Professional Documents
Culture Documents
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر
المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء الرابع
والستون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة
1403ه 1983 -م دار احياء التراث العربي بيروت -لبنان -بناية
كليوباترا -مثارع دكاش -ص -ب 11 / 7957تلفون المستودع:
- 278766 - 273 - 32 - 274696المنزل 83 - 717 - 82 - 711
برقيا :التراث -تلكس ل ى 23644 /تراث
][1
بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل الذي فضل نوع النسان على سائر الحيوان
بالسلم واليمان * وجعل لهما جنودا من مكارم الشيم ومحاسن الخصال
* لتكون لهما حصونا من نزغات الشيطان * والصلة والسلم على النبي
الكريم * الرؤوف الرحيم * الموصوف بالخلق العظيم * المبعوث لتتميم
مكارم الخلق * محمد وآله المخصوصين بين أصناف البرايا بأطيب
العراق * المنصوصين بالفضل والشرف في السبع الطباق * الممدوحين
بأطهر الصفات * وأفخر السمات في جميع الفاق .أما بعد :فهذا هو المجلد
الخامس عشر من كتاب بحار النوار ،في بيان السلم واليمان
وشرائطهما وتوابعهما من مكارم الخلق ومحاسن العراق وآداب
معاشرة أصناف الخلق من القارب والجانب ،وبيان معاني الكفر وما
يوجبه والنفاق وما يستلزمه من مقابح الخصال ومذام الخلل ،وقد أفردت
لبواب العشرة كتابا لصلوحها لجعلها مجلدا برأسها ،وإن أدخلناها في هذا
المجلد في الفهرس المذكور في أول الكتاب ،وأطلب من ال المعونة في
نيل الحق والصواب في كل باب.
][2
) (1البقرة (2) 5 - 1 :البقرة (3) .25 :البقرة (4) 41 :السورة72 :
][3
وقال تعالى " :أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك
منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال
بغافل عما تعملون ) .(1وقال جل وعل :قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن
كنتم مؤمنين ) .(2وقال عز من قائل :من كان عدوا ل وملئكته ورسله
وجبريل وميكال فان ال عدو للكافرين ) .(3وقال تعالى " :قولوا آمنا بال
وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط
وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد
منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن
تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم " ) .(4وقال
سبحانه " :إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين " ) .(5وقال تعالى" :
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام
لها وال سميع عليم * ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
-إلى قوله -هم فيها خالدون " ) .(6وقال تعالى " :إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات وأقاموا الصلة آتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ول
خوف عليهم ول هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي
من الربا إن كنتم مؤمنين ) .(7وقال سبحانه :آمن الرسول بما انزل إليه
من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد
من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا
) (1البقرة (2) 85 :السورة (3) .93 :السورة (4) 98البقرة 136 :و (5) 137
السورة (6) 248 :البقرة 256 :و (7) 257السورة 277 :و 278
][4
غفرانك ربنا وإليك المصير ) .(1آل عمران :إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين )
.(2وقال تعالى :وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم وال
ل يحب الظالمين ) .(3وقال سبحانه :إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه
وهذا النبي والذين آمنوا وال ولي المؤمنين ) .(4وقال تعالى :قل آمنا بال
وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب
والسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين أحد
منهم ونحن له مسلمون ) .(5وقال سبحانه :وال ذو فضل على المؤمنين
) .(6وقال عز وعل - :فآمنوا بال ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر
عظيم ) (7وقال عزوجل :وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما انزل
إليكم و ما انزل إليهم خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل اولئك لهم
أجرهم عند ربهم إن ال سريع الحساب ) .(8النساء :والذين آمنوا وعملوا
الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا لهم
فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظل ظليل ) .(9وقال تعالى :والذين آمنوا
وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها
أبدا وعد ال حقا ومن أصدق من ال قليل ).(10
) (1البقرة (2) 285 :آل عمران (3) 49 :آل عمران (4) 57 :السورة(5) 68 :
السورة (6) 84 :السورة (7) 152 :آل عمران (8) 179 :آل عمران:
(9) .199النساء (10) 57 :النساء.122 :
][5
وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله
والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله و اليوم
الخر فقد ضل ضلل بعيدا ) .(1وقال تعالى :وسوف يؤتي ال المؤمنين
أجرا عظيما ) .(2وقال سبحانه :والذين آمنوا بال ورسله ولم يفرقوا بين
أحد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم وكان ال غفورا رحيما ) .(3وقال
جل وعل :فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم
من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون
لهم من دون ال وليا ول نصيرا ) .(4وقال :فأما الذين آمنوا بال
واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل و يهديهم إليه صراطا
مستقيما ) .(5المائدة :وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة
وأجر عظيم ) (6وقال سبحانه :ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا
عنهم سيئاتهم و لدخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل
وما انزل إليهم من ربهم لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .منهم امة
مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) .(7وقال تعالى :إن الذين آمنوا
والذين هادوا والصائبون والنصارى من آمن بال واليوم الخر وعمل
صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون ).(8
) (1النساء (2) 136 :النساء (3) 146 :السورة (4) 152 :النساء (5) .173
النساء (6) 175 :المائدة (7) 9 :المائدة (8) .66 :المائدة ،69 :ومثلها
في سورة البقرة الية ،62وسورة الحج الية17 :
][6
) (1النعام (2) 48 :النعام (3) .92 :السورة (4) .99 :السورة(5) 122 :
السورة (6) .127النعام (7) .153 :النعام (8) 158 :النعام) 161 :
(9العراف (10) 3 :العراف.42 :
][7
الزكوة والذينهم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التورية والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل
التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعز روه ونصروه واتبعوا النور الذي
انزل معه اولئك هم المفلحون .(1) .النفال :والذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل ال والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم
مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك
منكم ) (2التوبة :الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم
وأنفسهم أعظم درجة عند ال واولئك هم الفائزون] (3) .وقال تعالى[:
وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها
ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من ال أكبر ذلك هو الفوز العظيم.
) (4يونس ...:وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم (5) .وقال
تعالى :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من
تحتهم النهار في جنات النعيم (6) .وقال تعالى :الذين آمنوا وكانوا يتقون
* لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الخرة (7) .وقال عزوجل :وبشر
المؤمنين (8) .وقال جل وعل :حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ل إله
إل الذي
) (1العراف 156 :و (2) 157النفال 73 :و (3) .74براءة (4) 20 :براءة:
(5) .72يونس (6) 2 :يونس (7) .9 :يونس 63 :و (8) 64يونس:
87
][8
آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * الن وقد عصيت قبل وكنت من
المفسدين .(1) .وقال سبحانه :كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين * قل يا أيها
الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون ال ولكن أ
عبد ال الذي يتوفاكم وامرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك
للدين حنيفا ول تكونن من المشركين (2) .هود :إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وأخبتوا إلى ربهم اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * مثل
الفريقين كالعمى والصم والبصير والسميع هل يستويان مثل أفل
تذكرون (3) .الرعد :قل هل يستوي العمى والبصير أم هل تستوي
الظلمات والنور (4) .ابراهيم :وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات
تجري من تحتها النهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم * ألم تر
كيف ضرب ال مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في
السماء * تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب ال المثال للناس لعلهم
يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض مالها
من قرار * يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة
ويضل ال الظالمين ويفعل ال ما يشاء (5) .النحل :ثم أوحينا إليك أن اتبع
ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (6) .اسرى :ويبشر المؤمنين
الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا .(7) .الكهف :ويبشر المؤمنين
الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا(8) .
) (1يونس (2) 91 :يونس (3) 105 - 102 :هود 23 :و (4) 24الرعد(5) 16 :
ابراهيم (6) 27 - 23 :النحل (7) .123 :أسرى (8) 9 :الكهف.3 - 2 :
][9
وقال تعالى :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ل نضيع أجر من أحسن عمل *
اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم النهار (1) .وقال سبحانه :وما
منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى ويستغفروا ربهم إل أن تأتيهم سنة
الولين أو يأتيهم العذاب قبل (2) .وقال تعالى :إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزل * خالدين فيها ل يبغون عنها
حول (3) .مريم :إل من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ول
يظلمون شيئا .(4) .وقال تعالى :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل
لهم الرحمان ودا (5) .طه :ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم
الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك
جزاء من تزكى (6) .وقال تعالى :وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا
ثم اهتدى (7) .النبياء :فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فل كفران
لسعيه وإنا له كاتبون (8) .الحج :إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات جنات تجري من تحتها النهار إن ال يفعل ما يريد (9) .وقال
تعالى :إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها
النهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير *
وهدوا
) (1الكهف (2) 31 - 30 :الكهف (3) 55 :الكهف 108 :و (4) 109مريم) 60 :
(5مريم (6) .96 :طه 75 :و (7) 76طه (8) .82 :النبياء(9) 94 :
الحج14 :
][10
إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد (1) .وقال تعالى :إن ال يدافع عن
الذين آمنوا (2) .وقال تعالى :فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة
ورزق كريم (3) .وقال تعالى :وإن ال لهادي الذين آمنوا إلى صراط
مستقيم (4) .وقال تعالى :فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم.
) (5المؤمنون :قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلتهم خاشعون -إلى
قوله -اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(6) .
النور :ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد
ذلك وما اولئك بالمؤمنين -إلى قوله -إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى
ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون) .
(7وقال سبحانه :إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله وإذا كانوا معه
على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك اولئك الذين
يؤمنون بال ورسوله (8) .النمل :هدى وبشرى للمؤمنين * الذين يقيمون
الصلة ويؤتون الزكاة وهم بالخرة هم يوقنون (9) .القصص :فأما من
تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين ) (10العنكبوت :الم
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون * ولقد فتنا الذين
من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين(11) .
) (1الحج 23 :و (2) 24الحج (3) .38 :الحج (4) .50 :الحج (5) .54 :الحج:
(6) 56المؤمنون (7) 11 - 1 :النور (8) 51 - 47 :النور(9) 62 :
النمل (10) 3 - 2 :القصص (11) 67 :العنكبوت.3 - 1 :
][11
وقال تعالى :والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم
أحسن الذي كانوا يعملون (1) .وقال سبحانه :والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لندخلنهم في الصالحين -إلى قوله -وليعلمن ال الذين آمنوا
وليعلمن المنافقين (2) .وقال تعالى :إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون )(3
وقال سبحانه :وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد
ونحن له مسلمون * وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب
يؤمنون به ومن هؤلء من يومن به وما يجحد بآياتنا إل الكافرون ).(4
وقال عزوجل] :أولم يكفهم[ أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك
لرحمة وذكرى لقوم يومنون .(5) .وقال سبحانه :والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا -إلى قوله -يتوكلون (6) .الروم :فأما
الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (7) ،وقال تعالى:
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال
ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا
الصلة ول تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل
حزب بما لديهم فرحون (8) .وقال سبحانه :فأقم وجهك للدين القيم من قبل
أن يأتي يوم ل مرد له من ال يومئذ يصدعون -إلى قوله -ليجزي الذين
آمنوا وعملوا الصالحات من
) (1العنكبوت (2) 7 :العنكبوت (3) 11 - 9 :العنكبوت (4) .24 :السورة 46و
(5) 47السورة (6) .51 :السورة 58 :و (7) 59الروم (8) 15 :الروم
32 - 30
][12
فضله ل يحب الكافرين (1) .وقال :إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون(2) .
لقمان :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها
وعد ال حقا وهو العزيز الحكيم (3) .التنزيل :إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا
ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل يستكبرون (4) .وقال
تعالى :أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون * أما الذين آمنوا
وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزل بما كانوا يعملون(5) .
الحزاب :وبشر المؤمنين بأن لهم من ال فضل كبيرا (6) .سبا :ليجزي
الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة ورزق كريم (7) .فاطر:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير (8) .وقال سبحانه:
وما يستوي العمى والبصير الية (9) .يس :لينذر من كان حيا الية) .
(10المؤمن :الذين يحملون العرش .اليات (11) .وقال تعالى :ومن عمل
صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن ]الية[ ) .(12وقال سبحانه :إنا لننصر
رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ).(13
) (1الروم (2) .45 - 43 :الروم (3) .53 :لقمان 8 :و (4) .9السجدة(5) .15 :
السجدة 18 :و (6) .19الحزاب (7) 47 :سبأ (8) .4 :سبا(9) .7 :
السورة (10) .19 :يس (11) .70 :المؤمن (12) 9 - 6 :المؤمن) .:
(13المؤمن.51 :
][13
وقال تعالى :وما يستوي العمى والبصير -الية ) .(1وقال تعالى :فلما رأوا بأسنا
قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم
لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون )
.(2السجدة :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ).(3
حمعسق :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما
وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كبر
على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من
ينيب ) .(4وقال تعالى :والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات
الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر
ال عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .(5وقال سبحانه :ويستجيب
الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ) (6الزخرف :الذين
آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون ).(7
الجاثية :فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك
هو الفوز المبين ) .(8الحقاف :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا فل
خوف عليهم ول هم يحزنون * اولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءا
بما كانوا يعملون ) .(9محمد :الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال أضل
أعمالهم * والذين
) (1المؤمن (2) .58 :المؤمن 84 :و (3) 85فصلت (4) 8 :الشورى(5) 13 :
الشورى 22 :و (6) 23الشورى (7) .26 :الزخرف 69 :و (8) 70
الجاثية (9) .30 :الحقاف 13 :و 14
][14
آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم
سيئاتهم وأصلح بالهم * ذلك بأن الذين كفورا اتبعوا الباطل وأن الذين
آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب ال للناس أمثالهم ) .(1وقال
تعالى :ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم * إن ال
يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار )(2
الفتح :ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار خالدين
فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما ) .(3وقال تعالى:
فأنزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى
وكانوا أحق بها وأهلها كان ال بكل شئ عليما ) .(4وقال سبحانه :وعد
ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )(5
الحجرات :ولكن ال حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر
والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون * فضل من ال ونعمة وال عليم
حكيم ) .(6الذاريات :إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من افك ) .(7وقال
تعالى :وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ) .(8الحديد :آمنوا بال ورسوله
وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير
* ومالكم ل تؤمنون بال والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم
إن كنتم مؤمنين * هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من
الظلمات إلى النور وإن ال بكم لرؤف رحيم ).(9
) (1القتال (2) 3 - 1 :القتال (3) 12 - 11 :الفتح (4) .5 :الفتح (5) 26 :الفتح:
(6) .29الحجرات (7) 7 - 1 :الذاريات (8) 9 - 8 :الذاريات(9) 55 :
الحديد.9 - 7 :
][15
-إلى قوله :-يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم
بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ذلك هو الفوز
العظيم ) (1إلى قوله تعالى :والذين آمنوا بال ورسله اولئك هم الصديقون
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك
أصحاب الجحيم -إلى قوله تعالى :-سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة
عرضها كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله ذلك فضل
ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم ) .(2وقال عزوجل :يا أيها
الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم
نورا تمشون به ويغفر لكم وال غفور رحيم ) .(3الحشر :ل يستوي
أصحاب النار وأصحاب الجنة ،أصحاب الجنة هم الفائزون (4) .الصف :يا
أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بال
ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم
تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار و
مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * واخرى تحبونها نصر من
ال وفتح قريب وبشر المؤمنين * يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما
قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن
أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا
على عدوهم فأصبحوا ظاهرين (5) .المنافقين :ول العزة ولرسوله
وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون ) (6التغابن :فآمنوا بال ورسوله
والنور الذي أنزلنا وال بما تعملون خبير *
][16
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يكفر عنه
سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز
العظيم -إلى قوله تعالى -ومن يؤمن بال يهد قلبه (1) .الطلق ...:الذين
آمنوا قد أنزل ال إليكم ذكرا * رسول يتلو عليكم آيات ال مبينات ليخرج
الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بال
ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد
أحسن ال له رزقا (2) .التحريم :يوم ل يخزي ال النبي والذين آمنوا معه
نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا
إنك على كل شئ قدير (3) .الملك :أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن
يمشي سويا على صراط مستقيم (4) .القلم :أفنجعل المسلمين كالمجرمين
* مالكم كيف تحكمون (5) .الجن :فمن يؤمن بربه فل يخاف بخسا ول
رهقا (6) .المطففين :إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون *
وإذا مروا بهم يتغامرون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا
رأوهم قالوا إن هؤلء لضالون * وما ارسلوا عليهم حافظين * فاليوم
الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الرائك ينظرون * هل ثوب الكفار
ما كانوا يفعلون (7) .النشقاق :إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر
غير ممنون (8) .البروج :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات
تجري من تحتها
) (1التغابن (2) 11 - 8 :الطلق (3) .11 - 10 :التحريم (4) .8 :الملك(5) 22 :
القلم (6) 36 - 35 :الجن (7) 13 :المطففين (8) 36 - 29 :النشقاق:
25
][17
النهار ذلك الفوز الكبير (1) .البلد :ثم كان من الذين آمنوا وتوا بالصبر وتواصوا
بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة (2) .التين :إل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات فلهم أجر غير ممنون (3) .البينة :إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري
من تحتها النهار خالدين فيها أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن
خشي ربه (4) .العصر :والعصر * إن النسان لفي خسر * إل الذين آمنوا
وعملوا الصالحات السورة) * (5) .تفسير( * " هدى " أي بيان من
الضللة " للمتقين " ) (6الذين يتقون الموبقات و يتقون تسليط السفه
على أنفسهم ،حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم
رضى ربهم ،وسيأتي عن الصادق عليه السلم " :المتقون شيعتنا " وإنما
خص المتقين بالهتداء به لنهم المنتفعون به " .الذين يؤمنون بالغيب "
أي بما غاب عن حواسهم من توحيد ال ونبوة النبياء ،وقيام القائم عليهم
السلم ،والرجعة ،والبعث ،والحساب ،والجنة ،والنار وسائر المور التي
يلزمهم اليمان بها ،مما ل يعرف بالمشاهدة ،وإنما يعرف بدلئل نصبها
ال عزوجل عليه " ،ويقيمون الصلة " بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ
مواقيتها ،وحدودها ،وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها " ،ومما رزقناهم
" من الموال والقوى والبدان والجاه والعلم " ينفقون " أي يتصدقون،
يحتملون
) (1البروج (2) 1 :البلد (3) 18 - 17 :التين (4) .6 :البينة (5) .8 - 7 :العصر:
(6) .3 - 1البقرة.2 :
][18
) (1يعنى التفسير المنسوب الى المام العسكري عليه السلم (2) .تفسير العياشي
ج 1ص .26وفيه " ينبئون " (3) .يعنى المام العسكري في التفسير
المنسوب إليه عليه السلم (4) .سورة البقرة.25 :
][19
أخاك عليا بعدك إماما ،ولك وصيا مرضيا ،وانقادوا لما يأمرهم به ،وصاروا إلى ما
أصارهم إليه ،ورأوا له ما يرون لك إل النبوة التي افردت بها .وأن الجنة
ل تصير لهم إل بموالته وموالة من ينص لهم عليه من ذريته وموالة
سائر أهل وليته ،ومعاداة أهل مخالفته وعداوته ،وأن النيران ل تهدء
عنهم ول يعدل بهم عن عذابها إل بتنكبهم عن موالة مخالفيهم ومؤازرة
شانئيهم " .وعملوا الصالحات " من أداء الفرائض ،واجتناب المحارم،
ولم يكونوا كهؤلء الكافرين بك " أن لهم جنات " بساتين " تجري من
تحتها النهار " من تحت شجرها ومساكنها -إلى آخر ما مر في أبواب
المعاد -وقال عليه السلم :قال ال عزوجل لليهود " :وآمنوا " ) (1أيها
اليهود " بما أنزلت " على محمد من ذكر نبوته وأنباء إمامة أخيه علي
وعترته الطاهرين " مصدقا لما معكم " فان مثل هذا الذكر في كتابكم :أن
محمدا النبي سيد الولين والخرين المؤيد بسيد الوصيين ،وخليفة رسول
رب العالمين ،فاروق المة ،وباب مدينة الحكمة ،ووصي رسول الرحمة،
" ول تشتروا بآياتي " المنزلة لنبوة محمد وإمامة علي والطيبين من
عترته " ثمنا قليل " فان ذلك وإن كثر فإلى نفاد وخسار وبوار " وإياي
فاتقون " في كتمان أمر محمد وأمر وصيه .وقيل في قوله تعالى " :ول
تكونوا أول كافر به " تعريض بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به،
لنهم كانوا أهل النظر في معجزاته ،والعلم بشأنه والمستفتحين به،
والمبشرين بزمانه .قوله تعالى " :وعملوا الصالحات " ) (2استدلوا
بالعطف على عدم دخول العما ،في اليمان وهو كذلك ،لكنه ل ينفي
الشتراط ،بل استدل في بعض الخبار بالمفارنة عليه " .أفتؤمنون ببعض
الكتاب " ) (3يدل على اشتراط أجزاء اليمان بعضها
) (1سورة البقرة (2) 41 :سورة البقرة (3) .82 :البقرة.85 :
][20
ببعض ،وفسر الخزي في الحياة الدنيا بذل الجزية " ،إلى أشد العذاب " قيل :أي
إلى جنس أشد العذاب ،يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم .والية في
اليهود وكذا قوله " :قل بئسما يأمركم به إيمانكم " ) (1قيل :أي بموسى
والتوراة أن تكفروا بي " إن كنتم مؤمنين " -كما تزعمون -بموسى
والتوراة ،ولكن -معاذ ال -ل يأمركم إيمانكم -بموسى والتوراة -بالكفر
بمحمد صلى ال عليه وآله " .من كان عدوا ل " ) (2بأن يخالفه عنادا
لنعامه على المقربين من عباده " وملئكته " المبعوثين لنصرتهم "
ورسله " المخبرين عن فضلهم ،الداعين إلى متابعتهم " وجبريل وميكال
" تخصيص بعد التعميم للهتمام " فان ال عدو للكافرين " يدل على
وجوب اليمان بالملئكة والرسل ،وأن عداوتهما كفر .وفي تفسير المام
عليه السلم " :إن ال ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء
ال فيهم فيما يكرهون ،كدفعه عن بخت نصر أن يقتله دانيال ،من غير
ذنب جنى بخت نصر ،حتى بلغ كتاب ال في اليهود أجله ،وحل بهم ما
جرى في سابق علمه ،وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل
وميكائيل وملئكة ال النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلم على
الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم .وفي تفسير علي بن إبراهيم :أنها
نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول ال لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل
آمنا بك ،فانه ملك الرحمة ،وهو صديقنا ،و جبرئيل ملك العذاب وهو
عدونا " .قولوا آمنا بال " ) (3في الكافي والعياشي ) (4عن الباقر عليه
السلم :إنما عنى
) (1البقرة (2) 93 :البقرة (3) .98 :البقرة (4) .136 :تفسير العياشي ج 1ص
،62الكافي ج 1ص 415و 416ولفظه :محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد ،عن الحسن بن محبوب ،عن محمد بن النعمان ،عن سلم ،عن
أبى جعفر عليه السلم في قوله تعالى :قولوا آمنا بال وما أنزل الينا "
الخ.
][21
بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين ،وجرت بعدهم في الئمة عليهم السلم ،ثم
رجع القول من ال في الناس فقال " :فإن آمنوا " يعني الناس " بمثل ما
آمنتم به " الية " .وما انزل إلينا " يعني القرآن " وما انزل إلى إبراهيم
" يعني الصحف " و السباط " حفدة يعقوب " وما اوتي موسى وعيسى
" أي التوراة والنجيل " وما اوتي النبيون " جملة المذكورون منهم
وغير المذكورين " من ربهم ،ل نفرق بين أحد منهم " كاليهود حيث
آمنوا ببعض وكفروا ببعض .و " أحد " لوقوعه في سياق النفي عم،
فساغ أن يضاف إليه " بين " ونحن له " أي ل " مسلمون " مذعنون
مخلصون .وفي الفقيه ) (1في وصايا أمير المؤمنين عليه السلم لبنه "
فرض على اللسان القرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه فقال عزوجل:
" قولوا آمنا بال وما انزل إلينا " الية " .فإن آمنوا " أي سائر الناس "
بمثل ما آمنتم به " أي بما آمنتم به ،و المثل مقحم في مثله ) " (2وإن
تولوا " أي أعرضوا " فانما هم في شقاق " أي كفر كذا في المجمع )(3
عن الصادق عليه السلم وأصله المخالفة والمناواة فان كل واحد من
المتخالفين في شق غير شق الخر " فسيكفيكهم ال " تسلية وتسكين
للمؤمنين " وهو السميع " لقوالكم " العليم " بأخلقكم.
) (1يعنى فقيه من ل يحضره الفقيه ورواه في الكافي ج 2ص 35عن أبى عبد ال
" ع " في حديث طويل في باب أن اليمان مبثوث لجوارح البدن كلها:
وفيه فرض ال على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه
وأقربه ،قال ال تبارك وتعالى :وقولوا للناس حسنا وقال " :قولوا آمنا
بال وما انزل الينا وما انزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون.
فهذا ما فرض ال على اللسان (2) .أي في مثل هذه الموارد (3) .مجمع
البيان ج 1ص .218
][22
" فمن يكفر بالطاغوت " ) (1في المجمع عن الصادق عليه السلم هو الشيطان )
.(2اقول :ويستفاد من كثير من الخبار أنه يعم كل ما عبد من دون ال من
صنم ،أو إمام ضلل ،أو صاد عن دين ال ،وهو فعلوت من الطغيان )،(3
وفي تفسير علي بن إبراهيم :هم الذين غصبوا آل محمد حقهم " .ويؤمن
بال " بالتوحيد وتصديق الرسل " فقد استمسك بالعروة الوثقى " أي
طلب المساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة لمتمسك الحق من
النظر الصحيح والدين القويم .وفي الكافي عن الصادق ) (4عليه السلم
هي اليمان بال وحده ل شريك له ،وعن الباقر عليه السلم هي مودتنا
أهل البيت " ل انفصام لها " ل انقطاع لها .وفي معاني الخبار عن النبي:
من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها ،فليستمسك
بولية أخي ووصيي علي بن أبي طالب ،فانه ل يهلك من أحبه وتوله ،ول
ينجو من أبغضه وعاداه ).(5
) (1البقرة (2) .256 :مجمع البيان ج 2ص (3) .364قال في المفردات:
الطاغوت عبارة عن كل متعد ،وكل معبود من دون ال ،و يستعمل في
الواحد والجمع ،قال " :فمن يكفر بالطاغوت ،والذين اجتنبوا الطاغوت
أولياؤهم الطاغوت ،يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت " فعبارة عن كل
متعد .ولما تقدم سمى الساحر ،والكاهن ،والمارد من الجن ،والصارف
عن طريق الخير طاغوتا .ووزنه فيما قيل فعلوت نحو جبروت وملكوت،
وقيل أصله طغووت ،ولكن قلب لم الفعل ،نحو صاعقة وصاقعة ،ثم قلب
الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله (4) .رواه الكليني في الكافي ج 2ص
14باب في أن الصبغة هي السلم تحت الرقم (5) 1معاني الخبار ص
368و .369وسنده هكذا :حدثنا محمد بن على ماجيلويه قال :حدثنى
عمى محمد بن أبى القاسم ،عن أحمد بن أبى عبد ال البرقى ،عن أبيه،
عن =
][23
" وال سميع " بالقوال " عليم " بالنيات " .ال ولي الذين آمنوا " متولي
امورهم " يخرجهم " بهدايته وتوفيقه " من الظلمات " أي ظلمات الجهل
والذنوب " إلى النور " أي نور الهدى والمغفرة ،و سيأتي عن أمير
المؤمنين عليه السلم قال :المؤمن يتقلب في خمسة من النور :مدخله نور
ومخرجه نور ،وعلمه نور ،وكلمه نور ،ومنظره يوم القيامة إلى النور" .
والذين كفروا أوليائهم الطاغوت " في الكافي عن الباقر عليه السلم:
أولياؤهم الطواغيت ،وفي تفسير علي بن إبراهيم :هم الظالمون آل محمد،
أولياؤهم الطاغوت وهم الذين تبعوا من غصبهم " يخرجونهم من النور
إلى الظلمات " قيل من نور الفطرة إلى فساد الستعداد ،وفي الكافي عن
الصادق عليه السلم النور آل محمد ،والظلمات عدوهم ) .(1وفي الكافي
والعياشي عن أبي عبد ال عليه السلم " :يخرجهم من الظلمات إلى النور
" يعني ظلمات الكفر إلى نور التوبة والمغفرة لوليتهم كل إمام عادل من
ال عزوجل ،وقال " :والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من
النور إلى الظلمات " إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور السلم فلما أن
تولوا كل إمام جائر ليس من ال خرجوا بوليتهم من نور السلم إلى
ظلمات الكفر فأوجب ال لهم النار مع الكفار ) .(2وزاد في العياشي :قال
قلت :أليس ال عنى بهذا الكفار حين قال :والذين كفروا " ؟ قال فقال:
وأي نور للكافر فاخرج منه إلى الظلمات " " .اولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون " العياشي عن الصادق عليه السلم :فأعداء
= خلف بن حماد السدي ،عن أبى الحسن العبدى ،عن العمش ،عن عباية بن
ربعى ،عن عبد ال بن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله
الخ (1) .الكافي ج 8ص 289والعياشي ج 1ص (2) .137تفسير
العياشي ج 1ص ،138وتراه في الكافي ج 1ص ،375باب فيمن دان
ال عزوجل بغير امام من ال جل جلله ،تحت الرقم .3
][24
علي هم الخالدون في النار ،وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد و
العبادة ) " .(1إن الذين آمنوا " ) (2قيل :أي بال ورسله وبما جاءهم منه
" وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة " عطفهما على ما يعمهما لنافتهما على
سائر العمال الصالحة " ول خوف عليهم " من آت " ول هم يحزنون "
على فائت " .إن كنتم مؤمنين " ) (3أي بقلوبكم ،فان دليله امتثال ما
امرتم ،أقول :تشعر بأن من يأتي بالذنوب الموبقة ليس بمؤمن " .آمن
الرسول بما انزل إليه من ربه " ) (4قال البيضاوي :شهادة و تنصيص
من ال على صحة إيمانه والعتداد به ،وأنه جازم في أمره غير شاك فيه.
" والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله " ل يخلو من أن يعطف
المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا إلى
الرسول والمؤمنين ،أو يجعل مبتدءا فيكون الضمير للمؤمنين ،وباعتباره
يصح وقوع كل بخبره خبر المبتدء ويكون إفراد الرسول بالحكم إما
لتعظيمه ،أو لن إيمانه عن مشاهدة وعيان ،وإيمانهم عن نظر واستدلل.
" ل نفرق بين أحد من رسله " أي يقولون :ل نفرق ،و " أحد " في
معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ،ولذلك دخل عليه " بين " والمراد
نفي الفرق بالتصديق والتكذيب " ،وقالوا سمعنا " أجبنا " وأطعنا "
أمرك " غفرانك ربنا " أي اغفر لنا غفرانك ،أو نطلب غفرانك " وإليك
المصير " أي المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث انتهى.
) (1تفسير العياشي ج 1ص (2) .139سورة البقرة (3) .277 :سورة البقرة:
(4) .282البقرة.285 :
][25
" إن في ذلك " ) (1أي في إنبائكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " لية "
ومعجزة " لكم إن كنتم مؤمنين " أي مصدقين غير معاندين " .فيوفيهم
اجورهم " ) (2اليفاء والتوفية :إعطاء الحق وافيا كامل " .إن أولى
الناس بابراهيم " ) (3أي أخصهم به وأقربهم منه ،من " الولي " وهو
القرب " للذين اتبعوه " من امته " وهذا النبي " خصوصا " والذين
آمنوا " من امته لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الصالة .في
الكافي ) (4والعياشي ) :(5هم الئمة ومن اتبعهم .وفي المجمع ) :(6قال
أمير المؤمنين :إن أولى الناس بالنبياء أعملهم بما جاؤوا به ثم تل هذه
الية وقال :إن ولي محمد صلى ال عليه وآله من أطاع ال ،وإن بعدت
لحمته .وإن عدو محمد من عصى ال ،وإن قربت قرابته " ،وال ولي
المؤمنين " أي يتولى نصرتهم " .قل آمنا " ) (7أمر للرسول بأن يخبر
عن نفسه ومتابعيه باليمان " ونحن له مسلمون " أي منقادون مخلصون
في عبادته " .وال ذو فضل على المؤمنين " ) (8يتفضل عليهم بالعفو
وغيره في الحوال كلها " .فآمنوا بال ورسله " ) (9مخلصين " وإن
تؤمنوا " حق اليمان " وتتقوا " النفاق " فلكم أجر عظيم " ل يقادر
قدره " .ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل " ) (10كما فعله المحرفون من
أحبارهم
) (1آل عمران (2) .49 :آل عمران (3) .57 :آل عمران (4) .68 :الكافي ج 1
ص (5) .416تفسير العياشي ج 1ص (6) .177مجمع البيان ج 2ص
(7) .458آل عمران (8) .84 :آل عمران (9) .152 :آل عمران.179 :
) (10آل عمران.199 :
][26
" اولئك لهم أجرهم " ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوا في آية اخرى " إن ال
سريع الحساب " لعلمه بالعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء
فيسرع في الجزاء ويوصل الجر الموعود سريعا " .أزواج مطهرة " )(1
أي من الدماء ،ودرن الدنيا وأنجاسها ،وقيل من الخلق السيئة "
وندخلهم ظل ظليل " أي دائما ل تنسخه الشمس ،مشتق من الظل لتأكيده،
كما قيل :ليل أليل " .وعد ال " ) (2قال الطبرسي -رحمه ال :-أي وعد
ال ذلك وعدا " حقا " مصدر مؤكد لما قبله ،كأنه قال :احقه حقا " ومن
أصدق " استفهام فيه معنى النفي ،أي ل أجد أصدق من ال قول فيما
أخبر ،ووعدا فيما وعد ) " .(3يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله " )
(4أي آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم ليوافق ظاهركم
باطنكم ،فالخطاب للمنافقين ،وقيل :الخطاب للمؤمنين على الحقيقة،
والمعنى اثبتوا على هذا اليمان في المستقبل ،وداوموا عليه ،واختاره
الجبائي ،قال :لن اليمان الذي هو التصديق ل يبقى وإنما يستمر بأن
يجدده النسان حال بعد حال .وقيل :الخطاب لهل الكتاب ،امروا بأن
يؤمنوا بالنبي ،والكتاب الذي انزل عليه ،كما آمنوا بما معهم من التوراة
والنجيل ،ويكون وجه أمرهم بالتصديق بهما -وإن كانوا مصدقين بهما -
أحد أمرين :إما أن يكون لن التوراة والنجيل فيهما صفات نبينا وتصحيح
نبوته فمن لم يصدقه ولم يصدق القرآن ،ل يكون مصدقا بهما ،لن في
تكذيبه تكذيب التوراة والنجيل .وإما أن يكون ال عزوجل أمرهم بالقرار
بمحمد والقرآن ،وبالكتاب
) (1النساء (2) .57 :النساء (3) .122 :مجمع البيان ج 3ص (4) 114النساء:
.136
][27
الذي انزل من قبله ،وهو النجيل ،وذلك ل يصح إل بالقرار بعيسى عليه السلم
أيضا وأنه نبي مرسل " .ومن يكفر بال " أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو
يرد أمره ونهيه " وملئكته " أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة ل تليق بهم ،كما
قالوا :إنهم بنات ال " وكتبه " فيجحدها " ورسله " فينكرهم " واليوم
الخر " أي يوم القيامة " فقد ضل ضلل بعيدا " أي ذهب عن الحق
وقصد السبيل ذهابا بعيدا " .ولم يفرقوا بين أحد منهم " ) (1بأن آمنوا
بجميعهم " اولئك سوف يؤتيهم " أي يعطيهم " اجورهم " الموعودة
لهم ،سمي الثواب أجرا للدللة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف،
للدللة على أنه كائن ل محالة وإن تأخر " وكان ال غفورا " لم يزل يغفر
ما فرط منهم من المعاصي " رحيما " يتفضل بأنواع النعام " .ويزيديهم
من فضله " ) (2أي على ما كان وعدهم به من الجزاء " وأما الذين
استنكفوا " أي أنفوا عن القرار بوحدانيته " واستكبروا " أي تعظموا
عن القرار له بالطاعة والعبودية " وليا " ينجيهم من عذابه " ول نصيرا
" أي ناصرا ينقذهم من عقابه " .واعتصموا به " ) (3أي بحبل طاعته أو
طاعة أنبيائه وحججه ،أو بدينه كما قال " :واعتصموا بحبل ال جميعا ".
وفي تفسير علي بن إبراهيم :العتصام التمسك " به " :بولية أمير
المؤمنين وولية الئمة بعده " .في رحمة منه " أي ثواب مستحق أو
نعمة منه وهي الجنة ،عن ابن عباس " وفضل " أي إحسان زائد عليه
وقيل :أي ما يبسط لهم من الكرامة ،وتضعيف الحسنات ،وما يزاد لهم من
النعم على ما يستحقونه " ويهديهم إليه صراطا مستقيما " .قال الطبرسي
-رحمه ال (4) :-صراطا مفعول ثان ليهديهم فانه على
) (1النساء (2) .152 :النساء (3) .173 :النساء (4) .175 :مجمع البيان ج 3
ص .147
][28
معنى يعرفهم ،أو حال من الهاء في " إليه " أي يوفقهم لصابة فضله الذي يتفضل
به على أوليائه ،ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليهم من أهل طاعته،
واقتفاء آثارهم .وأقول :في تفسير علي بن إبراهيم ) :(1الصراط المستقيم
علي عليه السلم " .لهم مغفرة " ) (2أي لذنوبهم " وأجر " أي ثواب "
عظيم " قال الطبرسي -رحمه ال -الفرق بين الثواب والجر أن الثواب
يكون جزاء على الطاعات ،والجر قد يكون على سبيل المعاوضة ،بمعنى
الجرة ) " .(3ولو أن أهل الكتاب " ) (4قال :يعني اليهود والنصارى "
آمنوا " بمحمد " واتقوا " الكفر والفواحش " لكفرنا عنهم سيئاتهم " أي
سترناها عليهم ،وغفرناها لهم " .ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل " أي
عملوا بما فيهما على ما فيهما ،دون أن يحرفوا شيئا منهما ،أو عملوا بما
فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم " وما انزل إليهم من ربهم " أي
القرآن ،وقيل :كل ما دل ال عليه من امور الدين " لكلوا من فوقهم "
بارسال السماء عليهم مدرارا " ومن تحت أرجلهم باعطاء الرض خيرها،
وقيل :لكلوا ثمار النخيل والشجار من فوقهم والزروع من تحت أرجلهم.
والمعنى :لتركوا في بلدهم ،ولم يجلوا عن بلدهم ،ولم يقتلوا ،فكانوا
يتمتعون بأموالهم ،وما رزقهم ال من النعم ،وإنما خص سبحانه الكل،
لن ذلك أعظم النتفاع ،وقيل :كناية عن التوسعة كما يقال :فلن في الخير
من قرنه إلى قدمه ،أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها .أقول :وفي
تفسير علي بن إبراهيم " :من فوقهم " المطر " ومن تحت أرجلهم "
) (1تفسير القمى ص 606و 612وغير ذلك من الموارد التى يفسر كلمة "
الصراط المستقيم " وهكذا رواه الصدوق في المعاني ص 32عن أبى
عبد ال عليه السلم (2) .المائدة (3) .9 :مجمع البيان ج 3ص ) .169
(4المائدة 65 :و .66
][29
النبات ،وأقول :قال بعض أهل التحقيق " :من فوقهم " الفاضات واللهامات
الربانية " ومن تحت أرجلهم " ما يكتسبونه بالفكر والنظر ،ومطالعة
الكتب ،فهو محمول على الرزق الروحاني " .منهم امة مقتصدة " قد
دخلوا في السلم " وكثير منهم ساء ما يعملون " وفيه معنى التعجب ،أي
ما أسوء عملهم ،وهم الذين أقاموا على الجحود والكفر " .إن الذين آمنوا
" ) (1أي بال وبما فرض عليهم اليمان به " والذين هادوا " أي اليهود
" والصابئون " قال علي بن إبراهيم :إنهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم
يعبدون الكواكب والنجوم ]والنصارى[ " من آمن " منهم أي نزع عن
كفره " فل خوف عليهم " في الخرة حين يخاف الفاسقون " ول هم
يحزنون " إذا حزن المخالفون .أقول :قد ورد مثل هذه الية في البقرة )
" .(2فمن آمن " ) (3أي صدق الرسل " وأصلح " أي عمل صالحا في
الدنيا " فل خوف عليهم " من العذاب " ول هم يحزنون " بفوت الثواب.
" يؤمنون به " ) (4أي بالقرآن " وهم على صلتهم يحافظون " فان من
صدق بالخرة ،خاف العاقبة ،ول يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر،
حتى يؤمن به ،ويحافظ على الطاعة ،وتخصيص الصلة لنها عماد الدين،
وعلم اليمان " .إن في ذلكم " ) (5أي في إنزال الماء من السماء،
وإخراج النباتات والشجار والثمار " ليات " على وجود صانع عليم
حكيم قدير :يقدره ويدبره وينقله من حال إلى حال " لقوم يؤمنون " فانهم
المنتفعون.
) (1المائدة (2) .69 :البقرة :الية (3) .62النعام (4) .48 :النعام(5) .92 :
النعام.99 :
][30
" أو من كان ميتا " ) (1قيل :أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى اليمان وإنما
سمي الكافر ميتا ،لنه ل ينتفع بحياته ،ول ينفع غيره بحياته ،فهو أسوء
حال من الميت ،وسمي المؤمن حيا ،لنه له ولغيره المصلحة والمنفعة.
وقيل :نطفة فأحيبناه " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " قيل :المراد
بالنور العلم والحكمة لن العلم يهتدى به إلى الرشاد ،كما يهتدى بالنور في
الطرقات أو القرآن واليمان " كمن مثله " مثل من هو " في الظلمات "
أي في ظلمة الكفر .وسمي القرآن واليمان والعلم نورا لن الناس
يبصرون بذلك ،ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضللة ،كما يهتدى
بسائر النوار ،وسمي الكفر ظلمة ،لن الكافر ل يهتدي بهداه ،ول يبصر
أمر رشده ،كما سمي أعمى " كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " قال
الحسن :زينه وال لهم الشيطان وأنفسهم .وفي الكافي ) (2عن الباقر عليه
السلم " :ميتا " ل يعرف شيئا " ونورا يمشي به في الناس " إماما يأتم
به " كمن مثله في الظلمات " الذي ل يعرف المام .وفي العياشي )(3
عنه عليه السلم :الميت الذي ل يعرف هذا الشأن يعني هذا المر "
وجعلنا له نورا " إماما يأتم به يعني علي بن أبي طالب عليه السلم "
كمن مثله في الظلمات " قال بيده هكذا :هذا الخلق الذين ل يعرفون شيئا.
وفي المناقب عن الصادق عليه السلم " :كان ميتا " عنا " فأحييناه "
بنا .وقال علي بن إبراهيم (4) :جاهل عن الحق والولية فهديناه إلينا،
قال :النور الولية " في الظلمات " يعني ولية غير الئمة عليهم السلم.
وفي المجمع ) (5عن الباقر عليه السلم أنها نزلت في عمار بن ياسر
وأبي جهل " .وهذا صراط ربك " ) (6قيل :يعني طريقه وعادته في
التوفيق والخذلن وقيل :السلم أو القرآن " مستقيما " ل اعوجاج فيه،
والنصب على الحال " قد فصلنا
) (1النعام (2) .122 :لم نجده في الكافي ) (3العياشي ج 1ص (4) .357تفسير
القمى ص (5) 203 :مجمع البيان ج 4ص (6) .359النعام122 :
][31
اليات " أي بيناها وميزناها " لقوم يذكرون " فيعلمون أن القادر هو ال ،وأن كل
ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه ،وأنه عليم بأحوال العباد ،حكيم عدل
فيما يفعل بهم " .لهم " للذين تذكروا وعرفوا الحق " دار السلم " أي
دار ال أو دار السلمة من كل آفة .وقال علي بن إبراهيم :يعني في الجنة
والسلم :المان والعافية والسرور " .عند ربهم " أي في ضمانه يوصلهم
إليها ل محالة " وهو وليهم " قيل :أي مولهم و محبهم ،وقال علي بن
إبراهيم :أي أولى بهم " بما كانوا يعملون " أي بسبب أعمالهم " .وأن
هذا صراطي " ) (1أي " ولن " ،تعليل للمر باتباعه ،وقيل :الشارة فيه
إلى ما ذكر في السورة فانها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة ،و بيان
الشريعة ،وقرئ " إن " بالكسر على الستئناف " ول تتبعوا السبل " أي
الديان المختلفة المتشعبة عن الهوية المتباينة " ،فتفرق بكم " أي
فتفرقكم وتزيلكم " عن سبيله " الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان "
ذلكم " التباع " وصاكم به لعلكم تتقون " الضلل والتفرق عن الحق.
وفي روضة الواعظين عن النبي صلى ال عليه وآله في هذه الية :سألت
ال أن يجعلها لعلى ففعل ) .(2وروى العياشي عن الباقر عليه السلم أنه
قال لبريد العجلي :تدري ما يعني ب " صراطي مستقيما " قال :قلت :ل.
قال :ولية علي والوصياء ،قال :وتدري ما يعني " ول تتبعوا السبل " ؟
قال :قلت :ل ،قال :ولية فلن وفلن ،قال :وتدري
) (1النعام (2) .153 :ورواه ابن شهر آشوب في المناقب عن ابراهيم الثقفي
باسناده الى أبى برذة السلمي ج 3ص .72
][32
ما معنى " فتفرق بكم عن سبيله " قال :قلت :ل ،قال :يعني سبيل علي عليه
السلم " ) " (1هل ينظرون " ) (2إنكار بمعنى ما ينتظرون ؟ " إل أن
تأتيهم الملئكة " أي ملئكة الموت أو العذاب " أو يأتي ربك " أي أمره
بالعذاب " أو يأتي بعض آيات ربك " في الحتجاج عن أمير المؤمنين
عليه السلم في معنى هذه الية :إنما خاطب نبينا صلى ال عليه وآله :هل
ينتظر المنافقون أو المشركون " إل أن تأتيهم الملئكة " فيعاينوهم " أو
يأتي ربك " يعني بذلك أمر ربك ،واليات هي العذاب في دار -الدنيا كما
عذب المم السالفة والقرون الخالية ) " .(3يوم يأتي بعض آيات ربك "
الخ كأن المعنى أنه ل ينفع اليمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو
مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا ،والية تدل على أن اليمان ل
ينفع ول يقبل عند معاينة أحوال الخرة ،ومشاهدة العذاب كايمان فرعون،
وقد مر تفسير الية بتمامها في كتاب المعاد .وفي تفسير علي بن إبراهيم
عن الباقر عليه السلم :نزلت " أو اكتسبت في إيمانها خيرا " قال :إذا
طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم ،فيومئذ " ل
ينفع نفسا إيمانها " .وفي الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما
السلم في قوله " :يوم يأتي بعض آيات ربك " قال :طلوع الشمس من
الغرب وخروج الدجال و ]ظهور[ الدخان ،والرجل يكون مصرا ولم يعمل
عمل اليمان ثم تجئ اليات فل ينفعه إيمانه .وعن أحدهما عليهما السلم
في قوله " :أو كسبت في إيمانها خيرا " قال :المؤمن العاصي حالت بينه
وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا ).(4
) (1تفسير العياشي ج 1ص 383و (2) .384النعام (3) 158 :الحتجاج ص
(4) .132تفسير العياشي ج 1ص 385
][33
وفي الكافي عن الصادق عليه السلم " من قبل " يعني في الميثاق " أو كسبت في
إيمانها خيرا " قال :النبياء والوصياء وأمير المؤمنين عليهم السلم
خاصة قال " :ل ينفع إيمانها " لنها سلبت ) .(1وفي الكمال عنه عليه
السلم في هذه الية :يعني خروج القائم المنتظر ) ،(2و عنه عليه السلم
قال :اليات هم الئمة عليهم السلم والية المنتظرة القائم عليه السلم
فيومئذ " ل ينفع نفسا إيمانها " ) .(3وعن أمير المؤمنين عليه السلم
أنها خروج دابة الرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى
وطلوع الشمس من مغربها ) " .(4قل انتظروا إنا منتظرون " وعيد
وتهديد ،أي انتظروا إيتان أحد الثلثة فانا منتظرون له وحينئذ لنا الفوز،
ولكم الويل " .قل إنني هداني ربي " ) (5أي بالوحي والرشاد و " دينا "
أي هداني دينا " قيما " فيعل من قام كالسيد والهين " ملة إبراهيم "
هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته .وفي العياشي ) (6عن الباقر
عليه السلم :ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الظفار ،والخذ من
الشارب ،والختان .وعنه عليه السلم ما من أحد من هذه المة يدين بدين
إبراهيم عليه السلم غيرنا وغير شيعتنا ،وعن السجاد عليه السلم ما أحد
على ملة إبراهيم إل نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء.
) (1الكافي ج 1ص (2) .428اكمال الدين ج 2ص (3) 27اكمال الدين ج 2ص
(4) .5اكمال الدين ج 2ص 207و 208في حديث الدجال ) (5النعام:
(6) .161 - 160تفسير العياشي ج 1ص .388
][34
" ما انزل إليكم " ) (1أي من القرآن والوحي " ،من دونه أولياء " أي شياطين
الجن والنس ،فيحملوكم على الهواء والبدع ،ويضلوكم عن دين ال "
وعما امرتم باتباعه " قليل ما تذكرون " أي تذكرا قليل تتذكرون " .ل
نكلف نفسا إل وسعها " ) (2اعتراض بين المبتدء والخبر للترغيب في
اكتساب النعيم المقيم ،بما يسعه طاقتهم ،ويسهل عليهم " .ورحمتي
وسعت كل شئ " ) (3أي في الدنيا ،فما من مسلم ول كافر ول مطيع ول
عاص ،وهو متقلب في نعمتي .أو في الدنيا والخرة ،إل أن قوما لم
يدخلوها لضللهم " فسأكتبها " أي فساثبتها واوجبها في الخرة " للذين
يتقون " الشرك والمعاصي " .ويحل لهم الطيبات " ) (4يستفاد من بعض
اليات تأويل الطيبات بأخذ العلم من أهله .و " الخبائث " بقول من خالف
وهو بطن من بطون الية ،وقد مر تفسيرها في أبواب الطعمة " ويضع
عنهم إصرهم " أي يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة .وأصل
الصر :الثقل ) ،(5وكذا الغلل " وعز روه " أي عظموه بالتقوية والذب
عنه ،وأصل التعزير :المنع وأما " النور " فقيل :هو القرآن وفي كثير من
الخبار أنه علي عليه السلم " .وهاجروا " ) (6أي فارقوا أوطانهم
وقومهم حبا ل ولرسوله ،وهم
) (1العراف (2) 3 :العراف (3) 42 :العراف (4) 156 :العراف(5) 157 :
بل المراد :وعد الناس بأن اليمان به والتسليم له يجب عما قبله فمن
آمن به وأسلم له حط من عاتقه ثقل الثام والذنوب التى اكتسبها قبل ذلك
حتى حقوق الناس أي مظالمهم وأقول :على ما ثبت من تأويل الية في
المهدى " ص " يكون اليمان به والتسليم له يجب عما قبل ذلك من
الثام والذنوب كلها ،اللهم اجعلنا من المنين به (6) .النفال.73 :
][35
المهاجرون من مكة إلى المدينة " ،والذين آووا " أي آووهم إلى ديارهم " و
نصروا " هم على أعدائهم وهم النصار " ،اولئك هم المؤمنون حقا "
لنهم حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة ،والنسلخ من الهل والمال
والنفس ،لجل الدين " لهم مغفرة ورزق كريم " ل تبعة له ول منة فيه" .
والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم ) " (1يريد اللحقين بعد
السابقين " ،فاولئك منكم " أي من جملتكم أيها المهاجرون والنصار،
وحكمهم حكمكم في وجوب موالتهم ونصرتهم ،وإن تأخر إيمانهم
وهجرتهم " .أعظم درجة " ) (2أي ممن لم يستجمع هذه الصفات "
واولئك هم الفائزون " أي المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند ال" .
ومساكن طيبة " ) (3أي يطيب فيها العيش " في جنات عدن " أي إقامة
وخلود ،وقد مضت الخبار في ذلك من باب وصف الجنة " ورضوان من
ال أكبر " يعني وشئ من رضوانه أكبر من ذلك كله .لن رضاه سبب كل
سعادة ،و موجب كل فوز ،وبه ينال كرامته التي هي أكبر أصناف الثواب "
ذلك " الرضوان " هو الفوز العظيم " الذي يستحقر دونه كل لذة وبهجة.
" أن لهم قدم صدق عند ربهم " ) (4أي سابقة وفضل ،سميت قدما لن
السبق بها كما سميت النعمة يدا لنها باليد تعطى ،وإضافتها إلى الصدق
لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية ،وفي المجمع
) (5عن الصادق عليه السلم أن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى ال
عليه وآله ،وفي الكافي والعياشي ) :(6هو رسول ال صلى ال عليه وآله
وفيهما :بولية أمير المؤمنين عليه السلم وهذا لن الولية من شروط
الشفاعة وهما متلزمتان " .بايمانهم " ) (7أي بسبب إيمانهم للستقامة
على سلوك الطريق المؤدي
) (1النفال (2) .74 :برائة (3) 20 :براءة (4) 22 :يونس (5) .2 :مجمع البيان
ج 5ص (6) 89تفسير العياشي ج 2ص 117و (7) 118يونس.9 :
][36
إلى الجنة " في جنات النعيم " لن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها ،أو
يهديهم في الخرة إليها " .وبشر المؤمنين " ) (1بالنصرة في الدنيا
والجنة في العقبى " .الن وقد عصيت قبل " ) (2قال الطبرسي )- (3
رحمه ال -فيه إضمار أي قيل له الن آمنت حين لم ينفع اليمان ،ولم
يقبل ،لنه حال اللجاء ،وقد عصيت بترك اليمان في حال ما ينفعك
اليمان ،فهل آمنت قبل ذلك ،وإيمان اللجاء ل يستحق به الثواب فل ينفع،
انتهى .وذكر الرازي لعدم قبول توبة فرعون وجوها :منها أنه إنما آمن
عند نزول العذاب ،واليمان في هذا الوقت غير مقبول ،لنه عند نزول
العذاب وقت اللجاء ،وفي هذا الحال ل تكون التوبة مقبولة " .كذلك حقا
علينا " ) (4أي مثل ذلك النجاء " ننجي المؤمنين " منكم حين نهلك
المشركين " وحقا علينا " اعتراض يعني حق ذلك علينا حقا ،وفي
المجمع ) (5والعياشي ) (6عن الصادق عليه السلم ما يمنعكم أن تشهدوا
على من مات منكم على هذا المر أنه من أهل الجنة ،إن ال تعالى يقول:
" كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين " " .ولكن أ عبد ال الذي يتوفاكم " )
(7فإنه هو الحقيق بأن يخاف ويرجى ويعبد ،وإنما خص التوفي بالذكر
للتهديد " .وامرت أن أكون من المؤمنين " المصدقين بالتوحيد ،فهذا
ديني.
) (1يونس (2) 87 :يونس (3) .91 :مجمع البيان ج 5ص (4) 131يونس:
(5) 102مجمع البيان ج 5ص (6) 138تفسير العياشي ج 2ص 138
) (7يونس.103 :
][37
" وأن أقم وجهك " ) (1عطف على " أن أكون " غير أن صلة أن محكية بصيغة
المر ،والمعنى امرت بالستقامة والسداد في الدين ،بأداء الفرائض
والنتهاء عن القبائح " .وأخبتوا إلى ربهم " ) (2أي اطمأنوا إليه
وخشعوا له " .مثل الفريقين " أي الكافر والمؤمن " كالعمى والصم "
أي كالعمى وكالصم ،أو كالعمى الصم " والبصير والسميع " أي
كالبصير وكالسميع أو كالبصير السميع ،وذلك لتعامي الكافر عن آيات ال،
وتصامه عن استماع كلم ال ،وتأييه عن تدبر معانيه " أفل تذكرون "
بضرب المثال والتأمل فيها " .هل يستوي العمى والبصير " ) (3قال
علي بن إبراهيم :يعني الكافر والمؤمن " أم هل تستوي الظلمات والنور "
قال :الكفر واليمان " .كلمة طيبة " ) (4قيل :أي قول حقا ودعاء إلى
صلح " كشجرة طيبة " يطيب ثمرها كالنخلة ،وفي المجمع ) (5عن
النبي صلى ال عليه وآله أن هذه الشجرة الطيبة النخلة " أصلها ثابت "
في الرض ضارب بعروقه فيها " تؤتي اكلها " أي تعطي ثمرها " كل
حين " أي كل وقت وقته ال لثمارها " بإذن ربها " أي بارادة خالقها "
لعلهم يتذكرون " لن في ضرب المثال تذكيرا وتصويرا للمعاني
بالمحسوسات لتقريبها من الفهام .وفي العياشي ) :(6عن الصادق عليه
السلم :هذا مثل ضربه ال لهل بيت نبيه ولمن عاداهم .وفي الكافي )(7
عنه عليه السلم أنه سئل عن الشجرة في هذه الية فقال :رسول ال صلى
ال عليه وآله أصلها ،وأمير المؤمنين عليه السلم فرعها ،والئمة من
ذريتهما أغصانها
) (1يونس (2) 105 :هود 23 :و (3) 24الرعد (4) 16 :ابراهيم(5) 27 - 24 :
مجمع البيان ج 6ص (6) .312تفسير العياشي ج 2ص (7) .224
الكافي ج 1ص .428
][38
وعلم الئمة ثمرها ،وشيعتهم المؤمنون ورقها .قال :وال إن المؤمن ليولد فتورق
ورقة فيها ،وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها .وفي الكمال :الحسن
والحسين ثمرها ،والتسعة من ولد الحسين أغصانها .وفي معاني الخبار )
:(1وغصن الشجرة فاطمة وثمرها أولدها ،وورقها شيعتنا وزاد في
الكمال " :تؤتي اكلها كل حين " ما يخرج من علم المام إليكم في كل
سنة من كل فج عميق " .ومثل كلمة خبيثة " قيل :أي قول باطل ودعاء
إلى ضلل أو فساد " كشجرة خبيثة " ل يطيب ثمرها كشجرة الحنظل "
اجتثت " أي استوصلت وأخذت جثته بالكلية " من فوق الرض " لن
عروقها قريبة منه " مالها من قرار " أي استقرار .وفي المجمع ) (2عن
الباقر عليه السلم إن هذا مثل بني امية ،وروى علي بن إبراهيم عنه عليه
السلم كذلك الكافرون ل تصعد أعمالهم إلى السماء ،وبنو امية ل يذكرون
ال في مجلس ول في مسجد ،ول تصعد أعمالهم إلى السماء إل قليل منهم.
" بالقول الثابت " قيل أي الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم ،وتمكن في
قلوبهم واطمأنت إليه أنفسهم " في الحياة الدنيا " فل يزلون إذا افتتنوا
في دينهم " وفي الخرة " فل يتلعثمون ) (3إذا سئلوا عن معتقدهم "
ويضل ال الظالمين " الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والقتصار على
التقليد ،فل يهتدون إلى الحق ،ول يثبتون في مواقف الفتن .وفي التوحيد
عن الصادق عليه السلم يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته "
ويفعل ال ما يشاء " من تثبيت المؤمنين وخذلن الظالمين .ويظهر من
كثير من الخبار أن التثبيت في الدنيا عند الموت ،وفي الخرة في القبر ،أو
الخرة تشمل الحالتين ،وقد مضت الخبار الكثيرة في تفسير اليات
المذكورة ،في كتب المامة ،والفتن ،والمعاد ،وقد أوردنا وجوها كثيرة
فيها
) (1معاني الخبار ص (2) 400مجمع البيان ج 6ص (3) .313تلعثم :توقف
وتلكأ.
][39
فل نعيدها " .حنيفا " ) (1قال الراغب :الحنف هو ميل عن الضلل إلى الستقامة
و الجنف بالعكس ) " .(2أجرا حسنا " ) (3هو الجنة " أبدا " بل انقطاع.
" إل أن تأتيهم سنة الولين " ) (4إل إنتظار أن تأتيهم سنة الولين وهي
الهلك والستئصال " أو يأتيهم العذاب " أي عذاب الخرة " قبل " أي
عيانا " .كانت لهم جنات الفردوس ) " (5قال في المجمع (6) :أي كان في
حكم ال وعلمه لهم بساتين الفردوس ،وهو أطيب موضع في الجنة،
وأوسطها وأفضلها وأرفعها " نزل " أي منزل ومأوى ،وقيل ذات نزل،
وقال الراغب :النزل ما يعد للنازل من الزاد ) " (7ل يبغون عنها حول "
أي تحول ،إذ ل يجدون أطيب منها ،حتى تنازعهم إليه أنفسهم " .ول
يظلمون شيئا " ) (8قيل :أي ل ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ،ويجوز
أن ينتصب شيئا على المصدر " .سيجعل لهم الرحمان ودا " ) (9قيل :أي
سيجعل لهم في القلوب مودة وقد مر ) (10في أخبار كثيرة أنها نزلت في
أمير المؤمنين عليه السلم حيث جعل ال له في قلوب المؤمنين ودا
وفرض مودته ووليته على الخلق.
) (1النحل (2) .123 :المفردات :ص 33وفيه :والجنف ميل عن الستقامة الى
الضلل (3) .الكهف (4) 3 - 2 :الكهف (5) .55 :الكهف(6) 108 :
مجمع البيان ج 6ص (7) .498المفردات :ص (8) 489مريم) .60 :
(9مريم (10) .96 :راجع تاريخ أمير المؤمنين عليه السلم الباب 14ج
35ص 360من هذه الطبعة.
][40
" قد عمل الصالحات " ) (1أي في الدنيا " لهم الدرجات العلى " أي المنازل
الرفيعة " جنات عدن " بدل من الدرجات " من تزكى " أي من تطهر من
أدناس الكفر والمعاصي " .لمن تاب " ) (2أي من الشرك " وآمن " بما
يجب اليمان به " ،ثم اهتدى " أي إلى ولية أهل البيت عليهم السلم كما
ورد في الخبار الكثيرة التي قد مر بعضها وسيأتي بعضها إنشاء ال" .
وهو مؤمن " ) (3أي بال ورسله " فل كفران لسعيه " أي ل تضييع له،
استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لعطائه " وإناله " أي لسعيه "
كاتبون " أي مثبتون في صحيفة عمله " .يفعل ما يريد " ) (4أي من
إثابة الموحد الصالح ،وعقاب المشرك ،ل دافع له ول مانع " .من أساور
" ) (5جمع أسورة وهي جمع سوار " من ذهب " بيان له " ولؤلؤا "
عطف عليها ل على ذهب " ،إلى الطيب من القول " قيل :هو قولهم:
الحمد ل الذي صدقنا وعده ،أو كلمة التوحيد .وقال علي بن إبراهيم:
التوحيد والخلص " و هدوا إلى صراط الحميد " قيل أي المحمود نفسه
أو عاقبته وهو الجنة ،أو الحق أو المستحق لذاته الحمد ،وهو ال تعالى،
وصراطه السلم .وفي المحاسن عن الباقر عليه السلم هو وال هذا المر
الذي أنتم عليه ،وفي الكافي ) (6عن الصادق عليه السلم في هذه الية
قال :ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار هدوا إلى
أمير المؤمنين " .إن ال يدافع عن الذين آمنوا " ) (7أي غائله
المشركين " .ورزق كريم " ) (8قيل :الكريم من كل نوع ما يجمع فضائله
) (1طه (2) .76 - 75 :طه (3) .82 :النبياء (4) .94 :الحج (5) .14 :الحج:
23و (6) .24الكافي ج 1ص (7) .426الحج (8) .38 :الحج.50 :
)*(
][41
" إلى صراط مستقيم " ) (1قال علي بن إبراهيم :إلى المام المستقيم " .قد أفلح
المؤمنون " ) (2في الكافي ) (3عن الباقر عليه السلم :أتدري من هم
قيل :أنت أعلم ،قال :قد أفلح المؤمنون المسلمون ،إن المسلمين هم
النجباء ،و روى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلم قال :لما خلق
ال الجنة قال لها :تكلمي فقالت :قد أفلح المؤمنون الية .وأقول :تدل
اليات على اشتراط تأثير اليمان في دخول الجنة بالعمال و إن أمكن
تأويلها بما سيأتي ،وكذا قوله تعالى " ويقولون آمنا " إلى آخر اليات تدل
على بعض شرائط اليمان ،وأن من لم يتحاكم إلى الرسول ولم يرض
بحكمه فليس بمؤمن " .إنما المؤمنون ) " (4حمل على الكاملين في
اليمان " الذين آمنوا بال و رسوله " أي من صميم قلوبهم " وإذا كانوا
معه على أمر جامع " كالجمعة والعياد والحروب والمشاورة في المور
" حتى يستأذنوه " أي الرسول صلى ال عليه وآله " إن الذين يستأذنونك
" أعاده مؤكدا على اسلوب أبلغ فانه يفيد أن المستأذن مؤمن ل محالة،
وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك ،تنبيها على كونه مصداقا لصحة اليمان
ومميزا للمخلص عن المنافق ،وتعظيما للجرم " .فعسى أن يكون من
المفلحين " ) (5قيل :عسى تحقيق على عادة الكرام أو ترجى من التائب
بمعنى فليتوقع أن يفلح " .وهم ل يفتنون " ) (6أي ل يختبرون وفي
المجمع ) (7عن الصادق عليه السلم
) (1الحج (2) .54 :المؤمنون (3) .51 :الكافي ج 1ص 391وبعده :فالمؤمن
غريب فطوبى للغرباء ،ورواه في المحاسن ص (4) .272المؤمنون:
(5) .62القصص (6) .67 :العنكبوت (7) .3 - 1 :مجمع البيان ج 8
ص .272
][42
معنى يفتنون :يبتلون في أنفسهم وأموالهم ،وعن النبي صلى ال عليه وآله أنه لما
نزلت هذه الية قال :لبد من فتنة يبتلى بها المة بها ،ليتعين الصادق من
الكاذب ،لن الوحي قد انقطع ،وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم
القيامة .وفي الكافي ) (1عن الكاظم عليه السلم أنه قرأ هذه الية ثم قال:
ما الفتنة ؟ قيل الفتنة في الدين فقال :يفتنون كما يفتن الذهب ،ثم يخلصون
كما يخلص الذهب " .فليعلمن ال الذين صدقوا " أي في الوجود بحيث
يتميز الذين صدقوا في اليمان والذين كذبوا فيه بعدما كان يعلمهم قبل ذلك
أنهم سيوجدون ويمتحنون .وفي المجمع ) (2عن أمير المؤمنين والصادق
عليهما السلم أنهما قرءا بضم الياء و كسر اللم فيهما من العلم أي
ليعرفنهم الناس .وأقول :تدل على أن القرار الظاهري غير كاف في
اليمان الواقعي " .أحسن الذي كانوا يعملون " ) (3أي أحسن جزاء
أعمالهم " .لندخلنهم في الصالحين " ) (4أي في جملتهم أو في زمرتهم
في الجنة " ومن الناس من يقول آمنا بال " بلسانه " فإذا اوذي في ال
" أي في دينه أو في ذاته " جعل فتنة الناس " أي تعذيبهم وأذيتهم "
كعذاب ال " فيرجع عن الدين ،كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة
عذاب ال " ،ولئن جاءهم نصر من ربك " أي فتح وغنيمة " ليقولن إنا
كنا معكم " في الدين ،فأشركونا فيه ،والمراد المنافقون أو قوم ضعف
إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ،ويؤيد الول " أو ليس ال بأعلم بما
في صدور العالمين " أي من الخلص والنفاق " وليعلمن الذين آمنوا "
بقلوبهم " وليعلمن المنافقين " فيجازي الفريقين " .وقولوا " ) (5أي
لهل الكتاب في المجادلة وفي الدعوة إلى الدين ،فل
) (1الكافي ج 1ص (2) .370مجمع البيان ج 8ص (3) .271العنكبوت(4) .7 :
العنكبوت (5) .11 - 9 :العنكبوت 46 :و .47
][43
يدل على اشتراط اليمان بالقول " فالذين آتيناهم الكتاب " أي علمه أي مؤمنو -
أهل الكتاب " ومن هؤلء " يعني من العرب ،أو من أهل مكة ،أو ممن في
عهد الرسول صلى ال عليه وآله من أهل الكتاب " من يؤمن به " أي
بالقرآن " وما يجحد بآياتنا " مع ظهورها وقيام الحجة عليها " إل
الكافرون " المتوغلون في الكفر " .يتلى عليهم " ) (1أي تدوم تلوته
عليهم " إن في ذلك " أي الكتاب الذي هو آية مستمرة ،وحجة مبينة" ،
لرحمة " أي لنعمة عظيمة " وذكرى لقوم يؤمنون " أي تذكرة لمن همه
اليمان دون التعنت " .لنبوءنهم " ) (2لننزلنهم " من الجنة غرفا تجري
من تحتها النهار خالدين فيها نعم أجر العاملين " المخصوص بالمدح
محذوف ،دل عليه ما قبله ،وهو الجنة أو الغرف " الذين صبروا " على
المحن والمشاق في الدين " وعلى ربهم يتوكلون " أي ل يتوكلون إل
على ال " .فهم في روضة " ) (3قيل :أي أرض ذات أزهار وأنهار "
يحبرون " أي يسرون سرورا تهللت له وجوههم وقال علي بن إبراهيم:
أي يكرمون " .فأقم وجهك للدين حنيفا " ) (4قيل أي مائل مستقيما عليه،
وقيل هو تمثيل للقبال والستقامة عليه والهتمام به ،وقال علي بن
إبراهيم :أي طاهرا وروى هو والكليني ) (5عن الباقر عليه السلم أنه
قال :هو الولية ،وفي التهذيب عن الصادق عليه السلم قال :أمره أن يقيم
وجهه لقبلة ليس فيه شئ من عبادة الوثان " .فطرة ال " نصب على
الغراء أو المصدر ،لما دل عليه ما بعدها " التي فطر الناس عليها " أي
خلقهم عليها ،قيل :وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة السلم،
فانهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها.
) (1العنكبوت (2) .51 :العنكبوت 58 :و (3) .59الروم (4) .15 :الروم - 30
(5) .32الكافي ج 1ص .419
][44
وفي الكافي ) (1عن الصادق عليه السلم أنه سئل ما تلك الفطرة ،قال :هي السلم
فطرهم ال حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال " :ألست بربكم " ؟ )(2
وفيهم المؤمن والكافر .وفي كثير من الخبار ) :(3فطرهم على التوحيد،
وفي بعضها فطرهم على الولية ،وفي بعضها فطرهم على التوحيد ومحمد
رسول ال صلى ال عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلم ).(4
وعن الباقر عليه السلم ) :(5فطرهم على التوحيد عند الميثاق على
معرفة أنه ربهم قال :لول ذلك لم يعلموا من ربهم ول من رازقهم ،وقد
مضت الخبار والقوال في ذلك في كتاب العدل " .ل تبديل لخلق ال " أي
ل يقدر أحد أن يغيره ،أو ل ينبغي أن يغير ذلك إشارة إلى الدين المأمور
باقامة الوجه له ،أو الفطرة إن فسرت بالملة " الدين القيم " أي المستوي
الذي ل عوج فيه " ولكن أكثر الناس ل يعلمون " أي استقامته " .منيبين
إليه " أي راجعين إليه مرة بعد اخرى " من الذين فرقوا دينهم " أي
اختلفوا فيما يعبدونه على اختلف أهوائهم ،وقرأ حمزة والكسائي" :
فارقوا " أي تركوا " وكانوا شيعا " أي فرقا يشايع كل إمامها الذي أصل
دينها " كل حزب بما لديهم فرحون " أي مسرورون ظنا بأنه الحق" .
للدين القيم ) " (6أي البليغ الستقامة " ل مرد له " لتحتم مجيئه "
يومئذ يصدعون " أصله يتصدعون أي يتفرقون :فريق في الجنة وفريق
في السعير.
) (1الكافي ج 2ص (2) .12العراف (3) .172 :راجع الكافي كتاب اليمان
والكفر باب فطرة الخلق على التوحيد (4) .راجع الكافي ج 1ص 412
وتراه في كشف الحق بروايته عن النبي صلى ال عليه وآله ج 1ص
(5) .93تفسير العياشي ج 2ص (6) 40الروم.43 :
][45
" لهم جنات النعيم " ) (1قيل أي لهم نعيم جنات ،فعكس للمبالغة " .خالدين فيها
" حال من الضمير في لهم ،أو من جنات النعيم " وعد ال حقا " مصدران
موكدان :الول لنفسه ،والثاني لغيره ،لن قوله " لهم جنات " وعد،
وليس كل وعد حقا " وهو العزيز " الذي ل يغلبه شئ ،فيمنعه عن إنجاز
وعده ووعيده " ،الحكيم " الذى ل يفعل إل ما تستدعيه حكمته " .بأن
لهم من ال فضل كبيرا " ) (2أي على سائر المم ،أو على أجر أعمالهم
" ورزق كريم " أي ل تعب فيه ول من عليه " .وما يستوي العمى
والبصير ) (3أي الكافر والمؤمن " ول الظلمات ول النور " أي ول
الباطل ول الحق " ،ول الظل ول الحرور " أي ول الثواب ول العقاب" ،
ول " لتأكيد نفي الستواء ،وتكريرها على الشقين ،لمزيد التأكيد والحرور
من الحر ،غلب على السموم .وقال علي بن إبراهيم :الظل الناس ،والحرور
البهائم ،وكأنهم إنما سموا ظل لتعيشهم في الظلل ،والبهائم حرورا
لتعيشهم فيها ،وفي بعض النسخ للناس وللبهائم ،وهو أصوب وفي بعضها
ول الحرور ،والحرور السمائم وهو أظهر منهما " .وما يستوي الحياء
ول الموات " تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلع من الول ،ولذلك كرر
الفعل وقيل للعلماء والجهلء " إن ال يسمع من يشاء " هدايته ،فيوفقه
لفهم آياته ،والتعاظ بعظاته " وما أنت بمسمع من في القبور " أي
المصرين على الكفر .وقال علي بن إبراهيم :قال :هؤلء الكفار ل يسمعون
منك كما ل يسمع من في القبور " .من كان حيا " ) (4قال -ره :-يعني
مؤمنا حي القلب ،وفي المجمع عن
) (1لقمان 8 :و (2) 9الحزاب (3) 47 :فاطر (4) 19 :يس.70 :
][46
أمير المؤمنين عليه السلم أي عاقل " ويحق القول " أي تجب كلمة العذاب "
على الكافرين " ) " .(1الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد
ربهم ويؤمنون به " ) (2أخبر عنهم باليمان إظهارا لفضله ،وتعظيما
لهله " ويستغفرون للذين آمنوا " في الخبار الكثيرة :للذين آمنوا
بوليتهم عليهم السلم " ربنا " أي يقولون ربنا " وسعت كل شئ رحمة
وعلما " أي وسعت رحمتك وعلمك كل شئ " فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك " قيل أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق " وقهم
عذاب الجحيم " " .ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " أي إياها "
ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " عطف على " هم " الول أي
أدخلهم ومعهم هؤلء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد " إنك أنت
العزيز " الذي ل يمتنع عليه مقدور " الحكيم " الذي ل يفعل إل ما
تقتضيه حكمته ،ومن ذلك الوفاء بالوعد " .وقهم السيئات " أي العقوبات،
أو جزاء السيئات ،أو المعاصي في الدنيا لقوله " ومن تق السيئات يومئذ
فقد رحمته " أي ومن تقها في الدنيا ،فقد رحمته في الخرة و " ذلك
الفوز العظيم " يعني الرحمة ،أو الوقاية أو مجموعهما " .ومن عمل
صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها
بغير حساب " ) (3قيل :أي بغير تقدير وموازنة بالعمل ،بل أضعافا
مضاعفة فضل من ال ورحمة ،ولعل جعل العلم عمدة ،واليمان حال،
للدللة على أنه شرط في اعتبار العمل ،وأن ثوابه أعلى من ذلك " .إنا
لننصر رسلنا " ) (4قيل أي بالحجة والظفر ،والنتقام من الكفرة " في
الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " الشهاد جمع شاهد ،والمراد بهم من
يقوم
][47
يوم القيامة للشهادة على الناس ،من الملئكة والنبياء والمؤمنين .وقال علي بن
إبراهيم :هو في الرجعة إذا رجع رسول ال صلى ال عليه وآله والئمة
عليهم السلم وروى بإسناده عن الصادق عليه السلم قال :ذلك وال في
الرجعة أما علمت أن أنبياء ال كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والئمة
من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة " .وما يستوي العمى
والبصير " ) (1أي الجاهل والمستبصر " والذين آمنوا وعملوا الصالحات
ول المسئ " أي ول يستوي المؤمن المحسن والمسئ ،مؤمنا كان أو
غيره " قليل ما تتذكرون " أي تذكرا ما قليل تتذكرون " .فلما رأوا بأسنا
" ) (2أي عذابنا النازل بهم قال في المجمع ) (3أي عند رؤيتهم بأس ال
وعذابه لنهم يصيرون عند ذلك ملجيئن ،وفعل الملجأ ل يستحق به المدح
" سنة ال " نصبها على المصدر ،أي سن ال هذه السنة في المم
الماضية كلها إذ ل ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب ،والمراد بالسنة هنا
الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين " وخسر هنالك الكافرون "
بدخول النار واستحقاق النقمة وفوت الثواب والجنة .وفي العيون ) (4عن
الرضا عليه السلم :أنه سئل لى علة غرق ال فرعون وقد آمن به وأقر
بتوحيده ؟ قال :لنه آمن عند رؤية البأس ،واليمان عند رؤية البأس غير
مقبول ،وذلك حكم ال تعالى ذكره في السلف والخلف ،قال ال عزوجل "
فلما رأوا بأسنا " اليتين(5) .
) (1المؤمن (2) 58 :المؤمن 84 :و (3) 85مجمع البيان ج 8ص (4) .535
عيون أخبار الرضا عليه السلم ج 2ص - 77ط دار العلم قم (5) .قال
بعد ذلك :ولعلة اخرى أغرق ال عزوجل فرعون وهى انه استغاث
بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بال ،فأوحى ال عزوجل إليه يا
موسى لم تغث فرعون لنك لم تخلقه ،ولو استغاث بى لغثته .أقول:
العلة الولى لعدم قبول ايمانه ،وهذه وجه عدم اغاثته ونجاته من الغرق.
][48
وقال الرازي في تفسيره :فان قيل :اذكروا ضابطا في الوقت الذي ل ينفع التيان
باليمان ،قلنا :إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملئكة الرحمة والعذاب،
لن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى اليمان ،فذلك اليمان ل ينفع،
إنما ينفع مع القدرة على خلفه حتى يكون المرء مختارا أما إذا عاينوا
علمات الخرة فل ينفع .قوله " :غير ممنون " ) (1أي ل يمن به عليكم،
أو غير مقطوع " .شرع لكم من الدين " ) (2أي قرر لكم دين نوح ومحمد
ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم السلم ،وهو الصل المشترك فيما
بينهم المفسر بقوله " :أن أقيموا الدين " وهو اليمان بما يجب تصديقه،
والطاعة في أحكام ال " ول تتفرقوا فيه " أي ول تختلفوا في هذا الصل،
أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ".
" كبر على المشركين " أي عظم عليهم " ما تدعوهم إليه " من التوحيد
) " (3ال يجتبي إليه من يشاء " أي يجتلب إليه ،والضمير لما تدعوهم،
أو للدين " ويهدي إليه " بالرشاد والتوفيق " من ينيب " أي يقبل إليه.
وقال علي بن إبراهيم ) :(4هم الئمة الذين اختارهم واجتباهم ،وعن
الصادق عليه السلم " :أن أقيموا الدين " قال المام " :ول تتفرقوا فيه
" كناية عن أمير المؤمنين " ما تدعوهم إليه " من ولية علي عليه
السلم " من يشاء " كناية عن علي عليه السلم وسيأتي خبر طويل في
تأويل هذه الية.
) (1فصلت (2) .8 :الشورى (3) 13 :في الكافي ج 1ص 418في حديث الرضا
عليه السلم أن المراد كبر على المشركين بولية على عليه السلم ما
تدعوهم إليه يا محمد من ولية على ،هكذا في الكتاب مخطوطة )(4
وهكذا رواه في كنز جامع الفوائد ص .284
][49
" في روضات الجنات " ) (1قيل :أي في أطيب بقاعها وأنزهها " لهم ما يشاؤن
عند ربهم " أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم " ذلك إشارة إلى ما
للمؤمنين " هو الفضل الكبير " الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا "
ذلك الذي " أي ذلك الثواب الذي " يبشر " هم " ال به " فحذف الجار
ثم العائد ،أو " ذلك " التبشير " الذي يبشر " ه " ال عباده "" .
ويستجيب الذين آمنوا " ) (2قيل أي يستجيب ال لهم ،فحذف اللم
والمراد إجابة الدعاء ،أو الثابة على الطاعة ،أو يستجيبون ال بالطاعة
إذا دعاهم إليها ،وفي المجمع ) (3عن ابن عباس في حديث طويل أن
النصار عرضوا على النبي صلى ال عليه وآله أموالهم فنزلت " :قل ل
أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى " فخرجوا من عنده مسلمين وقال
المنافقون " :إن هذا الشئ افتراء -وساق إلى قوله -وقال " ويستجيب
الذين آمنوا " وهم الذين سلموا لقوله .وفي الكافي ) (4عن الباقر عليه
السلم قال :هو المؤمن يدعو لخيه بظهر الغيب فيقول له الملك :آمين،
ويقول العزيز الجبار :ولك مثل ما سألت لحبك إياه .وفي المجمع ) (5عن
النبي صلى ال عليه وآله قال " ويزيدهم من فضله " الشفاعة لمن وجبت
له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا " .الذين آمنوا " ) (6صفة للمنادى
في قوله " يا عباد ل خوف عليكم " " تحبرون " أي تسرون أو تزينون
أو تكرمون إكراما يبالغ فيه " .في رحمته " ) (7التي من جملتها الجنة "
ذلك هو الفوز المبين " لخلوصه
) (1الشورى 22 :و (2) .23الشورى (3) .26 :مجمع البيان ج 9ص (4) 29
الكافي ج 2ص (5) .507مجمع البيان ج 9ص (6) 30الزخرف69 :
(7) 70 -الجاثية30 :
][50
عن الشوائب " .قالوا ربنا ال ثم استقاموا " ) (1قيل :أي جمعوا بين التوحيد
الذي هو خلصة العلم ،والستقامة في المور التي هي منتهى العمل ،و "
ثم " للدللة على تأخير رتبة العمل ،وتوقف اعتباره على التوحيد ،وقال
علي بن إبراهيم :استقاموا على ولية أمير المؤمنين عليه السلم " فل
خوف عليهم " من لحوق مكروه " ول هم يحزنون " على فوات محبوب.
" وصدوا عن سبيل ال " ) (2قال علي بن إبراهيم :نزلت في أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وآله الذين ارتدوا بعده ،وغصبوا أهل بيته
حقهم ،وصدوا عن أمير المؤمنين ،وعن ولية الئمة عليهم السلم" ،
أضل أعمالهم " أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول ال صلى ال عليه
وآله من الجهاد والنصر .وروى عن الصادق عليه السلم في قوله "
وآمنوا بما نزل " قال بما نزل " على محمد " في علي ،هكذا نزلت " كفر
عنهم سيئاتهم " قال :نزلت في أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد ،لم
ينقضوا العهد ،قال " وآمنوا بما نزل على محمد " :أي اثبتوا على الولية
التي أنزلها ال " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين عليه السلم " بالهم
" أي حالهم " .ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل " قال :وهم الذين
اتبعوا أعداء رسول ال وأمير المؤمنين صلوات ال عليهما ،وروى عن
الصادق عليه السلم قال :في سورة محمد صلى ال عليه وآله آية فينا
وآية في أعدائنا " (3) .مولى الذين آمنوا " ) (4أي ناصرهم على
أعدائهم ،وقال علي بن إبراهيم :يعني الذين ثبتوا على ولية أمير
المؤمنين عليه السلم " ل مولى لهم " فيدفع العذاب عنهم.
) (1الحقاف (2) .13 :القتال (3) .3 - 1 :راجع مجمع البيان ج 9ص ،95ورواه
في كنز جامع الفوائد ص 302و 334عن على عليه السلم (4) .القتال:
11
][51
" ليدخل " ) (1قيل :أي فعل ما فعل ودبر ما دبر ليدخل " .ويكفر عنهم سيئاتهم "
أي يغطيها ول يظهرها " فوزا عظيما " لنه منتهى ما يطلب من جلب نفع
أو دفع ضرر " .وعلى المؤمنين " ) (2أي أنزل عليهم الثبات والوقار "
وألزمهم كلمة التقوى " أي كلمة بها يتقى من النار ،أو هي كلمة أهل
التقوى ،وقال الكثر :هي كلمة الشهادة وروي ذلك عن النبي صلى ال
عليه وآله وعن الصادق عليه السلم :هي اليمان وعن النبي صلى ال
عليه وآله في وصف علي عليه السلم هو الكلمة التي ألزمتها المتقين) .
(3وفي أخبار كثيرة عنهم عليهم السلم " نحن كلمة التقوى " أي
وليتهم " وكانوا أحق بها " أي بتلك الكلمة من غيرهم " وأهلها " أي
المستأهل لها " وكان ال بكل شئ عليما " فيعلم أهل كل شئ وييسره له.
" حبب إليكم اليمان ) " (4أي جعله أحب الديان إليكم ،بأن أقام الدلة
على صحته ،وبما وعد من الثواب عليه " وزينه في قلوبكم " باللطاف
الداعية إليه ،وفيه إشعار بأن اليمان من فعل القلب " وكره إليكم الكفر "
بما وصف من العقاب عليه ،وبوجوه اللطاف الصارفة عنه " والفسوق "
أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي " والعصيان " أي جميع المعاصي
وقيل :الفسوق :الكذب وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلم ) .(5وفي
الكافي وغيره ) (6عن الصادق عليه السلم أن اليمان أمير المؤمنين
عليه السلم والثلثة
) (1الفتح (2) 5 :الفتح (3) 26 :منها ما تراه في ج 35ص 300من هذه الطبعة
في روايات المعراج ،وتراه في ج 6؟ ص 55باب له عليه السلم كلمة
ال أحاديث في ذلك ) (4الحجرات :؟ و (5) .8رواه الطبرسي في مجمع
البيان ج 9ص (6) .133راجع الكافي ج 1ص ،426مناقب آل أبى
طالب ج 3ص 343تفسير القمى ص .640
][52
الثلثة على الترتيب ،وفي المحاسن ) (1عنه عليه السلم أنه سئل عن هذه الية
وقيل له :هل للعباد فيما حبب ال صنع ؟ قال :ل ،ول كرامة .وفي الكافي )
(2عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن الحب والبغض أمن اليمان هو ؟
فقال :وهل اليمان إل الحب والبغض ؟ ثم تل هذه الية " .اولئك هم
الراشدون " يعني اولئك الذين فعل بهم ذلك ،هم الذين أصابوا الطريق
السوي " .إنكم لفي قول مختلف " ) (3أي في محمد صلى ال عليه وآله
شاعر أو مجنون ؟ ،أو منكم مكذب ،ومنكم مصدق ،ومنكم شاك ،أو في
القرآن إنه سحر أو كهانة أو ما سطره الولون ؟ " يؤفك عنه من افك "
الضمير للرسول صلى ال عليه وآله أو القرآن أو اليمان ،أي من صرف
عنه صرف عن الخيرات كلها ،أو ل صرف أشد منه ،فكأنه ل صرف
بالنسبة إليه ،أو يصرف عنه من صرف في علم ال وقضائه " .تنفع
المؤمنين " ) (4أي من قدر ال إيمانه ،أو من آمن ،فانه يزداد بصيرة" .
مستخلفين فيه " ) (5أي من الموال التي جعلكم ال خلفاء في التصرف
فيها ،فهي حقيقة له ل لكم ،أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها
والتصرف فيها " ،ومالكم ل تؤمنون " أي أيما عذر لكم في ترك اليمان ؟
" والرسول يدعوكم " إليه بالحجج والبينات " وقد أخذ ميثاقكم " أي وقد
أخذ ال ميثاقكم باليمان قبل ذلك " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما فان هذا
موجب ل مزيد عليه " من الظلمات إلى النور " أي من ظلمات الكفر إلى
نور اليمان.
) (1المحاسن (2) .199 :الكافي ج 2ص .125وتراه في المحاسن ص (3) .262
الذاريات 8 :و (4) .9الذاريات (5) .55 :الحديد.9 - 7 :
][53
" يسعى نورهم " ) (1قيل :أي ما يهتدون به إلى الجنة " بين أيديهم وبأيمانهم "
من حيث يؤتون صحائف أعمالهم لن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم
من هاتين الجهتين " بشراكم اليوم جنات " أي يقولون لهم من يتلقاهم
من الملئكة " بشراكم " أي المبشر به " جنات " أو بشراكم دخول جنات
" ذلك هو الفوز العظيم " إشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات
المخلدة " .اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " ) (2في التهذيب
عن السجاد عليه السلم إن هذه لنا ولشيعتنا ،وفي المحاسن ) (3عن
الصادق ،عن أبيه عليهما السلم قال :ما من شيعتنا إل صديق شهيد ،قيل:
أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم ،فقال :أما تتلو كتاب ال في
الحديد " والذين آمنوا بال ورسله اولئك هم الصديقون و الشهداء " قال:
لو كان الشهداء ]ليس إل[ كما يقولون كان الشهداء قليل " .أقول :سيأتي
أخبار كثيرة في ذلك وقد مر بعضها " .لهم أجرهم ونورهم " أي أجر
الصديقين والشهداء ونورهم " .سابقوا " ) (4أي سارعوا مسارعة
السابقين في المضمار " إلى مغفرة من ربكم " أي إلى موجباتها "
كعرض السماء والرض " قيل أي كعرض مجموعهما إذا بسطتا " .يا
أيها الذين آمنوا ) " (5أي بالرسل المتقدمة " اتقوا ال " فيما نهاكم عنه
" يؤتكم كفلين " أي نصيبين " من رحمته " ليمانكم بمحمد وإيمانكم
بمن قبله " ويجعل لكم نورا تمشون به " قيل يريد المذكور في قوله "
يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس .وقال علي بن
إبراهيم ) " :(6كفلين " نصيبين " من رحمته " أحدهما أن
) (1الحديد (2) .12 :الحديد (3) .19 :المحاسن .163 :والحديث عن زيد بن أرقم
عن الحسين بن على عليهما السلم وفيه قال :قلت جعلت فداك أنى يكون
ذلك الخ (4) .الحديد (5) 21 :الحديد (6) 28 :تفسير القمى.666 :
][54
ل يدخله النار ،وثانيهما أن يدخله الجنة " ويجعل لكم نورا " يعني اليمان .وعن
الصادق عليه السلم ) " (1كفلين من رحمته " :قال :الحسن والحسين و
" نورا تمشون به " يعني إماما تأتمون به ،وفي المناقب :قال :والنور
علي عليه السلم " .ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) " (2قيل
أي ل يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة ،والذين استمهنوها
فاستحقوا النار " ،هم الفائزون " بالنعيم المقيم " .تؤمنون " )(3
استئناف مبين للتجارة ،وهو الجمع بين اليمان والجهاد المؤدي إلى كمال
عزهم ،والمراد به المر ،وإنما جئ بلفظ الخبر ،إيذانا بأن ذلك مما ل
يترك " .ذلكم خير لكم " يعني ما ذكر من اليمان والجهاد " إن كنتم
تعلمون " أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل ل يعتد بفعله " .يغفر لكم "
جواب للمر المدلول عليه بلفظ الخبر ،أو بشرط أو استفهام دل عليه
الكلم ،تقديره :إن تؤمنوا وتجاهدوا .أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم "
ذلك " إشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة " .واخرى " أي ولكم
إلى هذه النعمة المذكورة نعمة اخرى ،وقيل مبتدء خبره " نصر من ال
وفتح قريب " فتح مكة ،وفي تفسير علي بن إبراهيم يعني في الدنيا بفتح
القائم عليه السلم " وبشر المؤمنين " عطف على محذوف مثل :قل يا
أيها الذين آمنوا وبشر .أو على تؤمنون به فانه في معنى المر " .من
أنصاري إلى ال " ) (4أي من جندي متوجها إلى نصرة ال ؟
والحواريون أصفياؤه " ،فآمنت طائفة " أي بعيسى " وأيدنا الذين آمنوا
" أي بالحجة أو بالحرب ،وذلك بعد رفع عيسى عليه السلم " فأصبحوا
ظاهرين " أي فصاروا غالبين " .ول العزة ولرسوله وللمؤمنين " )(5
أي ل الغلبة والقوة ،ولمن أعزه
) (1الكافي ج 1ص ،430كنز جامع الفوائد (2) .334 :الحشر (3) 20 :الصف:
(4) 10الصف (5) .14 :المنافقون8 :
][55
من رسوله والمؤمنين " ،ولكن المنافقين ل يعلمون " من فرط جهلهم وغرورهم.
" والنور الذي أنزلناه " ) (1ذهب أكثر المفسرين إلى أنه القرآن ،وقال
علي بن إبراهيم (2) :النور أمير المؤمنين عليه السلم وفي الكافي )(3
عن الكاظم عليه السلم المامة هي النور وذلك قوله تعالى " :فآمنوا بال
ورسوله والنور الذي أنزلناه " قال :النور هو المام .وعن الباقر عليه
السلم ) (4أنه سئل عن هذه الية فقال :النور -وال -الئمة الخبر،
والخبار في ذلك كثيرة أوردناها في كتاب المامة ) " .(5يوم يجمعكم ليوم
الجمع " ) (6لجل ما فيه من الحساب والجزاء ،و الجمع جمع الولين
والخرين " ذلك يوم التغابن " يغبن فيه بعضهم بعضا ،لنزول السعداء
منازل الشقياء ،لو كانوا سعداء ،وبالعكس ،وفي معاني الخبار ) (7عن
الصادق عليه السلم يوم يغبن أهل الجنة أهل النار " .ويعمل صالحا " أي
عمل صالحا " ذلك الفوز العظيم " إشارة إلى مجموع المرين ،ولذلك
جعله الفوز العظيم لنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع" .
