبعد عن العدم‪ ،‬وكذلك الغيبة والحضور‪،‬‬
‫والقبال والدبار ويحتمل القلة فان التقوى غير العصمة‪ ،‬ويمكن أن يراد‬
‫بالقبال الزدياد وبالدبار النتقاص أي ل يزال يسعى فيزداد خيره‬
‫وينتقص شره‪ .‬وقال الوالد رحمه ال‪ :‬يمكن أن يراد بالمعروف والمنكر‪:‬‬
‫الحسان والساءة إلى الخلق‪ .‬والزلزل‪ :‬الشدائد‪ ،‬والوقور فعول من‬
‫الوقار بالفتح‪ ،‬وهو الحلم والرزانة والرخاء‪ :‬سعة العيش‪ ،‬والحيف‪ :‬الجور‬
‫والظلم‪ ،‬والمراد بالثم‪ :‬الميل عن الحق والغرض أنه ل يترك الحق للعداوة‬
‫والمحبة‪ ،‬إذا كان حاكما‪ ،‬أو ل يجور على العدو ول يساعد المحب بما‬
‫يخرج عن الحق‪ " .‬ل يضيع ما استحفظ " أي ما اودع عنده من الموال‬
‫والسرار‪ ،‬والتضييع في الول بالخيانة والتفريط‪ ،‬وفي الثانية بالذاغة‬
‫والفشاء‪ ،‬ويحتمل شموله لما استحفظه ال من دينه وكتابه‪ " ،‬ول ينسى‬
‫ما ذكر " أي ما امر بتذكره من آيات ال وعبره وأمثاله‪ ،‬أو العم منها‬
‫ومن أحكام ال والموت والمصير إلى ال وأهوال الخرة‪ .‬والنبز بالتحريك‬
‫اللقب قيل وكثر فيما كان ذما‪ ،‬والمنابزة والتنابز‪ :‬التعاير والتداعي‬
‫باللقاب‪ ،‬والمضارة‪ :‬الضرار‪ ،‬والجار‪ :‬المجاور في السكنى‪ ،‬ومن آجرته‬
‫من أن يظلم‪ ،‬وشمت كفرح شماتة بالفتح أي فرح ببلية العدو " ل يدخل‬
‫في الباطل " أي في مجالس الفسق واللهو والفساد‪ ،‬أو المراد عدم ارتكاب‬
‫الباطل‪ ،‬وكذا‬

‫]‪[330‬‬

‫" الخروج من الحق " أي من مجالسه‪ ،‬أو عدم ترك الحق‪ " .‬لم يغمه صمته "‬
‫لعلمه بمفاسد الكلم‪ ،‬وعدم التذاذه بالباطل من القول‪ ،‬أو لشتغال قلبه حين‬
‫الصمت بذكر ال‪ " ،‬لم يعل صوته " أي ل يشتد صوته أو يكتفي بالتبسم‪،‬‬
‫إذ الخروج عنه يكون غالبا بالضحك بالصوت العالي‪ ،‬والواسطة نادرة "‬
‫وأراح الناس " لشتغاله بنفسه‪ ،‬والزهد‪ :‬خلف الرغبة‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫يستعمل في عدم الرغبة في الدنيا‪ ،‬والنزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر‬
‫ومكروه‪ ،‬وإنما كان تباعده زهدا ونزاهة‪ ،‬لنه إنما يرغب عن أهل الدنيا‬
‫وأهل الباطل‪ ،‬وقيل‪ :‬نزاهة عن تدنس العرض‪ .‬والخديعة ككريهة‪ :‬السم‬
‫من خدعه أي ختله وأراد به المكروه من حيث ل يعلم‪ ،‬وصعق كسمع‪ :‬أي‬
‫غشي عليه‪ ،‬من صوت شديد سمعه أو من غيره‪ ،‬وربما مات منه " كانت‬
‫نفسه فيها "‪ :‬أي مات بها‪ ،‬ويحتمل أن يراد بالصعقة الصيحة‪ ،‬كما هو‬
‫الغالب في هذا المقام‪ ،‬ويراد بكون نفسه فيها‪ ،‬خروج روحه بخروجها‪ ،‬و‬
‫" ويح " كلمة رحمة‪ ،‬ويستعمل في التعجب كما مر مرارا‪ ،‬والتلطف في‬
‫مثل هذا المقام من قبيل الحسان إلى من أساء‪ ،‬وقد مر الكلم في هذا‬
‫المقام وفي بعض ما تقدم في شرح رواية الكافي )‪ (1‬فل نعيده‪ .‬وأقول‪:‬‬
‫روى في تحف العقول أيضا مثله )‪ .(2‬وأقول‪ :‬لما سلك قدوة المحققين ابن‬
‫ميثم البحراني في شرح هذا الحديث مسلكا آخر‪ ،‬أردت إيراده ليطلع الناظر‬
‫في كتابنا على أكثر ما قيل في ذلك فأوردته‪ .‬قال قدس سره‪ :‬وصف عليه‬
‫السلم المتقين بالوصف المجمل‪ ،‬فقال‪ " :‬فالمتقون فيها هم أهل الفضائل‬
‫" أي الذين استجمعوا الفضائل المتعلقة باصلح قوتي العلم والعمل‪ ،‬ثم‬
‫شرع في تفصيل تلك الفضائل ونسقها‪ .‬فالولى‪ :‬الصواب في القول‪ ،‬وهو‬
‫فضيلة العدل المتعلقة باللسان‪ ،‬وحاصله‬

‫)‪ (1‬بل سيجئ في آخر الباب‪ (2) .‬تحف العقول‪ 158 - 154 :‬ط اسلمية‪.‬‬

‫]‪[331‬‬

‫أن ل يسكت عما ينبغي أن يقال‪ ،‬فيكون مفرطا‪ ،‬ول يقول ما ينبغي أن يسكت عنه‪،‬‬
‫فيكون مفرطا‪ ،‬بل يضع كل من الكلم في موضعه اللئق به وهو أخص من‬
‫الصدق‪ ،‬لجواز أن يصدق النسان فيما ل ينبغي من القول‪ .‬الثانية‪" :‬‬
‫وملبسهم القتصاد " وهو فضيلة العدل في الملبوس‪ ،‬فل يلبس ما يحلقه‬
‫بدرجة المترفين‪ ،‬ول يلحقه بأهل الخسة والدناءة مما يخرج به عن عرف‬
‫الزاهدين في الدنيا‪ .‬الثالثة‪ :‬مشي التواضع‪ ،‬والتواضع ملكة تحت العفة‪،‬‬
‫يعود إلى العدل بين رذيلتي المهانة والكبر‪ ،‬ومشي التواضع مستلزم‬
‫للسكون والوقار‪ .‬الرابعة‪ :‬غض البصار عما حرم ال وهو ثمرة العفة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬وقوفهم أسماعهم على سماع العلم النافع‪ ،‬وهو فضيلة العدل في‬
‫قوة السمع‪ ،‬والعلوم النافعة‪ ،‬ما هو كمال القوة النظرية من العلم اللهي‬
‫وما يناسبه وما هو كمال للقوة العملية وهي الحكمة العملية‪ .‬السادسة‪:‬‬
‫نزول أنفسهم منهم في البلء كنزولها في الرخاء‪ ،‬أي ل تقنط من بلء‬
‫ينزل بها‪ ،‬ول تبطر برخاء يصيبها‪ ،‬بل مقامها في الحالين مقام الشكر‪ ،‬و‬
‫" الذي " صفة مصدر محذوف‪ ،‬والضمير العائد إليه محذوف أيضا‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬نزلت كالنزول الذي نزلته في الرخاء‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد ‍ب‬
‫" الذي "‪ " :‬الذين " فحذف النون كما في قوله تعالى " كالذي خاضوا "‬
‫)‪ (1‬ويكون المقصود تشبيههم حال نزول أنفسهم منهم في البلء‪ ،‬بالذي‬
‫نزلت أنفسهم منهم في الرخاء‪ ،‬والمعنى واحد‪ .‬السابعة‪ :‬غلبة الشوق إلى‬
‫ثواب ال‪ ،‬والخوف من عقابه على نفوسهم‪ ،‬إلى غاية أن أرواحهم ل‬
‫تستقر في أجسادهم من ذلك‪ ،‬لو ل الجال التي كتبت لهم وهذا الشوق‬
‫والخوف إذا بلغ إلى حد الملكة‪ ،‬فإنه يستلزم دوام الجد في العمل‪،‬‬
‫والعراض عن الدنيا‪ ،‬ومبدؤهما تصور عظمة الخالق‪ ،‬وبقدر ذلك يكون‬
‫تصور عظمة وعده ووعيده‪ ،‬وبحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف‬
‫والرجاء‬

‫)‪ (1‬براءة‪.70 :‬‬

‫]‪[332‬‬

‫وهما بابان عظيمان للجنة‪ .‬الثامنة‪ :‬عظم الخالق في أنفسهم‪ ،‬وذلك بحسب الجواذب‬
‫اللهية إلى الستغراق في محبته ومعرفته‪ ،‬وبحسب تفاوت تصور عظمته‬
‫تعالى يكون تصورهم لصغرية ما دونه‪ ،‬ونسبته إليه في أعين بصائرهم‪.‬‬
‫وقوله " فهم والجنة كمن قد رآها " إلى قوله " معذبون " إشارة إلى أن‬
‫العارف وإن كان في الدنيا بجسده‪ ،‬فهو في مشاهدته بعين بصيرته لحوال‬
‫الجنة وسعادتها‪ ،‬وأحوال النار وشقاوتها‪ ،‬كالذين شاهدوا الجنة بعين‬
‫حسهم‪ ،‬وتنعموا فيها‪ ،‬وكالذين شاهدوا النار‪ ،‬وعذبوا فيها‪ ،‬وهي مرتبة‬
‫عين اليقين‪ ،‬فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة وشدة‬
‫خوفهم من النار‪ .‬التاسعة‪ :‬حزن قلوبهم‪ ،‬وذلك ثمرة الخوف الغالب‪.‬‬
‫العاشرة‪ ،‬كونهم مأموني الشرور‪ ،‬وذلك أن مبدء الشرور محبة الدنيا‬
‫وأباطيلها‪ ،‬والعارفون بمعزل عن ذلك‪ .‬الحادية عشر‪ :‬نحافة أجسادهم‪،‬‬
‫ومبدء ذلك كثرة الصيام والسهر‪ ،‬وجشوبة المطعم‪ ،‬وخشونة الملبس‪،‬‬
‫وهجر الملذ الدنيوية‪ .‬الثانية عشر‪ :‬خفة حاجاتهم‪ ،‬وذلك لقتصارهم من‬
‫حوائج الدنيا على القدر الضروري من ملبس ومأكل‪ ،‬ول أخف من هذه‬
‫الحاجة‪ .‬الثالثة عشر‪ :‬عفة أنفسهم‪ ،‬وملكة العفة فضيلة القوة الشهوية‬
‫وهي الوسط بين رذيلتي خمود الشهوة والفجور‪ .‬الرابعة عشر‪ :‬الصبر‬
‫على المكاره أيام حياتهم من ترك الملذ الدنيوية‪ ،‬و احتمال أذى الخلق‪،‬‬
‫وقد عرفت أن الصبر مقاومة النفس المارة بالسوء لئل ينقاد إلى قبائح‬
‫اللذات‪ ،‬وإنما ذكر قصر مدة الصبر‪ ،‬واستعقابه للراحة الطويلة ترغيبا فيه‬
‫وتلك الراحة بالسعادة في الجنة كما قال تعالى " وجزاهم بما صبروا جنة‬
‫و حريرا " )‪ (1‬الية‪ ،‬وقوله " تجارة مربحة " استعار لفظ التجارة‬
‫لعمالهم الصالحة‬
‫)‪ (1‬النسان‪(*) .12 :‬‬

‫]‪[333‬‬

‫وامتثال أوامر ال‪ ،‬ووجه المشابهة كونهم متعوضين بمتاع الدنيا وبحركاتهم في‬
‫العبادة متاع الخرة‪ ،‬ورشح بلفظ الربح لفضلية متاع الخرة وزيادته في‬
‫النفاسة على ما تركوه وظاهر أن ذلك بتيسير ال لسبابه وإعدادهم له‬
‫بالجواذب اللهية‪ .‬الخامسة عشر‪ :‬عدم إرادتهم للدنيا مع إرادتها لهم‪ ،‬وهو‬
‫إشارة إلى الزهد الحقيقي وهو ملكة تحت العفة‪ ،‬وكنى بارادتها لهم عن‬
‫كونهم أهل لن يكونوا فيها رؤسا وأشرافا كقضاة ووزراء ونحو ذلك‪،‬‬
‫وكونها بمعرض أن تصل إليهم لو أرادوها‪ ،‬ويحتمل أن يريد أرادهم أهل‬
‫الدنيا فحذف المضاف‪ .‬السادسة عشر‪ :‬افتداء من أسرته لنفسه منها‪ ،‬وهو‬
‫إشارة إلى من تركها‪ ،‬وزهد فيها بعد النهماك فيها‪ ،‬والستمتاع بها‪ ،‬ففك‬
‫بذلك الترك والعراض والتمرن على طاعة ال أغلل الهيئات الردية‬
‫المتلبسة منها عن عنقه‪ ،‬ولفظ السر استعارة في تمكن تلك الهيئات من‬
‫نفوسهم‪ ،‬ولفظ الفدية استعارة لتبديل ذلك الستمتاع بها بالعراض عنها‪،‬‬
‫والمواظبة على طاعة ال‪ ،‬وإنما عطف بالواو في قوله " ولم يريدوها "‬
‫وبالفاء في قوله " ففدوا " لن زهد النسان في الدنيا كما يكون متأخرا‬
‫عن إقبالها عليه‪ ،‬كذلك قد يكون متقدما عليه لقوله صلى ال عليه واله‬
‫ومن جعل الخرة أكبر همه جمع ال عليه همه وأتته الدنيا وهي راغمة‪،‬‬
‫فلم يحسن العطف هنا بالفاء‪ ،‬وأما الفدية فلما لم يكن إل بعد السر ل جرم‬
‫عطفها بالفاء‪ .‬السابعة عشر‪ :‬كونهم صافين أقدامهم بالليل يتلون القرآن‬
‫ويرتلونه إلى قوله " آذانهم " وذلك إشارة إلى تطويع نفوسهم المارة‬
‫بالسوء بالعبادات وشرح لكيفية استيثارهم للقرآن العزيز في تلوته‪،‬‬
‫وغاية ترتيلهم له بفهم مقاصده‪ ،‬وتحزينهم لنفسهم به عند ذكر الوعيدات‬
‫من جملة استيثارهم لدواء دائهم‪ ،‬ولما كان داؤهم هو الجهل‪ ،‬وسائر‬
‫الرذائل العملية‪ ،‬كان دواء الجهل بالعلم ودواء كل رذيلة الحصول على‬
‫الفضيلة المضادة لها‪ ،‬فهم بتلوة القرآن يستثيرون بالتحزين الخوف عن‬
‫وعيد ال المضاد للنهماك في الدنيا‪ ،‬وداؤه العلم الذي هو دواء الجهل‪،‬‬
‫وكذلك كل فضيلة حث القرآن عليها‪ ،‬فهي دواء لما يضادها من الرذائل‪،‬‬
‫وباقي الكلم شرح‬

‫]‪[334‬‬

‫لكيفية التحزين والتشويق‪ .‬وقوله " فهم حانون على أوساطهم " ذكر لكيفية‬
‫ركوعهم‪ ،‬وقوله " مفترشون لجباههم " إلى قوله " أقدامهم " إشارة إلى‬
‫كيفية سجودهم وذكر العظم السبعة وقوله " يطلبون ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬رقابهم‬
‫" إشارة إلى غايتهم من عبادتهم تلك‪ .‬الثامنة عشر‪ :‬من صفاتهم بالنهار‬
‫كونهم حكماء وأراد الحكمة الشرعية وما فيها من كمال القوة العلمية‬
‫والعملية‪ ،‬لكونها المتعارفة بين الصحابة والتابعين وروي حلماء‪ ،‬والحلم‬
‫فضيلة تحت ملكة الشجاعة هي الوسط بين رذيلتي المهانة‪ ،‬و الفراط في‬
‫الغضب‪ ،‬وإنما خص الليل بالصلة لكونها أولى بها من النهار‪ .‬التاسعة‬
‫عشر‪ :‬كونهم علماء وأراد كمال القوة النظرية بالعلم النظري‪ ،‬وهو معرفة‬
‫الصانع وصفاته‪ .‬العشرون‪ :‬كونهم أبرارا والبر يعود إلى العفيف لمقابلته‬
‫الفاجر‪ .‬الحادية والعشرون‪ :‬كونهم أتقياء‪ ،‬والمراد بالتقوى ههنا الخوف‬
‫من ال وقد مر ذكر العفة والخوف‪ ،‬وإنما كررهما هنا في عداد صفاتهم‬
‫بالنهار‪ ،‬وذكرها هناك في صفاتهم المطلقة وقوله " وقد براهم الخوف "‬
‫إلى قوله " عظيم " شرح لفعل الخوف الغالب بهم‪ ،‬وإنما يفعل الخوف‬
‫ذلك لشتغال النفس المدبرة للبدن به عن النظر في صلح البدن‪ ،‬ووقوف‬
‫القوة الشهوية والغاذية عن أداء بدل ما يتحلل وشبه بري الخوف لهم‬
‫ببري القداح‪ ،‬ووجه التشبيه شدة النحافة‪ ،‬ويتبع ذلك تغير السحنات )‪(1‬‬
‫والضعف عن النفعالت النفسانية من الخوف والحزن‪ ،‬حتى يحسبهم‬
‫الناظر مرضى وإن لم يكن بهم مرض‪ " .‬ويقول قد خولطوا " وذلك إشارة‬
‫إلى ما يعرض لبعض العارفين عند اتصال نفسه بالمل العلى واشتغالها‬
‫عن تدبير البدن وضبط حركاته أن يتكلم بكلم خارج عن المتعارف‪،‬‬
‫يستبشع بين أهل الشريعة الظاهرة‪ ،‬فينسب ذلك منه إلى الختلط‬

‫)‪ (1‬السحنة ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬الهيئة واللون‪ ،‬ولين البشرة والنعمة‪.‬‬

‫]‪[335‬‬

‫والجنون‪ ،‬وتارة إلى الكفر والخروج عن الدين وقوله " ولقد خاطلهم أمر عظيم "‬
‫هو اشتغال أسرارهم بملحظة جلل ال‪ ،‬ومطالعة أنوار المل العلى‪.‬‬
‫الثانية والعشرون‪ :‬كونهم ل يرضون ]من أعمالهم[ القليل إلى قوله "‬
‫الكبير " وذلك لتصورهم شرف غايتهم المقصودة بأعمالهم وقوله " فهم‬
‫لنفسهم متهمون ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ما ل يعلمون " فتهمتهم لنفسهم وخوفهم‬
‫من أعمالهم يعود إلى شكهم فيما يحكم به أوهامهم من حسن عبادتهم‪،‬‬
‫وكونها مقبولة أو واقعة على الوجه المطلوب الموصل إلى ال تعالى فان‬
‫هذا الوهم يكون مبدءا للعجب بالعبادة والتقاصر عن الزدياد عن العمل‬
‫والتشكك في ذلك وتهمة النفس بانقيادها في ذلك الحكم للنفس المارة‬
‫يستلزم خوفها أن يكون تلك العمال قاصرة عن الوجه المطلوب وغير‬
‫واقعة عليه‪ ،‬وذلك باعث على العمل وكاسر للعجب به‪ ،‬وقد عرفت أن‬
‫العجب من المهلكات كما قال عليه السلم‪ :‬ثلث مهلكات‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهو‬
‫متبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه‪ .‬وكذلك خوفهم من تزكية الناس لهم هو‬
‫الدواء لما ينشأ من تلك التزكية من الكبر والعجب بما يزكون به‪ ،‬فيكون‬
‫جواب أحدهم عند تزكيته أني أعلم بنفسي من غيري إلى آخره‪ .‬ثم شرع‬
‫عليه السلم بعد ذلك في علماتهم التي بجملتها يعرف أحدهم‪ ،‬والصفات‬
‫السابقة وإن كان كثير منها مما يخص أحدهم ويعرف به إل أن بعضها قد‬
‫يدخله الرياء‪ ،‬فل يدل على التقوى الحقة‪ ،‬فجمعها ههنا ونسقها‪ .‬فالولى‪:‬‬
‫القوة في الدين‪ ،‬وذلك أن يقاوم في دينه الوسواس الخناس‪ ،‬ول يدخل فيه‬
‫خداع الناس‪ ،‬وهذا إنما يكون في الدين العالم‪ .‬الثانية‪ :‬الحزم في المور‬
‫الدنيوية والدينية‪ ،‬والتثبت فيها ممزوجا باللين للخلق‪ ،‬وعدم الفضاضة‬
‫عليهم كما في المثل " ل تكن حلوا فتسترط ول مرا فتلفظ " )‪(1‬‬