يهد قلبه " ) (8قيل أي للثبات ،والسترجاع عند حلول المصيبة ،وقال
علي بن إبراهيم :أي يصدق ال في قلبه ،فإذا بين ال له ،اختار الهدى،
ويزيده ال كما قال " :والذين اهتدوا زادهم هدى " .وفي الكافي ) (9عن
الصادق عليه السلم قال :إن القلب ليترجج فيما بين المصدر
) (1التغابن (2) .8تفسير القمى (3) .683الكافي ج 1ص (4) 196الكافي ج 1
ص 194و 195حديثان ) (5راجع ج 32ص (6) 325 - 304التغابن:
(7) 9معاني الخبار ص (8) 156التغابن (9) 11 :الكافي ج 2ص
(*) 421
][56
والحنجرة ،حتى يعقد على اليمان ،فإذا عقد على اليمان قر ،وذلك قول ال
عزوجل " ومن يؤمن بال يهد قلبه " .اقول :كأنه عليه السلم قرأ بالهمز
ورفع قلبه كما قرأ في الشواذ ) (1منسوبا إلى عكرمة وعمرو بن دينار،
أو هو بيان لحاصل المعنى ،فيوافق القراءة المشهورة أيضا :أي يهدي ال
قلبه فيسكن " .ذكرا رسول " ) (2عن الرضا عليه السلم أن الذكر هنا
هو الرسول ) (3ونحن أهل الذكر ،وقال البيضاوي :يعني بالذكر جبرئيل
عليه السلم لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ،أو لكونه مذكورا
في السماوات ،أو ذا ذكر أي شرف ،أو محمدا صلى ال عليه وآله
لمواظبته على تلوة القرآن ،أو تبليغه .وعبر عن إرساله بالنزال،
ترشيحا ،أو لنه مسبب عن إنزال الوحي إليه ،وابدل عنه رسول للبيان،
أو أراد به القرآن ورسول منصوب بمقدر مثل أرسل ،أو ذكرا ،والرسول
مفعوله ،أو بدله على أنه بمعنى الرسالة " من الظلمات إلى النور " من
الضللة إلى الهدى " قد أحسن ال له رزقا " قيل :فيه تعجيب وتعظيم لما
رزقوا من الثواب " .والذين آمنوا معه " ) (4عطف على النبي صلى ال
عليه وآله إحمادا لهم ،وتعريضا لمن ناواهم ،وقيل :مبتدء خبره " نورهم
يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " .في المجمع ) (5عن الصادق في هذه الية
قال :يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى
ينزلوهم منازلهم في الجنة وروى علي بن
) (1راجع مجمع البيان ج 10ص (2) 299الطلق (3) .11 - 10 :وذلك لن "
رسول " بيان أو بدل عن " ذكرا " ول يلزم كون الرسول منزل فان
التقدير انا انزلنا اليكم ذكرا بل انا أرسلنا اليكم رسول " ) (4التحريم.9 :
) (5مجمع البيان ج 10ص 318وهكذا رواه على بن ابراهيم في
تفسيره ص .459
][57
إبراهيم مثله .وعن الباقر عليه السلم فمن كان له نور يومئذ نجا وكل مؤمن له
نور يقولون إذا طفئ أنوار المنافقين " ربنا أتمم لنا نورنا " وقيل تتفاوت
أنوارهم بحسب أعمالهم ،فيسألون إتمامه تفضل " .أفمن يمشي مكبا " )
(1يقال :كببته فأكب ،وهو من الغرائب أي يعثر كل ساعة ويخر على
وجهه ،لوعورة طريقه ،واختلف أجزائه ،ولذلك قابله بقوله " أمن يمشي
سويا " أي قائما سالما من العثار " على صراط مستقيم " أي مستوي
الجزاء أو الجهة .والمراد :تشبيه المشرك والموحد بالسالكين ،والدينين
بالمسلكين ،وقيل :المراد بالمكب :العمى ،فانه يعتسف فينكب ،وبالسوي:
البصير ،وقيل :من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ،ومن
يمشي سويا :الذي يحشر على قدميه إلى الجنة .وفي الكافي (2) :عن
الكاظم عليه السلم أنه سئل عن هذه الية ،فقال :إن ال ضرب مثل من
حاد عن ولية علي عليه السلم كمن يمشي على وجهه ،ل يهتدي لمره
وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم ،والصراط المسقيم :أمير
المؤمنين عليه السلم " .أفنجعل المسلمين " ) .(3إنكار لقولهم :إن صح
أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا ،بل نكون أحسن حال منهم،
كما نحن عليه في الدنيا " ما لكم كيف تحكمون " التفات فيه تعجيب من
حكمهم ،واستبعاد له ،وإشعار بأنه صادر من اختلل فكر واعوجاج رأي.
" فل يخاف بخسا ول رهقا " (4) :أي نقصا في الجزاء ،أو أن يرهقه
ذلة .وقال علي بن إبراهيم :البخس :النقصان والرهق :العذاب.
) (1الملك (2) .20 :الكافي ج 1ص (3) 433القلم (4) .35 :الجن.13 :
][58
وفي الكافي (1) :عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلم قال:
قلت :قوله " لما سمعنا الهدى آمنا به " قال :الهدى :الولية ،آمنا
بمولنا ،فمن آمن بولية موله " فل يخاف بخسا ول رهقا " ،قلت :تنزيل
؟ قال :ل تأويل " .يضحكون " ) (2أي يستهزؤون " ،وإذا مروا بهم
يتغامزون " :أي يغمز بعضهم بعضا ،ويشيرون بأعينهم " ،انقلبوا فكهين
" :أي ملتذين بالسخرية منهم .وقال علي بن إبراهيم :إن الذين أجرموا:
الول والثاني ومن تبعهما يتغامزون برسول ال ،إلى آخر السورة .وفي
المجمع ) (3قيل :نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلم وذلك أنه كان
في نفر من المسلمين جاؤوا إلى رسول ال صلى ال عليه وآله ،فسخر
منهم المنافقون ،وضحكوا وتغامزوا ،ثم رجعوا إلى أصحابهم ،فقالوا:
رأينا اليوم الصلع ،فضحكنا منه فنزلت اليات قبل أن يصل علي وأصحابه
إلى النبي صلى ال عليه وآله .وعن ابن عباس " (4) :إن الذين أجرموا
" منافقو قريش " والذين آمنوا " علي بن أبي طالب عليه السلم " .وإذا
رأوهم " ) :(5أي وإذا المؤمنين نسبوهم إلى الضلل " ،وما ارسلوا
عليهم " أي على المؤمنين " حافظين " يحفظون عليهم أعمالهم،
ويشهدون برشدهم وضللهم " ،فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون "
حين يرونهم أذلء مغلولين في النار .وروي ) (6أنه يفتح لهم باب إلى
الجنة ،فيقال لهم :اخروجوا إليها ،فإذا
) (1الكافي ج 1ص ،433في حديث (2) .المطففين (3) .28 :مجمع البيان ج 10
ص (4) 457رواه أيضا في المجمع عن أبى القاسم الحسكاني في كتاب
شواهد التنزيل ) (5المطفقين (6) .32 :رواه الطبرسي عن أبى صالح ج
10ص 457
][59
وصلوا اغلق دونهم ،فيضحك المؤمنون منهم " هل ثوب الكفار " :أي اثيبوا
وجوزوا " ما كانوا يفعلون " من السخرية بالمؤمنين ،والستفهام
للتقرير " .غير ممنون " (1) .أي غير مقطوع ،أو ممنون به عليهم كما
مر " ذلك الفوز الكبير " ) :(2إذ الدنيا وما فيها يصغر دونه " .وتواصوا
بالصبر " ) (3أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة ال تعالى "
والمرحمة " :الرحمة على عباده أو بموجبات رحمة ال " أصحاب
الميمنة " :أي اليمين أو اليمن وقال علي بن إبراهيم :أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلم " .والعصر " قيل أقسم بصلة العصر ،أو بعصر
النبوة ،أو بالدهر لشتماله على العاجيب " ،إن النسان لفي خسر " :أي
في خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم " إل الذين آمنوا
وعملوا الصالحات " فإنهم اشتروا الخرة بالدنيا ففازوا بالحياة البدية،
والسعادة السرمدية " ،وتواصوا بالحق " بالثابت الذي ل يصح إنكاره من
اعتقاد أو عمل " وتواصوا بالصبر " عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى
المصائب .وفي الكمال عن الصادق عليه السلم قال " :العصر " عصر
خروج القائم عليه السلم " إن النسان لفي خسر " يعني أعداءنا " إل
الذين آمنوا " يعني بآياتنا " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة الخوان
" وتواصوا بالحق " يعني المامة " وتواصوا بالصبر " يعني بالعشرة.
وقال علي بن إبراهيم " :إل الذين آمنوا " بولية أمير المؤمنين عليه
السلم " وتواصوا بالحق " ذرياتهم ومن خلفوا بالولية تواصوا بها
وصبروا عليها .وفي المجمع ) (4عن علي عليه السلم وعلي بن إبراهيم
عن الصادق عليه السلم أنهما قرءا :والعصر إن النسان لفي خسر *
وإنه فيه إلى آخر الدهر.
) (1النشقاق 25 :والتين (2) 6البروج :ج (3) 12البلد (4) 17 :مجمع البيان ج
10ص 536
][60
الخبار - 1ع :عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن محمد بن الحسين ابن أبي
الخطاب عن علي بن عفان ،عن المفضل بن عمر ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إنما سمي المؤمن مؤمنا لنه يؤمن على ال فيجيز أمانه(1) .
بيان " :يؤمن على ال " أي يدعو ويشفع لغيره في الدنيا والخرة،
فيستجاب له ،وتقبل شفاعته فيه ،وسيأتي التخصيص بالخيرة - 2 .سن:
عن ابن زيد ،عن مروك بن عبيد ،عن سنان بن طريف ،عن أبي عبد ال
عليه السلم أنه قال :لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ فقلت :ل أدري إل أنه أراه
يؤمن بما جاء من عند ال ،فقال :صدقت وليس لذلك سمي المؤمن مؤمنا،
فقلت :لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ قال :إنه يؤمن على ال يوم القيامة فيجيز
أمانه - 3 (2) .ع :عن أبيه ،عن الحميري ،عن هارون ،عن ابن صدقة،
عن جعفر عن أبيه عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله
أل انبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ ليمانه الناس على أنفسهم وأموالهم،
أل انبئكم من المسلم ؟ من سلم الناس من يده ولسانه الخبر (3) .بيان :فيه
إيماء إلى أنه يشترط في اليمان أو كماله أن ل يخافه الناس على أنفسهم
وأموالهم وكذا السلم - 4 .شى :عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم،
عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم ،في قول ال " العروة الوثقى
" ) (4قال :هي اليمان بال يؤمن بال وحده(5) .
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) 219المحاسن (3) .329 :علل الشرائع) .219 :
(4البقرة (5) .256 :تفسير العياشي ج 1ص .138
][61
- 5ختص :روي عن الصادق عليه السلم أنه قال :المؤمن هاشمي لنه هشم
الضلل والكفر والنفاق ،والمؤمن قرشي لنه أقر للشئ ونحن الشئ،
وأنكر ل شئ :الدلم وأتباعه -والمؤمن نبطي لنه استنبط الشياء ،تعرف
الخبيث عن الطيب ،والمؤمن عربي لنه عرب عنا أهل البيت ،والمومن
أعجمي لنه أعجم عن الدلم فلم يذكره بخير .والمؤمن فارسي لنه تفرس
في السماء ،لو كان اليمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس ،يعني به
المتفرس فاختار منها أفضلها ،واعتصم بأشرفها ،وقد قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ال (1) .توضيح :كأن
الغرض بيان فضل المؤمن ،وأنه يمكن أن يطلق عليه كل اسم حسن بوجه
من الوجوه ،فبين عليه السلم أنه يمكن أن يعد في الهاشميين ،لنه هشم
الضلل وأشباهه أي كسرها وأبطلها .في القاموس الهشم :كسر الشئ
اليابس أو الجوف ،أو لكسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والنف ،أو
كل شئ ،هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم ،وهاشم أبو عبد المطلب
واسمه عمرو لنه أول من ثرد الثريد وهشمه .(2) .والقرشي كأنه مبني
على الشتقاق الكبير أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الستعمال
كذلك ،والمراد بالشئ الحق الثابت ،وبالل شئ الباطل المضمحل ،ويمكن
أن يكون بمعنى المشئ أي ما يصلح أن تتعلق به المشيئة والحق كذلك.
والدلم بيان للشئ ويكنى به غالبا في الخبار عن عمر تقية ،وقد يطلق
على سابقه أيضا إما لسواد ظاهرهما ،أو باطنهما بالكفر والنفاق ،أو
لنتشار الظلم والفتن بهما في الفاق.
][62
في القاموس :الدلم كسحاب :السواد أو السود ) (1وفي النهاية فيه أميركم رجل
طوال أدلم :الدلم السود الطويل ،ومنه الحديث فجاء رجل أدلم فاستأذن
على النبي صلى ال عليه وآله ،قيل هو عمر بن الخطاب انتهى وهذا يدل
على أن الكناية بعمر أنسب ،والقرش :القطع والجمع ،وفي تسمية قريش
أقوال شتى ل طائل في ذكرها " .لنه عرب عنا " كأنه على بناء المجهول
من التفعيل ،فإن التعريب تهذيب المنطق من اللحن فعن تعليلية ،أو على
بناء المعلوم من التعريب ،بمعنى التكلم عن القوم ،والعراب :البانة
والفصاح وعدم اللحن في الكلم والرد عن القبيح كل ذلك ذكره
الفيروزآبادي ) .(2وفي النهاية :عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم ،وقال:
العراب والتعريب :البانة واليضاح ،وفي القاموس :من ل يفصح
كالعجمي واستعجم :سكت .قوله عليه السلم " لنه تفرس في السماء "
التفرس التثبت والنظر ،وإعمال الحدس الصائب في المور ،وقوله فاختار
عطف على قوله تفرس ،والحديث معترض بينهما لبيان أن الفارس في
هذا الحديث أيضا المتفرس ،والمعنى أن الذين مدحهم الرسول ال صلى
ال عليه وآله ليس مطلق العجم ،بل أهل الدين واليقين منهم كسلمان
رضي ال عنه والتفرس في السماء كالتفكر في اليمان والنفاق مثل
واختيار اليمان ،وفي التقوى والفسق واختيار التقوى أو التفكر في أن
اليمان ما معناه وعلى أي الفرق المختلفة يصح إطلق المومن ،فيختار
من اليمان ما هو حقه وما يصح أن يطلق عليه .والحاصل أنه يتدبر
ويتفكر في الدلئل والبراهين من الكتاب والسنة والدلة العقلية ،ويختار
من العقائد والعمال ما هو أحسنها وأوفقها للدلة .وفي النهاية فيه اتقوا
فراسة المؤمن فانه ينظر بنور ال يقال بمعنيين أحدهما
) (1القاموس ج 4ص (2) .113المصدر ج 1ص .102
][63
ما دل ظاهر هذا الحديث عليه ،وهو ما يوقعه ال تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون
أحوال الناس بنوع من الكرامات ،وإصابة الظن والحدس ،والثاني :نوع
يتعلم بالدلئل والتجارب والخلق والخلق فتعرف به أحوال الناس،
وللناس فيه تصانيف قديمة وحديثة ،ورجل فارس بالمر أي عالم به
بصير - 6 .صفات الشيعة :بإسناده عن عمار الساباطي ،عن أبي عبد ال
عليه السلم أنه سئل عن أهل السماء هل يرون أهل الرض ؟ قال :ل
يرون إل المومنين ،لن المومن من نور كنور الكواكب ،قيل :فهم يرون
أهل الرض ؟ قال :ل ،يرون نوره حيث ما توجه ،ثم قال :لكل مومن خمس
ساعات يوم القيامة يشفع فيها - 7 (1) .فضاء الحقوق للصوري :باسناده
قال :قيل لبي عبد ال عليه السلم :لم سمي المومن مومنا ؟ قال :لنه
اشتق للمؤمن اسما من أسمائه تعالى ،فسماه مومنا ،وإنما سمي المؤمن
لنه يؤمن من عذاب ال تعالى ،ويومن على ال يوم القيامة فيجيز له ذلك
ولو أكل أو شرب أو قام أو قعد أو نام أو نكح أو مر بموضع فذر حوله ال
من سبع أرضين طهرا ل يصل إليه من قذرها شئ وإن المؤمن ليكون يوم
القيامة بالموقف مع رسول ال صلى ال عليه وآله فيمر بالمسخوط عليه
المغضوب غير الناصب ول المؤمن ،وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة
عظيمة له عند ال عزوجل ،وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له
الحوائج .فيقوم المؤمن اتكال على ال عزوجل فيعرفه بفضل ال فيقول:
اللهم هب لي عبدك فلن ابن فلن ،قال :فيجيبه ال تعالى إلى ذلك .قال:
وقد حكى ال عزوجل عنهم يوم القيامة قولهم " :فمالنا من شافعين " )
(2من النبيين " ول صديق حميم " من الجيران والمعارف ،فإذا أيسوا
من الشفاعة قالوا :يعني من ليس بمؤمن " فلو أن لنا كرة فنكون من
المؤمنين " (3) .بيان " :بموضع قذر " كأنه متعلق بجميع الفعال
المتقدمة ،والمراد
) (1صفات الشيعة ص (2) .181الشعراء (3) .100 :قضاء الحقوق مخطوط.
][64
بالقذارة والطهر المعنويان ،أو بالطهر فقط المعنوي ،والمراد بغير الناصب
والمؤمن المستضعف ،أو المؤمن الفاسق أو العم منهما - 8 .كتاب
المؤمن :عن زرارة قال :سئل أبو عبد ال عليه السلم وأنا جالس عن قول
ال عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ) (1أيجري لهؤلء
ممن ل يعرف منهم هذا المر ؟ قال :إنما هي للمؤمنين خاصة- 9 (2) .
ومنه :عن يعقوب بن شعيب قال :سمعته يقول :ليس لحد على ال ثواب
على عمل إل للمؤمنين - 10 .ومنه :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا
أحسن العبد المؤمن ضاعف ال له عمله ،لكل عمل سبعمائة ضعف ،وذلك
قول ال عزوجل " :وال يضاعف لمن يشاء " ) - 11 (3ومنه :عن
أحدهما عليهما السلم قال :إن المؤمن ليزهر نوره لهل السماء كما تزهر
نجوم السماء لهل الرض ،وقال عليه السلم :إن المؤمن ولي ال يعينه
ويصنع له ،ول يقول على ال إل الحق ،ول يخاف غيره - 12 .وقال عليه
السلم :إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان ،فل يزال ال عزوجل مقبل
عليهما بوجهه ،والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا .بيان " :ولي
ال " :أي محبه أو محبوبه أو ناصر دينه ،قال في المصباح :الولي فعيل
بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ،ومنه " ال ولي الذين آمنوا " )(4
ويكون الولي بمعنى المفعول في حق المطيع ،فيقال :المؤمن ولي ال.
قوله " يعينه " :أي ال يعين المؤمن " ،ويصنع له " أي يكفي مهماته "
ول يقول :أي المؤمن " على ال إل الحق " :أي إل ما علم أنه حق" ،
ول يخاف غيره " وفيه تفكيك بعض الضمائر والظهر أن المعنى :يعين
المؤمن دين ال
) (1النعام (2) .6 :لم يطبع بعد (3) .البقرة (4) .261 :البقرة.257 :
][65
وأولياءه " ويصنع له " :أي أعماله خالصة ل سبحانه ،في القاموس :صنع إليه
معروفا كمنع صنعا بالضم ،وما أحسن صنع ال بالضم وصنيع ال عندك.
- 13المؤمن :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ل يقدر الخلئق على كنه
صفة ال عزوجل ،فكما ل يقدر على كنه صفة ال عزوجل ،فكذلك ل يقدر
على كنه صفة رسول ال صلى ال عليه وآله ،وكما ل يقدر على كنه صفة
الرسول صلى ال عليه وآله فكذلك ل يقدر على كنه صفة المام عليه
السلم ،وكما ل يقدر على كنه صفة المام عليه السلم كذلك ل يقدر على
كنه صفة المؤمن - 14 .ومنه :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يقول ال
عزوجل :من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي ،وأنا أسرع شئ إلى نصرة
أوليائي ،وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن،
إني لحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه ،وإنه ليسألني فاعطيه وإنه
ليدعوني فاجيبه ،ولو لم يكن في الدنيا إل عبد مؤمن لستغنيت به عن
جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه انسا ل يستوحش إلى أحد - 15 .ومنه:
عن أبي جعفر عليه السلم قال :لو كانت ذنوب المؤمن مثل رمل عالج
ومثل زبد البحر لغفرها ال له فل تجتروا .بيان :يدل على أنه ليس المراد
بالمؤمن المومن الكامل ،لعدم اجتماع اليمان الكامل مع هذه الذنوب
الكثيرة ،وعدم الجتراء ،إما لنه قلما يبقى اليمان مع الصرار على
الذنوب الكثيرة ،أو لن المغفرة وعدم العقوبات ل ينافي حط الدرجات
وفوت السعادات - 16 .المؤمن :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يتوفى
المؤمن مغفورا له ذنوبه وال جميعا - 17 .ومنه :عنه عليه السلم قال:
إن المؤمن إذا دعا ال أجابه ،فشخص بصري نحوه إعجابا ) (1بما قال،
فقال :إن ال واسع لخلقه.
) (1وفى المطبوع " اعجابا بها قال فقال :وهو تصحيف
][66
- 18ومنه :عن ابن أبي البلد ،عن أبيه ،عن بعض أهل العلم قال :إذا مات المؤمن
صعد ملكاه فقال :يا رب مات فلن ،فيقول ،انزل فصليا عليه عند قبره،
وهللني وكبراني إلى يوم القيامة واكتبا ما تعملن له - 19 .ومنه :عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :رأي المومن ورؤياه جزء من سبعين جزءا
من النبوة ومنهم من يعطى على الثلث .بيان " :ومنهم من يعطى " :إي
من المؤمنين الكاملين من يعطى ثلث أجزاء النبوة من الرأي والرؤيا أو
العم - 20 .المؤمن :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن عمل المومن
يذهب فيمهد له في الجنة كما يرسل الرجل غلمه فيفرش له ثم تل" :
ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون " - 21 (1) .ومنه :عنه عليه السلم
قال :إن ال عزوجل يذود المؤمن عما يكره كما يذود الرجل البعير الغريب
ليس من أهله - 22 .ومنه :عنه عليه السلم أنه قال :كما ل ينفع مع
الشرك شئ ،فل يضر مع اليمان شئ .بيان :كأنه محمول على ترك
الصغائر فان ترك الكبائر من اليمان ،أو على الضرر الذي يوجب دخول
النار ،أو الخلود فيها - 23 .المؤمن :عن أبي جعفر عليه السلم قال :يقول
ال عزوجل :ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي على المؤمن ،لني احب
لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه ،ولو لم يكن في الرض إل مؤمن واحد
لكتفيت به عن جميع خلقي ،وجعلت له من إيمانه انسا ل يحتاج فيه إلى
أحد - 24 .ومنه :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما مؤمن يموت في
غربة من الرض فيغيب عنه بواكيه ،إل بكته بقاع الرض التي كان يعبد
ال عليها ،وبكته أثوابه وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله،
وبكاه الملكان الموكلن به.
) (1الروم44 :
][67
واقول :ستأتي الخبار في ذلك وشرحها في كتاب الجنائز إن شاء ال- 25 .
المؤمن :عن أحدهما عليهما السلم قال :إن ذنوب المؤمن مغفورة ،فيعمل
المؤمن لما يستأنف ،أما إنها ليست إل لهل اليمان .بيان :لما يستأنف أي
لتحصيل الثواب ،ل لتكفير السيئات - 26 .نهج ،في بعض خطبه عليه
السلم :سبيل أبلج المنهاج ،أنور السراج فباليمان يستدل على
الصالحات ،وبالصالحات يستدل على اليمان ،وباليمان يعمر العلم،
وبالعلم يرهب الموت ،وبالموت تختم الدنيا ،وبالدنيا تحرز الخرة
وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين ،وتبرز الجحيم للغاوين ،وإن الخلق ل
مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى ).(1
تبيين :بلج الصبح :أي أضاء وأشرق ،والمنهاج :الطريق ،والظاهر أن
الكلم في وصف الدين ،ومناهجه :قوانينه ،وسراجه النور :الرسول
الهادي إليه وأوصياؤه صلوات ال عليهم .قال بعض شراح النهج :يريد
باليمان أول مسماه اللغوي وهو التصديق قال ال تعالى " :وما أنت
بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " ) (2أي بمصدق ،و ثانيا بمعناه الشرعي:
أي التصديق والقرار والعمل :أي من حصل عنده التصديق بالوحدانية
والرسالة ،استدل بهما على وجوب العمال الصالحة عليه ،أو ندبه إليها،
وبأعماله الصالحة يعلم إيمانه ،وبهذا فر من الدور ).(3
) (1نهج البلغة عبده ط مصر ص 301الخطبة (2) 154يوسف (3) 17 :بل
الصحيح أن الستدلل ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفلسفة
والمتكلمين بل هو بمعناه اللغوى وهو الستهداء والمراد أن اليمان
يهدى الى عمل الصالحات فيمن آمن ولم يكن ليعمل الصالحات كما أن
الصالحات تهدى الى اليمان بال فيمن يعمل الصالحات ولم يكن ليؤمن
بال كما سيجئ احتماله فيما بعد.
][68
وقال بعضهم :الصالحات معلولت لليمان وثمرات له ،فيستدل بوجوده في قلب
العبد على ملزمته للصالحات استدلل بالعلة على المعلول وبصدورها عن
العبد على وجوده في القلب استدلل بالمعلول على العلة .وعلى هذا الوجه
يكون اليمان في الموضعين بالمعنى اللغوي ،وحينئذ يمكن أن يكون
المعنى :يستدل باليمان على الصالحات ،أو يكون اليمان دليل للنسان
نفسه ،وقائدا يؤديه إلى فعل الصالحات ،وبأعماله الصالحة يعلم غيره أنه
من المؤمنين ،فالستدلل في الموضعين ليس بمعنى واحد .ويمكن أن يراد
بالثاني أن مشاهدة العمال الصالحة يؤدي من يشاهدها إلى اليمان.
ويحتمل أن يكون المراد أن اليمان يهدي إلى صالح العمال ،والعمال
الصالحة تورث كمال اليمان ،أو اليمان يقود النسان إلى العمال
الصالحة والعمال الصالحة الناشية من حسن السريرة وخلوص النية،
تورث توفيق الكافر لليمان .أو يستدل بايمان الرجل إذا علم ،على حسن
عمله ،وبقدر أعماله على قدر إيمانه وكماله ،أو يستدل بكل منهما إذا علم
على الخر ،وهذا قريب من الثاني والغرض بيان شدة الرتباط والتلزم
بينهما " .وباليمان يعمر العلم " :فان العلم الخالي من اليمان كالخراب ل
ينتفع به وقيل :لن حسن العمل من أجزاء اليمان ،والعلم بل عمل
كالخراب ل فائدة فيه " .وبالعلم يرهب الموت " :أي يخشى عقاب ال بعد
الموت كما قال ال تعالى " إنما يخشى ال من عباده العلماء " )" (1
وبالموت تختم الدنيا " :والموت ل مهرب منه ،فلبد من القطع بانقطاع
الدنيا ،ول ينبغي للعاقل أن تكون همته مقصورة عليها.
][69
" وبالدنيا تحرز الخرة " :أي تحاز وتجمع سعاداتهما ،فان الدنيا مضمار الخرة،
ومحل الستعداد ،واكتساب الزاد ليوم المعاد ،أو المراد بالدنيا :الموال
ونحوها :أي يمكن للنسان أن يصرف ما أعطاه ال من المال ونحوه على
وجه يكتسب به الخرة ،والزلفة والزلفى بالضم فيهما :القربة ،وأبرزه
الشئ إبرازا وبرزه تبريزا :أي أظهره وكشفه .والغاوي :العامل بما يوجب
الخيبة أي بالقيامة أو فيها يقرب الجنة للمتقين ليدخلوها أو ليستبشروا
بها ،ويكشف الغطاء عن الجحيم للضالين كما قال سبحانه " :وازلفت
الجنة للمتقين ،وبرزت الجحيم للغاوين ) " (1قيل :وفي اختلف الفعلين
دللة على غلبة الوعد ،والقصر بالفتح :الغاية ،كالقصارى بالضم وقصرت
الشئ :حبسته وقصرت فلنا على كذا :رددته على شئ دون ما أراد .كذا
في العين :إى ل محبس للخلق أو ل غاية لهم دون القيامة أو ل مرد لهم
عنها .وأرقل :أي أسرع ،والمضمار :موضع تضمير الفرس ومدته ،وهو
أن تعلفه حتى يسمن .ثم ترده إلى القوت ،وفسر المضمار بالميدان وهو
أنسب بالمقام - 27 .نوادر الراوندي :باسناده عن موسى بن جعفر ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :المؤمن كمثل
شجرة ل يتحات ورقها شتاء ول قيظا ،قيل :يا رسول ال وما هي ؟ قال:
النخلة .بيان :القيظ :صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل28 .
-ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن أحمد بن محمد العلوي ،عن جده
الحسين ،عن أبيه إسحاق بن جعفر ،عن أخيه الكاظم ،عن آبائه عليهم
السلم عن النبي صلى ال عليه وآله قال :يعير ال عزوجل عبدا من عباده
يوم القيامة ،فيقول :عبدي ! ما منعك إذ مرضت أن تعودني ؟ فيقول:
سبحانك سبحانك أنت رب العباد ل تألم ول تمرض ،فيقول :مرض أخوك
المؤمن فلم تعده ،وعزتي وجللي لو عدته لوجدتني عنده ،ثم لتكفلت
بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدي
][70
المؤمن وأنا الرحمان الرحيم ) .(1أقول :وروى باسناده عن أبي هريرة مثله مع
زيادة السقي والطعام .بيان :لوجدتني أي وجدت رحمتي أو علمي عنده،
والكلم مشتمل على المجاز والستعارة مبالغة في إكرام المؤمن- 29 .
مشكاة النوار :عن ميسر ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المؤمن
منكم يوم القيامة ليمر به الرجل ،وقدر امر به إلى النار ،فيقول :يا فلن
أغثني فاني كنت أصنع إليك المعروف في دار الدنيا فيقول للملك :خل
سبيله :فيأمر ال به فيخلي سبيله - 30 .ومنه :عن محمد بن حمران ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :يؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال
له :اذكر وتذكر هل لك حسنة ؟ فيقول :ما لي حسنة غير أن فلنا عبدك
المؤمن مر بي فسألني ماء ليتوضأ به فيصلي ،فأعطيته فيدعى بذلك العبد،
فيقول :نعم يا رب فيقول الرب جل ثناؤه :قد غفرت لك ،أدخلوا عبدي
جنتي - 31 .ومنه :عن المفضل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يقال
للمؤمن يوم القيامة :تصفح وجوه الناس ،فمن كان سقاك شربة أو أطعمك
أكلة ،أو فعل بك كذا وكذا فخذ بيده فأدخله الجنة -قال :فانه ليمر على
الصراط ومعه بشر كثير ،فيقول الملئكة :يا ولي ال إلى أين يا عبد ال ؟
فيقول جل ثناؤه :أجيزوا لعبدي ،فأجازوه ،وإنما سمي المؤمن مؤمنا لنه
يجيز على ال فيجيز أمانه - 32 .ومنه :عن جابر بن يزيد الجعفي قال:
قال لي أبو جعفر عليه السلم :إن المؤمن ليفوض ال إليه يوم القيامة
فيصنع ما يشاء ،قلت :حدثني في كتاب ال أين قال ؟ قال :قوله " لهم ما
يشاؤن فيها ولدينا مزيد " ) (2فمشية ال مفوضة إليه ،والمزيد من ال
ما ل يحصى ،ثم قال :يا جابر ول تستعن بعدو لنا في حاجة ،ول تستطعمه
) (1أمالى الطوسى ج 2ص 242ط النجف (2) .ق(*) .35 :
][71
ول تسأله شربة ،أما إنه ليخلد في النار فيمر به المؤمن ،فيقول :يا مؤمن ألست
فعلت كذا وكذا ؟ فيستحيي منه ،فيستنقذه من النار ،وإنما سمي المؤمن
مؤمنا لنه يؤمن على ال فيجيز ال أمانه - 33 .ومنه :عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :المؤمن زعيم أهل بيته ،شاهد عليهم وليتهم ،وقال :إن
المؤمن يخشع له كل شئ حتى هوام الرض وسباعها و طير السماء34 .
-ومنه :عن عبد المؤمن النصاري قال :قال الباقر عليه السلم :إن ال
أعطى المؤمن ثلث خصال :العز في الدنيا وفي دينه ،والفلح في الخرة،
والمهابة في صدور العالمين - 35 .ومنه :عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :المؤمن أعظم حرمة من الكعبة - 36 .ومنه :عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال تبارك وتعالى:
ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن ،وليأمن غضبي من أكرم عبدي
المؤمن ،ولو لم يكن في الرض ما بين المشرق والغرب إل عبد واحد مع
إمام عادل لستغنيت بهما عن جميع ما خلقت في أرضي ،ولقامت سبع
سماوات وسبع أرضين بهما ،وجعلت لهما من إيمانهما انسا ل يحتاجون
إلى انس سواهما - 37 .ومنه :قال :قال النبي صلى ال عليه وآله :ما من
شئ أحب إلى ال من اليمان والعمل الصالح ،وترك ما أمر أن يترك- 38 .
ومنه :عنه صلى ال عليه وآله قال :ل يعذب ال أهل قرية وفيها مائة من
المؤمنين ل يعذب ال أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين ،ل يعذب ال
أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين ،ل يعذب ال أهل قرية وفيها خمسة
من المؤمنين ،ل يعذب ال أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين- 39 .
ومنه :روي أن رسول ال صلى ال عليه وآله نظر إلى الكعبة فقال :مرحبا
بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على ال ؟ ! وال للمؤمن أعظم حرمة
منك ،لن ال حرم منك واحدة ،ومن المؤمن ثلثة :ماله ،ودمه ،وأن يظن
به ظن السوء.
][72
- 40ومنه :عنه صلى ال عليه وآله قال :من آذى مؤمنا فقد آذاني ،ومن آذاني
فقد آذى ال عزوجل ومن آذى ال فهو ملعون في التوراة والنجيل
والزبور والفرقان - 41 .ومنه :عنه صلى ال عليه وآله قال :مثل المؤمن
كمثل ملك مقرب ،وإن المؤمن أعظم حرمة عند ال وأكرم عليه من ملك
مقرب ،وليس شئ أحب إلى ال من مؤمن تائب ومؤمنة تائبة ،وإن
المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده - 42 .ومنه :عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال فوض إلى المومن أمره كله ولم
يفوض إليه أن يكون ذليل ،أما تسمع ال عزوجل يقول " :ول العزة
ولرسوله وللمؤمنين " ) (1فالمؤمن يكون عزيزا ول يكون ذليل ،وقال:
إن المومن أعز من الجبل ،يستقل منه بالمعاول ،والمؤمن ل يستقل من
دينه .بيان " :ولم يفوض إليه أن يكون ذليل " :أي نهاه أن يذل نفسه ولو
كان في المر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر القرب ،فإذا علم أنه
يصير سببا لمذلته وإهانته وأذاه ،سقط ذلك عنه ،أو المعنى أن ال يعزه
بعزة دينه ورفعته الواقعية وإن أذل نفسه ،فان ال أخبر بعرته وضمنها
له ،وكأن الستشهاد بالية وآخر الخبر بالخير أنسب - 43 .ما :عن
المفيد ،عن ابن قولويه ،عن محمد الحميري ،عن أبيه ،عن البرقي ،عن
شريف بن سابق ،عن الفضل بن عبد الملك ،عن أبي عبد ال عليه السلم
أنه قال يا فضل ل تزهدوا في فقراء شيعتنا ،فان الفقير منهم ليشفع يوم
القيامة في مثل ربيعة ومضر ،ثم قال :يا فضل إنما سمي المؤمن مومنا
لنه يومن على ال فيجيز ال أمانه ،ثم قال :أما سمعت ال تعالى يقول في
أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة " :فما لنا من
شافعين ول صديق حميم " ) (2الخبر )(3
) (1المنافقون (2) .8 :الشعرا (3) .100 :أمالى الطوسى ج 1ص .46
][73
- 44سن :عن أبيه ،عن ابن فضال ،عن محمد ،عن الثمالي قال :سمعت أبا عبد
ال عليه السلم يقول :لو كشف الغطاء عن الناس ،فنظروا إلى ما وصل
ما بين ال وبين المؤمن ،خضعت للمؤمن رقابهم وتسهلت له امورهم،
ولنت طاعتهم ،ولو نظروا إلى مردود العمال من السماء ،لقالوا :ما يقبل
ال من أحد عمل) * 2 (1) .باب( * * )أن المؤمن ينظر بنور ال ،وان
ال خلقه من نوره( * - 1ير :عن محمد بن عيسى ،عن سليمان
الجعفري ،قال :كنت عند أبي الحسن عليه السلم قال :يا سليمان اتق
فراسة المومن ،فانه ينظر بنور ال ،فسكت حتى أصبت خلوة ،فقلت:
جعلت فداك سمعتك تقول :اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور ال ؟ قال:
نعم يا سليمان إن ال خلق المومن من نوره ،وصبغهم في رحمته وأخذ
ميثاقهم لنا بالولية ،والمؤمن أخ المومن لبيه وامه ،أبوه النور وامه
الرحمة ،وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه (2) .بيان :الفراسة الكاملة
لكمل المؤمنين ،وهم الئمة عليهم السلم فانهم يعرفون كل من المؤمنين
والمنافقين بسيماهم كما مر في كتاب المامة ،وسائر المؤمنين يتفرسون
ذلك بقدر إيمانهم " ،خلق المؤمن من نوره " :أي من روح طيبة منورة
بنور ال ،أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أئمتهم عليهم السلم" ،
وصبغهم " :أي غمسهم أو لونهم " في رحمته " :كناية عن جعلهم قابلة
لرحماته الخاصة ،أو عن تعلق
][74
الروح الطيبة التي هي محل الرحمة " أبوه النور وامه الرحمة " كأنه على
الستعارة أي لشدة ارتباطه بأنوار ال ورحماته ،كأن أباه النور وامه
الرحمة أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح أو بالعكس - 2 .ير:
عن الحسن بن معاوية ،عن محمد بن سليمان ،عن أبيه .عن عيسى بن
أسلم ،عن معاوية بن عمار قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :جعلت
فداك هذا الحديث الذي سمعته منك ما تفسيره ؟ قال :وما هو ؟ قلت " :إن
المؤمن ينظر بنور ال " قال :يا معاوية ،إن ال خلق المؤمن من نوره،
وصبغهم في رحمته ،وأخذ ميثاقهم لنا بالولية على معرفته ،يوم عرفه
نفسه ،فالمؤمن أخ المؤمن لبيه وامه ،أبوه النور وامه الرحمة ،فإنما
ينظر بذلك النور الذي خلق منه (1) .فضائل الشيعة للصدوق :عن أبيه،
عن سعد ،عن عباد بن سليمان ،عن محمد ابن سليمان ،مثله - 3 (2) .ير:
عن الحسن بن علي ،عن إبراهيم ،عن محمد بن سليمان ،عن أبيه عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :إن ال جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره ،وصبغهم
في رحمته ،وأخذ ميثاقهم لنا بالولية على معرفته يوم عرفهم نفسه ،فهو
المتقبل من محسنهم ،المتجاوز عن مسيئهم ،من لم يلق ال بما هو عليه
لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة - 4 (3) .ير :عن محمد بن
الحسين ،عن عمرو بن عثمان ،عن أبي جميلة ،عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اتقوا فراسة المؤمن
فإنه ينظر بنور ال ،ثم تل " (4) :إن في ذلك ليات للمتوسمين "(5) .
) (1بصائر الدرجات ص (2) .80فضائل الشيعة (3) .150 :بصائر الدرجات ص
(4) .80الحجر (5) .75 :بصائر الدرجات.357 :
][75
- 5ير :عن أبي طالب ،عن حماد بن عيسى ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي جعفر
عليه السلم في قول ال تعالى " :إن في ذلك ليات للمتوسمين " قال :هم
الئمة عليهم السلم ،قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اتقوا فراسة
المؤمن فإنه ينظر بنور ال لقول ال " :إن في ذلك ليات للمتوسمين ") .
- 6 (1سن :عن أبيه ،عن سليمان الجعفري ،عن الرضا عليه السلم قال:
قال لي :يا سليمان إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمن من نوره وصبغهم
في رحمته ،وأخذ ميثاقهم لنا بالولية ،فالمومن أخ المومن لبيه وامه،
وأبوه النور وامه الرحمة فاتقوا فراسة المومن فانه ينظر بنور ال الذي
خلق منه ) - 7 (2سن :محمد بن علي ،عن محمد بن الفضيل ،عن
الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال تبارك وتعالى أجرى في
المومن من ريح روح ال ،وال تبارك وتعالى يقول " (3) :رحماء بينهم
" - 8 (4) .نوادر الراوندي :باسناده عن موسى بن جعفر ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إياكم وفراسة
المومن ،فإنه ينظر بنور ال تعالى - 9 .ن :بإسناد التميمي عن الرضا،
عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله المؤمن
ينظر بنور ال - 10 (5) .نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم :اتقوا
ظنون المؤمنين ،فإن ال سبحانه جعل الحق على ألسنتهم - 11 (6) .كا:
عن العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن فضالة ،عن عمر بن أبان عن
جابر الجعفي ،قال :تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلم فقلت :جعلت
فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك
أهلي في وجهي
) (1بصائر الدرجات (2) .357 :المحاسن (3) .131 :الفتح (4) .29 :المحاسن:
(5) .131عيون أخبار الرضا ج 2ص (6) .200نهج البلغة219 :
تحت الرقم 309من باب الحكم والمواعظ
][76
وصديقي ؟ قال :نعم يا جابر إن ال عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى
فيهم من ريح روحه ،فلذلك المؤمن أخ المؤمن لبيه وامه ،فإذا أصاب
روحا من تلك الرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لنها منها ).(1
بيان :التقبض :ظهور أثر الحزن عند النبساط ،وفي المحاسن " تنفست
" ) :(2أي تأوهت " ،من ريح روحه " أي من نسيم من روحه الذي
نفخه في النبياء والوصياء عليهم السلم كما قال " :ونفخت فيه من
روحي " ) (3أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلم :وال شيعتنا
من نور ال خلقوا وإليه يعودون .أو الضافة بيانية ،شبه الروح بالريح
لسريانه في البدن ،كما أن نسبة النفخ إليه لذلك ،أي من الروح الذي هو
كالريح واجتباه واختاره ،ويمكن أن يقرء بفتح الراء أي من نسيم رحمته،
كما في خبر آخر " :وأجرى فيهم من روح رحمته " " .لبيه وامه "
الظاهر تشبيه الطينة بالم والروح بالب ويحتمل العكس.
) (1الكافي ج 2ص .166وتراه في المحاسن (2) .133 :أي بدل تقبضت(3) .
الحجر ،29 :ص72 :
][77
) * - 3باب( * * " )طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس( " * * "
)وبعض اخبار الميثاق زائدا على ما تقدم( " * * " )في كتاب التوحيد
والعدل( " * - 1سن :عن محمد بن علي ،رفعه عن جابر ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :خلق ال تبارك وتعالى شيعتنا من طينة مخزونة ،ل
يشذ منها شاذ ،ول يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة - 2 .(1) .سن:
عن أبيه ،عن فضالة ،عن علي بن أبي حمزة ،عن أبي بصير ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة - 3 (2) .سن:
عن أبي إسحاق الخفاف ،رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :المؤمن
آنس النس جيد الجنس ،من طينتنا أهل البيت (3) .بيان " :آنس " على
صيغة اسم الفاعل ،ويحتمل أفعل التفضيل ،ونسبته إلى النس على المجاز
والمراد :النس بأئمتهم عليهم السلم أو بعضهم ببعض - 4 (4) .سن:
عن علي بن حديد ،عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال
إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن والمؤمن من الكافر ،بعث ملكا فأخذ
) (1المحاسن (2) .134 :المصدر (3) .135 :المصدر نفسه (4) .135 :أو هو
النس خلف الجن والمعنى أن المؤمن آنس أفراد النس(*) .
][78
قطرة من ماء المزن ،فألقاها على ورقة ،فأكل منها أحد البوين ) (1فذلك المؤمن
منه - 5 (2) .سن :عن الوشاء ،عن علي بن ميسر ،عمن ذكره ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك ،فل
يصيبه شئ من الشر حتى يضعه ،فإذا صار بشرا سويا ،لم يصبه شئ من
الشر حتى يجري عليه القلم ) - 6 .(3ختص :عن محمد بن حمران ،قال:
سألت الصادق عليه السلم من أي شئ خلق ال طينة المؤمن ؟ قال :من
طينة عليين ،قال :قلت :فمن أي شئ خلق المؤمن ؟ قال :من طينة النبياء
فلن ينجسه شئ ) - 7 .(4وبإسناده ،عن ربعي ،عن رجل ،عن علي بن
الحسين صلوات ال عليه قال :إن ال خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم
وأبدانهم ،وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة ،وخلق أبدانهم من دون
ذلك ،وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم ،فخلط بين الطينتين،
فمن هذا يلد المؤمن الكافر ،ويلد الكافر المؤمن ،ومن هذا يصيب المؤمن
السيئة ،ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة ،فقلوب المؤمنين تحن إلى ما
خلقوا منه ،وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه ).(5
) (1والمراد الب فانه صاحب النطفة ،وبه يلحق الولد ،وهذا التعبير وزان قوله
عليه السلم " :اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين "(2) .
المحاسن (3) .138 :المصدر (4) .138 :الختصاص .25 :ومثله في
الكافي ج 2ص 3باسناده عن صالح بن سهل قال :قلت لبي عبد ال
عليه السلم :جعلت فداك من أي شئ خلق ال عزوجل طينة المؤمن ؟
فقال من طينة النبياء فلم تنجس أبدا .قال المؤلف قدس سره في شرحه
مرآت العقول يعنى نجاسة الكفر والشرك (5) .الختصاص .24 :ومثله
في الكافي ج 2ص .2
][79
بيان :الخلق يكون بمعنى التكوين ،وبمعنى التقدير ،وفي النهاية :طين عليه :أي
جبل ويقال :طانه ال على طينته :خلقه على جبلته ،وطينة الرجل :خلقه
وأصله ،وقال " :عليون " اسم للسماء السابعة ،وقيل اسم لديوان
الملئكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد .وقيل :أراد أعلى
المكنة وأشرف المراتب وأقربها من ال تعالى في الدار الخرة ،وتعرب
بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها ،على أنها جمع أو واحد .انتهى.
وإضافة الطينة إما بتقدير اللم ،أو من ،أو في " ،قلوبهم وأبدانهم " بدل
النبيين ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح
أول بالبخار اللطيف المنبعث منه ،فل ينافي ما مر في باب خلق أبدان
الئمة عليهم السلم من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين ،وأرواحهم
مخلوقة من فوق ذلك .على أنه لو اريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة
مبدءا لها مجازا باعتبار القرب والتعلق ،أو بتخصيص النبيين بغير نبينا
صلى ال عليه وآله ويؤيده بعض الخبار ،وفي القاموس :سجين كسكين
موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الرض السابعة ،وفي
النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن " .فخلط الطينتين " أي في جسد
آدم عليه السلم فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين،
" ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة " لخلط طينته بطينة الكافر وكذا
العكس " ،فقلوب المؤمنين تحن " :أي تميل وتشتاق ،قال الجوهري:
الحنين :الشوق وتوقان النفس " إلى ما خلقوا منه " أي إلى العمال
المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها ،أو إلى النبياء والوصياء عليهم
السلم ،المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم ،وكذا الفقرة الثانية
تحتمل الوجهين ،وقد مر الكلم منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل.
وقال بعض المحدثين في تأويله :إن ال تعالى لما علم في الزل الرواح
التي تختار اليمان باختيارها ،والتي تختار المعصية باختيارها ،سواء
خلقوا من طينة
][80
عليين أو من طينة سجين ،فلما علم ذلك أعطى أبدان الرواح التي علم أنهم
يختارون اليمان ]باختيارها[ كيفية عليين لمناسبة ،وأعطى أبدان الرواح
التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين ،من غير أن يكون
للمرين مدخل في اختيارهم اليمان والكفر ،وخلط ما بين الطينتين من
غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة .وقال بعض
أرباب التأويل من المحققين ) :(1المراد بعلين أشرف المراتب وأقربها من
ال تعالى وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الخبار من قولهم:
أعلى عليين ،وكما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والبدان
كليهما إليه ،مع اختلفهما في الرتبة .فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت
والملكوت ،جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل والنفس
وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لنهم المقربون ،وأما خلق أبدانهم
من الملكوت ،فذلك لن أبدانهم الحقيقة هي التي في باطن هذه الجلود
المدبرة لهذه البدان ،وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم ،ل علقة لهم
بها ،فكأنهم وهم في جلبيب من هذه البدان ،قد نفضوها وتجردوا منها
لعدم ركونهم إليها ،وشدة شوقهم إلى النشأة الخرى ،ولهذا نعموا
بالوصول إلى الخرة ومفارقة هذه الدنى ،ومن هنا ورد في الحديث" :
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ).(2
) (1يريد به الفيلسوف المشهور مل صدرا الشيرازي (2) .قال العلمة الطباطبائى
مد ظله في بعض كلمه :الخبار مستفيضة في أن ال تعالى خلق
السعداء من طينة عليين وخلق الشقياء من طينة سجين -من النار -
وكل يرجع الى حكم طينته من السعادة والشقاء ،وقد اورد عليها اول
بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل .أما البحث الول فقد قال ال
تعالى " :هو الذى خلقكم من طين " وقال " :بدأ خلق النسان من طين
" فأفاد أن النسان مخلوق من طين ،ثم قال تعالى " :ولكل وجهة هو =
][81
وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لنها مركبة من هذه ومن هذه
لتعلقهم بهذه البدان العنصرية أيضا ما داموا فيها ،وسجين أخس المراتب
وأبعدها من ال سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي
مخبوءة تحت عالم الملك ،أعني هذا العالم العنصري فإن الرواح مسجونة
فيه ولهذا ورد في الحديث " المسجون من سجنته الدنيا عن الخرة ".
= موليها " الية .وقال " :ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم ال في
كتاب من قبل أن نبرأها " الية :فأفاد أن للنسان غاية ونهاية من
السعادة والشقاء ،وهو متوجه إليها ،سائر نحوها وقال تعالى :كما بدأكم
تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضللة " الية .فأفاد أن ما ينتهى
إليه أمر النسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه
طينا ،فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ،وآخر السعيد الى الجنة،
وآخر الشقى الى النار ،فهما أولهما لكون الخر هو الول ،وحينئذ صح
أن السعداء خلقوا من طينة الجنة ،والشقياء خلقوا من طينة النار .وقال
تعالى " :كل ان كتاب البرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب
مرقوم يشهده المقربون كل ان كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما
سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين " اليات وهى تشعر بأن عليين
وسجين هما ما ينتهى إليه أمر البرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم.
واما البحث الثاني وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة
والشقاء لزمين حتميين للنسان ،ومعه ل يكون أحدهما اختياريا كسبيا
للنسان وهو الجبر الباطل .فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو
الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من
سعادة وشقاء ،فيرجع الشكال الى سبق قضاء السعادة الشقاء في حق
النسان قبل أن يخلق ،وأن ذلك يستلزم الجبر ،والجواب أن القضاء
متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد ،فهو فعل اختياري في عين أنه
حتمي الوقوع ،ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى
يلزم منه بطلن الختيار.
][82
وخلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر ،وإنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم
إليه ،وإخلدهم إلى الرض وتثاقلهم إليها ،فكأنه ليس لهم من الملكوت
نصيب ،لستغراقهم في الملك .والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق
الرواح الملكوتية بالبدان العنصرية بل نشؤها منها شيئا فشيئا ،فكل من
النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ،فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا
أو بين المرين ،على حسب مراتب اليمان والكفر انتهى .وأقول :هو مبني
على اصول واصطلحات لم تثبت حقيتها ،ولم تعرف حقيقتها ،ول ضرورة
في الخوض فيها - 7 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن الحسن ،عن
النضر بن شعيب ،عن عبد الغفار الجازي ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إن ال عزوجل خلق المؤمن من طينة الجنة ،وخلق الكافر من طينة
النار ،وقال :إذا أراد ال بعبد خيرا طيب روحه وجسده ،فل يسمع شيئا من
الخير إل عرفه ،ول يسمع شيئا من المنكر إل أنكره .قال :وسمعته يقول:
الطينات ثلث :طينة النبياء ،والمؤمن من تلك الطينة إل أن النبياء هم
من صفوتها هم الصل ولهم فضلهم ،والمؤمنون الفرع من طين لزب
كذلك ،ل يفرق ال عزوجل بينهم وبين شيعتهم ،وقال :طينة الناصب من
حمأ مسنون ،وأما المستضعفون فمن تراب ،ل يتحول مؤمن عن إيمانه،
ول ناصب عن نصبه ،ول المشية فيهم ) .(1تبيين " :من طينة الجنة ":
أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة ،أو من طينة
مرجحة لعمال تصير سببا لدخول الجنة ل على اللجاء " إذا أراد ال بعبد
خيرا " :أي حسن عاقبة وسعادة.
][83
" طيب روحه " :بالهدايات الخاصة واللطاف المرجحة ،وذلك بعد حسن اختياره
وما يعود إليه من السباب " .من طين لزب " :قال القاضي :هو الحاصل
من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الرضي وفي القاموس اللزوب:
اللصوق والثبوت ،ولزب ككرم لزبا ولزوبا :دخل بعضه في بعض،
والطين :لزق وصلب .اقول :ويمكن أن يكون على هذا التأويل للية
الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالئمة عليهم السلم وملزمتهم لهم،
فقوله " كذلك ل يفرق ال " وفي بعض النسخ " لذلك " أي للزوبهم
ولصوقهم بأئمتهم عليهم السلم ولصوق طينتهم بطينتهم ،ل يفرق ال
بينهم وبينهم ،أو لكونهم من فرع تلك الطينة ،ل يفرق ال بينهما في الدنيا
والخرة لن الفرع محلق بالصل وتابع له " .والحمأ " :الطين السود و
" المسنون " المتغير المنتن ،وقيل :أي مصبوب كأنه افرغ حتى صار
صورة ،وقيل إنه الرطب ،وقيل مصور .و " الحمأ المسنون " طين سجين
" فمن تراب " :أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلل كما
مزجت به طينة النبياء والمؤمنين ،ول بماء آسن اجاج كما مزجت به
طينة الكافرين .وكأن هذا وجه جمع بين اليات الكريمة ،فان مادل على أنه
خلق من حمأ مسنون فهو في الناصب ،وما دل على أنه خلق من طين
لزب فهو في الشيعة وما دل على أنه خلق من تراب فهو في
المستضعفين ،فيحتمل أن يكون المراد إدخال تا ؟ الطينات في بدن آدم
عليه السلم لتحصيل قابلية جميع تلك المور والقسام في ولده ،أو يكون
المراد خلق كل صنف من طينة بادخالها في النطفة ،أو بحصول تلك النطفة
من هذه الطينة .فالوسط أظهر لما رواه الشيخ في مجالسه باسناده ،عن
عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد ال بن الحسن ،عن جده الحسن بن علي
عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن في الفردوس
لعينا أحلى من الشهد ،وألين من الزبد ،أبرد
][84
من الثلج ،وأطيب من المسك ،فيها طينة خلقنا ال عزوجل منها ،وخلق شيعتنا
منها ،فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ول من شيعتنا ،وهي الميثاق
الذي أخذه ال عزوجل على ولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلم .قال عبيد :فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث ،فقال :صدقك
يحيى ابن عبد ال ،هكذا أخبرني أبي ،عن جدي عن النبي صلى ال عليه
وآله قال عبيد :أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير ،قال :نعم
أخبرني أبي عن جدي ،عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه قال :إن ل
ملكا رأسه تحت العرش ،وقدماه في تخوم الرض السابعة السفلى ،بين
عينيه راحة أحدكم ،فأذا أراد ال أن يخلق خلقا على ولية علي بن أبي
طالب عليه السلم أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة ،فرمى بها في
النطفة حتى يصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق ،قوله " ول المشية
فيهم " :أي في المستضعفين والتعميم بعيد ) - 8 .(1كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن إبراهيم ابن مسلم
الحلواني ،عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إن في الجنة لشجرة تسمى المزن ،فإذا أراد ال أن يخلق مؤمنا أقطر
منها قطرة فل تصيب بقلة ول ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إل أخرج ال
عزوجل من صلبه مؤمنا ) .(2بيان :في المصباح :حلوان بالضم بلد
مشهور من سواد العراق ،وهي آخر مدن العراق ،وبينها وبين بغداد نحو
خمس مراحل ،وفي القاموس :المزن بالضم
) (1بل ل المشية فيهم جميعا وليس المشية مشية جزافية بل هي ما يجرى عليه
ناموس الكون والفساد الحاكم على النسان وقلبه وفكره وأفعاله كلها
فمن آمن فقد آمن بمشية ال ومن كفر فقد كفر بمشية ال ومن ارتد عن
اليمان الى النصب والعناد فقد ارتد بمشية ال ،فافهم ذلك (2) .الكافي ج
2ص .14
][85
السحاب أو أبيضه ،أو ذو الماء انتهى وكأن التسمية هنا على التشبيه .قيل :هذا
الحديث كما يناسب ما قيل إن المراد بالطينة الصول الممتزجات المنتقلة
في أطوار الخلقة ،كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات ،والغذاء وما
بعدها من العلقة ،والمضغة ،والمزاج :النسان القابل للنفس الناطقة
المدبرة .كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لن طينة
الجنة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة ،كما أنه بماء العذب الفرات المذكور
سابقا وبالجملة خلقه من طينة الجنة ومزجها بماء الفرات أول وتربيتها
بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن ،ليحصل له الوصول
إلى أعلى مراتب القرب انتهى .وقال بعض المحققين من أهل التأويل:
الجنة تشتمل جنان الجبروت والملكوت ،و " المزن " :السحاب ،وهو
أيضا يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم وسحاب ماء المطر والخصب
والديم وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحابا انفصلت منه في
عالم الملك ،كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت
والجبروت ،وكما أن البقلة والثمرة تتربى بصورتها الملكية كذلك تتربى
بصورتيها الملكوتية والجبروتية ،المخلوقتين من ذكر ال تعالى اللتين من
شجرة المزن الجناني ،وكما أنهما تتربيان بها قبل الكل كذلك تتربيان بها
بعد الكل في بدن الكل ،فانها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في
التربية .فالنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر ال عزوجل عندها وشكر ال
عليها وصرف قوتها في طاعة ال سبحانه ،والفكار اليمانية والخيالت
الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني
فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية ،فهي من شجرة المزن التي أصلها في
الجنة .وإذا أكلها على غفلة من ال سبحانه ،ولم يشكر ال عليها ،وصرف
قوتها في معصية ال تعالى والفكار المموهة الدنيوية ،والخيالت
الشهوانية فقد تربت
][86
تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إل أن يكون قد
تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الكل .وأما مأكولة الكافر التي يخلق
منها المؤمن فانما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا ولذكر ال
عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية وكذلك لحل ثمنها ،وتقوى
زارعها أو غارسها ،إلى غير ذلك من السباب - 9 .كا :العدة :عن سهل،
وغير واحد ،عن الحسين بن الحسن جميعا عن محمد بن اورمة ،عن
محمد بن علي ،عن إسماعيل بن يسار ،عن عثمان ابن يوسف ،عن عبد
ال بن كيسان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :جعلت فداك أنا
مولك عبد ال بن كيسان قال :أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك.
قال :قلت له :إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس ،وإنني اخالط
الناس في التجارات وغير ذلك ،فاخالط الرجل ،فأرى له حسن السمت،
وحسن الخلق وكثرة أمانة ،ثم افتشه فافتشه عن عداوتكم ،واخالط الرجل
فأرى منه سوء الخلق ،وقلة أمانة ،وزعارة ،ثم افتشه فافتشه عن وليتكم
فيكف يكون ذلك ؟ قال :فقال لي :أما علمت يا ابن كيسان أن ال عزوجل
أخذ طينة من الجنة طينة من النار فخلطهما جميعا ،ثم نزع هذه من هذه
من وهذه من هذه ؟ فما رأيت في اولئك من المانة ،وحسن الخلق ،وحسن
السمت ،فمما مستهم من طينة الجنة ،وهم يعودون إلى ما خلقوا منه ،وما
رأيت من هؤلء من قلة المانة ،وسوء الخلق والزعارة ،فمما مستهم من
طينة النار ،وهم يعادون إلى ما خلقوا منه ) (1توضيح " :عن عداوتكم "
التعدية بعن لتضمين معنى الكشف ،و " السمت " الطريق وهيئة أهل
الخير ،و " زعارة " بالزاي والراء المشددة ويخفف ،الشراسة وسوء
الخلق ،وفي النسخ بالدال والعين والراء المهملت وهو الفساد والفسق
][87
والخبث " فخلطهما جميعا " أي في صلب آدم عليه السلم إلى أن يخرجوا من
أصلب أولده ،وهو المراد بقوله " ثم نزع هذه من هذه " إذ يخرج
المؤمن من صلب الكافر والكافر من صلب المؤمن .وحمل الخلط على
الخلطة في عالم الجساد ،واكتساب بعضهم الخلق من بعض بعيد جدا،
وقيل " ثم نزع هذه من هذه " معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار،
وطينة النار من طينة الجنة ،بعد ما مست إحداهما الخرى ،ثم خلق أهل
الجنة من طينة الجنة ،وأهل النار من طينة النار .و " اولئك " إشارة إلى
العداء ،وهؤلء إلى الولياء ،و " ما خلقوا منه " في الول طينة النار
وفي الثاني طينة الجنة - 10 .كا :عن علي بن محمد ،عن صالح بن أبي
حماد ،عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ،عن
إبراهيم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال عزوجل لما أراد أن
يخلق آدم عليه السلم بعث جبرئيل عليه السلم في أول ساعة من يوم
الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء
الدنيا ،و أخذ من كل سماء تربة ،وقبض قبضة اخرى من الرض السابعة
العليا إلى الرض السابعة القصوى .فأمر ال عزوجل كلمته فأمسك القبضة
الولى بيمينه ،والقبضة الخرى بشماله ففلق الطين فلقتين ،فذرا من
الرض ذروا ومن السماوات ذروا ،فقال للذي بيمينه :منك الرسل والنبياء
والوصياء والصديقون المؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته ،فوجب لهم
ما قال كما قال ،وقال للذي بشماله :منك الجبارون و المشركون والكافرون
والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته ،فوجب لهم ما قال كما قال .ثم إن
الطينتين خلطتا جميعا ،وذلك قول ال عزوجل " إن ال فالق الحب والنوى
" ) (1فالحب طينة المؤمنين التي ألقى ال عليها محبته ،والنوى طينة
][88
الكافرين الذين نأوا عن كل خير ،وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير
وتباعد عنه ،وقال ال عزوجل " :يخرج الحي من الميت ومخرج الميت
من الحي " فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر ،والميت
الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن ،فالحي
المؤمن والميت الكافر ،وذلك قول ال عزوجل " :أو من كان ميتا فأحييناه
" ) (1فكان موته اختلط طينته مع طينة الكافر ،وكان حياته حين فرق ال
عزوجل بينهما بكلمته ،كذلك يخرج ال عزوجل المؤمن في الميلد من
الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ،ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد
دخوله إلى النور ،وذلك قوله عزوجل " (2) :لينذر من كان حيا ويحق
القول على الكافرين " ) .(3تبيين :قوله " في أول ساعة " الخ قيل :لما
كان خلق آدم عليه السلم بعد خلق السماوات والرض ضرورة تقدم
البسيط على المركب وكان خلق السماوات والرض وأقواتها في ستة أيام
من السبوع ،وقد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق النسان فيه.
والمراد بكلمته جبرئيل عليه السلم لنه حامل كلمته ،أو لهتداء الناس به
كاهتدائهم بكلم ال ،أو لكونه مخلوقا بكلمة " كن " بل مادة ،وقيل:
المراد بالسماوات درجات الجنة ،وبالرضين دركات سجين ،ليطابق
الخبار الخر ويحتمل أخذها منهما معا .وقيل :كأن المراد بالتربة ماله
مدخل في تهيئة المادة القابلة لن يخلق منها شئ فيشمل الطينة بمعنى
الجبلة ،وآثار القوى السماوية المربية للنطفة وبالجملة ماله مدخل في
السبب القابلي .انتهى .وقيل :إطلق التربة على ما اخذ من السماوات من
قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليهما ،و " القصوى "
مؤنث القصى أي البعد ،ويدل على أن الرض سبع طبقات كالسماوات
كما قال ال تعالى " :ال الذي خلق سبع
][89
سماوات ومن الرض مثلهن " ) .(1قوله عليه السلم " ففلق الطين فلقتين "
ضمير فلق إما راجع إلى ال أو إلى جبرئيل وكذا قوله " فذرا " وفي
القاموس :فلقه يفلقه شقه كفلقه ،وفالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج
الورق منه ،وقال :ذرت الريح الشئ أو أذرته ،وذرته أطارته وأذهبته وذرا
هو بنفسه .اقول :الكلم يحتمل وجوها :الول أن يكون قوله " ففلق "
تفريعا وتأكيدا لما مضى أي فصار بقبض بعض الطين باليمين وبعضه
بالشمال الطين صنفين .ففرق من الرض أي ما كان في يده من طين
الرض ،وكذا الثاني ،فقال ال أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرو أو للذي
كان بيمينه بعده .الثاني أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينتين فلقة،
أي جعل كل منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة
للمستضعفين والطفال و المجانين ،وقال لما بقي في اليمين " :منك
الرسل " الخ ولما بقي في الشمال " منك الجبارون " الخ وعلى هذا لعل
إرجاع الضمائر إلى ال أولى ،فيقرء " اريد " في الموضعين بصيغة
المتكلم ،وعلى الوجه الخر يقرء بصيغة الغائب المجهول .الثالث ما ذكره
بعض الفاضل حيث قال :كأن الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين
لخلق النسان ،وإنما ذرا من كل منهما ما ذرا ،لنه كان فيهما ما ليس له
مدخل في خلق النسان وإنما كان مادة لسائر الكوان خاصة .قوله عليه
السلم " :ثم إن الطينتين خلطتا " أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين
المذروء منهما وغير المذروء .قوله عليه السلم " :فالحب طينة
المؤمنين " هذا بطن من بطون الية ،وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق
كل منهما وإخراج الخر منه ،أو شق كل منهما
) (1الطلق ،12 :ولكنها ل تدل على أن الرض ذات طباق كالسماوات ولعل المراد
مثلهن عددا ،أو مثلهن قطعا فينطبق مع سبع قارات لرضنا هذه التى
نحن عليها.
][90
عن صاحبه ،أو خلقهما " .من أجل أنه نأى " :كأن مناسبة نأى ونوى من جهة
الشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فان الول
مهموز الوسط والثاني من المعتل ) .(1ويحتمل أن يكون أصل المهموز
من المعتل أو بالعكس ،ويؤيده أن صاحب مصباح المنير ،والراغب في
المفردات ذكرا " نأى " في باب النون مع الواو ،أو يقال ليس الغرض هنا
بيان الشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد وذكر نأى لتناسب اللفظين
فان الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى ،قال في القاموس :النية الوجه الذي
يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما انتهى .والية في سورة النعام هكذا " :إن
ال فالق الحب والنوى " ) (2قال :في مجمع البيان ) (3أي شاق الحبة
اليابسة الميتة فيخرج منه النبات ،وشاق النواة اليابسة فيخرج منه النخل
والشجر ،وقيل :معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما ،وقيل
المراد به ما في الحبة والنواة من الشق وهو من عجيب قدرة ال تعالى في
استوائه " .يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي " ) (4أي
يخرج النبات الغض الطري الخضر ،من الحب اليابس ويخرج الحب
اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج ،والعرب تسمي الشجرة مادام
غضا قائما بأنه حي ،فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا .وقيل :معناه
يخلق الحي من النطفة وهي موات ويخلق النطفة وهي موات من الحي
عن الحسن وغيره وهذا أصح وقيل :معناه يخرج الطير من البيض
والبيض من
) (1ولعل ذلك اشارة الى أن الحب وهو ما كان له قشر ولباب يؤكل انما يناسب
المؤمن ذا اللب وأن النوى وهو ما كان كله كالقشر وليس له لباب يؤكل
انما يناسب الكافر ليس له لب 2) .و (4النعام (3) .95 :مجمع البيان ج
4ص .338
][91
الطير عن الجبائي ) ،(1وقيل :يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن .ثم قال
سبحانه في هذه السورة أيضا " :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " ) (2قال
الطبرسي ) " (3أو من كان مينا " :أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى
اليمان عن ابن عباس وغيره ،شبه سبحانه الكفر بالموت واليمان
بالحياة ،وقيل معناه من كان نطفة فأحييناه " وجعلنا له نورا " المراد
بالنور العلم والحكمة أو القرآن ،أو اليمان وبالظلمات ظلمات الكفر .وإنما
سمى ال الكافر ميتا لنه ل ينتفع بحياته ،ول ينتفع غيره بحياته ،فهو
أسوء حال من الميت ،إذ ل يوجد من الميت ما يعاقب عليه ،ول يتضرر
غيره به .وسمى المؤمن حيا لنه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته،
و كذلك سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله " :إنك ل
تسمع الموتى " ) (4و " لينذر من كان حيا ) " (5وقوله " وما يستوي
الحياء ول الموات " ) (6وسمى القرآن واليمان والعلم نورا لن الناس
يبصرون بذلك ،ويهتدون به من ظلمات الكفر ،وحيرة الضللة ،كما يهتدي
بسائر النوار ،وسمى الكفر ظلمة لن الكافر ل يهتدي بهداه ،ول يبصر
أمر رشده انتهى .واقول :على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير
المذكورة قوله تعالى " يخرج الحي " بيان لقوله " فالق الحب " .قوله "
حين فرق ال بينهما بكلمته " أي بقدرته أو بأمر " كن " أو بجبرئيل
) (1وليس بشئ فان النطفة ليست بميتة بل الحيوانات والنباتات كلها انما يخلقون
من نطفة حى (2) .النعام (3) .122 :مجمع البيان ج 4ص (4) .359
النمل (5) .80 :يس (6) .70 :فاطر.22 :
][92
والتفريق في الميلد أو في الطينة ،والول أظهر ،فقوله " كذلك " تشبيه الخراج
من الظلمات إلى النور وبالعكس ،باخراج الحي من الميت وبالعكس ،في
أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس .وليس
المراد تأويل تتمة تلك الية أعني قوله سبحانه " أو من كان ميتا الخ "
فانه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة بل فيها أنه في
الظلمات ليس بخارج منها ،بل هو إشارة إلى قوله تعالى " ال ولي الذين
آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " الية .ول ينافيه قوله عليه السلم
" ويخرج الكافر " مع أن في الية نسب الخراج إلى الطاغوت لن
لخذلنه سبحانه مدخل في ذلك مع أنه يمكن أن يقرء على بناء المجرد
المعلوم ،أو على بناء المجهول .وما قيل من أنه يظهر من هذا الحديث أن
إخراج المؤمن من الكافر و بالعكس في وقتين] :وقت[ تفريق الطين ووقت
الولدة فليس بظاهر كما عرفت ثم استشهد عليه السلم لطلق الحياة
على اليمان ،أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه " لينذر من كان
حيا " أي كان من طينة الجنة على تأويله عليه السلم .قال الطبرسي ):(1
أي أنزلناه ليخوف به من معاصي ال من كان مؤمنا لن الكافر كالميت بل
أقل من الميت ،أو من كان عاقل كما روي عن علي عليه السلم وقيل :من
كان حي القلب حي البصر " .ويحق القول على الكافرين " أي يجب
الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم ،وأقول على تأويله عليه السلم
يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه " منك الجبارون
والمشركون والكافرون " إلى آخره - 11 .مع :سئل الحسن بن علي بن
محمد عليهم السلم عن الموت ما هو ؟ فقال :هو التصديق بما ل يكون
حدثني أبي ،عن أبيه ،عن جده عن الصادق عليه السلم قال :إن المؤمن
إذا مات لم يكن ميتا فان الميت هو الكافر إن ال عزوجل يقول:
" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " ) (1يعني المؤمن من الكافر
والكافر من المومن ) - 12 .(2كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب،
عن صالح بن سهل قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :جعلت فداك من
أي شئ خلق ال عزوجل طينة المؤمن ؟ فقال :من طينة النبياء فلن
تنجس أبدا ) .(3بيان " :فلن تنجس أبدا " أي بنجاسة الكفر والشرك،
وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ورحمة الرب تعالى وقيل:
أي لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون وإخلد يذهله عن الخرة - 13 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن البرقي ،عن صالح بن سهل قال :قلت لبي -عبد ال
عليه السلم :المؤمنون من طينة النبياء ؟ قال :نعم ) .(4بيان :أي من
فضل طينتهم - 14 .كا :عن أبي علي الشعري ومحمد بن يحيى ،عن
محمد بن إسماعيل ،عن علي بن الحكم ،عن أبان بن عثمان ،عن زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلم قال :لو علم الناس كيف ابتدأ الخق ]ل[ ما
اختلف اثنان :إن ال عزوجل قبل أن يخلق الخلق ،قال :كن ماء عذبا أخلق
منك جنتي وأهل طاعتي ،وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي،
ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ،ثم
أخذ طينة من أديم الرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون ،فقال
لصحاب اليمين :إلى الجنة بسلم وقال لصحاب الشمال :إلى النار ول
ابالي .ثم أمر نارا فاسعرت ،فقال لصحاب الشمال :ادخلوها فهابوها ،وقال
لصحاب اليمين :ادخلوها فدخلوها ،فقال :كوني بردا وسلما فكانت بردا
) (1الروم (2) 18 :معاني الخبار (3) 290 :الكافي ج .3 :2وفيه فلم تنجس أبدا
) (4الكافي ج .5 :2
][94
وسلما .فقال أصحاب الشمال :يا رب أقلنا قال :قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها
فثم ثبتت الطاعة والمعصية ،ول يستطيع هؤلء أن يكونوا من هؤلء ،ول
هؤلء من هؤلء (1) .تبيين " :لما اختلف اثنان " :أي في مسألة
الستطاعة والختيار والجبر أو لما تنازع اثنان في أمر من امور الدين
لختلف أفهامهم وقابلياتهم وطينهم ،ولما بالغوا في هداية الخلق " .كن
ماء عذبا " أمر تكويني ،أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باخلف
مواد الخلق واستعداداتهم وما هم إليه صائرون ،وفي القاموس ماء اجاج:
ملح مر وقال :أديم النهار :عامته أو بياضه ومن الضحى :أوله ،ومن
السماء والرض :ما ظهر وقال :عركه :دلكه وحكه حتى عفاه ،وقال:
الذر :صغار النمل ومائة منهازنة حبة شعير ،الواحدة ذرة ،وقال :دب يدب
دبا وديبا :مشى على هنيئة ،وقال أقلته :فسخته واستقاله طلب إليه أن
يقيله ،وقال :هابه يهابه هيبا ومهابة :خافه .وقال السيد رضي ال عنه في
نهج البلغة (2) :روى اليماني عن أحمد بن قتيبة ،عن عبد ال بن يزيد،
عن مالك بن دحية ،قال :كنا عند أمير المؤمنين علي عليه السلم وقد ذكر
اختلف الناس قال :إنما فرق بينهم مبادي طينهم ،وذلك أنهم كانوا فلقة
من سبخ أرض وعذبها ،وحزن تربة وسهلها ،فهم على حسب قرب
أرضهم يتقاربون ،وعلى قدر اختلفهم يتفاوتون ،فتام الرواء ناقص العقل،
وماد القامة قصير الهمة ،وزاكي العمل قبيح المنظر ،وقريب القعر بعيد
السبر ،ومعروف الضريبة منكر الجليبة ،ونائر القلب متفرق اللب ،وطليق
اللسان حديد الجنان .وقال ابن ميثم ) (3في قوله عليه السلم " إنما فرق
بينهم " الخ :أي تقاربهم في
) (1الكافي ج (2) 6 :2نهج البلغة ط مصر عبده ج 1ص (3) 253شرح النهج
لبن مثيم ص 419ط ايران قديم.
][95
الصور والخلق تابع لتقارب طينهم ،وتقارب مباديه وهي السهل والحزن والسبخ
والعذب ،وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة .وقال أهل
التأويل :الضافة بمعنى اللم أي المبادي لطينهم كناية عن الجزاء
العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات المزجة ) (1أو السبخ كناية
عن الحار اليابس ،والعذب عن الحار الرطب ،والسهل عن البارد الرطب،
والحزن عن البارد اليابس انتهى .واقول :ل يبعد أن يكون الماء العذب
كناية عما خلق ال في النسان من الدواعي إلى الخير والصلح كالعقل
والنفس الملكوتي ،والماء الجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى
الشهوات الدنية ،واللذات الجسمانية من البدن ،وما ركب فيه من الدواعي
إلى الشهوات .ومزجهما كناية عن تركيبهما في النسان ،فقوله " أخلق
منك " أي من أجلك " جنتي وأهل طاعتي " إذ لول ما في النسان من
جهة الخير ،لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ،ولم يصر أحد
مطيعا له تعالى .وكذا قوله " أخلق منك ناري " إذ لول ما في النسان من
دواعي الشرور لم يكن يعصي ال أحد ،ولم يحتج إلى خلق النار ،للزجر
عن الشرور .ثم لظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر
للملئكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر،
وميز من علم منهم اليمان ممن علم منهم خلفه ،وكلفهم بدخول النار،
ليعلموا قبل التكليف في عالم الجساد
) (1بل الصحيح كما اشرنا إليه قبل أن النطفة هي التى خلقت من سللة من الطين
فليس النسان مركبا من الماء والتراب وانما ذلك هو النطفة ولست أعنى
الماء الدافق ول " اسپرماتوزئيد " على اصطلح المتأخرين بل هي شئ
آخر سميت بالنطفة عند المتأخرين في داخل " اسپرماتوزئيد " وانما
شخصية الجنين بها فالنطفة التى اخذت واستلت من سهل الرض غير ما
اخذت واستلت من حزنها وما اخذت من طين لزب رس غير ما اخذت
من حما مسنون وهكذا.
][96
أن ما علم منهم مطابق للواقع " .فثم ثبتت الطاعة والمعصية " وعلم الملئكة من
يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في اللواح مطابقا لعلمه تعالى.
وقوله " :فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر " أي لجل ما قرر في النسان
من جهتي الخير والشر ،ترى الب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي
الخير ،وزاجرا للشهوات فيصير من الخيار ،والبن يتبع الهوى
والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الشرار ،مع نهاية الرتباط
بينهما .وقوله " ول يستطيع هؤلء " أي ل يتخلف ما علم ال تعالى
منهم ،لكن ل يختارونها إل باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم ،هذا ما خطر
بالبال على وجه الحتمال وال يعلم غوامض أسرارهم عليهم السلم .وقال
بعض أهل التأويل :عبر عن المادة تارة بالماء ،واخرى بالتربة لشتراكهما
في قبول الشكال ،ولجتماعهما في طينة النسان ،وتركيب خلقته و " أديم
الرض " وجهها ،وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء
للنسان ،ويحصل منه النطفة ،أو تتربى به و " العرك " الدلك وكأنه كناية
عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة و " الذر " :النمل
الصغار ،ووجه الشبه الحس والحركة ،وكونهم محل الشعور مع صغر
الجثة والخفاء .وهذا الخطاب إنما كان في عالم المر ،ولشدة ارتباط الملك
بالملكوت ،وقوامه به ،جاز إسناد مادته إليه ،وإن كان عالم المر مجردا
عن المادة ،واجتماعهم في الوجود عند ال إنما هو لجتماع الجسام
الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم المر ،وإن كانت متفرقة
مبسوطة متدرجة في عالم الخلق .ووجودهم في عالم المر وجود ملكوتي
ظلي ،ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني ،وهو صورة علمه
سبحانه بها ،وعنه عبر بالظلل في حديث آخر .وأمره تعالى إياهم إلى
الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما ،ثم توفيقه أو خذلنه ،ولعل المراد
بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية ،وتحصيل المعرفة
][97
المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها .واستقالة أصحاب الشمال كناية عن
تمنيهم الطاعة ،وعدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشهوة عليهم ،وكونهم
مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا " :ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا
قوما ضالين " ) (1انتهى .ولعل إبداء تلك التأويلت في الخبار جرأة على
ال ورسوله والئمة الخيار ،إل أن يكون على سبيل الحتمال ،لكن بعد
ثبوت ما بنوا عليه الكلم من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان واليقين ،بل
بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين - 15 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن
البزنطي ،عن أبان بن عثمان ،عن محمد الحلبي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن ال عزوجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلم أرسل الماء
على الطين ،ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ،ثم ذراهم فإذا
هم يدبون .ثم رفع لهم نارا ،فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها
فهابوها ،ولم يدخلوها ،ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها ،فذهبوا فدخلوها،
فأمر ال عزوجل النار ،فكانت عليهم بردا وسلما .فلما رأى ذلك أهل
الشمال ،قالوا :ربنا أقلنا ،فأقالهم ،ثم قال لهم :ادخلوها فذهبوا فقاموا
عليها ولم يدخلوها ،فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه السلم .وقال أبو
عبد ال عليه السلم :فلن يستطيع هؤلء أن يكونوا من هؤلء ،ول هؤلء
أن يكونوا من هؤلء ،قال :فيرون أن رسول ال صلى ال عليه وآله أول
من دخل تلك النار ،فلذلك قوله عزوجل ) " (2قل إن كان للرحمان ولد فأنا
أول العابدين " (3) .بيان :فيرون أي علماء أهل البيت عليهم السلم" ،
قل إن كان " الية قد مر فيه
) (1المؤمنون (2) .107 :الزخرف (3) .81 :الكافي ج .7 :2
][98
وجوه من التأويل (1) :الول فأنا أول العابدين منكم :فإن النبي يكون أعلم بال
وبما يصح له ،وبما ل يصح له ،وأولى بتعظيم ما يجب تعظيمه ،ومن حق
تعظيم الوالد تعظيم ولده ،ول يستلزم ذلك إمكاك كينونة الولد وعبادته له،
فإن المحال قد يستلزم المحال ،بل المراد نفيهما .والثاني أن معناه إن كان
له ولد في زعمكم ،فأنا أول العابدين ل ،الموحدين له ]المنكرين لقولكم[.
والثالث أن المعنى فأنا أول النفين منه ) (2أو من أن يكون له ولد ،من
عبد يعبد إذا اشتد أنفة (3) .الرابع أن كلمة " إن " نافية ،أي ما كان له
ولد ،فأنا أول الموحدين من أهل مكة ،وبناء الخبر على التفسير الول ،إذ
ظهر منه أنه صلى ال عليه وآله كان مبادرا إلى كل خير وسعادة وإطاعة،
فلبد أن يكون مبادرا في دخول النار عند المر به - 16 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن محمد بن الحسين ،عن محمد بن إسماعيل ،عن صالح بن
عقبة ،عن عبد ال بن محمد الجعفي وعقبة جميعا ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :إن ال عزوجل خلق الخلق ،فخلق من أحب مما أحب ،فكان ما
أحب أن خلقه من طينة الجنة ،وخلق ما أبغض مما أبغض ،وكان ما أبغض
أن خلقه من طينة النار ،ثم بعثهم في الظلل.
) (1راجع ج 3ص 256من هذه الطبعة الجديدة (2) .واختاره على بن ابراهيم في
تفسيره ،وفى الحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلم أول العابدين أي
الجاحدين (3) .قال الجوهرى :قال أبو زيد :العبد بالتحريك :الغضب
والنف والسم العبدة مثل النفة ،وقد عبد أي أنف قال الفرزدق :اولئك
أحلسى فجئني بمثلهم * وأعبد أن أهجو كليبا بدارم .قال أبو عمرو:
وقوله تعالى :فأنا أول العابدين من النف والغضب.
][99
فقلت :وأي شئ الظلل ؟ فقال عليه السلم :ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس
بشئ ؟ .ثم بعث فيهم النبيين ،فدعوهم إلى القرار بال عزوجل وهو قوله
تعالى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال " ) (1ثم دعوهم إلى القرار
بالنبيين ،فأقر بعضهم ،وأنكر بعضهم ،ثم دعوهم إلى وليتنا فأقر بها وال
من أحب ،وأنكرها من أبغض ،وهو قوله " ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به
من قبل ) (2ثم قال أبو جعفر عليه السلم :كان التكذيب ثم (3) .بيان" :
فخلق من أحب مما أحب " قيل " :ما " في قوله " ما أحب " و " ما
أبغض " مصدرية .وأقول :يمكن تأويله بالعلم ،أي بأنه لما علم ال تعالى
حين خلقهم أنهم سيصيرون من الشقياء ،وأبغضهم ،فكأنه خلقهم مما
أبغض ،أو أنه إشارة إلى اختلف استعداداتهم وقابلياتهم ،في اختيار الحق
وقبوله .والمراد بالظل إما عالم الرواح ،أو عالم المثال ،فعلى الول شبه
الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته وعدم كثافته،
أو لكونه تابعا لعالم الجساد الصلية ،وعلى الثاني ظاهر .وقوله " شيئا "
بتقدير " تحسه " أو الرؤية بمعنى العلم لكن ل يناسبه تعديتها بإلى،
والظهر " شئ " كما ورد في هذه الرواية بسند آخر .وقيل :أراد بقوله "
وليس بشئ " أن الحياة والتكليف في ذلك الوقت ل يصيران سببين للثواب
والعقاب ،كأفعال النائم ،ول يبقى ،بل مثال وحكاية عن الحياة والتكليف في
البدان ،ولذا سمي الوجود الذهني بالوجود الظلي لعدم كونه منشأ للثار
ومبدءا للحكام .وقيل :يمكن أن يراد به عالم الذر المبائن لعالم الجساد
الكثيفة ،وهو
) (1الزخرف (2) .87 :يونس (3) .74 :الكافي ج 10 :2
][100
يحكي عن هذا العالم ويشبهه ،وليس منه ،فهو ظل بالنسبة إليه أو عالم الرواح
كما قال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه :أل إن الذرية أفنان أنا
شجرتها ،و دوحة أنا ساقتها ،وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء،
كنا أظلل تحت العرش قبل ]خلق[ البشر ،وقبل خلق الطينة التي كان منها
البشر ،أشباحا خالية ل أجساما نامية " .ليقولن ال " أي خلقنا ال ،أو
ال خلقنا ،على اختلف في تقديم المحذوف وتأخيره ،والمشهور الول،
والغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب ،بمقتضى العهد والميثاق .وقوله:
" ما كانوا ليؤمنوا " الية في سورة العراف ) (1هكذا " :تلك القرى
نقص عليك من أنبائها ولقد جائتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليومنوا بما
كذبوا من قبل كذلك يطبع ال على قلوب الكافرين " وكأن التغيير من
النساخ أو النقل بالمعنى ) .(2وقال البيضاوي :فما كانوا ليؤمنوا عند
مجيئهم بالمعجزات بما كذبوا من قبل أي ما كذبوه قبل الرسل بل كانوا
مستمرين على التكذيب ،أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به
أول ،حين جائتهم الرسل ،ولم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة ،واليات
المتتابعة ،واللم لتأكيد النفي ،والدللة على أنهم ما صلحوا لليمان،
لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر ،والطبع على قلوبهم - 17 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن بعض أصحابنا ،عن أبي بصير
قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم كيف أجابوا وهم ذر ؟ قال :جعل فيهم
ما إذا
) (1العراف (2) .101 :بل كما أشرنا إليه سابقا الية في يونس 74بزيادة لفظ "
به " وهى قوله تعالى :ثم بعثنا من بعده رسل الى قومهم فجاؤهم
بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب
المعتدين "(*) .
][101
سألهم أجابوا يعني في الميثاق ) .(1بيان " :ما إذا سألهم " كلمة " ما "
موصولة ،والعائد محذوف ،أي أجابوه به ،أي جعل في كل ذرة العقل ،وآلة
السمع ،وآلة النطق ،ومن حمل الية على الستعارة والتمثيل حمل الخبر
على أن المراد به أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم البدان أجابوا بلسان
المقال ) (2وهو بعيد - 18 .شى :عن الصبغ بن نباته عن علي عليه
السلم قال :أتاه ابن الكوا فقال :يا أمير المومنين أخبرني عن ال تبارك
وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال علي عليه السلم :قد
كلم ال جميع خلقه برهم وفاجرهم ،وردوا عليه الجواب فثقل ذلك على ابن
الكوا ولم يعرفه ،فقال له :كيف كان ذلك يا أمير المومنين ؟ فقال له :أو ما
تقرء كتاب ال إذ يقول لنبيك " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) " (3فأسمعهم
كلمه وردوا عليه الجواب ،كما تسمع في قول ال ،يا ابن الكواء " قالوا:
بلى " فقال :إني أنا ال ل إله إل أنا وأنا الرحمان ،فأقروا له بالطاعة
والربوبية ،وميز الرسل والنبياء والوصياء ،وأمر الخلق بطاعتهم،
فأقروا بذلك في الميثاق فقالت الملئكة :شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا
يوم القيامة إنا كنا عن هذا
) (1الكافي ج 2ص (2) .12قال الفيض رحمه ال في تفسير الية :ان ال نصب
لهم دلئل ربوبيته ،وركب في عقولهم ما يدعوهم الى القرار بها ،حتى
صاروا بمنزلة الشهاد على طريقة التمثيل ،نظير ذلك قوله عزوجل" :
انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " وقوله جل وعل "
فقال لها وللرض ائتيا قالتا أتينا طائعين " ومعلوم أنه ل قول ثمة ،وانما
هو تمثيل وتصوير للمعنى .وذلك حين كانت أنفسهم في أصلب آبائهم
العقلية ،ومعادنهم الصلية ،يعنى شاهدهم وهم دقائق في تلك الحقائق،
وعبر عن تلك الباء بالظهور ،لن كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة
من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلية نورية ظاهرة بذاتها(3) .
العراف.171 :
][102
غافلين ) - 19 .(1شى :عن أبي بصير قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم:
أخبرني عن الذر حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى وال،
وأسر بعضهم خلف ما أظهر ،كيف علموا القول حيث قيل لهم " :ألست
بربكم " ؟ قال :إن ال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ) - 20 .(2شى :عن
أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " ألست بربكم قالوا
بلى " قلت :قالوا بألسنتهم ؟ قال :نعم ،وقالوا بقلوبهم ،قلت :وأي شئ
كانوا يومئذ ؟ قال :صنع فيهم ما اكتفى به ) - 21 .(3أقول :وجدت في
بعض الكتب مرويا عن أحمد بن محمد الكوفي ،عن حنان بن سدير ،عن
أبيه سدير الصيرفي ،عن أبي إسحاق الليثي قال :قلت للمام الباقر محمد
بن علي عليهما السلم :يا ابن رسول ال أخبرني عن المؤمن من شيعة
أمير المؤمنين إذا بلغ وكمل في المعرفة هل يزني ؟ قال عليه السلم :ل،
قلت :فيلوط ؟ قال :ل ،قلت :فيسرق ؟ قال :ل ،قلت :فيشرب خمرا ؟ قال:
ل ،قلت :فيذنب ذنبا ؟ قال :ل قال الراوي :فتحيرت من ذلك ،وكثر تعجبي
منه ،قلت :يا ابن رسول ال إني أجد من شيعة أمير المؤمنين ومن مواليكم
من يشرب الخمر ،ويأكل الربا ،و يزني ويلوط ،ويتهاون بالصلة والزكاة
والصوم والحج والجهاد وأبواب البر حتى أن أخاه المؤمن يأتيه في حاجة
يسيرة فل يقضيها له ،فكيف هذا يا ابن رسول ال ؟ ومن أي شئ هذا ؟.
قال :فتبسم المام عليه السلم وقال :يا أبا إسحاق هل عندك شئ غير ما
ذكرت ؟ قلت :نعم يا ابن رسول ال وإني أجد الناصب الذي ل أشك في
كفره يتورع عن هذه
) (1تفسير العياشي ج 2ص (2) .41تفسير العياشي ج 2ص (3) 42تفسير
العياشي ج 2ص 40
][103
الشياء :ل يستحل الخمر ول يستحل درهما لمسلم ،ول يتهاون بالصلة والزكاة
والصيام والحج والجهاد ،ويقوم بحوائج المؤمنين والمسلمين ،ل وفي ال
تعالى فكيف هذا ولم هذا ؟ .فقال عليه السلم :يا إبراهيم لهذا أمر باطن،
وهو سر مكنون ،وباب مغلق مخزون ،وقد خفي عليك وعلى كثير من
أمثالك وأصحابك ،وإن ال عزوجل لم يؤذن أن يخرج سره وغيبه إل إلى
من يحتمله وهو أهله ،قلت :يا ابن رسول ال إني وال لمحتمل من
أسراركم ،ولست بمعاند ول بناصب ،فقال عليه السلم :يا إبراهيم نعم أنت
كذلك ،ولكن علمنا صعب مستصعب ل يحتمله إل ملك مقرب ،أو نبي
مرسل ،أو مؤمن امتحن ال قلبه لليمان ،وإن التقية من ديننا ودين آبائنا
ومن ل تقية له فل دين له .يا إبراهيم لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلة
لكنت صادقا ،يا إبراهيم إن من حديثنا وسرنا وباطن علمنا ما ل يحتمله
ملك مقرب ،ول نبي مرسل ،ول مؤمن ممتحن .قلت :يا سيدي ومولي
فمن يحتمله إذا ؟ قال :ما شاء ال وشئنا ،أل من أذاع سرنا إل إلى أهله،
فليس منا -ثلثا -أل من أذاع سرنا أذاقه ال حر الحديد .ثم قال :يا
إبراهيم خذ ما سألتني علما باطنا مخزونا في علم ال تعالى الذي حبا ال
جل جلله به رسوله صلى ال عليه وآله ،وحبابه رسوله وصيه أمير
المؤمنين عليه السلم ثم قرء عليه السلم هذه الية " عالم الغيب فل
يظهر على غيبه أحدا * إل من ارتضى من رسول " ) (1ويحك يا إبراهيم
إنك قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولنا أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب وعن زهاد الناصبة وعبادهم ،من ههنا قال ال عزوجل " وقد منا
إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ) (2ومن ههنا قال ال
عزوجل " :عاملة
) (1الجن 27 :و (2) .28الفرقان.21 :
][104
ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية ) ." (1وهذا الناصب قد جبل
على بغضنا ،ورد فضلنا ،ويبطل خلفة أبينا أمير المؤمنين عليه السلم،
ويثبت خلفة معاوية وبني امية ،ويزعم أنهم خلفاء ال في أرضه ،و يزعم
أن من خرج عليهم وجب عليه القتل ،ويروي في ذلك كذبا وزورا ،ويروي
أن الصلة جايزة خلف من غلب ،وإن كان خارجيا ظالما ،ويروي أن المام
الحسين بن علي صلوات ال عليهما كان خارجيا خرج على يزيد بن
معاوية ،و يزعم أنه يجب على كل مسلم أن يدفع زكاة ماله إلى السلطان
وإن كان ظالما .يا إبراهيم هذا كله رد على ال تعالى وعلى رسوله صلى
ال عليه وآله ،سبحان ال قد افتروا على ال الكذب ،وتقولوا على رسول
ال صلى ال عليه وآله الباطل ،وخالفوا ال و خالفوا رسوله وخلفاءه .يا
إبراهيم لشرحن لك هذا من كتاب ال ،الذي ل يستطيعون له إنكارا ول منه
فرارا ،ومن رد حرفا من كتاب ال فقد كفر بال ورسوله .فقلت :يا ابن
رسول ال إن الذي سألتك في كتاب ال ؟ قال :نعم ،هذا الذي سألتني في
أمر شيعة أمير المؤمنين صلوات ال عليه وأمر عدوه الناصب في كتاب
ال عزوجل ،قلت :يا ابن رسول ال هذا بعينه ؟ قال :نعم هذا بعينه في
كتاب ال الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم
حميد .يا إبراهيم اقرأ هذه الية " الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل
اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الرض )" (2
أتدري ما هذه الرض ؟ قلت :ل ،قال عليه السلم :اعلم أن ال عزوجل
خلق أرضا طيبة طاهرة ،وفجر فيها ماء عذبا زلل ،فراتا سائغا ،فعرض
عليها وليتنا أهل البيت فقبلتها ،فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام ،ثم
نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا ،فجعله
طين الئمة عليهم السلم ثم أخذ جل جلله ثفل
][105
ذلك الطين ،فخلق منه شيعتنا ،ومحبونا من فضل طينتنا ،فلو ترك يا إبراهيم طينتكم
كما ترك طينتنا لكنتم أنتم ونحن سواء .قلت :يا ابن رسول ال ما صنع
بطينتنا ؟ قال :مزج طينتكم ولم يمزج طينتنا قلت :يا ابن رسول ال وبما ذا
مزج طينتنا ؟ قال عليه السلم :خلق ال عزوجل أيضا أرضا سبخة خبيثة
منتنة ،وفجر فيها ماء اجاجا مالحا آسنا ،ثم عرض عليها جلت عظمته
ولية أمير المؤمنين عليه السلم فلم تقبلها ،وأجرى ذلك الماء عليها
سبعة أيام ،ثم نضب ذلك الماء عنها .ثم أخذ من كدورة ذلك الطين المنتن
الخبيث وخلق منه أئمة الكفر و الطغاة والفجرة ،ثم عمد إلى بقية ذلك
الطين فمزج بطينتكم ،ولو ترك طينتهم على حاله ولم يمزج بطينتكم ما
عملوا أبدا عمل صالحا ،ول أدوا أمانة إلى أحد ول شهدوا الشهادتين ،ول
صاموا ول صلوا ول زكوا ول حجوا ول أشبهوكم في الصور أيضا .يا
إبراهيم ليس شئ أعظم على المؤمن أن يرى صورة حسنة في عدو من
أعداء ال عزوجل ،والمؤمن ل يعلم أن تلك الصورة من طين المؤمن
ومزاجه .يا إبراهيم ثم مزج الطينتان بالماء الول والماء الثاني ،فما تراه
من شيعتنا من ربا وزنا ولواطة وخيانة وشرب خمر وترك صلة وصيام
وزكاة وحج و جهاد ،فهي كلها من عدونا الناصب ،وسنخه ومزاجه الذي
مزج بطينته ،وما رأيته في هذا العدو الناصب من الزهد والعبادة
والمواظبة على الصلة وأداء الزكاة و الصوم والحج والجهاد وأعمال البر
والخير ،فذلك كله من طين المؤمن وسنخه ومزاجه .فإذا عرض أعمال
المؤمن وأعمال الناصب على ال ،يقول عزوجل :أنا عدل ل أجور،
ومنصف ل أظلم ،وعزتي وجللي وارتفاع مكاني ما أظلم مومنا بذنب
مرتكب من سنخ الناصب وطينه ومزاجه .هذه العمال الصالحة كلها من
طين المؤمن ومزاجه ،والعمال الردية
][106
التي كانت من المؤمن من طين العدو الناصب ،ويلزم ال تعالى كل واحد منهم ما
هو من أصله وجوهره وطينته ،وهو أعلم بعباده من الخلئق كلهم ،أفترى
ههنا ظلما وجورا وعدوانا ؟ ثم قرء عليه السلم " معاذ ال أن نأخذ إل
من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ) ." (1يا إبراهيم إن الشمس إذا
طلعت فبدا شعاعها في البلدان كلها ،أهو بائن من القرصة أم هو متصل
بها ؟ شعاعها تبلغ في الدنيا في المشرق والمغرب حتى إذا غابت يعود
الشعاع ويرجع إليها ،أليس ذلك كذلك ؟ قلت :بلى يا ابن رسول ال قال:
فكذلك يرجع كل شئ إلى أصله وجوهره وعنصره .فإذا كان يوم القيامة
ينزع ال تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره
وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن ،وينزع ال من
المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله
السيئة الردية ،ويرده إلى الناصب عدل منه جل جلله ،وتقدست أسماؤه،
ويقول للناصب :ل ظلم عليك ،هذه العمال الخبيثة من طينتك ومزاجك،
وأنت أولى بها وهذه العمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه ،وهو
أولى بها ! " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ل ظلم اليوم إن ال سريع
الحساب ) ." (2أفترى ههنا ظلما وجورا ؟ قلت :ل يا ابن رسول ال ،بل
أرى حكمة بالغة فاضلة ،وعدل بينا واضحا ،ثم قال عليه السلم :أزيدك
بيانا في هذا المعنى من القرآن ؟ قلت :بلى يا بن رسول ال قال :أليس ال
عزوجل يقول " :الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين
والطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " )
(3وقال عزوجل " :والذين كفروا إلى جهنم يحشرون * ليميز ال الخبيث
من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض
][107
فيركمه جميعا فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون " (1) .فقلت :سبحان ال
العظيم ما أوضح ذلك لمن فهمه ؟ وما أعمى قلوب هذا الخلق المنكوس
عن معرفته ؟ فقال عليه السلم :يا إبراهيم من هذا قال ال تعالى " إن هم
إل كالنعام بل هم أضل سبيل " ) (2ما رضي ال تعالى أن يشبههم
بالحمير والبقر والكلب والدواب حتى زادهم فقال " :بل هم أضل سبيل ".
يا إبراهيم قال ال عزوجل ذكره في أعدائنا الناصبة " :وقدمنا إلى ما
عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ) (3وقال عزوجل " يحسبون أنهم
يحسنون صنعا " ) (4وقال جل جلله " يحسبون أنهم على شئ أل إنهم
هم الكاذبون " ) (5وقال عزوجل " :والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة
يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا " ) (6كذلك الناصب يحسب
ما قدم من عمله نافعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .ثم ضرب مثل آخر "
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب
ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يريها ومن لم يجعل ال له
نورا فماله من نور " 7) .ثم قال عليه السلم يا إبراهيم أزيدك في هذا
المعنى من القرآن ؟ قلت :بلى ،يا بن رسول ال قال عليه السلم :قال ال
تعالى " يبدل ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا
) (1النفال 37 :و (2) 38الفرقان (3) .44 :الفرقان (4) 21 :الكهف(5) 105 :
المجادلة (6) 18 :النور (7) 40 :النور41 :
][108
رحيما " ) (1يبدل ال سيئات شيعتنا حسنات ،وحسنات أعدائنا سيئات ،يفعل ال ما
يشاء ويحكم ما يريد ،ل معقب لحكمه ،ول راد لقضائه ،ل يسأل عما يفعل
وهم يسألون .هذا يا إبراهيم من باطن علم ال المكنون ،ومن سره
المخزون ،أل أزيدك من هذا الباطن شيئا في الصدور ؟ قلت :بلى يا ابن
رسول ال قال عليه السلم " :قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا
ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ وإنهم لكاذبون *
وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون
" ) (2وال الذي ل إله إل هو فالق الصباح ،فاطر السماوات والرض،
لقد أخبرتك بالحق ،وأنبأتك بالصدق ،وال أعلم وأحكم .بيان :قد مر هذا
الخبر نقل من العلل ) (3مع اختلف ما ،وزيادة ونقص وهو من غوامض
السرار .وقال بعض المحققين في شرحه :جملة القول في بيان السر فيه
أنه قد تحقق وثبت أن كل من العوالم الثلثة ،له مدخل في خلق النسان،
وفي طينته ومادته ،من كل حظ ونصيب ،ولعل " الرض الطيبة " كناية
عماله في جملة طينته من آثار عالم الملكوت الذي منه الرواح المثالية،
والقوى الخيالية الفلكية ،المعبر عنهم بالمدبرات أمرا .و " الماء العذب "
عما له في طينته من إفاضات عالم الجبروت ،الذي منه الجواهر القدسية،
والرواح العالية ،المجردة عن الصور ،المعبر عنهم بالسابقات سبعا .و "
الرض الخبيثة " عما له في طينته من أجزاء عالم الملك الذي منه البدان
العنصرية المسخرة تحت الحركات الفلكية ،المسخرة لما فوقها.
) (1الفرقان (2) 71 :العنكبوت 12 :و (3) .13راجع علل الشرايع ج .293 :2
][109
و " الماء الجاج المالح السن " عماله في طينته من تهيجات الوهام الباطلة
والهواء المموهة الردية ،الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت ،مما ل
أصل له ول حقيقة .ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه
إفاضة الجبروت من ذلك والثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه ،و "
كدورة الطين المنتن الخبيث " مما غلب عليه طبايع عالم الملك ،وما يتبعه
من الهواء المضلة .وإنما لم يذكر نصيب عالم الملك للئمة عليهم السلم،
مع أن أبدانهم العنصرية منه ،لنهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا ول بهذه الجساد
تعلق ركون وإخلد ،فهم وإن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية،
ولكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه .قال الصادق عليه السلم في
حديث حفص بن غياث " :يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إل بمنزلة
الميتة ،إذا اضطررت إليها أكلت منها " فل جرم نفضوا أذيالهم منها
بالكلية ،إذا ارتحلوا عنها ،ولم يبق معهم منها كدورة ،وإنما لم يذكر نصيب
الناصب وأئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت ،مع أن لهم منه حظ الشعور
والدراك وغير ذلك ،لعدم تعلقهم ول ركونهم إليه ،ولذا تراهم تشمئز
نفوسهم من سماع العلم والحكمة ويثقل عليهم ،فهم السرار والمعارف،
فليس لهم من ذلك العالم إل كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه
وما دعاء الكافرين إل في ضلل نسوا ال فأنساهم أنفسهم فل جرم ذهب
عنهم نصيبهم من ذلك العالم ،حيث أخلدوا إلى الرض ،واتبعوا أهواءهم.
فإذا جاء يوم الفصل وميز ال الخبيث من الطيب ،ارتقى من غلب عليه
إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت وأعلى الجنان والتحق بالمقربين،
ومن غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت ،ومواصلة الحور والولدان،
والتحق بأصحاب اليمين ،وبقي من غلب عليه الملك في الحسرة والثبور
والهوان ،والتعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه وبين محبوباته
ومشتهياته.
][110
فالشقياء وإن انتقلوا إلى نشأة من جنس نشأة الملكوت ،خلقت بتبعيتها بالعرض،
إل أنهم يحملون معهم من الدنيا من صور أعمالهم وأخلقهم وعقائدهم
مما ل يمكن انفكاكهم عنه مما يتأذون به ،ويعذبون بمجاورته ،من سموم
وحميم وظل من يحموم ،ومن حيات وعقارب وذوات لدغ وسموم ،ومن
ذهب وفضة كنزوها في دار الدنيا ولم ينفقوها في سبيل ال واشرب في
قلوبهم محبتها ،فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم
لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ومن آلهة يعبدونها من دون ال من حجر
أو خشب أو حيوان أو غيرها ،مما يعتقدون فيه أنه ينفعهم وهو يضرهم،
إذ يقال إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم -وبالجملة المرء مع
من أحب فمحبوب الشقياء لما كان من متاع الدنيا الذي ل حقيقة له ول
أصل ،بل هو متاع الغرور ،فإذا كان يوم القيامة وبرزت وحواق المور
كسد متاعهم ،وصار ل شيئا محضا فيتألمون بذلك ،ويتمنون الرجوع إلى
الدنيا التي هي وطنهم المألوف ،لنهم من أهلها ليسوا من أهل النشأة
الباقية ،لنهم رضوا بالحياة الدنيا ،واطمأنوا بها ،فإذا فارقوها عذبوا
بفراقها في نار جهنم .أعمالهم التي أحاطت بهم ،وجميع المعاصي
والشهوات ،يرجع إلى متاع هذه النشأة الدنياوية ومحبتها ،فمن كان من
أهلها عذب بمفارقتها ل محالة ،ومن ليس من أهلها وإنما ابتلي بها،
وارتكبها مع إيمان منه بقبحها ،وخوف من ال سبحانه في إتيانها ،فل
جرم يندم على ارتكابها ،إذا رجع إلى عقله ،وأناب إلى ربه فيصير ندامته
عليها ،والعتراف بها ،وذل مقامه بين يدي ربه حياء منه تعالى سببا
لتنوير قلبه ،وهذا المعنى تبديل سيئاتهم حسنات .فالشقياء إنما عذبوا بما
لم يفعلوا لحنينهم إلى ذلك ،وشهوتهم له ،وعقد ضمائرهم على فعله دائما
إن تيسر لهم ،لنهم كانوا من أهله ومن جنسه ،ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه .والسعداء إنما لم يخلدوا في العذاب ،ولم يشتد عليهم العقاب ،بما
فعلوا من القبائح ،لنهم ارتكبوا على كره من عقولهم ،وخوف من ربهم،
لنهم لم
][111
يكونوا من أهلها ،ول من جنسها ،بل اثيبوا بما لم يفعلوا من الخيرات لحنينهم إليه،
وعزمهم عليه ،وعقد ضمائرهم على فعله ،إن تيسر لهم .فإنما العمال
بالنيات ،وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما ينوي كل ما ناسب طينته ،ويقتضيه
جبلته ،كما قال ال سبحانه " :قل كل يعمل على شاكلته " ) (1ولهذا ورد
في الحديث :إن كل من أهل الجنة والنار ،إنما يخلدون فيما يخلدون على
نياتهم ،وإنما يعذب بعض السعداء حين خروجهم من الدنيا بسبب مفارقة
ما مزج بطينتهم من طينة الشقياء مما أنسوا به قليل ،وألفوه بسبب
ابتلئهم به ما داموا في الدنيا .وروى الشيخ الصدوق رحمه ال في
اعتقاداته مرسل :أنه ل يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا
دخلوها ،وإنما يصيبهم آلم عند الخروج منها فيكون تلك اللم جزاء بما
كسبت أيديهم ،وما ال بظلم للعبيد ،انتهى .واقول :بناء هذه التأويلت
على امور ليست مخالفتها لصول متكلمي المامية أقل من مخالفة ظواهر
تلك الخبار ،وقد تكلمنا في أمثال هذه الروايات في كتاب العدل ،وكان ترك
الخوض فيها وفي أمثالها ،ورد علمها مع صحتها إلى من صدرت عنه
أحوط وأولى ،كما قال مولنا أمير المؤمنين صلوات ال عليه وقد سئل عن
القدر :طريق مظلم فل تسلكوه ،وبحر عميق فل تلجوه ،وسر ال فل
تتكلفوه - 22 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن محمد بن
اذينة ،عن زرارة أن رجل سأل أبا جعفر عليه السلم عن قوله عزوجل" :
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألست بربكم قالوا بلى " ) (2إلى آخر الية فقال وأبوه يسمع عليهما
السلم :حدثني أبي أن ال عزوجل قد قبض قبضة من تراب التربة التي
خلق ال
][112
منها آدم عليه السلم فصب عليها الماء العذب الفرات ،ثم تركها أربعين صباحا ،ثم
صب عليها الماء المالح الجاج ،فتركها أربعين صباحا ،فلما اختمرت
الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله،
وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار ،فدخل أصحاب اليمين ،فصارت عليهم
بردا وسلما ،وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها ) .(1بيان :ظاهر الحديث
أن السؤال عن الباقر عليه السلم كان في زمن أبيه عليه السلم و هو
حاضر ،وفيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسين عليه السلم
فيتحمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل ،ولم يكن زرارة حاضرا عند
السؤال ،مع أنه يمكن إدراكه زمان السجاد عليه السلم ،وعدم روايته
عنه ،ولذا لم يعد في أصحابه .وفي تفسير العياشي ) (2هكذا :عن زرارة
أن رجل سأل أبا عبد ال عليه السلم إلى آخر الخبر ،وهو أصوب " .وإذ
أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " قال البيضاوي :أي أخرج من
أصلبهم نسل على ما يتوالدون قرنا بعد قرن ،و " من ظهورهم " بدل
من بني آدم بدل البعض ،وقرء نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب "
ذرياتهم " و " أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم " أي نصب لهم دلئل
ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى القرار بها ،حتى صاروا بمنزلة
من قيل " :ألست بربكم قالوا بلى " فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم
منه ،منزلة الشهاد والعتراف ،على طريقة التمثيل ،ويدل عليه قوله "
قالوا بلى شهدنا " " .أن تقولوا يوم القيامة " :أي كراهة أن تقولوا " إنا
كنا عن هذا غافلين " لم نتنبه عليه بدليل " أو تقولوا " عطف على " أن
تقولوا " " .إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " فاقتدينا بهم،
لن
][113
التقليد عند قيام الدليل ،والتمكن من العلم به ،ل يصلح عذرا " أفتهلكنا بما فعل
المبطلون " يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك ،وقيل :لما خلق ال
آدم أخرج من ذريته ذرية كالذر ،وأحياهم ،وجعل لهم العقل والنطق،
وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر ) (1انتهى .وقال بعض المحققين :لعل
معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بألسنة
قابليات جواهرها ،وألسن استعدادات ذواتها ،وأن تصديقهم به كان بلسان
طباع المكان ،قبل نصب الدلئل لهم ،أو بعد نصب الدلئل أو أنه نزل
تمكينهم من العلم وتمكنهم منه ،بمنزلة الشهاد والعتراف ،على طريقة
التخيل .نظير ذلك قوله عزوجل " إنما قولنا لشئ " ) (2الخ وقوله عز
وعل " فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " )(3
ومعلوم أنه ل قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى ،ويحتمل أن يكون
النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شئ بحمد ربه ،وذلك لنهم
مفطورون على التوحيد .قوله عليه السلم " من تراب التربة " هذا من
قبيل إضافة الجزء إلى الكل ،قوله " من يمينه وشماله " الضميران
راجعان إلى الملك المأمور بهذا المر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب،
فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن والبركة ،والشمال للخرى أو
اليمين لصفة الرحمانية والشمال لصفة القهارية ،فالضميران راجعان إلى
ال تعالى ،كما في الدعاء " :والخير في يديك :أي كلما يصدر منك من
خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير ،ومشتمل على المصالح الجليلة- 23 .
كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن
) (1راجع الدر المنثور ج 3ص ،142ففيه أحاديث متعددة عن رسول ال " ص
" بأسانيد مختلفة (2) .النحل (3) .40 :فصلت.11 :
][114
داود العجلي ،عن زرارة ،عن حمران ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال
تبارك وتعالى حيث خلق الخلق ،خلق ماء عذبا ،وماء مالحا اجاجا،
فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الرض فعركه عركا شديدا ،فقال
لصحاب اليمين ،وهم كالذر يدبون :إلى الجنة بسلم ،وقال لصحاب
الشمال :إلى النار ول ابالي ثم قال :ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا ،أن
تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين .ثم أخذ الميثاق على النبيين،
فقال :ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟
قالوا :بلى :فثبتت لهم النبوة ،وأخذ الميثاق على اولي العزم ،أنني ربكم،
ومحمد رسولي ،وعلي أمير المؤمنين ،وأوصياؤه من بعده ولة أمري،
وخزان علمي ،وأن المهدي أنتصر به لديني ،واظهر به دولتي وأنتقم به
من أعدائي ،واعبد به طوعا وكرها ،قالوا :أقررنا يا رب وشهدنا ولم
يجحد آدم ولم يقر .فثبتت العزيمة لهؤلء الخمسة في المهدي ،ولم يكن
لدم عزم على القرار به ،وهو قوله عزوجل " ولقد عهدنا إلى آدم من
قبل فنسي ولم نجد له عزما " ) (1قال :إنما هو فترك .ثم أمر نارا
فاججت ،فقال لصحاب الشمال :ادخلوها فهابوها ،وقال لصحاب اليمين:
ادخلوها فدخلوها ،فكانت عليهم بردا وسلما ،فقال أصحاب الشمال :يا رب
أقلنا ،فقال :قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها ،فهابوها ،فثم ثبتت الطاعة والولية
والمعصية ) .(2توضيح :قوله عليه السلم " فأخذ طينا " :أي مزجه
بالمائين ،ليحصل فيه استعداد الخير والشر " ،إلى الجنة " :أي امضوا
إليها سالمين من العذاب والنكال ،أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه
الشياطين ووساوسهم " .أن تقولوا " كذا في أكثر النسخ بصيغة الخطاب،
كما في القراآت المشهورة
) (1طه (2) .115 :الكافي ج 2ص .8
][115
فيكون ذكر تتمة الية استطرادا ،والصوب هنا " .أن يقولوا " بصيغة الغيبة
موافقا لقرائة أبي عمرو في الية .قوله عليه السلم " :ثم أخذ " لعل كلمة
" ثم " هنا للتراخي الرتبي ل الزماني لما بين الميثاقين من التفاوت وإل
فالظاهر تقدم أخذ الميثاق من النبيين على غيرهم كما أن ميثاق اولي العزم
مقدم على غيرهم أيضا ،واريد باولي العزم :نوح وإبراهيم ،وموسى،
وعيسى ،ومحمد صلوات ال عليهم ،ول ينافي دخول القرار بنبوة نبينا
صلى ال عليه وآله فيما عهد إليهم ،دخوله في المعهود إليهم .قيل :ولما
كانوا معهودين معلومين ،جاز أن يشار إليهم بهؤلء الخمسة مع عدم
ذكرهم مفصل ،وإنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته وشرفه
لن التكليف إنما يكون بقدر الفهم والستعداد ،فكلما زاد زاد ،وإنما يعرف
مراتب الوجود من له حظ منها وبقدر حظه منها ،وأما آدم فلما لم يعزم
على القرار بالمهدي ،لم يعد من اولي العزم وإنما عزم على القرار بغيره
من الوصياء " .إنما هو فترك " يعني معنى " فنسي " هنا ليس إل "
فترك " ،ولعل السر في عدم عزمه عليه السلم على القرار بالمهدي،
استبعاده أن يكون لهذا النوع النساني اتفاق على أمر واحد انتهى .وأقول:
الظاهر أن المراد بعدم العزم ،عدم الهتمام به وبتذكره ،أو عدم التصديق
اللساني ،حيث لم يكن شئ من ذلك واجبا ،ل عدم التصديق به مطلقا فإنه
ل يناسب منصب النبوة ،بل ول ما هو أدون منه ،وقوله " :إنما هو فترك
" أي معنى النسيان هنا الترك ،لن النسيان غير مجوز على النبياء
عليهم السلم ،أو كان في قرا نهم عليهم السلم " :ترك " مكان " فنسي
" .أو المعنى أن الزم إنما هو ما ذكر ،أي العزم على القرار المذكور فترك
آدم عليه السلم ،أو كان المطلوب القرار التام ولم يأت به ،أو عزم أول ثم
ترك والول كأنه أظهر .وفي القاموس :الجيج تلهب النار كالتأجج،
وأججتها تأجيجا فتأججت.
][116
- 24كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه عن
الحسن بن محبوب ،عن هشام بن سالم ،عن حبيب السجستاني قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول :إن ال عزوجل لما أخرج ذرية بني آدم
من ظهره ،ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له ،وبالنبوة لكل نبي ،فكان أول
من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته ،محمد بن عبد ال صلى ال عليه وآله.
ثم قال ال عزوجل لدم :انظر ماذا ترى ؟ قال :فنظر آدم عليه السلم إلى
ذريته وهم ذر قد ملؤا السماء ،قال آدم عليه السلم :يا رب ما أكثر
ذريتي ؟ ولمر ما خلقتهم ! فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم ؟ قال ال
عزوجل :يعبدونني ول يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم .قال
آدم :يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض ؟ وبعضهم له نور
كثير ؟ وبعضهم له نور قليل ؟ وبعضهم ليس له نور أصل ؟ فقال ال
عزوجل :وكذلك خلقتهم لبلوهم في كل حالتهم .قال آدم عليه السلم :يا
رب فتأذن لي في الكلم فأتكلم ؟ قال ال عزوجل :تكلم فإن روحك من
روحي ،وطبيعتك خلف كينونتني ،قال آدم عليه السلم :فلو كنت خلقتهم
على مثال واحد ،وقدر واحد ،وطبيعة واحدة ،وجبلة واحدة وألوان واحدة،
وأعمار واحدة ،وأرزاق سواء ،لم يبغ بعضهم على بعض ولم يك بينهم
تحاسد ول تباغض ،ول اختلف في شئ من الشياء .قال ال عزوجل :يا
آدم بروحي نطقت ،وبضعف طبيعتك تكلمت مال علم لك به ،وأنا الخالق
العليم ،بعلمي خالفت بين خلقهم .وبمشيتي يمضي فيهم أمري ،وإلى
تدبيري وتقديري صائرون ،ول تبديل لخلقي ،إنما خلقت الجن والنس
ليعبدوني ،وخلقت الجنة لمن عبدني فأطاعني منهم واتبع رسلي ،ول
ابالي ،وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ،ولم يتبع رسلي ول ابالي.
وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم ،وإنما خلقتك وخلقتهم
لبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عمل في دار الدنيا في حياتكم ،وقبل مماتكم
][117
فلذلك خلقت الدنيا والخرة ،والحياة والموت ،والطاعة والمعصية ،والجنة والنار.
وكذلك أردت في تقديري وتدبيري ،وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم
وأجسامهم ،وألوانهم وأعمارهم ،وأرزاقهم ،وطاعتهم ومعصيتهم ،فجعلت
منهم الشقي والسعيد ،والبصير والعمى ،والقصير والطويل ،والجميل
والدميم ،والعالم والجاهل والغني والفقير ،والمطيع والعاصي ،والصحيح
والسقيم ،ومن به الزمانة ،ومن ل عاهة به .فينظر الصحيح إلى الذي به
العاهة ،فيحمدني على عافيته ،وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح
فيدعوني ويسألني أن اعافيه ،ويصبر على بلئي فاثيبه جزيل عطائي،
وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني ،وينظر الفقير إلى الغني
فيدعوني ويسألني ،وينظر المؤمن إلى الكافر ،فيحمدني على ما هديته.
فلذلك ) (1خلقتهم لبلوهم في السراء والضراء ،وفيما اعافيهم ،وفيما
أبتليهم وفيما اعطيهم ،وفيما أمنعهم ،وأنا ال الملك القادر ،ولي أن أمضي
جميع ما قدرت على ما دبرت ،ولي أن اغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت،
واقدم من ذلك ما أخرت ،واؤخر من ذلك ما قدمت ،وأنا ال الفعال لما اريد،
ل اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون ) .(2تبيين :قوله "
فكان " و " ثم قال " و " فنظر " الكل معطوف على أخرج ،وقوله" :
قال آدم " جواب لما ،و " لمر ما " أي لمر عظيم ،قوله " يعبدونني "
أي اريد منهم أن يعبدوني ،قوله " ل يشركون بي شيئا " حال أو استيناف
بياني .قوله " وكذلك خلقتهم " في بعض النسخ " لذلك " أي لجل
الختلف كما قال سبحانه " ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك
خلقهم " ) (3على بعض التفاسير ،أو لن يعبدوني ول يشركوا بى شيئا.
) (1فكذلك ظ ،وزان قوله فيما سبق وكذلك خلقتهم ،وكذلك أردت في تقديري(2) .
الكافي ج 2ص (3) 10 - 8هود.118 :
][118
" من روحي " أي من روح اصطفيته واخترته ،أو من عالم المجردات ،بناء على
تجرد النفس ،قيل :الروح الول النفس والثاني جبرئيل ،ول يخفى ما فيه.
" وطبيعتك " أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها " خلف
كينونتي " أي وجودي فانها من عالم الماديات ،ول تناسب عالم
المجردات ،و الخطاء والوهم ناش منها .وقيل :الكينونة هنا مصدر كان
الناقصة ،والضافة أيضا للتشريف :أي صفاتك البدنية مخالفة للداب
المرضية لي ،ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى " ،والجبلة "
بكسر الجيم والباء وتشديد اللم :الخلقة ،قوله " وبضعف طبيعتك تكلفت
ما ل علم لك به " في بعض النسخ :وبضعف قوتك تكلمت .والحاصل أن
حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب،
إنما نشأ من الوهام التابعة للقوى البدنية ،فانهم لو كانوا كذلك ،لم يتيسر
التكليف المعرض لهم لرفع الدرجات ،ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا
الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم ،إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
" بعلمي خالفت بين خلقهم " إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلحهم
وبقاء نوعهم " ،وبمشيتي " أي إرادتي التابعة لحكمتي " ،يمضي فيهم
أمري " أي المر التكويني أو التكليفي أو العم " ،ل تبديل لخلقي " :أي
لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات والستعدادات .وقيل :أي من
حسنت أحواله في ذلك الوقت ،حسنت أحواله في الدنيا ومن حسنت أحواله
في الدنيا ،حسنت أحواله في الخرة ،ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت
قبحت أحواله في الموطنين الخرين ،ل يتبدل هؤلء إلى هؤلء ،ول هؤلء
إلى هؤلء .اقول :قد مر وسيأتي الكلم في تفسير قوله تعالى " :ل تبديل
لخلق ال " ) (1وكأن هذا إشارة إليه " .وإنما خلقت الجن والنس
ليعبدوني " إشارة إلى قوله
تعالى " :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون " ) .(1واورد على ظاهر الية أن
بعض الجن والنس ل يعبدون أصل ،إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ
أو نحو ذلك ،وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع ،واجيب
بوجوه أربعة :الول :أنه أراد سبحانه بالجن والنس اللذين بلغوا حد
التكليف قبل الممات ،والتعليل المفهوم من اللم ،أعم من العلة الغائية ،كما
روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الول عليه السلم أنه قال:
معنى قول النبي صلى ال عليه وآله " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " )
(2أن ال عزوجل خلق الجن والنس ليعبدوه ،ولم يخلقهم ليعصوه ،وذلك
قوله عزوجل " وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون " فيسر كل لما خلق
الجن له .فالويل لمن استحب العمى على الهدى .الثاني :أنه إن سلمنا أن
المراد بالجن والنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللم للعلية الغائية ،ل
نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله " ليعبدون " إذ لعل المراد عبادة
بعض الجن والنس .الثالث :إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا ،فل
نسلم رجوع الضمير إلى الجن والنس ،إذ يمكن عوده إلى المؤمنين
المذكورين قبل هذه الية ،في قوله تعالى " :فذكر فان الذكرى تنفع
المؤمنين " فتدل على أن خلق غير المؤمنين لجل المؤمنين ،كما يومئ
إليه قوله تعالى في هذا الخبر " ،وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك
خلقتهم " الخ .الرابع :لو سلمنا جميع ذلك ،نقول :ترتب الغاية على فعل
الحكيم ووجوبه
) (1الذاريات (2) .56 :قال رسول ال صلى ال عليه وآله ما منكم من أحد ال وقد
كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول ال أفل نتكل على
كتابنا وندع العمل ،قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل
السعادة فسييسر لعمل السعادة ،وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر
لعلم الشقاوة ،متفق عليه ،كما في مشكاة المصابيح ص .20
][120
إنما هو فيما هو غاية بالذات ،والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة ،والعبادة
غاية بالعرض ،والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والنس ،للروايات الدالة
على أن الطفال والمجانين يكلفون في القيامة ،كما سيأتي في كتاب
الجنايز .قوله " وقبل مماتكم " كأن تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان
داخل في الحياة ،للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة،
" لبلوك وأبلوهم " أي لعاملك وإياهم معاملة المختبر " ،أيكم أحسن
عمل " مفعول ثان للبلوى ،بتضمين معنى العلم .قوله " والطاعة
والمعصية " إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة أو المراد
به :جعل المعصية معصية والطاعة طاعة ،أو المراد بالخلق :التقدير على
عموم المجاز ،أو الشتراك ،وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان ،كما هو
مذهب أكثر المامية بل كلهم ،وأكثر العامة ،وقد مر الكلم فيه في كتاب
المعاد " .وبعلمي النافذ فيهم " :أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم
وأعمالهم ،كأنه نفذ في أعماقهم ،أو الجاري أثره فيهم " فجعلت منهم
الشقي والسعيد " أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا ،أو المادة
القابلة للشقاوة ،وإن لم يكن مجبورا عليها ،وكذا السعيد " والبصير " أي
بصرا أو بصيرة وكذا " العمى " .و " الذميم " في أكثر النسخ بالذال
المعجمة أي المذموم الخلقة ،في القاموس ذمه ذما ومذمة فهو مذموم
وذميم ،وبئر ذميم وذميمة :قليلة الماء ،وغزيرة ضد وبه ذميمة :أي
زمانة تمنعه الخروج وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب (1) .وفي
بعض النسخ بالدال المهملة ،في القاموس (2) :والدمة بالكسر :الرجل
القصير الحقير وأدم :أقبح ،أو ولد له ولد قبيح دميم ،وقال :الزمانة:
العاهة وقوله " لبلوهم " بدل لقوله " :لذلك خلقتهم " قوله " ولي أن
اغير " إشارة إلى أن
][121
الطينات المختلفة ،والخلق منها ،وتقدير المور المذكورة فيهم ،ليس مما ينفي
اختيار الخير والشر ،أو من المور الحتمية التي ل تقبل البداء " .ل اسأل
عما أفعل " إنما ل يسأل لنه سبحانه الكامل بالذات ،العادل في كل ما أراد،
العالم بالحكم والمصالح الخفية التي ل تصل إليها عقول الخلق بخلف
غيره فانهم مسؤلون عن أعمالهم وأحوالهم ،لن فيها الحسن والقبيح
واليمان والكفر ،ل بالمعنى الذي تذهب إليه الشاعرة أنه يجوز أن يدخل
النبياء عليهم السلم النار .والكافر الجنة ،ول يجب عليه شئ .وقيل :إن
هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق ،وجواز تخلف المعلول عن العلة
التامة ،كما اختاره هذا القائل .وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا
الخبر :إنما ملؤا السماء لن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملؤها،
وكانوا يومئذ ملكوتيين ،والسر في تفاوت الخلئق في الخيرات والشرور،
واختلفهم في السعادة والشقاوة ،اختلف استعداداتهم وتنوع حقائقهم،
لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة ،واختلف أمزجتهم في القرب
والبعد من العتدال الحقيقي ،واختلف الرواح التي بازائها في الصفاء
والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من ال سبحانه
والبعد عنه كما اشير إليه في الحديث (1) :الناس معادن كمعادن الذهب و
الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في السلم ،وأما أسر هذا السر أعني
سر اختلف الستعدادات وتنوع الحقائق ،فهو تقابل صفات ال سبحانه
وأسمائه الحسنى ،التي هي من أوصاف الكمال ،ونعوت الجلل وضرورة
تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك السماء ،فكل من السماء يوجب
تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه ،من حيث اتصافه
بتلك الصفة ،فلبد من
) (1رواه الكليني في الكافي ج 8ص 177ولفظه :الناس معادن كمعادن الذهب
والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في السلم أصل ،ورواه
السيوطي في الجامع الصغير ولفظه كما في المتن وبعده " :إذا تفقهوا
".
][122
إيجاد المخلوقات كلها على اختلفها ،وتباين أنواعها لتكون مظاهر لسمائه
الحسنى جميعا ،ومجالي لصفاته العليا قاطبة ،كما اشير إلى لمعة منه في
هذا الحديث انتهى .اقول :هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية ،إنما
نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم - 25 .كا :عن أحمد
بن محمد ،عن محمد بن خالد ،عن بعض أصحابنا ،عن عبد ال ابن سنان
قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :جعلت فداك إني لرى بعض أصحابنا
يعتريه النزق والحدة والطيش .فأغتم لذلك غما شديدا ،وأرى من خالفنا
فأراه حسن السمت ،قال :ل تقل حسن السمت ،فان السمت سمت الطريق،
ولكن قل :حسن السيماء ،فان ال عزوجل يقول " :سيماهم في وجوههم
" ) (1قال :قلت :فأراه حسن السيماء ،له وقار ،فأغتم لذلك ،قال :ل تغتم
لما رأيت من نزق أصحابك ،ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ،إن ال
تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم ،خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين،
فقال لصحاب اليمين :كونوا خلقا بإذني ،فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى،
وقال لصحاب الشمال :كونوا خلقا باذني ،فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج.
ثم رفع لهم نارا فقال ) :(2ادخلوها بإذني ،فكان أول من دخلها محمد صلى
ال عليه وآله ثم اتبعه اولو العزم من الرسل .وأوصياؤهم وأتباعهم ،ثم
قال لصحاب الشمال :ادخلوها باذني ،فقالوا :ربنا خلقتنا لتحرقنا ؟
فعصوا ،فقال لصحاب اليمين :اخرجوا بإذني من النار ،فخرجوا لم تكلم
منهم النار كلما ،ولم تؤثر فيهم أثرا .فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا :ربنا
نرى أصحابنا قد سلموا ،فأقلنا ومرنا بالدخول ،قال :قد أقلتكم فادخلوها،
فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا ل صبر لنا على الحتراق،
فعصوا فأمرهم بالدخول ثلثا ،كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر اولئك ثلثا
كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم :كونوا طينا باذني ،فخلق منه آدم.
][123
قال :فمن كان من هؤلء ،ل يكون من هؤلء ،ومن كان من هؤلء ل يكون من
هؤلء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم ،فمما اصاب من لطخ أصحاب
الشمال ،وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من
لطخ أصحاب اليمين ) .(1توضيح :يقال :عراه واعتراه :أي غشيه وأتاه،
و " النزق " بالفتح و التحريك :الخفة عند الغضب ،والحدة والطيش
قريبان منه ،وقال الجوهري :السمت :الطريق ،وسمت يسمت بالضم أي
قصد ،والسمت هيئة أهل الخير ،يقال :ما أحسن سمته أي هديه(2) ،
وقال :السيما مقصور من الواو ،قال تعالى " :سيماهم في وجوههم " وقد
يجئ السيماء والسيمياء ممدودين ) .(3وقال الفيروز آبادي :السمت:
الطريق وهيئة أهل الخير والسير على الطريق بالظن ،وحسن النحو،
وقصد الشئ ) ،(4وقال :السيمة والسيماء والسيمياء بكسرهن :العلمة )
.(5وقال الجزري :السمت :الهيئة الحسنة ،ومنه فينظرون إلى سمته
وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين ،وليس من الحسن والجمال،
وقيل هو من السمت الطريق ،يقال :الزم هذا السمت وفلن حسن السمت:
أي حسن القصد .وقال الزمخشري :السمت أخذ النهج ولزوم المحجة،
يقال :ما أحسن سمته :أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي
بزي الصالحين .وفي المصباح :السمت :الطريق والقصد والسكينة
والوقار والهيئة انتهى .ولعل منعه عليه السلم عن إطلق السمت لن
السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن ،فعبر
عليه السلم بعبارة اخرى ل يوهم ذلك ،أو لما
][124
لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا ،أمر بعبارة اخرى أفصح منه ،أو أنه
عليه السلم علم أنه أراد بالسمت السيماء لهيئة أهل الخير والطريقة
الحسنة ،و الفعال المحمودة ،فلدا نبهه عليه السلم بأن السمت لم يأت
بالمعنى الذي أردت ،و هذا قريب من الول .والوقار :الطمينان والسكينة
البدنية " ،لصحاب اليمين " أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره
بتفريقها ،أو للذين كانوا في يمين العرش ،أو للذين علم أنهم سيصيرون
من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش " .كونوا خلقا "
أي مخلوقين ذوي أرواح ،وقيل :أي كونوا أرواحا " بمنزلة الذر " أي
النمل الصغار " ،يسعى " وإطلق السعي هنا ،والدرج فيما سيأتي ،إما
لمحض التفنن في العبارة ،أو المراد بالسعي سرعة السير ،وبالدرج
المشي الضعيف ،كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه ،فيكون إشارة
إلى مسارعة الولين إلى الخيرات وبطء الخرين عنها وقيل :المراد سعي
الولين إلى العلو ،والخرين إلى السفل .ول دللة في اللفظ عليهما " .ثم
اتبعه اولو العزم " :أي سائرهم عليهم السلم ،و " الكلم " الجرح،
والفعل كضرب ،وقد يبنى على التفعيل ،وفي القاموس :وهج النار تهج
وهجا ووهجانا :اتقدت ،والسم الوهج محركة .واقول :يمكن أن يقال في
تأويل هذا الخبر :إنه لما كان من علم ال منهم السعادة تابعين للعقل
ولمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم ،ومن علم ال منهم الشقاوة،
تابعين للشهوات البدنية ،ودواعي النفس المارة فكأنها طينتهم ولما مزج
ال بينهما في عالم الشهود ،جري في غالب الناس الطاعة والمعصية
والصفات القدسية والملكات الردية ،فما كان من الخيرات فهو من جهة
العقل والنفس ،وهما طينة أصحاب اليمين ،وإن كان في أصحاب الشمال،
وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الجزاء البدنية التي هي طينة
أصحاب الشمال ،وإن كان في أصحاب اليمين.
][125
ويمكن أيضا أن يقال :المعنى أن ال تعالى قرر في خلقة آدم عليه السلم وطينته
دواعي الخير والشر ،وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والشقياء ،وخلق
آدم عليه السلم مع علمه بذلك ،فكأنه خلط بين الطينتين ،ولما كان أولد
آدم مدنيين بالطبع ،لبد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة،
فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الشقياء وبالعكس ،فلعل
قوله " من لطخ أصحاب الشمال " و " من لطخ أصحاب اليمين " إشارة
إلى هذا المعنى .ولما كان السبب القوى في اكتساب السعداء صفات
الشقياء استيلء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم ،وعلم
ال أن المؤمنين إنما يرتكبون الثام ،لستيلء أهل الباطل عليهم ،وعدم
تولي أئمة الحق لسياستهم ،فيعذرهم بذلك ويعفو عنهم ،ويعذب أئمة
الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم ،مع ما يستحقون من جرائم
أنفسهم ،وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في الخبار التية إنشاء ال تعالى26 .
-سن :عن أبيه ،عن محمد بن سنان ،عن المفضل بن عمر ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمن من نور عظمته،
وجلل كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على ال في
عرشه ،وليس هو من ال في ولية وإنما هو شرك شيطان ) .(1بيان" :
وليس هو من ال في ولية " :أي ليس من أولياء ال وأحبائه وأنصاره
أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم ال ويواليهم ،كما قال تعالى " :ذلك
بأن ال مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ل مولى لهم ) " (2أو ليس من
حزب ال ،بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر :خرج من ولية
ال إلى ولية الشيطان - 27 .رياض الجنان :لفضل ال بن محمد الفارسي
باسناده عن بشر بن أبي عتبة ،عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم
قال :إن ال خلق محمدا من طينة من
][126
جوهرة من تحت العرش وإنه كان لطينته نضج ،فجعل طينة أمير المؤمنين عليه
السلم من نضج طينة رسول ال صلى ال عليه وآله وكان لطينة أمير
المؤمنين عليه السلم نضج ،فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين.
وكانت لطينتنا نضج ؟ جعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا ،فقلوبهم تحن
إلينا وقلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد ،ونحن لهم خير منهم
لنا ،ورسول ال صلى ال عليه وآله لنا خير ونحن له خير - 28 .ومنه:
بإسناده عن أبي الحجاج قال :قال لي أبو جعفر عليه السلم :يا أبا الحجاج
إن ال خلق محمدا وآل محمد صلى ال عليهم من طين عليين ،وخلق
قلوبهم ) (1من طين عليين ،فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى ال
عليه وآله ،وإن ال تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين ،وخلق
قلوبهم أخبث من ذلك ،وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين ،فقلوبهم
من أبدان اولئك ،وكل قلب يحن إلى بدنه - 29 .بشا :عن ابن الشيخ عن
والده ،عن المفيد ،عن الجعابي ،عن جعفر بن محمد الحسيني ،عن أحمد
بن عبد المنعم ،عن عبد ال بن محمد الفزاري ،عن جعفر بن محمد عن
أبيه ،عن جابر النصاري وبالسناد عن أحمد بن عبد المنعم .عن عمرو
بن شمر عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم عن جابر قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله لعلي بن أبي -طالب عليه السلم :أل ابشرك أل
أمنحك ؟ قال :بلى يا رسول ال قال :فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة،
ففضلت منها فضلة ،فخلق منها شيعتنا ،فإذا كان يوم القيامة دعي الناس
بامهاتهم إل شيعتك ،فانهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم )- 30 .(2
بشا :عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن ،عن أبي منصور محمد بن
محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل ،عن أبي عمير السماك ،عن محمد
بن أحمد المهدي ،عن عمر بن الخطاب السجستاني ،عن إسماعيل بن
العباس الحمصي ،عن أبي زياد
) (1كأنه يعنى قلوب شيعتهم (2) .بشارة المصطفى ص 115و .17
][127
عن أبي هريرة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول لعلي عليه السلم:
أل ابشرك يا علي ؟ قال :بلى بأبي وامي يا رسول ال ،قال :أنا وأنت
وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة ،وفضلت منها فضلة
فجعل ) (1منها شيعتنا ومحبينا ،فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء
امهاتهم ،ما خل نحن وشيعتنا ومحبينا ،فانهم يدعون بأسمائهم وأسماء
آبائهم ) - 31 .(2بشا :عن ابن شيخ الطائفة ،عن أبيه ،عن المفيد ،عن
المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج ،عن أحمد بن محمد بن
عيسى الهاشمي ،عن محمد بن عبد ال الزراري ،عن أبيه ،عن ابن
محبوب ،عن أبي زكريا الموصلي ،عن جابر ،عن أبي جعفر ،عن أبيه،
عن جده عليهم السلم أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال لعلي :أنت
الذي احتج ال بك في ابتداء الخلق ،حيث أقامهم أشباحا ،فقال لهم :ألست
بربكم ؟ قالوا :بلى قال :ومحمد رسولي ؟ قالوا :بلى ،قال :وعلي أمير
المؤمنين ؟ فأبى الخلق جميعا إل استكبارا وعتوا عن وليتك ،إل نفر قليل،
وهم أقل القليل ،وهم أصحاب اليمين ) - 32 .(3كا :عن محمد بن يحيى
وغيره عن أحمد بن محمد وغيره ،عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال:
حدثني محمد بن إسماعيل ،عن أبي حمزة الثمالي قال :سمعت أبا جعفر
عليه السلم يقول :إن ال عزوجل خلقنا من أعلى عليين ،وخلق قلوب
شيعتنا مما خلقنا منه ،وخلق أبدانهم من دون ذلك ،وقلوبهم تهوي إلينا
لنها خلقت مما خلقنا ،ثم تل هذه الية " كل إن كتاب البرار لفي عليين *
وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم يشهده المقربون ) ." (4وخلق عدونا
من سجين ،وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه ،وأبدانهم
) (1فخلق خ ل (2) .بشارة المصطفى (3) .24بشارة المصطفى(4) .144 :
المطففين.21 - 18 :
][128
من دون ذلك ،فقلوبهم تهوي إليهم ،لنها خلقت مما خلقوا منه ،ثم تل هذه الية "
كل إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * )
] (1ويل يومئذ للمكذبين "[ (2) .بيان :قد مر الخبر وشرحه في باب خلق
أبدان الئمة عليهم السلم ) .(3وقال بعض أرباب التأويل :كل ما يدركه
النسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه ،ويجتمع في صحيفة ذاته
وخزانة مدركاته ،وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره
مكتوبا ثمة ،وسيما ما رسخت بسبب الهيئات وتأكدت به الصفات ،وصار
خلقا وملكة .فالفاعيل المتكررة ،والعقائد الراسخة في النفوس ،وهي
بمنزلة النقوش الكتابية في اللواح ،كما قال ال تعالى " اولئك كتب في
قلوبهم اليمان " ) (4وهذه اللواح النفيسة يقال لها :صحائف العمال،
وإليه الشارة بقوله سبحانه " وإذا الصحف نشرت " ) (5وقوله عزوجل
" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه
منشورا " ) (6فيقال له " :قد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد " ) " (7هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ
ما كنتم تعملون " (8) .فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين ،وكانت
معلوماته امورا قدسية وأخلقه زكية ،وأعماله صالحة " ،فقد اوتي كتابه
بيمينه " ) (9أعني من الجانب
) (1المطففين (2) .10 - 7 :الكافي ج 2ص (3) .4كتاب المامة المجلد السابع )
(4المجادلة (5) .22 :كورت (6) .10أسرى (7) .13 :ق(8) .22 :
الجاثية (9) .28 :أسرى - 71 :الحاقة(*) .19 :
][129
القوى الروحاني ،وهو جهة عليين ،وذلك لن كتابه من جنس اللواح العالية
والصحف المكرمة ،المرفوعة المطهرة ،بأيدي سفرة ،كرام بررة )(1
يشهده المقربون .ومن كان من الشقياء المردودين ،وكانت معلوماته
مقصورة على الجرميات وأخلقه سيئة ،وأعماله خبيثة ،فقد اوتي كتابه
بشماله ،أعني من جانبه الضعف الجسماني ،وهو جهة سجين ،وذلك لن
كتابه من جنس الوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للحتراق ،فل
جرم يعذب بالنار .وإنما عود الرواح إلى ما خلقت منه ،كما قال سبحانه "
كما بدأكم تعودون " ) " (2كما بدأنا أول خلق نعيده " ) (3فما خلق من
عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين ،فكتابه في سجين انتهى.
وسياق تلك التحقيقات على مذاقه من اصول الدين ،ولما لم يصرح بنفي ما
حققه جماهير المامية من أصحاب اليقين ،ل أدري أنها ثبتت له في عليين
أو سجين ،وفقنا ال لسلوك مسالك المتقين - 33 .بشا :عن ابن الشيخ،
عن أبيه ،عن المفيد ،عن ابن قولويه ،عن أبيه عن سعد ،عن ابن عيسى،
عن محمد بن خالد ،عن فضالة ،عن أبي بصير ،عن أبي -جعفر عليه
السلم قال :إنا وشيعتنا خلقنا من طينة عليين ،وخلق ال عدونا من طينة
خبال من حماء مسنون ) .(4بيان :قال في النهاية :فيه من شرب الخمر
سقاه ال من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال
عصارة أهل النار ،والخبال في الصل الفساد ويكون من الفعال والبدان
والعقول.
) (1اقتباس من قوله تعالى في عبس (2) .16 - 13 :العراف (3) 29 :النبياء:
(4) 104بشارة المصطفى.105 :
][130
) * - 4باب( * * " )فطرة ال سبحانه وصبغته( " * * )اليات( * البقرة :صبغة
ال ومن أحسن من ال صبغة ونحن له عابدون (1) .الروم :فأقم وجهك
للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين
القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون )) * (2تفسير( * صبغة ال ،قال
البيضاوي :أي صبغنا ال صبغته ،وهي فطرة ال التي فطر الناس عليها،
فانها حلية النسان ،كما أن الصبغة حلية المصبوغ ،أو هدانا هدايته
وأرشدنا حجته ،أو طهر قلوبنا باليمان تطهيره ،وسماه صبغة لنه ظهر
أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ،وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ
الثوب .أو للمشاكلة فان النصارى كانوا يغمسون أولدهم في ماء أصفر،
يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم ،وبه تحقق نصرانيتهم،
ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله " آمنا " وقيل :على الغراء ،وقيل
على البدل من ملة إبراهيم " .ومن أحسن من ال صبغة " ل صبغة أحسن
من صبغته " ،ونحن له عابدون " تعريض بهم أي ل نشرك به كشرككم.
][131
وأقول :قد مضى تفسير الية الثانية في باب فضل اليمان ) - 1 .(1كا :عن علي،
عن أبيه ومحمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد جميعا ،عن ابن محبوب،
عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال عزوجل
" صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " ) (2قال :السلم ،وقال في قوله
عزوجل " :فقد استمسك بالعروة الوثقى " ) (3قال :هي اليمان بال
وحده ل شريك له ) .(4بيان :قيل :على هذه الخبار يحتمل أن تكون "
صبغة " منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك " ل
نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " ) (5ثم يحتمل أن يكون معناها
وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين ب " قولوا " في صدر
اليات حيث قال " :قولوا آمنا بال وما انزل إلينا " ) (6دون سائر أفراد
بني آدم .بل يتعين هذا المعنى إن فسر السلم بالخضوع والنقياد للوامر
والنواهي كما فعلوه ،وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه
التعميم في فطرة ال كما سيأتي إنشاء ال .وقيل :صبغة ال إبداع
الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من
الصفات والغايات وغيرهما .قوله " :فقد استمسك " قال تعالى " :فمن
يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها "
وفسر الطاغوت في الخبار بالشيطان وبأئمة الضلل ،والولى التعميم
ليشمل كل من عبد من دون ال من صنم أو صاد عن سبيل ال ،و " يؤمن
بال " بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم " .فقد استمسك بالعروة
الوثقى " :أي طلب المساك من نفسه بالحبل الوثيق
) (1راجع ص 43و 44فيما سبق ) (2البقرة (3) .138 :البقرة(4) .256 :
الكافي ج 2ص 5) .14و (6البقرة.136 :
][132
وهي مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحيح ،والدين القويم " ،ل انفصام لها "
أي ل انقطاع لها ،وما ورد في الخبر من تفسيره باليمان ،كأن المراد به
أنه تعالى شبه اليمان الكامل بالعروة الوثقى .وعلى ما ورد في كثير من
الخبار من أن المراد بالطاغوت :الغاصبون للخلفة فالمعنى من رفض
متابعة أئمة الضلل ،وآمن بما جاء من عند ال في علي والوصياء من
بعده عليهم السلم فقد آمن بال وحده ل شريك له ،وإل فهو مشرك ،كما
روي في معاني الخبار ) (1عن النبي صلى ال عليه وآله :من أحب أن
يستمسك بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها فليستمسك بولية أخي
ووصيي علي بن أبي طالب فانه ل يهلك من أحبه وتوله ،ول ينجو من
أبغضه وعاداه ،وعن الباقر عليه السلم :أن العروة الوثقى هي مودتنا أهل
البيت - 2 .كا :عن العدة ،عن سهل ،عن البزنطي ،عن داود بن سرحان،
عن عبد ال بن فرقد ،عن حمران ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول
ال عزوجل " :صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة " قال :الصبغة هي
السلم ) - 3 .(2يد :عن أبيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن محمد
بن سنان ،عن العل ابن الفضيل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته
عن قول ال عزوجل " فطرة ال التي فطر الناس عليها " قال :على
التوحيد - 4 (3) .ير :عن أحمد بن موسى ،عن الحسن بن موسى
الخشاب ،عن علي بن حسان ،عن عبد الرحمان بن كثير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم في قوله " :فطرة ال التي فطر الناس عليها " ) (4قال:
فقال :على التوحيد ومحمد رسول ال صلى ال عليه وآله وعلي أمير
المؤمنين عليه السلم ).(5
) (1معاني الخبار (2) .368 :الكافي ج (3) .14 :2كتاب التوحيد(4) 341 :
الروم (5) .30 :بصائر الدرجات78 :
][133
بيان :قال في النهاية :فيه كل مولود يولد على الفطرة ،الفطر :البتداء والختراع،
والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة ،والمعنى أنه يولد على نوع من
الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين ،فلو ترك عليها لستمر على لزومها،
ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لفة من آفات البشر
والتقليد ،ثم تمثل بأولد اليهود والنصارى في اتباعهم لبائهم ،والميل إلى
أديانهم ،عن مقتضى الفطرة السليمة .وقيل :معناه كل مولود يولد على
معرفة ال والقرار به ،فل تجد أحدا إل وهو يقر بأن ال صانعه ،وإن
سماه بغير اسمه ،أو عبد معه غيره ،ومنه حديث حذيفة " على غير فطرة
محمد " أراد دين السلم الذي هو منسوب إليه انتهى .وقيل :الفطرة
بالكسر مصدر للنوع من اليجاد ،وهو إيجاد النسان على نوع مخصوص
من الكمال ،وهو التوحيد ومعرفة الربوبية ،مأخوذا عليهم ميثاق العبودية،
والستقامة على سنن العدل .وقال بعض العامة :الفطرة ما سبق من سعادة
أو شقاوة ،فمن علم ال سعادته ولد على فطرة السلم ،ومن علم شقاوته،
ولد على فطرة الكفر ،تعلق بقوله تعالى " ل تبديل لخلق ال " )(1
وبحديث الغلم الذي قتله الخضر عليه السلم ،طبع يوم طبع كافرا ،فانه
يمنع من كون تولده على فطرة السلم .واجيب عن الول بأن معنى ل
تبديل ل تغيير ،يعني ل يكون بعضهم على فطرة الكفر ،وبعضهم على فطرة
السلم ،ويؤيده قوله صلى ال عليه وآله " كل مولود يولد على الفطرة،
فأبواه يهودانه وينصرانه " فان المراد بهذه الفطرة فطرة السلم .وعن
الثاني :بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت ،وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة
التي ولد عليها .وقال بعضهم :المراد بالفطرة :كونه خلقا قابل للهداية،
ومتهيئا لها ،لما أوجد فيه من القوة القابلة لها ،لن فطرة السلم
وصوابها موضوع في العقول
) (1الروم.30 :
][134
وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير البوين ،أو غيرهما .واجيب عنه بأن حمل
الفطرة على السلم ل يأباه العقل ،وظاهر الروايات يدل عليه .وحملها
على خلف الظاهر ل وجه له من غير مستند - 5 .سن :عن أبيه ،عن علي
بن النعمان ،عن عبد ال بن مسكان ،عن زرارة قال :سألت أبا جعفر عليه
السلم عن قول ال عزوجل " :فطرة ال التي فطر الناس عليها " قال:
فطرهم على معرفة أنه ربهم ،ولول ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن
رازقهم ) .(1بيان :قال في المصباح المنير :فطر ال الخلق فطرا من باب
قتل :خلقهم ،و السم :الفطرة بالكسر ،قال ال تعالى " فطرة ال التي فطر
الناس عليها " وقال صلى ال عليه وآله :كل مولود يولد على الفطرة،
قيل :معناه الفطرة السلمية والدين الحق ،وإنما أبواه يهودانه وينصرانه:
أي ينقلنه إلى دينهما .وهذا التفسير مشكل ،إن حمل اللفظ على حقيقته
فقط ،لنه يلزم منه أن ل يتوارث المشركون مع أولدهم الصغار قبل أن
يهودوهم وينصروهم ،واللزم منتف بل الوجه حمله على حقيقته ومجازه
معا .أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ ،وذلك أن إقامة البوين على
دينهما سبب لجعل الولد تابعا لهما ،فلما كانت القامة سببا جعلت تهويدا
وتنصيرا مجازا ،ثم اسند إلى البوين توبيخا لهما ،وتقبيحا عليهما كأنه
قال :أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلنه مشركا ،ويفهم من هذا أنه لو
أقام أحدهما على الشرك ،وأسلم الخر ،ل يكون مشركا بل مسلما ،وقد
جعل البيهقي هذا معنى الحديث ،فقال :قد جعل رسول ال صلى ال عليه
وآله حكم الولد قبل أن يختاروا لنفسهم حكم الباء ،فيما يتعلق بأحكام
الدنيا ،وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الولد.
- 6كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن عبد
ال بن
][135
سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن قول ال عزوجل " فطرة ال
التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة ؟ قال :هي السلم ،فطرهم ال
حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ) .(1بيان :على التوحيد متعلق بفطر وأخذ
على التنازع - 7 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن ابن
اذينة ،عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلم قال :سألته عن قول ال
عزوجل " حنفاء ل غير مشركين به " ) (2قال :الحنيفية من الفطرة التي
فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ،قال :فطرهم على المعرفة به .فقال
زرارة :وسألته عن قول ال عزوجل " وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " ) (3قال:
أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة ،فخرجوا كالذر ،فعرفهم وأراهم
نفسه ،ولول ذلك لم يعرف أحد ربه .وقال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن ال عزوجل
خالقه ،وكذلك قوله " (4) :ولئن سألتهم من خلق السموات والرض
ليقولن ال " ) .(5تبيين :قوله " :حنفاء ل " إشارة إلى قوله سبحانه في
سورة الحج " :فاجتنبوا الرجس من الوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء ل
غير مشركين به " أي اجتنبوا الرجس الذي هو الوثان ،كما يجتنب
النجاس وكل افتراء ،وعن الصادق عليه السلم الرجس من الوثان:
الشطرنج ،وقول الزور :الغناء.
) (1الكافي ج 2ص ،12والية في الروم (2) 30 :الحج (3) 3 :العراف) 171 :
(4لقمان (5) .25 :الكافي ج 12 :2و 13
][136
قال الطبرسي ) (1رحمه ال " :حنفاء ل " :أي مستقيمي الطريقة على ما أمر ال
مائلين عن سائر الديان " ،غير مشركين به " أي حجاجا مخلصين ،وهم
مسلمون موحدون ل يشركون في تلبية الحج به أحدا .وقال في النهاية:
فيه خلقت عبادي حنفاء :أي طاهري العضاء من المعاصي ،ل أنه خلقهم
كلهم مسلمين لقوله تعالى " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " )
(2وقيل :أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق " ألست
بربكم قالوا بلى " فل يوجد أحد إل وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به
واختلفوا فيه .والحنفاء جمع حنيف ،وهو المائل إلى السلم ،الثابت عليه،
والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم ،وأصل الحنف :الميل،
ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة :انتهى " .ل تبديل لخلق ال
" :أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل كان كلهم
مسلمين مقرين به ،أو قابلين للمعرفة " ،وأراهم نفسه " :أي بالرؤية
العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ،ليرسخ فيهم معرفته،
ويعرفوه في دار التكليف ،ولول تلك المعرفة الميثاقية ،لم يحصل لهم تلك
القابلية ،وفسر عليه السلم الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة
الصانع والذعان به " .كذلك قوله " أي هذه الية أيضا محمولة على هذا
المعنى " ،ولئن سألتهم " أي كفار مكة ،كما ذكره المفسرون ،أو العم،
كما هو الظهر من الخبر " ليقولن ال " لفطرتهم على المعرفة ،وقال
البيضاوي :لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره ،بحيث
اضطروا إلى إذعانه انتهى .والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم
يكونوا ينكرون أن الصانع هو ال ،بل كانوا يعبدون الصنام ،لزعمهم أنها
شفعاء عند ال ،وظاهر الخبر أن
][137
كل كافر لو خلي وطبعه ،وترك العصبية ومتابعة الهواء ،وتقليد السلف والباء
لقر بذلك ،كما ورد ذلك في الخبار الكثيرة .قال بعض المحققين :الدليل
على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على ال ،ويتوجهون
توجها غريزيا إلى مسبب السباب ،ومسهل المور الصعاب ،وإن لم
يتفطنوا لذلك ،ويشهد لهذا قول ال عزوجل " قال :أرأيتكم إن أتيكم عذاب
ال أو أتتكم الساعة أغير ال تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون
فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون " (1) .وفي تفسير
مولنا العسكري عليه السلم أنه سئل مولنا الصادق عن ال فقال للسائل
يا با عبد ال هل ركبت سفينة قط قال :بلى ،قال :فهل كسر بك حيث ل
سفينة تنجيك ،ول سباحة تغنيك ؟ قال :بلى ،قال :فهل تعلق قلبك هناك أن
شيئا من الشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال :بلى ،قال
الصادق :فذلك الشئ هو ال القادر على النجاء حين ل منجي ،وعلى
الغاثة حين ل مغيث .ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب
المعرفة بال عزوجل متروكين على ما فطروا عليه ،مرضيا عنهم بمجرد
القرار بالقول ،ولم يكلفوا الستدلل العلمية في ذلك ،وإنما التعمق لزيادة
البصيرة ولطائفة مخصوصة ،وأما الستدلل فللرد على أهل الضلل .ثم إن
أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان ،وتحصيل
الطمينان ،كما وكيفا ،شدة وضعفا ،سرعة وبطئا ،حال وعلما ،وكشفا
وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا ،إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى
تنبيه ،فلكل طريقة هداه ال عزوجل إليها إن كان من أهل الهداية ،والطرق
إلى ال بعدد أنفاس الخلئق ،وهم درجات عند ال يرفع الذين آمنوا منكم
والذين اوتوا العلم درجات.
قال بعض المنسوبين إلى العلم :اعلم أن أظهر الموجودات وأجلها هو ال عزوجل،
فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف ،وأسبقها إلى الفهام
وأسهلها على العقول ،ونرى المر بالضد من ذلك ،فلبد من بيان السبب
فيه .وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلها هو ال ،لمعنى ل تفهمه إل
بمثال هو :أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثل ،كان كونه حيا من أظهر
الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته
الظاهرة والباطنة ،إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته
ومرضه ،وكل ذلك ل نعرفه ،وصفاته الظاهرة ل نعرف بعضها ،وبعضها
نشك فيه ،كمقدار طوله ،واختلف لون بشرته وغير ذلك من صفاته .أما
حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فانه جلي عندنا ،من غير أن
يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فان هذه الصفات ل تحس بشئ
من الحواس الخمس ،ثم ل يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إل
بخياطته وحركته ،فلو نظرنا إلى كل ما في العلم سواء لم نعرف به صفاته،
فما عليه إل دليل واحد ،وهو مع ذلك جلي واضح .ووجود ال وقدرته
وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس
الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ،ونبات وشجر ،وحيوان وسماء وأرض
وكوكب ،وبر وبحر ،ونار وهواء ،وجوهر وعرض ،بل أول شاهد عليه
أنفسنا ،وأجسامنا ،وأصنافنا ،وتقلب أحوالنا ،وتغير قلوبنا ،وجميع
أطوارنا ،في حركاتنا وسكناتنا .وأظهر الشياء في علمنا أنفسنا ،ثم
محسوساتنا بالحواس الخمس ،ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل ،وكل واحد
من هذه المدركات له مدرك واحد ،وشاهد ودليل واحد ،وجميع ما في العالم
شواهد ناطقة ،وأدلة شاهدة ،بوجود خالقها ومدبرها ،ومصرفها
ومحركها ،ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته .والموجودات المدركة
ل حصر لها ،فان كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا
][139
وليس يشهد له إل شاهد واحد ،وهو ما أحسسنا من حركة يده ،فكيف ل يتصور في
الوجود شئ داخل نفوسنا وخارجها إل وهو شاهد عليه وعلى عظمته
وجلله إذ كل ذرة فانها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ،ول
حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها ،يشهد بذلك أول تركيب
أعضائنا وائتلف عظامنا ،ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا ،وتشكل
أطرافنا ،وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ،فانا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها،
كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرك بنفسها .ولكن لما لم يبق في الوجود
مدرك ،ومحسوس ومعقول ،وحاضر وغائب إل وهو شاهد ومعرف عظم
ظهوره ،فانبهرت العقول ،ودهشت عن إدراكه فاذن ما يقصر عن فهمه
عقولنا له سببان :أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه ،وذلك ل يخفى
مثاله ،والخر ما يتناهى وضوحه .وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ،ول
يبصر بالنهار ،ل لخفاء النهار واستتاره ،ولكن لشدة ظهوره ،فان بصر
الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق ،فيكون قوة ظهوره مع
ضعف بصره سببا لمتناع إبصاره فل يرى شيئا إل إذا امتزج الظلم
بالضوء ،وضعف ظهوره .فكذلك عقولنا ضعيفة ،وجمال الحضرة اللهية
في نهاية الشراق والستنارة وفي غاية الستغراق والشمول ،حتى ل يشذ
عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والرض ،فصار ظهوره سبب
خفائه ،فسبحان من احتجب باشراق نوره ،واختفى عن البصائر والبصار
بظهوره .ول تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ،فان الشياء تستبان
بأضدادها وما عم وجوده حتى ل ضد له عسر إدراكه ،فلو اختلف الشياء
فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ،ولما اشتركت في
الدللة على نسق واحد أشكل المر .ومثاله نور الشمس المشرق على
الرض ،فانا نعمل أنه عرض من العراض
][140
يحدث في الرض ،ويزول عند غيبة الشمس ،فلو كانت الشمس دائمة الشراق ل
غروب لها ،لكنا نظن أن ل هيئة في الجسام إل ألوانها وهي السواد
والبياض وغيرها ،فإنا ل نشاهد في السود إل السواد ،وفي البيض إل
البياض ،وأما الضوء فل ندركه وحده ،لكن لما غابت الشمس وأظلمت
المواضع ،أدركنا تفرقة بين الحالتين ،فعلمنا أن الجسام كانت قد
استضاءت بضوء ،واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب ،فعرفنا وجود
النور بعدمه ،وما كنا نطلع عليه لو ل عدمه إل بعسر شديد ،وذلك
لمشاهدتنا الجسام متشابهة غير مختلفة في الظلم والنور .هذا مع أن
النور أظهر المحسوسات ،إذ به يدرك سائر المحسوسات ،فما هو ظاهر
في نفسه وهو مظهر لغيره ،انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب
ظهوره ،لول طريان ضده ،فاذن الرب تعالى هو أظهر المور ،وبه ظهرت
الشياء كلها ،ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لنهدمت السماوات
والرض ،وبطل الملك والملكوت ولدركت التفرقة بين الحالتين .ولو كان
بعض الشياء موجودا به ،وبعضها موجودا بغيره ،لدركت التفرقة بين
الشيئين في الدللة ،ولكن دللته عامة في الشياء على نسق واحد،
ووجوده دائم في الحوال ،يستحيل خلفه ،فل جرم أورث شدة الظهور
خفاء ،فهذا هو السبب في قصور الفهام .وأما من قويت بصيرته ،ولم
يضعف منته ،فانه في حال اعتدال أمره ل يرى إل ال وأفعاله ،وأفعاله أثر
من آثار قدرته ،فهي تابعة فل وجود لها بالحقيقة وإنما الوجود للواحد
الحق الذي به وجود الفعال كلها .ومن هذا حاله فل ينظر في شئ من
الفعال إل ويرى فيه الفاعل ،ويذهل عن الفعل ،من حيث إنه سماء وأرض
وحيوان وشجر ،بل ينظر فيه من حيث إنه صنع ،فل يكون نظره مجاوزا
له إلى غيره ،كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ،ورأى فيه
الشاعر والمصنف ،ورأى آثاره من حيث هي آثاره ،ل من حيث إنه حبر
وعفص وزاج مرقوم على بياض ،فل يكون قد نظر إلى غير المصنف.
][141
فكل العالم تصنيف ال تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل ال ،وعرفها من
حيث إنها فعل ال ،وأحبها من حيث إنها فعل ال ،لم يكن ناظرا إل في ال
ول عارفا إل بال ،ول محبا إل ل ،وكان هو الموحد الحق الذي ل يرى إل
ال ،بل ل ينظر إلى نفسه من حيث نفسه ،بل من حيث هو عبد ال ،فهذا
هو الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد ،وإنه فنى في نفسه ،وإليه الشارة
بقول من قال :كنا بنا ،ففنينا عنا ،فبقينا بل نحن .فهذه امور معلومة عند
ذوي البصائر ،أشكلت لضعف الفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن
إيضاحها وبيانها ،بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الفهام ،ولشتغالهم
بأنفسهم ،واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما ل يغنيهم .فهذا هو السبب
في قصور الفهام عن معرفة ال تعالى ،وانضم إليه أن المدركات كلها التي
هي شاهدة على ال ،إنما يدركها النسان في الصبى عند فقد العقل قليل
قليل ،وهو مستغرق الهم بشهواته ،وقد أنس بمدركاته ومحسوساته إلفها،
فسقط وقعها عن قلبه بطول النس ،ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة
حيوانا غريبا ،أو فعل من أفعال ال خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه
بالمعرفة طبعا فقال " :سبحان ال " وهو يرى طول النهار نفسه
وأعضاءه وساير الحيوانات المألوفة ،وكلها شواهد قاطعة ،ول يحس
بشهادتها لطول النس بها .ولو فرض أكمه بلغ عاقل ،ثم انقشعت الغشاوة
عن عينه ،فامتد بصره إلى السماء والرض ،والشجار والنبات،
والحيوان ،دفعة واحدة على سبيل الفجأة .يخاف على عقله أن ينبهر ،لعظم
تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها .وهذا وأمثاله من السباب ،مع
النهماك في الشهوات ،وهي التي سدت على الخلق سبيل الستضاءة
بأنوار المعرفة ،والسباحة في بحارها الواسعة والجليات إذا صارت
مطلوبة ،صارت معتاصة ) ،(1فهذا سد المر ،فليتحقق ولذلك قيل:
][142
لقد ظهرت فل تخفى على أحد * إل على أكمه ل يعرف القمرا لكن بطنت بما
أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعرف استترا وفي كلم سيد الشهداء
أبي عبد ال الحسين صلوات ال على جده وأبيه ،وامه وأخيه ،وعليه
وبنيه ،ما يرشدك إلى هذا العيان ،بل يغنيك عن هذا البيان ،حيث قال في
دعاء عرفة " :كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ،أيكون
لغيرك من الظهور ما ليس لك ،حتى يكون هو المظهر لك ،متى غبت حتى
تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الثار هي التي توصل
إليك ،عميت عين ل تراك ،ول تزال عليها رقيبا ،وخسرت صفقة عبد لم
تجعل له من حبك نصيبا " وقال :أيضا " :تعرفت لكل شئ فما جهلك شئ،
وقال :تعرفت إلي في كل شئ فرأيتك ظاهرا في كل شئ ،فأنت الظاهر لكل
شئ " انتهى .واقول :قد مضع اكثر أخبار هذا الباب في كتاب التوحيد ).(1
) (1راجع ج 3ص 282 - 276من هذه الطبعة ،باب الدين الحنيف والفطرة
وصبغة ال والتعريف في الميثاق.
][143
) * - 5باب( * * " )فيما يدفع ال بالمؤمن( " * - 1كا :عن محمد بن يحيى ،عن
علي بن الحسن التيمي ) ،(1عن محمد بن عبد ال ابن زرارة ،عن محمد
بن الفضيل ،عن أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال ليدفع
بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء ) .(2بيان " :عن القرية " أي عن أهلها
بحذف المضاف ،كما في قوله تعالى " :واسأل القرية " ) (3وذلك الدفع
إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم - 2 .كا :عن محمد ،عن أحمد ]بن
محمد[ ،عن ابن محبوب ،عن عبد ابن سنان ،عن أبي حمزة ،عن أبي
جعفر عليه السلم ،قال :ل يصيب قرية عذاب ،وفيها سبعة من المؤمنين )
.(4بيان :ويمكن رفع التنافي بينه وبين الول بوجوه :الول :أن الول
محمول على النادر ،والثاني على الغالب أو الحتم .الثاني :أن يراد بالمؤمن
في الول الكامل ،وفي الثاني غيره .الثالث :أن يحمل على اختلف
المعاصي واستحقاق العذاب فيها ،فانها مختلفة ،ففي القليل والخفيف منها
يدفع بالواحد ،وفي الكثير والغليظ منها
) (1منسوب الى تيم اللت ،والرجل على بن الحسن بن فضال الفطحى الثقة .وفى
نسخة الكمبانى " الميثمى " وهو تصحيف (2) .الكافي ج 2ص ) 247
(3يوسف (4) .82 :الكافي ج 2ص 247
][144
ل يدفع إل بالسبعة ،مع أن المفهوم ل يعارض المنطوق - 3 .كا :عن علي ،عن
أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن غير واحد ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قيل له في العذاب إذا نزل بقوم ،يصيب المؤمنين ؟ قال :نعم ولكن
يخلصون بعده ) (1بيان " :ولكن يخلصون بعده " أي ينجون بعد نزول
العذاب بهم في البرزخ والقيامة ،في المصباح خلص الشئ من التلف
خلوصا من باب قعد وخلصا ومخلصا سلم ونجا ،وخلص الماء من الكدر:
صفا انتهى .ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين ،ويمكن الجمع
بوجوه :الول :حمل العذاب في الولين على نوع منه ،كعذاب الستيصال،
كما أنه سبحانه أخرج لوطا وأهله من بين قومه ،ثم أنزل العذاب عليهم،
وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط .الثاني :أن يحمل هذا على
النادر ،وما مر على الغالب ،على بعض الوجوه .الثالث :حمل هذا على أقل
من السبعة ،وحمل الواحد على النادر ،وما قيل :إن المراد بالخلص:
الخلص في الدنيا ،فهو بعيد ،مع أنه ل ينفع في دفع التنافي.
][145
) * - 6باب( * * )حقوق المؤمن على ال عزوجل( * * )وما ضمن ال تعالى له(
* - 1ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي ،عن محمد بن عبد ال بن
مهران ،عن علي بن الحسين بن عبيدال اليشكري ،عن محمد بن المثنى
الحضرمي ،عن عثمان ابن زيد ،عن جابر بن يزيد ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :للمؤمن على ال عزوجل عشرون خصلة ،يفي له بها ،له على
ال تبارك وتعالى أن ل يفتنه ول يضله ،وله على ال أن ل يعريه ول
يجوعه ،وله على ال أن ل يشمت به عدوه ،وله على ال أن ل يهتك
ستره ،وله على ال أن ل يخذله ويعزه ،وله على ال أن ل يميته غرقا ول
حرقا ،وله على ال أن ل يقع على شئ ول يقع عليه شئ .وله على ال أن
يقيه مكر الماكرين ،وله على ال أن يعيذه من سطوات الجبارين ،وله على
ال أن يجعله معنا في الدنيا والخرة ،وله على ال أن ل يسلط عليه من
الداواء ما يشين خلقته ،وله على ال أن يعيذه من البرص والجذام ،وله
على ال أن ل يميته على كبيرة ،وله على ال أن ل ينسيه مقامه في
المعاصي حتى يحدث توبة ،وله على ال أن ل يحجب عنه علمه ومعرفته
بحجته .وله على ال أن ل يغرز في قلبه الباطل ،وله على ال أن يحشره
يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه ،وله على ال أن يوفقه لكل خير ،وله
على ال أن ل يسلط عليه عدوه فيذله ،وله على ال أن يختم له بالمن
واليمان ،ويجعله معنا في الرفيق العلى .هذه شرائط ال عزوجل
للمؤمنين ).(1
][146
بيان :قوله عليه السلم " ول يضله " عطف تفسير لقوله " ل يفتنه " " وهتك
الستر " :الفضيحة بالعيوب والمعاصي ،وذكر البرص والجذام بعد قوله "
ما يشين خلقه " تخصيص بعد التعميم ،وبذلك عدا شيئين ،وكذلك :تسليط
العدو وسطوات الجبارين بينهما العموم والخصوص ،فالمراد بالعدو غير
الجبارين " أن ل يحجب عنه علمه " أي بالحجة أو مطلقا بعد الفحص.
وفي المصباح :غرزته غرزا من باب ضرب ،أثبته بالرض ،وفي النهاية:
في حديث الدعاء :وألحقني بالرفيق العلى :الرفيق جماعة النبياء الذين
يسكنون أعلى عليين ،وهو اسم جاء على فعيل ،ومعناه :الجماعة،
كالصديق والخليط ،يقع على الواحد والجمع ،ومنه قوله تعالى " :وحسن
اولئك رفيقا " ) (1انتهى ،ثم إن أكثر هذه الخصال يحتمل أن تكون مبنية
على الغالب ومشروطة بالشرائط - 2 .ما :المفيد ،عن الصدوق ،عن ابن
المتوكل ،عن السدي ،عن النخعي عن النوفلي ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل ،قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن ال تعالى ضمن للمؤمن
ضمانا ،قال :قلت ما هو ؟ قال :ضمن له -إن أقر ل بالربوبية ولمحمد
صلى ال عليه وآله بالنبوة ،ولعلي عليه السلم بالمامة ،وأدى ما افترض
عليه -أن يسكنه في جواره ،قال :فقلت :هذه وال هي الكرامة التي ل
تشبهها كرامة الدميين ثم قال أبو عبد ال عليه السلم :اعملوا قليل
تنعموا كثيرا ) .(2ثو :ابن المتوكل مثله )(3
) (1النساء (2) .69 :أمالى الشيخ ص (3) .195ثواب العمال ص .15
][147
) * - 7باب( * * " )الرضا بموهبة اليمان ،وانه من اعظم النعم( " * * )وما
أخذ ال على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الذى( * - 1ما :الفحام
عن المنصوري ،عن عم أبيه ،عن أبي الحسن الثالث ،عن آبائه ،عن
موسى بن جعفر عليهم السلم ،قال :إن رجل جاء إلى سيدنا الصادق عليه
السلم فشكى إليه الفقر ،فقال :ليس المر كما ذكرت ،وما أعرفك فقيرا
قال :وال يا سيدي ما استبنت ،وذكر من الفقر قطعة ،والصادق عليه
السلم يكذبه ،إلى أن قال :خبرني لو اعطيت بالبراءة منا ،مائة دينار ،كنت
تأخذ ؟ قال :ل ،إلى أن ذكر الوف دنانير ،والرجل يحلف أنه ل يفعل ،فقال
له :من معه سلعة يعطى هذا المال ل يبيعها ،هو فقير ؟ .بيان " :ما
استبنت " :أي ما حققت حالي وما استوضحتها ،حيث لم تعرفني فقيرا2 .
-ير :عن الحسين بن محمد ،عن معلى بن محمد ،ومحمد بن جمهور ،عن
عبد ال ابن عبد الرحمان ،عن الهيثم بن واقد ،عن أبي يوسف البزاز قال:
تل أبو عبد ال عليه السلم علينا هذه الية " واذكروا آلء ال " )(1
قال :أتدري ما آلء ل ؟ قلت :ل .قال :هي أعظم نعم ال على خلقه ،وهي
وليتنا ) - 3 .(2سن :عن ابن فضال ،عن ثعلبة ،عن أبي امية يوسف بن
ثابت بن أبي سعيد ،قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن تكونوا وحدانيين
فقد كان رسول ال صلى ال عليه وآله
][148
وحدانيا يدعو الناس ،فل يستجيبون له ،ولقد كان أول من استجاب له علي بن
أبيطالب عليه السلم وقد قال له رسول ال صلى ال عليه وآله :أنت مني
بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي ) - 4 .(1سن :عن ابن
فضال ،عن علي بن شجرة ،عن عبيد بن زرارة قال :سمعت أبا عبد ال
عليه السلم يقول :ما من مؤمن إل وقد جعل ال له من إيمانه انسا يسكن
إليه ،حتى لو كان على قلة جبل ]لم[ يستوحش إلى من خالفه ) .(2بيان:
القلة بالضم :أعلى الجبل ،وقلة كل شئ أعله " ،يستوحش إلى من خالفه
" أي ممن خالفه ،والظاهر " لم يستوحش " كما في بعض النسخ،
بتضمين معنى الميل :أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في
الدين ،ويأنس به في القاموس :الوحشة :الهم والخلوة والخوف،
واستوحش :وجد الوحشة - 5 .سن :عن ابن فضال ،عن ابن فضيل ،عن
أبي حمزة الثمالي ،قال سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال ال
تبارك وتعالى :ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي عن المؤمن ،فاني احب
لقاءه ،ويكره الموت ،فأزويه عنه ،ولو لم يكن في الرض إل مؤمن واحد
لكتفيت به عن جميع خلقي ،وجعلت له من إيمانه انسا ل يحتاج معه إلى
أحد ) - 6 .(3سن :عن ابن فضال ،عن أبي جميلة ،عن محمد بن علي
الحلبي قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :قال ال تبارك وتعالى :ليأذن
بحرب مني مستذل عبدي المؤمن وما ترددت في شئ كترددي في موت
المؤمن ،إني لحب لقاءه ،ويكره الموت فأصرفه عنه ،وإنه ليدعوني في
أمر فأستجيب له لما هو خير له ،ولو لم يكن في الدنيا إل واحد من عبيدي
مؤمن ،لستغنيت به عن جميع خلقي ،ولجعلت له من إيمانه
) (1المحاسن (2) .159 :المحاسن (3) .159 :المحاسن 159 :و 160
][149
انسا ،ل يستوحش فيه إلى أحد ) .(1بيان " :ليأذن بحرب مني " أي ليعلم أني
احاربه ،كناية عن شدة غضبه عليه ،أو أنه في حكم محاربي ،كما قال
تعالى " فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال ورسوله ) " (2قال الطبرسي:
أي أعلموا بحرب ،والمعنى أنكم في امتناعكم حرب ل ولرسوله ،قوله" :
لستغنيت به " :أي لقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء ،ورفعت
عن الناس العذاب والبلء لوجود هذا المؤمن ،لن هذا يكفي لبقاء هذا
النظام " ،ل يستوحش فيه " كان كلمة في تعليلية ،والضمير لليمان ،و
ليست هذه الكلمة في أكثر الروايات ،وهو أظهر - 7 .سن :عن أبيه ،عن
النضر ،عن يحيى الحلبي ،عن أيوب بن الحر أخي أديم ،قال :قال لي أبو
عبد ال عليه السلم :ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما
ويشبع يوما ،إذا كان على دين ال ) - 8 .(3سن :عن أبيه ،عن حماد بن
عيسى ،عن ربعي ،عن فضيل ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :سلمة
الدين وصحة البدن خير من زينة الدنيا حسب ) - 9 .(4عدة الداعي :عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال :ال
تبارك وتعالى :ليأذن بحرب مني من أذى عبدي المؤمن ،وليأمن غضبي
من أكرم عبدي المؤمن ،ولو لم يكن من خلقي في الرض فيما بين
المشرق والمغرب إل مؤمن واحد مع إمام عادل ،لستغنيت بعبادتهما عن
جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما
ولجعلت لهما من إيمانهما انسا ل يحتاجان إلى البشر سواهما ).(5
) (1المحاسن (2) .160 :البقرة (3) .279 :المحاسن (4) 160 :المحاسن219 :
) (5عدة الداعي138 :
][150
- 10كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن كليب بن
معاوية ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :ما ينبغي للمؤمن
أن يستوحش إلى أخيه ،فمن دونه ،المؤمن عزيز في دينه ) .(1بيان" :
أن يستوحش " :أي يجد الوحشة ،ولعله ضمن معنى الميل والسكون
فعدي بإلى ،أي استوحش من الناس مائل أو ساكنا إلى أخيه .قال في
الوافي :ضمن الستيحاش معنى الستيناس ،فعداه بإلى ،وإنما ل ينبغي له
ذلك ،لنه ذل ،فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته ل يرغب في صحبته .وقال
بعضهم " :إلى " بمعنى " مع " والمراد بأخيه :أخوه النسبي ،و " من "
موصولة ،و " دون " منصوب بالظرفية ،والضمير لخيه ،أي ل ينبغي
للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا ،فمن كان دون هذا
الخ من القارب والجانب ،وقيل :أي ل ينبغي للمؤمن أن يستوحش من
ال ومن اليمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس باليمان
وقرب الحق من غير وحشة ،فلو انتفى النس وتحققت الوحشة ،انتفى
اليمان والقرب .وأقول :الظهر ما ذكرنا أول من أن المؤمن ل ينبغي أن
يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه ،وكثرة أعدائه ومخالفيه ،فيأنس
لذلك ،ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي ،فمن دونه من العادي أو
الجانب ،وقوله " :المؤمن عزيز في دينه " جملة استينافية ،فكأنه يقول
قائل :لم ل يستوحش ؟ فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه ،فل يحتاج
في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به ،والحاصل أن
عزته بالدين ل بالعشاير ،والتابعين ،فكلمة " في " سببية .وأقول :في
بعض النسخ " عمن دونه " وفي بعضها " عن دونه " فهو صلة
للستيحاش ،أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره - 11 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن خالد ،عن فضالة ابن
أيوب ،عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة ،عن فضيل بن يسار قال :دخلت
على
][151
أبي عبد ال عليه السلم في مرضة مرضها ،لم يبق منه إل رأسه ،فقال :يا فضيل
إنني كثيرا ما أقول :ما على رجل عرفه ال هذا المر ،لو كان في رأس
جبل حتى يأتيه الموت ،يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمال،
وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم .يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو
أصبح له ) (1ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا
أعضاؤه كان ذلك خيرا له ،يا فضيل بن يسار ! إن ال ل يفعل بالمؤمن إل
ما هو خير له ،يا فضيل بن يسار ! لو عدلت الدنيا عند ال جناح بعوضة،
ما سقى عدوه منها شربة ماء ،يا فضيل بن يسار ! إنه من كان همه هما
واحدا ،كفاه ال همه ) (2ومن كان همه في كل واد ،لم يبال ال بأي واد
هلك ) .(3محص :عن الفضيل مثله ،بأدنى تغيير واختصار .بيان " :في
مرضة " بالفتح أو بالتحريك ،وكلهما مصدر " مرضها " أي مرض بها
وقيل :البارز في " مرضها " مفعول مطلق للنوع " ،لم يبق منه إل رأسه
" من للتبعيض والضمير للمام عليه السلم أي من أعضائه ،أو للتعليل
والضمير للمرض ،والول أظهر والمعنى :أنه نحف جميع أعضائه
وهزلت ،حتى كأنه لم يبق منها شئ إل رأسه فانه لقلة لحمه ل يعتريه
الهزال كثيرا ،أو المراد :أنه لم يبق قوة الحركة في شئ من أعضائه إل في
رأسه ،والول أظهر " .كثيرا ما أقول " " ما " زائدة للبهام ،و " ما "
في قوله " :ما على رجل " نافية أو استفهامية للنكار ،وحاصلهما واحد،
أي ل ضرر ول وحشة عليه " ،أخذوا يمينا وشمال " أي عدلوا عن
الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه ،من الفراط كالخوارج ،أو التفريط
كالمخالفين له " ،ما بين المشرق " أي والحال أن له ما بينهما ،أو "
أصبح " بمعنى صار " ،مقطعا " على بناء المفعول للتكثير " أعضاؤه "
) (1في التمحيص :لو أصبح له ملك ما بين المشرق الخ ) (2في التمحيص :كفاه
ال ما أهمه (3) .الكافي ج 2ص .246
][152
بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرء " أعضاء " بالنصب
على التميز .وقوله عليه السلم " :إن ال ل يفعل بالمؤمن " تعليل لهاتين
الجملتين ،فانه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن ،لم يكن ذلك على سبيل
الستدراج ،بل لنه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير ،ول يصير
ذلك سببا لنقص قدره عند ال كما فعل ذلك بسليمان عليه السلم ،بخلف
ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن ،فانه لتمام الحجة عليه ،واستدراجه ،فيصير
سببا لشده عذابه .وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه ،فانما هو لمزيد
قربه عنده تعالى ورفعة درجاته في الخرة ،فينبغي أن يشكره سبحانه في
الحالتين ،ويرضى بقضائه فيهما .ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين
وابتلئهم بأنواع البلء ،وغنى الكفار والشرار والجهال ،رغب الولين
بالصبر ،وحذر الخرين عن الغترار بالدنيا والفخر :بقوله عليه السلم "
لو عدلت الدنيا عند ال جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء " فما
أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده ،بل لهوانهم عليه ،ولذا لم يعطهم من
الخرة التي لها عنده قدر ومنزلة شيئا ،وقد قال تعالى " :ولول أن يكون
الناس امة واحدة لجعلنا لن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج
عليها يظهرون " " (1) .إنه من كان همه هما واحدا " الهم :القصد
والعزم والحزن ،والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا ،وهو طلب
دين الحق ،ورضى ال تعالى وقربه وطاعته ،ولم يخلطه بالغراض
النفسانية والهواء الباطلة فان الحق واحد ،و للباطل شعب كثيرة أو
غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الغراض الدنيوية " كفاه ال
همه " أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ،ونصره على النفس
والشيطان وجنود الجهل " ،ومن كان همه في كل واد " من أودية
الضللة والجهالة " لم يبال ال بأي واد هلك " أي صرف ال لطفه
وتوفيقه عنه ،وتركه مع نفسه و
][153
أهوائها ،حتى يهلك باختيار واحد من الديان الباطلة ،أو الغراض الباطلة .أو كل
واد من أودية الدنيا ،وكل شعبة من شعب أهواء النفس المارة بالسوء،
من حب المال والجاه والشرف والعلو ،ولذة المطاعم والمشارب والملبس
والمناكح وغير ذلك من المور الفانية الباطلة .والحاصل أن من اتبع
الشهوات النفسانية أو الراء الباطلة ،ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى
دين الحق ،وطاعة ال وما يوجب قربه ،لم يمدده ال بنصره وتوفيقه ،ولم
يكن له عند ال قدر ومنزلة ،ولم يبال بأي طريق سلك ،ول في أي واد
هلك ،وقيل :بأي واد من أودية جهنم .وقيل :يمكن أن يراد بالهم الواحد:
القصد إلى ال ،والتوكل عليه في جميع المور ،فانه تعالى يكفيه هم الدنيا
والخرة ،بخلف من اعتمد على رأيه ،وقطع علقة التوكل عن نفسه،
ويحتمل أن يكون المراد بالهم :الحزن والغم أي من كان حزنه للخرة كفاه
ال ذلك ،وأوصله إلى سرور البد ،ومن كان حزنه للدنيا وكله ال إلى
نفسه ،حتى يهلك في واد من أودية أهوائها - 12 .كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن ابن بكير ،عن فضيل بن
يسار ،عن عبد الواحد بن المختار النصاري ،قال :قال أبو جعفر عليه
السلم :يا عبد الواحد ما يضر رجل ،إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس
له ،ولو قالوا مجنون ،وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد ال حتى
يجيئه الموت (1) .بيان " :ما يضر " ما نافية ،ويحتمل الستفهام على
النكار " ،على ذا الرأي " أي على هذا الرأي ،وهو التشيع " ،ما قال "
فاعل ما يضره " ،ولو قالوا مجنون " فان هذا أقصى ما يمكن أن يقال
فيه ،كما قالوا في الرسول صلى ال عليه وآله " وما يضره " أي قول
الناس ،وهذا أيضا يحتمل الستفهام على النكار " ولو كان على رأس
جبل " أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم " ،يعبد
ال "
) (1الكافي ج 2ص 245
][154
حال أو استيناف ،كأنه سئل كيف ل يضره ذلك ،قال لنه يعبد ال حتى يأتيه الموت.