‫)‪ (1‬ذكره الجوهرى في " سرط " )الصحاح ص ‪ (1130‬ولفظه‪ :‬ل تكن حلوا‬
‫فتسترط ول مرا فتعقى " وتعقى بمعنى تلفظ من قولهم‪ :‬أعقيت الشئ‪:‬‬
‫إذا أزلته من فيك لمرارته =‬

‫]‪[336‬‬

‫وهي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق وقد علمت أن اللين قد يكون للتواضع‬
‫المطلوب بقوله " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " )‪ (1‬وقد‬
‫يكون من مهانة وضعف يقين‪ ،‬والول هو المطللوب‪ ،‬وهو المقارن للحزم‬
‫في الدين ومصالح النفس والثاني رذيلة ول يمكن معه الحزم لنفعال‬
‫المهين عن كل جاذب‪ .‬الثالثة‪ :‬اليمان في اليقين‪ ،‬ولما كان اليمان عبارة‬
‫عن التصديق بالصانع وبما وردت به الشريعة‪ ،‬وكان ذلك التصديق قابل‬
‫للشدة والضعف‪ ،‬فتارة يكون عن التقليد وهو العتقاد المطابق ل لموجب‪،‬‬
‫وتارة يكون عن العلم وهو العتقاد المطابق لموجب هو الدليل‪ ،‬وتارة عن‬
‫العلم به مع العلم بأنه ل يكون إل كذلك وهو علم اليقين ومحققو السالكين‬
‫ل يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون بعين اليقين بالمشاهدة‪ ،‬بعد طرح‬
‫حجب الدنيا والعراض عنها‪ ،‬أراد أن علمهم علم اليقين ل يتطرق إليه‬
‫احتمال‪ .‬الرابعة‪ :‬الحرص في العلم والزدياد منه‪ .‬الخامسة‪ :‬مزج العلم ‪-‬‬
‫وهو فضيلة القوة الملكية ‪ -‬بالحلم‪ ،‬وهو من فضائل القوة السبعية‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬القصد في الغنى‪ ،‬وهو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا‪،‬‬
‫وحذف الفضول عن قدر الضرورة‪ .‬السابعة‪ :‬الخشوع في العبادة وهو من‬
‫ثمرة الفكر في جلل المعبود‪ ،‬وملحظة عظمته الذي هو روح العبادة‪.‬‬

‫= كما يقال‪ :‬أشكيت الرجل‪ :‬إذا أزلته عما يشكوه‪ .‬وهكذا ذكره الميداني في مجمع‬
‫المثا تحت الرقم ‪ 3604‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،232‬وقال‪ :‬الستراط‪ :‬البتلع‪،‬‬
‫والعقاء‪ :‬أن تشتد مرارة الشئ حتى يلفظ لمرارته وبعضهم يروى "‬
‫فتعقى " بوزن فتسترط والصواب كسر القاف‪ ،‬يقال‪ :‬أعقى الشئ‪،‬‬
‫والمعنى ل تتجاوز الحد في المرارة فترمى‪ ،‬ول في الحلء فتبلع‪ ،‬أي كن‬
‫متوسطا‪ (1) .‬الشعراء‪.115 :‬‬

‫]‪[337‬‬

‫الثامنة التجمل في الفاقة‪ ،‬وذلك بترك الشكوى إلى الخلق والطلب منهم وإظهار‬
‫الغنى عنهم‪ ،‬وينشأ عن القناعة والرضا‪ ،‬وعلو الهمة ويعين على ذلك‬
‫ملحظة الوعد العاجل‪ ،‬وما اعد للمتقين‪ .‬التاسعة‪ :‬وكذلك الصبر في الشدة‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬الطلب في الحلل وينشأ عن العفة‪ .‬الحادية عشر‪ :‬النشاط في‬
‫الهدى وسلوك سبيل ال وينشأ عن قوة العتقاد فيما وعد المتقون‪،‬‬
‫وتصور شرف الغاية‪ .‬الثانية عشر‪ :‬عمل الصالحات على وجل‪ ،‬أي من أن‬
‫يكون على غير الوجه اللئق فل يقبل كما روي عن زين العابدين عليه‬
‫السلم أنه كان في التلبية وهو على راحلته وخر مغشيا عليه‪ ،‬فلما أفاق‬
‫قيل له في ذلك فقال‪ :‬خشية أن يقول لي‪ :‬ل لبيك ل سعديك‪ .‬الثالثة عشر‪:‬‬
‫أن يكون همهم عند المساء الشكر على ما رزقوا بالنهار وما لم يرزقوا‪،‬‬
‫ويصبحوا وهمهم الذكر ل ليذكرهم ال فيرزقهم من الكمالت النفسانية‬
‫والبدنية كما قال تعالى‪ " :‬فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون )‪.(1‬‬
‫الرابعة عشر‪ :‬أن يبيت حذرا ويصبح فرحا وقوله حذرا إلى قوله الرحمة‬
‫تفسير للمحذور‪ ،‬وما به الفرح‪ ،‬وليس مقصود تخصيص البيات بالحذر‪،‬‬
‫والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي فلن ويصبح حذرا فرحا وكذلك‬
‫تخصيصه الشكر بالمساء والذكر بالصباح يحتمل أن ل يكون مقصودا‪.‬‬
‫الخامسة عشر‪ " :‬إن استصعبت ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬تحب " إشارة إلى مقاومته‬
‫لنفسه المارة بالسوء‪ ،‬عند استصعابها عليه‪ ،‬وقهره لها على ما تكره‪،‬‬
‫وعدم متابعته لها في ميولها الطبيعية ومحابها‪ .‬السادسة عشر‪ :‬أن يرى‬
‫قرة عينه فيما ل يزول‪ ،‬أي من الكمالت النفسانية الباقية‪ ،‬كالعلم والحكمة‬
‫ومكارم الخلق المستلزمة للذات الباقية‪ ،‬والسعادة‬

‫)‪ (1‬البقرة‪.152 :‬‬

‫]‪[338‬‬

‫الدائمية‪ ،‬وقرة عينه كناية عن لذته وابتهاجه لستلزامهما لقرار العين‪ ،‬وبردها‬
‫برؤية المطلوب‪ ،‬وزهادته فيما ل يبقى من متاع الدنيا‪ .‬السابعة عشر‪ ،‬أن‬
‫يمزج العلم بالحلم‪ ،‬فل يجهل ول يطيش‪ ،‬والقول بالعمل فل يقول ما ل‬
‫يفعل‪ ،‬فل يأمر بمعروف فيقف دونه‪ ،‬ول ينهى عن منكر ثم يفعله ول يعد‬
‫فيخلف فيدخل في مقت ال كما قال تعالى‪ " :‬كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما‬
‫ل تفعلون " )‪ (1‬الثامنة عشر‪ :‬قصر أمله وقربه‪ ،‬وذلك لكثرة ذكر الموت‪،‬‬
‫والوصول إلى ال‪ .‬التاسعة عشر‪ :‬قلة زل‪ ،‬وقد عرفت أن زلل العارفين‬
‫يكون من باب ترك الولى لن صدور الخيرات عنهم صار ملكة‪ ،‬والجواذب‬
‫فيهم إلى الزلل والخطيئات نادرة‪ ،‬تكون لضرورة منهم أو سهو‪ ،‬ول شك‬
‫في قلته‪ .‬العشرون‪ :‬خشوع قلبه عن تصور عظمة المعبود‪ .‬الحادية‬
‫والعشرون‪ :‬قناعة نفسه وينشأ عن ملحظة حكمة ال في قدرته‪ ،‬وقسمته‬
‫الرزاق‪ ،‬ويعين عليها تصور فوائدها الحاضرة‪ ،‬وغايتها في الخرة‪.‬‬
‫الثانية والعشرون‪ :‬قلة أكله وذلك لما يتصور في البطنة من ذهاب الفطنة‪،‬‬
‫و زوال الرقة‪ ،‬وحدوث القسوة‪ ،‬والكسل عن العمل‪ .‬الثالثة والعشرون‪:‬‬
‫سهولة أمره أي ل يتكلف لحد ول يكلف أحدا‪ .‬الرابعة والعشرون‪ :‬حرز‬
‫دينه‪ ،‬فل يهمل منه شيئا ول يطرق إليه خلل‪ .‬الخامسة والعشرون‪ :‬موت‬
‫شهوته‪ ،‬ولفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه‪ ،‬ويعود إلى‬
‫العفة‪ .‬السادسة والعشرون‪ :‬كظم غيظه‪ ،‬وهو من فضائل القوة الغضبية‪.‬‬
‫السابعة والعشرون‪ :‬كونه " مأمول الخير " وذلك لكثرية خيريته "‬
‫مأمون الشرور " وذلك لعلم الخلق بعدم قصده للشرور‪ .‬الثامنة‬
‫والعشرون‪ :‬قوله " إن كان من الغافلين " إلى قوله " الغافلين " أي إن‬
‫رآه‬

‫)‪ (1‬الصف‪.3 :‬‬

‫]‪[339‬‬

‫الناس في أعداد الغافلين عن ذكر ال‪ ،‬لتركه الذكر باللسان‪ ،‬كتب عند ال من‬
‫الذاكرين لشتغال قلبه بالذكر‪ ،‬وإن تركه بلسانه‪ ،‬وإن كان من الذاكرين‬
‫بلسانه بينهم‪ ،‬فظاهر أنه ل يكتب من الغافلين‪ .‬لذكر ال ممادح كثيرة‪ ،‬وهو‬
‫باب عظيم من أبواب الجنة والتصال بجناب ال وقد أشرنا إلى فضيلته‬
‫وأسراره‪ .‬التاسعة والعشرون‪ :‬عفوه عمن ظلمه‪ ،‬والعفو فضيلة تحت‬
‫الشجاعة‪ ،‬وخص من ظلمه‪ ،‬ليتحقق عفوه‪ ،‬مع قوة الداعي إلى النتقام‪.‬‬
‫الثلثون‪ :‬ويعطي من حرمه‪ ،‬وهي فضيلة تحت السخاء‪ .‬الحادية‬
‫والثلثون‪ :‬ويصل من قطعه‪ ،‬والمواصلة فضيلة تحت العفة‪ .‬الثانية‬
‫والثلثون‪ :‬بعد فحشه‪ ،‬وأراد ببعد الفحش عنه أنه قلما يخرج في أقواله‬
‫إلى ما ل ينبغي‪ .‬الثالثة والثلثون‪ :‬لينه في القول عند محاورات الناس‪،‬‬
‫ووعظهم‪ ،‬ومعاملتهم وهو من أجزاء التواضع‪ .‬الرابعة والثلثون‪ :‬غيبة‬
‫منكره وحضور معروفه وذلك للزومه حدود ال‪ .‬الخامسة والثلثون‪ :‬إقبال‬
‫خيره وإدبار شره‪ ،‬وهو كقوله " الخير منه مأمول والشر منه مأمون "‬
‫ويحتمل باقبال خيره أخذه في الزدياد من الطاعة‪ ،‬وتشميره فيها‪ ،‬وبقدر‬
‫ذلك يكون إدباره عن الشر لن من استقبل أمرا وسعى فيه بعد عما يضاده‬
‫وأدبر عنه‪ .‬السادسة والثلثون‪ :‬وقاره في الزلزل‪ ،‬وكنى بها عن المور‬
‫العظام والفتن الكار ؟‪ ،‬المستلزمة لضطراب القلوب وأحوال الناس‪،‬‬
‫والوقار ملكة تحت الشجاعة‪ .‬السابعة والثلثون‪ :‬كثرة صبره في المكاره‪،‬‬
‫وذلك عن ثباته وعلو همته عن أحوال الدنيا‪ .‬الثامنة والثلثون‪ :‬كثرة‬
‫شكره في الرخاء وذلك لمحبته المنعم الول جلت قدرته‪ ،‬فيزداد شكره في‬
‫رخائه وإن قل‪ .‬التاسعة والثلثون‪ :‬كونه ل يحيف على من يبغض‪ ،‬وهو‬
‫سلب للحيف والظلم‬

‫]‪[340‬‬

‫مع قيام الداعي إليها‪ ،‬وهو البغض لمن يتمكن من حيفه وظلمه‪ .‬الربعون‪ :‬كونه ل‬
‫يأثم فيمن يحب وهو سلب لرذيلة الفجور عنه باتباع الهوى فيمن يحب إما‬
‫باعطائه ما ل يستحق أو دفع ما يستحق عليه عنه كما يفعله قضاة السوء‬
‫وامراء الجور‪ ،‬فالمتقي ل يأثم بشئ من ذلك‪ ،‬مع قيام الداعي إليه‪ ،‬وهو‬
‫المحبة لمن يحبه‪ ،‬بل يكون على فضيلة العدل في الكل على السواء‪.‬‬
‫الحادية والربعون‪ :‬اعترافه بالحق قبل أن يشهد عليه‪ ،‬وذلك لتحرزه في‬
‫دينه من الكذب‪ ،‬إذ الشهادة إنما يحتاج إليها مع إنكار الحق وذلك كذب‪.‬‬
‫الثانية والربعون‪ :‬كونه ل يضيع أماناته‪ ،‬ول يفرط فيما استحفظه ال من‬
‫دينه وكتابه‪ ،‬وذلك لورعه ولزوم حدود ال‪ .‬الثالثة والربعون‪ :‬ول ينسى‬
‫ما ذكر من آيات ال وعبره وأمثاله‪ ،‬ول يترك العمل بها‪ ،‬وذلك لمداومة‬
‫ملحظتها‪ ،‬وكثرة إخطارها بباله‪ ،‬والعمل بها لعنايته المطلوبة منه‪ .‬الرابعة‬
‫والربعون‪ :‬ول ينابز باللقاب‪ ،‬وذلك لملحظته النهي في الذكر الحكيم "‬
‫ول تنابزوا باللقاب " )‪ (1‬ولسر ذلك النهي وهو كون ذلك مستلزما لثارة‬
‫الفتن‪ ،‬والتباغض بين الناس‪ ،‬والفرقة المضادة لمطلوب الشارع‪ .‬الخامسة‬
‫والربعون‪ :‬ول يضار بالجار لملحظة وصية ال تعالى به " والجار ذي‬
‫القربى والجار الجنب " )‪ (2‬ووصية رسول ال صلى ال عليه واله في‬
‫المرفوع إليه‪ :‬أوصاني ربي بالجار حتى ظننت أنه يورثه‪ ،‬ولغاية ذلك‬
‫وهي اللفة والتحاد في الدين‪ .‬السادسة والربعون‪ :‬ول يشمت بالمصائب‪،‬‬
‫وذلك لعلمه بأسرار القدر وملحظته لسباب المصائب‪ ،‬وأنه في معرض أن‬
‫تصيبه‪ ،‬فيتصور أمثالها في نفسه فل يفرح بنزولها على غيره‪ .‬السابعة‬
‫والربعون‪ :‬أنه ل يدخل في الباطل ول يخرج عن الحق أي ل يدخل‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪ (2) .11 :‬النساء‪(*) .36 :‬‬


‫]‪[341‬‬

‫فيما يبعد عن ال تعالى من باطل الدنيا‪ ،‬ول يخرج عما يقرب إليه من مطالبه‬
‫الحقة‪ ،‬وذلك لتصور شرف غايته‪ .‬الثامنة والربعون‪ :‬كونه ل يغمه‬
‫صمته‪ ،‬لوضعه كل من الصمت والكام في موضعه وإنما يستلزم الغم‬
‫الصمت عما ينبغي من القول‪ ،‬وهو صمت في غير موضعه‪ .‬التاسعة‬
‫والربعون‪ :‬كونه ل يعلو ضحكه‪ ،‬وذلك لغلبة ذكر الموت وما بعده على‬
‫قلبه‪ ،‬ومما نقل من صفات الرسول صلى ال عليه واله‪ :‬كان أكثر ضحكه‬
‫التبسم وقد يفتر أحيانا ولم يكن من أهل القهقهة والكركرة‪ ،‬وهما كيفيتان‬
‫للضحك‪ .‬الخمسون‪ :‬صبره في البغي عليه إلى غاية انتقام ال له‪ ،‬وذلك‬
‫منه نظرا إلى ثمرة الصبر إلى الوعد الكريم " ذلك ومن عاقب بمثل ما‬
‫عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه ال " الية )‪ (1‬وقوله " ولئن صبرتم‬
‫لهو خير للصابرين " )‪ .(2‬الحادية والخمسون‪ :‬كون نفسه منه في عناء‬
‫أي نفسه المارة بالسوء لمقاومته لها‪ ،‬وقهرها ومراقبته إياها والناس من‬
‫أذاه في راحة لذلك‪ .‬الثانية والخمسون‪ :‬كون بعده عمن تباعد عنه‪ ،‬لزهده‬
‫فيما في أيدي الناس ونزاهته عنه‪ ،‬ل عن كبر وتعظم عليهم‪ ،‬وكذلك دنوه‬
‫ممن دنا منه عن لين ورحمة منه لهم‪ ،‬ل لمكر بهم وخديعة لهم عن بعض‬
‫المطالب‪ ،‬كما هو عادة الخبيث المكار وهذه الصفات والعلمات قد يتداخل‬
‫بعضها‪ ،‬ولكن تورد بعبارة اخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانيا مركبة مع‬
‫غيرها )‪ - 51 .(3‬لى‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن علي بن حسان‪ ،‬عن‬
‫عمه عبد الرحمان بن كثر الهاشمي‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم يقال له همام‬
‫وكان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر‬
‫إليهم فتثاقل أمير المؤمنين صلوات ال عليه عن جوابه ثم قال له‪ :‬ويحك‬
‫يا همام اتق ال وأحسن‪ ،‬فان ال مع الذين اتقوا‬

‫)‪ (1‬الحج‪ (2) .60 :‬النحل‪ (3) .126 :‬شرح النهج لبن ميثم البحراني ص ‪- 364‬‬
‫‪.369‬‬

‫]‪[342‬‬

‫والذينهم محسنون‪ .‬فقال همام‪ :‬يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به‪،‬‬
‫وحباك وفضلك بما آتاك وأعطاك‪ ،‬لما وصفتهم لي‪ ،‬فقام أمير المؤمنين‬
‫صلوات ال على قائما على قدميه فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي‬
‫وآله ثم قال‪ :‬أما بعد فان ال عزوجل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن‬
‫طاعتهم آمنا لمعصيتهم لنه ل تضره معصية من عصاه منهم‪ ،‬ول تنفعه‬
‫طاعة من أطاعه منهم‪ ،‬وقسم بينهم معايشهم‪ ،‬ووضعهم في الدينا‬
‫مواضعهم‪ ،‬وإنما أهبط ال آدم وحوا عليهما السلم من الجنة عقوبة لما‬
‫صنعا حيث نهاهما فخالفاه وأمرهما فعصياه‪ .‬فالمتقون فيها هم أهل‬
‫الفضائل‪ ،‬منطقهم الصواب‪ ،‬وملبسهم القتصاد‪ ،‬ومشيهم التواضع‪ ،‬خشعوا‬
‫ل عزوجل بالطاعة فتهبوا )‪ (1‬فهم غاضون أبصارهم عما حرم ال عليهم‬
‫واقفين أسماعهم على العمل نزلت أنفسهم منهم في البلء كالتي نزلت‬
‫منهم في الرخاء رضا منهم عن ال بالقضاء‪ ،‬ولو ل الجال التي كتبت‬
‫عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا‬
‫من العقاب‪ ،‬عظم الخالق في أنفسهم ووضع ما دونه في أعينهم‪ .‬فهم‬
‫والجنة كمن رآها فهم فيها متكئون‪ ،‬وهم الدار كمن رآها فيهم فيها‬
‫معذبون‪ ،‬قلوبهم محزونة‪ ،‬وشرورهم مأمونة‪ ،‬وأجسادهم نحيفة‪،‬‬
‫وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة‪ ،‬ومؤنتهم من الدنيا عظيمة‪ .‬صبروا‬
‫أياما قصارا أعقبتهم راحة طويله‪ ،‬تجارة مربحة‪ ،‬يسرها لهم رب كريم‪،‬‬
‫أرادتهم الدنيا فلم يريدوها‪ ،‬وطلبتهم فأعجزوها‪ .‬أما الليل فصافون‬
‫أقدامهم‪ ،‬تالين لجزاء القرآن‪ ،‬يرتلونه ترتيل يحزنون به أنفسهم‪،‬‬
‫ويستترون به )‪ (6‬ويهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم‪ ،‬ووجع كلوم جراحهم‬
‫وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلبوهم وأبصارهم‬
‫فاقشعرت منها‬