- 13كا :عن علي بن إبراهيم ،عن ابن عيسى ،عن يونس ،عن ابن
مسكان ،عن المعلى ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :قال ال تبارك وتعالى :لو لم يكن في الرض إل
مؤمن واحد ،لستغنيت به عن جميع خلقي ،ولجعلت له من إيمانه انسا ل
يحتاج إلى أحد (1) .بيان :يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد المام ،أو
لبد من أحد غيره يؤمن به ،والول أظهر ،لما مر من كون إبراهيم عليه
السلم امة ،وقد مر ما يؤيد الثاني أيضا ،وأما كون اليمان سببا للنس
وعدم الستيحاش ،لنه يتفكر في ال وصفاته ،وفي صفات النبياء والئمة
عليهم السلم وحالتهم ،وفي درجات الخرة ونعمها ويتلو كتاب ال،
ويدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه ،كما سئل عن راهب لم ل تستوحش عن
الخلوة ؟ قال :لني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب ال ،وإذا أردت أن
اكلم أحدا اناجي ال - 14 .كا :عن محمد ،عن أحمد ،عن ابن أبي نصر،
عن الحسين بن موسى عن ابن يسار ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :ما
يبالي من عرفه ال هذا المر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الرض
حتى يأتيه الموت (2) .بيان " :ما يبالي " خبر ،أو المعنى ينبغي أن ل
يبالي من عرفه هذا المر أي دين المامية - 15 .كا :عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن سنان ،عن ابن مسكان ،عن منصور
الصيقل والمعلى بن خنيس قال :سمعنا أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال عزوجل :ما ترددت في شئ أنا
فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لحب لقاءه ويكره الموت،
فأصرفه عنه ،وإنه
][155
ليدعوني ،فاجيبه ،وإنه ليسألني فاعطيه ،ولو لم يكن في الدنيا إل واحد من عبيدي
مؤمن لستغنيت به عن جميع خلقي ،ولجعلت له من إيمانه انسا ل
يستوحش إلى أحد (1) .تبيين " :ما ترددت في شئ " هذا الحديث من
الحاديث المشهورة بين الفريقين ،ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود
من الخلق في المور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها ،إما لجهلهم
بعواقبها ،أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه ،ولهذا قال " :أنا فاعله
" أي ل محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به :التردد في التقديم
والتأخير ل في أصل الفعل .وعلى التقديرين فلبد فيه من تأويل وفيه
وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلثة :الول أن في الكلم
إضمارا ،والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شئ كترددي في وفاة
المؤمن .الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من
يحترمه ويوقره كالصديق ،وأن ل يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر
ول حرمة كالعدو ،بل يوقعها من غير تردد وتأمل ،صح أن يعبر عن توقير
الشخص واحترامه بالتردد وعن إدلله واحتقاره بعدمه ،فالمعنى ليس
لشئ من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته،
فالكلم من قبيل الستعارة التمثيلية .الثالث :أنه ورد من طريق الخاصة
والعامة أن ال سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الحتضار من اللطف
والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في
النتقال إلى دار القرار ،فيقل تأذيه به ،ويصير راضيا بنزوله وراغبا في
حصوله ،فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يولم حبيبه ألما يتعقبه
نفع عظيم ،فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا اللم إليه ،على وجه يقل
تأذيه .فل يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية ،والراحة
العظيمة
][156
إلى أن يتلقاه بالقبول ،ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول ،فيكون في
الكلم استعارة تمثيلية .وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلثة :الول أن
معناه :ما تردد عبدي المؤمن في شئ أنا فاعله كتردده في قبض روحه،
فانه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت ،فأنا الطفه وابشره حتى
أصرفه عن كراهة الموت ،فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته
المقدسة كرامة وتعظيما له ،كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه
من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه :عبدي ! مرضت فلم
تعدني ؟ فيقول :كيف تمرض وأنت رب العالمين ،فيقول :مرض عبدي
فلن فلم تعده ،فلو عدته لوجدتني عنده ،وكما أضاف مرض وليه وسقمه
إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده ،وتنويها
بكرامة منزلته ،كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك .الثاني أن " ترددت "
في اللغة بمعنى " رددت " مثل قولهم :فكرت وتفكرت ،ودبرت وتدبرت
فكأنه يقول :ما رددت ملئكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله ،مثل ما
رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن ،فارددهم في إعلمه بقبضي له
وتبشيره بلقائي ،وبما أعددت له عندي ،كما ردد ملك الموت عليه السلم
إلى إبراهيم وموسى عليهما السلم في القصتين المشهورتين إلى أن اختار
الموت فقبضهما ،كذلك خواص المؤمنين من الولياء يرددهم إليهم رفقا
وكرامة ،ليميلوا إلى الموت ،ويحبوا لقاءه تعالى .الثالث أن معناه ما رددت
العلل والمراض والبر واللطف والرفق ،حتى يرى بالبر عطفي وكرمي،
فيميل إلى لقائي طمعا ،وبالبليا والعلل فيتبرم بالدنيا ول يكره الخروج
منها .وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت ،ل ينافي ما
دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء ال ،ول يكرهه ،إما
لما ذكره
][157
) (1سبأ (2) 13 :ص (3) .24 :هود (4) .40 :العنكبوت (5) .63 :يونس60 :
النمل.73 :
][158
واقول :مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الوهام العامية أن الكثرة
دليل الحقية ،والقلة دليل البطلن ،ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد
العظم ،مع أن في أعصار جميع النبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف
أتباعهم وأولياءهم ،وقد الكثير مدح القليل ،الرب الجليل في التنزيل ،وال
يهدي إلى سواء السبيل - 1 .نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم :أيها
الناس ! ل تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ،فإن الناس اجتمعوا
على مائدة شبعها قصير ،وجوعها طويل ) .(1بيان :لما كانت العادة جارية
بأن يستوحش الناس من الوحدة ،وقلة الرفيق في الطريق ،لسيما إذا كان
طويل صعبا غير مأنوس ،فنهى عن الستيحاش في تلك الطريق ،وكنى به
عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة ،بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم،
وكثرة مخالفيهم ،كما أشرنا إليه .وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة
الهلك ،والسلمة مع الكثرة فنبههم عليه السلم على أنهم في طريق
الهدى والسلمة ،وإن كانوا قليلين ،ول يجوز مقايسة طرق الخرة بطرق
الدنيا .ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى ،وهي اجتماع الناس
على الدنيا فقال " :فان الناس " واستعار للدنيا المائدة ،لكونهما مجتمع
اللذات ،وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها ،وعن استعقاب النهماك فيها
للعذاب الطويل في الخرة بطول جوعها .قيل :ولفظ الجوع مستعار للحاجة
الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالت النفسانية،
وهو بسبب الغفلة في الدنيا ،فلذلك نسب الجوع إليها - 2 .صفات الشيعة
للصدوق :باسناده عن المفضل بن قيس ،عن أبي عبد ال
][159
عليه السلم قال :قال لي :كم شيعتنا بالكوفة ؟ قال :قلت خمسون ألفا فما زال يقول
إلى أن قال :وال لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجل يعرفون
أمرنا الذي نحن عليه ،ول يقولون علينا إل الحق ) - 3 .(1كا :عن محمد
بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن سنان ،عن قتيبة
العشى قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :المؤمنة أعز من
المؤمن ،و المؤمن أعز من الكبريت الحمر ،فمن رأى منكم الكبريت
الحمر ؟ (2) .بيان :في القاموس :عز يعز عزا وعزة بكسرهما صار
عزيزا ،كتعزز و وقوي بعد ذلة ،والشئ قل ،فل يكاد يوجد ،فهو عزيز )
،(3وقال " :الكبريت " من الحجارة الموقد بها ،والياقوت الحمر،
والذهب ،وجوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل ) (4انتهى .والمشهور أن
الكبريت الحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الكسير،
وحاصل الحديث :أن المرأة المتصفة بصفات اليمان أقل وجودا من الرجل
المتصف بها ،والرجل المتصف بها أعز وجودا من الكسير الذي ل يكاد
يوجد ،ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله " :فمن رأى منكم " ؟ وهو
استفهام انكاري ،أي إذا لم تروا الكبريت الحمر ،فكيف تطمعون في رؤية
المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه أو في كثرته - 4 .كا :عن العدة،
عن سهل ،عن ابن أبي نجران ،عن مثنى الحناط ،عن كامل التمار ،قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول :الناس كلهم بهائم -ثلثا -إل قليل من
المؤمنين ،والمؤمن غريب -ثلث مرات ).(5
) (1صفات الشيعة ص (2) .170الكافي ج (3) .242 :2القاموس ج 2ص .182
) (4المصدر ج 1ص (5) .155الكافي ج 2ص 242
][160
بيان " :كلهم بهائم " :أي شبيه بها في عدم العقل وإدراك الحق ،وغلبة الشهوات
النفسانية على القوى العقلنية ،كما قال تعالى " :إن هم إل كالنعام بل هم
أضل سبيل " " إل قليل " كذا في أكثر النسخ ،وفي بعضها " إل قليل "
وهو أصوب " .المؤمن غريب " لنه قلما يجد مثله فيسكن إليه ،فهو بين
الناس كالغريب الذي بعد عن أهله ووطنه ودياره " ،ثلث مرات " أي قال
هذا الكلم ثلث مرات وكذا قوله " :ثلثا " وفي بعض النسخ " عزيز "
مكان " غريب " - 5 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن ابن
رئاب ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول لبي بصير :أما وال لو
أني أجد منكم ثلثة مؤمنين يكتمون حديثي ،ما استحللت أن أكتمهم حديثا )
.(1بيان " :ثلثة مؤمنين " ثلثة إما بالتنوين ،ومؤمنين صفتها ،أو
بالضافة فمؤمنين تميز ،ويدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن
يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل ،وأنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة،
كما كانوا يتقون من المخالفين ،لنهم كانوا يذيعون ،فيصل ذلك إما إلى
خلفاء الجور ،فيتضررون عليهم السلم منهم ،أو إلى نواقص العقول الذين
ل يمكنهم فهمها ،فيصير سببا لضللتهم .ويمكن أن يقال في سبب تعيين
الثلثة :إن الواحد ل يمكنه ضبط السر ،و كذا الثنان ،وأما إذا كانوا ثلثة
فيأنس بعضهم ببعض ،ويذكرون ذلك فيما بينهم فل يضيق صدرهم،
ويخف عليهم الستتار عن غيرهم كما هو المجرب - 6 .كا :عن محمد بن
الحسن ،وعلي بن محمد بن بندار ،عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد ال بن
حماد النصاري ،عن سدير الصيرفي قال :دخلت على أبي عبد ال عليه
السلم فقلت له :وال ما يسعك القعود ،قال :ولم يا سدير ؟ قلت :لكثرة
مواليك و شيعتك وأنصارك ،وال لو كان لمير المؤمنين عليه السلم مالك
من الشيعة والنصار و والموالي ،ما طمع فيه تيم ول عدي.
فقال :يا سدير ! كم عسى أن يكونوا ؟ قلت :مائة ألف .قال :مائة ألف ؟ قلت :نعم
ومائتي ألف ،فقال :ومائتي ألف ؟ قلت :نعم ونصف الدنيا ،قال :فسكت
عني ،ثم قال :يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع ؟ قلت :نعم فأمر بحمار
وبغل أن يسرجا ،فبادرت فركبت الحمار ،فقال :يا سدير ترى أن تؤثرني
بالحمار ؟ قلت :البغل أزين وأنبل ،قال :الحمار أرفق بي ،فنزلت ،فركب
الحمار ،وركبت البغل .فمضينا فحانت الصلة ،فقال :يا سدير انزل بنا
نصلي ،ثم قال :هذه أرض سبخة ل يجوز الصلة فيها ،فسرنا حتى صرنا
إلى أرض حمراء ،ونظر إلى غلم يرعى جداء ،فقال :وال يا سدير لو كان
لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا ،فلما فرغنا من
الصلة عطفت إلى الجداء ،فعددتها فإذا هي سبعة عشر ) .(1بيان :سدير
كأمير " ،ما يسعك القعود " أي ترك القتال والجهاد ،وفي المصباح :قعد
عن حاجته :تأخر عنها ،و " الموالي " الحباء المخلصون من الشيعة و
" تيم " قبيلة أبي بكر ،و " عدي " قبيلة عمر :أي ما طمع من غصب
خلفته التيمي والعدوي ،أو قبيلتهما " ،قال مائة ألف " على سبيل
التعجب والنكار " ،يخف عليك " بكسر الخاء أي يسهل ول يثقل ،وفي
القاموس :خف القوم :ارتحلوا مسرعين .وقال " :ينبع " كينصر حصن له
عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر ) (2وفي النهاية :على سبع
مراحل من المدينة من جهة البحر انتهى ،وقيل :على أربع مراحل وهو من
أوقاف أمير المؤمنين عليه السلم ،وهو عليه السلم أجرى عينه ،كما
يظهر من الخبار " .أن يسرجا " بدل اشتمال لقوله :حمار وبغل " ،أزين
" أي الزينة في
][162
ركوبه أكثر ،وعند الناس أحسن ،وفي القاموس " :النبل " بالضم الذكاء والنجابة
نبل ككرم نبالة فهو نبيل ،وامرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة ،وكذا الناقة
أو الفرس ،والرجل ) ،(1والحاصل أني إنما اخترت لك البغل لنه أشرف
وأفضل واختار عليه السلم الحمار ،لن التواضع فيه أكثر ،مع سهولة
الركوب والنزول والسير " .فحانت الصلة " أي قرب أو دخل وقتها ،في
القاموس :حان يحين :قرب وآن ،وكان المر بالنزول أول ثم العراض
عنه للتنبيه على عدم جواز الصلة فيها وفي المشهور محمول على
الكراهة إل أن يحصل الستقرار ،وسيأتي في كتاب الصلة " :وكره
الصلة في السبخة إل أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا "
وسنتكلم عليه إنشاء ال .وقال الجوهري :الجدي من ولد المعز ،وثلثة:
أجد فإذا كثرت فهي الجداء ،ول تقل الجدايا ول الجدى بكسر الجيم )(2
وقال " :عطفت " أي ملت ويومئ إلى أن الصاحب عليه السلم مع كثرة
من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد وقيل :أي لبد أن يكون
في عسكر المام عليه السلم هذا العدد من المخلصين ،حتى يمكنه طلب
حقه بهذا العسكر ،ل أن هذا العدد كاف في جواز الخروج - 7 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن سنان عن
عمار بن مروان ،عن سماعة بن مهران ،قال :قال لي عبد صالح عليه
السلم :يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني ،أما وال لقد كانت الدنيا،
وما فيها إل واحد يعبد ال ،ولو كان معه غيره لضافه ال عزوجل إليه
حيث يقول " :إن إبراهيم كان امة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشركين " )
(3فصبر ) (4بذلك ما شاء ال ،ثم إن ال آنسه باسماعيل وإسحاق،
فصاروا ثلثة.
) (1القاموس ج 4ص (2) .54الصحاح (3) .2299 :النحل (4) .120 :فغبر ،خ
ل -كما في متن الكافي.
][163
أما وال إن المؤمن لقليل ،وإن أهل الكفر كثير ،أتدري لم ذاك ؟ فقلت :ل أدري
جعلت فداك ،فقال :صيروا انسا للمؤمنين ،يبثون إليهم ما في صدروهم
فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه (1) .بيان " :أخافوني " أي بالذاعة
وترك التقية ،والضمير في " أمنوا " راجع إلى المدعين للتشيع ،الذين لم
يطيعوا أئمتهم في التقية ،وترك الذاعة ،وأشار بذلك إلى أنهم ليسوا
بشيعة لنا ،ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله " :لقد
كانت الدنيا وما فيها " الواو للحال ،و " ما " نافية " ،ولو كان معه غيره
" أي من أهل اليمان " ،لضافه ال عزوجل إليه " لن الغرض ذكر أهل
اليمان ،التاركين للشرك ،حيث قال " :ولم يك من المشركين " فلو كان
معه غيره من المؤمنين لذكره معه " .إن إبراهيم كان امة " قال في مجمع
البيان (2) :اختلف في معناه ،فقيل :قدوة ومعلما للخير ،قال ابن العرابي:
يقال للرجل العالم :امة ،وقيل :أراد إمام هدى ،وقيل :سماه امة لن قوام
المة كان فيه ،وقيل :لنه قام بعمل امة ،وقيل :لنه انفرد في دهره
بالتوحيد ،فكان مؤمنا وحده والناس كفار " .قانتا ل " أي مطيعا دائما
على عبادته ،وقيل :مصليا " ،حنيفا " أي مستقيما على الطاعة وطريق
الحق وهو السلم " ،ولم يك من المشركين " بل كان موحدا انتهى.
وقيل :يحتمل أن يكون " من " للبتداء أي لم يكن في آبائه مشرك ،وهو
بعيد ،وفي النهاية :في حديث قس إنه يبعث يوم القيامة امة واحدة ،المة:
الرجل المتفرد بدين ،كقوله تعالى " :إن إبراهيم كان امة قانتا ل " انتهى.
وأقول :كأن هذا كان بعد وفات لوط عليه السلم أو أنه لما لم يكن معه،
وكان مبعوثا على قوم آخر ،لم يكن ممن يؤنسه ويقويه على أمره في
قومه " ،فغبر بذلك "
][164
في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة ،أي مكث أو مضى وذهب ،كما في
القاموس ،فعلى الول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم ،وعلى الثاني
فاعله ما شاء ال ،وفي بعض النسخ " فصبر " فهو موافق للول ،وفي
بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني " .وإن أهل الكفر كثير " المراد
بالكفر هنا مقابل اليمان الكامل ،كما قال سبحانه " :وما يؤمن أكثرهم بال
إل وهم مشركون " ) " ،(1أتدري لم ذاك " هذا بيان لحقية هذا الكلم أي
قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لن ال تعالى لم جعل
هؤلء في صورة المؤمنين ؟ أولم خلقهم ؟ والمعنى على التقادير أن ال
جعل هؤلء المتشيعة انسا للمؤمنين لئل يستوحشوا لقلتهم أو يكون علة
لخروج هؤلء عن اليمان ،فالمعنى أن ال تعالى جعل المخالفين انسا
للمؤمنين " فيبثون " أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم ،فبذلك
خرجوا عن اليمان .ويؤيد الحتمالت المتقدمة خبر علي بن جعفر )" (2
فيستريحون إلى ذلك " " إلى " بمعنى " " مع " ،أو ضمن في متعلقه
معنى التوجه ونحوه - 8 .كا :عن العدة ،عن سهل ،عن محمد بن أورمة،
عن النضر ،عن يحيى ابن أبي خالد القماط ،عن حمران بن أعين ،قال:
قلت لبي جعفر عليه السلم :جعلت فداك ما أقلنا ؟ لو اجتمعنا على شاة ما
أفنيناها ! فقال :أل احدثك بأعجب من ذلك ؟ المهاجرون والنصار ذهبوا
إل -وأشار بيده -ثلثة -قال حمران :فقلت :جعلت فداك ما حال عمار ؟
قال :رحم ال عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا .فقلت في نفسي :ما شئ
أفضل من الشهادة ،فنظر إلي فقال :لعلك ترى أنه مثل الثلثة أيهات
أيهات .(3) .بيان " :ما أقلنا " صيغة تعجب " ،ما أفنيناها " أي ما نقدر
على أكل جميعها " وأشار " كلم الراوي ،والمراد به الشارة بثلثة
أصابع من يده عليه السلم و " ثلثة " كلم المام ،والمراد بالثلثة:
سلمان وأبو ذر والمقداد ،كما روى الكشي
) (1يوسف (2) .106 :التى تحت الرقم (3) 9الكافي ج 2ص 244
][165
عن الباقر ) (1عليه السلم أنه قال :ارتد الناس إل ثلثة نفر سلمان وأبو ذر
والمقداد .قال الراوي :فقلت :فعمار قال :كان جاض جيضة ثم رجع ،ثم إن
أردت الذي لم يشك ،ولم يدخله شئ ،فالمقداد ،فأما سلمان فإنه عرض في
قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلم اسم ال العظم لو تكلم به لخذتهم
الرض وهو هكذا ،وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ،ولم يأخذه
في ال لومة لئم ،فأبى إل أن يتكلم " ،جاض " أي عدل عن الحق ومال.
وقال الجوهري " (2) :هيهات " كلمة تبعيد ،والتاء مفتوحة مثل كيف
وأصلها هاء ،وناس يكسرونها على كل حال ،بمنزلة نون التثنية ،وقد تبدل
الهاء ]الولى[ همزة فيقال :أيهات ،مثل هراق وأراق .قال الكسائي :ومن
كسر التاء وقف عليها بالهاء ،فقال :هيهاه ،ومن نصبها وقف بالتاء وإن
شاء بالهاء - 9 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن أجمد بن
محمد بن عبد ال عن علي بن جعفر قال :سمعت أبا الحسن عليه السلم
يقول :ليس كل من يقول بوليتنا مؤمنا ولكن جعلوا انسا للمؤمنين(3) .
- 10كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى بن عبيد ،عن يونس
عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المؤمن ليسكن إلى
المؤمن ،كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد (4) .بيان " :إلى المؤمن "
قيل " إلى " بمعنى " مع " ،وأقول :كأن فيه تضمينا ،وهذا تشبيه كامل
للمعقول بالمحسوس ،فان للظمآن اضطرابا في فراق الماء ،ويشتد طلبه
له ،فإذا وجده استقر وسكن ،ويصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن
يشتد شوقه إلى المؤمن ،وتعطشه في لقائه ،فإذا وجده سكن
) (1رجال الكشى ص (2) .16الصحاح (3) 2258 :الكافي ج (4) .245 :2
الكافي ج .247 :2
][166
ومال إليه ،ويحيى به حياة طيبة روحانية ،فانه يصير سببا لقوة إيمانه ،وإزالة
شكوكه وشبهاته وزوال وحشته .وقيل :هذا السكون ينشأ من أمرين،
أحدهما التحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مر،
والمتجانسان يميل أحدهما إلى الخر ،وكلما كان التناسب والتجانس أكمل،
كان الميل أعظم ،كما روي أن الرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف،
وما تناكر منها اختلف ،وثانيهما المحبة لن المؤمن لكمال صورته
الظاهرة والباطنة بالعلم واليمان والخلق والعمال محبوب القلوب وتلك
الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة ،وقد تكون سببا للمحبة والسكون باذن
ال تعالى وبسبب العلقة في الواقع ،وإن لم يعلم تفصيلها) * - 9 .باب( *
" )اصناف الناس في اليمان( " * اليات * التوبة :العراب أشد كفرا
ونفاقا وأجدر أن ل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله وال عليم حكيم
* ومن العراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة
السوء وال سميع عليم * ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر
ويتخد ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول أل إنها قربة لهم
سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم ) ،(1الشعراء :ولو نزلناه
على بعض العجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ).(2
][167
محمد :وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم ) .(1تفسير" :
العراب أشد كفرا ونفاقا " العراب سكان البادية الذين لم يهاجروا إلى
النبي صلى ال عليه وآله ،قال الراغب :العرب أولد إسماعيل ،والعراب
جمعه في الصل ،وصار ذلك إسما لسكان البادية ،قال تعالى " :قالت
العراب آمنا " وقال " :العراب أشد كفرا ونفاقا " انتهى ) .(2وكونهم
أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وجفائهم و نشوهم
في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل " ،وأجدر أن ل يعلموا " أي
أحق بأن ل يعلموا " حدود ما أنزل ال على رسوله " من الشرائع
فرائضها وسننها و أحكامها " وال عليم " يعلم حال كل أحد من أهل
الوبر والمدر " ،حكيم " فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا.
" ومن العراب من يتخذ " أي يعد " ما ينفق " أي يصرفه في سبيل ال
ويتصدق به " ،مغرما " أي غرامة وخسرانا إذ ل يحتسبه عند ال ،ول
يرجو عليه ثوابا و إنما ينفق رئاء وتقية " ،ويتربص بكم الدوائر " أي
ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث اليام من الموت والقتل والمغلوبية،
فيرجع إلى دين المشركين و يتخلص من النفاق " ،عليهم دائرة السوء "
اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه أو إخبار عن وقوع ما
يتربصون عليهم " وال سميع " لما يقولون عند النفاق وغيره " عليم
" بما يضمرون " .قربات " أي سبب قربات " ،وصلوات الرسول " أي
وسبب دعواته ،لنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ،ويستغفر لهم
" أل إنها قربة لهم " شهادة من ال لهم بصحة معتقدهم ،وتصديق
لرجائهم " ،سيدخلهم ال " وعد لهم باحاطة الرحمة عليهم " إن ال
غفور رحيم " تقرير له..
][168
" ما كانوا به مؤمنين " ) (1لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع العجم ،وما قيل:
من أن المراد بالعجمين البهائم ،فهو في غاية البعد " .وإن تتولوا " )(2
عطف على " وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم " ) (3وقال علي بن
إبراهيم :يعني عن ولية أمير المؤمنين عليه السلم " .يستبدل قوما
غيركم " أي يقم مكانكم قوما آخرين ،وقال علي بن إبراهيم :يدخلهم في
هذا المر " ،ثم ل يكونوا أمثالكم " قال :في معاداتكم و خلفكم وظلمكم
لل محمد عليه وعليهم السلم .قال في المجمع " :وإن تتولوا " :أي
تعرضوا عن طاعته ،وعن أمر رسوله " يستبدل قوما غيركم " أمثل
وأطوع منكم " ،ثم ل يكونوا أمثالكم " بل يكونوا خيرا منكم ،وأطوع ل
منكم .وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وآله قالوا :يا رسول ال من هؤلء الذين ذكر ال في كتابه ؟ وكان سلمان
إلى جنب رسول ال فضرب صلى ال عليه وآله يده على فخذ سلمان،
فقال :هذا وقومه ،والذي نفسي بيده ،لو كان اليمان منوطا بالثريا،
لتناوله رجال من فارس .وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلم قال:
إن تتولوا يا معشر العرب ،يستبدل قوما غيركم ،يعني الموالي ،وعن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قد وال أبدل بهم خيرا منهم الموالي )- 1 .(4
مع :عن ماجيلويه ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن محمد بن هارون
عن أبي يحيى الواسطي ،عمن ذكره ،قال :قال رجل لبي عبد ال عليه
السلم :إن الناس يقولون من لم يكن عربيا صلبا ومولى صريحا ،فهو
سفلي ،فقال :وأي
) (1الشعراء (2) .198 :القتال (3) .38 :القتال (4) .36 :مجمع البيان ج 9ص
.108
][169
شئ المولى الصريح ؟ فقال له الرجل :من ملك أبواه ،قال :ولم قالوا هذا ؟ قال:
لقول رسول ال صلى ال عليه وآله :مولى القوم من أنفسهم ،فقال:
سبحان ال أما بلغك أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :أنا مولى من ل
مولى له ،أنا مولى كل مسلم ،عربيها و عجميها ،فمن والى رسول ال
صلى ال عليه وآله ،أليس يكون من نفس رسول ال ؟ .ثم قال :أيهما
أشرف ؟ من كان من نفس رسول ال صلى ال عليه وآله ،أو من كان من
نفس أعرابي جلف بائل على عقبيه ؟ ثم قال عليه السلم :من دخل في
السلم رغبة خير ممن دخل رهبة ،ودخل المنافقون رهبة ،والموالي
دخلوا رغبة (1) ،بيان :في القاموس " :الصلب " بالضم :الشديد،
والحسب ،والقوة وقال " :الصريح " :الخالص من كل شئ ،وقال )" :(2
السفل والسفلة " بكسرهما نقيض العلو ،وقد سفل ككرم ،وعلم ،ونصر،
سفال وسفول وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفل ويضم وسفال
ككتاب وفي الشئ سفول نزل من أعله إلى أسفله ،وسفلة الناس بالكسر
كفرحة أسافلهم وغوغاؤهم " .مولى القوم من أنفسهم " كأن غرضه
صلى ال عليه وآله حثهم على إكرام مواليهم ومعتقيهم ،ورعايتهم وعدم
الزراء بشأنهم وتعييرهم بخسة نسبهم ،ل أنهم في حكمهم في جميع
المور ،كما فهمه بعض العامة ،قال في النهاية :في حديث الزكاة مولى
القوم منهم ،الظاهر من المذهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب
ل يحرم عليهم أخذ الزكوة ،لنتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم
والمطلب ،وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها
لهذا الحديث .ووجه الجمع بين الحديث ،ونفي التحريم ،أنه إنما قال هذا
القول تنزيها لهم وبعثا على التشبه بسادتهم ،والستنان بسنتهم في
اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس.
][170
وأقول :غرض القائل أنه ليس غير العرب من نجباء الناس ،ولما قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :مولى القوم من أنفسهم فالمولى الصريح أيضا ملحق
بهم ،فحمل الرواية على الحقيقة والعموم ،وسائر الناس من أهل فارس
وغيرهم من سقاط الناس وأراذلهم ،وليسوا من أكفاء العرب ،كما كان
عمر لعنه ال يقوله .وذلك أنه سمع من النبي صلى ال عليه وآله أن
أنصار علي وأهل بيته عليهم السلم يكونون من العجم ،ولذا حكم بقتل
العجم جميعا لما استولى على بلد فارس ،فمنعه أمير المؤمنين عليه
لسلم عن ذلك ،وقال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :سنوابهم سنة
أهل الكتاب .فصار أولدهم من أهل العراق وغيرهم من أصحاب أئمتنا
صلوات ال عليهم وأنصارهم ومحل أسرارهم ،ودونوا الصول ،وانتشر
ببركتهم علوم أهل البيت صلوات ال عليهم في العالم .وهذا الكلم الذي
نقله الراوي عن المتعصبين من المخالفين ،الذين كانوا أعداء أهل البيت
وشيعتهم ومواليهم ،كان مبنيا على ما ذكرنا ،فأجاب عليه السلم متعجبا
من كلمهم بأن النبي صلى ال عليه وآله وإن قال :مولى القوم من
أنفسهم ،قال أيضا :أنا مولى من ل مولى له ،فالعجم كلهم رسول ال
مولهم .وأيضا له صلى ال عليه وآله ولء كل مسلم من العرب والعجم،
أي هو أولى بامورهم وناصرهم ،ومعينهم في الدنيا والخرة ،وإن ماتوا
ول وارث لهم فهو وارثهم ،وعليه نفقتهم إن كانوا فقراء ،ويجب عليه
قضاء ديونهم ،إن ماتوا ول مال لهم ،من بيت مال المسلمين ،وكذا بعده
أوصياؤه عليهم السلم مواليهم بتلك المعاني ،كما قال رسول ال صلى ال
عليه وآله باتفاق المخالف والمؤالف :من كنت موله فعلي موله .ثم بين
عليه السلم أنهم أشرف من الموالي الصريح ،الذي ذكره الراوي ،لنه
على مقتضى قوله إذا أعتق والدي رجل أعرابي جلف يبول على عقبيه،
ول يغسلهما للشقاق الذي فيهما ،وكان ذلك عادتهم ،ولذا أمرهم رسول ال
صلى ال عليه وآله بغسل رجليهم قبل الصلة ،وقال :ويل للعقاب من
النار ،فتوهموا أن ذلك في الوضوء
][171
كما ذكره الجزري في النهاية .أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول ،فيصل إلى
أرجلهم رشاشته ول يغسلونها ،والول أظهر ،فكان ) (1هذا الرجل مولى
صريحا للعرب ،وهو عندهم أشرف من العجم ،مع أن العجم مولى رسول
ال صلى ال عليه وآله ،بمقتضى الخبر الثاني ،فهو من نفس رسول ال
صلى ال عليه وآله بمقتضى الخبر الول ،فكيف ل يكون أشرف منه ومن
موله ؟ ثم بين عليه السلم بوجه آخر أن العجم الذين كانوا في ذلك الزمان
من شيعتهم وأصحابهم أفضل من العرب الذين يفتخرون هؤلء بالنتساب
بهم ،فان " الموالي " أي أولد فارس دخلوا في السلم رغبة ،وهم كانوا
منافقين أظهروا السلم خوفا ورهبة ،فقوله " :فمن والى رسول ال صلى
ال عليه وآله " أي دخل في السلم ول مولى له وصار رسول ال موله،
و " الجلف " في أكثر النسخ بالجيم ،في القاموس :الجلف بالكسر :الرجل
الجافي ،وفي النهاية :الجلف :الحمق ،وفي بعض النسخ بالخاء المفتوحة
واللم الساكنة ،وهو الردئ من كل شئ - 2 .مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن
سلمة بن الخطاب ،عن علي بن محمد الشعث عن الدهقان ،عن أحمد بن
زيد ،عن علي بن جعفر ،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلم قال :إنما
شيعتنا المعادن والشراف ،وأهل البيوتات ومن مولده طيب ،قال علي بن
جعفر :فسألته عن تفسير ذلك فقال :المعادن من قريش والشراف من
العرب وأهل البيوتات من الموالى ومن مولده طيب من أهل السواد ).(2
بيان " :أهل السواد " أهل العراق ،لن أصلهم كانوا من العجم ،ثم اختلط
العرب بهم بعد بناء الكوفة ،فل يعدون من العرب ول من العجم ،قال في
المصباح :العرب تسمي الخضر السود ،لنه يرى كذلك على بعد ،ومنه
سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه - 3 .ع :القطان ،عن السكري ،عن
الجوهري ،عن ابن عمارة ،عن أبيه قال :سمعت الصادق جعفر بن محمد
عليه السلم يقول :المؤمن علوي ،لنه عل في المعرفة
) (1جواب قوله " :إذا أعتق " (2) .معاني الخبار.158 :
][172
والمؤمن هاشمي لنه هشم الضللة ،والمؤمن قرشي ،لنه أقر بالشئ المأخوذ عنا،
والمؤمن عجمي ،لنه استعجم عليه أبواب الشر ،والمؤمن عربي لن نبيه
صلى ال عليه وآله عربي ،وكتابه المنزل بلسان عربي مبين ،والمؤمن
نبطي ،لنه استنبط العلم ،والمؤمن مهاجري ،لنه هجر السيئات ،والمؤمن
أنصاري ،لنه نصر ال ورسوله وأهل بيت رسول ال ،والمؤمن مجاهد،
لنه يجاهد أعداء ال عز وجل في دولة الباطل بالتقية ،وفي دولة الحق
بالسيف ) .(1بيان :كأن المقصود من هذه الرواية أن مناط الشرف
والفضل والكرامة اليمان والتقوى والعمل الصالح ،فإذا انضمت إليه سائر
الجهات كانت أحسن وأشرف ،وإن افترقتا ،فصاحب اليمان والنقوي
أشرف ،وبالكرامة أحرى .بل يمكن إثبات تلك الصفات له أيضا ،لنه
متصف بما هو مناط الشرف فيها فالمؤمن علوي لن فضل العلوي من
جهة النتساب إلى علي عليه السلم من جهة النسب وفضله عليه السلم
من جهة كماله في اليمان والمعرفة .والعلم والعمل ،فمن انتسب إليه عليه
السلم بهذه الجهات ،كان انتسابه الروحاني إليه أقوى من النتساب
الجسماني ،من جهة النسب فقط ،فهو علوي لعلوه في المعرفة ،وانتسابه
إليه من هذه الجهة .وكذا الهاشمي لن شرافة النتساب إلى هاشم إما
لشرفه ،أو لشرف الرسول صلى ال عليه وآله فإن النتساب إليه يستلزم
قرابته ،فعلى الول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصياء إبراهيم عليه
السلم وكسره للضللة والبدع أقوى من إطعامه وكسره للثريد ،فالنتساب
إليه من هذه الجهة أقوى ،والمؤمن منسوب إليه من تلك الجهة ،وأما على
الثاني فظاهر بتقريب ما مر في العلوي .قال الفيروز آبادي ) " :(2الهشم
" كسر الشئ اليابس ،أو الجوف ،أو كسر العظام ،والرأس خاصة ،أو
الوجه والنف ،أو كل شئ ،وهاشم أبو عبد المطلب
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .152القاموس ج 2ص .190وقد مر نقله فيما
سبق.
][173
واسمه عمرو ،لنه أول من ثرد الثريد وهشمه .وهذا البيان بوجهه جاء في
القرشي ،وقوله " لنه أقر بالشئ " لرعاية المناسبة اللفظية ،ل لبيان
جهة الشتقاق ،وإن أمكن حمله على الشتقاق الكبير .قال في القاموس )
:(1قرشه يقرشه ويقرشه :قطعه وجمعه من ههنا وههنا وضم بعضه إلى
بعض ،ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرام ،أو لنهم كانوا يتقرشون البياعات
فيشترونها ،أو لن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما ،فقالوا :تقرش أو
لنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش ،أي شديد ،أو لن قصيا كان
يقال له :القرشي ،أو لنهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها إلى أن
قال :والنسبة قرشي وقريشي .وقال " (2) :العجم " بالضم وبالتحريك
خلف العرب ،والعجم :من ل يفصح كالعجمي ،والخرس والعجمي من
جنسه العجم وإن أفصح ،وأعجم فلن الكلم :ذهب به إلى العجمة،
واستعجم :سكت ،والقراءة :لم يقدر عليها لغلبة النعاس .وفي النهاية :كل
من ل يقدر على الكلم ،فهو أعجم ومستعجم ،ومنه الحديث فإذا قام أحدكم
من الليل فاستعجم القرآن على لسانه :،أي ارتج عليه فلم يقدر أن يقرء،
كأنه صار عجمة انتهى .والحاصل :أنه ل يهتدي إلى الشر ،ول يأتي منه
إل الخير ،فهو على بناء المجهول ،ويحتمل المعلوم ،وسيأتي الكلم في
النبطي ،وسائر الفقرات ظاهرة مما مر .ويحتمل أن يكون المعنى أن
المؤمن لشرفه وكماله يمكن أن يطلق عليه كل من هذه اللفاظ بوجه
حسن ،وإن كان قريبا مما مر ،أو المعنى أنه من أي هذه الصناف كان،
فاطلقه عليه بوجه حسن يتضمن مدحا عظيما ،والول أظهر - 4 .فس" :
ولو نزلناه على بعض العجمين فقرأه ما كانوا به مؤمنين " )(3
) (1المصدر ج 283 :2و (2) .284المصدر ج (3) .147 :4الشعراء.198 :
][174
قال الصادق عليه السلم :لو نزل القرآن على العجم ،ما آمنت به العرب ،وقد نزل
على العرب ،فآمنت به العجم .فهذه فضيلة العجم - 5 .فس :عن محمد
الحميري ،عن أبيه ،عن السندي بن محمد ،عن يونس بن يعقوب ،عن
يعقوب بن قيس ،قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :يا ابن قيس " وإن
تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم " ) (1عنى أبناء الموالي
المعتقين - 6 .ب :عن ابن طريف ،عن ابن علوان ،عن جعفر ،عن أبيه
عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :لو كان العلم
منوطا بالثريا لتناولته رجال من فارس ) - 7 (2ب :بهذا السناد ،قال :قال
النبي صلى ال عليه وآله في فارس :ضربتموهم على تنزيله ول تنقضي
الدنيا حتى يضربوكم على تأويله - 8 (3) .ع :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن
هاشم ،عن عبد ال بن حماد ،عن شريك ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل تسبوا قريشا ،ول
تبغضوا العرب ،ول تذلوا الموالي ،ول تساكنوا الخوز ،ول تزوجوا إليهم،
فان لهم عرقا يدعوهم إلى غير الوفاء ) .(4بيان " :الموالي " المعتقون
وأبناؤهم ،ومن لحق بقبيلة وليس منهم ،وكان المراد في الخبار العجم،
فان أولد الفرس غلب العرب على آبائهم ،فكأنهم أعتقوهم ،أو أنهم
ليمانهم الحقوا بأئمتهم ،فصاروا موالي العرب ،وفي القاموس )" (5
الخوز " بالضم :جيل من الناس ،واسم لجميع بلد خوزستان - 9 .ع :عن
ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن عاصم ،عن أبي بكر
الحضرمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن الرجل يفتري
على الرجل
) (1القتال (2) .38 :قرب السناد 52 :ط حجري (3) .قرب السناد ص (4) 52
علل الشرائع ج (5) .79 :2القاموس ج .175 :2
][175
من جاهلية العرب ؟ قال :يضرب حدا ،قلت حدا ؟ قال :نعم ،إن ) (1يدخل على
رسول ال صلى ال عليه وآله ) (2بيان :كأنه محمول على ما إذا سرى
شينه إليه صلى ال عليه وآله ،كأجداده وجداته أو أقاربه القريبة ،كما
يومئ إليه قوله " :إنه يدخل " أي عيبه وعاره ،أو هو من الدخل بمعنى
العيب ،ولو كان " إن يدخل " كما في بعض النسخ ،كان ما ذكرنا أظهر.
- 10ع :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن عبد العظيم
الحسني ،عن حرب ،عن شيخ من بني أسد يقال له عمرو ،عن ذريح عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :أصاب بعيرا لنا علة ،ونحن في ماء لبني
سليم ،فقال الغلم لبي عبد ال عليه السلم :يا مولي أنحره ؟ قال :ل
تلبث فلما سرنا أربعة أميال ،قال :يا غلم انزل فانحره ،ولن تأكله السباع
أحب إلي من أن تأكله العراب - 11 (3) .مع :عن أبيه ،عن محمد بن أبي
القاسم ماجيلويه ،عن محمد بن علي الكوفي ،عن محمد بن سنان ،عن
حنان بن سدير ،عن أبيه ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :صعد رسول ال
صلى ال عليه وآله المنبر يوم فتح مكة ،ثم قال :أيها الناس إن ال تبارك
وتعالى قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ،أل إنكم من آدم
وآدم من طين ،وخير عباد ال عنده أتقاهم ،إن العربية ليست بأب والد،
ولكنها لسان ناطق ،فمن قصر به عمله ) (4فلم يبلغه رضوان ال حسبه،
أل إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة ،فهو تحت قدمي هاتين إلى يوم
القيامة (5) .بيان " :إن العربية " إلخ أي العربية الممدوحة إنما هي
باللسان ،بأن
) (1انه يدخل ،خ ل (2) .علل الشرائع ج 2ص (3) .79علل الشرائع ج .286 :2
) (4علمه ولم يبلغه خ ل (5) .معاني الخبار.207 :
][176
يقر بالحق ،ويلحق بالرسول وأهل بيته ،وإن كان من العجم ل يكون آباؤه من
العرب ثم بين عليه السلم أن الحسب ل ينفع بدون العمل " ،تحت قدمي "
أي أبطلته ل يطلب به في السلم - 12 .مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن
سلمة بن الخطاب ،عن الحسن بن يوسف عن صالح بن عقبة ،عن أبي
الحسن موسى عليه السلم قال :قال :الناس ]ثلثة[ عربي ومولى ،وعلج،
فأما العرب فنحن ،وأما المولى فمن والنا ،وأما العلج فمن تبرأ منا
وناصبنا (1) .بيان :في النهاية " :العلج " الرجل من كفار العجم وغيرهم.
- 13مع :بالسناد المتقدم عن الحسن بن يوسف ،عن عثمان بن جبلة،
عن ضريس بن عبد الملك ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
نحن قريش ،وشيعتنا العرب ،وعدونا العجم (2) .بيان " :وشيعتنا العرب
" أي العرب الممدوح من كان من شيعتنا ،وإن كان عجما ،والعجم
المذموم من كان عدونا ،وإن كان عربا - 14 .مع :بالسناد المتقدم ،عن
سلمة ،عن عمرو بن سعيد بن خثيم ،عن أخيه معمر ،عن محمد بن علي
عليه السلم قال :نحن العرب ،وشيعتنا منا ،سائر الناس همج أو هبج،
قال :قلت :وما الهمج ؟ قال :الذباب ،فقلت :وما الهبج ؟ قال :البق(3) .
بيان :في القاموس " :الهمج " محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على
وجوه الغنم ،والحمير ،و " الهبج " بهذا المعنى لم أجده في كتب اللغة قال
في القاموس " :الهبج " محركة كالورم في ضرع الناقة - 15 .مع :عن
أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن
) (1معاني الخبار (2) 403 :المصدر (3) .403 :المصدر.404 :
][177
داود بن الحصين ،عن يعقوب بن شعيب ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت
له :ما يزال الرجل ممن ينتحل أمرنا ،يقول لمن من ال عليه بالسلم :يا
نبطي ،قال فقال :نحن أهل البيت والنبط ،من ذرية إبراهيم ) ،(1إنما هما
نبطان من النبط الماء والطين ،وليس بضاره في ذريته شئ فقوم استنبطوا
العلم فنحن هم (2) .بيان :قال في المصباح :النبط جيل من الناس كانوا
ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلط الناس وعوامهم ،والجمع أنباط،
كسبب وأسباب الواحد نباطي بزيادة ألف والنون تضم وتفتح ،قال الليث:
ورجل نبطي ،ومنعه ابن العرابي واستنبطت الحكم :استخرجته بالجتهاد،
وأنبطته إنباطا مثله ،وأصله من استنبط الحافر الماء وأنبطه إنباطا ،إذا
استخرجه بعلمه .وفي النهاية :نبط الماء ينبط إذا نبع ،وأنبط الحفار بلغ
الماء في البئر والستنباط الستخراج ،والنبط والنبيط :الماء يخرج من
قعر البئر إذا احتفرت .وفي حديث عمر :تمعدوا ول تستنبطوا ،أي تشبهوا
بمعد ،ول تشبهوا بالنبط النبط والنبيط :جيل معروف كانوا ينزلون
بالبطايح بين العراقين ،ومنه حديثه الخر :ل تنبطوا في المدائن أي ل
تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذ العقار والملك .وحديث ابن عباس :نحن
معاشر قريش من النبط من أهل كوثى ) ،(3قيل لن إبراهيم الخليل صلوات
ال عليه ولد بها ،وكان النبط سكانها .ومنه حديث عمرو بن معد يكرب
سأله عمر عن سعد فقال :أعرابي في حبوته نبطي في جبوته ،أراد أنه في
جباية الخراج ،وعمارة الرضين كالنبط حذقابها ومهارة فيها لنهم كانوا
سكان العراق وأربابها.
) (1من ذرية آدم وابراهيم انما هما نبطيان من أنبط الماء والطين خ ل (2) .معاني
الخبار ص (3) .404كوثى -بالضم -بلدة بالعراق قاله الفيروز آبادى.
][178
وفي حديث الشعبي أن رجل قال لخر :يا نبطي ،قال :لحد عليه ،كلنا نبط ،يريد
الجوار والدار ،دون الولدة .وفي الصحاح (1) :في كلم أيوب بن القرية:
أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبيط استعربوا .وفي القاموس:
النبط محركة أول ما يظهر من ماء البئر وأنبط الحافر انتهى إليها وغور
المرء وجيل ينزلون بالبطايح بنى العراقين ،كالنبيط والنباط ،وهو نبطي
محركة ،وتنبط تشبه بهم ،أو تنسب إليهم ،والكلم استخرجه ،وكل ما
اظهر بعد خفاء ،فقد انبط واستنبط مجهولين ،واستنبط الفقيه :استخرج
الفقه الباطن بفهمه واجتهاده ) .(2إذا عرفت هذا ،فاعلم أن الخبر يحتمل
وجهين :أحدهما أن المراد أنا أهل البيت والنبط جميعا من ذرية إبراهيم،
إما على الحقيقة أو على التأويل ،لنه عليه السلم كان يساكنهم في
ديارهم ،فلهم أيضا شرافة النسب ،ثم بين عليه السلم فضلهم من جهة
اشتقاق اللفظ فقال :النبط له اشتقاقان :أحدهما من استنباط الماء ،وتعمير
الرض ،وهذا ل يضرهم إن لم يفعلوا مثل أفعالهم ،فإن فعل الباء ل يضر
البناء ،فهذا ل يصير سببا لذمهم كما يوهمه كلم عمر ،وثانيهما :استنباط
العلم والحكمة فنحن أنباط بهذا المعنى ،وشيعتنا الذين يستبطون منا
داخلون في ذلك ،كما قال سبحانه " :لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ).(3
وثانيهما :أن يكون المعنى أنا أهل بيت النبي صلى ال عليه وآله وخلفاؤه،
وبذلك لنا الفضيلة على سائر الخلق ،وليس لغيرنا فضل على النبط ،لنهم
أيضا من
][179
ذرية إبراهيم .ثم بين عليه السلم أن للنبطي بحسب الشتقاق معنيين :أحدهما
مستخرج الماء من الطين ،وهذا ل يضرهم في شرافة نسبهم ،والخر
استنباط العلم فنحن هم فل يكون النبطي شتما لهم ،بل هو مدح لهم ،وعلى
التقديرين ضمير ضاره عائد إلى إبراهيم عليه السلم وكذا ضمير ذريته،
ويحتمل عودهما إلى النبطي ،وعود الول إلى النبطي ،والثاني إلى إبراهيم
عليه السلم :وفي بعض النسخ من ذرية آدم وإبراهيم ،ول يختلف المعنى،
ويحتمل أن يكون المراد بالنبط :من يقال له على وجه الذم نبطي :،أي
الذين أسلموا بعد الكفر والسر ،وهم كانوا غالبا إما من قريش ،أو أهل
الكتاب ،وهم من ذرية إبراهيم عليه السلم ،ويحتمل الخبر وجوها اخر،
تظهر مما ذكرنا للمتدبر - 15 .مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن أيوب بن
نوح ،عن صفوان بن يحيى عن أخي دارم ،عن محمد بن مسلم ،قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول :من ولد في السلم فهو عربي ،ومن
دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها ،والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا
من أرضه ويسلم ،فذلك المولى ) - 16 (1مع :عن ماجيلويه ،عن محمد
العطار ،عن الشعري ،عن سهل ،عن ابن يزيد ،عن ابن عبد ربه بن نافع،
عن الحباب بن موسى ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :من ولد في السلم
حرا ،فهو عربي ،ومن كان له عهد ،فخفر في عهده فهو مولى رسول ال
صلى ال عليه وآله ،ومن دخل في السلم طوعا ،فهو مهاجر ) .(2بيان:
" فهو عربي " أي في حقيقته الشرعية ،أو في حكم وجوب الكرام
والحترام " ،ومن كان له عهد " أي ذمة وأمان من مسلم " ،فهو مولى
رسول ال " فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده وأمانه ،فإذا خفر في عهده
ونقض أمانه ،فقد نقض عهد مولى رسول ال.
في القاموس :خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا :أجاره ،ومنعه ،وآمنه وخفر به
خفرا ،وخفورا :نقض عهده ،وغدره ،كأخفره ) ،(1وقال :المولى :العبد،
والمعتق ،والمعتق ،والجار ،والحليف ،والمنعم ،والمنعم عليه " ،فهو
مهاجر " أي في حكمه في الجر ،والحرمة - 17 .ل :عن أبيه ،عن سعد،
عن سلمة بن الخطاب ،عن الحسين بن يوسف عن صالح بن عقبة ،عن
أبي الحسن موسى عليه السلم قال :الناس ثلثة :عربي ،ومولى وعلج،
فأما العرب فنحن ،وأما الموالي فمن والنا ،وأما العلج فمن تبرأ منا
وناصبنا ) - 18 .(2مع :روي أن الصادق عليه السلم قال :من ولد في
السلم فهو عربي ،ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ،ومن سبي
واعتق فهو مولى ،ومولى القوم من أنفسهم ) - 19 .(3سن :عن إسماعيل
بن مهران ،عن أبيه ،عن إسحاق بن جرير ،قال :قال أبو عبد ال عليه
السلم :جاءني ابن عمك ،كأنه أعرابي مجنون ،عليه إزار وطيلسان
ونعلن في يده ،فقال لي :إن قوما يقولون فيك ،فقلت :ألست عربيا ،قال:
بلى ،فقلت :إن العرب ل تبغض عليا ،ثم قلت له :لعلك ممن يكذب بالحوض
أما وال لئن أبغضته ثم وردت عليه الحوض ،لتموتن عطشا ) .(4بيان" :
يقولون فيك " :أي بالمامة ،أو أقوال - 20 .شى :عن بعض أصحابه ،عن
رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن هذه الية " :فسوف
يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة
) (1القاموس ج (2) .22 :2الخصال ج (3) .60 :1معاني الخبار(4) .239 :
المحاسن 89 :و .90
][181
على الكافرين " ) 1قال :الموالي ) .(2بيان " :الموالي " :العجم - 21 .كتاب
الستدراك :باسناده عن ابن عقدة ،باسناده ،عن يحيى بن زكريا بن
شيبان ،عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ،عن سيف بن عميرة ،عن
منصور بن حازم ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :نحن العرب،
وشبعتنا الموالي وسائر الناس همج) * - 10 .باب( * * " )لزوم البيعة
وكيفيتها وذم نكثها( " * * اليات * النحل :وأوفوا بعهد ال إذا عاهدتم
ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها وقد جعلتم ال عليكم كفيل إن ال يعلم ما
تفعلون * ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون
أيمانكم دخل بينكم أن تكون امة هي أربى من امة إنما يبلوكم ال به
وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون -إلى قوله تعالى -ول تتخذوا
أيمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن
سبيل ال ولكم عذاب عظيم * ول تشتروا بعهد ال ثمنا قليل إنما عند ال
هو خير لكم إن كنتم تعلمون ).(3
) (1المائدة (2) .54 :تفسير العياشي ج (3) .327 :1النحل.95 - 91 :
][182
الفتح :إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال يد ال فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث
على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه ال فسيؤتيه أجرا عظيما ).(1
الممتحنة " :يا أيها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن
بال شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان
يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر
لهن ال إن ال غفور رحيم )) * (2تفسير( * " وأوفوا بعهد ال " قال
الطبرسي ) - (3رحمه ال -قال ابن عباس :الوعد من العهد وقال
المفسرون :العهد الذي يجب الوفاء به ،هو الذي يحسن فعله ،وعاهد ال
ليفعلنه فانه يصير واجبا عليه " ول تنقضوا اليمان " هذا نهي منه
سبحانه عن حنث اليمان وقوله " بعد توكيدها " أي بعد عقدها وإبرامها
وتوثيقها باسم ال تعالى ،وقيل بعد تشديدها وتغليظها ،بالعزم والعقد على
اليمين ،بخلف لغو اليمين " وقد جعلتم ال عليكم كفيل " أي حسيبا فيما
عاهدتموه عليه وقيل كفيل بالوفاء " إن ال يعلم ما تفعلون " من نقض
العهد أو الوفاء به ،فاياكم أن تلقوه وقد نقضتم .وهذه الية نزلت في الذين
بايعوا النبي صلى ال عليه وآله على السلم فقال سبحانه للمسلمين الذين
بايعوه :ل يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة ،فان
ال حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه باليمان
انتهى " .ول تكونوا كالتي نقضت غزلها " أي كالمرأة غزلت ثم نكثت
غزلها " من بعد قوة " أي من بعد إحكام وفتل " أنكاثا " جمع نكث
بالكسر وهو ما ينكث فتله
) (1الفتح (2) .10 :الممتحنة (3) .12 :مجمع البيان ج 382 :6
][183
وروي علي بن إبراهيم ) (1عن الباقر عليه السلم :التي نقضت غزلها امرأة من
بني تيم ابن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن
غالب ،كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته ،فقال
ال " كالتي نقضت غزلها " الية .قال :إن ال تعالى أمر بالوفاء ،ونهى
عن نقض العهد ،فضرب لهم مثل " .تتخذون أيمانكم دخل بينكم " أي
دغل وخيانة ،ومكرا وخديعة ،وذلك لنهم كانوا حين عهدهم يضمرون
الخيانة ،والناس يسكنون إلى عهدهم .والدخل :أن يكون الباطن خلف
الظاهر ،وأصله أن يدخل في الشئ ما لم يكن منه " أن تكون امة هي أربى
من امة " يعني ل تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهم كفرة قريش
أزيد عددا وأوفر مال من امة يعني جماعة المؤمنين " إنما يبلوكم ال به
" أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أتوفون بعهد ال أم تغترون بكثرة
قريش وقوتهم وثروتهم ،وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم " وليبينن لكم
يوم القيامة " وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى ال عليه وآله" .
ول تتخذوا " تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح
المنهي عنه " فتزل قدم " عن محجة السلم " بعد ثبوتها " عليها أي
فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى ،يقال :زل قدم فلن في أمر
كذا :إذا عدل عن الصواب ،والمراد أقدامهم ،وإنما وحد ونكر ،للدللة على
أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة " ،وتذوقوا السوء " في
الدنيا " ،بما صددتم عن سبيل ال " أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها
لنهم لو نقضوا العهد وارتدوا ،لتخذ نقضها سنة يستن بها " ،ولكم عذاب
عظيم " في الخرة .وفي الجوامع :عن الصادق عليه السلم أنه قال:
نزلت في ولية علي والبيعة له حين قال النبي صلى ال عليه وآله :سلموا
على علي بإمرة المؤمنين .واقول :قد مر أن في قراءتهم عليهم السلم :أن
تكون أئمة هي أزكى
][184
من أئمتكم ) " .(1إنما يبايعون ال " ) (2لنه المقصود بيعته " يد ال فوق أيديهم
" يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك ،إنما هي بمنزلة يد ال،
لنهم في الحقيقة يبايعون ال عزوجل ببيعتك " ،ومن نكث " أي نقض
العهد " ،فانما ينكث على نفسه " أي ل يعود ضرر نكثه إل عليه " ،ومن
أوفى بما عاهد عليه ال " أي في مبايعته " فسيؤتيه أجرا عظيما " هو
الجنة " .ول يقتلن أولدهن " ) (3يريد البنات ،أو السقاط " ،ول يأتين
ببهتان " في الجوامع :كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا
ولدي منك ،كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي
تلصقه بزوجها كذبا ،لن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين ،فرجها الذي
تلده به بين الرجلين " ،ول يعصينك في معروف " أي في حسنة تأمرهن
بها " فبايعهن " بضمان الثواب على الوفاء بهذه الشياء .وفي المجمع )
:(4روى الزهري ،عن عائشة قالت :كان النبي صلى ال عليه وآله يبايع
النساء بالكلم بهذه الية " أن ل يشركن بال شيئا " وما مست يد رسول
ال صلى ال عليه وآله كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه
ثم غمس أيديهن فيه ،وقيل :إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي.
- 1ن :بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة
لنفسه بإمرة المؤمنين ،وللرضا عليه السلم بولية العهد ،وللفضل
بالوزارة ،أمر بثلثة كراسي فنصبت لهم ،فلما قعدوا عليها أذن للناس
فدخلوا يبايعون ،فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلثة من أعلى
البهام إلى الخنصر ،ويخرجون ،حتى
) (1راجع ج 36ص 81و 148من تاريخ أمير المؤمنين عليه السلم وتراه في
تفسير العياشي ج (2) .268 :2الفتح (3) 10 :الممتحنة(4) - 12 :
مجمع البيان ج 276 :9
][185
بايع في آخر الناس فتى من النصار ،فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى
البهام ،فتبسم أبو الحسن عليه السلم فقال :كل من بايعنا بايع بفسخ
البيعة غير هذا الفتى ،فانه بايعنا بعقدها .فقال المأمون :وما فسخ البيعة ؟
وما عقدها ؟ قال أبو الحسن عليه السلم :عقد البيعة هو من أعلى
الخنصر إلى أعلى البهام ،وفسخها من أعلى البهام إلى أعلى الخنصر
قال :فماج الناس في ذلك ،وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما
وصف أبو الحسن عليه السلم فقال الناس :كيف يستحق المامة من ل
يعرف عقد البيعة ،إن من علم أولى بها ممن ل يعلم ،فحمله ذلك على ما
فعله من سمه ) - 2 .(1ل :عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه ،عن
الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة ،عن عبيدال بن
موسى ،عن شيبان ،عن العمش ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة ،قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ثلثة ل يكلمهم ال عزوجل ول
يزكيهم ،ولهم عذاب أليم ) :(2رجل بايع إماما ل يبايعه إل لدنيا ،إن أعطاه
]منها[ ما يريده وفي له ،وإل كف ،ورجل بايع رجل بسلعة بعد العصر،
فحلف بال عزوجل لقد أعطى بها كذا وكذا ،فصدقه وأخذها ،ولم يعط فيها
ما قال ،ورجل على فضل ماء بالفلة يمنعه ابن السبيل ) .(3بيان " :ل
يكلمهم ال " أي بما يسرهم أو بشئ أصل ،فان الملئكة يسألونهم ،أو هو
كناية عن سخطه سبحانه عليهم " ،ول يزكيهم " أي ل يثني عليهم أو ل
يقبل منهم عمل ،أو ل يطهرهم مما يوجب العذاب ،بالعفو والمغفرة- 3 .
سن :عن عبد ال بن علي العمري ،عن علي بن الحسن ،عن علي بن
جعفر ،عن أخيه عليه السلم قال :ثلث موبقات :نكث الصفقة ،وترك
السنة ،وفراق
) (1عيون أخبار الرضا ج 2ص .238الباب (2) 59اقتباس من قوله تعالى في
البقرة (3) 174 :الخصال ج 53 :1
][186
الجماعة ) - 4 .(1الدرة الباهرة :قال الرضا عليه السلم :ل يعدم المرء دائرة
السوء مع نكث الصفقة .بيان :قال الراغب :الدائرة في المكروه ،كما يقال:
دولة في المحبوب ،قال تعالى " :نخشى أن تصيبنا دائرة " ) (2وقوله "
يتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء " ) (3أي محيط به السوء إحاطة
الدائرة ،فل سبيل لهم إلى النفكاك منه بوجه ) .(4وقال الجوهري :صفقت
له بالبيع والبيعة صفقا :أي ضربت بيدي على يده ،وتصافق القوم عند
البيعة ) - 5 .(5شا :في بيعة الناس للرضا عليه السلم عند المأمون في
حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون ووضع للرضا عليه السلم
وسادتين عظيمتين ،وأجلس الرضا عليه السلم عليهما في الخضرة وعليه
عمامة وسيف ،ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا
يده فتلقى بها وجهه ،وببطنها وجوههم ،فقال له المأمون :أبسط يدك
للبيعة ،فقال الرضا :إن رسول ال صلى ال عليه وآله هكذا كان يبايع،
فبايعه الناس ويده فوق أيديهم ) - 6 .(6ل :بإسناده عن جابر الجعفي ،عن
الباقر عليه السلم في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء ،قال :ول تبايع
إل من وراء الثياب ) - 7 .(7ثو :باسناده عن أبي عبد ال عليه السلم أن
أمير المؤمنين عليه السلم قال :إن في
) (1المحاسن (2) .94 :المائدة (3) 52 :براءة (4) 98 :المفردات في غريب
القرآن (5) .174 :الصحاح (6) 1057 :الرشاد (7) 291 :الخصال ج
141 :2
][187
النار لمدينة يقال لها الحصينة ،أفل تسألوني ما فيها ؟ فقيل له :وما فيها يا أمير
المؤمنين ؟ قال :فيها أيدي الناكثين ) - 8 .(1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن
البزنطي ،عن أبان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :لما فتح رسول ال
صلى ال عليه وآله مكة بايع الرجال ،ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل ال
عزوجل " :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك -إلى قوله " :-فان
ال غفور رحيم " ) .(2قالت هند :أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم
كبارا ،وقالت ام حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي
جهل :يا رسول ال ما ذلك المعروف الذي أمرنا ال أن ل نعصيك فيه ؟
قال :ل تلطمن خدا ول تخمشن وجها ،ول تنتفن شعرا ،ول تشققن جيبا،
ول تسودن ثوبا ،ول تدعين بويل ،فبايعهن رسول ال صلى ال عليه وآله
على هذا ،فقالت :يا رسول ال كيف نبايعك ؟ قال :إنني ل اصافح النساء
فدعا بقدح من ماء ،فأدخل يده ثم أخرجها فقال :أدخلن أيديكن في هذا
الماء فهي البيعة ) - 9 .(3كا :باسناده عن المفضل قال :قلت لبي عبد ال
عليه السلم كيف ماسح رسول ال صلى ال عليه وآله النساء حين
بايعهن ؟ قال :دعا بمركنه ،الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء ،ثم غمس
يده ،فكلما بايع واحدة منهن ،قال :اغمسي يدك ،فتغمس كما غمس رسول
ال صلى ال عليه وآله فكان هذا مماسحته إياهن ) .(4بيان :المركن
كمنبر :الجانة - 10 .كا :باسناده عن سعدان قال :قال أبو عبد ال عليه
السلم :أتدري كيف
) (1ثواب العمال (2) 227 :الممتحنة (3) .13 :الكافي ج 5ص (4) 527الكافي
ج 5ص 526
][188
بايع رسول ال صلى ال عليه وآله النساء ؟ قلت :ال أعلم ،وابن رسوله أعلم،
قال :جمعهن حوله ،ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا ،ثم غمس يده
فيه ،ثم قال :اسمعن يا هؤلء ! ابايعكن على أن ل تشركن بال شيئا،
وتسرقن ول تزنين ،ول تقتلن أولدكن ،ول تأتين ببهتان تفترينه بين
أيديكن وأرجلكن ،ول تعصين بعلولتكن في معروف ،أقررتن ؟ قلن :نعم،
فأخرج يده من التور ،ثم قال لهن :اغمسن أيديكن ،ففعلن ،فكانت يد رسول
ال صلى ال عليه وآله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف انثى ليست له
بمحرم ) .(1بيان :في النهاية :التور :إناء من صفر أو حجارة كالجانة،
وقد يتوضأ منه ،وقال :البرمة بالضم :القدر مطلقا ،وجمعها برام ،وهي في
الصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن ،والنضوح كصبور:
طيب .اقول :قد مر تفسير اليات وسائر الخبار في النكث وكيفية البيعة في
باب فتح مكة ) ،(2وأبواب نكث طلحة والزبير.
) * - 11باب آخر( * * " )في ان المؤمن صنفان( " * - 1كا :عن محمد ،عن
أحمد ،عن ابن سنان ،عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :المؤمن مؤمنان :فمؤمن صدق بعهد ال ،ووفا بشرطه ،و ذلك
قوله عزوجل " :رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه " ) (1فذلك الذي ل
تصيبه أهوال الدنيا ،ول أهوال الخرة ،وذلك ممن يشفع ول يشفع له،
ومؤمن كخامة الزرع ،تعوج أحيانا وتقوم أحيانا ،فذلك ممن يصيبه أهوال
الدنيا و أهوال الخرة ،وذل ممن يشفع له ،ول يشفع ) .(2بيان :قال ال
سبحانه " :من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه " قال
البيضاوي :من الثبات مع الرسول ،والمقاتلة لعداء الدين ،من " صدقني
" إذا قال لك الصدق فان العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق " ،فمنهم من
قضى نحبه " أي نذره بأن قاتل حتى استشهد ،كحمزة ،ومصعب بن عمير،
وأنس بن النضر ،و " النحب " النذر استعير للموت ،لنه كنذر لزم في
رقبة كل حيوان " ،ومنهم من ينتظر " أي الشهادة " ،وما بدلوا " العهد
ول غيروه " تبديل " أي شيئا من التبديل.
][190
قال الطبرسي رحمه ال " (1) :فمنهم من قضى نحبه " يعني حمزة بن عبد
المطلب ،وجعفر بن أبيطالب " ،ومنهم من ينتظر " يعني علي بن أبيطالب
عليه السلم .وروي في الخصال ) (2عن الباقر عليه السلم في حديث
طويل قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :لقد كنت عاهدت ال ورسوله
أنا ،وعمي حمزة ،وأخي جعفر ،وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به ل
تعالى ولرسوله ،فتقدمني أصحابي ،وتخلفت بعدهم لما أراد ال تعالى،
فأنزل ال فينا " من المؤمنين رجال " الية حمزة ،وجعفر ،و عبيدة ،وأنا
وال المنتظر وما بدلت تبديل .فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلم
استدل بهذه الية على أن المؤمنين صنفان لنه تعالى قال :من المؤمنين
رجال ،فصنف منهم مؤمن صدق بعهد ال ،قيل :الباء بمعنى " في " أي
في عهد ال فقوله " :صدق " كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في
الية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا ال عليه ،ويمكن أن يقرأ
صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الية ،أي صدقوا بعهد ال وما وعدهم
من الثواب ،وما اشترط في الثواب من اليمان .والعمل الصالح ،والول
أظهر ،والمراد بالعهد اصول الدين من القرار بالتوحيد والنبوة والمامة
والمعاد ،والوفاء بالشرط التيان بالمأمورات والنتهاء عن المنهيات،
وقيل أراد بالعهد الميثاق بقوله " :ألست بربكم " وبالشرط قوله تعالى "
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) ." (3وأقول :يحتمل
أن يكون المراد بهما ما مر في كتاب المامة عنه عليه السلم حيث قال:
إنكم ل تكونون صالحين حتى تعرفوا ،ول تعرفون حتى تصدقوا ،ول
تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة ل يصلح أولها إل بآخرها ،ضل أصحاب
الثلثة ،و
) (1مجمع البيان ج 8ص ،349وفيه :قال ابن عباس .من قضى نحبه حمزة بن
عبد المطلب ،ومن قتل معه ،وأنس بن نضر وأصحابه ،وروى الحاكم أبو
القاسم الحسكاني بالسناد عن عمرو بن ثابت ،عن أبى اسحاق عن على
عليه السلم قال :فينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا ال ،فأنا وال
المنتظر .وما بدلت تبديل .نعم ما نقله رحمه ال انما يوجد في تفسير
القمى ص (2) .527الخصال ج (3) .21 :2النساء.31 :
][191
تاهوا تيها بعيدا ،إن ال تبارك وتعالى ،ل يقبل إل العمل الصالح ،ول يقبل ال إل
الوفاء بالشروط والعهود ،فمن وفى ل عزوجل بشرطه ،واستعمل ما
وصف في عهده ،نال ما عنده ،واستعمل عهده .إن ال تبارك وتعالى أخبر
العباد بطريق الهدى ،وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال:
" وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) " (1وقال " :إنما
يتقبل ال من المتقين ) " (2إلى آخر الخبر ،فالشروط والعهود هي التوبة،
واليمان والعمال الصالحة ،والهتداء بالئمة عليهم السلم " .فذلك الذي
ل تصيبه أهوال الدنيا ،ول أهوال الخرة " قيل :المراد بأهوال الدنيا:
القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة ،وما يراه عند الموت من سكراته
وأهواله ،وأهوال الخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة ،وقيل :المراد
بأهوال الدنيا :الهموم من فوات نعيمها ،لن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله،
فكيف الهموم من فواتها ،أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها
ومصائبها ،لنها عنده نعمة مرغوبة ل أهوال مكروهة ،أو لنها ل تصيبه
لجل المعصية ،فل ينافي إصابتها لرفع الدرجة ،ول يخفى بعد تلك الوجوه.
والظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي ،لنها
عنده من أعظم المصائب والهوال ،بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له،
ويحتمل أن يكون إطلق الهوال عليها على مجاز المشاكلة " .وذلك ممن
يشفع " على بناء المعلوم ،أي يشفع للمؤمنين من المذنبين " ول يشفع
له " على بناء المجهول ،أي إنه ل يحتاج إلى الشفاعة ،لنه من المقربين
الذين ل خوف عليهم ول يحزنون ،وإنما الشفاعة لهل المعاصي" .
كخامة الزرع " قال في النهاية :فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع
تفيئها الرياح :هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع ،وألفها منقلبة عن واو.
انتهى
][192
وأشار عليه السلم إلى وجه الشبه بقوله " :يعوج أحيانا " والمراد بإعوجاجه
ميله إلى الباطل وهو متاع الدنيا ،والشهوات النفسانية ،وبقيامه :استقامته
على طريق الحق ،و مخالفته للهواء والوساوس الشيطانية " ،ول يشفع
" أي ل يؤذن له في الشفاعة - 2 .كا :عن العدة ،عن سهل ،عن محمد بن
عبد ال ،عن خالد القمي ،عن خضر بن عمرو ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :سمعته يقول :المؤمن مؤمنان :مؤمن وفى ل بشروطه التي
اشترطها عليه ،فذلك مع النبيين والصديقين ،والشهداء ،و الصالحين،
وحسن اولئك رفيقا ،وذلك ممن يشفع ،ول يشفع له ،وذلك ممن ل يصيبه
أهوال الدنيا ول أهوال الخرة ،ومؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما
كفته الريح انكفى ،وذلك من تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الخرة ،ويشفع له
وهو على خير ) .(1بيان " :خضر " بكسر الخاء وسكون الضاد ،أو بفتح
الخاء وسكون الضاد صحح بهما في القاموس وغيره " ،وفى ل بشروطه
" العهود داخلة تحت الشروط هنا " ،فذلك مع النبيين " إشارة إلى قوله
تعالى " ومن يطع ال والرسول فاولئك مع الذين أنعم ال عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) " (2وهذا
مبني على ما ورد في الخبار الكثيرة أن الصديقين و الشهداء والصالحين
هم الئمة عليهم السلم ،والمراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من
المؤمنين ،وقد مر عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال بعد قراءة هذه الية:
فمنا النبي ومنا الصديق ،والشهداء والصالحون .وفي تفسير علي بن
إبراهيم ) :(3قال :النبيين :رسول ال ،والصديقين علي ،والشهداء:
الحسن والحسين ،والصالحين :الئمة .وحسن اولئك رفيقا :القائم من آل
محمد صلوات ال عليهم.
) (1الكافي ج (2) .248 :2النساء (3) .69 :تفسير القمى ص .131
][193
فل يحتاج إلى ما قيل :إن الظاهر أنه كان من النبيين ،لن الصنف الول إما نبي ،أو
صديق ،أو شهيد ،أو صالح ،والصنف الثاني ،يكون مع هؤلء بشفاعتهم،
" زلت به قدم " كأن الباء للتعدية ،أي أزلته قدم وإقدام على المعصية
وقيل :الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه ،أي فعله عمدا من غير نسيان
وإكراه و " كيفما " مركب من " كيف " للشرط نحو كيف تصنع أصنع ،و
" ما " زائدة للتأكيد .وفي النهاية :يقال :كفأت الناء ،وأكفأته :إذا كببته،
وإذا أملته ،وفي القاموس :كفأه كمنعه :صرفه وكبه وقلبه ،كأكفأه واكتفأه،
وانكفأ :رجع ولونه تغير ) - 3 .(1كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن
مهران ،عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم النصاري ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال :يا أمير
المؤمنين أخبرنا عن الخوان ،فقال :الخوان صنفان :إخوان الثقة،
وإخوان المكاشرة :فأما إخوان الثقة :فهم الكف والجناح ،والهل والمال،
فإذا كنت من أخيك على حد الثقة ،فابذل له مالك وبدنك ،وصاف من
صافاه ،وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه ،وأظهر منه الحسن ،واعلم أيها
السائل أنهم أقل من الكبريت الحمر .وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب
لذتك منهم ،فل تقطعن ذلك منهم ،ول تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم،
وابذل لهم ما بذلوا لك من طلقة الوجه ،و حلوة اللسان ) .(2بيان" :
الخوان صنفان " المراد بالخوان :إما مطلق المؤمنين ،فإن المؤمنين
إخوة ،أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم ،ويظهرون له المودة
والخوة
][194
أو العم من المؤمنين وغيرهم إذا كانوا كذلك .والمراد باخوان الثقة :أهل الصلح
والصدق والمانة الذين يثق بهم ،و يعتمد عليهم في الدين ،وعدم النفاق،
وموافقة ظاهرهم لباطنهم ،وباخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة،
ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة ،أو للمصلحة والتقية فيجالسهم ويضاحكهم،
ول يعتمد عليهم ،ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لزالة الوحشة
ودفع الضرر .قال في النهاية :فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام ،الكشر:
ظهور السنان في الضحك ،وكاشره :إذا ضحك في وجهه وباسطه،
والسم :الكشرة كالعشرة " .فهم الكف " الحمل على المبالغة والتشبيه،
أي هم بمنزلة كفك في إعانتك وكف الذى عنك ،فينبغي أن تراعيه
وتحفظه كما تحفظ كفك .قال في المصباح :قال الزهري :الكف :الراحة مع
الصابع ،سميت بذلك لنها تكف الذى عن البدن ،وقال :جناح الطائر
بمنزلة اليد للنسان ،وفي القاموس :الجناح :اليد ،والعضد ،والبط،
والجانب ،ونفس الشئ ،و الكنف ،والناحية ،انتهى ،وأكثر المعاني
مناسبة ،والعضد أظهر ،والحمل كما سبق ،أي هم بمنزلة عضدك في
إعانتك ،فراعهم كما تراعي عضدك ،وكذا الهل والمال ،ويمكن أن يكون
المراد بكونهم مال أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه " .فإذا كنت
من أخيك " أي بالنسبة إليه ،كقول النبي :أنت مني بمنزلة هارون من
موسى " ،على حد الثقة " أي على مرتبة الثقة والعتماد ،أو على أول
حد من حدودها ،والثقة في الخوة والديانة ،والتصاف بصفات المؤمنين،
وكون باطنه موافقا لظاهره " .فابذل له مالك وبدنك " بذل المال :هو أن
يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل ،وبذل البدن :هو أن
يخدمه ويدفع الذى عنه قول وفعل وهما متفرعان على كونهم الكف
والجناح ،والهل والمال " ،وصاف من صافاه "
][195
أي أخلص الود لمن أخلص له الود ،قال في المصباح :صفا :خلص من الكدر و
أصفيته الوداد أخلصته ،وفي القاموس :صافاه :صدقه الخاء ،كأصفاه" .
وعاد من عاداه " أي في الدين ،أو العم إذا كان الخ محقا ،وإنما أطلق
لن المؤمن الكامل ل يكون إل محقا ،ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه
في النهج ) :(1أنه قال :أصدقاؤك ثلثة ،وأعداؤك ثلثة ،فأصدقاؤك:
صديقك ،وصديق صديقك ،وعدو عدوك ،وأعداؤك :عدوك ،وعدو صديقك،
وصديق عدوك " .واكتم سره " أي ما أمرك بإخفائه ،أو تعلم أن إظهاره
يضره " ،وعيبه " أي إن كان له عيب نادرا ،أو ما يعيبه الناس عليه ولم
يكن قبيحا واقعا كالفقر والمراض الخفية " ،وأظهر منه الحسن "
بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقل وشرعا ،من الصفات والخلق
والعمال ،ويمكن أن يقرء بالضم " .فإنك تصيب لذتك منهم " أي تلتذ
بحسن صحبتهم ومؤانستهم ،وتحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم ،بل
الخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم ومفاوضتهم فل تقطعن ذلك الحظ منهم
بالستيحاش عنهم ،وترك مصاحبتهم ،فتصير وحيدا لندرة النوع الول،
كما قال عليه السلم في حديث آخر :زهدك في راغب فيك نقصان حظ،
ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس " .ول تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم "
أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق،
فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم ،أو يظهر لك منهم سوء عقيدة
وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك .أو المعنى :ل تتوقع منهم موافقة
ضميرهم لك وحبهم الواقعي ،واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم
موافقة قلبهم للسانهم ،كما يرشد إليه قوله عليه السلم " :وابذل لهم ما
بذلوا لك من طلقة الوجه " أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه.
) (1نهج البلغة ج 2ص 217تحت الرقم 295من الحكم والمواعظ.
][196
في المصباح :رجل طلق الوجه :أي فرح ظاهر البشر ،وهو طليق الوجه قال أبو
زيد :متهلل بسام .وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والكتفاء بظواهر
أحوالهم ،وعدم تجسس ما في بواطنهم ،فانه أقرب إلى هدايتهم وإرشادهم
إلى الحق ،وتعليم الجهال وهداية أهل الضلل ،وأبعد من التضرر منهم
والتنفر عنهم ،والخبار في حسن المعاشرة كثيرة ،لسيما مع المدعين
للتشيع واليمان ،وال المستعان) * - 12 .باب( * * )شدة ابتلء المؤمن
وعلته( * * )وفضل البلء( * * اليات * البقرة :أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء
وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر
ال قريب ) .(1آل عمران :لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين
اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا
فإن ذلك من عزم المور ) .(2النعام :ولقد أرسلنا إلى امم من قبلك
فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم
][197
يتضرعون * فلول إذ جائهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان
ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى
إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) .(1تفسير " :أم
حسبتم " قال في المجمع (2) :أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون " أن
تدخلوا الجنة " ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم
به فتصبروا كما صبروا ،وهذا استدعاء إلى الصبر ،وبعده الوعد بالنصر.
ثم ذكر سبحانه ما أصاب اولئك فقال " :مستهم البأساء والضراء "
والمس واللمس واحد ،والبأساء نقيض النعماء ،والضراء نقيض السراء،
وقيل :البأساء :القتل ،والضراء :الفقر " ،وزلزلوا " أي حركوا بأنواع
البليا ،وقيل :معناه هنا ازعجوا بالمخافة من العدو ،وذلك لفرط الحيرة" .
متى نصر ال " قيل :هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن ،وإنما قال
الرسول استبطاء للنصر ،وقيل :إن معناه الدعاء ل بالنصر ول يجوز أن
يكون على جهة الستبطاء لنصر ال ،لن الرسول يعلم أن ال ل يؤخره
عن الوقت الذي توجبه الحكمة ،ثم أخبر ال أنه ناصر لوليائه ،فقال " :أل
إن نصر ال قريب " .وقيل :إن هذا من كلمهم فانهم قالوا عند الياس:
منى نصر ال ،ثم تفكروا وعلموا أن ال منجز وعده ،فقالوا :أل إن نصر
ال قريب ،وقيل :إنه ذكر كلم الرسول والمؤمنين جملة وتفصيله :وقال
المؤمنون متى نصر ال ،وقال الرسول :أل إن نصر ال قريب انتهى.
وأقول :روى في الخرائج عن زين العابدين ،عن آبائه عليهم السلم قال:
فما تمدون أعينكم ؟ لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه ،يؤخذ
فتقطع يده ورجله ويصلب ثم تل " :أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " الية.
) (1النعام (2) .46 - 44 :مجمع البيان ج 2ص ،308وفيه :معناه :بل أظننم
وخلتم الخ(*) .
][198
وروى في الكافي :عن بكر بن محمد قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقرء "
وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول " .وقال في المجمع ) (1في قوله
تعالى " :لتبلون " أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد " في أموالكم
" بذهابها ونقصانها " وفي أنفسكم " أيها المؤمنون بالقتل والمصائب،
وقيل :بفرض الجهاد وغيره " ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب " يعنى
اليهود والنصارى " ،ومن الذين أشركوا " يعني كفار مكة وغيرهم "
أذى كثيرا " من تكذيب النبي صلى ال عليه وآله ومن الكلم الذي يغمهم
" من عزم المور " أي مما بان رشده وصوابه ،ووجب على العاقل العزم
عليه ،وقيل :أي من محكم المور .وقال في قوله تعالى ) " :(2ولقد
أرسلنا " أي رسل " إلى امم من قبلك " فخالفوهم " ،فأخذناهم بالبأساء
والضراء " يريد بالفقر والبؤس والسقام والوجاع عن ابن عباس "
لعلهم يتضرعون " معناه لكي يتضرعوا " فلول إذ جائهم بأسنا تضرعوا
" معناه فهل تضرعوا إذ جاءهم بأسنا " ،ولكن قست قلوبهم " فأقاموا
على كفرهم ولم تنجع فيهم العظة " وزين لهم الشيطان " بالوسوسة
والغراء بالمعصية ،لما فيها من عاجل اللذة " ما كانوا يعملون " يعني
أعمالهم " .فلما نسوا ما ذكروا به " أي تركوا ما وعظوا به " ،فتحنا
عليهم أبواب كل شئ " أي كل نعمة وبركة من السماء والرض ،والمعنى
أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا ويتوبوا ،فلما تركوا ذلك فتح
عليهم أبواب النعم ،والتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الخرة "
حتى إذا فرحوا بما اوتوا " من النعيم واشتغلوا بالتلذذ ،ولم يروه نعمة من
ال حتى يشكروه " أخذناهم بغتة " أي مفاجأة من حيث ل يشعرون" ،
فإذا هم مبلسون " أي آيسون من النجاة والرحمة .وروي عن النبي صلى
ال عليه وآله قال :إذا رأيت ال يعطي على المعاصي فذلك استدراج
) (1مجمع البيان ج 2ص .551والية في آل عمران (2) .186 :مجمع البيان ج
،301 :4والية في النعام.44 :
][199
منه ثم تل هذه الية ،ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :يا
ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره انتهى ) .(1ويظهر من
اليات أن البليا والمصائب نعم من ال ،ليتعظوا ويتذكروا بها ويتركوا
المعاصي ،كما قال أمير المؤمنين عليه السلم ) :(2ولو أن الناس حين
تنزل بهم النقم ،وتزول عنهم النعم ،فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم
ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد ،وأصلح لهم كل فاسد .وتدل على أن
تواتر النعم على العباد ،وعدم ابتلئهم بالبليا استدراج منه سبحانه غالبا
كما قال علي بن إبراهيم " ،لعلهم يتضرعون " يعني كي يتضرعوا فلما لم
يتضرعوا فتح ال عليهم الدنيا وأغناهم لفعلهم الردى " فإذا هم مبلسون
" أي آيسون وذلك قول ال في مناجاته لموسى عليه السلم .حدثني أبي،
عن القاسم بن محمد ،عن سليمان بن داود ،عن حفص بن غياث عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :كان في مناجاة ال تعالى لموسى :يا موسى إذا
رأيت الفقر مقبل فقل مرحبا بشعار الصالحين ،وإذا رأيت الغنى مقبل فقل
ذنب عجلت عقوبته ،فما فتح ال على أحد في هذه الدنيا إل بذنب لينسيه
ذلك الذنب فل يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه ) .(1وروى
الكشي ) (2والعياشي باسنادهما ،عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه
السلم أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلم ادخل على الحجاج فقال:
ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ قال :كنت اوضيه ،فقال له :ما
كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال :كان يتلو هذه الية " فلما نسوا ما
ذكروا به " إلى قوله:
) (1مجمع البيان ج (2) .302 :4نهج البلغة ج 353 :1تحت الرقم 176من
الخطب ) (3أخرجه الديلمى في ارشاد القلوب ،219 :الباب ،48وتراه
في الكافي ج 2ص .263راجع تفسير القمى ذيل هذه الية (4) .رجال
الكشى.70 :
][200
" فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد ل رب العالمين " )(1
فقال الحجاج :أظنه كان يتأوله علينا ؟ قال :نعم ) - 1 .(2كتاب صفات
الشيعة للصدوق رحمه ال باسناده ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
البرص شبه اللعنة ،ل يكون فينا ،ول في ذريتنا ،ول في شيعتنا .وباسناده
عن معاوية بن عمار قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن لم يؤمن
المؤمن من البليا في الدنيا ،ولكن امنه من العمى في الخرة ومن الشقاء
يعني عمى البصر ) - 2 .(3نوادر الراوندي :باسناده ،عن جعفر بن محمد،
عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن
السلم بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا ،فطوبى للغرباء فقيل :ومن هم يا
رسول ال صلى ال عليه وآله ؟ قال :الذين يصلحون إذا فسد الناس ،إنه
ل وحشة ول غربة على مؤمن ،وما من مؤمن يموت في غربته إل بكت
عليه الملئكة رحمة له ،حيث قلت بواكيه ،وفسح له في قبره بنور يتلل
من حيث دفن إلى مسقط رأسه - 3 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي
عمير عن هشام بن سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن أشد الناس
بلء النبياء ثم الذين يلونهم ثم المثل فالمثل ) .(4بيان " :أشد الناس "
بلء " قيل :المراد بالناس هنا الكمل من النبياء والوصياء والولياء،
فانهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس ،كما ورد في الخبار والبلء :ما
يختبر ويمتحن به من خير أو شر ،وأكثر ما يأتي مطلقا الشر ،وما اريد به
الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى " .بلء حسنا " ) (5وأصله :المحنة.
) (1النعام (2) .45 :تفسير العياشي ج (3) .359 :1صفات الشيعة(4) .180 :
الكافي ج (5) .252 :2النفال.17 :
][201
وال تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ،وبما يكره ليمتحن صبره،
يقال :بلء ال بخير أو شر يبلوه بلوا ،وأبله إبلء ،وابتله ابتلء بمعنى
امتحنه ،والسم :البلء مثل سلم ،والبلوى والبلية مثله .وقال في النهاية:
فيه أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل :أي الشرف فالشرف،
والعلى فالعلى في الرتبة والمنزلة ،ثم يقال :هذا أمثل من هذا أي أفضل
وأدنى إلى الخير ،وأماثل الناس :خيارهم انتهى " .ثم الذين يلونهم " أي
يقربون منهم ويكونون بعدهم ،في المصباح :الولي مثل فلس :القرب،
وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين ،والثانية من باب وعد وهي
قليلة الستعمال ،وجلست مما يليه أي يقاربه ،وقيل :الولي :حصول الثاني
بعد الول من غير فصل انتهى والمراد بهم الصياء عليهم السلم - 4 .كا:
عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن الحسين ،عن صفوان ،عن معاوية ابن
عمار ،عن ناجية قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :إن المغيرة يقول :إن
المؤمن ل يبتلى بالجذام ول بالبرص ،ول بكذا ول بكذا ،فقال :إن كان
لغافل عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه ،فقال :كأني أنظر
إلى تكنيعه ،أتاهم فأنذرهم ،ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه ،ثم قال :إن
المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة ،إل أنه ل يقتل نفسه ) .(1بيان:
المغيرة :هو المغيرة بن سعيد ،وقد ذكر الكشي ) (2أحاديث كثيرة في
لعنه ،وقال العلمة قدس سره :إنه كان يدعو إلى محمد بن عبد ال بن
الحسن وقال رحمه ال في مناهج اليقين :القائلون بامامة الباقر عليه
السلم اختلفوا بعد موته فالمامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه السلم،
ومنهم من قال :إنه لم يمت ،ومنهم من ساقها إلى غير ولده ،فذهب
بعضهم إلى أن المام بعد الباقر عليه السلم محمد بن عبد ال بن الحسن
بن الحسن ،وهم أصحاب المغيرة بن سعيد.
][202
وروى الكشي ) (1عن الصادق عليه السلم أنه قال يوما لصحابه :لعن ال المغيرة
ابن سعيد ولعن ال يهودية كان يختلف إليها ،يتعلم منها السحر ،والشعبذة
والمخاريق ،إن المغيرة كذب على أبي عليه السلم فسلبه ال اليمان وإن
قوما كذبوا علي ،مالهم أذاقهم ال حر الحديد .وروى أيضا عن الرضا
عليه السلم ) (2أنه قال :كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه السلم
فأذاقه ال حر الحديد .وقال في المواقف :قال مغيرة بن سعيد العجلي :ال
جسم على صورة إنسان من نور ،على رأسه تاج ،وقلبه منبع الحكمة،
ولما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالسم العظم ،فطار ،فوقع تاجا على
رأسه ،ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد فغضب من المعاصي ،فعرق،
فحصل منه بحران أحدهما :مالح مظلم ،والخر حلو نير ،ثم اطلع في البحر
النير ،فأبصر فيه ظله ،فانتزعه فجعل منه الشمس والقمر ،وأفنى الباقي
من الظل نفيا للشريك ،ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم،
والمؤمنين من النير .ثم أرسل محمدا ،والناس في ضلل ،وعرض المانة
على السماوات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها
النسان وهو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلفة بعده له وقوله
تعالى " :،كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر " )(3
) (1رجال الكشى (2) .196 :المصدر نفسه ص .194أقول وروى باسناده الى
هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :كان المغيرة بن
سعيد يتعمد الكذب على أبى ،ويأخذ كتب أصحابه -وكان أصحابه
المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها الى
المغيرة .-فكان يدس فيها الكفر والزندقة :ويسندها الى أبى ،ثم يدفعها
الى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة ،فكلما كان في كتب أصحاب
أبى من الغلو ،فذاك مما دسه المغيرة ابن سعيد في كتبهم (3) .الحشر:
.16
][203
نزلت في أبي بكر وعمر .والمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين
بن علي ،وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج ،وقتل المغيرة
فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا انتهى .وقيل :هو
المغيرة بن سعد ،وكان يلقب بالبتر ،فنسبت إليه البترية من الزيدية ،ولم
أدر من أين أخذه " (1) .فقال إن كان لغافل " إن :مخففة من المثقلة "
وصاحب ياسين " هو حبيب النجار ،وإنذاره إشارة إلى قوله تعالى" :
واضرب لهم مثل أصحاب القرية " ) (2وهذه القرية هي أنطاكية في قول
المفسرين " إذ جائها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين " أي رسولين من
رسلنا " فكذبوهما " أي الرسولين .قال ابن عباس ضربوهما وسجنوهما
" فعززنا بثالث " أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث ،قيل :كان
اسم الرسولين شمعون ويوحنا ،والثالث بولس و وقال ابن عباس وكعب:
صادق ،وصدوق والثالث سلوم ،وقيل :إنهم رسل عيسى
) (1قال الفيروزآبادى في القاموس ج 1ص 366في مادة " بتر " :والبتر لقب
المغيرة بن سعد والبترية -بالضم -من الزيدية تنسب إليه .ولكن قال
الكشى في رجاله ص :202البترية هم أصحاب كثير النوا والحسن بن
صالح بن يحيى ]حى ظ[ ،وسالم بن أبى حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة
بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد ،وهم الذين دعوا الى ولية علي عليه
السلم ثم خلطوها بولية أبى بكر وعمر ويثبتون لهما امامتهما
ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ،ويرون الخروج مع بطون
ولد علي بن أبى طالب الخ .وانما قيل لهم البترية لن جماعة من الزيدية
دخلوا على أبى جعفر الباقر عليه السلم وكان عنده زيد بن على،
فأظهروا عقائدهم وما يقولون به ،فقال لهم زيد :بترتم أمرنا بتركم ال) .
(2يس .13 :وما بعدها ذيلها.
][204
وهم الحواريون ،وإنما أضافهم إلى نفسه لن عيسى عليه السلم أرسلهم بأمره "
فقالوا إنا إليكم مرسلون " " .قالوا " يعني أهل القرية " ما أنتم إل بشر
مثلنا " فل تصلحون للرسالة كما ل نصلح نحن لها " وما أنزل الرحمن
من شئ إن أنتم إل تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما
علينا إل البلغ المبين " .إلى قوله تعالى " :وجاء من أقصى المدينة رجل
يسعى " وكان اسمه حبيب النجار ،عن ابن عباس وجماعة من المفسرين،
وكان قد آمن بالرسول عند ورودهم القرية وكان منزله عند أقصى باب من
أبواب المدينة ،فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم ،جاء يعدو
ويشتد " ،قال يا قوم اتبعوا المرسلين " الذين أرسلهم ال إليكم ،وأقروا
برسالتهم .قالوا :وإنما علم هو نبوتهم لنهم لما دعوه قال :أتأخذون على
ذلك أجرا ؟ قالوا :ل ،وقيل :إنه كان به زمانة أو جذام فأبرؤوه فآمن بهم
عن ابن عباس " .اتبعوا من ل يسئلكم أجرا وهم مهتدون * ومالي ل أعبد
الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر
ل تغن عني شفاعتهم شيئا ول هم ينقذون * إني إذا لفي ضلل مبين * إني
آمنت بربكم فاسمعون " فاسمعوا قولي واقبلوه ،وقيل :إنه خاطب بذلك
الرسل ،أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند ال عن ابن مسعود .قال:
ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه ،وطئوه بأرجلهم ،حتى مات فأدخله
ال الجنة وهو حي فيها يرزق ،وهو قوله " :قيل ادخل الجنة " وقيل:
رجموه حتى قتلوه ،وقيل :إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه ال إليه فهو
في الجنة ول يموت إل بفناء الدنيا وهلك الجنة ،عن الحسن ومجاهد،
وقال إن الجنة التي دخلها يجوز هلكها .وقيل :إنهم قتلوه إل أن ال
سبحانه أحياه وأدخله الجنة ،فلما دخلها قال " :يا ليت قومي يعلمون بما
غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ".
][205
وفي تفسير الثعلبي بالسناد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ،عن أبيه ،عن النبي
صلى ال عليه وآله قال :سباق المم ثلثة لم يكفروا بال طرفة عين :علي
بن أبي طالب وصاحب ياسين ،ومؤمن آل فرعون ،فهم الصديقون وعلي
أفضلهم .كل ذلك ذكره الطبرسي ) (1رحمه ال في مجمع البيان ،والخبار
الطويلة المشتملة على تلك القصة قد تقدمت في المجلد الخامس " .إنه
كان مكنعا " في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة ،وفي بعضها بالتاء
وفي القاموس :كنع كمنع كنوعا :انقبض وانضم ،وأصابعه :ضربها
فأيبسها ،وكفرح يبس وتشنج ولزم ،وشيخ كنع ككتف :شنج ،والكنيع:
المكسور اليد ،والكنع الشل ،وكمعظم ومجمل :المقفع اليد - :أي
متشنجها أو -المقطوعها ،وكنع يده :أشلها (2) ،وقال :كتع كمنع :انقبض
وانضم ،والكتع :من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه (3) .وأقول:
كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه كما سيأتي تفسيره بالجذام أو كان هذا
الداء أيضا مذكورا في الدواء التي نفاها عن المؤمن ،أو الغرض بيان أن
البتلء بالدواء العظيمة الشنيعة ل ينافي كمال اليمان وقيل :كانت
أصابعه سقطت من الجدام فأشار عليه السلم بضم أصابعه إلى كفه إلى
ذلك " .ثم رد أصابعه " هذا من كلم الراوي أي رد عليه السلم أصابعه
إلى كفه إشارة إلى تكنيعه ،فقال " :كأني أنظر إلى تكنيعه " أي أعلم ذلك
وكيفيته بعين اليقين " أتاهم " أي حبيب " فأنذرهم " وخوفهم عقاب ال
على ترك اتباع الرسل ،بما حكى ال تعالى عنه ،وربما يتوهم التنافي بين
هذا الخبر ،وبين ما ورد عن الصادق عليه السلم أنه إذا بلغ المؤمن
أربعين سنة آمنه ال من الدواء الثلثة :البرص والجذام ،والجنون،
ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب ،فل ينافي البتلء بعد
) (1مجمع البيان ج 8ص (2) .421 - 417القاموس ج 3ص (3) .80القاموس
ج 3ص .77
][206
الربعين نادرا ،مع أنه يمكن أن يكون ابتلء المؤمن قبل الربعين ،وأيضا الخبر
ليس بصريح في ابتلئه بالجذام " .والميتة " بالكسر للحال والهيئة ،ويدل
على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة ،أو بشرب السم ،أو
بترك الكل والشرب ،أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها ،أما لو
أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات فالظاهر أنه أيضا
داخل في هذا الحكم خلفا لبعض العامة فإنه أخرجه منه ،لنه فر من موت
إلى موت وهو ضعيف ،وربما يحمل على من استحل قتل نفسه ،والظاهر
أن المراد بالمؤمن :الكامل - 5 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد ،عن ابن سنان ،عن عثمان النوا ،عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن ال عزوجل يبتلي المؤمن بكل بلية ،ويميته بكل ميتة ،ول
يبتليه بذهاب عقله ،أما ترى أيوب كيف سلط ال إبليس على ماله ،وعلى
ولده وعلى أهله ،وعلى كل شئ من ،ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد
ال به ) .(1بيان " ::ول يبتليه بذهاب عقله " لن فائدة البتلء التصبر
والتذكر والرضا ونحوها ،ول يتصور شئ من ذلك بذهاب العقل وفساد
القلب ،ول ينافي ذهاب العقل ل لغرض البتلء ،على أن الموضع هو
المؤمن ،والمجنون ل يتصف باليمان كذا قيل ،لكن ظاهر الخبر أن المؤمن
الكامل ل يبتلي بذلك ،وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم اليمان ،وكان
بحكم المؤمن .ويمكن أن يكون هذا غالبيا فانا نرى كثيرا من صلحاء
المؤمنين ،يبتلون في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل ،أو يخص بنوع
منه ،والوجه الول ل يخلو من وجه " ،وعلى كل شئ منه " ظاهره
تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله وقد يؤول بتسلطه على بيته،
وأثاث بيته ،وأمثال ذلك ،وأحبائه وأصدقائه
][207
وقد سبق بسط القول في قصص أيوب عليه السلم ودفع الشبه الواردة فيها في
المجلد الخامس فل نعيدها حذرا من التكرار - 6 .كا :عن محمد بن يحيى،
عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن عبد الرحمان ابن الحجاج قال :ذكر
عند أبي عبد ال عليه السلم :البلء وما يخص ال عزوجل به المؤمن،
فقال :سئل رسول ال صلى ال عليه وآله من أشد الناس بلء في الدنيا ؟
فقال :النبيون ثم المثل فالمثل ،ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه،
وحسن أعماله ،فمن صح إيمانه ،وحسن عمله ،اشتد بلؤه ،ومن سخف
إيمانه وضعف عمله قل بلؤه ) .(1محص :عن عبد الرحمان مئله .بيان:
" السخف " الخفة في العقل وغيره ذكره الجزري والفعل ككرم " وضعف
عمله " أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما - 7 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن
ابن عيسى ،عن محمد بن سنان ،عن عمار بن مروان ،عن زيد الشحام،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن عظيم الجر لمع عظيم البلء ،وما
أحب ال قوما إل ابتلهم ) .(2بيان :يدل على أن عظيم البلء سبب للجر
العظيم ،وعلمة لمحبة الرب الرحيم ،إذا كان في المؤمن الكريم - 8 .كا:
عن العدة ،عن سهل بن زياد ،عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب ،عن أبي
بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ل عزوجل عبادا في الرض
من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الرض إل صرفها عنهم
إلى غيرهم ،ول بلية إل صرفها إليهم ) .(3نبه :عن ابن رئاب وكرام بن
عمرو ،عن أبى بصير مثله.
][208
بيان " :ما ينزل من السماء " أي يقدر فيها " تحفة " أي من التحف الدنيوية
وكذا " البلية " - 9 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أحمد بن عبيد ،عن
الحسين بن علوان ،عن أبي عبد ال عليه السلم إنه قال وعنده سدير :إن
ال إذا أحب عبدا غته بالبلء غتا ،وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي )
.(1بيان " :غته " أي غمسه ،والباء بمعنى " في " ويحتمل القهر
والغم ،في النهاية :فيه يغتهم ال في العذاب غتا ،أي يغمسهم فيه غمسا
متتابعا ،ومنه حديث الدعاء :يا من ل يغته دعاء الداعين :أي يغلبه
ويقهره ،وفي حديث الحوض :يغت فيه ميزابان ،مدادهما من الجنة ،أي
يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا ،وفي القاموس :غته بالمر كده ،وفي
الماء غطه ،وفلنا غمه وخنقه " (2) ،لنصبح به " أي بالغت أو بالبلء.
- 10كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن محمد بن سنان ،عن
الوليد بن العل ،عن حماد ،عن أبيه ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن
ال تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلء غتا ،وثجه بالبلء ثجا ،فإذا
دعاه قال :لبيك عبدي ! لئن عجلت لك ما سألت ،إني على ذلك لقادر ،ولئن
ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك ) .(3جع :عنه عليه السلم مثله(4) .
بيان :في القاموس :ثج الماء :سال ،وثجه :أساله ،وفي النهاية :فيه أفضل
الحج العج الثج ،الثج :سيلن دماء الهدي والضاجي ) ،(4يقال :ثجه
][209
يثجه ثجا ،ومنه فحلب فيه ثجا ،أي لبنا سائل كثيرا ،وحديث المستحاضة إنى أثجه
ثجا انتهى .واقول :ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف واليصال
والباء زائدة أي ثج عليه البلء أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه
وحزنه ،كأنه يذوب من البلء ويسيل ،أو عن توجهه إلى جناب الحق
سبحانه بالدعاء والتضرع لدفعه ،وقيل :أي أسال دم قلبه بالبلء .واقول:
في جامع الخبار ) (1وغيره " بجه " بالباء الموحدة والبج :الشق
والطعن بالرمح " .فإذا دعاه " أي لدفع البلء ،أو لغيره من المطالب
أيضا ،وفي القاموس :ألب :أقام كلب ،ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك
إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة ،أو معناه اتجاهي وقصدي لك ،من :داري
تلب داره :أي تواجهها ،أو معناه :محبتي لك ،من :امرأة لبة :محبة
لزوجها ،أو معناه إخلصي لك من :حسب لباب :خالص ) - 11 .(2كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن زيد الزراد ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن
عظيم البلء يكافأ به عظيم الجزاء ،فإذا أحب ال عبدا ابتله ال بعظيم
البلء ،فمن رضي فله عند ال الرضا ،ومن سخط البل فله عند ال السخط
) .(3ل :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن سهل ،عن الحسن اللؤلؤي ،عن
محمد بن سنان ،عن زيد الشحام ،عنه عليه السلم مثله ) .(4محص :عن
الشحام مثله .بيان " :يكافأ به " على بناء المجهول ،أي يحازى ،أو
يساوى ،في القاموس:
) (1جامع الخبار (2) .134 :القاموس ج 1ص 126و (3) 127الكافي ج 2ص
(4) .253الخصال ج 1ص 12
][210
كافأه مكافأة وكفاء :جازاه ،وفلنا :ماثله وراقبه ) ،(1والحمد ل كفاء الواجب اي
ما يكون مكافئا له " .فإذا أحب ال عبدا " أي أراد أن يوصل الجزاء
العظيم إليه ،ويرضى عنه ووجده أهل لذلك ابتله بعظيم البلء من
المراض الجسمانية ،والمكاره الروحانية " فمن رضي " أي ببلئه
وقضائه ،والظاهر أن المراد بالموصول في الموضعين أعم من العبد
المحبوب المتقدم ،فان العبد المحبوب ل سبحانه ل يسخط قضاءه ،و
يحتمل أن يكون المراد بالمحبة ،تعريضه للمثوبة ،سواء رضي أم ل "
فمن رضي فله عند ال الرضا " أي يرضى ال عنه " ،ومن سخط "
القضاء " فله عند ال السخط " أي الغضب - 12 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن زكريا بن الحر ،عن
جابر بن يزيد ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إنما يبتلي المؤمن في الدنيا
على قدر دينه ،أو قال على حسب دينه ) .(2بيان " :أو قال " الشك من
الراوي ،و " الحسب " بالتحريك المقدار ،فمآل الروايتين واحد ،قال في
المصباح :قولهم :يجزى المرء على حسب عمله :أي على مقداره- 13 .
كا :عن العدة ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن بعض أصحابه ،عن محمد
بن المثنى الحضرمي ،عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان ،كلما زيد في إيمانه
زيد في بلئه ) .(3بيان " :إنما المؤمن " كأن المعنى أن حال المومن في
إيمانه وبلئه بمنزلة كفتي الميزان ،كما ورد :الصلة ميزان فمن وفى
استوفى ،وقيل :المعنى أن المومن ككفة الميزان ،في أنه كلما وضع فيه
يوضع في الكفة الخرى
) (1القاموس ج 2ص (2) 26الكافي ج 2ص (3) 253الكافي ج 2ص 254
][211
ما يوازنه عند الوزن ،فكلما زيد في المومن من اليمان زيد في الكفة الخرى وهو
الكافر الذي بلء المؤمن بسببه ،سواء كان من النس أو الجن ،فيزيد
بلؤه و أذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن - 14 .كا :عن علي ،عن
أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن أبي أيوب ،عن محمد بن مسلم قال :سمعت
أبا عبد ال عليه السلم يقول :المؤمن ل يمضي عليه أربعون ليلة إل
عرض له أمر يحزنه يذكر به ) .(1بيان " :أمر يحزنه " بالضم ،قال في
المصباح :حزن حزنا من باب تعب والسم الحزن بالضم فهو حزين،
ويتعدى في لغة قريش بالحركة ،يقال :حزنني المر يحزنني ،من باب قتل
قاله تغلب والزهري وفي لغة تميم باللف ،ومثل الزهري باسم الفاعل
والمفعول في اللغتين على بابهما ومنع أبو زيد الماضي من الثلثي ،فقال:
ل يقال :حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلثي فيقال :يحزنه انتهى.
وقوله " :يذكر به " على بناء المفعول من التفعيل ،كأنه سئل عن سبب
عروض ذلك المر ،فقال :يذكر به ذنوبه ،والتوبة منها ،لقوله سبحانه" :
ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ." (2وربه القادر على دفع ذلك
عنه ،فيتضرع لذلك ،ويدعو ال لرفعه ،وسفالة الدنيا ) (3ودناءتها لشيوع
أمثال ذلك فيها فيزهد فيها ،والخرة وخلوص لذاتها عن الحزان
والكدورات فيرغب إليها ول يصلح القلب إصلح الحزن شئ وقد قيل :إن
القلب الذي ل حزن فيه كبيت الخراب - 15 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن
أبي عبد ال ،عن أبيه ،عن إبراهيم بن محمد الشعري ،عن عبد بن زرارة
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن المومن من ال عزوجل
لبأفضل مكان -ثلثا -إنه ليبتليه بالبلء ،ثم ينزع نفسه عضوا عضوا
) (1المصدر (2) .253الشورى (3) 30 :أي ويذكر سفالة الدنيا .وهكذا قوله:
والخرة الخ.
][212
من جسده ،وهو يحمد ال على ذلك ) .(1بيان " :من ال " أي بالنسبة إليه " ثلثا
" أي قال هذا الكلم ثلث مرات " نفسه عضوا عضوا " أي روحه من
بدنه بالتدريج ،وقيل :أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو
سلب الروح منه ،وقال بعضهم :النفس بضم النون والفاء جمع نفيس أي
يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام ،ول يخفى ما فيه والول أظهر - 16 .كا:
عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن فضيل ابن
عثمان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن في الجنة منزلة ل يبلغها
عبد إل بالبتلء في جسده ) .(2بيان :يدل على أن بعض درجات الجنة
يمكن البلوغ إليها بالعمل و السعي ،وبعضها ل يمكن الوصول إليها ال
بالبتلء في الجسد ،فيمن ال تعالى على من أحب من عبده بالبتلء
ليصلوا إليها - 17 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن إبراهيم بن
محمد الشعري عن أبي يحيى الحناط ،عن عبد ال بن أبي يعفور ،قال:
شكوت إلى أبي عبد ال عليه السلم ما ألقى من الوجاع -وكان مسقاما -
فقال لي :يا عبد ال لو يعلم المؤمن ماله من الجزاء في المصائب ،لتمنى
أنه قرض بالمقاريض ) .(3بيان " :وكان مسقاما " هذا كلم أبي يحيى،
وضمير كان عائد إلى عبد ال و " المسقام " بالكسر الكثير السقم
والمرض " ،إنه قرض " على بناء المفعول بالتخفيف ،أو بالتشديد للتكثير
والمبالغة .وفي المصباح :قرضت الشئ قرضا من باب ضرب :قطعته
بالمقراضين ،و المقراض أيضا بكسر الميم والجمع :مقاريض ،ول يقال:
إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة وإنما يقال عند اجتماعهما
قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين
) (1الكافي ج 2ص (2) .254الكافي ج 2ص (3) 255المصدر ج 2ص 255
][213
وفي الواحد قطعته بالمقراض - 18 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد،
عن محمد بن سنان ،عن يونس بن رباط قال :سمعت أبا عبد ال عليه
السلم يقول :إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة
قليلة وعافية طويلة ) .(1نبه :عن ابن رباط مثله .بيان " :منذ كانوا "
تامة " وفي شدة " خبر " لم يزالوا " " إلى مدة قليلة " أي إلى انتهاء
مدة قليلة هي العمر ،ينهي إلى " عافية طويلة " في البرزخ والخرة
وقيل " :إلى " بمعنى مع - 19 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن بعض
أصحابه ،عن الحسين بن المختار عن أبي اسامة ،عن حمران ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :إن ال عزوجل ليتعاهد المؤمن بالبلء كما يتعاهد
الرجل أهله بالهدية من الغيبة ،ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض )
.(2بيان :في القاموس تعهده وتعاهده :تفقده وأحدث العهد به ،وقال:
حمى المريض ما يضره :منعه إياه فاحتمى ،وتحمى :امتنع .واقول :وجه
الشبه في الفقرتين في المشبه وإن كان أقوى ،لكن المشبه به عند الناس
أظهر وأجلى - 20 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن المغيرة ،عن
محمد بن يحيى الخثعمي عن محمد بن بهلول العبدي قال :سمعت أبا عبد
ال عليه السلم يقول :لم يؤمن ال المؤمن من هزاهز الدنيا ،ولكنه آمنه
من العمى فيها والشقاء في الخرة ) .(3بيان " :من هزاهز الدنيا " أي
الفتن والبليا التي يهتز فيها الناس و " العمى "
) (1الكافي ج 2ص (2) .255المصدر ج 2ص (3) 255المصدر نفسه.
][214
عمى القلب ،الموجب للجهل بال ،والتنفر عن الحق والبعد عن لوازم اليمان وكل
ذلك يوجب الشقاء والتعب في الخرة - 21 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن
أبي عبد ال ،عن نوح بن شعيب ،عن أبي داود المسترق رفعه قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :دعى النبي صلى ال عليه وآله إلى طعام فلما
دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على
وتدفي حائط ،فثبتت عليه ،ولم تسقط ولم تنكس ،فتعجب النبي صلى ال
عليه وآله منها فقال له الرجل :أعجبت من هذه البيضة ؟ فو الذي بعثك
بالحق ما رزئت شيئا قط .فنهض رسول ال صلى ال عليه وآله ولم يأكل
من طعامه شيئا ،وقال :من لم يرزء فما ل فيه من حاجة ) .(1بيان" :
فتقع " أي فوقعت ،واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه
المواضع شائع " ،ما رزئت شيئا " أي ما نقصت ،في القاموس :رزأه
ماله -كجعله وعلمه -رزعا بالضم :أصاب منه شئيا كارتزأه ماله ،ورزأ
الشئ :نقصه ،والرزيئة المصيبة ،وما رزئته بالكسر :ما نقصته ) .(2وفي
النهاية :في حديث سراقه :فلم يرزءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال:
رزأته أرزأه وأصله النقص ،فقوله :رزئت على بناء المجهول ومفعول،
الثاني محذوف " .فما ل فيه من حاجة " استعمال الحاجة في ال سبحانه
مجاز ،والمراد أنه ليس من خلص المؤمنين ،وممن أعده ال لهداية الخلق
ولعبادته ومعرفته ،فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلء .فكأنه محتاج
إليهم في ذلك ،أو أنهم لما كانوا من حزب ال ،وعبدته حقيقة ،وأنصار
دينه ،فكأنه سبحانه محتاج إليهم ،كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل
ذلك .أو المراد حاجة النبياء والوصياء في ترويج الدين ،ونسب ذلك إلى
ذاته
][215
تعظيما لهم كما ورد في قوله تعالى " :إن تنصروا ال ينصركم " ) " (1وما
ظلمونا " ) (2وأمثالهما .أو أنه تعالى لما طلب من عباده العبادات
بالوامر وغيرها ،كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه ،فاستعملت الحاجة فيه
مجازا ،أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به ،وترك القبال عليه ،لن
اللطف والقبال منا لزمان للحاجة ،فنفى الملزوم وأراد نفي اللزم،
والوجوه متقاربة .وإنما امتنع صلى ال عليه وآله من طعامه لن ما ذكره
كان من صفات المستدرجين ومن ل خير فيه ل خير في طعامه ،والمال
الذي لم ينقص منه شئ ملعون كالبدن وقد قال صلى ال عليه وآله :ملعون
كل مال ل يزكى ،ملعون كل بدن ل يزكى ) (3مع أنه يمكن أن يكون علم
صلى ال عليه وآله من تقريره أنه ل يؤدي الحقوق الواجبة أيضا .وأيضا
لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام ،مرغوبة بالطبع لسائر
الخلق ،أراد صلى ال عليه وآله المبالغة في ذمها ،لئل ترغب الصحابة
فيها ،وليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين - 22 .كا :عن العدة ،عن
علي بن الحكم ،عن أبان بن عثمان ،عن عبد الرحمان عن أبي عبد ال،
وأبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :ل حاجة ل فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب ) .(4بيان" :
فيمن ليس له " أي ل ،وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد ،والظاهر أن
المراد بالنصيب :النقص الذي وقع بقضاء ال وقدره ،في ماله أو بدنه،
بغير اختيار ويحتمل شموله للختياري أيضا ،كأداء الحقوق المالية،
وإبلء البدن بالطاعة - 23 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن عيسى،
عن ابن فضال ،عن علي
) (1القتال (2) .7البقرة (3) .57 :سيأتي الحديث ص (4) .219الكافي ج 2ص
(* .256
][216
ابن عقبة ،عن سليمان بن خالد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال إنه ليكون للعبد
منزلة عند ال ،فما ينالها إل باحدى الخصلتين :إما بذهاب ماله ،أو ببلية
في جسده ) .(1بيان " :بذهاب ماله " بكسر اللم ،وقد يقرء بالفتح وعلى
الول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده وأهله وأقاربه وأشباه
ذلك ،والمراد بالعبد :المؤمن الخالص الذي يحبه ال - 24 .كا :بالسناد
المتقدم عن البرقي ،عن ابن فضال ،عن مثنى الحناط عن أبي اسامة ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال ال عزوجل :لول أن يجد عبدي المؤمن
في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد ل يصدع رأسه أبدا ) .(2بيان:
" لول أن يجد عبدي المؤمن في قلبه " كأن مفعول الوجدان محذوف أي
شكا أو حزنا شديدا ،أو يكون الوجد بمعنى الغضب ،أو بمعنى الحزن،
فقوله " :في قلبه " للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه .في
المصباح :وجدته أجده وجدانا بالكسر ،ووجدت عليه موجدة في الغضب
ووجدت به في الحزن وجدا بالفتح انتهى .والعصابة بالكسر :ما يشد على
الرأس والعمامة ،والعصب :الطي الشديد وعصب رأسه بالعصابة،
وعصب أيضا بالتشديد أي شده بها ،و " الصداع " كغراب وجع الرأس،
يقال :صدع على بناء المفعول من التفعيل ،وجوز في الشعر التخفيف وذكر
الرأس هنا على التجريد ،والعصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه
ويؤذيه .وتخصيص الرأس لن أكثر المراض العظيمة ينشأ منه وأكثر
القوى فيه وذكر الصداع لنه أقل مراتب اللم والوجاع وأخفها ،أي فكيف
ما فوقه ،ويحتمل كون تخصيص الرأس لذلك .والحاصل أنه :لول مخافة
انكسار قلب المؤمن ،أو ضعف يقينه ،لما يراه على
][217
الكافر من العافية المستمرة ،لقويت الكافر ،وصححت جسمه ،حتى ل يرى وجعا
وألما في الدنيا أبدا .وقيل تعصيب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة
على رأسه ،وذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث ل تحصل فيه ثملة ،ول
يخفى بعده .وفيه إشارة إلى قوله سبحانه " :لول أن يكون الناس امة
واحدة " ) (1قال الطبرسي رحمه ال :أي لول أن يجتمع الناس على
الكفر ،فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد ،لميلهم إلى الدنيا ،وحرصهم
عليها " لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة " فالسقف إذا
كان من فضة فالحيطان من فضة " ومعارج عليها يظهرون " أي وجعلنا
درجا وسلليم من فضة لتلك السقف ،عليها يعلون ويصعدون " .ولبيوتهم
أبوابا وسررا عليها " أي على تلك السرر " يتكئون وزخرفا " أي ذهبا،
أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا ،وقيل :الزخرف :النقوش ،وقيل :هو الفرش
ومتاع البيت ،والمعنى لعطى الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها ،لقلتها
وحقارتها عنده ،ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة " ،وإن
كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين " خاصة لهم ).(2
- 25كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن حسين بن عثمان
عن ابن مسكان ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :مثل المؤمن كمثل خامة الزرع ،تكفئها
الرياح كذا وكذا ،وكذلك المؤمن تكفئه الوجاع والمراض ،ومثل المنافق
كمثل الرزبة المستقيمة التي ل يصيبها شئ حتى يأتيه الموت فيقصفه
قصفا ) .(3بيان :قد مر معنى " خامة الزرع " في باب أن المؤمن صنفان
) (4والفرق
) (1الزخرف (2) .35 - 33 :مجمع البيان ج 9ص (3) .47الكافي ج 2ص
(4) .257راجع ص 191فيما سبق
][218
بين التشبيه هنا وبين ما سبق ،حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها وههنا جميعهم
بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح ،وههنا شبه البليا والمراض بها،
" تكفئها " بالهمز أي تقلبها ،في القاموس :كفأه كمنعه :صرفه وكبه
وقلبه ،كأكفأه ) (1وقال :الزربة ،والمرزبة مشددتان ،أو الولى فقط:
عصية من حديد ) (2و " حتى " في قوله " :حتى يأتيه الموت " متعلق
بالجار والمجرور في قوله " :كمثل الرزبة " ،وفي المصباح :قصفت
العود قصفا فانقصفت ،مثل كسرته فانكسر ،لفظا ومعنا .ومثل هذه الرواية
رواها مسلم في صحيحه باسناده عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم قال:
مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح :تصرفها مرة ،وتعدلها
اخرى ،حتى يأتيه أجله ،ومثل المنافق مثل الرزة ) (3المجذية التي ل
يصيبها شئ حتى يكون انجعافها مرة واحدة ،وفي رواية اخرى مثل
الكافر .قال عياض :الخامة هي الزرع أول ما ينبت ،ومعنى تكفئها بضم
التاء تميلها الريح وتلقيها بالرض كالمصروع ،ثم تقيمه يقوم على سوقه،
ومعنى المجذية :الثابتة ،يقال :أجذى يجذي ،و " النجعاف " :النقطاع،
يقال :جعفت الرجل صرعته .وقال محيي الدين :الرزة -بالفتح -وقال
بعضهم :هي الرزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة ،وأنكره أبو عبيد،
وقال أهل اللغة :الرزة بالمد الثابتة ،وهذا المعنى صحيح ههنا ،فانكار أبي
عبيد إنكار الرواية ل إنكار اللغة .وقال أبو عبيد :شبه المومن بالخامة التي
تميلها الريح ،لنه يرزأ في نفسه وماله ،وشبه الكافر بالرزة لنه ل يرزأ
في شئ حتى يموت ،وإن رزئ لم يوجر حتى يلقى ال بذنوب جمة- 26 .
كا :عن علي بن إبراهيم ،عن هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صدقة
) (1القاموس ج 1ص (2) .26القاموس ج 1ص (3) .73في نسخة الكمبانى "
الرزبة " وهو تصحيف.
][219
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال النبي صلى ال عليه وآله يوما لصحابه:
ملعون كل مال ل يزكى ملعون كل جسد ل يزكى ،ولو في كل أربعين يوما
مرة ،فقيل :يا رسول ال أما زكاة المال فقد عرفناها ،فما زكاة الجساد ؟
فقال لهم :أن تصاب بآفة .قال :فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه ،فلما
رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم :هل تدرون ما عنيت بقولي ؟ قالوا :ل يا
رسول ال ،قال :بلى الرجل يخدش الخدشة ،وينكب النكبة ،ويعثر العثرة،
ويمرض المرضة ،ويشاك الشوكة وما أشبه هذا ،حتى ذكر في آخر حديثه
اختلج العين ) .(1بيان " :ملعون كل مال ل يزكى " قال الشيخ البهائي
برد ال مضجعه :أي بعيد عن الخير والبركة ،يعني ل خير فيه لصاحبه ول
بركة ،ويجوز أن يراد ملعون صاحبه ،على حذف مضاف ،أي مطرود مبعد
عن رحمة ال تعالى وقس عليه قوله صلى ال عليه وآله " :ملعون كل
جسد ل يزكى " وذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة ويجوز أن يكون
استعارة تبعية ،ووجه الشبه أن كل منهما وإن كان نقصا بحسب الظاهر إل
أنه موجب لمزيد الخير والبركة في نفس المر " .فتغيرت وجوه الذين
سمعوا ذلك " لنهم ظنوا أن مراده بالفة :العاهة والبلية الشديدة التي
كثيرا ما يخلوا عنهما النسان سنين عديدة ،فضل عن أربعين يوما" ،
قال :بلى " أقول :كأنه جواب عن سؤال مقدر ،كأن القوم قالوا :أل تفسر
لنا ؟ قال :بلى .وصحف بعض الفاضل فقرأ " بلى الرجل " مصدرا مضافا
إلى الرجل أي خلقه ،كأن البليا تبلي الجسد وتخلقها و " يخدش " صفة
الرجل لن اللم للعهد الذهني ،ول يخفى ما فيه .وقال الشيخ المتقدم ذكره
قدس سره " :يخدش " بالبناء للمفعول ،وكذا " ينكب " والخدشة تفرق
اتصال في الجلد ،من ظفر ونحوه ،سواء خرج منه الدم أو ل.
][220
وأقول :النكبة :أن يقع رجله على الحجارة ونحوها ،أو يسقط على وجهه أو
أصابته بلية خفيفة من بليا الدهر ،في القاموس :النكب :الطرح ،ونكب
الناء :هراق ما فيه ،والكنانة :نثر ما فيها ،والحجارة رجله لثمتها ،أو
أصابتها ،فهو منكوب ونكب ،وبه :طرحه ،والنكبة بالفتح :المصيبة ونكبه
الدهر نكبا ونكبا :بلغ منه ،أو أصابه بنكبة ) .(1وفي النهاية :وقد نكب
بالحرة :أي نالته حجارتها ،وأصابته ،ومنه النكبة وهي ما يصيب النسان
من الحوادث :ومنه الحديث :أنه نكبت أصبعه أي نالته الحجارة " .ويعثر
العثرة " في القاموس :العثرة :المرة من العثار في المشي ،وقال الشيخ
رحمه ال :المراد عثرة الرجل ،ويجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان
أيضا لكنه بعيد " .ويشاك الشوكة " يقال :شاكته الشوكة ،تشوكه شاكة
وشيكة :إذا دخلت في جسده ،وانتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة،
كانتصاب الخدشة ،والنكبة والعثرة ،فان :قلت تلك مصادر بخلف الشوكة،
فكيف يكون مفعول مطلقا ؟ قلت :قد يجئ المفعول المطلق غير مصدر إذا
لبس المصدر باللية ونحوها ،نحو ضربته سوطا ،وإن أبيت فاجعل
انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة .اقول :وفي القاموس :شاكته
الشوكة :دخلت في جسمه ،وشكته أنا أشوكه وأشكته :أدخلتها في جسمه،
وشاك يشاك شاكة وشيكة -بالكسر :وقع في الشوك ،والشوكة -خالطها،
وما أشاكه شوكة ول شاكه بها :ما أصابه بها انتهى ) .(2فعلى بعض
الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعول ثانيا من غير تقدير .وقال " :وما
أشبه هذا " يحتمل أن يكون من كلم النبي صلى ال عليه وآله ،وأن يكون
من كلم الراوي.
][221
اقول :الظاهر أنه من كلم الصادق عليه السلم إلى آخر الخبر ،وضمير حديثه
راجع إلى النبي صلى ال عليه وآله ،وقال قدس سره :عد صلى ال عليه
وآله اختلج العين من الفات لن الختلج مرض من المراض ،وقد ذكره
الطباء ،وهو حركة سريعة متواترة غير عادية ،يعرض لجزء من البدن،
كالجلد ونحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل ،فتصير ريحا بخاريا غليظا
يعسر خروجه من المسام ،وتزاول الدافعة دفعه ،فتقع بينهما مدافعة
واضطراب - 27 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار،
عن ابن فضال عن ابن بكير قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم أيبتلي
المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا ؟ قال :فقال :وهل كتب البلء إل على
المؤمن ) .(1بيان " :وهل كتب البلء إل على المؤمن " أي غالبا- 28 .
كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عمن رواه ،عن الحلبي عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المؤمن ليكرم على ال ،حتى لو سأله
الجنة بما فيها ،أعطاه ذلك ،من غير أن ينتقص من ملكه شيئا وإن الكافر
ليهون على ال حتى لو سأله الدنيا بما فيها لعطاه من غير أن ينقص من
ملكه شيئا ،وإن ال ليتعاهد عبده المؤمن بالبلء ،كما يتعاهد الغائب أهله
بالطرف ،وإنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض ) .(2بيان :كلمة "
لو " في الموضعين شرطية امتناعية ،و " أعطاه " جزاؤه ،أي لو سأل
المؤمن الجنة أعطاه ،لكنه ل يسأله ذلك ،لنه يعلم عدم المصلحة في ذلك
أو يحب الشركاء فيها ول يطلب التفرد ،مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة
بالفعل ويخلق أمثالها وأضعافها لغيره .وأما الكفار فانه أيضا ل يسأل
جميع الدنيا ،لنه ل يؤمن بال وسعد قدرته بل يعد ذلك ممتنعا ،وقيل :لنه
ممتنع أن يسأل ال ،لنه سبحانه ل يدرك
بالكنه ول بالشخص ،بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية ،و الكافر
ل يعرفه كذلك ،وإليه يشير قوله تعالى " :اجيب دعوة الداع إذا دعان " )
" (1وانتقص " يكون لزما ومتعديا ،والمراد هنا الثاني ،في القاموس:
نقص لزم متعد ،وأنقصه وانتقصه ،ونقصه :فانتقص ) :(2وقيل " :شيئا
" قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا وفي المصباح:
" الطرفة " ما يستطرف أي يستملح ،والجمع طرف ،مثل غرفة وغرف،
وفي القاموس :أطرف فلنا :أعطاه ما لم يعطه أحد قبله والسم :الطرفة
بالضم - 29 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن سماعة ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن في كتاب علي عليه السلم :إن أشد
الناس بلء النبيون ،ثم الوصيون ثم المثل فالمثل ،وإنما يبتلي المؤمن
على قدر أعماله الحسنة ،فمن صح دينه وحسن عمله ،اشتد بلؤه وذلك
أن ال عزوجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ،و ل عقوبة لكافر ،ومن سخف
دينه وضعف عمله قل بلؤه ،وإن البلء أسرع إلى المؤمن التقي من
المطر إلى قرار الرض ) .(3ع :عن أبيه ،عن السعد آبادي ،عن البرقي،
عن ابن محبوب مثله ) .(4جع :عن النبي صلى ال عليه وآله مثله ) (5إل
أن قوله " :وذلك أن ال " إلى قوله " :لكافر " في آخر الخبر ،وهو
أنسب .بيان " :وذلك أن ال " أقول :دفع لما يتوهم من أن المؤمن
لكرامته على ال كان ينبغي أن يكون بلؤه أقل ،والمعنى :أن المؤمن لما
كان محل ثوابه الخرة ،لن الدنيا لفنائها وانقطاعها ل يصح أن يكون
ثوابا له ،فينبغي
) (1البقرة (2) .185 :القاموس ج 2ص (3) 320الكافي ج 2ص (4) .259
علل الشرايع ج 1ص (5) .42جامع الخبار ص .133
][223
أن ل يكون له في الدنيا إل ما يوجب الثواب في الخرة ،وكذا الكافر لما كنت
عقوبته في الخرة ،لن الدنيا لنقطاعها ل تصلح أن تكون عقوبته فيها،
فل يبتلي في الدنيا كثيرا ،بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا،
بدفع البلء والسعة في النعماء .وفي القاموس " :القرار والقرارة " :ما
قر فيه ،والمطمئن من الرض ) (1شبه عليه السلم البلء النازل إلى
المؤمن بالمطر النازل إلى الرض ،ووجه الشبه متعدد وهو السرعة
والستقرار بعد النزول ،وكثرة النفع ،والتسبب للحياة ،فان البلء للمؤمن
سبب للحياة البدية ،والمطر سبب للحياة الرضية - 30 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن الحكم عن مالك بن
عطية ،عن يونس بن عمار قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :إن هذا
الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن ال لم يبتل به عبدا له فيه حاجة ،قال:
فقال لي :لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الصابع ،فكان يقول :هكذا -
ويمد يديه -و يقول " :يا قوم اتبعوا المرسلين " ) .(2ثم قال لي :إذا كان
الثلث الخير من الليل ،في أوله فتوضأ وقم إلى صلتك التي تصليها ،فإذا
كنت في السجدة الخيرة من الركعتين الوليين ،فقل وأنت ساجد " :يا
علي يا عظيم ،يا رحمان يا رحيم ،يا سامع الدعوات ،يا معطي الخيرات
صل على محمد وآل محمد ،وأعطني من خير الدنيا والخرة ما أنت أهله،
واصرف عني من شر الدنيا والخرة ما أنت أهله ،وأذهب عني هذا الوجع
-وتسميه -فانه قد غاظني وأحزنني .وألح في الدعاء ،قال :فما وصلت
إلى الكوفة حتى أذهب ال به عني كله ) .(3بيان :الظاهر أن الثار التي
ظهرت بوجهه كان برصا ،ويحتمل الجذام و
) (1القاموس ج (2) .115 :2يس (3) .13 :الكافي ج 2ص .259
][224
على الول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلء المؤمن بالجذام ،جاز ابتلؤه
بالبرص بطريق أولى لن الجذام أشد وأخبث .وأما ذكر مومن آل فرعون
في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة ،أو النساخ لن الية المذكورة إنما
هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا ) ،(1و ربما يوجه
بوجهين :أحدهما أن المراد بالفرعون هنا :فرعون عيسى عليه السلم
وهو الجبار الذي كان بالنطاكية حين ورده رسل عيسى عليه السلم،
والفرعون يطلق على كل جبار متكبر ،نعم شاع إطلقه على ثلثة :فرعون
الخليل واسمه :سنان ،و فرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد،
وفرعون موسى واسمه :الوليد بن مصعب وإضافته إلى آل فرعون عيسى
بأدنى الملبسة ،وهو كونه فيهم واشتغاله بإنذارهم ،أو باعتبار كونه منهم
في نفس المر .وثانيهما :كونهما واحدا وكان طويل العمر جدا ،ومع
إدراكه زمان موسى أدراك زمان عيسى عليهما السلم أيضا مع أنه كان
بينهما على رواية ابن الجوزي في التنقيح ألف وستمائة واثنان وثلثون
سنة ،وكان اسمه حبيبا النجار ،وكان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر في
الخبر ،وقال في القاموس :خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين ) .(2وقال
علي بن إبراهيم ) (3في قوله تعالى " :وقال رجل مؤمن من آل فرعون
يكتم إيمانه ) " (4قال :كتم إيمانه ستمائة سنة قال :وكان مجذوما مكنعا،
وهو الذي قد وقعت أصابعه ،وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين،
ويقول " :يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ) " (5وفي بعض النسخ:
مكتعا وهو الذي قد عقفت
) (1تحت الرقم (2) .4 :القاموس ج 3ص (3) .367تفسير القمى ص (4) .585
المؤمن (5) .30 :غافر.38 :
][225
أصابعه ،وكان يسير بيديه المعقوفتين ،ويقول :والعقف :،العطف ،ول يخفي بعد
الوجهين ،لسيما الخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المومنين.
" وإذا كان الثلث " " كان " تامة ،وقيل ناقصة ،واسمه ضمير مستتر
راجع إلى العالم أو نحوه ،و " الثلث " منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة
" في أوله " فانه بدل الثلث والظرف خبر كان ،و " تسميه " كلم المام
عليه السلم اعترض بين الدعاء أي وتسمي الوجع بأن تقول مكان هذا
الوجع هذا البرص ،وفيه إشعار بأن الدعاء ل يخص البرص " .وأحزنني
" وفيما سيأتي في كتاب الدعاء " حزنني " وكلهما صحيح فيقال :حزنه
وأحزنه ،و " اللحاح " :المداومة والمبالغة بالتضرع ،والتكرار
والستشفاع بالنبي صلى ال عليه وآله والئمة صلوات ال عليهم وأشباه
ذلك ،قال في المصباح :ألح السحاب إلحاحا :دام مطره ،ومنه ألح الرجل
على الشئ :إذا أقبل عليه مواظبا - 31 .ب :عن محمد بن الوليد ،عن عبد
ال بن بكير ،قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم أيبتلي المؤمن بالجذام
والبرص وأشباه هذا ؟ قال :وهل كتب البلء إل على المؤمن ؟- 32 (1) .
ل :عن ابن مسرور ،عن ابن بطة ،عن البرقي ،عن أبيه رفعه إلى زرارة
بن أوفى قال :دخلت على علي بن الحسين عليهما السلم فقال :يا زرارة
الناس في زماننا على ست طبقات :أسد ،وذئب ،وثعلب ،وكلب ،وخنزير
وشاة .فأما السد فملوك الدنيا ،يحب كل واحد أن يغلب ول يغلب .وأما
الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا ،ويمدحون إذا باعوا .وأما الثعلب:
فهؤلء الذين يأكلون بأديانهم ،ول يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم.
وأما الكلب يهر على الناس بلسانه ،ويكرهه الناس من شره لسانه.
][226
وأما الخنزير :فهؤلء المخنثون وأشباههم ،ل يدعون إلى فاحشة إل أجابوا .وأما
الشاة :فالذين تجر شعورهم ) (1ويؤكل لحومهم ،ويكسر عظمهم فكيف
تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير ) .(2بيان :المراد
بالشاة :المؤمن المبتلى بهولء ،وجر الشعر :كناية عن الستيلء عليهم،
وجرهم إلى بيوت الظلمة للدعاوي الباطلة ،أو الستخفاف بهم وفي بعض
النسخ بالزاي فهو بالمعنى الخير ،وأكل لحومهم :غيبتهم ،وكسر عظمهم:
ضربهم وشدة الجور عليهم - 33 .ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما كان ول
يكون إلى يوم القيامة مؤمن إل وله جار يؤذيه ) .(3صح :عنه عليه
السلم مثله ) - 34 .(4ما :عن الفحام ،عن المنصوري ،عن عم أبيه ،عن
أبي الحسن الثالث عن آبائه ،عن الصادق عليهم السلم مثله ) (5وفيه:
رجل مؤمن - 35 .ما :عن الغضائري ،عن هارون بن موسى ،عن محمد
بن همام ،عن الحسين بن أحمد المالكي ،عن اليقطيني ،عن يحيى بن
زكريا ،عن داود بن كثير ،عن أبي خالد البرقي قال :حدثنا أبو عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال عزوجل:
لول أني أستحيي من عبدي المؤمن ،ما تركت عليه خرقة يتوارى بها وإذا
كملت له اليمان ابتليته بضعف في قوته ،وقلة في رزقه ،فان هو حرج
أعدت إليه ،فإن صبر باهيت به ملئكتي.
) (1في المصدر المطبوع :تجز شعورهم بالزاى (2) .الخصال ج 2ص (3) .165
عيون أخبار الرضا ج 2ص (4) .33صحيفة الرضا ص (5) .32أمالى
الشيخ ج 1ص .286
][227
أل وقد جعلت عليا علما للناس فمن تبعه كان هاديا ،ومن تركه كان ضال ل يحبه إل
مؤمن ول يبغضه إل منافق ) .(1بيان :فان هو حرج -كفرح -أي ضاق
صدره ولم يصبر " ،أعدت إليه " أي ما أخذت منه :الرزق أو القوة- 36 .
ما :عن علي بن شبل ،عن ظفر بن حمدون ،عن إبراهيم بن إسحاق عن
أبي جعفر المطلبي ،عن محمد بن خالد التميمي ،عن علي بن أبان ،عن
ابن نباته قال :كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلم فأتاه رجل فقال:
وال يا أمير المؤمنين إني لحبك في السر ،كما احبك في العلنية .قال:
فنكت بعوده ذلك في الرض طويل ثم رفع رأسه ،فقال :صدقت إن طينتنا
طينة مرحومة ،أخذ ال ميثاقها يوم أخذ الميثاق ،فل يشذ منها شاذ ،ول
يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة ،أما إنه فاتخذ للفقر جلبابا ) (2فإني
سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :الفاقة إلى محبيك أسرع من
السيل من أعلى الوادي إلى أسفله ) .(3بيان " :أما إنه " كأنه سقط هنا
شئ وفيه تقدير أي أما إنه إن كان كذلك فاتخذ ،وفي البصاير :أما فاتخذ،
وفي النهاية :في حديث علي :من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي
ليزهد في الدنيا ،وليصبر على الفقر والقلة ،والجلباب :الزار والرداء
وقيل :هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه
جلبيب كني به عن الصبر ،لنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن وقيل:
إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر ،أي فليلبس الفقر ،ويكون منه
) (1أمالى الشيخ ج 1ص (2) .312روى الصدوق في معاني الخبار ص ،182
باسناده عن أحمد بن المبارك قال :قال رجل لبي عبد ال عليه السلم:
حديث يروى أن رجل قال لمير المؤمنين عليه السلم :انى احبك فقال
له :أعد للفقر جلبابا ،فقال عليه السلم :ليس هكذا ،قال :انما قال له:
أعددت لفاقتك جلبابا -يعنى يوم القيامة (3) .أمالى الشيخ ج .24 :2
][228
على حالة تعمه وتشتمله ،لن الغنى من أحوال أهل الدنيا ،ول يتهيأ الجمع بين حب
الدنيا ،وحب أهل البيت - 37 .ع :عن ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن
البرقي ،عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ،عن أبيه ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :لو أن مؤمنا كان في قلة جبل ،لبعث ال
عزوجل إليه من يؤذيه ليأجره على ذلك ) .(1بيان :قلة الجبل بالضم:
أعله ،والمراد بالبعث :التخلية وعدم الصرف - 38 .ع :عن حمزة بن
محمد العلوي ،عن أحمد بن محمد الكوفي ،عن عبيد ال بن حمدون ،عن
الحسين بن نصير ،عن خالد بن حصين ،عن يحيى بن عبد ال بن الحسن،
عن أبيه ،عن علي بن الحسين ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :ما زلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين،
مبتلين بمن يؤذينا ،ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض ال عزوجل له
من يؤذيه ،ليأجره على ذلك .وقال أمير المؤمنين عليه السلم :مازلت
مظلوما منذ ولدتني امي ،حتى أن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول ل تذروني
) (2حتى تذروا عليا فيذروني وما بي من رمد ) - 39 .(3ع :عن أبيه،
عن سعد ،عن أيوب بن نوح ،عن صفوان بن يحيى ،عن معاوية بن عمار،
قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :الصاعقة ل تصيب المؤمن ،فقال له
رجل :فإنا قد رأينا فلنا يصلي في المسجد الحرام فأصابته ،فقال أبو عبد
ال عليه السلم :إنه كان يرمي حمام الحرم .وبهذا السناد قال :الصاعقة
تصيب المؤمن والكافر ،ول تصيب ذاكرا ).(4
) (1علل الشرايع ج 1ص (2) .42يقال :ذر الملح :نثره وفرقه والدواء في
العين :بذره (3) .علل الشرايع ج 1ص (4) .42علل الشرايع ج 2ص
.147
][229
بيان " :إنه كان يرمي " يدل على أن المراد بالمؤمن في أول الخبر :المؤمن
الكامل ،كما يدل عليه الرواية التية ،ويحتمل أن ل يكون من أصابته
مؤمنا ،ولم ير عليه السلم المصلحة في إظهار ذلك ،فأسنده إلى بعض
أعماله والول أظهر - 40 .ع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن
محبوب ،عن ابن رئاب عن محمد بن قيس قال :سمعت أبا جعفر عليه
السلم يقول :إن ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء ،فقال أحدهما
لصاحبه :فيما هبطت ؟ قال :بعثني ال عزوجل إلى بحر إيل ،أحشر سمكة
إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر ،فأمرني أن أحشر
إلى الصياد سمك البحر ،حتى يأخذها له ،ليبلغ ال عزوجل غاية مناه في
كفره ،ففيما بعثت أنت ؟ قال :بعثني ال عزوجل في أعجب من الذي بعثك
فيه :بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم ،المعروف دعاؤه وصوته في
السماء ،لكفئ قدره التي طبخها لفطاره ،ليبلغ ال في المؤمن الغاية في
اختبار إيمانه ) .(1توضيح :كأن " إيل " اسم بحر ،وهو غير معروف في
اللغة " اشتهى عليه " كذا في النسخ ،ويمكن إرجاع الضمير إلى ال أي
سأل ال في ذلك واعتمد عليه ،وهو ل ينافي كفره كدعاء فرعون ،أو إلى
نفسه أي لنفسه ،أو ملزما على نفسه ،كناية عن الهتمام بها ،وكأنه كان
في علته كما سيأتي نقل من تفسير المام ،وفي القاموس كفأه كمنعه :كبه
وقلبه ،كأكفأه ،وقال :القدر بالكسر معروف انثى ،أو يونث - 41 .ع :عن
ابن الوليد ،عن الصفار ،عن البرقي ،عن علي بن الحكم عن عبد ال بن
جندب ،عن سفيان بن السمط ،قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إذا أراد
ال عزوجل بعبد خيرا فأذنب ذنبا تبعه بنقمة ،ويذكره الستغفار ،وإذا أراد
ال عزوجل بعبد شرا فأذنب ذنبا ،تبعه بنعمة لينسيه الستغفار ويتمادى
به ،وهو
][230
قول ال عزوجل " :سنستدرجهم من حيث ل يعلمون " ) (1بالنعم عند المعاصي )
.(2بيان :في القاموس :استدرجه :خدعه ،وأدناه ،واستدراج ال تعالى
العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الستغفار وأن يأخذه قليل
قليل ول يباغته ) - 42 .(3ع :عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن
محبوب ،عن عبد ال بن غالب السدي عن أبيه ،عن سعيد بن المسيب
قال :سألت علي بن الحسين عليه السلم عن قول ال عزوجل " لول أن
يكون الناس امه واحدة " قال :عنى بذلك امة محمد أن يكونوا على دين
واحد كفارا كلهم " ،لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة
ومعارج عليها يظهرون " ) (4ولو فعل ذلك بامة محمد صلى ال عليه
وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك ،ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم ) .(5بيان:
" لول أن يكون الناس امة واحدة " قال البيضاوي :لول أن يرغبوا في
الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم ،لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه "
ومعارج " أي مصاعد ،جمع معرج " عليها يظهرون " أي يعلون لحقارة
الدنيا " ولبيوتهم " بدل من " لمن " بدل الشتمال ،أو علة ،كقولك هيأت
له ثوبا لقميصه - 43 .ل :الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم :ما
من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت ،حتى يبتلي ببلية تمحص
بها ذنوبه ،إما في مال ،وإما في ولد ،وإما في نفسه ،حتى يلقى ال
عزوجل وماله ذنب ،وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه ،فيشدد به عليه عند
موته ).(6
) (1العراف ،182 :القلم (2) .44 :علل الشرايع ج 2ص (3) .248القاموس ج
1ص .188وفيه وأدناه كدرجه -بالتشديد -وأقلقه حتى تركه يدرج
على الرض (4) .الزخرف (5) .34 :علل الشرائع ج 2ص (6) .276
الخصال ج 2ص .169
][231
- 44ص :بالسناد إلى الصدوق ،عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير
يرفعه فقال :التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه :أين تريد ؟ قال :بعثني ربي
أحبس السمك ،فان فلن الملك اشتهى سمكة ،فأمر بي أن أحبسه له ليؤخذ
له الذي يشتهي منه ،فأنت أين تريد ؟ قال :بعثني ربي إلى فلن العابد فانه
قد طبخ قدرا وهو صائم ،فأرسلني ربي أكفاؤها - 45 .ص :بالسناد ،عن
الصدوق ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام
بن سالم ،عن الصادق عليه السلم قال :إن أشد الناس بلء النبياء ،ثم
الذين يلونهم ،ثم المثل فالمثل - 46 .ما :عن الحسين بن إبراهيم
القزويني ،عن محمد بن وهبان ،عن أحمد بن إبراهيم ،عن الحسن بن
علي الزعفراني ،عن أحمد البرقي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن
هشام مثله ) - 47 .(1مص :قال الصادق عليه السلم :البلء زين
المؤمن ،وكرامة لمن عقل لن في مباشرته ،والصبر عليه ،والثبات عنده،
تصحيح نسبة اليمان .قال النبي صلى ال عليه وآله :نحن معاشر النبياء
أشد الناس بلء ،فالمؤمن من المثل فالمثل ،ومن ذاق طعم البلء تحت
ستر ،حفظ ال له تلذذه أكثر من تلذذه بالنعمة ،ويشتاق إليه إذا فقده ،لن
تحت يد البلء والمحنة أنوار النعمة ،وتحت أنوار النعمة نيران البلء
والمحنة ،وقد ينجو من البلء كثير ،ويهلك في النعمة كثير .وما أثنى ال
تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى ال عليه وآله إل
بعد ابتلئه ،ووفاء حق العبودية فيه ،فكرامات ال في الحقيقة نهايات
بداياتها البلء ومن خرج من سبيكة البلوى ،جعل سراج المؤمنين،
ومونس المقربين ،ودليل القاصدين ،ول خير في عبد شكى من محنة
تقدمها آلف نعمة ،وأتبعها آلف راحة ،ومن ل يقضي حق الصبر على
البلء ،حرم قضاء الشكر في النعماء ،كذلك
][232
من ل يؤدي حق الشكر في النعماء ،يحرم عن قضاء الصبر في البلء ومن حرمهما
فهو من المطرودين .وقال أيوب عليه السلم في دعائه :اللهم قد أتى علي
سبعون في الرخاء ،حتى أتى علي سبعون في البلء .وقال وهب :البلء
للمؤمن كالشكاك للدابة ،والعقال للبل .وقال أمير المؤمنين عليه السلم:
الصبر من اليمان كالرأس من الجسد ،ورأس الصبر البلء ،وما يعقلها إل
العالمون ) .(1بيان " :ووفاء حق العبودية " أي وفائه بما هو حق
العبودية " فيه " أي في البلء من الصبر والشكر والرضا بالقضاء" ،
الشكاك " ككتاب :اسم للحبل الذي يشد به قوائم الدابة ،و " العقال "
ككتاب أيضا ما يعقل به رجل البعير ،والمعنى أن البليا تمنع المؤمن من
ارتكاب الخطايا - 48 .م :قال الصادق عليه السلم :قال أمير المؤمنين
عليه السلم :لعبدال بن يحيى الحمد ل الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا
في الدنيا بمحنتهم ،لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها .فقال عبد
ال بن يحيى :يا أمير المؤمنين وإنا ل نجازي بذنوبنا إل في الدنيا ؟ قال:
نعم أما سمعت قول رسول ال صلى ال عليه وآله :الدنيا سجن المؤمن
وجنة الكافر ؟ إن ال تعالى يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا ،بما يبتليهم
به من المحن ،وبما يغفره لهم ،فان ال يقول " :وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ) (2حتى إذا وردوا القيامة توفرت
عليهم طاعاتهم وعباداتهم .وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون
منهم في الدنيا ،وإن كان ل وزن لها ،لنه ل إخلص معها ،إذا وافوا
القيامة حملت عليهم ذنوبهم ،وبغضهم لمحمد وآله وخيار أصحابه ،فقذفوا
في النار.
][233
ولقد سمعت محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :إنه كان فيما مضى قبلكم
رجلن :أحدهما مطيع ل مؤمن ،والخر كافر به ،مجاهر بعداوة أوليائه
وموالة أعدائه وكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الرض .فمرض
الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها ،لن ذلك الصنف من السمك كان في
ذلك الوقت في اللجج بحيث ل يقدر عليه فآيسته الطباء من نفسه ،وقالوا:
استخلف في ملكك من يقوم به ،فلست بأخلد من أصحاب القبور ،فان
شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها ،ول سبيل إليها ،فبعث ال ملكا
وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له ]تلك
السمكة[ فأكلها وبرأ من مرضه وبقي في ملكه سنين بعدها .ثم إن ذلك
الملك المؤمن ،مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه ل يفارق
الشطوط التي يسهل أخذه منها ،مثل علة الكافر فاشتهى تلك السمكة و
وصفها له الطباء ،وقالوا :طب نفسا فهذا أوانه ،تؤخذ لك فتأكل منها،
وتبرأ فبعث ال ذلك الملك ،فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط
إلى اللجج لئل يقدر عليه ،فلم توجد حتى مات المؤمن من شهوته ،وبعد
]م[ دوائه فعجب من ذلك ملئكة السماء ،وأهل ذلك البلد في الرض ،حتى
كادوا يفتنون ،لن ال تعالى سهل على الكافر مال سبيل ]له[ إليه ،وعسر
على المؤمن ما كان السبيل إليه سهل .فأوحى ال إلى ملئكة السماء وإلى
نبي ذلك الزمان في الرض :إني أنا ال الكريم ،المتفضل القادر ،ل يضرني
ما اعطي ،ول ينقصني ما أمنع ،ول أظلم أحدا مثقال ذرة .فأما الكافر فانما
سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها،
إذ كان حقا أل ابطل لحد حسنة ،حتى يرد القيامة ول حسنة في صحيفته،
ويدخل النار بكفره ،ومنعت العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه،
فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة ،وإعدام ذلك الداء ،وليأتيني ول
ذنب
][234
عليه فيدخل الجنة ) .(1بيان " :فلست بأخلد من أصحاب القبور " لعل المعنى أن
ال لم يجعلك من الخالدين في الدنيا ،وأسباب موتك قد تسببت ،فلبد من
موتك .أو المعنى أن بقاءك في الدنيا مع هذا المرض ،كحياة أصحاب
القبور في الستحالة العادية - 49 .م :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي عليهما السلم إن ينصر في
الدنيا على أعدائه ،فقد جمع له خير الدارين ،وإن امتحن في الدنيا فقد
ادخر له في الخرة مال يكون لمحنته في الدنيا قدر عند إضافتها إلى نعم
الخرة وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت ،إن خذل في الدنيا ،وغلب
بأيدي المؤمنين ،فقد جمع عليه عذاب الدارين ،وإن امهل في الدنيا واخر
عنه عذابها كان له في الخرة من عجائب العذاب ،وضروب العقاب ،ما
يود لو كان في الدنيا مسلما ،ومال قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند
الضافة إلى تلك البليا .فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا ،وأطولهم
فيها عمرا من مخالفينا :غمس يوم القيامة في النار غمسة ،ثم سئل هل
لقيت نعيما قط ؟ لقال :ل ،ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا ،وأعظمهم
بلء من موافقينا وشيعتنا :غمس يوم القيامة في الجنة غمسة ،ثم سئل:
لقيت بؤسا قط ؟ لقال :ل ،فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما ،فذلك النعيم
فاطلبوه ]وذلك العذاب فاتقوه[ - 50 .كا :عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه،
عن الصفار ،عن ابن عيسى ،عن الهوازي ،عن ابن أبي عمير ،عن
إسماعيل بن إبراهيم ،عن الحكم بن عتيبة قال :قال أبو عبد ال عليه
السلم :إن العبد إذا كثرت ذنوبه ،ولم يكن عنده ما يكفرها ابتله ال تعالى
بالحزن ليكفر عنه ذنوبه ) .(2محص :عن الحكم مثله.
) (1تفسير المام ص 8ذيل تفسير البسملة (2) .مجالس المفيد ص 22تحت
الرقم.3 :
][235
- 51جا :عن محمد بن محمد بن طاهر الموسوي ،عن ابن عقدة ،عن يحيى بن
زكريا ،عن محمد بن سنان ،عن أحمد بن سليمان القمي قال :سمعت أبا
عبد ال عليه السلم يقول :إن كان النبي من النبياء ليبتلي بالجوع ،حتى
يموت جوعا ،وإن كان النبي من النبياء ليبتلي بالعطش حتى يموت
عطشا ،وإن كان النبي من النبياء ليبتلي بالعراء حتى يموت عريانا ،وإن
كان النبي من النبياء ليبتلي بالسقم والمراض حتى تتلفه ،وإن كان النبي
ليأتي قومه فيقوم فيهم ،يأمرهم بطاعة ال ويدعوهم إلى توحيد ال ،وما
معه مبيت ليلة ،فما يتركونه يفرغ من كلمه ،ول يستمعون إليه حتى
يقتلوه ،وإنما يبتلي ال تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده ).(1
- 52جا :عن أحمد بن الوليد ) (2عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن عيسى،
عن ابن محبوب عن ابن عطية ،عن ابن فرقد ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن فيما ناجى ال به موسى بن عمران أن :يا موسى ما خلقت
خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن وإني إنما ابتليته لما هو خير له ،وأنا
أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلئي وليشكر نعمائي ،وليرض
بقضائي ،أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري )
- 53 .(3ضه :قال الصادق عليه السلم :إن العبد إذا كثرت ذنوبه ،ولم
يجد ما يكفرها به ،ابتله ال عزوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به ،فإن
فعل ذلك به ،وإل فعذبه في قبره ،ليلقاه ال عزوجل يوم يلقاه وليس شئ
يشهد عليه بشئ من ذنوبه - 54 .جع :قال أمير المؤمنين علي عليه
السلم الجزع عند البلء تمام المحنة .وقال عليه السلم ) :(4إن البلء
للظالم أدب ،وللمؤمن امتحان وللنبياء درجة وللولياء كرامة.
) (1مجالس المفيد ص 31تحت الرقم (2) .5 :هو أحمد بن محمد بن الحسن بن
الوليد (3) .مجالس المفيد ص 63تحت الرقم (4) .11 :في المصدر:
وقال النبي )ص(.
][236
وقال رسول ال صلى ال عليه وآله ) :(1من ابتلي فصبر ،واعطي فشكر ،وظلم
فغفر ،وظلم فاستغفر ،قالوا :ما باله ؟ قال :اولئك لهم المن وهم مهتدون.
وقال عليه السلم :إن ال يتعاهد وليه بالبلء ،كما يتعاهد المريض أهله
بالدواء وإن ال ليحمي عبده الدنيا كما يحمي المريض الطعام .وروي عن
أنس بن مالك ،عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال :إذا أراد ال بقوم
خيرا ابتلهم .وعن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل
يزال البلء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده ،حتى يلقى ال
وما عليه من خطيئة .وقال عليه السلم :ليودن أهل العافية يوم القيامة أن
جلودهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلء .قال ال تعالى:
يا داود قل لعبادي :يا عبادي من لم يرض بقضائي ،ولم يشكر نعمائي ،ولم
يصبر على بلئي ،فليطلب ربا سوائي .وقال الباقر عليه السلم :يا بني من
كتم بلء ابتلى به من الناس ،وشكى ذلك إلى ال عزوجل ،كان حقا على
ال أن يعافيه من ذلك البلء .قال عليه السلم :يبتلي المرؤ على قدر حبه.
وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال عزوجل :ما من عبد اريد أن
ادخله الجنة إل ابتليته في جسده ،فان كان ذلك كفارة لذنوبه ،وإل ضيقت
عليه في رزقه فان كان ذلك كفارة لذنوبه ،وإل شددت عليه الموت ،حتى
يأتيني ول ذنب له ثم ادخله الجنة .وما من عبد اريد أن ادخله النار ،إل
صححت جسمه ،فان كان ذلك تماما لطلبته ،وإل أمنت له وعن سلطانه،
فان كان ذلك تماما لطلبته ،وإل هونت عليه الموت ،حتى يأتيني ول حسنة
له ،ثم أدخلته النار .وعن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال تبارك
وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلء :إما بمرض في جسده ،أو بمصيبة في أهل،
أو مال ،أو مصيبة من مصائب الدنيا
][237
ليأجره عليها .وقال عليه السلم :ما من مؤمن إل وهو يذكر في كل أربعين يوما
ببلء :إما في ماله ،أو في ولده ،أو في نفسه ،فيوجر عليه ،أو هم ل يدري
من أين هو ؟ .وعن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن في الجنة لمنزلة ل
يبلغها العبد إل ببلء في جسده .وعن أبي جعفر عليه السلم قال :خرج
موسى عليه السلم فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى
الظهر ،فقال له :اجلس حتى أجيئك وخط عليه خطة ثم رفع رأسه إلى
السماء فقال :إني استودعتك صاحبي وأنت خير مستودع ،ثم مضى فناجاه
ال بما أحب أن يناجيه ،ثم انصرف نحو صاحبه ،فإذا أسد قد وثب عليه،
فشق بطنه وفرث لحمه وشرب دمه ،قلت :وما فرث اللحم ؟ قال :قطع
أوصاله فرفع موسى رأسه فقال :يا رب استودعتك وأنت خير مستودع،
فسلطت عليه شر كلبك ،فشق بطنه وفرث لحمه ،وشرب دمه ؟ فقيل :يا
موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة ،لم يكن يبلغها إل بما صنعت
به ،انظر -وكشف له الغطاء -فنظر موسى فإذا منزل شريف ،فقال :رب
رضيت .وعن الكاظم عليه السلم قال :لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلء
نعمة ،والرخاء مصيبة ،وذلك أن الصبر عند البلء أعظم من الغفلة عند
الرخاء .قال النبي صلى ال عليه وآله :ل تكون مؤمنا حتى تعد البلء
نعمة ،والرخاء محنة لن بلء الدنيا نعمة في الخرة ،ورخاء الدنيا محنة
في الخرة .وعن أبي الجارود ،عن أبي جعفر ،عن آبائه عليهم السلم
قالوا :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن المؤمن إذا قارف الذنوب
ابتلي بها بالفقر ،فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه ،وإل ابتلي بالمرض ،فإن
كان في ذلك كفارة لذنوبه ،وإل ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه ،فإن كان
ذلك كفارة لذنوبه وإل ضيق عليه عند خروج نفسه ،حتى يلقى ال حين
يلقاه ،وماله من ذنب يدعيه عليه ،فيأمر به إلى الجنة .وإن الكافر
والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما ،حتى يلقيا ال حين
][238
يلقيانه ومالهما عنده من حسنة يدعيانها عليه ،فيأمر بهما إلى النار .وعنه عليه
السلم قال :كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته ) .(1بيان :في
القاموس فرث الجلة يفرث ويفرث :نثر ما فيها ،وكبده يفرثها ضربها وهو
حي كفرثها تفريثا ،فانفرثت كبده انتثرت ) - 55 (2بشا :عن ابن شيخ
الطائفة ،عن أبيه ،عن المفيد ،عن زيد بن محمد السلمي ،عن الحسين بن
الحكم الكندي ،عن إسماعيل بن صبيح ،عن خالد بن العل عن المنهال بن
عمرو قال :كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر عليهما السلم إذ جاءه
رجل فسلم عليه فرد عليه السلم فقال الرجل :كيف أنتم ؟ فقال له محمد:
أو ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن ؟ إنما مثلنا في هذه المة مثل بني
إسرائيل ،كان يذبح أبناؤهم ويستحي نساؤهم ،أل وإن هؤلء يذبحون
أبناءنا ويستحيون نساءنا :زعمت العرب أن لهم فضل على العجم ،فقال
العجم :وبما ذاك ؟ قالوا :كان محمد منا عربي ،قالوا لهم :صدقتم وزعمت
قريش أن لها فضل على غيرها من العرب ،فقالت لهم العرب من غيرهم:
وبما ذاك ؟ قالوا :كان محمد قرشيا ،قالوا لهم :صدقتم .فان كان القوم
صدقوا فلنا فضل على الناس لنا ذرية محمد ،وأهل بيته خاصة وعترته،
ل يشركنا في ذلك غيرنا ،فقال له الرجل :وال إني لحبكم أهل البيت ،قال:
فاتخذ للبلء جلبابا ،فو ال إنه لسرع إلينا والى شعيتنا من السيل في
الوادي ،وينا يبدء البلء ثم بكم وبنا يبدء الرخاء ثم بكم ) .(3بيان :قال
الجوهري :آن أينك :أي حان حينك ،وآن لك أن تفعل كذايئين أينا ،عن أبي
زيد أي حان مثل أنى لك وهو مقلوب منه ) - 56 .(4جع :قال النبي صلى
ال عليه وآله :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر .وقال:
) (1جامع الخبار ،132 :الباب (2) .70القاموس :ج 1ص (3) .172بشارة
المصطفى ص (4) .107الصحاح ص .2076
][239
لو كان المؤمن في جحر فارة لقيض ال فيه من يؤذيه .وقال :المؤمن مكفر .وروي
عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال :ل يكون في الدنيا مؤمن إل وله
جار يؤذيه وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما كان ول يكون ول هو
كائن ) (1نبي ول مؤمن إل وله قرابة يؤذيه أو جار يؤذيه )- 57 .(2
ختص :عن ربعي ،عن الفضيل قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
إن الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم ،ثم قال هكذا بيده:
إل ما دفع ال ) .(3بيان :كأنه عليه السلم أشار إلى جهة السماء- 58 .
ختص :عن محمد بن علي ،عن أبيه ،عن سعد ،عن الحسن بن موسى عن
إسماعيل بن مهران ،عن علي بن عثمان ،عن أبي الحسن موسى بن جعفر
عليه السلم قال :إن النبياء وأولد النبياء وأتباع النبياء خصوا بثلث
خصال :السقم في البدان ،وخوف السلطان ،والفقر ) - 59 .(4محص:
عن محمد بن همام ،عن الحميري ،عن أحمد وعبد ال ابني محمد بن
عيسى ،عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب وكرام ،عن أبي بصير ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :كان علي عليه السلم يقول :إن البلء أسرع إلى
شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي ) - 60 .(5محص :عن كثير ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض
البراذين .بيان :الركض :تحريك الرجل ،ومنه " اركض برجلك " )(6
والدفع
) (1في المصدر :وليس بكائن (2) .جامع الخبار .150 :الباب (3) .87
الختصاص ص (4) .30الختصاص ص (5) 213كتاب التمحيص
مخطوط (6) .ص42 :
][240
واستحثاث الفرس للعدو ،والهرب ،والعدو ،وركض الفرس كعني فركض هو عدا،
فهو راكض ومركوض ذكره الفيروزآبادي ) - 61 .(1محص :عن أبي
بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :لو أن مؤمنا على لوح في البحر
لقيض ال له منافقا يؤذيه .جع :عنه عليه السلم مثله ) - 62 .(2محص:
عن أبي عبيدة الحذاء قال :قال أبو جعفر عليه السلم :يا زاد إن ال يتعهد
عبده المؤمن بالبلء ،كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ،ويحميه الدنيا كما
يحمي الطبيب المريض - 63 .محص :عن زيد الشحام ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :نعم جرعة الغيظ لمن صبر عليها ،وإن عظيم الجر مع
عظيم البلء ،وما أحب ال قوما إل ابتلهم - 64 .محص :عن طلحة بن
زيد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :إن ال جعل
المؤمنين في دار الدنيا غرضا لعدوهم - 65 .محص :عن الثمالي قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إل وله بليا
أربع :إما يكون له جار يؤذيه ،أو منافق يقفو أثره ،أو منافق يرى قتاله
جهادا ،أو مؤمن يحسده ،ثم قال :أما إنه أشد الربعة عليه ،لنه يقول
فيصدق عليه ويقال :هذا رجل من إخوانه ،فما بقاء المؤمن بعد هذه- 66 .
محص :عن ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :لو يعلم
المؤمن ماله في المصائب من الجر لتمنى أن يقرض بالمقاريض- 67 .
محص :عن عبد ال بن المبارك قال :سمعت جعفر بن محمد عليهما
السلم يقول :إذا اضيف البلء إلى البلء كان من البلء عافية .وعن أبي
عبد ال عليه السلم قال :إن
) (1القاموس ج 2ص (2) .332جامع الخبار ص 150الباب.87 :
][241
أصابكم تمحيص فاصبروا ،فانما يبتلي ال المومنين ،ولم يزل إخوانكم قليل ،أل
وإن أقل أهل المحشر المؤمنون .بيان " :كان من البلء عافية " لعل
المعنى أن عند اشتداد البلء وتواتره يرجى الفرج ،كما قال تعالى " :إن
مع العسر يسرا ) - 68 .(1محص :عن معاوية بن عمار قال :سمعت أبا
عبد ال عليه السلم يقول :ما من مؤمن إل وهو يذكر ،لبلء يصيبه في
كل أربعين يوما ،أو بشئ في ماله وولده ليأجره ال عليه ،أو بهم ل يدري
من أين هو ؟ - 69 .محص :عن أبي الحسن الحمسي ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن ال ليتعهد عبده
المؤمن بأنواع البلء ،كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام .توضيح:
الظاهر أن الحمسي هو الحسين بن عثمان الثقة ،و " أهل البيت "
بالنصب ،و " سيدهم " بالرفع ،وفي القاموس :الطريف :القريب من الثمر
وغيره - 70 .محص :عن زرارة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما
أفلت المومن من واحدة من ثلث وربما اجتمعت الثلث عليه :إما أن يكون
معه في الدار من يغلق عليه الباب يوذيه ،أو جار يوذيه ،أو شئ في طريقه
وحوائجه يوذيه ،ولو أن مومنا على قلة جبل لبعث ال إليه شيطانا ويجعل
له من إيمانه انسا ل يستوحش إلى أحد - 71 .محص :عن هشام بن سالم،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن أشد الناس بلء النبياء ،ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم - 72 .محص :عن سدير قال :قلت لبي جعفر
عليه السلم :هل يبتلي ال المؤمن ؟ فقال :هل يبتلى إل المومن ؟ حتى أن
صاحب ياسين " :قال يا ليت قومي يعلمون " ) (2كان مكنعا ،قلت :وما
المكنع ؟ قال :كان به جدام.
][242
- 73محص :عن عمر بن يزيد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما من مؤمن إل
وبه وجع في شئ من بدنه ل يفارقه حتى يموت يكون ذلك كفارة لذنوبه.
- 74محص :عن الحمسي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ل تزال
الغموم والهموم بالمؤمن حتى ل تدع له ذنبا .وعن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ل يمضي على المؤمن أربعون ليلة إل عرض له أمر يحزنه
يذكره ربه - 75 .محص :عن الحارث بن عمر قال :سمعت أبا عبد ال
عليه السلم يقول :إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ول
ذنب له - 76 .محص :عن أبي بصير قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :قال ال :لول أن يجد عبدي المؤمن في نفسه ،لعصبت المنافق
عصابة ل يجد ألما حتى يموت .بيان] :في النهاية[ في حديث اليمان إني
سائلك فل تجد علي ،أي ل تغضب من سؤالي يقال :وجد عليه يجد وجدا
وموجدة - 77 .محص :عن علي عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ،فأما المؤمن فيروع فيها،
وأما الكافر فيمتع فيها .بيان :الروع :الفزع كالرتياع والتروع ،والروعة:
الفزعة ،وراع :أفزع كروع لزم متعد ) - 78 .(1محص :عن أبي جميلة،
عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن العبد ليكرم على ال تعالى حتى أنه لو
سأله الدنيا وما فيها أعطاه إياها ،ولم ينقصاه ذلك ،ولو سأله من الجنة
شبرا حرمه ،وإن ال يتعهد المؤمن بالبلء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية
ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض .بيان :الظاهر أنه سقط من صدر
الخبر فقرات - 79 .محص :عن أبي الحسن عليه السلم قال :المؤمن
بعرض كل خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له ،ولو ولي شرقها وغربها
كان خيرا له.
][243
بيان " :بعرض كل خير " أي بمعرض كل خير ومحل عروضه وظهوره " لو قطع
أنملة أنملة " في المصباح :النملة من الصابع العقدة ،وبعضهم يقول:
النامل رؤوس الصابع ،والنملة بفتح الهمزة وفتح الميم أكثر من ضمها،
وابن قتيبة يجعل المضموم من لحن العوام ،وبعض المتأخرين من النحاة
حكى تثليث الهمزة ،مع تثليث الميم ،فتصير تسع لغات .واقول :كأن المعنى
قطع جميع بدنه بمقدار النملة وكون المراد قطع أنامل يديه ورجليه
تدريجا بعيد - 80 .محص :عن عيسى بن أبي منصور ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن ال يذود المؤمن عما يشتهيه ،كما يذود أحدكم
الغريب عن إبله ليس منها .بيان :في المصباح :ذاد الراعي إبله عن الماء
ذودا وذيادا :منعها - 81 .محص :عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله إن العبد المؤمن ليطلب المارة
والتجارة ،حتى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث ال ملكا ،وقال
له :عق عبدي وصده عن أمر لو استمكن منه أدخله النار فيقبل الملك
فيصده بلطف ال فيصبح وهو يقول :لقد دهيت ومن دهاني فعل ال به
وفعل ،وما يدري أن ال الناظر له في ذلك ،ولو ظفر به أدخله النار .بيان:
في القاموس دهاه دهيا ودهاه :أصابه بداهية وهي المر العظيم ) (1وفعل
ال به وفعل :كناية عن شتم كثير ودعاء عليه بالسوء - 82 .ما :عن
جماعة ،عن أبي المفضل ،عن محمد بن جعفر الرزاز ،عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب ،عن محمد بن أبي عمير ،عن علي بن أبي حمزة
عن أبي لحسن موسى بن جعفر عليهما السلم قال :مثل المؤمن مثل كفتي
الميزان ،كلما زيد في إيمان زيد في بلئه ،ليلقى ال عزوجل ول خطيئة له
).(2
) (1القاموس ج 4ص ،329وفيه :دهاه دهيا ودهاه :نسبه الى الدهاء ،أو عابه
وتنقصه ،أو أصابه بداهية الخ ) (2أمالى الشيخ ج 2ص 244
][244
محص :عن علي بن أبي حمزة عنه عليه السلم مثله جع :عنه عليه السلم مثله )
- 83 .(1كتاب المامة والتبصرة :عن أحمد بن علي ،عن محمد بن
الحسن ،عن محمد بن الحسن الصفار ،عن إبراهيم بن هاشم ،عن
النوفلي ،عن السكوني ،عن جعفر ابن محمد ،عن أبيه ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله السقم يمحو الذنوب وقال
صلى ال عليه وآله :ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا .وقال صلى ال
عليه وآله :ساعات الهموم ساعات الكفارات ،ول يزال الهم بالمؤمن حتى
يدعه وماله من ذنب - 84 .كش :عن محمد بن مسعود ،عن جعفر بن
أحمد ،عن العمركي بن علي ،عن محمد بن حبيب الزدي ،عن عبد ال بن
حماد ،عن عبد ال بن عبد الرحمان الصم ،عن ذريح ،عن محمد بن مسلم
قال :خرجت إلى المدينة وأنا وجع ثقيل فقيل له :محمد بن مسلم وجع،
فأرسل إلي أبو جعفر عليه السلم بشراب مع الغلم مغطى بمنديل ،فناولنيه
الغلم وقال لي :اشربه ،فانه قد أمرني أن ل أرجع حتى تشربه فتناولته
فإذا رائحة المسك عنه ،وإذا شراب طيب الطعم بارد ،فإذا شربته قال لي
الغلم :يقول لك :إذا شربته فتعال ،ففكرت فيما قال لي ،ول أقدر على
النهوض قبل ذلك على رجلي .فلما استقر الشراب في جوفي ،فكأنما
نشطت من عقال ،فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي :صح الجسم،
ادخل ادخل ،فدخلت وأنا باك ،وسلمت عليه ،وقبلت يديه ورأسه ،فقال لي،
وما يبكيك يا محمد ؟ فقلت :جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة،
وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك .فقال :أما قلة المقدرة فكذلك
جعل ال أولياءنا وأهل مودتنا ،وجعل البلء إليهم سريعا ،وأما ما ذكرت
من الغربة ،فلك بأبي عبد ال عليه السلم اسوة ،بأرض ناء عنا بالفرات
صلى ال عليه وأما ما ذكرت من بعد الشقة ،فان المؤمن في هذه الدار
غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة ال،
وأما ما ذكرت
][245
من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك ل تقدر على ذلك فال يعلم ما في قلبك وجزاؤك
عليه ) .(1قب :مرسل مثله ) .(2ختص :عن عدة من أصحابه ،عن محمد
بن جعفر المؤدب ،عن البرقي ،عن بعض أصحابنا ،عن الصم ،عن مدلج
مثله ) .(3بيان " :قيل له " أي لبي جعفر عليه السلم ،وفي المناقب:
قيل لبي جعفر عليه السلم وفي النهاية :في حديث السحر فكأنما انشط
من عقال أي حل ،وكثيرا ما يجئ في الرواية ،كأنما نشط من عقال ،وليس
بصحيح يقال :نشطت العقدة :إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها ،وفي
القاموس " :الشقة " بالضم والكسر ،البعد و الناحية التي يقصدها
المسافر ،والسفر البعيد والمشقة " .فلك بأبي عبد ال " أي الحسين
صلوات ال عليه " اسوة " أي اقتداء ،أي شهابهته في الغربة ،والتفكر
في حاله يسهل عليك غربتك .ويكشف هذا الحزن عنك ،في القاموس:
السوة بالكسر والضم :القدوة ،وما يأتسي به الحزين وأساه تأسية
فتأسى :عزاه فتعزى ) " .(4وفي هذا الخلق " عطف على قوله " وفي
هذه الدار " أي بين هذا الخلق غريب ،وإنما وصفهم بالنكس ،لنهم
انخلعوا عن النسانية ،فصاروا كالبهائم والنعام ،أو انقلبوا عن حدود
النسانية إلى حد البهيمية ،أو هم منكوسو -القلوب ،ل تعي قلوبهم شيئا
من الحق ،أو هو كناية عن الخيبة والخسران ،أو شبه أسوء حالتهم
الروحانية بأسوء حالتهم الجسمانية ،أو أنهم لما أعرضوا عن العروج
على معارج الكمالت الروحانية ،وقصروا نظرهم على الشهوات
الجسمانية
) (1رجال الكشى ص ،150تحت الرقم (2) 67 :مناقب آل أبى طالب ج 2ص
(3) 181الختصاص ص (4) .52القاموس ج 4ص 299
][246
فكأنهم انتكسوا وانقلبوا .وفي المناقب " وفي هذا الخلق منكوس " أي يرونه
كذلك ،أو بينهم بشر الحوال ل يقدر على شئ كالمنكوس ،في القاموس:
نكسه ،قلبه على رأسه كنكسه والنكس بالكسر الضعيف ،وكمحدث الفرس
ل يسمو برأسه ول بهاديه إذا جرى ضعفا أو الذي لم يلحق الخيل،
وانتكس :وقع على رأسه ) .(1وفي النهاية :في حديث أبي هريرة :تعس
عبد الدنيا وانتكس :أي انقلب على رأسه ،وهو دعاء عليه بالخيبة ،لن
من انتكس في أمره فقد خاب وخسر ،وفي حديث ابن مسعود .قيل له :إن
فلنا يقرء القرآن منكوسا ،فقال :ذلك منكوس القلب " .فال يعلم ما في
قلبك " ،في المناقب " فلك ما في قلبك " ،وما في رجال الكشي اظهر85 .
-كتاب المؤمن :بإسناده عن سعد بن طريف ،قال :كنت عند أبي جعفر
عليه السلم فجاء جميل الزرق ،فدخل عليه ،قال :فذكروا بليا للشيعة وما
يصيبهم ،فقال أبو جعفر عليه السلم :إن اناسا أتوا علي بن الحسين عليه
السلم وعبد ال بن عباس ،فذكروا لهما نحو ما ذكرتم ،قال :فأتيا الحسين
بن علي عليهما السلم ،فذكرا له ذلك ،فقال الحسين عليه السلم :وال
البلء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين ،ومن السيل
إلى صمره ،قلت :وما الصمر ؟ قال :منتهاه ،ولول أن تكونوا كذلك ،لرأينا
أنكم لستم منا .بيان :في القاموس ،صمر الماء :جرى من حدور في
مستوى فسكن ،وهو جار والصمر بالكسر :مستقره ) - 86 .(2المؤمن:
باسناده عن الفضيل بن يسار ،قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم - 87 .محص :عن
جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إذا أحب ال عبدا نظر إليه ،فإذا
نظر إليه أتحفه من ثلث بواحدة ،إما صداع وإما حمى وإما رمد.
][247
- 88نهج :قال عليه السلم وقد توفي سهل بن حنيف النصاري رحمه ال بالكوفة
مرجعه معه من صفين ،وكان من أحب الناس إليه :لو أحبني جبل لتهافت.
قال السيد رضي ال عنه :ومعنى ذلك :أن المحبة تغلظ عليه ،فتسرع
المصائب إليه ،ول يفعل ذلك إل بالتقياء البرار ،والمصطفين الخيار،
وهذا مثل قوله عليه السلم :من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا ،وقد
تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره ) .(1تبيان " :مرجعه "
منصوب على الظرفية " ،والتهافت " :التساقط قطعة قطعة ،من هفت
كضرب ،إذا سقط كذلك ،وقيل هفت أي تطاير لخفته ،والمراد تلشي
الجزاء ،وتفرقها ،لعدم الطاقة ،و " تغلظ " في بعض النسخ على صيغة
المجهول من باب التفعيل ،وفي بعضها على صيغة المجرد المعلوم ،يقال:
غلظ الشئ ككرم ضد رق ،كما في النسخة ،وجاء كضرب ،والستعداد
للشئ التهيؤ له .ولفظ الرواية على ما ذكره ابن الثير في النهاية أظهر
قال :في حديث علي عليه السلم :من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا )
(2أي ليزهد في الدنيا ،وليصبر على الفقر والعلة ،و " الجلباب " الزار،
والرداء ،وقيل :هو كالمقنعة ،تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها،
وجمعه جلبيب ،كنى به عن الصبر ،لنه يستر الفقر ،كما يستر الجلباب
البدن .وقيل :إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر،
و يكون منه على حالة تعمه وتشمله ،لن الغنا من أحوال أهل الدنيا ،ول
يتهيا الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت انتهى .وقال ابن أبي الحديد )
:(3قد ثبت أن النبي صلى ال عليه وآله قال :ل يحبك إل مؤمن
) (1نهج البلغة ج 2ص 168تحت الرقم 111من الحكم والمواعظ (2) .قد مر
في ذيل ص 227حديث عن المعاني ،يقول فيه الصادق عليه السلم أن
أصل الحديث " من أحبنا فليعده للفقر جلبابا ،فراجع (3) .راجع شرح
النهج ج 4ص 289ط مصر.
][248
ول يبغضك إل منافق ،وقد ثبت أن النبي صلى ال عليه وآله قال :إن البلوى أسرع
إلى المؤمن من الماء إلى الحدور ،هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة،
هي أنه عليه السلم لو أحبه جبل لتهافت ،ولعل هذا هو مراد الرضي -
رضي ال عنه -بقوله :معنى آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى ،وفيه
تأمل .وقال ابن ميثم ) :(1الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر
والصبر عليه ووجه الستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض
الفقر ،وظهوره في سوء الخلق ،وضيق الصدر ،والتحير الذي ربما أدى
إلى الكفر ،كما يستر بالملحفة ولما كانت محبتهم عليهم السلم بصدق
يستلزم متابعتهم ،والستشعار بشعارهم ،ومن شعارهم الفقر ،ورفض
الدنيا والصبر على ذلك ،وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر ومستعدا
له جلبابا من توطين النفس عليه والصبر .وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى
بعبارة أخرى ،فقال :من أحبنا فليقتصر على التقلل من الدنيا ،والتقنع
فيها ،قال :وشبه الصبر على الفقر بالجلباب لنه يستر الفقر ،كما يستر
الجلباب البدن ،قال :ويشهد بصحة هذا التأويل ،ما روي أنه رأى قوما
على بابه ،فقال :يا قنبر من هؤلء ؟ فقال :شيعتك يا أمير المؤمنين فقال:
مالي ل أرى فيهم سيماء الشيعة ؟ قال :وما سيماء الشيعة ؟ قال :خمص
البطون من الطوى ،يبس الشفاه من الظماء ،عمش العيون من البكاء.
وقال أبو عبيد :إنه لم يرد الفقر في الدنيا ،أل ترى أن فيمن يحبهم مثل ما
في سائر الناس من الغنى ؟ وإنما أراد الفقر يوم القيامة ،وأخرج الكلم
مخرج الوعظ والنصيحة ،والحث على الطاعات ،فكأنه أراد من أحبنا فليعد
لفقره يوم القيامة ما يحسره من الثواب ،والتقرب إلى ال تعالى والزلفة
عنده .قال :وقال السيد المرتضى ره :والوجهان جميعا حسنان ،وإن كان
قول ابن قتيبة أحسن ،فذلك معنى قول السيد رضي ال عنه ،وقد تؤول ذلك
على معنى آخر ،انتهى كلم ابن ميثم.
][249
وقال القطب الراوندي رحمه ال بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة وأبي
عبيد :وقال المرتضى فيه وجها ثالثا ،أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها إلى
الطاعات ،وليذللها على الصبر عما كره منها ،فالفقر :أن يحز أنف البعير
فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب ،يقال :فقره إذا فعل به ذلك انتهى .ول
يخفي أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار
الحاجة إلى الناس ،وذلك هو المعبر عنه بالجلباب ،كما أشير إليه أول ،ل
يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن :فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من
الغنى ،لن المر بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتله ال بالفقر،
فالمراد :أن من ابتلى من محبينا بالفقر ،فليصبر عليه ول يكشفها ،ول
يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة .وأما الخبر الول فقد قيل :يحتمل أن
تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة ،فيكون قريبا من قوله عليه
السلم :إن أمرنا صعب مستصعب ،ل يحتمله إل ملك مقرب ،أو نبي
مرسل ،أو عبد امتحن ال قلبه لليمان ) .(1فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا
الحمل ،وشدة المهابة ،كقوله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته
خاشعا متصدعا من خشية ال " ) (2وقوله تعالى " :إنا عرضنا المانة
على السماوات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " )(3
والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة ،ما في العوام والوساط بل ما
يستلزم التشبه به عليه السلم على وجه كامل ،والقتداء التام به عليه
السلم في الفضائل ومحاسن العمال ،على قدر الطاقة ،وإن كانت درجته
الرفيعة فوق إدراك الفهام ،وأعلى من أن تناله الوهام ،وحق للجبل أن
يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل.
) (1راجع الكافي ج 1ص .401بصائر الدرجات ص (2) .20الحشر(3) .21 :
الحزاب.73 :
][250
* تتميم * في هذه الحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامة ،دللة واضحة على
أن النبياء والوصياء عليهم السلم في المراض الحسية ،والبليا
الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير ،تعظيما لجرهم ،الذي يوجب
التفاضل في الدرجات ول يقدح ذلك في رتبتهم ،بل هو تثبيت لمرهم وأنهم
بشر ،إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر ،مع ما يظهر في أيديهم من
خرق العادة ،لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم .وقد ورد هذا التأويل
في الخبر ،وابتلؤهم تحفة لهم ،لرفع الدرجات التي ل يمكن الوصول إليها
بشئ من العمل إل ببلية ،كما أن بعض الدرجات ل يمكن الوصول إليها إل
بالشهادة ،فيمن ال سبحانه على من أحب من عباده بها ،تعظيما وتكريما
له ،كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلم أنه رأى النبي صلى
ال عليه وآله في المنام فقال له :يا حسين لك درجة في الجنة ل تصل إليها
إل بالشهادة .واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص ،ومنفر للخلق عنهم
كالجنون والجذام والبرص ،وحمل استعاذة النبي صلى ال عليه وآله عنها
على أنها تعليم للخلق .وقال المحقق الطوسي قدس سره في التجريد :فما
يجب كونه في كل نبي :العصمة ،وكمال العقل ،والذكاء ،والفطنة ،وقوة
الرأي ،وعدم السهو ،وكلما ينفر عنه الخلق من دناءة الباء ،وعهر
المهات ،والفظاظة ،والغلظة ،والبنة وشبهها ،والكل على الطريق
وشبهه .وقال العلمة في شرحه :وأن يكون منزها عن ال مرضا المنفرة
نحو البنة وسلس الريح ،والجذام ،والبرص ،لن ذلك كله مما ينفر عنه،
فيكون منافيا للغرض من البعثة ،وضم القوشجي سلس البول أيضا .وقال
القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء :قال ال تعالى:
][251
" وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم " ) (1وقال " :ما المسيح بن مريم إل رسول قد خلت من قبله
الرسل وامه صديقة كانا يأكلن الطعام " ) (2وقال " :وما أرسلنا من قبلك
من المرسلين إل أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في السواق " ) (3وقال:
" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " ) .(4فمحمد صلى ال عليه وآله
وسائر النبياء من البشر ،ارسلوا إلى البشر ،ولول ذلك لما أطاق الناس
مقاومتهم ،والقبول عنهم ،ومخاطبتهم ،قال ال تعالى " :ولو جعلناه ملكا
لجعلناه رجل " ) (5أي لما كان إل في صورة البشر ،الذين يمكنكم
مخالطتهم إذ ل تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته ،إذا كان على
صورته ،وقال " :لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم
من السماء ملكا رسول " ) (6أي ل يمكن في سنة ال إرسال الملك إل
لمن هو من جنسه ،أو من خص ال تعالى واصطفاه وقواه على مقاومته،
كالنبياء والرسل .فالنبياء والرسل وسائط بين ال وخلقه ،يبلغونهم
أوامره ونواهيه ،ووعده ووعيده ،ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره،
وخلقه ،وجلله ،وسلطانه ،وجبروته وملكوته ،فظواهرهم وأجسادهم
وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر ،طارئ عليها ما يطرء على البشر من
العراض والسقام ،والموت والفناء ،ونعوت النسانية ،وأرواحهم
وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر ،متعلقة بالماء العلى،
متشبهة بصفات الملئكة ،سليمة من التغيير والفات ،ول يلحقها غالبا
عجز البشرية ،ول ضعف النسانية.