‫)‪ (1‬فبهتوا خ ل‪ (2) .‬فيستنيرون خ ل‪ ،‬فيستثيرون خ ل‪ ،‬فيستبشرون خ ل‪.‬‬

‫]‪[343‬‬

‫جلودهم‪ ،‬ووجلت منها قلوبهم‪ ،‬فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في اصول‬
‫آذانهم‪ .‬وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا‪ ،‬وتطلعت أنفسهم‬
‫إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا‬
‫عظيما‪ ،‬مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم‪ ،‬وأطراف أقدامهم‪ ،‬تجري‬
‫دموعهم على خدودهم‪ ،‬يجأرون إلى ال في فكاك رقابهم‪ .‬أما النهار‬
‫فحلماء علماء‪ ،‬بررة أتقياء‪ ،‬قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر إليهم‬
‫الناظر فيحسبهم مرضى‪ ،‬وما بالقوم من مرض‪ ،‬أو يقول قد خولطوا فقد‬
‫خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة ال وشدة سلطانه معما يخالطهم‬
‫من ذكر الموت وأهوال القيامة‪ ،‬فزع ذلك قلوبهم‪ ،‬فطاشت حلومهم‪،‬‬
‫وذهلت عقولهم‪ ،‬فإذا استقاموا )‪ (1‬بادروا إلى ال عزوجل بالعمال‬
‫الزكية‪ .‬ل يرضون ل بالقليل‪ ،‬ول يستكثرون له الجزيل‪ ،‬فهم لنفسهم‬
‫متهمون‪ ،‬و من أعمالهم مشفقون‪ ،‬إن زكي أحدهم خاف ما يقولون‪،‬‬
‫ويستغفر ال مما ل يعلمون وقال أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم‬
‫مني بنفسي اللهم ل تؤاخذني بما يقولون‪ ،‬واجعلني خيرا مما يظنون‪،‬‬
‫واغفر لي ما ل يعلمون‪ ،‬فانك علم الغيوب وساتر العيوب‪ .‬ومن علمة‬
‫أحدهم أنك ترى له قوة في دين‪ ،‬وحزما في لين‪ ،‬وإيمانا في يقين‪ ،‬وحرصا‬
‫على العلم‪ ،‬وفهما في فقه‪ ،‬وعلما في حلم‪ ،‬وكسبا في رفق‪ ،‬وشفقة في‬
‫نفقة‪ ،‬وقصدا في غني‪ ،‬وخشوعا في عبادة‪ ،‬وتجمل في فاقة‪ ،‬وصبرا في‬
‫شدة‪ ،‬ورحمة للمجهود‪ ،‬وإعطاء في حق‪ ،‬ورفقا في كسب‪ ،‬وطلبا للحلل‪،‬‬
‫ونشاطا في الهدى‪ ،‬و تحرجا عن الطمع‪ ،‬وبرا في استقامة‪ ،‬وإغماضا عند‬
‫شهوة‪ .‬ل يغره ثناء من جهله‪ ،‬ول يدع أحصاء ما علمه‪ ،‬مستبطئا لنفسه‬
‫في العلم يعمل العمال الصالحة‪ ،‬وهو على وجل‪ ،‬يمسي وهمه الشكر‪،‬‬
‫ويصبح وشغله‬

‫)‪ (1‬استفاقوا خ ل‪.‬‬

‫]‪[344‬‬

‫الذكر‪ ،‬يبيت حذرا‪ ،‬ويصبح فرحا‪ :‬حذرا لما حذر من الغفلة‪ ،‬فرحا لما أصاب من‬
‫الفضل والرحمة‪ ،‬إن استصعبت عليه نفسه لم يعطها سؤلها فيما فيه‬
‫مضرته‪ ،‬ففرحه فيما يخلد ويدوم‪ ،‬وقرة عينه فيما ل يزول‪ ،‬ورغبته فيما‬
‫يبقى‪ ،‬وزهادته فيما يفنى‪ .‬يمزج العلم بالحلم‪ ،‬ويمزج الحلم بالعقل‪ ،‬تره‬
‫بعيدا كسله‪ ،‬دائما نشاطه قريبا أمله‪ ،‬قليل زل‪ ،‬متوقعا أجله‪ ،‬خاشعا قلبه‪،‬‬
‫ذاكرا ربه‪ ،‬خائفا ذنبه قانعة نفسه‪ ،‬متغيبا جهله‪ ،‬سهل أمره‪ ،‬حريزا لدينه‪،‬‬
‫ميتة شهوته‪ ،‬كاظما غيظه صافيا خلقه‪ ،‬آمنا منه جاره‪ ،‬ضعيفا كبره‪ ،‬متينا‬
‫صبره‪ ،‬كثيرا ذكره‪ ،‬محكما أمره‪ .‬ل يحدث بما يؤتمن عليه الصدقاء‪ ،‬ول‬
‫يكتم شهادته العداء‪ ،‬ول يعمل شيئا من الحق رئاء‪ ،‬ول يتركه حياء‪،‬‬
‫الخير منه مأمول‪ ،‬والشر منه مأمون إن كان من الغافلين )‪ (1‬كتب من‬
‫الذاكرين وإن كان من الذاكرين )‪ (2‬لم يكتب من الغافلين‪ .‬يعفو عمن‬
‫ظلمه‪ ،‬ويعطي من حرمه‪ ،‬ويصل من قطعه‪ ،‬ول يعزب حلمه‪ ،‬و ل يعجل‬
‫فيما يريبه‪ ،‬ويصفح عما قد تبين له‪ ،‬بعيدا جهله‪ ،‬لينا قوله‪ ،‬غائبا مكره‬
‫قريبا معروفه‪ ،‬صادقا قوله‪ ،‬حسنا فعله‪ ،‬مقبل خيره‪ ،‬مدبرا شره‪ ،‬فهو في‬
‫الزلزل وقور‪ ،‬وفي المكاره صبور‪ ،‬وفي الرخاء شكور‪ ،‬ول يحيف على‬
‫من يبغض‪ ،‬و ل يأثم فيمن يحب‪ ،‬ول يدعي ما ليس له‪ ،‬ول يجحد حقا‬
‫عليه‪ ،‬يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه‪ ،‬ل يضيع ما استحفظ‪ ،‬ول يتنابز‬
‫باللقاب‪ ،‬ل يبغي على أحد‪ ،‬ول يهم بالحسد‪ ،‬ول يضر بالجار‪ ،‬ول يشمت‬
‫بالمصائب‪ ،‬سريع للصواب‪ ،‬مؤد للمانات‪ ،‬بطئ عن المنكرات‪ ،‬يأمر‬
‫بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪ ،‬ل يدخل في المور بجهل‪ ،‬ول يخرج عن‬
‫الحق بعجز‪ .‬إن صمت لم يغمه الصمت‪ ،‬وإن نطق لم يقل خطأ‪ ،‬وإن ضحك‬
‫لم يعد صوته سمعه‪ ،‬قانعا بالذي قدر له‪ ،‬ل يجمح به الغيظ‪ ،‬ول يغلبه‬
‫الهوى‪ ،‬ول يقهره الشح‬

‫)‪ (1‬في الغافلين خ‪ (2) .‬في الذاكرين خ‪.‬‬

‫]‪[345‬‬

‫ول يطمع فيما ليس له‪ ،‬يخالط الناس ليعلم‪ ،‬ويصمت ليسلم‪ ،‬ويسأل ليفهم‪ ،‬ويبحث‬
‫ليعلم‪ ،‬ل ينصت للخير ليفخر به‪ ،‬ول يتكلم به ليتجبر على من سواه‪ ،‬إن‬
‫بغي عليه صبر‪ ،‬حتى يكون ال هو الذي ينتقم له‪ .‬نفسه منه في عناء‪،‬‬
‫والناس منه في راحة‪ ،‬أتعب نفسه لخرته‪ ،‬وأراح الناس من نفسه‪ ،‬بعد‬
‫من تباعد عنه بغض ونزاهة‪ ،‬ودنو من دنا منه لين ورحمة )‪ (1‬فليس‬
‫تباعده بكبر ول عظمة‪ ،‬ول دنوه لخديعة ول خلبة‪ ،‬بل يقتدي بمن كان‬
‫قبله من أهل الخير‪ ،‬فهو إمام لمن خلفه من أهل البر‪ .‬قال‪ :‬فصعق همام‬
‫صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أما وال لقد كنت‬
‫أخافها عليه‪ ،‬وأمر به فجهز وصلى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا تصنع المواعظ‬
‫البالغة بأهلها‪ .‬فقال قائل‪ :‬فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ ! فقال‪ :‬ويلك إن‬
‫لكل أجل لن يعدوه‪ ،‬وسببا ل يجاوزه‪ ،‬فمهل ل تعد فإنه إنما نفث هذا القول‬
‫على لسانك الشيطان )‪ .(2‬كتاب سليم بن قيس مثله‪ .‬توضيح‪ :‬إنما كررنا‬
‫ذكر هذه الخطبة الشريفة‪ ،‬لئل يفوت عن الناظر في الكتاب الفوائد التي‬
‫اختصت كل رواية بها مع أنها المسك كلما كررته يتضوع‪ " .‬بما خصك به‬
‫من قرابة الرسول صلى ال عليه واله والختصاص به وحباك " أي‬
‫أعطاك من الوصاية والخلفة بما آتاك من السوابق والمناقب وأعطاك من‬
‫العلم والقرب ومكارم الخلق ويحتمل التعميم والتأكيد‪ .‬و " لما " إيجابية‬
‫أي أسألك في جميع الحوال إل حال الوصف‪ ،‬وهو حصول المطلوب‪ ،‬وقد‬
‫مر الكلم في تأويل معصية آدم وحوا عليهما السلم وذكرها لبيان‬

‫)‪ (1‬بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة‪ ،‬ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة‪ ،‬خ ل‪(2) .‬‬
‫أمالى الصدوق ص ‪ 340‬المجلس‪.84 :‬‬

‫]‪[346‬‬

‫فضيلة التقوى وذم خلفها وبيان سبب حصول بني آدم في الدنيا واحتياجهم إلى‬
‫المعايش و اختلفهم في المنازل الدينية والمراتب الدنيوية وحصول‬
‫الشهوات فيهم‪ ،‬وترقيهم في الكمالت لذلك‪ .‬فتهبوا أي نفضوا أيديهم عن‬
‫الدنيا وتفرغوا للخرة‪ ،‬في النهاية يقال جاء يتهبى إذا جاء فارغا ينفض‬
‫يديه‪ .‬ويحتمل أن يكون من هب فقلب الثاني )‪ (1‬أي انتبهوا من نوم‬
‫الغفلة‪ ،‬و أسرعوا في الطاعة أو بليت أبدانهم فكثرة العبادة في القاموس‪:‬‬
‫الهب النتباه من النوم‪ ،‬ونشاط كل سائر‪ ،‬وسرعته‪ ،‬وتهبب الثوب بلي‪،‬‬
‫وفي بعض النسخ " فبهتوا " أي تحيروا في ملحظة عظمة ال سبحانه‬
‫أو يحسبهم الناس كذلك كما سيأتي‪ " .‬ووضع ما دونه " على بناء‬
‫المفعول أي ذل وحط قدره‪ ،‬أو على بناء المعلوم ككرم يقال في حسبه ضعة‬
‫أي انحطاط ولؤم وخسة‪ ،‬وقد وضع ككرم ووضعه غيره كذا في القاموس‬
‫وفي بعض النسخ وصغر " ومؤنتهم من الدنيا عظيمة " المؤنة الثقل‪،‬‬
‫والقوت‪ ،‬والتعب‪ ،‬والشدة‪ .‬قال الجوهري )‪ (2‬المؤنة يهمز ول يهمز‪ ،‬وهي‬
‫فعولة وقال الفراء هي مفعلة من الين وهو التعب والشدة ويقال هو مفعلة‬
‫من الجون وهو الخرج والعدل‪ ،‬لنه ثقل على النسان‪ ،‬قال الخليل‪ :‬ولو‬
‫كان مفعلة لكان مئينة‪ ،‬مثل معيشة‪ ،‬وعند الخفش يجوز أن تكون مفعلة‬
‫انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬تحتمل هذه الفقرة وجوها‪ :‬الول أن يكون المعنى أن تعبهم‬
‫ومشقتهم بسبب ترك الدنيا‪ ،‬ومجاهدة النفس في العراض عنها عظيمة‪.‬‬
‫الثاني أن يكون المعنى أن الرزق مضيق عليهم‪ ،‬لعراضهم عن الحرام و‬
‫الشبهة‪ ،‬ومكسب الحلل قليل‪ ،‬مع أن أولياء ال غالبا مبتلون بالفقر‪،‬‬
‫فالعظيمة‬

‫)‪ (1‬فان القياس كان أن يقال‪ :‬فتهببوا‪ (2) .‬الصحاح‪.2198 :‬‬

‫]‪[347‬‬

‫بمعنى الشدة أو المؤنة بمعنى التعب‪ .‬الثالث أن يراد أن ما يحصل لهم من القوت في‬
‫الدنيا يعدونه عظيما‪ ،‬و يشكرونه وإن كان قليل‪ .‬الرابع أنهم لكثرة توسعهم‬
‫على العيال وذوي الرحام والفقراء مؤنتهم كثيرة‪ .‬الخامس أن يكون‬
‫المعنى أن بليتهم بسبب معاشرة الخلق وكثرة العادي وقله من يؤنسهم‬
‫ويوافقهم في الطريقة عظيمة‪ .‬السادس ما ذكره الوالد قدس سره أن المراد‬
‫بمؤنتهم ما يكسبونه لزاد الخرة من الطاعات والقربات والصادقات‪ ،‬أي‬
‫يأخذون حظا عظيما من الدنيا للخرة‪ .‬ويحتمل وجوها اخر وكأنه لخفاء‬
‫معناها أسقطها في النهج‪ ،‬وفيما سيأتي في باب صفات الشيعة "‬
‫ومعونتهم في السلم عظيمة " وهو أظهر‪ " .‬وطلبتهم فأعجزوها " أي‬
‫عن أن تصل إليهم وتدركهم " ويستترون به " أي يخفونه عن الناس‬
‫خوفا من الرئاء‪ ،‬وفي بعض النسخ ويستبشرون به أي يفرحون بالحزن أو‬
‫بالتلوة شكرا لما وفقهم ال لذلك‪ ،‬ويهيج أحزانهم كأنه على بناء التفعيل‬
‫وبكاء فاعله‪ ،‬وأحزانهم مفعوله‪ ،‬و " وجع " عطف على بكاء‪ ،‬أو على‬
‫بناء المجرد وأحزانهم فاعله‪ ،‬وبكاء منصوب على العلة‪ ،‬ووجع عطف‬
‫على ذنوبهم و " الكلوم " كعلوم جمع الكلم بالفتح‪ ،‬وهو الجرح و "‬
‫الجراح " جمع جراحة بالكسر فيهما‪ ،‬والضافة للتأكيد أو الجراح مصدر‬
‫أي الجراحات التي حدثت من جراحاتهم لنفسهم بالذنوب والمعاصي‪ .‬وفي‬
‫النهاية‪ :‬فيه مل ال مسامعه هي جمع مسمع‪ ،‬وهو آلة السمع أو جمع‬
‫سمع على غير قياس كمشابه وملمح والمسمع بالفتح خرقها انتهى "‬
‫وأبصارهم " بالنصب عطف على مسامع أي أبصار قلوبهم أو بالجر عطفا‬
‫على قلوبهم‪ ،‬فالبصار بمعنى البصائر " والصهيل " صوت الفرس شبه‬
‫به صوت توقد النار‪ ،‬لرفعته وشدته‪.‬‬

‫]‪[348‬‬

‫" جاثين على أوساطهم " الغالب في الجثو أن يطلق على الجلوس على الركبتين‬
‫وقد يطلق على القيام على أطراف الصابع‪ ،‬المراد هنا إما الجلوس على‬
‫وجه الخضوع‪ ،‬والنسبة إلى الوساط على المجاز‪ ،‬أو القيام كذلك أو‬
‫الركوع بتضمين معنى النحناء‪ ،‬في القاموس جثا كدعا ورمى جثوا وجثيا‬
‫بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه‪ ،‬وأجثاه غيره وهو‬
‫جاث‪ .‬وفي بعض النسخ " حانين " كما في سائر الروايات‪ ،‬وهو أظهر‪.‬‬
‫وفي القاموس مجده عظمه وأنثى عليه‪ ،‬وقال جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع‬
‫صوته بالدعاء وتضرع واستغاث " فزع " على بناء التفعيل والشارة إلى‬
‫التفكر " طاشت " أي اضطربت وتحيرت في القاموس الطيش النزق‬
‫والخفة طاش يطيش طيشا‪ ،‬و ذهاب العقل‪ ،‬وجواز السهم الهدف‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الحلم بالكسر الناة والعقل والجمع أحلم وحلوم‪ " .‬فإذا استقاموا " أي‬
‫استقامت أحوالهم‪ ،‬وذهبت عنهم تلك الدهشة‪ ،‬وفي بعض النسخ "‬
‫استفاقوا " وهو أنسب‪ ،‬في القاموس أفاق من مرضه رجعت الصحة إليه‬
‫أو رجع إلى الصحة كاستفاق‪ " .‬بالعمال الزكية " أي الطاهرة من‬
‫الرياء‪ ،‬وما يفسد العمل أو النامية والجزيل‪ :‬الكثير والعظيم " وفهما في‬
‫فقه " الفقه بالكسر العلم بالشئ‪ ،‬والفهم له والفطنة‪ ،‬وغلب على علم‬
‫الدين لشرفه‪ ،‬ذكره الفيروزآبادي فالمعنى أن له فهما في علوم الدين أو‬
‫يفهم ما يتفقه‪ ،‬ول يكتفي بظاهر التعلم وكسبا في رفق‪ :‬أي يكسب المال‪،‬‬
‫ول يبالغ فيه‪ ،‬وهو الجمال في الطلب‪ ،‬ويحتمل كسب العلم أيضا فالرفق‬
‫عدم المجادلة والسفاهة " وشفقة في نفقة " الشفقة المبالغة في النصح‬
‫والخوف‪ ،‬فالمعنى أن له شفقة على المؤمنين مع النفاق عليهم أو أنه‬
‫يخاف في النفقة أن تكون إسرافا أو يكون مكسبها حراما‪ .‬وفي النهاية‬
‫يقال جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة‪ ،‬وجهد الناس فهم مجهودون‬
‫إذا أجدبوا‪ " ،‬ورفقا " في كسب " كأنه تأكيد مع تفنن في العبارة أو في‬
‫]‪[349‬‬

‫الول المقصود بالذات الكسب وفي الثاني الرفق‪ ،‬أو في الول المراد كسب العلم‬
‫وفي الثاني كسب المال‪ ،‬أو الرفق في أحدهما اللطف مع المعاملين‪ ،‬وفي‬
‫الخر عدم المبالغة في الطلب‪ ،‬ول يبعد أن يكون " كسبا " في الول‬
‫تصحيف " كيسا " كما سيأتي‪ " .‬وبرا في استقامة " أي مع استقامة في‬
‫الدين‪ ،‬أو من غير تقتير وتبذير أو مداوما عليه‪ ،‬أو يضعه في مواضعه‪،‬‬
‫والبر إما بر الوالدين أو العم والخير أظهر " وإغماضا عند شهوة " أي‬
‫يغمض عينه عن الحرام‪ ،‬مع شهوته للنظر‪ ،‬ويحتمل أن يكون الغماض‬
‫كناية عن الترك لما سيأتي في بعض " انتهاء " مكانه‪ .‬ما علمه‪ :‬أي من‬
‫سيئاته بل يحصيها ويعدها على نفسه وفي بعض النسخ إحصاء علمه "‬
‫مستبطئا لنفسه " أي يعدها بطيئة عن العمال الصالحة مقصرة فيها "‬
‫ويمزج الحلم بالعقل " أي يحلم فيما يحكم العقل بحسنه فيه " الصدقاء "‬
‫فكيف العداء " العداء " فكيف الصدقاء )‪ " (1‬ول يتركه حياء " لنه‬
‫ل حياء في الحق وفي القاموس العزوب الغيبة يعزب ويعزب والذهاب "‬
‫ول يعجل فيما يريبه " أي ل يعجل في أمر له شك في أنه يجوز له الدخول‬
‫فيه أم ل‪ ،‬حتى يستيقن ذلك‪ ،‬أو إذا شك في صدور خيانة أو ضرر عن‬
‫غيره ل يعجل في انتقامه حتى يتيقن ذلك وهذا أنسب بما بعده‪ .‬قال في‬
‫النهاية‪ :‬الريب الشك وقيل هو الشك مع التهمة‪ ،‬يقال‪ :‬رابني الشئ وأرابني‬
‫بمعنى شككني وقيل أرابني في كذا أي شككني وأوهمني الريبة فيه‪ ،‬فإذا‬
‫استيقنته قلت رابني بغير ألف‪ ،‬ومنه الحديث دع ما يريبك إلى ما ل يريبك‬
‫يروى بفتح الياء وضمها‪ " .‬ويصفح عما قد تبين له " أي من إساءة‬
‫الناس وضررهم‪ ،‬وفي القاموس‬