) (1آل عمران (2) .144 :المائدة (3) 78 :الفرقان (4) .20 :الكهف(5) .11 :
النعام (6) .9 :السراء95 :
][252
إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم ،لما أطاقوا الخذ عن الملئكة
ورؤيتهم ومخاطبتهم ،كما ل يطيقه غيرهم من البشر ،ولو كانت أجسامهم
وظواهرهم متسمة بنعوت الملئكة ،وبخلف صفات البشر ،لما أطاق
البشر ومن ارسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول ال تعالى .فجعلوا من
جهة الجسام والظواهر مع البشر ،ومن جهة الرواح والبواطن مع
الملئكة ،كما قال صلى ال عليه وآله :تنام عيناي ول ينام قلبي ،وقال:
إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ،فبواطنهم منزهة عن
الفات ،مطهرة من النقائص والعتللت .وقال في موضع آخر :قد قدمنا
أنه صلى ال عليه وآله وسائر النبياء والرسل من البشر ،وأن جسمه
وظاهره خالص للبشر ،يجوز عليه من الفات والتغييرات ،واللم
والسقام ،وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر ،هذا كله ليس بنقيصة
فيه ،لن الشئ إنما يسمى ناقصا بالضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من
نوعه ،وقد كتب ال على أهل هذه الدار " فيها تحيون وفيها تموتون
ومنها تخرجون " ) ،(1وخلق جميع البشر بمدرجة الغير ،فقد مرض
صلى ال عليه وآله واشتكى وأصابه الحر والقر ،وأدركه الجوع والعطش،
ولحقه الغضب والضجر وناله العياء والتعب ،ومسه الضعف والكبر،
وسقط فجحش شقه ،وشجه الكفار وكسروا رباعيته ،وسقي السم ،وسحر
وتداوى ،واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفي صلى ال عليه وآله ولحق
بالرفيق العلى وتخلص من دار المتحان والبلوى .وهذه سمات البشر
التي ل محيص عنها ،وأصاب غيره من النبياء ما هو أعظم منها ،وقتلوا
قتل ،ورموا في النار ،ووشروا بالمياشير ) ،(2ومنهم من وقاه ال
) (1العراف (2) .25 :المياشير :المناشير :جمع ميشار بمعنى منشار.
][253
ذلك في بعض الوقات ،ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلى ال عليه وآله بعد
من الناس .فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم احد ،ول
حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف ،فلقد أخذ على عيون قريش
عند خروجه إلى ثور ،وأمسك عنه سيف غورث ،وحجر أبي جهل ،وفرس
سراقة ،ولئن لم يقه من سحر ابن العصم ،فلقد وقاه ما هو أعظم من سم
اليهودية ،وكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى .وذلك من تمام حكمته ،ليظهر
شرفهم في هذه المقامات ،ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم ،وليحقق
بامتحانهم بشريتهم ،ويرتفع اللتباس عن أهل الضعف فيهم لئل يضلوا بما
يظهر من العجائب على أيديهم ،ضلل النصارى بعيسى بن مريم ،وليكون
في محنهم تسلية لممهم ،ووفور لجورهم عند ربهم ،تماما على الذي
أحسن إليهم .قال بعض المحققين :وهذه الطواري والتغييرات المذكورة،
إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني
آدم ،لمشاكلة الجسم ،وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك ،معصومة منه،
متعلقة بالملء العلى والملئكة لخذها عنهم ،تلقيها الوحي منهم ،وقد
قال صلى ال عليه وآله :إن عيني تنامان ول ينام قلبي ،وقال :إني لست
كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ،وقال :إني لست أنسى،
ولكن انسى ليستن بي .فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلف جسمه
وظاهره ،وأن الفات التي تحل ظاهره من ضعف ،وجوع ،ونوم ،وسهر ،ل
يحل منها شئ باطنه ،بخلف غيره من البشر في حكم الباطن ،لن غيره
إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه ،وهو في نومه عليه السلم حضر
القلب ،كما هو في يقظته ،حتى أنه جاء في بعض الثار أنه كان محروسا
من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه.
][254
وكذلك غيره إذا جاع ،ضعف لذلك جسمه ،وحارت قوته ،وبطلت في الكلية حملته،
وهو عليه السلم قد أخبر أنه ل يعتريه ذلك ،وأنه بخلفهم ،بقوله :لست
كهيئتكم ،وكذلك أقول إنه في هذه الحوال كلها من وصب ومرض ،وسحر
وغضب ،لم يجر على باطنه ما يحل به ،ول فاض منه على لسانه
وجوارحه مال يليق به ،كما يعتري غيره من البشر * .تذييل * قال
المحقق الطوسي قدس ال روحه في التجريد :بعض اللم قبيح يصدر منا
خاصة ،وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومنا ،وحسنه إما لستحقاقه ،أو
لشتماله على النفع ،أو دفع الضرر الزائدين ،أو لكونه عاديا ،أو على
وجه الدفع ،ويجوز في المستحق كونه عقابا ،ول يكفي اللطف في ألم
المكلف في الحسن ول يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل ،والعوض
نفع مستحق خال عن تعظيم وإجلل ويستحق عليه تعالى بإنزال اللم،
وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال الغموم سواء استندت إلى علم
ضروري ،أو مكتسب ،أو ظن ،ل ما يستند إلى فعل العبد .وأمر عباده
بالمضار وإباحته ،أو تمكين غير العاقل ،بخلف الحراق عند اللقاء في
النار ،والقتل عند شهادة الزور ،والنتصاف عليه تعالى واجب عقل
وسمعا ،فل يجوز تمكين الظالم من الظلم ،من دون عوض في الحال
يوازي ظلمه .فان كان المظلوم من أهل الجنة فرق ال أعواضه على
الوقات ،أو تفضل عليه بمثلها ،وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا
من عقابه ،بحيث ل يظهر له التخفيف ،بأن يفرق الناقص على الوقات،
ول يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه اللم ،وإن كان منقطعا ،ول
يجب حصوله في الدنيا لحتمال مصلحة التأخير واللم على القطع ممنوع،
مع أنه غير محل النزاع ،ول يجب إشعار صاحبه بايصاله عوضا ،ول
يتعين منافعه ،ل يصح إسقاطه ،والعوض عليه تعالى يجب
][255
تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل ،وعلينا تجب مساواته .وقال العلمة نور ال
ضريحه في شرحه :اعلم أنا قد بينا وجوب اللطاف والمصالح ،وهي
ضربان :مصالح في الدين ،ومصالح في الدنيا ،أعني المنافع الدنياوية،
ومصالح الدين إما مضار ،أو منافع ،والمضار منها آلم وأمراض و
غيرهما ،كالجال والغلء ،والمنافع :الصحة ،والسعة في الرزق والرخص.
واختلف الناس في قبح اللم وحسنه ،فذهبت الثنوية إلى قبح جميع اللم
وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من ال تعالى ،وذهبت البكرية ،وأهل
التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها ،وقبح الباقي ،واختلفوا في وجه
الحسن .إلى أن قال :وقالت المعتزلة :إنه يحسن عند شروطه :أحدها :أن
يكون مستحقا ،وثانيها :أن يكون نفع عظيم يوفى عليها ،وثالثها :أن يكون
فيها دفع ضرر أعظم منها ورابعها :أن يكون مفعول على مجرى العادة:
كما يفعله ال تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار وخامسها :أن يكون مفعول
على سبيل الدفع عن النفس ،كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا ،لنا متى علمنا
اشتمال اللم على أحد هذه الوجوه ،حكمنا بحسنه قطعا ،وشرط حسن اللم
المبتدأ الذي يفعله ال تعالى كونه مشتمل على اللطف ،إما للمتألم أو
لغيره ،لن خلو اللم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه اللم ،يستلزم
الظلم ،وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان ،ولذا أوجب أبو
هاشم في أمراض الصبيان مع العواض الزائدة اشتمالها على اللطف
لمكلف آخر .وجوز المصنف كأبي الحسين البصري :أن تقع اللم في
الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق ،ومنه قاضي القضاة من ذلك ،وجزم
بكون أمراضهم محنا ل عقوبات ،وذهب المصنف كالقاضي والشيخين إلى
أنه ل يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن ،بل لبد من عوض ،خلفا
لجماعة اكتفوا باللطف ،ولو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل
عليه اللم ،هل يحسن منه تعالى فعل اللم بالحي
][256
لجل لطف الغير ،مع العوض الذي يختار المكلف لو عرض عليه ؟ قال أبو هاشم:
نعم ،وأبو الحسين منع ذلك ،وتبعه المصنف .ول يشترط في حسن اللم
المفعول ابتداء من ال تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل،
وقيد الخلو عن تعظيم وإجلل ،ليخرج به الثواب .والوجه التي يستحق به
العوض على ال تعالى امور :الول :إنزال اللم بالعبد كالمرض وغيره.
الثاني :تفويت المنافع ،إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير ،فلو أمات ال
تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش ل ينفع به زيد لستحق
عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده ،ولو كان في معلومه تعالى
عدم انتفاعه به ،لنه يموت قبل النتفاع منه لم يستحق منه عوضا ،لعدم
تفويت المنفعة منه تعالى ،و لذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك،
سواء أشعر بهلك ماله أو لم يشعر ،لن تفويت المنفعة كإنزال اللم ،ولو
آلمه ولم يشعر به لستحق العوض وكذا لو فوت عليه منفعة لم يشعر بها،
وعندي في هذا الوجه نظر .الثالث :إنزال الغموم بأن يفعل ال تعالى
أسباب الغم ،أما الغم الحاصل من العبد نفسه فانه ل عوض فيه عليه
تعالى .الرابع أمر ال تعالى عباده بإيلم الحيوان ،أو إباحته ،سواء كان
المر لليجاب ،أو للندب فان العوض في ذلك كله على ال تعالى .الخامس:
تمكين غير العاقل ،مثل سباع الوحش ،وسباع الطير ،والهوام وقد اختلف
أهل العدل هنا على أربعة أقوال :فذهب بعضهم إلى أن العوض على ال
تعالى مطلقا ،ويعزى إلى الجبائي ،وقال آخرون :إن العوض على فاعل
اللم عن أبي علي ،وقال آخرون :ل عوض هنا على ال تعالى ول على
الحيوان .وقال القاضي :إن كان الحيوان ملجأ إلى اليلم كان العوض عليه
تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان ،وإذا طرحنا صبيا في
النار فاحترق فان الفاعل لللم هو ال تعالى ،والعوض علينا ويحسن ،لن
فعل اللم واجب
][257
في الحكمة ،من حيث إجراء العادة ،وال قد منعنا من طرحه ،ونهانا عنه ،فصار
الطارح كأنه الموصل إليه اللم ،فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى،
وكذلك إذا شهد عند المام شاهدا زور بالقتل ،فان العوض على الشهود،
وإن كان ال تعالى قد أوجب القتل ،والمام توله ،وليس عليهما عوض،
لنهما أوجبا بشهادتهما على المام إيصال اللم إليه ،من جهة الشرع،
فصار كأنهما فعله ،لن قبول الشاهدين عادة شرعية ،يجب إجراؤها على
قانونها كالعادات الحسية .واختلف أهل العدل في وجوب النتصاف عليه
تعالى ،فذهب قوم منهم إلى أن النتصاف للمظلوم من الظالم واجب على
ال تعالى عقل ،لنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده ،وقال
آخرون منهم :أنه يجب سمعا ،والمصنف رحمه ال اختار وجوبه عقل
وسمعا ،وهل يجوز أن يمكن ال تعالى من الظلم ،من ل عوض له في
الحال يوازي ظلمه ؟ فمنع منه المصنف قدس سره .وقد اختلف أهل العدل
هنا ،فقال أبو هاشم والكعبي :إنه يجوز ،لكنهما اختلفا ،فقال الكعبي :يجوز
أن يخرج من الدنيا ول عوض له يوازي ظلمه ،وقال :إن ال تعالى يتفضل
عليه بالعوض المستحق عليه ،ويدفعه إلى المظلوم ،وقال أبو هاشم :ل
يجوز بل يجب التقية ،لن النتصاف واجب ،والتفضل ليس بواجب ول
يجوز تعليق الواجب بالجائز .وقال السيد المرتضى رضي ال عنه :إن
التقية تفضل أيضا ،فل يجوز تعليق النتصاف بها ،فلهذا وجب العوض في
الحال ،واختاره المصنف رحمه ال لما ذكرناه .واعلم أن المستحق للعوض
إما أن يكون مستحقا للجنة ،أو للنار ،فان كان مستحقا للجنة ،فان قلنا :إن
العوض دائم فل بحث ،وإن قلنا :إنه منقطع توجه الشكال ،بأن يقال :لو
أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له اللم بانقطاعه .والجواب من
وجهين :الول :أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الوقات بحيث ل يتبين
له انقطاعه ،فل يحصل له اللم ،الثاني :أن يتفضل ال تعالى عليه
][258
بعد انقطاعه بمثله دائما ،فل يحصل له ألم وإن كان مستحقا للعقاب جعل ال عوضه
جزءا من عقابه ،بمعنى أنه يسقط من عقابه بازاء ما يستحقه من
العواض ،إذ ل فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في اليثار.
فإذا خفف عقابه ،وكانت آلمه عظيمة ،علم أن آلمه بعد إسقاط ذلك القدر
من العقاب أشد ،ول يظهر له أنه كان في راحة ،أو نقل :إنه تعالى ينقص
من آلمه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الوقات ،بحيث ل تظهر له
الخفة من قبل .واختلف في أنه هل يجب دوام العوض أم ل ؟ فقال :الجبائي
يجب دوامه وقال أبو هاشم :ل يجب ،واختاره المصنف رحمه ال ،ول
يجب إشعار مستحق العوض بتوفيره عوضا له ،بخلف الثواب ،وحينئذ
أمكن أن يوفره ال تعالى في الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين،
وأن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا ،ول تجب إعادتهم في الخرة،
والعوض ل يجب إيصاله في منفعة معينة دون اخرى بل يصح توفيره بكل
ما يحصل فيه شهوة المعوض ،بخلف الثواب ،لنه يجب أن يكون من
جنس ما ألفه المكلف من ملذه .ول يصح إسقاط العوض ول هبته ممن
وجب عليه في الدنيا ول في الخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو
علينا ،هذا قول أبي هاشم والقاضي ،وجزم أبو -الحسين بصحة إسقاط
العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم ،وجعله في حل بخلف العوض
عليه تعالى فإنه ل يسقط ،لن إسقاطه عنه تعالى عبث ،لعدم انتفاعه به.
ثم قال بعد إيراد دليل القاضي على عدم صحة الهبة مطلقا :والوجه عندي
جواز ذلك ،لنه حقه ،وفي هبته نفع للموهوب ،ويمكن نقل هذا الحق إليه
وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى ،أمكن هبة مستحقة لغيره
من العباد أما الثواب المستحق عليه تعالى فل يصح مناهبته لغيرنا ،لنه
مستحق بالمدح فل يصح نقله إلى من ل يستحقه.
][259
ثم قال :العوض الواجب عليه تعالى يجب أن يكون زائدا على اللم الحاصل بفعله،
أو بأمره ،أو بإباحته ،أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا
من كل عاقل بذلك العوض ،في مقابلة ذلك اللم لو فعل به ،لنه لول ذلك
لزم الظلم ،أما مع مثل هذا العوض ،فانه يصير كأنه لم يفعل .وأما العوض
علينا فانه يجب مساواته لما فعله من اللم ،أو فوته من المنفعة لن الزائد
على ما يستحق عليه من الضمان يكون ظلما ،ول يخرج ما فعلناه
بالضمان عن كونه ظلما قبيحا ،فل يلزم أن يبلغ الحد الذي شرطناه في
اللم الصادرة عنه تعالى .انتهى ملخص ما ذكره قدس سره ،وإنما
ذكرناها بطولها لتطلع على ما ذكره أصحابنا تبعا لصحاب العتزال ،وأكثر
دلئلهم على جل ما ذكر في غاية العتلل ،بل ينافي بعض ما ذكروه كثير
من اليات والخبار ،ونقلها وتحصيلها وشرحها وتفصيلها ل يناسب هذا
الكتاب ،وال أعلم بالصواب ،وسيأتي بعض القول إنشاء ال تعالى عن
قريب) * - 13 .باب( * * " )ان المؤمن مكفر( " * أقول :سنورد إنشاء
ال تعالى عدة أخبار في هذا المعنى في طي بابين من أبواب كتاب العشرة
كما ستعرف ،ولنذكر هنا أيضا شطرا منها - 1 .ع :عن ابن المتوكل ،عن
السعد آبادي ،عن البرقي ،باسناده يرفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه
قال :المؤمن مكفر ،وذلك أن معروفه يصعد إلى ال عز وجل ،فل ينتشر
في الناس ،والكافر مشهور ،وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس
][260
ول يصعد إلى السماء ) - 2 .(1ع :عن علي بن حاتم ،عن أحمد بن محمد ،عن
محمد بن إسماعيل ،عن الحسين بن موسى ،عن أبيه ،عن موسى بن
جعفر ،عن أبيه ،عن جده ،عن علي بن الحسين ،عن أبيه ،عن علي بن
أبي طالب عليهم السلم قال :كان رسول ال صلى ال عليه وآله مكفرا ل
يشكر معروفه ،ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي ،ومن
كان أعظم معروفا من رسول ال صلى ال عليه وآله على هذا الخلق.
وكذلك نحن أهل البيت مكفرون ل يشكر معروفنا ،وخيار المؤمنين
مكفرون ل يشكر معروفهم ) - 3 .(2كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن
عيسى ،عن الحجال ،عن داود بن أبي يزيد ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :المؤمن مكفر ،وفي رواية اخرى :وذلك أن معروفه يصعد إلى ال فل
ينشر في الناس والكافر مشكور ) .(3بيان " :المؤمن مكفر " على بناء
المفعول من التفعيل :أي ل يشكر الناس معروفه ،بقرينة تتمة الخبر ،وقد
قال الفيروزآبادي :المكفر كمعظم :المجحود النعمة مع إحسانه ،والموثق
في الحديد ،وقال الجزري في النهاية :فيه " المؤمن مكفر " :أي مرزأ في
نفسه وماله لتكفر خطاياه ،انتهى ،وهذا الوجه ل يحتمل في هذه الخبار.
وكأن المراد بالتعليل أن معروفه لما كان خالصا ل ،مقبول عنده ل يرضى
له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته ،ليكمل ثوابه في الخرة ،والكافر لما لم
يكن مستحقا لثواب الخرة ،يثاب في الدنيا كعمل الشيطان .وقيل :هو مبني
على أن المؤمن يخفي معروفه من الناس ،ول يفعله رئاء ول سمعة،
فيصعد إلى ال ،ول ينتشر في الناس ،والكافر يفعله علنية رياء وسمعة
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .247المصدر ج 2ص (3) .247الكاف ج 2ص
.251
][261
فينتشر في الناس ول يقبله ال ،ول يصعد إليه .وقيل :المعنى أن معروفه الكثير
الذي يدل عليه صيغة التفعيل ،ل يعمله إل ال ،ومن علمه بالوحي من قبله
تعالى ،لن معروفه ليس من قبيل الدراهم والدنانير بل من جملة معروفه
حياة سائر الخلق ،وبقائهم بسببه ،وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.
وربما يقال في وجه التعليل :أن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء
والفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس ،ول ذكر ،فل يذكر ذلك في
الخلق ،والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء ،والذين يذكرونه في
الناس فينتشر فيهم .فإن قيل :بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي ،في باب
الرئاء أن ال تعالى يظهر العمل الخالص ،ويكثره في أعين الناس ،ومن
أراد بعمله الناس ،يقلله ال في أعينهم ،قلنا :يمكن حمل هذا على الغالب،
وذاك على النادر ،أو هذا على المؤمن الخالص ،وذاك على غيرهم ،أو هذا
على العبادات المالية ،وذاك على العبادات البدنية) * - 14 .باب( *
)علمات المؤمن وصفاته( * اليات * النفال :إنما المؤمنون الذين إذا
ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم
يتوكلون * الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون * اولئك هم
المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) .(1التوبة،
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون ال ورسوله اولئك
سيرحمهم
][262
ال إن ال عزيز حكيم ) .(1يوسف :وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون ).(2
المؤمنون :قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلوتهم خاشعون * والذينهم
عن اللغو معرضون * والذينهم للزكوة فاعلون * والذينهم لفروجهم
حافظون * إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن
ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون * والذينهم لماناتهم وعهدهم راعون
* والذينهم على صلواتهم يحافظون * اولئك هم الوارثون * الذين يرثون
الفردوس هم فيها خالدون ) .(3القصص :الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم
به مؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من
قبله مسلمين * اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة
السيئة ومما رزقناهم ينفقون * وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا
أعمالنا ولكن أعمالكم سلم عليكم ل نبتغي الجاهلين ) .(4التنزيل :إنما
يومن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل
يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا
ومما رزقناهم ينفقون * فل تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء
بما كانوا يعملون * أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون * أما
الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزل بما كانوا يعملون )
.(5حمعسق :وما عند ال خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون *
والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش وإذا ما غضبوهم يغفرون * والذين
استجابوا
) (1براءة (2) .71يوسف (3) .106 :المؤمنون (4) .11 - 1 :القصص- 52 :
(5) .55السجدة.19 - 15 :
][263
لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا
أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح
فأجره على ال إنه ل يحب الظالمين ) (1الفتح :محمد رسول ال والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضل من
ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية
ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه
يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات
منهم مغفرة وأجرا عظيما ) .(2البينة :وما امروا إل ليعبدوا ال مخلصين
له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويوتوا الزكوة وذلك دين القيمة -إلى
قوله :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم
عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا رضي ال
عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) .(3تفسير " :إنما المؤمنون " )
(4قيل أي الكاملون في اليمان " وجلت قلوبهم " أي فزعت لذكره
استعظاما له ،وهيبة من جلله " ،زادتهم إيمانا " :ازدادوا بها يقينا
وطمأنينة نفس " ،وعلى ربهم يتوكلون " :أي وإليه يفوضون امورهم
فيما يخافون ويرجون " اولئك هم المؤمنون حقا " لنهم حققوا إيمانهم
بضم مكارم الخلق ،ومحاسن أفعال الجوارح إليه " ،لهم درجات عند ال
" أي كرامة وعلو منزلة " ،ومغفرة " لما فرط منهم " ،ورزق كريم "
اعد لهم في الجنة .قال علي بن إبراهيم (5) :نزلت في أمير المؤمنين عليه
السلم ،وأبي ذر وسلمان
) (1الشورى (2) .40 - 36 :الفتح (3) .29 :البينة (4) .8 - 5 :النفال(5) .2 :
تفسير القمى ص .236
][264
والمقداد " .أولياء بعض " ) (1أي أحباؤهم وأنصارهم ،أو أولى بتولي امورهم "
سيرحمهم ال " السين مؤكدة للوقوع " .إل وهم مشركون " ) (2قيل:
بعبادة غيره ،أو باتخاذ الحبار أربابا أو نسبة التبني إليه ،أو القول بالنور
والظلمة ،أو النظر إلى السباب ،ونحو ذلك وسيأتي تفسيرها في الخبار
أنها شرك طاعة :أطاعوا فيها الشيطان ،أو الستعانة أو التوسل بغيره
تعالى ،ونحو ذلك " .قد أفلح المؤمنون " ) (3عن الباقر عليه السلم:
أنهم المؤمنون المسلمون ،إن المسلمين هم النجباء ) " (4خاشعون " قال
علي بن إبراهيم غضك بصرك في صلتك ،وإقبالك ]عليها[ ،وروي رمي
البصر إلى الرض ،وسيأتي تفسيرها في كتاب الصلة إنشاء ال تعالى.
وفسر اللغو في بعض الخبار بالغناء والملهي ،وفي بعضها بكل قول ليس
فيه ذكر ،وفي بعضها بالستماع إلى القصاص ،وفي بعضها أن يتقول
الرجل عليك بالباطل ،أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه " ،اولئك هم
العادون " أي الكاملون في العدوان " .لماناتهم وعهدهم " أي لما
يؤتمنون ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق " راعون " قائمون بحفظها
وإصلحها " ،يحافظون " أي على أوقاتها وحدودها " اولئك " الجامعون
لهذه " هم الوارثون " وعن أمير المؤمنين عليه السلم أن هذه الية في
نزلت ).(5
) (1براءة (2) .71 :يوسف (3) .106المؤمنون (4) 1 :رواه الكليني في الكافي
ج 1ص 391باسناده عن كامل التمار عنه عليه السلم (5) .تفسير
القمى ص 445
][265
" الذين آتيناهم الكتاب " قيل :نزلت في مومني أهل الكتاب " آمنا به " أي بأنه
كلم ال " إنا كنا من قبله مسلمين " لما رأوا ذكره في الكبت المتقدمة "
بما صبروا " عن الصادق عليه السلم :بما صبروا على التقية ،وقال:
الحسنة التقية والسيئة :الذاعة ،وقال علي بن إبراهيم :هم الئمة عليهم
السلم قال :وقوله " :ويدرؤن بالحسنة السيئة " أي يدفعون سيئة من
أساء إليهم بحسناتهم " .ينفقون " أي في سبيل الخير " ،وإذا سمعوا
اللغو أعرضوا عنه " تكرما وقال علي بن إبراهيم :قال :اللغو :الكذب،
واللهو ،والغناء ،قال :وهم الئمة عليهم السلم يعرضون عن ذلك كله" ،
وقالوا " أي للغين " سلم عليكم " قالوا ذلك متاركة لهم وتوديعا " ،ل
نبتغي الجاهلين " ل نطلب صحبتهم ول نريدها " .إذا ذكروا بها " ) (1أي
وعظوا بها " ،خروا سجدا " خوفا من عذاب ال " وسبحوا بحمد ربهم "
أي نزهوه عما ل يليق به ،كالعجز عن البعث ،حامدين له شكرا على ما
وفقهم للسلم ،وآتاهم الهدى " ،وهم ل يستكبرون " عن اليمان
والطاعة " تتجافى جنوبهم " أي ترفع وتتنحى عن المضاجع ،أي عن
الفرش ومواضع النوم .في المجمع ) (2عن الباقر والصادق عليهما
السلم :هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلة" ،
ويدعون ربهم " داعين إياه " خوفا " من سخطه " وطمعا " في رحمته،
" من قرة أعين " أي مما تقر به عيونهم .وعن الصادق عليه السلم :ما
من عمل حسن يعمله العبد إل وله ثواب في القرآن إل صلة الليل فان ال
عزوجل لم يبين ثوابها لعظم خطره ) (3فقال " تتجافى جنوبهم " إلى
قوله " :يعملون " " .كمن كان فاسقا " أي خارجا عن اليمان " ،ل
يستوون " في الشرف والمثوبة
) (1السجدة (2) .15 :مجمع البيان ج (3) .331 :8رواه أيضا في المجمع ج 8
ص .331
][266
" نزل " النزل :ما يعد للنازل من طعام ،وشراب ،وصلة " .وما عند ال " ) (1أي
ثواب الخرة " ،خير وأبقى " لخلوص نفعه ودوامه " والذين استجابوا
لربهم " أي قبلوا ما امروا به " ،وأمرهم شورى بينهم " أي تشاور بينهم
ل ينفردون برأي ،حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه ،وذلك من فرط يقظتهم
في المور ،قال علي بن إبراهيم ) :(2يشاورون المام فيما يحتاجون إليه
من أمر دينهم " .هم ينتصرون " أي ينتقمون ممن بغى عليهم من غير أن
يعتدوا ،وقيل :أي يتناصرون :ينصر بعضهم بعضا ،وقيل :جعل ال
المؤمنين صنفين :صنف يعفون ]وصنف ينتصرون[ ) (3وقيل :وصفهم
بالشجاعة بعد وصفهم بسائر امهات الفضائل وهو ل ينافي وصفهم
بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور ،والنتصار يشعر بمقاومة
الخصم ،والحلم عن العاجز محمود ،وعن المتغلب مذموم ،لنه إجراء
وإغراء على البغي " .سيئة مثلها " سمي الثانية سيئة للزدواج ،ولنها
تسوء من تنزل به ،وهذا منع عن التعدي في النتصار " ،فمن عفا
وأصلح " بينه وبين عدوه " ،فأجره على ال " عدة مبهمة تدل على
عظم الموعود .وروى في المجمع ) (4عن النبي صلى ال عليه وآله إذا
كان يوم القيامة نادى مناد :من كان أجره على ال فليدخل الجنة ،فيقال:
من ذا الذي أجره على ال ؟ فيقال :العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير
حساب " ،إنه ل يحب الظالمين " أي المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في
النتقام.
) (1الشورى (2) .36 :تفسير القمى ص (3) .654الزيادة من مجمع البيان
للطبرسي :قال :وقيل جعل ال المؤمنين صنفين :صنف يعفون عمن
ظلمهم وهم الذين ذكروا قبل هذه الية وهو قوله " وإذا ما غضبوهم
يغفرون " وصنف ينتصرون ممن ظلمهم وهم الذين ذكروا في هذه الية.
) (4مجمع البيان ج 9ص .34
][267
" محمد رسول ال " ) (1جملة مبينة للمشهود به ،في قوله " وكفى بال شهيدا
" أو استيناف مع معطوفه وما بعدهما خبر " والذين معه أشداء على
الكفار رحماء بينهم " أي يغلظون على من خالف دينهم ،ويتراحمون فيما
بينهم " ،تراهم ركعا سجدا " لنهم مشتغلون بالصلة في أكثر أوقاتهم" ،
يبتغون فضل من ال ورضوانا " أي يطلبون الثواب والرضا " ،سيماهم
في وجوههم " قيل :يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة الصلة،
وعن الصادق عليه السلم :هو السهر في الصلة أي أثره " .ذلك مثلهم
في التورية " أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها ،أي أخبر ال تعالى
في التوراة والنجيل بأن هذه صفتهم " ،أخرج شطأه " أي فراخه "
فآزره " أي فقواه " ،فاستغلظ " أي فصار من الدقة إلى الغلظ" ،
فاستوى على سوقه " هو جمع ساق ،أي فاستوى على قصبه " ،يعجب
الزراع " بكثافته ،وقوته وغلظه وحسن منظره .قيل :هو مثل ضربه ال
للصحابة قلوا في بدو السلم ،ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث
أعجب الناس " ،ليغيظ بهم الكفار " علة لتشبيههم بالزرع في ذكائه
واستحكامه .وفي مجالس الصدوق :أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه
السلم والذين تحت لوائه في القيامة ،ينادون إن ربكم يقول لكم :عندي
مغفرة وأجر عظيم ،يعني الجنة " .مخلصين له الدين " ) (2أي ل
يشركون به " ،حنفاء " أي مائلين عن العقائد الزائغة " ،ذلك دين القيمة
" أي دين الملة القيمة " ،اولئك هم خير البرية " أي الخليقة ،وفي
الخبار أنهم علي وشيعته ) " ،(3ورضوا عنه " لنه بلغهم أقصى
أمانيهم " ذلك لمن خشي ربه " فان الخشية ملك المر ،والباعث على كل
خير.
][268
- 1كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن الحسن بن
محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن عبد الملك بن غالب ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :ينبغي للمؤمن أن تكون فيه ثمان خصال :وقورا عند
الهزاهز ،صبروا عند البلء ،شكورا عند الرخاء ،قانعا بما رزقه ال ،ل
يظلم العداء ،ول يتحامل للصدقاء بدنه منه في تعب ،والناس منه في
راحة .إن العلم خليل المؤمن ،والحلم وزيره ،والعقل أمير جنوده ،والرفق
أخوه والبر والده ) .(1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن جميل
بن صالح ،عن عبد ال ابن غالب عنه عليه السلم مثله ) .(2ل :عن ابن
المتوكل ،عن الحميري ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن جميل ،عن
عبد ال ،مثله ) .(3ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى مثله ).(4
محص :عنه عليه السلم مثله .بيان :أقول :ما في تلك السانيد :من عبد
ال ،أظهر من عبد الملك ،لن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال،
وعبد ال به غالب السدي الشاعر ،مذكور فيها ثقة ،وهو الذي قال له أبو
عبد ال عليه السلم :إن ملكا يلقي عليه الشعر ،وأنا أعرف ذلك الملك )(5
في سائر الكتب ،والسند الثاني للكافي ،وقور ،وصبور ،وشكور ،وقانع
بالرفع و " الوقور " فعول ،من الوقار بالفتح :وهو الحكم والرزانة ،و "
الهز ":
) (1الكافي ج (2) 47 :2الكافي ج 2ص (3) .230الخصال ج 2ص (4) 38
المصدر ج 2ص 38وفيه :والصبر أمير جنوده (5) .راجع رجال
الكشى 288 :تحت الرقم .176
][269
التحريك ،و " الهزاهز " :الفتن التي يفتتن الناس بها ،أي ل يعرض له شك عند
الفتن التي تصير سببا لشك الناس وكفرهم " .صبورا عند البلء " البلء
اسم لما يمتحن به من خير ،أو شر ،وكثر استعماله في الشر ،وهو المراد
هنا ،و " الصبر " :حبس النفس ،على المور الشاقة عليها وترك
العتراض على المقدر لها ،وعدم الشكاية والجزع ،وهو من أعظم خصال
اليمان " .شكورا عند الرخاء " الرخاء :النعمة ،والخصب ،وسعة
العيش ،والشكر :العتراف بالنعمة ظاهرا وباطنا ،ومعرفة المنعم،
وصرفها فيما أمر به ،و " الشكور " مبالغة فيه " ،قانعا بما رزقه ال "
أي ل يبعثه الحرص على طلب الحرام ،والشبهة وتضييع العمر في جمع
مال يحتاج إليه " .ل يظلم العداء " الغرض نفي الظلم مطلقا ،وإنما خص
العداء بالذكر لنهم مورد الظلم غالبا ولنه يستلزم ترك ظلم غيرهم
بالطريق الولى " .ول يتحامل للصدقاء " في القاموس :تحامل في
المر ،وبه :تكلفه على مشقة ،وعليه كلفه مال يطيق ) ،(1فالكلم يحتلم
وجوها :الول :أنه ل يظلم الناس لجل الصدقاء .الثاني أنه ل يتحمل
الوزر لجلهم ،كأن يشهد لهم بالزور ،أو يكتم الشهادة لرعايتهم ،أو يسعى
لهم في حرام .الثالث :أن يراد به أنه ل يحمل على نفسه للصدقاء مال
يمكنه الخروج عنه " .بدنه منه في تعب " لشتغاله بالعبادات ،وإعراضه
عن الرسول والعادات ،وسعيه في إعانة المؤمنين " ،والناس منه في
راحة " لعدم تعرضه لهم وإعانته إياهم " .إن العلم " استيناف ،وليس من
جملة العدد " ،خليل المؤمن " الخلة :الصداقة والمحبة التي تخللت القلب،
فصارت خلله :أي في باطنه ،والخليل :الصديق
فعيل بمعنى فاعل ،وإنما كان العلم خليل المؤمن ،لنه ل ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم
في الدنيا والخرة ،فكما ل يفارق الخليل ،ول يتجاوز عن مصلحته ،ينبغي
أن ل يفارق العلم ،ول يتجاوز عن مقتضاه ) " .(1والحلم وزيره " فإنه
يعاونه في امور دنياه وآخرته ،كمعاونة الوزير الناصح الملك " والعقل
أمير جنوده " إذ جنوده في رفع وساوس الشيطان وصولتهم العمال
الصالحة ،والخلق الحسنة ،وكلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود
العقل .وفي ثاني سندي الكافي وسائر الكتب :والصبر أمير جنوده ،وهو
أيضا كذلك " والرفق أخوه " أي اللين واللطف والمداراة مع الصديق
والعدو ،وتميشة المور بتدبير وتأمل ،بمنزلة الخ له ،في أنه يصاحبه،
ول يفارقه ،أو على إعانته وإيصال النفع إليه ،و " البر " أي الحسان إلى
الوالدين ،أو إلى جميع من يستحق البر " والده " أي بمنزلة والده في
رعايته ،واختياره على جميع المور ،أو في النتفاع منه وكونه سببا
لحياته المعنوية .وفي ثانية روايتي الكافي " واللين ]والده " والفرق بينه
وبين الرفق :إما بحمل الرفق على اللطف والحسان وهو أحد معانيه،
واللين على ترك الخشونة أو بحمل الرفق على ترك العنف ،واللين على
شدة الرفق وكثرته ،أو الرفق على المعاملت ،واللين على المعاشرات
وسيأتي بعض القول فيهما[ ) - 2 .(2كا :عن أبي علي الشعري ،عن
محمد بن عبد الجبار ،عن ابن فضال ،عن منصور بن يونس ،عن أبي
حمزة ،عن علي بن الحسين عليهما السلم قال :المؤمن يصمت ليسلم،
وينطق ليغنم ،ل يحدث أمانته الصدقاء ،ول يكتم شهائه من البعداء ،ول
يعمل شيئا من الخير رئاء ،ول يتركه حياء ،إن زكي خاف مما يقولون،
ويستغفر
) (1في نسخة الكمبانى طبع هناك ما جعلناه بين العلمتين بعد عشرة أسطر(2) .
ما بين العلمتين طبع في نسخة الكمبانى قبل ذلك وهو في غير محله كما
ل يخفى.
][271
ال لما ل يعلمون :ل يغره قول من جهله ،ويخاف إحصاء ما عمله ) .(1بيان :ليغنم
أي الفوائد الخروية ،أو ليزيد علمه ،ل لظهار الكمال " ول يكتم شهادته
من البعداء " أي من الباعد عنه نسبا أو محبة فكيف القارب ،وفي بعض
النسخ من العداء " ،خاف مما يقولون " أن يصير سببا لغروره وعجبه،
" لما ل يعلمون " أي من ذنوبه " .ل يغره قول من جهله " أي ل يخدعه
ثناء من جهل ذنوبه وعيوبه ،فيعجب بنفسه " ،ويخاف إحصاء ما عمله "
أي إحصاء ال والحفظة ،أو إحصاء نفسه ،وعلى الخير يحتمل أن يكون
منصوبا بنزع الخافض ،أي يخاف ال لحصائه ما قد عمله وفي المجالس
كما سيأتي إحصاء من قد علمه - 3 .كا :عن عدة من أصحابه ،عن أحمد
بن محمد بن خالد ،عن بعض من رواه ،رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم
قال :المؤمن له قوة في دين ،وحزم في لين وإيمان في يقين ،وحرص في
فقه ،ونشاط في هدى ،وبر في استقامة ،وعلم في حلم ،وكيس في رفق،
وسخاء في حق ،وقصد في غنى ،وتجمل في فاقة ،وعفو في قدرة ،وطاعة
ل في نصيحة ،وانتهاء في شهوة ،وورع في رغبة ،وحرص في جهاد،
وصلة في شغل ،وصبر في شدة .وفي الهزاهز وقور ،وفي المكاره
صبور ،وفي الرخاء شكور .ول يغتاب ول يتكبر ،ول يقطع الرحم ،وليس
بواهن ،ول فظ ،ول غليظ .ل يسبقه بصره ،ول يفضحه بطنه ،ول يغلبه
فرجه ،ول يحسد الناس يعير ول يعير ،ول يسرف ) (2ينصر المظلوم،
ويرحم المسكين .نفسه منه في عناء ،والناس منه في راحة ،ل يرغب في
عز الدنيا ،ول يجزع من ذلها ،للناس هم قد أقبلوا عليه ،وله هم قد شغله.
) (1الكافي ج 2ص (2) 231ول يحسد الناس بعز ،ول يقتر ،ول يسرف خ ل.
][272
ل يرى في حكمه نقص ،ول في رأيه وهن ،ول في دينه ضياع ،يرشد من استشاره
ويساعد من ساعده ،ويكيع عن الخناء والجهل ) .(1بيان " :المؤمن له
قوة في دين " قد عرفت أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو ،وفي
بعضها مستقر ،وهو تفنن حسن ،وإن أمكن أن يكون في الجميع لغوا
بتكلفات بعيدة ل حاجة إليها ،ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو ،و "
في " للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب " ،وحزم في لين " أي مع
لين ،فالظرف مستقر ،بأن يكون صفة ،أو حال ،ويحتمل أن يكون لغوا أي
هو في اللين صاحب حزم لكنه بعيد .وقال بعض الفاضل :أي له ضبط
وتيقظ في اموره الدينية والدنيوية ممزوجا بلين الطبع ،وعدم الفظاظة،
والخشونة مع معامليه ،وهو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق ،وقد
تكون عن تواضع ،وقد تكون عن مهانة ،وضعف نفس ،والول هو
المطلوب ،وهو المقارن للحزم في المور ،ومصالح النفس ،والثاني:
رذيلة ل يمكن معه الحزم ،لنفعال المهين عن كل حادث .وبيان الظرفية
على ثلثة أوجه :الول :أن الظرفية مجازية بتشبيه ملبسة الحزم للين
الطبع في الجتماع معه ،بملبسة المظروف للظرف ،فتكون لفظة " في "
استعارة تبعية .الثاني :أن يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم واللين،
ومصاحبة أحدهما الخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف
ومصاحبتهما ،فيكون الكلم استعارة تمثيلية ،لكنه لم يصرح من اللفاظ
التي هي بإزاء المشبه به ،إل بكلمة " في " فان مدلولها هو العمدة في
تلك الهيئة ،وما عداه تبع له ،يلحظ معه في ضمن ألفاظ منوية ،فل تكون
لفظة " في " استعارة ،بل هي على معناها الحقيقي .الثالث :أن تشبه
اللين بما يكون محل وظرفا للشئ ،على طريقة الستعارة بالكناية ،وتكون
كلمة " في " قرينة وتخييل.
][273
" وإيمان في يقين " أي مع يقين ،أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد أو في
الثواب والعقاب ،أو في القضاء والقدر ،كما عرفت في باب اليقين "
وحرص في فقه " أي هو حريص في معرفة مسائل الدين أو حريص في
العبادة مع معرفته لسمائل الدين " ،ونشاط في هدى " أي ناشط راغب في
العبادة ،مع اهتدائه إلى الحق ومعرفته باصول الدين كما مر في تفسير
قوله تعالى " :من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " ) (1وراغب في
الهتداء ،وما يصير سببا لهدايته أو في هداية غيره " .وبر في استقامة "
أي مع الستقامة في الدين ،كما قال تعالى " :الذين قالوا ربنا ال ثم
استقاموا " ) (2أو المراد به :الستقامة في البر أي يضع البر في محله
وموضعه " ،وعلم في حلم " أي مع أناة وعفو ،أو مع عقل " ،وكيس في
رفق " أي كياسة مع رفق بالخلق ،ل كالكياس في امور الدنيا ،يريدون
التسلط على الخلق ،وإيذاءهم ،أو يستعمل الكياسة في الرفق ،فيرفق في
محله ،ويخشن في موضعه " .وسخاء في حق " أي سخاوته في الحقوق
اللزمة ،ل في المور الباطلة ،كما ورد :أسخى الناس من أدى زكاة ماله،
أو مع رعاية الحق فيه ،بحيث ل ينتهي إلى السراف والتبذير ،ويؤكده
قوله " :وقصد في غنى " أي يقتصد بين السراف والتقتير ،في حال الغنا
والثروة ،أو مع استغنائه عن الخلق " .وتجمل في فاقة " التجمل :التزين:
والفاقة :الفقر والحاجة ،أي يتزين في حال الفقر :لتضمنه الشكاية من ال،
أو يظهر الغنى لذلك ،كما قال الجوهري :التجمل :تكلف الجميل ،وقد يقرء
بالحاء المهملة ،أي تحمل وصبر في الفقر " .في قدرة " أي على النتقام
" في نصيحة " أي مع نصيحة ل ،أو لئمة المسلمين أو للمؤمنين ،أو
العم من الجميع ،ونصيحة ال إخلص العمل له .وفي النهاية :فيه :إن
الدين النصيحة ل ،ولرسوله ،ولكتابه ،ولئمة
المسلمين ،وعامتهم ،النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح
له وأصل النصح في اللغة :الخلوص ،ومعنى نصيحة ال :صحة العتقاد
في وحدانيته وإخلص النية في عبادته ،والنصيحة لكتاب ال :هو
التصديق به والعمل بما فيه ونصيحة رسوله صلى ال عليه وآله:
التصديق بنبوته ورسالته ،والنقياد لما أمر به ونهى عنه ،ونصيحة
الئمة :أن يطيعهم في الحق ،ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى
مصالحهم انتهى " .وانتهاء في شهوة " أي يقبل نهي ال في حال شهوة
المحرمات ،في الصحاح :نهيته عن كذا فانتهى عنه ،وتناهى أي كف ؟ "
وورع في رغبة " أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها ،فان
الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات ،وقيل :في الرغبة عنها ،وعدم الميل
إليها وهو بعيد " .وحرص في جهاد " الجهاد :بالكسر والمجاهدة :القتال
مع العدو ،ويطلق على مجاهدة النفس أيضا ،وهو الجهاد الكبر ،أي
حرص في القتال ،أو في العبادة مع مجاهدة النفس ،وعلى الول " في "
بمعنى " على " وفي بعض النسخ " في اجتهاد " " وصلة في شغل "
أي مع شغل القلب بها ،أو في حال اشتغاله بالمور الدنيوية كما قال
سبحانه " :رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلة )" (1
وروي عن الصادق عليه السلم في تفسير هذه الية أنه قال :كانوا
أصحاب تجارة ،فإذا حضرت الصلة تركوا التجارة ،وانطلقوا إلى الصلة،
وهم أعظم أجرا ممن ل يتجر ) .(2وقيل :المراد ذكر ال في أشغاله وهو
بعيد " ،وفي الهزاهز وقور " عطف على قوله " :له قوة في دين " "
وليس بواهن " أي في امور الدين " .ول فظ ول غليظ " الفظ :الخشن
الخلق في القول والفعل ،والغلظة :غلظة القلب ،كما قال تعالى " :ولو كنت
فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك )(3
) (1النور (2) .37 :مجمع البيان ج (3) .145 :7آل عمران159 :
][275
في القاموس :الفظ :الغليظ الجانب ،السئ الخلق ،القاسي الخشن الكلم انتهى )،(1
والمعنى أن قوته الغضبية قائمة على حد العتدال ،خرجت عن الوهن
المتضمن للتفريط ،والفضاضة الموجبة للفراط " .ول يسبقه بصره " أي
يملك بصره ،ول ينظر إلى شئ إل بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه ،ول
يضره في الدنيا والخرة " ،ول يفضحه بطنه " بأن يرتكب بسبب شهوات
البطن ،ما يفضحه في الدنيا والخرة ،كالسرقة والظلم ،وقيل :بأن يحضر
طعاما بغير طلب " ،ول يغلبه " أي ل يغلب عقله فرجه ،أي شهوة فرجه
فيوقعه في الزنا واللواطة وأشباههما من المحرمات والشبهات " .يعير "
بفتح الياء المشددة " ول يعير " بكسر الياء ،أي يعيره الناس بسبب عدم
التعارف وأمثاله ،وهو ل يعير أحدا .وفي بعض النسخ " :ل يحسد الناس
بعز " أي بسبب عزه " ،ول يقتر ول يسرف " ولعله أصوب ،وما سيأتي
برواية الخصال أظهر ،و " العنا " بالفتح والمد النصب والمشقة" .
للناس هم " أي فكر ومقصد من الدنيا وعزها وفخرها ومالها " ،وله هم
" أي فكر وقصد من أمر الخرة ،قد شغله عما أقبل الناس عليه " ،ل يرى
" على بناء المفعول " ،في حكمه " أي بين الناس ،أو في حكمته ،وفي
الخصال " في حله " " ول في رأيه وهن " أي هو صاحب عزم قوي،
وليس رأيه ضعيفا واهنا " ،ول في دينه ضياع " أي دينه قوي متين ،ل
يضيع بالشكوك والشبهات ،ول بارتكاب السيئات " .ويساعد من ساعده "
أي يعاون من عاونه ،وحمله على طلب العانة بعيد من اللقصد وقيل:
المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فان كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين
بتصديق دينهم ،وموافقته لهم في اليمان ،و " يكيع " كيبيع بالياء المثناة
التحتانية ،وفي بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية ،وفي بعضها
بالنون
][276
والكل متقاربة في المعنى ،قال في القاموس :كعت عنه أكيع وأكاع كيعا :إذا هبته
وجبنت عنه ،وقال :كنع عن المر كمنع هرب وجبن ،وقال :كتع كمنع:
هرب ) (1وفي النهاية " :الخناء " :الفحش في القول ،والجهل مقابل
العلم ،أو السفاهة والسب - 4 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن بعض
أصحابنا رفعه عن أحدهما عليهما السلم قال :مر أمير المومنين عليه
السلم بمجلس من قريش ،فإذا هو بقوم بيض ثيابهم ،صافية ألوانهم،
كثير ضحكحهم ،يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم ،ثم مر بمجلس
للوس والخزرج ،فإذا أقوام بليت منهم البدان ،ودقت منهم الرقاب،
واصفرت منهم اللوان ،وقد تواضعوا بالكلم .فتعجب علي عليه السلم من
ذلك ،ودخل على رسول ال صلى ال عليه وآله فقال :بأبي أنت وامي !
إني مررت بمجلس لل فلن ثم وصفهم ،ومررت بمجلس للوس والخزرج
فوصفهم ،ثم قال :وجميع مؤمنون ،فأخبرني يا رسول ال بصفة المؤمن.
فنكس رسول ال صلى ال عليه وآله ثم رفع رأسه فقال :عشرون خصلة
في المؤمن فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه ،إن من أخلق المومنين يا
علي :الحاضرون الصلة والمسارعون إلى الزكاة ) (2والمطعمون
المساكين ،الماسحون رأس اليتيم المطهرون أطمارهم ،المتزرون على
أوساطهم ،الذين إن حدثوا لم يكذبوا ،و إذا وعدوا لم يخلفوا ،وإذا ائتمنوا
لم يخونوا ،وإذا تكلموا صدقوا ،رهبان بالليل اسد بالنهار ،صائمون
النهار ،قائمون الليل ،ل يؤذون جارا ،ول يتأذى بهم جار الذين مشيهم
على الرض هون ،وخطاهم إلى بيوت الرامل وعلى إثر الجنائز جعلنا ال
وإياكم من المتقين ) .(3لن :عن علي بن عيسى ،عن علي بن محمد
ماجيلويه ،عن البرقي ،عن أبيه
) (1القاموس ج 3ص (2) .80زاد في أمالى الصدوق :والحاجون لبيت ال
الحرام .والصائمون في شهر رمضان ،وهو الصحيح (3) .الكافي ج 2
ص .232
][277
عن محمد بن سنان ،عن أبي الجارود ،عن ابن طريف ،عن ابن نباته قال :سمعت
أمير المؤمنين عليه السلم يقول :سألت رسول ال صلى ال عليه وآله
عن صفة المؤمن فنكس صلى ال عليه وآله رأسه ثم رفعه فقال :في
المؤمنين عشرون خصلة ،فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن
المؤمنين هم الحاضرون إلى آخر الخبر ) (1وسنشير إلى بعض الختلف.
بيان " :بيض " بالكسر جمع أبيض ،ويحتمل فيه وفي نظائره الجر
والرفع " يشيرون بأصابعهم " استهزاء وإشارة إلى عيوبهم و " الوس
والخزرج " ) (2قبيلتان من النصار " ،بليت منهم البدان " أي خلقت
ونحفت لكثرة العبادة والرياضة " ودقت منهم الرقاب " لنحافتهم" ،
واصفرت منهم اللوان " لكثرة سهرهم وصومهم " وقد تواضعوا بالكلم
" الباء بمعنى " في " أي كانوا يتكلمون بالتواضع ،بعضهم لبعض ،أو
تكلموا معه بالتواضع .وفي بعض النسخ :تواصفوا بالصاد المهملة والفاء،
أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلم ،ل بالشارة ،كما مر في الفرقة
الخرى ،أو لم يكن كلمهم لغوا ،بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول
صلى ال عليه وآله " ،وجميع مؤمنون " أي ظاهرا ويحتمل الستفهام،
" بصفة المؤمن " أي الواقعي ،وفي القاموس :الناكس :المتطأطئ رأسه،
ونكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات والتصاف بها ،وتركها بعد
السماع أسوء لهم كما مر في حقوق الخوان .وقيل :النكس كان للتأسف
على أحوال قريش والتفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه ،وأهل بيته
بعده " ،الحاضرون الصلة " أي للتيان بها جماعة " ،إلى
) (1أمالى الصدوق ص ،326المجلس (2) .81 :هما بطنان عظيمان من الزد من
القحطانية ،وهم بنو أوس وبنو الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة البهلول بن
عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرء القيس
البطريق ابن ثعلبة العنقاء بن مازن بن الزد .كانوا في الجاهلية يعبدون
مناة ،وإذا حجوا وقفوا مع الناس ،فإذا نفروا أتوا مناة وحلقوا رؤوسهم
عنده ،وأقاموا عنده ل يرون لحجهم تماما ال بذلك.
][278
الزكاة " أي إلى أدائها عند أول وقت وجوبها .وفي المجالس بعد ذلك" :
والحاجون لبيت ال الحرام ،والصائمون في شهر رمضان " وهو أظهر
لن بهما يتم العدد ،وعلى ما في الكافي قد يتكلف بجعل خطاهم إلى الجنائز
خصلتين ،والدعاء آخر الخبر خصلة ،إشارة إلى التقوى " .الماسحون
رأس اليتيم " شفقة عليهم " ،المطهرون أطمارهم " أي ثيابهم البالية
بالغسل أو بالتشمير ،وهما مرويان في قوله سبحانه " :وثيابك فطهر " )
.(1قال الطبرسي قدس سره :أي وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة
للصلة ،و قيل :وثيابك فقصر ،روي ذلك عن أبي عبد ال عليه السلم قال
الزجاج :لن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الرض ،لم
يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وقيل :ل يكن لباسك من حرام ،وروى أبو
بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير المومنين عليه السلم
غسل الثياب يذهب الهم والحزن ،وهو طهور للصلة ،وتشمير الثياب
طهور لها ،وقد قال ال سبحانه :و " ثيابك فطهر " أي فشمر ) .(2وفي
القاموس :الطمر بالكسر :الثوب الخلق ،أو الكساء البالي من غير الصوف
والجمع أطمار .اقول :ويمكن جعل هذا إشارة إلى خصلتين هما التطهير
والكتفاء بلبس أخلق الثياب ،فينفع في إتمام العدد على بعض الوجوه.
وفي المجالس " :المطهرون أظفارهم " وله وجه " ،المتزرون على
أوساطهم " أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة ،فإنهم
كانوا ل يلبسون السراويل ،أو المراد شد الوسط بالزار كالمنطقة ليجمع
الثياب ،وما توهمه بعض الصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا ،وقيل:
هو كناية عن الهتمام في العبادة في القاموس :الزار الملحفة ،ويؤنث
كالمئزر وائتزر به وتأزر ول تقل :اتزر وقد جاء في بعض الحاديث ولعله
من تحريف الرواة ).(3
) (1المدثر (2) .5 :مجمع البيان ج (3) 385 :10القاموس ج 1ص .363
][279
وفي النهاية في حديث العتكاف كان إذا دخل العشر الواخر أيقظ أهله ،وشد
المئزر ،والمئزر :الزار ،وكني بشده عن اعتزال النساء ،وقيل :أراد
تشميره للعبادة يقال :شددت لهذا المر مئزري أي تشمرت له ،وفي
الحديث :كان يباشر بعض نسائه وهي مؤتزرة في حالة الحيض أي
مشدودة الزار ،وقد جاء في بعض الروايات وهي متزرة ،وهو خطأ لن
الهمزة ل تدغم في التاء " .وإن حدثوا لم يكذبوا " فيه شائبة تكرار مع
قوله " :وإن تكلموا صدقوا " ويمكن حمل الول على الحديث عن النبي
والئمة عليهم السلم ،والثاني على سائر الكلم ،أو يقرء " حدثوا " على
بناء المجهول من التفعيل ،و " لم يكذبوا " على بناء المعلوم من التفعيل
ويمكن عدهما خصلة واحدة للتأكيد على بعض الوجوه " .وإذا وعدوا لم
يخلفوا " على بناء الفعال ،والمشهور بين الصحاب استحباب الوفاء
بالوعد ،ويظهر من الية وبعض الخبار الوجوب ،ول يمكن الستدلل بهذا
الخبر على الوجوب ،لشتماله على كثير من المستحبات " ،وإذا ائتمنوا "
على مال أو عرض أو كلم " لم يخونوا ،رهبان بالليل " أي يمضون إلى
الخلوات ويتضرعون رهبة من ال ،أو يتحملون مشقة السهر والعبادة
كالرهبان ،وفسر الرهبانية في قوله تعالى " :ورهبانية ابتدعوها )" (1
بصلة الليل .قال الراغب :الترهب :التعبد ،وهو استعمال الرهبة،
والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة ،قال تعالى " :ورهبانية
ابتدعوها " والرهبان يكون واحدا وجمعا ) " .(2اسد بالنهار " أي
شجعان في الجهاد كالسد ،في الصحاح :السد جمعه اسود واسد مقصور
]مثقل[ منه واسد مخفف ) " ،(3قائمون بالليل " الفرق بينه وبين رهبان
بالليل :أن الرهبان إشارة إلى التضرع والرهبة ،أو التخلي
) (1الحديد (2) .27 :مفردات غريب القرآن ص (3) 204الصحاح(*) .438 :
][280
والترهب ،وقيام الليل للصلة ل يستلزم شيئا من ذلك " ،ول يتأذى بهم جار "
الفرق بينه وبين ما سبق أن المراد بالجار في الول من آمنه ،وفي الثاني:
جار الدار ،أو في الول جار الدار ،وفي الثاني من يجاوره في المجلس ،أو
في الول اليذاء بل واسطة ،وفي الثاني تأذيه بسبب خدمه وأعوانه،
فالجار في الموضعين جار الدار " .مشيهم على الرض هون " إشارة إلى
قوله سبحانه :و " عباد الرحمان الذين يمشون على الرض هونا )" (1
قال البيضاوي :أي هينين ،أو مشيا هينا مصدر وصف به ،والمعنى أنهم
يمشون بسكينة وتواضع " ،إلى بيوت الرامل " للصدقة عليهن
وإعانتهن " ،وعلى إثر الجنائز " كأن فيه إشعارا باستحباب المشي خلف
الجنازة - 5 .لى :عن ابن موسى ،عن السدي ،عن سهل ،عن مبارك
مولى الرضا عن الرضا عليه السلم قال :ل يكون المؤمن مؤمنا حتى
يكون فيه ثلث خصال :سنة من ربه ،وسنة من نبيه ،وسنة من وليه :فأما
السنة من ربه فكتمان سره ،قال ال جل جلله " عالم الغيب فل يظهر
على غيبه أحدا إل من ارتضى من رسول ) " (2وأما السنة من نبيه
فمداراة الناس ،فان ال عزوجل أمر نبيه صلى ال عليه وآله بمداراة
الناس فقال " :خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) " (3وأما
السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء ،يقول ال جل جلله" (4) :
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك
هم المتقون ).(5
) (1الفرقان :ص (2) .63الجن (3) .27 :العراف (4) .199 :البقرة(5) .177 :
أمالى الصدوق ص 198المجلس 53
][281
ن :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن سهل ،عن الحارث ابن
الدلهاث مولى الرضا عنه عليه السلم مثله ) .(1كا :عن علي بن محمد بن
بندار ،عن إبراهيم بن إسحاق ،عن سهل بن الحرث عن الدلهاث مولى
الرضا عليه السلم قال :سمعت الرضا عليه السلم يقول وذكر مثله إلى
قوله فالصبر في البأساء والضراء وليس فيه ذكر الية ،وليس فيه "
وأعرض عن الجاهلين " أيضا وكأنهما سقطا من بعض الرواة ) .(2بيان:
" عالم الغيب " قال الطبرسي رحمه ال أي هو عالم الغيب ،يعلم متى
تكون القيامة " ،فل يظهر على غيبه أحدا " أي ل يطلع على الغيب أحدا
من عباده ثم استثنى فقال " :إل من ارتضى من رسول " يعني الرسل فانه
يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ،ليكون آية معجزة لهم ،ومعناه إل
من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة ،فانه يطلعه على ما شاء من غيبه،
على حسب ما يراه من المصلحة انتهى ) .(3وقد مر عن أبي جعفر عليه
السلم قال :كان وال محمد ممن ارتضاه ،وفي الخرائج عن الرضا عليه
السلم في قوله تعالى " :إل من ارتضى من رسول " قال :فرسول ال
عند ال مرتضى ،ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه ال على ما يشاء
من غيبه ،فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ) .(4وفي تفسير علي
بن إبراهيم :إل من ارتضى من رسول يعني عليا المرتضى من الرسول،
وهو منه ) .(5ثم اعلم أن الستشهاد بالية الكريمة يدل على أن المراد
بكتمان السر:
) (1عيون أخبار الرضا عليه السلم ج 1ص (2) .256الكافي ج (3) .141 :2
المجمع البيان ج 10ص (4) .374مختار الخرائج والجرائح ص 204
في حديث طويل (5) .تفسير القمى ص .699
][282
الكتمان عن غير أهله ،وعمن ل يكتمه " .خذ العفو " قال في المجمع :أي خذ يا
محمد ما عفي من أموال الناس أي ما فضل من النفقة ،فكان رسول ال
صلى ال عليه وآله يأخذ الفضل من أموالهم ،ليس فيها شئ موقت ،ثم
نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها ،وقيل :معناه خذ العفو من أخلق
الناس ،واقبل الميسور منها ،ومعناه أنه أمره بالتساهل ،وترك الستقصاء
في القضاء والقتضاء ،وهذا يكون في الحقوق الواجبة ل ،وللناس وفي
غيرها ،وقيل :هو العفو في قبول العذر عن المعتذر ،وترك المؤاخذة
بالساءة " .وأمر بالعرف " يعني بالمعروف ،وهو كل ما حسن في العقل
فعله أو في الشرع ولم يكن منكرا ول قبيحا عند العقلء ،وقيل :بكل خصلة
حميدة " ،و أعرض عن الجاهلين " معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجة
عليهم ،والياس من قبولهم ،ول تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك ،فان
مجاوبة السفيه تضع عن القدر ول يقال هذه الية منسوخة بآية القتال،
لنها عامة خص عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل ) " .(1والصابرين في
البأساء " ) .(2أقول :الية هكذا " :ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل
المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب
والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل والسائلين وفي الرقاب و أقام الصلة وآتى الزكاة والموفون
بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء و الضراء وحين البأس اولئك
الذين صدقوا واولئك هم المتقون " .والكثر على أن نصب الصابرين على
المدح ،وقال البيضاوي :عن الزهري البأساء في الموال كالفقر،
والضراء في النفس كالمرض " ،وحين البأس " وقت مجاهدة العدو،
ويدل الخبر على أن هذه الية نزلت في الئمة عليهم السلم فهم
][283
الصادقون الذين أمر ال بالكون معهم حيث قال " :وكونوا مع الصادقين " )6 .(1
-الشهاب :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :المؤمن غر كريم ،والفاجر
خب لئيم .الضوء :رجل غر وغرير :أي غير مجرب ،وجارية غرة
وغريرة ،وغر أيضا بينة الغرارة ،وجمع الغر :أغرار ،والغرير :أغراء،
وقد غر يغر بالكسر غرارة ،والسم :الغرة ،يقال :كان ذلك في غرارتي
وحداثتي أي في غرتي ،و الغرة :الغفلة ،والغار :الغافل ،واغتره ،أتاه على
غرة منه ،واغتر بالشئ :خدع به ) .(2والكرم :الجود .وإذا وصف ال
بالكرم فهو عبارة عن الحسان والنعام المترادف وإذا كان وصفا للدمي
فهو للخلق والفعال المحمودة فيه ،والكرم كالحرية إل أنه أكبر منها
درجة ،ونقيض الكرم اللؤم ،وقد كرم الرجل فهو كريم ،وقوم كرام
وكرماء ،ونسوة كرائم ويقال :رجل كرم ،وامرأة كرم ،ونسوة كرم ،وقال:
فتنبو العين عن كرم عجاف ) (3والكرام كالكريم ،والكرام فوق ذلك ).(4
والفجور :الفسق ،وأصل ف ج ر :الشق ،ومنه الفجر الطالع ،وفجر الماء
فكأن الفجور شق لباس الدين ،وأكثر ما يذكر في القرآن والحديث يراد به
الكافر.
) (1براءة (2) .119 :أخذه من صحاح الجوهرى راجع ص (3) .768قيل :الشعر
لمرداس بن أدية وقيل لسعيد الشيباني ،ونسبه في اللسان الى أبى خالد
القنانى والبيات هكذا :لقد زاد الحياة الى حبا * بناتى انهن من الضعاف
مخافة أن يرين البؤس بعدى * وأن يشربن رنقا بعد صاف وأن يعرين ان
كسى الجوارى * فتنبو العين عن كرم عجاف ولول ذاك قد سومت مهرى
* وفى الرحمن للضعاء كاف -الخ ) (4راجع الصحاح.2020 :
][284
والخب :الخداع الجربز (1) ،وقد خببت يا رجل تخب خبا بالكسر ،وقد خبب فلن
فلنا أي خدعه ،واللؤم :الدنائة والشح وأصله الهمز ،وقد لؤم لؤما
وملمة ولمة كقولك لئامة ويا ملمان خلف يا مكرمان .فوصف صلى ال
عليه وآله المؤمن بالغفلة عما ل يعنيه ،والهمال ما ليس من شأنه ،و
بالجود الذي هو تاج المفاخر ،وواسطة المآثر ،وعكس ذلك كله للكافر
فوصفه بالجربزة والخبث والشيطنة ،وقرن بذلك اللؤم والشح ،وجعله ل
يبض حجره ) (2ول يورق شجره ،وهو وصف معناه الترغيب في خصال
الخير ،وتجنب خصال الشر وفائدة الحديث المر بالتغافل عن بعض
المور ،وترك الستقصاء فيها ،والمساهلة في المعاملة ،والنهي عن الخب
وسوء المعاملة ،والخداع الستهزاء ،والبخل بما في اليد ،وراوي الحديث
أبو هريرة .مزيد ايضاح :قال في النهاية :فيه المؤمن غر كريم ،والفاجر
خب لئيم :غر أي ليس بذي نكر ،فهو ينخدع لنقياده ولينه ،وهو ضد
الخب ،يقال :فتى غر ،وفتاة غر ،وقد غررت تغر غرارة ،يريد أن المؤمن
المعهود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر ،وترك البحث عنه ،وليس
ذلك منه جهل ولكنه كرم وحسن خلق .ومنه حديث الجنة :يدخلني غرة
الناس ،أي البله الذين لم يجربوا المور فهم قليلو الشر منقادون ،فان من
آثر الخمول وإصلح نفسه والتزود لمعاده ونبذ امور الدنيا فليس غرا فيما
قصد له ،ول مذموما بنوع من الذم ،والخب بالفتح :الخداع ،وهو الجربز
الذي يسعى بين الناس بالفساد ،رجل خب ،و امرأة خبة وقد تكسر خاؤه،
وأما المصدر فبالكسر ل غير - 7 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه،
عن سليمان الجعفري ،عن أبي -
) (1الخب -بالفتح والكسر -والجربز -بالضم -الخب الخبيث معرف كربز
والمصدر الجربزة قاله الفيروزآبادى ،وقال في برهان قاطع :كربز بضم
الول والثالث هو قثاء الحمار (2) .أي ل ينال خيره.
][285
الحسن الرضا ،عن أبيه عليهما السلم قال :رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وآله
قوم في بعض غزواته ،فقال صلى ال عليه وآله :من القوم ؟ فقالوا:
مؤمنون يا رسول ال قال :وما بلغ من إيمانكم ؟ قالوا :الصبر عند البلء،
والشكر عند الرخاء ،والرضا بالقضاء فقال رسول ال صلى ال عليه
وآله :حلماء ) (1علماء ،كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما
تصفون ،فل تبنوا مال تسكنون ،ول تجمعوا مال تأكلون ،و اتقوا ال الذي
إليه ترجعون ) .(2بيان " :رفع إلى رسول ال صلى ال عليه وآله "
كمنع على بناء المعلوم أي أسرعوا إليه ،أو على بناء المجهول أي
ظهروا ،فان الرفع ملزوما للظهور ،قال في المصباح رفعته :أذعته ،ومنه
رفعت على العامل رفيعة ،ورفع البعير في سيره :أسرع ،و رفعته:
أسرعت به ،يتعدى ول يتعدى انتهى .وقال الكرماني في شرح البخاري:
فيه فرفعت لنا صخرة ،أي ظهرت لبصارنا ،وفيه فرفع لي البيت المعمور:
أي قرب وكشف انتهى ،ويمكن أن يقرء بالدال ،ولكن قد عرفت أنه ل
حاجة إليه ،قال في المصباح :رفعت إلى كذا بالبناء للمفعول :انتهيت إليه.
" من القوم ؟ " أي من أي صنف من الناس أنتم ؟ " فقالوا مؤمنون "
أي نحن مؤمنون " وما بلغ من إيمانكم " من ،تبعيضية ،أي بأي حد بلغ
بعض إيمانكم أي اذكروا بعض شرائط اليمان منكم بأي حد بلغ ،أو زائدة،
أو سببية أي ما بلغكم ووصل إليكم بسبب إيمانكم ،أو البلوغ بمعنى الكمال
و " من " للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم " .حلماء " أي هم
حلماء ،من الحلم بالكسر بمعنى العقل ،أو عدم المبادرة عند الغضب " مال
تسكنون " أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن ،وكذا " ل
تجمعوا " ما لم تدعكم الضرورة للكل إليه ،ويمكن تعميم الكل بحيث
) (1حكماء خ ل (2) .الكافي ج 2ص .48
][286
يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى " :ول تأكلوا مال اليتيم " ) " (1ول
تأكلوا أموالكم بينكم ) " (2أو خصهما بالذكر لنهما عمدة مطالب الراغبين
في الدنيا " ،واتقوا ال " الخ لما كانت تلك الصفات ،تقتضي الزهد في
الدنيا والتقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما - 8 .كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن ابن بزيع ،عن محمد بن عذافر ،عن أبيه ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :بينا رسول ال صلى ال عليه وآله في بعض أسفاره إذ لقيه
ركب فقالوا :السلم عليك يا رسول ال ،فقال :ما أنتم ؟ فقالوا :نحن
مؤمنون يا رسول ال ،فقال :فما حقيقة إيمانكم ؟ قالوا :الرضا بقضاء ال،
والتفويض إلى ال ،والتسليم لمر ال ،فقال رسول ال :علماء حكماء،
كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ،فان كنتم صادقين فل تبنوا ما ل
تسكنون ،ول تجمعوا ما ل تأكلون ،واتقوا ال الذي إليه ترجعون ) .(3يد )
(4مع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن أبي الخطاب ،عن ابن بزيع
مثله إل في تقديم التسليم على التفويض ) .(5ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن
ابن أبي الخطاب مثله ) .(6مشكاة النوار :نقل من كتاب المحاسن )(7
مثله .توضيح " :بينا رسول ال " بينا هي " بين " الظرفية ،اشبعت
فتحتها
) (1اقتباس من قوله تعالى :ول تقربوا مال اليتيم ال بالتى هي أحسن :أسرى34 :
والنعام (2) .152 :البقرة (3) .188 :الكافي ج (4) .52 :2التوحيد:
(5) .379معاني الخبار (6) .187 :الخصال ج 2ص (7) 71راجع
المحاسن ص .226
][287
فصارت ألفا ،ويقع بعدها حينئذ إذ الفجائية غالبا وعاملها محذوف ،يفسره الفعل
الواقع بعد إذ عند بعض ،وبعضهم يجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من
الفعل ،أي بين أوقات سفره لقاء الركب ،وقد يقع بعدها إذا الفجائية أيضا
والركب جمع راكب كصحب وصاحب " .فقال :ما أنتم ؟ " أي أي صنف
أنتم من الناس ؟ قيل :كما أن " ما " تكون سؤال عن حقيقة الشئ تكون
سؤال عن خواصه وآثاره المترتبة عليه وهو المراد هنا ،فلذلك أجابوا بها
" فقالوا :نحن مؤمنون " انتهى .وقال الراغب في معاني " ما " :الثالث:
الستفهام ،ويسأل به عن جنس ذات الشئ ونوعه ،وعن جنس صفات
الشئ ونوعها ،وقد يسأل به عن الشخاص والعيان في غير الناطقين
انتهى ) " .(1فما حقيقة إيمانكم " لما كانت لليمان حقائق مختلفة
ودرجات متفاوتة سألهم صلى ال عليه وآله عن حقيقة اليمان الذي
يدعونه ،فأجابوا بلوازمه وآثاره ليظهر حقيقة ما ادعوه ،أو المراد
بالحقيقة :ما يحقه ويثبته ،أي اليمان أمر قلبي إنما يثبت بآثاره ،فما ظهر
من آثار إيمانكم ليدل على ثبوته في قلوبكم ؟ والمعنى الول أنسب بما مر
من مضمون هذا الخبر ،حيث قال :وما بلغ من إيمانكم فان الظاهر اتحاد
الواقعة ،والتفويض إلى ال هنا التوكل عليه في جميع المور - 9 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن سنان ،عن عبد ال بن
مسكان ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :استقبل رسول
ال صلى ال عليه وآله حارثة بن مالك بن النعمان النصاري فقال له:
كيف أنت يا حارثة بن مالك ]النعماني[ فقال :يا رسول ال مؤمن حقا ،فقال
له رسول ال صلى ال عليه وآله :لكل شئ حقيقة فما حقيقة قولك ؟ فقال:
يا رسول ال ! عزفت نفسي عن الدنيا ،فأسهرت ليلي ،وأظمأت هواجري،
وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد وضع للحساب ،وكأني أنظر إلى أهل الجنة
يتزاورون في الجنة ،وكأني أسمع عواء أهل النار في النار.
][288
فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :عبد نور ال قلبه أبصرت فاثبت ،فقال :يا
رسول ال ادع ال لي أن يرزقني الشهادة معك فقال :اللهم ارزق حارثة
الشهادة ،فلم يلبث إل أياما حتى بعث رسول ال صلى ال عليه وآله بسرية
فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل .وفي رواية القاسم بن بريد،
عن أبي بصير قال :استشهد مع جعفر بن أبي طالب عليه السلم بعد تسعة
نفر وكان هو العاشر ) .(1تبيين " :مؤمن حقا " قوله " :حقا " مصدر
مؤكد كقولهم هذا عبد ال حقا ،والحاصل أني مؤمن حق اليمان ،وكما
ينبغي أن يكون المؤمن " ،فأسهرت ليلي " على صيغة الغيبة ،بارجاع
الضمير إلى النفس ،أو على صيغة التكلم ،وكذا الفقرة التالية تحتمل
الوجهين .ويقال :تزاوروا :أي زار بعضهم بعضا ،وقال في النهاية :في
حديث حارثة كأني أسمع عواء أهل النار ،أي صياحهم ،والعواء :صوت
السباع وكأنه بالذئب والكلب أخص ،وفي القاموس :عوى يعوي عيا
وعواء بالضم لوى خطمه ثم صوت ،أو مد صوته ولم يفصح ،وقال:
السرية من خمسة أنفس إلى ثلث مائة أو أربعمائة وفي الصحاح :السرية
قطعة من الجيش ،وقوله :وفي رواية القاسم بن بريد يحتمل الرسال ،أو
يكون الراوي عنه ابن سنان .ثم اعلم أن هاتين الروايتين تدلن على أن
حارثة استشهد في زمن الرسول صلى ال عليه وآله ،وقال بعضهم:
وينافيه ما ذكر الشيخ في رجال حيث قال :حارثة ابن النعمان النصاري
كنيته أبو عبد ال شهد بدرا واحدا وما بعدهما من المشاهد وذكر هو أنه
رأى جبرئيل دفعتين على صورة دحية الكلبي :أولهما حين خرج رسول ال
صلى ال عليه وآله إلى بني قريظة ،والثاني حين رجع من حنين ،وشهد
مع أمير المؤمنين القتال وتوفي في زمن معاوية انتهى .وهو خطأ لن
المذكور في الخبر حارثة بن مالك ،وجده النعمان ،وما
][289
ذكره الشيخ حارثة بن النعمان وهو غيره ،نعم ما سيأتي من ذهاب بصره ينافي
ذلك في الجملة ،ويمكن توجيهه بتكلف ،والعجب أن هذا الحديث مذكور في
كتب العامة أيضا كما يظهر من النهاية وهذا الرجل غير مذكور في
رجالهم ،وكأنه لعدم الرواية عنه ،كما أن أصحابنا أيضا لم يذكروه لذلك.
- 10ل :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن صفوان
بن يحيى ،عن عبد ال بن سنان قال :ذكر رجل المؤمن عند أبي عبد ال
عليه السلم فقال :إنما المومن ]الذي[ إذا سخط لم يخرجه سخطه من
الحق ،والمؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ،والمؤمن الذي
إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ) .(1ل :عن الطالقاني ،عن محمد بن جرير
الطبري ،عن صالح الكناني ،عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ،عن
شريك ،عن هشام بن معاذ ،عن الباقر عليه السلم في حديث طويل مثله
إل أن فيه لم يتناول ما ليس له ) - 11 .(2لى :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن
ابن عيسى ،عن أبيه ،عن عبد ال ابن القاسم ،عن أبيه ،عن أبي بصير،
عن أبي عبد ال ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :إن لهل الدين علمات يعرفون بها :صدق الحديث ،وأداء المانة
والوفاء بالعهد ،وصلة الرحم ،ورحمة الضعفاء ،وقلة المؤاتاة للنساء،
وبذل المعروف وحسن الخلق ،وسعة الخلق ) (3واتباع العلم ،وما يقرب
إلى ال عزوجل طوبى لهم وحسن مآب .وطوبى شجرة في الجنة أصلها
في دار النبي وليس من مؤمن إل وفي داره غصن منها ،ل تخطر على
قلبه شهوة شئ إل أتاه به ذلك الغصن ،ولو أن راكبا مجدا صار في ظلها
مائة عام ما خرج منها ،ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلها حتى
يسقط هرما أل في هذا فارغبوا.
) (1الخصال ج 1ص .52وفيه " ما ليس له بنفسه " (2) .الخصال :ج 1ص
(3) .51وسعة الحلم خ ل.
][290
إن المؤمن نفسه منه في شغل ،والناس منه في راحة ،إذا جن عليه الليل افترش
وجهه ،وسجد ل عزوجل بمكارم بدنه ،يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته
أل هكذا فكونوا ) - 12 .(1ل :المظفر العلوي ،عن ابن العياشي ،عن أبيه،
عن إبراهيم ابن علي ،عن إبراهيم بن إسحاق ،عن يونس ،عن ابن سنان،
عن ابن مسكان عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم
قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول :إن لهل التقوى علمات وساق
الحديث كما مر إل أن فيه :والوفاء بالعهد وقلة الفخر والبخل ،وصلة
الرحام ،وفيه :ل ينوي في قلبه شيئا إل أتاه ،وفيه ولو أن غرابا طار من
أصلها ما بلغ أعلها حتى يبياض هرما ) .(2مشكاة النوار :نقل من كتاب
المحاسن إلى قوله طوبى لهم وحسن مآب .بيان :في النهاية :فيه خير
النساء المؤاتية لزوجها ،المؤاتاة حسن المطاوعة والموافقة وأصله
الهمز ،فخفف ،وكثر حتى صار يقال بالواو الخالصة ،وليس بالوجه "
وبذل المعروف " أي الحسان بالمال أو غيره " في ظلها " أي تحت
أعصانها فانه ليس في الجنة ظل ،بل كلها ظل ممدود ،كما قيل ولذا قال في
النهاية :إن في الجنة شجرة يصير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها
وناحيتها ،قوله :غراب إنما خص به لنه أطول الطيور أعمارا ،وفي
القاموس :ابيض وابياض ضد اسود واسواد :وابيضاض الغراب عند غاية
كبره وسيأتي شرحه مبسوطا في باب جوامع المكارم إن شاء ال- 13 .
لى :الطالقاني ،عن أحمد بن دبيس المفسر ،عن أحمد بن محمد بن أبي
البهلول ،عن الفضل بن هرمزديار الطبري ،عن الحسن بن شجاع البلخي،
عن سليمان بن الربيع ،عن كادح بن أحمد ،عن مقاتل بن سليمان ،عن
الضحاك قال :سأل رجل ابن عباس ما الذي أخفى ال تبارك وتعالى من
الجنة وقد أخبر
][291
عن أزواجها وعن خدمها وطيبها وشرابها وثمرها ؟ وما ذكر ال تبارك وتعالى من
أمرها وأنزله في كتابه ؟ فقال ابن عباس :هي جنة عدن ،خلقها ال يوم
الجمعة ثم أطبق عليها ،فلم يرها مخلوق من أهل السماوات والرض ،حتى
يدخلها أهلها ،قال لها عزوجل ثلث مرات تكلمي ،فقالت :طوبى للمؤمنين،
قال جل جلله :طوبى للمؤمنين وطوبى لك .قال مقاتل :قال الضحاك :قال
ابن عباس :فقال النبي صلى ال عليه وآله :أل من كان فيه ست خصال
فانه منهم ،من صدق حديثه ،وأنجز موعوده ،وأدى أمانته ،وبر والديه،
ووصل رحمه ،واستغفر من ذنبه ،فهو مؤمن ) .(1بيان :كان سؤاله عن
قوله سبحانه " :فل تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين " ) (2قوله
صلى ال عليه وآله " :من صدق " على بناء التفعيل أي جعل حديثه
صادقا ،أو على بناء المجرد فحديثه مرفوع " ،أمانته " أي المانة التي
عنده من الناس - 14 .لى :عن ابن مسرور ،عن ابن عامر ،عن عمه ،عن
ابن محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن الثمالي ،عن علي بن الحسين
صلوات ال عليه قال :المؤمن خلط علمه بالحلم ،يجلس ليعلم ،وينصت
ليسلم ،وينطق ليفهم ،ل يحدث أمانته الصدقاء ،ول يكتم شهادته العداء،
ول يفعل شيئا من الحق رياء ،ول يتركه حياء ،إن زكي خاف ما يقولون،
ويستغفر ال مما ل يعلمون ،ل يغره قول من جهله ،ويخشى إحصاء من
قد علمه .والمنافق ينهى ول ينتهي ،ويأمر بمال يأتي ،إذا قام في الصلة
اعترض ،وإذا ركع ربض ،وإذا سجد نقر ،وإذا جلس شغر ،يمسي وهمه
الطعام وهو مفطر ،ويصبح وهمه النوم ولم يسهر ،إن حدثك كذبك ،وإن
وعدك أخلفك ،وإن ائتمنته
) (1أمالى الصدوق 164 :ط قم المجلس 46تحت الرقم (2) .9 :السجدة.17 :
][292
خانك ،وإن خالفته اغتابك ) .(1كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن
علي بن النعمان ،عن ابن مسكان ،عن الثمالي مثله إلى قوله :ويخشى
أحصاء ما قد عمله ) .(2بيان " :خلط علمه " في الكافي " عمله "
بتقديم الميم ،وما هنا أوفق بسائر الخبار وأظهر ،إذ العلم بل عمل يصير
غالبا سببا للتكبر والترفع والسفاهة وترك الحلم " ،يجلس ليعلم " أي
يختار مجلسا يحصل فيه التعلم ،وإنما يجلس له ل للغراض الفاسدة" ،
ليسلم " أي من مفاسد الكلم " ،وينطق ليفهم " أي إنما ينطق في تلك
المجالس ،ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه ل للمجادلة ،وإظهار الفضل،
" ل يحدث أمانته " أي السر ،أو المال الذي ائتمن عليه ،أو أسرار اموره
التي يخشى عليه الضرر ،فاطلق المانة باعتبار أنه يجعله أمانة عند من
يحدثه " الصدقاء " فكيف العداء " .ول يكتم " أي لو كان عنده شهادة
لعدو ،ل تحمله عداوته على أن ل يقول له أنا شاهد لك ،أو ل يكتمه إذ
استشهده ،فالمراد للعداء " شيئا من الحق " أي العبادات الحقة ،ليراه
الناس ،وفيه إشعار بأنه ل يفعل غير الحق ول يأتي ببدعة " ول يتركه "
أي الحق حياء ،لنه ل حياء في الحق كما قال ال تعالى " :وال ل
يستحيي من الحق " ) " .(3إن زكي " أي اثني عليه ومدح بما يفعله "
خاف ما يقولون " وفي الكافي " مما يقولون " أي خاف أن يكون قولهم
سببا لعجابه بنفسه وعمله ،فيضيع عمله أو يكونوا كاذبين ،ورضى
بكذبهم فيعاقب على ذلك مع أنه ل ينفع تزكيتهم ،كما قال تعالى " :ل تزكوا
أنفسكم " ) " (4بل ال يزكي من يشاء ).(5
) (1أمالى الصدوق 295 :ط قم المجلس (2) .74ترى شطره الول في الكافي ج 2
ص .231باب المؤمن وعلماته تحت الرقم ،3وشطره الثاني ص 396
باب صفة النفاق والمنافق تحت الرقم 3أيضا (3) .الحزاب(4) .53 :
النجم (5) .32 :النساء.49 :
][293
" مما ل يعلمون " أي عيوبه ومعاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم "
ل يغره " تأكيد لما سبق ،أو استيناف بياني وكذا الفقرة التية على اللف
والنشر المرتب ،أي ل يغتر بتزكية من ل يطلع على عيوبه الخفية فيعجب
بقولهم " .إحصاء من قد علمه " أي الرب أو العم منه ومن النبي
والئمة عليهم السلم والملئكة الكاتبين ،وفي الكافي " ما قد علمه "
فيكون إضافة إلى المفعول أي إحصاء ما تقدم ذكر أعماله ،وسيأتي شرح
تتمة الخبر في باب صفات المنافق إنشاء ال - 15 .ل :عن عبد ال بن
النضر ،عن جعفر بن محمد المكى ،عن عبد ال بن محمد بن عمر ،عن
صالح بن زياد ،عن أبي عثمان عبد بن ميمون السكوني ،عن عبد ال ابن
معن الزدي ،عن عمران بن سليمان ،عن الطاووس بن اليمان قال:
سمعت علي ابن الحسين عليهما السلم يقول :علمات المؤمن خمس،
قلت :وما هن يا ابن رسول ال ؟ قال :الورع في الخلوة ،والصدقة في
القلة ،والصبر عند المصيبة ،والحلم عند الغضب والصدق عند الخوف )
.(1الدرة الباهرة :عنه عليه السلم مثله .بيان " :عند الخوف " كأنه
محمول على خوف لم يصل إلى حد وجوب التقية - 16 .ل :عن ابن الوليد،
عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن أحمد بن محمد وغيره باسناده رفعاه
إلى أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :المؤمن من طاب مكسبه وحسنت
خليقته ،وصحت سريرته ،وأنفق الفضل من ماله ،وأمسك الفضل من
كلمه ،وكفى الناس من شره ،وأنصف الناس من نفسه ) .(2كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن إسماعيل بن مهران ،عن منذر بن جيفر عن آدم
أبي الحسن اللؤلؤي ،عن أبي عبد ال عليه السلم مثله إل أن فيه" :
وكفى الناس شره " ).(3
) (1الخصال ج 2ص (2) .129الخصال ج 2ص (3) .7الكافي ج 2ص .234
][294
بيان :في رجال الشيخ آدم أبو الحسين " ،من طاب مكسبه " أي يكون ما يكتسبه
من المال حلل ،وفي القاموس :فلن طيب المكسب والمكسب أي طيب
الكسب " خليقته " أي طبيعته بالتخلي عن الرذائل ،أو التحلي بالفضائل،
" سريرته " أي نيته أو بواطن أمره ،بأن ل يكون باطنه خلف ظاهره ،أو
قلبه بصحة عقائده ونياته ،و في القاموس :السريرة :ما يكتم " .وأنفق
الفضل من ماله " أي أنفق ما يفضل عن نفقة نفسه وعياله في سبيل ال
" والفضل من كلمه " ما ل نفع فيه لخرته " ،وكفى الناس شره " بأن
يكف عنهم ضره " ،وأنصف الناس من نفسه " بأن يحكم لهم عليها،
ويحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها - 17 .ل :في وصية النبي
صلى ال عليه واله إلى علي عليه السلم :يا علي ينبغي أن يكون للمؤمن
ثمان خصال :وقار عند الهزاهز ،وصبر عند البلء ،وشكر عند الرخاء
وقنوع بما رزقه ال ،ل يظلم العداء ،ول يتحامل للصدقاء ،بدنه منه في
تعب والناس منه في راحة ) - 18 .(1ل :عن أبيه ،عن محمد العطار
وأحمد بن إدريس معا ،عن الشعري عن الحسن بن علي ،عن أبي سليمان
الحلواني ،أو عن رجل عنه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :صفة
المؤمن قوة في دين ،وحزم في لين ،وإيمان في يقين ،وحرص في فقه
ونشاط في هدى ،وبر في استقامة ،وإغماض عند شهوة ،وعلم في حلم،
وشكر في رفق ،وسخاء في حق ،وقصد في غني ،وتجمل في فاقة ،وعفو
في قدرة ،وطاعة في نصيحة ،وورع في رغبة ،وحرص في جهاد ،وصلة
في شغل ،وصبر في شدة .وفي الهزاهز وقور ،وفي المكاره صبور ،وفي
الرخاء شكور ،ل يغتاب ول يتكبر ،ول يبغي ،وإن بغي عليه صبر ،ول يقع
الرحم ،وليس بواهن ول فظ ]غليظ[ ول يسبقه بصره ،ول يفضحه بطنه،
ول يغلبه فرجه ،ول يحسد الناس ول يقتر ،ول يبذر ،ول يسرف ،بل
يقتصد ،ينصر المظلوم ،ويرحم المساكين.
][295
نفسه منه في عناء ،والناس منه في راحة ،ل يرغب في عز الدنيا ،ول يجزع من
المهانة ،للناس هم قد أقبلوا عليه ،وله هم قد شغله ،ل يرى في حلمه
نقص ول في رأيه وهن ،ول في دينه ضياع ،يرشد من استشاره ،ويساعد
من ساعده ويكيع عن الباطل والخناء والجهل ،فهذه صفة المؤمن ).(1
بيان :قد مر شرحه برواية الكليني ) (2وإنما أعدناه للختلف الكثير
بينهما " ،وشكر " أي ل بالطاعة " مع رفق " فيها ،وعدم المبالغة فيها
بحيث يتضجر ويضعف عنها ،أو مع رفق بالخلق ،ويحتمل أن يكون المراد
شكر الخلق ،وفيما مر و " كيس " - 19 .ما :عن المفيد ،عن ابن قولويه،
عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى عن ابن محبوب ،عن أبي ولد الحناط،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أربع من كن فيه كمل إيمانه ،وإن كان
من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك ،وهي :الصدق وأداء المانة،
والحياء ،وحسن الخلق ) .(3محص :عن أمير المؤمنين عليه السلم ،عن
النبي صلى ال عليه واله مثله .كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى
مثله ) .(4بيان " :أربع " مبتدأ أي خصال أربع ،والموصول بصلته
خبره " ،وإن كان من قرنه " مبالغة في الكثرة ،أو كناية عن صدورها من
كل جارحة من جوارحه ويمكن حملها على الصغائر فان صدور الكبائر
الكثيرة من صاحب تلك الخصال بعيد ،ويحتمل أن يكون المراد أنه يوفق
للتوبة وهذه الخصال تدعوه إليها ،فان كل منها يمنع كثيرا من الذنوب كما
ل يخفى.
) (1الخصال ج (2) .131 :2تحت الرقم 3ص (3) .271أمالى الشيخ ج 1ص
(4) .43الكافي ج .98 :2
][296
20ما :عن المفيد ،عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن عيسى،
عن محمد بن عبد الجبار ،عن الحسن بن محبوب ،عن أبي أيوب الخزاز،
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلم قال:
كان أبي علي بن الحسين عليهما السلم يقول :أربع من كن فيه كمل
إيمانه ،ومحصت عنه ذنوبه ،ولقي ربه وهو عنه راض :من وفى ل بما
جعل على نفسه للناس ،وصدق لسانه مع الناس واستحيى من كل قبيح
عند ال وعند الناس ،وحسن خلقه مع أهله ) .(1سن :عن أبيه ،عن ابن
محبوب مثله ) .(2بيان :في النهاية :أصل المحص :التخليص ،ومنه
تمحيص الذنوب أي إزالتها " ،بما جعل على نفسه للناس " أي بالنذر أو
العهد أو اليمين كما يومي إليه قوله " :وفى ل " ويحتمل التعميم ،لن
الوفاء بالعهد إن لم يكن واجبا فل ريب في رجحانه " ،وعند الناس " أي
إذا لم يكن مستحسنا عند ال ،أو المراد بالناس كملهم " ،مع أهله "
التخصيص لنه أفضل وأهم - 21 .ما :المفيد عن الجعابي ،عن ابن عقدة،
عن الحسن بن جعفر ،عن طاهر بن مدرار ،عن رزين بن أنس ،قال:
سمعت جعفر بن محمد عليهما السلم يقول :ل يكون المؤمن مؤمنا حتى
يكون كامل العقل ،ول يكون كامل العقل حتى يكون فيه عشر خصال :الخير
منه مأمول ،والشر منه مأمون ،يستقل كثير الخير من نفسه ،ويستكثر
قليل الخير من غيره ،ويستكثر قليل الشر من نفسه ،ويستقل كثير الشر
من غيره .ل يتبرم بطلب الحوائج قبله ،ول يسأم من طلب العلم عمره،
الذل أحب إليه من العز ،والفقر أحب إليه من الغنا ،حسبه من الدنيا قوت،
والعاشرة وما العاشرة ؟ ل يلقى أحدا إل قال :هو خير مني وأتقى .إنما
الناس رجلن :رجل خير منه وأتقى ،وآخر شر منه وأدنى ،فإذا لقي
][297
الذي هو خير منه ]وأتقى[ تواضع له ليلحق به ،وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى
قال :لعل شر هذا ظاهر وخيره باطن ،فإذا فعل ذلك عل وساد أهل زمانه )
.(1بيان :في القاموس :البرم محركة :السأمة والضجر ،وأبرمه فبرم
كفرح وتبرم :أمله فمل " ،قلبه " بكسر القاف وفتح الباء أي عنده" ،
الذل أحب إليه من العز " لعل المعنى أن ذله عند نفسه أحب إليه من العز
والتكبر ،أو يحب الذل إذا علم أن العز يصير سببا لفساده وبغيه ،أو إذا
أذله ال يرضى بذلك ،ويكون أحب إليه لقلة مفاسده ،كما هو الظاهر من
الفقرة التي بعدها ،لئل ينافي ما ورد من أنه تعالى ل يرضى بذل المومن
ولم يدع إليه أن يذل نفسه " حسبه من الدنيا قوت " أي يكتفي بالقوت ول
يطلب أكثر منه .واعلم أن الخصال المذكورة اثنتا عشر :فل يوافق العدد
المذكور أول و يمكن توجيهه بوجوه :الول عد استقلل الخير من نفسه،
واستكثاره من غيره واحدا لتلزمهما غالبا ،وكذا عد القرينتين بعدهما
واحدا لذلك .الثاني عد تقليل الخير من نفسه وتكثير الشر منها واحدا
لقربهما وتلزمهما وكذا تقليل الشر وتكثير الخير من الغير .الثالث عد
كون الخير مأمول منه والشر مأمونا ،واحدا للتلزم غالبا ،و جعل الكتفاء
بالقوت من تتمة الفقرة السابقة ل خصلة اخرى .الرابع عد قوله " الذل "
إلى قوله " قوت " خصلة واحدة لتقارب الجميع ولكل وجه ،وإن كان ل
يخلو شئ منها من تكلف " ،وساد أهل زمانه " أي صار سيدهم وأشرفهم
حسبا وكرامة - 22 .جا ) (2ما :عن المفيد ،عن ابن قولويه ،عن أبيه،
عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن أبي سعيد القماط ،عن
المفضل قال :سمعت
][298
أبا عبد ال عليه السلم يقول :ل يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال:
يحسن خلقه ،ويستخف نفسه ) ،(1ويمسك الفضل من قوله ،ويخرج
الفضل من ماله ) .(2سن :عن أبيه ،عن أبي سعيد القماط مثله )- 23 .(3
ما :عن جماعة ،عن أبي المفضل ،عن جعفر بن محمد العلوي ،عن علي
ابن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ،عن الحسين بن زيد بن
علي ،عن جعفر بن محمد ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين صلوات ال
عليهم قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :المؤمن غر كريم
والفاجر خب لئيم ،وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ،ول خير فيمن
ل يألف ول يؤلف .قال :وسمعت رسول ال صلى ال عليه واله يقول:
شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم ،المشاؤن بالنميمة،
المفرقون بين الحبة ،الباغون للبراء العيب اولئك ل ينظر ال إليهم يوم
القيامة ول يزكيهم ،ثم تل صلى ال عليه واله " هو الذي أيدك بنصره
وبالمؤمنين ) " (4و " ألف بين قلوبهم ) ." (5بيان :مألفة أي محل
للفتهم يألفون به ،أو يألفهم أيضا ،قال في المصباح المألف :الموضع
الذي يألفه النسان ،وألفته من باب علمت :أنست به وأحببته والسم اللفة
بالضم ،واللفة أيضا اسم من الئتلف وهو اللتيام والجتماع ،و النميمة:
نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الفساد والشر " .الباغون " أي
الطالبون " للبراء " من العيوب " العيب " " ل ينظر ال إليهم " كناية
من عدم اللطف ،أو المعنى ل ينظر ال إليهم نظر رحمة " ول يزكيهم "
أي ل يثني عليهم ول يقبل أعمالهم ،أو ل ينمي أعمالهم ،والستشهاد
بالية لدللتها على
) (1في المالى ويسخو نفسه (2) .امالي الطوسى ج 1ص (3) .235المحاسن
ص (4) .8النفال .62 :والية التى بعدها في النفال (5) .63 :أمالى
الطوسى ج 2ص .78
][299
حسن التأليف بين قلوب المؤمنين ،والتزاما على قبح التفريق بينهم - 24 .ع :عن
الحميري ،عن هارون ،عن ابن صدقة ،عن جعفر بن محمد عن أبيه
عليهما السلم قال :قيل له :ما بال المؤمن أحد شئ ؟ قال :لن عز القرآن
في قلبه ،ومحض اليمان في صدره ،وهو بعد مطيع ل ولرسوله ،مصدق
قيل :فما بال المؤمن قد يكون أشح شئ ؟ قال :لنه يكسب الرزق من حله
ومطلب الحلل عزيز ،فل يحب أن يفارقه لشدة ما يعلم من عسر مطلبه،
وإن هو سخت نفسه فلم يضعه إل في موضعه .قيل له :فما بال المؤمن قد
يكون أنكح شئ ؟ قال :لحفظه فرجه من فروج ما ل يحل له ولكن ل تميل
به شهوته هكذا ول هكذا ،فإذا ظفر بالحلل اكتفى به واستغنى به عن
غيره .قال صلى ال عليه وآله ،إن قوة المؤمن في قلبه أل ترون أنه قد
تجدونه ضعيف البدن ،نحيف الجسم ،وهو يقوم الليل ويصوم النهار،
وقال :المؤمن أشد في دينه من الجبال الراسية ،وذلك أن الجبل قد ينحت
منه ،والمؤمن ل يقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئا وذلك لضنه بدينه،
وشحه عليه ) .(1بيان " :لن عز القرآن في قلبه " أي حدته إنما هي في
الدين لتنمره في ذات ال وعدم المداهنة في دين ال - 25 .مع :عن أبيه،
عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن موسى بن القاسم العجلي عن صفوان بن
يحيى ،عن هشام بن سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :لقي رسول
ال صلى ال عليه وآله يوما حارثة بن النعمان النصاري قال له :كيف
أصبحت يا حارثة ؟ قال :أصبحت يا رسول ال مؤمنا حقا قال :إن لكل
إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ قال :عزفت نفسي عن الدنيا ،وأسهرت
ليلي ،وأظمأت نهاري ،فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب ،وكأني بأهل
الجنة فيها يتزاورون ،وأهل النار فيها يعذبون.
][300
فقال رسول ال صلى ال عليه واله :أنت مؤمن ،نور ال اليمان في قلبك ،فاثبت
ثبتك ال فقال له :يا رسول ال ما أنا على نفسي من شئ أخوف مني
عليها من بصري فدعا له رسول ال صلى ال عليه واله فذهب بصره ).(1
- 26مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي ،عن محمد بن علي ،عن حرب
بن الحسن الطحان ،عن إبراهيم بن عبد ال ،عن فضيل بن يسار ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :ل يبلغ أحدكم حقيقة اليمان حتى يكون فيه ثلث
خصال :الموت أحب إليه من الحياة ،والفقر أحب إليه من الغنى ،والمرض
أحب إليه من الصحة .قلنا :ومن يكون كذلك ؟ قال :كلكم ،ثم قال :أيما أحب
إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا ؟ فقلت :نموت وال في
حبكم أحب إلينا ،قال :وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة قلت :أي
وال ) - 27 .(2سن :عن أبيه ،عن الحسن بن سيف ،عن أخيه علي عن
سليمان بن عمر عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :ل يستكمل
عبد حقيقة اليمان حتى يكون فيه خصال ثلث :التفقه في الدين ،وحسن
التقدير في المعيشة ،والصبر على الرزايا ) - 28 .(3سن :عن أبيه ،عن
ابن فضال ،عن عاصم ،عن أبي حمزة ،عن عبد ال ابن الحسن ،عن امه
فاطمة بنت الحسين قالت :قال رسول ال صلى ال عليه واله :ثلث خصال
من كن فيه يستكمل خصال اليمان :الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في
باطل ،و إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ،وإذا قدر لم يتعاط ما ليس
له ) .(4كا :عن العدة ،عن البرقي مثله ).(5
][301
ل :عن أبيه ،عن محمد بن علي بن الصلت ،عن البرقي ،عن ابن فضال ،عن
عاصم ،عن الثمالي ،عن عبد ال بن الحسن ،عن امه فاطمة بنت الحسين
بن علي عن أبيها مثله ) .(1بيان :الظاهر أن فيه إرسال لن فاطمة بنت
الحسين عليه السلم لم تعهد روايتها عن النبي صلى ال عليه واله بل لم
تلقه وكأنه كان عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين كما في الخصال" .
يستكمل " أي ل تحصل هذه الخلق في مؤمن إل وقد حصلت فيه سائر
الخصال لنها أشقها وأشدها ،وأيضا أنها مستلزمة للعدل ،وهو التوسط
بين الفراط والتفريط ،وهو معيار جميع الكمالت ،وفي القاموس التعاطي:
التناول وتناول ما ل يحق ،والتنازع في الخذ ،وركوب المر انتهى ).(2
أي بعد القدرة ل يأخذ أو ل يرتكب ما ليس له - 29 .سن :روي عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :ستة ل تكون من مؤمن ،قيل :وما هي ؟ قال:
العسر ،والنكد ،واللجاجة ،والكذب ،والحسد ،والبغي ،وقال :ل يكون
المؤمن محاربا ) .(3بيان :العسر الشدة في المعاملت ،وعدم السهولة،
والنكد العسر والخشونة في المعاشرات وقلة العطاء والبخل وهو أظهر،
في القاموس :نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبئر قل ماؤها ونكد فلنا
كنصر منعه ما سأله أو لم يعطه إل أقله والنكد بالضم قلة العطاء ،ويفتح "
واللجاجة " الخصومة .قوله " محاربا " أي بغير حق ،وفي بعض النسخ
" مجازفا " والجزاف معرب " گزاف " وهو بيع الشئ ل يعلم كيله ول
وزنه ،والمجازفة في البيع المساهلة فيه قال في المصباح :يقال لمن يرسل
كلمه إرسال من غير قانون :جازف في كلمه
) (1الخصال ج 1ص (2) .52القاموس ج 4ص (3) .364المحاسن158 :
وفيه :مجازفا.
][302
فاقيم نهج الصواب مقام الكيل والوزن انتهى .واقول :كأنه المراد هنا ،وفي بعض
النسخ بالحاء والراء المهملتين و المجارف بفتح الراء المحروم المحدود
الذي سد عليه أبواب الرزق وفي كونه منافيا لليمان الكامل إشكال إل أن
يكون مبنيا على الغالب - 30 .سن :عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي ،عن
ميسر بن سعيد القصير الجوهري ،عن رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :يعرف من يصف الحق بثلث خصال :نظر إلى أصحابه من هم ؟ وإلى
صلته كيف هي ؟ وفي أي وقت يصليها فان كان ذا مال نظر أين يضع
ماله ) - 31 .(1سن :عن فضالة ،عن أبان الحمر ،عن ابن سيابة ،عن
أبي النعمان عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله :أل انبئكم بالمؤمن ؟ المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم
وامورهم ،والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر
السيئآت فترك ما حرم ال ) - 32 .(2شا :روي عن صعصعة بن صوحان
العبدي قال :صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلم ذات يوم صلة الصبح،
فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر ال ل يلتفت يمينا ول شمال ،حتى
صارت الشمس على حائط مسجد كم هذا -يعني جامع الكوفة -قيس رمح،
ثم أقبل علينا بوجهه عليه السلم .فقال :لقد عهدت أقواما على عهد خليلي
رسول ال صلى ال عليه واله وإنهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم
وركبهم ،فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا بين أعينهم شبه ركب المعزى،
فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجرة في الريح ،ثم انهملت عيونهم
حتى تبل ثيابهم ،ثم نهض عليه السلم وهو يقول كأنما القوم باتوا غافلين
).(3
][303
بيان :في القاموس قيس رمح بالكسر وقاسه :قدره ) - 33 .(1قب :قال الباقر عليه
السلم :إن ال تعالى أعطى المؤمن البدن الصحيح ،و اللسان الفصيح،
والقلب الصريح ،وكلف كل عضو منها طاعة لذاته ولنبيه و لخلفائه ،فمن
البدن الخدمة له ولهم ،ومن اللسان الشهادة به وبهم ،ومن القلب
الطمأنينة بذكره وبذكرهم ،فمن شهد باللسان ،واطمأن بالجنان ،وخدم
بالركان أنزله ال الجنان ) .(2بيان " :البدن الصحيح " كأن المعنى
الصحة من الذنوب والعيوب المعنوية أو الصحة من الفات التي تورث
الشين ،فيكون مختصا بالنبياء الئمة عليهم السلم والصريح :الخالص
من كل شئ ،والمراد به هنا الخالص من الغل والحسد والشك والشبهة.
- 34كتاب صفات الشيعة للصدوق رحمه ال :عن ابن مسرور ،عن ابن
عامر ،عن عمه ،عن ابن أبي عمير ،عن أبان بن عثمان ،عن الصادق
جعفر بن محمد عليه السلم أنه قال :ل دين لمن ل تقية له ،ول إيمان لمن
ل ورع له .وباسناده عن صفوان قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إنما
المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ،والذي إذا رضي لم
يدخله رضاه في باطل ،والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله ) .(3وباسناده
عن الصادق عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :ما
ساءته سيئته و سرته حسنته فهو مؤمن .وباسناده عن حبيب الواسطي
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله.
وباسناده عن حسين بن عمرو ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن
المؤمن أشد
) (1القاموس ج 2ص (2) .244مناقب آل أبى طالب ج 4ص (3) .180مما له
خ
][304
من زبر الحديد ،إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير ،وإن المؤمن لو قتل ثم نشر ،ثم
قتل لم يتغير قلبه ) .(1بيان :في القاموس :الزبرة بالضم القطعة من
الحديد ،والجمع زبر وزبر " لم يتغير قلبه " أي عقائده التي في قلبه35 .
-صفات الشيعة :باسناده عن المفضل قال :قال أبو عبد ال عليه السلم:
إن ال تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصل واحد ،ل يدخل فيهم داخل،
ول يخرج منهم خارج ،مثلهم وال مثل الرأس في الجسد ،ومثل الصابع
في الكف ،فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتا أنه منافق ) .(2بيان:
" مثلهم " أي ينبغي أن يكون منزلة كل مؤمن من سائر المؤمنين منزلة
الرأس من الجسد في التواصل والتعاون ،واهتمام المؤمنين بهم بعضهم "
بتاتا " أي بتا وقطعا - 36 .صفات الشيعة :باسناده عن محمد بن سليمان
الديلمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال :الشتاء ربيع المؤمن ،يطول
فيه ليله فيستعين به على قيامه .وباسناده عن سعيد بن غزوان قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :المؤمن ل يكون محارفا ) .(3وباسناده عن
صالح بن هيثم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ثلث من كن فيه
استكمل خصال اليمان :من صبر على الظلم وكظم غيظه ،واحتسب وعفى
كان ممن يدخله ال الجنة ،وشفع في مثل ربيعة ومضر .وباسناده عن
زيد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :لم تكونوا مؤتمنين حتى تكونوا
مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة ،وذلك أن الصبر على البلء
أفضل من العافية عند الرخاء.
][305
وباسناده عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المومن من يخافه كل شئ ،وذلك
أنه عزيز في دين ال ،ول يخاف من شئ ،وهو علمة كل مومن .وباسناده
عن صفوان الجمال ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :إن
المومن يخشع له كل شئ .ثم قال :إذا كان مخلصا ل قلبه ،أخاف ال منه
كل شئ حتى هوام الرض ،وسباعها وطير السماء ) - 37 .(1نهج :قال
عليه السلم :المومن بشره في وجهه ،وحزنه في قلبه ،أوسع شئ صدرا،
وأذل شئ نفسا ،يكره الرفعة ويشنأ السمعة ،طويل غمه ،بعيد همه ،كثير
صمته ،مشغول وقته ،شكور صبور ،مغمور بفكرته :ضنين بخلته ،سهل
الخليقة ،لين العريكة ،نفسه أصلب من الصلد ،وهو أذل من العبد ).(2
توضيح :البشر -بالكسر -الطلقة ،وكتمان الحزن من الشكر ،ول يختص
بحزن الخرة كما قيل ،وسعة صدره :كناية عن قوة حمله ،وشدة تحمله
للمشاق ،وذلة نفسه :للتواضع ،والنظر إلى عظمة ال واستحقار العمل" .
يكره الرفعة " أي الشرف والعلو في الدنيا ،و " يشنأ " كيمنع ويسمع
يبغض " السمعة " أي إسماع العمل الناس أو فعله لذلك ،وطول الغم لذكر
الموت والخرة وعدم العلم بالعاقبة " بعيد همه " أي حزنه تأكيدا أوالهم
بمعنى القصد و العزم أي همته عالية مصروفة إلى المور الباقية "
مشغول وقته " أي مستغرق في العبادة والذكر والتفكر في آيات ال،
وتحصيل العلم وبذله ،ونحو ذلك ،والحاصل أنه ل يضيع العمر " .مغمور
بفكرته " يقال :عمره الماء كنصر أي غطاه ،والفكر والفكرة إعمال النظر
والمراد به التفكر في آلء ال وعبره ،وعلوم ال وحكمه " .ضنين بخلته
" :الضنة البخل ،والخلة بالضم الصداقة والمحبة التي تخللت القلب
فصارت خلله أي في باطنه كما في النهاية ،وفي المصباح الخلة بالفتح
الصداقة
) (1صفات الشيعة ص (2) .181 - 179نهج البلغة ج 2 224تحت الرقم 333
من الحكم.
][306
والضم لغة ،والفتح الفقر والحاجة ،فالفقر تحتمل وجوها :الول :أنه ضنين بخلته
لترصده مواقع الخلة وأهلها الذين هم إخوان الصدق في ال وهم قليلون.
الثاني :أن يكون المراد أنه إذا خال أحدا أي صادقه ضن أن يضيع خلته أو
يهمل خليله ،فالمراد استحكام مودته .الثالث أن يكون بفتح الخاء كما روي
أي إذا عرضت له حاجة ضن بها أن يسأل أحدا فيها ويظهرها .و "
الخليقة " الطبيعة وسهولتها خلوها عن الفظاظة والخشونة ،و " العريكة
" النفس والطبيعة ،يقال " :فل لين العريكة " إذا كان مطاوعا منقادا قليل
الخلف والنفور منكسر النخوة و " حجر صلد " بالفتح أي صلب أملس،
وصلبته لثباته في طاعة ال وإمضاء اموره وشجاعته وحميته ،أو شدة
إيمانه ويقينه ،وعدم تزلزله في الفتن .وذلته :تواضعه - 38 .المجازات
النبوية :قوله عليه السلم من جملة كلم :العلم خليل المومن والحلم
وزيره ،والعقل دليله ،والعمل قيمه ،واللين أخوه ،والرفق والده ،والصبر
أمير جنوده ) .(1الشهاب :عنه صلى ال عليه وآله مثله إل أن فيه:
والعمل قائده والبر أخوه .قال السيد رضي ال عنه :هذه اللفاظ كلها
مستعارة منها ،فالمراد بقوله عليه السلم " العلم خليل المؤمن " أنه
يأنس به من الوحشة ،كما يسكن الحميم إلى حميمه ،والمراد بقوله عليه
السلم " والحلم وزيره " أنه يقوى به على المور ،ويوازره على كظم
المكروه ،والمراد بقوله عليه السلم " والعقل دليله " أنه بالعقل يهتدي
في ظلم المشكلت ،وينجو من مضايق الغمرات ،فهو كالدليل الذي يرشد
في المضال ويجنب عن المزال.
][307
والمراد بقوله عليه السلم " والعمل قيمة " أن العمل يثقف ميله ،ويقوم زل ،و
يسد خلله ،فهو كالقيم الذي يأتي بمصالح ما يقوم عليه ،ومراشد ما يوكل
إليه والمراد بقوله عليه السلم " واللين أخوه " أن اللين يفيده مواخاة
الخوان ،ومخالصتهم ويحفظ عليه صفاءهم ومودتهم ،فجعله عليه السلم
أخاه من حيث كان سببا لجتلب الخوان إليه ،وحفظ المودات عليه.
والمراد بقوله عليه السلم " والرفق والده " كالمراد بقوله ،واللين أخوه،
لن الرفق يقبل إليه بالقلوب ،ويظأر عليه كوامن الصدور ،فيصير كل أحد
في الحنو عليه ،والميل إليه كالوالد الرؤف ،والحدب العطوف ) .(1والمراد
بقوله عليه السلم " والصبر أمير جنوده " أن الصبر ملك أمره ،وشداد
أزره وبه يبلغ الداب ،ويدرك المحاب ،فهو كأمير جنده الذي يقوى به على
أعدائه ويصل به إلى أغراضه وطلباته .وقد يجوز أن يكون المراد أن
الصبر رأس خلله ورئيس خصاله ،فهو متقدم عليها ،وكالمير لسائرها،
كما أن المير متقدم على رعيته ،وسائس على من في طبقته- 39 .
الشهاب :قال صلى ال عليه وآله :المؤمن يسير المونة .الضوء :هذا
إخبار معناه المر ،أمر رسول ال صلى ال عليه واله المومن أن يكون
يسير المؤنة ،قانعا بالموجود ،صابرا عن المفقود ،شاكرا ذاكرا ،ل طامح
البصر إلى زبرج الدنيا ،ول جشعا تواقا إلى العليا ،منكسر القلب ،ذليل
النفس للرب ،تكفيه الكسرة ،وترويه الشربة ،ويواريه الجرد ،ويلفحه
الحر ،وينفحه البرد ،كما وصفه أمير المومنين عليه السلم " هو من
نفسه في تعب ،والناس منه في راحة " وفائدة الحديث الحث على التخفف
من الدنيا ،والبتذال فيها وراويه أبو هريرة .اقول :الجر بالفتح :الخلق
البالي ،ولفح النار بحرها :أحرقت ،و نفحت الريح هبت - 40 .الشهاب:
قال صلى ال عليه وآله :المومن كيس فطن حذر.
][308
الضوء -الكياسة ضد الحمق ،والكيس الظريف ،يقال هو كيس مكيس وينسب إلى
أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد
نافع مخيسا ) (1ومخيس اسم سجن بناه أمير المؤمنين عليه السلم
بالعراق ،وكان بنى قبله نافعا وحرقه لصوص حبسوا فيه ،وكان مبنيا من
القصب ،فبنى مخيسا بالجص والجر ويقال :مخيس أي ذليل ،ومخيس أي
موضع التذليل وقد كاس الغلم يكيس كيسا و كياسة ،وتكيس تظرف
وكايسته فكسته :أي غلبته .والفطنة كالفهم ،ورجل فطن ،وقد فطن فطنة
وفطانة وفطانية ،والحذر احتراز عن مخيف ،يقال حذر حذرا وحذرته
وحذار أي احذر ! والحذر التحرز مثل الحذر ،ورجل حذر وحذر أي متيقظ
متحرز ،والجمع حذرين وحذارى .وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار ومعناه
أمر يأمر رسول ال صلى ال عليه واله الرجل المومن أن يكون كيسا
ظريفا ضابطا أمر دينه ،ودنياه ،فطنا غير غافل عما سيد همه متحرزا
غاية التحرز .وقال الحسن :المومن فطن هدم دنياه ،وبنى بها آخرته ،ولم
يهدم آخرته ويبنى بها دنياه .وقال علي بن بكار :ذهب الخيار ،فلم يبق إل
من يوثر الدرهمين على دينه .وقال يحيى بن معاذ :الدرهم عقرب فان لم
تحسن رقيتها فل تأخذه ،فانها إن لذعتك قتلتك بسمها ،قيل :وما رقيتها
قال :أخذها من حلها ،ووضعها في حلها.
) (1ذكره الجوهرى 923 :و ،969ونسبه إلى الراجز ،وذكره الفيروزآبادى ج 2
ص ،213قال :المخيس -كمعظم ومحدث -السجن ،وسجن بناء علي
رضى ال تعالى عنه وكان أول جعله من قصب وسماه نافعا فنقبه
اللصوص فقال :أما تراني كيسا مكيسا * بنيت بعد نافع مخيسا بابا
حصينا وأمينا كيسا
][309
وإنما شرط صلى ال عليه وآله هذه الخلل للمؤمن ،لن فيها جوامع الخير ،يكون
كيسا نظارا في الدلئل الموصلة إلى العلم ،فطنا فهما عالما بما يأتي ويذر،
حذرا متحرزا مع ذلك كله لن المؤمن منزله بين الخوف والرجاء .وفائدة
الحديث الحث على التنبه والتيقظ ،وقلة الركون إلى الدنيا الخداعة المكارة،
وراوي الحديث أنس بن مالك - 41 .الشهاب :قال صلى ال عليه واله:
المؤمن إلف مألوف .الضوء :اللف اجتماع مع التيام ،يقال :ألفت بين
القوم ،وألف الموضع آلفه ألفا ،آلفنبه ؟ زيد ،فأنا آلف ،وآلفت الموضع
اولفه إيلفا وآلفته اؤالفه مؤالفة وإلفا ،على أفعل وفاعل ) (1والتأليف
جمع أجزاء متفرقة على ترتيب يقدم فيه المقدم ،ويؤخر المؤخر ،وأوالف
الطير :التي ألفت الدور .فيقول عليه السلم :إن المومن ينبغي أن يكون
آلفا مستأنسا بالخلق ،مستأنسا به ،غير نافر منفر ول منفور منه ،يخف
إلى حاجات أخيه المؤمن ،غير رافع نفسه عنه ،يغفر زلته ،ويقبل عثرته،
ول يحسد ول يحقد عليه ،موافقا غير منافق ،محالفا غير مخالف ،مناصحا
غير مفاضح .وفائدة الحديث الحث على اللف ،وحسن المصادقة ،وراوي
الحديث جابر ابن عبد ال رضي ال عنه - 42 .الشهاب :قال صلى ال
عليه وآله :المؤمن من آمنه الناس على أنفسهم وأموالهم .الضوء :المن
طمأنينة النفس وزوال الخوف ،والمن والمانة واليمان والمنة قريب من
قريب ،وال تعالى مؤمن لنه آمن عباده من ظلمه إياهم ،ورجل أمنة
وامنة ) :(2يثق بكل أحد.
) (1وعبارة الجوهرى في الصحاح :1332 :فصار صورة أفعل وفاعل في الماضي
واحدا (2) .الول بالتحريك والثانى كهمزة
][310
وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار وهو في معنى المر ،أي ينبغي أن يكون المؤمن
موثوقا به ،مأمون الجانب ،نقيا من المعايب ،غير خائن في نفس أو مال
ول مخفر ذمة ،ول ناقض عهد ،ول ناكث عقد .وفائدة الحديث :الحث على
الديانة والمانة والصيانة ،واتباع الحسن في المعاملة ،وإيثار الصدق
والمجاملة ،وراويا الحديث أنس بن مالك وفضالة بن عبيد - 43 .ين :عن
محمد بن سنان ،عن عمار بن مروان والحسين بن المختار عن أبي
بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إياكم وما يعتذر منه ،فان
المؤمن ل يسيئ ول يعتذر ،والمنافق يسئ كل يوم ويعتذر منه )- 44 .(1
محص :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :المؤمن ل يغلبه فرجه ،ول
يفضحه بطنه - 45 .محص :روي أن رسول ال صلى ال عليه واله قال:
ل يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلث خصال :فعل ،وعمل،
ونية ،وباطن ،وظاهر .فقال أمير المؤمنين عليه السلم :يا رسول ال
صلى ال عليه واله ما المائة وثلث خصال ؟ فقال :يا علي من صفات
المؤمن أن يكون جوال الفكر ،جوهري الذكر ) (2كثيرا علمه عظيما
حلمه ،جميل المنازعة ،كريم المراجعة ،أوسع الناس صدرا ،وأذلهم نفسا.
ضحكه تبسما ،واجتماعه تعلما ،مذكر الغافل ،معلم الجاهل ،ل يؤذي من
يؤذيه ،ول يخوض فيما ل يعنيه ،ول يشمت بمصيبة ،ول يذكر أحدا بغيبة
بريئا من المحرمات ،واقفا عند الشبهات ،كثير العطاء ،قليل الذى ،عونا
للغريب وأبا لليتيم ،بشره في وجهه ،وحزنه في قلبه ،متبشرا بفقره .أحلى
من الشهد ،وأصلد من الصلد ،ل يكشف سرا ،ول يهتك سترا ،لطيف
) (1هذه المصادر كلها مخطوط (2) .جهورى الذكر ،خ ل.
][311
الحركات ،حلو المشاهدة ،كثير العبادة ،حسن الوقار ،لين الجانب ،طويل الصمت
حليما إذا جهل عليه ،صبورا على من أساء إليه ،يبجل الكبير ،ويرحم
الصغير .أمينا على المانات ،بعيدا من الخيانات ،إلفه التقى ،وحلفه
الحياء ،كثير الحذر ،قليل الزلل ،حركاته أدب ،وكلمه عجب ،مقيل العثرة،
ول يتتبع العورة وقورا ،صبورا ،رضيا ،شكورا .قليل الكلم ،صدوق
اللسان ،برا ،مصونا ،حليما ،رفيقا ،عفيفا ،شريفا ل لعان ،ول كذاب ،ول
مغتاب ،ول سباب ،ول حسود ،ول بخيل ،هشاشا بشاشا ،ل حساس ،ول
جساس .يطلب من المور أعلها ومن الخلق أسناها ،مشمول بحفظ ال،
مؤيدا بتوفيق ال ،ذا قوة في لين ،وعزمة في يقين ،ل يحيف على من
يبغض ،ول يأثم فيمن يحب ،صبورا في الشدائد ،ل يجور ول يعتدي ،ول
يأتي بما يشتهي ،الفقر شعاره ،والصبر دثاره ،قليل المؤنة ،كثير المعونة،
كثير الصيام ،طويل القيام قليل المنام .قلبه تقي ،وعلمه زكي ،إذا قدر عفا،
وإذا وعد وفى ،يصوم رغبا ،ويصلي رهبا ،ويحسن في عمله كأنه ناظر
إليه ،غض الطرف ،سخي الكف ،ل يرد سائل ،ل يبخل بنائل ،متواصل إلى
الخوان ،مترادفا للحسان ،يزن كلمه ويخرس لسانه ،ل يغرق في
بغضه ،ول يهلك في حبه ،ول يقبل الباطل من صديقه ول يرد الحق على
عدوه ،ول يتعلم إل ليعلم ،ول يعلم إل ليعمل .قليل حقده ،كثيرا شكره،
يطلب النهار معيشته ،ويبكي الليل على خطيئته إن سلك مع أهل الدنيا كان
أكيسهم ،وإن سلك مع أهل الخرة كان أورعهم ل يرضى في كسبه بشبهة،
ول يعمل في دينه برخصة ،يعطف على أخيه بزلته ،ويرعى ما مضى من
قديم صحبته ).(1
][312
بيان " :جوال الفكر " أي فكره في الحركة دائما " ،جهوري الذكر " في
القاموس :كلم جهوري :أي عال أي يعلن ذكر ال ،أو ذكره عال في
الناس وفي بعض النسخ " جوهري " وكأن كناية عن خلوص ذكره
ونفاسته ،والظاهر أنه تصحيف .وفي القاموس :الصلد -ويكسر -الصلب
الملس ،وصلدت الرض :صلبت ،والتبجيل :التعظيم ،واللف بالكسر من
تألفه ويألفك ،والحلف بالكسر الصديق يحلف لصاحبه أن ل يغدر به" ،
مصونا " أي عرضه ،أو عن الخطاء .وفي القاموس :الحس :الحيلة )،(1
والقتل ،والستئصال وبالكسر :الصوت ،والحاسوس :الجاسوس،
وحسست به بالكسر :أيقنت ،وأحسست ظننت ووجدت وأبصرت،
والتحسس :الستماع لحديث القوم ،وطلب خبرهم في الخير .وقال ):(2
الجس :تفحس الخبار كالتجسس ،ومنه الجاسوس ول تجسسوا :أي خذوا
ما ظهر ،ودعوا ما ستر ال عزوجل ،أو ل تفحصوا عن بواطن المور ،أو
ل تبحثوا عن العورات انتهى.
) (1قال في القاموس ج 2ص 206طمصر :الحس :الجلبة ،وقال المحشى في
هامشه :هكذا في النسخ وصوابه :الجبلة وهو عن ابن العرابي كما نقله
الصاغانى وصاحب اللسان ،كذا قال الشارح ،ول وجه لهذا التصويب فان
المجد مطلع .وقال الشرتونى في اقرب الموارد ج 1ص :191الحس
بالفتح مصدر و -الحيلة تقول :أحسست منه حسا أي حيلة ،ونقل في
الذيل ص 133عن اللسان أن الحس بمعنى الجلبة .أقول :والظاهر أن "
حيلة " و " جلبة " كليهما تصحيف والصحيح كما صوبه ابن العرابي
الجبلة -كالبلة -وهى السنة المجدبة كالحس -بالكسر -والحسوس) .
(2القاموس ج 2ص 204
][313
][314
- 48دعوات الراوندي :قال أبو عبد ال عليه السلم :المؤمن صبور في الشدائد
وقور في الزلزل .قنوع بما اوتي ،ل يعظم عليه المصائب ،ول يحيف على
مبغض ول يأثم في محب ،الناس منه في راحة ،والنفس منه في شدة49 .
-نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم :كان لي فيما مضى أخ في ال،
وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ،وكان خارجا من سلطان
بطنه ،فل يشتهي ما ل يجد ،و ل يكثر إذا وجد ،وكان أكثر دهره صامتا،
فان قال بذ القائلين ونقع غليل السائلين وكان ضعيفا مستضعفا .فإذا جاء
الجد فهو ليث غاد ) (1وصل واد ،ل يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا ،وكان ل
يلوم أحدا على ما ]ل[ يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره .وكان ل
يشكو وجعا إل عند برئه ،وكان يقول ما يفعل ،ول يقول ما ل يفعل وكان
إن غلب على الكلم ،لم يغلب على السكوت ،وكان على ما يسمع )(2
أحرص منه على أن يتكلم ،وكان إذا بدهه أمران .نظر أيهما أقرب إلى
الهوى ؟ فخالفه فعليكم بهذه الخلئق فالزموها ،وتنافسوا فيها ،فإن لم
تسطيعوها ،فاعلموا أن أخذ القليل ،خير من ترك الكثير ) .(3وقال عليه
السلم :ل يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد ال سبحانه أوثق منه
بما في يده ) .(4وقال :عليه السلم :علمة اليمان أن تؤثر الصدق حيث
يضرك على الكذب حيث ينفعك ،وأن ل يكون في حديثك فضل عن علمك
وأن تتقي ال في حديث غيرك ).(4
) (1ليث غا ب خ ل (2) .على أن يسمع خ ل (3) .نهج البلغة ج 2ص 214تحت
الرقم 289من الحكم (4) .نهج البلغة ج 2ص ،219تحت الرقم 310
من الحكم (5) .نهج البلغة ج 2ص ،251تحت الرقم 458من الحكم
][315
- 50نهج :روي أن صاحبا لمير المؤمنين عليه السلم ) (1يقال له :همام كان
رجل عابدا ،فقال له :يا أمير المؤمنين صف لي المتقين ،حتى كأني أنظر
إليهم ،فتثاقل عن جوابه ،ثم قال عليه السلم :يا همام اتق ال وأحسن !
فان ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ،فلم يقنع همام بذلك القول
حتى عزم عليه ،قال :فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي صلى ال
عليه واله ثم قال :أما بعد فان ال سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن
طاعتهم ،آمنا من معصيتهم ،لنه ل تضره معصية من عصاه ،ول تنفعه
طاعة من أطاعه ،فقسم بينهم معايشهم ،ووضعهم من الدنيا مواضعهم.
فالمتقون فيها هم أهل الفضائل :منطقهم الصواب ،وملبسهم القتصاد ،و
مشيهم التواضع ،غضوا أبصارهم عما حرم ال عليهم ،ووقفوا أسماعهم
على العلم النافع لهم ،نزلت أنفسهم منهم في البلء كالذي نزلت في
الرخاء ،لو ل الجل الذي كتب ال عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم
طرفة عين ،شوقا إلى الثواب ،و خوفا من العقاب .عظم الخالق في أنفسهم
فصغر ما دونه في أعينهم ،فهم والجنة كمن قد رآها ،فهم فيما منعمون،
وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ،قلوبهم محزونة وشرورهم
مأمونة ،أجسادهم نحيفة ،وحاجاتهم خفيفة ،وأنفسهم عفيفة ،صبروا أياما
قصيرة أعقبتهم راحة طويلة ،تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ،أراداتهم
الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها .أما الليل فصافون أقدامهم،
تالين لجزاء القرآن ،يرتلونه ترتيل يحزنون به أنفسهم ،ويستشيرون به
دواء دائهم ،فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ،وتطلعت
نفوسهم إليها شوقا ،وظنوا أنها نصب أعينهم ،وإذا مروا بآية فيها تخويف
أصغوا إليه مسامع قلوبهم ،وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في اصول
آذانهم.
) (1رواه الكليني في الكافي ج 2ص 226باب المؤمن وعلماته وصفاته مع
اختلف.
][316
][317
استحفظ ،ول ينسى ما ذكر ،ول ينابز باللقاب ،ول يضار بالجار ،ول يشمت
بالمصائب ،ول يدخل في الباطل ،ول يخرج من الحق .إن صمت لم يغمه
صمته ،وإن ضحك لم يعل صوته ،وإن بغي عليه صبر حتى يكون ال هو
الذي ينتقم له ،نفسه منه في عناء ،والناس منه في راحة ،أتعب نفسه
لخرته ،وأراح الناس من نفسه ،بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة ،ودنوه
ممن دنا منه لين ورحمة ،ليس تباعده بكبر وعظمة ،ول دنوه بمكر
وخديعة .قال :فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها ،فقال أمير المؤمنين
عليه السلم :أما وال لقد كنت أخافها عليه ثم قال :هكذا تصنع المواعظ
البالغة بأهلها فقال له قائل :فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه
السلم :ويحك إن لكل أجل وقتا ل يعدوه وسببا ل يتجاوزه فمهل ل تعد
لمثلها فانما نفث الشيطان على لسانك ) .(1تبيين :قال الكيدري :الهمام
البعيد الهمة وكان السائل كاسمه ،وقال ابن أبي الحديد ) :(2همام هو همام
بن شريح بن يزيد بن مرة وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلم
وأوليائه ،وكان ناسكا عابدا وتثاقله عن جوابه لنه علم أن المصلحة في
تأخير الجواب ،وكأنه حضر المجلس من ل يحب عليه السلم أن يجيب -
وهو حاضر .ولعله بتثاقله عليه السلم يشتد شوق همام إلى سماع
الموعظة .ولعله من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة .ل عن وقت
الحاجة .وقال ابن ميثم ) :(3تثاقله عليه السلم لخوفه على همام كما يدل
عليه قوله عليه السلم :أما وال لقد كنت أخافها عليه ،وأقول :هذا أظهر.
" اتق ال وأحسن " أي ليس عليك أن تعرف صفات المتقين على
التفصيل ولعل الصلح لك القناعة بما تعرفه مجمل من صفاتهم ،ومراعاة
التقوى والحسان وكأن المراد بالتقوى الجتناب عما نهى ال عنه،
وبالحسان فعل ما أمر ال به
) (1نهج البلغة ج 1ص 419ط عبده مصر ،تحت الرقم 191من الخطب )(2
شرح النهج لبن أبى الحديد ط مصر ج 2ص (3) 547شرح النهج لبن
ميثم ص .364
][318
فالكلمة جامعة لصفات المتقين وفضائلهم " .حتى عزم عليه " عزمت على فلن:
أقسمت عليه ،وعزمت على المر أي قطعت عليه ،وأردت فعله حتما،
فالضمير في " عليه " يحتمل عوده إليه عليه السلم ،وإلى ما سأله من
الوصف على التفصيل والول أظهر ،ورواية الصدوق تعينه ).(1
والتعرض للغنا والمن ) (2لدفع توهم أن مدح المتقين ،والترغيب في
الطاعة ،والتخويف من المعصية ،لنتفاعه سبحانه ودفع المضرة عنه،
وليس المعنى أن أفعال ال سبحانه ليست معللة بالعراض ،كما زعمه
الحكماء ،بل إشارة إلى ما ذكره المتكلمون من أن الغرض ل يعود إليه
سبحانه بل إلى العباد ،لنه أراد أن يثيبهم في الخرة ،والثواب هو النفع
المقارن للتعظيم والجلل ،وفعله لمن ل يستحق أصل قبيح عقل ،فلذا
كلفهم وبعث إليهم الرسل ووعدهم وأوعدهم ،وعرضهم للمثوبات الدائمة
الجليلة ،وتفصيل ذلك في كتب الكلم .و " المعايش " بالياء جمع معيشة،
وهي ما يعاش به ،أو فيه ،وما يكون به الحياة ،قال ال تعالى " :نحن
قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " ) (3ومواضع الخلق :مراتبهم،
قال ال تعالى " :ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " ) (4وهي إشارة
إلى الدرجات الدنيوية ،كالغنا والفقر ،والصحة والمرض ،أو الدينية
لختلف استعداداتهم وقابلياتهم في العلم والعمل ،أو العم منهما وهو
أظهر ،والتفريع يؤيد الخيرين " :منطقهم الصواب " المنطق :النطق أي
ل يقولون إل حقا ،ويحترزون عن الكذب والفحش والغيبة وسائر القاويل
الباطلة ،وقيل :أي ل يتكلمون إل في مقام التكلم ،كذكر ال تعالى ،وإظهار
حق ،وإبطال باطل ،وكأن البتداء
) (1حيث قال :فقال همام :يا أمير المؤمنين أسألك بالذى أكرمك بما خصك الخ
والرواية في المالى ص 340المجلس 84 :كما سيأتي (2) .يعنى في
قوله عليه السلم :خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم الخ 3) .و
(4الزخرف.32 :
][319
بالمنطق لكون النفع والضرر في القول أكثر في الغلب من أعمال سائر الجوارح و
" الملبس " بفتح الباء :ما يلبس ،والقتصاد :التوسط بين طرفي الفراط
والتفريط ،والمعنى أنهم ل يلبسون ما يلحقهم بدرجة المترفين ،ول ما
يلحقهم بأهل الخسة والدناءة ،أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب
المتصوفين ،أو المعنى أن القتصاد في القوال والفعال ،صار شعارا لهم،
محيطا بهم ،كاللباس للنسان كما مر " .ومشيهم التواضع " أي ل
يمشون مشي المختالين والمتكبرين ،كما قال عزوجل " :ول تمش في
الرض مرحا " الية ) (1أو المراد أن سيرتهم وسلوكهم بين الخلق ،أو
في سبيل ال ،بالتواضع والتذلل " ،غضوا أبصارهم " غض فلن طرفه:
كمد أي خفضه ،وكذلك غض من صوته ،وكل شئ كففته فقد غضضته "
ووقفت " كضربت أي دمت قائما ،ووفقته أنا وقفا :أي فعلت به ما وقف
ووقفت الرجل عن الشئ وقفا أي منعته عنه ،ووقفت الدار وقفا أي
حبستها في سبيل ال ،والمراد القتصار على استماع العلم النافع ،وفيه
إيماء إلى ذم الصغاء إلى القصص الكاذبة ،بل وكثير من الصادقة ،كما
سيأتي إنشاء ال .و " الرخاء " بالفتح سعة العيش .قال القطب الراوندي
رحمه ال :يعني أن المتقين يتعبون أبدانهم في الطاعات ،فيطيبون نفسا
بتلك المشقة التي يحتملونها مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء،
ول بد من تقدير مضاف لن تشبيه الجمع بالواحد ل يصح أي كل واحد
منهم إذا نزل في البلء ،يكون كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء ،ونحوه
قوله تعالى " :مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق " ) (2قال :ويجوز أن
يكون " الذي " بمعنى ما المصدرية كقوله تعالى " :وخضتم كالذي
خاضوا " ) (3أي نزوله في البلء كنزوله في الرخاء.
][320
وقال ابن ميثم :يحتمل أن يكون المراد بالذي :الذين ،فحذف النون كما في قوله
تعالى :و " خضتم كالذي خاضوا " .وقال ابن أبي الحديد ) :(1موضع
كالذي نصب لنه صفة مصدر محذوف والمراد كالنزول الذي ،وقد حذف
العائد إليه ،وهو الهاء في نزلته كقولك :ضربت الذي ضربت أي ضربت
الذي ضربته ،وتقدير الكلم نزلت أنفسهم منهم في حال البلء نزول
كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء .وقال الكيدري قدس سره :نزلت
أنفسهم الخ لنهم كسروا سورة الشهوة البهيمية ،وطيبوا عن أنفسهم
نفسا ،ووقفوا أشباحهم وأرواحهم على مرضاة ال ،وحبسوها في سبيله،
فل مطمح لهم إلى ما فيه نصيب أنفسهم ،بل جل عنايتهم مصروفة إلى
تحصيل ما خلقوا لجله ،من إعداد زاد المعاد ،والقبال بكل الوجوه على
عبادة رب العباد ،والتفاتهم إلى البدان يكون على طريق الطبع ،كالتفات
سالك البادية للحج الحقيقي إلى رعي الجمل ،وعلموا يقينا أن ما أصابهم
من الكد في الطريق وإن عظيما ،فانه كل شئ في جنب ما يصلون به إليه
من لقاء المحبوب ،ونيل المطلوب ،فالمحن عندهم كالمحن ،والبلية كالنعم.
وقوله " :كالذي " نظير قوله تعالى " :وخضتم كالذي خاضوا " )(2
وبيت الحماسة :عسى اليام أن يرجعن يوما كالذي كانوا .أي نزلت في
البلء كالنزول الذي نزلت في الرخاء انتهى .والمراد بالبلء المرض
والضيق ونحوهما أو العم من احتمال المشقة أيضا وليس مخصوصا به
وطيب قلوبهم للرضا بقضاء اله كما في المجالس ) " (3فصغر ما دونه
في أعينهم " في اختلف التعبير دللة على أن الخالق تمكن في قلوبهم
بخلف ما دونه فلم يتجاوز أعينهم.
) (1راجع ج :2ص .549 - 548ط مصر (2) .براءة (3) .70 :حيث قال :نزلت
أنفسهم منهم في البلء كالتى نزلت منهم في الرخاء ،رضى منهم عن ال
بالقضاء.
][321
" فهم والجنة " قال الرواندي رحمه ال :الواو بمعنى " مع " وقال ابن أبى
الحديد :بنصب " الجنة " وقد روي بالرفع على أنه معطوف على هم،
والول أحسن ،وقوله " كمن قدرآها " وقوله " فهم فيها منعمون " إما
كلهما لقوة اليمان واليقين ،أو لشدة الخوف والرجاء ،أو الرؤية إشارة
إلى قوة اليقين ،والتنعم والعذاب :أي شدة الرجاء والخوف وهما أيضا من
فروع اليقين ،واختار الوالد قدس سره الخير ،وقال الكيدري :أي حصل
لهم من العلوم اليقينية ما يجري مجرى الضرورية كما قال عليه السلم لو
كشف الغطاء ما ازددت يقينا ،وروي " والجنة " بالنصب فيكون الواو
بمعنى مع ويكون خبر المبتدا ،الكاف في كمن رآها " .قلوبهم محزونة "
حزن قلوبهم للخوف من العقاب ،لحتمال التقصير وعدم شرائط القبول كما
قال عزوجل " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم
راجعون " ) (1والمن من شرورهم لنهم ل يهمون بظلم أحد ،كما ورد
في الخبر :المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،وقيل لن أفعالهم
حسنة في الواقع وإن كانت سيئة في الظاهر ،وهو بعيد " .نحيفة " أي
مهزولة لكثرة الصيام والسهر والرياضات ،أو للخوف أو لهما وخفة
حاجاتهم لقلة الرغبة في الدنيا ،وترك اتباع الهوى ،وقصر المل،
وقناعتهم بما رزقهم ال .والعفة كف النفس عن المحرمات ،بل عن
الشبهات والمكروهات أيضا وجملة " أعقبتهم " صفة لليام و " تجارة "
عطف بيان للراحة ،أو بدل منه ،أو منصوب على المدح ،أو على الحال ،أو
على تقدير فعل ،أي اتجروا تجارة .قال الراوندي رحمه ال :نصب المصدر
مع حذف فعله كثير في الكلم وربح الرجل في تجارته كعلم ،ويسند إلى
التجارة مجازا قال تعالى " فما ربحت تجارتهم " ) (2وقال الزهري ربح
الرجل في تجارته أي صادف سو قاذات ربح ،وأربحت
][322
الرجل إرباحا أعطيته ربحا فالتجارة المربحة كأنها تعطي ربحا أو هي الرابحة من
أفعل بمعنى فعل .وقال الكيدري :تجارة انتصابه على المصدر من معنى
الكلم السابق ،لن مضمون قوله " صبروا أياما " الخ يدل على أنهم
اتجروا بذلك أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده أي يسر لهم
ربهم تجارة ،أو على المدح أو التخصيص أي أعني تجارة ،أو أخص
تجارة ،وجعلها بدل من راحة على ما زعم صاحب المنهاج ليس بالقوي
لن التجارة المربحة ليست بنفس الراحة ،وإنما صبرهم المستعقب لتلك
الراحة هي التجارة ،انتهى " .أرادتهم الدنيا " أي أقبلت إليهم من الوجوه
المذمومة أو مطلقا ،وتمكنوا من تحصيلها بكسب المال والجاه ،فلم يقبلوها
ولم يسعوا في تحصيلها ،وقيل :ويحتمل أن يراد أهل الدنيا .وأسره
كضربه :أي شده وحبسه " والفدية " زخارف الدنيا وملذها التى سلموها
إلى الدنيا ،بالترك والعراض عنها .اقول :ونقل الكيدري قدس سره -
رواية تمثل الدنيا لمير المومنين عليه السلم وإعراضه عنها كما سننقلها
عنه في باب ذم الدنيا ثم قال :فهذا معنى قوله عليه السلم " أرادتهم الدنيا
ولم يريدوها " وإذا تدبرت الخلل المذكورة في هذه الخطبة وجدت أمير
المؤمنين عليه السلم هو الموصوف بها كلها ،وقد أوردت هذه البيات
وأمثالها في " أنوار العقول من أشعار وصي الرسول " .فأما أسرها إياهم
فلن أرواح الولياء قدسية ومقامها في العالم الجسد أي على خلف
مقتضى طبيعتها فهي غريبة في هذا العالم وصغوها بالكلية إلى عالمها
فهي أسيرة هنا من حيث الغربة ،وعدم الملءمة ،فدائما يستعد ويتهيأ
للسفر الحقيقي ويزيل المثبطات ،ويرفعها من البين ،وذلك فداؤها " .أما
الليل " في بعض النسخ بالنصب على حذف حرف الجر ،أي أما حالهم في
الليل ،فالمقصود تفصيل حالهم في الليل والنهار وفي بعض النسخ بالرفع،
فالغرض تفصيل حال ليلهم ونهارهم ،والصف ترتيب الجمع على صف،
وصف القدمين
][323
وضعهما في الصلة بحيث يتحاذى البهامان ويتساوى البعد بين الصدر والعقب.
وفي بعض النسخ " :تالون " مكان " تالين " " ،يرتلونه " أي القرآن،
و روي " يرتلونها " فالضمير لجزاء القرآن ،ورتل القرآن ترتيل :أي
أحسن تأليفه ،وعن أمير المؤمنين عليه السلم أنه " حفظ الوقوف وأداء
الحروف " وهو جامع لما يعتبره القراء .والحزن الهم وحزنه المر
كنصر ،أي جعله حزينا وحزن كعلم أي صار حزينا ،وحزنه تحزينا :جعل
فيه حزنا ،وفي أكثر النسخ على التفعيل وفي بعضها كينصرون ،وتحزين
النفوس بآيات الوعيد ظاهر وأما آيات الوعد فللخوف من الحرمان ،وعدم
الستعداد .وثار الغبار :إذا سطع وهاج ،وثار القطا :إذا نهضت من
موضعها ،وأثار الغبار واستثاره :هيجه ،ولعل المراد بالدواء العلم وبالداء
الجهل ،واستثارة العلم بالتدبر والتذكر ،قال في النهاية :في الحديث" :
أثيروا القرآن فان فيه علم الولين والخرين ،ويحتمل أن يراد استثارة
العلم الكامنة في النفس ،على حسب الستعداد والكمال بالتدبر والتفكر
والتذكر .وقال الوالد قدس سره :المراد أنهم يداوون بآيات الخوف داء
الرجاء الغالب الذي كاد أن يبلغ حد الغترار والمن لمكر ال ،وبآيات
الرجاء داء الخوف إذا قرب ؟ ن القنوط ،وبما يستكمل اليقين داء الشبهة،
وبالعبر داء القسوة وبما ينفر عن الدنيا والميل إليها داء الرغبة فيها
ونحو ذلك .وركن إلى الشئ :كنصر كما في النسخ وكعلم أيضا أي مال
وسكن ،و التطلع إلى الشئ :الستشراف له والنتظار لوروده ،ونصب
الشئ رفعه ،وأن يستقبل به شئ ،والكلمة منصوبة على الظرفية أي ظنوا
أنها فيما نصب بين أيديهم وفي بعض النسخ مرفوعة على أنها خبر أن.
وقال الكيدري " :وتطلعت نفوسهم إليها " أي كادت تطلع شموس
نفسوسهم من أفق عوامل أبدانهم ،فتصعد إلى العالم العلوي ،شوقا إلى ما
وعدوا به في تلك
][324
اليات من أخائر الذخائر ،وعظائم الكرائم ،وانتصاب " نصب أعينهم " على
الظرف أي في موضع يقابل أعينهم ،ويجوز فيه الرفع .وقال الرواندي
رحمه ال :الظن هنا بمعنى اليقين ،قال تعالى " أل يظن اولئك أنهم
مبعوثون " ) (1أي أيقنوا أن الجنة معدة لهم بين أيديهم وقال ابن أبي
الحديد :ويمكن أن يكون على حقيقته .وصغي إليه كرضي أي مال ،وأصغى
سمعه إليه أي أماله ،وزفير النار صوت توقدها ،والزفير أيضا إخراج
النفس بعد مده فالمراد زفير أهل جهنم ،والشهيق تردد البكاء في الصدر،
مع سماع الصوت من الحلق ،وشهيق الحمار صوته وكونهما في اصول
الذان كناية عن تمكنها في الذان " .حانون أوساطهم " حنى ظهره يحنيه
ويحنوه أي عطفه فانحنى وحنوهم على أوساطهم ،وصف لحال ركوعهم،
والفتراش البسط على الرض ،وهو وصف لحال سجودهم .قال الكيدري:
" فهم حانون " أي منعطفون للركوع ،وحنى قد جاء متعديا ولزما
وتعديته أكثر ،فيكون تقديره " حانون ظهورهم على أوساطهم "" .
يطلبون إلى ال " أي يسألونه راغبين ومتوجهين إليه ،وفك الرقبة كمد
أي أعتقها ،والسير خلصه " ،وأما النهار " بالنصب والرفع كما تقدم،
قال الكيدري " :أما النهار " انتصابه على الظرفية ،وتعلقه بما بعده من
الصفات كحلماء وغيره ،وحلماء خبر مبتدء محذوف ،أي فهم حلماء في
النهار ،ويجوز فيه الرفع على تقدير " أما النهار فهم حلماء فيه " فيكن
مبتدءا والجملة بعده خبره وفيها ضمير مقدر يعود إليه ،والحلماء :ذوو
الناة أو العقلء ،وبرى السهم يبريه :أي نحته ،والقداح جمع قدح بالكسر
فيهما ،وهو السهم قبل أن يراش وينصل ،و هو كناية عن نحافة البدن،
وضعف الجسد ،أو زوال المال ،والمطالب الدنيوية .وخولط فلن في
عقله :إذ اختل عقله وصار مجنونا ،وخالطه أي مازجه
][325
وقال الراوندي وغيره :المعنى يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة ،بل مازج
قلوبهم أمر عظيم وهو الخوف فتولهوا لجله ،وقيل " :ولقد خالطهم " أي
صار سببا لجنونهم الذي يظنه الناظر " أمر عظيم " هو الخوف .وقال
الكيدري " :قد براهم الخوف " أي أنضاهم وأنحفهم " ،خولطوا " أي
خالط عقولهم جنون .والستكثار عد الشئ كثيرا ،واتهمت فلنا :أي ظننت
فيه ما نسب إليه واتهمته في قوله :أي شككت في صدقه ،والسم التهمة
كرطبة ،والسكون لغة ،و أصل التاء واو ،والمراد أنهم يظنون بأنفسهم
التقصير أو الميل إلى الدنيا ،أو عدم الخلص في النية أو العم ،أو
يشكون في شأنها ونياتها ،ويخافون أن يكون مقصودها في العبادات
الرئاء والسمعة ،وأن تجرها العبادة إلى العجب ،فل يعتمدون عليها.
والشفاق :الخوف ،وإشفاقهم من السيئات وإن تابوا منها لحتمال عدم
قبول توبتهم ،ومن الحسنات لحتمال عدم القبول ،لختلل بعض الشرائط،
وشوب النية ،أو للعمال السيئة وقد قال ال عزوجل " :إنما يتقبل ال من
المتقين ) " .(1إذا زكي أحدهم " التزكية :المدح ،وخوفهم من الوقوع في
العجب والتكال على العمل وسؤال عدم المؤاخذة لذلك ،ويحتمل أن يكون
كناية عن عدم الرضا بما يقولون ،والتبري من التزكية وظن البراءة
بالنفس فان النفس أمارة بالسوء إل ما رحم ال " .واجعلني أفضل مما
يظنون " أي وفقني لدرجة فوق ما يظنون بي من حسن العمل والقبول.
وقال ابن أبي الحديد :قد قاله لقوم مر عليهم ،وهم مختلفون في أمره
فمنهم الحامد له ،ومنهم الذام ،فقال عليه السلم] :اللهم[ إن كان ما يقوله
الذامون
][326
حقا فل تؤاخذني به ،وإن كان ما يقوله الحامدون حقا فاجعلني أفضل مما يظنون.
" فمن علمة أحدهم أنك ترى له " في بعض النسخ " لهم فالضمير راجع
إلى معنى أحدهم ،والقوة في الدين :أن ل يتطرق إلى اليمان الشك
والشبهات وإلى العمال الوساوس والخطرات أو أن ل يدرك العزم في
المور الدينية ونى ول فتور للوم وغيره ،قال تعالى " :يجاهدون في سبيل
ال ول يخافون لومة لئم " ) .(1والحزم بالفتح :ضبط المر ،والخذ فيه
بالثقة ،والحذر من فواته وكأن المعنى أنه ل يصير حزمه سببا لخشونته،
بل مع الحزم يداري الخلق ويلينهم .والقصد :التوسط بين طرفي الفراط
والتفريط وترك السراف والتقتير :أي يقتصد في حال الغنا ،أو في تحصيل
الغنا ،أو في النفاق مع غنى النفس ،والتجمل :التزين ،وتكلف الجميل
وإظهاره ،والتجمل في الفاقة :سلوك مسلك الغنياء والمتجملين في حال
الفقر ،وذلك بترك الشكوى إلى الخلق ،والبتهاج بما أعطى ال ،وإظهار
الغنى عن الخلق ،أو التجمل والتزين في الفاقة بما أمكن ،وعدم إظهار
الفاقة للناس ،إل ما ل يمكن ستره ،أو زائدا على ما هو الواقع ،كالفقراء
الطامعين فيما في أيدي الناس " .والصبر في الشدة " الصبر على شدة
الفقر ،أو العبادة ،أو المصائب ،أو العم والطلب في الحلل :الكسب من
غير الطرق التي نهي عنها ،والنشاط بالفتح :طيب النفس للعمل وغيره،
والهدى :الرشاد والدللة ،أي ينشط لهداية الناس ،أو لهتدائه في نفسه،
والتحرج ،التأثم ،والمعنى جعل الطمع حرجا ،وعده إثما وعيبا .وقال ابن
أبي الحديد :حرف الجر في بعض هذه المواضع يتعلق بالظاهر
][327
فيكون موضعه نصبا بالمفعولية ،وفي بعضها يتعلق بمحذوف ،فيكون موضعه
أيضا نصبا على الصفة ،ففي قوله " في دين " يتعلق بالظاهر أي " قوة
" يقال فلن قوى في كذا وعلى كذا ،و " في لين " يتعلق بمحذوف أي
حزما كائنا في لين و " في يقين " و " في علم " يتعلق بالظاهر ،و " في
" بمعنى " على " كقوله تعالى " ولصلبنكم في جذوع النخل " ) (1و "
في غنى " يتعلق بمحذوف و " في عبادة " يحتمل المرين و " في فاقة
" بمحذوف و " في شدة " يحتمل المرين و " في حلل " يتعلق بالظاهر
و " في " بمعنى اللم و " في هدى " يحتملها و " عن طمع " بالظاهر.
والوجل :الخوف ،وخوفهم من التقصير في العمل كما أو كيفا ،أو من
عذاب ال ،إشارة إلى قوله سبحانه " :يؤتون ما آتوا " الية ) ،(1والهم:
أول العزم ،وما قصده النسان وأضمره في نفسه ،وكأن تخصيص الشكر
بالمساء لن الرزق وإفاضة النعم والفوز بالمكاسب ،يكون في اليوم غالبا،
وتخصيص الذكر بالصباح لن الشواغل عن الذكر في اليوم أكثر ،وكل يوم
كأنه وقت استيناف العمل .والحذر والفرح ككتف صفتان من الحذر والفرح
بالتحريك ،والمراد بالفضل والرحمة ،التوفيق والهداية أو ما يشمل النعم
الدنيوية ،وهذا الفرح يعود إلى الشكر وقال بعض الشارحين :ليس
المقصود تخصيص البيات بالحذر والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا:
يمسي ويصبح حذرا فرحا ،وكذلك تخصيص الشكر بالمساء والذكر
بالصباح ،ويحتمل أن ل يكون مقصودا .والصعب نقيض الذلول،
واستصعبت على فلن دابته :أي صعبت ،واستصعبت عليه نفسه :أي لم
تطعه في العبادات المكروهة للنفس وترك المعاصي ،لن النفس أمارة
بالسوء إل ما رحم ال.
][328
" ولم يعطها سؤلها فيما تحب " أي لم يطاوع النفس فيما تريده من هذا المر الذي
استصعبت عليه ،أو في غير من اللذات لتنقاد وتترك الستصعاب ،إذ
إطاعة النفس في لذاتها توجب طغيانها ،وقوتها في الباطل ،وبعدها عن
ال ،ولذا ترى القوة على العبادة في المرتاضين ،ومن أنحلتهم العبادة أكثر
منها في القوياء والمترفين بالنعم .وقرت عين فلن ،وأقر ال عينه ،كفر
وعض أي سر وفرح ،ومعناه :أبرد ال دمعة عينه لن دمعة الفرح
والسرور باردة ،ودمعة الحزن حارة ،وقيل :معنى أقر ال عينك :بلغك
امنيتك ،حتى ترضى نفسك وتسكن عينك ،فل تستشرف إلى غيره ،وقيل:
معناه أبرد ال عينك بأن ينقطع بكاؤها ،وقرة عين كل أحد مأموله ومنتهى
رضاه .وما ل يزول :ما عند ال والدار الخرة ،وما ل يبقى :الدنيا
وزخارفها " يمزج الحلم بالعلم " أي يحلم للعالم بفضله ل لضعف النفس،
وعدم المبالة بما قيل له ،أو فعل به ،أو ل يطيش في المحاورات
والمباحثات ،مع أنه يقول عن علم ،وقيل :المراد بالحلم :العقل ،أي يتعلم
عن تفكر وتدبر ،ول يعتمد على الظنون والراء الواهية ،أو يتفكر فيما
علم ويحفظه حتى يتمكن في قلبه " ،والقول بالعمل " أي إذا أمر الناس
بمعروف أو نهاهم عن منكر عمل به ،أو يفي بالوعد ،أو يقرن اليمان
بالعمال الصالحة ،أو يجمع بين القول الجميل والفعل الحسن .والنزر
والمنزور :القليل ،والكل كعنق :الخط من الدنيا ،وفي بعض النسخ " أكله
" بالفتح أي ل يمتلئ من الطعام ،لنه من أسباب الكسل عن العبادة وكثرة
النوم ،والحرز :الموضع الحصين ،وحرز حريز كحصن حصين ،وحرزه
كنصره :حفظه والمراد عدم إهماله في أمر دينه ،وعدم تطرق الخلل إليه
والمأمول :المرجو " .إن كان في الغافلين " لعل الغرض من القرينتين أنه
ل يزال ذاكرا ل سواء كان مع الغافلين ،أو مع الذاكرين ،أما إذا كان في
الغافلين ،فيذكر ال
][329
بقلبه أو بلسانه أيضا فيصير سببا لذكرهم أيضا ،فيكتب أنه في الذاكرين .وقوله
عليه السلم " لم يكتب من الغافلين " كأنه تفنن في العبارة ،أو المعنى أنه
ليس ذكره بمحض اللسان ليكتب من الغافلين بل قلبه أيضا مشغول بذكره
تعالى .والغالب في الصلة والقطع :الستعمال في الرحم ،وقد يستعملن في
العم أيضا " .وبعيدا " عود إلى السياق السابق ،والجمل معترضة ،أو
حال عن فاعل يصل ،وقد يعبر بالبعد عن العدم ،وكذلك الغيبة والحضور،
والقبال والدبار ويحتمل القلة فان التقوى غير العصمة ،ويمكن أن يراد
بالقبال الزدياد وبالدبار النتقاص أي ل يزال يسعى فيزداد خيره
وينتقص شره .وقال الوالد رحمه ال :يمكن أن يراد بالمعروف والمنكر:
الحسان والساءة إلى الخلق .والزلزل :الشدائد ،والوقور فعول من
الوقار بالفتح ،وهو الحلم والرزانة والرخاء :سعة العيش ،والحيف :الجور
والظلم ،والمراد بالثم :الميل عن الحق والغرض أنه ل يترك الحق للعداوة
والمحبة ،إذا كان حاكما ،أو ل يجور على العدو ول يساعد المحب بما
يخرج عن الحق " .ل يضيع ما استحفظ " أي ما اودع عنده من الموال
والسرار ،والتضييع في الول بالخيانة والتفريط ،وفي الثانية بالذاغة
والفشاء ،ويحتمل شموله لما استحفظه ال من دينه وكتابه " ،ول ينسى
ما ذكر " أي ما امر بتذكره من آيات ال وعبره وأمثاله ،أو العم منها
ومن أحكام ال والموت والمصير إلى ال وأهوال الخرة .والنبز بالتحريك
اللقب قيل وكثر فيما كان ذما ،والمنابزة والتنابز :التعاير والتداعي
باللقاب ،والمضارة :الضرار ،والجار :المجاور في السكنى ،ومن آجرته
من أن يظلم ،وشمت كفرح شماتة بالفتح أي فرح ببلية العدو " ل يدخل
في الباطل " أي في مجالس الفسق واللهو والفساد ،أو المراد عدم ارتكاب
الباطل ،وكذا
][330
" الخروج من الحق " أي من مجالسه ،أو عدم ترك الحق " .لم يغمه صمته "
لعلمه بمفاسد الكلم ،وعدم التذاذه بالباطل من القول ،أو لشتغال قلبه حين
الصمت بذكر ال " ،لم يعل صوته " أي ل يشتد صوته أو يكتفي بالتبسم،
إذ الخروج عنه يكون غالبا بالضحك بالصوت العالي ،والواسطة نادرة "
وأراح الناس " لشتغاله بنفسه ،والزهد :خلف الرغبة ،وكثيرا ما
يستعمل في عدم الرغبة في الدنيا ،والنزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر
ومكروه ،وإنما كان تباعده زهدا ونزاهة ،لنه إنما يرغب عن أهل الدنيا
وأهل الباطل ،وقيل :نزاهة عن تدنس العرض .والخديعة ككريهة :السم
من خدعه أي ختله وأراد به المكروه من حيث ل يعلم ،وصعق كسمع :أي
غشي عليه ،من صوت شديد سمعه أو من غيره ،وربما مات منه " كانت
نفسه فيها " :أي مات بها ،ويحتمل أن يراد بالصعقة الصيحة ،كما هو
الغالب في هذا المقام ،ويراد بكون نفسه فيها ،خروج روحه بخروجها ،و
" ويح " كلمة رحمة ،ويستعمل في التعجب كما مر مرارا ،والتلطف في
مثل هذا المقام من قبيل الحسان إلى من أساء ،وقد مر الكلم في هذا
المقام وفي بعض ما تقدم في شرح رواية الكافي ) (1فل نعيده .وأقول:
روى في تحف العقول أيضا مثله ) .(2وأقول :لما سلك قدوة المحققين ابن
ميثم البحراني في شرح هذا الحديث مسلكا آخر ،أردت إيراده ليطلع الناظر
في كتابنا على أكثر ما قيل في ذلك فأوردته .قال قدس سره :وصف عليه
السلم المتقين بالوصف المجمل ،فقال " :فالمتقون فيها هم أهل الفضائل
" أي الذين استجمعوا الفضائل المتعلقة باصلح قوتي العلم والعمل ،ثم
شرع في تفصيل تلك الفضائل ونسقها .فالولى :الصواب في القول ،وهو
فضيلة العدل المتعلقة باللسان ،وحاصله
) (1بل سيجئ في آخر الباب (2) .تحف العقول 158 - 154 :ط اسلمية.
][331
أن ل يسكت عما ينبغي أن يقال ،فيكون مفرطا ،ول يقول ما ينبغي أن يسكت عنه،
فيكون مفرطا ،بل يضع كل من الكلم في موضعه اللئق به وهو أخص من
الصدق ،لجواز أن يصدق النسان فيما ل ينبغي من القول .الثانية" :
وملبسهم القتصاد " وهو فضيلة العدل في الملبوس ،فل يلبس ما يحلقه
بدرجة المترفين ،ول يلحقه بأهل الخسة والدناءة مما يخرج به عن عرف
الزاهدين في الدنيا .الثالثة :مشي التواضع ،والتواضع ملكة تحت العفة،
يعود إلى العدل بين رذيلتي المهانة والكبر ،ومشي التواضع مستلزم
للسكون والوقار .الرابعة :غض البصار عما حرم ال وهو ثمرة العفة.
الخامسة :وقوفهم أسماعهم على سماع العلم النافع ،وهو فضيلة العدل في
قوة السمع ،والعلوم النافعة ،ما هو كمال القوة النظرية من العلم اللهي
وما يناسبه وما هو كمال للقوة العملية وهي الحكمة العملية .السادسة:
نزول أنفسهم منهم في البلء كنزولها في الرخاء ،أي ل تقنط من بلء
ينزل بها ،ول تبطر برخاء يصيبها ،بل مقامها في الحالين مقام الشكر ،و
" الذي " صفة مصدر محذوف ،والضمير العائد إليه محذوف أيضا،
والتقدير :نزلت كالنزول الذي نزلته في الرخاء ،ويحتمل أن يكون المراد ب
" الذي " " :الذين " فحذف النون كما في قوله تعالى " كالذي خاضوا "
) (1ويكون المقصود تشبيههم حال نزول أنفسهم منهم في البلء ،بالذي
نزلت أنفسهم منهم في الرخاء ،والمعنى واحد .السابعة :غلبة الشوق إلى
ثواب ال ،والخوف من عقابه على نفوسهم ،إلى غاية أن أرواحهم ل
تستقر في أجسادهم من ذلك ،لو ل الجال التي كتبت لهم وهذا الشوق
والخوف إذا بلغ إلى حد الملكة ،فإنه يستلزم دوام الجد في العمل،
والعراض عن الدنيا ،ومبدؤهما تصور عظمة الخالق ،وبقدر ذلك يكون
تصور عظمة وعده ووعيده ،وبحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف
والرجاء
][332
وهما بابان عظيمان للجنة .الثامنة :عظم الخالق في أنفسهم ،وذلك بحسب الجواذب
اللهية إلى الستغراق في محبته ومعرفته ،وبحسب تفاوت تصور عظمته
تعالى يكون تصورهم لصغرية ما دونه ،ونسبته إليه في أعين بصائرهم.
وقوله " فهم والجنة كمن قد رآها " إلى قوله " معذبون " إشارة إلى أن
العارف وإن كان في الدنيا بجسده ،فهو في مشاهدته بعين بصيرته لحوال
الجنة وسعادتها ،وأحوال النار وشقاوتها ،كالذين شاهدوا الجنة بعين
حسهم ،وتنعموا فيها ،وكالذين شاهدوا النار ،وعذبوا فيها ،وهي مرتبة
عين اليقين ،فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة وشدة
خوفهم من النار .التاسعة :حزن قلوبهم ،وذلك ثمرة الخوف الغالب.
العاشرة ،كونهم مأموني الشرور ،وذلك أن مبدء الشرور محبة الدنيا
وأباطيلها ،والعارفون بمعزل عن ذلك .الحادية عشر :نحافة أجسادهم،
ومبدء ذلك كثرة الصيام والسهر ،وجشوبة المطعم ،وخشونة الملبس،
وهجر الملذ الدنيوية .الثانية عشر :خفة حاجاتهم ،وذلك لقتصارهم من
حوائج الدنيا على القدر الضروري من ملبس ومأكل ،ول أخف من هذه
الحاجة .الثالثة عشر :عفة أنفسهم ،وملكة العفة فضيلة القوة الشهوية
وهي الوسط بين رذيلتي خمود الشهوة والفجور .الرابعة عشر :الصبر
على المكاره أيام حياتهم من ترك الملذ الدنيوية ،و احتمال أذى الخلق،
وقد عرفت أن الصبر مقاومة النفس المارة بالسوء لئل ينقاد إلى قبائح
اللذات ،وإنما ذكر قصر مدة الصبر ،واستعقابه للراحة الطويلة ترغيبا فيه
وتلك الراحة بالسعادة في الجنة كما قال تعالى " وجزاهم بما صبروا جنة
و حريرا " ) (1الية ،وقوله " تجارة مربحة " استعار لفظ التجارة
لعمالهم الصالحة
) (1النسان(*) .12 :
][333
وامتثال أوامر ال ،ووجه المشابهة كونهم متعوضين بمتاع الدنيا وبحركاتهم في
العبادة متاع الخرة ،ورشح بلفظ الربح لفضلية متاع الخرة وزيادته في
النفاسة على ما تركوه وظاهر أن ذلك بتيسير ال لسبابه وإعدادهم له
بالجواذب اللهية .الخامسة عشر :عدم إرادتهم للدنيا مع إرادتها لهم ،وهو
إشارة إلى الزهد الحقيقي وهو ملكة تحت العفة ،وكنى بارادتها لهم عن
كونهم أهل لن يكونوا فيها رؤسا وأشرافا كقضاة ووزراء ونحو ذلك،
وكونها بمعرض أن تصل إليهم لو أرادوها ،ويحتمل أن يريد أرادهم أهل
الدنيا فحذف المضاف .السادسة عشر :افتداء من أسرته لنفسه منها ،وهو
إشارة إلى من تركها ،وزهد فيها بعد النهماك فيها ،والستمتاع بها ،ففك
بذلك الترك والعراض والتمرن على طاعة ال أغلل الهيئات الردية
المتلبسة منها عن عنقه ،ولفظ السر استعارة في تمكن تلك الهيئات من
نفوسهم ،ولفظ الفدية استعارة لتبديل ذلك الستمتاع بها بالعراض عنها،
والمواظبة على طاعة ال ،وإنما عطف بالواو في قوله " ولم يريدوها "
وبالفاء في قوله " ففدوا " لن زهد النسان في الدنيا كما يكون متأخرا
عن إقبالها عليه ،كذلك قد يكون متقدما عليه لقوله صلى ال عليه واله
ومن جعل الخرة أكبر همه جمع ال عليه همه وأتته الدنيا وهي راغمة،
فلم يحسن العطف هنا بالفاء ،وأما الفدية فلما لم يكن إل بعد السر ل جرم
عطفها بالفاء .السابعة عشر :كونهم صافين أقدامهم بالليل يتلون القرآن
ويرتلونه إلى قوله " آذانهم " وذلك إشارة إلى تطويع نفوسهم المارة
بالسوء بالعبادات وشرح لكيفية استيثارهم للقرآن العزيز في تلوته،
وغاية ترتيلهم له بفهم مقاصده ،وتحزينهم لنفسهم به عند ذكر الوعيدات
من جملة استيثارهم لدواء دائهم ،ولما كان داؤهم هو الجهل ،وسائر
الرذائل العملية ،كان دواء الجهل بالعلم ودواء كل رذيلة الحصول على
الفضيلة المضادة لها ،فهم بتلوة القرآن يستثيرون بالتحزين الخوف عن
وعيد ال المضاد للنهماك في الدنيا ،وداؤه العلم الذي هو دواء الجهل،
وكذلك كل فضيلة حث القرآن عليها ،فهي دواء لما يضادها من الرذائل،
وباقي الكلم شرح
][334
لكيفية التحزين والتشويق .وقوله " فهم حانون على أوساطهم " ذكر لكيفية
ركوعهم ،وقوله " مفترشون لجباههم " إلى قوله " أقدامهم " إشارة إلى
كيفية سجودهم وذكر العظم السبعة وقوله " يطلبون -إلى قوله -رقابهم
" إشارة إلى غايتهم من عبادتهم تلك .الثامنة عشر :من صفاتهم بالنهار
كونهم حكماء وأراد الحكمة الشرعية وما فيها من كمال القوة العلمية
والعملية ،لكونها المتعارفة بين الصحابة والتابعين وروي حلماء ،والحلم
فضيلة تحت ملكة الشجاعة هي الوسط بين رذيلتي المهانة ،و الفراط في
الغضب ،وإنما خص الليل بالصلة لكونها أولى بها من النهار .التاسعة
عشر :كونهم علماء وأراد كمال القوة النظرية بالعلم النظري ،وهو معرفة
الصانع وصفاته .العشرون :كونهم أبرارا والبر يعود إلى العفيف لمقابلته
الفاجر .الحادية والعشرون :كونهم أتقياء ،والمراد بالتقوى ههنا الخوف
من ال وقد مر ذكر العفة والخوف ،وإنما كررهما هنا في عداد صفاتهم
بالنهار ،وذكرها هناك في صفاتهم المطلقة وقوله " وقد براهم الخوف "
إلى قوله " عظيم " شرح لفعل الخوف الغالب بهم ،وإنما يفعل الخوف
ذلك لشتغال النفس المدبرة للبدن به عن النظر في صلح البدن ،ووقوف
القوة الشهوية والغاذية عن أداء بدل ما يتحلل وشبه بري الخوف لهم
ببري القداح ،ووجه التشبيه شدة النحافة ،ويتبع ذلك تغير السحنات )(1
والضعف عن النفعالت النفسانية من الخوف والحزن ،حتى يحسبهم
الناظر مرضى وإن لم يكن بهم مرض " .ويقول قد خولطوا " وذلك إشارة
إلى ما يعرض لبعض العارفين عند اتصال نفسه بالمل العلى واشتغالها
عن تدبير البدن وضبط حركاته أن يتكلم بكلم خارج عن المتعارف،
يستبشع بين أهل الشريعة الظاهرة ،فينسب ذلك منه إلى الختلط
][335
والجنون ،وتارة إلى الكفر والخروج عن الدين وقوله " ولقد خاطلهم أمر عظيم "
هو اشتغال أسرارهم بملحظة جلل ال ،ومطالعة أنوار المل العلى.
الثانية والعشرون :كونهم ل يرضون ]من أعمالهم[ القليل إلى قوله "
الكبير " وذلك لتصورهم شرف غايتهم المقصودة بأعمالهم وقوله " فهم
لنفسهم متهمون -إلى قوله -ما ل يعلمون " فتهمتهم لنفسهم وخوفهم
من أعمالهم يعود إلى شكهم فيما يحكم به أوهامهم من حسن عبادتهم،
وكونها مقبولة أو واقعة على الوجه المطلوب الموصل إلى ال تعالى فان
هذا الوهم يكون مبدءا للعجب بالعبادة والتقاصر عن الزدياد عن العمل
والتشكك في ذلك وتهمة النفس بانقيادها في ذلك الحكم للنفس المارة
يستلزم خوفها أن يكون تلك العمال قاصرة عن الوجه المطلوب وغير
واقعة عليه ،وذلك باعث على العمل وكاسر للعجب به ،وقد عرفت أن
العجب من المهلكات كما قال عليه السلم :ثلث مهلكات :شح مطاع ،وهو
متبع ،وإعجاب المرء بنفسه .وكذلك خوفهم من تزكية الناس لهم هو
الدواء لما ينشأ من تلك التزكية من الكبر والعجب بما يزكون به ،فيكون
جواب أحدهم عند تزكيته أني أعلم بنفسي من غيري إلى آخره .ثم شرع
عليه السلم بعد ذلك في علماتهم التي بجملتها يعرف أحدهم ،والصفات
السابقة وإن كان كثير منها مما يخص أحدهم ويعرف به إل أن بعضها قد
يدخله الرياء ،فل يدل على التقوى الحقة ،فجمعها ههنا ونسقها .فالولى:
القوة في الدين ،وذلك أن يقاوم في دينه الوسواس الخناس ،ول يدخل فيه
خداع الناس ،وهذا إنما يكون في الدين العالم .الثانية :الحزم في المور
الدنيوية والدينية ،والتثبت فيها ممزوجا باللين للخلق ،وعدم الفضاضة
عليهم كما في المثل " ل تكن حلوا فتسترط ول مرا فتلفظ " )(1
) (1ذكره الجوهرى في " سرط " )الصحاح ص (1130ولفظه :ل تكن حلوا
فتسترط ول مرا فتعقى " وتعقى بمعنى تلفظ من قولهم :أعقيت الشئ:
إذا أزلته من فيك لمرارته =
][336
وهي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق وقد علمت أن اللين قد يكون للتواضع
المطلوب بقوله " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " ) (1وقد
يكون من مهانة وضعف يقين ،والول هو المطللوب ،وهو المقارن للحزم
في الدين ومصالح النفس والثاني رذيلة ول يمكن معه الحزم لنفعال
المهين عن كل جاذب .الثالثة :اليمان في اليقين ،ولما كان اليمان عبارة
عن التصديق بالصانع وبما وردت به الشريعة ،وكان ذلك التصديق قابل
للشدة والضعف ،فتارة يكون عن التقليد وهو العتقاد المطابق ل لموجب،
وتارة يكون عن العلم وهو العتقاد المطابق لموجب هو الدليل ،وتارة عن
العلم به مع العلم بأنه ل يكون إل كذلك وهو علم اليقين ومحققو السالكين
ل يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون بعين اليقين بالمشاهدة ،بعد طرح
حجب الدنيا والعراض عنها ،أراد أن علمهم علم اليقين ل يتطرق إليه
احتمال .الرابعة :الحرص في العلم والزدياد منه .الخامسة :مزج العلم -
وهو فضيلة القوة الملكية -بالحلم ،وهو من فضائل القوة السبعية.
السادسة :القصد في الغنى ،وهو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا،
وحذف الفضول عن قدر الضرورة .السابعة :الخشوع في العبادة وهو من
ثمرة الفكر في جلل المعبود ،وملحظة عظمته الذي هو روح العبادة.
= كما يقال :أشكيت الرجل :إذا أزلته عما يشكوه .وهكذا ذكره الميداني في مجمع
المثا تحت الرقم 3604ج 2ص ،232وقال :الستراط :البتلع،
والعقاء :أن تشتد مرارة الشئ حتى يلفظ لمرارته وبعضهم يروى "
فتعقى " بوزن فتسترط والصواب كسر القاف ،يقال :أعقى الشئ،
والمعنى ل تتجاوز الحد في المرارة فترمى ،ول في الحلء فتبلع ،أي كن
متوسطا (1) .الشعراء.115 :
][337
الثامنة التجمل في الفاقة ،وذلك بترك الشكوى إلى الخلق والطلب منهم وإظهار
الغنى عنهم ،وينشأ عن القناعة والرضا ،وعلو الهمة ويعين على ذلك
ملحظة الوعد العاجل ،وما اعد للمتقين .التاسعة :وكذلك الصبر في الشدة.
العاشرة :الطلب في الحلل وينشأ عن العفة .الحادية عشر :النشاط في
الهدى وسلوك سبيل ال وينشأ عن قوة العتقاد فيما وعد المتقون،
وتصور شرف الغاية .الثانية عشر :عمل الصالحات على وجل ،أي من أن
يكون على غير الوجه اللئق فل يقبل كما روي عن زين العابدين عليه
السلم أنه كان في التلبية وهو على راحلته وخر مغشيا عليه ،فلما أفاق
قيل له في ذلك فقال :خشية أن يقول لي :ل لبيك ل سعديك .الثالثة عشر:
أن يكون همهم عند المساء الشكر على ما رزقوا بالنهار وما لم يرزقوا،
ويصبحوا وهمهم الذكر ل ليذكرهم ال فيرزقهم من الكمالت النفسانية
والبدنية كما قال تعالى " :فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون ).(1
الرابعة عشر :أن يبيت حذرا ويصبح فرحا وقوله حذرا إلى قوله الرحمة
تفسير للمحذور ،وما به الفرح ،وليس مقصود تخصيص البيات بالحذر،
والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي فلن ويصبح حذرا فرحا وكذلك
تخصيصه الشكر بالمساء والذكر بالصباح يحتمل أن ل يكون مقصودا.
الخامسة عشر " :إن استصعبت -إلى قوله -تحب " إشارة إلى مقاومته
لنفسه المارة بالسوء ،عند استصعابها عليه ،وقهره لها على ما تكره،
وعدم متابعته لها في ميولها الطبيعية ومحابها .السادسة عشر :أن يرى
قرة عينه فيما ل يزول ،أي من الكمالت النفسانية الباقية ،كالعلم والحكمة
ومكارم الخلق المستلزمة للذات الباقية ،والسعادة
][338
الدائمية ،وقرة عينه كناية عن لذته وابتهاجه لستلزامهما لقرار العين ،وبردها
برؤية المطلوب ،وزهادته فيما ل يبقى من متاع الدنيا .السابعة عشر ،أن
يمزج العلم بالحلم ،فل يجهل ول يطيش ،والقول بالعمل فل يقول ما ل
يفعل ،فل يأمر بمعروف فيقف دونه ،ول ينهى عن منكر ثم يفعله ول يعد
فيخلف فيدخل في مقت ال كما قال تعالى " :كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما
ل تفعلون " ) (1الثامنة عشر :قصر أمله وقربه ،وذلك لكثرة ذكر الموت،
والوصول إلى ال .التاسعة عشر :قلة زل ،وقد عرفت أن زلل العارفين
يكون من باب ترك الولى لن صدور الخيرات عنهم صار ملكة ،والجواذب
فيهم إلى الزلل والخطيئات نادرة ،تكون لضرورة منهم أو سهو ،ول شك
في قلته .العشرون :خشوع قلبه عن تصور عظمة المعبود .الحادية
والعشرون :قناعة نفسه وينشأ عن ملحظة حكمة ال في قدرته ،وقسمته
الرزاق ،ويعين عليها تصور فوائدها الحاضرة ،وغايتها في الخرة.
الثانية والعشرون :قلة أكله وذلك لما يتصور في البطنة من ذهاب الفطنة،
و زوال الرقة ،وحدوث القسوة ،والكسل عن العمل .الثالثة والعشرون:
سهولة أمره أي ل يتكلف لحد ول يكلف أحدا .الرابعة والعشرون :حرز
دينه ،فل يهمل منه شيئا ول يطرق إليه خلل .الخامسة والعشرون :موت
شهوته ،ولفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه ،ويعود إلى
العفة .السادسة والعشرون :كظم غيظه ،وهو من فضائل القوة الغضبية.
السابعة والعشرون :كونه " مأمول الخير " وذلك لكثرية خيريته "
مأمون الشرور " وذلك لعلم الخلق بعدم قصده للشرور .الثامنة
والعشرون :قوله " إن كان من الغافلين " إلى قوله " الغافلين " أي إن
رآه
][339
الناس في أعداد الغافلين عن ذكر ال ،لتركه الذكر باللسان ،كتب عند ال من
الذاكرين لشتغال قلبه بالذكر ،وإن تركه بلسانه ،وإن كان من الذاكرين
بلسانه بينهم ،فظاهر أنه ل يكتب من الغافلين .لذكر ال ممادح كثيرة ،وهو
باب عظيم من أبواب الجنة والتصال بجناب ال وقد أشرنا إلى فضيلته
وأسراره .التاسعة والعشرون :عفوه عمن ظلمه ،والعفو فضيلة تحت
الشجاعة ،وخص من ظلمه ،ليتحقق عفوه ،مع قوة الداعي إلى النتقام.
الثلثون :ويعطي من حرمه ،وهي فضيلة تحت السخاء .الحادية
والثلثون :ويصل من قطعه ،والمواصلة فضيلة تحت العفة .الثانية
والثلثون :بعد فحشه ،وأراد ببعد الفحش عنه أنه قلما يخرج في أقواله
إلى ما ل ينبغي .الثالثة والثلثون :لينه في القول عند محاورات الناس،
ووعظهم ،ومعاملتهم وهو من أجزاء التواضع .الرابعة والثلثون :غيبة
منكره وحضور معروفه وذلك للزومه حدود ال .الخامسة والثلثون :إقبال
خيره وإدبار شره ،وهو كقوله " الخير منه مأمول والشر منه مأمون "
ويحتمل باقبال خيره أخذه في الزدياد من الطاعة ،وتشميره فيها ،وبقدر
ذلك يكون إدباره عن الشر لن من استقبل أمرا وسعى فيه بعد عما يضاده
وأدبر عنه .السادسة والثلثون :وقاره في الزلزل ،وكنى بها عن المور
العظام والفتن الكار ؟ ،المستلزمة لضطراب القلوب وأحوال الناس،
والوقار ملكة تحت الشجاعة .السابعة والثلثون :كثرة صبره في المكاره،
وذلك عن ثباته وعلو همته عن أحوال الدنيا .الثامنة والثلثون :كثرة
شكره في الرخاء وذلك لمحبته المنعم الول جلت قدرته ،فيزداد شكره في
رخائه وإن قل .التاسعة والثلثون :كونه ل يحيف على من يبغض ،وهو
سلب للحيف والظلم
][340
مع قيام الداعي إليها ،وهو البغض لمن يتمكن من حيفه وظلمه .الربعون :كونه ل
يأثم فيمن يحب وهو سلب لرذيلة الفجور عنه باتباع الهوى فيمن يحب إما
باعطائه ما ل يستحق أو دفع ما يستحق عليه عنه كما يفعله قضاة السوء
وامراء الجور ،فالمتقي ل يأثم بشئ من ذلك ،مع قيام الداعي إليه ،وهو
المحبة لمن يحبه ،بل يكون على فضيلة العدل في الكل على السواء.
الحادية والربعون :اعترافه بالحق قبل أن يشهد عليه ،وذلك لتحرزه في
دينه من الكذب ،إذ الشهادة إنما يحتاج إليها مع إنكار الحق وذلك كذب.