‫)‪ (1‬يعنى أنه " ل يحدث بما يؤتمن عليه الصدقاء " فكيف العداء " ول يكتم‬
‫شهادته العداء " فكيف الصدقاء‪.‬‬

‫]‪[350‬‬

‫بغى عليه يبغي بغيا عل وظلم‪ ،‬وعدل عن الحق واستطال " بعجزه " أي بضعف‬
‫النية‪ ،‬وفتور العزم‪ .‬وفي القاموس جمح الفرس كمنع اعتز فارسه وغلبه‬
‫" ليسلم " أي من شرور اللسان أو شرور الناس " والبحث " التفتيش‪،‬‬
‫والمراد أن إعادته السؤال لحسن الفهم ومزيد العلم‪ ،‬ل للمراء وإظهار‬
‫الفضل‪ " .‬بعد من تباعد " إضافة إلى المفعول‪ ،‬وكذا " دنو من دنا منه "‪.‬‬
‫‪ - 52‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه‪ :‬يا أيها الناس‬
‫طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس‪ ،‬وطوبى لمن لزم بيته‪ ،‬وأكل‬
‫قوته‪ ،‬واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته‪ ،‬فكان من نفسه في شغل‪،‬‬
‫والناس منه في راحة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬لمن لزم بيته " أي لم يخرج منه‬
‫لتهييج شر‪ ،‬وليس المراد ترك الخروج لطلب الرزق أو للعبادة كالجهد‪،‬‬
‫وعيادة المرضى‪ ،‬وتشييع الجنائز‪ ،‬وقضاء حوائج المؤمنين‪ ،‬ونحوها أو‬
‫هو مختص ببعض أزمنة الفتن " وأكل قوته " أي اكتفى بما قدر ال له‬
‫من قوته‪ ،‬ولم يطلب أكثر من ذلك‪ ،‬ولم يشترك في قوت غيره‪ - 53 .‬كا‪:‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن القاسم بن عروة‪ ،‬عن أبي‬
‫العباس قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬من سرته حسنة‪ ،‬وساءته‬
‫سيئة‪ ،‬فهو مؤمن )‪ .(2‬بيان‪ " :‬حسنة " أي حسنة نفسه‪ ،‬أو أعم من أن‬
‫يكون من نفسه أو من غيره ويؤيد الول أن في بعض النسخ " حسنته‬
‫وسيئته " كما سيأتي‪ ،‬والسرور بالحسنة ل يستلزم العجب‪ ،‬فانه يمكن أن‬
‫يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة لكن يسر بأن لم يتركها رأسا وكان هذا‬
‫اولى منازل اليمان مع أن السرور الواقعي بالحسنة يستلزم السعي في‬
‫التيان بكل حسنة والمساءة والواقعية بالسيئة تستلزم التنفر من كل سيئة‪،‬‬
‫والهتمام بتركها‪ ،‬وهذان من كمال اليمان‪ - 54 .‬كتاب زيد الزراد‪ :‬قال‪:‬‬
‫قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬نخشى أن‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 353‬الخطبة ص ‪ (2) .174‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.232‬‬

‫]‪[351‬‬

‫ل نكون مؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ولم ذاك ؟ فقلت‪ :‬وذلك أنا ل نجد فينا من يكون أخوه عنده‬
‫آثر من درهمه وديناره‪ ،‬ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع‬
‫بيننا وبينه موالة أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬كل إنكم مؤمنون‪ ،‬ولكن‬
‫ل تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا‪ ،‬فعندها يجمع ال أحلمكم‪ ،‬فتكونون‬
‫مؤمنين كاملين ولو لم يكن في الرض مؤمنون كاملون‪ ،‬إذا لرفعنا ال إليه‬
‫وأنكرتم الرض وأنكرتم السماء‪ .‬بل والذي نفسي بيده إن في الرض في‬
‫أطرفها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة ولو أن الدنيا‬
‫بجميع ما فيها وعليها‪ ،‬ذهبة حمراء على عنق أحدهم‪ ،‬ثم سقط عن عنقه‬
‫ما شعر بها أي شئ كان على عنقه‪ ،‬ول أي شئ سقط منها لهوانها عليهم‪،‬‬
‫فهم الخفي عيشهم‪ ،‬المنتقلة ديارهم‪ ،‬من أرض إلى أرض الخميصة‬
‫بطونهم من الصيام‪ ،‬الذبلة شفاههم من التسبيح‪ ،‬العمش العيون من البكاء‬
‫الصفر الوجوه من السهر‪ ،‬فذلك سيماهم مثل ضربه ال في النجيل لهم‪،‬‬
‫وفي التوارة والفرقان والزبور والصحف الولى‪ .‬وصفهم فقال‪ " :‬سيماهم‬
‫في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في النجيل "‬
‫)‪ (1‬عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل‪ ،‬هم البررة بالخوان في حال‬
‫العسر واليسر‪ ،‬المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم ال‬
‫فقال‪ " :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه‬
‫فاولئك هم المفلحون )‪ (2‬فازوا وال وأفلحوا‪ .‬إن رأوا مؤمنا أكرموه‪ ،‬وإن‬
‫رأوا منافقا هجروه‪ ،‬إذا جنهم الليل اتخذوا أرض ال فراشا‪ ،‬والتراب‬
‫وسادا واستقبلوا بجباههم الرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم‬
‫من النار‪ ،‬فإذا أصبحوا اختلطوا الناب ل يشار إليهم بالصابع‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) .29 :‬الحشر‪.9 :‬‬

‫]‪[352‬‬

‫تنكبوا الطرق‪ ،‬واتخذوا الماء طيبا وطهورا‪ ،‬أنفسهم متعوبة‪ ،‬وأبدانهم مكدودة‬
‫والناس منهم في راحة‪ .‬فهم عند الناس شرار الخلق‪ ،‬وعند ال خيار‬
‫الخلق‪ ،‬إن حدثوا لم يصدقوا وإن خطبوا لم يزوجوا‪ ،‬وإن شهدوا لم‬
‫يعرفوا‪ ،‬وإن غابوا لم يفقدوا‪ ،‬قلوبهم خائفة وجلة من ال‪ ،‬ألسنتهم‬
‫مسجونة‪ ،‬وصدورهم وعاء لسر ال‪ ،‬إن وجدوا له أهل نبذوه إليه نبذا‪،‬‬
‫وإن لم يجدوا له أهل وألقوا على ألسنتهم أقفال غيبوا مفاتيحها‪ ،‬وجعلوا‬
‫على أفواههم أوكية‪ ،‬صلب صلب أصلب من الجبال ل ينحت منهم شئ‪،‬‬
‫خزان العلم ومعدن الحكمة‪ ،‬وتباع النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين‪ ،‬أكياس يحسبهم المنافق خرسا عميا بلها وما بالقوم من‬
‫خرس ول عمى ول بله‪ .‬إنهم لكياس فصحاء‪ ،‬علماء حلماء‪ ،‬حكماء‬
‫أتقياء‪ ،‬بررة‪ ،‬صفوة ال أسكتهم الخشية ل‪ ،‬وأعيتهم ألسنتهم خوفا من‬
‫ال‪ ،‬وكتمانا لسره‪ ،‬واشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم‪ ،‬يا كرباه لفقدهم‪،‬‬
‫ويا كشف كرباه لمجالستهم‪ ،‬اطلبوهم فان وجدتموهم واقتبستم من نورهم‬
‫اهتديتم وفزتم بهم في الدنيا والخرة‪ .‬هم أعز في الناس من الكبريت‬
‫الحمر‪ ،‬حليتهم طول السكوت‪ ،‬وكتمان السر والصلة والزكاة والحج‬
‫والصوم‪ ،‬والمواساة للخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم‬
‫ومحبتهم‪ ،‬يا طوبى لهم وحسن مآب‪ ،‬وهم وارثو الفردوس‪ ،‬خالدين فيها‪،‬‬
‫ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان‪ ،‬وهم المطلوبون في النار‬
‫المحبورون في الجنان‪ ،‬فذلك قول أهل النار " ما لنا ل نرى رجال كنا‬
‫نعدهم من الشرار " )‪ (1‬فم أشرار الخلق عندهم‪ ،‬فيرفع ال منازلهم حتى‬
‫يرونهم‪ ،‬فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون " يا ليتنا نرد " )‪(2‬‬
‫فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الخيار‪ ،‬وكنا نحن الشرار‪ ،‬فذلك حسرة لهل‬
‫النار‪ .‬بيان‪ " :‬إنكار الرض والسماء " أن يشاهدوا فيهما آثارا غريبة لم‬
‫يروا فيهما‬

‫)‪ (1‬ص‪ (2) .62 :‬النعام‪.27 :‬‬


‫]‪[353‬‬

‫قبل ذلك " فهم الخفي عيشهم " أي يعيشون مختفين من الناس للخوف منهم أو‬
‫لعدم موافقة طريقتهم لهم‪ ،‬وكذا النتقال من أرض إلى اخرى لذلك "‬
‫تنكبوا الطرق " أي عدلوا عن الطرق العامرة لئل يعرفهم الناس أو عن‬
‫طرقهم ومسالكهم وأطوارهم " واتخذوا الماء " أي اكتفوا بالماء لتطييب‬
‫أبدانهم بالغسل‪ ،‬والغسل من غير استعمال للطيب " متعوبة " أي يتعبونها‬
‫في الطاعات وترك الشهوات " مكدودة " أي يحملون أبدانهم على الكد‬
‫والمبالغة في الطاعات‪ ،‬وتحمل الشدائد‪ ،‬في القاموس الكد الشدة واللحاح‬
‫في الطلب وكده واكتده طلب منه الكد " لم يصدقوا " على بناء المفعول‬
‫من التفعيل أي ل يصدقهم الناس لسوء ظنهم بهم وحقارتهم في أعينهم "‬
‫لم يفتقدوا " أي ل يطلبهم الناس عند غيبتهم لعدم معرفتهم‪ ،‬أو لعدم‬
‫العتناء بشأنهم‪ ،‬وفي بعض النسخ لم يفقدوا والول أظهر‪ .‬في القاموس‬
‫تفقده طلبه عند غيبته‪ ،‬ومات غير فقيد ول حميد وغير مفقود‪ :‬غير‬
‫مكترث لفقدانه‪ " .‬مسجونة " أي محبوسة كناية عن قلة الكلم " غيبوا‬
‫مفاتيحها " كناية عن امتناعهم عن إفشاء السرار جدا كأن عليها أقفال‬
‫كثيرة‪ ،‬لم تحضر مفاتيحها فيكلفوا فتحها‪ ،‬ثم أكد عليه السلم ذلك بقوله "‬
‫وجعلوا على أفواههم أوكية " والوكية جمع الوكاء بالكسر‪ ،‬وهو الخيط‬
‫الذي يشد به رأس الكيس ونحوه شبه أفواههم بكيس أو قربة شد رأسها‬
‫فل يخرج منها شئ قال‪ :‬في النهاية‪ :‬الوكاء الخيط الذي يشد به الصرة‬
‫والكيس‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬فيه أنه كان يوكى بين الصفا والمروة سعيا أي ل‬
‫يتكلم كأنه أو كى فاه فلم ينطق‪ " .‬صلب " بضمتين أو كسكر جمع الصلب‬
‫وكذا الصلب بالكسر تأكيدا أي هم في غاية الصلبة في الدين " ل ينحت‬
‫" أي ل يبرى ول ينقص من دينهم شئ‪ ،‬قال تعالى " وتنحتون من الجبال‬
‫بيوتا " )‪ " .(1‬يحسبهم المنافق خرسا " بالضم جمع أخرس لقلة كلمهم‬
‫في الباطل وحفظهم‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪.149 :‬‬

‫]‪[354‬‬

‫للسرار " عميا " لقلة نظرهم إلى المحرمات‪ ،‬وإلى الدنيا وزينتها‪ ،‬وتغافلهم عما‬
‫يرون من أهلها " والبله " بالضم جمع البله‪ ،‬وهو الذي ل عقل له "‬
‫وأعيتهم ألسنتهم " كأن المعنى أن ألسنتهم ل تطاوعهم في الكلم‪ ،‬للخوف‬
‫فكأنها أعيتهم‪ - 55 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫يونس‪ ،‬عن صفوان الجمال قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إنما المؤمن‬
‫الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في‬
‫باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له )‪ .(1‬بيان‪ " :‬لم يخرجه غضبه من حق‬
‫" بأن يحكم على من غضب عليه بغير حق أو يظلمه أو يكتم شهادة له‬
‫عنده‪ ،‬و " إذا رضي " أي عن أحد " لم يدخله رضاه عنه في باطل " بأن‬
‫يشهد زورا أو يحكم له باطل أو يحميه في أن ل يعطى الحق اللزم عليه‬
‫وأشباه ذلك وقوله " مما له " في بعض النسخ بوصل من بما فاللم‬
‫مفتوحة‪ ،‬وفي بعضها بالفصل فاللم مكسورة‪ - 56 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن ابن‬
‫مسكان‪ ،‬عن سليمان بن خالد‪ ،‬عن أبي جعفر قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه‬
‫السلم‪ :‬يا سليمان أتدري من المسلم ؟ قلت‪ :‬جعلت فداك أنت أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬ثم قال‪ :‬وتدري من المؤمن ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أنت أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إن المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم‬
‫وأنفسهم والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة‬
‫تعنته )‪ .(2‬توضيح‪ " :‬المسلم " أي المسلم الكامل الذي يحق أن يسمى‬
‫مسلما وكذا المؤمن وقيل‪ :‬الغرض بيان المناسبة بين المعنى اللغوي‬
‫والصطلحي ويكفي لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر و " ل يخذ‬
‫له " أي ل يترك نصرته مع القدرة عليها " أو يدفعه دفعة تعنته " أي إذا‬
‫لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه‪ ،‬ويرده برد جميل‪ ،‬ول يدفعه‬
‫دفعة تلقيه تلك في العنت والمشقة‪ ،‬ويحتمل أن يكون كناية عن مطلق‬
‫الضرر الفاحش‪ ،‬وقيل يدفعه عن خير ويرده إلى شر يوجب عنته‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .233 :2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪234‬‬

‫]‪[355‬‬

‫وفي المصباح دفعته دفعا‪ :‬نحيته ودافعته عن حقه ما طلته‪ ،‬والدفعة بالفتح المرة‬
‫وبالضم اسم لما يدفع بمرة وفي القاموس العنت محركة الفساد والثم‬
‫والهلك‪ ،‬ودخول المشقة على النسان وأعنته غيره‪ ،‬ولقاء الشدة والزنا‬
‫والوهي والنكسار‪ ،‬واكتساب المأثم‪ ،‬وعنته تعنيتا شدد عليه‪ ،‬وألزمه ما‬
‫يصعب عليه أداؤه )‪ - 57 .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬
‫عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن أبي أيوب‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ول‬
‫باطل‪ ،‬وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق والذي إذا قدر لم يخرجه‬
‫قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق )‪ .(2‬ل‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن‬
‫الحميرى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪ .(3‬بيان‪ :‬المراد بالباطل‬
‫ما ل فائدة فيه " إلى ما ليس له بحق " أي يأخذ زائدا عن حقه‪ - 58 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي البخترى رفعه‬
‫قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬المؤمنون هينون لينون كالجمل النف إن قيد انقاد‪،‬‬
‫وإن انيخ على صخرة استناخ )‪ .(4‬تبيين‪ " :‬أبوالبختري " وهب بن وهب‬
‫القرشي عامي ضعيف وهو راوي الصادق عليه السلم وتزوج بامه‬
‫فالظاهر كون ضمير سمعته راجعا إلى الصادق عليه السلم فالمراد بالرفع‬
‫نسبة الحديث إليه عليه السلم ويحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم وضمير سمعته للرسول صلى ال عليه واله فان دأب هذا‬
‫الراوي لكونه عاميا رفع الحديث‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .153‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .234‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬


‫‪ (4) .52‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.234‬‬

‫]‪[356‬‬

‫يقول عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم ويؤيده أن الحديث‬
‫نبوي روته العامة أيضا عنه صلى ال عليه واله‪ .‬قال في النهاية‪ :‬فيه‬
‫المسلمون هينون لينون هما تخفيف الهين واللين قال ابن العرابي‪:‬‬
‫العرب تمدح بالهين واللين مخففين‪ ،‬وتذم بهما مثقلين‪ ،‬وهين‪ :‬فيعل من‬
‫الهون وهي السكينة والوقار والسهولة‪ ،‬فعينه واو وشئ هين وهين أي‬
‫سهل‪ .‬وقال‪ :‬في أنف فيه المؤمنون هينون لينون كالجمل النف أي‬
‫المأنوف وهو الذي عقر الخشاش أنفه‪ ،‬فهو ل يمتنع على قائده للوجع‬
‫الذي به‪ ،‬وقيل النف الذلول يقال‪ :‬أنف البعير يأنف أنفا فهو أنف إذا‬
‫اشتكى أنفه من الخشاش وكان الصل أن يقال مأنوف لنه مفعول به‪ ،‬كما‬
‫يقال مصدور ومبطون للذي يشتكي صدره وبطنه‪ ،‬وإنما جاء هذا شاذا‬
‫ويروى كالجمل النف بالمد وهو بمعناه انتهى‪ " .‬إن قيد " صفة للمشبه‬
‫به أو المشبه " وإن انيخ على صخرة " كناية عن نهاية انقياده في المور‬
‫المشروعة‪ ،‬وعدم استصعابه فيها قال الجوهري أنخت الجمل فاستناخ‪:‬‬
‫أبركته فبرك انتهى‪ .‬وقيل‪ :‬إنما شبه بالجمل ل بالناقة إشارة إلى أن المؤمن‬
‫قادر على المتناع ولكن له مانع عظيم من اليمان وأحكامه تمنعه عن‬
‫ذلك‪ .‬أقول‪ :‬وفي بعض النسخ " اللف " باللم من اللفة والول أظهر‪.‬‬
‫‪ - 59‬وأقول‪ :‬روى في شهاب الخبار عن النبي صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫المؤمنون هينون لينون‪ .‬وقال في الضوء‪ :‬الهون السكينة والوقار‪ ،‬قال‬
‫تعالى " يمشون على الرض هونا " )‪ (1‬والهون مصدر هان عليه الشئ‬
‫هين على فيعل أي سهل وهين مخفف منه‪ ،‬والجمع أهوناء وقم هينون‬
‫لينون‪ ،‬والهون بالضم الهوان‪ ،‬ويقال‪ :‬خذ أمرك بالهون والهوينا أي‬
‫بالرفق واللين‪ ،‬والهوينا تصغير الهونى والهونى تأنيث الهون كالكبرى‬
‫تأنيث الكبر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪.63 :‬‬

‫]‪[357‬‬

‫وقال ابن العرابي‪ :‬تمدح بالهين واللين مخففا وتذم بالهين واللين مثقل وقال‬
‫غيره‪ :‬هما جميعا واحد والصل التثقيل وتركيب هون في كلم العرب على‬
‫وجهين أحدهما تذلل النسان في نفسه بما ل غضاضة فيه‪ ،‬وهو مما يمدح‬
‫فيه‪ ،‬كما قال‪ " :‬يمشون على الرض هونا " والخر أن يكون من التسخير‬
‫والذلل والهانة كقوله تعالى‪ " :‬فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " )‪(1‬‬
‫ول يبعد أن يكون الهاوون من هذا لنه يهون به الصلب الشداد‪ ،‬وهو‬
‫عربي صحيح ول يجوز هاون‪ .‬فوصف عليه السلم المؤمنين بأنهم هينون‬
‫لينون‪ ،‬والمعنى أمر يأمرهم بالهون ولين الجانب ودماثة الخلق‪ ،‬وسكون‬
‫الريح‪ ،‬والهدوء وخفض الجناح‪ ،‬وتمام الحديث " مثل الجمل النف إن‬
‫قدته انقاد‪ ،‬وإن أنخته استناخ " والنف البعير الذي يشتكي أنفه يقال أنف‬
‫البعير‪ ،‬فهو أنف‪ ،‬مثل تعب فهو تعب وقيل النف المأنوف الذي عقر‬
‫الخشاش أنفه‪ ،‬فهو ل يمتنع على قائده لما يجده من الوجع وقيل النف‬
‫الذلول‪ ،‬وأنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬حرمت‬
‫النار على الهين واللين السهل القريب‪ .‬وقال سعيد بن عبد الرحمن‬
‫الزبيدي‪ :‬يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك‪ ،‬فأما من تلقاه ببشر‪،‬‬
‫ويلقاك بعبوس‪ ،‬يمن عليك بعمله فل كثر ال في المسلمين مثله‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن من الصدقة أن تسلم على الناس بوجه طليق‪ .‬وفائدة‬
‫الحديث الحث على الخلق الحسنة‪ ،‬والخذ بالجميل‪ ،‬وراوي الحديث ابن‬
‫عمر‪ - 60 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن‬
‫السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلثة من علمات المؤمن‪:‬‬
‫العلم بال ومن يحب ومن يكره )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬فصلت‪ (2) .17 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.235‬‬