الثانية والربعون :كونه ل يضيع أماناته ،ول يفرط فيما استحفظه ال من
دينه وكتابه ،وذلك لورعه ولزوم حدود ال .الثالثة والربعون :ول ينسى
ما ذكر من آيات ال وعبره وأمثاله ،ول يترك العمل بها ،وذلك لمداومة
ملحظتها ،وكثرة إخطارها بباله ،والعمل بها لعنايته المطلوبة منه .الرابعة
والربعون :ول ينابز باللقاب ،وذلك لملحظته النهي في الذكر الحكيم "
ول تنابزوا باللقاب " ) (1ولسر ذلك النهي وهو كون ذلك مستلزما لثارة
الفتن ،والتباغض بين الناس ،والفرقة المضادة لمطلوب الشارع .الخامسة
والربعون :ول يضار بالجار لملحظة وصية ال تعالى به " والجار ذي
القربى والجار الجنب " ) (2ووصية رسول ال صلى ال عليه واله في
المرفوع إليه :أوصاني ربي بالجار حتى ظننت أنه يورثه ،ولغاية ذلك
وهي اللفة والتحاد في الدين .السادسة والربعون :ول يشمت بالمصائب،
وذلك لعلمه بأسرار القدر وملحظته لسباب المصائب ،وأنه في معرض أن
تصيبه ،فيتصور أمثالها في نفسه فل يفرح بنزولها على غيره .السابعة
والربعون :أنه ل يدخل في الباطل ول يخرج عن الحق أي ل يدخل
فيما يبعد عن ال تعالى من باطل الدنيا ،ول يخرج عما يقرب إليه من مطالبه
الحقة ،وذلك لتصور شرف غايته .الثامنة والربعون :كونه ل يغمه
صمته ،لوضعه كل من الصمت والكام في موضعه وإنما يستلزم الغم
الصمت عما ينبغي من القول ،وهو صمت في غير موضعه .التاسعة
والربعون :كونه ل يعلو ضحكه ،وذلك لغلبة ذكر الموت وما بعده على
قلبه ،ومما نقل من صفات الرسول صلى ال عليه واله :كان أكثر ضحكه
التبسم وقد يفتر أحيانا ولم يكن من أهل القهقهة والكركرة ،وهما كيفيتان
للضحك .الخمسون :صبره في البغي عليه إلى غاية انتقام ال له ،وذلك
منه نظرا إلى ثمرة الصبر إلى الوعد الكريم " ذلك ومن عاقب بمثل ما
عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه ال " الية ) (1وقوله " ولئن صبرتم
لهو خير للصابرين " ) .(2الحادية والخمسون :كون نفسه منه في عناء
أي نفسه المارة بالسوء لمقاومته لها ،وقهرها ومراقبته إياها والناس من
أذاه في راحة لذلك .الثانية والخمسون :كون بعده عمن تباعد عنه ،لزهده
فيما في أيدي الناس ونزاهته عنه ،ل عن كبر وتعظم عليهم ،وكذلك دنوه
ممن دنا منه عن لين ورحمة منه لهم ،ل لمكر بهم وخديعة لهم عن بعض
المطالب ،كما هو عادة الخبيث المكار وهذه الصفات والعلمات قد يتداخل
بعضها ،ولكن تورد بعبارة اخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانيا مركبة مع
غيرها ) - 51 .(3لى :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن علي بن حسان ،عن
عمه عبد الرحمان بن كثر الهاشمي ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه عليهما
السلم قال :قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم يقال له همام
وكان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر
إليهم فتثاقل أمير المؤمنين صلوات ال عليه عن جوابه ثم قال له :ويحك
يا همام اتق ال وأحسن ،فان ال مع الذين اتقوا
) (1الحج (2) .60 :النحل (3) .126 :شرح النهج لبن ميثم البحراني ص - 364
.369
][342
والذينهم محسنون .فقال همام :يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به،
وحباك وفضلك بما آتاك وأعطاك ،لما وصفتهم لي ،فقام أمير المؤمنين
صلوات ال على قائما على قدميه فحمد ال وأثنى عليه وصلى على النبي
وآله ثم قال :أما بعد فان ال عزوجل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن
طاعتهم آمنا لمعصيتهم لنه ل تضره معصية من عصاه منهم ،ول تنفعه
طاعة من أطاعه منهم ،وقسم بينهم معايشهم ،ووضعهم في الدينا
مواضعهم ،وإنما أهبط ال آدم وحوا عليهما السلم من الجنة عقوبة لما
صنعا حيث نهاهما فخالفاه وأمرهما فعصياه .فالمتقون فيها هم أهل
الفضائل ،منطقهم الصواب ،وملبسهم القتصاد ،ومشيهم التواضع ،خشعوا
ل عزوجل بالطاعة فتهبوا ) (1فهم غاضون أبصارهم عما حرم ال عليهم
واقفين أسماعهم على العمل نزلت أنفسهم منهم في البلء كالتي نزلت
منهم في الرخاء رضا منهم عن ال بالقضاء ،ولو ل الجال التي كتبت
عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا
من العقاب ،عظم الخالق في أنفسهم ووضع ما دونه في أعينهم .فهم
والجنة كمن رآها فهم فيها متكئون ،وهم الدار كمن رآها فيهم فيها
معذبون ،قلوبهم محزونة ،وشرورهم مأمونة ،وأجسادهم نحيفة،
وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ،ومؤنتهم من الدنيا عظيمة .صبروا
أياما قصارا أعقبتهم راحة طويله ،تجارة مربحة ،يسرها لهم رب كريم،
أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ،وطلبتهم فأعجزوها .أما الليل فصافون
أقدامهم ،تالين لجزاء القرآن ،يرتلونه ترتيل يحزنون به أنفسهم،
ويستترون به ) (6ويهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ،ووجع كلوم جراحهم
وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلبوهم وأبصارهم
فاقشعرت منها
][343
جلودهم ،ووجلت منها قلوبهم ،فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في اصول
آذانهم .وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ،وتطلعت أنفسهم
إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا
عظيما ،مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم ،وأطراف أقدامهم ،تجري
دموعهم على خدودهم ،يجأرون إلى ال في فكاك رقابهم .أما النهار
فحلماء علماء ،بررة أتقياء ،قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر إليهم
الناظر فيحسبهم مرضى ،وما بالقوم من مرض ،أو يقول قد خولطوا فقد
خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة ال وشدة سلطانه معما يخالطهم
من ذكر الموت وأهوال القيامة ،فزع ذلك قلوبهم ،فطاشت حلومهم،
وذهلت عقولهم ،فإذا استقاموا ) (1بادروا إلى ال عزوجل بالعمال
الزكية .ل يرضون ل بالقليل ،ول يستكثرون له الجزيل ،فهم لنفسهم
متهمون ،و من أعمالهم مشفقون ،إن زكي أحدهم خاف ما يقولون،
ويستغفر ال مما ل يعلمون وقال أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم
مني بنفسي اللهم ل تؤاخذني بما يقولون ،واجعلني خيرا مما يظنون،
واغفر لي ما ل يعلمون ،فانك علم الغيوب وساتر العيوب .ومن علمة
أحدهم أنك ترى له قوة في دين ،وحزما في لين ،وإيمانا في يقين ،وحرصا
على العلم ،وفهما في فقه ،وعلما في حلم ،وكسبا في رفق ،وشفقة في
نفقة ،وقصدا في غني ،وخشوعا في عبادة ،وتجمل في فاقة ،وصبرا في
شدة ،ورحمة للمجهود ،وإعطاء في حق ،ورفقا في كسب ،وطلبا للحلل،
ونشاطا في الهدى ،و تحرجا عن الطمع ،وبرا في استقامة ،وإغماضا عند
شهوة .ل يغره ثناء من جهله ،ول يدع أحصاء ما علمه ،مستبطئا لنفسه
في العلم يعمل العمال الصالحة ،وهو على وجل ،يمسي وهمه الشكر،
ويصبح وشغله
][344
الذكر ،يبيت حذرا ،ويصبح فرحا :حذرا لما حذر من الغفلة ،فرحا لما أصاب من
الفضل والرحمة ،إن استصعبت عليه نفسه لم يعطها سؤلها فيما فيه
مضرته ،ففرحه فيما يخلد ويدوم ،وقرة عينه فيما ل يزول ،ورغبته فيما
يبقى ،وزهادته فيما يفنى .يمزج العلم بالحلم ،ويمزج الحلم بالعقل ،تره
بعيدا كسله ،دائما نشاطه قريبا أمله ،قليل زل ،متوقعا أجله ،خاشعا قلبه،
ذاكرا ربه ،خائفا ذنبه قانعة نفسه ،متغيبا جهله ،سهل أمره ،حريزا لدينه،
ميتة شهوته ،كاظما غيظه صافيا خلقه ،آمنا منه جاره ،ضعيفا كبره ،متينا
صبره ،كثيرا ذكره ،محكما أمره .ل يحدث بما يؤتمن عليه الصدقاء ،ول
يكتم شهادته العداء ،ول يعمل شيئا من الحق رئاء ،ول يتركه حياء،
الخير منه مأمول ،والشر منه مأمون إن كان من الغافلين ) (1كتب من
الذاكرين وإن كان من الذاكرين ) (2لم يكتب من الغافلين .يعفو عمن
ظلمه ،ويعطي من حرمه ،ويصل من قطعه ،ول يعزب حلمه ،و ل يعجل
فيما يريبه ،ويصفح عما قد تبين له ،بعيدا جهله ،لينا قوله ،غائبا مكره
قريبا معروفه ،صادقا قوله ،حسنا فعله ،مقبل خيره ،مدبرا شره ،فهو في
الزلزل وقور ،وفي المكاره صبور ،وفي الرخاء شكور ،ول يحيف على
من يبغض ،و ل يأثم فيمن يحب ،ول يدعي ما ليس له ،ول يجحد حقا
عليه ،يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه ،ل يضيع ما استحفظ ،ول يتنابز
باللقاب ،ل يبغي على أحد ،ول يهم بالحسد ،ول يضر بالجار ،ول يشمت
بالمصائب ،سريع للصواب ،مؤد للمانات ،بطئ عن المنكرات ،يأمر
بالمعروف ،وينهى عن المنكر ،ل يدخل في المور بجهل ،ول يخرج عن
الحق بعجز .إن صمت لم يغمه الصمت ،وإن نطق لم يقل خطأ ،وإن ضحك
لم يعد صوته سمعه ،قانعا بالذي قدر له ،ل يجمح به الغيظ ،ول يغلبه
الهوى ،ول يقهره الشح
][345
ول يطمع فيما ليس له ،يخالط الناس ليعلم ،ويصمت ليسلم ،ويسأل ليفهم ،ويبحث
ليعلم ،ل ينصت للخير ليفخر به ،ول يتكلم به ليتجبر على من سواه ،إن
بغي عليه صبر ،حتى يكون ال هو الذي ينتقم له .نفسه منه في عناء،
والناس منه في راحة ،أتعب نفسه لخرته ،وأراح الناس من نفسه ،بعد
من تباعد عنه بغض ونزاهة ،ودنو من دنا منه لين ورحمة ) (1فليس
تباعده بكبر ول عظمة ،ول دنوه لخديعة ول خلبة ،بل يقتدي بمن كان
قبله من أهل الخير ،فهو إمام لمن خلفه من أهل البر .قال :فصعق همام
صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين عليه السلم :أما وال لقد كنت
أخافها عليه ،وأمر به فجهز وصلى عليه ،وقال :هكذا تصنع المواعظ
البالغة بأهلها .فقال قائل :فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ ! فقال :ويلك إن
لكل أجل لن يعدوه ،وسببا ل يجاوزه ،فمهل ل تعد فإنه إنما نفث هذا القول
على لسانك الشيطان ) .(2كتاب سليم بن قيس مثله .توضيح :إنما كررنا
ذكر هذه الخطبة الشريفة ،لئل يفوت عن الناظر في الكتاب الفوائد التي
اختصت كل رواية بها مع أنها المسك كلما كررته يتضوع " .بما خصك به
من قرابة الرسول صلى ال عليه واله والختصاص به وحباك " أي
أعطاك من الوصاية والخلفة بما آتاك من السوابق والمناقب وأعطاك من
العلم والقرب ومكارم الخلق ويحتمل التعميم والتأكيد .و " لما " إيجابية
أي أسألك في جميع الحوال إل حال الوصف ،وهو حصول المطلوب ،وقد
مر الكلم في تأويل معصية آدم وحوا عليهما السلم وذكرها لبيان
) (1بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة ،ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ،خ ل(2) .
أمالى الصدوق ص 340المجلس.84 :
][346
فضيلة التقوى وذم خلفها وبيان سبب حصول بني آدم في الدنيا واحتياجهم إلى
المعايش و اختلفهم في المنازل الدينية والمراتب الدنيوية وحصول
الشهوات فيهم ،وترقيهم في الكمالت لذلك .فتهبوا أي نفضوا أيديهم عن
الدنيا وتفرغوا للخرة ،في النهاية يقال جاء يتهبى إذا جاء فارغا ينفض
يديه .ويحتمل أن يكون من هب فقلب الثاني ) (1أي انتبهوا من نوم
الغفلة ،و أسرعوا في الطاعة أو بليت أبدانهم فكثرة العبادة في القاموس:
الهب النتباه من النوم ،ونشاط كل سائر ،وسرعته ،وتهبب الثوب بلي،
وفي بعض النسخ " فبهتوا " أي تحيروا في ملحظة عظمة ال سبحانه
أو يحسبهم الناس كذلك كما سيأتي " .ووضع ما دونه " على بناء
المفعول أي ذل وحط قدره ،أو على بناء المعلوم ككرم يقال في حسبه ضعة
أي انحطاط ولؤم وخسة ،وقد وضع ككرم ووضعه غيره كذا في القاموس
وفي بعض النسخ وصغر " ومؤنتهم من الدنيا عظيمة " المؤنة الثقل،
والقوت ،والتعب ،والشدة .قال الجوهري ) (2المؤنة يهمز ول يهمز ،وهي
فعولة وقال الفراء هي مفعلة من الين وهو التعب والشدة ويقال هو مفعلة
من الجون وهو الخرج والعدل ،لنه ثقل على النسان ،قال الخليل :ولو
كان مفعلة لكان مئينة ،مثل معيشة ،وعند الخفش يجوز أن تكون مفعلة
انتهى .وأقول :تحتمل هذه الفقرة وجوها :الول أن يكون المعنى أن تعبهم
ومشقتهم بسبب ترك الدنيا ،ومجاهدة النفس في العراض عنها عظيمة.
الثاني أن يكون المعنى أن الرزق مضيق عليهم ،لعراضهم عن الحرام و
الشبهة ،ومكسب الحلل قليل ،مع أن أولياء ال غالبا مبتلون بالفقر،
فالعظيمة
][347
بمعنى الشدة أو المؤنة بمعنى التعب .الثالث أن يراد أن ما يحصل لهم من القوت في
الدنيا يعدونه عظيما ،و يشكرونه وإن كان قليل .الرابع أنهم لكثرة توسعهم
على العيال وذوي الرحام والفقراء مؤنتهم كثيرة .الخامس أن يكون
المعنى أن بليتهم بسبب معاشرة الخلق وكثرة العادي وقله من يؤنسهم
ويوافقهم في الطريقة عظيمة .السادس ما ذكره الوالد قدس سره أن المراد
بمؤنتهم ما يكسبونه لزاد الخرة من الطاعات والقربات والصادقات ،أي
يأخذون حظا عظيما من الدنيا للخرة .ويحتمل وجوها اخر وكأنه لخفاء
معناها أسقطها في النهج ،وفيما سيأتي في باب صفات الشيعة "
ومعونتهم في السلم عظيمة " وهو أظهر " .وطلبتهم فأعجزوها " أي
عن أن تصل إليهم وتدركهم " ويستترون به " أي يخفونه عن الناس
خوفا من الرئاء ،وفي بعض النسخ ويستبشرون به أي يفرحون بالحزن أو
بالتلوة شكرا لما وفقهم ال لذلك ،ويهيج أحزانهم كأنه على بناء التفعيل
وبكاء فاعله ،وأحزانهم مفعوله ،و " وجع " عطف على بكاء ،أو على
بناء المجرد وأحزانهم فاعله ،وبكاء منصوب على العلة ،ووجع عطف
على ذنوبهم و " الكلوم " كعلوم جمع الكلم بالفتح ،وهو الجرح و "
الجراح " جمع جراحة بالكسر فيهما ،والضافة للتأكيد أو الجراح مصدر
أي الجراحات التي حدثت من جراحاتهم لنفسهم بالذنوب والمعاصي .وفي
النهاية :فيه مل ال مسامعه هي جمع مسمع ،وهو آلة السمع أو جمع
سمع على غير قياس كمشابه وملمح والمسمع بالفتح خرقها انتهى "
وأبصارهم " بالنصب عطف على مسامع أي أبصار قلوبهم أو بالجر عطفا
على قلوبهم ،فالبصار بمعنى البصائر " والصهيل " صوت الفرس شبه
به صوت توقد النار ،لرفعته وشدته.
][348
" جاثين على أوساطهم " الغالب في الجثو أن يطلق على الجلوس على الركبتين
وقد يطلق على القيام على أطراف الصابع ،المراد هنا إما الجلوس على
وجه الخضوع ،والنسبة إلى الوساط على المجاز ،أو القيام كذلك أو
الركوع بتضمين معنى النحناء ،في القاموس جثا كدعا ورمى جثوا وجثيا
بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ،وأجثاه غيره وهو
جاث .وفي بعض النسخ " حانين " كما في سائر الروايات ،وهو أظهر.
وفي القاموس مجده عظمه وأنثى عليه ،وقال جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع
صوته بالدعاء وتضرع واستغاث " فزع " على بناء التفعيل والشارة إلى
التفكر " طاشت " أي اضطربت وتحيرت في القاموس الطيش النزق
والخفة طاش يطيش طيشا ،و ذهاب العقل ،وجواز السهم الهدف ،وقال:
الحلم بالكسر الناة والعقل والجمع أحلم وحلوم " .فإذا استقاموا " أي
استقامت أحوالهم ،وذهبت عنهم تلك الدهشة ،وفي بعض النسخ "
استفاقوا " وهو أنسب ،في القاموس أفاق من مرضه رجعت الصحة إليه
أو رجع إلى الصحة كاستفاق " .بالعمال الزكية " أي الطاهرة من
الرياء ،وما يفسد العمل أو النامية والجزيل :الكثير والعظيم " وفهما في
فقه " الفقه بالكسر العلم بالشئ ،والفهم له والفطنة ،وغلب على علم
الدين لشرفه ،ذكره الفيروزآبادي فالمعنى أن له فهما في علوم الدين أو
يفهم ما يتفقه ،ول يكتفي بظاهر التعلم وكسبا في رفق :أي يكسب المال،
ول يبالغ فيه ،وهو الجمال في الطلب ،ويحتمل كسب العلم أيضا فالرفق
عدم المجادلة والسفاهة " وشفقة في نفقة " الشفقة المبالغة في النصح
والخوف ،فالمعنى أن له شفقة على المؤمنين مع النفاق عليهم أو أنه
يخاف في النفقة أن تكون إسرافا أو يكون مكسبها حراما .وفي النهاية
يقال جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة ،وجهد الناس فهم مجهودون
إذا أجدبوا " ،ورفقا " في كسب " كأنه تأكيد مع تفنن في العبارة أو في
][349
الول المقصود بالذات الكسب وفي الثاني الرفق ،أو في الول المراد كسب العلم
وفي الثاني كسب المال ،أو الرفق في أحدهما اللطف مع المعاملين ،وفي
الخر عدم المبالغة في الطلب ،ول يبعد أن يكون " كسبا " في الول
تصحيف " كيسا " كما سيأتي " .وبرا في استقامة " أي مع استقامة في
الدين ،أو من غير تقتير وتبذير أو مداوما عليه ،أو يضعه في مواضعه،
والبر إما بر الوالدين أو العم والخير أظهر " وإغماضا عند شهوة " أي
يغمض عينه عن الحرام ،مع شهوته للنظر ،ويحتمل أن يكون الغماض
كناية عن الترك لما سيأتي في بعض " انتهاء " مكانه .ما علمه :أي من
سيئاته بل يحصيها ويعدها على نفسه وفي بعض النسخ إحصاء علمه "
مستبطئا لنفسه " أي يعدها بطيئة عن العمال الصالحة مقصرة فيها "
ويمزج الحلم بالعقل " أي يحلم فيما يحكم العقل بحسنه فيه " الصدقاء "
فكيف العداء " العداء " فكيف الصدقاء ) " (1ول يتركه حياء " لنه
ل حياء في الحق وفي القاموس العزوب الغيبة يعزب ويعزب والذهاب "
ول يعجل فيما يريبه " أي ل يعجل في أمر له شك في أنه يجوز له الدخول
فيه أم ل ،حتى يستيقن ذلك ،أو إذا شك في صدور خيانة أو ضرر عن
غيره ل يعجل في انتقامه حتى يتيقن ذلك وهذا أنسب بما بعده .قال في
النهاية :الريب الشك وقيل هو الشك مع التهمة ،يقال :رابني الشئ وأرابني
بمعنى شككني وقيل أرابني في كذا أي شككني وأوهمني الريبة فيه ،فإذا
استيقنته قلت رابني بغير ألف ،ومنه الحديث دع ما يريبك إلى ما ل يريبك
يروى بفتح الياء وضمها " .ويصفح عما قد تبين له " أي من إساءة
الناس وضررهم ،وفي القاموس
) (1يعنى أنه " ل يحدث بما يؤتمن عليه الصدقاء " فكيف العداء " ول يكتم
شهادته العداء " فكيف الصدقاء.
][350
بغى عليه يبغي بغيا عل وظلم ،وعدل عن الحق واستطال " بعجزه " أي بضعف
النية ،وفتور العزم .وفي القاموس جمح الفرس كمنع اعتز فارسه وغلبه
" ليسلم " أي من شرور اللسان أو شرور الناس " والبحث " التفتيش،
والمراد أن إعادته السؤال لحسن الفهم ومزيد العلم ،ل للمراء وإظهار
الفضل " .بعد من تباعد " إضافة إلى المفعول ،وكذا " دنو من دنا منه ".
- 52نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه :يا أيها الناس
طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ،وطوبى لمن لزم بيته ،وأكل
قوته ،واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته ،فكان من نفسه في شغل،
والناس منه في راحة ) .(1بيان " :لمن لزم بيته " أي لم يخرج منه
لتهييج شر ،وليس المراد ترك الخروج لطلب الرزق أو للعبادة كالجهد،
وعيادة المرضى ،وتشييع الجنائز ،وقضاء حوائج المؤمنين ،ونحوها أو
هو مختص ببعض أزمنة الفتن " وأكل قوته " أي اكتفى بما قدر ال له
من قوته ،ولم يطلب أكثر من ذلك ،ولم يشترك في قوت غيره - 53 .كا:
عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن القاسم بن عروة ،عن أبي
العباس قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :من سرته حسنة ،وساءته
سيئة ،فهو مؤمن ) .(2بيان " :حسنة " أي حسنة نفسه ،أو أعم من أن
يكون من نفسه أو من غيره ويؤيد الول أن في بعض النسخ " حسنته
وسيئته " كما سيأتي ،والسرور بالحسنة ل يستلزم العجب ،فانه يمكن أن
يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة لكن يسر بأن لم يتركها رأسا وكان هذا
اولى منازل اليمان مع أن السرور الواقعي بالحسنة يستلزم السعي في
التيان بكل حسنة والمساءة والواقعية بالسيئة تستلزم التنفر من كل سيئة،
والهتمام بتركها ،وهذان من كمال اليمان - 54 .كتاب زيد الزراد :قال:
قلت لبي عبد ال عليه السلم :نخشى أن
][351
ل نكون مؤمنين ،قال :ولم ذاك ؟ فقلت :وذلك أنا ل نجد فينا من يكون أخوه عنده
آثر من درهمه وديناره ،ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع
بيننا وبينه موالة أمير المؤمنين عليه السلم قال :كل إنكم مؤمنون ،ولكن
ل تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا ،فعندها يجمع ال أحلمكم ،فتكونون
مؤمنين كاملين ولو لم يكن في الرض مؤمنون كاملون ،إذا لرفعنا ال إليه
وأنكرتم الرض وأنكرتم السماء .بل والذي نفسي بيده إن في الرض في
أطرفها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة ولو أن الدنيا
بجميع ما فيها وعليها ،ذهبة حمراء على عنق أحدهم ،ثم سقط عن عنقه
ما شعر بها أي شئ كان على عنقه ،ول أي شئ سقط منها لهوانها عليهم،
فهم الخفي عيشهم ،المنتقلة ديارهم ،من أرض إلى أرض الخميصة
بطونهم من الصيام ،الذبلة شفاههم من التسبيح ،العمش العيون من البكاء
الصفر الوجوه من السهر ،فذلك سيماهم مثل ضربه ال في النجيل لهم،
وفي التوارة والفرقان والزبور والصحف الولى .وصفهم فقال " :سيماهم
في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في النجيل "
) (1عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل ،هم البررة بالخوان في حال
العسر واليسر ،المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم ال
فقال " :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه
فاولئك هم المفلحون ) (2فازوا وال وأفلحوا .إن رأوا مؤمنا أكرموه ،وإن
رأوا منافقا هجروه ،إذا جنهم الليل اتخذوا أرض ال فراشا ،والتراب
وسادا واستقبلوا بجباههم الرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم
من النار ،فإذا أصبحوا اختلطوا الناب ل يشار إليهم بالصابع
][352
تنكبوا الطرق ،واتخذوا الماء طيبا وطهورا ،أنفسهم متعوبة ،وأبدانهم مكدودة
والناس منهم في راحة .فهم عند الناس شرار الخلق ،وعند ال خيار
الخلق ،إن حدثوا لم يصدقوا وإن خطبوا لم يزوجوا ،وإن شهدوا لم
يعرفوا ،وإن غابوا لم يفقدوا ،قلوبهم خائفة وجلة من ال ،ألسنتهم
مسجونة ،وصدورهم وعاء لسر ال ،إن وجدوا له أهل نبذوه إليه نبذا،
وإن لم يجدوا له أهل وألقوا على ألسنتهم أقفال غيبوا مفاتيحها ،وجعلوا
على أفواههم أوكية ،صلب صلب أصلب من الجبال ل ينحت منهم شئ،
خزان العلم ومعدن الحكمة ،وتباع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين ،أكياس يحسبهم المنافق خرسا عميا بلها وما بالقوم من
خرس ول عمى ول بله .إنهم لكياس فصحاء ،علماء حلماء ،حكماء
أتقياء ،بررة ،صفوة ال أسكتهم الخشية ل ،وأعيتهم ألسنتهم خوفا من
ال ،وكتمانا لسره ،واشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم ،يا كرباه لفقدهم،
ويا كشف كرباه لمجالستهم ،اطلبوهم فان وجدتموهم واقتبستم من نورهم
اهتديتم وفزتم بهم في الدنيا والخرة .هم أعز في الناس من الكبريت
الحمر ،حليتهم طول السكوت ،وكتمان السر والصلة والزكاة والحج
والصوم ،والمواساة للخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم
ومحبتهم ،يا طوبى لهم وحسن مآب ،وهم وارثو الفردوس ،خالدين فيها،
ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان ،وهم المطلوبون في النار
المحبورون في الجنان ،فذلك قول أهل النار " ما لنا ل نرى رجال كنا
نعدهم من الشرار " ) (1فم أشرار الخلق عندهم ،فيرفع ال منازلهم حتى
يرونهم ،فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون " يا ليتنا نرد " )(2
فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الخيار ،وكنا نحن الشرار ،فذلك حسرة لهل
النار .بيان " :إنكار الرض والسماء " أن يشاهدوا فيهما آثارا غريبة لم
يروا فيهما
قبل ذلك " فهم الخفي عيشهم " أي يعيشون مختفين من الناس للخوف منهم أو
لعدم موافقة طريقتهم لهم ،وكذا النتقال من أرض إلى اخرى لذلك "
تنكبوا الطرق " أي عدلوا عن الطرق العامرة لئل يعرفهم الناس أو عن
طرقهم ومسالكهم وأطوارهم " واتخذوا الماء " أي اكتفوا بالماء لتطييب
أبدانهم بالغسل ،والغسل من غير استعمال للطيب " متعوبة " أي يتعبونها
في الطاعات وترك الشهوات " مكدودة " أي يحملون أبدانهم على الكد
والمبالغة في الطاعات ،وتحمل الشدائد ،في القاموس الكد الشدة واللحاح
في الطلب وكده واكتده طلب منه الكد " لم يصدقوا " على بناء المفعول
من التفعيل أي ل يصدقهم الناس لسوء ظنهم بهم وحقارتهم في أعينهم "
لم يفتقدوا " أي ل يطلبهم الناس عند غيبتهم لعدم معرفتهم ،أو لعدم
العتناء بشأنهم ،وفي بعض النسخ لم يفقدوا والول أظهر .في القاموس
تفقده طلبه عند غيبته ،ومات غير فقيد ول حميد وغير مفقود :غير
مكترث لفقدانه " .مسجونة " أي محبوسة كناية عن قلة الكلم " غيبوا
مفاتيحها " كناية عن امتناعهم عن إفشاء السرار جدا كأن عليها أقفال
كثيرة ،لم تحضر مفاتيحها فيكلفوا فتحها ،ثم أكد عليه السلم ذلك بقوله "
وجعلوا على أفواههم أوكية " والوكية جمع الوكاء بالكسر ،وهو الخيط
الذي يشد به رأس الكيس ونحوه شبه أفواههم بكيس أو قربة شد رأسها
فل يخرج منها شئ قال :في النهاية :الوكاء الخيط الذي يشد به الصرة
والكيس ،وغيرهما ،فيه أنه كان يوكى بين الصفا والمروة سعيا أي ل
يتكلم كأنه أو كى فاه فلم ينطق " .صلب " بضمتين أو كسكر جمع الصلب
وكذا الصلب بالكسر تأكيدا أي هم في غاية الصلبة في الدين " ل ينحت
" أي ل يبرى ول ينقص من دينهم شئ ،قال تعالى " وتنحتون من الجبال
بيوتا " ) " .(1يحسبهم المنافق خرسا " بالضم جمع أخرس لقلة كلمهم
في الباطل وحفظهم
][354
للسرار " عميا " لقلة نظرهم إلى المحرمات ،وإلى الدنيا وزينتها ،وتغافلهم عما
يرون من أهلها " والبله " بالضم جمع البله ،وهو الذي ل عقل له "
وأعيتهم ألسنتهم " كأن المعنى أن ألسنتهم ل تطاوعهم في الكلم ،للخوف
فكأنها أعيتهم - 55 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس ،عن صفوان الجمال قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إنما المؤمن
الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في
باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له ) .(1بيان " :لم يخرجه غضبه من حق
" بأن يحكم على من غضب عليه بغير حق أو يظلمه أو يكتم شهادة له
عنده ،و " إذا رضي " أي عن أحد " لم يدخله رضاه عنه في باطل " بأن
يشهد زورا أو يحكم له باطل أو يحميه في أن ل يعطى الحق اللزم عليه
وأشباه ذلك وقوله " مما له " في بعض النسخ بوصل من بما فاللم
مفتوحة ،وفي بعضها بالفصل فاللم مكسورة - 56 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن النعمان ،عن ابن
مسكان ،عن سليمان بن خالد ،عن أبي جعفر قال :قال أبو جعفر عليه
السلم :يا سليمان أتدري من المسلم ؟ قلت :جعلت فداك أنت أعلم ،قال:
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،ثم قال :وتدري من المؤمن ؟
قال :قلت :أنت أعلم ،قال :إن المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم
وأنفسهم والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة
تعنته ) .(2توضيح " :المسلم " أي المسلم الكامل الذي يحق أن يسمى
مسلما وكذا المؤمن وقيل :الغرض بيان المناسبة بين المعنى اللغوي
والصطلحي ويكفي لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر و " ل يخذ
له " أي ل يترك نصرته مع القدرة عليها " أو يدفعه دفعة تعنته " أي إذا
لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه ،ويرده برد جميل ،ول يدفعه
دفعة تلقيه تلك في العنت والمشقة ،ويحتمل أن يكون كناية عن مطلق
الضرر الفاحش ،وقيل يدفعه عن خير ويرده إلى شر يوجب عنته
][355
وفي المصباح دفعته دفعا :نحيته ودافعته عن حقه ما طلته ،والدفعة بالفتح المرة
وبالضم اسم لما يدفع بمرة وفي القاموس العنت محركة الفساد والثم
والهلك ،ودخول المشقة على النسان وأعنته غيره ،ولقاء الشدة والزنا
والوهي والنكسار ،واكتساب المأثم ،وعنته تعنيتا شدد عليه ،وألزمه ما
يصعب عليه أداؤه ) - 57 .(1كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد،
عن الحسن بن محبوب ،عن أبي أيوب ،عن أبي عبيدة ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ول
باطل ،وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق والذي إذا قدر لم يخرجه
قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق ) .(2ل :عن ابن المتوكل ،عن
الحميرى ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب مثله ) .(3بيان :المراد بالباطل
ما ل فائدة فيه " إلى ما ليس له بحق " أي يأخذ زائدا عن حقه - 58 .كا:
عن العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن أبيه ،عن أبي البخترى رفعه
قال :سمعته يقول :المؤمنون هينون لينون كالجمل النف إن قيد انقاد،
وإن انيخ على صخرة استناخ ) .(4تبيين " :أبوالبختري " وهب بن وهب
القرشي عامي ضعيف وهو راوي الصادق عليه السلم وتزوج بامه
فالظاهر كون ضمير سمعته راجعا إلى الصادق عليه السلم فالمراد بالرفع
نسبة الحديث إليه عليه السلم ويحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين
عليه السلم وضمير سمعته للرسول صلى ال عليه واله فان دأب هذا
الراوي لكونه عاميا رفع الحديث
][356
يقول عن جعفر ،عن أبيه ،عن آبائه ،عن علي عليه السلم ويؤيده أن الحديث
نبوي روته العامة أيضا عنه صلى ال عليه واله .قال في النهاية :فيه
المسلمون هينون لينون هما تخفيف الهين واللين قال ابن العرابي:
العرب تمدح بالهين واللين مخففين ،وتذم بهما مثقلين ،وهين :فيعل من
الهون وهي السكينة والوقار والسهولة ،فعينه واو وشئ هين وهين أي
سهل .وقال :في أنف فيه المؤمنون هينون لينون كالجمل النف أي
المأنوف وهو الذي عقر الخشاش أنفه ،فهو ل يمتنع على قائده للوجع
الذي به ،وقيل النف الذلول يقال :أنف البعير يأنف أنفا فهو أنف إذا
اشتكى أنفه من الخشاش وكان الصل أن يقال مأنوف لنه مفعول به ،كما
يقال مصدور ومبطون للذي يشتكي صدره وبطنه ،وإنما جاء هذا شاذا
ويروى كالجمل النف بالمد وهو بمعناه انتهى " .إن قيد " صفة للمشبه
به أو المشبه " وإن انيخ على صخرة " كناية عن نهاية انقياده في المور
المشروعة ،وعدم استصعابه فيها قال الجوهري أنخت الجمل فاستناخ:
أبركته فبرك انتهى .وقيل :إنما شبه بالجمل ل بالناقة إشارة إلى أن المؤمن
قادر على المتناع ولكن له مانع عظيم من اليمان وأحكامه تمنعه عن
ذلك .أقول :وفي بعض النسخ " اللف " باللم من اللفة والول أظهر.
- 59وأقول :روى في شهاب الخبار عن النبي صلى ال عليه وآله:
المؤمنون هينون لينون .وقال في الضوء :الهون السكينة والوقار ،قال
تعالى " يمشون على الرض هونا " ) (1والهون مصدر هان عليه الشئ
هين على فيعل أي سهل وهين مخفف منه ،والجمع أهوناء وقم هينون
لينون ،والهون بالضم الهوان ،ويقال :خذ أمرك بالهون والهوينا أي
بالرفق واللين ،والهوينا تصغير الهونى والهونى تأنيث الهون كالكبرى
تأنيث الكبر.
][357
وقال ابن العرابي :تمدح بالهين واللين مخففا وتذم بالهين واللين مثقل وقال
غيره :هما جميعا واحد والصل التثقيل وتركيب هون في كلم العرب على
وجهين أحدهما تذلل النسان في نفسه بما ل غضاضة فيه ،وهو مما يمدح
فيه ،كما قال " :يمشون على الرض هونا " والخر أن يكون من التسخير
والذلل والهانة كقوله تعالى " :فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " )(1
ول يبعد أن يكون الهاوون من هذا لنه يهون به الصلب الشداد ،وهو
عربي صحيح ول يجوز هاون .فوصف عليه السلم المؤمنين بأنهم هينون
لينون ،والمعنى أمر يأمرهم بالهون ولين الجانب ودماثة الخلق ،وسكون
الريح ،والهدوء وخفض الجناح ،وتمام الحديث " مثل الجمل النف إن
قدته انقاد ،وإن أنخته استناخ " والنف البعير الذي يشتكي أنفه يقال أنف
البعير ،فهو أنف ،مثل تعب فهو تعب وقيل النف المأنوف الذي عقر
الخشاش أنفه ،فهو ل يمتنع على قائده لما يجده من الوجع وقيل النف
الذلول ،وأنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك .وقال عليه السلم :حرمت
النار على الهين واللين السهل القريب .وقال سعيد بن عبد الرحمن
الزبيدي :يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك ،فأما من تلقاه ببشر،
ويلقاك بعبوس ،يمن عليك بعمله فل كثر ال في المسلمين مثله .وقال
عليه السلم :إن من الصدقة أن تسلم على الناس بوجه طليق .وفائدة
الحديث الحث على الخلق الحسنة ،والخذ بالجميل ،وراوي الحديث ابن
عمر - 60 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن
السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ثلثة من علمات المؤمن:
العلم بال ومن يحب ومن يكره ).(2
][358
بيان " :العلم بال " أي بالربوبية وصفاته الكمالية فيؤمن به " ومن يحب " أي
يحبه ال من النبي والئمة عليهم السلم وأتباعهم فيواليهم ويتابعهم ،أو
من يحبه المؤمن ويلزمه محبته و " من يكره " أي يكرهه ال فيبغضه
ول يواليه ،أو من يجب أن يكرهه .وربما يقرأ الفعلن على بناء المجهول،
وهذه الثلثة أصل اليمان وعمدته - 61 .كا :عن العدة ،عن سهل بن
زياد ،عن محمد بن اورمة ،عن أبي إبراهيم العجمي ،عن بعض
أصحابنا ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :المؤمن حليم ل يجهل وإن
جهل عليه يحلم ،ول يظلم وإن ظلم غفر ،ول يبخل وإن بخل عليه صبر )
.(1بيان " :ل يبخل " في بعض النسخ بالنون والجيم ) (2وهو الطعن
والشق ونجل الناس شارهم ،وتناجلوا تنازعوا أي إن طعنه أحد وسفه
عليه صبر ،ولم يقابله بمثله - 62 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد
بن عبد الجبار ،عن الحسن بن علي عن أبي كهمش ،عن سليمان بن
خالد ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله
أل انبئكم بالمؤمن :من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم أل انبئكم
بالمسلم ؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر السيئات
وترك ما حرم ال ،والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو
يغتابه أو يدفعه دفعة ) .(3بيان :المهاجر من هجر السيئات " أي ليس
المهاجر الذي مدحه ال مقصورا على من هاجر من مكة إلى المدينة ،قبل
الفتح أو هاجر من البدو إلى المدينة ،أو هاجر من بلد الكفر عند خوف
الجور والفساد ،وعدم التمكن من إظهار شعائر السلم كما قيل في قوله
تعالى " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فاياي
) (1المصدر ج 2ص (2) .235أي " ل ينجل " (3) .المصدر نفسه.
][359
) (1العنكبوت (2) .56 :براءة (3) .111 :مفردات غريب القرآن ص (4) .537
البقرة.218 :
][360
دار اليمان ،كما هاجر من مكة إلى المدينة ،وقيل يقتضي ذلك ترك الشهوات
والخلق الذميمة والخطايا ،وقوله " إني مهاجر إلى ربي " ) (1أي تارك
لقومي وذاهب إليه ،وكذا المجاهدة تقتضي مع مجاهدة العدى مجاهدة
النفس ما روي في الخبر :رجعتم من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر
وهو مجاهدة النفس - 63 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن
السندي بن محمد ،عن محمد بن الصلت ،عن أبي حمزة ،عن علي بن
الحسين عليهما السلم قال :صلى أمير المؤمنين عليه السلم الفجر ثم لم
يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح ،وأقبل على الناس
بوجهه فقال :وال لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون
بين جباههم وركبهم ،كأن زفير النار في آذانهم ،إذا ذكر ال عندهم مادوا
كما يميد الشجر ،كأنما القوم باتوا غافلين ،قال :ثم قام فما رئي ضاحكا
حتى قبض عليه السلم ) .(2بيان " :القيد " بالكسر القدر في النهاية يقال
بيني وبينه قيد رمح ،وقادر رمح أي قدر رمح " يخالفون بين جباههم
وركبهم " أي يضعون جباههم على التراب خلف ركبهم ،يأتون بأحدهما
عقيب الخر ،وهو قريب من المراوحة التي وردت في غيره ،وقيل أي
يجعلون التفاوت بين جلوسهم وسجودهم ،فكأن سجودهم أطول من
جلوسهم .ثم اعلم أن الركب يحتمل أن يكون المراد به الجلوس كما فهمه
الكثر أو الركوع لوضع اليد عليه أو القيام لكون العتماد عليه ،والخير
أوفق بما مر " كأن زفير النار في آذانهم " إشارة إلى سبب تمرنهم
بالطاعات وإحياء الليالي بالعبادات ،وهو كون علمهم بأحوال الجنة والنار
في مرتبة عين اليقين ،والزفير صوت توقد النار " .مادوا " أي اضطربوا
وتحركوا واقشعروا من الخوف ،وهو تلميح إلى
) (1العنكبوت (2) .26 :الكافي ج 2ص .236
][361
قوله سبحانه " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم " ) (1في القاموس
ماد يميد ميدا وميدانا تحرك والسراب اضطرب " كأنما القوم " كأن المراد
بالقوم الجماعة الحاضرون أو أهل زمانه في هذا الوقت أي لعدم اهتمامهم
في امور الخرة واشتغالهم بالدنيا كأنهم باتوا غافلين ،وفي بعض النسخ "
ماتوا " أي كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء ،ويحتمل أن يكون
المراد بالقوم الذين ذكر أوصافهم أي كانوا إذا ذكر ال عندهم مادوا من
الخوف كأنهم باتوا غافلين ولم يعبدوا ال في الليل ،ويؤيد الول ما سيأتي
في رواية المفيد - 64 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن
عيسى ،عن الحسن بن محبوب عن أبي ولد الحناط ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :كان علي بن الحسين عليهما السلم يقول :إن المعرفة
بكمال دين المسلم تركه الكلم فيما ل يعنيه ،وقلة مرائه وحمله وصبره
وحسن خلقه ) .(2توضيح " :إن المعرفة " أي سبب المعرفة وما
يوجبها ،أو الحمل على المبالغة في السببية " فيما ل يعنيه " أي فيما ل
يهمه ول ينفعه وقلة مرائه أي مجادلته في المسائل الدينية وغيرها ،وقيل
هو المجادلة والعتراض على كلم الغير من غير غرض ديني و " حمله
" أي تحمله و " صبره " على ما يصيبه من الغير ،أو عقله وصبره عند
البلء - 65 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن
محبوب ،عن مالك ابن عطية ،عن أبي حمزة ،عن علي بن الحسين عليهما
السلم قال :من أخلق المؤمن النفاق على قدر القتار ،والتوسع على قدر
التوسع ،وإنصاف الناس وابتداؤه إياهم بالسلم عليهم ) .(3بيان" :
النفاق على قد الفتار " أي النفاق بالتقتير ،على قدر القتار من
][362
ال ،والحاصل :أنه يقتر على أهله وعياله بقدر ما قتر ال عليه ،ويوسع عليهم
بقدر ما وسع ال عليه ،وقيل :النفاق هنا الفتقار كما في القاموس قال
أنفق افتقر أي يعامل معاملة لفقراء - 66 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن
ابن عيسى ،عن ابن فضال ،عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه
السلم قال :المؤمن أصلب من الجبل تستقل منه والمؤمن ل يستقل من
دينه شئ ) .(1بيان :الجبل يستقل منه من القلة أي ينقص ويؤخذ منه
بعضه بالفأس و المعول ونحوهما ،والمؤمن ل ينقص من دينه شئ
بالشكوك والشبهات - 67 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن صالح بن
السندي ،عن جعفر بن بشير عن إسحاق بن عمار ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :المؤمن حسن المعونة ،خفيف المؤنة ،جيد التدبير لمعيشته ،ل
يلسع من جحر مرتين ) .(2بيان :في المصباح العون الظهير على المر
واستعان به فأعانه وقد يتعدى بنفسه ،فيقال استعانه والسم المعونة
والمعانة أيضا بالفتح ،ووزن المعونة مفعلة بضم العين ،وبعضهم يجعل
الميم أصلية ،ويقول هي مأخوذة من الماعون ،ويقول هي فعولة ،والمؤنة
الثقل وفي القاموس القوت والحاصل أنه يعين الناس كثيرا ويكتفي لنفسه
بقليل من القوت واللباس وأشباههما .وفي القاموس المعيشة التي تعيش
بها من المطعم والمشرب ،وما يكون به الحياة ،وما يعاش به أو فيه
والجمع معايش .وفي النهاية فيه ل يلسع المؤمن من جحر مرتين وفي
رواية ل يلدغ ،اللسع واللدغ سواء والجحر ثقب الحية ،وهو استعارة ههنا
أي ل يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالولى يعتبر وقال
الخطابي يروى بضم العين وكسرها فالضم على وجه الخبر ،ومعناه أن
المؤمن هو الكيس الحازم الذي ل يؤتى
][363
من جهة الغفلة فيخذع مرة بعد مرة وهو ل يفطن لذلك ،ول يشعر به ،والمراد به
الخداع في أمر الدين ل أمر الدنيا وأما الكسر فعلى وجه النهي أي ل
يخدعن المؤمن ول يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو ل
يشعر به ،وليكن فطنا حذراوهذا التأويل يصلح أن يكون لمر الدين والدنيا
معا انتهى .وأقول :روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر ) (1وذكر في
إكمال الكمال هذين والوجهين الذين ذكرهما في النهاية ثم قال وذكر
عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله صلى ال عليه واله
هذا ،أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسأل النبي
صلى ال عليه واله أن يمن عليه ففعل ،وعاهده أن ل يحرض عليه ول
يهجوه ،فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه ،فاسر يوم احد فسأله أيضا
أن يمن عليه ،فقال النبي صلى ال عليه واله هذا الكلم البليغ الجامع الذي
لم يسبق إليه ،وفيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الذى من جهة ل يعود
إليها ثانية ) .(2وقال البي :رجح الخطابي النهى بعد ذكر الوجهين ،وكأنه
لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله صلى ال عليه واله هذا الكلم ولو بلغه لم
يحمله على النهي .وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبب فل يبعد النهي بل
هو أولى من الخبر وذلك أنه صلى ال عليه واله لما دعته نفسه الزكية
الكريمة إلى الحلم والصفح ،جرد
) (1أخرجه في مشكاة المصابيح ،429 :وقال متفق عليه (2) .قال ابن هشام في
اسيرة ج 2ص 104قال أبو عبيدة :وأخذ رسول ال صلى ال عليه وآله
في جهة ذلك -يعنى حمراء السد -قبل رجوعه الى المدينة معاوية بن
المغيرة بن أبى العاص ابن امية بن عبد شمس وهو جد عبد الملك بن
مروان أبو أمه عائشة بنت معاوية ،وأبا عزة الجمحى ،وكان رسول ال
)ص( أسره ببدر ثم من عليه .فقال :يا رسول ال أقلنى ! فقال رسول ال
)ص( :وال ل تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول :خدعت محمدا مرتين،
اضرب عقنه يا زبير فضرب عنقه .قال ابن هاشم :وبلغني عن سعيد بن
المسيب أنه قال :قال له رسول ال )ص( :ان المؤمن ل يلدغ من حجر
مرتين :اضرب عنق يا عاصم بن ثابت ،فضرب عنقه.
][364
من نفسه مؤمنا حازما فطنا ونهاه أن ينخذع لهذا المتمرد الخائن ،وكان مقام
الغضب ل تعالى فأبى إل النتقام من أعداء ال ،لن النتقام منهم مطلوب،
والتجريد أحد ألقاب البديع ،ومحسناته .وبيان أنه أولى أنه إذا حمل على
الخبر تفوت دللة الحديث على طلبه النتقام - 68 .ل :عن ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن ابن أبي الخطاب ،عن النضر بن شعيب ،عن الجازي ،عن
أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :ل يؤمن رجل فيه الشح والحسد
والجبن .ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا ) .(1صفات
الشيعة :للصدوق بإسناده عنه عليه السلم مثله ) - 69 .(2ل :عن أبيه،
عن محمد بن يحيى العطار ،عن محمد بن أحمد ،عن محمد بن حسان ،عن
إبراهيم بن عاصم بن حميد ،عن صالح بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ثلث خصال من كن فيه استكمل خصال اليمان :من صبر على
الظلم ،وكظم غيظه واحتسب ،وعفا وغفر كان ممن يدخله ال عزوجل
الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر ) .(3بيان :كأن قوله "
واحتسب " تتمة للخصلة الثانية أو تمهيد للثالثة والحتساب طلب الجر
وكون فعله مقرونا بالقربة ويحتمل أن يكون هو الخصلة الثانية ،وقوله "
وكظم غيظه " تتمة للولى فالمراد بالحتساب المبادرة إلى العمال
الصالحة .قال في النهاية :فيه من صام رمضان إيمانا واحتسابا أي طلبا
لوجه ال وثوابه والحتساب من الحسب كالعتداد من العد ،وإنما قيل لمن
ينوي وجه ال احتسبه لن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة
الفعل كأنه معتد به ،والحتساب
) (1الخصال ج 1ص (2) .41صفات الشيعة ص (3) .182الخصال ج 1ص
.51
][365
في العمال الصالحات ،وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الجر وتحصيله
بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر ،والقيام بها على الوجه المرسوم
فيها طلبا للثواب المرجو منها انتهى ،وربيعة ومضر قبيلتان عظيمتان )
- 70 .(1كا :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عبد ال بن
داهر عن الحسن بن يحيى ،عن قثم أبي قتادة الحراني ،عن عبد ال بن
يونس ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قام رجل يقال له همام وكان
عابدا ناسكا مجتهدا إلى أمير المؤمنين عليه السلم وهو يخطب فقال :يا
أمير المؤمنين صف لنا صفة المومن كأننا ننظر إليه فقال :يا همام المؤمن
هو الكيس الفطن ،بشره في وجهه ،وحزنه في قلبه أوسع شئ صدرا،
وأذل شئ نفسا ،زاجر عن كل فان ،حاض على كل حسن ل حقود ،ول
حسود ،ول وثاب ،ول سباب ،ول عياب ،ول مغتاب .يكره الرفعة ،ويشنأ
السمعة ،طويل الغم ،بعيد الهم ،كثير الصمت ،وقور ذكور ،صبور ،شكور،
مغموم بفكره ،مسرور بفقره ،سهل الخليقة ،لين العريكة رصين الوفا،
قليل الذى ،ل متأفك ول متهتك .إن ضحك لم يخرق ،وإن غضب لم ينزق،
ضحكه تبسم ،واستفهامه تعلم ،ومراجعته تفهم ،كثير علمه ،عظيم حلمه
كثير الرحمة ،ل ينجل ول يعجل ،ول يضجر ول يبطر ،ول يحيف في حكمه
ول يجوز في علمه ،نفسه أصلب من الصلد ،ومكادحته أحل من الشهد ،ل
جشع ول هلع ،ول عنف ول صلف ،ول متكلف ول متعمق ،جميل
المنازعة ،كريم المراجعة .عدل إن غضب ،رفيق إن طلب ،ل يتهور ول
يتهتك ،ول يتجبر ،خالص الود وثيق العهد ،وفي العقد ،شفيق وصول حليم
حمول قليل الفضول ،راض عن ال
) (1هما ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان بطنان عظيمان فيهما قبائل عظام
وبطون وأفخاذ يضرب المثل بهما للكثرة قال ابن عبد البر في النباء:
:96أن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح
من ولد اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلم ربيعة ومضر ابنا نزار بن
معد بن عدنان ،ل خلف في ذلك.
][366
عزوجل مخالف لهواه ،ل يغلظ على من دونه ،ول يخوض فيما ل يعنيه ،ناصر
للدين ،محام عن المؤمنين ،كهف للمسلمين ،ل يخرق الثناء سمعه ،ول
ينكى الطمع قلبه ،ول يصرف اللعب حكمه ،ول يطلع الجاهل علمه .قوال
عمال ،عالم حازم ،ل بفحاش ول بطياش ،وصول في غير عنف ،بذول في
غير سرف ،ول بختال ول بغدار ،ول يقتفي أثرا ول يخيف بشرا رفيق
بالخلق ساع في الرض ،عون للضعيف ،غوث للملهوف .ل يهتك سترا،
ول يكشف سرا كثير البلوى .قليل الشكوى ،إن رأى خيرا ذكره وإن عاين
شرا ستره ،يستر العيب ويحفظ الغيب ،ويقبل العثرة ويغفر الزلة .ل يطلع
على نصح فيذره ول يدع جنح حيف فيصلحه ،أمين رصين ،تقي نقي،
زكي رضي ،يقبل العذر ،ويجمل الذكر ،ويحسن بالناس الظن ويتهم على
الغيب نفسه ،يحب في ال بفقه وعلم ،ويقطع في ال بحزم وعزم ،ل
يخرق به فرح ،ول يطيش به مرح .مذكر للعالم ،معلم للجاهل ،ل يتوقع له
بائقة ،ول يخاف له غائلة ،كل سعي أخلص عنده من سعيه ،وكل نفس
أصلح عنده من نفسه ،عالم بعيبه ،شاغل بغمه ،ل يثق بغير ربه ،قريب
وحيد حزين ،يحب في ال ،ويجاهد في ال ليتبع رضاه ،ول ينتقم لنفسه
بنفسه ،ول يوالي في سخط ربه ،مجالس لهل الفقر ،مصادق لهل
الصدق ،مؤازر لهل الحق ،عون للغريب ،أب لليتيم ،بعل للرملة حفي
بأهل المسكنة ،مرجو لكل كريهة ،مأمول لكل شدة ،هشاش بشاش ل
بعباس ول بجساس .صليب كظام بسام ،دقيق النظر ،عظيم الحذر ) (1ل
يبخل وإن بخل عليه صبر عقل فاستحيى ،وقنع فاستغنى ،حياؤه يعلو
شهوته ،ووده يعلو حسده ،وعفوه يعلو حقده ،ل ينطق بغير صواب ،ول
يلبس إل القتصاد ،مشيه التواضع ،خاضع لربه بطاعته ،راض عنه في
كل حالته ،نيته خالصة ،أعماله ليس فيها غش ول خديعة نظره عبرة،
وسكوته فكرة ،وكلمه حكمة ،مناصحا متباذل متواخيا ،ناصح في
][367
السر والعلنية ،ل يهجر أخاه ،ول يغتابه ،ول يمكر به ،ول يأسف على ما فاته ول
يحزن على ما أصابه ،ول يرجو مال يجوز له الرجاء ،ول يفشل في
الشدة ،ول يبطر في الرخاء .يمزج الحلم بالعلم ،والعقل بالصبر ،تراه بعيدا
كسله ،دائما نشاطه ،قريبا أمله ،قليل زل ،متوقعا لجله ،خاشعا قلبه،
ذاكرا ربه ،قانعة نفسه ،منفيا جهله ،سهل أمره ،حزينا لذنبه ،ميتة
شهوته ،كظوما غيظه ،صافيا خلقه ،آمنا منه جاره ،ضعيفا كبره ،قانعا
بالذي قدر له ،متينا صبره ،محكما أمره ،كثيرا ذكره ،يخالط الناس ليعلم،
ويصمت ليسلم ،ويسأل ليفهم ،ويتجر ليغنم ،ل ينصت للخير ليفخر به )(1
ول يتكلم ليتجر به على من سواه .نفسه منه في عناء ،والناس منه في
راحة ،أتعب نفسه لخرته ،فأراح الناس من نفسه ،إن بغي عليه صبر حتى
يكون ال الذي ينتصر له ،بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ،ودنوه ممن
دنا منه لين ورحمة ،وليس تباعده تكبرا ،ول عظمة ول دنوه خديعة ول
خلبة ،بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير ،فهو إمام لمن بعده من أهل
البر .قال :فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال أمير المؤمنين عليه
السلم :أما وال لقد كنت أخافها عليه وقال :هكذا تصنع المواعظ البالغة
بأهلها .فقال له قائل :فما بالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال :إن لكل أجل لن
يعدوه وسببا ل يجاوزه ،فمهل ل تعد فانما نفث على لسانك شيطان ).(2
بيان :سيأتي ) (3رواية همام نقل عن نهج البلغة ومجالس الصدوق
باختلف كثير ،وفيه أنه قال :صف لي المتقين ويمكن أن يكون سأل عن
صفات المؤمنين
) (1ل ينصب للخير ليفجر به .خ (2) .الكافي ج 2ص (3) .330 - 226بل قد مر
تحت الرقم 50والظاهر أن المصنف رضوان ال عليه بعد ما أخرج
حديث الكافي هذا وفسر لغاته ومضامينه ،أراد أن يلحق حديث الهمام من
النهج والمالي بعد ذلك مع ما كتب رحمه ال في تفسير لغاته فاشتبه
على النساخ وألحقوه قبل ذلك ،فل يخلو الباب عن تكرار.
][368
والمتقين معا ،فاكتفي في بعض الروايات بذكر الولى وفي بعضها بذكر الثانية.
وهمام بفتح الهاء وتشديد الميم وفي القاموس الهمام كغراب الملك العظيم
الهمة والسيد الشجاع السخي وكشداد ابن الحارث وابن زيد وابن مالك
صحابيون .وما ذكر في الروايتين من تثاقله عليه السلم في الجواب أنسب
بقوله عليه السلم في آخر الخبر لقد كنت أخافها عليه ،وفي القاموس
النسك مثلثة ،وبضمتين العبادة وكل حق ل عزوجل وقيل المراد هنا
المواظب على العبادة ،والمجتهد المبالغ في العبادة في القاموس جهد كمنع
جد كاجتهد ،وقال :الكيس خلف الحمق ،و قال :الفطنة بالكسر الحذق.
وأقول :الكيس كسيد والفطن بفتح الفاء وكسر الطاء وتعريف الخبر باللم
وتوسيط الضمير للحصر ،والتأكيد ،كأن الفرق بينهما أن الكياسة ما كان
خلقة والفطنة ما يحصل بالتجارب ،أو الول ما كان في الكليات والثاني ما
كان في الجزئيات ،ويحتمل التأكيد .وفي القاموس :البشر بالكسر الطلقة
" أوسع شئ صدرا " كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم " وأذل شئ
نفسا " أي ل يترفع ول يطلب الرفعة ،ويتواضع للناس ويرى نفسه أخس
من كل أحد ،وقيل أي صارت نفسه المارة ذليلة لروحه المقدسة ،وصارت
مخالفته للنفس شعاره ،فعلى الثاني من الذل بالكسر ،وهو السهولة
والنقياد ،وعلى الول من الذل بالضم بمعنى المضلة والهوان " .زاجرا "
أي نفسه أو غيره أو العم منهما " عن كل فان " أي عن جميع المور
الدنيوية ،فانها في معرض الفناء " والحض " الترغيب ،والتحريص وهذا
أيضا يحتمل النفس والغير والعم ،والحقد إمساك العداوة والبغض في
القلب والحقود الكثير الحقد ،وقيل " ل " للمبالغة في النفي ل لنفي
المبالغة كما قيل في قوله
][369
تعالى " وما أنا بظلم للعبيد " ) (1فل يلزم ثبوت أصل الفعل ،وكذا في البواقي
ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن النادر منها ل ينافي اليمان " .ول وثاب "
أي ل يثب في وجوه الناس بالمنازعة والمعارضة وفي القاموس " رفع "
ككرم رفعة بالكسر شرف وعل قدره ،وقال شنأه كمنعه وسمعه شنأ ويثلث
وشنأة وشنآنا :أبغضه .وقال الجوهري :تقول فعله رئاء وسمعة أي ليراه
الناس ويسمعوا به " طويل الغم " أي لما يستقبله من سكرات الموت
وأحوال القبر ،وأهوال الخرة " بعيد الهم " إما تأكيد للفقرة السابقة فان
الغم والهم متقاربان ،أي يهتم للمور البعيدة عنه ،من امور الخرة أو
المراد بالهم القصد أي هو عالي الهمة ل يرضى بالدون من الدنيا الفانية،
أو ل يرضى من السعادات الباقية والكمالت النفسانية بأدانيها بل يطلب
معاليها وقيل أي يتفكر في العواقب .في القاموس الهم الحزن ،والجمع
هموم ،وما هم به في نفسه ،والهمة بالكسر ،ويفتح ما هم به من أمر
ليفعل " .كثير الصمت " أي عما ل يعينه " وقور " أي ذو وقار ورزانة
ل يستعجل في المور ،ول يبادر في الغضب ،ول تجره الشهوات إلى مال
ينبغي فعله في القاموس الوقار كسحاب الرزانة ،ورجل وقار ووقور ووقر
كندس ) " (2ذكور " كثير الذكر ل ،ولما ينفعه في الخرة " صبور "
عند البلء " شكور " عند الرخاء " .مغموم بفكره " أي بسبب فكره في
امور الخرة " مسرور بفقره " لعلمه بقلة خطره ،ويسر الحساب في
الخرة ،وقلة تكاليف ال فيه " سهل الخليقة " أي ليس في طبعه خشونة
وغلظة ،وقيل أي سريع النقياد للحق وفي القاموس الخليقة الطبيعة قال
ال تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك " ) " .(3لين
العريكة " هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها في القاموس العريكة
كسفينة النفس ورجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة وفي النهاية
في صفته
) (1ق (2) .29 :القاموس ج 2ص (3) .156آل عمران.159 :
][370
صلى ال عليه وآله :أصدق الناس لهجة ،وألينهم عريكة ،العريكة الطبيعة ،يقال:
فلن لين العريكة ،إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلف والنفور" .
رصين الوقار " بالراء والصاد المهملتين ،وما في بعض نسخ الكافي
بالضاد المعجمة تصحيف أي محكم الوفاء بعهود ال وعهود الخلق ،في
القاموس :رصنه أكمله وأرصنه أحكمه ،وقد رصن ككرم وكأمير المحكم
الثابت والحفي بحاجة صاحبه " قليل الذى " إنما ذكر القلة ولم ينف
الذى رأسا ،لن اليذاء قد يكون حسنا بل واجبا كما في المر بالمعروف
والنهي عن المنكر وجهاد الكفار وقيل :إنما قال ذلك لنه يؤذي نفسه ول
يخفى بعده " لمتأفك " كأنه مبالغة في الفك بمعنى الكذب ،أي ل يكذب
كثيرا أو المعنى ل يكذب على الناس وفي بعض النسخ " لمستأفك " أي
ل يكذب على الناس فيكذبوا عليه ،فكأنه طلب منهم الفك وقيل :المتأفك
من ل يبالي أن ينسب إليه الفك " ول متهتك " أي ليس قليل الحياء ل
يبالي أن يهتك سرته أو ل يهتك ستر الناس ،في القاموس هتك الستر
وغيره يهتكه فانهتك وتهتك جذبه فقطعه من موضعه ،أو شق منه جزءا
فبدا ما وراءه ،ورجل منهتك ومتهتك ومستهتك ل يبالي أن يهتك ستره" .
إن ضحك لم يخرق " أي ل يبالغ فيه حتى ينتهي إلى الخرق والسفه ،بل
يقتصر على التبسم كما سيأتي في القاموس الخرق بالضم وبالتحريك ضد
الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل والتصرف في المور والحمق ،وقيل هو
من الخرق بمعنى الشق أي لم يشق فاه ولم يفتحه كثيرا " .وإن غضب لم
ينزق " في القاموس نزق الفرس كسمع ونصر وضرب نزقا ونزوقا :نزا
أو تقدم خفة ووثب وأنزقه ونزقه غيره ،وكفرح وضرب طاش و خف عند
الغضب " ضحكه تبسم " في القاموس بسم يبسم بسما وابتسم وتبسم
وهو أقل الضحك وأحسنه وفي المصباح بسم بسما من باب ضرب ضحك
قليل من غير صوت وابتسم وتبسم كذلك " .واستفهامه تعلم " أي للتعلم
ل لظهار العلم و " مراجعته " أي معاودته في السؤال
][371
" تفهم " أي لطلب الفهم ل للمجادلة " كثير الرحمة " أي ترحمه على العباد كثير
" ل يبخل " بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كيعلم ويكرم وربما يقرأ
بالنون ثم الجيم من النجل وهو الرمي بالشئ أي ل يرمي بالكلم من غير
روية وهو تصحيف ) " (1ول يعجل " أي في الكلم والعمل " ول يضجر
" في القاموس ضجر منه وبه كفرح و تضجر تبرم ،وفي الصحاح الضجر
القلق من الغم وقال البطر الشر ،وهو شدة المرح ،وقد بطر بالكسر يبطر
والبطر أيضا الحيرة والدهش وفي القاموس البطر محركة النشاط والشر،
وقلة احتمال النعمة ،والدهش والحيرة والطغيان بالنعمة وكراهة الشئ من
غير أن يستحق الكراهة ،فعل الكل كفرح وقال :الحيف الجور ،والظلم" .
ول يجور في علمه " أي ل يظلم أحدا بسبب علمه أو ل يظهر خلف ما
يعلم ،وربما يقرأ " يجوز " بالزاي أي ل يتجاوز عن العلم الضروري إلى
غيره " نفسه أصلب من الصلد " أي من الحجر الصلب كناية عن شدة
تحمله للمشاق أو عن عدم عدوله عن الحق وتزلزله فيه بالشبهات ،وعدم
ميله إلى الدنيا بالشهوات وفي القاموس الصلد ويكسر الصلب الملس" .
ومكادحته أحلى من الشهد " في القاموس كدح في العمل كمنع سعى
وعمل لنفسه خيرا أو شرا وكد ووجهه خدش أو عمل به ما يشينه ككدحه
أو أفسده ولعياله كسب كاكتدح وفي الصحاح الكدح العمل والسعي
والخدش والكسب ،يقال هو يكدح في كذا أي يكد وقوله تعالى " إنك كادح
إلى ربك كدحا " ) (2أي تسعى انتهى والشهد العسل وقيل المكادحة هنا
المنازعة ،أي منازعته لرفعة فيها أحلى من العسل وكأنه أخذه من الكدح
بمعنى الخدش والعض ،استعير هنا لمطلق المنازعة في النهاية كل أثر من
خدش أو عض فهو كدح .وأقول :يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في
تحصيل المعيشة والمور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف وقيل الكدح
الكد والسعي وحلوة مكادحته
][372
لحلوة ثمرتها ،فان التعب في سبيل المحبوب راحة " .لجشع " في القاموس
الجشع محركة أشد الحرص وأسوءه وأن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب
غيرك ،وقد جشع كفرح فهو جشع ،وقال :الهلع محركة أفحش الجزع،
وكصرد الحريص ،والهلوع من يجزع ويفزع من الشر ويحرص ويشح
على المال أو الضجور ل يصبر على المصائب وقال :العنف مثلثة العين،
ضد الرفق وقال :الصلف بالتحريك قلة نماء الطعام وبركته ،وإن ل تحظى
المرأة عند زوجها والتكلم بما يكرهه صاحبك ،والتمدح بما ليس عندك ،أو
مجاوزة قدر الظرف والدعاء فوق ذلك تكبرا وهو صلف ككتف وأقول أكثر
المعاني مناسبة .وقال :المتكلف العريض لما ل يعنيه ونحوه قال الجوهرى
وقال :تكلفت الشئ تجشمته أي ارتكبته على مشقة " ول متعمق " أي ل
يتعمق ول يبالغ في المور الدنيوية ،وقيل ل يطول الكلم ول يسعى في
تحسينه لظهار الكمال قال في القاموس عمق النظر في المور بالغ وتعمق
في كلمه تنطع وقال :تنطع في الكلم تعمق وغالى وتأنق ،ويحتمل أن
يكون المراد عدم التعمق في المعارف اللهية فانه أيضا ممنوع ،لقصور
العقول عن الوصول إليها لما مر في كتاب التوحيد بسند صحيح قال :سئل
علي بن الحسين عن التوحيد فقال :إن ال عزوجل علم أنه يكون في آخر
الزمان أقوام متعمقون فأنزل ال تعالى " قل هو ال أحد -واليات من
سورة الحديد إلى قوله -عليم بذات الصدور " فمن رام وراء ذلك فقد هلك
) " .(1جميل المنازعة " أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن
الوجوه " كريم المراجعة " قد مر أن مراجعته في السؤال تفهم ،وهنا
يصفها بالكرم أي يأتي بها في غاية الملينة ،وحسن الدب ،وقيل :المراد
بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب أو السهو أو الخطاء " عدل إن غضب "
أي ل يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه " رفيق إن طلب "
أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق ،سواء كان له عنده حق أم ل،
ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه
][373
برفق ،أو إن طلب أحد منه حقه يجيبه برفق " .ل يتهور " التهور الفراط في
الشجاعة ،وهو مذموم ،قال في القاموس :تهور الرجل وقع في المر بقلة
مبالة " ول يتهتك " قد مر ذلك ،فهو تأكيد أو المراد هنا هتك ستر الغير،
فيكون تأسيسا لكن ل يساعده اللغة كما عرفت " ول يتجبر " أي ل يتكبر
على الغير ،أو ل يعد نفسه كبيرد " خالص الود " أي محبته خالصة ل أو
مخصوصة بال ،أو محبته خالصة لكل من يوده غير مخلوطة بالخديعة
والنفاق وكأن هذا أظهر " وثيق العهد " أي عهده مع ال ومع الخلق
محكم " .وفي العقد " أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال
سبحانه " :أوفوا بالعقود " ) (1على بعض الوجوه قال في مجمع البيان:
اختلف في هذه العقود على أقوال :أحدها أن المراد بها العهود التي كان
أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة والمؤازرة والمظاهرة،
على من حاول ظلمهم أو بغاهم سوءا وذلك هو معنى الحلف .وثانيها أنها
العهود التي أخذ ال سبحانه على عباده باليمان به ،والطاعة فيما أحل
لهم أو حرم عليهم .وثالثها أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم
ويعقدها المرء على نفسه كعقد اليمان ،وعقد النكاح ،وعقد العهد ،وعقد
البيع ،وعقد الحلف .ورابعها أن ذلك أمر من ال سبحانه لهل الكتاب
بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبينا صلى
ال عليه وآله وما جاء به من عند ال ،وأقوى هذه القوال عن ابن عباس
أن المراد بها عقود ال التي أوجبها على العباد في الحلل والحرام،
والفرائض والحدود ،ويدخل في ذلك جميع القوال الخر ،فيجب الوفاء
بجميع ذلك إل ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح انتهى ).(2
][374
والعلماء مدارهم في الستدلل على لزوم العقود بهذه الية ،وقد يحمل العقد في هذا
الخبر على العتقاد .وفي القاموس :الشفق حرض الناصح على صلح
المنصوح وهو مشفق وشفيق وحاصله أنه ناصح ومشفق على المؤمنين،
وقيل :خائف من ال والول أظهر " وصول " للرحم أو العم منهم ومن
سائر المؤمنين " والحلم " الناة والعقل كما في القاموس ،وقال الراغب:
الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلم ،قال ال تعالى
" أم تأمرهم أحلمهم بهذا " قيل معناه عقولهم ،وليس الحلم في الحقيقة
هو العقل ،لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل ) " .(1خمول " في
أكثر النسخ بالخاء المعجمة وفي بعضها بالحاء المهملة فعلى الول المعنى
أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس ،وكأنه محمول على أنه ل يحب
الشهرة ول يسعى فيها ل أن الشهرة مطلقا مذمومة ،في القاموس :خمل
ذكره وصوته خمول خفي ،وأخمله ال فهو خامل ساقط ل نباهة له ،وعلى
الثاني إما المراد به الحلم تأكيدا أو المراد بالحليم العاقل أو أنه يتحمل
المشاق للمؤمنين والول أظهر ،في القاموس حمل عنه حلم فهو حمول ذو
حلم " .قليل الفضول " الفضول جمع الفضل ،وهي الزوائد من القول
والفعل في القاموس الفضل ضد النقص والجمع فضول ،والفضولي بالضم
المشتغل بما ل يعنيه " مخالف لهواه " أي لما تشتهيه نفسه مخالفا للحق
قال الراغب (2) :الهوى ميل النفس إلى الشهوة ،ويقال ذلك للنفس المائلة
إلى الشهوة ،وقيل سمي بذلك لنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية
وفي الخرة إلى الهاوية وقد عظم ال ذم اتباع الهوى ،فقال " :أفرأيت من
اتخذ إلهه هواه " ) (3وقال :ول تتبع
][375
الهوى فيضلك عن سبيل ال " ) " (1واتبع هواه وكان أمره فرطا " ) " (2ولئن
اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم " ) (3وقال " :ول تتبع أهواء
الذين ل يعلمون " ) " (4ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل " )" (5
ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " ) (6انتهى .ل يغلظ على
بناء الفعال يقال أغلظ له في القول أي خشن أو على بناء التفعيل أو على
بناء المجرد ككرم قال في المصباح :غلظ الرجل اشتد فهو غليظ ،وفيه
غلظة أي غير لين ول سلس وأغلظ له في القول إغلظا ،وغلظت عليه في
اليمين تغليظا شددت عليه ،وأكدت " .على من دونه " دينا أو دنيا أو
العم " ول يخوض " أي ل يدخل " فيما ل يعنيه " أي ل يهمه في
القاموس عناه المر يعنيه وعنوه عناية وعناية أهمه واعتنى به اهتم "
ناصر للدين " اصوله وفروع ،قول وفعل " محام عن المؤمنين " أي
يرفع الضرر عنهم في القاموس حاميت عنه محاماة وحماء منعت عنه "
كهف للمسلمين " في القاموس الكهف الوزر ،والملجاء " ل يخرق الثناء
سمعته " كأن المراد بالخرق الشق ،وعدمه كناية عن عدم التأثير فيه،
كأنه لم يسمعه وما قيل من أنه على بناء الفعال أي ل يصير سمعه ذا
خرق وحمق فل يخى بعده " .ول ينكى الطمع قلبه " أي ل يؤثر في قلبه،
ول يستقر فيه ،وفيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة ل تبرء
في القاموس نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت وقال في المعتل:
نكى العدو وفيه نكاية قتل وجرح والقرحة نكأها.
) (1ص (2) .26 :الكهف (3) .28 :الجاثية (4) .18 :البقرة (5) .120 :المائدة:
(6) .77القصص.50 :
][376
أقول فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا وغير مهموز " .ول يصرف اللعب حكمه " أي
حكمته ،والمعنى ل يلتفت إلى اللعب لحكمته كما قال تعالى " وإذا مروا
باللغو مروا كراما ) (1أو المعنى أن المور الدنيوية ل تصير سببا لتغيير
حكمه ،كما قال تعالى " :وما هذه الحياة الدنيا إل لهو ولعب " ) " .(2ول
يطلع الجاهل علمه " ل يطلع على بناء الفعال ،والمراد بالجاهل
المخالفون أي يتقي منهم أو ضعفاء العقول ،فالمراد بالعلم مال يستطيعون
فهمه كما مر " قوال " أي كثير القول لما يحسن قوله " عمال " كثير
الفعل والعمل بما يقوله " عالم " قيل هو ناظر إليه قوله قوال و " حازم
" ناظر إلى قوله عمال والحزم رعاية العواقب وفي القاموس الحزم ضبط
المر والخذ فيه بالثقة " ل بفحاش " في القاموس الفحش عدوان
الجواب ،وقال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من
الفعال والقوال .وفي القاموس الطيش النزق والخفة ،طاش يطيش فهو
طائش وطياش ،وذهاب العقل والطياش من ل يقصد وجها واحدا" .
وصول في غير عنف " كأن " في " بمعنى " مع " أي يعاشر الرحام
والمؤمنين ويحسن إليهم بحيث ل يصير سببا للثقل عليهم ،أو وصله دام
غير مشوب بعنف ،أو يصلهم بالمال ول يعنف عليهم عند العطاء ،ول
يؤذيهم بالقول والفعل " .بذول في غير سرف " أي يبذل المال مع غير
إسراف " ول بختار " وفي بعض النسخ " ول بختال " في القاموس
الختر الغدر والخديعة ،أو أقبح الغدر ،وهو خاتر وختار ،وقال :ختله يختله
ويختله ختل وختلنا خدعه والذئب الصيد تخفى له ،فهو خاتل وختول،
وخاتله خادعه ،وتخاتلوا تخادعوا " ل يقتفي أثرا " أي ل يتبع عيوب
الناس أو ل يتبع أثر من ل يعلم حقيقة.
][377
" ول يحيف بشرا " بالحاء المهملة ،وفي بعض النسخ بالمعجمة فعلى الول هو
من الحيف الجور والظلم ،وعلى الثاني من الخافة " ساع في الرض "
أي لقضاء حوائج المؤمنين وعيادة مرضاهم ،وشهود جنائزهم ،وهدايتهم
وإرشادهم .و " الغوث " اسم من الغاثة ،وهي النصرة وأغاثهم ال
برحمته ،كشف ال شدتهم وفي القاموس لهف كفرح :حزن وتحسر
كتلهف عليه ،والملهوف واللهيف واللهفان واللهف ،المظلوم المضطر
يستغيث ويتحسر انتهى .وهتك الستر إفشاء العيوب " ول يكشف سرا "
أي سر نفسه أو سر غيره أو العم والشكوى الشكاية " إن رأى خيرا "
بالنسبة إليه أو مطلقا " ذكره " عند الناس " وإن عاين شرا " بالنسبة
إليه أو مطلقا " ستره " عن الناس ،وحفظ الغيب أن يكون في غيبة أخيه
مراعيا لحرمته ،كرعايته عند حضوره " .ويقيل العثرة " أصل القالة هو
أن يبيع النسان من آخر شيئا فيندم المشتري فيستقيل البايع أي يطلب
عنه فسخ البيع ،فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه ثم يستعمل ذلك في أن
يفعل أحد بغيره ما يستحق تأديبا أو ضررا فيعتذر منه ،ويطلب العفو فيعفو
عنه كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا ،ومنه قولهم أقال ال عثرته .وغفر
الزلة أيضا قريب من ذلك يقال :أرض مزلة تزل فيه القدام ،وزل في
منطقه أو فعله يزل من باب ضرب زلة أخطأ ويمكن أن تكون الثانية تأكيدا
أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به ،والخرى على الخطاء الذي
صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه ،أو تكون إحداهما محمولة على
العمد الخرى على الخطأ ،أو إحداهما على القول ،والخرى على الفعل ،أو
إحداهما على نقض العهد والوعد والخرى على غيره " .ل يطلع على
نصح فيذره " ل يطلع بالتشديد على بناء الفتعال أي إذا اطلع على نصح
لخيه ل يتركه بل يذكره له " ول يدع جنح حيف فيصلحه " في القاموس:
الجنح بالكسر الجانب ،والكنف ،والناحية ،ومن الليل الطائفة منه ،ويضم
وقال الحيف الجور والظلم ،والحاصل أنه ل يدع شيئا من الظلم يقع منه أو
من غيره على
][378
أحد بل يصلحه ،أو ل يصدر منه شئ من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه وفي بعض
النسخ " جنف " بالجيم والنون ،وهو محركة الميل والجور " .أمين "
يأتمنه الناس على مالهم وعرضهم " رصين " بالصاد المهملة وتقدم وفي
بعض النسخ بالضاد المعجمة وفي القاموس المرضون شبه المنضود من
حجارة ونحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء وغيره " تقى " عن
المعاصي " نقي " عن ذمائم الخلق أو مختار يقال انتقاه أي اختاره "
زكي " أي طاهر من العيوب أو تام في الكمالت أو صالح في القاموس زكا
يزكو زكاء نما كأزكا وزكاه ال وأزكاه ،والرجل صلح وتنعم فهو زكي من
أزكياء ،وفي بعض النسخ بالذال أي يدرك المطالب العلية من المبادي
الخفية بسهولة " رضي " أي راض عن ال ،وعن الخلق أو مرضي
عندهما كما قال تعالى " :واجعله رب رضيا " ) (1أي مرضيا عندك قول
وفعل " .ويجمل الذكر " على بناء الفعال أي يذكرهم بالجميل " ويتهم
على العيب نفسه " بالعين المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة أي يتهم
نفسه غائبا عن الناس ل كالمرائي الذي يظهر ذلك عند الناس وليس كذلك
أو يتهم نفسه على ما يغيب عن الناس من عيوبه الباطنة الخفية " .يحب
في ال بفقه وعلم " أي يحب في ال ول من يعلم أنه محبوب ل ويلزم
محبته ل كالجهال الذين يحبون أعداء ال لزعمهم أنهم أولياء ال
كالمخالفين " ويقطع في ال بحزم وعزم " أي يقطع من أعداء ال بحزم
ورعاية للعاقبة ،فانه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقية وهو عازم على
قطعهم ،ل كمن يصل يوما ويقطع يوما " .ل يخرق به فرح " يخرق
كيحسن والباء للتعدية أي ل يصير الفرح سببا لخرقه وسفهه ،قال في
المصباح :الفرح يستعمل في معان أحد الشر والبطر وعليه قوله تعالى "
إن ال ل يحب الفرحين " ) (2والثاني الرضا وعليه قوله تعالى
][379
" كل حزب بما لديهم فرحون " ) (1والثالث السرور وعليه قوله تعالى " فرحين
بما آتيهم ال من فضله " ) (2ويقال فرح بشجاعته وبنعمة ال عليه
وبمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي " .ول يطيش به
مرح " أي ل يصير شدة فرحه سببا لنزقه وخفته ،وذهاب عقله أو عدوله
عن الحق وميله إلى الباطل في القاموس الطيش جواز السهم الهدف
وأطاشه أماله عن الهدف ،وقال :مرح كفرح :أشر وبطر ،واختال ونشط
وتبختر وقال الجوهري المرح شدة الفرح والنشاط " .مذكر العالم "
الخرة أو مسائل الدين " ل يتوقع له بائقة " أي ل يخاف أن يصدر منه
داهية وشر في القاموس توقع المر انتظر كونه ،وقال :بالبائقة الداهية
وباق جاء بالشر والخصومات وقال الجوهري :فلن قليل الغائلة والمغالة
أي الشر .الكسائي :الغوائل الدواهي " .كل سعي أخلص عنده من سعيه "
أي لحسن ظنه بالناس ،واتهامه لنفسه سعي كل أحد في الطاعات أخلص
عنده من سعيه ،وقريب منه الفقرة التالية ،وقوله " عالم بعيبه " كالدليل
عليها " شاغل بغمه " أي غمه لخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب
الناس أو إلى الدنيا ولذاتها " .قريب " في أكثر النسخ بالقاف أي قريب
من ال أو قريب عن الناس ل يتكبر عليهم ،أو من فهم المسائل والطلع
على السرار قال في النهاية فيه :اتقوا قراب المؤمن فانه ينظر بنور ال،
وروي قرابة المؤمن يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم
والتحقق ،لصدق حدسه وإصابته انتهى .وأقول :كونه مأخوذا منه ليس
بقريب والظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي ل يجد مثله ،فهو
بين الناس غريب ،ولذا يعيش فردا ل يأنس بأحد قال في النهاية فيه إن
السلم بدا غريبا وسيعود كما بدا ،فطوبى للغرباء .أي أنه كان
][380
في أول أمره كالغريب الوحيد الذي ل أهل له عنده ،لقلة المسلمين يومئذ ،وسيعود
غريبا كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء،
فطوبى للغرباء أي الجنة لولئك المسلمين الذين كانوا في أول السلم
ويكونون في آخره ،وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أول وآخرا،
ولزومهم دين السلم انتهى " .وحيد " أي يصبر على الوحدة أو فريد ل
مثل له " حزين " لضللة الناس وقلة أهل الحق " ل ينتقم لنفسه بنفسه
" بل يصبر حتى ينتقم ال له في الدنيا أو في الخرة " ول يوالي في سخط
ربه " أي ليس موالته لمعاصي ال وفي القاموس الصداقة المحبة
والمصادقة والصداق المخالة كالتصادق ،والموازرة والمعاونة " .عون "
أي معاون " للغريب " النائي عن بلده أو للقرباء من أهل الحق كما ورد
أن المؤمن غريب " أب لليتيم " أي كالب له ،وكذا البعل وفي الصحاح
الرملة المرأة التي ل زوج لها ،وفي القاموس امرأة رملة محتاجة أو
مسكينة والجمع أرامل وأراملة ،والرمل العزب وهي بهاء ،أو ل يقال
للعزبة الموسرة أرملة " .حفي بأهل المسكنة " قال الراغب :الحفي البر
اللطيف في قوله عز ذكره " إنه كان بي حفيا " ) (1ويقال :حفيت بفلن
وتحفيت به إذا عنيت باكرامه و الحفي العالم بالشئ " .مرجو لكل كريهة
" أي يرجى لرفع كل كريهة ،ويأمله الناس لدفع كل شدة ،ولو بالدعاء إن
لم تمكنه العانة الظاهرة وفي القاموس الكريهة الحرب أو الشدة في
الحرب والنازلة وقيل :المرجو أقرب إلى الوقوع من المأمول " .هشاش
بشاش " قال الجوهري :الهشاشة الرتياح والخفة للمعروف وقد هششت
بفلن بالكسر أهش هشاشة إذا خففت إليه وارتحت له ،ورجل هش بش
وقال :البشاشة طلقة الوجه ورجل هش بش أي طلق الوجه " ل بعباس
" أي كثير العبوس " ،ول بجساس " أي ل كثير التجسس لعيوب الناس.
][381
" صليب " أي متصلب شديد في امور الدين " كظام " يكظم الغيظ كثيرا يقال كظم
غيظه أي رده وحبسه " بسام " أي كثير التبسم " دقيق النظر " أي نافذ
الفكر في دقائق المور " عظيم الحذر " عن الدنيا ومهالكها وفتنها " ل
يبخل " بمنع حقوق الناس واجباتها ومندوباتها " وإن بخل عليه " بمنع
حقوقه " صبر " " .عقل " أي فهم قبح المعاصي " فاستحيى " من
ارتكابها أو عقل أن ال مطلع عليه في جميع أحواله فاستحيى من أن
يعصيه و " قنع " بما أعطاه ال " فاستغنى " عن الطلب من المخلوقين
" حياؤه " من ال ومن الخلق " يعلو شهوته " فيمنعه عن اتباع
الشهوات النفسانية " ووده للمؤمنين يعلو حسده " أي يمنعه عن أن
يحسدهم على ما أعطاهم ال " وعفوه " عن زلت إخوانه وما أصابه
منهم من الذى " يعلو حقده " عليهم " .ول يلبس إل اقتصاد " أي
يقتصد ويتوسط في لباسه فل يلبس ما يلحقه بدرجة المسرفين والمترفين،
ول ما يلحقه بأهل الخسة والدناءة فان ال يحب أن يرى أثر نعمته على
خلقه أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد ،كما هو دأب المتصوفة ،ويحتمل أن
يكون المراد جعله القتصاد في جميع اموره شعارا ودثارا على الستعارة.
" ومشيه التواضع " أي ل يختال في مشيه ،وقيل هو العدل بين رذيلتي
المهانة والكبر .واقول :يحتمل أن يكون المراد :مسلكه وطريقته التواضع.
" بطاعته " أي بأن يطيعه أو بسبب طاعته " في كل حالته " أي من
الشدة والرخاء ،والنعمة والبلء " خالصة " أي ل سبحانه " ليس فيها
غش " ل أو للخلق أو العم في القاموس غشه لم يمحضه النصح أو
أظهر له خلف ما أضمر ،والغش للكسر السم منه " .نظره " إلى
المخلوقات " عبرة " واستدلل على وجود الخالق وعلمه وقدرته ولطفه
وحكمته وإلى الدنيا عبرة بفنائها وانقضائها " وسكوته فكرة " أي تفكر
في عظمة ال وقدرته ،وفناء الدنيا وعواقب اموره ،والحمل في تلك
الفقرات للمبالغة
][382
في السببية فان النظر سبب للعبرة ،والسكوت سبب للفكرة " مناصحا " نصبه
واختيه على الحال مما اضيف إليه المبتدأ على القول بجوازه ،وقيل نصبها
على الختصاص أي ينصح أخاه ويقبل منه النصح " متباذل " أي يبذل
أخاه من المال والعلم ويقبل منه " متواخيا " أي يواخي مع خلص
المؤمنين ل وفي ال " ناصحا في السر والعلنية " أي ينصح في السر
إن اقتضته المصلحة ،وفي العلنية إن اقتضته الحكمة ،أو المراد بالسر
القلب ،وبالعلنية اللسان ،إشارة إلى أن نصحه غير مشوب بالخدعة " .ل
يهجر أخاه " الهجر ضد الوصل أي ل يترك صحبته " ول يأسف على ما
فاته " أي من النعم ،في القاموس السف محركة أشد الحزن ،أسف كفرح
وعليه غضب " ول يحزن على ما أصابه " أي من البلء " ول يرجو ما
ل يجوز له الرجاء " كأن يرجو البقاء في الدنيا أو درجة النبياء
والوصياء أو المور الدنيوية كالمناصب الباطلة " .ول يفشل في الشدة "
أي ل يكسل في العبادة في حال الشدة أو ل يضطرب ول يجبن فيها ،بل
يصبر أو يقدم على دفعها بالجهاد ونحوه ،في القاموس فشل كفرح فهو
فشل :كسل وضعف وتراخى وجبن " يمزج العلم بالحلم " أي بالعفو وكظم
الغيظ أو العقل والول أظهر لن العلم يصير غالبا سببا للتكبر والترفع
وترك الحلم " والمزج " الخلط والفعل كنصر " والعقل بالصبر " أي مع
وفور عقله يصبر على جهل الجهال أو يصبر على المصائب لقوة عقله،
وقيل أي مع عقله وفهمه أحوال الخلئق يصبر عليها " .تراه بعيدا كسله
" أي في العبادات " دائما نشاطه " أي رغبته في الطاعات في القاموس
نشط كسمع نشاطا طابت نفسه للعمل وغيره " قريبا أمله " أي ل يأمل ما
يبعد حصوله من امور الدنيا أو ل يأمل ما يتوقف حصوله على عمر
طويل ،بل يعد موته قريبا والحاصل أنه ليس له طول المل أو ل يؤخر ما
يريده من الطاعة ول يسوف فيها " قليل زل " لتيقظه وأخذه بالحائطة
لدينه " متوقعا لجله " أي
][383
منتظرا له يعده قريبا منه " خاشعا قلبه " أي خاضعا منقادا لمر ال ،متذكرا له
خائفا منه سبحانه " قانعة نفسه " بما أعطاه ربه " منفيا جهله " لوفور
علمه " سهل أمره " أي هو خفيف المؤنة أو يصفح عن السفهاء ول
يصر على النتقام منهم وقيل أي ل يتكلف لحد ول يكلف أحدا " .ميتة
شهوته " أي هو عفيف النفس " صافيا خلقه " عن الغلظ والخشونة "
محكما أمره " أي أمر دينه أو العم " ليسلم " أي من آفات اللسان "
ويتجر ليغنم " أي ليحصل الغنيمة والربح ل للفخر والحرص على جمع
الموال والذخيرة ،أو المراد بالغنيمة الفوائد الخروية أي يتجر لينفق ما
يحصل له في سبيل ال فتحصل له الغنائم الخروية كذا أفاده الوالد رحمه
ال أو المراد بالتجارة أيضا التجارة الخروية كما قال تعالى " يا أيها
الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بال
ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم
تعلمون " ) " .(1ل ينصت للخير ليفخر به " أي ل يسكت مستمعا لقول
الخير لينقله في مجلس آخر فيفخر به ،في القاموس نصت ينصت وأنصت
وانتصت سكت وأنصته وله سكت له واستمع لحديثه وأنصته أسكته ،وفي
بعض النسخ " ل ينصب للخير ليفجر به " أي ل يقبل المنصب الشرعي
ليفجر به ،ويحكم بالفجور ،ويرتشي ويقضي بالباطل " ول يتكلم " أي
بالخير " .نفسه منه في عناء " لرياضتها في الطاعات " والناس منه في
راحة " وفسر هذا بقوله " أتعب نفسه لخرته فأراح الناس من نفسه "
لن شغله بأمر نفسه يشغله عن العباض لغيره ،وربما يفرق بين الفقرات
بأن المراد بالفقرتين الوليين أن نفسه المارة منه في عناء وتعب لمنعها
عن هواها وزجرها عن مشتهاها فصار الناس منه في راحة لن المدومة
على الطاعات والرياضات تصير النفس سليمة حليمة غير مائلة إلى
المعارضات " الذي ينتصر له " أي ينتقم لم.
][384
" بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة " أي إنما يبعد عن الكفار والفساق للبغض
في ال والنزاهة والبعد عن أعمالهم وأفعالهم والنزاهة بالفتح التباعد عن
كل قذر ومكروه ،و " دنوه ممن دنا منه " من المؤمنين " لين ورحمة "
أي ملينة وملطفة وترحم " ول عظمة " أي تجبرا وعد النفس عظيما
وقيل المراد بها العظمة الواقعية وفي القاموس خلبه كنصره خلبا وخلبا
وخلبة بكسرهما خدعه " بل يقتدي " أي في هذا البعد والدنو .أقول :هذه
الصفات قد يتداخل بعضها في بعض ،ولكن تورد بعبارة اخرى أو تذكر
مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها ،وهذا النوع من التكرار في الخطب
والمواعظ مطلوب لمزيد التذكار " .ثم وقع مغشيا عليه " كأن المراد به
أنه مات من غشيته ،كما سيأتي ) (1في رواية النهج " هكذا تصنع
المواعظ البالغة " " هكذا " في حل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله "
تصنع " والتقدم للحصر ،والمشار إليه نوع من التأثير صار في همام
سبب موته " بأهلها " أي بمن تؤثر فيه ويتدبرها ويفهمها كما ينبغي" .
فما بالك يا أمير المؤمنين " أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات
أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلى ال عليه وآله ما فعل بهمام أو لم
أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه ؟ فعلى الول الجواب يحتمل وجوها:
الول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل وصيرورته في همام سبب موته
لضعف نفسه وقلة حوصلته ،وعدم اتصافه ببعض تلك الصفات ل يستلزم
صيرورته سببا للموت في كل أحد ،لسيما فيه صلوات ال عليه .الثاني ما
ذكره بعض المحققين وهو أنه أجابه عليه السلم بالشارة إلى السبب
البعيد وهو الجل المحتوم به القضاء اللهي وهو جواب مقنع للسامع مع
أنه حق وصدق وأما السبب القريب الفرق بينه وبين همام ونحوه لقوة
نفسه القدسية على قبول الواردات اللهية وتعوده بها وبلوغ رياضته حد
السكينة عند ورود أكثرها وضعف
][385
نفس همام عما ورد عليه من خوف ال ورجائه ،وأيضا فانه عليه السلم كان
متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها .قيل :ولم يجب
عليه السلم بمثل هذا الجواب لستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم
السائل ،وهذا قريب من الول لكن الول أظهر لنه عليه السلم أشار إلى
الفرق إجمال بأن الجال منوطة بالسباب ،والسباب في المواد مختلفة،
فيمكن أن يؤثر في بعض المواد ول يؤثر في بعضها .الثالث أن يكون
المعنى أن قولنا " هكذا تصنع المواعظ " على تقدير كون " هكذا "
إشارة إلى الموت ،ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة
ظرف سامعه أو غير ذلك ،وليس سببا مستقل للموت بالنسبة إلى أهلها،
فان لكل أحد أجل منوطا بأسباب ودواعي ومصالح ،والوجوه الثالثة
متقاربة .وقيل يمكن أن يكون كلم السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى
الماتة وحاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلن هذا التوهم ،وأن المشار
إليه التأثير الكامل كما مر .وعلى الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه
يفعل به ما فعل ،والخوف يحصل بمحض الحتمال ومحض الحتمال ل
يكفي لترك بيان ما أمر ال ببيانه .كما قال ابن ميثم :إن قيل :كيف جاز منه
عليه السلم أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلكه ،وهو كالطبيب يعطي كل من
المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء ؟ قلت :إنه لم يكن يغلب على
ظنه إل الصعقة عو الوجد الشديد ،فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن
مظنونا له انتهى .أقول :ويحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجل مقدرا
له ،ول يمكن الفرار من الجل المقدر بترك ما أمر ال به ،كما قال تعالى:
" قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " )(1
على بعض التفاسير
][386
ويمكن أن يجوز له عليه السلم ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول صلى ال
عليه وآله فيشبه قصة الغلم وصاحب موسى عليه السلم " .وسببا ل
يجاوزه " الضمير راجع إلى السبب وقال الجوهري :المهل بالتحريك
التؤدة وأمهله أنظره ،وتمهل في أمره أي اتأد ،وقولهم مهل يا رجل،
وكذلك للثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل ) (1وقال النفث
شبيه بالنفخ و وهو أقل من التفل .أقول :وربما يتوهم التنافي بين ما
تضمن هذا الخبر من صيحة همام عند سماع الموعظة ،وبين ما سيأتي في
كتاب القرآن من ذم أبي جعفر عليه السلم قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن،
أو حدثوا به صعق أحدهم ) ،(2ويمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا ل
ينافي ذمه عليه السلم قوما كان دأبهم ذلك وكانوا متعمدين لفعله رئاء
وسمعة ،كالصوفية.
][387
كلمة المصحح :بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل ،والصلة والسلم على رسول
ال ،محمد وآله امناء ال .وبعد :فمن سعادتي الخالدة -والشكر لواهبها
ومنعمها -أن وفقني ال العزيز لخدمة الدين القويم ،والخوض في تراثه
الذهبي القيم ،تحقيقا لثار الوحى والرسالة ،وتصحيحها وتبريزها بصورة
تناسب أدنى شأنها ،وشأنها أن تكتب بالتبر على ألواح الزبرجد .وفي
مقدمها هذا الموسوعة الكبرى بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة
الطهار ،الباحث عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين ،فلله المن
والشكر على توفيقه لذلك .وهذا الجزء الذي نقدمها إلى القراء الكرام هو
الجزء الول من المجلد الخامس عشر في بيان السلم واليمان
وشرائطهما ،وصفات المؤمنين والمتقين من مكارم الخلق ومحاسن
العراق وبيان معاني الكفر والنفاق وموجباتهما وعلئم الكفار والمنافقين
ومقابح خصالهم ومذام خللهم ،إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة
التي ستمر عليكم في طي أجزائها .وقد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها
وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريج أحاديثه
من المصادر وتعيين موضع النص منها ،إل في المصادر المخطوطة.
نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج سائر أجزائه
متواليا متواترا ،وأن يعصمنا عن الزلل والخطاء ،إنه ولي العصمة
والتوفيق .محمد الباقر البهبودى
][388
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الول من المجلد الخامس عشر ،وهو الجزء
الرابع والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر بابا .الطهار،
الباحث عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين ،فلله المن والشكر
على توفيقه لذلك .وهذا الجزء الذي نقدمها إلى القراء الكرام هو الجزء
الول من المجلد الخامس عشر في بيان السلم واليمان وشرائطهما،
وصفات المؤمنين والمتقين من مكارم الخلق ومحاسن العراق وبيان
معاني الكفر والنفاق وموجباتهما وعلئم الكفار والمنافقين ومقابح
خصالهم ومذام خللهم ،إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة التي
ستمر عليكم في طي أجزائها .وقد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها وتحقيقها
على النسخة المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريج أحاديثه من
المصادر وتعيين موضع النص منها ،إل في المصادر المخطوطة .نرجو
من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج سائر أجزائه متواليا
متواترا ،وأن يعصمنا عن الزلل والخطاء ،إنه ولي العصمة والتوفيق.
محمد الباقر البهبودى
][388
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الول من المجلد الخامس عشر ،وهو الجزء
الرابع والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر بابا .ولقد بذلنا
الجهد في تصحيحها فخرج بعون ال ومشيته نقيا من الغلط إل نزرا
زهيدا زاغ منه البصر ،وحسر عنه النظر ،اللهم ما بنا من نعمة فمنك
وحدك ل شريك لك ،فوفقنا لقرب من هذا رشدا .السيد ابراهيم الميانجى
محمد الباقر البهبودى