‫]‪[358‬‬

‫بيان‪ " :‬العلم بال " أي بالربوبية وصفاته الكمالية فيؤمن به " ومن يحب " أي‬
‫يحبه ال من النبي والئمة عليهم السلم وأتباعهم فيواليهم ويتابعهم‪ ،‬أو‬
‫من يحبه المؤمن ويلزمه محبته و " من يكره " أي يكرهه ال فيبغضه‬
‫ول يواليه‪ ،‬أو من يجب أن يكرهه‪ .‬وربما يقرأ الفعلن على بناء المجهول‪،‬‬
‫وهذه الثلثة أصل اليمان وعمدته‪ - 61 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل بن‬
‫زياد‪ ،‬عن محمد بن اورمة‪ ،‬عن أبي إبراهيم العجمي‪ ،‬عن بعض‬
‫أصحابنا‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬المؤمن حليم ل يجهل وإن‬
‫جهل عليه يحلم‪ ،‬ول يظلم وإن ظلم غفر‪ ،‬ول يبخل وإن بخل عليه صبر )‬
‫‪ .(1‬بيان‪ " :‬ل يبخل " في بعض النسخ بالنون والجيم )‪ (2‬وهو الطعن‬
‫والشق ونجل الناس شارهم‪ ،‬وتناجلوا تنازعوا أي إن طعنه أحد وسفه‬
‫عليه صبر‪ ،‬ولم يقابله بمثله‪ - 62 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن محمد‬
‫بن عبد الجبار‪ ،‬عن الحسن بن علي عن أبي كهمش‪ ،‬عن سليمان بن‬
‫خالد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أل انبئكم بالمؤمن‪ :‬من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم أل انبئكم‬
‫بالمسلم ؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر السيئات‬
‫وترك ما حرم ال‪ ،‬والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو‬
‫يغتابه أو يدفعه دفعة )‪ .(3‬بيان‪ :‬المهاجر من هجر السيئات " أي ليس‬
‫المهاجر الذي مدحه ال مقصورا على من هاجر من مكة إلى المدينة‪ ،‬قبل‬
‫الفتح أو هاجر من البدو إلى المدينة‪ ،‬أو هاجر من بلد الكفر عند خوف‬
‫الجور والفساد‪ ،‬وعدم التمكن من إظهار شعائر السلم كما قيل في قوله‬
‫تعالى " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فاياي‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .235‬أي " ل ينجل "‪ (3) .‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫]‪[359‬‬

‫فاعبدون " )‪ (1‬وهذه هي المعاني المشهورة له بل يشمل من هجر السيئات لن‬


‫فضل الهجرة بالمعاني المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر والمعاصي‪ ،‬ولذا‬
‫ل فضل لمن هجر منافقا أو كافرا كالمنافقين الغاصبين لحقوق أئمة الدين‪،‬‬
‫فانه ل فضل لهم ول يعدون من المهاجرين فمن هجر الكفر والسيئات‬
‫والجهل الضلل مشاركون معهم في الفضل والكمال‪ .‬ويحتمل أن يكون‬
‫المراد أن المهاجرين بالمعاني المذكورة إنما يستحقون هذا السم إذا‬
‫هجروا السيئات على سياق سائر الفقرات‪ .‬قال في النهاية‪ :‬الهجرة في‬
‫الصل اسم من الهجر ضد الوصل وقد هجره هجرا وهجرانا ثم غلب على‬
‫الخروج من أرض إلى أرض وترك الولى للثانية يقال منه هاجر مهاجرة‬
‫والهجرة هجرتان إحداهما التي وعد ال عليها الجنة في قوله " إن ال‬
‫اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " )‪ (2‬فكان الرجل‬
‫يأتي النبي صلى ال عليه واله ويدع أهله وماله‪ ،‬ل يرجع في شئ منه‪،‬‬
‫وينقطع بنفسه إلى مهاجره فلما فتحت مكة صارت دار إسلم كالمدينة‪،‬‬
‫وانقطعت الهجرة‪ ،‬والهجرة الثانية من هاجر من العراب وغزا مع‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الولى فهو مهاجر‪ ،‬وليس‬
‫بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة‪ ،‬وهو المراد بقول‪ :‬ل تنقطع الهجرة‬
‫حتى تنقطع التوبة‪ ،‬فهذا وجه الجمع بين الحديثين‪ ،‬وفيه هاجروا ول‬
‫تهجروا أي أخصلوا الهجرة ل‪ ،‬ول تتشبهوا بالمهاجرين‪ ،‬على غير صحة‬
‫منكم انتهى‪ .‬وقال الراغب )‪ (3‬المهاجرة في الصل مصارمة الغير‬
‫ومتاركته من قوله‪ " :‬والذين هاجروا وجاهدوا " )‪ (4‬وأمثاله فالظاهر‬
‫منه الخروج من دار الكفر إلى‬

‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) .56 :‬براءة‪ (3) .111 :‬مفردات غريب القرآن ص ‪(4) .537‬‬
‫البقرة‪.218 :‬‬

‫]‪[360‬‬

‫دار اليمان‪ ،‬كما هاجر من مكة إلى المدينة‪ ،‬وقيل يقتضي ذلك ترك الشهوات‬
‫والخلق الذميمة والخطايا‪ ،‬وقوله " إني مهاجر إلى ربي " )‪ (1‬أي تارك‬
‫لقومي وذاهب إليه‪ ،‬وكذا المجاهدة تقتضي مع مجاهدة العدى مجاهدة‬
‫النفس ما روي في الخبر‪ :‬رجعتم من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر‬
‫وهو مجاهدة النفس‪ - 63 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫السندي بن محمد‪ ،‬عن محمد بن الصلت‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين عليهما السلم قال‪ :‬صلى أمير المؤمنين عليه السلم الفجر ثم لم‬
‫يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح‪ ،‬وأقبل على الناس‬
‫بوجهه فقال‪ :‬وال لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون‬
‫بين جباههم وركبهم‪ ،‬كأن زفير النار في آذانهم‪ ،‬إذا ذكر ال عندهم مادوا‬
‫كما يميد الشجر‪ ،‬كأنما القوم باتوا غافلين‪ ،‬قال‪ :‬ثم قام فما رئي ضاحكا‬
‫حتى قبض عليه السلم )‪ .(2‬بيان‪ " :‬القيد " بالكسر القدر في النهاية يقال‬
‫بيني وبينه قيد رمح‪ ،‬وقادر رمح أي قدر رمح " يخالفون بين جباههم‬
‫وركبهم " أي يضعون جباههم على التراب خلف ركبهم‪ ،‬يأتون بأحدهما‬
‫عقيب الخر‪ ،‬وهو قريب من المراوحة التي وردت في غيره‪ ،‬وقيل أي‬
‫يجعلون التفاوت بين جلوسهم وسجودهم‪ ،‬فكأن سجودهم أطول من‬
‫جلوسهم‪ .‬ثم اعلم أن الركب يحتمل أن يكون المراد به الجلوس كما فهمه‬
‫الكثر أو الركوع لوضع اليد عليه أو القيام لكون العتماد عليه‪ ،‬والخير‬
‫أوفق بما مر " كأن زفير النار في آذانهم " إشارة إلى سبب تمرنهم‬
‫بالطاعات وإحياء الليالي بالعبادات‪ ،‬وهو كون علمهم بأحوال الجنة والنار‬
‫في مرتبة عين اليقين‪ ،‬والزفير صوت توقد النار‪ " .‬مادوا " أي اضطربوا‬
‫وتحركوا واقشعروا من الخوف‪ ،‬وهو تلميح إلى‬
‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) .26 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.236‬‬

‫]‪[361‬‬

‫قوله سبحانه " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم " )‪ (1‬في القاموس‬
‫ماد يميد ميدا وميدانا تحرك والسراب اضطرب " كأنما القوم " كأن المراد‬
‫بالقوم الجماعة الحاضرون أو أهل زمانه في هذا الوقت أي لعدم اهتمامهم‬
‫في امور الخرة واشتغالهم بالدنيا كأنهم باتوا غافلين‪ ،‬وفي بعض النسخ "‬
‫ماتوا " أي كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫المراد بالقوم الذين ذكر أوصافهم أي كانوا إذا ذكر ال عندهم مادوا من‬
‫الخوف كأنهم باتوا غافلين ولم يعبدوا ال في الليل‪ ،‬ويؤيد الول ما سيأتي‬
‫في رواية المفيد‪ - 64 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن الحسن بن محبوب عن أبي ولد الحناط‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬كان علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬إن المعرفة‬
‫بكمال دين المسلم تركه الكلم فيما ل يعنيه‪ ،‬وقلة مرائه وحمله وصبره‬
‫وحسن خلقه )‪ .(2‬توضيح‪ " :‬إن المعرفة " أي سبب المعرفة وما‬
‫يوجبها‪ ،‬أو الحمل على المبالغة في السببية " فيما ل يعنيه " أي فيما ل‬
‫يهمه ول ينفعه وقلة مرائه أي مجادلته في المسائل الدينية وغيرها‪ ،‬وقيل‬
‫هو المجادلة والعتراض على كلم الغير من غير غرض ديني و " حمله‬
‫" أي تحمله و " صبره " على ما يصيبه من الغير‪ ،‬أو عقله وصبره عند‬
‫البلء‪ - 65 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن مالك ابن عطية‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬من أخلق المؤمن النفاق على قدر القتار‪ ،‬والتوسع على قدر‬
‫التوسع‪ ،‬وإنصاف الناس وابتداؤه إياهم بالسلم عليهم )‪ .(3‬بيان‪" :‬‬
‫النفاق على قد الفتار " أي النفاق بالتقتير‪ ،‬على قدر القتار من‬

‫)‪ (1‬النفال‪ (2) .2 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .240‬الكافي ج ‪.241 :2‬‬

‫]‪[362‬‬

‫ال‪ ،‬والحاصل‪ :‬أنه يقتر على أهله وعياله بقدر ما قتر ال عليه‪ ،‬ويوسع عليهم‬
‫بقدر ما وسع ال عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬النفاق هنا الفتقار كما في القاموس قال‬
‫أنفق افتقر أي يعامل معاملة لفقراء‪ - 66 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫ابن عيسى‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬المؤمن أصلب من الجبل تستقل منه والمؤمن ل يستقل من‬
‫دينه شئ )‪ .(1‬بيان‪ :‬الجبل يستقل منه من القلة أي ينقص ويؤخذ منه‬
‫بعضه بالفأس و المعول ونحوهما‪ ،‬والمؤمن ل ينقص من دينه شئ‬
‫بالشكوك والشبهات‪ - 67 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن صالح بن‬
‫السندي‪ ،‬عن جعفر بن بشير عن إسحاق بن عمار‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬المؤمن حسن المعونة‪ ،‬خفيف المؤنة‪ ،‬جيد التدبير لمعيشته‪ ،‬ل‬
‫يلسع من جحر مرتين )‪ .(2‬بيان‪ :‬في المصباح العون الظهير على المر‬
‫واستعان به فأعانه وقد يتعدى بنفسه‪ ،‬فيقال استعانه والسم المعونة‬
‫والمعانة أيضا بالفتح‪ ،‬ووزن المعونة مفعلة بضم العين‪ ،‬وبعضهم يجعل‬
‫الميم أصلية‪ ،‬ويقول هي مأخوذة من الماعون‪ ،‬ويقول هي فعولة‪ ،‬والمؤنة‬
‫الثقل وفي القاموس القوت والحاصل أنه يعين الناس كثيرا ويكتفي لنفسه‬
‫بقليل من القوت واللباس وأشباههما‪ .‬وفي القاموس المعيشة التي تعيش‬
‫بها من المطعم والمشرب‪ ،‬وما يكون به الحياة‪ ،‬وما يعاش به أو فيه‬
‫والجمع معايش‪ .‬وفي النهاية فيه ل يلسع المؤمن من جحر مرتين وفي‬
‫رواية ل يلدغ‪ ،‬اللسع واللدغ سواء والجحر ثقب الحية‪ ،‬وهو استعارة ههنا‬
‫أي ل يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالولى يعتبر وقال‬
‫الخطابي يروى بضم العين وكسرها فالضم على وجه الخبر‪ ،‬ومعناه أن‬
‫المؤمن هو الكيس الحازم الذي ل يؤتى‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .241‬المصدر نفسه‪(*) .‬‬

‫]‪[363‬‬

‫من جهة الغفلة فيخذع مرة بعد مرة وهو ل يفطن لذلك‪ ،‬ول يشعر به‪ ،‬والمراد به‬
‫الخداع في أمر الدين ل أمر الدنيا وأما الكسر فعلى وجه النهي أي ل‬
‫يخدعن المؤمن ول يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو ل‬
‫يشعر به‪ ،‬وليكن فطنا حذراوهذا التأويل يصلح أن يكون لمر الدين والدنيا‬
‫معا انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر )‪ (1‬وذكر في‬
‫إكمال الكمال هذين والوجهين الذين ذكرهما في النهاية ثم قال وذكر‬
‫عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله صلى ال عليه واله‬
‫هذا‪ ،‬أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسأل النبي‬
‫صلى ال عليه واله أن يمن عليه ففعل‪ ،‬وعاهده أن ل يحرض عليه ول‬
‫يهجوه‪ ،‬فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه‪ ،‬فاسر يوم احد فسأله أيضا‬
‫أن يمن عليه‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه واله هذا الكلم البليغ الجامع الذي‬
‫لم يسبق إليه‪ ،‬وفيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الذى من جهة ل يعود‬
‫إليها ثانية )‪ .(2‬وقال البي‪ :‬رجح الخطابي النهى بعد ذكر الوجهين‪ ،‬وكأنه‬
‫لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله صلى ال عليه واله هذا الكلم ولو بلغه لم‬
‫يحمله على النهي‪ .‬وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبب فل يبعد النهي بل‬
‫هو أولى من الخبر وذلك أنه صلى ال عليه واله لما دعته نفسه الزكية‬
‫الكريمة إلى الحلم والصفح‪ ،‬جرد‬

‫)‪ (1‬أخرجه في مشكاة المصابيح‪ ،429 :‬وقال متفق عليه‪ (2) .‬قال ابن هشام في‬
‫اسيرة ج ‪ 2‬ص ‪ 104‬قال أبو عبيدة‪ :‬وأخذ رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫في جهة ذلك ‪ -‬يعنى حمراء السد ‪ -‬قبل رجوعه الى المدينة معاوية بن‬
‫المغيرة بن أبى العاص ابن امية بن عبد شمس وهو جد عبد الملك بن‬
‫مروان أبو أمه عائشة بنت معاوية‪ ،‬وأبا عزة الجمحى‪ ،‬وكان رسول ال‬
‫)ص( أسره ببدر ثم من عليه‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول ال أقلنى ! فقال رسول ال‬
‫)ص(‪ :‬وال ل تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول‪ :‬خدعت محمدا مرتين‪،‬‬
‫اضرب عقنه يا زبير فضرب عنقه‪ .‬قال ابن هاشم‪ :‬وبلغني عن سعيد بن‬
‫المسيب أنه قال‪ :‬قال له رسول ال )ص(‪ :‬ان المؤمن ل يلدغ من حجر‬
‫مرتين‪ :‬اضرب عنق يا عاصم بن ثابت‪ ،‬فضرب عنقه‪.‬‬

‫]‪[364‬‬

‫من نفسه مؤمنا حازما فطنا ونهاه أن ينخذع لهذا المتمرد الخائن‪ ،‬وكان مقام‬
‫الغضب ل تعالى فأبى إل النتقام من أعداء ال‪ ،‬لن النتقام منهم مطلوب‪،‬‬
‫والتجريد أحد ألقاب البديع‪ ،‬ومحسناته‪ .‬وبيان أنه أولى أنه إذا حمل على‬
‫الخبر تفوت دللة الحديث على طلبه النتقام‪ - 68 .‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن النضر بن شعيب‪ ،‬عن الجازي‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ل يؤمن رجل فيه الشح والحسد‬
‫والجبن‪ .‬ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا )‪ .(1‬صفات‬
‫الشيعة‪ :‬للصدوق بإسناده عنه عليه السلم مثله )‪ - 69 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن حسان‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عاصم بن حميد‪ ،‬عن صالح بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ثلث خصال من كن فيه استكمل خصال اليمان‪ :‬من صبر على‬
‫الظلم‪ ،‬وكظم غيظه واحتسب‪ ،‬وعفا وغفر كان ممن يدخله ال عزوجل‬
‫الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر )‪ .(3‬بيان‪ :‬كأن قوله "‬
‫واحتسب " تتمة للخصلة الثانية أو تمهيد للثالثة والحتساب طلب الجر‬
‫وكون فعله مقرونا بالقربة ويحتمل أن يكون هو الخصلة الثانية‪ ،‬وقوله "‬
‫وكظم غيظه " تتمة للولى فالمراد بالحتساب المبادرة إلى العمال‬
‫الصالحة‪ .‬قال في النهاية‪ :‬فيه من صام رمضان إيمانا واحتسابا أي طلبا‬
‫لوجه ال وثوابه والحتساب من الحسب كالعتداد من العد‪ ،‬وإنما قيل لمن‬
‫ينوي وجه ال احتسبه لن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة‬
‫الفعل كأنه معتد به‪ ،‬والحتساب‬
‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .41‬صفات الشيعة ص ‪ (3) .182‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.51‬‬

‫]‪[365‬‬

‫في العمال الصالحات‪ ،‬وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الجر وتحصيله‬
‫بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر‪ ،‬والقيام بها على الوجه المرسوم‬
‫فيها طلبا للثواب المرجو منها انتهى‪ ،‬وربيعة ومضر قبيلتان عظيمتان )‬
‫‪ - 70 .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫داهر عن الحسن بن يحيى‪ ،‬عن قثم أبي قتادة الحراني‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫يونس‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قام رجل يقال له همام وكان‬
‫عابدا ناسكا مجتهدا إلى أمير المؤمنين عليه السلم وهو يخطب فقال‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين صف لنا صفة المومن كأننا ننظر إليه فقال‪ :‬يا همام المؤمن‬
‫هو الكيس الفطن‪ ،‬بشره في وجهه‪ ،‬وحزنه في قلبه أوسع شئ صدرا‪،‬‬
‫وأذل شئ نفسا‪ ،‬زاجر عن كل فان‪ ،‬حاض على كل حسن ل حقود‪ ،‬ول‬
‫حسود‪ ،‬ول وثاب‪ ،‬ول سباب‪ ،‬ول عياب‪ ،‬ول مغتاب‪ .‬يكره الرفعة‪ ،‬ويشنأ‬
‫السمعة‪ ،‬طويل الغم‪ ،‬بعيد الهم‪ ،‬كثير الصمت‪ ،‬وقور ذكور‪ ،‬صبور‪ ،‬شكور‪،‬‬
‫مغموم بفكره‪ ،‬مسرور بفقره‪ ،‬سهل الخليقة‪ ،‬لين العريكة رصين الوفا‪،‬‬
‫قليل الذى‪ ،‬ل متأفك ول متهتك‪ .‬إن ضحك لم يخرق‪ ،‬وإن غضب لم ينزق‪،‬‬
‫ضحكه تبسم‪ ،‬واستفهامه تعلم‪ ،‬ومراجعته تفهم‪ ،‬كثير علمه‪ ،‬عظيم حلمه‬
‫كثير الرحمة‪ ،‬ل ينجل ول يعجل‪ ،‬ول يضجر ول يبطر‪ ،‬ول يحيف في حكمه‬
‫ول يجوز في علمه‪ ،‬نفسه أصلب من الصلد‪ ،‬ومكادحته أحل من الشهد‪ ،‬ل‬
‫جشع ول هلع‪ ،‬ول عنف ول صلف‪ ،‬ول متكلف ول متعمق‪ ،‬جميل‬
‫المنازعة‪ ،‬كريم المراجعة‪ .‬عدل إن غضب‪ ،‬رفيق إن طلب‪ ،‬ل يتهور ول‬
‫يتهتك‪ ،‬ول يتجبر‪ ،‬خالص الود وثيق العهد‪ ،‬وفي العقد‪ ،‬شفيق وصول حليم‬
‫حمول قليل الفضول‪ ،‬راض عن ال‬

‫)‪ (1‬هما ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان بطنان عظيمان فيهما قبائل عظام‬
‫وبطون وأفخاذ يضرب المثل بهما للكثرة قال ابن عبد البر في النباء‪:‬‬
‫‪ :96‬أن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح‬
‫من ولد اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلم ربيعة ومضر ابنا نزار بن‬
‫معد بن عدنان‪ ،‬ل خلف في ذلك‪.‬‬

‫]‪[366‬‬
‫عزوجل مخالف لهواه‪ ،‬ل يغلظ على من دونه‪ ،‬ول يخوض فيما ل يعنيه‪ ،‬ناصر‬
‫للدين‪ ،‬محام عن المؤمنين‪ ،‬كهف للمسلمين‪ ،‬ل يخرق الثناء سمعه‪ ،‬ول‬
‫ينكى الطمع قلبه‪ ،‬ول يصرف اللعب حكمه‪ ،‬ول يطلع الجاهل علمه‪ .‬قوال‬
‫عمال‪ ،‬عالم حازم‪ ،‬ل بفحاش ول بطياش‪ ،‬وصول في غير عنف‪ ،‬بذول في‬
‫غير سرف‪ ،‬ول بختال ول بغدار‪ ،‬ول يقتفي أثرا ول يخيف بشرا رفيق‬
‫بالخلق ساع في الرض‪ ،‬عون للضعيف‪ ،‬غوث للملهوف‪ .‬ل يهتك سترا‪،‬‬
‫ول يكشف سرا كثير البلوى‪ .‬قليل الشكوى‪ ،‬إن رأى خيرا ذكره وإن عاين‬
‫شرا ستره‪ ،‬يستر العيب ويحفظ الغيب‪ ،‬ويقبل العثرة ويغفر الزلة‪ .‬ل يطلع‬
‫على نصح فيذره ول يدع جنح حيف فيصلحه‪ ،‬أمين رصين‪ ،‬تقي نقي‪،‬‬
‫زكي رضي‪ ،‬يقبل العذر‪ ،‬ويجمل الذكر‪ ،‬ويحسن بالناس الظن ويتهم على‬
‫الغيب نفسه‪ ،‬يحب في ال بفقه وعلم‪ ،‬ويقطع في ال بحزم وعزم‪ ،‬ل‬
‫يخرق به فرح‪ ،‬ول يطيش به مرح‪ .‬مذكر للعالم‪ ،‬معلم للجاهل‪ ،‬ل يتوقع له‬
‫بائقة‪ ،‬ول يخاف له غائلة‪ ،‬كل سعي أخلص عنده من سعيه‪ ،‬وكل نفس‬
‫أصلح عنده من نفسه‪ ،‬عالم بعيبه‪ ،‬شاغل بغمه‪ ،‬ل يثق بغير ربه‪ ،‬قريب‬
‫وحيد حزين‪ ،‬يحب في ال‪ ،‬ويجاهد في ال ليتبع رضاه‪ ،‬ول ينتقم لنفسه‬
‫بنفسه‪ ،‬ول يوالي في سخط ربه‪ ،‬مجالس لهل الفقر‪ ،‬مصادق لهل‬
‫الصدق‪ ،‬مؤازر لهل الحق‪ ،‬عون للغريب‪ ،‬أب لليتيم‪ ،‬بعل للرملة حفي‬
‫بأهل المسكنة‪ ،‬مرجو لكل كريهة‪ ،‬مأمول لكل شدة‪ ،‬هشاش بشاش ل‬
‫بعباس ول بجساس‪ .‬صليب كظام بسام‪ ،‬دقيق النظر‪ ،‬عظيم الحذر )‪ (1‬ل‬
‫يبخل وإن بخل عليه صبر عقل فاستحيى‪ ،‬وقنع فاستغنى‪ ،‬حياؤه يعلو‬
‫شهوته‪ ،‬ووده يعلو حسده‪ ،‬وعفوه يعلو حقده‪ ،‬ل ينطق بغير صواب‪ ،‬ول‬
‫يلبس إل القتصاد‪ ،‬مشيه التواضع‪ ،‬خاضع لربه بطاعته‪ ،‬راض عنه في‬
‫كل حالته‪ ،‬نيته خالصة‪ ،‬أعماله ليس فيها غش ول خديعة نظره عبرة‪،‬‬
‫وسكوته فكرة‪ ،‬وكلمه حكمة‪ ،‬مناصحا متباذل متواخيا‪ ،‬ناصح في‬

‫)‪ (1‬ل يجهل وان جهل عليه يحلم خ‪.‬‬

‫]‪[367‬‬

‫السر والعلنية‪ ،‬ل يهجر أخاه‪ ،‬ول يغتابه‪ ،‬ول يمكر به‪ ،‬ول يأسف على ما فاته ول‬
‫يحزن على ما أصابه‪ ،‬ول يرجو مال يجوز له الرجاء‪ ،‬ول يفشل في‬
‫الشدة‪ ،‬ول يبطر في الرخاء‪ .‬يمزج الحلم بالعلم‪ ،‬والعقل بالصبر‪ ،‬تراه بعيدا‬
‫كسله‪ ،‬دائما نشاطه‪ ،‬قريبا أمله‪ ،‬قليل زل‪ ،‬متوقعا لجله‪ ،‬خاشعا قلبه‪،‬‬
‫ذاكرا ربه‪ ،‬قانعة نفسه‪ ،‬منفيا جهله‪ ،‬سهل أمره‪ ،‬حزينا لذنبه‪ ،‬ميتة‬
‫شهوته‪ ،‬كظوما غيظه‪ ،‬صافيا خلقه‪ ،‬آمنا منه جاره‪ ،‬ضعيفا كبره‪ ،‬قانعا‬
‫بالذي قدر له‪ ،‬متينا صبره‪ ،‬محكما أمره‪ ،‬كثيرا ذكره‪ ،‬يخالط الناس ليعلم‪،‬‬
‫ويصمت ليسلم‪ ،‬ويسأل ليفهم‪ ،‬ويتجر ليغنم‪ ،‬ل ينصت للخير ليفخر به )‪(1‬‬
‫ول يتكلم ليتجر به على من سواه‪ .‬نفسه منه في عناء‪ ،‬والناس منه في‬
‫راحة‪ ،‬أتعب نفسه لخرته‪ ،‬فأراح الناس من نفسه‪ ،‬إن بغي عليه صبر حتى‬
‫يكون ال الذي ينتصر له‪ ،‬بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة‪ ،‬ودنوه ممن‬
‫دنا منه لين ورحمة‪ ،‬وليس تباعده تكبرا‪ ،‬ول عظمة ول دنوه خديعة ول‬
‫خلبة‪ ،‬بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير‪ ،‬فهو إمام لمن بعده من أهل‬
‫البر‪ .‬قال‪ :‬فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬أما وال لقد كنت أخافها عليه وقال‪ :‬هكذا تصنع المواعظ البالغة‬
‫بأهلها‪ .‬فقال له قائل‪ :‬فما بالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال‪ :‬إن لكل أجل لن‬
‫يعدوه وسببا ل يجاوزه‪ ،‬فمهل ل تعد فانما نفث على لسانك شيطان )‪.(2‬‬
‫بيان‪ :‬سيأتي )‪ (3‬رواية همام نقل عن نهج البلغة ومجالس الصدوق‬
‫باختلف كثير‪ ،‬وفيه أنه قال‪ :‬صف لي المتقين ويمكن أن يكون سأل عن‬
‫صفات المؤمنين‬

‫)‪ (1‬ل ينصب للخير ليفجر به‪ .‬خ‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .330 - 226‬بل قد مر‬
‫تحت الرقم ‪ 50‬والظاهر أن المصنف رضوان ال عليه بعد ما أخرج‬
‫حديث الكافي هذا وفسر لغاته ومضامينه‪ ،‬أراد أن يلحق حديث الهمام من‬
‫النهج والمالي بعد ذلك مع ما كتب رحمه ال في تفسير لغاته فاشتبه‬
‫على النساخ وألحقوه قبل ذلك‪ ،‬فل يخلو الباب عن تكرار‪.‬‬

‫]‪[368‬‬

‫والمتقين معا‪ ،‬فاكتفي في بعض الروايات بذكر الولى وفي بعضها بذكر الثانية‪.‬‬
‫وهمام بفتح الهاء وتشديد الميم وفي القاموس الهمام كغراب الملك العظيم‬
‫الهمة والسيد الشجاع السخي وكشداد ابن الحارث وابن زيد وابن مالك‬
‫صحابيون‪ .‬وما ذكر في الروايتين من تثاقله عليه السلم في الجواب أنسب‬
‫بقوله عليه السلم في آخر الخبر لقد كنت أخافها عليه‪ ،‬وفي القاموس‬
‫النسك مثلثة‪ ،‬وبضمتين العبادة وكل حق ل عزوجل وقيل المراد هنا‬
‫المواظب على العبادة‪ ،‬والمجتهد المبالغ في العبادة في القاموس جهد كمنع‬
‫جد كاجتهد‪ ،‬وقال‪ :‬الكيس خلف الحمق‪ ،‬و قال‪ :‬الفطنة بالكسر الحذق‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬الكيس كسيد والفطن بفتح الفاء وكسر الطاء وتعريف الخبر باللم‬
‫وتوسيط الضمير للحصر‪ ،‬والتأكيد‪ ،‬كأن الفرق بينهما أن الكياسة ما كان‬
‫خلقة والفطنة ما يحصل بالتجارب‪ ،‬أو الول ما كان في الكليات والثاني ما‬
‫كان في الجزئيات‪ ،‬ويحتمل التأكيد‪ .‬وفي القاموس‪ :‬البشر بالكسر الطلقة‬
‫" أوسع شئ صدرا " كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم " وأذل شئ‬
‫نفسا " أي ل يترفع ول يطلب الرفعة‪ ،‬ويتواضع للناس ويرى نفسه أخس‬
‫من كل أحد‪ ،‬وقيل أي صارت نفسه المارة ذليلة لروحه المقدسة‪ ،‬وصارت‬
‫مخالفته للنفس شعاره‪ ،‬فعلى الثاني من الذل بالكسر‪ ،‬وهو السهولة‬
‫والنقياد‪ ،‬وعلى الول من الذل بالضم بمعنى المضلة والهوان‪ " .‬زاجرا "‬
‫أي نفسه أو غيره أو العم منهما " عن كل فان " أي عن جميع المور‬
‫الدنيوية‪ ،‬فانها في معرض الفناء " والحض " الترغيب‪ ،‬والتحريص وهذا‬
‫أيضا يحتمل النفس والغير والعم‪ ،‬والحقد إمساك العداوة والبغض في‬
‫القلب والحقود الكثير الحقد‪ ،‬وقيل " ل " للمبالغة في النفي ل لنفي‬
‫المبالغة كما قيل في قوله‬

‫]‪[369‬‬

‫تعالى " وما أنا بظلم للعبيد " )‪ (1‬فل يلزم ثبوت أصل الفعل‪ ،‬وكذا في البواقي‬
‫ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن النادر منها ل ينافي اليمان‪ " .‬ول وثاب "‬
‫أي ل يثب في وجوه الناس بالمنازعة والمعارضة وفي القاموس " رفع "‬
‫ككرم رفعة بالكسر شرف وعل قدره‪ ،‬وقال شنأه كمنعه وسمعه شنأ ويثلث‬
‫وشنأة وشنآنا‪ :‬أبغضه‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬تقول فعله رئاء وسمعة أي ليراه‬
‫الناس ويسمعوا به " طويل الغم " أي لما يستقبله من سكرات الموت‬
‫وأحوال القبر‪ ،‬وأهوال الخرة " بعيد الهم " إما تأكيد للفقرة السابقة فان‬
‫الغم والهم متقاربان‪ ،‬أي يهتم للمور البعيدة عنه‪ ،‬من امور الخرة أو‬
‫المراد بالهم القصد أي هو عالي الهمة ل يرضى بالدون من الدنيا الفانية‪،‬‬
‫أو ل يرضى من السعادات الباقية والكمالت النفسانية بأدانيها بل يطلب‬
‫معاليها وقيل أي يتفكر في العواقب‪ .‬في القاموس الهم الحزن‪ ،‬والجمع‬
‫هموم‪ ،‬وما هم به في نفسه‪ ،‬والهمة بالكسر‪ ،‬ويفتح ما هم به من أمر‬
‫ليفعل‪ " .‬كثير الصمت " أي عما ل يعينه " وقور " أي ذو وقار ورزانة‬
‫ل يستعجل في المور‪ ،‬ول يبادر في الغضب‪ ،‬ول تجره الشهوات إلى مال‬
‫ينبغي فعله في القاموس الوقار كسحاب الرزانة‪ ،‬ورجل وقار ووقور ووقر‬
‫كندس )‪ " (2‬ذكور " كثير الذكر ل‪ ،‬ولما ينفعه في الخرة " صبور "‬
‫عند البلء " شكور " عند الرخاء‪ " .‬مغموم بفكره " أي بسبب فكره في‬
‫امور الخرة " مسرور بفقره " لعلمه بقلة خطره‪ ،‬ويسر الحساب في‬
‫الخرة‪ ،‬وقلة تكاليف ال فيه " سهل الخليقة " أي ليس في طبعه خشونة‬
‫وغلظة‪ ،‬وقيل أي سريع النقياد للحق وفي القاموس الخليقة الطبيعة قال‬
‫ال تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك " )‪ " .(3‬لين‬
‫العريكة " هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها في القاموس العريكة‬
‫كسفينة النفس ورجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة وفي النهاية‬
‫في صفته‬
‫)‪ (1‬ق‪ (2) .29 :‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .156‬آل عمران‪.159 :‬‬

‫]‪[370‬‬

‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أصدق الناس لهجة‪ ،‬وألينهم عريكة‪ ،‬العريكة الطبيعة‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫فلن لين العريكة‪ ،‬إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلف والنفور‪" .‬‬
‫رصين الوقار " بالراء والصاد المهملتين‪ ،‬وما في بعض نسخ الكافي‬
‫بالضاد المعجمة تصحيف أي محكم الوفاء بعهود ال وعهود الخلق‪ ،‬في‬
‫القاموس‪ :‬رصنه أكمله وأرصنه أحكمه‪ ،‬وقد رصن ككرم وكأمير المحكم‬
‫الثابت والحفي بحاجة صاحبه " قليل الذى " إنما ذكر القلة ولم ينف‬
‫الذى رأسا‪ ،‬لن اليذاء قد يكون حسنا بل واجبا كما في المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وجهاد الكفار وقيل‪ :‬إنما قال ذلك لنه يؤذي نفسه ول‬
‫يخفى بعده " لمتأفك " كأنه مبالغة في الفك بمعنى الكذب‪ ،‬أي ل يكذب‬
‫كثيرا أو المعنى ل يكذب على الناس وفي بعض النسخ " لمستأفك " أي‬
‫ل يكذب على الناس فيكذبوا عليه‪ ،‬فكأنه طلب منهم الفك وقيل‪ :‬المتأفك‬
‫من ل يبالي أن ينسب إليه الفك " ول متهتك " أي ليس قليل الحياء ل‬
‫يبالي أن يهتك سرته أو ل يهتك ستر الناس‪ ،‬في القاموس هتك الستر‬
‫وغيره يهتكه فانهتك وتهتك جذبه فقطعه من موضعه‪ ،‬أو شق منه جزءا‬
‫فبدا ما وراءه‪ ،‬ورجل منهتك ومتهتك ومستهتك ل يبالي أن يهتك ستره‪" .‬‬
‫إن ضحك لم يخرق " أي ل يبالغ فيه حتى ينتهي إلى الخرق والسفه‪ ،‬بل‬
‫يقتصر على التبسم كما سيأتي في القاموس الخرق بالضم وبالتحريك ضد‬
‫الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل والتصرف في المور والحمق‪ ،‬وقيل هو‬
‫من الخرق بمعنى الشق أي لم يشق فاه ولم يفتحه كثيرا‪ " .‬وإن غضب لم‬
‫ينزق " في القاموس نزق الفرس كسمع ونصر وضرب نزقا ونزوقا‪ :‬نزا‬
‫أو تقدم خفة ووثب وأنزقه ونزقه غيره‪ ،‬وكفرح وضرب طاش و خف عند‬
‫الغضب " ضحكه تبسم " في القاموس بسم يبسم بسما وابتسم وتبسم‬
‫وهو أقل الضحك وأحسنه وفي المصباح بسم بسما من باب ضرب ضحك‬
‫قليل من غير صوت وابتسم وتبسم كذلك‪ " .‬واستفهامه تعلم " أي للتعلم‬
‫ل لظهار العلم و " مراجعته " أي معاودته في السؤال‬

‫]‪[371‬‬

‫" تفهم " أي لطلب الفهم ل للمجادلة " كثير الرحمة " أي ترحمه على العباد كثير‬
‫" ل يبخل " بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كيعلم ويكرم وربما يقرأ‬
‫بالنون ثم الجيم من النجل وهو الرمي بالشئ أي ل يرمي بالكلم من غير‬
‫روية وهو تصحيف )‪ " (1‬ول يعجل " أي في الكلم والعمل " ول يضجر‬
‫" في القاموس ضجر منه وبه كفرح و تضجر تبرم‪ ،‬وفي الصحاح الضجر‬
‫القلق من الغم وقال البطر الشر‪ ،‬وهو شدة المرح‪ ،‬وقد بطر بالكسر يبطر‬
‫والبطر أيضا الحيرة والدهش وفي القاموس البطر محركة النشاط والشر‪،‬‬
‫وقلة احتمال النعمة‪ ،‬والدهش والحيرة والطغيان بالنعمة وكراهة الشئ من‬
‫غير أن يستحق الكراهة‪ ،‬فعل الكل كفرح وقال‪ :‬الحيف الجور‪ ،‬والظلم‪" .‬‬
‫ول يجور في علمه " أي ل يظلم أحدا بسبب علمه أو ل يظهر خلف ما‬
‫يعلم‪ ،‬وربما يقرأ " يجوز " بالزاي أي ل يتجاوز عن العلم الضروري إلى‬
‫غيره " نفسه أصلب من الصلد " أي من الحجر الصلب كناية عن شدة‬
‫تحمله للمشاق أو عن عدم عدوله عن الحق وتزلزله فيه بالشبهات‪ ،‬وعدم‬
‫ميله إلى الدنيا بالشهوات وفي القاموس الصلد ويكسر الصلب الملس‪" .‬‬
‫ومكادحته أحلى من الشهد " في القاموس كدح في العمل كمنع سعى‬
‫وعمل لنفسه خيرا أو شرا وكد ووجهه خدش أو عمل به ما يشينه ككدحه‬
‫أو أفسده ولعياله كسب كاكتدح وفي الصحاح الكدح العمل والسعي‬
‫والخدش والكسب‪ ،‬يقال هو يكدح في كذا أي يكد وقوله تعالى " إنك كادح‬
‫إلى ربك كدحا " )‪ (2‬أي تسعى انتهى والشهد العسل وقيل المكادحة هنا‬
‫المنازعة‪ ،‬أي منازعته لرفعة فيها أحلى من العسل وكأنه أخذه من الكدح‬
‫بمعنى الخدش والعض‪ ،‬استعير هنا لمطلق المنازعة في النهاية كل أثر من‬
‫خدش أو عض فهو كدح‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في‬
‫تحصيل المعيشة والمور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف وقيل الكدح‬
‫الكد والسعي وحلوة مكادحته‬

‫)‪ (1‬لكنه النسب بالسجع‪ (2) .‬النشقاق‪.6 :‬‬

‫]‪[372‬‬

‫لحلوة ثمرتها‪ ،‬فان التعب في سبيل المحبوب راحة‪ " .‬لجشع " في القاموس‬
‫الجشع محركة أشد الحرص وأسوءه وأن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب‬
‫غيرك‪ ،‬وقد جشع كفرح فهو جشع‪ ،‬وقال‪ :‬الهلع محركة أفحش الجزع‪،‬‬
‫وكصرد الحريص‪ ،‬والهلوع من يجزع ويفزع من الشر ويحرص ويشح‬
‫على المال أو الضجور ل يصبر على المصائب وقال‪ :‬العنف مثلثة العين‪،‬‬
‫ضد الرفق وقال‪ :‬الصلف بالتحريك قلة نماء الطعام وبركته‪ ،‬وإن ل تحظى‬
‫المرأة عند زوجها والتكلم بما يكرهه صاحبك‪ ،‬والتمدح بما ليس عندك‪ ،‬أو‬
‫مجاوزة قدر الظرف والدعاء فوق ذلك تكبرا وهو صلف ككتف وأقول أكثر‬
‫المعاني مناسبة‪ .‬وقال‪ :‬المتكلف العريض لما ل يعنيه ونحوه قال الجوهرى‬
‫وقال‪ :‬تكلفت الشئ تجشمته أي ارتكبته على مشقة " ول متعمق " أي ل‬
‫يتعمق ول يبالغ في المور الدنيوية‪ ،‬وقيل ل يطول الكلم ول يسعى في‬
‫تحسينه لظهار الكمال قال في القاموس عمق النظر في المور بالغ وتعمق‬
‫في كلمه تنطع وقال‪ :‬تنطع في الكلم تعمق وغالى وتأنق‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون المراد عدم التعمق في المعارف اللهية فانه أيضا ممنوع‪ ،‬لقصور‬
‫العقول عن الوصول إليها لما مر في كتاب التوحيد بسند صحيح قال‪ :‬سئل‬
‫علي بن الحسين عن التوحيد فقال‪ :‬إن ال عزوجل علم أنه يكون في آخر‬
‫الزمان أقوام متعمقون فأنزل ال تعالى " قل هو ال أحد ‪ -‬واليات من‬
‫سورة الحديد إلى قوله ‪ -‬عليم بذات الصدور " فمن رام وراء ذلك فقد هلك‬
‫)‪ " .(1‬جميل المنازعة " أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن‬
‫الوجوه " كريم المراجعة " قد مر أن مراجعته في السؤال تفهم‪ ،‬وهنا‬
‫يصفها بالكرم أي يأتي بها في غاية الملينة‪ ،‬وحسن الدب‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد‬
‫بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب أو السهو أو الخطاء " عدل إن غضب "‬
‫أي ل يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه " رفيق إن طلب "‬
‫أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق‪ ،‬سواء كان له عنده حق أم ل‪،‬‬
‫ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 3‬ص ‪ 263‬و ‪ 264‬من هذه الطبعة‪.‬‬

‫]‪[373‬‬

‫برفق‪ ،‬أو إن طلب أحد منه حقه يجيبه برفق‪ " .‬ل يتهور " التهور الفراط في‬
‫الشجاعة‪ ،‬وهو مذموم‪ ،‬قال في القاموس‪ :‬تهور الرجل وقع في المر بقلة‬
‫مبالة " ول يتهتك " قد مر ذلك‪ ،‬فهو تأكيد أو المراد هنا هتك ستر الغير‪،‬‬
‫فيكون تأسيسا لكن ل يساعده اللغة كما عرفت " ول يتجبر " أي ل يتكبر‬
‫على الغير‪ ،‬أو ل يعد نفسه كبيرد " خالص الود " أي محبته خالصة ل أو‬
‫مخصوصة بال‪ ،‬أو محبته خالصة لكل من يوده غير مخلوطة بالخديعة‬
‫والنفاق وكأن هذا أظهر " وثيق العهد " أي عهده مع ال ومع الخلق‬
‫محكم‪ " .‬وفي العقد " أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال‬
‫سبحانه‪ " :‬أوفوا بالعقود " )‪ (1‬على بعض الوجوه قال في مجمع البيان‪:‬‬
‫اختلف في هذه العقود على أقوال‪ :‬أحدها أن المراد بها العهود التي كان‬
‫أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة والمؤازرة والمظاهرة‪،‬‬
‫على من حاول ظلمهم أو بغاهم سوءا وذلك هو معنى الحلف‪ .‬وثانيها أنها‬
‫العهود التي أخذ ال سبحانه على عباده باليمان به‪ ،‬والطاعة فيما أحل‬
‫لهم أو حرم عليهم‪ .‬وثالثها أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم‬
‫ويعقدها المرء على نفسه كعقد اليمان‪ ،‬وعقد النكاح‪ ،‬وعقد العهد‪ ،‬وعقد‬
‫البيع‪ ،‬وعقد الحلف‪ .‬ورابعها أن ذلك أمر من ال سبحانه لهل الكتاب‬
‫بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبينا صلى‬
‫ال عليه وآله وما جاء به من عند ال‪ ،‬وأقوى هذه القوال عن ابن عباس‬
‫أن المراد بها عقود ال التي أوجبها على العباد في الحلل والحرام‪،‬‬
‫والفرائض والحدود‪ ،‬ويدخل في ذلك جميع القوال الخر‪ ،‬فيجب الوفاء‬
‫بجميع ذلك إل ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح انتهى )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .1 :‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪ 151‬و ‪.152‬‬

‫]‪[374‬‬

‫والعلماء مدارهم في الستدلل على لزوم العقود بهذه الية‪ ،‬وقد يحمل العقد في هذا‬
‫الخبر على العتقاد‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الشفق حرض الناصح على صلح‬
‫المنصوح وهو مشفق وشفيق وحاصله أنه ناصح ومشفق على المؤمنين‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬خائف من ال والول أظهر " وصول " للرحم أو العم منهم ومن‬
‫سائر المؤمنين " والحلم " الناة والعقل كما في القاموس‪ ،‬وقال الراغب‪:‬‬
‫الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلم‪ ،‬قال ال تعالى‬
‫" أم تأمرهم أحلمهم بهذا " قيل معناه عقولهم‪ ،‬وليس الحلم في الحقيقة‬
‫هو العقل‪ ،‬لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل )‪ " .(1‬خمول " في‬
‫أكثر النسخ بالخاء المعجمة وفي بعضها بالحاء المهملة فعلى الول المعنى‬
‫أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس‪ ،‬وكأنه محمول على أنه ل يحب‬
‫الشهرة ول يسعى فيها ل أن الشهرة مطلقا مذمومة‪ ،‬في القاموس‪ :‬خمل‬
‫ذكره وصوته خمول خفي‪ ،‬وأخمله ال فهو خامل ساقط ل نباهة له‪ ،‬وعلى‬
‫الثاني إما المراد به الحلم تأكيدا أو المراد بالحليم العاقل أو أنه يتحمل‬
‫المشاق للمؤمنين والول أظهر‪ ،‬في القاموس حمل عنه حلم فهو حمول ذو‬
‫حلم‪ " .‬قليل الفضول " الفضول جمع الفضل‪ ،‬وهي الزوائد من القول‬
‫والفعل في القاموس الفضل ضد النقص والجمع فضول‪ ،‬والفضولي بالضم‬
‫المشتغل بما ل يعنيه " مخالف لهواه " أي لما تشتهيه نفسه مخالفا للحق‬
‫قال الراغب‪ (2) :‬الهوى ميل النفس إلى الشهوة‪ ،‬ويقال ذلك للنفس المائلة‬
‫إلى الشهوة‪ ،‬وقيل سمي بذلك لنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية‬
‫وفي الخرة إلى الهاوية وقد عظم ال ذم اتباع الهوى‪ ،‬فقال‪ " :‬أفرأيت من‬
‫اتخذ إلهه هواه " )‪ (3‬وقال‪ :‬ول تتبع‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ص ‪ (2) .129‬المفردات ص ‪ (3) .548‬الجاثية‪.23 :‬‬

‫]‪[375‬‬

‫الهوى فيضلك عن سبيل ال " )‪ " (1‬واتبع هواه وكان أمره فرطا " )‪ " (2‬ولئن‬
‫اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم " )‪ (3‬وقال‪ " :‬ول تتبع أهواء‬
‫الذين ل يعلمون " )‪ " (4‬ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل " )‪" (5‬‬
‫ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " )‪ (6‬انتهى‪ .‬ل يغلظ على‬
‫بناء الفعال يقال أغلظ له في القول أي خشن أو على بناء التفعيل أو على‬
‫بناء المجرد ككرم قال في المصباح‪ :‬غلظ الرجل اشتد فهو غليظ‪ ،‬وفيه‬
‫غلظة أي غير لين ول سلس وأغلظ له في القول إغلظا‪ ،‬وغلظت عليه في‬
‫اليمين تغليظا شددت عليه‪ ،‬وأكدت‪ " .‬على من دونه " دينا أو دنيا أو‬
‫العم " ول يخوض " أي ل يدخل " فيما ل يعنيه " أي ل يهمه في‬
‫القاموس عناه المر يعنيه وعنوه عناية وعناية أهمه واعتنى به اهتم "‬
‫ناصر للدين " اصوله وفروع‪ ،‬قول وفعل " محام عن المؤمنين " أي‬
‫يرفع الضرر عنهم في القاموس حاميت عنه محاماة وحماء منعت عنه "‬
‫كهف للمسلمين " في القاموس الكهف الوزر‪ ،‬والملجاء " ل يخرق الثناء‬
‫سمعته " كأن المراد بالخرق الشق‪ ،‬وعدمه كناية عن عدم التأثير فيه‪،‬‬
‫كأنه لم يسمعه وما قيل من أنه على بناء الفعال أي ل يصير سمعه ذا‬
‫خرق وحمق فل يخى بعده‪ " .‬ول ينكى الطمع قلبه " أي ل يؤثر في قلبه‪،‬‬
‫ول يستقر فيه‪ ،‬وفيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة ل تبرء‬
‫في القاموس نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت وقال في المعتل‪:‬‬
‫نكى العدو وفيه نكاية قتل وجرح والقرحة نكأها‪.‬‬

‫)‪ (1‬ص‪ (2) .26 :‬الكهف‪ (3) .28 :‬الجاثية‪ (4) .18 :‬البقرة‪ (5) .120 :‬المائدة‪:‬‬
‫‪ (6) .77‬القصص‪.50 :‬‬

‫]‪[376‬‬

‫أقول فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا وغير مهموز‪ " .‬ول يصرف اللعب حكمه " أي‬
‫حكمته‪ ،‬والمعنى ل يلتفت إلى اللعب لحكمته كما قال تعالى " وإذا مروا‬
‫باللغو مروا كراما )‪ (1‬أو المعنى أن المور الدنيوية ل تصير سببا لتغيير‬
‫حكمه‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬وما هذه الحياة الدنيا إل لهو ولعب " )‪ " .(2‬ول‬
‫يطلع الجاهل علمه " ل يطلع على بناء الفعال‪ ،‬والمراد بالجاهل‬
‫المخالفون أي يتقي منهم أو ضعفاء العقول‪ ،‬فالمراد بالعلم مال يستطيعون‬
‫فهمه كما مر " قوال " أي كثير القول لما يحسن قوله " عمال " كثير‬
‫الفعل والعمل بما يقوله " عالم " قيل هو ناظر إليه قوله قوال و " حازم‬
‫" ناظر إلى قوله عمال والحزم رعاية العواقب وفي القاموس الحزم ضبط‬
‫المر والخذ فيه بالثقة " ل بفحاش " في القاموس الفحش عدوان‬
‫الجواب‪ ،‬وقال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من‬
‫الفعال والقوال‪ .‬وفي القاموس الطيش النزق والخفة‪ ،‬طاش يطيش فهو‬
‫طائش وطياش‪ ،‬وذهاب العقل والطياش من ل يقصد وجها واحدا‪" .‬‬
‫وصول في غير عنف " كأن " في " بمعنى " مع " أي يعاشر الرحام‬
‫والمؤمنين ويحسن إليهم بحيث ل يصير سببا للثقل عليهم‪ ،‬أو وصله دام‬
‫غير مشوب بعنف‪ ،‬أو يصلهم بالمال ول يعنف عليهم عند العطاء‪ ،‬ول‬
‫يؤذيهم بالقول والفعل‪ " .‬بذول في غير سرف " أي يبذل المال مع غير‬
‫إسراف " ول بختار " وفي بعض النسخ " ول بختال " في القاموس‬
‫الختر الغدر والخديعة‪ ،‬أو أقبح الغدر‪ ،‬وهو خاتر وختار‪ ،‬وقال‪ :‬ختله يختله‬
‫ويختله ختل وختلنا خدعه والذئب الصيد تخفى له‪ ،‬فهو خاتل وختول‪،‬‬
‫وخاتله خادعه‪ ،‬وتخاتلوا تخادعوا " ل يقتفي أثرا " أي ل يتبع عيوب‬
‫الناس أو ل يتبع أثر من ل يعلم حقيقة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) .72 :‬العنكبوت‪(*) .64 :‬‬

‫]‪[377‬‬

‫" ول يحيف بشرا " بالحاء المهملة‪ ،‬وفي بعض النسخ بالمعجمة فعلى الول هو‬
‫من الحيف الجور والظلم‪ ،‬وعلى الثاني من الخافة " ساع في الرض "‬
‫أي لقضاء حوائج المؤمنين وعيادة مرضاهم‪ ،‬وشهود جنائزهم‪ ،‬وهدايتهم‬
‫وإرشادهم‪ .‬و " الغوث " اسم من الغاثة‪ ،‬وهي النصرة وأغاثهم ال‬
‫برحمته‪ ،‬كشف ال شدتهم وفي القاموس لهف كفرح‪ :‬حزن وتحسر‬
‫كتلهف عليه‪ ،‬والملهوف واللهيف واللهفان واللهف‪ ،‬المظلوم المضطر‬
‫يستغيث ويتحسر انتهى‪ .‬وهتك الستر إفشاء العيوب " ول يكشف سرا "‬
‫أي سر نفسه أو سر غيره أو العم والشكوى الشكاية " إن رأى خيرا "‬
‫بالنسبة إليه أو مطلقا " ذكره " عند الناس " وإن عاين شرا " بالنسبة‬
‫إليه أو مطلقا " ستره " عن الناس‪ ،‬وحفظ الغيب أن يكون في غيبة أخيه‬
‫مراعيا لحرمته‪ ،‬كرعايته عند حضوره‪ " .‬ويقيل العثرة " أصل القالة هو‬
‫أن يبيع النسان من آخر شيئا فيندم المشتري فيستقيل البايع أي يطلب‬
‫عنه فسخ البيع‪ ،‬فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه ثم يستعمل ذلك في أن‬
‫يفعل أحد بغيره ما يستحق تأديبا أو ضررا فيعتذر منه‪ ،‬ويطلب العفو فيعفو‬
‫عنه كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا‪ ،‬ومنه قولهم أقال ال عثرته‪ .‬وغفر‬
‫الزلة أيضا قريب من ذلك يقال‪ :‬أرض مزلة تزل فيه القدام‪ ،‬وزل في‬
‫منطقه أو فعله يزل من باب ضرب زلة أخطأ ويمكن أن تكون الثانية تأكيدا‬
‫أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به‪ ،‬والخرى على الخطاء الذي‬
‫صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه‪ ،‬أو تكون إحداهما محمولة على‬
‫العمد الخرى على الخطأ‪ ،‬أو إحداهما على القول‪ ،‬والخرى على الفعل‪ ،‬أو‬
‫إحداهما على نقض العهد والوعد والخرى على غيره‪ " .‬ل يطلع على‬
‫نصح فيذره " ل يطلع بالتشديد على بناء الفتعال أي إذا اطلع على نصح‬
‫لخيه ل يتركه بل يذكره له " ول يدع جنح حيف فيصلحه " في القاموس‪:‬‬
‫الجنح بالكسر الجانب‪ ،‬والكنف‪ ،‬والناحية‪ ،‬ومن الليل الطائفة منه‪ ،‬ويضم‬
‫وقال الحيف الجور والظلم‪ ،‬والحاصل أنه ل يدع شيئا من الظلم يقع منه أو‬
‫من غيره على‬

‫]‪[378‬‬

‫أحد بل يصلحه‪ ،‬أو ل يصدر منه شئ من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه وفي بعض‬
‫النسخ " جنف " بالجيم والنون‪ ،‬وهو محركة الميل والجور‪ " .‬أمين "‬
‫يأتمنه الناس على مالهم وعرضهم " رصين " بالصاد المهملة وتقدم وفي‬
‫بعض النسخ بالضاد المعجمة وفي القاموس المرضون شبه المنضود من‬
‫حجارة ونحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء وغيره " تقى " عن‬
‫المعاصي " نقي " عن ذمائم الخلق أو مختار يقال انتقاه أي اختاره "‬
‫زكي " أي طاهر من العيوب أو تام في الكمالت أو صالح في القاموس زكا‬
‫يزكو زكاء نما كأزكا وزكاه ال وأزكاه‪ ،‬والرجل صلح وتنعم فهو زكي من‬
‫أزكياء‪ ،‬وفي بعض النسخ بالذال أي يدرك المطالب العلية من المبادي‬
‫الخفية بسهولة " رضي " أي راض عن ال‪ ،‬وعن الخلق أو مرضي‬
‫عندهما كما قال تعالى‪ " :‬واجعله رب رضيا " )‪ (1‬أي مرضيا عندك قول‬
‫وفعل‪ " .‬ويجمل الذكر " على بناء الفعال أي يذكرهم بالجميل " ويتهم‬
‫على العيب نفسه " بالعين المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة أي يتهم‬
‫نفسه غائبا عن الناس ل كالمرائي الذي يظهر ذلك عند الناس وليس كذلك‬
‫أو يتهم نفسه على ما يغيب عن الناس من عيوبه الباطنة الخفية‪ " .‬يحب‬
‫في ال بفقه وعلم " أي يحب في ال ول من يعلم أنه محبوب ل ويلزم‬
‫محبته ل كالجهال الذين يحبون أعداء ال لزعمهم أنهم أولياء ال‬
‫كالمخالفين " ويقطع في ال بحزم وعزم " أي يقطع من أعداء ال بحزم‬
‫ورعاية للعاقبة‪ ،‬فانه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقية وهو عازم على‬
‫قطعهم‪ ،‬ل كمن يصل يوما ويقطع يوما‪ " .‬ل يخرق به فرح " يخرق‬
‫كيحسن والباء للتعدية أي ل يصير الفرح سببا لخرقه وسفهه‪ ،‬قال في‬
‫المصباح‪ :‬الفرح يستعمل في معان أحد الشر والبطر وعليه قوله تعالى "‬
‫إن ال ل يحب الفرحين " )‪ (2‬والثاني الرضا وعليه قوله تعالى‬

‫)‪ (1‬مريم‪ (2) .7 :‬القصص‪.76 :‬‬

‫]‪[379‬‬
‫" كل حزب بما لديهم فرحون " )‪ (1‬والثالث السرور وعليه قوله تعالى " فرحين‬
‫بما آتيهم ال من فضله " )‪ (2‬ويقال فرح بشجاعته وبنعمة ال عليه‬
‫وبمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي‪ " .‬ول يطيش به‬
‫مرح " أي ل يصير شدة فرحه سببا لنزقه وخفته‪ ،‬وذهاب عقله أو عدوله‬
‫عن الحق وميله إلى الباطل في القاموس الطيش جواز السهم الهدف‬
‫وأطاشه أماله عن الهدف‪ ،‬وقال‪ :‬مرح كفرح‪ :‬أشر وبطر‪ ،‬واختال ونشط‬
‫وتبختر وقال الجوهري المرح شدة الفرح والنشاط‪ " .‬مذكر العالم "‬
‫الخرة أو مسائل الدين " ل يتوقع له بائقة " أي ل يخاف أن يصدر منه‬
‫داهية وشر في القاموس توقع المر انتظر كونه‪ ،‬وقال‪ :‬بالبائقة الداهية‬
‫وباق جاء بالشر والخصومات وقال الجوهري‪ :‬فلن قليل الغائلة والمغالة‬
‫أي الشر‪ .‬الكسائي‪ :‬الغوائل الدواهي‪ " .‬كل سعي أخلص عنده من سعيه "‬
‫أي لحسن ظنه بالناس‪ ،‬واتهامه لنفسه سعي كل أحد في الطاعات أخلص‬
‫عنده من سعيه‪ ،‬وقريب منه الفقرة التالية‪ ،‬وقوله " عالم بعيبه " كالدليل‬
‫عليها " شاغل بغمه " أي غمه لخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب‬
‫الناس أو إلى الدنيا ولذاتها‪ " .‬قريب " في أكثر النسخ بالقاف أي قريب‬
‫من ال أو قريب عن الناس ل يتكبر عليهم‪ ،‬أو من فهم المسائل والطلع‬
‫على السرار قال في النهاية فيه‪ :‬اتقوا قراب المؤمن فانه ينظر بنور ال‪،‬‬
‫وروي قرابة المؤمن يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم‬
‫والتحقق‪ ،‬لصدق حدسه وإصابته انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬كونه مأخوذا منه ليس‬
‫بقريب والظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي ل يجد مثله‪ ،‬فهو‬
‫بين الناس غريب‪ ،‬ولذا يعيش فردا ل يأنس بأحد قال في النهاية فيه إن‬
‫السلم بدا غريبا وسيعود كما بدا‪ ،‬فطوبى للغرباء‪ .‬أي أنه كان‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) .32 :‬آل عمران‪170 :‬‬

‫]‪[380‬‬

‫في أول أمره كالغريب الوحيد الذي ل أهل له عنده‪ ،‬لقلة المسلمين يومئذ‪ ،‬وسيعود‬
‫غريبا كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء‪،‬‬
‫فطوبى للغرباء أي الجنة لولئك المسلمين الذين كانوا في أول السلم‬
‫ويكونون في آخره‪ ،‬وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أول وآخرا‪،‬‬
‫ولزومهم دين السلم انتهى‪ " .‬وحيد " أي يصبر على الوحدة أو فريد ل‬
‫مثل له " حزين " لضللة الناس وقلة أهل الحق " ل ينتقم لنفسه بنفسه‬
‫" بل يصبر حتى ينتقم ال له في الدنيا أو في الخرة " ول يوالي في سخط‬
‫ربه " أي ليس موالته لمعاصي ال وفي القاموس الصداقة المحبة‬
‫والمصادقة والصداق المخالة كالتصادق‪ ،‬والموازرة والمعاونة‪ " .‬عون "‬
‫أي معاون " للغريب " النائي عن بلده أو للقرباء من أهل الحق كما ورد‬
‫أن المؤمن غريب " أب لليتيم " أي كالب له‪ ،‬وكذا البعل وفي الصحاح‬
‫الرملة المرأة التي ل زوج لها‪ ،‬وفي القاموس امرأة رملة محتاجة أو‬
‫مسكينة والجمع أرامل وأراملة‪ ،‬والرمل العزب وهي بهاء‪ ،‬أو ل يقال‬
‫للعزبة الموسرة أرملة‪ " .‬حفي بأهل المسكنة " قال الراغب‪ :‬الحفي البر‬
‫اللطيف في قوله عز ذكره " إنه كان بي حفيا " )‪ (1‬ويقال‪ :‬حفيت بفلن‬
‫وتحفيت به إذا عنيت باكرامه و الحفي العالم بالشئ‪ " .‬مرجو لكل كريهة‬
‫" أي يرجى لرفع كل كريهة‪ ،‬ويأمله الناس لدفع كل شدة‪ ،‬ولو بالدعاء إن‬
‫لم تمكنه العانة الظاهرة وفي القاموس الكريهة الحرب أو الشدة في‬
‫الحرب والنازلة وقيل‪ :‬المرجو أقرب إلى الوقوع من المأمول‪ " .‬هشاش‬
‫بشاش " قال الجوهري‪ :‬الهشاشة الرتياح والخفة للمعروف وقد هششت‬
‫بفلن بالكسر أهش هشاشة إذا خففت إليه وارتحت له‪ ،‬ورجل هش بش‬
‫وقال‪ :‬البشاشة طلقة الوجه ورجل هش بش أي طلق الوجه " ل بعباس‬
‫" أي كثير العبوس‪ " ،‬ول بجساس " أي ل كثير التجسس لعيوب الناس‪.‬‬

‫)‪ (1‬مريم‪ 47 :‬راجع المفردات‪.125 :‬‬

‫]‪[381‬‬

‫" صليب " أي متصلب شديد في امور الدين " كظام " يكظم الغيظ كثيرا يقال كظم‬
‫غيظه أي رده وحبسه " بسام " أي كثير التبسم " دقيق النظر " أي نافذ‬
‫الفكر في دقائق المور " عظيم الحذر " عن الدنيا ومهالكها وفتنها " ل‬
‫يبخل " بمنع حقوق الناس واجباتها ومندوباتها " وإن بخل عليه " بمنع‬
‫حقوقه " صبر "‪ " .‬عقل " أي فهم قبح المعاصي " فاستحيى " من‬
‫ارتكابها أو عقل أن ال مطلع عليه في جميع أحواله فاستحيى من أن‬
‫يعصيه و " قنع " بما أعطاه ال " فاستغنى " عن الطلب من المخلوقين‬
‫" حياؤه " من ال ومن الخلق " يعلو شهوته " فيمنعه عن اتباع‬
‫الشهوات النفسانية " ووده للمؤمنين يعلو حسده " أي يمنعه عن أن‬
‫يحسدهم على ما أعطاهم ال " وعفوه " عن زلت إخوانه وما أصابه‬
‫منهم من الذى " يعلو حقده " عليهم‪ " .‬ول يلبس إل اقتصاد " أي‬
‫يقتصد ويتوسط في لباسه فل يلبس ما يلحقه بدرجة المسرفين والمترفين‪،‬‬
‫ول ما يلحقه بأهل الخسة والدناءة فان ال يحب أن يرى أثر نعمته على‬
‫خلقه أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد‪ ،‬كما هو دأب المتصوفة‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون المراد جعله القتصاد في جميع اموره شعارا ودثارا على الستعارة‪.‬‬
‫" ومشيه التواضع " أي ل يختال في مشيه‪ ،‬وقيل هو العدل بين رذيلتي‬
‫المهانة والكبر‪ .‬واقول‪ :‬يحتمل أن يكون المراد‪ :‬مسلكه وطريقته التواضع‪.‬‬
‫" بطاعته " أي بأن يطيعه أو بسبب طاعته " في كل حالته " أي من‬
‫الشدة والرخاء‪ ،‬والنعمة والبلء " خالصة " أي ل سبحانه " ليس فيها‬
‫غش " ل أو للخلق أو العم في القاموس غشه لم يمحضه النصح أو‬
‫أظهر له خلف ما أضمر‪ ،‬والغش للكسر السم منه‪ " .‬نظره " إلى‬
‫المخلوقات " عبرة " واستدلل على وجود الخالق وعلمه وقدرته ولطفه‬
‫وحكمته وإلى الدنيا عبرة بفنائها وانقضائها " وسكوته فكرة " أي تفكر‬
‫في عظمة ال وقدرته‪ ،‬وفناء الدنيا وعواقب اموره‪ ،‬والحمل في تلك‬
‫الفقرات للمبالغة‬

‫]‪[382‬‬

‫في السببية فان النظر سبب للعبرة‪ ،‬والسكوت سبب للفكرة " مناصحا " نصبه‬
‫واختيه على الحال مما اضيف إليه المبتدأ على القول بجوازه‪ ،‬وقيل نصبها‬
‫على الختصاص أي ينصح أخاه ويقبل منه النصح " متباذل " أي يبذل‬
‫أخاه من المال والعلم ويقبل منه " متواخيا " أي يواخي مع خلص‬
‫المؤمنين ل وفي ال " ناصحا في السر والعلنية " أي ينصح في السر‬
‫إن اقتضته المصلحة‪ ،‬وفي العلنية إن اقتضته الحكمة‪ ،‬أو المراد بالسر‬
‫القلب‪ ،‬وبالعلنية اللسان‪ ،‬إشارة إلى أن نصحه غير مشوب بالخدعة‪ " .‬ل‬
‫يهجر أخاه " الهجر ضد الوصل أي ل يترك صحبته " ول يأسف على ما‬
‫فاته " أي من النعم‪ ،‬في القاموس السف محركة أشد الحزن‪ ،‬أسف كفرح‬
‫وعليه غضب " ول يحزن على ما أصابه " أي من البلء " ول يرجو ما‬
‫ل يجوز له الرجاء " كأن يرجو البقاء في الدنيا أو درجة النبياء‬
‫والوصياء أو المور الدنيوية كالمناصب الباطلة‪ " .‬ول يفشل في الشدة "‬
‫أي ل يكسل في العبادة في حال الشدة أو ل يضطرب ول يجبن فيها‪ ،‬بل‬
‫يصبر أو يقدم على دفعها بالجهاد ونحوه‪ ،‬في القاموس فشل كفرح فهو‬
‫فشل‪ :‬كسل وضعف وتراخى وجبن " يمزج العلم بالحلم " أي بالعفو وكظم‬
‫الغيظ أو العقل والول أظهر لن العلم يصير غالبا سببا للتكبر والترفع‬
‫وترك الحلم " والمزج " الخلط والفعل كنصر " والعقل بالصبر " أي مع‬
‫وفور عقله يصبر على جهل الجهال أو يصبر على المصائب لقوة عقله‪،‬‬
‫وقيل أي مع عقله وفهمه أحوال الخلئق يصبر عليها‪ " .‬تراه بعيدا كسله‬
‫" أي في العبادات " دائما نشاطه " أي رغبته في الطاعات في القاموس‬
‫نشط كسمع نشاطا طابت نفسه للعمل وغيره " قريبا أمله " أي ل يأمل ما‬
‫يبعد حصوله من امور الدنيا أو ل يأمل ما يتوقف حصوله على عمر‬
‫طويل‪ ،‬بل يعد موته قريبا والحاصل أنه ليس له طول المل أو ل يؤخر ما‬
‫يريده من الطاعة ول يسوف فيها " قليل زل " لتيقظه وأخذه بالحائطة‬
‫لدينه " متوقعا لجله " أي‬
‫]‪[383‬‬

‫منتظرا له يعده قريبا منه " خاشعا قلبه " أي خاضعا منقادا لمر ال‪ ،‬متذكرا له‬
‫خائفا منه سبحانه " قانعة نفسه " بما أعطاه ربه " منفيا جهله " لوفور‬
‫علمه " سهل أمره " أي هو خفيف المؤنة أو يصفح عن السفهاء ول‬
‫يصر على النتقام منهم وقيل أي ل يتكلف لحد ول يكلف أحدا‪ " .‬ميتة‬
‫شهوته " أي هو عفيف النفس " صافيا خلقه " عن الغلظ والخشونة "‬
‫محكما أمره " أي أمر دينه أو العم " ليسلم " أي من آفات اللسان "‬
‫ويتجر ليغنم " أي ليحصل الغنيمة والربح ل للفخر والحرص على جمع‬
‫الموال والذخيرة‪ ،‬أو المراد بالغنيمة الفوائد الخروية أي يتجر لينفق ما‬
‫يحصل له في سبيل ال فتحصل له الغنائم الخروية كذا أفاده الوالد رحمه‬
‫ال أو المراد بالتجارة أيضا التجارة الخروية كما قال تعالى " يا أيها‬
‫الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بال‬
‫ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم‬
‫تعلمون " )‪ " .(1‬ل ينصت للخير ليفخر به " أي ل يسكت مستمعا لقول‬
‫الخير لينقله في مجلس آخر فيفخر به‪ ،‬في القاموس نصت ينصت وأنصت‬
‫وانتصت سكت وأنصته وله سكت له واستمع لحديثه وأنصته أسكته‪ ،‬وفي‬
‫بعض النسخ " ل ينصب للخير ليفجر به " أي ل يقبل المنصب الشرعي‬
‫ليفجر به‪ ،‬ويحكم بالفجور‪ ،‬ويرتشي ويقضي بالباطل " ول يتكلم " أي‬
‫بالخير‪ " .‬نفسه منه في عناء " لرياضتها في الطاعات " والناس منه في‬
‫راحة " وفسر هذا بقوله " أتعب نفسه لخرته فأراح الناس من نفسه "‬
‫لن شغله بأمر نفسه يشغله عن العباض لغيره‪ ،‬وربما يفرق بين الفقرات‬
‫بأن المراد بالفقرتين الوليين أن نفسه المارة منه في عناء وتعب لمنعها‬
‫عن هواها وزجرها عن مشتهاها فصار الناس منه في راحة لن المدومة‬
‫على الطاعات والرياضات تصير النفس سليمة حليمة غير مائلة إلى‬
‫المعارضات " الذي ينتصر له " أي ينتقم لم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الصف‪.11 :‬‬

‫]‪[384‬‬

‫" بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة " أي إنما يبعد عن الكفار والفساق للبغض‬
‫في ال والنزاهة والبعد عن أعمالهم وأفعالهم والنزاهة بالفتح التباعد عن‬
‫كل قذر ومكروه‪ ،‬و " دنوه ممن دنا منه " من المؤمنين " لين ورحمة "‬
‫أي ملينة وملطفة وترحم " ول عظمة " أي تجبرا وعد النفس عظيما‬
‫وقيل المراد بها العظمة الواقعية وفي القاموس خلبه كنصره خلبا وخلبا‬
‫وخلبة بكسرهما خدعه " بل يقتدي " أي في هذا البعد والدنو‪ .‬أقول‪ :‬هذه‬
‫الصفات قد يتداخل بعضها في بعض‪ ،‬ولكن تورد بعبارة اخرى أو تذكر‬
‫مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها‪ ،‬وهذا النوع من التكرار في الخطب‬
‫والمواعظ مطلوب لمزيد التذكار‪ " .‬ثم وقع مغشيا عليه " كأن المراد به‬
‫أنه مات من غشيته‪ ،‬كما سيأتي )‪ (1‬في رواية النهج " هكذا تصنع‬
‫المواعظ البالغة " " هكذا " في حل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله "‬
‫تصنع " والتقدم للحصر‪ ،‬والمشار إليه نوع من التأثير صار في همام‬
‫سبب موته " بأهلها " أي بمن تؤثر فيه ويتدبرها ويفهمها كما ينبغي‪" .‬‬
‫فما بالك يا أمير المؤمنين " أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات‬
‫أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلى ال عليه وآله ما فعل بهمام أو لم‬
‫أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه ؟ فعلى الول الجواب يحتمل وجوها‪:‬‬
‫الول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل وصيرورته في همام سبب موته‬
‫لضعف نفسه وقلة حوصلته‪ ،‬وعدم اتصافه ببعض تلك الصفات ل يستلزم‬
‫صيرورته سببا للموت في كل أحد‪ ،‬لسيما فيه صلوات ال عليه‪ .‬الثاني ما‬
‫ذكره بعض المحققين وهو أنه أجابه عليه السلم بالشارة إلى السبب‬
‫البعيد وهو الجل المحتوم به القضاء اللهي وهو جواب مقنع للسامع مع‬
‫أنه حق وصدق وأما السبب القريب الفرق بينه وبين همام ونحوه لقوة‬
‫نفسه القدسية على قبول الواردات اللهية وتعوده بها وبلوغ رياضته حد‬
‫السكينة عند ورود أكثرها وضعف‬

‫)‪ (1‬بل مر تحت الرقم ‪ 50‬ص ‪(*) .271‬‬

‫]‪[385‬‬

‫نفس همام عما ورد عليه من خوف ال ورجائه‪ ،‬وأيضا فانه عليه السلم كان‬
‫متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها‪ .‬قيل‪ :‬ولم يجب‬
‫عليه السلم بمثل هذا الجواب لستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم‬
‫السائل‪ ،‬وهذا قريب من الول لكن الول أظهر لنه عليه السلم أشار إلى‬
‫الفرق إجمال بأن الجال منوطة بالسباب‪ ،‬والسباب في المواد مختلفة‪،‬‬
‫فيمكن أن يؤثر في بعض المواد ول يؤثر في بعضها‪ .‬الثالث أن يكون‬
‫المعنى أن قولنا " هكذا تصنع المواعظ " على تقدير كون " هكذا "‬
‫إشارة إلى الموت‪ ،‬ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة‬
‫ظرف سامعه أو غير ذلك‪ ،‬وليس سببا مستقل للموت بالنسبة إلى أهلها‪،‬‬
‫فان لكل أحد أجل منوطا بأسباب ودواعي ومصالح‪ ،‬والوجوه الثالثة‬
‫متقاربة‪ .‬وقيل يمكن أن يكون كلم السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى‬
‫الماتة وحاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلن هذا التوهم‪ ،‬وأن المشار‬
‫إليه التأثير الكامل كما مر‪ .‬وعلى الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه‬
‫يفعل به ما فعل‪ ،‬والخوف يحصل بمحض الحتمال ومحض الحتمال ل‬
‫يكفي لترك بيان ما أمر ال ببيانه‪ .‬كما قال ابن ميثم‪ :‬إن قيل‪ :‬كيف جاز منه‬
‫عليه السلم أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلكه‪ ،‬وهو كالطبيب يعطي كل من‬
‫المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء ؟ قلت‪ :‬إنه لم يكن يغلب على‬
‫ظنه إل الصعقة عو الوجد الشديد‪ ،‬فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن‬
‫مظنونا له انتهى‪ .‬أقول‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجل مقدرا‬
‫له‪ ،‬ول يمكن الفرار من الجل المقدر بترك ما أمر ال به‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫" قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " )‪(1‬‬
‫على بعض التفاسير‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪.154 :‬‬

‫]‪[386‬‬

‫ويمكن أن يجوز له عليه السلم ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول صلى ال‬
‫عليه وآله فيشبه قصة الغلم وصاحب موسى عليه السلم‪ " .‬وسببا ل‬
‫يجاوزه " الضمير راجع إلى السبب وقال الجوهري‪ :‬المهل بالتحريك‬
‫التؤدة وأمهله أنظره‪ ،‬وتمهل في أمره أي اتأد‪ ،‬وقولهم مهل يا رجل‪،‬‬
‫وكذلك للثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل )‪ (1‬وقال النفث‬
‫شبيه بالنفخ و وهو أقل من التفل‪ .‬أقول‪ :‬وربما يتوهم التنافي بين ما‬
‫تضمن هذا الخبر من صيحة همام عند سماع الموعظة‪ ،‬وبين ما سيأتي في‬
‫كتاب القرآن من ذم أبي جعفر عليه السلم قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن‪،‬‬
‫أو حدثوا به صعق أحدهم )‪ ،(2‬ويمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا ل‬
‫ينافي ذمه عليه السلم قوما كان دأبهم ذلك وكانوا متعمدين لفعله رئاء‬
‫وسمعة‪ ،‬كالصوفية‪.‬‬

‫)‪ (1‬الصحاح ص ‪ (2) .1822‬تراه في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 616‬باب فيمن يظهر‬


‫الغشية عند قراءة القرآن‪.‬‬

‫]‪[387‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على رسول‬
‫ال‪ ،‬محمد وآله امناء ال‪ .‬وبعد‪ :‬فمن سعادتي الخالدة ‪ -‬والشكر لواهبها‬
‫ومنعمها ‪ -‬أن وفقني ال العزيز لخدمة الدين القويم‪ ،‬والخوض في تراثه‬
‫الذهبي القيم‪ ،‬تحقيقا لثار الوحى والرسالة‪ ،‬وتصحيحها وتبريزها بصورة‬
‫تناسب أدنى شأنها‪ ،‬وشأنها أن تكتب بالتبر على ألواح الزبرجد‪ .‬وفي‬
‫مقدمها هذا الموسوعة الكبرى بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة‬
‫الطهار‪ ،‬الباحث عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين‪ ،‬فلله المن‬
‫والشكر على توفيقه لذلك‪ .‬وهذا الجزء الذي نقدمها إلى القراء الكرام هو‬
‫الجزء الول من المجلد الخامس عشر في بيان السلم واليمان‬
‫وشرائطهما‪ ،‬وصفات المؤمنين والمتقين من مكارم الخلق ومحاسن‬
‫العراق وبيان معاني الكفر والنفاق وموجباتهما وعلئم الكفار والمنافقين‬
‫ومقابح خصالهم ومذام خللهم‪ ،‬إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة‬
‫التي ستمر عليكم في طي أجزائها‪ .‬وقد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها‬
‫وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريج أحاديثه‬
‫من المصادر وتعيين موضع النص منها‪ ،‬إل في المصادر المخطوطة‪.‬‬
‫نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج سائر أجزائه‬
‫متواليا متواترا‪ ،‬وأن يعصمنا عن الزلل والخطاء‪ ،‬إنه ولي العصمة‬
‫والتوفيق‪ .‬محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[388‬‬

‫بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الول من المجلد الخامس عشر‪ ،‬وهو الجزء‬
‫الرابع والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر بابا‪ .‬الطهار‪،‬‬
‫الباحث عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين‪ ،‬فلله المن والشكر‬
‫على توفيقه لذلك‪ .‬وهذا الجزء الذي نقدمها إلى القراء الكرام هو الجزء‬
‫الول من المجلد الخامس عشر في بيان السلم واليمان وشرائطهما‪،‬‬
‫وصفات المؤمنين والمتقين من مكارم الخلق ومحاسن العراق وبيان‬
‫معاني الكفر والنفاق وموجباتهما وعلئم الكفار والمنافقين ومقابح‬
‫خصالهم ومذام خللهم‪ ،‬إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة التي‬
‫ستمر عليكم في طي أجزائها‪ .‬وقد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها وتحقيقها‬
‫على النسخة المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريج أحاديثه من‬
‫المصادر وتعيين موضع النص منها‪ ،‬إل في المصادر المخطوطة‪ .‬نرجو‬
‫من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج سائر أجزائه متواليا‬
‫متواترا‪ ،‬وأن يعصمنا عن الزلل والخطاء‪ ،‬إنه ولي العصمة والتوفيق‪.‬‬
‫محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[388‬‬

‫بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الول من المجلد الخامس عشر‪ ،‬وهو الجزء‬
‫الرابع والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر بابا‪ .‬ولقد بذلنا‬
‫الجهد في تصحيحها فخرج بعون ال ومشيته نقيا من الغلط إل نزرا‬
‫زهيدا زاغ منه البصر‪ ،‬وحسر عنه النظر‪ ،‬اللهم ما بنا من نعمة فمنك‬
‫وحدك ل شريك لك‪ ،‬فوفقنا لقرب من هذا رشدا‪ .‬السيد ابراهيم الميانجى‬
‫محمد الباقر البهبودى‬

‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like